المحرر موضوع: دون الأستئذان لقرارات الدول العربية  (زيارة 873 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حسين محمود

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 1
    • مشاهدة الملف الشخصي
--------------------------------------------------------------------------------


لم تعد الإدارة الأميركية بحاجة إلى استئذان الأنظمة العربية وهي تتخذ القرارات المتعلقة بها: سيادتها، مصالحها، علاقاتها مع جيرانها، فضلاً عن موقف شعوبها من تبعيتها المطلقة للقرار الأميركي.

بل إن الإدارة الأميركية تقرّر ما يخدم مصالحها، ثم «تبيع» قراراتها هذه للأنظمة العربية المعنية، على أنها من أجل توطيد أمنها، وتأمين الاستقرار... وهي الآن تكاد تضيف أنها إنما ترسل قواتها وتستبقيها في المنطقة من أجل حماية «العروبة» والإسلام في أقطار الجزيرة والخليج! .

سقط التهيّب من احتمال رد فعل غاضب، باسم الكرامة الوطنية، مثلاً، أو بحجة عدم الحاجة إلى مثل هذه القوات التي سوف يشكل وجودها الطارئ تهديداً لأمن المنطقة، فضلاً عما قد يستولده من مخاطر، لم تكن قائمة أو راهنة.. وعلى رأسها المخاطر الجدية على كرامة الإسلام والمسلمين والعروبة وأهلها.

تريد الإدارة الأميركية إقناع هؤلاء العرب أن احتلالها العراق وتدمير قوته، وتهديد كيانه السياسي بالانفراط، والتحريض على الفتنة بين أهله، كل ذلك لا يشكل خطراً على الكيانات المجاورة، التي تشترك شعوبها مع العراقيين في الهوية بتفاصيلها العرقية والطائفية والمذهبية ذاتها..

أي أنها تستولد «الخطر» ثم تهدد به ضحايا احتلالها العراق، في الأقطار التي تجاوره. تعجز عن القضاء على المقاومة فيه، فتحرّك الحساسيات المنسية بإغراءات السلطة و«التعويض عن الحرمان»، لتضع مشروع الحرب الأهلية مقابل المقاومة فيصير العراقي مسؤولاً عن الحرب الأميركية وعن إخفاقاتها وهو هو الضحية... وبمئات الألوف! .

ولكي تعزز استثمار الفتنة تعيد تضخيم صورة «الخطر الإيراني»، وتكتشف أن الثورة الإسلامية وليس الإدارة الأميركية هي التي تملك مشروعاً للهيمنة على المنطقة برمتها... فترفع صوتها بإنذار أقطار الجزيرة والخليج: الذئب! الذئب!.. وتأمل أن يوجهوا أبصارهم إلى جارهم الأبدي، الذي يهم بالاحتفال بالذكرى الثامنة والعشرين لثورته الإسلامية من دون أن يصدر عنه أي تهديد جدي لجيرانه، ومن دون أن يتدخل حتى وأرض جيرانه وسواحلها تنفتح للقواعد العسكرية الأميركية وللأساطيل الأميركية، بذريعة القدوم إليهم لحمايتهم منه؟! .

فالرئيس الأميركي جورج بوش يعلن بلا وجل: «أن واشنطن ستنشر قوة ضاربة في المنطقة، بينها حاملة الطائرات «يو اس. اس. جون. سي. ستينيس» وكتيبة للدفاع الجوي مجهزة بصواريخ باتريوت».

ووزير دفاعه روبرت غيتس يقول بغير مواربة: «نود ببساطة أن نعلم جميع دول المنطقة بأننا سنبقى في الخليج لفترة طويلة»... ثم يوضح أن الرسالة موجهة بشكل خاص لإيران. كأنما وجود أساطيله يطمئن الخليجيين ويوطد الثقة بينهم وبين جيرانهم الإيرانيين.

وبينما ترتفع الأصوات داخل الإدارة الأميركية ذاتها، والجيش الأميركي، بالاعتراض، ومعها أكثرية الكونغرس بمجلسيه، فإن البيت الأبيض يمضي في خطته قدماً بالاعتماد على أصدقائه في المنطقة الذين لا يردون له طلباً!! .

كان لا بد من خلق «عدو» لتبرير الفشل المدوي للاحتلال الأميركي للعراق... وكذلك بصرف النظر عن حقيقة أن الأميركي اقتحم العراق محتلاً لا محرراً وناشراً للدمار والخراب واقتتال الأخوة، وليس لنشر الديموقراطية بعد إسقاط نظام الطغيان الذي كان قائماً، والذي نال شيئاً من إعادة الاعتبار بأفضال الاحتلال الأميركي وأدواته التي في السلطة المصابة بعمى الثأر والانتقام من جلادها بأسلوب يشابه أساليبه..

وكان لا بد من أن يكون «العدو» كبيراً لكي يمكن استيلاد أو تعظيم المخاوف، خصوصاً مع استعادة «ذكريات» مريرة، تحرّك في أقطار الخليج عقدة الذنب ممثلة بتواطئها مع صدام حسين في الحرب على إيران الثورة الإسلامية، بينما كانت في مرحلة من سبقه أقرب إلى الشاه، وتستظل به لحمايتها من مطامع «الحكم الثوري» في العراق، ابتداءً من ثورة 14 تموز 1958 فيه.

إذن فلكي نحتمي من احتمال أن يجيء الذئب نأتي بالأساطيل الأجنبية تملأ علينا البر والبحر والجو، ولا نعتبر احتلالها خطراً، مع أن الدرس العراقي يكاد يغرق أبناء أرض السواد بدمائهم التي تسفح على أيدي الاحتلال وعملائه وأتباعه والقائلين بمقاومته على حد سواء.. خصوصاً حين يخطئ هؤلاء القائلون بالمقاومة فيوجهون رصاصهم إلى إخوتهم وشركائهم في الوطن بذرائع طائفية فينساق الآخرون إلى الرد بالسلاح المسموم نفسه، وتتم تبرئة الاحتلال الأميركي من دماء الطرفين... بل ويكاد البعض يحوّله إلى «حليف» في وجه الخطر الإيراني المحتمل!!
صار الاحتلال الأميركي موضع الأمل باستنقاذ الإسلام والعروبة معاً.

ومن أجل إنقاذهما لا بد من الأساطيل والصواريخ وزيادة عديد قوات الاحتلال الأميركي وزيادة مدى انتشارها... لتعميم الإنقاذ الأميركي على الطريقة العراقية: تدمير وحدة الكيان السياسي ووحدة الشعب والدين من أجل حماية البترول بآباره وخطوط مواصلاته وأسعاره المرتفعة والمضاربات المفتوحة بين المستفيدين من عوائده التي تأتيهم بغير تعب وبلا حساب! .

وإنقاذ الاحتلال الأميركي يستدعي توفير الأسباب اللازمة لتفجير الحساسيات والمخاوف وترسبات مراحل غائرة في التاريخ القديم، لمصادرة حاضر أهل المنطقة ومستقبلها جميعاً، عرباً وإيرانيين، ومعهم الأكراد وسائر العناصر من أبناء هذه الأرض الذين سيظلون جيراناً إلى الأبد، ومصلحتهم البديهية في منع «الأجنبي» من أن يحتل بلادهم ومن أن يبقى فيها إذا ما وفر له غلط هذا الحاكم أو ذاك الذريعة لكي يأتي بعسكره وأساطيله تحت راية الديموقراطية وتنفيذ القرار الذي سوف يمليه على «الشرعية الدولية».