بين المهجر والوطن, من ناضل ومن ضحى ومن ارتزق وزرع الفتن
مرة اخرى اجبر على الكتابة وانا لست بكاتب, وكما قلتها للكثيرين ممن يطلبون مني الكتابة لضنهم اني اكتب بشكل يحبونه, انا لست بكاتب بل قلمي يثور احيانا عندما اجد بعض المواقف المخزية من تجار العمل القومي او نمر بمنعطف يؤثر على شعبنا قوميا او فكريا, او دفاعا عن حق لشخص اعرف تاريخه, ويسلب هذا الحق او يغبن و يظلم في مسيرته ممن لايستحقون حتى اسمهم.
في الفترة الاخيرة وبالتحديد قبال انتخابات البرلمانية في العراق, ظهرت بعض الاصوات النشاز تطالب من اي ناقد او ناصح للعمل القومي في الوطن, بالذهاب الى الوطن (الساحة) والعمل هناك. وازدات هذه الاصوات بعد ان دخل بعض من ابناء شعبنا من سكنة المهجر في معترك الانتخابات, لانه وجد في نفسه الامكانية لخدمة شعبه, ولضنه ايضا بان العمل القومي يجب ان يكون على ارض الواقع, ومع هذا لم يسلم من منافسيه الغير شرفاء من التنكيل والتسقيط وتشويه السمعة. واستمرت هذه الحالة ونسمعها من بعض القيادات ومن التوابع لهم, وهذا يعني انها حالة موجهة وليس حالات فردية او اجتهادات انصار. ولكي لا نغوص في مهاترات تسيء مسامع الخيرين من القراء نقتبس فقط مقولة واحدة يرددها اكثرهم وهي ( كل من يريد النضال والعمل لصالح الامة, فليتفضل على الساحة في الوطن (العراق) ليرينا عضلاته او يسكت) انتهى الاقتباس.
رغم ان الموضوع شائك وطويل لكن ساحاول ان اختصره قدر الامكان, واتكلم عن العمل في المهجر وفي الوطن, ثم نناقش افكار هؤلاء اصحاب فكر شطر العمل القومي وتجزيئه.
العمل القومي في المهجر..كوني بدأت بالعمل القومي والسياسي والتنظيمي منذ عقود, فانا احد الذين جرب كل مراحل النضال ووصلت الى المهجر في بداية التسعينات, وتركت الوطن عندما قمعت الانتفاضات من الجنوب والشمال, ولم يبقى اي معارض في الوطن.
عندما وصلت والكثيرين من رفاقنا ومن محبين العمل القومي الى المهجر كانت هناك بعض تنظيمات شعبنا تعمل وتقدم المساعدات الى تنظيمات الداخل, ولكنها لم تكن كافية للمرحلة المقبلة, فشعبنا كان تحت الحصار كجزء من الدولة العراقية وفي صراع قومي وديني مع كل جيراننا, ولدعم وجود شعبنا وتنظيماتنا في الداخل, بدأ العمل التنظيمي والتعبوي لابناء شعبنا ووصل ذروته في منتصف التسعينات, وكانت ترسل الاموال والدعم الكبير لديمومة المقرات لتنظيماتنا, وللعمل الخيري ولرواتب المقاتلين ولشراء الاراضي وبناء القاعات والمراكز الثقافية والتي اصبحت اليوم مصدر رزق واستثراء البعض.
وهكذا جائت المدارس السريانية (الاشورية), فبدأت حملة الدعم الثابت لها, وكما اشيع انها لم تحصل على الموافقات من الحكومة المحلية لذلك انشأت كمدارس خاصة, ودعم شعبنا في المهجر وبتوجيه تنظيماتنا لهذا الدعم لانه منجز كبير, فتبنى شعبنا وتنظيماتنا في المهجر كل المصاريف من تاثيث ورواتب المدرسين وتنقلات الطلبة ومبيت البعض منهم والقرطاسية, الى ان توضح بعد ذلك ان هذه المدارس اخذت مبالغ من الدولة بعد ان تاسست, ولا تزال بعض المساعدات في المهجر تصل لهذه المدارس ليومنا هذا. هذه المساعدات المادية كانت شبه ثابتة بالاضافة الى المتغيرات ومنها الكثير كدعم المسيرات ونفقات المؤتمرات وارسال الوفود الشبابية للمعايشة وغيرها الكثير ومعظم ابناء شعبنا ساهم في هذا الدعم وبكل فخر. ولم يطلب يوما من هذه التنظيمات في الداخل عن سجل للاموال المرسلة, رغم انه من حقهم. لثقتهم بهذه التنظيمات. علما انه لايوجد سجل لهذه الاموال التي ارسلت ليومنا هذا.
اما من الناحية السياسية, فكان للمهجر الدور الاساسي في ايصال صوت شعبنا الاشوري والعراقي عامة الى المحافل الدولية والتاثير على السياسات الخارجية للدول, وانا شخصيا شاركت كثيرا ونظمنا لقاءات عدة لقادة احزابنا مع الحكومات, وهكذا الكثير من تنظيماتنا ساهمت بايصال هذه الاصوات, ان كانت بمظاهرات او مسيرات او بالمراسلات لاصحاب الشان وكان عمل شاق وعناء السفر لان كل محفل اممي ودولي يقع في دولة, والتواجد يكون ضروريا في كل مكان للتاثير, وهذا كله كان يحدث على النفقة الشخصية للمشاركين, لان اموال التنظيمات كان ترسل الى الوطن للضرورة, وكانت التحركات على النفقة الشخصية بالاضافة الى التنقل في اقسى الضروف الجوية والمخاطرة بحياة الكثيرين منهم نتيجية هذه التنقلات, ورغم هذا كله كان الكثيرين منهم يقدمون الدعم لاهاليهم واقربائهم ايضا, ولم يطمعوا يوما بمنصب او ثمن نضالهم بل هم اليوم من الطبقات التحت المتوسطة لانهم قضوا سنين يساعدون ويدعمون دون مقابل, وهذا النضال بالنتيجة ادى الى ارسال الدبابة الامريكية والبريطانية والدانماركية وغيرهم, ليمشي البعض خلفها وليس فوقها, متسترا ليستلم منصب بعد زوال الطاغية ويصبح المناضل الاوحد, لا بل وينسب كل المنجزات له شخصيا, لنسمعها منه عندما يقول لدي كذا مدرسة ولدي كذا منجز, وكان المنجزات انجزت من قبله ومن ماله, وهذه النرجسية الواضحة التي تدوس على نضال وتضحية الاخرين.
اما اعلاميا فكل اصدار كان يصدر في الوطن كان مدعوما من المهجر بتحمل التكلفة وايصاله الى ابناء شعبنا في المهجر بالاضافة الى الدعم لقنوات الفضائية كقناة اشور, دعمت دعما من ارسال اجهزة ودعم مالي بالاشتراك الشهري لابناء شعبنا, وتنظيم دعم ثابت لها, لكن سوء الادارة افشلت هذه التجربة, رغم حتى الدعم الدولي (الامريكي).
هذا جزء مختصر من مواقف ونضال تنضيماتنا وشعبنا في المهجر للذين لا يعون ماذا يقولون, وهذا كله لم يعد موجود اليوم, بسبب تدمير تنظيمات المهجر من قبل سياسات بعض القادة في تنظيماتنا في الوطن (في الساحة). وباختصار كل خطوة وكل حجر وضع بفترة التسعينات وبداية الالفين كان بدعم من ابناء المهجر, تنظيمات وشعب.
العمل القومي في الوطن..اما في الوطن, نعم كان هناك عمل قومي نزيه في بداية السبعينات وكفاح مسلح في الثمانينات وعمل تنظيمات سرية في كل المدن العراقية التي تواجد فيها ابناء شعبنا, وهذا العمل القومي الاشورية هو من نال شرف ثقة شعبنا بهذه التنظيمات, لانها فعلا كانت حركات قومية تقدمها شباب يؤمنون بانتمائهم القومي وبعيدين كل البعد عن الانتهازية والوصولية والانتفاعات الشخصية, كما قدموا هؤلاء الشباب تضحيات وجازفوا بحياتهم من اجل قضيتهم الاشورية وبنوا صرحا عظيما يتغنى به الاجيال ليومنا هذا, وسقط بعضهم شهداء ليوقعوا وثيقة عهد بالدم للاجيال باستمرار المسيرة. ولا زالت سمعة ونضال هؤلاء تستخدم في استرزاق المنتفعين وتستغل لتغطية فشل البعض اليوم.
نعم استمرت المسيرة الى حين!! وبدعم من المهجر كما اسلفنا استمر العمل بوتيرة جيدة خلال التسعينات وبداية الالفية الثانية, وتحول تدريجيا النضال القومي الى مكاسب ومناصب وصراع على الامتيازات الممنوحة من الحكومة المحلية والاحزاب الحاكمة, واشتدت بعد سقوط النظام, لان الوعي القومي عند المضحين الاوائل انتقل الى الشعب, وغادر عقول القيادة, فبيمنا كان الشعب يفكر بالاعمار واسترجاع ما اغتصب من ارض وحقوق, كانت القيادات تفكر بكرسي وامتياز وحلف مع الاحزاب الكبيرة للمنافع الشخصية, حتى لو كانت هذه الاحزاب ضد التوجه القومي الاشوري, وبدانا نلاحض توجه مسيرة هذا التنظيمات من القومي الى الطائفي ثم الى مكون ديني (اهل الذمة) لاقيمة له ولا حق قومي على الارض في وسط تيارات اسلامية.
ثم بدأت الدسائس بين هؤلاء المنتفعين وبدأ التخوين وانتهت بالعزل والابعاد للكثيرين ممن عارضوا هذا التوجه. وبسبب كل ذلك انهارت معظم تنظيمات المهجر, وخلت القيادات من المفكرين واصبح النضال من اجل المقعد في البرلمان ومنصب حتى لو كان وهمي (فضائي), واصبح مصدر رزق الكثير من المنتفعين من احتضان الغريب لهم واعطائهم ادوار لتنفيذها ليس الا, وتنامت الكروش لحد عجزت اربطتهم على احتظانها.
نعم لم يعد هؤلاء بحاجة الى المهجر, فمصدر ارتزاقم وولي نعمتهم لا يحاسبهم على التخاذل القومي, اما شعبهم في المهجر فحاسب عندما غيروا اسم هذا الشعب وحاسب عندما حاربوا الشرفاء وعزلوا الخيرين, كما بدأ يحاسب على الدعم الضخم الذي ارسل بدون معرفة اين انتهى ولماذا لم يوثق, واليوم عاقبهم بالانتخابات وغدا سيكون عقابهم اشد والتاريخ لايرحم.
واقول لمن يسمي نفسه مناضل ان النضال ينتهي عندما تستلم ثمنه, ويتحول الى وضيفة تخدم من وضفك, كما اقول.. اسمعوا صوت شعبكم فهو من اوصلكم لما انتم عليه, ولا تمني احد على خدماتك, فطارق عزيز خدم البعض بالوضائف بل اخرج الكثير من السجون, ورغم هذا لم يحسب يوما على شعبنا. بل كان شعبنا يمقته, ولا تطلب ان ياتي ويناضل مكانك لانه انتقد عملك, لانه لو قال لك اعطني قصرك وحمايتك ومنصبك وساقدم اكثر منك فهل ستوافق؟؟؟ وهل اخذتم الذين تركوا المهجر وعادوا للوطن (للعمل السياسي كان ام للمشاركة في الانتخابات) بالاحظان ام انهلتم عليهم بالتسقيط والتشويه؟ واذا انتم تتحالفون يوما وتمزقون تحالفكم في اليوم الثاني, وتسقطون بعضكم في البرلمان, فلماذا تطلبون من ابناء المهجر ان يعودو ويناضلوا في الوطن؟ ومن السخرية ايضا عندما تسالون عن المنجزات, يكون تبريركم ان يدكم تحت صخرة ولا يمكنكم عمل شيء, اذا لما تطلب مني ان اضع يدي تحت صخرتك اللعينة ايضا؟؟ اسئلة اذا استطعتم الاجابة عليها دون تسقيط عسى ان تستعيدون قليل من مصداقيتكم.
ولاهلنا وابناء شعبنا في المهجر اقول ايضا, لا تستفزكم هذه الاصوات النشاز, استمرو بدعمكم لاهلكم في الوطن وفي اي مكان يكون شعبكم محتاج, ولا تنظروا الى الكروش الممتلئة بمال الحرام, بل انظرو الى البطون الخاوية في المخيمات والذين اخرجوا من بيوتهم واراضيهم بملابسهم وامام اعين المناضلين ولم نسمع احدا استقال من منصبه او حتى جمد عضويته بالبرلمان لاسبوع لحفظ ماء الوجه, وقولو كلمة الحق ولا تخافو شيء, فامة اشور تهجر قسريا وتباد منذ 1915 ولن تقتصر حقوق هذه الامة بربطة عنق وبدلة في البرلمان العراقي او الايراني او في حكومات محلية ومنصب تافه, فشعبنا مشتت في كل ارجاء المعمورة ولم شمل هذا الشعب ودعمه واجب الجميع, وانظرو الى الشرفاء من ابناء شعبكم الذين لا زالوا يناضلون من اجل قضية شعبكم رغم محاربة هؤلاء المنتفعين لهم في قوت يومهم, فهم ايضا مستهدفين كغيرهم من الشرفاء, وهناك من يتمنى ويعمل على تغيير الواقع المزري لهذه التنظيمات, من داخلها وخارجها, ويحتاج لدعم كل شريف لاعادة تنظيماتنا الى خطهم القومي المشرف والى خط النزاهة والتضحية, خط شهدائنا الابرار الذين لم يطمعوا يوما بجاه او قصر او منصب, بل قدموا اعز مايملكون يوم لم تكن قصورا مأواهم بل كهوف ووسادتهم صخور قاسية يحلمون عليها احلام كبيرة. قدموا ارواحهم لنرفع راسنا ونقول يوما اننا امة حية لا تموت.
زيا ميخائيل