مغالطة False dilemma المأزق المفتعل أو الإحراج الزائف: "اما مكون مسيحي او مكون قومي"من يراقب النقاشات خلال كل هذه السنوات بقراءة النقاشات القديمة وصولا الى الحديثة فسيرى بان هناك مأزق مفتعل واحراج زائف في تقسيم مشكلة ابناء شعبنا الى قسمين متنافرين ومن ثم الحديث حول كيف نقدم انفسنا وكيف نجتمع لمواجهة ما نتعرض له: هل كمكون مسيحي او مكون قومي. وهذا باظهار فكرة "المكون المسيحي" بانها متنافرة مع فكرة "المكون القومي" وبالعكس.
وهذه جرى الحديث عنهما بالفعل كاتجاهين متناقضين متنافرين, ويتم النقاش عنهما بوضع الشخص المقابل في موقف احراج وموقف يبدوا وكانه مأزق, فاما ان يختار الشخص "المكون المسيحي" وبذلك يختار الاتجاه الديني فيصف نفسه كشخص متدين محب للمسيح ويحترم المسيحية ولكن كشخص يعارض كل شئ قومي ويرفض القومية او ان يختار الشخص "المكون القومي" وبالتالي يتعرض الى تهجم ولكنه يبدوا كشخص اكثر اهتماما باللغة الام ومقومات الخصوصية لابناء شعبنا وخصوصية اجدادنا.
وهذه النقاشات جرت بان يحاول طرف بانتقاد فكرة "المكون المسيحي" وبالتالي الاتجاه الديني, وايضا جرت بان يحاول الطرف الاخر بالقيام بالسخرية من فكرة "المكون القومي" وكل شئ يتعلق بالقومية.
النتجية النهائية: التقليل من قيمة كل من المكون المسيحي والمكون القومي.
ولكن السؤال الذي سيطرحه القراء: ما معنى المازق المفتعل والاحراج الزائف؟
جوابي: بشكل عام هذه المغالطة يستعملها الاشخاص اما بتقصد او بسبب قلة المعرفة او بسبب عدم المعرفة بالمغالطات المنطقية. وهي تتم هكذا: تقسيم مشكلة معينة الى اختيارين متنافرين A و B بدون القبول باي اختيار او احتمال ثالث ومن ثم وضع الشخص المقابل امام احراج ومأزق, فاما ان يختار A او ان يختار B.
سؤال محتمل من القراء: هل هناك امثلة؟
جوابي: نعم هناك العديد من الامثلة, وابرز هذه الامثلة هي استعمال السياسين جملة "اما ان تكون معنا او انت ضدنا" (اي اما A او B وليس هناك اختيار ثالث). وهم في هذه الحالة لا يضعون اي اختيار ثالث.
سؤال من القراء: ولماذا تسمى بالمازق المفتعل وبالاحراج الزائف؟
جوابي: هو مفتعل وزائف لان هكذا جمل لا تحوي اي محتوى واقعي.
سؤال من القراء: ولماذا لا تحوي محتوى واقعي؟
جوابي: لان هناك حتما وبكل تاكيد اختيارات اخرى, وعندما يكون تكوين الجملة وكانه ليس هناك اختيارات اخرى فهاذا سيجعل الجملة كاذبة وزائفة وبالتالي لا محتوى واقعي لها وتتحول الى جملة لا تستحق النقاش. فهي تستعمل بقصد وضع مازق مفتعل او افتعال احراج, ولكنهما زائفان.
سؤال من القراء: هل يمكن توضيح اكثر بوضع امثلة؟
جوابي: بالطبع, لننظر الى المثال اعلاه "من ليس معنا فهو ضدنا" هي تمتلك عدة خيارات اخرى, فانا استطيع القول بانني لست ضد الطرف الاول ولا ضد الطرف الثاني وانما انا اعطي لكل طرف بعض الحق وبعض الخطاء. او انني استطيع القول بانني مع حل ثالث وهو ان يجلس الطرفان على طاولة المناقشات وبالتالي حل المشكلة بدون تنافر. او انني استطيع القول بانني لست لا مع الطرف الاول ولا مع الطرف الثاني وانما انا اصلا غير مهتم بمشكلة الطرفين ولا تهمني باي شئ ولا رغبة لي بالتدخل فيها....الخ من الاحتمالات والخيارات الاخرى... ولاننا نمتلك عدة اختيارات اخرى فان الجملة عبارة عن احراج زائف ومازق مفتعل لاتصلح لاية مناقشة.
وفيما يخص موضوعنا: اما ان نتمسك بخيار مكون مسيحي او خيار مكون قومي عبارة عن احراج زائف ومازق مفتعل لا يستحق المناقشة اطلاقا.
انا شخصيا امتلك اختيار ثالث وهو انني مع ان نقدم انفسنا كمكون مسيحي وقومي معا.
وهذا الاختيار الذي لا يحوي اي تنافر بين الطرفين هو ايضا اقرب للحقيقة والواقع, لماذا؟
لاننا بالفعل مضطهدين لاسباب دينية واسباب قومية.
التعريب والتغيير الديموغرافي عبارة عن
اضطهاد قومي.
تفجير الكنائس وطرد المسيحين وتهديدهم عبارة عن
اضطهاد ديني.
اذن هناك اضطهاد ديني وقومي ضدنا فسيكون تقديم انفسنا
"كمكون مسيحي وقومي" افضل بكثير. وهكذا نحن سنقف ضد كل انواع الاضطهادات بدون ان نقلل من قيمة اضطهاد معين, لان من يقلل من قيمة اضطهاد معين فهو سيقوم بتعليم ابناء شعبنا بان يقللوا من اهمية الوقوف ضد الاضطهاد بشكل عام, فالاضطهاد لا يمكن تجزئته.
الان بعد ان قدمت فكرتي فانا اعرف بالتاكيد بان هناك من سيرغب ان يكتب ضدها. ولكنني ساوفر الوقت على هؤلاء وساطرح اسئلتهم بنفسي:
الانتقاد المحتمل الاول: علينا الخروج من المفاهيم والثقافة القومية الضيقة الى المفاهيم والثقافة الوطنية:
لنفترض ان هذه الجملة هي صحيحة, السؤال سيكون لماذا لا تكون الثقافة الوطنية تعني ايضا التخلي عن فكرة ان نقدم انفسنا كمكون مسيحي؟ الن يكون التمسك بمكون مسيحي عبارة عن تقوقع في اطار ديني ضيق؟ لماذا لا نتخلى عن هكذا اطار ضيق من اجل ما هو ارفع وهي الثقافة الوطنية؟ هذه الجملة لو تم الاخذ بها فسيكون علينا ان لا نتحدث كمسيحين بنفس الطريقة التي تتم المطالبة بها بان لا نتحدث كقوميين؟ اذن باي طريقة سنتحدث؟ هكذا جملة اذن هي منهارة من البداية. هي منهارة لانها لا تشرح ولا تعطي سبب حول لماذا ستكون في حالة "المكون القومي" صحيحة ولماذا ستكون في النقاش حول "المكون الديني" خاطئة.
والاغرب في هكذا جملة هي انها لا توضح السبب, السبب حول لماذا؟. ساضع الجملة في صيغة سؤال لاقدم اجوبة عنها: لماذا علينا ان نخرج من المفاهيم والثقافة القومية الضيقة الى المفاهيم والثقافة الوطنية؟
- هل لان العرب والاكراد لم يمارسوا اي شئ قومي ونحن فقط من تدخل في الشان القومي وبالتالي نحن ابعدنا العراق عن الثقافة الوطنية؟
- هل بكون المسيحين مارسوا خلال فترة طويلة ثقافة وطنية كانت ايجابية جدا واتت بنتائج مفرحة لدرجة ان المسيحين عن طريقها لم يتعرضوا الى اي اضطهاد ديني؟
- هل لان المسيحين اذا تخلوا عن كل شئ قومي فانهم سيكونون مثال يحتذى به وهكذا سيقوم العرب والاكراد بتقليد المسيحين, وهكذا سيمتلك العراق ثقافة وطنية؟
انا كلما ارغب بايجاد ترتيب لهذه الجملة بان اجد سبب لها فانني اخفق في ذلك.
اصحاب الانتقاد الاول اذن سيقومون هكذا بالتهرب والاحتماء بالانتقاد المحتمل الثاني.
الانتقاد المحتمل الثاني: ان تحدثنا كمسيحين, كمكون مسيحي, سيجعلنا بان نطالب بحقوقنا بشكل افضل, فلا تنسى بان الذين يضطهدون المسيحين يقومون بهكذا اضطهاد بغض النظر عن ما هي قومية ابناء شعبنا, فالكل مهدد لاننا مسيحين .
هذا الانتقاد هو صحيح جدا , ولكن العكس هو ايضا صحيح جدا. العكس هو: اي شخص سيتقبلنا كمسيحين فانه اما سيعتبرنا عرب او اكراد بغض النظر عن من هو هذا المسيحي. فكل المسيحين مستهدفين بالتعريب او التكريد. وافضل مثال واقعي هو ان المسيحين تعرضوا كلهم الى عملية التعريب.
والدليل على كلامي هذا هو ما يكتبه كتاب عراقين باستمرار من ان العراق هي ارض عربية وبانه العراق هي ارض العرب وبان العراق هو جزء من الامة العربية, وليس هذا فقط وانما يتحدثون عن مسيحية عربية وعن مسيحين عرب., وهذا الطريق اصبح يقلده ايضا الاكراد بكتاباتهم الحديثة بان المسيحين هم اكراد.
واخر مثال عن ما قلته هو ما كتبه مؤخرا مفكر وباحث ودكتور الذي هو حائز على دكتوراه فلسفة في القانون من معهد الدولة والقانون في أكاديمية العلوم التشيكوسلوفاكية، وماجستير في العلاقات الدولية من جامعة 17 نوفمبر في تشيكيا، وماجستير قانون عام من كلية الحقوق في جامعة شارلز، وبكالوريوس في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة بغداد. نائب رئيس جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان. شغل منصب المدير العام للمركز الوثائقي للقانون الدولي الإنساني، ورئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في لندن، ومنسق عام للجنة الوطنية للسلم والتضامن في العراق، ورئيس أكاديمية بناء السلام، والأمين العام لمركز الدراسات العربي الأوروبي في باريس.أعدّ دراسات وأبحاثاً عدة في مجالات التجديد والتنوير والحداثة، والديمقراطية، والمجتمع المدني، والأديان، والدساتير والقوانين الدولية، والنزاعات والحروب، والتسامح واللاّعنف. ألّف أكثر من 60 كتاباً منها "الهوية والمواطنة" الخ
فاذا كان شخص مفكر وباحث ودكتور وخبير في القانون الدولي ورئيس لللاعنف ورئيس للجمعيات الانسانية وحقوق الانسان الخ يصف المسيحين بالمسيحين العرب ويعتبر المسيحية بانها عربية الهوية فكيف سيكون الحال مع الاخرين؟
والاغرب هو ان لا احد مهتم بان يعتبر المسيحية في العراق بانها عربية او ان المسيحين هم عرب القومية والدليل هو لا احد فكر بالرد ولو برد بسيط.
هذه الامثلة التي وضعتها انا اجدها بان تنسف بشكل حتمي هذا الاحراج الزائف والمازق المفتعل.
نحن علينا ان نقدم انفسنا ك "مكون مسيحي وقومي". نحن مضطهدين دينيا وقوميا.
وانا على قناعة بان اكثرية القراء سيقتنعون بما شرحته انا اعلاه.
وفي كل الاحوال قوة الحجج تعتمد على المنطق ولا مفر من استعمال المنطق.
الرابط عن المسيحين العرب:
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,936159.msg7655335.html#msg7655335الرابط عن المغالطة المنطقية False dilemma اعلاه:
https://en.wikipedia.org/wiki/False_dilemmaالرابط بالعربية:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%A3%D8%B2%D9%82_%D9%85%D9%81%D8%AA%D8%B9%D9%84 شكرا للقراء على القراءة