1
الحوار الهاديء / لِماذا يَجبْ أَنْ نُخَلِّدْ المُناضل توما توماس؟
« في: 23:47 11/11/2007 »لِماذا يَجبْ أَنْ نُخَلِّدْ المُناضل توما توماس؟
بقلم/ سلام مروكي
لو تصفحنا تاريخ شعوب العالم لوجدنا بان لكل شعب رموز خالدة تميّزت بقيم وإبداعات إنسانية فذّة أسهمت في كتابة تاريخها المشرق لتبيان دورها الخلاق وكفاحها في سبيل إرساء وتطوير وصيانة ودعم حضارة بني البشر على هذه المعمورة. فتخلّد الشعوب تلك الشخصيات بشتى الطرق من بناء الأضرحة الكبيرة ونحت التماثيل العملاقة وتسمية مرافق ومنشأت ومهرجانات بإسمها .....الخ، لتصنع من سماتها وإبداعاتها منار تهتدي اليها الاجيال القادمة لتنهل من عطائها الخلاّق وتقتدي بالقيم الإنسانية السامية التي تحلّت بها. إن دورهذه الشخصيات يعزز إنتماء الأجيال الى سلالة أولائك الاجداد الذين أنجبوا تلك الرموز. فهنالك من تميز بالإدارة الحكيمة وشجاعة البلاء في ساحات الوغى، ومن نبغ بإحدى العلوم فإبتكر وإخترع أشياء ساهمت في دفع عجلة تقدم مجتمعاتها الى الأمام أو أبدع بإحدى الفنون أو الاداب ليزيد وجدان الإنسان نصاعة وتحضّرا، ومنها من إتخذ من الدين وثوب التقوى منبرا ليقود بني قومه الى الهدى ومحبة الله.
لقد رفد شعبنا الكلداني السرياني الاشوري حضارة الانسان في وادي الرافدين وعلى مدى ألاف السنين بالعديد من هذه الرموز التي أبلت بلاءا حسنا في تطوير وتحسين الحياة البشرية. فلقد سنّ حمورابي أولى الشرائع في تاريخ الإنسان وبنى أشور بانيبال أكبر مكتبة في عصره وإزدهرت بابل وزهت بجنائنها المعلّقة التي شيدها ملكها المشهور نبوخذ نصر ويسرد لنا تاريخنا القديم العديد من هذه الرموز التي أضحت ذخرا عزيزا وكنزا ثمينا ومنارا مشعا لكل من إنتسب الى قوم هؤلاء الفطاحل. ولإدامة إستمرارية الأحفاد على خطى الأجداد وكنتيجة للتغيرات التي تتطرأ على مسيرة تطور المجتمعات يتوجب أن يقوم الشعب بتزكية الشخصيات الفذّة والخلاّقة لصياغة رموزا جديدة وحديثة منها تتلائم إبداعاتها ومأثرها ومبتكراتها مع مسيرة حركة المجتمع لا فقط لتكريمها لما قدّمته للمجتمع بل لتخليدها لتكون قدوة وقوّة لتحفيز الأحفاد لتسلك خطاها، ومن هذا المنطلق أود بمقالي هذا تناول شخصية المناضل توما توماس النادرة، لما يتسم به هذا الرجل من صفاة إنسانية فريدة تقنعنا دون تردد في الذود والإسراع في تخليد شخصه ذخرا حديثا لشعبنا ورمزا شامخا لبني قومنا في هذا العصر العصيب.
كان للقيم الإنسانية المثلى التي أمن بها وتربّى عليها المناضل توما توماس دورا أصيلا في صقل وبناء شخصيته الفريدة. لقد بنى من سلوكه اليومي ومن أسلوبه الخاص في التعامل المباشر مع دقائق الحياة، شخصية أسطورية إستمدّت سماتها من مبدأ التضحية بكل غالٍ ونفيس في سبيل رفع شأن القيم والمبادى التي أمن بها وناضل من أجلها. لقد كرّس جُلَ إهتمامه لكسر القيود وفك الأغلال التي تدنّس كرامة الإنسان وحريته. كان قائدا مقداما شجاعا، ما تزال جبال وهضاب شمال العراق تحكي بطولاته وإستبساله في مقارعة قوى الظلام المشبوهة التي كرست سياساتها وفرضت هيمنتها لإخماد حلم وحركة التطلّع لبناء حياة حرّة كريمة للإنسان في عراقنا الحبيب. كان مربّيا فذّأ وقائدا مقداما ومعلّما وفير العطاء في مجال عمله، دمث الأخلاق بتصرفه، مسامحا في أشدّ قوته، وعنيدا في أضعف حالاته. تخلّدت مأئره وأقواله في قلوب كل من تعرّف عليه وسار على دربه. كان إنسانا غيورا على القيم التي أمن بها، مناضلا وطنيا متفانيا لوحدة تراب العراق، وفيّا أشدّ الوفاء لتطلعات بني قومه. فلقد أضحى إسمه مبعث الرعب بين صفوف أعدائه، والطمأنينة والسلام بين صفوف أهله ومحبيه، فهو لم يقهر ولم يتقهقر يوما لذلك لقبه العديد ممن عاصروه وعاينوا مواقفه البطولية وسمعوا أقواله الحكيمة بجيفارا العراق. .
لقد كسى حياته بحلّة نسجها بعرق جبينه من خيوط الحلم والمعرفة من الإخلاص والتضحية من الشجاعة والصبر من التواضع والإباء من الكفاح وحب الحياة. تبنى فلسفة الجهاد والنضال من أجل القيم التي توحّد مصير الإنسان وترفع من شانه. فلم يتوانى يوما، ولم يضعف لحظة ولم يستسلم أبدا. يبقى حقا هذا المناضل جبلا شامخا وأسطورة خالدة إستحق بجدارة نيل قلوب لا فقط أبناء بلدته العريقة القوش بل قلوب كل أبناء شعبنا الكلداني السرياني الأشوري وكل العراقيين من أقصى شماله الى أدنى جنوبه وعلى إختلاف إنتماءاتهم وأعراقهم وأطيافهم.
أعتقد بأنّ الوقت قد حان لكي ينهض وجهاء الشعب الكلداني السرياني الأشوري والمهتمون بهذا الموضوع من شعبنا العراقي الأبي للتباحث والتشاور مع أولاد وذوي فقيدنا الراحل الأجلاء وكل محبيه الأوفياء حول الصيغة المثلى التي يتوجّب إتباعها لتخليد هذا العملاق الصّلب الذي سخّر وكرس زهرة حياته فداءا للمبادى التي تدعم كرامة وحرية الانسان في العراق، لتكون روحه سورا وسدّاً منيعا لحماية شعبنا ومأثره نبراسا لهداية جيلنا وشجاعته سيفا ودرعا لأحفادنا. ومن هذا المنطلق أطلب بروح أخوية مسؤولة من كل المحبين والمهتمين بهذا الموضوع المشاركة في إبداء أرائهم السديدة ومقترحاتهم الرشيدة لتتظافر كل الجهود الخيّرة والنوايا الحسنة لرسم وصياغة الخطة المثلى لتخليد هذا الرمز الفريد ومن ثمّة تقديمها الى الجهة المعنية لتنفيذها.
إنّ الشعب الذي لا يجلّ رموزه يندثر وسريعا ينقرض
سلام مروكي
ملبورن/أستراليا
salim_maroki@hotmail.com