المحرر موضوع: خرافة المعارضة في السياق العراقي  (زيارة 909 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31485
    • مشاهدة الملف الشخصي
خرافة المعارضة في السياق العراقي

يحيى الكبيسي
NRT / ankawa.com
تكشف مراجعات مؤتمرات المعارضة العراقية، بداية من مؤتمر بيروت عام 1991، وصولا إلى مؤتمر لندن عام 2002، أن الجماعات السياسية العراقية، التي شكلت العماد الرئيسي لحركة المعارضة، والتي هيمنت على المشهد السياسي بعد نيسان 2003، تقوم على مقولات هوياتية بوصفها مقولات سياسية، ومن ثم فهي بطبيعتها، وبنيتها، ومقولاتها، أحزاب او جماعات سياسية «طائفية»، أي أنها لا يمكن إلا أن تكون أحزابا كردية أو شيعية أو سنية أو ممثلة للأقليات هوياتيا وسياسيا. كما تكشف هذه المراجعات أن الأحزاب التاريخية (كالحزب الشيوعي والأحزاب القومية)، او حتى ما أسميته «الدكاكين السياسية» التي تشكلت بعد حرب تحرير الكويت (كحركة الوفاق أو المؤتمر الوطني)، انحسر حضورها وتقزم دورها، فغابت بعضها تماما عن المشهد حيث اضطر الحزب الشيوعي مثلا إلى القبول بالأمر الواقع؛ فانقسم بداية من العام 1993 إلى الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني!
وقبل الدخول في مجلس الحكم، الذي شكله الاحتلال الأمريكي في العام 2003 وفقا لهوية سكرتيره العام (الشيعي). ثم اضطر إلى التحالف مع التيار الصدري لكي يضمن له مكانا في مجلس النواب بعد ان فشل في أيصال أي نائب في انتخابات العام 2014. فيما اضطر بعضها الآخرون إلى التعكز على البعد الهوياتي من أجل الاستمرار كما فعل أحمد الجلبي (الليبرالي المفترض) الذي قام بتشكيل البيت الشيعي سنة 2004، فيما اضطر أياد علاوي (القومي المفترض) إلى القبول بدور «المحلل» (بكسر اللام) الذي يضفي صبغة عابرة للهويات لكتل انتخابية ذات هوية سنية) بداية من العام 2010.
كما تكشف هذه المراجعات عن إصرار شبه جماعي من هذه الأحزاب على أن يكون النظام السياسي في العراق نظاما تمثيليا للمكونات، تبعا لأوزانها الديمغرافية، الحقيقية أو المتخيلة؛ فالموقعون لـ «إعلان شيعة العراق» الذي صدر عام 2002 كانوا واعين تماما باستخدام عبارات مثل: «الأكثرية الشيعية المحكومة من النزعة الطائفية المهيمنة للسلطة السنية»! أو «الأقلية السنية»! وهي العبارات التي تردد صداها في النسخة الأولى لدستور عام 2005، قبل أن يتدخل الأمريكيون لتعديلها! كما ان القائمين على مؤتمر لندن (كانون الأول/ ديسمبر 2003) حرصوا على تضمين عبارة «الأغلبية الشيعية» في البيان الختامي للمؤتمر، وكان الخلاف الرئيسي هو إصرار الأحزاب والشخصيات الشيعية على أن تحظى بنسبة (50٪ + 1) في لجنة المتابعة والتنسيق التي خرجت عن المؤتمر!
وقد استند النظام السياسي الذي أنتجه الأمريكيون في العراق، سواء من خلال «مجلس الحكم» ( تم تشكيله في 12 تموز 2002) أو من خلال «قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية» (الصادر في 8 آذار 2004)، إلى ما انتهت اليه المعارضة العراقية نفسها، وهو أن العراق بلد تعددي لا يمكن أن يحكم إلا من خلال الشراكة، تحديدا بين المكونات الرئيسية الثلاثة: الشيعة والسنة والأكراد. لذا عمدوا إلى نقل الأنموذج الذي يعرف في مجال العلوم السياسية بالديمقراطية التوافقية، أو على الأقل بعض مبادئه الرئيسية، إلى العراق.
إن المعارضة المفترضة، في ظل علاقات القوة القائمة شيعيا، ستظل في حدود الظاهرة الصوتية، والبروباغاندا، ولا يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي في مسار العملية السياسية أو بناء الدولة
لكن عملية كتابة الدستور، التي هيمن عليها الفاعلون السياسيون الشيعة، شهدت محاولات منهجية لرفض هذا الأنموذج. وما شهدناه من ممارسات سياسية «توافقية» طوال السنوات الماضية، كانت محض ممارسات براغماتية لا تستند إلى إطار دستوري أو قانوني. فالقراءة الدقيقة للدستور وتحليل مواده تكشف عن نظام سياسي قائم على أساس أنموذج «أكثروي» ـ نسبة إلى الأكثرية، وحيث إننا أمام تماه تام بين الأكثرية السياسية والأكثرية الديمغرافية، بسبب من طبيعة القوى السياسية الرئيسية في العراق، وبسبب من طبيعة الاستقطاب الطائفي (الاثني والمذهبي) القائم، فهذا يعني أن «الأكثرية الديمغرافية»، من خلال تمثيلها النسبي في البرلمان لديها القدرة، ولو نظريا، على احتكار السلطة.
إن استقصاء لآليات التصويت في مجلس النواب يكشف عن أليات متعددة، ولكن التدقيق في هذه الآليات يكشف أنها لا تشكل عائقا أمام هيمنة آلية التصويت بالأغلبية البسيطة على بقية الآليات المعتمدة (خاصة بعد قرار المحكمة الاتحادية المسيس الذي أطاح بصيغة «التصويت بالأغلبية» وعدتها الأغلبية البسيطة نفسها «القرار27/ اتحادية/ 2009»)؛ فالتصويت بأغلبية الثلثين لا يتجاوز وفق الوقائع القائمة أربع حالات (البت في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، والموافقة على إعلان الحرب، وإنشاء مجلس الاتحاد، وتشكيل المحكمة الاتحادية). والتصويت بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب لا تتجاوز خمس حالات أيضا (مساءلة رئيس الجمهورية وإعفائه، وسحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء، وحل مجلس النواب، وانتخاب رئيس مجلس النواب) وهذا يعني أن الأغلبية البسيطة يمكنها أن تمرر غالبية القرارات في مجلس النواب من دون الالتفات إلى أية معارضة محتملة، حتى لو وصلت هذه المعارضة إلى نسبة 164 صوتا في مقابل أغلبية 165 صوتا.
والحقيقة ان الفاعلين السياسيين أطاحوا صراحة ببعض هذه الآليات من خلال احتكار السلطة التنفيذية، وتحديدا رئاسة مجلس الوزراء، للقرار السياسي دون العودة إلى مجلس النواب، وذلك من خلال إصدار الأوامر الديوانية غير الدستورية! او من خلال اعتماد سياسة التعيينات بالوكالة لتجاوز سلطة مجلس النواب فيما يتعلق بالمصادقة على هذه التعيينات، حتى تحولت الدولة العراقية بالكامل إلى دولة تدار بالوكالة بشكل يكاد يكون كاملا!
في ظل هذه الوقائع، يبدو واضحا تماما أن الحديث عن «معارضة» سياسية مفترضة، لا يمكن أن يستقيم مع طبيعة النظام السياسي الهجين القائم في العراق، ولا يمكن أن يستقيم أيضا في سياق الصراع السياسي ذي الطبيعة الهوياتية الذي يحكم العراق (مهما حاول الفاعلون السياسية إنكارها او التمويه عليها)، ولا يمكن ان تستقيم مع الطبيعة الهوياتية للأحزاب والكيانات السياسية في العراق! وبالتالي لن يتم التعامل مع أي معارضة «مفترضة» في مجلس النواب العراقي إلا وفق التصنيف الهوياتي البحت، أي أنها ستكون «معارضة» في إطار الهوية الواحدة التي ستضطر إلى الاصطفاف هوياتيا مع من «تعارضهم» في القضايا الجوهرية التي تحكمها طبيعة الصراع والانقسام المجتمعي في العراق! وهذا يعني عمليا أن المعارضة المفترضة، في ظل علاقات القوة القائمة شيعيا، ستظل في حدود الظاهرة الصوتية، والبروباغاندا، ولا يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي في مسار العملية السياسية أو بناء الدولة.