المؤدلج
يُعرّف المؤدلج بالشخص الذي اختار بمحض ارادته ، اولظروف إضطرّته ، الانتماء الى جماعة تعتنق افكارا نابعة عن مباديء ايدولوجية تؤمن بها وتعمل على نشرها والدفاع عن مفاهيمها ، وغالبا ما تنتظم هذه الجماعة في حزب او تيّار سياسي تكون مهمتها الاولى هي الاخلاص والتفاني في الدفاع عن هذه العقيدة .
تختلف طبيعة الايدولوجيات باختلاف الاهداف التي تسعى الى تحقيقها ، فهناك ايدولوجيات تسعى لتحقيق نظام اقتصادي واجتماعي يلائم فلسفتها ، وهناك ايدولوجيات قومية واخرى دينية ، تسعى هي الاخرى الى فرض نفسها واحتواء المخالفين لها .
لا يمكن وضع كل الايدولوجيات في سلّة واحدة ، لكن مهما اختلفت الايدولوجيات في طبيعتها ، إلا انها تشترك في أمرين مهمين :
اولا: اعتقادها بامتلاكها الحقيقة كاملة .
ثانيا : محاولة فرض ارائها على الاخرين بمختلف الوسائل .
وفي معرض الدفاع عن الايدولوجية ، يلجأ اتباعها الى محاربة الافكار التي تنافسها او تلك التي تتقاطع معها ، وقد تلجأ الى أساليب عنفية او انتهازية رخيصة في سبيل تحقيق مآربها في السيادة على المجتمع واقصاء المخالفين ..
استطاع الغرب الى حد كبير من تحويل الصراع السياسي العنفي الى منافسة ديمقراطية بعد ان حجّم الكثير من المعتقدات الايدولوجية او التطرّف الايدولوجي .
مرحلة " الانتماء " الى جماعة ايدولوجية هي المرحلة الاولى في حياة " المنتمي " في الطريق نحو " الادلجة " .
وشيئاً فشيئ يتم " قولبة " فكره لينحصر في الدائرة الضيقة لفكر الجماعة / الحزب ، فيصبح عاجزا عن التفكير الذاتي خارج افكار الجماعة ومواقفها ...وبمرور الزمن ينال بجدارة لقب " المؤدلج " .
فمثلا لو ادان حزبه عملية حدثت في مكان ما ، نراه يكرر الادانة بكل قوته مع محاولة ايجاد اسباب لتلك الادانة ...لكن ، لو ان حزبه أيّد ذات العملية ، نراه يؤيدها بقوة مع استنباط المبرّرات لها .....
لقد خسر نفسه في اللحظة الذي ارتضى لنفسه قبول منعه من محاسبة أفكار وعقائد الجماعة .
فالرجل / المؤدلج قد تنازل وخسر فكره الذاتي دون ان يدري ، وأصبح فكره مستمدا من الجماعة بعد ان رضي ان يعطّل فكره.... لم يعد ذهنه ينشط الا في حدود ايجاد المبرّرات لمواقف الجماعة .
من الغريب ان الرجل/ المؤدلج لا يعلم انه قد خسر وتنازل عن حريته بمحض ارادته... بل قد يجد حريته ، وربما سعادته ، في القالب الفكري الضيّق الذي حشر نفسه فيه ، فهو لم يعد يحتاج الى اي مجهود فكري مادامت الجماعة تقدم له الافكار والمواقف معلبة وجاهزة .
قد يتشبّع بأفكار الجماعة ويتطرف الى حد التضحية من اجلها وهو سعيد بالدور المتوقع منه والذي لا يتعدى اهميته احيانا عن دور الحارس الليلي لمقر الجماعة .
من المفارقات التي تتكرّر كثيرا في الشرق العربي والاسلامي هو قيام عضو واحد بالسيطرة على كل الجماعة ، لكن اخلاص " المؤدلج " الى الجماعة تنتقل بسرعة الى " الشخص الواحد " الذي يمثل الجماعة !!! .... اي ان ما يسيّر فكره الان هو " الشخص الواحد " وليس الجماعة .
وهناك ظاهرة لا يمكن انكارها ، وهي ان كلما زادت ظاهرة " المؤدلجين " في مجتمع ما ، كلما زاد تخلّف ذلك المجتمع وتقهقره الى الوراء في جميع المجالات ... يرافق ذلك صراعات حادة قد تكون دموية اذا لم تستطع الايدولوجيات الحاضرة على الساحة السياسية كبح عنفها بممارسات ديمقراطية حقة ....
ونرى " المؤدلج " يعمل ويقاتل ويضحي ويبرّر ، ويلقي مسؤولية كل ما يحصل على الشماعة التي تختارها ايدولوجيته .... فالرجل قد تحوّل الى " ربوت آلي " دون ان يعي ذلك .
ان ظاهرة " المؤدلج " لا تؤثر سلبا على المجتمع الذي يعيش فيه فقط ، بل يكون السبب في سقوط الايدولوجية التي ينتمي اليها دون ان يدري ...إذ ان السبب الرئيسي لسقوط الايدولوجيات هو كثرة تفريخها لـ " المؤدلجين " في تنظيماتها ... لان تركيزها الساذج وحرصها على انتاج العضو المؤدلج/ المخلص ، يحرمها من تجديد افكارها مع تطوّر الزمن ، يحرمها من النقد البنّاء ، يحرمها من ازالة الخلايا الميتة ليحل محلها خلايا جديدة طرية كمحافظة الجسم على ديمومته وصحته .... وليس غريبا ان تجد حزبا يردد ذات الشعار ويمارس ذات السياسة ويرتكب ذات الاخطاء لقرن من الزمن ... بل ان بعض الايدولوجيات قد تختفي لمدة من الزمن لتظهر بقوة اكبر كلما وجدت فرصتها كما في حالة الاسلام السياسي .
ظاهرة " الادلجة " لها حضورها القوي في مجتماعتنا العربية والاسلامية ، بل تُعتبر من المستلزمات الضرورية للحفاظ على ثوابتها ( كالاخلاص للقبيلة او المذهب )..وتكتسب الاحزاب السياسية ذات الصفات ...لذا نجد ان العنف فيها لا يهدأ ...
وكذلك نجد مواقف عجيبة ليس من السهولة بمكان فهمها ... فمثلا ما الذي يدفع التقدمي او الماركسي لتأييد نظام حكم اسلامي رجعي ؟
الجواب هو ان بوصلة " الادلجة السياسية " قد تّرغم الطرفين الى نفس الاتجاه .
كم يُفرح القلب عندما تسمع ان اعضاء في حزب ما صوّتوا لصالح حزب منافس ضد حزبهم ؟ ... يحق القول هنا ، ان هؤلاء هم " منتمون " وليسوا مؤدلجين . وهنا فرق عظيم .
فمتى نرى في المجتمعات الشرقية امثال هؤلاء ؟
يجب او اوضح هنا ، ليس المقصود تلك الفئات التي تنشق وتنسلخ للتحالف مع احزاب سياسية منافسة من اجل تحقيق مصالح سياسية انتهازية ,,,, المقصود هنا هم اولئك المعتزّون بانتمائهم السياسي ، لكن يعارضونه في مواقف معينة دون الانسلاخ منه ...
متي اسو