انه عهر سياسي
تيري بطرس
في العمل السياسي، تكون المصلحة هي العامل المؤثر في كل العلاقات السياسية، سلبية كانت ام ايجابية. فالعمل السياسي الناجح، يرمي بالاساس لتحقيق مصالح الفئات التي يدعي السياسي الفرد او الكتلة او الحزب تمثيلها، وليس نشر ايديولوجيات معينة، وقد اثبتت التجارب السياسية المارة علينا، سواء من خلال المشاركة او الملاحظة، ان من وضع الايديولوجية قبل اي هدف اخر، كانت نتيجيته وخيمة العاقبة على من اتبعوه.
ولذا فشخصيا، رايت في الغالب ان التحالف مع بعض القوى السياسية العراقية وبالاخص الحزب الديمقراطي الكوردستاني والشعب الكوردي عموما، لصالح شعبنا، بالرغم من ان هناك سلبيات كثيرة في العلاقة هذه، الا انها في كل التقييمات كانت الافضل، وحسب رؤيتي. مشكلتنا الكبرى، ليست في العلاقة ونوعها، بل في الخيارات المتوفرة امامنا. فهل الرفض هو خيار حقا، وخصوصا عندما يكون على حساب الوجود مثلا. نعم يمكن ان نرفض اي تعاون مع اي طرف، ولكن يجب ان لا يكون الرفض على حساب شعبنا ومصالحه المشروعة واهمها ثبات وجوده على ارضه وتمتعه بالحقوق المتساوية مع الاخر. يجب ان لا يكون الرفض على حساب تجريد شعبنا من قوى شاهدة على ما يحدث.
في التجربة السياسية، نلاحظ ان من اتبع خيار المقاطعة والانسحاب، كان الخاسر الاكبر دوما، وخصوصا حينما كان الانسحاب او المقاطعة، لا تؤثر سلبا على الاخر. ولعل في تجربة دول ما عرف بدول المقاطعة والممانعة، والتي شملت في الكثير من الاحيان سورية وليبيا واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية واحيانا العراق، فهذه الدول طالبت باقصى ما يمكن دون ان تقدم بديلا او مقابلا، لان هذه الدول او المنظمات كان يوجهها الايديولوجية القومية المطعمة بثوابت اسلامية. وكانت ترفض اي مشروع للسلام مقدما ما لم يتوافق مع المعلن حسب ادعاءها من المطالب. وكانت النتيجة الدمار لهذه الدول، لان بديلها الوحيد كان الرفض.
ولكن الامر على من يكون في السياسية، حزبا او فردا، هو فقدان البدائل كما ذكرت اعلاه، اي كما يقول المثل الاشوري الدارج ايداثا صيري (اياديه مربوطاتان، كناية عن العجز). السياسي الناجح يحاول ان يوفر له خيارات متعددة، وهذه لوحده يوفر له مزايا وقوة تنافسية امام المنافسين او من يروم التحالف معه. ولكن في العمل القومي هناك الديموغرافية التي يمكن ان تساعد او يمكن ان تقصم ظهر الانسان، فمثلا، عند تأسيس الامم المتحدة، كان موقع ودور الصين، ثانويا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، ولكن ثقلها الديموغرافي فرض نفسه على الساحة، وتم فرضها كقوة من القوى الدولية، وان كان الصوت حينها منح لتايوان باعتبارها الممثلة الشرعية للشعب الصيني. ديموغرافيتنا تقصم ظهرنا في الكثير من الامور وفي الكثير من المواقف.
ملاحظة سياسية اخرى، باعتقادي يجب ان نؤكد عليها مرارا، هي بيد من هي المظلة القانونية، التي يمكن للمرء انه من خلالها او في ظلها يمكن ان يحيا بامان واستقرار. في الحقيقة المطلقة وفي العمل السياسي الوطني الصحيح، يجب ان تشمل المظلة القانونية الجميع، لا فرق بين انسان واخر ولاي سبب كان. ولكن في الواقع، والسياسة تتعامل مع الواقع وليس الطموحات والامال، فان هناك حقائق تفرض نفسها، ومنها الخلافات العشائرية والحزبية والقومية والدينية، هذه الخلافات، التي تمنح لاطراف كثيرة امكانية توفير مظلة قانونية لمن يتبعها او يحتمي بها، او يتحالف معها. واحيانا وفي اوقات كثيرة، كانت الخلافات الداخلية، الحزبية (خلافات الحركة الديمقراطية الاشورية مع اغلب احزاب شعبنا، والتسموية) سببا في طلب مظلة قانونية من الاخر، والاحتماء او الاستقواء به على من يعارض او يعادي من داخل الشعب. اي ان الخلافات واحيانا العداء وفرت المساحة والتبرير الكافي للبعض لكي يطلب او يتحالف مع اطراف لكي يحتمي بها من جور او ما اعتقده جورا من ابناء شعبه.
اذا امام الواقع اعلاه، وكون مناطق شعبنا في الغالب هي في مناطق سيطرة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، هذا الواقع الذي لا يمكننا ان نغيره. ولكن يمكن المساهمة في تنويره وتوسيع مساحة التعامل المرن والتسامح والانفتاح فيه. بدائلنا مع الاسف صفر. ولكن كون بدائلنا صفرا، لا يمنح الحق للاخر ان يحاول ان يجلعها او يديمها صفرا. فهذا الامر نعتبره عهرا سياسيا، لانه يقف في الضد من ارادتنا لجعل من يمثلنا ينطق بما نريده ويطالب به. من هنا يجب ان لا نستنكر فقط، بل ندين وعلنا ما تتناقله بعض الاصوات في الحزب الديمقراطي الكوردستاني والتي تدعي بان الكوتا هي مع الحزب او انها ضمن الحزب، او ان اصواتها مضمونة في جيب الحزب الديمقراطي الكوردستاني. وتجريدها من مهمتها الاساسية وهي الدفاع عن مصالح شعبنا وابناءه، بالاظافة الى الدفاع عن مصالح كل ابناء العراق او اقليم كوردستان، باعتبار اعضاء البرلمان العراقي والكوردستاني ممثلين للشعب كله.
في اطار الواقع المر، واقع عدم توفر البدائل السياسية، والبدائل المطروحة هي في الغالب بدائل الهروب والانعزال. ارى بان تاثير الاخرين في شعبنا سيضل كما كان منذ وجود من يمثلنا في السلطات، سواء كان في العهد الملكي حينما كان هناك ممثل لنا في مجلس الاعيان يعين بامر ملكي او حينما تواجد ممثلون من ابناء شعبنا في احزاب تسيير السلطة مثل حزب البعث، او منذ بدء تجربة المنطقة الامنة، حيث ان من تواجد كان دمية لا اكثر، نتيجة للواقع المر، وهو قلة الخيارات، وبالاخص لو اخذنا انه حتى في احيانا كثيرة ومع توفر بعض الخيارات، قام سياسيينا بتدميرها، واهمها وحدة شعبنا امام الاخر، وشعوره الدائم بعدم اللجؤ الى الاخر مهما كانت الظروف. علما ان الانجازات القليلة لشعبنا لم تتم في الغالب بفعل من مثلنا في السلطات، بل بيد من كان مع الحزب الحاكم من ابناء شعبنا. مثال العطل الرسمية والتعليم السرياني.
نستنكر وندين مرة اخرى ما يصرح به بعض قيادي الحزب الديمقراطي الكوردستاني، من منح انطباع بان الكوتة هي في جيب الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كون مثل هذه التصريحات لا تحترم شعبنا والقانون الذي منحت بموجبه الكوتا، ولا تحترم من يمثلنا في البرلمان العراقي او الكوردستاني. ولكن المطلوب ايضا من ممثلينا في هذه المواقع اظهار ردة فعلها السلبية لهذه التصريحات الغير المسؤولة. نحن حلفاء و لسنا اتباع رغم كل شئ.