المحرر موضوع: جمهورية حزب الله في بغداد أيضاً؟  (زيارة 1336 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31489
    • مشاهدة الملف الشخصي
جمهورية حزب الله في بغداد أيضاً؟
فصائل المقاومة هي جماعات عراقية تحت الأمرة المباشرة للحرس الثوري الإيراني وتنتشر قواعدها في مختلف محافظات العراق قاتل عناصرها في سوريا وهدد قادة منهم باستهداف القواعد الأميركية في العراق في حال نشبت مواجهة بين إيران وأميركا في الخليج.

ميدل ايست أونلاين/ عنكاوا كوم

لدى العراقيين شيعة السفارة على نحو ما لدى اللبنانيين وعلى هؤلاء أيضاً أن يتحسسوا رقابهم

بقلم: حازم الأمين
ثمة صدام حسين شيعي يستيقظ في العراق. مزاج بعثي بدأت تبثه طهران على شكل خطابٍ تحريضي، استعيدت عبره الثقافة التخوينية التي لطالما اعتمدها النظام السابق في علاقته بمعارضيه. إنهم عملاء إسرائيل وأميركا، وإذ كانت إيران في حينها ضلع المخونين الثالث، فهي اليوم وريثة “الرئيس الضرورة”، وصنوه في إصدار أحكام الإعدام السياسي بحق المشككين بنيات الميليشيات المتعاونة معها في العراق. والغريب أن وجهة التخوين هي أميركا، وسفاراتها في بغداد. أميركا التي ورثت إيران منها العراق في أعقاب قرار الانسحاب الذي أصدره الرئيس السابق باراك أوباما. أميركا التي ما كان بوسع إيران أن تحجز نفوذاً لها في العراق لولا إقدامها على إسقاط النظام السابق. أميركا الشريك السلبي للإيرانيين في بلاد الرافدين، الذي لم تولد حكومة عراقية منذ نوري المالكي إلى اليوم من دون تسوية غير مرئية بينها وبين ايران!

ما الذي حصل حتى صارت العلاقة بواشنطن تهمة في العراق؟ وهي تهمة توجه اليوم بغير وجه حق لناشطين وصحافيين وكتاب، إضافة إلى سياسيين ومسؤولين أمنيين؟ صار لدى العراقيين “شيعة السفارة” على نحو ما لدى اللبنانيين، وعلى هؤلاء أيضاً أن “يتحسسوا رقابهم”! ومطلقو التهم في بغداد ليسوا “ذباباً إلكترونياً” وحسب، إنما تقف خلفهم “حشود” وفصائل “مقاومة”. إنهم هم أنفسهم في بيروت وفي بغداد. الشرط السياسي الذي أنتجهم هنا يتولى إنتاجهم في عاصمة الرشيد. التعرض لـ”سلاح المقاومة” بالنقد والمساءلة وطلب إخضاعه لسلطة الحكومة ولرقابة البرلمان أمر غير مسموحٍ به، ومن يقدم عليه لن يكون أقل من “عميل”، وعميل لمن؟ للسفارة الأميركية!

لكن أن يتوهم المرء أن السفارة الأميركية في بغداد هي غيرها في بيروت، فسيكون مخطئاً! أن يعتقد المرء أن حضور السفارة في بغداد هو امتداد لمسار سياسي بدأ بعد إسقاط النظام السابق وامتد على طول تجربة العراق السياسية بعد عام 2003، فهو بذلك يتوهم ما لا تنطوي عليه الحقيقة. ففي الوقت الذي كانت فيه واشنطن تنكفئ عن بغداد، كانت طهران تمد أذرعها على طول البلاد وعرضها، وصار بإمكانها اليوم أن تجعل من العلاقة مع واشنطن تهمة يُدان أصحابها ويخوَّنون.

قبل أيامٍ قليلة أخذت السلطات العراقية قراراً بوقف عمل مكتب قناة “الحرة” في بغداد لمدة ثلاثة أشهر. هذا مؤشر كبير على التحول الذي أصاب تركيبة الحكم في العراق، والذي بدأ عام 2014، حين كان نوري المالكي على رأس الحكومة. قناة “الحرة” انطلقت بموازاة الحرب الأميركية في العراق، ومثلت منبراً لنخب ما بعد سقوط صدام حسين. حضور القناة في بغداد فاق حضورها في أي بلد عربي توجهت إليه، وفريق عملها ضم عراقيين من كل الأطياف، ومن بينهم مقربون من المالكي وغيره من السياسيين الشيعة والأكراد. والمحطة ولشدة انشغالها بالعراق، أنشأت قناة خاصة به سمَّتها “الحرة العراق”. لا بل أن المسؤول العراقي الذي وقَّع قرار وقف عمل مكتب المحطة في بغداد، كان عمل لسنوات في مكاتبها في واشنطن!

قرار وقف البث مؤشر مهم على التحول في طبيعة السلطة في بغداد وعلى قضم طهران جزءاً أساسياً من نفوذ واشنطن هناك. وهذا القضم حصل على نحو تدريجي، وبدأب ومثابرة من قبل قاسم سليماني في مقابل انكفاء وعدم اكتراث من قبل إدارتي أوباما ومن بعده دونالد ترامب.

حضور واشنطن منذ سنوات في العراق أخذ شكل الصدمات والانتفاضات، بينما تعاظم نفوذ طهران بهدوء. انتفضت واشنطن على نوري المالكي وأرادت إسقاطه، وما كان بإمكان طهران حمايته. جيء بحيدر العبادي كحلٍ وسط. نصفه لواشنطن ونصفه الثاني لطهران! لم يرضِ ذلك قاسم سليماني وشرع بحربٍ باردة على العبادي، ولم تتمكن هذه المرة واشنطن من حمايته، فأطيح به وجيء بعادل عبد المهدي، وحصة طهران من الأخير تفوق حصة واشنطن. عبد المهدي لم يتمكن من وقف قرار هيئة البث العراقية الذي أوقف عمل قناة “الحرة”، ذاك أن نفوذ نوري المالكي في الهيئة يفوق نفوذه. هذه المعادلة تعطي فكرة عن التحولات التي أصابت تركيبة الحكم في العراق اليوم، والأدوار المركبة التي تؤديها طهران هناك.

إنهم هم أنفسهم في بيروت وفي بغداد. الشرط السياسي الذي أنتجهم هنا يتولى إنتاجهم في عاصمة الرشيد. التعرض لـ”سلاح المقاومة” بالنقد والمساءلة وطلب إخضاعه لسلطة الحكومة ولرقابة البرلمان أمر غير مسموحٍ به، ومن يقدم عليه لن يكون أقل من “عميل”، وعميل لمن؟ للسفارة الأميركية!

الغريب أن قرار وقف عمل مكتب “الحرة” عُلل بأنها بثت شريطاً وثائقياً عن فساد هيئآت دينية سنية وشيعية. الشريط عرض لوقائع موثقة عن عمليات فساد في الوقف السني وفي العتبة الكربلائية. ومن الواضح أن قرار وقف عمل المكتب هو قرار سياسي سابق على بث المحطة الشريط، وهو ترافق مع حملةٍ تخوينية استهدفت كتاباً وناشطين تحفظوا على إبقاء فصائل “المقاومة” خارج رقابة الحكومة وخارج قيادة القوى الأمنية الرسمية. “فصائل المقاومة” هي جماعات عراقية تحت الأمرة المباشرة للحرس الثوري الإيراني، وتنتشر قواعدها في مختلف محافظات العراق. قاتل عناصرها في سوريا، وهدد قادة منهم باستهداف القواعد الأميركية في العراق في حال نشبت مواجهة بين إيران وأميركا في الخليج.

في ردودهم على حملات التخوين التي تعرضوا لها، كتب عدد من الناشطين المستهدفين أن العراق ليس لبنان، وأن ما يصح في بيروت لا يصح في بغداد. قد يكون في ما قالوه بعض الصحة، لكن مساراً مشابهاً عشناه في بيروت أفضى إلى ما نحن فيه من استتباع. في بغداد تحصل اليوم وقائع مطابقة تماماً لما حدث عندنا. علاقة الدولة مع سلاح غير شرعي عولجت بالاعتراف بهذا السلاح، ثم تضخم هذا السلاح إلى أن صار أقوى من سلاح الدولة، وهو محمي ببيانٍ وزاري وبجهوزية فائقة لتخوين كل من يمتعض. وها نحن اليوم نعيش في “جمهورية حزب الله”، التي لم تكن في السابق أكثر من اسم لكتاب استشرف صاحبه ما نحن بصدده. فهل في بغداد من يستشرف؟