عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - Wadii Batti Hanna

صفحات: [1]
1
المنبر الحر / في رثاءِ أبي
« في: 20:05 29/06/2013  »
في رثاءِ أبي
[/size]
وديع بتي
برطلة / العراق
Wadeebatti@hotmail.com


ما من موقف أصعبُ من هذا ان يقف الأبن ليؤبن ويرثي أعزَّ الناس ، وأغلى الناس ، وأحبَّ الناس ، فيجد نفسه محطما ، يبكي بعضه على بعضه .
هنالك قول مأثور يقول من له أمُّ على قيد الحياة لايحق له ان يشكي ، وقد شاء القدر قبل ثلاث وثلاثين سنة ان تُجتثَّ مفردة الأم من قاموس حياتنا ، فلا أمُّ نزفُّ لها نجاحنا ، و لا أمُّ نشكو لها همومنا ، ولا أمُّ تُزغرد في إكليل فرحنا ، ولا أمُّ تضم إلى صدرها الدافئ الحنون أطفالنا . وكان أبي واعيا منذ البداية لهذه الحقيقة فقبل البلوى بفرح عظيم ،وأخذ يمارس الدورين معا ، فوضع نفسه جانبا ، لابل قرر وبإصرار ان ينساها ، حتى بتنا كل أحشائه وكان بحق المنديل الذي يحاول طوال هذه السنين ان يمسح دموعنا ويُدخل الفرحة الى نفوسنا . لم أسمعه قط يشكو، ظنا منه انه ان فعل ذلك فهو قد يعتدي أو يأخذ من حصتنا أو فرصتنا في الشكوى ، وكلما كان جسده يزداد نحولا مع السنين كان هذا البحر من العطاء والوفاء يزداد إتقادا وثراءً حتى أصبحنا نشعر ان دَيْنه في عنقنا صار يطوقنا من كل الجهات .
وكما كان مع عائلته الصغيرة هكذا كان مع عائلته الكبرى وهم أبناء بلدته التي أحبّها حُبا عظيما وخدمها حيثما استطاع إلى ذلك سبيلا ، فبالإضافة إلى مساهمته في تربية الأجيال فيها، كان أيضاً حريصا على ان تكون له افضل العلاقات القائمة على المحبة مع جميع أبنائها ، فلا اعرف انه قد عادى أحدا ، أو عاداه أحدا ، لا يدين لكي لا يُدان كما أوصى السيد الرب ، يؤمن بقوة ان مجابهة الشر بالشر هي عملية عبثية ، بل يوصينا دوما ان نربح الشر بالخير كما يقول الكتاب . أننا عندما نذرف الدموع بسخاء اليوم عليه فلا نذرفها حزنا على جسدٍ في التسعين من العمر، بل على قيمٍ كنا وسنبقى نعيش عليها ، ونَفَسِ كان يُشعرنا على الدوام بالفرحة والغبطة والفخر وهو يُكرٍس فينا دون كلل أو تعب هذه القيم.
رحل أبي ، هذا ضلال ، أبي لم يذهبِ
لازال في البيت دخان سكائره ، رماده ، فنجانه الذي لم يُشربِ
كيف يرحل رمزُ المحبة وكنزُ الوفاء والقيمِ الأطيبِ
من كنت أتي اليه بنجاحي ، كطفلٍ ، و وجههُ ملعبي
من أشكو له همومي ، وأصلي على صدره المُتعبِ
مذ وعيت حملته في أحداق عيني ، حتى ظنَّ الناس أني أبي
ستبقى باب روحي تنتظر قدومه ،أو ألقاهُ في فضاءِ الحبيبِ الأرحبِ

أعماق قلبي تبكي عليك يا عزيزي ، فمن تُرى يبكي عليَّ
كيف تمضي يا حبيبي ، ولا تعانق بعد يدكَ يديَّ

فخر ما بعده فخر ان نكون أبنائك
شرف ما بعده شرف ان نكون من صلبك
أحلى اقدارنا ان ننتمي إليك
عهدا ان تبقى ذكراك في حنايا الصدور ما دام في الروح نَفَس وفي القلب نبضة

وفي هذه المناسبة الأليمة لا يسعني إلا ان أتقدم باسم عائلتي بالشكر الجزيل إلى جميع الذين وقفوا معنا في اللحظات الصعبة ، وأخص بالذكر منهم احبارنا الأجلاء الجزيلي الاحترام ،وكهنتنا الأفاضل ، والمسؤولين ، وممثلي المؤسسات ، وأبناء برطلي الذين كانوا كرماء مع ابي وحرصوا ان يبادلوه الحب في رحيله كما أحبّهم طوال حياته ، والاصدقاء من كل بلدات الوطن الحبيب او المتواجدين في المغتربات فكانوا جميعا إلى جانبنا نِعْم العزاء ، سواء بحضور المراسم أو بالاتصالات التلفونية ، أو فيما سطّروه من مشاعر غالية صادقة في رسائل شخصية و ردود على الخبر في المواقع الإلكترونية ، ونسأل الرب ، له المجد ، ان يحفظهم جميعا ومن يُحبون ، ويقيهم من كل مكروه ، وبترحم على فقيدنا ، وكل عزيز لديهم ، برحمته الواسعة ويُشرق على أرواحهم الطاهرة نوره الأبدي السماوي ، انه سميع مجيب ، أمين

تنويه : هذه الكلمة أُلقيت بمناسبة صلاة الثالث والسابع على روح الفقيد والتي اقيمت في كنيسة مارت تشموني في برطلة يوم الأربعاء ٢٦ / ٧ ٢٠١٣

2
المطران اسحق ساكا ,  وداعا وزير خارجية كنيسة السريان

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com
منذ انبلاج الكون وحتى انقضاء الدهر يبقى الحياة والموت حالهما حال الضياء والظلام  , والخير والشر , في صراع دائم , تتعاقب الجولات ويتراكم الرصيد , لذاك او نقيضه , ربحا او خسارة . وفي الوقت الذي تعلن الحياة ساعة الشروق عن فوزها العظيم متمثلا في صوت طفل وليد , يشق العنان , ويعلن خروجه الى الحياة , يتمكن الموت , في هجومه المقابل , وتحت جنح الظلام من تحقيق ضربة غادرة , فيصيب في النفوس والقلوب مقتلا , ويترك انهر العيون تذرف بسخاء . انه الموت الزؤام , زائر ثقيل , لص بعد منتصف الليل , يقرع على النفوس الامنة , و لولا الايمان بمشيئة الخالق لما فتح له احد , فيختطف فريسته من بين الجموع , ويولي الادبار بسرعة الومض , منتشيا بمحصوله . واليوم يشاء القدر ان يخرج هذا اللص بصيد ثمين , واي صيد , انه المثلث الرحمة مارسيوريوس اسحق ساكا البرطلي رجل العلم والعمل الهمام , ماكنة الابداع , صاحب القلم الذهبي , وبطل المواعظ بالاجماع , والمتوًج وزيرا لخارجية الكنيسة السريانية على مدى عقود , استحقاقا وليس امتيازا  .
يقينا انه قمة السمو وبحر التضحية ان يقرر انسان ما منذ نعومة اضفاره ان يهب حياته , كل حياته , من اجل قضية , واية قضية, تلك هي ان يحمل صليبه ويجول في الاصقاع مبشرا بكلمة الخلاص . لعقود طويلة اختار الطالب والشماس ثم الكاهن والراهب والاسقف والمطران مار سيوريوس اسحق ساكا اسمى المهن وانبلها , ان يمسح دموع الخطاة , وينادي للمأسورين بالاطلاق , ويدعو للسلام كما اوصى رب السلام . كم تألمت كثيرا عندما اتصلت بالراحل الكبير قبل اسبوعين , لاطمئن على صحته بعد سماعي عن انتكاسة حدثت له , وعن حادث في السيارة تعرض له في سوريا وهو في طريقه لتادية واجب كنسي عاهد الله ان يكون وفيا له من المبتدى وحتى المنتهى , فاذا بالراحل الكبير لايشكو لي ألما هنا او هناك في جسمه , بل يقول ان ألمه الكبير انه لم يعد قادرا على الكلام , وكانه يعلم علم اليقين انه بهذا قد فقد اسلحة الحب الشامل التي يمتلكها ويعتز بها , ذخيرته وكنزه في الحياة واساس وجوده فيها , حيث هو شفاه ادمنت النطق بكلمة الحياة , عزاء للمعزين , ويدا ممدودة  , وقدما تخطو باستمرار , تنشد المشترك مع الاخر , يربح مع الرسول بولص على كل حال حال في الوقت الذي امتلئت نفسه زهوا وفخرا , لا غرورا وكبريائا , بمحبة الكنيسة الام  . لقد قدًم لنا الراحل الكبير مثالا صارخا على انتفاء اسباب استمرارية الحياة الجسدية لكاهن الله مع عدم القدرة على مواكبة فعل الكرازة النبيل والطوفان في الاصقاع , حيث يبقى صوت صارخ يجول , يصنع خيرا , ويرشد الى طريق الرب .
  برطلي لفًها الحزن على فراقك ايها الراعي الصالح وابنائك في الوطن وبلاد الغربة يتأسفون لرحيلك المفاجئ , فمن نعزٍي ومن يعزينا , انه جبران ينهض من القبر فيعيد على مسامعنا قوله ( هل يتعزًى كسير القلب بصاحب القلب الكسير ؟! , أم هل يعطي الفقير الجائع خبزه للجائع الفقير ؟! ) .  نعم نعرف جميعا ان قضاء الله حق , وان الرب اعطى والرب اخذ , وله الحق في ان يسترد ما وهب , ومبارك اسم الرب الى الابد, لكن لنا الحق ايضا في الشعور بالحاجة لكي يكون نفس الراعي الكبير معنا في افراحنا واحزاننا , يبارك ايامنا ومناسباتنا وحياتنا.

ايها الحبر الجليل , ايها الراحل الكبير, كنت حقا امينا على القليل وسيقيمك يقينا على الكثير, جاهدت الجهاد الحسن فدخلت الى فرح سيدك . واجب علينا كلمة الرثاء لانك وغيرك كنتم وستبقون عنوان فخرنا وزهونا . انه شعور بالفخر والزهو الكبير عندما يدخل ابن برطلي في بلاد الغربة الى كنيسة ما , او يلتقي كائنا من كان ,ويُسأل من اين اتيت ؟ , فيجيب شامخا , من برطلي واليكم هذا فقط بعض من التاريخ الحديث , بلدة البطريرك يعقوب الثالث والمطران لوقا شعيا والعلامة واللاهوتي الجليل المطران اسحق ساكا شملنا الرب بصلواتهم وهم في خدوره العلوية فيقول لك السائل , نِعم البلدة و نِعم الاهل.
جنات الخلد لكم يا فخرنا وحبرنا الجليل . . .


 

3
للتاريخ – تعقيب من الدكتور وديع بتي حنا حول مقال التحفظ على مشروع اغاجان لايعني التصفيق لنوايا حنين القدو

في ضوء الاحداث التي جرت في برطلة قبل ايام قام موقع عنكاوة العزيز مشكورا باعادة نشر المقال الموسوم ( التحفظ على مشروع اغاجان لايعني التصفيق لنوايا حنين القدو ) على الصفحة الرئيسية وفي منتدى الحوار الهادئ , وقد لاقى اعادة نشر المقال استجابة طيبة من خلال الرسائل الشخصية او الردود تعكس بحس اصيل مشاعرابناء شعبنا بقضايا هذا الشعب في حاضره ومستقبله . وانصافا للتاريخ اود الاشارة في ان جمعا مخلصا من ابناء شعبنا قد حاول اثر نشر المقال , قبل اكثر من عام , الى تجسيد الفكرة التي جاءت في متنه الى واقع عملي في اية ألية يتم الاتفاق عليها , وقد بادرت وقتها الاخت العزيزة والدكتورة الفاضلة كاترين ميخائيل الى الكتابة والاقتراح , من خلال الاتصال الشخصي , في العمل على تجسيد الفكرة من خلال فريق صغير يتكون من الاخت الدكتورة كاترين والمرحوم الاستاذ جميل روفائيل والاستاذ سولاقا بولص ومني , كاتب هذه السطور , على أن يتم في عمل هادئ بعيد عن ضجيج الاعلام , وفعلا سافرت الاخت الدكتورة كاترين الى الوطن وشرعت في اتصالاتها ثم عادت واخبرتنا في رسالة شخصية في انها قد تباحثت في الفكرة مع الاستاذين الفاضلين يونادم كنا وابلحد افرام ووجدت لديهما استجابة طيبة واستعدادا لاي لقاء مع اي كان اذا كان ذلك يصب في صالح شعبنا , لكنها لم تتمكن من الوصول الى الاستاذ الفاضل سركيس اغاجان بسبب تواجده انذاك خارج العراق ولم تتمكن من الوصول مع مكتبه الى اية الية للاتصال به كما لم يكتب بعدها لها هذا المكتب , كما وعدها , عن موقفه او موقف الاستاذ سركيس اغاجان , اذا كان قد أُحيط علما , ازاء الفكرة المطروحة .

نكتب هذا انصافا للتاريخ وشعورا بالمسؤولية تجاه شعبنا ممتلئين في الوقت نفسه بالامل في ان نرتقي جميعا , قيادات واحزابا ونخبا وقاعدة شعبية , الى مستوى التحديات التي يعيشها وطننا الحبيب وشعبنا العزيز .
  وفقنا الله جميعا لخدمة شعبنا , هذا المكوٍن الاصيل اصالة حضاراته , والوفي على الدوام لتراب ارضه , والمسالم المحب للخيرلنفسه كما لغيره . وليكن العام الجديد حافزا ودافعا لانطلاقة جديدة في توحيد الجهود او تنسيقها بما يكفل تحقيق افضل الممكن لشعبنا من اهداف وأمال .

د . وديع بتي حنا

4
نعم لحرية الرأي , لا للإفتراء

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كان من الطبيعي ان يثير خبر مصادقة البرلمان العراقي على تعييني سفيرا للعراق , ضمن قائمة اشتملت على ما يناهز الستين إسما , ردود افعال مختلفة , سلبا او ايجابا , قبولا او تحفظا او رفضا , وتلك هي سنًة الحياة حيث رضا البشر , بشكل مطلق , غاية من المستحيل ادراكها ويجب أن تترافق مع الايمان في ان الاختلاف لا يُفسد في الود قضية , بل ان الصراع الشريف  والنزيه للافكاروالاراء هو الطريق الامثل لتأسيس فكرة اكثر رجاحة و شمولا. وكما ان قبول الاخرين لايعني  ,اطلاقا , إسباغا , بتطرف وتملق وتزلف , لصفات ايجابية ليست باي شكل من الاشكال جزءا منهم , فان التحفظ على اولئك او رفضهم لايمكن ان يكون اشارة خضراء تسمح للنفوس باطلاق التهم جزافا , والافتراء كذبا , او التجريح الشخصي , خاصة عندما يكون الدافع الرئيسي للتحفظ او الرفض هو مجموعة من العقد والاحقاد الشخصية المستندة على اختلافات في قضايا اجتماعية قديمة , لاتمت للسياسة و الاراء فيها بصلة , بل اعتقد اصحابها ان فرصة مصادقة البرلمان هي الفرصة الذهبية التي قد تتيح المجال لتحقيق هدف ذهبي يُطفئ , و لو جزءا , من نار الانتقام والغيرة والحقد المشتعلة في النفوس والعقول منذ وقت طويل !.

مناسبة هذه السطور هي مقال , بجزئين , كتبه الاخ والاستاذ الفاضل الدكتور سالم جورج وتم نشره على موقع عنكاوة العزيز كما على بضع مواقع اخرى , وقد نصحني كثير من الاخوة بعدم الاكتراث انطلاقا من القول الشائع , لايصحًُ إلا الصحيح ولن تصمد غير الحقيقة , بينما نصح اخرون بضرورة كتابة توضيح , نحرص على التنبيه في انه ليس ردا على ما كُتب , لكي لايسيل لعاب الكاتب فيعتقد اننا قد رضينا الدخول معه , او مع غيره , الى ساحة المهاترات او حلبة السجالات العقيمة , ولكن إكراما للقارئ الكريم , واعتزازا به , وحرصا عليه من بضاعة رخيصة ذات غرض مشبوه . لقد بدأ المسلسل قبل بضعة اسابيع بمقال كتبه الاخ والاستاذ الفاضل الدكتور احمد الشيخ ربيعة , ونشره في موقع الحقائق , ومواقع اخرى عرفت بها لاحقا لانه لم يسبق لي زيارتها , علما بانني لم يحدث ان التقيت بالدكتور احمد في حياتي , لكنه كما ظهر لاحقا قد استند في اتهاماته على ما تمت تغذيته به من نفر اقل من عدد اصابع اليد الواحدة من ذوي القربى واخرين انتفضت لديهم ( الغيرة على الوطن) , على حين غفلة ! , فوجدوا فيها معطفا يخفي ما تراكم من نفايات الانتقام او جسرا لتصفية حسابات شخصية سابقة . وقد حاول الكاتب الدكتور احمد مرارا نشر مقاله في موقع عنكاوة , ظنا منه وممًن حرضه , بان ذلك سيحقق اكبر قدر من الهدف المطلوب , ولكن كل محاولاته باءت بالفشل , حيث رفض موقع عنكاوة نشر المقال , كما رفضت مواقع كثيرة اخرى نشره , وهذا ما أعلمنا به الدكتور الفاضل احمد حيث أكد ذلك بخط  يده في مقال اخر . وهكذا كان الوصول الى موقع عنكاوة هو الشغل الشاغل لهذه الشلًة , فتحقق ذلك في الايام الماضية عن طريق الاستاذ الدكتور سالم جورج عبر مقاله الموسوم ( سياسة التوافق والمحاصصة تنصب وديع بتي سفيرا ) ( ارجو من القارئ الكريم ان يشم رائحة الحقد من العنوان في اسلوب المخاطبة , فقد اكملنا كلانا قسما من سنوات الدراسة العليا في نفس الجامعة وحصلنا على الشهادة من نفس البلد ).

اولى التهم التي وردت في سياق مقال الاخ الدكتور سالم جورج هي انني قد مارست نشاطا مخابراتيا تجسسيا لصالح النظام السابق وضد مبعوثي الاحزاب اثناء فترة الدراسة في روسيا البيضاء , ولكي نكون منصفين , ويأخذ كل ذي حق حقه , المذنب والمجرم عقابا , والضحية حكما بالانصاف والعدل , فان الشروط الرئيسة لإثبات اية تهمة تكمن في الادلة الثبوتية  ,والبراهين الحسية , وافادات الشهود النزيهة , وشكاوى الضحايا , وكما كتبت للدكتور احمد , اقول ثانية للدكتور سالم جورج , في انهم مدعون للاتيان باية قصاصة , او ورقة , او دليل , او افادة شاهد نزيه , او ضحية , تثبت هذا النشاط المزعوم , ولتكن البداية من الاخ الدكتور سالم جورج شخصيا , حيث المتوقع ان يكون اول الضحايا و أكثرمن يصيبهم الضررمن  (نشاطي المخابراتي المزعوم ) , طالما يضمر في نفسه هذا المستوى من الحقد , وكانت العلاقة بيننا , كما يصف , بهذا القدر من العداء , علما باننا لم يحدث ان التقينا او تصادمنا في حادث او حوار. انني اتحداه , بثقة تامة , من ان يأتي بما يثبت اننا قد كنا سببا في اي خدش او ضرر لحق به او بغيره . وبعكسه فالاسف كل الاسف على من يكتب الدال قبل اسمه الكريم , وجرًب شروط البحث العلمي , وبلغ من العمر مفرقا , وخبِر من الحياة كمًا , وأمن وناضل من اجل قيم سامية , ان يلجأ الى هذه الاساليب الرخيصة في التعبير عن مشاعر شخصية قد يجدها مبررة , فقط , في نفسه . لقد سنحت لي في الايام الماضية فرصة الاتصال باخ عزيز متميز باخلاقه الرفيعة , كان ايضا من مبعوثي الاحزاب , قدِم الى المدينة في نفس الزمن الذي وصلت فيه اليها , ودرس و اكمل في نفس الجامعة التي درست فيها وحصل على الدكتوراه ايضا في الفيزياء , وسكن في نفس القسم الذي سكنت فيه طيلة سنين الدراسة , ويعرفه الاستاذ الدكتور سالم جورج معرفة دقيقة , وهو ليس مسيحيا , وتناولنا بالحديث تلك الفترة , وسألته , والرجل حيًُ يرزق , اذا كان قد لاحظ في سلوكي اي نشاط سياسي او مخابراتي مشبوه , او سببت له او لغيره اي اذى خلال تلك الفترة فاجاب بالنفي القاطع . ربما كان في ذلك الوقت للاخوة مبعوثي الاحزاب الحق في النظرة الى مبعوثي الدولة , بالمطلق , نظرة سلبية كرد فعل على معاناتهم من النظام , ولكن على مبعوثي الاحزاب بالامس وحاملي الشهادات اليوم ان يعيدوا تعيير تلك النظرة باحكام الواقعية , والانصاف , والامانة , بناء على التصرف بالشواهد , والاداء , والبراهين , والسلوك الشخصي . كما ان على الكاتب او الاكاديمي الرصين , وهو يرتزق المعلومة عن الاخرين , سلبا او ايجابا , من فلان او علاًن , أن يحاول جاهدا اختراق اعماق ذلك الفلان او العلاًن , فيتركه يقرًُ بالدوافع الشخصية الحقيقية الكامنة وراء تبرعه بالمعلومة , او تلفيقه لها , قبل نقلها الى الرأي العام , فناقل الكفر في هذه الحالة هو ايضا كافر بامتياز . ان الوازع الاخلاقي , قبل التفكير بالعواقب القانونية , يجب ان يكون حاضرا باستمرار في اطلاق الاحكام والتهم على الاخرين وخصوصا مثل هذه التهم القذرة . منذ سنوات وانا اكتب , وانشر على المواقع , واخرج في وسائل الاعلام الاخرى , واتعرض لمواضيع حساسة , اتفق فيها مع البعض واختلف مع البعض الاخر حد الصراع الفكري بشروطه الاخلاقية والادبية , فهل يعقل ان يُقدِم انسان , يملك مثقال ذرة من الحكمة , يعرف ان بيته من زجاج هش بهذا الشكل وبامكان حصاة صغيرة ان تحيله ركاما الى الولوج في هذا المضمار؟! , ثق ايها الاخ العزيز الدكتور سالم جورج , لو كان وديعا بالصورة التي عرضتها ,لانزوى في اية زاوية من الارض ولعاش في اقصى شمال السويد , لا يرى احدا يتكلم العربية او السريانية ولا ترك احدا يراه !

اما الاقتباس من المقالات ومحاولة التفسير على الهوى الشخصي سعيا الى ارباك المتلقي او تضليله فتلك لعبة بائسة لاتستحق الرثاء , فما نكتبه ننشره على العلن وفي مواقع كثيرة , وتحت اسمنا الصريح , ولانخجل من ارائنا التي نكرر دوما انها تقبل الخطأ والصواب , واؤمن جازما ان الاستجابة الطيبة لما نكتبه , وننشره , تشير بوضوح الى اعتدال في الأراء , ومحاولة متواضعة للمرورعلى معالجة الوقائع مرور المنشار الذي يجهد لكي يكون قصًه عدلا , ولم يحدث فيما نشرناه ان منحنا شهادة براءة الذمة للنظام السابق في مسؤوليته الاخلاقية والتاريخية والقانونية والدستورية في كل المأسي , والجرائم , والمغامرات الطائشة , التي عاشها شعبنا ووطننا خلال فترة حكمه , وانعكاساتها وافرازاتها ومضاعفاتها بعد السقوط .

تبقى المسائل والامور الشخصية الاخرى حول السيرة الذاتية كطلب اثبات معادلة الشهادة , والتمكن من اللغة السويدية وغيرها , وهي امور كان اجدر بحامل الدكتوراه ان يترفع عنها لانه , ومن معه , يعرفون يقينا اننا لسنا بحاجة لكتابة مؤهلات اضافية  في سيرتنا الذاتية لانملكها حقا , وبامكان الاخ الدكتور سالم جورج ان يكتب لنا عنوانه البريدي فارسل له نسخا من الشهادات , وقرار معادلتها من هيئة التقييم السويدية , و جانبا من المقالات التي تم نشرها باللغة السويدية , ليس لكي يتفضل علينا بمنصب ( رئيس قسم او غيره ) , بل لكي يستمتع بالقراءة , ويستفيد من المعلومة , ويعيد موازنة احكامه على الاخرين ! لقد كتبت ونشرت اول مقال لي في صحيفة الشعب السويدية , وكان عن تلوث البيئة في العراق , بعد سنتين من وصولي الى السويد وبامكان الاستاذ الدكتور جورج او غيره التأكد من ذلك بالاتصال بالجريدة عن طريق شبكة الانترنيت , ولعلمه فان رئيسة تحرير الجريدة واحدى المحررات فيها قد قدموا لي دعوة هذه الايام لتناول الغذاء معا وكنت اتمنى , بصدق , ان يكون بصحبتي في هذه الدعوة. ربما تجدر الاشارة هنا ايضا , عسى ولعلًها تفيد الدكتور سالم جورج , في ان جانبا من المقابلة الاولى التي اجريتها في وزارة الخارجية قد تم باللغة الانكليزية , و في المقابلة الثانية في لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي كان احد الاخوة من اعضاء اللجنة يتكلم الروسية والسويدية . اما الطلب من شقيقتي ( ان تتكلم الحقيقة اذا كانت وفية لروح زوجها ) كما ورد نصا في المقال , فهو تجاوز وخرق لأبسط قواعد الاخلاق , بل وقاحة ما بعدها وقاحة , كان اولى ( بالمناضل والدكتور ) ان يتجنب , لأبسط القيم الاخلاقية والحضارية والانسانية والرفاقية , مهاوي السقوط فيها , ويبقى الضمير الصافي النقي  ,للقريب والبعيد , هو الحكم الفيصل بين من قدًس ويقدس جروحه وألامه ودمائه , وكان وفيا لها , وبين من يتاجر بنضاله .

وفي كل الاحوال يبقى الاستاذ الدكتور سالم جورج وغيره , شائوا أم أبوا , اخوة اعزاء لن أدخر جهدا في البحث عن اي قاسم مشترك يتيح لي التأسيس لعلاقة انسانية صميمية بعيدا عن نار الحقد والضغينة والغيرة , وبما يكفل معرفة البعض لبعضنا على الحقيقة وتحت اشعة الشمس , فنضع الله والضمير نصب اعيننا ونحن نلقي باحكامنا , ويعيد احدنا تقييم اخاه . سيبقى ايماننا راسخا بما يوصينا به الكتاب في ان ( نربح الشر بالخير ) , وستكون قادم الايام , كسالفها وحاضرها , اختبارا جديدا و شاهدا على ما نقول . . .


ملاحظة : تم ارسال هذا المقال فقط الى المواقع التي نشر فيها الاخ والاستاذ الدكتور سالم جورج مقاله الأنف الذكر


5

التعليم السرياني – روح وحياة في حرف وشعب

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

اثناء الحملة الدعائية لإنتخابات البرلمان الاوربي الاخيرة , كان لنا موعد بعد صلاة القداس الالهي مع احد المرشحين من ابناء شعبنا في السويد لشغل احد مقاعد عضوية البرلمان الاوربي ممثلا للحزب الديموقراطي المسيحي السويدي , وحقا كان الرجل رائعا في بسط ارائه ونشاطاته ومشروعه , مستخدما اللغتين السويدية والسريانية , كان قلب مشروعه يكمن في تعريف الرأي العام الاوربي و بالتالي الدولي بالمذابح التي تعرض لها شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في بدايات القرن الماضي على يد الدولة العثمانية , ( الرجل ) الذي كان قد اصبح حينذاك ( مريضا ) مع الجميع و ( عنترا ) فقط على شعبنا المسالم بشموخ ! , و عرًج  المرشح على جهوده وجهود الاخرين في العمل المتواصل لانتزاع قرار اوربي يفضي الى اعتراف رسمي من الحكومة التركية في مسؤولية تركيا الحالية , كوريثة للدولة العثمانية السابقة , عن تلك الجرائم والمذابح ومحاكاة الجهد الذي قطعه  اشقائنا الارمن في هذا المجال والذي بلغ شوطا كبيرا . عندما لاحظ المرشح على بعض الوجوه صورة من اليأس وعدم الاقتناع , في جدوى المقارنة مع جهد الاشقاء الارمن بعد هذه النوبة من السبات العميق , عمد الى تأكيد افكاره , واستنهاض همم سامعيه , في مزحة طريفة تركت في الحضور حالة من النشوة والامل , فروى كيف ان رجلا سريانيا كان واقفا على شرفة شقته في احدى العمارات السكنية , فوقع نظره على رجل يهودي يخطو في الشارع , مرتديا قلنسوته , اسرع السرياني خارجا من بيته ليلحق باليهودي ويوجه له لكمة مفاجئة , استغرب اليهودي الفعل فقال للسرياني : ويحك ماذا دهاك ايها السرياني المجنون ؟! , اجاب الاخير : ألست يهوديا , قال نعم , اضاف السرياني : ألم تصلبوا المسيح ؟ , اجابه اليهودي : ولكن ذلك حدث قبل الفي عام , قال السرياني له وبثقة بالنفس : انني عرفت بالامر اليوم ! . صفق جميع الحضور بقوة لهذه النكتة الطريفة , ودعاهم المرشح الى الاندماج بالجهد اقتداءً بذلك السرياني الغيور البسيط , والايمان بان رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.

تلقيت اثناء تواجدي في الوطن في الاسابيع الماضية دعوة كريمة لحضور احتفال تخرج صف التعليم باللغة السريانية في احدى مدارس برطلة , وبينما كنت استمع الى الكلمات والاناشيد والفعاليات التي تضمنها الاحتفال ذهبت الذاكرة بي الى قصة الندوة الانتخابية السابقة الذكر والنكتة الطريفة الحكيمة فيها , حيث اننا امام   برعم فتي ينبغي لنا جميعا ان نرعاه بالماء , ونحميه من العواصف , ولانبخل عليه بالسهرفلا تمتد يد الشر اليه , كما يجب ايضا ان ننتقده ونوبخه بلطف , و أن يكون هنالك انتباه دائم لتنقية وتنظيف الارض المحيطة بالبرعم فلا تكون , فقط , عالة عليه , بل تعطي له بكل سخاء وبالتالي يكون حلالا ما تناله منه .

ان المعلم والتلميذ والبيئة التعليمية ( المدرسة بادواتها والبيت كجهد ساند ) , هؤلاء جميعا هم اذرع العملية التعليمية التي بتعاونها وتكافلها يمكن ان نصل الى الهدف المرتجى من التعليم , وعندما يتعلق الامر بالتعليم السرياني فان على المعلم والمدرسة والبيت مسؤولية اخلاقية اضافية , كون التعليم هذا هو احد العوامل الاساسية في المحافظة على وجود هذا الشعب ومستقبله واماله وطموحاته , وتتجسد هذه المسؤولية في ايصال التلميذ الى حالة من الشعور بالحب والزهو من تعلمه لغة شعبه , فتكون اللغة السريانية , لمن يتعلمها كلغة الى جانب اللغات الاخرى , هي فعلا مادة اساسية لاتقل اهمية عن اللغات والمواد الاخرى . لقد علمت ان التلاميذ في المراحل الدراسية المبكرة قد قطعوا شوطا طيبا في تعلم اللغة السريانية مقارنة باقرانهم في الصفوف المتقدمة بسبب قابلية الطفل المتميزة في سرعة قبول المعلومة , وهكذا ربما يكون مفيدا في المستقبل المطالبة بادخال مادة اللغة السريانية كمادة اساسية في امتحانات ( البكلوريا ), فتأخذ هذه اللغة موقعها الذي تستحقه ضمن المناهج والمواد الدراسية , كما قد يؤدي هذا الى حصول ابنائنا على مكاسب ذاتية شخصية في المعدل النهائي العام , كما يحقق اقرانهم في الوطن ذات المكاسب من خلال مواد اخرى كالدين واللغة الكردية مثلا .

ان مؤسساستنا الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية مدعوة الى جهد مشترك , يترفع عن كل التجاذبات المذهبية والسياسية والمناطقية الضيقة , يضمن الوصول الى مادة دراسية ومنهج وكتب تكون قاعدة اساسية لوحدة شعبنا وتحترم في الوقت ذاته كل الخصوصيات بالوانها المتعددة , كما ان على هذه المؤسسات القيام بحملة كبرى ومتواصلة لتطوير الكوادر التعليمية  التي تم اختيارها للقيام بمهمة التعليم السرياني , لتُصبح مؤهلة للقيام بواجباتها , بعد ان رافق هذا الاختيار بعض السرعة والتغاضي عن الشروط بسبب ضرورات الانطلاق في التجربة . تجدر الاشارة الى ضرورة ان يجتاز معلم ومدرس اللغة السريانية في المستقبل القريب مراحل الدراسة الاكاديمية المطلوبة ليتمكن من اداء رسالته بنجاح , وهنا يكون ربما ايضا مفيدا ان تُسخٍر ممثلياتنا السياسية والدينية في الحكومة الاتحادية والبرلمان الاتحادي و حكومة وبرلمان الاقليم  كل طاقاتها بما يؤدي الى العمل على افتتاح قسم جديد للغة السريانية في جامعة الموصل او جامعة صلاح الدين , في اربيل , على غرار القسم الموجود في جامعة بغداد , فيلبي حاجة الثقل السكاني الكبير لشعبنا في الموصل و سهل نينوى واقليم كردستان . وتبقى كلمة الحق التي يجب ان تُقال , بل يُصبح من الإجحاد خنقها , هي تحية التقدير والعرفان للجميع باسمائهم , احزابا ومؤسسات وشخوص , لكل من ساهم في وضع لبنة واساس هذه التجربة , ولكل من يساهم اليوم في اغنائها وتطويرها , وقطع على نفسه عهد التزامها , مشروعا قوميا و وطنيا عظيما ينفض الغبار عن حرف مجيد مقدس على الرفوف , ويُسلط الضوء وجرعة من الحياة على شعب اصيل , نبيل . . . 

6
يارب, احفظ شعبنا باسمك ليكون واحدا

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ما من فخر أعظم من هذا إن يرى الإنسان نفسه محاطا بطوق من المحبة الصادقة , تتجسد في كلمات يقولها الفم ويكتبها اليراع وهي من فضلة القلب . يقينا إن السياحة في بحر المشاعر النبيلة تترك الإنسان يتصارع منتشيا بين شعاعين ملتهبين , الأول شعاع الزهو كحالة إنسانية لا تمت للغرور بصلة , والثاني شعاع الإدراك لحجم المسؤولية الجديدة الملقاة على عاتقه , يدفعه ليرتقي لمستوى الواجب الذي كلف به , وليعكس الصورة النقية لمياه ذلك البحر فيتحقق شرط العدالة في المعادلة , وتمسي سباحته في البحر استحقاقا وامتيازا ولبس غشا واختلاسا .

طيلة الأيام الماضية وهذه الصورة تلازمني في معايشة حقيقية وانا ألتقي او اسمع او أطالع , قولا او كتابة , ما غمرتني به النفوس الكريمة من أبناء شعبنا من أبهى وأرقى وأنبل مشاعر المحبة الصادقة , تمثلت في لقاءات و زيارات مباشرة او اتصالات تليفونية او عبر رسائل شخصية او ردود علنية على المواقع الالكترونية , في ردها العفوي على خبر التصويت على تعييني سفيرا للعراق .

ما أحوجنا في هذا الظرف إلى الترفع عن محاولة ترسيخ الاختلافات في وجهات النظر او العقد الشخصية من أن تصبح كجبل من نار يمنعنا من التقييم المنصف والعادل والمحايد للفعل , او يصيب علاقاتنا الاجتماعية بالكسوف على اقل تقدير , فيمنعها من الانطلاق في فعل إنساني بحت , وفي هذا أجد نفسي فخورا في تثبيت حقيقة لمستها وعايشتها , وليس القصد من تثبيتها الرياء او المجاملة او تلميع صورة , وهذه الحقيقة تكمن في آن الهدف الرئيسي لقائمة الرافدين التي رشحتني لهذا المنصب كشخصية مستقلة كان تحقيق فعل يصب في صالح شعبنا بكامل أطيافه وليس جني مكسب سياسي رخيص , و للتاريخ أقولها , والرب شاهد على ما أقول , إن الأستاذ يونادم كنا قد عاتبني بعد انتهاء جلسة مجلس النواب لأنني ذكرت في تقديم سيرتي الذاتية إنني متعاطف مع أطروحات الحركة الديمقراطية الأشورية مؤكدا على مسؤولية تمثيلي لشعبنا الكلداني السرياني الأشوري كشعب و مكون أصيل من مكونات شعبنا العراقي العزيز . و على هذا الأساس أجد نفسي ارفع القبعة احتراما وتقديرا لكل الإخوة والأساتذة الأفاضل , الذين كانت بيننا سجالات و نقاشات واجتهادات مختلفة, فسجلوا بأقلامهم الكريمة , وعبر رسائل شخصية او ردود علنية , أنبل جمل التهنئة مرفقة مع التمنيات و الآراء القيمة حول طبيعة وأفاق المهمة المناط بي , و أؤكد لجميع هؤلاء الإخوة الأعزاء والأساتذة الأفاضل بان ما ذهبوا إليه من أراء وأفكار هي مبعث فخر واعتزاز وتقدير وتثمين .

كل آيات الشكر والتقدير عاجزة عن أن تفي حق مقال او رسالة او رد كتبه أخ عزيز و أخت عزيزة من أبناء شعبي الطيب المسالم بشموخ وإباء , في الوطن او في المغتربات , ودعائي إلى الرب , له المجد , أن يمنحني القدرة في أن أقف أمامهم , جميعا بأسمائهم الكريمة المحفورة في القلب , وأمام شعبنا بكامله , بوجه ابيض , جديرا بثقتهم و مشاعرهم .
الشكر موصول لإدارات مواقع شعبنا وأجهزة الإعلام فيه ( زوعا , عنكاوة , زهريرا , برطلة , كرملش , بهرا وقناة أشور الفضائية ) وكل المواقع الأخرى لاهتمامهم بالخبر ومتابعتهم له , متمنيا للجميع بالموفقية والنجاح , وان يبقوا دائما اصواتا هادرة بالحق تنطق باسم هذا الشعب تاريخا وحاضرا ومستقبلا .
والعذر كل العذر لكل من اختنقت في صدره جملة رغب في إطلاقها لكنه عزف عن البوح بها لأسباب  و حسابات شخصية , وهّم نفسه خطأ بها , او اعتقادا في أن كفة ( الأرزاق ) تتقدم على ما عداها , مؤكدا للجميع , بصدق وإخلاص , في أن اليد ستبقى ممدودة , طالما في الروح نبض يصعد ويهبط , فلا عقدة لنا مع أي كان وسنبقى قريبين منه , شاء أم أبى , مؤمنا بثبات بان الجميع , في نهاية المطاف  وحينما تدق الساعة , لايمكن إلا أن يكون ظهيرا وسندا في أي فعل ايجابي لصالح شعبنا وطموحاته وأهدافه ومقوّما لكل خطوة تستحق التقويم .

يا رب , بك كان الذي كان , وبدونك لم يكن شيئا مما كان , ولن يكون شيئا مما سيكون , كم نحن معوزون إلى بركاتك , وكرمك , وعونك , فترشدنا إلى طريق الخير والصلاح والعمل المثمر للصالح العام , و نستحق أن نكون ذلك الكلداني السرياني الأشوري , نقطة متواضعة مضيئة في لوحة شعبنا التي تتميز بسماء من النجوم المتلألئة الوضاءة , كيف لا وهي لوحة شعب يحمل على ظهره حضارة ألاف السنين يفوح منها عطر الإخلاص للوطن ينتشر في كل ربوعه .
ختاما لانملك إلا أن أعاهد الرب والجميع في أن أكون سفيرا للوطن , خادما لشعبه بمختلف ملله ونحله وانتماءاته وعروقه وقومياته وأديانه ومذاهبه ومعتقداته , و مجسدا للشعار الذي أطلقناه تحت قبة البرلمان وعلى منصته في ( نحن لكل العراق وكل العراق لنا ) ومن الله التوفيق .

7
فاضل ميراني و سركيس أغاجان – هل تمً الاستلام والتسليم ؟!

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يبقى الرقم ( 102 ) لكل من خدم في الجيش العراقي السابق , تطوعا او خدمة الزامية أم احتياط , محفورا في الذاكرة , كون هذا الرقم يشير الى مستند ( الاستلام والتسلبم ) الذي يمثل مرحلة فاصلة في الحياة العسكرية . ومن الطبيعي ان هذا المستند كان عزيزا , اغلى من الذهب , عندما كان يقترن بالتسريح او الترقية او الانتقال من موقع قاسي وصعب , كالحجابات مثلا , الى اخر اكثر امانا او قربا من الاهل , وفي الوقت نفسه كان المستند تذكارا ليوم مشؤوم عندما تم انجازه استيفاءً لعقوبة او فصل او سحب ثقة او نقل لايتوافق مع التمنيات . في مجتمعاتنا الشرقية تتشابك الحياة السياسية مع تقاليد الحياة العسكرية , خاصة وان المركزية المفرطة في الاحزاب السياسية في الشرق قد تركت التقاليد العسكرية ساحة واسعة لهذه الاحزاب تغرف منها بنهم شديد , مع الاشارة هنا الى ان التسريح في الحياة السياسية والعسكرية ليس دائما ضمن الانباء السارة السعيدة !. صديق وأخ عزيز غيور على شعبه اتصل بي ليُعلمني بتأجيل مهرجان كان مقررا ان يقام تأبينا لفقيد شعبنا الكبير المؤرج الدكتور هرمز أبونا , فعرًجنا في الحديث معاً عن قضايا شعبنا والمستجدات على الساحة , فنبهًني الى نقطة جديرة بالاهتمام والملاحظة , وهي بروز دور فاعل واهتمام متزايد فيما يخص شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في الفترة الاخيرة  من قبل السيد فاضل ميراني , سكرتير الحزب الديموقراطي الكردستاني , فحفًز الذاكرة الى استعادة ما امكن من شريطها الطازج للاسابع القليلة المنصرمة , مرورا بالمؤتمر الثاني للمجلس القومي الكلداني الذي حضره السيد فاضل ميراني وارتجل كلمة فيه , وصولا الى خبر زيارة المجلس الشعبي بشخص رئيسه وعدد من اعضائه للسيد ميراني في مكتبه والتباحث معه حول اوضاع وقضايا شعبنا , حتى ان الخبر الذي نُشر في موقع عنكاوة العزيز قبل ايام , والمتمثل في الاعتداء على احد حراس الكنيسة في مدينة عنكاوة , كان ماثلا ايضا في الذاكرة , كون نجل السيد فاضل ميراني قد ورد اسمه في الخبر , واحدا من اطرافه . كل هذا يصل بنا الى تساؤل يقود الى استنتاج , ربما يكون مصيبا او مخطئا , وهو هل ان ملف شعبنا لدى القيادة الكردية قد تمً نقله فعلا , ليكون من اختصاص السيد فاضل ميراني بعدما بقي لسنوات من حصة السيد سركيس أغاجان ؟! واذا كان ذلك قد حدث حقا , فما هي ملامح المرحلة المقبلة ؟.

ربما يكون مفيدا هنا التذكير في اننا لاننكر ابدا حق الاخوة الاكراد , او غيرهم , في تقييم الاداء المرحلي واعادة توزيع الملفات على القيادات بما يكفل معالجة افضل لها , وإداء ادق , و اكثر انتاجا في مرحلة قادمة , كما اننا لسنا من عشاق نظرية المؤامرة التي يستطيب منظروها تعليق كل شئ على شماعتها بالشكل الذي يمنح ادواتها الداخلية , والمقصود هنا من داخل شعبنا , العذر في الوقوع في حبالها والبراءة , احيانا , من نتائجها , على خطى ( إنا لله وإنا اليه راجعون ) . بل نؤمن ان السياسة ليست قصة حُب عذري , كما ان من يُتقن السياسة ليس , حتما , جميلا او قيسا او بثينة او ليلى ! بل السياسة هي سوق المصالح والناجح فيه , من يستطيع تسويق بضاعته وجني افضل الارباح , حتى ولو لم تكن تلك البضاعة , احيانا , ماركة مسجلة . لذلك فهي من الحنكة ان يتمكن السياسي بنجاح من نسج فصول ( مؤامرة ) وتجسيد تلك الفصول عمليا على مسرح الحياة السياسي , اما ضحايا تلك المؤامرة فهم , على اقل تقدير , ( قاصروا عقل وسياسة ) , والسياسة في كل الاحوال , هي اقسى من القانون , لاتحمي المغفلين . ان تجديد الإداء دليل على الحيوية و رفض للجمود , ناهيكم عن انه , من المفروض , ان يكون عاملا حافزا للمقابل وللاخرين , كونه يترك اللعبة اكثر إثارة . ربما يقول البعض اننا بهذا الكلام نشرعن التدخل في امور شعبنا , وغاب عن ذهن هؤلاء ان السياسي المحترف , حاله حال اللاعب المحترف , يعمل دوما , ولايبحث عن رخصة في ذلك , الى نقل الكرة واللعبة خارج ساحته , وقاية لعارضة مرماه اولا , واملا في تحقيق ربح في العارضة الاخرى ثانيا . وهكذا قبل ان نغوص في جدال بيزنطي حول شرعية اللعب في ساحتنا , علينا ان نعالج مكامن الخلل والاختراق التي تدعو الى التسلل الى تلك الساحة , ليس بمعنى الانغلاق على النفس , و رفض التفاعل مع الاخرين , بل الى مجاراتهم في اصول احتراف اللعبة , واجبار اللاعبين العاجزين او المتهاونين على الجلوس على مسطبة الاحتياط , وهذا ابسط الايمان !.

تؤكد كل حوادث التاريخ , وخاصة عندما يتم تداول السلطة سلميا في مختلف المواقع الدينية والسياسية والاجتماعية  ,العليا وغير العليا , على ان القادم الجديد وإن كان يحرص في خطبة التنصيب او بدايات ممارسة الاداء في المهمة الجديدة على التأكيد في الاستمرار على نهج من سلفه , طمأنة لمعيته , إلا انه يقينا سرعان ما يبدأ الممارسة الفعلية لتطبيق ارائه وطروحاته الخاصة , حتى ان المراقب بعد برهة قصيرة من الزمن يتمكن وبسهولة من التميز الواضح في خيوط المرحلتين , بل ان هذا التمييز يصل احيانا الى الرؤية او الاحساس والشعور بالتقاطع بين تلك الخيوط . وهذا تحصيل حاصل كوننا كبشر لسنا استنساخا لبعضنا البعض . وهكذا نعتقد ان نظرة الاستاذ فاضل ميراني الى شعبنا ومعالجته للملف الخاص به لدى القيادة الكردية سيختلف بالتأكيد , افكارا وادوات وتكنيك , عن تلك التي تمت معايشتها عندما كان الاستاذ سركيس أغاجان يقود هذا الملف . فالسيد أغاجان , وبحكم انتمائه الى هذا الشعب  , ليس غريبا ان يحرص على تقديمه ككتلة واحدة موحدة , وفاءً لانتمائه اولا , ودعما لموقفه ثانيا , غير ان السيد فاضل ميراني في حلٍ من ضريبة هذا الانتماء , وشعبنا بالنسبة له جزء من الساحة السياسية التي يبحث فيها عن افضل النتائج , وربما يرى الاجدى , استحقاقا للخارطة الجديدة وافرازاتها , ان يجمع النتائج الجزئية عوضا عن البحث , ربما , عبثا , في نتيجة عامة كلية , وهكذا نرى ان المجلس الشعبي في المرحلة القادمة لن يكون ( المدلًل ) الوحيد , بل ربما سيحوز ( أشقاء وشقيقات ) له على نفس القدر من الدلال , والاكثر من هذا , فمع نجاح اية عملية انجاب جديدة سيفقد المجلس الشعبي امتياز ( أخر العنقود ) , ناهيكم عن ان هذا الدلال سيكون اصلا مُقنًنا , ولذلك على البعض الذي اعتاد على ( الخير العميم ) في السنوات السابقة ان يشدً الاحزمة على البطون تحسبا للختم بالشمع الاحمر على السمان من السنين , واستعدادا للعجاف منها .
 
ويبقى كل ماتقدم هو مجرد محاولة متواضعة لاستقراء الواقع وحلحلة معطياته , وهي محاولة ليست , قطعا , معصومة من الخطأ , كما انها قد تلامس الصواب . فحال من يكتب في السياسة في الشرق اصبح كعالم الابراج ,  يجب ان يُنهي قراءة توقعاته , تجنبا لفتاوي التحريم والتكفير ومن باب التواضع ايضا , بالجملة الدارجة الشهيرة , ( والعلم عند الله ) . . .

8
الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية – هل تمكًن التعصب من إصابة الهدف ؟!

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يقول الكتاب , ان بيلاطس قد طلب ان يغسل يداه قبل ان يستجيب لطلب تلك الجموع التي كانت تصخب قائلة ( اصلبه , اصلبه ) , واليوم اؤمن جازما ان مئات الألاف من ابناء شعبنا من الكلدان تطلب ايضا الماء براءً من تحشيد وفعل  غير مسؤول يحاول استجماع كل قواه للتسديد على وحدة شعبنا وطرحها ارضا . يقينا , تابع الكثيرون مثلي ( حركات الرفع والكبس ) التي يؤديها البعض هذه الايام , حيث يحاول ولغايات وعقد في نفسه , اعادتنا الى مستنقعه المُحبب الذي يجيد السباحة والرقص فيه , ألا وهو مستنقع التسمية القومية , فتمكن هؤلاء من تجيير حدث عابرعادي مشروع هو انعقاد المؤتمر الثاني للمجلس القومي الكلداني الى سهم موجه الى وحدة شعبنا , عوضا عن ان يكون حجر تقوية في اساس هذه الوحدة , و يمضي هذا البعض قدما في استثمار غفلة الزمن ليشيع كتابات التعصب والدعوة الى الانغلاق الاعمى في حملة مبرمجة مشبوهة , الانكى فيها ان اغلب ابطالها هم من سكنة بلاد الغربة , مما يترك الانسان يتساءل بمرارة , هل اصبح ابناء الغربة عبئا على وحدة شعبنا في الداخل وفاعلا هداما فيها ؟! , ام جهدا ساندا وداعما لها ؟! , هل اصبحت مهمة البعض ان يذهب الى الوطن ليحاول واهما ان يُغري بدولاراته , او يقايض ببعض الحديث المعسًل حماسيا , وحدة ابناء الداخل ؟! وهكذا استطاع هذا البعض ان ينشر غاز التعصب في الاعلام وعلى الارض , الى الحد الذي استصرخت فيه وحدة هذا الشعب طالبة الاوكسجين وقاية من الاختناق عندما تمكنت هذه الغيمة من الغاز الخانق في الوصول بتأثيراتها , في ظرف يلفه الغموض , الى قرارات المجمع المقدس لاباء الكنيسة الكلدانية , الكلي الطوبى والجزيلي الاحترام . تمنياتي ان لايحاول احدهم الاصطياد في المياه العكرة فيتهمنا باطلا , فكل المجامع المقدسة وكل اباء واساقفة ورؤساء كنائسنا , لهم في نفوسنا كل التبجيل والاحترام , ولكن هذا الموضوع يمثل رؤية تندرج في ملف السياسة قبل غيره من الملفات .

ان الفرق والبون شاسع بين ترتيب البيت الكلداني وتوحيد خطابه , وبين الدعوة , الباطنة او الظاهرة , الى الانعزال والايحاء الى الاخرين ( باننا شعوب مستقلة تلتقي فقط في الدين , والى حد ما في اللغة ) , بل ان يصل الامر بالبعض  ان يشتكي على من يقول ( انهم اخوته ) و يستنجد ببعض اصحاب القرار طمعا في مساعدتهم لرفع الحيف والظلم عنه ! فمن يعترض حقا على ترتيب البيت الكلداني على الاسس والمبادئ التي اوضحها الاستاذ الفاضل سعيد شامايا , الامين العام للمنبر الديموقراطي الكلداني , في توضيحه المنشور على موقع عنكاوة العزيز حول ظروف تأسيس الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية  , ان هذا الايضاح هو الماء الذي غسل الاستاذ شامايا به يداه  ,شهادة للتاريخ , وانتصارا للمبادئ التي يؤمن بها , حقا , كل اصيل في شعبنا , نقول ذلك انصافا للحقيقة دون ان ننسى اننا نختلف مع السيد سعيد شامايا في مواضيع ورؤى اخرى ومن بينها الحكم الذاتي , او دون الالتفات الى الظروف والمصالح الشخصية التي قد يرى البعض انها ربما دفعت بالسيد شامايا الى موقفه هذا . ربما يحاجج البعض في ان بيان اعلان الهيئة قد تضمن مادة تقول ان تأسيسها ليس دعوة الى الانغلاق ونكران ان الكلدان السريان الاشوريين هم شعب واحد , ولكن روح البيان ونفَسَه وظرفه وهواجس القريبين من دائرة صناعته وخلفية من يتحمس له , كل ذلك يجعل ( الفأر يلعب في عِبٍ ) كل حريص على وحدة شعبنا , ويتركه يشكًُ في ان حديث البيان عن عدم الانغلاق والتعصب والحرص على وحدة شعبنا ربما هو من باب التزويقات اللغوية والدبلوماسية عليه , ليس إلاً .

 في عهد الاتحاد السوفيتي السابق انتشرت مزحة خفيفة تقول ان الامريكان قد اكتشفوا خطة جهنمية للسيطرة على الاتحاد السوفيتي دون اطلاق للصواريخ البالستية العابرة للقارات , او استعمال القنابل النووية , وغيرها من الاسلحة الثقيلة والخفيفة , والخطة تكمن في قذف مئات الالاف من اطنان ( الفودكا ) على المدن والاراضي السوفيتية , فتدخل بعد ذلك القوات الامريكية , والجميع إمًا نيام , او مشغولون ولاهون ( بحوارات البيك ) !. اما اسرائيل فقد وجدت في الراحلة ( ام كلثوم ) سلاحا نموذجيا لتخدير الشعب المصري خاصة , والعربي عامة . لقد باتت التسمية القومية حالها حال ( الفودكا ) او اغنية ( يامسهرني ) لام كلثوم , يُعيدنا البعض من المدمنين اليها كلما سنحت لهم الفرصة , فنُصاب بالتخدير, ونبدأ باعادة إجترار فضلات وبقايا المربع الاول ! , لاتوجد كلمة ( السريان ) في الدستور الاتحادي , لكنني لم اشعر يوما انني غير مُمثل في الدستور ! أليس إذن من حق الاستاذ مسعود البارزاني ان يحتار في تسميتنا ؟!. فها قد وصل الحال بنا ان البعض اليوم يكتب ينادي السريان باليقظة من غفوتهم , اسوة بالاشوريين والكلدان ! . انه تساؤل يتراقص في النفس , ويأبى ان يمنحها الراحة , يتمثل في اسباب عزوف هؤلاء النشامى ( الناشطين قوميا الذين يصدرون اليوم  سلسلة من بيان البيانات ويرفعون برقيات التحايا والتأييد عبر القارات ) عن المطالبة بتثبيت تسمية ( الجبهة الكلدانية ) عوضا عن ( الجبهة الاشورية ) في برلمان الاقليم في تسعينات القرن الماضي  ! هل كان الشعور القومي لديهم لازال في طور الاكتشاف ؟ ! أم ان السماء كانت لازلت , انذاك , غير صافية وأمنة , ولا احد يفتي بعدم احتمال عودة الجور والطغيان الى فتح دفاتره الرهيبة في الحساب!

عند قرائتي لخبر تشكيل الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية تعجبت لأمرين , اولهما , وجدت فيها اسم الاستاذ الفاضل ابلحد افرام  ,الامين العام لحزب الاتحاد الكلداني , فالرجل , ومن خلال عمله لسنوات في البرلمان العراقي , اصبح من المؤكد , مُلمًا بقواعد اللعبة السياسية في العراق , وخيوطها , وغرفها المظلمة والمضيئة , ويُشهد له في ادائه خلال الفترة الماضية  , عبر مواقف جريئة وشجاعة ,تفهمه لمصالح شعبنا , ككتلة موحدة , ينفتح فيها في افاق رحبة على الجميع , متجاوزا , بحكم المعايشة الواقعية , خطوط الدائرة الضيقة الوهمية من اجل اداء موحد  ,وخطاب موحد , ومطالب بإسم الجميع , ونتاج للجميع , فاذا به اليوم يختار التخندق في الدائرة الضيقة , في موقف لاتبرره اطلاقا المصالح الحزبية او الانتخابية الضيقة . ان امل شعبنا كان ان يرى الحركة الديموقراطية الاشورية وحزب الاتحاد الديموقراطي الكلداني يشتركان في انتخابات الاقليم بقائمة موحدة . والامر الثاني , ويُمثل بحق مفاجأة مذهلة , ان نرى توقيع الدكتور حكمت حكيم في بيان اعلان الهيئة السياسية الكلدانية العليا . يوجد لدى الاخوة المسلمين مبدأ معروف هو( تعدد الزوجات ) , ويبدو ان الاستاذ الفاضل الدكتور حكمت حكيم يُجسٍد لنا , وبشكل باهر ,  مبدأ ( تعدد الوسادات او المخدات ) في السياسة , فهو المستشار القانوني للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري , وعرًاب تسويق الحكم الذاتي قانونيا , والذي لم ترد الاشارة اليه في بيان اعلان الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية , وهو اليوم , اي الدكتور حكيم , من المؤسسين لها , ناهيكم عن العشق والحب الاول الذي يُفصح عنه الدكتور العزيز بين اونة واخرى . لكن شرط الاخوة المسلمين في تعدد الزوجات هو ( ان تعدلوا ) , وهكذا نقترح على الاستاذ والدكتور حكيم , ان يعدل بين الثلاثة , المجلس والهيئة والحب الاول , فيمنح كل منهما يومان من ايام الاسبوع على ان يبقى السابع للراحة !. مع احتفاظه , طبعا , بحق الحصول على الرابعة !.

ايها الأحبة في شعبنا من الكلدان , باطلا يتعب مَن يحاول ان يُبعدكم , قدرنا ان نبقى , اختيارا وليس اضطرارا , مُمسكين حتى بنهايات ثيابكم , ليس استصغارا بنفوسنا , بل حبا وفخرا بكم , لأننا واحد في الماضي , وهكذا نكون في الحاضر والمستقبل . . .

   

9
في نينوى – شعبنا جزء من الحل ؟!

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

في محافظة نينوى , وكما كان متوقعا , افرزت نتائج الانتخابات الاخيرة لمجالس المحافظات عن خارطة جديدة لتحكم الاطراف بالسلطة في المدينة بعد ان تمكنت قائمة الحدباء من الفوز باغلبية المقاعد في مجلس المحافظة إثر قرار مايُشاع على تسميته بالطرف العربي ( السني ) في المدينة المشاركة الواسعة في هذه الانتخابات , وعلى النقيض من الانتخابات السابقة التي جوبهت انذاك بمقاطعة شبه شاملة . ومع استلام مجلس المحافظة الجديد لمهامه واعلان توزيع المناصب فيه تشير الاخبار الى تزايد حالة التوتر في المدينة بعد اعتراض قائمة نينوى المتأخية على الية التوزيع تلك والتي ادت الى عدم حصولها على اي من المناصب الرئيسة , الأمر الذي اوصل الى قرارها بمقاطعة المجلس الجديد , بل والارتقاء بالمقاطعة الى مرتبة اخرى متقدمة تمثلت في اعلان رؤساء الوحدات الادارية لبعض المناطق والاقضية التابعة اداريا لمحافظة نينوى , والمعروفة بتسميتها ( بالمناطق المتنازع عليها ) , مقاطعتهم لمجلس المحافظة الجديد , حتى ان التصريحات وصلت الى حد التحذير والتلويح بتقسيم نينوى الى محافظة عربية واخرى كردية . من المعروف ان شعبنا الكلداني السرياني الاشوري يمثل في محافظة نينوى ثقلا مهما وهو لكل منصف وعادل احد الاركان الرئيسية لبيت هذه المحافظة , لما يمتلك فيها من ارث وتواجد حضاري يمتد الى الاف السنين , وامكانات وطاقات بشرية مشهود لها بالامس واليوم , ودور تميز على الدوام بالوفاء للارض والاخلاص لها , وترسيخ ارقى قيم التعايش والاحترام مع جميع سكانها , مما يؤهله كل ذلك لان يلعب دورا ايجابيا في نزع فتيل التوترهذا , فيأخذ زمام المبادرة ليكون جزءا من الحل , كما هو ديدنه دوما , حيث ماكان ابدا جزءا من مشكلة او طرفا في الصراع .

ان مبعث الدعوة الى تحمل هذه المسؤولية الجسيمة في هذا الظرف العصيب الذي تمر به نينوى حاليا ينبع بالدرجة الاولى من توفر كل شروط العامل الوسيط الامين والصادق والنزيه و الباحث باخلاص عن السلم والامان واحترام الحقوق والواجبات , في كل من يقبل ان يتصدى لهذه المهمة النبيلة من ممثلياتنا القومية والسياسية و حتى من مرجعياتنا الدينية , حيثما يتطلب ذلك تعزيزا في الجهود واسنادا وتعضيدا لها . ويشكل كل ما تقدم , يضاف اليه الثقة الكبيرة التي يوليها الطرفان , ( الحدباء الوطنية ونينوى المتأخية ) لشعبنا كجهة احتكام نزيهة والى ممثليه كصُنًاع سلام بالطبع والتطبع , كل هذا يمكن ان يكون قاعدة صحية يتأسس عليها اعمدة القواسم المشتركة التي يتم استكشافها بين الاطراف المتنازعة والمتصارعة . ان سهل نينوى يجب ان يكون اليوم , كما كان دائما , ( ارض الحياد ) الذي تنطلق منه اشعاعات الوئام والاتفاق بين مكونات نينوى جميعا, وعلى شعبنا وممثليه ان يفعلوا المستحيل لكي لايتحول هذا السهل ( لاسمح الله ) الى منطقة ( للارض الحرام ) يتصارع حولها اخوة العيش المشترك , فيحترق بالتالي الاخضر واليابس فيها . ان شخصيات وطنية تنتمي الى شعبنا كالاستاذين الفاضلين يونادم كنا وابلحد افرام بمؤهلاتهما وعلاقاتهما  المتميزة والطيبة و المتوازنة مع الجميع , والمطران لويس ساكو بثقله الروحي والمعنوي وجهوده المشهودة كغصن سلام رائع في كركوك , وبالتعاضد مع غيرهم من الشخصيات السياسية والاجتماعية , المؤثرة من ابناء شعبنا , المناطقية المتواجدة في مدينة الموصل وسهل نينوى , يمكن ان يؤدوا جميعا , وكخلية واحدة متعاونة , دورا راقيا في هذا الظرف , يفتخر به شعبنا والوطن من اقصاه الى اقصاه .

 كتبنا قبل اكثر من سنة سلسلة من المقالات عن سهل نينوى والصراع العربي الكردي , فانبرى وقتها احد اصحاب الاشكاك السياسية في شعبنا هازئا مما ذهبنا اليه , مدعيا ان الصراع العربي الكردي في نينوى لاوجود له إلاً في تخيلاتنا واوهامنا , وفات هذا السياسي المُحنك ان الصراع هو كتاب والاقتتال صفحة من صفحاته , واليوم حيث معالم هذا الصراع باتت واضحة لكل البسطاء والمبتدئين في السياسة فان الواجب اصبح محتوما في بلورة سياسة واضحة تجاهه , تحاكي درجات تطوره . ان الانحياز او الاصطفاف مع اي من طرفي الصراع سيؤدي بالنتيجة الى احد امرين , إما خسارة كل شئ في اسوأ الاحتمالات , او عدم ربح اي شئ في افضلها , ذلك لان الصراع في المحصلة النهائية , كما هو الحال في كل صراع , سيفضي الى مرتبة متقدمة من التصعيد قد تصل , لاسمح الله , الى التماس , لينتهي في النهاية الى جلوس طرفي الصراع على طاولة المفاوضات , فيبدأ كل منهما بالقاء اوراقه الواحدة تبع الاخرى اعتمادا على اقيامها .

ربما يحتج البعض محاججا , فيتساءل هل ان مطالبة شعبنا بحقوقه في الحصول على الحكم الذاتي تعني انه اصبح جزءا من المشكلة ؟! , بل ربما يذهب مزايد اخر الى الادعاء في اننا ندعو الى التضحية بحقوق شعبنا من اجل ( عَفْية )  يقولها لنا فلان او علاًن , لا قيمة  ولاطعم ولا لون ولا رائحة لها ,! وجوابا على هذا نقول , ان الشعوب الحية تعرف جيدا كيف تناغي واقعها الذاتي والموضوعي وتختار الزمن الصحيح لدفع الاهداف والمطالب الى الواجهة العريضة للمتلقي الشعبي والرسمي , قتبدو وكانها الصياد الماهر الذي يعرف جيدا في اي المناطق والاوقات يلقي بشباكه فيأتي له بالصيد الوفير , اما بعض الصراخ في الجو الصاخب فانه لايعدو , كما يقول المثل الموصلي , عن كونه فعلا كريها في ( سوق الصفافير ) , لا يُقدٍم ولايؤخر . من قال ان تقرير المصير لا يدغدغ مشاعر الاخوة الاكراد شعبا وقيادة ؟! لكنهم قرروا وبذكاء  الاحتفاظ بالهدف الحلم في سويداء قلوبهم حتى تحين الساعة , بل ربما لهم الاستعداد الكامل للاغلاق عليه فيبقى عزيزا في قلوبهم لايرى الهواء الطلق ابدا , طالما في ذلك مصلحة الاكراد كشعب وكيان . وهكذا فان الحبر الجليل المطران لويس ساكو لم يجانب الحقيقة اطلاقا , بل اصاب كبدها , عندما وصف الحكم الذاتي , اليوم  ,على انه وهم ليس إلا , ان على القافزين على احداثيات الواقع وظروفنا الذاتية ان يراجعوا انفسهم قليلا قبل النوم ليحاولوا في لحظة تأمل بسيطة ان يستعرضوا بعضا من المقومات الذاتية والموضوعية التي تسمح للاخرين السير ورائهم , على بركة الله , في مشروعهم , اما اذا كان حصادهم من هذا الاستعراض شبيها بغرف الرمل او ماء البحر , فلا عتب حينذاك على المتحفظين والرافظين التوقيع على صفقة شراء سمك يُقال انه يوجد في البحر ! اما السياسيون الذين يعتقدون ان الظرف الراهن بصراعاته , وضبابيته , وتداخلاته  , والفوضى التي تعمًه , يتيح لهم ان يستثمروا غفلة من هذا الزمن لكي ( يضربوا ضربتهم ) وكأنهم في ( شارع البورصة ) , فان هؤلاء السياسيون هم المثال الصارخ في ( الطيبة السياسية ) التي ترقى الى حد السذاجة , لانهم , بقصد او بدونه وفي الحالين المصيبة كبيرة حقا , يقودون , يقينا , انفسهم وشعبهم الى الفخ الذي اشار اليه الحبر الجليل المطران ساكو !.

     ان ممارسة شعبنا , عبر ممثليه ومرجعياته , اليوم لدور فعال وايجابي في نزع فتيل التوتر في محافظة نينوى يفتح الباب واسعا لكي تعي كل الاطراف الاخرى ان محاولات التهميش والاقصاء بحق هذا الشعب هي محاولة لاحداث خلل وطني , قبل ان تكون عقوبة بحق احد مكوناته , خاصة وان هذا المكوٍن قد برهن على الدوام انه الرقم الايجابي في المعادلة العراقية , المخلص لها , والمساهم ابدا في اكتشاف وايجاد حلولها التي تصب في مصلحة المجموع والوطن , وان منح هذا المكوٍن كامل حقوقه , وتواجده في مؤسسات البلد بالثقل الذي يستحقه , ليس تشريفا او مكرمة له , بقدر ما يشكل هذا , لمن يدعون الوطنية حقا وايمانا , عاملا ايجابيا في الاستقرار الوطني  و جرعة صحية منعشة دائمة لمسيرة بناء وطن المؤسسات .

تبقى كلمة اخيرة لكل الاخوة من المتواجدين في المغتربات , وهي دعوة صادقة لهم في ان ينتبهوا الى كمية الماء الموجود في ( راديترات ) محركات اقلامهم , قبل ان تُسبب ( الحماوة ) العالية الى عطب تلك المحركات بالكامل , فتخلط الماء والدهن معا , من الواجب ان نتذكر , ونحن نكتب عن شعبنا في الداخل , الغبار الذي يملأ افواه ابنائه حتى بات وجبة اسبوعية منتظمة , مع الماء الشحيح الذي يصلي اهلنا في الوطن لقدومه في ساعاته المبرمجة القليلة , ممتزجا مع الدعاء للكهرباء الوطنية بساعات من العمر المديد , ولصاحب المولدة بالمزاج الرائق , والاهم من كل ذلك في ان يتمكن شعبنا واهلنا في الداخل جميعا من وضع اقدامهم في المكان الامن , وهم في واقع اشبه بحقل للالغام . من المؤكد عندما نتذكر كل هذا سنخرج بفتاوى تتناسب ودرجة حرارة الغرفة ! . ان شعبنا  في الداخل , يقينا , ليس بحاجة لمن يرسل له عبر القارات والمحيطات الخطب والبيانات ويختمها بالقول , اذهب انت وربك فقاتلا , اما نحن ففي امريكا واوربا قاعدون !. ليست هذه اطلاقا دعوة لخنق الافواه , بل رجاءً خالصا بإتقاء الله , وتذكيرا في اننا , نحن المتواجدين في الغربة , لسنا الجهد الاصلي الذي يملك حق الفتوى والقرار , بل الجهد الساند الذي ندعو الرب ان يبارك كل خطوة فيه , تصب في خدمة ذلك الجهد الاصلي لاؤلئك الصابرين المتشبثين بالارض . . .

10
مهرجان الربيع وأكيتو الاغنياء

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

اذكر , ويقينا يتذكر معي الكثيرون , بحسرة وألم , فعاليات مهرجان الربيع الذي كان يقام في الموصل في سبعينات القرن الماضي بنكهته المميزة , وتنظيمه الراقي , بالرغم من الامكانيات المحدودة للمدينة , فكان كرنفالا للمحبة والتعايش والثقافة والفن والسلام قبل ان تفعل السياسة فعلها التشويهي فيه فجردته من الروح وابقت عليه الجسد المترهل . واؤمن جازما ان ابن العراق بصورة عامة , وابن نينوى بصورة خاصة , الذي يسكن بلاد الغربة اليوم في اوربا وغيرها , يصيبه الحزن والالم بشكل مضاعف وهو يرى ويعيش في مدن اعتادت ان تقيم لها مهرجانات وكرنفالات شبيهة بمهرجان الربيع الذي كان يقام في الموصل , لأنه يرى , ليس انحيازا وتعصبا اعمى , ان مهرجان الربيع بابهته وفعالياته وحيويته يفوق بكثير مهرجانات وكرنفالات هذه المدن , فيستحضر و يتأمل , بقنوط , في حجم الخطوات التي خطاها الوطن الى الخلف عبر العقود الماضية ! .  ارجو ان لايثير البعض ما ساذهب اليه من اجتهاد هو رأي خاص يتحمل الخطأ والصواب , لاقول ,كان حضور الرئيس العراقي السابق صدام حسين الى مهرجان الربيع في الموصل عام 1980 بمثابة دق لبسمار سميك عميق في نعش ذلك المهرجان , فكان الاشارة الرسمية لتسييس المهرجان , بشكل كلي , وبداية انحداره في سفح السقوط , وتجريده من صبغته الموصلية وتمييعها بقرار تحويله الى مهرجان قطري , ناهيكم عن ارساء دعائم ثقافة الارتزاق على الرقصة واللوحة والادارة والجهد في العمل الاجتماعي الشعبي , فبات المهرجان يثير لعاب مقتنصي الفرص , واصحاب شهادات مسح الاكتاف , حتى ان اصحاب المهرجان الحقيقيون , من المشاركين والجمهور , قد سلموا امرهم لله العزيز الحكيم , واداروا وجوههم عن المهرجان الذي اصبح غريبا عنهم وعن مدينتهم . نعم , لقد أُطلقت الرصاصة على قيم المهرجان عندما اصبحت مكافأة ( الدبك اوالرقص ) لدقيقة واحدة امام منصة التحية هي ثلاثة ألاف دينار اي ما يعادل وقتها تسعة ألاف دولار ! .

وهكذا فان ثقافة الجشع ومرض الاستحواذ على كل شئ او الرغبة في افساد كل شئ  يمكن ان نرى لها امثلة تطبيقية في كافة مناحي الحياة , لان هذه الثقافة هي , كما اعتقد , جين يولد بالطبع ويقوى وينمو بالتطبع , فترى على سبيل المثال احدهم يملك مال قارون , وعينه على جاره الذي يغسل وينظف سيارته ( البرازيلي ) , لانه يعرف في قرارة نفسه باي الوسائل جمع هو مال قارون , وكم كدح جاره حتى نال ( البرازيلي ) من عرق جبينه ويعتز ايما اعتزاز بها !. ومن الطبيعي ان يمتد الجشع ومرض الاستحواذ الى العمل السياسي ايضا في امثلة صارخة , قسم منها محفور في الذاكرة كونه اصبح جزءا من الماضي , والاخر لازال طريا نعايشه في الحياة اليومية الحاضرة . حتى قبل عدة سنوات , لم يكن شعبنا الكلداني السرياني الاشوري يحتفل جميعا  , ولظروف خاصة , بعيد رأس السنة البابلية الاشورية ( أكيتو )  , بل بقي على الدوام جزء من شعبنا وفيا لهذه المناسبة , يحتفل بها فيخرج , طوعيا , بملابسه الزاهية , وراياته البنفسجية , و زهور ربيعه , ليذكٍر الاخرين بماضيه العريق , وحضارته الموغلة في التاريخ , وباماله وتطلعاته التي يستحقها اليوم , كونه اصل هذه الارض , وجذرها , والمخلص الوفي لها على مدى الايام والشهور والسنين . وهكذا غاصت شوارع دهوك في العام الماضي وفي ذكرى أكيتو بمسيرة جماهيرية عفوية كبيرة اشترك فيها الصغير والكبير , الرجل والمرأة , الاشوري والكلداني والسرياني , حضروا جميعا دون اغراءات بمكافأت , او تهديدات بعقوبات !.

لقد استوقفني حقا وبعث في نفسي الرغبة في كتابة هذه السطور اعلانا منشورا على موقع برطلة , مدينتي العزيزة , يتضمن دعوة من رابطة الشبيبة التابعة لمجلس السريان في المدينة , حيث يبدو ان الاخوة الاعزاء في المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري قد اضافوا ( اكيتو ) الى قائمة ( مقاولاتهم ) , فيقول الاعلان وبالنص :

الموضوع / دعوة عامة للجميع

نهديكم اطيب تحياتنا

بمناسبة ذكرى راس السنة الاشورية ( أكيتو ) المصادف 1 / 4 / 2009 يقيم المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ( سورايا ) تجمعا جماهيريا في محافظة دهوك
لذلك تدعوكم رابطة شباب السريان / برطلي للمساهمة والمشاركة في هذه المناسبة حيث يقام حفلا فنيا وبحظور ثلاثة من مطربي شعبنا علما ان النقل ووجبة الغداء مجانا
فعلى كافة الاخوة والاخوات اعضاء الرابطة او من خارج الرابطة تسجيل اسمائهم في مقر الرابطة حصرا والكائن في مقر مجلس السريان في الطابق الثاني ليوم الجمعة الموافق 27 / 3 / 2009 من الساعة الرابعة عصرا وحتى الساعة التاسعة مساءا
ويكون التجمع يوم 1/ 4 / 2009 قرب قاعة الافراح للحفلات
شكرا لحضوركم وتقبلوا تحياتنا

لجنة الثقافة والاعلام
رابطة شباب السريان / برطلي

ترى , هل فكر اصحاب الأفق الضيق , والمكاسب السياسية الانية , ان الذي يغرونه اليوم بالنقل ووجبة الغذاء سيطالب بالمزيد في الفعاليات القادمة , او سيبحث عن غيرهم الذي يقدم عروضا افضل ؟! ومن هو المستهدف بالأغراء ؟ انها شريحة الشباب !, فهل مثل هذه الاساليب هي التي ستنمي الشعور القومي والوطني لدى الشباب ؟! هل حقا اعمانا الحقد السياسي والرغبة العنيفة في الاقصاء عن استحضار الوسائل المشروعة في المنافسة او الصراع السياسي ؟! أم اننا نفعل ذلك متعمدين مع سبق الاصرار هادفين الى تخريج جيلا من ( موظفي قضية شعبنا  ) الذين يرتبطون معها بعقد محدد , ويستقيلون منها لحظة انتفاء الامتيازات ! . وفوق كل هذا وذاك فستنزل , طبعا , علينا ( الاقلام الباسلة ) كالراجمات , كما فعلت وتفعل كل يوم , ( لتسطر عن الالاف التي خرجت وستخرج عن بكرة ابيها وهي شهادة لاتحتاج الى برهان عن الالتفاف الجماهيري ) , والخ من الكلام الذي يفقع المرارة , ويترك الحجر ينطق احتجاجا , ويتجه بالرؤوس الى رب السماء ليستمطر بالشفقة والرحمة على تلك الاقلام ! .  كنت في احد الايام في سفرة جامعية الى منطقة هيت , ودار جدال حول حجم الدمار الذي لحق بالعراق اثر حرب الكويت عام 1991 , ولازالت كلمات احد الزملاء التدريسيين ترن في اذني , اذ قال , ان الشواخص المادية يمكن ان تعوًض ببعض المال وبعض الزمن , ولكن كم نحتاج لاعادة تصليح المواطن العراقي الذي اصابه خراب النفس ؟! ان الموضوع ذاته يتكرر في الزمن الحاضر , فهنالك الكثيرون الذين يقفون اليوم امام الشواخص المادية التي تم اعمارها مثل الكنائس والمراكز الثقافية والمجمعات السكنية وغيرها فيعترفون , في جانب , بتقدير وتقييم بالجهد المبذول , ويتذكرون في الجانب الاخر , وفي نفس الوقت , عدد النفوس التي سقطت ذاتيا واجتماعيا على طريق الانجاز , عجيب امرنا نحن العراقيون , فخراب النفوس عندنا مثل المنشار يأكل صعودا ونزولا , في الدمار والاعمار !

ليس انحيازا لطرف او معاداة لطرف اخر , اللهم اشهد انها دعوة حق مخلصة , اعيدوا التفكير واتركوا شعاع بصركم يسدد على البعيد البعيد  , القيم والمعاني تستحق ان تبقى دائما سامية , فحرام علينا ان يصل بنا الامر الى ان نضع ايضا أكيتو في المزاد , حتى وإن تظاهرنا بالكرم تجاهه , ورفعنا سقف السعر من لفة الفلافل الى نفر الكباب ! أكيتو هو عنوان للرأس , والتاريخ لن يرحم من يختار لنفسه ان يكون عرًابا لتسلق الفساد الى الرأس !
كل أكيتو وشعبنا بألف ألف خير . . . 


 

11
الى المجلس الشعبي وموقع قناة عشتار – حاشا للمطران الشهيد ان يكون من اوراق اللعبة

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

قد يعتقد بعض الاخوة المتطرفين من الذين يحاولون اغتصاب صوت ابناء شعبنا من الكلدان , او بعض اصحاب هواية السباحة في بركة التقوقع المذهبية الضيقة بمياهها الراكدة العكرة , اقول قد يعتقد هؤلاء , ان السطور ادناه تمثل حشرا للانف في شؤون الاخرين! , كونهم قد اعتادوا في كتاباتهم و طروحاتهم التي تثير الاشمئزاز ان يحاولوا , وباطلا يتعب هؤلاء ( البناؤون الهدامون ) ان يشيدوا جبلا من نار بين جزء عزيز من شعبنا وهم الكلدان , وبين اجزائه الاخرى من الاشوريين والسريان ! ان هؤلاء الذين يقطعون سلسلة قافلة شهداء شعبنا , التي سقطت خلال الاعوام القليلة الماضية , فيكتفون فقط بالاشارة الى شيخ الشهداء الحبر الجليل المطران فرج رحو ومرافقيه , وعريس الشهداء الاب رغيد كني والشمامسة الذين كانوا معه , انما يثيرون في نفوس اغلب ابناء شعبنا , وفي مقدمتهم الكلدان , الشعور بالنفور والتقزز . تبا لتلك الاقلام التي يجف حبرها , او تقتصد فيه , فتبخل عن ذكر الكاهنين الشهيدين بولس اسكندر , ويوسف عبودي مع قائمة الشهداء , ان هؤلاء يتوهمون عندما يعتقدون ان , الجليل رحو والوقور رغيد , هما ملكهم لوحدهم !. ان الملايين من ابناء شعبنا لها الحق في ان تغرز اصابع اياديها في عيون كل من يحاول ان يشيع ان المطران الشهيد فرج رحو هو حصته فقط , وليس للاخرين شئ فيه ! ناهيكم عن ان هذا الفعل يمكن اعتباره مشاركة فعلية مع جريمة القتلة , كونه يترك المبادئ التي استشهد من اجلها الحبر الجليل معلقة على خشبة الصليب , يغمرني الايمان العميق في ان  روحه الطاهرة الزكية تتطلع من عليائها , بحسرة وألم , على تلك الخشبة وهي تصرخ بوجه هؤلاء ذوي القربى , صالبي المبادئ , فتقول لهم اذهبوا عني . . , اني لا اعرفكم ! . اذا كان الاخوة المسلمون بمختلف مذاهبهم وتوجهاتهم , بما فيهم الذين ينعتون انفسهم بالمقاومة , قد جاهروا بالقول ان الحبر الجليل الشهيد كان مطرانهم , فكم بالحري , ومن باب اولى , ان يكون مطران السريان والاشوريين ! . لقد تسامى حبرنا الجليل في لحظة استشهاده من ان يكون شهيد العائلة الصغيرة وكنيسته الكلدانية حصرا , ليصبح  ,حتما , شهيد الكنيسة الجامعة الواحدة المنتمية الى الرب , له المجد , والى شهيد الوطن باسره , في ارضه , ومائه , و اعراقه , واديانه , ومذاهبه , بل الى شهيد الانسانية جمعاء , حملا حقيقيا مذبوحا , قربانا للحب والسلام . فهل بعد هذا من يزايد ويقول لي , ما اتقزز منه , ما  لك انت السرياني وشهيدنا فرج رحو !. ترى متى يعود البعض الى رشده , ويشدو بمزمور شعبنا الواحد الموحد , فنكون جميعا اشوريين بفخر, وكلدانا بحب , وسريانا باعتزاز , ثلاثة اقانيم لشعب واحد لاتشرذمه هلوسة المتهلوسين !.

مرت قبل ايام الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد الحبر الجليل المطران بولس فرج رحو , وقد تابعت , كما تابع الكثير من ابناء شعبنا , السرد والوصف الرائع لدرب الام المثلث الرحمات  الذي قدمه مشكورا الاخ العزيز الدكتور غازي ابراهيم رحو عبر سلسلة من المقالات نُشرت على موقع عنكاوة كوم العزيز والعديد من المواقع الاخرى , وفي الوقت الذي يبدو على المقالات احيانا طابع الحذر الشديد الذي توخاه الاخ الدكتور تماشيا مع حسابات وظروف معينة نحترمها جميعا , لكن ذلك لايلغي اطلاقا الرغبة العارمة والمتلهفة لدى ابناء شعبنا في ان يأتي ذلك اليوم الذي ستُفك فيه شفرة الكلام المختبئ بين السطور , في تلك المقالات , انتصارا للحقيقة الكاملة والشاملة . والاستاذ الدكتور غازي ابراهيم رحو قد عرًج في سلسلة مقالاته على مواقف وادوار مختلف النخب الدينية والسياسية والاجتماعية والمؤسسات الرسمية والشعبية في حادث اختطاف واستشهاد الحبر الجليل فرج رحو . وكان حقا ملفتا للنظر , لسبب سيتضح لاحقا , ماذكره الاخ الدكتور غازي في دور الاستاذ يونادم كنا , حيث كتب الاستاذ الدكتور غازي ابراهيم وبالنص  (وفي هذا اليوم اتصلت مع السيد يونادم كنا وكان لي حديث طويل معه وتحدثنا عن التوقعات  وأعلمني السيد يونادم انه يبذل جهودا  ليل نهار لمتابعة الموضوع مع أعلى المستويات في العراق  وانه  يتصل ويتابع ساعة بساعة  كل الأحداث المتعلقة بموضوع مطراننا الجليل  وانه سوف لن  يألوا جهدا ولا سكينة إلا عندما يصل إلى نتيجة  ما.... ليفرح بها  شعبنا العراقي  بكل مكوناته  حول مطراننا الجليل وشعبنا المسيحي ... وأقولها  للتاريخ إن هذا الرجل  بذل ما بوسعه للبحث من خلال عدة منافذ عن  مكان المطران الشهيد ووضف كل علاقاته  وقواعده  للبحث عن الشهيد  ومع أن الجهود لم تثمر  عن نتيجة إلى إن المواقف يجب أن تذكر للتاريخ فبارك الله  بكل الخيرين .... ) . املي ان لا تُسرع بعض الاقلام الرخيصة في الحكم في اننا بهذا الاقتباس انما نقوم بالدعاية للسيد يونادم كنا , بل اؤمن جازما ان السياسي , او صاحب النفوذ , ينبغي له ان يُطلٍق موقعه بالثلاث اذا خطر في باله ان يستثمر او يستغل مأساة انسانية كهذه , من خلال جهد هو يمثل ادنى واجباته , ليسخره كورقة يلقي بها على طاولة لعبة السياسة الرخيصة ! . لكن ما لفت حقا انتباهي الى ذلك هو الخبر المنشور على واجهة موقع قناة عشتار الفضائية وتحت عنوان ( شكر وتقدير من عائلة شهيد الكنيسة المطران بولس فرج رحو ) وبتوقيع السيد عبد السلام رحو  شقيق المطران الشهيد حيث يقول وبالنص ( يتقدم عبد السلام رحو وعائلته بجزيل الشكر والتقدير للحبرالأعظم البابا بندكت السادس عشر وغبطة الكاردينال مار عمانؤيل الثالث دلي بطريرك الكلدان ومساعده سيادة المطران شليمون وردوني وجميع اساقفة وكهنة العراق والعالم والرهبان والراهبات والشمامسة وأبناء الشعب في العراق والعالم الذين حضروا الصلوات والقداديس ومجالس العزاء والمسيرات وارسلوا البرقيات والنداءات الهاتفية استنكارا للعمل الإجرامي بخطف وتعذيب وقتل أحد رموز الدين المسيحي مار بولس فرج رحو . كما نشكر الرئيس مسعود البارزاني وأعضاء حكومته الذين استنكروا هذا العمل ، كما نقدم الشكر للسيد
سركيس أغاجان وقناة عشتار الفضائية وكافة منتسبيها الذين سهروا ليل نهار لنقل وقائع التشييع واستلام برقيات الإستنكار والتعازي من العراق وجميع أنحاء العالم ، كما نشكر أعضاء مجلس النواب الذين استنكروا هذا العمل .
كما ننتقد المسؤولين في الحكومة العراقية والنائب يونادم كنا عن سكوتهم لهذه الجريمة وفاعليها ومحاربة وتهجير مسيحيي الموصل ، واؤكد لروح اخي الشهيد في ذكراه الاولى بأن اسمه أصبح تاجا للكنيسة بين الامم ونحن عائلتك نتفاخر بك لأنك صرت شمس الكنيسة وكوكبها ، وأنت اليوم مع القديسين ، وباحضان امنا العذراء القديسة يا قديس السلام والموت للقتلة واسيادهم .
عبد السلام رحو
تورونتو - كندا

نظرة بسيطة الى الاقتباسين السابقين تشير وبوضوح الى اختلاف الاحكام , مما يترك الانطباع , ونتمنى ان نكون مخطئين , الى النجاح الساحق والملحوظ في نقل التشتت والتشرذم واختلاق الاجنحة الى داخل العائلة الواحدة في قضية هي اسمى من لعب السياسة , مما يتناقض وبشكل حاد مع التشدق ليل نهار بالحرص على وحدة خطاب شعبنا بمختلف اطيافه ومكوناته . ربما يعاتب البعض فيدعي اننا نقسو على المجلس الشعبي وموقع قناة عشتار في النقد , كون ما ينشر يعبر عن حرية الرأي ولايمثل حتما رأي المجلس والقناة , وهذا صحيح بشكل عام  , لكننا في الجانب الاخر نقول , اننا نعلم علم اليقين ان مايخرج على الضوء من المجلس والقناة , كفضائية وموقع , يمر عبر ( فلتر دقيق ومحسوب ) , وهو نفس الفلتر الذي يحجب مقالات واخبار اخرى يرى المجلس والقناة انها لاتعزف على نفس الوتر , حتى وإن كان اصحابها هم ( اقلام المجلس الميامين الاوفياء ) , ومن المجهزين الرئيسيين لموقع القناة , فعلى سبيل المثال نرى ان بعض كتابات الاخ العزيز والاستاذ الفاضل انطوان الصنا تقف عاصية في فلتر ( زردوم ) موقع قناة عشتار غير قابلة للبلع , بل يتقيأها الموقع , وكأنه المرأة في تباشير فترة الحمل , بينما ينزل القسم الاغلب من كتاباته الاخرى , والتي تُطرب الاذان , كالماء الزلال السلسبيل على نفس الفلتر لموقع قناة عشتار  . كان الاحرى بهؤلاء تسخير جميع امكانياتهم للوصول الى صلب الحقيقة في قضية اختطاف واستشهاد الحبر الجليل بولس فرج رحو , عوضا عن محاولة ( الاعتياش السياسي ) على هذه الواقعة الانسانية الأليمة طمعا في اهداف ومكاسب رخيصة . ان هذا الاداء يتركنا اكثر اقتناعا في احكامنا السابقة حول الانتخابات , فمن يجد ( خبزه السياسي ) في مأساة شعب , باسقفه الجليل والذي لم يكن سياسيا , يهون عليه ان يغري بعض الناخبين بلفًة الفلافل , فلماذا الزعل اذن ؟ ! ولكن في النهاية لايصح إلا الصحيح , وسيقول شعبنا هازجا ببعض الوجوه في القادم من الايام ( شكًَينا الدف وبطًلْنا الغنى ) .

سيدي المطران الشهيد وكل الشهداء , لكم جنات الخلد وستبقى ذكراكم تملأ النفوس , وتضمها حنايا الصدور , لقد دستم  ,بايمانكم وصليبكم , العقارب والحيات , فنلتم باستحقاق نعمة تسجيل اسمائكم في اورشيليم السماوية . . . 

12
عنكاوة كوم – شمعتنا التي نوقد لها اليوم شمعة

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

هي قمة السعادة وهو فخر الفخر للأباء  ان يعاينا الطفل وهو ينمو ويضع اقدامه على الطريق الصحيح , نشوة الفلاح ان يرى ما بذرت يداه , وقد شقَ طريقه برشاقة واستقامة تُنعش نظرة الناظر وتُسٍرُعين المشاهد , سكرة الفرح لدى المعلم والمربي الصالح تلامس حد الثمالة , وهو يعاين تلميذه الذي بدأ معه الابجدية , يثير صمت المجالس انبهارا , ويملأ السوح صيتا طيبا , تفوح منه عبق المسؤولية والامانة والصدق مع الذات قبل الاخرين . اللهم أشهد , ان هذه الكلمات ليست تملقا ورياء ( لعنكاوة كوم ) والقائمين على الموقع , فلو أتيح للحقيقة ان تُفصح عن سويداء قلبها لتعالت صيحاتها في ان موقع ( عنكاوة كوم ) يستحق اكثر من ذلك , والجنود المجهولون الساهرون عليه لحمايته من نزلات برد الشتاء , ورمال عواصف الصيف , وعبث العابثين , وعيون الحاسدين , هم جديرون بأن نتصدًق جميعا عليهم بالكلمة الطيبة , ولو لمرة في العام , فلا قلق من أن يصيبهم الطمع !, ناهيكم عن ان هؤلاء , وأقصد ادارة عنكاوة كوم , لايملكون , ولحسن الحظ , خزائن السلطان , فيأمرون ( بمئة درهم او اوراق خضراء ) لمن يقول بحقهم كلمة صدق او رياء ! , بل ان قول كلمة حق فيهم أشبه بتقييد ديون عليهم على قالب من الثلج في صيف العراق ! , او في احسن الاحوال يرادف حال تسجيل ذات الكلمة في حق ( الراحل جون قرنق ابن الجنوب السوداني ) , فينال صاحب الكلمة في الحالين , فقط , ابتسامة محبة ترتسم على وجه زاد احمرار اللون فيه خجلا وادبا . 

كَمْ من ابناء شعبنا صار متهما وبامتياز انه مصاب بمرض الادمان على ( عنكاوة كوم ) , فباتت يده تذهب باشارة الفأرة ( الموس ) لا اراديا الى صفحة عنكاوة كوم قبل ان ترفع ذات اليد كوب قهوة او شاي الصباح ! وكم من الكُتًاب والناشرين والناشطين يحرص على ان يضع نتاجه ونشاطه على صفحة عنكاوة كوم , فذلك بالنسبة له ذو طعم ومذاق خاص . ان الحقيقة التي يجب ان نقف عندها بفخر واعتزاز , تشير الى ان هذا الموقع قد قرر ان يخرج منذ زمن بعيد من شرنقة التقوقع في ان يكون موقعا مختصا ببلدة عزيزة من بلدات شعبنا لينطلق محطما حدود ( عنكاوة البلدية ) فيمتد الى ان يكون صوتا ( رسميا وشعبيا ) باستحقاق ناطقا باسم شعب كامل , و هكذا يرى السرياني ( ابن برطلة وبغديدي ) والاشوري ( ابن دهوك ونوهدرة ) والكلداني ( ابن القوش وعنكاوة ) ان لكل منهم جميعا المساحة الكافية والعادلة والمتساوية في خيمة هذا الموقع , بل ويتجاوز الموقع ذلك ليُصبح صوتا وطنيا مشهودا له , يناغي وينافس الاصوات والمواقع الوطنية الاخرى . حقا لانبالغ عندما نقول ان ( عنكاوة كوم ) بات الاناء المتميز الذي يجسٍد وبشكل رائع وحدة شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , فنرى على منتديات الموقع وواجهته يوميا تفاعلا وتزاوجا وعراكا في الرؤى والافكار والنشاطات , لشعبنا بمختلف اطيافه ومكوناته , واذا كُنا نتفق في ان الحيادية العادلة والاستقلالية المسؤولة هما معياران يتم التعبير عنهما في العالم النسبي وليس المطلق , فان موقع ( عنكاوة كوم ) يحق له ان يفتخر يكونه اصبح مدرسة ترقى الى مستوى النموذج في عرض الافكار المختلفة والمتصارعة وتقديم الرأي والرأي الاخر بشفافية وانسيابية عالية ومتميزة .

في عصر وزمن يتميز بان جيوب الابواق فيه تمتلئ بسرعة تفوق بكثير سرعة الصوت , وفي مناخ بات من اليسر فيه ان يتحول الانسان , اذا شاء , الى ( قطة ) تسمن بلحظة البرق وغمضة العين , في زمن ومناخ كهذا , أشعر حقا بالفخر في ان احسب نفسي من عائلة (عنكاوة كوم ) , فارفع القبعة تقديرا ووفاء لهذا الموقع الرائد , واسطٍر بحق القائمين عليه , انهم قد برهنوا ان ربح النفس هو الخطوة الاولى في طريق الالف ميل لربح العالم والحقيقة باستحقاق .

اعزائي في هيئة الاشراف على عنكاوة كوم , لقد بذلتم وتبذلون كمًا هائلا من الجهد لنتمتع بتصفح هذا الموقع الرائع , ويقينا هنالك جبال من الجهد بانتظاركم ليكون هذا الموقع افضل واكثر تألقا , دعائي الخالص الى الرب , له المجد , لكم بكل التوفيق والنجاح .
عنكاوة كوم شمعة تضئ لنا على مدى ايام الاعوام والسنين فتجمعنا على طاولة وجبة المعلومة المفيدة , فما أحوجنا ان نمارس بعض الوفاء مع هذا الموقع العزيز , فنوقد له شمعة المحبة والتقدير في عيد ميلاده وتأسيسه !.
كل عام وعروسنا ( عنكاوة كوم ) بألف ألف خير . .

13
  السيد سركيس أغاجان – غياب بقرار وحضور مُبرمج

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

هل كان المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري , ومن يرعاه , قد وصلوا الى حقيقة حاسمة في ان الانتخابات هي , بالنسبة لهم , معركة فناء او بقاء , وعلى نتائجها يتوقف المصير في استقبال رصاصة الرحمة او الحصول على قبلة الحياة ؟!. هل كانت الانتخابات هي النقطة الفاصلة التي يمكن ان تؤدي الى احد مفترقي طرق , اما تحقيق النتائج وبالتالي تجديد العقد الى أجل اخر , او الاخفاق الذي يؤدي الى التسريح , وفض الاعمال , وعرض الممتلكات في المزاد ؟!. ان الإداء الذي اعقب اعلان النتائج في التعبير عن الانتصار يترك المراقب يصل الى قناعة اكيدة في ان المجلس وجد نفسه حقا محصورا في عنق الزجاجة في امتحان الانتخابات , من خلال هذه  الفرحة العفوية في اجتياز هذا العنق وعودة النفس , ولكن امام المحصور في عنق الزجاجة طريقان لاثالث لهما , اما الخروج الى الهواء الطلق والتحرر كليا من الزجاجة , او السقوط في قاعها , وهو مايكفل له ايضا القدرة على ممارسة الشهيق والزفير اعتمادا على مزاج المتحكم في الصمام !. اي الحالين يصف الواقع ؟! , ذلك ما لكل منا اجتهاده فيه , والاجتهاد يمكن ان يكون مصيبا او مخطئا . لكن , ومن ناحية اخرى , ومن اجل الانصاف , ينبغي القول في ان نتائج الانتخابات اشارت الى ان المجلس الشعبي , وبالنسبة للاخوة الاكراد , لازال هو الرهان الافضل والأجدى في الواقع العياني , والذي لابديل عنه حاليا , كون الرهانات الاخرى هي اما مُتعبة بسبب ( حُمَى امتلاك الارادة ) التي تُصيبها فجأة بين اونة واخرى , فتحتاج الى ( الكمادات ) ! , اما الاخر من تلك الرهانات فهو ( فقط عرض عضلات في الانترنيت و عرض خدمات خاصة ) من اجل الحفاظ على بعض المكاسب الشخصية والحزبية , ناهيكم عن ان الرهانين معا , اثبتا و بالملموس حالة ( الفقر والكساح والجفاف الشعبي ) التي يعانيان منها .

ليس خافيا على الرأي العام ان الغياب والظهور في الحياة السياسية هو ظاهرة من السذاجة تعليقها , كليا , على شماعات الاعلام الرسمي او ما يُروجه الاحباب والمناصرون , فان الثقة المطلقة بتلك الشماعات واعتماد حسن النية في تصديق ما يروٍجه البعض هو اشبه بما يقال ( حدٍث العاقل بما لايُعقل فإن صدًق فلاعقل له ) . مانريد قوله هو ان توقيت عودة ظهور السيد سركيس اغاجان مباشرة بعد الانتخابات , وبالسيناريو الاحتفالي الذي جرى فيه , تؤكد الشكوك في كل الشماعات التي حاول البعض جاهدا , وطوال اربعة اشهر , تعليق غياب السيد اغاجان عليها . نؤكد هنا ان لاشأن لنا بحياة السيد اغاجان الشخصية فتلك حرية فردية هي محل تقدير واحترام , بل ما يهمنا فقط هي النظرة الى السيد اغاجان , في غيابه او حضوره , كدور سياسي في واقعنا له حتما تأثيراته ونتائجه . ان الحقيقة التي تبدو كفتها اكثر رجحانا تشير الى ان السيد اغاجان قد اختار الانزواء , او حدث ذلك بقرار , ربما لعدم رضاه , شخصيا , عن حصاده , او بعدما بات واضحا للاخرين ان حصاده ليس وافيا , وان الاستجابة الشعبية لمشروعه لم تكن بالمستوى المطلوب , وان قدرة مَن تم تسخيرهم للتحشيد الشعبي لصالح المشروع , وما انجزوه على طريق هذا الهدف لايعادل اطلاقا ما تم تبذيره وهدره عليهم من اموال وامكانيات ! , خاصة ان بعضهم , وفي مقدمتهم بعض رجال الدين , لم يتوانى اطلاقا عن التزام مواقف كانت اشبه بسهام ونصال نالت من ظهر المشروع , في الوقت الذي كانت الايادي لاتتقاعس عن استلام مكافأت المشروع نفسه ! . استفاق المستفيدون من مشروع السيد اغاجان , وخاصة اصحاب الدرجات الخاصة فيه , على كابوس رهيب يُنذر بإنقطاع ( الحنفية ) عن الجريان , بل والقلق العميق من احتمال ان ربما قد لا تنتهي الامور فقط الى حد انقطاع ( الحنفية )  , بل قد تتطور الى المساءلة والمكاتبة و المحاسبة على اوراق السنين ! . ومازاد في الكابوس رهبة على رهبة , هو المصير الغامض للاب الروحي للمشروع ومالك مفاتيح اسراره .  يُصاب الانسان بالعجب حقا من عجز المجلس الشعبي عن تحقيق اية زيارة , طوال اربعة اشهر , الى السيد اغاجان وهو في مشفاه يتعالج ويتشافى , ثم بثٍ مقتطفات من تلك الزيارة , ولو لثواني معدودة , على شاشة فضائية عشتار ! انسانيا , لايمكن ان يفوتنا ان نعبر عن خالص التمنيات القلبية الصادقة للسيد سركيس اغاجان بالصحة والعافية والعمر المديد . بل وحتى لم يصدر عن المجلس اي بيان مقتضب يشير الى اسباب غياب السيد اغاجان عن الظهور الرسمي , وهو يعلم ان جماهيره وشعبنا بصورة عامة تبحث عن تطمينات وتوضيحات في هذا الشأن ! هل حاول المجلس الشعبي القيام بذلك  , فتم منعه , و وجد الفيتو الصارم في وجهه ؟ !. تساؤل لا نملك اجابته بل هي في حوزة اعضاء المجلس الشعبي !. عندما يغيب القادة والرموز والعناوين الكبيرة لاسباب معينة , وفي مقدمتها الاسباب الصحية , وتطول غيبتهم لاسابيع و شهور , فانهم يعمدون الى ارسال اشارات  اطمئنان وتوضيح بسيطة , بين فترة واخرى , لمؤيديهم ومناصريهم وشعوبهم , كما حدث ويحدث مع الزعيم الكوبي كاسترو والرئيس الكوري الشمالي وغيرهم !. من ناحية اخرى فان السيد اغاجان قد تمكن خلال السنوات الماضية من امتلاك علاقات متميزة مع اغلب كبار رجال الدين , وكان كريما جدا في رعايتهم , ألم يخطر في بال احدهم ان يبادر الى تنفيذ الواجب الانساني والديني في زيارة مريض ؟! أم هل هنالك من حاول ووجد الباب مقفلا , او أُخبر ان ليست هنالك امكانية لاستقباله ؟!. انها تساؤلات تستجدي الاجابات , وهي طرقات خفيفة يشهد الله لاتمتًُ الى اللؤم بصلة , على باب الحقيقة وشُباكها !.

وهكذا جاءت الانتخابات لتصل بمؤشر الابتزاز الى اقصاه , واخذ هذا الشعور بالابتزاز يتسرب في نسغ نازل من قمة الهرم في المشروع ليصل الى المواطن البسيط الذي يعيش هموم الشارع ومشقة الحياة , فنتائج الانتخابات بالنسبة للسيد اغاجان هي المنعطف الحاسم في الدور السياسي , تواصلا او جمودا او ركونا الى حين اخر , وبالنسبة للمستفيدين الكبار واصحاب الكروش والموظفين في المشروع , فقد وجدوا انفسهم امام صورة قاتمة سوداء تنتهي فيها كل الامتيازات والمنافع في حالة الاخفاق في الانتخابات , وهذا الشعور المتخم بالابتزاز الذي اصاب هؤلاء قد تم إسقاطه على الجمهور ,على نحو غير مسبوق , من خلال تسخير بعض (المتطوعين بأجور )  للاشاعة و التصريح في الشوارع وبالفم المليان في ان عدم فوز عشتار يعني نهاية الحراسات و توقف المساعدات الاجتماعية وتمويل النشاطات والمشاريع , وباختصار شديد , ان الدنيا لن تكون ربيعا والجو لن يعدو بديعا ! , كما كانت تغني وترقص المرحومة ( سعاد حسني ) ! . حتى ان الشعور بالخطر المحدق قد دفع المتنفذين في جهد السيد اغاجان الى الاستغناء عن مطلب الحكم الذاتي ووضعه جانبا على الرف في مرحلة السباق الانتخابي ضمانا للنتائج , لانهم يدركون حقا ان ادخال الحكم الذاتي في معادلة الانتخابات يترك عملية حل هذه المعادلة اكثر صعوبة وتعقيدا. ان البعض , يتوهم ويحاول ان يوهم غيره , عندما يذهب الى عقد علاقة طردية بين فوز قائمة عشتار وبين شعبية مشروع الحكم الذاتي , لان هذه العلاقة تجانب الحقيقة والواقع . لا انكر اطلاقا ان هنالك العديد من ابناء شعبنا مِمًن يؤمنون بصدق واخلاص في مشروع السيد اغاجان للحكم الذاتي , ومن الواجب  احترام وتقدير وجهة نظرهم وارائهم , ولكن انصافا للحقيقة يجب ان نقول لهم , انهم يعيشون على هامش المشروع , وهم اصحاب دور محدود جدا فيه  ,وكتاباتهم لاتتخطى حدود مواقع الانترنيت التي تُنشر فيها , اما اغلب اصحاب الامر والنهي في جهد السيد اغاجان  ,فليس لهم لا في العير ولا في نفير الحكم الذاتي !.

انتهت انتخابات مجالس المحافظات وبات الفائزون على المِحك , وخاصة في محافظة نينوى حيث شهدت تغيرا جوهريا في خارطة السلطة , مما سيلقي بضلاله على واقع المحافظة جميعا , بما فيها مناطق تواجد شعبنا في سهل نينوى , حيث التخوف الكبير من ان يتحول شعبنا والمكونات الاخرى التي تقاسمه الحياة في المنطقة , الى ( ادوات الصراع بالنيابة ) , بعد ان اُعلن رسميا عن تحالف قائمة الشبك التي يرئسها الدكتور حنين القدو مع قائمة الحدباء  . ولذلك فملفات المرحلة القادمة تحمل درجة عالية من المسؤولية والخطورة , أضف الى ذلك ان البعض قد وجد في انتخابات مجالس المحافظات فرصة لتسجيل موقف مع السيد اغاجان وفاءً لديون سابقة , وهذا البعض يرى ان وقفته هذه قد سددت كل الديون ولم يعد مطالبا بشئ في المستقبل , ويحمد الله ويشكره انه قد سدَد ديونه في وقفة لاتستلزم منه قرارا مصيريا ! , كما ان الاهداف الوطنية والقومية العليا , كالحكم الذاتي , لايمكن تحييدها في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في نهاية العام , حيث سينفذ مفعول حجة ان الحكم الذاتي ليس من اختصاص الحكومات المحلية والمؤسسات البلدية ! . فماذا نحن فاعلون ؟! هل سنعيد نفس التكتيك , أم سنعيش سيناريوهات اخرى ؟! نترك الاجابة للقادم من الايام . .


14
من نكات الانتخابات – قائمة عشتار فازت باصوات ( النخبة )

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

دأبت قناة عشتار الفضائية خلال الايام الماضية الى اعادة بث نص صغير , ولمرات متكررة , يشير الى ان المرض النفسي ليس حالة له علاقة باستحضار الارواح او بالتنجيم والسحر والشعوذة , بل ان المرض النفسي مشكلة صحية له علومه ونظرياته واطبائه وعياداته وطرق معالجته وادويته , حاله حال اي مرض طبي صحي اخر . تُرى , كم هم كثر اؤلئك السياسيون الذين يتعاطون السياسة , عملا او فكرا , الذين هم بحاجة ماسة الى هذا التنبيه من قناة عشتار ليقفوا يتأملون ادائهم او مايُسقطون من افكار على المتلقي , ويتركوا المجال لحكم محايد يسمح لارجلهم  في ان تقودهم الى تلك العيادات اذا اقتضت الضرورة . وقمة الداء تكمن في ان بعض من هؤلاء يمثل دور المنظر الفكري والمرشد الروحي لتنظيم بكامله , يرسم له الافاق بلا حدود , فيدخل ويُدخل التنظيم معه في انفاق ومطبات لها بداية وليست لها نهاية , والعرب قد منحت منذ زمن قديم حكما جازما صارما في شيمة اهل الدار اذا كان رب ذلك الدار ومرشدها يمتهن النقرعلى الدف !.

في مقال تدعو مقدمته  الاخرين الى الابتعاد عن مطبات الشخصنة بينما يغوص جسم المقال , كعادته , حتى سترة الرأس باوحال الشخصنة الرخيصة , يطرح شيخ المنظرين في ( النخبة ) وهو ( مهندسها والاب الروحي لها ) استنتاجا , ضمن جملة من استنتاجات اخرى ينطبق عليها نفس الحكم , يتلخص في ان مناصري السيدة ( ايفلين اوراها ) ,مع خالص الاحترام لشخصها , وهي مرشحة قائمة نينوى , قد انتابتهم الحيرة في امرهم , فهم من جهة يريدون فوز عشتار على الرافدين كون عشتار هي قائمة الحكم الذاتي , علما ان الحكم الذاتي لم يرد اطلاقا في برنامج قائمة عشتار , بينما الرافدين تدعو الى الادارة المحلية , ومن جهة اخرى فان اؤلئك المناصرين والمؤيدين للسيدة  (ايفلين اوراها ) يطمحون , وهو طموح مشروع , الى فوز مرشحتهم والقائمة التي تنضوي فيها , ويبدو , واستنادا الى استنتاج صاحب المقال , ان اؤلئك المناصرين والمؤيدين , ( وكالعادة ) , قد اختاروا تغليب المصلحة القومية والوطنية العليا على المصلحة الحزبية الضيقة , فقررت تلك ( الجحافل ) من الناخبين منح اصواتها لقائمة عشتار مما مكنًها من تحقيق الفوز في الانتخابات !. قبل عقود كانت اغلب سقوف البيوت في العراق تُسند بما يسمى ( بالشيلمان ) , وكان الناس عندما يجتمعون تحت ذلك السقف ويبادر احدهم الى اطلاق الحديث الذي يجانب الحقيقة ولا يستسيغه العقل والمنطق , يلجأ بعض الجلوس الى التحليق في السقف وهو يصغي لذلك الحديث اشارة الى ( هول القص ) , بينما كان اصحاب ( الحوصلة الضيقة ) غير قادرين على التحمل حتى النهاية , فيرجون ( القاصوص ) صراحة بالترحم عليهم خوفا من تشقق ( الشيلمان ) وانهيار السقف ! , حقا ان السقف لينهار اذا ذهب الاعزاء في الادعاء ان تحالفهم مع باقي اطراف قائمة نينوى المتأخية هو الذي الذي منحها النتائج التي حصلت عليه وبعكسه لكانت في خبر كان واخواتها ! . الطامة الكبرى تكمن في ان صاحب المقال يدعم استنتاجاته بمشاهداته العينية , حيث يؤكد انه كان في الوطن في ايام الانتخابات وماقبلها , بمعنى انه لامس الحقائق على الارض بأُمٍ عينيه . ربما يعذر البعض , الكاتب من ابناء شعبنا الجالس في ( مشيغان او في سدني او في استوكهولم ) وغيرها , وهو يكتب ويستنتج بناء على تخيلاته الشخصية واطلاعاته على ماينشره سواه , فتصيب تلك الكتابات والاستنتاجات الحقيقة والصواب حينا وتُخفق في احيان كثيرة . ولكن ويل لمن يعيش الحدث والواقع بتفاصيله ويحاول ان يلوي عنق الحقيقة بتقديمها للمتلقي مشوهة مزورة او يحاول القفز عليها وخداع المتلقي متوهما ان هذا الاخيرغافل عنه ! . ان المنطق و نتائج الانتخابات تقول ان العامل الحاسم والواضح في فوز قائمة عشتار الوطنية في محافظة نينوى قد  كان الاصوات التي حصلت عليها القائمة في كل من بغديدي ( قره قوش ) وبرطلة , حيث قارب او يزيد مجموع الاصوات التي حصلت عليها القائمة في هاتين البلدتين الى عشرة الاف صوت . كم من هؤلاء العشرة ألاف كان قد قرر منح صوته ( للنخبة ) ؟! , بل ونذهب بالتساؤل الى ابعد من ذلك , فنقول مَنْ مِن هؤلاء العشرة الاف قد قرر فعل ذلك ؟! يقينا ان الاجابة ستشير الى حقيقة يعرفها جيدا سكنة بغديدي وبرطلة , كما يعرفها الاعزاء في ( النخبة ) , وديدن الحقيقة يتميز دائما بمرارته لمن يرفض الاعتراف بها والاتعاض من دروسها . من حق الاشخاص والاحزاب واية تجمعات اخرى في مجالات الحياة المختلفة مراجعة المواقف والاداء والحصاد , ولكن ذلك ينبغي ان يقترن بالجرأة على نقد الذات , وليس عن طريق ذر الرماد في العيون . مقارنة مع بقية التشكيلات المنضوية في المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري فان ( النخبة ) لها موقعها المميز , فقد كان يظهر للعيان ان ( النخبة ) هي ( عروس ) المجلس الشعبي !. يبدو ان المصلحة الحزبية الضيقة والحسابات الغير الموفقة التي بُنيت على اساس ان المجلس الشعبي قد ( نفذ خبزه )  تركت الاعزاء في ( النخبة ) يتخذون قرارهم ( التاريخي ) بالتخلي عن ( الحلفاء الاشقاء المتواضعين ) والبحث عن ( الحلفاء الاقوياء ) والالتحاق بهم , لكن حسابات البيدر جاءت مختلفة عن حسابات الحقل , فالمجلس الشعبي , وإما نتيجة لاستخدامه الخزين الاستراتتيجي من الطحين , او استلامه لحصة تموينية جديدة , ايا كان ماتقدم , فقد منح ذلك المجلس الشعبي فرصة  مواصلة لعب الدور و تغذية جهده , من ناحية اخرى فان نتائج قائمة نينوى المتأخية والتأثير العياني المتواضع جدا للاعزاء في ( النخبة ) في تلك النتائج قد ترك الباب مفتوحا للاستنتاج في حرمان الاعزاء في ( النخبة ) من المقعد الموعود بسبب اعادة ترتيب التسلسل في القائمة بناء على الاستحقاق الانتخابي , وحتى في حالة  قرار قائمة نينوى تخصيص مقعد للاعزاء في ( النخبة ) , فان ذلك المقعد كان سيكون مقعدا مقيدا بكل معنى الكلمة , كونه قد تم منحه على شكل ( مكرمة سخية ) فرضته شروط التمثيل النسائي ليس إلا. امام هذا الوصف كان لابد للاعزاء في ( النخبة  ) من البحث عن ( خط الرجعة ) الى القواعد القديمة , وكان لابد من فتوى تُمهد لذلك , فجاءت نكتة الانتخابات المتمثلة في ان الاصوات المحسوبة ( للنخبة ) قد ذهبت في اللحظة الحاسمة الى قائمة عشتار !. كانت جدتي ( رحمها الله ورحم موتى القراء الاعزاء ) تقول عن ( العروس ) التي تزعل وتذهب الى بيت اهلها , انها تخرج من بيت زوجها واهله بوجه رمادي , وعندما تعود اليه ثانية فهي تدخله بوجه قد اشتدت رماديته وبات داكنا بما فيه الكفاية ! .

اما اتهام الاخرين بتهم شنيعة كونهم حلفاء , بالسر او بالعلن , لما يسمى بالتيار العروبي في الموصل واصطفافهم معه ضد شعبنا ومصالح شركائه , بل والوصول بالتهم الى درجة مقززة حقا , عن طريق محاولة نسج خيط من الاوهام المريضة يربط بين تصريحات وملاحظات نقدية لابناء شعبنا على سير الانتخابات وبين حوادث وعمليات ارهابية   , فانني اعتقد ان هذه الاتهامات الخطيرة وغيرها تترك الكثيرين من ابناء شعبنا يشعرون بالشفقة حقا على مطليقها الذين هم يقينا بحاجة الى الاستطباب من عقدهم !.
 ليس اختصاصي اللاهوت , واعترف ان معلوماتي الدينية متواضعة جدا , لكنني احاول الاستفادة وجني المعلومة حيثما توفرت الفرصة وفي كل مجالات الحياة , وهكذا اذكر ان في احدى النقاشات الدينية كنت انصت الى احد  الشمامسة الملمين باللاهوت , من الذين درسوه ودرًسوه , وهو يصف لنا معنى الخدمة في القداس وتقديس الكاهن ( للكأس والصينية التي ترمز الى دم وجسد الفادي له المجد ) , فكان , هذا الملم باللاهوت , يقول ان الملائكة , حتى الملائكة , في تلك الحظات , تدير وتغطي وجهها , تأبى النظر لرهبة الموقف وجلاله وعظمته , ألا يعني هذا ان الكاهن الذي اقتبل سر الكهنوت ومُنح شرف هذه الخدمة قد نال نعمة ما قبلها ولابعدها نعمة , وعليه في المقابل مسؤولية عظيمة , هي ان يُجهد النفس ويترفع عن كل عيوبنا فيكون مثلنا الاعلى ! . فخر لنا ان نختم بكلماته الخالدة , له المجد , فنقول , مَن له اذنان فليسمع . . . 

15
مهلا ايها السكارى , لاتنسوا الحقيقة

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لاتستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه
الامام علي

بعد غزو الكويت فرض المجتمع الدولي على العراق حصار قاسيا انهك جسد الدولة والمجتمع كأفراد , واهتزت القيم عندما بات الصراع صراعا بايلوجيا من اجل البقاء . كان هنالك اب متقاعد ولديه ولدان , الاول تعب على نفسه في الدراسة , فتفوق وتخرج ونال وظيفة حكومية , يؤدي عمله على احسن ماكان و هو موضع ثقة واحترام من يتعامل معه , والثاني اختط لنفسه طريقا اخر في الحياة , يبحث عن الفرصة ليقتنصها , وفعلا وفًر له سوق الحصار ذلك  ,فبزغ نجمه , وامتلئت جيوبه , فاصبح ينفق على البيت ويعيله , ويقول لوالده ان يحتفظ براتبه التقاعدي ليضعه في المتحف , ولشقيقه ان يدخر دخله الشهري ليمنحه للحلاق فيقص له شعره ! وجد الطبالون والمزمرون في النجم الجديد رزقا مجانيا لهم , لايُكلٍفهم سوى مرافقته في مسيره , ومسح الاكتاف , وجمع مايقع من الجيوب . كان والده يشعر بأنات ضغط الظرف , وكان يستحضر دورة الايام , وغدر الزمان , كلما اصطدمت عيناه بوجه ابنه الموظف  ,بالرغم من ان هذا الثاني هو ايضا من صلبه . انتهى الفلم الهندي بسقوط الطير , الذي صعد سريعا , في مشاكل وحفر السوق , وبات مصيره مهددا , وعاد الابن الموظف يتقاسم مع عائلته خبز التنور الاسمر !.

ظهرت نتائج الانتخابات لمجالس المحافظات وانبرت الاقلام , وهي سكرى بفرحة فوز عشتار , كل ولغاية في نفسه , تخدع اوراقها , وتصر على خداع وايهام المتلقي معها , فتحلل وتتهم كما يحلو لها . ومازاد رقص الراقصين رقصا هو اعلان فوز قائمة عشتار في محافظة بغداد , في الوقت الذي كانت المفوضية المستقلة للانتخابات قد اعلنت في نتائجها الاولية سابقا عن فوز قائمة الرافدين في العاصمة . فانطلق هؤلاء الفرحون فرح ارخميدس في ( وجدتها  -وجدتها ) يتسائلون بشماتة عن وجود ميليشيا ايضا في بغداد , اشارة الى تصريح السيد يونادم كنا , فمكنًت قائمة عشتار من الفوز في العاصمة ايضا , وفات هؤلاء الفرحون ان الاصوات التي حسمت الفوز لعشتار في بغداد هي اصوات النازحين والمهجًرين الذين يعيشون تحت نفس ظروف الترهيب والترغيب التي تم ممارستها في سهل نينوى . ان الذي يحاول القفز على هذه الممارسات ويصر على تجاهلها انما يُلحق ضررا فادحا بمصداقيته والحيادية التي يدعيها . ليست لدينا اية عقدة من فوز قائمة عشتار لو كان هذا الفوز قد تحقق بشفافية , وتحت ظروف وباساليب سليمة , ولكن البعض الذين يسوقون للخطأ ويحاولون منحه الشرعية الاخلاقية اضافة الى الشرعية الرسمية التي اكتسبها , انما يصرون على ادخال قائمة عشتار والجهة التي ترعاها في دهاليز اخرى مظلمة , تضاف الى الانفاق السابقة , والتي يقينا سيدفع شعبنا والصادقون في المجلس الشعبي ثمنها لاحقا , ناهيكم عن انهم بذلك يسيئون الى عشتار ومن يرعاها اولا .

لقد خرج الحزب الشيوعي العراقي مثلا من هذه الانتخابات خالي الوفاض وصفر اليدين , فهل هنالك من يشكٍك في شرعية هذا الحزب وفي تاريخه العريق , باعتباره مدرسة للاحزاب الاخرى , وفي نضاله وتضحياته كما في دوره المتزن اليوم على الساحة الوطنية , وامكاناته البشرية ومؤهلات كوادره ؟! لست شيوعيا ولم اكن في يوم من الايام , ولكن نظرة عادلة الى الواقع السياسي العراقي اليوم بشخوصه تتركني اشعر بالرضا والارتياح والقناعة والسعادة لو طرق سمعي خبر فوز السيد حميد مجيد موسى بمنصب رئيس الجمهوية او رئيس الوزراء , فمن من الاخرين يتفوق عليه في الكفاءة ويبدي حنكة سياسية اعلى , لكن الواقع السياسي الحالي يشير وبوضوح الى طابور من الموانع يقف حائلا بين السيد حميد مجيد موسى وبين الموقع , وفي الوقت الذي يستطيع السيد موسى بمؤهلاته , يقينا , اجتياز جميع هذه الموانع في سباق رياضي شريف , لكن واقع المنافسة في العراق , ومن خلال صناديق الاقتراع في عملية ديموقراطية فتية , اظهرت ان كثيرا من الاخرين , غير موسى , يتم اخذهم مع ( السندباد ) على بساط الريح من خط البداية ليلقي بهم في خط النهاية , دون ان يكلفوا انفسهم اجتياز اي من الموانع !.  وهذا الحال ما اشرنا اليه مجازا في مقالنا السابق عن ابن المعلم وابن الفقير . عندما يتحرر شعبنا من ثقافة ( المكرمة ) التي يتفضل بها هذا او ذاك , وهي اصلا من المال العام وليست من الجيب الشخصي , وعندما يصل المواطن الى قناعة تامة بأن الشقة التي تم تخصيصها له , والباص الذي يقله , والمأوى الذي تم توفيره له عندما هُحٍر من مسكنه , والمساعدة الاجتماعية التي يحصل عليها , والدخل الذي يتلقاه ثمنا لدوره في توفير الامن , وغيرها جميعها هي من جهد المال العام , وهي حق له , وواجب على من يتولى امره وكُلٍف بادارة هذا المال العام , لايملك كائن من كان , سهوا او عمدا , اشهار عصا قطعها او حرمانها منه , عند ذاك , نكون امام سباق رياضي شريف , علينا ان نتقبل نتائجه بروح رياضية عالية , ونطبع على جبين الفائز حينها , ايا كان , قبلة التهنئة الخالصة .

نعم , وبعد كل انتخابات او مرحلة من الإداء , هنالك بالتأكيد ماينبغي مراجعته واعادة النظر فيه لان السياسي المنصف لايمكن ان يُلقي بنتائج الإداء جميعها على شماعة الظروف الموضوعية ويحرر نفسه من العوامل الذاتية التي تملك قسطا من اسباب تلك النتائج . ولكن مراجعة الظروف الذاتية لايعني اطلاقا المساس بالثوابت المبدئية التي هي بمثابة خطوط حمراء لاتبيح الانتخابات والمقاعد والمكاسب والطموحات السياسية الضيقة التنازل عنها . ان الذي اختار استقلالية القرار ومحاولة المحافظة على مركب شعبنا في هذا البحر السياسي الهائج المتلاطم الامواج , او في هذا  (البازار السياسي ) المرهون بالعرض والطلب , والذي يتسكع السماسرة ليل نهار في ازقته , يعلم جيدا ان الطريق موحش , وليس معبدا بالورود والرياحين , وقبل ذلك بالمقاعد , وان الألة الاعلامية الرخيصة بكل ما تملك من ابواق , والتي تكتب مقابل صكوك او اشباعا لعقد نفسية , ستترك صاحب الخط المستقل الصادق المخلص لقضية شعبه يظهر للعيان منبوذا وحيدا يغني على ليلاه , لكن تجربة الحياة في العراق تبعث عن الامل في النتائج في اخر المطاف , وبعد ان ينجلي الغبار, فهاهم الذين كانوا الاوائل في اطلاق صرخات التحذير من سياسات النظام السابق وأشهروا بمعارضتها , من المنبوذين انذاك , هم من شهد ويشهد الكثيرون , بنسب متفاوتة , بعد ذلك واليوم , ان الحق والصواب كان معهم .

16
إبن المعلٍم وإبن الفقيروالانتخابات والكوتا النسائية

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

المشهد الاول

اتذكر جيدا كيف كان نعت ( إبن المعلم ) يثير الحرج احيانا عندما يقترن وصفه بتصرف منسوب الى المعلمين , او ابنائهم , يعبر عن التمييز , بل والظلم , تجاه الاخرين , سواء كان ذلك التصرف بقصد او بدون قصد . نعم فقد كان بعض الناقمين على ابناء المعلمين ينطلقون في نقمتهم تلك من غريزة الغيرة المشروعة , ولكن لايمكن ان ننكر ان قسما مهما من الناقمين كانوا يبصمون نقمتهم بحوادث وشهادات من الواقع لايملك الانسان تجاهها إلا ان يتفهمها , ويحاول امتصاصها , ودعوة المقابل لعدم تعميمها كحالة تصح على الجميع . ما ان كان جرس الفرصة الكبيرة يدق , حتى نخرج الى الساحة ورائحة الشواء تسود في فضائها فقد كان عمال المدرسة ( الفراشون ) قد باشروا بإشعال ( منقلهم ) , و كان المعلمون يشترون لابنائهم ايضا ( اللفات ) , وكانت عملية هضمها امام جمع من الاصدقاء الذين ليسوا ابناء معلمين عملية عسيرة حقا , فكنت , ويشهد الله ليس دعاية , احرص على تقاسمها مع الاخرين او منحها لمن يريد , حتى تمكنت من اقناع ابي بعدم حاجتي اليها . ويبقى امر ( اللفة ) هينا مقارنة مع يوم النتائج وانتهاء الفصل الدراسي  , فحينذاك كانت النقمة في اقصاها خاصة عندما كان يبدو واضحا للعيان كيف تم اقصاء احد الطلاب من المركز الاول , وكان استحقاقه , لصالح احد ابناء المعلمين . لاندعي هنا ان مثل هذه الحالات كانت تحدث دائما وبدرجة كبيرة وان جميع المعلمين كانوا غير عادلين في تقييم طلبتهم , كما لايصح اطلاقا القول انه لم يكن من بين ابناء المعلمين من كان جديرا بالتفوق , بل نؤكد وجود علامات كثيرة مضيئة وامثلة ساطعة لانتصار المعلم , وهو الاب والمربي , لضميره و طالبه وتلميذه , و اصراره  في منحه مايستحق بناء على جهده , دون ان يضع حسابا لاي اعتبار اخر . لكن هذا لاينفي حصول حالات في الجانب المقابل , ويقينا لازالت تحدث اليوم , حيث يجد المعلم او المدرس نفسه , احيانا , غير قادرعلى الوقوف امام الضغوط , فيتقدم غير المستحق الى المرتبة الاولى ويُمنح المستحق والجدير , في افضل الاحوال , مرتبة ( الاول مكرر ) , وتكون الطامة كبيرة حقا , والجرح اعمق بكثير عندما يجد المستحق نفسه بعيدا عن المرتبة التي هي حصته بمشوار طويل . وهكذا كان البعض الذي يشعر بظلم كبير قد وقع عليه  ينتظر ( البكلوريا ) على أحر من الجمر , فيجدها فرصة ذهبية لاحقاق الحق , بينما كان ( بعض ابناء النستلة ) يجدون في البكلوريا كابوسا  يُفسد نومتهم الهانئة الرغيدة .

المشهد الثاني

ظهرت النتائج الاولية لانتخابات مجالس المحافظات , وفيما يخص شعبنا فقد أُعلن عن فوز قائمة عشتار بمقعد الكوتا في محافظة نينوى , ونشرت المواقع في الايام الاخيرة سيلا من المقالات التي يدعو فيها البعض الاخرين الى عدم الامتعاض وتقبل النتائج بروح رياضية , بل ذهب البعض حتى الى استصراخ القيم المسيحية في النفوس لتهيئتها لقبول هذه النتائج . ان هؤلاء يتوهمون حقا عندما يعتقدون ان المعضلة هي فقط في فوز هذا وخسارة الاخر , ويغفلون او يتغافلون , سهوا او عمدا وقصدا لدوافع عديدة , عن التأشير عن الخطأ وفضحه والتنبيه الى اثاره المستقبلية  ,فيكونوا جزءا من حالة التأسيس لبناء صحيح سليم متعافي . فاذا كان هؤلاء الكتاب يكتبون مقالاتهم وهم يعيشون في صومعاتهم دون ان يكلفوا انفسهم مشقة السؤال والتمحيص والتدقيق فيما حدث فتلك مصيبة , اما اذا كانوا حقا على علم ودراية بكل التفاصيل ويصرٍون على تسويق الخطأ سواء بشرعنته او بالدعوة الى التغاضي عنه عن طريق جبر الخواطر , فالمصيبة حقا في هذه الحالة هي اعظم !.  ان استعمال المنشطات في المسابقات الرياضية خط احمر يتقاطع مع قوانين الالعاب , وحتى مارادونا , بجلالة قدره , لم يسلم من العقاب وحكم القانون عندما تم ضبطه بجرم تناول المنشطات ! ان الذي لايختلف عليه اثنان في سهل نينوى , في السر او في العلن , يشير الى استخدام القائمين على حملة قائمة عشتار لانواع مختلفة من المنشطات ,غطًت رائحتها الشوارع والباصات والموبايلات والموائد والجيوب ! كهل فاضل عزيز يكبرني في العمر بفرق شاسع , استأنس بارائه طمعا في حِكم الحياة وتجاربها , جمعتني وإياه دردشة على كوب من القهوة بعد قداس الاحد , ودار حديث عن نتائج الانتخابات فيما يخص شعبنا , فروى لي حكاية طريفة عن نائب في البرلمان , في العهد الملكي , كان يسحب من البنك قبل الانتخابات رزما حديثة ( تقدح ) من فئة الخمسة دنانير , ويشطر كل ورقة الى نصفين , فيعطي كل فرد من القائمين على حملته و ( للحبربشية ) وبعض الناخبين نصف ورقة ويحتفظ بالنصف الثاني , وعندما تظهر نتائج الانتخابات ويبدو ان الجميع قد ادى واجبه كما ينبغي , يعود كل اؤلئك اليه فيحصلوا على النصف الثاني من الورقة الذي يتطابق مع ارقام النصف الاول , اما اذا كانت النتائج كالرياح التي لاتشتهيها سفن مرشحنا العتيد فانه يعمد في هذه الحالة الى حرق كل انصاف الاوراق التي بحوزته لكي لايستفيد منها اؤلئك ( الغادرون ) ! . لا نسوق هذا الكلام بخلا بفوز عشتار او غير عشتار , بل انطلاقا من رغبة صميمية في ان نمارس قواعد اللعبة مستقبلا بالشكل الصحيح فنكون نبراسا , كما هو حالنا دائما , للاخرين , وكذلك اجتهادا , قد يصيب او يخطئ , في ان تكون مصلحة شعبنا واهلنا هي التي تتقدم على كل ماعداها . ويبقى في السياسة كما في الحياة , يضحك جيدا ذلك الذي يضحك اخيرا  , وهاهي ( البكلوريا ) قادمة لامحالة من خلال الملفات الموضوعة امام الاعضاء المنتخبين لمجلس محافظة نينوى , وامنياتنا القلبية للاخ العزيز الفائز حظا جيدا ايضا في امتحانات البكلوريا الصعبة وخاصة في امتحان الحراسات .

المشهد الثالث

خلال الاسابيع الماضية ملأ الاخوة الاعزاء في ( النخبة ) اذاننا طنينا بقرارهم التاريخي في رفض ( الكوتا الدينية ) وخيارهم الصائب والامثل في التحالف مع القوائم الوطنية للحصول على مقعد لايتفضل به عليهم احد , بل هو استحقاقهم كتحصيل حاصل من قاعدتهم الشعبية العريضة والتي اعتقدوا , كما تركوا الاخرين يعتقدون , انها ستتخم صناديق الاقتراع بالاوراق الانتخابية , واذا بنتائج الانتخابات فتشير الى ان الجهد المبذول لايساوي اطلاقا ( كقيمة عددية ) تلك العشرات من الاصوات , مما يشكٍل انتكاسة كبيرة لقانون الفيزياء الشهير في الكفاءة . وهكذا وجد الاخوة الاعزاء في ( النخبة ) , وكما خططوا مسبقا , انفسهم يحصلون على مقعد على حساب ( الكوتا النسائية ) عوضا عن  (الكوتا الدينية ) . وتبقى الامنيات في ان يتمكن الجالس على هذا المقعد , وتبعا لظروف الحصول عليه , من التحرر , ما استطاع الى ذلك سبيلا , من فضاء ( الكوتا النسائية ) , ليحلق في فضاء قضايا شعبنا واماله ومطالبه . اللهم لاشماتة بأحد , لان نتائج الانتخابات اظهرت ان في الجميع يوجد ما يُشمت منه , ولكنها دعوة لنا جميعا لمراجعة الذات وجلدها طمعا في إداء افضل مستقبلا . .   


17
الرافدين تستحق الصح – اللُهم إشهد ليس تحيزا

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لم يبقى للناخب العزيز سوى يوم واحد ليترجم خياره الى فعل حاسم , حيث سيقف امام صندوق الاقتراع ليؤشر بيده الكريمة على الكيان السياسي او القائمة التي قرر التصويت لها , ولاجل اختصار الموضوع , دون اجهاد للقارئ العزيز وابناء شعبنا في اسهاب قد يكون مُملا , نطرح بعض حججنا , بناء على التحليل والمنطق والاستقراء , وليس التحيز الاعمى المستند على المشاعر والهوى , في الاسباب التي نراها كافية ليقرر ابناء شعبنا مساندة قائمة الرافدين ودعمها من خلال منح اصواتهم لها :

اولا – تمثل هذه القائمة شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في مشروع وطني يتميز باستقلاليته عن التجاذبات والاقطاب السياسية في نفس الوقت الذي يحرص على مد جسور العمل , حيثما التقت الاهداف , مع جميعها في علاقات شراكة حقيقية متوازنة . بمعنى اخر ان المتابع لاداء الحركة الديموقراطية الاشورية يلمس حرصا كبيرا من قيادتها على محاولة التواجد في منتصف العصا كعامل اتزان يدعم المشروع الوطني , وفي ظرف معاش يتميز بشكل صارخ بحالة من عدم الاستقرار السياسي , فهي تمتلك علاقات متميزة مع جميع الاطراف النافذة في العملية السياسية , وعندما يندرج الحديث عن محافظة نينوى , التي يتواجد فيها ثقل هام من شعبنا الذي سيشارك في الانتخابات وافاق الصراع فيها والخارطة السياسية له , فان الحركة الاشورية استطاعت وعلى مدى السنين الماضية ان تبصم لادائها خطا ينال تقدير الجانبين الكردي والعربي على حد سواء , ولان الكثيرين , يقينا , سيرى في الانتخابات وفقا لنتائجها فرصة لتصنيف الاخرين في الخانات , بناءًعلى اصطفافاتهم , فان تصويت شعبنا لقائمة الرافدين سيضع حدا لكل المحاولات المشبوهة , ايا كانت اطرافها , الرامية الى رمي شعبنا ومناطقنا ليكونوا وقودا في هذا الصراع  , من يُنكر وجود صراع في نينوى عليه المبادرة الى حك الرأس , ونحن هنا طبعا لانقصد الصراع المسلح . ان التصويت لقائمة الرافدين سيترك الجهد العظيم الذي بذله ابناء شعبنا في سهل نينوى خلال السنين الماضية , والمتمثل في النجاح الباهرعلى الوقوف باتزان كامل على الحبل المشدود متواصلا بنفس الوتيرة ولايذهب سدى .

ثانيا – ان التصويت لقائمة الرافدين سيُخرس كل اصوات ثقافة الاقصاء والتهميش والنظرة الدونية الى المكونات القليلة في العدد والعظيمة في الارث والامكانيات وفي المقدمة منها شعبنا , حيث استندت تلك الاصوات في حججها الرئيسية التي ادت الى الاجحاف بحقوق شعبنا من خلال تقليص عدد ممثليه في الكوتا الى هواجس اصحابها من ان يتم تجيير هذه الكوتا لحساب طرف معين , ولذلك فان عدم فوز قائمة الرافدين , لاسمح الله , ستترك الألسنة طويلة في القول ( ألم نكن محقين في تقليص عدد المقاعد من ثلاثة الى واحد , ألم نقل انها ستذهب اوتوماتيكيا الى مانخشى اليه ) . ليس المقصود بهذا الكلام اطلاقا مراضاة البعض على حساب معاداة الاخرين , بل من حق الجميع ان يستخدم السياسة على انها فن الممكن الذي يصح فيه تحقيق افضل النتائج باقل التضحيات , و نحن هنا لاندعو الى التصويت لصالح قائمة الحدباء مثلا , بل الى الرافدين , والرافدين لم تكن يوما , كما انها ليست اليوم , خصما للاخوة الاكراد , بل هي محط احترام وتقدير القيادة الكردية ويجمعها معها علاقات ايام السراء والضراء في عقود من العمل والنضال المشترك , كما ان لها في نفس الوقت علاقاتها المستقلة مع الكثيرين من الاطراف العربية .

ثالثا – ان المرشح الذي يستخدم الاساليب المشروعة في الدعاية الانتخابية يدرك يقينا ان عملا وجهدا جبارا ينتظره بعد فوزه في الانتخابات لان الذي انتخبه قد وقًع معه عقدا يبدأ المرشح الفائز بتسديده بعد ظهور النتائج مباشرة ويستمر بالايفاء به حتى انتهاء دورته , اما المرشح الذي عقد الصفقة مع الناخب ومنحه ثمنها مقدما فانه في حلٍ من ان يطالبه الناخب بعد الانتخابات باي ثمن اضافي , فالطرف الثاني ( المرشح الفائز هنا ) قد اوفى بتعهداته مسبقا والسنوات الاربع هي ربح صافي له حلالا زلالا على الشروة التي غامر بها , وبين البائع والشاري يفتح الله .

ان التفكير بإمعان في القادم من الايام وليس في اليوم الحاضر فقط يلقي على ابناء شعبنا مسؤولية جسيمة في البحث عن الخيار الافضل , والعرب تقول خير الامور أوسطها , واليوم نعتقد , بالمنطق والتحليل والاستقراء , ان قائمة الرافدين هي الوسط السليم الذي يمنحنا افضل الحلول الممكنة .
 

18
لا تقبل ان يكون ثمن صوتك لفًة فلالفل

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يُقال ان العيون احيانا تفضح صاحبها , كما تؤدي حركة اليد العفوية وتقاسيم الوجه وسقطة اللسان او لعثمته , جميعها , الفعل نفسه في احيان اخرى , ربما يكون من الإنصاف ان نضيف الى ماتقدم الخطأ في لوحة المفاتيح , خاصة ونحن نعيش عصر الكومبيوتر والانترنيت . وفي كل ذلك , ولاننا مؤمنون , نربط الفعل بالقدرة الربانية العظيمة , التي وعِبر تلك الافعال العفوية تحرص على ان لايبقى الستار مسدولا بشكل تام على الحقيقة , بل تمنحنا من خلال تلك الحركات خيطا ميسميا يساعدنا في اقتفاء اثارها . مناسبة هذه السطور هي انني ومنذ ايام اعيد في كل يوم ولمرات عديدة قراءة نص الخبر المنشور على موقع عشتار عن ندوة انتخابية اقامتها قائمة عشتار في احد ملاعب بلدة بغديدي ( قره قوش ) حيث جاء الخبر بالنص التالي (اقامت قائمة عشتار الوطنية 513 وعلى قاعة ملعب نادي قره قوش الرياضي في بخديدا ندوة تعريفية في الساعة العاشرة من صباح هذا اليوم الخميس 22 / 1 / 2009 حضرها جمهور غصب به مدرجات وارضية الملعب. في كل يوم افتح فيه الخبر يغمرني الامل في ان مَن يعود الخبر اليه ومن هو مهتم به سيعمد الى تصحيحه , ولكن دون جدوى وكأنه يريد ان يقول خذوني !

ربما يرى البعض ان كتابة ( جمهور غصب به ) عوضا عن ( غصً به او غصًت به ) هو خطأ إملائي عابر , كما قد يرى ذلك البعض انها ايضا مسألة اعتيادية ان تتجاهل ذلك ولأيام ادارة الموقع , وهي يقينا ستعيد النظر والتدقيق بعد قرائتها لهذا المقال . ولكن في الجانب الاخر هو من حق الاخرين ايضا ان ينظروا الى ذلك , مصيبين او مخطئين , على انها حكمة ربانية ذات مغزى عميق , خاصة بعد ان أضحت الرائحة تُزكم انوف الكثيرين الذين ابتدأ بعضهم يثور على صمته كما حدث مع الاستاذ الفاضل ابلحد افرام الذي عقد ندوة انتخابية في بغديدي ( قره قوش ) ايضا وفي قاعة متواضعة وحضرها نفر بسيط , وقال بالحرف الواحد (ان عوائق وقفت امام اهالي البلدة حالت دون مجيئهم، واضاف بغض النظر عن المشاغل العادية التي منعت البعض من الحضور الى الندوة، علمت ان هناك من يحاول ابتزاز اهالي المنطقة بقطع المخصصات المالية عنهم في حال حضورهم ندوة لا تعقدها قائمة عشتار  ) . وبامكان القارئ الكريم ان يعود الى موقع عنكاوة العزيز ليطلع على النص الكامل لتصريح السيد ابلحد افرام .

ربما يتسائل البعض عن مغزى اثارة هذا الموضوع والانتخابات على الابواب , ولكن أليس من حق الناخبين وابناء شعبنا ان يمتلكوا الصورة الكاملة قبل ان يمنحوا قرارهم لصالح هذا او ذاك ! ما الفائدة ان نُطبٍل ونزمٍر بعد الانتخابات , بينما ( العريس الخطأ ) قد احتل موقعه على الفراش , و حلًت الفاجعة , و بات الامر حكما مقضيا ! ماذا سنقول انذاك للمخدوعين او الساهين من ابناء شعبنا وهم يرمقوننا بنظرة عتاب على عدم تبصيرهم بالحقيقة , بل ربما يكون اثارة هذا الحديث اليوم ذو فائدة لقائمة عشتار قبل الاخرين , هذا طبعا في حال ثبوت التهم الموجهة اليها , فتعيد النظر في سياستها الانتخابية وتمنح من تعتقد انها امتلكتهم , وقد ولدتهم امهاتهم احرارا , فرصة التعبير عن ارائهم بكل حرية دون مساومة او ابتزاز فتكون شهادة انتصارها , اذا تحققت , في الانتخابات استحقاقا يعترف به القاصي والداني , وليس انتصارا على نمط شهادة دكتوراه الفريق عبد حمود او شهادات الكثيرين من المرشحين اليوم! .

نظر الكثيرون الى قائمة عشتار عند تأسيسها بتقدير كونها قائمة ضمت بين ثناياها تشكيلات سياسية صغيرة في اوساط شعبنا ومجالس اجتماعية وهيئات ثقافية , تتميز جميعها بالخبرة والامكانيات المتواضعة سياسيا وماديا , وهكذا وجد ابناء شعبنا في هذه القائمة جهدا , كبداية , جديرا بالتقدير , مع انه محدود في نتائجه وتاثيراته , حتى ان المنبر الكلداني الذي يديره الاستاذ سعيد شامايا والمعروف بقربه وارتباطه بعلاقات عمل وتنسيق مع اغلب تشكيلات قائمة عشتار قد قرر العزوف عن المشاركة في القائمة لعدم تمكنه من تحمل الاعباء المالية , وربما لكونه قد استنتج في وقتها ان المشاركة فعل مُكلف في التزاماته وعبثي في نتائجه , اما الاخوة في ( النخبة ) فيبدو انهم لم يخطر في بالهم ان الامور ستنحو هذا المنحى وستنال قائمة عشتار هذه الحظوة , فقرروا ان يراهنوا على المضمون ولايقامروا على المجهول , فاختاروا طريق الانضواء في قائمة نينوى المتأخية وليس ان يكونوا جزءا من قائمة عشتار . وهكذا كان المشهد على الشكل التالي : تتشكل قائمة عشتار من المجلس القومي الكلداني , المنقسم اساسا على ذاته و الذي تتصارع فيه قيادات من الداخل والخارج , واحزاب صغيرة , بين نهرين بشقيه وحركة تجمع السريان , وجمعية الثقافة الكلدانية , و التي كانت قد وجدت جميعا في المجلس الشعبي مظلة تغطي نفقاتها الاقتصادية بما يضمن لها مواصلة العمل , اضافة الى مجلس اعيان بغديدي ( قره قوش ) وهو هيئة اجتماعية لا اعتقد ان صندوقه المالي , اذا كان من تبرعات اعضائه , يسمح بمثل هذه الحملة الانتخابية الضخمة . هذه التشكيلات المذكورة , ومع خالص التقدير والاحترام لشخوصها , بما تمتلكه من امكانيات متواضعة وقدرة محدودة على التأثير المناطقي وخبرة انتخابية وسياسية في تجاربها البدائية , تطرح نفسها كقائمة انتخابية في مناخ تميز بغياب مفاجئ للسيد سركيس اغاجان وانحدار أُسي في نشاط المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري , حتى كاد البعض يعتقد ان المجلس قد اغلق ابوابه واعضائه قد توجه كلًُ الى بيته ظنا منهم ان المهمة قد انتهت , وهكذا وصل بعض المراقبين بين اوساط شعبنا الى استنتاج يحكم على هذه القائمة سلفا بالنتائج المتواضعة , هذا اذا اكملت , اصلا , شوط الانتخابات حتى نهايته .

وإذا الامور تنقلب رأساعلى عقب , فخلال الاسابيع الاخيرة الماضية عاد المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري الى نشاط مكثف , وكأنه قد استلم جرعة منعشة للحياة مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الاب الروحي للمجلس لازال لحد الان غائبا عن مشهده السياسي , وبدا واضحا ان المجلس الذي قد التزم في البداية بمساندة قائمة عشتار مساندة خجولة قد تحول الى تبني القائمة بقوة وفي كل التفاصيل عن طريق تسخير جميع امكاناته المادية في حملتها , وكأننا نعيش مرة اخرى ظرفا مشابها لظرف التهيئة لمؤتمر عنكاوة , فسامي المالح قد أُستبدل بضياء بطرس وقائمة عشتار قد تم تجييرها لنفس الحساب الذي جُيٍر اليه مؤتمر استوكهولم ! وذات النتائج سنراها في المستقبل القريب !. تُرى , هل في النتائج الحاسمة سيعيد اهل بغديدي ( قره قوش ) نفس البصمات التي سُجلت لهم في مؤتمر عنكاوة , حيث غيرت تلك البصمات مسار المؤتمر ؟!

عندما يخرج السيد برهم صالح , وهو نائب رئيس الوزراء العراقي ,على التلفاز لينتقد الاداء الحكومي بشدة ويصف بعض السياسات بالكارثية , فان ذلك يشجع الاخرين لاستثمار نفس مناخ الحرية هذا في طرح ارائهم وتصوراتهم دون ان يُفسد الاختلاف في وجهات النظر للود قضية , فلا يوجد من ينكر حق الاخوة الاكراد في البحث عن مصالحهم و السبل الكفيلة لهم لتحقيق حضور فاعل في مجلس محافظة نينوى , وهكذا يبدو ان الاخوة في الجانب الكردي قد توصلوا الى قناعة تامة تكمن في ان تشجيع ومساندة قائمة عشتار لإشغال مقعد الكوتا الخاص بشعبنا عن طريق اعادة ضخ الدم , وبقوة يقضيها الظرف الانتخابي , في اوردة وشرايين المجلس الشعبي هو افضل الخيارات مقارنة بالخيارات المطروحة الاخرى , فهذا الخيار هو افضل للمصالح الكردية واكثر امانا من خيار قائمة السيد ابلحد افرام الذي يُنظر اليه على ( ان الفأر قد بدأ يلعب في عبٍه ) منذ الغاء المادة الخمسين في مجلس النواب , كما ان خيار قائمة عشتار هو , طبعا , لايقاس بايجابياته مقارنة مع خيار قائمة الرافدين التي يُنظر اليها , بفعل ادائها اولا , على انها قائمة صعبة بحرصها على الاسقلالية والتعامل المتوازن المبني على الشراكة الحقيقية والمصالح المشتركة , وبفضل الواشين عليها ثانيا , على انها قائمة  التمرد ورفض الانصياع ,  والرأس الناشف المُتعب في التعامل , و( أُسٍ البلى ) والمشاغبة على الاجندة و الاهداف !.

ايها الناخب العزيز , إبن الارض الاصلي
تذكر انه لو جاء احدهم, ايا كان انتمائه او قائمته , وعرض عليك  او ساومك على مبلغ , وليكن مئة الف دينار , مثلا , ثمنا لصوتك , فان قبولك بذلك يعني انك تمنحه , مقابل هذا المبلغ , تصريحا بان يجثم على صدرك اربعة سنوات بنهاراتها ولياليها , اي 1460 يوما , او بما يعادل 68,5 دينارا لليوم الواحد , فمن يقبل ان يكون ثمن تحمٍل هذا الثقل على صدره  ليوم كامل لايساوي ثمن لفًة فلالفل ؟ ! ليكن شعارك , لن ابيع صوتي , نفسي , شخصيتي , لقاء لفًة فلافل .
قد يقول البعض من الاعزاء الذين تكويهم الحياة بنارها اليوم في الوطن في ان يدي ليست في ذات النار , واجلس في الغربة اتكلم بطرا , فهم حائرون بخبز اليوم وليس الغد , فاقول لهؤلاء الاعزاء , لابارك الرب في مَن لايشعر ويحس بمعاناتكم وألامكم وغدر الزمن لكم , ولكم كل الحق في ان تطرقوا كل الوسائل , ولكن الرجاء الوحيد هو انكم عندما تذهبون الى صنايق الاقتراع احتكموا فقط الى ضمائركم , لاشئ سوى ضمائركم . . 


     
 
 



19
الفلوس ( تْجيبْ ) العروس وتعمي العقول والعيون

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

المشهد الاول

 يقينا ,  تابع الكثيرون مثلي , وأغلبهم من باب الفضول , فعاليات الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة العربية المنعقد في الكويت , حيث توفر مثل هذه المناسبات فرصة ذهبية للمتلقي في ان يرى من يمتلك عنوان القيادة في بلدان المنطقة , ايا كان الطريق والاسلوب الذي اوصله اليه , وهو يستعرض قدراته من خلال طرحه , في الاسلوب والمعنى , بل وتتيح هذه اللقاءات فرصة عقد المقارنات بين تلك العناوين , حتى اصبحت القمم العربية بمثابة مسرحيات حقيقية تترك لدى الجمهور انطباعا عن قدرة الممثلين فيها على تجسيد ادوارهم , فيعود كل منهم الى بلده وهو يحمل شهادته التقديرية سلبا او ايجابا او بين هذا وذاك . لقد كانت صدمة حقيقية حقا ان نشاهد العاهل السعودي , ابن نجد والحجاز , وهو يلقي كلمته فتشعر انك تسمع لتلميذ انهى , توا , مرحلة تعلم الحروف الابجدية , حيث انتحرت على شفاه جلالته كل قواعد اللغة , الى الحد الذي تعتقد فيه ان ( سيبويه ) قد انتفض من قبره وراحت روحه تحوم في قاعة المؤتمر تشكو لله وللحضور وللسامعين هذا الغبن والاجحاف بحق اللغة واصولها و قواعدها. لم يقرأ العاهل السعودي جملة صحيحة بدون اخطاء , بل غالبا ما راح يرتكب في الجملة الواحدة كماً غزيرا منها , وان الانسان ليصاب بالذهول كيف يفتقر مثل هذا العنوان الى القدرة اللغوية في لغة الاب و الام والتمكن فيها بمهارة وهو الذي منح نفسه , او منحه الاخرين , تخويلا ليكون الناطق الرسمي باسم الامة التي ترى في هذه اللغة سمة مميزة رئيسية لها ! ربما يعاتبنا البعض بالقول ان التمكن في اللغة , بما في ذلك لغة اهل البلد الاصلية , ليست شرطا جازما لاستحقاق العنوان السياسي , فنقول لهؤلاء انكم في هذا تجانبون الحقيقة لان أمضى اسلحة السياسي , في عالم اليوم , والركن الاساسي في الكاريزما التي يمتلكها , يكمن في قدرته على اجتذاب الجمهور ومداعبة مشاعره وإقناع المتلقي , وهذا لايتحقق اطلاقا بالرفع و النصب والتأتأة على طريقة ( الحجي راضي في تحت موس الحلاق ) ! يشهد خصوم ( اوباما ) قبل مناصريه على ان قدرته الخطابية الفذة كانت احد العوامل الرئيسية في جذب الجمهور اليه وفي الكاريزما التي حققها لشخصه . في اوربا , مثلا , العلاقة بين الفوز في الانتخابات ودرجة ملل الجمهور من الاستماع لقائد الحزب السياسي هي علاقة عكسية حادة , فكلما كانت درجة الملل كبيرة واضحة , كلما تضائلت فرص الفوز ووصلت الى حدودها الدنيا , ثم ان الذين يعيبون على عراق اليوم كون رئيسه كردي , فالحق يُقال ان هذا الرئيس الكردي يجيد اللغة العربية بمستوى يفوق غيره باضعاف مضاعفة , فاذا كان العاهل السعودي , مثلا , يكتب في سيرته الذاتية , ولو انه ليس بحاجة الى سيرة ذاتية لانه حصل على الوظيفة دون ان يقدًم اليها او ينافسه احد فيها وليس في نيته التقديم مجددا لوظيفة اخرى غيرها , ولكن من باب المجاز نقول لو كان العاهل السعودي يكتب في سيرته الذاتية انه يتكلم العربية  الفصحى بطلاقة , فمن حق الرئيس الطالباني , أنئذ , ان يسجل في سيرته الذاتية انه , لغويا , سليل الفراهيدي.

ما أن انتهى العاهل السعودي من إلقاء كلمته حتى دوًت القاعة بالتصفيق الحاد , مسكين الرئيس السوداني يقرأ كلمته , ماشاءالله , وكأنه مذيع تلفزيوني على شاشة الجزيرة , بحماس وبدون اخطاء وينال في النهاية موجة متواضعة من التصفيق! ناهيكم اذا كان المصفقون وغير المصفقون , اساسا , قد انصتوا اليه!. وهكذا ذهب المحللون والسياسيون على المحطات الفضائية , وعلى الفور , يكيلون المديح , دون رحمة , على كلمة الملك السعودي , فهذا يقول انها أبلغ خطاب سمعه , وذاك يدعو الى الوقوف امام كل جملة , بل كل كلمة تفوه بها العاهل السعودي , وهلم جرا , من زمرة طويلة عريضة من المنافقين وابطال الرياء , وصدقا , يغتاظ المرء من نفاق هؤلاء اكثر بكثير من الاخطاء اللغوية للعاهل السعودي . تُرى لماذا صفًق المصفقون ونثر الناثرون كل اشكال ورود المديح ؟! انه الدولار اللعين الذي يقلب الموازين , ويعكس الالوان , ويجعل القاع قمة والقمة قاع ! الكثيرون من اؤلئك المصفقين والمادحين ليست له علاقة بما يقوله العاهل السعودي وكيف يقوله , لان عقولهم وعيونهم شاخصة الى جيوبه , الى أباره , الى مكرماته . حاشا ان يكون هذا انتقاصا من دور العاهل السعودي وفعله ولكن المتلقي يطمع دائما في صورة يتحقق فيها القدر المفترض والمطلوب والمتوقع من الكمال والشمول .

المشهد الثاني
ايام معدودة ويتوجه ابناء شعبنا العراقي في الداخل الى صناديق الاقتراع لانتخاب ممثليهم في مجالس المحافظات , فما أحوج بلدنا الى الكفاءة النزيهة الوطنية الخالصة , واية مسؤولية كبيرة تقع على الناخب تدعوه الى الفرز بين القمح والزوان , بين الدائم المتجذر والطارئ الدخيل , بين ( كروش ) الحصار والاحتلال وبين عيدان وشموع الوطن الحقيقية , ايا كان لونها واصلها وفصلها ومذهبها ودينها وانحدارها العرقي والقومي , بين الجالسين في مركب شعبهم وبين فرسان الموجات والصفقات , بين من يحاول خداع الناخب بقطعة من الحلوى او ( المصقول ) لايُعرف في اي معمل تم تصنيعها وتعليبها , فقد جاء ليقدمها قبل الانتخابات املا في ان تكون له جسرا الى الشحوم , وبين من يقاسمون شعبهم كسرة الخبز ولايعدون بقصور من الرمل ولايجلسون في ندواتهم يحاولون تنويم المستمع عن طريق حقنه بجرعة من احلام الظهيرة . بين اؤلئك الذين يحرصون على ارتداء الفرو الفاخر وجلد النمر و يوصون الاخرين ان يقتدوا بنصائح ( جبران ) فيفرشون الارض ويلتحفون الفضاء , وبين اؤلئك الذين يعتقدون ان خسارة النفس لايعادلها ربح العالم . بين اؤلئك الذين اختاروا , او وجدوا , لانفسهم شهادات لايفقهون فيها حتى عناوينها , فبدت عليهم غريبة مقززة كربطات عنقهم الصارخة , وبين غيرهم الذين تتزيًن شهاداتهم بهم . يا لبؤس من يرضى ان يكون له عنوانا قياديا من هو ليس جديرا بذلك . من اقسى عقوبات الحياة ان يغدر بك الزمن فتكون مروؤسا لمن يمتلك ( وزن الريشة ) في صفات القيادة . هلاً ادركت يا عزيزي وابن شعبي ان صوتك يعكس شخصيتك , فحرام عليك ان تسترخصه , او تهديه , او تبيعه , او تهبه بدافع الخجل او لخاطر فلان او علاًن من زمرة الرياء والمطبلين , لمن هو ليس أهلا له , إكسر القاعدة الخطأ , ولاتمنح الفرصة ( للفلوس ) ان تأتي بالعروس ( عضوية مجلس المحافظة ) . فتش وافحص في القوائم مليا و ضع اشارة الصح على الصحيح , والصحيح يقول لك ها انا هنا , فالشمس لايحجبها غربال . . .

20
الحكم الذاتي وسيارات الدولار والقابوط /
 في الرد على مقال الاب الفاضل عمانوئيل بيتو
د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لايختلف إثنان في ان الحصار الاقتصادي الذي كان قد فُرض على العراق بسبب غزوه الكويت قد انهك جسد الدولة والمجتمع على حد سواء, ولم تُجدي نفعا كل المحاولات الاعلامية الدعائية الرسمية للتقليل من اثاره او عرض مرافق الحياة الرسمية والشعبية وهي لاتشكو من الهزال ونخر العظام . وكان التضخم الذي لازم مراحل الحصار مضافا اليه انعدام فرصة الاستيراد وغيرها اسبابا تركت سوق بيع وشراء السيارات منتعشا نشطا في تلك الفترة , حتى اصبحت وقتها ماتسمى ( بساحات البيع المباشر ) احدى العلامات والظواهر البارزة والصارخة , فكان هدف المواطن يرمي الى شراء شئ ما , وكانت السيارة في المقدمة , ويجب ان يفعل ذلك باسرع وقت ممكن فينقذ او يحافظ على القدرة الشرائية لما يملك من مال . وكانت بعض ماركات السيارات مثل ( التويوتا الكرونا والسوبر والبرازيلي ) يُطلق عليها ( الدولار ) كونها لها الافضلية الحاسمة في البيع والشراء وتُحافظ على قيمتها الشرائية , فترتفع وتنخفض مع بورصة الدولار والذهب , في حين كانت بعض الماركات الاخرى وخاصة السيارات التي تم جلبها من الكويت مثل ( الكابرس الشوفرليت والأولدزموبيل الكويتي وغيرها ) يُطلق عليها ( بالصنف المُحير ) لا بل ان الكثيرين كانوا لايتوانوا عن التندر عليها اثناء المرور بها وهي تركن بائسة في الساحة فينعتوها ( بالقابوط ) الذي يتوسل صاحبه الى الله لكي يحررٍه منه ويجد له عاثر حظ جديد يقبل في لحظة غفلة ان يلبسه ويبدأ معه رحلته الأليمة , بل كان بعض اصحاب تلك ( القوابيط ) وفي لحظة يأس وقنوط يصب جام غضبه على الاخرين وكأنهم هم السبب في بليته ومصيبته ! .لقد كان عزوف الناس على الاقبال الى ذلك ( الصنف المُحيٍر ) من السيارات مبعثه عاملان رئيسيان , بالرغم من ان تلك السيارات كانت فارهة ومريحة بدرجة لاتُقاس و تفوق بكثير ذلك النوع الاخر الذي يستقتل الناس على شرائه , حتى ان الانسان المراقب كان يُصيبه العجب احيانا وهو يرى احدهم كيف يفاوض و يلح في المساومة مستخدما جميع الوسائل الاقتصادية والاجتماعية والعشائرية ليفوز ( بكرونا او برازيلي ) وهي معنجرة مزنجرة لا صورة ولاشكل و في حال يُرثى له , بينما لايُكلٍف نفسه فرصة النظر ولو لثانية واحدة في النوع الاخر الراكن بجانبه وفيه من ( الأُبهة ) الشئ الكثير , العامل الاول هو ماتقدم حيث ان تلك السيارات كانت تثير الريبة لدى الشاري كونها ظهرت في الشارع باسلوب غير طبيعي او رسمي  ,بالمعنى الحرفي للكلمة , فكان اصحاب المهنة وخبرائها يعلنون علنا عن تخوفهم منها وجهلهم لها وقلقهم على مستقبلها , والعامل الثاني يكمن في ان العديد كان قد اصدر لنفسه سلفا فتوى تقضي بتحريم هذه السيارات  ,حيث كان يعتبرها هي سيارات مسروقة وغير سليمة المنبع , فقرر ان يكون وعائلته في حِلٍ من لعنة اصحابها الحقيقيين .

ارى ان بعض الاخوة الاعزاء من المتحمسين لمشروع الحكم الذاتي بشكله المطروح يُشبه حالهم حال اؤلئك الذين تورطوا ( بالصنف المحيٍر من القوابيط ) تلك . فقد انهكهم النزول اليومي الى ساحة البيع المباشر دون اي امل في ان تجد بضاعتهم من يهتم بها , ليس قطعا بسبب كونها ( كمطلب ) يفتقر الى الأبهة والجاذبية والمشروعية , ومَنْ يكره امل فاخر كهذا! , بل لانها تم اقتنائها ثم عرضها ومحاولة تسويقها في الزمان والمكان الخطأ وبالاسلوب الخطأ . فقسم من شعبنا نظر وينظر للمشروع بحذر شديد تجاه الياته ومستقبله بينما تنتاب القسم الاخر علامات الشك والاستفهام من ظروف ولادته ومصدره و اجندته وثمنه . ان الادارة المحلية والمادة 125 هي ( الكرونا والسوبر والبرازيلي ) التي تنسجم اليوم مع واقع وظروف شعبنا وتحاكي وتلائم السوق السياسي الذي نتعامل معه . حيث هاهي تطورات واقع الصراع السياسي العراقي بصفحاته المناطقية والدينية والمذهبية والاثنية والقومية والاقتصادية تشير بشكل واضح الى ان استحقاقات الدفع على مكتسبات تحققت في ظروف غير مستقرة ليست مؤجلة الى المالانهاية , بل انها تدور في دورة , ربما تتميز بمقاييس السياسة الزمنية , بصغر نصف قطرها. وهكذا نرى شعبنا يتناغم لااراديا مع الادارة المحلية والدعوة الى تطبيق المادة 125 لانه يؤمن انهما الحل الاني و الامثل والاسلم والاضمن والواقعي والعملي دون ان يعير اهتماما لما يشيعه البعض من ان مواصفات الادارة المحلية والمادة 125 تمثل السقف الادنى مقارنة مع الصورة الفارهة التي يطرحها ذلك البعض عن مشروعه للحكم الذاتي , وهو يعلم ان صورته تلك هي محض نماذج نظرية لايملك القدرة على تحقيق جزء يسير من شروطها . نعم ان شعبنا يعلم جيدا ان مقاعد البرازيلي والكرونا ( الادارة المحلية ) ليست وثيرة كمقاعد الكابرس والاولدزموبيل ( الحكم الذاتي ) ولكنه يدرك ايضا ان السيارة ليست مقاعد فقط , بل هذا وغيره الكثير مجتمعا يتفاعل معا ليقدم نموذجا ينسجم ومتطلبات الواقع بظرفه واحكامه ويؤدي الواجب على نحو مرضي لايتعارض اطلاقا مع الرغبة لتحقيق الافضل . ان شعبنا لايريد  الحكم الذاتي ( قابوطا ) ثقيلا مثقلا بالدفوعات يلبسه اليوم ويحير به , بل يريد الحكم الذاتي الذي تتوفر له كل القاعدة المادية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية الذاتية والوطنية الصحيحة التي تؤدي لان يأتي الحكم الذاتي مرتكزا على حجرة الشراكة المتكافئة والمتوازنة , فيكون سلسا مقبولا من قبل شعبنا يقدمونه للاخرين على انه وليدهم الشرعي الذي يستحق الرعاية و لايثير الشك و الفزع والرعب من افاقه في نفس كائن من كان. ان المتحمسين المزايدين في مشروع الحكم الذاتي لايختلفون اطلاقا عن الفرنسية ( ماري انطوانيت ) فهم في عليائهم ينصحون شعبنا بتناول ( الكيك ) وهم يرون ان هذا الشعب قد خُصصت له ثلاثة ارغفة متواضعة جدا سرعان ما اثارت لعاب سراق النهار والليل فاقتطعوا منها , بمباركة المتواطئين والاخرين من اصحاب الاجندة الصفراء وسهو الغافلين , رغيفين وابقوا رغيفا واحدا نتصارع عليه في انتخابات مجالس المحافظات !.

ان شعبنا , وخاصة في سهل نينوى , ليس بحاجة الى محاضرات وتنظيرات وشهادات البعض حول مبدأ الشراكة , لانه في الواقع العملي يمارس ومنذ مئات السنين الشراكة وحوار الحضارات مع الاخرين في ابهى صورهما , لكنها الشراكة التي بقيت فيها الخصوصية الدينية والقومية ميزة رئيسية تتميز بها , باعتراف الاخرين قبل الاهل , هذه المنطقة . ان اؤلئك ( ال نحن ) الذين يفتون في الشراكة عليهم اولا ان يعيدوا النظر في شراكاتهم الذاتية قبل ان تصبح شراكاتهم تلك صالحة للتعميم كنموذج يُحتذى به , فللشراكة الصحيحة وذات العمر الطويل قاعدة ذهبية تتلخص في ان يقر ويعترف لك المقابل , قلبا وقالبا , قولا وفعلا , انك شريك كامل الدسم بما يسمح لك ان ترى قمة رأسه وانت تقف امامه , وعلى اساس هذه القاعدة فقط تنطلق الشراكة لتغطي كافة المجالات والاهتمامات والمصالح والرؤى و المشتركات . اما الحديث عن اتهام البعض بالميوعة القومية على حساب القبول بعرض شعبنا كهوية دينية من خلال القبول بالكوتا او الحديث عن المكون الديني القومي معا فهو حديث مزايدات لايعدو عن كونه عزفا على اسطوانة بائسة , فلايوجد في شعبنا على الاطلاق , بما في ذلك رجال الدين , من يعمل في جهده على المطالبة فقط بالحقوق الدينية لهذا الشعب والمتمثلة بحرية العبادة والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية , بل ان نظرة فاحصة دقيقة لاقوال وجهد الجميع يمكن ان يُستنتج منها ان مطالبة صريحة بسقف يتجاوز بكثير سقف الحقوق الدينية البسيطة يظهر بشكل صارخ او مستتر فيها , فليس في شعبنا عنوانا دينيا او سياسيا او اجتماعيا يرضى لنفسه في ان يطالب لهذا الشعب بحقوق اهل الذمة , وإن وجد مثل هذا العنوان فهو محل رفض واستهجان من قبل الجميع , ولذلك فلاداع للمزايدات في هذا الجانب , لكن من حق السياسي وغيره ان يتعامل مع الاخرين مستفيدا من نظرتهم اليه دون ان ينسى استغلال ما امكن من تلك النظرة للتحشيد الى مايصبو اليه , ونستطيع هنا ربما للفائدة ان نورد حجتين تدعمان مانقول , الاولى ان السيد سركيس اغاجان قد انشا في كل قرية وقصبة ومدينة من قرى وقصبات ومدن شعبنا لجنة اطلق على تسميتها ( لجنة شؤون المسيحيين ) فهل يا ترى ينطبق الاتهام نفسه على السيد اغاجان في انه يقدمنا بصبغتنا الدينية على حسباب هويتنا القومية ؟! او ان هذا البعض الذي يروٍج لهذه الادعاءات يرى ان جهد السيد اغاجان في الياته ونتائجه يمثل انتكاسة للجهد القومي ؟! نحن بانتظار الاجابة الشافية . والحجة الثانية اننا نقدم اقتراحا متواضعا الى الاستاذ الفاضل نمرود بيتو وزير السياحة في حكومة اقليم كردستان ليجري استبيانا بسيطا داخل مجلس وزراء الاقليم وامانة المجلس يتضمن سؤالا محددا يتلخص في لمن تم تخصيص مقعد وزارة السياحة في الاقليم , فاذا خرج السيد بخلاصة مفادها ان الغالبية من الذين شاركوا في الاستبيان قد اجابوا وبصورة عفوية ان المقعد قد مُنح ( للاخوة المسيحيين  ) فعلى السيد الوزير انذاك ان يرفض مقعد الوزارة حالا كما رفض مقعد الكوتا كونهما من مصدر واحد وهو الانتماء الديني وليس القومي ! ليس يقينا المقصود بهذا ان الاخوة الاكراد يتنكرون لحقوقنا القومية بل العكس تماما , حيث ان هنالك الكثيرون في العراق , اكرادا كانوا ام عرب , يؤمنون بحقوقنا القومية ويقصدونها حتما , حتى عندما ينعتوننا بتسميتنا الدينية فقط .

بقيت نقطة اخيرة وجدت لامناص من ذكرها تعقيبا على مقال الاب الفاضل عمانوئيل بيتو في حلقته الاولى والموسوم ( من ينفذ الاجندة الكردية , نحن ام يونادم ) ورجائي من الاب الفاضل ان لايُدخل تعقيبي المتواضع هذا في باب الشخصنة , فقد لاحظت , وانا ادرك تماما ان الاب الفاضل لايسطٍر جملا عابرة بل يقصد كل حرف في كل كلمة , انه قد حاول جاهدا الغوص عميقا في مستنقعات السياسة وبزعانف ميكافيلية خالصة بإمتياز , ولانني ارى ان مستنقعات السياسة وزعانفها الميكافيلية تتضاد بشكل صارخ مع الصورة المرفقة مع المقال والتي تشير الى كهنوته السامي كما مع توقيع المقال بصفته ورتبته الدينية , فانني وكنصيحة اخوية قلبية خالصة اتمنى ان يصل الاب الفاضل الى خيار حاسم بين الكهنوت والسياسة , لان الكهنوت السامي والسياسة وحبالها الملتوية و بهذا الشكل كما اعتاد وتمرًس على مزاولته الاب الفاضل , هما قطبان متضادان متوازيان لايلتقيان ابدا , والاب الفاضل سيد العارفين في اننا جميعا بشر لانملك القدرة على جمع النقيضين فذلك محصور بالخالق جلً جلاله , حيث جمع النقيضين من اسرار قدرته له المجد , ولذلك فرجائنا الاخوي , وله مطلق الحرية في قبوله او رفضه , ان يُرفق مع الحلقة الثانية من المقال صورة اخرى لاتشير الى الكهنوت فندرك ونتأكد حينها اننا فقط امام سياسي بمواصفات ( خاصة ) , وينسجم حينئذ صاحب العنوان مع وصفه  . . ..
   

21
هدية العيد الى الاعزاء في ( النخبة ) والناطق الرسمي بإسمها

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كمْ هي بليغة تلك الاية العظيمة من الكتاب التي تقول ان الله اختار جهلة العالم و ضعفائه ليُخزي حكمائه واقويائه , ومابالكم اذا كانت الحكمة والقوة تلك , هما , اصلا , مشكوك فيهما ومن صنع ( تايوان ) !. ربما جاءت استقالة الدكتور المشهداني من رئاسة مجلس النواب درسا بليغا لكل من يتعاطى السياسة , إداءً او اعلاما , ليحسب مرارا , الى العشرة والمئة وحتى الألف , قبل ان يطلق الكلام ويسئ الى الاخرين ويفقد بوصلة الحشمة وهو يقول او يكتب ردا في فورة غضب على حقائق الواقع التي يراها ويلامسها , متوهما ان دحضها يتم بالشتائم , و وصفة تفنيدها لاتعدو عن كونها بضع كلمات واتهامات مقززة . فالحليم يدرك حقا ان ثمن الاعتذار يفوق باضعاف لذة الخطأ بحق الاخرين, لان الوقاية هي حتما ارخص من العلاج !. والعرب تقول ولات ساعة مندم ! . مادفعنا الى السطور اعلاه ومايليها مقالين متسلسلين كتبهما الاخ والاستاذ العزيز تيري بطرس , الناطق الرسمي بإسم ( النخبة ) , ردا على مقالينا الاخيرين الموسومين ( السقف العالي والتغريد خارج السرب, وماذا بعد السيد سركيس أغاجان ) ولقد أثرنا السكوت على مقاله الاول , الذي كان ردا بصورة غير مباشرة على مقال السقف العالي , والذي منحنا فيه , مشكورا , وسام الجهل باستحقاق , فاعتبرنا ذلك تتمة للاخطاء الاملائية الكثيرة الموجودة في المقال , مُمنين النفس ان يلجأ الاخ الكاتب فيما يليه الى فنجان ثقيل من القهوة المركزة قبل ان يضغط من جديد على مفتاح الارسال في لوحة المفاتيح , لكنه عاد مرة اخرى في مقاله الاخير الموسوم ( العيد والدكتور وعشتار واغاجان ) لينعم علينا في هذه المرة , ودفعة واحدة وفي سطور عابرة معدودة لاتتجاوز اصابع اليد , بانواط  الاحلام المريضة والغباء والكذب والتلفيق واختلاق القصص ! ولاننا نعيش هذه الايام افراح واجواء عيد ميلاد الرب يسوع , له المجد , وبداية العام الجديد , وهنالك تقليد مقدس في اغلب دول العالم وخاصة الغربية منها , يتلخص في ان الناس تشتري وتهدي لبعضها البعض هدايا الميلاد , وتُراعى في هذا التقليد نقطتين جوهريتين , الاولى تكمن في ان الانسان يقتني هدية العيد ليقدمها لقريب او عزيز عليه , والثانية ان الذي يقرر اهداء شئ ما عليه ان يُجهد النفس في البحث عن مايعتقده ان المقابل هو حقا بحاجة اليه ويفتقر له , وليس ان يذهب الى الاسواق و يغمض عينيه ويفعل ذلك ( جفيان شر ) , كما يقال , فيعتبر نفسه انه يؤدي واجبا روتينيا . ولان الاخوة في ( النخبة ) وفي مقدمتهم الناطق الرسمي بإسمها هم اعزاء حقا , ونرى ان الدروس التي يمكن ان يخرجوا بها من هذه السطور هي عوزهم الحقيقي , قررنا مخلصين كتابتها وتقديمها لهم كهدية العيد , دون ان يعني ذلك اننا نفتح الباب على مصراعيه لسجالات ونقاشات عقيمة تُرهق القارئ العزيز وابناء شعبنا , فهدية عيد الميلاد تُقدًم لمرة واحدة في العام وللأعزاء فقط !.

يبدو ان الهاجس الوحيد الذي ينطلق منه الاخوة الاعزاء في ( النخبة ) , والذي كاد يُصبح عقدة مستديمة تسترعي الانتباه كونها تأكل من جرف ( النخبة ) اكثر بكثير مما تأكل من جرف الاخرين , يتلخص في الحكم على اي اداء او افكار لاتنسجم مع توجهات وافكار ( النخبة ) على انها هي بإيحاء من الحركة الاشورية او ان اصحابها هم اقلام مأجورة للحركة ونهجها . لقد كتبنا سابقا عن المصابين بعقدة ( زوعا ) , وحقا يصيبنا احيانا شعور ممزوج بالألم والشفقة على هذا البعض ونحن نرى اعراض عقدته تلك صارخة واضحة يراها الجميع بإستثنائه , فيأخذنا العجب ونحن نتفرج على هذا البعض حيث له الاستعداد الكامل ليحكم بمصداقية الجميع باستثناء زوعا والسيد يونادم كنا , فعلى سبيل المثال فان بهاء الاعرجي وغيره صادق في كل ما يقول , بينما الحكم على زوعا والسيد يونادم كنا قد اخذ الدرجة القطعية سلبا مسبقا . وفي موضوع مقالنا ( ماذا بعد السيد سركيس اغاجان ) نود ان نبين حقيقة , وهي شهادة للتاريخ , عسى ان يستفيد منها الاعزاء في ( النخبة ) فتكون عاملا مساعدا في تطويل الرقبة وبالتالي ضبط الاحكام في المستقبل , ان هذه الحقيقة تتمثل في انني قد ارسلت المقال المذكور الى الموقع الرسمي للحركة الاشورية ( زوعا دود اورك ) في نفس الوقت الذي ارسلته الى باقي المواقع , وقد تم نشر المقال في جميع المواقع ولكن المقال لم يُنشرعلى موقع زوعا . اقول صادقا لم يصيبني الاحباط , وإن كنت صاحب المقال , بسبب قرار ادارة موقع زوعا حجب المقال وعدم نشره , فقد وجدت في ذلك , حقا , وعيا ونضجا سياسيا جديرا بالتقدير , وبعد نظر وتقديم لمصلحة شعبنا على كل ماعداها , في وقت نرى المقالات التي تنبش في قمامة التاريخ , لمصالح حزبية ضيقة والتي تستهدف تشويه صورة الحركة الاشورية , تجد طريقها بسرعة البرق على صفحة موقع عشتار, وبإمكان الاخ العزيز والاستاذ الفاضل انطوان الصنا , وهو احد المُجهزين الرئيسيين لموقع عشتار , ان يذكر الحقيقة الصارخة عندما وضع موقع عشتار ( فلترا صارما ) على احد مقالاته عن الاكراد المسيحيين وحجبها عن النشر, بينما مقالاته الاخرى  وكتابات الاخ العزيز الناطق الرسمي باسم ( النخبة ) , وخاصة التي تتناول الحركة الاشورية والسيد يونادم كنا , ترى طريقها الى النشر وكأنها تنزلق الى الصفحة الاولى على سطح املس شفاف . 
ربما يتهمنا البعض بالانحياز الى الحركة الاشورية , لكنه انحياز على منوال فكرة ( الحياد الايجابي ) التي كانت في عقود الستينات والسبعينات من القرن الماضي , يوم كانت حركات وقوىالتحرر والسلام في العالم ترى نفسها تقترب في الخط العام مع المعسكر الاشتراكي دون ان ينال اقترابها من خصوصيتها واستقلاليتها , واننا في الوقت الذي نؤشر ايجابا وبتقدير ما نجتهد على رؤيتها علامات مضيئة في مسيرة هذه الحركة وادائها , نعاهد الله ايضا وشعبنا على ان يكون قلمنا بنفس الحدة في التأشير في الجانب الاخر وتشخيص ما نجتهد على رؤيته علامات سلبية , ليس بقصد التشهير والانتقاص والهدم ,  ويشهد الله  تلك هي نظرتنا وغايتنا مع الجميع , ولكن من اجل ما نجتهد , مصيبين او مخطئين , انه الافضل .

ثم إذا كان ما ذهبنا اليه في مقالنا عن السيد اغاجان هو محض افتراء وكذب وغباء , فقد وفرً علينا العزيز ( ارخميدس النخبة ) جهد الاكتشاف عندما دعا الاخوة في مكتب السيد اغاجان وفي المجلس الشعبي الى التفاعل مع ماينشر والتعامل معه ومعالجته , وفي هذا فقد ذكًرني حقا بالاب الفاضل ( القمص زكريا ) على قناة الحياة وهو يبتسم للذين يتهجمون بوقاحة عليه وعلى ارائه ويتهمونه بالكذب والافتراء , فيكتفي فقط بمطالبتهم بحثٍ شيوخ الازهر على تقديم اجابات لتساؤلاته من اجل اظهار الحقيقة . هذا ناهيكم عن ان الكثيرين من المنصفين الذين , لايستهويهم الاصطياد في المياة العكرة , يمكن ان يستنتجوا بصدق ان مقالنا عن السيد اغاجان , واثارة موضوع غياب السيد اغاجان او اعتكافه لاي سبب كان  ,انما يندرج في باب القلق والاهتمام , فهو اي السيد اغاجان , اولا واخيرا , ابن شعبنا الذي اعتقد ويعتقد انه يجتهد لصالحه حاضرا ومستقبلا .

كتب محمود درويش في الذكرى الاربعين لحرب حزيران 1967 فقال:
أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين
إن لم نجد من يُهزمنا ثانية هزمنا انفسنا بأيدينا لئلا ننسى !
يبدو ان الاخوة الاعزاء في النخبة , ومن خلال أدائهم , يوفرون على الاخرين فعل اي شئ , فقد اختاروا , وللأسف الشديد , ان يُهزموا انفسهم بأياديهم , ربما ايضا إنعاشا للذاكرة ! .   

22
ماذا بعد السيد سركيس اغاجان

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

تُرى , هل بدأت ظاهرة السيد سركيس اغاجان رحلتها انحدارا من السفح المقابل لسفح الصعود ؟! هل سيكون الانحدار في سرعته مساويا او فائقا لسرعة التسلق ؟ هل وجد الرعاة انهم قد اشتثمروا في باب يستنزف ولايُجدي ؟ ام هل ان السيد اغاجان قد وجد نفسه اصلا لايملك الاستعداد في النهاية لكي يؤدي دورا حاسما لايتوافق مع حساباته وطموحاته واعتقاداته ؟! هل وقع السيد اغاجان ضحية خيانة , غير مقصودة , فتبرع غيره واقترح على الرعاة ان ينجز ( المقاولة ) بثمن اقل وزمن اقصر ؟! هل جاءت انتخابات مجالس المحافظات لتضع المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري على المحك , فيكون امام احد خيارين احلاهما مُرْ , إما الانضواء تحت قائمة نينوى المتأخية او الدخول في قائمة مستقلة فوجد نفسه في النهاية يترنح بين هذه وتلك , ليقرر اخيرا ان يقف بخجول خلف قائمة عشتار , فبات حاله كحال الذي اشار اليه الممثل الكوميدي العراقي ماجد ياسين بقوله ( قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل لا حِضتْ برجيلها ولا إخذت سيد علي ) !. أليس من حق شعبنا ان يتساءل عن اخر تطورات مشروع الحكم الذاتي وعن الاب الروحي للمشروع ! طالما ان المشروع يعني مصير شعب بكامله ولايصح ان تُطبخ وجبته بعيدا كليا عن عيون هذا الشعب ! اما اننا امام حالة مكررة , مع الاختلاف في الميكانزم  , لما حدث في العراق في منتصف عقد التسعينات عندما راج موسميا سوق الشركات الوهمية لتشغيل الاموال بالفائدة ( سامكو وعلائكو والخ ) فاقتاد منها و بشراهة الكثير من الوكلاء الذين اصبحوا بعدئذ ( فص ملح ) وذاب عندما حمي وطيس السلطة انذاك على تلك الشركات بالرغم من انها هي التي منحتها الكارت الاخضر في البداية , حيث ها نحن نرى اليوم بعضا من قطط مشروع الحكم الذاتي وهي تزحف او تهم بالزحف الى المهجر ! هل نفذ الماعون المعبأ بالعسل ووجد ( البعض ) ضالته في المساعدات الاجتماعية في اوربا وامريكا واستراليا , فهنالك من يقول ان عشتار تشكو من قلة الموارد ! أم ان  الصيغة الجديدة المنقحة لمشروع الحكم الذاتي والتي انتقلت بنا من الدعوة الى الحكم الذاتي في المناطق التاريخية الى الحكم الذاتي في المناطق التي نتواجد فيها حاليا قد ترك هؤلاء يمنحون انفسهم  فرمانا اوفتوى مشروعية مواصلة النضال او الدعوة الى الحكم الذاتي في اوربا وامريكا وغيرها طالما ان لنا حاليا ثقلا كبيرا في هذه البلدان ونسكن فيها ! ولذلك فليستبشر شعبنا خيرا فنحن في المستقبل القريب امام قطار من ( مطاعم وورش الحكم الذاتي ) تنتشر في اصقاع الارض وبلدان الاغتراب ! ببساطة أليس من حق ابناء شعبنا السؤال عن السيد سركيس اغاجان وبالتالي عن المشروع الذي يحمل اسمه ؟ أليس من حقهم ان ينطلقون في التفسير والتأويل وبسط كل الخيارات فالرجل لم يعد ملك نفسه ولا المشروع ملكا شخصيا له واعتكافه او شحة نشاطه العلني منذ فترة طويلة بات علامة بارزة تثير الاستغراب !.  أم هل هي خلوة اعتيادية مع النفس ضرورية لاعادة تقييم الموقف والجهد ؟!

ربما يعاتبنا البعض على مايعتقده انها القسوة في تقييم جهد السيد اغاجان لكننا نؤكد اننا نبصر جيدا , وربما اكثر من هذا البعض , الجزء المملوء من الكأس في هذا الجهد , وفي الوقت نفسه لا تغفل عيوننا عن الجزء الفارغ فيه . نعم نرى جيدا الجوانب الايجابية التي افرزها هذا الجهد والتي كانت ربما حاجة ضرورية تتطلبها المرحلة التي يعيشها شعبنا , فلانملك إلا ان نقيم , ايجابا بشكل عام , تجربة الحراسات وشبكة الرعاية الاجتماعية وبناء الصروح الثقافية والدينية والسكنية , ولكن في الجانب الاخر نبصر ايضا ( كروشا ) على وشك ان يقتلها ( الكوليسترول ) وفسادا في النفوس وهدرا في الطاقات والفرص وتشتيتا للجهد الحقيقي لشعبنا , إن لم يكن محاولة ضربه في الصميم , وإلا كيف نفسر اخفاق جهد السيد اغاجان في بناء قاعدة مشتركة للعمل مع الجهد الرئيسي الاخر لشعبنا الذي تمثله قوى القرار المستقل , بهوامش متفاوتة , داخل شعبنا واعني هنا بالتحديد الحركة الاشورية وحزب الاتحاد الكلداني . لقد اقتصرت مهمة جهد السيد اغاجان والمجلس الشعبي الذي يمثل واجهته على احتواء بعض التنظيمات والدكاكين الصغيرة والتي ظهر لاحقا ان ( لمًتها ) ليست إلا لغايات وحاجات مصلحية ذاتية تتلخص في البحث عن المعيل او في محاولة إسقاط ( شطارتها ) في ركوب الموجة !. ان هذا الاخفاق لايتحمل سوى تفسيرين لاثالث لهما , اولهما الرغبة العارمة في الاحتواء والتي تصطدم بحواجزقدسية استقلالية القرار لدى الاخرين , والثاني ان الجهد مبرمج اصلا ولايمكن له ان ان يتخطى معاييره .

ان البعض من الاخوة الاعزاء في ( النخبة ) او من المحسوبين على المجلس الشعبي الذين نراهم في الفترة الاخيرة يسيل لعابهم بغزارة على دور يحاكي دور السيد اغاجان انما يُلحقون ( واهمين او قاصدين ) , عندما يتركون الحبل على الغارب للعابهم , اساءة بالغة برصيدهم الشخصي وبرصيد تنظيماتهم وبجهد السيد اغاجان , وقبل كل هذا بقضية شعبهم و وحدة خطابه وقراره المستقل عن طريق المحاولة في دورة عبثية جديدة . ان هؤلاء ونحن نراهم اليوم في حلٍهم وترحالهم انما يُذكٍرون ابناء شعبنا بالمسرحية العراقية الكوميدية ( إيدكْ بالدهن ) التي ذاع صيتها في عقد السبعينات , لكننا نود ان نهمس في أذانهم ان اياديهم ليست في ( الدهن الحر ) لشعبنا بل ان اياديهم هي في الدهن ( علامة الراعي ) . كما ان الذين يقامرون في  طرح هؤلاء كواجهة لشعبنا انما يغرفون الماء بالكف لمستقبل علاقاتهم واجندتهم , فمثل هذه المقامرة هي اشبه بالرهان على تفوق طالب في امتحان ( التوفل ) وهو لايفقه من الانكليزية سوى رسم حروفها !.
أملنا ان لا نرى ذلك اليوم الذي يخرج فيه احدهم ليقرأ البيان ( رقم صفر ) ويعلن عن حركته التصحيحية ويقرر فصل السيد سركيس اغاجان من المجلس الشعبي والخ من فقرات البيان !   

23
السقف العالي والتغريد خارج السرب

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يُحكى ان كاهنا , هادئا , صبورا , ورعا , شاءت الصُدف ان يساعده في عمله شماسا ( ساعورا ) عُرف عنه غلاظة التعبير وقلة حياء الكلمات , وقد اشتكت الرعية الى الكاهن طالبة منه ان يضع حدا لذلك , فإهتدى الاب الورع الى حلٍ نموذجي يتمثل في وضع حصاة في فم الساعور لتمنعه من الكلام كلما رافقه في مشوار للخدمة او تواجد معه في مجلس للحديث . وفي احد الايام تقدمت احدى النسوة المتقدمات في السن الى الاب الفاضل تدعوه ليبارك بيتها الجديد , فتوجه الكاهن الى البيت يتبعه الساعور وهو يحمل المبخرة والشمعة , دخل الاب وصلى في فناء الدار وبارك وشكر , ثم كان رجاء المرأة ان يصلي في كل غرفة من غرف الدار فلبًى طلبها , بعدها دعته الى الصعود الى الدور الثاني والمرور بغرفه والصلاة فيها ايضا , فعل الاب الفاضل ذلك وهو يُسلٍم امره الى الباري جلً جلاله , وعندما انتهى من الدور الثاني عاودت المرأة طلبها في ان ينزل الى غرفة المؤونة ليباركها وكان الدرج المؤدي اليها لازال قيد الانشاء  , لقد كان طلب المرأة الاخير هذا هو القشة التي قصمت ظهر بعير الصبر لدى كاهننا الورع الهادئ , فما كان منه إلا ان أمر الساعور بقذف الحصوة من فمه , فانطلق هذا يعزف السمفونية التي يتقنها جيدا , و كانت ( حَوْصلته ) قد أوشكت اساسا ان تصل الى حد الانفجار منذ الصعود الى الدور الثاني , إن لم يكن قبل ذلك . اعتقد ان الكثيرين من ابناء شعبنا الذين يتصفحون مايكتبه البعض وينشره على المواقع الالكترونية وما يصرٍحون به في اجهزة الاعلام الاخرى يشعرون  بالحاجة احيانا , وهم يتصفحون او يسمعون , الى ان يكون بجانبهم ذلك الساعور الظريف فيوعزون له لكي يرمي الحصاة ويُقسٍم على الخفيف !. ويجري هذا , عندما يصح , على الجميع بلا إستثناء وفي المقدمة منهم كاتب هذه السطور .

لا احد ينكر ان الطموح هو حق مشروع للشعوب كما هو ايضا كذلك للانسان كحالة شخصية , لكن الطموح هذا ينقلب ليكون ظاهرة مرضية عندما يفتقر الى القاعدة المادية والظروف الواقعية التي تساعد جنبا الى جنب مع الامكانات الذاتية المجردة لجعل الطموح حقيقة واقعة , من يكره ان يقتني ( الليموزين ) , ولكن التفكير في ( الليموزين ) لمن لايستطيع شراء دراجة هو في نظر الكثيرين ضرب من ضروب الانفصام في الشخصية ! . فكيف يكون الحال , ونحن في موضوعة الحكم الذاتي بشكله المطروح , نفتقر الان الى الثلاثة على حد سواء او الى جزء كبير منها , الامكانات الذاتية والقاعدة المادية والظروف الواقعية , التي يمكن بتوفرها ان تجعل هامش التضحية ومقدار الخسارة من اجل الوصول الى الهدف في الحدود الدنيا. ان بين الكوتا التي أكرمونا بها , بل حتى بين الكوتا التي بحثنا عنها  , وبين الحكم الذاتي زمن يقيسه البعض بالسنوات الضوئية ! من المؤكد ان البعض سينتفض عندما يقرأ هذا ليفعل كعادته ويزايد ,بل ربما يلجأ الى استعارة عضلات غير عضلاته ليستعرضها , او يتهمنا اننا جزء من المخطط التأمري الهادف الى اشاعة مناخ من الاحباط بين اوساط شعبنا ! . اعتاد اهلنا في ( برطلة ) ان يكونوا قساة , في جملة عنيفة , مع الشخص الذي يتبجح بما هو ليس قادر على فعله او الذي لايمتلك  ما ينسجم مع حديثه , فيلقون تلك الجملة على مسامعه املا في ان يستفيق الى حاله , اما اهلنا في ( عنكاوة ) فقد تعلمنا منهم كيف نشكو للمقابل ( مُخًنا ) عندما نرى هذا المقابل يلحًُ  بلا مبرر في امر ما . وهكذا نرى الاخوة الاعزاء , وخاصة في الحزب الوطني الاشوري , والاخرين الذين يجدون انفسهم في نفس الخندق معهم , كلًُ لغايته , يعيدون ويصقلون تحت اسماء مختلفة ومستعارة , ربما هي , بعضها , لذات الشخصية , في الحديث عن السقف العالي والتغريد خارج السرب وتوجيه النقد , بمناسبة او بدونها , الى الاخرين كونهم يتحملون المسؤولية بكاملها عن قتل ابناء شعبنا وتهجيرهم والغاء الكوتا , ثم اقرارها بشكلها الهزيل , وهؤلاء الاخوة الاعزاء مواظبون على منح الاخرين شهادات الخيانة لقضية الامة سواء شاركوا في الانتخابات او قاطعوها والخ , فلم نعد نعرف ماذا تريد ( النخبة )  , فهم لايعجبهم العجب ولا الصيام في رجب , كما يقال بالعربية , ومشكلهم الوحيد الذي يريدون ايجاد مخرج له باية وسيلة هي ان المُجهٍز يطالبهم بثمن البضاعة التي تركن على رفوف اكشاكهم ولايوجد من يشتري .

ان الحديث عن السقف العالي في عراق تتقاذفه امواج التلاطم السياسي ولعبة صفقات التوافق هو اشبه بالجلوس في صومعة جبلية والغناء بما طاب وليس من مستمع غير المغني !. انها لمن السذاجة حقا ان نعتقد اننا نمتلك بعض النقود في جيوبنا التي تسمح لنا بالنزول الى السوق السياسي العراقي فنلتقط بايدينا ( وجه الصناديق ) من البضاعة فنملأ بأمان ( علاكتنا ) ونطلب ان يزنوها وندفع ثمنها ونعود بسلام الى بيوتنا! ان المشهد العراقي اعقد بكثير من ان نفهمه بهذه الصورة البسيطة , أليس السقف العالي والهدف الطبيعي والحق المشروع لدى الاخوة الاكراد هو اعلان تقرير المصير ؟ لماذا لا يذهب الاخوة الاكراد الى السقف العالي وظرفهم بكافة جوانبه افضل بالتأكيد من حال شعبنا الكلداني السرياني الاشوري ؟ لايتوهم البعض بالقول ان ما يمنع الاخوة الاكراد من فعل ذلك هو فقط عدم رغبتهم به وقرارهم في ان يكونوا جزءا من العراق دون ان يكون للعوامل الداخلية والاقليمية والدولية دخل في قرارهم هذا ,  كما لايتوهم البعض بالقول ان قرار تقرير المصير للاخوة الاكراد والحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري امران مختلفان , نعم هما امران مختلفان بالنسبة لنا ولمن يقف بجانبنا , ولكنهما سيان بالنسبة للكثيرين من اللاعبين النافذين على الساحة السياسية العراقية , والظروف والملابسات والصفقات التي رافقت عملية اقرار الكوتا بشكلها الاخير اثبات على صحة مانقول وكان ينبغي ان تكون لدعاة السقف العالي درسا يستفاد منه في اعادة تقييم المواقف وتعييرها . ليست هذه دعوة لليأس والاستسلام كما سيحلو للبعض تصويرها , لكنها دعوة للتعامل مع الواقع مع حقائقه وليس على اساس المزايدات الفارغة كما يفعل البعض ممن امتهن مهنة اصدار ( بيان البيانات ) وبيع الوطنيات  وهو في بلاد المهجر , حيث سمعت ان احدهم قد قال انه لايجد مانعا او مشكلة في ان يدفع شعبنا من التضحيات بضعة ألاف في الموصل اذا كانت هذه التضحيات ستكون ثمنا لتحقيق الحكم الذاتي الذي يصبو اليه ,علما انه لم يعلن عن استعداده ليكون احدى هذه التضحيات !

ان الذي يتحدث عن التغريد خارج السرب عليه ان يحدد في البداية وبشكل منصف وعادل ونكران ذات معالم السرب وثقله وحشده ليرى الاخرون هل هم جزء من السرب الصحيح أم لا , ان مشكلة المشاكل لدى السياسي في الشرق تكمن في معرفته الاكيدة بظرفه وحجمه الحقيقي لكنه يقفز على كل ذلك معتقدا ان فعالية انجزها , بوسائل يعرفها جيدا , هي الفيصل في الوزن السياسي . ان الحديث المتكرر عن مظاهرة دهوك , مع كل التقدير والاحترام لمن تواجد فيها , على اساس انها وصف لمعالم السرب الذي يغرد خارجه كل من لم يكن جزءا منها يثير الشفقة حقا ! ان مظاهرة دهوك , باسلوب تنظيمها وتداعياتها وما اعقبها من مواقف , تؤكد وبشكل واضح وجلي الى السرب الحقيقي والذي تنضوي فيه الغالبية الساحقة من ابناء شعبنا , كنيسة واحزابا ومؤسسات وجهد شعبي مستقل , وان امتلاكنا لبعض الجرأة في الصراحة مع النفس ستجعلنا لامحالة نصل الى هذه الحقيقة الدامغة .

اما المحاولات التي يُرمى منها الى تسقيط بعض الرموز السياسية في شعبنا , وخاصة ممثلينا في مجلس النواب العراقي , لغايات سياسية وشخصية رخيصة عن طريق الاستهانة بدورهم والانتقاص منه , واتهامهم امام الرأي العام بالفشل والاخفاق في تحقيق النتائج , من خلال التصويت على الكوتا , وتحميلهم المسؤولية الكاملة عن هذه النتائج دون اعارة اي اهتمام لاشكالات الواقع السياسي وتعقيداته , ان كل هذه المحاولات لن تنطلي , في عناوينها وغاياتها  , على شعبنا . ان البارعين الماهرين في ايجاد الحجج والمبررات لبعض المواقف والذين يفضلون ان تتجه سهامهم الى صدور وظهور ذوي القربى وابناء العمومة قبل ان تصيب من ينبغي ان تصيب , هم أحوج ما يكون الى ان يبحثوا عن سرب شعبنا فيغردوا فيه وله , عوضا عن الهرولة الى المياة التي افرزتها عواقب التصويت على الكوتا وتهجير شعبنا من الموصل وانتخابات المجالس القادمة ليختاروا الاجنحة والعوامات التي يمكن ان تُلقي بهم على شاطئ توجد فيه بعض الفتات من المكاسب السياسية الحزبية والشخصية الضيقة . لقد احدثت تصريحات الاستاذ مسعود البارزاني الاخيرة في الولايات المتحدة حول القواعد العسكرية في اقليم كردستان موجة شديدة من ردود الافعال , وعندما سئل السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية , في لقاء على العراقية الفضائية , عن موقفه ازاء هذه التصريحات كان شفافا في تفسيرها وحازما ايضا في التزام الموقف الذي يؤكد وحدة وانسجام القيادة الكردية , فمتى تصيبنا عدوى التعلم من الاقرب الينا ! , أم ان جهاز المناعة في اجسامنا بات , فقط , يعمل كعقرب الساعة السويسرية ضد فايروس نصرة ومعاضدة الاخ وابن العم فيمنع اكتساب هذا الفايروس من الاخرين , بينما يترك الفايروسات الاخرى تسرح وتمرح كما يحلو لها !. لقد استمع الكثيرون وشاهدوا السيدان يونادم كنا وابلحد افرام و هما يتحدثان في مجلس النواب وفي البغدادية والفيحاء وغيرهما من وسائل الاعلام , و سجلوا بالتقدير والتثمين الجهد و الجرأة والشجاعة التي ابداها السيدان كنا وافرام في الدفاع عن شعبنا وحقوقه وتوجيه النقد بلا هوادة للعملية السياسية وللشركاء فيها على الاجحاف الذي لحق بشعبنا , لقد قال لي صديق عزيز انه شعر بالفخر الكبير وهو يسمع السيد كنا يقول بالفم المليان ( لسنا جالسين هنا في العراق بالايجار او في بيت احد , هذه ارضنا وهذا وطننا من زمن بابل واشور ) . لقد منحت مواقف السيد ابلحد افرام المتلقي شعورا بانه حقا الشريك والند والحليف السياسي الذي لايتوانى عن تسجيل النقد لشركائه وحلفائه عندما يجد انهم  يقفون موقفا سلبيا او لاينسجم ولايناصر ولايعاضد قضايا واهداف شعبه , على النقيض من البعض الذين لم ينطقوا ببنت شفة تقييما للمواقف , بل شحذوا الرؤوس والاقلام في محاولة لايجاد مبررات لها , فتركوا مرة اخرى , وللاسف الشديد , بذور الشك تحوم حول امكانية اطلاق ( صفة التحالفات ) على علاقاتهم السياسية , وها هم اليوم ينطلقون في لعبة مكشوفة عندما يضعون السيد ابلحد افرام في قلب دائرة التصويب لديهم  ,ويضعون خلف ظهرهم حلفائهم في المجلس الشعبي وهيئة التنسيق من خلال الانضواء تحت  القائمة الكردية في انتخابات مجالس المحافظات وليس في قائمة عشتار او الانسجام مع موقف المجلس الشعبي , لانقول هذا نكرانا لحق الاخرين في التحالف الانتخابي وفي المقدمة منه التحالف مع الاخوة الاكراد , فهو حق مشروع عندما لايفوح منه رائحة تزكم الانوف من الانتهازية الحزبية او الشخصية . فهذا يحدث , بوسائل صفراء تتمثل في تقديم النفس للاخرين على انها الاكثر اخلاصا , ولاهداف بالدرجة الاولى والاساسية شخصية وحزبية ضيقة تتلخص في انهم قد اكتشفوا الطريق الاقصر للوصول الى قبة البرلمان , في مرحلة ثانية , حيث ربما تسنح الفرصة للجلوس بجوار الغريم , او الافضل ان يكون مقعده خاليا ! .
خالدة تبقى مدى الدهور والازمان كلمات الرب في سفر الامثال التي تقول عبثا تنصب الشباك على مرأى الطير ..       

24
ربيع باراك اوباما وشتاء الاقليات في العراق

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

اؤمن جازما , ان كثيرين لم يتمكنوا من حبس دموع فرحهم وهم يشاهدون الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما يلقي خطبة النصر من احدى ساحات شيكاغو . ويقينا ان اصحاب الدموع هؤلاء ليسوا جميعا فقط من المعجبين بالرجل وبصفاته الكاريزمية او من المحبين له والمناصرين له لدوافع شخصية اوحزبية , بل بينهم الملايين الذين اطلقوا العنان لدموعهم لانهم وجدوا انها اللحظة التاريخية التي يعيشها الانسان المؤمن بالشراكة مع اخيه , ايا كان جنسه او لونه اوعرقه او دينه , فهي فرصة ينبغي استثمارها للانتصار للمبادئ التي يؤمن بها , او على الاقل جاء نصر اوباما ليكون بعض الضماد لجراحات المبادئ على مدى الايام . كما ان الملايين ايضا في هذه المعمورة من الذين يشكون ويعانون من الاستخدام الغير العادل ( لجوكر ) العِرق واللون والدين ( كورقة الفيتو ) في وجه حقوقهم و طموحاتهم المشروعة قد وجدوا في فوز اوباما بصيصا من الامل في نهاية النفق الذي تم وضعهم ظلما فيه . نعم لقد كان انتصار اوباما لحظةً , استلمت فيها ( الامانة ) التي تركها مارتن لوثر كينغ ( لديً حلم ) جرعة منعشة للحياة في نفس كل عاشق للانسانية والتعايش والمساواة .

في العراق الذي يعاني من احتلال البلد الذي حقق فيه اوباما معجزته ديموقراطيا , كم حريُ بنا ان نستفيد من الاحتلال بعلاًته ودروسه , فنتعلم منه ومن تجاربه , فنتحرر من قيودنا الذاتية وقيود الاحتلال في أن واحد . باراك  اوباما المتميز في اللون , المفتقر الى الحسب والنسب , كونه ابن الصدفة , وليس إبن المكان الاصيل والزمن العريق , المنحدر من اصول وعروق وثقافات مختلفة , عمقه التاريخي في بلده لايتجاوز بضعة عقود , يدعوه الامريكيون اليوم وبصوت جهوري ليضع كل ما تقدم وغيره في سلًة المهملات ويقودهم الى المستقبل , في بلد اثبت وبجدارة ان الكفاءة والوطنية هما بطاقة الدخول الحاسمة الى كرسي البيت الابيض . بينما نحن في العراق لازلنا , ويبدو اننا سنبقى الى اجل غير مسمى , نعاني من هذه الازدواجية المعيبة في الشخصية , فنشدًُ الربطات الانيقة لنخرج بها على وسائل الاعلام ونحن نردد كالببغاء عبارات المساواة وتكافؤ الفرص والشراكة , لننحر في الوقت نفسه محتوى تلك العبارات في تصرفنا وإدائنا . ترى الى متى يبقى بعض السياسيين يجاهرون , رياءً , بتدليل ( البنت ) امام الاخرين والإدعاء في انها تعادل ( ألف ولد ) , بينما هم يتمنون في سرٍهم وأدها  , بل تمنعهم الفضيحة من خنقها بأيديهم !. يخرج البرلماني والسياسي العراقي على الفضائيات ليخدع , لا ادري نفسه او المتلقي , بالقول ان الشعب الكلداني السرياني الاشوري ( المسيحي ) هو مكوٍن اصيل من مكونات الشعب العراقي , يمتد تاريخه الى الاف السنين , تواجد على هذه الارض قبل غيره , مشهود له بالغيرة الوطنية والكفاءة والنزاهة والخ , ليذهب بعدها الى قبة البرلمان فيتلًطف على هذا الشعب بمقعد يتيم بائس من عشرات المقاعد ! اذا كان البعض يؤمن ان من حق باراك حسين اوباما ان يحصل على فرصته الكاملة , او يفتخر بنجاح اوباما , فمن باب اولى ان يمنح هذا البعض الحق ايضا الى ( فادي ونينوس وسنحاريب وبولص وغيرهم ) في العراق فيساعدهم ويعاضدهم ويناصرهم على اجتياز ( حائط برلين ) الذي تمثله الاية التي توصي بعدم جعل اهل الكتاب اولياء , طالما ان اهل الكتاب هؤلاء مؤهلون في جدارتهم وصادقون في وطنيتهم ! . ربما ينبري البعض من اعضاء الكتل السياسية التي ساهمت في امرار مادة الكوتا بشكلها المقزز المهين الى المحاججة بضرورات الصراع القومي ومستقبله كاساس لموقفها في التصويت وليس النظرة الدينية المتطرفة والمتزمتة , لكن هذه الكتل كان يجب ان تضع في الحسبان ان فعلتها هذه وان الربح السياسي الذي حققته قد سبب في الجانب الاخر شرخا اخلاقيا واجتماعيا كبيرا , فلايجوز اعتبار نبذ او اقصاء مكوٍن اجتماعي اصيل حاجة من حاجات شوط لعبة الصراع السياسي في تخيلات البعض لصفحاته القومية , ناهيكم عن فقدان المصداقية كون الإرث القاسي المتراكم عبر مئات السنين لايسمح لهذه المكونات ان تستثني تلك النظرة الدينية كسبب في موقفها السلبي . ان إبن سهل نينوى الذي صوًت في الانتخابات السابقة  لمرشحي القائمة العراقية اعتقادا منه بانهم اكثر جدارة , حتى من ابناء جلدته وقائمة شعبه , يمتلك نفس الحق في المطالبة بالتصويت له , عندما تتوفر ذات الشروط , ولمطالب شعبه العادلة .

لقد كانت تلك المرأة السوداء في امريكا عظيمة حقا عندما امتنعت قبل عشرات السنين ان تعطي مكانها للابيض في الحافلة , كما جرت العادة , وصرخت قائلة ( لن امنح مكاني فقد سئمت هذا ) , ففتح ذلك الفعل , الطريق واسعا ليأتي يوم اوباما . فما احوجنا اليوم , كشعب كلداني سرياني اشوري , الى ذات الصرخة الرافضة للكوتا الهزيلة التي شرًعها مجلس النواب , فنمارس حقنا في الاستغناء عنها وشكر من تكرًم بها , بل ان الواجب يدعونا اليوم اكثر من اي وقت مضى الى اعادة ترتيب بيتنا وتوحيد جهدنا وتنسيق خطابنا . ان من العلامات الايجابية التي جناها شعبنا خلال هذه الفترة , بعد الغاء المادة الخمسين واحداث الموصل واقرار الكوتا المهينة , هو ازدياد عرض قاعدة القواسم المشتركة بين ممثلي شعبنا في البرلمان , الاستاذين الفاضلين يونادم كنا وابلحد افرام , ان الظرف يتطلب وبإلحاح خطوات اكثر فاعلية لتوحيد الجهد وتنسيقه بين الحركة الديموقراطية الاشورية والاتحاد الديموقراطي الكلداني , وجميع القوى والشخصيات التي تشترك في النظرة الواقعية الى المشهد السياسي وحركته , خدمة لاهداف شعبنا .

ان مؤسساتنا الدينية والسياسية والاجتماعية مدعوة الى موقف موحًد , يرفض ان يكون عرًابا لتهميشنا وإقصائنا , بل الى اكثر من ذلك , فتُصدر هذه المؤسسات تحريما دينيا وسياسيا واجتماعيا على كل من يقبل لنفسه ان يكون قنينة عطور صغيرة في مجالس المحافظات القادمة فيمنع ان يفوح منها روائحها الساكنة فيها . ليست هذه دعوة الى اللجوء للعنف او للعصيان , بل ممارسة للحقوق تحت مظلة الدستور والقانون , فهذا يعني ان نمضي بالعملية الديموقراطية بكامل اصولها , فلاداعٍ لتمثيلنا بالكوتا , بعد ان جاءت بهذا الشكل , اذا لم نكن قادرين على تمثيل شعبنا , معتمدين على قدراتنا الذاتية وعن طريق صناديق الاقتراع كونها هي التي تقرر تمثيلنا من عدمه .
 إما ان يكون تمثيلنا ( كامل الدسم ) مُشرفا , يتناسب مع وجودنا , وعطائنا , ودورنا , وقدراتنا , او أن لا نكون في مجالس المحافظات , فذلك افضل من ان نُصبح فقط ( مزهريات ) في غرف يُراد لها ان تظهر أنيقة . 

25
جورج منصور والأخرون وقناة عشتار

د . وديع بتي حنا
Wadeebatti@hotmail.com

ترك قرار مجلس النواب العراقي , في إلغاء المادة الخمسين من قانون انتخاب مجالس المحافظات وماتبعه من حملة القتل والتهديد التهجير التي طالت ابناء شعبنا في الموصل العزيزة , الشارع الكلداني السرياني الاشوري , ومعه كل الاصوات الشريفة المؤمنة بالحق والشراكة في الوطن , تعيش حالة من الغليان استنكارا وتنديدا بما حدث ويحدث , تمثلت في مختلف الفعاليات والتصريحات التي كانت جميعها رسالة واضحة صارخة وصلت بحق الى عناوينها , لتقول ان سياسة التهميش والاقصاء ليست مكافأةً لشعب اصيل , يجري الوطن على الدوام في شرايينه . وينبغي تأكيد هذه الرسالة باستمرار ومواصلة الضغط حتى الحصول على النتائج المرجوًة , وهنا تبرز الحاجة الى كل جهد صادق مخلص يصب في هذا المجرى ويجتمع على هذا القاسم المشترك بغض النظر عن اتفاقه او اختلافه مع هذا اوذاك على ملفات عامة او شخصية اخرى .

لقد كانت ظاهرة صحية مشرقة حقا , ان تنتفض العناوين الدينية والسياسية والاجتماعية في شعبنا لتعكس , في اصوات تتوحد في موجتها , نَفَسَ شارع شعبنا وضمير ابنائه , بالرغم من ان هؤلاء جميعا في صرخاتهم وفعالياتهم لايُحمٍلون شعبنا مِنًة او فضلا , بل يمنحون انفسهم وشعبهم الدليل الساطع على بنوًتهم لهذا الشعب , في نفس الوقت الذي هم فيه عناوينه الروحية المعنوية و الرسمية والشعبية . وهكذا يشعر كل مخلص حريص في شعبنا بالامل والتقدير والتثمين لكل جهد او فعالية تأتي من بغداد متمثلة , على سبيل المثال , في لقاء مع الرئيس العراقي السيد جلال الطالباني لنخبة من رجال الدين المسيحيين يرافقهم بعض الشخصيات السياسية من صفوف شعبنا , باسماء الاساتذة الافاضل يونادم كنا وفوزي الحريري ولبيد عباوي , فينقلون في اللقاء رفض الشارع , كنسيا وسياسيا واجتماعيا , لكل محاولات التهميش والاقصاء والعودة الى مربع مواطني الدرجة الثانية , ليقابله جهد اخر ينطلق من اربيل للكنيسة والشخصيات السياسية , باسماء الاب الخوري روفائيل رئيس اساقفة عنكاوة ورئيس كنيسة شقلاوة والاساتذة الافاضل جورج منصور وروميو هكاري , عبر مشاركة فعًالة في جلسة المجلس الوطني الكردستاني التي خُصصت لبحث جرائم القتل والتهجير التي طالت العوائل المسيحية في مدينة الموصل , وهكذا هي النظرة لكل جهد اخر تقوم به نخبة ثانية , الاحبار الاجلاء , رؤساء الكنائس واساقفتها في بياناتهم وتصريحاتهم والاسماء الكريمة , الاساتذة الافاضل ابلحد افرام وسركيس اغاجان ونمرود بيتو وكل العناوين الاخرى في شعبنا في زياراتهم ولقاءاتهم وجهدهم المادي لمساعدة العوائل النازحة وتوفير مستلزمات تخفيف معاناتها .

تبقى قناة عشتار الفضائية , شئنا أم ابينا , احد الاصوات الرئيسية المتاحة التي تقدم شعبنا في تراثه وحضارته وحاضره وهمومه وطموحاته واماله , ولأنها اختارت لنفسها , كما تتدعي , هذا الدور وارتضت ان تحمل هذه الرسالة , فان ذلك يستوجب منها البحث عن اي جهد يمكن ان يكون رافدا يصبًُ في نهر دورها وبحر رسالتها , بغض التظر عن اختلافها او اتفاقها مع عنوانه . ان انتقاد قناة عشتار لايعني اطلاقا نكران دور ايجابي واضاءات مشرقة كان لها الفضل فيها , وكتبنا عنها سابقا , وسنكتب حيثما وجدنا ذلك , إنصافا بحقها . في الوقت نفسه فان على عشتار ان تكفً عن الاستمرار في لعب دور ( العروس الجديدة التي تبحث دوما عن الدلال ) و التي تتحسس وتتأفف من الكثير , وهي جاهزة على الدوام ( للزعل )  , كما انها على أبهة الاستعداد لحزم حقيبتها والهرولة رجوعا الى دار اهلها . ان الملاحظ على قناة عشتار , وموقع القناة على شبكة الانترنيت ايضا , انهما يعيشان حالات مدٍ وجزر متناوبة , فنرى احيانا الشفافية وقبول الاخر سمة فيهما , ليعقب ذلك في فترة اخرى عودة الى نفس ( النوتة القديمة  ) ,فترى ان كل مَنْ لم يدخل ( دار ابا سفيان ) , بمعنى الانسجام مع توجهاتها سياسيا او شخصيا , او لم يعد يتمتع بتصريح الدخول اليه , ليس أمناً . إذا كان المد والجزر هذا مبعثه المزاج الشخصي , فان تجارب الحياة اثبتت ان الامزجة الشخصية ليست ركيزة صحية لمشاريع قومية ووطنية كبيرة , اما اذا كان المد والجزر هذا نابعا من أيادي خفية تلعب في عشتار على هواها دون علم القائمين عليها , فان ذلك هو امر خطير جدا كونه ينبش في جهدها ورسالتها , قبل ان يصيب سهمه الاخرين . ان القائمين على عشتار والعاملين فيها سيكونون اصحاب فضل كبير لو أبصروا المتلقي من ابناء شعبنا عن الضرر الذي سيلحق بشعبنا عندما تقوم قناة عشتار ببث الخبر كاملا دون تقطيعه او اعادة عملية مونتاجه , فتُعرٍج على شخوصه واحداثه صوتا وصورة .  تُرى كم بذل الفنيون في عشتار من الجهد ليتمكنوا من إنجاز ( الواجب البطولي ) الذي كُلٍفوا به والمتمثل في قطع صورة الاستاذ جورج منصور وحذف مشاركته في سياق بث خبر جلسة المجلس الوطني الكردستاني , علما انه لم يتطرق في حديثه سوى الى الدعوة الى حماية شعبنا وضمان حقوقه ؟ ! . اي نصر هذا , ذلك الذي حققته قناة عشتار عندما تجاهلت , لا ادري عمدا او سهوا , ذكر اسماء فوزي الحريري ويونادم كنا ولبيد عباوي  في اطار بث خبرها عن اللقاء مع الرئيس العراقي جلال الطالباني ؟ , مَنْ مِن هؤلاء ذهب بجريرة الاخر فقُطعوا جميعا , كما ذهب شعبنا في البرلمان العراقي بجريرة اليزيديين والشبك في المادة الخمسين ؟! اعتقد هنا وكتقسيم للادوار , وربما اكون مخطئا , ان الاستاذ لبيد عباوي يمثل في الدور شعبنا , بينما يمثل الاساتذة يونادم كنا وقوزي الحريري دورا اليزيديين والشبك !.  وغيرها من الامثلة الكثير الكثير .

عندما تقرر قناة عشتار اقامة لوحة شرف كبرى في بنايتها لمن تعاقب ويتعاقب على ادارتها , فتضع السيد جورج منصور في موقعه الذي يستحقه في اللوحة , وتشير اليه في احتفالية عيد تأسيسها , فتذكر ما له وماعليه , وتستغني اجمالا عن القائمة السوداء التي بحوزتها , والتي تحتوي على كل اسماء المغضوب عليهم , او المشاغبين من امثالنا , فتُلقي بها في سلًة المهملات , عند ذاك فقط , تكون عشتار حقا قد وضعت اللبنة الاولى لقاعدة من القيم الاخلاقية والتربوية التي تؤهلها للرسالة التي اختارتها لنفسها , لأن المؤسسة الاعلامية التي تحاول , عبثا , محو التاريخ وتجاهل بعض احداثه او شخوصه , تنقلب لتُصبح أشبه بشركة تجارية صغيرة تلجأ الى تصفير حساباتها مع بداية كل سنة مالية او مع تسلٍم ادارتها مجلس ادارة جديد !.
اللهم إشهد إنها دعوة لكي تحقق عشتار , قناة وموقع , ذاتها وتُنصف نفسها , قبل أن تُنصف الاخرين , لأن هؤلاء الاخرين يؤمنون ان التاريخ كفيل بإنصافهم . . . . .

26
الحكم الذاتي بين تصفيق دهوك وقفص بغداد
د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

وصف البيان الصادر عن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري , والذي لخًص نتائج اجتماعه الشهري الاخير ,بصورة مثيرة , الفرحة التي غمرت اعضاء المجلس على أثر البشارة التي حملها اليهم رئيسه السيد جميل زيتو والتي تضمًنت تثبيت الحكم الذاتي في دستور اقليم كردستان نقلا عن لسان السيد سركيس اغاجان , حتى ان البيان ذكر ان اعضاء المجلس قد وقفوا وصفقوا لدقائق تكريما وتثمينا للخبر , علما بان الخبر كان منشورا في موقع عنكاوة العزيز لايام قبل الاجتماع , ولم يُنشر في عشتار ! . ولم تمضي إلا ايام معدودة ليتلقى مشروع الحكم الذاتي ضربة موجعة من رجال الكنيسة الذين التقوا في بغداد رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي للتباحث حول الهجمة الظالمة التي طالت العوائل المسيحية في الموصل ومناشدته باتخاذ الاجراءات الكفيلة بحمايتهم وضمان حقوقهم وممتلكاتهم , كما عبًر الوفد , واستنادا الى البيان الصحفي الصادر عن مجلس الوزراء , عن رفضه لمشروع الحكم الذاتي المطروح واصفا اياه ( بالقفص ) , مما ترك الجهود التي بذلها اصحاب المشروع طوال الفترة الماضية هباءً منثورا , واعاده الى نقطة الصفر مرة اخرى , بل وضعه في مأزق حرج جدا كون الثقل الذي يسكن العربة التي امام حصانه هذه المرة ليس فقط الحركة الديموقراطية الاشورية وشريحة واسعة من المستقلين , بل هو المؤسسة الكنسية المعروفة بتأثيرها المعنوي الكبير في واقع شعبنا وفي الساحة الوطنية على حد سواء , مع تمنياتنا ان لايخرج احدهم ليقول , ان الحركة الاشورية هي التي حشًدت الكنيسة والمستقلين والمالكي وحكومته والامة العربية والاسلامية وبعضا من الامة الكردية والفاتيكان والامم المتحدة , جميع هؤلاء , للوقوف بوجه المشروع !

تُرى , لماذا يبدو مشروع الحكم الذاتي المطروح وكأنه , رغم الشروط المثالية للرعاية والتغذية السخية الكريمة , يعاني من النحول العام وفقر الكالسيوم وضيق التنفس , حتى ان تصريحا ينطلق من هنا او هناك يؤدي به الى ان ينتكس انتكاسة عميقة تستدعي إدخاله الى غرفة الانعاش وانتظار من يتطوع ليمنحه من جديد قبلة الحياة ؟ ! . لماذا تعارض هذه الشريحة المتمثلة بالكنيسة والمؤسسة السياسية وجمهور المستقلين هذا المشروع , هل هؤلاء جميعا حقا بخيلون بشعبنا ولايروق لهم رؤيته وهو سيد نفسه ؟! هل هؤلاء جميعا قد قرروا رمي ثقلهم الروحي او إرثهم النضالي او سمعتهم الشخصية في البحر والوقوف امام المشروع , رافضين او متحفظين , فقط إشباعا لغرائز شخصية كما يدعي بعض من اصحاب العقد ؟! والاخطر من كل ما تقدم يكمن في التساؤل هل ان هذه الشريحة , كنيسة وتنظيما سياسيا ومستقلين , قد قررت مجتمعا تمزيق ضميرها إربا إربا من خلال خيانة شعبها والاصطفاف مع اعدائه والتحالف وعقد الصفقات معهم , او التطوع لتقديم خدمة مجانية لهم , وفاءً لعشق قديم او وقوعا في حب جديد , فأصبح مشروع الحكم الذاتي المطروح هو قربان ذلك العشق القديم في ذكراه او الحب الجديد في نشوة ايامه  !. ان كل معارض او متحفظ على مشروع الحكم الذاتي يستند على اي من الاسباب السابقة في معارضته او تحفًظه يستحق اقسى حكم من التاريخ وشعبه , اما اذا كان ما تقدم هي تهم باطلة ورمادا يحاول انصار المشروع , وخصوصا المتحمسين له كلًُ ولغاية في نفسه , ذرًه في العيون أملا في عدم إبصار العورات من قبل المتلقي , فان الحكم القاسي السابق المشار اليه , اي حكم التاريخ والشعب , سيكون في هذه الحالة حلالا زُلالا لهؤلاء الانصار والمتحمسين .

ان اعراض ضيق التنفس الواضحة على مشروع الحكم الذاتي المطروح ليس سببها اطلاقا قيام المعارضين له والمتحفظين عليه بحبس الهواء عنه , بل ان هذا المشروع المسكين يعاني حقا بالدرجة الاولى من الغازات التي يطلقها بعض من انصاره والمتحمسين له , والانكى من ذلك انهم لايفعلون ذلك في الهواء الطلق , بل يأخذون المشروع الى انفاق مظلمة خانقة حرجة , فيشحنون الانفاق بالغازات و يقولون للمشروع  إذهب انت وربك وقاتلا ! وهكذا اصبح هؤلاء بين فترة واخرى يحرصون على تقديم مشروعهم وكأنه يجمع النقيضين , وشعبنا وبني البشر اجمعين يعلمون ان جمع النقيضين هي من اسرار قدرته , جلً جلاله , فيتكلمون عن اقتناص الفرصة التاريخية ويشيرون في نفس الوقت بضرورة توفر ظروف وواقع سياسي مستقر لاقتناصها , انه لمن المؤسف حقا ان يحاول البعض , الذي يُعتبر اختصاصيا , استثمار حيل السياسة ومراوغاتها في محاولة لتقويس قوانين معطيات حركة السياسة بعد انتهاء الحرب الباردة , فزمان فرض واقع سياسي باقتناص ظروف غير مستقرة قد ولًى مع انهيار جدار برلين , وها هي الولايات المتحدة اليوم تحتل العراق فعليا وهي قادرة على فرض ما تريد فيه , إلا انها قررت ان تفاوض العراقيين لشهور عديدة في الاتفاقية المزمع ابرامها بينها وبين العراق , بغض النظر عن الرأي في الاتفاق او في محتوياته او الية وظروف المفاوضات . ثم يطرح الاخوة الأعزاء , منظرو الحكم الذاتي مسألة في غاية الغرابة , إن لم نقل انها تجعل السذاجة صفة رديفة للمتلقي او للمرسل , عندما يذهبون الى القول ان المنطقة الجغرافية للحكم الذاتي المطروح تشمل سهل نينوى وجزءا من مناطق اقليم كردستان , وانهم لايحددون تبعية منطقة الحكم الذاتي الى الاقليم , بل يطرحون اجراء استفتاء عام وشفاف وتحت اشراف دولي لتحديد تبعية اقليم الحكم الذاتي . تُرى , هل حصل هؤلاء على موافقة خطية من القيادة الكردية تتضمن موافقتها على القبول بالاستفتاء ايا كانت نتائجه ؟! حدٍث العاقل بما لا يُعقل فإن صدًق فلا عقل له . اذا كان الاخوة الاكراد يرون ان معركتهم السياسية قد انتهت مع سقوط النظام السابق وبدأت معركتهم الجغرافية في سبيل استعادة ما يعتبرونها حقوقا لهم في المناطق المتنازع عليها , ويكابدون ويصارعون الاطراف الاخرى في العراق , ويقدمون التضحيات في ملفات ثانية , ويتحملون جرعة الصبر المريرة بانتظار تطبيق المادة 140 , فهل يفعلون كل هذا ليصلوا في النهاية الى اقتطاع منطقة هي اصلا في الاقليم وليست من المناطق المتنازع عليها فيتنازلوا عنها لاقليم اخر ! علما بان مسودة دستور الاقليم تنص في بنودها الاولى على المحافظة على وحدة ارض وشعب اقليم كردستان , وتعتبر ذلك واجبا وامانة في اعناق من يتولى المسؤولية فيه ! اما اذا كان منظرو الحكم الذاتي يعتقدون ويؤمنون ان نتيجة الاستفتاء محسومة سلفا , فالأولى بهم ان يختصروا على المتلقي كل هذه اللًفة الطويلة العريضة , ويستفيدوا من حكمة الرياضيات التي تقول ان المستقيم هو اقصر مسافة بين نقطتين ! . ما استشهدنا به هي امثلة بسيطة تمثل النزر اليسير ولانريد ان نُثقل كاهل القارئ العزيز بالمزيد كالعلاقة الضبابية الغريبة التي ينسجها منظرو الحكم الذاتي بين مؤسسات الاقليم المقترح وبين ابناء شعبنا الساكنين في المناطق الاخرى خارج المناطق المقصودة , او ابناء شعبنا المتواجدين في المغتربات , ناهيكم عن السؤال الاكبر والاخطر والذي لم يتطرق اليه احد لحد الان والمتمثل في اعطائنا الجواب الناتج في المعادلة الخطيرة ( الحكم الذاتي –  السيد سركيس اغاجان  = ؟ ؟ ) . ماذا لو افقنا صباحا على خبر بسيط يتلخص في ان السيد سركيس اغاجان , ولظروف ما , لايستطيع ممارسة نفس الدور الذي يمارسه اليوم في هذا المجال , ماذا سيكون مصير شعبنا انذاك ونحن نعلم ان اية خطوة حققها ويحققها مشروع الحكم الذاتي المقترح ترتبط بشكل كلي بالعلاقات الشخصية التي يتمتع بها السيد اغاجان مع القيادة الكردية وغيرها , وكل من غيره يدعي انه له الفضل في حصوة صغيرة في بناء هذا المشروع فانه يجانب الحقيقة !. اضف الى ذلك فان لمشروع الحكم الذاتي الفضل في شطرنا الى شطرين , بل قد يمتد الامر الى اصطفاف الكنيسة في معسكرين , كما ان طرحه في الزمن الخطأ والمكان الخطأ وبالاسلوب الخطأ قد سببً اساءة بالغة لعلاقات شعبنا مع الاخوة الاكراد من خلال تصوير شريحة منه على انها تقف بالضد من المصالح الكردية , كما ان المشروع قد جعل شعبنا , ربما للمرة الاولى , يبدو , في الصراع على الساحة الوطنية العراقية ونقصد تحديدا الصراع القومي العربي الكردي , وكأنه جزءا من المشكلة او ورقة فيها في الوقت الذي حرص دوما ان يكون جزءا من الحل او طرفا يعمل مخلصا جاهدا على ان يكون عاملا في المحافظة على اتزان عصا الصراع . نقول هذا كله دون ان ننكر ان جهد السيد سركيس اغاجان قد فعل ويفعل الكثير خلال هذه السنوات لابناء شعبنا حيث لكل جهد ايجابيات وسلبيات و الانصاف  يقضي ذكر الامرين معا .

ليس تجنيا او ظلما ولاشماتة , القول ان مشروع الحكم الذاتي المقترح , وليس فكرة الحكم الذاتي او المنطقة الامنة او الادارة المحلية كما يفهمها شعبنا , قد وِلد وهو يعاني من الموت السريري وان علامات الانتعاش الانية التي تبدو عليه بين حين واخر ليست اطلاقا مؤشرا على معافاته التامة , والعرب تقول ( إكرام الميت في دفنه ) فما أحوجنا اليوم الى ان يراجع الجميع انفسهم ومواقفهم ليخرجوا بالصيغة المثلى لمشروع وحدوي يلبي طموحات وامال شعبنا حاضرا ومستقبلا , مشروعا لايبخس حقوقه اطلاقا , كما لايكون في نفس الوقت احد افلام الخيال العلمي السياسي الذي نقبل ان نُمثٍل فيه , دون ان يكون لنا كلمة في تأليفه واخراجه وانتاجه وتسويقه . . . .



27
كلمة الحق في زَوْعا ويونادم  - لقاء الفقراء الاغنياء

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يشعر الباحث العلمي بالسعادة والفخر عندما يرى ان التجربة والتطبيق , في نتائجهما الملموسة , ينسجمان بمستويات عالية , ولانقول بالمطلق لكي لانُتَهم بالمغالاة , مع المعادلات والنماذج والحلول النظرية التي كان قد وضعها او تنبأ بها . بينما تُصيب الباحث ذاته خيبة امل كبيرة من افكار ونظريات قرأ عنها ليجد ان الواقع التطبيقي التجريبي يعلن نتائجا تقف على النقيض من تلك الافكار والنظريات فتُصبح تلك النتائج بسامير في نعشها . الحال نفسه ينطبق في السياسة , فينتاب السياسي او الذي يتعاطى السياسة , بشكل من الاشكال , شعورا بالارتياح عندما يشعر ان قرائته السياسية للواقع السياسي , فكرا واداء و شخوصا , تتوافق بدرجة كبيرة مع معطيات ذلك الواقع في حركته وفعله الملموس  , بينما يجد ذات السياسي نفسه بحاجة الى جرعة دسمة من الشجاعة لجلد الذات في محاولة جريئة لاعادة تعيير مواقفه وهو يرى على الارض ان الواقع , حركة ونَفَسا وتقييما , يكاد يُطلق , جهارا او همسا , طلقاته الثلاث تِباعا بوجه تلك القراءة السياسية .

بقيت كلمة الحق التي تقولها هذه السطور محبوسة في انفاسي , حيث راودني الاعتقاد في امكانية ان يُفسًر قولها سلبا من قبل البعض الذين امتهنوا الاصطياد في بحيرات , قرروا كما يبدو تثبيت شِباكهم فيها والارتباط بها في عقد طويل للايجار , لكن رسالة شخصية وصلتني من اخت عزيزة من ابناء شعبنا , لم يسبق لي ان تعرفت شخصيا عليها او التقيت بها , سوى كونها من المتابعات لما يُكتب في المواقع , قد منحتني الشجاعة لاحرر ما تكتمه النفس من مشاعر الفخر والاعتزاز بلقاء جمعني لايام معدودة باخوة اعزاء في بغداد وعينكاوة من قيادات وكوادر ومؤازري الحركة الديموقراطية الاشورية . تقول الاخت الفاضلة في رسالتها وبالنص واستميحها عذرا, ( انا مهندسة اشورية اسكن بغداد مستقلة حزبيا , انا اتابع مقالات حضرتك وكل المقالات الاخرى , والحق يقال وجدت في مقالاتك كل الصدق وشعرت بانك تقول كلمة الحق في وقت اصبحت كلمة الحق غير مرغوبة .
في الحقيقة انا لست سياسية ولكنني افتخر بقوميتي وانتمائي واتابع قضايا شعبي بكافة اطيافه .. وما يخص زوعا اود ان اذكر لك بعض من مواقفها
مذ تواجد زوعا في بغداد شعر المسيحيون كافة انها المظلة التي احتوتهم من المطر وساهمت في اعادة كمٍ هائل من الموظفين الى اعمالهم بكافة اطيافهم وانتماءاتهم دون ان تطالبهم بان ينتموا اليها او ان ينتخبوها  وفتحت بيوت كثيرة بتوفير فرص للعمل داخل مقرها بدون واسطات او تزكيات
ويكفيني فخرا ان يتصلوا بي انا المواطنة البسيطة ليعلموني امكانية توفير فرصة عمل لي ان لم اكن قد حصلت على عمل كوني مهندسة واؤكد دون ان يطلبوا مني الانتماء الحزبي لهم . . . . ).

ان كل هذا الذي اختصرته هذه الاخت الفاضلة في بضعة سطور قد شاهدته ولمسته واقعا في زيارتي القصيرة الى ارض الوطن , شاهدت بناية كانت عائدة للفدائيين في ايام النظام السابق بقاعاتها وسجونها المقززة وقد تحولت الى مقر لمنظمة سياسية تختص بمكوٍن قومي وديني يرفض العنف ويبغض الظلم وينادي بالمحبة والمساواة و يلوٍح للاخرين بغصن الزيتون , سجون تحولت الى اذاعة وتلفزيون اشور و صحيفة بهرا , و شقق صغيرة لمن لا مسكن له في بغداد , رأيت رجالا ونساء من ابناء شعبنا , هم ربما فقراء في الامكانيات مقارنة بالأخرين , لكنهم اغنياء بالايمان في قضيتهم , خسارة النفس بالنسبة لهم كفًة لايعادلها رُبح العالم في الكفة الاخرى , افراحهم واحزانهم يجمعها المكان , يعيشون كعائلة كبيرة واحدة يتقاسمون الخبز والماء في مطعمهم البسيط , الاشوري والكلداني والسرياني , الجميع جذر واحد وشعب واحد , لافرق بين هذا وذاك , فتجمع مائدة الطعام رجل الحماية البسيط مع الاعلامي او الاعلامية والكادر الحزبي . ما يُنعش النفس بالامل والاطمئنان على المستقبل هو ذلك الجيل اليافع من الشباب الذي ترى فيه تمازجا رائعا بين الوعي الثقافي والسياسي المتقدم وبين عنفوان وحماس الشباب . حرصهم على عكس الصورة المشرقة لتنظيمهم وللمكوٍن الذي ينحدرون منه أكسبهم محبة واحترام الكثيرين في المنطقة والعاصمة بشكل عام , فهم في الوقت الذي يرفضون , قولا وفعلا , وبما لديهم من الامكانيات اي تصرف تجاههم يوحي به صاحبه انه لازالت تسكن في عقله ثقافة النظرة اليهم على اساس انهم مواطنين من الدرجة الثانية , نراهم في الوقت نفسه حريصون جدا على اعطاء الصورة الحضارية البعيدة عن كل اشكال التهور والفوضى .

لقد سنحت لي الفرصة ان التقي الاستاذ يونادم كنا ليوم كامل بما فيه فترة انتظار الطائرة للسفر من اربيل الى بغداد , فكان ذلك مناسبة للخوض في مختلف المواضيع , وكنت بطبيعة الحال مشحونا بالكثير من التساؤلات التي برزت من المتابعة لما نشر خلال السنوات الماضية , وهكذا لا أُخفي سرا في القول انني قد مررت على قائمة طويلة من الاسماء لاخوة اعزاء كنت قد قرأت ملاحظاتهم سابقا طمعا في الحصول على صورة متكاملة للمشهد والموقف , وللحقيقة والتاريخ اذكر انني قد وجدت السيد يونادم كنا وكأنه ( هارد ديسك ) يخزن لكل حالة ملًفها فيستدعي الملف من الذاكرة فيعرضه بالوقائع والتواريخ والشهود , ولم اجده لمرة واحدة يترك انطباعا في انه على خلاف شخصي مع اي كان , ولم الاحظه قط يصف منتقديه بما يصفوه احيانا , بل يدحض حججهم باحترام كبير وبعيد عن الشخصنة , كما انه في الثوابت والمبادئ العامة سياسي ككتاب مفتوح لايوجد لديه شئ يخفيه , بل يحرص على الوضوح , استقلالية القرار بالنسبة له صكُ مقدس لاينبغي التفريط به اوتجييره لحساب اي كان مهما كانت الظروف , دون ان يعني ذلك حرمان استعمال مختلف انواع التكتيك السياسي المشروع لتقليل التضحيات الى الحدود الدنيا وعدم استعداء هذا الطرف او ذاك , حيث كان ذلك ممكنا , شرط المحافظة على اكبر قدر ممكن من هامش الاستقلالية في القرار. وهنا أُود ان اهمس في اذن البعض الذي يراهن معتقدا بوجود تباين واختلاف كبير في وجهات النظر بين صفوف قيادة الحركة الاشورية , فادعوه بتوفير جهده لاغراض مفيدة اخرى , لانني وجدت هذه القيادة , في بغداد كما في اربيل حالة واحدة في القضايا الجوهرية التي يراهن ذلك البعض في الاختلاف عليها , لا بل في تقديري الشخصي , إذا كان السيد يونادم كنا , يمكن , واستنادا الى علاقاته السياسية الواسعة التي قد تقتضي هامشا من المرونة , ان يرى في بعض اداء الاخرين داخل شعبنا تجاه قضيته على انهم يرتكبون اخطاء سياسية فادحة , فان الكثيرين في زوعا , قيادة وكوادر ومؤازرين , يرون في إداء اؤلئك الاخرين خطايا كارثية وليس اخطاء فادحة . من الناحية الانسانية , فيشهد الله انها شهادة حق نزيهة , حيث وجدت الرجل لايعيرللجاه والسلطة اهتماما , فالرجل قد استطاع ان يترك انطباعا طيبا لدى جمهور واسع فحاز على احترام وتقدير الكثيرين على الساحة الوطنية العراقية , حيث يحرص على الدوام على تقديم نفسه ممثلا لمكوٍن اصيل لم ولن يكن يوما اقل وطنية من الاخرين ولذلك من حقه ان لا يرضى  باقلٍ من حقوق المواطنة الكاملة , يفتخر دائما بالقول انه ( بيش مركة ) قاصدا المعنى الحياتي فيها , ابناء الحركة وابنائه في ميزان واحد , بل ابناء شعبنا وابنائه في نفس دائرة الاهتمام , في السيارة وعلى طاولة المكتب اضابير تحتوي على طلبات للتعيين في دوائر الدولة ومظالم لابناء شعبنا في اراضيهم التي سُلبت منهم , وجدتها بعيني لاسماء من ابناء شعبنا من مختلف قراه ومدنه لايرتبطون باية علاقة تنظيمية مع الحركة الاشورية . لا السيد يونادم ولا احدا من رفاقه وجدته يدعي انه ( المهدي المنتظر ) المعصوم من الخطأ , بل ما سمعته كان قولهم جميعا انهم بشر, وماداموا يعملون فهم مُعرضون للخطأ , فهم يجتهدون وقد يصيبون احيانا و حتما يُخطئون حينا , لكنهم في صوابهم كما في خطأهم اصحاب نية صادقة و مخلصة , هدفهم الاوحد شعبنا في طموحاته واهدافه , ولذلك فهم يشعرون بالامتنان لكل نقد صادق يكون بمثابة عيون اضافية لهم , ولكن لا ان يكون خنجرا في الظهر او نخرا تحت الاقدام .

عهد علينا ان لانبخل بالنقد حيث وجدنا ذلك ضرورة , وقد فعلت ذلك ولم اجد من يدير لي وجهه ويضجر من النقد  , وفي المقدمة منهم الاستاذ يونادم شخصيا , فقد وجدتهم يسمعون باهتمام ويتبادلون الافكار ويجدون في كل معلومة فائدة , في الوقت نفسه هو حق لنا و واجب علينا ان نفتخر بالإداء الايجابي , لان  الحركة الديموقراطية الاشورية هي حقا الابنة الشرعية التي جاءت من صلب شعبنا , فمن لايرقص قلبه وهو يرى ابنه يسير بخطوات واثقة , ومن لايصيح ( اسم الله ) وهو يراه قد عثر في خطوته , فيساعده ويكون ظهرا له في انطلاقة جديدة , والحال نفسه ينطبق على كل اداء وتنظيم سياسي في شعبنا يعبر بصدق عن اماله وطموحاته .
من له أُذنان فليسمع , ربما هي من الحرية الشخصية ان نجلس كما نريد , أعوجا او نقيضه , ونأكل ونشرب ما نُحب , كبابا ولبن , ونملأ جيوبنا بما نتمنى , دولارا و يورو , لكنه في ساعة الحديث او الكتابة والحكم على الاخرين ينبغي لنا ان نضع الله في صدورنا , قبل ان نُطلق العنان للساننا او لقلمنا , فله كل الشكر والتحية مَنْ يُشير و يُنبٍه الى القذى الذي في عيون الاخرين , ولكن , قبل ذلك , بجدر به ان يتخلًص من الخشبة التي في عينه . . .     
 

28
ليكن عنكاوة كوم جمعية شعبنا الخيرية

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ربما يتفق معنا الكثيرون في اننا لانجانب الحقيقة في القول ان موقع عنكاوة كوم هو الموقع الرائد والابرز من بين مواقع شعبنا , وقد تمكن وبجدارة ان يفرض حضورا طيبا ليس على ساحة شعبنا فقط , بل وفي الساحة الوطنية كما استطاع ان يحقق مكانة متقدمة في معايير المنافسة مع ملايين المواقع المنتشرة على الشبكة العالمية . ليس مجاملة ولاتزلفا , لكننا نعتقد ان اهم سببين رئيسيين أوصلا موقع عنكاوة الى ماهو عليه تتمثل في , اولا , كون المشرفين عليه قد اختاروا لانفسهم دور الجندي المجهول الذي نذر نفسه لمهمة جسيمة دون ان يخطر في بالهم ان يسخٍروا هذه الصفحة لغايات شخصية دعائية او للترويج لافكار يلتزمون بها او حتى يتعاطفون معها , والثاني حرص الموقع على التزام الحيادية بمستويات عالية , الى الحد الذي اصبح يجد كل راغب في اقتناء صورة كاملة , للكأس في جزئه الفارغ والمملوء , ضالته في هذا المتجر المستقل والامين الذي يحمل على واجهته يافطة ( عنكاوة كوم ) . وهكذا اصبح عنكاوة كوم الساحة الرئيسية التي نلتقي فيها جميعا بمختلف اجتهاداتنا ونقاط اختلافنا وقواسمنا المشتركة , كما اصبح الموقع , لقاعدة عريضة من المتابعين وشريحة واسعة من ابناء شعبنا , الجزء الذي يعطي لقهوة الصباح او شاي العصر نكهة متميزة .

في ضوء ماتقدم واستنادا الى الظروف المصيرية التي يعيشها شعبنا والمتمثلة في سياسات التهميش والاقصاء والتهديد والتهجير والقتل التي تستهدفه في حاضره ومستقبل وجوده , فان الواجب يتطلب منا جميعا ان نكون بمستوى التحديات والمخاطر التي نواجهها , فنجهد النفس في ابتكار واعتماد مختلف الوسائل التي تساند شعبنا في الداخل وتمنحه جرعة من الجهد الملموس التي تساعده في تحمل الظروف القاسية التي يعيشها , وهنا اجد ان عنكاوة كوم ستحقق رسالتها الاعلامية بتميز فريد اذا بادرت في اطلاق حملة وطنية وقومية كبرى للتبرع للعوائل من ابناء شعبنا التي تم تهجيرها من الموصل . ان الشرط الاساسي الذي ربما سيجعل من هذه الحملة , في حالة نجاحها , باكورة لجهد وطني وقومي عملاق , يتمثل في دقة اختيار العناصر المشرفة عليها من الذين يتوخى فيهم نكران الذات والنزاهة والدقة في التنظيم والحسابات , بحيث يتولى بعض اعضاء اللجنة بانفسهم مهمة ايصال التبرعات الى مستحقيها وباشرافهم المباشر وبالاستعانة بمساعدة الهيئات الاجتماعية والدينية المتواجدة في ساحة المنطقة , وعلى ان تنشر اللجنة تفاصيل وافية عن عملها , مدعما بالارقام , عل صفحات الموقع وسيكون رائعا لو بادرت اللجنة الى تقديم تفاصيل عملها الى لجنة تدقيقية مستقلة اخرى لتُسجل على الموقع شهادة رسمية في عملها . لايتوهم البعض اننا هنا نفترض عدم الثقة والشك بالاخرين , بل ما نبغي اليه هو التأسيس على اسس صحيحة لتكون الحجر الاساس لبناء شامخ لايقتصر في معالجته الزمنية لحادث أني مرحلي , بل يمتد الى افق مستقبلي واسع , حيث نعلم جيدا ان همً الواهب او المتبرع يكمن في وصول ما جاد به قلبه وعقله ويده الى الهدف الصحيح , فيمنحه ذلك حافزا لتكرار الفعل لمرات ومرات .

اننا في دعوتنا هذه لاننطلق من الرغبة في منافسة احد او التقليل من جهد الاخرين في هذا المجال , فكل من قدم ويقدم جهدا لابناء شعبنا وعمل ويعمل مخلصا من اجلهم هو موضع تقدير واعتزاز , ولكننا نعتقد ان الاموال التي تأتي من ابناء شعبنا في المهجر لها طعم خاص بالنسبة للواهب والمتلقي على حد سواء , فللواهب او المتبرع هي اشبه بفلسي الارملة التي اعطت من عوزها وبكامل ارادتها وبفرح كبير , اما بالنسبة للمتلقي فهي يد الاخ المجهول في الاسم  , بل جزء كامل من شعبه , التي لايلمس في عطائها اية مِنَة , ولايجد نفسه مثقلا بقيد او اجندة بسببها تجعله تضيف الى اسباب أرقه اسبابا اضافية , بل على العكس يعرف انها تؤدي بفعلها واجبا في حدوده الدنيا , فيكون هذا الدعم بالنسبة للمتلقي بردا وسلاما يعينه على نار الهمٍ والألم الذي رمته ظلم الايام فيه . كما ان هذه الدعوة تؤكد اللحمة بين ابناء شعبنا المتواجدين في المهجر مع شعبنا الصامد في ديار ابائه واجداده .

ان هذه الدعوة لاتلغي اطلاقا الجهود الطيبة والعظيمة التي تقوم بها الجمعيات الخيرية الاشورية وبعض المنظمات والهيئات الاجتماعية الكلدانية والسريانية , بل يمكن ان تكون بداية لتنسيق الجهد بين جميع هذه الاطراف للانطلاق نحو الهدف بهبًة واحدة قوية , كما ان المواقع الشقيقة لموقع عنكاوة , واقصد بها مواقع البلدات الاخرى لشعبنا , تقع عليها مهمة المشاركة في هذه الحملة من خلال التصرف كجداول عذبة تصب جميعا في الجهد الرئيسي .

لا نطلب سوى شيئا بسيطا , ان يتأمل كل فرد من ابناء شعبنا المتواجدين في بلدان المهجر , في لحظات معدودة , بالعدد الكلي لابناء شعبنا في هذه البلدان ويضع في باله ان يتبرع كل منا ,على الاقل , بعشر دولارات , من المؤكد انه سيخرج في حسابه برقم عظيم في قيمته المعنوية , ويشكل يقينا جهدا ماديا مفيدا ومُهمًا لشعبنا , فهل يا ترى نتبارك باسم الرب ونتوكل عليه فنجعل القول والفعل وجهان لعملة واحدة ؟
يارب إحم شعبنا في الداخل وبارك كل جهد لابنائه في المهجر يكون عونا وسندا له في شدته .
 انها حملة ( فلسي الارملة ) لابناء شعبنا الذين غدر بهم الزمن الاعور فجعلهم يلتحفون الخيم في الفضاء . .

29
في الموصل العزيزة – الصلبان تزهو والجراد في هجمة جديدة

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

رحم الله محمود درويش فقد صدق في نبوئته , فها نحن نرى , كما قال , وقد صار لكل عصابة نبي ولكل صحابيً ميليشيا ! الموصل الحدباء , في هذه الايام تشهد ازيادا مضطردا غير طبيعي في عدد الكنائس فقد جعل الاشرار في كل زقاق من ازقة احيائها كنيسة , حيث المؤمنون ( هياكل الرب ) يرتفعون على صلبانها ! . في أُمٍ الربيعين , هذه الحديقة الجميلة التي كانت على الدوام مثلا للمحبة والتعايش والسلام , شمًر الجراد عن السواعد المقززة , مستجمعا قواه , من كل فجٍ عميق , لينطلق في هجمة بربرية جديدة مستهدفا ازهار الحديقة و ورودها . في نينوى العظيمة , التي دوًخت الدنيا بأشورها قبل الاف السنين , فمنحها حتى اليوم والى انقضاء الدهر زهوها وفخرها , يُجازى احفاد أشور ( بالحسنى ) , فيقتلون ويُضطهدون ويُهجًرون , ويُرمى مَنْ بنى الاسوار وبقي مخلصا لها , خارجها , فتبكي الحجارة اصحابها , وتلعن الدنيا ايامها ! في لحظة حمقاء كريهة وقعت عيون بعض الاشرار على نسخة من الكتاب المقدس فشخصت عيونهم على الاية التي تُشير الى ان مَنْ يسئ الينا ويقتلنا يعتقد في انه بفعلته تلك يقدم قربانا لله , فانطلق الجراد ( يقدم قرابينه ) , بالجملة , في شوارع الموصل , والناس , حكومة ومؤسسات واحزاب ومشايخ وعلماء ورؤساء عشائر , نائمون او مُنوًمون او قرروا منح انفسهم اجازات عن الحديث !

المسيحيون في العراق يُعاقبون اليوم على جريمة لم يرتكبوها , ويدفعون ثمن بضاعة لم يقتنوها , وكأن الحدث يعيد نفسه , وكلام الوحي الإلهي يجد ترجمته واقعا في كل زمان ومكان  , فكما اعتلى مُعلٍمهم وربًهم خشبة صليبه , لا لإثم  فعله حاشاه جلً جلاله , بل لانه كان صوتا صارخا في البرية , ينادي بطريق الحياة والخلاص , هكذا كُتب على المسيحيين في العراق ان يحملوا صلبناهم عربونا عن خطيئتهم المستديمة , انهم صوت وطني يضرب جذوره في الارض , بل هم ملح هذه الارض الذي يأبى ان يفسد , لانهم يدركون انهم فقط , ولا احد سواهم , وباعتراف اهل الحق والضمير , هم مَنْ قبل بجدارة واعتزاز مهمة ان يكونوا على الدوام مَنْ يُملٍح الارض والوطن . اي احمق هذا الذي يعتقد ان المسيحيون في العراق هم الذين جائوا بالاحتلال , وان طريق خروجه يمرًُ على جثثهم ؟! من قال ان المسيحيون في العراق قد جنوا من الاحتلال مكاسب جمًة يفوق باضعاف ما اكتسبه غيرهم ؟ , ام ان الغاء المادة الخمسين من قبل مجلس النواب العراقي بعد ان كان مجلس الرئاسة قد نقضها يُحسب لهم كخاتمة المكتسبات ؟! ألا بئس من اعتقد اننا الحلقة الضعيفة التي يُعتبر استهدافها مجاني العواقب ومعفيا من الضرائب . ألا بئس من وجد فينا ورقة من الاوراق , يلعبها متى يشاء ولاضير من تسجيلها في قائمة الخسائر . ألا بئس من سكت ويسكت على ما يحدث لشعبنا فاختنقت في حنجرته صرخة حق جليًة , وإرتضى لنفسه , وللاسف الشديد , دور الشيطان الاخرس . 

يا أهل ألقوش الابية الشامخة , يا من قال لاخوته المُهجًرين من الموصل , بيوتنا بيوتكم . ليس هذا غريبا عليكم , فانتم  اهل الغيرة وابناء ( أُمٍ المدن ) . ياهل بغديدي وبرطلة وبعشيقة وتللسقف وكل مدن سهل نينوى الاصيلة , يا مَن قررتم , بكرم وحب وانتماء , ان تتقاسمون مع عوائل اهلنا النازحة من الموصل السرير والملبس والخبز والماء . انكم بفعلكم هذا لاتعيدون إلا كتابة صفحة ناصعة جديدة من تاريخكم , شعبا واحدا لاتُفرقه الواوات , ولايشتته الراقصون على حبال التسمية . ان المتابع لاوضاع  شعبنا في الوقت الذي يُثمٍن ويقدٍرعاليا الجهود المبذولة لرعاية العوائل النازحة  في توفير ابسط مستلزمات الحياة لها , يجد من الضروري في الوقت نفسه الى ان نضع في بالنا ان هدفنا الرئيسي ليس زيادة عدد المخيمات وخطط احتواء عمليات النزوح , رغم صحة التخطيط للطوارئ ولعاديات الزمن , لكن ومع ما تقدم ينبغي لنا ان نعيد جميعا التفكير مليا في ادائنا وطروحاتنا , شكلا ووسائل وزمن , فنراعي وضع شعبنا في جميع اماكن تواجده , ونحمل هموم ابن شعبنا في البصرة والخالدية وبغداد والموصل بنفس القدر الذي نوليه لهموم ابن عنكاوة وتلكيف ونوهدرة وغيرها , فالجميع اينما تواجد يمثل رقما عزيزا غاليا في شعبنا , ولانتحمل , يقينا , خسارة جزء على حساب ربح جزء اخر . لم يكن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك غبيا او ضعيفا او جبانا عندما انتقد الادارة الامريكية على مغامراتها العسكرية فقال جملته الشهيرة , لقد فتحت , اي الادارة الامريكية , ابواب الجحيم ! ! ! .  وهنا نوجه دعوة صادقة لكل من يمارس مهنة الكتابة في المواقع وهو يعيش في المغتربات الى ضرورة ان ينحدر قليلا من عليائه ويلامس الواقع ويحاول ان يكون بمشاعره وضميره جزءا من المعاناة التي يعيشها ابناء شعبنا في الداخل , فيتوقف عن التنظير و الاعتقاد ان مصير شعبنا وتجارة بيع الحلويات سيًان , فلا بارك  الله بكل من يعيش في المغتربات ,  ويده ليست في النار , إبتداءً بكاتب هذه السطور , عندما يختار ان يزايد على شعبنا  الصامد في الداخل ويرسل له عبر الانترنيت مقالات مُسلفنة بشعارات النضال والمقاومة واسترخاص التضحيات , بينما هو جالس على رصيف احد المقاهي في مدن الغربة يحتسي قهوته ويُمتٍع نظره بمشاهد اللحم الاوربي او الامريكي الذي يمر من امامه , او يجلس في حمامه يستلقي في بركة من الماء الدافئ , ليخرج بعد ذلك بدرس في الوطنية والشعور القومي يقدمه على الانترنيت لمن يعتقد انهم تلاميذه , اؤلئك الذين يسهرون الليالي , وعيونهم على ( حنفية ) الماء ينتظرونها ان تبتسم قليلا فيجمعون من ابتسامتها مايسدًُ بالكاد حاجتهم لأيام !.

يا ابناء شعبنا الجريح في الموصل , انها كلمات الرب , له المجد , تُدوي في الافاق تقول لنا , طوبى لكم اذا عيًروكم واضطهدوكم وطردوكم من المجامع وقالوا لكم كل كلمة سوء من اجلي كاذبين , لاتحزنوا ولاتقنطوا فان أجركم عظيم . هذه هي مهنتهم وهذا هو اختصاصهم , هكذا فعلوا في البدء , وهكذا كان على مدى الاجيال , وهوقدرنا حتى يأتي , له المجد , ثانية فيدعونا لنرِث المُلك المُعدً لنا قبل انشاء العالم .

ايها المطران الشهيد , انه الزمن الغادر , ابنائك الذين هم الاصل والفصل يُرمون خارج الاسوار , ايها الاب رغيد , الشارع الذي سقطت فيه و منحته الحياة يعاني من الاختناق , ايها الاب بولس اسكندر , سَجٍل وأخبر ان في الذكرى الثانية لذبحك الشنيع هجم الجراد من جديد .
ياشعبنا الذي يحمل صليبه بشموخ وإباء , ياشعبا أتعب الرقاب في النظر اليه , قلوبنا معكم واحشائنا تتمزق للظلم الذي يقع عليكم , كيف لا وانتم بعض القلب الذي يئٍن له بعضه الاخر . انه القدر الاحمق ان يدفع شعبنا , وهو البرئ براءة الذئب من دم يوسف , ثمن هذه المهزلة . . . .


30
يا للعجب , يسألون السيد يونادم ويعرفون الجواب

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يقينا , لايوجد من يطلب من السياسي ضمانة بعدم تورطه في مشروع او نهج سياسي غير مدروس بدقة , كما لا يوجد من يقاضي السياسي ( وخاصة في مجتمعاتنا الشرقية ) مقاضاة صارمة اذا اخطأ في حساباته , حتى ولو كانت تلك الاخطاء من النوع الذي لايغتفر كون اكتشافها كان يستدعي الحد الادنى من ألف باء السياسة وليس المهارة السياسية  المتقدمة . لكن الطامة الكبرى في مجتمعاتنا الشرقية , والتي يبدو ان بعضا من الذين يمارسون السياسة من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري قد أُصيبوا بالعدوى منها , تتمثل في اصرار السياسي المتورط , و ربما تحت دافع الاعتداد بالنفس  والترفع عن قدرة الاستعداد للاعتراف بالخطأ , على اعتبار ورطته هي الموقع الصائب الذي ينبغي ان يتواجد  فيه الجميع متوهما انه بذلك سيمنح تلك ( الورطة ) الشرعية الشعبية لها , وهكذا فهو يسعى الى الترويج لها وايهام النفس بان الفعاليات التي يقوم بصناعتها وتركيبها وتقديمها هي التي تؤكد شرعية الموقف في الوقت الذي تدفع فيه الى اعماق سحيقة في ورطته تلك . ان اداء النظام السابق على مدى عقود يعطي امثلة ناصعة صارخة في كيفية التعامل مع ( الورطة لسياسية ) و التي يعاني شعبنا ووطننا اليوم من نتائجها .   

في مدينتنا الصغيرة الجميلة ( برطلة ) اعتاد الاهالي على سماع قصة دارجة بسيطة في الحبك , عميقة في المعنى  ,حيثما اقتضى الواقع والاداء حكايتها وتكرارها كدرس في الحياة , فيقال ان احدهم قد قام بتكحيل عينيه املا في رؤية الابعد والاكثر , فوقف في الساحة وادعى انه يرى الكواكب ساطعة والنجوم تتلألأ , اثار ذلك اهتمام بعض البسطاء فأسرعوا الى تقليده كي لا تفوتهم فرصة مشاهدة مايشاهده والاستمتاع به , وعندما وجدوا انفسهم امام الحقيقة المرة في انهم لايُبصرون شيئا , سارعوا الى معاتبته لانه لم يُخبرهم بالحقيقة , فكان جوابه في هل من العدل ان يكون هو الاعمى والمتورط الوحيد في الساحة ! مايقوم به اليوم بعض السياسيين من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , وتحديدا اؤلئك الذين يُحسبون على الجهد المطالب بالحكم الذاتي بالشكل الذي يطرحه المجلس الشعبي , يُشابه تماما قصة ابن برطلة الذي كحًل عينيه , مع ملاحظة ان الاخير لم يُجبر احدا بالاكراه على تقليده بل اغوى من اغوى من البسطاء , بينما يلجأ هؤلاء الى شتى انواع الارهاب و محاولات التهميش والاقصاء واعتماد سياسات فبركة واخراج الفعاليات السياسية على المقاسات المطلوبة , بل والذهاب بعيدا الى اتهام الاخرين بوضع العربة امام الحصان وخيانة القضية , املا في الوصول الى اهدافهم في رؤية كمٍ ونوع متميز يجاورهم في الزاوية الضيقة الحرجة التي اختاروها لانفسهم , كلًُ ولغاية في نفسه .

وهكذا اصبحنا امام المشهد المُضحك المبكي , فاذا باض ديك في ( بغديدي – قره قوش ) قيل انه قد رضع من حليب الحكم الذاتي , واذا تفركشت زيجة عذراء في تللسقف قالوا انه غضب الرب انتقاما من الرافضين للحكم الذاتي , اما اذا تصاعد الدخان من مولدة للكهرباء في القوش فالسبب لايحتاج ذهابا الى القاضي , فان احدا من الذين تُغذيه المولدة يقرأ او يكتب على الانترنيت مالايُعجب الحكم الذاتي  !, وهلم جرا . كل شئ لا ينسجم مع الحكم الذاتي باطل , ومن يقول له أُفٍِ مُدان , وكل الاحداث يجب ان تُجَيٍر باية طريقة لحساب الحكم الذاتي او بالاحرى لحساب صقوره . حتى جاءت تداعيات الغاء المادة 50 من قانون انتخاب مجالس المحافظات واذا بالاخوة الاعزاء يحاولون امتطاء صهوة الحدث , وهم الذين كانوا يتهكمون على ( الكوتا ) عند اعلانها , كونها تمثل الفتات الذي تمكن ممثلي شعبنا في البرلمان , بشق الانفس من انتزاعه , فاصبحت الكوتا بقدرة قادر بالنسبة اليهم ( الابن المدلل والعزيز ) , كيف لا وسياسة اقتناص الفرصة والبناء على جهد الاخرين باستخدام ارخص الاساليب هو الطريق الاقصر لضرب من ينبغي ضربه وتحقيق الاجندة. عجبا من الاقلام التي ينطلق حبرها سيالا سلسبيلا في الدفاع عن مواقف الاخرين , بل وتبرير مواقفهم بالضد من مصالح شعبنا , بينما ترى تلك الاقلام وقد تحولت الى خناجر لا ترحم , تتلذذ بتقطيع اوصال ذوي القربى ! اتقوا الله ايها الناس , فطائرة ذي الجناح الواحد لاتطير ولاتحلق في الافاق , بل مصيرها السقوط والتحطيم اذا لم يكتب الباري لها في احدى أعاجيبه سلامة الهبوط ! . ان الاحداث الاخيرة تثبت العكس تماما فتبرز الحاجة الى ان يعيد هذا البعض التفكير مليا في ادائه السياسي , هدفا واسلوبا , فيتحرر من قيوده الذاتية الشخصية والواقعية ليلتحق بالجهد الذي يرفع لواء الاداء المستقل الذي يصب قبل كل شئ في سلة مصالح شعبنا واهدافه وفق نظرة واقعية عقلانية طموحة .

ان السياسي والكاتب الذي يحاول ان يُلبس تظاهرة ما ثوب المد الشعبي بحدوده القصوى , ويقدمها للاخرين على انها ( الجوكر ) الذي حسم لعبة صراعه معهم , وهو يعلم جيدا بتقنية فبركتها انما يمارس خداع النفس بشكل صارخ قبل ان يحاول خداع المتلقي , وان هذا التكتيك في العمل السياسي هو تكتيك رخيص اثبت وبالبرهان القاطع فشله وعدم جدواه . ان اتباع نفس الاساليب المتمثلة في ( الترهيب والترغيب ) التي كان يستخدمها النظام السابق في الحشد الجماهيري يثير القلق لدى كل حريص على مستقبل هذا الشعب ودوره , لاننا لازلنا نتذكر ان الالاف وربما الملايين التي كانت تخرج في مظاهرات البيعة وتجديدها مثلًت في فعلها ابراجا كارتونية على قاعدة من الرمال عندما حميَ الوطيس . نعم كانت تظاهرة القوش متواضعة في الحجم فشارك فيها كما يقال ما يزيد قليلا على الألف شخص , ولكن لم يكن بينهم رجل الحراسات الذي قيل له ان عدم مشاركته تعني استقطاع مبلغ من راتبه الشهري , كما لم يُمنح المشاركون فيها اية حوافز مادية اخرى . اننا هنا نحيي كل ابناء شعبنا الذين عبروا عن سخطهم واستنكارهم على قرار الغاء المادة 50 والذين خرجوا في تظاهرات بغديدي ودهوك وغيرها , لان الخطأ ليس خطأ الجماهير بل خطأ من يقوم بتعبئتها  والاسس التي يعتمدها لتحقيق ذلك , واعتقد اننا ما كنا نرى سببا لقول مانقوله لو كان الاخوة الذين نظموا تلك التظاهرات قد استثمروا هذا الجهد , بغض النظر عن سلبياته , في تعزيز الجهد الكلي لشعبنا امام الاخرين , وليس استغلاله في محاولة تكسير الاجنحة الداخلية فيه. فهل يجوز ان ندعو الاخرين الى مراجعة النفس والاصطفاف مع جهد يقوم على اسس غير صحيحة ولاتترك خطوات بنائه في النفس اطمئنانا الى النتائج المستقبلية التي سيفرزها !. لقد استطاع رئيس النظام السابق صدام حسين في فترة الثمانينات ان يُجيٍر مواقف اغلب الانظمة العربية والاقليمية , بل وحتى بعض حكومات الدول الكبرى , لصالحه وبقي الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد وحده , يظهر احيانا غريبا منبوذا في الميدان متميزا بموقف اخر , ولكن الاحداث اللاحقة اثبتت صحة قراءة الرئيس السوري للوضع والحال !

اتذكر ان احد الاخوة في المجلس الشعبي قد نقل لي قولا للاستاذ فوزي الحريري في سياق حديث معه على هامش اللقاء الذي جرى قبل شهور مع رئيس الوزراء العراقي اثناء انعقاد مؤتمر العهد الدولي في استوكهولم , حيث شدد السيد الحريري  بان نطالب بحقوقنا من بغداد وليس من مكان اخر . والسؤال الذي يطرح نفسه , ألم يكن اجدر بالمجلس الشعبي والاحزاب المنضوية تحت لوائه ان يبادروا جميعا الى تشكيل خلية ازمة مستعجلة او غرفة عمليات فينتقلوا جميعا الى بغداد ويبدأوا سلسلة لقاءات مكثفة مع المسؤولين و اعضاء البرلمان في محاولة للضغط باتجاه اقرار لحقوق شعبنا وتمثيله ! من منهم وصل الى بغداد وحقق جهدا ؟! أليس العمل السياسي مع الجهد الشعبي ذراعان لهدف وغاية واحدة ! ليس دفاعا ولادعاية بل يشهد الله انها شهادة حق , فقد رأيت بعيني السيد يونادم كنا وحتى ساعة متأخرة من الليل يجري اتصالاته لترتيب لقاءات مع السيد ديموستورا والسفير الفرنسي ورئيس مجلس النواب و اعضاء مجلس النواب داعيا في نفس الوقت القاعدة الجماهيرية الى مواصلة الضغط في الشارع , محاولا استغلال اية فرصة ممكنة تساعد في تحقيق الهدف وضمان تمثيل شعبنا في قانون الانتخاب عن طريق اعادة المادة الخاصة بالكوتا الى القانون .

بقيت ملاحظة صغيرة نريد ان نهمس بها في اذان بعض الاخوة الاعزاء الذين استطابوا في الاسابيع الماضية تصدير بضاعة محاضرات الاعلام الحر وسياسة قبول الاخر التي يتبعها موقع قناة عشتار مقارنة مع مواقع اخرى يسجلون عليها التحزب الاعمى وصم الأذان عن الرأي الاخر , فاقول لهم ها هي بضاعتكم نردًُها اليكم ,لان المثل يقول ( لاتنه عن خلق وتأتي بمثله ) , فقد ظهر ان موقع عشتار والقائمين عليه قد وصلوا الى قناعة في انهم خلال الفترة الماضية قد ارخوا حبل الصبر لنا كثيرا , فوصل الامر الى ان نتجاوز الخطوط الحمراء عندما علموا اننا قد قمنا بتأدية ( مناسك الحج والعمرة ) الى مقر الحركة الديموقراطية الاشورية في بغداد , فاصدروا قرارا بحجب مقالاتنا عن النشر في الموقع ابتداءً من مقالنا السابق ( لابارك الله بكم , حتى على الكوتا دنت نفوسكم ) , ومن المؤكد ان القارئ الكريم الذي اطلًع على المقال ومحتواه ويعرف اليوم بقرار موقع عشتار يلقي سطلا من عصير الشفقة والبؤس على من كان وراء هذا القرار . وفي كل الاحوال تبقى شمس الحقيقة اكبر واسطع من ان تغطيها دفاتر خضراء او غربال قديم متهرئ من الانتيكات . . .

31
لا بارك الله بكم – حتى على الكوتا دَنتْ نفوسكم

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

الشراهة والجشع وعدم الشعور بالإشباع هي الصفات التي يحرص اغلب بني البشر على آن يضعوا بينهم و بينها جبلا من نار. ولكن تبقى الحقيقة التي يجب ان تقال , ولا نعتقد أن بقولها نتجنى أو نظلم أحدا بقدر ما نصف الموصوف , هي تلك التي تشير إلى أن البعض , لا أدري ربما بالطبع اوبالتطبًع , لايستطيع بسهولة أن يمنح الآخرين فرصة الاعتقاد أن هذه الصفات ليست ذبابا يطنّ على الدوام في طلعات مكوكية حول وجهه , لا بل ان هذه الحقيقة تسمح في أن ترى  وقد أصبح لهذا الذباب مدرجات وقواعد ومطارات دائمة لدى ذلك البعض , تنطلق عند الحاجة في غارات في اتجاه هذا أو ذاك لتعود خائبة أو بفريستها الضحية . أحيانا يذهب بنا الاعتقاد إلى أن صنوف الطعام التي تثير لعابنا , نحن العراقيين , تؤكد جين الشراهة الذي يسكن فينا ونتوارثه مع الأجيال , فكيف نُفسٍر إذن بحثنا المتواصل عن الطعام المتخم بالدهون فنلحق كل عبارات وأوصاف الكرم بمن يدعونا إلى طعام زفر ونخرج لاعنين من كانت مائدة دعوته أشبه بوجبة صوم المسيحيين! . ألم يكن احد اللبنانيين على حق في ان يفتح فاه ويندهش ويصرخ قائلا , ( يخرب بيتكم , اذا كنتم تفتحون ريقكم بالتشريب فما ستتناولون على الغداء ) !

وهكذا فان المال والجنس كانا ولازالا نقطة الضعف التي يجب أن تؤخذ بالحسبان من قبل كل انسان مسالم يحب الحياة الهادئة بعيدا عن المنغصات واهلها , فيحرص مثلا على عدم التواجد حيث اصحاب العيون الوقحة كما يفكر مليا قبل ان يدخل في تجارة او شراكة مع من لم يعجنه بالمعرفة . يحكي لي احد الاصدقاء كيف فعل القدر الاحمق فعله فائتمن احدهم في شراكة وصار هذا يلقي على مسامعه احلى الكلام في انه الأخ الذي لم تلده أمه , حتى أينعت الثمار وحان موعد قطافها تحت يافطة فتوى جاهزة لكل زمان ومكان تتلخص في ان مال الكافر حلال للمؤمن , فاصبح الاخ الذي لم تلده امه غريبا كافرا يستحق النهب والسلب والرمي على قارعة الطريق! .

في العراق وقبل ايام اضاف مجلس النواب العراقي الى الجشع والشراهة في الاكل والمشرب والجنس والمال شيئا جديدا , انها الشراهة السياسية الصارخة التي فتحت فيها الكتل الكبيرة عيونها على مصراعيها وسال لعابها على لقمة صغيرة كانت حصة للمكونات الصغيرة . ترى ألا تفقد اسماك القرش هيبتها و بعض احترامها لذاتها عندما تدنو نفسها فتشارك اسماك الزينة طعامها ؟! لقد مثّل تصويت مجلس النواب العراقي على الغاء المادة الخمسين من قانون انتخابات مجالس المحافظات , و الخاصة بالكوتا للاقليات القومية والدينية وفي مقدمتها شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , اعادة لقطار الديمقراطية والعراق الجديد الى المربع الصفري الذي ترفرف فيه اعلام ( اهل الذمة ). لكن مايثير في النفس الارتياح حقا هو هذا الموقف الجماهيري والشعبي والرسمي الذي عبر ويعبر بشكل واضح عن استنكاره وامتعاضه وقلقه من الخطوة الغير المبررة التي اتخذتها اساسا هيئة الرئاسة العراقية في نقضها للمادة المذكورة والتي جاء مجلس النواب العراقي بعد ذلك ليزيد الطين بلّة في تاييد النقض بالتصويت على الغاء تلك المادة وهو الذي اقرًها سابقا. كيف لي أن انسى تلك المرأة العراقية التي جاءت الى مقر الحركة الديموقراطية الأشورية في بغداد , وقد شاهدت ذلك بأم عيني , حيث علِمت من احدى القنوات التلفزيونية بالدعوة الى التظاهر استنكارا لقرار مجلس النواب , فلم تمنح لنفسها كما يبدو فرصة الاستبيان عن مكان وزمان تلك التظاهرات , حيث كان المقصود بها تظاهرات ابناء شعبنا في سهل نينوى بينما اعتقدت تلك المرأة ان التظاهرات هي في بغداد , فخرجت من بيتها في ظروف تعيشها بغداد ونعلم بها جميعا واستأجرت سيارة اقلتها الى مقر الحركة لتستفسر عن مكان وزمان التظاهرة وهي تطلق سيلا عارما من جمل الشجب والاستنكار . لقد برهن شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , ربما للمرة الاولى خلال العقود الاخيرة , انه , وإن عُرف عنه شعبا مسالما مُحبا للجميع , لكنه عندما يتعلق الامر بالوجود والدور في بلد هو فيه الاصل فان لحمه مُر ولايقبل ان يكون تلك الشاة التي تُساق للذبح ولاتنطق ببنت شفة . مع الغاء المادة الخمسين التي تمثل الحد الادنى من الحقوق في بلد يقوم اليوم على المحاصصة وجد شعبنا الحال وقد بلغ السيل الزبى فانطلق رسميا وشعبيا ليصرخ بصوت هادر ( الى هنا وكفى ) . وهكذا فقد امتزجت وتوحدت موجات الرفض والاستنكار التي اطلقها وبشجاعة ممثلينا في مجلس النواب الاستاذان الفاضلان يونادم كنا وابلحد افرام مع موجات التنديد التي جاءت كسيل عارم من افواه كل الرموز الدينية والشخصيات السياسية والثقافية في شعبنا ولتعاضدها حناجر الالاف التي خرجت في تظاهرات شعبية , فكان كل ذلك جهدا متميزا رائعا مثًل لكل الخيرين ومناصري حقوق الانسان والساعين الى عراق ديموقراطي جديد مصدر فخر واعتزاز , في حين كان هذا الجهد اشارة حمراء تفاجأت بها كل عناوين ثقافة الاقصاء والتهميش والتخلف .

ربما كانت مصادفة ان اكون في الوطن وعلى مقربة من الحدث في هذه الظروف التي عاشها ويعيشها شعبنا والمتمثلة في تداعيات الغاء المادة الخمسين من قانون انتخابات مجالس المحافظات , وفي الوقت الذي كنت اتابع مايكتبه الاخوة الاعزاء من مقالات وتعقيبات تعكس الحس القومي والديني الاصيل , فكانت مقالاتهم لابناء شعبنا بلسما وحافزا للمزيد من الجهد وعدم الخنوع والاستسلام , لكن مقالات وكتابات اخرى طفت على السطح ايضا خلال الايام الماضية فانطلقت , وللاسف الشديد , لتحاول مرة اخرى استثمار الفرصة لتحقيق مصالح سياسية او إشباع عقد شخصية , من خلال التشهير والانتقاص من دور هذا او ذاك . نصيحتنا الخالصة الصادقة لاصحاب تلك الكتابات , وجلًهم يسكنون المهجر والمغتربات , ان يبادروا الى البحث بجرأة عن الحقيقة ويعيدوا تعيير مجساتهم ومصادر معلوماتهم ليكونوا اكثر قربا من الوصف الدقيق , فقد سمعت باذني ورأيت بعيني ان ابناء شعبنا يُشفقون حقا على تلك الكتابات في محتواها وعائديتها , فعندما يفرغون من تصفًحها يقولون يارب منك الهداية .

32
 
الاستاذ العزيز جميل روفائيل , رجائي في سعة صدرك
 

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

قبل بضعة اسابيع تناقلت المواقع وقناة عشتار الفضائية اخبار ونشاطات الاستاذان الفاضلان جميل روفائيل وحبيب تومي , وهما من كتاب شعبنا المتميزين بخبرة وتجربة واسعة ونتاج ثرٍ وغزير , اثناء تواجدهما في ارض الوطن وديار الاباء والاجداد . وكان اللافت للملاحظة من تغطية تلك النشاطات هي الرعاية التي ابداها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري للشخصيتين الاعلاميتين القادمتين من المهجر في مساعدتهما للحصول على صورة عن وضع شعبنا وظروفه وانجازاته ومشاكله على ارض الواقع , بينما كان الجزء الاكثر اثارة لابناء شعبنا , وخاصة في المهجر , من تلك النشاطات هي محطات الكاتبين والاعلاميين الكبيرين مع السيد سركيس اغاجان ومانتج عن تلك المحطات من وصف لها من خلال مقالات سطًرها الاستاذين الفاضلين ونُشرت على صفحات عدد من المواقع الالكترونية الخاصة بشعبنا . ربما هنالك ماهو مشترك  في المحطتين بوجه عام ولكن المتابع لايستطيع ان يغفل عن بعض النقاط الصغيرة الخاصة بكل محطة والتي تؤكد قول ماربولس الرسول في اختلاف نجم عن نجم اخر , فالاستاذ الفاضل جميل روفائيل , وكما يروي شخصيا , قد اضطر الى قطع مشاركته في احتفال افتتاح مُجمًع سكني بسبب تبليغ وصله ينص على ان الاستاذ سركيس اغاجان ينتظره على دعوة الغذاء , وان سيارة خاصة بالمجلس الشعبي هي التي اقلته ذهابا وايابا , وان لقائه مع الاستاذ سركيس اغاجان كان واسعا ( لقاء غداء وحوار ) , حيث تم فيه التطرق الى مسائل كثيرة وحساسة وعرض خرائط ووثائق مهمة , بينما كانت محطة الاستاذ الفاضل حبيب تومي فقيرة قياسا بالمحطة السابقة , فاللقاء تمً , وكما يروي الاستاذ حبيب شخصيا , بناء على رغبة ابداها احد الاصدقاء وقام بالتهيئة والترتيب لها , وانه وصل الى ( عنكاوة ) بعربة قام بتأجيرها شخصيا , كما انه لم يتطرق الى اية دعوة غداء او الى وصف ما تم تضييفه به , اما احداث اللقاء , وكما يُستنتج من مقال الاستاذ تومي , فقد لامست مرور الكرام النقاط العامة دون الدخول في التفاصيل , حتى يبدو اشبه بلقاء بروتوكولي او زيارة اعتيادية , الى الدرجة التي وجد الاستاذ حبيب فيه متسعا من الوقت للحديث عن مولدات الكهرباء الصغيرة في القوش العزيزة .

القصد من السطور اعلاه هي اننا لايمكن ان ننكر حق الاستاذ سركيس اغاجان في التخطيط لسياسة اعلامية مبرمجة لجهده بشكل عام ولمشروع الحكم الذاتي الذي يهدف اليه بشكل خاص , كما لايمكن ان ننكر ايضا ان السيد اغاجان قد اصاب الهدف حقا واختار الشخص المناسب للمهمة , ومَنْ هو افضل من الاستاذ والاخ العزيز جميل روفائيل , الذي يسبح في بحر الكتابة والاعلام منذ عقود , يصارع ويلاطم موجاته , تصرعه حينا ويصرعها احيانا , ليدير سياسة الحكم الذاتي الاعلامية بامتياز , وينتشلها من الفوضى والتشتت , ويضعها على الطريق الصحيح , لوحة واضحة المعالم والقياسات والاهداف . كما لايمكننا ايضا ان ننكر حق الاستاذ الفاضل جميل روفائيل في قبول الدور نتيجة وصوله الى قناعة تامة في انه , ومن خلاله , يمكن ان يحقق فائدة كبيرة لابناء شعبه , وذلك ما جاهد ويجاهد , صادقا , من اجله دائما. لكن ما نُسجله على كل ماتقدم يكمن في ان الخطوات الاولى لتدشين هذه السياسة الاعلامية الجديدة جاءت حقا مخيبة للامال تترك المتابع يعيد التأمل مليا في الاسرار الحقيقية لاختيار الاستاذ الفاضل جميل روفائيل  ليجسد رأس الرمح في السياسة الجديدة , و لتكون هذه الاسرار هي اسباب اخرى لاتقل قطعا اهمية عن الاسباب السابقة المتمثلة في الاختيار الصائب والكفاءة الشخصية .

يقينا ان الاستاذ الفاضل جميل روفائيل يمثل قيمة اعلامية وسياسية كبيرة على المستوى الوطني وفي اوساط شعبنا , ومن الطبيعي ان يسعى اي جهد سياسي لكسب تأييدها وتعاطفها مع برامجه وطروحاته , لما يمكن ان تمثله تلك القيمة من تاثير على القارئ فكرا و سلوكا . وهنا لايفوتني الرجاء قلبيا من الاخوة الذين تستهويهم الكتابة في المواقع ان يحسبوا الى العشرة , بل والى المئة , قبل ان يقرروا تسقيط قيمة اعلامية او سياسية كونها قد اختارت اجتهادا لايتفق مع اجتهاداتهم . وهكذا لا يوجد من يلوم المجلس الشعبي احتفائه بنخب الفرح والإنشراح وهو يرى قلما كقلم الاخ العزيز الاستاذ جميل روفائيل يمنح شحنة دسمة لماكنته الاعلامية . لكن مايسمح بشعور اضافي بنشوة النصر هو ان الاستاذ جميل روفائيل , وحتى امد قريب واستنادا الى كتاباته واقواله , كان محسوبا على الخط المتعاطف مع الحركة الاشورية , ومن المؤكد انه يمتلك مكانة ايجابية وتقديرا كبيرا لدى قيادات الحركة واعضائها وانصارها والمتعاطفين معها كشريحة من شرائح القراء والمعجبين الواسعة . وهنا بيت القصيد , حيث يبدو ان التوجه الجديد لم يعد يهدف الى اقصاء الحركة الاشورية بالكامل بعد ان اثبت هذا التوجه عجزه , بل الى محاولة نسفها وتفجيرها من الداخل بعد الاعتقاد بانه يمكن تقسيمها الى ( حمائم وصقور ) وتضيق الخناق على ( الصقور ) لاجبارها على الهجرة مما يجعل مهمة احتواء ( الحمائم) بعد ذلك سهلة وفي متناول اليد , وهنا تكمن افضلية اختيار الاستاذ جميل روفائيل على الاستاذ حبيب تومي كون الاول تخفق له ولكتاباته , لا اراديا , قلوب الكثيرين من اعضاء الحركة بينما اتجهت كتابات الثاني على الدوام الى تعميق الفجوة بينه وبين الحركة . ارجو ان لايذهب البعض الى اتهامنا في اننا نحاول تعليق كل شئ على شماعة نظرية المؤامرة البائسة , بل نحن حقا امام مرحلة جديدة من الصراع السياسي داخل شعبنا . ان مايؤكد هذا السيناريو هو مايشيعه البعض في ان السيد سركيس اغاجان ليست له عقدة من الحوار مع ( زوعا ) اذا تخلص من بعض ( صقوره ) وطبعا في مقدمة الصقور ياتي السيد يونادم كنا . ان الكثيرين من ابناء شعبنا مصابون بالدهشة والعجب من اقتناع الاخ والاستاذ جميل روفائيل ليُدشٍن هذا الدور وبهذه السرعة في الوقت الذي يرون ان زيارته للوطن ولقائه بالسيد سركيس اغاجان كان فرصة ذهبية لعمل شاق وهادئ بعيد عن الضجيج الاعلامي في اتجاه اخر ,  و تأجيل مهمة تقديم السيد اغاجان اعلاميا الى مرحلة قادمة, ان الاعتقاد السائد كان ان يقترح ويُلح الاستاذ جميل روفائيل على السيد سركيس اغاجان في تشكيل هيئة استشارية مصغًرة جدا يكون شخصيا اللولب فيها , من العناصر التي تلقى قبولا لدى جميع الاطراف والمعروفة بالحس والغيرة الوطنية والقومية الخالصة لتبدأ جهدا مكوكيا , بمحاولات حثيثة ومستمرة دون يأس , وبترفع عن التصريحات الاعلامية الصاخبة , في محاولة للبحث لاكتشاف وإرساء قواسم مشتركة والعمل عليها عوضا عن اسلوب تفخيخ النفس وتفجيرها داخل الحركة الاشورية او فتح نار الراجمات عسى ولعلً احداها تُصيب الهدف . ربما يحاجج الاستاذ جميل روفائيل في ان الاستاذ يونادم كنا هو الذي بدأ باطلاق النار من خلال ندواته وتصريحاته في الولايات المتحدة , لكن الاستاذ جميل يعلم حقا ان المتابع الحذق يدرك ان تلك التصريحات لم تكن إلا القشة التي قصمت ظهر بعير الخطة الاعلامية الجديدة لان السيد يونادم كنا يفقد حقا الكثير من خصاله السياسية عندما يقرر ان يغسل يديه من شخصية مثل الاستاذ جميل روفائيل او غيره بسبب مقال او اختلاف في الرؤى , فينعته بالمأجور او القاصر في الوعي السياسي , وقد أكد لي هذا شخصيا . ان المأجورين ايها الاخ العزيز جميل روفائيل يعرفون انفسهم جيدا والكثيرون من ابناء شعبنا يعرفونهم , وكما نرى فان افضل من يستطيع تشخيصهم قبل السيد يونادم كنا هو من شارك في مؤتمر عنكاوة بثقل رئيسي او من خلال التواجد ومراقبة احداثه , ومن المؤكد ان المشهد بالنسبة لك هو اكثر وضوحا وغنى كونه يترافق مع المشاهدة العيانية . اما النظرة القاصرة في الوعي السياسي والقومي فان الاستاذ الفاضل جميل روفائيل , وهو الاعلامي المخضرم , فهو خير من يتولى تشخيصها وتمييزها !

ان محاولة التعيير بالعجز عن الحركة والتأثير في المحيط السياسي والبخس بالجهد المبذول والطروحات والافكار وصولا الى التسقيط السياسي ليس الطريق الافضل الذي من خلاله ستتحقق , ايها الاستاذ العزيز جميل روفائيل , كل طموحات شعبنا واماله واهدافه , ناهيكم عن اعتقادي , واستميحكم عذرا , في ان على مذبح هذه النظرة السياسية في الحكم على الواقع السياسي وشخوصه تنتحر كل الخبرة والتجربة الطويلة التي تمتلكونها من خلال عمر طويل في معمعة هذا الواقع وطنيا واقليميا ودوليا , فالاستاذ جميل روفائيل لايحتاج الى من يُبصٍره بتعقيدات الواقع العراقي واللعبة السياسية فيه , فاذا كان السيد طارق الهاشمي وهو زعيم اكبر حزب اسلامي سنٍي و نائب رئيس الجمهورية يشعر انه مقيد بالاغلال , فلنا ان نتصور هامش حركة العضو الوحيد في البرلمان الممثل لخصوصية معينة والملتفت دائما الى ظهره تحوطا من طعنات الاهل والاعمام وذوي القربى , ألم نرى جميعا كيف أصبح الكل حماة ( للقضية المركزية ) قمزقوا السيد مثال الالوسي إربا إربا في ظهيرة ظلماء! ثم من هذا الذي امتلك صوتا جهوريا اكثر من السيد يونادم كنا , فبعضهم يزن تصريحاته ( مثل الماء في الصينية ) خوفا من ان تثير حفيظة وغضب البعض ويفقد  مركزه ! هل كان يمكن ان تُبنى دار اوكنيسة او غير ذلك بالضد من ارادة حكومة الاقليم اودون موافقتها. اكرر القول في انني لست هنا في معرض منح السيد يونادم كنا شهادة التفوق بإمتياز على ادائه خلال السنوات الماضية  او التمس له العذر في اخفاق او اداء ضعيف او فرصة لم يجيد استغلالها , بقدر ماهو استحضار لظروف الواقع والمقارنة مع الحالات الاخرى دون اهمال لهامش القصور الذاتي الذي يقع به السياسي , قصدا او بدون قصد , او في اجتهاد غيرصائب وهو يمارس اللعبة السياسية .

اما الحديث عن الكوادر والقيادات التي تركت الحركة الاشورية على ان قيادتها الحالية وتحديدا السيد يونادم كنا هو السبب في ذلك فانه حكم تعوزه بعض الدقة و ينقصه الانصاف , لان الاستاذ الفاضل جميل روفائيل , وهو السياسي والاعلامي المتمرس , يعي جيدا اننا يمكن ان نتفق في ان الاعضاء الصغار في حركة او حزب ما يمكن ان يهجروا ذلك الحزب او تلك الحركة لقناعة ذاتية في اختلاف الرؤى والافكار او عدم انسجام وخيبة امل من الوضع العام داخل ذلك الحزب او تلك الحركة , إلا انني اجد صعوبة في تفهًم نفس هذه العوامل كاسباب رئيسية لايوجد عداها في هجران القيادات المتقدمة لاحزابها وحركاتها دون ان يكون للاسباب والصراعات الشخصية دورا كبيرا في ذلك , وهكذا لم يتمكن السيد عبد الحليم خدام مثلا من اقناع الكثيرين في ان انشقاقه جاء لاسباب عقائدية وطنية بحتة ! , كما يلمس السيد وفيق السامرائي الشك وعدم الاقتناع في عيون المتلقي عندما يطرح نفسه معارضا للنظام السابق في الافكار والإداء , بينما سيظهر السيد طارق عزيز مقززا حقا اذا حاول التخلص من حمل اخطاء وخطايا وجرائم النظام السابق , فقط طمعا في خلاص نفسه بصورة شخصية . هكذا ايها الاستاذ العزيز جميل روفائيل , فمع كل الاحترام والتقدير لوجهات النظر التي تطرحها القيادات التي تركت الحركة الاشورية , إلا ان وجهات النظر هذه يمكن اعتبارها شهادات على حياتها مع الحركة , ومن المؤكد ان فيها هامشا من الدقة في وصف الصورة , لكنها لايمكن ان تكون الشهادات الوحيدة التي على اساسها فقط تُصدر الاحكام النهائية .

تبقى مسألة النظرة الفوقية التسفيهية لمفهوم الادارة المحلية الذاتية الذي تنادي به الحركة الاشورية لحساب الحكم الذاتي المطروح , وارجو ان يتسع صدر الاستاذ والاخ العزيز جميل روفائيل لتذكيره في انه شخصيا كان حتى وقت قريب يرى في بعض مشاريع الحكم الذاتي انها , بما معناه , احلام جغرافية بعيدة عن الواقع , فهل يا ترى اصبحنا نعيش في القرن الواحد والعشرين تكرارا بالجملة لقصة بولس الرسول ؟! حيث بين فترة واخرى يظهر ( ملاك الحكم الذاتي ) لشاؤول في الطريق الى ( عنكاوة ) , فيصرخ به مناديا ( شاؤول , شاؤول لماذا تضطهدني ) , يرشده الملاك الى ( بيت حنانيا ) , فيذهب الى هناك , ويتعمًد , ويُصبح اسمه ( بولس ) , وينطلق يُبشِر في الاصقاع بحماس يفوق حماس الاثني عشر!

ايها الاخ العزيز والاستاذ الفاضل جميل روفائيل , منتصف العصا لك وانت له , انه الفخر وانها المسؤولية , ما أجملك تتربع في هذا المنتصف والكثيرون من الغيارى حولك .
اللهم اشهد انها سطور كُتبت بمداد المحبة والتقدير لكل من جاءت على ذِكره  . . .

 

33
تصريحات الاستاذ يونادم كنا بين الجارحة والحقيقة

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

اثارت التصريحات التي ادلى بها الاستاذ يونادم كنا خلال الندوات واللقاءات التي عقدها مع ابناء شعبنا واجهزة الاعلام الامريكية في زيارته الاخيرة الى الولايات المتحدة موجة صاخبة من ردود الافعال , دفعت البعض الى امتشاق مختلف انواع الاسلحة القديمة والحديثة , تسعى بها الى تحقيق ضربة قاضية , احيانا تحت الحزام , كحق مشروع في الدفاع عن النفس , او تصفية لحسابات  او استغلالا للفرصة المتاحة في ازاحة ( حجر العثرة )! . فهل كانت تلك التصريحات حقا جارحة للجميع ومشوٍهة للحقائق وتحمل من التجني ما لا يمكن السكوت عليه ؟! او ما يستوجب تسلق صاحبها مقصلة الاعدام السياسي او , على الاقل , تقديم اعتذار رسمي ؟ !. حكى لي احد الاصدقاء ان كاهنا فاضلا استنسخ , وقتها , مقالي عن تسمين القطط وذهب الى المطران شاكيا قائلا له ( اقرأ ياسيدنا ماذا يكتبون ) , فقرأ الحبر الجليل وقال لا اجد شيئا غريبا , فمن لايجد نفسه طرفا في المقال لايمكن ان يرى فيه سهما يتجه صوبه . الانتهازيون وابطال اقتناص الفرص محظوظون على الدوام في مسيرة حياتهم , لانهم يجدون غالبا ايادي بيضاء تتقدم  وتتطوع لتكون كاسحة الغام في طريقهم , فتفتح لهم افاقا اخرى فيه وهي تتوهم انها بفعلها هذا تنتفض لنفسها , فالابيض لايحتاج الى دليل يؤكد بياضه , لكنه يقينا يفقد من البياض عندما يتداخل , في غفلة من الزمن , مع بعض البقع هنا وهناك , او يقبل في ان يكون حجابات لها ! .

 لقد قرأت المقالات التي كتبها الاستاذ الفاضل انطوان الصنا عن الموضوع كما شاهدت ايضا المقاطع الستة من تسجيلات الفيديو لحديث الاستاذ يونادم كنا , ولابد من الاعتراف في ان الاستاذ انطوان الصنا كان امينا في نقل احداث الندوة , وكم كنت اتمنى ان يبقى حياديا في المعالجة حتى النهاية كما حرص في البداية , حيث يلمس المرء من المقالات الاخيرة رجحانا لكفة على حساب اخرى , من خلال تسفيه المقالات التي كُتبت ردا او تعقيبا على مقالاته , دون ان انكر انه قد يملك بعض الحق في فعل ذلك عندما وجد البعض يطعن في امانته وهو الواثق منها والحريص عليها . اما مقالات الاستاذ الفاضل وسام كاكو فقد كان حقا فيها طباخا , غير موفق على الإطلاق , وجد في هذه التصريحات فرصة ثمينة لكي يكون يونادم كنا ( العِجل المُسمًن ) في قِدْره , والذي يستلزم جمع الحطب له من كل فجٍ عميق!.

لا ادخل في قواعد النحو والصرف واللغة لانبش في ( سيبويه ) عن اصل كلمة جعجعة فقد سبقني الى ذلك اساتذة افاضل واشبعوها شرحا وتفسيرا وتأويلا , ولكنني احكم على الفعل بنتيجته الحالية , ولذلك فان الاخوة الاعزاء من المتحمسين لمشروع الحكم الذاتي مطالبون قبل غيرهم بتقييم حاصل بيدرهم من الحقل الذي بذروه قبل سنتين من الان , ومن المؤكد ان تقييما ذاتيا امينا ومنصفا سيمنح الحق للمراقب او المتحفظ او الرافض للمشروع وصف الجهد من اجله خلال هذه الفترة كما سبق ( بالجعجعة ) كونه في السياسة وصفا شائعا لايفتقر الى شروط  اللياقة , ناهيكم عن كونه حافزا وتحديا للبعض لتحقيق خطوات جوهرية في المستقبل القريب بما يفنٍد هذا الوصف . عامان مضى على طرح المشروع فماذا أُنجز وتحقق حتى الان ؟ اتمنى ان لانغالط انفسنا بالادعاء في ان الحركة الاشورية قد منعت او اعاقت كل شئ ! ان كل الذي يمكن ان يُحسب كجهد لصالح مشروع الحكم الذاتي خلال هاتين السنتين يصح اختصاره بصورة جوهرية بإنعقاد مؤتمر عنكاوة وانبثاق المجلس الشعبي , دون ان ننسى ان مؤتمرعنكاوة كانت نتيجة عرضية  او بمثابة ضربة حظ على محركات شعبنا ساهمت الظروف الانية والذاتية الشخصية في تحقيقه , اما المجلس الشعبي فكانت ولادته القيصرية ثم غياب الشخصية ( الكاريزما ) التي من الممكن ان تنقله الى دور مؤثر بسبب قرار الاستاذ سركيس اغاجان قيادته من خلف الكواليس , كان كل هذا وغيره كان سببا في ظهور المجلس وكأنه يعاني من الكوليسترول وتصلب الشرايين وهو في نعومة اضفاره . لقد اشبعنا صفحات مواقعنا عن الحكم الذاتي خلال هاتين السنتين ولم نتقدم خطوة واحدة على طريق اثارته فقط ( وليس تثبيته ) دستوريا , على الاقل في دستور الاقليم الذي يعرف عنه افضل من اهل البصرة والاهوار والرمادي  , نغضب ونزعل من وصف ( الجعجعة ) وحالنا اشبه بذلك الذي سُئل عن مشروع زواجه فأجاب قائلا ان 50 % من المشروع قد اصبح في الجيب متمثلا في موافقته وموافقة ابيه وأُمٍه , وبقي منه 50% الاخرى وتشمل موافقة العروس واهلها وعشيرتها وجيرانها ! الى متى نبقى  نتبجح بلقاءات تبثها عشتار مع هذا وذاك يعلن فيها تأييده للحكم الذاتي وهو يبدو يتحدث عن شئ لايُدرك غير إسمه ولا اعتقد انه قد قرأ عنه حرفا واحدا , كاحدى عضوات البرلمان العراقي التي اجرت معها عشتار لقاءً في كندا وعُرض قبل ايام !

اما بخصوص كون مناصري الحكم الذاتي من ( المأجورين ) او القاصرين في الوعي السياسي والقومي , فان الاستاذ يونادم كنا كان سيكون اكثر دقة لو اضاف الى ذلك ان هنالك شريحة ليست مأجورة او قاصرة في الوعي السياسي والقومي , بل اجتهدت ووصل اجتهادها الى هذه القناعة وترى فيها خيرا لشعبنا , دون ان ننكر ان هذه الشريحة لايمكن تمييزها بسهولة وبالعين المجردة عن غيرها , ولذلك ولان الانسان بطبيعته يحكم على الظواهر ويصفها بسماتها الغالبة وليس باستثناءاتها الخاصة , فيكفي ان تصف لوحة معينة بلونها السائد دون الاشارة الى كل زاوية صغيرة فيها . ان العمل في جهد ومؤسسات الاستاذ سركيس اغاجان يختلف مثلا عن العمل في الحزب الشيوعي , فالشخص الذي يدخل الىمقرات الحزب الشيوعي يعرف ان الاحتمال الوارد هو ان يخرج من المقر وفي جيبه اقل مما كان موجودا فيه قبل الدخول , وخروجه بجيب اثقل هو من علامات قيام الساعة ! , اما الذي يدخل الى المجلس الشعبي او المؤسسات الاخرى فلايتوقع ان ينقص من جيبه شيئا بل هنالك امكانية واسعة , اعتمادا على الشخص والظرف , لتحقيق ربح ما , وهذا ليس تجنيا , فالسيد سركيس اغاجان يدير امكانيات واسعة وابناء شعبنا في القرى والبلدات والمهجر قادرون على وصف حال عدد كبير من العاملين في تلك المؤسسات قبل عملهم فيها واثنائه وبعده . ليس بخلا بهم , ولكنها الحقيقة التي يعرفها ابناء شعبنا وفي مقدمتهم السيد اغاجان في ان كثيرا من هذه النماذج تشخص عيونها الى ( الحنفية ) وليس الى الطرح السياسي وبرامج ومشاريع صاحبها , دون ان ننسى ان نشير مرة اخرى الى ان هذا ليس بالمعنى المطلق , بل سمعت وأُخبرت عن نماذج نزيهة بيضاء , كعلامات مضيئة هنا وهناك , وجدت في الامكانيات التي يوفرها جهد السيد اغاجان فرصة ثمينة لتخدم بها شعبها خدمة نظيفة لوجه الله . اما الوصف بالقصور في الوعي السياسي والقومي فهو أخف وطأة من الوصف بالضحالة والغباء السياسي واداة المشروع العروبي والخيانة والوقوف حجر عثرة امام اهداف وطموحات شعبنا وغيرها من الاوصاف التي يوصف بها على الدوام كل المتحفظين والرافضين لمشروع الحكم الذاتي بشكله المطروح , فلا داعٍ للغضب والزعل اذن. كما اننا لوتصوًرنا العكس وخرج السيد سركيس اغاجان او الاستاذ جميل زيتو واعلن عن وجهة نظره في ان كل من يقف في الخندق المقابل لمشروع الحكم الذاتي يعاني من القصور السياسي فكيف كان سيكون رد فعل البعض على هذا الطرح , سؤال نتركه للمنتفضين يجيبون به انفسهم قبل النوم !

تبقى مسألة التطاول على الرموز الدينية وهي حقا مزايدة رخيصة , فالمتوقع ان السيد يونادم كنا اكبر من ان يقع في هذا الفخ ويُسبب لنفسه ولحركته خسارة سياسية فادحة غير مبررة اضافة الى خسارة شخصية كبيرة في تناول ممارسات واداء رموزنا الدينية بشكل مطلق , والمثال الذي ذكرناه في مقدمة هذه السطور يوضح بشكل ناصع عدم جواز الحكم المطلق  , لكن هذا لايمنع حتما السيد كنا , وهو جزء من شعبنا يعيش على اتصال مع حركته ويعيش احداثه , ان يتناول بالتشخيص امثلة يثق من صحتها , ربما تكلم و يتكلم عنها , همسا وفي المجالس الخاصة او علنا , كثيرون غيره من ابناء شعبنا , والجميع بحديثه عن هذه الممارسات لايهدف قط التطاول او الانتقاص من هيبة رموزنا الدينية بقدر ماتشتعل في نفسه الغيرة على الثوب الديني والمرتبة الكهنوتية , وتكمن أُمنيته الصادقة في ان يحافظ حاملها دائما وابدا على تلك الصورة المترفعة السامية الناكرة للذات , حاملا صليبه , يجول في الارض يصنع خيرا قبل ان يفكر بثروة لنفسه او لاقربائه او مستقبل في دول الغربة لمن يُحِبْ. ثم لا ادري لماذا تكون بالنسبة للبعض حلالا الاشارة بالانتقاد لرمز ديني يبدي موقفا متحفظا ازاء مشروع الحكم الذاتي بينما تُصبح هذه الاشارة , لذلك البعض , تطاولا واساءة عندما يتعلق الامر برمز ديني يؤيد المشروع !

في هذا المقال ارجو ان يتسع صدر الاخ العزيز والاستاذ الفاضل جميل روفائيل لكلمة تعقيبا على كتاباته الاخيرة. لقد كتبت قبل فترة ولازلت مؤمنا بما كتبته في ان الاستاذ الفاضل جميل روفائيل هو شخصية سياسية واعلامية كبيرة في صفوف شعبنا , وعرفناه في قضايا شعبنا صاحب جهد ملموس في محاولة مسك العصا من المنتصف بما يحقق توازنها , ولا ادري كيف فات الاستاذ جميل روفائيل بعد كل هذه التجربة الطويلة المتخمة بالخبرة ان الاسباب التي منعته من نشر وثيقة ما في زمن ما لا تسمح اطلاقا بإشهار تلك الوثيقة في الدفاع الشخصي في اي وقت من الاوقات لاحقا , كما ان الاستاذ جميل روفائيل وهو السياسي والاعلامي المخضرم لايحتاج لمن يُذكٍره بمُسلًمة بسيطة جدا وهي انه لوكانت تلك الوثيقة حقيقية لكان السيد يونادم كنا , وكتحصيل حاصل , في مقدمة الذين يبصمون على تلك المشاريع الخاصة بشعبنا وعلى ورقة بيضاء إنقاذا لرقبته , وما كان الجانب الكردي مثلا ليغفر له مشاغباته على مشروع الحكم الذاتي المقترح ولا اعتقد انذاك ان الائتلاف الشيعي او التجمعات السنٍية كانت ستجد مُتسعا لمقاومة الرغبة الكردية وهدر الوقت في الدفاع عنه. اما الحديث عن الدار وقطعة الارض فانني اعتقد ان معايير النزاهة في العراق وخاصة خلال العقدين الاخيرين تُصنٍف المسؤول او الوزير الذي يخرج ( من المولِد ) بدار وقطعة ارض في مرتبة متقدمة من معايير النزاهة إن لم تضعه في القائمة النظيفة فيها , بل في المعيار العام الدارج يعني خروج هذا الوزير بدار واحدة وقطعة ارض انه يستحق درجة متدنية  في ( سُلم الشطارة ) . ليست هذه دعوة لتشجيع الفساد بل مقارنة نسبية بالواقع الذي نعيشه , كما ارجو ان لايضع البعض هذا في باب الدفاع والانحياز الى الحركة الاشورية وسكرتيرها بقدر ما هي اراء شخصية بحتة  في المناقشات الدائرة بين اوساط شعبنا . اما حديث الاستاذ جميل روفائيل عن شخصه الكريم فلا اعتقد انه بحاجة له , لان شعبنا يعرف جميل روفائيل كما يعرف هو شخصيا عن ذاته مذ اختاره شعبنا حصة له ولم يعد ملكا خالصا لنفسه .

انني ارى في تصريحات السيد يونادم كنا العكس تماما , بل يمكن ان تكون ارضية لبناء قواسم مشتركة طالما ان السيد كنا يرى كل حقوق وامتيازات الحكم الذاتي هي تحت مُسمًى الادارة المحلية , واعتقد ان كل الذي يطلبه السيد يونادم كنا من الاخرين هو الاداء والقرار المستقل الذي لايلبي سوى اجندات شعبنا , ولايمكن لكائن ما ان يقول ان القرار  والاداء المستقل مع الحكم الذاتي هما اشبه بمعضلة البيضة والدجاجة فلايعرف من يتقدم منهما عن الثاني , بل هنا الحكم محسوم بالدرجة القطعية لقرار واداء مستقل , اولا , ليتم عليه بناء حكم ذاتي ( ادارة محلية ) على اسس سليمة .

وفي كل الاحوال نرى لزاما التنبيه في الختام الى ان استهداف السيد سركيس اغاجان ليس الطريق الذي يتركنا نتذوق ( زلابية ) الادارة المحلية , كما ان حرق السيد يونادم كنا ليس الكفًارة الواجبة الدفع والتي تجعل ايادينا تغرف من ( قوزي ) الحكم الذاتي .




34
نكتب ما نؤمن به وليس ما يُسعِدُ الأب الفاضل

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يبقى ( الإسقاط ) احدى الظواهر التي حاول الاخصائيون في علم النفس والطب النفساني معالجتها بالدراسة والتحليل , ولكن يبدو ان ( الإسقاط ) يتحول حقا الى ظاهرة خطيرة عندما يُصٍرُ شخص  ما على إستخدامه , بوعي تام , متوهما بانه يحقق المخرج الأمن من المأزق الذي وضع نفسه , مُخيًرا , فيه . وهنا تكمن بالتحديد لبًُ المعضلة التي يعاني منها الاب الفاضل عمانوئيل يوخنا , مع شديد الاعتذار لشخصه , فهو على الدوام يصطدم بنفسه وبالقارئ , بورقته وقلمه , نتيجة وقوعه اسيرا في غرام الشخصنة , مولعا بها , مُتهما في نفس الوقت الاخرين بارتكاب الفاحش معها . عجبي , ان يشعر بالضجر مَنْ يحسب انفاس الاخرين عندما يطلب منه احدهم ان يسحب شهيقا عميقا ويطرح زفيرا معتدلا !.  لكي نكون واضحين مع الاب الفاضل ونضع النقاط على الحروف ردا على الجزء الاخير من مقاله الموسوم ( لنتحاور في قضايانا ) , نقول اولا ان القارئ الكريم وابناء شعبنا الذين يتابعون مايُنشر على المواقع الالكترونية واجهزة الاعلام الاخرى هم الحكم والفيصل في قياس درجة استقلالية وحيادية كل كاتب , لان الاستقلالية والحيادية تبقى نسبية تؤشر المواقف وتحكم عليها سلبا او ايجابا , يمينا ويسارا , دون ان تفقد بوصلة الاعتدال , بينما تكون الاستقلالية والحيادية المطلقة إبحارا في بحر الضبابية والعمومية ومحاولة حثيثة للسير بجانب الجدار , في حين يكون الانحياز والتحزب المطلق ضربا من ضروب القفز على حقائق الواقع وحكما يفتقر الى الدقة . وهكذا اؤمن يقينا ان الاب الفاضل عمانوئيل يوخنا , وهو المتابع المواضب كما يبدو لما نكتبه , يعرف حقا اننا لانمتلك عقدة شخصية مع احد , ومستقلون واحرار في ارائنا , وقررنا ( الترمٍل السياسي ) منذ زمن طويل بقناعتنا التامة وبمحض ارادتنا , وليس في بالنا ان نضع سعرا للمزايدة على قلمنا , واختلافنا مع هذا او ذاك هو اختلاف على الموقف السياسي ليس إلا , والاب الفاضل يتذكر جيدا انني  ,وبمنتهى السعادة والاعتزاز, ارسلت الى شخصه رسالة من خلال بريده الالكتروني مهنئا بمناسبة تكريمه من قبل منظمة حقوق الانسان , ولم اكن اجامل بقدر ماكنت اقصد في المعنى كل كلمة وردت في الرسالة , كما ان الاستاذ الفاضل والاخ العزيز تيري بطرس يتذكر جيدا رسالة التحية التي ارسلتها الى شخصه اشارة الى التقدير والتثمين لمقال كان قد نشره وقد وجدت فيه افكارا تضعنا على الطريق الصحيح. ان مشكلة ( النخبة ) تكمن في انهم ينظرون الى الاخرين , انهم تلاميذ يجب ان يعتمدوا نظامهم الصارم في ( التغذية المدرسية ) فيتناولون ما يُقًدم لهم ويتغذون به ثم يعيدون تلقينه كالببغاء , ليستحقوا بعد ذلك ان يغرفوا ما استطاب لهم من ( العفْيات ) . اما المتمرد الذي يحاول الاقتراب من ( الحجر الاسود ) , ويقول مالايناسب ( جيمس بيكر ) فهو يتكلم هراء , والويل كل الويل له , ولابد من معاقبته باصدار فتوى هدر افكاره وارائه تحت راية اتهامه بالشخصنة !. تقول بعض الاساطير العربية ان اصل كلمة ( اخ ) جاءت من الفعل اللا إرادي الذي يقوم به الانسان عندما يتعرض الى موقف او مصيبة او ألم , فيذهب صائحا ( أخ ) . وهكذا يبدو ان الاب الفاضل عمانوئيل بيتو قد تخيًل صدى ( أخ ) تصل اليه من اربيل الى المانيا , إثر مقالنا قبل شهور والموسوم ( نمرود بيتو وسهل نينوى , وهب الوزير مالايملك ) , فوجد نفسه يتعهد بالانتقام , وهكذا اعتاد بعد نشرنا ذلك المقال ان ( يُدعْبل ) في كل ما ينشره لاحقا مايُشير الى انه يُسدد قسطا من فاتورة الانتقام , هنا لا انكر حقًه في فعل ذلك , فاذا لم ينتقم الانسان لاخيه فلمن يفعل ذلك ! , ولكنني لا اتمكن ان انسى اننا جميعا قد اصبحنا بنفس القدر اخوته وابنائه بحكم الكهنوت السامي الذي يحمله !, ناهيكم الى اننا , كشعب , نفتقر الى غريزة الانتقام اصلا .

يعتب علينا الاب الفاضل عمانوئيل يوخنا اننا وصفنا ماجاء به من الحجج بشأن الحكم الذاتي بالسطحية في الطرح والتناقض والانتقائية والدوران حول الحلقة وافتقاد الجرأة على ملامسة الجوهر , وقد غاب عن الاب الفاضل انه وفي مقاله الاخير , موضع الرد , قد اضاف الى ذلك حجتين جديدتين تؤكدان حكمنا السابق , الاولى تتمثل في ( البرهان الساطع ) الذي يقول فيه الاب الفاضل ان عدم وجود الحكم الذاتي في مسودة دستور اقليم كردستان دليل على بطلان مزاعم البعض في ان المشروع هو كردي المنشأ , ان هذا الطرح يقود بما لايقبل الشك الى واحدة من حقيقتين , الاولى هي النظرة الدونية الى المتلقي انه طفل في روضة السياسة معزول عن العالم المحيط , والثانية ان المتلقي حاذق وفطن لحركة الواقع وان الاشارة القادمة تحمل من السطحية في الطرح ما يرقى الى مستويات قياسية . هدف هذا البعض , وكما قلنا سابقا , انه يرى غايته في دفع الاخرين الى الزاوية الحرجة ليقولوا حقيقة يفهمها هذا البعض جيدا عسى ان يحقق قولهم للحقيقة عنصر التصادم مع الجانب الكردي , وتلك لعبة لن يرحم التاريخ اطلاقا ( ابطالها ) على عواقبها الشخصية والمؤسساتية , لاسمح الله . ان دعم الاخوة الاكراد لشعبنا في مطالبه واهدافه بصورة عامة بمافيها الحكم الذاتي , بالشكل الذي يختاره شعبنا , نقول ان هذا الدعم هو جهد يستحق كل التقدير ولكن بعض المراقبين وفي الجهة الاخرى ولأجل صقل المعادن , كانوا يتمنون ان تسحب القيادة الكردية يدها , فقط للتجربة , من الحكم الذاتي المطروح , لنرى  كيف سيتغير مغيٍر السرعة ( الكير ) لدى القسم من ركاب موجة الحكم الذاتي . ان اعادة نشر مسودة دستور اقليم كردستان التي اشرنا اليها سابقا يؤكد مانقوله , فاعادة نشر المسودة في الزمن الحاضر يؤكد على شرعيتها حاضرا , علما بان هذه المسودة هي قيد التعديل , كما يشير الاب الفاضل , ويعتبر اعادة نشرها بصيغتها القديمة , وهي قيد التعديل , تهميشا لعمل اللجنة المكلفة بذلك وبمطالب اعضائها . ألم يكن حريا بممثل شعبنا في هذه اللجنة وباقي الاحزاب المعروفة ان يصدروا بيانا يُعبٍرون فيه عن موقفهم تجاه اعادة نشر المسودة قبل ان تُنجز التعديلات الاخيرة عليها , كما اصدروا سابقا بيانات بسرعة البرق على مواقف وقضايا اخرى , أم ربما يرى هؤلاء ان مطاليب شعبهم ليست مهمة بهذا القدر فتتقدم عليها مصالح اخرى !.

الحجة الاخرى التي جاء بها الاب الفاضل هي وجود سقفين من المطالب وان الدستور سيتبنى احداهما وهكذا فان السقف الادنى سيعيق السقف الاعلى ! . اذا كنتم ترون ان اصحاب السقف الادنى ليسوا إلا ( شرذمة صغيرة ) معزولة جماهيريا محدودة النفوذ وان الناس تدخل في دين الحكم الذاتي , الذي تهدفون اليه, افواجا واسرابا , فلماذا الخوف والخشية من السقف الادنى , اما اذا كنتم تقبلون من الاخرين ان يعاملوا شعبنا , في اهدافه ومطاليبه , على اساس  انه رغيف خبز, لهم الحق في انتقاء ( الحار والمكسًب والرخيص ) فيه , فعلى ذلك يضع المرء على علاقاتكم الغير متكافئة الف علامة تعجب واستفهام . انني في الوقت الذي ارى ان على الحركة الاشورية مراجعة موقفها ازاء قضية تثبيت الحكم الذاتي في الدستور العراقي وفي دستور الاقليم كمطلب عام , ارى في الوقت نفسه ان دعوة بعض الاطراف وبالحاح الحركة الاشورية الى الإنخراط كليا في مشروع الحكم الذاتي بشكله المطروح ليس بدافع الخشية من اعتماد السقف الادنى , بل يعبر عن المأزق الحقيقي لهذه الاطراف عندما ترى امامها ان الاستمرار في هذا المشروع وحتى النهاية سيتركها تتحمل المسؤولية التاريخية لألياته ونتائجه بمفردها , اما الاخفاق فيه فسيؤدي ايضا الى تقييد الفشل لحسابها فقط , ولذلك فهي تبحث في الحالين عن شريك يقاسمها المسؤولية اوالفشل . ان مشكلة دعاة وانصار الحكم الذاتي انهم لازالوا يختلفون على صيغة الحكم الذاتي والياته فكل طرف من اطرافه يغني على ليلاه , ويطالبون في الوقت نفسه من الاخرين موقفا محددا . صحيح جدا ان الاستاذ الفاضل جميل روفائيل قد نقل إلى شعبنا , مشكورا , معنى الحكم الذاتي كما فهمه من الاستاذ سركيس اغاجان , وهي صورة مشرقة للحكم الذاتي , لكنني شخصيا لم اتمكن لحد الان ان اتصور كيف سيتمكن الاستاذ سركيس اغاجان من التوفيق بين الالتزامات التي وردت في مقال الاستاذ جميل روفائيل بشأن اليات الحكم الذاتي الذي يهدف اليه , وبين اليمين الذي اقسم عليه كوزير في حكومة اقليم كردستان والذي ينص على المحافظة على وحدة ارض وشعب كردستان العراق !

مرة اخرى يتهمنا الاب الفاضل بتقويله مالم يتفوه به , ان الاب الفاضل وفي غمرة انتشائه بإطلاق العنان لمشاعر القلب على حساب لحظات استرخاء في اجهزة الجسم الاخرى يعود ليحاسبنا على تسجيلنا تلك اللحظات لاحقا . وهكذا فهو يعاتب  في اننا كتبنا انه اتهم الاستاذ يونادم كنا في انه احد اسباب الخلاف الكردي – الكردي , واعتبر الاب الفاضل هذا تجنيا وتقولا غير دقيق على الاطلاق . يا أبتي الفاضل , عندما تقول وبالنص ( ان السيد يونادم كنا كان اداة اليكتي في ساحة البارتي ) فهل كنت تقصد ان يونادم كنا كان ساعي بريد ينقل رسائل الحب والغرام بين الطرفين , أم انه كان ينشر الوئام والسلام بينهما ؟!. ان من اعتاد على ان يقتات من الصراع بين ( اليكتي والبارتي ) , حسب قولكم ايها الاب الفاضل , لابد انه كان حريصا على ادامة نيران الصراع ضمانا لخبزه ! . لا اريد ان اقول شيئا بل اترك للقارئ الكريم الحكم في ذلك , فقد وجدت ان ماجاء به الاب الفاضل في النص اعلاه , واستنادا الى تقييمه العام للسيد يونادم كنا , تتيح التفسير على انه احد اسباب الخلاف الكردي – الكردي , ثم ايها الاب الفاضل عندما تقول ان السيد يونادم كنا عمل ويعمل على تأليب المهجر الاشوري ضد الشعب الكردي والقيادات الكردية ومصالح الشعب الكردي ومبدأ الشراكة معه . فكيف لايحاول ايضا , ومن اجل الاهداف التي ذكرتها , الى تفجير البيت الكردي من الداخل وتعميق الخلاف بين اطرافه ما استطاع الى ذلك سبيلا !. لقد كنتم كريما مع الرجل في لائحة الاتهام فمابالكم تبخلون عليه ( بتهمة  صغيرة ) هي تحصيل حاصل ولاتقدم ولاتؤخر ! اما مسألة الاهتمام بمصير الشعب والاداء الفاشل لللاعب السياسي فهي نصيحة ثمينة نتمنى ان تلقى صدى لدى الجميع وفي المقدمة منهم اؤلئك الذين خرجوا صِفْر اليدين من التصفيات الاولية في مسابقات سابقة وشملهم الزحف بأبهى صوره !

ويتهمنا الاب الفاضل بالافتراء ثانية بسبب القول انه قد مارس الانتقائية في معالجة موقف المراجع الكنسية من الحكم الذاتي . ان الاب الفاضل يعرف جيدا ان اية معالجة دقيقة لموقف الكنيسة من الحكم الذاتي تستلزم التعريج على مواقف جميع فروعها , سلبا او ايجابا , واعني هنا الكنيستان الكلدانية والسريانية , بقسميها , اضافة الى الاشورية بشقيها , اما اذا كان الاب الفاضل مقتنعا في ان جزءا من الكنيسة الاشورية فقط , علما بان قداسة البطريرك ماردنخا قد طالب بالحكم الذاتي وفق الية تختلف عن التي يدعو اليها الاب الفاضل , هي التي تؤيد فقط المشروع , فان ذلك يضع انصار الحكم الذاتي في موقف محرج حقا كون ثقل كبير جدا من الكنيسة سيكون محسوبا , استنادا الى معالجة الاب الفاضل , على انه جهد متحفظ او مضاد للحكم الذاتي . ان الاب الفاضل يعرف جيدا انه قد مارس الانتقائية في هذا الشأن مُجبرا وليس مُخيًرا , لانه يكتب باسمه الصريح وهو احد كهنة احدى الكنائس ويريد ان يُجنٍب نفسه المساءلة القانونية والاخلاقية الناجمة عن التعرض او حتى التحدث عن مواقف مراجع كنسية لايأتمن الى ردود فعلها , فغالبا ما يلجأ الاخوة الاعزاء في ( النخبة ) الى الكتابة عن هذه المواقف باستخدام اسلحة الاسماء المستعارة كما حدث قبل اسابيع في التعرض لنيافة الحبر الجليل لويس ساكو مطران كركوك للكلدان .

لايسعني إلا ان اقدم الشكر الجزيل للاب الفاضل عمانوئيل على قراره الرشيد باضافة ملحق بمقاله الاصلي يتضمن اقتباسا كان جوابا على سؤال عن الحكم الذاتي في سياق استضافة لي في موقع ( مجالس حمدان ) , داعيا الاب الفاضل الى العودة الى مقالات كثيرة وبرامج تلفزيونية عديدة ليتأكد بأُمٍ عينيه بانه هو ذات الموقف نكرره على الدوام , وبإمكانه الرجوع الى الاستاذين العزيزين جبرائيل مركو وشمشون شابا حيث جمعتنا معا برامج تلفزيونية واعلنت هذه المواقف على الهواء مباشرة , فهذا الموقف بالذات ليس افرازا لتطور الحوار مع شخصكم الفاضل , ولايصح ًُ تجييره لحسابكم كما جرت العادة , دون ان انفي فائدتي , في ملاحظات اخرى , من هذا الحوار.


بقيت نقطة اخيرة أبت خلال هذه الايام ان تفارق مخيلتي من هول الدهشة التي اصابتني وانا اقرأ للاب الفاضل في خاتمة مقاله وهو يدعو القارئ الكريم للمقارنة بين اسلوب مقال لي في الرد على الاخ عمانوئيل خوشابا وبين اسلوب المقال الاصلي و ( رزانته ) والذي حمل توقيع السيد خوشابا , فكانت صدمة حقيقية لي لم اتوقعها على الاطلاق ان تلجأ شخصية ذكية ماهرة ذائعة الصيت بين صفوف شعبنا مثل الاب الفاضل عمانوئيل يوخنا الى المدح والاطراء على مقال كان له شخصيا , على الاقل , اليد الطولى في كتابته , إن لم يكن أب المقال بلا منافس !. والاب الفاضل يعرف قبلنا , بل وينبغي ان يُعلٍمنا , ان مدح النفس وإطرائها يقود الى نتائج عكسية كارثية .

وختاما , ولأن خلفيتي العلمية الفيزيائية لاتمنحني منجما للبركات او حتى صلاحية توزيعها , فانني اتوجه بكل صدق الى الاخ العزيز والاب الفاضل عمانوئيل يوخنا ان يُصلًي الى الرب , له المجد , من اجلنا جميعا , ويستغفر لنا وله  .ويسأله ان يهدينا جميعا سواء السبيل لما فيه خير شعبنا , ويمنحنا القدرة ان نجاهر دوما بالحقيقة والحق , سائرين على خطاه , له المجد , مَنْ كان دائما يبتدأ تعاليمه قائلا , الحقً الحقً اقول لكم . .

35
الحكم الذاتي والحُبْ والغرام ايام زمان

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

مع التقدم في مراحل الدراسة الاعدادية , وبدايات وقوفنا امام المرأة لقيادة شفرة الحلاقة وهي تنجز دورتها حول الوجه , اتذكر اننا جميعا كأصدقاء , قد وضعنا اقدامنا على عتبة فصل جديد في الحياة , فأصبحنا نشعر بالخجل والحياء من افتراش الازقة والطرقات , ونحن نلهث ونصيح ونُعربد حول كرة نالها احدنا من ابيه في لحظة حنان خاصة . اتذكر وقتها كيف اصبح السشوار ( مجفف الشعر ) لجميعنا جزءا من العِدًة , فنرتٍب حالنا ونعير اهتماما مضاعفا بملابسنا وننتظر ساعات العصر على أحرٍمن الجمر لنتجول في القرية ونمرً على ( اوكار الأحبة ) . كُنًا مجموعة تزيد عن الخمسة وتنقص عن العشرة , ويعرف كل فرد فيها وكر زميله من احمرار الوجه وشرود الذهن اثناء المرور بمحاذاة دار من وجدها حبيبة له . وكان من الشهامة والوفاء والصداقة الصادقة ان يحرص جميعنا على التثاقل في خطواتهم قبل الوصول الى احد الاوكار وبعدها بقليل عسى ولعلً صاحبنا المسكين يفوز بنظرة تكفيه لمعيشة شهر!. اما اذا رغبنا ان نتأمر ونشاغب على احدنا فكان ذلك بحثٍ الخطوات سريعا لنسمع بعدها من المتضرر معزوفة رائعة من الجمل المفيدة يَصفُنا بها! . كان الحال هذا يستمر لساعات ونحن أشبه بالباص الذي يعرف خط مسيره ومحطاته ويعيد ذلك مرات ومرات . كان فلم الجمعة الذي اعتاد انذاك التلفزيون على تقديمه في الساعة الرابعة عصرا , وخاصة في فصل الشتاء , يثير حِنقنا وحقدنا على التلفزيون وادارته , لانه كان يعني ببساطة خسارة يوم في برنامجنا , حيث كانت دوراتنا وتجوالنا وجهدنا في ذلك اليوم يذهب سدى , فتنكسر أرجلنا , ولاطير في الشارع  ,ولاعصفور على الباب , فالكل حول المدفأة في الداخل يشاهدون فلم الجمعة اللعين !. وفي احد الايام جائني احد اصدقاء العمر, فرحا مُستبشرا , قلبه يسبق خطواته , يطلب المشورة , وقد كان الجميع يعتقد بانني مستشار عاطفي امين ومحل ثقة. قال لي صديقي وريقه يكاد ينشف ان حبيبة العمر قد ضحكت له . مرحا , بشوشا , سعيدا , قال ( ضِحْكَتْلي ) . وقد جلس طويلا مع نفسه يناقش ويحلٍل شكل الضحكة وعرضها وظرفها في الزمان والمكان ومغزاها واهميتها , و وصل الى قناعة بان طريقه معبد بالورود والضحكات , وحبيبة قلبه ليست نائمة في قصر مرصود وبعيد!. وهكذا قرر صديقي ان يتقدم خطوة اخرى و يصارحها بحبه البرئ والصادق , وطلب مني المساعدة في هذا الشأن . كيف لي ان اردً صديق عزيز في امر يقول الناس ان أجره عظيم , أن تجمع رأسين على مخدة واحدة , بالحق وبما يُرضي الله , قد يعادل عبادة ألف شهر! . وهكذا بحثت عن الفرصة المناسبة لكي اوصل الرسالة , بل وأُرفقها بتزكية شخصية تصف حال صديقي وصدقه في مشاعره , وكانت المفاجأة ان صاحبة الشأن قد وجدت الامر حقا مفاجأة لها , حيث لم يكن اطلاقا في بالها وحسبانها , كما انها لم تترك خيطا بسيطا من الامل في انها ستعيد التفكير في ذلك . عُدت الى صديقي الذي كان ينتظرني كما ينتظر الطفل قطعة الحلوى واخبرته ( بالحقيقة المُرة ) , فاحسست في ردة فعله انه قد اصبح لايُطيق الحلوى و يلعن الحقيقة التي جاءت بها !.

حال الاخوة الاعزاء المتحمسين للحكم الذاتي , كما يفهمونه ويسعون اليه , يكاد يكون شبيها بحال صديقي المسكين المشار اليه في السطور اعلاه . فهؤلاء الاخوة ينقسمون الى صنفين , الاول هو ( صاحب الضحكة ) والمُستهدَف فيها , والثاني ليس له حصة فيها , بل وجد , في خياله , احدى حواسه الخمس تشهد عليها , وكان اشد مغالاة من الصنف الاول في معالجة تلك الضحكة وبناء مجموعة من القصور الرملية عليها . وهاهم جميعا اليوم , حيث يقتربون من الاصطدام كما اصطدم صديقي , بالحقيقة الدامغة , يكررون رد الفعل نفسه في رفض الحلوى والحقيقة , من خلال هجمة شرسة لم تُبقي من الاوصاف وصفا , ابتداءً بالقصور والضحالة , ومرورا بالكذب , وانتهاءً بالتخوين . ان الاخوة من انصار الحكم الذاتي , بالشكل المعروض , مدينون بالشكر والتقدير لكل الرافضين له والمتحفظين عليه , ويقينا ان لحظة نكرانهم للذات ستجعلهم , على الاقل مع انفسهم اذا افتقدوا الشجاعة في اعلان ذلك على الملأ , يعترفون بالدور القومي والوطني المسؤول الذي اتخذه المعارضون والمتحفظون وتحمًلوا من اجله كل اشكال التعيير والتهميش والاقصاء , حين قرروا رغم كل هذا , الصمود والبقاء اشارة حمراء تمنع انزلاق من استطاب الانزلاق . ان دعوة الاستاذ الفاضل جميل زيتو رئيس المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري قبل ايام ومطالبته رسميا بتثبيت حقوق شعبنا في الحكم الذاتي في سهل نينوى ( كما جاء في نص الخبر ) , يضاف الى ذلك انحسار واضمحلال واضح لدى انصار واجهزة اعلام الحكم الذاتي في استخدام عبارة ( في مناطقنا التاريخية ) لصالح بروز الدعوة اكثر  تجليا ووضوحا الى اقامة الحكم الذاتي في سهل نينوى فقط , كل هذا يعيد هؤلاء الى المربع الاول الذي حاولوا دائما القفز منه , عندما قلنا مرارا وتكرارا ان مشروع الحكم الذاتي بالصيغة التي يطرحونها هو مشروع مفصًل اساسا على مقاسات جسم سهل نينوى وفق شروط محددة , بل ويُعرٍض اساسا مصداقية الداعين اليه الى الاهتزاز , كونهم كانوا يرفضون حتى وقت قريب حقائق المربع الاول جملة وتفصيلا , حتى ان احد الاخوة الاعزاء المتحمسين جدا للمشروع قد قال لي ونحن نحتسي كوب القهوة بعد انتهائنا من برنامج تلفزيوني حول شعبنا , قال بالحرف الواحد , ونقلا عن قيادة مشروع الحكم الذاتي ان المطالبة بسهل نينوى فقط لايحقق على الاطلاق طموح شعبنا !.  نحن هنا لاننكر حق السياسي في التكتيك والمناورة والتكيٍف مع الواقع المتاح , ولكننا في الوقت نفسه نتعامل مع مصير شعب وحياة ابنائه كما مع حقائق كانت ولازالت واضحة جلية . 

اذا كان اصحاب الضحكة الاصليون , ولايمكن ان يُنكر صدقهم وجهدهم لصالح شعبنا , قد اختبروا الضحكة التي اتجهت صوبهم و استهدفتهم , وادركوا انها ( ضحكة اعلامية هوائية ) ومن الصعب تحويلها الى ( ضحكة دستورية ) , واعادوا تقييمها بما يؤدي الى علاقة واقعية متوازنة بنمط جديد يسودها كل عناصر الرغبة الصادقة في افضل علاقات التعايش والمصالح المشتركة , وقرروا في الوقت نفسه البحث في الية جديدة لهدفهم الطموح في الحكم الذاتي او الادارة الذاتية لابناء شعبنا في سهل نينوى انطلاقا من استبيان رغبة اهل السهل وتأهيله اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ليكون بؤرة اشعاع وعامل توازن ومنطقة تعايش مشترك وواقعا مقبولا من الجيران , يرون فيه جميعا عربا واكرادا مبعث فخر ومصدر قوة لهم , على ان تُترك مسألة تحالفاته الستراتيجية او اندماجه واتحاده مع الاخرين للمستقبل بعد انجاز مراحل متقدمة من التأهيل , فان كل ما تقدم هي مؤشرات ايجابية اذا تم تأكيدها بالاعلان الصريح والاعتراف بصواب الاخر في احكامه وتقييمه , حيث ربما ستمنح هذا الاخر فرصة اعادة تعيير موقفه للبناء على القواسم المشتركة الجديدة . 

بقي ان اهمس في أُذن الصنف الثاني , الذي ركب موجة الضحكة السابقة وصال وجال ولازال بها , ووصل بنا اخيرا الى اخر إكتشافاته في ان سهل نينوى هو ( أصلع قوميا ) والحلاقين الذين يتواجدون فيه هم حلاقون مبتدئون ( نصف ردن ) , فاقول لهم , ان اهل سهل نينوى يرون انهم قد جسًدوا طوال هذه الفترة وبشكل رائع دور ( إبن عمْ الخيًاط اللي خيًط بدلة العرس ) , وهم هكذا بالنسبة للسهل تأثيرا ووجودا.
حتى الخيًاط الماهر يبدو قد سئم من هوساتهم وهلاهلهم فقرر العزوف عن إكمال خياطتها!.

ملاحظة مهمة جدا

لكي لايزيد رصيدنا في تقويل الاخرين والتجني عليهم , حيث نملك وكما يقول الاب الفاضل عمانوئيل يوخنا رصيدا في هذا لايحسدنا , مشكورا , عليه ولانريد ان نحطٍم الارقام القياسية فيه  ! , فان الرابط التالي

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,217895.0.html


 يشيرالى نص التصريح الذي صرًح به الاستاذ الفاضل جميل زيتو حول مطالبته بالحكم الذاتي لسهل نينوى ونشره بالنص في موقع عنكاوة الاستاذ العزيز جبرائيل مركو مسؤول مكتب اوربا للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري , وكنت ايضا قد سمعته بالنص من قناة عشتار الفضائية في احدى نشراتها الاخبارية كما شاهدته ايضا على موقع قناة عشتار . وقبل ارسال هذا المقال ولاجل توخي الدقة والتأكيد عدت للبحث عنه في موقع قناة عشتار ففوجئت بوجود الرابط التالي
http://www.ishtartv.com/news,3928.html

وهو يتضمن نصا مختصرا يختلف عن النص السابق . فلا ادري إن كان هذا يعني عدم وضوح في الموقف ومكاشفة وصراحة كاملة في البرنامج والنوايا لحد الان ؟ !, علما ان الاستاذ الفاضل حبيب تومي وفي مقاله الاخير الموسوم ( لقائي مع الاستاذ سركيس اغاجان وحديث على نار هادئة ) في الرابط التالي
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,217665.0.html

يشير صراحة , وهو كاتب معروف يعي مسؤولية مايكتبه , الى ان  الاستاذ سركيس اغاجان ( تتمحور اماله في ان ينال شعبه الحكم الذاتي على رقعة جغرافية من ارض العراق وتحديدا في سهل نينوى ) .

36
الى المُصابين بِعُقدة ( زَوْعا ) مع التحية
الجزء الاخير
د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

اتمنى ان يكون القارئ الكريم وابناء شعبنا قد حققوا بعض المتعة والراحة خلال الايام الماضية , مع اصدق الامنيات في ان تكون حياتهم بكل ايامها كذلك , واعتذر جدا لهم كوني اعود من جديد لدعوتهم الى مطبخ شعبنا , بإشكالاته وروائحه واصواته , فنحاول معالجة النقطتين الباقيتين في موضوعنا , وهما الاستاذ يونادم كنة ودور المؤسسات الكنسية . أملي كبير بالاخوة الاعزاء الذين قرروا الرد على الموضوع ان لايبخلواعلى انفسهم بقدح ثقيل من القهوة قبل الكتابة ,فتأتي ردودهم كما عهدناهم واعتدنا ان نقرأ لهم , سليمة في اللغة خالية من الشطحات , متينة في الاسلوب تصفع الركاكة , لامًة للفكرة غير شريدة .

الاستاذ يونادم كنة , مالَه وما عليه:

ليس السيد يونادم كنة , السياسي الوحيد , في العراق وفي الشرق الاوسط عموما , الذي يلعب دور الشخصية المحورية او ( الداينمو ) التي ترقى الى دور الشخصية القيادية التاريخية في حياة الحركة السياسية التي يُمثلُها او يتزعمها , فالواقع السياسي العراقي , او المناطقي بشكل عام , يؤشر امثلة لا تُعدًُ ولاتُحصى على ذلك . ومادام الاستاذ يونادم كنة يؤدي هذا الدور بالشكل الذي ينال إعجاب مناصريه , وحَسَد حُسًاده , وحنق خصومه , فان ذلك يعني ببساطة انه لم يغتصب الدور اغتصابا ولم يُمنح له تفضًلا ومِنًة , بل انتزعه انتزاعا نتيجة مؤهلات شخصية يمتلكها وجهد مُسجًل له  ,فكان كل ذلك مدعاة لقناعة من قرر , كمجموع , وضعه في الواجهة , تأييدا , اوغيرة , او نقدا . لانجانب الحقيقة اذا قلنا , ان اي حكم مُنصف وعادل يهدف الى تقييم رجال السياسة في عراق اليوم , سيمنح السيد يونادم كنة مرتبة متميزة كسياسي متمرٍس متحضٍر يعي شروط اللعبة وقوانينها , بغض النظر عن اصابته او اخفاقه في جولاتها. وعلى هذا الاساس لايُعقل اطلاقا ان يقوم سياسيً متمرٍس , كالسيد كنة , ذاق طعم العمل السياسي في ايامه السوداء والرمادية والبيضاء , الى إلقاء الكلام جُزافا , كما انني اعتقد ان هؤلاء الذين يحاججون السيد كنة على اقواله يدركون قبل غيرهم المغزى الدقيق من تلك الجمل والاقوال ويعرفون حقا على اي الاوتار تعزف , فهم يعرفونه افضل من غيرهم , بل بات اختصاصهم الدقيق ! , ولكنهم قرروا , لغاية في نفس يعقوب , ان يتنازلوا من عليائهم وابراجهم العاجية ليُمثٍلوا , وفي هذه فقط , دور الطالب الباحث عن الاستزادة في العلم والمعرفة , فهم يعتقدون انهم يمتلكون القدرة على تعليم شعبنا كل شئ  , لكنهم وجدوا انفسهم حائرين , يضربون اخماسا باسداس , يريدون تنويرا  ,فقد نفذ زيت مصابيحهم , فقط , عند مقولة السيد كنة عن الحكم الذاتي من الخارج !

عندما نتمعن في التهم الرهيبة الموجهة الى الاستاذ يونادم كنة , ينتابنا شعور بالتقزز الممزوج بالشفقة , ورغبة عنيفة في التساؤل , هل ان الاب الفاضل , و بعد ان فرَغ من تسطير هذا الكم من التهم , قد بسط يداه وتلا الصلاة الربانية ترحًُما على الفقيد ( لاسمح الله ) ام إستغفارا لنفسه ؟! , أم ان الصلاة الربانية بالكردية تختلف عن نظيراتها في السريانية واللغات الاخرى من حيث الجوهر والمحتوى ؟! , فهذه التهم وكما يقال بالعراقي ( مال أخ لأخوه  !) , تؤدي كل منها , على اقل تقدير , الى الاعدام السياسي والمعنوي والشخصي . ( نحمد الله ونشكره ان قضاة المحكمة الجنائية المركزية لايدخلون الى مواقع عنكاوة وقناة عشتار وتلٍلسقف ! ) .
 الاخوة الاعزاء , كما ينطق بإسمهم الاب الفاضل , يتهمون الاستاذ كنة  بالعمل مع مخابرات النظام السابق , والتأمر مع التيار العروبي , حاليا , واعاقة تنفيذ المادة 140 , وانه سبب للخلافات الكردية – الكردية , وتعبئة المهجر الاشوري ضد القيادات الكردية , وضد عموم الشعب الكردي , وضد مبدأ الشراكة الوطنية معه , هذا ناهيكم عن التهم الخاصة بشعبنا , والمتمثلة , في اقصاء غير الموالين , وإجهاض الحكم الذاتي , والسلوك التقسيمي في مؤسسات شعبنا , وشق كنائسه و الخ .
بحقٍ السماء ومن يتربًع على عرشها , له المجد , ماذا يقول احدنا و الاخرون عندما يعرف  ان رجل دين في شعبنا , وليس غيره , قد سطًر لائحة التهم اعلاه ؟!. والطامة الكبرى انهم يشعرون بالظلم لان الحركة الاشورية , كما يعتقدون , تعتبر كل من لايساير خطًها على انه غير وطني وغير قومي وخائن , فالقانون الذي يسري بالنسبة لهم يقول ( أدينوا ولاتقبلوا ان تُدانوا )! . حتى اذا كان هذا صحيحا فهم يُدركون حقا ان الحركة الاشورية لاتملك ان تشكوهم في إدائهم هذا إلا لله , والشكوى لغير الله مذلة , ثم تُعاتب , بمحبة , شعبها فيهم . بينما هم ينبشون على الحركة ويشكون عليها , ليل نهار , في جلسات تقديم الفروض , حتى وصل الامر بهم الى الغمز , بطريقة غير مباشرة , وتذكير القيادة الكردية بضرورة اتخاذ ردٍ فعل مناسب واعادة النظر في ( امتيازات السيد يونادم والحركة ومنحتها الشهرية الكبيرة من الحكومة الكردستانية ) !.

اننا نعتقد ان استهداف السيد يونادم كنة له ابعاد واهداف اكبر واخطر بكثير من التسقيط الشخصي البحت , وهنا تقع على السيد كنة مسؤولية جسيمة في ان يكون امينا , وفيا , لإرثه النضالي الشخصي , وديمومة الحركة التي قدم لها افضل سنوات عمره . ان هذا البعض يختصرعملية تهميش الحركة وسرقة دورها بالنجاح في ابتلاع السيد يونادم كنة . يفتح شهيته الى هذا , اعتقاده وتوهمه , في ان الاستاذ يونادم يمثل العقبة الكأداء واللقمة الوحيدة العصية التي لاضير في ان يُجهد البلعوم نفسه معها , فتنفتح بابتلاعها افاق الرقص الانفرادي في الساحة . هنا يكمن بيت القصيد في تقصير الحركة لحد الان وعدم ممارسة الاستاذ يونادم كنة لدوره المطلوب في تهيئة نسور اخرين ( من قيادة الحركة ) , والاخذ بأيديهم , وتدريبهم , وتقديمهم في الساحة الوطنية , على وجه الخصوص ,  اضافة الى ساحة شعبنا , ليمارسوا الدور الواعد الذي يضع حدا لاماني البعض من مخططه الميكافيلي البائس الذي يتلخص في ( أُضرب يونادم , تنهار او تتخلخل الحركة , أشغل الفراغ , اشرب كأس النصر ! ). ولذلك فانني اعتقد ان هؤلاء الذين يقودون مخطط استهداف يونادم كنة سيكونوا من اوائل الذين سيذكرون مناقبه وافضاله وايجابياته وسيذرفون الدمع عليه بسخاء اذا تمكنوا من تحقيق اهداف مخططهم !.

 اذا كان الكثيرون يرون ان السيد يونادم كنة قد ادى ويؤدي بنجاح دور ( جون قرنق ) لشعبنا في العراق , فان على السيد كنة مسؤولية كبيرة في الاطمئنان على الحركة في المرحلة اللاحقة , والاستفادة من الخطأ الذي وقع فيه ( قرنق ) , فتبعثر بعده الجهد ولم يتمكن خليفته من شغل الجزء الاكبر من الفراغ الذي تركه ( قرنق ) . ونحن هنا نتمنى له , كما لغيره , كل الصحة والعافية والعمر المديد , ولكننا نفهم ان الرجل السياسي , صاحب القضية , يتجاوز في أُفقه العمر الشخصي ليبقى هاجسه الافق التاريخي للقضية التي أمن بها والحركة التي ضحًى من اجلها . ان الامثلة العراقية , وخاصة الكردية منها , يمكن ان تكون اكثر جدارة للاستفادة منها في هذا المجال , فهاهو السيد جلال الطالباني قد اوشك على اكمال هذه المهمة من خلال السيدين كوسرت رسول على الساحة الكردية , والدكتور برهم صالح على الساحة الوطنية , وها هوالسيد مسعود البارزاني قد بانت تباشير مشروعه في هذا المجال منذ وقت ليس بالقصير , عبر طاقم متكامل يتقدمهم السيد نيجيرفان بارزاني رئيس وزراء الاقليم .   

اذا كان السيد يونادم كنة يعيش على الصراعات السياسية بين اللاعبين الكبار فان ذلك يُحسب له وليس عليه . لأن هذا ليس امرا غريبا , فهنالك دول وحكومات بكاملها تقتات على الصراعات بين الكبار . بل المهم في هذا ان يشعر المرء , وهو بين الكبار , ويتصرف هؤلاء معه , على انه النِد ذو الاستقلالية الواضحة , شريكا كامل الدسم , ممثلا شرعيا لعائلة كاملة بشهادة صناديق الاقتراع , وليس على اساس الابن الضال فيها , او البطارية النافذة التي وجدت نفسها مًثقلة بفواتير ديون اعادة شحنها . اما تحميل السيد يونادم كنة وحركته , مقدًما , مسؤولية فشل واخفاق هذا البعض في كل مشاريعه , فهو أشبه مايكون بوقوع فتاة في غرام الفارس الخطأ , في الزمن الخطأ , والمكان الخطأ , وبالاسلوب الخطأ . فتكتشف ان فرصة الالتقاء به ضرب من المستحيل , وتصيبها خيبة الامل الكبيرة . لكن كبريائها يمنعها من جلد الذات فتبحث , هنا وهناك , في الشارع وعند الجيران , بل وحتى في الكنيسة , عن شمًاعة لمصيبتها.

المؤسسات الكنسية :

ان الحديث في هذا الموضوع , وانطلاقا من اجتهادنا المتواضع , يتطلب التأكيد اولا في ان الصيرورة التاريخية لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري والواقع الراهن الذي يعيشه قد ترك الهويتان القومية والدينية وكأنهما وجهان لعملته الواحدة , وهكذا يُخطئ من يعتقد انه يؤدي خدمة جليلة لهذا الشعب بتقديمه , كهوية دينية فقط , وينسف الجهد  الجبار والتضحيات الجسيمة التي قدًمها ويُقدمها كل رموز استنهاض الشعور القومي. كما يرتكب ايضا المتطرفون في الهوية القومية خطأ فادحا عندما يضعون موجة الجهد القومي معاكسة تماما في الطور لموجة الجهد الديني فتأكل احداها من الاخرى ويكون ذلك على حساب الجهد الكلي لشعبنا. ان إلتقاء الموجتين في تداخل بنًاء يمكن ان يحقق ربحا كبيرا لشعبنا . ان على مؤسساتنا السياسية , التي لاتلزم الصمت امام اي انتهاك لحريتنا وحقوقنا الدينية , ان تُحفٍز رجال الكنيسة لكي يضعوا في سلًة مطاليبهم الحقوق القومية . لكن هذا لايعني ان نحرم رجل الدين , وبالتالي الكنيسة , الحرية في الاجتهاد , مثل الاخرين , بشأن صحة او عدم صحة المطلب القومي , زمانا ومكانا واسلوبا . ان تصفيق البعض لرجل الدين الذي يجتهد ايجابا مع مايرمون اليه من جهة , وتشغيل كل منبهات التحذير والانذار من  (الغضب الساطع ) الذي يمثله قدوم الكنيسة عندما ينبري احد رجالها في الاجتهاد سلبا تجاه نفس الهدف من جهة اخرى , هو تصرف أقل مايُقال عنه انه مصادرة للحرية الشخصية , إن لم يرى الكثيرون فيه محاولة لدقٍ اسفين الانقسام في الكنيسة وبالتالي في شعبنا .
 ان الذي يمنح لنفسه الحق في التحدث بإسم شعبنا بأكمله ويبدي حرصه الشديد على وحدته , لايخدم هذه الوحدة اطلاقا عندما يلجأ الى الانتقائية في موقف الكنيسة ويختصر ذلك برموز معينة , مع اجلالنا وتقديرنا لهم , ولايُعرٍج بحيادية متوازنة على المواقف والرموز جميعها بإختلاف خلفياتها , فرجل الدين الذي يقررتعاطي السياسة يجب ان يمتلك قدرة واضحة على التحرر من التقوقع الكنسي والتعصب المذهبي , اضف الى ذلك , فان الكاهن الفاضل الذي ينشر , بنشوة بالغة وشعور بالنصر , وعلى موقع عنكاوة العزيز وغيره , خبر انتقال كاهن ما من الكنيسة الكلدانية الى كنيسة المشرق الأشورية لايمكن ان يُحقق , تورًطُه سياسيا , جهد ايجابيا لصالح وحدة شعبنا , لأنه يعلم انه يستفِزًُ من يُستفَزْ , انطلاقا من القول المأثور ( الرجل المُهذًب لايجرح شعور احد بغير قصد ). ناهيكم عن اننا نجد الامرغريبا حقا ان يقوم كاهن فاضل بسيط بتوزيع شهادات التقييم على الاساقفة والبطاركة في الوقت الذي نعرف فيه ان شرط الطاعة للسلطات يمثل الركن الاساسي في اقتبال سرٍ الكهنوت !. كما ان تعيير ابناء شعبنا في سهل نينوى , مرارا , ( بالميوعة القومية ) والتنصل عن الاصل الحضاري هو اهانة صارخة لجزء من شعبنا , الذي أصلا لاينتظر شهادات في الحفاظ على الهوية . و يبقى هنا التساؤل مُلحًا , في مغزى ان يراهن هؤلاء على شعب ( مائع قوميا ) !.

ان إتهام الحركة الديموقراطية الاشورية بالعمل على زرع بذور الانقسام في الكنيسة هو إتهام تنقصه الدقة لسببين بسيطين , الاول يكمن في ان المتعارف عليه ان رجل الدين المسيحي , خاصة ذو الدرجة الكهنوتية المتقدمة , لايرضى اطلاقا بتسليم جميع اوراقه في ايدي السياسيين , احزابا او اشخاصا , بل يحتفظ لنفسه دائما بحيز جوهري من هامش الحركة الذي يتيح له اتخاذ القرار الذي يناسبه قبل ان يفكرفي ان قراره هذا ينسجم مع توجهات اؤلئك السياسيين . والسبب الاخر يتمثل في ان كل فرد في شعبنا هو ابن الكنيسة وله كامل الحق , بصفته الشخصية وليس الحزبية , ان يُشارك في مناقشة امورها وحالها , ومن السذاجة حقا ان يُطالب كائن مَن كان مِن ( زَوْعا ) مثلا , او من غيره , ان يوعز الى اعضائه بالجلوس , صُمًُ بُكم عُميان , في مناقشة امور الكنيسة لكي لا يُتًهموا بالتكتل ومحاولة شق الصف وتقسيمها !.

انني اعتقد ان هؤلاء الذين يُعربون عن مخاوفهم من الدور المتزايد للكنيسة , ويُطلقون صفًارات الانذار تحذيرا من ذلك , ويتحدثون بمرارة عن مايجدونها ( ميوعة قومية ) لصالح ( الواجهة الدينية ) , انما يفتقدون الجرأة في التأشير الى مايقصدونه بالضبط , عندما يعلٍقون كل هذا مرة اخرى على شمًاعة ( زَوْعا ). ان عدم الشجاعة في انتقاد الحليف او الشريك , ربما بسبب الاعتقاد الذاتي في ان الشريك او الحليف قد يشكًُ في نوايا صاحب النقد , يدفع هذا الاخير الى استخدام التكتيك المعروف ( إيًاكِ أعني وأقصدُ ياجارة ) . ان هؤلاء يقصدون , على الارجح , اخبار الرسامات والتناول التي تتصدر نشرات الاخبار في قناة عشتار , وافتتاح المجمعًات السكنية من قبل رجال الدين بحضور العناوين السياسية وغيرها من البرامج الدينية الكثيرة التي تُتخم جَسَد عشتار. ها نحن نقولها عوضا عنهم , وهكذا , وبكل دوافع الصدق في أمنيتنا ان نرى عشتار على ابهى مايكون , نؤكد الدعوة في ان تعيد النظر في خُططها واستراتيجيتها , فمع ايماننا الراسخ بضرورة واهمية هذا التوجه , إلا انه ينبغي ان يكون متوازنا متوازيا مع اتجاه استنهاض الروح القومية , وبالشكل الذي يقدمنا للاخرين بكلتا الصبغتين القومية والدينية معاً, فلا تسود احداهما على الاخرى .

في ختام هذا الموضوع , نود ان نهمس في اذان اعزائنا المُصابين بعُقدة ( زَوْعا ) والمُغرمين بالإعتياش على الصراع الداخلي , فندعوهم للاستفادة من تجارب وإداء الاحزاب الاخرى , حيث , مثلا , ادرك الحزب الشيوعي العراقي في وقت مبكٍر ان المنافسة على النفوذ مع الاحزاب الكردية الرئيسية هي عملية عبثية , ليس بسبب القصور الايديولوجي والعجز التنظيمي , بل لعوامل واقعية اخرى كان هو نفسه احيانا ضحية لاذنب له فيها , فاختار هذا الحزب , كما قرأت وسمعت من كثيرين , وخاصة في عهد سكرتيره العام السابق عزيز محمد , استراتيجية جديرة بالتقدير , فحرص على الدوام ان يكون نقطة الإلتقاء والحكم والفيصل بين تلك الاحزاب الكردية , فكسب ثقتها واحترامها , وحقق نفوذا عليها اكبر من نفوذ أحدهاعلى الاخر , حتى يُقال انه عندما كان يتكلم عزيز محمد , يسكت ويُنصت الجميع ويرضى بما يحكم به.
ولكن للأسف الشديد , مع ما يكتبون وماينشرون ومايتًهِمون , اين ( الجماعة ) من الحزب الشيوعي ؟!, واين ( عزيزنا )  من عزيز محمد ؟! . . .   




37
الى المُصابين بِعُقدة ( زَوْعا ) مع التحية
الجزء الأوًل
د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ما أن تظهر في المواقع بعض المقالات التي يُسطرٍها كُتًاب مستقلون بدافع الغيرة على شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , حاضرا ومستقبلا , حتى يقوم البعض بمحاولة تجيير ذلك لحسابه الخاص , متوهما انه قد اكتشف منفذا او خيطا ميسميا ذهبيا للوصول الى اهدافه . القصد من الكلام ما اعتاد على فعله البعض , الذي ما ان يطالع مقالا يطرح واقع شعبنا بنظرة نقدية محايدة , فيبادر الى تشغيل جميع ( موتورات ) النقد والتشوية المخزونة لديه ضد فصيل معين من خلال الردود على المقال و الانطلاق في حملة ساخنة شعواء , على اساس استثمار الفرصة واقتناصها. ان ما يثير الشفقة على هؤلاء هو شعورهم بانهم المرجعية التي ينبغي ان تقاس ويتم تعيير مواقف الاخرين على اساسها , قربا او بعدا منها , وهكذا نراهم يربتون و(يُتبتبون )على اكتاف الاخرين عندما يعتقدون انهم اصبحوا يعزفون على اوتارهم  ,وفي هذا لايستطيعون التنصل عن الدور الذي منحوه لانفسهم , وهو دور ( النخبة ) التي تستسيغ قول ( عَفْية ) للتلاميذ الشُطًار الصغار والرعاع النجباء الذين لايحيدون عن الاجابة المطلوبة !. لقد حدث هذا معي في المقال الموسوم ( التحفظ على مشروع اغاجان لايعني التصفيق على نوايا حنين القدو ) من خلال بعض الردود عليه , إثر قرار ادارة موقع عنكاوة العزيز , مشكورة , تثبيت المقال لاسابيع في منتدى الحوار الهادئ , حتى ان بعض الاخوة قد راسلني على البريد الالكتروني مُنبٍها الى محاولة هذا البعض لإفراغ المقال من محتواه  و استغلاله لغايات اخرى , واقصد هنا , تحشيده ضمن الجهد الذي اصبح هاجس هؤلاء , وعقدتهم , وهدفهم الأوحد , وهو تشويه ومحاولة تهميش وإقصاء وتسقيط احد فصائل شعبنا الاساسية , أعني الحركة الديموقراطية الاشورية ( زَوْعا ) .

يسري هذا ايضا على سلسلة المقالات التي يُسطٍرها هذا وذاك , ويتم نشرها هنا وهناك , وهي تلتقي مع ما سبق في المحتوى والهدف وإن اختلفت في التعبئة والتغليف , لكن الانكى في هذه , ان يحمل بعضها توقيع من يجمع الصفة الاكاديمية والدرجة الكهنوتية في أنٍ واحد , فكانت صدمتنا حقا كبيرة , ونحن نرى ونلمس , للأسف الشديد , كيف تأخذ السياسة بأحبالها الملتوية وممراتها المظلمة واساليبها الميكافيلية من الدرجة الاكاديمية والرتبة الكهنوتية , في الوقت الذي نحن بأمسٍ الحاجة الى العكس , الى أن تجتمع معا , بحكم المسؤولية , الصفة الاكاديمية والدرجة الكهنوتية , على السياسة فتحُدً من كل ذلك . ان نقد الذات والعرْض المنصف والمحايد للحالة هو ( الفيزا ) او الكارت الاخضر الذي يؤهلنا لنقد الاخرين . ان الكاهن الذي لايعترف على نفسه أولا , لن يجد , يقينا , غير السُذًج يعترفون امامه. اما محاولة تغليف الوجبة بأفضل اوراق ( السيلوفين ) فهو اسلوب او لغز قد تم فكًُ شفرته قبل أكثر من ألفي سنة عندما أوصى , له المجد , مُحذٍرا من القادمين بثياب الحملان وهم غير ذلك .

تتلخص أهم أسلحة الذين يستهدفون الحركة الاشورية ( زَوْعا ) , في الموقف من الحكم الذاتي , بصيغته المطروحة , وشخص السيد يونادم كنة , السكرتير العام للحركة , ثم الموقف من المؤسسات الكنسية . هذا إذا أنحينا جانبا الموقف من معضلة التسمية , والتي اصبح هذا البعض يحرص على عدم الخوض فيها واستخدامها , كما في السابق , ( كأحد اسلحة الدمار الشامل ) ضد الحركة الاشورية , لكي لاينفضح أمره امام الحكم المنصف لاي مراقب مستقل في الساحة يعاين مقدار المرونة التي تُبديها الحركة واجهزتها الإعلامية في موضوعة التسمية مقابل الازدواجية الشخصية التي يتصرف بها ذلك البعض تجاه نفس الموضوع , فتراه في خطاباته ونشرياته يستخدم الاسم المركًب المتداول, في تلك الخطابات والنشريات داخل اوساط شعبنا وفي المواقع الخاصة فيه , بينما يلجأ الى تنقيح تلك الخطابات والنشريات مستخدما التسمية التي تروق له عندما يتم نشر تلك النتاجات في المواقع الوطنية والعربية !.
 وهكذا سنحاول هنا وباختصار , لاننا لسنا من عُشاق اجترار الكلام , ونؤمن ايمانا صميميا في ان شعبنا فَطِن وحاذق بما فيه الكفاية , وقادر على قراءة مابين السطور , وكما يقول المثل الشعبي ( يفهمُها وهي طائرة ) , أن نعرٍج قليلا , وبشكل مستقل , على النقاط او الاسلحة الثلاث المذكورة أعلاه.

الحكم الذاتي:
لا أريد هنا إجهاد القارئ الكريم وابناء شعبنا في التعليق على الردود التي يسوقها البعض ويعيد تكرارها على انها دحض للحجج التي يتمسك بها المتحفظون والمعارضون للحكم الذاتي , لأن بمقدور اي مراقب يدرس تلك الردود , بتمعن بسيط , ان يرى السطحية في الطرح , التناقض والانتقائية في معالجة النقاط , الدوران حول الحلقة وافتقاد الجرأة على ملامسة الجوهر , الهرولة بعيدا , في اللحظة الحرجة , عن الاجابة ومحاولة إلقائها على اكتاف المستقبل , وغير ذلك كثير. ان تلك الردود لاترقى عن كونها جهد بائس لذرٍ الرماد في العيون وتحميل الاخرين مسؤولية فشل هذا البعض في تأدية واجبهم او قسطهم في المحافظة على حياة الوليد الذي قرروا , ربما على حين غفلة , تبنيًه نكاية بالاخرين . على كل حال , نرى هنا واجبا التأكيد على نقطتين اساسيتين في موضوع الحكم الذاتي , الاولى تتمثل في ان الجهد المتحفظ والمعارض للحكم الذاتي , كوجبة يقدمها بعض انصاره , هو جهد شعبي عام قد يكون من الاجحاف اختصاره في الحركة الديموقراطية الاشورية فقط , بل ان الكثيرون يعتقدون ان الحركة في هذا الموضوع قد تبنًت نَفَس الشارع في شعبنا قبل ان يتبنى الشارع نفَسَها وموقفها , ولَعُمري الفرق شاسع في الحالين , والمصيبة الاكبر ان انصار الحكم الذاتي , وخاصة الراقصون على ايقاعه لغاياتهم المحددة , يدركون قبل غيرهم هذه الحقيقة ويرفضون الاعتراف بها ! . والنقطة الثانية تكمن في العجب حقا من هذا البعض وهو يشكو من المعارضين والمتحفظين على مشروعه للحكم الذاتي في الوقت الذي يشير الى ان جُلً هدفه , في الوقت الحاضر , هو تثبيت الحكم الذاتي كحق دستوري في دستور الاقليم والدستور الفدرالي . ان هذه النقطة تُذكٍرني بحادثة طريفة , تعود الى ثمانينات القرن الماضي , اعتادت احدى قريباتي على حكايتها كلما وجدت حاجة لذلك , فتقول انها كانت في احد الايام في السيارة مع صديقاتها في جولة في شوارع بغداد , وكانت التي تسوق السيارة هي والدة احدى الصديقات وهي من اصل ألماني , ومتزوجة من مواطن عراقي , وتتقن العربية الى حد ما , وبينما هم في الجولة يستمتعون فيها بهدوء واذا بسائق السيارة التي خلفهم يُلحً في استعمال المنبه مشيرا الى رغبته في الاجتياز, نظرت هذه المرأة الالمانية فوجدت ان الجانب الاخر من الشارع فارغ تماما , وهي لاتعيق السير اطلاقا ولامشكلة في الاجتياز ولاداع لهذا التكرار في استعمال المنبًه , فما كان من الالمانية إلا اطلاق تلك الصرخة داخل السيارة قائلة بعربية جميلة ومُضحكة ( هسًه أُعبر , ما كِنْ لِزمتو . . . . ) . الحال نفسه ينطبق على هذا البعض , فلم نسمع خلال هاتين السنتين ان ( زوعا ) قد كمش احدهم ومنعه من تثبيت الحكم الذاتي في دستور الاقليم , لم نقرأ ابدا على المواقع ولم تُخبرنا وسائل الاعلام الاخرى ان ( زوعا ) قد اقام حاجزا تفتيشيا او نقطة سيطرة , ( ومن اين لهذا المسكين فعل ذلك وهو المغضوب عليه ! ) , بين مكاتب وزارتهم ومقراتهم وبين مبنى البرلمان او المجلس الوطني الكردستاني , حالت دون وصولهم الى هناك لتثبيت الحكم الذاتي في دستور الاقليم !. في الاسابيع الماضية وعلى أثر ازمة كركوك أعادت بعض المواقع الكردستانية نشر مسودة دستور اقليم كردستان وبعض التعديلات عليها , والمسودة بتعديلاتها تحمل تاريخ الحاضر وليست قديمة , وبامكان القارئ الكريم وابناء شعبنا قراءة تلك المسودة ليتأكدوا بأُم أعينهم من حجم و نتيجة الجهد الذي بذله هؤلاء في هذا المجال !. لماذا لم يتمكن هؤلاء من تحقيق اية خطوة تُذكر , محسوبة لهم فقط , في مسألة تثبيت الحكم الذاتي في مسودة دستور الاقليم , أليسوا هم من ملأ اذاننا جعجعة في الإدعاء والتبجًح في انهم الان هم الأقرب الى الذين أمنوا وغيرهم لازال مغضوب عليهم ؟!.
رحم الله محمود درويش الذي كتب قائلا :

سألني , هل أنا + أنا = أثنان
قلتُ , أنت و أنت , أقلًُ من واحد

 اننا هنا لسنا في معرض تحليل الدور الكردي والمواقف الكردية , دون ان ننسى التأكيد على حقيقتين , الاولى تتلخص في الايمان التام في ان الاخوة الاكراد الذين عانوا طويلا وكثيرا , ومنحوا انفسهم حق مداراة مصلحة شعبهم وتقديمها على كل ما عداها , فانهم قد منحوا , يقينا , الاخرين ايضا نفس الحق في ذلك , حتى وإن أدى ذلك الى اختلاف في الرؤى والافكار , والحقيقة الثانية التي يجد المرء من المعيب الاشارة اليها , وهو يفعل ذلك مضطرا , تتمثل في ان هنالك , كما يبدو , محاولات مشبوهة من قبل البعض , داخل شعبنا , تعمل بجهد محموم لتوسيع هوًة الخلاف , والإرتزاق عليها , بين شريحة من شعبنا و ( زوعا ) من جهة , وبين الاخوة الاكراد من جهة اخرى ! . لكنه في نفس الوقت ينبغي التأكيد الى انه وبالرغم من افتقار المسودة الى اية اشارة عن الحكم الذاتي , إلا ان المراقب يعي تماما ان هنالك جهدا يبذله البعض داخل شعبنا في هذا المجال , والطامة الكبرى تكمن في ان هذا البعض يعمل بهدوء , و يمتلك فعلا اقوى وهو زاهد في الحديث عنه , بينما البعض الاخر الشحيح في الفعل , قد وجد في الحكم الذاتي وكأنه احدى ( لعب الاتاري  ) يلعب بها على المواقع الالكترونية, يقتات بها ومنها , من خلال ضرب جزء من شعبنا بجزئه الاخر , كنائس ومؤسسات , كذلك بضرب الجزء ( المُحبًب اليه ! ) بالاخرين . 

لكي لايتهٍمنا هؤلاء في اننا نفتقر القدرة على التعلًم او ربما نحن عنيدون و بطيئون فيه , ها نحن اليوم نتعلم منهم شيئا جديدا, ونجاريهم في تقليدهم على تقسيم المقال الى حلقات , لكن لانجرجر فيه ونجعله اكثر من جزئين . وفي هذا  نبغي ان نريح ايضا القارئ العزيز من هموم السياسة واوضاع شعبنا قليلا , فيستغني عنها ليواصل متعة متابعة مصير ( نور ومهند ) . وعلى هذا الاساس سنلتقي في الجزء الثاني والاخير في الاسبوع القادم , والذي سيكرًس لمعالجة ( السِلاحَيْن الاخرين ) , عفوا , النقطتين الاخرتين , وهما الاستاذ يونادم كنة و المؤسسات الكنسية .
أطيب الامنيات حتى الملتقى . . .

38
مَنْ قال إن المطران الشهيد يساوي قاتله ؟!

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ترى , هل أسأنا , دون ان ندري , الى المطران الشهيد بولص فرج رحو , عندما تعاملنا مع خبر اعدام من دانه القضاء على فعلته الشنيعة , في انه نصر وفرح ؟! مَن قال ان الاسقف الشهيد وهوعيون تُرشد الامم والنحل الى طرق الخير والمحبة والسلام يمكن ان يساوي او يوضع في الميزان ليعادل كفة اخرى لاتوجد فيها سوى عين مفقوءة مظلمة ؟! مَنْ قال ان سِنً المطران الشهيد , الذي كان يعزف مع باقي اسنانه , لحنا لأعذب واجمل جمل التأخي والترفٍع والسمو يمكن ان يساوي سِنًا وصلت به الخِسًة حد العظم , ولم تعد تفيده حشوة طبيب , فحكم عليه بالقلع ؟! . تُرى هل كانت لحظة ضعف وغلَبة لمشاعر الحزن والألم والإنتقام أصابت قناة عشتار الفضائية , وهي تحي يوم الشهيد الاشوري ببرامج وفعاليات رائعة  ,فتعاملت مع نبأ تنفيذ الحكم على المجرم الذي ارتكب جريمته بحق المطران الشهيد فرج رحو بهذا الشكل الغريب عن طبيعتنا , عن خلفيتنا , عن مبادئنا . ثقافة الفرح بالانتقام هي ثوب ليس على مقاسنا , ناهيكم عن ان ظهورنا به يبعث على التقزز والاشمئزاز , في داخلنا قبل الاخرين , فنحن نفتقر اصلا الى غريزة الانتقام لكي نبحث عن ما يُشبعها  , فالأية الرائعة التي تقتل جيوشا من ( شنيعي الافعال , ضعاف النفوس ) توصي وتجلجل في ان لاننتقم لأنفسنا , بل نترك ذلك لغضب الله . يقينا ليست هذه دعوة للخنوع والاستسلام  ,وتقبل الضربات بصمت , وإعطاء الخد الايمن بعد الايسر , كما انها ليست رفضا لقرارات القضاء وتعاطفا مع شريعة الغاب ! بل هي دعوة لكي تبقى ايادينا بيضاء ناصعة , و يبقى ضعاف النفوس يحلمون بتقبيلها , تأبى ان تتلوث , باي شكل من الاشكال , حتى ولو بغبار الجريمة ,  وتترفع اساسا عن اية محاولة لسحبها الى مستنقع او ساحة التلوث , فتبقى الاسمى والأنقى على الدوام .

الغالبية الساحقة من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري تعتقد , ويتملًكُها شعور واحساس يؤكد ذلك الاعتقاد , في ان جريمة اغتيال الاسقف الشهيد بولص فرج رحو هي اكبر من ان تكون جريمة جنائية شخصية يُسدل الستار عن فصولها ويُطوى ويُحفظ مِلفًُها بمجرد ادانة شخص ما بعد اعترافه وثبوت الأدلة عليه . ان اختصار الجريمة في الركن الجنائي الشخصي ومحاولة تسويف الاركان الاخرى لها , الدينية والقومية والسياسية والوطنية والاجتماعية , هو ظلم بحق المجني عليه وشعبه قبل ان يكون عدالة بحق الجاني . ان اغتيال المطران رحو واغتيال السيد الحكيم والسيد الخوئي في النجف وتفجير موكب رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري في بيروت , بل وتفجير المراقد في سامراء والكنائس في بغداد والموصل , جميع ما تقدم هي جرائم تشترك في الارضية العامة لأركانها , وإن اختلفت تفاصيل واهداف تلك الاركان , ولايمكن باي حال من الاحوال , بل ليس عدلا , ان يتم حل لغز اي من تلك الجرائم على انه معادلة بسيطة من الدرجة الاولى يكفل تحديد قيمة المتغير الجنائي الشخصي بحلٍها , بل من العدل ان يتم ايضا في جريمة اغتيال المطران رحو , كما في نظيراتها من الحالات الاخرى , تحديد دور وقيمة كل المتغيرات وبناء معادلة تكون درجتها على استحقاق تلك المتغيرات , وعدم التكاسل او التذمر او اللف والدوران لغايات معينة من التعقيد الذي سينتج في طريق الحل , لان ذلك الحل الشامل فقط سيغطي بالتأكيد واقع الجريمة بشكل كامل , وهو الذي سيكون رادعا للاخرين من التفكير في تكرارها , وليس انصاف الحلول او حلول المعادلات البسيطة البائسة الناقصة .

اننا نعتقد ان قناة عشتار الفضائية كانت ستكون مُحقٍة في إعطاء الاهمية التي اعطتها لنبأ قرب تنفيذ حكم الإعدام  لو كانت القناة قد واكبت احداث المحكمة وتفاصيل جلساتها وسُمح لها ببث تلك الجلسات ليطلٍع عليها شعبنا . اذا كانت المحكمة لم تجد أذنا صاغية لدى الفضائيات الاخرى , تُعبٍر فيها , تلك الفضائيات , عن رغبتها في نقل وقائع المحكمة , بالرغم من ان اي فرد من ابناء شعبنا لايرى ان جريمة اغتيال المطران الشهيد تقل في اهميتها او خطورتها ونتائجها عن اية جريمة اخرى عالجتها او تعالجها المحكمة الجنائية المركزية كجرائم الانتفاضة والتجار وصلاة الجمعة على سبيل المثال والتي تُبث جلساتها بشكل منتظم , فإن الاعتقاد السائد يكمن في ان عشتار لايمكنها العزوف عن فعل ذلك , في حالة الطلب اليها , لانها تعلم علم اليقين ان هذه الجريمة بالذات لها وقع خاص  لدى شعبنا الكلداني السرياني الاشوري عموما , و شعبنا في مثل هذه الحالات , لاتهمه النتائج بقدر مايهمه استنباط الدروس والعبر من حيثيات القضية وتفاصيلها. اما اذا كانت المحكمة قد طلبت من عشتار بث وقائعها , وإعتذرت عشتار عن فعل ذلك بسبب اجتهاد توصلت اليه يتمثل في ان عدم بث تلك الوقائع هو افضل وأسلم لمصلحة شعبنا , فذلك موضوع اخر قابل للحوار والنقاش . ربما تمنى الكثيرون , في سرٍهم , على عائلة المطران الشهيد فرج رحو عدم حضور مراسيم تنفيذ حكم الاعدام  لان ذلك يُذكٍرهم بموقف اخر لايملك المرء إلا ان يقف امامه بكل اجلال لمعانيه الانسانية النبيلة , ألا وهو موقف جمهور وبعض منظمات المجتمع المدني في ( حلبجة ) حين اعلنوا عن موقفهم الرافض لتنفيذ حكم الاعدام في مدينتهم , اي في حلبجة , ببعض المدانين في جريمة الانفال. ربما يقول البعض ان هذا يمثل تدخلا صارخا في الخصوصية الشخصية لعائلة المطران الشهيد , وهي بالتأكيد صاحبة القرار الاخير الذي نحترمه جميعا , ولكننا نعبر عن هذه التمنيات فقط ايمانا بان عائلة الشهيد المطران رحو قد باتت جميع ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري اينما كانوا , في الوطن او في الشتات . وهنا ايضا كنت اتمنى على جميع الاخوة , الذين سجلوا ردودهم في موقع قناة عشتار الفضائية على نبأ تنفيذ حكم الاعدام , والتي تفوح من بعضها رائحة التشفي وإشباع غريزة الانتقام , ان يكونوا قد فكروا مليا قبل الكتابة فربما كانت جمل الرحمة والتقديس والتبجيل لوحدها بحق المطران الشهيد أبلغ أثرا وتلبية لطريق الصليب الذي قطع شوطه الاسقف الشهيد , مع الاحترام الشديد والتفهم الكامل لمشاعر واراء الجميع من الاخوة الافاضل في العائلة الخاصة للمطران الشهيد او كتبة الردود , فاختلافنا في الرأي لايُفسد في الود قضية , واجتهادنا يمكن ان ينال الخطأ او الصواب .

ايها المطران الشهيد , يا مطراننا جميعا , ومَن ْ ذا الذي ينكر حصة أحدنا فيك , لك الرحمة وجنات الخلد والذكرى على الدوام . 
كلدان سريان اشوريين , شعب واحد لمطران شهيد , انه بعض الوفاء ان نكون ونبقى كما أوصى , مسيحيون حتى النخاع , قولا وفعلا , الى النفس الأخير. . . .

 

39
سُميًل – إنهم أحبًوا وبعض الهوى ذبًاحُ

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

منذ قرون وقرون , ومذ إختار شعبنا, الكلداني السرياني الاشوري , الحب والسلام , إيمانا وعقيدة دينية , اصبح الصليب وطريق الألام عنوان حياته, وباتت المعاناة اختصاصه العام والدقيق. يُبدع شعبنا في وصف ألامه ومعاناته لانها جزء منه وهو جزء منها , ولاخير في مَن لايجيد إختصاصه. شعب ما أروعه وما أسماه , يُجلد ويُساق لقرون الى المحاكم والمجامع , يُعيًر باطلا , ينال البصق والضرب والطرد والصلب , ولايتنازل قيد أُنملة عن مبادئه , بل يعيد كل ماسبق الى اصحابه, ويلقي جمرة النار على رؤوسهم , وهم يشاهدونه يغتسل بجروحه , يقف شامخا على عود صليبه , مترفعا عن النظر اليهم , تحلٍق عيناه في زرقة السماء , يستهزئ ( ببطولاتهم ) , يضرم صوته النار في احشائهم , فيسقطون على وقع صداه وهو يجلجل ( إغفر لهم , إنهم لايعرفون ماذا يفعلون )!.

يقينا كثير غيري , عندما كان صغيرا لايعي الحياة جيدا , وجد نفسه في ذات الموقف , حائرا دائخا امام أهات وتأوهات كبار السن الذين شاءت الصدف ان يكون حاضرا في مجالسهم واحاديثهم عندما تُذكر ( سُميًل ) , وعند المبادرة بالسؤال عن الذي حدث في ( سُميًل ) , كنا نسمع سريعا جوابا مقتطفا في ان مذبحة لشعبنا قد كانت المدينة مسرحها . كان اهلنا يعتقدون ان عدم سرد تفاصيل الجريمة , باحداثها الدقيقة , هو ضرورة تتماشى مع قواعد العصر المتبعة حاليا في منع الاطفال من مشاهدة افلام الرعب والجريمة والأكشن التي لاتتناسب مع أعمارهم . ولكن كلمة ( المذبحة ) كانت كافية حقا لتُشعل الرغبة في البحث والقراءة والسؤال والمناقشة في كل ماحدث , بل أصبحت ( سًميل ) احدى القبل التي تشخص العيون صوبها , وباتت اسماء عناوين مرتكبي الجريمة فيها نذيرا بالشؤم ومدعاة , حال النطق بها حتى ولو كان ذلك من قبيل الصدفة , للاصابة بفقدان الشهية. اتذكر لحد الان كيف كان الغضب والصلابة تتطاير شذرا على وجه اخ وصديق اشوري وهي تمتزج بالألم الذي يعتصر قليه , ويده تحيط بقدح الماء وكأنها تنوي عصره , وهو يقول ( إن كنت تبغي معرفة احاسيسي ومشاعري اتجاه مرتكبي مذبحة سميًل فعليك بسؤال احد الاخوة الشيعة عن حاله عندما يُذكر يزيد ). حقا , في ( سميًل ) تأمرت اطراف واطراف , قوى الشر من كل فجٍ عميق , إجتمعت ( على الله ومسيحه ) . في ( سميًل ) لاتجد صعوبة في تشخيص ( إبن الاسخريوطي ) وهويتكلم لغة جديدة وقد باع سيده الى صالبيه , دون ان يفكر قط بعد ذلك في ان يعاقب ويشنق نفسه . ولكن في ( سميًل ) , كما هو الحال دوما , انتصر الدم البرئ المهدور وصرعت الجُبًة الكهنوتية المهانة فلسفة عنترة العبسي , وسيفه , ورمحه , وماتمنطق به. في ( سميًل ) تعلًمْنا ان قتل المبادئ , بالنسبة لشعبنا , لايمكن ان يقبل ان يتم إلا على جثة الحياة , فتروي بالدماء الزكية تربة المبادئ , فتورق , وتزهر , وتُثمر من جديد , وهكذا كان طبيعيا ان تُنجب ( سميًل ) جيلا من التمرد الواعي والمُحب بلاحدود , فها هي ( ألقوش العنيدة ) التي نمتلئ شموخا عندما نسمعها تقول ( نا ) , وتلك هي ( عنكاوة ) تخرج منها , بكرى وأصيلا , الى الأصقاع صيحات ( نحن هنا ) , وهذه هي ( بغديدي وبرطلي ) قلاع للسريان وسد امام الطوفان , وهكذا كل اسماء مدننا وقرانا الجميلة المسالمة الأبية.

 في يوم الشهيد الاشوري الذي روى ارض ( سميًل ) وغير ارض ( سميًل ) في بلاد الأباء والاجداد , ونحن نعيش هذه الظروف المصيرية في حياة شعبنا , تاريخا وحاضرا ومستقبلا , ما أحوجنا , الى رص الصف , وتوحيد الجهد , ونكران الذات , وتقديم اجندة شعبنا على كل ما عداها من الأجندات , فترتقي مؤسساتنا السياسية والدينية والاجتماعية الى مستوى المسؤولية لمجابهة ( مذبحة سياسية ) اخرى تُقترف بحق شعبنا , وهي مذبحة الاقصاء والتهميش , في عراق نحن فيه الاصل والاوفياء على الدوام , وهي لاتقل بشاعة في نتائجها عن مجزرة ( سميًل ).

ياشهداء ( سميًل ) , ياقافلة الشهداء قبلها وبعدها , جنات النعيم حقُ لكم , ذكراكم واجب على كل من يؤمن بمبادئكم  ,وينتظر لقائكم .
 إنكم أحببتم وبعض الهوى ذبًاحُ  ..... 

40
نعم أيها الرائع شفيق المهدي
المسيحيون ليسوا إستيراد

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

تقضي الأم احيانا اكثر من نصف يومها واقفة في المطبخ لتحضير وجبة هانئة متميزة لابنائها واهل بيتها , وتبدو علامات الاجهاد والتعب واضحة عليها وهي تضع اللمسات الاخيرة على المائدة وتدعو الأحبة اليها , لكن كلمات الشكر والتقدير والثناء البسيطة الخارجة من القلوب الصادقة تفعل فعلها السحري بسرعة الضوء فيختفي حالا الاجهاد على الوجه لترتسم عوضا عنه ابتسامة الحب والرغبة في التضحية وتقديم المزيد . مع اشتداد إسوداد النفق ورهبة ممراته التي تفوح منها فقط رائحة الموت الكريهة والعنف المقيت حيث يبدو الوطن وقد أصبح محلا صغيرا للجزارة يُذبح فيه صاحبه والداخل والخارج , ولكن مع بصيص من الضوء تشعر به ان حبل الانقاذ بات في متناول اليد يعود الوطن الى اصله , واحة خضراء تكفي للجميع , الى بضع أرغفة وسمك يقتات منها الملايين , وبركة الرب تتركها لاتنقص بل تزيد. هكذا كان حال المسيحيين على الدوام , يؤمنون ان الكلمة الطيبة صدقة , يفتحون ابواب القلوب على مصراعيها لمن يقولها بنقاء , يمسحون بها ظلم السنين. ربما ينعتهم البعض بالسذاجة , ولكنها السذاجة النابعة من الايمان بالعقيدة وطبع متوارث اصيل.

عرضت قناة عشتار الفضائية قبل ايام مقابلة رائعة أجراها مراسلها في بغداد حسن البغدادي مع الدكتور شفيق المهدي المدير العام لدائرة السينما والمسرح . شخصيا , لم يسبق لي شرف معرفة الرجل او متابعة نتاجاته ولذلك كانت المقابلة هي الفرصة الاولى , لكنني اعتقد ان كل من تابعها , ايا كان لونه الديني والمذهبي وطيفه القومي , يشعر انه قادر بسهولة بناء جسور , بصيغة الجمع , مشتركة , مع الاراء والطرح الذي تناوله الدكتور المهدي , شخصية تقول للمتلقي انها تضرب في الجذور وتتباهى بها وتنفتح في نفس الوقت على الاخر بلا حدود . لقد تكلم الدكتور المهدي وأسهب في الحديث عن ( الامن الثقافي ) معتبرا اياه جزءا رئيسيا من الامن الوطني والذي على اساسه يجب ان يُنظر الى وزارة الثقافة كوزارة سيادية من الدرجة الاولى , لقد اشار الدكتور المهدي وبشجاعة باسلة الى الظواهر المرضية الغريبة التي طرأت على المجتمع العراقي في السنوات الاخيرة والمتمثلة بالتهجير والارهاب والنهب والذبح على الهوية  , مستهجنا , بقلب يعاني من الغصة والمرارة , محاولات نفر ضال اشاعة تقاليد التخلف والجهل. لقد كان الدكتور المهدي بحق صوت صارخ في برية العراق يدعو الجميع الى العودة الى اصله وقيمه ومبادئه . لقد انتابني , وانا اتابع المقابلة , شعور بالرغبة في توجيه اللعنة الى نظام المحاصصة الذي ربما لم تفسح شروطه وألياته المجال لهذه الشخصية العراقية الفذة في ان ترى مكانها الطبيعي على كرسي وزارة الثقافة . لقد ذكرتني المقابلة كيف تفتخر( مصر ) بوزير الثقافة فيها السيد فاروق حسني حتى انه اصبح وكأنه ( ابو الهول الوزارة المصرية ) فتتغير الوزارات وتتبادل الوجوه المواقع , و فاروق حسني حجرة ثابتة على مدى عقود وكأنه قد اختصر بشخصه الفولكلور والثقافة المصرية , ترى لماذ لايكون لدينا في العراق الشئ نفسه والدكتور المهدي بنظرته الى المثقفين والفنانين , بل والى عموم شعبه , ورؤيته المتجذرة المتحضرة المنفتحة هو المرشح الافضل لكي يكون ( فاروق حسني العراقي ).

وعندما جاء الدكتور المهدي الى الاجابة على سؤال حسن البغدادي حول شعبنا ودوره وحقوقه , كانت اجابته بعيدة كل البعد عن النمطية التقليدية كما يفعل الكثيرون , نعم لم تكن اجابته ( جيفيان شر او إسقاط فرض ) كما يفعل بعض السياسيون , كما لم تكن الاجابة هي عبارات المجاملة الباردة التي اعتاد البعض الاخر استخدامها في مثل هذه المناسبات . لقد كنت اسمع الدكتور المهدي وهو يتكلم عن شعبنا الكلداني السرياني الاشوري وكأن كلماته تأتي خريرا لشلاًل يتلو سورة مريم . المسيحيون لايحتاجون الى شهادة فتاريخهم وسلوكهم شهادة , المسيحي لايعرف الحقد ولامكان للبغض في قلبه , لايسرق , لايعتدي , لاينهب المال العام , كل المؤسسات والدوائر التي يقودها المسيحيون هي مؤسسات ودوائر ناجحة , المسيحيون أسسوا الكنيسة والثقافة , لايتوهم احد انه يحمٍل المسيحيين مِنًة عندما يعطيهم حقوقهم او يطالب بإعطاء حقوقهم لان المسيحيين ليسوا إستيراد , بل هم من قام بفعل التأسيس في هذه الارض قبل ان يصل الاخرون اليها, وكانوا أوفياء للارض على مدى الدهور والأزمان هذا ما أتذكره مما قاله الدكتور المهدي وغيره كثير , وكان جميعه , من خلال الايماءات وتفاعلات الوجه , يخرج من قلب صافي نقي يعني مايقول ويؤمن به بحق أول واقدم , ومن بقي صادقا على الدوام , ماركة مسجلة بإسم هذا الوطن وهذه الارض .

لقد قالت الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة يوما , انها ربما لن تكون شاعرة كبيرة ولكنها لاترضى في ان تكون انسانا صغيرا . ها هو الدكتور شفيق المهدي على المنوال نفسه , فربما لن تسمح له قوانين المحاصصة والاقتسام  في الحصول على الفرصة التي يستحقها , لكنه , وهذا هو الاهم , قد قرر ان يكون كبيرا يستحوذ على ملايين الفرص , أمكنة للسكن , في قلوب ملايين العراقيين الغيارى الشرفاء .
أيها الرائع شفيق المهدي , لقد ألقيت تحية وتستحق جوابا افضل منها.
 

41
فستان هيفاء وهبي والرئيس السوداني

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

من وحي افلام الخيال السياسي :

اثارت حادثة تمزق فستان الفنانة العربية الشهيرة ( هيفاء وهبي ) , وهي تقدم احدى حفلاتها في منطقة ( بنت جبيل ) في لبنان , قلقا كبيرا في الاوساط الرسمية العربية , حيث رأت , هذه الاوساط , في الحادث تحديا خطيرا ينبغي التوقف امامه بإمعان لما قد يسبب في حالة تكراره من ( تداعيات و شروخ في مصير الامة في حاضرها ومستقبلها ) .حتى ان احدى الدول الخليجية النفطية ( التي قد اخذت على عاتقها منذ زمن بعيد مهمة رعاية الفنانات العرب ) قد هددت لبنان بانها ستقوم بنفسها بدعوة الجامعة العربية الى الانعقاد في جلسة سرية , اذا رفض لبنان فعل ذلك , من تلقاء نفسه  بحجة ان الحادث كان عابرا . حيث كانت تلك الدولة الخليجية حازمة في القول في ان الفنانة ( هيفاء وهبي ) ليست لبنانية الجنسية فقط , بل هي عربية الجنسية وهي ( سفيرة الامة و احدى لوحاتها ) امام الامم الاخرى وفي العالم .

وهكذا جلس ممثلو الدول العربية في لقاء اتسم ببالغ السرية , بعيدا عن اضواء كاميرات الفضائيات والاعلام . ويقال والعهدة على الراوي , ان اللقاء كان من انجح اللقاءات العربية لما سادته من اجواء الحوار الساخن والبنًاء الذي بدت عليه اقصى درجات الحرص والرغبة المشتركة لاشباع الموضوع بالنقاش دون التقيد بالتوقيت والوقت من اجل الخروج بافضل الحلول . حتى ان احد المندوبين قد طلب إحضار ( سي دي ) خاص بالحفل على ان يتم عرض مشهد تمزق الفستان بالتصوير البطئ , وضبط الصورة في اللحظة الحرجة , ليتسنى معرفة الملابسات التي ادت الى الحادث . وكان مندوب احد الانظمة الشمولية حادا جدا في المطالبة بتسليمه الخيًاط الذي قام باعداد الفستان لادخاله ( دورة تدريبية مكثفة ) في احدى ( منشأته الوطنية ) . وقد اشاد المندوبون جميعا بالتصرف النابع من الحكمة والغيرة على ( مصلحة الامة ) والذي اعتادت الفنانة ( هيفاء وهبي ) القيام به في كل برامجها الفنية , والمتمثل في حرصها على اقتناء فستان اضافي ثان , بنفس مواصفات الاول , تحوًطا لهذه الاحتمالات والمواقف , بل ان احد الحضور اقترح ان يقوم ( صندوق التنمية العربية ) بتغطية نفقات هذه الفساتين الاضافية كبادرة تشجيعية للفنانة المحبوبة ولكي تحتذي بها زميلاتها من الفنانات . وقد وقف الاجتماع طويلا امام التصرف الشهم الذي قام به احد المواطنين في الحفل , والذي نزع (الجاكيت ) بسرعة البرق وغطى بها جسد الفنانة ( هيفاء وهبي ) حيث اعتبر الحضور جميعا هذا الموقف بمثابة ( حقنة بالحياة ) لمعاهدة الدفاع العربي المشترك التي كانت قد لفظت منذ زمن غير قريب انفاسها الاخيرة , وذهب مندوب اخر الى ضرورة تواجد دائم لمن يرتدي الزي العربي في الصفوف الاولى في قاعات الحفلات , كون ( العباءة ) هي السلاح الدفاعي الامضى من ( الجاكيت) في مثل هذه المواقف . هذا وقد خلص المجتمعون الى ضرورة تشكيل ( لجنة قوية ) تقوم بمتابعة الموضوع وتنفيذ القرارات بالتعاون مع الفنانة القديرة .  وقد بدت , وعلى عهدة الراوي ايضا , علامات السعادة والانشراح واضحة على وجه الامين العام للجامعة العربية , حيث لم يجد الوقت طويلا ليضع يده على خده , و يجلس مهموما ينتظر من يتطوًع ليكون في اللجنة , بل كان التسابق في اقصى حالاته , وخاصة من الدول صاحبة الثقل والقرار والنفوذ , للمشاركة في اعمال هذه اللجنة , وهكذا تشكًلت , كما يقال , افضل لجنة تتشكل لحد الان في الجامعة لمعالجة احدى القضايا العربية . وخُتم الاجتماع بوصلة فنية هدية من الفنانة القديرة للمجتمعين , وخرج الجميع راضيا منتشيا بما جرى فيه وتمخض عنه .

ولكن هذه  البلدان المسكينة  كُتب عليها ان لا يستمر الفرح فيها طويلا , فقد اعتاد ت ان ترى بعض قادتها ينهون يومهم بحفلة سمر صاخبة لينهضوا في الصباح الذي يليه على مصيبة كبيرة ! , ففي اليوم التالي وبينما كان المندوبون يهمًون بحزم حقائبهم لمغادرة فنادقهم والعودة كلًُ الى بلده , كان المندوب السوداني يتباحث مع السيد الامين العام للجامعة في امكانية استغلال وجود المندوبين وتقديم دعوة رسمية باسم السودان لعقد اجتماع رسمي علني يناقش قضية مذكرة التوقيف التي اصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني ( عمر البشير ) متهمة اياه بجرائم الابادة الجماعية في ( دارفور ) . دعا الامين العام المندوبين مرة اخرى وكان على اغلبهم يبدو التعب والملل , يتقدمون الى الاجتماع كما يقال بخطوة الى الامام وخطوتين الى الخلف . انقلبت اجواء الحوار الساخن التي سادت نفس القاعة في اليوم الماضي الى حوار رتيب , بل اكتفى بعض الاعضاء بالتعليق على الموضوع بعبارة ( لا حول ولاقوة إلا بالله ) , وعاد ( المسكين الامين العام ) الى وضع يده على خده عندما وصل الامر الى قرار تشكيل لجنة لمتابعة الموضوع , فالجميع مشغول ومتخم حتى الراس بالمواضيع والملفات , وقبل الختام كان صوت المندوب الليبي مزمجرا في القاعة وهو يتقدم ( باقتراح اللحظة الاخيرة ) , في الطلب الى المحكمة الجنائية الدولية بإلغاء قرارها على ان تُصدر عوضا عنه قرار بتوقيف الفنانة ( هيفاء وهبي ) بتهمة جرائم أسر القلوب . عاد الانتعاش ليرتسم فجأة على وجوه أغلب الحضور , فقد اعتقدوا انهم عائدون من جديد الى مناقشة موضوع الأمس , لكن الامين العام نطق بكلمة الشكر الاخيرة وتمنى لهم سلامة العودة الى بلدانهم , واما الرئيس السوداني فله ربًُ كريم رحيم . 



42
بمناسبة احداث برطلة، نعيد نشر هذا الموضوع في الحوار الهاديء
عنكاوا كوم


التحفًظ على مشروع أغاجان لايعني التصفيق لنوايا حنين القدًو

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

 تبقى العواصف الترابية احدى الميزات الشائعة لطقس الصيف الجاف في العراق , وينسحب هذا ايضا على الواقع السياسي العراقي حيث الضبابية , وخلط الاوراق , وبالتالي تداخل الخنادق , قد بات عناوينا لهذا الواقع , مما يستوجب من اصحاب المواقف والأراء , سياسيون كانوا أم كتابا ومهتمين بهذا الشأن , عملا وجهدا مواضبا ليس في اعلان مواقفهم وأرائهم في نظرة عامة فقط , بل في التأشير بالتفصيل الى تلك الاراء والمواقف , فلايكفي هنا ان ترفع سارية عالية تعارض او تتحفظ فيها على برنامج ما , بل ينبغي على رافع السارية ان يحدد ارتفاعها وتفاصيل الوانها ويحرص دوما على تمييزها , ارتفاعا والوانا , عن السواري الاخرى . وهكذا يضمن في هذه الحالة ضرب عصفورين بائسين بحجرة واحدة , الاول هو حرمان بعض الاطراف المعارضة لذلك المشروع لاهدافها واجندتها الخاصة من الاستفادة من هذا الجهد في تحقيق تلك الاجندة والاهداف , واما العصفور الاخر فهو تفويت الفرصة على من يستسيغ ويستسهل تخوين الاخر المختلف معه في الرأي , ويرى في رميه في خنادق اصحاب تلك الاجندة المشبوهة فرصة ذهبية للنيل منه وتسقيطه شعبيا .

مما لاشكً فيه ان هنالك في داخل شعبنا من يعارض او يتحفظ او ينظر بقلق الى المشروع الذي التصق بالسيد سركيس أغاجان كونه الاب الروحي له , وهو مشروع الحكم الذاتي . نرجو ان يكون واضحا ان المقصود بالمعارضة والتحفظ والقلق لايعني الحكم الذاتي , كمطلب ينبغي تثبيته في الدستور الفدرالي ودستور الاقليم , بل المقصود بذلك اليات التثبيت ومايكتنفها ضمنا من عوامل شرطية. من جهة اخرى فان هنالك جهات اخرى خارج شعبنا يمثل بعضها المكونات السكانية الاخرى لسهل نينوى , او محافظة نينوى بشكل عام , تعارض المشروع , ليس حُبا بشعبنا , بل تماشيا مع مصالحها وتنفيذا لاجندة موكلة اليها . وهكذا فعلى كلا الطرفين في شعبنا , المتحمسون للمشروع ومعارضوه , مسؤولية جسيمة في اعادة تعيير مواقفهم استجابة للظروف , ليس بمعنى التنازل عن المبادئ , ولكن بما يكفل ان لايدفع المؤيدون للمشروع المعارضون له الى تلك الزاوية الضيقة التي يحلو للبعض ان يدفع خصومه اليها ليصنٍفهم ويضعهم ضمن قائمته كخونة لقضية شعبهم , او على احسن تصنيف كحجر عثرة امام طريقه . كذلك يجب على المعارضين او المتحفٍظين على المشروع ان يكونوا واعين لذلك الخيط الناعم الفاصل مابين الموقف من اجل مصلحة شعبنا وبين الانزلاق , بسبب التزمت او الخلاف الشخصي , الى معارضة تكون اكثر سلبية في نتائجها من تأييد المشروع , كونها تذهب الى خدمة اجندة واهداف اخرى لاتقل خطورة , بل اكثر كارثية , من اجندة واهداف الاطراف التي تقف خلف مشروع الحكم الذاتي. فعلى اساس أخر الدواء الكي , يكون افضل لبرطلة مثلا ان تكون سريانية تحت نظام علماني منفتح , من ان تكون شبكية تحت نظرة تحكمها قوانين اهل الذمة , ونؤكد هنا مرة اخرى ان هذا يصح فقط عندما تُغلق الابواب حقا امام كل الخيارات الاخرى , ويُصبح كما قلنا اخر الدواء الكي , وليس شماعة لصفقة مُعدًة سلفا .

يتكلم اهلنا , في سهل نينوى , وفي قضاء الحمدانية على وجه الخصوص , عن مخاوف جدية من محاولة بعض ممثلي الاطراف الاخرى الذي يشاركون شعبنا العيش في المنطقة , وتحديدا الاخوة الشبك عبر ممثلهم في البرلمان العراقي ومرشح الائتلاف الموحد الدكتور( حنين القدو) , الى تغيير الخصائص السكانية للمنطقة وتغيير الخارطة الديموغرافية لها عبر شراء الاراضي والبيوت ومحاولة السيطرة على المفاتيح الاقتصادية والادارية للمنطقة وفرض واقع جديد .  اننا نؤكد هنا ومن خلال تجربة المعايشة الحياتية ان شعبنا والمكونات الاخرى , والاخوة الشبك في مقدمتهم , قد كانوا دائما مثالا في التعايش والإخاء , حتى انني اتذكر في الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي كيف كان الاخوة الشبك الذين يسكنون محلتنا القديمة يتكلمون لهجتنا السورث بطلاقة كما نتكلمها نحن , يحضرون افراحنا ونحضر افراحهم , ويشاركوننا احزاننا ونقاسمهم احزانهم . والى حد اليوم فالعلاقات الاجتماعية المتينة والمبنية على الاحترام المتبادل تربط بين كثير من ابناء شعبنا وكثير من الاخوة الشبك .

ان اية نظرة تستهين بهذه المخاوف او اية علامات فرح بها كونها رد فعل يهدف الى إجهاض مشروع الحكم الذاتي , انما يدفع صاحب تلك النظرة او العلامات الى خانة التوريط في مخطط يستهدف شعبنا في وجوده , حاضرا ومستقبلا . من حق الدكتور ( القدو ) ان يسعى الى تنفيذ الاهداف التي يراها تخدم من يمثلٍهم , كما من حقٍه ايضا ان يعمل على تنفيذ اجندة من هو ضمن دائرتهم , ولكن من حق شعبنا ايضا ان يرى ان تلك الاهداف والاجندة لاتنسجم , بأي حال من الاحوال , مع سماته وخصوصيته وطموحاته . كذلك الحال مع اطراف اخرى في محافظة نينوى يبدو انها اختارت ان يكون سهل نينوى ساحة لتصفية حساباتها الخاصة مع الجانب الكردي . وهكذا اصبح شعبنا يعيش مأزقا حقيقيا , حائرا , دائخا كما يقول ابنائه ( موجة تجيبه وموجة توًديه ) لانه يجد نفسه امام خيارات مريرة وهو يبحث عن الاقل مرارة فيها فيراه مريرا ايضا !.

لقد ادركت اغلب القوى السياسية العراقية شروط اللعبة السياسية في العراق بعد الاحتلال وتغيير النظام, فانتقلت منذ وقت مبكر الى اللعب في الشطر الثاني من المثل العراقي الشهير حيث ( انا وإبن عمًي على الغريب ) , في حين لازالت قوى شعبنا السياسية لحد الان تُبدع في تجسيد الشطر الاول ( انا وأخي على إبن عمًي ). تُرى , أليست هذه المرحلة الحساسة والحرجة دافعا لكي تنتقل هذه القوى فورا , حالها حال الاخرين , الى الشطر الثاني ( قبل ان يفكر البعض جهرا بقلب المثل الى صورة مرعبة فيكون , لاسمح الله , مغ الغريب على إبن عمٍه ) , خاصة وان الواقع يشير الى انه ليس بمقدور ( ذلك مع اخيه او إبن عمٍهما ) , كل بمفرده , من الوقوف والتصدي لمخططات ( الغريب ) واجندته !. ان الحركة الديموقراطية الاشورية ( زوعا ) تتحمل هنا مسؤولية تاريخية جسيمة في الارتقاء في الأداء بما ينسجم ومتطلبات المرحلة , ليس بمعنى التنازل عن الثوابت بالرغم من ان التحجر في المواقف ظاهرة مرضية , ولكن من اجل إجهاد النفس في البحث عن اية قواسم مشتركة , حتى ولو كانت هذه القواسم مرحلية , لمواجهة الموجة والتصدي لها بعمل جماعي مع الاخرين , حيث بهذا تحتاط الحركة لنفسها من خطر الانزلاق , ربما بدون قصد , من ان تكون جهدا يصب في مصلحة اجندة الاخرين , كما تترفًع بذلك عن كل انتقادات الاصدقاء واتهامات المتصيدين بانها , اي الحركة , افتقرت الجرأة للتضحية , على غير عادتها , في زمن صعب من اجل شعبها. ذات الشئ مطلوب من الجهد المقابل , ونقصد به السيد سركيس أغاجان والتشكيلات المتحالفة تحت لوائه , في الجرأةعلى بسط مشروعه واهدافه من جديد امام الاخرين على طاولة البحث خاليا من ( الأيات ذات الحكم القاطع ).

اتذكر في الثمانينات كيف إلتقى الرئيس الامريكي الراحل ( رونالد ريغان ) مع نظيره السوفيتي , أنذاك , ( ميخائيل غورباتشوف ) في منتجع جليدي في ( ريكيافيك ) واتفقوا على معاهدة تخفيض عدد الرؤوس في بعض الصواريخ البالستية , وكانت ( اوسلو ) محطة جمعت الفلسطينيون والاسرائيليون فأنجبوا منها بنجاح ( اتفاقية أوسلو ), بل وقبل اسابيع إجتمع الفرقاء اللبنانيون في ( قطر ) ونزعوا فتيل ازمة كادت تؤدي ببلدهم نحو الهاوية , وهاهم المفاوضون السوريون والإسرائيليون يواصلون مباحثاتهم بهدوء في ( تركيا ) أملا في الوصول الى حل توافقي . والامثلة على هذا المنوال لاتُعدًُ ولاتُحصى . هل ما تختلف عليه قوانا السياسية وممثليات شعبنا هو اعمق حقا , ومعقدا , وستعصيا , اكثر مما كان ولازال يختلف عليه اطراف الامثلة السابقة ؟! لانطلب الكثير , ولكن ألا يمكن ان تكون مشاريع ( حنين القدو ) وغيرها قاسما مشتركا يمكن ان نتفق عليه ؟!.

 على ضوء الأمثلة اعلاه  و استجابة للظرف الدقيق والقلق الذي يعيشه شعبنا وانطلاقا من النية الصادقة المترفعة عن كل مكسب شخصي , اتقدم بالدعوة الى الاستاذين الفاضلين ( سركيس أغاجان ) و (يونادم كنة ) للإلتقاء , هنا في مدينة إسكلستونا السويدية , وفي شقتي المتواضعة , حيث ستكون هادئة فارغة ( عداي شخصيا ) تقريبا خلال شهر أب , أغسطس , وسأقوم شخصيا , بسعادة بالغة , بكل واجبات الضيافة لضيوف اعزاء , أملا في ان يخرج اللقاء , ليس ببيان مشترك للوحدة او الاتفاق على كل نقاط الإختلاف , فلسنا طماًعون الى هذا الحد , والطمع فساد الدين , ولكن ببعض الإضاءات التي تتيح لشعبنا ان يرى خارطة طريقه في ضوء هذه التحديات فيستطيع مجابهتها موحدا , فلايتشتت في فروع ميسمية تكثر فيها بنات أوى و سيطرات قطاع الطرق.  إنني واثق جدا في ان فكرة اللقاء وسماع الاخر هي لوحدها ذات فائدة كبيرة أيا كانت النتائج  , على الاقل في إعادة تقييم المواقف مع النفس .
التاريخ لايرحم , ومباراة ابتلاع شعبنا حامية الوطيس , و (حنين القدو ) وغيره لاينتظرون , هل من مُجيب . . .    

43
وزيرالتخطيط والقطة والدجاجة والفراخ
د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لازلت اتذكر تلك القصة , البسيطة حبكا والعميقة معنى , في احد كتب الدراسة الابتدائية في مراحلها الاولى , عن دجاجة خرجت تلهو مع فراخها , فعصى احدهم أمرها , وراح يلهو بمفرده . وإذا بقطٍ , يبحث عن قوت او صيد او نعمة متروكة هنا او هناك , يُبصره فيقتنصه بلمح البصر . أدركت الدجاجة مصير عزيزها , فأطلقت بألم تحذيرها الصارم الى إخوته قائلة لهم ( هذا مصير كلًُ مَنْ يعصون أمر أُمهٍم ). اصبح الكثيرون يكررون هذه الجملة, على مسامع اصدقائهم واحبائهم , تأسفا وشماتة في الوقت نفسه , عندما يشاهدونهم في موقف او ورطة لايحسدون عليها  ,حيث لم تنفع معهم تنبيهات وتحذيرات المخلصين. مشكلة وزير التخطيط الحالي, ومرشح جبهة التوافق السابق , السيد  (علي بابان ) تشابه الى حد كبير قصتنا هذه , مع فارق بسيط هو ان الدجاجة في القصة الاصلية لم تكن تتمنى لفرختها تلك النهاية الأليمة , بينما الدجاجة في قصة الوزير , وهي جبهة التوافق وهنا المقصود فقط توزيع الادوار انسجاما مع القصة , هي التي تُصر على ان تكون نهاية الوزير لاتقل تراجيدية عن نهاية الفرخة . حتى ان الرئيس جلال الطالباني المعروف  كون المسموح والممنوع لديه في السياسة خليط عجيب غريب لايفصل بينهما خيط رفيع , قد طالب علنا الوزير( بابان ) بالاستقالة , اي بالعقوبة الذاتية , كخدمة وطنية , لتسهيل عودة جبهة التوافق الى الوزارة , وهكذا فالوزير ( بابان ) عندما تمرد على قرار جبهته وأثر الاحتفاظ بالوزارة كان يؤدي خدمة وطنية جليلة ! واليوم بقبوله مغادرة الوزارة كونه ( حجر عثرة ) امام اكتمالها انما يؤدي ايضا خدمة وطنية جليلة ثانية !كم نحن محظوظون , فالمسؤولون في بلدنا يؤدون , في الصعود والنزول , ( خدمة وطنية جليلة ) !.

مع ان الوزير( بابان ) ليس المثل الوحيد ( الذي يعصي أمر أُمه ) في الحياة السياسية العراقية , بل ان التاريخ السياسي العراقي زاخر بقصص الكثيرين الذين ( عصوا أُمهاتهم ) فدفعوا ودفع معهم الملايين الثمن , إلا ان قصة الوزير( بابان ), على ضوء الحديث عن عراق ديموقراطي جديد تحمل معنى كبيرا , وهي تُشير بالتأكيد الى تناقض كبير مابين الشعارات المطروحة ومابين المشاركة الفعلية لكل طرف سياسي بقسطه في البناء الذي يتحدث عنه. كما تعكس هذه القصة المستوى العالي من الشك والريبة وعدم الثقة الذي يسود العلاقات السياسية بين الاطراف والقوى السياسية النافذة على الساحة العراقية في الوقت الحاضر , و تُظهر هذه القصة ايضا للعيان النظرة القاصرة الضيقة للقوى السياسية على الانسان , والتي تُجرٍده من الخبرة الفردية , فتحسبه فقط رقما في سجلاتها , لها الحق والصلاحية , متى شائت , ان تُسلٍط عليه الضوء او تشطبه بجرة قلم !

جبهة التوافق , ( الدجاجة المثقلة بالهموم ومشاكل المعدة ) , تُلح اليوم على السيد المالكي ان يُكمل إلتهامه لفرختها حتى النهاية ولايبقي له أثرا , وهي ( اي جبهة التوافق ) تفعل ذلك ليس حُبا بالمالكي ورغبة منها في تقديم وجبة لذيذة له , بل ربما تقول في قرارة نفسها مايقوله الاشقاء المصريون ( مَطرح ما يسري يهري ) وهي ترى فرختها بين كماشتي المالكي , ولكن جبهة التوافق تُدرك جيدا ان بقاء فرختها ( في الحفظ والصون ) دون ان يصيبها هول النهم او الرمي جانبا , تجلس معززة مُكرًمة على مقعد الوزارة الى جانب شقيقاتها الجدد القادمين الى مقاعدهم في نفس الوزارة بعد طول أناة , سيفتح الباب على مصراعيه امام هؤلاء الجدد للاقتداء جميعا بالوزير( بابان ) عندما ( ستزعل ) جبهة التوافق مرة اخرى على الوزارة وتهدد بسحب وزرائها , وهو احتمال ليس ضئيلا على ضوء الواقع السياسي العراقي  وإداء جبهة التوافق بالذات خلال هذه المرحلة. ان جبهة التوافق هنا تُكمل إنشاء اساس متين و ( بالكونكريت المسلح ) لقاعدة خطيرة في عمل الجهاز التنفيذي , حيث يتقدم الولاء الحزبي او الجبهوي او الكتلي للوزير او المسؤول الاداري على كل الاعتبارات الاخرى , فتكون الوزارات حكومات ودول مستقلة , يُغنًي كل منها على ليلاه , عوضا عن ان تكون تشكيلات لحكومة ودولة واحدة . من جهة اخرى فان المالكي قد عانى كثيرا مما يراه سيفا من الابتزاز تقوم بعض الاطراف السياسية , وفي المقدمة منها جبهة التوافق بالتلويح به بين اونة واخرى , ولذلك فهو يرى ان الاحتفاظ بالوزير ( بابان ) يمكن ان يكون ورقة ضغط كبيرة تجعل الجبهة تعدًُ في المستقبل الى المئة , او حتى الى الألف , قبل ان تشهر سيف الانسحاب  مرة اخرى , بل انه يُعوٍل على ان بقاء الوزير بابان في الوزارة يترك الفرصة اكبر في المستقبل , وعندما يتكرر المشهد من جديد , للخروج بمجموعة من ( علي بابان وليس ببابان واحد ) , حيث يتمرد  عدد من وزرائها او جميعهم على قرارها بالانسحاب من جديد من الحكومة , فيكون ذلك ضربة قاصمة وافلاسا سياسيا حقيقيا.

ربما يجد المالكي حلاً لمعضلة الوزير( بابان ) , فيقايض مصيره , مثلا , بمصير رئيس مجلس النواب السيد المشهداني الذي يبدو ان جبهة التوافق هي مدينة للاخرين في مسألة غض النظر حتى الان عن قرار تغييره بالرغم من ان حاله ( اي المشهداني ) في مجلس النواب قد أمسى كحال صاحب الاجنحة المتكسرة , فاصبحت طلعاته الجوية ليست ميزة صارخة في سماء المجلس , بل قام يطير طيرانا منخفظا جدا وبطلعات نادرة ! . او قد يذهب المالكي الى حل معضلة الوزير( بابان ) بطريقته الخاصة , فيمنحه احدى حقائب حزب الدعوة بعد ان يقدم الوزير ( بابان ) طلب الانتماء الى ذلك الحزب . لكن السؤال الذي يبدو مُلحا يتمثل فيما سيؤول اليه مصير الوزيرة ( وجدان ميخائيل ) , وزيرة حقوق الانسان الحالية ومرشحة القائمة العراقية سابقا , لو سارت الامور بين المالكي و الدكتور علاوي بنفس الاتجاه الذي سارت به مع جبهة التوافق وقررت القائمة العراقية العودة الى الوزارة , فدخول جمل من ثقب إبرة أيسر من قبول السيدة وجدان ميخائيل في الائتلاف الموحد وهي التي لاقت مالاقته من موقف محرج في النجف قبل ايام ! ربما في هذه الحالة لن يكون امام السيد المالكي إلا ان يستعين بالرئيس الطالباني ( فيُطيٍب خاطرها ) بمزحة من مزحاته الخفيفة ثم يطلب منها وبرجاء أبوي ( تضحية وخدمة وطنية ) , خاصة ونحن المسيحيون أهل لها باستمرار , يشهد الجميع لنا اننا ( مَنْ يُضحًي دائما ولايستفيد أبدا )!.

هنيئا للسياسي في العراق الذي لاقت او تلاقي ( والدته السياسية ) حتفها إثر حادث مؤسف , غرقا او خنقا او في المرور , او قضت او تقضي , بمشيئة ربها , بسبب مرض عضال او ورم خبيث , فلم يعد له من يتوعده بالعقوبة والجزاء إذا عصا الأمر ! اما السياسيون من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , فلانملك إلا ان نقول لهم , اذا كان البحث عن ( والدة سياسية ) قد اصبح ضرورة ملحة في عراق اليوم فالأولى بهم ان يعثروا على ( والدتهم هذه ) بين اوساط شعبنا فيكونون اكثر اطمئنانا , لانها بالتأكيد ستكون اكثر حنانا ورأفة بهم  فايمانها ومعتقداتها تُطالبها بل تفرض عليها ان تغفر لهم سبعين مرة سبع مرات . . . . 



44
مع الكاتب عمانوئيل خوشابا للمرة الاخيرة
يالبؤس ( النخبة ) ويا لخيبة أملنا
د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لم يكن قط التأخير , في العودة كما وعدنا الى الرد على الاخ عمانوئيل خوشابا , والهيئة الاستشارية التي تُشارك في تحرير ما يُنشر تحت توقيعه , سببه منح النفس فرصة من الزمن لاسترداد ( الرزانة والتحكم في البوصلة ) , لان القارئ الكريم وشعبنا هما من يملك الحق في الحكم بيننا على ذلك , وهو حكم حق في كل الاحوال , ولكنني وجدت بعد قرائتي للجزء الثاني , وما إحتواه من طرح وتهم جديدة , ان مرافقة اطفالي في نزهة ليومين يتقدم على اهمية محتوى ذلك الرد  , حتى ان اصدقاء اعزاء قد نصحوا بترك الموضوع وعدم الرد , لانها أشبه بالمعجزة ان تحصل على المزيد من اصحاب الجيوب التي باتت فارغة , ولكنني أثرت الرد مرة اخرى احتراما للوعد , وأملا في ان فنجانا اضافيا من القهوة المركزة ستفيد ربما في الصحصحة , و بالتالي تساعد الى الخطوة الواثقة .

عندما نقول في العنوان ( يالبؤس النخبة ) , ونضع النخبة بين قوسين , فاننا نعني النخبة , كصفة , يحرص البعض على وصف نفسه بها في الوقت الذي نرى هذه النخبة ( الصفة المسكينة المبتلية ) مُسمًرة على خشبة صليب افعال هذا البعض وأدائه . لقد اصبح واضحا لي النرجسية التي يُحلٍق بها بعض من قيادة الحزب الوطني الاشوري وكوادره المتقدمة , في اعتقادهم بانهم وحدهم فقط القادرون على فكٍ الخط , و باقي شعبهم لم يدخل مدارس محو الامية . ما هذا الاكتشاف العظيم الذي وصلنا من اللقاء التلفزيوني مع السيد نمرود بيتو , ولماذا أجهد السيد الوزير نفسه في ( تقشير البيض المُقشًر اصلا ) ! مَنْ هو هذا الذي كان ينتظر من السيد بيتو ان يُبصره بالمعارضين والمتحفظين على الحكم الذاتي بشكله المطروح بصورة عامة , وبالرؤية الخاصة له من قبل الحزب الوطني الاشوري , مادام الجميع يعرف هؤلاء باسمائهم الثلاثية الكاملة . هل نحن حقا بهذه السذاجة واتكاليون الى هذه الدرجة , عندما نعيش في عالم اليوم  ,حيث بات هذا العالم قرية صغيرة , وعشرات المواقع لشعبنا تنشر يوميا الاف الكتابات والاخبار عن الواقع وحركته , وغير قادرين على تحديد اصطفاف القوى حتى يضطر السيد نمرود الى فعل ذلك شخصيا ؟! .

كما هو من حق الاخ خوشابا ان يصف الحكم الذاتي , بالشكل الذي يفهمه ويسعى اليه , على انه ( مطلب وطني ), كذلك من حق الاخرين ان يرون فيه صفقة غير أمينة . اذا كان الحزب الوطني الاشوري يرى نفسه  مُرغما على القبول بشراء ( السمك وهو في الشط ) , كمقايضة لبضاعة وديون سابقة , فان اهل سهل نينوى لازالوا يشعرون ان رأسمالهم في جيوبهم , وهم احرار في شراء ما يرغبون , وما يناسبهم , ناهيكم عن ان من يشعرون له فضل عليهم خلال هذه السنوات الصعبة , وهو السيد سركيس اغاجان , لايتركهم يُحسون في قرار مصيرهم بثقل فضله عليهم فيخرج على التلفاز ويطالبهم بالضم او عدم الضم . انني اعتقد ان قيادة الحزب الوطني الاشوري تفعل خيرا وتقتصر الطريق و( تُقشِر بيضتها الرئيسية ) , وتُريح رأسها من دوخة الحكم الذاتي ,عندما تدعو صراحة الى ضم سهل نينوى الى اقليم كردستان , فقط ( لضمان التواصل الجغرافي مع باقي شعبنا ) , وكان الله يُحب المحسنين ! طالما ان بالنسبة اليها كل حديث عن شكل الحكم الذاتي , والياته , ومصير المتواجد اليوم في الاقليم , كل هذا وكثير غيره , مؤجل الى مرحلة قادمة , فالمهم اليوم ان نرمي بورقتنا الوحيدة في الجولة الاولى , وغدا لنا ربَُ اسمه الحلاًل الكريم . اما المادة 140 , وقد سمعت السيد المالكي في استوكهولم وهويقول بفمه عنها , انها مادة صعبة جدا وفيها تعقيدات كثيرة , لانها ولدت في ظروف معقدة , وقد حرص المشرٍع فيها ان يجعلها عقدة مستعصية الحل , وكأنه اراد منها ان يشفي غليل الاكراد من جهة فتكون مادة دستورية , ويراعي في نفس الوقت ومن جهة اخرى مخاوف العرب فيترك حلها يستلزم معجزة , بينما نرى الاخوان في الحزب الاشوري قد وجدوا بمنتهى السهولة حلولا لها , وهكذا باتت واضحة لنا, ليس مشاركتهم فقط في قرارات مصير محافظة نينوى , بل قيادتهم لهذه المحافظة من غرف النوم !, حيث قد وضعوا خارطة جديدة لها بتفكيكها وتفكيك اقضيتها , بل حتى نواحيها وربما قصباتها ! تمنياتي الى الاخ خوشابا واللجنة التي عملت معه في كتابة هذه الردود ان تتأمل قليلا في المقال الرائع الذي سطره الاستاذ الفاضل هرمز كوهاري والموسوم ( الحكم الذاتي في سهل نينوى بين النظرية والتطبيق ) والمنشور في موقع عنكاوة على الرابط التالي فربما يجدون جميعا في ذلك فائدة جمة ومعلومات مفيدة عن الفدرالية وفرصة الحكم الذاتي :
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,199318.0.html

لا اعتقد اطلاقا ان رد الاخ خوشابا , في حلقته الثانية , لم تعاد صياغته , كليا او بنسبة كبيرة , على ضوء ردٍنا المنشور تحت عنوان ( حجج بائسة واوراق صفراء ) , وقد كان القصد حقا , في الاستعجال وكتابة الرد على الاخ خوشابا قبل ان يُكمل جزئه الثاني , ليس التهديد كما يزعمون , فالتهديد والصفة الاكاديمية خطان متوازيان لايلتقيان , بل كان محاولة طرق الحديد وهو حار , حيث فرصة التقويم تكون اكبر , وهو حقا ما تحقق بنسبة جيدة , حيث الرد الاخير للاخ خوشابا , قد تميز بنسبة اقل من محطات التشهير بالاخرين , وبصورة خاصة بالحركة الاشورية , مع ايماننا القاطع في ان الشفاء من العقد ليس حقنة وكفى , بل يتطلب وقتا ويستغرق جهدا , وهنا اود فقط تنبيه الاخ خوشابا بان ( الابقار السياسية المقدسة ) في العراق وفي الشرق تكاد تكون ميزة عامة , وليست حالة تنفرد بها الحركة الاشورية , وهكذا ولانكم تتكلمون بالمنطق العام , ولأنكم , كما تذكرون في الجزء الاول من الرد , تمقتون الانتقائية وتشكون منها , فانكم تقصدون بكلامكم هذا كل الحالات الموجودة التي ينطبق عليها وصفكم , لكنكم , وكما  نرى , لاتبخلون في اظهار كل ايات التبجيل والتقديس والاحترام لبعضها , فليكن حال السيد يونادم كنة كحال تلك التي تنحني الرؤوس عند الدخول والخروج من مكاتبها , فالاقربون اولى بالمعروف , أم ان ( قس الدار ) لايستحق تقبيل يده او مناداته ( أبونا )!

هنيئا لسهل نينوى  فقد تم استفتاؤه من خلال ندوة عُقدت في ( تللسقف ) وحضرها العشرات الذين غصت بهم القاعة , ان الالتقاء بجماهير شعبنا ظاهرة ايجابية ينبغي تشجيعها , ولهذا نرى انه كان ينبغي على السيد نمرود بيتو ان يرسلكم  , قبل المقابلة التلفزيونية, ليس الى تللسقف فقط , بل والى جميع قرى ومدن سهل نينوى , ( تُبشِرون و تُتلمذون وتُعمٍدون بإسم الحكم الذاتي كما يراه الحزب الوطني الاشوري ! ) , ويوصيكم ( اذا دخلتم قرية ورفضتكم فاخرجوا الى شوارعها وانفضوا  غبارها العالق على أحذيتكم  , فمن يدري , فربما سيكون حظ سدوم افضل منها في يوم الحشر ! ) ثم , وبناء على النتائج و بعد عودتهم سالمين غانمين بمشيئة الرب , يعلن رؤيته وقراره حول السهل في لقاء على عشتار . اما الادلة المادية التي تعيدون التطبيل فيها , فهي أشبه بما كان يقوم به رئيس النظام السابق عندما كان يقرر شيئا , ويرسله الى المجلس الوطني ( ليستفتي الشعب عليه ) ! او يعلن ذلك مباشرة في التلفاز ويطلب رأي الشعب فيأتيه الجواب في اليوم الثاني , حيث ينتعش سوق القماش واللافتات ! دون ان ننسى ان الفارق هنا , ان في اليوم التالي لحوار السيد بيتو على قناة عشتار لم ينتعش سوق القماش واللافتات , لان الحزب الوطني الاشوري لايفرض على الناس الخروج بالاكراه الى المسيرات والتظاهرات او ليست له القدرة على فعل ذلك .  ثم اذا كنتم تحسبون ندوة تللسقف استعراضا جماهيريا لقدرتكم في الحشد  ,وبالتالي للمطالبين بالحكم الذاتي , أليس ايضا من حق الحركة الاشورية ان تحسب مسيرة أكيتو في الاطار نفسه وفي الاتجاه المقابل ؟! أم ان مسيرة اكيتو كانت اصغر من ندوة تللسقف ! او ان من حضر ندوة تللسقف , مع كل الاحترام لهم , هم ( النخبة ) , ومن خرج في أكيتو هم الرعاع ؟!

اما تهمة ( ايتام النظام السابق المتلحفين عباءة العمل القومي ) , فهي حقا تُشير الى صعود السكر , وتذبذب ضغط الدم  ,وارتفاع مستوى الكوليسترول. فاعتقد ان سنوات من الكتابة في الحقل القومي , بنسق ثابت , كفيل بان يرسم للقارئ اطار لشخصية الكاتب . تُرى هل حقا يمكن ( للنخبة الزاهدة في الحياة الدنيا ) ان تلجأ الى هذه الاساليب الرخيصة  ,فتشعر انها فقدت كل شئ ولم يبقى لها إلا هذا الجوكر البائس ؟! لكنه يبقى من واجبنا ان نجد العذر ( لأبناء التبنيً ) في شعورهم بالخطر المحدق من اعادتهم الى الملجأ الذي أُنتشلوا منه , عندما يُخفقون في إرضاء سيد الدار الذي لايفارقه الشعور في انهم ليسوا من صُلبه !. انني اؤمن ايمانا قاطعا ان القارئ , وهو الحكم بيننا , حاذق بما فيه الكفاية , ليشير بإبهام الحق , ويحدد الايتام وابناء التبني !.

انه لجميل حقا ان تنتفض الشخصية الكاريزمية ( يوسف متاوي ) لتتطوع في اسناد الاخوة الذين يحتاجون الى الاسناد , وهذه الشخصية ( الغامضة للبعض والمكشوفة للبعض الاخر ) قد اعتدنا بروزها في المواقع  في ( المناسبات الوطنية والقومية ) وعندما يرى الاخوة انه قد اشتد الوطيس, وقد حان موعد استخدام السلاح الاستراتيجي  ( شخصية يوسف متاوي ) الذي يحتفظون به لايام الشدة , وهم لايعرفون ان هذا السلاح ليس إلا غاز مسيل لدموع شفقة القراء على اصحابه ومستخدميه. كل ما نقوله بشأن المقال الذي كُتب بتوقيع السيد ( يوسف متاوي ) هو اننا نعيش حقا زمنا أعورا , عندما نُصبح متهمين بتعميق ( التخندقات والاحتقانات ) في اوساط شعبنا , وعندما يكون السيد ( يوسف متاوي ) بالذات , محاضرا في التخندقات والاحتقانات وداعيا الى الوحدة ! إذا كنتم قادرون على نكران وجود اية اشارة للحركة الاشورية في رد الكاتب عمانوئيل خوشابا واتهامنا باننا قد اقحمنا الحركة إقحاما وتجنيا على الاخ خوشابا , فان ذلك يُعطي للقارئ الكريم فرصة الحكم على كلِينا و في الموضوع جملة وتفصيلا.   

في كل الاحوال ارجو ان لايفسد الاختلاف بيننا في الود قضية , فالسيد بيتو والاخ خوشابا وكل الاعزاء في الحزب الوطني الاشوري هم شريحة ثمينة عزيزة من شعبنا ومن الناحية الانسانية , نكُنًُ لهم كل المحبة والمودة والتقدير , وكل أمنياتنا القلبية ان نراهم بتلك الصورة المشرقة التي نتمناها لهم , لان خيبة الامل فيهم , صدقا وحقا وليس تملقا او نفاقا , هي لنا خسارة كبيرة . . . .

   
 

45
رد الكاتب عمانوئيل خوشابا – حجج بائسة واوراق صفراء
د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

بداية أستميح القارئ العزيز عُذرا إذا وجد المقال عنيفا حبًة زيادة , وكذلك اتمنى ايضا ان يتسع قليلا صدر السيد عمانوئيل خوشابا والاخوة في الحزب الوطني الاشوري , لأن الخلفية الفيزيائية التي أحملها تجعلني اكون دقيقا في مراعاة قواعد الفيزياء واحترام قوانينها , ومنها ان لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه , فإذا كنت في المقال الاول الموسوم ( نمرود بيتو وسهل نينوى – وهب الوزير مالايملك ) قد حرصت أن اكون شفافا و  حاولت جاهدا إخراج الموضوع من دائرة الشخصنة , وذكرت بالفم المليان ان المقال يستهدف فقط الطرح السياسي للسيد بيتو, ولاعلاقة له البتة به من الناحية الشخصية , لانني لا يمكن ان أغفر لنفسي خطيئة فعل ذلك , وقلت بالنص انه ( اي السيد بيتو هو احد رموز شعبنا وهو موضع احترام وتقدير ), لكن رد الكاتب عمانوئيل خوشابا ( و لا أعلم إن كان هو حقا من كتب الرد أم ان قيادة الحزب الوطني الاشوري قد عقدت ربما سلسلة من الاجتماعات لتخرج به ) واحتواء  هذا الرد على تهم الكذب , والشروع في اللعب البائسة , وانتزاع حق المواطنة والانتماء لهذا وذاك , والقبول بدور الاداة لمخطط المؤامرة على الحزب الوطني الاشوري , كل ذلك يستدعي طرقا غير عادي , حيث تُصبح القرصة هنا حالة اضطرار للقارص , كما هي حاجة وضرورة للمقروص .

ما إستهل به السيد خوشابا مقاله – الرد , من خلال الاشارة الى روابط تتضمن مقاطع من برنامج الحوار الذي اجرته قناة عشتار مع السيد نمرود بيتو والتهليل بهذه المقاطع وكأنه يصرخ مثل أرخميدس ( وجدتها – وجدتها ), قد ذكًرني بتمثيلية ( الحاضنات ) التي حدثت في الامم المتحدة و جسدت الدور فيها وبمهارة إبنة السفير الكويتي !. هنالك حالة معينة انتشرت ايام الحصار في التسعينات في مناطق مختلفة من العراق وبشكل خاص في سهل نينوى , حيث عندما بدأت اثار الحصار تأكل من الجسد العراقي واصبح همًُ المواطن هو الاستقتال لتوفير اللقمة له ولعائلته , فقد وجد البعض بعض الحل لمأساته في فتح اكشاك صغيرة توفر لهم بعض الفائدة , وكان هؤلاء يضعون على الواجهة في أكشاكهم ( ما يقال له بالعامية رأس حاجة ) وهي السيكائر و النساتل وحلويات الاطفال و بعض المواد البسيطة الاخرى , او ما يطلق باللهجة الدارجة ( حبْ وسيكائر وعلج ). وقد وجد قسم من اصحاب تلك الأكشاك ان الوقوف طوال اليوم لبيع ( الحبْ والسيكائر والعلج ) لايؤدي الفائدة المرجوة , ولذلك وجدوا في بيع المشروبات الكحولية المنتجة محليا ( عرق بعشيقة او القجغ ) , بحذر شديد , ما يترك الامور تسير بشكل أفضل , وللاسف الشديد كان من يقف احيانا في تلك الاكشاك ويمارس هذا الفعل موظفون , بل ومعلمون ومربون , لكن الحاجة أجبرتهم على ذلك .

 ان الروابط المذكورة ربما تمثل ( الحب والسيكائر والعلج ) المعروضة على واجهة الكشك , ولكن مايهم المحلل السياسي هو جوهر ولُبً الفكرة السياسية التي تطرحها هذه الشخصية او تلك. ان واجب المتابع هو البحث عن ( عرق بعشيقة القجغ ) الذي يحاول السياسي المتاجرة به , ليلقي ذلك المتابع عليه الضوء وينبه اليه شعبه ليُسجل الغرامة المطلوبة بحق ذلك السياسي , كونه قد ارتكب مخالفتين في انٍ واحد , حيث انه يبيع ( عرق بعشيقة ) بدون اجازة رسمية , ثم ان ( عرق القجغ ) هذا مخالف للشروط الصحية كونه يُحضًر بعيدا عن الشروط القياسية. وهكذا لايحدث قط , ان يُشير الكاتب او وسائل الاعلام الى كل الملاحظات والرتوش الصغيرة التي يحاول السياسي فيها ان يُزيٍن فكرته المطروحة , لا بل يجب على السياسي الشجاع ان يقف خلف جوهر طرحه , غير محاول تبرير ذلك بإشارة يبغي فيها ذر الرماد في العيون , ويكون هذا السياسي اكثر شجاعة عندما يمتلك الجرأة على اعادة النظر في طرحه بما ينسجم وصالح قضيته عندما يرى ان رد الفعل تجاه فعله في محاولة تسويق ( عرق بعشيقة القجغ ) فاق حدود التوقع . فهل مارسنا الانتقائية حقا عندما قلنا ان السيد نمرود بيتو قد دعا الى الحكم الذاتي لسهل نينوى فقط على ان يكون هذا السهل ضمن اقليم كردستان ؟! هل بهذا قد ألبسنا الحزب الوطني الاشوري , زورا وبهتانا , تهمة مزيفة ؟! أم ان هذه ليست جوهر الرؤية السياسية لهذا الحزب ؟! .  إن هذه الرؤية ليست بالتأكيد وليدة البرنامج التلفزيوني الذي عُرض على شاشة عشتار , حتى ان الاخ العزيز الاستاذ شمشون شابا قد ذكر وقبل اشهر , وفي سياق مقالاته حول الحكم الذاتي وانواع المشاريع المطروحة , هذه الرؤية السياسية الخاصة بالحزب الوطني الاشوري , ولكن الغريب في الامر ان ينبري السيد الامين العام للحزب لطرح الفكرة علنا ورسميا في هذا الوقت بالذات , بينما يتجنب الاخرون , ومنهم في المقدمة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري , وهو المسؤول الاول عن تطبيق فكرة الحكم الذاتي ولحزب الاستاذ بيتو مقعد فيه , الاعلان علنا وبشكل صارخ عن الدعوة لضم السهل الى الاقليم , او على الاقل يترك فكرة الضم مشروطة بتحقيق الحكم الذاتي في جميع مناطقنا التاريخية , بينما يكتفي الحزب الوطني الاشوري بالدعوة الى الحكم الذاتي للسهل لكي ( يتواصل هذا السهل جغرافيا مع المناطق الاخرى ) , ورجائي من القارئ الكريم ان يلاحظ في رد السيد عمانوئل خوشابا افتقار الجرأة في المطالبة , ولو لمرة واحدة , بالحكم الذاتي لشعبنا المتواجد حاليا ضمن حدود اقليم كردستان!. أليس من حق البعض ان يفسر طرح السيد بيتو هذا , وفي هذه المرحلة , على انه محاولة مكشوفة للمزايدة , حتى على الاطراف الحليفة قبل الاخرى , في العرض  أملا برعاية ودلال اكبر واكثر ! نعم ايها الاستاذ العزيز خوشابا , فقد اصبتم بقولكم في انني لاأتفق مع هذه الرؤية لحزبكم , وهنا يراودني الشك في امرين , اولهما عجز منظري الحزب في الوصول الى رؤية اكثر شمولا تحقق بشكل افضل طموح شعبنا , وثانيهما ان هنالك عوامل ضغط عنيفة في الارض ودوافع منسجمة مع تلك العوامل داخل قيادة الحزب , ترى ان لامناص من تسديد جزء من الديون المتراكمة , فتترك الحزب أسيرا لهذه الرؤية القاصرة , ولاكون صريحا اكثر معكم , واستنادا الى وصفكم الجميل لحزبكم العزيز في انه , حزب نخبوي يخاطب الاذهان والعقول وليس المشاعر والقلوب , فانني واثق تماما في ان النخبة الخيرة من منظري الحزب ليست عاجزة اطلاقا عن اعادة النظر في الرؤية السياسية لترتقي الى مايلبي الطموح , او الاتيان , منذ البداية , برؤية شاملة اكثر نضوجا , وهنا بيت القصيد و مكمن الخطر ومبعث القلق , حين يعتقد البعض انه يحق له تجيير ( صك سهل نينوى ) لحساب الاقليم لتسديد بعض الفائدة على ديونه المتراكمة وليس جزءا من الدين , متوهما ان الاخوة الاكراد لايدركون انه ( صك بدون رصيد )!.

نعم , وكُن مطمئِنا ايها الاستاذ العزيز خوشابا , في انني شاهدت البرنامج ولم أفشل في الاستماع الى فقراته كما لم يوحى لي بما كتبت في المقال , فقد اخترت الزبدة والجوهر كما فعلت انت ايضا , فلا اعتقد اطلاقا ان السيد يونادم كنة قد قرر ان يجهد نفسه ويتحمل عناء السفر الى ( القوش ) ليقول فقط أربع كلمات , اصبحتم والاخرون تحفظونها عن ظهر قلب ( الحكم الذاتي مطلب شوفيني وعنصري ) وتتغنون بها في كل مناسبة , حتى ان البعض قد كتب مقالات على اساس هذه الكلمات الاربع , وانتم ايضا في الرد قد جئتم الى ذكرها , أليست هذه انتقائية ايضا تصح عليها الوصية العربية المأثورة ( لاتنه عن خلق وتأتي بمثله ) , كما ينطبق بشأنها البيت الشعري الشهير:
يا أيها الرجل المعلٍم غيره
هلاً لنفسِك كان ذا التعليم

أم هو حلال لكم وحرام لغيركم ! أليس تشبثكم بهذا التصريح هو بسبب اعتقادكم ونظرتكم اليه على انه ايضا محاولة ( تسويق لعرق بعشيقة القجغ ) ينبغي الإخبار عنها , حتى الانتربول يجب ان يعلم بها !
قبل يومين نقلت وسائل الاعلام جملة قالها رئيس الوزراء العراقي في عمان , في سياق حديث طويل في مؤتمر صحفي بشأن الاتفاقية الامريكية العراقية , حيث قال ( ان المفاوضات حول الاتفاقية قد وصلت الى طريق مسدود ) فهل مارست جميع وسائل الاعلام هذه , الانتقائية وعدم الدقة في طرح المعلومة ؟!

ثم تعيدون الكرًة والسقوط في الفخ نفسه , عندما تضربون مثل إسقاط الجنسية العراقية عن المعارضين للنظام السابق وتستشهدون بالجواهري كمثل صارخ وتطلقون في نفس الوقت على الذين يعارضون او يتحفظون على الحكم الذاتي , من حيث جوهر الفكرة او في أليات التطبيق , على انهم ( حجر عثرة امام طموح شعبنا ) وكأن الحكم الذاتي قد نزل من السماء , ومن يقول له أُفٍ ( كما كتب العزيز سيزار هوزايا ) قد خرج من ( بركة الشياطين ) في باطن الارض !. ما الفائدة اساسا من حديثكم في حق السهل في اقرار مصيره إن كنتم , مسبقا , قد وجدتم قطعة القماش وفصًلتم و قمتم بالخياطة كما تشتهون , وبقي لنا خيار واحد ان نرتدي المعروض , او نكون حجر عثرة , و ياويل من تكون العثرة على يده , فالتحريض عليه جاري على قدم وساق لكي ( يُلقى في الظلمة البرًانية حيث البكاء وصرير الاسنان )!. و تشكو , ايها الاستاذ العزيز خوشابا , من انتزاع حق المواطنة والإنتماء , وكأنكم أنتم فقط المنتمون والاخرون اطفال الانابيب !

هنالك قول عربي مأثور يقول ( لاتبخسوا للناس أشيائهم ) ولهذا قلت سابقا ونكرر اليوم انني لا احمل اية عقدة تجاه الحزب الوطني الاشوري ولايمكن ان اتورط في مؤامرة تستهدفه لانني بصورة عامة ارى في وجوده قوة اضافية , بل على العكس اعتز كثيرا بعلاقات ومراسلات تربطني مع عدد من كوادره ومناصريه , ولكن السيد خوشابا قد أسهب كثيرا في رده في الحديث عن الانتخابات في الوقت الذي وجدت في الحوار التلفزيوني وقع السؤال عن الانتخابات ثقيلا جدا على الاستاذ نمرود بيتو , وكان الجواب بمثابة اعتراف ضمني بالنتائج المتواضعة الى درجة كبيرة و التي حصل عليها الحزب , وعزا ذلك لضعف الدعم المادي وسلبيات في ادارة الحملة  ,وليس عيبا على الاطلاق ان يخسر شخص ما او حزب ما جولة انتخابية , لكنه يكون صعبا حقا ان يهضم المقابل محاولات التبجح بافراط التي يُطلقها ذلك الشخص او ذلك الحزب في دور رئيسي يمارسه في القرارات و في مصير منطقة او محافظة من خلال مقعد في مجلس المحافظة مُنح له ( كهبة عينية ) , فلنكن يا استاذي العزيز خوشابا إخوة نتحلى بالصراحة , فتتلطف في الاجابة بكل شفافية عن سؤال بسيط يكمن في , هل يعود حقا  ما حصل ويحصل عليه الحزب الوطني الاشوري , من منصب وزاري ومواقع اخرى , الى ثقل حققه في النتائج الانتخابية ام الى عوامل و اجندة اخرى .  ربما لاتجيبني ولكنني واثق من صراحتك مع ذاتك .يشهد الله انني لست بخيلا بالحزب واتمنى من كل قلبي ان تكون الوزارة كلها من صفوفه فهو جزء منا وليس غريبا علينا , ولكن من يقرع يجب ان يسمع الجواب.

يعلم السيد خوشابا علم اليقين انني اكتب باستقلالية , ولاتربطني علاقة رسمية بالحركة الاشورية , بالرغم من انني لا أنكر تعاطفي وانسجامي معها في بعض مواقفها , كما يظهر للعيان ايضا انتقادي لها في مواقف اخرى. ولهذا يُعتبر تصرف السيد خوشابا , في رده , في إقحام الحركة او التشهير بها عملا غير مبرر على الاطلاق يعكس العقدة المستديمة التي يعاني منها بعض الاخوة في الحزب الوطني الاشوري , وتظهر للمتابع واضحة بشكل صارخ والتي   اسمها (  زوعا ). حتى انني شخصيا , وربما يتفق معي البعض الذي ينظر ايضا بحيادية الى المشهد , اكاد اصل الى استنتاج مرعب , يتمثل في ان خياركم في التسمية المركبة والحكم الذاتي قد جاء انسجاما مع المثل الدارج ( لايُجبرك على المر إلا الأمرً منه ) فكان الحكم الذاتي والتسمية المركبة هي المُر وكان زوعا هو الأمرً منهما . لقد قمت شخصيا , كما افعل دائما عندما يتعلق المقال بكتاباتي , بنشر الرد الذي كتبه السيد خوشابا على صفحات موقع برطلة الذي انا جزء من اللجنة المشرفة عليه , احتراما وايمانا بمبدأ الرأي والرأي الاخر , وقد كتب احد الاخوة الاعزاء تعقيبا على الرد تضمن ملاحظات قيمة , لكن ما اود الاشارة اليه هنا قوله ( ان التشهير بممثل الحركة الاشورية في مجلس محافظة نينوى والمتهم بالاختلاس والفساد هي بادرة غير طيبة من الحزب الاشوري ). تُرى هل اصبح السيد جيفارا هو الفاسد الوحيد في العراق ؟! , علما بانني شخصيا لا اعرف حيثيات القضية ولا اعلم إن كان الشخص قد أُلبس هذه ( السلطانية ) بتهمة كيدية من قبل اطراف اخرى , أم انه متورط حقا , فكل ذلك يمكن ان يصل اليه القضاء العادل النزيه , ولكن السؤال الملح , يكمن في عجز عيون البعض في الاشارة , حتى ولو همسا او بصوت خافت , الى حالات ربما تكون اكبر واعمق فعلا وتأثيرا لدى الاخرين تملأ الساحة , في الوقت الذي يضع هذا البعض السيد جيفارا تحت مجهره ومشرطه ليل نهار. الشئ نفسه , فعله ولازال , بعض جهابذة الحزب الوطني الاشوري مع السيد قائمقام قضاء تلكيف , حيث اصبحت بالنسبة لهم قضية شعبنا المصيرية تُختصر في تسقيط قائمقام تلكيف , في الوقت الذي نراهم , صُمُ بكم لاينطقون ببنت شفة , على تجاوزات واخطاء و فساد هي بالمقارنة مع اخطاء قائمقام تلكيف , مثلها مثل النهر الى الكوب .

مرة اخرى اجد نفسي في نفس الموقف , حيث اصبحت المودة السائدة لدى البعض , انه ما أن يلاقي انتقادا حتى يتجه الى الدفاع عن طريق الاحتماء ( بعباءة ) السيد سركيس اغاجان , فيعتمد اسلوبا رخيصا حقا حين يترك نفسه رديفا للسيد اغاجان فيعقد علاقة سطحية ,  فحواها ان انتقاد ادائه او طرحه هو كتحصيل حاصل انتقاد للسيد اغاجان في مسعى مشبوه الاهداف . عانيت من لعبة الاصطياد هذه في مقال ( مزرعة القطط ) , واليوم يتكرر المشهد نفسه مع السيد خوشابا . ان التصور في ان الحزب الوطني الاشوري , ليس هنا كقيمة انسانية يمثلها اعضائه وقواعده ومناصروه , بل كثقل سياسي جماهيري ونفوذ ودور وقدرة على التحكم في الشارع , هو كفة معادلة تماما لجهد السيد سركيس اغاجان , هو منطق يجانب الحقيقة , فالسيد اغاجان لايمتلك فقط في سهل نينوى لجنتين محليتين في تلسقف وباطنايا , بل ينتشر نفوذه وجهده في في كافة مدن وقرى السهل , كما ان الانجازات المسجلة تحت عنوان هذا الجهد شاخصة في تلك المدن والقرى , ومع ذلك كنت حريصا في المقال على القول و التأكيد في انني لم اسمع لحد الان من السيد سركيس اغاجان شخصيا دعوة علنية لضم السهل الى الاقليم , بل سمعت من اصدقاء اعزاء , في ان السيد اغاجان حريص جدا على تكون جميع المناطق التاريخية في الاقليم وخارج الاقليم ضمن منطقة الحكم الذاتي التي يسعى اليها.

لم امنح نفسي يوما حق تقرير مصير الشعب الصامد في الداخل لكي امنح ذلك لغيري , بل كنت ولازلت حريصا على التأكيد في كل الكتابات واللقاءات التلفزيونية في انني مع ما يذهب اليه اهلي وشعبي , بالرغم من انني وإن اخترت الغربة ولازلت اضطرارا , إلا انني ابن سهل نينوى أبا عن جد ولازالت جذوري خضراء فيه . وربما أذيع سرا اعترف به للمرة الاولى اليوم , في انني قد اعتذرت متقصدا عن حضور مؤتمر استوكهولم الذي هيأ لمؤتمر عنكاوة لسبب رئيسي وهو انني من ابناء السهل , حيث  وجدت في ذلك مسؤولية اخلاقية كبيرة ان يشاع بانني اشارك , في تلك العجالة حيث الفكرة قد طُرحت للتو , في تقرير مصير السهل وانا ساكن في السويد , ويشهد الاستاذ العزيز اسكندر بيقاشا على ذلك حيث اتصل للمرة الاخيرة ليؤكد الحضور قبل ساعات من المؤتمر. والسيد خوشابا يعلم علم اليقين انها لو كانت مسألة منافع وامتيازات شخصية , لكانت مشاركتي في الفعاليتين وماتلاهما , بما املك من امكانيات متواضعة , ستتوفر لي الفرصة كوني من ابناء السهل كإمتياز وبالتالي منافع جيدة . ولكنني ارى حالي , كما ترون حالكم , في ان واجبي يقتصر على التبصير وطرح الاراء بما اجتهد واراه صوابا , وليست لي اية ارتباطات او مسؤوليات مع جهات خارج شعبنا لاجعل ارائي موضع التطبيق او اشارك في تفيذ اجندتها , وعلى هذا الاساس عندما يكتب وديع بتي او ادورد مرزا او تيري بطرس او شمشون شابا و يدعون , كل وموقفه , الى قرارات خطيرة كمثال ضم السهل اوعدم ضمه فان ذلك لايقاس مطلقا كحالة متساوية وبنفس القدر من التأثير مع تصريح بذات المعنى يتفوه به الاساتذة الاعزاء نمرود بيتو او سركيس اغاجان او يونادم كنة او البطريرك الكاردينال عمانؤيل دلًي.

ختاما , اننا لم ولايمكن ان نسمح لانفسنا , ان نكون جزءا في مشروع يهدف الى انتزاع  حق المواطنة والانتماء من السيد نمرود بيتو , لكننا في المقابل لم نلاحظ شعبنا في سهل نينوى قد خرج , زرافات زرافات , الى المحاكم ليُسجل للسيد بيتو , وكالة عامة مطلقة , تمنحه حق اقرار تبعية السهل.
وإن عُدْتم عُدْنا . ...

46
لقاء المالكي والحكم الذاتي لشعبنا في ( أُوجٍبْ مايا )

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

في الطريق الى استوكهولم للمشاركة في اللقاء الذي نظمته السفارة العراقية في السويد , بين رئيس الوزراء العراقي والوفد المرافق له الى مؤتمر العهد الدولي وبين نخبة من ابناء الجالية العراقية في السويد , ذهبت بنا الاحاديث والامال , بل والتفاؤل عند البعض حد التحليق في الفضاءات الرحبة مُمَنين النفس بالثقة في ان رئيس الوزراء العراقي سيعزف ما يُشرح القلب وتطيب له النفوس في اقرار واضح وصريح بحقوق شعبنا , ينطلق من عاصمة السويد ليحمله هوائها العليل صوب شعبنا الصامد في الداخل , وفي غمرة نشوة التفاؤل هذه ذهبنا ورفيقي في الرحلة الاخ العزيز سعيد شابو حد المزح والنكتة , فتساءل إن كنت أعلم ان شعبنا في عنكاوة وشقلاوة ومناطق اخرى يُطلق على شعبنا في سهل نينوى بِ ( أوجٍبْ مايا ) , بمعنى سكنة الجانب الاخر من الماء والمقصود هنا طبعا هو الزاب , فقلت له انني اعلم ذلك , ولهذا فهي فرصة ثمينة ان نطالب اليوم السيد المالكي بالحكم الذاتي لِ ( أوجٍبْ مايا ) ولانقول لسهل نينوى عسى ولعل الامور تخبط لدى رئيس الوزراء العراقي فيعتقد ان ( اُوجٍبْ مايا ) ربما هي منطقة لاتقع ضمن خارطة العراق , وبالتالي فهو لايخسر بمنحها الحكم الذاتي ( لاجير ولابسامير ) . شعرنا بالضجر عندما وجدنا انفسنا في ازدحام كبير للسيارات بعد دخولنا العاصمة في الطريق الى المطار , حيث اللقاء في احد الفنادق القريبة منه فقد بدا القلق واضحا على ملامح الزميل العزيز سعيد شابو عضو المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري , وكنت بين فترة واخرى احاول طمأنته في اننا سنصل انشاءالله في الموعد المحدد ,( بالرغم من اننا كعراقيين أشك حقا في احترامنا للدقة في المواعيد , وفعلا تأخر اللقاء اكثر من نصف ساعة عن موعده المحدد ) , وسيجد صديقي الغيور على شعبه مجالا واسعا ليطالب بجميع حقوقنا المشروعة ومن ضمنها الحكم الذاتي لِ ( أوجٍبْ مايا ). 

كما ان الكتاب في عنوانه هكذا بدا اللقاء برئيس الوزراء العراقي مُحبطا منذ لحظة بدايته , حيث ما  أن دخل السيد المالكي القاعة واعتلى مكانه في المنصة حتى بدأت الدعوات والصلوات الدينية تدوي في القاعة , مما يعطي انطباعا للحاضر بانه في ( حسينية كربلائية ) و ليس في اجتماع سياسي في استوكهولم . اننا هنا لسنا ضد الدعوات والصلوات والطقوس الدينية , بل نكًن لها كل احترام واجلال , وقد كتبنا منذ فترة , واثناء ازمة الرسوم الكارتونية  ,باننا مسيحيون حتى النخاع ولكننا نحترم ايضا الاخرين حتى النخاع , وهكذا نرى ان لكل طقس او تقليد زمانه ومكانه , فما أجملنا ونحن في استوكهولم لو ننشد جميعا للوطن الذي يجمعنا نشيده الوطني او ماشابه ذلك عوضا عن ان ينفرد بعضنا بما هو خاص به , اضف الى ذلك فان هذه الطقوس والاهازيج الدينية تفرض على الاخرين , وفي المقدمة منهم ممثلي شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , بيئة لا تصلح باي شكل من الاشكال للمطالبة باية حقوق قومية او دينية بل تُذكرهم على الدوام انهم ( اهل الذمة ) الذين ينيغي لهم ان يطالبوا فقط ( بستر الحال ). ربما جاءت تركيبة المنصة لتؤكد هذا الشعور حيث حرصت الحيتان الكبيرة على تمثيل نفسها في الوقت الذي عزً عليها ان تدعو الى جانبها ( اسماك الزينة ) , والمقصود فيها ممثلي شعبنا , بالرغم من ان تلك الحيتان تعلم علم اليقين ان اسماك الزينة هذه لاتملك القدرة على منافستها في النهم والنفوذ , ولكن يبدو ان تلك الحيتان قد وجدت حتى في دعوة اسماك الزينة , من باب المجاملة , امرا لايستدعي الاهتمام .

ثم عن اية حقوق وحماية يمكن ان نتحدث ورئيس الوزراء العراقي قد اقتصر الطريق الى ذلك , حيث نفى , جملة وتفصيلا , ان يكون هنالك اضطهاد ضد ( المسيحيين ) في العراق , بل زعم ان الاضطهاد واعمال العنف والارهاب تستهدف جميع ابناء العراق ومن ضمنهم المسيحيون , وكأن السيد المالكي يرى ان اغتيال المطران الشهيد ورفاقه الكهنة كان ضمن عمليات طالت مارة عاديون في الشوارع , او تجارا ضمن عمليات تصفيات السوق والمنافسة , او اقطابا في احزاب سياسية وميليشات متصارعة , وليس لذلك اية علاقة بالخلفية والخصوصية الدينية التي يمثلها اؤلئك الشهداء , اما عمليات تفجير الكنائس فهي ربما في نظر السيد المالكي اعمالا تخريبية استهدفت وتستهدف ( سفارات و قنصليات اوربية او نوادي اجتماعية ورياضية ! ) والهدف منها تشويه سمعة الحكومة في الساحة الخارجية . لقد غاب عن بال دولة رئيس الوزراء ان المسيحيون كانوا على الدوام عرضة لاضطهاد التمييز بسبب الهوية الدينية والشعور بدونية الدرجة الوطنية , وبات هذا الاضطهاد حاله حال الاشعة الخلفية في الفيزياء , يعيش معهم ويرافقهم , يقاسمهم حياتهم حتى اصبحوا يؤمنون انهم جزء منه وهو جزء منهم , فهو قدرهم , تختلف مستويات فعاليته باختلاف المناطق والزمن. وهكذا بدت مستويات هذا الاشعاع ( الاضطهاد ) قابلة للقياس ايضا , اذا كان السيد المالكي يبدي رغبة في قياسها حتى في اثناء اللقاء وفي استوكهولم , من خلال تعقيبات واجابات للسيد همام حمودي رئيس لجنة التعديلات في الدستور والعضو النافذ في الائتلاف الموحد والجالس على يسار السيد المالكي في اللقاء , فأعلن الشيخ حمودي ( وبشًرَنا ) بانهم الان في طور دراسة ( موضوع الاقليات )  ,حيث ستخرج تلك الدراسة بضوابط تحدد من ينطبق عليهم وصف ( الاقلية ) لتتبعها دراسة اخرى تضع لائحة بحقوقهم , اما واجباتهم فلا تحتاج الى تحديد لانها كانت على الدوام لاتقل قيد انملة عن واجبات الاخرين . ( كل الدعاء الى الرب , له المجد , ان يشملنا بعنايته ورعايته ويحشرنا يوم الحشر في قائمة الاقليات ! ). اما في موضوع اقصاء شعبنا من التمثيل في مفوضية الانتخابات , فقد كان الشيخ همام حمودي ( كريما جدا ) حين عبًر عن امله في ان تصل الحيتان الكبيرة الى اتفاق يسمح بوجود مراقبين ( وليس اعضاء كاملين ) يمثلون المكونات الصغيرة في مفوضية الانتخابات !. امام هذا الوصف المختصر , ألا يصبح الحديث عن الحكم الذاتي في ( أُوجٍبْ مايا ) او في غير (أُوجٍبْ مايا ) تجسيدا حيا للمثل المعروف ( عرب وين وطنبورة وين )! . ليس هذا بمعنى الاستهزاء بحقوقنا ومطالبنا , فليس الحكم الذاتي قط رداء اكبر من قياسنا , بل ان في شعبنا من الامكانيات والطاقات مايسمح له بقيادة بلد بكامله , بقيادة نفسه والاخرين , ويقينا ان الاخرين سيجنون تحت قيادته فوائد اكثر بكثير من التي جنوها ويجنوها تحت قيادات اخرى , وسيجدون انفسهم في حلٍ من الدخول في انفاق الامس واليوم , وليست هذه نرجسية مجردة وغرور فارغ بقدر ما هي حقيقة يعترف بها البعض علنا والكثيرون سِرا. لكن القصد فقط  هنا هو استعراض الواقع الأليم الذي يعيشه شعبنا ( كدور سياسي ) و الملئ بالتهميش والاقصاء.

ان القاسم المشترك الذي خرج به جميع من حضر اللقاء وهو محسوب على شعبنا , بمختلف مكوناته القومية والمذهبية وانتماءاته السياسية او المستقلة , كان الشعور بالاحباط الشديد والشك بحدوده القصوى من ان تمنح هذه التشكيلة التي تقود العراق رسميا اليوم اية حقوق لشعبنا , ربما ليس بدافع عدم قناعة هؤلاء القادة في تلك الحقوق , بل لان هؤلاء ليس لهم الوقت اساسا للتفكير فيها , فهم منشغلون يتصارعون على مايحصلون عليه , ولايعتقدون ان هنالك في المستقبل المنظور ما قد يفيض عن حاجتهم ( ليتكرًموا ) به للاخرين وخاصة للصغار !. لقد كان الاحباط هو السمة المشتركة البادية على وجوه من يُمثل الحركة الديموقراطية الاشورية كما على وجوه من يمثل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري وكذلك بالتأكيد على كاتب هذه السطور وعلى غيره من المستقلين المهتمين بقضية شعبنا. وهنا يصبح السؤال ملحا في ضرورة ان يكون هذا الإحباط هو القاسم الشترك الذي , ربما لوحده , يمثل عاملا كافيا للجلوس على مائدة واحدة وتشكيل ( هيئة انقاذ قومية ) لشعبنا , بعد ان نترفع عن كل المصالح الحزبية والشخصية الضيقة و نترك اجندة شعبنا تتقدم على كل الاجندات الاخرى , فتنطلق هذه الهيئة بعمل منسجم يتوحد حول الثوابت لتشكٍل ( لوبي ) قادر على تحشيد الدعم الدولي و فرض نفسه ثقلا مؤثرا على الساحة الوطنية .
تُرى , هل سينتبه ممثلي شعبنا لخطورة الحالة ؟! أم انهم قرروا الاستمرار في مسلسل الخسائر حتى النهاية , حيث ستختم الزيارة القادمة لرئيس الوزراء العراقي  و الشيخ همام حمودي الى استوكهولم هذا المسلسل بإعلان ( البشرى السارة ) في ان شعبنا لاتنطبق عليه ضوابط ( الاقلية ) ولذلك عادت الحكومة رسميا الى اعتماد التسمية التي استخدمتها في السابق سهوا , ألا وهي ( الجالية ) كونها الأنسب والاوفى !.

47
نمرود بيتو وسهل نينوى / وَهب الوزير ما لايملك
د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

منذ فترة ليست بالقصيرة دأبت الاحزاب والشخصيات السياسية في العالم المتحضر و المتمدن على اعتماد استراتيجية انجاب القرارات , وخاصة المصيرية منها , من رحم القاعدة الشعبية العامة , التي تتجاوز حتى القاعدة الخاصة بالحزب او الشخصية , لتشمل عامة من يعنيهم الامر من المؤيدين والمناصرين والمتحفظين والمعارضين على حد سواء , او بمعنى اخر عامة الشعب . وهكذا تجاوز هؤلاء مرحلة قيام القيادات بدور وضع البرامج والقرارات وتصديقها وإملائها , بإعتبار ان تلك القيادات هي الأعلم بمصلحة الشعب والامة , على اساس ان عيونها هي ( كعيون زرقاء اليمامة ) تستكشف مسافات عميقة من المستقبل لاتتمكن عيون كافة العامة مجتمعة من استكشافها !. ان القيادات والاحزاب السياسية في العالم المتحضر قد وجدت في الولادة الجماهيرية للقرار اسلوبا فريدا لتوفير الحماية الذاتية لها , حيث ستجني , حالها حال الاخرين , ثماره الايجابية بينما ستكون في حِلٍ عن ان تتحمل بمفردها كل عواقبه السلبية . وهكذا ما أن تطفو على سطح الحياة , في اوربا مثلا , معضلة ما حتى يبادر أولي الامر والقوى السياسية النافذة الى الدعوة الى استفتاء شعبي للبت في تلك المعضلة بقرار حاسم على ضوء خيار الاكثرية , وقد حدث هذا , في السويد مثلا , في قضايا ربما يرى البعض انها هامشية او حتى تافهة لاتستحق الاهمية , فذهب السويديون مرة الى التصويت للبت في استمرار او ايقاف محطات الطاقة النووية كخيار للحصول على الطاقة الكهربائية , وصوتوا ثانية بشأن اعتماد العملة الاوربية ( اليورو ) والامثلة على هذا المنوال كثيرة في مختلف دول العالم . ربما يقول قائل اننا لسنا عالما متمدنا متحضرا والسؤال هنا , متى تنتهي إجازتنا ونخطو الخطوة الاولى , علما باننا , اي الشعب الكلداني السرياني الاشوري , نمتلك , وبشهادة الجميع , قدرة اكثر وأسرع على التعامل بشفافية مع تطورات الحياة ومواكبة التجديد في أليات حركتها.

و هكذا فإن ما تقدم لايناغي ما ذهب اليه الاستاذ الفاضل نمرود بيتو , وزير السياحة الحالي في اقليم كردستان والامين العام للحزب الوطني الاشوري , حيث قدم لنا السيد بيتو في مقابلة تلفزيونية على فضائية عشتار وجبة سريعة وبسيطة لحل مشاكل شعبنا تتمثل في الحكم الذاتي لسهل نينوى وضم السهل الى الاقليم , ولم يكلف الاستاذ بيتو نفسه , وهو يقدم وجبته هذه , الاشارة , حتى ولو مجاملة , الى ضرورة الرجوع الى سكنة سهل نينوى لاستحصال الدعم الشعبي لمشروعه هذا. خاصة اذا علمنا ان الاستاذ بيتو والحزب الوطني الاشوري يملك تمثيلا ضعيفا , او في احسن الاحوال متواضعا جدا جدا , في سهل نينوى لايمنحه بأي شكل من الاشكال امكانية اتخاذ قرار بشأنه او حتى الترويج لفكرة دون الاستئناس بأراء من يسكنه فعلا , ان مثل هذا الطرح يحتاج قبل كل ذلك الى ندوات متواصلة , صباح مساء ,يجوب فيها الاستاذ بيتو قرى ومدن سهل نينوى , يسمع ويتحاور الى ومع اصحاب الشأن اولا ليعود بعدها فيحلل البيانات التي خرج بها لعلها توصله الى قرار ما , مع الاخذ بنظر الاعتبار ان اخرين غيره فعلوا ويفعلون هذا , حيث حقق البعض لقاءات واتصالات مع شرائح كبيرة في سهل نينوى بينما يمتلك الاخر قاعدة جماهيرية اكبر بكثير من الثقل الذي يمثله الحزب الوطني الاشوري , واقصد هنا الجهد الذي يمثله السيد سركيس اغاجان. لكنهم جميعا , اؤلئك وهؤلاء , ولحد الان , يحرصون على عدم اعطاء رأي قاطع بمستقبل السهل بل يؤكدون على ربط مشروع الحكم الذاتي بالمناطق التاريخية وتشمل هذه المناطق على حد سواء السهل وغير السهل. اننا نرى هنا ان الاستاذ نمرود بيتو يُجسٍد بطرحه هذا قاعدة ( وهب الامير - الوزير هنا -  ما لايملك ) , مع التأكيد في ان هذه المحاججة تستهدف فقط الطرح السياسي للاستاذ بيتو , ولاتمت باية صلة الى الجانب الشخصي فهو من الناحية الشخصية موضع تقدير واحترام كونه احد رموز شعبنا , كما ان هذه السطور لاتهدف قط الى الانتقاص من الحزب الوطني الاشوري الذي يقوده السيد بيتو , لان هذا الحزب يضم ايضا نخبة خيرة يشهد لهم نضالهم وجهدهم من اجل شعبنا  ,واذكر في المقدمة منهم الاستاذ العزيز تيري بطرس التي تظهر غيرته القومية على شعبنا صارخة صادقة من خلال افكاره التي تُضئ  صفحات مواقعنا , بغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا حولها , وهنا ينبغي القول انه قد لامس حقا الجرح في كتاباته الاخيرة حيث كان مصيبا في دعوته لتشكيل المجلس السياسي الاعلى وانشاء مركز البحوث الستراتيجية كجزء من خارطة الطريق لإخراج قوى شعبنا من مأزقها الذي تسكن فيه.

 ان طرح السيد بيتو يضر حقا بفكرة الحكم الذاتي المطروحة من قبل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري والتي يُعتبر عرابها ومهندسها السيد سركيس اغاجان , حيث اذا كان لدينا كشعب , ارضا وتواجدا , في اقليم كردستان بخارطته الحالية ضعف ما لدينا في سهل نينوى , فما المغزى من اعطاء اهل سهل نينوى فقط حقوقا على خصوصية يشترك فيها معهم ضعفهم في الوقت الذي يُحرم هذا الضعف من هذه الحقوق , ألا يكون شعبنا هنا ايضا , وهو ضمن الاقليم , قد انقسم الى قسمين , قسم صغير يعيش تحت قوانين منطقة الحكم الذاتي الخاصة به ضمن دستور الاقليم وقسم اخر اكبر من الاول بكثير يعيش تحت الدستور العام للاقليم ؟!. أم ربما يرى الاستاذ بيتو ان الحكم الذاتي لسهل نينوى هو ( إكرامية القبول بالضم ) التي ستضمحٍل , قدرة ومعنى وضرورة , مع تقادم الايام ؟!. ان تجنب المطالبة من قبل بعض قياداتنا وممثلياتنا السياسية المحسوبة اليوم ضمن قطار الحكم الذاتي, بالحكم الذاتي في جميع مناطقنا التاريخية ,  بما فيها مناطق شاسعة تقع داخل الاقليم , سواء كانت هذه المطالبة صميمية صادقة او حتى شكلية اعلامية ,  تُثير الشكوك والتوجس اولا , و قبل كل شئ , في هذه القيادات والممثليات قبل الاخرين كونهم الجهة التي منحت لنفسها حق التفاوض والعمل لتنفيذ المشروع . ان من يبحث عن توفير ( الموقف السليم ) الذي يوفر له الحماية الذاتية يجد في إلقاء اوراق اللعب الثمينة امرا في غاية البساطة , وبالتالي فانه ليس مؤهلا لكي يكون مفاوضا حقيقيا .

اذا كان السيد نمرود بيتو يرى ان دستور اقليم كردستان بصبغته العلمانية التي تؤكدها قيادة الاقليم بإدائها وتوجهاتها , وهي حقيقة لايجوز نكرانها , نقول اذا كان يرى ان هذا يترك شعبنا الذي يعيش اليوم في الاقليم في غنى عن المطالبة بحقوق اضافية في الحكم الذاتي فقد كان اجدر بالاستاذ بيتو لو طالب في هذه المرحلة لسهل نينوى بمنطقة حكم ذاتي او ادارة ذاتية امنة تحت المظلة الدولية ترتبط بالكيان العراقي المركزي بصورة رسمية ريثما تتمكن هذه المنطقة من بناء مؤسساتها وبنيتها التحتية بجوانبها المختلفة الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والسياسية والقانونية والتشريعية  ,مستثمرة انظار المجتمع الدولي تجاهها , كونها منطقة تحت التأسيس والرعاية الدولية, ويستمر هذا لفترة انتقالية ثم يكون لكل حادث حديث . ان الدعوة الى تأجيل موضوع ضم السهل الى الاقليم لاتنطلق من نظرة العداء للاخوة الاكراد ورفض التعايش معهم لان هذا التعايش كان ولايزال وسيبقى حقيقة قائمة , وانما اجتهادا يكمن في ان تأجيل موضوع الضم وعدم اتخاذ قرار سريع بشأنه يصب في مصلحة شعبنا اولا والاخوة الاكراد ثانيا , اضف الى ذلك فان هذه الدعوة تنسجم تماما مع الاستنتاجات الخطيرة الي توصلت اليها بعض اقلام شعبنا والتي خلاصتها تتمثل في ان انضمام السهل الى الاقليم سيشكل عبئا ثقيلاعلى الاقليم .

 ان الادارة الامريكية والاتحاد الاوربي والمجتمع الدولي الذين خلقوا ( كوسوفو ) في قلب اوربا رغما عن أنف الحكومتين الصربية والروسية واصدقائهما قادرون على فعل الشئ نفسه في سهل نينوى , مع التأكيد هنا اننا لانطلب كوسوفو مستقلة في سهل نينوى بل منطقة حكم ذاتي امنة ضمن الكيان العراقي تكون ساحة خضراء لكل محبي الخير والسلام ورافضي العنف والارهاب وتحمي شعبنا في وجوده في هذه الظروف الصعبة , وربما سينتفي وجودها ببناء عراق ديموقراطي علماني حر تسوده حقا , قولا وفعلا , قيم المساواة في الحقوق والواجبات.

للأسف الشديد , ان مثل هذه الكتابات ومانتناوله من مواضيع يترك فرصة زيارة الاهل والاصدقاء والاحباب في الوطن اكثر تعقيدا , في وقت نحترق شوقا لرؤيتهم بعد سنين طوال , ولكن كتب علينا القدر ان لاتكون لنا رقبة الزرافة , ولا بارك الله في عقل يهاب ان يحرر ويطلق افكاره. فما نجتهد , صوابا او نقيضه , انها كلمة حق , تأبى ان تبقى مكتومة في الانفاس , تخشى من متصيد أتقن مهنة الغوص في المياة الاسنة  او ان يأخذها في الحق لومة لائم , والحمد لله الذي لايُحمد على مكروه سواه , ومبارك الأتي من عند الرب . 

48
على الخط مع تيريزا إيشو وسولاقا بولص
سامي المالح وكرسي الاعتراف

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

تحرص الكثير من الفضائيات على تقديم برنامج شبيه بالبرنامج الذي تقدمه قناة الجزيرة وتحت عنوان ( شاهد على العصر ), تستضيف فيه شخصية حياتية , بجوانبها المختلفة , وتستعرض فيه مسيرة حياتها في محاولة لعكس الواقع المعاش خلال تلك الفترة من خلال تلك الشخصية , وهكذا تكاد تكون فكرة البرنامج واحدة , وإن اختلفت مسمياته باختلاف من يُعدٍه ويُقدمه , اشخاصا أومؤسسات . لكن هذه البرامج تبقى جزءا من التاريخ وقصصا تصلح ان يتداولها الناس في مجالسهم ومسامراتهم . ان تأجيل الكلام عن احداث الامس الى المستقبل يترك المرء بالتأكيد يفقد جزءا من القدرة على التغيير لتصحيح او معايرة مايحتاج الى تصحيح او معايرة في اللحظة المناسبة وقبل فوات الاوان , حتى ان احد الفلاسفة يذهب الى قلب الحكمة المعروفة فيوصي ( لاتفعل الشئ ابدا , خير من ان تفعله اخيرا ), فالطرق على الحديد وقد خسر حرارته عملية مُجهدة وتكاد تكون عبثية اذا كان الهدف إحداث تغيير فيه وليس فقط سماع دقات رنينه .

طرحت السيدة الفاضلة والكاتبة الغيورة على مصلحة شعبها ( تيريزا ايشو ) , قبل فترة قصيرة , موضوعا في غاية الاهمية , يهدف الى تبصير ابناء شعبنا بمجريات الامور اثناء مؤتمر عنكاوة وبعده بفترة حتى انبثاق المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري بصيغته الحالية , وقد كانت السيدة ايشو موفقة تماما في اختيار الاداة الصائبة لمشكل البحث المطروح , من خلال محاولة فتح ( الصندوق الاسود ) التي قرر الاستاذ الفاضل سامي المالح ان يقفل عليه بإحكام منذ اكثر من سنة. من الاجحاف ان ينكر المتابع ان الاستاذ سامي المالح ومعه رفاقه في العمل ( شيرزاد شير وحازم كتو واخرون ) لهم جميعا الفضل الكبير في انضاج وتحقيق فكرة مؤتمر عنكاوة , اضف الى ذلك ان السيد سامي المالح , والشهادة حق , يتمتع بطاقات كامنة قيمة في العمل السياسي والجماهيري والاجتماعي , وظهر بعض هذه الطاقات جليا قبل المؤتمر واثنائه , وكانت , هذه الطاقات الظاهرة , مبعث فخر للمعجبين والمؤيدين , جملة وتفصيلا , ومحط تقدير واحترام المتحفظين والرافضين, فاذا كانت الغاية فقط هي استغلال تلك الطاقات لتحقيق عبور مرحلة التأسيس ثم حرق الشخصية ورميها فإن ذلك يمثل تأسيسا بإسس غير سليمة ليناء تُعقد عليه الامال.

اصرار السيد سامي المالح في الابقاء على ترك الصندوق مقفلا كان عاملا في نفاذ صبر الاستاذ سولاقا بولص , الشخصية العنكاوية الكلدانية السريانية الاشورية , المعروفة بالجرأة في الطرح والاقتراب من المواضيع المهمة والبالغة الحساسية , حاله حال الفراشة التي ترى في الاقتراب من النار , لذة وسعادة وراحة للضمير. ان الكاتب في عالمنا الشرقي كان ولازال يعتقد على الدوام ان الخطر الاكبر لايكمن في نظرة العنوان السياسي او القيادي اليه او الى مايكتبه وينشره , بل ان الخطر الماحق يمكن ان يتمثل في اصطدامه ببعض الحاشية والابواق او في نظرتهم اليه, حيث يعتقد هؤلاء ان نوايا الكاتب هي بمثابة ( طين اصطناعي ) لهم كامل الحق في ان يصنعوا منه الشكل الذي يرغبون في تقديمه للعنوان. وهكذا عرًج الاستاذ سولاقا بولص , في سياق رده على الاستاذة تيريزا ايشو , الى مسألتين في غاية الاهمية , الاولى تكمن في الصراع من اجل الاحتواء من قبل الاطراف التي ساهمت في تحقيق مؤتمر عنكاوة  , كل من جانبه لاحتواء المقابل , حيث نفهم من السيد سولاقا ان تعامل السيد سامي المالح مع مطالب اهل ( بغديدا ) كان ليمثل ربما القشة التي قصمت ظهر البعير فتعلن تباشير توازي في الخطوط , والنقطة الثانية تتمثل في تعليق الامور على شماعة الخلافات الشخصية البحتة وهي مسألة في غاية الخطورة , عانى ويعاني منها شعبنا , حيث لايمكن ان نجد اي خيط من العلاقة يربط بين استعداد الانسان ان يبذل الغالي والنفيس من اجل قضية شعبه ومصيره وبين ان يترك كل ذلك , استمرارا او انسحابا في العمل , عُرضة او معتمدا على الاهواء والمكاسب والخلافات الشخصية .

اننا عندما نطالب بفتح حيثيات مؤتمرعنكاوة ومابعده , وكذلك حيثيات فعاليات كل الاطراف الاخرى من قوى شعبنا , انما نفعل ذلك ليس بدافع الرغبة في نشر الغسيل او حب الاطلاع على المخفي من الممارسات , بل من منطلق الرغبة في بناء قاعدة جماهيرية تكون كتلة ضاغطة باتجاه مراجعة نقدية للذات تساهم ربما في اكتشاف القواسم المشتركة , التي يُجهد المعتدلون الذين يحملون العصا من نقطة المنتصف , في الاشارة اليها او اكتشاف المزيد منها. ناهيكم عن ان الكثيرين ربما يصلون الى قرارات مظلمة ومجحفة , سلبا او ايجابا , بحق هذه الفعالية او تلك في غياب الصورة الكاملة. ان امام شعبنا خيارات وقرارات مصيرية وصعبة ومن واجب كل صاحب دور ومعلومة مفيدة , ايا كانت فكرتها واتجاهها , ان ينوٍر بها شعبنا ليكون قادراعلى اتخاذ القرار الصائب .

ربما يكون السيد سامي المالح , كشخصية مستقلة , اكثر الشخصيات من شعبنا التي حققت اتصالا مكثفا مع مختلف قطاعاته وشرائحه وخلفياته , في الداخل اولا ثم في المغتربات , لذلك فهو يمتلك صورة نموذجية , يمكن ان تعكس بنظرة حيادية , أراء وافكار ومطالب وطموحات هذا الشعب , فهو ( هارد ديسك ) الذي يملك بيانات عن موقف شعبنا تجاه القضايا الحساسة المطروحة وألغاز اللعبة السياسية داخل قوى شعبنا , وليس من العدل ان يكون لهذا ( الهارد ديسك ) كلمة سر مجهولة تقف عائقا امام الحصول على اية معلومة , فتترك شعبنا يلجأ الى استخدام ضربة الحظ في محركات البحث الاخرى. نؤكد هنا مرة اخرى ان الخلافات الشخصية لاتعنينا , فمن المؤكد ان لها غرفها الضيقة التي ستعالج فيها , بالرغم من ان تعريتها باطارها العام ضرورة , كون كل شعبنا وحاضره ومستقبله يدفع ثمنها, بل المهم هنا هي نقاط التباين في النظرة الى قضايا شعبنا. ربما يقول البعض اننا ندفع بالاستاذ سامي المالح الى الزاوية الحرجة بمطالبته بفتح صندوقه , وهذا قول غير منصف , لانه كما نشير جميعا بالدور الذي لعبه السيد المالح في مؤتمر عنكاوة ونعتبر ذلك انجازا له, هكذا يجب في الكفة الاخرى من المعادلة ان يتحمل مسؤولية هذا الانجاز بكافة اشكالها وافرازاتها وتبعاتها , ثم ان السيد المالح سياسي مُتمرس يعرف جيدا ان يترفع في مكاشفته عن كل انواع الخدش الشخصي. كما  قد يعتقد اخرون ان مطالبة السيد سامي المالح بالكلام يندرج في باب العداء للمجلس الشعبي وهذا ايضا محظ افتراء , لان العديد من ابناء شعبنا ربما انتابتهم الشكوك , ولازالت , من المجلس الشعبي بسبب الانسحاب الغامض و المفاجئ والمبكر للسيد سامي المالح ورفاقه الاخرون منه , وقد يكون الحديث الصريح والبناء حول تلك الملابسات  مناسبة وعاملا في تصحيح المعلومة واعادة تقييم الموقف, فقد يرى الكثيرون في المسوغات التي سيقدمها الاستاذ سامي المالح حججا لاتبرر قراره في الانسحاب وتوجيه طعنة للمجلس من خلال تشويه ولادته.
 
تُرى هل سينْفذ صبر الاستاذ سولاقا بولص مرة اخرى , وهو يعاين استمرار السيد سامي المالح على صمته , فيُخبرنا عن جوهرمطالب اهل بغديدا والمدن الاخرى ؟ اما ان الاستاذ سامي المالح قد قرر ان يكون شاهدا للحاضر فتصبح شهادته دعامة لتأسيس حاضر ومستقبل جديد , عوضا عن ان تكون شهادته في المستقبل , فقط شهادة للماضي تتصفحها الاجيال ضمن فصول كتاب ( حكايات جدًي ).
 

49
 
  كُتًابنا وحب الاخوة الاكراد والسياسة

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

أنْ يُحب أحدنا شخصا او فريقا او مجموعة او شعبا, فذلك حقَُ تكفله كل شرائع السماء واغلب لوائح وقوانين اهل الارض , ومن حق المُحب ان يختار كيف يهيم في حبه , وصفا وفعلا , سِرا وعلنا , زمانا ومكانا. ولكن عندما يتعلق الامر بمعالجة موقف سياسي فان المحلل المحايد العادل غالبا ما يتيه في غابة السياسة عندما يترك حبل العاطفة مفتوحا بلا حدود إرضاءً لغريزة الحب الجارف التي ألمًت به في ربيع العمر الثاني. وهكذا , اعتقد , و ريما يوافقني في الرأي الكثيرون , ان العاطفة لوحدها , كرها او حبا , لاتصلح لوحدها ان تكون بوصلة حركة القائد السياسي , تقوده الى هذه المحطة او تلك , كما انها , اي العاطفة , لا تؤدي بنا الى معلومة رصينة متوازنة عندما تُصبح لوحدها الانامل التي تُمسك بقلم من يتعاطى السياسة كتابة, فتذهب بقلمه الى مرافئ تُصادر فيها كل بضاعته , بل وفوق ذلك يجد نفسه مُجبرا على دفع الغرامات , ناهيكم عن الضرر الفادح الذي يُصيب المحبوب . كثيرون, وربما يكون حال كاتب هذه السطور كذلك ,   وجدوا ويجدون انفسهم يُصنفون في خانة اعداء هذا او ذاك , هذه المجموعة او تلك , ليس لانهم يقفون بالضد من اهدافه او اهدافها و تطلعاته اوتطلعاتها , بل لانهم لايستطيعون ان يهضموا ما تذهب اليه الحاشية والابواق, حيث يصبح حينذاك السكوت عسيرا على كل من يوجد في احد فكًيه سِنًا اضافيا.

مناسبة السطور اعلاه مقال جديد نُشر على بعض المواقع للكاتب العزيز الاستاذ الفاضل حبيب تومي يتساءل فيه ( هل من اشكالية في وجود علاقة بين اقليم كردستان واسرائيل ). وكأني ارى ان الاستاذ الفاضل قد كان في عجالة من امره , فوجد نفسه يخلط وصفته بسرعة , ليقدم وجبة يحرص على تقديمها في موعدها المحدد كجزء من الروتين. حيث ان المقال يهدف الى شرعنة العلاقة بين اقليم كردستان واسرائيل في الوقت الذي لازال اغلب الساسة الكرد يعون حساسية هذه العلاقة ويحرصون على نفيها او تهميشها  اوعدم الافتخار بها , بل اعتقد جازما ان بعض القيادات الكردية التي تناولت بالاشارة هذه العلاقة او اطلقت التصريحات بشأنها , انما فعلت وتفعل ذلك بالاساس كرد فعل للاستفزازات العنيفة التي يقوم بها البعض عندما يضع الحركة الكردية في دائرة الاتهام بما يعتقده خيانة للمصالح الوطنية والقومية في الحديث عن هذه العلاقة. لان الاكراد ادركوا قبل غيرهم ان اسرائيل لاتقدم لهم العون والمساعدة من اجل عيون قضية الشعب الكردي , بل من اجل مصالحها الذاتية وهذا مايؤكده الاقتباس الذي جاء به مقال الاستاذ تومي من كتاب الاستاذ مسعود البارزاني , حيث يشير البارزاني الى ان غاية اسرائيل كانت هي إلهاء الجيش العراقي عن ساحات القتال في الصراع العربي الاسرائيلي . لا ادري إن كانت محض صدفة , أم قدرا مقصودا , حيث ما ان انتهيت من قراءة مقال الاستاذ تومي , وتركت الحاسوب من اجل فنجان من القهوة  وإذا على التلفاز , وتحديدا على الفضائية البغدادية , حوار للتاريخ , مع الاديب الكردي المعروف ( فلك الدين كاكائي ) وهو وزير الثقافة الحالي في اقليم كردستان واحدى الشخصيات التاريخية التي عاصرت عن قرب الحركة الكردية ومن اعمدة المنظرين فيها وواضعي استراتيجيتها الاعلامية , حيث كان التساؤل عن العلاقة بين الحركة واسرائيل احدى محطات هذا الحوار وقد استغربت حقا عندما لم يبدي السيد كاكائي اهتماما يُذكر بهذا الموضوع بل حاول التقليل من شأنه , بل و حتى نفيه و أشار الى محاولة بعض الجهات الى تضخيمه او استغلاله للاساءة الى الحركة الكردية , ولم يعلن , بصراحة المواطن الكردي التي نعرفها , عن اي موقف لحكومة الاقليم ينظر الى العلاقة مع اسرائيل كمسألة طبيعية لاغرابة فيها او ليؤكد بعض خيوطها. انه لمن الصعوبة ان نفهم حرص القادة الاكراد على تجنب الخوض في موضوع كهذا , في الوقت الذي يتطوع كاتب , كلداني سرياني اشوري , يعكس بصورة او باخرى , شاء بعضنا او تحفظً او أبى , نفس الشارع الكلداني السرياني الاشوري فيسوٍق لعلاقة ليس طرفا فيها او جانيا لمنافعها , بل ان تطوعه هذا يشابه تماما مثلما يضرب , سائق شاحنة , كفه على صدره , معلنا عن استعداده لنقل شحنة من المخدرات في طريق ملغًم بنقاط الفتيش والكمارك, هكذا لوجه الله , دون ان يكون له سهم فيها. لا اعتقد ان الملاحظة التنبيهية التي استهًل بها الاستاذ حبيب تومي مقاله المذكور ستساعد الى حد كبير في الفصل بين كاتب المقال و خلفيته الدينية والقومية.  ان العلاقة مع اسرائيل هي شأن كردي بحت  وتقع على عاتق الاخوة الاكراد مهمة الترويج والتسويق لها اذا كانوا يرون في ذلك مصلحة لهم , وهم قادرون حقا على تحديد الزمن الملائم لذلك والذي يحقق اعلى نسبة من الارباح باقل الخسائر , اما الاخرون الذين يجدون في طرح هذا الموضوع سبقا اعلاميا يحقق الشهرة فهم يقدمون تضحيات مجانية  لا أكثر, وهنا نؤكد ايضا على النظرة الى كل العلاقات مع جميع الدول والكيانات بشفافية ونفس مستعد للحوار مع الاخر طالما توفرت الاسس والظروف والنوايا والثقة المتبادلة لحوار بنًاء يحقق الصالح المشتركة.

ثم قبل كل ما تقدم , لا اعرف حقا كيف غاب عن بال كاتبنا العزيز ان يُسند مقاله على مسوغات قانونية لاتتعارض مع الفكرة السياسية , حيث جميعنا يعرف ويفهم ان النظام الفدرالي الذي يتكلم عنه اطراف العملية السياسية , يشتمل على ان تكون السياسة الخارجية والدفاع من مهام ومسؤوليات الحكومة الاتحادية المركزية , وهذا ما متعارف به في جميع دول العالم التي تعتمد الفدرالية نظاما لها , فلم نسمع مثلا عن ولاية امريكية تفكر في نسج علاقات مستقلة مع ايران او ليبيا او كوريا الشمالية . وهكذا يجب ان تكون الاتصالات الخارجية التي تُجريها الاقاليم مع الدول والمنظمات الدولية منسجمة تماما مع الخط العام لوزارة الخارجية الاتحادية وتتناغم مع ذلك الخط تبعا لتغيراته. هذا إذا كنا نتحدث عن دولة مؤسسات لعراق فدرالي ديموقراطي واحد موحد , اما اذا كان الاستاذ حبيب تومي قد قرر من جانبه , وبدافع الحب العارم , اعلان استقلال اقليم كردستان رسميا , قبل ان تعلن ذلك القيادة الكردية , فذلك شأن اخر.

الغالبية العظمى من شعبنا , الخالية من العقد , تحب اشقائنا الاكراد , شركائنا في الوطن , و تحترمهم وتفخر بالتاريخ الطويل من العيش المشترك معهم , بكل ما يحفل ذلك التاريخ من حالات  السراء والضراء , باحداثه المريرة والبهية , وهذا هو الحال مع كل مكونات شعبنا العراقي الاخرى , ونكون حقا غير صادقين مع هذه المكونات اذا حاولنا ان نُظهر لاحدها اننا نحبه اكثر من انفسنا , في وقت اصبح القانون السائد في الحياة السياسية العراقية , افرادا واحزابا ومكونات , يكمن في حرص هؤلاء , كل من جانبه على تجميع ما امكن من كتلة النار تحت عجينة الخبز الخاصة به . أضف الى ذلك ان الحب في العلاقات الاجتماعية الضيقة والحب في السياسة ليسا سيًان , ففي السياسة يكون المرء ربما اكثر صدقا في علاقاته وبالتالي اكثر فائدة في عواقب تلك العلاقات عندما يكون صريحا مع الطرف الاخر وحريصا عليه.

 ان من اختار لنفسه  ان يحمل قضية شعبه القومية والمصيرية , عليه ان يُسًخر كل , كلمة وجملة ومقال , ليكون كل ذلك , بشكل من الاشكال , في خدمة هدفه الاسمى ويربح لقضية شعبه على كل حال حالا.
   

50
مسيرة أكيتو وحفل فيشخابور
هل نكتفي بالتعادل


د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

قال ديستوفسكي ذات مرة ان المعاناة العظيمة تُنتج ناتجا عظيما, وهكذا وجد الكثير من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري فسحة من الأمل في ان المعاناة العظيمة , التي يعانيها شعبنا , والتي بانت تباشير ذروتها بتسلق رموزه الدينية الى خشبة الصليب , يمكن ان تقود الى ناتج عظيم من الفعل , يتناسب وحجم تلك المعاناة. كم هو مخيب للامال حقا ان نرى اصوات التشتت والتشرذم تعود بإيقاع صارخ وهي التي دفنت رؤوسها في الرمال اثناء مراسم العزاء بالشهيد المطران الجليل بولص فرج رحو حيث كانت امام خيارين لاثالث لهما , إما ان تستمر في العزف على نفس النوتة فتبدو صوتا نشازا بامتياز , او ان تُجبر نفسها مُكرهة على مسايرة مشاعر شعبنا ريثما تهدأ فتعود سريعا الى ذات العزف متوهمة انه قد يُصبح انذاك اكثر قبولا. لقد كانت تلك الاصوات النشاز تنتظر على احر من الجمر هدوء مشاعر العزاء بالمطران الشهيد لتعود سريعا الى عمل أتقنته بمهارة , حتى انها إعتبرت حادثة اغتيال الشهيد الاب يوسف عادل عبودي في بغداد حادثة عرضية لاتستحق وقفة جدية اخرى لجلد الذات , بل ان بعضهم وجد نفسه عاجزا عن كتابة مقال رثاء , بينما ذهب البعض الاخر الى الاشارة بسطرين مقتبسين من مقال اخر وهو الذي نعرف قلمه سيالا في الكتابة عن الاخرين!.

ثم جاءت مسيرة أكيتو التي نظمتها الحركة الديموقراطية الاشورية في مدينة دهوك لتكون القشة التي قصمت ظهر بعير اقلام التشتت والتشرذم والاصطياد في المياة العكرة , حين دفعت هذه الاقلام بالوقود لتراشق عنيف في الكتابات على المواقع الالكترونية , فينشرح صدرها وهي ترى هدفها يتحقق في مزيد من التخندق والتحزب والتقوقع الاعمى يصيب قوى شعبنا ويفقد الفرصة التاريخية من جديد في البناء الوحدوي على دماء الشهداء الزكية , فصدق في شعبنا المسكين المثل المصري القائل ( جاءت اليتيمة تفرح فلم تجد لها مطرح ). ان خطورة تلك الكتابات تكمن في النفس الخبيث الذي يحاول اصحابها تفريقه بين اوساط شعبنا والمتمثل بالمحاولة بكل الوسائل الى تأسيس جبل من نار بين الحركة الاشورية من جهة والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري والذي يقف خلفه , كما هو معلوم , السيد سركيس اغاجان من جهة اخرى , وذلك من خلال بركتين من المياة الغير النقية , الاولى قريبة من زوعا والثانية من المجلس الشعبي , فيعسكر كلًُ امام البركة التي تناسبه , يجلس يغني على ليلاه ويطمع في صيد جيد , فهذا يشيع  ان نشاطات زوعا ومنها مسيرة أكيتو انما كان هدفها محصورا في استعراض لعضلات زوعا امام المجلس الشعبي في عقر داره . وذاك في الجانب الاخر وجد ( عِلكته ) في الفرصة الذهبية التي اتاحتها قناة عشتار الفضائية والمجلس الشعبي من خلال اقدام الاولى على تجاهل المسيرة كليا وتصرف الثاني مع بعض مستخدميه الذين شاركوا في المسيرة . ألا لابارك الله في زوعا إن كان كل هدفه من مسيرة دهوك هو ( فلفلة ) المجلس الشعبي , وألا لا بارك الله في المجلس الشعبي إذا كان مبتغاه  وهدفه الاول والرئيسي هو كيفية محاصرة زوعا و ربط الخناق حول رقبته.


لقد قلنا سابقا ونكررها اليوم , ان الواقعية السياسية و التعامل مع حقائق الارض هي الطريق الوحيد لبناء جهد منظم يتفق على المتوفر من القواسم ويدفع بحركة المجموع الى الافضل . لقد وجد الزعماء الروحيون المتنورون في العالم , وبعد ألفي سنة , ان صراع الاديان والحضارات الهادف الى اقصاء الضد هي عملية عبثية واستنزاف للطاقات وانتهاك صارخ للمبادئ الشخصية فوصلوا الى قناعة العمل لتأسيس قاعدة عامة لحوار الحضارات والاديان المبنية على قبول الاخر والتعايش معه . تُرى هل ينبغي على شعبنا الكلداني السرياني الاشوري ان ينتظر الفي سنة ليصل الى ذات الاكتشاف ويقتنع ان زوعا والمجلس الشعبي , بغض النظر عن كل اخطاء التاريخ وظروف التأسيس ونوايا الافراد , هما حقيقتان تُبصرهما اية عين سليمة , وقد اثبتت تجربة السنين السابقة ما تقول به حكمة الحياة البسيطة في ان تصفيق اي من الكفتين بمفردهما لايمكن ان يدوي , مهما كانت الجهود عظيمة , كما يمكن ان يكون في حالة التقاء الكفتين معا.

ان القيادات السياسية في شعبنا تتحمل المسؤولية الاخلاقية الاولى في تكميم هذه الاقلام المريضة , ليس هذا دعوة  لممارسة الارهاب الفكري بحقها وملاحقتها , بل من خلال فعل يرتقي الى مستوى المسؤولية في هذه الظروف التاريخية , ومن حق شعبنا ان يعتبر كل عجز عن الارتقاء الى ذلك الفعل مشاركة غير مباشرة في عواقب تلك الاقلام  او رعاية لها اوعلى الاقل تلذذا بما تقوم به . ان تحشيد قناة عشتار لجهودها وامكانياتها وذهابها الى فيشخابور مُسلًحة بالصاروخ العابر للقارات ( جنان ساوة ) كان رسالة واضحة افتهمها الجميع على انها جاءت ردا لمسيرة أكيتو في دهوك .
هل يعي اصحاب الامر فينا خطورة عواقب اللعبة , فيستجمعوا كل مقومات الشجاعة الكامنة فيهم وينفخوا بصافراتهم معلنين انتهاء هذه المبارات بالتعادل والخروج ( حبايب  1-1 ) أم ان اصحاب اقلام التشتت والتشرذم والاصطياد في المياة العكرة سيفلحون ايضا في الذهاب بنا الى ركلات الجزاء الترجيحية الحاسمة , حيث يُتوًج فيها الغالب مغلوبا مع شقيقه المغلوب الاخر .

51
هذا لاعبنا السياسي مِن المأسي جابْ فرخة

د- وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

في السويد , ومع العدو باتجاه فصل الصيف , حيث تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع ويطول النهار وتقل ساعات الظلام , يجد الاطفال سعادتهم الحقيقية في وقت اضافي بعد انتهاء الدوام في مدارسهم ,للخروج الى الساحات والمتنزهات والملاعب, وقضاء سويعات  يستنشقون الهواء الطازج . وهكذا عاد طفلي , البالغ من العمر تسع سنوات , الى برنامجه اليومي في الخروج مع اصدقائه ليعود قبل الظلام , منتشيا مرتفع المعنويات , يعرف تفاصيل مهماته بعد  عودته , و المتضمنة حمًام ساخن ومراجعة مواد اليوم الدراسي التالي بانتظار العشاء ثم مشاهدة التلفزيون قليلا والنوم .
 الحمام , بالنسبة له , ذو طقوس خاصة حيث يشمل سماع سمفونية متعددة الاجزاء , ففي البداية يبدأ بتلاوة الصلوات التي اعتاد على تلاوتها في قداس الاحد باعتباره شماسا في الكنيسة , ثم ينتقل الى بعض المقاطع من الاغاني الاثورية والبرطلاوية التي يحفظها , ولانه وصل الى السويد وعمره ثلاث سنوات , فلم تسنح له الفرصة في تعلم العربية , بل بدأ في تعلمها هنا في السويد قبل فترة وجيزة , ولذلك فهو الان في مرحلة تعلم الحروف وبعض الكلمات البسيطة , لكنه انسجم كثيرا مع اغنية فرحة العراق ( لحسام الرسام ), التي لاقت شهرة كبيرة بعد فوز المنتخب العراقي بكرة القدم , وحفظها من كثر تكرارها دون ان يعي قسما من معاني كلماتها . لقد كان حقا ملفتا للنظر ان اسمع , بينما كنت اشاهد نشرة الاخبار , صوتا قادما من الحمام يغني بصوت جهوري ( هذا لاعبنا العراقي من المأسي جاب فرخة ) , فذهبت وقلت له منبها ان الصحيح هي ( فرحة بالحاء وليس فرخة بالخاء ) فأجابني وهو ينتشي بالماء الحار ( وهل هنالك فرق بين الحاء والخاء سوى نقطة واحدة , أمن أجل هذه النقطة اتعبت حالك وجئت الى الحمام ! ) . عُدت مبتسما الى متابعة اخبار الوطن ووجدت ان طفلي العزيز ربما كان يقصد لاعبنا السياسي , وليس لاعب منتخبنا الرياضي , وهو الذي يأتي لنا على الدوام بفراخ اقل ما توصف به انها ( كفراخ الجمعية ) لدى اخواننا المصريين, حتى ان هؤلاء اللاعبين السياسيين قد أرغمونا , من فرط خيبة الامل فيهم , الى ان نقتصر كل امانينا وطموحاتنا في فرخة يجتمع عليها الاحبة , وهكذا , لم يُخطئ إبني الصغير , فقد أصبحت فرختنا فرحة وفرحتنا فرخة !

لا أحد يشك في عدالة الخالق , تبارك وتعالى , فيما اصاب و يصيب خليقته , افرادا وجماعات , من نِعم وتجارب . ففي الوقت الذي شاءت حكمته , جلً جلاله , ان تبتلي قبائل وشعوب بمخاطر ثورة البراكين التي تسكن تلك الشعوب والقبائل بالقرب من افواهها , كما أُبتليت شعوب اخرى بوقوعها تحت الخط الزلزالي , واخرى بالمجاعة والفقر وهكذا هلم جرا , كان نصيب العراق تجربة وبلوى من طراز خاص تتمثل في نخبته السياسية التي تتولى امور و شؤون ادارته وقيادته . ربما حسدنا البعض عندما راح يقارن بلواه وتجربته مع تجربة وبلوى العراق , ولكنه يقينا اعاد التفكير في نظرة الحسد , بل ربما انقلبت تلك الى شعور بالشفقة , عندما رأى و يرى اي ثمن دفعه ويدفعه العراق استحقاقا ليلوى النخبة السياسية التي أُبتليَ بها . فلقد بدأت بالظهور جليا اعراض هذه البلوى مع سقوط النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري , وليس من الحياد والانصاف قط ان يحاول كائن من كان , بدافع العقد الشخصية في اغلب الاحوال , تلميع صورة اي من هذه العهود لان التالي هو وليد , بشكل من الاشكال , لمن سبقه , دون ان يعني هذا اننا لانتفق جميعا في ان صورة كل مرحلة من تلك المراحل قد تتباين في اسودادها وجرائمها واثارها وعواقبها عندما تدخل ساحة المقارنة النسبية مع شقيقاتها من تلك المراحل .

ربما يكون من السذاجة ان يأمل المواطن خيرا من احتلال بلده , ومع ذلك , وفي لحظة غمرها الشعور العارم بالرغبة والامل في ان يتخلص الوطن من بلوى النخبة السياسية كرد فعل غاضب على الثمن الباهض المقدم على مدى عقود وعقود, اعتقد البعض , في تلك اللحظة , ان الاحتلال المتخم بالمساوئ ربما ستكون له ( حسنة ) واحدة وعلى افتراض حسن النية بحظوظها الضعيفة , في ان النخبة التي جاءت مع دباباته وهمراته والتي امضى معظم رموزها في دول الغرب فترة طويلة سمحت لهم بان يغرفوا , لو شائوا , من السمات الايجابية للعقلية السياسية الغربية , و التي تجعل من الشعور الوطني الفيصل في العمل السياسي , سيعرضون حقا نماذج من التصرف السياسي تعكس  ,كما يتوقع المنطق , الصورة التي تتناسب مع الاطار التي اتخذوه لانفسهم كشخصيات يدعي معظمها انها تملك شهادات عالية وخبرة كبيرة بالاضافة الى المعايشة والاحتكاك الدولي المشار اليه سابقا. نحن هنا كما قلنا نفترض حسن النية لدى الجميع في حوار هادئ ونُسقط جانبا كل حديث عن الخيانة والعمالة والتعاون مع الاجنبي على اساس ايجاد حل بسيط للمعادلة على اساس التثبيت الاني للمتغيرات الاخرى . لكن المتابع اليومي لاداء معظم العناوين السياسية العراقية التي برزت بعد الاحتلال يُصاب بخيبة امل كبيرة حيث لايرى مع هذه العناوين بصيصا شاحبا من الامل في نهاية النفق المظلم .

 فاذا اعتمدنا , مُكرهين , نظام المحاصصة المقيت , نرى ان التمثيل الشيعي لم يتمكن على الاطلاق تقمص دور السلطة الوطنية التي لايحوم حولها شبهات التبعية للاجنبي . يظهر في اغلب الاحيان عناوين هذا التمثيل وكأنهم ( تُجار الفرصة ) الذين وجدوا انفسهم فجأة في السوق يتحكمون فيه ويدركون ان وجودهم فيه فرصة وقتية ينبغي عليهم استثمارها والاستعداد الدائم لمغادرة هذا السوق . لقد تمكنت العناوين الشيعية , وبنجاح كبير, ان تؤكد الانطباع لدى جمهور كبير من الشعب العراقي في ان دور المعارضة هو القدر الأسلم والأصوب لها وللاخرين.  اما التمثيل السني فهو يعيش تخبطا كبيرا, حيث انه ولحد الان لم يصحو من اثر الصدمة التي حلًت عليه كالصاعقة عندما وجد نفسه في موقع المعارضة , لقد لعب التمثيل السني العاجز دورا كبيرا في الاساءة لهذه الشريحة المهمة كونه قد ألصق بها الفشل في لعب دور المعارضة ليضاف الى تهمة الفشل في الحكم سابقا . لسنا هنا في معرض الحديث عن بعض العناوين في التمثيلين الشيعي والسني والتي تعمل تحت الخيمة العراقية الواحدة بعيدا عن روح المحاصصة لكنها  , اي هذه العناوين , وللأسف ليست جزءا رئيسيا في القرار التنفيذي او التشريعي الرسمي . اما التمثيل الكردي فليس من ينكر ان الافق السياسي واضح المعالم في اغلب العناوين السياسية الكردية التي اظهرت وتًظهر دهاء وشفافية في ممارسة اللعبة السياسية , إلا ان هذا الافق السياسي بقي على الدوام يعاني من تهمة النظرة اليه على انه افق تحدده المصالح القومية على حساب المصالح الوطنية , وهكذا يرى الكثيرون في بعض العناوين السياسية الكردية كالدكتور( برهم صالح ) مثلا على انه ( نوري السعيد ) المنحدر من اصول كردية. يبقى التمثيل الكلداني السرياني الاشوري  الذي يعاني كون البيئة السياسية التي انجبها الاحتلال ليست مناخا منعشا له , بل على العكس خانقا لفرصه , ناهيكم عن المستنقعات الداخلية التي وجد, او أدخل , نفسه بها بعد الاحتلال مما جعل ( فرخته السياسية ) تشكو من الهزال مع مرور الايام .

لو افترضنا جدلا تحقق احدى قصص الخيال المحكية , حيث يجمع الخالق , جلًت قدرته , الشعوب والقبائل ليلقي كل منها ( بلواه وهمومه ) على سجادة يجتمعون حولها , ثم يأمر كل منهم ان يختار ما يراه مناسبا وخفيفا فقرر في النهاية كل منهم ان يرضى ببلواه وهمٍه . بعد هذه التجارب المريرة والمأسي في العراق , ألا يذهب شعب العراق الى التخلي دون رجعة عن بلوى الابتلاء بالقادة ومقايضتها بالفقر وانعدام النفط , بل حتى ربما بالزلازل والبراكين , مَن يدري , ربما عند ذاك ستكون فرحتنا اكثر من مجرد فرخة , لكن المعضلة الرئيسية تبقى في مَن سيقبل ان يقايض وهو يرى ما حلً بالعراق !.
 

52
ايران – تُنتج الوقود أم تصنع القنابل


د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ربما يتفق الكثيرون في ان الهدف الأبعد من المغامرة العسكرية الحمقاء للادارة الامريكية في العراق كان كسر وتحطيم الاجنحة الايرانية , قدرة ونفوذا , بينما كان إسقاط النظام السابق في العراق وسيلة , ليس إلا , للوصول الى ذلك الهدف , كما خطط له جهابذة السياسة الامريكية وطباخوها المخضرمون الذين غاب عنهم ان كبر السن وضعف البصر يمكن ان يقودهم الى الخطأ في مقادير الوصفة وبالتالي الى فساد الوجبة . ان اغلب المحللين المنصفين يجد في ان النظام السياسي السابق في العراق , وبعد معركة الكويت تحديدا ودخول ذلك النظام في نفق الحصار , قد اضمحل دوره السياسي على الساحة الاقليمية والدولية واصبح هامشيا ولم يعد يشكل خطرا جديا على المصالح الامريكية , بل حاول ذلك النظام جاهدا بكل السبل تلبية المطالب الامريكية التي كانت في بعض الاحيان مرهقة بثقلها النفسي والمعنوي , كما في تفتيش القصور الرئاسية مثلا , املا في الحصول على فسحة للتنفس من اعباء تلك المرحلة. املنا كبير في ان لا يسارع , مرضى الحقد والغيرة والانتقام , وهواة الاصطياد في المياة العكرة , واصحاب الافواه المِعْوجة , فيشمٍرون عن سواعدهم ويستخدمون مواهبهم في إلقاء التهم , فنحن هنا نحاول معالجة الموضوع إستنادا الى العوامل الدولية , دون ان ننكر ان الوضع العراقي , داخليا , كان بحاجة ماسة الى التغيير بهدف اقامة دولة المؤسسات وحكم القانون على اسس مجتمع حر ديموقراطي يمقت القمع والتسلط والاستبداد ويتعايش فيه بوئام الرأي والرأي الاخر. وهكذا اعتقدت الادارة الامريكية ان خنق النظام العراقي السابق , كونه هدفا سهلا متاحا , يشكو اساسا من ضيق في التنفس , سيؤدي في افرازات نتائجه الى تقييد او تحييد في الدور الايراني الذي يزعج احيانا , بابتزازه الشره , المكاسب الامريكية في المنطقة , ومن المؤكد ان هذا التقييد او التحييد يستهدف على حد سواء القدرات المادية التسليحية التدميرية للنظام الايراني كما يحاول ايضا الحد من نفوذ هذا النظام في دول الجوار والمنطقة عموما .

اليوم وبعد مضي خمس سنوات على غزو العراق يبقى السؤال مشروعا , في مدى قدرة السياسة الامريكية من تحقيق هدفها الاستراتيجي والابعد المشار اليه اعلاه ! فعلى مدى هذه السنوات الخمس لم تتوقف القيادة الايرانية عن سياسة  اعلان الاخبار السارة بين حين واخر حول نجاح تحققه هنا وهناك , سواء كان في برنامجها النووي , او في مجال الاسلحة البالستية و الصواريخ , اوفي المجالات التسليحية الاخرى , كما ان الدور الايراني في العراق تمكن وبنجاح من ان يكون هماً مزمنا , ترك الامريكان يصابون بسببه ( بداء الشقيقة ) , الى الحد الذي اصبحوا فيه بين نارين لاثالث لهما , فهم إما ان يُسلًموا العراق رسميا الى ايران, على طبق من ذهب , في احدى جولات الحوار بين الطرفين , او ان يواضبوا على تحمل ألم الرأس القاسي جدا , الذي من فرط هوله يفكر الكثير منهم في البحث عن اقرب جدار يضرب رأسه به فيرتاح ويُريح , لقد اثبتت احداث البصرة والجنوب وبغداد الاخيرة , ان ( الولاًعة ) ايرانية خالصة  , صناعة واستخداما ,حيث النظام الايراني هو صاحب القرار الاول في توقيت زمان ومكان اشعال الفتيلة كما هو صاحب القرار الاخير في تهدئتها او إخمادها الى حين. أضف الى ذلك الاصابع الايرانية الواضحة البصمات في الملف اللبناني , حيث معضلة انتخاب الرئيس يمكن تسويتها بمباركة ايرانية , ثم الملف الفلسطيني في تحديد مصير العلاقة بين فتح وحماس , ناهيكم عن القدرة الايرانية في التحكم بجزء مهم من القطع المحلية في رقعة الشطرنج الافغانية . عندما كنا طلابا في المدارس المتوسطة والثانوية , اعتدنا على نمط من الاسئلة يتكرر في العديد من المواد , يطالب الممتحن بان يعدد العوامل ثم يختار احدها ليتكلم عنه ببعض التفصيل , وكتعبير عن الشوق لايام الدراسة نفعل اليوم الشئ نفسه , وها نحن بعد ان استعرضنا الملفات والعوامل باختصار , نختار الملف النووي الايراني في محاولة متواضعة لاظهار فشل المشروع الامريكي من خلال غزو العراق في كبح جماح الاهداف النووية الايرانية . 

يقينا , يمثل امتلاك الوقود النووي الفاصلة الاهم في الطريق لبناء السلاح النووي , حيث بدون الوقود يكون الحديث عن الية الانشطار , لايتعدى كونه نماذج نظرية , كما يُصبح العمل في الصواعق ومعدات الانفجار مسألة عبثية . ربما يكون من المفيد التذكير هنا , في ان الحصول على الرادع النووي يتم عبر طريقين رئيسيين يستندان على تفاعلات الاندماج او الانشطار , هذا اذا اهملنا جانبا ماتسمى ( بالقنابل القذرة ) كونها لاتصنف رسميا ضمن الاسلحة النووية الاستراتيجية . ان النظام الايراني قد تخلى منذ البداية كما يبدو عن المحاولة مع تفاعلات الاندماج . ربما لمعرفته الاكيدة ان التمكن من تقنية هذه التفاعلات صعب للغاية , بسبب شروط تفاعل الاندماج البالغة التعقيد . ولذلك انصب جهد النظام على العمل في المسار الثاني , اي مع تفاعلات الانشطار. وهنا يُصبح اليورانيوم 235 والبلوتونيوم  239 المادتان العزيزتان الغاليتان على نفس النظام كونهما حشوة ( كُبًة ) قنابل الانشطار . ان الطريق للحصول على البلوتونيوم ليس معبدا بالورود , فأمام مفاعل ( أراك ) للماء الثقيل , الذي من المؤمل ان يُنتج البلوتونيوم ,عدة سنوات من العمل , كما ان تجميع قضبان وقود اليورانيوم المستنفذ , لاستخلاص البلوتونيوم منها في معالجة اضافية , تحتاج ايضا الى زمن غير قصير , ناهيكم عن ان الاعلان ( بالفم المليان ) عن النية في العمل على الحصول على البلوتونيوم , يعني الحرق الرسمي لاغلب اوراق المراوغة الهادفة لكسب الزمن , بدعوى ان البرنامج النووي مخصص للاغراض السلمية , حيث مع الرغبة في امتلاك البلوتونيوم تضمحل أُسيا الاهداف السلمية للبرنامج النووي . على هذا الاساس وجد النظام الايراني ظالته في العمل من اجل التمكن من تخصيب اليورانيوم , كون هذا الطريق يخدم اهدافه في الشقين , فمن جانب يكفل له حججا اقوى وزمنا إضافيا في المراوغة والمماطلة في الدعوى بان برنامجه النووي مخصص للاغراض السلمية, حيث الهدف من التخصيب يهدف , حسب الادعاءات الرسمية , الى انتاج وقود المحطات بنسبة تخصيب لاتتجاوز ( 3.5 الى 5%  ) وهي نسبة بعيدة جدا عن النسبة المطلوبة لانتاج وقود السلاح النووي , ومن جانب اخر ولصعوبة السيطرة  الفعالة واليومية المستمرة على عمل سلاسل اجهزة الطرد المركزي المتشعبة , من قبل مفتشي وكالة الطاقة الذرية , يمكن للخبراء والفنيين الايرانيين تحويرعمل هذه السلاسل ليخدم الاهداف الاخرى . ان مايؤكد هذا الاستنتاج هو الرغبة الايرانية العارمة في بلبلة ملف التخصيب وتشعيبه امام المجتمع الدولي بشكل عام والوكالة الدولية بشكل خاص , بحيث يصعب السيطرة على حيثياته وافرازاته. فمع ان ايران قد التزمت بمعاهدة مع روسيا الاتحادية تتعهد فيه هذه الاخيرة بتوفير الوقود النووي لمحطة ( بوشهر الذرية ) كما باعادة الوقود المستنفذ بعد ذلك الى روسيا , وفعلا تم لحد الان نقل دفعات من الوقود الروسي الى محطة بوشهر , لكن كل هذا يجري في وقت تصر فيه ايران على المضي قدما في برنامجها للتخصيب دون ان تُعير اية اهمية لدعوات المجتمع الدولي بايقاف ذلك , بل الانكى من ذلك انها ترمي في سلة المهملات كل العروض التشجيعية التحفيزية التي يعرضها المجتمع الدولي مكافأة لها لايقاف التخصيب , حيث ان الرئيس الايراني لايمل من التأكيد , في كل تصريح او مقابلة , في ان دعوة ايران للتخلي عن تخصيب اليورانيوم قد اصبحت جزءا من الماضي لايمكن العودة اليه , وان الهدف الموضوع الان امام البرنامج النووي الايراني يتمثل في نصب وتشغيل خمسين ألف ( 50000 ) جهاز طرد مركزي للانتاج الصناعي . لاندري لحد الان لمن ستصدر ايران الوقود النووي الذي تعتقد ان تصديره لايختلف كثيرا عن تصدير الفستق او الكافيار !

لقد زفً الرئيس الايراني الى العالم قبل اسبوع وجبة جديدة من الاخبار السارة , بالاعلان عن بدء العمل في تثبيت ستة (6 ) ألاف جهاز طرد مركزي جديدة , لتنضم الى ( 2952 ) جهازا هي تحت العمل منذ زمن , وفعلا نشرت بعض القنوات قبل ايام تايتلا في عناوين نشراتها المكتوبة يشير الى النجاح في تشغيل ( 292 ) حهاز جديد , وهي حتما من الستة الاف التي اُعلن عنها , ودخولها دورة العمل. كما ان الاخبار تشير الى ان ايران قد تمكنت من تطوير جهاز الطرد المركزي ( أي أر 2 ) وهو نموذج مقتبس من الجهاز ( بي 2 ) الذي قامت بتطويره شبكة العالم الباكستاني عبد القادر خان و هو اكثر تقدما من النموذج الاولي ( بي 1 ) , حيث يختلف ( أي أر 2 ) عن ( بي 2 ) كون هذا الاخير يُصنع من الفولاذ الخاص بينما ( أي أر 2 ) الايراني مصنوع من ليف الكاربون وتصنيع هذا الليف من الكاربون اكثر سهولة , ان التقارير تشير الى ان ايران قد نصبت فعلا ( 31 ) جهازا من اجهزتها المطوًرة ( أي أر 2) في مصنع اختباري سري في مجمًع ناتانز للتخصيب . ان الحسابات النظرية تقول ان ثلاثة ( 3000 ) جهاز طرد مركزي من النوع البدائي ( بي 1 ) , والمركبة على شكل سلاسل على التوالي والتوازي , حيث تتكون كل سلسلة من ( 164 ) جهاز , بامكانها الحصول على كمية كافية من اليورانيوم العالي التخصيب لتصنيع قنبلة نووية , خلال مدة تتراوح بين ستة واثني عشر شهرا , اذا تم تشغيل هذه (3000 ) جهاز بطاقتها القصوى . لقد اذهلت المراقبين حقا , الخطوة الصينية الاخيرة بالافشاء عن معلومات عن البرنامج النووي الايراني تقول الانباء ان الصين قد زودت الوكالة الدولية للطاقة بها , ويتضمن قسم منها معلومات عن الصواعق الخاصة بالتفجيرات النووية واجهزة التفجير الذاتي والمعدات الضرورية لذلك , حيث يقوم الخبراء الايرانيون بإختبارها. ان توقيت ( الخيانة الصينية ) في هذه الفترة يترك التساؤل مشروعا حول المغزى من ذلك , تُرى هل تم ذلك باتفاق ومباركة ايرانية , تهدف ايران من خلاله الى ارسال رسالة عاجلة , من خلال الصين , الى العالم تدعوه فيها لضبط اعصابه وضغط دمه, وهو في طريقه ليستقبل ( الانباء السارة الحاسمة ) ؟! أم ان الضمير الصيني قد استيقظ فجأة على وقعات وخزات التأنيب , كون جهد اساسي من البرنامج النووي الايراني قد تم بفعل الدعم الصيني , حتى ان اجهزة الطرد المركزي التي بحوزة ايران ذو منشأ صيني , فأدرك الان هذا الضمير الصيني مخاطر خروج المارد الايراني من قمقمه , وقرر ان يشي به طمعا في بعض الشعور بالراحة.

ان الرئيس الامريكي الاحمق جورج بوش الذي قرر تحطيم وتدمير بلد كامل , بذريعة القضاء على اسلحة الدمار الشامل التي لم يجد لها اثرا , نراه اليوم يتصرف بازدواجية لامثيل لها تسمح يإلصاق اقسى الاحكام الاخلاقية والقانونية عليه , حيث في الوقت الذي يرى امام بصره ألافا من اجهزة الطرد المركزي تدور وتعمل في ايران في تحدٍ صارخ لادارته وحلفائه , بينما لم يكن العراق يملك واحدا منها , نسمعه , اي الرئيس الامريكي , وهو يبعث على الملأ , بحمامات السلام الى ايران , فيُطمئنها ان لا نية  باي عمل عسكري يستهدفها حتى خروجه من البيت الابيض و انتهاء ولايته , بينما يدعو احد المرشحين الاقوياء لخلافته , الديموقراطي اوباما, الى حوار جاد مع ايران مما يعني  اننا على اعتاب مرحلة ( شاه بطراز جديد ), قد يكون مسلحا نوويا , سيضع المنطقة , والعراق في المقدمة , رسميا و احتفاليا , بين فكي كماشة المساومات الرخيصة الى ان يشاء الله امرا كان مكتوبا.

ليس غريبا ان نعيش تغييرا في السياسة الامريكية التي اعتدنا فيها على ان تتناوب صفات ( الصديق والعدو ) على الاخرين , تبعا لتغير الظروف وماتقتضيه ضرورات المصالح . لكنها حقا الطامة الكبرى , ان تتخلى السياسة الامريكية  عن هدفها من تحطيم اجنحة الصقر الايراني , الى اعادة النظر في التصرف معه و احتوائه وتقاسم الغنائم معه , بروح اخوية , ومشاعر حب ومودة لم يعد خزينها يحتمل الاخفاء , وحان ربما موعد الافصاح والاحتفاء بها , اما الشامتين بالعراق بوضعه الراهن , من بعض اهل الخليج والاعراب , فعليهم بالفلفل الحار. 

53
الاب يوسف عادل وشمعته – الملثمون وكاتم الصوت
صراع النور والظلام في جولة جديدة
د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

تُرى ماذا سيكتب القتلة في بيان اعلان ( انتصارهم ) ؟! هل سيكتبون انهم تمكنوا من صيد ثمين عائدا من دعوة على الغذاء مع ( كروكر وباتريوس ) ؟! هل سيقولون انهم انزلوا القصاص بخائن الشعب وسارق ثروات الوطن ؟!, نتحداهم ان يكتبوا الحقيقة ويقولوا انهم قد أستجمعوا كل رجولتهم ليقتلوا انسانا اعزل , معروفة خطواته واماكن تواجده , فهو اما في الكنيسة حيث يرفع صلاته للرب من اجل الجميع , اوفي دار المسنين حيث يخفف عن الكهول هموم الوطن والحياة وسنوات الشيخوخة , اوفي بيوت الرعية يزورهم يطمئن عليهم , فهو الراعي الصالح الذي يسهر من اجل الخراف . أم ان القتلة يتوهمون فيعتقدون انهم بفعلتهم هذه يطفئون شمعة النور التي بين يديه , مساكين هم هؤلاء البائسون , فقد فاتهم اننا , نحن المسيحيين , نعشق الجلجلة حتى النخاع , ونحيا بالخشبة التي ارتفعت فوقها , وقد توارثنا عشق الجلجلة عبر الاجيال , منذ ان حلت النعمة علينا وسكنت القلوب والعقول , ورأينا مجده مجدا , وحاشا لنا ان نفتخر إلا بالصليب الذي يرون فيه عارا ونرى فيه فداء وخلاصا , نعم لقد فات المجرمون ان هذا الشعب الذي سكن هذه الارض قبل الجميع , تضرب جذوره قاعها , وزرع فيها كل بذور الخير والصلاح , أمن ان قدره ان يبقي ثابتا عليها , تحتظنه ويحتظنها رغم محاولات من هبً ودبْ لتصفيته وانهائه او ارساله الى المتاحف . وهكذا ليست الشمعة التي نراها بيد الاب الشهيد يوسف عادل هي من صنع الحاضر, بل هي شمعة انتقلت مع الاجيال وبقيت تضئ على الدوام لمن يسكنون في الظلمة تنير الطريق لمن يتقبلها, وتغيظ النفوس الشريرة , التي اتحدت مع الشر والظلمة الى الابد  ,وترى في النور خنقا وكتما للانفاس .

بيلاطس صلب بالمفرد وها هو جورج بوش في القرن الواحد والعشرين يصلب بالجملة . مع ان بيلاطس , وقبل الفي سنة , قد قال بملئ فمه انه لايجد المسيح ( له المجد ) مذنبا وغسل يداه تأكيدا على ذلك , إلا ان اسم بيلاطس بقي على الدوام مقترنا بمسيرة ومشهد الصليب , كون بيلاطس , وبعد مشيئة الرب له المجد , هو صاحب قرار الصلب الوضعي . لكننا اليوم نرى بيلاطس الجديد متغطرسا أحمقا , لايخطر في باله ان يغسل يداه من دماء وارواح الملايين التي ازهقها بفعل جريمته الشنعاء بحق وطن عريق وشعب كامل. نعم لقد لعب رؤساء الكهنة دورا تحريضيا مهما في تحشيد جموع الرعاع لتطالب بيلاطس بالصلب حكما بحق الفادي , ولكن بقي القرار الاخير ذلك الذي نطق او أومأ به بيلاطس , واليوم يتحمل الاحتلال المسؤولية الرسمية والاخلاقية والقانونية الاولى في كل قطرة دم تراق في زمنه وفي كل دمعة تذرف امام انظار قواته. اما بعض القوى التي ابتدعت لنفسها بدعة جديدة تتمثل في ان خروج الاحتلال يتم بقتل المسيحيين وتصفيتهم , فهي قبل كل شئ ترتكب جريمة كبرى بحق تاريخ مشترك يمتد عمره الى الاف السنين , هذا اذا كانت اساسا تنتمي الى هذا التاريخ , او تجد نفسها جزءا منه , كما تسئ الى فكرة المقاومة المشروعة  اساءة بالغة فتجعل منها كابوسا مقززا بلتقي مع كابوس الاحتلال فيجعل الحياة اكثر سقما , ناهيكم عن ان الجميع يعرف ان المسيحيين لم يرسلوا بطاقات الدعوة للاحتلال , كما لم يذهب احدهم الى رموزه فكشف عن ساقه لهم ليغريه بالمجئ , وايضا لم يكن احدهم مع حاشية مستقبليه الذين فرشوا له السجادة الحمراء , واخيرا لم ينال المسيحيون من الاحتلال امتيازات وحقوق , فهل من العدالة ان يدفع البرئ الثمن ؟!

قبل ايام قدًم وزير الخارجية الفنلندي استقالته مرغما بعد ان كشفت الصحف فضائحه الغرامية , حيث كان هذا الوزير قد ارسل عدة رسائل غرامية من هاتفه النقال, فكانت هذه الرسائل سببا في سحب الثقة عنه , في العراق يسقط العشرات من الابرياء يوميا ويخرج المسؤولون على محطات التلفاز بالتصريحات الرنانة واعلانات الانتصارات على خلايا القتل الارهاب , الفساد يستشري في كل مكان والدولة جثة هامدة يتصارع الجميع من اجل قطعة اضافية ,  ولم نسمع احدهم قد اقر بالفشل وطلب الاعفاء ! . لقد اصابتني الدهشة وانا استمع لمراسل قناة عشتار في بغداد , وهو يتحدث في سياق النشرة الاخبارية باللغة العربية , عن ملابسات حادث اغتيال الاب الشهيد يوسف عادل عبودي , فأشار الى ان بعض رجال الامن , الذين تحدث معهم عن الاغتيال , يأخذون على الاب الشهيد اقدامه على النزول الى المدينة بملابسه الدينية , مما دعا بعض العناصر المسلحة الحاقدة الى ملاحقته واغتياله. اذا كانت الدولة وقوات الاحتلال لايستطيعان تأمين حياة رجل دين مسالم , فعن اية انجازات تتحدثون ؟ والى اية خطوات الى الوراء عدنا عندما يصبح تواجد رجل الدين المسيحي بملابسه الدينية في الشارع خطر على حياته وربما حياة الاخرين ؟!

بماذا يغيض المسيحيون من يستهدفهم ؟هل بغصن الزيتون الذي يرفعونه بوجه الجميع ؟! أم بشمعتهم التي ينيرون فيها طرق الحق والحياة ؟!أم بفعالياتهم الدينية و الاجتماعية على شاشاتهم الفضائية وفي مواقعهم الاعلامية الاخرى وهم يقدسون الحياة ويمنحوها طعما ويؤسسون لجسور مع الجميع؟! أم بثقافة التسامح والسلام التي كانوا على الدوام رسلها وروادها. إن كان لكل هذا مجتمعا , فحقا مشكلتنا ومصيبتنا نحن المسيحيون كبيرة وعظيمة لاننا لانملك ولانستطيع ان نكون إلا كما اعتدنا ان نكون وكما اعتاد من يعايشنا ان يعرفنا. نعم قال الرب ( لاتنتقموا لانفسكم بل أتركوا ذلك لغضب الرب ) , ولكن الرب لايمنعنا من ان ننتقم بطريقة اخرى فنقترب اكثر من بعضنا البعض , يحتمي احدنا بالاخر , نتوحد قلبا وقالبا , نبقى عناوين بهية للحياة كما اوصانا ابانا الذي في السماء , نصلي لمن قرر ان يضعنا هدفا له , فتنهمر جمر النار على رأسه .

جنات النعيم لك يا شهيدنا الجديد الاب يوسف عادل عبودي , انه الدم الكلداني السرياني الاشوري يتوحد ليحكي قصة شعب واحد وتاريخ واحد ومصير واحد.
عذرا ايها الاب الشهيد إن كنت ترى ان بعض كتابنا قد استنزفوا كلمات الرثاء وجفً حبر اقلامهم وغاب عنهم ان يستثمروا فرصة اراقة دمك الزكي فيتركوا العالم لايحيد في نظره عن مأساة شعب عريق.



 

54
كتابات مابعد المطران رحو – عودة الى التجارة البائسة
د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

 يبقى دور ( ابو غالب ) في مسلسل باب الحارة , الذي عُرض على شاشة العديد من الفضائيات خلال شهر رمضان المنصرم , عالقا في الذهن , يشير الى تاجر بائس يبيع ( البليلة ) في السوق وهو يعلم علم اليقين ان تجارته هذه , مهما انتعش سوقها لدى الاطفال الصغار , لايمكن ان تُغير في حاله المادي تغييرا جذريا ولذلك فهي بالنسبة له جرعة الاستمرار في الحياة , التي لايجد طعما فيها , ووسيلة يراها ضرورية تساعده في الاستمرار بحبك الخطط  و  الدسائس التي يهدف من ورائها الايقاع بين حارتي ( ابو النار ) والعقيد ( ابو شهاب ) إشباعا لخليط مركب من الحقد الشخصي في قسمه الغالب . ان الانسان ليشعر بالاسف الشديد عندما يرى اقلاما , تمارس , بشكل عفوي او بقصد مع سبق الاصرار , نفس الدور الذي اداه ( ابو غالب ) فتتاجر وتعرض ( بليلتها ) على المواقع الالكترونية , فيأتي نتاجها أشبه بموجة هدامة مضادة للطور الذي يصب في صالح شعبنا ودوره ومستقبله , ويكون ذلك مبعثا لأسى وقنوط مضاعف , عندما تُصر هذه الاقلام على ممارسة هذا الدور في وقت تفرض فيه كل الظروف الذاتية والموضوعية مناخا من المسؤولية الاخلاقية التي ينبغي على كل غيور على مصلحة شعبه ان يرتقي الى واجباتها. ارسل تلميذ يوما الى استاذه ما سطرت يداه طالبا منه تقييم ذلك , ولما لم يجد الاستاذ شيئا مفيدا , اعاده الى تلميذه مذيًلا بعبارة قصيرة قال فيها :  (مجهود عضلي جيد ) .المصيبة ان بعض الكتابات اليوم ليست مجهودا عضليا فقط , بل مفخخات واحزمة ناسفة تبحث عن اية نسمة للوحدة ورص الصف لتقضي عليهما. تُرى , لماذا يصر البعض على العودة بنا الى المربع الاول وقد إجتزناه بشق الانفس وبعد عناء طويل وكان قربان خروجنا منه دما وشهادة !

لم ينتظر البعض برهة من الوقت فيبرد قليلا دم المطران الشهيد فرج رحو ,حتى بدأت من جديد حلقات اخرى من المسلسل البائس القائم على رشق الاتهامات لهذا وذاك , وتسخين ساحة الصراع بين طرف واخر , وكأن هؤلاء قد امتهنوا مهنة الاقتتات على مؤائد اللعب على حبال صراعات الاخرين. ان الكتابة والنشر كانتا مسؤولية كبيرة على الدوام , وهي تتحول لتصبح لحظة رهيبة , خاصة في ظروف محلية ووطنية واقليمية بالغة الصعوبة والتعقيد و مصيرية بكل ما في هذه الكلمة من معنى, وهكذا يكاد فيها القلم يرتعش بين الاصابع , ليس خوفا من الجهر بالحق والحقيقة بل خشية من ان يشطح , ليؤدي فعلا سلبيا للمجموع والصالح العام , فيُصبح حجر عثرة امام العربة عوضا عن ان يكون جهدا ايجابيا في دفعها الى الامام .

 الاخرون استفادوا من انتصاراتهم ومصائبهم وسخروا ذلك , حيثما استطاعوا , للمسيرة العامة لشعوبهم . بينما شعبنا , والحمد لله ( وبفضل الغيارى ) , يكاد يفتقر خلال السنوات الماضية الى محطات للانتصارات تؤكد دوره وتأثيره على صعيد العملية السياسية الوطنية, فهل اصبح حتى حرام على شعبنا ان يجني بعض نتائج مصائبه , خاصة وان الثمن الذي دفعه في هذه المصائب هو ثمن باهض ودماء غالية زكية لاتُثمًن ولاتُقدًر , حيث يمثل لحد الان دم الشهيد المطران الجليل فرج رحو مسك الختام فيها ؟!. ان الظروف التي يعيشها ابناء شعبنا في الداخل يجب ان تكون حاضرة مع كل حرف وكلمة وجملة , وعملية دفعنا لنحشر انفسنا جميعا في خندق واحد هي المهمة والغاية الاولى لكل قلم غيور , كما ان اية عين او اذن اضافية يمكن تشجيعها للتواجد في هذا الخندق الموحد ستكون بالتأكيد جهدا مضافا وشعبنا بأمس الحاجة اليه , ناهيكم عن ان هذا التواجد يمثل حاجة ذاتية , على المستوى الشخصي , افرادا  او مؤسسات وتنظيمات سياسية في مناخ ربما يكون اكثر الاوصاف تواضعا له , انه مناخ شريعة الغاب وبحيرة اسماك القرش وركون القانون وسلطة الدولة على الرف , مناخ يُفرج فيه عن الناطق المدني باسم خطة أمن بغداد بعد ايام معدودة من اختطافه , بينما يُذبح فيه الاب بولص اسكندر ويُقتل فيه الاب رغيد في شارع عام  ويُشنق فيه المطران فرج رحو ! , ان المقصود هو وصف الحال وليس رفض الافراج عن مختطف ما أيا كان عنوانه . مناخ يمكن ان نستنتج فيه الحقيقة المريرة عن هيبة الدولة وسلطتها , من خلال اجابة , مُضحكة مبكية , أجاب فيها الرئيس جلال الطالباني على تساؤل لنائب الرئيس الامريكي ديك تشيني في زيارته الاخيرة لبغداد , حيث يقال ان تشيني سأل الطالباني ( مَنْ مع حكومة المالكي ؟ ) فأجاب الطالباني ( لا أحد غيري والسفيرين الامريكي و الايراني ) ! . مناخ أثبتت معارك البصرة والجنوب الاخيرة ملامحه الخطيرة بل والكارثية عندما فرضت الميليشيات نفسها , قوة وسلطة تفوق سلطة الدولة , حيث هي التي تحدد ساحة و زمن المعركة مكانا وتوقيتا وهي التي تقرر توقيت الهدنة فيها , لقد شاهدهم الجميع على القنوات الفضائية مكشوفي الوجوه , غير ملثمين , يقولون علنا انهم قرروا الانسحاب من الشارع بناء على امر اصدره السيد مقتدى الصدر وليس رئيس الوزراء العراقي او وزرائه الامنيين.

 عجيب امر هؤلاء الكتاب الذين يدعون انهم شموع تحترق لمصلحة شعبهم , فيلقون جانبا كل مايشاهدونه حولهم من تهديدات وفوضى عارمة وعبث شامل وافواه مفتوحة جاهزة للابتلاع , ونرى ان همهم الوحيد اثارة كل مايمكن اثارته بين اوساط شعبهم من غرائز الرغبة في تسقيط بعضهم البعض . وهنا تقع على عناوين شعبنا السياسية بكل مسمياتها مسؤولية تاريخية في لجم هذه الغرائز الهدامة لدى هؤلاء , من خلال فعل وإداء يهدف الى استكشاف القواسم المشتركة والبناء عليها. لان التاريخ , وإن كان قد سجل دائما الدور المشبوه الذي تقوم به الحاشية والطبالون والزمارون واصحاب الاغراض الشخصية في دفع القائد السياسي او الحاكم الى الهاوية , إلا ان هذا التاريخ لم يرحم مطلقا ذلك القائد او الحاكم من المسؤولية في الكارثة كونه صاحب القرار الحاسم فيها.

لا اعتقد ان السيد يونادم كنة قد طلب من فلان , ليكتب لنا ويُخبرنا بانه صاحب الفضل في حضور غبطة الكاردينال عمانويل دلًي الى مراسيم تشييع المثلث الرحمات المطران فرج رحو في كرمليس , كما نعتقد ايضا ان السيد سركيس اغاجان لم يوعز الى علاًن بأن يكتب مفنٍدا ما كتبه غريمه , مؤكدا ان السيد اغاجان هو الذي وفًر كل المستلزمات لتأمين مشاركة غبطة الكاردينال في تلك المراسيم , وأيضا لايمكن ان تكون الدعوة لاقامة مهرجان خطابي , او حتى احتفالي , بمناسبة عيد ( أكيتو ) في دهوك فرصة لرمي الرشقات ووصف الاخرين بعدم الخجل واحترام المشاعر , في وقت عادت فيه قناة عشتار الى بثها الاعتيادي حيث نشاهد فيها الان منوعات غنائية ربما يسمعها , جميعها او جزء منها , من يحضر ذلك الاحتفال , كما ان منظمات ومؤسسات اجتماعية كلدانية عديدة في المهجر قد استمرت في تنفيذ برامجها الاجتماعية بمناسبة عيد القيامة دون ان تلغيها  , ربما يكون من الواجب هنا ان لا ننكر ان عشتار وغيرها من المؤسسات الاعلامية لشعبنا قد قامت جميعا بدورها بل وأبدعت في ايصال صوت ابناء شعبنا واصدقائه وحققت نجاحا بيٍنا في تغطية فعاليات تأبين المطران الشهيد . ثم ان الجميع يؤمن ايمانا عميقا ان المطران فرج رحو ورفاقه الشهداء لايطلبون منا ان نجلس , نبكي وننوح , بل ان أرواحهم الطاهرة , ستغمرها السعادة يقينا , عندما ترى فعلا وجهدا يدفع بنا الى الامام , لانهم استشهدوا ليكون لنا افضل. واخيرا ما المغزى من لجوء كاتب فاضل له حضوره وقرائه في المواقع الالكترونية الى تخصيص مقال كامل للرد على كاتب مغمور, كتب باسم مستعار مقالا في احد المواقع , وبعد ان رُفع المقال من ذلك الموقع وانتقد ما جاء فيه كثيرون في جملة او جملتين في سياق مقالاتهم كون محتواه بحاجة الى ادلة ثبوتية قطعية دامغة , دون ان يمنحوه فرصة الدعاية التي لايستحقها ,فيأتي الاستاذ الفاضل لينشر نص الكاتب المجهول في متن مقاله الذي اختار له عنوانا يتساءل فيه عن المستفيد من اتهام الاخرين جزافا , فيغيب عن بال كاتبنا العزيز , سهوا او عمدا , ان  العنوان هذا أساسا , وبالرجوع الى خلفية صاحبه , تفوح بين كلماته غمزات واتهامات !

العرب تقول , في الاعادة إفادة , لكنني في ذلك استميح القارئ الكريم عذرا من الملل. عسى ان يكون مفيدا ان نكرر تأكيدا في ان العناوين السياسية لشعبنا جميعا , و في المقدمة منهم السيدان سركيس اغاجان ويونادم كنة , مطالبة اليوم , اكثر من اي وقت مضى , بفعل واداء يرتقي الى مستوى المسؤولية , فيدفع اولا مسيرة شعبنا الى الخطوات الصحيحة ويساعد ثانيا في تقليم اظافر قطط مواقعنا الالكترونية بمختلف اتجاهاتها وميولها, وأيا كانت مسمياتها بما فيها كاتب هذه السطور , وحيثما ثبت الوصف , فتنأى هذه العناوين بنفسها من خربشة هذه القطط وتُجنٍب شعبنا الفوضى التي تسببها صرخات ( مياو ) التي تطلقها وهي تتصارع فيما بينها , وتفعل ثالثا , خيرا مع هذه القطط عندما تتركها تُجهد النفس قليلا بحثا عن قطع اللحم السمينة .

55
إستشهاد المطران – كابوس ثقيل أم خبطة في الرأس

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يحدث احيانا ان نتعرض جميعا , كبشر , الى كوابيس مزعجة كريهة نستيقظ على اثرها لنتناول جرعة من الماء ونتعوذ من ابليس ونتلو الصلاة الربية او نقرأ سورة الفاتحة , كلَُ و قبلته , ثم نحاول العودة للنوم. ويحدث ايضا احيانا اخرى ان يتعرض كائن ما او تتعرض مجموعة بشرية لحادث من النمط الغير الاعتيادي , فيكون بفعله ونتائجه اشبه بخبطة عنيفة في الرأس , تُحدث رجًة عظيمة تكون سببا في اعادة التعيير وتنظيم النفس من جديد لترتقي الى مستوى الحدث , وبالتالي تكون قادرة على التفاعل مع الظروف التي افرزها ذلك الحادث لتسفيد منها في انطلاقة جديدة.

الجميع سمع المطران الجليل الشهيد بولص فرج رحو وهو يُطلق قبل استشهاده سلسلة من تساؤلات ( لماذا ) التي اعترف المطران الشهيد بصعوبة الحصول على جواب شاف لها. ان السؤال الذي يبدو ملحا وضروريا اليوم بعد الجريمة  , يكمن في هل سيمثٍل استشهاد المطران الجليل نقطة تحول تاريخية في تفكير واداء قياداتنا الدينية والسياسية والاجتماعية بحيث تُثبت جميعا وبالفعل الملموس انها قد أصيبت , بفعل الجريمة التي أُرتكبت بحق المطران الجليل ورفاقه , بخبطة عنيفة في الرأس اتاح لها الفرصة في اعادة التفكير بمواقفها وتصرفاتها , أم اننا كنا جميعا امام كابوس ثقيل , نوعا ما , وقد رصدنا اياما معدودة لنعالج امره بالصلوات والقداديس والنياح والمسيرات والبرقيات والاتصالات على امل ان نعود بعد اسبوع او اسبوعين الى النوم والغناء كلَُ على ليلاه , دون ان ننكر ان هذه الفعاليات جميعا قد اجادت في تقديم حالنا الحاضر ولكن يبقى الهدف هو في الاستفادة منها في عمل المستقبل.

لقد مثًل المطران الجليل باستشهاده علما اجتمع تحت رايته كل العراقيين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والقومية , اما على صعيد شعبنا الكلداني السرياني الاشوري فقد افرز الاستشهاد حالة طبيعية عفوية من الشعور بالوحدة لم تتمكن كل فعالياتنا السياسية ان تحقق جزءا منها خلال السنوات الماضية , بل ربما يصح القول ان لدماء الشهيد المطران رحو الفضل في ترميم جزء كبير من الثقوب التي فعلها الاداء السلبي لهذه الفعاليات في جسم الوحدة خلال الفترة الماضية . لقد برهن شعبنا , ليس لنفسه لانه  يؤمن ان هذا هو الحقيقة والمسلمة التي لاتحتاج الى إثبات  , ولكنه برهن ذلك لمن يشكو من غشاوة في عينه , بان المطران الشهيد هو حصة سريانية واشورية خالصة بنفس القدر الذي هو فيه حصة كلدانية خالصة , وهكذا انتقم ( شعب المطران الشهيد فرج رحو ) لوحدته  التي اصابها ما اصابها طوال السنين السابقة من طعنات الظهر من اهل البيت وسهام الاخرين الشامتين.

انه لوهم كبير ان نعتقد ان استمرارنا في التشرذم والتشتت واستجداء المواقف المؤيدة هو السبيل الناجع للوصول الى ما نصبو اليه من حقوق وحماية شعبنا وقياداته وابنائه , كما حدث مؤخرا عندما احتفل البعض بالكلمات الخجولة الصالحة للاستهلاك  الاعلامي الرخيص بخصوص حقوق شعبنا والتي جاءت على لسان رئيس الوزراء العراقي  السيد نوري المالكي في  سياق لقائه التلفزيوني مع قناة عشتار الفضائية . ان الدعوة  الباردة للسيد المالكي بكتابة مطاليب شعبنا وتقديمها هي اشبه بمشهد لازال محفورا بذاكرتي , حيث كانت قد اصبحت شائعة في فترة  السبعينات من  القرن الماضي  ظاهرة إطفاء الاراضي في منطقتنا وكان الرجال الكبار في السن , اصحاب تلك الاراضي , يكابدون حزنا وهم يشاهدون اراضيهم التي يحسبونها مع ابنائهم وهي تُؤخذ عنوة منهم وبتعويضات بخسة , وهكذا كانوا ينتظرون زيارة اي مسؤول حكومي ليشكو له مظالمهم , فما ان يسمعوا بقدوم احدهم حتى تراهم يبحثون عن  المتمكن في العربية , إنشاء وتعبيرا , فيكتب لهم التماسا يستخدم فيه كل الوان البيان والبديع في ديباجته ويختمه بكل انواع الدعاء والتمجيد , عسى ولعل هذا يستطيع ان يداعب الاحاسيس ويجعلها تتمايل قليلا مع المطالب  العادلة لاؤلئك الكهول المساكين , ولكن مع الاسف كانت كل تلك الجهود , في شحذ الفكر واليراع , تذهب سدى , حيث كانت تلك الطلبات , كما كان يظهر في الفعل اللاحق , تذهب في احسن الاحوال الى سلة الحفظ في الارشيف إن لم  يكن الى سلة المهملات .  انه لمثير للتندر والعجب , ان تطلب حكومة من شعب ما بتقديم مطالبه لدراستها بينما تمارس بحقه كل اشكال التهميش الى الحد الذي سهت يوما فاعتبرته جالية في بلده !.اضف الى ذلك فان الرسالة التي بثتها وسائل الاعلام قبل ايام واكدت الاستخبارات الامريكية انها تعود لزعيم القاعدة والتي هدد فيها الدول الغربية , وشخًص البابا بالاسم , فانها تمثل قبل كل شئ تهديدا جديا ايضا على شعبنا وحياة ابنائه وزعمائه الروحيين بالذات , كون استعمال الرسائل الغير المباشرة كاوراق متوفرة هو امر شائع في عالم السياسة وخاصة في منظمات العنف والارهاب .

ان امام كتاب ومثقفي شعبنا كما امام فعالياتنا السياسية مهمة مصيرية في تحشيد جهودهم للوقوف صفا متراصا يحاول الامساك بالعصا من المنتصف , في كتابات واداء سياسي يسقيان على الدوام شجرة الوحدة والتماسك وتنسيق الخطاب التي اعطتها دماء المطران الشهيد جرعة مهمة من الحياة , ترك الجميع ينتبه من جديد الى اهميتها ويفخر بها في نفس الوقت . ان العودة  مرة اخرى من قبل البعض الى عالم المهاترات والسجالات العقيمة والاصطياد في المياة العكرة واللعب على الحبال المتهرئة والاقصاء والتهميش وفرض  الاجندة بالحقن الاجباري , مترادفا مع سياسة البعض الاخر المبنية على المعارضة المطلقة للاخر جملة وتفصيلا وانعدام الرغبة في تأسيس اية جسور مشتركة معه وعدم إجهاد النفس في اكتشاف اية قواسم معه , لهو في مجمله جميعا دلالة عجز سياسي عن التصدي لظروف هذه المرحلة والارتقاء الى مستوى تحدياتها , ينبغي على صاحبه , ايا كان , اعلان تقاعده السياسي او الاعلامي وفسح المجال للاخرين , احتراما لدماء المطران الشهيد ووفاء لمبادئ صُرفت من اجلها احلى واجمل سنين العمر. ان الذين اجتمعوا على الحزن في ( كرمليس ) قادرون , بالتأكيد إن توفرت النية الصادقة ونكران الذات , على اللقاء لما فيه خير ووحدة شعبنا , ان المطران الشهيد وقبله شهداء الايمان , الاب بولص اسكندر والاب رغيد كني والشمامسة الابرار وكل شهداء شعبنا لايطلبون منا نياحا وبكاء وذكرى فقط , بل , قبل ذلك ومعه وبعده , فعلا منظما يُكمل المشوار والمسيرة . كما ان على كتاب ومثقفي شعبنا , و بصورة خاصة ابناء المغتربات , مسؤولية كبيرة في اعادة قراءة ما يكتبونه مرات عديدة قبل دفعه للنشر , والتفكير مليا في جدواه لقضية شعبنا ومصيره , فنتجنب الدخول في مستنقعات اخرى نغوص فيها من جديد , ولا نتورط في هذه الظروف الحساسة في معارك او تخديش  للعلاقات مع اطراف ليس من مصلحة شعبنا بتاتا الصراع معها, خاصة عندما يكون ذلك بالترويج لاتهامات تنقصها الدلائل والبراهين , فليس كل مانعتقده صالح للنشر في كل الازمان والظروف , ويبقى لكل حادث حديث , و الكاتب الذي يحترق غيرة على مصلحة شعبه و لاتأخذه في حقوقه لومة لائم هو الذي يترفع عن كل مجد شخصي او مصلحة حزبية ضيقة او تعصب او تطرف اعمى .

تُرى , هل ترى ( حليمة شعبنا ) بمسمياتها المختلفة ان استشهاد المطران الجليل كان كابوسا استفاقت منه لتعود الى عادتها القديمة ؟!, ام ان ذلك كان خبطة عنيفة في الرأس , كافية لنرى اداء سياسيا واعلاميا جديدا ؟.
قادم الايام كفيل بالاجابة على السؤال.

غمزة اخوية :-
 كم جميل ان يحرص كل ابائنا الروحيون وعناويننا السياسية والاجتماعية واساتذتنا , كتابنا الافاضل  ,على عدم تخديش مشاعر الوحدة التي منحتها لنا دماء المطران الجليل الشهيد فرج رحو , فلايغيب عن بال بعضهم , سهوا او عمدا , الاشارة الى ان مسلسل هذه الجرائم بحق قياداتنا الدينية قد بدأ يوم فُصل جسد الاب الشهيد بولص اسكندر عن رأسه في فعل بشع تعجز عن وصفه كل الكلمات , ويقينا ان العتاب بين الاهل والاخوة والاحبة لايُفسد في الود قضية.



 


56
صوته يملأ الافاق يصرخ أين شوكتك ياموت
د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يا لبؤس نصركم ويا لفخر صليبه , بماذا تتباهون فالمطران الجليل لم يدخل العراق على دبابة الاحتلال , ولم يجلس قط على موائده , بل تضرب جذوره في الوطن اعمق بكثير من جذور النخلة في الارض , اهله واجداده كانوا فيه قبل ان يكون غيرهم , ما أصعب ان يُنصٍب النزيل الغريب نفسه حاكما على الاصل المتجذر الملئ على الدوام بالوفاء. منذ حوالي الفي سنة لم يكتفي فقط المسيحيون في العالم على إحياء احداث الجلجلة كل عام في اسبوع الالام , بل كانت الجلجلة للمسيحيين الشرقيين على الدوام رفيقة لهم يتسلق صلبانها في كل مرة واحد او رزمة من ابنائهم البررة , وهكذا كان نصيب المثلث الرحمات المطران بولص فرج رحو ان يعثر قبل اسبوعين على طريق الجلجلة بعد عناء في البحث امتد لعقود. إذا كانت الام تيريزا قد قالت يوما انها ترى في كل فقير مسيحا متنكرا , فكم بالحري ان يكون خادم الرب الامين وباذل النفس حتى الشهادة من اجل العقيدة هو المسيح المتنكر بامتياز.

قبل اسبوعين تمكنوا من محاصرة بلبل السلام في احد ازقة الموصل كما حاصر امثالهم سيده في البستان , فرحوا بصيدهم فرحا عظيما فالسطو تحت جناح الظلام في عرفهم شجاعة وبسالة. شربوا نخب انتصارهم عندما شاهدوه على الصليب لانهم لايعرفون انه بدون جمعة الالام لايمكن ان يأتي سبت النور وأحد القيامة. نعم تمكنوا من الجسد ولكن هاهي روح الحبر الجليل المطران بولص فرج رحو تنطلق وتدوي في الافاق يسمعها قاتلوه قبل غيرهم تصيح
اين شوكتك ياموت واين غلبتك ياهاوية .

يا اهل الموصل الكرام من الاخوان المسلمين , من العرب والاكراد , يامن احببتم المطران الجليل وشعبه واحبًكم بالمقابل وكنتم معا في السراء والضراء , من عاداتنا نحن المسيحيون في عيد القيامة المجيد ان نزين ونلون البيض المسلوق ونقدمه للاحبة دلالة على حياة القيامة الجديدة , فلتكون ازقة الموصل وبالذات الزقاق التي حدثت فيه الجريمة ساحة يجتمع فيها الجميع يحتفلون بانتقال روح المطران الجليل الى الاخدار السماوية فتغيض فعلة الجريمة فيعرفون انهم بعيدون عن نواياهم بعد السماء عن الارض. وكم رائع ان تبادر ادارة المحافظة الى اطلاق اسم الشهيد الكبير المطران بولص فرج رحو على ذلك الشارع فيبقى يحكي على مدى الاجيال قصة من احب مدينته واهلها , جميع اهلها وبذل نفسه من اجل القيم التي يجتمعون عليها . ربما ينعتنا البعض بالسذاجة ولكن هذا هو قدر المسيحيون على الدوام ان يؤمنوا بان اسلحة الحب الشامل التي يمتلكونها ويفتخرون بها هي الامضى والاكثر فتكا من اسلحة  القتل والارهاب التي يستخدمها من يعتدي عليهم . هكذا يؤمنون وهكذا كانت الاحداث بنتائجها .

ايها الحبر الجليل , حقَُ لك ان تدخل فرح سيدك  فقد كنت امينا على القليل وجاهدت الجهاد الحسن ونلت اكليل الغار , فخر لنا جميعا ان يُطلق علينا شعب المطران الشهيد بولص فرج رحو.

57
طهاة الحكم الذاتي ووجبة البرغل

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

صديق واخ عزيز, قرر قبل سنوات الهجرة الى السويد , اختار في خطة الهجرة ان يغامر في البداية شخصيا مع نجليه الشابين فيغوص في عالم التهريب وشبكاته , على امل ان تلحق ربة المنزل , رفيقة عمره وأم اطفاله , بهم فيما بعد بشكل رسمي على اساس لمً الشمل , بعد حصولهم على تصريح الاقامة , فتتجنب مخاطر طرق التهريب ومشاكله . وفعلا جرت الامور على هذه الشاكلة ووصل الثلاثة الى السويد وبقيت الزوجة والام تنتظر الى حين. بعد وصولهم الى البلد الجديد واستنفاذ حقوق وواجبات الضيافة هنا وهناك , وجد الرجال الثلاثة انفسهم يصطدمون بواقع جديد لم يكن مألوفا في بغداد , عليهم ان يتدبروا امورهم في تحضير وجباتهم وحاجاتهم المنزلية الاخرى , فالامر ليس سفرة ليوم او يومين بل قد يستغرق هذا شهورا وسنوات . الثلاثة لم يسبق لهم التواجد في مطبخ البيت في بغداد , حتى تحضير الشاي كان عالما جديدا ومعرفة تحتاج التعلم والاتقان , لكن المشكلة الكبرى لم تكن في الشاي وقلي او سلق البيض للفطور, بل في الوجبة الرئيسية , اي في وجبة الغذاء , وهكذا أجهد الرجال الثلاثة انفسهم و تمكنوا من إلتقاط الخيط الذي يوصل الى سر تحضير وجبة البرغل , بعد محاولات معدودة لاداعٍ لذكر تفاصيلها ونتائجها , اصبحوا قادرين على ضبط الامور الى حد ما يجعلها مقبولة ومهضومة , بل وجدوا انفسهم قادرين على بعض التفنن في ذلك , يتركهم يعتقدون انهم امام وجبات تختلف مع الايام , فيطبخون مثلا , يوما , البرغل مع اللحم , وفي اليوم التالي مع الدجاج , وثالثة يجعلونه احمرا باضافة الطماطم وعصيرها اليه , كما يضيفون اليه رابعة بعض التوابل والشعرية فيكتسب لونا ومذاقا جديدا الى حد ما , لكنه بالاساس وفي كل الحالات , في الاولى ومايليها, هو هو نفسه البرغل ايا كان شحمه او لحمه. اتذكر هذا كلما وقع نظري على مقال جديد , يُكتب ويُنشر هنا وهناك حول موضوعة الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري , فأجد نفسي امام وجبة برغل اخرى تختلف عن سابقتها كما تختلف وجبات برغل ذلك الصديق العزيز. يكتب البعض عن الحكم الذاتي وكأنه يكتب عمودا , مدفوع الثمن , يجد نفسه مُجبرا على كتابته , او كأنه يُسقط فرضا يرى او واجبات الوفاء تتطلب ذلك , محاولا ذر الرماد في العيون , أملا من خلال ماكتب ان يحوز على براءة ذمة من وليً النعمة , بل يذهب قلم لامع وموسوعة تراثية قيمة الى حد إرغام الاخرين على القبول بان يُحقنوا بوجبة البرغل تلك فلايكونوا من اصحاب ( الوجوه المصخمة  التي تنعق في المسيرة )! بينما اعتاد اخر ان يقدم وجبته تلك بين اونة واخرى تحت عناوين مختلفة وقد حشا فيها , في كل مرة , مالذً وطاب من اعشاب استطاع جمعها من هنا وهناك , بل راح ( يتدلل ) علينا ويهددنا بانه سيقدم وجبته الشهية هذه للمكونات الاخرى من الاخوان الشبك والايزيدية اذا لم نتعجل امرنا ونجلس امام ( منسفه ) ونضرب بالخمسة ! الحكم الذاتي بالنسبة لهم وجبة , هم وحدهم طهاتها ومن يملك تحديد شكلها ومقاديرها , هم فقط ( الشيف أسامة ) فيها , اما الاخرون فليس لهم سوى هضمها , اما ملاحظاتهم عليها لتطويرها فتدخل في اذان الطهاة اليمنى لتخرج سريعا من اليسرى , جريا على قاعدة ( تريد غزالا , خذ ارنبا , وتريد ارنبا , خذ ارنبا ) , هذا إذا خرج صاحب الملاحظات بملابسه سالما ولم يُصنف بسبب ملاحظاته تلك في خانة خونة الشعب والامال والاهداف!

اكثر من عام ونصف مرً على انطلاقة الدعوة الرسمية من قبل السيد سركيس اغاجان لتحقيق الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري , وها هو عام يمضي على انعقاد مؤتمر عنكاوة , وخلال هذه الفترة شهد شعبنا محطات مهمة تمثلت في حوادث الانتهاكات و الاعتداءات التي اصابته , تهميشا او تهجيرا او اختطافا او قتلا , واخرها الحادث المروع الذي اصاب موكب الحبر الجليل المطران فرج رحو والذي ادى الى استشهاد ثلاثة من مرافقيه فيما لايزال مصير المطران الجليل مجهولا , كما ان الكثير من المراجع الدينية والفعاليات السياسية والاجتماعية , المنظمة و العفوية , قد اختار خلال هذه الفترة مناسبة ما ليدلو بدلوه ويرمي بوجهة نظره , تلميحا او بشكل مباشر , في الحكم الذاتي بشكله المطروح . ليس تجنيا او مبالغة , عندما نستنتج ان كل ما تقدم يُظهر بشكل جازم تقاطعا الى حد ما ,  نادرا في الهدف وغالبا في الية التطبيق , بين وجبة الحكم الذاتي كما قد حددها طهاتها وبين ماينبغي اخذه بنظر الاعتبار, على اساس الظروف الموضوعية ومصلحة شعبنا , وبالتالي الدعوة الى اعادة معايرة هذه الوجبة لتكون ملائمة لذوق الواقع وجمهورها. ان السيد سركيس اغاجان قد اعترف صراحة في احد اللقاءات بالدور الغير المتوقع والمؤثر الذي لعبه وتلعبه الاطراف التي تُصنًف على انها معارضة لموضوعة الحكم الذاتي بصورته المطروحة , فهل تأمل طهاة الحكم الذاتي , في لحظة مراجعة مع النفس , في مقومات ومصادر قوة تلك الاطراف ( المعارضة )! في وقت تشير كل الحسابات في معادلة الامكانيات الى رجحان حاسم لصالح الطهاة , قوافل من المساعدات وعيادات متنقلة تجوب القرى والمدن ونفوذ رسمي كبير وماكنة اعلامية تغطي كل شاردة وواردة , مقابل امكانيات فقيرة إن لم تكن معدومة. حكى لي احد الاصدقاء كيف ان طارق عزيز جمع ذات مرة العاملين في جريدة الثورة عندما كان رئيسا لتحريرها وقال لهم ( انكم تملكون امكانات هائلة حيث دولة بكاملها تقف خلفكم لكنني ارى ان الناس تتلقف ( طريق الشعب ) بحماس كبير وهي المتواضعة في الامكانيات المادية مقارنة مع امكانياتكم فهل لي بمعرفة السر الكامن وراء هذا ). ترى هل سئل الطهاة انفسهم , وبعد كل هذا الجهد المادي في الاعمار والدعم الاجتماعي الذي لايستطيع اي مُنصف انكار شواخصه , لماذا لم يخرج الشعب لحد الان , سواء في سهل نينوى او في مناطق شعبنا التاريخية الاخرى , زرافات زرافات , في هبة جماهيرية كبيرة وحاشدة مطالبة بالتعجيل في تطبيق الحكم الذاتي على اساس شكله المطروح, اين يكمن الاعتراض او حتى التحفظ في ذلك ؟! , هل حلًل هؤلاء حقا حيثيات مؤتمر عنكاوة وما جرى فيه وما أعقبه , أم ان هدفهم كان فقط البناء على مايمكن الاستفادة منه وما يتماشى مع النموذج المطروح ؟! , هل جلسوا في لحظة تأمل عميقة بهدف استقراء الاسباب التي تترك لحد الان اية شخصية دينية او سياسية او اجتماعية من الساكنين فعلا في سهل نينوى , بمافيها الشخصيات المحسوبة على هذا الجهد او المستفيدة منه , تتحاشى ان تعبرعن حماسها او حتى ان تعلن جهرا عن موقفها المناصر للمشروع ؟! اما نحن المتواجدين في بلدان الاغتراب فان ابسط حقوق الوفاء تتطلب منا ان ننقل الى العلن , وبشكل منصف وعادل لايهاب في الحق لومة لائم , نبض الشارع في الداخل وخصوصا  أنًاته المخنوقة او البالغة الحساسية , لا ان نعمل ( سعاة بريد ) و نلقٍن الداخل رسائل موجهة ! وفي هذا ضربت في الايام الماضية , اخماسا باسداس , تعجبا وأسفا على فتاوي خطيرة يعلم اصحابها انهم  يملكون ثقلا هو استحقاقهم في شعبنا , كونهم اعلام نفتخر بهم جميعا, والاجدر بهم كان ان يُكثروا في العد ويعيدوا مرارا قبل ان يعلنوا ما وصلوا اليه من استنتاجات مصيرية في ظرف يفتقر الى ادنى عوامل الاستقرار. انه لمن الاجحاف والوهم ان نلجأ الى اعتماد الاحتمال الذي اكتشفناه , في ليلة ظلماء بظروفها واحداثها , كحل وحيد لمعادلة , مَرجل لازال يغلي على النار , وهي , اي هذه المعادلة , مفتوحة الاحتمالات ولها جميعا حظوظا في الحل!

ان الواقع في سهل نينوى بعد الاحتلال وغياب هيبة الدولة وسلطتها وتنامي النفوذ الكردي ثم بروز ظاهرة السيد سركيس اغاجان , كل هذا وغيره من العوامل الذاتية والموضوعية , وفي مقدمتها استنفار اهل المنطقة لطاقاتهم وامكاناتهم بشكل يثير الاعجاب والفخر , قد ترك منطقة سهل نينوى تعيش حالة من الحكم الذاتي الشعبي الغير المؤطر رسميا , لكنه يبدو انه بشكله الحالي مقبول اجتماعيا من جميع الاطراف المؤثرة في المنطقة ,سواء كانوا عربا ام اكرادا ام قوميات اخرى تشارك فعليا شعبنا الحياة في المنطقة وتتعايش معه , و يبدو ان شعبنا في سهل نينوى فخورجدا بجهده في هذه التجربة وحريص عليها وعلى تطويرها بالشكل الذي يحقق نتائج افضل , ويدرك ايضا ان ( البرغل ) الذي يقدمه طهاة الحكم الذاتي بالصورة التي يصفونها ويبغون الى تحقيقها ليس وجبة البرغل النموذجية التي قد تعطي طاقة اظافية لجسم شعبنا بل ربما ستجعله يُصاب , لاسمح الله , بالاسهال ويفقد الكثير من وزنه الذي تعب سنينا في بنائه. ان الاستمرار بهدوء في تطوير تجربة الحكم الذاتي ( الشعبية ) هذه عن طريق حث الخطى في البناء المادي والتمكن من المؤسسات الادارية والتشريعية والتعليمية , بواقعها الراهن , واجتذاب رؤوس الاموال من ابناء شعبنا في الخارج , اضافة الى طرق ابواب مؤسسات التعاون والانماء الدولي , جميع هذا متوازيا مع العمل الجاد والمكثف لحث المجتمع الدولي , دولا وحكومات ومؤسسات , للمساعدة في ايجاد شكل ما من الاطار او الغطاء الدولي لتجربة الحكم الذاتي الشعبية هذه , تكون ملزمة بتعهدات من قبل الحكومة المركزية وحكومة الاقليم , كونها ستكون نموذجا خصبا للتطور والاخاء التعايش ووحدة الوطن. ان كل هذا ربما يرسم خارطة الطريق لشعبنا في الظروف الحالية تمكنه من اجتياز حقل الالغام الكثيف الذي يجده امامه . وفي كل الاحوال تبدو الحاجة ضرورية الى جلوس كل المخلصين , ايا كانت أراؤهم , الى طاولة عريضة تجمع الجميع في ( سيمينارات ) منظمة علمية يسودها الحوار الجاد والبنًاء , بعيدا عن المزايدات والمهاترات والاتهامات والتهميش والاقصاء , تكون كلمة ابناء الداخل فيها هي الكلمة الفصل , واراء ابناء الخارج محل تقدير ودراسة وتمحيص بما يؤدي في النتيجة , وبتفاعل الاراء والافكار, الى ايجاد حل عام لمعادلة دور شعبنا ومصيره , يستند هذا الحل الى قاعدة شعبية عريضة تؤمن به قلبا وقالبا ويتحمل الجميع كامل المسؤولية في تنفيذه كما في نتائجه . 





58
ايها المطران الجليل , ألا يكفيهم انهم قتلوك خمسة عشر مرة

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

من جديد , شاة تُساق للذبح وليس لها إلا أن تطلق اهات مخنوقة , مرة اخرى يدفع البرئ ثمن المهزلة وهو ليس له فيها لا في العير ولافي النفير, ماأقسى ان يرى الانسان جهد عقود من السنين وقد بات هباءً منثورا , ما أفضع ان يرى نبتة الحب والسلام التي زرعها بيديه الطاهرتين , واستمر يرويها , يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وسنة بعد سنة , املا في ان يتفيأ بضلالها كل الموحدون وعشاق السماء والارض , وقد تحولت في لحظة مشؤومة الى غابة موحشة , يحصد منها دما وموت ! الحبر الجليل المطران بولس فرج رحو , رسول السلام في القرن العشرين ومابعده , اختار ان يسير في الازقة والطرقات , يجول يصنع خيرا , مع الجميع بالوانهم ومذاهبهم واديانهم وقومياتهم , توًلع عشقا في مهنة صيد الناس ليجعلهم طعاما لله ولتكون كلمة الحياة خبزا لهم , يدعو نفسه قبل الاخرين الى التوبة وعمل الصلاح , يشعر بالفرح حد الثمالة عندما يستطيع ملامسة دموع الخطاة, ينادي الجميع بل يتوسل اليهم , أن كُفوا عن إجبار المسيح ( له المجد ) على الصعود , مع كل خطيئة ومعصية , الى خشبة الصليب من جديد , انه صوت صارخ في برية الموصل وفي كل مكان , ان قومِوا طريق الرب واجعلوا سبله مستقيمة.

اي كابوس احمق هذا , اية محنة هذه ان تُقتل الخراف والراعي المسكين يشهد الحدث , لايملك ان ينطق ببنت شفة , بل انى للكلمات ان تخرج وهي ترى بين الايادي هذا الحصاد المرير , حصاد لم يخطر في البال والحسبان , لايتفق مع كل الحسابات , بل انه الاستثناء الذي اصبح قانونا في زمن اللاقانون. يقينا ان هذه المحنة هي لحظة فاصلة في الزمن والحياة على المستوى الشخصي ومن المؤكد ان المطران الجليل , وبعد ان ينشر الله نوره في نفوس خاطفيه ويُفك اسره , سيعود ليختصر حياته ومسيرته بمرحلتين تاريخيتين , قبل الاختطاف وبعده , كما ان شعبنا يجب ان يراجع الذات ويعيد الحساب على اساس ان هذه العملية ومثيلاتها هي محطات فاصلة ليس لرد الفعل الاني على الحدث فحسب , بل لاعادة تعيير البرامج والخطط وقبل ذلك الذات لكي نكون جميعا بمستوى التحديات .

سمير ورامي وفارس , ثلاثة براعم لم تعمل في السياسة ولم تحضر اجتماعات مجلس النواب ولم تتمتع بامتيازات اعضائه , بل اختارت حضور صلاة درب الصليب وطريق الالام . لكل من هؤلاء الشهداء الثلاثة , ثلاثة اطفال بعمر الزهور حكم القدر الاحمق عليهم ظلما بالشيخوخة المبكرة , لان الانسان يبقى طقلا حتى يفقد احد والديه فيدخل مرحلة الشيخوخة دون استئذان ولاسمة دخول , إذن تسعة زهور تم تحطيمها , مضافا الى ذلك الثكالى امهاتهم , قرينات الشهداء الثلاثة , الناتج خمسة عشر ضحية , بعضها اصبح اشلاء والاخر محطم حتى الموت , هذا اذا بقينا في الدائرة الضيقة جدا ولم نتجاوزها الى الدائرة الاكبر , حيث الام التي ينزف قلبها دما , والاب الذي تقوس ظهره والاخ والاخت والصديق والمحب وكل الحزانى لاخوة في الانسانية والدين والوطن قضوا دون ذنب او جرم .

يامطراننا الجليل , يا ابينا يعقوب , قلوبنا عليك تقطر حزنا وانت ترى , ابنائك الروحيون , ( يوسف ) بالعشرات  يُرمى في البئر, لكنك كما عرفناك ستبقى تؤمن انهم ليسوا اخوة يوسف الحقيقيين , فاؤلئك يعرفوك جيدا وتعرفهم جيدا , معهم اكلت وشربت ,  خرافك وخرافهم كانت دوما وستبقى في مرعى واحد , لايفرق الذئب وبنات اوئ  بينها فلطالما امتزجت الدماء في ليالي الغدر ,فرحت لفرحهم وحزنت لحزنهم , يتذكرك الجميع كيف تعشق ان يمتزج ايقاع الناقوس مع صوت الاذان تكبيرا وتمجيدا للخالق العظيم.

وانتم ايها الكلدان , ايها الاحبة الاقرب الى النفس من حبل الوريد , يا اهلنا واخوتنا في الحسب والنسب , كُتب عليكم ان يكون نصيبكم القدح المعلى في سقاية شجرة الاصرار على الوجود , وكُتب علينا ان نفخر بكم قياما وقعودا , مع الصباح وعند الاصيل.
وانتم ايها الخاطفون , لقد انجزتم المهمة وقتلتم شيخنا الجليل عشرات المرات وجعلتم ظلما الموت ظله , حتى يشاء الله امرا كان مكتوبا , وهو ابن ورسول للحياة , فما نفعكم بالمزيد.
الملايين في مشارق الارض ومغاربها , شعوبا وقبائل واجناس مختلفة , مسلمين ومسيحيين وديانات اخرى , تطمع في ان تكحل اعينها برؤية الشيخ والحبر الجليل , فتمسح بعض دموعه تعبيرا عن الوفاء فهل ياترى يصل هذا النداء .



59
التجربة الكردية – جسيم في داخل صندوق

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

اكثر الفيزياء إثارة هي الفيزياء الحديثة وأحلى مافي الفيزياء الحديثة هي فيزياء الكم , حيث يهيم المتابع بسلوك الجسيمات  ,المتناهية الصغر, في عالم تحكمه بدقة قوانين صارمة , بشروطها , مثيرة بنتائجها , فيقف الانسان مثلا مذهولا امام اهتزازات المتذبذب التوافقي البسيط وقد حكم عليه الميكانيك الكمي ان يبقى يهتز ذهابا ورجوعا الى , ماشاءالله , لانه يمتلك في ادنى الاحوال طاقة الصفر المطلق  والتي لاتساوي باي حال من الاحوال صفرا عدديا , بل تعادل في قيمتها نصف مقدار تردد المهتز مضروبا في ثابت بلانك . ترى هل يصح ميكانيك الكم في السياسة ؟! , هذا هو التساؤل الذي ستحاول السطور ادناه الاجابة عليه من خلال ايجاد تطبيق للتجربة الكردية استنادا الى مفاهيم الميكانيك الكمي.

احدى التطبيقات المثيرة لميكانيك الكم هي حالة الجسيم المحصور في داخل صندوق, بمعنى ان لنا ان نتصور جسيما يتحرك في حيز محدود هو عبارة عن صندوق بابعاد محددة ذو جدران صلدة , وهكذا يبقى الجسيم يسبح في هذا الفضاء ويحاول عبثا فيضرب رأسه بجدران الصندوق املا في النفاذ ولكن دون جدوى , فيعود مرة اخرى وهكذا مع الجدار الاخر في عملية متكررة. و استنادا الى قوانين الميكانيك الكمي فان وصف الدالة الموجية لهذا الجسيم وبالتالي كثافته الاحتمالية , اي احتمال تواجده في داخل الصندوق وخارجه , يشير الى استحالة تواجد هذا الجسيم خارج الصندوق طالما ان الشروط العيارية لهذه المسالة تتطلب ان تكون الطاقة الكامنة مساوية الى الصفر في داخل الصندوق والى المالانهاية في اية نقطة خارجه. من جهة اخرى سيمتلك هذا الجسيم مستويات للطاقة تتناسب مع مربع العدد الكمي وكلما زاد عرض الصندوق اصبحت هذه المستويات اكثر اقترابا من بعضها فتكوٍن طيفا مستمرا. تجربة اقليم كردستان في العراق هي اشبه ماتكون بحالة هذا الجسيم المحصور في حيز معين والمسموح له بهامش من الحرية في الحركة في هذا النطاق بما يتيح له تحقيق وبناء مستويات للطاقة ترتفع على شكل بناء مادي , لكن هذا الجسيم يرتطم في كل مرة بالجدران التركية والايرانية والسورية والعراقية كلما حاول الضرب بقوة محاولا النفاذ الى مساحة اوسع , بل ان لوحة التحكم الامريكية لازالت تقف في لحظة الحسم لتوعز لاصحاب الجدران الاقليمية بتصليد طبقة الجدران منعا لهذا الجسيم من اية فرصة للنفاذ .

ان القيادة الكردية تدرك جيدا ان الخطورة بالغة على مصير هذا الجسيم اذا بقي محصورا في صندوقه المحدد هذا , كما ان معطيات الواقع , وخاصة لمرحلة مابعد الاحتلال , تثبت بشكل حاسم ان محاولة القيادة الكردية لتحقيق اختراق في حاجز الجهد باتجاه الجدران العراقية على اعتبار انها اكثر الجدران رخوة ليس الطريق الامن لانجاز معادلة دائمة للجسيم في مناطق جديدة , طالما ان الشروط العيارية لهذه المعادلة ليست مبنية على اسس صحيحة تكفل استمراريتها , بل من المحتمل جدا, و في اجواء عدم الثقة والاستقرار هذه وفي مناخ يتحكم فيه مبدأ اقتناص الفرصة والانتقام للموقف ان تنعكس الشروط العيارية تلك مرة اخرى فتنهي معادلة موجته في هذه المناطق الجديدة , بل تعيده الى الحركة في حيز قد يكون أضيق مساحة من الحيز الذي كان يتحرك فيه قبل اختراقه لحاجز الجدار هذا .

ان الحملة التركية الاخيرة المتمثلة في توغل الجيش التركي في الاراضي العراقية بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني تؤكد بما لايقبل الشك ان اطرافا دولية وعلى راسها الادارة الامريكية تشترك في النظرة مع الاطراف الاقليمية والمحلية الاخرى , حيث ترى هذه القوى جميعا ان ( ثوب كوسوفو ) لازال في الوقت الراهن , وبالاخذ بنظر الاعتبار جميع الطموحات الكردية المعلنة والمبطنة , لايتلائم مع مقاساته ليكون صالحا ومقبولاعلى جسم اقليم كردستان في العراق. وهكذا تشير وقائع الاحداث الى ان الجسيم الكردي سيقضي , في اكثر النتائج تفاؤلا , فترة زمنية اخرى محددا في حركته دون ان يعني هذا انه سيقضي هذه الفترة بهدوء تام , بل تبدو رائحة الرغبة العنيفة من اغلب القوى السابقة تفوح باتجاه العمل على ضرورة ملاحقة هذا الجسيم وترويض حركته وتقنين دالة موجته وبالتالي كثافة احتمال تواجده حتى في منطقته التي يحاصر فيها,  هنا يجب الاشارة في نفس الوقت الى القيادة الكردية تدرك جيدا وتعي هذه الرغبة وتمتلك حاسة شم قادرة على تمييز رائحتها.


لقد اعتقدت القيادة الكردية , خطأ , ان التصرف بدهاء في لعبة السياسة , بهدف اقتناص الفرص فيها , كفيل بان يترك باقي اطراف اللعبة يؤمنون بنتائجها و يتصرفون على ضوء ذلك بما يتيح للجسيم الكردي انسيابية مشروعة , كاستحقاق , في عبور حاجز الجهد , ايا كان حاجز الجهد هذا , لكن هذه النظرة وهذا الاعتقاد تصطدم بخلفية فكرية مترسخة في ذهن اغلب الاطراف الاقليمية ان لم يكن جميعها تتمثل في انكار حق هذا الجسيم الكردي في تحقيق اي اختراق , ان لم يكن الشك اصلا في حقه الاساسي في الحركة داخل صندوقه المقفل , بل ان بعض الاطراف لاترى في الاداء الكردي بعد الاحتلال اكثر من كونه عملية ابتزاز واضحة حينا ومخفية في حين اخر وهي ,اي هذه الاطراف , تتحين الفرصة لتمارس الاسلوب نفسه ولكن في الاتجاه المقابل .

ربما تكون الاحداث الاخيرة درسا امريكيا للقيادة الكردية , رغبت الادارة الامريكية ان يتولى ايصاله بالنيابة الوسيط التركي والعراقي , من اجل ان تعيد هذه القيادة النظر في حسابات حركة الجسيم الكردي ومناطق نفوذه ورسم دالة موجته بما يتلائم والخطة الامريكية للمنطقة و يترك الباب مفتوحا للادارة الامريكية لتسوٍق دوليا ( عروسا ) رسمية اخرى الى الامم المتحدة على غرار كوسوفو بعد ان تكون قد ضبطت الى حد الملم مقاسات ثوب زفافها.


60
هل في قناة عشتار, زوعا والاخرون رِجسُ من عمل الشيطان

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كان الشاعر الراحل الكبير نزار قباني قد أخبرنا في احدى قصائده بانه لاتوجد منطقة وسطى بين الجنة والنار, كتنبيه  ربما الى حتمية اختيار موقع ما والتواجد فيه واستحالة الجمع بينهما , لا ادري إن كان الشاعر الكبير قد بنى حكمه هذا بناءً على مشاهدة عينية عملية اتاحتها له زيارة مكوكية ليلية خاطفة لمواقع المنشأتين ومابينهما , أم انه وضع هذا الحكم استنادا الى اجتهادات وتحليلات فكرية. على اية حال لو كان الله , جلً جلاله , قد منح شاعرنا الكبير طول العمر حتى زمننا الحاضر وشاءت الاقدار ان يعرف احوال شعبنا الكلداني السرياني الاشوري واداء اجهزته الاعلامية وتمعًن تحديدا في سلوك عشتار , قناة وموقعا الكترونيا, لقررربما تخصيص قصيدة ملحقة بالقصيدة السابقة لتعالج الحالات الشواذ في القانون الذي جاءت به القصيدة الأم , وربما كانت ( القصيدة الملحق ) تحمل عنوان ( قناة عشتار- قدم في الجنة واخرى في النار )

شهدت المواقع في الايام الماضية سيلا عارما من المقالات , تلفت النظر في كمٍها , وهي تعالج الاحداث التي جرت في العراق في الثامن من شباط عام 1963, وأبدع اساتذة افاضل في وصف تلك الاحداث تفصيلا وبالاسماء , ونجد انفسنا , نحن الذين لم نعي تلك الفترة بتفاصيلها معايشة بسبب السن , مُجبرين على تقديم واجب الشكر لهم لانهم أغنوا ذاكرتنا بمعلومات ودروس وعبر كبيرة , بالرغم من ان بعضا من تلك المقالات كانت واضحة في عدم اعتمادها الحيادية التي تتطلبها شروط التقييم العلمي الرصين للمرحلة التاريخية , مع عدم اغفال حق اصحابها في التعبير عن مشاعرهم ووصف الالم والاذى الذي لحق بهم نتيجة افعال وتصرفات خاطئة بل ترقى الى مستوى الجريمة , وهو حق الجميع دون استثناء , ايا كان الضحية وأيا كان الجلاد . ولكن هل يجوز دائما ان نبقى ننتظر اكثر من اربعين سنة حتى تنفتح قرائحنا ونشعر بالحاجة الى تشريح تلك المرحلة , هل اصبحت عقولنا لاتتفاعل مع المتلقى واقلامنا  تأبى ملامسة اوراقها , حالها حال دار الوثائق البريطانية , قبل ان تمضي عقود من السنين ؟!. مافائدة ان نصف ظلام الامس ونلعنه ونرضى بظلام اليوم او نسوِق له الان ونؤجل ساعة لعنه الى حين ؟! ألا يعني هذا ان نفس المأسي ستتكرر وذات الدورة ستدور؟! من جانب اخر يحرص البعض على ان يتجاهل الخشبة التي في عينه ويعلن في ذات الوقت للملأ نبأ اكتشافه العظيم او مايصفها بالفضيحة الكبرى حيث بعينه تلك التي تتربع فيها الخشبة قد وجد القذى في عين اخيه , الى متى نبقى نغض النظر عن الذي يبيعنا بالجملة ونحشد الجهد باتجاه من يحاول بيعنا بالمفرد ! ان هذا البعض يغمض عيناه عن مزرعة من القطط تلهو وتمرح وتسمن في العمارة التي اصبح جزءا منها ويسدد على مايعتقد انها فأرة , قد تظهر فجأة كطفرة وراثية , في دار جيرانه! ان المسؤولية الاخلاقية كما ان مأسي التاريخ تفرض على كل قلم نبيل ان يلعن الظلام في داره وعند جاره , هنا وهناك , ظلام اليوم كما ظلام الامس فيكون امام معادلة متوازنة صحيحة.

لدينا في موقع برطلة , واعتقد ان ذلك موجود في اغلب المواقع , برنامج للحماية الذاتية لصيانة الموقع من العبارات والكلمات المخدشة للاداب العامة, بمعنى ان بعض الكلمات تسقط تلقائيا في لحظة الارسال, وقد يحدث ان تكون بعضا من تلك الكلمات ذات ( استخدام مزدوج ) , جاء قبل ايام زميل واخ عزيز, بدأ يشارك بكتاباته القيمة في منتدى الايمان الذي يعالج مواضيع وافكارا دينية صرفة , يعاتبني لانه ارسل موضوعا دينيا عن قصة سمعان الشيخ وتقديم المسيح  ,له المجد , الى الهيكل , حيث حاول هذا الاخ العزيز مرارا مع عبارة ( فرخي حمام ) التي يرد ذكرها عند الحديث عن هذه المناسبة ويجد ان كلمة ( فرخي ) تُحذف في كل مرة , لقد اعتقد ان للمشرفين يد في حذف الكلمة وعندما اوضحت له ان المسألة في البرنامج وليس للمشرفين دخل بالموضوع كان صريحا في عدم اقتناعه بالتفسير واتفقنا معا على ضرورة ان تكون هنالك  معالجة لمثل هذه الحالات . وخطر في بالي ان اتساءل , هل يوجد مثل هذا البرنامج في عشتار ( قناة وموقع ) بحيث ان زوعا واخرون يسقطون الكترونيا كما سقطت كلمة ( فرخي ) في موقع برطلة! . من الطبيعي ان لايكون القصد هنا هي الاسماء المجردة فقط بل القصد هو التعامل مع الاخر بغض النظر عن ارائه وافكاره طالما تدعي قناة عشتار انها خيمة الجميع التي يحق ان يتفيأ بضلالها ( الصالحون والطالحون ). ان قناة عشتار تقدم احيانا برامج وحوارات مع شخصيات مختلفة يمتلك بعضها افكارا ربما هي غريبة على شعبنا , نظرة وواقعا ومستقبلا , ناهيكم عن انهم على الارجح ليسوا متحمسين لحصول شعبنا على الحكم الذاتي بل ربما لهم اراء تخالف ذلك. في الوقت نفسه لم يحدث ان قدمت عشتار ضيفا من شعبنا , ومن زوعا على سبيل المثال, علما بان اغلب المنصفين لاينكرون تضحيات هؤلاء ودورهم في مسيرة شعبنا ويشيرون بنظرة نقدية موضوعية الى ايجابيات الدور و سلبياته. ألا ينتظر شعبنا من عشتار ندوة مثلا مع السيد يونادم كنة او السيد ابلحد افرام  فتكون عند ذاك عشتار حقا وجها لوجه مع اسباب تأسيسها المعلنة وهدفها وغايتها وربما تساعد شعبنا في وضع قدمه على الطريق الصحيح , حتى وإن اختلفت الروئ ؟! إذا كانت القناة قد وجهت الدعوة لهم ورفضوا فتلك مسألة يجب ان يطلع عليها شعبنا فيتمكن من تحديد الجهة التي تضع العربة امام الحصان , وإن كان ظهورهم في عشتار قد ارتبط باستيفاء بعض شروط الامان كالتواجد اولا في دار ( ابي سفيان ) والحمد والشكر على الوجبة المقدمة دون امتلاك حق التعليق حتى على كمية الملح والبهارات فيها فمن حق شعبنا ايضا ان يعرف حيثيات ذلك لانه في النهاية سيكون هو , كمسيرة ودور ومصير , من يدفع ثمن ألام المعدة . لقد كتبت سابقا عدة مقالات في مدح اداء عشتار و جهد السيد سركيس اغاجان حيثما كنت اجتهد في ان ذلك الاداء والجهد يصبان في مصلحة شعبنا , وكنت اتعمد ( حِرشة ) في ارسال تلك المقالات الى موقع زهريرا لارى رد الفعل وكان الفخر يغمرني عندما اراها تزين صدر الموقع دون ان يمس مقص الرقيب حرفا منها. من جانب اخر يصاب الانسان بخيبة الامل عندما يتابع اداء عشتار ومايلمس من رغبة غير مبررة في تهميش واقصاء الاخر سواء كان ذلك في انتقاء المقالات اوالاخبار اوالاحداث , بل وحتى ( الدقة المتناهية ) في اختيار الصور التي تغطي تلك الاحداث ومنها على سبيل المثال صور وقائع تنصيب غبطة الكاردينال. ان الشخصيات البارزة التي كان لها الفضل الكبير في انجاز مؤتمر عنكاوة وبالتالي شرعنة نتائجه اصبحت ماتنفك ان تكرر داعية في كل مناسبة الى ضرورة احترام الاراء ووجهات النظر التي يمتلكها الاخرون تجاه قضايا شعبنا وخصوصا موضوعة الحكم الذاتي واعتبار هذا الاختلاف ظاهرة صحية يمكن ان نحقق منها فائدة كبيرة.

انها تمنيات خالصة في ان تعود عشتار لتكون كما كان شعبنا يتمنى مفتوحة للجميع , صوتا حقيقيا لشعبنا الموحد , تؤدي دورا مؤسساتيا , واعية في تقديمه كشعب وقضية , لاتتوهم بالفلاح عندما تتجنب البعض اعتقادا بانهم رجس من عمل الشيطان , وتصبح بالتالي ساحة يسرح فيها الطبالون ويمرحون ,اؤلئك الذين يحسنون هز الرؤوس وإبقاء العيون مفتوحة صوب الهريسة.

61
سهل نينوى وجولة الصراع العربي الكردي المرتقب

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ترى, هل دخل السيناريو السياسي العراقي , الشبيه بالمسلسل المكسيكي المدبلج , فصلا جديدا لايقل اثارة عن الفصول السابقة ؟! , هل اعطت الادارة الامريكية ومعها دهاليز السياسة المؤثرة على الساحة العراقية الضوء الاخضر لتهدئة النار تحت قدر الحرب الطائفية المذهبية لصالح دفع حطب اضافي تحت قدر الصراع القومي ؟! هل  وصل بعض السياسيين العراقيين الى الاقتناع بضرورة اعلان هدنة مؤقتة في الصراع الطائفي المذهبي بعد ان وجدوا انفسهم يلتقون على هدف مشترك يتمثل فيما أطلق على تسميته ( بتحجيم الدور الكردي )؟ . يبدو ان الحراك السياسي على الساحة العراقية في الاسابيع الاخيرة يتجه بهذا القطار الى محطة جديدة تشهد مغادرة ركاب قدامى وصعود اخرين جدد , حيث تشير الانباء الى محاولات لتأسيس تحالفات جديدة,  فتتكلم التقاريرعن اسماء مرشحة للدخول في هذه التحالفات دعما للحكومة العراقية الحالية ورئيسها السيد نوري المالكي كانت حتى الامس القريب تضع نفسها على المرفأ المقابل لها , كما تتداول نفس القارير فجوة تتسع يوما بعد يوم بين الحكومة المركزية والقيادات الكردية في اقليم كردستان , وهكذا , اذا صحت هذه التقارير والانباء , نكون امام مرحلة جديدة من حيث احداثها وافرازاتها ونتائجها, ربما تمثل الاهم بالنسبة لشعبنا كون ثقل مهم فيه قد يكون احدى ساحات الصراع والمساومة الرئيسة فيها.

بداية يجب التنويه الى الاعتقاد بصعوبة الاحتمال في ان تلعب هذه التحالفات الجديدة دورا ايجابيا , تكتيكيا او استراتيجيا , يؤدي الى استكشاف شعبنا ووطننا , كوحدة متكاملة , ضوء نهاية النفق فيتمكن من استشراف المستقبل باهدافه التي يتمناها كل مواطن غيور, لان اطراف هذه التحالفات تتقاطع مع بعضها البعض كليا او على الاقل الى حد كبير في الارضية والرؤى والافكار والاهداف , بل ربما تتملك البعض منها عقدة فقدان الثقة بل الحقد والعداء الشخصي تجاه بعضها البعض , لكنها وجدت نفسها في فجأة من الزمن يجمعها هدف واحد او انها اكتشفت ان مشكلة العراق الوحيدة تكمن في تعاظم الدور الكردي , وهو نفس الخطأ القاتل الذي ارتكبته المعارضة العراقية السابقة , والتي يتولى بعضها مواقع السلطة الرسمية حاليا , حين اتفق ذلك اللملوم المختلف والمتناقض في كل شئ , على هدف وحيد هو اسقاط النظام , مبررا لهذه الغاية كل الوسائل , فقاد غياب المشروع الوطني المتكامل الى دخول الوطن في جزء اخر من النفق المظلم لايقل ظلمة عن سابقه , إن لم يكن اكثر مرارة وقسوة. اضف الى ذلك , فان حشر الاكراد في الزاوية الضيقة لن يؤدي  إلا الى فرصة اكبر لترعرع الشعور القومي الشوفيني المتطرف الذي سيجد في هذا الفعل مناخا نموذجيا لكسب تعاطف قاعدة اكثر اتساعا يصبح من السهل تنظيمها لتكون رد فعل بنفس القوة وبالاتجاه العاكس , ناهيكم عن ان الكثير من الاطراف التي تشكو اليوم من تعاظم الدور الكردي تتحمل هي نفسها سبب ذلك , بسبب الازدواجية الغير المبررة التي اتسم بها تصرفها السياسي مع الجانب الكردي خلال المرحلة السابقة حيث تؤمن وتضع هذه الاطراف , في سرها , حدودا للدور الكردي ومساحة نفوذه , وتداهن وتراوغ وتساوم وتقطع الوعود في الوقت نفسه لغايات سياسية رخيصة فتشرعن او تعلن موافقتها , لضرورات المرحلة , على مواد وقرارات ليست  هذه الاطراف صميميا مقتنعة بها.

ان نقطة الخلاف الجوهرية بين الجانب الكردي والاطراف المقابلة المحسوبة على الجانب العربي لاتكمن بالاساس في الملفات الشائكة موضع الخلاف المتمثلة في درجة استقلالية الاقليم وتأثير المركز عليه و تقسيم الثروة و عقود النفط ومعضلة كركوك والمادة 140 الخاصة بهذه المدينة والمناطق الاخرى المتنازع عليها , بل ان نقطة الخلاف الجوهرية تكمن اساسا في الصراع المستمر بين الطرفين على تقاسمهما لدوري القطة والفأر في اللعبة بينهما , فبينما يرى الجانب الكردي ان لعبة القط والفأر قد دخلت في زمن النظام السابق هدنة غير معلنة لسنوات عديدة بسبب الظروف الاقليمية والدولية , ولذلك فان رعاية المعارضة العراقية السابقة والدور الكردي في عملية اسقاط النظام مضافا اليه الشعور بالغبن والحيف والنظرة الدونية المتراكمة منذ عشرات السنين , كل هذا يعطي للجانب الكردي حقوقا اضافية بعد اسقاط النظام تتراوح بين دور يتناسب مع هذه العطيات متجاوزا تلك الهدنة ليمتد في ظروف الفراغ الناتج بسبب التناحر الطائفي ليجسد دور القطة الكردية التي تجيد استثمار الفرص لمحاصرة طريدتها , صحيح جدا ان القطة الكردية لاتنوي التهام فريستها كليا , بل تحرص دائما على الالتزام بقواعد اللعبة وتسجيل النقاط . من جانب اخر يرى الطرف المقابل ان فقدانه لدور القطة هو امر غريب لم يعتاد عليه سابقا ناهيكم عن الشعور الاضافي بالحركة المقيدة امام الزحف الدائم للقطة الجديدة حيث ان هامش هذه الحركة المقيدة هو في تقلص مستمر, مما ينمي الرغبة في البحث عن منفذ , ولايجد البعض حاجة لاجهاد النفس في البحث عن تلك المنافذ الجديدة بل يرى ان المنطق والحل يكمن في اعادة تبادل الادوار لتعود كما كانت في السابق حيث المركز هو القطة. اننا نعتقد ان هذه ,  وفي اجواء انعدام الثقة المتجذرة و المستديمة , هي اساس المعضلة بين المركز والاقليم  وتبقى ملفات الخلاف المشار اليها سابقا انعكاسا لها.

عندما نتكلم عن جولة جديدة من الصراع القومي العربي الكردي فان ذلك لايعني بالضرورة ان هذا الصراع سيأخذ طابع الاقتتال الدموي , خاصة اذا كانت الادارة الامريكية والاطراف الاقليمية المؤثرة لاتسمح بان يصل الصراع الى تلك الدرجة , لكنه من المؤكد سيكون صراعا سياسيا قائما على المساومة في تلك الملفات وفق صفقة ( شيًلني واشيًلك ) , وعلى هذا الاساس ستكون منطقة سهل نينوى احدى الاوراق على مائدة المساومات تلك. من الطبيعي ان يصنف كل طرف اوراق المساومات التي يملكها ويرتبها ويقرر حرقها او الاستغناء عنها تبعا لاهميتها, وهنا نرى احتمالان لاثالث لهما . الاول , يتمثل في عدم قدرة الجانب الكردي على الحصول على اية مكاسب في الاوراق المهمة الاخرى , مثل كركوك , مما يدفعه الى القبول بعروض تعويضية قد يكون سهل نينوى أحدها , او اقتناع الاكراد بان هذه المنطقة هي ورقة المساومة الرئيسية والاخيرة بالنسبة اليهم . ان هذا الاحتمال ضعيف الى حد ما لسبب واضح يكمن في ان الاكراد يعتبرون كركوك ( قدس كردستان ) ولذلك فالميزان من حيث الاهمية يميل كليا لكركوك بالمقارنة مع سهل نينوى . على اية حال , لو فرضنا حدوث ذلك فانه سيؤدي ربما الى انتعاش اصحاب الامال الداعية الى ضم السهل باقليم كردستان وبالتالي توفر احد الشروط الرئيسة التي يراها الجانب الكردي ضرورية للمساعدة في تحقيق الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري , او ربما سيرى الجانب الكردي عندذاك انه في حِلٍ من الوفاء بوعوده لانه ربح المنطقة عن طريق المساومات السياسية وليس بالمطالبة الشعبية من سكان السهل , خاصة وان ادارة الاقليم لم تخطو لحد الان اية خطوات جوهرية , دستورية اوتشريعية اوتنفيذية , على طريق منح شعبنا الحكم الذاتي , كحجر اساس , في المناطق الواقعة حاليا ورسميا ضمن الاقليم . وفي كل الاحوال , فان تحقق هذا الاحتمال سيؤدي حتما الى ان نعيش سياسة تختلف الى حد كبير , في شخوصها وتفاصيلها , عن السياسة الكردية المتبعة خلال هذه المرحلة الانتقالية .

اما الاحتمال الثاني , وهو الاقوى والاهم والاخطر , فيتمثل في استغناء الجانب الكردي , مُخيرا او مُجبرا , عن ثقل جزئي فعال او كلي من نفوذه في سهل نينوى , ان هذا الاحتمال هو الاقوى لانه أوفر حظا , وهو الاهم لانه يُلقي على عاتق شعبنا ومؤسساته مسؤوليات كبيرة , وهو الاخطر لما قد يفرزه من تحديات جسام , لانجانب الحقيقة اذا قلنا ان الانسحاب الكردي من المنطقة , وفي ظروف تمتلك فيها سلطة دولة المركز هيبة هشة , سيقود الى فراغ امني وحياتي ينبغي الانتباه والاستعداد له , كما ان ذلك قد يؤدي الى خنق المنطقة اقتصاديا كون الاكراد سيمنحون ظهورهم لها وبعض العرب ناقمون عليها , لابل قد تصبح المنطقة ساحة تغري البعض من اصحاب النفوس الضعيفة لاشاعة الفوضى والجريمة فيها استنادا لاعتقاد هذا البعض ان ارتكاب الجريمة بحق المسيحي هو عمل معفي من ( الرسوم الكمركية والضرائبية ) وبالتالي فهي جريمة مجانية. ان امام شعبنا ومؤسساته وبصورة خاصة تلك النخب التي كانت صادقة مع شعبنا ومع الاكراد ومع العرب والاخرين بمواقفها المبدئية المبنية على الرغبة في العيش المشترك ونسج افضل العلاقات مع الجميع تحت خيمة الوطن الموحد , ان امام هؤلاء اولا , عمل شاق ومهمة جسيمة تتمثل في تهيئة شعبنا داخليا واستنهاض روح الوحدة والتماسك فيه للتصدي لهذه التحديات ومجابهتها عندما يُصبح وجها لوجه معها , ثم العمل الجاد لتدويل قضية شعبنا وتسليط الاضواء على واقعه دوليا وبذل الجهد لجذب انظار المجتمع الدولي باستمرار لما يحدث له , حيث ان العامل الدولي له اثار ايجابية , حتى ولو كان ذلك على الامد البعيد , في نصرة قضية شعبنا , كما انه لايخلو من تاثيرات انية تردع الى حد ما محاولات استهدافه. وفي هذا المجال قد يكون الحل الناجع هو البحث عن مظلة دولية تأخذ على عاتقها ضبط الواقع الامني , اذا اقتضت الضرورة , اضافة الى برامج التعاون الانمائي في المجالات المختلفة كالتعليم والصحة والديموقراطية وحقوق الانسان , ومن الافضل ان لاتكون المظلة الدولية من الدول المشاركة في القوة المتعددة الجنسيات , بل من دول تنال احترام جميع العراقيين لموقفها المحايد والمتوازن من القضية العراقية كمجموعة الدول الاسكندنافية وفرنسا على سبيل المثال.

كان زميلي في الجامعة يختم بحوثه وحساباته الفلكية بعبارة ( والله أعلم ) , كما ان اغلب مقدمي برامج الابراج , اليوم ينهون قرائتهم لتوقعات الابراج بالقول ( والعلم عند الله ) . اعتقد ان الشئ نفسه يجب ان يفعله من يحاول الغوص في ( الابراج السياسية العراقية ) كون هذه الابراج قد ذاع صيتها, انها في اغلب الاحيان لاقانون يحكمها ولامعادلة تُحققها , حالها حال طقس أذار.
 

62
  فرحة الاكتشاف وخيبة الامل
تعقيبا على مقال الأستاذ مايكل سبًي

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ليس أجمل من الاعتداد بالنفس , مِن اعتقاد الطالب انه قد اصبح ( استاذ ونص ) , قادرا على ادهاش الاخرين , له كل الحق في ان يرى نفسه ( لؤلوة تكمن بين اصداف المحار ) , لكن بين هذا وبين الوقوع في حبال النرجسية والغرور خيط رفيع أنعم من شعرة الرأس ,مصدر ومخزن الافكار . ليس فخرا ان نكون لؤلوة والاخرين ( فقاعات ) , كما ليس نصرا ان ندعي التفوق ونحن نرى الاخرين كسالى , بل قمة الفخرعندما تُقارن اللؤلوة بشقيقاتها من اللألىء , وعندما ننال الثواب وننتزعه انتزاعا بين جمع من الشطار . ما دفعنا لكتابة السطور السابقة وما يليها مقال نشر في بعض المواقع , ونقلناه شخصيا الى موقع برطلة , الذي نحن جزء من هيئته المشرفة , كتبه الاستاذ الفاضل مايكل سبًي  ,وتحت عنوان ( الدكتور وديع بتي حنا بين الكاردينال والسوفييت في الجنة ) ردا على مقالنا الاخير ( لينين وغبطة الكاردينال وطارق عزيز ) . انه لفخر مابعده فخر ان يرى وديعا وديعا ثانيا امامه , يكسر له الحجة بالحجة , و( يفحمه ) بالمنطق ثم يُصمته بالدليل القاطع , ولكن هذا يتحول الى خيبة امل كبيرة عندما يختار هذا الوديع الثاني , ( الند في الافكار والرؤية فقط ) , اسلحة هو اكثر ترفعا منها , تتمثل في محاولة البخس باشياء الاخرين والنظرة اليهم من الاعلى .

ان على المرء , والكاتب خصوصا , ان يتجنب الخوض في موضوع لاتتوفر لديه المعلومات الكافية عنه , لان ذلك أشبه بالغوص في مياة لايعرف عمقها , فلاتنفع عند ذاك تلك الضربات العشوائية بالارجل والايدي , بل ربما سيقوده ذلك الى ان يسمع عبد الحليم حافظ وهو يصرخ بهدوء ( اني اغرق .. اني اغرق ), وهكذا ليس معقولا ان مقابلة بسيطة في السفارة السوفيتية ومعلومات مسموعة عن الدراسة في بلد السفارة هي كافية ليخرج المرء باحكام حول ذلك , هل يمكن مثلا ان أَقْدم على الكتابة عن ( سدني او ملبورن ) بناءً على دردشة بسيطة تحدث بيني وبين الاصدقاء الذي يسكنون في هاتين المدينتين ؟! , ليس كل الطلبة الذين درسوا في الاتحاد السوفيتي السابق هم خريجو جامعة الصداقة التي يشير اليها الاستاذ الفاضل مايكل سبي , علما بان شهادات تلك الجامعة ومثيلاتها لاتعترف بها العديد من الدول ومنها العراق , كما انهم ليسوا جميعا مبعوثي الاحزاب , بل ان عددا كبيرا منهم قد ذهب حاله حال طالب الزمالات الى الدول الاخرى , فدرس في جامعات البلد الحكومية جنبا الى جنب مع طلبة ابناء البلد وفي اختصاصات علمية وطبية وادبية مختلفة لاتمت للسياسة بصلة , اما مسألة معلمي اللغة وكونهم وكلاء لجهاز المخابرات ( مع الشكر الجزيل للتنبيه على استخدامي كلمة عميل في المقال , ولكن الكاتب احيانا ينجذب لا اراديا وفي غفلة منه الى اللفظ الدارج ) فان ذلك امر طبيعي في نظام شمولي يرى ضرورة في توجيه عدسات مجهره بهدوء لمتابعة الوافدين اليه. تبقى قضية ( صمود الثلوج الحمراء امام الشمس المشرقة ) فتلك قضية أعمق من ان تختصرها جملة في عجالة , ناهيكم عن ان ( اصحاب الشمس المشرقة ) وفي تجارب عديدة , يعيثون فسادا في الارض منذ ان تخلصوا من تلك الثلوج. وارجو ان يسمح لي الاستاذ مايكل سبًي , مع كل الاعتذار له وللقراء الكرام , وهو الذي كرر مرارا في مقاله كلمة ( طارقك وطارقك هذا ) فاستخدم نفس اللهجة بالرغم من انها تثير التقزز , لغرض التنبيه فقط بضرورة اعتماد الدقة في اختيار الكلمات واصول المخاطبة , فقد تأخرت لايام في ارسال مقال قبل فترة بسبب كلمة واحدة تخوفا من ان تُفسد الكلمة المقال بأكمله , فاقول له ان ( بوشك ) محور الشمس المشرقة , ربما يستحق قبل غيره ان يجلس في قفص الاتهام , كونه اجرم ايضا بحق شعب كامل واستباح بلدا عريقا , بالرغم من اننا جميعا نتفق على ان التغيير في العراق كان حاجة وضرورة للعراق شعبا وبلدا.

نعود الى الموضوع الاصلي , اي موضوع طارق عزيز , لنقول ان الغاية الاساسية لمقالنا السابق ليست حياة طارق عزيز الجسدية, طالما نحن نرى ان الرجل قد استلم شهادة وفاته السياسية, ناهيكم عن ان الحديث عن مستقبل الرجل الحياتي البايلوجي ينطلق من مسلمة اقتناع القانون بعدم ثبوت جرم عليه , لكننا نعتقد , وقد اثبتت التجربة , ان الضحايا , وبسبب الرغبة الجامحة في الانتقام انما يقدمون للمتهم او المدان سياسيا هدية مجانية كبيرة عندما يطالبون وباصرار تنفيذ اقسى الاحكام الجنائية فيه , ونقصد الانهاء الجسدي , فيعيدون , ربما دون وعي , بعث الروح السياسية فيه.

 ان الغاية , كما في كل مقالاتنا , هي الرغبة العارمة في وضع قاعدة اساسية لمبدأ قبول الاخر , وتأسيس قوانين جديدة تحكم الية الصراع السياسي , أم اننا سنبقى ندور في نفس دوامة العنف السياسي فنفهم الصراع على انه الانتصار بالاقصاء و التغييب , ان من يريد ان يؤسس لحياة سياسية جديدة عليه ان يقبل بتضحيات هي حتما تضحيات قاسية , اما ان يقول دعوني انتقم لنفسي واخذ حقي اولا , ثم نبدأ في وضع القواعد الجديدة فان ذلك يعني اننا لازلنا وسنبقى في نفس الدوامة . كتب لي احد الاصدقاء الاعزاء رسالة شخصية تضمنت ملاحظات قيمة على نفس المقال ( اي لينين وغبطة الكاردينال وطارق عزيز ) فتذكرت , واعاد تذكيري , بالثمن الرهيب الذي قدمته عائلته الكريمة ثمنا لموقف ورأي لم يتوافق مع توجهات النظام السابق , والدته قُتلت في الشارع , شقيقته وجدته قتلتا ليلا في عملية جبانة خسيسة وهن في ملابس النوم , والده أصيب بجلطة في السجن , نقل الى المستشفى مقيدا بالسلاسل , اسلم الروح على فراش الموت والسلاسل معه , عائلته تشردت بالكامل , تم الاستيلاء على دارهم , ومع ذلك لم يكتب , هذا الجبل من الصبر , حرفا أوكلمة او مقالا حول هذا الموضوع , بالرغم من انه يكتب في مواضيع كثيرة تخص شعبنا , واعتقد , واتمنى ان لا أكون مخطئا , انه لم يكتب لانه يعرف ان العاطفة ستقود يراعه , وله كل الحق في ذلك , فهو بشر وليس ملاك , ومن المؤكد ان العاطفة المشروعة تتملًكه في احيان كثيرة فيتمنى ان يرى من كان سببا في مأساته قد بات جثة هامدة , لكنه من جانب يتذكر انه منذ زمن بعيد يتعاطى السياسة , ممارسة او فكرا , ويعرف جيدا قوانينها حتى وإن كان خصمه قد ضرب كل تلك القوانين بعرض الحائط . وتقول لي انني رُحت اقرأ المقالات في موقع عينكاوة او في غيره , فتوهمت وصرت أتهم كتابها بانهم سياسيون وهم ليسوا كذلك , بل ربما ( فقاعات تطفو على سطح البحار ) كما سطًر قلمك في مقال سابق أردت تذكيرنا به من خلال الرابط الذي أشرت اليه في مقالك الاخير! , ان ( شيرزاد وامثال شيرزاد ) يستحقون ان نرفع لهم القبعة احتراما وتقديرا, انهم سياسيون من الدرجة الاولى بل اساتذة السياسة بامتياز . ثم الى متى تبقى السياسة عندنا مهنة المتاعب والمصائب , الى متى تبقى المرأة عندنا تولْول وتنوح عندما تسمع ان ابنها او زوجها او شقيقها قد اخذ يتعاطى السياسة , اعيش في السويد بعيدا عن العراق ولاتتوقف زوجتي عن تذكيري , قبل كل مقال واثناء كتابته وبعد  نشره , بان السياسة ( خراب بيوت ) , فالاخ العزيز المشار اليه في المثال السابق وبعد كل هذه التضحيات الجسيمة لم يحصل من السياسة على جاه او سلطة , بل نقش على الحجر في الغربة ليشق طريق حياته , بالرغم من انه يملك كامل الحق في ذلك , لان كثيرين غيره ممٍن حصلوا على الجاه والسلطة ليسوا اكثر منه تضحية او افضل منه في المقومات الشخصية , , ربما يقول قائل ان العمل السياسي موقف وليس صفقة تجارية يحصل بموجبها الانسان على جاه او مال او سلطة , هذا صحيح جدا ولكن ذلك لايعني الاستمرار في النظر الى السياسي على انه ذلك الذي وضع دمه في كفه , مشروعا دائما للموت , وقرر ان يغامر بحياته وحياة عائلته و اقربائه , حتى الدرجة التي يقررها الخصم , فيكون في هذه اللعبة امام هذا الثمن الباهض الرهيب ويخرج بمثل هذا الحصاد المرير! , اعرف فتاة سويدية قررت قبل خمس سنوات ولوج عالم السياسة من خلال حزب البيئة , كانت طالبة في الكلية في المدينة التي اسكن فيها وتملك دراجة هوائية وتسكن شقة للطلبة , استطاعت الفوز بمقعد في البرلمان وتزوجت عضوا في البرلمان الفنلندي وانجبت طفلين وهي الان , ماشاءالله , ليس بالسرقة والاختلاس بل بطرق قانونية مشروعة بما فيها ضمانات البنوك , شقق في استوكهولم وهلسنكي و( فلل ) في السويد وفنلندا , اما الدراجة فقد اصبحت تراثا, والسياسة بالنسبة لها , مهنة ومتعة وعالم مثير.

اما اعتراض الاستاذ مايكل سبًي على استشهادنا بقول السيد المسيح , له المجد ,على خشبة الصليب حين نادى الاب طالبا الغفران لصالبيه , بدعوى فارق الزمن و إختلاف المستوى الحضاري لصالبيه من اليهود عن المستوى الحضاري لمن شغل ارفع المناصب السياسية في بلده في القرن العشرين فهو اعتراض تنقصه القوة لسببين , الاول ان جموع المؤمنين بيسوع , بل وحتى غيرهم , يعتقدون ان كلمات لم تكن لتعالج موقفا بعينه وزمنا بتاريخه , بل انها كلمات خالدة تصلح لكل الازمان والدهور , والسبب الثاني يكمن في ان التاريخ البشري لايثبت بشكل قاطع وجود علاقة عكسية بين التطور الحضاري , بشقيه العام والشخصي , من جهة , وبين الرغبة في ارتكاب الاخطاء والجرائم من جهة اخرى , فأروربا دخلت حربين عالميتين وكانت الاكثر تطورا في العالم , كما ان التقارير اشارت الى ان اغلب المتورطين في التفجيرات الارهابية الاخيرة في لندن هم من الفئة ذات التعليم العالي , بل ان اغلبهم ينتمي الى المجموعة الطبية. انني اتفق تماما مع الفلسفة التي تؤمن في ان ارتكاب الخطأ او الجريمة هي لحظة تخدير كامل ( لذات الخير ) لصالح ( ذات الشر ) , ويمكن ان يحدث هذا للحاكم والمفكر كما للفلاح البسيط والاسان الغير المتعلم بغض النظرعن المستوى الثقافي والحضاري , والكثير يرى , كحالة انسانية , ان جميع هؤلاء ( يعوزهم مجد الله ) , دون ان يعني هذا تبريرا لجرائمهم ومناداة بشيوع قانون الغابة. اما المثل عن محاكمة ( ستالين ) وهو في قبره , فان تلك المحاكمة لم تكن إلا محاكمة تاريخية سياسية , وهي الاهم في نظرنا , لان القوانين في معظم دول العالم تنص على اسقاط جميع التهم , من الناحية الجنائية , عن المتهم وبالتالي عدم معاقبته جنائيا بعد وقوع فعل الوفاة والموت.

بقيت نقطة اخيرة , وهي نصيحة اخوية خالصة للاستاذ مايكل سبًي , تكمن في انه اذا كان يرى ان الاخرين قد فازوا بفرص هو أجدر بها وحظوظ هو أحق بها, فلا يدفعه ( غدر الزمان ) هذا , الى ان يضع يده على الزناد ويصوٍب عشوائيا لا على التعيين , ( عامي شامي ) كما تقول عجائز شعبنا.



63
لينين وغبطة الكاردينال وطارق عزيز

د- وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

بينما كنت اقرأ احدى المقالات في احد المواقع فاذا بها تذكرني بمقولة خالدة قالها لينين ( الحقد موجه سئ في السياسة ), وتذكرت معها نقاشا دار بيني وبين مدرس اللغة الروسية اثناء فترة دراستي في روسيا البيضاء ( الاتحاد السوفيتي السابق ) حول الدافع الاساسي لمقولة لينين تلك , حيث تساءلت حينئذ فيما اذا كان لينين يقدم لنا بمقولته تلك نصيحة خالصة هي استنتاج فكري بحت ممتزج بملاحظات ومشاهدات على رفاقه من واقع العمل , ام ان لينين كان بتلك المقولة يُسقط شعورا داخليا ويحاسب النفس ذاتيا على كره مستديم لم يتمكن التخلص منه تجاه رجال الدين انتقاما لمشهد اعدام شقيقه الذي لم يبارح ذاكرته . لم يكن صعبا على استاذ اللغة الروسية ( وهو رجل المخابرات ايضا حيث كان معروفا ان مدرسي اللغة للاجانب هم عملاء لجهاز المخابرات السوفيتي ) ان يحس بان سؤالا ماكرا قد اصبح امامه , فضحك ضحكة ماكرة وقال فقط ( ربما هذا وذاك ) وغيًر بسرعة البرق مجرى النقاش حيث عُدنا الى قواعد اللغة الروسية. وهكذا هي الافكار كما هي الحياة سلسلة مترابطة , فالمقالة ذكرتني بالمقولة وهذه الاخيرة بسلسلة المقالات التي انهالت في الايام الاخيرة على المواقع وهي تتناول موضوعة الدعوة التي اطلقها غبطة الكاردينال البطريرك عمانويل الثالث دلي لاطلاق سراح من لم تثبت ادانتهم , وذكر بالاسم نائب رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز , حيث رأى معظم الاخوة الاساتذة الافاضل الذين كتبوا تلك المقالات غرابة في تلك الدعوة وذات اثر سلبي على شعبنا , بل وجد البعض فجأة نفسه , محكمة كنسية كاملة , اعطت الحكم بتحريم الرجل فانتزعت منه مسيحيته وانتمائه الطائفي , وبالتالي اعطت الاسباب المشروعة في الاستغراب من دعوة الكاردينال الى اطلاق سراحه! وهنا تكمن المفارقة والازدواجية فاذا كان هذا البعض يرى ان طارق عزيز لم يكن مسيحيا او كلدانيا في يوم من الايام بينما يشكك الاخر في مسالة بقائه حتى اليوم على دينه ومذهبه , بالرغم من ان الدين والمذهب هما علاقة ومسألة شخصية كما يفهمها كل العالم المتحضر , فما الضير اذن في ان يدعو رجل دين مسيحي الى اطلاق متهم ( ليس على دينه ) اذا لم تثبت ادانته, والمسيح على خشبة الصليب وهو في قمة ألامه , جلجل بصرخته المدوية المسامع وهو يطلب من ابيه ان يغفر لصالبيه لانهم لايعرفون ماذا يفعلون! ربما هؤلاء الاخوة سيحدًون اقلامهم ويخرجون غدا بمقالات عتاب جديد لغبطة الكاردينال بعد ان سمعوه اليوم من على شاشة قناة عشتار وهو يصلي لاجل الذين قاموا بالتفجيرات الجديدة في كنائس بغداد والموصل , أم ربما لاعقدة سياسية لدى بعضهم مع فاعلي تلك التفجيرات !

لست هنا في معرض الدفاع عن ماضي الرجل ودوره , فمن المؤكد ان مايقال لايخلو من الحقيقة, ولكنني اؤمن ان الرجل السياسي تنتهي حياته بنهاية دوره السياسي , وعلى هذا الاساس يبقى العمر السياسي وليس العمر البايلوجي هو مقياس الحياة هنا , ان كل العوامل ( سقوط النظام , المرض , الشيخوخة ) تشير بما لايقبل الشك ان نائب رئيس الوزراء السابق طارق عزيز قد انتهى سياسيا , ومن الصعوبة إن لم يكن من المستحيل ان تمنح له الحياة فرصة سياسية اخرى , بالرغم من ان اي حكم محايد يمكن ان يرى في ان امكانات الرجل المهنية , كسياسي لتلك المرحلة وليس لغيرها , لاتقل باي شكل من الاشكال بل تتفوق على كثير من رموز السياسة في العراق في الوقت الحاضر . ان السياسي الذي لايكتفي بموت  خصمه سياسيا بل يتعدى ذلك الى المطالبة بموته بايلوجيا عليه ان يعود الى مقولة لينين السابقة ويعترف صراحة بان غريزة الحقد والانتقام تسيطر , ربما بالضد من ارادته , على تفكيره . وإلا قولوا لي مالذي يخسره شعبنا كمجموع , ويخسره كل منا شخصيا لو أطلق سراح طارق عزيز وعاش بايلوجيا فترة اضافية ما , حسب مشيئة الله ؟! أم ان بعضنا بات حريصا كل الحرص على ان تكون له في القصاص حياة ؟ ! وهنا ينبغي على المرء ان يعترف صراحة متجنبا الازدواجية في الشخصية مرة اخرى , حين يُسقط من جهة كل مشاعر الرغبة في الانتقام وينفي من جهة اخرى ان تكون تلك المشاعر تملك ثقلا رئيسيا في حركة يراعه ومايسطره من افكار لان الكثيرين يمتلكون القدرة على تفهم اسباب ذلك , كون الاذى العميق الذي لحق به قد ترك جرحا في صدره , كانت معي , في احدى الدورات  ,أخت عزيزة من الكورد الفيليين , حاصلة على شهادة الماجستير في الكيمياء من السويد , وقد وصلت الى السويد بعد رحلة معاناة طويلة وشاقة ابتدأت عندما رُميت مع عائلتها على الحدود العراقية الايرانية اثناء فترة الحرب في الثمانينات , استنادا الى قرار صدر انذاك بتهجير العوائل التي سميت انذاك بانها تبعية ايرانية , جلسنا نشرب القهوة في الاستراحة , واخذنا النقاش الى السياسة و وضع العراق بعد الاحتلال واخبار القتل والعنف والارهاب , فقالت لي وبصراحة بان كل هذا لايهمها بقدر مايهمها انها ترى في الوضع الجديد إشباعا لغريزة الانتقام التي تتملكها بسبب  المعاناة التي سببها النظام السابق لها , قالت , دون ازدواجية او مجاملة , انها بشر وليست ملاك كما انها ليست سياسية مُجبرة على احترام قواعد وقوانين الصراع السياسي , وهكذا وجدت نفسي ايضا مُجبرا على احترام تلك الصراحة وتقدير تلك المشاعر. لكن الاخت الفيلية لاتكتب في السياسة وليست جزءا من العمل السياسي لان ذلك يعني واجبات وحقوق و ظرفا يتطلب منك في بعض الاحيان ان تجمعك قبة او مائدة واحدة مع خصومك , بل ربما مع قتلة اشقائك وابنائك , كما تجمع اليوم قبة البرلمان العراقي وموائد اجتماعات المنطقة الخضراء وباعتراف بعض الاقطاب فيها.

 ان السبب الرئيسي  وراء الرغبة في المحافظة على حياة اعضاء القيادة العراقية السابقة , ناهيكم عن ضرورة فتح صفحة جديدة من التسامح والمصالحة على قاعدة ( لاتنه عن خلق وتأتي بمثله ) , يكمن في الانتصار للتاريخ المسكين , حيث هؤلاء , متهمين كانوا امام التاريخ أم شهودا له , يجب ان يوثقوا تلك المرحلة بتفاصيلها ومن حقنا , كشعب دفع ثمنها , ان يعرف كل شئ عنها , وليس عدلا ان يدفن , مع انهاء هؤلاء بايلوجيا , اسرار كبيرة يمكن ان تكون دروسا عظيمة تمنع تكرار تلك المأسي في المستقبل. ربما يمتلك الكثيرون قناعة مفادها ان الحلفاء ماكانوا ليحكموا على هتلر بالموت الجسدي لو تمكنوا من القبض عليه حيا.

اما هذه الدعوة , وعلى الرغم من انها شملت جميع من لم تثبت ادانتهم , التي جاءت على لسان غبطة الكاردينال فانها  ليست غريبة ولايمكن ان تحمل لنا اثارا سلبية لانها وببساطة , اي هذه الدعوة , تتماشى حرفيا مع نظام المحاصصة المعمول به بعد الاحتلال والذي اصبح لايتحسس منه احد , بل ترى فيه معظم التيارات السياسية النافذة دليل عمل يجب مراعاته , فعندما تطالب هيئة علماء المسلمين بالافراج عن وزير الدفاع العراقي السابق سلطان هاشم ويفعل النفوذ الشيعي فعله في غض النظر عن مذكرة الاعتقال في حادثة مقتل عبد المجيد الخوئي بحق رجل الدين العراقي الشاب مقتدى الصدر , تأتي دعوة غبطة الكاردينال بحق طارق عزيز سلسة منسجمة مع قياسات المحاصصة ولاتخرق بنودها , اما الذين يرون ان دعوة الكاردينال تعيقنا من لعب دور( المثل ) الذي يُقتدى به على الساحة السياسية العراقية فعلى هؤلاء ان يمعنوا النظر في هذه الساحة مليا فيعرفوا ان معظم لاعبيها اليوم ليسوا ( رسل السياسة ) بل هم تُجارها وهم ( ابناء سوق ) من الدرجة الممتازة يتعاملون فقط مع لغة الارقام والربح والاستحواذ على ما يمكن الاستحواذ عليه , اما ( الامثال ) فهي باقة ورد  ربما , في زحمة التنافس وجولات المساومات , لايجد هؤلاء ( التجار ) لحظة من الزمن للثناء على رائحتها الطيبة.

 بقدر ما يشكل الحساب الجنائي حقا مشروعا للمدان فان العقوبة التاريخية تفوقه باضعاف وهكذا فان الانهاء الجسدي ليس الحل الاوحد لحسم الصراع مع اي سياسي تم اعلان موته سياسيا او حتى المنتكس سياسيا في مرحلة ما , سواء كان من يحمل اسم المسؤول او السياسي هذا هو , سلطان هاشم , او طارق عزيز , او المالكي , او الجلبي , او الربيعي , او علاوي , الى اخر القائمة مع تتابع الزمن. تُرى , هل ستصل النخب السياسية العراقية الى مرحلة من النضج السياسي تتمكن فيها من وضع قوانين متحضرة تضبط الية الصراع السياسي وتكون بمثابة مواد دستورية مقدسة لايصح التلاعب فيها!!

64
عشتار و جورج منصور و سياسة الإقصاء

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

أن تزرع نبتة , او تساهم مع الاخرين , بفعل قيادي , في زراعتها وسقايتها , فتنمو وتكبر , ولاتتذكرك بضلالها فذلك غدر الحياة , أن تناط بك مسؤولية طفل رضيع فتعتني به كأحد ابنائك , تحميه من برد الشتاء , وتقيه من شمس الصيف اللاهبة , فيقوى ويشب , ويحين موعد زفافه , فيطرق ابواب جيرانك , كل جيرانك , ويقدم لهم بطاقات الدعوة  ,ويتجاهل عمدا بابك , ينكرك , مع سبق الاصرار , قبل واثناء وبعد صياح الديك , انت الذي سهرت الليالي تغني له  ( ديللول ) , فذلك تحطيم لكل معاني الوفاء , وشماتة بكل قيم الاخلاص . كان حفل قناة عشتار الفضائية بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاقتها مفاجأة كبيرة للكثيرين , تمثلت في حضور ضيوف , من كل فج عميق , امتطى بعضهم صهوة عشتار في الفترة الاخيرة فتم تتويجه نجما فيها , بينما شهد الحفل في الوقت نفسه غياب شخصيات اخرى , اعتقد انها اجتهدت , اصابت حينا وربما أخفقت حينا اخر , لتقدم لهذه المؤسسة الاعلامية افضل مالديها  ,بل يُعتبر بعضها وفي مقدمتهم مديرها السابق , الاستاذ جورج منصور, ابا روحيا , لها من الناحيتين المهنية والادارية.

 ترى , هل اصبحت قنواتنا الفضائية , حالها حال ثوراتنا , تتميز بقدرتها البارعة في أكل رجالها ؟ أليس حريا بقناة عشتار , وهي التي وضعت على ظهرها حملا ثقيلا من الاهداف الكبيرة , ان تؤسس لباقة زاهية من العلاقات المهنية والانسانية يفوح منها عطر الوفاء لكل من يلتقي معها في احدى محطات الطريق , حتى وإن كان يفترق في محطات اخرى ؟! ماالفائدة في نقل مجموعة متتالية من القداديس في اليوم الواحد وهي ترنم بكلمات الرب , له المجد , أن احبوا اعدائكم , باركوا مبغضيكم , علما بانني اعتقد ان جورج منصور , كما ربما غيره , ليسوا مبغضين او اعداء لاحد , ام ان نقل هذه القداديس , ونتمنى ان لايكون هذا صحيحا , هو عملية الية اعلامية , تلعب فيها عشتار دور الوسيلة فقط , وكانها سلك هاتفي يملك حرارة الاشارة السلكية فقط ؟ ! ألم يكن حريا بكادر عشتار, المتقدم والمتوسط والبسيط , ان يسأل ادارته , ونحن نعيش عصر الديموقراطية , اين كل من كان معنا في خط البداية وبعده , لنستذكر معه  ,كما مع غيره , ذكريات البداية والانطلاق , ام ان ألسنتنا عاجزة عن النطق , وضعاف النفوس , خريجو المعهد العالي لمسح الاكتاف , قد اصبحوا قدوة لنا, اؤلئك الذين يؤمنون ان الحياة هي مسح مستمر لاكتاف توجد عليها الشارات والرتب و يتوقف هذا المسح بمغادرة الشارات والرتب تلك الاكتاف , وهكذا , دواليك , مع الاكتاف الجديدة !

 ثم ماذا يجني شعبنا من اية عملية تهميش او إقصاء للسيد جورج منصور , وزير الاقليم لشؤون المجتمع المدني والشخصية الاعلامية المعروفة, خاصة وانه لايمثل حركة او جناحا سياسيا منافسا لاحد , بل ان المتابع لنشاطاته وكتاباته يلاحظ فيها سمات الاعتدال والمعالجة المهنية الحرفية المنطلقة من طبيعة المنصب الذي يشغله , حتى انني لا اتذكر انني قرأت له مايُعتبر حشرا للنفس في قضايا شعبنا الساخنة , بالرغم من ان هذا هو حق طبيعي لجميع ابناء شعبنا. نكتب هذا ليس تملقا او تزلفا للسيد جورج منصور, حيث اعتقد ان كلانا لايحتاج ذلك , ولم يسبق ان جمعنا لقاء , بل قد نتفق في امور ونختلف في اخرى , كما قد تكون لدى الاخرين بعض المأخذ على طريقة ادارته للقناة , وربما تكون ذكرى التأسيس فرصة ذهبية لاعادة تقييم تلك المرحلة والاستفادة من دروسها في مناخ تسوده نسائم الوفاء والتقدير والعرفان للجانب الايجابي من الدور, ناهيكم عن ضرورة ان نسعى جميعا الى حماية ومؤازرة كل شخصية وكل جهد ليس سببا في اية تاثيرات سلبية كارثية على شعبنا واهدافه , بل على العكس يرى فيه الكثيرون عنوان فخر واعتزاز.

 ليس تجنيا او اتهاما , لكن البعض يرى ان رائحة الاقصاء والتهميش بدأت , في الفترة الاخيرة , تبدو اكثر تحسسا ,  وهي قادمة من الجهد الذي يقوده السيد سركيس اغاجان , فاذا كان نفر من هذا الجهد هو الذي يطلق بغازات التهميش والاقصاء هذه , بتصرف شخصي , دون علم السيد اغاجان , فتلك مصيبة , نتمنى ان ينتبه اليها السيد اغاجان فيعالج مرسلات الغازات هذه بما يناسبها من الاجراءات , لانها تؤذي الجهد والقضية وشعبنا معا , اما اذا كان السيد اغاجان على دراية وعلم بمصادر هذه الغازات واماكن انطلاقها , وتنال منه , ماتعنقده بشكل من الاشكال , مباركة وتشجيعا فعند ذلك تكون حقا المصيبة أعظم , لاننا نكون حينئذ امام منعطف خطير في حياة شعبنا نتمنى ان تجتازه مركبته بسلام . لقد لمست شخصيا تاثير هذه الغازات في الاسابيع الماضية من خلال ( موقع قناة عشتار) على الشبكة الالكترونية , حيث عندما علمت من خلال القناة بافتتاح موقعها على الانترنيت , قمت بزيارته ولاحظت ان هنالك فيه ايضا حقل للمقالات , ورغبة في دعم الموقع الجديد , وليس من منطلق شحة المواقع التي تنشر لي او تكتب راجية , مشكورة , ان اراسلها , بدأت بارسال المقالات الى موقع قناة عشتار , حاله حال المواقع الاخرى . عندما لم يتم نشر المقال الاول الذي ارسلته ذهبت الى التخمين ان لايكون المقال قد وصل حقا الى ادارة الموقع , ولكن عندما تكرر ذلك مع المقال الثاني والثالث , كان ذلك كافيا للتاكد من ( هلال العيد ) والتيقن من ان الإشكال ليس تقنيا في وصول المقال اوعدم وصوله , خاصة وان التحديث في الموقع قائم على قدم وساق ومقالات اخرى تجد طريقها للنشر بسرعة البرق , بل ان المشكلة تكمن في كاتبه وفي جوهره , بالرغم من ان الموقع قد ذيًل حقل المقالات بملاحظة صغيرة تؤكد على ان المقالات تعبر عن أراء كتابها .  لا اعلم إن كانت الغاية هي فقط تاسيس نسخ الكترونية من صحف ( الثورة وتشرين ) السورية ؟ ! اذا كان مانكتبه , والذي يصنفه الكثيرون بالاعتدال والوسطية والهدوء , لايجد له منفذا في ( فلتر ) موقع عشتار والقائمين عليه , فان من حقنا الاعتقاد , تحت هذه الظروف , ان دخول جمل من ثقب ابرة اسهل من ان نرى على صفحات موقع عشتار مقالا يمثل , جملة وتفصيلا , الراي الاخر لما يراه الموقع والقائمون عليه وادارته.

لقد تمكنت قناة عشتار خلال العامين الماضين من ترك بصماتها الواضحة في نفوس مشاهديها ولايمكن لكائن من كان ان ينكر فعلها وادائها ونجاحاتها خلال هذه الفترة عبر مجموعة متميزة من برامجها الهادفة , كما انها ( اي عشتار ) قد قدمت نفسها , بكل جرأة وشجاعة وبصوت جهوري , على انها , وإن كانت القناة العامة لجميع محبيها , لكنها  تتميز في نفس الوقت بخصوصيتها الثقافية والقومية والدينية , لكن كل هذا وغيره , من الاضاءات الايجابية , لايمكن ان يكون عذرا للتنكر للرعيل الاول فيها او لكبح ماتراه الرائ الاخر المختلف , جزئيا او كليا , مع توجهاتها , او لصم الاذان لكل انتقاد ينطلق من نوايا مخلصة صادقة تتمنى ان ترى هذه المؤسسة الاعلامية في ابهى حللها , شكلا ومضمونا. انها قمة السمو والكبرياء ان نعترف بحقائق التاريخ , وارتباط قناة عشتار باسم جورج منصور هو احدى هذه الحقائق التاريخية , ولذلك استميح عذرا سيدة الغناء العربي , ام كلثوم , والشاعر الخالد ابراهيم ناجي ومعلقته  (الاطلال ) , وكانني اسمع عشتار تقول لمؤسسها ومديرها الاقدم:
ياحبيبي , كل شئ بقضاء
فاذا تلاقينا لقاء الغرباء
وأنكر خِلًُ خِلًه
ومضى كلًُ الى غايته
لاتقل شئنا فان  الاقصاء او ( الحفر تحت الاقدام ) شاء !



65
المجلس الشعبي والجبهة الوطنية والقومية التقدمية

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كنت ولازلت اؤمن ان الحظ والتعاسة , النجاح والاخفاق , الفرح والحزن في الحياة حالهما حال المادة والطاقة في الفيزياء يخضعان لقانون الحفظ ومجموعهما ثابت على الدوام , بل اعتقد جازما ان كل فعل ونتيجة في احد الاتجاهين يعقبه خلال فترة قصيرة , بل في اغلب الاحيان فورا , رد فعل في الاتجاه المعاكس , ولذلك اعتبر نفسي من انصار تلك  الفلسفة التي يفرح اصحابها , في سرِهم , عندما يتعرضون للفشل او للموقف المحزن لانهم يؤمنون ان نوعا ما , قد يكون بصيصا في مقداره وغير مساو في تاثيره  , من النجاح او الفرح , يننتظرهم فورا , كما في الوقت نفسه فان انصارهذه الفلسفة حذرون  بل يتخوفون من النجاح او الفرح , لاعتقادهم بان ثمنه في الاتجاه  المعاكس ينبغي تسديده وغالبا ما تأتي فاتورته عاجلا سريعا. ربما يكون ماحققه المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري من صيغ ومذكرات للتفاهم مع هيئات سياسية وثقافية واجتماعية عديدة في اوساط شعبنا يندرج في اطار الفلسفة التي نوهنا اليها في السطور اعلاه , حيث جاءت هذه المذكرات متزامنة تماما مع الضربة التي وجهها اباء الكنيسة الى الجهد الذي تقوم به بعض التشكيلات السياسية في اوساط شعبنا , وفي المقدمة منها جهد المجلس الشعبي , من خلال البيان الذي اصدره الاباء الاربعة عشر المجتمعون في بغداد , برئاسة غبطة البطريرك الكاردينال عمانؤيل الثالث دلًي , وخاصة تلك الفقرة المتعلقة بسهل نينوى جهرا وبالتالي بالحكم الذاتي ضمنا. انني اعتقد , وبغض النظر عن ارائي المعروفة حول الحكم الذاتي وسهل نينوى , انه ماكان ينبغي على ابائنا الروحيين ان يحرقوا بهذا الشكل العلني  بعضا من ( ابائنا السياسيين ) , حيث مادامت اللعبة السياسية في العراق تقوم على اساس ان يحتفظ كل لاعب باكثر من كرة يلاعبها في  الهواء , فمن حق شعبنا ايضا وربما من مصلحته ان يتمتع بنفس الحق , و هكذا فعندما قرر ابائنا الروحيون حسم امرهم فتبرعوا باعطاء فتوى نهائية في قرار سياسي انما سحبوا  البساط من تحت اقدام جهد سياسي وحرقوا أوراقا للمساومة دون مقابل, خاصة وان ابائنا الروحيين يدركون جيدا ان الاخرين بارعون جدا في استغلال واستثمار كلمتهم , التي يعتبرونها الفيصل , في تهميش اية ارادة قومية وجماهيرية وسياسية في شعبنا.

من جانب اخر ,تابعت , كما تابع غيري , مراسيم توقيع اتفاق العمل المشترك بين المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري وبين لجنة التنسيق العمل بين احزابنا القومية , ولاادري لماذا بينما كنت استمع الى الاستاذ جميل زيتو وهو يتلو البيان المشترك سرحت بالذاكرة الى اكثر من ثلاثين عاما مضت , وكأني ارى الرئيس الاسبق المرحوم احمد حسن البكر وهو يقرأ بيان اعلان الجبهة الوطنية والقومية التقدمية, وعندما كانت الكاميرا تتجه في عدستها صوب الاستاذ نمرود بيتو , رأيت فيه السيد عزيز محمد السكرتير العام السابق للحزب الشيوعي العراقي . صحيح ان الجبهة الجديدة تختلف عن الجبهة القديمة كونها لم تنتظر اعواما اخرى لتنضم اليها فصائل جديدة امثال مجموعات هاشم عقراوي وعبد الستار طاهر شريف وغيرها , بل ان مثل هذه المجاميع هي جزء من بيان التأسيس , لكن ما يجمع الجبهتان هو نفس شعور التوجس والحذر من المقابل لدى اطرافها  , الواضح بين سطور بيان التأسيس ونظرة المشاهد, مما يتيح للقارئ ان يجتهد , ويتمنى ان يكون مخطئا اليوم , انه امام عقد عقاري او تجاري , اكثر من كونه اتفاق سياسي. ان مايحتاجه شعبنا في هذه الظروف هو حالة من نكران الذات والانصهار اللامحدود في المصلحة القومية العليا , والاستعداد الغير المشروط لقبول الاخر , بل وحتى رفع راية هذا الاخرعندما يتطابق فعله مع طريق الهدف المنشود . اما تقييد النفس والاخر بما تمكن من الاليات والتحسب الدائم منه فانها تدفع بالعمل خطوات بطيئة إن لم تصيبه بالجمود. على كل حال ,  ولان عملية الجلوس على مائدة واحدة لتفاعل الاراء والافكار هي بحد ذاتها ظاهرة صحية  يمكن ان تؤسس لعمل كبيرمستقبلي , فان الامل يحدو الكثيرين في تداخل حقيقي صميمي لخنادق الموقعين على البيان المشترك هذا , فلا نسمع في المستقبل القريب ان احدهم قد ارتكب المحرمات ( بالعمل في القوات المسلحة ) كما لا يجعل الاخر من حالة ( الحزب القائد ) عقدة يعاني منها الاخرون في منامهم ويقضتهم , في نفس الوقت هي مسؤولية الجميع ان يرى في مَن هوخارج التحالف جهدا ايجابيا , بشكل من الاشكال, وظهيرا لفعله , وليس حالة خندق مقابل وفًر هذا التحالف فرصة افضل لاقصائه نهائيا او تهميشه او حتى النكاية به. ليس صعبا الاستنتاج باننا نغمز بهذا الى الحركة الديموقراطية الاشورية والحزب الديمقراطي الكلداني ( حزب الدعوة بجناحيه  ) اللذان هما خارج هذا التفاهم , فلا نعود نحسب الايام مرة اخرى بانتظار ( بريمر ) ثاني يعيد رسم الخارطة من جديد.

في هذه الايام المباركة حيث عيون اطفالنا تتجه صوب شجرة الميلاد المجيد لتستكشف ما وضعه ( بابا نويل ) لها فيها ,فان عيون شعبنا تتطلع الى العام الجديد ويملؤها الامل في فعالياتنا والسياسية والشعبية لتقدم فيه نموذجا للنضج السياسي يكون عاملا في ان يكون شعبنا بحال افضل , واقرب الى اهدافه المشروعة كما يكون سببا في لعب دور حقيقي على الساحة الوطنية يساعد من يحتاج المساعدة ليتخطى مرحلة المراهقة السياسية.
وكل عام وشعبنا بألف خير 

 

66
فرقد ملكو وحسن فاشل وحديث المشاكل

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

 كلما خرجت  الاعلامية فرقد ملكو باطلالتها البهية وصوتها المتميز , من على شاشة عشتار , اعادت بنا الذاكرة الى سنوات سابقة , يوم كانت عوائل كثيرة تجتمع على ( صينية دولمة يوم الجمعة ) وبرنامج ( رسالة نينوى الاسبوعية ) الذي كانت تقدمه بنجاح السيدة ملكو , وكانت الفقرة المتميزة جدا في ذلك البرنامج هي تلك اللقطة الكوميدية الساخرة التي تعالج احدى القضايا الاجتماعية ويبدع في تمثيلها مجموعة من فناني الحدباء. لازلت اتذكر احداها عندما يجلس اثنان في المقهى ويلعبان لعبة ( الطاولي ) ويكون الممثل المبدع ( حسن فاشل ) حاضرا يتفرج على سير اللعبة , ويأبى ان يبقى ساكتا لايتدخل في مجرياتها, وعندما يعرض عليه احدهم مفتاح السيارة ثمنا لسكوته وجلوسه بهدوء نجده بعد برهة ينفجر ( بعد ان انفقعت مرارته من اعتقاده ان اخطاء فادحة تُرتكب في اللعبة ) فيرمي بمفتاح السيارة على الطاولة ويقول ما يعتقده ويرتاح . منذ ايام وفكرة هذا المقال تدور في مخيلتي مثل جهاز الرادار , ولكنني اتذكر معها عبارات العديد من الاصدقاء والمعارف , ودعوتهم للكف عن البحث عن المشاكل , والاقتداء بالاخرين الذين يبحثون عن الكتف في كل فج عميق فيتلذذوا بنهمه , و ركوب الموجة والتمتع بنسائمها , ولكن ماذا ينفع الانسان لو ربح كتفا و خسر نفسه!

سرد الكاتب العراقي حسن العلوي في احد لقاءاته التيلفزيونية قصة استدعائه , و مجموعة اخرى من الاعلاميين , من قبل الرئيس الراحل صدام حسين لتغطية سفرته الى الاهوار في نهاية السبعينات قبل ان يتولى موقع الرئاسة بزمن قصير. يقول العلوي انهم سافروا بالقطار واثناء الرحلة تبادلا الحديث  ,فقال له الرئيس السابق , ان بامكانه من الان وصاعدا , اي العلوي ,منح قلمه الحرية الكافية ليعطي كلاً واستحقاقه , كما كان العلوي يطالب مرارا سابقا ويجابه بالتريث. يضيف العلوي انه لم يجد صعوبة في فهم الرسالة فتلقفها على الفور , وكتب بعد عودته الى بغداد في مجلة ( ألف باء ) التي كان يرأس تحريرها وبالمانشيت قصة الساعات ( التي لااذكر عددها ) في الاهوار مع صدام حسين. يتبجح العلوي فيعتبر نفسه بفعل ذلك التقرير انه اول من دشًن عملية تسويق الرئيس الراحل صدام حسين لمنصب الرئاسة والموقع الرسمي الاول. ثم توالت التقارير والكتب وكان احد ابرزها كتاب امير اسكندر ( صدام حسين – مناضلا ومفكرا وانسانا ). ان نظرة ثاقبة فاحصة في الاجزاء الاربعة من المقابلة التي اجراها الاستاذ الاعلامي وسام كاكو مع السيد سركيس اغاجان تعيد للذاكرة ان هذه الاجزاء في اسلوبها المنهجي هي خميرة مركزة من الكتاب المذكور. نرجو ان يرحمنا هواة الاصطياد في المياة العكرة , والبارعون في اختيار وساداتهم ( على المودة ) , بعدم اللجوء الى تحريف غاية هذه السطور , حيث ليست الغاية اطلاقا وضع الشخصيتين المذكورتين , اي الرئيس السابق والسيد اغاجان في ميزان المقارنة , بل تكمن الغاية في الوصول الى اجابة حاسمة وعادلة لتساؤل مشروع يتلخص في الاتي : هل ان قضية شعبنا بحاجة الى رمز اوحد ؟ هل ان عملية التأليه تجعل شعبنا اقرب الى اهدافه , وتحمي ( بطريركنا السياسي ) من الاحتراق ؟ مَن يقف خلف عملية التسويق و التأليه هذه ؟ هل استلم هؤلاء الاشارة الخضراء كما استلم حسن العلوي , أم انهم يتصرفون بدافع شخصي ينبع من حسن نية البعض منهم واقتناعه بضرورته , خدمة لمسيرة واهداف شعبنا , بينما يمثل هذا الدافع للبعض الاخرغايات في نفس يعقوب ادركها او يُمنًي النفس في ادراكها !. شاهدت  ,يوما ما , حوارا اجرته احدى فضائياتنا مع احد رجالاتنا الدينية , وعندما هبً مقدم البرنامج بالتعريف بذلك الضيف مستخدما كلمات ( الحبر الجليل العلامة المتبحر الخ ) انتقده وقاطعه الحبر الضيف قائلا ( , مهلا , على كيفك ,  اننا نحن الشرقيون عاطفيون جدا وسريعون في إسباغ الصفات والدرجات ) , وذلك تواضع مبعث فخر وتقدير, لكننا نتمنى ايضا على احبارنا وابائنا الاجلاء ان يكيلوا بنفس المكيال , ويتقشًفوا قليلا في استخدامهم لخزينهم الضخم من مستودع الاطراء وموهبتهم البارعة في وصف الاخرين , ليس بخلا بالموصوف او حتى  ,في اغلب الاحيان, اعتقادا بعدم تناسق الصفة مع الموصوف , ولكن حماية للموصوف وحرصا على استمرار دوره. حتى الرسل بشخص بطرس لم يقولوا للمسيح , له المجد , وهم معه على الجبل ( سنصنع خيمة واحدة لك ) بل تمنوا ثلاث خيمات , واحدة له وثانية لإيليا و اخرى لموسى على السواء.

مما لاشك فيه ان نتائج مادية ملموسة تفرض نفسها كحقائق على الارض , باتت احدى السمات الايجابية للجهد الذي يشرف عليه السيد اغاجان , ومن الطبيعي ان يرى الكثيرون في تلك النتائج الايجابية دافعا عادلا لوصف المسبب فيها بما يستحق من صفات , وغالبا ما يظهر هذا الوصف على شكل شعورعفوي يسقط تلقائيا من افواه وقلوب البسطاء من الذين اصابتهم تلك النتائج الايجابية . اعتقد , باجتهاد اتمنى ان اكون مصيبا فيه , ان السمات البارزة في كاريزما السيد اغاجان , المتمثلة في حرصه على الابتعادعن الاضواء والكاميرا , والحرج حتى الاحمرار الواضح على وجهه كرد فعل لما تسمع اذناه احيانا من عبارات , اضف الى ذلك , درايته السياسية بشروط اللعبة وقوانينها ومساحة الحركة المسموحة في الملعب وتعدد المنافسين والمراقبين و( العلاًسين ) والغيورين فيه , كل هذا متزامنا في السياق نفسه مع الحرص الى ضرورة المحافظة على هذا الجهد وتعزيزه وقطف افضل واكثر النتائج منه لمصلحة شعبنا واماله واهدافه , جميع ماتقدم يترك السيد اغاجان يرى في مشاعر البسطاء العفوية هذه تقديرا كافيا عرفانا بما يقوم به . انني اعتقد في الوقت نفسه , وهو اجتهاد ايضا , ان اية محاولة من قبل الحاشية او الماكنة الاعلامية في بلورة هذه المشاعر العفوية واعادة برمجتها واستغلالها , تحت هذه الظروف , في صناعة الرمزستلحق الضرر بالرمز والقضية على حد سواء , وفي التاريخ , ومنه لم ينشف بعد حبر اوراقه , سلسلة من الشواهد تؤكد ذلك . ناهيكم عن ان كثيرين يرون , في الدعوة الى توحيد الخطاب والجهد متزامنة وممزوجة مع صناعة الرمز واختصار الاخرين , وجبة عسيرة الهظم .

ان الجهد الذي يقوم به السيد اغاجان اليوم ليس كما كان  في بداياته , بل انتقل الى مراحل متقدمة و   حرجة , ليس ذلك بفعل افرازات ادائه فقط , بل بفعل الظروف المحلية والوطنية المحيطة به
وتطوراتها . واذا كان هذا الجهد , ولحد الان , وبالرغم من الشوائب الطافية فيه , يصب في محصلته ونتيجته العامة لصالح شعبنا , فان المسؤولية تقع على الجميع في مؤازرة ومساندة هذا الجهد حيثما يجد نقاط التلاقي معه , كما في التنبيه , راحة للضمير على اقل تقدير, عندما يجد ان هذا الجهد , ربما بفعل مصالح شخصية , يختار نقاط رخوة في هذه المناطق الحرجة ليضع قدمه , مما سيؤدي الى نتائج كارثية على الجميع بدون استثناء. ان تقديم السيد اغاجان , مع عدم نكران دوره وثقله وجهده , على انه رمز اوحد يعني وضعه شخصيا وشعبنا في تلك النقطة الرخوة.

ان الواقع والظرف لايسمحان ان نكرر قصة بَرَكة ابينا اسحق ليعقوب وعيسو , بل على كل من يملك ان يمنح البركات في شعبنا ان يعلم , انه اذا كان يعقوب قد حازعلى بركته , باستحقاقه او بدهائه , فان عليه ان يسبغ بركاته ايضا على عيسو واخوة عيسو الاخرين , فهو عندما يفعل ذلك  انما يصنع خيرا بيعقوب اولا ويحميه ويحمي شعبه , الذي هو شعب يعقوب وعيسو وجميع اخوتهم , ثانيا , وكتحصيل حاصل , يضع لبنة جوهرية في جدار وحدة شعبنا كهدف اسمى ...           

67
الحركة الاشورية والرأي الاخر – حقيقة يجب ان تقال

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يُحكى ان الله سبحانه وتعالى , وبسبب الظروف الجديدة التي بدأ يعايشها العراقيون بعد الاحتلال, قد اتبع استراتيجية  اخرى لمتابعة الوضع العراقي , فخصص لكل حزب او حركة سياسية او مجموعة نافذة , من يتولى امرها فيخبره  ,جل جلاله , بما تقوم به هذه العناوين سلبا او ايجابا , بعد ان كان سابقا يعتمد كليا على وكالة الانباء العراقية الملغاة , وقد لوحظ ان المَلاك المسؤول عن الحركة الاشورية ( زوعا ) مفرط في تنقلاته المكوكية ذهابا وايابا , صعودا ونزولا , عكس الكثيرين وهو ينقل ما يخص هذه الحركة من بريد , واغلبه انتقاد وشكاوى حتى ان الباري , عز وجل , قد ضاق ذرعا باسماء , يونادم وزوعا , بسبب كثرة تداولها والحديث عنها والشكاوى منها , ولكنه , ذو الجلال والاكرام وعالم الغيب , لم يجد صعوبة في ادراك اللغز الكامن وراء ذلك ,  فعرف ان انتقاد يونادم وزوعا لايكلٍف ترهيبا او تهديدا او اختطافا او قتلا , بل كثيرا ما يلجأ اليه البعض , من عباده الصابرين المبتلين , ترويحا وتنفيسا عن النفس ورغبة في اختبار مكائن والات الانتقاد التي يمتلكها, خاصة عندما , تعالى , وجد ان احدى الشكاوى على هذه الحركة قد تم العثورعليها في الصندوق الخاص ببريد مدينة النجف!

مناسبة السطور الفنتازية الخيالية اعلاه , هي تثبيت حقيقة ملموسة تتمثل في التعامل الناضج للحركة الاشورية مع الرأي الاخر والرأي الحر, والذي لمسته شخصيا من خلال تجربة التعامل مع هذه الحركة , وكان اخرها في المقال الاخير ( زوعا وزهريرا – غلطة الشاطر بألف). كثيرا ما نقرأ لبعض الاخوة الكتًاب ملاحظات نقدية للحركة الاشورية في طريقة التعامل مع رياح لاتشتهيها سفنها , حتى ان البعض يستغرب اصرار هذه الحركة على تسمية نفسها بالديمقراطية في الوقت الذي يرى , هذا البعض , ان الديمقراطية تشكو من الأهات في حياة هذه الحركة الداخلية والخارجية . وهنا ينبغي القول ان زوعا , حاله حال اي تنظيم سياسي في بيئته وواقعه , ليس واحة خضراء للديموقراطية ينبغي ان تؤخذ كمعيار في القياس , بل من المحتمل ان تكون هذه الحركة قد ارتكبت خلال سنوات عمرها السابقة اخطاء جسيمة في هذا المضمار, ربما يكون للبعض ممن رافقها منذ خط البداية , ولازال معها او إفترق عنها , ما يفيد عندما يجري الحديث عن التقييم التاريخي لمسيرتها, بالرغم من انني لست من هواة النبش في التاريخ بقصد الوقوع في قفص أسره بل للاستفادة من دروسه . ولكن من جانب اخر ربما يرى الكثيرون مثلي , ممًن وضعوا الحركة الاشورية منذ زمن قريب تحت عدسة مجهرهم المتواضع , ان هذه الحركة تحاول جاهدة مجتهدة , قد تخفق حينا وتصيب حينا , في إعطاء صورة من النضج السياسي في التعامل مع متغيرات الحالة وافرازات الواقع والتصرف إزاء النقد , لانقول بالمقارنة مع كثيرين اخرين , بالرغم من اعتقادنا انها اي الحركة الاشورية من حقها ان تدعي انها تجد لنفسها خطا متميزا عندما يتضمن الرسم خطوطا بيانية عديدة.

ربما يكون من قبيل الصدف ان يكون المقال المذكور انفا ( زوعا وزهريرا – غلطة الشاطر بالف ) هو الحالة الشاذة  , قيتلكأ ارساله الى موقع زهريرا العزيز بسبب خلل فني ما , بالرغم من انني قد كتبته لزهريرا بالدرجة الاولى وارسلته اليه , ولكن ذلك لم يمنع قط القائمون على موقع زهريرا من نقل المقال من موقع عنكاوة البهي وبسرعة قياسية ليتم ثثبيته على صدر منبر زهريرا, وبعدها في اليوم التالي استلمت رسالة تفصيلية من الاستاذ جورج اسحاق مسؤول الاعلام المركزي في زوعا يوضح فيها , باسلوب يثير الفخر والاعتزاز , اعتقاده في عدم صحة ماذهبت اليه في المقال بل يسرد بالتواريخ والارقام مايراها حججا تؤكد صحة اعتقاده , لسنا هنا بصدد المحاججة حول المقال وماورد فيه كلا متكاملا والدافع والحدس اللذان كانا وراءه , بقدر ماتهمنا الاشارة الى ان هذا التعامل بين نصفي الكأس الفارغ والمملوء , الرأي والرأي الاخر , بغض النظر عن من يمثل كلاهما , هو الذي يضمن المحافظة على صورة ذلك الكأس كاملة ويقيه من الكسر والتحطيم , من هنا تبرز الحاجة الى تعميم هذا التعامل بحيث تحرص قوانا وحركاتنا السياسية وفي المقدمة زوعا , الى ان تسمع وتصغي الى الجميع بدون استثناء , وليس الى المُبشًرين فقط , فنبتعد عن صيغ التخندق والتعسكر, كما يجب على الناقد ان يتمسك دائما بعلم النية الصادقة , فيرفع حيثما يجد ضمة تستوجب الرفع , ويكبس حيثما يستقبل حرف جر , ويحرص على الامساك بالعصا من نقطة الاتزان , وما أحوجنا في هذه الظروف الى زيادة عدد الواقفين في منتصف العصا.

لقد وفًرالمقال المذكور مناسبة طيبة , فكتب لي وتحدث معي اخوة اعزاء يمتلك بعضهم تجربة طويلة وعميقة في العمل القومي ومنها العمل مع زوعا , وغادروه بعد ذلك وتغمرني الثقة في انهم ليسوا اقل اخلاصا في العطاء لشعبهم من الاخرين سواء كانوا في زوعا او في غيره , ومن المؤكد ان توفير اجواء من المصارحة والمكاشفة ونقد الذات والترفع عن المصالح الشخصية والتصرف الكيدي سيتيح المجال لجميع الاطراف في ان تهب شعبنا , وهو يستحق ذلك , جهدا اكثر تنظيما واقوى شدة وبالتالي قادراعلى تحقيق نتائج افضل.
لقد استحوذ الاخرون على الخيول  (وعطفوا ) علينا ببعض الدواب , وهاهم نراهم ينزلون من خيولهم عندما يرون ذلك ضرورة , أليس هذا مدعاة لنا فنتامل قليلا ونفكر فنتكرم بالنزول من هذه الدواب , على الاقل للمحافظة عليها , حيث انها وبالرغم من هزالها , تثير لعاب وشهية البعض الذين يحسدوننا عليها و يعتقد انها كثيرة علينا. ان اعتقاد بعضنا ان فقط تعليق ( سبع عيون ) على رقاب هذه الدواب يريح ضميره تجاه واجبه القومي هواعتقاد واهم , لان هذا وحده ليس كفيلا بان يتركنا لا نضطرعلى السير حفاة على الاقدام في ارض مليئة بالاشواك !
 

 

68
تعقيبا على مقال زوعا وزهريرا – غلطة الشاطر بألف

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

نشر موقع عنكاوة العزيز اليوم الاثنين 26 نوفمبر 2007 بعضا من صور احتفال رسامة غبطة البطريرك عمانويل الثاللث  دلي كاردينالا, و الذي جرى في الفاتيكان يوم السبت 24 نوفمبر 2007. وقد ظهر في جانب من الصور الاستاذ يونادم كنا عضو مجلس النواب العراقي والسكرتير العام للحركة الاشورية.

من خلال المتابعة لاخبار هذا الحدث قبل واثناء حدوثه , لم تلاحظ اية اشارة الى مشاركة السيد كنا فيه, حيث لم يذكر ذلك موقع زهريرا العزيز, كما ان المواقع الاخرى لم تشير صراحة الى اسم السيد يونادم ضمن قائمة اسماء الوفود المشاركة في احتفال الرسامة ولذلك فقد انطلق المقال المنشور بالعنوان اعلاه  من هذه الصورة المرئية لتداول المواقع والشبكات الالكترونية وفي  المقدمة منها موقع زهريرا العزيز مع الحدث موضوع المقال.

انني ملئ بالفخر والاعتزاز كون الصور المنشورة اليوم, جاءت كما طالب المقال برهانا رائعا على ان بعض ما ذهبنا اليه كان كابوسا مزعجا, ويقينا فان الانسان يشعر بتقدير مضاعف تجاه الاداء السياسي , حركة وتنظيما وشخوصا , عندما يرتقي في خطواته الى الامال المرتجاة منه فتبقى صورته في الاطار المشرق الذي رسمها ويتمناها دائما له.

وفي كل الاحوال يبقى الهدف الرئيسي الذي نعتقد ان علينا جميعا العمل فيه , ومنها هدف المقال  المذكور , يتمثل في تنبيه, حتى من يحرص على مراعاة قوانين السياقة ويعرف جيدا قواعدها , الى كل ما من شانه لملمة هذا الجهد وتوحيد هذه الرزمة من العصي تحوطا وتحسبا من حركة الظروف والحياة.
تمنياتنا كبيرة وسيكون فرحنا عظيما عندما نرى كوابيس اخرى من التشتت والتشرذم تتكسر على وقع الخطوات المسؤولة لكل العناوين التي اخذت على عاتقها مهمة تمثيل شعبنا والسير به في طريق اماله واهدافه.

احتراما للحقائق  وتوخيا للحقيقة اقتضى التنويه
 

69
زوعا و زهريرا – غلطة الشاطر بألف

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ابتداء, يجب القول اننا نفهم الهدف من الكتابة الحرة كونها الخط العياري الذي يحدد , حسب اجتهاده مخطئا او مصيبا , الجزء السالب والموجب من اداء مَن يقع تحت فعل التقييم بعيداعن التاييد الاعمى او الرفض الأصم , دون ان يغيب عن بال الكاتب المنصف الحر ان التحليل النقدي , سلبا او ايجابا , لايعني درجات في الوطنية والاخلاص تُنجح هذا وتُرسب ذاك , بل يؤمن ان الجميع يجتهد مخلصا في فعل مايراه مفيدا لشعبنا ويبغي الوصول الى الهدف بطريقه الفرعي الخاص , ولاغبار على ذلك طالما ان هذا الطريق الخاص التكتيكي لايتعارض مع مسلمات الستراتيج المتفق عليه اولا , ولايتقاطع بحيث يكون جهدا معرقلا او هداما لجهود الاخرين ثانيا. طالما نتفق على هذه الاسس , وننطلق قبلها من حسن نية الكتابة الحرة التي لاتقصد اطلاقا القدح والتجريح والتخريب , بل تتوق الى رؤية ادائنا بصورة افضل لانها تعلم ان ذلك سيدر بالفائدة عليها , فان ذلك سيتركنا اكثر قناعة بالمثل القائل في ان نفرح بالذي يُنًبه وينتقد ولانقول يُبكي , اكثر من الذي يُضحك ويمدح.

منذ فترة وتهمة الانحياز لزوعا تُلاحقني , حتى ان البعض بعث برسالة تقول انني دائم الميل لزوعا فاجبت مازحا , حظي مع الفقراء, وهنا اتذكر بيتا لنزار قباني يقول فيه ( لاتزال تهمة العشق ورائي لا رأني ربي أردًُ إتهاما ) . وبالرغم من انني أكدت مرار بعدم وجود اية علاقة رسمية تربطني بالحركة الاشورية تنظيما , تستوجب ان اعمل ( بوقا ) لها او ان التزم كل مواقفها بعيون مغلقة , بل اؤمن اساسا ان ليس مفروضا على المنتمي لاية حركة ان يكون كذلك , إلا انني لا أنكر في انني كتبت وساكتب حيثما وجدت ذلك استحقاقا داعيا الى مساندة جهود هذه الحركة كما الجهود الاخرى حيثما التقت الرؤى , كما تناولت بالنقد وعلى موقع زهريرا قبل باقي المواقع معتقدا بوجوب إحداث بيريسترويكا تشمل المبادئ والنهج والاساليب والهيكل ينبغي ان تقوم بها هذه الحركة حتى تستطيع معايشة الحالة الجديدة بما يؤمن لها ان تكون رقما بارزا في قضية شعبنا ومصيره.

لقد صعقني حقا موقف الحركة الاشورية وموقع زهريرا , احد المواقع الاعلامية المرموقة لشعبنا, ازاء الصمت المحكم الذي لحق بهما اتجاه الحادث التاريخي المتمثل في رسامة صاحب الغبطة البطريرك عمانويل الثالث دلي كاردينالا على يد قداسة البابا. ترى هل تستطيع الحركة اقناع مؤازريها وانصارها بان حادث الرسامة هو احتفال ديني بحت في الوقت الذي تنشر على موقع زهريرا باستمرار اخبار دينية متنوعة , ناهيكم عن ان حادث الرسامة قد اخذ بسبب الكاردينال عمانويل دلي بعدا سياسيا غير مسبوق تجلى في حضور شخصيات سياسية , وفي اشارة خاصة من قداسة البابا لمغزى اختيار البطريرك دلي كاردينال كما في الاهتمام الاعلامي الكبيرا, هل يُعقل ان تنقل قناة العراقية الرسمية احتفال الرسامة على الهواء مباشرة , بالرغم من التقطيع والقص لعبارات دينية , ولايشير موقع زهريرا من قريب او بعيد الى ذلك ! اذا كان من حق جميع العراقيين الافتخار بالكاردينال دلي فهو حق علينا وواجب نحن , الشعب الكلداني السرياني الاشوري , فعل ذلك. لقد قلت لاصدقائي الكلدان , ليس تملقا او رياء , ارى نفسي انا السرياني مساويا لكم في الفخر والاعتزاز بهذا الحدث التاريخي , نعم لست اقل فخرا من حبيب تومي او نزار ملاخا , أم هل سيبرر زوعا ذلك بالادعاء انه موقف سياسي واخلاقي قد قطعه على نفسه في الابتعاد قدر الامكان عن الخوض في الامور الدينية الكنسية , بعد الاشكالات التي حدثت بسبب حادثة الانشقاق في الكنيسة الاشورية القديمة والتي دفع زوعا سلبا بعض الثمن فيها بسبب محاولات توريطه من قبل بعض المحسوبين عليه او بالضد منه بل قد يذهب زوعا الى الاعتقاد بان الرسامة قد تم استغلالها من قبل البعض من داخل شعبنا وخارجه لتقوية الشعور الديني على حساب الشعور القومي , وهنا ايضا تظهر هشاشة العذر بسبب اختلاف الحالين والمشهدين وتاثيريهما على دور شعبنا ووحدته , ناهيكم عن ان الشعور الديني والشعور القومي هو وجهان لعملة واحدة هي شعبنا . ربما تلجأ الحركة الاشورية الى القول , وهو اجتهاد خاص , في ان الموقف الحالي من الرسامة هو رد فعل لمواقف واختلافات سابقة في الرؤى بينها وبين نيافة الكاردينال دلًي , وهنا ايضا تقع قيادة زوعا في خطأ كبير , حيث لايمكن لكائن من كان ان ينكر على البطريرك دلي حقه المشروع باعتباره رأس الكنيسة الكلدانية ومسؤولا عن رعيته في اتخاذ المواقف التي يراها كفيلة بايصال سفينة هذه الرعية الى شاطئ الامان. ان غبطة البطريرك دلي قد استلم مهمته الخطيرة والحساسة في وضع عراقي يقول عنه السيد يونادم كنا شخصيا انه بالغ التعقيد , وان الحق يجب ان يقال في ان البطريرك  دلي قد اثبت مهارة فائقة في خوض هذا البحر الهائج رافعا مشعل السلام والمحبة والتاخي للجميع , مزمجرا بصوته الاليم الرافض لكل اعمال العنف والارهاب والاكراه على التهجير وترك الهوية التي ارتكبت وترتكب بحق ابنائه واخوته المسيحيين في العراق. اما اذا كانت الحركة الاشورية تعتقد في ان لا مكان لها في حفل الرسامة او ليست مدعوة اليه فان ذلك وهم كبير لان البطريرك دلي ليس حصة خالصة لهذا او ذاك بل هو احد رموزنا الكبيرة التي يشعر الجميع انه يفتخر بها و يمتلك فيها مثلما يمتلك غيره , ولذلك كنت سارى بعين التقدير والاكبار السيد يونادم كنا وهو يقف مع جموع العامة في ساحة القديس بطرس مشاركا في احتفال الرسامة او قداس الاحد , خاصة وان هذا الحدث قد تزامن مع زيارته لاوربا وللسويد تحديدا. ان الامل يملأ الكثيرون في رسالة قادمة من الاستاذ يونادم كنا تُخبرنا قولا وفعلا باننا نكتب عن كابوس مزعج ليس إلا.

ان الدافع الرئيسي للسطور اعلاه يكمن في التاكيد مرة اخرى على الحركة الاشورية كما لغيرها , في ان التاريخ سيذكر باكبار مواقف التضحية ونكران الذات والتفاني من اجل العمل الموحد. ان سركيس اغاجان هو يد من ايادي شعبنا ويونادم كنا يد ثانية وابلحد افرام يد اخرى وهكذا نمرود بيتو والاخرون , وان الذي يطمع في ان يسمع ويُسمع الاخرون صوت تصفيقه عليه ان يطرق يده بيد رفيقه , اما محاولة التصفيق بيد واحدة فهي اشبه بغرف الماء.


70
حكومة المالكي – عليل يدًعي إمتلاك بوق الحياة

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

عندما تتحدث التقارير الاخبارية عن تحسن ملحوظ في الوضع الامني وانخفاض نسبي لحوادث العنف في مناطق عديدة من العراق, وفي المقدمة منها العاصمة الحبيبة بغداد , فذلك يدعو كل عراقي غيور في الوطن والمهجر ان يرفع وجهه الى السماء ويفتح يداه ويحمد ويشكر , على طريقته , رب الجلالة والعرش العظيم على نعمته الجزيلة على عبيده . ولكن ان تدًعي حكومة قرأ ويقرأ كثيرون عليها الفاتحة , بل ان اطرافها الرئيسية قد غسلت اياديها منها بالماء والصابون , في انها , اي هذه الحكومة , هي وليس غيرها صاحبة هذا النصر الامني فذلك يستحق ان يضع عليه الكثيرون طابورا من علامات التعجب والاستفهام .

ان الحياة تؤكد على ان فاقد الشئ لايعطيه , كما ان الكثيرين ينتابهم الشك في قدرة العليل على مداواة غيره , فهل انقلبت موازين الحياة في العراق , فانتحرت قوانين حفظ الطاقة والكتلة التي تنص على انها لاتخلق من العدم , فاذا باطراف بارزة في الحكومة وخلفها جوقة من الابواق تتحدث باقتدار انها قد اصبحت تمتلك بوق الحياة , حتى انبرى  البعض يطالبنا ( باصلاح دفوفنا استعدادا ليوم العرس الكبير ), فتذكرنا بسياسات قديمة , ابتدأت باندلاع الثورات والانقلابات في العراق , حيث الشعب يستلم بتلك الجرع المخدرة التي تخبره في انه اصبح قاب قوسين او ادنى من النصر الكبير وانه قد اكمل ( سلخ اللشة ) ولم يعد باقيا إلا الذيل فاذا بنا نعيش مانعيشه اليوم.

يلعب ابني , البالغ من العمر اثناعشر عاما , كرة القديم مع مجموعة من اقرانه في فريق تابع لاحد النوادي السويدية في المدينة, ويحدث احيانا فيطلب ايصاله الى الملعب الرئيسي في المدينة لان النادي قد طلب من هؤلاء الفتية الصغار المساعدة في مباراة مهمة يلعبها الفريق الرئيسي للنادي من المحترفين, حيث يقتصر دور هؤلاء الفتية الصغار في اعادة الكرات الى الملعب ومؤازرة وتشجيع الفريق. ليس ظلما او تجنيا ان نصف دور الحكومة العراقية في القرار العراقي بما يفعله هؤلاء الفتية في جلب الكرة الى الملعب , وعندما يكون لهؤلاء الفتية دور في تقرير مصير المباراة , يكون لموظفي بلدية المنطقة الخضراء فعل وتأثير على مجريات الاحداث في البلد داخل المنطقة الخضراء وخارجها. فكيف اذن لحكومة لاتملك , حتى شارة ( حكم مراقب الخط ) بل يقتصر دورها على اعادة الكرة وتقديمها لمن يلعب في الساحة , ان تدعي انها تمسك بكل خيوط اللعبة ومفاتيحها؟!

لايخفى على الكثيرين ان العملية السياسية في العراق تعيش مأزقا عويصا فالجهاز التنفيذي ممثلا بالحكومة هو برج ايل للسقوط في اية لحظة بسبب النخر والحفر المستمر في اساساته المتهالكة والمرقعة اصلا , والسلطة التشريعية ,  وباعتراف اعضائها , هيئة مشلولة لم تستطيع ولن تستطيع القيام بدورها , حتى انها بدأت تعاني من تبخر النواب , حيث قدم البعض استقالاتهم من عضوية مجلس النواب وينادي الاخرون جهارا بحل هذه المؤسسة العقيمة, والرئاسات الثلاث , يجلس كل من اعضائها في واد ويغني على ليلاه بينما يحاول الرئيس الطالباني جاهدا استغلال المداعبة وخفة الدم لايجاد توزيع موسيقي للمقطوعات المختلفة ولكن دون جدوى , كما ان مشروع المصالحة الذي جرى الكلام عنه كثيرا لم يحقق ايا من اهدافه بل على العكس اصبحت  ملفات اطراف المصالحة اكثر عددا وتشعبا من السابق , وهكذا لايمكن لعاقل ان يصدق ان هذا المناخ السياسي المفتقر الى ابسط اشكال التعاون بين اطرافه , بل المشحون بالاحتراب والانتهازية السياسية يمكن ان يحقق انجازات عملية على الارض في المجالات المختلفة كالخدمات والامن. فما السر الكامن وراء ذلك والعالم يشكو منذ زمن بعيد من ندرة الاعاجيب!

ان تحسن الوضع الامني , بالرغم من اثره الايجابي على حياة المواطن البسيط , لكنه يحمل دلالات خطيرة تتمثل في انه جاء ثمرة لاتفاقات ومساومات محلية واقليمية ودولية ليس لسلطة الدولة العراقية ومؤسساتها اي دور رئيسي او ثانوي فيها مما يعطي انطباعا بهشاشة هذه السلطة وعدم فعاليتها, كما ان هذا  التحسن في الية حدوثه يشير الى  ان الوضع العراقي اشبه بقنبلة موقوتة تتحكم بتوقيت انفجارها او إبطال مفعولها اطراف عديدة , ليست بكل تاكيد السلطة الرسمية العراقية الحالية رقما رئيسيا او ثانويا فيها , لان بعض من يمثل عنوانا رسميا في السلطة لايستند في ثقله وتأثيره  الى العنوان الرسمي الذي يشغله بقدر ما يتكأ على خلفيته الحزبية و القومية والمذهبية او عصاه الميلشياوية او ظهره الاقليمي او الدولي , واذا كان هذا التحسن الامني قد اظهر قدرة النظام الايراني البارعة في ضبط من يمثله على الساحة العراقية ليتوج نفسه باستحقاق لاعبا رئيسيا في اشعال او اخماد نار العنف في العراق , فانه يكشف في الوقت نفسه ان الادارة الامريكية قد قررت كما يبدو التعامل والحوار وعقد الصفقات مع اطراف وقوى محلية عراقية خارج الخارطة السياسية الحالية كالتقارير التي تتحدث عن اجتماعات سرية في البحر الميت واجتماعات اخرى ربما سيعلن عنها لاحقا, اظافة الى  التنسيق مع الاطراف الاقليمية.

ان تحسن الوضع الامني ليس وليدا شرعيا للحكومة العراقية الحالية حتى تنسبه لنفسها , فإن كان هذا التحسن , في ننسبة منه , حصيلة لجهد عمل مايسمى ( بالصحوات ) فان وجود هذه الصحوات برهان على ضعف الحكومة , وإن كان هذا التحسن بادرة على حسن النية لدى اطراف محلية واقليمية اتجاه صفقات ومساومات تم الوصول اليها فان اولى ضحايا تلك الصفقات والمساومات في حالة تنفيذها او التنصل عنها ستكون بالتاكيد الحكومة العراقية الحالية.
ان العراقي الغيور يأمل في اجماع شعبي ونكران للذات ومصالحة حقيقية صادقة بين جميع الاطراف التي تدعي الحرص على مصلحة البلد لانقاذ مايمكن انقاذه والعمل لبناء وضع مستقر امن على قاعدة راسخة اساسها سلطة وطنية قوية حقيقية لدولة المؤسسات , لان قمة المأساة تكمن في ان يتحول العراق , هذا البلد العظيم وطنا وشعبا وحضارة , دما وحياة  , الى سلعة رخيصة في سوق الساومات الدنيئة ,ويسمح البعض لانفسهم بالاعتقاد في ان تبني لقيط تلك المساومات , افضل من امتلاك شجاعة الجهر بأبوة الفشل السياسي.

 

71
المدارس مرة اخرى وفرصة العمل الجماعي الموحد
د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

 اثار مقال الدعوة الى وضع برنامج قومي كبير, بما في ذلك افتتاح مدارس خاصة ,لتحسين الواقع التربوي والتعليمي في مناطق تواجد شعبنا بصورة عامة وفي سهل نينوى بصورة خاصة ردود افعال متباينة, حيث ترك لي صديق واستاذ عزيز رسالة قصيرة على البريد الالكتروني بعد نشر المقال بساعات يعبر فيها عن دهشته لما قرأت عيناه حتى انه تساءل عما اذا كان ذلك حلما أم حقيقة , في حين نشر الاستاذ الفاضل سامي بلو مقالا قيَما على صفحات موقعي عنكاوة ونركال العزيزين , وتحت العنوان الموسوم ( الدكتور وديع بتي حنا وخطوة الى الوراء ). وقد قمت شخصيا بنقل المقال الى موقع برطلة. الملاحظ ان التحفظات التي ابداها الاخوة والاساتذة الاعزاء على المقال وما ورد فيه تتمحور في نقطتين هامتين , الاولى فيما اذا كان المقال مقدمة ( لتغيير الكير ) وربما الى الخلف في اعتقاد البعض على صعيد الافكار والرؤيا الشخصية , كما جاء في عنوان ما كتبه الاستاذ سامي , والثانية تتفاعل مع الاولى وتدور بالتالي حول الدعوة الى استغلال الجهد الذي يقوم به السيد سركيس اغاجان في توفير جانب من التمويل للمدارس الخاصة المقترحة.

ابتداءً , ينبغي التاكيد في ان المقال لايمثل باي شكل من الاشكال تكتيكا جديدا على المجال الشخصي يهدف الى تحقيق اهداف ذاتية تتعارض مع الخط العام الذي نؤمن به, حيث لاتستهويني كتابة المقالات المدفوعة الثمن , ناهيكم عن ان مقالات كثيرة سابقة كانت كافية لأتربع , بكل فخر واعتزاز, في مواقع متقدمة من القائمة السوداء لدى البعض او تجعلني على اقل تقدير في قائمة المشاكسين, وليس في النية دخول اية دورة تدريبية , سريعة او قصيرة , لتحسين السمعة , واعتقد جازما بسقوط الكتابة في اللحظة التي يحاول كاتبها او يسمح للاخرين بتحديد سعرها المادي, وافتخر فخرا لا حدود له في رسالة الكترونية بعث بها احد العراة الجياع من السودان تعبيرا عن التقدير لرثاء كتبته في جون قرنق. من ناحية اخرى اؤمن ان الكتابة الحرة تتيح للمرء التحرر من حالة ان يكون على طول الخط معارضا مدمنا او زمارا مُبرمَجا , وهكذا ارى ان تمنطق السياسي او الكاتب او حتى الانسان العادي في الحياة بفكرة مجابهة الاخرعلى الدوام تعني ان هذه العناوين قد اختارت فضاءاتها المحددة للتحليق حالها حال السمك المسكين الذي انتقل قسرا من البحيرة الكبيرة الى حوض الزينة الصغير. ان السياسة كما الحياة هي مد وجزر, دفع وسحب , ولذلك لايجوز للرأي والرأي الاخر ان يكونا أشبه بجسمين عديمي الرقبة يسيران في خطين متوازيين, وعلى هذا الاساس اعتقدت وأمنت بمبدأ ارى انه احد المبادئ الذهبية في الحياة , ويتلخص في ان لا ارفض المقابل جملة وتفصيلا , ولا اقبل به على علاته وكأنه ( شروة ) ساعات المساء حيث السوق شارف على الانتهاء. ان العمل على اساس اتهام بعضنا البعض بالعمالة وتنفيذ الاجندة الخارجية والمتاجرة بالقضية او حتى الشك في الاخلاص لها هي سياسة عبثية لاتقود الى انتصارات حقيقية . لقد كانت هذه الافكار ولاتزال هي الاساس في معالجة اي موضوع حياتي بما في ذلك محاولة تحليل وتقييم الظواهر السياسية الطافية والغاطسة على الساحة , ومن الطبيعي ان تكون ظاهرة السيد سركيس اغاجان واحدة منها. وهنا ينبغي التاكيد على السيد سركيس اغاجان قد استفاد كثيرا من الجهد المحسوب على انه جهد معارض او مناوئ لبرنامج السيد اغاجان اكثر بكثير من ما جناه من الجهد المتحمس له , بغض النظرعن غايات اصحابه , لان ذلك الجهد المناوئ , له الفضل الكبير في الضبط المستمر والدائم لتعيير برنامج السيد اغاجان بالشكل الذي أتاح لشعبنا حتى الان تحقيق افضل ما يمكن منه , اضافة الى ان هذا الجهد المشاكس يوفر موقفا سياسيا اكثر قوة للسيد اغاجان من الناحية الشخصية.

نعود الى موضوع المدارس الخاصة حيث يبدو ان الكثيرين يتفقون, كما يؤكد الاستاذ سامي , على ايجابياتها والحاجة اليها , ان اساس نجاح اية مؤسسة تعليمية وتربوية في عراق اليوم يقوم على جملة امور ربما من اولوياتها ان تتوفر لها كل الامكانيات المادية , ومن ذلك ان يمتلك الكادر التعليمي والتدريسي كل مقومات الحياة الحرة الكريمة او يكون هذا الكادر من الزاهدين في الحياة المادية , كالمثال الذي ذكره المقال السابق ودعمه بشرح رائع مقال الاستاذ سامي  ,ونقصد المدارس التي كانت ترعاها بعض المؤسسات الكنسية , ولاننا نتعامل مع حقائق عالم اليوم حيث شهية العالم المادي تُسيل اللعاب واصبح من العسير على الحب ان يقاوم العيش في كوخ من القصب والبردي  , و حتى ( ملحنا المركز ), كما اشار الاستاذ سامي , اصبحت تنتشر فيه بعض الشوائب التي باتت تتصرف وكانها ( حاصدات بألوان  مختلفة ) تتسابق مع الزمن بحثا عن حقول تحصدها فتلقي بالغلة لذويها ومعارفها, ومن هنا تبرز الحاجة الى تمويل وامكانيات عالية تساعد على تحقيق النتائج المرجوة. ولكن نقطة الخلاف الجوهرية تكمن في مصدر تمويل هذه المدارس , حيث كان المقال قد دعا بوضوح السيد اغاجان ومن خلال الجهد الذي يشرف عليه الى المساهمة الجدية في هذا المشروع , بينما يثير هذا التمويل مخاوف البعض من احتمال ان تكون هذه الاموال المجهولة المصدر, بالنسبة اليه , سببا في ان تكون  تلك المدارس ساحة لتنفيذ اجندة لا تنسجم واهداف شعبنا , بل لاتنسجم مع الغاية التعليمية والتربوية التي من اجلها تقام تلك المدارس. ان مسالة الحذر والتخوف من بعض اليات تنفيذ اي مشروع هي قضية مشروعة , كما ان الدعوة الى التمحص والاستبيان وتعقب وتدقيق جذور شجرة الاساليب هي دعوة لا شائبة فيها, ولكن من جانب اخر فان اية نظرة تحليلية بسيطة بخصوص الاموال التي تنفق من خلال برنامج السيد اغاجان تشير الى  اقتناع الجميع , مضافا اليه اعتراف السيد اغاجان شخصيا , في ان هذه الاموال ليست شخصية بحتة او موروثة عائليا , كما انها ليست اموالا كردية , حيث لو كانت كذلك لكانت المؤسسات السياسية  الكردية قد رصدت مثلها في التوجه الى شرائح اخرى في المنطقة مثل الايزيديين والشبك في وقت يبدى هؤلاء حماسا اكثر في العمل لتنفيذ ما يعتقدون انها اهدافا واجندة كردية, وعلى هذا الاساس إن كانت هذه الاموال قد تم تخصيصها من جهات معينة لشعبنا فمن حقه ان يستفيد منها , وإن كان الموضوع بشكل عام ينتابه بعض الغموض ويدخل في باب المغامرة فما احوجنا الى التكاتف والعمل المشترك  ,والتعامل بحكمة الحيات , ان اقتضى الامر , لخروج المركب سالما من هذه المغامرة , لان الجميع بلا استثناء اصبح جزء منها , حتى من كان ولايزال متحفظا او معارضا لها. ان الذي يخشى , بدافع الحرص والوقاية , من اللغز الكامن وراء هذه الاموال فيحاول الجلوس بعيدا تيمنا بالمثل المصري الشهير ( إبعد عن الشر وغنيلو ) عليه ان يعرف انه , شاء ام أبى , هو في قلب اللعبة وفي مجرياتها الانية ونتائجها المستقبلية , هذا لايعني اطلاقا الاستسلام للواقع بما فيه من جوانب مشرقة و بقع مظلمة , بل العمل الدؤوب والمخلص , وانطلاقا من دافع الحرص عينه  ,للمشاركة في تلميع ماهو مشرق , وتقديم ارقى ( المنظفات النقدية ) الكفيلة بتنظيف وازالة تلك البقع . ثم اي المناهج ستكون اكثر ثقلا على شعبنا , هل هي المناهج الدينية المتطرفة التي ستسود في حال حسم الوضع العراقي لصالح التيار الديني المتزمت , أم المناهج التي توضع لمدارس خاصة يساهم السيد اغاجان في تمويلها؟ ان الدعوة الى تشكيل لجنة قومية وطنية تاخذ على عاتقها تنفيذ هذا البرنامج لايعني اطلاقا تسمية ( هيئة للمقاولة الجديدة ) على غرار غيرها من لجان المقاولات في الجوانب الاخرى , بل ينبغي ان يكون اختيارها بدقة متناهية , يُعرف اعضاؤها بغيرتهم واخلاصهم  وحرفيتهم وعدم تهاونهم مع الخطوط الحمراء ويدركون خطورة المهمة الموكلة لهم , ماهرين في ابتكار الوسائل والاساليب التي من شأنها الارتقاء بمستوى الفعل والنتائج , كذلك التي توفر جدارا شعبيا ووطنيا و دوليا من الحماية من اية اجندة غير مرغوبة , كالعمل مثلا لربط المشروع المقترح بمنظمة اليونسكو وهيئات ومؤسسات دولية اخرى في دول تمتاز بحياديتها وتهتم بتقديم المساعدات ورعاية مشاريع من هذا الطراز , كدول شمال اوربا مثلا. والاهم قبل كل هذا ان يجتمع في هذه اللجنة مختلف اطياف شعبنا ومؤسساته السياسية والاجتماعية على اعتبار ذلك هدفا قوميا ساميا لايتحمل المتاجرات السياسية الرخيصة. لقد قرر حزب المعارضة الرئيسي في السويد قبل ايام ان يذهب الى ما ذهبت اليه الحكومة , ويدعم مشروعا جديدا تقدمت به تلك الحكومة لتطوير البرنامج التعليمي للمدارس السويدية عن طريق وضع ضوابط جديدة للمراحل الدراسية التي ينبغي ان يبدأ فيها تقييم اداء الطالب خلال السنة الدراسية.

ترى هل يكون التعليم والمدارس مناسبة يستثمرها ممثلو شعبنا للجلوس الى مائدة دافئة قيمة بنقاشاتها ونتائجها , فتضع لبنة على طريق توحيد الجهد بعد ان تكسرت موائد اخرى خلال هذه السنين في سجالات سياسية لم تكن في نتائجها وافرازاتها إلا حلقات مريرة من برنامج الاتجاه المعاكس , لايعوزها سوى فيصل القاسم ودعاية قطر للبترول او للغاز.





72
التعليم والمدارس وبرنامج السيد سركيس اغاجان

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كانت مناسبة طيبة ان اسمع السيد سركيس اغاجان وهو يقول في احدى زياراته لمدن وقرى شعبنا ان بناء الانسان هو اهم بكثير من بناء البيوت , مما يعطي اشارة مشجعة لدى السامع في إدراك , من يتصدى لقضية شعبنا حاضرا ومستقبلا وهو ثقل مهم فيها , لوجوب بناء قاعدة بشرية صحية لذلك الجهد يمكن ان تكون هي الوسيلة في الحفاظ على  كل المكتسبات المادية كما هي في االوقت نفسه غاية تلك المكتسبات . وهنا تحضر دائما للذهن تلك القصة المعروفة لرئيس الوزراء البريطاني ايام الحرب العالمية الذي اخبره مستشاروه بان الفساد وخراب النفوس قد استشرى في البلد فتساءل مستفسرا فيما اذا كان ذلك قد نال قطاعي التعليم والقضاء فأُجيب بالنفي , فحمد الله على ذلك.

اعتقد ان الاجابة عن وضع المدارس والتعليم الان في العراق بصورة عامة كما في مناطق شعبنا لايترك السائل يكرر نفس جملة رئيس الوزراء البريطاني فيحمد الله كثيرا. وهنا ليس القصد اطلاقا تحميل ادارات المدارس والهيئات التعليمية والتدريسية وحدها مسؤولية كل ذلك , بل نفهم جيدا ان هذا الحال هو جزء من افرازات الظروف المعقدة التي مربها الوطن والتي بدأت حتى قبل الاحتلال, لكن المقصود بهذه السطور اننا امام وضع و مشكلة خطيرة جدية ستلقي بضلالها على الامد البعيد على مستقبل شعبنا ومن الضرورة محاولة استكشاف حلول انية او جذرية لها, حيث  اعتاد شعبنا الكلداني السرياني الاشوري على ان يمثل وباعتراف الاخرين جزءا مهما من النسيج العراقي ليس بقيمته العددية في نسبة السكان ولكن بما يمثله من ثقل بشري نوعي متميز في حجم الطاقات التخصصية التي يمتلكها.

ليس غريبا ان نتابع اخبار التعليم والمدارس في الوطن في كل اتصالتنا بالمعارف والاصدقاء , فلذلك اسباب عديدة تتمثل في انتمائنا الحرفي الى هذه المهنة وكون اغلب اصدقائنا ومعارفنا جزء منها , اضف الى ذلك الاهتمام الكبير الذي يلقاه التعليم والمدارس في السويد حيث ان هذا الملف هو احد الملفات الرئيسية المتقدمة في السجالات السياسية والجولات الانتخابية , بل ان اغلب السويديين يمكن ان يعرفوا اسم الوزير الذي يشغل حقيبة المدارس ولكنهم يجهلون اسم زميله الذي يشغل حقيبة الدفاع او الداخلية , فوزير المدارس هنا شخصية مؤثرة ووزارة المدارس وزارة من الدرجة الاولى تتقدم بخطوات على وزارتي ( اصحاب المسدسات والمدافع ) اي الداخلية والدفاع. وهكذا فالواقع يشير الى  ان مستوى التعليم ( واقصد هنا سهل نينوى بصورة خاصة ) قد اصابه ما اصابه من تاثير سلبي بفعل الظروف البيئية والوطنية المحيطة . ربما يعترض البعض بالقول بان مدارسنا في سهل نينوى هي افضل حالا من كثير غيرها في مناطق اخرى ساخنة او باردة نسبيا في العراق وهنا وقع هذا البعض مرة اخرى في شرك المقارنة مع الاسفل في الوقت الذي يجب ان تكون المقارنة مع الاعلى . استنادا الى ما تقدم وعلى ضوء الامكانيات الكبيرة المتاحة من خلال جهد السيد سركيس اغاجان وانطلاقا من دعوته المشار اليها اعلاه للاهتمام ببناء الانسان , يمكن تحقيق خطوات جدية على صعيد تطوير التعليم في منطقة سهل نينوى كما لعموم شعبنا . فكيف السبيل الى ذلك ؟

هنالك خياران يلوحان في الافق , يتمثل الاول في محاولة تطوير وتحديث وترقيع ما هو موجود حاليا , اي المدارس العاملة في الزمن الحاضر واعتقد ان هذا الجهد يمكن ان ياتي ببعض الثمار لكنه لن يحقق كل الطموح , ناهيكم عن ان العمل في هذا الخيار يصطدم بالروتين الرسمي حيث كما هو معروف ان جهد السيد اغاجان هو لحد الان جهد شعبي في  منطقة سهل نينوى وهذه المدارس تنتمي رسميا الى مديريات للتربية تابعة لمحافظة ليس للسيد سركيس اغاجان اية علاقة رسمية بها , ومع ذلك لا ضير في العمل بهذا الخيار واستغلاله لجني مايمكن الحصول منه من ايجابيات.

اما الخيار الثاني والمهم فيكمن في محاولة وضع الية وفق برنامج مدروس لافتتاح مدارس اهلية مجازة رسميا في تلك المناطق على ان لاتكون هذه المدارس نسخ اخرى من المدارس الحكومية , بل يراعى ان تكون هنالك قوانين وضوابط خاصة صارمة في اختيار الادارات والكوادر كما في اختيار الطلبة وتتوفر لها كل الامكانيات التي تتركها تؤدي مهمتها وتحقق اهدافها . قد يعترض البعض مرة اخرى بدعوى ان المدارس الاهلية قد تكون سببا في ازدياد فجوة الانشطار الاجتماعي والفارق الطبقي وهو ادعاء لااساس له من الصحة لان هذه المدارس الخاصة التي يمكن ان توفر فرصا تفضيلية من خلال دعم السيد اغاجان لها لاصحاب المواهب والمتميزين , وفق اختبارات وضوابط , بغض النظر عن خلفية عوائلهم الاقتصادية يمكن ان تحد بشكل كبير من ظاهرة التدريس الخصوصي المستشرية والتي ترفع بسارية عالية هوة الفوارق الاجتماعية . من ناحية اخرى , ليست مدارس سهل نينوى او مدارس العراق باي شكل من الاشكال في واقعها الحالي افضل من المدارس السويدية الرسمية التي يضرب بها المثل , ومع هذا فقد شاعت في السويد في الفترة الاخيرة ظاهرة الاقبال على المدارس الحرة الخاصة حتى ان وجود كليهما اي المدارس الرسمية والخاصة قد اشاع فرصة كبيرة للتنافس بينهما. شخصيا يتعلم ابني في احدى هذه المدارس وهي المدرسة الانكليزية وهو في الصف السادس الابتدائي واشعر بالسعادة والفخر وهو يحكي لي عن خطواته الموفقة في  تعلم الانكليزية والسويدية والفرنسية والعربية اضافة الى المواد الرئيسية الاخرى كالرياضيات والعلوم والاجتماعيات والموسيقى والرياضة . كما ان وجود هذه المدارس الاهلية يمكن ان تكون عاملا مهما في المحافظة على الخصوصية القومية التي يختص بها شعبنا , وخاصة في مجالات اللغة والتراث حيث السريانية في هذه المدارس ستكون لغة رسمية ( قولا وفعلا ) حالها حال اللغات الحية الاخرى , كما اننا يجب ان لاننسى ان الذاكرة العراقية تحفظ لابناء شعبنا المسيحي قدرتهم الفائقة في جعل هذه المدارس بؤرا تعليمية وتربوية مشعة , ودليلنا على ذلك ان تجارب سابقة كانت محط انظار واعجاب الكثيرين حتى ان الكثير من غير المسيحيين كانوا يرسلون ابنائهم الى تلك المدارس كما انها رفدت البلد بطاقات خلاقة. ربما تكون من الحرية الشخصية ان يعتقد البعض ,و بل ويؤمن , ان التعليم والمدرسة هما تسلية وتمضية للوقت يقضيها الطفل او الفتى حتى يكبر فيجد له اهله ( شغلة بيها خير ) , ولكن المسؤولية الاخلاقية والاجتماعية تلقي على اصحاب الفعل والتاثير واجب انتشال كل الطاقات الابداعية الواعدة , المؤمنة بخط التعليم والدراسة والمولعة في عشقه او التي قررت ان يكون هذا هو خيارها في الحياة , من البيئة التعليمية والتربوية التي تعاني امراضا خطيرة خشية اصابتها بالعدوى لان الحكمة توصينا ان لانربط الجرباء جنب صحيحة خوفا على الصحيحة من أن تجرب . ان  المدارس الخاصة النموذجية يمكن ان تكون حلا ناجعا في الطريق الى هذا الهدف.

لقد تابعت كما تابع غيري اللقاء الذي اجراه احد الاخوة الاعلاميين مع السيد سركيس اغاجان والذي اوضح حجم الجهد الكبير الذي قام ويقوم به السيد اغاجان في حملة اعمار مدن وقرى شعبنا , وارى ان الوقت قد حان ايضا ليصرف السيد اغاجان ويخصص عينا من جهده لقطاع التعليم والمدارس لان الواقع الراهن يمثل فرصة تاريخية لشعبنا لبناء قاعدة بشرية متقدمة علمية يمكن لها ان تلعب دورا كبيرا في المستقبل من خلال التربع بجدارة على صنابير معظم الحلقات العلمية في البلد. وعلى هذا الاساس ندعو السيد سركيس اغاجان الذي حقق خطوات لايمكن , لخصم او صديق , نكرانها في مجال الاعمار الى تدشين مشروع تطوير التعليم في شعبنا من خلال تاسيس هيئة وطنية تضم نخبة خيرة من كفاءات الداخل والخارج يمكن ان تضع برنامجا كبيرا وطموحا في هذا الشان.

لقد كنت ارغب في الكتابة في هذا الموضوع بصورة شخصية الى السيد سركيس اغاجان وليس عن طريق الكتابة الحرة على مواقع الشبكة الالكترونية ولكنني لم افلح رغم كل المحاولات من الحصول على الايميل الشخصي الخاص به فقوبلت بالاعتذار من الجهات التي سالتها عن ذلك ! .
على كل حال ,اذا لم يحالف الحظ المقال ووصل عفويا الى عنوانه , يغمرني الامل في ان ( المخلصين ) من ابناء شعبنا الحريصين على حاضره ومستقبله , الذين استنسخوا مقالات سابقة وهرولوا بها مسرعين الى اربيل ليضعوها على طاولة السيد سركيس اغاجان سيعيدوا فعلهم المخلص ويفعلوا الشئ ذاته مع هذا المقال ايضا.

73


من أهل الذمة الى أبناء الجالية- طريق الألام

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

درجنا نحن الشرقيون على الاعتقاد ان قلع شجرة من حديقة دار او مكان ما, هو نذير شؤم لمن يسكن الدار او تلك المنطقة التي تقع الشجرة بالقرب منها, وقد اتفق قراء الطالع على ان عاقبة عملية القلع هذه على الدائرة القريبة يمكن ان تكون واحدة من  ثلاث , مرض احدهم اورحيله وتركه للمنطقة اوموته. ربما يكون الغربيون يذهبون في الاعتقاد الى ذات المنحى حيث لاحظت قبل اسابيع ضجة قد نشبت في الصحف المحلية في المدينة السويدية التي اسكن فيها بسبب بضعة اشجار تتوسط احد الاحياء السكنية يفكر مجلس بلدية المدينة في اتخاذ قرار باقتلاعها. هذا هو الحال مع اقتلاع الاشجار فما بالنا باقتلاع الشعوب بجرة قلم ! , كما حدث عندما قرر مكتب السيد رئيس الوزراء العراقي , بقصد او في محاولة خبيثة لجس النبض  , اعتبار المسيحيين جالية دون تحديد لمقر سفارتها او اسم سفيرها ! فحاول ذلك المكتب , الذي يشكو من ضعف الفعل ووهزالة النفوذ , دفن تاريخا يمتد الى الاف السنين بصم المسيحيون فيه بالدم حبهم للعراق قبل الاخرين ومعهم , وكانوا على الدوام الوردة المتميزة في باقة وروده , وملحه الذي بدونه لاطعم له. أم ان المسيحيون العراقيون قد كُتب عليهم ان يكونوا كفَارة رحيل الاحتلال وملحقاته او مرضه او موته حالهم حال معلمهم المسيح له المجد الذي قرر ان يصعد خشبة الصليب ويموت عليه استحقاقا لثمن الخطيئة وليعود الانسان متصالحا مع الله من جديد.

اتذكر مرة كنت في القطار على الطريق بين بغداد والرمادي متوجها الى جامعة الانبار حيث كنت اعمل, كان ذلك في نهايات التسعينات , حيث كانت مخالب الحصار الاقتصادي المفروض انذاك على العراق قد اصبحت اثارها واضحة على الجسد العراقي النحيل , فكان بعض الاساتذة من خارج الرمادي يجدون في استعمال القطار للوصول الى الجامعة الوسيلة الافضل , لرخص ثمن التذكرة و كون القطار مخصص للجامعة , اي انه يترك المسافر يصل مباشرة اليها دون ان يلجأ الى الانتقال من مأرب الى مأرب ( كراج الى كراج ) في حالة استخدامه الباصات او العربات الصغيرة , كما ان عدم وجود ازدحام كبير في المسافرين بالقطار كان يتيح الفرصة للانسان ليختلي مع من يرتاح اليه في احدى الكابينات ويفتح قلبه بالحديث عن المعاناة , بينما كان من يرى نفسه مجهدا يقفل باب الكابينة عليه ليذهب في قيلولة نوم دون ان يشك في ان رفاقه سيضربون باب الكابينة للتنبيه عند الوصول. في تلك المرة كنا ثلاثة او اربعة على ما اذكر جمعتنا الكابينة وكان جميعنا من الذين قد فعلت المعاناة بهم فعلها حد النقمة , ولذلك فقد انفتحت قرائحنا لتصول وتجول في وضع البلد وتستعرض حكايات عنه, كان احدنا , وهو صديق واخ عزيز , يعمل خارج اوقات الدوام في شارع المتنبي , ولذلك فقد كان قريبا وملما بحركة الثقافة والادب فقرأ لنا قصيدة قال انها للراحل الجواهري نظمها ردا على قرار الحكومة تجريده من الجنسية العراقية ولازلت لحد اليوم اتذكر احد ابياتها
سَلْ ( .........)
مَنْ العراقي انت أم انا
عندما اعلنت قناة الشرقية الفضائية عن تقديم حلقات متسلسلة عن الجواهري في ذكراه , قام بتقديمها الكاتب والصحفي العراقي المشهور الاستاذ حسن العلوي , بذلت قصارى جهدي لمحاولة متابعة تلك الحلقات عسى ولعل الاستاذ العلوي سيُعرج على موضوع القصيدة تلك ولكنني لم افلح في تحقيق متابعة كاملة لتلك الحلقات ولا اعرف ان كان قد مرعليها أم لا , لذلك تبقى حكاية نسب تلك القصيدة الى المرحوم الجواهري هي رواية مسموعة من ذلك الصديق فقط  دون ان اتحمل مسؤولية تاكيدها او نفيها.

على اية حال , إن كان الجواهري أم غيره , فان مايهمنا هنا هو ان قوة البيت بل انحداره الى الدرجة السوقية توضح للقارئ اي نوع من الغضب الذي يرقى الى درجة الهستيريا هو ذلك الذي يصل اليه المرء عندما يرى ان قوة ما تحاول ظلما سحقه من جذوره. اما اذا كان البيت صدقا للجواهري فانه يكشف للعيان تاثيرا مضاعفا لفعل الانتماء الى الوطن في نفس المنتمي حين يترك شيخا هرما , كالجواهري في حينه وهو شاعر العرب الاكبر , يفقد اعصابه ويصبح غير قادر على ضبط استقرار وهدوء نفسه , لانه يرى ان قرارا قد جاء اليه كموجة تسونامي تكسر ظهره , حيث انتمائه وجنسيته هما شخصه وحاضره كما اجداده وماضيه كذلك ابنائه واحفاده. ترى كم من المسيحيين ينتابهم الشعور في قول مشابه وهم يتقبلون الصاعقة باعتبارهم جالية في  العراق ؟ !

لقد بقي المسيحيون الشرقيون ومنهم مسيحيو العراق يتطلعون لمئات السنين لنظام يعتقهم من النظرة الدونية للبعض على اساس انهم من اهل الذمة , حيث بقيت ( سخونة ) هذا الشعور المحبط ملازمة لهم وجزءا من حياتهم على مر الاجيال , وقد توهم البعض او أوهم نفسه بدافع التمني عندما اعتقد ان المناخ السياسي الذي انتجه الاحتلال يمكن ان يكون علاجا لتلك ( السخونة ) فاذا بالسخونة تنقلب الى ( حُمَى ) خطيرة ومرض صعب يستهدف المسيحيين حياة و وجود , ناهيكم عن تهميش يكاد يكون كليا في الحياة العامة . لم يكن سهلا على الكثيرين من المتعطشين للتغير , املا في وطن ترفرف عليه رايات العدالة والرفاه والحرية , ان يفطنوا الى كمية التفاح الفاسد في اسفل الصندوق الذي جاء به الاحتلال. لقد سجل البعض الاحتلال وابنائه بضاعة مُلزمة الدفع لشعبنا المسيحي في وقت يرى شعبنا المسيحي انه ليس من هواة التجارة بهذه البضاعة وهي اصلا لاتستحق ان يغامر من اجلها بقرش احمر. سمعت احد الاخوة الاشوريين يتحدث في قناة المستقلة فيقول انه سأل الرئيس العراقي جلال الطالباني قبل الاحتلال عن ارائه حول القضية الاشورية ( هكذا اطلق على تسميتها وهو يقصد يقينا حقوق شعبنا الكلداني السرياني الاشوري ) , فقال له حينها انها جنبا الى جنب مع القضية الكردية والقضايا الوطنية الاخرى , ثم يستطرد الاخ الاشوري المسيحي في القول فيقول انه سئل الرئيس الطالباني ثانية نفس السؤال قبل عام , اي في 2006 فاجابه الطالباني باسلوبه المرح المعروف وصراحته المعهودة , انها اي القضية الاشورية اصبحت على عمق مترين في الارض , ونحن الان على مشارف نهاية 2007 حيث من المؤكد ان الحفريات المستمرة في هذه القضية قد تركتها تقبع في اعماق سحيقة في مأمن من الكوارث الطبيعية !. ربما تكون شخصية الرئيس الطالباني مثار خلاف في نقاط معينة , لكنني اعتقد ان الخصوم والاصدقاء يتفقون على النزعة العلمانية وغياب التطرف الديني كسمات واضحة في شخصية الرجل , ولذلك لايمكن ان يكون شخصيا عاملا معرقلا لبناء مجتمع قائم على المساواة وتكافؤ الفرص بعيدا عن التمييزعلى اساس الانتماء الديني او المذهبي , اوعلى الاقل في العمل لكي ينال كل اطياف الشعب العراقي حقوقهم المشروعة و على  هذا  االاساس لا نتوقع ان يكون جواب الطالباني هذا منطلقا من مواقف مبدئية سلبية تجاه حقوق شعبنا ليرى فيها بعض القياديين في الاتحاد الوطني الكردستاني فرمانا يمنحهم حرية التحليق في فضاءات اقصاء شعبنا وإنكار تاريخه ووجوده , ولكن مشكلة الطالباني تكمن في انه يرى ان كثيرين , ممَن رفعوا معه نخب الديموقراطية والعدالة والمساواة في مؤتمرات لندن وصلاح الدين وغيرها , قد اتخذوا لانفسهم رداء اخر عندما اصبحوا في بغداد. ان هذه الظاهرة تشابه تماما ما كان يفعله بعض طلبة البعثات والزمالات ,حيث ما ان يصل الطالب الى بلد الدراسة في احدى الدول الاوربية حتى تراه قد منح كل ارائه وافكاره اجازة طويلة فاصبح كل شئ حلالا زلالا, ولكن ما ان تنتهي الدراسة ويعود الى الوطن حتى يتخذ صورة اخرى. جاء مرة احدهم , وكانت تجمعنا معا صولات وجولات في بلد الغربة , ليقول لي انه اصيب بالارق حيث لم يستطع النوم لانه راح يفكر في حالي ومصيري ووجد انه لباعث على الاسى ان يذهب رجل ( طيب ) مثلي الى النار لانني لاأستوفي شروط ومؤهلات دخول الجنة , فقلت له إن كنتَ قد اصبحت ضابط سيطرة أمن الجنة وتتحكم في كارتاتها الخضراء فانني ارى افضل لي ان اقابل ابا رغال حيث يكون من ان التقي بك في الجنة . لانتحدث هنا عن التائبين التوابين الصادقين فهؤلاء محل تقدير واحترام , كما تجدر الاشارة الى وجود ملايين اخرين , منهم اخوة واصدقاء اعزاء , من الذين يَسْمون بالدين ويسمو الدين بهم فتراهم نموذجا رائعا في التعامل مع النفس الانسانية بغض النظرعن خلفيتها الدينية او المذهبية او القومية , ولكننا نتحدث عن اؤلئك الذين هم في الحياة كما في السياسة مثل البوصلة التي تحرص على ان تبحث دوما عن الشمال الذي يناسبها , حيث لو دار الزمن دورة ثانية وسنحت فرصة اخرى لعادوا المسلسل من جديد , والطامة الكبرى عندما يتمكن البعض منهم في غفلة من الزمن من التسلل الى دائرة النفوذ ومركز القرار. وعلى هذا الاساس واستنادا الى واقع راهن فيه بعض اصحاب النفوذ امثلة لهؤلاء حيث الصراع  في اقصى درجاته لاغتنام الفرصة  والاستحواذ على اكبر قدر من الغنائم , يكون الرئيس الطالباني قد اصاب الحقيقة المرة , حيث ( ابناء الجالية ) في نظرهم وتفكيرهم يعتبر ( مِنَة وفضلا ) وربما يعتقد البعض منهم في قادم الايام انه هو الكريم الذي منح شعبنا المسيحي حق الاقامة المؤقتة في العراق وهوالوحيد الذي يملك صلاحية انهائها وسحبها حين يشاء !.   

74
المنبر السياسي / الاكراد والفخ
« في: 16:41 28/10/2007  »
الاكراد والفخ
د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

هل شارف شهر العسل الكردي على نهايته , هل مكتوب على المساكين والمتعبين ان يشعروا بالراحة والاستفرار تأتيهم على شكل جرعات متقطعة او كمَات من الضوء كما توصي النظرية الكمية ؟ أم هل اصبح الراعي الامريكي والضابط  لمفاتيح المنطقة يرى ان ( دلاله ) للفتى الكردي اليافع قد قطع شوطا كبيرا الى الحد الذي قد تفلت الامورليمثل الفتى خطرا على نفسه والاخرين ؟ أم انها ذات اللعبة القذرة يتجرع علقمها الاكراد من جديد فيكونوا رقما في سوق المساومات الدولية والاقليمية لتعيدهم الى المربع الاول مرة اخرى او ترسم على الاقل لوحة خطوطهم الحمراء وتكتب فوقها حذاري من الاقتراب.

ان المتابع يجد نفسه مجبرا على الوقوف مليا امام الدوافع التركية المتناغمة مع الرغبة الامريكية وبعض الاطراف العربية والعراقية من التصعيد الاعلامي والسياسي لملف حزب العمال االكردستاني في الوقت الذي كان ولازال بمقدور تركيا ان تعالج  الامر بهدوء عسكريا وبالطريقة التي تراها مناسبة حيث كانت العملية ستمر ببضعة بيانات  استنكار تصدر هنا وهناك لتكون زوبعة في فنجان, ولهذا فالاعتقاد السائد  ان الهدف الرئيسي من هذا التصعيد يتعدى رؤوس  بعض قيادات ومقاتلي حزب العمال الكردستاني ليمثل بالدرجة الاولى محاولة ماكرة لسحب ارجل القيادات الكردية العراقية الى الحفرة المطلوبة فتخرج منها على الاقل ببعض الخسائر إن لم تسبب لها خسائر جوهرية.

ربما يشكل الموقف الراهن واحدا من اكثر المواقف حراجة للقيادات الكردية العراقية كونه يضعها على مفترق طرق خيارات مريرة , فالشعور القومي والاهداف القومية العليا ونظرة الشارع الكردي ,  اينما يتواجد المواطن الكردي , الى التجربة الكردية العراقية كونها الامل المرتجى ومحور الانطلاق نحو الامال القومية , مضافا اليه الايمان  الغريزي والعقلي للقيادات الكردية العراقية بالقضية التي يقاتل من اجلها رفاق عبدالله اوجلان الذين باعتقاد هذه القيادات لايهدفون السيطرة على انقرة وحكمها بالحديد والنار , بل كل ما يرمون اليه هو الحصول على حقوقهم في المناطق التي يتواجد فيها شعبهم كأكثرية, وولذلك ربما ترى االقيادات الكردية العراقية ومعها جزء ساحق من الشارع الكردي ان تأييدها وصف حزب العمال الكردستاني بالارهاب أشبه بمشاركتها في توجيه خنجر مسموم الى قضية شعبها ويعني ذلك ايضا دفن كل تاريخها الشخصي والقومي ونضالها وثوراتها وقتالها لعقود مضت بسبب وحدانية الهدف والاسلوب والقضية. من جانب اخر فان الافصاح عن المشاعر وتأدية الواجب القومي يعني ارتكاب جنحة سياسية لاتُحمد عواقبها في عالم اليوم حيث تهمة الارهاب ورعاية الارهاب تحتل المرتبة الاولى في قائمين المطلوبين ( للعدالة الامريكية ) وبالتالي دخول السجل الامريكي لتصنيف الاعداء , ولذلك فان موقف القيادات الكردية العراقية لايحسد عليه, شبيه بموقف العاشق المتيم بالحب الذي لايستطيع البوح بمشاعره لان الخبثاء يتربصون له وهم جاهزون لاستغلال اية اشارة او كلمة حب حتى ولو كانت بريئة فيلصقون به زورا وبهتانا تهمة محاولة ارتكاب الفاحش وخرق الشريعة.

ان تركيا التي يبدو انها ضاقت ذرعا بالقيادات الكردية العراقية حيث تعتقد ان توجهات هذه القيادات تمثل خطرا على مصالحها في تركيا والعراق على حد سواء قد ألت كما يبدو على نفسها ان تستثمر ملف المتمردين الاكراد في تركيا الى مداه الاقصى حيث تستخدم بكثافة اسلوب الاستفزاز املا في رفع درجة حرارة الرأس فيتقدم برد الفعل المطلوب في الطريق الى الحفرة, وما الاخبار الاخيرة التي تناقلتها الانباء عن رفض الجانب التركي مشاركة ممثلين عن الاحزاب الكردية العراقية في المفاوضات التي يجريها وزير الدفاع العراقي في انقرة إلا احد الامثلة على ذلك يضاف اليه امثلة وافعال اخرى دفعت وقد تدفع بعض المسؤولين الاكراد الى ردود افعال مقابلة , كل ذلك من اجل هدف اوحد يصل في النهاية الى محاولة جدية لوضع الاكراد في الزاوية الضيقة  فيعلنون وقوفهم رسميا و شعبيا الى جانب حزب العمال الكردستاني وبالتالي الى جانب ( الارهاب ) لتبدأ الصفحة الثانية من الملف . يحدث هذا في وقت يعلم الجميع ان تركيا تُمسك بالادارة الامريكية في مناطقها الحساسة حيث كيف يمكن لهذه الادارة ان تحجب عن تركيا حقها في مطاردة  (الارهاب ) وهو يقف على عتبة ابوابها الخارجية في الوقت الذي قطعت تلك الادارة البحار والمحيطات وألاف الكيلومترات لتطارد وتقاتل ( الارهاب ) حفاظا على بلدها كما تتدعي ومن اجل مصالحه العليا. وهنا ينكشف للعيان حجم الفوضى التي خلقتها الادارة الامريكية في العلاقات الدولية بسبب حماقاتها حيث من سيردع ايران مثلا لو قررت غدا ركوب موجة مكافحة الارهاب واجتياح العراق بحجة القضاء على منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة ؟ !

اما الادارة الامريكية فان اعادة تعيير اللاعبين والحلفاء المحليين يقع في مقدمة جدول اولوياتها حرصا على ضمان ان يؤدي الجميع الادوار التي تنسجم مع مصالح تلك الادارة وهي تقف بالضد من اية محاولة يقوم بها البعض لتسخير السياسة الامريكية في المنطقة لصالح اجندته الداخلية والوطنية خارج الحدود المسموحة , والسياسيون الاكراد يدركون جيدا هذه الحقيقة لابل يقرِون بحجمهم وتاثيرهم ومكانتهم في هذه الادارة ولذلك فان السياسي الكردي المستقل والمعتدل والواقعي والصريح ( بالرغم من ان الصراحة هي ميزة عامة لدى اغلب السياسيين الاكراد ) الدكتور محمود عثمان كان واضحا في الاجابة على تساؤل في احدى المقابلات التلفزيونية حول مع مَن ستقف الادارة الامريكية في النزاع القائم بين الاكراد وتركيا فاجاب بدون تردد ( مع تركيا طبعا ). لكن المسؤولين الاكراد يتخوفون من ان تكون الادارة الامريكية قد قررت في الغرف المظلمة بيعهم وبيع قضيتهم بالكامل في سوق المساومات الرخيصة كما غدرت بهم مرارا في تجارب سابقة, وقد تحدث السيد مسعود البارزاني في احد اللقاءات التفزيونية فاشار بمرارة الى غدر كيسنجر في سبعينات القرن الماضي بالقضية الكردية وقائدها المرحوم الملا مصطفى البارزاني.

ان الواقع السياسي العراقي بعد الاحتلال يُظهر تحفظا واحيانا إمتعاضا تبديه بعض الاطراف السياسية العراقية تجاه الدور الكردي المتعاظم وخاصة من قبل تلك الاطراف التي ترى ان هذا الدور يهدف الى إحراز تمدد في مناطق محسوبة عليها او في مناطق الاحتكاك معها, في حين ان اطرافا سياسية اخرى اصبحت تتحكم بعد الاحتلال بالقرار الرسمي التمثيلي في العراق معتمدة على الساق الكردية ينتابها الشعور في انها رهينة الابتزاز الكردي واسيرة ترضيته ومداراته على الدوام ( مثل الماء في الصينية ) كون الجانب الكردي يتعامل معها مستندا الى نقاط القوة التي يمتلكها في اقليم أمن مستتب ينتعش اقتصاديا واطراف منسجمة فيما بينها تتولى ادارة اموره بينما تعاني تلك الاطراف في المركز وفي مناطق نفوذها من نقاط ضعف داخلية ووطنية متشعبة , ولذلك ترى تلك الاطراف جميعا في الازمة الكردية التركية فرصة قد تفرز في نتائجها عوامل تؤدي الى تحديد وتحجيم فعل القرار الكردي على الساحة العراقية. ربما يتهمنا البعض باننا نشير هنا الى فقدان الثقة بين الاطراف السياسية المشاركة في العملية السياسية بعد الاحتلال ولكن الاداء السياسي لتلك الاطراف خلال الاربع سنوات الماضية والمشهد السياسي الذي نعيشه كانعكاس لذلك الاداء يؤكد ان التوجس والريبة والشك في النوايا هي سمات صارخة للعلاقات التي تحكم هذه الاطراف فيما بينها , ناهيكم عن ان نظام المحاصصة الذي دشنت به هذه الاطراف تلك العلاقات هو خير برهان على افتقارها لمستويات عالية من الثقة المتبادلة. ان الخطاب الكردي يتحمل ايضا جزءا من المسؤولية في النظرة المتحفظة لبعض الاطراف السياسية العراقية الى الدور الكردي لان هذا الدور بقي , ولاسباب قد لايتفهمها الجميع , يعطي انطباعا انه يعمل لكي تميل كفة الميزان لصالح الاهداف القومية الاثنية على حساب الاهداف الوطنية العراقية , قد يكون بعض المسؤولين الاكراد ينطلقون من حسن نية هدفها التهديد بغرض الحث الى اقصى درجة عندما يذهبون في خطابهم الى التلويح بانهم لن يكونوا جزءا من عراق غير اتحادي تعددي فدرالي ديموقراطي ولكن كثيرين من مناصري القضية الكردية من غير الاكراد يجدون في خطاب كردي يؤكد على ان الاكراد سيجاهدون ويناضلون حتى النهاية من اجل تحقيق هدف وطني نبيل يتمثل في عراقي تعددي اتحادي ديمقراطي فدرالي موحد هو الخطاب الاثر انسجاما للمصالح القومية الكردية والوطنية العراقية على حد سواء.

يكره الكثيرون الحديث عن نظرية المؤامرة لانهم سئموا استغلال البعض لها لتبرير سقوطهم فيها, بالرغم من ان رائحة المؤامرة في قضية الازمة الكردية التركية قد اصبحت تثير حساسية في الانوف . على كل حال اذا شئنا على تسمية مايحدث ( باللعبة ) فان دلائل كثيرة تشير الى ان هجمة مرتدة خطيرة قد انطلقت باتجاه الملعب الكردي وان الحكم الامريكي قد انفتحت كما يبدو شهيته ليعلن ضربة جزاء مثيرة لانه اصبح يرى ان تحقيق هدف على الاقل في المرمى الكردي في الظروف الراهنة هو حاجة ملحة.

 

 

75
   
باب الحارة – العراقيون ينتظرون أبوعصام   

د. وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

بالرغم من ان احداث المسلسل الدرامي السوري الرائع ( باب الحارة ) , والذي شاهده الملايين خلال شهر رمضان , قد دارت احداثه في منطقة صغيرة لكن الكثيرين قد ذهبوا في خيالهم وهم يتابعون احداث المسلسل الى التحليق في دائرة اكبر واوسع لتغدو (حارة الضبع ) نموذجا لاوطان وشعوب فيتمكن المشاهد عندئذ من تركيب قالب الشخصيات والاحداث على حال عاشه ويعيشه شعبه ووطنه  ويخرج ربما بنتائج ودروس مفيدة.

 ان نظرة حيادية تأملية في تاريخ العراق المعاصر, بما يزخر به من مصائب وويلات وحروب ودمار وعدم استقرار, تشير بما لايقبل الشك الى ان ازمة القيادة فيه كانت وماتزال سببا لايمكن بأي شكل من الاشكال اهماله في تلك النتائج. من المؤكد ان عوامل وطنية واقليمية ودولية عديدة اخرى لعبت دورها منفردة او مجتمعة , كلَُ وتاثيره , في مراحل التاريخ تلك , لكن ذلك لايعني على الاطلاق منح القيادات المتعاقبة شهادة براءة ذمة مطلقة كما هو من الاجحاف في الوقت نفسه إلقاء كل ما حدث جملة وتفصيلا على كاهلها , كل َُ في زمنه . ان الغاية هنا هي وضع تقييم علمي وموضوعي وواقعي للدورالسياسي الذي لعبه هذا و ذاك وليس المساس بالشخصية الانسانية بصفاتها الذاتية المجردة,  حيث نرى ان البعض يتجنى على الحقائق التاريخية عندما يرتكز فقط في حكمه على الاداء السياسي على قاعدة ( أذكروا محاسن موتاكم ) كما فعل البعض قبل فترة مع المرحوم الرئيس الاسبق عبد الرحمن عارف حين أُمطرت الصحف والمواقع الالكترونية بسيل غزير من المقالات والكتابات التي تشيد  بالرجل ومناقبه بعد اعلان وفاته , والاغرب من ذلك ان بعضا من تلك الكتابات سطَرها من يُحسب , او يحسب نفسه , من الثائرين عليه مما يترك لدى الاجيال التي لم تعايش تلك المرحلة الحق في التساؤل من مشروعية الثورة على الرجل حينئذ ! والمثال نفسه ينطبق على المراحل التاريخية الاخرى السابقة واللاحقة , كما اعتقد ان كثيرين يتفقون في ان الحكم على الاداء السياسي كاحداثيات متحركة يجب ان يُشاهَد ويُقاس وتبنى معادلات تقييمه استنادا الى احداثيات ثابتة في لحظة المشاهدة والقياس , ومن باب اولى ان تكون الاحداثيات الثابتة هذه هي احداثيات قياسية معيارية لما ينبغي ان يكون الحال عليه وليست احداثيات متحركة نسبية يوصي بها القول الشائع ( جرِبْ غيري حتى تشوف خيري ) حيث المقارنة الصحيحة يجب ان تقوم بين الواقع والعياري او التمني وليس بين الواقع والموجود او المتاح.

  وهكذا وعلى اساس ما تقدم يمكننا القول اننا في العراق قد جرَبْنا او لازلنا نجرب اغلب نماذج القيادة التي إستعرضها مسلسل باب الحارة باستثناء نموذج ( ابو عصام ) , فلدينا تجارب مريرة مع نماذج مشابهة ( للزعيم وأبو النار وأبو قاسم وحتى أبو شهاب ) في حين لازال نموذج ( أبو جودت ونوري ) بشكله المستتر اوالسافريحكي لنا قصة من يتبرع ليحاول توجيه المركب الى حيث مأرب الاسياد لقاء قطع من الفضة , ويوجد كمَُ متراكم من اصحاب ادوار مشابهة لادوار ( أبو حاتم وأبو بشير وأبو ابراهيم وغيرهم ) كما ان تجاربنا التاريخية تعكر دائما مزاجنا وتقزز نفوسنا وهي تقدم لنا ادوارا مليئة بالخسة والخيانة مشابهة ( لادوار ابو غالب وسطيف ), في وقت تشير الوقائع الى ان زمن الاحتلال يمثل البيئة الخصبة النموذجية التي تتيح لخلايا الخيانة والفساد ظرفا من الانقسام والتكاثر الغيرالطبيعيين والجرأة السافرة للعمل العلني.

لقد برهنت احداث العقود العشرة الاخيرة في العراق ان الذكاء والفطنة السياسيتين , التي لاتعيراهمية  تذكر لحرمة السيادة والاستقلال بل تؤمن ان الوطن هو جرم سماوي صغير يدور في فلك نجم او كوكب او حتى مجرة اخرى , حيث رئيس الوزراء سفير ذلك النجم او الكوكب او تلك المجرة في بلده , ليس طريقا لتحقيق الاهداف . كما ان النرجسية وافتقار القدرة على التمكن من مفاتيح السياسة والغازها واللجوء الى الحلول الهوائية على غرار واحد زائد واحد يساوي اثنان لايوصل القارب الى برالامان حتى ولو كان الربان مشهودا له بالعفة ونظافة اليد . اما اصحاب التطرف في الاندفاع ممزوجة مع سطحية التفكير والسذاجة السياسية فانهم يسقطون في المحطات الاولى من الطريق . كما ان القائد او الحاكم المتردد الضعيف المولع بالرتابة يُدخل البلد في مرحلة انتحار بطئ , في حين ان غيره الذي يسخر مالديه من امكانيات رغم محدوديتها لهدف وحيد يتمثل في تأمين نفسه قد يجد حاله في النهاية انه يفقدها اولا, اما الجرأة بغير حساب والاسيرة بحب المجد الشخصي محاطا بفريق من المطبلين في مناخ يفتقر الى الناصح الشجاع الامين , فكل ذلك أشبه بمركب صاخب مغامر لا أضوية فيه ويعتمد في دخوله وخروجه من الانفاق التي سريعا وغالبا مايقرر دخولها على ضربة الحظ وفعل الاعاجيب , بينما يبقى الذي اغرى الاجنبي بالمجئ ونذرنفسه لتنفيذ اجندتهم يشعر بالفزع الشديد كلما سمع تلميذا يقرأ في كتاب التربية الوطنية لانه يتذكر أنذاك انه في مهمة مؤقتة وحقيبة السفر يجب ان لاتفارق يده ويتوسل الى الله ان تنتهي المهمة بسلام.

ان الشجاعة لوحدها لاتكفي ولا الفطنة والذكاء وسعة التفكير لوحدهم , كذلك الحال مع الطيبة والمسالمة والمسامحة والكرم والعدل والنزاهة والتضحية ومحاسبة الذات, بل انها خلطة عجيبة من كل ذلك هي  الدواء الناجع للعراق, نعم قد يقع القائد او الحاكم او صاحب الامر ويرتكب خطأ او جملة اخطاء كما اخطأ ابو عصام , فليس معصوما من الخطأ انسان, ولكن الحكمة تكمن في تدارك ذلك ومحاصرته ومحاولة الخروج منه باقل الخسائروتجنيب الاخرين قدرالمستطاع دفع الثمن.

ترى ألا يكفي العراقيين مئة عام وهم على الابواب ينتظرون ظهور( أبو عصام ) فيتوقف مسلسل الفوضى والخرابيط والنهب والفساد والاخطاء القاتلة والجرائم والمأسي , وترتاح ( سعاد ) من دسائس ومؤامرات ( فوزية ) و ( فريال ) , وتنقل ( ام زكي ) اخبار الافراح , ويتزوج ويهدأ ( معتز) , وتنتهي معاناة المسكين ( ابو مرزوق ) من ابتزاز وسرقات أبناء الاحتلال , ويعود ( ابو عادل ) ليُكمل بانشراح قصص شهرزاد وشهريار؟! لايتوهم البعض ان الدعوة لظهور ( ابو عصام ) تعني إسقاطا لشعور الحنين الى الدكتاتورية بل اننا نعني بذلك شخصا وجماعة ونظاما ومؤسسات,   حالة متكاملة على حد سواء.
أما أن الاوان بعد هذه الاضعاف المضاعفة من السبع العجاف ان يجد العراقيون انفسهم على الطريق الصحيح حيث يلوح في الافق الجزء الاخر المشرق من الحلم الذي فسَره يوسف البار الصديَق الامين العفيف العادل المسامح الشجاع الحكيم !
عجِلْ فقد طال الانتظار يا أبو عصام.


76
الراقصون من وخزات الدنابيس
د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

 العجب العجاب في تصرفات بعض السياسيين والكتاب , اشباه كتاب وسياسيين كانوا او محترفين , يكمن في حرصهم باخلاص على استعراض امثلة حية على ازدواج الشخصية فيتكلمون عن الحرية ويلعنون الاقصاء في الوقت الذي يستخدمون ارخص الوسائل في التعامل مع الرأي الاخر , والمؤسف بحق ان يتطوع للقيام بهذا العمل او يُدفع للقيام به جريا على قاعدة ( خدعوها بقولهم حسناء ) مَن احتفظت له النفس بقيمة هي استحقاقه , مما يقف حاجزا امام اليراع ليسطِر ويفصِل على راحته الرد المطلوب.

منذ ان قررنا ولوج عالم الصحافة الالكترونية ومحاولة المشاركة في تقديم تحليل سياسي متواضع لما يحدث في المحيط فقد وضعنا نصب اعيننا هدفا محددا يتمثل في اجهاد النفس للترفع عن تقديم الانشاءات السقيمة التي تخبر القارئ بإسم من نقشها اكثر مما تفيده في مضمونها , والاتجاه الى معايشة الحالة بوصفها وتشريحها بما تستحق وقول ما نعتقده ونؤمن به دون مهادنة او تردد او خوف او اختراق لحدود الاداب والاصول , واضعين ورافعين ما نراه سلبا او ايجابا في الراية المخصصة له, نتعرض فيما نكتب الى مختلف المواضيع على مستوى شعبنا الكلداني السرياني الاشوري او في المجال الوطني فيما يخص شعبنا العراقي بشكل عام او في القضايا الاقليمية والدولية , مستخدمين نفس المشط مع الجميع ليس استعراضا للعضلات بل رغبة في التماس مانراه , خطأ او صوابا , انه الحقيقة , في الوقت الذي يحرص ( كتاب ميامين ) اخرون على الاستقواء واستعراض عضلاتهم على بعض ( المساكين ) من ابناء جلدتهم بينما يسحبون بنعومة بالغة مع غيرهم ! لذلك على هؤلاء الجلوس ( أعوجا ) والحديث ( عدلا ) عن الذي يمثِل بمهارة حركة النعامة والصوت النشاز ويصمت صمت القبور!. ان سعادة اي كاتب او سياسي تكمن في محاولته ليعيش معاناة شعبه ويكتب بقلمه ما تنطق به شفاه ابنائه , ولاينطلق في التعامل معه تعامل ( النخبة ) التي تسكن ابراجها العاجية وترسم له خارطة الطريق وتقول له اذهب انت وربَُك فقاتلا !

اننا نعي تماما اننا لانكتب جملا عابرة بل نقصد كل كلمة وحرف نسطره , ويشهد الله اننا نفعل ذلك بنية صادقة خالصة بعيدة عن كل اشكال التعرض الشخصي لكائن من كان , بل نتناول جوانب الموضوع سلبا وايجابا ونقصد فقط الدور والموقف السياسي لهذا او ذاك , فنتعامل مع العناوين وليس مع الانسان كشخصية اجتماعية مجردة من عنوانها  السياسي , وانه لغريب حقا ان نلمس تفهما واضحا لقراءاتنا النقدية من جانب احزاب وقوى كبيرة ونافذة على الساحة الوطنية كحزب الدعوة والاحزاب الكردية والوفاق وحزب الله اللبناني وغيرها , يظهر ذلك جليا في نشر ما نكتب على مواقع وشبكات اخبارية  محسوبة على هذه الاحزاب او تتعاطف معها , بل تراسلنا بريديا بكل مودة , بينما تفقد بعض دكاكين شعبنا السياسية القدرة على ضبط الاعصاب امام اراء تختلف معها . يا لبؤس وشقاء هؤلاء عندما يعتقدون ان ( فهلوتهم ) قد اتاحت لهم بجدارة فرصة رمي الكرة في الملعب المقابل بالادعاء بانه متورط بالاشتراك باحداث ارهابية تقع هنا وهناك في مدن قرى شعبنا في سهل نينوى او مستفيد منها , طالما انه لايذهب كليا فيما ذهبوا اليه. ترى هل يعلم هؤلاء  الفطاحل ان اتهام الاخرين بهذه التهم الخطيرة دون ادلة ملموسة تترتب عليه مساءلة ومحاسبة قانونية ؟ اذا كان من حق المتحمسين للاسراع في ضم سهل نينوى لاقليم كردستان ان يرى في تفجيرات تلكيف وبغديدي سببا اضافيا للانطلاق باقصى سرعة في مشروعه , فلماذا يُحرم على المقابل ان يرى في تلك الاعمال الارهابية دروسا ينبغي تحليلها والاستفادة منها واعادة تقييم الحسابات التي قد يكون من نتائجها التريث في اتخاذ قرارات مصيرية بما يحقق فائدة لكل الاطراف التي تمسها تلك القرارات , اما المزايدة على الموقف من التسمية الموحدة فعلى المزايدين ان يكونوا اولا بقرارة انفسهم مؤمنين قلبا وقالبا بالتسمية الموحدة ويبرهنوا على ذلك في كتاباتهم التي تفوح منها رائحة الاقصاء والاستعلاء قبل ان يُجهدوا انفسهم بتسويق التسمية الى الاخرين الذين لم يكونوا يوما من عشاق السباحة والغوص في مستنقعها . اننا نتمنى على هؤلاء ان يكون خيارهم في التسمية الموحدة والحكم الذاتي خيارا استراتيجيا بالرؤية التي يتبناها اصحاب الجهد الاساسيين في التسمية ومشروع الحكم الذاتي وليس تكتيكا مرحليا او موقفا يعبرعن نظرة حزبية سياسية ضيقة كونه يمكن ان يندرج في خانة النكاية بطرف ما , خاصة وان بعض هؤلاء وكما يظهر لاي مراقب ومتابع بسيط يعانون حتى النخاع من مرض عقدة الحركة الاشورية فاصبح نشاطهم ينطبق عليه القول ( حيثما يغيب زوعا يرقصون وحيثما يحضر ينوحون ) . لسنا هنا في معرض الدفاع او انتقاد موقف الحركة الاشورية بقدر ما نهدف الى وصف اداء البعض .

ان استخدام التاريخ او النشاط السياسي من كائن من كان كقميص عثمان في مصادرة حق الاخرين في طرح ارائهم وافكارهم هو امر في غاية الاستهجان لان الحياة السياسية ليست حكرا على فلان اوعلان حيث لايدخل الانسان معترك الحياة السياسية ليحمِل المجتمع ( مِنًة ). وهكذا نرى ان الكثير من المخضرمين وشيوخ العمل السياسي الطويل حريصين على عدم اللجوء والمزايدة والتبجح بالماضي السياسي في الوقت الذي نرى بعض الكائنات الحية السياسية الصغيرة يحلو لها ان تعزف على هذا الوتر صباحا ومساء , وكأن هذه الكائنات قد وجدت في مخلفات الحالة السياسية الراهنة حصة خالصة لها تخشى ان ينافسها عليها احد ! ناهيكم عن ان هذه الكائنات هي بعيدة حقا من ان تمثل مرجعية سياسية لها حق تقييم ادوار الاخرين ومنح شهادات فيها . اما استخدام بعض الاسطوانات المشروخة والشماعات البائسة فانه دليل صارخ على افلاس سياسي صريح , خاصة وان تلك الاسطوانات والشماعات اصبحت من فرط استخدامها خلال السنوات الاربع الماضية اشبه بخرق بالية اقرب الى ان تكون اوراق توت اصابتها الشقوق في الوسط والجوانب ولم تعد تنفع لستر عورات مكشوفة .

اذا كانت قرية صغيرة هي ( بحزاني ) , مع الاحترام الشديد لاهلها , هي التي ستقرر مصير سهل نينوى واذا كان شعبنا في سهل نينوى ليس رقما حاسما في مصيره فلماذا يبعثر البعض جهده في ( اوراق ثانوية ) ولايذهب للعمل مباشرة في ( الاوراق الرئيسية ) . اننا ننصح هؤلاء السياسيين الاذكياء من ابناء شعبنا الذين يبدو قد اصابهم الملل والتذمر وهم ( يضربون الماء فيخرج لهم ماء ) ان يركزوا جهودهم على العمل بين صفوف الاخوة من الايزيديين والشبك فيحرزوا تقدما اكثرعلى طريق اهدافهم . ليس مبالغة ولا غرورا او تكبرا, لكن شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في سهل نينوى هو مرأة المنطقة ووجهها الحضاري ومايمتلكه من امكانات بشرية هائلة في مختلف التخصصات كافية لتغذي وتدير مناطق جغرافية تتسع لاكبر من سهل نينوى .

حاشا لاي مخلص يمتلك نطفة من الانتماء ان يُطبِل او يُزمر او يُهلل او يشمت بمصائب اهله وشهدائهم وتضحياتهم , او يستثمر تلك المصائب لغايات سياسية رخيصة ,  ولكننا نبتسم ونشعر بالاسى في الوقت نفسه على اؤلئك الذين  وجدوا انفسهم بقدرة قادر يقفون على شجرة الموز ويقدمون لوحة من الرقص بفعل الدنابيس التي تأتيهم من كل فجٍ عميق.


77
تفجيرات قره قوش ( بغديدي ) وتُجَارالحكم الذاتي

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

 في الوقت الذي يتقدم فيه السيد سركيس اغاجان , وهو الاب الروحي لمشروع الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري , بخطوات هادئة ومحسوبة في ماراثون تحقيق هذا الهدف , نرى البعض من هواة لعبة البريد, التي هي احدى الالعاب المشهورة في العاب الساحة والميدان , يطالبون بالحاح بحث الخطى والسير بعيون مقفلة باقصى سرعة , فهم يعتقدون بضرورة اقتناص الفرصة وربح الزمن , متهمين من لايشاطرهم ( شطارتهم ) بما تمكن خيالهم من اكتشافه من اتهامات , فهؤلاء في نظرهم ( زوعاويون مشاغبون مرتدون ) او ( كلدانا متطرفون ) او ( كوادرا هي من بقايا النظام السابق لازالت تؤمن بنظام الحزب الواحد ) او ( مستقلون محافظون خائفون ) وغير ذلك من التصنيفات , كلُ ومايناسبه , فيضعون جميع هؤلاء على اقل تقدير في خانة العابثين بالمصلحة القومية , إن لم يكن بعضهم قد نال من اؤلئك ( الوطنيين ) بطاقة سفرته مجانا الى مستنقع الخيانة !  .

انها لمن السذاجة بمكان ان يعتقد هواة السياسة ومحترفيها ان اقتناص الفرصة في السياسة في عالم اليوم اشبه بتمكن قطة ما من الاستحواذ على اية قطعة لحم معروضة فتهرب وتتلذذ بها في احدى الزوايا, ان السياسة في عالم اليوم ليست معادلة خطية بسيطة يرى اي مبتدئ ان حلها لايتطلب حهدا كبيرا, وربما يكون هذا هو احد الاسباب الرئيسية في كثير من المطبات التي وقع ويقع فيها السياسيون في العراق ممِن اعتقدوا ويعتقدون انهم بحاجة فقط الى التفكير في الاوراق المكشوفة على الطاولة فتباغتهم العاصفة من المخفي تحتها . ان السياسي الناجح يجب ان ينظر الى السياسة كونها معادلة معقدة , بل يضع في باله ان يحسب حسابا لمتغيرات يرى غير السياسي امكانية اهمالها. هذا طبعا اذا كان هذا السياسي جزءا اصيلا من شعبه نذر نفسه من اجل مصلحته , يتذكر على الدوام ان دفة القيادة هي امانة في عنقه كونها تعني مصير الاف وملايين . اما من يعتقد ان دوره السياسي لايتعدى كونه وسيطا بين طرفين في اية صفقة ( شروة او بيعة ) له نصيب مقرر فيها فهو محق في التصارع مع الزمن لضمان نصيبه! انه لجدير بالاعتراف هنا في ان السيد سركيس اغاجان قد اظهر دراية مشهودة في ظروف وتعقيدات اللعبة , ويعي تماما ان المسير فوق حبل مشدود يتطلب اقصى  درجات الموازنة , ولذلك نراه يتقدم بخطوات مدروسة حذرة وتشير النتائج الى انها كانت موفقة , حيث اننا لم نسمع لحد الان تصريحا رسميا شخصيا من السيد اغاجان يدعو فيه الى ضم سهل نينوى الى اقليم كردستان مع العلم ان الجميع يعترف في ان السيد اغاجان له وجوده وثقله الجماهيري في سهل نينوى , بينما ينبري سياسيون اخرون غير معروفين في سهل نينوى ولاتملك احزابهم خمسة اشخاص فيه الى اعلان استراتيجية احزابهم الرامية الى ضم السهل الى الاقليم , بل يقررون مصير السهل في ندواتهم خارج العراق ولايجهدون انفسهم بعرض ارائهم وافكارهم اواعلانها  في لقاءات مشتركة مع  سكان الارض.

لا اعتقد ان هنالك مواطنا سويا يرفض او يقف عائقا امام طريق شعبه في نيل حقوقه ويرى في ان يتولى ابناء شعبه ادارة شؤونهم وتقرير مصيرهم في اي شكل من اشكال الحكم الذاتي هي ظاهرة سلبية ! , بل ان من ينادي باحترام حقوق الانسان واشاعة مبدأ تكافؤ الفرص بما يضمن لاي مواطن فرصة قيادة او المشاركة في قيادة اية مجموعة او شعب طالما يمتلك تلك المؤهلات يكون كتحصيل حاصل غير مقتنع بتسليم مصيره في حاضره ومستقبله بقيادة لم يتم اختيارها على تلك الاسس والمعايير, ولذلك نعتقد ان على البعض ان يكف في مزايداته على الاخرين في مسالة الحرص على قضية شعبنا من خلال اختصار الموقف من الحكم الذاتي بسؤال تتحدد الاجابة عليه ( بنعم او كلا ) . ان تجارب الحياة تؤكد ان القرارات المصيرية لايمكن ان تبنى على اساس تبويس اللحى او جبر الخواطر او ترك الامور للزمن , ولذلك نلاحظ في تنظيرات البعض لموضوعة الحكم الذاتي انه يلقي جانبا بكمٍ هائل من المسائل والقضايا الشائكة في اليات تنفيذه ليقررها الزمن مستقبلا وكل الذي يهمه هو الاستعجال ولملمة الامور للوصول باقصى سرعة الى حفل الاعلان الرسمي . لقد قلنا سابقا ونهمس ثانية في اذان هؤلاء االيوم في ان حفل اكليل الزواج ليس نهاية الزواج بل حجر البداية  في اساسه وبنائه , وعلى كل المخلصين تقع مسؤولية توفيركل مقوماته وركائزه السليمة اولا, اما من يعتقد ان بطاقة الدعوة الموجهة له هي فقط فرصة للترويح عن النفس وبضعة اقداح ( ومِزًات ) , فذلك شأن اخر. وهاهي اثار التجربة نعيشها اليوم حيث نرى الفوضى والمأسي في الشارع العراقي منذ اكثر من اربع اعوام والتي يمثل احد اسبابها الرئيسية وصول ( لملوم ) مما كان يسمى سابقا بالمعارضة العراقية الى التمثيل الرسمي للسلطة , حيث كانت اطراف هذا اللملوم يوحدها هدف واحد هو معاداة واسقاط النظام وتختلف على كل ما هوغيره , او اضطر بعضها تحت ظرف ما الى اعطاء وعود او محاكاة اطراف اخرى في ملفات معينة ليعود الان محاولا التملص منها !

من جانب اخر فان العرب تقول ( رحم الله امرءٍ عرف قدر نفسه ) وعلى هذا الاساس اعتقد ان وضع شعبنا المسيحي الراهن في العراق , وبالاخذ بنظر الاعتبار الظروف الذاتية والموضوعية التي يعيشها والتي تُحيط به , لايسمح كل ذلك بان يزايد احدنا بالقول والادعاء بان شعبنا يمثل احد اللاعبين الرئيسيين في الخارطة السياسية العراقية الحالية , لانقول ذلك تبجحا او شماتة بالنفس او إحباطا للمتحمسين بل اقرارا بحقائق مرة ملموسة على الارض , فبيننا وبين ( المطبخ السياسي الاعلى ) مسافة نوعية , بل يتميز شعبنا في الخارطة السياسية العراقية انه يتشابه مع الايزيديين والصابئة والشبك في ان هذه الاقليات في العراق هي الوحيدة التي تفتقر الى ( مخدة او راعِ ) دولي , باستثناء بعض الصيحات التي تنطلق بين فترة واخرى من الفاتيكان تطالب بايقاف الاعتداءات عليهم وضمان حقوقهم في المواطنة والحياة , على عكس الاطياف القومية والمذهبية الاخرى حيث يتكأ كل منها على مخدته , ايرانية كانت ام امريكية ام عربية ام تركية . ان الامر يبدو اكثر مرارة بما يسمح بدرجة اعلى من التوجس عندما تعجز هذه الاقليات وفي المقدمة منها شعبنا المسيحي عن ممارسة دورها حتى كلاعب ثانوي في اللعبة السياسية الوطنية لتصبح ورقة ضغط او مساومة لهذا الطرف او ذاك , وعندذلك تبدو المخاوف كبيرة لان التواجد كرقم في سجلات ومحاضر المساومة والصفقات السياسية يعني ضبابية اكثر كثافة في واقع و مستقبل ضبابي اصلا. ان تفجيرات قره قوش ( بغديدي ) الاخيرة يجب ان يستنبط منها القائمون على  امور شعبنا دروسا اضافية اكثر من كونها حلقات اعتيادية في حلقات سسلسلة العنف والارهاب التي يعيشها العراق في مختلف مدنه , كما ان فجوة الخلاف تتسع يوما بعد يوم بين حكومة الاقليم والحكومة المركزية والدروس والنتائج المستخلصة من تجارب التوافق والمساومات بين الحيتان الوطنية والدولية الكبيرة تترك في النفس مخاوف جدية تجعلها لا تضع في البطن ( بطيخة صيفي ) كما يقول الاخوان المصريون , بالرغم من ان القيادة الكردية قد برهنت طوال الفترة الماضية على مهارتها في الامساك بمفاتيح اللعبة , تحسب الحقل والبيدر جيدا وتتجنب تقديم خسائر جوهرية , و ان القيادة الكردية التي ابدت وتبدي حرصا مسؤولا تجاه شعبها ستكون بالتأكيد اكثر ترفعا  في هذه الظروف المعقدة والتي اكتسبت , شئنا ام ابينا مسمياتها ,من ان ترضى بوضع الاخرين في السندان الكردي ليكونوا تحت مرمى المطرقة العربية , وعلى هذا الاساس يسود الاعتقاد في ان القيادة الكردية تتعمد في اعطاء الاذن الصماء للدعوات الحماسية التي يطلقها البعض بين الحين والاخر في المطالبة بالاسراع في تنفيذ ضم سهل نينوى الى الاقليم , بل نكاد نجزم في ان هنالك تناغما غير مقصود في الرؤى وتوافقا في النظرة الى الواقع وتطابقا في تقييمه يُجمع عليه ويشترك حوله القيادة الكردية وسكان سهل نينوى على حد سواء .

وفي كل الاحوال يبقى اهل شهداء قره قوش وذويهم وجيرانهم واهل ضحايا وشهداء المناطق الاخرى في سهل نينوى , او بمعنى اخر سكنة السهل اليوم , هم اصحاب الكلمة الفصل في تقرير مصيرهم ومستقبلهم و كلمتهم الفصل هذه ينبغي ان تخرج من قره قوش وتلكيف والقوش وبرطلة وتللسقف وغيرها وليس من استوكهولم او باريس او اوسلو او ديترويت او غيرها , وخير مانفعله لهم هو مناصرتهم ومساندتهم في اي قرار يتخذونه وان نكون صوتهم حيث لايصل صوتهم او يكون مبحوحا , وعلى هذا الاساس ارى مع الاستاذ الفاضل جميل روفائيل ان المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري الذي تاسس على نتائج مؤتمر عنكاوة هو خطوة ايجابية , بالرغم من كل المأخذ عليها , خاصة  بعد انضمام بعض التششكيلات السياسية الصغيرة في شعبنا تحت لوائه فيكون اشبه ( بسوبر ماركت ) عصري يمكن ان يكون عونا لشعبنا بتقديمه خطابا موحدا مبرمجا , فيختزل الى حد ما بعض اثار التشتت والتبعثر في الخطاب السياسي الذي تسسببه بعض دكاكيننا واكشاكنا السياسية التي يسحب غالبا احدها بالطول والاخر بالعرض.
الرحمة وجنات الخلد لشهداء قره قوش ( بغديدي ) ولكل ضحايا الفوضى والعنف والارهاب في شعبنا و وطننا الجريح . اللهم إحم اهلنا من كل سوء وامنحنا الفرصة لنكون عونا وسندا حقيقيا لهم , وإنهرنا عندما نزيغ عن الطريق ونقيم انفسنا اوصياء عليهم .
 

78
المالكي وكارازاي – ضُبَاط الحجابات في الهوى سوى

د. وديع بتي حنا
      wadeebatti@hotmail.com

دون ان اشعر , وجدت نفسي اعيش لحظة تأمل يتصارع فيها الضحك مع البكاء بسبب مانشيت  صغير على الفضائية العراقية يُخبرعن لقاء جمع رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي بالرئيس الافغاني حميد كارازاي على هامش اجتماعات الامم المتحدة في نيويورك . ذهبت في الخيال الى وصف اجواء اللقاء وحالة الطرفين النفسية وتمنَيْت في نفسي لو أُتيحت لي الفرصة في مشاهدته حيا ليس بدافع الفضول بل بدافع الرغبة , المستندة ربما الى قناعة مفرطة , في معايشة تلك اللحظة التي يلتقي فيها الخيال بالحقيقة.

مما لاشك فيه ان اللقاء يمثل للرجلين متنفسا اكثر من كونه لقاء عمل رسمي  , بل اعتقد ان طرفاه قد شعرا بالحاجة الى قفز بعض الموانع الدبلوماسية البروتوكولية عن طريق التخفيف ولو قليلا من شدة ربطة العنق  , او منح الاكتاف اجازة من ثقل القماش الملقى عليها , في لقاء يشعر طرفاه ان ليس فيهما صغير وكبير , طويل وقصير , سمين و ضعيف , بل كلاهما في الهوى سوى , يشتركان في الطريق والهموم والمهمة , فطريقهما الى السلطة كان متشابها على الدبابة الامريكية المعبأة بالوقود الايراني , اما الهموم فهي واحدة , موت و ارهاب ودمار وبلاد تعيش عصر ما قبل الصناعة ودولة وحكومة تنحدر بشكل رهيب بل وتتلاشى سيطرتها أُسيا كلما ابتعدنا من مكتب رئيس الحكومة او الدولة , واما المهمة فتكمن في ان السيد الأمر الارعن ( الرئيس الامريكي ) قد قرر , او اعطاه الاخرون الحجة ليقرر , في ان يكون العراق وافغانستان ساحة امامية في ( حربه على الارهاب ) ولذلك فان المغضوب عليهما السيدان المالكي وكرازاي  قد وقع عليهما الاختيار الان و حتى اشعار اخر ليكونا ضباط الحجابات في هذه المعركة. ترى  , كم  يرى السيدان المالكي ووكرازاي لقاءاتهما ثقيلة مع باقي قادة دول العالم , فماذا يفعلان مع قادة السويد او النرويج او اليابان او غيرها فهما  يعرفان جيدا ان لا احد يرضى ان يتبادل معهما بما لديهما من بضاعة , فمن هو ذلك العاقل الذي يقبل استيراد تقنية القتل والاختطاف والتهجير والذبح والمفخخات واسواق الميليشيات , كما ان السيدان المالكي وكارازاي قد اصبحا على ثقة تامة في ان مشروع وصندوق الدول المانحة الذي يتكلم عنه البعض ليس إلا اكذوبة كبرى  وتسلية يلجأ اليها هؤلاء عندما يجدون فائضا في الوقت . لذلك  ليس للسيدان  المالكي وكارازاي  سوى احدهما للاخر تجمعهما لغة مشتركة ويعانيان ويقاسيان من مرض مشترك ويتأملان وينتظران في علاج مشترك تقوم على وضع  وصفته مصادر مختلفة .

ان حال السيدان المالكي وكارازاي في نيويورك يشابه تماما حال ضباط  الحجابات عندما كانوا ينسحبون الى المقر الخلفي في فترة قيلولة تتيح لهم فرصة الاستمتاع  بحمام  ساخن وماء بارد و وجبة حارة على مائدة السيد الأمر الذي من المؤكد يدرك جيدا خطورة المهمة  الملقاة على ضباطه , حيث وفقا للتقاليد العسكرية فان ملاك الحجابات يُسجَل ( كأحياء ) في اوامر القسم الاول صباحا , ثم يوضع في سجل  الخسائر في اوامر القسم الثاني عصرا وهكذا حتى يشاء الله امرا كان مكتوبا.
ربما يكون من حق الرئيس الامريكي او غيره ان يُدخِل شعبه ما إشتهت نفسه من الحروب والمعارك وايضا ربما يكون  من حق المالكي او  كرازاي  اوغيرهما ان يقبلا شخصيا , بسعادة او على مضض , في  ان يكونا ضباط حجابات لهذا او ذاك و لكن من اعطى الحق لهؤلاء وفي مقدمتهم احمق البيت الابيض فيقرر في ليلة مظلمة وفي  زمن اغبر ان يجعل اوطانا وشعوبا بكاملها حجابات لمغامراته  الحمقاء؟!.

 

79
حكومة تُشاغب على شعبها واحزاب ترعى البُكم

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

انها لمفارقة مُضحكة مُبكية ان تعجز حكومة ما عن أنْ تكون عونا لشعبها, حيث وجد الملايين من ابنائه انفسهم مُجبرين على اختيار ( المُر ) اي الغربة املا في النجاة , فقررت تلك الحكومة ان تكون ورائهم ( فرعونا ) هناك , لتكون زيارات المسؤولين فيها الى دول غربتهم او لقاءاتهم بمسؤولي تلك الدول كابوسا يعكر نومهم وحياتهم. لقد كانت زيارة رئيس الوزراء العراقي الى سوريا وزيارة وزيرا الخارجية والهجرة السويديان الى العراق مناسبة تركت البعض من العراقيين المقيمين في هاتين الدولتين يجدون انفسهم بحاجة الى ( حبة اضافية ) للسيطرة على ضغط الدم والكثير منهم الى ( الاسبرين او البارسيتيمول ) للتغلب على الصداع الذي سببته نتائج تلك اللقاءات.

مخطئ حقا من يعتقد ان العراقي يتجرع كأس الغربة كما لو انه ( علبة بيبسي كولا او ميراندا ) تأتيه مثلجة في يوم تموزي يرقص فيه المحرار جنونا بفعل الحرارة, بل ان كأس الغربة لديه يبقى على الدوام مريرا أليما يتقد بنار الشوق الى الاهل والاحبة والوطن ودجلة والفرات , ولذلك لاجدال في وطنية من يعيش في الغربة كما هو واجب الاعتراف ببسالة وشجاعة من لازال يعاني ويقاسي ويصمد في الوطن. لكن اغلب من دفع الثمن ويدفعه خلال السنوات الماضية هم الابرياء الذين لاحماية تحميهم ولاميليشيات تحوط بهم ولانفوذ يقف عونا لهم , فلم يبقى لدى بعضهم إلا الهرب طمعا في الخلاص . انها لمأساة كبيرة ان يخرج على التلفاز الرجل الثاني او الثالث في هرم الدولة العراقية ( يرجى الرجوع الى قانون المحاصصة لتحديد الترتيب الصحيح ) وهو السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية عندما كان يزور احد السجون فيُبشٍر المعتقلين , ويُقسم لهم بالخالق العظيم , في ان وضعهم ونصيبهم هو افضل بكثير من غيرهم الذين يعيشون خارج اسوار ذلك المعتقل الصغير ( الامن ) لانهم , اي من هم خارج السجن , كما يبدو في تقييم السيد الهاشمي , يعيشون في غابة موحشة تكثر فيها الذئاب وبني اوى وليس بمقدور احدهم ان يعطي ضمانة بيومه او غده .

عجيب امرنا في العراق وكأن اولي الامر و المسؤولين فيه قد اكملوا اقوى الدورات واكثرها تفننا في تعذيب المواطن وملاحقته وتعكير صفو حياته انى ذهب . ترى متى يتخلص هؤلاء من تلك النظرية السقيمة التي تقول ان التنغيص في حياة ابناء الشعب يجعلهم بعيدين عن التفكير في السلطة والمنصب ومنافستهم عليهما , ثم ماذا ابقى هؤلاء ليتنافس المرء عليه !. اغلب دول العالم ( كبيرهم خادمهم ) بالفعل ونحن كبيرنا خادمنا بالشعارات والقول . في كل يوم تقدم لنا دول العالم مثلا جديدا في التعامل مع رعاياها في رعايتهم والدفاع عنهم وتقديم الافضل لهم بل يسخرون امكانات الدولة بكاملها لانقاذ فرد او مجموعة صغيرة منهم كما حدث مع الرهائن الكوريين في افغانستان او قبلها مع القنصل الاماراتي في بغداد وغيرها من الامثلة الكثير الكثير, ان الحسنة الكبرى التي يسجلها الامريكان للمرحوم الشيخ عبد الستار ابو ريشة ليست كونه استطاع ان يُحجٍم من فعل القاعدة في الانبار مما ترك عدد الضحايا المدنيين من العراقيين ينخفض في تلك المنطقة , بل ان خدمته الكبرى للامريكان تتمثل في ان جهده تركهم يتخلصون ( نوعا ما ) من تلك الضريبة اليومية التي كان الجيش الامريكي يقدمها يوميا في الانبار في مصرع جندي او اكثر من افراده وكأن قدره كان قد اصبح ان يعطي ( فطورا وسحورا يوميا ) لمن رمضانهم لاينتهي . في الوقت الذي اصبحت زيارة السيد المالكي الى دمشق مرتبطة بقيود فرض التأشيرة على العراقيين بينما اصبحت محادثات الوزيرين السويديين مرادفة لتضييق فتحة صنبور منح الاقامة على طلب اللجوء في السويد. ربما يقول قائل اننا نتجنى على الحكومة العراقية عندما نجعلها سببا في القرار السوري او في التعليمات السويدية الاخيرة التي تحدد ضوابط اللجوء , فيعتقد بوجود قواعد واسس ونوايا مسبقة , على الاقل مبدئية , لتلك القرارات والتعليمات قبل زيارة المالكي لسورية او الوزيران السويديان للعراق , وكل مافي الامر ان الدولتين قد تركت هذا يتزامن مع الزيارتين اتقانا ( لنظرية المؤامرة ) على الحكومة العراقية , وهنا ( تفقع مرارتي ) حالها حال كثيرون مثلي مِمًن امنيتهم الوحيدة ان يخرج العراق مرة واحدة فقط بلا خسائر من لعبة نظرية المؤامرة هذه , أم اصبح قدرنا ان نكون اول واخر من يضحي ولايستفيد ابدا في هذه اللعبة حتى ولو كانت ربما اطراف اللعبة الاخرى الصومال او جزر القمر او بوركينا فاسو!

دُعيت قبل اسابييع من قبل احد الاحزاب السويدية الكبيرة لحضور حلقة نقاشية حول واقع المؤسسات الصحية في السويد وموقف هذا الحزب من خطط الحكومة الحالية الرامية الى احداث خصخصة عنيفة في هذه المؤسسات . فوجئت حقا عندما وجدت ثلاثة نساء قد إتخذن امكنة خاصة بجانب مدير الحلقة وهو رئيس مجموعة ذلك الحزب في مجلس المقاطعة , الذي ما ان بدأ بالحديث حتى ذهبت احداهن بعمل الترجمة بلغة الاشارات فانبتهت الى الحضور الذي لم يتجاوز العشرة فكان بينهم شخصا أبكم غير قادرعلى النطق . كانت كل واحدة من النساء تقوم بالترجمة لزمن محدد ثم تساعدها الاخرى , وهكذا بالتناوب وكان هذا الشخص الابكم غزيرا في السؤال والاستفسار , واستمرت الحلقة ثلاث ساعات تقريبا , في طريقي الى البيت خطر في ذهني ان اقوم بحساب بسيط للتضحية المادية التي قدمها هذا الحزب السويدي مقابل مشاركة شخص غير قادر على النطق دون ان انكر المغزى الانساني السامي له  , فرُحت احسب ثلاث ساعات عمل لكل واحدة من المترجمات مضافا اليه سعر الساعة الخاص كون الحلقة كانت في المساء وليست في اوقات العمل الرسمي ( لنقل مثلا خمسين دولارا في الساعة , يعني 450 دولارا كمجموع )  , ربما يكون المبلغ تافها في قيمته المادية , لكن مشهد ( دار الحنان ) المأساوي الذي جاء طيفه كخط موازي لما قام به هذا الحزب السويدي  ترك للامر بصمة , حيث لايملك الانسان إلا المقارنة فيعيش نتائجها ليرفع بسببها وجهه الى السماء شاكيا ومعاتبا بالجملة المعروفة ( لماذا نحن هكذا ؟! ).
اللهم اجعل من يتولى امرنا يُحبنا , على الاقل , كما يحب ( اصدقائه ) من غير العراقيين. انه السميع المجيب , امين. 

80
ضرب السيد سركيس اغاجان بزوعا اوالعكس – مَنْ المستفيد ؟

د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يبقى تعريف المستقيم على انه اقصر مسافة بين نقطتين يمثل احدى القواعد الذهبية الشائعة في الرياضيات ولان الرياضيات هي لغة العلوم والاخيرة تصف الى درجة كبيرة قوانين الحياة كان من الطبيعي ان نرى انعكاسا لهذه القواعد والقوانين في الحياة اليومية للانسان وتصرفاته ازاء الواقع ومتغيراته . إلا ان قسما كبيرا من السياسيين او هواة العمل السياسي , كتابة او ممارسة , يعتقدون ان قاعدة المستقيم لاتلبي في اغلب الاحيان شروط اللعبة السياسية  ومراوغاتها حيث يمثل لديهم الطريق المتعرج و( الزكزاك ) الاسلوب الامثل والاجدى لجني الارباح ولا ليت يستخدمون ذلك بالاسلوب الصحيح , مثلا في السياسة الخارجية مع الغرباء. لكن قسما منهم يريد ان يستعرض شطارته مع ابناء شعبه , ولاغرابة في ذلك فبعض هؤلاء محدود في تأثيره ولديه متسع من الفراغ يجعله خير جليس لكتاب ( الامير ) يتناول منه فطوره وغذائه وعشائه !

مما لاشك فيه ان الجهد الذي يقوده السيد سركيس اغاجان قد انتقل في الفترة الاخيرة الى مرحلة متقدمة اخرى تمثلت في الزيارات الميدانية التي قام ويقوم بها السيد  اغاجان لمدن وقرى شعبنا الكلداني السرياني الاشوري ولقاءاته بسكان تلك المدن والقرى واحاديثه اليهم والتي حرصت قناة عشتار الفضائية وللمرة الاولى على بث مقتطفات حية منها ,تناول فيها السيد اغاجان بعض ارائه وتصوراته حول واقع ومستقبل شعبنا واماله وتطلعاته واهدافه , اضف الى ذلك الجهد الحثيث الذي يقوم به المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري , والذي  يرعاه السيد  سركيس اغاجان , بالتعريف بنفسه وباهدافه وبرامجه كحركة سياسية تحاول ان تخط لها مساحة على الخارطة السياسية لشعبنا , بل تتعدى ذلك لتطرح نفسها خيمة يمكن ان تتسع ليعمل تحت لوائها كل اركان واوتاد الجهد السياسي , الكبيرة والصغيرة  ,لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري . كل ذلك واستنادا الى قانون الفعل ورد الفعل فقد بدأنا نرى في الفترة الاخيرة كتابات على المواقع الالكترونية تنتقد وبحدة جهد السيد سركيس اغاجان , بل تُخفق في كثير من الاحيان في اقامة ذلك الحد الفاصل بين النقد البناء والتجريح والشخصنة , ولان بعضا من تلك الكتابات وجدت طريقها للنشرعلى موقع زهريرا العزيز الذي تديره الحركة الاشورية كما يمكن ان تكون قد نُشرت في مواقع اخرى , إلا ان نشرها على موقع زهريرا قد اسال كما يبدو لعاب البعض مِمًن يعتقدون بوجوب اقتناص الفرصة ( في ضرب الاحجار فيما بينها ) طمعا في تصفية حسابات سابقة او مكاسب حزبية ضيقة تاركين على الرف تقبع بهدوء , ريثما تتحقق تلك الحسابات والمكاسب , مصلحة شعبنا ومسيرته التي يتشدقون ليل نهار انهم ( يُشعلون العشرة من اجلها ) في نفس الوقت الذي يعلقون فيه غيرهم على شماعات التهم البالية.

لقد تابعت كما  تابع كثيرغيري من المهتمين بقضية شعبنا ودوره ومستقبله تقاريرجولات السيد سركيس اغاجان ورحت انصت باهتمام الى احاديثه , لانني كنت احد الذين كتبوا قبل فترة مطالبا السيد اغاجان ان يخرج علنا الى شعبنا وبصوته المباشر فنعرف ارائه وبرامجه وليكتشف المراقب والمهتم خطوط التلاقي التي من الممكن ان يساهم بها ايجابيا في تعزيزهذا الجهد ويُنبه في نفس الوقت الى خطوط التقاطع فيدخل مع النفس والمقابل في حوار بناء قد يُنتج حلا لمعضلاتها, اعتقد ان الكثيرين من الذين سمعوا احاديث السيد اغاجان يجدون انفسهم يتفقون معه الى حد كبير ,  فالرجل قال كلاما مريحا ونادى بحقوق شعبنا من مدن وقرى اقليم كردستان , بل اعتقد ان السيد اغاجان قرر ان يدخل فصلا جديدا , لايخلو من قسط كبير من المغامرة على المستوى الشخصي  , من العمل من اجل القضية التي يؤمن بها , دع جانبا الافراط في عبارات الاطراء التي قيلت في حضوره والتي من المؤكد انها سببت له حرجا نفسيا قبل استغراب المشاهد .  ان الحركة الاشورية يجب ان تعي انها لن تكون افضل حالاعندما تقف موجة مختلفة كليا في الطورعن موجة السيد اغاجان لان ذلك وببساطة يعني خسارة في الجهد الكلي لشعبنا وكتحصيل حاصل خسارة لها , ولذلك اعتقد ان على موقع زهريرا , باعتباره الموقع الناطق باسم زوعا وما ينشر فيه يتفق في الخط العام مع توجهات الحركة, ان يحقق موازنة في المعادلة الصعبة التي يجلس في طرفيها حرية النشر ومصلحة شعبنا , صحيح ان منبر زهريرا يحتوي احيانا كتابات تنتقد الحركة ولكن يقينا هنالك مصفى ( فلتر ) لايسمح بمرور كل شئ وهذا ليس غريبا بل يوجد عند الجميع , واذا كان ( الفلتر ) فعَالا مع الذات ينبغي ان يكون كذلك اولا مع الاخرين. ليس هذا تقييدا في حرية النشر ففي جهد السيد سركيس اغاجان وفي اليات تنفيذه  كذلك في عمل وسلوك القوى السياسية الاخرى وفي المقدمة منها زوعا محطات مهمة تسترعي الانتقاد , ليس بقصد التجريح والتشريح بل لاجل ان نكون افضل , لكنها دعوة للتمحيص وتفضيل المصلحة العليا واجتناب النقد الغير المسؤول والذي يشطح عن اهدافه المرجوة وإجهاد النفس ولو قليلا في اكتشاف نقاط الالتقاء مع الاخر, وهي كثيرة والحمد لله , والبناء عليها. انه لحري بنا ان نتعلم من ( الاقربون  ) فيقينا هنالك نقاط مهمة يختلف عليها الحزبان الكرديان الرئيسان ولكن اهدافهما المشتركة و مصلحة شعبهم استدعت تجميد كل نقاط الاختلاف تلك او البحث بهدوءعن حلول مناسبة لها والاندفاع سويا من اجل تحقيق تلك الاهداف المشتركة الكبيرة . في الجانب الاخر فانني اعتقد ان الحركة الاشورية قد تمكنت طوال السنين السابقة من المحافظة على مواقعها وقسم كبير من كوادرها ومؤيديها ومناصريها في سهل نينوى وفي اقليم كردستان وحيث يتمركز الجهد الذي يقوم به السيد سركيس اغاجان , ناهيكم عن ان افرازات التجربة السياسية في العراق قبل الاحتلال وبعده تشير بنتيجة تكاد تكون مطلقة الى فشل كل محاولات الاختصار والاختزال والتسقيط والتهميش والاقصاء والاجتثاث , ايا كان مصدرها واتجاهها, اضف الى ذلك ان البعض يتوهم عندما يعتقد انه باصطياده في المياة العكرة لغاية في نفس ( ؟ ) ( واترك للقارئ والمتابع الكريم حرية وضع الاسم المناسب بين الاقواس )  يستطيع ان يدغدغ المشاعر ويرفع درجة الحساسية , خاصة لدى السيد سركيس اغاجان الذي يتفق و يشهد بهدوئه وحكمته الجميع , المتحمسين لنشاطه والمحايدين والمتحفظين عليه , ويكفي هنا ان نشهد ان قناة عشتار الفضائية مثلا ومن خلال متابعة تكاد تكون يومية لبرامجها لم يحدث ان تعرضت قط ( حسب علمنا )  باي نوع من انواع النقد الى اية حركة او شخصية سياسية في اوساط شعبنا الكلداني السرياني الاشوري.

انها مرحلة صعبة ودقيقة يمر بها بلدنا وشعبنا العراقي عموما وشعبنا المسيحي بصورة خاصة وكل طرف بحاجة للاخر, ظهرا وسندا وقوة له لانقاذ مايمكن انقاذه وتحقيق مايمكن تحقيقه , وشعبنا بحاجة الى الجميع ويمكن ان يجد الجميع نصيبه من الجهد, وبالتنسيق والتعاون والعمل المشترك يمكن ان تتحقق نتائج باهرة, وسيسجل التاريخ موقفا لكل من نكر ذاته وترفًع عن غاياته وترك مصلحة شعبه تتقدم على ماعداها. ترى هل وصلت الرسالة ؟ .

 

81
عيش وشوف – كوريا الشمالية تتعرى وايران تبدأ بفتح الازرار

د -  وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يبدو ان صيف السياسة وصيف الفصول هما وجهان لعملة واحدة , يتشابهان في السمات والخصائص فكما ان الانسان العادي , الذي يعيش في بلد ذو مناخ قاري او حتى في بلد اخر يتعرض لموجة حر طارئة , يشعر بالرغبة في التخلص من كل الملابس التي بوسعه التخلص منها, بل احيانا ينتابه الشعور بالرغبة بالابقاء على ورقة توت هزيلة تكاد تستر ولاتستر , هكذا ايضا يظهر للعيان ان صيفا سياسيا حارا جدا يعصف تياره بما تبقى من (دول محور الشر ) فاثار في نظام كوريا الشمالية رغبة فجائية بالتعري والبدء بتجميع ملابسها تمهيدا لتسليمها الى المخزن الامريكي  ,فيما بدات ايران كما يبدو خطوات خجولة لفتح الازرار طمعا في نسمة هواء غربية او امريكية او رغبة في الاثارة , وبهذا تخطو هاتان الدولتان على النهج نفسه الذي بدأه النظام الليبي قبل فترة فقرر التخلي عن جميع برامجه النووية واثباتا لحسن النية ارسل هذا النظام بجميع ملابسه ( النووية الخارجية منها والداخلية ) ليتم حفظها للذكرى في بعض المتاحف الاوربية والامريكية !.

تُرى , كيف لاتنفتح شهية المحلل والمتابع , بل حتى المهتم البسيط بالاحداث , لاستقراء وتحليل دوافع القرار الكوري الشمالي بالموافقة على تفكيك برنامج هذا البلد النووي المثير للجدل , وفق صفقة اضعف مايقال عنها انها صفقة بخسة  ,حيث تشمل الخطوة الاولى في الاتفاق المعلن عنه قيام كوريا الشمالية وباشراف مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية باغلاق مفاعل ( يونغبيون ) الذي يشاع انه كان مخصصا لانتاج البلوتونيوم مقابل تحرير الولايات المتحدة لبضع عشرات من ملايين الدولارات كانت مجمدة في البنوك , يضاف اليها خمسين الف طن من الوقود ! كما ان التساؤل يبقى كبيرا حول مغزى الخطوة  الايرانية الاخيرة بالسماح للمرة الاولى لوفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول موقع ( اراك ) , الذي من المقرر ان يشمل على مفاعل يعمل بالماء الثقيل ويُخشى ان تستثمره طهران في انتاج البلوتونيوم , وموقع ( ناتانز ) المخصص لعمليات تخصيب اليورانيوم !.

انها علامات  تعجب و استفهام مشروعة يضعها المتابع مُجبرا امام القرار الكوري الشمالي في هذا الوقت بالذات  ,عندما يستذكر ان البرلمان الكوري الشمالي كان قد قرر قبل اربعة اعوام اي في 2003 وبالاجماع المضي قدما وبخطى متسارعة في بناء مااسماها بالقدرة الدفاعية النووية حيث من الاسم يمكن الاستنتاج ببساطة في ان المقصود بها ليس استخدام  الطاقة النووية للاغراض السلمية كانتاج الطاقة او في الطب او الزراعة او غيرها من المجالات , بل تصريحا رسميا بالرغبة في انتاج الاسلحة النووية اكده قرار النظام الكوري الشمالي بمنع مفتشي الوكالة الدولية من زيارة المواقع النووية ومراقبة نشاطاتها , كما تُوٍج ذلك بدليل خطير ثان عندما اقدمت كوريا الشمالية قبل عدة اشهر بالاعلان عن تجربتها النووية الاولى . لذلك يبقى السؤال كبيرا حول النشاطات النووية التي قام بها هذا النظام خلال هذه السنوات والاخفاقات والنجاحات التي رافقت تلك  النشاطات , من حق المتابع ان يتساءل عن مصير الثمانية الاف قضيب من قضبان الوقود يُعتقد ان النظام الكوري الشمالي يمتلكها وتحتوي في حالة النجاح من اعادة معالجتها على كمية تتراوح بين 25 الى 30 كيلوغرام من البلوتونيوم تكفي لصنع 3 الى 5 قنابل نووية مشابهة للقنبلة التي ألقيت على مدينة ناكازاكي اليابانية ! ان المتابع يجد نفسه ايضا مشغولا بتحليل نتائج التجربة النووية الكورية الاخيرة محاولا ان يصل الى حكم دقيق في نسبة نجاح التجربة وبالتالي قدرتها في تكوين الارضية المطلوبة التي تتيح للبرنامج النووي الكوري الشمالي من التحكم بشكل دقيق بالية الانشطار  النووي في تحقيق شروطه والسيطرة على ظروفه , ام انها كانت تجربة غير موفقة ولاتمثل في نتتائجها إلا بالونا هوائيا اعلاميا بهت بريقه حالا ورغب القائمون عليه بدفنه سريعا رغم تكلفته الباهضة , حاله حال صاروخ (  العابد ) العراقي الذي أُطلق  في نهاية الثمانينات وقيل ان الدولة انفقت عليه مليار دولار ولم يكن في  نتائجه سوى لعبة من الالعاب النارية ! ان النظام الشمولي يعوٍل كثيرا على تكرار  التجربة الستالينية في الحصول على المنجزات العلمية دون ان يعي الفرق في الزمان والمكان فيخدع نفسه في بناء قمم عليا لاهرام اهدافه العلمية الكبيرة خاصة التسليحية منها دون ان تكون لتلك القمم اية قواعد مادية .

  ويبقى التساؤل مشروعا حول ايهما كان افضل للنظام الكوري الشمالي , ان يعلن صراحة عن امتلاكه السلاح النووي ,إن كان حقا يملك ذلك , طارحا  نفسه حقيقة على الارض يجب التعامل معها على هذا الاساس , ام ان يلجأ هذا النظام الى ما لجأ اليه طمعا في تبييض سمعته وفك عزلته , خاصة وان هذا النظام يعرف جيدا ان دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من حصوله على شهادة حسن سلوك من الولايات المتحدة ليس لان الولايات المتحدة عادلة في منح شهادات حسن السلوك ولكن قوانين السياسة وحظ هذا النظام لايسمحان بمنحه هذه الشهادة في المستقبل المنظور.

ان التخلص من الاسلحة النووية ظاهرة صحية يرحب بها كل الذين ينشدون السلم والامن في العالم , لكن  ماتجدر الاشارة اليه هو ان تصرف النظام الكوري الشمالي يُظهر مدى الاستهتار الذي تمارسه الانظمة الشمولية بمقدرات ومصائر وثروات الشعوب  التي تتسلط عليها , فمزاج القائد او الحاكم هو الذي يقرر بين ليلة وضحاها تعبئة الشعب للدخول في معاركه او الانسحاب منها , ناهيكم عن الكلفة المادية فاذا تذكرنا مثلا ان  كلفة بناء محطة نووية لانتاج الكهرباء  تصل الى ثلاثة  مليار دولار يمكن لنا ان نتصور حجم التضحيات المادية التي قدمها شعب كوريا الشمالية , الواقع اساسا تحت  خط الفقر والجوع , في مغامرات النظام النووية التسليحية ليقرر الان التخلي عنها مقابل حفنة من ملايين الدولارات واطنان من الوقود! . ربما تكون ايران قد وصلت الى النتيجة ذاتها فقررت السماح لمفتشي الوكالة بزيارة مواقع نووية مهمة بعد ان كانت في السابق تلك الزيارات تختصر على  ( استعلامات ) البرنامج النووي الايراني التي يمثلها مفاعل بوشهر وبعض المواقع الهامشية الاخرى . ان الكثير يرى في ان حماقة الادارة الامريكية في العراق هي السبب الرئيسي في تمديد الزمن اللازم لوصول ايران الى هذه النتيجة.
هنيئا للدكتور محمد البرادعي , يبدو ان القادم من الايام يحمل انتعاشا في فرص وسوق العمل والايفادات والتخصيصات والاضواء , وعلى نياتكم تُرزقون!.

 

82
السياسة العراقية – فاعل مغامر او مفعول به مُنهك

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ليس اختصاصي النحو وقواعده ولست مولعا فيه كهواية , ولكنني اتذكر جيدا ان معلم اللغة العربية احتفل بنا عندما اعتقد انه نجح في تعليمنا إعراب جملة كاملة تتكون من الفعل والفاعل والمفعول به , كان ذلك في البداية قبل ان نزور واياه , كان وإنً واخواتهما , والضمائر والحال والظرف وغيرها. قال الاستاذ حينئذ , تذكروا هذا جيدا فالفاعل هو الذي يقوم بالفعل والمفعول به هو الذي يقع عليه ذلك الفعل , اي ان الفاعل هو ( الكافخ ) والمفعول به هو ( المكفوخ ) والفعل يضبط العلاقة بين ( الكافخ والمكفوخ ). ربما يتساءل القارئ الكريم عن هدف هذا الكاتب ( النصف ردن ) في اقحام ذكريات وجمل من كتب الدراسة الاولى وانظمة التعليم في مواضيع السياسة , فتارة يكتب ( الى متى يبقى البعير على التلِ ؟ ) , وثانية عن مصيبتنا في ( قدري وهو يقود بقرنا ) , وثالثة يسمح لنفسه باعلان نتائج رسوب الحكومة العراقية الحالية في امتحانات الدور الاول ويتنبأ بنفس النتيجة في الدور الثاني , وهاهو اليوم يحاول وصف حال انتقال السياسة لدينا من فاعل مغامر الى مفعول به تقطعًت اجزائه بفعل الفاعل الجديد والقديم على اختلاف لونه وجنسيته واجندته وزمنه. وفي كل هذا ليس القصد إلا تقريب الصورة وايصال الفكرة وربط الاحداث والتطورات السياسية بعناصر تجلس عند الكثيرين مستقرة في قلب الذاكرة الدائمة .

لست معارضا لنظرية المؤامرة بل اؤمن احيانا ان السياسة بشكلها العام ليست إلا مؤامرة مستمرة بفصول لاتنتهي تتباين فيها درجة النظافة تبعا لخلفية اللاعب وزمن اللعبة ومكانها. لكنني اعتقد ايضا ان تعليق الاخفاق بشكل كامل على شماعة المؤامرة هو في بعض جوانبه اعتراف صريح بمحدودية مهارة اللاعب او بحساباته الخاطئة على اقل تقدير.
بقي التطرف في تفضيل المصلحة القومية او الاجنبية على حساب المصلحة الوطنية سمة مميزة للسياسة العراقية على مدى عقود من السنين حيث كان الشعار العتيد - العراق اول من يضحي واخر من يستفيد - هو المبداً الرئيسي الذي حرك تلك السياسة التي ادت الى تضحيات جسيمة في الدم العراقي والى تبديد وتبذير في ثروات العراق لم يحصل العراقيون على اثرها حتى على كلمات شكر خجولة من المستفيدين منها لابل على العكس كان حالهم دائما حال ( سمكهم المسكوف ) الماًكول والمذموم في ان واحد.

لاناًتي بجديد عندما نقول ان العراق بقي لعقود ( طوعا او رغما او توريطا ) - يحشر انفه - في كل المشاكل والصراعات على الساحة القومية والعالمية فكان للعراق يد في حركة انقلابية في موريتانيا او في السودان كما حشر نفسه في الشاًن اللبناني او الاماراتي ويبقى الحديث عن الدور العراقي في القضية الفلسطينية طويلا الى الحد الذي توهم فيه الكثير من الفلسطينيين ان العراقيين هم فلسطينيون اكثر منهم. اما على الصعيد العالمي فقد تم نقل العراق الى كل البؤر الساخنة في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية من خلال ماسمي بمساندة حركات التحرر فيها وكان التنافس على اشده بين النظام السابق في العراق وبين النظام الليبي حول اي من النظامين يستطيع ان يحشر انفه في اكبر عدد من القضايا والصراعات وللتاريخ فان النظام الليبي استطاع ان يحسم المنافسة لصالحه من حيث العدد وليس من حيث نوعية التدخل عندما اضاف القضية الايرلندية الى قائمة اهتماماته من خلال علاقاته مع الجيش الجمهوري الايرلندي السري , ربما يقول قائل ان السياسة على ارض الواقع هي مرأة عاكسة للفكر الايديولوجي الذي يحمله النظام , ولكن ذلك لايمنع االنظرة المتجددة للحياة وتطورات الاحداث بما يؤدي الى تحقيق افضل النتائج باقل الخسائر. ان السؤال الذي يطرح نفسه هو مَن من الدول العربية ابدت استعدادا للتضحية بمصلحتها الوطنية من اجل العراق. حتى القيادة الفلسطينية نفسها كان صوتها جهوريا على ارض مطار الكويت وهي تعتذر عن الموقف ازاء غزو الكويت وتشمت بمن غزاها !.

وعندما انتهى النظام بالطريقة المعروفة وحل ( فرسان ) العهد الجديد في بغداد استبشر البعض خيرا في ان عهدا جديدا سيبداً وستكون اخطاء الماضي امام اعين اطراف اللعبة الرئيسيين حيث سيضع هؤلاء المصلحة الوطنية فوق اي اعتبار اخر, ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن , وهكذا عوضا عن ان يذهب العراق الى كل بؤر الصراع قدِم الاشقاء والجيران والاصدقاء والاعداء الى العراق , يتصارع العراقيون بالنيابة عنهم على ارض العراق وبعدما كنا نتدخل في شؤون الاخرين اصبح العالم كله يتدخل في شوؤننا ونكشف لهم عوراتنا فلا يخجل رؤساء الاحزاب الجديدة عن التصريح بان زياراتهم للدول هي بهدف مناقشة الشان العراقي  بل وصل الامرالى حد التوسل الى  تلك الاطراف الخارجية في مطالبتها بالتباحث على ارض بغداد وفي ضيافة مايسمى بحكومة الوحدة الوطنية حول مستقبل العراق , من المؤكد ان رئيس الوزراء العراقي الذي حضر يسمع ذلك الحوار ويقدم ( البقلاوة والشاي ) قد انتابه نفس الشعور بالانكسار والخجل الذي انتاب الرئيس السوداني او اعضاء حكومته في جولات اجتماعات المصالحة مع المعارضة او في اقرار مصير قضية دارفور!

لا نعرف عن اية هيبة للدولة يمكن ان نتحدث والسفارة الامريكية هي القصر الجمهوري بينما السفارة الايرانية هي بمثابة بناية المجلس الوطني ( ايام زمان ) , فالذي يتطلع جيدا الى خطوات السفير الايراني يعتقد انه المندوب السامي الايراني وليس سفيرا عاديا في العراق , اما السفير الامريكي فلاداع لوصف حاله حيث يكفي انه سفير دولة الاحتلال البغيض, بينما الاحزاب السياسية العراقية هي قنصليات لهذه السفارة او تلك ينتظرون الضوء الاخضر من سعادة السفراء ليغيروا من سياساتهم و ينفذوا التعليمات بما يتفق ومصالح تلك الدول .
 
نعم لقد ذهب العراق فيما مضى الى العالم ليفتش عن الصراعات ويشارك فيها والان جاء العالم الى العراق من خلال وكلاء له لتصفية حساباته وتنفيذ اجندته , وللاسف في الحالين دفع ويدفع العراق كوطن وشعب الثمن واي ثمن , لكن وانصافا للحقيقة فاننا في ظل ذلك الفاعل المغامر كنا نفتقد الكثير , لكن شعورا بهيبة الوطن وكرامته ( حتى وإن كان ذلك بدافع الخوف والاحتراز  ) كان يمكن ملاحظته على وجوه وتصرفات الدول والشعوب والافراد تجاه العراق , اما وبفضل مكارم فريق ( المفعول به الجديد ) فاصبح حالنا حال تلك التي ( لاحِظت برجيلها ولاأخذت سيد علي ) حيث امال الشعب الذي استبشر خيرا يراها تذهب ادراج الرياح وما كنا نفتقده لم نحصل عليه , يضاف الى ذلك  احترام و تقدير الكثيرين الذين باتوا ينظرون بتقزز الى افعالنا وادائنا ونتائجنا وحالنا , ناهيكم عن اخرين من ذوي القربى والجيران وجدوا في هذا الحال فرصتهم الذهبية للشماتة والانتقام .   

 

83
هوَار وشذى وجه العراق الاصيل

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

أن تسكن بحر الحزن ويداعبك احدهم , بصفاء قلب , محاولا ان يسرق منك بسمة , ذلك سمو الحياة . أن تكون في النفق المظلم ويأتيك من بعيد صوت يُنعش في روحك امال النجاة , ذلك قد يكون مشروع  الولادة من جديد . ان تسقط في الطريق , محطًما , تغتسل بدمائك , مضروبا على الرأس والجسد , وفجأة تمتد يد بيضاء تحاول ان تمسح ماتستطيع من الدموع والالم , تأخذك الى الطريق الصحيح الذي لاتجهله اصلا , تلك هي الترجمة الحقة لمثل السامري الصالح الذي تكلم عنه المسيح ( له المجد ) قبل الفي عام . مافعلته العراقية شذى قبل اسابيع وما يحققه منتخب العراق هذه الايام هي نسمات عليلة هبًت على بلادي الحبيية وكأنها تيار من الهواء البارد يمر على الاجساد التي اعياها حر الصيف دون ان يكون (  لمولدات الابتزاز ) او ( للكهرباء الوطنية ) فضل في هذا  التيار بل هو رسالة قصيرة من رب العرش العظيم , فنتعلم منها ان نعود الى اصلنا , الى حياة المحبة والجماعة , و المُحبَون هم الواصلون .

اني اتحدى أيُ تنظيم او قائد سياسي في العراق يستطيع ان يُنزِل العراق الى الشارع , اعدادا غفيرة وبعفوية صادقة كما فعلت شذى وكما فعل هوَار ورفاقه . الالاف بل الملايين تخرج الى الشوارع العراقية غير مشحونة بشحنة العداء او الكره او الانتقام او حتى الاختلاف اتجاه اي فريق او طائفة او قومية ما لانها خلطة ومزيج من الجميع  , بل هي ثملة حتى النخاع بحب العراق , كل العراق , بيشماغه وعكاله وسرواله وعبائته ودشداشته , بمأذنه ونواقيسه , بجوامعه وحسينياته وكنائسه ومعابده , بمياهه وجباله وسهوله ووديانه , ببغداده واربيله وبصرته وتكريته وكربلائه. حتى في خارج العراق وفي بلاد الغربة يشعر العراقي بعد فوز فريقه الوطني برغبة عنيفة للنزول الى الشارع , لان شعورا ينتابه اليوم ان ظهره قد عاد اليه ( ولو مؤقتا ) انتصابه . يريد ان يقول للعالم ها أنذا وهذه هي حقيقتي وليس ما تتناقله الاخبار , فانا انتمي الى أُم الحضارات وليس الى عالم المفخخات , ومسلة حمورابي هي شريعة اجدادي اما برلماني الحاضر , الذي اصبح ينافس برنامج ( كاريكاتير ) , فهو طفرة وراثية جاءت مخالفة لقوانين التطور, وانا ابن الدولة القديمة والحديثة, واما حكومة المحاصصة , التي يتخاصم ويتصالح اعضائها في اليوم الواحد اكثر من المرات التي يتخاصم ويتصالح فيها ضرائر الحاج متولي فيما بينهم , فهي علامة طارئة حلًت بفعل كابوس اسود هو الاحتلال اللعين . ترى أليس تجنيا وظلما ان نطلق  في أن واحد على فريقنا الوطني بكرة القدم وعلى الحكومة العراقية وصفا مشتركا هو ( فريق وحكومة الوحدة الوطنية ) وكأنهما يستحقان الوصف على حد سواء !. لو كان فريقنا الوطني قد اعتمد نظام المحاصصة في تشكيلته وفي توزيع مراكز اللعب لكان يرى في فريق الصومال او افغانستان بعبعا من الصعب اجتيازه , مع احترامنا لهاتين الدولتين. لقد كانت صرخة  تركت الوجه يصاب بالاحمرار مدوية تصيح ( عراق - عراق ) وهي تاتي عبر باب شرفة الشقة , صدحت بها جموع العراقيين المتواجدين في الحي الذي اسكن فيه , كل من شقته ويتوقيت واحد  بعد حسم النتيجة لصالح منتخبنا في مباراته مع كوريا الجنوبية .

بالامس احتظنت اربيل مهرجان التظامن مع العراقية شذى حسون واليوم اصبح اسم ( هوَار ) شائعا لدى جميع العراقيين . انه لفخر عظيم ان تسمع هذا الشاب الكردي العراقي الاصيل وهو يتحدث الى احدى القنوات التلفزيونية بعد انتهاء احدى المباريات يدعو لعراق موحد , في صوته تعابير الجهد الذي بذله اثناء المباراة لتنتهي بالفوز ومع هذا لايتوانى عن الطلب والدعاء الى الله عز وجل ان يمكِنه من تحقيق الفرحة تلو الفرحة للعراقيين. لو  كان بيد ( هوَار ) ورفاقه لطلبوا ان يلعبوا مباراة تلو مباراة , واثقين من ان الله معهم فيحققوا الفوز بعد الفوز لتصبح الوحدة والفرحة حالة ملازمة لحياة شعبهم في هذا الزمن الصعب . ترى  متى يكف البعض عن الاصطياد في المياه الاسنة ويفهم ان الاكراد كانوا ولازالوا وسيبقون هم اؤلئك العراقيون النجباء الاصلاء .

وفي غمرة هذه الفرحة , المفاجأة , وعندما ذهب البعض حد الحلم بعراق أمن قريبا , تنتشر في ساحات مدنه و قراه في مثل هذه المناسبات شاشات العرض الكبيرة التي يتجمع حولها ابناء الوطن, يقفون معا يساندون ويناصرون ابنائه المبدعون في الثقافة والفن والعلم والرياضة , دون ان يخطر في بال احدهم إن كان الواقف بجانبه عربي او كردي او تركماني او كلدواشوري سرياني , مسلم او مسيحي او صابئي او يزيدي , سني او شيعي او كاثوليكي او اورثوذكسي . وإذا بالحلم ينقلب الى كابوس فيأتي مانشيت الاخبار بالخبر الصاعقة ,عن تفجير سيارات مفخخة بين جموع المحتفلين الفرحين بفرح العراق , ترى هل يعرف الفاعل انه بفعلته تلك لم يستهدف قومية او دين او مذهب , بل في كل ضحية سقطت ترك العراق بأجمعه يتسلق من جديد خشبة الصليب.

شذى و هوَار وكل رفاقه الاخرين وكل المبدعين في بلادي , لاتتوقفوا , عيثوا ( فسادا ) في الارض وانشروا هذا الشعاع القاتل المفعم بالحياة , اجعلوا الجميع يصابون بالعدوى من ( مرضكم ) , قسما بالخالق العظيم , ان ( فسادكم وشعاعكم ومرضكم ) هي البلسم والدواء وهي ارقى واحلى واجمل من كل الوصفات السقيمة التي يقدمها لنا تجار السياسة والحروب والارهاب .
أياً كانت نتيجة المباريات النهائية , يكفيكم فخرا انكم أجَجتم أجمل مافينا من المشاعر.



 

84
استراليا وحجر رأس الزاوية

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لجأ البعض حينا الى التعبير عن سخطهم على سياسة الولايات المتحدة الامريكية بطريقة ساخرة فقال ( مسكينة هي المكسيك ,كم هي بعيدة عن الله , قريبة من الولايات المتحدة ), والكثير من ابناء شعبنا يسخط احيانا على الغربة بدرجة مضاعفة عندما يتذكر ابناء هذا الشعب من الذين ارغمهم الزمن القاسي فهاجروا بعيدا, الى استراليا فحقً فيهم القول , اعزاء مساكين , كم هم قريبون من قلب الغربة وكم هم بعيدون ( بالجسد ) من ( أثْرنْ ) . حتى فارق التوقيت يحرمهم من التواصل بشكل طازج مع الوطن والاهل , فنجتمع ونقرر ونتظاهر ونشجب ونؤيد ونستنكر وهم نيام , ثم يستيقظون ليفرحوا سريعا لفرحنا ويحزنوا بألم لحزننا. كتاباتهم وصحفهم , نشاطاتهم وفعالياتهم , مشاركاتهم وتضحياتهم تشهد لهم انهم قد تركوا قارة باكملها تعيش هموم شعبهم واماله وطموحاته , كيف لا وهم الثمرة الجيدة للشجرة الجيدة .

يقول الكتاب ان الحجر الذي رفضه البناؤون قد اصبح حجر الزاوية , وعندما بدأت اعمال الرب , له المجد , تنتشر في المدن والبلدات تساءل احدهم : أمِن الناصرة يخرج شئ جيد . مَنْ تابع قناة عشتار الفضائية وهي تقدم لنا تسجيلا لصلاة مشتركة للكنائس الكلدانية والسريانية والاشورية اقامها ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في ( سدني ) باستراليا يخطر في باله  ان ( المنسي بحكم المسافة ) يصلح لان يكون حجر الزاوية , وان الاتي من البعيد البعيد قد يكون هو المفيد. كم نحن في هذه الظروف بحاجة الى خطوات فعلية وجوهرية وذات قيمة معنوية خاصة تترك توحيد خطابنا حقيقة ملموسة في نفوسنا اولا ولدى الاخرين ثانيا , ربما يقول قائل وما الغرابة في ذلك ؟ فليس من ينكر انه يحدث يوميا في الوطن وفي المهجر ان يجتمع الكلداني والسرياني والاشوري في حفلة فرح او على مائدة عزاء لاحدهما او في غيرها من المناسبات الخاصة والعامة وهذا صحيح جملة وتفصيلا , ولكن اجتماع هؤلاء تحت سقف كنيسة ( ليس تنفيذا لواجب شخصي او كنسي ) والصلاة مجتمعا لاجل شعبنا يحمل نكهة اخرى ويسقي بذور ازهار لامال كبار. لقد كان حقا رائعا ان نرى الاسقف الكلداني الجليل ووالراهب السرياني الوقور والكاهن الاشوري الغيور يصدحون جميعا  بالصلاة وخلفهم الجموع فنشعر ان تلك الصلوات تخترق كل الحواجز والسقوف و تنطلق بسرعة تتجاوز سرعة الضوء لتحط هناك في الاعالي حيث العرش الاعظم . ربما الاطالة في الوصف تُفسد الموصوف , رحمة على روح نزار قباني الذي قال يوما:
إذا وقفتُ  امام  حُسنكِ صامتا
فالصمت في حرم الجمال جمالُ
ولذلك اترك للقراء الكرام وفي المقدمة منهم السياسيون ورجال الدين ( الوحدويون ) ان يقفوا فيستمتعوا ويتأملوا في درس هذه الصلاة المشتركة من استراليا ويرسموا لنا طريق المستقبل.
تحية لشعبنا في استراليا البعيد جسدا القريب روحا
شكرا للمسيح له المجد
شكرا لعشتار
جزا الله خيرا كل من عمل صالحا , ليس لغاية في نفسه او نفس غيره , بل تضحية من اجل مستقبل شعبه , كل شعبه.

85
حكومة المالكي – رسوب في الدور الاول ورهان على الدور الثاني

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كانت الرصانة والامانة سمات بارزة لنظام التعليم في العراق حتى بداية الثمانينات , فالكثيرون يتذكرون تلك الايام الحاسمة في نهاية شهر نيسان من كل عام , عندما يكون طلبة الصفوف المنتهية قاب قوسين او ادنى من اكمال مناهجهم الدراسية وتعقد ادارات المدارس اجتماعاتها الاسثنائية لوضع اللمسات النهائية على نتائج الطلبة ومعدلات ادائهم خلال السنة الدراسية تمهيدا لوضع معيار يحدد الدخول الى امتحانات ( البكلوريا ) من عدمه , ثم يأتي يوم الاصطفاف الرهيب , ( يوم تسوًد وجوه وتبيضً وجوه ) , حيث يقف المدير ليقرأ الاسماء ويعرف كل فئته , هل سيذهب الى بيته ويبدأ اسابيع عنيفة من الدراسة والاجتهاد والمثابرة ليتهيأ للامتحانات الوزارية أم هل سينطلق حزينا في عطلة طويلة تحمل طعم الفشل. يقينا لم يكن قصد الادارات والمدرسين والمعلمين تحقيق اذى , لسبب شخصي , من حرمان البعض من الذهاب الى ( البكلوريا ) , بل هي نظرية علمية لها من يناصرها تتلخص في ان من لم يتواصل مع المواد الدراسية خلال شهور الدراسة لن يكون بمقدوره هظم كل تلك المواد خلال اسابيع معدودة فيحقق نتائج ايجابية في الامتحانات ولذلك سيكون رقما يؤثر سلبا على سمعة المدرسة ومستواها , وإن حدث وتحقق ذلك في حالات استثنائية فهي ليست قاعدة بل ربما صدفة ليس إلا. مع دخول العراق الحرب مع ايران وعندما اخذت تلك الحرب تتمدد في الزمن بدأت افرازاتها وتأثيراتها تظهرعلى مختلف انظمة الحياة , ومنها نظام التعليم , تُكسبها مرونة في البداية لاتلبث ان تتحول سريعا الى مراحل نسبية من الفساد او الاهمال, وهكذا لم يعد ذلك النظام فعالا بتلك الدرجة التي كان عليها بل اصبحت المحسوبية والمنسوبية و التاثيرات المختلفة تفعل فعلها لتوسيع ثقوب مصفى ( فلتر ) معيار الدخول الى الامتحانات الوزارية واصبح المدرسون وادارات المدارس يجدون انفسهم في حرج جدي وهم يسمعون بالحاح من ( اصحاب التاثيرات ) تلك العبارة التي تعاتبهم و تقول لهم انهم سوف لايخسرون ( لاجير ولا بسامير ) اذا منحوا هذا او ذاك فرصة تأدية الامتحانات .

حال حكومة السيد المالكي يشابه تماما حال اؤلئك الذين تمكنوا , بطريقة ما , وبفعل مؤثر ما , من الدخول الى امتحانات ( البكلوريا ) بالرغم من امكانياتهم  الضعيفة , وهاهم البعض اليوم يعترفون علنا بانهم كانوا السبب في ذلك , فالجميع ( الصدريون وعناصر الائتلاف الاخرى والتحالف الكردستاني و التوافق والعراقية ) يشعرون في ان( الطالب الضعيف ) اي  الحكومة مدينة لهم كونهم اصحاب الفضل في تسريبها الى الامتحانات , اولا , ثم بالجهد في توفير النقل , من والى قاعة الامتحان , والطعام  والماء البارد والكهرباء في ساعات المذاكرة اضافة الى بعض الدروس الخصوصية , وعلى هذه الحكومة ان تكون دائما على اهبة الاستعداد للوفاء بهذا الدين.

 وهكذا شاءت الامور ان تذهب هذه الحكومة الى قاعة الامتحان وكان ( الأمن ) هو المادة الاولى فخرجت لتشكو من صعوبة الاسئلة وظهر بعد ذلك ان اداؤها ضعيف جدا , ثم انتقلت الى مادة ( الخدمات ) فأعطت دفتر الاجابة فارغا , إلا من الاسم , بحجة عدم التهيؤ الجيد وعلى امل ان تعود اليها في الدور الثاني , وارتكبت (  الحكومة الممتحنة ) محاولة غش فاضحة عندما استعانت بالامريكيين والايرانيين في مادة السيادة والتربية الوطنية ! , اما في مادة المصالحة فقد حُجبت عنها اصلا ورقة الاسئلة لسبب جوهري يتلخص في انها لم تتصالح مع نفسها حتى تتمكن من التصالح مع الاخرين. ربما يكون من الاجحاف تحميل السيد المالكي شخصيا مسؤولية كل هذا الاخفاق في الاداء , على الرغم من ان الكثيرين لم يتفائلوا كثيرا به منذ البداية ,  ولكن لو احتكم المراقب الى المعايير الانسانية , في تقدير جسامة الضغط النفسي الذي يعاني منه السيد المالكي بدافع الغريزة في الرغبة الشخصية في النجاح في المهمة , وبعيدا عن معايير تصنيف المسؤولية على اساس اولوية المناصب والعناوين فان نصيب السيد المالكي في هذا الاخفاق ربما سيكون مساويا او اقل بمقدار من كل المؤثرات الاخرى التي دفعت بالسيد المالكي الى ( حمًام ) الامتحانات هذا وراحت تشوش عليه ايام المذاكرة , قبل التوجه الى القاعة , بل وداخل القاعة نفسها. ومع ذلك تبقى مشكلة السيد المالكي انه وفي خضم هذا الواقع المتشابك وامكاناته المحدودة ووصوله الى المنصب استنادا الى توافقات ومساومات وصفقات معقدة , إعتقد في لحظة ما انه يمتلك العصا السحرية التي ستجعله ينجح في حل جميع الملفات , حاله حال ذلك الطالب الذي دُفع الى ( البكلوريا ) بشق الانفس فاصبح بفكر في التقديم الى كلية الطب !

وعلى هذا الاساس اصبح الجميع الان , الاصدقاء قبل الاعداء , يعترفون علنا بفشل الحكومة في امتحانات الدور الاول , فعندما يتحدث الرئيس الامريكي امام الاعلام عن تقدم محدود , احرزته الحكومة العراقية خلال المرحلة الماضية , فان ذلك يعني ان الرئيس الامريكي يتحدث في دوائره ومجالسه الخاصة عن فشل ذريع لهذه الحكومة , بل ان , مدير قاعة الامتحان , قائد القوات الامريكية في العراق اعلن ذلك صراحة وأطلع الرئيس العراقي ونائبيه ( على مستوى الاداء الضعيف للحكومة في الامتحانات ) , واصبح البعض يراهن على نتائج اخرى في الدور الثاني لكن كل الدلائل تشير الى صعوبة تحقيق ذلك , فمن اين للطالب المشوًش المحاصر من القريب والبعيد ان يركزعلى المعلومة ويخزنها في الذاكرة ليستخدمها عند الحاجة ؟ ناهيكم عن ان ايلول ( سبتمبر ) موعد امتحانات الدور الثاني هو بعيد جدا لحكومة تعيش يوميا على ( المُغذًي ) , ولذلك إن لم تنتهي هذه الحكومة بالسكتة القلبية بسبب الفوضى والصراع داخلها ,  فالاحتمال الارجح ان يُصدر مدير القاعة قرارا بترقين قيدها فلاتجد لها محلا على طاولات القاعة . ان ذلك افضل بكثير من دخول ( الحمًام ) مرة اخرى.

86
قناة عشتار – حواراتها السياسية وجوليانا في قرانا

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يقينا , تمكنت قناة عشتار الفضائية من الاستحواذ على مكانة زمنية مرموقة في الجدول اليومي لجمهورعريض من المشاهدين بصورة عامة و شريحة واسعة من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري الارمني بصورة خاصة , عبر سلسلة من البرامج الثقافية والرياضية والترفيهية المنوعة , ولذلك لانبالغ في القول ان القناة تحتل عند الكثيرين مكانة متقدمة في قائمة القنوات المفضلة ويحفظ هؤلاء عن ظهر قلب رقم القناة في جهاز التحكم الذي بين ايديهم وليسوا بحاجة الى اجهاد النفس في البحث اليدوي او العشوائي عنها كما يفعلون مع كثير من القنوات الاخرى . ان قناة عشتار الفضائية قامت وتقوم بمجهود رائع وقيٍم في تقديم لوحة تعريفية جميلة , لاشك انها تترك انطباعا ايجابيا لدى المتلقي عن شعبنا الكلداني السرياني الاشوري الارمني , طقوسا وتاريخا وتراثا وثقافة وفنون , ومايسجل لادارة هذه القناة هو الحرص الدائم على ان تكون لوحتها تلك معبرة عن كل مكونات شعبنا بتسمياته وخلفياته وكنائسه حتى ان احد الاساقفة الذين التقيت بهم ذهب الى وصفها ( بالقناة المسكونية ), فكوادر هذه القناة تلاحق بدأب ونشاط كل تجمعات وفعاليات شعبنا في الوطن والمهجر فاستحقت ان تكون احد الاصوات الجهورية المتميزة الناطقة باسم شعبنا . ان الحق يجب ان يقال في ان الكلداني والاشوري والسرياني والارمني , يشعر كل منهم ان له حصة في قناة عشتار , وهو جزء منها له حقوقه فيها ويرغب بفخر في ان يؤدي واجباته نحوها بل ان هذه الدائرة تتمدد الى نصف قطر اكبر لتشمل العراقي العربي والكردي واليزيدي وكل المكونات الاخرى .

امام ماتقدم , يلاحظ في الجانب الاخر ان هذه القناة تخطو خطوات حذرة جدا وخجولة فيما يخص البرامج السياسية والتفاعل مع تطورات الوضع السياسي في العراق عبر الاكتفاء بالنقل الالي المجرد للخبر والمعلومة وكأنها تريد ان يتذكر المتلقي ( ان ناقل الكفر ليس بكافر ) ! , لكن القناة كانت اول من اطلق مشروعا سياسيا كبيرا لشعبنا تمثل في المطالبة بحقوقه السياسية بما فيها الحكم الذاتي والسعي لتثبيت ذلك دستوريا في دستور العراق ودستور اقليم كردستان , لقد طُرح هذا المشروع للتداول جماهيريا فاشبع نقاشا واجتهادا طوال هذه الفترة ( جرى معظمه خارج قناة عشتار ) من جهات و شخصيات كثيرة يشترك بعضها في الجهد السياسي , كل وتاثيره , بينما يطرح البعض الاخر ارائه بصورة مستقلة راجيا ان يُفيد بها من يرى فائدة فيها , لقد ان الاوان ومن اجل ايقاف عملية السباحة العشوائية وضرب الماء في كل الاتجاهات ان يتقدم الاب الروحي للمشروع السيد سركيس اغاجان وقناة عشتار الفضائية الى طرح فلسفتهم لهذا المشروع واليات تنفيذه استنادا الى الامكانيات المتاحة والظرف المعاش ليتسنى تحشيد الجهد باتجاه الهدف والتصويب اليه. كذلك الحال في موضوع الاضطهاد والقتل والتهجير والاجبار على ترك الهوية الدينية والقومية التي ترتكب بحق شعبنا في مناطق ومدن مختلفة, فمع ان قناة عشتار الفضائية حاولت وتحاول بنشاط تغطية هذه الاحداث وردود الافعال على ذلك وفعاليات شعبنا في الداخل والخارج لاستنكارها و شجبها, إلا ان الكثير ينبغي فعله في هذا المضمار وخاصة في مجال عقد لقاءات حوارية تقدم فيها القناة شخصيات متنورة تؤمن ( قلبا وقالبا ) بالتعايش المشترك وحقوق متساوية للجميع في الوطن بغض النظرعن الانتماء الديني او المذهبي او العرقي , على طريق مد الجسور مع الاطراف الاخرى للوصول الى اعرض قاعدة مشتركة يقف عليها اكبر حشد يمكن تحشيده لوضع حد لهذه الاعمال وللتبشير بمبادئ الاخاء والاحترام وحق المواطنة والمساواة.

وهكذا وفي خضم هذه الخطوات الحذرة في البرامج السياسية تخرج علينا احيانا قناة عشتار بلقاءات حوارية خاصة مع نخب سياسية , علما بان هذه اللقاءات في جوهرها الغالب ليست لقاءات حوارية بالمعنى الكامل للكلمة بقدر ماهي فسحة و فرصة يستطيع الضيف الذكي استغلالها لعرض افكاره والترويج لها , وهنا يصح القول في ان الشخص الحذر جدا قد يُخفق غالبا في الاختيار الصحيح , حيث جاء احد هذه اللقاءات الاخيرة ليقدم نموذجا يمتلك ويؤمن بفلسفة مُتهمة بالتطرف , وهو بالتالي جزء من تصرف سياسي على ارض الواقع لاينسجم باي حال من الاحوال مع الخط العام لهذه القناة وثقافة وخلفية مشاهديها , اما بعض عبارات المجاملات البروتوكولية التي تسقط اثناء الحوار فانها تصلح لكي تكون رتوشا للوحة لايرى المشاهد اي حاجة في اقتنائها. ليست هذه دعوة للانغلاق وعدم السماح لجميع الالوان بعرض ارائها او تحريضا على تقييد حرية النشر والاعلام وتشجيعا للاعلام الشمولي , ولكن هي الرغبة في الاستفادة بداية وربما لزمن طويل من الكثير من العناصر التي يُعرف عنها حقا انها تؤمن , فكرا وممارسة, بعراق تعددي علماني يجد فيه الجميع فرصا متساوية , قد تكون الفائدة من محاورتها اكثر بكثير من نماذج اخرى نجد في قمة مجاملتهم لنا , التي تسمح بها فلسفتهم السياسية التي يؤمنون بها, انهم ينظرون البنا في اننا شعب اهل الذمة الذي يستحق الشفقة ويقع عليه واجب الطاعة , ليس هذا انتقادا او انتقاصا لخيار هذا او ذاك فللانسان كامل الحرية في الايمان بما يعتقده صحيحا وفي اختيار مايراه مناسبا , ولكن من حق الاعلام صاحب القضية ( ان يحود النار لرغيف قضيته ) وهو ما يفعل الجميع من اصحاب الاجندة والقضايا.

من المؤكد ان قناة عشتارفي هدفها الاسمى ليست قناة ( وناسة ) او ( انفينتي ) او غيرها ولاننا احببنا هذه القناة ونتمنى لها الافضل دائما فاننا نرى ان تضع هذه القناة خطة مدروسة بدقة للتحرك على الصعيد السياسي لتسخير الامكانية الاعلامية المتنامية لهذه القناة في خدمة اهداف شعبنا وبانتظار ان ترى هذه الخطة النور وتتم المباشرة بترجمتها فعلا دعونا نستمتع بالرائعة جوليانا وهي تجوب قرانا.



87
زوعا وانفلونزا الطيور

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لقد اجاد جميل بن معمر شاعر الحب العذري في  وصف اشتياقه وعشقه لمتيًمته يثينة فقال :
ألا ليت شعري هل أبيتنً ليلة بوادي القرى إني اذن لسعيد
وهل ألقيْن فردا بُثينة مرة تجود لنا من ودها ونجود
لاادري لماذا يخطر في بالي جميل بن معمر وشعره  و قصة ولعه بحبيبته كلما اطالع مقالا جديدا لاحد الاخوة الاعزاء الذين , ابتلوا او بلاهم الله , بمرض الادمان على توجيه السهام , بمناسبة او بدونها , الى الحركة الاشورية تنظيما او قيادة , ترى هل هو الحب , حيث من الحب ما قتل , ولسان حالهم يقول :
ألا ليت مقالي هل أبيتنً ليلة ( بمقر زوعا )  اني اذن لسعيد
وهل ألقيْن فردا ( يونادم ) مرة يجود لنا من ودٍه ونجود
يموت الهوى اذا ما لقيته ويحيى إذا فارقته فيعود
ام هو الموقف الشخصي الذي انتج بغضا وكراهية حد الثمالة , ام ربما هي اللحظة الفريدة التي تزاوج بين الحالين فتجمع الحب والكراهية , وجهان لقطعة نقود واحدة. لقد اعتاد هذا البعض ان يرى في كل طروحات هذه الحركة كفرا ويحمٍل ( العبد الفقير لله ) زوعا كل مشاكل الدنيا فهو المسؤول عن القتل والتهجير والاضطهاد والاكراه على ترك الهوية الدينية وعرقلة تحقيق الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري في العراق والوقوف حجر عثرة امام تسميته الموحدة , كما ان زوعا يقف خلف الاحتراب بين فتح وحماس في فلسطين وهو الذي اشعل فتيل المعارك بين الجيش اللبناني وفتح الاسلام في لبنان و هو, اي زوعا , متهم بالتسبب في نفوق دجاج مصر و ايصال فيروس انفلونزا الطيور الى اوربا الوسطى وهو الذي يقود حملة لتشجيع انتشار زواج مثيلي الجنس في الدول الاسكندنافية وتهريب حبوب الطلاق الى امريكا الجنوبية و حرمان الاخرين من ربح اية صفقة من صفقات تصدير حبوب منع الحمل الى الصين !

لست محاميا عن الحركة الاشورية , بل أقسو في نقدها احيانا , وارى في النقد فوائد وايجابيات كثيرة , لكنني اعتقد ايضا ان في الذي  نعاديه او نخاصمه او نختلف معه توجد على الاقل نقطة او نقاط معدودة يمكن ان نتفق فيها معه او نشهد له فيها كعلامة ايجابية , ولذلك لايوجد في السياسة كما في الحياة تنظيما او فردا هو ( خطأ في خطأ ) من قمة رأسه حتى اخمص قدميه , بل نرى احيانا ان الاشارة الى نقاط التلاقي يخدم في النتيجة عملية النقد حيث قد يكون هذا دافعا للطرف الاخر الى فعل خطوة في المقابل فيعيد النظر في المواقف المختلف عليها , وهكذا يوصف السياسي بالتحجر , على اقل تقدير, إن لم يكن بالساعي لتحقيق مأرب وغايات شخصية , اذا استمر يكيل الخطوات في خط متوازي مع غريمه او منافسه او خصمه ,  لايلاحظ عليه المتابع جهدا بسيطا لاكتشاف او انشاء اي قاسم مشترك , خاصة عندما يكون ذلك القاسم حاجة يطرحها الظرف كواجب قومي ووطني ومصيري.

نعود الى مسالة انتقاد اداء الحركة الاشورية كونها احد الارقام الفاعلة في دور شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , وهنا ينبغي الاتفاق مع الكثيرين في ان هذا الاداء ليس بالمستوى المطلوب الذي نتمناه , ومن اجل ان نكون منصفين في حكمنا هذا علينا ان نبحث عن اسباب القصور التي ادت الى هذا الحكم  والتي يمكن تصنيفها الى ثلاثة رزم , هي الاسباب الوطنية المتعلقة بمسيرة العملية السياسية في العراق بعد سقوط النظام , والاسباب المحلية التي تحتوي العمل السياسي في اوساط شعبنا الكلداني السرياني الاشوري خلال السنوات الماضية والظروف التي احاطت وتحيط به واخيرا الاسباب الذاتية التي تخص الحركة الاشورية ومدى نجاحها كتنظيم سياسي في التكيف والارتقاء الى مستوى التصدي للواقع الجديد الذي نشأ إثر سقوط النظام .

مما لاشك فيه ان الاصطفافات الدينية والقومية والمذهبية شكلت سمات سائدة للعملية السياسية التي تبلور شكلها ( كسلطة رسمية بعد ان كانت معارضة سياسية ) بعد الاحتلال, وفي ظروف التنافس والاحتراب بين الكتل الكبيرة من اجل تحقيق أسمك حزمة من المكاسب , مظافا اليه الشعور الغريب لدى تلك الكتل بعدم الاشباع والحاجة الى نهم اي شئ متاح او يمكن الوصول اليه , ترك ممثلي الكتل الصغيرة والاقليات امام واقع صعب وهامش بسيط للحركة , ولنا ان نتصور ذلك على النحو التالي حيث جلس كل هؤلاء حول ( قدر الدليمية ) وبدأ اصحاب الكتل الكبيرة ( الضرب بأبو خمسة واحيانا بابوعشرة ) بينما فُرض على الاخرون الالتزام بكل قواعد الاتيكيت واستعمال الشوكة والسكين. عندما يتحدث السيد عبد الاحد افرام صراحة عن وجود مايسمى ( بالمطبخ السياسي الاعلى ) فان ذلك يتركنا نفهم ان الكثير من القوى السياسية الصغيرة , ومنها قوى شعبنا , تملك حركة مقيدة قد لاتتجاوز بعض خطوات في ( المطبخ السياسي الارضي ) حيث تشارك في وصفة بعض ( المقبلات البسيطة) اما الاكلة الرئيسية فليس مسموحا المشاركة في تحضيرها بل يختصر دورها على محاولة هظمها بكل السبل , ليس لعدم اهلية وجدارة تلك القوى في تحضير تلك الوجبات وانما لاعتبارات سياسية لدى البعض ووربما دينية مذهبية لدى البعض الاخر لكي تبقى الوجبة حلالا. ان الحال السياسي الراهن في العراق أشبه بشارع تزدحم وتقف فيه جميع انواع المركبات ( شاحنات وسيارات نقل وحمل كبيرة وعربات صغيرة ) والكل يريد الوصول الى الهدف ولايقبل بان يصل غيره قبله , ولذلك تسمع معزوفة غريبة لاصوات اجهزة التنبيه ويضيع احيانا صوت ( الهورن الخجول ) القادم من احدى العربات الصغيرة مع اصوات ( الزمارات الهوائية ) التي تم تركيبها على اجسام عربات النقل والحمل الكبيرة القادمة من النجف واربيل والرمادي , اما رجل المرور الامريكي فيقف متفرجا وأن شاء ان يلعب دورا فليس في ذهنه ان يكون ذلك لصالح اصحاب العربات الصغيرة . في مثل هذه الظروف المعقدة حيث اصبحت مهمة هذه القوى الصغيرة التزام جانب الدفاع  وتحاول بشق الانفس المحافظة على موطئ قدمها في الساحة يكون من الطبيعي الاداء  عاجزا عن تحقيق نتائج جوهرية بل يكون تحقيق جزء من تلك النتائج أشبه بضربة حظ على محرك ( جوجل ) في الانترنيت. اعتقد ان بعض الاطراف التي حلت محل الحركة الاشورية في حكومة اقليم كردستان قد وصلت الى درجة الاقتناع في ضيق حيز الحركة الذي يتيح بتقديم بصمات فاعلة حيث لم نرى خلال فترة استيزارها سوى انها تؤدي واجبا وظيفيا طبيعيا. لكن هذا يمثل احد الاسباب المهمة ولايمكن ان يصبح شماعة نعلق عليها كل اسباب القصور الذاتي الاخرى التي بتفاعلها جميعا نحصل على درجة متدنية في الاداء .

عندما يأتي الحديث الى الاسباب المحلية ووضع شعبنا ودوره وتأثير ذلك على أداء قواه السياسية التي تمثله رسميا في العملية السياسية في العراق  فان اول ما يتبادر الى الذهن , ومن خلال نظرة متابعة لجزء كبير من فعاليات شعبنا واعلامه وماينشر يوميا على صفحات مواقعه , هو نجاح قوى شعبنا بامتياز في ارسال بعضها البعض كلا او جزءا الى ( محلات التفسيخ والسكراب السياسي ) . ان بعض قوى شعبنا تعطي مثالا ممتازا لما يُعرف عنه في الفيزياء ( باشعاع الفناء ) حيث يصطدم البروتون مع الالكترون ليفني احدهما الاخر ويصاحب ذلك تحرير بعض الطاقة . صحيح ان الفناء الكلي لم يحصل بسبب فارق الكتلة بين الاجسام المتصادمة , إلا ان حدوث خدوش واصابات مختلفة وضياع وخسارة في بعض الجهد امر حتمي . ان بعض الاطراف والكتاب يتهم الحركة الاشورية بممارسة  سياسة الاقصاء والتعنت في موضوعة التسمية بينما , وللحقيقة والتاريخ , يرى اي مراقب محايد ان هذه الحركة تبدي مرونة اكثر بكثير من غيرها في هذا المجال .  يكتب احد الاخوة الاعزاء عبارة ( شعبنا الاشوري من الكلدان والسريان ) ويكتب ثان ( شعبنا الكلداني من الاشوريين والسريان ) بينما ينبري ثالث ليصف التسمية المركبة بالتسمية المقززة ويذهب رابع الى رفض التسمية المركبة جملة وتفصيلا في حين لاتنكر الحركة الاشورية ان لها تسمية محببة الى نفسها لكنها مستعدة للحوار لايجاد صيغة تتفق حولها الغالبية العظمى من ابناء شعبنا , من خلال المواقف السابقة يستطيع القارئ الكريم ان يحدد الموقف الذي تُستشف منه رائحة الاقصاء والتعنت . اما الحكم الذاتي فالموقف منه سلبا او ايجابا هو اجتهاد ينبغي ان يقيًم في الحالين على اساس ان صاحبه يبغي مصلحة شعبه فيما ذهب اليه . لعلنا نفعل خيرا, ربما سيجازينا الله عليه  يوم الدين , عندما نهمس في أذان البعض الذين قرروا ركوب موجة الحكم الذاتي فنقول لهم ان مطالبتكم بالحكم الذاتي ما كانت ستكون سوى زوبعة بسيطة في فنجان لولا وقوف السيد سركيس اغاجان بثقله المعروف وراء هذه الدعوة , بل اعتقد الى حد ما في ان اتفاق السيد سركيس اغاجان والحركة الاشورية على الية عمل مشترك تتناول قضايا شعبنا ومنها موضوعة الحكم الذاتي ستدفع تلك الاطراف الى اعادة النظر في مواقفها ولن يكون صعبا انذاك بالنسبة لها ايجاد المبررات التي تبيح لها فعل ذلك .

اما الرزمة الاخيرة من الاسباب والمتعلقة بالحركة الاشورية كتنظيم سياسي , فمع كوني اجهل تماما طبيعة الحياة الداخلية لهذه الحركة لانني لست من اعضائها , إلا انني كنت قد كتبت سابقا وتحديدا قبل اكثر من عام ونصف داعيا هذه الحركة الى القيام باعادة تنظيم شامل ( بيريسترويكا داخلية ) يمكن ان تساعدها على الارتقاء الى مستوى التحديات والظروف الانية الجديدة فتلبس ثوب شعبنا  مجتمعا وتتجنب ان تُلبسه ثوبها الخاص حتى وإن كان ثوبها المحبب , وتحاكي همومه وتطلعاته كما تبدو في حقيقتها  , فكرا وعملا , و يفسح ( الحرس القديم ) في هذه الحركة المجال لدماء شابة جديدة اتية بافكار متنورة, ومن خلال المتابعة لنشاطات وطروحات وتصريحات اركان هذه الحركة على موقع زهريرا العزيز يبدو للعيان ان خطوات قد أُنجزت على هذا الطريق لكن الكثير من الخطوات تبقى بالانتظار. ان هذه الحركة يجب ان تتذكر انها المصدر الرئيسي ( وعلوة البيع بالجملة ) التي تتحمل جانبا من المسؤولية في تسرب جزء من بضاعتها لتجد لها ملاذا على رفوف اكشاك سياسية صغيرة وهي تتولى مهمة توجيه سهام الانتقاد لها , ربما شعورا بالاحباط ورغبة في رؤية مشروع البداية بمستوى الامال التي رافقت ولادته , ولذلك فعليها ان تعمل بجهد وتتجنب تفريخ اكشاك جديدة , كما ان شعبنا وفي هذه الظروف الصعبة والمعقدة لن يقف مكتوف الايدي ينتظر الى المالانهاية ففي السياسة يمثل الزمن عاملا حاسما لايرحم , حيث اقتناص الفرصة وتجديد النفس وتقديمها بالشكل الذي يقنع الجمهور انها جديرة بالتصدي لمهمات المرحلة هو المفتاح الذي يسمح للتنظيم السياسي برفع علمه في الساحة , فها هو ( حزب المجلس القومي  الكلداني السرياني الاشوري ) يحث الخطا بخطوات متسارعة لاكمال هيكله وبناء هرمه تمهيدا للاعلان عن ميلاده رسميا .





88
موقع برطلة واهل الداخل وابناء الخارج
 

د -  وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

 لازالت تداعيات المقالة ( المثيرة ) التي نشرت قبل اسابيع بعنوان ( السيد سركيس اغاجان ومزرعة تسمين القطط ) تلقي بضلالها على سلوك وتصرف البعض في برطلة الام والاب . وهكذا حسِب هذا البعض المقال والرد الذي تلاه  صفحة اولى في معارك وهمية رسمها لنفسه , ووضع خطط جولاتها اللاحقة , فأصبح في صراع مع الزمن يحاول اقتناص اية فرصة بائسة للتحشيد وتوجيه الاتهامات جزافا , بل اصبح ( موقع برطلة ) المسكين هدفا رئيسيا له يتقدم على كل الاهداف الاخرى , وكأن هذا الموقع قد حلً محل ( قناة الجزيرة ) او برنامج ( القُمٍص زكريا ) , يرى ذلك البعض ان اسكاته و قطع عنقه واجب مقدس كونه يرعى الارهاب والمشاغبات و ( قطع الارزاق ) . وعلى هذا المنوال امتدت يد البعض لتحاول باسلوب رخيص تدمير موقع برطلة , كما يستثمر احد الاباء الافاضل زياراته الى رعيته في الحديث عن مشاغبات ( النفر الضال ) من اهل الخارج , بينما يُنعم عليهم الثاني ( بمكرمته السخية  ) فيصفهم بالجبناء , وربما ينتظر مرسوم ( تحريمهم ) توقيعه الكريم ! انه لفخر كبير لموقع برطلة ان الكثيرين ملأهم الشعور بفقدان شئ عزيز وغال عليهم خلال تلك الايام التي توقف فيها الموقع عن العمل بفعل عبث العابثين حتى تمكن الاخ العزيز الدكتور يوسف توما بهنام من اعادته الى العمل بعد جهد جهيد.

قبل اكثر من عشرين عاما وقعت عيناي على رواية ( الاخوة كارامازوف ) للكاتب الكبير ( ديستوفسكي ) , وخرجت حينها بدروس  قيمة كان اهمها ان الدخول في مواجهات مع رجال الدين هو ضرب من ضروب اللعب بالنار إن لم يكن تقديم النفس على مذبح الانتحار , لكن هنالك حتما من الفراشات من ترى ان الاقتراب من النار موقف وواجب , كان ذلك من خلال تلك القصة الاسطورية التي رواها الكاتب عن تلك المدينة التي كان رجال الدين فيها يجتهدون في تفسير المسيحية ويقدمونها للناس انطلاقا من تلك الاجتهادات , وحدث ذات مرة ان نزل السيد المسيح في تلك المدينة ورأى ما رأى فبدأ يعلم الجموع على طريقته , لم تعرفه الجموع لكن رجال الدين لم يجدوا صعوبة في معرفته وتمييزه من الوهلة الاولى . اجتمعوا فيما بينهم وقرروا تحشيد الجموع لطرد ( الرجل الغريب ) اي المسيح من مدينتهم لانه يمثل خطرا على العقيدة المسيحية ! . إن كان الرب , له المجد , قد اصبح خطرا على المسيحية فكيف لايكون العبد الحقير الذليل للمسيح خائنا للعقيدة والدين ؟ وهو الذي تجاسر فحاول الاقتراب الى الممنوع بنية صادقة  تدعو الى ان نكون افضل . ان مشكلة بعض رجال الدين في مجتمعاتنا الشرقية تكمن في انهم لازالوا يعيشون في القرون الوسطى فيعتقد الكاهن انه يملك نسخة الكتاب المقدس الوحيدة في القرية ولايوجد بين المؤمنين مَن غيره يستطيع فكَ الحرف , في الوقت الذي نعيش فيه في القرن الواحد والعشرين حيث تحولت صفة رجل الدين ومن خلال الاداء اليومي للبعض الى مهنة او درجة وظيفية , يتناسى ذلك البعض اننا نعيش في عصر الفضاء والانترنيت , حيث كثيرون ممًن يسمعوا المواعظ يمتلكون درجات متقدمة من العلم والثقافة , لكنها لا تقف عائقا امام  الشعور بالتبجيل والتقدير لمرتبة الكهنوت السامية المقدسة وحقوقها. حاشا ان يكون القصد هو التهجم على رجال الدين بقصد احداث البلبلة , بل نرى فيهم جميعا مرأتنا الغالية التي نرى من خلالها قُربنا او بُعدنا عن الطريق الحق ولذلك من حقنا ان نكون حريصين على صفاء هذه المرأة. صحيح ان الكتاب المقدس يدعونا الى سماع الاقوال وغض النظر عن الافعال لكن الحالة المثلى والتي تعطي ثمارا أوفر تتمثل في ان تلتصق وتذوب الاقوال في الافعال , ام علينا التصبر دائما  بتلك القصة الشائعة التي تحكي عن الخورية التي حضرت قداس الاحد فسمعت الاب الفاضل يدعو جماعة المؤمنين الى تجسيد مقولة الفادي المخلص ( من له ثوبان فليعط واحد لمن ليس له ) , وبعد انتهاء الصلاة عادت الى البيت فطرق الباب احد الفقراء فاعطت له قطعة من الثياب القديمة , ثم وصل الاب الفاضل الى البيت فروت له ما حدث طمعا بجملة مديح تريح نفسها , فاذا بالاب الفاضل يوبخها على فعلها قائلا ان كرازته كانت للاخرين وليس لها. في الطريق الى السويد بعد مغادرتي الوطن واثناء تواجدي في ( اسطنبول ) اخذني احد الاصدقاء الى احد الاديرة فيها والتقينا باحدى الاخوات الراهبات التي بدأت بالقاء محاضرة عن ( الوطنية ) وخطأ قرار ترك الوطن , واذا بها بعد برهة تبدي لنا عن قلقها على اقربائها الذين تبحث لهم , و يبحثون من جانبهم , عن ( مُهرِب أمين ) ينقلهم من المانيا الى هولندا!

ان اتهام اهل الخارج بالجبن هو حكم قاس من أب تجاه ابنائه الذين لم يختار معظمهم , كما يعرف الاب الفاضل , الغربة إلا كما يختار المريض الكي كدواء اخير, وهو يعلم جيدا ان قصائده في الغربة والحنين الى برطلي تثير فيهم جداولا من الدموع وتشعل في قلوبهم نيرانا من المواجع . وهم إن سكنوا الغربة اللعينة لظرف خارج عن ارادتهم , انما يسكنونها باجسادهم بينما تبقى ارواحهم تسبح هناك حيث كل الذكريات وكل الاهل وكل الاحبة, فجولة واحدة في الشارع الوسطي في برطلة وإلقاء التحية على من فيه والوقوف بجانب مقهى ( العم سعيد او مقهى السلام ) لاتقارن بحلاوة نكهتها بمليون وقفة في حديقة الملك في ( استوكهولم )  . من جهة اخرى , وللحقيقة والتاريخ , فقد اثبت ابناء برطلة في الخارج انهم ابناء بررة لتلك المدينة المشعة بالايمان والاخلاق وبرهنوا انهم اغصان زاهية من شجرة ابائهم المثمرة الطيبة , وهكذا في السويد مثلا حيث تجمعت جالية كبيرة من ابناء برطلي وخاصة من اعمار الشباب , نرى فيهم الشعور العالي بالمسؤولية فيكافحون ويجدٍون في حياتهم , وقد رموا في سلة المهملات كل مغريات الحياة وملاهيها , واضعين نصب اعينهم هدفا ساميا هو ان يكونوا فخرا لاهلهم في برطلة فيجاهدوا لتكوين انفسهم ومساعدة اهلهم وذويهم , ولم تظهر خلال هذه السنوات حالة يمكن ان يقال عنها انها تنحرف قليلا عن هذا الخط العام . شباب نفتخر بهم امام الاخرين تتوزع حياتهم على العمل وحضور قداس الاحد او الندوة الدينية والرياضة والمشاركة في افراح واحزان ابناء بلدتهم وفي نشاطات جمعية ابناء برطلة في السويد. واعتقد ان الحال نفسه ينطبق ايضا على ابناء برطلي في كل دول الاغتراب , بل لا أغالي بان هذا الحكم يمكن تعميمه على الغالبية العظمى من شبابنا الكلداني السرياني الاشوري القادم من مختلف القرى والمدن والاماكن . ليس القصد هنا تشجيع الهجرة بل نرى ان يتعاون ابناء الداخل والخارج لتوضيح اثارها وعواقبها بل يمكن ان يكون اهل الخارج خيرعون في الهدف النبيل الذي يسعى اليه الغيارى في الداخل لاحتواء موجة الهجرة من اجل التشبث والاحتفاظ بتراب الاباء والاجداد ,و لانعتقد ان اتهام المغتربين او من قرر سلوك طريق الغربة  بالجبن يمثل حلا سحريا وحاسما يؤدي الى ايقافها ومعالجتها.

بعد وصولي للسويد استدعت احدى ( الوطنيات ) , من رسل التربية والتعليم في برطلة , ابني البكر وكان حينها في الصف الاول الابتدائي , حدث ذلك قبل سقوط النظام بسنتين , وقامت تسأله عن وصفه لذاك الذي تنكر للجميل وعلًمته الدولة ثم هرب من الوطن ,  لقد وضعت الطفل الصغير في الزاوية الحرجة حتى يتفق معها على وصف أبيه بالخائن , عاد الابن الى البيت فروى لامه ماحدث باحثا بألم عن اجابة اخرى تبرئ ساحة ابيه !. وتدور الايام ولكل زمان شمًاعته التي نعلق عليها الاخرين لنسدد باتجاههم ( مااطاب ولذً ) من الصفات , وهكذا توالت الشمًاعات من ( الخيانة الى الانتساب الى البعث الى الجبن ) والبقية تأتي , لكن الشئ الذي نعرفه جميعا , وفي المقدمة ابائنا الافاضل , ونتفق عليه على الاقل مع انفسنا يتمثل في ان كثيرا من هؤلاء ( الخونة ) و ( البعثيين ) و ( الجبناء ) والخ , في الداخل كانوا ام في الخارج , يرتدون ثيابا اكثر بياضا من اخرين ترى في وجوههم كل الوان قوس قزح , يتقنون بمهارة توقيت حركة إبراز وإخفاء الرؤوس.

ان اهل الخارج هم منكم وفيكم , وهم سندكم وصوتكم في المديات المحرمة  , يحملون بل ويعيشون همومكم  لانهم جزء منكم , هم بعضكم في الخارج الذي يبكي ويفرح على بعضه الاخر في الداخل , وكل تمنياتنا ان تبقى برطلي خيمتنا العزيزة التي نفتخر في ان يكون كهنتها اعمدتها والغيورون فيها ( اينما كانوا ) يتسابقون ليكون كل منهم وتدا لها , لكن ذلك لايمنع بالتاكيد العتاب بين الاهل و الاخوة والاحبة الذين تجمعهم هذه الخيمة .
جبناء كُنا أم شجعان , خونة أم اوفياء, مخطئين ضاليين أم مصيبين, في كل الاحوال والازمان تبقى اليد ممدودة اليكم وقلوبنا مُلوعة بحبكم , نفوسنا تطمع دائما ببركاتكم , نؤمن ونُقر ونعترف انكم الاصل والاهل والاشجع والاوفى , كونكم تقفون في الحجابات بوجه العاصفة واياديكم في النار.

لاننا شعب واحد ايا كانت تسمياتنا ولان قرانا ومدننا هي اغصان لشجرة واحدة, فان ماتقدم , ونقصد موضوعة العلاقة بين الداخل والخارج , ربما لايخص برطلة لوحدها بل مدننا وقرانا جميعا , بعد ان بدأت تلوح في الافق اثار الفجوة بين الاهل وابنائهم في المغتربات, اذا كنتُ اتفق تماما مع ما ذهب اليه الاستاذ الفاضل جميل روفائيل , في مقاله الاخير ردا على مقال سابق لي , بالاشارة الى بعض الظواهر السلبية في اداء البعض من اهل الخارج مِمًن  تركوا انطباعا لدى اهلنا في الداخل بانهم يتعاملون , ربما بنية صادقة او لمصالح سياسية او شخصية ضيقة , وكانهم اوصياء عليهم , يتدخلون تفصيليا في شؤون حياتهم في المأكل والملبس والمسكن مما سبًب نفورا من بعض اهلنا في الداخل الذين يعتقدون انهم اصحاب الحق طالما انهم صامدون في الارض في تقرير مصيرهم واختيار نموذج حياتهم وعلى ابنائهم في الغربة مساعدتهم ومساندتهم بما يملكون من امكانيات متاحة , لكن في الجانب الاخر تجدر الاشارة ايضا  ان نفرا من اهلنا في الداخل قد وجد في هذه الفجوة والحساسية التي ظهرت في السلوك السابق كرة يمكن استعمالها بدهاء لضرب اي جهد او صوت ينطلق من الخارج ليمررهذا النفر وعلى اساس ( مكة ادرى بشعابها ) كل صققاته واهدافه المشبوهة . ان  كل الاقلام والجهود الحرة والشموع النبيلة التي قررت ان تهب نفسها بنية صافية خالصة لقضايا شعبها ,و اينما كانت في الداخل او في الخارج , مطالبة بالعمل لردم هذه الفجوة ووفضح كل اصحاب النوايا والمصالح السياسية والشخصية الضيقة , اينما كانوا ايضا , من اجل ان تتداخل موجة جهد اهل الخارج مع جهد اهل الداخل فنقدم شعبنا للاخرين بثقله الحقيقي غير منقوص , ذلك الثقل الذي يظهر فيه اهلنا في الداخل مليئين بالفخر والثقة لان خلف ظهرهم ابنائهم الاوفياء في الخارج الذين قرروا ان يكونوا معهم من البداية وحتى المنتهى.


89
سركيس , يونادم , إبلحد – هل تلتقي اضلاع المثلث ؟ !

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

انها عائلة اخرى من ابناء شعبنا هربت من جحيم الارهاب و المفخخات وانعدام الامن والماء والكهرباء وجاءت تبحث عن النقيض في السويد ووصلت الى قناعة مفادها ان السير ( ولو لفترة ما ) في شوارع تغطيها الثلوج اغلب اشهر السنة اهون من التواجد في شوارع هي حقول للالغام يقضي الانسان خطواته فيها يتلو بلا انقطاع ( ابانا الذي في السموات  او سورة الفاتحة ) كل واتجاه قبلته . جلسنا معا نشرب القهوة العربية المطعمة بالهيل ونستمع الى القصص الطازجة المؤلمة عن الوطن واهله وبشكل خاص عن شعبنا الكلداني السرياني الاشوري ودوره واحزابه وقواه ومستقبله . لا ادري ونحن في الرشفات الاخيرة من الفنجان كيف انتشرت سريعا حكاية ان احدى الحاضرات بارعة في قراءة الطالع والتنبؤ بالقادم عن طريق الفنجان . وهكذا قلب الفضوليون ( والكاتب احدهم ) فناجينهم وسجلوا اسمائهم في الطابور بانتظار الاخبار المثيرة. تناولت الاخت العزيزة فنجاني وتمعنت فيه , فقلت في سري , ربما هي نفس الكليشة ,( سمكة للرزق وجمل مُحمًل او عين حسد وطريق طويل او قصير مفتوح او مغلق ) واذا بها تقول ان هنالك ثلاثة اشخاص ليسوا نساء يحاول كل منهما مدً يده للاخر لكنه لايجرأ على ذلك ولا ادري لماذا , ربما خجلا او حياء او تكبرا او خوفا. للحال قاطعها احدهم من مدمني الانترنيت ومتابعي شأن شعبنا ومسيرته فقال بصوت ترافقه ابتسامة أليمة : انهم سركيس اغاجان ويونادم كنا وابلحد افرام . فاشتعلت زوجتي غيرة وقالت : أفي فنجانك ايضا ؟ ألايكفي انهم في افكارك ومقالاتك على الدوام ؟ وضعت  السيدة العزيزة الفنجان على الطاولة وقالت بتهكم : ربما يعتقد قادتنا ان الوقت لم يحن بعد للعمل المشترك فما  حدث  ويحدث  لم يفعل فيهم الصدمة , وحال شعبنا كحال ذلك الذي يناجيه المطرب الراحل عبد  الحليم حافظ فيقول له ( سترجع يوما ياولدي مهزوما مكسور الوجدان وستعرف بعد رحيل العمر انك كنت تطارد خيط دخان ). –  لا ادري إن كان حفظ قصيدة قارئة الفنجان من شروط مزاولة المهنة - ختم الجميع الحوار بجرعة الكوكايين العربية التي تقول تفائلوا بالخير تجدوه .

في كل العالم تقريبا وخاصة المتحضر منه , تنتفض جميع القوى وترمي بخلافاتها واختلافاتها ومنافساتها جانبا عندما تحين ساعة النداء لانقاذ القواسم المشتركة التي يتفق عليها الجميع كمصير البلد والشعب في وجوده وهويته اوقات الكوارث او الحرب او الاعتداءات الخارجية فتجلس جميع القوى الى طاولة حكومة الانقاذ الوطني او حكومة الطوارئ او غرفة العمليات المشتركة التي يكمن واجبها جميعا في التصدي مجتمعا لذلك الظرف الطارئ . ترى هل كل عمليات القتل والتهجير والاكراه على ترك الهوية الدينية والقومية لا يرى فيها البعض ( واقصد القوى والشخصيات السياسية التي تطرح نفسها كواجهة لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري ) حالة ترقى الى درجة حالة الطوارئ ؟ اليست هذه الاخبار المؤلمة وسياسة التهميش ضد شعبنا سببا يدعوهم الى ان يمد احدهما يده للاخر في لحظة نكران ذات صادقة بعيدة عن كل اشكال المراوغة والتكتيك السياسي الرخيص , فيرى فيهم الاخرون وزنا ثقيلا ويتمتع قليلا شعبنا فيرى فيهم بصيصا يشعل نار اماله وتطلعاته !.

مما لاشك فيه ان السنوات الاخيرة قد افرزت على صعيد شعبنا  السادة سركيس اغاجان ويونادم كنا وابلحد افرام (كلُ وقاعدته وخلفيته) اضلاعا ثلاثة رئيسية تتناول وتتعاطى بشكل جوهري الدور السياسي لشعبنا , مع تقديرنا للدور الذي تقوم به قوى اخرى صغيرة وشخصيات مستقلة. ربما تكون الانانية السياسية , و لانقول الارتباط باجندة خارجية انطلاقا من الاعتقاد باحقية الاجتهاد في التعبير عن الوطنية والاخلاص لقضية هذا الشعب واماله وطموحاته , هي الصخرة التي تتحطم عليها كل امواج الدعوات التي نراها على شفاه ووجوه الكثيرين من ابناء شعبنا داعية هذه الاضلاع الثلاثة الى الالتقاء لتكوين مثلث متساوي الاضلاع   يتربع كل منهما على زاوية قدرها 60 درجة . زمن صعب عناوينه الارهاب والقتل والتهجير والتهميش واضلاعنا الثلاثة لاتمل من لعبة الكر والفر والمناورة والمراوغة في محاولة  , اصبحت عديمة اللون والطعم والرائحة حتى في حالة نجاحها , حيث يحاول كل ضلع إقصاء الاضلاع الاخرى او سحبها على الاقل بالاكراه لتكوين مثلث قائم الزاوية يتربع الضلع الساحب فيه على الزاوية 90 درجة , قابلا ربما بامتعاض ان يتقاسم ال 90 الاخرى شقيقاه الاخران .

 ان الاحزاب والقوى السياسية التاريخية بل والشخصيات الرسالية الدينية تحرص دائما بل تقتنع يقينا ان التضحيات بمقاعد الصف الاول قد تكون احيانا قرابين لابد منها على طريق الاهداف الستراتيجية الكبيرة , وهكذا إتخذ البعثيون في الخمسينات قرار حل حزبهم والانخراط كافراد تحت قيادة جمال عبد الناصر إكراما لهدف الوحدة العربية الذي يؤمنون به , اما الحزب الشيوعي العراقي الذي يعتبر من شيوخ الاحزاب السياسية العراقية والعربية فقد اجتهدت قيادته ورأت ان من الافضل لهذا الحزب خدمة للوطن ان يكون جزءا من العملية السياسية الرسمية الحالية في العراق , وهكذا قرر هذا الحزب الذي امضى في العمل السياسي اكثر من سبعين عاما الانضواء تحت لواء قائمة تقودها حركة لم تتخطى بعد مرحلة المراهقة السياسية . فهذا هو قانون الحياة حيث يمكن من خلاله للاولين ان يصبحوا في الحلقات الخلفية وتبرز الظواهر الجديدة في الواجهة , حتى في الامور الدينية فقد كان يوحنا المعمدان مثلا واضحا وجليا في قوله عن المسيح له المجد ( ينبغي لي ان انقص وينبغي له ان يزيد ) . وفي المقابل كانت شهادة السيد المسيح في ان النساء لم تلد افضل من يوحنا وصفا رائعا للدور الكبير الذي قام به على افضل مايكون حيث وصلت صرخاته في البرية الى أذان ونفوس كثيرة أن قوِموا طرق الرب واجعلوا سبله مستقيمة.

ربما يتساءل القارئ الكريم وماذا تريد قوله في زبدة الكلام ؟. ان السؤولية الاخلاقية والقومية والدينية تتطلب من هذه الاضلاع الثلاثة اليوم في هذا الزمن العصيب والمصيري , حيث قارب شعبنا الكلداني السرياني الاشوري يصارع ويتلاطم مع الامواج العاتية والمسمومة , الى وقفة مسؤولة لمراجعة مع النفس قبل النوم , نتمنى ان تؤدي الى مبادرة هذه الاضلاع كل من جانبه لبسط ارضية مشتركة يمكن التأسيس عليها تضع حدا للمزايدات او كشف العورات , لان اي نخر في جسم هذا القارب , وخاصة ممًن يدعي مسؤولية قيادته , سيكون دعوة مجانية لدخول المياة اليه وبالتالي امكانية غرقه وحينئذ لايظن الناجون , اذا نجوا , انهم سيكونوا افضل حالا من الغرقى! لو افترضنا مجازا ان الجنة والنار مؤسستان متجاورتان وتعرضت هاتان المؤسستان لظروف خارجية تهدد مصيرهما فان اجتماع ضباط في قيادة هاتين المؤسستين للتباحث ومجابهة الظرف الطارئ هو احتمال وارد جدا. لانقصد من هذا تصنيف هذه الاضلاع  على غرار الجنة والنار بل القصد يكمن في ان امكانية التلاقي لدفع الجهد بزخم مضاعف ليس مستحيلا طالما ان التناقض لايرقى الى درجة التناقض بين الجنة والنار, والسياسي المعاصر يوصف بانه ذلك الانسان الذي يتمتع برقية طويلة تسمح له بالرؤية في مختلف الاتجاهات .

انها دعوة اخوية صادقة للاضلاع الثلاثة لتناول فنجان قهوة في السويد, في اسكلستونا الهادئة , عسى ولعل حر صيف السويد سيذيب جليد خلافات السياسة في العراق. اهلا وسهلا وعلى الرحب والسعة.     



90
الاكراد وسهل نينوى – مخاطر الزواج المبكر

د – وديع بتي حنا
 wadeebatti@hotmail.com

في الوقت الذي يحرص انصار الزواج المبكر الى استعراض كل سماته الايجابية داعمين ذلك بعينات لتجارب اجتماعية ناجحة , يحاول المعارضون او الحذرون الى اطلاق اشارات الانذار من نتائجه اوعواقبه كون عملية انشاء نموذج اجتماعي جديد ليس لعبة من لعبات ( الاتاري او البلاي ستيشن ) بل مسؤولية كبيرة يجب ان تتوفر لها كل المقومات و الاسس الصحيحة التي يمكن ان تعطي على الاقل بعض المؤشرات و الضمانات الايجابية الى نتائجها ودور تلك النتائج لاحقا في المراحل التالية. ويبقى الهدف الاسمى هو رابطة تتجذر وتتفرع مع مرور الايام وتقوى على الثبات امام الصعوبات حيث ( الزواج الكاثوليكي ) هو النموذج الشائع في المسيحية بينما يمثل الانفصال والطلاق أبغض الحلال عند الله في نظر الاسلام . ربما يكون حال التحالفات والعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الشعوب والقوميات والاحزاب شبيها الى حد ما بحالات الارتباط الاجتماعي بين الافراد فتكون مقومات ذلك التحالف وانسجام اطرافه في الرؤى ومراعاتهم للظروف المحيطة عوامل تظاف لها عوامل اخرى لتسمح مجتمعة في الحكم على ذلك التحالف عمرا ونتائجا وتصنيفه إن كان نزوة عابرة او تكتيكا ظرفيا او خيارا استراتيجيا على الامد الطويل.

السطور اعلاه هي مقدمة لعودة ثانية في محاولة متواضعة جديدة سبقتها مقالات اخرى لمعالجة موضوعة العلاقة بين اقليم كردستان ومنطقة سهل نينوى , حيث بات هذا الموضوع يحتل حيزا واسعا على المستوى الشعبي والرسمي بعد الدعوة التي أطلقها السيد سركيس اغاجان في المطالبة بالحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري وتثبيت ذلك دستوريا في مسودة دستور اقليم كردستان وفي التعديلات المراد اجراؤها على مسودة دستور العراق. من اجل توخي الصراحة والدقة يجب الاعتراف ان دعوة السيد سركيس اغاجان لاقامة منطقة للحكم الذاتي في سهل نينوى قد لاقت ردودا حذرة من قبل البعض ( تنظيمات او افراد ) كانت دوافعها بالدرجة الاولى متعلقة بموضوعة ربط ذلك بإنضمام  المنطقة مباشرة باقليم كردستان, وسوف يكون من باب التجني حقا إطلاق حكم قاس على كل اؤلئك الحذرين من خلال القول في ان دوافعهم في نظرتهم الحذرة هذه انما تنطلق من مشاعر الكره للاخوة الاكراد وعدم الرغبة في التعايش معهم , بل ربما يكون العكس هو الصحيح وتكمن الحقيقة في ان اغلب هؤلاء انما ينطلقون في الطرح الصريح لارائهم من باب الاجتهاد الهادف الى الحرص على مصالح شعبهم والشعب الكردي بل والعراقي عموما على حد سواء. ما يؤكد هذا هو هذه العلاقة الوشيجة التي توطدت في السنوات الاخيرة بين شعبنا في سهل نينوى واقليم كردستان , حيث اصبح للسلطة الكردية نفوذا وتاثيرا واسعا وادت وتؤدي جهدا كبيرا في تطوير المنطقة و ضمان امنها , و تنال هذه التجربة في نتائجها العامة تقييما ايجابيا لدى اغلب سكان المنطقة , بما فيهم شريحة واسعة من اؤلئك الحذرين.

لقد مثًل سقوط النظام السابق فرصة كبيرة تركت الحالة العراقية بجميع جوانبها أشبه بنظام اكتسب طاقة كبيرة اوصله الى حالة التهيج وهاهي ذرات ونوى هذا النظام تتصادم فيما بينها منذ 9 ابريل2003 ولحد الان وتفقد في كل تصادم مقدارا من الطاقة, إلا ان قراءة الواقع تشير الى ان فيضا كبيرا من الطاقة لازال في حوزة النظام وان تصادمات قادمة ربما تكون اعنف من سابقاتها بانتظاره حتى يمكن ان يصل الى الحالة المستقرة التي يصح فيها انذاك وصف حاله وتحقيق معادلته. ان قرار انضمام سهل نينوى الى اقليم كردستان في هذه الظروف ربما سيمنح البعض فرصة إشعال فتيل الصراع القومي في مدينة الموصل والذي سيدفع ثمنه بالتأكيد الجميع , شعبنا الكلداني السرياني الاشوري والاكراد والعرب والايزيديين والشبك . ان مهمة كل العناصر الواعية التواقة الى السلم والبناء يكمن في العمل على توفير المناخ الملائم لهذا النظام ( ونقصد الحالة العراقية ) بما يتيح له تحرير تلك الطاقة الفائضة والتخلص منها وليس شحنه او توفير الفرصة للاخرين لحقنه بمزيد من الطاقة.

من جانب اخر فان انضمام منطقة ما في باكورة مرحلة التكوين الى اخرى سبقتها بخطوات كبيرة في تكوين مؤسساتها وبنيتها التحتية يمثل ربما حالة جمع لاعداد لم تنضج بعد قواسمهما المشتركة , مما يترك حالة من الشعور بالنقص وعدم اتزان العلاقة لدى احد الاطراف يقابله شعور بالثقل والمسؤولية لدى الطرف الاخر. ومن هذا يطرح السؤال نفسه في ايهما افضل لاقليم كردستان ولسهل نينوى على حد سواء ان يقرران حالة من الارتباط وقد تكونت ونضجت في سهل نينوى كمنطقة للحكم الذاتي مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والادارية بمعالم واضحة أم ان يذهب سهل نينوى كما يقول المثل العراقي ( بملابسه ) ويرتبط باقليم كردستان. مع سقوط الاتحاد السوفيتي السابق والمعسكر الشيوعي اندفعت دول عديدة في اوربا الشرقية بل وجمهويات من الاتحاد السوفيتي السابق تطلب الانضمام الى حلف الناتو ثم الى منظومة الاتحاد الاوربي ولم يُقبل انضمام بعضها إلا بعد مفاوضات وبرامج تأهيلية بينما لازالت طلبات بعض الدول على طاولة الدرس والتمحيص وتُهدد بالرفض لعدم استيفاء الشروط.

لايمكن لكائن من كان ان ينكر الدور الكردي الايجابي خلال السنوات الماضية في المحافظة على امن منطقة سهل نينوى كما في المنجزات الاقتصادية والاجتماعية ورعاية النازحين الى المنطقة التي تتم جميعا من خلال الجهد الذي يشرف عليه السيد سركيس اغاجان , لكنني ارى وباجتهاد متواضع ان قيادة اقليم كردستان ستضع لبنة جوهرية اخرى على ذلك الدور لو استخدمت نفوذها الواسع والمهم لدى الحكومة المركزية والبرلمان العراقي والاطراف الدولية وتواجدها على ارض المنطقة لمساندة شعبنا بما يتيح له انشاء منطقته الادارية الامنة في محافظة سهل نينوى كمرحلة اولى , اقليما مستقلا يتمتع بالحكم الذاتي لفترة انتقالية قد تمتد الى خمس سنوات و يقرر بعدها هذا الاقليم بمشيئة ابنائه وبناءا على قانون الفدرالية المقر الاتحاد او الانضمام الى اي اقليم اخر, ومن الطبيعي ان تتم خلال هذه المرحلة الانتقالية مناقشات عميقة مع الاخوة الاكراد حول سبل تطوير تجربة التعاون الحالية في منطقة سهل نينوى وتقرير مصير المناطق الاخرى التي يتواجد فيها شعبنا وتقع حاليا ضمن اقليم كردستان. ربما ينبري البعض من السياسيين والكتاب في شعبنا الكلداني السرياني الاشوري فيتهمني بالخيانة كونني في هذا قد وضعت على الرف تلك المناطق وجوابا على هؤلاء الاخوة نقول ان الحس العلماني والنفس النهضوي الذي يلمسه الفرد واقعا في دستور اقليم كردستان واجندة واهداف قيادته تتركه مطمئنا الى حقوق كل ابناء الاقليم بغض النظرعن انتماءاتهم القومية او الدينية او المذهبية. ان اؤلئك السياسيين والكتاب التي يتوهمون انهم باتوا يمتلكون مجموعة كافية من اوراق اللعب تغريهم بالمغامرة في الذهاب الى ( الكومكان ) في ( طرقة ) تقلب الموازين والنتائج رأسا على عقب , هم بأمس الحاجة الى اعادة (كورس السياسة ) من الروضة لانهم يدفعون شعبنا الى فتح النار على كل الجبهات في وقت تصل فيه اللعبة السياسية العراقية قمة درجاتها من الضبابية الى الحد الذي تبدو فيه الرؤية شبه معدومة .

ان السبب الذي ترك ( دبي وعجمان والشارقة ) وشقيقاتها من الامارات تقرر الاتحاد طوعيا بامارة ( ابوظبي ) يكمن حتما في ان تلك الامارات قد رأت في ابوظبي وافكار ونهج شيخها الراحل زايد نموذجا من الاصلح والمفيد الاحتذاء به. اذا اهملنا جانبا كل الكتابات المتطرفة والنشاز التي تحاول الاساءة الغير المبررة الى التجربة الكردية مضافا لها كل كتابات التملق والمحاباة التي تصتف على النقيض من النوع الاول , فان الحقيقة التي يجب ان تقال تتمثل في ان هذه التجربة , وإن كان حالها حال اية تجربة اخرى , لها اخفاقاتها وسلبياتها وشطحاتها لكنها تبقى تجربة قيمة فيها الكثير من السمات والنتائج الايجابية ويحاول قادتها باجتهاد رسم وتنفيذ نموذج يحاكي المعايير الانسانية والدولية المتحضرة . واعتقد جازما ان تحقيق نجاحات متتالية على طريق هدف القيادة الكردية في استنساخ ( دبي في اربيل ) , والتعامل الاكثر شفافا من قبل تلك القيادة مع الحالة العراقية بما يتيح المجال لمستوى اعلى من الثقة لدى المواطن العراقي تجعله يشعر  ان هذه التجربة يمكن ان تكون ساحة له و ليست فردوسا يبنيها الاكراد لهم على حساب ماتبقى من العراق, يضاف اليه التسويق الاعلامي الايجابي على الساحة العراقية بعيدا عن التعصب القومي او حتى التطرف في التخندق لمواجهة هجمة تعصب مسمومة مضادة , كل هذا سيكون ربما مفتاح الامل لباب الخروج من النفق المظلم فتنتقل الاشعاعات الايجابية من التجربة الكردية الى مناطق اخرى من العراق. ولاغرابة انذاك ان تطلب الانبار وبابل , وليس سهل نينوى فقط , الانضمام الى اقليم كردستان كما سيرى الاقليم نفسه مقيدا اسيرا طالما ليس العراق , كل العراق خيمة  وساحة له . انها تلك  اللحظة التي يمكن ان توصف بانها لحظة اتحاد الكل بالجزء والجزء بالكل . 

91

رحلة حكومة السيد المالكي على ( التايْتنك ) العراقي
د – وديع بتي حنا
 wadeebatti@hotmail.com

قبل اكثر من عام دخلت الاطراف السياسية النافذة في العراق في مخاض عسير لتنتج وليدا معاقا تمثل في حكومة السيد نوري المالكي , حيث واستنادا الى نظام المحاصصة على الاسس المذهبية والعرقية بعث ( امراء السياسة ) من الخط الاول في العراق , كل بقطعة من اطرافه لتشكل في مجموعها حكومة حرص اصحابها على تسميتها ( بحكومة الوحدة الوطنية ).

لقد اتفق كثيرون منذ البداية في انه لم يكن يدور في خلد السيد نوري المالكي ان يصبح مرشحا لمنصب رئيس الوزراء فاسمه لم يجري تداوله لهذا المنصب إلا في الايام والساعات الاخيرة , حيث ان الرجل كان يُعتبر من رجالات الخط الثاني في قائمة الساسة العراقيين الجدد, والعنوان البارز في سيرته الذاتية يتمثل في انه كان المسؤول عن الخط الجهادي في حزب الدعوة ومهمات وخبرة مسؤول الخط الجهادي في حزب معارض للسلطة تختلف حتما عن الصفات والشروط الواجب توفرها في مَنْ تُناط به مسؤولية بناء دولة من جديد وسط كمِ هائل من التحديات. ولذلك فان السيد المالكي لم يكن إلا( مرشح تسوية ) وجد الجميع ضالتهم فيه حيث يضمن صقور اللعبة السياسية في العراق نصيبهم في الكعكة ويغني كل على ليلاه , ينفذ اجندته واهدافه من خلال الوزارات التي يستحوذ عليها,  فسلطة السيد المالكي عليها ضعيفة كون التعليمات النهائية والفاصلة والحاسمة تاتي من رجال الخط الاول الذين يأتمر السيد المالكي ايضا بأُمرتهم , ثم تُعلق جميع الاخطاء والاخفاقات على شماعة السيد المالكي. ان الكثيرين يعتقدون في ان السيد نوري المالكي قد أُلبس هذه ( السلطانية ) بهدف الحرق السياسي ليس إلا, لان خروج جمل من ثقب إبرة ايسر بكثير من خروج السيد المالكي منها سالما.

وهكذا أمضت هذه الحكومة عامها الاول في اخفاقات متواصلة وجدية على صعيد الامن , ناهيكم عن الخدمات واعادة البناء, كل ملف انجازاتها تمثل في انها نفذت حكم الاعدام ببعض رموز النظام السابق ولذلك فهي حكومة تختص بالماضي وليس بالحاضر وحتما لا علاقة لها بالمستقبل. ان حكومة تقتات على مبدأ حظر التجول في تطبيق خطتها لفرض الامن , وتجعل من هذا المبدأ وجبة جاهزة سريعة ( كوجبات مطاعم المكدونالد ) للتبجح بتحقيق انجاز امني نسبي احيانا من خلاله , هي حكومة عاجزة حقا عن إحداث اية تغييرات جوهرية على الساحة , خلال عام من عمر هذه الحكومة باتت ساعات حظر التجوال ايام الجمع اثناء الصلاة تقليدا عراقيا جديدا لم تنجح الحكومة وبمرور الاسابيع تلو الاسابيع من اختصار دقيقة واحدة من تلك الساعات بل كانت الاخبار تتحدث عن انتكاسات امنية وعثور للجثث المجهولة الهوية اثناء سريان حظر التجوال.

اما البسمار الجديد الذي تم تثبيته في نعش السيادة العراقية في زمن هذه الحكومة فيتمثل في الحوار الامريكي الايراني حول العراق والذي يُسمح لهذه الحكومة بحضورجلساته البروتوكولية بصفة ( مراقب ). انه لامر يثير الالم والغصة في النفس ان تجتمع اطراف اقليمية ودولية لتقرير مصير دولة ذات حضارة عريقة و تعتبر من اوائل الدول المنضوية تحت لواء عصبة ثم هيئة الامم المتحدة. ان السيادة والاستقلال العراقيان قد أعلنا انتحارهما الرسمي عندما وافق رئيس الوزراء ان يجلس في قاعة في عاصمة بلده ينتظر ما تسفر عنه نقاشات  سفراء دول اخرى ( وليس قادتها او حتى وزراء خارجيتها ) قرروا ان يرسموا صورة ذلك البلد في حاضره ومستقبله. لماذا القصر الجمهوري إذن ولماذا بناية مجلس الوزراء طالما ان السفيرين الامريكي والايراني يحسبان انهما دوائر عادية يعمل بها موظفون بامتيازات مجزية !
ربما يكون النجاح الكبير الذي حققته حكومة السيد المالكي يكمن في انها اثبتت ببرهان جديد واظافي فشل المشروع الامريكي في العراق وعجز القوى السياسية العراقية التي تسلقت عناوين السلطة بعد الاحتلال عن ان تكون مؤهلة فعلا للتصدي لمهمة بناء عراق جديد تتحدث عن اوصافه في بعض شعاراتها, وتمناه الشعب مكافأة لمعاناة طويلة سابقة . وهكذا وكنتيجة منطقية لاداء حكومة السيد المالكي في عامها الاول وجدت الادارة الامريكية نفسها ومعها الاطراف السياسية المشاركة في اللعبة في العراق, انهم جميعا قد غاصوا الى عمق جديد مما أصبح يعرف بالمستنقع العراقي.

 لقد قلنا قبل عام والتجربة اثبتت صحة ما ذهبنا اليه في ان العرب تقول ان الكتاب يدلَُ عليه عنوانه والروس يقولون ان البداية الطيبة نصف العمل  وان السيد نوري المالكي ( رغم احترامي الشخصي له ) ليس عنوانا لكتاب طويل ثرِ في نتائجه كما لم نُنجز باختياره نصف العمل وأصبحنا في الشق الثاني منه. وهكذا فان الاشهر المقبلة ستشهد كما يبدو انعطافة عنيفة للحالة العراقية حيث ستكون ( سفينة التايتنك ) وجها لوجه امام لحظتها الحاسمة بعد كل هذه الرحلة الطويلة في وقت لازال فيه المخرج الاحمق يفكر في احدى النهايات الدراماتيكية والاكثر اثارة لمغامرته الطائشة , فيفكر حينا في ان يترك السفينة ترسو قبالة ( خيم طالبان ) وتارة اخرى تتجه حساباته الى التفكير مليا والرجوع الى اختيار الوجبة التقليدية المفضلة في دول المنطقة وهي ( الدكتاتورية المحسنة ) ذات الميول العلمانية , بينما تلوح تارة ثالثة امامه اكثر النهايات خبثا وهي ترك المركب يغرق بمن فيه , وإن خرج بعض الناجين فلهم ان يرفعوا اعلامهم فوق تلك الحجارة من اليابسة التي تمكنوا من الوصول والوقوف عليها.



92
شعب تقرر وضع بقاياه في المتاحف وسط  صمت رهيب

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

عندما يستذكر المسيحيون خطوات المسيح الاليمة الى الجلجثة , تدور في أذهانهم تلك النبوءة التي سبقت تلك الالام بفترة طويلة والتي أشارت الى ( انه سيكون في المعصرة لوحده ) حيث تلاميذه ومحبيه تناثروا وتشتتوا , كل في زاوية يحمي فيها نفسه , بل من جاهر منهم , وهو صخرته , فأنكره ثلاثا في لحظة ضعف لم يرحمه التاريخ فيها فسجلها لتبقى مثلا يُضرب للاجيال. بقيت ( نبوءة المعصرة ) حصة خالصة للمسيحيين الشرقيين على مدى الازمان والدهور وخاصة في تلك المراحل العصيبة حيث يشتد الظلام ويحشِد كل قواه لدحر النور.

ان المرء ليستغرب حقا هذا الصمت الرهيب الذي تبديه الاوساط الحكومية والتشريعية و المراجع الدينية ومؤسسات المجتمع المدني في العراق اظافة الى المؤسسات الدينية الكبيرة في الوطن العربي والاطراف الحكومية العربية والدولية ازاء حملات الاضطهاد والتهجير والاكراه على التخلي عن الهوية الدينية والقومية التي تمارس بحق شريحة من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري ( او كما  يسميٍها البعض بالمسيح ) في مناطق واحياء في بغداد ومدن اخرى. ان البعض الذي رأى في محاظرة قداسة البابا وفي الرسوم الكارتونية وفي ازمة الحجاب في اوربا , نقول ان البعض الذي وجد في كل ماسبق ضربة غير مبررة لحوار الحضارات والاديان , عليه ان يعرف انه بصمته ولامبالاته تجاه محنة المسيحيين في العراق انما يشيِِع الى مثواه الاخير نموذجا واقعيا وملموسا يمتد عمره لالاف السنين لحوار الحضارات والاديان في الشرق يفخر به اهله ويصح ان يكون أية للاخرين. ان صرخات ونداءات البطاركة ورؤساء الكنائس  لم تكن لتحدث , لو لم يطفح الكيل و يبلغ السيل الزبى , لانه معروف عن قادتنا الدينين انهم يرتبطون بسفر ايوب بعلاقة خاصة . وقد اعتقد الكثيرون ان تلك الصرخات والنداءات ستكون كافية لتوقظ الاوساط الحكومية والمنظمات الدولية للتصدي لواجباتها في حماية الانسان وحقوقه وتنبه المرجعيات والهيئات الدينية لتقوم بدورها الارشادي وتفتي بما أمر الخالق جلَ جلاله , وهكذا كان امل المسيحيون المسالمون ومبعث تقديرهم اعلانا يصدر من سماحة السيد السستاني او تصريحا للشيخ حارث الضاري او للازهر يتناول ما يتعرضون اليه من اعتداء وتهجير ونهب لممتلكاتهم وإجبارهم على دفع الجزية.

لقد قامت الدنيا ولم تقعد عندما استهدف احد التفجيرات مقهى تابعا لمجلس النواب العراقي فتوالت ردود الافعال بسرعة البرق من البيت الابيض ونيويورك , حيث الامم المتحدة, ومختلف العواصم العربية والاوربية تستنكر وتندد بالعمل كما شكلت الحكومة العراقية لجنة خاصة لتقصي الحقائق وتحديد الجناة والمقصرين , اما مجلس النواب فقد دُعي للانعقاد في يوم عطلة ليستنكر بتحدي استهدافه. لايوجد من يعترض على وقوف كل هؤلاء بوجه الارهاب كما  ان من حق المجلس ان يُظهر اعلى درجات الشجب والتنديد لاستهداف اعضائه , علما بان هؤلاء يعرفون يقينا ان حياتهم في العراق في خطر دائم طالما ان الشرطي والموظف البسيط يُعتبر هدفا لعمليات الارهاب وانهم اي اعضاء البرلمان يتمتعون بامتيازات خاصة لقاء عملهم الخطر هذا , لكن المؤسف حقا ان لايتصرف جميع هؤلاء في اعارة اهتمام بسيط لحالات انتهاك صارخة لابسط قواعد لائحة حقوق الانسان. ام ان البعض ينتظر ان تُنجز الاطراف المتطرفة الهدف المنشود ونرى في المستقبل القريب ان ماتبقى من المسيحيين في مدن البصرة وبغداد والموصل قد تم الاحتفاظ بهم في متاحف المدن المذكورة فتشهد للتاريخ قصة شعب هو الاصل في بلاد مابين النهرين عاش وفيا لهذه الارض متأخيا مع سكانها وتعرض على مدى الايام الى سياسة تهميش وموجات اضطهاد تظهراخرحلقاتها في القرن الواحد والعشرين بعد اختراع الحاسوب والانترنيت!

في المدينة التي اعيش فيها في السويد , اجتمع مجلس المدينة قبل ايام , حيث ان هذا المجلس يضم ممثلين عن الاحزاب السويدية التي فازت في الانتخابات الاخيرة  وقد استطاع احد التنظيمات المعروفة بميولها العنصرية من الحصول على موطئ قدم فيه. لقد طرح ممثل هذا التنظيم المسمى ( السويدي  الديموقراطي ) في الاجتماع مشروعا يدعو الى عدم السماح باستقبال مهاجرين جدد في المدينة , وهكذا كان ذلك احدى الفرص النادرة التي يلتقي فيها اطراف الحكومة ممثلة باحزاب اليمين مع اطراف المعارضة ممثلة باحزاب اليسار والبيئة لتسجل جميعا موقفها الرافض للمشروع ولتقر بجميع اصواتها الخطة الموضوعة لاستقبال المدينة لحصتها المقررة من المهاجرين. انها ( الديموقراطية المسؤولة ) في ابهى معانيها حيث تشتبك وتتقاطع الحكومة مع المعارضة في كمِ من الملفات والقضايا لكن ذلك لايقف عائقا امام تاكيد مشترك لمواقف مبدئية واخلاقية وانسانية.

ان الادارة الامريكية تلهث وراء اجندتها وكانت شماعة حقوق الانسان دائما بالنسبة لها بوصلة تتجه نحو اقطاب تلك الاجندة ولذلك فقد قررت كما يبدو إذا لزم الامر واقتضت الاحكام ان تعطي هذه الشريحة  اوكما يروق للبعض ان يسميٍها  ( بطابورها الخامس ) , واقصد شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , في قائمة الخسائر حيث تشعر هذه الادارة بالحرج الشديد في تبرير دفاعها عن هذا الشعب في الوقت الذي تجابه فيه التنظيمات والمشاعر الاسلامية المعادية لها ! , اما الحكومة العراقية ومؤسساتها والاطراف السياسية المشاركة في العملية السياسية فانها جميعا مُجبرة على السكوت على الانتهاكات التي تُرتكب بحق هذا الشعب لانها تعتقد ان عدم سكوتها سيظيف لها شبهة جديدة لدى معارضيها ومقاوميها فيشيعوا ان هؤلاء جميعا لايكتفون بالتعاون مع الامريكان بل ويحمون ( طابوره الخامس ) والمشركين في الداخل , ناهيكم عن ان بعضا من الاطراف السياسية  وبسبب خلفيته الفكرية يجد صعوبة بالغة في هذه الفوضى من الاقتتال على الكعكة ان يتذكر ان هنالك مكونات اخرى يتكون منها الشعب العراقي ولذلك يُشعرنا بعضهم ( بالفضل الكبير) وهو يشير احيانا اشارات عابرة وباسلوب يفتقر الى الجدية الى تلك المكونات !  اما القوى العلمانية  العراقية فقد أثر بعضها السكوت خوفا من إتهامه انه بتصريحاته واحتجاجاته على ما يحدث للمسيحيين انما يفعل ذلك ( وفاء لجلسة خمر) جمعته باحدهم فتُرفع عنه الحصانة البرلمانية ويتهم بالفساد ويرمى خارج المنطقة الخضراء!. هذا لايعني اننا يجب ان لا نسجل بتقدير كبير تلك الاصوات الدينية والعلمانية الشجاعة التي لم تستطع كبح مشاعرها وأبت إلا ان تكون وفية لمبادئها فزيًنت و تزين كتاباتها وتصريحاتها المواقع الالكترونية ووسائل الاعلام الاخرى في كلمة حق بشأن مايحدث لشعبنا في العراق.

ربما يقول قائل ويتساءل عن الحاجة الى السطور والحديث عن معاناة قومية او مذهب او جماعة دينية في العراق في الوقت الذي يدفع يوميا كل ابناء البلد بكل طوائفه ومذاهبه واديانه وقومياته دما جديدا وقودا لماكنة العنف والموت ؟  وتعليقا على هذا نقول ان سقوط مسلم ومسيحي ويزيدي او عربي وكردي وتركماني وكلدواشوري سرياني , ان سقوط كل هؤلاء او بعضهم في حوادث عنف او مفخخات هو قدر احمق مؤلم لكن امتزاج دمائهم يشير الى التضحيات التي تقدم يوميا وفي كل مكان على مذبح  الوطن , ولهذا تأتي يوميا اخبار السيارات المفخخة لتعلمنا بعدد الضحايا فيشعر الجميع بالحزن والاسى عليهم كونهم عراقيون اولا واخيرا وقد لا يخطر في بال احد التدقيق في خلفياتهم الدينية او القومية, اما استهداف جماعة معينة بقصد الاضطهاد بسبب الدين فتلك مسالة اخرى يجب ان يتصدى لها كل انسان صادق يؤمن ان ( لا إكراه في الدين ) ووكل متحضر متنور يفهم ان احترام المعتقدات قانون فعًال على الذات والاخرين. ان الذي يفهم الدين ( اي دين ) بقيمه السمحاء عليه ان يُظهر استهجانه واستنكاره  لكل اشكال الاضطهاد الديني ايا كانت صوره , سواء كانت تنصيرا باساليب غير مشروعة لمعتقلي غواتناموا او أسلمة تحت التهديد بالتهجير في احياء بغداد.

ايها المسيحيون الشرقيون. ياايها الذين يُطلق عليهم بالطابور الخامس زورا وبهتانا وهم لم يبخلوا على الوطن ابدا بعرق ودم فكانوا أوفياء له كما يعترف بذلك ( وطنيوه ) في قرارة انفسهم , ليس لكم غير وحدتكم . انه حكم القضاء ان يبقى المسيحيون الشرقيون لمئات السنين يؤدون واجبات المواطنة على اكمل وجه ويتمتعون بفتات حقوق الغريب ويكونون في المعصرة لوحدهم كلما دار الزمان  دورته عليهم وصعدوا من جديد خشبة الصليب.



93
الى الاستاذ جميل روفائيل – دفع العربة ضرورة ملحة

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ربما يكون من الاجحاد عدم الاعتراف في ان الاستاذ الفاضل جميل روفائيل يمثل شخصية تتميز بخبرتها الطويلة في العمل الصحفي ومتابعتها القيمة لاداء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري على مدى تاريخه الطويل الموغل في القدم , ولحرص الرجل الدائم على الامساك بالعصا من المنتصف طمعا في جذب اغلب الاطراف وخاصة الفاعلة فيها الى نقطة الاتزان فان ذلك قد منحه الحق في ان يكون مرجعية (على الاقل سياسية واعلامية ) ترى تلك الاطراف فائدة في الاستئئناس والاستماع اليها. لا اقول ذلك مجاملة او تزلفا وتملقا فالرجل لم يجمعني به لقاء كما لاتوجد بيننا اية مراسلات ولكنني كمهتم بموضوع  شعبنا ومستقبله كما بمسقبل الوطن اجمالا اتابع بكل تأكيد مايكتبه غيري في هذا المجال, كما اعتقد ان اؤلئك ايضا يتصفحون في بعض الاحيان ما اكتبه وانشره في نفس المجال.

يقينا ان وضع العراق بشكل عام بعد الاحتلال وسقوط التمثال يمثل احد الاسباب الرئيسية التي أصبح بسببها وضع شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في حال لا يُحسد عليه, ولكن وضع شعبنا الداخلي المتمثل في حالة التشتت والتشرذم وعدم الاتفاق والانسجام والحفر والمشاغبة التي سادت اداء قواه السياسية والاجتماعية كانت ايضا سببا رئيسيا اخرا يضاف الى السبب الاول ترك النتائج التي حصل ويحصل عليها شعبنا في إضمحلال أُسي مستمر, وهكذا عندما طرح شعبنا نفسه , او طُرح من قبل اطراف اخرى, رقما يكاد يكون رئيسيا في مجلس الحكم المنحل نراه يتدهور بعد حين إثر الدخول بكل سافر في مستنقع التسمية حيث بدأت الاطراف السياسية الاخرى المشاركة في اللعبة اعادة وضعنا في الميزان من جديد طمعا في الاستيلاء على جزء من الحصة. ومع خطواتنا الموغلة في عمق هذا المستنقع كان الخط البياني للانحلال والانحدار يبدو للاخرين اكثر وضوحا . لقد وضعنا ( الكير ) على الباك في الوقت الذي وضعه الاخرون على ( الخامس ) وانطلقوا باقصى مالديهم للوصول الى طاولة تقسيم الكعكة , فكان  الواصلون يسمعون صوتا خافتا ضعيفا يكاد لا تميزه الاذان يأتي من بعيد موصيا بالاحتفاظ بحصته حتى وصوله .عندما سمعوا بالكاد ذلك الصوت قرروا ان يكونوا امناء ( فيتمزمزوا ) قليلا بنصيب اخيهم و شريكهم ( المسيح ) ريثما يصل فيحتفظ بالباقي . منذ قرابة ألفي سنة ونحن في كل سنة وفي اسبوع السعانين تحديدا نستذكر درس الخمس الحكيمات و الخمس الجاهلات , لنكتشف انفسنا بعد كل هذه السنين الطوال اننا في السياسة كما في الكنيسة خرجنا الى ( العرس ) بلا زيت فأصبحت مهمتنا الوقوف على الابواب والمناداة بأن يُفتح لنا. ربما نكون جميعا مليئين بالثقة في ان باب الهيكل في الكنيسة سينفتح لامحالة , لكن الكثيرين يساورهم الشك في في ان ينفتح الباب في السياسة للكسالى والمشتتين والمتخاصمين والضعفاء. لقد كان الاداء القاصر لقوى شعبنا السياسية متمثلا في حالة الصراع التي سادته خلال السنوات الاربع الماضية سببا رئيسيا ترك الاخرين يمتلكون الجرأة في تعيير وزننا وثقلنا باستمرار الى الحد الذي اصبح ( وزن الريشة ) من نصيبنا مع رجائهم في ان نجهد انفسنا في المحافظة عليه لكي لانفقده في مراحل التعيير القادمة. ان واقع التشتت والتشرذم الذي نعيشه متزامنا مع ما يحدث في احياء في بغداد من تهديد وقتل وإجبار على التخلي عن الهوية الدينية وتهجير بحق شريحة واسعة من ابناء شعبنا جعل قضية هذا الشعب تعود من جديد الى المربع الاول في الدعوة الى حمايته فقط كما كان دائما ( شعب اهل الذمة ) تاركين حقوقه في اجازة مفتوحة.

ان مقالكم الموسوم ( سؤال الى السيد يونادم كنة ينتتظر توضيحا ) قد ذكرني بمشهد لايمكن ان انساه في حياتي , ذلك انني كنت اشاهد التلفزيون السوفيتي وكان ذلك في نهايات الثمانينات حيث كنت طالبا ادرس الدكتوراة. كان ميخائيل غورباتشوف بصفته رئيسا للاتحاد السوفيتي وامينا عاما للحزب الشيوعي يقوم بزيارة الى مناطق في ارمينيا نُكبت إثر الزلزال المدمر الذي حدث فيها. اتذكر المشهد لحد الان , شجرة يضع عليها الناجون قصاصة من الورق لتخبر من يمر بها من اقربائهم الذين يجهلون مصيرهم, الكل يبكي حتى غورباتشوف نفسه ورئيس وزرائه , نياح في كل مكان والرئيس السوفيتي يحاول ان يسلِي مواطنيه , وإذا بيد ترتفع من بين الجموع, انه احد الناجين يسأل وهو يبكي عن مصير منطقة ( ناكورني كارةباخ ) التي تتخاصم عليها ارمينيا واذربيجان. ثارت ثائرة غورباتشوف , قال له : أفي هذا الجو الملئ بالحزن الذي ينبغي ان نكون فيه جميعا واحدا تسأل عن منطقة كارةباخ ولمن ستكون. عذرا ايها الاستاذ الفاضل , ربما تعتقد ان المقارنة مبالغ بها ولكن الذي يحصل يوميا لبعض من ابناء شعبنا في الدورة والبياع  وغيرها يرقى بالنسبة لهم الى زلزال ارمينيا.

لقد سئم شعبنا السباحة في هذا المستنقع فتسميات ( كلدواشورسريان ) او ( كلداني سرياني اشوري ) او ( الكلداني والسرياني والاشوري ) يرى الكثيرون منا انها تشبه قصة ( حسن كجل – كجل حسن ) طالما نؤمن اننا جميعا شعب واحد ,بتاريخ واحد , وجذور واحدة , وثقافة واحدة , ويستهدفنا الاخرون بسبب كوننا هذا المكون الذي لم نتفق على إسمه لحد الان ولايغيِر اختراعنا اوعدم اختراعنا للتسمية لديهم شيئا, فالذي يلقي رسائل التهديد وتغيير مجرى الحياة في الدورة وغيرها لايأبه ولايريد ان يعرف إن كان المقصود بالرسالة كلدانيا او اشوريا او سريانيا. اعتقد جازما ان الكثيرين ممَن سجلوا بعض المأخذ على مؤتمر عنكاوة كانوا سيكونون اكثر استعدادا للتعامل بمرونة وشفافية مع نتائجه لو انه شهد تفاعلا واتفاقا وانسجاما وبالتالي نتائج مشتركة بين مختلف الزعامات الدينية و القوى والتيارات السياسية والشعبية داخل شعبنا.

في هذا الزمن الصعب الذي يعيشه شعبنا وبعد ان اصبح واضحا للعيان خطأ فعل المرحلة الماضية عندما امتهن البعض مهنة رمي الاحجار امام العربة لتعطيل سيرها وأكتشف الجميع انها كانت لعبة عبثية ذات نتائج وخيمة لا اعتقد , ومن المؤكد يتفق معي في الرأي كثيرون , في ان لايكون لجميل روفائيل الدور الرائد كما كان دوما فيدفع بكفيه  وما إستطاع سبيلا هذه العربة التي اصبحت حركتها ضرورة ملحة.



94
بطولة الاصطياد في المياة العكرة تقام في برطلة

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

مساكين اؤلئك الذين يعتقدون ان قدراتهم الذاتية وبيوتهم الزجاجية لاتسمح لهم تحمل عاصفة او موجة او حتى هبة رياح بسيطة ولذلك نراهم يهربون خارجا , من اوكارهم , في محاولة يائسة عسى ان يحالفهم الحظ في تطبيق خطة الهجوم كافضل وسيلة للدفاع مستخدمين هؤلاء( الجنرالات الجدد  ) الذين يرتدون بدلات عسكرية من طراز خاص في هجومهم االبائس هذا كل انواع الوسائل الغير المشروعة فنراهم بارعين وماهرين في التفنن في لعبة الاصطياد في المياة العكرة.

اعود الى الموضوع فاقول انني عندما نشرت المقال المعنون ( السيد سركيس اغاجان ومزرعة تسمين القطط ) في موقع برطلة حيث حدثت عليه ضجة كبيرة كنت قد دفعت بالمقال في الوقت نفسه او قبل ذلك بفارق زمني بسيط الى مواقع اخرى ومنها مواقع عنكاوة وزهريرا وتلسقف العزيزة ومرَ المقال بهدوء في تلك المواقع مع العلم ان موقع عنكاوة العزيز مثلا يزوره يوميا عشرات الالاف من الزوار بينما لايتعدى عدد زوار موقع برطلة العشرات وهم تقريبا يكادوا يكونون جميعا معروفون بانهم من ابناء البلدة, فجأة وباسلوب غير اعتيادي توالت الردودعلى المقال في موقع برطلة لتتضمن كل عبارات السب والشتم والتهديد ثم توالت الاتصالات التي تُخبرني في ان المقال قد وِضع على طاولة السيد سركيس اغاجان على اساس انه مقال منشور في موقع برطلة وان السيد سركيس اغاجان غير راض ومنزعج من محتواه . ثم جاء اتصال اخر ليخبرني في انني اتحمل المسؤولية الاخلاقية كوني ساكون سببا في احتمال ان تتوقف بسبب هذا المقال كل البرامج التي يقوم بها السيد سركيس اغاجان في برطلة بما فيها الحراسات ومساعدات الرعاية والمشاريع الاخرى. وهكذا اتصل بي الاخ العزيز الدكتور يوسف توما بهنام المشرف العام على موقع برطلة وقال ( ان الدنيا قائمة في برطلة ) واصبح هنالك خيارين لاثالث لهما فاما ان يتصرف الموقع بما يرضي ( الغاضبين ) , مع العلم انني لا اعتقد شخصيا ان السيد اغاجان احدهم بل اؤمن ان جميعهم هم من سكنة برطلة , او ان يتأثر اهلنا في برطلة من جراء ذلك وينتهي الموقع ايضا لان احدهم قد هدد بفتح خمسة مواقع  اخرى في برطلة لمنافسته وتهميشه, وكان جوابي انني لم ارض لنفسي في يوم من الايام ان اكون سببا في اشكال ما للمواقع التي انشر فيها او ان اكون سببا لاية مشكلة تصيب ابناء بلدتي ولكن في الوقت نفسه احتفظ بحقي في التعبيرعن ارائي بما لايتعارض مع اصول النشر ولذلك لكم مطلق الحرية في حذف المقال او إلغائه او حتى طردي من الموقع لانني انشر في اكثر من خمسة عشر موقعا قسم منها يعتبر من اكبر المواقع الالكترونية كايلاف والعراق للجميع وكردستان وصوت العراق وغيرها, لقد فوجئت حقا بالاعتذار الذي نشرته ادارة موقع برطلة كونه يمثل ضربة قاصمة لحرية النشر حيث من حق ادارة الموقع ان تعتذر على نشر المقال سهوا او دون تمحيص ولكن ليس من حق كائن من كان سوى صاحب المقال الاعتذارعن محتواه في الحكم عليه انه يحتوي على لغط ومعلومات غير دقيقة , في الوقت كانت فيه ادارة هذا الموقع تطالب صاحب الرد المفتقر الى ابسط قواعد الادب بالاعتذار. ان حرية النشر مسؤولية كبيرة وعلى الموقع الذي ليس اهلا لها عدم التشدق بها والحديث عنها.

بعد حدوث كل هذه الضجة بادرت الى الاتصال ببعض بالمواقع الاخرى التي نشرفيها المقال   مستفسرا إن كنت قد سببت اية اشكالات لهم بسبب ذلك وكان الجواب بالنفي. 

لقد ادرك البعض  في برطلة في ان المقال وان كان يصرح بانه مكتوب بشكل عام وليس مخصصا لقرية او مدينة معينة إلا ان تصريح الكاتب في ان تلك السطور نتجت بسبب احاديث وقصص يتداولها ابناء شعبنا ربما تكون لبلدته الام برطلة النصيب الاوفر فيها بسبب العلاقات والاتصالات الاجتماعية, وهذا صحيح جدا , ولذلك شعرت تلك القطط بالخطر فراحت تمارس بمهارة لعبة الاصطياد في المياة العكرة عن طريق الترويج والتحريض بدعوى ان المقال يستهدف السيد سركيس اغاجان شخصيا في الوقت الذي يرى كل قارئ محايد ان ذلك ليس من قريب او بعيد هدفا له. عشرات المقالات تنشر يوميا في مواقع مختلفة, تهاجم الفساد الاداري في دوائر الدولة المختلفة فهل كل تلك المقالات تستهدف شخصيا الرئيس جلال الطالباني او الرئيس مسعود البارزاني او رئيس الوزراء نوري المالكي ؟ لم يكن ذلك المقال هو المقال الوحيد واليتيم الذي كتبته وهو ايضا ليس المقال الوحيد الذي اتناول فيه جهود السيد اغاجان لصالح شعبنا بل كنت ولازلت ادعو قوى شعبنا الاخرى الى مؤازرة ومساندة ذلك الجهد وكتبت على سبيل المثال قبل فترة رداعلى مقال لصديق عزيزغيور اوضحت فيه اعتقادي في ان استهداف السيد سركيس اغاجان ليس نصرا, وهكذاعندما يثيرالبعض بنية صادقة بعض الانتقادات لهذا الجهد فانما ينطلقون قبل كل شئ من الرغبة في الوصول الى الحالة الافضل. اما مأثير في مرحلة الدوري النهائي من البطولة المذكورة اعلاه في غمزات واضحة المقاصد على شكل تساؤلات حول عنوان المقال ومن هي القطط وشراء الولاء فاود ان ادعو هؤلاء الى تصفح الانترنيت وقراءة عناوين عشرات المقالات التي تنشر يوميا ,  كما ان ارتباط هذا الجهد باسم السيد سركيس اغاجان دون وجود اسم لتنظيم او هيكل يتضمنه جعل الكتاَب يشيرون عند الكتابة عن هذا الجهد مترافقا مع الاشارة الى الاسم . اما بشان السؤال عن القطط فان الجميع يعلم ان موضوع القطط في العراق ليس جديدا حيث اعتاد الجمهور ان يصف كل مرحلة بوصف معين وهكذا ظهرت تسميات قطط الحصار وقطط الحواسم وقطط الاحتلال وغيرها , وهناك في كل هذه الحالات طريقة بسيطة لمعرفتها تتلخص في ان يتوجه كل واحد منا الى المرأة في نظرة متجردة متأملة فيراجع نفسه ثم يتوجه الى الشارع فيلاحظ نظرات الاخرين ويمازج بين النظرتين فيخرج بالنتيجة المطلوبة سلبا او ايجابا . اما الحديث العام عن الولاء فان هذا الحديث نفسه كنت قد اوردته في مقالات عديدة تتناول موضوع سهل نينوى ونشر مرارعلى صدر صفحات المواقع الكردستانية الكبيرة.

ان مشكلة المقال تكمن في انه بالصدفة اصاب , كما يبدو , اشخاصا يعانون من مشاكل حقد دفين لاسباب شخصية بحتة مضافا اليه الشعور بالخطر من المقال على اعمالهم المستقبلية , وهكذا التقى بنزين الحقد المخزون بشرارة نار المقال مما احدث انفجارا لم يكن بمقدورهم التستر عليه.

انه لغريب و معيب حقا ان يلجأ رجل دين , يرفع صلاته يوميا لله, الى التحريض رسميا وشعبيا على صاحب المقال بشماعة الانتماء للبعث فيقول لمن يتصل به ( هذا البعثي -- ) . فليعلم الاب الفاضل جيدا انني مقتنع تماما بقرار انتسابي للبعث في مرحلة ما ,علما باني بقيت طوال فترة وجودي في الحزب احمل اوطأ درجة حزبية , كما انني مقتنع ايضا وبنفس الدرجة بقرار مغادرتي له في مرحلة سبقت سقوط النظام بفترة طويلة وهروبي من الوطن , ولكنني لم اسمع قط برجال دين في سهل نينوى كانوا ( ابطالا ) في معارضة النظام ولا اعرف متى اصبح البعض منهم يرى في الانتساب للبعث جنحة مخلة بالشرف !.
لقد تركنا الوطن ليس طوعا وخرجنا بملابسنا بل ودفعنا ضريبة الهروب للدولة وقتها وجئنا الى الغربة وبدأنا ثانية من الصفر في الوقت الذي ارسل ( الوطنيون ) القوافل الاولى وتنتظرهم اوربا على رأس القوافل الاخرى. 

95
 
دعوة الى السيد سركيس اغاجان لحماية الرأي الحر

د- وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

عندما كتبت مقالي السابق ( السيد سركيس اغاجان ومزرعة تسمين القطط )  كنت على يقين كامل في ان المقال سيوَلد ردود فعل واسعة سلبا او ايجابا , تأييدا او انتقادا, بين اوساط شعبنا كون الموضوع يتناول مسألة حساسة جدا, على الاقل لمن يعتبر نفسه بشكل من الاشكال جزءا منه كما يمثل موضوعا مثيرا لكثيرين اخرين. هنا تنبغي الاشارة في ان المقال لم يكتب خصيصا ليتناول هذه المسالة في قرية او مدينة معينة من مدن شعبنا , بل كُتب بشكل عام لكافة مدن وقرى شعبنا دون تشخيص او استهداف او اتهام لاسماء معينة , ليشيروينبه فقط الى ضرورة معالجة تلك الامور السلبية , في حالة وجودها و التأكد منها واعتقد ان في ذلك حماية للكثيرين , خاصة وان البرنامج الذي يرعاه السيد سركيس اغاجان ليس برنامجا صغيرا او متواضعا بل برنامجا ضخما في الصرف يتوزع على لجان وهيئات متعددة , واستنادا الى همس وحديث وقصص يتداولها ابناء شعبنا في الداخل والخارج وان كان قسم منها قد يكون مبالغ به , إلا انه يصبح من التجنى إلقاء جميعها في سلة المهملات  لان العراق ليس جنة عدن او مدينة افلاطون الفاضلة . ولذلك لم يتم نشر المقال في موقع معين فقط بل تم إرساله الى مواقع عديدة. اعتقد ان الكاتب الحقيقي الذي يرغب في تطوير امكانياته يكون اكثر سعادة بردود الافعال التي تأتي منتقدة اجزاء او كل ما ذهب اليه , كونها دروس وعبر يمكن الاستفادة منها مستقبلا , اكثر من سعادته بردود الافعال التي تمثل رسائل مدح لكتاباته. ولكن لكل شئ حدود كما يقال وهكذا ينبغي ان تكون حرية النشر وابداء الرأي مقدسة دائما لدى كلا الجانبان , الكاتب والقارئ , بما يلزم الطرفين تجنب استخدام لغة التهديد والوعيد في محاولة بائسة لاسكات الصوت وكتمه. السطور التالية تختصر احد الردود التي وصلت من احد الاخوة والتي نُشرت على احد المواقع
:
تحية وسلام من القطط السوداء إلى الكلاب الاليفة في أوربا… في الحقيقة لقد قرأنا رسالتكم المحترمة جدا وفرحنا بالأفكار والمعاني الرقيقة التي حملتها وهذا دليل لطفكم وثقافتكم العالية وثقافة ورقي البلد التعيس الذي تعيشون فيه… وبالنظر لما جاء في رسالتكم من خبرتكم العالية في أمور الصرف ومسك الحسابات وإدارة الأموال العامة والخاصة وإدارة البنوك … وبما إننا بأمس الحاجة إلى هكذا كفاءات وأشخاص لهم قدرات عالية في إدارة الأموال فان القطط السوداء تدعوك  شخصيا للعودة واستلام كل الأمور المالية في بلدتك برطلة وهذا جزء من الوفاء منك لبلدتك التي علمتك الحروف الأولى في الأبجدية الجميلة التي سطرت بها كلماتك الرائعة  وجزء من الوفاء لكنيستك التي تعمذت بها وأصبحت مسيحيا وعرفت المسيح … (ان كنت لا تزال تؤمن بالمسيح والمسيحية… وان كنت لم تغير الاهك) أهلا وسهلا بك ان كنت تمتلك قليلا من الشجاعة أنت ومن التف حولك من الكلاب المسعورة أهلا بكم …فنحن بانتظاركم …نتمنى إن لا ترفضوا دعوتنا لكم … لكي لا تجعلونا نخجل أمام أطفالنا … حين يقولوا لنا أين عباقرة برطلة بإلادارة والصرف ولكي لا تذهب الأموال الباقية  هكذا هباءَ دون فائدة ما دمتم انتم تعرفون كيف تصرف في مكانها الصحيح لأنكم تعيشون في أوربا وتعلمتم فنون إدارة الغسل والكنس  في المطاعم وتنظيف التواليتات في الفنادق وغيرها من الفنون … فنحن بحاجة ماسة إلى خبراتكم واختصاصاتكم النادرة ..فلا تبخلوا بها علينا … وكما علق احد المتطفلين لكي تضعوا النقاط على الحروف يبدو بان هذا المتطفل لم يدخل المدرسة بعد لكي يتعلم وضع النقاط على الحروف وهو بحاجة إلى دروس في مطاعم وفنادق وديسكوات أوربا لكي يتعلمها …

ابو زينة_ برطلة

ان هذه النماذج تخطئ كثيرا عندما تحاول ان توهمنا والقارئ الكريم انها بردودها هذه  تحترق اخلاصا ووفاء للسيد سركيس اغاجان لان المقال لم يشر قط الى المسؤولية المباشرة للسيد اغاجان في اخطاء قد تحدث هنا او هناك ناهيكم عن ان المواقع الالكترونية لابناء شعبنا تنشر يوميا تقريبا مقالات وكتابات تستهدف السيد اغاجان شخصيا وبصورة عنيفة لايتفق الكثيرون ومنهم كاتب السطور معها , ولكن ذلك لم يجعلنا قط نرى السيد سركيس اغاجان ينتفض يوما ويهدد ويتوعد اصحاب تلك المقالات  بعقوبات تنتظرهم! بل واكثر من هذا فقد كتبت شخصيا لمرات عديدة منتقدا بعض الجوانب في السياسة الكردية وشاهدت بفخر واعتزاز ما اكتبه يتصدر الصفحة الاولى في المواقع الكردستانية الكبيرة, كما ان بوسع هؤلاء العودة الى كلمة السيد يونادم كنة و التي القاها قبل فترة في احتفال في اربيل بمناسبة تاسيس الحركة الاشورية  فيتعلم اصول تقديس حرية ابداء الرأي. وعلى هذا الاساس اطالب السيد سركيس اغاجان شخصيا بفتح لجنة تحقيقية حول هذا التهديد ومصدره والمحرضين له ومن يقف ورائه , وحتى نرى فعلا يضع حدا لقانون الغابة ويسمح بالاستمرار في الكتابة, كما انني ملئ بالثقة في كل الاقلام الحرة التي تزين صفحات مواقعنا في انها سستستهجن وتتصدى بالكلمة الشجاعة لكل محاولات الترهيب والتهديد التي يرى فيها نفر بسيط انها الطريق الاقصر لتكميم وخنق الاصوات وقبر الرأي الاخر.


96
شكرا لمفوضية الانتخابات , مبروك عقد قران ابلحد ويونادم
د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ربما كان يعتقد الشاعر الراحل نزار قباني وزوجته العراقية بلقيس ( رحمهما الله ) انهما اكثر المتضررين من حالة الخصام والعداء التي لازمت العلاقة بين نظامي البعث في سورية والعراق , ولذلك عندما تمكن النظامان في اواخر السبعينات من الوصول الى صيغة تؤسس لنظام وحدوي في كلا البلدين سُميت بميثاق العمل القومي , انفتحت قريحة الشاعر قباني  في قصيدة جميلة اذكر منها:
ايقظتني بلقيس في عتبة الفجر وغنًت من العراق مقاما
مالها زوجتي تطارحني الهوى وقد كان علينا حراما
لك عندي بِشارة ياحبيبي   ----
فجأة خطر في بالي كل هذا عندما استيقظت قبل ايام وبدأت بالتصفح في المواقع , حيث عادة ما استهل ذلك بمواقع شعبنا  الكلداني السرياني الاشوري فإذا بي افتح موقع عنكاوة العزيز وفي الواجهة الرئيسية صورتان للسيدين يونادم كنة وابلحد افرام وتحت الصورتين عنوان يشير الى البيان المشترك الذي اصدره عضوا مجلس النواب مستنكرين ومنددين بفعل التهميش والاقصاء الذي مارسته اسماك قرش العهد الجديد متمثلا في عدم تمثيل شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في المفوضية ( المستقلة ) للانتخابات. ان شعبنا الكلداني السرياني الاشوري حاله حال نزار وبلقيس ينتابه الشعوربالاسى انه دفع ويدفع ثمنا باهضا تقف في مقدمة اسبابه موجات التداخل الهدام وتشتيت الجهد والصراع على مراكز الحضوة وفتات الغنائم التي رافقت العمل السياسي خلال السنوات الاربع الماضية.

ان اقصاء شعبنا من المفوضية ( المستقلة ) للانتخابات يثبت مرة اخرى سذاجة القوى السياسية النافذة على الساحة العراقية في إداعاتها بالرغبة في تجاوز النفق المظلم الراهن والعمل لبناء وضع صحي على  اسس سليمة , ففي اجواء الاحتراب السياسي بالدم وفقدان الثقة التي تعيشها هذه القوى  فيما بينها كان الاجدر بها وومن باب اثبات حسن النية  ان تلجأ وفي هذه المسألة بالتحديد , اي في تشكيل مفوضية الانتخابات , الى الاتيان بعناصر محايدة مشهود بكفائتها المهنية وحرصها على مصلحة الوطن عوضا عن ان يكون لكل كتلة سياسية ( شرطيا ) في المفوضية , ليس انتقاصا من الاسماء المختارة بشكل شخصي ولكن نظام المحاصصة الذي جاء بهم يكفل لهم فقط مهمة الدفاع عن الحصة التي يمثلها كل منهم , وهكذا ربما كان الاجدر باسماك القرش السياسية العراقية الكبيرة ان تترك هذه المفوضية تحتوى ربما في غالبية اعضائها  (وليس ممثلا بائسا ) من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري او من القوميات الاخرى كاليزيديين والصايئة. ان الحركة السياسية الواثقة من ثقلها في الشارع حالها حال الطالب المجتهد الواثق من أجاباته في الامتحان والذي يطلب ان تقوم بتقييم ادائه لجنة امتحانية لاتربطه بها اية علاقة وليس حتى من قام بتدريسه عضوا فبها. من جانب اخر فان قلق البعض من مستقبل شعبنا جراء إقصائه من المفوضية فيه بعض المبالغة , حيث يعتقد البعض اننا قد اصبحنا خارج اللعبة بفعل إبعادنا عن المفوضية في الوقت الذي يجهل الكثيرون , ومنهم كاتب هذه السطور , الزمن الذي كنا فيه جزءا من اللعبة ! ان التساؤل الذي يفرض نفسه يكمن في الفعل الذي كان سينجزه ذلك الذي سيمثل شعبنا في المفوضية , ماذا ستفعل اسماك الزينة في بحر هائج تتلاطم فيه الامواج بفعل قتال اسماك القرش فيمابينها؟ وماذا فعل قبل المفوضية ممثلَنا ( وزيرنا او وزيرتنا ) في الحكومة ليفعل ممثلنا في المفوضية ؟ , ألم نعد رقما بائسا مكملا للملاك  او تحفة فنية تُظهر حسن الاخراج عندما يرى ( الكبار ) ضرورة لذلك ؟. أليس من السذاجة الاعتقاد ان وجود ممثل لنا في المفوضية يضمن لنا الاطلاع على خفايا امورها في الوقت الذي يجهل تسعون في المئة من اعضاء البرلمان والحكومة خفايا الطبخات التي تعقد وتقرر في الغرف المظلمة ؟!

من جانب اخر وامام هذا النصف الفارغ من الكأس الذي حدث بفعل قرار الاقصاء من المفوضية , لايمكن ان نتجاهل ذلك النصف المملوء الذي تكوَن كرد فعل للصدمة التي حدثت كما يبدو للسيدين يونادم كنة وابلحد افرام حيث جاء هذا القرار ليمثل انتهاكا لقيم الشراكة وتنصلا عن قواعد التحالف وضربة لما تبقى من الامال في مجتمع ديموقراطي يقوم على اسس العدالة والمساواة , وهكذا كانت مفوضية الانتخابات سببا تركت شعبنا يستبشر خيرا وهو يعتقد ان قياداته السياسية ربما تكون قد صحت من النوم الطويل حيث كل يغني على ليلاه , وادركت ان للانانية والمشاغبة السياسية اثار ونتائج كارثية على دور شعبنا وفعله ومكانة تلك القيادات نفسها بين اوساط النخب السياسية. ربما كان الاجدر بالسيدين يونادم كنة ابلحد افرام قبل ذلك اصدار بيان مشترك حول معاناة ومأساة شعبنا في منطقة الدورة وتنفيذ جهد مشترك لطرح تلك المعاناة بقوة في البرلمان كون هذه القضية اهم بكثير من مسالة وجود ممثل لشعبنا في مفوضية الانتخابات!.

من الناحية الاجتماعية نرى جميعا نحن الشرقيون افرادا ومؤسسات وكنائس ان الزواج بين ابناء الصنف الواحد حالة مقززة ومشمئزة تعكس الانحطاط في القيم ومخالفة شنيعة لاحكام الطبيعة, لكن هذه الفتوى لايمكن ان تصح فتمنع ( الزواج السياسي ) بمعنى العمل المشترك وتوحيد الجهد وتنسيق المواقف بين الحركات والاحزاب السياسية اذا كان ذلك ( الزواج ) يشكل حجر الزاوية في فعل منظم للدفاع عن حقوق ومصالح شعب بكامله.
مبروك عقد القران ونتمنى ان لا يكون تكتيكا بل بداية لفترة خطوبة تكثر فيها اللقاءات الحميمة (على كورنيش البرلمان) بعيدا عن المفخخات وتتعزز فيها الثقة , وتنتهي بان يسمع شعبنا ترانيم السرياني بالسريانية محتفلا و مكلِلا بالتاج رأس اشور وعشتار.   

97
السيد سركيس اغاجان ومزرعة تسمين القطط

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

بداية , ليس المقصود بالسطور التالية التقليل من الجوانب الايجابية للجهد الذي يقوم به السيد سركيس اغاجان لصالح شعبنا الكلداني السرياني الاشوري كما لاتستهدف هذه السطور تلك الطبقات العديمة او المتدنية الدخل او المسحوقة التي تتلقى دعما اقتصاديا من خلال برامج الرعاية الاجتماعية التي بادر السيد اغاجان بانشائها , والحال نفسه ينطبق على اؤلئك الابطال الميامين الذين يقومون بواجب الحراسات في مدننا وقرانا وهم على استعداد كامل لتقديم انفسهم فداء لاهلهم فنراهم جاهزين على الدوام لاحباط  اية محاولة دنيئة تستهدف تلك القرى والمدن الامنة ولذلك فهم يستحقون تحية التقدير والثناء على دورهم البطولي هذا , فهؤلاء جميعا اي المشمولين بالرعاية الاجتماعية والعاملين في الحراسات يصف نصيبهم احد الاصدقاء فيقول ان مايصلهم من ( قالب الثلج لايتعدى كوب الماء ) , لكن المقصود هو يقينا تلك الحلقات الوسطى والمتقدمة والنافذة المشرفة على الادارة والصرف في برنامج السيد سركيس اغاجان اضافة الى اصحاب الدرجات الخاصة فيه من رجال الدين والعلمانيين حيث تشير الاحاديث القادمة من الوطن ان الرائحة قد باتت تزكم الانوف وان صيحات ( مْياو) التي تطلقها بعض القطط التي لبرنامج السيد اغاجان الفضل في تسمينها قد اصبح يُسمع في الافاق وبات صداه يرنَُ في الاذان , حتى في اوربا!

ما الفائدة في ان تُجهد قناة عشتار نفسها بتقديم برامج جميلة للاطفال تغرز فيهم قيم المحبة والعفة والصدق والوفاء ليعود البعض  منهم الى بيته ويسمع ( خلسة او علانية) الى ابيه او اخيه او قريبه وهو  يحكي عن قصة ( شطارته و فهلوته او شطارة الاخرين وفهلوتهم ) في اقتناص الفرصة , وما قيمة الفرح من تبليط شارع او بناء مركز او قرية او حتى كنيسة عندما  يكون الثمن في كل هذا خسارة نفر معين كنتيجة لخسارته لنفسه! اي  إحباط هذا عندما ترى البعض  يُخطئ في تلاوة ايات الكتاب المقدس في الوقت  الذي تراه بارعا في الحديث عن اسعار البورصة والبزنس ! ربما يقول قائل كفاك مزايدة فالعراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه قد اصبح سوقا مجانية( للتسوق ) لمن تصل يداه او قدمه من كل البلدان والاقوام والاجناس , ولكننا نحن ( الكلدان السريان الاشوريون ) ملح العراق واذا فسد الملح فبماذا يُملَح ؟ لاتوجد اطلاقا فرصة جدية لبناء وطن على اسس سليمة طالما ان شعار( الدنيا لمن غلب ) و دعوة الاخر في ان ( لايصير زوج عندما تحين الفرصة ) بمعنى ان يلتهم من المال العام و ينخر في جسم الدولة ما استطاع الى ذلك سبيلا هي الفلسفة الشائعة بين ابنائه لانه وبببساطة لايمكن ان توجد  قمة وسط بحر من الرذيلة. ثم لماذا يُسمى دخل الدولة وثروات الوطن بالمال العام ؟ , أليس لانه ملك الجميع ! ربما يعاتب البعض الاخر محاولا اتهامنا بقطع ارزاق الناس والرغبة في المشاغبة ولكن المراقبة الذاتية ثم الاجتماعية ان غابت الاولى هي حجر الاساس في بناء مجتمع متحضر, فاذا كنت مثلا تسوق سيارتك في السويد وكان احد اطفالك يلهو في السيارة بما يشير انه لايستخدم حزام الامان فلا يدفعك الغرور للاعتقاد بخلو الشارع من مفرزة الشرطة فتتجنب العقوبة لان هنالك احتمال كبير جدا ان يلجأ سائق السيارة التي بجانبك او خلفك الى جهاز هاتفه الخلوي ويتصل بالشرطة للابلاغ عنك . وقفت في احدى محطات تعبئة البنزين ولاحظت ان زجاجة السيارة الامامية ونوافذها بحاجة الى رشة ماء لتحسين الرؤية ثم اصابني الطمع قليلا فرغبت في ان اسكب المتبقي في سطل الماء على احد جوانب السيارة ولاحظني احد المارة فقال بعصبية ان هنالك محلات خاصة لغسل السيارات يمكنك التوجه اليها, فاجبته بعصبية ايضا متسائلا عن الضرر الذي الحقته به جراء رمي جانب السيارة بقليل من الماء , فقال لي انك لم تُلحق بي اذى شخصي ولكنك تؤذي البيئة وانا جزء من هذه البيئة. هنالك دراسة اقصادية تشير الى ان الدولار الواحد يمكن ان يربح ستة وثلاثين دولارا في السنة اذا حالف صاحبه الحظ خلال تلك السنة فدخل في كل عملياته التجارية وخرج منها رابحا, هذا في حالة الاستثمار والمخاطرة برأسمال ما في الفروع الاقتصادية المختلفة , اما اذا كان الانسان لم يستثمر شيئا بمعنى لم يخاطر بدرهم واحد من ماله الخاص ويشارك فقط بافكاره وادارته لبرامج معينة فان حاله يشبه حال الموظف الذي يعمل بدخل معين يصبح من السهولة تحديد وضعه الاقتصادي بدقة كبيرة. اما اذا كانت هدايا التكريم لبعض المبدعين واصحاب الدرجات الخاصة تعبيرا عن التقدير لاعمالهم وتثمينا لنشاطاتهم قد اتجهت في بلادنا لتاخذ منحى الهدايا المادية عوضا عن الهدايا العينية فان تلك الهدايا لايمكن ان تكون دخلا يوميا او شهريا او حتى موسميا بل هي حالة استثنائية مرتبطة بفعل وظرف ما ربما لاتتكرر في الحياة وان حدث وتكررت لمرات عديدة  فسيكون لها حينئذ وصف اخر. اثناء عملي مع احدى الشركات السويدية الكبيرة في عقد لفترة محدودة ولكون مدير تلك الشركة من المهتمين بالبرامج النووية التسليحية والتطورات السياسية في الشرق الاوسط , بالرغم من ان عمل الشركة لايمت بصلة الى الفيزياء النووية , فقد تكونت بيننا علاقة وثيقة حيث كان في اوقات الفراغ وعندما نلتقي يطرح بعض التساؤلات حول هذه المواضيع كما كنت اهدي له نسخا مما انشره باللغة السويدية , وعندما حان موعد انتهاء العقد جاء يودعني مبتسما وبيده باقة ورد ومجسَم صغير لاحدى منتجات الشركة. لقد اعتقد يقينا انه بباقة الورد تلك وذلك المجسَم قد ادى واجب التكريم على احسن مايكون ولا اعتقد انه خطر في ذهنه اي نوع من الهدايا المادية بل يقينا لايملك الجرأة لفعل ذلك لانه ببساطة يؤمن انه بفعل ذلك يوجه اهانة كبيرة للمقابل.لا ادعي التميز او أهدف الدعاية من خلال هذه الامثلة الشخصية لانني اؤمن ان مايشابهها يحدث يوميا مع الالاف في بلدان ومناطق مختلفة . المعضلة الكبرى في مشكل الفساد الاداري في العراق انه انتقل الى مرحلة متطورة جدا فلايحتاج الفرد ليستجمع قواه وجرأته بما يُتيح له عرض ( هديته ) على صاحب الشأن لان هذا يطالب بها ويفاوض عليها جهرا بل و يُريح المواطن في اغلب الاحيان فيخصمها من المبلغ الكلي مقدما ويستلم المواطن حقوقه صافية ( مُرفقة بقبلة )!.

نعود مرة اخرى الى التأكيد على الجوانب الايجابية لكثير من الانجازات التي تتحقق بفعل الجهد الذي يقوم به السيد سركيس اغاجان ولكن هذا لايتناقض مع الدعوة الى وضع الية اكثر دقة في التحكم بصنابير( حنفيات  الاسالة ) حماية للبعض من انتفاخ المعدة مما يعرض اصحابها الى حالة عدم التوازن , إن لم يكن الى انفجارها , اما اذا كان الاعتقاد ان التغاضي عن بعض الممارسات يدخل في باب هامش الخطأ في عمل او تجربة ما, فان حبة زوان واحدة في سلة من الحنطة كافية لتسجل على تلك السلة حكما قاسيا لاتستحقه. كما اثبتت التجربة ان الشراء المادي للولاء او الاقتناع بنهج ما لايمكن التعويل عليه لمجابهة تحديات القادم من الايام , لان ذلك  يُدخل الشاري في مأزق كبير عندما تدق ساعة الحسم ويجد ان بضاعته قد اصبحت جزءا من سوق النخاسة تتجه بوصلتها باتجاه من يدفع اكثر ومن تعتقد انه باق في الساحة.
ان دقات الناقوس وصيحات الأذان تُنبِه فقط الى موعد الصلاة وتدعو الناس الى فعل ذلك ويبقى القرار مرهونا برغبة من يشاء.
أعرف انني قد رميت نفسي مرة اخرى في حقل غزير بالالغام  وأدرك ان البعض سيحدَُ اسنانه بعد قرائته لهذه السطور لانه يعتقد انني قد ضربت الاشارة الحمراء وانتهكت قانون المسافة مع بعض المحرمات والحجارة السوداء لكن الحق حقَُ رضي الناس أم غضبوا.

98
العراق – رحمتك يا رب , طالبان على الابواب

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لاتوجد مجموعة مسيحية ينطبق عليها ماجاء في الكتاب المقدس من ان المؤمنين بالمسيح سيضطهدون ويعيًرون و يساقون الى الذبح والمحاكم اكثر من المسيحيين الشرقيين وربما تاتي عمليات الاعتداء السافرة عليهم هنا وهناك بين اونة واخرى مناسبة للتذكير بمعاناة المسيحيين الشرقيين على مدى التاريخ من الهجمات البربرية ولتضع من جديد علامة استفهام كبيرة امام مستقبل حياتهم وحياة اجيالهم اللاحقة. لقد كان هؤلاء في نظر البعض ولازالوا عرضة للاعتداء والانتقاص والتهميش بل ان هذا البعض يؤمن انه ( بإعتدائه عليهم واضطهادهم يقدم ذبيحة لله )! ولذلك  تحول المسيحيون الشرقيون منذ زمن بعيد الى اناس غرباء على مناطقهم او ضيوفا دائميين في احسن الاحوال بعد ان كانوا اصحاب الارض الاصليين.

لا اظن ان احدا يختلف معي في ان المسيحيين الشرقيين – باستثناء لبنان بعد ان دفع المسيحيون فيه ثمنا غاليا – ليسوا مواطنون من الدرجة الاولى في بلادهم . ربما يأتي من يأتي ليقول انني اجانب الحقيقة كون الدستور العراقي مثلا ينص على ان يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات ولكن ماذا افعل بالدستور والمشكلة تكمن في عقلية وتفكير البعض ممن يحسب احيانا على النخبة او الطبقة النافذة في النظر الى المسيحيين كونهم كفارا وملحدين او على احسن تقدير اقلية مسالمة مستضعفة. لقد عانى المسيحيون ولازالوا من فلسفة عنترة العبسي التي تقول بضرب الضعيف لارهاب القوي كما عانوا ايضا من استعمالهم كورقة للمساومة والضغط والابتزاز من قبل الاطراف السياسية المختلفة فكلنا يتذكر مثلا كيف جاءت ما سمي في حينه بالحملة الايمانية في العراق لتحاول ان تكون في بدايتها سيفا مسلطا على المسيحيين من اجل اهداف سياسية مشوهة او كيف بدأ الكلام الجارح في الاروقة الغير الاعلامية بشان المسيحيين عندما جاء مبعوث من قداسة البابا الراحل في منتصف التسعينات يحمل رسالة الى صدام حسين لم يرق له مضموها, او قبل اشهر في ازمة الرسوم الكارتونية , او في ردود الفعل على محاظرة قداسة البابا الاخيرة. وحتى بعد سقوط النظام في العراق نرى الكثير من الاحزاب والشخصيات السياسية التي تتدعي الايمان بالديموقراطية والمساواة تحاول ان تتجاهل المسيحيين وتستمر في تهميش دورهم لابل لايتوانى البعض عن استغلال اية فرصة ممكنة لتوجيه بسامير ودنابيس التحريض عليهم بطرق غير مباشرة وإلا فما معنى ان يخرج مسشار الامن القومي العراقي مرة على وسائل الاعلام ليقول ان طارق عزيز هو اغزر المعتقلين في اعطاء المعلومات او ليقول اخر انه الشخص المرشح للشهادة ضد صدام. انني لست هنا في معرض الدفاع عن طارق عزيز او النظام السابق ولكن مايهمني هنا هو ان هذه الاقوال يراد منها ان يفهم المتلقي ان المسيحيين سباقون الى الخيانة وانهم عملاء للغرب المسيحي وطابور خامس له في الوقت الذي لم يبخل هؤلاء السيحيون حالهم حال الاخرين فقدموا انهارا من الدماء على مذبح اوطانهم. انها الجزية باشكالها المختلفة على العقيدة والضريبة الغير المبررة على عشق الارض والتشبث بالجذور.

لقد بقي المسيحيون يدفعون على الدوام الجزية باشكالها المختلفة واذا كانت الجزية المعنوية المتمثلة بالنظرة الدونية ( من قبل البعض ) قد اصبحت من الحقائق الاجتماعية المسلم بها فان محاولات هذا البعض استغلال الفلتان الامني في العراق لرفع سقف الجزية بل وانتهاك كل القيم الانسانية عن طريق تهديد المسيحيين واجبارهم على ترك ديارهم والاستيلاء على ممتلكاتهم عنوة وانهاء وجودهم في موطنهم الاصلي , يمثل كل هذا وغيره صفحة اخرى من صفحات الحياة المأساوية التي عاشها ويعيشها هؤلاء المسيحيون عبر التاريخ. ان سكوت وتجاهل الاطراف الرسمية الحكومية والشخصيات السياسية – الدينية المتحكمة بالشارع العراقي لعمليات التهديد والاضطهاد ضد المسيحيين في العراق انما يثير الشك من احتمال ان تكون العصابات المنفذة لتلك العمليات قد حازت على مباركة وتشجيع بعض من تلك الاطراف النافذة للقيام بتلك العمليات كون شماعة الفلتان الامني تمثل في نظرها الفرصة الذهبية لتصفية الحسابات وفرض حقائق جديدة على الارض تنسجم مع طروحاتها وتوجهاتها!.

من جانب اخر وامام الصورة السابقة المؤلمة فان صورة مشرقة تؤكد حضورها كحقيقة واقعة في حياة شعوب الشرق وهي ان المسيحيين الشرقيين يمثلون مثلا ناصعا لحوار الحضارات في شكل من اشكاله عندما استطاعوا وعبر الاف السنين من ايجاد تلك العلاقة الانسانية الرفيعة مع كثير كثير غيرهم من المسلمين وغير المسلمين فتمكن الجميع من فسح المجال لتناغم وانسجام حضاري في ارقى مستوياته تظهر سماته في اغلب الاحيان لتعطي ابهى صور الاحترام والتقدير, كلَ لمشاعر ومعتقدات غيره ويظهرالاستنكار والاشمئزاز على اي تصرف مشين يقوم به كائن من كان تجاه المقابل حيث من السهولة ان تلاحظ علامات الاشمئزاز على تلك التصرفات واضحة على من يُحسب صاحب ذلك التصرف جزءا منها قبل ان تُلاحظها على المقابل. ولهذا ينبغي الاشارة والتأكيد على ان المسيحيين قد وجدوا بين صفوف اخوتهم المسلمين الملايين من امثالهم عشاقا للسلام كرماء بالمحبة سباقون الى فعل الخيرولذلك فان الانسان ليشعر بالقلق العميق على كل هؤلاء خاصة وان الاحداث الاخيرة في البصرة وبغداد حيث وصل الاحتراب الى دائرة اضيق من السابق متمثلا في الحرب التي اعلنها الحزب الاسلامي على القاعدة ووصول الصراع بين اطراف الائتلاف الموحد الى مرحلة خطيرة , كل هذا يشير الى ان هذه الملايين من المسلمين والمسيحيين من عشاق السلام هم على عتبة الانحدار الى مرحلة جديدة من نضج ( الديموقراطية الامريكية في العراق ) ربما تكون الاسوأ من مراحلها تتمثل في تمكن قوى الظلام والتخلف ( الشبيهة بطالبان ) من احكام سيطرتها على الوضع بشكل عام لتقوم بلعب دورها بشكل شبه رسمي وتضع على الوطن حجرا كبيرا والى اجل غير مسمى , ربما  تكون الادارة الامريكية تقصد ايام طالبان هذه عندما تتحدث عن القادم من الايام في العراق فتصفها بالاكثر صعوبة ( وبالتاكيد مأساوية ) من التي مضت.

ان ايمان الجميع بحقائق الجغرافية التي تحكي قصة حياة هذه المركبات الدينية والعرقية مع بعضها لالاف السنين كما ان اقترابنا جميعا اكثر الى تلك الغاية النبيلة في نسج علاقة خاصة بين العابد والمعبود ,كل واتجاهه , بحيث لاتلقي تلك العلاقة على المجتمع والمجموع إلا بما تزخر من اثر ايجابي , كما ان التفاف كل القوى العلمانية الكردية والعربية والمسيحية حول بعضها متجاوزة كل اشكال الربح السياسي الرخيص ومنتبهة الى الخطر المحدق والكفن الذي يحاول ان يلتف حول جسد الوطن ( العليل اصلا ) كل هذا يمكن ان يساعد في ايقاف موجة التخلف والجهل والاساءة الى الاديان وقيمها النبيلة السامية ويعطي بصيصا من الامل لطريق بناء وطن يتمتع الجميع فيه بحقوقهم بامان و سلام ويوفر لاهل الاقليات الدينية والعرقية وفي المقدمة منهم المسيحيون الشرقيون فرصة التحرر من عقدة مواطن الدرجة الثانية الذي يؤدي كل الواجبات والفروض وله فتات الحقوق.


99
إفْعلْها كاكة مسعود ولْتكن درسا بليغا

د- وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ربما  اختارت الادارة الامريكية ومعها  اطراف من المعارضة العراقية  السابقة  نظام  المحاصصة  منهجا واسلوبا في كل مرافق الحياة حتى بات يشمل ذلك ( قسمة  الرؤوس ) من  اركان النظام  السابق وهكذا كان نصيب قضية الدجيل  من  تلك الرؤوس مايتناسب والثقل الذي  يعتقد من  كان في واجهتها انه يمثله على الساحة العراقية حتى ان الاسراع في تنفيذ احكام تلك القضية جاء ليؤكد ان المحاصصة لاتعني توزيع المناصب والحقائب الوزارية فقط بل يتعدى ذلك ليشمل جميع الغنائم الاخرى بما فيها الماضي برؤوسه  وإرثه وقصوره  , وهكذا بات  من الواضح ان نصيب الشعب الكردي هو مجموعة اخرى من تلك  الرؤوس بعد ان  اصبحت قضية  الانفال قاب  قوسين  او ادنى من النطق بالاحكام , ولاندري مَن ستختار الادارة الامريكية من تلك الرؤوس المتبقية ليكون من حصة ايران والكويت ! كما ستكون تلك  الادارة في  مأزق حقا إن هي لم تعثر على رؤوس توازن فيها المعادلة وترضي  الطرف السني ليتحقق عدل قانون المحاصصة حيث يبدو ان الطرف السني  يطلب ويسدد على رؤوس من نوعية اخرى هي من  مرحلة بعد سقوط التمثال.

ان تنفيذ حكم الاعدام برئيس النظام  السابق , ومحكمة الانفال في منتصف الطريق , قد مثًل إحباطا جديدا لدى المواطن الكردي في مصداقية واحترام النخب السياسية العراقية  ,عندما تحين لها الفرصة , بالوفاء بالتزاماتها واحترامها لقضايا هذا الشعب فكان تنفيذ ذلك الاعدام وقضية الانفال في أوجها انتكاسة جديدة لذلك الشعور بالامل لدى القيادات الكردية و الشعب الكردي بالتحرر من عقدة النظرة الدونية التي ترسخت عبر تجارب وامثلة مريرة اعتادت فيها القيادات العراقية التعامل مع القيادات الكردية ومع قضايا الشعب الكردي كاوراق سياسية عابرة ترتفع وتنخفض قيمتها تبعا للظرف والمصالح, وهكذا وصل المواطن الكردي مرة اخرى الى ذات الشعور الذي تمنى مغادرته وساورته من جديد الشكوك في قرار اصحاب السلطة في بغداد باعتباره شريكا فعليا وحقيقيا في الوطن وليس غريبا فرضه الظرف والحاجة, خاصة وان قضية الانفال يتفق عليها الكثيرون في ان وصف جرائم الابادة الجماعية ينطبق عليها بشكل كبير مقارنة بقضية الدجيل, لكن تنفيذ قرار الاعدام ذلك قد حرم قضية الانفال من التغطية الاعلامية التي تستحقها حتى ان القناة الفضائية الكردستانية قد اصبحت بعد الاعدام ربما القناة الوحيدة والملاذ الامن للمتتبع لجلسات المحاكمة .

ان شريط محكمة الانفال اصبح قريبا من دوراته الاخيرة ويبدو ان احكاما جديدة بالاعدام سترى النور قريبا كجزء من الوفاء بحصة الشعب الكردي من رؤوس الماضي , ولان من بات جثة سياسية هامدة لايظيف اليه الموت الجسدي شيئا , بل تشير الوقائع الى ان الموت الجسدي عن طريق المقصلة يمكن ان يبعث بعض الروح السياسية فيها , كما ان الضحايا الاكراد ليسوا بحاجة الى رائحة الموت النتنة فهم يشعرون اليوم يقينا بالفخر والاعتزاز من تجربة تزدهر وتنمو وامال كبار اصبحت حقائق على الارض , ونفوسهم تنتعش وهي ترى مجتمعا تسمو فيه قيم المحبة والسلام والاخاء والتمدن وونبذ العنف. كل هذا يدفع الى الامل في ان الرئيس مسعود البارزاني وبالاستناد الى الخلفية والكاريزما التي يمثلها سيفجر قنبلة سياسية من نوع جديد ستكون درسا بليغا للجميع بالاعلان رسميا وباسم الشعب الكردي في الطلب الى رئاسة المحكمة ان تتجنب قرارات الاعدام , ليس تنازلا عن حقوق شعبه او نكرانا بالوفاء لدماء الضحايا بل انطلاقا وتأكيدا بمثال جديد للدور الذي تلعبه القيادة الكردية والشعب الكردي كصمام امان للعراق وتجسيدا لسياسة كان مسعود البارزاني الاب الروحي لها تتمثل في رفض ان يكون الماضي المؤلم عائقا امام الانطلاق لمستقبل جديد مشرق ,  فربما سيساعد ذلك من يحتاج المساعدة ويدفعه الى ضرورة التفكير واعادة النظر في مواقفه إن كان حقا ينوي بناء وطن من جديد. لاتوجد اية رابطة اطلاقا تربط بين كاتب هذه السطور وبين من يجلس في قفص الاتهام في قضية الانفال كما لايعني هذا البتة ان بين هؤلاء من ليست اياديه بيضاء من دماء ومأسي الاف الضحايا او من تورط في ذلك , مُكرها او منفذا مأمورا او مخيرا في لحظة انسانية قاتمة , ولكن السيد مسعود البارزاني هو نجل ذلك المقاتل الجبلي الذي كانت قيم وقواعد واداب مقارعة الخصوم حاضرة دائما لديه في احلك الظروف واصعبها , كما ان مسعود البارزاني هو حفيد ذلك البطل الايوبي الذي ادرك سر النصر على عدوه عندما ارسل له طبيبه لمعالجته , لان صلاح الدين كان يعلم يقينا بتلك الاية الجميلة من الكتاب التي تقول ( اذا جاع عدوك فأطعمه واذا عطش فإسقه , إن فعلت ذلك جمرة نار تُلقي على رأسه يقول الرب ). والسيد مسعود البارزاني هو ابن وقائد ذلك الشعب الكردي الاصيل الذي حبس انفاسه وسهر قبل اسابيع في شوارع اربيل وانفجر فرحا بتألق ونجاح العراقية شذى حسون.

كم نحن بحاجة في العراق الى ثقافة المحبة والسلام , كم اصبح العراقيون يتلوعون اشتياقا ليسمعوا بامان وإخاء وسلام صوت المؤذن يتناغم مع ضربات الناقوس , يا من يقود البلاد والعباد , أشيعوا فينا و فيكم ثقافة التصالح مع النفس والاخر , اربع اعوام ونحن نعيش  العنف والعنف المقابل ونزرع البغض ونحصد الكره فاصبحت مدننا وشوارعنا وبيادرنا مغمورة بالدم و الموت . تعالوا جميعا نحب اعدائنا , نبارك لاعنينا , نحسن الى مبغضينا , نربح الشر بالخير, لاننتقم لانفسنا بل نترك ذلك لغضب الله.
اتمنى ان يجد المقال طريقه الى عنوانه الصحيح ولا اشك اطلاقا في ان يتطوع اي كردي عراقي غيور فيجعله لايخطئ العنوان.



100
جويس ماير وبعض المشاركين في مؤتمر عنكاوة


د- وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يبقى الانشاء صفحة او صفحات من الاسطر التي ينقشها صاحبها ويرفقها باسمه الكريم فيشير الى استمرارية وجوده رقما بين ارقام الكتاب او الناشطين, وهكذا يكون فعل الانشاء لدى المتلقى كفعل تلك النسمة العابرة التي تدخل من الباب لتخرج من الشباك دون ان تثير ضجة تذكر. بينما تبقى الاسماء البارزة هي التي قرر اصحابها ان تكون كتاباتهم عبارة عن حقول الغام اختاروا طوعا انشائها والمغامرة في محاولة اجتيازها واقناع القارئ بانهم قد تمكنوا وبجدارة من الخروج منها بسلام. انه لموقف غاية في الصعوبة ان يلجأ البعض ( مضطرا او مُخيًرا او خجلا ) الى الانشاء ممًن اعتاد قرائه مشاهدته يقفزفي حقول الالغام و قد خبر طرق وسبل الخروج منها. ربما تكون عيناه قد وقعت مصادفة بعد مؤتمر عنكاوة على كتيب ( جويس ماير) المعنون ( كُنْ ايجابيا ) ! فانطلق يراجع حساباته وارائه , ولا بأس من ذلك فليست الحياة افكارا متحجرة ومن حق الانسان ان يتفاعل مع تغيراتها ولكن الايجابية والحقيقة وجهان لعملة واحدة ليكون الوصف حقا خالصا للموصوف.

حال انتهاء اعمال مؤتمر عنكاوة أطلق البعض من الذين شاركوا او لم يشاركوا فيه العنان لاقلامهم لوصف المكاسب و الانجازات والظواهر الايجابية التي افرزها ذلك اللقاء. مما لاشك فيه ان اي عمل  بما فيه السياسي والشعبي الجماهيري لايمكن ان يكون خاليا من النتائج الايجابية ولكن تلك النتائج الايجابية في اثارها وفعاليتها تبقى محكومة بما يفرز ذلك اللقاء من السلبيات في الجهة المقابلة , و هكذا يبقى الفعل السياسي او الجماهيري الذي يحقق كما يقول لينين ( خطوة الى الامام وخطوتين الى الخلف ) وصفا لفعالية قاصرة ربما كان الحال قبل حدوثها افضل مما هو عليه بعده . اعتقد جازما ان الهدف لم يكن فقط النجاح في تجميع كمِ كبير من ابناء شعبنا لتمتلئ بهم قاعة المؤتمر رغم احترامنا وتقديرنا لمن جاء منهم حاملا هموم شعبه وساعيا وجاهدا لرسم طريق تحقيق اماله , كما لم يكن الهدف قطعا فقط حضور كل هؤلاء في تلك القاعة ليستمتعوا مع ضيوفهم بلوحة فنية جميلة تقدمها مجموعة مبدعة من ابناء شعبنا.

لقد استبشر الكثيرون خيرا من تجمًع استوكهولم كونه صرخة يمكن ان يعقبها فعل صحيح في اتجاه بناء قاعدة يمكن الارتكازعليها تمثل قطعها الحجرية طيفا واسعا ونافذا من مؤسساتنا الدينية والسياسية والاجتماعية, فاذا بالبعض يجدها فرصة ذهبية لتنفيذ (انقلاب ابيض ) على تلك المؤسسات. ربما  يبرر ذلك  تحت يافطة ان قسما مهما من تلك المؤسسسات لم ترغب لاسباب ذاتية وموضوعية بذل ادنى الجهود لتاسيس تلك القاعدة, وقد يكون ذلك صحيحا , لكن ذلك كان يجب  ان يشكل عاملا اضافيا  يدفع ممثلي لجنة  استوكهولم  للمحاولة  مرارا لتحقيق تقدم في هذا المجال. انه لغربب حقا  ان يعلن طرف ما  انه ليس  بديلا لاحد في الوقت الذي قرر تهميش او اقصاء  او منح اجازة اجبارية  لذلك ( الاحد ) ريثما ينتهي من اقرار تسميته وتقرير مصيره ووضع برنامج سياسي مستقبلي يجب ان يتقيد به الجميع من اجل توحيد الخطاب ! لقد كان الامل في ابناء شعبنا في المغتربات ان يكونوا طاولة تجمع و تتجمع حولها معظم قوى شعبنا فيخرج الجميع بمرجعية قوية يمكن ان تحمل خطابا موحدا الى الاخرين . لقد كان الكثيرون وبصريح العبارة يستبشرون خيرا في لجنة استوكهولم كونها ستعمل لايجاد قواسم مشتركة يمكن ان يتفق عليها اجنحة شعبنا الفاعلة على الساحة والمتواجدة كحقائق على الارض واقصد هنا الجهد الذي يمثله السيد سركيس اغاجان والحركة الاشورية والاحزاب الكلدانية , بمباركة الشخصيات الدينية الممثلة للكنائس المختلفة , لكن الذي حدث اننا وجدنا انفسنا ومن خلال مؤتمر عنكاوة امام ظاهرة ولادة خط سياسي جديد يطرح نفسه , شاء انصاره ام لا , بديلا عن الجميع ووصيا على الجميع يمتلك القدرة على الحشد بسبب الدعم الكبير الذي تم توفيره له . وهكذا عوضا عن اختصار ارقام قوانا وجدنا انفسنا نزيد رقما جديدا. ولذلك فان توحيد الخطاب يصبح سرابا طالما ان ذلك الخطاب ليس ناتجا لتفاعل جزء مهم من الارقام السياسية ذات التواجد الملحوظ في الشارع.

اما المطبة الكبرى التي سقط مؤتمر عنكاوة فيها  ومعه شعبنا فكانت في معالجته لموضوعة التسمية حيث  تمكن المؤتمر وبنجاح من العودة بنا الى الموًال الاول في اسطوانة التسمية المشروخة مما سيفتح من جديد شهية عشاق السباحة في مستنقع التسمية للغوص من جديد في اعماقه . ربما  يتعجب البعض حيث لاتفعل الانانية الشخصية  والتعصب الاعمى فيكونان  سببا يجعل التسمية االمقترحة (سورايا ) تثير لعابنا  كونها تشير الى السريان قبل غيرهم , لكن المهم هنا هو الوصول الى اية صيغة توافقية يرضى بها الغالبية العظمى من ابناء شعبنا وبالتالي تسمية يعتز بها الجميع طالما قد اصبحت التسمية , شئنا ام ابينا , حاجزا ينبغي اجتيازه , ان الشعور السائد يتمثل في ان التسمية التي أُشيعت قبل مؤتمر عنكاوة والتي اطلقها السيد سركيس اغاجان وهي ( الكلداني السرياني الاشوري ) قد نالت استحسانا وقبولا لدى الكثيرين حتى ان الجو العام قبل مؤتمر عنكاوة قد بدا وكأن شعبنا قد جاوز معضلة التسمية لكن المؤتمر جاء ليضيف كلمة ( سورايا ) الى التسمية اعلاه فاشعل من جديد فتيل مشكلة التسمية ليحقق خطوة تاريخية الى الوراء. اقول هذا وانا السرياني الذي يعتز بالسريان كما افتخر بالكلدان والاشوريين ومن الناحية الشخصية ليس مهما بالنسبة لي اية تسمية حتى ولو كانت ( هنود مابين النهرين ) بقدر مايهمني وحدة شعبي والتفافه حول تلك التسمية. اما البيان الختامي فان الضجة التي أثيرت انتقادا للمؤتمر وحرص رئاسة المؤتمر على اكمال برنامجه دون مشاكل وانسحابات قد ترك ذلك البيان الختامي يحاول قدر الامكان السباحة في الامور الوسطية العامة.

هنالك قول مشهود يدعو الى ان لا نبخس الناس اشيائهم ولذلك ليس من الجائز عدم الاشارة الى ان مؤتمر عنكاوة كان فرصة طيبة لمن شارك فيه في اللقاء والتعارف وتبادل الاراء كما يمكن ان تكون احدى ابرز نتائجه انه قد رشح لنا شخصية جديدة الى الوزارة الكردية القادمة بعد ان مارست دورها بامتياز وقدمت نفسها على احسن ما يكون في رسالة مقصودة الى من يهمه الامر وباللغتين الكردية والسورث , إلا ان كل هذا وغيره من الامور الفنية يمثل مع كل التقدير حصادا بائسا لحقول عظيمة من الامال كانت معلقة على اي جهد يمكن ان ينقل شعبنا من حال الى اخر, ام ربما اصبح بعض كُتاًبنا يحكم على فعالياتنا كما يحكم الكثيرون على مؤتمرات القمة العربية فيحسبون مجرد انعقاد القمة نصرا دون الاخذ بنظر الاعتبار نتائج تلك القمة!

101
المشاكسون وهيئة التحضير لمؤتمر عنكاوة

د- وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يحدث غالبا ان تجتمع مجموعة من الاصدقاء او المعارف وتتفق على برنامج ما فيكون مثلا سفرة او نزهة او حفلا اجتماعيا وتجلس تلك المجموعة لتقرر من سيكون معها في ذلك النشاط ليضيف للتجمع كما ونوعا , فتتباين الاراء حول من سيتم دعوتهم ويتم إستبعاد البعض بحجة انه ( مشاكس وونقناق ) بينما المجوعة ذاهبة للراحة والاستمتاع ( الى الوِنسة ) ولايوجد داع لتعكير المزاج, لكن مصير الشعوب الذي يتمثل في برنامجها السياسي المستقبلي وعلاقتها مع الاطراف التي تعيش معها وحولها ليس حتما نزهة او لقاء اجتماعيا عابرا!.

كان الكثيرون يتوقعون ان يقدم السياسيون ( افرادا وحركات ) من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري نموذجا راقيا في ممارسة اللعبة السياسية وخاصة في مجال التعايش والتأنس بين الرأي والرأي الاخر , لكن اؤلئك الكثيرون وجدوا انفسهم في صدمة حقيقية وهم يعاينون ( مهارة وخبرة ) على درجة كبيرة يتمتع بها هؤلاء السياسيون ( المسيحيون) في ممارسة لعبة الاقصاء و التهميش ينافسون بها زملائهم من السياسيين في العراق , بل الانكى من ذلك ان بعضا من ( ابطال ) هذه السياسة يمثلون شخصيات ( مستقلة ) رضعت من حليب الديموقراطية الغربية زمنا طويلا وعرفت كيف يعيش الرأي والرأي الاخر في الغرب على طاولة واحدة, كونها أمضت  في الغربة فترة مهمة من حياتها , بل يطالب بعضها تلك الدول المساعدة في اقامة مشاريع مشتركة لترسيخ الديمقراطية بمبادئها واساسياتها المعروفة في العراق !.

لقد اعتاد ( الشاطر ) الذي توهم ان الموجة هي ( فرصته التاريخية ) على المزايدة على الجميع و في المقدمة منهم طبعا اؤلئك الذين يملكون الدور الفاعل والمؤثر على الارض , ولذلك فهو يعتقد واهما ان إبعاد او اقصاء او تهميش بعض ( المشاغبين والمشاكسين ) يؤدي الى رفع رصيده ومساحة رعايته. لقد كان سقوط بعض السياسيين العراقيين مريعا في عين الرأي العام عندما حاول اؤلئك السياسيون بكل الوسائل الدفاع المستميت عن السياسة الامريكية او تبرير اخطاء الادارة الامريكية في العراق او تجنب الحديث عنها في الوقت الذي كانت تلك الادارة تعترف على الملأ بتلك الاخطاء. ان ماينشره البعض من اراء حول مسألة العلاقة بين الشعب الكردي قيادة ومؤسسات وافراد وبين شعبنا الكلداني السرياني الاشوري وخاصة ما يتعلق منها بموضوعة سهل نينوى ليس القصد منه إسقاط شعور بالعداء تجاه الاكراد , بل العكس تماما فان تلك الكتابات تنطلق وتجتهد من نية صادقة لارساء افضل العلاقات بين شعبنا والاكراد ولذلك نرى تلك الكتابات تلقى صدى طيبا وتُنشر في المواقع الالكترونية الكردية قبل ان تُنشر في المواقع الاخرى .

ان القائمين على مؤتمر عنكاوة قد اضافوا الى خطأ التوقيت خطأ الرغبة او الاصرارعلى تهميش او اقصاء كل من يعتقدون انه يعكر مزاج المؤتمر ويُخفِض حدة التصفيق فيه سواء كان هؤلاء قوى منظمة او شخصيات مستقلة لها ارائها وطروحاتها وتؤمن ان مصير شعبنا يقع في مقدمة اولوياتها حالها على اقل تقدير حال الاخرين. انه لغريب حقا ان يصر من يعتبر نفسه ( سياسيا محنكا ) على تحمل المسؤولية التاريخية بمفرده في الوقت الذي يستطيع فيه ان يتقاسم تلك المسؤولية بل ويلقي ثقلا مهما من نتائجها الغير المرضية على الاخرين. اذا كانت الرغبة في الاستحواذ على الاضواء او تقاسم الفوائد او الاستمتاع بالفعالية دون منغصات هو الذي دفع هيئة التحضير لمؤتمر عنكاوة لانتقاء من اعتقدته مناسبا للحضور فتلك مصيبة, اما اذا كان الاقصاء والتهميش قد جاء لاسباب خارج ارادة الهيئة التحضيرية فالمصيبة حقا عندذاك اعظمُ .[/b][/font][/size]

102
لجنة مؤتمر استوكهولم – هيئة الانقاذ توقد النار

د- وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كان النظام السابق ومع بداية الحرب العراقية الايرانية قد شرع في عرض وتنفيذ مجموعة من الحوافز لافراد الجيش العراقي السابق ضباطا ومراتب بقصد رفع الروح المعنوية ولتشجيع الاقبال على الانخراط في صنوف الجيش المختلفة, وكان من ضمن تلك المحفزات توزيع قطع اراضي سكنية للمتطوعين. كان بعض المراتب في منطقتنا يطالب العاملين في البلدية بالاسراع في تنفيذ التعليمات بتوزيع القطع السكنية وكان اؤلئك العاملون يطالبون سرا العسكريون من ابناء المنطقة بالمقابل التريث والتحلي بالصبر خدمة لمنطقتهم لان الدولة قد قررت استغلال تلك الخطوة في استراتيجية واضحة لتغيير الطابع الديموغرافي للمنطقة عن طريق توزيع قطع اراضي سكنية في منطقتنا لجميع العسكريين الذين يقطنون القرى والمناطق المجاورة. لقد انتصر الشعور بالمصلحة الشخصية على الشعور بالصالح العام لدى البعض من المراتب الذي راح يلح في طلبه فتحقق له ولغيره مبتغاه ووِلد ( الحي العسكري ). ربما يحاجج البعض في ان سياسة الدولة انذاك كانت ستنفذ في كل الاحوال وليست مطالبة البعض بحقوقهم او عزوفهم عن المطالبة بها حجة او شماعة لنتائجها, ولكن الكثيرين عندما تحين لحظة سرد وقائع التاريخ يشيرون من باب براءة الذمة الى مواقف وحيثيات صغيرة رافقت احداث حقبة ما. ليس المقصود من هذا إسقاط شعور عنصري او أثني او طائفي او ديني او رفض التعايش مع الاخرين ولكن من حق الجميع المحافظة على خصوصية مناطقهم خاصة وان الاحداث تثبت خطورة عواقب محاولات التغيير اليموغرافي للمناطق والمدن والذي تمثل كركوك اليوم مثالا ناصعا له .

كان من الطبيعي ان تنشغل قوى شعبنا كحركات او شخصيات مستقلة في بلورة مواقفها من الافكار المطروحة ومنها موضوعة الحكم الذاتي وحقوق شعبنا القومية, ان مشروع الحكم الذاتي اساسا لم يأت كنتيجة طبيعية لصراع مسلح او مفاوضات شاقة طويلة بين جهات تمثل شعبنا وجهات اخرى بل هوعرض قدمته القيادة الكردية وكانت هذه القيادة هي صاحبة الشأن في هذا العرض إطارا وتوقيتا. لقد تباينت ردود الافعال حول هذا العرض فمنهم من يجد فيه الفرصة الذهبية وربما الاخيرة في الحصول على مقعد بسيط في احدى عربات القطار دون ان يعير اية اهمية الى اتجاه هذا القطار وملابسات وظروف سكة سيره , فالهدف لدى هؤلاء هو الجلوس فيه وعدم البقاء في محطات الانتظار. بينما اتخذ البعض الاخر منحى رافظا للمشروع جملة وتفصيلا لايرى فيه إلا سلبياته , في وقت يجهد فيه القسم الثالث نفسه في التبصير بايجابيات الفكرة المطروحة وسلبياتها منوٍها الى ضرورة معالجة الطرح السياسي بما يستحقه من المناورة في الافكار والتوقيت من اجل الوصول الى افضل النتائج و باقل الخسائر, لايغيب عن باله الحذر والتوجس الذي يبدو على وجوه الكثيرين من ابناء شعبنا وخاصة ابناء المناطق المعنية من مستقبل البلد بشكل عام ومن مضاعفات إتخاذ قرارات مصيرية تحت هذه الظروف. وهكذا وجدت مجموعة من ابناء شعبنا في السويد تدفعهم غيرتهم الوطنية في فكرة الحكم الذاتي المطروحة سببا وحافزا للاجتماع ومناقشة اوضاع شعبنا, ولا اعتقد انني اجانب الحقيقة واتجنى على الجهد المخلص اذا قلت ان الذين شاركوا في ذلك الاجتماع الذي سميً مؤتمرا لم يكونوا جلًهم من الاكاديميين كما لم يكونوا جميعا مستقلين ناهيكم عن انني لااعرف فيهم اسما ينحدر في سكنه حقا من سهل نينوى نقطة البحث الجوهرية . لكن لابد من الاشارة هنا الى ان هذا الجهد الذي لايمكن ان ننفي صفة الاخلاص عنه  قد تولى المشاركون فيه مسؤولية انجازه دعوة وتنظيما وتمويلا. وقد خرج المؤتمر بلجنة استمدت شرعيتها منه و اخذت على عاتقها متابعة تنفيذ قرراته وكان من بينها زيارة وفد منها الى الوطن للالتقاء بالمسؤولين هناك في اقليم كردستان وللتباحث مع ابناء شعبنا احزابا ومؤسسات وافراد ومعاينة ومعايشة الواقع ومحاولة استقراء افكار و انطباعات ابناء شعبنا حول مجمل القضايا المطروحة , ولم يكن صعبا الاستنتاج في ان الوفد قد تمكن من الحصول على دعم كبير كان بارزا من الناحية الاعلامية وهو يجوب القرى والبلدات ويعقد المؤتمرات الصحفية, كما لم يكن صعبا ايضا على اعضاء الوفد ملاحظة مشاعر الحذر والبرود البادية على جمهور كبير من ابناء شعبنا تجاه الافكار المطروحة, وكنت اعتقد ان الوفد سيبادر الى الدعوة الى اجتماع ثاني في استوكهولم بعد عودته فيتم مناقشة حقائق الارض التي خرج بها الوفد من تلك الزيارة ودروسها العميقة حتما ووضع الية لعمل قادم على ضوء ذلك. لقد كانت مفاجأة حقا ان ارى الاخ العزيز سامي المالح يجوب القرى والبلدات مرة اخرى وكأنه في سباق مع الزمن يحشد ما استطاع  اليه سبيلا,  ثم يتغير عنوانه بين ليلة وضحاها من رئيس لجنة مؤتمر استوكهولم الى رئيس للهيئة التحضيرية للمؤتمر الشعبي الكلداني السرياني الاشوري الذي من المقرر ان ينعقد خلال الاسابيع القادمة. وهكذا تقرر ان نصعد جميعا مع ( السندباد ) في بساط الريح عوضا عن القطار في رحلة سريعة تصل بنا الى المحطة الاخيرة. انه لغريب حقا ان يتمتع الاخرون بكامل حريتهم في استغلال عامل الزمن واختيار الوقت المناسب لاتخاذ قراراتهم المصيرية بينما يُطلب من شعبنا فعل ذلك خلال اشهر معدودة, ستة عشر عاما واقليم كردستان يتمتع بوضع خاص ومع ذلك لاتنقطع تاكيدات المسؤولين الاكراد في ان قرار الاستقلال هو قرار كردستاني خالص يرى النور عندما يرى الاكراد ان ذلك في صالحهم وطنيا واقليميا ودوليا. أم هل كُتب على شعبنا ان يكون خاسرا وهو يعيش مرحلة التمزق والتشرذم ويقدم ايضا تضحيات ربما تكون اغلى من تلك الخسائر عندما يعيش مرحلة وحدته في تباشيرها بعد الخروج من وحل التسمية! هل فكر هؤلاء حقا بمسؤوليتهم التاريخية في قراءة متانية لنتائج هذا المؤتمر ( ايا كانت ) وتاثيراتها وتداعياتها عراقيا و على ابناء شعبنا بصورة عامة وعلى سهل نينوى بوجه خاص. هل من الممكن خلال هذه الفترة القصيرة ان نصل الى اختيارصائب وفاعل ومؤثر لمندوبي هذا المؤتمر الذي يراد له ان يكون مرجعية لشعبنا ويخرج بمشروع سياسي متكامل يتصدى للتحديات والمهمات والعروض المطروحة امام شعبنا كما تشير اهداف المؤتمر ومحاوره؟ ان العديد يتساءل عن اهلية البعض ممًن شاركوا في النقاش مع لجنة استوكهولم وتأثيرهم الجماهيري ليكونوا اصحاب الحق في تمثيل او اختيار من يمثل مناطقهم لاقرار مصيرها ! كنا نتمنى ان تكون لجنة مؤتمر استوكهولم هيئة انقاذ تستكشف قواعد لارضية مشتركة تجتمع حولها قوى شعبنا وتنظيماته وشخصياته الفاعلة لا ان تكون حكومة المنفى التي تحولت سريعا الى حكومة انقاذ وطني انتقالية! انني لا اتهم احدا كونه عرًاب مشروع ما لكنني اعتقد ان مجرد دفع النفس  والاخرين الى الزاوية الضيقة حيث ينتظر القسم الاخر قرارا حاسما واضحا هو مسؤولية كبرى لان كلا الحالين اتخاذ القرار سلبا او ايجابا او حتى التريث فيه سيكون له اثاره على مجمل تفاصيل الحياة ولذلك فان هذا المؤتمر سيمثل نقطة تحول خطيرة و فاصلة في حياة شعبنا.

ربما يلقي البعض باللوم على القيادة الكردية كونها تعمل جاهدة على تنفيذ اجندتها لكن ذلك حق طبيعي لها والسياسة هي فن الشطارة والمناورة في الوصول الى الهدف واعتقد ان القيادة الكردية لا تحرم غيرها حقه في فعل الشئ نفسه, وفي كل الاحوال وحسب اعتقادي لم يطلب الاكراد من احد ان يعقد مؤتمر استوكهولم  كما لم يكونوا رعاة له ولكن يبقى من حقهم استغلال كل الفرص المتاحة والمتوفرة والمعروضة التي قد تساعد في الوصول الى الهدف , من جهة اخرى فان القيادة الكردية تعلم جيدا ان البناء الصحيح ولمستقبل ذو امد بعيد ينبغي ان يرتكز على ركائز صحيحة والجنين الكامل والصحي هونتاج مشترك لمرحلتي مخاض وولادة طبيعيتين, ولذلك لا اعتقد ان ذلك سيكون خافيا على القيادة الكردية في ان تترفع عن عقد الصفقات مع من لايتمتع بحق الامضاء عليها او ليس اهلا لها وتصل الى تصويب دقيق للقوى والشخصيات التي يمكن الوصول معها الى الاهداف التي تلبي على حد سواء امال وتطلعات جميع الاطراف لكي لايعيد التاريخ نفسه وتظهر في المستقبل مثلا دعوات لتشكيل لجنة لتطبيع الاوضاع في سهل نينوى على غرار لجنة تطبيع الاوضاع في كركوك.   



103


ليتَ يايوم الاحتلال كُنتَ يوما بلا غدِ

د- وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لم  يجد الكثيرون حرجا في التعبير عن امتعاضهم  من الصورة القاتمة بل المأساوية االتي رسمها الموسيقار الراحل فريد الاطرش عن  الحياة عندما  شجا بصوته ( الحزين  اصلا) اغنيته المفرطة في اليأس والحزن (  عُدتَ يايوم مولدي عُدتَ يا أيها الشقي ). تساءل البعض هل وصل الحال بالموسيقار الكبير, و كرد فعل ربما لقسوة الحياة واصرارها على توجيه سفنها بما لاتشتهي رياحه , الى ان يعلن انتمائه الى مدرسة ابي العلاء المعري الذي سبقه بمئات السنين فأطلق صيحته الشهيرة:
ياموت زُرْ إن الحياة ذميمة
ويانفسَ جِدًي إن دهركِ هازل
الكثرة الساحقة ترى في اغنية الاطرش وابيات المعري نشازا وكابوسا وصورة تتمنى ان لايظلمها الزمن فتكون وصفا لحالها وتحاول جاهدة فتتضرع وتعمل لكي تكون الدنيا بالنسبة لها ( ربيع والجو بديع ).

كان الكثير من سكان الاتحاد  السوفيتي السابق يخفون  في غرف نومهم الصلبان التي يرجعون اليها في  ساعات متأخرة من الليل يطلبون اليها العون  والفرج والحرية من النظام الجاثم على صدورهم. اعتقد ان نسبة كبيرة  من العراقيين , واقصد هنا عراقيي الداخل اولا, ولا أجانب الحقيقة في القول ان ثقلا كبيرا ممًن كان محسوبا على النظام وحتما بعض قياداته واركانه , بالاضافة الى  اصحاب الغيرة الوطنية من عراقيي المهجر وليس بعض الاسماء المشبوهة في المعارضة  العراقية السابقة, كانوا يفعلون الشئ ذاته فيبتهلون الى الله عن طريق مصاحفهم وصلبانهم وايقوناتهم ليأذن بنهاية ليل الدكتاتورية و الاستبداد وتشرق شمس الحرية و الرخاء والمساواة على وطنهم الحبيب. وهكذا وبالرغم من تحفظ الكثيرين على الطريقة التي تم بها ذلك, بقي هؤلاء يسلٍي النفس في امكانية ولادة عراق جديد لاتقل فيه بغداد رخاء عن ابوظبي والبصرة عن دبي والموصل عن جدة واربيل عن الدوحة. ما اقسى ان يستفيق الانسان على كابوس رهيب بعد ان كان قد بدأ نومه بحلم جميل. هاهو الاحتلال البغيض يوشك ان يطفئ شمعته الرابعة على ركام عراق رايته العنف و طعامه الموت والاختطاف وشرابه الدم.

كان يوم عطلة, والاطفال فرحون كوننا نجتمع اليوم لنتناول طعام الفطور معا, فانطلقنا جميعا نتعاون مع بعضنا لتهيئة الوجبة على انغام الاغاني الجميلة التي تحرص قناة عشتارعلى بثها قبل بداية برامجها, وعندما كان قد وجد كل شئ محله الصحيح على المائدة وجلستُ, بعد ان انجزت المهمة المحببة الى نفسي وهي صب الشاي, وقع نظري على مفتاح التحكم بحثا عن برنامج افضل واذا بي اذهب الى قناة البغدادية وهي تقدم الشاعر كريم العراقي في قراءة شعرية يكتب فيها لبغداد تتخللها صيحات حزينة لكاظم الساهر وهو يقول لبغداد ( بغداد لا لا تتألمي بغداد انتِ انتِ في دمي ----). ترى هل بامكان اللقمة ان تكتشف طريقها الى الجوف, والاذن والعين تتحسسسان ألام بغداد؟! كيف يمكن لزوجتي وهي انثى اولا و ابنة بغداد ثانيا , فكل ذكرياتها تدور حولها , ان تصمد امام احزان بغداد ؟ وهكذا لجأت المسكينة  الى سلاح ( ابسط الايمان ) ,الى دموعها. صمت رهيب اصبح  يسود  المكان وكأن الاطفال ربما قد استوعبوا الموقف ووجلاله حتى  انهم توقفوا عن المزاح مع شقيقهم الصغير الذي لايتجاوز عمره بضعة شهور احتراما او اندهاشا , لجأ الطفل الصغير الى البكاء في محاولة لجلب الانتباه فوجدت في ذلك منفذا يتركني أَفي حقوق معاني الرجولة فاحتظنته ومسحت سريعا بملابسه بعض دموعي ثم انتبهت الى نفسي وعاتبتها فالدموع من اجل العراق راحة وسلوى للرجال والنساء , للصغار والكبار. لاندعي في سرد هذا اننا حطًمنا الرقم القياسي في الوطنية فيقينا هنالك الملايين من العوائل التي تبكي العراق وتتألم له في كل لحظة بل قدًمت الدماء والدموع من اجله وفي مقدمتها شعبنا الصابر في الوطن الذي تأكل الة الموت اللعينة من جسده يوميا و يعاني من عدم توفر ابسط مقومات الحياة ويعيش تحت التهديد ولانملك إلا ان ننحني اجلالا لصبر هذا الشعب وطول اناته ولكن هي محاولة متواضعة  لعلً وعسى  تحقق بعض اهدافها في إثارة من يحتاج الى الاثارة.

خرجت احدى الصحف السويدية  بمانشيت رئيسي على صفحتها الاولى مرفقا بالصورة يتحدث عن ( مشكلة جدية ) تتمثل في شحة توفر الصابون والاوراق الصحية في حمامات احدى المستشفيات وتطالب بايجاد حلول سريعة بل وتتساءل احدى النساء الكبيرات في السن التي التقى بها كاتب التقرير قائلة: هل يجوز ان اضطر لحمل الصابونة كلما ذهبت الى الحمام؟ ويعد المسؤولون في المستشفى بدراسة الموضوع ومعالجته سريعا. ترى ماذا يقول هؤلاء وهم يشاهدون كل يوم على شاشات التلفاز عشرات الجرحى وهي تُنقل بالعربات الخشبية الى المستشفيات في العراق وتُدخل الى غرف العمليات وكانها تدخل الى سوق الجزارة. بلد تغطيه الثلوج ثلاثة ارباع السنة والمواطن فيه ترفعه الدولة على الاكتاف من الولادة حتى الممات , وبلد تحت اقدام ابنائه كل الثروات وهو منبع الخيرات والحضارات والمواطن فيه يائس  تائه لا احد يضمن له ساعة وليس يوما او شهرا او سنة  اوجريح بالشظايا حائر بنفسه مع اهله او ميت بالمفخخات اوالهاونات  وتُجمع اشلائه بالقطع علما انه يؤمن بقدر الله. أليس هذا سببا يترك الاخرين ينفرون من رؤيتنا فيفضلون ان تحتل اخبار النعجة ( دولي ) اذا اصابها اي عارض صحي مقدمة نشراتهم الاخبارية على ان يعرجِوا على اخبارنا وارقام ضحايانا اذا سمح الوقت بذلك. حسبنا الله من كل مَن سكن تلك المنطقة عندما كانت حمراء او زرقاء وحسبنا الله مِمًن يسكنها بعد ان أصبحت خضراء.

قبل عقود غنى الاطرش ليعكس ربما تجربته ومعاناته الشخصية فقال:
عُدت يايوم مولدي
عُدت ياايها الشقي
الصبا ضاع من يدي
وغزا الشيب مفرقي
ليت يايوم مولدي
كنت يوما بلا غد
واليوم يقف العراقي على انقاض وطنه وفي بحر جراحاته يقول:
عُدت يايوم الاحتلال
عُدت يااسود الايام
الوطن اراه يضيع من يدي
والحراب تأتي من كل جانب
والموت والدم اصبحا الوان علمي
بئس من جاء بكَ ومن معك ومن بإسمك سيأتي
ليت يايوم الاحتلال
كنت يوما بلا غدِ

 

104
القنبلة الايرانية – الجوكر البائس

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ايام معدودة ويخرج الرئيس الايراني احمدي نجاد الى شعبه والعالم  بوجبة اخرى من الاخبار السارة حول النجاحات الجديدة التي حققها البرنامج النووي الايراني كما تروِج لذلك وسائل الاعلام الايرانية. ربما تكون الاخبار السارة هي انتقال ايران الى مرحلة الانتاج الصناعي من اليورانيوم المخصب واكمالها لمرحلة جديدة في هذا المجال تتمثل في انجاز تركيب خطوط اضافية من اجهزة الطرد المركزي تشير الانباء ان عددها يناهز الثلاثة ألاف مما يساعدها على السير حثيثا الى الهدف المطلوب وهو طحن اكبر كمية ممكنة من مئات الاطنان من سادس فلوريد اليورانيوم التي استطاعت جمعه او الحصول عليه, حيث تتحدث التقارير الاستخبارية الحديثة عن امكانية حصول ايران على الكمية المطلوبة من اليورانيوم المخصب لانتاج السلاح النووي خلال مدة تتراوح بين السنة والسنتين.

بداية ينبغي الاشارة الى ان القيادة الايرانية ليست بتلك السذاجة التي تجعلها ترمي بجميع اوراقها كاملة امام خصومها ولذلك فان ماسيعلنه الرئيس الايراني من اخبار سارة لن يكون باي حال من الاحوال وصفا للمرحلة النهائية من البرنامج النووي الايراني في لحظة الاعلان , بل خطوة تم تحقيقها في مرحلة سابقة وحان الوقت الان للاعلان عنها. ان مايؤكد هذا الاستنتاج هو التعامل ( المرن ) الذي يبديه المجتمع الدولي حيال ايران حتى ان اطرافا عديدة ومنظمات مختصة كوكالة الطاقة الدولية باتت حائرة, تُجهد نفسها في اكتشاف انماط جديدة من ( المحفزات ) التي قد تُرضي ايران وتتركها تعدل عن المضي في برنامجها , وكان أخرها ما اعلنه الدكتور محمد البرادعي من حلول تتلخص في ايقاف متزامن للعقوبات ولبرنامج التخصيب علما بان قرار العقوبات الذي اصدره مجلس الامن دخل دورات تنقيحية طويلة قبل اصداره ولم تعترف حتى الان به ايران اصلا. ان بعض الاطراف الدولية اصبح يشك بينما بات البعض الاخر على قناعة في ان البرنامج النووي الايراني ربما يكون قد خرج من عنق الزجاجة ويجب التعامل مع هذا الملف استنادا الى حقائق الارض التي تؤكدها القيادة الايرانية التي لم تتراجع قيد انملة عن تعنتها بل على العكس تزداد مع الايام تعنتا دون ان تنسى استثمار المناورة المحسوبة كسبا للزمن حيثما وجدت حاجة لذلك. ربما تكون القيادة الايرانية تشعر بالحاجة الى الاستمرار في ذات السياسة التي تتلخص بإضفاء وابراز ما امكن من السمات السلمية للبرنامج النووي الايراني دون ان تتخلى عن العمل لتوفير كل المستلزمات المادية والعلمية والبشرية ليكون هذا البرنامج على اتم الاستعداد ليحقق اهدافه الاخرى حال صدور فتوى من المرشد الاعلى يتم تبرير صدورها في تلك اللحظة.

ان النظام الايراني يعرف جيدا ان الادارة الامريكية تنتظرعلى احر من الجمر اعلان ذلك النظام عن انجاز حاسم وواضح في برنامجه النووي , كما فعلت كوريا الشمالية , يمكن ان تستثمره تلك الادارة في تحشيد اكبر ثقل ممكن من المجتمع الدولي خاصة اؤلئك الذين يطالبون بدليل ملموس للادانة بعد ان خدعتهم الادارة الامريكية في الملف العراقي . ان تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي اولمرت قبل فترة قصيرة والتي اثيرت حولها ضجة كبيرة حيث مثلًت اول اعتراف رسمي لمسؤول اسرائيلي كبير بامتلاك اسرائيل للسلاح النووي كانت ( طعما ) مشتركا اسرائيليا - امريكيا باتجاه ذلك الهدف . ان تلك التصريحات لم تكن اطلاقا ( زلة لسان ) كما تم وصفها بل كانت فعلا مدروسا انتظر بفارغ الصبر ردة الفعل المناسبة  المعاكسة له في الاتجاه والمساوية له في المقدار. لقد تم بناء ( الطعم الاسرائيلي – الامريكي ) استنادا الى النموذج المعروف عن الشخصية الشرقية العربية او الاسلامية بما تتميز من سرعة الاثارة والانجرار السهل الى حقل التحدي الغير المحسوب والملغوم. ترى هل كانت القيادة الايرانية في تجاهلها لذلك الطعم وامتناعها عن القيام  بردة الفعل المتوقعة ترغب في ايصال الرسالة المطلوبة الى ( اصحاب الطعم ) في ان القدرات النووية الايرانية ليست اساسا موجهة اليهما , اي الى الولايات المتحدة واسرائيل , وينبغي عليهما الاطمئنان الى ذلك او ان ذلك التجاهل وردة الفعل البارد تلك يندرجان في حقل المناورة السياسية الرامية الى استثمار الزمن طالما ان الوقت لم يحن بعد للاعلان عن ذلك . ان الاعتقاد الاكثر ترجيحا يشمل الحالين معا اي ايصال الرسالة واستثمار الزمن.

ان المتابع للسياسة الايرانية من الناحية الواقعية البعيدة عن خطابات وتصريحات الاستهلاك الاعلامي يلاحظ بسهولة ان الصراع بين النظام الايراني من جهة وبين الادارة الامريكية واسرائيل من جهة اخرى ليس صراعا من اجل البقاء  ينتهي بامحاء احد الطرفين للاخر , بل اختلاف على الادوار في مساحتها وعوائدها وهو بالتالي صراع  تهدف من خلاله ايران الى وضع معادلات جديدة للتعاون من اجل اقتسام النفوذ في المنطقة, وإلا كيف نفهم التعايش السلمي منذ اكثر من ست سنوات بين ( الشيطان الاكبر ) الذي عبر المحيطات والبحار وجاء ونصب خيمه وعسكر و جاور ( ولاية الفقيه ) في حدودها الطويلة مع كل من افغانستان والعراق! ان الرئيس الايراني نفسه قد  صرًح جهرا انه يسعى لتوطيد دعائم هذا التعايش والارتقاء به عندما اعلن ان ايران على استعداد لمساعدة الولايات المتحدة في العراق شرط ان تخفف هذه الاخيرة من سياستها العدائية تجاه نظامه ,  او كيف نفسر السكوت الغير المبرر او الموقف الذي لم يتعدى تصريحات خجولة للنظام الايراني وهو يرى اسرائيل تضرب دون رحمة ولاسابيع أخلص حلفائه ( حزب الله ) وباسلحة تشير التقارير الاخيرة انها محرمة كونها ملوثة بالمواد المشعة! ألم يكن النظام الايراني قادرا , بنظرة عين حمراء جدية من مرشد الثورة او رئيس النظام , على ايقاف تلك الحرب في ايامها الاولى قبل ان تأكل عظم لبنان؟ ربما يحاول البعض ان يخدِرنا فيحاول ان يبرر ذلك بحجة ان أوان المعركة الكبرى والحاسمة لم يحن بعد وينبغي لنا الانتظار حتى يتحقق ميزان القوى وتلد القنبلة الايرانية فتتعادل الكفة! ان الجميع يعرف ان النظام الايراني قد شرع بعد الانتهاء من الحرب العراقية الايرانية في بناء ترسانة تسليحية ضخمة في مختلف المجالات بما فيها العمل في المجال النووي وقد استطاع و كما يظهرمن خلال المناورات والتجارب الصاروخية من تطوير واقتناء مجموعة قيمة من الصواريخ الاستراتيجية ذات المدى الطويل واذا كانت عملية انتاج السلاح النووي التقليدي او العياري ونقصد هنا  (سلاح الانشطار) تعاني من مخاض عسير, فان عملية تلويث الكتلة الانفجارية لتلك الصواريخ بالمواد المشعة لتصبح على شاكلة ( القنابل القذرة ) ليست عملية بالغة التعقيد كما انها في تاثيراتها النفسية والتدميرية لايستهان بها من قبل الاطراف التي تدعي ايران من الناحية الايديولوجية انها عناوين الخنادق المقابلة لها. وهنا يبرز السؤال الكبير عن خارطة المنطقة وسماتها ومستقبلها ومن سيكون الخاسر الاكبر بعد ان يتم الاعلان رسميا عن دخول ايران شحما ولحما الى النادي النووي.

ان السلاح النووي قد بات منذ زمن بعيد هراوة مشلولة او في احسن الاحوال ربطة عنق يجوز التبجح بها في المناسبات البروتوكولية, حيث عالم اليوم يضع في لائحة الاسماء المقززة كل من يتجرأ على التهديد باستخدامه , وهاهي محكمة الانفال شاهد كبير على مانقول حيث المتهمون يحاولون بكل الوسائل تبرئة انفسهم ولايتمنون ان تكون اسمائهم مقترنة بفعل استخدام اسلحة الابادة الجماعية المتمثلة في انواع سامة من الغازات الكيمياوية فمابالكم بسلاح فتاك رهيب نشعر جميعا بفضاعة  اثاره كلما شاهدنا فلما تاريخيا عن هيروشيما وناكازاكي حيث تم استخدامه. لقد اصبح السلاح النووي حقا ذلك الجوكر البائس الذي ينبغي على اللاعب ان يحتفظ به حتى النهاية وقد تنتهي اللعبة دون ان يتم استخدامه. اذا كانت تلك الهراوة المشلولة او ربطة العنق ( المزركشة ) او كان ذلك الجوكر البائس ( سمها ماشئت ) تفقد او يفقد جزءا من القيمة الحقيقية لدى من يملك نظيرها او نظيره , لكن ذلك يحتفظ بكامل هيبته لدى الاخرين الذين بفتقدون له وتلك هي الغاية المطلوبة في ان تكون القنبلة النووية الايرانية كابوسا رهيبا يقض مضاجع دول المنطقة , فيحجِم دور البعض ويبتز البعض الاخر ويتقاسم مع كوابيس الاخرين غنائم اهل الدار.

105
سهل نينوى ونوهدرة – الضفة الغربية وقطاع غزة !

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

تبقى الواقعية السياسية احدى السمات الرئيسة التي تتمنى الجماهير ان تتصف بها قياداتها السياسية , خاصة وان هذه الجماهير قد عانت وتعاني الامرين من التحليق على ارتفاعات عالية واحلام منتصف النهار التي ابتلت بهما تلك القيادات. لايعني هذا إطلاقا دعوة عاجلة لليأس والاستسلام وبالتالي عدم جدية وضع اهداف سامية استراتيجية كبيرة والعمل بمثابرة للوصول اليها او تحقيقها, ولكن وضع تلك الاهداف يجب ان يقوم على اسس واقعية سليمة تناغي ذلك الواقع وتنسجم او يتم تعييرها بناء على المتغيرات الوطنية والاقليمية والدولية. فالبعثيون مثلا وضعوا لانفسهم الوحدة والحرية والاشتراكية اهدافا كبرى ولكن اخطاء وخطايا وجرائم التطبيق تركت المسافة بينهم وبين تلك الاهداف تكبر الى الحد الذي اصبح اليوم الحديث عنها وهما وخيالا, والشيوعيون اصابهم الغرور في الخمسينات من القرن الماضي فأعتقدوا انهم اصبحوا قاب قوسين او ادنى من تحقيق الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي السابق حيث كان مؤملا ان يتم اتمامها في بداية ثمانينات القرن الماضي , ولذلك ضمنوا لانفسهم مسيرة طويلة جديدة تمثلث في النضال من اجل الوصول الى مرحلة الشيوعية التي تلي الاشتراكية , ولكن ما ان انتهى عقد الثمانينات حتى بدأت تبدو في الافق تباشير انهيار النظام وهكذا كانت بداية التسعينات مناسبة للوقوف على اطلال تلك الامبراطورية التي أصبحت اشلاء واجزاء وعاد من تبقى من الشيوعيين الى المربع الاول بافكار وتحالفات كانت محرمة سابقا بينما إستيقظ قسم كبيرعلى كابوس رهيب وهو يرى احلامه وما أمن به يذهب ادراج الرياح ففتحوا نوافذهم ورموا بصمت بطاقاتهم الحزبية.

ان سبب هذا الكلام يكمن في ان اطرافا عديدة حزبية ومستقلة داخل شعبنا الكلداني السرياني الاشوري قد اطلقت لنفسها العنان في التحليق خلال هذه الفترة التي يُطرح فيها موضوع تثبيت حقوق شعبنا في دستور اقليم كردستان وموضوعة الحكم الذاتي او منطقة الادارة المحلية . بادئ ذي بدء يجب الاعتراف بحقيقة ان طرح هذا المشروع لم يكن  في اساسه ثمرة لنضال وعمل المؤسسات الحزبية او المستقلة في شعبنا بقدرما كان عرضا من قبل القيادة الكردية ساهم السيد سركيس اغاجان من خلال موقعه وعلاقاته مع تلك القيادة في إنضاجه, ومن الطبيعي ان تكون القيادة الكردية قد رسمت حدودا لذلك العرض وهي كما يظهر للعيان تشمل منطقة سهل نينوى. ان مطالبة البعض في تكوين منطقة للحكم  الذاتي تشمل سهل نينوى ومنطقة نوهدرة على غرار مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة, بحيث اصبحت مهمة البعض البحث عن شخصيات في صفوف شعبنا تتولى تجسيد ادوار محمود عباس ( ابو مازن ) واسماعيل هنية وغيرها على غرار السيناريو الفلسطيني ,( اتمنى ان لايحاول البعض الاصطياد في المياه العكرة فيدعي انني أشبِه اقليم كردستان باسرائيل بل القصد من النموذج الفلسطيني هو فقط  للاشارة الى انفصال المناطق عن بعضها ), ان هذا الطرح يمثل في هذه الظروف  طرقا على الماء في محاولة عبثية  للحصول على شئ اخر غير الماء لان  الجميع يعلم ان الاخوة الاكراد هم في مرحلة لملمة ما يمكن لمًه وليس في مرحلة توزيع او تشتيت السيطرة على اجزاء تقع في قلب الاقليم. كما اننا لم نسمع ولم نشاهد خروج جماهير شعبنا في مناطق الاقليم مطالبة بحقوقها في الحكم الذاتي كما لانرى فعلا بهذا الاتجاه قام ويقوم به ممثلي شعبنا في الحكومة والبرلمان الكردستانيين واعتقد هنا ان التوجه العلماني لادارة  الاقليم يترك جميع هؤلاء في غنى عن المطالبة بوضع خاص طالما ان النظام يعتمد معايير متساوية في النظرة الى الجميع ويدعو الى تكافؤ الفرص دون الانحياز الى طرف ما  دون اخر.  وقد ذهب البعض الى استعراض حنكته السياسية عبر تكتيك ساذج يتمثل في الدعوة الى رفع سقف المطالب من اجل الحصول على اكثر مايمكن وهذا يعني ضمنا التنازل لاحقا عن جزء منها وهي هنا مناطق وشعب تم وعده بشئ ما وفي هذا تكون مصداقية هؤلاء امام امتحان عسير. ان عددا كبيرا من ابناء شعبنا قد وجد جملة سحرية تنقذه من الموقف المحرج متمثلة في الدعوة الى ( اعطاء شعبنا حقوقه المشروعة في مناطقه التاريخية ) حيث تضفي هذه العبارة قسطا مهما من الضبابية في تحديد تلك المناطق وعدم القناعة في توجهات البعض , كما كان العرب يفعلون في مؤتمراتهم فيطالبون بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة تاركين الباب مفتوحا لكل من يحضر تلك المؤتمرات ان يفسر على هواه واستنادا الى خلفيته الايديولوجية شكل تلك الحقوق وابعادها وحدودها.

ان قراءة واقعية للعرض الكردي وتسمية الاسماء بمسمياتها يمثل حاجة ملحة لشعبنا وللاخوة الاكراد وللعلاقات بيننا من اجل عدم الدخول في متاهات وسوق للمساومات لاتخدم كلا الطرفين. قد يكون التعاطف مع قضية شعبنا هو احد الاسباب التي دفعت وتدفع القيادة الكردية لفعل ماتفعله ازاء هذا الشعب في منطقة سهل نينوى منذ سقوط النظام السابق وانحسار دور السلطة المركزية المتمثلة في محافظة نينوى التي ينتمي اليها هذا السهل اداريا, ولكن لايمكن ان نضع اي فعل سياسي جملة وتفصيلا في خانة اعمال الاحسان في سبيل الله, بل من حق السياسي ان يبحث في الوسائل والاساليب التي تساعده في تجسيد اهدافه الستراتيجية, ويصبح ذلك الحق اكثر مشروعية عندما يلتزم ذلك السياسي بمشروع انساني بعيد عن الاجبار والاكراه قائم على اسس الحوار والتفاهم يمنح فيه غيره حقا شبيها بذاك الذي يمنحه لنفسه وهو حق اختيار الافضل والبناء على نقاط الالتقاء لتعزيز العلاقات الى مستوى جديد. ومن هنا لانعتقد اننا نتجنى على الاخوة الاكراد في قولنا ان معالجتهم لموضوع سهل نينوى يندرج في اطار المحاولة لتحقيق قفزة مهمة في استراتيجية الدفاع عن الثقل السكاني الكردي المهم المتواجد في الساحل الايسر من مدينة الموصل. ان القول في ان الاكراد يشكلون جزءا مهما من النسيج السكاني لمدينة الموصل ليس فيه اية مجافاة لحقائق الارض كما يدعي البعض وخير برهان ساطع على هذا يتمثل في ان النائب الاول لمحافظ نينوى وحسب نظام المحاصصة المعمول به ينتمي قوميا الى الاخوة الاكراد بينما ينتمي النائب الثاني الى شعبنا الكلداني السرياني الاشوري.

ان العلامة الايجابية التي يمكن القول ان طرح مشروع ( الحكم الذاتي او المنطقة الامنة او المنطقة الادارية ) قد ساهم بشكل كبير في بلورتها تكمن في انها حفزت اطيافا كثيرة في شعبنا الى ضرورة معالجة واقع التشتت والانقسام الذي نعاني منه وهنا يبرز الدور الايجابي الذي يلعبه السيد سركيس اغاجان في العمل على ايقاف دولاب معضلة التسمية  التي سببت صداعا للكثيرين من خلال الاستغناء عن الاسم المركب وحذف الواوات حيث لاقت دعوة السيد اغاجان صدى طيبا واستجابة واسعة تجلت من خلال التأييد الواسع للتسمية التي دعا الى اعتمادها في دستور اقليم كردستان كونها شملت جميع اطياف شعبنا حتى ان بعض الاطراف السياسية المهمة داخل شعبنا كالحركة الاشورية وكما يبدو قد وصلت الى قناعة مفادها ان استمرارها في الغناء على ليلاها يترك دائرة الذين يطربون على ذلك الغناء في تقلص غير مرغوب فيه , وليس معيبا اطلاقا ان تجدد الحركة السياسية برنامجها بما يتلائم  و حاجات وضرورات المرحلة ويلبي طموحات جماهير شعبها سعيا الى الافضل. هذا لايعني انكفاء الاصوات التي اعتبرت ( معركة التسمية ) مسألة مصير تحاول التشبث بها حتى االرمق الاخير الى الحد الذي يحاول البعض ان يجعل من الخلاف على ( الواوات ) مستنقعا جديدا او الى استبعاد الاشارة الى السريان  وهم لايعرفون ان الحجر الذي يرفضه البنائون قد يصلح ليكون حجر الزاوية. انها تتبنى الاقصاء والتعصب  في اكثر صورهما اسودادا وتتهم غيرها به. ان بعض تلك الاصوات يحاول بخجل مع هذا وبحدة مع ذاك مراعاة للظرف فتظهر بين اونة واخرى على مواقع بلداتنا المسالمة انشاءات على شكل فتاوي وحلقات جديدة من ( بيان البيانات ) تصدرها ( الحوزة ) و ( القيادة العامة ) في بعض دول المهجر وخاصة في الدول الاسكندنافية.

يجب ان نعترف صراحة ان شعبنا في سهل نينوى تعامل ويتعامل بحذر مع العرض الكردي , بل ان بعض الشخصيات المحسوبة على شعبنا يعيب على اهل سهل نينوى نظرته الحذرة هذه ويتهمه احيانا بالخوف والتردد وفقدان الشعور بالمسؤولية في اقتناص الفرصة التاريخية علما بان اكثر هذه الاصوات هم من ابناء شعبنا الذين يقطنون خارج سهل نينوى بل حتى خارج الاقليم والعراق وهم من المغتربين الذين يسكنون في دول المهجر.ان الذي يجلس في دول الغربة متمتعا بخدماتها وهو يطلق العنان لقلمه وحنجرته عليه ان يعرف ان صرخاته ونظرياته لاتساوي شيئا امام معاناة فرد من ابناء شعبنا وهو يبحث عن اسطوانة الغاز او لتر البنزين او يتعرض لابشع ظروف القتل والتهديد والارهاب ولذلك علينا ان لا نزايد على الاخرين بل نكون عونا لهم ومرأة عاكسة لمعاناتهم. لقد لمست شخصيا التردد والحذر حتى بين صفوف ابناء سهل نينوى الذين يعيشون في اوربا ففي احدى الفعاليات الثقافية لتأبين شخصية دينية كبيرة تم دعوة الاخوة في مكتب قناة عشتار في السويد لتغطية تلك الفعالية وقد طلب الاخوة في المكتب مساعدتهم في استغلال الحشد الجماهيري الذي يحضر الفعالية لاجراء لقاءات شخصية تستطلع اراء المواطنين في المشروع , وللحقيقة يجب ان نسجل ان الاخوة في مكتب القناة قد كرروا مرارا القول ان بامكان المواطن ان يعبر عن رأيه بكل حرية سلبا او ايجابا ومع ذلك كانت هناك صعوبة في اقناع الحضور باجراء تلك اللقاءات وكثير منهم اجاب بان من يعيش الان في سهل نينوى وحده يملك حرية اختيار مصيره. ان الحذر وحتى التردد لايعني اطلاقا كرها او عداء لفلان وميلا لعلاًن بل قد يكون رغبة صادقة في إتخاذ قرارحكيم يأخذ بنظر الاعتبار مصالح من يعنيهم ولايمثل باي شكل من الاشكال ضررا على الاخرين. ان الزواج والطلاق بالنسبة لابناء شعبنا يمثل كل منهما قرارا مصيريا صعبا ناتجا عن توازن كامل لطرفي المعادلة , الرأس والقلب , مع ميل في اغلب الاحيان لجهة الرأس ولذلك ليس الزواج نزوة كما ليس الطلاق طلقة . اننا نرى من جهة على وجوه ابناء سهل نينوى  كل ملامح الاعتزاز والتقدير والعرفان بالدور الايجابي الذي قامت وتقوم به القيادة الكردية في هذه المنطقة منذ سقوط النظام السابق وهم يشعرون بالحاجة الى العمل بحرص شديد لتطوير هذه التجربة وتعزيز العلاقات بما يعطي صورة ناصعة للتعايش الاخوي بين مكونات المنطقة و من جهة اخرى فان  سكان سهل نينوى وهم جزء من نسيج عراقي ينتشر في كافة انحاء العراق بل يعتبرون شعبهم اي الشعب الكلداني السرياني الاشوري ملح هذا النسيج الذي يمنحه نكهة خاصة فانهم يتطلعون في نفس الوقت الى عراق ديموقراطي تعددي علماني بالشكل الذي يمكن ان يكون فيه الجميع مواطنين بدرجة واحدة لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. 

ان الاصوات والكتابات النارية التي تعتقد واهمة انها وجدت موجة على مقاساتها يسهل ركوبها عليها ان تعيد حساباتها قبل ان يكتشف الاخرون قاعدتها الرملية خاصة وان القيادة الكردية تعلم جيدا ان نجاح اية تجربة يكمن في وضع الاسس الصحيحة لها من خلال حوار صريح يمثل فيه النقد البناء والدراسة العميقة للاثار والنتائج والعواقب عنوانا رئيسيا كون ذلك ذو فائدة كبيرة لكلا الطرفين وللشراكة بينهما واعتقد جازما ان القيادة الكردية يُريحها كثيرا ان ترى مَن يدافع عن حقوق ومصالح اهله وشعبه و يؤيد ايضا حق الاخرين في ذلك فقد يكون ذلك الدرس الذي تعلمه الاخرون جيدا من تلك القيادة. ان هذا هو الطريق الصحيح لبناء علاقات مستقبلية متوازنة تمتد لمسافات طويلة فتجارب الحياة تُعلٍمنا ان اغلى الشفاه هي التي تعصي وارخصها تلك التي تقول دوما بلى.

106
كاكة مسعود – رجاءً عَلٍِمْهم أصول السياسة

د – وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

تبقى النظرة الضيقة وسذاجة التفكير وحماقة الفعل هي في مجموعها الداء المزمن الذي تعاني منه الكثير من الشخصيات التي ارتبط فعلها بالعمل السياسي و السلطوي في العراق, ان السياسي الذي يؤسس لثقافة الاقصاء والانتقام بيده اليمنى ويدًعي ان اليسرى تعمل في مشروع وطني للمصالحة يحاول خداع نفسه قبل ان يخدع الاخرين حيث الجميع يؤمن ان جمع النقيضين هو سرُ من اسرار الخالق جلت قدرته. ليست لي اية معرفة شخصية بالرئيسين جلال الطالباني ومسعود البارزاني لكن تحليلا بسيطا لهاتين الشخصيتين من خلال ادائهما السياسي والانساني والذي  على الارجح يتفق به معي كثيرون يشير الى انه لو كان مصير رئيس النظام السابق قرارا خالصا لضمير الرئيس جلال الطالباني او الرئيس مسعود البارزاني لكان ربما قرارا مختلفا وحالة تختلف عن ما ألت اليه الامور, بل اعتقد ,واتمنى ان لا أكون مخطئا , في ان السيد جلال الطالباني قد تشبث باحترام توقيعه في مرحلة سابقة في رفض عقوبة الاعدام كسبب يمنعه من التوقيع على قرار اعدام صدام حسين بدافع احترام مشاعر مجموعة معينة من زملائه وابناء شعبه ممَن يجدون صعوبة في التخلص من الشعور بالانتقام , لكن السبب الرئيسي ليس احترام التوقيع فقط بقدر ما هو ان الكاريزما التي يمثلها جلال الطالباني لايمكن ان تهظم باي شكل من الاشكال هذا النوع من التعامل وهذه النهاية من الصراع وهذه الطريقة في حسم الخصومة السياسية, بالرغم من ان صدام حسين كان قد اصدر في مرحلة ما من هذا الصراع قرارا بالعفو عن الجميع باستثناء الطالباني نفسه, اما السيد مسعود البارزاني الذي تحملت عشيرته ثقلا مهما يحصى بالالاف من التضحيات في الصراع يضاف اليها تضحيات كبيرة في صفوف ابناء شعبه فقد كان واضحا منذ وقت مبكر وقبل سقوط النظام في الدعوة الى االتسامح والمصالحة ليس حبا او شفقة بهذا او ذاك ولكن تأسيسا لقواعد  اخلاقية جديدة تحكم العمل السياسي  والصراع بين اطرافه على طريق انشاء دولة حجر اساسها الحب والتسامح وليس النحر والدم .

ان اغرب الغرائب ان تتحكم غريزة الانتقام في تفكير النخبة السياسية بعد وصولها الى السلطة متوهمة ان الربح التكتيكي الذي تحققه باشباع هذه الغريزة ليس بسمارا عميقا في نعش اهدافها الستراتيجية, انها السذاجة السياسية لدى هؤلاء التي تكمن في ان السالب الذي عاشه, متمثلا في تضحياته الشخصية اثناء صراعه مع خصمه السياسي , مضروبا في سالب الانتقام من ذلك الخصم لحظة التمكن منه سيؤدي الى الحصول على ناتج موجب. اذا كان هؤلاء يهدفون من وراء سياسة العنف والاقصاء والانتقام الى اشباع غرائزهم الشخصية فتلك مصيبة , اما اذا كانوا اضافة الى ذلك عبيدا مأمورين ينفذون اجندة خارجية تستهدف احداث اعمق مايمكن من الشرخ في المجتمع العراقي فالمصيبة حقا حينئذ اعظم . اية دولة سيتم بنائها عندما يتذكر رئيس حهازها التنفيذي ان ياتي بقلمه الذي يحتفظ به منذ ثلاثين سنة عندما بدأ صراعه مع خصمه السياسي ليوقع به قرار اعدام ذلك الخصم؟ ! أم اي تفكير هذا عندما يعلل مريض الانتقام فعل انتقامه مستندا على الاية الكريمة ( وبشِر القاتل بالقتل ) . لست فقيها دينيا لكنني افهم ان الله جلت قدرته لايشترط هنا ان تقوم الضحية بتنفيذ حكم الله خاصة وان الشرائع السماوية تمتاز باحادية المصدر حيث الكتاب المقدس يوصي في احدى اياته فيقول ( لاتنتقموا لانفسكم بل اتركوا ذلك لغضب الله ). تتبجح الحكومة العراقية في انها أسرعت في تنفيذ الحكم برئيس النظام السابق بعد ورود انباء عن احتمال تهريبه من السجن , وفي الوقت الذي يرى الكثيرون قصة التهريب من السجن قصة تم حبكها بصورة سيئة , شبيهة بقصة الثورة في الكويت عام 1990 , لكن السؤال الذي يفرض نفسه بالحاح يكمن في ايهما كان افضل للحكومة العراقية ولبرنامجها, ان يتحقق تهريب الرئيس السابق الى خارج العراق ام تنفيذ حكم الاعدام فيه ؟ ناهيكم عن انه لم يكن صعبا على صدام حسين ان يفهم ان قبوله بخطة تهريبه خارج العراق هو بمثابة قرار انتحار سياسي له عراقيا وعربيا في الوقت الذي قد يشكل تنفيذ الاعدام الاجرائي فرصة ذهبية لبعث الشخصية من جديد. ان الحكومة العراقية مطالبة بالاعتراف صراحة في انها عجًلت في تنفيذ الحكم بصدام حسين بعد ان لاحظت تزايدا ملحوظا في عدد ابناء الشعب الذين يضعوا النظام السابق والوضع الحالي في كفتي الميزان من اجل المقارنة بينهما بعد ان انقشع الغبار وبدأت العقول قبل العواطف من جديد تفعل فعلها في الحكم على الامور  , بل اكثر من ذلك ذهب العديد من اصحاب الجثث المجهولة الهوية الى اطلاق عبارات الاستنجاد على شاشات الفضائيات مطالبين بعودة صدام , اضف الى ذلك فان هذه الحكومة ومنذ تشكيلها لم يحالفها الحظ في ان تذوق طعم اي انجاز تحققه على الارض فوضع الخدمات لايحسد عليه والوضع الامني يعاني انتكاسات يومية الى الحد الذي اصبح فرض حظر التجول هو قانون الحياة العام, ولذلك فهي تعيش مرحلة احتضار مستمر بانتظار رصاصة الرحمة الامريكية, وبات من الضروري ان تبحث عن إنجاز تفاخر به لاحقا كما فاخرت حكومة الدكتور الجعفري في انها انجزت الدستور والانتخابات  فوجدت واهمة في عملية الاعدام ضالتها. كان الاجدر بالمسؤولين العراقيين ان ينزلوا الى الشارع العراقي ويخيِرِوا المواطن البسيط في ليلة العيد بين لتر من البنزين او قنينة من الغاز السائل وبين اعدام جزء من الماضي حتى و لو اتفق القاصي والداني ان هذا الماضي ليس بريئا في ثقل مهم من المسؤولية فيما وصل اليه العراق.

منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي والعراق يشهد دورة مستمرة من الاقصاء والانتقام , كلُ وفرصته , والعجيب في الامر ان جميع الاطراف المشاركة في هذه الدورة والتي رقصت وترقص هذا الفصل تؤمن في قرارة نفسها ان هذه اللعبة هي لعبة خاسرة لاطرافها جميعا, حيث لم يتمكن اي منها من اجتثاث غريمه بصورة نهائية بل كان احدها بعد كل صولة عنيفة يعود في وقت لاحق الى محاولة بناء جسور للتلاقي وتجاوز خلافات الماضي مع الاخر, والامثلة كثيرة في غزوات وغزوات مضادة بين البعثيين والشيوعيين وغيرهم او بين الدولة المركز والحركة الكردية او حتى بين الاجنحة المختلفة داخل الحركة السياسية الواحدة, واذا كان الاصرار في الماضي على الاستمرار في لعبة النحر والدم طريقا لحل الخلافات السياسية يمكن ان يعلل بان اطرافه يعيشون مرحلة مراهقة سياسية ولم يصلوا بعد الى حد النضج فان الكثيرين كانوا يعتقدون ان الظروف المحلية والاقليمية والدولية في القرن الواحد والعشرين والخبرة المتراكمة من التجربة السابقة المريرة وارثها القاسي والهائل سيدفع باقطاب السياسة العراقية الجدد الى تغيير مغير السرعة ( الكير ) بما يؤدي الى بسط خيمة كبيرة وترسيخ ثوابت واحكام جديدة تنظم العمل بين الرأي والرأي الاخر , بين السلطة ومن يعارضها حتى ولو كان ذلك على حساب مشاعر واحاسيس شخصية. اذا كان حكام العراق الجدد عاجزين عن اجتثاث تنظيم القاعدة في العراق او تحييد دوره وهم يعرفون ان تاريخه في العراق لايتجاوز بضع سنين ويعلنون ان اغلب اعضائه هم من غير العراقيين فكم هو حري بهم ان يعيدوا التفكير مرات ومرات قبل ان يعتقدوا انهم سينجحون في اجتثاث حزب يعمل على الساحة العراقية منذ اكثر من نصف قرن وكانت نسبة كبرى من اجيال  متعاقبة حصة له كمؤمنين او نصف مؤمنين بعقيدته. ان البعث قد فشل في كل اساليبه من القضاء نهائيا واجتثاث حركات واحزاب اصغر منه حجما وتنظيما ونفوذ,ا وعندما وجد بعض من تلك التنظيمات والاحزاب نفسه في السلطة نتيجة ظروف معينة عاد ليكرر نفس الحماقة ويفكرفي اجتثاث تنظيم يمثل باعتراف الجميع سببا رئيسيا في تقييد  حركة الحكومة ورموزها وحتى الحلقات الدنيا في درجاتها داخل اسوار المنطقة الخضراء ! من جانب اخر فان البعثيين يتحملون جانبا كبيرا ممن المسؤولية عندما اخفقوا خلال السنوات الثلاث الماضية من التحرر من عقدة ( القيادة التاريخية ) في محاولة لتقديم انفسهم برداء واسلوب صادق جديد كنتيجة لدخولهم ( حمًاما ) من المراجعة والنقد الذاتي للتجربة السابقة. لايعني التحرر من ( القيادة التاريخية ) توقيع فرمان تقديمها للمقصلة واعدامها لان الكثير من دول العالم اصبحت منذ زمن تؤمن ان الاعدام حتى في الجرائم الجنائية الخالصة ليس الطريق الصائب للدفاع عن المجتمعات فمابالكم بالجرائم المركبة او التي حدثت اساسا وبالدرجة الاولى لدوافع سياسية. ثم لماذا لانتصرف كما يتصرف الاخرون مع حكامهم ورموزهم في زمن ما, فهاهم الاشقاء المصريون بارعون في إظهار مشاعر التقدير للخديوي ولعبد الناصر وللسادات على حد سواء بالرغم من ان الاخير كان مرتدا على خط الثاني وهذا بدوره كان ثورة وانقلابا على الاول ولكل مرحلة اخطائها وخطاياها. لقد كان انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي مناسبة جدية للاحزاب الشيوعية التي كانت تتولى مقاليد السلطة في تلك الدول فاندفع الشيوعيون في اغلب تلك البلدان الى اعادة تنظيمم انفسهم من جديد أخذين بنظر الاعتبار صدى الشارع المحلي والمتغيرات الخارجية نافضين عن انفسهم كل البدلات القديمة , وهكذا لم يكن لغورباتشوف كما لم يكن لغيره اي دور في المسيرة الجديدة  فانطلقت تلك الاحزاب بخطوات متسارعة في كسب ثقة مواطنيها من جديد واستطاعت خلال فترة وجيزة من احراز نتائج باهرة واصبحت مرة اخرى قوى رئيسية في اللعبة السياسية في كثير من تلك البلدان وفي المقدمة منها روسيا الاتحادية.

ان الحكم بالاعدام و تنفيذه  برئيس النظام السابق وفق السيناريو الذي تم به يشير بشكل قاطع وببرهان جديد الى اخفاق جزء مهم من النخبة السياسية التي تتولى زمام الامور حاليا في العراق من التمكن بمهارة من أليات العمل السياسي المسؤول والبعيد عن الاخطاء التي قد يمكن وصفها بالحماقات في مرحلة دقيقة يمكن فيها ان تسبب شعرة واحدة انقلابا في حالة الاتزان وغرقا مروعا للقارب المتهالك اصلا, ولذلك فانها دعوة صادقة لتلك الرموز السياسية بالتوجه حالا الى اربيل فيُنظٍم لها السيد مسعود البارزاني دورة مكثفة عميقة في اصول اللعبة السياسية في كل جوانبها والياتها فتتعلم كيف توازن وتشتغل في التكتيك والاستراتيج بما يخدم احدهما الاخر وتعرف ايضا ان التضحية بربح باهت يحمل في جانب رئيسي منه سمة شخصية من اجل مصلحة قومية ووطنية عليا وموقف تاريخي هي في مقدمة السمات الرئيسية للسياسي الذي خبرته وعجنته الحياة, وان السياسي في السلطة يجب ان يتقمص بامتياز دوره الوطني مانحا دوره الحزبي اجازة طويلة حتى موعد الانتخابات القادمة, وحتى يمضي هؤلاء دورتهم التدريبية بنجاح يجب عليهم الكف عن ممارسة العمل السياسي خوفا من حماقات جديدة لان الذي حاز على رخصة سياقة مزورة يُمثٍل خطرا لمن معه في العربة ولمن يتواجد في الشارع على حد سواء.

107
السياسيون العراقيون ودرس التربية الوطنية

د. وديع بتي حنا
Wadeebatti@hotmail.com

كم اتمنى لو يتطوع فريق من طلبة الصف المنتهي في احدى الكليات المتخصصة فيتعقَب مسيرة مجموعة من الاسماء السياسية العراقية ( السابقة والحالية ) مع درس التربية الوطنية , فيرجع الى ارشيف المدارس الابتدائية والمتوسطة التي امضى فيها اؤلئك التلاميذ انذاك ( والسياسيون بعدئذ ) تعليمهم فيها, ويلتقي بمن قام بتعليمهم مبادئ التربية الوطنية, إذا كان الله قد منحه طول العمر وبقي على قيد الحياة ,ربما يساعد ذلك في وضع معادلة نستفيد منها لاحقا في إستنباط العلاقة بين درس التربية الوطنية والشخصية السياسية, مع ايماني الكامل بان هذا, اي الاداء في درس التربية الوطنية, لايمكن ان يكون المعيار الوحيد في الحكم على التصرف المستقبلي للشخصية على الصعيد السياسي ولكنه قد يشكل اضاءة ما في وصف ذلك التصرف كونه كان ميولا صافية في بداية مشوار الحياة ثم فعل الواقع والزمن فعلهما في انحرافه عن خط البداية او ان العمل السياسي لايمت بصلة بذلك بل هو مهنة لجأ او اضطر اليها بعض الاسماء بفعل عامل الوراثة  او الهواية او الربح او فرض الذات  او رد فعل لخيبة الامل في المجالات الاخرى.

لقد كان معلم التربية الوطنية يصول ويجول سنة دراسية كاملة يدور بتلاميذه حول ذلك المحور المفضل لديه ألا وهو موضوعة ( المواطن الصالح ) بصفاته و سماته , حقوقه وواجباته و شعاره الوطن اولا , يُجهد نفسه في الإتيان بامثلة طازجة تاريخية تُجسد شخصية ذلك المواطن الصالح فيغوص بنا ابتداءَ في التاريخ القديم والحديث ليحكي لنا قصصا عن ( مواطنين صالحين) قدموا كل شئ لبلادهم , بل كان الاستاذ المعلم يصِرعلى تعليمنا ويفرح عندما نعيد على مسامعه تلك العبارة المحببة الى نفسه وهي ( ان اؤلئك المواطنين الصالحين بذلوا الغالي والرخيص وأنكروا ذواتهم من اجل الوطن ), وانتهاءَ بمرافقتنا الى الحديقة العامة ليغرز فينا اخلاق المحافظة على الملك العام وجمال الوطن ونظافته دون ان ينسى في الطريق التنبيه الى ضرورة التعاون مع شرطي المرور ورجال الاطفاء وتحية الجندي وغيرهم بالشكل الذي يكون فيه اهل البلد جميعا يدا واحدة رحماء فيما بينهم اشداءعلى المعتدين والغزاة.

لا ادري اذا كان البعض وخاصة من السياسيين قد اعتاد بين اونة واخرى ان يرتدي مقياس المواطن الصالح ليلاحظ مدى تطابقه  او انحرافه مع المقياس فيعيد تعيير نفسه, لكن النتائج التي افرزتها العقود الماضية والتي تفرزها المرحلة الحالية تشير الى ان  ( بيدر الاداء السياسي ) يتناقض الى حد كبير مع ( حقل  المواطن الصالح ). ان معضلة قسم كبير من السياسيين العراقيين الذين امتلكوا او يملكون الان نفوذا فاعلا يكمن في ان هؤلاء يحاولون عبثا الامساك بطرفي العصا الطويلة بهدف الوصول الى الحالة المستقرة في الوقت الذي يتجاهلون او يجهلون ان مركز الثقل الاكبر لتلك العصا والذي يمكن ان يوصل الى موازنة مستقرة شبه دائمة يقع في وسطها, انه لعجيب حقا ان يتخذ هؤلاء من التقوقع الطائفي او المذهبي او العرقي قاعدة للانطلاق خارج حدود الوطن في طفرة غير مسبوقة لمساحة مهمة منه , طمعا في الامساك بالطرف الاخر من  العصا عن طريق تأمين تحالف اقليمي او دولي , ان تجارب المرحلة السابقة والحالية تؤكد ان الاستناد الى مدينة مسقط الرأس او الطائفة او المذهب او الانحدار القومي ممزوجا بمحاولة استمالة طرف اقليمي او دولي ليس الطريق الصحيح لخدمة العراق كجزء موحد متماسك , ناهيكم عن ان هذا الطريق ليس سليما وأمينا لرواده بل محفوفا بالمخاطر والمتاهات التي تؤدي الى سقوط سياسي مريع. ان الأعجب في الامر يتلخص في ان اصحاب هذا الطريق من السياسيين او أشباه السياسيين لهم القدرة البارعة في إبقاء عيونهم مفتوحة تترقب اشارات الراعي الاقليمي او الدولي بهدف تنفيذها لكنهم مايلبثون ان يُحكموا غلق تلك العيون لكي لاترى مايثير الخجل و الحياء في نفوسهم من تصرفات ومواقف يتخذها ذلك الراعي الاقليمي او الدولي في المحافظة على مصالح بلده وكيف يميز بشكل واضح بين الشعارات الانتخابية والربح السياسي وبين افعال التطبيق في السلطة. بل  الانكى من ذلك ان هؤلاء السياسيون  يحاولون  الوقوف حجر عثرة امام الاخرين  الذين يرغبون في  الخروج من شرنقة الانتماء القومي او المذهبي الى الخيمة الوطنية من اجل الاسهام بدور فاعل فيها, حيث مثلا الكثير يعتقد ان السيد مسعود البارزاني يتمتع بمواصفات شخصية وواقعية تسمح له باداء دور وطني كبير لو أُتيحت له الفرصة لذلك.


لقد انطلق الديموقراطيون في الولايات المتحدة في حملة انتخابية ساخنة فضحت السياسة الامريكية الخارجية وخاصة المتعلقة بالعراق في شعارات تؤكد ان غزو العراق كان خطأ قاتلا و قرارا يفتقد الى الحكمة  فأدخل الولايات المتحدة في مستنقع لاتُحسد عليه بسبب الاخطاء والفضائع والجرائم التي أُرتكبت و تُرتكب بعد الغزو , لكن التساؤل الذي يبقى مشروعا, والذي ينبغي على كل سياسي عراقي ان يضعه نصب عينيه , يكمن  في امكانية ان يدعو الديموقراطيون وهم الاكثرية في الكونغرس الان, اوعندما يفوزون في انتخابات الرئاسة القادمة الى محاكمة الرئيس الحالي باعتباره مجرم حرب مما يؤدي الى ان تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية القانونية والاخلاقية عن كل عواقب غزوها للعراق, أم ان الديموقراطيون سيرون انفسهم مُجبرين بسبب الدافع  الوطني الى ارتداء نفس الثوب الذي يرتديه الجمهوريون الان وإكمال المهمة بالشكل الذي يسسبب اقل الاضرار للولايات المتحدة ويعفيها من المسؤولية؟

ان مناسبة السطور اعلاه هي تلك التصريحات النارية والغير المسؤولة التي يُطلقها بين اونة واخرى بعض العناوين السياسية المسؤولة او النافذة حاليا في العراق بخصوص ملفي الحرب مع ايران او حرب الكويت حيث تضع تلك العناوينن يدها على صدرها – دون تفويض وطني او شعبي – لتعلن عن تحمل العراق لكامل المسؤولية فيما حدث عارضة بكرم مابعده كرم التعويضات على الدول المعنية, انطلاقا من ان تلك الحروب كانت مغامرات للنظام السابق وينبغي استثمارها لادانته حتى ولو كان ذلك يتعارض مع ابسط المعايير الوطنية , وكأن ملف الانتهاكات والجرائم وخرق حقوق الانسان العراقي لاتكفي لادانة من يستحق الادانة فاصبح لزاما علينا ان نرضي الجميع  على حساب العراق من الذين لايمكن لاي منصف عادل ان يمنحهم حكما بالبراءة في تلك الاحداث. لماذا سيتجنب الديمقراطيون استخدام ورقة العراق في ادانة الرئيس بوش وهي الورقة االذهبية الرابحة بالنسبة لهم حيث لايملكون داخليا الكثير من مثيلاتها, ألا يفعلون ذلك من اجل امريكا وليس حبا بالرئيس بوش ؟كم نتمنى ان يقوم السياسي العراقي باعطاء النظام السابق حقه من التشريح والاحكام على سياساته وممارساته الخاطئة بل والاجرامية تجاه شعبه , وينبري في  الوقت نفسه مدافعا بشدة عن العراق وحقوقه في الحكم على احداث حصلت مع جيرانه, ليس تبييضا لصفحة النظام السابق ولكن حبا بالعراق واحتراما لتضحيات ابنائه. هل سسيقوم الديموقراطيون بانتزاع صفة البطولة والشهادة من اجل امريكا التي يسبغها الجمهوريون على قتلى الجيش الامريكي في العراق؟ لماذا يصر السياسي العراقي على عدوى نفسه من مثله الاعلى بما لذَ وطاب من الصفات ويستثني هذه ,فيستهدف دون وازع وطني ارواح مئات الالاف من الشهداء الذين امنوا ( بشكل من الاشكال ) انهم يستشهدون من اجل العراق ويحرم عوائلهم حتى من الشعوربالفخر في انهم  قدموا أثمن مالديهم من اجل الوطن !


ان الهدر والفساد في المال العام في العراق يشهد عصره الذهبي حيث تتوالى الضربات على جسم الدولة , كلُ وماتصل اليه يده او ساقه  او اسنانه, ولذلك لن تتضرر الدولة كثيرا اذا اضيف لهذا الهدر هدرا بسيطا يتمثل في ان تقوم وزارة التربية مشكورة بتوزيع نسخ  مجانية من كتاب التربية الوطنية على من هو بحاجة اليه من السياسيين  العراقيين املا في ان نشهد في المستقبل القريب نفوذا فاعلا لامثلة حية صادقة تُجسِد حقا  صورة وشخصية ( المواطن الصالح ).   

108
لاتشمتوا بالعراق , إنْ سقط يقوم
   
الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com


أن يستهزئ كائن من كان بلحظات حزنك , تلك وقاحة يسجلها التاريخ بتقزز وتبقى بصمة في الحياة. أن يرمقك كائن من كان بنظرة استخفاف متوهما انه يقتنص فرصة ضعفك , تلك جسارة الجبناء و ( شجاعتهم ). أن يدير لك ظهره عندما يقسو الزمن مَن لم تفعل معه شرا فيرمي نفسه في احظان مَن اصبح يرقص فصل الحياة فتلك سمات الانتهازيين و المومسات وبائعات الهوى الذين يؤمنون ( ان الدنيا لمن غلب ) فيربحون فتات الموائد ويفوزون باحتقار الكثيرين. أن يتخلى عنك مَن كنت تحسبه صديقا , بل ينقلب الى ألد أعدائك وصاحب الضربة الاولى ,فتلك انتكاسة مروعة للحياة وكل قيم الجمال فيها. كان شكسبير مواضبا فيغذي بالنار قِدْر المشاهد في مسرحيته القيمة الجميلة ( يوليوس قيصر ) الى ان تصل الحرارة اقصاها في ذلك المشهد الرهيب , فيجد القيصر نفسه مطروحا حيث كلُ يتهيأ للطعن, ويلمح من بينهم صديقه ( بروتس ) جاثما على صدره شاهرا سلاحه , فيستسلم القيصر لانتحار القيم ويهتف بتلك العبارة الشهيرة ( حتى انت يا بروتس , اذن فليمت القيصر). والقيصر بالنسبة لي هو العراق وطنا  وشعبا وتاريخا وحاضرا ومستقبل وليس كائنا من كان.   

يعيش العراق فترة مظلمة مريرة يدفع فيها ثمنا باهظا لا لذنب اقترفه شعبه , بل غرامة ظالمة عن اخطاء ارتكبها من تسلط عليه, ونتائج فعل خائب لنفر من السياسيين السطحيين او اصحاب النية السيئة فخانوا الوطن وباعوه مقابل صك بدون رصيد, وعربون تسلية لمعتوه جبار احمق قرر ان يكون العالم وشعوبه وحياتها ومصيرها لعبته المسلية. وفي بحر الالم والدم الذي يعيشه العراق يوميا, وشعبه في فرط حساسيته , يخرج علينا  بين الفينة والاخرى ,وخاصة من الاشقاء العرب , من يحاول عن قصد او بدون قصد ان يرسل  لنا اشارات الاستهزاء او الشماتة او الاستخفاف او التجاهل وكأن الدنيا باجمعها, بصغارها وكبارها , برؤوسها واقدامها, قد اجتمعت لتتأمرعلى العراق واهله. أليس من حق العراقي ابن الحسب والنسب , ابن التاريخ والنخيل والخير والكرم, ان يرفع رأسه الى السماء ليس رفضا او احتجاجا لانه يعلم ويؤمن ان لا يسأل رد القضاء وان الرب يؤدب من يحبه , ولكن عتبا كما فعل ايوب حين شكا ( تركت صغارهم يهزأون بي ). قبل ايام شاهدت على احدى الفضائيات مشهدا يظهر فيه الممثل الكويتي المعروف (حسين عبد الرضا ) وهو يحاول كعادته ومن خلال الكوميديا ( البائخة )ان يتاجر بألام العراقيين ومعاناتهم في الوقت الذي قامت الدنيا ولم تقعد في الكويت على مقال كتبه احدهم في النظرة الى العراق أُعتبر خدشا للمشاعر ووجريمة يعاقب عليها القانون. ربما يقول قائل ان الفنان المذكور غالبا ماينتقد الحالات السلبية في بلده وهو صحيح والعراقيون ايضا يتابعون بشغف البرامج الكوميدية التي يؤديها الفنانون العراقيون وينتقدون فيها باسلوب ساخر تفاصيل العملية السياسية والظواهر السلبية في المجتمع العراقي , لكن هل يهظم الاخوان الكويتيون مشهدا كوميديا عراقيا ينقد الحالة السياسية في الكويت ووهم المعروفون بحساسيتهم المفرطة تجاه كل ماهو عراقي فحاربوه في كل مجالات الحياة ابتداء بالسياسة والاقتصاد وانتهاء بالفن والرياضة ؟. انه مرض ( عقدة العراق ) الذي يعاني منه البعض فتجعله يحاول متشبثا استغلال اية فرصة ممكنة بخبث من اجل توجيه سمومه الى العراق وطنا وشعب وليس الى حالات محددة كما يدعي . من جانب اخر ومن خلال متابعة  برنامج ( التحدي ) الذي يقدمه الوجه التلفزيوني المشهور جورج قرداحي على قناة الام بي سي , ويزعم مقدمه انه برنامج للمسابقات يجمع كل العرب في  منافسة شريفة, ولكنني – وربما من  فرط حساسيتي كعراقي – لاحظت  اهتماما  وتشجيعا من  قبل مقدم البرنامج لجميع الفرق باستثناء فريق العراق, حيث يتجه السيد قرداحي الى تلك الفرق ليقف امامها ويحييها بكل كلمات الاطراء عندما تحصل على نتائج جيدة كما يفعل الشئ ذاته فيذهب اليها ليشد من ازرها ويناشدها لبذل المزيد عندما تحصل تلك الفرق على نتائج بائسة. ربما يتفهم المشاهد حماس السيد قرداحي وانحيازه لفريق لبنان باعتباره فريقه الوطني , ولفريق السعودية وفاءً لاولياء النعمة , ولفريق مصر تزلفا ,و ولفرق الامارات والكويت اجادة لفن مسح الاكتاف , ولفرق سوريا والاردن والجزائر والمغرب وغيرها من اجل ذر الرماد في العيون, ولكن يبقى السؤال مشروعا في حق فريق العراق ان ينال ايضا جزءا من ذلك الحماس من باب الاعتراف بالجميل على الاقل, ناهيكم عن شعور نبيل ينبغي ان يتصف به الشقيق ويبديه تجاه شقيقه عندما تغدر الدنيا به كتعبير عن المواساة. أم ان دور السمك المأكول والمذموم يبقى قدر العراقيين الى الابد. ألا يوجد في العراق بلد الحضارات والانسان المبدع المتجذر في الارض تجذِر النخيل شخصية ثقافية او فنية يستضيفها جورج قرداحي في برنامجه حالها حال من يستضيف من الشخصيات والفروع التي يعاني بعضها من فقر الجذور؟. متى كان العراق مقصرا مع اشقائه متملصا عن اداء مسؤولياته تجاه اي منهم مهما كان الظرف الذي يعيشه ؟. يكفي ان يذكِر المرء - ليس من باب الدعاية ولكن يبدو ان الانسان في تعامله مع البعض يجب عليه ان يذكِر عسى ان تنفع الذكرى – ان العراق بظرفه الراهن حيث شعبه يعيش الموت والعنف والملايين منه تسكن الخيم  إثر عمليات التهجير القسري او النزوح بحثا عن الامان , لم يبخل او يتملص عن اداء واجبه تجاه لبنان فبادر الى تقديم المساعدات لهذا البلد الشقيق فور خروجه من الحرب الاخيرة . أليست قمة السمو والكرم ان تقاسم الخبز مع شقيقك فتعرض عليه بقلب صاف جزءا من حاجتك قبل ان يكون الكرم في ان ترمي له  بعضا مما هو فائض لديك ؟.

بعد كل هذه التجارب المريرة حيث وصلنا الى هذا الحال المتخم بالحزن والجراح فاصبحنا عرضة لشماتة و استصغار مَن هبَ ودبْ , ألا يجدر بنا نحن العراقيون وفي المقدمة امراء السياسة والعنف ان نجلس في مراجعة مع النفس قبل النوم فنحتكم الى ضميرنا الوطني ونبدأ الخطوة الاولى في انقاذ الوطن, في ان نكون عراقيين اولاوقبل كل شئ,, قبل ان نكون امريكيين او ايرانيين او فرنسيين او اتراك , بل وحتى ايضا ان نكون عربا بتعقل , فيتعلم من يأتي في ضيافتنا ان يأكل بهناء سمكنا المسكوف ويفكر طويلا قبل ان يتجرأ على ذمِه. اما فريق العراق في برنامج التحدي فسيكون الله معه وسيعرف الفريق كيف يُرغم جورج قرداحي للتوجه اليه وتحيته لان العراقي عراقي عندما تدق الساعة وهو إن سقط يقوم وإن جلس في الظلمة يكون الله نورا له.
تباً للزمن البائس الذي جعل ملف العراق يجاور ملف الصومال في الجامعة العربية وملف افغانستان في الامم المتحدة, ليس انتقاصا من الصومال وافغانستان, بل إنصافا لعراق المجد والخيرات والكبرياء.
لقد أنهك الالم بغدادنا الحبيبة فلتنتفض فينا الغيرة الى اقصاها لان بغداد لن تبتسم قبل ان ترى كل اعدائها موطئا لقدميها. ليس هذا دعوة لاعلان الحرب او خنوعا و قبولا للاحتلال بل املا في ان نشد الايادي بقلب نقي ونترفع عن الصغائر والاهداف الانانية المشبوهة لبناء عراق حر مزدهر متماسك مبني على الحب والوئام والسلام , يرفع فيه المواطن انى ذهب رأسه عاليا فخورا, فيشبع في نفسه ولو قليلا غريزة الانتقام لظلم وقهر الزمن اللعين.



109
المنطقة الخضراء في المزاد العلني

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لم يكن الرئيس الامريكي الاحمق بوش يعتقد ان تؤدي سياسته الخارجية الى هذه النتائج التي نعيشها اليوم . فقد غزا العراق بحجة القضاء على اسلحة الدمار الشامل وهو يعرف قبل غيره ان تلك الاسلحة لم تكن إلا سرابا لايمت بصلة الى الحقيقة . وهكذا أدخل صقور البيت الابيض في عقل رئيسهم ان ضرب الحلقة الضعيفة الخاوية من ( محور الشر) سيترك حتما باقي الحلقات تعاني من ( دوخة الصدمة ) مما يجعلها ربما تتهاوى تلقائيا, مَنْ قال ان كل النظريات تلاقي صحة ونجاحا في التطبيق, بل تكون نتائج التطبيق احيانا على النقيض تماما من تلك الاسس النظرية, وهكذا و بعد اكثر من ثلاث سنوات على بداية الحملة بهف القضاء على اسلحة التدمير الشامل العراقية المزعومة كخطوة اولى لتنظيف العالم من تلك الاسلحة وتقليص مساحة وجودها نرى انفسنا امام واقع اكثر خطورة فاعلنت كوريا الشمالية عن قيامها باجراء تجربتها النووية الاولى في حين ينتظر العالم بضعة شهور اخرى ليخرج الرئيس الايراني فيبشٍر بايران النووية رسميا حيث يسير العمل الحثيث لنصب 60 الف جهاز طرد مركزي جديد في دورة تخصيب اليورانيوم دون اية اعارة لاجتماعات تعقد هنا او هناك او تهديدات تصدر, حتى ان الحكومة الايرانية لم تعد تهتم لعروض سخية يقدمها هذا الطرف اوذاك مقابل تخليها فقط عن التخصيب.

في الداخل العراقي وبعد اكثر من ثلاث سنوات على الاحتلال يرى المواطن العراقي نفسه امام صدمة حقيقية , فالكثير من العراقيين قد بنى الامال الكبيرة في البداية في ان بلدهم سيكون في غضون عام او عامين واحة للديموقراطية والرخاء الاقتصادي والاستقرار الامني و ربما كان هؤلاء العراقيون يرسمون في اذهانهم عراقا لايقل باي حال من الاحوال في ظرفه الجديد عن سنغافورة او تايوان او احدى امارات الخليج واذا بهم يستيقضون كل يوم على شوارع قد غدت بحيرات من الدم وجثث ملقاة في الازقة في مشاهد رهيبة مروعة قتلت الوطن شعبا واملا بالغد وحطمت سمعته لدى الاخرين . وهكذا وجد المحتل البغيض نفسه في مستنقع عويص يغوص في اعماقه مع الايام , يدفع جزءا من ثمنه لكن الجزء الاكبر من هذا الثمن يبقى مكتوبا على الابرياء, ان فشل المشروع الامريكي في اقامة نظام ديموقراطي في العراق قد مثًل ضربة اخرى لاجندة الغزو الاستراتيجية في المنطقة والعالم الى الحد الذي اصبح بعض اقطاب الانظمة الشمولية يعيِرون الديموقراية من خلال النموذج العراقي ويطلبون من شعوبهم كل اشكال الشكر والتقدير والعرفان لهم كونهم اصحاب ( فضل ) على تلك الشعوب فيقفون مانعا لانزلاقها الى المستنقع العراقي. ان الادارة الامريكية تعلم جيدا انها لاتستطيع ذر الرماد في عيون العراقيين عبر ( انجازات ) وخطوات تصفها بالتاريخية لكنها بائسة في تأثيرها متمثلة في انتخابات افرزت عن برلمان  اصبح شبيها ( بسوق الهرج ) وحكومة ومجلس رئاسة يأتي احدهم ليعلن امرا على فضائية ما فينبري زميله ليشجب ويستنكر ما اعلنه الاول فاصبحنا نعيش يوميا صراع الضرائر حتى يخرج علينا ( الحاج متولي ) الذي إتخذ لنفسه اسما جديدا هو زلماي خليلزادة فيُتحفنا بالخبر اليقين. شهور مرت على تشكيل ما سمي بحكومة الوحدة الوطنية ونشراتنا الاخبارية مليئة باخبار العنف والانفجارات والاختطاف الجماعي والقتل بالجملة والشكوى من انعدام الخدمات وابسط مقومات الحياة , ويخرج رئيس الوزراء العراقي في خطاب يمثل فيه دور تلميذ شاطر في مراسيم تحية العمل ليهنئ الشعب العراقي بصدور الحكم على رئيس النظام السابق ويبَشر الاخرين بالنهاية ذاتها , كثير ممَن سمعه تساءل ,  هل يُبشِر نفسه وزملائه ؟ خاصة وان وقائع التاريخ تشير الى تعاقب وصف الشهادة والخيانة طبقا للظرف والزمن في طاحونة السياسة العراقية . ان رئيس النظام السابق كان سيعيش في كل لحظة حكما بالاعدام لو كان يرى العراق قد غدا بعده وطنا للامن والحرية و المساواة والرخاء والسلام . ربما كان كثير من العراقيين قد قالوا للقاضي رؤوف ( عاشت ايدك ) لو كانت الغيرة والمشاعر الوطنية  قد فاقت لديه حدود الضبط  المهني فألحق قراراته بقراءة احكام غيابية وباشد العقوبات ايضا على الرئيس الامريكي وقائمة طويلة من ابناء الاحتلال وقططه الذين قدموا على ظهر دباباته, بل ربما كان  انذاك بعض من مثُل في قفص الاتهام قد شعر بوخزة الضمير فانطلق يهتف بحياة العدالة عوضا عن التكبير والهتاف بمسميات اخرى!


امام هذا النفق المظلم وفي هذا المستنقع العميق ارتفعت الاصوات في الولايات المتحدة تنادي لتغيير السياسة المتبعة في العراق ووجد الرئيس الامريكي نفسه امام حقيقة مريرة تؤكد فشل سياسته وتُجبره على التفكير في خيارات اخرى . من الطبيعي ان تكون السياسة الجديدة والخيارات القادمة بحاجة ماسة الى تغيير في طاقم التنفيذ, وعندما ينال التغيير وزير الدفاع الامريكي رامسفيلد فان الموجة تأخذ معها قائمة طويلة من الاسماء والحكومات المرتبطة بدائرة رامسفيلد, ولذلك نعتقد ان كثير من القطع السياسية العراقية الحالية قد بدأت تشعر بالارق جديا بعد استقالة وزير الدفاع الامريكي فليس هؤلاء أعز الى قلب الرئيس الامريكي من رامسفيلد, ناهيكم عن ان كثير من الديموقراطيين الذي فازوا بالاغلبية في الكونغرس يحدون اسنانهم بعنف على بعض من تلك القطع السياسية العراقية لانهم يجدون فيها احد الاسباب التي ادت الى توريط بلادهم في العراق. لقد عُرف عن السياسة الامريكية تقاطعها مع الاخلاق كاحدى سماتها الغالبة , وعندما يكثر الحديث عن خطط للانقلاب والتغيير في العراق يتصور البعض انه قادر بسذاجة على اللعب بعقول الاخرين عندما يشيع ان بقايا النظام السابق او المجوعات الاخرى هي التي تقف وراء خطة الانقلاب المزعومة تلك متغافلا في ان الانقلاب قد بات حاجة امريكية قبل ان يكون حاجة الاخرين. ربما تكون خيبة الامل في ثقل كبير من القطع السياسية العراقية القادمة مع الاحتلال هو نقطة الاتفاق الوحيدة التي يتفق عليها الغالبية من شعب العراق مع الادارة الامريكية وسط الكم الهائل من نقاط الخلاف الاخرى , ولذلك ليس غريبا ان يلجأ مطبخ السياسة الامريكية في الوقت المناسب الى حشر اكبر عدد ممكن من النخبة السياسية العراقية الحالية بما فيه الخط الاول والثاني منها ليتم الخلاص منهم في سيناريو واحد ويتم تقييده على حساب احدى المفخخات كشكل تنفيذي لخطة الانقلاب تلك , بل الاحتمال الاكثر رجوحا هو ان يلجأ ذات المطبخ الى التضحية بالسفير الامريكي في العراق في ذات السيناريو في محاولة مفضوحة لحبكه جيدا. ان الخيارات الجديدة للادارة الامريكية تستند على احداث هزة سياسية عنيفة في الشارع العراقي ربما تتيح الفرصة لرسم خارطة سياسية جديدة لتعطي بصيصا من الضوء يساعد تلك الادارة لاستكشاف حل مشرف للورطة العراقية.

ترى هل بدأ بعض القطع السياسية العراقية باخبار جيرانهم في الدول التي كانوا يقيمون فيها قبل الاحتلال بان فترة ايفادهم الى العراق قد شارفت على الانتهاء؟. هل المتبقي من الزمن كافٍ لمستشار الامن الوطني العراقي في ان يترجم الخبرة الايرلندية في مكافحة الارهاب على الساحة العراقية ! هل هيأ اصحاب مكاتب العقارات انفسهم ليكون حفل المزاد على المنطقة الخضراء بالصورة التي يستحقها.
واصلا وقبل كل شئ وفي وسطه وفي نهايته يبقى السؤال الكبير المرير يكمن في مَن ْ الذي منح الرئيس الامريكي الاحمق حق وضع العراق ساحة لحقل تجاربه او تقديمه هدية للاخرين فبات في اياديهم سلعة يتاجرون و يبتزون بها ؟

 

110
الاكراد وسهل نينوى – من الخطوبة الى الزواج

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كان الغزو الامريكي للعراق وسقوط النظام السابق فيه مناسبة جدية لكل الاطراف السياسية العراقية لاعادة قراءة وتعيير اجندتها وفقا للوضع الجديد وكان من الطبيعي ان يفعل هذا السياسيون الاكراد, حالهم حال الاخرين, اضافة الى كونهم ,واقعا وليس مدحا, من افضل السياسيين العراقيين حنكة وقدرة على تحريك قطع اللعبة السياسية بذكاء واحتراف واضح. وعلى هذا الاساس وجدت القيادة الكردية في كركوك حقا حانت الفرصة لاسترداده كما وجدت في سهل نينوى عمقا استراتيجيا لاقليم كردستان انطلاقا من التركيبة السكانية الخاصة التي يتمتع بها سهل نينوى حيث تنتشر فيه القرى التي تسكنها اغلبية واضحة من ابناء شعبنا الكلداني الاشوري السرياني بالاضافة الى اقليات اخرى من الاخوة اليزيديين والشبك الى جانب وجود كردي وعربي.

ليس بخسا باهمية سهل نينوى بالنسبة لاقليم كردستان كمنطقة نفوذ جديدة فيها من الفوائد اكثر من نقيضها حيث على الاقل من المتوقع ان لاتسبب هذه المنطقة لقيادة الاقليم الكثير من الصداع , إلا ان الاهمية الكبرى لهذه المنطقة تكمن في انها تقع على اطراف مركز محافظة نينوى أي مدينة الموصل ذات الوجود الكردي الفاعل , حيث وكما هو واضح للعيان ان الصراع في هذه المدينة منذ سقوط النظام كما هو الحال في مدينة كركوك هو صراع قومي في سمته الغالبة على النقيض من الصراع في بغداد وباقي المدن العراقية الذي تغلب عليه الصبغة المذهبية الطائفية. ولذلك و في اجواء من الضبابية وعدم وضوح الرؤية لمستقبل العراق كدولة واحدة او مجموعة دويلات او على الاقل مجموعة اقاليم على شكل اشباه دول , وفي مناخ شهدته المرحلة الاخيرة من ارتفاع اصوات واصوات مضادة في مدينة الموصل كما في مجلس النواب تنذر بتبلور مرحلة جديدة من الصراع على النفوذ في هذه المدينة , كل ذلك يترك القيادة الكردية مجبرة على التفكير من اجل الوصول الى اليات صحيحة تكفل التصدي ومعالجة تحديات المستقبل القريب والبعيد إن لم يكن جني ثماره.

لقد كان التغلغل الكردي الى منطقة سهل نينوى بعد سقوط النظام موفقا في اختيار الية التنفيذ حيث اعتمد ولازال في سمته الغالبة برنامجا يقوم على نسج افضل العلاقات متجنبا قدر الامكان العنف واثارة مشاعر اهل المنطقة بل مدغدغا تلك المشاعر من اجل الحصول على قبول جماهيري , لقد جاء الاخوة الاكراد الى المنطقة يطلبون الود وتعميق العلاقات باسلوب حضاري و في زمن عصيب على سكان سهل نينوى , وكان اختيارهم للسيد سركيس اغاجان موفقا ليقوم بدور ( العريس ) لما يتمتع به الرجل من صفات شخصية تلقى قبولا لدى المتلقى كونها تنسجم مع التركيبة الشخصية لسكان المنطقة. فالرجل يتمتع بذكاء واضح ويحب العمل بجد ومثابرة وتبدو على سيمائه ملامح الخجل الصادق التي تجد حرجا واضحا من سماع عبارات الاطراء والمدح المفرط كونها حالها حال نقيضها النقد الحاد تقود الى التأثير سلبا في دوره  فتؤدي الى انكماش مساحة دائرة حركته , ولذلك فقد يرى في كليهما , الاطراء والنقد , لحظات حرجة تدعوه في سره الى مناجاة ربه من خلال الاية الرائعة التي تقول ( وأدعني في يوم الضيق , أنقذك فتمجدني ). قد يحاول البعض تفسير هذا كونه اتهام للسيد سركيس اغاجان في انه ينفذ اجندة كردية وفي هذا يكون هذا البعض احد اثنين , فهو إما صاحب قراءة سطحية لما يُكتب او مَن حسب نفسه ماهرا في الاصطياد في المياة العكرة فالسيد سركيس اغاجان يشغل منصبا مرموقا في حكومة اقليم كردستان فهو نائب رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد فيها كما يعلن رسميا وليس مسؤولا عن دائرة وهمية سرية ( للعلاقات العامة ).

ان الواقع يشير الى ان طلب ( الخطوبة ) قد باركته الارض والسماء معا, فالكثير من ابناء شعبنا يشيدون بالدور الايجابي والبناء الذي يقوم به السيد سركيس اغاجان حيث انه استطاع وفي ظروف صعبة ان ينظم حياة اهل المنطقة  او يمنعها من الانفلات في مجالي الامن و الخدمات في وقت كانت المنطقة ولازالت بامس الحاجة الى ذلك لانها كما يبدو وبسبب الظرف الذي يعيشه العراق ربما ليست على قائمة الاهتمامات الثانوية للحكومة المركزية, ولهذا وانطلاقا في ان الكيسسة تعكس مشاعر رعيتها في الوقت الذي تنثر بركات السماء , جاء قرارها في ان تهب بركتها لجهود السيد اغاجان حيث منحته الكنائس الكلدانية والسريانية والاشورية اوسمة التقدير التي من المؤكد جاءت بعد قراءة وتمحيص دقيق كونها تمثل اعلانا وانحيازا رسميا ومعنويا للجهد والخط الذي يمثله السيد اغاجان  , وربما كان هذا من المناسبات القليلة التي يجتمع فيها الاحبار الاجلاء في كنائس شعبنا في الاتفاق على تقييم قضية معينة.

ان الانجاز الحقيقي للسيد سركيس اغاجان يكمن في انه يمثل برنامجا نوعيا يمكن ان ينتشلنا من مستنقع التسمية وبالتالي حالة التشتت و التشرذم التي غرقنا فيها خلال الفترة الماضية , من خلال تحشيد قوى الكنائس لتكون عاملا ايجابيا في وحدة شعبنا. ان الصراع الخفي او المعلن ( إن كان موجودا ) بين السيد اغاجان واطراف سياسية اخرى في شعبنا ومنها على سبيل المثال الحركة الاشورية لايخدم اطلاقا قضية شعبنا في هذه المرحلة ,خاصة وان المرء يكاد يصل الى قناعة في اتفاق هذه  الاطراف على امور جوهرية ياتي الموقف من وحدة شعبنا وتسميته في المقدمة منها ولذلك فان الواجب يتطلب من جميع هذه الاطراف للنهوض بمسؤولياتها بعيدا عن الانانية السياسية في هذه المرحلة الحساسة بما يتيح لهامش كبير من التعاون يسمح لكافة الاطراف بالمشاركة البناءة في قضية شعبنا للوصول الى افضل النتائج . ان الدعوة الشجاعة للسيد اغاجان الى الاشارة الى شعبنا في دستور اقليم كردستان بتسمية تشير الى كونه شعبا واحدا بعيدا عن الواوات والتركيبات قد ألقت الى سلة المهملات باطنان من الكتابات والانشاءات التي هطلت علينا كمطر تيزاب خلال السنوات الماضية.

ويبقى السؤال الاهم , هل نمضي في مشروع الزواج بعد كل هذا الحديث عن ايجابيات و فوائد مرحلة الخطوبة؟ ان المتحمسين للمشروع وخاصة اؤلئك الذين هم الان جزءا من الاقليم كون مدنهم تقع داخل حدود الاقليم يجب ان يوازنوا بين حماس المشاعر ورؤية الواقع لكي لايفسر حماسهم انه رغبة ذاتية لتقوية مواقعهم في الاقليم بالاستاد الى قاعدة جماهيرية اكثر عرضا. لقد اثبتت الوقائع ان الخطوات المصيرية الاستراتيجية لاتتطلب فقط ( فتية امنوا بربهم فزادهم الله هدى ) بل اضافة الى ذلك دراسة واقعية علمية لحسابات الحقل و البيدر وهنا يكمن التساؤل في نضج الظروف والمقومات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية التي تسمح بالقيام بالخطوة ناهيكم عن معايرة التاثيرات الخارجية للقوى المحلية و الخارجية لان اية انتكاسة ( لاسمح الله ) ستلقي بضلالها وعواقبها على شعبنا بالدرجة الاولى وعلى العلاقة المستقبلية مع الطرف الاخر وبالتالي على ذلك الطرف حتما بدرجة او باخرى بغض النظر عن حجم الخسائر. اننا نتفق جميعا في ان الوضع العراقي الاني هو وضع غير مستقر ويضع الجميع في حالة الموازنة القلقة وكما نعلم ان اية حركة غير محسوبة في ظروف الموازنة القلقة تؤدي الى نتائج وعواقب خطيرة ففي مرحلة التناحر والصراع يكون اي قرار حاسم في الاصطفاف ينطوي على مسؤولية عظيمة. بينما يكون قرار الاصطفاف في مرحلة تبلور الوضع ووضوح معالمه او حتى الاسقرار النسبي قرارا سلسا ليس فيه من هامش الخطورة الشئ الكثير. ربما يقول قائل , أهكذا نجازي الاخوة الاكراد وقد فعلوا ويفعلون الكثير لنا في هذه المرحلة؟ ألم يكن الارهاب قد وجه لنا ضربات موجعة لولا مساعدتهم ؟ أليس من عدم الحكمة ان ننظر بحذر لطرف يعلن استعداده لكي يمنحنا حقوقا في الوقت الذي ينسى احيانا كثير من الاخرين اسمائنا ؟ كل هذا و غيره قد يمثل جزءا مهما من الحقيقة ولكن هل من العدل ان يقول سهل نينوى المسالم كما يقال في الشطرنج ( كش) في وقت ترى مصير اللعبة ملبدا بالغيوم وامريكا ( بجلالة قدرها ) تفقد المزيد من قطع اللعبة والاتي سراب في سراب. ان تعريفا دقيقا للقيادة الكردية يتلخص في ان هذه القيادة قد اعطت انطباعا للاخرين في انها مجموعة من الاساتذة البارعين الذين وضعوا مصلحة شعبهم لافتة عريضة على كل الطرق التي قرروا الدخول فيها  وفي هذا استحقوا تقدير واعجاب الكثيرين , والشخصية الكردية معروفة انها بالفطرة تحب الخير للاخرين كما لنفسها ولا تحلل لها ما تحرٍمه على غيرها, واستنادا الى هذا حيث من الفخر ان يتعلم الاسان من الاخرين ماينفعه كما ان الاستاذ يمتلئ زهوا وهو يرى تلميذه يتقن ما تعلمه منه , نرى انه انجاز كبير ان يتضمن قانون اقليم كردستان ما يشير الى حقوقنا في منطقة امنة قد تكون جزءا من الاقليم على ان يؤجل تنفيذ ذلك حتى يصار الى استفتاء فيه بعد اتضاح معالم العراق الجديد الذي سيلد بعد الخروج من الوضع الحالي ونواضب في الوقت نفسه على تطوير تجربة السنوات الثلاث الماضية لنسج افضل العلاقات بين سهل نينوى والاقليم.
ان العراق في وضعه الحالي حقل كبير للالغام وخروج الجميع بسلام من هذا الكابوس بحيث يصبح جزءا من الماضي هو التحدي الاكبر الذي يفتح الطريق للتفكير بهدوء في المسقبل.



111
العراق – ملايين الضحايا والسبب
قَدْري قادَ بَقَرنا

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كان كل هدف الاساتذة الاجلاء, واضعوا منهج كتاب القراءة للصف الاول الابتدائي , من عبارة ( قَدري قادَ بَقرنا ) هو محاولة ذكية اثبتت نجاحها في ادخال حرف القاف الذي تتميز به اللغة العربية عن كثيرغيرها من اللغات الى ذهن ذلك البرعم الناشئ الذي ابتدأ مشواره الطويل مع لغة الضاد, ويقينا لم يكن يدرفي بال مشاعل النور ان تكون هذه الجملة كما هو حال شقيقاتها وصفا رائعا للحال السياسي الذي يعيشه البلد منذ زمن طويل حيث كان ( قدري ) في كل حقبة سببا لادخاله في غابات موحشة تكثرفيها بنات اوى فتنهش منه ما استطاعت الى ذلك , الى ان جاء الزمن الاغبر فاجتمعت مجموعة من ( قدري) وقررت ان تتبرع فيما تبقى في مزاد بخس وكصفقة واحدة للوحش الامريكي المعتوه .

مشكلة كل (قدري ) عرفه العراق انه يهوى السباحة في برك الدم بل يتلذذ بذلك ويعتبره صكا للوصول الى( شاطئ المجد ) , واقسى ما في المشكلة ان ( قدري ) يتغاضى في البداية بل و يرفض الاعتراف او التصريح بالثمن الباهض الذي دفعه الشعب على ( طريق المجد ) ذلك , حتى تحين الساعة ويصبح الاعلان والتفاخر بحجم التضحيات يصب في خدمة المشروع السياسي الذي بدأه ( قدري ). اتذكر جيدا كيف تحدث الناس عن المسؤول في الشركة العامة للسيارات العراقية الذي عوقب بسبب اعلانه عن عدد السيارات التي تم توزيعها, حتى وقت تصريحه , على عوائل الشهداء في الحرب العراقية الايرانية , كان الرجل يريد ان يفتخر بانجازاته ولم يكن يعلم ان ذلك مس بالمحرمات فليس مسموحا للشعب ان يعرف تضحياته لكي لاتصاب عزيمته بالاحباط والطريق طويل طويل, وهكذا في كل الحروب كانت النعوش تتوالى على المدن والقرى مع صمت عجيب او شحن مقصود باتجاه التقليل من حجم وكم الضحايا. ثم جاء الحصار وأكل في عظم الطفل قبل الكبير لكن شروط و قوانين الحرب النفسية استوجبت ان تتلقى اجساد الضحايا قدرها الاحمق بصمت وخشوع الى ان تراكمت الاجساد البريئة فوق الاجساد البريئة وجاوز الرقم المليون طفل عراقي , وعندذاك فقط سمح النظام بالحديث جهارا عن هذا الثمن المروع في محاولة مفضوحة لوخز الضمير الانساني بقصد الوصول الى ربح سياسي .

واليوم يتكرر المشهد نفسه ويخرج علينا الناطق باسم الحكومة العراقية وبايعاز من ( القدري ) الجديد ليطعن في مصداقية الدراسة التي اجرتها احدى المؤسسات الامريكية الرصينة بالتعاون مع جامعة بغداد والتي خرجت بنتائج رهيبة, حيث اشارت الى ان اكثر من 650 الف عراقي قد تم الحكم عليهم بالاعدام من جهات شتى وتم تنفيذ الحكم بطرق شتى منذ الاحتلال الامريكي للعراق قبل اكثر من ثلاث سنوات . لقد اكتفى الناطق باسم الحكومة العراقية بالقول ان الرقم مبالغ فيه دون ان يعطي سيادته اية اضاءة حول الرقم الذي يعتقد بصحته , كما لم يعلق بكلمة واحدة عن احدىالنتائج العرضية المروعة التي اشارت اليها هذه الدراسة وهي ان اكثر من 60 % من الذين قتلواهم من الرجال الذين تتراوح اعمارهم بين 15 – 44 سنة مما يعني ضربة قاصمة ستكون لها عواقب وخيمة على البناء الاجتماعي والاقتصادي للبلد. في الوقت الذي يعلن قائد القوات الامريكية في العراق باعصاب باردة بانه يعتقد ان الرقم الصحيح قد يكون في حدود الخمسين الف قتيل وكأن الخمسين الف عراقي رقم تافه لايستحق كثير من الضجة ولايرقى الى درجة الاهتمام التي يجب ان يلقاها الامريكيان اللذان قتلا في حادث اصطدام احدى المروحيات ببناية في نيويورك قبل عدة ايام.

ان الحياء قطرة اذا سقطت يطلب المرء من الباري عز وجل الستر من عاقبتها , ولذلك يصاب الانسان بالاحباط وهو يشاهد مجموعة ( قدري ) التجارية الجديدة التي جاءت بعد الاحتلال وهي تتصارع فيما بينها على المناصب و الامتيازات وتقاسم الكعكة في الوقت الذي اصبح اعلان العثور على عشرات الجثث خبرا عاديا يوميا يضاف كسطر او سطرين الى نشرات الاخبار يختصر مأساة عوائل كثيرة بالاشارة الى مكان العثور على الجثث ملحقة بعبارة ( وقد بدت عليها اثار تعذيب ). يخرج القادة السياسيون في كل مساء بعد فطورشهي في مهرجانات المجاملات وتبويس اللحى على القنوات الفضائية يشيدون بالانجازات في الوقت الذي يدفع الثمن كاهن مسيحي فُصل رأسه عن جسده وهو لم يحمل السلاح ابدا ولم ينافس احدا على امتياز بل كان يدعو للجميع بالسلام , او امراة في الثلاثين أُدخلت عنوة الى كابوس الاختطاف وتركت زوجا واربعة اطفال في ذهول رهيب , او طبيبا يكره السياسة كما يكره الشر ويشهد له الجميع انه كان نصير الفقراء فنزل قرار الظلام بانهاء حياته بحفنة من الاطلاقات وكثير كثير لاتعد ولاتحصى ,  فتشير الدراسات الجديدة ان العراق اصبح بعد الاحتلال يملك الاحتياطي الاول في العالم من سيناريوهات الرعب حيث من المؤمل ان تنافس صادراته في هذا المجال ما يصدره من البترول!.  لقد كان البعض وبعد سقوط النظام السابق يتجنب الحديث عن عدم قناعته في اهلية الاسماء التي اصبح الشارع العراقي يتداولها كمجموعة ( قدري ) جديدة تقع على عاتقها مهمة قيادة البلد وايصاله الى شاطئ الامان, لقد كان حقا صعبا على حديث الواقع المنطلق من الغيرة الصادقة على الوطن ان يشق طريقه وسط ذلك الصخب الهائل لاصحاب الابواق الصفراء التي إبتليت حتى النخاع بنار الحقد والانتقام , فأصبحت كل اشارة نقدية تُعلق على شماعة الحنين للدكتاتورية , ولكن احداث السنوات الماضية و حيث تعاقب الايام يزيد في اسوداد النفق وبالتالي حدا في ضجيج الابواق فبدأت بعض الاصوات تتعالى بشجاعة , غير ابهة بما تُرمى من تهم , تدعو لانقاذ مايمكن انقاذه قبل ان يعلن موت الوطن محليا واقليميا ودوليا.

لقد بات الاخفاق واضح جدا في المشروع الامريكي للديموقراطية في العراق واصبحت الجرعات المخدرة التي تطرحها بعض الكتل السياسية العراقية مثل مشروع المصالحة ووثائق العهد محدودة في فعاليتها لاتتجاوز في زمنها مراسيم التسويق الاعلامي كما ان الفساد المستشري وانعدام ابسط معايير الاخلاق الوطنية ترك فجوة كبيرة من انعدام الثقة بين الجمهور والسياسيين الجدد  فمثلا صدم المجتمع العراقي قبل ايام باحد الوزراء السابقين الذي كان يتحدث عن الوطنية اكثر من حديثه عن الكهرباء وهو يتجه الى السفارة الامريكية طلبا للحماية بحجة انه مواطن يحمل الجنسية الامريكية بعد ان صدر حكما عليه في قضايا الفساد بالرغم من ان البعض يشك في دوافع الحكم ونزاهة كثيرين كانوا وراءه. ان الواقع يؤكد الاحتراق السياسي لثقل كبير من رجالات المعارضة العراقية السابقة , مجموعة ( قدري ) التي دخلت مع الدبابات الامريكية كونها قد قدمت نفسها من موقع السلطة في صورة اثارت خيبة امل كبيرة  لدى الكثيرين ناهيكم عن ان شريحة كبيرة لاتغفر لهؤلاء انهم كانوا بشكل من الاشكال سببا في الهدية ( المعلبة المسلفنة) التي تلقاها العراق وهي الاحتلال.

عقود طويلة مرت والعراق يلد في كل مرة ( قدري ) معاق يقود الوطن والناس والحلال الى متاهات جديدة. ترى هل وصلت المعاناة الى حدود الاشباع فتسمح بناتج عظيم ويدخل الوطن في مخاض صحيح يعطي لنا مجموعة من (قدري ) النزيهة في السلطة والحياة و التي تهب نفسها حقا وحقيقة لله والعراق.





 



112
مشروع المصالحة – غاز عديم اللون والطعم والرائحة

الدكتور وديع بتي حنا
Wadeebatti@hotmail.com

اقل من اربع ساعات بعد غلق صناديق الاقتراع  كانت كافية ليخرج رئيس الوزراء السويدي يوران بيرشون على مؤيديه ومناصريه من الحزب الديموقراطي الاشتراكي وفي يده باقة ورد رائعة ليعلن ان الحزب والحزبان الاخران الحليفان له ( اليسار والبيئة ) قد خسرا الانتخابات لصالح تحالف احزاب اليمين بفارق سبعة مقاعد, وبذلك سيشكل هذا التحالف وزارة جديدة تخلف الوزارة الحالية وستدير الوزارة الوليدة شؤون السويديين خلال السنوات الاربع القادمة. لقد تأثرت حقا بكلمات الخاسر بيرشون وهو يقول لانصاره ان الانسان يتقاسم النصر مع الاخرين لكنه يتحمل الهزيمة وحده ولذلك فقد اخبرهم انه سيترك رئاسة الحزب لقائد من الجيل الجديد يستطيع النهوض به وتجاوز هذا الاخفاق بهدف العودة الى السلطة بعد الحصول على اغلبية اصوات الناخبين في انتخابات عام 2010. بعد اربع ساعات بان كل شئ وذهب الخاسر الى بيته بعد ان سمع تعزية قائده , اما الفائز فانتظر قليلا في مقر حزبه ريثما  يأتي قائد حزبه فيرفع معه نخب الانتصار, وعادت البرامج التلفزيونية الى بث برامجها العادية واصحت الانتخابات من احداث الماضي. في اليوم التالي كان المراسلون الصحفيون ينتظرون رئيس الوزراء الخاسر قرب باب بيته طمعا في لقطة غريبة او جملة مثيرة لكنه خرج عليهم مبتسما وهو يقول لهم ان المرء يجب ان يستقبل الهزيمة بروح رياضية وان الحياة تمضي قدما!.

لم ينتظر السويديون اشهرا ليعرفوا نتائج تصويتهم ولم يحضر مراقبون دوليون ليقيًموا مدى انسجام عملية الاقتراع مع المعايير الديموقراطية ولم يفكر احد من الاطراف المشاركة في الانتخابات باللجوء الى التزوير او التثقيف باتجاه الاستقطاب الديني او المذهبي او الطبقي لتحقيق اهدافه, عملية الاقتراع جرت بشفافية رهيبة والمرشحون على اختلاف انتماءاتهم كانوا يشتركون في حملاتهم الانتخابية الى دعوة الناخب الى الاقتراع اولا قبل الدعوة الى التصويت لصالحهم . لم يفكر احد قط في الدعوة الى وضع نتائج الانتخابات جانبا وتشكيل حكومة تقوم على المحاصصة فيأخذ كل نصيبه من الكعكة ويكون الجميع ( حبايب ) امام الرأي العام , بينما يجلس كل منهم يوميا ساعات في سردابه الخاص يدعو الله ان يلهمه ( سواء السبيل ) فيهتدي الى خطة مابعدها ولاكانت قبلها خطة تتيح له الاستحواذ على حصة شريكه. لم يلوح الفائزون بان قانون الاجتثاث والاقصاء سيكون اول قانون يحمل توقيع قلمهم في اول يوم يمارسون فيه السلطة ولم يعلن الخاسرون انهم قرروا اللجوء الى السلاح والعنف الى ان يأذن الله بنصر جديد. الناخب السويدي ناخب قاس على مرشحيه, لايتهاون مع الخطأ ويحاسب على كل شئ , الجميع يعترف ان الحزب الديموقراطي الاشتراكي الذي حكم السويد خلال السنوات الاربع الماضية قد حقق نتائج طيبة وخاصةعلى الصعيد الاقتصادي حيث تعتبر السويد من الدول القلائل التي شهد اقتصادها انتعاشا خلال هذه الفترة ومع ذلك لم يغفر الناخب السويدي لحكومته بعض الاخفاقات التي حدثت في المجالات الاخرى وخاصة في التربية والتعليم والرعاية الصحية ونسبة البطالة. من جانب اخر كان عقاب الناخب السويدي صارما على حزب الشعب احد احزاب تحالف اليمين بسبب قيام احد كوادره بالتجسس على قاعدة البيانات الخاصة بالحزب الديموقراطي الااشتراكي عن طريق الكومبيوتر, حيث لايرحم هذا الناخب مع مثل هذه الاساليب التي يعتبرها مقززة ومشوهة لاصول اللعبة الديموقراطية فكانت نتائج حزب الشعب في هذه الانتخابات انتكاسة كبيرة قياسا بالانتخابات السابقة.

ربما يعاتب البعض مستغربا ان نلجأ الى النموذج السويدي معيارا في تقييم التجربة العراقية حيث ان الديموقراطية السويدية هي خبرة متراكمة لشعب يعيش الاستقرار لمئات السنين بينما الحالة العراقية هي مثال صارخ لشعب يسكن مرجل الاحداث الساخنة منذ مئات السنين, ولكن هل من العدل ان ننتظر عشرات السنين لنتعلم اصول الديموقراطية في الوقت الذي تمكن البعض من ( الابداع ) في العنف وتدمير البلد خلال فترة قياسية. ان مشكلة الديموقراطية في العراق ليست مشكلة الناخب العراقي بقدر ما هي مشكلة النخب السياسية وتنظيماتها القائمة على اسس مرضية. ان عجزهذه النخب , التي امضى الكثير منها فترة مهمة من حياته خارج العراق , عن ممارسة العملية الديموقراطية بقواعدها السليمة يعني احد امرين لاثالث لهما , الاول ان هذه النخب هي اصلا قاصرة على الفهم السياسي وهي لذلك لاتصلح لممارسة مواقعها حيث ان في تسليم القيادة لاعمى ( ونقصد العمى السياسي ) مخاطرة كبيرة , اما الثاني فهو ان هذه النخب والديموقراطية على طرفي نقيض فهي لاتؤمن بها اطلاقا وقد ارتدت قناع الديموقراطية تماشيا  مع متطلبات العصر. ان الديمقراطية بالنسبة لها هي ربطة العنق التي هي مُكرهة على ارتدائها ولذلك تحرص على وضعها كيفما اتفق لان اي شدة صحيحة لها يعني الخنق وعدم القدرة على التنفس.
شهور مرت ووجباتنا الثلاث هي مشررع المصالحة والقائمون على المشروع لم يتصالحوا مع انفسهم بعد. لقد كان الكثيرون يعتقدون ان هذا المشروع يسستهدف اساسا بالدرجة الاولى من هم خارج العملية السياسية بعد ان تمكن المشاركون فيها ووبشق الانفس من تشكيل ( حكومة الوحدة الوطنية ) لكن الذي يتابع مسرحيات البرلمان العراقي لايجد صعوبة في الخروج بنتيجة مفاادها ان هذا البرلمان قد اختار العنوان الخطأ لنفسه برفعه شعار المصالحة والوحدة . لو كان هذا البرلمان قد رفع لواء التقسيم كما هو واقعه فعلا لكان قد خطا خطوات جوهرية على هذا الطريق بسهولة بالغة. الدكتور مهدي الحافظ شخصية ليبرالية مرموقة وصف ما يحدث في البرلمان العراقي بالصدمات ومن المعروف في الطب ان تكرار هذه الصدمات يسبب عواقب خطيرة كاعوجاج الفم وعسر النطق واجهاد القلب وهي اسباب كافية ليخرج المرء بسببها على التقاعد لاسباب مرضية فكيف يمكن لمثل هذا ان يعالج هموما وامراضا اخترقت العظم بعد ان أفسدت اللحم. كل ما أنجزناه في مشروع المصالحة هي مهرجانات للعشائر ومنظمات المجتمع المدني ورجال الدين يجلس فيها المجتمعون سويعات يطلقون فيها الخطب والاهازيج الحماسية الوطنية ليعود بعدها الجميع الى موقعه بعد ان ادى بنجاح دوره التمثيلي , اما ديوك البرلمان فالمعارك والنقر ماض بينهم على قدم وساق للظفر ( بدجاجة الوطن ) حتى انه يقال ان رئيس البرلمان قد اوصى بفريق من الطبابة والاسعاف الفوري ليكون قريبا من قاعة الجلسات لمعالجة ومداواة المصابين وتحسبا وتحوطا من القادم من النقرات!

يالبؤس مشروع تحرير العراق فقد اصبح بالنسبة للامريكان مستنقعا, كم كانت ستكون سعادة المرء كبيرة لو لَمْ يكن العراق وحله. بينما بات هذا المشروع بالنسبة للاكراد ( دوخة رأس ) تبدو سلبياتها  اكثر من ايجابياتها , اما لعرابيًه الاساسيين فغدا ( ثورة ) اكلت بسرعة البرق رجالها او ركنتهم جانبا على الرف ليشاهدوا ويحترقوا غيضا كيف ان قططا لم تكن في البال والحسبان قد استحوذت على العظم والهبر ولم يعد لابناء الاحتلال إلا الذهاب ومناجاة ( الخالة الامريكية ) كما يناجي الفنان الكوميدي سعد خليفة على قناة ( الشرقية ) خالته ( ام علي ) يوميا بعد الافطار.

113
برطلة حزينة , وداعا - ايها المطران المحبوب

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يقينا انه قمة السمو وبحر التضحية ان يقرر انسان ما منذ نعومة اضفاره ان يهب حياته , كل حياته , من اجل قضية , واية قضية, تلك هي ان يحمل صليبه ويجول في الاصقاع مبشرا بكلمة الخلاص. لعقود طويلة اختار الطالب والشماس ثم الكاهن والراهب والاسقف والمطران مار ديوسقورس لوقا شعيا اسمى المهن وانبلها , ان يمسح دموع الخطاة وينادي للمأسورين بالاطلاق ويدعو للسلام كما اوصى رب السلام. تباركت قدماه لسنين وهي تخدم في الاراضي المقدسة فحفظت عن ظهر قلب الطرق في الازقة القديمة حيث الطريق الى مغارة المهد العجيبة والجلجثة الرهيبة. متواضعا نبيلا يقود الجموع في الازقة التي تباركت مذ مشى عليها رب المجد من هو الحق والقيامة والحياة.

نعم قد لايسجل البعض التبحر في علم اللاهوت سمة اولى من سمات الفقيد المثلث الرحمة المطران لوقا شعيا دون ان ينسى هذا البعض ان المطران الراحل هو تلميذ الاكليريكية الرصينة وخريجها اللامع والتدريسي من الطراز الاول فيها , كما يذكر هذا البعض انه كلما أتيحت له الفرصة فسمع المطران الراحل في عضاته خرج بعدها منتشيا فخورا حيث منحه المطران الجليل فرصة التحليق في فضاءات رحبة, ولكن هذا البعض حاله حال الكثيرين يفعل هذا لان المطران الجليل قد تمكن من النجاح بامتياز من ايجاد تلك الحلقة التي لايفلح في ايجادها الاخرون بين سلطة الكهنوت وتواضع رجل الدين. لقد أمن المطران الجليل ان التربع على كراسي القلوب هو الطريق الصواب ليحقق كرسي الابرشية فعله المطلوب . لقد اعطى مثلا رائعا كيف تكون محبة الراعي استحقاقا له قبل ان تكون واجبا على رعيته, وهكذا كان المطران الجليل قريبا من الجميع يدعو الاطفال اليه لانه  لمثل هؤلاء ملكوت السموات, ويتجه نحو الشباب فيلاطفهم بمزحاته فيشعرون بالأمان معه, ووينتاب النساء والرجال شعورا ممزوجا بالفخر والراحة في الحوار معه, قول مار بولس الرسول في انه ينبغي ان يربح على كل حالٍ حال هو وصف دقيق لحاله, مع الجميع من اجل العقيدة والايمان , لقد كان الحبر الجليل بحق منشار الكنيسة الذي  يأكل صعودا ونزولا, يربح مع الجميع فيأتي بالخراف الى حظيرة الرب المباركة.

برطلة لفًها الحزن على فراقك ايها الراعي الصالح وابنائك في الوطن وبلاد الغربة تأسفوا لرحيلك , نعم هم يعرفون ان قضاء الله حق وان الرب اعطى والرب اخذ وله الحق في ان يسترد ما وهب ومبارك اسم الرب الى الابد, ويتذكرون ان الحبر الجليل كان قد سلًم عصا الرعاية من الناحية الرسمية لتقدمه في العمر لكنهم  لهم الحق ايضا في الشعور بالحاجة لكي يكون نفس الراعي الكبير معهم في افراحهم واحزانهم , يبارك ايامهم ومناسباتهم.

ايها الحبر الجليل , ايها الراحل الكبير, كنت حقا امينا على القليل وسيقيمك يقينا على الكثير, جاهدت الجهاد الحسن فدخلت الى فرح سيدك . واجب علينا كلمة الرثاء لانك وغيرك كنتم عنوان فخرنا وزهونا . انه شعور بالفخر والزهو الكبير عندما يدخل ابن برطلي في بلاد الغربة الى كنيسة ما ويُسأل من اين اتيت , فيجيب شامخا , من برطلي واليكم هذا فقط من التاريخ الحديث , بلدة البطريرك يعقوب الثالث والمطران لوقا شعيا شملنا الرب بصلواتهم و هم في خدوره العلوية وبلدة الاحبار الاجلاء اسحق ساكا وصليبا شمعون ومتي متوكا ومتي شمعون ادامهم الرب بركة لنا وخيمة علينا فيقول لك السائل , نِعم البلدة و نِعم الاهل.

ملكوت السموات للراحل الكبير المثلث الرحمة لوقا شعيا ولبرطلة الحبيبة الصبر والسلوان والسلام .

114
لوتو العلم – الوحدة أم الانفصال

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

هل سئم قادة العراق بعد الاحتلال وابطال المعارضة قبله حالة التأرجح بين الطلاق الفعلي والزواج الصوري التي لازمت مسيرتهم طوال سنوات عديدة؟ هل أمن هؤلاء ان النظام السابق اصبح في خبر كان , فملًوا الرقص مجتمعا على تلك الاسطوانة وبات كل منهم يرى نشوته في البكاء علنا على ليلاه ؟ هل فطنت اطراف المقاومة والارهاب الى افضل السبل واقصرها في الوصول الى الهدف فقرر كل طرف فيها منح اجازة زمنية لنفسه مؤمنا ان مشاهدة اطراف العملية السياسية وهي تتناحر وتتقاتل فيما بينها اجدى وانفع , وان عمليات المقاومة والارهاب ليست إلا مسكٍنا يؤخر الى حين  تقاتل اطراف الكعكة على كعكتهم! هل امتلك احدهم اخيرا الجرأة ليطلق رصاصة الرحمة على الوطن المذبوح او يدق البسمار الاخير في نعشه فيشيع الى مثواه الاخير وتقرأ الفاتحة في جنازته ويتناول الجميع القهوة على روحه وهم يشكرون الفاعل لفعله الانساني في وضع حد لنزيف عذاباته!

اذكر جيدا ان جامعة الانبار التي عملت فيها كان لديها مركزا ثقافيا لاساتذتها ومنتسبيها حالها حال الجامعات الاخرى وقد أغلق ذلك المركز استجابة لرغبة الشخصيات المحافظة في المدينة بدعوى ان فيه قاعة لتناول المشروبات الكحولية وكان كثير من الزملاء ومن بينهم المسؤولين في رئاسة الجامعة يشكو من ذلك كونه متنفسا لهم ويرى في غلقه تقييدا لحرية الاخرين , ولكن لم يجرأ كثير منهم على المغامرة بالمطالبة العلنية لاعادة فتحه لان ذلك يعني المغامرة بالسمعة الشخصية واتذكر ان الكثيرين في الجامعة كان يردد ان رئيس الجامعة يرفض تحمل مسؤولية ذلك ويطلب من معاونيه فعله عندما يكون في إجازة. ومرت الايام وذهب رئيس الجامعة في اجازة وقرر مساعد رئيس الجامعة تحمل تلك المسؤولية وتم تأجير المركز لمتعهد جديد وبدأ بعض المنتسبين ارتياده لكن ذلك لم يستمر طويلا حيث تم غلق المركز بعد فترة قصيرة  بينما بقي السيد المساعد الى اجل بعيد يذود عن نفسه من تهمة تشجيع فتح الحانات في المدينة المحافظة وعدنا من جديد الى ممارسة  اساليب العمل السري في شققنا الصغيرة! ربما تكون ازمة العلم التي نشبت إثر قرار السيد مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان بمنع رفع العلم العراقي الحالي في كردستان  اشبه بقرار اعادة فتح المركز الثقافي في جامعة الانبار, حيث اخيرا تطوع السيد البارزاني ليجس نبض الشارع العراقي بمختلف اطيافه في قضية مصيرهذا الوطن المفتت واقعا والواحد شكلا. ان المراقب للحالة العراقية يعي ببساطة ان الحالة في اقليم كردستان قد وصلت الى حالة من النضج ترقى الى مستوى دولة ولايعوزها سوى الاعلان الرسمي بذلك وربما جاء اختيار السيد جلال الطالباني لرئاسة الجمهورية ومشاركة المسؤولين الاكراد في العملية السياسية ليمثل شعرة معاوية التي تربط الاقليم بالمركز ولذلك فان اي قرارمن القيادة الكردية سيكون حاسما في رسم صورة العراق كوطن ودولة.

ان مهمة بناء العراق الموحد من جديد تصبح سباحة ضد تيار عنيف وتيهانا في حلقة مفرغة عندما يتصدى لها سياسيون لم يتفقوا يوما إلا على نقطة واحدة هي اسقاط النظام السابق واختلفوا على كل التفاصيل التي تعقب ذلك ابتداء بالعلم والنشيد ومرورا بالفدرالية وشكل الدولة ودور الدين وكثير غيرها وانتهاء بتقاسم الثروات وسلطات الاقاليم والمحافظات . نظرة بسيطة على سلوك هؤلاء السياسيين قبل الاحتلال في مؤتمرات لندن وصلاح الدين وبعد الاحتلال من خلال ممارسة المسؤولية في مواقع الدولة تشير بوضوح الى ان حديث أغلبهم عن العراق الواحد ليس إلا كليشة من جمل روتينية قد لا تكون مقصودة في المعنى تضاف الى خطابهم السياسي كتتمة جمالية لذلك الخطاب بل ان التنافس والرغبة في انتهازالفرصة وكسب الغنائم  باية طريقة ومهما كان الثمن تركت وتترك البعض منهم مستعدا لان يتفاوض ويساوم على كل شئ دون اية خطوط حمراء.

انه من الظلم والتجني اتهام القيادة الكردية انها تحمل نزعة انفصالية فالسياسيون الاكراد كانوا وكما هم بالفطرة واضحون منذ البداية في شكل العراق الجديد الذي يريدون ان يكونوا جزءا منه وهاقد مضى اكثر من ثلاث سنوات وصورة العراق لهم تبدو اكثر ضبابية مع كل يوم جديد, والسياسيون الاكراد الذين يحسبون ان مشاركتهم في العملية السياسية مع الاخرين هو دخول في شراكة معهم تؤثرفي تجربتهم المحلية ايجابا باتوا يشعرون بالخطر من انتقال عدوى الامراض الوطنية الى التجربة المحلية ناهيكم عن الشعور بالاحباط من اطراف كانت بمثابة ايتام للقيادة الكردية عندما كانت في المعارضة وتنصلت عن مواقفها السابقة عندما اصبحت جزءا من الدولة ومؤسساتها في بغداد, كما يبدو وضحا ان السياسيين الاكراد يشعرون بعدم الارتياح لاطراف اخرى توحي لهم انها تقاسمهم الرؤية حول شكل الدولة والاقاليم وترغب في جعل الطرف الكردي حصان طروادة للانفصال والتقسيم. اعتقد ان الكثيرين كانوا يعولون على السيد مسعود البارزاني بدور وطني كبير بعد طروحاته الشهيرة في مؤتمر لندن الداعية الى الوحدة والتكاتف ونبذ سياسة الانتقام ويبدو ان السيد البارزاني قد حاول جادا ومخلصا العمل بهذا الاتجاه بعد سقوط النظام فدعا البارزاني الى مؤتمر للمصالحة في اربيل قبل مبادرة المالكي للمصالحة بزمن طويل, لكن المتابع للحالة العراقية لايرى صعوبة في ملاحظة انحصار ملحوظ خلال المرحلة الماضية للدور الذي يلعبه السيد البارزاني على الساحة الوطنية معطيا جلً اهتمامه للقضايا المحلية والقومية وليس غريبا ان يعزى ذلك - وكاجتهاد شخصي في التحليل – الى وصول السيد البارزاني الى قناعة مفادها انه لايرى في كثير من السياسيين العراقيين النافذين في المنطقة الخضراء شريكا حقيقيا يتقاسم معهم الافكار للعمل سويا من اجل العراق الاتحادي الديموقراطي الموحد الجديد. ربما جاءت ازمة العلم لتمثل رجًة عنيفة لكل الاطراف السياسية تدعوها الى مراجعة مواقفها لتحديد خط البداية للجميع لبناء العراق الجديد والكف عن لعبة الدوران في الحلقة المفرغة.

بقيت كلمة اخيرة وهي ان الرئيس مسعود البارزاني في احد لقاءاته التلفزيونية كان يتكلم بمرارة عن خيانة كيسنجرمن خلال اتفاقية الجزائر للقضية الكردية وزعيمها الراحل الملا مصطفى البارزاني. ترى هل احتاط الرئيس مسعود البارزاني لكي لايعيد التاريخ نفسه ويكرر تلامذة كيسنجر الفعل ذاته ؟



115
فضائية ( سورويو تي في ) تعيد بث اللقاء مع الدكتور وديع بتي حنا

أعلمتنا ادارة فضائية ( سورويو تي في ) انها قررت اعادة بث الحوار الذي اجرته الاعلامية بابل مع الدكتور وديع بتي حنا حول البرنامج النووي الايراني وذلك ضمن برنامج ( بطاقات مسافرة ) الذي سيبث الساعة التاسعة بتوقيت السويد الحادية عشرة بتوقيت العراق من يوم الاثنين القادم الواقع في 28 اب وذلك استجابة لرغبات بعض المشاهدين وانسجاما مع التطورات المتلاحقة التي يشهدها هذا الملف والاهتمام الواسع به على الصعيدين السياسي والاعلامي.

احداثيات سورويوتي في
القمر هوت بيرد
التردد  10971
افقي
27500
3/4


116
المشهد العراقي – الدال والنقطة في سوق الخردة

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

القى الحصار, بعد احداث الكويت , على العراق باثاره السلبية على كل مرافق الدولة وكان التعليم العالي احد القطاعات التي بان عليها تأثير الحصار في مرحلة مبكرة من خلال النقص الحاد في الكادر والتجهيزات وفقدان حلقة الاتصال بين الجامعات والمعاهد العراقية والعالم الخارجي. وكرد فعل لذلك وعلى طريقة الانظمة الشمولية في اقتراع الحلول للمأزق والمعضلات التي تجابهها وجد البعض من الذين اعتادوا الاسترزاق من الموائد الانتهازية فرصتهم الذهبية في الدعوة الى تحويل العراق وفي تلك الظروف الى مفقس كبير للشهادات العليا من خلال ماتمخضت عنه انذاك ماأطلق النظام على تسميتها بندوة النهوض بالواقع التعليمي في العراق. لقد كان انشاء جيل من حملة الشهادات العليا بالنسبة لعرًابي ذلك المشروع لايعدو كونه اكثر من انتاج قطع ومواد جديدة , يصعب استيرادها , في احدى منشأت التصنيع العسكري تم كتابة ( برقيات ) البشرى بانتاجها مسبقا , وعندما انبرى احد الاكاديميين الكبار الى استهجان هذه الطريقة في انتاج الكادر التدريسي مشيرا بغيرته المهنية الى ان الاستاذ الجامعي هو شخصية انسانية بطراز خاص وفلسفة في الاختصاص خرجت الابواق والاقلام  الانتهازية في اليوم التالي لتكتب وتحكي عن ( الوقاحة في حضرة القائد ) حيث كيف يجوز لكائن ما ان يضرب بيده على الطاولة وهو يطرح افكاره امام ( القائد الاوحد)!

لم تنفع كل المحاولات التي بذلها البعض للتنبيه الى سلبيات الفكرة فالاهم لدى النظام الشمولي ان يوهم نفسه بالعثور على الحل دون التفكير بعواقبه خاصة وان شعار ( تبا للمستحيل ) قد فُتِحت امامه كل الطرق والابواب دون اشارات حمراء , فبدأت الجامعات العراقية في التنافس فيما بينها على قدرتها في انتاج اكبر كم من حملة الشهادات العليا بل الانكى من ذلك  ان جامعات جديدة لم يمضي على تأسيسها إلا سنوات معدودة تشكو فقر العدة والعدد من الكادر دخلت المغامرة نفسها واصبحت بعض كلياتها و اقسامها تفتخر في انها قد رفعت الى ( القائد ) برقية البشرى بفتح الدراسات العليا فيها , بينما تعيب رئاسة الجامعة والعمادات على كليات واقسام اخرى لم تتمكن من الوصول الى نفس ( الانجاز ). ليس المقصود بخلا او غيرة من حصول طلبة الشهادات والطامحين اليها على تلك الشهادات فهم كنز الوطن الثمين والخميرة التي يقع على عاتقها انتاج عجينة كبيرة نوعا وكما, ولكن الشخصية الاكاديمية ليست نتيجة لحقنة دسمة من المعلومات في الاختصاص فقط , بل ان هذه المعلومات تشكل ركنا اساسيا من اركان هذه الشخصية, يحدث احيانا ان يكون الانسان نابغا وموهوبا في اختصاصه لكنه يعجز عن ايصال المعلومة الى طلبته او ترك بصمته عليهم. كما يعتقد البعض ان اكمال الدراسة لنيل الشهادة العليا في بيئة خارجية تساعد الى حد كبير في صقل شخصية انسانية جديدة الى جانب اكتسابها الى المعلومة في الاختصاص الدقيق , ناهيكم عن ان البحث العلمي يتطلب في شروطه اتباع  الطرق العلمية والاسلوب الرزين لحل المعضلة او نقد ودحض النظريات الاخرى. ان الوصف والحكم الذي يطلقه الجمهور على البعض , من ( نواب الضباط ) الذين وجدوا انفسهم ( ضباط ) بشخطة قلم , في سلوكهم المهني والحياتي يعطي ربما توضيحا صارخا للصورة المطلوبة, ليس المقصود اطلاقا الانتقاص من احد حيث لايستطيع كائن من كان ان يتحدث سلبا عن كل من يملأ ملابسه ومركزه وشهادته ايا كانت خلفيته ولكن الانسان مجبول بالفطرة على استنباط الاسباب التي تجعل الشكل لاينسجم مع المضمون.

بعد الاحتلال برز بافراط وجود كم هائل من حملة شهادة الدكتوراه في الحياة السياسية والاعلامية العراقية فالوزارة العراقية سرية من حملة الدكتوراه ومجلس النواب العراقي لواء من حملة الدكتوراه اما المؤسسات الاعلامية والمواقع الالكترونية بصورة خاصة فهي تزهو بالدال والنقطة وهي تسبق جيشا من الاسماء الكريمة , وقد وجد البعض من الكوميديين العراقيين في هذه الظاهرة موضوعا طازجا للتندر والكوميديا. انه لفخر كبير ان تتولى النخبة المتعلمة  المتسلحة بارقى الشهادات زمام امور البلد وتنوير ابنائه ولكن أليس الاجدر بهؤلاء ان يكونوا عند حسن الظن فيحرصون على تقديم انفسهم كاصحاب شهادات بتلك الصورة التي تترك انطباعا ايجابيا لدى المتلقى . لقد شاهدت قبل ايام مقابلة تلفزيونية على القناة الفضائية العراقية مع الدكتور محمود المشهداني رئيس مجلس النواب , وبعد اسئلة كثيرة اجاب عليها رئيس مجلس النواب بطريقته المعتادة وكانه يبيع ويشتري في الشورجة , ثم ختم كل ذلك بانتقاد لايمت للسياسة بصلة فقال لمحاوره ان البعض يلجأ الى صبغ لحيته وهي بيضاء ناصعة ! فاجابه مقدم البرنامج وبالعامية ( هسه يادكتور انت شْعليك بيهم اذا يصبغون ) فكحًلها الدكتور رئيس مجلس النواب بضحكة اعقبها بالقول ( مو أني هم اريد اصبغ ). ترى كم من العراقيين المساكين كان يئن ويتوجع  او لاقى الموت في تلك اللحظات التي تكلم فيها الدكتور رئيس مجلس النواب عن الصبغ؟ كتبت مقالي الاخيرعن الحرب اللبنانية الاسرائيلية وهي وجهة نظر قد تكون خاطئة ولايتفق معها كثيرون, لكنني فوجئت حقا برد وصلني تزيًن سطوره الاتهامات والشتائم وكانت الصعقة كبيرة حقا عندما شاهدت في النهاية الدال والنقطة تسبق الاسم الكريم الذي كتب الرد. هل اصبح الشتم وعدم تقبل الرأي الاخر قسما من اقسام الكليات والمعاهد والحياة الثقافية العراقية , له للاسف مقرراته واساتذته وبالتالي طلبته. من المؤكد ان قسما مهما من الاسماء الفعالة في الحياة السياسية والاعلامية العراقية اليوم , هم من الذين انهوا دراستهم وحصلوا على شهاداتهم خارج العراق لكن الطامة الكبرى تكمن في انهم فشلوا في تعليم انفسهم ذلك المبدأ الذهبي الذي تقوم عليه الحياة في تلك الدول وهو احترام وتقبل الرأي الاخر. اذا كنا أحبة واخوة واصدقاء ونحن نختلف في الجنس واللون والدين, فلماذا لانبقى كذلك عندما نختلف في الرأي السياسي؟ هل السياسة اسمى من كل ماعداها ؟ لقد ملأ دعاة الديموقراطية وركاب موجتها اذاننا طنينا في الحديث عن الدكتاتورية والقهر والاستبداد في الوقت الذي يمارس البعض من هؤلاء, وقسم منهم للاسف يحمل ارقى الدرجات العلمية والاجتماعية , ابشع انواع الارهاب في الفكر حيث يبشٍرون من يختلفون معه في الرؤية والتحليل بما لذَ وطاب من الشتائم والاتهامات والعقوبات, خاصة عندما يعرج ذلك الصوت على الدور الانتهازي لبعض الاطراف الاقليمية والدولية في قضايا المنطقة . انه لغريب حقا ان ترى بعض النفوس تشتعل غيرة على الامريكان والايرانيين الكويتيين وغيرهم فتنتفض لهم كأسد ضرغام عندما يحاول كاتب ما طرح وجهة نظره في تعرية الدور الذي تقوم به تلك الاطراف. عبثا نتكلم عن المصالحة ونحن لم نتصالح مع انفسنا اولا في الايمان بالرأي والرأي الاخر, متى يؤمن البعض نصا وروحا, قولا وفعلا بتلك المقولة الرائعة التي تقول ( لا أتفق معك في الرأي ولكنني مستعد ان أُضحي بنفسي من اجل ان تقول ماتعتقد به ) ؟  تم تطويب احد الاساقفة ومنحه مرتبة القداسة في احدى دول امريكا الجنوبية لاعماله الجبارة في اشاعة روح المحبة وتقبل الاخر حتى يقال عنه مجازا ويعرٍفَه الشعب انه الرجل الذي جعل الكلب والقطة والفأرة يأكلون جميعا بوئام على مائدة واحدة!

حملة الدال والنقطة , انتم ملح الوطن فاذا فسد الملح فبماذا يملًح . ان الدال والنقطة مسؤولية اخلاقية قبل ان تكون تشريفا لاسم من يرافقها وانها لدعوة صادقة لنكون جميعا بمستوى هذه المسؤولية ونقي الدال والنقطة من ان تكون بضاعة رخيصة في سوق الخردة.


117
ترقبوا الانتاج الايراني الجديد - رادع حسن نصرالله النووي 
 

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كانت علامات القلق والحزن واضحة على والدة رائد الفضاء السوفيتي يوري كاكارين وهي تجلس مع ابنتها تنصت الى اذاعة موسكو تذيع البيان الرسمي بترقية ابنها الى رتبة رائد في الجيش الاحمر وتسجيل اسمه في لوحة الشرف في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي . استغربت شقيقة رائد الفضاء وهي ترى والدتها ليست سعيدة مثلها ولاتطير من الفرح فقالت لها : لماذا انت هكذا يااماه , انه فخر عظيم . أجابت الام وهي تسأل ابنتها : هل مات اخاك , هل وقع له مكروه , انهم يفعلون هكذا مع الموتى ! لم تكن والدة كاكارين متعلمة الى درجة عالية لكن كلامها يعني الكثير,لم يدر بخلد والدة رائد الفضاء ان يكون ابنها استثناء في تعامل النظام الشمولي مع رعيته نظرا لان ماقدمه كاكارين حينها للنظام كان استثناءً في كل المقاييس وهدية لاتقدربثمن. ترى هل يعيد التاريخ نفسه و يكافئ النظام الايراني السيد حسن نصرالله ويعيش تلك اللحظة ويعيشها الجميع واقعا في حياته؟

ان الرد الاسرائيلي العنيف بل الوحشي على العملية التي نفذها حزب الله في اسر الجنديين الاسرائيليين قد جرًد الحرب اللبنانية الاسرائيلية الاخيرة من اية نتائج ايجابية يمكن ان يجنيها لبنان حقيقة ملموسة فورية كطرف من اطراف هذا النزاع , ناهيكم عن ان هذا الرد الهمجي قد جعل من عملية حزب الله تفقد رتوش النصر التي احاطت بها في اللحظات الاولى بعد الاعلان عنها لتتحول الى سبب رئيسي في التدمير والتضحيات التي اعقبت ذلك . يقينا ان الاسرى اللبنانيين , حتى وان افترضنا ان اسرائيل ستطلق سراحهم كاحدى نتائج هذا الصراع , لن يشعروا بسعادة الحرية وهم يعودون الى بلدهم ليشاهدوا ويعايشوا تلك الحقيقة المرة التي تكمن في ان ثمن حريتهم كان اطفال قانا وشيوخ قرى الجنوب وممتلكات الابرياء في الضاحية الجنوبية و البقاع ومئات الالاف من المشردين الذين اصبحت تجمعهم مدارس لبنان. من اين لهذا الاسير ان يشعر بسعادة الحرية وفي رقبته كل هذا الدين الكبير؟ هل سيتحمل قلبه ان يزور قانا او يعيش مأساة الجنوب يوميا , كانت ( ألا بوكاجوفا ) من اشهر المغنيات الروسيات واتذكر كيف كانت تنفعل الى حد البكاء وهي تصرخ وتغني وتوصي قائلة ( لاتبني سعادة على مأساة الاخرين ). كان الله في عون اؤلئك الاسرى فلم يكن هذا خيارهم وكتب عليهم القدر امران احلاهما مر , سجون الاحتلال او اغلال دين الوطن , ربما لاننا تعلمنا ان نؤمن انه ما مِن حب اعظم من هذا أن يضحي الانسان بنفسه عوضا عن أحبائه وليس العكس. ليس هذا احباطا لمعنويات المقاومة وسباحة ضد تيار الوطن بقدر ما هي محاولة للدعوة للتخفيف عن كاهل المساكين الذين  كُتِب عليهم ان يكونوا دائما وقودا له وكأن شرف الوطن والامة بوابة تقرر ان يتناوب فقط اؤلئك المساكين على حراستها والاستشهاد امامها ,. ان العراقيين الذين يعيشون مأساة بلدهم هو اكثر قدرة على التحسس بما اصاب و يصيب اشقائهم في لبنان لان الذي يداه في النار أجدرفي وصف الحالة من غيره , ولذلك حرام على ابطال المزايدات في الاعلام والفضائيات اصرارهم على الاستمرار في هذا الدور بينما هم يذهبون في الليل الى فراشهم مع زوجاتهم او جواريهم والمساكين لديهم رب يقاتل معهم.

اذا كان السيد حسن نصرالله قد وعدنا بنتائج مستقبلية لهذه الحرب تتمثل في انه يرى فيها بداية النهاية للعقلية الاسرائيلية المتغطرسة فان هذا لايعني ان هذه الحرب خالية تماما من النتائج الانية التي جاءت لتلبي مصالح بعض الاطراف الاقليمية و في المقدمة منها ايران. لقد جاءت الحرب اللبنانية الاسرائيلية الحالية وكانها الرداء الذي فُصٍل وخيط على المقاسات الايرانية شكلا وزمانا ومكانا , ففي الوقت الذي كاد المجتمع الدولي ان يطبق الخناق على النظام الايراني فيما يخص الملف النووي , بينما كان هذا النظام غير مستعد بعد لمجابهة المجتمع الدولي وبحاجة الى  وقت اضافي للمناورة واعادة ترتيب الاوراق , جاء حزب الله في لبنان ليخفف الضغط عن ذلك النظام ويوجه الاهتمام الى جانب اخر من الساحة ويمنحه ذلك الوقت الاضافي , كما ان الرد الاسرائيلي الهمجي المتمثل في هذا الاستعراض المفرط لالة التدمير الاسرائيلية أذكى الشعور الواهم لدى الكثير من العرب والمسلمين في ضرورة ايجاد ذلك العامل او تلك الحلقة المفقودة التي من شأنها ان توازن معادلة الصراع والمتمثلة في اي رادع استراتيجي يدخل ضمن اسلحة التدمير الشامل يكون بمثابة جرس انذار لاسرائيل تكون على استعداد لسماع صوته , يمنعها من التمادي في ضرب الاخضر واليابس كرد فعل او انتقاما لعملية ما , ومن الطبيعي ان تتجه الانظار في هذا المجال الى النظام الايراني وبرنامجه النووي كونه ( الامل المرتجى ) لتلك الجموع المشحونة بكل شحنات المشاعر الدينية والقومية. ان اي اعلان ايراني عن نجاحات جديدة في البرنامج النووي في هذه الظروف يتوِج ايران زعيما اوحدا للعالم الاسلامي يمنحها الفرصة للتفاوض باسمه واعادة ترتيب خارطة المنطقة والعالم في اجواء من مساومات الغرف المظلمةومن الطبيعي ان  تأخذ تلك المساومات اولا المصالح الايرانية قبل ان تلبي مصالح اللبنانيين الذين دفعوا ويدفعون الثمن الكبير في هذه النتيجة. من ناحية اخرى وبغض النظر عن اي نتيجة انية فان الحرب اللبنانية الاسرائيلية الاخيرة تعكس بشكل مقلق الدور الايراني الكبير في اشعال النيران في المنطقة كما في إخمادها , وهو بمثابة رسالة ايرانية بالغة الخطورة الى المجتمع الدولي تتمثل في ان الضغط على ايران وليس التحرش بها يؤدي الى وضع المنطقة في مرجل كبير تشتعل تحته النار التي يُعرف الايرانيون بولعهم وتقديسهم ( في سرهم ) لها. وهنا اعتقد ان الكثيرين يتفقون معي في ان وزير الخارجية الفرنسي الذي إلتقى نظيره الايراني في بيروت كان ينظر لهذا اللقاء باهمية بالغة تفوق باضعاف اهمية لقائه , اي الوزير الفرنسي, لرئيس الجمهورية اللبناني او حتى رئيس وزرائه. ان الادارة الامريكية بسياستها الحمقاء والادارات الغربية تعلم جيدا ان التربة في الشرق الاوسط مهيئة جدا لنبات بؤر كثيرة على شاكلة حزب الله وقد اصبحت عملية بعث الحياة في هذه البؤر بالنسبة للنظام الايراني أشبه بعملية ضغط اصبع بسيطة على لوحة المفاتيح في جهاز الكومبيوتر, فماذا ستكون النتيجة لو تم مثلا رفع الغطاء رسميا , بفتوى من طهران , عن اطراف شقيقة لحزب الله في العراق في وقت يوجد فيه اكثر من مئة الف جندي امريكي على ارضه.

لقد قدًم السيد حسن نصرالله لايران هدية ربما تعادل اضعاف ماقدمه كاكارين للنظام الشيوعي السوفيتي وقتها فهل ستكافئ ايران السيد حسن نصرالله في الاسابيع القادمة ( بخبر سار ) يعلنه الرئيس الايراني عن انجاز نووي جديد يحمل اسم السيد حسن نصر الله . ترقبوا الانتاج الايراني الجديد , رادع حسن نصرالله النووي.

 

118
في ذكرى جون قرنق – سلام على الفقراء
الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

أن تفرح ليتيم اوتقول كلمة رثاء في فقير ,كلاهما راحة للنفس عظيمة لانك تسمح لها من خلال ذلك أن تحلق وتسبح في الفضاء دون خوف أن يتهمها احد بالتملق والرياء . يموت الاغنياء ولهم مَن ينبش تاريخهم ويعيدهم الى الذاكرة, ينشر عنهم ملفات في ذكراهم السنوية, قبورهم مزارات يزورها الملايين و يضعوا عليها اكاليل الورود , اما الفقراء فكانوا على الدوام اصواتا مبحوحة وأشجارا نحيلة , علامات دالة على قبور اصحابها تشكو شحة الساقين, اموال الاغنياء تكفي لتجعل من ذكرى وفاتهم احتفالية مميزة اما الفقراء فانهم يبحثون عن مَن يبغي فيهم أجرا. لا احد ينكر ان كثيرا من الاغنياء فعل الخير في حياته وأمن بان كل مَن عليها فانٍ ولايبقى إلا وجه ربه ذو الجلال والاكرام فحفر ذكرا طيبا في نفوس الكثيرين , ولكن كثيرا من الفقراء ايضا جال في الارض حافيا يصنع  خيرا ما إستطاع اليه سبيلا , فبكى ورقص وفرح وعانى مع شعبه وحمل همومه, وتبقى في نهاية المطاف تلك التي ألقت الفلسين صاحبة اجر عظيم وهي التي استحقت ملكوت السموات . هل يستجيب ذو الامر لدعوتي في غسل الروح لبضع دقائق نُلقي فيها السلام على الفقراء, نعيد رثاء جون قرنق فنكسب أجرا.

جون قرنق – مكتوبٌ لاحَظََّ  للفقراء

بينما كان كارل ماركس جالسا مُنكبا على الكتابة يحمل هموم كل الفقراء والكادحين نظرت اليه والدته , ادركت مقدار الهم الذي هو فيه فقالت له بسذاجة الام القلقة على ابنها عبارتها الشهيرة ( كارل , كارل , انت تصنع السعادة للجميع وتنسى نفسك ). نعم لقد نسي ماركس نفسه ولكن التاريخ يتذكره دائما ولايتوانى الكادحون عنن ذِكره في صلواتهم ايام الجمع والسبوت والاحاد.

ولد جون قرنق ولم تكن في فمه ملعقة من ذهب , جائعا بين الجياع , عاريا بين العراة , منبوذا بسبب اللون والدين , مضطهَدا بين الملايين. شاهد جون قرنق المئات وربما الالاف يُساقون للذبح كشاة لم تنطق بنت شفة كفرا والحادا سوى انهم طالبوا بان يكونوا مواطنين في بلدهم وليس ضيوفا عليه او مسًاحي احذية فيه . ما اقسى ان يكون الانسان مواطنا من الدرجة الثانية او الثالثة ( واحيانا بدون درجة ) في وطنه واجداده فيه هم الاصل والفصل. لم يستطع جون قرنق ان يتحمل القهر والاستبداد والاضطهاد , كانت دموع الثكالى والاطفال وانات الرجال الضعفاء وقودا لنار لاتقبل ان تنطفئ فرفع السيف واخر الدواء الكي .

حارب جون قرنق لاكثر من عقدين , كان يتقدم تارة ويتقهقر تارة اخرى , يكًُر و يفر. نال وبامتياز اوسمة جميع من تعاقبوا على حكم الخرطوم في انه العميل والمتمرد والخائن , بحث جميعهم عنه ( ليُكٍرموه ). كيف لايكون جون قرنق عميلا وخائنا في بلاد يخطط فيها الحاكم لاقصاء رفاقه قبل ان يجف حبر البيان رقم واحد. وبعد كل سنين القتال عاد من بقي من اؤلئك الحكام ليعترف ( لاندري مُجبرا او مُخيرا ) بان جون قرنق وطني مخلص مثله . يؤمن جون قرنق ان القتال قانون الحياة الخاص وان السلام هو قانونها العام فمدً يده ليصافح من حاربه عشرات السنين ليفتح صفحة جديدة ويبدا محاولة جادة في ان يوفر للملايين من الافواه الجائعة لقمة يتناولوها بسلام.

دخل الخرطوم دخول الفاتحين بالرغم من انه دخلها اعزلا . احتفى به جميع المساكين الجنوبيون والشماليون فهو ينادي الى سودان جديد للجميع . فرح جميع المضطهدين فقد اصبحوا شركاء في قصر الرئاسة , ومن فرط فرحتهم التي انتظروها طويلا غاب عن بالهم وهم يضحكون ان يقرأوا سورة الفلق او ان يقولوا ( خمسة وخميسة ) او ان يبحثوا عن اية قطعة خشب قريبة ليضربوها باياديهم ثلاث مرات لان الكتاب يقول ( ومن يقف قُدًام الحسد ). وهكذا لم يدم الفرح طويلا وكأنه مكتوب لافرح للمساكين والفقراء. ما أبشع ان يعيش الانسان حلما جميلا يستغرق لحظات  ليتعبه كابوس طويل لاينتهي إلا بيقظة مُخيفة تطلب كوب ماء. ما أقسى  ان يشعر الانسان ان كل شئ تعب من اجله قد اصبح فجأة في مهبِ العاصفة وليس الريح . لانقول ان الحياة تتوقف على مصير كائن ما كان ولكن المساكين كانوا الان بأمس الحاجة الى قرنق ربما اكثر من حاجتهم اليه في اي وقت مضى .

 كُتب على قرنق وهو في نشوة ايامه ان يطير للمرة الاخيرة فاستقبلته احراش بلاده جثة مقضية . يا لسخرية القدر فقد حارب في تلك الاحراش عقودا ولم تسمح للرصاصة ان تخترق جسمه. مات قرنق ولاحَظَ للفقراء في الموت ايضا فقد صادف موته مع اعلان وفاة العاهل السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز, وكما يتقدم الاهم على المهم هكذا يتقدم الغني على الفقير حتى في الموت والنفس في طريقها الى خالقها راضية مرضية . انشغل العالم واعلامه وقنواته الفضائية حبا او محاباة وتملقا بالعاهل السعودي ففي زحمة المانشيتات والتقارير التي تغطي حياة الملك فهد وبيعة الملك الجديد يكاد المتابع بصعوبة يقتنص  بين برهة واخرى خبرا خجولا عن مصيبة السودانيين في قرنق. كان وقع الصدمة كبيرا على المسحوقين المضطهدين الذين انتابهم الاحساس ان امالهم ذهبت ادراج الرياح فنزلوا الى الشوارع وكسروا وحرقوا وعربدوا فانتبه العالم قليلا اليهم وقال فيهم البعض انهم الرعاع يفرحون ويحزنون بطريقتهم الخاصة.
ترى هل يحترم خلفاء قرنق تمرده , قتاله , مبادئه , موته فيُكملوا الطريق ويعيدوا الفرحة للمساكين ام انهم ينفخون في ( قربة مكسورة ) فحال المساكين كحال الذي اشقاه ربي فكيف هم يُسعدوه .[/b][/size][/font]


119
 
إستهداف السيد سركيس أغا جان أو زوعا ليس نصرا

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

منذ  الوهلة الاولى التي بدأت فيها أقرأ للاخ والاستاذ العزيز ثامر توسا انتابني شعور عميق في انني امام انسان غيور على شعبه وقضيته ودوره , بل ان نظرة متأملة في صورته الشخصية التي عادة ماترافق مقالاته على موقع زهريرا العزيز تجعل النفس تستحضر تلك الاية الكريمة التي تقول ( الغيرة على بيتك قتلتني ). اقول هذا يقينا في انني لااشك لحظة واحدة في وطنية هذا الرجل واخلاصه ومشروعية تخوِفه مع انني اجد نفسي لا اتفق كليا معه فيما ذهب اليه في مقالته عن البطولة الرياضية واعلم جيدا ان اختلافنا هذا لايفسد في الود قضية طالما انني اعتقد ان هنالك الكثير من القواسم المشتركة التي تجمع بيننا بل ربما تعطي هذه السطور درسا للبعض الذين اعتادوا ان يفهموا بسذاجة القصد من الاية الكريمة التي تقول ( انصر اخاك ظالما او مظلوما)

ليست لي اية رابطة بالسيد سركيس اغاجان ولم يسبق لي ان التقيت به لكنني , شأني شأن اغلب ابناء شعبنا وكوني متابعا  لما يحدث , اسمع واقرأ عن نشاط هذا الرجل وفعالياته. ان الرجل يفعل خيرا ولم يصنع شرا, اعتقد وربما يوافقني الرأي كثيرون في ان ظاهرة السيد سركيس اغا جان ربما جاءت حاجة ملحة لشعبنا الاشوري الكلداني السرياني في وقت طغت فيه اصوات الفرقة والانقسام على كل دعوات الوحدة, خاصة بعد ان تمكنت بعض القوى والاقلام الضالة من تحقيق بعض من اهدافها في المشاغبة على الحركة الاشورية وتقديمها للاطراف السياسية العراقية على ان البساط الجماهيري لهذه الحركة لايسمح لها بتمثيل كافة اطياف شعبنا. ربما يكون السيد يونادم كنة كونه السياسي الماهر افضل من يعي هذه الحقيقة فيقارن بين تلك الفترة عندما كان يجلس في مجلس الحكم و ينظر اليه علاوي او الحكيم على اساس ان هنالك 5% من سكان العراق يقفون خلفه وبين الحالة الراهنة في مجلس النواب. لانقول ذلك انتقاصا من دور الحركة الاشورية وتاريخها وتضحياتها ولكن الحركات التاريخية التي نذرت نفسها لاهداف تاريخية ينبغي لها ان تقتنص اية فرصة ممكنة لتوحيد الجهد والدفع به باتجاه تلك الاهداف التاريخية دون الانتباه الى المكاسب والخسائر الحزبية الانية.

 من الناحية العملية والانجاز على الارض فاننا يجب ان نعترف بالنصف المملوء من القدح في ان السيد سركيس اغا جان ينجز عملا جبارا في مايتعلق بحياة شعبنا في قراه ومدنه المختلفة. عندما يتصل بي احد اصدقائي ليخبرني بانهم يتجولون في الثالثة فجرافي شوارع البلدة ويحتفلون ويتزوجون في الوقت الذي يقول هذا الصديق ان شوارع اخرى لمدينة قريبة تقفر في الثانية ظهرا ويلزم اهلها بيوتهم خوفا من المجهول ويعزي هذا الصديق التفاوت في الحالين الى الحراسات التي يرعاها السيد اغاجان فان ذلك لايمكن ان يكون إلا موضع تقدير في هذا الظرف الصعب بعد ان بصم كل العراقيون وامنوا في ان الامان نعمة منسية. اما بناء الكنائس واعادة اعمار القسم منها مع الاديرة وتوفير قسط من الضمان الاجتماعي لشريحة من ابناء شعبنا , كل ذلك يثير الارتياح بين اوساط كبيرة. في النشاط الاعلامي المحسوب على السيد اغاجان فان المتابع يرى انه في حيز كبير منه موجه لخدمة شعبنا من خلال التعريف بتراثه وعقيدته وحضارته وكمثال على ذلك فقد اهدى لي قبل فترة احد اعلام شعبنا ورموزه كتابه الجديد عن حياة الملك داوود ومزاميره وهو كتاب ديني بحت وقد تمت طباعته من خلال الجهد الذي يقوم به السيد سركيس اغاجان.  ألا يستحق كل هذا الجهد ان نكرم الرجل باسم بطولة رياضية أم ان الاحياء ليس لهم نصيب في التكريم حتى ينتقلوا الى الحياة الاخرى بعد عمر طويل انشاءالله ؟ ! نعم ان السيد اغاجان لم يقع ( حسب علمي ) على نبع غيرمتناه من الموارد ولم يرث كنزا عظيما كما ان معاشه الخاص لايكفي اطلاقا ليغطي كل هذه الفعاليات وانما هنالك بالتأكيد مبالغ تم تخصيصها لرعاية هذا الجهد الكبير, لكن السيد اغاجان يدير هذا الجهد بكفاءة حيث نرى نتائجه على الارض واقعا ملموسا.

مصدر هذه المبالغ واهداف بعض الاطراف منها هو النصف الفارغ من القدح الذي ينظر اليه البعض بتخوف شديد. اعتقد ان هذه الاموال هي اموال عراقية خالصة وقد تم تخصيصها لشعبنا الاشوري الكلداني السرياني الارمني وفقا لمشروع تقاسم الكعكة التي نال وينال على اساسها كل طرف حصته في ( العراق الجديد ) وطالما ان قوانين اللعبة في الوقت الراهن هي على هذا النحو فان هذه التخصيصات هي من باب اولى حق خالص لشعبنا في ان يتمتع باموال العراق حاله حال الاخرين كونه جزء منه تاريخا وحاضرا ومستقبلا. اما الثمن السياسي الذي يتخوف البعض من ان يُفرض في المستقبل على شعبنا لقاء ذلك فان الحقيقة تكمن في مشروعية هذا التخوف التي يجب ان ينتبه اليها الجميع وفي المقدمة منهم القائمون على هذا الجهد والكيانات السياسية لشعبنا و التي تقف الحركة الاشورية في مركز الصدارة منها. هنا يكمن بيت القصيد في ضرورة وجود ارقى حالات التعاون بين هذه الاطراف لتكون جميعا امام مسؤوليتها التاريخية . من ناحية اخرى فان المغالاة في الدعوى الى استقلالية القرار السياسي لشعبنا ينبغي ان لايتحول الى مرض تقوقع على الذات يحول دون اقتناص اية فرصة سانحة لخدمة شعبنا وقضاياه , حسنا نفعل عندما نستحضر التاريخ ونتعظ من احداثه لكن هذا ينبغي ان لايتركنا سجناء عقده وتجاربه المريرة , وتبقى السياسة كما نفهمها هي فن خلق الفرص واستغلالها لتحقيق افضل النتائج باقل التضحيات, ناهيكم عن ان الاستقلالية في القرارالسياسي العراقي هي جمل للتسويق الاعلامي وليس لها اي رصيد واقعي فجميع الاطراف الرئيسية في اللعبة السياسية العراقية يُعرف عنها انها تتكئ على (راع) ( سبونسر ) دولي او اقليمي او محلي وتحقيق الاهداف في العراق اليوم يُبنى بالدرجة الاولى على التحالفات ومبدأ ( شيَلني واشيلَك ). ان استقلالية القرار السياسي للقوى السياسية العراقية هو اغنية حزينة لبعض الاطراف التي فشلت في تحالفاتها السابقة او ( موَال ) غير منقطع لاطراف اخرى تبحث عن تحالفات جديدة ولايلبث ان ينتهي بالعثور على تلك التحالفات . اذا كان البعض يأخذ على السيد سركيس أغاجان انه يغامر بمستقبل شعبنا فان نظرة واحدة الى هدوء الرجل واتزانه والتي يؤكدها كل من التقى به تدفع للقول ان مغامرته المحسوبة هذه واستعداده لكي يسمع من الاخرين تسمح لان تكون في نتائجها وتأثيراتها على شعبنا مختلفة كليا عن مغامرة الشيخ حسن نصرالله.

لقد قلنا سابقا ونكررها اليوم في اننا نؤمن ان السيد سركيس اغاجان والحركة الاشورية يمثلان اليوم جناحا الجهد والدور لشعبنا وان مصلحة هذا الشعب , اذا كنا حقا نؤمن بخدمته , تكمن في التنسيق بين هذه الجناحين لكي يستطيع شعبنا من التحليق والوصول الى اهدافه ويتوهم قطعا من يعتقد ان بامكانه التحليق بجناح واحد. يقينا ان السيد سركيس اغاجان يرى فعله اقوى بالتنسيق مع الحركة الاشورية وهي ترى حتما جهدها اوسع تأثيرا بالتعاون مع السيد اغاجان. ولنا في المثال الكردي نموذجا باهرا في نتائجه فعندما اعترف الطرفان الرئيسيان الكرديان , الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني, احدهما بالاخر حقيقة على الارض لايمكن تجاهلها ومن العبث محاولة اقصائها , بدأ الطرفان يجنيان ثمارا كبيرة. ان التاريخ سيسجل للسيدين البارزاني والطالباني انهما في ادق مراحل شعبهما اختارا تفضيل مصلحة هذا الشعب على المصالح الحزبية والشخصية , وان الواجب الانساني كونهما طرفان ذا تماس وثيق بقضية شعبنا ودوره يتطلب منهما فعلا اضافيا في تشجيع تكرار النموذج الكردي على جناحي شعبنا ليتمكن هذا الشعب من تحقيق قفزات كبيرة على طريق توحيد صفوفه خاصة وان وحدة هذا الشعب المسالم لايمثل  باي شكل من الاشكال تهديدا للتجربة الكردية.

ما مِن موقف اصعب من هذا ان يسمع الانسان من الاخرين ماقاله سلبا فيه بعض ابناء بيته فلا يملك إلا ان يستعين بقول المسيح له المجد ( لاكرامة لنبي في وطنه ) . انها دعوة صادقة لنحيَ ونعضد كل فعل وعمل ايجابي دون ان نغفل عن الاشارة الى  ما يرافقه من سلبيات شرط ان لاننتقص من قيمته ونقول للاخرين بان رموزه هم محل تقديرنا واحترامنا. ان قلوب اعداد كبيرة من ابناء شعبنا تتسع لتشمل بمحبتها السيد سركيس أغاجان والحركة الاشورية معا , كل واستحقاقه على جهده ونضاله وانجازه وان تلك القلوب تنظر الى عشتار واشور ملكتان متوجتان طالما تنبعث منهما اشعاعات الحب والتسامح والتأخي والسلام وتتصدقان بالكلمة الطيبة.



120
أنتي بايْتِكْ - إكسْ بايَرْ أو مضادات حيوية عقيمة

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يقولون ان الكتاب واضح من عنوانه وهكذا فان حال البرلمان في البلد يعكس بصورة او باخرى حال البلد برمته. المتابع لجلسات البرلمان العراقي متمثلا في صراع اعضائه المرير داخل قاعة اجتماعاتهم مع الحر الى الحد الذي اعلن احدهم عن انتصاره بحصوله على قنينة للماء الحار يروي بها الضمأ بعد طول انتظار, مضافا اليه عدم  احترام الزمن فقد تحدث عنه البعض واعرب عن امتعاضه كونه ينتظر ساعات بعد الوقت المحدد حتى ينتهي صقور البرلمان والسياسة في العراق من اعداد وصفة ومقادير طبختهم ليأتوا بها الى باقي الاعضاء لاقرار تسويقها. اما خطاب رئاسة البرلمان واعضائه فلايعدو اكثر من كونه تفريغا لشحنات موجبة وسالبة تم شحنهم بها قبل انعقاد الجلسة , كل من مصدره , لاتلبث ان تفني احداها الاخرى في مشهد كوميدي محزن بفعل روح الدعابة التي اصبح يبدع بها بعض السياسيين الجدد في العراق وكأن الحياة في بلدهم ربيع والجو فيه بديع . باختصار, نظرة واحدة الى حال البرلمان العراقي وهو في حالة انعقاد تترك انطباعا لدى المرء انه في الشورجة او في شارع الكفاح. ربما بنبري البعض معترضا على هذا الوصف بحجة ان هذه هي ( الديموقراطية) في العراق وانجازاتها لكن من حق الاخرين ايضا ان ينتابهم بعض  الشك على الاقل في قدرة هذه ( الفوضى ) على بناء وطن ودولة.

اية مسافة كبيرة تفصل بيننا وبين البناء عندما يجلس اعضاء البرلمان ليناقشوا وضع الطب العدلي ومشاكله في العراق فيستمعون لتقرير مفصل عن اعداد الجثث واعداد الثلاجات الصالحة للعمل والعاطلة وتاريخ دخولها الى العمل وخطة العمل المستقبلية لاستيراد ثلاجات جديدة بمواصفات معينة وكأن الموت في العراق اصبح احد شرايين الاقتصاد! , حيث لم يتبرع احدهم لينقد نفسه قبل الاخرين ويدعو الى العمل الصادق قولا وفعلا لايقاف عجلة الموت من الدوران بعد ان صرح كثيرون في ان تصاعد العنف في الايام الاخيرة وزهق الارواح هو في نسبة كبيرة منه نتيجة لصراع قوى سياسية تلتقي تحت قبة البرلمان.

اما السطحية في الخطاب فلا تحتاج الى اجهزة دقيقة لكشفها , فعندما يدعو رئيس البرلمان قائمة الاتحاد الكردستاني الى التدخل والتوسط بين قائمتي الائتلاف والتوافق انما ينطلق في فكرته ( الذهبية ) من مشهد كوميدي تلفزيوني ربما شاهده قبل ايام على احدى القنوات العراقية يعرض رجلان عربيان عاطلان عن العمل ولايملكان اي شئ وعندما شعرا بالجوع ذهبا الى احد مطاعم الكباب وكان صاحبه كرديا وعندما وصلا الى دفع الحساب قاما بالتمثيل على صاحب المطعم وتشاجرا لان كل منهما يريد ان يدفع الحساب فماكان من صاحب المطعم إلا ان بادر وفض النزاع وحسبهما ضيوفا على المطعم فقالوا له ( مايحْلها إلا ابن الحلال القادم من الشمال ). يبدو ان الفكرة  من حيث المبدأ قد راقت للدكتور رئيس المجلس متناسيا ان دفع الحساب ليس حلا حاسما بل ( حبة باراسيتول ) مسكنة لبعض الوقت , ولذلك فان تبويس اللحى بين الائتلاف والتوافق بحضورالاتحاد الكردستاني حاله حال دفع الحساب لايمكن ان يعالج الاشكال في اجواء انعدام الثقة بين الطرفين . ان المعضلة في الحياة السياسية العراقية والتي يحاول البعض ان يغمض عنها مجاملة او خوفا تكمن في ان اطراف مهمة تلعب دورا رئيسيا في العملية السياسية وتشارك بها هي صاحبة اجندة واهداف طائفية في الولادة والخلفية الفكرية او العقائدية وكتحصيل حاصل في التطبيق , ولايمكن لها ان تستغني عن ذلك لان هذا يعني انقطاعاعن الجذور وبالتالي الموت , ولذلك فلايستطيع الاتحاد الكردستاني ولاغير الاتحاد الكردستاني من فعل مؤثر في هذا الجانب طالما ان قرارات الغرف المظلمة التي تأخذ حيز التنفيذ لهذه الاطراف تتقاطع مع المؤتمرات الصحفية ومهرجانات تبويس اللحى , وبالتالي فان الحل يتمثل في اعادة ترتيب البيت السياسي العراقي وتشكيل خارطة سياسية جديدة تستطيع فيها اطراف جديدة بسط نفوذها على هذه الخارطة بالشكل الذي يترك  بعض الاطراف الفاعلة الان تلعب دورا هامشيا محدودا. ربما يتساءل البعض ومتى يحدث هذا؟

يشتهر العاملون في الطب في الغرب ببرودة اعصابهم حد البلادة احيانا في التعامل مع المرض والمريض , ويرى القادم من مجتمعاتنا الشرقية في ذلك مشكلا حقيقيا ولذلك فهو لايتمنى ان يجعله الله في حاجة لكي يراجع تلك المؤسسات. ففي السويد مثلا وعندما يصاب المرء بوعكة شديدة او التهاب في اللوزتين ترتفع إثرها حرارته الى درجة عالية يُقابل بالتوبيخ اذا توجه الى تلك المؤسسات الصحية طالبا العلاج في الايام الثلاثة الاولى للوعكة بحجة ان جهاز المناعة في الجسم يجب ان يأخذ دوره في الصراع مع الفيروس , كما ان  موافقة الطبيب على اعطاء المريض جرعة من المضادات الحيوية ( انتي بايتك ) هي اصعب من صدور مرسوم جمهوري في دولنا الشرقية. لا احد ينكر ان المبدأ صحيح وينبغي ان يعتمد الانسان على جهاز المناعة في الجسم اكثر من اعتماده على الادوية الكيميائية نظرا لتأثيراتها السلبية المرافقة , ولكن هذا الحال يصلح على من مرَن جسمه منذ البداية على ذلك وليس على اؤلئك الذين قد منحوا منذ زمن طويل جهاز المناعة في جسمهم اجازة مفتوحة وقرروا الاعتماد على العوامل الخارجية في التعامل مع الفيروسات المهاجمة . منذ ثلاث سنوات والادارة الامريكية تستخدم , عن غباء او خبث , نفس المبدأ في التعامل مع الحالة العراقية فهي تتدخل في الزمن والمكان الذي يخدم مصالحها وتحجم عن ذلك في ازمنة وامكنة اخرى بحجة ترك المجال امام جهاز المناعة السياسي العراقي في ان يلعب دوره في بلورة حالة صحية وهي تعلم يقينا ان هذا الجهاز قد تم تحييده مذ زمن طويل حين اخفق من حسب نفسه جزءا من هذا الجهاز في احداث تغيير داخلي ولم يستطع هؤلاء الوصول الى الجسم العراقي والجلوس في المنطقة الخضراء وتقديم انفسهم كمضادات حيوية إلا بعد ان حملوا الماركة الامريكية والايرانية وغيرها صناعة وتعليبا. والان وبعد ان اثبتت تجربة السنوات الثلاث السابقة ان هذه المضادات لم تتمكن من معالجة الوضع العراقي بل هي على العكس وبدرجة ما سببا في استشراء المرض واستفحاله من خلال الميليشيات ابتداءً ومرورا بالفساد واستباحة المال العام وانتهاءَ بتحطيم هيبة الدولة وسلطتها فان المسؤولية الاخلاقية ( اذا إفترضنا جدلا وجود يقايا اخلاق ) تتطلب من الادارة الامريكية الكف عن جعل العراق حقلا للتجارب ودراسة الحالة على اساس احترام الخصوصية الوطنية من اجل ايجاد دواء ناجع يوقف هذا النزف الرهيب في الدم العراقي.
انه المضحك المبكي ان ترى بقايا دولة يجد السياسيون فيها وقتا للمزح والهزل وشعبها غارق في حمام من الدم يساق فيه الابرياء للذبح كشاة لم تنطق ببنت شفة.
 
 



 

121
قيثارة يوسف عزيز – عشاء السبت الشهي

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

قرار شاب غيور ان يحمل هموم شعبه, ذلك هو الضوء في نهاية النفق. يوسف عزيز هذا الشاب ابن القوش الباسلة التي يتباهي بها شعبنا بأجمعه كونها تجيد جيدا ان تقول ( نا ) لكل مالايناسبها ويتعارض مع تاريخها , هذا الشاب الالقوشي الوسيم قرر ان يضاعف حجم قلبه ليسع كل اطياف شعبنا وخلفياته , اية روعة هذه ان تحمل قلبا نقيا فيه براءة الاطفال وهو بحر من الحب. يوسف عزيز يجاهد في كل سبت  ليعلِم البعض ويذكِِر البعض الاخر كيف يكون اشوريا وكلدانيا وسريانيا في ان واحد, فهو يؤمن ويبرهن, خارقا كل قوانين الرياضيات , ان الثلاثة واحد, بل انه يتعدى ذلك في احيان كثيرة ليحلق في الاجواء الوطنية ويثير البعض الى لملمة جراح الوطن بكامله. يخرج علينا في كل سبت ببرنامجه المشوق , في اطلالته المريحة فيينعش فينا الامل ويتركنا نتراجع عن قرارنا في ان نطلِق هذا الامل بالثلاث. انه يحاول جاهدا بل تراه يُجبر فكيه لتناغي ابناء شعبنا بمختلف لهجاته فيحاول بالاشورية ويمر بالكلدانية ولاترى قرى سهل نينوى صعوبة في التجاوب معه فنعيش معه وحدة شعبنا واقعا ويقول لكل اصحاب الدعوة الى الفرقة والانقسام ان جهودكم وكتاباتكم تذهب بفعل القيثارة ادراج الرياح.

ليس برنامج قيثارة عبقريا في فكرته حتى انني اعتقد ان صاحبها لم يكن يتوقع ان يلاقي النجاح الذي يلاقيه فجميعنا يعرف  ان برنامج ( براعم شابة ) كان متواضعا في جمهوره ولكن موهبة التقديم والتنوع والشمولية في اختيار الضيوف والصدق في مخاطبة المتلقي , كل ذلك قد جعل هذا البرنامج ربما هو البرنامج الاول في قناة عشتار الفضائية يترقبه الجميع بلهفة ليقضي اجمل وقت مع الشاشة يستفيد في معلومة عن النشاط الثقافي لشعبنا العريق ناهيكم عن ان البرنامج قد استطاع حقا من نيل قسط من اهدافه عندما منح الفرصة لمواهب حقة في ان تُقدم وتُعرِف عن نفسها لجمهور عريض من ابناء شعبنا خارج مناطقها السكنية.

كنت ارغب في الكتابة عن برنامج قيثارة منذ زمن لاوجه التحية الى القائمين عليه ولكن الانشغال بالمواضيع الاخرى حال دون ذلك , لكن التقرير الذي صدر اخيرا عن المؤتمر الاخير للحركة الديموقراطية الاشورية ونتائج ذلك المؤتمر التي يأمل الجميع ان تكون بداية لمرحلة جديدة من العمل المشترك لما فيه صالح شعبنا حيث اثار التقرير , كما اعتقد , ارتياحا كبيرا في اوساط شعبنا من خلال الدعوة الى ايجاد القواسم المشتركة بين مختلف التشكيلات السياسية لشعبنا الكلداني الاشوري السرياني والبناء على هذه القواسم لنخرج بالية العمل المشترك لمجابهة التحديات الراهنة والمستقبلية, وهنا ومن موقع الاعتزاز والتقدير لموقع زهريرا ينبغي ان نتوجه بالعتاب الى ادارة هذا الموقع العزيز حيث استغل البعض قبل فترة, وخاصة قبل صدور تقرير المؤتمر, حرية النشر في هذا الموقع لتصفية نزاعات شخصية والنيل من شخصيات محسوبة على شعبنا. ان النقد يجب ان يستهدف النظرة السياسية والتحليل السياسي والاداء السياسي لشخصية ما ويترفع دائما عن المساس بالامور الشخصية وكأننا نقيم الدعوة على فلان فنقول ان المدعي عليه هو ذلك الفلان اضافة لمنصبه. ربما يقاسمني الرأي كثيرون في اننا نتطلع الى ذلك اليوم الذي يذكر فيه البعض محاسن من ينتقدونهم وما أصابوا فيه مثلما يذكرون اخفاقاتهم بروح نقدية صادقة وينطبق هذا على الاداء السياسي والاعلامي لكافة مؤوسسات شعبنا فيقف الاستاذ جورج منصور مثلا مؤيدا الاستاذ يونادم كنة في موقف ما و تعزز قناة اشور موجة شقيقتها عشتار والكل معا. ان الذي يجري في العراق من انحدار سلبي مخيف في الوضع الامني يترك المرء يضع علامات استفهام كبيرة امام المستقبل يتطلب من الجميع التوجه الى منتصف المسافة لكي ينهضوا جميعا  بهذه المسؤولية التاريخية ويعملوا معا  لحماية شعبنا في هذه المرحلة الصعبة لان التاريخ لن يرحم.

ترى هل سيشاهد بعض السياسيين والكتاب من ابناء شعبنا السبت المقبل برنامج قيثارة ليذهبوا في لحظة  تأمل عميقة فيقرروا خطوة على الطريق الصحيح؟
تحية ليوسف عزيز ولامثال يوسف عزيز اشوريين كانوا ام كلدان ام سريان , شعب واحد كما هو الحق حق رضيَ البعض أم غضبوا.



122
حزب الله وسياسة الكل فداء للجزء

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

برهن السياسيون العرب على مر العقود الاخيرة انهم اصحاب موهبة عظيمة في تتويج كل رئيس وزراء اسرائيلي جديد بطلا قوميا لدى شعبه وكأنهم يحتفظون بهديتهم له بمناسبة فوزه في الانتخابات فيمنحوها له في اقرب مناسبة بعد تشكيله للوزارة. هكذا فعلوا مع الجميع باستثناء شمعون بيريس , ربما لانه الاقرب اليهم او ربما لان هذا قد خذلهم مرارا فجرب حظه في الانتخابات ولم يفلح ولذلك لم يكن وجوده في رئاسة الوزارة إلا حالة ظرف استثنائي ومرحلة انتقالية. وهكذا وانسجاما مع تقاليد النخوة والشهامة العربية لم يبخل حزب الله على رئيس الوزراء الجديد اولمرت بالهدية المعتادة بل قدمها له على طبق من ذهب  مصحوبة بألف قبلة في موكب جنائزي كبير!.

كان حظ المواطن العربي تعيسا عندما فعلت الصدفة فعلها ووقعت عين بعض السياسيين العرب على كتاب في الرياضيات حيث لم يخرج ذلك السياسي من ذلك الكتاب إلا بجملة واحدة او عبارة رياضية واحدة بقيت راسخة في ذهنه هي ان السالب في السالب ينجب موجبا فيستعملها في كل خطبه وخططه متصورا انه بمعرفتها قد تمكن من الرياضيات اكثر من فيثاغورس . وهكذا اصبحت هذه العبارة الرياضية محورا ومرتكزا لكل مغامرات السياسي العربي غير مبال بالرقم الموجب المتواضع الذي يحصل عليه بعد كل مغامرة فهو يقامر بالالاف من الضحايا والبنى التحتية لبلده بهدف تحرير نفر بسيط ويحسب ذلك انتصارا ثم ياتي في دورة لاحقة ليقامر بمئات الالاف وربما الملايين انقاما لالاف المرحلة الاولى ويحتفل بانتصاره ثانية وهكذا الى ان تدور المعركة في جولتها الاخيرة فيحسب السياسي العربي ماتبقى من وطنه بكامله علامة سالب يضربها في السالب السابق ليحصل منه على موجب بائس يحسبه نصرا يشرب نخبه على اطلال بلده. لا احد ينكر ان لكل مواطن حقوقا على وطنه والكل يذكر بتقدير الدور الذي تقوم به بعض الحكومات والمؤوسسات في معالجة المشاكل والمعضلات التي تجابه بعض مواطنيها ولكن يبقى الفعل الصحيح يتمثل في الحصول على افضل النتائج باقل التضحيات.

الى متى يبقى العرب يحاربون نيابة عن الاخرين؟ الى متى تبقى دماء المواطن المسكين وماله وحلاله فداء لتحقيق اجندة دول اخرى. أليس ما يحصل في لبنان يصب قبل كل شئ في صالح الاجندة الايرانية؟.الى متى يقبل العرب ان يحدد الاخرون توقيت بدء الصراع بل ويمنحون هؤلاء الاخرون حق التفرج على ذلك الصراع او اختيار شكل وزمن المشاركة فيه؟. ترى هل يتعظ السياسيون العرب وخاصة اصحاب الميول الايرانية منهم وهم يشاهدون حزب الله ابن ايران البار يتحمل خطيئة تدمير بلد بكامله و يتعرض لضربة ربما تكون قاضية او تؤدي على الاقل في عواقبها الى قصم ظهر ذراعه وكل ما تفعله ايران له هو اتصالا هاتفيا يعرب فيه الرئيس الايراني عن تضامنه مع الشعب اللبناني ويحذر اسرائيل من رد قاس في حالة تحرشها بسورية وكأن دماء السوريين تختلف عن دماء اللبنانيين علما بانه اي الرئيس الايراني يعرف يقينا ان اسرائيل لن توجه ضربة لسورية إلا في التوقيت والشكل الذي يناسبها. ان السؤال الذي يطرح نفسه يكمن في الاسباب التي تحول دون ان توجه القيادة الايرانية انذارا واضحا لاسرائيل يدعوها للتوقف عن استهداف الشعب اللبناني وبنيته التحتية ام انها قد قررت ضمنا تقديم لبنان قرباناعلى مذبح اجندتها.

ان النموذج اللبناني يؤكد صحة التخوف الذي يبديه معظم العراقيون من ظاهرة انتشار ونفوذ الميليشيات كونها ظاهرة خطيرة تهدد امن البلد واستقراره حيث اثبت تصرف حزب الله في قراره الدخول في المواجهة ان قصر بعبدا ليس إلا كتلة كونكريتية تفتقر الى الحدود الدنيا من الاعتبارات السياسية وان رئيس الجهورية والوزارة الوزراء ليسوا إلا قطعا في ( سبحة ) الشيخ حسن نصرالله . انه لغريب حقا ان لايشعر رئيس الدولة بالمهانة ويبقى قابعا في منصبه وهو القائد الاعلى لجيش بلده  وقرار الحرب  او وقف اطلاق النار ليس في يده! انهم رؤساء نهاية الزمان, يأكلون ويشربون , يتزوجون وينجبون لكنهم لايحلِون ولايربطون. اما اقطاب المعارضة اللبنانية او ما يطلق عليهم قوى 14  اذار الذين يدعون الى الوحدة ورص الصف لمجابهة العدوان فهم يستخدمون اللعبة السياسية بدهاء في تحريض حزب الله الى المضي في المجابهة فينتظروا ذلك اليوم الذي ستنفض فيه المعركة غبارها وتحين ساعة الحساب فيقدم حزب الله تقريرا بحسابات الحقل والبيدر فيحلو انئذ الكلام , ان هذه القوى المرتبطة برئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري تشعر اليوم ان الحريري يُقتل من جديد من خلال التدمير الهائل بالبنى التحتية, بالجسور والطرق والمطارات التي ترتبط باسم الحريري وجهده وعهده.

ان معضلة بعض السياسيين في الشرق الاوسط تكمن في انهم يعيشون زمنا متأخرا فهم لايستطيعون ان يدركوا ان الاعلام الغربي ترك شعوبهم قد سئمت الحروب وكرهت اصوات الانفجارات والبارود وخاصة بعد ان تمكنت نانسي عجرم من توجيه طلقة الرحمة على( نشيد اهلا اهلا بالمعارك ) ولذلك ينبغي على هؤلاء قراءة الواقع بنظرة جديدة والتعلم من الاخرين فهاهي الحكومة الفرنسية تعطي لنا مثلا طازجا في كيفية التصدي للتحديات من خلال الطريقة التي تنتصر فيها لرئيس فريقها في المونديال زيدان ووالدته كما اعطت لنا الحكومة العراقية قبلها مثلا اخرا عندما انتصرت للشهيدة عبير واهلها!.




123
 
الدكتور وديع بتي علىشاشة سورويو تي في

تبث قناة سورويو تي في هذا اليوم الاثنين الساعة التاسعة بتوقيت السويد الحادية عشرة بتوقيت العراق حلقة جديدة من برنامج ( بطاقات مسافرة) باللغة العربية
 ضيف  البرنامج  الدكتور وديع بتي حنا في حوار عن البرنامج النووي الايراني

احداثيات سورويو تي في
القمر هوت بيرد
التردد 12322
افقي
27500
3/4


124
المفطوم على ( التشريب ) لايتلذذ بالهامبركر


الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كلما قرر اطفالي تناول وجبتهم في مطعم الماكدونالد, أجد في ذلك فرصة ذهبية لتحضير قدر من ( التشريب ) العراقي حيث اهيأ كل الامور اللازمة لذلك واترك القدر على نار هادئة واذهب مع احبابي فيأكلون ويلعبون حد الملل ثم نعود الى البيت فأُتِوج نفسي ملكا على المطبخ واستمتع بوجبتي المفضلة وأشفق على كل اؤلئك الذين يفضلون الهامبركر على التشريب. خمس سنوات في السويد وقبلها ست سنوات في بلاروسيا ولم اتمكن - وهنالك كثيرون مثلي - من التعود كليا حيث لاارى في الدعوات والمناسبات التي احضرها بين الحين والاخر إلا تنفيذا لواجب وفرصة ينبغي استثمارها, بالرغم من متاعبها المعوية , في تعميق اواصر الاتصال والاندماج في المجتمع الجديد الذي اصبحت جزءا منه. كان احد الاخوة والاصدقاء الاعزاء من الذين درسوا معي في بلاروسيا حريصا على تجميع كسر الخبز وتجفيفها ليأخذها معه كل عام اثناء عودته الى مدينة الدراسة بعد قضاء العطلة الصيفية واذكر جيدا ان ذلك قد سبب له ازعاجا في احدى السنوات في مطار موسكو فما ان دخل كيس الخبز ( الكونية ) الى الفحص حتى سبب ذلك ارتيابا وشكاَ لدى الشرطة من محتوياتها وعندما فتحوا الكيس بانت عليهم علامات التعجب من محتوياته حيث لايمكنهم ادراك اي مغزى لقدوم مسافر بكيس كبير من الخبز اليابس الى بلدهم وهم يعتقدون ان بلدهم لايشكو من ازمة في الخبز. كان زميلي حريصا على التقصد في استعمال تلك الكسرات اطول مدة ممكنة ولايهدي حفنة منها إلا لعزيز ولايجوز لهذا العزيز ان يكرر كثيرا في طلبها, كان المحظوظ الذي يحصل على بعض من تلك الكسرات يرش عليها قليلا من الماء ويضعها في الفرن لدقائق معدودة فتكون قاعدة ( الدليمية ) المشتهاة.

ربما يستغرب البعض في اسباب ودوافع حديثي عن المطاعم والوجبات في الوقت الذي اعتاد ان يقرأ لي سطورا في السياسة او البيئة وبرامج الاسلحة النووية, ذلك انني اؤمن ان هنالك علاقة وثيقة بين الوجبات الشعبية في بلد ما والنظام السياسي لذلك البلد وبناء على مفهوم الغاية في الرياضيات فان النظام السياسي ينبغي ان يجهد نفسه في تحقيق قبول اجتماعي فيضع لنفسه غاية تتمثل في شعبية الوجبات الوطنية اي ان يكون تلك المائدة الصحية التي تزينها تلك الوجبات الوطنية وهنا يبرز للعيان قصر النظرة المنطلقة من وضع الوجبات المستوردة كاساس لتلك الغاية. ان الغالبية العظمى من ابناء الشعب ليست راغبة في ممارسة اللعبة السياسية ناهيكم عن ان طائفة كبيرة لاتستهويها هذه اللعبة قط , ولذلك فهي لايمكن ان تساوي بين مشاهدة مباراة رياضية  او فلم ممتع وبين مشاهدة خطبة سياسية او برنامج سياسي, يحدث هذا ويتضاعف عدد النافرين من السياسة عندما ينجح النظام السياسي في تقديم نموذج حقيقي تتجسد من خلاله كل الخدمات والتسهيلات والقوانين التي تتيح لاي من الرعية الشعور كونه مواطن يفتخر بحقوقه وواجباته تجاه الوطن والنظام الذي يمثله وهذا يساهم بالتأكيد في تقليل عدد المنافسين في العملية السياسية كما يحصل في الغرب حيث ينظر المواطن العادي بعين الشفقة للسياسي في بلده كونه اقل حظا منه بسبب مشاغل المنصب من التمتع بالامتيازات التي يوفرها النظام للجميع.

لقد كانت حادثة اختطاف الدبلوماسي الاماراتي مناسبة للتفكير مليا في الذي يريده المواطن البسيط من نظامه السياسي ايا كان شكله وطبيعة هرمه. لم تدع الامارات ربما شيئا لم تستورده لكنها لم تستورد نظاما سياسيا او( ديموقراطية معلبة ) ولم يلجأ رجال حكمها الى نزع ( دشاديشهم ) الوطنية ليقول العالم عنهم انهم متحضرون وديموقراطيون على الطريقة الغربية, لكنهم يعرفون ان العالم يسجل عنهم أن لا احد من رعيتهم قد طلب اللجوء في دول اخرى, ألا يعني هذا ان النظام السياسي قد وضع لنفسه غاية في ان يكون تلك المائدة المرجوة لوجبات الامارات المشهورة؟ لقد تابعت الامارات حكومة وشعبا واعلام محنة الدبلوماسي المختطف في مشهد رائع يختصر قلق وطن بكامله على حياة فرد فيه , في الوقت الذي تُرمى الجثث في العراق في العربات الخشبية الصغيرة في مشهد رهيب لايبدو انه يثير حفيظة وانتباه السياسيين فيه اكثر مما يثيرهم تقاسم المناصب والغنائم وكأن لسان حالهم يقول" دعْ الشعب يدفن موتاه " جريا على الاية الكريمة " دعْ الموتى يدفنون موتاهم ". ان المشكل العراقي يتلخص في محاولة كل طرف ان يستأثر في ان يفرض وجبته المحلية ويضعها في منتصف المائدة, فالقيادات الكردية تسعى وبافراط الى تقديم (كباب ولبن اربيل) ليكون بمناسبة اوبدونها وجبة الواجهة تعويضا عن الحيف والغبن الذي تعتقد انه لحق بهذه الوجبة لسنوات طويلة, بينما تحاول الاطراف الشيعية ان تطرح السمك كوجبة رئيسية باعتبارها وجبة الغالبية التي ينبغي على الجميع التعود عليها دون الانتباه الى غلائها على قدرة وامكانية قسم ساحق من تلك الغالبية قبل اية طائفة اخرى , بينما يحز في نفس بعض الاطراف السنية ان يرى زملائه وهم يصرون على وضع ( الدليمية ) في زاوية باهتة يصعب رؤيتها كرد فعل لمرحلة سابقة, بل تسعى بعض الاطراف التي اعتادت الاصطياد في المياة العكرة من عرابي الاحتلال الى تحريض البعض على المطالبة بوضع ( الهامبركر والكنتاكي ) في قلب المائدة تكريما للاحتلال ونكاية باهل (الدليمية ). وسط هذا الضجيج من الوجبات يحاول اهل الموصل والكلدواشوريون السريان التنبيه الى ( الكُبَة ) وسمعتها الطيبة.

لم يحمل العراقيون في يوم من الايام  اية عقدة تجاه ( كباب ولبن اربيل ) بل ربما يزيَن هذا الاسم شوارع المدن العراقية قاطبة و في المقدمة منها بغداد والرمادي وتكريت والبصرة , اما السمك المسكوف فهو علم العراق الثاني ولكن العراقيون لايقبلون به إلا سمكا عراقيا خالصا لايجدون اية حاجة في ان يسبقه او يليه اويقدَم معه, عدا الطرشي العراقي, اي شئ اخر بمافيه الفستق الايراني, اما ( الدليمية ) فهم يذكرون معها تقاليد واخلاق العشائر العربية الاصيلة المبنية على النخوة والشهامة والمترفعة عن كل فعل صغير قبيح , بينما تشير ( الكُبَة ) الى هدوء ومهارة صانعها ورغبته في العمل التعاوني. وكل عراقي عربيا كان ام كرديا ام تركمانيا ام كلدواشوريا, شيعيا ام سنيا,مسلما ام مسيحيا تجده يسيل لعابه عندما تُذكر امامه اي من تلك الوجبات ويرى نفسه صاحب حظ كبير لو صادف وحضر مائدة تحتويها جميعا, اما اهل الهمبركر والكنتاكي , ابطال الشوكة والسكين, فينبغي ان يعرفوا جيدا ان العراقيين قادرون على الانفتاح على الاخرين ويحترمون خياراتهم ويتقنون الاتيكيت عند الحاجة لكنهم لايتلذذون إلا بخبزهم ومياههم.
ترى ألم يحن الوقت بعد كل هذه المعاناة الطويلة لينجب العراق نظاما يكون بصدق وعدالة مائدة للمحبة تتربع عليها كل وجباتنا الوطنية ويلتف حولها الجميع.
موطني موطني هل اراك
سالما مُنعَما وغانما مُكرَما
هل اراك في علاك!

125
بكاء جدَي وبكاء الملايين

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لا اجد حاجة لاختراع القصص وفبركة الوقائع فقد تركتنا الادارة الامريكية نؤمن حتى النخاع ان حبل الكذب قصير حتى ولو كانت تُمسك به اقوى واعتى ماكنة اعلامية في العالم. كان جدَي ( رحمه الله ورحم موتاك ايها القارئ الكريم ) فلاحا بسيطا, لم اعرفه يُتقن غير الفلاحة والزراعة مهنة, والفلاح في شمال العراق ليس كحال الفلاح في وسطه وجنوبه , هناك في الشمال تعتمد الزراعة بشكل رئيسي على كرم السماء بالغيث , ليس امام الفلاح هناك إلا تهيئة البذار والسماد ليقوم صاحب الالة الزراعية برشها وتبقى مهمة الفلاح طوال شهور زيارتها لالقاء النظرة بين حين واخر ولذلك يمكن ان يقال ان المزارع في الشمال هو ( فلاح مْدَلل ) يعمل اياما معدودة. وهكذا كان جدَي واحدا من هؤلاء مواضبا على الذهاب الى الكنيسة في الصباح والمساء طلبا لرحمة السماء في مطر وفير يروي ارضه. اتذكر جيدا وكان ذلك في بدايات السبعينات عندما دخل الكهرباء والتلفزيون الى قريتنا حيث كان جدَي ينتظر نشرة الاخبار بفارغ الصبر ليس لكي يعرف هل اجتمعت الحكومة ام لا, ولا حتى  اخبار فلسطين او فيتنام وانما كانت كل هذه الاخبار بالنسبة اليه ( تَرِكْ ) ومسموح لنا الحديث اثناء قرائتها , ولكن ما أن يصل المذيع الى فقرة الحالة الجوية يكون انذاك لصوت الابرة وقع مسموع ويكون الذي قد اشتهى ( الرزالة ) هو ذلك الذي يسبب التشويش. كان جدَي لايتوانى عن توبيخ المذيع عندما يسرد تفاصيلا عن مقدار وكمية الامطار الساقطة في الاقضية والنواحي حيث كان ينزعج كثيرا عندما كان يعتقد ان المذيع قد ظلم ناحيتنا في عدد السنتيمترات خشية من عدم الاعتراف بنعمة الله ( واما بنعمة ربك فحدِثْ). كان ياتي عيد مباركة السيدة العذراء للسنابل وعيد السعانين فتنتهي الصلاة في الكنيسة ويتناول فطوره بسرعة لينطلق بنا مشيا على الاقدام الى حقوله حاملا اليها اغصان الزيتون لتتبرك بها ويكون محصولها مباركا.

في احد ايام اواخر شهر ايار من عام 1972, كما اتذكر, حيث ينتظر الفلاح الحصول على نتائجه حاله حال الطالب في مدرسته بعد طول انتظار. كانت الحاصدات قد بدأت في الدوران والعمل بينما كانت العربات تنقل الناتج الى البيوت وكان المارة والجيران يتسابقون الى تهنئة اصحاب البيت الذي تقف العربة لتُفرغ بعض او كل حمولتها فيه. في ذلك اليوم من شهر ايار وقبل المساء شاهد وسمع الناس ان حريقا بفعل غير متعمد قد شبَ في احد الحقول في احد اطراف القرية ثم عرفنا انه احد حقول جدي الذي ما ان سمع عنه وكان مع اصدقائه في السوق حتى هبَ مسرعا وكان في بداية الثمانينات من عمره فوصل في زمن قياسي وحاول ان يخمده بكل ما اتيح له حتى عرَض نفسه للخطر وهو يفعل ذلك , فانتشلوه انتشالا واعادوه بالاكراه الى البيت بعد ان كان الحقل قد احترق وانتهى كل شئ. اجتمع الاقارب والجيران والاصدقاء للمواساة وكان الجميع ينظر اليه و هو جالس غير مبال بجروحه ثم انفجر باكيا فكان مشهدا رهيبا غريبا بالنسبة لي , لطفل عمره عشرسنين ان يرى شيخا هرما يبكي امام الجميع لذلك فقد بقيت وستبقى اثاره محفورة في ذاكرتي, وعندما عاتبته احدى النسوة من الحضور اللائي في عمره او تصغره قليلا داعية اياه ان يكف عن البكاء حيث من المخجل ان يبكي رجل كبير , اجابها انها أرضي , اتعرفين ماذا تعني انها أرضي. يقينا ان الفلاح قد وضع اسماء لحقوله وهو لاشك يضيفها في السر اوفي العلن الى قائمة ابنائه الذين قدموا من صلبه.

 تذكرت بكاء جدي بعد كتابتي لمقالي الاخير ( ابناء الاحتلال – هل اقتربت ساعة حزم الامتعة ) والذي نشرته العديد من المواقع الالكترونية حيث وصل بريدي  العديد من الرسائل الالكترونية في ابداء الرأي حوله وكانت احدى الرسائل من اخ عزيز من العراق , ارى من الواجب عدم التصريح باسمه , تركته هموم الوطن لايرى في مباريات كأس العالم او في مهرجانات الاوسكار تلك اللذة التي يعيشها اقرانه في الكثير من دول العالم ا, حيث يقول وبالنص ( ماشدني للكتابة لك ليس موضوعك رغم انه موضوع يعبر بصدق عن واقع وعن دراية كاملة وانا شاكر لك ولكن تلك الجملة جعلتني ابكي بحرقة - انه لعجيب حقا ان تستطيع الادارة الامريكية تجنيد رجال يمتد تاريخ بلدهم الى ألاف السنين وينحدرون من عوائل فاضلة في الحسب والنسب واصحاب شهادات مرموقة وكان بعضهم شخصيا او كان ابائهم واجدادهم ذو ادوارسياسية معروفة , في الوقت الذي عصر النظام السابق الكويت ذات التاريخ المتواضع عصرا فلم يفلح في الحصول منها إلاعلى ضابط مغمور غير معروف اسمه علاء, ليتسلم منصب رئيس الوزراء!- والله لقد بكيت لان في وطني مثل هؤلاء وانا مشفق عليهم قبل كل شئ , نسوا هؤلاء ان العراق ليس ملك طابو لهم او لصدام حسين , لاادري كيف وجدت امريكا هذا الكم الهائل من المتعاونين معها , هل العيب بنا ام بهم !) .

قبل اكثر من ثلاثين عاما شاهدت جدي يبكي حقلا صغيرا , وطنا مصغرا ( شخصيا)  يحترق, ترى كم من الملايين مثل هذا العاشق العراقي تبكي اليوم وطنا بكامله ,عراق الماضي والحاضر والمستقبل وهو يحترق بفعل عبث العابثين وجهل اهل السياسة وطمع الطامعين وخيانة الجيل الجديد من نسل يهوذا وغدر الجيران وذوي القربى وصفقات السماسرة. ربما اصطف البعض تأييدا لتلك المراة البسيطة الطيبة التي دعت جدي الى التوقف عن البكاء ظنا منهم انه كان ببكي خسارة مادية بعينها وهم لايعرفون أن بكاء العاشق لمن يحب هو بكاء نصفه لنصفه الاخر, ومع هذا وإن كان ذلك في بعض جوانبه صحيحا يبقى السؤال مَنْ الذي يلوم هذه الملايين رجالا ونساء كبارا وصغارا وهي تبكي بحرقة وطنا أشعل نيرون عود الثقاب في قلبه وباعه التجار الجدد برخص التراب وسرقه اللصوص في جنح الليل. هل ستخرج احدى النسوة من جديد لتُذكِر كل هذه الملايين انه من المخجل ان تبكي, أم انها ستصطف هي الاخرى لاإراديا مع هذا الطابور. انها ذروة الكبرياء ان نبكي وطنا بالطريقة التي نجعله يزهو. ليست هذه دعوة للوقوف في صفوف طويلة وانتظار إشارة الانطلاق في البكاء واختبار الغدد الدمعية بل هي دعوة لمراجعة الذات ومحاسبة النفس  لمن هو بحاجة لذلك حيث في ذلك امتزاج لنزيف القلوب مع دموع العيون, عسى ان يؤدي هذا الى ولادة انسان جديد.
سلام عليك وعلى رافديك عراق القيم

126
ابناء الاحتلال  - هل اقتربت ساعة حزم الامتعة؟

الدكتو وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ربما لست العراقي الوحيد الذي يشعر بنوع من الضيق كلما سمع او شاهد اوقرأ شيئا ما يتطرق في بعض جوانبه الى الكويت وايران وخاصة الى الاسرة الحاكمة في الكويت والى النظام الايراني, فقد اصبح هذا شعورا عفويا قد ياخذ عند البسطاء شكل كره وبغض عميقين, ومع ان الطبقة الواعية والمثقفة تحاول جهد الامكان كبح جماح هذا الشعور والسيطرة عليه لكن الحقيقة يجب ان تقال في اننا لانستطيع اخفائه كليا. فلدى العراقيون مئة سبب وسبب يجعلهم يُحَمِلون النظامين في الكويت وايران قسما من المسؤولية , كل واستحقاقه , فيما حدث و يحدث لبلدهم . هذا ليس تبرئة كما لاينفي الاعتراف في ان النظام السابق يتحمل ايضا حصته مما جرى ولكن لان الصراع السياسي ليس صراعا جنائيا يمكن فيه ببساطة تحديد المجني والمجني عليه بصورة قاطعة , بل ان هذا الصراع يجعل عملية التحديد هذه بالغة الصعوبة حيث تتشابك الاوراق ويظهر للكثيرين ان كل طرف من الاطراف هو المجني وهو المجني عليه في ان واحد وبدرجة نسبية , ولذلك فمن حق الكثيرين ان يلقوا بالمسؤولية في نتائج ذلك الصراع وعواقبه على جميع الاطراف المشتركة فيه.

 عندما ابوح بشعوري تجاه الكويت استنادا الى ما سبق فانني في الوقت نفسه اعتقد جازما في ان كثيرين مثلي ايضا لايستطيون ان يخفوا شعور الاحترام والتقدير العميق الذي يسجلونه لشعب الكويت عندما رفض وباغلبيته بما فيهم معارضي النظام التعاون مع القوات العراقية التي دخلت الكويت , فكان ذلك بسمارا جوهريا في نعش ذلك المشروع  ,ظهر ذلك واضحا في تلك  التركيبة الهزيلة التي قدمها النظام العراقي السابق على انها حكومة الكويت الوطنية . وبهذا سجلَ المعارض الكويتي درسا في الوطنية استحق عليه التقدير من الجميع حتى من اؤلئك الذين يختلفون معه ويَروْن فيه لاسباب كثيرة عنوانا بارزا ( لبلاويهم ). الحال نفسه ينطبق مع الحالة الايرانية حيث ابدع النظام الايراني في تعليم المعارضة العراقية التي رعاها ولازال يرعاها كل صنوف ( النضال ) باستثناء الوطنية. لقد انبهرت حقا بسماع شيخ شيعي لبناني جليل في برنامج على احدى القنوات الفضائية وهو يعترف في انه تعلم الوطنية من الايرانيين حيث امضى هناك عدة سنوات شاهدهم فيها انهم ايرانيون قبل اي شئ اخر , وهكذا انتعش الشعور الوطني اللبناني لديه بعد عودته الى لبنان كرد فعل ايجابي لمعايشته الحالة الايرانية.

اما في العراق فقد ارتكبت بعض الاطراف والشخصيات الوطنية من المعارضة العراقية السابقة خطأ تاريخيا قاتلا عندما وافقت على ان تكون طرفا في مشروع احتلال العراق تحريضا وتخطيطا وتنفيذا فاصبحت حصان طروادة لتنفيذ اجندة واهداف اطراف اخرى محلية واقليمية ودولية , وتركت شعبها حائرا دائخا في تحديد يوم يحتفل فيه بعيده الوطني !. انه لعجيب حقا ان تستطيع الادارة الامريكية تجنيد رجال يمتد تاريخ بلدهم الى ألاف السنين وينحدرون من عوائل فاضلة في الحسب والنسب واصحاب شهادات مرموقة وكان بعضهم شخصيا او كان ابائهم واجدادهم ذو ادوارسياسية معروفة , في الوقت الذي عصر النظام السابق الكويت ذات التاريخ المتواضع عصرا فلم يفلح في الحصول منها إلاعلى ضابط مغمور غير معروف اسمه علاء, ليتسلم منصب رئيس الوزراء!. ان العد التنازلي في الاستهلاك السياسي لاية شخصية سياسية يبدأ بالانحدار  الحاد في اللحظة التي قررت فيها الجهة المجندة تقديم تلك الشخصية بشكل سافر الى الجمهور, حيث لايُخفى ان حال هذه الشخصية هو كحال قطعة الجندي في رقعة الشطرنج بما يُعرف عنها من دور محدود وصلاحيات هزيلة وتقدير متواضع من قبل القطع الكبيرة كالملك والوزير تصل في اغلب الاحيان الى اللامبالاة في تقديمها عمدا كخسائر عرضية من اجل تنفيذ خطة معينة. وتعلم الشخصية المُجَنَدة او جندي الشطرنج هذه الحقيقة بشكل كامل ولذلك نراها تتصرف محاولة الاستفادة من عامل الزمن للحصول على اكبر قدر ممكن من الربح جريا على شعار ( إقتنص اليوم قبل أن تُرْفَس غدا ) , ومايحدث في العراق من نهب وسلب وسيطرة على الثروات الوطنية والمال العام من قبل اطراف وشخصيات سياسية لايندرج إلا في هذا الاطار حيث تمثل احداث البصرة مثلا صارخا لذلك. ان الاطراف السياسية الكبيرة في اللعبة السياسية العراقية تشكر يقينا في حواراتها الداخلية الضيقة الارهاب والمقاومة كونهما يسدلان الستار عن الصراعات الحقيقية الدائرة بين تلك الاطراف للاستحواذ على اكبر جزء من الكعكة حيث ان الارهاب والمقاومة يؤجل فعلا اعلان بداية الصراع الدموي بين هذه الاطراف على مناطق النفوذ وها نحن نعيش في البصرة حلقة من هذا الصراع لم تتمكن كل المجاملات وتبويس اللحى من إخفائها. ان الاطراف السياسية العراقية قد توقفت منذ زمن بعيد عن الحديث عن ( كوبونات النفط ) التي تحدثت عن ان النظام السابق قد قدمها رشوة لبعض الشخصيات والمؤسسات العربية والدولية وربما تكون هذه الاطراف التي اثارت ملف الكوبونات بتلك الشدة سابقا هي اول من يدعو الان الى دفن هذا الملف وطمره عميقا بعد ان ازكمت انوف الجميع رائحة الفساد في النهب والهدر باموال العراق التي حدثت بعد الاحتلال.   

لقد اعترف الرئيس الامريكي ورئيس الوزراء البريطاني علنا باخطاء كثيرة وقعت قبل وبعد احتلال العراق, نعتقد جازمين ان هذا الاعتراف بالاخطاء لم يأت رغبة من قبل بوش وبلير في ان يظيفوا الى فضائلهما فضائل جديدة ايمانا بالمثل العربي القائل ( ان الاعتراف بالخطأ فضيلة ) , لان الفضيلة وسلوك هذين الرجلين خطان متوازيان لايمكن ان يلتقيا , بل ان تلك الاعترافات تمثل اعلانا رسميا على اتفاقهما على تنفيذ سياسة جديدة او اجراء تحويرات جوهرية في سياسة قديمة. وهكذا واستنادا الى معطيات الواقع العراقي الراهن فان التحليلات تذهب الى احد خيارين , اولهما هو الانسحاب المفاجئ للقوات الامريكية والبريطانية من العراق, قد يبدو الحديث في هذا الخيار للوهلة الاولى ساذجا وبعيدا ولكن اللعبة السياسية هي جهاز رادار ينبغي له ان يدورفي كل الاتجاهات وها نحن نرى الادارة الامريكية تقرر بين ليلة وضحاها الحوار المباشر مع ايران بعد رفضها بتزمت هذا الحوار في السابق , ولذلك يجب ان يوضع في الحسبان خيار قرار الانسحاب مهما بدت حظوظه ظئيلة في الوقت الراهن. فاذا شاء الله وحدث الانسحاب تكون مهمة ابناء الاحتلال قد شارفت على نهايتها لان العمر المتبقي لحكومة المنطقة الخضراء لن يكون بالتاكيد اطول من عمر حكومة ( بابراك كارمل ) بعد الانسحاب السوفيتي من افغانستان. اما الخيار الثاني فهو محاولة الادارة الامريكية لتفعيل الحوار مع اطراف في المقاومة واخرى مناهضة او متضررة من منجريات العملية السياسية بعد الاحتلال وهذا يعني حتما استهلاك قائمة باسماء مهمة ينبغي ان يُلقى على ظهرها وزر الاخطاء التي اعترف بوش وبلير بوقوعها.
ترى هل وضع بوش وبلير في لقائهما الخطوط العريضة لمحتويات تلك القائمة ؟ هل سنعيش حلقة اخرى من المسلسل ويدور الزمن دورة جديدة ويصبح ابناء الاحتلال ايتامه؟
القادم من الايام ياتي ببريد الاخبار.

127
موقع عنكاوة وجهاز التقييس والسيطرة النوعية

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

انها خطوة شجاعة تلك التي خطتها ادارة موقع عنكاوة العزيز في نشر المقالات التي تعالج موضوع التسمية لشعبنا الكلداني الاشوري السرياني في منتدى خاص بها حيث اقتنعت ادارة الموقع اخيرا في ان تلك المقالات ليست إلا ابياتا مكررة في ألفية ابن مالك. ان الواجب يقتضي من المواقع التي تمثل شعبنا ان تحذو حذو المواقع الكثيرة الاخرى فتختط لها طريقا ورسالة يكون الموقع وسيلة لخدمتها بعد ان اصبحت بعض من هذه المواقع وفي المقدمة منها عنكاوة متميزة في جمهورها وفي استقطاب كفاءات وابداعات مشهود لها وبنتاجاتها. وبالتالي اصبحت في غنى عن قبول كل مايرضي رسالتها ومايعمل بالضد منها. ان وجود ( فلتر ) للتصفية لايلغي اطلاقا الديموقراطية ومقوماتها وحرية النشر في موقع ما حيث لايعفي ادارة الموقع من المسؤولية في ما ينشر بمجرد ان تشير في ملحوظة قصيرة ان الكتابات المنشورة تمثل اراء اصحابها ولاتعكس دائما راي ادارة الموقع .

من حق المواقع الصغيرة ان تتحجج بقلة الكتابات والنتاجات التي تصلها سببا يدعوها الى نشر كل شئ ولكن المواقع الكبيرة والمرموقة التي اصبحت لاتعاني من هذا الاشكال ليست مجبرة لفعل ذلك. بل ان مواقع صغيرة كثيرة تعتمد النشر الهادف قاعدة لها منذ البداية. وليس من حق كائن من كان من الكتاب الاحتجاج على رفض موقع ما نشر نتاجه طالما ان ذلك لايتفق مع الخط العام للموقع فمن السذاجة ان يحتج كاتب ما على وسيلة اعلامية ماركسية من عدم نشر مقال له يشيد بالرأسمالية. كما لايحق لغيره في الشكوى يوميا من موقع زهريرا لانه لاينشر له نتاجه الذي يهاجم فيه بعنف المنهج السياسي الذي يلتزم به الموقع ,لان من يذهب لزيارة شخص ما في بيته ويقسو عليه في النقد يسمع وصفا عن فعله لايرضيه. كفى من المزايدات فلم يعمل اي رئيس امريكي كبوق دعاية للنظام الشيوعي كما لم تروج ( البرافدا)في اي من اعدادها لمجتمع ( الماكدونالد ) . بل هذا يتكرر معي كل اسبوع ولا ارى سببا للانزعاج منه فقد ارسلت لي مثلا ادارة موقع صحيفة كردستان الالكترونية رسالة الى بريدي الالكتروني دون ان اطلب ذلك تخبرني عن وجودها على الشبكة العنكبوتية وافتهمت المغزى فارسلت لهم احدى المقالات التي تتكلم عن ضحايا الارهاب واعمال العنف في العراق ووجد المقال طريقه للنشر فورا وكتبت بعده مقالي عن الدكتور احمد الجلبي و السيد نمورود بيتو ولم ينشر وحدث الشئ ذاته مع المقال الاخير ( انجازات الجعفري – الطالباني رئيسا والمالكي مشلولا ) حيث لم ينشر ايضا على ذات الموقع  وليس في ذلك اية غرابة طالما ان الموقع يرى ان المقال لاينسجم مع نهجه واهدافه ونفس الحال ينطبق على المواقع الاخرى التي انشر فيها كايلاف والعراق للجميع  وكثير غيرها.

كان هنالك في العراق جهاز يسمى بالتقييس والسيطرة النوعية مهمته التاكد من اصل السلعة ونوعيتها وسلامتها قبل طرحها للتداول في السوق لكي لايختلط الحابل بالنابل ويصعب التمييزبين المغشوش والاصلي ويباع الزوان بسعر الحنطة. وقد سمعت ان هذا الجهاز قد الغي بعد الاحتلال فكان ذلك سببا لرواج السلع الغير الجيدة وتجارها بشكل هائل. وعندما يتعلق الامر بالصحة والمنتوجات الغذائية فان لذلك عواقب خطيرة وقد اصاب قسم منها جماعات كبيرة من ابناء الشعب , خاصة البسطاء وضعيفي الدخل مما جعل الصيحات تتعالى باعادة الحياة ثانية الى هذا الجهاز وتشديد الرقابة على السوق . لقد اصبحت الشبكة العالمية سوقا عظيمة للمنتجات والمعلومات العقلية واعتقد جازما ان كل المواقع الرصينة تتفق على قاعدة ذهبية تكمن في الحرص على تزويد المستخدم بالمعلومة الصافية القيمة المفيدة. ليس هذا تقييدا لحرية النشر في التعبير, فجهاز التقييس والسيطرة النوعية لايقيد حركة السوق بل ينظمها بما يحمي المواطن من الغش , وادارة الموقع ليس لها ان تترك الموقع الى اجل غير مسمى ساحة للتفريغ وتكرار الانشاءات بعد اجراء تحوير شكلي عليها. ان البعض من الكتاب الذين يصرون على تكرار نتاجاتهم حول موضوع معين يشبه حالهم حال المطرب العراقي الذي غنى اغنيته الاولى عن الطيور فلاقت نجاحا فعاد ليغني ثانية وثالثة عن الطيور فشاهدته يوما على شاشة التلفاز فسالت صديقي عنه فقال لي انه مطرب الطيور فاستغربت , فروى لي القصة.

ربما يجد البعض في قرار ادارة موقع عنكاوة ظلما واجحافا بحقه كون القرار جاء ليقطع رزقه في ما اعتاد على بيعه وجني ارباحه كما جاء القرار مفاجاة له حيث لايوجد لديه شئ اخر يقتاد منه او ان مالديه من السلع الاصلية لاتحقق له الربح نفسه الذي تحققه السلع الاخرى , إلا ان هذا البعض سيشكر ادارة الموقع في يوم ما عندما دقت له جرس الانذار تنبيها لمخاطر الفعل الذي يقوم به فينتبه الى نفسه لان التاريخ لايرحم. ان الاختلاف لايفسد في الود قضية ولكن تبقى مهمة كل مقال ان ينشر نسمات الوحدة ولم الشمل وتبقى مهمة الكاتب الجليلة تكمن في اجهاد النفس في خلق الجسور المشتركة مع القارئ وبين القراء مع بعضهم.

انني ارى ان تشكيل رابطة لادارات مواقع مدن ومنظمات شعبنا واخرى لادارات المواقع العراقية ضرورة ملحة لياخذ الاعلام الالكتروني دوره الكامل في هذه المرحلة فقد تستطيع مثل هذه التشكيلات فعل خطوات اخفق السياسيون في تحقيقها.

128
انجازات الجعفري – الطالباني رئيسا والمالكي مشلولا

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

إثر قراره في الطلب الى الائتلاف العراقي الموحد باعادة النظر في مسالة ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء لولاية ثانية تعالت الاصوات التي تشيد بالموقف الشجاع الذي اتخذه , أي الدكتور ابراهيم الجعفري وراحت تلك الاصوات تصف بالتفصيل ايثار الدكتور الجعفري وتفضيله المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية الضيقة متناسية هذه الاصوات ان قرار الدكتور الجعفري جاء بعد اشهر من تصاعد شديد في حمام الدم العراقي تعرض ويتعرض فيها الوضع الامني الى انتكاسة كبيرة نتيجة لفراغ السلطة الذي يعكسه الصراع المرير على المناصب والحقائب. ان الايثار يرتبط ارتباطا وثيقا بالزمن ابتداء من لحظة الاختلاف وعندما ياتي القرار متاخرا حيث اصبح هامش المراوغة عليه صغير جدا او كصفقة فان ذلك يندرج تحت مسميات اخرى قد يمثل الايثار وصفا ضعيفا لها خاصة عندما يكون لذلك القرار اثار وعواقب ملموسة في الحاضر والمستقبل المنظور.

ان الاطراف الكردية في التحالف الكردستاني مدينة بالشكر للدكتور الجعفري كونه اصبح احد الاسباب المهمة التي جعلت مهمة التجديد للسيد جلال الطالباني  لولاية رئاسية ثانية تُنجز بسهولة. ليس المقصود هنا موقفا مضادا من شخص الرئيس الطالباني او في تولي شخصية كردية لمنصب الرئاسة في العراق فالرجل صاحب خبرة طويلة واثبت جدارة مضافة , كما ان العراقيون جميعا سواسية ونتمنى ان نرى الفرصة في العراق الجديد تتاح لجميع المكونات الاخرى في ان تساهم في البناء في المواقع التي تُحسن اشغالها وهكذا نتمنى ان نرى كرسي الطالباني يذهب يوما ما الى التركماني والكلدواشوري والشبكي والشيعي والصابئي كما ذهب الى السني والكردي , ولكن المقصود هنا هو التحليل السياسي الهادئ لمجريات الواقع والتنبيه الى ان التسويات السياسية واقتناص الفرص قد لايشكلا في النهاية انعكاسا للنيات ومناخا سياسيا مستقرا. صحيح جدا ان منصب رئاسة العراق يمثل بالنسبة للاخوة الاكراد منصبا شرفيا اكثر بكثير من كونه منصبا فعليا في تاثيره على الواقع في الاقليم لان القرارات التي تتخذ في بغداد لاتجد طريقها للتطبيق الفوري في الاقليم كما ان ادارة الاقليم لاتكتب كما يُعتقد دائما الى المركز تطلب الموافقة على امر ما قبل ان تقوم بتنفيذه. لكن هذه الرئاسة الفخرية  وانشغال السيد الطالباني في بغداد ضرورية جدا في هذه المرحلة لدوام استقرار الوضع في الاقليم لان تجارب العمل السياسي في الشرق الاوسط اثبتت بالملموس ان اجتماع الالكترونات السياسية دون مواقع تُلهيها وتقتنع بها ليس دائما محمودا في عواقبه. ان السياسيين الاكراد اثبتوا فعلا حنكتهم السياسية ومهارتهم في اتقان قواعد اللعبة كونهم اساتذة بارعين في العمل السياسي عندما رموا منذ البداية طعم الرفض للتجديد للدكتور الجعفري في ملعب اللعبة السياسية فتلقفته كتلة التوافق والقائمة العراقية بحماس شديد وتورط الائتلاف معهم في اللعبة بسبب تشبث الجعفري بالمنصب , وفي الوقت الذي كان هؤلاء جميعا منشغلون مع حكم المباراة - السفير الامريكي - في خلافاتهم كان يسيرا على الاخوة الاكراد الذهاب بالكرة والوقوف على ابواب الهدف , وعندما انتبه بعضهم الى الحال كالسيد ايهم السامرائي الذي اعلن ان الحزب الاسلامي وجبهة التوافق يعتقدان مع الائتلاف ان منصب الرئاسة ينبغي ان يذهب الى العرب كان الاخوة الاكراد في مرحلة التسديد الى الهدف الخالي ولذلك خرج السيد الهاشمي في اليوم التالي ليفنِد تصريحات رفيقه السامرائي ويعلن ان منصب الرئاسة محسوم للطالباني. ربما يتفق كثيرون في انه لولا تشبث الجعفري بالمنصب لاشهر عديدة , بمعنى لو كانت معضلة منصب رئيس الوزراء قد تم تجاوزها في وقت مبكر لكانت علامة الاستفهام حول اختيار السيد الطالباني لمنصب الرئاسة اكبر بكثير مما كانت عليه بالرغم من ان الطالباني نفسه وانعكاسا لخبرة سياسية شخصية طويلة سارع فور انتهاء الانتخابات الى الاعلان مقدما في انه لايطمح في ولاية ثانية.

الانجاز الاخر للدكتور ابراهيم الجعفري يكمن في الصفقة التي شارك في تمريرها او وافق على الاقل عليها كرد لجميل صنعه في التنحي عن المنصب وتتمثل في اصرار الائتلاف على ترشيح شخصية من حزب الدعوة بديلا لرئيسه الجعفري من منطلق الوفاء للعلاقات التي يجب ان تربط بين قوى الائتلاف دون الاخذ بنظر الاعتبار دقة وحساسية المرحلة التي يعيشها البلد وحاجته الى قيادة قوية. وهنا يظهر للعيان الحرص على تفضيل المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة. لقد اعتاد الساسة والمسؤولين في الشرق الاوسط على العمل او التمني في ابسط الاحوال في ان يكون من يخلفهم في الموقع , خاصة اذا أُزيحوا منه بالاكراه , اكثر فشلا منهم عسى ولعل ذلك يدفع الجمهور الى ذكر بعض حسناتهم. ربما لم يكن يدور في خلد السيد نوري او جواد المالكي ان يصبح مرشحا لمنصب رئيس الوزراء فاسمه لم يجري تداوله لهذا المنصب إلا في الايام والساعات الاخيرة , حيث ان الرجل يُعتبر من رجالات الخط الثاني في قائمة الساسة العراقيين الجدد, والعنوان البارز في سيرته الذاتية يتمثل في انه كان المسؤول عن الخط الجهادي في حزب الدعوة ومهمات وخبرة مسؤول الخط الجهادي في حزب معارض للسلطة تختلف حتما عن الصفات والشروط الواجب توفرها في مَنْ تُناط به مسؤولية بناء دولة من جديد وسط كمِ هائل من التحديات. ولذلك فان السيد المالكي لم يكن إلا( مرشح تسوية ) وجد الجميع ضالتهم فيه حيث يضمن صقور اللعبة السياسية في العراق نصيبهم في الكعكة ويغني كل على ليلاه , ينفذ اجندته واهدافه من خلال الوزارات التي يستحوذ عليها,  فسلطة السيد المالكي عليها ضعيفة كون التعليمات النهائية والفاصلة والحاسمة تاتي من رجال الخط الاول الذين يأتمر السيد المالكي ايضا بأُمرتهم , ثم تُعلق جميع الاخطاء والاخفاقات على شماعة السيد المالكي. ان الكثيرين يعتقدون في ان السيد نوري المالكي قد أُلبس هذه ( السلطانية ) بهدف الحرق السياسي ليس إلا, لان خروج جمل من ثقب إبرة ايسر بكثير من خروج السيد المالكي منها سالما. ان التحالف الكردستاني وجبهة التوافق والقائمة العراقية- الى حد ما - قد وجدوا في السيد نوري المالكي وجبة سهلة الهظم لمرحلة ما حتى تنضج الظروف لتبلور خارطة سياسية جديدة ,كل حسب اجندته , بينما وجدت بعض القوى السياسية الصغيرة في السيد المالكي فرصة للابتزاز في الاصرار على بعض المناصب مما جعل العملية السياسية تصل الى مراحل خطيرة في المعارضة اللامسؤولة . ليس المقصود من هذا الدعوة الى كبح الديموقراطية بل ان تجارب الشعوب العريقة فيها تُعلِمنا ان قمة الديموقراطية يكمن في وضع مصلحة البلد والشعب قبل اي اعتبار اخر. اما الائتلاف الموحد فقد وجد بعض اطرافه انفسهم امام ثمن ينبغي دفعه لمجاملة لم يجدوا طريقة ادبية للتنصل منها بينما وجد القسم الاخر ان ماسيجنيه منها كطرف سيكون في كل  الاحوال اكثر مما سيفقده مع باقي الاطراف ككتلة مجتمعة ,اما الوطن وهموم شعبه ومعاناته فالزمن القادم طويل وفي العجلة الندامة!
ربما ينتقدنا البعض في اننا نحكم على الاشياء مبكرا ونتشائم قبل ان نجرب الرجل ونمنحه الفرصة ونرى خيره , لكننا في الوقت الذي نتمنى له من صميم القلب كل النجاح في ان يطفر- بمعجزة الهية - كل الموانع التي تقف عائقا امام تقديم كل ماهو نافع لشعب العراق وماينتظره منه المواطن البسيط , إلا ان استقراء معطيات الواقع لرؤية المستقبل تدفع الكثيرين الى الشك او التنبيه على الاقل عسى ان يفيد ذلك في تدارك مايمكن تداركه ,لان العرب تقول ان الكتاب يدلَُ عليه عنوانه والروس يقولون ان البداية الطيبة نصف العمل واتمنى ان أكون مُخطئا في استنتاجي في ان السيد نوري المالكي ( رغم احترامي الشخصي له ) ليس عنوانا لكتاب طويل ثرِ في نتائجه كما لم نُنجز باختياره نصف العمل وأصبحنا في الشق الثاني منه.

 

129
الدكتور احمد الجلبي والسيد نمرود بيتو – بطاريتان يعاد شحنهما

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

تشير بعض التسريبات عن المشاورات التي تجريها الكتل السياسية العراقية لتشكيل الوزارة العتيدة الى قيام بعض الاطراف في هذه الكتل بطرح اسم الدكتور احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي كمرشح لتولي احد المناصب الوزارية السيادية او على الاقل كمستشار بدرجة وزير في الوزارة التي يعمل جاهدا على تشكيلها السيد نوري المالكي بينما حزم الحزبان الكرديان امرهما وقررا تسمية السيد نمرود بيتو رئيس الحزب الوطني الاشوري وزيرا للسياحة في الحكومة الكردستانية الموحدة. قبل كل شئ تجدر الاشارة الى ان هذه السطور لاتستهدف قط توجيه النقد الى هاتين الشخصيتين من الزاوية الشخصية فليس هنالك اي مبرر لهذا على الاطلاق حيث لاتوجد اية علاقة شخصية معهما بل كل ما يعنينا هو الصفة والنهج السياسي الذي يمثله كل منهما.

ان مايثير الغرابة والدهشة حقا هو اعلان بعض الاطراف عن حرصها على احترام الاستحقاق الانتخابي في توزيع المناصب التنفيذية في الوقت الذي تلقي هذه الاطراف جانبا تلك الاستحقاقات الانتخابية في خياراتها النهائية للشخصيات التي ستشغل تلك المناصب. ليس خافيا ولاشماتة ان الانتخابات الاخيرة اظهرت نتائج متواضعة لقائمة المؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه الدكتور احمد الجلبي , والحق يقال ان الجلبي قد اعترف بتلك النتائج منذ البداية وقرر الانزواء قليلا عن الاضواء في وقت كانت صيحات الاحتجاج والرفض لها عالية جدا. والحال نفسه ينطبق ايضا على الحزب الوطني الاشوري الذي دخل الانتخابات بقائمة مستقلة وحصد منها نتائج متواضعة جدا. انه لمن السذاجة ان يحاول البعض اليوم تحليل وتبرير نتائج الانتخابات بعد عدة اشهر من انتهائها على امل النجاح في ذر الرماد في العيون وتحويل النكسة الى نصر في وقت غادر فيه اغلب المحتجين الاشداء هذا الموضوع واصبحوا جزءا من العملية السياسية واعترفوا بالنتائج بعد اقرار الطعون وجدد مجلس النواب الجديد عمل المفوضية العليا للانتخابات . استنادا الى ماسبق وبناء على الاستحقاق الانتخابي يحق للمرء ان يتساءل عن المغزى والاهداف في طرح واختيار اسمي هاتين الشخصيتين اللتان يشير اليهما عنوان هذه السطور

ان طرح وتداول اسم الدكتور احمد الجلبي من قبل بعض الاطراف في الائتلاف العراقي الموحد ليس إلا محاولة لتحقيق غاية في نفس يعقوب تتمثل في استخدام اسم الدكتور الجلبي كورقة مضادة للقائمة العراقية التي يقودها الدكتور اياد علاوي ولديها خمسة وعشرون مقعدا في مجلس النواب ويمنَ عليها الائتلاف الموحد ببعض الحقائب بالقطارة في الوقت الذي يعلن استعداده لاهداء احد المناصب المهمة لمن لم يحالفه الحظ في دخول مجلس النواب , كما ان طرح اسم الدكتور الجلبي يعني اغاضة بعض الاطراف والكتل السنية التي ترى في الدكتور الجلبي عرَابا رئيسيا لمشروع احتلال العراق. صحيح ان الدكتور الجلبي هو خير مَن ينفذ اجندة الائتلاف الموحد في المجال الذي يُختار له طالما لاتوجد فرصة لاختيار احد غيره من امراء الائتلاف لانه اي الدكتور الجلبي لن يكون بالتاكيد ناكرا للجميل والنعمة وسيثمِن يقينا الفرصة الجديدة الممنوحة له في محاولة الوقوف على رجليه ثانية ولملمة مايمكن لملمته.

الوصف نفسه ينطبق ايضا على السيد نمرود بيتو بالرغم من ان هذه الشخصية ليست ذائعة الصيت كالدكتور الجلبي كون الحزب الوطني الاشوري الذي يمثله لايملك قاعدة وطنية عريضة بل ان انتشاره يكاد يكون محدودا بين اوساط شعبنا المسيحي بمسمياته القومية المختلفة. ليس هذا بخسا بحقوق هذا التنظيم السياسي ودوره ولكن اعترافا بالحقائق التي تشير الى ان هذا التنظيم يملك بعض الانصار في صفوف مسيحيَ المهجر. ولذلك فان قرار القيادة الكردية اختيار السيد نمرود بيتو لمنصب وزير السياحة لايمكن ان يندرج حسب اعتقادنا الشخصي إلا في اطار ان الحركة الديموقراطية الاشورية هي التنظيم المغظوب عليه حاليا من قبل القيادة الكردية إن لم يكن ذلك رغبة في الاستخدام المتقن لسياسة فرق تسد التركية حيث معطيات الواقع السياسي تشير الى ان ماتملكه الحركة الديموقراطية الاشورية من قاعدة جماهيرية يفوق باضعاف مايملكه الحزب الاشوري , فاذا كانت القيادة الكردية تحرص على ان تكون حكومتها الموحدة ممثلة لطيف واسع من شعب الاقليم فالاولى بها ان يكون خيارها من صفوف هذه الحركة. مرة اخرى نؤكد ان لاعلاقة تنظيمية تربطني باي شكل من الاشكال بالحركة الاشورية وليس الهدف الدفاع عنها بقدر مانهدف الى التحليل الهادئ المنطلق من وجهة نظر شخصية تبغي الحالة الافضل للجميع.

ان الحقائق السياسية الراهنة لشعبنا المسيحي على اختلاف مسمياته القومية تؤكد ان السيد سركيس اغا جان والحركة الاشورية يمثلان الساقان الرئيسيان في جهد هذا الشعب ودوره واذا كانت اية جهة او طرف ما يحرص على مساعدة هذا الشعب في لعب دوره الحقيقي في بناء العراق الجديد فان الواجب يتطلب من تلك الجهة او ذلك الطرف ان يعتمد على هذين الساقين معا لكي يستطيع شعبنا المسير بصورة طبيعية وصحية , اما الاعتمادعلى ساق واحدة والاستعانة بعصا رفيعة ضعيفة للاتكاء فان ذلك لايعطي إلا صورة لشعب معوق وبالتالي دور معوق.

ان اعادة شحن البطارية لايعني انها اصبحت صالحة للعمل بنفس الدقة والى اجل غير مسمى بل ان الكثير من اصحاب الخبرة في هذه المهنة يرون ان اعادة شحن البطارية يعني اعلانا اوليا بنفاذ صلاحيتها اما اذا كانت احدى خلاياها عاطلة ( كويل ) فانهم ينصحون بمغادرتها فورا وعدم هدر الجهد والزمن والمال فيها, ولكن يبدو ان بعض الاطراف السياسية قد وجدت في حساباتها انها تستطيع ان تجني فوائد كثيرة وبخسائر قليلة وتحقق اجندة مهمة من خلال استعمال هذه البطاريات التي اعادت شحنها غير ابهة بركاب تلك الحافلات التي تعمل هذه البطاريات عليها مادامت تعتقد ان هؤلاء الركاب قادرين على الدفع اذا تطلب الامر ذلك .

130
عندما يصبح القتل لعبة وبزنس إقرأ على الدنيا السلام

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

انها مأساة وصدمة عميقة ان ينتقل قطار العنف في العراق الى محطة جديدة يتمثل في الخبر المشؤوم الذي اصبحت وسائل الاعلام تتناقله يوميا في العثور على جثث جديدة لاناس مجهولين لاناقة لهم ولا جمل في السياسة بل كل مصيبتهم ومصيبة اهلهم انهم اصبحوا وجبة عشاء لليل مدنهم الذي امتد ليأكل نهارها كله. منذ متى اصبح المسؤولون في مشرحة المدن نجوما للاعلام ؟ ! يا لمصيبة بلد اصبح  معاون مدير مشرحة العاصمة فيه يعلن عن ان مشرحته تستلم يوميا خمسون جثة وان هذه الجثث تتكدس في المشرحة ويبث الاعلام مشاهد عن ذلك فياتي صديقك الاجنبي ليسالك عن المغزى والاسباب فتُخفض رأسك وتهزه خفيفا وتأخذ بعضك وتنزوي في احدى الزوايا. عندما تصبح المهمة اليومية للام والزوجة والاخت  تتلخص في رمي طاسة من الماء خلف ابنها او زوجها او اخيها وهو يهم بمغادرة منزله املا واعتقادا وسلوى للنفس في ان يرجع سالما, إقرأ على الدنيا السلام . عندما يؤمن الطفل ان واجبات المرحلة تحتم عليه ان يستغني عن مشاهدة مسلسل كارتوني جديد او يلهو مع اقرانه  بل يتجه للصلاة والدعاء وهو الاقرب الى قلب الله ونظره مشدود الى الباب بانتظار دقات ابيه التي تعني انه عاد اليه سالما, إقرأ على الدنيا السلام.

ايام عديدة مرت وحاولت فيها ان اكتب عن تلوث البيئة في العراق ولم افلح حيث خبر العثور على الجثث في العراق التي تعيده النشرات في كل رأس ساعة يهزني من جديد. ترى كيف يمكن ان نطلب من الانسان ان يشارك او ينتبه او يدافع عن البيئة وهو لايستطيع حماية نفسه. أليس من حق الكثيرين من القراء ان يقولوا في السر او في العلن وهم يطالعون موضوعا عن تلوث البيئة ( عرب وين وطنبورة وين ) . لقد  كُتب علينا ايها الزميل العزيز الدكتور كاظم المقدادي ان نكون في اجازة اجبارية بعيدا عن البيئة ومأساتها حتى ولو كانت التقارير تتحدث عن مئة الف مواطن عراقي يسكنون المناطق التي تحيط بمجمع التويثة والذين يتعرضون الى جرع اشعاعية كبيرة بسبب تلوث المنطقة يجعلهم عرضة للاصابة بالامراض الاشعاعية ناهيكم عن التاثيرات الغير المباشرة التي تظهر و ستظهر على الولادات والاجيال الجديدة, في الوقت الذي رفعت احدى المؤسسات الحكومية السويدية المختصة بالوقاية والحماية من الاشعاع دعوى قضائية ضد شركة (وستنيج هاوس ) لانتاج الوقود النووي بسبب عدم توفر الدقة الكاملة في تطابق اوراق الشحن مع عدد اعمدة الوقود المستهلكة المشحونة فعلا من معمل هذه الشركة في السويد الى الولايات المتحدة .

مَن من السياسيين الجدد في العراق بحال البيئة وهم يتطاحنون ويتقاتلون ويستقتلون للفوز بهذا المنصب او ذاك. أشهر عديدة ولم يفرغ هؤلاء من معاركهم في تقاسم المناصب, حالهم حال الضرائر اللائي جاء رب الدار ليلقي عليهم بضعة مصوغات ذهبية فاشتعلت المعارك بينهن بينما ذهب هو يتعلل مع اصدقائه بانتظار ان ينقشع الموقف. اية مهمات ستتصدى لها حكومة يحتاج منصب الامين العام لمجلس الوزراء فيها الى مفاوضات لايام تجعله لايُحدث خللا في ميزانها! ان حكومة تولد بهذه الطريقة ليست إلا أشبه ( بصينية ماء ) يحملها رئيسها ليمشي بها عاريا فوق حبل مشدود ولنا ان نتصور المسافة التي سيقطعها المسكين قبل وقوعه والصينية ومافيها على حد سواء .

وفوق كل هذا وذاك لازال البعض يزايد. الجثث بالاكياس في الشوارع وهو يطلق العنان في الحديث عن التاريخ المجيد. مصيبتنا في مرضى التاريخ. العالم كله يفتخر ويتحدث عن الحاضر والمستقبل ,عن اليوم وغدا ونحن لانتلذذ إلا بالحديث عن الماضي والبارحة, العالم كله يرى في الغد افضل من اليوم والامس ونحن نتشائم من القادم من الايام والعتيق دائما لدينا افضل من الجديد. التاريخ بالنسبة للاخرين عبق للذاكرة وحافز للفضول والاثارة, اما لنا فهو ورقة التوت التي تغطي عورات الحاضر. مرضى التاريخ هم أشبه باؤلئك التجار المفلسين الذين طرحهم السوق على قارعته فاصبحت وظيفتهم الجلوس على اعتاب المقاهي يلهون بسبحاتهم ويحكون قصصهم يوم كانوا ابطالا لذلك للسوق ويدفع من يستمتع بسماع قصصهم ثمن مشاريبهم لنادل المقهى.

انه زمن قريب ونرى فيه رئيس النظام السابق يطلب من القاضي قبل ان ينطق بالحكم ان يحقق له رغبة اخيرة في ان يستدعي الكثير من امراء السياسة في العراق الذين قدموا او ظهروا بعد الاحتلال الى جلسة عامة فيقول صدام للقاضي ( سيدي القاضي , قل لهم مَن منكم بدون خطيئة فليرمني بحجر ) فيكتشف الجميع , في القفص وخارجه انهم حبايب ورفاق ويأخذ البعض الاخر بالاحضان,  ويقول القاضي ماقاله السيد المسيح في قصة تلك المراة, ويطلب كل من هؤلاء الطلاب من ادارات مدارسهم الاجنبية, كل وتبعيته , بان تقوم بتوزيع شهادات النجاح على تنفيذ الادوار اما الذين دفعوا الثمن في الحروب والانفال والمقابر الجماعية واليورانيوم المنضب والمفخخات والتفجيرات وحوادث الارهاب والتهجير والاقصاء والانتقام فكل هذا الطابور الطويل العريض , لدينا الخبرة والكفاءة في ان نختصر مأساته بكلمات معدودة نحفظها عن ظهر قلب فنقول انه قدر الله المكتوب وانا لله وانا اليه راجعون.

131
شكرا جنان ساوة – إكتشفنا التسمية
مرحى شعب نينى ونينى وننَايي
الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كان عيد قيامة الرب له المجد مناسبة للتحرر ولو زمنيا من هموم الحياة وفرصة للابحار اولا والتأمل في عظمة هذه المناسبة كونها حدثا خارقا تنفرد به المسيحية وتتباهى وتفتخر به على مر الازمان والدهور, ولان العيد يعني الفرح فكان عيد القيامة ثانيا مناسبة للتعبير عن الفرح والسعادة الذي بأخذ شكل تجمعات ولقاءات وسهرات يجتمع فيها الاهل والاصدقاء والخلان لساعات تسودها المحبة والانتشاء. وشاءت المناسبة ان يجتمع جمع غفير من أبناء شعبنا في مدينة اسكلستونا السويدية حيث نظمت اخوية ماربولس الرسول مشكورة حفلا جميلا بهذه المناسبة  , وشاءت الصدفة ايضا ان يسمح لي محل جلوسي برؤية مشهد متكامل من الحضور والفعاليات.

انها باقة ورد رائعة تجمع جميع اطياف شعبنا فالحفل كما قلنا كان من اعداد وتنظيم اخوية مار بولس وهي تظم نخبة متميزة رائعة من الشباب المسيحي الذين ينتمون الى الكنيسة الكلدانية لكن ذلك لم يمنع ان ترى ابناء شعبنا من الاشوريين والسريان بثقل وزخم كبيرين في الحضور والفعاليات. بل ترى , ويغمرك الفرح , ان الكلداني والسرياني والاشوري يجلسون على مائدة واحدة وكأن لسان حالهم يقول لاصحاب مقالات التشرذم والانشقاق انهم كانوا ولازالوا وسيكونوا هكذا شعبا واحدا وان محاولات فطاحل المواقع واصحاب الاوراق الصفراء لن تنجح في زرع بذور الفتنة والانشقاق في صفوفهم عن طريق اللعب على اوتار مشاعر الانتماء الضيقة في محاولة سافرة للاصطياد في المياة العكرة. ترى الايادي متشابكة في الدبكات , لاحاجز يفصل بين الكلدانية والاشوري والسرياني والاشورية والكلداني والسريانية وعندما طلب احدهم اغنية جنان ساوة الاخيرة هب الجميع في كتلة واحدة وكانهم يريدون ان يقولوا لمن داخ ودوَخ الاخرين بمستنقع التسمية انه شعب واحد ولا ضير في ان يطلق عليه مؤقتا ( شعب نينى ونينى وننايي ).

كفانا نبشا في بطون التاريخ ( يقول نزار قباني نصف حوادثه تزوير ) لنُخرج ونشيع بين ابناء شعبنا ما قد ربما نكتشفه فيه من نقاط مظلمة عوضا عن تلك السيول العظيمة من الاشعاعات المنيرة التي يزخر بها وتتحدث بالادلة والشواهد عن هذا الشعب الحي الذي يكفيه فخرا انه حافظ على هويته لعشرات من القرون رغم كل الاعاصير والهجمات البربرية التي استهدفته.
انه البيت المسيحي الذي يحتوي على ثلاث غرف , الكلدانية والاشورية والسريانية وفي الوقت الذي يملك الجميع الحق في تاثيث وتزيين غرفهم بكل ماهو رائع لكن الواجب الاساسي يكمن اولا في العمل معا لكي تكون لهذا البيت الواجهة الانيقة الغنية التي يستحقها وترتفع على سطحه راية واحدة حيث لامعنى لاي جهد فردي ينصب فقط لصالح احدى الغرف ويهمل الباقي كما ان التاريخ لن يسامح قط اؤلئك الذين ينبشون تحت غرف اشقائهم بهدف تحويلها الى ركام ظنا منهم انهم بذلك يستحوذون على ( الهريسة ) التي لن تكون إلا انقاضا. انها كتلة واحدة واية انتكاسة في زوايا اي اساس فيها ستلقي بضلالها سلبا على البناء بكامله. ان المنظرين الذين يحاولون التقليل من فعل العامل الديني في وحدة مصير شعبنا عليهم ان يتذكروا ان هذا العامل وحده هو من أوقف ( طابور الواوات) في تسمية هذا الشعب وحال دون ان يضاف الى ذلك الطابور الصابئة واليزيديين والشبك في ( جبهة واوية قومية تقدمية). حاشا ان يكون هذا انتقاصا من هذه المكونات ولكنها محاولة لوضع النقاط على الحروف فتكون يسيرة للقراءة لمن لايتقنها. ان الذي يراهن على تحقيق اهداف شعبنا من خلال تسمية قومية اذابت قلوبنا ولم نتفق عليها انما يقع في وهم كبير, ليس هذا عداء للتسمية القومية ولكن ينبغي لهذا العلم القومي ان يكون بسارية راسخة يلتف عليه ويحميه الجميع وليس كعلم نصير الجادرجي ايام مجلس الحكم , ذلك العلم الذي كانت دورة حياته ساعات محدودة. ربما يتفق الكثيرون في ان الهوية الدينية ستحقق لنا في هذه المرحلة اضعاف ماتحققه اية تسمية قومية تُرمى بسيل لاينقطع من الحصى من قبل من يُحسبون عليها.

وها نحن مؤخرا نعيش موجة اخرى من المقالات الصاخبة التي تعلو باصوات التشرذم والانشقاق حيث انتقل كتابها  وللاسف الشديد رسميا من دائرة النقد ليصبحوا اسرى الحقد فتراهم يوجهون سهامهم نحو كل دعوة او مقالة تدعو الى الوحدة كما يحاولون بشتى السبل الحط من كل جهد سياسي لشعبنا فاصبحت الحركة الاشورية مثلا بالنسبة اليهم بعبعا يحصون عليها شهيقها و زفيرها وكأن قادة هذه الحركة ليسوا من ابناء شعبنا بل اعضاء في الحكومة الاسرائيلية الذين صلبوا اجدادهم الرب له المجد. وفي المقابل وكاستخدام لقانون الفعل ورد الفعل نرى بعض الاخوة الاشوريين الذين تستفزهم سريعا تلك الكتابات فينطلقون في مهاجمة اي جهد لشعبنا لاترعاه الحركة الاشورية كبعض المقالات التي تنتقد بحدة قناة عشتار الفضائية والفعل الذي يقوم به السيد سركيس اغاجان نائب رئيس حكومة اقليم كردستان. ترى كم ستكون النتائج كبيرة وفعالة لو توحدت وتكاتفت جهود الحركة الاشورية مع جهود السيد سركيس اغاجان وكانت هاتان الموجتان في طور واحد ونتج عن تفاعلهما تداخل بنَاء؟! 
ان الديك يصيح مرة في الصباح فيكون ذلك كافيا ليستيقظ الجميع فينطلق كل الى عمله لكن مصيبتنا كبيرة حيث شعبنا يصيح لسنوات والسياسيون فيه قد تناولوا جرعة كبيرة من المخدر تجعلهم على الدوام نيام.

132
الرئيس الايراني وسياسة اعلان( الاخبار السارة ) بالتقسيط
الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

أوفى الرئيس الايراني احمدي نجاد ما وعد به شعبه والعالم فاعلن قبل ايام قسطا من اخباره السارة المتعلقة ببرنامج بلاده النووي والتي تمثلت بنجاح ايران في تشغيل دورة الوقود التي كانت قد اعلنت عن امتلاكها سابقا وحصولها على الوجبة الاولى من اليورانيوم المخصب بنسبة3,5 الى 5% او مايطلق عليه بوقود المحطات . ليس خافيا على الاختصاصيين والمطلعين على علوم التقنية النووية ان هنالك فاصلة مهمة في العمل والزمن بين هذا الذي يدور الحديث عنه الان اي وقود المحطات وبين الوقود النووي المطلوب للاسلحة النووية , لكن توقيت الاعلان في هذه الايام حيث يتصاعد الصراع حول هذا الملف مسجلا نقطة اعلى في مقياس حرارته واعطاء النظام الايراني لهذه الخطوة زخما اعلاميا وتسويقه لهاعلى اساس انها سجلت ايران رسميا عضوا جديدا في النادي النووي في الوقت الذي توجد فيه مثل هذه المعامل اي معامل انتاج وقود المحطات في دول اخرى ولم يسبق واعلنت تلك الدول انها تنتمي الى النادي النووي .

 ان ماسبق ذكره يشير الى حقيقتين رئيسيتين:

الاولى تتمثل في ان الاعلان عن تحقيق نجاحات جديدة يعني ببساطة ان هذا البرنامج , وكما نوهنا في مقالات سابقة , لم يتوقف للحظة واحدة وبالتالي فان الاعتماد على الطرح والادعاءات الايرانية في تقييم هذا البرنامج وماوصل اليه قد يسبب الوقوع في مغالطات كبيرة فكيف يمكن لبرنامج تم إدعاء تجميده ووضع اختام مفتشي وكالة الطاقة على منشأته من تحقيق خطوات جوهرية جديدة خاصة وان الفترة الفاصلة بين اعلان النظام الايراني عن نيته كسر و رفع تلك الاختام وبين الاعلان الاخير عن انتاج الوجبة الاولى من الوقود المخصب لاتتعدى الشهران فقط , كما ان الانباء تتحدث عن طحن اكثر من مئة طن من الكعكة الصفراء. ان الاعلان الايراني قد وضع القيادة الايرانية من وجهة نظر الكثيرين في قلب الدائرة الصغرى من الشك في كل ادعاءاتها ونواياها . وحده مدير وكالة الطاقة الدولية الدكتور محمد البرادعي الذي يبدو انه إستفاد كثيرا من الدرس العراقي يرى الى حد ما عكس ذلك , فاصبح حذرا الى اقصى الحدود في تصريحاته ولذلك حاول ويحاول التخفيف من حجم الخطوة الايرانية معتمدا السياسة ذاتها التي يستخدمها مع النظام الايراني في الرفع والكبس بخجل شديد بعكس ما فعله ايام ازمة اسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة. أليس التساؤل مشروعا حول ردة فعل البرادعي لو كان العراق وقتها قد اعلن عن نجاحه في تخصيب اليورانيوم باية نسبة بسيطة , هل كان سيكون رد الفعل مشابها لردة فعله ازاء الاعلان الايراني , لقد كان اكتشاف عدة وثائق عن التخصيب في دار احد العلماء العراقيين كافيا لينطلق الدكتور البرادعي وقتها في تصريحات نارية تنذر العالم بخطر رهيب وشيك!

اما الحقيقة الثانية فتكمن في ان الكثيرين لايعتقدون في ان القيادة الايرانية التي اظهرت لحد الان قدرة كبيرة على المراوغة قد وصلت بها السذاجة الى ذلك الحد الذي تقرر فيه تحدي العالم كله واسترخاص مصداقيتها لديه من اجل وقود لاينفع باي شكل من الاشكال ليكون ورقة حاسمة في مساومات مباحثات الطاولة بل يمكن , اذا كان هذا كل شئ . ان يكون ذلك السحر الذي سينقلب على الساحر ويصبح سببا لتنازلات جدية من الجانب الايراني وفرض شروط جديدة من الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي.

ان الزمن يمضي بسرعة ولايمكن لكل الاطراف ان تستمر في الامساك بخيوط اللعبة الى المالانهاية واذا كانت القيادة الايرانية قد تمكنت حتى الان من ادارة اللعبة والمراوغة فيها بدرجة كبيرة من الذكاء ألا انها تعرف يقينا ان صافرة الحكم قد اصبح صوتها اقرب من اي وقت مضى وان امامها طريقان لاثالث لهما, إما ان تلقي بكل مفاتيح البرنامج النووي الايراني على الطاولة في تصرف مشابه لما فعله قبلها العقيد الليبي وتعتبر ان انتاج وقود المحطات كان نقطة الذروة في هذا البرنامج . يبدو هذا الاحتمال بعيدا نظرا لما عُرف عن النظام الايراني من التعنت والمطاولة وعدم الاستعداد لوضع ربح العالم مكافئا لخسارة المصداقية امام شعبه ناهيكم عن ان هذا النظام يعرف جيدا ان مفاتيح البرنامج النووي وكما اثبتت الوقائع ليست إلا مقدمة لسلسلة طويلة من المفاتيح الاخرى التي غالبا ماتنتهي بمفاتيح غرف النوم الداخلية. اما الخيار الثاني فهو الاعلان الرسمي عن امتلاك ماهو اكثر من وقود المحطات وفرض الامر الواقع على المجتمع الدولي ودعوته الى التفاوض على اساس حقائق جديدة. ليس صعبا على محلل مبتدأ ان يقرأ مابين السطور فعندما يتحدث الرئيس الايراني في حفل تدشين وقود المحطات عن القوة النووية الايرانية ودورها المستقبلي في ( استقرار المنطقة ) فان ذلك يعني ان قسطا مهما من ( الاخبار السارة ) في الطريق , وإلا ماهو الرابط بين وقود تنحصر استخداماته في محطات توليد الطاقة والقوة النووية؟
ان النظام الايراني يعتقد جازما ان اعلانه عن امتلاكه السلاح النووي سيكون عاملا حاسما يقيه من اية ضربة عسكرية تخطط الولايات المتحدة او اسرائيل لتنفيذها ضده بل وحتى اية عقوبات دولية طويلة.
هنيئا للادارات الامريكية المتعاقبة على سياساتها الغبية وصنيعها الاسود يوم قررت مطاردة السراب النووي العراقي وتركت القط حتى يسمن جيدا فغاصت في وحل المطاردة ودفع ويدفع الابرياء الثمن ولاتعرف لنفسها مخرجا, اما القط فكانت السنين الطويلة كافية ليلعب ويلهو ويمارس الرياضة ويسمن كما يحلو له وعندما قررت الادارة الامريكية ان تستفيق له وجدت نفسها امام تنين احمق سيكسر عنق الزجاجة ان لم يخرج منها سالما .


133
الدكتور الجعفري والصفحة الثانية من ( الحواسم )

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

قبل ثلاث سنوات وجه الرئيس الامريكي من البيت الابيض انذاره الشهير الى رئيس النظام العراقي السابق يدعوه فيه الى مغادرة العراق مع ولديه خلال ثمان واربعين ساعة او تحمِل عواقب عدم الانصياع للانذار. كان رد فعل رئيس النظام وقتها أن ترك العنان لماكنته الاعلامية والحزبية في تنظيم تجمعات وتظاهرات تردد فيها الشفاه أهزوجة لاتؤمن فيها القلوب بينما ذهب افراد الحاشية الذين شربوا من خمر الانتهازية حتى الثمالة الى إطلاق التصريحات الحماسية وعبارات الوعيد لجيش الغزو بمقابر جماعية رهيبة على حافات الحدود ثم المدن. ايام معدودة بعد الانذار وهدأت بعدها المدافع والبنادق والاصوات واستفاق الناس على الحصاد فاذا به على المستوى الوطني بلد ممزق , دمار وقتل وموت في كل مكان, دولة أصبحت في خبر كان, اما على المستوى الشخصي فكان الحصاد حُفرة وزنزانة ومحكمة والطلب من الاستاذ رؤوف للسماح في الاجابة على اسئلة المدعي العام.

مرت السنوات الثلاث وحاضر الايام ثقيلة بما حملت من دم ومأسي وهاهو القدر يشاء ان يعيد التاريخ نفسه مرة اخرى فيختار الرئيس الامريكي هذه المرة ان يرسل في البداية وزيرة خارجيته مع وزير الخارجية البريطاني لينقلا الانذار ( الاولي الشفاف ) الى السياسيين العراقيين في ضرورة ان يفسح الدكتور الجعفري المجال ويتنحى عن اصراره على الجلوس على مقعد رئاسة الوزارة العتيدة. لقد كان مثيرا للدهشة والاستغراب قرار الدكتور الجعفري المعروف بتاريخه الطويل وتضحياته الكبيرة التشبث بالمنصب قافلا عليه باسنانه وكانه السمكة التي لايمكن ان تعيش بدون مياه رئاسة الوزارة , الى الحد الذي اصبح تشبثه هذا نذيرا باطلاق رصاصة الرحمة على ماتبقى من وحدة الصف الهزيلة فيكون بذلك سببا للاعلان الرسمي للتقسيم او للحرب الاهلية ناهيكم عن ان هذا التشبث يسبب في كل يوم تضحيات جديدة من الدم العراقي نتيجة الفراغ السياسي جراء الفشل والتاخير في تشكيل الحكومة. لقد ارتكب الدكتور الجعفري خطأ تاريخيا عندما سمح لنفسه في ان يكون نقطة خلاف جديدة تضاف الى النقاط الكثيرة الاخرى بين اطراف اللعبة السياسية العراقية سواء داخل الائتلاف او خارجه وستترك أثارها السلبية حتما على العلاقات بين هذه الاطراف في المستقبل.

انه لغريب حقا لجوء الدكتور الجعفري الى تلك الطرق السقيمة في مواجهة الواقع السياسي من خلال تحشيد انصاره للنزول الى الشوارع رافعين صوره ودفع بعض الاطراف السياسية المناصرة له الى اقصى حالات التزمت في التزامه وحشر هذه الاطراف في الزاوية الضيقة الخطرة من خلال التهديد بوضع الفيتو امام اية عملية سياسية تستبعد الجعفري مما يؤدي الى دخول البلد الى مسافات ابعد في النفق المظلم من الفراغ السياسي الذي سيثقل كاهل المواطن المسكين في عواقبه المتمثلة في انعدام الامن والخدمات ومستلزمات الحد الادنى من الحياة. لقد كان اولى بالدكتور الجعفري ان يعلن شخصيا انسحابه مع تباشير الهمس الرافض له ان لم يكن رفضه اساسا للترشيح لولاية اخرى وهو اعرف من الجميع مستوى ادائه في الولاية الاولى ام انه يؤمن ان ( لَبَنه لايمكن ان يكون حامظا على الاطلاق )

ان الادارة الامريكية التي اعلنت وزيرة خارجيتها ان خسائرها في العراق تمنحها الحق في التدخل في شؤونه الداخلية  , وكأن العراقيين جميعهم كانوا قد قدموا لها بطاقات الدعوة لغزو بلادهم فاصبح واجبا عليهم رد الدَيْن , نقول ان هذه الادارة لايغيب عن ذهنها لحظة واحدة في ان من يتقلدون المناصب اليوم في العراق ماكانوا ليصلوا اليها بجهودهم الشخصية الخالصة ولذلك فمن المؤكد ان وصول الامور الى نقطة معينة حيث لم يجدي الانذار الشفاف نفعا سيترك الرئيس الامريكي , اذا كان حقا لازال يُمسك بخيوط اللعبة , يخرج الى الصحفيين في البيت الابيض ليكرر تلك العبارات المقتضبة في انه ينبغي لبعض السياسيين وعلى رأسهم الدكتور الجعفري مغادرة البلاد خلال ثمان واربعين ساعة , اما الحجة فليس صعبا معرفتها فقد كانت في الانذار الاول تحرير العراق من الدكتاتورية اما الان فقد اصبحت تحرير العراق من الميلشيات وفرق الموت.

ترى هل استعدَ الدكتور الجعفري وكتب بيان انطلاق الصفحة الثانية من ( الحواسم ) ؟ هل نظَم بعض الابيات الشعرية ام انه سيستعير الابيات السابقة ؟ وعيش وشوف

134
نداء لتشكيل محكمة العدل المسيحية في العراق

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كثيرون هم من ابناء شعبنا الذين يعتقدون ان الكتاب المقدس هو اية واحدة وهي ( لا كرامة لنبي في وطنه ), يحفظونها عن ظهر قلب ويترجمونها فعلا واقعا في تفاصيل حياتهم وتعاملهم مع الاخرين فيحرصون مثلا على ان تكون اشارتهم الى الرئيس العراقي جلال الطالباني مسبوقة بلقب الاستاذ او مام جلال والى الجعفري بلقب دكتور و هلم جرا اما السيد يونادم كنة وغيره من السياسيين المسيحيين فيستكثرون عليهم كل الالقاب والصفات . ليس هذا احتجاجا على سبغ الاخرين بالالقاب والصفات التي يستحقونها فتلك ظاهرة حضارية وسمة تقدير الاخر هي احدى العلامات الفارقة لابناء شعبنا ولكن لماذا لا نتعلم من الاخرين ايضا ان الاقربون اولى بالمعروف.

قرأت في الاسبوع الماضي تصريحا للاستاذ يونادم كنة يشكو فيه من الوضع السياسي العراقي حيث يقول ان الكتل السياسية الكبيرة قد قررت تقسيم الكعكة فيما بينها ويبدو ان هذه الكتل الكبيرة قد قررت حتى الاستغناء عن دعوة ممثلي الكتل الصغيرة والاقليات القومية والدينية التي يتكون منهاالطيف العراقي من حضور مراسيم التقطيع بصفة مراقب , حيث ترى الكتل الكبيرة ان لاداعٍ لذلك وهذا مايؤكده الاستاذ كنة نفسه حيث تستند تصريحاته وكما يقول شخصيا بناء على ما تسرَب اليه من معلومات من غرف تلك الاجتماعات . على ضوء ما تقدم يجب علينا ان ( نفتخر ) جميعا بما انجزناه خلال السنوات الثلاث الماضية حيث فعلت صراعاتنا وخلافاتنا وانانيتنا فعلها الامثل في تشييع دورشعبنا الى مثواه الاخير.

الجميع يرى ما صنعت يداه ولايقبل ان يتزحزح عن موقفه قيد انملة. لقد انتقل الينا المرض السقيم القائم على اساس المثل المشهور ( لو ألعب لو أخرَبْ الملعب ) والمعضلة ليست في مشاركة الجميع في اللعب بل هي في ان الجميع يريد ان يعلِق شارة ( الكابتن ) على كتفه وقوانين اللعب لاتسمح بذلك , وان حدث فان الصورة أشبه للاخرين ( بفريق المعيدية ) قد نزل الى الساحة.
ثلاث سنوات مرت ولازال البعض يغوص بنا في اعماق اوحال التسمية ويقدم لنا دروسا في التمييز بين المذهب والقومية وكأنه قد أطلق حملة لمحو الامية من جديد. والله , وحقِ من صعد الى الصليب , نفهم الفرق جيدا ونعي مقومات القومية على أحسن وجه, وكانت ولاتزال امنيتنا جميعا ان تكون لنا تسمية قومية واحدة نفتخر بها كشعب واحد ولكننا نرى حالنا قد فقدنا كل شئ ولم نظفر بالتسمية العتيدة.

يذهب البعض ومنهم رجال دين الى محاولة تهميش دور الدين على اعتبار ان النظريات القومية لاتذهب الى اعتبار الدين احد مقوماتها ولايعلم هذا البعض ان لكل نظرية استثناء حيث ان الظروف الخاصة التي مرَ بها شعبنا من خلال المحاولات المستمرة لطمس هويته وتراثه قد ترك لنا الدين ليكون ربما العامل الوحيد الذي نجتمع عليه جميعا , فما دمنا نختلف على التاريخ ونجد صعوبة احيانا في فهم احدنا الاخر بسبب تعدد اللهجات المحكية واقعا في اللغة , كما فعل الزمن فعله حتى شتتنا في الارض فماذا بقي من مقومات القومية الاخرى حسب النظريات السائدة غير المصير المشترك المبني في احد اركانه الرئيسية على المحافظة على هويتنا وعقيدتنا الدينية . ترى هل أُضطهدنا خلال الألفي سنة الماضية ولازلنا على اساس اننا اشوريون وكلدان وسريان فقط أم لاننا هؤلاء جميعا ومسيحيون ايضا؟

لقد ان الاوان لنا لنعرف كغيرنا من اين تؤكل الكتف وهاهي امثلة التاريخ تحكي لنا عن شعوب لم تجد صعوبة في إلتقاط واستثمار ما يجمعها من رابطة قومية ام دينية من اجل الوصول الى اهدافها. أليست اليهودية دينا قبل أي شئ اخر؟ ألا يطالب الفرقاء اللبنانيون بحقوقهم استنادا الى هويتهم الدينية والمذهبية؟ ماذا جنى شيعة العراق لعقود خلت من الهوية القومية ؟ ألا يحاولون اليوم ترسيخ نظام سياسي منطلقين في ذلك على عكازتهم المذهبية؟ بل ألم يمنح لهم علم المذهبية الدينية دورا لم يتمكنوا من خلال علم القومية الحصول على عُشْره؟

انها دعوة صادقة الى كل اصحاب الشأن الديني والسياسي في شعبنا الكلداني الاشوري السرياني الى تشكيل لجنة من اصحاب الخبرة والكفاءة والاختصاص في التاريخ والدين لدراسة معضلة التسمية بهدوء بعيدا عن التشنجات والتحزبات على ان تكون هذه اللجنة غير محددة بزمن , تطبخ قدرها على نار هادئة ليكون طهوها موفقا تستذوقه جميع الافواه وتكون قرارات هذه اللجنة ملزمة للجميع كقرارات محكمة العدل الدولية ويترك جميع السياسيين  والكتاب موضوع التسمية ويتجنبون الخوض فيه او التصريح عنه طيلة فترة عمل اللجنة وليعتقد الجميع وقتيا ان حالنا في موضوع التسمية هو كحال الاشعة السينية حيث كان اسمها في البداية ( اشعة اكس ) ثم أطلق عليها اسم الاشعة السينية بعد ان حُددت صفاتها وميزاتها.

لقد استبشرنا خيرا ونحن نرى ان الحركة الاشورية قد بدأت في الاونة الاخيرة تفتح الطريق واسعا امام العديد من ابناء شعبنا من الكلدان والسريان ليكونوا جزءا من قياداتها حيث يمثل هذا خطوة مهمة على طريق تحقيق ثورة داخلية في هذه الحركة يجعلها تنتقل شكلا وتنظيما واهدافا من الاختصاص الخاص الى الاختصاص العام وتطرح نفسها بثوب جديد ممثلة لكل أبناء شعبنا على اختلاف خلفياتهم , وينبغي على الحركات السياسية المسيحية الاخرى ان تفعل الفعل ذاته وتخرج من الشرنقة التي تشير الى انها حركات ازقة او احياء او مدن معينة.

انها دعوة صادقة مخلصة ايضا لكل الاقلام النبيلة , للاساتذة الكرام الذين يزينون المواقع والصحف ووسائل الاعلام الاخرى من الكلدان والاشوريين والسريان , لا اريد أسمًي فقصدي هو الجميع بدون استثناء , للترفع والتصدي لتحديات الظرف فنكتب مايُفرح شعبنا, كل شعبنا, فما اروع ان يربح الانسان الكل وليس الجزء.
قد أضحكْنا الاخرين بمافيه الكفاية ودقت الساعة ليفعل الجميع شيئا قبل ان يغرق المركب بالجميع حيث ان المضي قدما في الطريق الذي نحن فيه الان سيتركنا يقينا نسمع صوت ذالك المثل القائل ( لا حِظتْ بِرْجيلْها ولا إ خْذتْ سيَد علي ) . 

135
صدام / الجعفري / ليلى فريفالدس وعقدة المفاتيح

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

قدمت وزيرة الخارجية السويدية ليلى فريفالدس استقالتها من منصبها إثر الحملة الاعلامية التي قامت ضدها بسبب موقفها من احد المواقع الالكترونية في ازمة الرسوم الكارتونية. لسنا هنا بصدد مناقشة اي من الطرفين, الوزيرة ام اصحاب الحملة ضدها كان محقا في موقفه بل ان ما نحن بصدده هو وصول الوزيرة السويدية الى قناعة مفادها بانها لاتستطيع ان تقدم جهدا جديا لعملها يمنحها الحافز للاستمرار فيه , ولذلك فقد قررت ان تتخلى بهدوء عن هذا المنصب وتنصرف للاستمتاع بحياتها الخاصة. وهكذا بدأت مباشرة دوائر الضرائب وكتاب الاعمدة الاقتصادية في الصحف السويدية في حساب الراتب التقاعدي للوزيرة المستقيلة بصورة دقيقة دون اهمال الكرونة السويدية الواحدة ,ونُشرت الارقام التي تشير الى ان ليلى فريفالدس البالغة من العمر الان 63 عاما ستتقاضى حتى عمر الثمانين رواتب تقاعدية تقارب الاحد عشر مليون كرونة سويدية اي مايعادل تقريبا المليون ونصف المليون من الدولار الامريكي, وستكون مجبرة على التصريح عن اية مبالغ اخرى تدخل حسابها وعن مصدر تلك المبالغ.

عقدة السلطة والمنصب هي احدى المشاكل الكبيرة التي يعاني منها السياسيون في العالم العربي والعراق بطبيعة الحال وقد كانت ولاتزال هذه العقدة سببا جوهريا في النتائج الكارثية التي لحقت بدول المنطقة , ففي الوقت الذي يتقدم فيه السياسي الغربي ليكون في منصب معين قد تم اختياره له فانه اي هذا السياسي الغربي لاينسى ان يحتفظ بحقه في امتلاك مفاتيح غرفة هذا المنصب في جيبه الخاص ليقرر حين يشاء مغادرتها , اما في العالم العربي فغالبا ما تحدث الحالة المرضية اذ ما ان يتمكن السياسي من الوصول الى المنصب بطريقة ما ( حتى ولو كان ذلك عن طريق الانتخابات ) فيدخل الغرفة ثم يتعمد ان يعطي مفاتيحها من احد الثقوب الى احد اتباعه ليذهب فيلقي بها في احدى الابار العميقة المهجورة التي لايستطيع الوصول الى قرارها الاخرون فيعتقد انه بذلك قد ضمن تسجيل المنصب ملكا صرفا له ثم تاتي تلك الساعة اللعينة فتصبح مهمة إخراج ذلك السياسي من الغرفة واجبا عنيفا غالبا ماينتهي بتهشيم الابواب والفتحات إن لم يكن بتهديم البناء بكامله على من فيه.

وهكذا ليس مرض إلقاء المفاتيح مرضا حصريا بالسياسيين العراقيين فهاهو الرئيس اللبناني قد سمَر نفسه في قصر بعبدا وينتظر ان يصدر امرا يُرغمه على إخلائه بالقوة كما يحاول الرئيس السوري وبجهد فعال ان يرقع هنا هناك تجنبا لصدور الامر نفسه. لسنا هنا بصدد الترويج للمخطط الامريكي حيث لايمكن لمن يملك ذرة من الغيرة الوطنية وهو يعيش المشهد العراقي إلا ان يلعن السياسة الامريكية جملة وتفصيلا, ولكن يبقى التساؤل مشروعا عن الزمن الذي يستفيق فيه الحاكم او المسؤول العربي فلايتوانى عن إنضاج مشروع وطني للتغيير ويقوم بترجمته فعلا واقعا على الارض فلايصتصعب التضحية حتى ولو اقتضى الامر بنفسه فيقطع الطريق امام الاجنبي لفرض مشروع للتغيير من الخارج تكون له عواقب كارثية على المجموع.

ترى ماذا كان سيحدث لو تصرف رئيس النظام العراقي السابق بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية او حرب الخليج الثانية بالطريقة ذاتها التي تصرفت بها الوزيرة السويدية. لقد حرص السوفيت على التخلص من ستالين بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وربما كان ستالين نفسه هو من حرص على ذلك لانه قد سمع بالتاكيد ما نُقل ان لينين قد قاله فيه في انه ينبغي التمسك بستالين في زمن الحرب لكنه اي ستالين ليس رجل مرحلة السلام والبناء. هل ان تلك الحروب الكارثية  التي ذهبت ضحيتها الارواح والممتلكات ليست سببا اقوى من الخلاف على موقع الكتروني ؟ أم ترى ماذا كان سيحدث لو سمع رئيس النظام السابق نصيحة رئيس الامارات الراحل الشيخ زايد الذي جاءت مبادرته في الايام والساعات الاخيرة فطلب منه ان يرشده الى البئر الذي رمى المفاتيح فيه ليتسنى انقاذ مايمكن إنقاذه قبل ان تحين ساعة الصفر. كان سهلا على الابواق الانتهازية والمأجورة يومذاك ان تنعت صاحب النصيحة باقسى الصفات وتحاول ان تُلصق به تهمة السعي الى الوصول الى اسرار الامة ( ومفاتيح بواباتها ) بهدف وضعها في يد الاعداء!


اما بعد الاحتلال حيث يبدو ان الوجوه تغيرت ولكن المعضلة بقيت ملازمة للوضع السياسي العراقي ومرة اخرى اذا كان الموقف من موقع الكتروني يمثل واحدا من ملايين المواقع على الشبكة العنكبوتية قد ادى الى استقالة ليلى فريفلادس فان مايحدث في العراق يوميا من قتل ونهب وتدمير وافتقار لابسط مقومات الحياة وحقوق الانسان غير قابل للمقارنة , بل وقياسا على هذا فان الوضع العراقي يستوجب ان تتضمن نشرات الاخباريوميا اخبار حجب الثقة عن فلان وترديد اليمين لاخر. ان تشبث الدكتور الجعفري برئاسة الوزارة رغم النتائج المتواضعة جدا التي حققها خلال الاشهر المنصرمة والحالية انما يندرج ايضا في الرغبة , ربما بطريقة متحضرة, في القاء المفاتيح في احدى الابار المظلمة. فمامعنى ان يتشبث السياسي بمنصب يرى ان اغلب الاطراف الاخرى تضع قيودا رهيبة على حركته بل قد زرعت المنطقة القريبة المحيطة بالمنصب بالالغام الجاهزة للانفجار بوجهه مع كل خطوة , وسينتهي به المطاف في حالة الموافقة عليه الى تشكيل حكومة مشلولة هي حكومة من كل قطر اغنية, حكومة يبقى الحال على ماهوعليه وعلى المتضرر ( الشعب المسكين ) اللجوء الى رحمة السماء. هل حل ماساة الوضع العراقي يتجسد في تشكيل حكومة ( لملوم ) لاتستطيع ان تحسب كم فيها من الصقور ؟ !

اذا كان بعض السياسيين يؤمن ان حال المراة في الشهادة كحال نصف رجل ( مع الاعتذار جدا للنساء ) فلماذا لايذهب هؤلاء الى ماذهبت اليه الوزيرة السويدية ويمتلكون قدرا مساويا لنصف شجاعة الوزيرة السويدية سيكون بالتاكيد كافيا لان يقرروا ان يخلعوا السلطة قبل ان تخلعهم.


136
قادة الكتل السياسية وعيد الام

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

رحم الله منظر العشق والحب الشاعر الراحل نزارقباني حيث قال يوما " ان النساء الجميلات لايغْفِرْن لرجل لاذاكرة له ولاينظر في اوراق الروزنامة ويقدم لهنَ فروض العشق اليومي " . لقد إختار العالم يوم الانقلاب الربيعي في الحادي والعشرين من شهر اذار ( مارس ) يوما للام يحتفل فيه فيكرَم هذه القيمة السامية. لايوجد في الكون من لايرى في امه أجمل والطف وابهى نساء العالم واكثرهم حنانا, هكذا يرى الاسود والابيض والاصفر والاسمر, يؤمن بهذا المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي والملحد ايضا. ولذلك فان الاحتفال بتكريم الام ليس موضة غربية كعيد الحب او الفالنتاين مثلا بل ربما تكون الام هي العامل المشترك الوحيد الذي تتفق عليه كل الحضارات والمعتقدات والاديان والمذاهب وبالتالي الشعوب والاقوام كتحصيل حاصل.

ان الغربي الغارق في واقعيته لايمكن له ان يتصور ويطوف ويسبح بقيمة الام الى فضاء اوسع من الحيز الضيق الذي يحدد فهمه لهذه القيمة في البيت الذي يعيش فيه ولذلك تراه يهز راسه مستغربا عندما تحاول ان تذهب به لترمز بهذه القيمة السامية الى الارض والخصوبة والوطن والاصل, عيد الام بالنسبة للانسان الغربي هو ان يحتفي بامه التي ولدته بقبلة وباقة من الزهور وهدية فتجازيه بحضن دافئ . لانقول هذا اجحافا بحق الانسان الغربي وانتقاصا في مستوى العلاقة التي تربطه بامه لان الحق يجب ان يقال في ان هذا الغربي مؤمنا كان او ملحدا تراه متميزا في اظهار اسمى ايات الاحترام والتقدير بل التقديس احيانا لمن سجَلها القدر أماَ له. ولكن يبقى الشرقي والعراقي كما نعرفه جيدا متميزا في التعبير عن قيمة الام والتحليق بها الى الفضاءات السامية الرحبة حيث انصهرت وتمازجت لديه قيمة الام ( المحلية الشخصية ) مع قيمة الام ( الوطنية ) الاوسع والاشمل لتشكل مزيجا راقيا لاإنفصام فيه يلهب مشاعره ولايتوانى عن فدائهما تحت كل الظروف وفي كل الاوقات. ولذلك اصبح معتادا ان ينطلق الاديب والشاعر والفنان ليِسقط خوالجه ومشاعره تجاه والدته الطيبة الحنونة التي تعيش معه في البيت وتحاول بكل السبل اخفاء معاناتها ودموعها من ويلات الزمن لينطلق مباشرة الى استعارة تلك المعاناة والدموع فيوظفها في البكاء والالم على امه الكبرى ( الوطن ) وهو يرى ما حلَ بها او به من بؤس وشقاء ودمار بفعل عبث العابثين وغدر الغادرين وطمع المجرمين.

ان الادب والفن يبدأ بارسال الوجه الاول من الصورة ممثلا بالام العراقية وهي تُخفي في عباءتها الطاهرة كل معاناتها والامها وهمومها ليتبعها الوجه الثاني فيشير الى الام ( الوطن ) جسدا يئن من ثقل الاحتلال والنهب والتدمير فتندفع الصورة كاملة في فعل واحد لتقصف قلب وروح وعين المتلقي فتسبب اعراضا واضحة تتمثل في احمرار شديد في الوجه ونزيف في القلب وحرقة في الروح وفيضانا في العيون.

من الطبيعي ان لاتكون تلك الاعراض حكرا على احد او مجموعة معينة بل هي حق وواجب لكل مواطن يشعر بانتمائه لامه ووطنه, ولكن يبقى السياسي الوطني الصادق - وبحكم المهنة التي اختارها لنفسه – هو من ينبغي ان تكون هذه الاعراض سببا لشقائه وعليه العمل بكل الوسائل للمعالجة  منها لانه بعلاجه لنفسه انما يفتح الطريق للتخفيف من الام الكثيرين. وها هي الانباء تتحدث  عن اجتماعات يعقدها قادة الكتل السياسية العراقية كل يوم على مائدة احدهم لمناقشة ما وصل اليه وضع البلد وسبل الخروج من هذا النفق المظلم.

ترى هل يقرر السياسيون العراقيون قادة الكتل السياسية الاجتماع للاحتفال بعيد الام ليس للتسامر ونحر وأكل الذبائح فقط وانما لكي يجلسوا فتُقرأ على مسامعهم احدى قصائد التغزل بالام والوطن او يُعرض عليهم احد التقارير الصحفية الدسمة الذي يتحدث عن اي منزلق ينحدر اليه الوضع واية مظاهر باتت سائدة في الشارع فتشتعل فيهم نار الغيرة ويشهد التاريخ السياسي العراقي المعاصر  اهتزازا اصيلا للنخوة  ولو مرة واحدة في هزة عراقية خالصة فيتنازلوا عن الانانية السياسية ويؤمنوا ان اربع اخماس مشاكل العراق كانت بسبب ايمان الحاكم والسياسي فيه ان الحياة السياسية هي ( فلم مصري ) ودور البطولة هو حصته من البداية وحتى يشاء الله امرا كان مكتوبا. عسى ولعلَ حضور كل هذا اوبعضه يساعدهم في ان يتمخض اجتماعهم عن هدية ما يقدمونها للمراة الام والارض في عيدها فتعرف عضلات وجهها نوعا من الابتسامة بعد ان انهكها همَُ وحزن وثقل الايام والسنين والعقود.

انظروا في اوراق الرزنامة واحزموا امركم واذهبوا الى اطهر النساء وانبل وطن فلهم وليس لسواهم ينبغي ان تُقدم فروض العشق العذري الطاهر النقي.
اللهم اجعل اطباقهم وكؤوسهم هنيئا مريئا عليهم وامنحنا فقط ما تملك نفوسهم من الغيرة الوطنية .

137
يا لبؤس ما بَنيْتُم – يا لهَوْل ما حَطَمْتُم

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

عقود مضت وتمضي وامال العراقيون المساكين تنحصر في امنية واحدة , أن يجلس على كرسي حكمهم من نذر نفسه لخدمتهم قلبا وقالبا, لوجه الله. تاريخ طويل وسنين مريرة وهم يشاهدون الكرسي اللعين يتربع عليه ويلتصق به طُلاب مجد شخصي , مغامرون طائشون , هياكل جسدية جلست عليه مُرغمة لاتحلَ ولاتربط, فلاسفة بارعون في بيع احلام الهواء ومع هؤلاء جميعا وبينهم جيوش من قنَاصي الفرص , من الذين يعتمدون شعار ( الدنيا لمن غلب ) فلسفة لحياتهم حيث الدولة والممتلكات العامة بالنسبة لهم جسد لشقراء سنحت الفرصة في الاستفراد بها والتمكن منها في قرصة او قبلة او فعل قبيح, وعدم استغلال هذه الفرصة  يُعتبر نوعا فريدا من الغباء.

يقف رئيس النظام العراقي السابق في قفص الاتهام اثناء محاكمته فيتباهى بصوت جهور( فخورا ) بالبناء الشامخ الذي حققه ويوجه كلامه للقاضي مشيرا بهذا البناء الى المكان الذي تجري فيه هذه المحاكمة وكأن بناء الاوطان يتجسد فقط في بعض القوالب الكونكريتية الشاهقة المزركشة والمنقوشة التي يقيمها الحاكم من منطلق الهواية في بعض الاحيان . ان البناء الحقيقي لايتمثل فقط في بناء القصور الضخمة والجسور ذات الطابقين والابراج العالية واضافة ترع او أنهر جديدة بل يكمن قبل كل هذا وذاك ومعه في بناء شخصية وطنية يتمتع من خلالها المواطن البسيط بكل مقومات العيش الرغيد ويشعر بزهو الانتماء الى وطنه من خلال  (تقديس) سلطته له والذي يقود بالتالي الى احترام الاخرين له وتقديرهم لدوردولته ومكانتها وهيبتها بين دول العالم. أيُ بناء شامخ هذا والملايين من ابناء البلد اصبحت مُجبرة بسبب تلك السياسات الى ترك الوطن والهجرة منه والعيش على نظام المساعدات الاجتماعية في مختلف دول العالم. أي بناء شامخ يتحدث عنه هذا والمواطن في وطنه كان يئنُ ويتلوع وهو دائخ في عدوه لتوفير لقمة العيش لعائلته حتى اصبحنا نفتخر ونحن نغني ( نلوكُ الصخر خبزا ) . هذا طبعا لمن قرر ان يُغلق عينيه وفمه واذنيه في وجه كل رأي او نشاط سياسي ولم يكن هدفا للاضطهاد والملاحقة والتغييب. قرأت البارحة مقالا لاحد الاخوة بمناسبة يوم المراة العالمي وهو يخاطب روح والدته وشقيقته اللتان دفعتا ثمن صيحته الرافضة للاستبداد. ترى كم مثله ينطبق عليهم نفس الوصف . لايعرف الاستبداد مادة للبناء عدا جماجم الجمهور. ثم عن اي بناء شامخ يتحدث عنه صاحبه وهو نفسه ومن كان معه اسرى لدى قوات الاحتلال واية قصور يمكن لها ان تمسح المهانة التي لحقت ببلد الحضارات والتاريخ العريق وقد بات مُحتلا في القرن الواحد والعشرين وعدد الدول التي ترزح تحت الاحتلال لايتجاوز عدد اصابع اليد.

وانتقلنا مع الاحتلال من مرحلة الاعتقاد بان البناء هو قصور الحاكم الى مرحلة البناء بالاحلام حيث يعاني المسؤول من حالة شبيهة بمرض انفصام الشخصية فيسهب في صليات كلامية عن الحالة الواحدة والوصف الجمالي لما ليس موجودا على ارض الواقع. كلما اسمع الدكتور الجعفري الذي ينجح احيانا ( ربما لحاجة نفسية ) في ان يأخذ المتلقي الى احدى محطات احلام الهواء فيعتقد ان الوضع العراقي لايعاني إلا من بعض المطبات البسيطة ولكن الصحوة على الواقع المرير وشهادات من يعايشه تعيد المتلقي الى الاصطدام بالحقيقة المأساة وهي ان صفقة جهنمية قد تم ابرامها بين اطراف خبيثة بحق وطن كامل. عاد احد الاصدقاء الى السويد بعد سفرة الىالوطن حيث التقى باهله بعد فراق امتد الى عقد ونصف. انتظرت عودته بفارغ الصبر لانني اعرفه متفائلا مبتسما للحياة ولذلك فقد اعتقدت بانه سياتي ليحكي لي عن مدينة الالف ليلة وليلة في صورة اقل سوداوية من صور الفضائيات, ولكن يالبشاعة ماروى. كان النظام السابق في البرنامج اليومي لفضائيته يتعمَد فيبث يوميا تقريبا اغنية سعدون جابر ( اللي مضَيِعْ وطن وين الوطن يلكاه) رغبة في اثارة مشاعر واحاسيس اهل الغربة على اعتبار ان جميعهم او قسما كبيرا منهم هو ( مرتد ) على وطنه في عرف النظام. اما الان فقد تساوى علنا اهل الداخل مع اهل الخارج حيث اصبح هذا المقطع يمزق قلوب اهل الداخل والخارج معا, بل اهل الداخل اولا وهم يشاهدون بأمِ اعينهم وطنهم شمعة تذوب وسلعة يتم توزيع قسم منها على حصص والقاء القرعة على الباقي. يتكلم الدكتور الجعفري عن البناء في بلد اصبحت فيه ( قنينة الغاز السائل ) هدية غالية يهديها عزيز لعزيز, أي بناء هذا واصبح خبر اكتشاف الجثث في الشوارع خبرا عاديا كخبر اكتشاف الاثار في بلد عريق بدأ فيه التنقيب عن حضارته وتاريخه للتو, أي بناء يمكن ان يكون في بلد لاتعرف من يحكم المدينة والحي والزقاق فيه, أي بناء هذا في بلد يُجري فيه يوميا رب الاسرة التعداد المسائي على افراد عائلته فيطمئن على عودة من خرج منهم سالما ويحمد الله على ذلك, أي بناء هذا والدكتور الجعفري نفسه يجلس مع نظيره التركي ليخبره هذا الاخيربأن بغداد قد قررت ( توجيه عقوبة التوبيخ مع قطع الراتب ) له طيلة ايام تواجده في انقرة , ترى اية هيبة يمكن ان تكون لدولة يجلس رئيس وزرائها يتباحث مع مضيفه الاجنبي ورئيس جمهوريته يعلن من العاصمة ان الدولة ليست ملزمة بما تتمخض عنه المباحثات!

ايها الكرسي اللعين , أنصف مع شعبي ولو مرة واحدة وكن بردا وسلاما لمن يستحق ان يتربع عليك ولاتتوانى عن ان تكون جمرة نار لمن هو ليس اهلا فيبتعد عنك بعيدا فيرتاح ويُريح.


138
الحركة الاشورية والبريسترويكا
الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

كان سقوط نظام الحزب الواحد في العراق مناسبة لشيوع نظام التعدد الى الحد الذي اصبحت فيه الساحة السياسية العراقية مُتخمة بالتشكيلات والكيانات والدكاكين والاكشاك حيث كانت الانتخابات الاولى والثانية برهانا ناطقا على ذلك من خلال مشاركة المئات منها في قوائم انتخابية مستقلة او في قوائم ائتلافية.. وعندما بدأ نظام المحاصصة والتمثيل الطائفي والقومي يمثل ركنا اساسيا في البناء العمودي والافقي لنظام مابعد السقوط انتعش سوق الكيانات السياسية الطائفية بدرجة كبيرة حيث يعتقد اصحابها بامكانية الوصول السريع الى الهدف من خلال دغدغة مشاعر قومية وطائفية ضيقة. هذا لاينفي وجود كيانات و احزاب سياسية ليست وليدة لسقوط النظام متمثلة في اطراف المعارضة العراقية السابقة.

ليس خافيا ان الحركة الاشورية في العراق تشكل التنظيم السياسي الاقوى والاكبر والاقدم على صعيد التنظيمات السياسية المسيحية حيث تعتبر رسميا احد فصائل المعارضة العراقية السابقة كما اخذ هذا التنظيم دور تمثيل المسيحيين في العراق في مؤسسات و وزارات مابعد سقوط النظام وتتعامل معه او تنظر اليه بهذه الزاوية معظم الاطراف الرئيسية الاخرى ذات الدور الفعال في اللعبة السياسية العراقية. إلا ان الحقيقة الواقعة تكمن في ان الحركة الاشورية لم تتمكن لحد الان في احداث بصمة مؤثرة من خلال دور سياسي فعال يتناسب مع القدرات الثقافية والفكرية والعلمية الكبيرة التي يمتلكها شعبنا السيحي في العراق. لايمكن ان نلقي اللوم فقط على الحركة الاشورية في هذا بل يجب الاعتراف ان اطرافا خارجية فعلت فعلها ولاتزال تمارس نفس الدور السلبي عندما دفعت نفسها وكل الاطراف السياسية الاخرى الى مايصح ان يُطلق عليه ( بمستنقع التسمية ) الذي ادى الى تشرذم الجهد السياسي المسيحي من الداخل وفقدانه لاحترام وتقدير الخارج. لقد تمكنت تلك الاطراف وللاسف الشديد من ان تسحب قدم الحركة الاشورية الى هذا المستنقع وتركتها تأخذ مساحة منه وتتعامل معها معاملة الند للند في الوقت الذي كان المفروض بالحركة الاشورية ان تتجنب هذه المصيدة وتترفع عن الدخول في مساجلات ومعارك مع اطراف ذات اهداف مشبوهة بل كان الاجدر بها ان تبقى خارج ذلك المستنقع وتستنهض همة كل الخيرين والمخلصين من ابناء شعبنا لتحجيم ذلك المستنقع وهوفي مهده .

الان يجب ان نعترف ان الاطراف المؤذية لوحدة شعبنا قد استطاعت ان تحدث شرخا كبيرا في إذكائها لروح التفرقة والتشتت حيث نعلم جميعا ان الهدم والتخريب اسهل بكثير من البناء , فعدة كيلوغرامات من الديناميت كافية لتحيل  ركاما الاف الاطنان من البناء , ولان العملية السياسية في العراق لازالت في مرحلة التبلور ومن ابرز سماتها الراهنة هي محاولة كل طرف او شريحة قومية او دينية الى تسجيل نفسها وبالتالي الجماهير التي تُمثلها في موقع متقدم في ورقة ( الطابو ) للدولة الجديدة. ولايمكن ان يتحقق هذا دون ممثل قوي يستند الى قاعدة جماهيرية عريضة و ان الحركة الاشورية تمثل في المرحلة الراهنة التنظيم الاكثر قدرة للقيام بهذا الدور اذا توفرت لهذه الحركة فرصة المراجعة النقدية لعمل المرحلة السابقة من خلال حساب دقيق للحقل والبيدر ووضع الية شجاعة لانقلاب داخلي فيها يجعلها قادرة لتحمل مسؤوليتها التاريخية .

لقد كان الاكراد مثلا والاشوريون ايضا من الذين انتموا الى حزب البعث يجدون صعوبة كبيرة في الرد على من يتوجه اليهم بالسؤال عن معنى انتمائهم لحزب عربي ( من خلال اسمه قبل كل شئ ) بينما هم في الخلفية القومية غير ذلك . ان قيادة الحركة الاشورية تقع في وهم كبير اذا إعتقدت ان الكتابات المغرضة لم تفعل فعلها في دغدغة النزعة القومية الضيقة في اوساط شعبنا بمختلف شرائحه الكلدانية والاشورية والسريانية. لا احد ينكر ان النخبة المثقفة في اوساط شعبنا تتعامل مع هذه الكتابات بالطريقة التي تستحقها وهي رميها في سلة المهملات لكن الكيان السياسي صاحب المسؤولية التاريخية لايمكن ان يكون كيان النخبة فقط. ترى ماذا يمنع ان تقوم الحركة الاشورية ببرنامج شامل ( للبريسترويكا ) لتظهر بشكل جديد يلبي حاجات المرحلة ترى فيه شرائح اخرى من ابناء شعبنا نفسها اكثر قربا من هذه الحركة كما يضيق هذا الشكل الجديد الخناق على كل الاقلام والافواه التي استطابت لعبة المتاجرة بمصير شعبنا. ان الحركة الاشورية في اقدامها على هذه الخطوة الشجاعة في ان تُقدم نفسها بحلة جديدة, شكلا وتركيبا , إسما وفي انفتاح التمثيل على مستوى القيادة والكوادر, انما تؤكد حيويتها كحركة سياسية ذات قدرة على التناغم مع الواقع وتغيراته وحاجاته , وهي بذلك بالتأكيد لاتصطدم مع فكرها واهدافها المعلنة كونها حركة وِجدت للنضال من اجل حقوق وامال شعبنا المسيحي في العراق على اختلاف خلفياته وليس الاشوريين فيه فقط.

ان نظام المحاصصة والمخاصصة في العراق سيعمِر طويلا بعد ان امتد هذا النظام الى ادق شعيراتنا المؤسساتية فهاهو مجلس السريان في قرية صغيرة هي برطلة قد تم بناءه على اسس هذا النظام , الثلثان من الاردوذكس والثلث من الكاثوليك , وقس على ذلك في مختلف المجالات وفي كافة انحاء العراق, لذلك فان الطريق الوحيد امام شعبنا لممارسة دوره يتمثل في استيعابه للدروس التي يُقدمها الاخرون والمتجسدة في وحدة ورص الصفوف وخلق تمثيل قوي له في المؤسسات الوطنية.
تُرى هل تنتبه الحركة الاشورية لهذا وتفعل شيئا لحسم لعبة جر الحبل في دور شعبنا المسيحي في العراق فلايمكن لهذه اللعبة الخطيرة ان تستمر الى اجل غير مسمى.[/b][/size][/font]

139
زوعا وزهريرا و أرقُ حبيب تومي

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

مما لاشكَ فيه ان ظهور الانترنيت والمواقع الالكترونية قد مثَل طريقة متقدمة وسريعة لانتشار الخبر والمعلومة , غير ان سهولة النشر على الشبكة العنكبوتية قد منح الفرصة لكل من هبَ ودبْ ممَن اختار لنفسه مهنة لملمة السطور من هنا وهناك بعد منتصف الليل جريا على شعار ( من كلِ قطر اغنية ) ثم يبذرعليها قليلا من ملحه الخاص متجسدا في الانتقاص من كتابات واراء غيره  بقصد الاثارة متوهما انه بفعله هذا قد اكتشف طريقا فريدا للانتشار من خلال الرقم الذي يُشير الى عدد متصفحي مايكتبه وهو لايعلم ان اكثر حكات جلده سببها مايدمدم به اغلب اؤلئك المتصفحون وهم يتأملون ما سطَر يراعه على هذا و ذاك. تُرى متى ينتبه هذا البعض لحاله ويتوقف فيراجع نفسه هُنيْهة ويتأمل مليا مايقوله الاخرون بشأن مايكتبه , فعندما يقول من إمتهن مهنة الكتابة لعقود ان كتابات فلان هي ( مفيدة ) في بعض جوانبها وطرحنا هامش المجاملة من ( المفيدة ) تلك فان النتيجة حتما ستعكِر المزاج.

يبدو ان أية الله حبيب تومي قد نصَب نفسه ( مرجعا ) سياسيا ودينيا ولغويا واعلاميا لشعبنا المسيحي في العراق وأصبح حال ( أوسلو ) كحال النجف يجب ان يمرَ بها كل السياسيين والكتَاب ( وربما رجال الدين ) المسيحيين لاستحصال بركتها على ايِ مشروع او مقال قبل ان يرى النور. مرة اخرى يخرج علينا السيد حبيب تومي باحد انشاءاته ( الرصينة ) كما اعتاد ان يفعل في كل اسبوع , من خلال ماكتبه ساخرا عن ديموقراطية الحركة الاشورية وقد صادف ان قرأت المقال ولكن انشغالي بكتابة مقالي الاخير ( مسيحيون حتى النخاع -- ) وايماني ان الموضوع الذي يتناوله هذا المقال هو اهم بكثير من الرد على السيد حبيب تومي ناهيكم عن انني  اؤمن اساسا ان السيد حبيب تومي يسرق وقتي من خلال هذه الردود, لكن وعدي لاخوة اعزاء اتصلوا بي دفعني لكتابة مااكتب.

لقد اختار السيد حبيب تومي للديموقراطية مقياسا جديدا وفريدا .  لذلك فهو ينفي وجود الديموقراطية ( صفة وممارسة ) في الحركة الاشورية لانه لايستطيع ان ينتقد ( بنية الهدم ) هذه الحركة ( ويروِج لخرافها الضالة ) على مواقعها الاعلامية. أوكد مرة اخرى انني لست عضوا في الحركة الاشورية ولا اعلم شيئا عن الحياة الداخلية فيها بالرغم من ان كثيرين مثلي يشاهدون انفسهم اكثر قربا منها كردِ فعل على تجني البعض عليها , واذا كان السيد حبيب تومي قد صنَفني في خانة ( كُتابها الفطاحل ) فذلك شرف لي طالما ان الضمير في أتم الراحة حيث اكتب عن هذه الحركة كما عن غيرها مشيرا الى السلبيات والايجابيات معا. لكنني اقترح على السيد حبيب تومي ان يتوقف ويُريح رأسه ولو قليلا من صداع الحركة الاشورية ويتوجه كونه احد ( فطاحل ) القرن ومحلليه الستراتيجيين الى معالجة اوضاع اخرى فيتناول بالنقد الحالات السلبية والارهاصات الموجودة في مسيرة الاحزاب الكردية او اوضاع الحزب الشيوعي العراقي ونتائجه البائسة خاصة وان السيد حبيب تومي وكما يذكر صاحب خبرة طويلة وقد قاتل مع هذه الفصائل وينبغي لها ان تجازيه في ان تسمع نصائحه وسنكون مسرورن جدا ان نرى اسمه ينير صفحات التأخي والاتحاد وطريق الشعب في مقالات نقدية من الوزن الثقيل تماما كوزن محمد علي كلاي.

ليس دفاعا عن الحركة الاشورية وموقعها العزيز( زهريرا ) ولكنه ليس صعبا على اي متابع ان يرى ان مساحة ما يُنشر من انتقاد لهذه الحركة على صفحات موقعها هو اكبربكثير من المساحة المتوفرة للنقد لدى الاطراف الاخرى وانني اعتقد ان ادارة موقع زهريرا لاتتوانى عن نشر اي مقال نقدي طالما تعرف ان صاحبه قد كتبه بقصد الارتقاء الى الافضل ومن حقها ان تحجب اي مقال مدسوس يدفعه صاحبه لغاية في نفس يعقوب . اما لماذا نشر موقع زهريرا مقال ( حبيب تومي يكتب بعد البيك الثاني والمزَة لبلبي ) وقد قام السيد حبيب تومي  بتصنيفه من ( وزن الريشة ) بينما لم ينشره موقع عنكاوة تحت نفس العنوان فان السبب يكمن في ان المسؤول في موقع زهريرا لم يتمكن من الحصول عل بطاقة السفر الى أوسلو لنيل بركة المرجعية عليه بينما قد تكون ادارة موقع عنكاوة قد تمكنت من فعل ذلك لقصر المسافة بين السويد والنرويج ! ان الذي حصل هو ان موقع عنكاوة العزيز لم يرفض المقال بل ارسل لي طالبا تغيير العنوان لكي لايصادف الموقع اشكالات ليس بحاجة لها ولم أُجبر على تغيير العنوان حيث كان بامكاني سحب المقال والكل يعرف ان مواقع كثيرة اخرى مرموقة وكبيرة تنشر ما أكتب لكنني اعتقد ان الكاتب لايمكن ان يكون باي شكل من الاشكال سبب إيذاء لموقع يعتز به وهذه هي سياستي مع جميع المواقع حيث اعلن دائما عن استعدادي لتفهم اية ملاحظة من اجل تجنب اية مشكلة لها, ولذلك فان الاصطياد في المياة العكرة من خلال محاولة زرع الفتنة مع ادارة موقع عنكاوة الذي اصبح فخرا لنا جميعا هي محاولة لن تُجدي نفعا.

ليس خافيا على احد ان إداء الحركة الاشورية في الانتخابات الاخيرة لم يكن بالمستوى المطلوب , لكن امام الذين يعيبون على هذه الحركة نتائجها المتواضعة مهمة كبيرة تتمثل في اخراج العصا من اعينهم متجسدة في النتائج الهزيلة التي حصلت عليها القوائم التي روجوا لها حتى نشف ريقهم . انه لمن السذاجة ان يشمت من كان نصيبه اصفار ثلاث على من كان نجاحه بقرار. ان من يطلب من غيره ان يكون ديموقراطيا يجدر به ان يكون هونفسه كذلك اولا ويراعي الاستحقاقات الانتخابية وقد كانت هذه الاستحقاقات واضحة في منحها للحركة الاشورية حق تمثيل شعبنا في هذه المرحلة , فلماذا لانمنح هذه الحركة فرصتها التي حصلت عليها عن طريق الانتخابات لتجرِب حظها وبعدذلك سيكون لكل حادث حديث. هل اصبح الاخرون اقدر على ممارسة الديموقراطية باسلوبها الحضاري ؟ لقد خسر السيدعادل عبد المهدي سباق رئاسة الوزارة بفارق صوت واحد فخرج مباشرة ليعلن بانه سيعمل مع الجميع تحت قيادة السيد ابراهيم الجعفري بينما لازالت بعض الاصوات تحاول النبش في اساسات الحركة الاشورية وقد حصلت على اصوات اقل بالالاف مما حصلت عليه هذه الحركة.

ان الحركة الاشورية - شئنا ام أبينا – هي احدى التفاحات المتيمزة في الشجرة السياسية العراقية الحالية وقد نالت اعترافا رسميا ودستوريا شرعيا من قبل كل الاطراف السياسية الرئيسية الاخرى وجماهير شعبنا على انها مختصة بتمثيل المسيحيين على اختلاف خلفياتهم في البرلمان القادم وان اية محاولة من قبل البعض من المحسوبين على شعبنا في استهداف تلك التفاحة بحفنة الحصى التي تقع في اياديهم هي محاولة فاشلة واذا حدث أن ادت تلك المحاولات  الى اصابتها بضربة حظ عابرة فان ذلك لايندرج إلا في اطار محاولة هذا البعض وبسبق الاصرار لاغتيال دور شعبنا المسيحي في العملية السياسية.

استميح القارئ الكريم عذرا , ربما يكون ما أكتب في بعض الاحيان قاسيا وعنيفا ولكنني ارى ان الواجب يتطلب من كل الاقلام الشريفة المخلصة في شعبنا لترتقي بمستوى المسؤولية وتضرب بقوة على الحديد لكي يلين فنتجنب اخطاء الماضي وننتهي من هذه الاسطوانة ولانسمح باعادتها من جديد.

140
مسيحيَون حتى النخاع ونحترم الاخرين حتى النخاع

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لا يوجد من ينكر ان الغرب  استطاع القيام بطفرات علمية كبيرة في القرون الاخيرة ساهمت و تساهم في تقدم الحضارة الانسانية وقد استفاد الشرق حاله حال باقي الاصقاع من هذه الانجازات العلمية لكن الحقيقة الاكيدة تبقى كامنة في ان هذا الشرق ( المتخلف علميا ) كان على الدوام مصدرا ثرا ومعلما كبيرا للغرب في كل مايخص التعامل الاخلاقي بين البشر وفي المقدمة من ذلك اصول احترام معتقدات ومقدسات وتقاليد الغير. ان الانسان الغربي بتطرفه في اسباغ صفة ( العملية ) على شخصيته يفشل بل يرتكب خطأ جسيما احيانا في التعامل مع الغيرعندما يتوهم في الاعتقاد ان هذا الغير وعلى وجه الخصوص الانسان الشرقي قد وضع كلَ احاسيسه ومشاعره في صندوق التبريد لاتستفزَه الصغائر والكبائر. وعلى هذا الاساس شعر الغرب بالحاجة الى اختراع ما اُطلق على تسميته بحوار الحضارات عسى ان يهديه هذا الحوار السبل الكفيلة في التعامل مع الغير بعدما اتقن وبنجاح التعامل مع بعضه البعض.

وفي هذا الاطار تاتي ازمة الرسوم الكارتونية لتسجلَ فشلا كبيرا للغرب في جهوده خلال السنوات الماضية من اجل تثبيت دعائم حوار الحضارات فكان نشر تلك الرسوم اشبه بفعل تلك البقرة التي استمرت تُحلب لسنين ثم مالبثت ان ضربت برجلها اناء الحليب وذهبت الجهود سدى . ليست المرة الاولى التي يتجاوزفيها بعض الغربيين على تقاليد ومقدسات الاخرين بل هنالك دائما من يظهر في الغرب فيركب حصان الانانية لينطلق به دون حدود لايعير اهتماما لمشاعر هذا وذاك. ألم يصل الغرور بخطيب الثورة الفرنسية فولتير الى حالة مرضية سمحت له ان يقف امام تمثال السيد المسيح ويتجاسر بوقاحة ليقول عبارته المقززة ( لقد هزمناك ) فسقط فولتير على إثرها سقوطا رهيبا واصبح في نظر الكثيرين وفي المقدمة منهم من كان معجبا به ليس إلا صوت منكر وبوق مشؤوم .

ان المسيحيين الشرقيين يمثلون مثلا ناصعا لحوار الحضارات في شكل من اشكاله عندما استطاعوا وعبر الاف السنين من ايجاد تلك العلاقة الانسانية الرفيعة مع غيرهم من المسلمين وغير المسلمين فتمكن الجميع من فسح المجال لتناغم وانسجام حضاري في ارقى مستوياته تظهر سماته في اغلب الاحيان لتعطي ابهى صور الاحترام والتقدير, كلَ لمشاعر ومعتقدات غيره ويظهرالاستنكار والاشمئزاز على اي تصرف مشين يقوم به كائن من كان تجاه المقابل حيث من السهولة ان تلاحظ علامات الاشمئزاز على تلك التصرفات واضحة على من يُحسب صاحب ذلك التصرف جزءا منها قبل ان تُلاحظها على المقابل.

لقد كنت ( وهنالك كثيرون مثلي ) نتجنب مثلا تناول الطعام بحضور زملائنا واخوتنا من المسلمين اثناء شهر رمضان عندما نعرف انهم صيام , ليس خوفا فلم نكن نفعل هذا فقط في العراق بل كان هذا تصرفنا اثناء الدراسة في بلاد الغربة ذات الاغلبية المسيحية والبعيدة عن العراق بمسافات شاسعة. لم يكن الهدف محاباة احد او التملق له بل شعورا صميميا بجمال احترام مشاعر الغير. كثيرة هي المواقف التي تحكي عن احترام المسلم لمشاعر اخيه المسيحي عندما يتواجد هذا المسيحي في بيت اخيه المسلم ويُعرض على التلفاز برنامجا يتضمن عادات اوطقوس دينية مسيحية كما يفعل المسيحي الشئ ذاته عندما يحدث العكس فلايتوانى عن توفير مناخ الصلاة لاخيه المسلم عندما يحين موعد الصلاة والاخير ضيف في بيته. لايحدث هذا بين المسلمين والمسيحيين فقط بل ومع غيرهم من اصحاب المعتقدات فلازلت وبحكم قرب منطقتنا من المناطق التي يسكنها الاخوة اليزيديون اتذكر كيف كان الجميع يتجنب ذكر مفردات معينة قد تُسبب جرحا لمشاعر ومعتقدات اخواننا من اليزيديين الذين نلتقي بهم مع العلم ان عددهم اقل بكثير من اعداد المسلمين والمسيحيين. بل الاكثر من هذا هو وجود مسلمون يمتلكون علاقات واسعة ووطيدة مع زملائهم او جيرانهم من المسيحيين يفتخرون بها امام اقربائهم ومعارفهم من المسلمين والعكس ايضا صحيح حيث اقربائي على سبيل المثال وعندما حانت ساعة مغادرتهم للوطن قرروا توكيل اخ وزميل عزيز مسلم وشيعي المذهب على كل املاكهم وممتلكاتهم في وكالة عامة , له مطلق الحرية في التصرف بتلك الاملاك والممتلكات واسمعهم دائما يقولون ان دعواتهم لاتنقطع وهي تطلب من الباري عز وجل ان يحفظه ويحميه ويفتح له طرق الخير العميم. ربما تكون هذه الامثلة في نظر البعض سلوكا طبيعيا لايستوجب الاشارة ولكنني اؤمن يقينا ان شعورا بالرضى عن النفس يغمرنا في اللحظة التي نعيشها ونتلذذ بمعانيها الانسانية السامية.

ان المسيحيين الشرقيين الذين عاشوا السراء والضراء مع الاخرين وفي المقدمة منهم اخوانهم وجيرانهم المسلمون يشعرون بغصة في القلب وهم يلمسون ان بعض اخوانهم وجيرانهم يُحمِلونهم تبعات كل التصرفات الهوجاء التي يرتكبها بعض من يسكن الغرب او ادارات وجكومات تلك البلدان. ان تصور البعض واعتقاده ان المسيحيين الشرقيين هم ( طابورا خامسا ) للغرب والولايات المتحدة هو ظلم وجور بحقهم بعد ان قدموا ولازالوا كل هذه التضحيات الزكية وامتزجت دمائهم مع دماء الاخرين وهي تراق على مذبح الوطن ناهيكم عن انهم ابناء الوطن الاصليين وليسوا جالية زرعها الغرب في تلك البلاد. ان الذين قرروا استهداف الكنائس والمسيحيين في العراق كرد فعل للتصرف الاهوج المتمثل في نشر الرسوم الكارتونية المسيئة الى الاسلام في بعض الدول الغربية انما اختاروا الهدف الخطأ و البرئ خاصة وان المسيحيين انفسهم قد اعلنوا استنكارهم لهذا الفعل المشين و يشعرون بحرقة في القلب وهم يشاهدون يوميا تبعاته على شاشات التلفازحيث علامة الصليب المقدسة لديهم والمرسومة على بعض اعلام الدول الغربية وهي تداس تحت الاقدام كردِ فعل لذلك التصرف الاحمق واللامسؤول الذي قامت به بعض وسائل الاعلام الغربية.

هاهي ساعة الامتحان تأتي من جديد ويقع على الشرق واهله حلَُ المعضلة فيه لانه مصدر الشعاع فيمنح بعض المرضى في الغرب تلك الصورة المشرقة للتعايش الحضاري القائم على المحبة والسلام واحترام الغيرلاقوام  اتقنت التضحية والفداء ونكران الذات وامتصاص ومعالجة الفعل السئ بحكمة سليمان اكثرمن اتقانها صنع الشرائح الالكترونية.
هاهو الغرب يطلب من جديد أية. ضمِد جراحك ايها الشرق ولو قليلا وترفَعْ  فليس غيرك اهلً لهذه المهمة.


141
بين عطلة السويدي وبرنامج صاية وصرماية
الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

أجلس في مكتبي في العمل, امامي وبجانبي وخلفي زملاء من ابناء البلد من السويد. أسمع اثناء العمل مكالماتهم الهاتفية لاننا جميعا في قاعة واحدة , هذا يحجز له ولعائلته في سفرة بحرية او للتزلج على الجليد في عطلة نهاية الاسبوع  وذاك يتصل بشركة الطيران ليؤكد الحجز الى حيث قرر هو وعائلته ان يقضي عطلة الصيف.
يختار اليوم والساعة في تموز او اغسطس ولايساوره ادنى شك في ان عائقا ما سيحول دون ذلك, مشكلة الحصول على الجواز او تجديده هي اغرب الى الخيال في ذهنه , ان تغلق حدود بلاده اوحدود الدولة التي ينوي اليها ذلك ضرب من المستحيل.
نذهب الى وجبة الغذاء , نجلس على طاولة واحدة , الاوربيون يعشقون الحوار مع الطعام ولكن ايَ حوار! انه الكلام عن الطعام والطقس ودرجة الحرارة في عطلة نهاية الاسبوع . يضحكون لايِ سبب نراه تافها في وقت بات ضحكنا أشبه بمعاملة رسمية تحتاج الى جيش من الموقعين .
وبينما تسمع سيلا من التعليقات حول الطقس والطعام تتمنى في داخلك ان يُحرِف احدهم الحديث نحو الهمِ والحزن و التفجيرات و السياسة لكي تقتنص فرصتك  وتُبدع في ذلك و تستعرض كل خبرتك  و تُصبح نجما للحوار دون منافس ولكن بدون جدوى . قوم يسبح ويطوف في الحياة حيث لها معنى لديه في كل لحظة.

اعود الى البيت بعد يوم عمل طويل وكما يفعل الملايين مثلي من العراقيين والعرب في الوطن وفي المغتربات الذين ادمنوا على النشرات الاخبارية كما يُدمن الحشاشة على القات والحشيش والكوكايين, أفتح التلفاز واتوجه مباشرة الى الصحن الفضائي فلا تروي الضمأ القنوات السويدية ويقع الاختيار على فضائية الشرقية العراقية واذا بها تقدم تقريرا عن برنامجها الجديد ( صاية وصرماية ) .
مئات وربما ألاف من العراقيين و العراقيات الذين انهكتهم الحياة, يملك اغلبهم قصصا لو سمعها ايوب لصلَى الى ربه يدعوه لاظافتها الى سفره . بشر قرروا التوجه الى مموِل يحهلونه فعليا ويجهلون غايته ونيته , كل ما يعرفونه انه عرض عليهم ان يُعلِمهم الصيد فلا يعودوا بحاجة الى سمك حكومتهم العتيدة الذي يأتيهم في المناسبات والاعياد الوطنية والدينية . ألاف وهناك ملايين غيرها تريد ان تتشبث باية قشَة في بحر الحياة الذي كاد يُغرقها من شدة ماقسى عليها .

بلد تُغطيه الثلوج اغلب شهور السنة , يُقال للمزحة انه تم اكتشاف حفنة من البترول في شماله فقررت الحكومة تحمَل نفقات استخراجها الكبيرة من اجل وضعها في المتحف الوطني . شعب لايملك من الثروات الكثير ولكنهم ( اللهم لاحسدا لانهم طيبون ) نادرا ماتراهم يتثائبون في العمل لانهم ينامون ليلتهم بهدوء مطمئنين على حاضرهم ومستقبلهم بل ومستقبل اجيالهم حيث كل هذا هو قانون للحياة ولايعتمد على مكرمة او مزاج الملك او الحكومة .
يلتقي السويدي رئيسه في العمل في صورة راقية لعلاقة احترام طبيعية بعيدا عن الخوف او التملق لانه يعرف جيدا ان ترقيته او فصله من العمل ليس قرارا يتحكم فيه مزاج رئيسه .

في بداية التسعينات وكنت للتو قد عدت الى الوطن بعد إكمال الدراسة وتم تعييني في جامعة الانبار وتعرَفت فيها على اصدقاء و اخوة اعزاء. كان حينها عدد من يحملون صفة ( صديق الرئيس ) ليس بذلك العدد الضخم . سألت حينها زميلي في العمل ممَن كان يحمل ذلك اللقب عن مغزى كونه صديقا للرئيس وامتيازاته .
لازلت احفظ اجابته عن ظهر قلب, قال لي ساخرا : ان مهمتنا نحن اصدقاء الرئيس ان نجمع مايقع منه . نعم هكذا هو حال شعبنا دائما, زرعه ونباته يعتمد على مطر السماء وحياة ابنائه تعتمد على مطر حكامه وحكومته . 
اذا كان علينا ان نعترف بمنَة السماء ونشكرها وهي تسقي زرعنا فلماذا نتحَمل منَة حكامنا في خيراتنا وثرواتنا . الى متى تبقى عيوننا مشدودة احداها الى السماء طلبا للغيث والاخرى الى الحاكم طمعا في مكرمته ؟ وليته  في ذلك كان عادلا , فترى زخاته تُحدث فيضانا لدى نفر قليل بينما تقتصر على قطرات بسيطة على الغالبية العظمى من ابناء الشعب فقد وصل الامر في الاحيان ان تُحسب عدة غرامات من السمن والشاي مكرمة اما دجاجة العيد او طبقة بيض احتفال عيد الميلاد فهذه وتلك مكرمة ثقيلة .
هل شعرت تلك الام المسكينة التي وضعت التوامين الملتصقين السياميين بكامل السعادة عندما ُأخبرت ان عاهل السعودية خادم الحرمين الشريفين قد استجاب لدعوتها اولا قبل ان تفعل حكومتها ذلك ؟ بالرغم من التقدير العالي لمبادرة الملك السعودي وايمان الجميع ان فعل الخير هو ساحة مفتوحة للجميع إلا ان لحظة الاسى عاشها كثيرون مثلها . وهل كانت تلك الام اساسا لو كانت سويدية  او كانت تعيش في بلد المؤسسات حقا بحاجة لان تطلق صرختها تطلب المساعدة من كائن من كان ؟
ربما يعرف الكثيرون ان حكومات النظام الملكي وماتلاها الى فترة اخرى كانت تستسيغ صفة ( الرشيدة ) كنعت لتلك الحكومات و في العقود الثلاثة الماضية اختار النظام لنفسه صفة ( القيادة الحكيمة ) كنعت جديد على اعتبار ان الحكمة هي ارقى من الرشد.
لا الرشيدة فادت واما الحكيمة فقد كانت مدمرة من فرط ( حكمتها ) ! وكان امل العراقيين بالعهد الجديد ان يكون عهدا بلا نعوت تعلِم الحكومة فيه ابنائه الصيد لمن لايتقنه فيخرج الجميع كل يوم لصيد رزقه مطمئنا لوجود سمك وفير له ولاجياله , ليس عليه واجب مشاهدة نشرات التاسعة مساءّ ليحتاط لغده , ليس ( دائخا ) بتأمين مائه وكهربائه, عند ذاك قد يفكر في عمله ان يتصل بتلك الجهات التي يتصل بها زميلي السويدي وتقلَ حتما حينئذ زبائن برنامج صاية وصرماية.
هل كثير على شعبنا الطيب الذي قاسى وعانى كثيرا ان يعيش كما يعيش الاخرون ؟[/b][/size][/font]

142
هل إشترت ايران احدى قنابل كوريا الشمالية ؟

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

تُشير احدث التقارير الاستخبارية والمعلوماتية عن مراحل تطور البرنامج النووي الايراني الى ان هذا البرنامج يمكن ان يعطي نتائج حاسمة بعد ثلاث سنوات ليترك ايران تتمتع بكامل العضوية في النادي النووي. ويرتكز هذا التحليل على القرار الايراني الاخير باستئناف برامج تخصيب اليورانيوم حيث يعني هذا القرار لاصحاب هذا التحليل شروع ايران بتوزيع اليورانيوم على اجهزة الطرد المركزي التي يُعتقد ان ايران تملك 164 منها في موقع ناتانز النووي وباجراء الحسابات على كمية اليورانيوم المخصب التي ستستخلصها هذه الاجهزة مع عامل الزمن يمكن الوصول الى التاريخ المتوقع لكي تكون ايران قد جمعت الكمية المطلوبة من المادة ( العزيزة ) التي تكفي لصنع قنبلة نووية. ومما يجدر ذكره ان المواصفات الفنية للقنبلة المقصودة هي مشابهة تقريبا لتلك المواصفات التي كانت عليها القنبلتان النوويتان اللتان القيتا على مدينتي هيروشيما وناكازاكي اثناء الحرب العالمية الثانية والتي احتوت كل منهما على 25 كيلوغراما من المادة الانشطارية. وهكذا اذاعلمنا ان ايران تمكنت من تجميع الف طن من اوكسيد اليورانيوم او ما يُعرف  بالكعكة الصفراء, ( التي كانت تحويها ايضا حاويات مجمع التويثة في العراق قبل سقوط النظام واستخدم قسم كبير من هذه الحاويات بعد تفريغها منها من قبل البسطاء لخزن المياه بعد سقوط النظام ) , فان اجهزة الطرد المركزي الايرانية ستدور كثيرا حتى تستطيع سحق كل هذه الكمية من الكعكة الصفراء لتستخلص منها تلك الدقائق الثمينة من اليورانيوم المخصب.

اذا كانت هذه هي الحقيقة وامام ايران ثلاث سنوات بالتمام والكمال على الاقل للوصول الى هدفها في ان تُبشِر العالم بدخولها نادي الذرة من ابوابه الفسيحة, فان كثيرين من المحللين والمراقبين يضعون علامة استفهام كبيرة امام مستوى  العقلية السياسية للقيادة الايرانية التي قررت ان تفتح النار مبكرا وتتحدى تحالفا دوليا مضادا كبيرا في ثقله لايمكن في اي حال من الاحوال ان ينتظرها ثلاث سنوات . أم هل تنتظر القيادة الايرانية من هذا التحالف المضاد ان يمنحها الضوء الاخضر لتمضي قدما في برنامج التخصيب وهو يعني حتما منحها رخصة عامة للسياقة في الخط السريع الذي ينتهي بمحطة السلاح النووي؟

ان تقارير وكالة الطاقة الذرية الدولية تؤكد جهل هذه الوكالة لمصير كميات مهمة من المواد النووية التي كانت موجودة في بعض الدول وخاصة في دول الاتحاد السوفيتي السابق كما اعلنت هذه الوكالة مرارا وتكرارا عن تخوفِها من ازدهار نشاط المافيا المتخصصة بتجارة المواد النووية بل ان التقارير تتحدث عن وجود سوق متكامل متشعب نشط لهذه المواد شاركت في جزء من فعالياته شخصيات علمية نووية مشهورة كعالم الذرة الباكستاني عبد القادر خان الذي يُعتبر الاب الروحي للقنبلة الباكستانية. اذا كان الحال هذا فمن باب اولى الاعتراف في ان بعضا من الصفقات التي تمت عبر هذا السوق قد نجحت في اكمال جميع شروط التعاقد الخاصة بها وفي المقدمة منها وصول البضاعة الى المستهلك وحصول المسِوق على ارباح الصفقة, ولانعتقد ان المرء يتجنى اذا وضع ايران في قائمة الدول المرشحة للتعامل مع مافيا التجارة النووية. اذا كان الامر كذلك ونجحت  ايران وهذه المافيا من اتمام صفقات مهمة فلن يكون لزاما على اجهزة الطرد المركزي الايرانية طحن جميع الكمية الموجودة في المخزن الايراني من الكعكة الصفراء بل ان دورانها ليس إلا فصلا في مسرحية مفبركة الهدف منها رفع الروح المعنوية كون التخصيب قد تم بايادي ايرانية بينما المشاركة الايرانية الفعلية في العملية هي مشاركة رمزية.

اما اذا كانت ايران قادرة على إثبات عدم تورطها مع هذه المافيا على اساس الارتكاز الى الفتوى الدينية التي تُحرِم التعامل مع هذه المافيا مُعززة بالبراهين العملية الواقعية التي تنفي وجود اي فعل من هذا القبيل فمن حق المراقب عند ذلك ان ينتبه الى مسألة اخرى يفرضها الواقع السياسي الدولي والتي تكمن في احتمال وجود تعاون وثيق قد ارتقى ربما الى درجة التحالف الستراتيجي السري بين ايران وكوريا الشمالية طالما ان السياسة هي فن استغلال الممكن من الفرص خدمة للمصالح المشتركة وان معركة البقاء هي معركة واحدة لكل الانظمة التي تستهدفها نيرانها.

ان مصلحة النظام في كوريا الشمالية تكمن في ان يرى ايران النووية كطرف حليف له في الوقت الراهن ضد الادارة الامريكية كما ان ايران النووية لاتمثل باي شكل من الاشكال خطرا استراتيجيا على النظام الكوري الشمالي الان او في المستقبل. وهكذا ما دامت المعركة واحدة والمصير واحد فليس هنالك ما يمنع تقاسم الجهد بين الطرفين كل بما عليه قادر لكي تتوازن المعادلة بينهما وبالتالي ترتقي درجة هذه المعادلة الى مرتبة اعلى فيصبح حلَها اكثر صعوبة على الادارة الامريكية وحلفائها.

ان مبدأ ( شيَلْني و أشيَلَك ) هو مبدأ فعَال في السياسة الدولية و لاتوجد لحظة اكثر الحاحا من الفترة الحالية لينقذ النظام في كوريا الشمالية اخاه الذي لم تلده امه في طهران بجزء مما لديه من الجهد النووي الذي يمتلكه فيساعده هذا الاخير ايضا في الاستمرار في الصمود في الوقوف على رجليه بوجه هذا الحصار الاقتصادي الخانق الذي يعاني منه الى ان يشاء الله امرا كان مكتوبا.





143
 
يعيش حزب قناة عشتار

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

أصبح معروفا خروج شعبنا المسيحي في العراق من الانتخابات الاخيرة بنتائج لاتثير إلا حزن و إستياء ابنائه. الحزن على دور يكاد يكون معدوما في الحياة السياسية العراقية , والاستياء من القيادات الدينية والسياسية والنخبة المثقفة في هذا الشعب التي راق للقسم منها أن يؤدي دور المتفرج وكأن الامر لايعنيه وهو يرى القسم الاخر يناطح بعضه بعضا الى ان تهشمت الرؤوس جميعا وسقط الكل صرعى.

لقد أضاع شعبنا مرة اخرى فرصة ذهبية في لعب دور حقيقي على الساحة السياسية العراقية حيث من المؤكد ان الديموقراطية والانتخابات تمنح الاقليات في مجتمعاتنا الشرقية فرصا ثمينة للتعبير عن نفسها بما تمتلك من ثقل جماهيري بعيدا عن قيود المحاصصة واثار التهميش, فتصوَر عزيزي القارئ معي النتيجة ( الحلم ) التي كانت ستتحقق لو صوَت مثلا 500 ألف ناخب مسيحي لقائمة واحدة من قوائم شعبنا كما حدث مع الاخرين. ألم يكن لدينا الان عشرة مقاعد في البرلمان يمثلون كتلة تثير لعاب الكتل الكبيرة الاخرى في التفاوض والتحالف معها ؟ وتفعل هي ايضا ذلك معهم من موقع القوة . لكن و بفضل ( الجهود الخيرة ) لقياداتنا السياسية وقتالها المستميت فيما بينها من اجل مواقع الصف الاول والتسميات, يضاف اليه الوقود المتواصل لهذه المعركة التي يمثلها كُتَاب الانشاءات في المواقع الالكترونية مُتوَجا بالدور اللاأبالي إن لم يكن السلبي في بعض الاحيان لبعض القيادات الكنسية, كل هذا اوصل شعبنا الى هذه النتيجة المريرة حيث على الارجح لن يكون لديه في البرلمان المقبل إلا مقعدا يتيما حصل عليه بشق الانفس بعد الركون الى نتائج توزيع المقاعد التعويضية إذا أخذ بالحسبان ان المقعدين اللذان حصلتا عليهما شخصيتان مسيحيَتان ضمن القائمة الكردستانية هي مقاعد ( شرفية ) إقتضتها ضرورة تلوين وتطعيم تلك القائمة حيث هامش حيود اصحاب تلك المقاعد عن اهداف القائمة الام وباتجاه امال واهداف شعبنا هي ظئيلة حقا. وهكذا بقيت لعنة الكتلة ذات المقعد الواحد تلاحقنا مرة اخرى وأصبح لزاما علينا اللجوء والتوسل الى الكتل الاخرى طمعا في الحصول على بعض المكرمات .

لقد كتبت وكتب غيري ايضا في الاسابيع الاخيرة مقالات عديدة تدعو الى الاتعاظ وتعلم الدروس مما حدث والانتباه الى ان ( الكير هو حقا على الباك ) وأعترف ان قسما من هذه المقالات كانت قاسية وشديدة في الاسلوب ولكن يشهد الله ان القصد ليس إطلاقا التهجم الشخصي على فلان او علاَن بل هي الغيرة التي تملأ الكثيرين , وكما يقول الكتاب ( الغيرة على بيتك قتلتني ) , في ان هذا الشعب  يجب ان يلعب دورا مهما ورائدا في العراق الجديد لما يمتلكه من طاقات بشرية خلاقة بل هو صمام الامان في المجتمع العراقي.

لكن البعض وكأنه لم ينتبه لدرس الانتخابات بل إعتبر نفسه انه كان في إجازة اعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة وهكذا عادت بعض الابواق من جديد تعزف مقاطع اخرى من السمفونية القديمة فهذا يتغنى بامجاد اجداده الكلدان محاولا ان ينسب اليهم اختراع الموبايل وباقي الشرائح الالكترونية وذاك يهيم في تاريخ اشور يُجبرنا ان نشَم كل حجرة فيه وثالث يفعل الشئ ذاته من السريان يُجهد النفس في اثبات انتساب الجميع اليه. هذا ينبش في اصل الكلدان بهدف العثور عل اي ثقب حتى ولو كان تافها في ملابسهم ليشمت فيهم وذاك يحفر في اساس الاشوريين ظنا منه ان الحفر في الاساس هو الوسيلة الاسلم لترك الدور الذي يشغله ( زوعا ) في تلك البناية حطاما وركام وهلم جرا وجيب ليل وخذ عتابة.

ليس عيبا اطلاقا ان يتغنى الانسان بامجاد اجداده ولكن العيب ان يتحول هذا الغناء الى مرض قاتل عندما ننتقي من ذلك التاريخ ما يشيع روح التشرذم والفرقة ناهيكم عن ان العرب تقول ليس الفتى من يقول كان ابي , ان الفتى من يقول ها انذا. لقد اصبحت وظيفة البعض في الكتابة شبيهة بما درج على فعله الكثير من المتقاعدين ( ايام زمان ) الذين كان يحلو لهم بعد سنوات الخدمة الطويلة ان يتركوا ( الجاكيت ) على الكتف وهم يحكون لبعضهم البعض ويتذكرون ايام الشباب وبطولاته . فهل قرر هؤلاء اعلان تقاعد شعبنا عن الدور في الوقت الذي قد بدأ به للتو؟ وهل اصبح عسيرا على اؤلئك الكتَاب ان يغرفوا من التاريخ عشرات بل مئات الامثلة التي تحكي ان الكلدان والاشوريين والسريان قد قاسوا معا  وأُضطهدوا و قاوموا وفرحا وحزنوا وتزاوجوا وانجبوا معا على مر العصور والازمان؟

ان ليلى الارامية المسيحية في العراق مريضة وواجبنا جميعا ان نكون الطبيب المداويا . ودواء ليلى الناجع والشافي لايحتاج الى اية وصفة و مواد كيميائية بل انه بسيط وصعب في ان واحد يكمن في الترَفع قليلا عن المصالح الشخصية والانانية الضيقة وزرع روح التضحية والتسامي لتبعث الصحة والعافية من جديد في جسدها النحيل ومامن حب اعظم من هذا ان يبذل الانسان نفسه عوضا عن احبائه وهاهي قناة عشتار الفضائية قد اختارت لنفسها ان تكون شمعة على طريق هذا الهدف فهل هي تنادي من كان حيا؟

144
ايران – هل أصبحت القنبلة النووية خبز النظام

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يبدو ان الضربات تحت الحزام قد أصبحت في الاونة الاخيرة السمة المميزة للصراع الدائر بين الولايات المتحدة وايران. ففي الوقت الذي تمكنت فيه ايران ان توجه ركلة قوية الى الادارة الامريكية عن طريق التأثير بشكل فعَال في سير العملية الانتخابية  في العراق وبالتالي في نتائجها الى الحد الذي أصبح حال هذه الادارة كحال ( بلاَع الموس ) او الشفرة , إن استمرت في بلعه فهي مصيبة وإن أعلنت عن ذلك في هذه الظروف ورفضت بلع الموس فالمصيبة اعظم. لكنها على ما يبدو اختارت على مضض الحل الاول على ان تُجري لاحقا الجراحة الضرورية لاستئصاله.

لكن الادارة الامريكية لم يفوتها ان تترك النظام الايراني يشرب منتشيا نخب الفرح بنجاحه في دفع موس الانتخابات العراقية الى جوفها حيث كانت وكأنها الثور الهائج الذي يتلوع من تلك الشفرة تُحضر لذلك النظام ضربة قوية وجهتها الى حليفه الاستراتيجي النظام السوري عن طريق القيادي العتيد فيه عبد الحليم خدَام الذي شقَ على حين غرَة عصا الطاعة على النظام الذي خدمه عقودا ليعلن عن استعداده لكي يُصبح شاهدا على إعدامه. وهكذا أحس المصارع الايراني بالهيجان ايضا وهو يشاهد ان رفيقه وشريكه المصارع السوري قد فقد قطعة القماش الحمراء التي يراوغ بها في مصارعته للثور الامريكي وان هذا الثور قد أصبح قاب قوسين او ادنى من ان يملص رقبته.

هكذا هبَ النظام الايراني محاولا نجدة حليفه وبالتالي نفسه وفي خطوة هدفها تخفيف الضغط على المصارع السوري أعلن هذا النظام عن قراره في كسر الاختام والشموع التي قد وضعتها وكالة الطاقة الذرية الدولية على بعض منشأته النووية ليستأنف نشاطاته في مجال تخصيب اليورانيوم.

ان التساؤل الذي يطرح نفسه يكمن في هل ان ايران قد أوقفت فعلا كل نشاطاتها في  تخصيب اليورانيوم طوال هذه الفترة لكي تقرر إستئنافها الان ؟ وهل ان وضع الاختام والشموع على بعض المنشأت النووية هو كافيا , لكي ينام الجميع ( رغد ) في ان كل شئ قد أصبح تحت السيطرة , في عالم اليوم الذي بات فيه الصدق في السياسة عملة نادرة؟ ثم هل ان النظام الايراني الذي أحسن استخدام ورقة التخصيب عاجز عن أن يعي ان هذه الورقة يمكن ان تأتي بنتائج افضل وتُصبح ورقة ضغط اقوى عندما تقطع عملية التخصيب من الناحية التقنية مشوارا كبيرا؟ هل أصبحت القيادة الايرانية بتلك السذاجة حالها حال النظام العراقي السابق فقررت في هذه الظروف الدولية المعقدة ان تفتح ابواب معركة خطيرة مستندة على قاعدة من الرمال حيث ان قرار إستئناف التخصيب بالنسبة للكثيرين ليس إلا اعلانا بالرغبة في امتلاك السلاح النووي . وهل يتحمَل عالم اليوم ان يتلقى بلاغا من كائن من كان ( خاصة اذا كان من المارقين ) يعلن فيه عن نيته في استئناف مشاريعه لامتلاك السلاح النووي على ان يُكمل مشروعه بعد كمِ من السنين ام ان هذا الذي يُصدر البلاغ قد خرج من عنق الزجاجة في مشروعه هذا وليس إعلانه سوى اشارة انه قد قطع مرحلة اخرى متقدمة على هذا الطريق.

ان مشروع امتلاك السلاح النووي هو مشروع متكامل و محسوب في زمنه كما ان القيادة السياسية التي تتولى الاشراف عليه تتخذ قرارا حاسما في الاستمرار به حتى تحقيق النتائج او التوقف كليا عنه ولذلك لايمكن من حيث الامور الفنية ان يكون عرضة لتقلبات بعض القرارات السياسية فيتوقف العمل به اليوم ويستأنف غدا! اما الاختام والشموع التي وضعتها وكالة الطاقة الذرية فان الوكالة وموظفيها هم اول من يعرف ان تلك الاختام والشموع تؤكد فقط  ان رواتبهم ومخصصاتهم قد أصبحت بها حلالا زلالا لانهم قد قاموا بواجبهم , لان المنشأت التي وِضعت عليها تلك الاختام والشموع قد اصبحت منشأت نووية للاغراض الاعلامية حتى ان النظام الايراني نفسه كان قد وضع اساسا قسما منها في قائمة الخسائر كاهداف مستهدفة من قبل الادارة الامريكية واسرائيل. ولذلك فمن السذاجة ان يتكرر الحديث يوميا مثلا عن مفاعل بوشهر والوقود فيه في الوقت الذي لاتنظر فيه القيادة الايرانية الى هذا المفاعل إلا كواجهة اعلامية لاتأمل منه ان يقدم مجهودا ضخما من الناحية الفنية للبرنامج النووي الحربي الايراني.

يُخطئ من يظن ان الادارة الامريكية تهدف من وراء تكثيف الضغط على النظام الايراني الى حمله لاعلان تخليه عن برنامجه النووي بل ان هذه الادارة تبغي من وراء  حصر هذا النظام في الزاوية الضيقة الى تركه يستعجل الاعلان وبالفم المليان عن امتلاكه لاسلحة ردع استراتيجية ومنها الاسلحة النووية كما ان هذا النظام اصبح يُدرك جيدا حاجته الماسة الى هذه الاسلحة طالما ان رأسه مطلوب في كل الاحوال . ولذلك وفي ضوء هذه الظروف الدولية حيث انقاذ رقبة النظام السوري بات يحتاج الى معجزة الهية وان سقوطه يتوِج النظام الايراني رسميا على رأس الاهداف الامريكية, كما ان وجود اكثر من مئة ألف جندي امريكي في العراق لن يترك الرياح السياسية في هذا البلد تسير على هوى القيادة الايرانية الى المالانهاية فان حاجة النظام الايراني الى القنبلة النووية ايا كانت مواصفاتها من الناحية الفنية قد اصبحت على مايبدو اشبه بحاجة الكائن الى الخبز من اجل البقاء.

يبقى السؤال الكبير عن الساعة التي ستختمر فيها هذه العجينة ويعلن الخباز الايراني عن نجاحه في وضعها في الفرن الرهيب ام هل ستنجح الادارة الامريكية وحلفائها وتحت جنح الظلام من سرقة العجينة ووعائها في اللحظة الاخيرة من الوقت الضائع ؟



145
الانتخابات العراقية – عرس وإستفتاء وفضيحة

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

هكذا انتهت الانتخابات في العراق وكانت في نتائجها المعلنة لحد الان صدمة للكثيرين من المحللين والمراقبين والناخبين في الوقت الذي كانت ربما طبيعية لطباخيها الرئيسيين. لقد كان الكثير يتوخى من هذه الانتخابات ان تؤدي في نتائجها الى ايجاد نوع من الموازنة التي تتيح للعراق شكلا من الهدنة السياسية تكون عاملا في الانتباه قليلا الى مشاكل المواطن وهمومه ومعاناته والانطلاق في بناء البنية التحتية لدولة عصرية ديموقراطية حيث يكفًُ الجميع عن التناحر السياسي على الاقل لسنوات معدودة حتى يحين موعد انطلاق الحملة الانتخابية القادمة.

لقد درج العديد من العراقيين على وصف يوم الانتخابات على انه عرس عراقي وانه لجميل ومفرح حقا ان يشارك الانسان في العرس او يكون جزءا منه غير ان الاهم من ذلك ان يكون ذلك العرس هو حجر الزاوية والبداية الطيبة لبناء عائلة مستقرة وبيت مزدهر سعيد , لا ان يكون بضع ساعات من الاحتفال الذي يتخلله كلًُ ما لذًَ وطابْ ما يلبث ان ينتهي بعد وقت قصير بالدعوات الى الطلاق والانفصال. لقد سئمنا من وصف كل الفعاليات السياسية على انها عرس وطني طالما ان تلك الاعراس لم تؤدي الى نتائج ملموسة في بناء وطن مزدهر يتمتع ابنائه حالهم حال الكثيرين في هذا العالم بالرفاهية والسعادة والاستقرار بل الانكى من ذلك ان تلك الاعراس كانت سببا رئيسيا في تدمير الوطن وضياع سيادته.

مرة اخرى تؤكد العملية السياسية في العراق ومن خلال نتائج الانتخابات على انها متناقضة مع احكام المنطق والحساب والتحليل, وان العادات والتقاليد المتجذرة واستخدام الرموز الدينية والقومية يمكن ان يجعل من الديموقراطية الوليدة مجرد إستفتاء رسمي يكتسب صفة الشرعية كونه نتيجة لها. وإلا كيف يستطيع المرء أن يُفسر حصول الائتلاف العراقي الموحد على عدد من المقاعد مساو تقريبا لما حصل عليه في الانتخابات السابقة في وقت شهدت فيه الفترة الواقعة بين الاقتراعين حيث تولت حكومة هذا الائتلاف ( مقاليد الامور) في البلاد فشلا ذريعا لهذه الحكومة في تقديم اية منجزات تدفع الناخب للتصويت لها يُضاف اليه خروج اطراف عديدة من هذا الائتلاف كانت في الانتخابات الاولى جزءا منه حيث دخلت الانتخابات الاخيرة بقوائم مستقلة.

ان النتائج التي أُعلن ان الائتلاف العراقي الموحد قد حصل عليها تُشير الى احد امرين لاثالث لهما . الاول يتلخص في إحتمال حدوث تزوير منظم او إكراه في عملية التصويت لانتخاب جهة ما والثاني يؤكد ان التعصب المذهبي والقومي سيكون عاملا يؤثر سلبا  بشكل فعال والى أمد غير قريب في العملية الديموقراطية في العراق ويقف عائقا امام ان تكون هذه العملية فرصة ذهبية لاختيار الافضل بغض النظر عن الجنس واللون والدين والمذهب والانحدارالقومي.

وفي الوقت الذي يضع الكثيرون علامة استفهام كبيرة امام الارقام المعلنة لبعض الكتل الكبيرة فان نتائج الانتخابات في جانب اخر قد مثًل انتكاسة كبيرة لاطراف سياسية اخرى جاهدت في ان تطرح نفسها كلاعب اساسي في العملية السياسية من خلال طرقها لابواب رخيصة , لم يكن خافيا على الكثيرين ان محاولة تلك الاطراف لطرق تلك الابواب هو لعبة انتخابية مكشوفة ومحاولة للاصطياد في المياة العكرة , تمثًل في اطلاق الوعود للمواطن البسيط باعطاء حصة نقدية له من عائدات النفط تُدفع له بشكل مباشراو بادعاء امتلاك صلة وثيقة بالمقاومة , وعلى هذا الاساس جاءت النتائج مثلا صفعة قوية للمؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه الدكتور احمد الجلبي حيث لم تستطع قائمته ان تحصد عددا من الاصوات كافيا لضمان مقعد واحد في البرلمان. ان المرء ليصاب بالعجب والحيرة من رجل يحمل اعلى الدرجات الاكاديمية في الاقتصاد وقد اكتشف حلا شافيا لمشاكل الوطن وهمومه في بناء دولة الحاضر والمستقبل يتمثل في توزيع عائداته على المواطنين على شكل منح نقدية.
 ان المرء يحمد الله سبحانه وتعالى كثيرا لان شيخ السياسة العراقية الدكتور عدنان الباجةجي قد انتبه لنفسه في اللحظة الحاسمة وقرر الاحتماء بخيمة القائمة العراقية وبذلك جنًبَ نفسه ومحبيه عناء معرفة عدد الاصوات التي نالها شخصيا كما ان الرفيق سكرتيرالحزب الشيوعي قد لعبها بذكاء حين قرر الانضواء تحت لواء نفس القائمة ونأى بنفسه عن الوقوف في طابور المنتظرين لنتائج توزيع المقاعد التعويضية. بل ان النتائج المتواضعة التي حصلت عليها- وفقا للنتائج المعلنة لحد الان - القائمة العراقية رغم الحملة الدعائية الضخمة التي تم تسخيرها لهذه القائمة ورئيسها تشير بوضوح الى ان الكثير من العراقيين لازالوا لايغفرون لبعض السياسيين من المعارضة العراقية السابقة خطيئتهم الكبرى عندما قرروا ان يكونوا جزءا من مخطط الترويج والتنفيذ لمشروع احتلال بلدهم على الرغم من ان البعض قد يتفق في ان قسما من هؤلاء السياسيين ربما يكونوا بشكل من الاشكال ( رجال المرحلة ورجال المستقبل ).

ان النتائج بوضعها الحالي التي حصلت عليها كتل التوافق والحوار الوطني والمصالحة والتحرير وفي ظل هذا الكم الهائل من الشكاوى حول سير العملية الانتخابية تمثل في كل الاحوال نجاحا كبيرا لمشروع تحرير الوطن وتحقيق الصالحة الوطنية ونبذ دعاوى الاقصاء والتهميش. اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان كتلة القائمة العراقية تتفق في كثير من الخطوط العامة مع ما تذهب اليه كتل التوافق والحوار والتحرير والمصالحة فان هذا يعني ان ثقلا كبيرا ومهما سيكون حاضرا في البرلمان المقبل يمثل شريحة واسعة من العراقيين الذين يؤمنون بهذا النهج وان استمرار اية اطراف اخرى في الطرق والدعوى الى سياسة الاقصاء والانتقام والاجتثاث انما يعني نية مسبقة لتقسيم الوطن خاصة وان كل التجارب المريرة السابقة تشير بوضوح الى ان إقصاء الملايين هي معركة خاسرة لمن يروم الدخول في اتونها.

اللهم ساعد المتزوجين في هذا العرس لكي يتجنب الشعب سماع اصوات اختلافاتهم الخطيرة ومشاجراتهم الكارثية.
اللهم اجعل زواجهم زواجا كاثوليكيا قائما على الحب والوئام لايهدد كل طرف من اطرافه بعد كل ليلة برفع رايات الطلاق والانفصال.
اللهم بارك هذا العرس وكحٍلْ عيون عبادك الضعفاء برؤية ثماره جيشا من الصبيان والبنات.
اللهم إمنح المزوٍرين - اياً كان انتمائهم المذهبي او الديني او القومي - أية تُريهم ان حبْل الكذب قصير.
اللهم لاشماتة ولكن كان لابُدًَ للحقيقة ان تظهر فجاءت نتائج الانتخابات ( على عيوبها ) لتقول للبعض الذي حَسِب نفسه امواجا عاتية في عرض المحيطات والبحار انه فقاعة صغيرة في قدح من اقداح الشاي ليس إلا.

146
انشقاق خدام - لحظة تسامي أم طرح فضلات

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

تقول الاخبار الواردة من الاخرة ان الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد قد قدًم وفور سماعه تصريحات نائبه السابق عبد الحليم خدًام طلبا للحصول على اجازة زمنية لمدة اربع وعشرون ساعة تكفي لاكمال حساباته مع نائبه السابق, وقد وعده مدير شؤون الافراد في الاخرة خيرا بتلبية طلبه حال عودة البعض ممًن سبقوه وتمت الموافقة على اجازاتهم بمناسبة اعياد رأس السنة للمحافظة على توازن للموجود. هذا وقد اشتكى الرئيس السوري الراحل من النظام المتبع لتسيير امور الافراد في الاخرة حيث لايتقدم الاهم على المهم والكل سواسية كاسنان المشط لانهم جميعا ( اولاد تسعة ) ويتم فقط اعتماد الاسبقية في تاريخ تقديم الطلبات في معالجتها. و لكن عندما شاهد الرئيس الراحل وبعض من زملائه الاخرين من  السياسيين العرب المتواجدين في الاخرة فيلما بمناسبة اعياد رأس السنة  اشرف على عرضه مكتب الثقافة والاعلام هناك يتناول الطريقة التي يتعامل بها الامريكان مع المعتقلين من اركان النظام العراقي السابق وجانبا من محاكمتهم حمدوا الله وشكروه جلً جلاله بكرة واصيلا على نعمته الجزيلة عليهم.

يرى البعض من معارضي وكارهي النظام السوري ان القيادي المخضرم في هذا النظام واحد اركانه السابقين عبد الحليم خدًام قد اصابته نوبة من التسامي تركته يغادر الحالة الصلبة التي بقي عليها عقودا من السنين وهكذا ومن ان اجل ان يُكفِر عن كل الذنوب المتراكمة على مدى تلك العقود فقد قرر ان يتحول مباشرة الى غاز وليس الى سائل في لحظة التسامي تلك لكي يضمن انتشارا كبيرا قادرا على الوصول في رائحته الى اكبر مساحة وجماعة ممكنة.
بينما يرى المؤيدون والمناصرون لهذا النظام ان انشقاق خدًام ليس إلا نتيجة عرضية لدورة طبيعية من دورات وقود هذا النظام التي تطرح من مدخنتها كل الفضلات الضارة, دون ان ينكروا ان بعض دورات الوقود هذه قد تفرز فضلات نوعية من حيث الكم والرائحة وقد حدث هذا في الماضي ويحدث الان في الحاضر مع خدًام وسيحدث في المستقبل مع اخرين.

ليس هنالك من شك في ان الديموقراطية و النظام السوري - حاله حال شقيقه النظام العراقي السابق –  جبلان لايلتقيان وفي هذا لاياتي خدًام بجديد عندما يشكو من التفرد والاستبداد في القرار وانعدام القيم الديموقراطية بل ان العتب كلً العتب عليه كونه كان جزءا رئيسيا من اللعبة وفي قلب معمعة هذا  النظام كل هذه السنوات الطويلة وجاء جهره بهذه الحقيقة متأخرا جدا , بل من حق البعض ان تنتابه الشكوك والظنون حول النوايا الحقيقية للمسؤول السوري السابق وهو يجلس امام مراسل العربية في جلسة اعتراف تاريخية.

لقد مثًل هروب حسين كامل صهر الرئيس العراقي السابق في منتصف التسعينات احد بسامير الزاوية في نعش النظام العراقي السابق كونه شكًل فضيحة معنوية كبيرة للنظام لان اداة الفضيحة قد اعطى لنفسه صفة الشاهد في الوقت الذي لايمكن للكثيرين تبرئة ساحته كمتهم ومشارك فعال في الحدث. وهكذا ولان النظام العراقي السابق والنظام السوري الحالي شحنتان متشابهتان إنطبقت عليهما على الدوام  قوانين الكهربائية في تنافر الشحنات المتشابهة فان دورة حياة كل منهما ومصيرهما متماثل على مايبدو ومن خلال نفس السيناريو. ولذلك فاذا كانت شحنة النظام العراقي السابق قد تم تفريغها وبشكل كلي في نيسان 2003 فان السنة الجديدة ستشهد على الارجح تفريغا كليا للشحنة السورية. اذا كانت الادارة الامريكية قد احتاجت لاكثر من سبع سنوات لتفريغ الشحنة العراقية هي الفترة الواقعة بين تاريخ هروب حسين كامل مرورا بعودته ( وتنفيذ حكم العشيرة فيه ) وانتهاء بسقوط النظام فان الخبرة المتراكمة من هذه التجربة والحاجة الاقليمية والدولية ستترك الادارة الامريكية تختصر الزمن اللازم لتفريغ الشحنة السورية ولذلك فان خدًام لم يكن يعطي بتصريحاته للعربية إلا ابعاد ومقاييس نعشه ونعش النظام معا.

بعيدا عن السياسة وألاعيبها ومن زاوية العلاقات الانسانية البحتة ومعاييرها الاخلاقية فانه كان منظرا يبعث على التقزز ان ترى احدهم يخون الوعد الذي قطعه لرفيق عمره عندما وجه وغرزسهامه في ظهر نجله ولذلك فان الكثيرين وخاصة في سوريا لاينظرون بعين الاعجاب لتصريحات خدًام بل ان اي مراقب بسيط لايجد صعوبة في تحليل ما حدث على انه ضربة لئيمة لسياسي قرر ان يُحرق نفسه ونظامه عندما وجد حصته في ميراث هذا النظام لم تعد بالمستوى الذي يليق به كونه احد اقطاعييه القدامى . وهنا يظهر زيف وكذب الكثيرين من السياسيين العرب الذين يتاجرون باسم الوطن ويركبون حصان اختياره ويؤجلون العدو حتى تحين تلك اللحظة ( التايخية ) عندما تتعارض مصالحهم الشخصية مع مصالح شركائهم. لقد كان اولى بخدًام ان يمسك برأس الخيط ويسترسل فيه حتى نهايته فيحكي حلقات ذلك المسلسل المكسيكي الطويل الذي يروي قصته في السلطة من الايام الاولى يوم كان الرئيس الحالي لازال طفلا صغيرا يلهو في حدائق القصر مرورا بمراهقته ومقتبل شبابه وانتهاء بمرحلة حكمه حيث جميع الانتهاكات في كل المراحل تنتهي بنتيجة واحدة كما ان الموت واحد سواء طال هذا الموت رئيس وزراء لبنان او مواطن بسط في اية قرية سورية او اية بقعة اخرى من العالم.

لقد اظهرت تصريحات خدًام من جديد الحاجة الماسة  الى نظام مؤسساتي نظيف لايملك السياسيون فيه الفرصة لخلط الاوراق الى الحد الذي اصبح صعبا على المواطن البسيط التمييز بين الفضيلة والرذيلة مادام هؤلاء يدخرون لانفسهم شخصيتين في ان واحد فكل منهم هو الرفيق المناضل وهو الخائن العميل وكلاهما وجهان لعملة واحدة.

147
المنبر السياسي / حُبلى
« في: 15:36 01/01/2006  »
حُبلى


الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

منذ زمن بعيد وحال الهزيمة السياسية في مجتمعاتنا الشرقية عموما وفي العراق خصوصا كحال تلك المراة التي كتب فيها الشاعر الكبير الراحل نزار قباني واحدة من اروع قصائده وتحت عنوان ( حبلى ) وكانت خاتمتها ذلك المقطع الشهير
شكرا سأسقط ذلك الطفلا
انا لاأريد له ابا نذلا

هكذا خرج الكثيرون من الانتخابات الاخيرة في العراق مثقلين بالهزيمة بسبب النتائج الهزيلة التي جنوها من الانتخابات. لا اعتقد ان هنالك من يشكك في امكانية حصول عمليات التلاعب او التزوير او على الاقل الاكراه لانتخاب جهة ما اثناء عمليات التصويت فهذا صحيح و وارد جدا ولا توجد انتخابات نزيهة بدرجة مطلقة . بل ويتفق الكثيرون ان مارافق الانتخابات العراقية من شبيه تلك الممارسات والاعمال ربما يكون اكثر بكثير بالمقارنة مع الانتخابات في دول اخرى كثيرة. لكن الحقيقة الاكيدة تكمن في ان عمليات الغش والتزوير والتلاعب ليست السبب الوحيد الذي ترك الكثير من الكيانات والاحزاب والشخصيات التي دخلت الانتخابات بقائمة طويلة عريضة دخول العريس الى حفلة عرسه تخرج منها بحفنة بسيطة من الاصوات لايكفيها لضمان مقعد واحد في المجلس النيابي بل اصبح شغلها الشاغل هو رفع الدعوات الى الباري عز وجل طلبا للمساعدة في الحصول على احد المقاعد التعويضية فتشملها مكرمة المفوضية العامة للانتخابات بالزحف او النجاح بقرار ( سمٍه ماشئت ) ويكون بالتالي الزعيم الهمام لتلك القائمة عضوا في البرلمان العراقي المقبل.

لانسطر هذا الكلام شماتة في احد ولكن الواجب واصول اللعبة الديموقراطية يتطلبان من القائد السياسي ان يكون شجاعا في تحديد مالَه وما عليه. لقد كان الكثيرون يتمنون لو خرج عليهم احد هؤلاء فيعترف بالقلم العريض وبالصوت الجهوري بان الظلم والاجحاف قد لحق بقائمته بدرجة ما نتيجة للمارسات السلبية التي رافقت العملية الانتخابية – بالرغم من ان الكثير يعرف ان تلك الممارسات قد استهدفت قوائم معينة بالدرجة الاساس وليس كل من هبً ودبْ – لكن ضعف ادائه السياسي واستهلاك صورته قد كان ايضا سببا مهما في النتيجة التي حصل عليها , وبالتالي ولأن الحياة السياسية وكما فطم عليها عليها في المجتمعات الغربية هي تجربة حظ لايجوز تكرارها مالانهاية من المرات فقد ان الاوان لبعضهم ان ينتبه لمزرعته وعائلته وقراءاته الثقافية ونشاطاته التجارية.

ربما يرى البعض ان دخول اكثر من سبعة ألاف مرشح يمثلون عشرات بل مئات القوائم والكيانات والاحزاب الى الانتخابات الاخيرة هي ظاهرة صحية تشير الى قدرة مجتمعنا العراقي على تفريخ ألاف من القادة عوضا عن القائد الاوحد إلا ان قسما كبيرا ( ومنهم الكاتب ) يعتقدون ان هذا الكم الهائل من الكيانات والمرشحين يمثل انعكاسا واقعيا لحالة الفوضى السياسية التي عمًت العراق كرد فعل طبيعي لحكم الدكتاتورية والحزب الواحد. ولأن التجربة الديموقراطية في العراق هي تجربة وليدة فان الحاجة ضرورية لتطوير هذه التجربة في المرحلة القادمة عن طريق وضع ضوابط والية معينة لاتصطدم مع المبادئ الديمقراطية في تمتع الجميع بحقه في الترشيح وبما يؤدي ايضا الى ان تحقق هذه العملية الاهداف المرجوة منها وتساعد الناخب في مهمته لاختيار الافضل  وتقلل قدر الامكان ظاهرة تشتت الاصوات وفوضى القوائم.

ان تشكيل كيان او حزب سياسي يستلزم بالتأكيد شروطا معينة تختلف حتما عن الشروط الواجب توفرها في تشكيل او تكوين رابطة او جمعية او نقابة او نادي, ان الاحزاب والكيانات التي لم تحصل إلا على عدة مئات او بضعة ألاف من الاصوات من مجموع عدد الناخبين الذين تجاوز عددهم الاحد عشر مليون ناخب يجب ان تعيد النظر جديا في جدوى وجودها كمقرات وصحف وفضائيات.

ان مناسبة هذه السطور هي عودة بعض من هؤلاء الاسماء او تلاميذهم النجباء وخاصة من اصحاب بعض القوائم الانتخابية المسيحية الى الحديث مجددا عن انهم الممثلون الشرعيون لامال وطموحات الجماهير بعد ان كانوا قد دفنوا رؤوسهم في الرمال لبضعة ايام بعد الانتخابات فعادت الحليمة الى عزف نفس الاسطوانة القديمة في الوقت الذي لازالت فيه الكثير من الفضائيات والصحف ووسائل الاعلام الاخرى تتناقل وبحرارة نتائج الانتخابات وتتكلم عن ارقامها التفصيلية.

ليس عيبا او نقصا ان لايتمكن المرء من تحقيق اهدافه في الانتخابات فجميعنا يمكن ان يتعرض لهذا الموقف , ولكن العيب كله في ان لايستفيد المرء من الدرس الذي خرج به من الانتخابات ليعود الى ذاته في مراجعة نقدية ويحاول ان يُخرج العصا من عينيه ليتمكن من ملاحقة القذى في عيون الاخرين.
والحياء نقطة اذا سقطت الله يستر

148


نتائج الانتخابات و عودة الابن الضال

الدكتور وديع بتي حنا
Wadeebatti2hotmail.com

الان وقد انتهت الانتخابات وبانت في الافق بعض نتائجها وما حصده شعبنا المسيحي منها والتي تشير بوضوح الى الاثار السلبية التي ألحقها به مرة اخرى البعض من السياسيين الذين فضلًوا المصالح الحزبية والشخصية الضيقة ومن الكتًاب الذين إستهوتهم روح المشاكسة جريا وراء المثل القائل ( خالف تُعْرف ) فكان هؤلاء السياسيين والكتًاب سببا رئيسيا في الوجبة الهزيلة التي جناها شعبنا من هذه الانتخابات.

ان الذين قدموا بعض اصوات الناخبين المسيحيين هدية متواضعة لقائمة اخرى بدافع الولاء لاولياء النعم والذين قرروا المتاجرة بمصير شعبنا من اجل مجد شخصي زائل انما يتحملون مسؤولية تاريخية كبيرة ستظهر اثارها في ساعات ارق طويلة تترك ليلهم اطول من ليل شمال السويد في عزٍ الشتاء.
لقد كتب لي السيد مشعان الجبوري رئيس كتلة المصالحة والتحرير قبل الانتخابات عن قراره في عدم تضمين قائمة المرشحين من كتلته لأي اسم من ابناء شعبنا المسيحي حرصا منه على عدم تشتيت اصوات الناخبين المسيحيين واتاحة الفرصة للكيان السياسي المسيحي في ان يدخل البرلمان المقبل بثقل جماهيري محسوس. وهكذا يظهر للعيان ان بعض الاطراف السياسية العراقية من التي تعي شروط اللعبة وقوانينها هي اكثر حرصا من بعض السياسيين المسيحيين على دورهم ووحدة صفهم.

هل فكًر اؤلئك السياسيون مليا لماذا قامت قائمة الاكراد عندما قرر حزب الاتحاد الاسلامي الكردستاني دخول الانتخابات بقائمة مستقلة ولم يتوانى بعضهم بدافع الحس الوطني على مهاجمة مقاره وحرقها بل توجيه اللكمات الى قيادته في الاماكن العامة وعلى رؤوس الاشهاد؟ انهم فعلوا ذلك لانهم اعتقدوا ان هذا الحزب يهدف الى شق الصف الكردي في الوقت الذي قررت فيه الغالبية العظمى من الاكراد التسامي عن المصالح الحزبية الضيقة من اجل المصلحة العليا للشعب الكردي حيث اظهرت مسيرة السنين الماضية ان هذا التسامي قد حقق ويحقق نتائج مذهلة متمثلة في دور سياسي محوري على الساحة العراقية. هل فكًر ذلك البعض عن السبب الذي جعل الجزء الاكبر من اهل الجنوب يتمسكون بقائمة الائتلاف العراقي الموحد بالرغم من ان الكثيرون منهم لايرَون في هذا الائتلاف إلا عربة قطار بخارية قديمة تحوم الشكوك حول اهدافها واتجاه حركتها, بل حتى القوائم الاخرى التي خرجت من الائتلاف كانت حريصة دائما اثناء حملاتها الدعائية على ان لا تكسر به وكأنها كانت تروج في تلك الحملات لنفسها والائتلاف معا ايمانا منها بالمصلحة العليا للشريحة التي يمثلها الجميع.

اما الان وقد وقع الفأس في الرأس مرة اخرى ولأن المهم في السياسة ليس الماضي بقدر ماهو الحاضر والمستقبل فان المسؤولية تقع على عاتق الحركة الاشورية في التعامل مع اؤلئك وبالرغم من خطيئتهم الكبيرة على انهم خراف ضالة اخطئت الطريق يجب رعايتهم وليس كما كان صدام يعتبر امثالهم ( غوغاء ) يجب إبادتهم. انها سعادة ما بعدها سعادة ومكسب مابعده مكسب ان يجد من يقوم بدور الراعي بعضا او كل خرافه الضالة.

ان مثل الابن الضال يعطي لنا درسا عظيما في الترفٍع عن روح الانتقام من اجل لمٍ الشمل ووحدة الصف. لقد بعثر البعض الاصوات وشتًتَ الجهود وها هو يجني اليوم ما زرعت يداه فقد خرج قبل الجميع ( من المولد بلا حُمٍص) وقد ان الاوان له ليعود فيعترف كما اعترف الابن الضال بانه اخطأ الى الله والى ابيه فيقرر ان يعود الى شعبه ويكون جزءا من الكل يعمل مع تيار هذا الشعب وليس بالضد منه, يقف بقوة مع الصح وينتقد بصوت جهوري الخطأ ويعريه ومن المؤكد ان الفرحة بعودة هذا البعض الفعال لاتساويها فرحة فيُذبح لهم ماتيسر من العجل المسمًن ويقول شعبنا بهم ماقاله ذلك الاب في ابنه ( ان ابني كان ميتا فعاش وضالا فوِجد ).

من المؤكد ان بعض قيادات وكوادر الحركة الاشورية لن يروقها هذا الكلام بل على العكس سيغيضها فهي لاتختلف عن الابن الاكبر في مثل الابن الضال الذي رفض الدخول الى مأدبة ابيه عندما عرف ان ذلك الاب قد اقام وليمته وفرحه احتفاء باخيه الذي بذر وانفق امواله على موائد الفاجرات وعاتب اباه بقوله ( اني اخدمك كل هذه السنين ولم تمنحني جديا لافرح به مع اصدقائي اما هذا الذي انفق اموالك فقد ذبحت له العجل المسمًن ) , لكن هؤلاء يجب ان يعوا جيدا اذا كانوا مخلصين حقا لقضايا شعبهم وحقوقه ودوره اننا اذا كررنا نفس الحلقات في المسلسل لمرات ومرات فاننا ذاهبون جميعا في خطوات واثقة الى الوراء ولن يكون هنالك منتصر باي حال من الاحوال.

بقي ان نقول ان من ألحق الضرر بشعبنا يجب ان يقرر العودة في توبة نصوحة وبقلب صادق وليس كتكتيك سياسي جديد يتيح له ان يجد دورا يُشغِل به نفسه طوال المدة المقبلة الى ان يحين موعد الانتخابات القادمة بعد ان تركته نتائج الانتخابات الاخيرة عاطلا عن العمل.

149
هل ينجح السيد يونادم كنة في ان يكون مارادونا
الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

إثر سقوط النظام السابق انتعش سوق السياسة في اوساط شعبنا المسيحي في العراق حاله حال بقية القوميات والمذاهب الىالحد الذي أُتخم وهو لايشكٍل إلا 5% من عموم شعب العراق بالعديد من الكيانات والتنظيمات والدكاكين والاكشاك السياسية التي اصبحت تنتشر في المدن والقرى والشوارع المسيحية , وقد وعت هذه المسميات منذ البداية حقيقة ان العرض هو اكثر من الطلب بكثير ولذلك لاسبيل لترويج بضاعتها غير الحرق بهدف الاقصاء وعلى هذا الاساس شهدنا ولازلنا نشهد تنافسا بل تناحرا شديدا بين هذه الاطراف رافضة كل الدعوات الى الانتباه الى الجسور المشتركة القائمة اساسا بينها والاستفادة منها في خلق ارضية لعمل موحد في وقت نجح فيه الاخرون في اختراع جسور من العدم بين اطرافها او على خلفية قتال مرير ودماء غزيرة هي صفحات من تاريخهم في السنوات الماضية. لقد برهنت الكيانات السياسية المسيحية انها الكترونات لايمكن ان يتواجد اي اثنان منها في موقع واحد وفي نفس اللحظة الزمنية وبذلك قدمت برهانا اضافيا على صدق مبدأ الاستبعاد كحقيقة فيزيائية.

لا اعتقد اننا نخالف الحقيقة اذا قلنا ان الحركة الاشورية التي يقودها السيد يونادم كنة قد عُرِفت بانها احد الاطراف الرسمية ممثلة للمسيحين في العراق في المعارضة العراقية السابقة التي عملت من اجل إسقاط النظام السابق. هذا لايعني انكار وجود شخصيات كثيرة اخرى من شعبنا المسيحي في العراق قاومت الدكتاتورية بجهد شخصي و تحت لواء تنظيمات واحزاب وطنية عراقية او حتى كيانات مسيحية اخرى اقل ثقلا من الحركة الاشورية إلا ان الحقيقة الاكيدة تكمن في ان سلطة الائتلاف السابقة قد اعترفت بالحركة الاشورية ممثلا شرعيا لجماهير شعبنا المسيحي في العراق تجسًد في اختيار سكرتيرها العام عضوا في مجلس الحكم الانتقالي المنحل ثم في اعتماد توصية هذه الحركة في اختيار من يشغل المقاعد المخصصة للمسيحيين في الوزرات المتعاقبة. وكان مؤتمر القاهرة رسالة اخرى من قِبل اطراف عراقية رئيسية حريصة على تجديد شراكتها مع السيد يونادم كنة حيث جوبهت محاولات طرح السيد ميناس اليوسفي كشخصية مسيحية بديلة بالرفض جملة وتفصيلا من خلال الضجة التي اثيرت على كلمته في المؤتمر علما بان السيد اليوسفي لم ياتي بالجديد على اذانهم ولم يتجاوز المحرمات كثيرا لان ما تفوه به قد سمعته تلك الاطراف من غيره بل اقسى واشد منه .

وهكذا وفي اجواء الشعور بالفخر وهو يغمر قيادة هذه الحركة نتيجة للتقدير التي تناله من قبل الاطراف السياسية الاخرى والاعتراف بها شريكا في العملية السياسية يضاف اليه الشعور بالزهو كونها الكيان الاكثر تنظيما وقدرة من جميع الاطراف المنافسة الاخرى إلا ان الشعور بالحزن والاحباط  بقي يلازمها طوال هذه الفترة بسبب الانتقاد والهجوم العنيف الذي تتلقاه من اطراف تحسبها هذه الحركة جزءا من بيتها الداخلي وكأن لسان حالها يقول ( لاكرامة لنبي في وطنه )

ان خطأ الحركة الاشورية يكمن في انها ترى من الحقيقة وجهها الاول وتهمل الاخر ففي الوقت الذي لايختلف معها الكثيرون في ان محاولات الحفر والنبش في اساساتها من قبل بعض الاطراف المحسوبة على شعبنا المسيحي انما يؤثر سلبا ويُضعف اوراق مساوماتها المتعلقة بحقوق هذا الشعب مع اطراف اللعبة السياسية الاخرين إلا ان اؤلئك الكثيرون يُسجلون على الحركة الاشورية عجزها عن استقطاب عدد من تلك الاطراف ممن يمكن ايجاد ارضية مشتركة معهم للعمل تحت خيمة واحدة من اجل الوصول الى تلك الاهداف واعتبارهم شركاء حقا في المسيرة وليس جزءا من الرعية.

هكذا لجأت الحركة الاشورية على ما يبدو الى الكَيْ دواء اخيرا وحاسما للفوضى السياسية التي تعيشها الساحة المسيحية في العراق حيث قررت الدخول الى الانتخابات بالاعتماد على ثقلها وامكانياتها الذاتية وشهرتها على الساحة الوطنية واضعة كلً اوراقها في امكانية نجاحها في تحقيق هدف ذهبي ينهي مباراتها السياسية الماراثونية مع منافسيها الاخرين عن طريق الامل في حصد اكبركمية من اصوات الناخبين المسيحيين عسى ولعلً هذا الهدف الذهبي يمكن ان يعطي رسالة واضحة للاطراف الاخرى فيعرف كل منها حجمه وثقله في الساحة ويبني قراره مستقبلا على ضوء ذلك.

يبقى السؤال الكبير ماذا لو جاءت نتائج الانتخابات مخالفة لهوى الحركة الاشورية وتمنياتها ولم يعلن الحكم الهدف الذهبي لصالحها حيث لايخفى ان في خطوتها مغامرة كبيرة , وماذا لو تحقق العكس وحصدت قائمة هذه الحركة اغلب اصوات الناخبين  وحصلت على تفويض واضح من جماهير شعبنا المسيحي. هل سيعيد السياسيون المسيحيون حينئذ النظرفي حساباتهم ونعطي بذلك مثلا للاخرين. ام اننا اصلا اصبحنا جزءا بالتطبع من مجتمع يأبى السياسي فيه ان يتبنى الهزيمة ابنة شرعية له حتى وإن اثبتت كل القرائن انه كان مع والدتها في تلك الليلة المشؤومة ويُسجٍل بفخر في الوقت نفسه النصرابنا شرعيا له حتى ولو كان شخصيا هو من ضبط والدة ذلك النصر بذات الفعل مع غيره. [/b] [/size] [/font]

150
الرئيس الامريكي ينتخب ( رجل المرحلة – رجل المستقبل )

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لازال الكثيرون من دهاقنة السياسة العربية ومحلليها الكبار يقعون في الوهم الكبير فتثير تحليلاتهم ألما في المعدة وهي تحاول ان تخدعنا بتلك الاراء القائلة ان الادارة الامريكية هي في كل حين في مأزق جديد. لقد ارهقتنا فعلا تلك التحليلات المرضية التي يمتلك اصحابها عيونا مجهرية قادرة على إلتقاط النصر من قاع  الهزيمة كما تُلتقط الابرة من كومة القش. ان اولى معالم خروج السياسة العربية من مأزقها يكمن في ايمان القائمين عليها ان من يجابهم او يعاديهم في هذا العالم ليس ساذجا الى تلك الدرجة الضحلة فلا يعرف ماذا يفعل خاصة اذا كانت لغة الارقام والحسابات والمنطق والواقع هي التي تتحكم في خططه بينما قرر منذ زمن بعيد ان يضع لغة المشاعر والاحاسيس في صندوق التبريد يستخدمها فقط عندما تكون عاملا يساعد في تحقيق الهدف.

وهكذا تُرى متى نتوقف عن تفسير كل موقف للمقابل على انه مؤشر لدخوله في مأزق وان بشائر النصر قد بانت بينما هو في حقيقة الحال صفحة اخرى من صفحات السيناريو الموضوع والذي يُنفًذ خطوة خطوة. ان المقولة المصرية الشهيرة ( كلً في أوانه) هي خير تعبير عن السياسة الامريكية في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص. فكلًّ في اوانه وكل لغاية في نفس يعقوب تدركها الادارة الامريكية جيدا. هكذا كانت كل صفحات السياسة الامريكية في العراق من التهويل في الخطر العراقي المتمثل في اسلحة الدمار الشامل الى الاعتذار عن الكذب في هذا الملف, من تعذيب المعتقلين العراقيين في سجن ابي غريب ونشر صورهم الى الدعوة الى التحقيق في ذلك وتقديم ( كبش الفداء ) الى المحاكمة , من توقيت نشر صور الرئيس العراقي السابق بملابسه الداخلية وهو في سجنه الى تأجيل محاكمته الى ما بعد الانتخابات وحرمان حكومة الجعفري والائتلاف العراقي الموحد من هذا ( الجوكر ) الانتخابي, من غض النظر عن انتهاكات وزارة الداخلية العراقية لحقوق الانسان الى توقيت كبس سجونها وغيرها من الصفحات والامثلة الكثيرة واخرها طلب الرئيس الامريكي من سفيره في العراق زلماي خليل زادة فتح قناة للحوار مع ايران بشأن الملف العراقي فاعلن بذلك رسميا انه صوًت منتخبا الدكتور اياد علاوي وانه يُفضل ان تحتل الاحزاب الدينية الموالية لايران مقعد المعارضة في البرلمان العراقي المقبل.

لقد كان اختيار الدكتور اياد علاوي رئيسا للحكومة الانتقالية الاولى ودعمه في بسط صورته في الشارع العراقي على انه ( رجل المرحلة ورجل المستقبل ) خطوة ذكية اكدتها الخطوة اللاحقة في الايقاع بالاحزاب الدينية المنضوية تحت لواء الائتلاف العراقي الموحد في الفخ من خلال تشكيلها للحكومة الانتقالية الثانية برئاسة الدكتور ابراهيم الجعفري. اننا هنا لانسوِق لنظرية المؤامرة المشروخة بل نتكلم عن الخطط البارعة التي يمتلك كل طرف الحق في استخدامها لتحقيق اجندته.

لقد سمحت الادارة الامريكية للائتلاف العراقي الموحد ومن يمثلًه في ان يذوق طعم السلطة ربما للمرة الاولى في العراق ولكن الضربات الموجعة التي وجهتها تلك الادارة او التي سمحت بتوجيهها الى حكومة هذا الائتلاف تحت الحزام وفوقه طوال الاشهر المنصرمة قد كانت كافية لاطراف هذا الائتلاف لتصل الى قناعة مفادها ان ماتفقده وهي في السلطة قد يكون ربما اضعاف ما تكسبه وهي في المعارضة وقد باتت هذه الاطراف وكانها قد امنت ان قدرها على الدوام هي المعارضة وقد اصبحت هذه هي وظيفتها التي اكتسبت فيها خبرة طويلة وان راتبها التقاعدي سيكون من خلالها.

لقد اعلن الرئيس الامريكي عن الشكل الذي ترغب ادارته ان تاتي به الانتخابات العراقية لا بل انه قد شارك فعلا في الحملة الانتخابية من خلال تخصيصه جزءا من وقته في انتقاد الحكومة العراقية الحالية وبالتحديد وزارة الداخلية فيها لما تسرًب من انباء عن انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان ترتكبها عناصر هذه الوزارة. ليس القصد من هذا الكلام اتهام الدكتور اياد علاوي بالعمالة للولايات المتحدة لان ذلك قد اصبح سذاجة كبيرة في وقت لايخفى على اي عراقي بسيط ان الولايات المتحدة هي اللاعب الاساسي على الساحة العراقية وليس علاوي السياسي الوحيد المستعد للتعامل معها.

بالرغم من ان هذه الانتخابات هي انتخابات صعبة وتشهد تنافسا شديدا ومن المحتمل ان تتمخض عن بعض المفاجأت الثانوية إلا ان الملامح الاساسية لنتائج هذه الانتخابات والتي على اساسها ستتبلور الخارطة السياسية العراقية تشير بوضوح الى تفضيل الادارة الامريكية لائتلاف يضم بالاساس كتلة الدكتور اياد علاوي والتحالف الكردي والتوافق الوطنية بالاظافة الى تجمعات اخرى صغيرة من هنا وهناك لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة التي ستحكم البلاد للسنوات الاربع القادمة بينما ستكون العلاقات الامريكية الايرانية هي محرار ( ثرمومتر ) المعارضة العراقية في البرلمان العراقي الذي ستلده هذه الانتخابات.
ان هذا السيناريو يمثل للادارة الامريكية ضرورة محلية واقليمية لان الاجندة الامريكية في المنطقة لاتحتمل ان تدخل هذه الادارة في دوامة يمتد زمنها الى اربع سنوات بالتمام والكمال.
لقد كان الدكتور اياد علاوي مصيبا عندما اختار تكرار كلمة ( انا لا يعنيني -- ) في محور حملته الدعائية.

151
السيد حبيب تومي يكتب وليته لم يكتب


الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ليس من عادتي الدخول في مهاترات ونقاشات عقيمة مع هذا الطرف او ذاك فاترك القارئ تصيبه نوبة من الصداع ,حيث اؤمن على طول الخط ان اشعال شمعة خير ألف مرة من ان تلعن الظلام ولذلك ليس صعبا بالنسبة لي ان أكتشف اية نقاط مضيئة في المقابل مهما كانت باهتة لأشيِد عليها جسورا مشتركة ولكن هذا لايمنع ان يلجأ الانسان الى قرص الاذن احيانا ليتأكد ان الرسالة التي بعث بها ناصحا بقلب نقي من اجل الافضل قد وصلت الى عنوانها الصحيح.
قرأت مقالة السيد حبيب تومي التي تتهمني بالانحياز ردا على مقالي السابق ( رسائل حبيب تومي الرسول الى اهل كلدان بارك يارب ) ولا أخفي القارئ الكريم انني للوهلة الاولى انتابني شعور بالشك خوفا من ان اكون قد وقعت فعلا في حبال الانحياز لطرف ما على حساب اخر واحتاج في تجنب هذا درسا اضافيا  فعدت الى قراءة المقال مرة اخرى وانصح القارئ بفعل الشئ نفسه ليتأكد من المغالطات الكبيرة التي وقع بها السيد حبيب تومي من خلال اللجوء الى الاتيان بمقاطع مجتزأة من المقال تربك المعنى والمغزى وهو اسلوب رخيص لايختلف اطلاقا عن تقوٍل فلان مالم يقوله.

ان اتهام الاخرين دون وجه حق بعشق الاصنام والتهليل لها ومحاباتها طمعا في التقرب اليها لاغتنام المناصب والحديث في الوقت نفسه عن المرض القاتل ( من كان ليس معي فهو ضدي ) لاينطبق عليه إلا المقولة الشهيرة ( لاتنهي عن خلق وتأتي بمثله ), كما لافرق اطلاقا بين ان ترمي الحجرفي المياه الراكدة وبين ان تُلقي بقليل من النجاسة في المياه الصافية . اما انزال الحكم باسقاط الدرجة الاكاديمية فتلك سذاجة كبيرة حيث ليست الدرجة العلمية احدى مفردات الحصة التموينية ليقرر وكيل الحصة في الدول الاسكندنافية السيد حبيب تومي حجبها عن مَن لايرضى عليه. ان الدرجة العلمية هي نتيجة جهد جهيد من العمل المضني والدراسة العميقة التي تعززًها بحوث رصينة لايصح ان تُشطب بجرة قلم لان صاحبها كتب مقالا يختلف في ما ذهب اليه كاتب اخر ناهيكم عن انني مثلا( حاشا ان يكون ذلك تبجحا او غرورا ) قد حصلت على شهادتي العلمية في اختصاص لايصح ان يحكم عليه شخص لايفقه فيه كلمتين. انني اتفهم ان بعض الادباء والكتاب ينتابهم نوع من اللشعور بالغيرة على زملاء لهم يتقدم لقب ( دكتور ) على أسمائهم ظنا منهم ان هذا اللقب ليس إلا ربطة عنق انيقة لم يحالفهم الحظ في شرائها من الاسواق المركزية حيث كانت زحمة الطريق سببا في عدم الوصول في الوقت المناسب فسبقهم في ذلك عبد حمود!

لم يكن الكلام عن الشيوعي الذي انقلب من المبادئ الماركسية الى حامي حمى النظرة القومية المغلفة بالدين هو المثل الوحيد في المقال , علما باني لا اعرف اذا كانت لدى السيد حبيب تومي خلفية ماركسية ام لا لانني لا احتفظ بسيرته الذاتية , بل اشتمل المقال على امثلة اخرى لنماذج بعثية واحزاب دينية وكان الهدف من كل هذه الامثلة هو ايصال القارئ الكريم الى ما استطيع ان اطلق عليه بالعجب العجاب وهو عجز الكيانات السياسية المسيحية عن ممارسة اللعبة الديموقراطية بالشكل الذي كان مؤملا منها ان تحقق من خلاله مكاسب عظيمة وتكون مثلا يحتذى للاخرين. ان القارئ النابغ ينبغي ان يكون حاذقا في معرفة المغزى والمرفأ الذي يريد الكاتب ان يصل معه اليه. ان اطرافا سياسية عراقية مختلفة فيما بينها من الرأس حتى اخمص القدمين قد تمكنت من ان تجد ( كلمة سواء ) تبني عليها تحالفا يحقق لها دورا مؤثرا بينما وضعت الكيانات السياسية المسيحية رزمة من ( كلمات السواء ) التي تجمعها في سلة المهملات.

اما عن المثل العراقي الشائع ( يا من تعب ويا من شقى ----- ) فقد حاول السيد الفاضل باسلوب رخيص ان يدعي بانني قلت شيئا لم افعله ولذلك لو عاد الى المقال لوجد انني كتبت بالنص (اذا كان خطأ الحركة الاشورية يتمثل في ان قيادتها تتذكر دائما الاغنية العراقية الشهيرة , يامَن تعبْ ويامَن شقى ويامن على الحاضر لكى , في التعامل مع الكيانات الاخرى ) واعتقد انه ليس صعبا على اي قارئ مبتدأ ان يكتشف ان الكاتب يقر اصلا بهذا الخطأ وينتقد هذه الحركة بسببه وهذا ما تؤكده العبارة الاخرى في المقال التي تقول ( ان هذه الحركة تتحمل ايضا جانبا من المسؤولية عندما لم تستطع ان تحاكي واقع شعبنا بعد سقوط النظام ), ثم أليس التهجم الشديد على الوزيرة المسيحية في الحكومة الحالية والقول فيها انها ( لاتهش ولاتنش ), وهنا لا اقصد على الاطلاق التجريح الشخصي , يُعتبر انتقادا لاذعا للحركة الاشورية كون هذه الوزيرة حسب علمي هي احدى قيادات هذه الحركة. لا أُخفيك سرا ان شكاً انتابني في لحظة ما من امكانية ان يرى المقال النور على موقع ( زهريرا ) ولكن الموقع نشر المقال كاملا كما نشر مقالك ايضا وفي هذا برهن بالملموس انه موقع حر ينشر ماله و ما عليه . لا اقول هذا دفاعا عن الموقع حيث لا صلة تربطني بمن يديره ولكن الساكت عن الحق شيطان اخرس ويجب على المرء ان يشير الى النقاط السلبية والايجابية في ان واحد.

لقد اصبح كل من ينتقد الحكومة العراقية الحالية يُعتبر زرقاويا او بعثيا من ازلام النظام السابق حتى وان فعل ذلك بدافع وطني كما اصبح كل من يدعو الى وحدة شعبنا المسيحي عدوا للكلدان ينبغي ان يُرجم و يُحكم عليه بالاعدام في مجال النشر والكتابة و يُحرًض عليه لكي تُحجَب كتاباته عن النشر في المواقع. لقد نشرت سابقا مقالا تحت عنوان ( بين إبلحد ويونادم راحت فلوسك ياصابر ) انتقدت فيه اداء هاتين الشخصيتين في جهود توحيد صفوف شعبنا ولم ألقى ردا عنيفا على ما كتبت من جانب الحركة الاشورية بينما انبرى بعض المحسوبين على الكيانات السياسية الكلدانية الذين يدعون تمثيل شعبنا الكلداني وهو برئ منهم براءة الذئب من دم يوسف الى مهاجمة المقال لانه في اعتقادهم قد قال سوءا في ( الحجر الاسود ). لقد سمعت بأم أذني السيد إبلحد افرام على شاشة تلفزيون ( سوريويو تي في ) وهو يبدي عدم اكتراثه بوحدة شعبنا المسيحي في العراق ويدعو ببساطة الى ان تعالج كل طائفة وضعها بصورة مستقلة طالما ان الاخرين لايقبلون ان يرتدوا ( سروال ) الوحدة الذي فصًله السيد إبلحد افرام على مقاسه الخاص وانت سيد العارفين ان ما يرتديه السيد إبلحد افرام ليس قياسيا ولا يناسب كثيرين. لا اقول هذا بدافع حقد شخصي على الرجل بل اتعهد لك ان اكون من اوائل من يكتب عن اية خطوة ايجابية يخطوها باتجاه توحيد صفوف شعبنا في المستقبل.

اما دعوتك لي بان انام قرير العين لان الاهداف في طريقها الى التحقيق والنصرقادم والى اخره من الجمل النارية التي كان الاجدر ان  تُختم بعبارات ( الله اكبر وليخسأ الخاسئون و يا محلى النصر بعون الله ) فلا تستحق إلا الشفقة على كُتًاب الانشاء الجدد حيث اعلم علم اليقين ومن خلال علاقاتي مع اصدقاء اعزاء من شعبنا الكلداني ان مثل هذا الخطاب لا يدغدغ مشاعرهم بل يثير اشمئزازهم طالما ينطلق من نظرة تعصبية ضيقة.
لقد ذكرت في مقالي نخبة لامعة من قائمة طويلة يمثل ابناء شعبنا من الكلدان ركنا اساسيا فيها تزهو نتاجاتها وابداعاتها وكتاباتها كل يوم وهي تثير في النفس مشاعر الفخر والاعتزاز كونها شموع تضئ سبل الوحدة لشعبنا و تتمسك بهذه الوحدة كما تلتصق الام بوليدها و لاتتخلى عنها كرد فعل لتصرٍف فلان او علاًن. ربما يشعر الكثيرون مثلي بالاسى على اقلام اختارت ان تنخر في الصفوف وتشتتها عوضا عن ان تكون حجرا يساهم في رص صفوف بنيانها.

انها دعوة صادقة نقية للسيد حبيب تومي في ان يُجرِب الكتابة بعد العاشرة صباحا وقد تناول فنجانا ثقيلا من القهوة. [/b]


ملاحظة - كان المقال يحمل عنوانا اخر و هو ( السيد حبيب تومي يكتب بعد الكأس الثاني والمِزًة لَبْلَبي ) وقد استبدل نزولا فقط عند رغبة الاخوة في ادارة موقع عنكاوة لما لهذا الموقع من مكانة خاصة و يفتخر به اغلب ابناء شعبنا.

152
الجنرال الدكتور الجعفري – الهجوم افضل وسيلة للدفاع

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

بادئ ذي بدء يجب الاشارة الى انه لايختلف اثنان في ان لجوء اي سياسي الى استعراض خلفيته الثقافية , وهويعالج موضوعا سياسيا , قد يلعب دورا ما في جذب المتلقي من ابناء النخبة في الوقت الذي يُسبٍبُ مللا للغالبية. ليس كل مثقف سياسيا ناجحا كما ليس شرطا ان يكون كل سياسي مثقفا اكاديميا من الدرجة الاولى . ولذلك فان محاولة الدكتور ابراهيم الجعفري استعراض ثقافته العميقة في خطبه السياسية قد باتت اشبه ببذر كثير من الملح على وجبة ما  ,فاصبحت صعبة التناول على البعض و ممنوعة على القسم الاغلب من العراقيين المرضى بضغط الدم.

ذهب الدكتور الجعفري الى مؤتمر القاهرة وهو مثخن بجراح الاخفاق الكبير الذي كان حليف وزارته المجيدة منذ ولادتها ولحد الان, ذهب وهو يسير على عكازين اثر الضربات الموجعة التي تلقتها هذه الوزارة في الصدر والظهر ,من كل حدب وصوب, من الاقربون والابعدون, من الخصوم والاصدقاء, من الايرانيين والامريكان حتى باتت هذه الوزارة جثة تتنفس بصعوبة وينتظر العراقيون كل يوم ان يسمعوا الدكتور الجعفري وهو يقرأ خبر نعيها في نشرة التاسعة مساءّ الذائعة الصيت. فساد اداري أزكمت راحته انوف الجميع ووضع امني تقتات عليه الفضائيات في كل نشراتها الاخبارية ومستوى متردي من الخدمات يعطي انطباعا ان البلد يعيش بدايات القرن التاسع عشر والسياسيون حتى من كان في الماضي من أشد المدافعين عن الدكتور الجعفري والمعجبين به يجد صعوبة في حجب الحقيقة واصبح يتحدث جهارا عن الفشل الذريع لهذه الحكومة ليس في تحقيق شئ جديد وانما في المحافظة على الوضع كما كان عليه الحال قبل استلامها السلطة ومنعه من التدهور اكثر. لابل أُصيب الكثيرون بالصدمة عندما حملت اليهم الاخبار انباء اكتشاف الامريكان ( مسلخة بشرية ) في قلب بغداد فارتفعت شكواهم الى الخالق الجبار نادبين حظهم العاثر في ( الحليمة الجديدة ) التي يبدو انها اشتاقت الى اساليب ( الحليمة القديمة ).

عوضا عن ان ياتي الدكتور الجعفري وفي باله كل ما تقدم فيعترف بشجاعة بالحقيقة المريرة و يصارح الجميع بانه حاول جاهدا ان يفعل المستحيل ولكن ليس بامكان اليد الواحدة التصفيق مهما امتلكت من القوة وبان الطريق الصحيح يكمن في مشاركة الجميع لدفع العملية السياسية في البلاد الى الامام. عوضا عن ان يفعل هذا وهو ماكان الجميع يتوقعه منه استنادا لما ًأشيع عنه كشخصية متسامية وطنية متحضرة , اذا به يفاجأ الجميع وينقلب في برهة الى جنرال عسكري اختار الهجوم ( وايً هجوم ) كافضل وسيلة للدفاع  فتقوقع في  الدائرة الطائفية مستغنيا عن الخيمة الوطنية محاولا دغدغة مشاعر انتقامية ضيقة داعيا وبقوة الى الاستمرار في اعتماد سياسة الاقصاء والتهميش والاجتثاث اسلوبا في بناء العرق الجديد وهو يعرف حق المعرفة ان هذه السياسة هي السبب في ما وصل اليه الوطن وماعانى ويعاني منه الان.

لقد كان الراحل نزار قباني حاسما فاصرً على عدم وجود منطقة وسطى بين الجنة والنار, فلايجوز للسياسي ان يكون ديموقراطيا في لقاءاته مع وسائل الاعلام ودكتاتوريا في ساعات منع التجوال كما لايمكن للديموقراطية ان تسكن تحت سقف واحد مع الاقصاء ومصادرة حق الرأي . من جانب اخر اذا كانت الدكتاتورية بكل طغيانها واستبدادها قد اثبتت عجزها وفشلها في الانتصار في معركتها لاقصاء واجتثاث مقاوميها فكيف يمكن للديموقراية ان تحقق نجاحافي ذلك و مُحرًم عليها كل تلك الاساليب. ان معركة الاقصاء والاجتثاث هي معركة عبثية لكل الاطراف التي تُشعلها ويدفع ثمنها دائما الابرياء كوقود لها الى اجل غير مسمى . ان الانسان ليصاب بالعجب والاسى في ان واحد عندما يرى ان جميع الاطراف التي دخلت معارك الاقصاء قد اكتشفت في لحظة ما عدم جدوى تلك المعارك بعد ان تكون قد قطعت شوطا كبيرا فيها وحصدت ارواحا بريئة و ممتلكات وطنية كبيرة. ترى هل استطاع صدام ( بكل طغيانه ) ان  يقضي نهائيا على  حزب الدعوة او الحزب الشيوعي حتى يتمكن الجعفري من فعل ذلك ( بالديموقراطية حتى ولو اتخذت صورة مسلخة ) مع البعث واطراف المقاومة الاخرى.

ان المسؤولية الوطنية والايمان العميق بضرورة اخراج الوطن من دوامة العنف والاحتلال يتطلبان موقفا شجاعا من جميع اطراف اللعبة السياسية يتمثل في ان تبتعد اطراف السلطةعن الايمان بالاقصاء فكرا وسلوكا كما يستدعي في الوقت نفسه ان تعيد الاطراف المعارضة للعملية السياسية تقييم مسيرة عملها السابقة وتحدد اهدافها بدقة لكي تتجنب بكل مالديها من قدرة اية اصابات خاطئة . ان المراجعة النقدية لمسيرة عمل الحركات السياسية والانقلاب الداخلي فيها هو الطريق الوحيد لفكٍ اسرها من عقدة ( القيادة التاريخية ) التي ألحقت بها خسائر كارثية والامثلة على هذا طويلة عريضة فها هي الاحزاب الشيوعية في روسيا والعديد من الدول الاشتراكية الاخرى قد عادت لتشكِل ثقلا سياسيا كبيرا بعد ان استطاعت ان تتحرر من الماضي بحرسه القديم واساليبه الكارثية و تقدم نفسها بحلة جديدة .

ان نجاح اية حكومة لايكمن اطلاقا فقط في قدرتها على عرض مشاهد لمحاكمة رموز النظام السابق حيث ان هذا يُذكٍر قبل كل شئ بماساة الماضي كما ان هذا النجاح لايتحقق بانجاز استفتاء للدستور او انتخابات برلمانية لان كل هذا ليس إلا ادوار عليا في بناية لم يجري وضع الحجر الاساس بالشكل الصحيح . ان انجاز خطوات ملموسة على صعيد المصالحة الوطنية ونكران الذات ونبذ المصالح الحزبية الضيقة هو مفتاح الحل الصحيح للمأزق العراقي وحجر الاساس المتين الذي سيعطي كل الادوار العليا الاخرى في بناية العملية السياسية العراقية شكلا كاملا ومغزى حقيقيا وفي هذا ليس تجنيا اذا قيل ان حكومة الدكتور الجعفري لم تخطو الخطوات الكبيرة التي كان الجميع مفعما بالثقة بانها ستكون ضمن اولوياتها بل على النقيض فلم يكن صعبا على اي مراقب ان يشعر ان هذه الحكومة ومن يمثل ثقلها السياسي قد قبل على مضض على المشاركة بمؤتمر القاهرة وذهب اليه وهو متمنطق بفضيحة معتقل الجادرية ويشهر في الوقت نفسه في الطريق الى المؤتمر سيلا من اللاءات واشارات حمراء.
ترى متى نكون ديموقراطيين فكرا وسلوكا قلبا وقالبا صباحا ومساءً.

153
رسائل  حبيب تومي ( الرسول ) الى اهل كلدان بارك يارب

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

منذ فترة وكلما تسنح لي الفرصة لألقي نظرة سريعة على كتابات السيد حبيب تومي التي تنشر على موقع عنكاوة العزيز تراودني الرغبة في كتابة شئ ما ثم ينتابني احساس  يدعوني الى تأجيل ذلك ممتزجا مع الامنييات القلبية في ان ترى عيني في الكتابات اللاحقة ما ترغب النفس وتتمناه من كل الاقلام النبيلة, ولكن ليس كل مايتمنى المرء يدركه فتخرج الكتابات الجديدة وكانها حلقة اخرى من مسلسل مكسيكي مدبلج مشهور بحلقاته الطويلة.

كما يلاحظ ان السيد  حبيب تومي قد درج في كتاباته  في الفترة الاخيرة على  محاكاة نفس الاسلوب  الذي اعتاد ان يستخدمه غريمه السيد  جميل روفائيل وهو يكتب رسائله الى اهل اشورمع فارق واحد هو ان السيد جميل روفائيل غالبا مايلجأ في ختام رسائله الى إلقاء التحية على الاخوة ووعدهم بردٍ قريب بينما يُفضٍلُ السيد حبيب تومي في اكثر الاحيان الى ختام رسالته بتوجيه بسمارا اضافيا الى زوعا او موقعه على الانترنيت. اقول هذا واؤكد في نفس الوقت ان ليست هنالك اية علاقة شخصية تربطني بالاستاذين الفاضلين ولم يسبق ان كان لي شرف اللقاء بأي منهما ولذلك فان القصد فقط هو محاولة قرع جرس بسيط وخاصة للسيد حبيب تومي ندعوه فيه الى مراجعة حسابات الحقل والبيدر كنتائج لهذا النقاش البيزنطي الذي ادخلنا فيه بقصد او بدون قصد شعبنا المسيحي في العراق ودفع ويدفع ثمنه غاليا.

اعتادت العرب على القول ( عش رجبا ترى عجبا ) ولذلك كُتِب على الجيل الحاضر ان يرى البعثي السابق وقد اصبح عضوا في مجلس شورى المجاهدين والشيوعي السابق ابن الماركسية اللينينية المؤمنة بالعالمية قد تقوقع بتطرف رهيب ليكون حامى حمى مبادئ قومية ضيقة متخندقا تحت عباءة احد رجال الدين كما نرى في الوقت نفسه جماعات دينية محافظة رفظت الديموقراطية الحديثة الزواج منها سابقا تعلن عن نجاح مشروعها في اقامة زواج كاثوليكي بين هذه الجماعات وبين الديموقراطية. لكن أعجب العجب يتمثل في ان الاحداث التي جرت على الساحة العراقية خلال العامين الماضيين قد كشفت وبشكل سافر كل العورات الديموقراطية في شريحة من كان مؤملا منها ان تمارس الديموقراطية بامتياز كبير وتجني منها افضل النتائج وتؤكد حضورها بدور فاعل والمقصود هنا طبعا هو شعبنا السيحي في العراق. مع ايماننا الكامل ان النظام السابق كان قمة في الدكتاتوية إلا ان تلك الدكتاتورية قد اعطت الفرصة ( حتى ولو كانت صورية ) لاشخاص محسوبين على شعبنا المسيحي في ان يمثلوا مراكز معينة في السلطة فكان من يجلس في موقع نائب رئيس الوزراء ونائب ماكان يسمى ( المجلس الوطني ) واخر وزيرا للاسكان فاذا كان النظام الدكتاتوري رغم بشاعته قد سمح لنا ان نشغل تلك المواقع ولو بصورة رمزية فان النظام الديمقراطي القائم على اساس المحاصصة وبفضل التقديم السئ لشعبنا من قبل كياناته السياسية لم يسمح لنا إلا بوزيرة ( لاتهش ولاتنش ) لم نسمع لها صوتا , لايعوزها إلا ان تقدم برنامج ( العلم للجميع) لانها تتولى حقيبة وزارية لاتتعدى انها رديفة لهيئة الرعاية العلمية التي كان يشغل ادارتها العامة لفترة طويلة الاستاذ اللامع كامل الدباغ. ارجو ان لايلجأ البعض الى الاصطياد في المياه العكرة فيُفسٍر هذه المقارنة على انها حنين الى الدكتاتورية ومحاولة لتحسين صورتها المقيتة.

ما أتعسنا وما أشقانا , عامان ونحن نتخاصم على اصلنا كلما حاول احدنا ان يَنْسبنا اليه انبرى الثاني يدحض هذه الحقيقة الى الحد الذي تركنا الاخرين يشِكًون في أصلنا ونحن أعرق منهم. يحاول السيد حبيب تومي دائما ان يلقي باللوم على الحركة الاشورية في انحدار وتراجع الدور السياسي لشعبنا المسيحي مع ان اي مراقب محايد لايمكنه ان يبرئ ساحة بعض الدكاكين السياسية والكتَاب الذين انتحلوا صفة تمثيل شريحة الكلدان مما حدث و يحدث. لست شخصيا عضوا في الحركة الاشورية وليس لي اي اتصال بقادتها وكوادرها لكنني حالي حال الاخرين اعرف ان الحركة الاشورية كانت بشكل من الاشكال جزءا من المعارضة العراقية السابقة في وقت تشكًلت فيه الكيانات السياسية الكلدانية بعد سقوط النظام , هذا لاينكر بالطبع وجود الكثيرين من المعارضين للنظام السابق ممن كانوا ذو خلفيات كلدانية ويعملون بصورة شخصية او تحت لواء كيانات سياسية اخرى. اذا كان خطأ الحركة الاشورية يتمثل في ان قيادتها تتذكر دائما الاغنية العراقية الشهيرة ( يامَن تعبْ ويامَن شقى ويامن على الحاضر لكى) في التعامل مع الكيانات الاخرى فان تلك الكيانات وفي مقدمتها بعض الدكاكين التي تحمل اسما كلدانيا قد ارتكبت خطأ اكبر عندما ارادت ان تُسلَمها الحركة الاشورية الراية كليا بعد سقوط النظام على اعتبار ان مهمتها قد انتهت , كما كانت الاحزاب الشيوعية في بعض بلدان العالم الثالث تفعل مع ضباط الانقلابات العسكرية فتطلب منهم تسليم السلطة بعد نجاح الانقلاب او ان ينضوي قائد الانقلاب ليصبح عضوا في المكتب السياسي على اقل تقدير بحجة ان تلك الاحزاب هي وحدها القادرة على بناء النظام الاشتراكي. لقد سمعت وقرات مقابلات عديدة للسيد إبلحد افرام ولم يكن صعبا استخلاص النفس الانقسامي الذي يمثله واستعداده للتحالف مع الائتلاف العراقي الموحد اذا سنحت الفرصة له للاختيار بين التحالف مع هذا الائتلاف وبين الحركة الاشورية. لانقول هذا دفاعا عن هذه الحركة لان الحق يقتضي القول ان هذه الحركة تتحمل ايضا جانبا من المسؤولية عندما لم تستطع ان تحاكي واقع شعبنا بعد سقوط النظام . اما النشر في موقع ( زهريرا ) فلا اعتقد ان من حق احد ان يتحامل على موقع ما لانه لاينشر بعض نتاجاته لان اي موقع حر فيما ينشره بالرغم من ايماني الراسخ ان الموقع يصبح اقوى عندما ينشر مالَه وما عليه , وانني شخصيا انشر في العديد من المواقع ومنها على سبيل المثال موقع ( ايلاف ) وقد صادف لمرات عديدة ان يرفض الموقع نشر بعض المقالات التي يرى انها لاتنسجم مع خطه العام.

ان اقلاما نبيلة كأقلام الدكتور سعدي المالح وتيري بطرس وادور ميرزا و متي كلو وسامي بهنام المالح واخرون كثيرون تجاهد على الدوام من اجل ايجاد ارضية مشتركة يمكن البناء عليها فتعيد الروح (واقعا ) الى اجواء الوحدة والتماسك بين شرائح شعبنا المسيحي وينقذ مايمكن انقاذه ليتمكن من القيام بدوره المطلوب قبل ان تُغرقنا كليا موجات التشرذم والانقسام فيكون نصيبنا في الانتخابات القادمة وعلى اساس نظام المحاصصة لايتعدى موقع مدير عام لاحدى المؤسسات وعددا من مدراء المدارس هنا وهناك .



154
هل كان حقا أَشبهُ بصراع الضراير؟

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

هل سجًل القادة الاكراد صدام حسين ( سرا) في قائمة ابطال الحركة التحررية الكردية؟ هل الالتزام الاخلاقي تجاه وعد قطعه امام نفسه والاخرين هو فقط مايمنع الرئيس العراقي جلال الطالباني من توقيع عقوبة الاعدام على صدام حسين في وقت اصبح فيه هامش المرونة في التنصل عن الوعود والالتزامات اكبر من اي وقت مضى في عالم السياسة هذه الايام !. هل ان العامل الانساني هو وحده الذي حدا بالرئيس الطالباني والدكتور الجعفري الى الدعوة لنقل رئيس المخابرات العراقية السابق من السجن الى العلاج؟ ام هل ان تلك الرسالة القصيرة التي ارسلها الرئيس العراقي السابق الى الرئيس العراقي الحالي من سجنه عن طريق محاميه العراقي يدعوه فيها للكف عن الاساءة اليه تمثل دعوة خجولة من موقع الضعف للطالباني وغيره من الزعماء الاكراد وتذكيرا لهم بان ماهم عليه الان لم يكن ليتحقق بدون صدام !.

ان مام جلال الذي عجن السياسة كما عجنته عبر عقود من السنين شهدت تغييرا في وسادته السياسية عشرات المرات الى الحد الذي اصبح فيه تغيير تلك الوسادة يُحسب ذكاء له وليس عيبا فيه, لم يكن ليرى بصراحته المعهودة اي حرج في ان يعلل او يمرٍر بمزحة من مزحاته التنصل من توقيعه على رفض عقوبة الاعدام امام احدى منظمات المجتمع المدني , ولكنه ربما يشعر بوخزة ضمير تدعوه لتقدير الدور الذي لعبه صدام حسين في مصير الحركة الكردية حين اقتصر وبدون مبالغة خمسون عاما او اكثر من الزمن المحسوب لها لتصل الى بعض اهدافها. هكذا بدا مزهوا مام جلال قبل ايام وهويتحدث لبعض من انصاره فيؤكد ان الدولة الكردية هي حقيقة واقعة لاينقصها إلا الاعلان الرسمي. لابل ان في مقوماتها كدولة تتفوق على السلطة الفلسطينية مثلا بدرجة كبيرة .

لا احد ينكر ان الاكراد قد ناضلوا في سبيل نيل حقوقهم وقدموا التضحيات السخية على ذلك الطريق ولكن الكثيرين يعتقدون انه لم يدر بخلد الزعامات السياسية الكردية ان يتحقق ما قد تحقق خلال هذه الفترة , ليس استكثارا على الاكراد ما حصلوا عليه ولكن التحليل الواقعي لمجريات الاحداث السياسية تؤكد ان النظام السابق قد لعب دور (مُعجٍل نووي ) رهيب في تحقيق الاهداف القصوى للحركة الكردية وربما لولاه  لبقيت تلك الاهداف في اطارها العام مقتصرة على بعض الحقوق الثقافية والقومية البسيطة والمشاركة الصورية في بعض قرارات المركز من خلال بعض المناصب الشرفية كمنصب نائب رئيس الجمهورية وعدد ممن يحملون لقب ( وزير دولة ) تقتصر مهمتهم على مطالعة الصحف والمجلات في مكاتبهم وحضور المناسبات الرسمية . ثم من كان من الحكام السابقين لصدام اكثر رحمة منه تجاه الاكراد واكثر استعدادا لتنفيذ مطالبهم . ان الاكراد انفسهم اعتادوا على تسمية ثورتهم بانها ثورة ضد اضطهاد الحكومة العراقية غير مبالين باختلاف اسماء من تعاقب على تحمل موقع المسؤولية الاولى في تلك الحكومة كما ان هذه الاخيرة باسمائها الاولى على اختلاف مراحل حكمهم , عبد الكريم وعبد السلام واخاه والبكر واخيرا صدام درجوا جميعا على الحديث عن ( تمرد كردي ) يجب القضاء عليه.

ربما يتساءل البعض ما الغرابة في ان تُظهر الزعامات السياسية العراقية انها قادرة على ممارسة اللعبة السياسية باسلوب حضاري يتجلى بافضل صوره في اظهار العفو عند المقدرة او ربما يكون البعض غافلا فاته ان يعرف ان صلاح الدين قد تم استنساخه بنسخ عديدة وها هي هذه النسخ تعيد نفس التصرف وتأبى ان تنازل خصما مريضا فيرسل كل منها طبيبه الخاص لمعالجته لتواصل النزال بعد حين! وقد يكون بعض السياسيين العراقيين قد شعروا بالضجر من الفنان ( رضا العبد الله ) وهو يعاتب ويشكو بالحاح في ان ( الملح والزاد ما فاد ) فقرروا ان يُطيحوا باغنيته بالضربة القاضية ويبرهنوا له ان الملح والزاد قد فاد كما يجب ان يكون !.

ترى هل كان ذلك الصراع اشبه بصراع الضراير في البيت الواحد, اللائي قد تضرب احداهن الاخرى بطناجر الطبخ وتتمكن الاولى من جرٍ شعر الثانية و تشتعل معارك الكلام والصياح الى اقصاها ثم ما يلبث ان يعود كل شئ الى هدوئه بفعل نظرة غاضبة من سيد الدار او حال سماع  وقع خطواته فيجلس الجميع الى المائدة ( حبايب على اربع وعشرين حبة ), و كل واحدة منهن تعلم جيدا ان نتيجة إلحاحها في المشاكسة ليست إلا ثلاث طلقات بالوجه في الهواء تكتب نهاية ماساوية لوجودها في الدار!. أم هل كان ذلك اشبه بعراك الجزارين في سوق اللحم الذين اعتادوا ان يرفعوا سكاكينهم على بعضهم البعض ليعودوا بعد دقائق الى شرب الشاي ( المهيًل ) سوية يضحكون ويمزحون كانهم ابناء بطن واحدة.

ليس هناك من يعارض ان يستعرض زعمائنا السياسييون مشاعرهم الانسانية قولا وفعلا و يمارسوا لعبتهم السياسية باسلوب حضاري جميل ولكن الثمن الذي دفعه الوطن والملايين من ابنائه في ادوار تلك اللعبة يجعل هضم تلك المشاعر الانسانية صعبا الى حد ما !, مع ان الكثيرين يعتقدون ان افضل عقوبة لرموز النظام السابق تكمن في ان يعيشوا عراقا ديموقراطيا مزدهرا سعيدا ويعلمون جيدا في الوقت نفسه ان اي عقوبة اخرى ( اعدام او مؤبد او افراج او تغييب ) ليست قرارا عراقيا خالصا.

اذا كان الرئيس الطالباني والدكتور الجعفري وغيرهما يؤمنون ان إكرام الميت في دفنه فكم بالحري بهم رعاية الحي لانه الابقى , وفي هذا السياق يبدو التساؤل مشروعا حول المواقف الباردة او السلبية لهذه الاطراف او تلك من مشاريع المصالحة الوطنية المطروحة . لقد تم امتصاص نداء المصالحة الوطنية الشجاع الذي طرحه منذ وقت مبكر الرئيس مسعود البارزاني , كما تنظر بعض الاطراف ( الممتلئة بالاحاسيس الانسانية ) بريبة واضحة لمشروع المصالحة الوطنية الذي يدعو اليه الدكتور اياد علاوي, اما السيد مشعان الجبوري فقد قُصف و يُقصف يوميا بسيل من التهم الباطلة التي يُطلقها مرضى السياسة العراقية بل اصبحت تهمة الحنين الى النظام السابق جاهزة لكي تشهر بوجه كل من يدعو الى المصالحة الوطنية. ان كل ذنب مشعان الجبوري وغيره يتلخص في انه يعي جيدا انه احدى ضحايا النظام السابق ويؤمن في الوقت نفسه ان هنالك عشرات الالاف من العراقيين الذين حُكم عليهم بالاقصاء واياديهم هي أنظف بالتاكيد من ايادي رموز النظام السابق وايادي بعض وزراء حكومات بعد الاحتلال على السواء. لقد استطاع مشعان الجبوري وغيره ان يجدوا تلك الموازنة الضرورية بين معارضة النظام والايادي المسؤولة فيه وبين ضرورة حماية عشرات الالاف بل مئات الالاف من الذين اصبحوا هدفا لمن تمنعه مشاعر الانتقام من رؤية اهدافه الحقيقية. ان اولئك الذين يدعون الى سياسة الاقصاء والاجتثاث  ويصرون عليها انما يفعلون الشئ ذاته الذي تفعله القوات الامريكية حين تفتح النار وبشكل عشوائي بقصد حماية النفس فتصيب من الابرياء اضعاف العدد الذي تصيبه ممن تسميهم بالارهابيين.

من حق كائن من كان ان يترك بصماته وهو يشارك في الحكم على الماضي ولكن يبقى الحاضر والمستقبل يمثلان الاهم. ومن حق العناوين السياسية ان تلعب وتلهو وتقذف باللعبة ذات اليمين وذات الشمال, تتخاصم وتتصالح وتفعل ذلك سرا وعلنا ولكن ليس من العدل ان يحدث كل هذا ويدفع الثمن فقط الوطن والابرياء.



155
المنبر السياسي / حظ يانصيب
« في: 20:50 28/10/2005  »
حظ يانصيب

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يبدو ان حظ الرئيسان بشار الاسد واميل لحود لم يكن احسن حالا في سحبة اليانصيب الامريكية من الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بل ان هذا الاخير قد حصل على فرص عديدة في سحبة اليانصيب تلك حيث نال في السحبة الاولى على رالف ايكيوس وسمح له الامريكان باعادة الكرًة ثانية فحصل على الاسترالي بتلرثم يظهردلال الامريكان واضحا عليه حين سمحوا له باعادة المحاولة ثالثة فنال على إثرها السويدي بليكس والمصري البرادعي لينتهي به المطاف بحصوله على اللوتو الامريكي. اما بشار الاسد واميل لحود فان مجريات الاحداث تشير الى مشاركتهما اليتيمة في السحبة المذكورة والتي نالا من خلالها مناصفة الالماني ميليس . قد يكون هذا كافيا لترشيحهما الى اللوتو ذاته حيث اصبحا اقرب اليه من الرمش الى العين. ربما اعتقد المسؤولون السوريون الذين تورطوا ( اذا كان ذلك قد حدث حقا ) في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري انهم بعملهم هذا انما يقدمون ذبيحة سخية لرئيسهم المفدى يستحقون عليها مكافأة سخية . لقد غاب عن بال اؤلئك المسؤلون  وهم يعتمدون تلك الطرق القديمة للانظمة الشمولية في معالجة المعارك السياسية  انهم وضعوا رئيسهم بفعل عملهم المتهور هذا في احرج لحظاته بعد ان غادر عالم اليوم الذي يحكمه القطب الواحد كل تلك الطرق والاساليب بل اصبحت تقود اصحابها الى احد خيارين لاثالث لهما إما الانتحار او قضاء ماتبقى من الايام في السجون والمعتقلات الامريكية بانتظار ( محاكمة  عادلة ) .

وحدهما الزعيم الليبي والرئيس اليمني قد برهنا لحد الان عن قدرتهما على غش وتمويه الادارة الامريكية في سحبتها تلك وهكذا كلما انتابهما احساس داخلي في ان اللوتو الامريكي اصبح قاب قوسين او ادنى من اصطيادهما نراهما يسارعان الى القيام بواحدة من حركاتهما البهلوانية فيعيدان ورقة اليانصيب الى بائعها بعد ان كانا قد عرفا بمحتوياتها . قد يلصق البعض بالزعيم الليبي والرئيس اليمني ما يشتهي من الاوصاف ولكن المثل القائل ( جَنٍنْ نَفسكْ وعِشْ طَيٍبْ ) له ايضا من يعتقد به ويعتمده أُسلوبا في الحياة. قد تجد الادارة الامريكية ضرورة لاحتواء هذه السحبة في ادوارها المختلفة على بعض المواقف الكوميدية لاضفاء طابع الفكاهة عليها شانها شان المسلسلات العربية التي يتعمد المخرج اشراك ماجد ياسين او دريد لحام او عادل امام فيها .

الرئيس السوداني عمر البشير مرشح دائم في هذه السحبة ولايحتاج حصوله على جائزة اللوتو فيها إلا مجهود بسيط وقد وِضعَ حقا منذ فترة طويلة على قائمة الاحتياط حيث لاتكاد الطبخة بشان الرئيس السوداني تصل الى مراحلها النهائية تمهيدا لدفعه الى السقوط حتى تستجد ظروف دولية جديدة ترى فيها الادارة الامريكية ان المرشح الجديد يتقدم من حيث الاهمية على الرئيس السوداني ويجب استغلال الظروف الجديدة الى اقصاها وتأجيل تقليب ملف الرئيس السوداني الى اوقات الفراغ.

لكن مشروع الشرق الاوسط الكبير لايمكن ان يصل الى اهدافه المرسومة فقط بحصول المشار اليهم سابقا على اللوتو الامريكي الى جانب صدام حسين. بل ان الحلقات الرئيسة في هذا المشروع تتمثل في اصطياد الفيل الايراني , ربما باستخدام البرادعي ومفتشيه ثم بتحويل الرئيس المصري من متعهد وبائع لبطاقات اليانصيب في المنطقة الى مشارك فعال في السحبة والعمل اخيرا لتحقيق خطوة الذروة في هذا المشروع عن طريق إجراء السحبة الاخيرة في هذا اليانصيب والتي ستكون تاريخية بحق لان الفائز فيها سيكون العاهل السعودي الملك عبدالله.

لقد قام الرئيس المصري بدوره على احسن مايكون كمتعهد ووكيل لبطاقات اليانصيب الامريكية في المنطقة ولانه لايصلح للقيام بالدور ذاته على الساحة الافريقية كما ان المجهز الرئيسي هو الذي سيتولى بيع تلك البطاقة الى العاهل السعودي ,لذلك فان الامريكان سيكونون كرماء حقا اذا سمحوا للرئيس المصري بالوصول الى نصف مدة ولايته الجديدة دون ان يرتبوا له حادثا عرضيا على شاكلة حادث المنصة الذي اودى بحياة السادات  او أن يُلبِسوه احدى ( سلطانياتهم ) المعهودة , كما ان كل المؤشرات تشير الى المصاعب التي تعترض مسيرة نجله جمال للوصول الى قمة السلطة او فرصه للاحتفاظ بها اذا تمكن من ذلك رغم المجهود الكبير الذي يبذله على طريق هذا الهدف . اما العاهل السعودي فقد بدأت اولى المناوشات البسيطة باتجاهه . وليست  التقارير الاخيرة التي تحدثت عن توفر النية والتفكير لدى الرئيس الامريكي بوش لضرب السعودية دخانا بدون نار كما ان المقابلة الاخيرة التي اجرتها احدى الصحفيات الامريكيات مع العامل السعودي يحق للمراقب ان يضع حولها علامات استفهام عديدة من حيث توقيتها و احتوائها على تساؤلات كانت الصحافة الاجنبية وفي مقدمتها الامريكية تتحاشى بقصد عدم الاحراج توجيهها لرموز العائلة المالكة السعودية . ان العاهل السعودي يعرف قبل غيره ان اجاباته الضعيفة على تساؤلات من قبيل رعاية الارهاب وحقوق المراة والديموقراطية وحرية العبادة لن تؤدي إلا الى تأليب الراي العام الامريكي ضده لان المواطن الامريكي لايمكن ان يقتنع بتلك الاجابات ولا تترك في مخيلته صورة ناصعة للحياة في المملكة باعتماد المقاييس الامريكية.

رحماك  يا مشروع الشرق الاوسط الكبير , واضحة هي معالمك ومجهولة هي عواقبك.
كم من الذين تحمسوا لهذا المشروع في باكورته سيشعرون بالندم عندما سيكونون جزءا من نتائجه . ربما عندذاك سينطلقون بالغناء مع العندليب الاسمرعبد الحليم حافظ في رائعة نزار قباني الشهيرة ( رسالة من تحت الماء )
لو اني اعرف ان البحر عميق جدا ما أبحرت
لو اني اعرف خاتمتي ماكنتُ بدأت

156
الدكتور محمد البرادعي ووكالته – ابطال سلام ام حصان طروادة للحرب ؟

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

الان وبعد ان استفاق الفرحون من سكرة فرحهم وانتهى المهنئون من تقديم تهانيهم , يحق للمرء ان يتساءل فيما اذا كانت الاكاديمية النرويجية لجائزة نوبل للسلام قد اصابت هدفها عندما قررت ان تمنح الجائزة لهذا العام مناصفة للدكتور محمد البرادعي ووكالة الطاقة الذرية الدولية التي يتولى البرادعي ادارتها ام ان الاكاديمية النرويجية اساءت الى صاحب الجائزة وهو في قبره وتركت الكثيرين من الاحياء في العالم يصابون بالاحباط عندما اضافت الى البراهين السابقة برهانا جديدا يؤكد عزمها على تحويل هذه الجائزة الى رسائل سياسية لصالح اطراف معينة وبالضد من اطراف اخرى بعيدا عن القيم الانسانية النبيلة التي قامت الجائزة اساسا عليها.

ليس حسدا او بخلا بالدكتور البرادعي ولاغيرة منه فلامعنى لان يغار عبد الله الضعيف من صاحب الجاه والمال وجواز الامم المتحدة ولكن جائزة نوبل للسلام وكما ينبغي ان تكون يجب ان تمنح لمن يفعل فعلا متميزا في تحقيق السلام وتوطيده ومنع حدوث الحرب او لمن يعمل بهدوء عقودا من السنين بفعل مؤثر من اجل الحرية والخير للانسانية . وعلى هذا الاساس نفهم استحقاق الرئيس المصري الراحل انور السادات للجائزة كونه قد خطا خطوة حاسمة على طريق انهاء حالة الحرب بين بلاده واسرائيل التي استمرت عقودا من السنين واستنزفت من الارواح والممتلكات الكثير الكثير وكذلك الحال ينطبق على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وشريكه الاسرائيلي اسحق رابين كونهما قد دشًنا لمرحلة جديدة في صراعهما مبنية على اسس الحوار والسلام ونبذ العنف. والحال ينطبق كذلك على الام تيريزا وعلى نلسون منديلا واخرون.

ولكن هل ادى الدكتور البرادعي الفعل ذاته وكان ولايزال عاملا مؤثرا في تحقيق السلام ومنع الحرب وقول الحق في وجه من يستحقه دون الاخذ بنظر الاعتبار لون ذلك الوجه او قدرة صاحبه. ان العراقيين مثلا يشعرون بالالم عندما يتذكرون بعض المواقف التي لم تتسم بالحيادية للدكتور محمد البرادعي عندما كانت الادارة الامريكية تعد العدة لغزو العراق بحجة امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل. عندما اعلن المفتشون الدوليون عن اكتشافهم في دار احد العلماء العراقيين لبعض الاوراق التي تتحدث عن تخصيب اليورانيوم اطلق حينئذ الدكتور البرادعي تصريحه الناري من العاصمة القبرصية حسب ما اذكر معتبرا تلك الاوراق اشارات خطيرة حول امتلاك العراق ( للقنابل النووية ) . لقد ذُهلت حقا عندما عرفت قبل ايام واثناء قرائتي للسيرة الذاتية للدكتور البرادعي التي نشرت في اعقاب فوزه بجائزة نوبل انه لايمت بصلة في انحداره التخصصي الى التقنية النووية بل انه متخصص في القانون الدولي والعلاقات الدولية. ربما يتذكر الدكتور البرادعي تخصصه هذا فيتجنب الحديث عن جريمة الولايات المتحدة بحق شعب العراق من خلال استخدامها لاسلحة الدمار الشامل ضد ابنائه والمتمثلة في مئات الالاف من  اطنان قذائف اليورانيوم المنضب حيث لااتذكر اية تصريحات نارية للدكتور البرادعي في هذا الخصوص !. كما احتفظ الدكتور البرادعي بالحقيقة في قلبه فاختار اضعف الايمان ولم يطلقها بصوت جهوري حيث كان اقرب الى المايكرفون من حبل الوريد عندما كان يتحدث الى اعضاء المجلس وتنقل مباشرة الى جميع انحاء العالم في تلك الجلسة التاريخية التي استطات من خلالها الادارة الامريكية تسويق غزوها للعراق.

ربما يقول البعض ويتساءل عن جدوى كلمات البرادعي في الوقت الذي كان كانا طرفا الصراع لايعوٍلان تلك الاهمية لكلامه في ان يغير من مجريات الصراع فالادارة الامريكية قد قررت الغزو قبل ان يقدم البرادعي تقريرة والنظام العراقي السابق ادرك ان تقريرا البرادعي وبليكس لايمثلان إلا صلاة الغائب على روح نظام حُكِم عليه بالموت ولذلك فقد صحً في البرادعي انذاك بالنسبة للطرفين ما صحً في حنًون من خلال البيت التالي
مازادَ حنًونُ في الاسلام خردلةّ
ولا النصارى لهم شغلُّ بحنوًنِ
لو كان الدكتور البرادعي حينها قد قالها كما يجب ان تقال ولم يسكت عن الحق واراح ضميره وبغض النظر عن النتائج قامت الحرب ام لم تقوم لكانت جائزة نوبل له حلالا زلالا و امن الكثيرون من المراقبين والمحايدين في هذا العالم ان هذا الرجل قد سعى للسلام بكل ما استطاع سبيلا.

ربما تكون جائزة وخزة في ضمير الدكتور البرادعي فتمنعه عن القيام بالدور نفسه في الملف الايراني وهكذا يشاء القدر مرة اخرى ان يعطي مثلا جديدا لدولة حطًمت رقما قياسيا في الاستفادة من مصائب جارتها.



157

وصَدَقَ عماد خدوري وكَذَبَ كولن باول

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

الجميع يؤمن ان الزَبَدَ يذهب جفاءً وما ينفع الناس يمكث في الارض ولكن يبقى التساؤل مشروعا عن الزمن الذي يستغرقه الزَبد حتى ينقشع وعن الخسائر والتضحيات التي نقدمها خلال تلك الفترة. حافلة هي الحياة بالدروس التي تحكي كيف استطاعت قشرة من الزيف ان تغطي حقيقة عميقة او كيف غاب عن نظر المشاهد ان يلتقط تلك الكذبة الكبيرة التي تخفًت بنطاق من الحقيقة المُزيًفة.

الدكتور عماد خدوري مثال للعشرات وربما الالاف الذين قرروا ان يخدموا الحقيقة .لم يتمكن الدكتور عماد خدوري وقتها , حاله حال اقرانه , بصوته المبحوح ان يجاري الماكنة الاعلامية الرهيبة التي جاءت بابواق مسعورة من كل فج عميق لتستخدمها في امرار كذبة اسلحة التدمير الشامل العراقية. حاول عماد خدوري جاهدا ان يكون صادقا مع نفسه امينا على اختصاصه وعلمه من خلال تحليل يستند على الوقائع العلمية التي تؤكدها المعايشة في ان العالم يعيش سرابا للاسلحة النووية في العراق ليس إلا. كان ولايزال صوتا صارخا في البرية يقول لعُقًال هذا العالم ان القنبلة النووية لاتُصنع في حدائق البيوت كما انها ليست لعبة من لعب الاطفال وليس كل من يعرف ألف باء الانشطار بقادر على تصنيع كمِ من القنابل لانه ليس كل من يدق بسمارا قد حُسِب نجارا. بل ان مشروع انتاج السلاح النووي هو مشروع ضخم عملاق يستلزم كما هائلا من الامكانيات والظروف وزمنا طويلا يمكن حسابه  ولم يكن يتوفر كل هذا في العراق المثقل بالجراح والهموم والموضوع تحت الرقابة الصارمة, كذلك الحال مع الاسلحة الكيميائية والبايوجية حيث لايمكن لثلاث عربات على شكل كرفانات سُميت زورا وبهتانا مختبرات اسلحة التدمير الشامل ان تفني العالم خلال اقل من ساعة .

كان كولن باول انذاك قد انهى دورة لتعلم فن التمثيل في مدينة هوليود واجتازها بنجاح فذهب الى الامم المتحدة مُسلحا بخبرة التمثيل ومحاطا بالرعاع كما ذهب رؤساء الكهنة الى الوالي الروماني بيلاطس وهو هنا كوفي عنان . طرح باول ما تدًرب على قوله وكاد ان يرتدي خوذة وملابس الوقاية من اسلحة الدمار الشامل العراقية وهو جالس في مجلس الامن والرعاع من حوله الاقربون والبعيدون يصرخون بذات الصوت – أُصلبه , أُصلبه. حاشا ان يكون القصد شخصا بعينه فلا أسف عليه ولكنه الحزن على وطن بكامله لان الجميع كان يعرف كيف ستلتقط الولايات المتحدة ( أبنائها الاعزاء) في لحظة برق خاطفة لتضعهم في مكان امين وتقدم لهم مالذً وطاب من النساتل والمكًسرات والمشروبات والمرطبات صباح مساء. فعل كوفي عنان ما فعله بيلاطس حينها مع فارق واحد هو ان بيلاطس فعل ذلك علانية بينما فعل ذلك كوفي عنان خفية فدخل اقرب حمام اليه في مبنى الامم المتحدة وغسل يداه وإستغفر ربًه وسجًلَ ذلك في تلك القائمة الطويلة التي سيتلوها يوم الاعتراف. ترى من يتطوع ليكتب ثانية ( المسيح يصلب من جديد ).

مايثير في النفس التقزز والاشمئزاز انه في الوقت الذي اصبح العالم في كل يوم جديد يسمع اعترافا من الممثلين الرئيسيين في كذبة اسلحة التدمير الشامل لازال البعض من الذين يحملون الهوية العراقية يصرون وبالحاح على حقيقة وجود تلك الاسلحة وهم انفسهم الذين يتحولون بقدرة قادر الى خبراء في الفيزياء الصحية فينفون وباسلوب ملئ بالسخرية وجود اي نوع من التلوث الاشعاعي في البيئة العراقية جراء الجرائم  الاخلاقية والانسانية المتمثلة في استخدام الولايات المتحدة لمئات الالاف من اطنان اليورانيوم المنضب اضافة الى السماح بالعبث في المواد الاشعاعية في المواقع العراقية بعد سقوط النظام . ان هؤلاء لايعيرون اي اهتمام للتقاريرالصحية التي تؤكد ان العراق يشهد تزايدا في حالات الاصابة بالسرطان بمعدل 7500 سنويا في حين قامت الدنيا في السويد عندما اشارت احدى الدراسات الى بضع مئات من حالات السرطان ربما يكون سببها التلوث الناتج عن حادثة تشيرنوبل التي حدثت قبل تسعة عشر عاما. ترى مالفرق بين حلبجة والاهوار وبين اليورانيوم المنضب . ألم يؤدي الفعل في كل حالة الى الهدف ذاته وهو تدمير البيئة وقتل الانسان والنبات والحيوان . لو كنت يا يهوذا تعيش زمن اليوم لوجدت من يعلٍمكَ الخيانة على اصولها الحديثة.

لقد ذهب الزبد يا عماد وبانت الحقيقة ولكن الثمن يكسر الظهر. بلد مستباح ودولة اطلال وشعب طلًقَ الامل بالثلاث. اين عدالة السماء حين قرر كولن باول ان يمسح كل هذا الثمن باعتراف هزيل سخيف لايتعدى بضع كلمات حيث قال ان خطابه في مجلس الامن حينها يمثل وصمة عار في شرفه المهني. ترى أي من الدول التعيسة اختارتها كونداليزا رايس لتعادل بها شرفها المهني؟

تحية لك ياعماد وانت تخدم الحقيقة بكل ماتستطيع سبيلا .
اذا كان باول وزملائه يستحقون ألف لعنة على جريمتهم النكراء , أي جبال من اللعنات يستحقها اؤلئك القدامى والجدد من الذين قرروا ان يبيعوا وطنهم بثلاثين من الفضة.



158
لصقة جونسون وكراسي الحكام العرب
الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

اضافت لصقة جونسون الامريكية حينها شهرة الى شهرتها العالمية عندما أُشيع عن وجودها كمادة سرية تدخل في تصنيع كراسي الحكام العرب حتى ان البعض ربما بدأ في إجراء الحسابات والبحوث لمعرفة علاقة مفعول اللصقة مع الزمن والسفر اي المسافة بين الحاكم والكرسي فقد اثبتت الوقائع مثلا ان عزوف الحاكم عن السفر لمدة طويلة يجعل مفعول اللصقة رهيبا يستوجب قيام اكثر من مئة وخمسين الف جندي امريكي وتحالف دولي لفصل الحاكم عن الكرسي في حين تمكنت ثلة من الضباط والجنود في موريتانيا من تحقيق ذلك ببساطة بعد ان فقدت مؤخرة الحاكم الاتصال بالكرسي اثر اضمحلال مفعول اللصقة بسبب بعد المسافة بين نواكشوط والرياض.

ان مرض عشق السلطة والاعتقاد بان وظائف الخط الاول كالرئاسة والوزارة هي وظائف شأنها شان الوظائف الاخرى يحق للمرء ان يقضي فيها جُلً عمره الوظيفي من لحظة اقتناصها وحتى سن التقاعد الذي يعني الموت في اغلب الاحيان , نقول ان هذا المرض و ذلك الاعتقاد كان على الدوام ولازال احد الاورام المؤذية في جسم النظام العربي التي شلًت هذا النظام وافقدته اية قدرة على الرقي بامكانياته او حتى تنظيم الامكانيات المتاحة ناهيكم عن ان ذلك اساسا مثًل ويمثل سرقة علنية ومصادرة مسبوقة لحقوق الاجيال بمعنى ان يتمتع كل جيل بحقه الطبيعي في ان يُفرز قادة من بين صفوفه.

ربما يكون الدستور الفرنسي مثالا يحتذى في عالم الديموقراطية ومع ذلك فان طائفة مهمة من الفرنسيين يُسجلون عليه انه يسمح لرئيس الجمهورية بالبقاء في الاليزيه لمدة سبع سنوات قابلة للتجديد في حالة فوزه بولاية جديدة وبهذا يصبح الفرنسي مجبرا على التعامل مع ذلك الصوت وتلك الصورة والتهام تلك الوجبة المملة لمدة اربعة عشرعاما بلياليها ونهاراتها. ربما يكون الرئيس الفرنسي هو اول من يحس بشعور مواطنه فيحاول دائما وبمناسبة وبغير مناسبة ان يخرج الى شعبه بوجه بشوش ضحوك عسى ولعل ذلك يلعب دور مشروب غازي يساعد معدة الفرنسي على تقبل تلك الوجبة. وكذلك في الدستور الامريكي حيث لايتحمل المواطن الامريكي رؤية رئيسه في البيت الابيض يوما واحدا اكثر من المدة القصوى التي هي ثمان سنوات. بل انني اعتقد جازما ان هذا السبب هو الذي ترك شعوب الدول الاوربية التي تقوم على النظام الملكي تقيًد العرش وملحقاته بهالة رمزية فقط.

اما في بلداننا العربية حيث قسم من حكامنا تسللوا الى قصر الرئاسة في غفلة من الزمن او في ساعات الفجر الاولى عندما كان الناس نيام بينما ورثها القسم الاخردون كلل او تعب, وبالرغم من ان الفئتان تبيح لنفسها حق تغيير الاثاث والقصوروطبعا الزوجة عندما تصاب بالضجر او الملل او ربما رغبة في تجربة الجديد فقط إلا ان هؤلاء جميعا يُنكرون على الرعية حق المطالبة بتغييرهم بل ان جيش المتملقين المتجحفلين معهم على كامل الاستعداد ليلصق تهمة الخيانة العظمى لكل من تسول له نفسه البوح بذلك بل الانكى من كل هذا حيث نرى هؤلاء الحكام الذين سئم المواطن النظر في وجوهم يخرجون على الناس بوجوه عابسة وكأنهم اصحاب فضل كبير ويعملون في مناصبهم بالاكراه.

ربما تكون الانتخابات المصرية مثالا صارخا يظهرفيها زيف النظام العربي وقدرته الخارقة على اختراع اي اسلوب ميكافيلي يهدف التشبث بالسلطة وتسويف اية ممارسة ديموقراطية ولان مصر كانت دوما الرائدة في العالم العربي لذلك من المتوقع ان تنتقل مهزلة مسرحية الانتخابات المصرية الى باقي الاقطار العربية حيث سيتسابق باقي الحكام الى اعتماد الوصفة الجديدة لتحل محل الاستفتاءات المقيتة كمًا اخر من السنين الى ان يشاء الله امرا كان مكتوبا.

كان عُمْر ايمن نور المنافس الرئيسي للرئيس المصري حسني مبارك لايتجاوز العشر سنوات عندما عين السادات حسني مبارك رسميا نائبا له وكان ايمن نور ربما لازال يلعب الكرة في ازقة الحي مع اصدقائه عندما اعتلى مبارك سدة الرئاسة اثر اغتيال السادات. وعندما تمكن مبارك من السيطرة كليا على الوضع الداخلي ونجح في تكوين حاشية كبيرة خاصة به من المتملقيين وبدأ يلعب دورا محوريا على الصعيدين الاقليمي والدولي كما ظهر في حرب الخليج الاولى عام 1991 كان ايمن نور انذاك ربما مشغولا بغزل ومعاكسة فتاة الجيران وخلاصة القول ان العمر السياسي الفعلي لهذا السياسي كبديل مطروح للرئيس المصري لايكاد يتجاوز عاما واحدا بينما تتجاوز مدة الوجود الفعلي في الموقع الاول للرئيس حسني مبارك عتبة اليوبيل الفضي مع كل ما يترتب على ذلك من قدرة فائقة على التحشيد وامكانيات هائلة واقلام رخيصة مقابل مثيلاتها المتواضعة التي يتمتع بها منافسه. ومع ذلك وتجنبا لاية مفاجأة فقد حرص جمال مبارك الذي ادار فعليا حملة الانتخابات ان يسوٍق والده على انه رمز للشباب من خلال الشعر المصبوغ بالاسود الداكن والتخلي عن ربطة العنق والاستغناء عنها بقميص شبابي وربما فكًر جمال جديا اذا استوجب الامر ان ياخذ والده الى احد نوادي الديسكو. ان الشرط الاساسي لاية انتخابات نزيهة هو تكافؤ الفرص فيها ولذلك فان نجاح مبارك في الانتخابات الاخيرة لايعدو عن كونه حصول رجل في الخمسين على علامات عالية في امتحانات الصف الاول الابتدائي او نجاح قطة سمينة متمرسة في التهام قطعة لحم صغيرة. ترى هل احتفل حقا وفرح مبارك في سرٍه بانتصاره؟! لانقول ذلك كرها للرئيس مبارك وتحيزا لغريمه انما اسفا وحزنا على القيم الديمقراطية التي شُيعت الى مثواها الاخير قبل ان تُعمًد.

لقد حاول نوبل ان يُكَفٍرعن نفسه فوضع جائزة لمن يفعل خيرا للانسانية وعلى نفس المنوال فان الولايات المتحدة وهي الدولة المصنعة للصقة جونسون قد بدات الشعور بالذنب لما احدثته لصقتها اللعينة بشعوب العالم , ولكن شتان مابين جائزة نوبل ومابين الطريقة التي اختارتها الادارة الامريكية لمعالجة معضلة اللصقة.[/b][/size][/font]

159

احتراما لقواعد النشر اود ان اشير الى ان النص ادناه ليس من تأليفي الشخصي بل ان احد الاصدقاء الاعزاء قد ارسله لي راجيا ان يرى النور على موقع عنكاوة العزيز  واحببت ان افي بوعدي له

د - وديع


 "كن أمينا إلى الموت فسوف أعطيك إكليل الحياة"



     ولد  الأستاذ يوسف القس عبدالاحد في قرية بحزاني بتاريخ 23/11/1918 وتربى في أحضان والده المرحوم القس عبد الاحد ووالدته المرحومة سوسن توما وكان ينام ويصحى على أنغام المزامير والصلوات التي كان يرددها دوما عمه المرحوم الخوري سليمان القس يوسف وكان يراقبه وهو يدون الكتاب المقدس والصلوات باللغة السريانية إلى أن وافاه الأجل (رحمه الله) عام  1931  ومازالت  كنيسة مار كوركيس في بحزاني تحتفظ بكتابات  المرحوم الأب الخوري سليمان بخط يده وباللغة السريانية حتى يومنا هذا.
     إن عائلة ال القس في بحزاني هي عائلة تكريتية الأصل نزحت مع من نزح من مسيحيي تكريت وعرف جدها الأول المقدسي عيسى عام 1650 ميلادية كما جاء في كتاب المطوب الذكر المرحوم البطريرك مار اغناطيوس افرام الأول برصوم الموجه إلى جدنا المرحوم القس عبد الاحد القس يوسف بتاريخ 29 كانون الأول 1939 وقد أنجبت هذه العائلة عددا من الكهنة الذين خدموا بيوت الله بكل أمانه واستقامة والذين تجاوز عددهم العشرون  حيث خدموا منذ البداية في كنيسة بعشيقة القديمة وقسم منهم دفنوا هناك ثم انتقل القسم الأخر للخدمة في كنيسة بحزاني حتى يومنا هذا.
    كان الأستاذ يوسف مولعا بالدراسة وقراءة الكتب ولم يترك كتابا يراه (تاريخي أو ديني) إلا لاعبته أنامله ليقرأ ويدقق مافيه عن الحقائق القديمة ويضع بعض الهوامش عند الضرورة في حواشي الكتب، استنسخ بيده عشرات الكتب وخاصة النادرة منها، حصل على شهادة الدراسة الثانوية في دار المعلمين العالية في بغداد عام 1941 ،عين معلما في الاقضية والنواحي التابعة لمحافظة اربيل، ثم نقل إلى مدرسة بحزاني حيث عمل كمديرا للمدرسة لعدة سنوات وأخيرا نقل إلى مدرسة التطبيقات في الموصل وعمل فيها كمعلم لمادة الرياضيات حتى أحيل على التقاعد بعد أن خدم الوطن طيلة 27 عاما.
    نشر أول مقالة له وعمره 15 عاما، ثم نشرت له بعض المقالات في مجلة المشرق التي كان يترأس تحريرها المثلث الرحمة مارغريغوريوس بولس بهنام مطران الموصل، كما نشرت له مقالات أخرى في مجلة السلام الصادرة في البصرة والتي كان يترأس تحريرها المرحوم الخوري سليمان داؤد، ثم بدا بتأليف الكتب فنشر له كتاب بعنوان (جولة مع مخطوطات سريانية مبعثرة) عام 1994 وأخيرا له عدة كتب ومقالات لم تنشر بعد.
    تعتبر مكتبته ارثه الحقيقي وهي الوزنات الخمس حيث تحوي العديد من الكتب القديمة والنفيسة واغلبها مهداة اليه من قبل مؤلفيها لعلمهم بمدى تقديره لقيمتها النفيسة وشغفه بالقراءة حتى إن احد المطارنة أهداه كتابان وقال له لن أقدم لك  سيكارة وقهوة بل ما هو اثمن وهي هذه الكتب.   
    كانت علاقته طيبة مع جميع البطاركة والمطارنة الأجلاء الذين عاصرهم ويحتفظ بعدة رسائل منهم وإليهم.
   لم ينسى الأستاذ يوسف تربية أولاده ، فقد رزقة الله بأربع أبناء وأربعة بنات رباهم على محبة الله والإيمان به، وقد أنشئهم تنشئة مسيحية صحيحة وغذاهم بلبان التعاليم السريانية الأرثوذكسية الصحيحة ووفر لهم ثقافة حسنة.
لقد طالع جميع الكتب المقدسة وتوصل إلى أن الكل تنطلق من الإيمان بالله ومحبته، فقد كان أصدقائه من الأخوة المسلمين ومن العوائل الموصلية العريقة يحبونه ويحبهم ويكن لهم كل الاحترام والتقدير.
   كما أحب أبناء قريته الصغيرة من الأخوة اليزيديين من أميرهم إلى اصغر فرد فيهم  وكان يسمي بعشيقه وبحزاني بالحديقة التي تحتوي كل أنواع الزهور.
    أجريت له علميتان جراحيتان كان الرب يكللها بالنجاح، وفي أيامه الأخيرة، إذ ضعف بصره وتردت حالته الصحية فقد الأمل الذي كان يعيش لأجله فاستسلم إلى إرادة الله وكان شانه في ذلك شان المسيحيين الحقيقيين مستوعبا ما قاله بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية( إن ألام الحاضر لا تقاس بالمجد الذي يتجلى فينا في العالم الثاني) حتى انطفأت شمعته في مساء يوم الأحد المصادف 24/7/2005 عن عمر يناهز السابعة والثمانين ليترك العالم الفاني ويرحل إلى الخدور السماوية ليرقد بسلام مع من سبقه من المؤمنين والمؤمنات هكذا شاءت إرادة الله (تغمده الله برحمته الواسعة واسكنه فسيح جناته بصحبة الأبرار والصالحين).
     وفي يوم 25/7/2005 اجتمعت بلدة بحزاني في كنيسة بحزاني بشيبها وشبابها، برجالها ونسائها وبالاكليروس السرياني في أبرشيتي مار متى  والموصل وبالمحبين من الموصل والمدن المجاورة وبكل أطياف الناس في هذه المنطقة لتشييع جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير بحضور نيافة الحبر الجليل سيدنا المطران مار ديوسقوروس لوقا شعيا , وقد ابنه الأب الراهب ادى في صلاة اليوم الثاني بكلمة طيبة تنم عن عمق محبته وتقديره للعائلة، كما ابنه نيافة الحبر الجليل مار سيوريوس اسحق ساكا في صلاة اليوم الثالث بكلمة تعبر تعبيرا صادقا عن محبته الأبوية للعائلة حيث وصفه بها بالرجل الأمين، رجلا فاضلا، مؤمنا حقيقيا صادقا، ابا مثاليا ومربيا صالحا وناجحا ، ابن الكنيسة البار بكل ما في الكلمة من معنى، خدم الكنيسة بقلمه ، بلسانه، بأفكاره السديدة ، وبخبرته الواسعة كان أرثوذكسيا صميما وكان سريانيا خالصا، كان دمث الاخلاق لطيف المعشر يتصف بصفات غاية في الفضيلة والنبل كان يسارع الى رفع كبوى واقالة عثرة، محافظا على التقاليد الكنسية الأبوية الشريفة ، متعلقا بالكرسي ألرسولي الانطاكي ومتمسكا بقوانين الكنيسة، هذا كان سلاحه وبرحيله فقدت الكنيسة وجها سريانيا ارثوذكسيا صميما (( رحمه الله)). كما اقيمت صلاة لراحة نفس المرحوم بمناسبة الاحد الاول بعد وفاته في السويد بحضورالاب القس يوسف سعيد والاب القس اقليميس الشماني حضرها جميع الاهل والاقارب والاصدقاء والمحبين المقيمين هناك، وقد ابنه الاب القس يوسف بكلمة قيمة تعبر تعبيرا حقيقيا عن محبته الصادقة ووفاء ندر وجوده.


شكر وتقدير
    نحن وباسم عائلة ال القس وبمناسبة صلاة اليوم الأربعين  نتقدم بجزيل شكرنا وتقديرنا إلى نيافة الحبر الجليل مار ديوسقوريوس لوقا شعيا ونيافة الحبر الجليل مار سويريوس اسحق ساكا وجميع الآباء الكهنة من الرهبان والقسس لحضورهم هذه التعزية، كما نشكر جميع الذين حضروا من بغداد والموصل وبرطلة وميركي وبعشيقة وبحزاني وكل الذين شاركونا في التعزية من مسلمين ويزيديين ومسيحيين، كما نتقدم بالشكر الجزيل لجميع الذين حضروا في السويد لمشاركة ولده الدكتور سليمان واولاد شقيقه المرحوم الخوري بنيامين، ليعطي الرب الإله الجميع الخيرات والبركات ويبعد عنهم كل مكروه ويرحم موتاهم وموتانا جميعاً.   
                                      اميـــــن

"" صلوا لأجله ولأجلهم ""




                                                           إعداد 
                                                                        أولاد المرحوم يوسف القس عبد الاحد









160
ايران والولايات المتحدة -  هل نسمع صافرة الحَكَمْ قريبا ؟

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

يبدو ان شيخ المدربين المرشد الاعلى للثورة السيد خامنئي يتقن جيدا استخدام كل انواع التكنيك ووضع خطة موفقة لفريقه وهو يلعب مباراة غير محددة بزمن مع فريق الادارة الامريكية. لقد ظهر ذلك جليا حتى في توقيت اجراء تغيير في الفريق فكان نزول الرئيس الجديد كحارس مرمى ليحل محل الرئيس السابق خاتمي ضربة مدرب ماهر اعطى لفريقه زخما جديدا بعد ان ادى هذا الاخير مهمته بنجاح واستنفذ كل مالديه من جهد. ان خامنئي يعوٍل على حارس المرمى الجديد في قدرته على صدٍ الضربات الامريكية المحتملة لو تم الاتفاق بين الفريقين على انهاء هذه المباراة  باللجوء الى الركلات الترجيحية.

ان الواقع يشير الى اننا نشاهد مباراة مثيرة باشواط مستمرة بين النظام الايراني والولايات المتحدة يحتل فيها الملف العراقي الجانب الايمن من الملعب بينما تشغل الملفات - اللبناني والفلسطيني والافغاني -  الجانب الايسر من الملعب نفسه في حين يتربع الملف النووي على الوسط . اذا كانت الادارة الامريكية قد تمكًنت من احداث خرق واضح في الجانب الايسر كاد ان يؤدي الى تحقيق هدف كبير في المرمى الايراني كنتيجة مباشرة لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري فان القيادة الايرانية وبالتعاون مع القيادة السورية قدتمكنًت في الوقت المناسب من احتواء الهجمة الامريكية حيث فضًلت التضحية باللاعب السوري اثر حصوله على الكارت الاحمر وخروجه ظاهريا من اللعب المباشر في لبنان وهكذا تم استغلال انشغال الادارة الامريكية بخروج اللاعب السوري في اعادة ترتيب وضع حزب الله ليعود بزخم جديد واضافي ويتمكن بنجاح من فكِ طوق الاعدام الذي كان قد اصبح اقرب الى رقبته من اي وقت مضى. اما بقية عناصر هذا الجانب فان اوراق القيادة الايرانية في الملف الفلسطيني تنمو وتتعاظم باضطراد حيث اثبتت الانتخابات البلدية في مناطق السلطة الفلسطينية ان المنظمات المحسوبة او الوثيقة الصلة على اقل تقدير بالنظام الايراني قد اصبحت ندا قويا بل اكتسحت في بعض المواقع الاسماء الاخرى المحسوبة على المشروع الامريكي. اما الملف الافغاني فان القيادة الايرانية يقينا تضحك في سرٍها على ورطة الادارة الامريكية في ذلك البلد حيث تكاد تختنق في رماله وتقدم تضحياتها هناك بصمت رهيب.

في الملف العراقي لايختلف إثنان في اخفاق وفشل الولايات المتحدة عن احداث اي خرق في هذا الجناح بل ان الملاحظ ان هذه الادارة قد التزمت منذ فترة خطة دفاعية تحاول من خلالها وبشق الانفس الحيلولة دون حدوث خرق ايراني حاسم على هذا الصعيد. لقد ترك الدور الايراني في العراق رأس الادارة الامريكية يدور كالمصراع حيث اصبحت عاجزة عن فعل اي شئ يساعد على ايقاف الانحدار في الوضع العراقي واحتمال خروجه من السيطرة في وقت كانت تأمل الادارة الامريكية فيه بناء وضع في العراق يكون بمثابة جرس قوي يطرق على الابواب الخارجية للنظام الايراني. هنا تجدر الاشارة الى ان الولايات المتحدة  لاتتدخر جهدا في توجيه الضربات تحت الحزام الى الكيانات السياسية العراقية المحسوبة على الحصة الايرانية كما ان القيادة الايرانية نفسها لاتحرص على هذه الكيانات حرصها على مياه عيونها بل انها على استعداد تام لتقديم هذه الكيانات قرابين زكية على طريق تحقيق اجندتها الستراتيجية ولذلك فان تلك الكيانات وكما يقول المثل العراقي ( هي مْدومنة من الصوبين )!

اما الملف النووي فانه يحتل موقعا متميزا في هذه اللعبة المثيرة بل ان القيادة الايرانية تحاول ان تُسخِر جهودها على الاجنحة الاخرى بما يساهم في تخفيف الضغط على الوسط او على الملف النووي كما تحاول الولايات المتحدة في الوقت نفسه استغلال الضغط والمراوغة على الاجنحة بهدف وضع الملف النووي تحت الكماشة. ان كل المؤشرات تشير وبوضوح الى فطنة ودهاء القيادة الايرانية في التعامل مع الملف النووي حيث ان نجاح النظام الايراني في ابقاء الادارة الامريكية والاتحاد الاوربي يدوران حول نفس الحلقة اي تخصيب اليورانيوم كلًَ هذه المدة الطويلة يعتبر انجازا كبيرا لهذا النظام. لقد هظمت القيادة الايرانية الدرس العراقي جيدا كما استفادت من التجربة الكورية الشمالية بذكاء ووصلت الى فلسفة مفادها ان التخلي الكامل عن احدى الحلقات يمهٍِِد الطريق لتقديم الحلقة الاخرى كما ان سياسة ( الخدِ والعين ) الكورية تصبح ضرورة ملحة في طور الخروج من عنق الزجاجة وبانتظار فرض الامر الواقع الذي سيكون التعامل ازاءه مختلف كليا عن فترة المخاض به. اذا كان البعض يثق بالطرح الايراني الذي يدعي  ان الخيار النووي بالنسبة لايران لايمثٍل خيارا للاستخدام فان الكثيرين لايساورهم اي شك في اعتماد القيادة الايرانية للخيار النووي كخيار للابتزاز يمكن ان يعطي نتائج مذهلة تخدم الاهداف الايديولوجية وتفسح المجال لدور اقليمي ودولي كبير.

ان دخول جمل من ثقب ابرة ايسر بكثير من اقناع الولايات المتحدة و دول اخرى فاعلة في المجتمع الدولي من ان البرنامج النووي الايراني يستهدف الاغراض السلمية . ليس هذا تبنيا للموقف الامريكي لكن الكثير من الحقائق العلمية يضاف اليها الخلفية الايديولوجية للنظام الايراني تؤكد  في ان قريحة النظام وشهيته مفتوحة وبنهم الى امتلاك نوع ما - في حدود الممكن -  من الردع النووي او توفير كل عوامل القدرة على انتاجه وبسرعة عندما تتطلب الظروف ذلك على اقل تقدير. لذلك ليس متوقعا من الادارة الامريكية ان تسمح ولزمن طويل بأن تسير مباراتها مع القيادة الايرانية على مزاج هذه القيادة خاصة وان الكثير من الشواهد تشير الى ان هذه المبارة في اشواطها الاظافية واي هدف ايراني سيكون حاسما وقاتلا حيث سيفتح المجال امام مرحلة جديدة في الدوري الايراني الامريكي وعلى ضوء حقائق جديدة.

ان تعثر المشروع الامريكي بل وفشله في حلقاته السابقة وإخفاق اساليبه المتمثلة في الضغط والضرب على الاجنحة في الوصول الى الاهداف الموضوعة واعتقاد الادارة الامريكية في ان النظام الايراني يقف الان حجرة كبيرة تحول دون الوصول الى تلك الاهداف , كل هذا معززا بالكثير من التقارير الاخيرة التي نشرتها وسائل الاعلام ومن بينها ما اشار اليه السياسي الامريكي ليندون لاروش حول اعتزام الادارة الامريكية و بتحريض من نائب الرئيس ديك تشيني الى اللجوء الى الكيْ كحلٍ اخير وصفحة اخيرة في المخطط الامريكي يتلخص في توجيه ضربة جوية ماحقة للنظام الايراني حيث يقول لاروش في مقاله ان الاستخبارات الامريكية قد حددت 450 هدفا ايرانيا وعلى رأسها المواقع النووية الايرانية يمكن ان تستهدفها هذه الضربة المحتملة.

ان صقور الادارة الامريكية اصبحوا على ما يبدو اكثر اعتقادا في ان الخرق الماحق من الوسط الذي سيحطٍم شباك المرمى الايراني هو الخيار الوحيد الذي سيرمي في نفس الوقت بكلِ ملفات الجناحين الى خارج الملعب وينهي هذه المباراة الخطيرة .
في العراق يقولون ( إذا ما تتخَرْبَطْ بالمرًة ما تِصْفى ) . هل تعلًم الامريكان من خلال وجودهم في العراق هذه المقولة وامنوا بها ووضعوا حساباتهم الدقيقة لتحقيقها؟ اذا كان الرئيس الفرنسي قد قال يوما ان ابواب جهنم قد انفتحت كنتيجة  فاشلة لتنفيذ الصفحات السابقة من المخطط الامريكي فان ايً اخفاق او فشل في تنفيذ هذه الصفحة ( اذا تقرر فعلا تنفيذها ) سيترك المنطقة والعالم يعيشان فندق جهنم ذات النجوم الخمس.[/size]

161
العراق – خياران أحلاهما علقم

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ترى , هل حسمت الادارة الامريكية امرها وقررت المضي قدما في تقسيم العراق رسميا بعد ان طرحت ذلك مشروعا قابلا للتحقيق عند احتلالها له ؟ . هل اصبحت الولايات المتحدة تمهد الطريق للتقسيم عن طريق تحريض الكيانات والاحزاب السياسية التي عقدت الزواج معها سابقا , ولاحقا بعد سقوط النظام , فاصبحت تدفعها على طرح موضوع التقسيم وكانه رغبة شعبية على اعتبار ان تلك الكيانات والاحزاب هي الممثل الشرعي لشعب العراق والناطق الرسمي باسمه ؟! . ام ان الادارة الامريكية لازالت تشعر بالالتزام الاخلاقي بالوعد الذي قطعته لدول التحالف وبعض دول الجوار والمجتمع الدولي قبل الهجوم على العراق في المحافظة على وحدة ترابه وعدم السماح بتجزئته وتقسيمه ولذلك فان هوس التقسيم الذي اصاب تلك الكيانات والاحزاب في هذه المرحلة ليس إلا مخططا امريكيا يهدف اساسا  وقبل كل شئ الى إطلاق رصاصة الرحمة على تلك الكيانات والاحزاب وإسقاطها شعبيا بعد ان اثبتت عجزها وفشلها في ممارسة المسؤولية الرسمية والتمهيد لتنفيذ خطوة اخرى من الاجندة الامريكية عسى ولعل تلك الخطوة تساعد في إنقاذ الحذاء الامريكي من وحل المستقع العراقي !.

ان كل حسابات الحقل والبيدر تشير الى ان ورطة الادارة الامريكية في العراق تتشابه الى حد كبير مع ورطة الاتحاد السوفيتي السابق في افغانستان . يقينا ان ماركس و انجلز ولينين قد اشبع كل منهما راسه لطما وهو في قبره عندما تناهى الى اسماعهم ان حفيدهم بريجينيف ورفاقه الاخرون قد قرروا بناء الاشتراكية في افغانستان ! وعلى نفس المنوال ويقينا ايضا فان جورج واشنطن يضرب الان اخماسا باسداس بعدما عرف ان من يجلس محله في البيت الابيض قد حزم امره وقرر بناء مجتمع ديمقراطي في العراق على الطريقة الامريكية . لقد اعتقد بريجينيف ان بناء الاشتراكية هو عبارة عن عملية زراعة ( الكرافس ) فهي تحتاج لقليل من الماء ويكون جاهزا للتقديم بعد ايام معدودة فيما يعتقد جورج بوش الابن ان الديموقراطية هي وجبة سريعة من وجبات ( الهبي ميل ) التي تقدمها محلات المكدونالد الشهيرة للاطفال. تسمًَم الافغان بعد ان تناولوا ( الكرافس ) الذي زرعه بريجينيف لهم واصيبوا بالاسهال الشديد الذي لازالت اثاره ومضاعفاته واضحة عليهم. فرح العراقيون في البداية بوجبة المكدونالد التي قدمها بوش لهم كفرحة الاطفال بها لانهم يعرفون انها تحتوي على هدية او لعبة بالاضافة الى شريحة الهمبركر واصابع البطاطا , لكنهم  سرعان مااكتشفوا ان الهدية ليست إلا مفخخات وشحة ماء وكهرباء.

لازال تقسيم العراق لايمثل احدى الاجندة الانية الحالية للادارة الامريكية وبرهاننا على ذلك بسيط جدا. لقد اعتادت العرب ان تقول ان عند جهينة الخبر اليقين ويقوم بدورجهينة في العراق حاليا السؤولون والسياسيون الاكراد. وعندما يعلنوا هؤلاء ان الظروف الدولية الراهنة لاتسمح بتشكيل كيان كردي مستقل فان معنى ذلك انهم لم يحصلوا بعد على الضوء الاخضر من الادارة الامريكية للمضي في هذا الطريق ناهيكم عن ان التقسيم اساسا سيؤدي الى منح ايران وسادة دفاعية نموذجية لانعتقد ان الادارة الامريكية قد وصلت الى هذا الدرك من الغباء السياسي لكي تمنح تلك الوسادة لايران مجانا حلالا زلالا. وعلى هذا الاساس فان تخدير الشارع العراقي بطرح هذه المشاريع يهدف الى تعميق حالة الحذر والتوجس ان لم يكن الخلاف والعداء بين الكيانات السياسية العراقية وتعريتها شعبيا وإلهاء الشارع العراقي بهذه المشاريع في الوقت الذي يستمر الاستنزاف والنهب الرهيب لثروات العراق بهدوء تام في ظل فوضى   دستورية و غياب اي شكل من اشكال سيطرة الدولة ومؤسساتها. ان الادارة الامريكية التي تمارس هذه اللعبة القذرة في العراق من خلال السماح لعصا الحالة العراقية بهذه الحالة من الموازنة القلقة وكانها واقفة على شعرة واحدة تحول بينها وبين الحرب الاهلية الرسمية انما تضيف الى جرائمها الاخلاقية السابقة بحق شعب العراق جريمة جديدة حيث تبدو غير ابهة باحتمال ان تفقد نقطة التوازن في هذه العصا وهو احتمال لايبدو باي حال من الاحوال مستحيلا.

ان الوجوه السياسية العراقية من التي تولت مواقع المسؤولية الرسمية بعد سقوط النظام قد غاصت حتى النخاع في  التناحر على توزيع ( اللشًة ) وليس الكعكة - حيث من الغبن وصف العراق بوضعه الحالي كعكة – فطرحت ثلاثة دساتير في دستور واحد وكانه دعاية من دعايات المنظفات ومساحيق الغسيل, حيث درج اعلان الدعاية على ذكر ثلاثة مميزات لمسحوق الغسيل ثم ينتهي الاعلان بصرخة استعراضية جماعية للمشاركين فيه بقولهم ان بضاعتهم هي ثلاثة في واحد. ان هذه النخب السياسية القديمة الجديدة التي عجزت حتى الان عن النهوض بالواقع الامني والخدمي للشعب العراقي لا بل فشلت في ايقاف الانحدار السلبي في هذا الواقع انما تهيأ الظروف الموضوعية لجماهير الشعب لكي تخرج في المستقبل القريب - اذا استمر الحال على ما هو عليه – في تضاهرات عارمة تطالب المحكمة الخاصة بجرائم رموز النظام السابق بالافراج عن من لديها وادخال رموز جديدة او اظافة هذه الرموز الجديدة الى القائمة السابقة على اقل تقدير.

اما الادارة الامريكية وبعد استهلاك معظم هذه الوجوه فانها ستلجأ – وربما بدأت سرا – في تربية – بطل وطني جديد – يكون بمثابة – صدام مُحسًن – او على شاكلة الصومالي محمد فرح عيديد يتولى مهمة التفاوض معها ومقاتلتها في ان واحد بما يؤدي الى انسحابها من العراق وفرض هيمنته على كافة الاجزاء عدا كردستان التي سيتعامل مع قائدها البارزاني  من موقع الند للند على اساس توازن القوى . وفي هذه الحالة سيفتخر الامريكان في انهم قد فعلوا جميلا بالعراقيين فمنعوا قيام دولة دينية في العراق وما عدا ذلك فان نفس الطاحونة ستدور من جديد.

كم ستكون سعادتي كبيرة لو كان ما سطرته في السطور اعلاه مجرد وصف لكابوس حلً ضيفا مزعجا ثقيلا وتأخذ الامور بقدرة قادر عظيم منحى اخر يؤدي الى خروج العراق من هذا النفق المظلم لان الملايين في الوطن الحبيب قد ضاقت بهم سبل العيش كما ان مئات الالاف في الخارج تصادفهم يوميا لحظات قاسية مريرة يلعنون فيها أب الغربة وجدًها السابع عشر.

162
جون قرنق – مكتوبٌ لاحَظََّ  للفقراء

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

بينما كان كارل ماركس جالسا مُنكبا على الكتابة يحمل هموم كل الفقراء والكادحين نظرت اليه والدته , ادركت مقدار الهم الذي هو فيه فقالت له بسذاجة الام القلقة على ابنها عبارتها الشهيرة ( كارل , كارل , انت تصنع السعادة للجميع وتنسى نفسك ). نعم لقد نسي ماركس نفسه ولكن التاريخ يتذكره دائما ولايتوانى الكادحون عنن ذِكره في صلواتهم ايام الجمع والسبوت والاحاد.

ولد جون قرنق ولم تكن في فمه ملعقة من ذهب , جائعا بين الجياع , عاريا بين العراة , منبوذا بسبب اللون والدين , مضطهَدا بين الملايين. شاهد جون قرنق المئات وربما الالاف يُساقون للذبح كشاة لم تنطق بنت شفة كفرا والحادا سوى انهم طالبوا بان يكونوا مواطنين في بلدهم وليس ضيوفا عليه او مسًاحي احذية فيه . ما اقسى ان يكون الانسان مواطنا من الدرجة الثانية او الثالثة ( واحيانا بدون درجة ) في وطنه واجداده فيه هم الاصل والفصل. لم يستطع جون قرنق ان يتحمل القهر والاستبداد والاضطهاد , كانت دموع الثكالى والاطفال وانات الرجال الضعفاء وقودا لنار لاتقبل ان تنطفئ فرفع السيف واخر الدواء الكي .

حارب جون قرنق لاكثر من عقدين , كان يتقدم تارة ويتقهقر تارة اخرى , يكًُر و يفر. نال وبامتياز اوسمة جميع من تعاقبوا على حكم الخرطوم في انه العميل والمتمرد والخائن , بحث جميعهم عنه ( ليُكٍرموه ). كيف لايكون جون قرنق عميلا وخائنا في بلاد يخطط فيها الحاكم لاقصاء رفاقه قبل ان يجف حبر البيان رقم واحد. وبعد كل سنين القتال عاد من بقي من اؤلئك الحكام ليعترف ( لاندري مُجبرا او مُخيرا ) بان جون قرنق وطني مخلص مثله . يؤمن جون قرنق ان القتال قانون الحياة الخاص وان السلام هو قانونها العام فمدً يده ليصافح من حاربه عشرات السنين ليفتح صفحة جديدة ويبدا محاولة جادة في ان يوفر للملايين من الافواه الجائعة لقمة يتناولوها بسلام.

دخل الخرطوم دخول الفاتحين بالرغم من انه دخلها اعزلا . احتفى به جميع المساكين الجنوبيون والشماليون فهو ينادي الى سودان جديد للجميع . فرح جميع المضطهدين فقد اصبحوا شركاء في قصر الرئاسة , ومن فرط فرحتهم التي انتظروها طويلا غاب عن بالهم وهم يضحكون ان يقرأوا سورة الفلق او ان يقولوا ( خمسة وخميسة ) او ان يبحثوا عن اية قطعة خشب قريبة ليضربوها باياديهم ثلاث مرات لان الكتاب يقول ( ومن يقف قُدًام الحسد ). وهكذا لم يدم الفرح طويلا وكأنه مكتوب لافرح للمساكين والفقراء. ما أبشع ان يعيش الانسان حلما جميلا يستغرق لحظات  ليتعبه كابوس طويل لاينتهي إلا بيقظة مُخيفة تطلب كوب ماء. ما أقسى  ان يشعر الانسان ان كل شئ تعب من اجله قد اصبح فجأة في مهبِ العاصفة وليس الريح . لانقول ان الحياة تتوقف على مصير كائن ما كان ولكن المساكين كانوا الان بأمس الحاجة الى قرنق ربما اكثر من حاجتهم اليه في اي وقت مضى .

 كُتب على قرنق وهو في نشوة ايامه ان يطير للمرة الاخيرة فاستقبلته احراش بلاده جثة مقضية . يا لسخرية القدر فقد حارب في تلك الاحراش عقودا ولم تسمح للرصاصة ان تخترق جسمه. مات قرنق ولاحَظَ للفقراء في الموت ايضا فقد صادف موته مع اعلان وفاة العاهل السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز, وكما يتقدم الاهم على المهم هكذا يتقدم الغني على الفقير حتى في الموت والنفس في طريقها الى خالقها راضية مرضية . انشغل العالم واعلامه وقنواته الفضائية حبا او محاباة وتملقا بالعاهل السعودي ففي زحمة المانشيتات والتقارير التي تغطي حياة الملك فهد وبيعة الملك الجديد يكاد المتابع بصعوبة يقتنص  بين برهة واخرى خبرا خجولا عن مصيبة السودانيين في قرنق. كان وقع الصدمة كبيرا على المسحوقين المضطهدين الذين انتابهم الاحساس ان امالهم ذهبت ادراج الرياح فنزلوا الى الشوارع وكسروا وحرقوا وعربدوا فانتبه العالم قليلا اليهم وقال فيهم البعض انهم الرعاع يفرحون ويحزنون بطريقتهم الخاصة.
ترى هل يحترم خلفاء قرنق تمرده , قتاله , مبادئه , موته فيُكملوا الطريق ويعيدوا الفرحة للمساكين ام انهم ينفخون في ( قربة مكسورة ) فحال المساكين كحال الذي اشقاه ربي فكيف هم يُسعدوه .


163
بَين إبلحد ويونادَم راحَتْ  فْلوسَكْ يا صابر

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

في أحد الكتب الوثائقية عن حرب الخليج الاولى عام 1991 يسرد المؤلف نص الحوار الذي دار بين دي كويلار الامين العام السابق للامم المتحدة وصدام حسين حيث كان دي كويلار قد توجه الى بغداد قبل انطلاق عاصفة الصحراء لينقل تحذير الولايات المتحدة بإسم المجتمع الدولي الى النظام العراقي السابق بضرورة إتخاذ قرار سريع بالانسحاب من الكويت وبدون شروط مسبقة. مايثير الانتباه في نص الحوار هو رد صدام حسين على حديث دي كويلار الصريح والدبلوماسي معه حول عواقب عدم الانسحاب واختلال ميزان القوى بين الاطراف المتصارعة والمقصود بها العراق من جهة والولايات المتحدة التي تقود تحالفا يضم اكثر من ثلاثين دولة ويتمتع بتأييد الغالبية العظمى من دول العالم من جهة اخرى. حينها قال صدام حسين لضيفه انه يعرف  ان الولايات المتحدة تحاول استدراجه الى معركة غير متكافئة ويدرك انه سيخسرها لكنه مُجبر على دخول هذه المعركة. وهذا ما اكده ايضا رئيس الوزراء اليمني السابق حين روى احداث اللقاء الذي جمعه بصدام حسين في تلك الفترة ايضا ولنفس الغرض اعلاه فيقول انه ادرك ان العراق مُقبل على الكارثة عندما عرف ان صدام حسين يؤمن بان قاموسه السياسي لايحتوي على مفردة  - التراجع  - التي ظهر جليا انها تحتل مساحة متميزة في كل صفحات ذلك القاموس إلا انه اعتاد على استخدامها – وبِِصَلْيات – بعد فوات الاوان.

ان الواقع يؤكد ان الاستنساخ السياسي قد سبق الاستنساخ الوراثي بسنوات طويلة واذا كان استنساخ  النعجة – دولي – قد استلزم نقلا جينيا من النعجة الام تطلبت تقنية بايلوجية متقدمة فان الاستنساخ السياسي لايتطلب كل ذلك بل يكتفي برغبة السياسي وبترجمة سلوكية في ان يكون نسخة لاخر. ان الكثير من السياسيين الكبار و الصغار في الوطن العربي بصورة عامة وفي العراق بصورة خاصة من الذين يُصنِفون انفسهم او يُصَنفون من قبل الاخرين على انهم خصوم لصدام حسين يخالفون الحقيقة عندما يرفضون الاعتراف بانهم جميعا قد نهلوا من مدرسة صدام حسين السياسية و يحرصون كل الحرص على تطبيق شعارات تلك المدرسة وقوانينها حرفيا على غرار ( القائد اولا والشعب اخيرا ) و ( الكل فداء للقائد ) و ( الشعب هو الوسيلة والثمن لحلٍ خلافات وثأرات القائد ) و ( الشعب من الشمال الى الجنوب ومصيره في كفة وكلام القائد في الكفة الاخرى) وإلخ من القوانين والاعراف التي نعرفها جميعا  , وغالبا يستخدمون نفس الاساليب وإن كانت بنسخ محسنة في قيادة معاركهم السياسية للاقصاء او لكسر الخشم او الظهر مع غرمائهم السياسيين. ان المواطن البسيط في العراق وعندما يشاهد بعضا من السياسيين العراقيين الحاليين  في مقابلاتهم وتصريحاتهم ويراقب حركاتهم واقوالهم ويعرف بفضائحهم يسارع لاإراديا الى اطلاق استفساره بتعجب رهيب قائلا – بماذا يختلف هؤلاء عن فلان ؟ -

اذا رغبنا تأكيد هذا القول بامثلة واقعية فان الحديث يطول في شواهد عاشها شعب العراق لعقود طويلة حيث كان عناد الحاكم واصراره على حل عقده الشخصية مع هذا او ذاك على حساب شعبه ثمنا لضياع شعبه ووطنه على السواء , ولكننا نترك تلك الامثلة على اعتبار انها اصبحت تاريخا ونكتفي بمثال صغير وطازج نعيشه حاليا ويتمثل في ذلك الصراع الشخصي الذي لايخفى على اي مراقب بسيط بين اصحاب بعض الدكاكين السياسية الصغيرة والمقصود بها هنا الحركة الاشورية ممثلة في شخص سكرتيرها السيد يونادم كنة والحزب الديموقراطي الكلداني ممثلا في شخص سكرتيره السيد ابلحد افرام . ان قراءة بسيطة لتصريحاتهما ولقاءاتهما تُظهر على العلن حجم العقد الشخصية التي يحتفظ بها احدهما تجاه الاخر والرغبة العارمة لكليهما في إقصاء الاخر او كسر خشمه على اقل تقدير. ان مايؤسف له ان المعارك المستندة على الاسباب الشخصية تتخذ من دور شعبنا المسيحي في العراق ومصيره سلاحا يستخدمه الطرفان سيؤدي في عواقبه الى القضاء على اي امل لهذا الشعب في ممارسة الدور الذي ينبغي ان يلعبه في الحياة السياسية الجديدة في العراق. انه لمن سخرية القدر ان الاخرين لازالوا ينظرون الينا كشعب واحد في الوقت الذي بدأ من يمثلنا سياسيا يطالبهم وبالحاح تقسيمنا وتفريقنا الى مكونات عديدة.

ان بعض  الكتاب الذين يشاركون – بوعي او بدونه – في تغذية هذا الصراع من خلال كتاباتهم التي تلعب دور - البهارات والتوابل -  فتزيد من حرارة الصراع , اضف اليهم بعض اصحاب النفوس المتعصبة المتطرفة الذين لازالوا يعيشون عقلية الماضي ويرفضون مغادرة شعارات ( بالروح بالدم و ياقائدنا سير سير احنا جنودك للتحرير ) فنراهم ما ان يُنشر حديث او لقاء مع احدى الشخصيتين المذكورتين حتى يسارعوا في تسطير الردود البهلوانية  النارية. ان هؤلاء جميعا يتحملون مسؤولية اخلاقية لانهم يمثلون احد الاسباب الغير المباشرة في الهاوية التي ننحدر اليها. لا بارك الله في اقلام تدعو الى التناحر والفرقة والشقاق .

ربما لا تُعجب هذه ( الفلسفة ) بعضا ممًن ادمنوا مهنة الاصطياد في المياه العكرة ولكن عندما سيصبح الدستور حقيقة قائمة بعد الاستفتاء عليه ويدخل الجميع في لحظة حساب مع النفس لإدائهم في هذه المرحلة سيكتشفون بوخزة ضمير بسيطة ابعاد وعواقب دورهم السلبي المتمثل حقا في صراع بعض اصحاب الدكاكين والبسطات السياسية المسيحية على المواقع الامامية و الذي  لبس زيفا برقع الحفاظ على الهوية القومية وهو منها برئ براءة الذئب من دم يوسف. وهكذا وكما في اغلب مأسي العراق فان يونادم كنة وابلحد افرام - وجريا على سياسة صدام حسين – سوف لن يضع احدهما يده بيد الاخر قبل  ان يكون الفأس قد و قع في الرأس.

ولكم في استهداف عنكاوة كوم عبرة يا ذوي الألباب .







164
من قال ان لجنة البيئة ليست كشخة و أُبَهَة ؟

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

لا احد ينكر ان الديموقراطية في العراق – على علاتها – قد اعطت الفرصة لكثير من الافكار والظواهر والامراض التي يعاني منها الواقع العراقي لكي تعبر عن نفسها وكل بطريقته الخاصة واعتقد ان ظاهرة تلوث البيئة في العراق قد اختارت اسلوبا ذكيا في التعبير يتمثل في انهماك المسؤولين العراقيين بكافة عناوينهم الكبيرة والصغيرة في مطاردة الذباب عن وجوههم  وهم  في اجتماعاتهم اوفي مقابلاتهم الصحفية مع   الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى.

نُشرت قبل ايام دراسة بريطانية جديدة حول تاثير الاشعاع على الانسان وخرجت الدراسة بنتائج تشير الى ان الاشعاع هو السبب الرئيس للاصابة بالسرطان للسكان الذين يسكنون على مسافة تقل عن 200 متر من الموقع النووي اما الذين يتواجدون او يسكنون على مسافة تزيد عن 400 متر من الموقع فان الدراسة المذكورة لم تجزم باعتبار الاشعاع سببا رئيسيا لحالات السرطان بل اعتبرته احد العوامل التي قد تسبب ذلك. تجدر الاشارة الى ان الدراسة اعلاه قد تمت على مواقع نووية تتوفر فيها كل شروط السلامة والامان وتطرح للفضاء الخارجي ادنى كمية ممكنة من الاشعاع . بالاستفادة من نتائج هذه الدراسة من خلال تطبيقها على البيئة العراقية التي تشير كل الهيئات الدولية الرصينة الى انها تعيش واقعا مأساويا من حيث كمية التلوث ومساحته حيث تم تحديد المئات من المواقع الملوثة المنتشرة في ارجاء العراق وبمستويات للتلوث تفوق الحدود الطبيعية بمئات بل بألوف المرات في بعض المواقع الى الحد الذي لانبالغ فيه اذا قلنا ان هناك مئات الالاف ان لم يكن الملايين من السكان الذين يسكنون قلب التلوث عن طريق تواجدهم بالقرب لا بل بالتماس من مواقع نووية سابقة او اسلحة ملوثة او احتفاظهم بمواد ملوثة اشعاعيا عن طريق الجهل والخطأ مما يجعلهم وللاسف الشديد عرضة للاحكام القاسية لتلك الدراسة البريطانية ناهيكم عن اشكال التلوث الاخرى التي تعاني منها البيئة العراقية بجانب التلوث  بالاشعاع والتي تركت الانسان العراقي يعيش التلوث هواء وطعاما وشرابا.

ان مشكلة تلوث البيئة في العراق هي احدى المعضلات الجدية التي تستدعي ان تنهض لمجابهتها وايجاد الحلول لها كل الطاقات الوطنية العراقية وبالتعاون مع المنظمات والهيئات الدولية ويبرز هنا الدور الفعال الذي بنبغي ان تلعبه في هذا المجال قبل الجميع الكوادر والخبرات العلمية العراقية واصحاب الشهادات والنخبة المثقفة انطلاقا من الصبغة العلمية التي تتميز بها معضلة تلوث البيئة . لقد استبشر العراقيون خيرا وهم يتصفحون قوائم اعضاء جمعيتهم الوطنية المنتخبة ثم في وزارتهم العتيدة وهم يشاهدون في تلك القوائم كما هائلا من ( الدكاترة ) و ( الاساتذة ) واصحاب الشهادات الرفيعة حتى ان بعض  مقدمي البرامج في الفضائيات صار ينعت لااراديا ضيوفه من المسؤولين العراقيين بلقب ( الدكتور ) من باب الاحتياط !. اضف الى ذلك ان نسبة كبيرة من هؤلاء السيدات والسادة اصحاب الشهادات من اعضاء الجمعية الوطنية قد امضوا فترة طويلة من حياتهم وهم يعيشون في بلدان غربية متحضرة لا نبالغ اذا قلنا ان حماية البيئة والانسان فيها يرقى الى درجة القداسة , لكن كل هذا لم يخطر كما يبدو في ذهن اي من ممثلي الشعب الجدد فطعنوا البيئة طعنة غادرة في الظهر عندما ( ترفَعوا )  عن إلقاء التحية على لجنتها اليتيمة كما كان يأمل الكثيرون.

مواطن سويدي كان يعالج بالاشعاع قبل اشهر في مستشفى جامعة ( لوند ) السويدية وقد كان الاطباء هناك قد باشروا باستخدام طريقة جديدة في العلاج لمثل تلك الحالات التي يعاني مثلها ذلك المواطن السويدي ثم ظهر ان تلك الطريقة ادت الى تعرض ذلك المواطن الى جرعة اشعاعية اكبر من الجرعة الطلوبة مما سبب بعد فترة الى ظهور بقع جلدية في جسمه. معهد الوقاية من الاشعة وهو الجهة الحكومية الرسمية التي تعنى بهذه المواضيع في السويد شكَل فورا لجنة تحقيقية وصلت الى قرار باعتبار ذلك تقصيرا جديا من مستشفى جامعة لوند وعزت اللجنة ذلك الى نقص في المقررات الدراسية للجامعة واوصت بضرورة اجتياز جميع منتسبي قسم الفيزياء الطبية الاشعاعية في جامعة لوند اختبارا جديدا الى جانب سيل من القرارات الاخرى. مواطن واحد في بلد ما تتشكل من اجله لجان وتتخذ قرارات ومئات الالاف بل الملايين في بلد اخر ترى فيه جمعيتهم الوطنية صعوبة بالغة في ملأ شواغر لجنة البيئة فيها.

 فقط عندما يبدأ اولي الامر فينا وممثلينا المنتخبين في الاعتقاد ان لجنة البيئة هي كشخة وابهة عندئذ استبشروا خيرا لاننا قد بدأنا الخطوة الاولى على الطريق الصحيح قد تكون منطلقا لخطوات اخرى في كل المجالات.
ايتها السيدات , ايها السادة جرٍبوا حظكم مع البيئة .





165
العراق --- مزرعة تسمين القطط

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ربما يكون العراق البلد الوحيد في العالم  الذي تعرض الى نكسات وكوارث تدميرية لامثيل لها خلال العقود الثلاثة الماضية. لانقول ذلك لكي نتباهى او نتجنى على شعوب اخرى عاشت خلال نفس الفترة كوارث طبيعية وسياسية ماساوية مثل افغانستان والصومال ويوغسلافيا السابقة وبعضا من دول جنوب شرق اسيا ولكننا نتفق جميعا على ان اي انسان في العالم يشعر بالاسف العميق عندما يعاين العراق بوصفه الحالي ويتذكر في الوقت نفسه الوصف الذي جاء في كتب الدراسة الاولية من ان العراق هو بلد الذهب الاسود والنهرين العظيمين والثروات الكبيرة وألف ليلة وليلة والحضارات العريقة .

في كل يوم تطالعنا  اخبار العراق وهي  تحكي عن ابنائه وقد اصبحوا اشلاء ممزقة بفعل السيارات المفخخة او الرصاص الامريكي الاعمى وتنقل صور الخراب والدمار في بنية الدولة التحية حتى اصبحت الدولة هذه تابوتا تشيعه لمسافة معينة حكومة انتقالية اثر اخرى , اشاهد ذلك واتذكر قصة تلك المراة التي سمعتها ذات يوم وانا جالس في شقتي في جامعة الانبار اشاهد خطبة صلاة الجمعة . كانت تلك المراة  تملك كوخا قريبا من قصر السلطان وحدث في احد الايام ان نزلت تلك المراة الى المدينة لكي تتسوق حاجاتها فانتبه السلطان الى ذلك الكوخ وهو في موكبه فامر بهدمه لانه باعتقاده يحطَُ من الطابع الجمالي لقصره القريب. عادت المراة من المدينة ولم ترى اثرا لكوخها فسألت ثم عرفت ان السلطان قد امر بهدمه . رفعت راسها ونظرت الى السماء ثم قالت ( انا كنت في السوق وانت اين كنت ؟ ). يقينا ان الملايين من العراقيين يرفعون رؤوسهم الى السماء ويكررون ماقالته تلك المراة , ليس الحادا او تذمرا من تجارب الخالق سبحانه وتعالى لان ايوب نفسه وكما جاء في سفره في العهد القديم من الكتاب المقدس  وبالرغم من انه انتصر لربه ونصره حين صرخ بصوته الجهوري ( الرب وهب وله الحق في ان يسترد ما وهب , مبارك  اسم الرب الى الابد ) إلا انه خطر في باله ان يلقي العتاب وهو يعيش تجربته فقال ( تركتَ صغارهم يهزأون بي , مَن كنتُ  أنفُ ان اترك  ابائهم يقفون عند كلاب غنمي ).

لايختلف اثنان في ان الانسان يمثل قيمة عليا ولذلك فان فقدانه يعتبر خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها ولكن في الجانب الاخر تمثل ثروات البلد وخيراته حقا مشروعا وخبزا حلالا لجميع ابنائه ولذلك فان اي هدر او سلب او اغتصاب لهذه الثروات والخيرات يعتبر جريمة كبرى بحق البلد واهله . منذ عشرات السنين وبينما تتمتع مختلف دول العالم بثرواتها ويسعد ابناؤها بخيراتها تحولت ثروات العراق وخيراته الى ( نقمة ) للغالبية الساحقة من ابنائه ونعمة لفئة صغيرة سمح لها الزمن ان تضع يدها على هذه الثروات والخيرات فتتكرم بها على من هبَ ودب . وهكذا نرى العراقيون ( يلوكون الصخر خبزا ) في الوقت الذي تطالعنا التقارير الصحفية والاخبارية عن قطع لحم كبيرة من خيراتهم اقتنصتها ولازالت تقتنصها قطط عجيبة غريبة محلية واقليمية ودولية ابتداء بقطط الولايات المتحدة والدول الدائمة العضوية ومرورا ( بهبرة ) ابن الامين العام للامم المتحدة ولجانها الخاصة واصحاب كوبونات النفط وقطط الجيران الشرهة وانتهاء بقطط المسؤولين واصحاب النفوذ والنفوس الضعيفة من الذين يؤمنون ان الدولة هي عبارة عن ( لشَة ) ليس من الشطارة ان تجتازها دون ان تحتفظ بنصيبك منها .

ظهر الرئيس المصري على شاشة التلفاز في احدى المناسبات بعد الحرب الامريكية الاخيرة على العراق وكانت حينها التقارير الصحفية قد غطت مناطق واسعة منه فكانت خير مرأة عاكسة للوضع الاجتماعي والاقتصادي لتلك المناطق . حينها ابدى الرئيس المصري عن دهشته وصدمته من الوضع المتخلف للمدن العراقية وسمعته بالنص وهو يقول ( كنت اتصور الناس دول عايشين مبسوطين وبنغنغة ) . ربما استند الرئيس المصري في تصوره هذا الى ان الحاكم الذي يتبرع بعشرات الملايين من الدولارات لاعمار مكتبة ما في بلد ما انما يفعل ذلك بعد ان وفَر لشعبه كل مستلزمات العيش الرغيد لان الاقربون اولى بالمعروف . لم يخطر في بال الرئيس المصري ان ( المودة) في العراق ان تمطر غيوم الحاكم في كل ارجاء العالم ياستثناء بلده ولذلك ترى اغلب مدنه تفتقر الى منظومات تصريف المياه.

عشرات المليارات ضاعت قبل الاحتلال وعشرات لايُعرَف مصيرها بعده إلا الله والحاكم الامريكي بريمر ولازال النزف في الثروات مستمرا حيث من المعروف ان التوالد السريع سمة مميزة من سمات القطط ولذلك لاغرابة في ان يحل علينا بسرعة البرق الجيل الجديد من قطط الاحتلال بعد ان استلم الراية من قطط الحصار.
توجه احد المسؤولين في الحكومة العراقية قبل ايام الى احدى المحافظات للتحقيق في مصير التخصيصات التي منحتها الحكومة لمشاريع اعمار تلك المحافظة حيث تبين ان 70% من تلك التخصيصات قد اختفت ولا يُعرف مصيرها. ان المثل العراقي الشهيروالذي يؤمن به العراقيون يقول ( اعط الخبز لخبازه ودعه ياخذ نصفه ) .
 مسكين شعب العراق فان حصة الخباز قد تجاوزت النصف بكثير وربما تصبح المعادلة بصيغتها النهائية هي الكل للخبَاز مقابل الفتات  للمساكين.

166
من النقل الى المهجَرين الى العلوم والتكنولوجيا— الكير على الباك

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com
 
كان ذلك في السبعينات من القرن الماضي و كنت حينها في بدايات مرحلة الشباب- اتذكر انني قرات في يوم ما تحقيقا في احدى المجلات العربية وكان يتضمن لقاءا مع الممثل العربي والعالمي المشهور عمر الشريف- سئل حينئذ عمر الشريف عن تعريفه للفرصة او الحظ - سمه ماشئت - فكانت اجابته ان الانسان كل انسان يقف على قارعة الطريق ويمر الحظ او الفرصة من امامه فيلقي او تلقي التحية على من في الطريق وهنالك من يجيب باحسن منها ويدعو صاحب التحية اليه ولايقبل بغير ذالك كما ان هنالك من يجيب ببرود او لايجيب اساسا فيعرف الحظ او تعرف الفرصة انهما قد اخطئا في العنوان

يخبرنا التاريخ لا بل يرشدنا من خلال قرائتنا له عن حوادث كثيرة اخفق فيها القادة واولي الامر من استغلال الفرصة لصالح شعوبهم ومن كانوا في معيتهم فدخلوا وادخلوا من معهم في نفق مظلم وفي الجانب المقابل يحكي التاريخ ايضا عن اولئك الذين اقتنصوا الفرصة التي كانت احيانا فرصة الساعات او اللحظات الاخيرة فتمكنوا من خلال ذلك تجنيب انفسهم ومن معهم تضحيات غير ضرورية لابل استطاعوا من خلال تلك الفرص من الوصول الى اهداف كبيرة

ان قضية الصراع العربي الاسرائيلي تصلح كمثال باهر يؤكد ما نريد قوله - ان قراءة بسيطة لمجريات هذا الصراع تشير بوضوح الى ان قرار التقسيم الذي طرح عام 1948 كان فرصة تاريخية لم يحسن العرب استخدامها - ولان الفرصة قد لا تتكرر ثانية  فقد بقي العرب يحاربون لعشرات السنين ( يَقتلون ويُقتلون ) املا في الوصول الى الهدف ولكن دون جدوى ليقرروا اللجوء بعد ذلك الى طريق المفاوضات والذي من المتوقع ان ياخذ كما اخر من السنين لكنهم بالتاكيد ان نالوا شيئا منها فان ذلك سيكون اقل بكثير مما اعطاهم اياه بكبرياء قرار التقسيم

ظهرت قبل عدة اشهر دعوات لاقامة منطقة امنة للمسيحيين في العراق بعد التهديدات التي وجهت اليهم واعمال العنف والقتل والاختطاف والتفجيرات التي طالت قسما منهم وعددا من كنائسهم - و في رد فعل متسرع لتلك الدعوات بادر عدد من الشخصيات السياسية  المسيحية الى رفض الفكرة جملة وتفصيلا معللين موقفهم هذا على اساس رفض المسيحيين لتقسيم العراق وحرصهم على الوحدة الوطنية وايمانهم بانهم كانوا دائما مع اخوتهم في العراق يعيشون السراء و الضراء معا. وقبل فترة ظهرت اصوات جديدة اكثر تواضعا في اهدافها تدعو الى انشاء محافظة جديدة لسهل نينوى الذي يمثل شعبنا المسيحي كثافة سكانية فيه وهي فكرة تستحق ان تنال اهتماما وتمحيصا من قبل القيادات السياسية المسيحية دينية كانت ام سياسية
 
لا اظن ان احدا يعترض على كل هذه المشاعر الوطنية الصادقة كما ان المسيحيين العراقيين ليسوا بحاجة لمن يزكيهم وطنيا ثم من قال ان المنطقة او المحافظة الامنة  للمسيحيين ستكون سببا في تقسيم العراق - الم يتمتع الاكراد منذ  اربعة عشر عاما ولازالوا بمنطقة امنة ويشيد الجميع في الوقت نفسه بوطنيتهم واخلاصهم للعراق - ان الكثير من المؤشرات تشير الى ان تكوين منطقة امنة للمسيحيين سيكون عاملا ايجابيا يساعد في استقرار العراق اجمع لان تلك المنطقة يمكن ان تكون نواة للعراق الجديد المسالم المنفتح والمزدهر, بل اننا متاكدون ان الصبغة المسيحية لتلك المنطقة لن تكون عائقا لمئات الالاف من بقية ابناء شعبنا العراقي المسلم ممن يمقتون التطرف الديني الاعمى في ان يفضلوا العيش مع اخوتهم المسيحيين بحب ووئام ويكونوا جزءا مهما في خارطة تلك المنطقة الامنة او المحافظة الجديدة

اننا هنا لسنا في معرض الدعاية للمنطقة الامنة او للمحافظة الجديدة لغرض تسويقها لاننا نعتقد جازمين ان هنالك كثيرون يؤشرون عدة نقاط سلبية كعواقب لهذه الخطوة وهذا تحصيل حاصل كون اي مشروع او خطوة في الحياة لابد ان يظهر له وجهان احدهما ايجابي والاخر سلبي ومهمة كل من يعنيه الامر ان يكون قادرا على معرفة وتقييم الوجه الايجابي والى اي مدى يبدو مبشرا و ساطعا وكذلك السلبي والى اي درجة يبدو غامقا او داكنا لانه على تلك المقارنة البسيطة يمكن للانسان ان يُنزل حكما وقرارا عادلا بشان ذالك المشروع او تلك الخطوة

ومادام الامر لايخص انسانا معينا او شريحة بسيطة بل شعبا بكامله هو شعبنا المسيحي في العراق بمختلف طوائفه - الاشوري الكلداني السرياني - فانه لايحق لكائن من كان ان يصادر حقه في ان يبدي رايه بشان مصيره ولان المسيحيين الشرقيين هم اكثر الناس قدرة على التعامل بسلاسة مع الحضارة والتطور وافرازاتهما نرى ان القرار بشان المنطقة الامنة او المحافظة الجديدة يجب ان يمر عبر استفتاء عام يشمل جميع افراد شعبنا المسيحي وهي مهمة ليست صعبة على الكنائس والمنظمات الاجتماعية والسياسية المسيحية

لقد اتبعت بعض الدول الاوربية نظام الاستفتاء في قضايا داخلية وخارجية كثيرة كالمعاهدات الجديدة والعملة الاوربية الجديدة لابل حتى في تحديد مستقبل محطات توليد الطاقة الكهربائية باستخدام التقنية النووية وان تلك الحكومات بلجوئها الى الاستفتاء في البت بتلك القضايا قد اضافت الى شرعية وجودها شرعية اضافية لا بل القت بكاهل المسؤولية الى الشعب بكامله - ان القرار في الصورة المستقبلية لشعبنا المسيحي في العراق يرقى حتما في درجة اهميته لابناء شعبنا الى تلك الدرجة التي مثلتها تلك القضايا التي لجات الشعوب الاوربية الى الاستفتاء بشانها

ان الاحزاب والكيانات السياسية المسيحية على اختلاف مسمياتها قد اثبتت فشلها جميعا خلال السنتين الاخيرتين في تمثيل شعبنا المسيحي في العراق بالشكل الذي يستحقه ورعاية مصالحه وحقوقه, لا بل ان كل الواقع يشير الى انحدار وتراجع في ثقل تمثيله وما انتقالنا من وزارة النقل في الحكومة الاولى الى وزارة المهجرين في الثانية ثم اخيرا الى العلوم والتكنولوجيا في الوزارة الجديدة إلا برهانا ساطعا على انحدار في نظرة الاخرين الى الدور المسيحي في العراق الجديد طبقا لتصنيفهم ( وليس تصنيفنا ) لدرجات الحقائب الوزارية بعد ان نشرنا غسيلنا كاملا على شمَاعاتهم. ان شعبنا المسيحي يدفع ثمنا باهضا في التناحرات والمهاترات السياسية التي يبدو ان البعض قد راى فيها لعبة ممتعة حتى ان بعض الكتَاب قد اصبح شغله الشاغل ان يغوص في اعماق الكتب المقدسة والغير المقدسة ليحصوا فيها عدد المرات التي ذكرت فيها كلمة ( الكلدانيين ) بينما يجوب اخرون الطرقات وفي جيوبهم قصاصة من ورق تشير ان بولس الرسول قد ذكر كلمة( الاشوريين ) في رسائله  فيرون فيها حجتهم الدامغة فيما يجلس الاخرون ( وفي بطنهم بطيخة صيفي ) لانهم يعتقدون ان غالبية الشعب العراقي يسميَ اللغة التي يتداولها المسيحيون فيما بينهم ( السريانية ) . اما قيادات الاحزاب فقد اصبح همها هو ان تشي وتشاغب احداها على الاخرى عند الاحزاب صاحبة النفوذ . لسنا هنا في موقف الضد من الرجوع الى تاريخنا المجيد وحضارتنا الخصبة ولكننا نظلم ذلك التاريخ ونحط من قيمة تلك الحضارة عندما نجعلهما منطلقا لتكريس ثقافة وسياسة الانقسام والتشرذم بين صفوف ابناء شعبنا

ان المراقب يصاب بخيبة الامل وهو يرى الكيانات السياسية المسيحية الصغيرة تمارس فيما بينها سياسة الاقصاء في ابهى صورها بينما تتعامل الاحزاب السياسية العراقية الكبيرة على اختلاف مسمياتها وخلفياتها بسلاسة مع بعضها البعض وتجهد نفسها من اجل الحفاظ على تحالفاتها حتى وان اضطرها ذلك الى تقديم تنازلات معينة طالما ان ذلك يساعد على تحقيق اهداف استراتيجية في وقت كان يأمل الجميع ان تُظهر الكيانات السياسية المسيحية اعلى درجات الرقي في ممارسة اللعبة السياسية وتسخيرها بافضل صورة لخدمة اهداف جماهيرها الاستراتيجية
ترى ألم يحن الوقت لتجلس قيادات الكيانات السياسية المسيحية وتراجع مع نفسها الانجازات التي حققتها لشعبنا المسيحي خلال السنتين الاخيرتين فتعرف من خلال ذلك ان ( الكير ) هو على الباك 

 




صفحات: [1]