المحرر موضوع: وأصبح للوطن مفهومٌ آخر، أكثر حداثة..  (زيارة 2936 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كمال لازار بطرس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 160
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
                     
علّمونا يوم كنّا على مقاعد الدراسة، أنّ الوطن أرض معطاء، ومياه، وسماء صافية زرقاء.. نولد فيه، و نعيش في كنفه، كما عاش آباؤنا الأولون.. نأكل من خيراته، ونشرب من مياهه العذبة. 
ظلت هذه المفاهيم عالقة في أذهاننا إلى حين، ثم دار الزمن دورتَه، فإذا بهذه المفاهيم تسقط وتصبح لغةً قديمة، طواها الزمن، ولم يعد لها بيننا أيّ وقعٍ أو نفع، وحلّت محلّها لغة أخرى أكثر حداثة وفلسفة، ربّما بسبب لعنة الدمار التي ارتوت منها الأرض وتضرجت بها الديار، نتيجة الحروب المتتالية التي أمعنت في الناس عنفاً و قتلاً و تدميرا، والمهانة التي لحقت بهم على امتداد سنوات تلك الظروف الصعبة، فأخذ البعض يبتدع مفاهيم أخرى جديدة لا تخلو من الغرابة، بُنِيَت على أساس التعليل و التبرير، لا على أساس العمق و التحليل، واعتمد هذا البعض على كلمات وعبارات جاهزة للتعبير عن أفكاره، منها على سبيل المثال لا الحصر، أنّ الوطن: هو أيّة بقعة في العالم تمنح الإنسان الخلود، ومنها: الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن. وكأنّ هذا البعض أصيب تفكيره بالتحجر والعفونة، وأصيبت حواسه بالعطل.
أما أولئك الذين تركوا وطنهم واختاروا المنفى، فما برح شوقهم يتلظى لسماء صافية بعيدة، ما فارقت القلب ولا غادرت الذاكرة، وإذا قيل في الماضي: لا كرامةَ لنبيٍّ في وطنه، فاليوم لا كرامةَ لمواطنٍ، إلاّ في وطنه. 
أنا هنا، لست في موضع المحلل، ولست في معرض الطرح الفكري للموضوع، و لكن أسأل فقط : 
 ما هو الوطن؟..
هل هو أرض ومياه وهواء؟
هل هو خريطة وطبيعة وسماء؟
هل هو حكم ونظام ورئاسة؟
جيش واقتصاد وسياسة؟
أم الوطن هو الإنسان، هو المواطن .
نعم، المواطن هو الوطن، وهو مبرر وجوده، وهو صورته العاكسة الصادقة، وعلى مثال ما يكون أهل البيت يكون البيت.
فالأرض أساساً، أية بقعة من الأرض، ماذا تنفع لولا الإنسان، وماذا تعني بطبيعتها ومياهها وسمائها، إنْ لم تكن مأهولة من الإنسان؟.
لماذا ندّعي لأنفسنا الحياد والشرف، فنتأفف ونقول: (ملعون أبو الوطن)، كلّما واجهْنا ظرفاً مزعجاً، أو وضعاً موجعاً، أو حدثاً مفجعاً؟
فأيُّ ذنبٍ اقترفه هذا البلد، كـ ( بلد )، بحقنا نحن الشعب البسيط العنيد؟
 وأيُّ دورٍ لعبه في تكوين ذاته و نحن بانوه و بنوه، و نحن صانعوه و حاكموه، و أمه و أبوه؟
هل تسلّل اليأس إلى نفوسنا؟
 لا، لا وجود لليأس في وطن يعيش فيه الأمل، ولا استيطان للخراب في أرضٍ زرعت فيها الحياة خلودَها.
صحيح أنّ المعاناة عظيمة.. عظيمة جداً في هذا الوطن، فهو مُثخَّن بالجراح، مدميّ الفؤاد، ولكن رغم الواقع المؤلم نرى شعبه يكابر على الكبوة، وينهض منها قوي العزيمة واثق الخطوة.. ولأنّ إرادته أكبر من المعاناة وأعمق من الجرح، فهو يستمر بالحياة رغم قسوة الظروف، ولأنّ الآثار المدمرة للحروب ترفض، إلاّ رضوخَه واستسلامَه لسلبيتها، فهي تلاحقه من مكانٍ إلى آخر بوسائلها المدمرة القاتلة، وتجرب فيه أبشع أساليب الإجرام. 
أيّها المواطن ..   
أنْ تنتقد بلدك فهذا من حقك، ولكن لا تنسَ أنَّ بلدك هو أنت..
إنه بلدك الذي عليك أن تفخر وتعتز بالانتساب إليه، بما له وما عليه، وتحبه، كيفما كان، تحبه..
ولكن من يملأ الصدورَ خجلاً واحتقاراً واستهجاناً بحجم كبير، بحجم الوطن، هم أولئك الذين يخونون بلدهم، ويطعنونه في الظهر..
ما الفرق بين أن يطعن الإنسان في بلده، أو أن يخونَه؟
ما الفرق بين أنْ يحتقرَ المواطنُ وطنَه، أو أنْ يبيعَه؟
لا فرق إطلاقاً.
لنرجعْ قليلاً إلى التأريخ ونأخذ هذه الحكاية العبرة..
ذات يوم جاء أحد مواطني دولة عدوة إلى نابليون وبحوزته معلومات عسكرية سرية عن بلده، على جانب كبير من الأهمية. أراد إفشاءَها للقائد الفرنسي.. وعندما تم له ذلك فوجئَ بالقائد التاريخي، يرمي له على الأرض كيساً من النقود مكافأةً له على عمله التجسسي، فما كان منه، إلاّ أنْ قال له بتودد: أنا يا سيدي ما جئتكم بهذه المعلومات سعياً وراء المال، إنّما لكي أحوزَ على شرف مصافحتكم فحسبْ...
فأجابه نابليون باحتقار واشمئزاز، وهو يولي له ظهرَه..
أنا لا أصافح إنساناً خسيساً مثلك، يخون وطنه.
 ونحن، وإنْ كنا لم نُنصِفْ وطنَنا، علينا ألاّ نطعنَ أو نلعنَ أو نخون، وإلاّ فلن يكون العتب على العالم إذا ما نظر إلينا نظرة احتقار و استصغار.         
 



غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
الى الأخ والصديق العزيز الكاتب المتألق الأستاذ كمال لازار بطرس المحترم
 تقبلوا محبتنا الصادقة مع خالص تحياتنا الأخوية
لقد قرأنا مقالكم الأكثر من رائع بإمعان وانسجام وبلهفة فكان حقاً رائعاً ومتكاملاً ، وكم أتمنى أن يقرأه كل المهاجرين من الوطن وخاصة الناقمين عليه والمادحين للأوطان الجديدة لقاء ما منحته لهم من مستلزمات الحياة المتواضعة المذلة أحياناً ( الولفر ) ، وأن يتوقفوا قليلاً وبعقل منفتح عند ذلك المقطع  الأخير من مقالكم الذي يروي الحوار الذي دار بين ذلك الشخص الذي قدم معلومات مهمة عن وطنه للجيش الفرنسي ونابليون بونابورت ليأخذون منه العبر والدروس في الوطن والوطنية ...... كم عجبنا مقالكم ولكن كان لهذا المقطع وقعٌ خاص علينا يا رابي كمال ( ونحن، وإنْ كنا لم نُنصِفْ وطنَنا، علينا ألاّ نطعنَ أو نلعنَ أو نخونَ ) ..... ودمتم والعائلة الكريمة بخير وسلام .
ملاحظة : أنا أتفق مع الأخ العزيز رابي lucian في تعقيبه عن مضمون الوطن ... اي الوطن هي تلك البقعة من الأرض التي تحمل بصمات حضارية وشواخص آثارية لحضارة أبائنا وأجدادنا وطبعوا عليها هويتنا القومية تلك الهوية الحضارية هي التي تربطنا وجدانياً وثقافياً وحضارياً بتلك الأرض وهي من تستحق أن تنال اسم الوطن الأم عن جدارة وما سواها إلا هراء . 

                          محبكم أخوكم وصديقكم : خوشابا سولاقا - بغداد

غير متصل lucian

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3345
    • مشاهدة الملف الشخصي
اقتباس
ما هو الوطن؟..
هل هو أرض ومياه وهواء؟
هل هو خريطة وطبيعة وسماء؟
هل هو حكم ونظام ورئاسة؟
جيش واقتصاد وسياسة؟
أم الوطن هو الإنسان، هو المواطن .
نعم، المواطن هو الوطن، وهو مبرر وجوده، وهو صورته العاكسة الصادقة، وعلى مثال ما يكون أهل البيت يكون البيت.

هذا السؤال يحتاج الى تعبير جيد ومرتب وبالتالي يحتاج الى تحضير, الا انني لا املك الوقت وساعطي جواب سريع نابع من داخلي:

الوطن هو المنطقة, هي تلك المنطقة التي عاش فيها اجدادنا, والذين روحهم المحفورة على ما تركوه من جيل الى جيل تجعلنا نرتبط ببعضنا البعض, فالوطن هو الارتباط بين بعضنا البعض.

الوطن هو المنطقة التي تجمعنا وتربطنا ببعضنا البعض وتجعل ممكنا بان نمارس خصوصيتنا وبان نستمر باستعمال لغتنا الام التي تحمل روح تعابير خصوصيتنا. الوطن هو اذن المحافظة على الخصوصية والمحافظة على اللغة التي تربطنا.

اللغة ليست كما يظن البعض بانها فقط نقل معلومات من شخص الى شخص, فابسط تصور للغة هو ما كنت قد طرحته في مكان اخر: هل يمكن للشعب الانكليزي بان يتصور بانه لا يمتلك وطن وبالتالي لا يمتلك ارتباط باجداده وبالتالي تتمزق لغته الام ايضا وتتمزق خصوصيته الثقافية؟ اذا حدث ذلك فان الشعب الانكليزي لن يمتلك شخص مثل شكسبير, اذ كل ما كتبه العظيم شكسبير هو عبارة عن تعابير لتلك الثقافة التي عاشها في وطنه والتي نقلها له اجداده من جيل الى جيل لتصل اليه. الوطن هذا خلق شكسبير. بدون وطنه فما كان هناك شكسبير لانه ماكان سيجد تعابير ثقافة..

بشكل ابسط: الوطن هو ذلك المكان الذي اعرف به شخصا, الذي يعرف شخص اخر, وهذا بدوره يعرف شخص اخر وهو الذي اعرفه انا.

فاين يذهب كل شخص في كل يوم؟ بالتاكيد الى البيت. فالبيت ليس موقع جغرافي وهكذا البيت الاكبر.

والوطن سيكون بان يكون هناك مشتركات بين هؤلاء الذين يعرفون بعضهم البعض ويمتلكون خصوصية بينهم ويمتلكون لغتهم الام . فلغة الام, لغة الاجداد, الروح التي تنتقل من جيل الى جيل تجعل ممارسيها يعتزون بالعلاقات الأسرية وتحافظ على العلاقات الاجتماعية وتحافظ على الروابط التاريخية وتعطي الافراد شعورا بأصولهم وتعبر عن هوية مجموعهم بان لهم هوية وليس بانهم انقرضوا, فاللغة هي مثل وعاء يحمل تعابير قوم ما ووجدانه الخ..

غير متصل كمال لازار بطرس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 160
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
إلى الأخ والصديق العزيز الكاتب القدير خوشابا سولاقا المحترم ..
سرّني ( كما في كل مرة ) حضوركم البهي في صفحتي ..
كل الشكر لكم على إطرائكم وإعجابكم، الذي جاء بعد قراءة ناصعة الأناقة منك للمقال، وما تضمنه ردكم عليه من ثناء، يحملني للسحاب ..
تواجدكم الرائع في صفحتي، ونظرة منكم لمواضيعي، هو الإبداع بنفسه..
كنت قد وعدتكم قبل أيام من خلال تعليق لي على منشور لكم في ( الفيس ) حول الوطن و الهجرة، بأنني في صدد كتابة مقال حول الموضوع الذي لطالما شغل و يشغل بالكم مذ عرفتكم، حتى أصبح زادكم اليومي، تقتاتون عليه، فكان هذا الجهد المتواضع الذي أتمنى أن يروق للقارئ الكريم ..
لكم مني كل التحية والود والاحترام ..
دمتم متألقين، مبدعين، متميزين ..
        أخوكم و محبكم
           كمال /

غير متصل كمال لازار بطرس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 160
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
السيد لوسيان المحترم..
وافر الشكر لك على مرورك الكريم، وتعقيبك، وتعليقك المسهب على المقال..
كان بإمكانك أن تكتفي بالأسطر الثلاثة الأخيرة منه، فقد اختصرتْ كل ما تريد قوله، لأن التكرار في اللغة العربية أمرٌ غير محبّذ، ويكون على حساب القيمة الأدبية للكلام.. فخير الكلام ما قلَّ و دل، ولا يمل.
تقبلوا تحياتي..
          أخوكم / كمال

غير متصل falpatty

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 393
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الصديق العزيز كمال ..مقالة رائعه عن مفهوم الوطن في ظل المتغيرات الدوليه التي سادت عالمنا  والحروب المدمرة لارهابي داعش الذين اكتسحوا مدنا وبلدات عراقيه وخاصة قري  ومدن يزيديه ومسيحيه  حيث قام إرهابي داعش بإبادة  جماعيه وسبي النساء وتهجير آلاف منهم   ولم يكن لهذه المكونات خيار آخر غير الهجرة وترك الوطن ارض الآباء والأجداد  مرغمين لازالت أفكار داعش تطارد  المتبقين من هذه المكونات في ديارهم.
فريد قرياقوس داود

غير متصل كمال لازار بطرس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 160
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الأخ والجار العزيز أبو مي المحترم..
سرّني وأسعدني كثيراً حضوركم البهي في صفحتي ..
متابعتكم لمواضيعي، تجعلها تستنير وتبتهج فرحاً بمروركم الجميل..
أشكركم على إطرائكم اللطيف، و تقييمكم الإيجابي للمقال ..
أخي وصديقي العزيز فريد .. كلٌّ له خياراته في الحياة، وهو حر فيما يشاء و يختار، ولكن أن نلعن الوطن و ندير ظهرنا له، و نطعن به، فإنَّ ذلك يتعارض مع القيم والأخلاق التي تربينا، وتربى عليها آباؤنا و أجدادنا..
شكراً لكم مرةً أخرى..
تقبلوا تحياتي، مع خالص تقديري لشخصكم الكريم ..
            أخوكم / كمال