المحرر موضوع: العجوز شمعون والمطر  (زيارة 996 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نمير لوسيا

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 47
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
العجوز شمعون والمطر
« في: 21:06 15/05/2019 »
العجوز شمعون والمطر
في ظهيرة ذلك اليوم الشتائي تلبدّت سماء البلدة بالغيوم الكثيفة الداكنة وغطّت سماءها سُحبُ متحركة شمالاً وبدأت التباشير الاولى لعاصفة مطرية تلوح في الافق بداً بالتيارات الهوائية القوية التي سبقتها والتي انطلقت تدك ابنية البلدة واسطُحها وبالجو العام الذي شّلل كل مظاهر الحياة فيها بعد ان توقف الاطفال عن اللعب في الازقة واسدلت الاسواق وهرع الناس الى بيوتهم بأستثناء بعض من اِرتأى البقاء تحت شرفات البيوت . بدأ المطر ينهمر رويداً رويداً وبدأت الرعود تشق الصمت العميق الذي لّف اجواء البلدة ثم ما لبثت ان ازدادت شّدة المطر وكثافته وتَعالَى هنا وهناك اصوات الماء المتساقط من مزاريب الاسطُح فوق ازِقة ضيقة تنتهي بأزقة اعرض يتوسطها مايشبه السواقي . مرت العاصفة وتوقف المطر وانجلت زرقة السماء كانت الساعة قد اشرفت على الخامسة وسُمع صوت ناقوس الكنيسة معلناً اقتراب موعد صلاة المساء ( ܨܠܘܿܬܼܵܐ ܕܪܲܡܫܵܐ ) الذي يرتاده الكبار دوماً . في ذلك المساء ترك شمعون بيته وهرع الى الكنيسة التي لم تكن تبتعد عن بيته كثيراً فوَصَل اليها قبل موعد بدأ الصلاة وجلس وهو مُبلل بما تساقط عليه من مطر من مزاريب عشوائية هنا وهناك كان من صعوبة تجنبها وجلس في ذلك الركن المظلم من الكنيسة بجانب الحائط الشمالي سحيقاً مُكسر القلب اثقلته هموم الحياة ومصاعب الدهر وكان الصمت والسكينة يلفان اجواء الكنيسة ولم يكن هناك انذاك احد غيره فيها لكن الله كان حاضراً تملأ روحه رهبة المكان وظُلُماته وكانت الاجواء كلها قدسية ومكرسة لله ، فلم يرفع شمعون عينيه قط ولم يقل شيئاً بل كان مؤمناً بأنه من خلال ذلك الصمت وتلك السكينة يستطيع ان ينصت الى الله والله ينصت اليه وان النور الربانية لا تملأ المكان الا عندما تبتلعه الظلمة وفي غمرة التأملات تلك حلقت نفسه وطافت في سماء جديدة فأدرك من النور ما لم يألفه ومن السعادة ما لم يدركها فأنتعشت روحه التي لم يُعكِر صفوها الاضواء التي اُنيرت في الكنيسة مُعلنة بدأ الصلاة فرفع هامته وشكر الله بعد ان نال من الزاد الروحي ما اضفى على حياته شيئاً من الفرح ومتسع يستطيع معه الهروب من متاهات الحياة .