هل نملك حلولا، ولو نظرية لمشاكلنا؟
تيري بطرس
طرح الاستاذ اخيقر يوخنا السؤال التالي على صفحته في الفيس بوك ((ماذا ينفع الاشوريون اذا كانوا يملكون حلول نظرية لكل مشاكلهم و لكنهم عاجزون عن تطبيقها او تنفيذها ؟ فما اسباب ذلك ؟)) اود القول ان ما يطرحه البعض على انه حلول، لمشاكل شعبنا، في الغالب هي (الحلول) استغلال فاضح لجهل ابناء شعبنا في السياسية وليست حلولا حقيقية. انه استغلال بشع ومع سبق الاصرار والترصد، انه بالحقيقة العيش على حساب البسطاء وعلى حساب جهلهم ليس الا.
في خلال السنوات الثلاثون الماضية طرحت افكار ونظريات لحل مشاكل شعبنا في العراق، ارتكزت على احقاق حقوق الشعب، بغض النظر عن عدد ومكان اقامته ومن خلال اعتبار العراق وحدة واحدة، (انظر رؤية اشورية لمستقبل العراق الموحد) ومن ثم طرحت افكار تم تجسيدها في المادة 125 من الدستورالعراقي ((ضمن هذا الدستور الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان، والكلدان والآشوريين، وسائر المكونات الاخرى، وينظم ذلك بقانون)). ومن ثم تم طرح وعلى الاساس اعلاه ايضا، قضية تشكيل محافظة في سهل نينوى لكل مكوناته، وطرح مشروع الحكم الذاتي لمناطق شعبنا في اقليم كوردستان. المشاريع والافكار اعلاه، قابلة او كانت قابلة للتنفيذ على ارض الواقع. وكان يمكن ان تحقق الكثير من طموحات وتطلعات ابناء شعبنا. ولكن بالتأكيد ليس كلها، لان التطلعات في كل شعب تختلف باختلاف الافراد، وطموحاتهم. الا انها كانت ستبقى اساس مقبول لتطويرها، والاكثر اهمية في الامر، ان تحقيق هذه الافكار، كان يمكن ان يساعد في ردم الكثير من الخلافات المزروعة بين مختلف مكونات شعبنا الطائفية والتي يتغذى بها البعض لحد الان. ان لم يكن في فترة قصيرة، الا ان التعليم المشترك واللغة المشتركة والتواصل والتعاون كان يمكنها ان تزيل الكثير من الحواجز المتخيلة، والمبنية على اسس طائفية بحتة.
لكن، ورغم سهولة تطبيق المادة 125، لانها لم تكن بحاجة سوى الى تفعيلها بقونين توضح طرق تنفيذها، وقيام قوى على الارض وخصوصا الاقليم، بتنفيذ بعض الامور مثل تعيين او اختيار القائمقام في بعض الاقضية من ابناء شعبنا، تلكيف والحمدانية كمثال، وبعض مدراء النواحي. الا ان هذا التنفيذ لم يكن بفعل تفعيل القانون، بل بفضل دعم الاحزاب الكوردستانية بالاخص. ولم يتم مناقشة تفعيلها القانوني الا من خلال النقاش الاعلامي حول الحكم الذاتي كونها بديل، ولكن بديل بدون تفعيل.
لا انكر ان لابناء شعبنا وبمختلف التيارات العاملة فيه، رؤى مختلفة ومتعددة لحل مشاكل شعبنا، وهذا امر مقبول ومفهوم في اطار الحريات الفكرية وحق الفرد في طرح ما يراه مناسبا. ولكن غالبية هذه الرؤى هو بالحقيقة، طروحات خيالية لا اساس واقعي لها، لا بل يمكن اتهام بعض طارحي بعض الرؤى بانهم تجار في سوق بيع الشعارات القومية، لكسب عواطف البسطاء، وكسب مكانة او موقع، دون ان يرف لهم جفن ودون ان يتسألوا ولو مع انفسهم، ماهي النتائج المأساوية لطروحاتهم الفاشلة او مزاياداتهم التي ستزيد من ياس ابناء شعبنا.لا بل قد تبعد الكثيرين عن العمل القومي وعن المشاركة في دعمه.
اهم عامل في السياسية يجب ان يؤخذ بالاعتبار لتحديد خياراتنا السياسية هو الجغرافية، والسكان. التاريخ لا يصنع اي شئ، ان فقدنا الامرين الاولين، قد يكون التاريخ عامل دفع وتمسك بالانتماء، ولكن الجغرافية او الواقع القائم هو الذي يحدد، مدى امكانية نجاح اي مشروع قومي والاهم كيفية تحقيق.
فمثلا لو كنا نملك جغرافية متصلة تضم ابناء شعبنا، فان مطلب الاستقلال القومي قد يكون مشروعا وممكنا، لا بل يمكن كسب اصدقاء وداعمين له سواء على المستوى الاقليمي او الدولي. ولكن حتى المشروعية هنا، يجب ان يتم النظر اليها، ليس من الناحية القانونية فقط، بل من ناحية تقبل الاقليم او الدول المجاورة او الدولة المراد الانفصال عنها، هذا الامر، وهل يلعب الدين او الانتماء القومي في نظرة الجيران، دورا في رفض او قبول المشروع. وهناك تفاصيل كثيرة تدخل في حساب العمل القومي ويمكن ان يواجهها تدريجيا. ولكن في حالة شعبنا، وكونه يشكل جزر صغيرة في اغلبية طاغية (اليوم). يتطلب منا الوعي بكيفية تسويق قضيتنا والحصول على حقوق شعبنا.
مع الاسف قد يكون الوقت قد مر على الكثير من الطروحات حتى العقلانية منها، وذلك لخلو مناطق واسعة من ابناء شعبنا بسبب عامل الهجرة. وحتى الحقوق يبقى لا معنى لها (بمعنى حقوق المكونات) ان بقت اقليات ضئيلة لا يجمعها جامع، وتنخر فيها الانقسامات الطائفية والتسموية. فنحن الان نكاد ان نشبه من يحارب بعضه الاخر من اجل استقطاع جزء من الجثة. وليس من اجل تعزيز الوجود وتقويته وتطويره.
اما ان نعود الى الوعي الحقيقي بموقعنا ومكانتنا وامكانياتنا الحقيقية، ونبدأ منها. او ان كل ما يطرح هو بيع اوهام صريح، الغاية منه الاستمرار في تقطيع شعبنا وتقسيمة لعل يمكن الاستفادة من المقسم والمقطع. مؤلم ان اصور حالة شعبنا بهذه الصورة، ولكن حينما لا يكون للمرء، القدرة على رسم خطوات نحو المستقبل، وعلى ارضه التي رسمت احداث التاريخ مساره فيها. فاننا سنكون حالة مهيئة للتقطيع والتقسيم باستمرار .
سهل نينوى والتباكي الكاذب
حينما قلنا ما المانع من ضم سهل نينوى الى اقليم كوردستان، مع توضيح وتبيان اسباب قولنا، جادلنا البعض، واقول انه قد كسب الاصوات، لانه اعتمد على اثارة عوامل الحقد والكره المستمدة من تاريخ الاحداث الماضية. ولكن الذي خسر هو شعبنا. فشعبنا لم يبقى له لا سهل نينوى ولا غيرها، ففي سهل نينوى كان شعبنا يكون حوالي ثلث الناس المتواجدين عليه، وهذا الثلث كان للاقليم كوردستان مؤيدين فيه، وكان الثلث الاخر هو المكون الازيدي وكان بغالبيته مؤيدا للانضمام الى الاقليم، وكان للاقليم خروقات كبيرة في المكون الثالث وهو الشبكي. اي ان النتائج كانت واضحة، ولكن احزاب بعينها تعرف هذه الحقائق بصورة جيدة، ولكنها رغم ذلك دخلت في صراع، لا ناقة لنا فيه ولاجمل، من اجل عدم الحاق سهل نينوى باقليم كوردستان، بعضها لعلاقاتها الشيعية والاخرى لمجرد المناكفة ولكي تقول انظروا نحن نقف ضد اقليم كوردستان. اي للكسب الاعلامي المهجري خاصة.
الكثير من ابناء شعبنا لا يفرق بين القوش القصبة او القرية وبين القوش الناحية، فالقوش القرية هي مائة بالمائة من ابناء شعبنا، ولكن القوش الناحية باكثريتها هي ازيدية، اي ان خيارها كوردستاني، وكل استفتاء كان سيجري فيها كان سيكون محسوما، لان الاستفتاءات تجري على اسس وحدات ادارية وليس حسب القرى، لكي يتم تقرير مصيرها، وكل احزابنا التي عارضت مناقشة مسألة انضمام سهل نينوى كانت تعلم هذه الحقيقة المرة ولكنها سكتت وصمتت. ولم تقل للشعب حقيقة الامور، رغم اننا ذكرناها مرارا. ومرة اخرى كانت معارضة البعض للاسباب عينها.
لقد تم استغلال شعور الشعب ومخاوفه من قبل بعض احزابه، وبدلا من ان يكون الحزب، لاجل تنوير الناس بالحقائق، وبما ينتظره في المستقبل من الخيارات المطروحة، كانت هذه الاحزاب تطرح شعارات ولا تجيب على الاسئلة المطروحة عليها. مثلا السؤال الذي لم تجب عليه وتم طرحه عليها، ماهي مصلحة شعبنا في تفتيت ديموغرافيته وجعلها اقلية صغيرة غير مؤثرة في قرار اي طرف. ففي مقابل جمع ديموغرافية شعبنا في وحدة ادارية واحدة مثلا، كاقليم كوردستان، بما كان سيحقق لهم افاق مستقبليه مثل، انشاء محافظة او منطقة حكم ذاتي. وما كان سيتحقق ايضا في مجال تشريع قوانين خاصة تخدم هويتنا القومية. كان طرح هذه الاحزاب الذي كسب الاصوات الخائفة من التاريخ واحداثه فقط، هو لتنقسم ديموغرافيتنا المهم ان لا نكون جزء من اقليم كوردستان.
صحيح ان خيار داعش اتى متأخرا وقلب الكثير من الخيارات، ولكنه لم يكن خيار معروفا ، ولكن حتى لو تم تقوية الاواصر ودفع الاقليم لفرض هيمنته الامنية على سهل نينوى بواسطة ابناء سهل نينوى، بدلا من الاكتفاء بانشاء حرس ونقاط تفتيش، لكان هناك تاثير اكثر ايجابية على وضع سهل نينوى وسكانه. من ناحية المقاومة ولو الضعيفة، امام كل الامكانيات العسكرية التي وفرها الجيش العراقي للدواعش حينما ترك فرق والوية كاملة تجيهزاتها لهم. ولام البعض لماذا انسحبت البشمركة، ولماذا لم يتم الدفاع عنهم، وهم في غالبيتهم ممن كان يعارض اي دور للبشمركة في سهل نينوى، ولم يتسأل البتة لماذا انهار الجيش العراقي. ولماذا لم يدافع عنهم. بالتأكيد يمكن محاسبة البشمركة حينما يكونون مقصرين، فهم ليسوا فوق القانون باعتقادي ابدا. ولكن هل كان يمكن لقوة البشمركة المنتشرة من خانقين الى سنجار ان تقف اما زحف قوة امتلك كل ذلك الزخم من المعدات والدعم الاقليمي؟ وهل كان يمكن ان تقوم بتحرير البلدات بسهولة ويسر وهناك مدافع قوية يمتلكها الدواعش يمكن ان تدمر كل ما هو قائم؟
خياراتنا الحقيقية اليوم، باعتقادي ان كانت احزابنا السياسية حقا، هي احزاب سياسية تعمل لاجل تحقيق طموحات شعبنا، وليست دكاكين تجارة وسمسرة على حساب الشعب. ان يتم تقليصها الى اثنان او ثلاثة احزاب، تشكل قيادة مشتركة . هذا اول عمل يجب ان تقوم به. والعمل الثاني، وامام الواقع المزري الحالي، خياراتنا صارت اكثر محدودية مع الاسف فيجب ان يتم اعادة صياغة هذه الخيارات والتحرك نحوها بخطوات تسمح بتطوريها بالمشاركة مع شخصيات قومية وثقافية ومنضمين إلى احزاب وطنية مثل الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الشيوعي العراقي. والا فاننا سنكون خبر كان.