المحرر موضوع: ( مختارات من مراسلات مع الاصدقاء) لغوغول / تأملات  (زيارة 1088 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ضياء نافع

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 846
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
( مختارات من مراسلات مع الاصدقاء) لغوغول / تأملات
أ.د. ضياء نافع
كتبت عن هذا الكتاب في مقالتي بعنوان – (حول آخر كتاب لغوغول) , وقدمت هناك ترجمة لفهرسه ليس الا , وكتبت عن هذا الكتاب ايضا في مقالتي بعنوان – ( حول رسالة بيلينسكي الى غوغول ) , وذكرته في مقالاتي الاخرى عن غوغول  , واعود هنا اليه, وذلك لانه من  الكتب النادرة , التي تجبر القراء على العودة اليها  بهدوء وامعان وتأمّل,  اذ ان غوغول وضع هناك خلاصة افكاره  بعد تلك الفترة الطويلة من التفكير العميق في ايطاليا , والتي أدّت به الى اتخاذ القرار الخطير بعدئذ , وهو حرق الجزء الثاني من روايته ( الارواح الميتة) , والتي انجزها طوال فترة غير قصيرة من العمل الفكري الدؤوب , وقد تحولت تلك الغرفة التي حرق غوغول في موقدها  روايته  الى متحف الان ( انظر مقالتنا بعنوان – كنت في بيت غوغول ) .
 كتاب ( مختارات من مراسلات مع الاصدقاء ) هو النتاج المركزي في ابداع غوغول بفترته الاخيرة , اذ صدر عام 1848 , بعد ان بدأت ازمته الفكرية الروحية الخانقة ( توفي غوغول عام 1852) . لقد صدرت كل مؤلفات غوغول بين اعوام 1829 و 1842 , اي انه ابتدأ بالنشر عندما كان عمره 20 سنة , واصدر رواية الارواح الميتة عندما كان عمره 33 سنة ليس الا . كتابه الاخير هذا أثار ( زوبعة !) من ردود الفعل  الصاخبة والمتنافرة في اوساط الادب الروسي خصوصا والمجتمع الروسي المثقف عموما , والتي يمكن القول ان آثارها وبقاياها لازالت واضحة المعالم لحد الان بشكل او بآخر .
نقرأ في مقدمة هذا الكتاب كلمات صادمة حقا , اذ يبتدأ غوغول هكذا – (كنت مريضا بشدة , وكان الموت قاب قوسين او أدنى منّي ). ويستمر غوغول – (استجمعت قواي المتبقية , واستخدمت في اول لحظة من الصحو قواي العقلية , وكتبت وصيتي الروحية , والتي أضع فيها المسؤولية على عاتق أصدقائي كي ينشروا  بعد موتي بعض رسائلي.) , ويكتب غوغول لاحقا في مقدمته للكتاب قائلا – ( لقد أردت ان اكفّر عن كل ما نشرته , لانه في رسائلي وحسب اعترافات هؤلاء الذين كتبتها لهم , توجد ضرورة اكثر للانسان مما في مؤلفاتي ). وهذه هي الفكرة التي لم يتقبّلها الكثيرون , وخصوصا بيلينسكي , والتي رفضها بكل وضوح وعنف في رسالته المشهورة الى غوغول, وهذه هي الفكرة التي تثير نقاشات حادة بين المتخصصين في الادب الروسي ولحد الان , ولا يمكن طبعا التوسع هنا حول هذه النقطة الفكرية البحتة, ولكن ايجازها يشير , الى ان غوغول اراد ان يقول ان رسائله تتضمن افكارا محددة ودقيقة حول مشاكل وقضايا اجتماعية وثقافية تقف امام الانسان الروسي, اما مؤلفاته الادبية فانها تحتوي على صور فنية قد لا تصل فحواها الى القارئ بشكل محدد و دقيق كما في رسائله , او انه اراد ان يقول كلمة جديدة للقارئ . لكن مؤلفات غوغول الادبية – من جانب آخر - لازالت حيّة وتتفاعل بقوة في اوساط المجتمع الروسي والمجتمعات العديدة الاخرى في العالم بما فيها مجتمعاتنا العربية , ولو كانت ضرورة هذه المؤلفات أقل للانسان من رسائله ( كما يقول غوغول في تلك المقدمة ) , لما حدث ذلك التفاعل الانساني الشامل معها , وهنا يكمن التنافر او حتى يمكن القول – التناقض بين الواقع الموجود لحد الان وبين آراء غوغول , الذي ابدع هو نفسه تلك النتاجات الفنية , وهو نفسه الذي كتب تلك الرسائل ايضا , ولهذا أشرنا في بداية هذه المقالة , الى ان  بقايا ردود الفعل على هذا الكتاب لا زالت موجودة الى حد الان.
يستمر غوغول في مقدمته تلك بتبرير تأليفه لهذا الكتاب , ويقول , انه قرر السفر الى الديار المقدسة ( اي القدس في فلسطين ) بعد الشفاء من مرضه , وذلك لأن هذه الزيارة ( ضرورية لروحه ) , ولكنه يشعر ( ان حياته معلقة بشعرة واحدة ) , وانه يمكن ان يحدث كل شئ في هذه الرحلة , ويقصد طبعا الموت ( كان هاجس الموت يسيطر عليه اثناء تلك الازمة الروحية ) , ولهذا يكتب غوغول قائلا - ( اردت ان ابقي لمواطنيّ شيئا ما من كياني عند الفراق . لقد اخترت بنفسي من رسائلي الاخيرة , التي استطعت ان استلمها مرجعا , كل ما له علاقة بالقضايا التي تشغل المجتمع الآن , وسأضيف مقالتين او ثلاث مقالات ادبية , واخيرا وصيتي , في حالة وفاتي في الطريق .) , ثم يضيف غوغول – ( .. وقلبي يقول ان هذا الكتاب مهم ويمكن ان يكون مفيدا ..) .
 نعم يا غوغول , قلب الفنان يقول له الحقيقة , فكتابك هذا مهم فعلا ومفيد فعلا , ولكن نتاجاتك الفنية الاخرى مهمة ومفيدة ورائعة ايضا يا نيقولاي فاسيليفتش , ولهذا فان روسيا لا زالت (تتغنى!) بها , وليس روسيا فقط , وانما شعوب العالم ايضا , بما فيهم طلبة قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد , يا نيقولاي فاسيليفتش , الذين كانوا يقهقهون عندما يقرأون قصة ( الانف) , او عندما يؤدون ادوارهم في مسرحية ( المفتش) على ( خشبة!) مسرحهم  الطلابي الجميل.