المحرر موضوع: شهداء خمس نجوم  (زيارة 1324 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل abuthar

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 308
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
شهداء خمس نجوم
« في: 23:16 07/09/2005 »
شهداء خمس نجوم

 الشهادة هي غاية الجود ، أي أن المرء حين يجود بنفسه يصل إلى مرتبة لا يعدله فيها أحد ممن هم على قيد الحياة ، وحتى في الحالات التي تكون فيها الشهادة ليس محض اختيار مسبق إنما نتيجة حادث عرضي يعتبر من يقضي نحبه شهيدا مادام قد مات وهو يؤدي واجبا إنسانيا ما ، وله يقين بأنه يفعل فعل خير ، حتى مع عدم تمام هذا الخير ، ولا نريد هنا أن نتوغل أكثر مما يجب في شرح أبواب الشهادة وتصانيفها وفقا لهذا المذهب أو ذاك ، لكن نود هنا أن نشير إلى الشهادة بوصفها قيمة عليا يحصل عليها الإنسان جراء إيمانه بهدف نبيل وبذله أقصى ما يستطيع في سبيل تحقيق هذا الهدف .
ولعل في فاجعة جسر الأئمة خير دليل وبرهان على سمو النفس الإنسانية التي تتحدى المخاطر ، وتواجه الإرهاب بقلوب مفعمة بالخير والصفاء والسلام ، لتضرب مثلا للعالم أجمع على سمو قيم الخير والسلام واندحار كل البغي والعدوان أمام هذه الصور المشبعة بالمعاني السامية وبالعبر لمن لا يعتبر ، فالجميع الآن – سنة وشيعة وأكراد ومسيح – يتحدثون بإكبار وإجلال عن هؤلاء الشهداء ، بينما المجرمون الذين اقترفوا فعلتهم الشنيعة تلك منبوذون مدانون تلاحقهم اللعنات كما لاحقت من قبل قتلة الحسين الشهيد ولم تنقطع الى يومنا هذا ، لكن هل لنا ان نتأمل جيدا فيما حصل ، وهل لنا ان نؤشر بعض النقاط وأن نتعلم من هذه التجربة درسا قد يغنينا عن التعرض لتجربة (فجائعية) مماثلة ..
أنا أرى أن ذلك أفضل بكثير من كل ردود الأفعال التي ارتجلت في الآونة الأخيرة ، والتي تسوق لنا عبر الفضائيات العراقية (إعلاميا) ولنتحدث هنا (مثلا) عن حملة التبرعات .. فهذه الحملة التي بدأ وطيسها يستعر يوما بعد آخر ، قد تخفف العبء عن عوائل الشهداء (ماديا) لكن ماذا عن الأعباء الأخرى ، والتي يتعرض لها عامة الشعب وفقا لـ (منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر) فلا أحد بمنجى من رصاص الإرهاب (باستثناء من يسكنون المنطقة الخضراء) ولعل حض المواطن الذي يقتل مع مائة من المواطنين أفضل ممن يقتل مع عشرة ، وأما من يقتل مع ألف فحضه أوفر أضعافا مضاعفة ، ولا ندري غدا هل سيتفه هذا الرقم ويطلب منا أن نموت ضمن عشرة آلاف أو مائة ألف كي يحظى ذوينا بالرعاية والوفادة ، ونحظى نحن (الشهداء) بخطب ذات رنين وإيقاع يتناسب وقعه مع حجم الكارثة !!
لي صديق يجيد الترجمة من الإنكليزية (وأرجو أن لا يفهم القارئ بأنني أخرج عن الموضوع) قال : طلب مني شخص أن أترجم لـه كتاب رسمي صادر من الأمريكان ، وحين تعجبت الأمر وسألته عن علاقته بهم ، لعلمي أنه قريب من جماعة إرهابية ، فقال ضاحكا : لقد قدمنا رشوة مناسبة إلى جهاز الشرطة لكي يطلقوا سراح بعض (المجاهدين) لكنهم طلبوا منا أن تكون الإجراءات رسمية ، لذا أنا أريد منك أن تترجم هذه الورقة وسنمهرها بختم مزور للأمريكان فيكون إطلاق سراح اخوتنا (المجاهدون) أمرا رسميا ، ولن يعترض طريقنا أحد . فقلت لصديقي : ولكن هؤلاء سيقتلون الشرطة حين يطلق سراحهم (على يد المرتشين من الشرطة) فقال هم يعلمون بذلك ، لكن الورق الأخضر (الدولارات) له تأثير ساحر !!
          ونحن بالطبع لا نريد هنا أن نصيب المواطن بالإحباط وفقدان الأمل في تحسن الوضع الأمني ، لكن سقت هذه المعلومة لتكون نقطة دلالة في بوصلة حكومة الجعفري الذي تنازل أخيرا عن برجه العاجي الأخضر وتوجه إلى الشعب كي يشاركهم أحزانهم ومآسيهم ، وتلك في رأيي خطوة بناءة ترتكز إلى ما سيليها وليس إلى ما سبقها ، أي أن الجعفري مطالب الآن بأن يتحمل وزر أمانته لأنه قد صار على مرمى شبر من دموع ضحايا تلكؤ حكومته وعجز وزراءه عن منع الثكلى من الثكل ومنع الأرامل من الترمل ومنع اليتامى من اليتم ، ولعل في المبالغ التي تم التبرع بها لذوي الشهداء خير دليل على البؤس الذي وصلنا إليه ، والسؤال الذي يطرح نفسه رغم حرج الموقف – هل كان علينا أن نخسر ألف من أبنائنا كي نعلم كم يتقاضى الوزير الفلاني كراتب شهري ؟
وهل علينا أن نخسر ألف شهيد كي نتأكد من أننا أبناء بلد واحد وأن لا فرق بين طائفة وأخرى (إلا ما شاء ساستنا الجدد ؟) وهل علينا أن نخسر ألف شهيد أو أكثر كي نقيل هذا الوزير أو ذاك ؟ ثمة أسئلة أخرى كثيرة أثارتها الفاجعة ، لكننا بالمقابل نتمنى أن لا تكتفي حكومة الجعفري بعمل نصب للشهيد البطل عثمان ، او أن يزور رئيسها سرادق العزاء ، كي يقول كلمة هنا وأخرى هناك ، ثم يعود الى حصنه المنيع وينتظر حدوث فاجعة أخرى كي يتعامل معها بأبوة وانسانية (تقتصر على ذوي الضحايا) بل نريد أن يشحذ السيد الجعفري وحكومته الرشيدة كافة مواهبهم النضالية ، وأن يستلهموا الأفعال المناسبة مما يقولوه (كلاما) كي يحولوه الى فعل حقيقي يدوس بجزمته على رقبة الإرهاب ويمنعه من أن يفجعنا بكاظمية جديدة ، فقد شبعنا كظما لغيضنا ، وآن لنا أن ننتقل إلى مرحلة الفعل والعمل بلا هوادة .. [/size]