عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - د.ذياب فهد الطائي

صفحات: [1]
1
المسئولية الاجتماعية للمنظمات الاوربية عابرة القارات في الدول العربية
(البحث الثاني المقدم الى مؤتمر اتحاد الاقتصاديين والاداريين العرب المنعقد في المنامة في 17-18-نوفمبر 2013 )
أ.د.ذياب فهد الطائي
 
ملخص البحث
يمكن القول أن المسئولية الاجتماعية للشركات الاوربية ، هي مسئولية اخلاقية ،
 وهي تأكيد على  هذه المؤسسات بمسئولياتها وواجباتها إزاء مجتمع  بيئة عملها ، بينما يرى البعض الآخر أن مقتضى هذه المسئولية لا يتجاوز مجرد مبادرات اختيارية تقوم بها الشركات صاحبة الشأن بإرادتها المنفردة تجاه ألمجتمع و هناك آخرون يرون المسئولية الاجتماعية بمثابة صورة من صور الملائمة الاجتماعية الواجبة على الشركات
وعلى سبيل المثال فقد قام السيد (كولبنكيان )[1] والذي يسمى عادة السيد 5% في العراق ،بتخصيص 10 مقاعد دراسية سنويا للطلبة من مدينة البصرة ، لدراسة الهندسة في المملكة المتحدة ، كما تبرع بكلفة انشاء ملعب الشعب الدولي في بغداد
ويرى الباحث أن من واجب الشركات الاوربية عابرة القارات "خدمة المجتمع والمساهمة في التنمية المستدامة له حيثما قررت العمل خارج بلدها الام".
 
إن هذه الدراسة تهدف الى :
1-مدى التزام الشركات الاوربية العابرة للقارات والعاملة في البلاد العربية بمسئوليتها الاجتماعية تجاه المجتمعات التي تعمل بين ظهرانيها
2-مدى تأثير هذه التطبيقات على تطوير المجالات التي نفّذت فيها
 
مقدمة
يدرك الباحث بأن الشركات الاوربية العابرة للقارات (بالطبع ينطبق التوصيف على كافة الشركات العابرة للقارات من مختلف انحاء العالم ) هي في جوهر نشاطها ليست جمعيات خيرية ، وان عامل الربح هو المحرك الأساس في مجمل عملها ، ويقدر الخبراء الاقتصاديون ان القيمة  النقدية الاستثمارية للدولار الواحد الذي توظفه هذه الشركات ينتج عنه 2 دولار من المبيعات وتمثل هذه الشركات قوة اقتصادية عظمى فهي:
1-تتحكم ب 90% من تجارة القطن العالمية
2-ثلاث شركات تتحكم بحوالي 75% من تجارة الموز ،و5 شركات تتحكم ب75%من تجارة الكاكاو ، و6 شركات تتحكم ب 90%من تجارة التبغ والسكاير
3- إن 85 %من تجارة المواد الغذائية في العالم يتم تصديره عبر هذه الشركات
4-حققت هذه الشركات عوائد مالية من العمل في القطاع النفطي العربي تصل الى 84%من اجمالي العائدات الناجمة عن عمليات البيع وكما في الجدول التالي
توزيع الريع النفطي بين الدول المصدرة ودول الإتحاد الوربي المستوردة[2]
 

 
ومن اسباب ارتفاع نسبة الريع لصالح الدول الاوربية رفع نسبة الضرائب واستحداث ما يدعى ضريبة الكربون بحجة حماية البيئة كعبء إضافي على هيكل الضرائب النفطية التي تتحيز لصالح الفحم رغم انه المصدر الأكثر تلوثاً للبيئة.
 
ونلحظ انه  نتيجة لممارسات شركات النفط وضعف الحكومات في الدول ألمصدرة أنخفض السعر الحقيقي لبرميل النفط بين عام 1974 و 1980 من 2.18 دولار 0.69 دولار. وبعد طرح التكلفة وفقاً لاتفاقية مناصفة ألأرباح لم يكن نصيب الدول المصدرة للنفط عام 1970 يتجاوز 30 سنتاً مقوماً بأسعار عام 1947.[3]
 
 
من هنا ، يرى الباحث انه من المهم العمل مع هذه الشركات لتضطلع بمسئوليتها في تبني برامج مدروسة للعمل على تطوير البنى التحتية لاقتصاديات المجتمعات التي تعمل في بلدانها و يمتد الامر الى التعليم وحماية البيئة والتنمية البشرية بهدف تحسين اداء القوى العاملة ورفع انتاجيتها
كما يعتقد الباحث انه من المفترض ان تقوم الجهات المعنية لإقناع الشركات بهذا الدور الاجتماعي ، عند مرحلة التفاوض لدخول تلك الشركات سوق العمل العربي وبالنسبة للشركات العاملة حاليا ، يمكن ممارسة بعض الضغوط المناسبة لدفعها الى القيام بمسئوليتها الاجتماعية أو منحها محفزات تشجيعية
 
 
 
القسم الأول
1-تعريف المسئولية الاجتماعية
2-تطور مفهوم المسئولية الاجتماعية
اولا-تعريف المسئولية الاجتماعية:
•   إن المسئولية الاجتماعية هي تذكير للمؤسسات بمسئولياتها وواجباتها إزاء مجتمعها الذي تنتسب إليه، بينما يرى البعض الآخر أن مقتضى هذه المسئولية لا يتجاوز مجرد مبادرات اختيارية تقوم بها الشركات صاحبة الشأن بإرادتها المنفردة تجاه ألمجتمع و هناك آخرون يرون المسئولية الاجتماعية بمثابة صورة من صور الملائمة الاجتماعية الواجبة على الشركات.[4]
•   عرّف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة المسئولية الاجتماعية على أنها " الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل" .
•   
•   عرّف البنك الدولي مفهوم المسئولية الاجتماعية للمؤسسات ومجتمع الأعمال بصفة عامة على أنها " التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع المحلي والمجتمع ككل لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة و يخدم التنمية في آن واحد".[5]
 
•   عرّفت الغرفة التجارية العالمية المسئولية الاجتماعية بأنها "جميع المحاولات التي تساهم في تطوع الشركات لتحقيق التنمية وذلك لاعتبارات وأسباب أخلاقية واجتماعية وتعتمد المسئولية الاجتماعية على المبادرات الحسنة من القطاع الخاص سواء كان شركات أو رجال الأعمال دون وجود إجراءات ملزمة قانونيا، وبهذا فإن المسئولية الاجتماعية تتحقق من خلال الإقناع والتعليم[6]
•         أما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، فقد عرّفت المسؤولية الاجتماعية للمنظمة على أنها: التزام هذه الأخيرة بالمساهمة في التنمية ألاقتصادية مع الحفاظ على البيئة والعمل مع العمال وعائلاتهم والمجتمع المحلي والمجتمع بشكل عام  بهدف تحسين جودة الحياة لجميع هذه ألأطراف ومن جهته الاتحاد الأوروبي يرى أن المسئولية الاجتماعية هي مفهوم تقوم المنظمات بمقتضاه بتضمين اعتبارات اجتماعية وبيئية في أعمالهم. وفي تفاعلها مع أصحاب المصالح على نحو تطوعي. ويركز الاتحاد الأوروبي على فكرة أن المسئولية الاجتماعية هي مفهوم تطوعي لا يستلزم سن القوانين أو وضع قواعد محددة تلتزم بها المنظمات للقيام بمسئوليتها نحو المجتمع[7]
ومما نلحظ ان المجلس الاقتصادي الاجتماعي الهولندي قد ذهب الى ابعد مما جاء بالتعريفات السابقة ، اذ الزم الشركات على المساهمة في رفاه المجتمع في المدى الطويل ،وأوضح ان على الشركات أن  تعمل على :
1-  خلق القيمة المضافة في الانتاج وتوفير فرص عمل تتوائم ونمو السكان
2-  ان تهتم الشركات بالسلامة الصناعية وتحسين شروط العمل
3-  ان تهتم الشركات بالبيئة وتراقب تأثير نشاطها الانتاجي على البيئة
 كما افترض ان تؤمن هذه الشركات عبر اصحاب المصالح علاقات مع المجتمع تتسم بالمرونة والشفافية
 
 
ثانيا-تطور مفهوم المسئولية الاجتماعية
     مصطلح المسؤولية الاجتماعية قد يبدو حديثاً، لكنه في الوقع قديم نسبيا، ففي القرن الثامن عشر، أعلن الاقتصادي الكبير آدم سميت أن احتياجات ورغبات المجتمع سوف تتحقق على أفضل وجه بفضل التعاون بين المنظمات الاقتصادية والمجتمع. وقبل ذلك بكثير أظهر الدين الإسلامي الحنيف اهتماماً كبيرا بالمسؤولية الاجتماعية، ودعا إليها ويظهر ذلك من خلال العديد من الآيات القرآنية المحكمة والأحاديث النبوية الشريفة. (وَعَدَ اللَّهُ الذِينَ امنوا مِنكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذِي ارتضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمُ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَالِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ "[8].
 كما أمر الله بالزكاة وعدها ركن من أركان الإسلام وهي مسؤولية اجتماعية واجبة، إضافة إلى الصدقات وغيرها من أعمال البر والخير.
ومع انطلاق الثورة الصناعية ودوران العجلة الاقتصادية وزيادة معدلات الانتاج  وسيادة معايير الربحية كمقياس للنجاح، وسيطرة القطاع الخاص على آليات السوق، بدأت الأصوات ترتفع مطالبة بدور ملزم وحقيقي للمؤسسات لتساهم في تنمية المجتمعات التي تعمل فيها وتحقق من خلالها الأرباح الكبيرة.وتطورت فلسفات ورؤى نظرية في العلوم الاقتصادية عمّقها توسع المساحة التي تفصل بين الادارة والملكية بانتشار الشركات المساهمة ومن ثم اعتبار العالم سوق واحدة تمددت به الشركات العابرة للقارات لتنشر مصانعها ومراكز التجميع والبيع على نحو لم يعد من الممكن وضع ضوابط لإيقاف هذا الزحف المتنامي
 وذلك بعد أن  كانت السمة التقليدية للمشروع فى النظام الرأسمالى هى قيام المنظم ( صاحب رأس المال) بتولى أمور إدارته ، وتوجيه سياسته المتعلقة بالتشغيل والإنتاج والتوزيع ، إلا أن كبر حجم هذه المشروعات ، وتنوع أنشطتها ، وتعقد علاقاتها مع العمال ، والمنتجين الآخرين ، والمستهلكين ، جعل من الصعب على أصحاب رأس مال المشروع إدارته بكفاءة عالية تضمن له تحقيق أرباح كبيرة ، أو عدم تعرضه لانتكاسات نتيجة الجهل أو عدم المعرفة الكافية بنظم الإدارة.
وأصبح من الطبيعى أن يعهد أصحاب رؤوس أموال المشروعات بإدارتها إلى المختصين بالإدارة ، العارفين بفنونها ونظمها ، حتى يمكن اتخاذ القرارات الصحيحة فى الظروف المختلفة ، لضمان استمرار المشروع ونجاحه.[9]

فمن هنا أخذت الكثير من المؤسسات ، راغبة أو مرغمة ، بالتعامل مع هذه ألمطالب وبدأت حركة التفاعل تظهر بشكل أكبر مع المجتمع فارضة على نفسها التزامات أخلاقية، دون أن تتخلى عن أهدافها ألربحية وكأن الفكر الاقتصادي يعمل على الموائمة بين اهمية الربح وضرورته لديمومة المؤسسة  ،والحاجة الى التجاوب مع المنطلقات الجديدة لتحسين بيئة العمل والتصالح مع المجتمع الذي تعمل في كنفه

وفي مطلع السبعينيات من القرن الماضي بدأ مفهوم المسئولية الاجتماعية يأخذ أبعاداً أكبر ولم يعد الأمر يتعلق بالأنشطة التطوعية أو التبرعات بل تعداه ليصبح برامج وخطط واستراتيجيات.

وقبل حلول الألفية الحالية أطلق الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان مبادرته التى تسعى إلى تفعيل دور المؤسسات في ألمجتمع والتي سميت بالاتفاق العالمي الذي يضم مجموعة من المبادئ الرئيسية ويكرس مفاهيم التعاون بين قطاع الأعمال والمجتمعات التي تعمل فيها.

لقد اختلف المختصون في تعريف الشركات متعددة الجنسية، والتسمية التي تطلق
على هذه ألكيانات فسميت بالشركات الدولية
(Internationale) 
وبالعابرة للوطنية (Transnationales) وبالمتعددة الجنسية
غير أنها لا تمثل في الواقع إلا واجهات تعبر على نفس الكيان دون أي تغيير في تركيباته الموضوعية ،  والمرتبطة بوجود ظاهرة واقعية متمثلة في الاستثمار الدولي. وأما سبب اختيار عبارة " الشركات متعددة الجنسية"، فيرجع لكونها تعد أكثر استعمالا وأوسع انتشارا وأكثر واقعية.

MICHALET وعرفها

" … إما أن تكون مؤسسة أو مجموعة من المؤسسات، غالبا ما تكون كبيرة الحجم وتنطلق من قاعدة وطنية، كما تقيم في الخارج عدة فروع في عدة بلدان باعتماد استراتيجية وتنظيم عالميين[10]".

 أي أن الوطن الأصلي لهذه المؤسسات يوجد بالضرورة حيث تقع الشركة (الأم)، والتي توجد في بلد صناعي متقدم، كما تكون الشركة الأم رائدة في قطاعها في حالات كثيرة وتسبقه بنشاط تصديري قوي.

وبالتالي، فإن كل شركة متعددة الجنسية ذات الحجم الكبير تكون نابعة من قطاعات ذات تركيز صناعي قوي، والمتمثلة في الصناعة الغذائية والتأمينات، والصناعة والمناجم، والسينما والبنوك، …إلخ.

فإذا كان الحجم الكبير للشركة الأم يعد شرطا لإقامة فروع لها في الخارج، وذلك بعد سيطرتها على السوق الوطني، فإنه لم يعد الأمر كذلك اليوم. إذ قد تكون الشركة متوسطة الحجم أو صغيرة ولم تسيطر على السوق الوطني، إلا أنها لا تجد عائقا في فتح فروع لها في الخارج. بحيث أصبحت تنتشر باستمرار وذلك لامتلاكها ميزة تنافسية كبيرة تسمح لها بالدخول في هذا العالم الذي تحكمه التكنولوجيا والمعرفة.

إذن، فإذا كان الطريق نحو تعدد الجنسية سهلا بالنسبة للتجمعات الكبرى، فإن تعدد جنسية المؤسسات الصغرى والمتوسطة مرهون بمدى ارتباطها بالشركات متعددة الجنسية الأخرى بأشكال متعددة نذكر منها: المقاولة الفرعية ( La Sous Traitance).

وتعتبر أساليب وطرق توطين الفروع في الخارج متنوعة، إلا أنها تتمثل بالخصوص في الاستثمار المباشر المتميز والمختلف عن استثمار المحفظة من حيث إدخال مفهوم الرقابة فيه. فيجب على الشركات الأجنبية المستثمرة الحصول على قدر كاف من رأسمال الفرع من أجل أن تتحصل على رقابة واسعة. كما أن أشكال التوطين مهمة للغاية في تحليل ظاهرة تعدد الجنسية، وذلك لأثرها على اقتصاديات البلدان المستقبلة وكذا على استراتيجية وتنظيم الشركة[11].

فعندما تقوم الشركة متعددة الجنسية بشراء مؤسسة محلية، فإن ذلك لا يؤدي بالضرورة إلى رفع القيمة المضافة المحلية، بل يقتصر الأمر عادة على تحويل محض للملكية. فعملية شراء حصة أسهم مثلا، تسمح للشركة القضاء على المنافس والرفع من حصتها في السوق. فكما أن البحث عن الرقابة الكاملة بنسبة 100% في رأس المال تعتبر مكلفة، قد تدفع العوائق التشريعية الوطنية هذه الشركات إلى المشاركة في المؤسسات المحلية أو إقامة شركات مشتركة (Joint-Ventures)، وبالتالي ينشأ عن هذه الفرضية كيانا جديدا ينقسم رأسماله بين المساهمين المحليين والأجانب. إلا أن هذه المشاركة كثيرا ما تكون على أساس متفاوت 51/- 49%[12].

إذن، تعد الشركات المشتركة أحد الأشكال الجديدة للاستثمار، المتمثلة في اتفاقيات الرخص والمساعدات التقنية، وعقود التسيير ومصانع  تسليم مفتاح ، ومصانع منتج في اليد، والمقاولة الفرعية الدولية، والإعفاء من حق العبور، والإيجار، وأعمال التكوين المهني. غير أنه من المناسب أن نذكر هنا أن ظهور هذه الأشكال الجديدة للاستثمار جاء مع الشركات متعددة الجنسية الأوربية واليابانية[13].

لكل الشركات متعددة الجنسية مجموعة معقدة من الفروع متوطنة في عدة البلدان. غير أنه لا يمكن إقامة معايير ومقاييس للحد الأدنى لتعدد الجنسية كالذي قامت به في منتصف الستينات تحت اشراف  « Harvard Business School » 
Vernon
بحيث قام بانتقاء 187 شركة من بين 500 شركة كبرى كعينة تمثيلية. فخلص إلى أنها متوطنة في ستة بلدان على الأقل، مما دفع بفرنون إلى اعتماد التوطن في ستة بلدان مقياسا للحد الأدنى لتعدد الجنسية. لكن وحسب ( ميشالي) دائما، يتعلق مقياس تعدد الجنسية بنوعية الشركات لا بكثرتها وبكميتها، بحيث يتمثل ذلك في وجود هياكل تنظيمية متطورة تضمن التكامل للمجموعة متعددة الجنسية، فلا يمكن اعتبار فرعا ما منعزلا عن أصله وغير مقيد بأمه وإنما يكون تابعا ومكونا للكل
 ( الشركة متعددة الجنسية)، بحيث يتم تحقيق الأهداف الشاملة للمجموعة[14]
ومن حيث التأثيرات التي تنجم عن عمل الشركات متعددة الجنسية في غير بلد ها الاصلي ، نلحظ انه هذه التاثيرالمتنوعة وتنعكس على :[15]
1-  ميزان المدفوعات
2-  العمالة
3-  الاثار على حركة رؤوس الاموال
4-  الاثار على حركة تبادل البضائع
5-  الاثار المترتبة على انتقال التكنولوجيا
6-  الاثار المترتبة على الهيكل الانتاجي
ومما هو جدير بالإشارة اليه الى ان هذه التأثيرات يتسع بحثها لدراسة واسعة ، ولكن الباحث يرى ان مجالها غير هذا البحث
 
 
 
القسم الثاني
1-مكونات المسئولية الاجتماعية
2- مجالات تنفيذ الشركات العابرة للقارات للمسئولية الاجتماعية و نماذج من تحديد مسؤوليتها في العالم العربي
 
أولا-مكونات المسئولية الاجتماعية
أشار الباحث في مقدمة البحث ان المسئولية الاجتماعية ، هي في الأساس موقف اخلاقي ،  ومصطلح علمي مستقل له أهميته وماهيته وطبيعته التي يتفرد بها دوناً عن المصطلحات الاجتماعية الأخرى [16]، وقد مّر ايضا  بأنه لا يوجد تعريف محدد لمفهوم المسئولية الاجتماعية بشكل قاطع يكتسب بموجبه قوة إلزام قانونية ، حيث لا تزال هذه المسئولية في جوهرها أدبية ومعنوية ، ولذلك تعددت صور المبادرات والفعاليات حسب طبيعة البيئة المحيطة ، فالمسئولية بطبيعتها غير جامدة ، بل لها صفة ديناميكية واقعية قائمة على التطور المستمر ، كما أن الإحساس بها يعد أحد متطلبات تمتع الفرد بالصحة النفسية ، وأنها عبارة عن مؤشر هام جداً من مؤشرات التوافق النفسي والاجتماعي ، وحسب المعجم الوسيط أن المسئولية بوجه عام حال أو صفة من يسأل عن أمر تقع عليه تبعته ،
من هنا فإن المسئولية الاجتماعية لا تخضع لمقياس او معيار ثابت ولهذا فان الشركات (على نحو مطلق ) تختلف في المدى الذي تذهب إليه عندما تتبنى تحمل لزوم العمل بتنفيذ مسئوليتها الاجتماعية  من حيث عدد المبادرات وتنوعها وكلفتها
فبعض الشركات تعمل بجد وبروح مفعمة بالعطاء والمشاركة ، على البحث عن برامج جديدة ومبتكرة ، ولكن البعض الآخر يكون مثقل الخطوة ولا يتحرك إلا بوازع الخوف من ردة فعل المجتمع او الحكومة التي يعمل في بلدها
ونلحظ ان الاتحاد الاوربي يشجع على قيام نوع من التعاون والشراكة بين الشركات وأصحاب المصالح والحكومات بهدف تحقيق نوع من التوازن في الاهداف
عليه فان مكونات المسؤولية الاجتماعية ، بناء على ما تقدم هي عناصر مترابطة وكما يلي:[17]
1-الإهتمام
ويتضمن الارتباط العاطفي بالجماعة وحرص الفرد على سلامتها وتماسكها واستمرارها وتحقيق أهدافها. وللاهتمام مستويات منها: الانفعال مع ألجماعة حيث يساير الفرد وبصورة آلية حالتها الانفعالية لمجرّد أنه يعتبر نفسه في قلب المسؤولية فيتعاون ويتفاعل بحماس تلقائياً مع الجماعة ويرى أن مسايرته لها موضوعية ومنطقية. أما الانفعال بالمجاعة فيحدث بصورة إرادية حيث يأتي تضامنه مع الجماعة بناء على قناعة ذاتية منه، فيجعل أهدافها محور اهتماماته ويتفاعل معها بصدق وشفافية... والتوحّد مع الجماعة، هو شعور الفرد بالوحدة المصيرية معها، والتأثر بها لدرجة أنه يرى في خَيْرها خَيْره وكأنها امتداد لنفسه، يسعى من أجل مصلحتها ويبذل كل جهده من أجل إعلاء مكانتها ويشعر بالفوز إن فازت أو بالأمن كلما خيّم عليها الأمن؛ والوطنية هي من أوضح نماذج التوحّد مع المجتمع. ويندرج الانتماء المتعقل في مستويات الاهتمام أيضا حيث تملأ الجماعة عقل الفرد ووجدانه وتصبح موضوع اهتمامه وتأمله، ويلتقي معها في تقارب فكري، ويغامر في سبيل الدفاع عن طموحاتها وأهدافها، وفي ذلك أحد أبعاد القوة لضمان التماسك والتكافل الجماعي
.
2-الفهم

ويتضمن فهم الفرد للجماعة والقوى النفسية المؤثرة في أعضاءها وفهمه لدوافع السلوك الذي تنتهجه خدمة لأهدافها، وأيضا استيعابه للأسباب التي جعلته يتبنّى مواقفها... إن الفهم الصحيح يدعم مشاركة الفرد في القيام بمسؤولياته وهو أيضاً يشترط الالتزام بأخلاقيات المجتمع ومسايرة المعايير والاهتمامات الاجتماعية ومقاومة الضغوط وتنسيق الجهد الشخصي ألتعاوني كما يشمل التقارب الفكري والمساهمة في المناقشة المتعقّلة وتحديد النقاط التي يجب اعتمادها للوصول الى الغاية التي تخدم المصلحة العامة... التعاطي العقلاني يجعلنا نواجه الأزمات مواجهة مسئوله وحين يكون استعدادنا لتحمل المسؤولية الاجتماعية معتمداً على القوى الذاتية (العقل والعاطفة والتكامل النفسي) يعطي ثماره الجيّدة.
والفهم يعني إدراك الفرد للظروف المحيطة بالجماعة، ماضيها وحاضرها وقيمها واتجاهاتها، والأدوار المختلفة فيها. كما يقتضي تقدير المصلحة العامة والدفاع عن الوطن والعمل على رفعته وازدهاره.
3-المشاركة
المشاركة مسؤولية وهي الأرضية الأساسية لحياة اجتماعية مشرقة مستقرة. تُظهر المشاركة قدر الفرد وقدرته على القيام بواجباته وتحمّل مسؤولياته بضمير حي وروحية صافية، وإرادة ثابتة، والمقصود هنا مشاركة الفرد في أعمالٍ تساعد في تحقيق الهدف الاجتماعي حين يكون مؤهلاً اجتماعيا  لذلك، ولها ثلاثة جوانب أولها، التقبل، أي تقبّل الفرد للدور أو الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها والملائمة له في إطار ممارسة سليمة. وثانيها، ألتنفيذ حيث ينفذ الفرد العمل وينجزه باهتمام وحرص ليحصل على النتيجة التي ترضيه وترضي الآخرين وتخدم الهدف. وثالثها، التقييم، حيث يقيّم كل فرد عمله وفقاً لمعايير المصلحة العامة والأخلاق.
وتلعب الثقافة دوراً في مجال المشاركة ألاجتماعية فالثقافة هي همزة الوصل بين الفرد والواقع الاجتماعي. منها نتعلّم أصول العلاقات الإنسانية ونستدلّ على سبل التعايش الإنساني والاجتماعي السلمي
 
ثانيا- مجالات تنفيذ الشركات العابرة للقارات للمسئولية الاجتماعية و نماذج من تحديد مسؤوليتها في العالم العربي
 ابتداء لابد من القول ان تنفيذ الشركات العابرة للقارات لمسئوليتها الاجتماعية  بتقديم بعض الخدمات للمجتمعات التي تعمل في بلدانها ، يجب أن لا ينظر اليه (كعطايا ) أو (هبات ) تتفضل بها هذه الشركات ،بل هي جزء من مهام عملها وأهدافها ،فقد اصبح من المتعارف عليه في الفكر الاقتصادي ان البعد الاجتماعي في عمل الشركات لا يقل اهمية عن البعد الاقتصادي المتمثل في الربح، كما أن جميع المقاييس لجودة الخدمات وكذلك الهيئة الدولية المشتركة تؤكد ضرورة الاسهام في الخدمات المجتمعية
كما ان المسئولية الاجتماعية لهذه الشركات تبدأ من تحسين بيئة العمل داخل منظومتها الادارية لتشمل تحسين شروط العمل وتقديم الخدمات لموظفيها  وايجاد نظام تشجيعي مبتكر لتحفيز العاملين في الشركة ، وكذلك توفير سكن مجاني لهم او بأسعار رمزية
اما على نطاق الخدمات الاجتماعية فانه يمكن ان يشير الباحث الى المجالات التالية :
أ-مجال الموارد البشرية وتنميتها
يتمثل هذا المجال في توفير، او المساعدة في توفير فرص تعليمية لأبناء المجتمع (سبق ان ذكر الباحث ما قدمته مؤسسة كولبنكيان في العراق ) وكذلك العمل على تنمية مهارات الشباب عن طريق فتح مراكز تدريب وفق دراسة لحاجة المجتمع
كما يمكن ان تسهم في توفير فرص استثمارية عن طريق تقديم قروض للشباب بشروط ميسرة للبدء بمشاريع صغيرة ،وفي تقرير لمجلس المسئولية الاجتماعية لمدينة الرياض (المملكة العربية السعودية ) ان تحفيز الشركات الاجنبية على المساهمة الفاعلة في المسئولية الاجتماعية كان وراء مبادرات بعض الشركات الكبرى بإنشاء مؤسسات تنموية أو تخصيص موازنات ضخمة للعمل الاجتماعي والخيري وقد تجاوز الأمر المشاركة في مساعدة الفئات الأقل حظا إلى آفاق أرحب وأنماط متعددة من المسؤولية الاجتماعية
.
ب-المجالات الصحية
ويمكن ان تؤدي الشركات المتعددة الجنسية العاملة في البلاد العربية دورا بالغ الاهمية في هذه الحقول
1/ب –تعزيز الوعي الصحي
كانت شركة نفط البصرة في العراق تقوم بتشغيل سينما متحركة تعرض عليها افلاما صحية لتوعية المواطنين وكانت تختار مناطق العرض في الاحياء الفقيرة في المدينة وفي القرى والأرياف ، كان ذلك في خمسينيات القرن الماضي ، ولعبت تلك العروض دورا مهما في التوعية الصحية واليوم مع انتشار وسائل الاعلام الحديثة فان هناك فضاء واسعا يمكن ان تدخل المواطنين في رحابه
2/ب – يمكن ان تسهم مباشرة في تمويل انشاء اقسام متخصصة للأمراض النادرة او المزمنة ، في المستشفيات القائمة
3/ب- يمكن ان تخصص مقاعد دراسية لدراسة المهن الصحية او الطبية في بلدها الام كما يمكن ان تقوم بفتح دورات لرفع كفاءة العاملين في هذا المجال مستقدمة اساتذة متخصصين
4/ب-يمكن ان تسهم بتقديم الخبرة الفنية في مجال تحسين ماء الشرب او الصرف الصحي
ت-المحافظة على البيئة او تحسين شروطها
يبدأ العمل هنا من تخلص الشركات ، التي تقوم بإدارة مصانع انتاجية (السمنت مثلا ) او في اعمال المشتقات النفطية ، بأن تتخلص من المخلفات والغازات المنبعثة، وتمتد الى المساعدة في مد الجهات المحلية  العاملة في مجال المحافظة على البيئه ، بالخبرات الفنية او تقديم النصيحة
ويرى الباحث انه من أجل تفعيل دور الشركات المتعددة الجنسية في الأخذ بالمسئولية الاجتماعية ، أن يجري العمل باتجاهين:
1-تحفيز هذه الشركات عن طريق التسهيلات الضريبة بحسم مبالغ التبرعات من الوعاء الضريبي ، كما فعل المملكة العربية السعودية وكما مر اعلاه
2- وضع ضوابط محددة على ضوء المواصفة الدولية أيزو 26000 المتعلقة بالمسئولية المجتمعية ،وتتناول ''المواصفة الدولية للمسؤولية الاجتماعية''، مسؤولية المؤسسة حيال جميع الأنشطة التي تقوم بها وما يترتب عليها من آثار على المجتمع والبيئة، حيث توجب أن تكون هذه الأفعال متماشية مع مصالح المجتمع والتنمية المستدامة، وتكون متماشية  على السلوك ألأخلاقي والامتثال للقانون المطبق ، وتكون مدمجة في الأنشطة المستمرة للمنشأة ،وتتضمن هذه المواصفة الدولية سبع مبادئ وهى:
  1-قابلية المساءلة
 2-السلوك الاخلاقى
3-احترام القانون
 4-احترام رغبات الاطراف المعنية
 5-احترام المبادئ الدولية
 6-احترام حقوق الانسان
7-الشفافية
وفي 11-03 -2009 عقد الفريق الخليجى للمسئولية المجتمعية اجتماعه الثانى فى دبى وناقش عدد من الموضوعات المهمة على جدول أعمال الاجتماع.
وأكد الامين العام لهيئة التقييس بمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور أنور العبد الله أهمية مشروع المواصفة الدولية أيزو 26000 المتعلقة بالمسئولية المجتمعية مبينا التأثير الكبير لهذه المواصفة على النواحى الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية وأهميتها ومدى مردودها الايجابى على المنشات حيث أنها تنظم علاقة المنشات بالحكومة والمجتمع والمؤسسات الاخرى.
ومن الجدير بالذكر هنا إلى أن مواصفة المسؤولية الاجتماعية الأيزو 26000 ليست معيارا مفروضا على المؤسسات والهيئات والشركات في مجال تطبيقها للمسؤولية الاجتماعية بل هي مواصفة تعمل كإطار تستدل من خلالها الهيئات والشركات والمؤسسات على معايير واقتراحات لتفعيل وتطبيق المسؤولية الاجتماعية والتي من خلال تطبيق تستطيع تلك الشركات والمؤسسات الاستفادة من عدة عناصر تشمل الحصول على الميزة ألتنافسية وتعزيز السمعة الطيبة عن عمل ألشركة والقدرة على جذب واستبقاء الموظفين والعملاء وتعزيز الإنتاجية والروح المعنوية للموظفين والتميز في العلاقات التي تجمع تلك العلاقات بالمستثمرين، وجهات الرعاية والحكومات ووسائل الإعلام، والمجتمع الذي تعمل فيه تلك ألشركات لافتاً إلى أن منظمة الأيزو تصدر ما يزيد عن 19000 من المعايير التي تتناول مختلف المنتجات والخدمات في شتى القطاعات ومنها قطاع النفط والغاز والطاقة النووية والطاقة البيئية والمسؤولية الاجتماعية وغيرها، كما أن المنظمة العالمية للتقييس "الأيزو " تعد شبكة دولية تضم ما يزيد عن 160 عضو من مختلف دول العالم[18].
هذا وقد قامت كل من الاردن وسلطنة عمان ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ، باتخاذ خطوات عملية لوضع استراتجيات عملية مستدامة للمسئولية الاجتماعية

 
القسم الثالث
أولا-النتائج
1-من دراسة مفهوم المسئولية الاجتماعية في البلدان العربية وجد انه ما يزال الغموض يكتنف هذا المفهوم وما يزال البعض يرى ان هذه التوجهات تتعرض لمبدأ أساس في عمل الشركات سواء الاجنبية العابرة للقارات او المحلية ، وهذا المبدأ هو مبدأ الربح الذي يعد المحرك في مجال توجه الشركات للاستثمار
2-انه لا يوجد تعريف موحد ومقبول من مجموعة الاقتصاديين حول تعريف المسئولية الاجتماعية
3-وجد الباحث ان معظم الشركات العابرة للقارات والتي حققت خطوات عملية في المسئولية الاجتماعية في مجتمعات عملها قد اكتسبت سمعة طيبة بين الجمهور ساعدتها على تحقيق مستويات اعلى من الارباح بسبب اقبال الجمهور على منتجاتها
4-ان العديد من الشركات العابرة للقارات قد انعكس اهتمامها بالمسئولية الاجتماعية عبر انشائها ادارات خاصة في هيكلها التنظيمي للعمل على دراسة افضل المجالات التي تمنحها اولوية التنفيذ فضلا عن البحث في امكانية العثور على اساليب مبتكرة في هذا الصدد
5-إن مواصفة  الأيزو 26000 ، تشكل إطاراً ودليلاً للمؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة بمختلف فئاتها واختصاصاتها لتشارك بشكل موجه ومدروس في مسؤولياتها ألمجتمعية وذلك من خلال سلوك أخلاقي يتسم بالشفافية وبما يتماشى مع القوانين المطبقة ومعايير السلوك الدولية ويعمل على مساهمتها في التنمية المستدامة نظراً لتنامي دور المؤسسات وامتداد تأثيرها إلى المجتمع المحيط بها
 
 
 
.
ثانيا- التوصيات
1-مطالبة الشركات بالإفصاح عن سياساتها والالتزام بنشر تقارير دورية عما نفذته في مجال مسئوليتها الاجتماعية
2- منح الشركات العابرة للقارات الشعور بالثقة والاستدامة في عملها عن طريق اصدار منظمة قانونية عصرية تحكم نشاطاتها وعلاقتها بالدولة المضيفة وكذلك تقديم حوافز معقولة
3-اشراك المؤسسات الإعلامية في تعميق الوعي بمفهوم المسئولية الاجتماعية
4-انشاء مجالس للمسئولية الاجتماعية على نطاق المحافظات
5-تنشيط دور دوائر المسئولية الاجتماعية في المصالح الحكومية
6-حث الشركات العابرة للقارات على معاونة الشركات المحلية في نطاق التدريب والتأهيل والتخطيط
7-العمل على عقد الندوات واللقاءات وورش العمل على المستوى الوطني والإقليمي والعربي لتبادل الخبرات


________________________________________
السيد كولبنكيان ـ هو الوسيط الارمني بين شركة نفط البصرة والحكومة العراقية والذي نجح في ابرام الاتفاق النهائي بين الطرفين ، ومكافئة خصصت له شركة نفط البصرة 5% من ارباحها السنوية[1]
د. حسين عبد الله، مستقبل النفط العربي، مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت ، 2000، ص287.
[2]
 صباح عبد الرسول التميمي ، دور النفط العربي في تامين الامن الاقتصادي    ، مجلة كلية البنات العدد  4 المدلد 20 في عام 2009 [3]
 د. جمعة السيد ، المسئولية الاجتماعية لرأس المال الاجنبي، دار العلمين 2001 ص 33[4]
\.علي عبد المحسن رحيم ، الابعاد الاخلاقية للمسئولية الاجتماعية ،مطبعة الامل ،دمشق 2009 ص 34 [5]
د. حسن اسماعيل الهندي ، الشركات الاجنبية ومسئوليتها الاجتماعية ،مجلة دراسات اقتصادية العدد 56 في 11-04-2000 [6]
 هاني الحوراني ،حاكمية الشركات ومسئوليتها الاجتماعية في ضوء مستجدات الازمة الاقتصادية العالمية، صحيفة الايام العدد 1430 02-09-2009[7]
 
 
       القران الكريم ،سورة النور ،الآية 55 [8]
د.السيد عبد المولى ،أصول الاقتصاد ، دار النهضة العربية، القاهرة2000 ص50   [9]
[10]ـJ. Michalet Organization Theory: A Strategie Approach, MaSS Allyn and Bacon , Boston: USA, 4th Edition, 1991, p: 44
   جميل غيبور ، ثقافة المؤسسة، ورقة عمل مقدمة في الملتقى الوطني الأول حول: الاقتصاد الجزائري في الألفية الثالثة، البليدة: الجزائر، 2001-2002، ص: 13- 14
[11]
  حمزة سلامم، ثقافة المؤسسة والتغيير، رسالة ماجستير في العلوم الاقتصادية، تخصص تحليل اقتصادي، جامعة الجزائر، الجزائر: الجزائر، 2003-2004، ص: 5.
[12]
  نفس المصدر ص 23[13]
[14] [Finn, G Morly, the new society1995,Oxford university press
[15] Marie -françoise Guyonnaud et Frédérique Willard, Du management environnemental au[15] développement durable des entreprises, ADEME, France, Mars 2004, P: 05
 
[16] Ibid P. 44
 -     مجلة الجيش   العدد 249 | آذار 2006[17]
روب ستييل سكرتير عام المنظمة الدولية للتقييس "الأيزو" خلال كلمته أن خلال العمل على إصدار مواصفة الأيزو   26000 على موقع http://www.ameinfo.com/subscribe/ [18]


2

أُمسية ثقافية في هولندا





أقام التيار الديمقراطي العراقي في هولندا أمسية ثقافية  متميزة بتاريخ 8/11/2013 على قاعة الجمعية المندائية في (دنهاخ ) قدم فيها الدكتور ذياب  فهد الطائي،محاضرة   بعنوان(دور المرأة العراقية في الحراك الاجتماعي منذ عام 1921 لغاية 2013 )
وقد حضرجمع غفير مع مشاركة متميزة من النساء

أبتدأت الأمسية بتقديم ليث العبيدي عضو التيار الديمقراطي لفقرات الأمسية، حيث كانت الفقرة الأولى هي كلمة التيار الديمقراطي
، ألقاها هشام سعد عضو لجنة التيار الديمقراطي، ثم بدأت السيدة نجاة تميم بتقديم الدكتور ذياب فهد الطائي،والإشارة الى سيرته الذاتية ومدى مساهماته الفكرية والروائية والجوائز التي حصل عليه في العراق من وزارة الثقافة وفي هولندا على انتاجه المتميز
 قدم الدكتور الطائي  في البداية تعريفا لمفهوم (الحراك الاجتماعي )   لثلاث اتجاهات فكرية هي:
1-التوجه الغربي  ( ساروكين و دوركهايم )
2- التوجه الاسلامي (سيد قطب)
3- التوجه الماركسي (كارل ماركس )
انتقل بعدها الى التفريق بين النساء اللواتي أثرن في الحراك الاجتماعي والنساء الشهيرات والمبدعات ، وأكد ان الملكات التاريخيات والمبدعات في الشعر وفي الفن والهندسة غير معنيات بهذا الحديث وأنه يقصر حديثه على النساء اللواتي بدأن مع بداية الوعي النسائي في بدايات القرن الخامس عشر ، وقدم الباحث مجموعة من الاسماء النسائية اختتمها بروزا لوكسمبرغ وكلارا زيتكن
انتقل بعدها الى تقديم صوره عن عراق ما قبل تشكيل الحكومة العراقية في عام 1921 حيث اشار الى طلب الوالي العثماني من اهالي بغداد ملئ استمارات احصاء السكان للذكور والاناث وكيف ان الاهالي خرجوا بمظاهرات رافضين الافصاح عن اسماء النساء
وفي عام 1899 افتتحت اول مدرسة ابتدائية للبنات لم تنظم لها غير 50 طالبة وفي عام 1920 تم افتتاح مدرسة بنات انضمت لها 490 طالبة
انتقل بعدها ليستعرض ما جاء بكتاب خيري العمري عن الحياة في بغداد في عشرينيات القرن الماضي ومدي التضييق على حرية المرأة ، وأشار الباحث الى انه رغم هذا الظلام والتهميش للمرأة العراقية الا ان شموعا أنارت بعض جوانب هذه العتمة  ,وقدم نماذج من مشاركات المرأة العراقية في ثورة العشرين واستشهد بشاعرات من الفرات الاوسط كن يحرضن الثوار ، واشار الى مظاهرات نسائية خرجت للمشاركة في تشييع عبد الكريم النجار في بغداد
بعدها اشار الباحث الى ما لعبته مجلة ليلى للسيدة بولينا حسون والى المعارك التي تسببت فيها حين رفعت شعار السفور للمرأة العراقية ومساهمات مجلة الصحيفة وكتابات أمينة الرحال ، ومساهمة صبيحة الشيخ داودد بالمهرجان الشعري عام 1924 وهي بعد في الثامنة من عمرها، كما اشار الى المساهمة المؤثرة والفاعلة لكل من الزهاوي والرصافي
 وفصّل الباحث في توسع الحركة النسائية في الأربعينات من القرن الماضي وتوزعها على ثلاثة اتجاهات
1-التوجه الديمقراطي الذي تمثل بإنشاء الجمعية النسائية لمكافحة النازية والفاشية عام 1945 بقيادة عفيفة رؤوف
2- التوجه المحافظ بانشاء الاتحاد النسائي العراقي عام 1945 بقيادة أسيا توفيق
3- التوجه الديني (الاسلامي والمسيحي)
كما قدم الباحث تفسيرا لأسباب هذا التوزع ومقاربة لأوجه التشابه والاختلاف بين هذه التوجهات
كما قدم الباحث عرضا عن تطور الحركة النسائية التي غلب عليها الطابع الديمقراطي بقيادة الدكتورة نزيهة الدليمي
بعدها انتقل الباحث ليقدم استعراضا للحركة النسائية في ظل حكم حزب البعث ومن ثم قدم التطورات التي طرأت على الحركة النسائية بعد تغيير النظام في 2003 واشار الى ان من الانجازات الهامة كان نجاح الحركة النسائية في عدم تمرير الامر رقم 137 الخاص بالأحوال المدنية
واختتم الباحث حديثة بتقديم السيرة الشخصية لعدد من ابرز قيادات العمل النسائي في العراق(حبسة خان الحفيد ، بولينا حسون ، عفيفة رؤوف ، مقبولة العيسى ، امينة الرحال صبيحة الشيخ داوود ، روز خدوري ،نزيهة الدليمي ، سافرة جميل حافظ ،أسيا وهبي وخانم زهدي )
كما قدم مجموعة من اسماء الناشطات في الحركة النسائية في الوقت الحاضر فأشار الى هنا ادور ، ينار محمد ،شميران ميركول ، ودادالحسناوي صنوبر اسماعيل وخديجة مصطفى
وبعد استراحة قصيرة فتح الباب للحضور للمداخلات والأسئلة  ، وكانت أولى المتداخلين السيدة المناضلة خانم زُهدي، حيث ا تحدثت بشكل مطوّل عن تجربتها بتأسيس رابطة المرأة في بواكيرها الأولى عام 1952، بصفتها عضوة ضمن الهيئة المؤسسة للرابطة، كما تحدث  الأستاذ جاسم المطير، وربيع البدري، والدكتورة ياسمين الطريحي، والدكتور أحمد ربيعة، ومحمود عثمان، وباسمة بغدادي، والدكتور هاشم نعمة، ووفاء ألبو عيسى، وسعد عزيز دحام
كانت المحاضرة غنية بكل ماتعنية الكلمة، كما أن الحضور المتميز من حيث العدد الذي ملئ القاعة بالكامل ، قد أضفى بهاءً على الأمسية سيما وان الحضور البارز كان هذه المرة  للنساء، وكانت مناقشاتهن  ومشاركتهن الفعالة والغنية بالحوار والمداخلات قد جعلت من الندوة حلقة ثقافية مفعمة بالمعرفة   ، كذلك كانت خلية النحل الرائعة التي تُدير الأمسية المتشكلة من أعضاء التيار الديمقراطي، نضال أسماعيل، وسعد عزيز دحام، وهشام سعد، وليث العبيدي، وأعضاء النادي المندائي، قد ساهمت بمستوى عال من التنظيم
  وفي الختام  قُدمت للجمهور الكريم ، الكليجة العراقية بنكهتها اللذيذة والبقلاوة ، وقد أثنى الجميع على الأمسية الجميلة على أمل تكرارها في برنامجنا القادم
التيار الديمقراطي العراقي في هولندا   







3
جائزة جاسم المطير في الابداع الروائي
                                                                                   
تثمينا لمنجزه الابداعي في الرواية والنقد الادبي ذلك المنجز الذي شكل إضافة ثرة في مسيرة الرواية والنقد الادبي العراقي والعربي معا واحياءا لمبادرة الشاعر الراحل ( عبد الوهاب البياتي ) الذي كان صاحب فكرة تأسيس (جائزة جاسم المطير الروائية) عام 1997 , ثلة من المبدعين من أدباء وكتاب ونقاد وباحثين وفنانين في البصرة الفيحاء تطلق اسم الروائي والناقد الادبي والصحافي المخضرم الاستاذ ( جاسم المطير ) على جائزتها التقديرية لمبدعي الادب الروائي في مدينة البصرة حصرا . مصدرمخول في الهيئة الادارية و الفنية لجائزة المطير في الابداع الروائي اكد ان الاستاذ ( جاسم المطير ) تبنى المشروع الابداعي بسعادة غامرة , هذا وكان المصدر اكد ان الجائزة ستكون تقليدا سنويا يرصد الابداع ويرعاه ويحتفي به في بصرة الابداع والمبدعين بصرة الفراهيدي والسياب . جدير بالذكر ان الهيئة الادارية والفنية للجائزة كانت رصدت مبلغا نقديا مقداره مليون دينار عراقي للرواية الفائزة وستتكفل الهيئة الادارية متابعة عملية الطبع والتوزيع للمنجز الفائز وعلى نفقة الاستاذ جاسم المطير الخاصة . جدير بالذكر ايضا ان الهيئة الادارية والفنية ستقوم بنشر ما يرشح عن اللجنة التحكيمية من قراءات نقدية لكافة الاعمال الروائية المشاركة عبر المتاح من وسائل الاعلام على وفق مقالات مصحوبة بتعريف موجز بشخصية الروائي ومنجزه الابداعي . هذا وكانت الهيئة الادارية والفنية قد اعلنت أسماء الذوات المدرجة اسمائهم في ادناه لجنة للتحكيم :
* الدكتور تيسير الآلوسي / استاذ النقد الادبي ورئيس جامعة ابن رشد .
* الدكتور ذياب الطائي / باحث وروائي وعميد كلية الصحافة /جامعة لاهاي للصحافة والاعلام .
* الدكتور عدنان المبارك .
* الاستاذ الروائي والناقد كريم كطافة .
هوامش مهمة :
1- سيستمر العمل على استلام النتاجات حتى الثلاثين من آب اوغسطس من هذا العام . وستعلن النتائج في احتفالية مهيبة منتصف شهر اكتوبر تشرين الاول من هذا العام ايضا .
2- ستقدم الهيئة الادارية والفنية للجائزة شهادات تقديرية لكافة المشاركين .
3- ستعلن الهيئة الفنية والادارية لجائزة جاسم المطير في الرواية البصرية عشية اعلان المنجز الفائز عن اسم دار الطباعة والنشر وموعد انجاز المطبوع .
4- يرجى التواصل مع الهيئتين الادارية والفنية للجائزة على البريد الالكتروني : الاستاذ جاسم المطير jassimalmutair@gmail.com.
او الدكتور سلام الاعرجي : oscarsalam2005@yahoo.com .
5 - ستعقد الهيئة الفنية لجائزة جاسم المطير للرواية البصرية(مدينةالبصرة حصرا ) مؤتمرا صحافيا منتصف كل شهر وستعلن من خلاله عن كافة المستجدات .
مع تحيات المدير الفني لجائزة جاسم المطير الروائية
الاستاذ الدكتور سلام الاعرجي استاذ فلسفة الفن وعلم الجمال
سكرتير رابطة بابل للكتاب والفنانين الديمقراطيين / هولندا .
 العزيز ابو فرح بين ايديكم اول اعلان عن الجائزة برجاء المساعدة في التوزيع والنشر ... محبتي 
________________________________________




4

الصحافة النسائية في العراق موضوع الندوة الثقافية في لاهاي/هولندا




نظمت جمعية البيت العراقي في لاهاي بالتعاون مع رابطة بابل للكتاب والفنانين العراقيين في هولندا ندوة ثقافية حول الصحافة النسائية في العراق يوم السبت 20/4/2013 على قاعة البيت العراقي /لاهاي/هولندا
في البدء ... رحب السيد رئيس الجمعية بالحضور الكريم والسيد المحاضر البروفسور د. ذياب الطائي ... مشيدا ببحوثه واجتهاده واستمرارية نتاجاته الفكرية والصحفية والعلمية والادبية , ورفده المكتبة العراقية بالعديد من البحوث والدراسات والروايات والقصص ... متمنيا له طيلة العمر والصحة والعافية , واستمرارية الإبداع وللحضور الكريم , أمسية ثقافية مفيدة .
ترك الحديث للسيدة مديرة الندوة باسمة بغدادي... حيث قدمت تحياتها للشعب العراقي بمصادفة يوم الندوة ... يوم انتخابات مجالس المحافظات ... متمنية , أن تكون الأنتخابات نزيه , وتفرز عن صعود قوائم واشخاص ,يخدمون محافظاتهم , وياتمنون على موارد بلدهم , وتوظيفها في خدمة وبناء وتطوير وتقدم محافظاتهم ... مبتعدين عن الفساد المالي والأداري , ومحاربة الطائفية والمذهبة والعرقية , واشاعة الأمن والأمان والعدالة الأجتماعية والمساوات والحريات العامة والخاصة للمواطنين .
وقالت ايضا ... مما لا شك فيه , إن دراسة الصحافة النسائية في العراق عبر تاريخها الطويل , تتيح لنا فرصة لدراسة , تطور المرأة العراقية والتغيرات التي طرأت على موقعها ووضعها الاجتماعي والسياسي والإقتصادي .
وقالت ايضا ... الصحافة النسائية العراقية,كانت منذ نشوئها , وصدور أول صحفية نسائية عام 1923 , كانت السلآح الذي إستخدمته المراة العراقية ,للمطالبة بحقوقها المدنية : في العمل والتعليم , أسوة بالرجل ...وتطورت في خطابها حسب المرحلة الإجتماعية , من حيث طرحها للمشاكل التي تتطلب الحلول والمعالجة , والتي تهم الأسرة والطفولة , والمشاركة في الوظائف الحكومية المختلفة ... وحسب الزمان والمكان .واستمرت في الحديث قائلة ...
بعد ثورة 14 تموز المجيدة , وبالرغم من قلة الصحافة النسائية , ما عدا صحفية رابطة المرأة العراقية , ونضال المرأة ... كانت هناك حركة نسائية للنهوض بواقع المرأة العراقية .
إن أهم ما يجب أن تركز عليه الصحافة النسائية ونشاط المنظمات النسائية في داخل العراق وخارجه ... هو محاربة وفضح العادات والتقاليد والقوانين والأحكام الشرعية والعشائرية التي تحط من مكانة المرأة العراقية ... وتطالب ,بالمساواة الحقيقة بين الرجل والمرأة في كافة مناحي الحياة والحقوق والواجبات .
وقرأت بالنيابة عن الصحفي والكاتب جاسم المطير ...ملخص رسالته والتي بداها بالتحية الطيبة , وقال قرأت بحب وشغف سطور كتابكم الجديد عن الصحافة النسائية في العراق، وقد أسعدني كثيرا هذا الجهد المضاف إلى جهودكم غير العادية، التي ترقى بالمعلوماتية العراقية إلى مراتب متقدمة في مدارك المثقفين العراقيين، خاصة عندما يجيء كتابكم هذا بعد إصداركم السابق عن أصول ( الصحافة اليسارية) في بلادنا وهو الإصدار الذي قرّبنا كثيرا إلى نوع من الجمال الإبداعي لكشف الكثير من عمل ونضال الصحفيين والصحفيات في بلاد كانت قد ضاعت فيها حرية التعبير ، وسجنت حرية القول والكلمة والنقد زمنا طويلا . لقد قمتم أيها الصديق بهذا الكتاب ... بعمل المؤرخ أو على الأقل نظرتم إلى دور المرأة الصحفية بعين المؤرخ ، بعين التوثيق الضروري الباحث عن انتشار الدافع الصحفي بين نساء بلادنا خلال ما يقرب من قرن من الزمان و
بالرغم من توجهكم بتحرير كتابكم نحو عملية التوثيق التاريخي بما يختص بعلوم ومعارف الصحف النسائية والصحفيات في زمان كان لا يسمح فيه للنساء بمواصلة دراستهن في المدارس والجامعات أو العمل (خارج البيت) في أي وظيفة وفي العمل العام أو السياسي تحديدا، لكن الصحافة العراقية كانت محظوظة بمساهمات طيبة بجهود بضعة نساء كانت إراداتهن أقوى من القيود الأسرية والاجتماعية عموما مما أدى إلى نشوء أول جذر في نبتة الصحافة النسائية في وقت مبكر رغم الصعوبات السياسية الكثيرة المقيدة لها، التي كان
قلمكم قد اظهر لنا نتائج رائعة في كشف بعض أشكال الثمار الأولى للصحافة النسائية رغم قلة الصحفيات المساهمات في مسيرتهن طيلة الفترة السابقة . أتمنى هنا على الصديق الدكتور ذياب الطائي أن يجد طريقه في بحثه لتطوير الصحافة النسائية وتحسين أدائها ودفعها نحو تكوين مشروع صحافي أثير يتناول السعي من اجل نيل المرأة العراقية حقوقها الإنسانية والمدنية وان تكون الصحافة النسائية مؤثرا فعليا وقويا للمساهمة في صنع القرارات المتعلقة بدورها في تطوير بنية المجتمع العراقي لكي تحيا بإبداعها وآدابها وفنونها بدور قيادي يتناسب مع مكانتها وتعدد أدوراها في كل أبواب العلوم. ليس عندي غير توجيه التحية لمصنفات الدكتور ذياب في مساعيه الدراسية لتوسيع المعرفة التاريخية – الوثائقية عن دور ونفوذ المرأة العراقي عموما والمرأة الصحفية خصوصا والنهوض بدوره لسد نقص كبير في توثيق كفاحها الفكري وتوفير الفرصة للاطلاع على آثارها والتعرف عن نبض حركتها السياسية والاجتماعية من خلال عمل أوسع وأكمل بتطوير مشروعه الجليل في جمع وثائق متفرقة عن صحافة المرأة في ظل مرحلة تطور التكنولوجيا ووسائل الانترنت لتسهيل وسائل دخول المرأة العراقية الجديدة ، دخولاً تكميلياً .
ثم قرأت ملخصا لمقالة السيدة منى سعيد الطاهر , المنشورة في مجلة الشبكة العراقية ...حول الصحافة النسائية في العراق ... تضمنت تساؤلآت وإجابات إختارتها الكاتبة منى سعيد ... حيث كتبت ... لا بد من التوقف عند السؤال التالي : هل نجحت المرأة العراقية بعد التغيير في 2003 في الحفاظ على مكتسبات نضالها السياسي والإجتماعي عبر عقود من الزمن , أم عليها , أن تبدأ من جديد في ظل الصراعات السياسية والإجتماعية والأقتصادية المتجاذبة التي نعيشها اليوم ؟
سؤال خطير يجعلنا , أن نحدد بالضبط , ماهي تلك المكتسبات وكيف تم التراجع عن الكثير منها والتضحية بها , بالرغم من تحصيل البعض الآخر منها والعمل به بصيغته القانونية والشكلية معاٌ.
ويستمر حديثها ... واذا كانت الاجابة تتطلب وقفة شاملة من جميع النساء العراقيات في أي موقع كن , من أجل المراجعة والتصحيح وتدعيما لحقوق , لا بد أيضا من التوقف عند ما يطرحه الرجل العراقي المثقف من أفكار ومواقف ساندت وتساند المرأة عبر مسيرتها النضالية , ونضال المجتمع المدني في دروب التحرر والتقدم .
وكتبت ايضا ... هاهو د. ذياب الطائي الباحث والأديب ... يثير هذا السؤال , في مقدمة لكتابه ... تاريخ الصحافة النسائية في العراق , ويوضح فيه جهود المرأة العراقية والصحفية العراقية , بفصول قيمة من قبيل: نشوء وتطور الحركة النسائية العراقية , ونشوء الصحافة النسائية في العالم , وفي البلاد العربية .
ثم تركت الحديث للدكتور الطائي للتفضل بما يريد التحدث به بشأن الصحافة النسائية في العراق ... حيث شكر السيدة باسمة بغدادي على تقديمها وشكر موصول للبيت العراقي ورابطة بابل لإقامة هذه الندوة واللقاء بنخبة من المثقفين العراقيين في هولندا .
تناول الدكتور الطائي في بداية حديثه عن كتابه (الصحافة النسائية في العراق من 1923 ولغاية 2011) المنهج العلمي الذي استخدمه في البحث واوضح انه اختار العنوان على اساس أن مصطلح النسائية يمثل مفهوما ليبراليا في قضايا النقد الثقافي المعاصر وابتعد عن مصطلح النسوي والذي هو الترجمة (للأنثوية ) من منطلق راديكالي
كما عرض بعض الملاحظات عن بدايات الصحافة النسائية من جانب ان الريادة كانت لشابات مسيحيات مع استغرابه من عدم وجود نساء من اليهوديات العراقيات في هذا الحراك الثقافي عدا سعاد خيري .
بعدها تحدث عن وضع المرأة في الحضارات القديمة : العراقية والمصرية واليونانية والرومانية ، حيث لم يرصد أي تحرك لرفع الوعي النسائي من جهة المطالبة بحقوق النساء ، وبين ان هذا الحراك الاجتماعي بدأ في فرنسا في عام 1405 حينما اصدرت الشاعرة (كرستين دو بيزان ) ديوان شعر بعنوان (مدينة السيدات ) ثم الكتاب الذي اصدرته ماري دو كروناي وذلك في عام1622 بعنوان (المساواة بين الرجل والمرأة ) .
وبعد صدور وثيقة حقوق الانسان من قبل قادة الثورة الفرنسية عام 1789 قامت الناشطة النسائية (أولمب غوش ) بنشر ما أسمته (إعلانا حول حقوق المرأة ) هاجمت فيه الوثيقة وطالبت بإلغائها وإصدار تعديلا شاملا لضمان حقوق النساء، وقد دفعت (غوش ) حياتها ثمنا لهذا الاعلان حيث تم اعدامها في عام 1793
بعد هذا التمهيد انتقل الدكتور الطائي الى استعراض الحراك الفكري والفلسفي الذي بدأه كارل ماركس عام 1844 وجون ستيوارت مل عام 1870 ومساهمات روزا لوكسمبورغ وكلارا زيكتن في بدايات القرن العشرين .
وتناول الدكتور الطائي صدور اول صحيفة نسائية في الولايات المتحدة الامريكية عام 1831 ومن ثم بدايات تشكيل المنظمات النسائية التي قادت الى تشكيل الاتحاد النسائي العالمي في عام 1904والاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في عام 1945 والتي انتخبت لرئاسته الناشطة السودانية فاطمة احمد ابراهيم في عام 1991.
بعدها استعرض التيارات الفكرية النسوية من سيمون دي بوفوار الى الدكتوره جيرمين كرير استاذة الادب الانكليزي في بريطانيا.
وبين ان الاحصاءات الرسمية تشير الى وجود 70800 دورية نسائية في العالم موزعة على 542 موضوعا.
كما اورد بدايات الصحافة النسائية في البلاد العربية، حيث صدرت في مصر عام 1896 مجلة الفتاة وفي لبنان صدرت مجلة الحسناء عام 1909 وفي سوريا صدرت مجلة الفردوس عام 1910 وفي العراق مجلة ليلى عام 1923 وكانت موريتانيا آخر من شهد صدور مجلة نسائية هي مجلة مريم في عام 1983.
وبعد ان مهد لحديثه بتلك المعلومات التفصيلية عن تطور الوعي النسائي وتزايد اعداد الصحف والمجلات النسائية انتقل الى الحديث عن الصحافة النسائية العراقية , فأوضح أن الكتاب الذي وثق للموضوع قد اشتمل على ثلاثة فصول ، تناول الاول الصحافة النسائية الصادرة في العراق حسب العهود السياسة ، ففي العهد الملكي صدرت صحيفتان وتسع مجلات في بغداد وصحيفة واحدة في البصرة ومجلة واحدة في السليمانية.
وفي العهد الجمهوري صدرت في بغداد صحيفتان ومجلتان ولم يسجل صدور اية دورية نسائية في المحافظات.
وفي عهد حكم البعث صدر في بغداد صحيفة واحدة وثلاث مجلات إثتنان منها لم تستمر الا بضعة اسابيع ،وفي البصرة صدرت صحيفة واحدة وفي السليمانية صدرت 5 صحف بعد 1991 بعد خرج اقليم كردستان عن سيطرة الحكومة ، وفي اربيل صدرت صحيفة واحدة على ذات السياق.
اما بعد 9-نيسان 2003 فقد تغيرت الصورة تماما حيث صدر في بغداد4 صحف و16 مجلة وفي البصرة 3 صحف وثلاث مجلات،وفي السليمانية 4 صحف و3 مجلات، في كركوك 4 صحف و4 مجلات نفي اربيل صحيفة واحدة و4مجلات ، في النجف مجلتان في كربلاء مجلة واحدة وفي بابل مجلة واحدة وفي ديلى صحيفة واحدة.
وفي نهاية الفصل كان هناك تقييما لتلك الصحف والمجلات من الناحية المهنية.
في الفصل الثاني تناول الكتاب الصحفيات العراقيات اللواتي ترأسن تحرير صحف غير نسائية (سياسية ، أدبية ، عامة ).
أما الفصل الثالث فقد قدم الكتاب مجموعة واسعة من الصحفيات العراقيات اللواتي لم يرأسن التحرير او يعملن في قيادة صحيفة اومجلة.
واخيرا قدم الدكتور الطائي في كتابه دراسة تفصيلية عن الخطاب الاعلامي في الصحافة النسائية عبر ثلاثة انماط :
الاول : الخطاب الديني (مجلة رياض الزهراء ، مجلة الصديقة ومجلة بنت الاسلام )
الثاني : الخطاب الليبرالي (مجلة نون )
الثالث: الخطاب الراديكالي (مجلة نرجس )
بعد ذلك تركت فترة استراحة لتناول الشاي والقهوة ... بعدها فسح المجال للتدخلآت والإستفسارات والأسئلة والحوار والنقاش ... وكان أول المتداخلين , السيد ربيع البدري بدأ حديثة ... شاكرا للبيت العراقي على اقامة هذه الندوة الثقافية , واللقاء بالباحث د. الطائي ...الذي يغني مكتبتنا في الصحافة والبحوث العلمية ... وقال متسائلاٌ ... هل إن كتاباتكم , واصداراتكم ... كانت مخزونة أو مسجونة , ووجودكم هنا في هولندا قد أخرجت هذه المكنونات ؟
مامستى محمود محمد عثمان ...تحدث عن مساهمات ( كلارا زنكتن ) في الصحافة النسائية وطرحها للمساواة , وكذلك مساهمات ( روزا لكسمبورغ ) في دفاعها عن المراة وحقوقها ... وكانت تكتب بإسماء مستعارة خشية من الملآحقة من قبل اجهزة النظام القمعية في المانيا .... تحدث ايضا عن مجلة ( نرجس ) وجرأتها في طرحها عن قضايا المراة العراقية وحقوقها وهمومها . ... تحدث أيضا عن النساء في هولندا وتكوين جمعيات نسوية منذ عام 1896 , وكانت لها قوة وتأثير على النظام والمجتمع .
د. سعد أبو هشام ... تحدث عن عدم وجود دراسات اكاديمة عن الصحافة النسائية في العراق ... وقال ايضا برزت عدد من الصحفيات والصحف النسائية في العراق في الستينات والسبعينات من القرن الماضي في العراق وبعدد لا بأس به , ولكن مع الأسف كان الضعف واضحا , سواء على الصحفية أو الصحفي في شؤون المراة العراقية والأسرة والطفولة .
تحدثت السيدة أم فرح عن ,الإعلام والصحافة النسائية ومنظماتها ,وامكانياتها المالية الضعيفة وعدم وجود الدعم لها ... حيث حاجتها المالية لإصدار صحافتها ونشاطها , وهي مسئولية الجميع في مساعدتها للنهوض في واقع المرأة العراقية وعرض حاجاتها وحقوقها ومساواتها في الحريات العامة والخاصة وفرص العمل والمشاركة في القرارات التي تهم المراة والأسرة والطفولة والمجتمع وقانون الأحوال الشخصية وغيرها .... ودعم صحفية نضال المرأة التي تصدر في العراق , سواء الدعم المالي أوالمعنوي وبالكاتبة والبحوث والدراسات وغيرها.
السيد أبو فرح تحدث عن تأثير نظام الحكم وتأثيره الإجتماعي على الأسرة والمرأة والقوانين التي تسن لصالح المرأة وصيانة حقواقها وكذلك على الحركة الثقافية والإجتماعية والإقتصادية ... وصعوبة ترحيل ذلك على منظماتها المدنية وقصورها بهذا الصدد .
الدكتور ذياب الطائي شكر المتداخلين والسائلين ... واجاب عن الأسلة والأستفسارات بإختصار .
في نهاية الندوة قدمت باقات من الزهور للباحث الدكتور الطائي وللسيدة مديرة الندوة , شاكرين لكل من حضر وساهم في البحث والنقاش .
عبد الرزاق الحكيم
لاهاي/هولندا ... 23/4/2013










5
الصحافة الشيوعية ,,, قراءة وتأملات ج1 – 3

بقلم: الدكتور سلام الأعرجي

اشارة : الصحافة اليسارية في العراق 1924 – 2002 , كتاب منشور لمؤلفه الدكتور ذياب فهد الطائي * وهو واحد من اكثر الابحاث والدراسات العلمية اهمية في مجال الصحافة , وياتي هذا المنجز الابداعي الثالث في سلسلة ابحاث الطائي ** في مجال الاعلام والصحافة العراقية , الا ان فضاء البحث في الصحافة الشيوعية العراقية كان قد توفر على سمة المهيمن في متن البحث لذلك ستاتي مقارباتنا القرائية معنية في هذاالفصل لأهميته من وجهة نظرنا , لذلك وجب التنويه .
تقدمة : لم يكن الدكتور الطائي اول من بحث في هذا المجال كما انه لن يكون الاخير كذلك الا ان تفرده ياتي في اطار انتاجه ( لببليوجرافيا ) نسقية متخصصة ونوعية حيث تجاوز مفهوم الفهرسة والارشفة والتقوقع تحت المسميات المتعارف عليها في هذا المضمار كادراج المعلومات تحت عنوانات لاتقدم للمتلقي ايما فائدة ترتجى - تحديد اسم المطبوع , تاريخ صدوره , المؤلف , صاحب الامتياز - مالم تعضد بالمزيد من المعلومات الساندة . ان الاطلاع على (الببليوجرافيا ) النوعية للصحافة الشيوعية - مثلا - والتي انتجها الطائي تجعلنا في مواجهة تاريخ الحركة الشيوعية العراقية , قياداتها , حراكها السياسي والاجتماعي , نضالاتها , ادبياتها , وايغالا منه في تحديد ماهية وسمات المطبوع وتوجهاته شيوعية كانت او يسارية كان ذهب الى التعريف بالمطبوع من خلال المشتغلين عليه وما يطرح من دلالات معنياتية .
اشتغالات الطائي : اولا : - في مقدمة مكثفة جدا حاول الطائي انتاج معياره النظري لمفهوم اليسار المباعد مابين المفهومين الشيوعية واليسار- كان موفقا - وكان قد نحت لليسار اصطلاحا اجرائيا ينسجم مع ميكانزمات انتاج البحث - المتن - واهدافه معتمدا على العديد من القراءات لمفهوم اليسار منها قراءة ( قوجمان , ورياض صويا , وجميل هلال ) وخلص قائلا ( في تقديري ان اليسار , ابعد من مساحة الحزب الشيوعي وانصاره واضيق مساحة من ان يظم القوى الدينية والقومية ) 1 , وكان قارب المفكر الفرنسي ( جان فرانسوا ريفيل ) في تعريفه :( اليساري هو من يريد التقدم والتغيير الديمقراطي والعدالة الاجتماعية وذلك بصرف النظر عن العناوين التقليدية والاوصاف المتعارف عليها ) 2 , وكان الطائي الزم نفسه بالاشتغال على المنجز الصحافي وانتمائه في سياقه التاريخي وذلك ما جعلنا نتماهى معه حينا ونباعده في حين أخر !! كيف ؟ لقد نسب الباحث العديد من الصحف والمجلات
الى الشيوعي العراقي ونجدها على وفق توصيفه يسارية وليست شيوعية فالشرعية دائما وابدا كانت ولاتزال ملازمة لنهج الرفيق الخالد ( فهد) والرفيق الخالد ( سلام عادل ) بمعنى انها مع المعيار التنظيمي الذي انتجته المؤتمرات الوطنية للشيوعي العراقي من المؤتمر الاول حتى التاسع اي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بهيكلها التنظيمي . وكان الانتماء من عدمه والتواجد داخل المنظومة الشيوعية العراقية من عدمه يميزه اشتراطات العمل التي اعتمدها الرفيق فهد والرفيق سلام عادل وقيادات اللجان المركزية المتعاقبة وما توفر عليه النظام الداخلي للحزب ومن اهمها ان تقوم الذات او الكتلة المشتغلة خارج الاطار التنظيمي بانتقاد سلوكها والاعتذار الى قواعد الحزب وقياداته اولا , ومن ثم تتقدم بطلب اعادة الصلة بالتنظيم وعلى وفق فردي وهذا ما حصل مع مجموعة القريني و كتلة راية الشغيلة وجماعة وحدة النضال وجماعة الى الامام التي تصدرها ( ذو النون ايوب ) والتي اعلنت برائتها من جماعة الى الامام باعلانها ( ان الاستمرار في اصدار صحف معارضة لن يكون الا تاثيرا مهلك على الشيوعيين المخلصين , ولن يكون اقل من تدمير مقصود ) 3 . ان هذا البيان يؤشر ما ذهبنا اليه من ان ايما حراك انفصالي داخل الحزب يؤشر بذاته لذاته خروجه على الشرعية الحزبية وانفصامه عن الشيوعي العراقي لذلك أجدني منسجما مع الاراء التي ترى ان ايما مطبوع او منشور يخالف المرجعية الشيوعية انما يؤشر انتماءه المخالف ان لم نقل المناهض في اقل تقدير للاعراف والتقاليد الحزبية والمنظومة الفكرية والقيمية التي اقرها النظام الداخلي واجراءات المؤتمرات الوطنية للحزب الشيوعي العراقي التسعة .
ثانيا : - خلص الطائي الى تكثيف وتكييف معيار نظري وصفي وتحليلي لمفهوم اليسار استبعد فيه الحركات المنسوبة الى اليسار كالحركات القومية المتطرفة والدينية وطهر مفهوم اليسار من شبهة انتماء حزب البعث الى مسمياته حين قال ( ان مصطلح اليسار , بعيدا عن الاستعراض التاريخي , يعكس معيارين اساسيين هما : اولا – المعيار القيمي والاجتماعي الذي يتضمنه البرنامج السياسي لأية حركة او حزب او تجمع . ثانيا - طبيعة الرؤية المنهجية لحركة التاريخ والمجتمع باعتباره العنصر الفاعل في تلك الحركة في الصراع مع الراسمالية وما تولده من استلاب لفرص التنمية والافقار والبطالة )4, وبقدر اتفاق الدكتور الطائي مع ( حسين هلال ) في هذه القراءة لمفهوم اليسار , نحن ايضا نتفق معه وللاسباب الآتية :
1 – اليسار مصطلح واسع جدا ومتشعب ,فهو قد يشير الى الاشتراكية واليبرالية الاجتماعية او الديمقراطية الاشتراكية او الثورية حتى , واذا كانت اليبرالية الاجتماعية تؤكد على الحريات , والديمقراطية الاشتراكية تؤكد على التداول السلمي للسلطة والتزام النهج الديمقراطي في كل جوانب الحياة , فاليسار الثوري لايؤمن بالملكية الشخصية ولا بالملكية الخاصة لوسائل الانتاج ولعل ابرز ما يميز توجهات اليسار على مختلف منطلقاته النظرية ومنظوماته الفكرية معارضته هيمنة فئة او شريحة اجتماعية على السلطة والثروة والسعي الحثيث للقضاء على اللامساوات الاجتماعية ومناهضة التمييز العنصري على مختلف اشكاله وكان اليسار على أختلاف توجهاته تبنى كافة قضايا الطبقة العاملة وكان عدها نصغ الحياة الصاعد , وتاسيسا على ماتقدم فان حزب البعث لايمكن ان يكون من الاحزاب اليسارية , فهو حزب عرقي عنصري لايؤمن بالقوميات الشريكة في الوطن الذي نادى
بوحدته , ومارس كافة انواع الاضطهاد والعسف والتصفيات الجسدية تجاه كافة الحركات الوطنية في العراق وسوريا على حد سواء , وكان حارب المعتقدات الدينينة والفكرية , وتوفر على السلطة في سوريا والعراق بعيد انقلابات دموية , وقام بدك المدن المعارضة لسلطته بالصواريخ والمدفعية الثقيلة بل حتى بالاسلحة الكيمياوية المحرم استعمالها دوليا ضد الجيوش المعادية و المدججة بالسلاح وليس ضد الشعوب المسالمة , فيما خاضت عصابة البعث في العراق ثلاثة حروب عبثية تدميرية وفي عقد واحد من الزمن فقط , جدير بالذكر ان قيادة البعث في العراق همشت الطبقة العاملة تماما واقصتها عن اداء ايما دور تاريخي لها بهيمنتها على نقاباتها وجعل كافة العاملين في الدولة والقطاع العام موظفين حكوميين فانا يكون البعث الشوفيني حركة يسارية ؟ .
2 – لم ولن يكن حزب البعث يساريا على وفق المعايير التي اشرنا اليها فيما تقدم وكان النسخة التوأم لحركة القمصان البنية الفصيل الاعتى والاشرس في التيار النازي . ولكن متى توفر البعث على بعض المفاهيم النظرية ذات التوجه الماركسي ؟ نعتقد ان ذلك هو السؤال الاهم !! والذي تجيب عليه ما يسمى وثائق ألمؤتمر القومي السادس لحزب البعث حيث كلف ياسين الحاففظ بكتابة بعض المنطلقات النظرية التي شكلت انقلابا في البنية الفكرية للبعث وكان كلف من قبل قادة انقلاب الثامن من آذار عام 1963 في سوريا وكان ابرزهم حافظ الاسد ونوري الدين الاتاسي , وصلاح جديد وحمود الشوفي وجورج طرابيشي الذي انظم لاحقا , وياسين الحافظ هذا الذي اعد الورقة ألفكرية لحزب البعث السوري كان اطلع على الفكر الماركسي والشيوعي واوغل فيه ايمانا من خلال مرافقته للمناضل الشيوعي الياس مرقص ,وفي غمرة اعداد البعث السوري للمؤتمر السابع اكتشف ياسين الحافظ مراده في عبد الله العروي وتحول المؤتمر من السابع للبعث الى ألمؤتمر الاول لحزب العمال الثوري العربي وكان صلاح السعدي ومجموعة من قيادات الشيوعي السوري وبعض الاسماء واردة الذكر وراء ولادة ذلك الحزب الذي سرعان ما لفض انفاسه , جدير بالذكر ان من ابرز المناهضين لولادة هذا التوجه هم ميشيل عفلق , صلاح الدين البيطار , امين الحافظ و محمد عمران مجموعة مايسمى القيادة القومية . جدير بالذكر أيضا ان عفلق وفي مقابلة صحفية له في آذار عام 59 كان اكد أن البعث لاهدف له سوى تصفية الشيوعيين اينما حلوا في الوطن العربي وكان بيان الابادة في شباط 63 / العراق نسخة طبق الاصل عن هذاالمسعى النازي المدفوع الثمن سلفا من القوى المناصرة له متمثلة في الامبريالية العالمية والراسمالية المتوحشة والدوائر الصهيونية و سقط المتاع من اقطاع ورجعية. في الجزء الثاني سنتحدث عن الخطاب الاعلامي الشيوعي ودوره في تعزيز العمل الوطني المشترك , وتنمية الديمقراطية السياسية والاجتماعية من خلال الوثائق والمعلومات التي توفر عليها كتاب الدكتور الطائي الموسوم ( الصحافة اليسارية في العراق 1924 – 2002).
الهوامش ........................................... .
• الدكتور ذياب فهد الطائي / عميدكلية الصحافة / جامعة لاهاي العالمية للصحافة والاعلام ... من مواليد ا واسط . يقيم في هولندا مذ عام 1996. له العديد من المؤلفات في مجال الاقتصاد والادب والاعلام . نعتقد ان الطائي كان توفر في العديد من ابحاثه - رغم خبرتنا المتواضعة في مجال البحث الاكاديمي – على ابرز سمات الباحث العلمي كالموضوعية
والصبر والتجرد عن الهوى ودقة انتقاء المصادر والمراجع والاهم من كل ما تقدم ان الطائي اجتهد في الاشتغال على مفردات ابحاثه في اطار سياقاتها التاريخية فارتقى بمنجزه البحثي الى مصاف الوثيقة المرجع .
** اصدر الطائي سلسلة من الابحاث في مجال الاعلام منها ( تاريخ الصحافة في البصرة 1889 – 2009) و( التضليل الاعلامي من صناعة الخبر الى صناعة السينما ) وكتاب الصحافة اليسارية . وسيصدر للباحث عما قريب جدا الصحافة النسائية في العراق .
1 – الدكتور ذياب فهد الطائي , الصحافة اليسارية في العراق ( دمشق : امل الجديدة , 2011 ) , ص22
2 – المصدرالسابق نفسه , ص 24.
3 – المصدر السابق نفسه , ص 63


6
مصطلحات عن المرأة بحاجة الى توضيح

د.ذياب فهد الطائي
نستعمل في الكتابة عن الشأن النسائي كلمتي (النسائية ) بحالة الجمع ، و (نسوية ) ، فنقول مثلا : هذه امور نسائية أو هذه أمور نسوية
وينصرف الذهن الى المعنى المجرد باعتبار المقصود هو جمع كلمة المرأة ، وفي هذا تجاوز على المعنى الاصطلاحي الذي ساد ادبيات الفكر الاوربي عن شؤون المرأة ، فقد استقرت تلك الادبيات على أن كل كلمة تعني مصطلحا يتمتع بمرجعية فلسفية وبنتائج عملية مغايرة
وسنبين هنا بإيجاز اصل نشوء المصطلح ومرجعيته الفلسفية والآثار العملية المترتبة عليه   
1-   الانثوية ( (Feminism
والتي تعّرف  بأنها حركة اجتماعية فكرية سياسية متعددة الأفكار والتيارات، ظهرت في أواخر الستينيات من القرن التاسع عشر، تسعى للتغيير الاجتماعي والثقافي وتغيير نمط العلاقات بين الجنسين، وتتسم أفكارها
وصولا إلى المساواة المطلقة كهدف إستراتيجي بالتطرف والشذوذ وتتبنى صراع الجنسين وعدائهما وتهدف إلى تقديم قراءات جديدة عن الدين واللغة والتاريخ والثقافة وعلاقات الجنسين، وتطورت الحركة الأنثوية في منتصف عام 1989م، حينما طالبت بتوسيع فرص التعليم والمساواة ألقانونية وحقوق المرأة ألضائعة ولعل سوء أوضاع المرأة في الغرب عامة، و تطور الثورة الصناعية
هي التي دفعت الحركة الأنثوية الى أن تتبني أفكارا أكثر تحررا، وحطمت كافة القيود الأخلاقية وتبنت مطالبتها ،حق المرأة المطلق في ممارسة الجنس مع من تحب وتشتهي ، ورفض مؤسسة الزواج
كما تبنت الحق المطلق في الإجهاض.. وانطلقت تلك الأفكار من رؤية أساسية تبنتها تلك المدرسة ،كطروحات: (سيمون دي بوفوار)، التي تقول: (لا يولد المرء امرأة، بل يصير كذلك)،
إلى أن تطورت أجندة الحركة الأنثوية الأمريكية لتشمل تكثيف الضغط على الحكومة والكونجرس للتصديق على اتفاقية (مكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة)
(Cedaw) المعروفة بـ (
وفي الحقيقة فإن هذا التوجه يمكن اعتباره نزعة وطريقة للتناول والمعالجة وليست مدرسة فلسفية، وقد اتسمت بعدم ألواقعية والبعد عن ألتدرج والانحياز المفرط للمرأة دون النظر إلى السياق ألاجتماعي والمصالح التي هي فوق الرجل وفوق المرأة أيضًا. وقد طالبت بتغيير جذري في مجموع علاقات الجنسين داخل الأسرة وفي المجتمع على حد سواء بزوال السلطة الأبوية وباستئصالها وصولاً إلى المساواة المطلقة وسيادة علاقات النوع في المجتمع genderization of societyأو ما يسمى  "
Womanism2-  النسائية 
وتعرف بالليبرالية الأنثوية التي تبنت أفكار المساواة في الأجور وفرص العمل
، واقتصرت على قضايا الحقوق السياسية، كما تفسر الليبرالية الغربية طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، انطلاقا من كون المرأة ضعيفة من حيث القوة
العضلية والفيزيائية، فالرجل بقوته البدنية ، يقوم بإخضاع واستعباد المرأة،
كما يرى (جون ستيوارت ميل (1873-1806) أن كل امرأة يعولها زوجها قد باعت في الواقع حريتها بثمن بخس عندما استبدلت بها الطعام والمأوى
   ولا يمكن لأي انسان حر ان يفكر في مثل هذه الصفقة ،دع عنك ان يقبلها .. وهي فضلا عن ذلك لا يمكن ان توجد في مجتمع يوصف بأنه مجتمع حر
من هنا فإن البعض يفرق بين مصطلح (النسائية ) و( النسوية ) على اساس أن النسائية يمثل مجموع الفعاليات والنشاطات التي تقوم بها النساء دونما تمييز في المنطلقات وأن الأساس الفلسفي لهذه الحركة هو مبادئ وقيم الثورة الفرنسية (1789 )التي توجهت للنهوض بواقع المرأة المتردي وتعرضها للعديد من المشاكل الاجتماعية والنظرة الدونية لها
أما (النسوية)  فهو مصطلح يقصد به تحقيق الرغبة الجامحة في الاستمتاع الجنسي وقضاء الشهوة دون أي قيد كان ؛ فالمناداة بحق المرأة في إطلاق رغباتها الجنسية , والحب الحر , والزواج المثلي وما تبع ذلك من حقوق الإجهاض ورفض الرضاعة والحضانة والتربية كان هدفه في الغالب تحقيق مآرب شخصية أو أغراض مشبوهة 
وتعرف "سهام القحطاني"  الفكر النسوي" على أنه منظومة فكرية، أو مسلكية
مدافعة عن مصالح النساء وداعية إلى توسيع حقوقهن، أو هي انتزاع وعي فردي بداية ثم جمعي، متبوع بثورة ضد موازين القوى الجنسية والتهميش الكامل للنساء في لحظات تاريخية محددة،تلك  التي يظهر فيها الصبغة الغربية واضحة في تعريف النسوية من حيث رفض القيم والأعراف ألاجتماعية وتأكيد قهر المجتمع للمرأة
ويمكن ان نلمس عدم اندفاع الحركة النسائية العراقية الى مصطلح ( النسوية) ومفهومه ألفلسفي الى أن قيادات الحركة النسوية في الغرب عموما ،جاءت ، من قاع المجتمع أي من النساء العاملات المطحونات اللاتي يطالبن بحقوقهن ألعادلة بينما تزعمت الحركة النسائية في العراق سيدات المجتمع الراقي  كآسيا وهبي وزميلاتها ومن ثم كانت حركة نخبوية من أعلى السلم الاجتماعي كآمنة الرحال .وعموما فان النخبة النسائية المؤثرة في المجتمع كانت توجهاتها في جانب العمل السياسي ومحاربة الاستعمار ولهذا انخرطت في النضال الوطني  ، فضلا انها  لا تجبر على العمل (كسب العيش )فهي في كنف أب أو زوج أو أخ
وتتعدد المرجعية الفلسفية لمصطلح النسوية K ويرى البعض انه يرتبط أساسا بالماركسية 
كتب ماركس يقول سنة 1844:"فلا يمكن أن تكون حرية، ولم تكن قط، ولن تكون يوما حرية حقيقية طالما لم تتحرر المرأة من الامتيازات التي يكرسها القانون للرجل، طالما لم يتحرر العامل من نير ألرأسمال طالما لم يتحرر الفلاح الكادح من نير الرأسمالي والملاك العقاري والتاجر".
ولكن مالابد الاعتراف به هو ان الحركة الماركسية في أوربا وبعيدا عن الضجيج الإعلامي قد هيأت للمرأة فرصة الاشتراك في حركة المجتمع بفعالية ففي عام 1848 ألقت المناضلة الألمانية فلويزا أوتا خطبة في (أخوية للعمال) أشارت فيها إلى ضرورة إشراك النساء في التنظيمات العمالية. وكان ماركس وراء القرار السابع الذي اتخذه مؤتمر مندوبي الأممية الأولى المنعقد بلندن من 17 إلى 23 سبتمبر 1871.
ونص القرارعلى مايلي:" يوصي المِؤتمر بتشكيل فروع نسائية داخل الطبقة العاملة، شرط أن لا يمس هذا القرار بوجود أو بتشكيل فروع تضم عمالا من الجنسين".
وبعد تقديم هذا القرار المتخذ من طرف المجلس العام أمام المؤتمرين، برر ماركس موقفه بأنه يرى ضروريا تأسيس فروع نسائية محضة في البلدان التي تستخدم فيها الصناعة النساء بأعداد كبيرة. إن النساء يلعبن دورا كبيرا في الحياة، يعملن في المصانع،يشاركن في الإضرابات....إن لهن حماس أكثر من الرجال .

وفي منتصف ثمانينات القرن 19، وفي ألمانيا، قامت المناضلة الاشتراكية (وليام شاك )بتأسيس جمعيات للتثقيف الذاتي ونوادي نسائية للعاملات لكن السلطات في ألمانيا آنذاك وضعت حدا لهذه التجربة بإصدار  القوانين التي تمنع النساء من العمل النقابي والسياسي.
ورغم كل هذا وإلى حدود 1896 تاريخ انعقاد مؤتمر غوتا للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني الذي وضع لأول مرة قواعد العمل التنظيمي والتحريض الخاص والمستقل بين النساء، ظل الاتجاه السائد داخل الأحزاب الاشتراكية آنذاك يحكمه منطق تبسيطي اختزالي للحركة النسائية لا يراها إلا مندمجة بالحركة العامة للطبقة العاملة دون إدراك لخصوصية العمل وسط النساء العاملات.
أما في الولايات المتحدة الامريكية  فقد بدأت الحركة النسائية بصورة فاعلة  في عام  ، 1857 حين نفذت مجموعة النساء العاملات في مصنع نسيج في نيويورك في 08-03-1857 ، اضرابا للمطالبة  برفع الأجور’ وتضامن معها
  العمال والعاملات في المصانع الأخرى.لكن الإضراب جوبه بقسوة.
وفي عام 1888 تأسست جمعية نساء الولايات المتحدة الامريكية وبعدها بست سنوات ، أي في عام 1904 تأسس الاتحاد النسائي  العالمي من أجل النضال في سبيل المساواة ألسياسية وكذلك تأسس الاتحاد النسائي البريطاني وفي عام 1888 تأسست جمعية نساء الولايات المتحدة ألأمريكية وفيما بعد تأسست جمعية نساء العالم بمبادرة من نساء أمريكا.
وفي عام 1945 تأسس الاتحاد الديمقراطي العالمي
 (فبدعوة من مناضلات فرنسيات.. اجتمع في باريس مندوبات من بلدان أوروبية اكثر من 13 بلدا التي انهكتها ألحرب وكانت مصر الدولة العربية الوحيدة بين هذه الدول التي حضرت وساهمت في تأسيس هذا الاتحاد ممثلة في المناضلة المصرية (سيزا نبراوي) والتي لها علاقة قرابة بالمناضلة المعروفة هدي شعراوي.. وقد كرس الاجتماع الذي تمخض عنه الاتحاد النسائي الديمقراطي ألعالمي الدفاع عن السلم ومنع الحروب في ألعالم من واقع يمت بطبيعة المرأة: حبها للسلم وكراهيتها للحرب.. وقد برز الاتحاد الديمقراطي العالمي علي الصعيد ألعالمي وتعززت سمعته بين نساء ألعالم في الدفاع عن حقوق المضطهدين والمعدمين والمحرومين من النساء والأطفال.. بغض النظر عن العرق والدين والجنس واللون من أجل تحقيق حياة آمنة كريمة مستقلة في العيش والرزق ومساواة فعلية في جميع الحقوق. ويتشكل الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي من (160) منظمة تعود الي أكثر من (120) بلدا من مختلف القارات.. وقد انضوت في هذا الاتحاد معظم الدول العربية.. وتقول( لندا مطر) المناضلة اللبنانية.. بأن المجلس النسائي اللبناني الذي يضم (150) منظمة نسائية لبنانية هو عضو بارز في هذا ألاتحاد وكذلك الاتحاد النسائي البرازيلي الذي يضم (40 ) منظمة نسائية هو عضو في هذا ألإتحاد وينضوي في الاتحاد النسائي الديمقراطي ألعالمي أكثر من (600) منظمة نسائية منتشرة في ألعالم وقد اقرت الامم المتحدة باقتراح من اتحاد النساء الديمقراطي ألعالمي تحديد سنة 1975 سنة عالمية للمرآة كما ان للاتحاد مركزا استشاريا في هيئة الامم ألمتحدة)
تباينت وسائل عمل الحركات( النسائية/ النسوية ) باختلاف مدارسها ومذاهبها الفكرية واختلاف النظم السياسية والاجتماعية التي سادت بيئاتها , ففي حين اعتمدت الحركة( النسوية) في ظل الأنظمة الاشتراكية (قبل سقوط هذه الأنظمة) على سلطة  الحزب الذي  يحكم  الحياة الاجتماعية ويحدد السياسات والخطط الحكومية لتقوم الدوائر والمنظمات والنقابات العمالية للحزب بتنفيذها وتحقيقها, وتحويلها من أدبيات نظرية إلى مظهر سلوكي عام.
أما الحركات النسائية الليبرالية في المعسكر الغربي ألمقابل فقد كانت تتمتع بحرية كاملة في تنظيم جهودها وصياغة أفكارها والنضال من أجل تحقيق رؤاها عبر كافة السبل والهياكل الرسمية والحكومية والأهلية والشعبية .
وهكذا ظهر في السبعينات من القرن الماضي تيار (( النسوية المثلية )) ليؤسس علاقات إنسانية جديدة تقوم على مثلية تتساوى أطرافها جميعا  كما نشأت ( حركة النسويات السوداوات) في أوساط السود الذين ناضلوا من أجل حقوقهم في ظل التمييز الغربي للجنس الأبيض.
وفي الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي ومع تصاعد الكوارث البيئية دخلت الحركة النسوية في الموضوع البيئي .
وقد استغلت الحركة النسوية الليبرالية (الغربية )أجواء الحرية الديمقراطية للتنسيق فيما بينها والوصول إلى مواطن صنع القرار عبر المشاركة السياسية للمرأة، كما استغلت أجواء انفتاح السوق لتكريس وجود المرأة في الحياة العامة والتعليمية والعملية والقطاعات الخاصة. وقد استطاعت هذه الحركة ان تؤثر على المواثيق الدولية الخاصة بالمرأة   ، وقد ظهرت مصطلحات جديدة في الأجندة البحثية لدراسات الصحافة النسائية منها (الجندر )بديلا عن المرأة وgender discrimination
و  ويقصد به المرأة التي لاتستطيع أن تعبر عن نفسها
بمعنى التمييز على أساس النوع silent speaker
وأدى ظهور النظريات الفلسفية بعد الحرب العالمية الثانية الى أن تتشكل صيغ عديدة (للراديكالية ) الأنثوية  كالحركة الأنثوية الوجودية التي تشكلت على الفلسفة الوجودية التي قدمها جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار في كتابها (الجنس الآخر )
والفلسفة الوجودية : هي فلسفة التجارب الشخصية والفردية، فلسفة الشك والرفض قبل القبول واليقين
والتي تتبنى أفكارًا تشكيكية أهمها: "إن السبب العميق الذي حصر المرأة في العمل المنـزلي في بداية التاريخ، ومنعها من المساهمة في تعمير العالم هو: استعبادها لوظيفة التناسل".
وتقول  (بوفوار )عن دور التنشئة في خلق وضع المرأة " لا يولد المرء امرأة بل يصير كذلك") وتقول: "إن سلوك المرأة لا تفرضه عليها هورموناتها ولا تكوين دماغها بل هو نتيجة لوضعها".
وأخيرًا تدعو المرأة إلى الرفض والثورة والتمرد على هذا الواقع وتدعو إلى: "عالم يكون فيه الرجال والنساء متساوين... وستعمل النساء وقد ربين ودربن كالرجال تمامًا، في إطار الظروف نفسها، وبالأجور نفسها، وستقر العادات (الحرية الشهوانية)، ولكن العمل الجنسي لن يعتبر خدمة مأجورة، وستكون المرأة ملزمة بتأمين مورد رزق آخر، وسيقوم الزواج على ارتباط حر بوسع الزوجين أن يلغياه متى شاءا، وستكون الأمومة حرة أي يسمح بمراقبة ألولادات
كما ظهرت الأنثوية النوعية والتي  يمكن اعتبارها نزعة وطريقة للتناول والمعالجة وليست مدرسة فلسفيه،  وقد اتسمت بعدم الواقعية، والبعد عن التدرج، والانحياز المفرط للمرأة دون النظر إلى السياق ألاجتماعي والمصالح التي هي فوق الرجل وفوق المرأة أيضًا. وقد طالبت بتغيير جذري في مجموع علاقات الجنسين داخل الأسرة وفي المجتمع على حد سواء بزوال السلطة الأبوية واستئصالها وصولاً إلى المساواة المطلقة وسيادة علاقات النوع في المجتمع أو ما يسمى "genderization of society ".
وردا على التوجه الذي ساد في الصحافة النسائية في التسعينات من القرن الماضي بالتركيز على امور المودة والأزياء والجمال والذي هو في جوهره ليس سوى ردة تدعم الثقافة الابوية   
Parteriarchical culture
 
من خلال مقاييس جمال محددة ، وإن انشغال المرأة بجمالها الذي تروج له المجلات النسائية ، فقد اعتبرت الحركة النسوية كل ذلك  ، السلاح الأخير في أيدي الرجال للتغلب على المرأة ، وقد تبنت هذه المقولة الباحثة المنتمية للحركة النسوية (نعومي وولف في كتابها (أسطورة الجمال ) 


7
الملامح الرئيسة للصحافة النسائية في العهد الملكي

د. ذياب فهد الطئي
 
إن من ابرز الملامح لأي متتبع لمسار حركة الصحافة النسائية انها بدأت في العراق على يد السيدة بولينا حسون المولودة في الاردن والمتعلمة هناك والقادمة الى العراق وقد تجاوزت العقد الثاني من عمرها ، وللتوضيح لابد من الاشارة الى انها مسيحية
كما كانت السيدة مريم نرمة  المثقفة المسيحية هي الشخصية المهمة في هذا التاريخ ،  وفي تقديري فإن السبب المباشر لريادة الفتيات المسيحيات للعمل الصحفي ، يرجع الى ما يتمتع به المسيحيون (في حينه ) من انفتاح اجتماعي ووعي ثقافي ، يسمحان بتحرك المرأة في انشطة متنوعة في حين سجل هذا العهد عدم وجود اية صحفية يهودية رغم ما كانت تتمتع به الجالية اليهودية من مستوى ثقافي وصدور العديد من الصحف اليهودية فضلا عن فعالية الصحفيين اليهود في الصحافة العراقية
ويمكن ان نشخص هنا الملامح التالية للصحف النسائية في العهد الملكي
 
1- إن الصفة العامة المشتركة للنساء الرائدات في الحركة الصحفية العراقية إنهن من الطبقة الموسرة والتي اتيح لها ان تبعث بفتياتها الى المدارس
 
2- ان الجمعيات النسائية هي التي استطاعت ان تواصل العمل الصحفي بإصدار المجلات والصحف وذلك بسبب عدم توفر مصادر للتمويل، فالمبيعات ضئيلة والإعلانات لم يكن من المتعارف علية استخدامها على نطاق واسع
 
 
3- إن معظم المطبوعات التي صدرت كانت مجلات وليست صحف ، ومن بين 13 مطبوع  نسائي ، صدر في العراق، كانت حصة المجلات 10 والصحف 3 فقط
 
4- اهتمت الصحف والمجلات بموضوع حرية المرأة  وخاضت معارك ضارية ضد الصحافة المحافظة والتي سميت في حينها بمعارك السفور والحجاب وقسّم المجتمع بين معارض ومشجع ،كان يقود فريق المعارضة كل من محمد بهجت الأثري وجميل المدرس و رشيد عالي الكيلاني وسلمان الشواف وتوفيق الفكيكي والشاعرالشعبي الملا عبود الكرخي وآخرون، كما عهد داود العجيل رئاسة تحريرجريدة البدائع الى الأثري خصيصا لمواجهة المجددين، فإنبرت هذه تهاجم الطرف الآخروتعتبر دعوتهم  خروجا على الفضيلة وتمردا على الآداب . وقال الأثري في مقال نابي اللهجة الى دعاة السفور والتحرر:
 
(ألقوا حبل نسائكم على غاربهن ودعوهن سافرات ودعونا نفعل بهن ما نشاء ، إن شئنا قتلناهن وإن إردنا وأدهن فلستم علينا بمسيطرين )
 
فسارع الصحفي حسين الرحال الى الرد عليهم بجرأة وعنف على صفحات مجلة (الصحيفة )ومعه عصبة من الشباب كالأديب مصطفى علي ومحمود أحمد السيد وسامي شوكت وعوني بكر صدقي ومحمد سليم فتاح . كما انضمت جريدة العراق التي يتولى تحريرها رزوق غنام وروفائيل بطي الى جانب دعاة السفور. وكتب فيها سامي شوكت مقال جاء فيه : (إن المطالبين في بقاء تستر المرأة وأسرها يكون طلبهم منطقيا أكثر لو طلبوا إلغاء التعليم ورفع التهذيب والإبقاء على الحالة الهمجية للمجتمع)
وعكست مجلة (الصحيفة )في أعمدتها أحدث الآراء في التاريخ والأدب والنظريات السياسية والاقتصاد وعلى صفحاتها تتبع الجمهور العراقي نهضة المرأة التركية والإيرانية واللبنانية والمصرية ، ومن تلك المقالات نقتطف هذا المقطع للكاتب محمود أحمد السيد الذي يقول فيه :
( سنواصل مسيرتنا في سبيل الحرية الفكرية والحق والمثل العليا .. نحن أقوياء بأنفسنا أقوياء بأقلامنا ، سنكشف قناع الرياء عن ميراث العصور المظلمة وسنزهق الباطل ونسحقه سحقا ونرفع للمرأة راية التعليم والتحرر الاجتماعي ، وذلكم واجبنا الأكبر) .
كان لهذه المجلة أثرها الكبير في تنبيه أذهان الناس والتمهيد لخلق مفاهيم حضارية جديدة ، فنشط المجددون بشكل واضح)، وانضمت إليهم أسماء جديدة مثل طالب مشتاق وكامل السامرائي وعبد الحميد رفعت وشاكرا لأوقاتي وساطع الحصري ومحمد بسيم الذويب وغيرهم.
 
و كتبت إحدى سيدات بغداد مقالها تحت إسم مستعار(فتاة غسان) متهكمة من دعاة الحجاب قائلة : (يقول هؤلاء المستبدون إن البرقع والحجاب ليس معناه أسرالمرأة ، فأرجو من الرجال أن يجربوا ولو لإسبوع لبس البوشي والعبائتين.
 
كما كان على رأس الداعين لحرية المرأة الشاعر معروف الرصافي
 
5-  لقد لعبت كل من مجلة (ليلى ) و(فتاة العرب ) دورا بالغ الاهمية في ترسيخ موضوع حرية المرأة والانتصار في معركة السفور والحجاب مما ساعد على دخول المرأة العراقية ساحة اخري
فبدأت تأسيس جمعيات نسائية ذات طابع وأهداف خيرية كالفروع النسائية لجمعيّة الهلال الأحمر وجمعية حماية الأطفال وجمعيّات نسائية كجمعية مكافحة المسكرات والعلل الاجتماعية وبيوت الأمة والأخت المسلمة.
  وفي السليمانية تأسست لجنة نسائية لمساعدة الفقراء في المدينة بتشجيع من السيدة حفصة خان الحفيد أثناء الحرب العالمية الثانية وتحولت فيما بعد الى الجمعية النسائية الكردية
بروز اتجاهات جديدة حول الحركة النسائية وربط قضية المرأة بقضية النضال من أجل الأهداف الوطنية ومساهمتها فيه .
وتأسست أ ول منظمة نسائية باسم اللجنة النسوية لمكافحة الفاشية تحمل أهداف مزدوجة الخاصة والعامة .
 اشتراك المرأة في المؤتمرات العربية لأول مرة في مؤتمر لنساء الشرق في دمشق، وحضرته السيدة أمينة الرحال التي أصبحت عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي 1941 – 1943
- خروج مظاهرة نسائيه شارع الرشيد – حملت مذكرة الى الوصي ورئيس الوزراء ومجلس النواب حول توفير الخبز للناس وتعرضت المظاهرة للقمع .
و في عام 1943 خروج مجموعات من نساء الكرخ بمظاهرة مطالبة بالخبز والضرب على أيدي المحتكرين .
- تأسست في عام 1944 جمعية نسائية بأسم رابطة نساء ذات أهداف مشتركة الخاصة بقضايا المرأة ,والعامة بالقضايا الوطنية –ولعبت دورا كبيرا في توعية النساء ومكافحة الأمية برئاسة السيدة عفيفة رءوف وأصدرت مجلتها باسم (تحرير المرأة ).
- تأسيس الاتحاد النسائي العراقي عام 1945 برئاسة السيدة آسيا وهبي وبقرار من الاتحاد النسائي العربي .
تم  تأسيس عدد من الجمعيات والنوادي النسائية في تلك الفترة ذات أهداف خاصة كنادي البنات البغدادي,جمعية خريجات دار المعلمات ,ونادي المعلمات والجمعية النسائية لمكافحة الأمية,وجمعيات دينية أسلامية ومسيحية .
- اتسمت ألأعوام – 1947 بتوفير جو من الديمقراطية النسبية,وانتعاش للحركة الديمقراطية العامة والحركة النسائية التقدمية .
- اقامة نشاطات اجتماعية وثقافية ومناقشة حقوق المرأة وغيرها
 
كل ذلك نقل اهتمامات المرأة الى العمل السياسي - فساهمت في النضال من أجل القضايا  الوطنية والد يمقراطية .
6-  مما تقدم يتضح لنا ان الصحافة النسائية في العهد الملكي كانت شأنها شأن الصحافة العراقية عموما ، تعتبر صحافة رأي وتصنف على انها واحدة من أدوات التغيير في المجتمع ، إن على مستوى محاربة الجهل والتخلف والدفاع عن حرية المرأة ، أو على مستوى العمل السياسي
لقد كانت ( صحيفة العرب ) تحمل توجهات قومية وتحمل فكرا وحدويا ولهذا غلب على صفحاتها الجانب السياسي في التحرير[1]
 
7-  حيث ان الصحاف ة النسائية كانت تعاني من شحه الموارد المالية ، فإن هذا يكشف لنا أسباب اعتماد تحرير المطبوع على صاحبته ورئيس التحرير وبعض المتبرعين
 
8-  برز في محتويات مواد التحرير غلبة المواد المترجمة
 
9-  لم تهتم بإجراء تحقيقات صحفية كما انها ل م تتضمن إلا القليل من المقابلات وإجراء الحوارات الصحفية
 
10-                 كانت من ناحية الاخراج والتصميم ،فقيرة ، وذلك بسبب عدم توفر امكانات تقنية متطورة مما يتوفر في حينه
 
11-                      قلة مصادر المعلومات مع انعدام الاهتمام بالأرشفة
 


________________________________________
[1] د.إسماعيل إبراهيم ، مصدر سابق ص 78


8
ملامح من تاريخ النضال النسائي في عالم الصحافة

د.ذياب فهد الطائي


ربما لم تكن ، الفتاة القادمة من عمّان في عام 1922 الى بغداد ، والمفعمة بجرأة نادرة وبطموحات مشرقة ، تتنبأ أنها ستكون العامل الاكثر تأثيرا في حياة المرأة العراقية في القرن العشرين ، وهي تصدر مجلتها (ليلى )

كانت الدوائر التي أخذت تتلاحق وتتسع متحدية الامواج التي تحاول ان تحد من انتشارها تتوقف واحدة بعد الأخرى

محمد بهجت الأثري ، ومعه رشيد عالي الكيلاني وسلمان الشواف وتوفيق الفكيكي والشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي وصحيفة البدائع  و دجلة ، كانوا عوامل الصد التي لم توفق

لم يكن تضاعف موجات مجلة (ليلى ) يذهب باتجاه واحد في توجه افقي حسب ، وإنما حرك أعماق البحيرة التي كانت تبدو ساكنة يحكمها قوانين وثقافة  جعلت من  (عالم النساء في ذلك الزمان عالما مستقلا استقلالا تاما عن عالم الرجال ، كانت الحدائق العامة ودور السينما والنوادي تحدد أياما معينة وأوقات خاصة للنساء مراعية في ذلك إسلوب الفصل الاجتماعي الذي كان متبعا، بل حتى البيوت كانت مقسمة بين ما يسمى بـ (الحرم) وهو مخصص للنساء وبين الديوان خانة وهي المخصصة للرجال)[1]

وكانت البداية انبثاق ( نادي النهضة النسائية ) في 23/11/1924 ،تألفت هيئته الإدارية من (أسماء الزهاوي شقيقة الشاعرجميل صدقي الزهاوي ونعيمة السعيد وماري عبد المسيح وفخرية العسكري زوجة جعفر العسكري)

وفي عام 1929 دعى المؤتمر النسائي الأول المنعقد في القاهرة (نادي النهضة النسائية ) لإرسال من يمثله للمشاركة بأول تجمع نسائي عربي ، ولكن النادي لم يستطع تأمين المصاريف اللازمة لسفر المندوبة ، كما امتنعت الحكومة عن دعم النادي

وفي عام 1930 انعقد المؤتمر النسائي الثاني في دمشق ،ومثل نساء العراق فيه كل من جميلة الجبوري وأمينة الرحال

وفي عام 1932 عقد المؤتمر النسائي الثالث في بغداد

في عام 1945 أسست (آسيا وهبي ) الاتحاد النسائي العراقي والتي ظلت ترأسه حتى عام 1958 , وأصدر الاتحاد مجلته في عام 1949

في عام 1946 تأسست جمعية مناهضة للنازية والفاشية باسم رابطة نساء العراق ، وقد دشّنت الرابطة النشاط العملي لليسار العراقي في العمل النسوي ، ولم تستطع الرابطة الحصول على ترخيص رسمي فتحولت الى جمعية سرية واصدرت جريدتها الخاصة

في عام 1948 سقطت الشهيدة (عدوية الفكيكي )كأول سياسية تسقط في المواجهة مع النظام الملكي ومن ورائه الحكومة البريطانية وذلك على أثر رفض الشعب العراقي اتفاقية (بورت سموث )

 

في عام 1952 تأسست في بغداد ( رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية) وحددت اهدافها:

1-النضال من اجل السلم والتحرر الوطني والديمقراطية .
2-النضال من اجل حقوق المرأة ومساواتها .
3-النضال من اجل حماية الطفولة وسعادتها .

تقول بشرى برتو [2](كانت الرابطة منذ تأسيسها منظمة نسائية تختلف عن المنظمات النسائية الأخرى فقد كانت الجمعيات النسائية الموجودة في ذلك الوقت والمنضوية في الاتحاد النسائي العراقي جميعها، هي جمعيات ذات طابع  خيري، لا تخرج عن حدوده وان خرجت فانها ستفقد اجازتها وحتى وجودها، سواء في داخل ألاتحاد النسائي او خارجه كما حصل للرابطة النسائية في الاربعينيات.
واختلاف الرابطة انعكس في أهدافها فهي اولا جمعت بشكل شامل حقوق المرأة في مختلف المجالات ووضعتها على رأس أهدافها ولم تسبقها الى ذلك اية منظمة أو جمعية نسائية عراقية وأضافت الى ذلك حقوق الطفولة ايضا. وثانيا أضافت الى أهداف المنظمة ومهامها أهدافا وطنية كانت القوى الوطنية كافة تجمع عليها وهي النضال في سبيل السلم والتحرر الوطني والديمقراطية)

وتتابع  معللة السبب في التوسع السريع في القاعدة الشعبية للمنظمة(وهكذا ولم يكد الشهر يمضي إلا ووجدنا قاعدتنا تتسع لبضع مئات من النساء المؤيدات للمنظمة الجديدة.
لا بد من الحديث عن مساعدة الحزب (الشيوعي العراقي ) في توسيع قاعدتنا. فقد دفع الحزب منظماته في بغداد و خارجها في مختلف الألوية (المحافظات) الى الالتفاف حول أعضاء الهيئة المؤسسة حيثما وجدن او تشكيل لجان لها والعمل بنفس الاسلوب الذي كنا نعمل به. وبهذا اتسعت قاعدة الجمعية اكثر فأكثر.)
وهنا تجدر ملاحظة التحول في مضامين الدعوة لتحرير المرأة بعد توفر منطلقات فكرية وايدلوجيا حددت طريق ومهام العمل للناشطات في هذا المجال ، اللواتي كان الدافع لعملهن ايمانهن بقضية المرأة والوطن ولهذا اندفعن بإخلاص متناه مضحيات بأنفسهن من أجل ما يؤمن به .

 إن ما يجب تحليله هنا هو العلامات الدلالية لهذا العمل وأسسه الفكرية والفلسفية ، خصوصا اذا ما اردنا بحث الانشطة المختلفة التي تمارسها المرأة اليوم في البرلمان وخارجه (في منظمات المجتمع المدني التي تعتاش في معظمها على إعانات المنظمات الدولية )

في عام 1958 بعد ثورة 14 تموز  أصبحت الدكتورة نزيهة الدليمي او عربية تشغل منصبا وزاريا

في عام 1959 أصدرت الحكومة العراقية التي كان يرأسها عبد الكريم قاسم ، قانون الأحوال الشخصية رقم 188 ،[3] وهو أول قانون مدني ينظم الأحوال الشخصية في العراق ، ويعني ، مجموعة الاحكام المتعلقة بالزواج وانحلاله والطلاق والتفريق والولادة والنسب والحضانة والنفقة والوصية والميراث وهي بحكم ذلك تتعلق بمسائل وثيقة الصلة بشخصية الانسان وعلاقته العائلية والأسرية ، وقد اعتبرت الأوساط النسائية صدور هذا القانون تتويجا لنضال المرأة على كافة الصعد فقد امتاز بجملة من الإيجابيات التي كانت تدعو لها المرأة ومنها:

1-   لم يقر للرجل بالحق المطلق في تعدد الزوجات وربط الزواج بإمرأة ثانية بموافقة الزوجة الأولى

2-   اشترط أن يكون الزوجان عند عقد الزواج قد أتما الثامنة عشر من العمر

3-   الزم القانون الزوجين بتسجيل عقد الزواج في المحكمة وفرض عقوبات على المخالفين

4-   شرع عقوبات في حالات الاكراه على الزواج

5-   أعطى القانون الزوجة حق طلب التفريق إذا كان ذلك قبل الزواج، شرط أن تعيد الزوجة كل ما استلمته من الزوج

وعلى الرغم من وجود بعض جوانب النقص في القانون الا أنه أعتبر خطوة متقدة وفي الاتجاه الصحيح

في عام 1963 أجريت  بعض التعديلات الإيجابية ، ولكن القانون رقم 111 (قانون العقوبات العراقي ) لسنة 1969 كان خطوة كبيرة الى الوراء ، فقد نصت المادة 41 منه على أنه (لاجريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون ، ويعتبر استعمال الحق ،تأديب الزوج لزوجته )

وفي الحقيقة لا أرغب هنا ان أدخل في التفصيلات القانونية ولا الفقهية التي تقف ورائها , وما رغبت به هو الكشف عن النظرة الدونية للمرأة والعودة الى الماضي والشطب على مجمل المكاسب التي حققتها المرأة

في عام 1980 كان عدد النساء في المجلس الوطني يشكل 6% من عدد أعضاء المجلس

في عام 1985 اصبحت النسبة 13% ولكنها انخفضت في عام 1990 لتصبح 11%

في عام 2000 كانت النسبة 8%

وخلال الفترة من 1968 ولغاية 09-04-2003 تم الغاء كافة المنظمات النسائية خارج إطار تنظيمات حزب البعث الحاكم واقتصر العمل النسوي على اتحاد نساء العراق

اما بعد تغير النظام السياسي في العراق في 09-04-2003 , فقد جرت الامور على نحو محبط
تقول الدكتورة بدور زكي [4]:

(وبعد ان نشطت التوقعات صوب مزيد من الحقوق للمرأة واستقرار ألعائلة يفاجأ العراقيون بصدور قرار من مجلس الحكم- الذي تولى جانبا من إدارة العراق عقب سقوط صدام حسين- يحمل رقم 137، يقضي بإلغاء قانون الاحوال الشخصية ويعيد العمل بالقضاء المذهبي. وان كان هذا القرار الغريب قد ألغي بعد صدوره بفترة وجيزة في العام 2004 إلا أن مفاعيله ظهرت مجددا في نصوص الدستور الذي أقر باستفتاء شعبي، )

وتتابع (فقد تجدد الهجوم على قانون الأحوال الشخصية بشكل قرار أصدره مجلس الحكم في كانون الاول من العام 2003 ، يقضي بإلغاء قانون 188 واعتماد احكام الشريعة الاسلامية وفقاً للمذاهب . غير ان هذا القرار لم يحالفه الاستمرار والغي بعد مدة قصيرة بسبب معارضة الاحزاب السياسية غير الدينية والمنظمات النسائية والحاكم المدني الاميركي .
لم تكن هذه هي النهاية فقد عاد مؤيدو القرار 137 الى التنظير لفكرة القضاء المذهبي ولكن من خلال الدستور الجديد ، فقد نصت المادة (39 ) منه على ان : " العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم ، وينظم ذلك بقانون ". وعلى أساس هذه القاعدة الدستورية يمكن ان يعرض على المجلس النيابي المقبل مشروع قانون ينظم كيفية ممارسة المواطنين لحرياتهم في الالتزام بأحوالهم الشخصية . ويتوقع ان يسلك هذا المشروع احد سبيلين : اما الغاء قانون الاحوال الشخصية واستبداله بقانون للمحاكم المذهبية والدينية ، أو تعديله على نحو يتقرر سريانه على من يختارون الخضوع لأحكامه فقط ، وإنشاء محاكم جعفرية وسنية ، بالإضافة الى اخرى للمسيحيين واليهود والصابئة والأيزدية . ويعول كثيرون على نتائج الانتخابات المقبلة في تقرير اي الاتجاهين سيسلك المشرع .
هناك احتمال آخر هو ان يقدم اقتراح بتعديل تلك القاعدة الدستورية اذا ما وصلت الى المجلس النيابي.

في عام 2004 صدر قرار سلطة الائتلاف رقم 96 الذي نص على يكون اسم امرأة واحدة على الأقل ضمن ثلاثة مرشحين في القائمة ويجب أن يكون ضمن أسماء أول ستة مرشحين على القائمة اسم امرأتين على الأقل.

في عام 2005 دخلت البرلمان 75 امرأة  . كما شاركت المرأة في الوزارات المتعاقبة

حصة المرأة من الوزارات العراقية بعد الاحتلال


الوزارة      عدد المناصب الوزارية      حصة النساء   
                  
العدد      النسبة المئوية            
                  
الوزارات الاتحادية         
                  
وزارة أياد علاوي      32      6      18.75   
                     
وزارة إبراهيم الجعفري      34      6      17.64   
                     
وزارة نوري المالكي      37      4      10.81   
                     
وزارة إقليم كردستان            
                     
وزارة نيجيرفان البارزاني      41      4      9.75   
                     

المصدر: حسن لطيف كاظم الزبيدي، موسوعة الأحزاب ألعراقية، دار العارف للمطبوعات، بيروت، 2007

وفي وزارة المالكي الثانية اقتصرت مشاركة المرأة على وزيرة واحدة في مهام تتعلق بشؤون المرأة ولكن بدون أية صلاحيات فاعلة يمكن ان تجعلها مؤثرة في مجال مهامها

ورغم كل هذه المشاركات في البرلمان وفي الوزارات ،فإن النتجية العملية ، يلخصها الاستبيان الذي أجراه (مركز اليقين ) والذي أجاب فيه 64% من العينة العشوائية المستطلع رأيها ب(هل أسهم وجود المرأة في البرلمان بتغيير وضعها ) ، بكلا !!!!! و36% بنعم

كما أجاب 60،1 % على أن سبب الاخفاق يعود الى الظروف السياسية وذلك في استبيان أجرته اليونيفيم في عام 2005

ويقول الدكتور نبيل جعفر :
([5]وتعد مشاركة المرأة العراقية في النشاط الاقتصادي متدنية إذ لم تتجاوز 18% عام 2008 مقابل 9و74% للذكور، وهو مؤشر يدل على ارتفاع معدلات البطالة بين النساء في سن العمل وعلى ان فرص العمل تميل لصالح الرجال على حساب النساء ولهذا السبب ارتفعت البطالة بين النساء إلى 25% عام 2006 . إن الحقيقة التي لا ينبغي إغفالها هنا هي إن المرأة تعمل بمستويات عالية في الريف لكن عملها غير منظور بالحسابات المهنية والإنسانية والاقتصادية ، لذا فأن مساهمتهن لا تندرج ضمن النشاط الاقتصادي الرسمي وقد انعكس هذا الغبن التأريخي في بخس مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي)


وترتفع نسبة الأمية بين النساء في العراق الى 5و19% مقابل 15% للرجال عام   2008 وترتفع نسبة الأمية بين النساء العاملات إلى 30% .

 إن الأمية تبقي المرأة في وضع مهمش وتشكل أكبر عقبة تحول دون تغلب النساء على الفقر المدقع في عالم قائم على التكنولوجيا وزادت فيه الأهمية القصوى لمهارات القراءة والكتابة. علما أن النساء يمثلن ثلثي إجمالي عدد الأشخاص الأميين الراشدين في العالم المقدر عددهم بنحو ثمانمائة مليون شخص[6]،فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة الجنوبية[7] التي تصدر في البصرة فقرة من تقرير(صندوق المرأة الإنمائي ) تشير الى أن 63% من النساء في قضاء المدينة جنوب العراق لم يكملن الدراسة الابتدائية

تقول عالية طالب في مقدمة بحثها (عمل المرأة الإعلامية العراقية ما بعد 2003)

 

(على الرغم من تعدد القوانين التي صدرت في جانب مساواة المرأة بالرجل في المجالات المختلفة , وإزالة كافة اشكال التمييز ضدها , إلا انها في مجملها لم تستطع الوصول الى تحقيق الضمان الفاعل لحصولها على حقوقها , وهذا ما اشار اليه تقرير التنمية البشرية لعام 1995 (( المرأة لا تتمتع في أي مجتمع بنفس الفرص التي يتمتع بها الرجل ))

ويمكن اختصار العوامل التي لعبت الدور الاساس في :

1-   الاحباط الذي يسود اليوم كافة القوى التي تحمل رؤى تقدمية في المجتمع العراقي

2-   تراجع النشاط الفاعل للمنظمات النسائية في المجتمع بسبب :

½ -تدهور النظام التعليمي في العراق منذ اواسط الثمانينات من القرن الماضي

2/2 -صعود قوى الاسلام السياسي الى الحكم وعملها الدءوب في اشاعة مفاهيم وثقافة ماضوية تنظر الى المرأة بدونية .

3/2 -القمع (الشعبي ) الذي يلعب دورا اشد خطورة وتأثيرا من قمع السلطة وتوجهه ضد المرآة ومن مظاهره لجوء النساء الى الحجاب لتفادي ذلك

4/2-ارتفاع وتيرة ممارسة العنف ضد المرأة مما جعلها مترددة وحذرة في انتهاج أية ممارسات ينم عنها رغبتها في التحرر

5/2 -فشل اليسار العراقي في أن يحافظ على قواعده الشعبية السابقة والتي كانت وسطا فاعلا ومؤثرا في دعم المرأة العراقية منذ تشكيل الدولة العراقية وحتى منتصف السبعينات من القرن الماضي

تقول بشرى برتو (أن عدد أعضاء رابطة المرأة غداة ثورة 14 تموز كان 40000 امرأة [8]، وبالطبع كان هذا في ظروف بالغة القسوة حيث كانت السلطات الملكية لا تسمح بمثل تلك النشاطات )

6/- 2  -لجوء عدد كبير من منظمات المجتمع المدني ، النسائية ، على وجه الخصوص الى تحويل نشاط تلك المنظمات الى مجال للكسب المادي (بعد 2003 تجاوز عدد المنظمات النسائية 295 منظمة مضافا اليها 133 منظمة لرعاية الايتام والطفولة )

 

7/2-عدم كفاءة النساء الموجودات الآن في مراكز صنع القرار ومواقع السلطة وإنهن لم يقدمن شيئا لا للنساء العراقيات ولا للشعب العراقي .

3-   ومن الملاحظات الملفتة عدم حصول الصحفيات العراقيات على اية مراكز قيادية في مجلس نقابة الصحفيين العراقيين منذ تأسيسها عام 1940 وتعاقب عشرة نقباء كلهم من الرجال ، هذا رغم التاريخ الحافل للمرأة العراقية في العمل الصحفي ، وحتى في انتخابات عام 2011 لم تستطع المرأة ان تحقق ابة نتيجة ايجابية ، وقد اضطر المجلس الجديد وبحكم نظام (الكوتا ) الى قبول عنصرين نسائيين كان منهما الصحفية والإعلامية النشطة (نبراس المعموري ) التي لم تستمر في العمل معلنة (بعد انتخابات النقابة الاخيرة حصلت على عضوية مجلس النقابة بالكوته كوني الاحتياط الثاني وتخليت عن منصبي بعد ان وجدت ان دوري هامشي وشكلي وعمل النقابة يبكي القلب مع الاسف الشديد)[9]

وجاء في دراسة للاتحاد الدولي للصحفيين بعنوان (دراسة إحصائية حول النوع الاجتماعي في الشرق الأوسط والعالم العربي )

أ‌-       أن نسبة الطالبات في كليات الإعلام في جامعات دول العينة 60% من مجموع الدارسين

ب‌- أن نسبة النساء العاملات في وسائل الإعلام 27% الى المجموع

ت‌- أن نسبة النساء المنضويات في العمل النقابي الى المجموع 14% في تلك البلدان

ويمكن ان نشير الى ان نسبة العاملات في الصحافة اللواتي وصلن الى مراكز قيادية في العمل الصحفي لاتزيد في البصرة عن 21% وفي بغداد عن 27%[10]

ان عملية النهوض بواقع المرأة هو في جوهره مشروع اجتماعي متعدد الاوجه وهو بحاجة الى ارادة سياسية ولا يمكن الركون الى  ما تم تقديمه للمرأة العراقية بإشراكها في البرلمان او بمنحها وزاره  لأنه في الحقيقة تجميل لديكور السلطة وسد باب الانتقادات الدولية ، ذلك لأن القوى السياسية المهيمنة ، في مجملها مناهضة لحرية المرأة

وبوضوح نقول أننا عدنا الى ما قبل عام 1930 بعد ان اصبح موضوع السفور والحجاب هو الذي يشغل الشارع العراقي اليوم ، والموضوعات في عشرينيات القرن الماضي هي التي تطفو على  مشهد الثقافة العراقية في 2012

 

 



________________________________________
[1] عبد الجبار البياتي، مصدر سابق
[2]بشرى برتو ،موقع الحزب الشيوعي ،http://www.iraqicp.com/2010-11-21-17-43-27/15050-2012-03-07-19-16-23.html
[3] نشر هذا القانون في العدد رقم 280 الصادر في 30-12-1959 في جريدة الوقائع العراقية،
[4] د. بدور زكي محمد http://www.iraqstudies.org/
[5] الدكتور نبيل جعفر عبد الرضا  آليات التمكين الاقتصادي للمرأة العراقية
جامعة البصرة / كلية الإدارة والاقتصاد
[6] المصدر السابق
[7] صحيفة الجنوبية العدد 1 في 27-12-2008
[8] بشرى برتو ، مرجع سابق
[9] رسالة الكترونية للكاتب في 08-11-2012
[10] د.ذياب افهد الطائي ، دراسة احصائية (الصحفيات وصعوبات المهنة  في الصحافة العراقية2011) غير منشورة



9
الخطاب الديني في الصحافة النسائية
3/3

د.ذياب فهد الطائي
أود اولا ان اشير الى ان هذه الدراسة غير معنية بالمرجعيات الايدولوجية لأية صحيفة او مجلة ، انها تهتم بحرفية العمل الصحفي دون النظر الى اهدافه السياسية ، انها تقرر أن التقنيات الحديثة والوسائل الجديدة في معالجة الصور والمخططات أدت الى ان تتماثل هذه المطبوعات في الاخراج والتصميم متى ما توفر لها التمويل اللازم،
وعموما فان الصحافة النسائية في العراق منذ اول مجلة صدرت عام 1923 وحتى عام 2003 ،لم تعرف الصحافة الدينية كنوع من الصحافة المتخصصة، وانما كانت تتوزع بين
1-  الدفاع عن حرية المرأة والأخذ بمستلزمات التطور الحضاري (مجلة ليلى ، صحيفة الصبح ، المرأة الحديثة )
2-  العمل من اجل رفد الحركة الوطنية والقومية بالدعم والتشجيع (تحرير ،مجلة فتاة العرب ، فتاة العراق ، مجلة تحرير المرأة )
وكان النشاط السياسي الجماهيري المناهض للاستعمار والفاشية قد توسع ليشمل شرائح متنوعة من النساء وقد لعبت مجلة رابطة نساء العراق دورا بارزا في هذا الانتشار
ولكن الظاهرة الجديدة التي تمثلت في صحف ذات غطاء ديني رغم حديثها السياسي العام او توجهها لخدمة قضايا المرأة الاجتماعية ، برزت بعد 09 04-2003
وفيما يتعلق بعمل المرأة الصحفي في صحافة (الدين السياسي ) تذكر عالية طالب(يغلب على عمل هذه المنافذ الاعلامية الطابع الديني واغلبها مرتبطة  بأحزاب مسوؤلة عن تمويلها المالي امثال – التيار الصدري –المجلس الاعلى للثورة الاسلامية – جماعة الفضلاء – مؤسسة شهيد المحراب .
 
وهذه المنافذ ذات خطاب اعلامي يكاد يكون محددا  بالتوجه الديني والكادر الاعلامي العامل فيه يتصرف بخصوصية تحددها طبيعة التمويل الديني .
لذا كان وجود المرأة الاعلامية في هذه المؤسسات لا يعتمد الكفاءة المهنية المحترفة بقدر المرجعية الدينية الخاصة)
 
وما اعتقد انه مما يجب تكرار التأكيد عليه هنا اننا نتحدث عن صحافة (الدين السياسي ) التي تقف معها  بعض الصحافة النسائية العراقية
ومن ابرز هذه الصحف
1-  مجلة الرائد (مجلة شهرية )
صدرت في عام 2005 عن الرابطة الاسلامية لنساء العراق
كتبت المجلة في افتتاحية العدد 22 لعام 2007 ما يلي :
(واليوم وبعد مرور سنوات احتلال في عمر الزمان المعدودة .. وعلى صدورنا ثقيلة كأنها جبال صُفت أحجارها من قرون! .. اليوم .. وقد صار ذلك العراقي متحسراً على أيام الاحتلال الأولى بكل سوئها .. والمرارة تعتصره من هذه الحسرة .. ولكنه الواقع الأليم .. فقد تمزق نسيج تلك العباءة العراقية التي (تلفلف) بها ذلك الرجل العراقي .. وصار من المستحيل على رجلنا المنكوب أن يذهب حتى إلى مسجده ! .. ليس لأداء صلاة العيد فحسب .. بل الأمر سيان في كل الصلوات ! .. لأن غربان الظلام (التي أعدها الاحتلال لمثل هذا اليوم!) .. قد حرقت مسجده .. قبل أن يفجروا مأذنته ! .. في مجاهرة عدائية لله تعالى تجرأ بها الملعونون على الله .. وسط أهازيجهم الطائفية التي ينتقصون بها من خير الخلق بعد الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) .. ذلك وهم بهيأتهم الرثة الوسخة ! .. وهم حفاة مخمورون ! مزاحمون لإبليس عليهم وعليه لعنة الله .. ساعون في إطفاء نور وصوت الآذان .. ثائرون لأجدادهم وقد أطفأ الإسلام نار شركهم! ..

** الملف الأول: بين المشاركة السياسية والمقاومة المسلحة
...وهما جناحا أهلنا اللذان ما تناسقا لا في تحليق ولا مسير! .. واعتقد ان الوقت قد حان للتكامل بين العملين ليس من باب سلامة الصدور فحسب بل لأن الوقت الآن ومع تداعيات الموقف الأمريكي وسخونة الملف الإيراني .. قد يكون الأمثل لتحقيق الخلاص للعراق ممن لا يريدون به إلا شراً.
وقفة إجلال إلى المقاومة الراشدة التي بدأت تقوم صفوفها ، وقد سار شهداؤها إلى عليين ليخطوا معاني الشرف والإباء بينما استأثر غربان الظلام وأسيادهم بالخزي والعار في تقبيل أيادي الاحتلال قبل رؤوسهم.

** الملف الثاني : المعايير المزدوجة
...لقد فشلت الحكومة مع سبق الإصرار والترصد في الخروج من طائفيتها لتكون عراقية ، وقد كانت المواقف السياسية ومن بعدها الإعلامية على قنوات الدولة الرسمية .. مخزية فعلاً .. فهي تُعلن صراحة في كل تصريحاتها ان جرائم المليشيات هي ردود أفعال طبيعية للظلم !! .. بينما تصف دفاع أهلنا عن مناطقهم من غربان الظلام ومليشيات الدولة بأنها إرهاب لا علاج له إلا القتل !! ، والأكثر من ذلك وهو ما يستدعي الضحك والاستهزاء ما صرح به أحد المسؤولين في الدولة من ان هذه المليشيات هي عقائدية فيها الطبيب والمهندس والأستاذ !! ، وكلنا يعلم ان المثقف فيهم هو حامل شهادة الابتدائية وبالتزوير.
لقد طال انتظار العراقيين إلى حكومة تشعرهم انها للجميع .. فقد فشلت الحكومة واعتقد انها غير قادرة على ذلك .. و لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا!!

** الملف الثالث: الإستراتيجية الأمريكية
....وهنا نقف ثلاث وقفات:
الأولى: ان الأيام اثبتت ان الإستراتيجية الأمريكية هي أقرب من غيرها إلى التعديل بل والتغيير ، فهل يدرك أهلنا بجناحيهم السياسي والقتالي هذا الأمر ويحاولوا أن يلعبوا على هذا الوتر الحساس الذي احتكره العملاء بسوء نية وخبث ، بينما قد ندرك من خلاله خلاص هذا البلد الجريح ، وهنا علينا أن ندرك ان هذا لا يعني الارتماء في أحضان الاحتلال ولكن الله مولانا وهو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين ، وتبقى الحرب خدعة ، و يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ..

** الملف الرابع: الصحوة العربية المتأخرة
وهذا أمر لمسه الناس بأيديهم قبل أن يسمعوا بآذانهم ولكن بعد ماذا؟
فلم يتحرك إخواننا إلا بعد أن مس الشرر ثيابهم .. ولكن مع هذا نقول ان الجولات المكوكية التي قام بها الفاعلون في المشاركة السياسية إلى البلدان العربية تعتبر فاتحة خير ولكن العبرة باستمرار التواصل ، وفتح إخواننا العرب لصدورهم قبل بيوتهم لنا ، فالأحداث متسارعة وان كان رستم اليوم على أطراف بغداد (ان لم نقل في وسطها) فانه غدا (لا سامح الله) سيكون في المنامة والكويت!!

** الملف الخامس: بغداد ... وما أدراك ما بغداد
...وهو ملف قد يحمل من الآهات ما لا تعطيه الكلمات حقه .. ولكنها كلمات تقال في زمن الفتنة هذا .. نقول فيه ان بغداد اليوم تفقد أوصالها .. ولسانها العربي يُراد له أن يعوج ليكون فارسياً .. وما يحصل هو أحاديث الناس في لقاءاتهم (ان كان هناك لقاءات!) أكثر مما هو صفحات مقالات ! .. هي كلمة لأهلنا نقول فيها ان في توحدكم سبب إن شاء الله في دفع هذا الشر عن عاصمة الرشيد
 
 

2- مجلة الصدّيقة
تصدر في محافظة النجف  عن منظمة دائرة شؤون المرأة في مؤسسة شهيد المحراب
صدرت في عام 2004
تعرف المجلة نفسها (اول مجلة تصدر بأقلام نسوية فقط ، ولذلك تعتبر من المجلات الرائدة في هذا المجال وعلى نطاق الصحافة العراقية والعربية .
( تعنى بشؤون المرأة في كافة مجالات حياتها  الثقافية ، الاجتماعية ، السياسية والدينية،للنهوض بواقعها ووضعها على عتبة نيل ما تستحقه .
* تضم نخبة ملتزمة مخلصة من الأقلام النسوية وبكافة المواضيع التي تتضمنها أبواب المجلة وهي في زيادة مستمرة وبحسب المعالجات التي تتوجه المجلة لإنجازها .
* تحتوي على أكثر من ثمانية وثلاثين بابا أو نافذة ثابتة وبمختلف  العلوم والاختصاصات وهي على شكل بحوث ومقالات وبمختلف العلوم ، بعد إن كانت عشرين بابا فقط عند إصدارها ، وذلك بفضل استقطاب اكبر شريحة من الأقلام النسوية إضافة إلى طلبات القراء وما تفرضه متطلبات الواقع .
مباديء المجلة
1-الإخلاص التام لله والتوكل الحقيقي عليه وهذا ما كان عامل توفيق للمجلة نحو الرقي والتقدم .
2-اعتماد الأقلام النسوية المخلصة الملتزمة ذات التوجهات الرسالية الهادفة .
3اعتماد المصداقية والواقعية في طل ما ينشر . الانفتاح على مختلف الشرائح والمستويات الفكرية وجميع الأعمار .
أهدافها :
1- تحقيق طموح المرأة العراقية المثقفة والنهوض بواقعها للوصول الى ما هو منشود .
2- تشجيع الأنامل والطاقات المبدعة التي كبلتها قيود الماضي .
3-  تفجير الطاقات النسوية ، والسير بها بخطوات سريعة لتنشئة جيل يحمل في ثناياه الثقافة الإسلامية عامة وفكر مدرسة أهل البيت (ع) خاصة .
4-توفير نوافذ وآفاق جديدة تطل منها المرأة على العلم المحيط وتتفاعل مع ما يجري من حولها وتجد لنفسها دورا مؤثرا)
 
تحليل الخطاب
نحن امام نصين متباينين ، الأول سياسي (تعبوي )  يستخدم استرتيجية الاقتحام والثاني تعريفي ينحو الى استرتيجية  الاستمالة ، وسنقوم هنا باستخدام منهج المدرسة (التوزيعية ) لهاريس ، ونفترض أن كلا الخطابين يقوم على استرتيجية التفاعل المفترض للمتلقي لتحليل المضمون وسنجد :
1-  المقال الافتتاحي لمجلة المؤيد يتسم بانشائية لاتتوجه الى استثارة عقل القارئ وانما تميل الى استثارة عاطفته
2-  التزم الخطاب في مجلة المؤيد بمجموعة الافعال الاشتراكية الموجهة الى جمهور لدية معرفة شاملة بتوجهاته الفكرية والسلوكية
((وصار من المستحيل على رجلنا المنكوب أن يذهب حتى إلى مسجده ! .. ليس لأداء صلاة العيد فحسب .. بل الأمر سيان في كل الصلوات ! .. لأن غربان الظلام (التي أعدها الاحتلال لمثل هذا اليوم!) .. قد حرقت مسجده .. قبل أن يفجروا مئذنته ! )
3-لم توظف الإحالات السياقية والنصية (من خارج النص أو من داخلة) بشكل جيد
 
أما خطاب مجلة الصّديقة الإعلامي فهو :
1-اجتهد ليكون بسيطا ومتوازنا، ولكنه لم يقدم تحليلا لما يمكن ان يفضي اليه ، أي إنه لم يوفق بالربط بين المنطلقات والنتيجة
3-  الحديث أقرب الى الإعلان  ومباشر في توجهه
4-  ركز اهتمامه على ما يشغل بال المرأة ليكون مؤثرا في قرارها بقبول الخطاب والتفاعل معه
واخيرا فان الخطاب في الصحف الدينية تتمثل فيه  عدم الموضوعية  و يفتقد  الى  فهم عناصر الخبر والتقرير ،و التحقيقات الصحفية ( التي تكتب اغلبها من وراء المناضد وليس ميدانيا وسطحية المقابلات الاعلامية مع الجمهور والمسوؤلين )


10
الخطاب الراديكالي في الصحافة النسائية العراقية
2/3
د.ذياب فهد الطائي
أمام مصطلح (الراديكالية ) نواجه التباسا في التفسير والتطبيق ذلك لأن المصطلح يطلق اليوم على مجمل الحركات المتطرفة والمتشددة بما فيه الحركات الدينية ، على أساس ان اصل ألكلمة ، يعني العودة الى الجذر (السلفية )
ولكن هنا ،نعني بهاالحركة النسائية ،التي ظهرت في الولايات المتحدة الامريكية خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين حين طالبت النساء الراديكاليات بإسقاط التنظيمات التي يهيمن عليها الرجال ، علما ان بدايات هذه الحركة ظهرت في انكلترا فيما سمي بحركة (الليفليرز )وتسمى حركة المتساوين ،وكانت حركة إصلاحية راديكالية برزت خلال الحرب الأهلية الإنجليزية خاصة في الفترة ما بين 1646-1649، وتلخصت مطالبها في :[1]
1- التسامح الديني
2- حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ل أكبر قطاع ممكن من الشعب.-
3-القضاء على السلطة التحكمية سواء تمثلت في ملك أو طبقة أرستقراطية أو حتى في مجلس العموم .
1- ضمان وجود قانون دستوري يحمي الشعب من الأشكال المختلفة للسلطة المطلقة الحكومية . ويعتبر الكثير من علماء السياسة الغربيين حركة الليفليرز نقطة بداية جيدة في التاريخ، للنظريات السياسية الراديكالية، حيث تعتبر أول حركة في بريطانيا تتحدث عن "الشعب" كقوة سياسية علمانية ،وقد أكدت هذه الحركة" أن السلطة السياسية لا يمكن أن تُستمد إلا من الشعب ، وحاول أنصارها وضع مسودة دستور تؤكد هذه الفكرة وذلك في كتاباتهم المعنونة "اتفاقات الشعب" .

وتفسر الكاتبة (ناد ية ليلى عيساوي )[2] عدم قبول المجتمع للحركة الراديكالية النسوية فتقول (ولا يمكن النظر الى ردات الفعل هذه دون الإشارة الى أنها تعبّر عن خوف عميق من إمكانية زعزعة دعائم النظام البطركي(الأبوي) الذي جرى بناؤه منذ آلاف السنين: نظام هيمنة ذكورية ظل متماسكاً رغم كل الثورات والتطورات التكنولوجية التي حصلت على مر القرون الما ضية. فالتراتبية الناظمة للعلاقات بين الجنسين تحولت الى قناعات راسخة عند كل من النساء والرجال الى حد صارت تبدو فيه السيطرة الذكورية طبيعية وبديهية)
وتتابع (تعتبر الحركة النسوية حركة ثورية تغييرية تهدف الى تحطيم البداهات الخاطئة ووضع المرأة في موقع ((الفاعل)) في المجتمع. ومن هنا التعاطي ،ومع صعودها ، فهم على أنه تهديد لأسس التنظيم الاجتماعي القائمة)
لابد من التذكير ان المجلات وال صحف النسائية الليبرالية والراديكالية ، تتعرض اليوم الى ذات المواقف الرافضة والمشهرة والداعية الى الغائها،
يهاجم الدكتور بشر فهد البشر المجلات الداعية الى حرية المرأة فيقول: [3](في مجلة فرح عدد 43 ، تقول : الزواج المبكر إرهاق للمرأة وصداع للرجل .!!!!!(بمعنى انه مع الزواج المبكر الذي ينادي به شيوخ السلفية ويفتون بزواج الفتاة ابتداء من العاشرة من عمرها !!!)
ويتابع :
ولا ننسى مجلة روز اليوسف وهي من أخبث المجلات ومن أوائل مصادر التغريب النسائي في العالم العربي ، في هذه المجلة تجد الخبث والخبائث ، وبمجرد أن تأخذ أحد الأعداد سوف تجد العجب . وكذلك مجلات ( اليقظة ، والنهضة ، صباح الخير ، هي ، الرجل ، فرح..... الخ تلك القائمة الطويلة)
مجلة (نرجس ) نموذجا للفكر الراديكالي
لقد تم اختيار مجلة نرجس لأنها :
1-كانت في اعدادها الاولى تمثل النموذج الراديكالي في الصحافة النسائية العراقية
2- لأنها من أبرز المجلات النسائية في العراق من حيث التصميم والاخراج وتنوع المواد المنشورة

تصدرمجلة نرجس عن دار المدى للإعلام والثقافة والفنون
وهي مجلة نسائية اجتماعية عامة
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير "نرمين عثمان حسن" (الى ان تم تحويل ملكية المجلة لمؤسسة المدى )
المدير العام غادة العاملي
مدير التحرير نزار عبد الستار(كما تولت الروائية عالية طالب هذا المركز )
هيئة ال تحرير : سهام الشيخلي ،عدوية الهلالي وأسماء عبيد
ومن الملاحظات التي تولدت عند مراجعة اعداد المجلة ،وجدت انها تعرضت اكثر من مرة الى تبديل رئاسة التحرير وهيئة التحرير على وجه الخصوص
في العدد 9 لعام 2008 كانت نرمين عثمان تجمع بين ملكية الامتياز ومديرة مجلس الادارة ورئيس ألتحرير وكان مدير التحرير (نزار عبد الستار ) وهيئة التحرير (شاكر المياح ،سها الشيخلي و عدو ية الهلالي )
في العدد 16 لعام 2009 اصبح مدير التحرير (حميد قاسم) و هيئة التحرير عدوية الهلالي و أسماء عبيد
في عدد 44 عام 2012 أصبح فخري كريم (صاحب مؤسسة المدى) رئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير ، والمدير العام غادة العاملي ، وهيئة التحرير(سها الشيخلي و ابتهال بليبل )
تقول نجاة جبار كاظم في رسالة الماجستير التي تقدمت بها الى كلية الاعلام –جامعة بغداد عند حديثها عن المجلة (إن مجلة نرجس قد ركزت في خطابها على المرأة بشكل خاص وهو توافق مع فروض النظرية النسوية التي ترى ان النهوض بالمرأة لا يتم إلا عبر النهوض بالمجتمع ككل والتوجه إلى الر جل والمرأة معا في الخطاب الإعلامي .)
وكان العدد 33 أيار 2012 قد حمل توقيع (نرجس ) على الافتتاحية بدلا من اسم رئيس التحرير كما جرت العادة في اعداد المجلة السابقة وقد يعزى هذا الى استبدال نرمين عثمان رئيس التحرير السابق بفخري كريم رئيس التحرير الجديد
المقال الافتتاحي
جاء في افتتاحية العدد 33 لسنة 2012

(في زمن ليس بطويل انطلقت دعوات التنوير وتحرير المراة في العديد من البلدان العربية ، وكان أشهر روادها في العراق الشاعر جميل صدقي الزهاوي الذي دافع عن حقوق المرأة بأبيات مشهورة ومعه الاديب المصري قاسم أمين الذي أصدر كتابين شهيرين(تحرير المرأة والمرأة الجديدة )
نقف هنا لنسجل الملاحظات التالية:
1- ابتدأ كاتب الافتتاحية القول (في زمن ليس بطويل )وهو يعني في زمن ليس ببعيد
2- اقتصر على الشاعر الزهاوي واعتبر ان (معه ) قاسم امين في حين أن الزهاوي قال قصيدته المشهورة
مزقي ياابنة العراق الحجابا *** واسفري فالحياة تبغي انقلابا
في عام 1929 ، و أن قاسم أمين قد دعى الى تحرير المرأة منذ عام 1890 م حين بدأ الكتابة عن موضوع السفور، وفي عام 1899أصدر كتابه (تحرير المرأة )،
لهذا فمن المستغرب ريط قاسم امين بالزهاوي وتجاهل أنصار حرية المرأة من العراقيين كالشاعر الكبير (الرصافي )والصحفي حسين الرحال
علما أن(الرصافي )كان من اشد المناصرين لحرية المرأة ، ففي آذار من عام 1922، ألقى قصيدة طويلة منها
:
:
لقد غمـطوا حق النسـاء فشـددوا عليـهن في حسـب وطول ثواء
ألم ترهم أمســـوا عبيـدا لأنــهم على الذل شبوا في جحور إماء
أقول لأهل الشـــــرق قول مؤنب وإن كان قولي مُسْخِط السـفهاء
وأقبح جهل في بني الشرق أنهمُ يُســــمون أهل الجهل بالعلماء
وكان ذلك في حفل ة تمثيل قدمت على مسرح سينما رويال هاجم الرصافي المحافظين والمتعصبين هجوما عنيفا في معرض دفاعه عن حقوق المرأة , وتعرض جرائها الى محاولة اعتداء بالضرب[4]
< p style="margin: 0cm 0cm 0pt;" dir="RTL" class="MsoNoSpacing">
كما كانت الاشارة الى أن الزهاوي(دافع عن المرأة بأبيات مشهورة )، تمثل استهانة بشعر الزهاوي هنا ، فقد دافع الزهاوي عن حرية المرأة بقصائد طويلة .
تتابع افتتاحية مجلة (نرجس ) : (ولم يتوقف التاريخ عند هذه الاسماء بل استمر يرفد العقل العربي بمواقف مشهورة في كل حين وصولا الى تاريخ الربيع العربي الذي نعيشه اليوم )
وتتابع الافتتاحية :( ومن ملاحظة بسيطة لمجريات الربيع العربي باتجاه واقع المرأة نجده في بعض مساراته قد تحول من ربيع المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة ، الى شتاء التحريم والتكفير، بدء من الدخول الى الحمّام بالرجل اليمنى الى تتحريم الفن والسياحة والسفر والملبس والمشرب ،بالإضافة الى تهميش واقصاء دور المرأة في الدولة التي شاركت في بنائها ، كم من النساء شاركن في مظاهرات هذا الربيع ودفعن حياتهن ثمنا للوصول اليه ، وكم منهن تحملت مختلف اشكال القسوة والضرائب الجسدية والنفسية دون تراجع ،لإيمانها بأنها تدافع عن مستقبل الغد القادم بحريته الرائعة ،ةاااأااااااااا
ولهؤلاء النسوة نقول :دافعوا عن المرأة الإنسانة
ثم تشير الافتتاحي ة الى ما تتعرض له المرأة في الغرب من عنف وتختتم حديثها :
أما في البلدان العربية ، فبالرغم من أن دساتير معظم هذه الدول تنص على الحقوق التي كفلها الاسلام للمرأة ، وأحيانا أكثر من ذلك عند البلدان التي تبنت بعض الأنظمة العلمانية ، فلا زال وضع المرأة مماثلا لوضعه التاريخي خلال العصور السابقة ، بسبب الموروث الثقافي المهين عن المرأة ، وبسبب التمييز القانوني والفيزيائي الذي لاقى ازدهارا في بعض ثورات الربيع العربي ))
وأعتقد أنه من المفيد أن نشير الى بعض الملاحظات العامة قبل الدخول في تحليل مضمون الافتتاحية باعتبارها تمثل التوجه العام للمجلة
1- نلحظ أن اسلوب الافتتاحية المشار اليها يختلف عن الافتتاحيات التي كانت تكتبها رئيس التحرير السابقة (نرمين عثمان )
حيث كانت اكثر حرفية وتحكمها سياقات متماسكة
2-بعد قراءة المقدمة والربط بين بقاء اوضاع المرأة العربية مماثلا لوض عها التاريخي في بعض ثورات الربيع العربي ، كنت اتوقع ان تعالج المجلة في موضوعاتها هذه النقطة وان تكشف عن القوى التي تقف وراءها ، ولكن وعبر ابوابها العشرين، كانت مشغولة بالقضايا اليومية للمرأة ، وعلى وجه الخصوص لنموذج المرأة البرجوازية تقليدا لمجلات الخليج الغربي
وعند تفريغ مواد المجلة في جدول بالتوزيع التكراري لها تبين ما يلي :
متابعات 17 مادة بنسبة 26% ، مطبخ 8 مواد بنسبة 13%، فنية 6 مواد بنسبة 10 % ،عالم وتكنولوجيا 5 مواد بنسبة 7%، ثقافة4 مواد بنسبة 6% ، تحقيقات 4 مواد بنسبة 6% ، تسالي 3 مواد بنسبة 4% ، قانونية 3 مواد بنسبة 4% ، الطيف العراقي 2مادة بنسبة 3% ، جمالك 2 مادة بنسبة 3% ، رشاقة 2 مادة بنسبة 3% ، صحتك 2 مادة بنسبة 3% ، ملف العدد 2 مادة بنسبة 3% ، وطنية 2 مادة بنسبة 3% ، وكانت بقية الأبواب التي جاءت بمادة لكل منها (تربية أسرة ،أدب الطفل ،عراقيات ،أزياء، شخصيات, أمكنة ( وكانت مجموع مواد المجلة 68 مادة عدا اعلان واحد لشركة آسيا سيل(هاتف نقال )
الملاحظات على التوزيع التكراري:
1-تم اللجوء الى الارقام المدورة في حساب النسب المؤية
2-لوحظ ان عددا من الابواب خلت من اسم المعد او المقتبس ومن مصادر الاقتباس كما في (الفنية وجمالك والمطبخ وازياء ورشاقتك وصحتك) وحتى في مواد باب الثقافة
2- بعض المواد كنساء الانقاض يمكن ان تكون تحت عنوان تقارير، وصناعة المكاوية الى باب المطبخ
3- خلت المجلة من أي تحليل لواقع المرأة في برامج الأحزاب الدينية التي تتسيد مشهد الربيع العربي في مصر وليبيا واليمن على وجه الخصوص
4- خلت المجلة من الاعلانات رغم دعوتها المعلنين ، عدا اعلان لشركة خدمة الهاتف النقال
5- الطابع العام للمجلة بثوبها الجديد يمثل مظاهر مصطنعة للموقف من مسألة تحرير المرأة ، وبدلا من ربط هذه الدعوة فكريا بالتطورات الجارية عبر تحليلات مناسبة ، فقد تم التركيز على صور المرأة وقضايا الرشاقة والأزياء والجمال
تحليل المضمون للمقال الافتتاحي
1- هناك نوعان من اسلوب تحرير المادة الصحفية هما المثلث العادي او المثلث المقلوب ، ولكن المقال لم يلتزم باي من هذين الاسلوبين فجاء مرتبكا
2- كانت صناعة الافتتاحية المكثفة قد ابعدت الكاتب عن الوضوح من جهة وأوقعته في تجاوز على الواقع التاريخي للموضوع من جهة ثانية
3- كانت الاشارات السياقية غير موفقة لأنها جاءت مبتسرة وكذلك بالنسبة للسياقات النصية بحكم عدم التزام الدقة في العرض عند الحديث عن تاريخ الداعين الى تحرير المرأة في العراق
4- تقدم الكاتب بدعوة الى النساء ليدافعن عن المرأة الانسانة ، ولكن من كتبن في المجلة كن بعيدات عن هذه الدعوة
5- عموما كانت الافتتاحية شكلية ظلت تدور في حدود التوصيف دون التحليل ولهذا كانت الخاتمة في الاسطر الخمسة الاخيرة ، نتيجة ضعيفة قياسا الى المنطلقات التي بدأتها وكان الربط مصطنعا في الوقت الذي كان يتوجب أن يكون تلقائيا
6- من هنا اكرر القول ان الافتتاحيات التي كانت تكتبها للمجلة (نرمين عثمان )أكثر موضوعية والتزاما بالمنهج الصحفي ، رغم انها كانت بذات المساحة التي شغلتها الافتتاحية موضوع بحثنا


________________________________________
[1] د.خالد أحمد الشنتوت ، المدونة
[2] http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=1065 وعيساوي هي باحثة جزائرية، ومنسقة برامج المرأة في((المؤسسة من أجل تقدم الإنسان)).
[3] د، بشر فهد البشر ،أساليب العلمانيين في تغريب المرأة ألمسلمة صحيفة الشرق الاوسط في21 – 01- 1990
[4] عبد الجبار البياتي ، لمحات من تاريخ الحركة النسوية العراقية http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmview.php?ArtID=1202



11
الخطاب الليبرالي في الصحافة النسائية العراقية
1/3
د.ذياب فهد الطائي
 
ظهرت الليبرالية كفكر و كسلوك سياسي واجتماعي بسبب الدمار الذي لحق بالمجتمعات الاوربية جراء الحروب الدينية ولهذا فقد طرحت البدائل التي يمكن ان توقف تلك الحروب التي تقف ورائها اختلافات الرأي والمعتقد
كانت تلك البدائل هي :
1-  القبول بالآخر
2-  حرية المعتقد
3-  المساواة
4-  حقوق الانسان
لقد اسست هذه البدائل للديمقراطية وللتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الانتخابات
ولكن مما لابد من الاشارة اليه الى ان الليبرالية ،كمنتج رأسمالي ، لايتسم بالجمود فهو مرن ويسمح بأن يأخذ شكل البيئة التي يتعايش فيها
ففي الاقتصاد مثلا تذهب الليبرالية المؤمنة بالسوق الحر الى ما يسمى بالليبرالية الكلاسيكية و التي يقابلها الليبرالية الاجتماعية التي تأخذ بنظام السوق الاشتراكي
وأفضل ممثل لهذا المفهوم في الصحافة النسائية العراقية مجلة (نون ) التي تصدر عن التجمع النسائي العراقي المستقل الذي تأسس في 19-05-2003 والذي تتزعمه الناشطة السياسية ( ميسون الدملوجي )
 
تكتب الدملوجي في افتتاحية العدد 38 أيلول 2011 تحت عنوان (نون والربيع العربي )
(تأخرت مجلة نون عن الصدور بسبب شحة الموارد ، شأنها شأن أكثر المطبوعات المخلصة التي تسعى الى التواصل الفكري وزيادة الوعي بين القراء)
 
نقف هنا عند شحة الموارد التي لم تمنع المجلة من اصدار 38 عددا بطباعة فاخرة واخراج أنيق وتصميم ملفت ، أما ما يتعلق بموضوع (شأن اكثر المطبوعات المخلصة ) فهو تخصيص للصفة وليس تعميم لشرح واقع حال ، فمن المعروف ان العدد الاكبر من المجلات والصحف التي صدرت في بغداد والمحافظات قد توقفت بسبب شحة الموارد، فضلاعن عدم تقدير الجهات التي أصدرتها، الى حقيقة تفيد بأن المؤسسات الإعلامية اليوم هي مشروع اقتصادي بحاجة الى مصادر تمويل ، وعادة تتوفر هذه المصادر من المساهمين في هذا المشروع ان كان مستقلا وبالتالي يخضع المشروع لاشتراطات البحث عن الربح ومنها الإعلانات أو جهات ممولة توجه المشروع لرعاية مصالحها
أما اذا كان المشروع يصدر عن حزب او جهة سياسية ، فإن التمويل مسؤلية تلك الجهة
ومجلة( نون ) التي تقودها السيدة الدملوجي جزء من توجه ليبرالي يسعى الى الحكم ( وهذا حق مشروع ) ولكن خطاب الافتتاحية هو المعني بمحاولة القاء اللوم في شحة الموارد على جهات أخرى
تتابع الافتتاحية (سعى كادر تحرير مجلة (نون ) منذ اليوم الأول لصدورها على أن توزع أعدادها مجانا على قرائها الكرام من  نساءورجال ، فالمعرفة حق الجميع )
إن مثل هذا الطرح يتناقض ومفهوم الصحافة الحديث ويدخل في إطار الكسب السياسي للجانب الذي تنشط فيه السيدة الدملوجي ، فالصحافة الحكومية والصحافة الموجهة هي وحدها التي لا تهتم بعائدات الصحيفة أو المجلة
وفي النهاية تربط الافتتاحية  بين(الربيع العربي ) والصرخة التونسية التي أخرست ضجيج الدكتاتوريات في عواصم القمع والفساد وتساقطت الأنظمة المهترئة الواحدة تلو الأخرى
وتتابع (وفي طرفي المعادلة كانت هناك نساء،كل دكتاتور له زوجة أو إبنة أو أخت موغلة في الفساد وقمع الشعوب ، ونساء على النقيض رفعن صوتهن عاليالمستقبل افضل لهن ولأجيال من بعدهن لهؤلاء خصصنا هذا العدد من مجلة نون , وعسى ألا يكون الأخير )
 
وعند تحليل المضمون نجد أن الخطاب الاعلامي الذي تمثله هذه الافتتاحية كان :
1-  ربط المنطلقات التي طرحها بالنتيجة التي كان يستهدفها
2-  كانت الإحالات النصية متوازنة وكذلك فيما يتعلق بالإحالات السياقية
3-  كان استخدام ضمائر الاشارة موفقا (ولم يخف علينا يوما )
4-  حاول المقال الاستفادة من عناصر المقارنة
5-  جاء المقال منسجما بمهنية في التحرير وتكمن قوته في اعتماده على استراتيجية التفاعل الافتراضي مع المتلقي
6-  كان الخطاب اقتحاميا ولم يلجأ الى الاستمالة
اما بالنسبة لمواد التحرير في المجلة فكانت كما يلي :
جدول بالتوزيع التكراري لمواد التحرير


                     
*ملاحظة : تم اعتماد الارقام الصحيحة باستبعاد ا لأرقام العشرية
 
عند دراسة محتويات العدد على ضوء التصنيفات الواردة في تبويب مواد التحرير وجدنا:
1-ان هناك ارباكا في التبويب فقد دمجت الاخبار مع التقارير بباب واحد وكان من الافضل فصلهما
1-  في باب الملفات وجدنا ان بعضها كان من الممكن إضافته الى باب التقارير أو المقابلات كملف الصحفية نبراس المعموري
2-  في باب الثقافة ادرجت اخبار ثقافية كان من المستحسن إضافتها الى باب الاخبار
3-  تتم فصل الشعر والقصة عن باب الثقافة وأعطي لكل منهما مسمى خاص
4-  الاراء الحرة كانت مقالات ، سيما وان عددا منها كتبته سيدات في المجلة
5-  لم تهتم المجلة بالاخبار اذ لم تورد غير خبرين وهذا ما يؤيد كون المجلة تتوجه بهدف التاثير في المتلقي والتبشير بافكارها
6-  في بريد القراء كانت هناك رسالة واحدة مما يعني عدم وجود تفاعل بينها وبين جمهورها
7-  كانت التحقيقات على درجة عالية من الحرفية في العمل ، كما كانت عملية الاخراج جيدة ونوعية الصور عالية الجودة
وعموما يمكننا القول ان مجلة (نون) النسائية  تعمل وفق حرفية واضحة وان توجهها الليبرالي يخدم الأجندة السياسية التي تتبناها رئيس التحرير
 


12
من تاريخ الصحافة اليسارية في العراق (8)

د.ذياب فهد الطائي


مجلة كفاح السجين الثوري
(المجلة الأكثر تأثيرا في الحياة الداخلية للحزب الشيوعي العراقي )

هي مجلة مكتوبة باليد ، كان يحررها السجناء الشيوعيين عام 1953 في سجن بعقوبة ،أشرف عليها طالب عبد الجبار.
 وقبل ذلك كانت تصدر في سجن (نقرة السلمان ) (كفاح السجين )  على شكل نشرة حائط [1]
وبالمقارنة مع سابقتها  "كفاح السجين " تعتبر – كفاح السجين الثوري – نقلة بالمنشور السري الصادر داخل السجون، فهي تموذج جديد، بتطور الشكل واتساع معالجتها وتغطيتها لحاجات السجناء الفكرية،.
كان غلاف مجلة "كفاح السجين الثوري" يمثل كرة أرضية تستظل تحت حمامة سلام  رسمها عزيز سباهي ساهم بإخراجها حميد بخش وعبد العزيزوطبان
ومع – كفاح السجين الثوري- وفي أخريات أعدادها صدرت نشرة (أيضا) في سجن بعقوبة باسم( الجبهة الوطنية)
 (مقتبس بتصرف من مقال للصحفي عبد المنعم الأعسم ،منشور على موقع الاتصالات الإعلامية للحزب الشيوعي ).
 ويذكر جاسم الحلوائي  [2]ان مجلة  كفاح السجين الثوري كان وراء إصدارها (حميد عثمان )الذي كان يقود الحزب وهو في السجن وكانت تصدر نصف شهرية ليتخذ منها أداة توجيه سياسات الحزب إزاء القضايا المختلفة التي تواجهه ،ولتنشيط الحياة الفكرية بين السجناء الشيوعيين
كما جاء في موقع ينابيع العراق عن الجريدة ما يلي :
((وفي ميدان القضايا العربية وقفت مدافعة عن حق العرب في العيش دون هموم ونددت بمستغليهم وكابحي حريتهم، ووقفت إلى جانب حق الشعب العربي الفلسطيني في العودة وتقرير مصيره، وأيدت جماهير العمال السوريين المضربين ودافعت عن حقوقهم وشرعية إضرابهم ومطا ليبهم.
كان ذلك في العدد الثامن عشر من السنة الأولى، أما العدد الأول من السنة الثانية فقد حيّت فيه نهوض الشعب في لبنان واستنكاره زيارات الأسطول الأمريكي لمياهه، فكتبت تقول:
"باسم أكثر من مئتي سجين وطني في سجن (بعقوبة) السياسي نبعث من صميم قلوبنا تمنيات النجاح للقوى التقدمية وفي طليعتها الطبقة العاملة المناضلة ضد محاولات الولايات المتحدة الأمريكية الساعية إلى جعل لبنان قاعدة عسكرية".
ونددت المجلة في عددها الثامن ـ السنة الثانية بمفاوضات "الصاغ" صلاح سالم مع نوري السعيد من اجل الدخول في حلف بغداد، واعتبرت ذلك موقفا رجعيا من حكومة "ثورة 23 يوليو" المصرية.
وتبنت "كفاح السجين الثوري" دوما مواقف التأييد والمساندة لنضال شعوب المغرب العربي: مراكش، تونس، الجزائر، "في سبيل الاستقلال الوطني والسلم، وضد الاضطهاد الاستعمارية الفاشية".
كما كان للقضايا العالمية مكانها في أعداد "كفاح السجين الثوري"، فقد كتبت عن مختلف الشؤون العالمية – السياسية والفكرية، كتبت عن يوم أرمينيا السوفيتية، وعرّفت بمنهاج الحزب الشيوعي الهندي والحزب الشيوعي في الملاوي، وكتبت عن الذكرى الحادية والسبعين لوفاة ماركس، كما أشادت بنضال العمال في اسبانيا وحيّت إضرابهم البطولي من اجل حقوقهم، وما زاد من بهائها أنها أسهمت ـ أيضا ـ في شرح بعض القضايا الفكرية المهمة.))
وفي مقابلة أجراها( خالد ميران) مع القيادي عزيز سباهي ونشرت على- موقع المندائي نت- قال عزيز ((استطاع الشيوعيون تحويل السجن الذي اريد منه فلّ إرادتهم "المقصود نقرة السلمان "الى ورشة  للعمل والتثقيف والإبداع. فإضافة الى النشاطات الثقافية  أقيمت معارض للرسم شارك عزيز فيها بلوحات كاريكاتورية, كذلك الفنان التشكيلي السجين (رشاد حاتم), وتطور الأمر بحيث أصدر السجناء جريدة حائطية باسم "كفاح السجين"بنسختين واحدة يخطها عزيزسباهي،  للقلعة الشمالية والاخرى يخطها (عزيز وطبان) للقلعة الجنوبية، مالبث ان أعيد إصدارها في سجن بعقوبة تحت اسم "كفاح السجين الثوري" على شكل مجلة تعني بالنشاط الفكري والسياسي والأدبي للسجناء)) .
وحول مسألة مهمة تتعلق بثقافة شريحة واسعة من المجتمع ،وكانت في الخمسينات من القرن الماضي مطروحة للبحث وبقوة كما هي اليوم بعد التحول في شكل الحكم وطبيعتة ، أشار حنا بطاطو في كتابه (الحزب الشيوعي ) وهو الكتاب الثاني من أطروحته الجامعية  عن العراق والمجتمع العراق مايلي :
((وردت في مقالة منشورة في صحيفة السجن السرية ( كفاح السجين الثوري) بتاريخ 2 شباط (فبراير) عام 1954 (المسيرات الحسينية ) وظهور رد مطول على هذا الموقف بعد أكثر من ثلاثة أشهر، وجاء الرد يحمل توقيع ( الرفيق نصير) وبعنوان : ماهو موقفنا تجاه المسيرات الحسينية وكتب نصير يقول :
أثارت هذه المسألة الكثير من الخلاف داخل تنظيمنا والمشكلة هي ما إذا كان علينا أن نحارب هذه المسيرات ونستهدف وضع حد لها أم كان علينا أن نسعى إلى تحويلها من سلاح في أيدي الأعداء إلى سلاح للحركة الثورية .هذه النقطة من مقالة ( الرفيق نصير) هي التي سوف يتم طرح أسئلتنا من خلالها دون الإسترسال في بقية مقالته . طبعاً كان هناك اعتراضات كبيرة على ماكتبه ( الرفيق نصير) من قبل الشيوعيين أنفسهم))
من كل ما تقدم يمكن ان نلحظ الأهمية التي كانت تحتلها مجلة السجين الثوري رغم أنها مجلة تخط باليد

ومن اللافت للنظر أن عزيز سباهي  [3]لم يشر الى دور حميد عثمان بإصدار المجلة وهو يقول:
ان السجناء في سجن بعقوبة المركزي أصدروا المجلة بنسختين الأولى كانت للتداول داخل السجن أما النسخة الثانية فقد كانت تهرب الى الخارج ،وان الصحيفة كانت تحتوي معالجات فكرية وسياسية وتاريخية ، وفي حملة المداهمات الواسعة للشرطة العراقية استطاعت أن تعثر على كل ماصدر من المجلة وصادرتها .
ولكن د. فائق بطي يرى [4] :
1 – ان اول صحيفة سرية صدرت في السجون ، أصدرها (فهد ) في سجن الكوت عام 1948 ، دون ان يذكر اسمها ،
2 – ان صحيفة (السجين الثوري)صدرت في سجن نقرة السلمان عام 1953
3- بعدها في 7 تشرين ثاني عام 1953 صدرت في سجن بعقوبة صحيفة (كفاح السجين الثوري )
ويفهم من حديث الدكتور بطي ان لا علاقة بين الصحيفتين وان السجناء في نقرة السلمان والسجناء في سجن بعقوبة أصدر كل منهما صحيفته الخاصة .



13
من تاريخ الصحافة اليسارية في العراق (7)
صحيفة نهج الأنصار

د.ذياب فهد الطائي
 
ربما تكون صحيفة نهج الأنصار أهم صحيفة أصدرها الأنصار الشيوعيين في قواطع العلميات العسكرية في كردستان العراق ، بسبب العناصر التي تولت تحريرها من جهة ، وما حظيت به من اهتمام مكتب الإعلام المركزي للحزب من جهة ثانية
 
أصدرها المكتب العسكري للحزب الشيوعي العراقي في عام 1981
وتولت رئاسة التحرير (بشرى برتو عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي  )[1]
وكانت هيئة التحرير تتكون من[2] :
داوود أمين
محمد اللبان
وربما تكون الصحيفة الوحيدة التي كان لها مراسلون في كافة قواطع الانصار
كانت مهمة المكتب العسكري تولي التخطيط للعمليات العسكرية ولكن هذا لم يحدث كما يشير الى ذلك "عزيز سباهي " [3]إذ ظل دوره يقتصر على اصدار الصحيفة .
 
كانت الحركة المسلحة للحزب الشيوعي قد أقرت في اجتماع اللجنة المركزية في شهر حزيران من عام 1980 في برلين وعلى ان تبدأ تشكيلات التنظيم المسلح في كردستان  ، وفي الاجتماع الثاني للجنة المركزية في عام 1981 جرى التأكيد على الانخراط بوحدات الأنصار .
وكانت قيادة الأنصار قد حاولت اصدار الصحيفة بوقت سابق من عام 1979 ،كما يذكر القيادي في موقع (بهدنان )  توما توماس (وحينما اعلنا عن عدة فعاليات عسكرية قام بها انصارنا في جوار قورنة وقزلر، في صحيفة مردم التابعة لحزب تودة إيران، ابدي الرفيق اعتراضه، واعتبر ذلك خرقا وعملا ضد سياسة الحزب، لان شعارالكفاح المسلح لم يعلن بعد. واعترض الرفيق بشدة عندما أصدرنا جريدة (ريبازي بيشمركَة) (نهج الأنصار)، وهي تحمل شعار الحزب على صدر صفحتها الأولى ، مبررا اعتراضه بكونها جريدة غير حزبية.)[4]
وقد اشرف على إصدار الصحيفة في المرحلة الأولى :كل من أنور طه ولطفي حاتم ويساعدهما ،الدكتور إبراهيم إسماعيل وعلي الصراف وقاسم الساعدي.
وفي المرحلة الثانية :تولى رئاسة التحرير (أبو تراب ) والدكتور إبراهيم إسماعيل
وفي المرحلة الثالثة :أنيطت رئاسة التحرير بداود أمين [5]
كانت نهج الأنصار تهتم بنشر البيانات العسكرية للفعاليات العسكرية للأنصار[6] في قواطع العمليات
ففي عدد أوال آب عام 1987 نشرت( نهج الأنصار) حصيلة الفعاليات المعلنة للنصف الاول من عام 1987 كما يلي :
1 –نوعية العمليات ، أشارت الى السمة البارزة للعمليات ورصدت تطورها ،كما ونوعا
 
2- أشارت الى العمليات المشتركة التي تم تنفيذها مع القوى الأخرى وتحولت من عمليات دفاعية الى عمليات هجومية وشملت إقتحام مواقع (للعدو )
 
3 – تطور عمليات المدن كما حصل في مركز إربيل وقصبات السليمانية ودهوك
 
4 – نشرت نهج الأنصار كشفا مفصلا بالعمليات وعددها وعما إذا كانت منفردة أو مشتركة وكذلك كشفا بخسائر (العدو )
5- نشرت كشفا بالغنائم الي تم الاستيلاء عليها


________________________________________
[1] د.رحيم عجينة ، مصدر سابق ص 179
[2] داوود أمين ، مرجع سابق
[3]   عزيز سباهي ج3 ص221 ،مصدر سابق
[4] اوراق توما توماس ، الحلقة 20 المنشورة على موقع الناس في 18 – 02- 2007
[5] داوود أمين ، ينابيع العراق
[6] د.رحيم عجينة ،مصدر سابق ص370
 
 

14
من تاريخ الصحافة اليسارية في العراق
الحلقة الخامسة
مجلة عطارد
صدرت في  آب عام 1934[1]
صاحب الامتياز محمد القشطيني[2]
رئيس التحرير يوسف متي(1914- 1979 )
ومن الملاحظ ان يوسف متي دخل عالم الصحافة وهو في السابعة عشر من عمرة وكان مازال في الإعدادية ، وكان يكتب أمام اسمه (المدير العام ) ، وكشف عن موهبة صحفية رفيعة ، في العديد من المقالات التي كتبها ونشرها على صفحات عطارد او فينيس أو العقاب الأسبوعي ،وكانت الأخيرة ملحقا لصحيفة العقاب للإعلامي المعروف (يونس بحري )، ولكن موهبة يوسف متي الصحفية ،مكنته من أن يجعل منها صحيفة مغايرة في منهجها وفي المواضيع التي تناولتها ولتكون لأقرب للفكر الماركسي والحركة الشيوعية منها للحركة النازية التي كانت وراء صحيفة العقاب
 ويقول عزيز سباهي[3] " ان هذه المجلة لاقت رواجا كبيرا، ولكنها لم تستمر فقد تم تعطيلها بعد العدد السابع" ، وكانت تطبع 1500 نسخة من كل عدد يوزع منها 800 نسخة على الطلبة [4]
كان الغلق الإداري للمجلة قد صدر على أثر نشرها مقالا هاجمت فية التباين الطبقي بسخرية، بإجرائها مقارنة بين ساكني الصرائف وساكني القصور في عددها السابع الصادر في أيلول 1934
وكان يكتب فيها حسين الرحال وأمينة الرحال(أول امرأة تصل الى اللجنة المركزية ) التي ترجمت مقالات القائد الشيوعي( بالم دات) ونشرتها في المساحة المخصصة لها باسم "نسائيات"و تعتبر أمينة الرحال  أول امرأة تمارس مهنة المحاماة في العراق حيث أنها تخرجت في كلية الحقوق (كلية القانون) سنة 1943 وعملت في مكتب المحامي عبد الرحمن خضر ويقال أنها كانت أول امرأة في العراق تتولى قيادة سيارة ".
 كما أسهم في مجلة عطارد  شعراء من سوريا ولبنان ومصر والجزائر، ومن أبرزهم رئيف خوري وعمر أبو ريشة
وكان الرد الذي نشره يوسف متي على صفحات (عطارد) بعنوان "الشعبية في الميزان "، من أهم ماكتب  ردا على انتقادات جماعة (الأهالي )  للفكر الشيوعي في تحليلها لنظرية عبد الفتاح إبراهيم فيما سمي (الشعبية ) والذي صدرت  بكراس  في عام 1934 .
ولكن للدكتور عبد الفتاح إبراهيم رأي آخر جاء في صحيفة المدى في مقال منشور تحت عنوان  الحوار الأخير مع عبدا لفتاح إ إبراهيم[5] حول علاقة يوسف متي بمجلة عطار.
تقدم الصحفي بسؤال للدكتور إبراهيم 
((ما حكاية يوسف متي وجريدة عطارد؟))
بعد عمله معنا في المطبعة (يعني يوسف متي )
 اقنعه إبراهيم حلمي العمر للعمل معه في إنشاء مجلة عطارد،
وكان مديرها المسئول محمود القشطيني، تمول من مديرية الدعاية التي يرأسها( إبراهيم حلمي)، وهي قريبة من وزارة الإعلام، وليس لها علاقة حقيقية بالحزب الشيوعي ، كما اعتقد في حينها ، استغل يوسف متي الانشقاق الحاصل في جماعة الأهالي بين عبد القادر إسماعيل وحسين جميل، وكنت آنذاك مبعدا في موانئ البصرة، ومن هناك كنت اكتب افتتاحيات الجريدة  وأرسلها في القطار، فاتجه حسين جميل للكتابة في عطارد وكذلك هاشم جواد ومن الآخرين بهجة الأثري، فضلا عن شقيقة حسين الرحال (أمينة) التي كانت أول من شجع وسار في هذا الاتجاه..
ويوسف متي   هو يوسف متي عبد الله عباوي , ولد في الموصل وتخرج في كلية الحقوق ببغداد ، تعرض أثناء دراسته للفصل والسجن ، ويوسف متي قاص متميز  بدأ عملية نشر نتاجه القصصي منذ عام 1930 فنشر قصته (ضحية العهد) في الحاصد 1930،وقصته (في القرية)الحاصد 1932، (الرسالة)الحاصد 1932(عاطفة جامحة)الحاصد 1932، (حطام)عطارد 1934،    (سخرية الموت)الحاصد 1932.كما نشر في كل من جريدة السياسة والعمل .
 لقد بدأ متي في نشر نتاجه القصصي وهو لم يتجاوز السادسة عشر من عمره ،في جريدة الحاصد أولا .
 يقول عنه الدكتور عبد الإله الأحمد: " نجح في تقديم قصة قصيرة، تعتبر من أجمل القصص في الأدب العراقي الحديث في هذه الفترة وأجودها ، كانت قصته (حطام ) التي نشرها في مجلة عطارد / العدد 1/ السنة الأولى / آب 1934)، قد أبرزته كأحد الطليعيين الذين أضافوا لهذا الفن الكثير من الرقي والحس الإنساني


________________________________________
[1] د.فائق بطي ،مصدر سابق ص 46
[2] من الطريف الاشارة الى هناك اختلاف حول نسب محمد القشطيني ، فقج وجدت في منتدى الشيشان انه من المجموعة التي سكنت العراق ابان حكم الرئيس السوفييتي (ستالين ) والتي تنتمي للشيشان ، وفي موقع يتحدث عن القبائل الطائية (ومن طي: من ذرية فضل بن ربيعة ال القشطيني واصلهم من حلب السورية هاجروا الى العراق عام 1741 وكانوا من كبار التجار والاعيان في بغداد) http://www.majalisajbour.com/vb/showthread.php?t=6263
[3] عزيز سباهي ، مصدر سابق ص 167
[4] د. فائق بطي ن مصدر سابق ، ص47
[5] http://www.xn--mgbq6dev.com/paper.php?source=akbar&mlf=copy&sid=68573

15
من تاريخ الصحافة اليسارية في العراق
د. ذياب فهد الطائي
مجلة الصنائع
صدرت في 19 حزيران 1930
أصدرها القائد النقابي محمد صالح القزاز لتنطق باسم أصحاب الصنائع في العراق
 
ويذكر النقابي "شمخي جبر "على موقع سومريون كوم في حديثه عن الذكري الأربعين لإضراب عمال الزيوت النقابية :
((كانت جمعية " أصحاب الصنائع في العراق " أول جمعية منظمة خاضت ميدان الصراع حتى أجيزت العام 1928 .ولعبت دوراً قيادياً في تنظيم الحركة النقابية واكتسبت التأثير المبكر من الشخصية الوطنية جعفر أبو التمن " والحزب الوطني الذي كان يقوده ، ومن خلالها، انتشرت حركة تأسيس الجمعيات والنقابات العمالية مثل: (جمعية تعاون الحلاقين وجمعية البقالين وجمعية عمال المطابع وجمعية اتحاد المقاهي والمطاعم والفنادق) في بغداد وجمعيات عدة في الموصل كجمعية الخشابين ونقابة البقالين))[1]
كتب فيها حسين الرحال ، عبد الفتاح إبراهيم ،عبد الله جدوع وعبد القادر السياب (الذي كان واحدا من أصدقاء "فهد ") [2]
ورغبة من المشرفين على المجلة إعطاءها اسما أكثر قربا من الجماهير فقد تقدموا بطلب تغيير أسمها الى (صوت العامل ) إلا أن طلبهم تم رفضه من قبل السلطات
كان القزاز قد كسب الى جانبه جماهير العمال الذين وقفوا بوجه السلطات وأعلنوا الإضراب الذي رافقته مظاهرات صاخبة تنادي ببطلان قانون الرسوم البلدية الذي كان مثار معارضة واسعة في الشارع العراقي
وكرد على هذا التصعيد قامت الشرطة في الساعة الثامنة من مساء 04 تموز 1931 وحتى الساعة السادسة من صباح اليوم التالي باعتقال مجموعة كبيرة من العمال المتهمين بالتحريض وعلى رأسهم محمد صالح القزاز (رئيس الجمعية ) وأعلنت أنها ستقدمهم للمحاكمة بموجب الفقرة الثالثة من قانون العقوبات البغدادي[3]
وقد أدى الإجراء الحكومي الى أن يعم الإضراب كل مناحي الحياة العامة في بغداد وتتوقف حركة النقل ،  وعلى اثر ذلك أصدرت أمانة العاصمة قرارا خلاصته: إن مجلس أمانة العاصمة نظر في قضية رسوم البلديات مقارنة بحالة الضيق السائدة ودعا (مخاتير)
المحلات ،  وشرح لهم الوضع الحالي ودعاهم أن يفهموا الأهالي على استئناف  أعمالهم ،ثم نظر في العرائض المقدمة له مستندا الى الصلاحية المخولة له في المادة  الثانية من قانون رسوم البلديات ، وقرر شطب وتخفيض بعض الضرائب الواردة في جداول الرسوم وحسبما تقتضيه الحالة  الاقتصادية الراهنة وما ينسحب على كل مكلف بنسبة أرباحه ودعا المضربين الى العودة لمزاولة أعمالهم.
ويذكر السيد نقيب ذوي المهن الهندسية الفنية في الشركة العامة للسكك الحديدية ، (علي حسين) في حديثه في الذكرى الأربعين للإضراب الذي قام به عمال شركة الزيوت النباتية في بغداد[4]
(( بادر رائد الحركة النقابية في العراق المرحوم (محمد صالح القزاز )عام 1924 مع العمال النشطين بطلب تكوين أول منظمة للعمال ، ولكن هذه المحاولة لم تنجح حيث لم تحصل الموافقة على إجازة السلطات الاستعمارية إلا بعد الإضراب الكبير في معامل الشالجية عام 1927 والذي أحدث تحولا في موقف الحكومة ، وتم إجازة أول منظمة عمالية في عام 1929 تحت اسم (جمعية أصحاب المهن والصنائع العراقية ), وكان أغلب منتسبيها من عمال السكك ، إضافة الى أعداد من الكسبة والحرفيين .
بعد عدم ارتياح السلطات لعمل هذه الجمعية ، تم إغلاقها وسحب إجازتها ، ولكن العمال وبقيادة المرحوم (محمد صالح القزاز ) أسسوا (نقابة إتحاد العمال العراقية )، وشجعت هذه الخطوة تكوين الجمعيات لمهن عديدة ، وتطور عملهم بإنشاء " المجلس الأعلى لنقابة إتحاد العمال وأرباب المهن " ) .
وساهم القزاز في حشد العمال بمظاهرات صاخبة كانت تجوب بغداد قبل إن تنتقل الى بقية مدن العراق ، مؤيدا انقلاب الفريق بكر صدقي وحكومة حكمت سليمان  في عام 1936 ،وقد وقف معه شاعر العرب (محمد مهدي الجواهري ) الذي أصدر صحيفة دعاها ( الانقلاب ) تيمنا باستلام بكر صدقي السلطة في العراق
ومما يكشف تعلق القزاز بالجماهير وإخلاصه لمبادئه ، فإنه لم يقف عند حشدا لمظاهرات، والتي كان قائدها الميداني ،و لايكتفي بتأييد سلطة الانقلاب ، وإنما حمل تطلعات الجماهير ورغبتها في تحسين الوضع العام وتجاوز الخلافات وبناء مجتمع جديد , ومن أهم تلك المطالب :
1 – إطلاق حرية الصحافة
2 – إصدار عفو عام عن المسجونين
3- العمل على ضمان الحقوق الأساسية للمواطنين
4- رفع المستوى ألمعاشي للشعب
5- إطلاق حرية التنظيم الشعبي
 
ومن تتبع السيرة الذاتية للقزاز يمكن القول انه أحد أبرز القادة العماليين الذين عرفتهم الحركة العمالية عموما والنقابية على وجه الخصوص في العراق ، لم تمنعة متابعة مشاكل العمال والتحضير للإضراب ومواجهة المحاكم والسلطات القمعية ،من العمل على إنشاء مراكز للتجمعات العمالية لتسهيل مهمة اللقاء بمجاميع كبيرة منهم ، والبحث عن وسائل الترفيه  عنهم ،ففي عام 1937 تقدم بمعاونة الماركسي المعروف والصحفي البارز (يوسف متي ) فضلا عن نوري روفائيل وجميل توما ، للحصول على إجازة ناد رياضي باسم
 نادي السكك ، الذي أجيز فعلا ، واتخذ من مقر مؤسسة السكك التابعة لوزرة النقل والمواصلات مقرا له ، وكانت المؤسسة تقع في جانب الكرخ وعلى ذات الموقع الذي يشغله فندق الرشيد اليوم والذي تحول اسمه الى نادي المواصلات ،  ثم  الى نادي النقل وأخيرا استقر على اسم (نادي الزوراء ) الذي يعد واحدا من أبرز نوادي الدرجة الأولى في العراق اليوم.
وقد تسبب وجود قيادة ماركسية التوجه على رأس النادي الى انتشار ‘إشاعة مفادها أن نادي السكك واحد من مقرات الحزب الشيوعي العراقي   ، في حينه


________________________________________
[1] http://www.almadapaper.net/news.php?action=view&id=16963
[2] عزيز سباهي ،مصدر سابق
[3] www.aljaredah.com/paper.php?source...mlf
[4] صحيفة المدى ، مصدر سابق   http://www.almadapaper.net/news.php?action=view&id=16963



16
من رواد الصحافة اليسارية العراقية
د.ذياب فهد الطائي
يبدو أن رواد الصحافة اليسارية عموما كانوا نخبة عالية التثقيف في عموم العراق ، فقد بدأ المفكر حسين الرحال بمجلة ( الصحيفة )  عام 1924،وفي البصرة كان الأخوين هرمز (صحيفة الحياة عام 1921 )وعبد الجليل برتو (مجلة الثقافة عام 1927 )، وفي الموصل كان جرجس فتح الله (صحيفة الحقيقة عام 1945 )
الى هذا الجيل المشبع بثقافة بسمات اشتراكية ينتسب الصحفي والمفكر والناقد الاجتماعي ميخائيل تيسي
ولد تيسي في بغداد عام 1895 وتلقى تعليمه في إحدى المدارس المسيحية  وكان يجيد اللغة الانكليزية  ،مما أمكنه من العمل كمترجم في وزارة المالية ، وزارة الأوقاف ووزارة الدفاع ،وعين قائم مقاما لقضاء (الشيخان )ثم معاونا للمدير العام لدائرة تسوية الأراضي
بدء مشواره الصحفي في صحيفة الرافدين ، ينشر فيها سلسلة من المقالات في النقد الاجتماعي وقد لاقت تلك المقالات قبولا واسعا ، بسبب أسلوبها المتميز الذي يمازجه هزل اقرب الى النكتة الشعبية وذلك باستخدامه كلمات شعبية متداولة وباللهجة المحلية الدارجة.
أصدر تيسي كتابا ،ضم قصصه القصيرة حمل عنوان (مرآة الحال ) وفي عام 1922 أصدر كتابه الذي كان مثارا للجدل بعنوان ( ماهية النفس ورابطتها بالجسد ) عن دار دنكور في بغداد ، وبعد إصدار فتوى من أحد شيوخ الدين بتكفيره ، تعرض لمحاولة اغتيال
كما تعرض للسخرية ولسيل من النكات للنيل من شخصه ، وربما كان أكثر هذه النكات انتشارا مانشرته إحدى المجلات البغدادية على غلافها (في بغداد ظهر مبدأ جديد اسمه "" المبدأ التيسي ")
كما أصدر( تيسي ) كتابا ضم مجموعة مقالاته النقدية دعاه (نقدات كناس الشوارع) وصدرت له رواية بعنوان (خيمة العدالة )
كان ميخائيل تيسي من الأصدقاء المقربين من أول شخصية ماركسية في العراق (حسين الرحال )
في عام 1925 أصدر صحيفته الساخرة (كناس الشوارع )  ، وكانت الصحيفة تعتمد أسلوبا متميزا في سخريتها تقف وراءه رؤى فكرية تحمل فلسفة واعية وتوجها اشتراكيا ، كانت الصحيفة من هذا المنظار تختلف عن صحيفة (مرقعة الهندي ) التي صدرت في البصرة عام 1909  والتي كانت أقدم الصحف العراقية الساخرة وحبزبوز التي صدرت في بغداد عام 1931 وقرندل التي صدرت في بغداد أيضا 1947
بعد تعرض( تيسي) ،لمحاولة الاغتيال ، أغلق الصحيفة وأصدر صحيفة جديدة هي (مرآة الحال) في عام 15-10-1926 ولكنها لم تستمر ، ولكن عشقه للعمل الصحفي وإيمانه أن الصحافة واجب اجتماعي دفعاه الى إصدار صحيفة (سينما الحياة ) وذلك في 17- 12- 1926
كانت سينما الحياة قد صدرت بجهد مشترك مع الماركسي الكبير (حسين الرحال ) الذي كان يكتب فيها بانتظام فضلا عن القاص والكاتب العراقي المعروف (محمود أحمد السيد )
وقد عرفت الصحيفة نفسها بأنها (اشتراكية ، بمعنى كونها جريدة شعبية ، من الشعب والى الشعب ، وعليه ستكون وفقا لخدمة العموم وأحوالهم )
في عام 1936 أصدر (تيسي ) صحيفة الناقد التي توقفت في عام 1939
توفي ميخائيل يوسف تيسي في بغداد عام 1962 

17
السلطات العراقية في مواجهة الصحافة
مقاربة تاريخية
د.ذياب فهد الطائي

كان العراق واحدا من الولايات التي تحكمها الخلافة العثمانية حتى 1917 حتى إحتلال الأنكليز البصرة ومن ثم إستيلائهم على بغداد، وكان العراق شأنه شأن الولايات الواقعة تحت الهيمنة العثمانية يخضع لأحكام الدستور العثماني الصادر في 24- 12- 1876

وقد نص الدستور العثماني بأن العثمانيين بأجمعهم يملكون حريتهم الشخصية ومكلفون بأن لا يتسلطوا على حقوق وحرية الآخرين ، وكان هذا النص بمثابة حرية الرأي على الاقل، ولكن وكما هو معروف فقد كانت الصحف التي صدرت بعدهذا التاريخ بموجب هذا الدستور او دستور 1908 ،ليست بمنأى من التعطيل والإلغاء

 بعد تشكيل الحكومة العراقية بموجب معاهدة 1922 دشنت اولى اعمالها بتعطيل صحيفة(الشعب ) في عام 1922 بسبب موقف الصحيفة من الإحتلال  البريطاني ومن مجريات التفاوض الرامية الى تقييد العراق بمعاهدة مجحفة

ويذكر فاخر الداغري 

[1](وكانت اول جريدة عراقية قدمت الى المحاكم هي جريدة الاستقلال الصادرة في النجف حيث صدر العدد الاول منها في 3/تشرين الاول عام 1920، وقد وصف السيد محمد عبد الحسين بالكاتب الجريء اذ كان وراءاصدار هذه الصحيفة التي اعتبرت الناطق بلسان ثورة العشرين في حينه وحين عاد رجال الثورة المنفيون الى خارج الوطن من قبل الحاكم السياسي الانكليزي ابتهج الوسط السياسي الوطني في العراق عامة وبغداد خاصة بعودتهم واقيمت مظاهر الفرح وأطلقت عبارت الترحيب الوطني لهم ، وكانت جريدة الاستقلال سباقة في الاعلان عن موقفها الوطني المتميز في إعطاء موضوع العودة الى الوطن كل ابعاده السياسية الوطنية واعتبار عملية العودة بمثابة تحشيد جماهري شعبي وانتصار مؤزر،  يجعل من الثورة مثابة وطنية كبرى تتساوى بمساحة العراق من شماله الى جنوبه ويقف فوقها كل الشعب العراقي مطالبا َبالاستقلال الناجز باعتباره مطلباَوطنياَ َمشروعاَ.

وعليه ،اصدرت الجريدة عدداَخاصاَ بمناسبة عودة المنفيين الى بغداد وكان مانشيت الصفحة الاولى:
 (نهنىء الامة العراقية بقدوم منفييناَ الكرام ونطلب ارجاع جميع المنفين بلااستثناء .كما انناَ نواصل الطلب في تنفيذ سائر المواد السبع ))
وهي
*اطلاق حرية الصحافة وتطبيق قانون المطبوعات العثماني الى ان يسن غيره ، وفقاَ لنظام الاحتلال
*اطلاق حرية الاجتماعات وتشكيل اندية سياسية رسمية
 *اصدار العفو العام الخالي من كل قيد وشرط على جميع المجرمين السياسيين واطلاق سراح المسجونين
ارجاع المبعدين والمنفيين والسماح للمشتتين بالرجوع الى اوطانهم *
*رفع الادارة العرفية العسكرية والاحكام الكيفية التي اناخت على الشعب العراقي منذ الاحتلال حتى الان لتتمكن الامة من التفاهم مع السلطات بكل حرية واطمئنان
*رفع المحاكم العسكرية والقضاة والقوانين التي رتبت اخيراَ وتطبيق القوانين الجزائية والحقوقية السابقة ( بمقتضى الاحتلال ايضا)َ
*الاسراع في الانتخاب الحر وتشكيل المؤتمر العام من دون مداخلة رجال الاحتلال وبدون أي تضييق على افكار الاهالي بخصوص الانتخابات.
هذا المقال المفعم بالمطاليب الوطنية ادى الى تعطيل الجريدة لمدة سنة والحكم على صاحبها السيد محمد عبد الحسين بالسجن لمدة سنة وعلى رئيس تحريرها الاستاذ قاسم العلوي لمدة ستة اشهر واحد كبار محرريها الدكتور محمد مهدي البصير لمدة تسعة اشهر (وهو من ثوار وشعراء ثورة العشرين حيث شهد له جامع الحيدر خانة بجولاته وصولاته الخطابية التي كانت تهلب حماس الجماهير التمحشدة داخل الجامع)

ورغم ان الحكومة العراقية قد التزمت بالقواعد القانونية في صياغة الدستور الذي صدر في عام 1925 والذي نصت المادة الثانية عشر – الباب الاول ، منه ،على ضمان حرية إبداء الرأي والنشر والإجتماع وتأليف الجمعيات والإنضمام اليها ، آى إن ذلك لم يمنع نوري السعيد فور توليه وزارته الأولى أن يبدأ عهده في عام 1930 بتعطيل سبع صحف جملة واحدة وهي :

البلاد

الفرات

صدى الإستقلال

الأخبار

الإستقلال

الجهاد

صوت العراق

وتتسع دائرة التعطيل لتصل الصحف المعطلة الى 35 صحيفة متنوعة التوجهات والعائدية .

 شكل نوري السعيد وزارته الأولى في 23 آذار 1930 [2]،بناء على تكليف الملك ،والمندوب السامي البريطاني ،وكان ذلك التكليف باكورة هيمنته على سياسة العراق حيث تولى الحكم أربعة عشر مرة منذُ ذلك التاريخ وحتى سقوط النظام الملكي إثر قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958،ولعب خلال تلك الحقبة دوراً خطيراً في حياة البلاد السياسية ،واشتهر بإخلاصه التام للإنكليز،وبحملات القمع التي مارسها ضد أبناء الشعب والمراسيم الجائرة التي كان يصدرها لكي يسكت أفواه المواطنين وقوى المعارضة العراقية،مستخدماً كل الوسائل والسبل المخالفة للدستور .

 كما اتخذ موقفاً معادياً من حركات التحرر العربية ، وكان تولي السعيد للوزارة محاولة لوقف الطوفان الشعبي المعادي للإتفاقية ، وتداركا لذيول مأساة انتحار رئيس الوزراء الأسبق (عبد المحسن السعدون ) واستقالة وزارة (ناجي السويدي )في 09- 03 1930

وقد عمدت الوزارة الكيلانية الاولى التي تولت الحكم  بعد سقوط حكومة نوري السعيد في عام 1933 الى الغاء قرارات التعطيل بالكامل واستأنفت الصحف المعطلة عملية الإصدار

وفي عام 1946 عطلت حكومة أرشد العمري[3] سبع صحف أيضا هي :

النداء

التقدم

الرأي العام

الجهاد

البعث

وكان من نصيب صحيفتا السياسة وصوت الأهالي إحالتهما الى المحكمة ليصدر حكم قضائي بغلقهما

في عام 1947 قامت حكومة صالح جبر بغلق كل من صحيفة الوطن وصحيفة السياسة وصحيفة صوت الاهالي

قرر نوري السعيد أن يتنحى عن دفة القيادة ظاهريا ليسلمها إلى من يقوم مقامه، وينفذ الخطة المتفق عليها مسبقا لتعديل المعاهدة. وكان صالح جبر هو الشخصية التي رشحت لإتمام الصفقة، وذلك بالاتفاق بين الوصي ونوري السعيد و السفير البريطاني كورنواليس الذي وصف المرشح بأنه" قائد السفينة ونوري السعيد أدميرال البحرية
وهكذا شكل صالح جبر وزارته الأولى، في 29/ 3/ 1947. قوبلت الوزارة الجديدة بالمعارضة الشديدة من جانب جميع الأحزاب السياسية المعارضة، التي أعلنت أن الهدف من مجيء الوزارة هو تنفيذ السياسة الرامية، منذ نهاية الحرب الثانية، إلى إنشاء التكتلات والمشاريع التي تربط العراق بعجلة الاستعمار، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع الأماني والتطلعات الوطنية .
قام صالح جبر بإغلاق بعض الصحف الحزبية المعارضة وتعطيل حزبي الشعب والاتحاد الوطني ، وباعتقال بعض القادة السياسيين المعارضين، وأبرم اتفاقيات مع بعض الدول المجاورة، شجبتها الأحزاب الوطنية باعتبارها ضارة بمصالح الشعب العراقي. وفي هذا المناخ القمعي،  بدأت المفاوضات بين العراق وبريطانيا، بتكتم شديد في قصر الرحاب ابتداء من 7أيار/ مايو 1947، ثم في لندن وبعدها في السفارة البريطانية في بغداد وانتهت بالتوقيع على المعاهدة في ميناء بورت سموث البريطاني في 15كانون الثاني/ يناير 1948 .[4]

ولكن الهجوم الكبير على الصحافة العراقية تم في عام 1954على يد رئيس الوزراء نوري السعيد بموجب المرسوم المرقم (24)

فقد تم غلق 131 صحيفة و62 مجلة

في عام 1961 أي بعد ثلاث سنوات من الحكم الجمهوري الأول أصدرت وزارة الإرشاد العراقية أوامر مختلفة بغلق :

الأهالي

خه بات

إتحاد الشعب

صوت الطليعة (البصرة )

مجلة 14 تموز

صحيفة نداء الاهالي(البصرة )

صحيفة صوت الاهالي(الموصل )

صحيفة الشبيبة

صحيفة صوت الطلبة

صحيفة الانسانية

صحيفة الحضارة

صحيفة كفاح الطلبة(كركوك)

صحيفة رأي الأهالي

بعد ثورة تموز 1958 ومجيئ العسكر الى الحكم ، إستطاع الزعيم عبد الكريم قاسم الأنفراد بالسلطة ،وخلال فترة حكومتة صدرت اكثر من 120جريدة ومجلة انيطت مهمة تنظيمها  بوزارة الارشاد ، ولكن التجاذبات السياسية الحادة وتدخل بعض الدول العربية في الشأن العراقي ودعمها لعمليات النيل من الحكومة وما قابلها من إفتقار عبد الكريم قاسم لرؤية سياسية واضحة أدى به الى إتخاذ العديد من القرارات المتسرعة وغير المدروسة  واللجوء الى العديد من المواقف الإرتجالية ، وكان من جملتها تعطيل كافة الصحف اليسارية والتقدمية ولم تسلم من ذلك صحيفة صديقة الشاعر محمد مهدي الجواهري، وقد زادهذا من عزلة قاسم وسهل التآمر عليه ومن ثم الإطاحة به بالصورة الدراماتيكية التي حصلت في 08 شباط 1963

 

ومن الملاحظات الجديرة بالإشارة اليها في عمليات الغلق والتعطيل ، يمكن تأشير ما يلي :

1 – إن جل هذه الصحف هي يسارية التوجه

2- ان هناك توجه سياسي وراء عمليات الغلق لا علاقة له بمجريات العمل الصحفي

3- أن الصحافة الحزبية التابعة للحزب الشيوعي لجأت ثانية الى العمل السري لضمان الإستمرار بعلاقاتها مع جماهيرها في حين تعذر ذلك على الصحف والمجلات المستقلة أو التابعة لأحزاب وطنية

4- بحكم العداء السافر للتيارات التقدمية والخوف من علاقتها المباشرة مع الجماهير عبر الصحافة فقد تفننت السلطات في ايجاد المبررات لعدم اعطاء هذه التيارات فرص كافية ، وكان نصيب الحركة الشيوعية النسبة الاكير من هذا العداء والمواجهة فمنذ صدور كفاح الشعب عام 1935(السرية )  لم تستطع الحركة الشيوعية الحصول على ترخيص بإصدار صحيفة للفترة من 1935 ولغاية 1958 الا مرتين ، الأولى كانت صحيفة العصبة عام 1946 والثانية كانت الاساس عام 1948 ،أما بعد 1958 فقد تم الحصول على ترخيص باصدر بعض الصحف في بغداد وبعض المحافظات ولكن ذاك كان سحابة صيف وبعد حوالي السنتين الغي امتياز كافة التراخيص

وبعد عام 1973 منح الحزب الحاكم تراخيص صحيفة مركزية وسمح له بإصدار مجلة الثقافة الجديدة ،وصحيفة أدبية بإسم الفكر الجديد، وكانت تلك الفرصة مقتضبة ولم تعمر أيضا

 

 

 

 



________________________________________
[1] http://www.almadapaper.com/sitepicture/1017-8-2.jpg
 [2]حامد الحمداني ،نوري السعيد رجل المهمات البريطانية الكبرى، بدون تاريخ أو اسم دار النشر ،ص 43
[3] عبد الرزاق الصافي موقع الناسhttp://www.al-nnas.com/ARTICLE/ASafi/2zmn3.htm
بعد جريمة قتل العمال في كـاورباغي في يوليو 1946، وما جوبهت به من سخط واسع عبرت عنه كل الصحف الوطنية ومذكرات الأحزاب، وبيانات الحزب الشيوعي، وقبلها اطلاق النار على مظاهرة 28 يونيو 1946 التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي، وسقوط قتلى وجرحى كثيرين فيها، شنت حكومة أرشد العمري حملتها على الصحف الوطنية المعارضة، وأقامت الدعاوى ضد مديريها المسؤولين ومحرريها في محكمة جزاء بغداد، وجندت بعض الحكام (القضاة) الرجعيين ليقوموا باصدار الأحكام التعسفية بغلقها. وكانت المرافعات التي يلقيها المديرون المسؤولون للصحف ومحاموهم الكثيرون مادة سياسية جيدة لتعرية النظام الملكي وفساده ولا ديموقراطيته، وخصوصاً محاكمات الأستاذ كامل الجادرجي (الأهالي)، وعزيز شريف (الوطن)، وناظم الزهاوي (السياسة)، وقاسم حمودي (لواء الاستقلال). وعند بدء الحملة على الصحف برفع الدعاوى ضدها، كتب الأستاذ عبد الفتاح ابراهيم مقالاً افتتاحياً في جريدة (السياسة) يفضح الحملة وأهدافها تحت عنوان (أهذا أول الغيث؟)، وفي محاكمة الأستاذ ناظم الزهاوي، المدير المسؤول عن جريدة (السياسة) تطوع العشرات من المحامين للدفاع عنه، وكان من بين من تطوع للدفاع رجل الدين المعروف الشيخ أمجد الزهاوي الذي قال في دفاعه كلمة معبرة صارت عنواناً لمقال افتتاحي في الجريدة هو (خير الصحف من تُرشد وخير الحكومات من تسترشد)، ولعله كان يغمز رئيس الوزراء أرشد العمري الذي لم تكن حكومته تريد الاسترشاد بطبيعة الحال، ولذا واصلت حملتها ضد الحريات العامة، وعملت على اسكات صحف المعارضة وتمهيد الطريق لعودة نوري السعيد الى رئاسة الوزراء لترتيب الأوضاع بما يسمح بتجديد معاهدة عام 1930 الاسترقاقية بمعاهدة جديدة، كما كانت تريد الفئة الحاكمة والبلاط، على الضد من مطلب غالبية الشعب
[4]علاء الدين الاعرجي المحامي ، الإعداد لتوقيع المعاهدةhttp://www.arabworldbooks.com/arab/alaraji2.htm





18
جوانب من العلاقات  الهولندية مع دول المغرب العربي
2/2
د.ذياب فهد الطائي
 

 
التعاون في المجال الاقتصادي في الوقت الراهن
 
1-   الجزائر
 
يقدرالدخل القومي في الجزائر بـ 120 مليار دولار و يمثل القطاع النفطي في الاقتصاد الجزائري المصدر الاول للدخل القومي ، حيث يمثل حوالي 60% من الميزانية العامة، و30% من الناتج الإجمالي المحلي و97% من اجمالي الصادرات.و تطمح الجزائر إلى التقليل من الاعتماد على عوائد النفط بالتركيز على الزراعة للحد من استيراد المنتجات الزراعية كالبطاطا والفواكه والحبوب خاصة. وتنمية تصدير منتوجات أخرى كالتمر والتي تشتهر به. كما للجزائر ثراوات طبيعية أخرى كالحديد والفحم واليورانيوم.
كان الهدف الأساسي من الإصلاحات، الإقتصادية التي أجراها( الشاذلي بن جديد) في عام 1988 التحول نحو اقتصاد السّوق، طلبا للاستثمارات الأجنبية، وخلق مناخ تنافسي داخل البلد
وهكذا  تركت الدولة التسيير في المؤسسات العمومية بنسبة 2/3 وألغت احتكارها للاستيرادو شجعت على خصخصة القطاع الزراعي.
ارتفعت المؤشرات الاقتصادية في الجزائر في النصف الثاني من سنوات التسعينيات، فقد شهد النمو الاقتصادي زيادة بين عامي 1999 و2005 بمتوسط قارب 4%. كما سجل تحسنًا ملحوظًا لوتيرة النمو في أعوام 2003 و2004 و2005 بنسب 6,9% و5,2% و5,1% على التوالي، ومنذ بداية عام 2000 تعززت الوضعية المالية الخارجية بفضل ميزان المدفوعات الذي شكل قاعدة لهذه الوضعية وساهم في تعزيزها خلال الســنوات من 2001 إلى 2007 المحيط للدولي الملائم المقرون بارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية دعم البنك الدولي لسياسة الإصلاحات وعملية إعادة جدولة الديون التي أقرها نادي باريس.
رغم أن ترتيب الجزائر عالميا من حيث الناتج المحلي الإجمالي هو 51 من أصل 195 دولة شملها التصنيف اٍلا أن نسبة البطالة فيها مرتفعة نسبيا إذ تبلغ 17.7 % وتحتل بذلك المرتبة 17  حسب إحصائيات سنة 2004. وظل الاقتصاد الجزائري اقتصادا ريعيا شأنه شأن اقتصاديات معظم البلدان العربية
وتنتج الجزائر 1.4 مليون برميل يوميا وهو ما يمثل نموا بنسبة 6.5 في المائة فيما ارتفع انتاج الغاز بنسبة تسعة في المائة. وزاد القطاع اجمالا ب (5 ) مليار دولار وقد ساهم شركاء أجانب بمبلغ 1.25 مليار دولار منه، علما بأن عائدات تصدير البترول في عام 2005 كانت بحدود 6 ، 45 مليار دولار
ويقدَّر احتياطي مناجم "اليورانيوم" في الجزائر بحوالي 30 ألف طن قابلة للإستغلال، وتستغلّ الجزائر أربعة مناجم في جنوب البلاد  منذ عام 1973
وتنفذ احدى الشركات الهولندية مشروع بناء 18 سفينة " علاوة على "اقتراحات" شراكة أخرى في قطاع الخدمات.

كما تقوم كونترول يونيون إنسباكشن فرانس" بالإشراف على مراقبة نوعية الحبوب والبقول الجافة قبل شحنها لتصدريها إلى الجزائر والشركة العاملة هي فرع للمجمع الهولندي "بيترسون كونترول يونيون"
 
كما تعاقدت شركة هيبروك شيبينغ كامباني التابعة للشركة النفطية الحكومية الجزائرية العملاقة سوناطراك في عام  2009 مع البنك الهولندي( إن جي) لتمويل شراء ناقلة عملاقة  وتقدر قيمة التمويل ب 152مليون دولار، تتكفل سوناطراك بتمويل 25% منه فيما يتكفل البنك الهولندي بتمويل 75 ٪،
 
 
 
 
2-                        المغرب
 
 يبلغ الناتج المحلي للمغرب حسب احصاءات عام 2008 بحو132 مليار دولار وتتوقع المصادر الاحصائية ان يكون عدد السكان حوالي 32 مليون فرد
وتفيد تقارير رسمية أن القيمة الإجمالية للقروض الشخصية في المغرب ارتفعت من خمسة مليارات درهم في العام 1995 إلى 30 مليار درهم في 2007 وارتفعت مستوى التخلف عن أداء مستحقات الديون من 2.97 مليار درهم في 2004 إلى 4.2 مليارات درهم في 2006.وتشير مجموعة (أيكو إنتليجنس ) البريطانية
أن الاقتصاد المغربي حقق نموا قويا نسبته 8ر7 بالمائة خلال الربع الأخير من سنة 2009، مقارنة مع الفترة نفسها من السنة التي قبلها.
وأكدت المجموعة في تحليل لها أن "الاقتصاد المغربي سجل نسبة نمو بلغت 8،7 بالمائة خلال الربع الأخير من سنة 2009، لينتقل المعدل السنوي لنمو الناتج الداخلي إلى 2،5 بالمائة".
موضحة أن القيمة المضافة للقطاع الفلاحي ارتفعت بنسبة 9ر26 بالمائة خلال هذه الفترة، في حين حقق قطاع الطاقة والمعادن ارتفاعا بنسبة 2ر10 بالمائة.
و أن قطاعي التصنيع والبناء سجلا ارتفاعا على التوالي بنسبتي 8ر3 و1ر6 بالمائة، مشيرا إلى أن النمو القوي للاقتصاد المغربي حفز وكالة التنقيط الدولية (ستاندرد آند بور) على تصنيف المغرب في "درجة الاستثمار" في مارس الماضي.
ومن جانب آخر، أبرزت المجموعة البريطانية أن التغيرات على مستوى الإنتاج الفلاحي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على الاستهلاك الخاص، مسجلة أن دور القطاعات غير الفلاحية يرتقب أن يتعزز على المدى الطويل لفائدة قطاعات التصنيع والبناء بفضل المشاريع التي أطلقتها الحكومة في مجالات السكن والبنيات التحتية.
وتسيطر «شل المغرب» على 22 في المئة من سوق توزيع المحروقات والبنزين ووالمشتقات البترولية في المغرب ويعود تاريخ وجودها فيه إلى 1922 ولها نحو 400 محطة توزيع تعتبر الثانية بعد جنوب أفريقيا من حيث المردود التجاري.
وتعمل شركة روبيرتسون الهولندية منذ عام 2004 على تنفيذ دراسات زلزالية لحساب شركة كيرماك ، في الصحراء الغربية
 
وبشكل عام فان المغرب تصنف كافضل بدلد جاذب للإستثمارات الأجنبية في  شمال افريقيا فقد
زادت الاستثمارات الخارجية المباشرة في المغرب من 1.07 مليار دولار إلى 2.9 مليار دولار بين 2004 و2005 حسبما أفاد مدير الدراسات والإعلام بمديرية الاستثمارات المباشرة أثناء تقديمه لتقرير عام 2006 حول الاستثمارات في العالم والذي أصدره مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية. وشكلت معظم مجالات الاستثمار الاتصال والسياحة والعقار والصناعة والتأمين.
وفي النصف الأول من السنة (2006 ) [1] وافقت لجنة الاستثمارات الخارجية على 33 مشروعا فبلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية قرابة 2.31 مليار دولار وساهمت في خلق 7664 فرصة في نفس فترة السنة حيث استحقت تسميتها بـ"السنة القياسية. وذكرت دراسة أنجزها قسم متخصص تابع لمجموعة "ذي فاينانشال تايمز" البريطانية للصحافة بأن المغرب صنف ثالث أفضل وجهة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في إفريقيا خلال 2009 - 2010 بعد جنوب إفريقيا ومصر
ويؤكد  قسم الدراسات والإعلام بمديرية الاستثمار ، بمناسبة تقديم تقرير عام 2006 حول الاستثمارات عبر العالم، الذي نشرته منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، إن تدفقات الاستثمارات بالمغرب تهم بالأساس خمس قطاعات وهي :
قطاع الاتصالات: بنسبة 59 في المائة، بعد حصول شركة "فيفاندي" الفرنسية على نسبة 16 في المائة من شركة اتصالات المغرب، التي تم تفويتها للقطاع الخاص.
قطاع السياحة: بنسبة 7 .11 في المائة بعد تفعيل ما يسمى في المغرب بالمخطط الأزرق "أزور"، الذي يهدف إلى تنشيط القطاع السياحي المحلي.
قطاع العقار: 9.1 في المائة، من نسبة الاستثمارات الأجنبية، خلال نفس السنة، خصوصا أن المغرب فتح أوراشا عقارية كبرى، وبدأ في بناء عدة مدن جديدة في كل جهات البلاد.
 
قطاع الصناعة: الذي استقطب نسبة 7 .8 في المائة من رؤوس الأموال الأجنبية، التي فضلت الاستثمار خصوصا في مجال الطيران والسيارات.
قطاع التأمينات: نسبة 4 .4 في المائة من الاستثمارات الأجنبية ليحتل المرتبة الأخيرة.
وتشير الاحصاءات الرسمية الى ان مناهم المزودين suppliers/vendors اللوجستيين لاحتياجات المغرب المختلفة نذكر مثلا روسيا وايطاليا والمملكة المتحدة والصين والمانيا واسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية. اما الدول التي يصدر لها المغرب بالمقابل فهي تشمل ايطاليا والمانيا(وهولندا)فرنسا والمملكة المتحدة واسبانيا والهند والولايات المتحدة الاميركية.
وفي الحقيقة وجدت وانا ادرس الإستثمارات الأجنبية في المغرب ،عدم وجود دور فاعل للشركات الهولندية وكان هذا امرا مستغربا لسببين :
1-   ان العلاقات المغربية الهولندية هي من اقدم العلاقات الرسمية فالمغرب كان أول بلد في العالم العربي وافريفيا قد إعترف بحكومة الولايات الهولندية السبع المتحالفة
2-   ان الجالية المغربية في هولندة هي اكبر مجموعة عربية(حوالي 350 الف ) وتمتلك الكثير من المواقع المهمة
 
 
 


________________________________________
[1] لوماتان، اوجوردوي لوماروك، المغرب العربي للأنباء



19

العلاقات العربية الهولندية
3

د.ذياب فهد الطائي

ث - العلاقات مع دول المغرب العربي

شهدت منطقة المغرب العربي الكبير صراعا اوربيا على احتلال موانئها وكان الصراع الهولندي الاسباني العنوان الاكبر للمرحلة المبتدئة بعام 1590، وقد استغل الهولنديون مشاعر الكراهية والعداء لسلطات هذه البلدان (الجزائر ، المغرب ، تونس ، ليبيا ) للبرتغاليين والإسبان ودخلت مع حكوماتها باتفاقيات تعاون مشترك
وكانت شواطئ المنطقة تشهد نشاطا كبيرا لعمليات قرصنة يقوم بها قراصنة من من اسبانيا وهولندة والجزائر والمغرب ويذكر الدكتور احمد علو في بحثه المنشور في مجلة الجيش العدد 283 –كانون ثاني 2009
(أُطلق على قراصنة شمال أفريقيا، إسم «القراصنة البربر». وكانوا ينطلقون في اعمالهم من موانئ تونس وطرابلس الغرب و الجزائر وبعض مرافئ المغرب، وذلك منذ بداية الحروب الصليبية وحتى القرن التاسع عشر. وقد اشتهر منهم «خير الدين بربروسا» الذي أصبح حاكماً لشمال أفريقيا من قبل الدولة العثمانية وقائداً لأسطولها البحري(1533 )
وخاض بربوسا عدة معارك ضد الاساطيل الاوربية وكان من اهمها معركة (بريفيزا )
وفي عام 1538 عينه السلطان العثماني (سليمان القانوني) ،أميرا للبحر ، ويذكر ان اعمال القرصنة في البحر الابيض المتوسط كانت تتسبب في قلق السلطات العثماني بما لها من تأثير على حركة التجارة والامن وكانت عصابات القراصنة نوعان
1- قراصنة يعملون لحسابهم الخاص دونما غايات سياسية
2- قراصنة تدعمهم وتشجعهم دول اوربية بهدف اشغال السلطات العثمانية واثارة المشاكل لها ، فيقومون السطو والإستيلاء على السفن
وقد استطاع بربوسا تدمير القوة العسكرية لتلك العصابات وفرض سيطرة السلطنة على البحر الابيض المتوسط بعد انتصارة في معركة (ليبانتو ) عام 1571
وكان من ابرز القراصنة ''على بتشين'' واسمه الحقيقي ''بيكانينو'' وقد ترك اعمال القرصنة وتحول للعمل في الاسطول الجزائري حيث اصبح  رئيسا لإسطول البحرية الجزائرية في الفترة الممتدة مابين 1630و1646 ، وفي عام 1649 دخل ''بيكانينو'' الإسلام عن طريق فتح الله خوجة، الذي كان يملك بواخر خارج الأسطول واختار ''على بتشين ''كأ مير له، وقام علي يتشين ببناء المسجد الذي يدعى بإسمه عام 1622على شكل هندسي عثماني وكانت المئذنة على شكل مربع . وفي عام 1830في  فترة الاحتلال الفرنسي تحول المسجد إلى ثكنة عسكرية للفرنسيين، ليبقى الأمر على حاله الى غاية 1843 حيث تحول إلى كنسية ''قديسة الحرية ''، وبقي المسجد بهذه الصفة إلى غاية استقلال الجزائر عام 1962. ويقع المسجد في حي القصبة في العاصمة الجزائرية .
لقد كانت الرغبة في ضمان حركة حرية الملاحة في سواحل شمال افريقيا و الحد من نشاط سفن القرصنة التي كانت تهدد هذه الحرية إضافة الى قيام القراصنة بأسر اعادا كبيرة من الرعايا الهولنديين وبيعم كعبيد، هي البوابة التي بدأت منها السلطات الهولندية عمليات الاتصال الواسعة مع حكومات شمال افريقيا ،  فابتداء من عام 1596 بدأت هولندا اتصالاتها مع المغرب ، وقد انتج ذلك توقيع اتفاقية بين المغرب وهولندة في 24 ديسمبر من عام 1609  وقد اعترفت المغرب بموجب هذه الاتفاقية بحكومة المقاطعات المتحدة الهولندية السبع وبهذا سجلت المغرب سبقا على مستوى العالم وتم بموجب ذلك تبادل السفراء وضمنت المغرب موافقة السلطات الهولندية على حرية حركة السفن المغربية في الموانئ الهولندية والموافقة ان تقوم سلطات الموانئ الهولندية بتقديم الدعم والعون لهذه السفن وان تتم عمليات الصيانة والتصليح لها عند الحاجة
كما شاركت البحرية المغربية في دعم القوات الهولندية التي كانت تخوض حربا شرسة ضد القوات الاسبانية فيما سمي بحرب (الثمانين سنة )  ، كما ان كلا من تونس وهولندة قد تبادلتا التمثيل الدبلوماسي في عام 1615
وقام الهولنديون بتطوير صناعة السفن وبناء احواض لهذه الصناعة وكان الكابتن (سيمون دي وانسر ) الذي أشرف ايضا على تطوير صناعة السفن الشراعية في تونس والكابتن (فن ينسن ) من مدينة هارلم وهو من ضمن مجموعة من الهولنديين، تولوا قيادة الاسطول الجزائري
 ومما يذكر هنا ان الكابتن( ينسن )انتقل للعمل في اسطول المغرب واصبح فيما بعد حاكما على مدينة (سلا )
وقد شهد القرن السابع عشر في نهاياته ثبات العلاقات بين هولندة ودول المغرب على اساس من المصالح المشتركة حتى قيام فرنسا باحتلال الجزائر اولا في عام 1830 ومن ثم تحركها المستمر لاحتلال المغرب وقد سهل لها التدخل في الشأن المغربي حدوث معارك بين بعض القبائل الجزائرية والمغربية واستطاعت ان تجبر الحكومة المغربية على توقيع اتفاقية الامتيازات في عام 1767 وقد كرست المادة 11 من الاتفاقية ما يخدم المصالح الفرنسية على نحو مطلق وهذ مما مهد الطريق لاحقا للتدخل العسكري وفرض الهيمنة الاستعمارية


20

العلاقات العربية الهولندية
2


د.ذياب فهد الطائي
 
 
ت - العلاقات الهولندية مع سوريا
 
في عام 1569 استطاع الفرنسيون الحصول على امتيازات تسمح لأساطيلهم البحرية التحرك بحرية في البحر الابيض المتوسط والخليج العربي والبحر الاحمر، وكذلك سمحت تلك الامتيازات للتجار الفرنسيين التجول في كافة البلاد الشرقية التي تحكمها الامبراطورية العثمانية وكان مما نصت عليه الاتفاقية المتعلقة بتلك الامتيازات السماح للسفن من دول اخرى بحرية الحركة اذا ما رفعت العلم الفرنسي
 
وفي عام 1601 حصل الإنكليز على ذات الامتيازات ومن هنا كانت الاساطيل الهولندية قد رفعت العلم الفرنسي اولا ثم تحولت الى رفع العلم البريطاني بسبب الفرق في الضريبة التي تدفعها السفن حيث كان الفرنسيون يدفعون 5% في حين كان امتياز الانكليز ينص على دفع الضريبة بنسبة 3%
 
وبعد سلسلة من المتابعات الهولندية للحصول على امتيازات مماثلة للفرنسية والانكليزية بسبب الشكوى المستمرة للتجار الهولنديين من سوء المعاملة التي يتلقوها من اصحاب الامتياز،
تمكن السفير الهولندي( كورنليس هاغا ) من الحصول على موافقة السلطان العثماني على اتفاقية تسمح بحرية التنقل للتجار الهولنديين كما اقرت الاتفاقية تعرفة خاصة وكذلك ضمنت الحق للحكومة الهولندية بانشاء قنصليات لها على الاراضي العثمانية وفي عام 1634 تم تجديد الاتفاقية في عهد السلطان مراد الرابع 
في عام 1607 تم تعيين (ارنو دو )[1] اول قنصل لحكومة ممثلي مقاطعة هولندة وكان (دو) يعمل وكيلا تجاريا لمقاطعة اوترخت
لقد كان وراء سرعة استجابة الخلافة العثمانية للطلبات الهولندية العوامل التالية:
 
1 – كانت الخلافة العثمانية تخوض حربها في اوربا ضد عائلة (هابسبورغ )[2] ،
في ذات الوقت الذي بدأت فيه القوات الهولندية تقاتل من اجل التحرر  من الهيمنة الاسبانية
 
2- انتصار القوات الهولندية البحرية في معركة مضيق جبل طارق على القوات البحرية الاسبانية العائدة لعائلة هابسبورغ
 
3-   المقدرة اللافتة التي ابداها التجار الهولندييين في تطوير عملهم في الهند الشرقية واوربا عبر الخليج العربي
 
4-   استباق السلطات العثمانية للأحداث وتحسين علاقاتهم بالهولنديين (القوة الأبرز في الخليج ) للحد من توجههم نحو التعاون مع الشاه عباس والسلطات الفارسية
 
 
كانت العمليات التجارية الهولندية تدار في حلب من خان (الفلمنك ) نسبة الى تداول اللغة الهولندية هناك ، وفي الخان، كان ايضا ،  مكتب القنصل الهولندي، وكانت التجارة النشطة التي تدار من حلب تتركز في منتجات الهند من (التوابل ) كجوزة الطيب والقرنفل والفلفل ومنتجات اخرى متنوعة
 
اما بالنسبة للعلاقات الثقافية فقد كان الامر مختلف عما هو في الخليج العربي فهنا كانت مراكز متنوعة للثقافة العربية الاسلامية وكانت الحياة في الحواضر غيرها 
                   
في الصحارى وعند التجمعات السكانية القليلة والمعزولة  والمنشغلة بالعمل البحري البدائي
ولهذا فقد كانت العلاقات الثقافية اكثر وضوحا في جانبها التبادلي فالتجار الهولنديون والاوربيون عموما كان لهم تاثير واضح في المدن التي سكنوها وتعاملوا مع سكانها كما ان اولئك التجار والرحالة والمستشرقون قد اعتادوا الحياة الشرقية واستقر قسم منهم في تلك المدن وتزوجوا من نسائها ، ف(حلب)كانت مركزا تجاريا مهما كما كانت مركزا ثقافيا ومدينة تحظى بشهرة واسعة في العالم آنذاك ويتعايش فيها اجناس شتى وقوميات متنوعة من اوربيين واتراك وفرس وارمن ويونايين وديانات مختلفة من مسلمين ومسيحيين ويهود
 
وقد لعب الرحالة والمستشرقون دورا مهما في البحث عن المخطوطات النادرة وكان من اهم اولئك المستشرقين (جاكوبوس غوليوس 1584- 1667 )الذي تعلم اللغة العربية في جامعة( لايدن)[3] واصبح مستشار القنصلية الهولندية في حلب اضافة الى عمله كمترجم وقد وصلت المخطوطات التي نقلها الى مكتبة جامعة لايدن الى حوالي ثلاثمئة مخطوطة[4]
 
مما يلاحظ ان طبيعة العلاقات التي ربطت هولندة بسوريا وبمدينة( البصرة[5])في العراق تختلف عنها في الخليج العربي وذلك بسبب :
1-   ان منطقة الخليج كانت تسكنها قبائل صغيرة ومتفرقة ولا توجد حماية عسكرية
 
لها من السكان المحليين، وكان الصراع العسكري والتنافس على احتلال المنطقة يجري بين الاوربيين واحيانا مع الفرس
 
2-   ان سوريا والعراق كانتا تحت الهيمنة العثمانية وتعتبران جزءا من املاك الامبراطورية ، وعليه فان التحرش بها يعني الدخول في نزاع مسلح مع العثمانيين
 
وهذا ما كانت تتجنبه القوات الهولندية ، فالدولة العثمانية حينها كانت ماتزال تتمتع بقوة عسكرية كبيرة في المنطقة ، كما كانت سوريا والعراق تضم مجموعات سكانية كبيرة نسبيا الامر الذي يعني الحاجة الى امكانات تفوق قدرة القوات الهولندية، كما  كانت طبيعة العلاقات في المنطقة مختلفة تماما مما دفع بهولندة الى استخدام الطرق الدبلوماسية (في المقام الأول ) للحصول على منافع تجارية
deyab938@hotmail.com


________________________________________
[1] حسين عصمت المدرس واوليفيه سالمون ، العلاقات ما بين هولندة وسوريا العثمانية في القرن السابع عشر/ اربعة قرون على إقامة القنصلية الهولندية في حلب (1607- 2007 ) ص30 
     
[2] أل هابسبورغ (العائلة التي كانت تحكم اسبانيا ) و يشار إليهم أحياناً باسم آل النمسا، كانوا أحد أهم العائلات المالكة في أوروبا و تشتهر كونها مصدر الأباطرة المنتخبين رسمياً لحكم الإمبراطورية الرومانية المقدسة بين 1438 - 1740، و كذلك حكام الامبراطوريات النمساوية و الاسبانية و العديد من البلدان الأخرى. يعود الأصل إلى سويسرا، لكن السلالة أول ما حكمت النمسا و مدة تجاوزت ستة قرون. جلبت سلسلة من الزيجات مع البيوت الحاكمة الأوروبية كلاً من بورغندي و إسبانيا و بوهيميا ‏(EN)‏ و هنغاريا وغيرها من الأقاليم إلى ميراث مملكتهم. انقسمت المملكة في القرن السادس عشر إلى فرعين هابسبورغ إسبانيا ‏(EN)‏ الكبير و هابسبورغ النمسا ‏(EN)‏ الأصغر، سوى هذان الفرعان مطالبهما المتبادلة في معاهدة أونياتي (موقع وكيبيديا )
 
[3] تأسست جامعة لايدن في عام 1575 وفي سنوات الحرب مع القوات الاسبانية ويمكن القول ان هذه واحدة من مآثر الهولنيين كشعب متفتح ومقاتل ، وتبلغ الكتب اليوم في الجامعة ثلاثة ملايين ونصف كتاب ولديها 60000 مخطوطة و450 الف رسالة
 
[4] بان بوست فيتكام ، هولندة والعالم العربي ، مصدر سابق ص 21
 
[5] ورد في مقال الدكتور مصطفى النجار  الهند الشرقية: الملامح والسمات (تم أول اتصال للشركة بالبصرة عام 1635 حيث أخذت البواخر تؤم هذا الميناء بصورة مستمرة؛ كما عملت بعد فترة قصيرةعلى إقامة مركز تجاري لها ليصبح مقراً لنشاط الشركة في المنطقة ابتداء من عام 1643
كما جاء في مجلة وزارة الدفاع الإمارتية بتاريخ 22 شباط 2010 ومع اشتعال الحرب الإنجليزية الهولندية في أوروبا عام 1652م، فقد الإنجليز وكالاتهم التجارية في الخليج العربي في بندر عباس والبصرة لصالح الهولنديين، وأصبحت شركة الهند الشرقية الهولندية (VOC) بحصولها على تلك الوكالات، المزوّد الرئيس للتوابل في بلاد فارس والخليج العربي، حيث حقّقت نجاحاً تجارياً ملموساً هناك. وفي عام 1666م كان لشركة الهند الشرقية الهولندية (VOC) مقرّ في مسقط لفترة قصيرة من الزمن. وتؤكّد سجلاّت السلع الواردة إلى بلاد فارس والخليج أنّ الهولنديين كان لهم دورٌ كبير في التجارة الآسيوية. لقد تمكّن الهولنديون مع حلول منتصف
القرن السابع عشر، من طرد شركة الهند الشرقية من الجزء الأكبر من الخليج العربي، ومع حلول عام 1680م ثبّتوا أقدامهم في كلّ من البصرة وبندر عباس

 
 






21
العلاقات العربية الهولندية
القسم الاول

د.ذياب فهد الطائي
 
مدخل
أدرك ان مهمة الباحث في التاريخ ليست عملية اعادة صياغة الاحداث بلغة الحاضر وانما محاولة ايجاد العلاقات الجدلية التي تقف خلف الظاهرة او الحدث وان هذا يستدعي اعادة كتابة اكثر من سيناريو للأحداث للوصول الى اقربها للمنطق والواقع المتخيل الامر الذي يستدعي الكثير من الموضوعية والدقة والحياد.
وقد تمكنت (الدراسات الثقافية)المعاصرة من إعادة النظر جذريا في مفهوم التاريخ
وخاصة بعد بروز نظريات القطيعة المعرفية والخطاب على أيدي أقطاب ما بعد البنيوية. ان التاريخ كثيرا ما يشبه الرقصة الاسبانية خطوتين إلى الأمام ثم خطوة إلى الوراء، و التاريخ أيضا ليس حبلا متصل الحلقات، لأن هذا الحبل كثيرا ما يتقطع فتحدث به الثغرات والفجوات.  والباحث التاريخي ملزم  بالكشف عن دلالات هذه الثغرات، وذلك من اجل الوصول الى حقيقة العوامل الكامنة وراء الحدث
لقد وضع أبن خلدون (732 -1406 م) الأسس التي مهدت الطريق لما سمي بعلم التاريخ ، وذلك بإعتماده (قانون السببية ) في التعليل والدلالة.
بعد ابن خلدون بثلاثمئة سنة كتب الإيطالي فيكو[1] (1668-1744) كتابه "العالم الجديد" الذي صدر عام  1725 والذي تناول فيه فلسفة التاريخ، وبعده كتب مونتسكيو (1689-1755) "روح القوانين" الذي صدر عام 1748.
 
من هنا كنت حريصا على ان ادرس ماكتبه الهولنديون ( أعني ماتوصلت الى الإطلاع عليه )عن الفترة التي تناولتها ومن ثم ماكتبه العرب ( وهو قليل ) ، فقد كان تواجد الهولنيين في المناطق العربية موقتا بخلاف البرتغاليين والاسبان والفرنسيين وأخيرا الأنكليز ، وبذلت مالدي من جهد في الكشف عن بعض السمات العامة التي ازعم اني قد توصلت اليها ، والتي سترد في ثنايا البحث ، وذلك عبر الربط بين الدلالات وسد الثغرات والاستنتاج
فقد شخصت اربعة نماذج متميزة لطبيعة الوجود الهولندي في القرنين السادس عشر والسابع عشر (وربما حتى بدايات القرن الثامن عشر ) في البلاد العربية "كما سيأتي تفصيله " ولهذا فاني لم ادخل في تفاصيل كل الدول العربية وانما اخترت النماذج الهامة ،
لقد كانت عوامل تقلص اهتمام الهولنديين بالبلاد العربية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر ، يعود الى الخسائر المتتالية في الخليج العربي
 
وفقدان جزيرتي هرمز وخرج وتنامي النفوذ والقوة العسكرية البريطانيين ،، أما العامل الذي يشكل (في تقديري ) العنصر الفعال في انصراف الهولنديين عن الخليج العربي في المقام الاول فهو تراجع العائدات المالية للشركة الهولندية الشرقية وتراكم الديون عليها مماإضطرها الى بيع موجوداتها للحكومة الهولندية وتوقف أعمالها
 
 أما في بلاد شمال افريقيا فقد تراجع الإهتمام الهولندي بسبب الإحتلال الفرنسي لتلك البلدان ،إضافة الى ماتمخض عنه مؤتمر مدريد عام 1880 بشأن تقاسم كل من فرنسا واسبانيا لبلاد المغرب العربي
 
وسأتناول بشيئ من الايجاز هذه العلاقات حسب المقع الجغرافي
 
أ‌-       العلاقات مع الخليج العربي
 
بدأ اهتمام المقاطعات السبع المتحدة ، بمنطقة الخليج العربي في بدايات القرن السادس عشر،  بعد ان استطاع (فيلهيلم دير شتايجر) قيادة جيوشه  للتحرر من سيطرة اسبانيا على اراضيه في عام 1568 وتوحيد المقاطعات التي ندعوها هولندة  ،وفي عام 1581  تم اعلانها  (جمهورية الاراضي المنخفظة)[2] .
 
 فتح هذا  الطريق امام التجار الهولنديين في عام 1595 ، للبحث في تأسيس مراكز لهم خارج الهيمنة البرتغالية  والإسبانية في الخليج العربي وذلك بهدف التوسع في تجارتهم مع الهند واندنوسيا، وبناء على قرارات مؤتمر فينا تم توحيد هولندة وبلجيكا في عام 1815 تحت اسم ( مملكة الاراضي المنخفظة ) ولكن هذا الاتحاد لم يستمر طويلا فقد انفرط عقده في عام 1839 وتأسست بموجبه ثلاث دول هي هولندة وبلجيكا واللوكسمبورغ
وقد ساعد توحد المقاطعات السبع والتطور التجاري والصناعي في التوجه نحو البحث عن اسواق لتصدير المنتجات المحلية وللحصول على المواد الاولية والسلع التي تسد حاجة الاسواق التجارية الاوربية  وكذلك توفير القوة البحرية لحماية طرق الامدادات ، في ظل الصراع الاستعماري الشرس بين الطامعين بالهيمنة على المنطقة من انكليز وبرتغاليين وفرنسيين
لقد ساعد هولندة على تحقيق انتصارات لافتة في الخليج العربي
 
1-   امتلاك البحرية الهولندية اسطولا بحريا يتمتع بالكثير من الخبرة القتالية والمعرفة الواسعة بجغرافية الخليج
2-   قيام الرحالة الهولندي (جان هوتين )[3] بالكشف عن اهمية الخليج العربي لتوسع التجارة الهولنية مع الهند ونشره كتابا يتضمن خرائط للمنطقة لم تكن متوفرة لدى الآخرين فقد كانت الخرائط البرتغالية بسيطة وغير وافية ومحاطة بسرية كاملة
3-   التأثير المباشر للشركة الهولندية للهند الشرقية على سياسات الحكومة الهولندية ، فمن المعلوم ان الشركة تأسست في عام 1602وتوقفت عن العمل في عام 1798 ، وكانت رغم طابعها التجاري تمثل إحتكارا اقتصاديا كبيرا يحظى بدعم مطلق من الحكومة لتقوم بدور غير التجارة وهو القيام بمهمة الدفاع العسكري عن سلامة السفن وعن حركة التجارة ، وقد مكن هذا الشركة من تحقيق تفوق واضح في مياه الخليج العربي
4-   قيام البحرية الهولندية باستغلال الموقف العسكري المتفوق وانشاء مراكز تجارية ثابته على سواحل الخليج وكان من ابرز هذه المراكز ما تم انشاؤه في
جزيرة هرمز عام 1622 بعد إن تركها البرتغاليون والتي غادرها الهولنديون بعد ذلك في عام  ، 1766 وكذلك المركز المهم في جزيرة (خرج ) والذي سقط بايدي الامير المير مهنا في 31 ديسمبر من عام 1765 بعد حصار دام ثلاثة عشر يوما[4]
 
5-    ادراك القيادات الهولندية اهمية تكوين علاقات متوازنة مع السكان المحليين وعدم وجود تفكير بانشاء امبراطورية كالتي بنتها القوات البريطانية ، ولهذا اعتمدت القوات الهولنية على سياسة التعايش السلمي مع السكان المحليين كما انها لم تتدخل في الجوانب الدينية ولم تسمح باية عمليات تبشيرية و لم تبني الكنائس الا في مدينة البصرة حيث تم انشاء كنيسة بروتستانية وعين فيها قسيسا قام بالصلوات والخطب والجنازات والطقوس الاخرى[5]
6-   تركز السكان المحليين بعيدا عن شواطئ الخليج عدا تجمعات صغيرة لاتملك القدرة على الدفاع عن تلك الشواطئ
7-   انشغال القوات العثمانية في حروبها في اوربا وعدم تقدير اهمية الخليج كشريان حيوي للتجارة الدولية المتنامية( مع الدولة الصفوية في ايران ومع اوربا في المجر حيث تعرضت الى خسائر فادة ومع بطرس قيصر روسيا الذي فرض عليها تنازلات مهمة ،إضافة الى ماكانت تعانية من مشاكل داخلية متفاقمة – كارل بركلمان "تاريخ الشعوب اإسلامية" – ترجمة نبيه امين فارس ومنير بعلبكي 1973 )
8-   تمكن الهولنديين من ابرام معاهدة مع السلطات الفارسية التي كانت لها اليد الطولى في تلك المنطقة ، وقد تضمنت الاتفاقية تبادل المساعدات العسكرية في حالة حاجة اي من الطرفين الى قوات الاخر كما انها استطاعت ان تحصل على فرمان تركي يسمح للشركة الهولندية بالتجارة مع اليمن
 
ب - العلاقات مع الجزيرة العربية
 
منذ بدايات القرن التاسع عشر كانت مملكة هولندة قد انشأت علاقات دبلوماسية مع امير الحجاز، كما كان لديها قنصل عام في جدة وذلك بهدف التفاهم حول تسهيل مهمة تدفق الحججاج المسلمين من اندنوسيا الى مكة
 
ومما يؤكد عدم وجود تمثيل لحكومة هولندة في جدة  في القرن السادس عشر ،ماذكره الدكتور( كورنليس.خ. براور)[6] من ان القبطان الهولندي (فان دن بروكة ) لم يسمح له في عانم 1616 بالبقاء في جدة وذلك بحجة انه لايحمل فرمانا من السلطان العثماني يسمح له بذلك
وفي تقديري ان هناك جملة عوامل تكمن وراء تأخر الأهتمام بالجزيرة العربية وتركيز سعيها في الحصول على مركز دبلوماسي فيها لرعاية  شؤون الحجّاج الاندنوسيين وهي :
1- كان النفوذ البريطاني قويا في الجزيرة وليس من مصلحتهم وجود منافس يملك نفوذا متميزا في الخليج
2- لم تكن لدى الحكومة الهولندية قناعة كافية بأن المنطقة تستحق العمل من اجل تحقيق نفوذ فيها لأنها لاتحمل اية ملامح لتجارة واسعة تحقق ارباحا كبيرة
3- تخوف الوالي العثماني في جدة من النشاط العسكري للإسطول الهولندي ، فقد كانت تجارب المنطقة مريرة مع الاسطول البرتغالي وكانت الحجاز قد ارتضت ان تكون تحت الحماية العثمانية منذأن قام الشريف بركات حاكم الحجاز بإعلان ولائه للخلافة العثمانية وكان ذلك عام 931 هـ
كانت جدة  قد تعرضت في أوائل العهد العثماني للعديد من غارات الأساطيل البرتغالية في القرن السادس عشر ميلادي ،ووصل أسطول( لوبو سوارس) البرتغالي أمام جدة عام 1516 م وقد صدته الحامية العثمانية بقيادة (سليمان باشا) وأسرت احدى السفن وأرسلتها للآستانة.
  ثم تعرضت لغارات القراصنة الهولنديين في القرن السابع عشر الميلادي.
خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، كانت طرق التجارة البحرية في
 العالم[7] قد سيطر عليها البرتغاليون والهولنديون والإنجليز الأمر الذي جعل قيمة جدة الاقتصادية تنحدر وتقل، ولولا وفود الحجيج والمعتمرين لما عاشت أو استمرت
ولهذا اقتصر اهتمام الادارة الهولندية في جدة ومكة على امرين كما يظهر من الدراسة التي كتبها البروفسور بيتر شورد فان كوننجسفيلد[8] (استاذ الدراسات الاسلامولوجية في جامعة لايدن )وهما :
 
1-   تقديم الخدمات للحججاج المسلمين من اندنوسيا والذين بدأت اعدادهم بالإزدياد في القرن الثامن عشر
2-   جمع المعلومات والتعرف على اوضاع المنطقة وفي سياق ما يمكن تسميته باعمال التجسس . فقد اصبح موضوع الحجّادج موضوعا سياسيا في هولندة بحجة ان الحج يؤدي الى هدر اموال كبيرة من دخل المستعمرات كما ان الحججاج يستوردون معهم من مكة افكارا خطرة اضافة الى الاسلحة ، ولهذا ارسلت السلطات الهولندية في عام 1885 المستشرق كرستيان سنوك خوررونيه[9] الذي نشر فيما بعد كتابا مهما بعنوان (مكة ) بجزئين مزود بصور فوتوغرافية عن مكة والحرم وقد صدر الكتاب باللغة العربية عام 1999 عن مطبعة الملك عبد العزيز وترجم  الجزء الاول د. علي عودة الشيخ والجزء الثاني محمد محمود السرياني ومعراج نواب مرزا والكتاب من إصدارات نادي مكة الثقافي وصدرت النسخة العربية بعنوان (صفحات من تاريخ مكة المكرمة )
وحملت النسخة الإنكليزية المترجمة عن الألمانية عنوان (مكة في نهاية القرن التاسع  عشرالميلادي ) ، ويبررمترجم النسخة العربية تغييره للإسم الاصلي للكتاب بكون الكتاب يتحدث عن جوانب متعددة من الحياة في مكة والتي طواها النسيان[10]
deyab938@hotmail.com
 
 


________________________________________
[1] الموسوعة الثقافية ، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، القاهرة - نيويورك 1972
 
 
[2] جمهورية هولندا وتعرف أيضا بجمهورية البلدان السبعة المنخفضة (بالهولندية:Republiek der Zeven Verenigde Nederlanden) وتعرف اختصاراً بالمقاطعات المتحدة. هي جمهورية أوربية سابقة استمرت بين عامي 1581 و1795 في نفس موقع المملكة الهولندية الحالية، والتي تعتبر نفسها وريثةً لتلك الجمهورية.
كانت جمهورية هولندا من القوة العالمية الكبرى في فترة القرن السابع عشر، وهي تتألف من سبع مقاطعات في شمال هولندا تمكنت من أن تنال استقلالها من اسبانيا في الفترة ما بين 1568 و1609، ونمت قوتها تدريجيا عقب اتحاد أوترخت عام 1579 والذي كان من أهدافه الأساسية تحسين المقدرة العسكرية لتلك المقاطعات الثورية. وهكذا بينما بقيت المقاطعات الجنوبية (لاحقا بلجيكا ولوكسمبورغ) خاضعة لحكم الأسبان أصبحت المقاطعات الهولندية السبعة دولةً مستقلة بموجب اتفاقية أوترخت.
القرن السابع عشر كان العصر الذهبي لهذه الجمهورية، حيث امتدت سيطرتها الاستعمارية إلى مناطق شاسعة خلف البحار، مما فتح عليها باباً واسعا للموارد الاقتصادية المختلفة، ولعبت دورا بارزا في التحالف ضد الملك الفرنسي لويس الرابع عشر خلال حرب الخلافة الأسبانية، وتحولت إلى مركزا عالميا للتمويل، كما لمع نجمها أيضا كمركز ثقافي بارز في أوروبا.
بدأ عصر انحدار جمهورية هولندا في القرن الثامن عشر، حيث كانت منهكة نتيجة الهزائم العسكرية المتتالية التي منيت بها، هذا فضلا عن خسارتها لقسم كبير من إمبراطوريتها الاستعمارية لصالح الإنكليز. وفي عام 1795 كانت النهاية، حيث انهارت الجمهورية الهولندية تحت تأثير الثورة الديمقراطية الهولندية وتحت ضربات الجيوش الفرنسية الغازية.
 
 
[3] ب . ج. سلوت ، عرب الخليج ، ترجمة عايدة خوري ، 1993 ص   ، لاتتفر معلومات عن مكان الطبع  وإسم الناشر العربي
[4] يان بروخمان ، مصدر سابق ص13و14
[5] د.ستيفن همسلي لونغرك ،أربعة قرون من تاريخ العراق ، ترجمة حعفر الخياط ، مطبعة اركان ، بغداد 1985 ص 75
[6] كورنليس  خ. براور ، رحلة التاجر بيتر فان بروكة الى صنعاء عام 1616 ، هولندة والعالم العربي  ، مصدر سابق ص 44
 
[8] * بيتر شورد فان كوننجسفيلد ،تاريخ العلاقات التجارية والسياسة بين هولندة والجزيرة العربية وابعادها الثقافية/ موقع الشارقة – ميسان
[9]  كرستيان سنوك هورخرونيه (1936-1857 )  حصل على شهادة الدكتوراه في عام 1880 (بعمر 23 سنة)) وكانت اطروحته بعنوان (الحج عند المسلمين وأهميته في الدين الإسلامي ) ألف كتاب من جزئين عن رحلته تلك بعنوان (صفحات من تاريخ مكة ) ونشره باللغة الألمانية ، ادعى الاسلام وغير اسمه الى (عبد الغفار ) وتعتبر مجموعة الصور الفوتوغرافية التي التقطها اثناء رحلته اقدم الصور في العالم لمكة والحرم
محمد محمود السرياني ومعراج نواب ميرزا ، التمهيد لكتاب سنوك المترجم بعنوان (صفحات من تاريخ مكة المكرمة ص 61
 
[10] سنوك ، مصدر سابق ص 9




22


الحرب النفسية وصناعة الخبر
3/6

د.ذياب فهد الطائي


1-   إن تطور الاساليب الاسرائيلية في العمل الاعلامي في السنوات القليلة الماضية  إعتمد  على ماوفرته تكنولوجيا المعلومات الحديثة من امكانات في عمليات الاتصال
ففي كتاب «صائدة الارهابيين» تطرقت فيه المؤلفة الاسرائيلية الى كيفية تسللها للمساجد والمؤتمرات الاسلامية خلسة حاملة اجهزة تسجيل دقيقة الحجم مخبأة تحت عباءة استخدمت لهذا الغرض فيما يبدو، من جانبها،لتتجنب منعها من الدخول ولتكسب ثقة النساء المسلمات، ومن المرجح على نطاق واسع ان المؤلفة هي( ريتا كاتز) مديرة منظمة «معهد البحث عن الكيانات الارهابية الدولية»

كان من اساليب التضليل( مشاركتها فی مسیرات مؤیدة للفلسطینیین فی الولایات المتحدة بصفتها محققة سریة من أجل فضح صلات الجماعات الإسلامیة الأمریکیة مع الجماعات الإرهابیةالاجنبية )

وشارکت کاتز فی تأسیس معهد سایت مع (جوش دیفون) فی یولیو 2002 ، بتمویل من الوکالات الفدرالیة المختلفة ، والمجموعات الخاصة.
وتشير بعض المصادر الى ان ريتا هي التي تقف وراء نشر بيانات( دولة العراق الإسلامية )
ومن اجل استخدام التقنيات الحديثة التي اتاحها عالم الإلكترونيات ، قامت كاتز بإنشاء موقع الكتروني يدعى( S.I.T.E.)، الذي اتاح لها الدخول الى كافة المواقع التي تعمل تحت مظلة ما يسمى ب (الجهاد الاسلامي ) والقيام بأكبر عمليات تضليل عرفها العالم مستفيدة من كون العمل في فضاء الإلكترون يسهل إخفاء شخصية المرسل
ينقل الکاتب (ویلز) عن أحد العاملین فی (SITE) قوله: قبل سنة قام أحد العاملین فی سایت وتحت اسم مستعار بالانضمام الى منتدى جهادی مهم ومن بین اشیاء اخرى کان المنتدى مقصد الانتحاریین. ولمدة عدة اشهر تظاهر الموظف بأنه احد الجهادیین وکان یشترك فی الحدیث ویراقب الاعضاء الاخرین الذین ینشرون موادا مرعبة مثل (وصایا) قبل الانتحار. کما قام الموظف بنشر تقنیة معینة من أجل أن یستمر المنتدى وهکذا جذب ثقة الاخرین، وشیئا فشیئا اکتسب ثقة( الویب ماستر) للموقع الذی اعجب بمهاراته الکومبیوتریة فعینه مشرفا وله حق الحصول على عناوین البرید الالکترونی للاعضاء الآخرین ومعلومات عنهم .
إن هذه المنتدیات سهلة الترکیب والاستخدام ونسخها موجودة مجانا على الانترنیت، وقد برع فیها شباب الخلیج خاصة والان هناک شباب من العراق أیضا یجیدون ترکیب وتشغیل هذه المنتدیات. وأکثر مرتادی هذه المواقع هم من الشباب والطلاب المراهقین أو ممن لم یتجاوزا سن الشباب، اضافة الى رجال المخابرات العربیة الذین یرتادون هذه المنتدیات. وتستطیع أن تتعرف علیهم من شدة حماستهم وتدینهم وحبهم الرهیب لأسامة بن لادن والظواهری والزرقاوی.
وقد یعمد ( کما حصل فعلا ) ان یقوم أحدهم  بانتحال اسماء غارقة فی حب القاعدة، وأن  یوزع افلام العملیات العسکریة ضد الاسرائیلیین او الامریکان فی العراق وأفغانستان
ومن المفارقات ، إن أمریکا لم تغلق أیة مواقع (ارهابیة)، بل على العکس فان معظم هذه المواقع تبث من سیرفرات فی الولایات المتحدة، ويبدو انه لیس من مصلحة امریکا غلقها.
 ولکن ماذا یحدث حین تدخل عناصر (مشبوهة ) لتغذي هذه المنتديات باخبار وتحليلات مرسومة بعناية فائقة للتضليل ؟ 
یذکر أن ریتا کاتز والتي كان اسمها قبل الزواج (ريتا فؤاد كباري )ولدت فی البصرة عام 1963 لعائلة یهودیة عراقیة.

وبعد استیلاء البعث على العراق فی عام 1968 ، اعدم والدها ((فؤاد كباري) ) بتهمة التجسس لحساب اسرائیل. وتمکنت أم ریتا من الهرب سیرا على الأقدام مع أطفالها الثلاثة الى ایران ، ومن هناك أخذوا طریقهم الى اسرائیل.

استقرت العائلة فی بلدة (بات یام) الساحلیة. وخدمت کاتز فی قوات الدفاع الإسرائیلیة وعملت في السیاسة ، ودرست ، التاریخ ، والدراسات الشرق أوسطیة فی جامعة تل أبیب. وفی عام 1997 جاءت الى الولایات المتحدة.وفی العام نفسه بدأت العمل لمعهد البحوث الشرق أوسطیة.
في 1998 تأسس مرکز میمری MEMRI وهو اختصار (مرکز الابحاث الاعلامیة للشرق الأوسط). وهو مؤسسة تهدف الى مراقبة الاعلام فی الشرق الأوسط، قام بتأسیسها الکولونیل إیغال کرمون ، ضابط استخبارات سابق بقوات الدفاع الإسرائیلی من عام 1968 إلى عام 1988 ، والذي  عمل بعد ذلک مستشارا أمنیا لمکافحة الارهاب لکل من رئیسي الوزراء إسحاق شامیر وإسحاق رابین من عام 1988 إلى عام 1993، وكرمون یجید اللغة العربیة بطلاقة شأنه فی ذلک شأن رئیس قسم الأدب واللغة العربیة بالجامعة العبریة وعمید کلیة الإنسانیات البروفیسور( مناحیم میلسون )والذی کان سابقاً مقدماً بالجیش الإسرائیلی والمسؤول العسکری عن الإدارة المدنیة فی الضفة الغربیة خلال الانتفاضة الأولى ورئیس مجلس إدارة میمری.كما شارك فی تأسیس المعهد مدیرة مرکز سیاسة الشرق الأوسط فی معهد هدسون (أحد معاقل المحافظین الجدد) الدکتورة (میراف ورمسر) وهی متزوجة من (دافید ورمسر) مستشار نائب الرئیس الأمریکی دیک تشینی لشؤون الشرق الأوسط
 ومعروف عن الدكتورة ميراف تشددها للفکر الصهیونی.

كما ان (میمری) هی واجهة من واجهات الموساد، ولها فروع فی بعض بلاد العالم وکان أول مهامها بعد احتلال العراق مباشرة هو افتتاح فرع لها فی بغداد( على ما یقال) وحسب روایة ریتا کاتز ،انها کانت تعانی من العطالة والضجر فی الولایات المتحدة فلبت اعلانا وضع فی الصحف عام 1998 للعمل فی المرکز. أی أن المسألة لم تکن مرتبة. وهکذا تلقفها المرکز بلهفة، وکان عملها ترجمة التقاریر من العربیة الى الانجلیزیة او العبریة وهی تجید هذه اللغات الثلاث.
في عام  2002 تركت العمل فی میمری (ظاهریا) وعملت مع یهودی نصاب تبنى منذ عام 1990 الصحافة الموجهة ضد العرب والمسلمین واسمه (ستیفن ایمرسون)، والذی اختلق کم هائل من القصص المفبرکة عن نوایا العرب والمسلمین لنقل الارهاب الى أمریکا، وتتلمذت ریتا على یدیه لاکتساب المهارات اللازمة،

من الواضح ان استخدام ما سمي مؤخرا ب(القوة الناعمة ) والذي تشكل عمليات التضليل الاعلامي مفصلا مهما منها يمثل اليوم خطرا ليس من السهل تفادية مع دخول الانترنيت الى كل بيت في العالم ، وبالطبع هذا مما يسهل ليس فقط السيطرة على ارادة المتلقي وانما خلق ارادات جديدة مزروعة في مختبرات تجريبة ومعروف نتائجها .
ان ما يحصل اليوم من فوضى في الافكار ومن انتشار التطرف بكل اشكاله يمثل النتائج العملية لهذا النمط من التضليل الاعلامي

يتبع




23
اساليب التضليل في صناعة الخبر
4/5

د. ذياب فهد الطائي
الجذور التاريخية للتضليل في صناعة الخبر
 
تأكيدا على خطورة التضليل في ما نسمعه  أويصل الينا عبر وسائل الإعلام من أخبار نورد قول الله تعالى في محكم كتابه الشريف:
"(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (" فيه تَنْبيه على أنَّ الخبرَ إذا كانَ شَيئاً عَظيماً فحقُّه أن يُتَوَقَّفَ فيه وإن عُلِمَ وغَلَبَ صِحَّته على الظنِّ حتَّى يُعادَ النَّظَرُ فيه ويتبيَّن فضلَ تَبَيُّنٍ يقال نَبَّأْته وأَنْبَأْته ج أَنباءٌ كخَبَرٍ وأَخبارٍ وقد أَنْباهُ إيَّاه إذا تضمَّن معنى العِلْم وأَنبَأَ به إذا تضمَّن معنى الخبر أَي أَخبَره كَنَبَّأَهُ مشدَّداً [1]
 
وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين )
 
إن هذا التحذير الصريح من نشر خبر كاذب يمثل إدانة صريحة لإفشاء خبر مختلق أو محرف يقصد منه احداث البلبة أو الإرباك او تحقيق منفعة شخصية ، كما انه يكشف عن تاريخية مثل هذا السلوك في تصرف الانسان
من هنا رغبت بأن استعرض التضليل عبر التاريخ مع التأكيد على ما يلي
1- اني هنا لن أتعرض لشرح المعلومة من الناحية الفقهية لأن هذا خارج نطاق هذا البحث
 
2       -  لن ندخل في تفسير او استعراض الحدث او الاحداث التي رافقت هذا صناعة الخبر الذي سأوره اثناء البحث
 
كان اقدم أسليب التضليل ،ما سبق أن عرضته عما قام به كهنة المعبد عام 300 قبل الميلاد
وفي حدود عام 1200 قبل الميلاد وحتى 1090 ظهرت الى الوجود ما اصطلح على تسميته بالعهد القديم (التوراة ) وهي مجموعة من (الأسفار ) كانت الكتب التي قدمهتها الديانة اليهودية الى العالم على انها كتب سماوية أنزلت على( النبي موسى ) والتي فقدت عندما سبى نبوخذ نصر أورشليم القدس ودمرها فيما عرف بالسبي الكبير وذلك في عام 586 قبل الميلاد
 
71
ما يهمنا هنا أن هذه الأسفار تضمنت العديد  من(الأخبار ) الموضوعة بهدف الحفاظ على الوحدة الدينية لليهود من جهة ولتعميق الشعور القومي لبني إسرائيل من الجهة الثانية
ويرصد الدكتور السيد القمني في كتابه (التوراة... التاريخ ... التضليل ) [2]جملة من هذه الأخبار التي لاتثبت أمام التمحجيص التاريخي ومنها :
1- ما ورد في كتاب التثنية 34/5 (فمات هناك موسى عبد الله في أرض مواب )
 
يكشف القمني أنه يستحيل على موسى أن يكتب عن نفسه انه قد مات ويحح مكان دفنه
1-   ورد في سفر التكوين 24/7 (قبل أن يملك ملكا من أبناء إسرائيل ) ويكشف الدكتور القمني انه تاريخيا لم يملك ملكا من بني إسرائيل قبل موسى
 
في عام 44 قبل الميلاد أغتيل يوليوس قيصر في جلسة رسمية وكان أحد الذين نفذوا عملية الأغتيال (بروتس ) الذي كان في حياته قريب من لبقيصر
نظر القيصر في عيني بروتس وقال ( حتى أنت ياروتس )
أجابة بروتس (أحبك ... ولكني أحب روما أكثر )
قال القيصر (فليمت القيصر إذا )
وفي عملية التشييع كان اكثر من أظهر الحزن للجماهير المحيطة بالجنازة بروتس ودأب على المطالبة بدم القتلة وتحريض الجماهير الغلضبة مما أدى الى شيع فوضى عارمة في روما
كات التضليل بمشهد إستعراضي لإثارة الجماهير وهو شكل من أشكال التضليل للتغطية على الجريمة
في العصر الجاهلي كان الشعراء هم رجال إعلام المرحلة وكان اول من أشار الى إستقبال النبأ ماجاء بقول طرفة بن العبد
 
سَتُبْدِي لَكَ الأيّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً
 
ويأْتيكَ بالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوّد
كما كان تمجيد القبيلة وتعظيم شأنها جزءا من عملية نشر خبر لبث الرعب في نفوس الخصوم كما جاء في معلقة عمرو بن كلثوم [3]
ملأنا البر حتى ضاق عنا
وظهر البحر نملأه سفينا
إذا بلغ الرضيع لنا فطاما
تخر له الجبابر ساجدينا
ورغم ما في هذا الشعر من مبالغة بعيدة عن الواقع ، ذلك لأن عمرو بن كلثوم هو شيخ قبيلة تسكن البادية وربما لم يكن قد رأى بحرا ولكنه يقرر انهم يستطيعون ان يملؤوه سفينا ، علما بأن اول من باشرجيشه بركوب البحر من العرب، هو معاوية بن أبي سفيان، ولكن الشاعر هنا يريد ان يوصل (خبرا ) الى خصومه بأنه يستطيع أن يصلهم أينما كانوا
اما بعد الاسلام فقد اصبح إختلاق الحديث النبوي وظيفة إعلامية بالغة التأثير في المعارك العسكرية والسياسية حتى انه ورد في كتاب المقدمة في صحيح مسلم [4]في الفقرة 67 : وحدثني سلمة ،حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان قال : سمعت جابرا يحدث بنحو ثلاثين الف حديث ما أستحل أن أذكر منه شيئا
وسمعت امير الجماعة الاحمدية يتحدث من القناة الفضائية الخاصة بهم فقال:لقد استبعد مسلم والبخاري أكثر من مئة ألف حديث لم يطمئنوا الى صحتها مستخدمين وسائل التحقيق المتاحة آنذاك لديه فكيف إذا استخدمنا الوسائل العلمية الحديثة المتاحة ، كم من الأحاديث سنجد انها منحولة !
 
وأذكر مما قرأته عن المهلب بن أبي صفرة الذي كان أحد أبرز القادة الميدانيين في العصر الاموي ان الحججاج بن يوسف الثقفي قال عنه :ما أصدق الفتى إلا أنه يكذب.
وكما مر بنا فإن الكذب واحد من أساليب التضليل في صياغة الخبر
 
في عام 1099 سقطت القدس بيد الصليبيين حين استطاع جودفري أوف بويلون ان ينصب نفسه اول حاكم اوربي على المدينةفي تموز من عام 1099 م ، وعلى الرغم من( الطابع الديني ) لهذه العملية العسكرية وما يكرس في العديد من البحوث التي تنشر عن الحملات الصليبية الا ان الواقع يشير الى خلاف ذلك:
1- في بداية الالف الاولى بدأت المدن الاوربية بالتشكل وشهد الريف الاوربي حملات هجرة واسعة الى المدن
 
 
2       - رغبة الكنيسة الكاثوليكية بإنهاء نفوذ الكنيسة البروتستانية الشرقية ولهذا تبنى البابا اوربان الثاني في عام 1078 فكرة الحرب المقدسة
3       -التذمر الذي كان يتوسع في اوربا المسيحية جراء التشدد الفكري ، فمن المعلوم ان الكنيسة بسطت سلطتها المستبدة على النشاط الفكري والتفكير العام منذ عام 529م حين منحها الامبراطور الروماني هذه السلطة بإلاقه الجامعات وتعطيل الدراسة ومنح الكنيسة سلطة الاشراف المناهج العلمية وعلى المراكز العلمية
2-   نشوء الممالك المستقلة في مناطق سكسونيا وبافاريا وبدءعملية انفصال الجزء الشرقي من مملكة كارل الكبير في المانيا وتوسعها لتشمل النمسا وسويسرا وشمال ايطاليا، الامر الذي اجج الصراعات على السلطة والنفوذ بين الكنيسة وهؤلاء الامراء الجدد
 
إن ما يهنا هنا ان هذه الحرب التي استمرت من 1097 وحتى  دخول قوات صلاح الدين القدس يوم 2 أكتوبر 1187م هو ان وسيلة الاعلام التي تبنتها الكنيسة في دفع الجموع الاوربية للمشاركة فيها كانت عملية صنع الخبر
كانت العملية ممنهجة ومدروسة بعناية فهناك مجموعات مدربة وعلى درجة عالية من فهم تطلعات الناس ، تقوم بصنع اخبار عن كرامات الكنيسة والاستمرار بنشر اخبار علامات عودة المسيح ثانية للأرض
وفي المقابل نشر اخبار ما يفعله المسلمون في الشرق (بإخوانهم المسيحيين ) وقيامهم بتخريب الكنائس والاديرة
إن الدين هنا كان الغطاء من جهة وكان عملية مدروسة لإستغلال المشاعر العامة ولكن الأسباب الحقيقية كانت كما مر تكمن في القفز على واقع ،في أوربا ، بدأ يفلت من يد الكنيسة
 
أن إستعراض عمليات صنع الخبر عبر التاريخ ولو بشكل موجز كانت رغم أثرها على الناس الا انها بطيئة ويحتاج انتشارها الى جهد شخصي مستمر ، ومن المعروف انه لم يجر التوسع بهذه العملية الا بعد عام 1440م حين إخترع كوتننبرغ الطابعة التي أتاحت الفرصة لأول مرة أن يتداول الناس ذات الخبر على نحو اسرع واوسع
كان الخبر ينقل مكتوبا برسائل الى شبكة رجال الدين في الكنائس والأديرة عبر اوربا كلها ويتلى شفاها على الجمهور الذي يعيد نشرة على من لم يحضر القداس يوم الأحد ،على نحو مباشر من شخص الى آخر
من هنا فانا سنتناول صناعة الخبر في ظل الأختراعات الحديثة وإبتداء من الحرب العالمية الثانية بتفصيل واف
 
 
 


________________________________________
[1] - صحيح مسلم ، من كتاب المقدمة
[2] - د . سيد القمني ، التوراة ... التاريخ ... التضليل ، دار الأنباء للطباعة والنشر والتوزيع الجيزة ، 1998 الصفحات 28 وما بعدها
 
[3] - مرو بن مالك بن عتّاب بن سعد بن زهير بن جُشَم بن حُبيب بن غنم بن تغلب بن وائل، أبو الأسود ، شاعر جاهلي مشهور من شعراء الطبقة الأولى، ولد في شمالي جزيرة العرب في بلاد ربيعة، وتجول فيها وفي الشام والعراق ونجد. ، ساد قومه تغلب وهو فتى، وكان يعيش في بادية الشام(39 قبل الهجرة
[4] - أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري



24
أساليب التضليل في صناعة الخبر
3/5

د.ذياب فهد الطائي
 
 
8 – الخطاب المزدوج
 
والمقصود هنا بالخطاب المزدوج "المصطلح أو الخبر الذي يمكن ان يعطي انطباعا ابعد من ظاهرة ، أي انه يمكن ان أن نجد له تفسرات متنوعة وقد تكون متناقضة "
 
إن تنوع أساليب التضليل في صناعة الاخبار دفعت ثيودور أدورنو (1903 -1969)  الى القول (لقد تم الإعداد لكل شيء مسبقا،ليجد كل فرد مايناسبه بحيث لايستطيح فكاكا )
 
والخطاب المزدوج كمصطلح مجرد قد لايمكن فهم المقصود من ترويجه مباشرة ، إذ انه يضع ظلالا على المعنى المقصود ولكن هذه الظلال سرعان ما تتلاشى حين يتم وضع المصطلح في سياقات الخبر المقروء او المشاهد
 
في 29 –كانون اثاني – 2002 دشن الرئيس( بوش) مصطلح ( محور الشر)
الذي شاع استخدامه لاحقا أو مصطلح الدول المارقة(إيران ،العراق ،كوريا الشمالية)
والذي طوره ممثل الولايات المتحدة الامريكية في الامم المتحدة حين أضاف (ماوراء محور الشر ) وهي كوبا وسوريا وليبيا
 
بعد 11- سبتبر – 2001 انتشر مصطلح(الارهاب الدولي ) الذي إستخدم على نطاق واسع لتبرير الكثير من الأعمال العسكرية التي كان بعضها نضالا مشروعا للدفاع في سبيل الحرية
وهناك خلاف في التفسير بتعريف الارهاب الدولي فعلى الرغم من أن الأفعال الإرهابية تشمل تهديداللمجتمع الدولي وعنصرا من عناصر التوتر في العلاقات الدولية ، الامر الذي يستدعي اعتباره جريمة دولية ضد امن وسلامة الانسانية الا انه من جانب آخر مازال هناك تباين شديد حول تعريف المصطلح وتحديد ملامحه
(ويعود هذا إلى التفاوت في المصالح السياسية والأيديولوجية، مما ادى إلى تعدد المفاهيم التي توضح مدلول الإرهاب الدولي، ولقد تداخلت هذه المفاهيم مع بعضها، بل وأحياناً تعارضت بتعارض المنطلق الإيديولوجي والسياسي لجهة التعريف، ويلاحظ أنه يوجد الكثير من التعاريف للإرهاب، وهي في نهاية المطاف تظهر الإرهاب بمظهر الوحشية اللاإنسانية لما يسببه من هلاك وخوف وفزع للبشرية )[1]
وقد استثمرت العديد من الصحف الاوربية هذا المصطلح لتكرسه في أذهان المتلقين كرديف للعربي او المسلم
 
وما يمكن الاشارة اليه بهذ الموضوع ان الارهاب قد يكون ارهاب افراد او منظمات او دول و يرى البعض انه يمكن التسامح تجاه بعض انشطة الارهاب التى تقوم بها القوى والمنظمات غير الحكومية ولكنه لا يمكن التسامح مع الدول لانها مسئولة فى المجتمع الدولى و عليها الالتزام بالمبادىء الدولية التى تحرم وتجرم الارهاب .
 
1-  نشر أخبار متضاربة
 
وعادة ما يقع هذا النمط من التضليل في الاخبار عن طريق اغراق المتلقين بسيل من الاخبارالمتناقضة والمصاغة بطريقة بالغة الدقة بهدف خلق البلبلة
في 26 – 07 – 2010 وقع انفجار بسيارة مفخخة في بغداد بمنطقة الحارثية بجانب الكرخ ، أمام مبنى مكتب قناة العربية الفضائية وقد نشرت وكلات الانباء والفضائيات والصحف الخبر كما يلي:
4 قتلى و16 جريحا في انفجار سيارة مفخخة أمام مكتب قناة العربية
 
 
ثم اعقب ذلك تحليلات متباينة حسب وجهات النظر السياسية التي تنتمي لها وسيلة الاعلام
عرضت  إحدى القنوات الفضائية العراقية ( المعارضة ) الخبر على الشريط المتحرك على شاشة التلفاز بعناوين متتابعة و موجزة  وكما يلي:
 
- سقوط عشرين شخصا بين جريح وقتيل بانفجار سيارة مفخخة امام مبنى قناة العربية
- الانفجار اعد له منذ شهر( والسلطات )على علم بذلك
- معلومات صحفية تقول ان ألإنتحاري كان أحد منتسبي شركة (كورك) المسؤولة عن الحماية
- معلومات صحفية تقول ان بعض الاجهزة الحكومية متورطة بالحادث عن طريق تسهيل مرور السيارة
- مصادر تقول ان السيارة والانتحاري من شركة (كورك )
- شركة (كورك ) تقول ان السيارة والانتحاري لا علاقة لهما بالشركة
 
من الواضح هنا ان هذه العناوين يلغي بعضها البعض وهي عملية مقصودة بحيث تدفع بالمتلقي الى نوع من اللامبالاة بالحدث الذي تناوله الخبر
 
ويمكن ان نلحظ هنا مفارقة في عملية نشر الاخبار ففي الوقت الذي كانت فيه عملية التحكم بالاخبار وحجبها عن الاخرين تمثل المصدر الاساس للسلطة والمعرفة ، فإن تدفق الاخبار على هذا النحو ونشرها مجانا على كل وسائل الاعلام هو الاخر عنصر مهم في عملية التحكم في  الرأي العام وبالتالي بالسلطة في نهاية المطاف ، إن علينا ان ندرك ان هذا التدفق ليس عملية نشر للحقيقة وإنما على الضد من ذلك لايعدو ان يكون الا عملية طمس للحقيقة وحجبها بإسلوب آخر


________________________________________
[1] - http://alerhab.com/page2.html
خالد ابراهيم عبد اللطيف ،الإرهاب الدولي



--
 

25
أساليب التضليل في صنعة الخبر
2/5

د.  ذياب فهد الطائي


6- الكذب

ربما فيما قاله وزير الاعلام الالماني جوزيف غوبلز(1897-1945 ) مثالا واضحا عن موضوع الكذب الممنهج( إكذب وإكذب ، حتى يصدقك الناس )

والكذب هنا ليس بالضرورة إختلاق الخبر كلية ولكن وضع فقرات معينة مقصودة
ضمن الخبر مع إعادتها في اخبار اخرى لتصبح لاحقا هي الخبر، المطلوب من المتلقين تصديقه
وعادة مايكون الخبر المشكوك بمصداقيته منسوبا الى مصادر غير محددة بالاسم، كأن يقال (ذكر مصدر مسؤوول ) او( نقل عن شاهد عيان  ) أو (وذكرت بعض مصادر الأخبار )
كما قد ينسب الى شخصية معينة بقصد التشويه ، كل ذلك بهدف تحقيق أغراض سياسية أو منافع شخصية
في أثناء أزمة تشكيل الحكومة العراقية في صيف 2010 بدأ حديث عن تقارب بين إئتلاف دولة القانون والأئتلاف الوطني الذي يضم تيار الاحرار الذي يقوده مقتدى الصدر والذي يشكل القوة الأكبر في الإئتلاف الوطني (39 نائبا ) نشرت إحدى الفضائيات على الشريط المتحرك خبرا عاجلا يقول (جاءنا من مصادر أمنية أنه صدرت مذكرة إعتقال بحق مقتدى الصدر ) وظل الخبر على الشريط لمدة يومين ، وكان ذلك بهدف التشويش على حديث التقارب المشار اليه.
كما قد يكون الخبر بتقديم صور مفبركة، أي بإجراء عمليات دوبلاج مختلفة عليها لتظهر مسؤولا باوضاع غير سليمة او تجمعه بشخصيات لاتلقى قبولا من الجمهور وذلك بهدف الإساءة الى سمعته وتنفير الجمهور منه . وأحيانا يتم تحويل الخبر كلية عن كل مضامينه لتوظيفه في خدمة توجه سياسي دون اية اعتبارات للحقيقة

في 29 – 03-2007 أعلنت وزارة الدفاع اليمنية إسقاط طائرة تجسس أجنبية بدون طيار بسواحل محافظة حضرموت شرق اليمن. ونقل موقع الوزارة على شبكة الانترنت عن مصدر عسكري مسئول تأكيده من تمكن قوات الدفاع الجوى في اليمن من إسقاط طائرة التجسس بعد أن رصدتها تدخل المجال الجوي لليمن.


ونشرت صحيفة الحياة اللندنية مايلي:
(( أسقطت الدفاعات الجوية اليمنيه طائرة تجسس ايرانية من دون طيار الأربعاءالماضي بعد اختراقها الاجواء اليمنيه فوق بحرالعرب واكدت((للحياة) ) "مصادر موثوقه طلبت عدم الكشف عن هويتها" في محافظة حضرموت، بان طائرة التجسس التي أسقطتها الدفاعات اليمنيه تابعة للجمهوريه الاسلاميه الايرانية وإنها إيرانيه الصنع وهي متخصصه في أعمال التجسس والتقاط صور من الجو وانها كانت في مهمه تجسسيه فوق السواحل اليمنية القريبة من منطقة ميفعة، وأضافت المصادر ان الدفاعات اليمنيه كشفت الطائرة الايرانية فور إختراقها الاجواء اليمنية واسقطتها بعدما تغلغلت بإتجاه عمق الاراضي اليمنيه وان لجنة عسكريه واستخباراتية يمنيه كلفت با لتحقيق ومتا بعة خلفيات العمليه.

ورغم تناول الخبر في عدد من المواقع على شبكة الانترنت الا ان السلطات اليمنية رفضت التعليق رسميآ على الخبر لجهة تاكيده اونفية غير ان( الحياة )علمت بوجود اتصالات عبر القنوات الدبلوماسيه بين صنعاء وطهران حول طائرة التجسس خصوصآ وان الحكومة اليمنية اشارت الى تورط جهات ايرانية في دعم التمرد المسلح الذي يقوده عبد الملك الحوثي في صعده وكانت الاتهامات اليمنية محور الاتصالات الاخيرة بين البلدين بما في ذالك رسالتان من الرئيس علي عبدالله صالح الى نظيره الايراني محمود نجاد والى مرشد الجمهورية علي خامنئي نقلها وزير الخارجيه الدكتور ابوبكر القربي.

وتؤكد الحكومة اليمنيه تورط دول وجهات خارجيه في دعم تمرد صعدة بهدف اثارة فتنة مذهبيةفي اليمن وتقول صنعاء بانها تملك الادلة على تورط هذه الجهات غيرانها تفضل معالجة هذه المسالة عبر القنوات الدبلوماسية رغم تلويحها بالكشف عن المتورطين في دعم التمرد في الوقت المناسب))
ولكن موقع ويكيليكس نشر وثائق  تؤكد ان اليمن قد أخفت الحقيقة المتعلقة بجنسية الطائرة عن سابق تصميم لتوظف الحدث إعلاميا لمصلحتها ، كما نشر الموقع المذكور المراسلات التي كانت قد تبودلت بين وزارة الخارجية اليمنية والسفارة الامريكية للتخفيف من التوتر الذي طرء على العلاقات بسبب كون الطائرة امريكية وان الحكومة اليمنية كانت تحتج على تحليقها لأغراض التجسس دون علم السلطات اليمنية ، وأضافت الوثيقة أن الرئيس صالح اختار استغلال هذه القضية ضد إيران بدل أن يبدي حزما حيال الأميركيين.
   وفي 07- 12- 2010علق مصدر مسؤول في وزارة الخارجية اليمنية  على موضوع الوثائق التي سربها موقع ويكيليكس الالكتروني، وما تم نشره في عدد من الصحف من تلك التسريبات حول اليمن، بأن ما جاء في تلك الوثائق حول ما دار بين المسؤولين اليمنيين والجانب الأمريكي لايعتبر( نقلا دقيقا وصحيحا) لحقيقة ما دار بالفعل في تلك اللقاءات.
جوليان بول اسانج(موقع ويكيلكس )
 

 


7   – الإثارة

يقول أماثيل ماكينيل: (الخبر هو جمع الحقائق عن الأحداث الجارية التي تثير اهتمام القراء لكي يقبلوا على شراء الصحيفة).
من هنا ترسخ الرأي في كلاسيكيات الدراسات عن الصحافة  الذي يصف الخبر المثبر (أنه الخبرالذي يتناول رجلا عض كلبا ،وليس رجلا عضه الكلب )
ويرى الدكتور محمد الباز  


((فهذا التيار،في مصر ، الذي يرجع إلي القرن التاسع عشر، والذي يعتبر الباحث أن بدايته الحقيقية ترتبط بصحيفة المفيد لصاحبها حسن الشمسي والتي صدرت في أكتوبر 1881م في فترة الثورة العرابية، وكانت حادة في معالجاتها للقضايا الوطنية، واعتبر بعض المؤرخين تلك الفترة أنها نفخت روح الفوضي في الأمة المصرية وتجاوزت حدود المعقول بسياستها الخرقاء وكتاباتها المضرة، ))

من هنا فإنا نفرق بين الإثارة التي كانت تلجأ اليها الصحافة  الكلاسيكية ربما حتى بدايات القرن العشرين ، والإثارة التي تمارسها أجهزة الإعلام بعد التطور التكنولوجي المثير ومنذ ثلاثينات القرن الماضي وهذا التفريق ينصب على :
أ - الإثارة الكلاسيكية، هدفها الرئيس الربح وكانت الإثارة هي الصيغة الوحيدة القادرة علي تحقيق الربح وذلك عن طريق ضمان توزيع واسع وإغراء المعلنين بنشر إعلاناتهم في الصحيفة الأكثر إنتشارا وبالتالي الحصول على تمويل مستمر
أما الإثارة في ظل المنافسات الدولية والصراعات الآيدلوجية وتطور التقنيات التكنولوجية فإنها عمل مدروس يستدعي جهدا وخبرة ويشترك في صناعة أخبارها مجموعات متخصصة وتهدف الى صرف انظار المجتمع عن أمر ما لتمريره ، ويمكن هنا ان نشير الى عملية استغلال مباراة كرة القدم بين الفريقين المصري والجزائري التي تحولت الى عملية ضخ (للكراهية )بين الشعبين عن طريق الإثارة الإعلامية وربما كان من اكثر صورها وضوحا ماقاله  مذيع مصري شهير في قناة فضائية عربية، عن الشعب الجزائري: "لماذا يكرهوننا ونحن من حررناهم وعلمناهم العربية" فقامت صحيفة جزائرية بالرد عليه مطالبة بقطع لسانه
وكما جاء في بحث ( لسعود بدر محمد) حول ماتنشره صحيفة الديلي ميرور البريطانية من أخبار تهدف من ورائها تشويه صورة المسلمين في العالم ((لم تخل تغطية هذه الصحيفة ، من استخدام كلمات «فضائحية» مثل استخدام تعابير موازية للمتشددين الإسلاميين مثل «الشهوة لمعاقرة الخمور»، و «عاشقي الجنس»، ووصف زعيم تنظيم «القاعدة» بأنه يكره الحياة لأن «عضوه التناسلي صغير جداً

ب-من حيث مادة الخبر الصحفية
بحكم ان الصحافة الكلاسيكية كان تتوجه لجمهور يرغب بالقراءة ويدفع ثمنا لشراء الصحيفة فقد كانت المادة الخبرية المثيرة تستمد موضوعاتها من الطرافة والغرابة أو الجنس والجريمةعلى العموم ، أما وسائل الأعلام الحديثة التي تقتحم بيتك وتجدها على الأرصفة وفي محطات القطارات توزع مجانا وتطالعك عبر الإنترنيت فإنها تستمد مادتها الخبرية على نحو أكثر تعقيدا وأقرب الى التخصص في مواد مختلفة حيث يعمل خبراء كل في ناحية منها ويشير الدكتور حسن حنفي  

((تعتمد صحافة الإثارة على الثقافة الشعبية والمحافظة الدينية السائدة في الرأي العام، واستقرار الأعراف التي تحولت إلى قيم ثابتة من طول قبولها، والرضوخ لقيمها، وطاعة أوامرها. كما تعتمد على الأفكار الشائعة والمعتقدات الموروثة والقوى السياسية المحافظة إذا ما برز رأي جديد أو عبَّر كاتب عن موقف بديل. فتحاصر كل رأي، وتجرِّم كل فكر، وتتملَّق الذوق العام. وتجعل نفسها حارسة القيم، والمدافع عن الإيمان ضد المنحرفين الملحِدين المارقين المرتدين الخارجين على النظام.))
ومن طرائف أخبار الإثارة السياسية ما كتبه الأديب سر الختم (إبان رئاسته لتحرير إحدى الصحف) كتب مانشيت عريض في عهد النميري قال فيه: "اليوم تعود العادة الشهرية لرئيس الجمهورية" وهو خبر مثير للغاية ولكنه كان يعني بذلك أن هناك عادة شهرية كان يجتمع فيها الرئيس برؤساء القبائل للتباحث معهم حول الأمور التي تخص مواطنيهم وقد توقفت تلك الاجتماعات فترة ثم أعادها النميري،ولكن الخبر أصبح حديث تندر في الشارع السوداني ، المهم أن قراراً قد صدر بتنحية رئيس التحرير "!

ونلحظ ان استخدام الإثارة في نشر وإذاعة أخبار يستخدم عند الأزمات السياسية ، ففي مرحلة سادها التوتر بين الحكومة المصرية والمعارضة خصوصا حينما لجأت المعارضة الى الشارع تحتكم اليه، نشرت جريدة الدستور خبرا عن ظهور السيدة (العذراء) فوق قبة كنيسة الرواق في الجيزة ,من الساعة العاشرة من مساء الخميس حتى الساعة الخامسة من فجر الجمعة (قال شاهد عيان يدعى رامز لآبان ،إتصل بي إحد أصدقائي من المسلمين وأخبرني إنه توجه مع إبنه الرضيع الى الكنيسة بعد سماعه الخبر ، وبالفعل شاهد ظهورها على قبة الكنيسة )
وبالفعل انشغل الشارع المصري بهذه الحادثة لينصرف عن متابعة ما يجري على الساحة السياسية ، علما بأن بعض صحف المعارضة كانت قد ربطت هذه الفرقعة الاعلامية بتوقيع( عقد تجهيز مصر لإسرائيل بالغاز)



26
أساليب التضليل في صناعة الخبر
1/5

د .ذياب فهد الطائي
 
يمكن القول ان التضليل هنا وسيلة يتم التحكم بها عبر وسائل الاعلام المختلفة والمتاحة في عمليات المنافسة والصراع ليس بين الدول حسب وانما بين الشركات وحتى بين الافراد لتقديم الخبر الذي يخدم اهدافا محددة
هي بالضد من رغبة المتلقي عن طريق الكذب والخداع بهدف بلبلته والسيطرة على إرادته
والى ذلك فهو هو أحد وسائل الدعاية والحرب النفسية بحيث تخدم وسائل الاعلام ، التحول الفكري والخرق الامني وتغيير الاتجاهات للأفراد وللمجتمع وربما يذهب أبعد من ذلك بإستغلال المشاعر الانسانية
ويعتبر"باولو فرير" [1] (مفكر برازيلي  ولد في عام 1921 وتوفي في عام 1997 )،: إن التضليل الإعلامي هو (أداة للقهر ، فهو يمثل إحدى الأدوات التي تسعى النخبة من خلالها الى تطويع الجماهير لأهدافها الخاصة  ،وهذه الأداة  القهرية تمنح اقلية قاهرة، القدرة على أن تحول دون ممارسة الاغلبية لوجودها الانساني.)
 
وبإختصار يمكن القول إن التضليل يهدف الى قلب الحقائق وتقديم صور مناقضة للوجود الإجتماعي وخلق (واقع) مزيف يجري اقناع الجماهير به بواسطة سلسلة من العمليات تعتمد على تداول الصور والمعلومات ويرى (شيلر) أن مديروا اجهزة الاعلام يتحولون الى سا ئسي عقول
 وتجري عملية التضليل عبر الأساليب التالية
 
1-  التضخيم
 
والتضخيم في تقديم الخبر يأتي اما بتضخيم انجازات المستفيد من الخبر أو تضخيم خسائر أو مساوئ الخصم
فالاعلام الاسرائيلي مثلا يتعمد تقديم الصور الاخبارية لعمليات المقاومة
الفلسطينية وما تخلفه من قتلى او مصابين من الاسرائيلين عبر ما يسمى الصورة القريبة التي توهم المتلقي بعنف العملية ولكن بالمقابل لايقدم مثل هذه الصورة عما تخلفه الغارات الاسرائيلية على شعب غزة
وقي الحرب العالمية الثانية كان الالمان يتجاهلون خسائرهم بالرجال والسلاح ويقدمون اخبارا مبالغا بها عن خسائر الحلفاء
اما في حرب اكتوبر عام 1967 فقد كانت الصحف الحكومية المصرية تنشر
 
 اخبار الاتنتصارات على الجبهة وفي العمق وجعلت المواطن المصري والعربي عموما يرفع من سقف طموحاته مما ادى بعد الحرب الى تفشي مشاعر الاحباط واليأس
 
ففي الخبر الذي نشرته جريدة المساء يوم 05 – 06 – 1967(إسقاط أعداد كبيرة من طائرات العدو المغيرة) والذي لم يكن واقعيا بسبب ما تكشف عن عدم قدرة الطيران المصري من الاقلاع من قواعده، كان التضخيم هو العنصر البارز في الخبر
أما الخبر الذي نشرته ذات الجريدة في 10- 06 – 1967(توجه الجيش المصري الى تل أبيب) فقد كان تضخيما فجا لقدرات القوات المسلحة العربية المصرية والذي كانت القوات الاسرائيلية تحاصر
جيشها الثالث في صحراء سيناء ثم تقضي علية بخسائر بلغت العشرة آلاف قتيل
 
اما في حرب الخليج الثالثة والتي ماتزال احداثها طرية في أذهان الجماهير العربية فقد كان بطل الحرب فيها وزير الاعلام العراقي السيد محمد سعيد الصحاف الذي ظل يقدم على التلفاز وعبر المراسلين الصحفيين  للعالم ، صورة من المبالغات غير المنطقية من التضخيم الذي كانت تكذبه مباشرة الفضائيات التي كانت ترافق جيوش (الحلفاء) التي تتقدم نحو بغداد
 
2-  التعتيم
ويعني العمل على حجب الاخبار التي تعرض الحقائق ويجري ذلك عبر
أ‌-       عدم السماح لوسائل الاعلام (المحايدة) او المشكوك في ولائها من المشاركة في تغطية الحدث
ب‌- تغذية وسائل الاعلام بالاخبار بعد اجراء (التعديلات) عليها مع اهمل الاخبار غير المرغوب بعرضها
وقد مورست هذه الطرق في حرب الخليج الثالثالثة على نطاق واسع من قبل القوات الامريكية ووسائل الاعلام المصاحبة لها
 
3-  التكرار
يتم التكرار بهدف التركيز على معلومة معينة او مصطلح معين يراد تثبيتهما في اذان المتلقين وكجزء من عملية خلق (الحالة الذهنية )
ووسائل الاعلام المدربة لاتقوم بهذه العملية على نحو ساذج كما تفعل بعض وسائل الاعلام العربية التي غالبا ما تحصد نتائج معاكسة اذ ان عملها يخلق الملل في نفوس المتلقين
تكرر وسائل الاعلام المدربة الخبر او المعلومة عن طريق برامج مختلفة وبواسطة شخصيات متعددة بحيث يجري كل شيء بيسر وسلاسة وهو يستقر في ذهن المتلقي
وقد إستعملت الدعاية النازية هذا النمط من الوسائل على نحو مدروس وممنهج،
 
4-إثارة الخوف
يمكن القول ان سياسة التخويف وإثارة الرعب يترتبطان بعنصري الدعاية والحرب النفسية ويقول المفكر الفرنسي (بول فيريل يو ) [2] إن وزارة الدفاع تحولت الى وزارة الخوف العام وعن ما يسمى "ديمقراطية الإنفعال الجماعي "التي بدأت تحل محل ديمقراطية التمثيل الإنتخابي .
ويدخل في هذا الباب العمل غلى تدمير منظمة الثقافة الوطنية من أجل إضعاف قدرة المجتمع على التصدي والمقاومة وذلك عبر ترسيخ مفاهيم الهزيمة ، كانت الماكنة الإعلامية للولايات المتحدة الامريكية في حرب الخليج الثالثة تنشر صورا خبرية من مواقع مختلفة من الجبهة تعرض الجنود العراقيين وهم يستسلمون باللآف دونما قتال،كما شاهدنا اثناء الحرب العربية الإسرائيلية من على شاشات التلفزيون تكرار عرض إنهيار الجيش المصري وإستسلام القادة على نحو مذل .
وأبان الحرب العالمية الثانية ، كانت الدعاية الالمانية الموجهة الى انكلترا تركزعلى قدرات الجيش الالماني غير المحدودة وعلى تداعي المقاومة البريطانية وعبثية الاستمرار بالحرب لأنها تعني إبادة الشعب البريطاني ، ولهذا كانت تذيع أخبارا تؤيد هذه المزاعم
 
5- لفت الانظار
في الصحف الهولندية الرئيسية (التلغراف، التراون ) نجد محاولة واضحة لعملية لفت الانظار الى جزء من الخبر تحاول ان تسوقه للمتلقي دون ان تتهم بالانحياز وهذه المحاولة تتمثل في نشر خبر قيام مواطن فلسطيني  بطعن مستوطن أسرائيلي على مساحة ربع الصفحة مع التركيز على الدماء والسكين وذهول المارة ، وعلى جانب الصورة وبمساحة بضع سنتمترات عملية قتل الفلسطيني
وفي الاخبار يجري تقطيع الخبر والتركيز على فقرة يرغب الكاتب بإيصالها مع التعميم في صياغة الفقرات الأخرى
و كما نلحظ في صياغة الخبر الذي كتبه أسامة مهدي محرر جريدة ايلاف الالكترونيةفي عددها ليوم 25-07-2010
 
(الكتل تحاول الإتفاق اليوم وتوقّعات بخرق دستوري جديد)
بوصلة رئاسة الحكومة العراقيّة تتجه بقوة نحو مرشح تسوية
أسامة مهدي (الكاتب )
فالكاتب يريد اولا أن يلفت الأنظار الى أن العملية السياسية في العراق ، هي في واقع الحال في خرق مستمر وأن خبر اليوم يشير الى خرق (جديد)
 
يتبع
 


27
هل ستقلص ازمة الكهرباء في العراق النفوذ الطائفي ؟

د. ذياب فهد الطائي


لم تكن الطائفية فكرا مستوردا بل يمكن القول وببساطة متناهية انها كانت وما تزال في صلب السيرورة التاريخية للمجتمعات الانسانية
كما ان الطائفية ليست صناعة اسلامية ،كما انها استمدت قدرتها على البقاء بالاٌستفادة من التناقضات السياسية  ولهذا فهي نسيج اجتماعي (دنيوي ) وهي نسيج مصالح اجتماعية وليست تعبيرا فكريا عن موقف ما ، رغم ان رجالها يجاهدون وبقوة من اجل اعطاء انطباع بانها موقف ديني
ولكن من الواضح ان عدم الرغبة في التخلص منها يتركها جذوة نار يمكن ان تتحول الى لهب في اية لحظة ، كما ان ما يحدث اليوم في العراق وتكفير البعض للبعض الآخر قد وقع ما يشابهه في التاريخ الاسلامي،بعد الاقتتال العنيف بين الحنابلة والشافعية في بغداد سنة (469هـ)، حاول الوزير نظام الملك التوصل إلى حل للمشكلة، فجمع بين ابن القشيري (شيخ الشافعية) وأصحابه وبين أبي جعفر الشريف (شيخ الحنابلة) في مجلسه، وطلب منهما أن يتصالحا، فقال له القشيري: (أي صلح يكون بيننا؟ إنما الصلح بين مختصمين على ولاية، أو دَين، أو تنازع في ملك. فأما هؤلاء القوم: فيزعمون إنا كفار، ونحن نزعم أن مَن لا يعتقد ما نعتقده كان كافراً.
 
من المعروف ان التحول الكبير الذي طرأ على المجتمع الأسلامي والذي غير توجهه الإيماني الى التوجه السياسي قد حصل بعد بيعة السقيفة وحروب الردة حيث حصل الإنقسام الكبير في المجتمع بسبب الخلافات المبنية على قناعات سياسية لاعلاقة لها بالعقيدة وبالطبع كان لابد لهذا التحول ان يؤسس للطائفية ، كما ان هذا التحول قد جعل من الفكر الديني عموما اداة في خدمة الدولة ، وخلال حكم الدولتين العثمانية (السنية) والصفوية (الشيعية)، أصبح الصراع الطائفي  صراعاً وتنافساً سياسياً يلجأ الى اعطاء صبغة دينية له لإقناع البسطاء بعدالة وضرورة هذ الصراع ، والطائفية بهذا المعنى هي تمايز دنيوي وليس ديني كما سبق القول ولكن من الملاحظ ان الطائفية تشتمل على موضوع التعددية ولكنها تصر على عدم شرعية الوجود الانساني الا في محيط الطائفة من هنا فان هذه التعددية تخضع في الاعتراف بها الى توازن القوى


لقد برهنت احداث (الكهرباء ) الى اي مدى تتقلص الطائفية وتبتعد عنها الجماهير من اجل المطالبة المشتركة  بتحسين خدمة بالغة الحيوية والضرورة ولكنها (دنيوية ) وقد انتج الموقف الذي شمل معظم محافظات العراق الوسطى والجنوبية ، تغييرا مهما ولافتا للنظر في معنى تأييد الحكومة ،ومن هنا تتبلور شرعية جديدة لموقف سياسي ، كما انه من الناحية العملية يعطي الانطباع ان دوافع تحريك الجماهير قد تغيرت او هي في بداية مرحلة التغيير ، ولهذا  يتوجب القيام بتقييم موضوعي لمظاهر التراجع لنفوذ الطائفية على الجماهير وتحركها سياسيا من اجل الحصول على مطالبها ، وفي تقديري فان الاحداث قد كشفت (دون الخوض في محاولة بعض القوى الاستفادة من هذا التحرك لمصلحتها الفئوية ) ان الكثير من الجماهير على استعداد للتحول والخروج من قيود الطائفية الى فضاء العمل الجماعي فالكهرباء لاتحلها الا محطات توليد عملاقة تتوزع على نطاق القطر ، وان الدعوات مهما كانت صادقة فانها لن تعطي ميكا واط  واحدا
لقد برزت الطائفية في العراق بعد الأحتلال في عام 2003 لتتحكم بمسار العملية السياسية (البرلمان ، الحكومة ، توزيع الغنائم ) بسبب :

1- ان التوجه الامريكي كان يضع في حساباته ثلاثية التقسيم الاجتماعي للعراق (سنة ، شيعة، كرد ) وكان هذا يتضمن هدفا استراتيجيا في بنود تلك السياسة ، وقد وجد الساسة الامريكان استعدادا من قيادات العمل السياسي المعارض قبل الإحتلال لهذه الطروحات .
2- كانت معظم قيادات العمل السياسي التي استولت على السلطة في العراق لاتملك قواعد شعبية حقيقية فاعلة ، بل كانت بمجاميعها المقاتلة او السياسية بعديدة عن الشارع العراقي حتى ان الكثير منهم لم يكن معروفا في الداخل، ولهذا عمدوا الى التخندق الطائفي والتشبث بالعون الخارجي لتأمين مواقع زعاماتهم
3- لقد تحول القادة الجدد الى اثرياء كبار بفترة وجيزة وعلى نحو لم يكونوا قد توقعوه وهم في المنافي الامر الذي فتح شهيتهم واصبح الاقتصاد والسياسة مرتبطان على نحو غير قابل للإنفصام ، من هنا بدأ التباعد بين الحكومة بمفهومها العام والمجتمع واصبحت التعددية الوحيدة المطروحة هي تعددية الطوائف بما تمثله من مصالح وحتى ليس بما تحمله من مضامين فكرية في بعض جوانبها ، وقد ادى هذا التصرف الى اختلالات بنيوية في تركيبة المجتمع القيمية والثقافية واصبح الدفاع عن سارق للمال العام امرا لايثير الكثير من الحساسية (وزير الدفاع ايام اياد علاوي ، وزير الكهرباء أيام الجعفري ، وزير التجارة أيام المالكي )
4- عوامل اقليمية بسبب رغبة الدول المجاورة الحصول على اكبر مساحة ممكنه في صناعة القرار السياسي
5- الجهل وارتفاع نسبة الامية في المجتمع العراقي ونتائج التراكمات السابقة المليئة بعوامل الاحباط واليأس

ان انتفاضة الكهرباء يجب ان تحميها العناصر الوطنية والنخب الثقافية من السقوط في ساحة بعض المتأسلمين والذين يجاهدون من أجل أخذ زمام المبادرة ومن ثم القيادة في حركتها لتفريغها من محتواها المدني وتحويلها الى ان تكون بعض اداواتهم السياسية للضغط باتجاه الحصول على مكاسب جديدة لأن هذا يعني اضاعة فرصة لممارسة دور ايجابي في صناعة المجتمع المدني وقيادة بوادر التحول الذي طرأ على شرائح واسعة كانت حتى الامس تصفق للشعارات الطائفية



28

أثر قوة التغييرات الذاتية في التقنيات الحديثة على وسائل الإعلام
13/15
د.ذياب فهد الطائي

المنظمات الدولية :
هي الهيئات والمؤسسات التي يتكون منها المجتمع الدولي وتشارك في تفعيل إرادة الجماعة الدولية وهي  تقوم على هيكل إداري وتنفيذي وتقوم على إرادة مجموعة من الأشخاص الإعتباريين (مثل المنظمات الدولية الحكومية) التي تتكون من الدول كمنظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات التي تتكون من إنضمام مجموعة من الدول إلى ميثاق أو إتفاقية معنية بإنشاء وعمل المنظمة (وكيبديا )،و كمنظمة الجامعة العربية  والإتحاد المغاربي ومنظمة اوبك واوابك والاتحاد الاوربي ، اليونسكو ..... الخ
وفي تعريف آخر نشرته وكيبيديا باللغة الأنكليزية جاء فيه :
المنظمة الدولية هي (كيان) أو وحدة قانونية تضم مجموعة من الدول ، ينشأ من خلال إتفاق دولي ، و يتكون من أجهزة او فروع دائمة ، ويتمتع بارادة ذاتية مستقلة في مواجهة الدول المكونة له ،وذلك بقصد رعاية بعض المصالح المشتركة أو تحقيق أهداف معينة.
والمنظمات الدولية هي مناط إهتمام قانون المنظمات الدولية أو قانون التنظيم الدولي وهو أحد فروع القانون الدولي الذي ينصب كل اهتمامه بالمنظمات الدولية الحكومية
وتتميز المنظمات الدولية الحكومية بأنها تتكون من دول ذات سيادة وذلك بموجب معاهدة او اتفاق دولي متعدد الأطراف ، وأن لها كيانا دائما ومستمرا، وانها تملك الشخصية القانونية المستقلة بمعنى الارادة الذاتية المستقلة عن ارادات اعضاءها انفراديا. ومن ثم تختلف المنظمة الدولية عن المؤتمر الدولي ذلك ان الاخير لايتمتع بارادة ذاتية منفصلة عن الدول المكونة له او المشتركة فيه ولاتلزم القرارات الصادرة عنه إلّا الدول التي وافقت عليها خلافا للمنظمة التي تلزم الأعضاء بقراراتها.
لقد عملت هذه المنظمات في تطوير تكنولوجيا المعلومات وفي تنوع وسائل الإعلام ، فإبان الحرب الباردة، عملت المنظمات الدولية في كلا المعسكرين على تطوير وسائل الإعلام لإستخدامها في التأثير على جماهير الطرف الثاني وكانت مقولة (إن التغيير في تقنية وسائل الإعلام يقود الى التغيير الأجتماعي )   حاضرة في توجهات هذه المنظمات وهي تعتمد موازنات كبيرة للبحث التكنولوجي والعلمي في هذا الحقل ، وبعض هذه المنظمات تستفيد على نحو متسارع من تكنولوجيا المعلومات ، ومن أهم هذه المنظمات " اليونسكو " التي أفتتحت في إبريل 2009 ثالث مكتبة رقمية في العالم  (بعد مكتبة كوكل ، والمكتبة الأوربية التي أطلقها الأتحاد الأوربي ) بهدف توفير إمكانت معرفية هائلة لكل الناس في المعمورة .
 والمكتبة بسبع لغات منها العربية ، وجاء في الحديث عن الهدف من إنشاء المكتبة "تقليص الحاجز بين الأغنياء والفقراء
المكتبة الرقمية العالمية ليست موقعا إلكترونيا عاديا بقدر ما هي إرشيف فريد يتضمن مجموعة من المراجع والوثائق والمخطوطات النفيسة التي تعود إلى فترات تاريخية مختلفة وتساهم فيها جهات عالمية عدة.
وإعتبر جيمس بيلينجتون 75مدير مكتبة الكونجرس، الذي يقف وراء فكرة المكتبة العالمية، في تصريح للصحافة إن إطلاق المكتبة "سبيل لتحفيز الناس على التفكر في تفاعل الثقافات، وهو ما نأمل أن يعزز التفاهم والرغبة بالاطلاع على المنجزات الثقافية على الصعيد الإنساني" .
وقد جاء التعريف التالي للمؤسسة في موقعها الرسمي:
  ((ولدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1945. ولا يتمثل أهم شيء بالنسبة لهذه الوكالة المتخصصة من وكالات الأمم المتحدة، في بناء قاعات الدراسة في البلدان المُخرّبة، أو في ترميم مواقع التراث العالمي. بل إن الهدف الذي حددته المنظمة لنفسها هو هدف كبير وطموح وهو: بناء حصون السلام في عقول))
وتضع المنظمة أمامها شعارا عريضا ينص على إنها تهدف الى تحقيق التقدم المادي دون الإضرار بتراث الأجيال القادمة ، وهي بهذا تريد أن تعطي تطمينا للشعوب المختلفة ،إنها لن تتعرض لتراثها ولثقافاتها ولكني أعتقد ان هذا مجرد غطاء لا تؤيده مئات الكتب التي أصدرتها والأفلام التسجيلية التي أنتجتها و تعرضها على شاشات التلفزيون عبر العالم أو على الإنترنيت، والتي تؤكد جميعا على أن المنظمة تأخذ بمقولة جوزيف ناي عن "القوة الناعمة " في العمل على توجيه الفكر الانساني نحو المفاهيم والقيم التي أفرزتها العولمة ، رغم إنها تقدم بعض النماذج العملية في رعاية التراث والتقافة لشعب ما كعملها في ترميم المساجد الآيلة للسقوط في المغرب
وما يمكن ان أخلص اليه في ختام هذا البحث هو :
1- ان إطار النظام الرأسمالي في خطوطه العريضة لن يشمله التغيير ولكن ما سنجده وبشكل آخر هو الآليات والتطبيقات ، ستعمل الدول المتقدمة على تشجيع التنمية الأقتصادية في البلدان النامية بهدف ربطها بقوة أكبر بالسوق العالمي من جهة ولتوفير قوة شرائية كافية لإستيعاب المنتجات الجديدة من جهة ثانية ،  وذلك لأن أية محاولة لتجزئة الفضاء سيكون مصيرها الفشل  و عمل السوق لن يتغير فالعالم سيستمر شبكة من الأنتاج والتوزيع  ودافع الربح سيظل هو المحفز والبرجوازية كطبقة مهيمنة  ،ربما سيتعزز دورها على نحو اكبر.
2- ستتقدم مجموعة من الدول، وقد لاتتعدى الصين والهند والبرازيل ،الى المسرح الدولي لتصبح قوى فاعلة ولكن في الإ طار العام للنظام الرأسمالي وسيظل معيار التقدم هذا قائم على النمو في إقتصاديات هذه البلدان
ولهذا فإن مقاربة من نوع آخر ستستجد في النظام الذي يتقدم  (مجددا هياكل النظام القديم ) وهذه المقاربة تعتمد على إن هناك ربط لامجال لتجزئته بين ما هو عالمي وما هو محلي من جهة ،وربط بين الفرد ووسائل الاعلام فيما يتعلق بالمعلومة ،والجماعة والمعرفة، من جهة ثانية.
ربما ستعمل هذه القوى الصاعدة على معالجة جوانب الخلل في النظام الرأسمالي (وهي جوانب بنيوية قد يمكن تأخير أو تقليل تأثيرها ، لكن لايمكن تجاوزها ) ، فقد تعاود الصين ولكن بقوة حينها ، طرح مقترحها القاضي بمنح صندوق النقد الدولي حقوق السحب الخاص للدول وتقديم القروض ، مما سيساعد الدول الفقيرة على تحسين وضعها الأقتصادي
وقد يؤدي وجود توازن دولي في ظل هيمنة السوق العالمية الى إقرار رقابة أوسع وأكثر فاعلية على البنوك والمؤسسات المالية للتأكد من قيامها بخروقات أو مضاربات قد تلحق الضرر بالسوق الدولية


3- بالنسبة للثقافة والتراث فان تغييرات منظومة القيم السائدة ، بحكم فاعلية أجهزة الإعلام، ستغير معايير المجتمع وبالتالي ستعمل على أن (تفك ) إرتباط الفرد بالتراث وتقلص من مساحة تأثير الثقافة التاريخية عليه ، فالإنسان وفق نظرية (هارولد كارنكل ... 1917-1987  ) 76 يمكن دفعه الى تغيير ذاته عن طريق دراسة الجوانب الخفية من الحياة الاجتماعية ، تلك الجوانب غير المرئية والتي لانشعر بها ،ويمكن لعالم الإجتماع التعرف على تلك الجوانب بإستخدام دراسات متقدمة ومن ثم توظيف النتائج لصالح الأهداف المطلوبة ، كما يؤكد (كارنكل ) على أن النظام الأجتماعي لايخضع لضوابط عقلانية كما كانت تطرحه الدراسات الكلاسيكية لماركس ودركهايم ، وإنما تسود الحياة الاجتماعية فوضى ، وقد كان هذا التشخيص نتيجة دراسة أجراها (كارنكل ) على شريحة من طلبة جامعة هارفرد وضمنها في كتابه (دراسات في الإثنومتو دولوجيا )
وهي دراسات تشرح المصطلح الذي يمثل اتجاها في علم الاجتماع بدأ وتنامى كرد فعل على علم الاجتماع السببي العقلاني الجدلي عند الرواد الكلاسيكيين امثال ماركس و دوركهايم و فيبر. فقد رفض هذا التيار الأساس الفكري للنظرية الإجتماعية القديمة و قال بلاعقلانية التطورات الاجتماعية و إستحالة حصر الحالة الإجتماعية بمسبب واحد اقتصادي أو ديني أو سياسي. وأصر منظرو هذا الاتجاه على دراسة الواقع الاجتماعي بشكل ميداني بحت، وبدون إفتراضات مسبقة. وقد لاقى هذا الإتجاه دعما قويا من المؤسسات الجامعية البحثية في اوربا و امريكا. ومنذ سنتين لوحظ إنتشار كتب من نوع "الوجبات السريعة" مثل الهامبرجر عند (ماكدونالد )تقوم على طرح سطحي و مبسط وفكاهي لنظريات إقتصادية و إجتماعية وسياسية هائلة وربطها بمظاهر حياتية معاشه على صعيد الواقع و التجربة اليومية. وقد سيطرت تلك الكتب على قوائم أكثر المبيعات في امريكا و اوربا. والاساس الفكري الذي تقوم عليه ،هو إنه لايمكن تحويل الواقع الى نظرية من سبب و نتيجة، ولايمكن فهمة عقلانيا. مثال على ذلك كتاب تعّرض لانخفاض معدل الجريمة في مدينة نيويورك في التسعينيات، وبعد أن يستعرض دراسات أربعة من علماء الإجتماع الامريكان البارزين، وكيف إنهم جميعا إتفقوا بتحليلاتهم المعمقة على إن الجريمة ستزداد، ولكنهم إختلفوا على نسبة الزيادة فقط، أثبت الواقع خطأهم و إنخفضت الجرائم بشكل كبير. السبب كما يرى الباحث(الأثنومتودولوجي) ، هو إقرار قانون الإجهاض في امريكا مما سمح للمراهقات من المهاجرين اللاتينيين والسود في الأحياء الفقيرة من التخلص من حملهن، مما خلص المجتمع الامريكي من أعداد هائلة من المجرمين المحتملين المستقبليين.
نلاحظ في هذا الرأي تحديد العرق و اللون و الطبقة الاجتماعية و صرف النظر عن أسباب الظلم و الإضطهاد الاجتماعي الذي يصيب تلك الطبقات بالإحباط ويدفعها الى العنف. فالحل بكل بساطة كان في القتل.. قتل الاطفال المحتملين للطبقات الفقيرة. وبالمناسبة فان هناك نظرية لأحد مستشاري الرئيس بوش الأبن نشرها في كتابين تتحدث عن النتائج الإيجابية للحروب الشاملة في المناطق الفقيرة في اسيا و افريقيا ،لانها ستقلل من معدل النمو السكاني العام ،وستزيل خطر النقص الحاد في الموارد المائية و الغذائية. حتى إن هناك عدة كتب لباحث يدعى( كالدويل) يؤكد فيها على إن مصدر كل النظريات العلمية و الفلسفية العظيمة ليس التفكير والدراسة والتامل، بل لحظة الهام غير عقلانية عابرة تلوح فيها النظرية كصورة في حلم للشخص الذي يقوم بعد ذلك بتطوريها، وهو يدعو الى إيقاف تعليم الطلبة في المدارس أصول التفكير النقدي لانها غير مفيدة و تعليمه بدلا من ذلك اصول التفكير العبثي الخلاق.. الفوضى الخلاقة كما يسمسها بوش الإبن. والطريف إن هذه الأفكار يتبناها اليمين المتطرف في كل من امريكا و اوربا.
إن ظهور العديد من الدراسات السوسيولوجية في أمريكا وفي فرنسا على وجه الخصوص يعود في أسبابه ، الى إنتشار وسائل الإتصال وتقدم تكنولوجيا المعلومات، فقد كشف إسخدام أجهزة الهاتف على نطاق واسع في محادثات عامة وتوجهات الجمهور لمشاهدة برامج معينة وإستقطباب نوعيات جديدة من أفلام السينما لأعداد متزايدة من الشباب ، كشف كل ذلك عن القوة الكامنه في وسائل الإعلام التي تعمل على نحو تفاعلي في السيطرة على مزاج الجمهور ومن ثم إعادة صياغته، أي إن بإمكان وسائل الإعلام أن تعيد تشكيل المجتمع.
من هنا فإن نشر افكار الديمقراطية وحقوق الانسان وعلى رأسها حرية المعتقد وحرية التعبير، يمكن أن يشكل مدخلا لصياغة ثقافة جديدة لمجتمعات كانت لاترغب بالنظر الى أمام ،وإنما ينشّد تفكيرها الى الماضي والى التراث ،وتحاول أن تجد حلولا لمشاكلها اليومية في مقاربات وقعت في تاريخها

4- في النهاية أعتقد إنه على المدى المنظور لن تشهد البشرية تشييع جنازة الرأسمالية ، ولن يكون أي من مجايلينا من المشاركين بهذا التشييع ، وإن النظام سيكون رأسماليا ولكن بمواصفات مغايرة وقد يكون بعضها عقلانيا يخضع لضوابط محددة سلفا وفق منهج علمي واضح المعالم ولكن الكثير من هذه المواصفات ستكون لاعقلانية ، ذلك لأن المعدل الذي تتسارع فيه إبتكارات نظم معلوماتية جديدة ووسائل إعلام ، يجري بتسارع على نحو لا يمكن متابعته ،وسيؤدي الى أنماط غير متوقعة من التفكير .
 إن هذه الابتكارات ستؤدي الى وجود تنوع معرفي تدفعه شبكات التفاعل الى البحث عن (تأويل دلالي آخر ) لمفهوم الديمقراطية والحرية الشخصية والقيم الاجتماعية وبناء هيكل الدولة.
أعتقد إن العالم العربي سيواجه بالقريب العاجل أسئلة محرجة جدا ،على مفكريه أن يعملوا منذ الان على دراسة معطياتها التي تندرج ضمنا في عمل وسائل الإعلام اليومي، وما تقدمه شبكات الإتصال كل لحظة، وهذه الإمكانية غير محدودة في التعرف على كل ما يجري في بلداننا وفي العالم ، لقد أصبح من المتعذر على السلطات العربية التي جاء حكامها الى السلطة عبر وسائل شتى، لم يكن من بينها الإعتماد على موافقة المحكومين ، أن يحجبوا المعلومات وأن يحتكروا المعرفة .

29
سلافوج زيزك ... هل يمثل اليسار الجديد حقا ؟


د. ذياب فهد الطائي
بدءا لابد من القول ان تتبع المفكر والفيلسوف زيزك ليس امرا هينا ، فالرجل كتلة من النشاط والحيوية ويمثل نموذجا متميزا في اسلوبة وطريقة حديثة وتنوع معارفه ، وخلال الأربعين سنة المنصرمة اصدر عشرات الكتب في مناح متنوعة ، السياسة ، علم النفس ، الفلسفة ، الدين ، النقد الثقافي ، البحوث الإعلامية والتحليل السينمائي وأنجز مئات المقابلات التلفزيونية والإذاعية ونشر مئات المقالات
وحاضر في جامعات اوربا المختلفة وإستطاع ان يحظى بشعبية طاغية في صفوف طلابها واصبح الشخصية المفضلة لأعداد متزايدة من المثقفين مما دفع بمجلة فورين بوليسي الامريكية الى إختياره ضمن المئة شخصية الأكثر تأثيرا في العالم
من هنا قمت بمشاهدة خمسين شريط فيديو لمحاضراته ومناقشاته الفكرية التي تتسم بالقوة والصرامة وكذلك التطرف ، كما راجعت كما كبيرا من كتاباته وكثيرا عما كتب عنه
من هو سلافوج زيزك
ولد زيزك في 21- 03 – 1949 في مدينة ليوبليانا بجمهورية سلوفينيا التي كانت واحدة من جمهوريات الاتحاد اليوغسلافي ، كان والده يعمل في المجال الأقتصادي اما والدته فقد كانت موظفة حسابات في مؤسسة حكومية
حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة ليوبليانا وعلى الدكتوراه بعلم الإجتماع من جامعة باريس، ويعمل في  معهد علم الإجتماع بوظيفة كبير الباحثين ، واستاذا في جامعة ليوبليانا واستاذا زائرا في جامعة كولومبيا وجامعة برينستون وجامعة مشيكان والمدرسة العليا للبحوث الإجتماعية في نيويورك وجامعة باريس الثامنة (قسم التحليل النفسي )وجامعة جورج تاون في واشنطن وهو كذلك عضو الهيئة التدريسية في كلية الدراسات العليا الأوربية
ترك زيزك الحزب الشيوعي عام 1988 وبدأ يقدم نفسه كأحد ناشطي اليسار الجديد الذي يعمل على تبني منطلقات فكرية تحاول تجديد الفكر الماركسي
مرتكزات فكر زيزك 
يشتغل زيزك في بناء افكاره وطروحاته على ثلاث مرتكزات هي :
أولا- الإقتصاد الماركسي ،على أساس إن العامل الإقتصادي هو العامل الحاسم في التحولات الإجتماعية ولكنه يؤكد انه ليس العامل الوحيد ، إن ما يميز طريق زيزك أنه ذهب وراء ألتوسير ومدرسة فارنكفورت حيث أبعد ما سماه ماركس بالوعي الزائف في كتابه (الآيدلوجيا الألمانية) والتأكيد على ان الأفكار والثقافة (اي البناء الفوقي ) عوامل مؤثرة في التحول الأجتماعي عموما، فهو يرى (مثلا ) إن التحول من النظام الإقطاعي كان تحولا في الفكر وفي إسلوب الحياة ، حيث اصبح العمل قيمة اجتماعية ،وبدلا من النظرة الدونية (للعمل ) التي ترتبط في النظام الإقطاعي اصبحت في النظام الجديد تحظى بمباركة دينية
إن عدم قناعة زيزك بمفهوم الوعي الآيدلوجي الزائف دفعه الى تبني نظرية التوسير بأن ليس  هناك وعي زائف ووعي حقيقي،ذلك لأن الوعي يكتنفه الغموض،ويرى زيزك  إن أعمق دوافع الذات تكمن في اللاوعي  (هناك ثلاث مراحل للاوعي هي ،الواقعي ، المتخيل ، الرمز ) وان الآيدلوجيا هي تأويل للواقع وقراءة له من هنا تختلف نتائج القراءات فقد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة بناء على معايير الفهم والادراك ولكن لابد من الوقوف عند هذه النقطة الهامة في الفكر الفلسفي ، فكيف يمكن ان ندعي ان ايدلوجية ما او وعيا ما يتطابق مع الواقعي او يحيط به ؟
ومن جهة ثانية فالآيدلوجيا ليست وعيا خالصا وانما هي ايضا ممارسة يومية ،يكتب زيزك في صحيفة رأسمالية ،ويظهر على شاشة تلفزيون تملكه واحدة من الشركات الرأسمالية الكبرى ، ويتناول افطاره في مكدونالد ويستقل طائرة الخطوط الجوية الامريكية ليلحق بموعد محاضرة في مشيكان ، وافكار زيزك تسوّقها مراكز رأسمالية لأنتاج الثقافة وفق مقاسات محسوبة لأنتاج افكار ثورية مسيطر عليها
واذا كان الفكر الإقتصادي الماركسي يقوم اساسا على التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج في احداث التحولات الاجتماعية والسياسية فضلا عن ان القوة المحركة لإسقاط الرأسمالية في الفكر الماركسي هي الطبقة العاملة ،(صراع الطبقات ) فماذا يقول زيزك بالمقابل ؟
يفسر زيزك (الصراع الطبقي) على اساس ذاتي و ليس موضوعي. فهو يقول بان وضع الطبقة الاجتماعية لايتحدد فقط بالاقتصاد وبعلاقات الانتاج كما في الماركسية التقليدية. إن الطبقة الاجتماعية تصبح على مدى التاريخ حاملة لهوية ذاتية تميزها و تحدد خياراتها. وبذلك تكتسب استقلالية عن الشرط الاقتصادي ،ويصبح لها وعي خاص بها. ولكن علينا ان نتذكر ان هذا الوعي ليس فكر موحد و منسجم. فهو يعاني من التناقضات و الانفصام ايضا.
يرى زيزك بان فكرة ( التقسيم الطبقي) هي فكرة ساذجة ولاتنطبق على الواقع المعقد للمكونات الاجتماعية. الواقع الاجتماعي أكثر تعقيدا وتشابكا من النموذج الاختزالي للطبقات. مثلا الطبقة العمالية في البلدان الراسمالية جرى دمجها بالطبقات الوسطى عن طريق عدة اجراءات اقتصادية مثل تشجيع النزعة الاستهلاكية و اشراكهم في تقاسم نسبة من الارباح و تمليكهم نسبة من الاسهم في السوق. لقد انفصلت الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية عن فكرة النضال الثوري من خلال تغييرين رئيسيين، الاول هو حصر مطالب تلك الطبقة بمصالحها المباشرة فقط الثاني تركيزها على الاصلاحات المتمثلة في الزيادات الدورية للرواتب او تخفيض الضرائب او تقليل ساعات العمل اليومي.
يؤكد زيزك على ان الحل لإزمة البلدان الراسمالية هو تسيس الاقتصاد وسيطرة الدولة على العملية الاقتصادية، دون الإشارة الى بنية النظام السياسي .
يقول زيزك في مقال طويل له منشور على موقع (لندن ريفيو بوك ) مايلي:
1/1 – ان نهاية النظام الرأسمالي العالمي لايعرفها الا الله
2/1 – ان النضال ضد الرأسمالية يجب ان يتم عبر الممارسات اليومية كالتظاهر والعمل على تعميق مفهوم يوتوبيا العدالة والديمقراطية والتسامح ليلتزم بها كل الناس
 و يذكر في مقالته المعنونة (المقاومة .... إستسلام ) وهو يتحدث مشيدا بالمظاهرات التي جرت في لندن عند زيارة بوش الإبن ،أنه كان على العراقيين ان يفعلوا نفس الشيء للإطاحة بالنظام السابق!!!!!
3/1 – ان وجود شافيز في فنزويلا هو عامل مساعد في اشعار الرأسمالية بالخوف من عدو دائم ، هذا رغم انه يقول عن شافيز (انه شعبوي وديماغوجي ولا يقوم بأي شيء لفائدة الاقتصاد مع الاعتراف بميوله الاستبدادية )
4/ 1 – العمل على تعبئة شعبية لتمارس الضغط والعنف بهدف إخافة الرأسمالية ، وهنا يخرج حتى ان يكون ماركسيا بالمفهوم العام ليتحول الى داعية تحريضي دونما منهج واضح ويمارس دور المصاب بمرض الطفولة اليساري كما تكلم عنه لينين بكتابه بذات الاسم
5/1- في مقابلة أجرتها مجلة "ليبراسيون " مع مجموعة من المفكرين منهم "مارسيل غوشيه" قال زيزك: لست أبله ، ولا أحلم بحزب شيوعي
6/1 - وفي كتابه الصادر عام 2002 بعنوان (هل لفظ احدكم كلمة : التوتاليرية ) يقول :لقد انتصر النظام الديمقراطي الليبرالي على النظام النازي اولا ثم الشيوعي الذي فقد مصداقيته.
 
ثانيا- جدلية هيغل معتبرا أن الأفكار البروتستانتية هي النقيض للنظام الإقطاعي وأن الرأسمالية هي نقض النقيض، وزيزك وهو يأخذ ديالكتيك هيغل يتجاوز مثاليته(في بداياته التنظيرية )  الى مادية ماركس، كما انه يرى ان التناقض هو الطريقة الوحيدة لأحتضان واقع اكثر شمولية مع التأكيد ان الاحاطة الكاملة من قبل الوعي بالواقع مستحيلة
يكشف زيزك التناقض بين المثالية والمادية في مواجهة فلسفية في كتابه المعنون (المنظور والمتوازي ) فيذكر ان المثالية تحاول ان تطرح نفسها كفلسفة شمولية لا زمانية تقبض على الحقيقة المطلقة بدون الالتفات الى التاريخ واشتراطاته بينما ترى المادية ان كل حقيقة لايمكن ان تكون كلية فهي محكومة باشتراطات التاريخ والواقع، ومن هنا يقع زيزك وهو يمضي من التحليل الى الاستنتاج ، بتناقضات في مفراداته الاصطلاحية ويطرح ماسماه ( المادية الدينية ) ويمكن القول بناء على جملة من الملاحظات ان زيزك لايملك القدرة على التأسيس لنظرية فلسفية خاصة كما انه كثيرا ما يأخذ عن فوكو ودريدا وبات، دون ان يشير اليهم معتبرا تلك الافكار من عندياته

 
ثالثا- دراسات جان لوكان (1901-1949 ) في علم النفس والتي تعتمد اساسا على نظريات سيجموند فرويد، ويمكن القول إن زيزك يسقط النموذج النفسي اللاكاني على مجمل دراساته في علم الإجتماع السياسي والثقافي ، وفي هذا المجال من التحليل يبدو زيزك اكثر تماسكا وقوة
يقول زيزك : اسعى دائما لإستخدام( لاكان) كأداة معرفية متقدمة لإعادة المثالية الالمانية الى ارض الواقع
ومن المعروف ان جان لاكان يرى ان (الذات ) تستند في نشاطها الى اللاوعي حيث تتجذر أعمق دوافعها (وهنا يبدأ التناقض مع الماركسية ) ، واللاوعي تحدد فضاءه كل من
1/3- الحقيقي
من وجهة نظر زيزك فان الحقيقي هو شيء يمكن فهمه بعدة طرق و ذلك اعتمادا على الطريقة التي ننظر بها اليه ، إنه الحركة من إحدى النقاط الى الأخرى فالذات مثلا هي كائن اخلاقي من زاوية وهي حتمية بايلوجية من زاوية اخرى ، كما انه لاوجود للحقيقي المنفصل عن النظام الثقافي
والحقيقي، هو ليس فقط عكس المتخيل ولكنه لايمكن احتوائه باللغة لأنه دائم الحضور ولا يخضع للغة تنوب عنه وهو ما ان يدخل في اللغة حتى يكتسب دلالات يعطيها الانسان له من خلال الثقافة وبذلك يخسر واقيعته
وهنا يبتعد زيزك منجرا وراء لاكان ، عن الفهم الماركسي للواقع لأنه ببساطة يستنتج ان الواقع لايمكن ان تفسره نظرية او تحليل نظري عام وان النظرية الماركسية لم تعد تنطبق على المرحلة المعاصرة التي تشهدها المجتمعات التي تعيش عصر العولمة وما بعد الحداثة فهي مرحلة غير مسبوقة من الانعكاس الذاتي تزعزع مفهوم الواقع بالنسبة للايدلوجيا وعليه فانه لايمكن ان يتطابق ما تطرحه الايدلوجيات على الذات الخاضعة للواقع المعاش ودلالاته ومعانيه مع الواقع الحقيقي وان نقاط اللاتطابق هذه يمكن ان تشكل نقاط زعزعة للبناء الايدلوجي تتيح امكانية بروز معارضة سياسية فاعلة
انه هنا ينزع عن الماركسية قدرتها على التصور الشامل لبناء نظري يستوعب الاحاطة بالواقع وبالتالي تحديد مسارات الحل الذي تبشر به ذلك لأنه يعتقد ان هناك فجوة تظل دائما ماثلة في أي بناء نظري بحكم كون هذا البناء ليس الا وصفا مختزلا للواقع المادي في حين ان تجربة الذات الوجودية في الواقع تمثل حقيقة الحياة الانسانية و مجالا حيويا يتوجب على الانتنولوجيا ان تشتغل على التنظير له .
2/3 – الرمز
يفسر لاكان الرمز بانه تلك الظواهر التي يتناولها التحليل النفسي باعتبارها ابنية لغوية وهنا يبتعد لاكان عن فرويد ،لقد ركز فرويد على الصلة بين الرمز ودلالته ولكن زيزك ركز على بناء النسق الرمزي ولهذا فالصلة عنده اوسع فهي تأتي عن طريق التشبيه او المماثلة وهي مشبعة بالعنصر الخيالي
من هنا يستنتج زيزك ان الرمز لايربط بين المفاهيم الا من خلال المقارنة عبر اللغة ذلك لأن اللاوعي لايتحقق الا بواسطة اللغة التي هي مفتاح الظاهرة اللاشعورية
هنا يبتعد زيزك عن الماركسية ولكن بقوة هذه المرة فماركس يرى في الأشكال الظاهرة صورة للواقع والتحليل يجب ان يركز على الرمز كما ان ماركس يتجاوز الشكل الخارجي للظاهرة للبحث في المضمون بهدف العثور على نموذج عام يشكل بنية تكررنفسها تاريخيا، والتطور او التغيير الذي يحصل عبر التاريخ يقوم على الجدل من خلال التناقض للتحول الى بنى اقتصادية او اجتماعية جديدة في حين يرى زيزك ان الظاهرة او الشكل يتضمن خصوصية لاتقف عند العامل المادي بل تمتد الى البناء الفوقي (الثقافة )
وهنا يغّيب زيزك مرة اخرى أساس نظري للماركسية بالغ الاهمية هو العامل الاقتصادي في التحولات الاجتماعية بعد ان استبعد مقولة صراع الطبقات
 3/3 – التخيل أو التصور
يرى لاكان ان التصور او التخيل هو كتشكيل صورة في مرآة هو مجرد وهم بمعنى ان الدال هو الرمزي اما المعنى او المغزى هو مجرد وهم وهذا يقود الى اللغة مرة اخرى باعتباره تعبر عن الرمز
ويعتبر لاكان المرآة هي المكون للأنا (الذات ) وفي تأسيسها تنغمس في المتخيل لتتوهم انها كاملة وسبب هذا الشعور بالكمال هو النقص المعرفي والرغبة في السيطرة الكاملة على صورة الجسد ، من هنا يرفض زيزك ، تأسيا على هذا المفهوم ، القبول بمقولة ديكارت (أنا افكر ) باعتبار ان الانا هنا تعبير عن وعي ذات متعالية صافية ومتطابقة ويؤكد على ان (الكوجيتو ) الديكارتي هو مجرد فضاءفارغ وان العالم يمتلئ بالوعي من خلال الخبرة المعاشة ومن ثم تتشكل الهوية ولكن هذه الهوية لن تكون نقية لأن الهوية والذات في حالة انقسام وانشطار وان الوحدة الديكارتية هي مجرد وهم
من هنا يفسر زيزك حركة التاريخ في مجتمع ما بعد الحداثي بما يسميه انفصال (الذات ) داخل المجتمع مما يدفعها الى العمل على خلق إضطرابات تخص الهوية مما يدفع بالحراك الاجتماعي الى التوجه نحو الثورة ويذكر ان الثورة هي الحل القادر على التغيير الجذري للأوضاع وإحلال نظام ثقافي جديد ،وثانية دون اي حديث عن بنية النظام السياسي  والإجتماعي  .
انه بلا شك نوع من الفوضى والأفكار السياسية التي كان يتبناها فوضويو روسيا والتي حاربها لينين بقوة،ذلك لأنه لايطرح برنامجا سياسيا ولا مسارا اجتماعيا ويبتعد كلية عن مفهوم الثورة في الفكر الماركسي
كما انه يعطي الجانب الثقافي قوة الحسم في التحولات الاجتماعية ويسقط بناء اللغة على المسارات السياسية ولكن من الغريب ان زيزك رغم تركيزه على الجانب الثقافي فإنه يقف مناهضا للشعر كجنس أدبي ويرى ان الشعر يدفع الى الممنوعات والمحرمات لأنه يبحث في المتعة الجمالية ، كما يحمله مسؤولية التطهير العرقي بل يذهب ابعد من ذلك فيقول (التطهير العرقي شكل شعري بوسائل أخرى )وان هوميروس ، الشاعر اليوناني ، هو الاب الشرعي للتطهير العرقي وان احلام الشعراء خطرة
ماذا يريد زيزك ؟
في الحقيقة  كان هذا التساؤل يلح علي بقوة وانا اقرأ كتاباته واسمع واشاهد بعضا من مقابلاته وهو ينظر ويقدم طروحات متنوعة بقوة وبيقين مطلق مغلف بسخرية لاذعة وبنكتة ذكية تدلل على سرعة بديهيته وقوة ملاحظته وحضوره المشع والذي يستمد بعضا من اشعاعه من شخصيتة القوية واسلوبه في الحديث وهو يذكرني برجال الدعوة الذين منحوا معة جائزة مجلة فورين بوليسي الأمريكية
في كتاباته التي يصر على انها يسارية وترتكز في جوهرها على النظرية الماركسية ،أجد انها تحمل الكثير من التناقضات من جهة كما انها تقف على الضد من الماركسية وهو في هذا المجال يبتعد عن الفكر الماركسي بهدوء مقصود بحيث لا ينتبه شباب اليسار الى تحوله ويظلون تحت تأثير اسلوبه في الحديث وشخصيته
في مقال له نشره موقع لندن ريفيو للكتاب بعنوان ( المقاومة هي الاستسلام ) يطلب من اتباعه عدم الهجوم المباشر على الرأسمالية والتركيز على النضال في الممارسات اليومية دون تحديد ما هو المطلوب من هذا النضال اليومي وهو سينتهي الى القضاء على الرأسمالية مثلا ، في الشرق وفي مطلع الستينات عانت الحركات اليسارية من يسارية التكتيك ويمينية الاستراتيجية ويطرح اليوم زيزك يسارية وفقدان الاستراتيجية .

وفي مجال آخر من نفس الكتاب يقول : الفرق بين النازية والشيوعية هو ان النازية تريد أن تفرض العرق الآري على جميع الأعراق البشرية الأخرى ، أما الشيوعية فتريد فرض الطبقة العاملة على جميع الطبقات ، وكلتاهما تعتقدان بأنهما تعملان من أجل خير البشرية ولكنهما تنتهيان الى الشر المطلق
ان تتبع التناقض في طروحات زيزك ربما لاينتهي بسبب انه في تدفقه الاعلامي لاينتهي فهو يتنقل من قناة تلفزيونية الى اخرى ومن صحيفة الى مجلة ومن قاعة محضرات الى ندوة ، فهل يمكن القول ان زيزك هو سلعة ثقافية مطلوبة  كأي سلعة صنعت في عهد العولمة تصلح في كل مكان ، كالحاسوب أو جهاز الهاتف النقال مثلا وأنه جزء من العمل الممنهج والمدروس لما سماه الخبير الإستراتيجي الأمريكي جوزيف ناي (القوة الناعمة ) والتي عرفها (هي القدرة على التأثير في الأحداث المطلوبة وتغيير سلوك الآخرين عند الضرورة عسكريا أو إقتصاديا أو سياسيا ))
ومن هذا المفهوم الواسع للقوة، اين يقف زيزك ؟
اعتقد وعلى ضوء قراءاتي لزيزك انه يقف (كجزء من هذه القوة المخطط لها ) على رأس السلاح الثقافي في التأثير على الأحداث وفي تغيير سلوك الآخرين ، وذلك عبر الآليات التالية:
1- تفريغ الماركسية من مصداقيتها كنظرية متماسكة قدمت تفسيرا مقنعا ورصينا تبناه الماركسيون ليغيروا من خريطة العالم بإنشاء الإتحاد السوفياتي ، وذلك بالحديث انها كأية نظرية لايمكن ان تحيط بالواقع الذي هو اكبر من الوصف واكثر تعقيدا من ان يحدد بمسارات وهنا يستعيريزيزك من نيتشة ودريدا وفوكو
2- انه يقوم بعمل كبير بتهديم الأسس التي تقوم عليها الماركسية
أ – صراع الطباقات وحكم الطبقة العاملة فيقول ان هذه المقولة مجرد فكرة ساذجة
ب-التنظير لما سماه "المادية الدينية " مقابل مادية ماركس
ج- ان الشيوعية لن يتمخض عنها غير الاستبداد حتى انه في احدى مقابلاته التلفزيونية إن الصين مقبلة على خلق رأسمالية استبدادية
3- تبشيره بأن النظام الرأسمالي لايمكن التنبؤ بنهايته وهذا متروك لله
وأخيرا فاني اعتقد بأن زيزك يوظف امكاناته لهدف معين وهو خلق احباط من داخل المعسكر اليساري على مستوى الشباب في العالم من جهة وتشتيت فكر الشبيبة اليسارية على نحو لايترك امامها القدرة على تحديد مسارات اجتماعية او سياسية تتبنى الفكر الماركسي من جهة ثانية
فهل يصلح بعد كل هذا ان يكون ممثلا لليسار الماركسي الجديد ؟ 


30


أثر قوة التغييرات الذاتية في تكنولوجيا المعلومات على وسائل الإعلام
12/15
د. ذياب فهد الطائي

3- أن يولد من كل هذا التقدم في تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاعلام وإستخدامها  والتحول في المفاهيم والقيم ،شكلا جديدا لنظام يشتمل على مجموعات تتبنى ثقافات مختلفة ولكنها لا تخرج عن نطاق الخطوط العريضة التي طرحتها العولمة ، يقول إرمان وميشال ماتلار 68 في كتابهما "تاريخ نظريات الإتصال" ( والى جانب الإشارة الى الإمكانيات التي يتيحها الإهتمام بالتفاعلات بين الثقافات وتجزئتها ، يجب التأكيد على الطابع المعارض لهذا الاهتمام ،انه يعجل بالتساؤل النقدي عن العلاقة بين المنطق الموحد للعالم والتنظيم اليومي للحياة الديمقراطية . إن الاحتقان المذكور يمكن أن يتخذ أشكالا متعددة يجسدها الإنطواء العرقي والهوية .)
إنه من المسلم به إن العالم لن يعود للوراء وإن علينا إن ندرس العولمة على ضوء معطيات الواقع الذي خلقته وأن ندرك انها مرحلة جديدة من مراحل سيرورة النظام الرأسمالي، وإن قيام المعارضة الشرسة للأنظمة الديكتاتورية والمتخلفة عبر العالم لن يوقف هذا التحول ، كما إن عصر إحتكار السلطة وإحتكار المعلومة والمعرفة قد إنتهى،  وإن البناء الكوني برمته معرض لتغيرات كبيرة يتوجب دراسة حراكها مهما كان بطيئا بدقة وعناية
علينا أن نعطي مسألة مهمة، دورا أكبر في هذه التحولات السريعة ،التي يصعب ضبط نهاياتها، وهي التسارع في إنتقال التكنولوجيا في أنحاء المعمورة ، هذا التسارع الذي يسمح لكل الدول (حسب مستوياتها التكنولوجية ) بالمساهمة في إعادة إنتاجها أو تطويرها ,لقد كانت سرعة إنتقال التكنولوجيا قدإتخذت مساحات زمنية متباينة بسبب مستوى تطور وسائل الإعلام وكما يلي :
السنة             1800     1900    1950    1975   2000      2005    2008
الفترة الزمنية      80 سنة   50 سنة     25 سنة   15سنة   5سنوات   شهر     بضعة ايام
إن تزايد مساهمة مجموعة من الدول (الصين ، الهند والبرازيل )  في الفعاليات الدولية ، وقدرتها على الإبتكار وإمتلاك أشكال منوعة من تكنولوجيا المعلومات ، يعني إنها تدخل بقوة في صناعة النظام الجديد ، الذي سيقود الى إعادة توزيع الأسواق والى المساهمة الفاعلة في صنع القرار
لقد قادت الحرب العالمية الأولى العالم الى توازنات هشة ، أدت الى الحرب العالمية الثانية ، وكلاهما لم يصنعا أكثر من إعادة هيكلة العالم على ضوء المصالح
من هنا يفكر كبار المعنيين بدراسة حركة التاريخ في تلمس الطريق الذي ستسلكة حركة (المصالح المتناقضة) بسبب ظهور قوى جديدة ، يقوم في جوهرة على ذات المعطيات المتعلقة بعولمة السوق وتراكم رأس المال وحركة التجارة وضمان حصة أكبر في الناتج الدولي الإجمالي .
وكإسلوب فرضته تكنولوجيا المعلومات ووسائل الإعلام يرى" جوزيف ناي" 69 إنه سيعتمد على ما سمّاه " القوة الناعمة " والذي يشير الى تغير في آليات الصراع وليس في طبيعته ، والقوة الناعمة هي إستخدام وسائل الأعلام بما تملكه من قوة تأثير ، في السيطرة على إرادة الشعوب وتحويل أنماط سلوكها وثقافتها لضمان "حلفاء " يرتبطون بالمركز، كما تعني  إستعمال مغريات الجذب المتعلقة بالمساهمة في تنمية قدرات تلك الشعوب برفع مستواها المعيشي وتحسين القوة الشرائية لها لأن ذلك سيخدم في النهاية الشركات المنتجة في المركز ايضا
أما كينشي اوياما (1943 ) 70، والذي عبر عن أفكار جديدة في كتابه " نهاية الدولة /الأمة" فإنه يطرح مصطلحا جديدا لولادة نظام جديد أسماه ( التسيير الأداري – عبر العالم ) أو التسيير الإداري العابر للحدود . ويعتمد( أوياما )في مداخلته لسيرورة النظام الجديد على أساس إن العولمة في جوهرها هي (عولمة السوق ) ولهذا فإن هذه السوق هي سوق شاملة لعالم شامل ولكنه لايذهب بعيدا في تصور شكل متغير للعالم بصورة جذرية ، لأنه يرى إن هذه السوق تظل في حركتها ومواصفاتها تحت سيطرة الدول الكبرى مع التأكيد ، ان هذه الدول ورغم الإنسجام الضمني في تعاملاتها تختزن الكثير من الإختلافات الإقتصادية والإجتماعية ، ومن الواضح إن( أوياما) يعتمد في محددات مصطلحه، على ما فرضته العولمة من إنفتاح الفضاءات وتراجع الحدود وتزايد تبادل وسريان للمعلومات بحيث أصبح العالم سوقا شاملة، ولهذا فهي بحاجة الى ضوابط للتسيير الإداري مختلفة يجب إن تتسم اولا بالعالمية وثانيا بالموضوعية بحيث لاننساق وراء خصوصية لم تعد مهمة أصلا
من هنا فإن ماطرحه( أوياما) يصلح أن يكون تفسيرا للطريق وليس الكشف الى ما يفضي اليه،كما إنه يؤكد ضمنا إن ما بعد الحداثة ليس إّلا مرحلة تاريخية في سيرورة العالم التي تتميز (حاليا ) بهيمنة النظام الرأسمالي ، وما يؤشره( أرمان وميشال متلار) على  ما طرحه أوياما وأنصار التسيير الإداري العابرللحدود يتجه الى أمرين:
أ-إن موضوع التسيير الإداري ليس جديدا كبحث وكتطبيقات في الولايات المتحدة الامريكية ولكن تعميمه يعتبر جديدا ويتفق مع إعادة النظر في الوضع القانوني لنمط الإتصال
ب – إن هذا المصطلح يبدد الإنزلاقات الفكرية التي مفادها إننا دخلنا عصر مراقبة المجتمعات وهي المجتمعات التي تتضاعف فيها الآليات الاجتماعية – التقنية ، للمراقبة المرنة 
اما الفريق الثالث ، فإنة يرى فيما فرزته العولمة من عوامل جديدة ، وإن تكن ماتزال جنينية،  أنها تمثل شكل المجتمع الإنساني فيما بعد العولمة ، وإن أهم هذه العوامل "منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية ".
إن منظمات المجتمع المدني ربما تمثل أهم معالم المجتمع الجديد الذي يحتل كل يوم مساحة أكبر في هيكل النظام الرأسمالي الجديد فيما بعد الحدثة أو العولمة ، ذلك لأن تعاظم دور هذه المنظمات في الحياة الإنسانية العامة يعطيها القدرة على التدخل في صنع القرار ،
يعرف البنك الدولي منظمات المجتمع المدني بأنها المجموعة الكبيرة من المنظمات غير الحكومية والمنظمات التي لا تهدف إلى الربح، وتمارس نشاطها في الحياة العامة، وتنهض بعبء التعبير عن إهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين. و تضم: جمعيات المجتمعات المحلية، المنظمات غير الحكومية، النقابات العمالية، الجمعيات الخيرية، والمؤسسات،
 ويذكر  (غرامشي) 71إن المجتمع المدني هو وجود خاص خارج نطاق الدولة، بالرغم من كونه على علاقة جوهرية بها، فهو يشكل مع الدولة ما يعرف (بالمنظومة السياسية في المجتمع بأحزابه ونقاباته وتياراته السياسية).
وتقاس اليوم درجة إلتزام المجتمع بالديمقراطية بمدى تمتع منظماته المدنية بالحرية والفعالية ، ويمكن القول إن هذه الأهمية لدور منظمات المجتمع المدني في الحياة العامة حديثة العهد وبالتحديد أشّرت بدايتها بعد إنتهاء الحرب الباردة وتفكيك المنظومة الإشتراكية في تسعينات القرن الماضي
إن فعالية منظمات المجتمع المدني تدخل مباشرة في إعادة تأهيل النظام الاجتماعي ويمكن أن تكون عاملا في بناء أنماط جديدة من الممانعة للعولمة ولكن في النهاية تظل إمتدادا للنظام الرأسمالي ولكن بطبعته الجديدة
 وأورد سميح محسن72 ( المركز الفلسطيني لحقوق الأنسان) ، المهام التاليه التي تضطلع بها منظمات المجتمع المدني
1)   نشر ثقافة حقوق الإنسان في أوساط الجمهور، وعدم حصر جهود التثقيف في المدن الرئيسة والتجمعات السكانية الكبرى، والسعي الدائم للوصول إلى الفئات الأكثر تهميشاً في المجتمع.   
2)   توعية المجتمع، بأفراده، وتشكيلاته المحلية وأطره الجماهيرية والنقابية والحزبية، بمزايا نظام الحكم الديمقراطي، ومخاطر البدائل على مستقبل الدولة والنسيج والأمن الاجتماعيين فيها، وحض كافة التشكيلات والأطر المحلية والنقابية والحزبية على إجراء انتخابات دورية لانتخاب مؤسساتها القيادية، ومساعدتها على إنجاز ذلك. وفي هذا الإطار يتوجب على منظمات المجتمع المدني أن تبدأ بنفسها في التشريع لتقاليد وممارسات ديمقراطية في داخلها، وتقدم نموذجاً يحتذى به في هذا المجال.
3)   نشر مبادئ الفصل بين السلطات الثلاث، والعمل على تعزيز مبدأ سيادة القانون على طريق بناء دولة القانون، والمؤسسات، وذلك للحد من استقواء وتغول سلطة على أخرى، لِما يسببه هذا الإخلال من زعزعة في استقرار مؤسسات الدولة، ولِما يتركه من مخاطر على أمن المجتمع وحقوق أفراده.
4)   نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، والتعددية السياسية والحزبية وأهمية التداول السلمي للسلطة، ومفاهيمها ومبادئها، وتأصيلها في الثقافة المحلية، وبيان أهميتها في الحفاظ على السلم المجتمعين وتوفير بيئة صحية لتطور الدولة.
5)   فضح الممارسات غير القانونية في مؤسسات الدولة، كظواهر الفساد الإداري والمالي، والتعدي على الحريات العامة، والمحسوبية، والانحياز الحزبي، وتغول سلطة على أخرى ومحاولة نفيها أو إقصائها لسلطة أخرى.
6)   العمل على مناهضة ثقافة الإقصاء والنفي وإلغاء الآخر، وتعزيز مفاهيم الوطنية وشروطها، وإزاحة الولاءات الحزبية التي تتعارض مع المصالح العليا للوطن جانباً، على أن لا يترك لجهة بعينها أن تحدد تلك المصالح. 
7)    القيام بدور رقابي على الانتخابات التي تجري في البلاد، وتدريب المرشحين على قواعد الممارسة الديمقراطية، وتدريب مندوبيهم على آليات الرقابة خلال العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها.
8)   تنظيم حملات الضغط في مواجهة انتهاكات السلطات، وتشكيل الائتلافات للنضال في حالات محددة، كإعلان حالة الطوارئ، أو محاولات المساس بالدستور والقوانين، أو حملات الاعتقال التعسفي، أو التعذيب، أو غيرها من صنوف الانتهاكات.

ولكن لابد من استعراض ثلاث آراء بشأن أهمية منظمات المجتمع المدني ، والتي تكشف عن مدى التطور في النظر الى دور وفعالية هذا النمط التاريخي الجديد من الآليات الأجتماعية
أ – يرى هيغل انها ضرورية للقيلم بدور المراقب للدولة وبالتالي للحفاظ على النظام الأخلاقي للمجتمع
ب- يعتقد كارل ماركس ، ان هذه المنظمات هي آليات بيد الدولة البرجوازية للحفاظ على هيمنتها على المجتمع
ج- اليسار الجديد ، وعلى رأسه (غرامشي ) ، حاول أن يخفف من حدة هجوم ماركس وأن يتعاطف مع هذه المنظمات فشدد على أهمية الدور الحاسم لها على أساس إنها المساهم في رأس المال الثقافي والفكري المطلوب لبقاء الهيمنة الرأسمالية ، أي إن اليسار الجديد لايرفع السلاح بوجه هذه المنظمات، لأنها مهمة في المرحلة التاريخية الراهنة
وبشكل عام فإني أعتقد إن هذه المنظمات هي عوامل مكملة للنظام الرأسمالي وليست في وارد أن تكون بديلا عنه على الرغم من اهميتها في تحسين شروط ممارسات النظام الرأسمالي لفعالياته في الحياة الإقتصادية والسياسية ، و يشير الأستاذ المساعد73 في كلية جاكسون ، في كتابه (حملات وسائل الإعلام الجديدة والمواطن المروّض ) الى شكل إستخدام المواطن العادي لوسائل الإتصال في تعزيز الدفاع عن حقوق الانسان والديمقراطية فيقول :
 عندما توثق مواطنة إساءة استعمال الحقوق المدنية من خلال هاتفها المحمول، أو تستعمل نموذجا من نماذج برنامج إكسيل لتتبع النفقات الحكومية وتتشاطرها مع غيرها أو تقوم بجمع المعلومات المشتركة حول الفساد الرسمي فإنها تقوي المجتمع المدني وتوجه ضربة في سبيل الديمقراطية. قد يكون تأثير وسائل الإعلام الرقمية الذي يدوم لمدة أطول انه يكيف المواطنين مع الاستهلاك ومع توليد المحتوى السياسي.
كما تزّود وسائل الإعلام الرقمية والشبكات الاجتماعية المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني بأدوات للاتصالات والتعبئة. وهي توفر الميادين التي يستطيع فيها الأفراد أن يقدموا آراءهم ويعبروا عن إعتراضهم، وبذلك يعززون الاتجاهات نحو الديمقراطية السياسية.
ويؤكد د. حسين كرموش 74: أنه يمكن الحكم على صحة فرضية دور المنظمات التطوعية في العولمة وتأثيرها على المؤسسات ذات الدور الكبير في صناعة تشكيل وتوطين العولمة، وهذا الدور يختلف بإختلاف طبيعة أهدافها.
إن ما تتمتع به وسائل الإعلام الحديثة (الرقمية ) من تأثير مستدام على المشاهدين وما تمتلكه من قوة ذاتية في السيطرةعلى مزاج وتوجهات الجمهور دفع بالمنظمات الإرهابية الى إستخدامها باعتبارها سلاحا متاحا يمكن إستخدامة كمستجيب (محايد) يؤدي وظيفة مستقلة عن (النية )عند إبتكاره ، لخلق وسط متعاطف أو حاضن أو مرغوب ويمكن السيطره عليه ، وهنا لابد من الإشارة الى رأي الفيلسوف اليساري (سلافوج زيزك ) حول أهمية دورالمنظمات الأرهابية في الضغط على الشركات الرأسمالية الإحتكارية الكبرى لتتصرف بقدر اكبر من المعقولية !!!!!!!
 

31
أثر قوة التغييرات الذاتية في تكنولوجيا المعلومات على وسائل الإعلام


د. ذياب فهد الطائي
/ 15 11

تكنولوجيا المعلومات وشكل النظام العالمي الجديد
أدرك جيدا مدى الصعوبة في تتبع التغييرات التي ستطرأ على سيرورة التاريخ الإنساني بقيادة تكنولوجيا المعلومات التي جعلت من المتعذر الأخذ بنظرية الحتمية التاريخية التي طرحها ماركس القائمة على التناقض بين قوى الأنتاج وعلاقات الأنتاج أو التحوير
الذي يطرحه اليسار الجديد (سمير أمين ) بحتمية الإنتقال الى الاشتراكية  على أساس نفس المنهج الجدلي لماركس ، ولكن مبنّي على تناقض آخر هو التراكم الكبير لرأس المال الذي وفرّته تكنولوجيا المعلومات مع إرتفاع معدل الفقر في بلدان العالم الثالث ، ( أفرز النظام الرأسمالي تفاوتا في الثروات لامثيل له في تاريخ البشرية، هذا التفاوت يحمل في طياته خطر موت الرأسمالية التي ينبغي استبدالها بنظام لا يقوم على الجشع والهيمنة، إنه النظام الأشتراكي "حوار مع دويتشه فيله ")
أنا هنا أتحدث عن وقائع مادية في مسيرة التطور التاريخي  وكذلك دراسة هيكل الإقتصاد العالمي الذي أعتبره الدافع الرئيس لحركة التاريخ، إن ماتوصل اليه كارل ماركس في تحديده للتطور في النظام العالمي لحركة التاريخ كان إنجازا علميا كبيرا، ولكن دراسة التاريخ شيء والتنبؤ شيئ آخر، ذلك لأن النظرية الماركسية مع كل عظمتها كانت تستعمل الآليات المتوفرة في حينها والتي تم إستعمالها للكشف عن سيرورة التاريخ، كانت الثورة الصناعية في بداياتها وكانت حاجة الدول الصناعية الى المستعمرات هي الفلسفة التي تحرك النظام بمجمله ولهذا إنصب التبؤ على دور حركات التحرر العالمي في عملية (الممانعة ) ومن هذا الرهان عمد الإتحاد السوفييتي الى تقديم الدعم غير المشروط لتلك الحركات وربما كان هذا واحدا من عوامل تفكك المنظومة الأشتراكية ، ولإعطاء مثال عملي عن إستخدام المعارف المتوفرة من علوم وتقدم صناعي وتحسن في شروط المعيشة لإستشراف حالة مستقبلية في المسيرة التاريخية للإنسانية  يمكن الإستشهاد بنظرية مالثوس ، إنطلق رجل الدين الأقتصادي (مالثوس) بتحذير العالم من المجاعة التي ستقضي على الجنس البشري و أعلن نظريته المشهورة التي تنص على ( الناس يتكاثرون بمتوالية هندسية "2 ،4 ،8 ، 16 ،32 " في حين إن الموارد الغذائية تزداد بمتوالية حسابية "2 ، 3 ، 4  ، 5 ، 6 " ) ولكن التطور العلمي والإكتشافات لمناطق جديدة في البر والبحر أثبتا عدم صحة تلك النظرية
لقد انتهى عصر الاستعمار ولكن الرأسمالية لم تصل مداياتها القصوى لتشيخ وتموت كما جاء في (الإستعمار أعلى مراحل الرأسمالية ) كما ان الرأسمالية اثبتت انها قادرة على التكيف والموائمة مع المتغيرات التاريخية وابتكار اسس ومنطلقات فكرية ومادية تتصف بمرونة عالية تستجيب للواقع المتغير وهذا مادفع بالمفكر السلوفيني سلافوج زيزيك الى القول (اصبح تخيل العالم من خلال الخيال العلمي اسهل بكثير من تخيل نهاية الرأسمالية ) 
إن النظرة الشمولية في تفسير حركة التاريخ وعدم توقع ظهور عوامل جديدة غير منظورة  هما من قاد في النهاية( فرنسيس فوكوياما ) 63 الى مقولته الشهيرة بنهاية التاريخ على أساس إن كل الطرق مغلقة اليوم أما م الخروج من التناقض بين المجتمعات الإنسانية من جهة ونمطية الحياة من جهة ثانية ،وهذه النتيجة المتشائمة شبيهة بنظرية مالثوس ،فكلاهما بحثا في جانب واحد،  دونما إعتبار لما قد تخلقه الأزمة نفسها من مخارج جديدة لم تكن على مدى النظر 

ماهي العلاقة بين الدول المتقدمة والفقيرة (العالم الثالث )
إن تتبع العلاقة التاريخية بين الدول القوية والفقيرة مر عبر التاريخ بنمط تكرر مع مختلف مراحل التطور وكان هذا النمط محكوم بقيام المجتمعات القوية بإنتهاك سيادة التجمعات  الفقيرة ونهب ثرواتها وظل هذا النمط  مع مراحل النظام الرأسمالي، ومن هنا جاءت مقولة الماركسية (الأستعمار أعلى مراحل الرأسمالية ) بحتمية قاطعة بإنتصار النظام الأشتراكي وانهيار الرأسمالية
كانت الدول الرأسمالية تقوم بنهب موارد المستعمرات على نحو منظم دون الأهتمام بتنمية إقتصاديات تلك المستعمرات إلا بما يخدم مصالح المستعمر كالسكك الحديدية والموانيء وبعض الخدمات السياحية والتي تهدف في مجملها لتسهيل نقل المواد الأولية والسلع ، ولهذا كانت الفجوة بين هذين المجموعتين كبيرة جدا، ولكن إحصاء صندوق النقد الدولي لعام 2004 تشير الى تقلص هذه الفجوة ، كما قامت مجموعة الدول المتقدمة برفع معدل الإستثمار المباشر في المجموعة الثانية بهدف خلق قاعدة استهلاكية تستوعب السلع والخدمات المنتجة ، ويمكن ملاحظة ذلك في تطور حجم الإستثمار في دول العالم الثالث  وكمايلي:
السنة                                      حجم الاستثمار الأجنبي
1914                                             15 مليار دولار
1938                                             66 مليار دولار
1995                                             92 مليار دولار       
2000                                             246 مليار دولار
المصدر:د. مارك دي كليرك ،    2006
وقد كانت النسبة الكبرى من هذه الإستثمار، وحتى ماقبل الحرب العالمية الثانية من حصة بريطانيا أولا والولايات المتحدة الامريكية ثانيا ، كما كانت الإستثمارات تتركز في الصناعات الإستخراجية والزراعة ، وبعد الحرب العالمية الثانية تغيرت توجهات الإستثمار ليتركّز في الصناعات التحويلية ، وفي الثمانينات من القرن الماضي تغيرت أهداف الإستثمار فتحول نحو الصناعات المعدة للتصدير، مستفيدة من توفر العمالة الرخيصة ، وبعد التسعينات وبحكم سيطرة الشركات متعددة الجنسية ، عرفت بلدان العالم الثالث مصانع على درجة عالية من التقنية الفنية لتجهيز قطع غيار متنوعة أو أجزاء من سلع إستهلاكية، أو أجزاءمن سلع إنتاجية يتم تجميع المنتج النهائي لها في البلدان المتقدمة
كان من نتائج تدفق الإستثمارت الأجنبية الى الدول النامية، إحداث عدد من التغيرات الأقتصادية ، من  أبرزها:
1- ربط أسواق رأس المال والعمل على المستوى العالمي
2- زيادة معدلات الأجور بالنسبة للعمالة المحلية وتحسين شروط العمل وإدخال نظم التأمين والتعويضات
3- زيادة حجم مساهمة تلك الدول بالتجارة الدولية وتشريع القوانين والأنظمة التي تعمل على تحرير التجارة من القيود المعوقة للتبادل الحر
4- إرتفاع مساهمة القطاع الخاص في الدول النامية في الناتج القومي ورفع نسبة مساهمته في عملية التنمية الإقتصادية
ويمكن أن نورد هنا كمثال على هذه التغييرات في هيكل الاقتصاد الوطني ، دولة (البرازيل) التي قامت أولا باصدار التشريعات اللازمة للقوانين التي تستوجبها عمليات التجارة الحرة ، ومن ثم قامت بخصخصة العمليات الصناعية في المرحلة الأولى، ثم أتبعت ذلك بعمليات الخصخصة في قطاع الخدمات (الطاقة الكهربائية ، النقل بمختلف مجالاته ).
أما في البلاد العربية فما زالت الهياكل المتخلفة للإقتصاد، وعدم تجديد التشريعات إضافة الى الفساد الأداري والمالي ، مازالت تمثل بمجملها عائقا أمام تدفق حقيقي للإستثمارات الأجنبية ، وتشير إحصائيات ( الأونكتاد ) لعام 2002 الى أن الدول العربية لم تتجاوز نسبة ما وظف فيها من الإستثمارات العالمية 0،7 % 65
و3% مما وظف في الدول النامية
أجد إن أمامي ثلاث احتمالات ممكنة للسيرورة التاريخية التي( تقودنا) اليها تكنولوجيا المعلومات وذلك على أساس ان  في كل احتمال بعضا من شروط قابلة للتحقق ، هي :
1- بديل يخرج من رحم هذا التناقض بين الشركات متعددة الجنسيات والشعوب التي تم ترويضها وتغيير مزاجها بالتحول الى النمط الإستهلاكي، وربما أبعد من ذلك بالسيطرة على إرادتها أو تشكيل إرادة جديدة لها ،( وهذا بالضبط ما توظف له تكنولوجيا المعلومات )
يرى( مايكل شيفرز) 66 الذي عمل كزميل في مجلس العلاقات الخارجية والشؤون الدولية في اليابان منذ العام 1995 وحتى العام 2004، وشغل عدّة مناصب من بينها مستشار في شؤون الأمن القومي، ومدير برنامج الأمن الدولي في مركز الحرب والسلام والإعلام في جامعة نيويورك، في تقريره "الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الصاعدة " والذي نشرته مؤسسة "ستانلي " ، أن الصين تتمتع بمركز متقدم في مجموعة الدول المرشحة لتصعد كبديل يقوم بتغيير هيكل النظام العالمي الجديد بما تملكه من عناصر "قوة " متنامية تتمثل في السكان والنمو الأقتصادي المتوازن والأستقرار السياسي والقوة العسكرية ، ثم يضيف لكل هذه العوامل في تقريره ما يسميه( بمستوى العولمة والإبتكار)
وهو يعطي الإنطباع بسياق التقرير المشار اليه الى أن هذا الإنتقال للقوة مرجح الى درجة عالية ولكنه لن يتحقق في الأمد القريب إذ ستظل الولايات المتحدة  القوة المهيمنة ، ولكن على السياسة الأمريكية أن تركز على هدف لا يكمن في منع القوى الأخرى من النهوض، وإنما في تقوية الآليات التي تستطيع تدوير التأثيرات الناجمة عن إعادة توزيع القوى في العالم. وعلى الولايات المتّحدة الإنخراط مع القوى الناهضة لجعلها شريكا في تحمّل المسؤولية العالمية وفي توسيع نطاق التعاون الدولي، وبإستطاعة الولايات المتّحدة في ذات الوقت أن تعمل على تقوية قدرتها التنافسية من خلال إعادة ترتيب وضعها الداخلي والإقتصادي والاجتماعي
والبيديل المتوقع هو نظام عالمي جديد وهيكلية جديدة في آلياته ، وليس في جوهره لأنه بإختصار، يعيد العالم الى مراكز القوى عبر إعادة توزيع " القوة " وفي هذه المرحلة وكما حصل في السابق عند عملية توزيع العالم بين الدول الإستعمارية لابد من ان تنِشأ في المرحلة الإنتقالية العديد من الإضطرابات، والضرب تحت الحزام ، بسبب تباين التوقعات وإختلاف الفهم لحركة كل من العناصر اللاعبة على المسرح الدولي بعضها للبعض الآخر
وبتبسيط شديد للموقف الدولي يمكن القول إنه سيكون العالم أمام مرحلة جديدة من النظام الرأسمالي وهي قطعا تختلف بحركتها وآلياتها عن المستخدم  حاليا ذلك لأنه لارجعة عن العولمة .
إن من الصعب تصور (على ضوء المعطيات الموضوعية ) أن يكون هناك بديل خارج (نقطة النهاية ) التي وصلتها العولمة ، وأن التفكير يجب أن ينصب في البحث عن شكل النظام الجديد فيما بعد العولمة ومن نقطة النهاية وعدم الإفراط في تخيل غير موضوعي

2- تحول النظام العالمي الحالي،( بكل تناقضاته) وعلى أساس إن التقدم التكنولوجي سيفرز ذاتيا ، أشكالا إجتماعية جديدة تتلائم وسيرورة تاريخية نجهلها ،الى شكل آخر للنظام يقوم على (التماسك والتفاعل )، ان هذه النظرة المتفائلة والطوباوية تتجاهل إن أصل التقدم البشري مبني على الصراع وإنه قبل أن يضع "هيغل " هذا المفهوم كإطار نظري في كتابه( سياسة الحق) كان الأسلام قد حدده بوضوح في الآية   251 من سورةالبقرة ((. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين )
ويفسر السيد قطب 67 (زعيم الأخوان المسلمين الأسبق في مصر ) السورة بقوله : الباطل  ، متبجح لا يكف ولا يقف عن العدوان إلا أن يدفع بمثل القوة التي يصول به ويجول ولايكفي الحق، إنه الحق ليقف عدوان الباطل عليه ،بل لابد من قوة تحميه وتدفع عنه، وهي قاعدة كلية لاتتبدل مادام الإنسان هو الإنسان))
فالصراع إذا، بغض النظر عن دوافعة وغاياته  ،هو قاعدة كلية تحكم السلوك الإنساني وهو لن ينتهي ، وهو أيضا الدافع للتقدم أو التغيير على الأقل ، وهذا يتفق وما ذهب اليه الفيلسوف الألماني( هيغل) في طروحاته السابقة. إن تصورات المجتمع (الفاضل ) سواء أكانت دينية أو فلسفية لم تستطع أن تجد لها مكانا في واقع أي من النظم السياسية التي تحققت عبر التاريخ ، وظل العالم يزخر بأنواع من الفوضى (قد لاتكون خلاقة ) تسهم في تحولاته وبنائه من جديد ، فالمجتمع الفاضل ليس إلّا خيالا طوباويا، ومجتمع جمهورية إفلاطون مليء بتناقضات لاتسمح له أن يكون نموذجا واقعيا ، كانت القبائل الجرمانية أحد أهم الأسباب وراء سقوط الدولة الرومانية ، وإجتياح جحافل العرب المندفعين بقوة العقيدة من الجزيرة العربية أنشأت واحدة من أكبر الأمبراطوريات في التاريخ .
 

32
العلمانية .....بين شعاري (تسقط ...تعيش )

د.ذياب الطائي
 
لابد من القول ابتداء ان ماحفزني للكتابة هو مقال السيد (حسن حاتم مذكور) والذي جاء بعنوان (إذا كان الأمر هكذا – فلتسقط العلمانية ) ذلك لأنه كان يكتب بمرارة وبخيبة أمل من العلمانيين الذين يدافعون عن الدكتور اياد علاوي في نشاطه السياسي في مقابل جماعة دولة القانون ومستنتجا من ذاك الموقف ان اولئك العلمانيين سيصفقون لصدام حسين العلماني لو اتيح له الترشيح لإنتخابات في موجهة الساسة الجدد
اعتقد ان هذا الفهم للعلمانية (منقوص ) فكلنا نعرف ان العديد من العلمانيين  قد مارسوا البطش  بأعدائهم السياسيين ويمكن أن نقدم قائمة طويلة طويلة بأسمائهم
ف (ستالين )كان علمانيا وهتلر كان علمانيا ، وروبسبير كان علمانيا وقائدي كوريا الشمالية(الأب والإبن)  علمانيين، وربما كل القادة العلمانيين في بلدان العالم الثالث قد جاؤا ليحكموا حتى وهم في طريقهم الى القبر
واقول فهما منقوصا لأن العلمانية كمصطلح غربي، البسناه ثوبا اكبر من مقاسه واردنا منه ان يكون مفتاحا لحل مشاكلنا المزمنة دون تدقيق علمي وتمحيص فلسفي ولهذا فان ردة الفعل تكون عادة محبطة حين نرى تصرفات بعض العلمانيين
تعني العلمانية اساسا فصل الدين عن الدولة وقد جاءت في بدايات نهوض البرجوازية الاوربية كآلية سياسية لمحاربة دور الكنيسة في السيطرة على افكار وعقول الناس لصالح النظام السياسي الأقطاعي ، تماما كآلية (قوانين السوق ) التي اوجدها مفكرو الرأسمالية
ويمكن التدليل على هذا الفهم للمصطلح من استذكار ابرز الذين وقفوا معه وعلى رأسهم الفيلسوف الذي ينسب اليه نشوء الدولة القومية (هيغل ) الذي يوصف عادة بأنه من الفلاسفة المثاليين
لقد فشلت العلمانية في الاتحاد السوفييتي السابق ليس بسبب انها لم تطبق على النحو السليم ولكن لأن العلمانية بمفردها ليست هي الحل او الطريق الى مجتمع العلم والتقدم والإزدهار
ان العلمانية اذا ما اريد لها ان (تمشي ) فيجب ان يكون لها قدمان ... اليمين هو (الديمقراطية) واليسار هو (الحرية ) وبدونهما ستقف عاجزة في مكانها
(علاوي) ، كشخصية سياسية محكوم بإرثه الفكري والذي يقوم على علمانية كسيحة ولهذا لم استغرب حين انفض عنه اعضاء تكتله السابق فخرج الحزب الشيوعي وخرجت صفية السهيل واياد جمال الدين وآخرون، كما أرى ان تكتله الحالي هو الأكثر عرضة للتشظى بعد انعقاد البرلمان وتوزيع المناصب ، وانا هنا لاانتقص من وطنية علاوي ولا من صلابته السياسية التي برهن عليها بإستمراره في العمل المناهض للنظام السابق رغم ماتعرض له من محاولة اغتتيال في لندن أدت الى الزامه المستشفى فترة طويلة، ولكني اتحدث عن نموذج مثالي لأحد رموز البرجوازية العراقية التي تحمل (كرزما ) مزدوجة ولم تشفع لها علمانيتها بأن تقبل الآخر كما هو ولم تقبل بالديمقراطية الا بما يكفل لها الوصول الى الحكم وتتمتع بروح مفعمة بحب السيطرة والانفراد بإتخاذ القرار(يمكن القيام بدراسة شخصية اياد علاوي عن طريق مجموعة الصور التي حرص على نشرها ابان الحملات الانتخابية وحرصة هلى تغييب رفاقه في الإتلاف او اسلوب الحديث اثناء مقابلاته التلفزيونية وكذلك العديد من فلتات اللسان التي لم يستطع ان يداريها حتى وهو امام جمع من الصحفيين وكامرات التلفزيون ،وأخيرا تعمده الغياب عن جلسات البرلمان العراقي رغم تمتعه بالعضوية التي لم يتركها) 
ومثال علاوي، بعض العلمانيين الذين دفعوا بالسيد حسن مذكور الى ان يطلق بمرارة صرخته بسقوط العلمانية
هنا نجد انفسنا أمام مثال آخر ، فعدد كبير من الذين يتبنون دعاوى دينية لم يكونوا مخلصين لتلك الدعاوى كما انهم قدموا نماذج سيئة للسلوك الإنساني فيزيد  والحججاج الثقفي وعبد الله السفاح وإبن لادن والزرقاوي والبغدادي كانوا ادوات للقتل ،  فهل نلوم الدين على هذا السلوك !! 
ان خطيئة العديد من العلمانيين في نظري تكمن في امرين :
1- انهم عاجزون أن يدعوا العلمانية تسير بقدميها (الديمقراطية والحرية )
2- انهم يفهمون التخندق الطائفي الذي يحصل في العراق اليوم على انه موقف فكري ولهذا يقعون في خطأ إختيار وسائل المواجهة
إن الطائفية في العراق في جوهرها (مصالح ) لفئات سياسية تعمل على حشد الجماهير خلفها للحصول على مكاسب مادية  وليس موقفا فكريا ، ومن هنا اصر على ان المعركة تفرض اسلحتها وهذا يستدعي ان يتم الوقوف على امكانات الآخر الفكرية والعملية وان يراعى وبدقة أرض المعركة وحالة جماهير الآخر، وربما يكون عدم المواجهة المباشرة واحدة من تكتيكات المعركة ، وواحدة من تلك الوسائل هي العلمانية القادرة على( السير  ).
إن من الخطأ والتجني على الحقيقة الموضوعية لمصطلح العلمانية ان نضعها في مواجهة مع الدين بهدف الاقصاء والتهميش ، لأنها بهذا  تصبح موضوعا آخر لاعلاقة له بما اتفق عليه واضعوها من فلاسفة اوربا في القرن الثامن عشر ، كما انها بها القسر والتعسف في هذا الاستخدام ستعني ببساطة انها ضد الاخر وانها لاتسعى الى قبول التعددية وحرية الفكر وبالطبع لايجعل منها فكرا اوموقفا ايجابيا في الحياة المعاصرة
من جهة ثانية سيسهل على مجموعة الدين السياسي توجيه الجماهير ضدها بسهولة وستكون كما يقول المثل العرقي ( مكروهة وجابت بنية  )

         

33
أثر قوة التغييرات الذاتية في التقنيات الحديثة على وسائل الإعلام
10/15

د.ذياب فهد الطائي

 
رابعا - الصين (العولمة ... والبديل الصيني )
 
يمكن القول بإطمئنان وعلى ضوء دراسة لواقع حركة التاريخ إن الصين اليوم تمثل مركز الممانعة للتحول التاريخي الكبير الذي جّرت تكنولوجيا المعلومات العالم اليه ، ولكن إبتداء لابد من القول إن هذه الممانعة ليست رفضا لهذه المرحلة التاريخية ولكن تعديلا لها و محاولة إكسابها عقلانية في التحرك وفي الممارسة وفي أن تأخذ المؤسسات الإلكترونية الإعلامية، والصناعة التكنولوجية التي تقف خلفها إهتماما أكبر بمنحى الخدمة الإجتماعية العمومية دون أن يلغي ذلك هامش الربح المعقول في عملها التجاري ، هذا على الجانب الأقتصادي أما على الجانب الثقافي فإنها تهتم بالجوانب( الإيجابية )في ثقافات الشعوب والأمم المختلفة ولا تغفل ماهو متعلق بتفاعل الثقافات
بالطبع لايمكن التفكير إن هذا التوجه يمكن أن تتباه الشركات الإحتكارية الكبرى في الغرب وإنما يتطلب بيئة مختلفة تتمتع بإمكانات صناعية وتكنولوجيا متقدمة وإقتصاد نام ورؤية فلسفية أخرى
وهنا تطرح الصين نفسها (البديل )، ولهذا جاء في تقرير معهد صناعة الأمن والتنمية، والتي مقرها في ستوكهولم والذي أعده الخبير الامريكي (جورج تويو ) 56 (وكان قد شغل منصب مدير مركز دراسات آسيا والهادئ في جامعة (الينوي ) الامريكية) ،بعنوان (الصين وافريقيا والعولمة .... البديل الصيني) تأكيده على أن العولمة البديلة تقودها الصين بإعتبارها قوة كبرى غير غربية وتتحدث عن العولمة تحت شعار (الفائدة المشتركة المتبادلة مع الاخرين )
ولكن قبل مناقشة الموضوع لابد من إعطاء فكرة عن :لماذا الصين قوة كبرى وما هي القاعدة المادية والثقافية التي ترتكز عليها ؟
من المعروف إن الصين واحدة من الإمبراطوريات القديمة في التاريخ، فقد شقت في القرن الخامس قبل الميلاد أطول قناة مائية في العالم حتى اليوم، حيث يبلغ طولها 1801 كيلو متر ، وإنها كانت وما تزال تتمتع بثقافة ذات خصوصية جعلت 56 قومية ،وأكثر من 1,4 مليار شخص يعيشون تحت ظل دولة موحدة تتمتع بميزة نادرة ،هي إنها الدولة الوحيدة في العالم التي فيها نظامان وايدلوجيتان تتعايشان سوية لخدمة الدولة والمجتمع الصيني بروح برغماتية مرنة.
لقد بدأ ت الصين بإنتهاج سياسة متميزة عن المعسكر الأشتراكي في عام 1978 حيث تم إعتماد سياسة (الأصلاح والأنفتاح ) التي وضعها الزعيم الصيني (تنغ اكسيا اوينغ ) والتي ركزت على تسخير كل إمكانات الصين ومواردها الإقتصادية لخدمة التنمية والعمل على تأمين مصادر الطاقة والمواد الأولية والتكنولوجيا الحديثة والبحث عن كل الفرص الممكنة لجذب الأستثمارات اللازمة
تشهد الصين حاليا أوضاعا جيدة للإستثمار والإستهلاك 57. ففى عام 2000 بلغ الناتج المحلي 8940،4 مليار يوان (حوالي  1118 مليار دولار) وفي عام 2003، بلغ اجمالى قيمة الإستثمارات الصينية فى الإصول الثابتة اكثر من 5.5 تريليون يوان صينى، أي حوالي 688 مليار دولار، وحجم مبيعات المواد الإستهلاكية بالتجزئة قرابة 4.6 تريليون يوان صيني، اي 575 مليار دولار، وحجم التجارة الخارجية الصينية أكثر من 850 مليار دولار امريكى محتلة المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة والمانيا واليابان وقبل بريطانيا وفرنسا.
 وفى نهاية عام 2003، تجاوز الإحتياطى الصينى من العملات الاجنبية 400 مليار دولار أمريكى محتلا المركز الثانى بعد اليابان.
وبعد أكثر من عشرين سنة من الإصلاح والإنفتاح وبناء التحديثات وإستكمال القوانين واللوائح الصينية ، يتوسع مدى إنفتاح السوق الصينية على الخارج وتتحسن البيئة الاستثمارية بإستمرار،
 ومع دخول القرن الجديد، طرحت الصين مفهوما يتمثل فى التناسق بين الإنسان والطبيعة وتحقيق تنمية متوازنة بين الإنسان والمجتمع  وبين المدن والارياف ( يمثل سكان المدن في الصين 36،09 % في حين يبلغ سكان الأرياف 63،91 %) وبين شرق الصين وغربها والإنسجام بين التنمية الإقتصادية والتنمية الإجتماعية، فسكان الصين البالغ عددهم وفق إحصاء عام 2000 (الأحصاء الخامس ) قد بلغ 1،307 مليار شخص يمثلون الفئات العمرية التالية: 58
من 15الى 64 سنة  70،115 %
وهذا يعني إن المجتمع الصيني مجتمعا فتيا وإن قوة العمل فيه عالية ، وبالطبع هذا مما يخدم خطط التنمية
يمثل: الرجال 51،53 %
النساء  48،47 %
وقد إرتفع نمو الطبقة الوسطى في الصين بسبب سياسة تطوير القطاع الخاص من جهة، وتحسن معدلات الرواتب والأجور من جهة ثانية حيث تمثل هذه الطبقة مانسبته 19% من إجمالي السكان وتشير الإحصاءات الصادرة عن البنك المركزي الصيني الى أن معدل الدخل السنوي للفرد  في هذه الطبقة هو 500000 يوان أي 62،500 دولار 
وفى عام 2002، طرح المؤتمر الوطنى السادس عشر للحزب الشيوعى الصينى هدف تحقيق مجتمع الرفاهية بصورة شاملة بحلول عام 2020.
الولايات المتحدة الأمريكية التي تضع كهدف إستراتيجي لها ((إغلاق الباب أمام أي منافس مستقبلي يتحدى النفوذ الأمريكي )) كما جاء في مسودة الوثيقة السرية التي سربتها صحيفة "نيويورك تايمس ".
والتي تعي جيدا ماذا يعني وجود "صين قوية " باديولوجيا مغايرة وطموحات في المنافسة والنفوذ ، عمدت الى إبقاء مسألة( تايوان) معلقة حتى يحين الوقت وتنضج الظروف الموضوعية لتحريكها، وربما لتكون نقطة الانطلاق في العمليات العسكرية الشاملة ضد الصين.
والصين تعي أيضا المخاطر المحتملة ولهذا فهي لم تقف ضد العولمة كتكنولوجيا وآليات تقنية للعمل ولم تتشبث كثيرا بثوابت" الموروث " ولم تنعزل عن العالم ولم تنشغل كثيرا بالجدل حول ثقافتها وتاريخها وإنما وظفت ذلك لبلورة طريق بديل هو ماسمي بالبديل الصيني
فما هو البديل الصيني ؟
يقول الصحفي الأميركي "جيمس إف. هوج:" 59 إن وضع الصين لا ينتهي عند هذا الحد. فإقتصاد الصين، (التي تلعب دوراً بارزاً في الاقتصاد الدولي)، يرتبط على نحو وثيق بالنظام الدولي العالمي، فالصين ما هي إلا قاطرة تقود اقتصادات الدول الآسيوية المتعافية من أزمة التسعينيات".
وهذا تشخيص موضوعي على ضوء تطور علاقة الصين بافريقيا على وجه الخصوص فقد إستطاعت الصين أن تدخل سوق السودان بقوة ، و تستثمر شركة النفط الصينية مايقارب 2،7 مليار دولار في عام 2003 وان تقيم مصفى للبترول بطاقة 2،5 مليون طن سنويا وتمد انابيب لنقل المنتوجات بطول157 كيلو متر
أما في كينيا فقد ارتفعت إستثمارات الصين من 10 ملايين دولار في الخمسينيات لتصل الى حوالي 38 مليار دولار في عام ، وبشكل عام فان الصين أقامت 800 مصنعا في عموم القارة الأفريقية
أما بشأن السياسة الإستثمارية داخل الصين، فقد نجحت تلك السياسة في أن تحصل على أعلى معدل للأستثمار الأجنبي في العالم بحيث وصل الى 35 مليار دولار
ولأن الصين تدرك ان مجتمع العولمة والمعلوماتية هو في جوهرة يعتمد على معدلات متنامية للأستهلاك فقد عمدت الى وضع سياسات ضريبية جديدة ورفع معدلات الرواتب والأجور والحفاظ على معدلات تضخم ملائمة ، وعلى أساس إن الإعلان هو وسيلة إعلامية بالغة الاهمية في مجتمع المعلوماتية فقد عمدت الحكومة الصينية الى تشجيع المنتجين على دراسة أساليبهم الاعلانية وإبتكار الطرق التي تجذب الجمهور ، ورغم إن هذا التحول يجري بمعدلات بطيئة الا أنه "مستمر "
يقول مايكل بيتس " 60 أستاذ المالية في جامعة بكين "الانتقال من اقتصادات قائمة على الصادرات إلى أخرى قائمة على الإستهلاك لم يكن سهلا أبدا في التاريخ. وقال بيتيس: "كل الناس الذين يفكرون بصورة معقولة يتفقون على أن هذه هي عملية بطيئة وتستغرق بعض الوقت."
إن كل هذا الاستعراض ،  قصدت منه توضيح إن الصين هي القوة القادرة على أن تلعب دور(الممانعة) الفاعلة لأنها ،بحكم إقتصادها المتنامي بثبات ، وحجم السكان الذي يمثل سوقا هائلة ، والموارد المالية المتاحة لها ، وعلاقاتها الخارجية مع دول العالم التي تتسم بالتفاهم والبحث عن المنافع المشتركة ، فإنها تستطيع أن تساعد في التقليل من نفوذ القوة الأخرى التي تحكمها الشركات الأحتكارية ، سيما وأن الدول الكبرى وأدواتها المالية الفاعلة تدرك أهمية الصين في إحداث تأثيرات إيجابية على مجمل حركةالأقتصاد العالمي ،فقد جاء في دراسة لصندوق النقد الدولي 61 منشورة على موقعة بتاريخ 14-03-2010 مايلي :
إن الإرتفاع في معدلات النمو الإقتصادي وهو يتجاوز الأزمة سيكون بحدود 1،75 % و والفضل في هذا التحسن يعود في جزء منه الى الصين والهند
وربما يمكن أن تكون السياسة الإقتصادية الصينية في مواجهة الأزمة التي إجتاحت العالم الرأسمالي دليلا بينا على كفاءة الإدارة الإقتصادية الصينية حين عمدت الى إتباع الأساليب التالية:
1- تشجيع الإستهلاك المحلي لتجنب حدوث إنكماش إقتصادي قد يفع بالمنتجين الى غلق مصانعهم ،وقد تم هذا التشجيع بطريقة مبتكرة حين أصدرت الحكومة الصينية كوبونات مجانية بقيمة بين 200الى 300 دولار لكل صيني يشتري سندات الخزينة بأسعار ميسرة ،ويمكن لمالك تلك الكوبونات أن يشتري مجانا أية سلع أو خدمة من السوق المحلي
2- ضبط حركة رؤوس الأموال في البنوك العاملة في الصين
3- اطلاق العمل بعشرات الصناعات الأستراتيجية وبكلفة 600 مليار دولار
4- عدم الرضوخ لطلبات الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي ، برفع سعر صرف اليوان الصيني أمام اليورو والدولار بهدف رفع قيمة الصادرات الصينية وعدم تشجيع شرائها في السوق الدولية أو على الأقل القضاء على الميزة النسبية التي تتمتع بها كون أسعارها منخفظة
وأخيرا وفيما يتعلق بالبديل الصيني أعتقد إن المهم أن نشير الى ما كتبها البرفسور (دانييل بل) 62الذي يعمل استاذا للفلسفة السياسية في جامعة شنغهاي ومؤلف كتاب (الكونفوشيوسية الجديدة)):
(من الناحية السياسية ، يعتقد معظم (الناس ) أنه يجب على الصين أن تبدو مثل الغرب)
 

34
بانوراما موسيقية... بين التاريخ والمعاصرة
د.ذياب فهد الطائي

ترتكز الرؤية الفنية لمؤسسة البصري الموسيقية على  قاعدتين أساسيتين لازمتا عملها الفني عبر مسيرة امتدت لأكثر من أربعين عاما وكانت مساحتها تشمل مكانا بالغ الأتساع ، بدأ من مدينة البصرة مرورا بموسكوواليمن ودمشق ثم لتحط الرحال في هولندة .
وتتمثل القاعدة الأولى بالأبداع ، إيمانا ثابتا بأن الإبداع، هو جوهر العملية الفنية، لهذا تناول رئيس المؤسسة الفنان حميد البصري التراث الشعبي العراقي بروح معاصرة تعتمد تنويعات لحنية وايقاعية تحمل عمق الموسيقى العراقية وتجتهد في نقل عناصر الطبيعة العراقية بمسحة الحزن الذي تتميز به عبر التاريخ دون ان يخرج في الحانه وتنويعاته الموسيقية عن ضوابط المقامات الشرقية
ومن هنا كان ابداع البصري في معالجة وتطوير اللحن في التراث العراقي ليقدمه بخواصه الاساسية ولكن بنغمة معاصرة تخاطب الذائقة الفنية لإنسان العصر ، كان وباستمرار معنيا بان يكون اللحن الذي يقدم به التراث الغنائي العراقي (على وجه الخصوص ) يمثل قيمة فنية بخصوصية عالية المستوى ،لقد انصب جهده الإبداعي على الموسيقى ولهذا قدم في كل المهرجنات الموسيقية عبر العالم الوانا مبتكرة استدعت انتباه المعنيين في الموسيقى
والقاعدة الثانية هي المسؤولية والتي تعني عند البصري، كما ترجمها في مسيرته الطويلة ،إحترام فنه على نحو مطلق ،إحترام ينبع من قناعات فكرية واضحة وهذا ما دفعه الى مغادرة العراق بوقت مبكر بعد ان حقق نجاحا كبيرا في أول أوبريت عراقي يتحدث عن الخير والمحبة ومستقبل العراق بعيدا عن الكراهية والاستبداد ،كان يحمل شعورا يقينيا بأن علية ان ينقل رسالة انسانية تفتح آفاقا ثقافية تعمل على تآلف قلوب العراقيين ، هذا على صعيد رؤيته لوظيفة الفن الذي يقدمه
أما نظرته الى الموسيقى كتقنية لحنية  فكانت تذهب الى إعتبار إن الالتزام بروح الموسيقى الشرقية يجب ان يحظى باحترام وأن لايسمح بنشر النماذج التي تعمل على الإبتعاد عن روح الاصول في المقامات الموسيقية الشرقية وتأخذ ، دونما تدقيق او دراسة  من الموسيقى الغربية فتفسد بذلك ذائقة المتلقي وتؤدي في النهاية الى أن يشيع لونا هجينا يتجه الى الغرائز ولا يحرك المشاعر الحميمية ولا يدعو الى التأمل والتسامي
إن إصرار الفنان حميد البصري على ربط التراث بالمعاصرة نابعة من فهم واع عما يعنى بالمعاصرة أو التحديث، يرى البصري ان على المبدع ان يعيد انتاج التراث وليس الاقتصار على استهلاك منجزات التحديث ،وإن على المبدع ايضا وهو يعيد هذا الانتاج الابداعي ان يبحث عن بدائل يمكن ان تتفاعل مع الجوانب الايجابية في سيرورة التحديث،يبدو البصري في استلهام الحداثة وكأنه يستعيد الذاكرة التاريخية للفن العراقي برؤية جديدة وبجملة موسيقية متحررة
لقد تداعى كل هذا الى ذهني وانا أرقب عند دخولي صالة سينما ريجنسي في (لاهاي ) حيث تقام بانوروما موسيقية لفرقة البصري بالتعاون مع الفنان ألن جورج في 16-04-2010،التصميم الذي استلهم التاريخ والطبيعة التي منحت البعد البانورامي للعرض كله
كانت الديكورات والخلفية البانورامية تشكل اول انطباع بأني سأشهد عرضا مختلفا ،كان كل شيء يستحضر التاريخ العراقي بما اختاره مصمم العرض من لوحات وتماثيل تبدأ من فجر التاريخ العراقي ، والملفت للنظر أن المصمم كان ذكيا في إختياراته فقد أصر على أن يقدم التاريخ عبر إبداعات فنانين من العراق القديم لمنجزات في منتهى الجمال، وكان عرضا فنيا دفع بالمشاهدين من الهولنديين الى تتبع العرض البانورامي بشغف وإنتباه
حين تقدمت الفنانة بيدر البصري من خلف الستائر وهي تغني بصوت رخيم وعميق في عبق التاريخ وعمقه دون ان تصاحبها اية نغمة موسيقية ، رانت على الصالة لحظة سكون تأملي  فقد كان الصوت يشعرك بحميمية يدور بتقنيته الشرقية للوصول الى حالة من الأستجابة للصمت ، وأقول الحق كمتلق أني وجدت تأثير صوتها دون مصاحبة الموسيقى اشد عمقا، وكنت استمع الى لحن بالغ الروعة   ،كنت (وغيري ) في الصالة نشم رائحة شط العرب وهو يندفع عبر بساتين ابو الخصيب ونستظل بفيء النخيل وندور في حواري بغداد وازقتها
وحين غنى الفنان ألن جورج باللغة السريانية كنت اجزم اني افهم مشاعره، وينساب اللحن في عمق مشاعري على نحو جعلني اشعر اني اعرفه شخصيا ،وظل اللحن عراقيا بمسحة الحزن الشفافة يتمدد في الصالة حتى وهو يغني لحنا راقصا ، لم تعترضني الصعوبة التي يشير اليها البعض والمتمثلة في صعوبة الغناء السرياني الذي يحوي اصواتا ساكنة عصية على الإداء.
في عزف أسيل البصري كان الأمر مختلفا فقد كان البيانو كآلة غربية يقاوم الليونة المصّرة على ان تخلق نوعا من التزاوج بين حضارتين ولتبرهن ان الالة الموسيقية نوع من المستجيبات وليست مصممة كمحدد وان التحكم بدقة في عملية العزف يعطي اللحن القدرة على ان يذهب الى مدياته القصوى
كان العرض البانورامي متكاملا وكانت الصورة التي تظهر في خلفية المسرح تعطي الصوت واللحن قدرة كبيرة على تجسيد التاريخ كمتخيل للجمال والحضارة

35
أثر قوة التغييرات الذاتية في التقنيات الحديثة على وسائل الإعلام
9/15
د.ذياب فهد الطائي

ثانيا- القائلين ببناء الدولة القومية أو الوطنية
 لابد إبتداء من تحديد أمرين بالغي الأهمية هما:
الأول :ماذا نعني بالدولة القومية
والثاني : إن حديثنا هنا سيقتصر على موقف القائلين ببناء هذه الدولة من العرب، بحكم إن الموضوع واسع ومتشعب من جهة ،وان تجارب بلدان العالم الثالث متشابهة في مرجعياتها الفكرية وسيرورتها التاريخية ومواقفها العملية من بناء الدولة القومية
إن ما نعنيه بالدولة القومية أنها "كيان سياسي وقانوني منظم يتمثل في مجموعة من الأفراد الذين يقيمون على أرض محددة ويخضعون لتنظيم سياسي وقانوني وإجتماعي تفرضه سلطة عليا تتمتع بحق إستخدام القوة لتحقيق الصالح العام" بينما الحكومة هي "السلطة التي تمارس السيادة في الدولة لحفظ النظام وتنظيم الأمور داخليا وخارجيا والحكومة كبنية هي أجهزة ومؤسسات الحكم في الدولة التي تقوم بوضع القواعد القانونية وتنفيذها وتفصل في نزاعات الأفراد مشتملة على أعمال التشريع والتنفيذ والقضاء"*
لقد بنيت الدولة القومية في اوربا في منصف القرن الثامن عشر على  أ نقاض سلطة الاقطاع والكنيسة وكانت افكار الفيلسوف الالماني (هيغل ) هي المرجعية الأساسية لها وقد أعتبر هيغل إن الطبقة الجديدة الناهضة (البرجوازية ) هي من إضطلع ببناء هذه الدولة المحكومة بكونها وريثة النظام الإقطاعي في حقوق الملكية (وسائل الإنتاج ) وبالتالي إشتراطات هذه الملكية التي تتطلب أسواقا موحدة وآمنة وتسهيلات في نقل منتجات وسائل الإنتاج الجديدة وحزمة واسعة من القوانين لحمايتها وترسيخ دورها في المجتمع الجديد وكانت تلك القوانين نقطة البداية في قطع الصلة بالماضي الفكري وتعاليمه وقد حسم هذا الامر الفيلسوف الالماني( نيتشة )
أما في البلدان العربية فقد نشأت فكرة الدولة القومية على مرحلتين:
أ – يجمع الباحثون في نشأة الدولة القومية لدى العرب على إن بدايات ذلك كانت بعد غزو نابيليون لمصر وبعثات محمد علي باشا الى اوربا وإن الأمرين فتحا الطريق لتأثر الشباب المصري بالأفكار الغربية وأن هذا التأثر قد أعلنه( رفاعة الطهطاوي) الذي دافع عن اهمية اقامة العدل في الحكم و(جمال الدين الافغاني) الذي كان همه إجراء اصلاحات على نظام الشورى والأخذ بالدستور ، ولكن أفكار( محمد عبدة) كانت أكثر وضوحا وتحيدا ، فقد نادى بمدنية السلطة وعدم شرعية الحكم الإستبدادي وضرورة أن يكون للأمة تمثيل نيابي
ب – بعد الحرب العالمية الاولى بدأت المرحلة الثانية في الفكر القومي والعمل على إنشاء الدولة فقد تم إعلان مصر دولة ملكية وأنشئ في العراق حكما هو الآخر ملكيا ووضعت الحدود لحكومات عربية تحت الانتداب أو الإحتلال مما خلق شعورا عاما بكراهية المستعمر ودفع الى تكوين حركات مناهضة للتواجد الغربي وقوّى النزعة للأستقلال .
من الملاحظات الهامة في هذا الصدد إن معظم مؤسسي تلك الحركات هم من العسكريين ورجال الإقطاع مما أدى الى نشوء حالة فريدة من نوعها تمثلت بتوالي الإنقلابات العسكرية، ففي العراق جرت ست وعشرون محاولة إنقلابية
كانت الممانعة العربية في الأقاليم مبنية على أحلام رومانسية ولم تكن مهيأة لأقامة الدولة بمفهومها الحديث، وذلك بسبب ميل النخب السياسية الى الإبتعاد عن الديمقراطية وإشراك الجماهير في الحكم عبر صناديق الإقتراع، والتشبث بالموروث بهدف إستخدامه لأخضاع شعوبهم
لقد حدى كل هذا بمحمد حسنين هيكل46 الى القول إن مصر وهي طليعة البلدان العربي ( لم تعرف الدولة)
وفي الحقيقة فإن البلدان العربية عرفت السلطة ومن ثم الحكومة وبعدها النظام ، أما ما قامت به من توظيف وسائل الاعلام فلم يتعد أمرين
1/ب – إذاعة البيان الاول للإنقلاب
2/ب – إرهاب شعوبها بعرض عمليات الإعدامات الجماعية أو إضطهاد قيادات الحركات السياسية المناهضة ، إضافة الى إحتكار المعلومة
من هنا كانت أزمة الدولة القومية العربية التي إستغلها الغرب وشركاته العملاقة في توظيف هذا القصور لقيام حكام تلك البلدان، بالدفاع بشكل مباشر أو غير مباشر عن مصالحها(مصالح الغرب ) كما حدث في الحرب العراقية الإيرانية أو في غزو الكويت
 يقول غرامشي" 47: في الغرب يتسيد المجتمع المدني على الدولة، وتتخذ سيطرة الطبقة الحاكمة صورة التراضي والهيمنة، على حين أنه في الشرق تتسيد الدولة على المجتمع المدني وتتخذ سيطرة الطبقة الحاكمة شكل التسلط والقهر؛ "فالدولة هي كل شيء "
وربما يكون السبب في فشل البرجوازية العربية، بناء الدولة، يعود الى إن هذه البرجوازية هي من صنع الغرب أولا، وفشلها في بناء إقتصاد وطني ثانيا ، وثالثا لأن هذا الفكر يطرح حلا محليا لمشكلة عالمية ، بمعنى إنه مازال يبحث عن حلول تتسم بالبعد عن الواقع الذي يتحرك فيه العالم
وعلى هذا فإن هذا التيار لم يشكل عقبة كبيرة أمام العولمة وتكنولوجيا المعلومات، لأختراقه وإضعافه وتحويله( والى حد بعيد) ليعمل في مصلحة (مجتمع المعلوماتية )ويمكن أن نشير بهذا الصدد الى الحروب التي خاضها نظام حزب البعث في العراق  ضد إيران وغزو الكويت والى التعاون الوثيق لكل الأنظمة العربية مع القوات الامريكية التي إحتلت العراق عام 2003 إضافة الى عدم الرغبة ببناء إقتصاد متوازن والعمل على التوسع في تشجيع النزعة الإستهلاكية في المجتمع
أما التساؤل المشروع عن كيف يمكن أن تكون الدولة القومية في العالم العربي ضمن سياق حركة التاريخ والتفاعل مع تيار العولمة وتوظيف تكنولوجيا المعلومات لخدمة مجتمعها ، فإني أعتقد إن هناك ثلاث خطوات لازمة وهي باختصار شديد
1- الأخذ بالديمقراطية كآلية لنظام الحكم والقبول بالتبادل السلمي للسلطةإعتمادا على نتائج صناديق الإقتراع
2- فصل الدين عن الدولة وضمان حرية المعتقد والفكر ووضع تشريعات صارمة تجاه مثيري الفتنة الدينية أو الطائفية أو العرقية
3- بناء الإقتصاد الوطني إعتمادا على أسس علمية مدروسة ومعلنة ووضع الخطط للتنمية المستديمة والخروج من حالة الاقتصاد الريعي



ثالثا- الأسلام كقوة تقف فكريا ضد العولمة
أولا يجب التأكيد، على إننا هنا لانتحدث عن الدولة الاسلامية وتطبيقاتها الحديثة في ايران وافغانستان واندونوسيا وماليزيا والسعودية، التي تشير دساتيرها على إنها دولا إسلامية، ولكنا نتحدث عن الإسلام كقوة تمتلك مسارات فكرية خاصة وتهيمن على مجموعات كبيرة من البشر وتقف أدبياتها في صف الممانعة للعولمة وتكنولوجيا المعلومات وتحاول أن تكرس خصوصية مجتمعاتها
يقدر عدد المسلمين في العالم بأكثر من مليار شخص ينتشرون حول العالم وتتركز أكبر نسبة منهم في آسيا (600 مليون ) ثم في افريقيا (300 مليون ) ومن خصائص المجتمعات التي يعيشون فيها:
1- ان تلك المجتمعات ماتزال تعيش خارج حركة التاريخ الانساني ولاتعرف حكوماتها الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة (في العراق سقط النظام الذي جاء بإنقلاب عسكري، وإستمر في الحكم قرابة اربعين سنة ، ، في سوريا تحولت الجمهورية الى وراثية ، في ليبيا لايزال العقيد القذافي منذ أواخر الستينات حتى اليوم ، في مصر يحكم مبارك منذ أربعين عاما ، في اليمن تسلم السلطة العقيد علي عبد الله صالح وليس في نيته التنحي ، بقية الاقطار عرضة لإنقلابات عسكرية مزمنة )
2- تعاني البلدان الاسلامية عموما من إقتصاد متخلف ومن بنية إجتماعية مشوهة وتتحكم الدولة في مفاصل العملية الاقتصادية بدعاوى مختلفة ولكنها في الحقيقة تقوم بإحكام السيطرة على مجتماعاتها وكمثال على ذلك فأن نسبة مساهمة العالم العربي وهو القسم الأكثر غنى في الدخل القومي العالمي لاتتجاوز 2،7% وصادراته 2،9% علما بأن البترول يمثل 68% من تلك الصادرات
كماإن حصة العالم الاسلامي من الأستثمارات الأجنبية المباشرة بحدود 1% من حجم الإستثمارات العالمية وبالطبع يعود هذا الى :
1/ 2 - عدم وجود ضمانات سياسية  أو اقتصادية تغري المستثمرين بالمغامرة في دخول الأسواق الأسلامية
2/2 تفشي الفساد والرشوة
هذا إضافة الى تدني دخل الفرد وضعف القوة الشرائية  

تصنيف بعض الدول النامية التى بها مسلمون حسب دخل الفرد 48
الدولة                 عدد السكان /مليون        مسلمون %        السكان تحت خط الفقر %   تنزانيا                               38                          53                       35
سيراليون                 6                           60                       68    
اليمن                     30                           98                       42
ارتيريا                    5                            60                      53
طاجاكستان             7                            85                          64
نيجريا                   129                       70                         35
اندنوسيا                  242                       88                         27
سوريا                    19                         80                         20
مصر                     77                         95                         17
البانيا                      23                         75                         25
الجزائر                    33                       100                         13
ايران                       68                       85                           16
ماليزيا                      43                       61                           16


3- تعاني تلك المجتمعات من خرق فاضح ومستمر لحقوق الانسان وفي معظم الأحيان لايمكن أن يجد أي معارض للسلطة أدنى مستلزمات الحماية، وعادة يتعرض للتصفية الجسدية
4- تتدنى حقوق المرأة وينظر اليها بدونية، ورغم التوسع في عمل المرأة وفي تعليمها إلا أنها تظل محكومة بقواعد وضوابط شرعية مجحفة
5- مستوى التعليم متدنى ويجري التوسع في دراسات لا تخدم تطور المجتمع و يعاني قطاع التعليم من تخلف بيّن يتجلى في إنخفاض الإهتمام بالبحث العلمي الذي لايتعدى 0،2 % من إجمالي الدخل القومي في حين تصل هذه النسبة في اليابان مثلا 22% اي 110 مرة اكثر
ولاتتعدى نسبة مساهمة مايطبع من كتب، في العالم الإسلامي الى مايطبع في العالم 6%
كما إن المناهج التعليمية قديمة ومعظم الكوادر التدريسية غير مؤهلة كفاية ، وفي إحصائية للأمم المتحدة للأعوام 2002-2005 جاء إن حصة التعليم من النتاج المحلي تراوحت في العالم الأسلامي بين 4- 5% كمعدل،وجاءت جمهورية غويانا في المقدمة حيث بلغت النسبة 8،5% وآخرها اندنوسيا حيث كانت 0،9%
6- إن الحكم في البلدان الإسلامية يعتمد على العائلة والعشيرة بحكم كون إقتصاديات هذه البلدان هي إقتصاديات ريعية ،أي تعتمد على ناتج من الثروات الطبيعية ، وبالتالي فهي إقتصاديات إستهلاكية ويتمظهر هذا في تضخم قطاع الإستيراد بشكل عام ونمو قطاع العقار والمضاربات المالية
7- دخلت أقوام مختلفة الى الإسلام ، ولكنها ظلت تحمل ثقافاتها وإرثها القديم بكل مافيه من عوامل وأسباب تتناقض مع الفكر الاسلامي ، ففي افريقيا ظلت أفكار المسلمين مشدودة الى السحر والشعوذة
في رواية (أحمدو كروما ) المعنونة (المنة ) نجد تصويرا دقيقا لهذه الحالة 51:
(أبى جيغوري كيتا ملك سوبا ،أن يطيع ساموري إمبراطور بلاد المانديغ كلها ، فلم يهدم مدينته مع وصول جحافل الجيوش الأستعمارية ،معتقدا أن سحر الاسلاف وحماية الله والسور الذي أقيم على عجل تكفي لدحر (النصارى )فتمكن هؤلاء من الاستيلاء على سوبا دون قتال
بينما كان السحرة المنشدون يغنون بمجد جيغوري كيتا وسنوات ملكه المئة والعشرين ، كان الملك يغوص في تعاون مع المحتل يزداد فتكا بإطراد
وفي الشرق وحين كانت القوات الامريكية تتقدم نحو بغداد ، كان الرئيس العراقي يبحث مع قادة الجيش وعلى التلفزيون مباشرة أهمية المرافق الصحية في الوحدات العسكرية ! ويستمع الى مايتحدث به القادة من أن أولادهم الصغار يحلمون بالرئيس  ،وهو يرتدي لباسا أبيضا ويتحدث مع الرسول الكريم !
لهذا فإن هذه البلدان تتسم بالتبعية للدول الصناعية الكبرى وتتحكم في توجهات إقتصادياتها الشركات الاحتكارية الكبرى في العالم
وكنتيجة لذلك فان دور هذه البلدان في( الممانعة)ضد تيار العولمة سيكون ضعيفا بالضرورة ومترددا سيما وأن السياسات الغربية عمدت بوقت مبكر الى:
1- تحويل مكمن القوة في هذا العدد الهائل من المسلمين الى (كعب أخيل ) أي نقطة ضعف قاتلة فعمدت الى تعميق التناقض المذهبي وتشجيع السلفية  وذلك عن طريق :
1/1- دعم التحالف بين ابن سعود والحركة الوهابية التي أنشأها محمد بن عبد الوهاب في الدرعية اولا(منطقة إمارة إبن سعود ) وتسهيل انتشارها فيما سمي لاحقا بالمملكة العربية السعودية ، ومن المعروف ان قوات (الأخوان )التابعة لإبن سعود قد غزت مناطق في العراق وولغت في دماء السكان وكان الهدف هو تكريس الحس الطائفي وتعميق التناقض داخل الجسم الاسلامي
2/1 – المساعدة في تكوين تيارات سلفية متنوعة حولت الفكر الإسلامي" الى أيدلوجيا سياسية تدفع بإتجاه الإنسحاب من التاريخ والعودة بالإسلام الى مواقع دفاعية غير حصينة ( لا ممانعة) ضد العصر والتاريخ" (د. عبد العزيز بلقزيز ) 51
2- جر الشباب المسلم الى حركات ذات طابع ثوري بإتجاهات يمينية متطرفة (تكتيك يساري واستراتيجية يمينية ) وقد سامت في هذه العملية بعض الدول الاسلامية الضالعة في المخطط ، وهكذا نشأت القاعدة في أفغانستان  ودولة العراق الإسلامية وتيارات السلفية المجاهدة ، وفي السبعينات وظّف المئات من الشباب العرب الذين كانوا يدرسون في باكستان في عمليات توزيع المال على قوات القبائل في أفغانستان ، وقد شكلت هذه العمليات شبكة إتصالات محكمة تم الإستفادة منها لاحقا في تخريب المجتمع الاسلامي
3- في دراسة مهمة نشرت مؤخراً في مجلة (فورين أفيرز)52 المشهورة، لكل من كريستوفر س. بوند ولويس م. سيمونز بعنوان "جنوب شرق آسيا.. الجبهة المنسية" يطالب الباحثان بالعودة إلى مقاربة "القوة الذكية" بدلاً من الحروب والجيوش في التعاطي مع الظروف والبيئة المحفزة للنشاط "الأصولي الإسلامي" المعادي للولايات المتحدة، في المنطقة الشاسعة في جنوب شرق آسيا، حيث الكتلة السكانية المسلمة الكبيرة جداً هناك.
ويسمي الخبير الأميركي جوزيف ناي، هذه القوة الذكية بالقوة (الناعمة ) ، والفرضية الأساسية فيها ، أن قوة أميركا الحقيقية ليست بالجيش ولا بالعسكر، بل بما تنتجته من ثقافة ومن قيم وفي أسلوب حياة الأميركيين وإنجازاتهم التي تستهوي قلوب ملايين الناس في مختلف أرجاء الأرض. وبالطبع يمكن لتكنولوجيا المعلومات أن تنهض بهذه المهمة عبر مئات الفضايات وشبكات الإنترنيت المتنوعة
وبدلا من قيام القيادات الإسلامية بالإنتباه الى هذ ا الأسلوب ومحاولة البحث عن بدائل ملائمة، نجد أنهم يعملون إما بإتجاه تكوين خلايا قتالية متفرقة تقوم بضرب المصالح الامريكية وافرادا من الغرب وتعطي إنطباعا سيئا عن هذا النوع من الممانعة، أو إن الدول تقوم بشراء أسلحة قديمة وبهذا تقدم خدمة مجانية للأقتصاد الغربي ، ففي الفترة بين 1970 و 1990 إشترى العرب وحدهم ماقيمته ترليون دولارا من تلك المعدات التي تم تدمير معظمها في حرب الخليج الثانية ،وفي خبر بثته قناة الجزيرة في 22-03-2010 ونشرته على شريط الأخبار المتحرك على الشاشة ، إن دولة الأمارات العربية المتحدة هي رابع مشتر للسلاح على مستوى العالم (يمثل المواطنون 20% من إجمالي السكان في الدولة )

وعلى صعيد العمل الإسلامي، تبدو هذه هي المهمة الغائبة أو الجبهة المنسية في المعركة الحضارية اليوم، لدى أغلب الحركات الإسلامية والنشاطات الدعوية، إذ يجري التركيز دوماً على الصدامات والصراعات السياسية الداخلية والعسكرية الخارجية وعلى قضايا جزئية وفرعية، ويتم القفز على المهمة الكبرى والعليا، ألا وهي بناء( القوة الناعمة )الإسلامية على مستوى مجتمعاتنا وعلى صعيد إنساني عالمي بصورة واسعة.
ولو قمنا بدراسة تأثير قناة الجزيرة قياسا بالقوة التي تمتلكها دولة قطر لوجدنا ان القناة تمللك من قوة التأثير في العالم العربي أكثربمئات المرات من القوة العسكرية التي تمتلكها الدولة ، فقناة الجزيرة يشاهدها 140 مليون مواطن عربي، ويتأثر بأخبارها 96 % 53   من المشاهدين المصريين، و76% من المشاهدين في عمان ، كما ورد في رسالة الماجستير لعبدة المخلافي، المقدمة الى جامعة فيليب في الماني عام 2005   54
إن كل هذا يجعل من الواقع الاسلامي خصما ضعيفا وهشا إضافة الى إنه سيكون  تحت السيطرة (للقوى الكبرى )ولايمكن ان يكون ممانعا وخصما قويا وهو لن يشكل" قوة " كما عرفها الخبير الأستراتيجي الأمريكي جوزيف ناي 55 ((هي القدرة على التأثير في الأحداث المطلوبة وتغيير سلوك الآخرين عند الضرورة عسكريا أو إقتصاديا أو سياسيا ))

36
أثر قوة التغييرات الذاتية في التقنيات الحديثة على وسائل الأعلام
8/15
د.ذياب فهد الطائي
مواجهة العولمة والبدائل المتاحة
يعتقد أنصار ومفكرو العولمة والمهيمنون على تكنولوجيا المعلومات وبالتالي وسائل الإعلام إن عصر المعلوماتية والعولمة وما بعد الحداثة كلها مراحل تم الإعداد لها جيدا، وبالتالي فهي تحت سيطرة القائمين عليها ومن هنا فإن لديهم خططا إستراتيجية حتى 2050، سيما وانهم قد أنهوا طروحات الماركسية وقضوا على ما تبنته من توجهات حول التطور التاريخي المبني أصلا على صراع الطبقات
يؤكد" فرنسوا ليونارد"38 في كتابه (شرط ما بعد الحداثة ) إن مقولة صراع الطبقات ، فقدت
جذريتها،ويعتقد (ماتلار) إن المقاربة التجزيئية للفضاءات قد تجاوزها الزمن وهذا بالطبع يقود الى الإستنتاج ، إن الرؤية المطلوبة هي عالمية بكل مضامينها الاقتصادية ( تخطيط السوق ،شبكات الانتاج والتوزيع  ) أو الاجتماعية ( البنى الثقافية والوعي الاجتماعي ) ويهدفون من وراء ذلك الى تجاوز الماركسية الكلاسيكية،  في بنائها النظري حول الرأسمالية أو ما يمكن أن نسميه مراحل (عمر )الرأسمالية بتعاقبه الزمني وشرط فنائها بسبب التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج أي تطور القوى الاجتماعية
من هنا جاء إصرارهم على إعتماد وسائل الإعلام وتكنولوجيا المعلومات لخلق نموذج آخر بني على مفاهيم جديدة تتعلق بتدفق المعلومات على نحو حر وتدفق السلع والخدمات لأسواق مفتوحة  مع إيجاد نمط من السلع التي يمكن تداولها عبر العالم وخلق نمط إستهلاكي في فضاء كوني غير محدود ومن هنا تتنامى ( الممانعة )
ولكن بعض المفكرين الغرببين يرون إن العولمة هي إمبراطورية الفوضى لأنها لاتعتمد على تسلسل زمني في تطور مراحلها تاريخيا وإن الحديث عن أية مقاربة زمنية لايمكن أن تكون الا مقاربة بحثية ، ليس إلا،ولهذا فانهم يبررون الجوانب غير الإنسانية في إندفاع الشركات الإحتكارية والنظام الرأسمالي بمجمله نحو السلوك اللآإنساني والمتوحش، ويرون إن عصر المعلوماتية هو عصر السيطرة على سيرورة تشكيل الإرادة الشخصية بقوة وسائل الأعلام التي منحتها التقنيات الحديثة وسائل وأسلحة لم تكن متاحة من قبل.
في المقابل هناك فريق ثالث يرى إن من الضروري من أجل خلق نوع من التوازن في مسيرة الرأسمالية المعاصرة أن يصار الى اجراء إصلاحات على نطاق واسع، على عمل صندوق النقد الدولي ، والمؤسسات المالية الدولية الأخرى، والعمل على تطوير أشكال مختلفة للإتصال الحر التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة لخلق توازن للإعلام يستجيب لأولويات وإحتياجات الدول الفقيرة ، وفي الجانب التنموي يرى هذا الفريق ، أن يجري التأكيد على (التنمية المستديمة) والتي تعني التنمية الإقتصادية والإجتماعية والحفاظ على البيئة
إن المنطلقات النظرية لهذه المجموعات ، والتي هي  من رحم النظام الرأسمالي تشير الى حقيقة موضوعية تكمن في مضمونها ، وهي إن النظام الرأسمالي يمتلك القدرة على تجاوز مشاكله ومعوقات استمراره بما يملكه من عوامل المرونة والتكيف ، والتي تستمد مبرراتها النظرية من البراغماتية ، على العكس تماما من الجمود العقائدي الذي أخرج الاتحاد السوفييتي من قدرته على الإستمرار في تقاسم العالم ومن ثم الى تفكيكه ، وتنوع المرجعيات العقائدية  لمكوناته السابقة ،وكان لتكنولوجيا المعلومات ولوسائل الإعلام الدور الحاسم في هذه المعركة ، فقد حسمت النتيجة لصالح النظام الرأسمالي الذي إستطاع أن يضع تصورا للنظام الكوني وفق مبادئه (زينو بريزنسكي  ""المجتمع الشامل ")  39
إن من المهم إجراء بحوث معمقة ومتنوعة حول ، هل إن العولمة والنظام الكوني الجديد هما مرحلة في سلسلة تعاقب أشكال الرأسمالية، أم إنهما مرحلة تاريخية جديدة لم تكن واضحة أمام مفكري الفلسفة وعلم الإجتماع ، وهم يحددون مسار التاريخ الممستقبلي ؟.... وإذا كانت هذه المرحلة هي حلقة جديدة في تطور الرأسمالية ، فأنه لايمكن إعتبارها "مرحلة تاريخية انتقالية (" للأنتقال الى الأشتراكية)  ، كما يطرح المفكر الماركسي (سمير أمين )، لأن في  هذا تبسيط لقدرة النظام الرأسمالي على التحرك وإستيعاب التغيرات .
 وبشكل عام يمكن إعتبار التطورات الحالية واحدة من( مراحل )الرأسمالية ، وبالطبع فإن مثل    هذا الطرح لا يتفق والصورة التي رسمتها الماركسية حول الحتمية التاريخية وحول نهاية الرأسمالية بإنتهاء عصر الاستعمار (الأستعمار أعلى مراحل الرأسمالية )
من هنا ، فإن دراسة القوى التي تقف في صف الممانعة لتكنولوجيا المعلومات والتي يمكن ان تشكل تيارا ،هي أمر بالغ الأهمية
  وفي رأيي فإن المجموعات التي يبدو ظاهريا على الأقل إنها يمكن أن تمثل تيار الممانعة هي:

أولا- اليسار الجديد
ظهر اليسار الجديد في أوائل السبعينيات من القرن الماضي وكانت مرجعياتة الفلسفية والفكرية تقف على قاعدة ماركسية وتتبنى الآليات التي تستعملها( مدرسة فراكفورت) 40 في نقدها النظام الرأسمالي وما طرحه (غرامشي ) حول مفهوم الهيمنة ودور الثقافة في الصراع الأجتماعي وقد لعبت مجلة (اليسار الجديد ) التي رأس تحريرها الشيوعي السابق" تومبسن" 41 دورا مهما في تأصيل افكار ومنطلقات هذا التيار  ، كما ساهم تومسون في توطيد بعض المفاهيم الاساسية لهذا التيار خصوصا ما جاء بكتابه (تكّون الطبقة العاملة الانكليزية ) حول طبيعة التاريخ الذي تحكمه الصراعات والتوترات بين الثقافات ( وأنماط العيش ) والتي يرى( ارمان متلار) إنها تجليات ترتبط إرتباطا كليا بالثقافة وتشكّل الطبقات
 طالب أعضاء اليسار الجديد بإجراء تغييرات جذرية في المجتمع الأمريكي؛(يصنف التيار عموما على إنه راديكالي يهدف الى القيام بإجراء تغيير جذري في هيكل النظام الرأسمالي ) وهاجم الأعضاء معظم المؤسسات الرئيسة نتيجة إعلانها تأييد المبادئ الديمقراطية مع فشلها في إنهاء مظالم مثل الفقر، والتفرقة العنصرية، والفوارق بين الطبقات. وعارض الكثير من اليساريين الجدد الرأسمالية وإعتقدوا إن الرغبة في تحقيق الأرباح تؤدي إلى الإمبريالية وهي سياسة تفضّل مد النفوذ ليتعدّى إلى دولة أخرى ، ولهذا رفعوا شعار إستبدال نظام الربح بنظام تلبية الحاجيات دون أية تحليلات مقنعة عن آليات العمل وعما اذا ماكان ممكنا من الناحية العملية .


وكان أوسع هجوم تعرض له هذا التجمع ، جاء في كتاب الباحث في معهد منهاتن للأبحاث (ستيفن مالنجا )  42 بكتابه الصادر في عام 2005 ، حيث اعتبر ان هذه المجموعة قد ظهرت بعد أن قامت الحكومة بضخ أكثر من ثلاثة مليار دولار لمنظمات المجتمع المدني ومنظمات خيرية أخرى وإن افكار اليسار الجديد معادية للحياة الامريكية وتشكل خطرا على القطاع الخاص والشركات الكبرى التي تمثل نجاحا لنمط الاقتصاد الامريكي المبني على المبادرة الخاصة ، وانهم ينتشرون في نقابات العمال وبين الطلبة في الجامعات وبالتالي فانهم يهددون مجمل الاقتصاد الامريكي
ولكن الملاحظ إن (مالنجا) رغم هجومه الشرس لم يتطرق الى الأسس الفلسفية لليسار الجديد وإنما تعمد أن يفرغهم من أي مضمون فكري ليبسط الموضوع ويطرح ، إن مبررات موقفهم تكمن في معادتهم لشركة( وال مارت) التجارية العملاقة والتي تمتلك مئات المتاجر عبر الولايات المتحدة، لذا يحكي( مالانجا) قصة نشأة( وال مارت) كمثال للشركات الأمريكية الناجحة حيث قامت شركة وال مارت على أسلوب جديد في الإدارة يهدف إلى تجميع البضائع المختلفة في متاجر عملاقة لتباع بأسعار أرخص من السوق لكي تباع بكميات كبيرة، كما تدار غالبية المتاجر بموظفين يتقاضون أجورأ ضئيلة، وبمقر رئيس متواضع جدا لخفض نفقات الإدارة لأقل من 2%، الأمر الذي ساعد الشركة على تحقيق نجاح كبير وسريع حتى أصبحت شركة يقدر ثمنها بحوالي 250 بليون دولار
هذا إضافة الى محاولته أن يطرح هذا التيار كنشاط محلي لايتمتع بأية إمتدادات عالمية ، ولهذا لم يناقش الأسس والمنطلقات الفكرية بروح علمية وموضوعية
لقد شهد هذا التيار المناهض للرأسمالية الجديدة ، التي فرزتها تكنولوجيا المعلومات ونشرتها وسائل الإعلام ، إنتشارا في التسعينات من القرن الماضي في اوربا ويرى الدكتور( معن الطائي) 43 في بحثه عن التاريخانية ، (كان هناك نوعا من التعاطف مع اليسار الجديد نابعا من روح ليبرالية إنسانية وليس من منطلقات عقائدية صلبة))
إن الأساس الفلسفي لهذا التيار هو ماسمي (بمدرسة فرانكفورت) وهذه المدرسة هي نتاج دراسات معمقة وبروح انتقادية للنظام الرأسمالي ولكن على الأسس التي حددها ماركس في رأس المال، وقد انتشرت أفكار هذه المدرسة بعد هجرة مجموعة من الشباب الألماني من مدينة فرنكفورت الى الولايات المتحدة الامريكية عام 1933
لقد ركزت تصورات آراء هذه المدرسة على تحليل العملية الديمقراطية التي توجد في الولايات المتحدة ، ووصفوها بأنها ديمقراطية محدودة جدا، هذا بالرغم من وضع هذا المجتمع وإعتقاد أفراده وطبقاته الاجتماعية بأنهم يعيشون بالفعل في مجتمع ديمقراطي. ولقد ظهر هذا الإعتقاد نتيجة لدور المؤسسات التربوية والنظام التعليمي الذي كرّس أساسا لإنتاج نوع من الشخصية الفردية التي تشعر بالسيطرة أو التبعية أكثر من شعورها بأنها تتمتع بخاصية الاستقلالية أو المساواة.
يصرّح بعض النقّاد بأنّ المنظور الثقافي لمدرسة فرانكفورت نقد نخبوي، رومانسي ، للثقافة الجماعية مع مظهر ماركسي جديد مصطنع. النقد الآخر، موجه من اليسار، بأنّ النظرية النقدية شكلّت المثالية البرجوازية التي لَيس لها علاقة متأصّلة بالممارسة السياسية ومعزولة كلياً عن أيّة حركة ثورية مستمرة.
وقد إنتهى الأمر بواحد من أكبر مفكري مدرسة فرنكفورت (ماركوز ) 44 للقول ، إن كل الأمكانات التحررية للعلم والتقنية محكوم عليها بأن تعود فضائلها على إعادة انتاج نظام الهيمنة والاستعباد
ثم اكمل( دانييل بال) 45 أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة شنغهاي، عملية تقويض الراديكالية الجديدة ، فقد بين التناقض الذي تقع فيه حين تدين تجليات الفكر الرأسمالي مع تصالح القائلين بها، مع بنية النظام الذي يتعايشون معه في الممارسة اليومية
وعلى الصعيد العربي يبرز المفكر الماركسي "سمير أمين " ليتهم اليسار الجديد بعدم القدرة على إستيعاب التغير الهيكلي في النظام الرأسمالي ،وليعلن ثانية إن الحل يكمن في وجود بديل متماسك ، يتمثل  في حتمية جديدة تقود الى الأشتراكية ،  ويعتمد في هذا الطرح على :
أ- إن قدرة الرأسمالية على تجاوز أزماتها يزيد من القوة التدميرية لرأس المال ، الأمر الذي يزيد من حدة التفاوت بين الشمال والجنوب، ويقول في رده على سؤال لمجلة دويتشة فيلة ((إستطاع النظام الرأسمالي أن ينجز، خلال قرنين فقط، تفاوتا اقتصاديا على الصعيد العالمي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية الطويل لأنه يعتمد الجشع والتراكم. ففي بداية القرن التاسع عشر كانت نسبة التفاوت بين الشعوب من واحد إلى اثنين، بينما أصبح هذا الفارق اليوم من واحد إلى ستين. إن استمرار تراكم رأس المال عملية لابد وأن تؤدي بطبيعتها إلى أزمة لأنها تقوم على نمو  أسرع وبالتالي إلى نمو فلكي في وقت قياسي. إنه نمو سرطاني لابد أن يؤدي إلى الموت ))
ب – إن البديل الأشتراكي سيتحقق عبر سلسلة من التغييرات التدريجية يسميها الموجات المتتالية
انه هنا يستعيض عن التاقض الذي إكتشفه ماركس بين قوى الإنتاج ووسائل الإنتاج بالتناقض الإقتصادي بين الفقر والغنى، ولكنه يظل متمسكا بحتمية هذا التناقض ، ويتجاهل القدرة الكبيرة للنظام الرأسمالي على التكيف والمرونه في إستنباط هيكلية جديدة قد لايمكن تحديد شكلها وطبيعتها مسبقا ، وربما ما يجري اليوم من تطورات هيكلية متسارعة تجعل من الإشتراكية بالنمط الذي يفكر به الدكتور سمير امين واليسار الجديد، مجردأفكارا من الماضي، تحمل قيمة تاريخية فحسب، وأن على اليسار الجديد أن يبحث عن تفسيرات أكثر واقعية لحركة التاريخ المعقدة 
وعموما فإن منظرو اليسار الجديد الجدد بدوا وهم يبحثون عن صيغ جديدة للعمل ، كقصبة مرضوضة في مهب الريح ، كما قال مرة القائد الآشوري وهو يحاصر اسوار عكا ، لإنهم يتحركون باتجاهات متناقضة احيانا ، وقد تكون مواقف الفيلسوف وعالم الإجتماع سلوفاج زيزك مثالا على ذلك ، فهو يطلق أحيانا مصطلحات عامة تتحمل الكثير من التأويل والدلالات كقوله : لا أخلاق بدون إيمان ،أو كوصفه مخترع الوندو في الكومبيوتر بأنه عدو التقدم ، أو إعتباره أن المجتمع البشري قد حولته العولمة وما بعد الحداثة الى مجتمع استهلاكي
وهو لايتعمق بالبحث في البدائل الممكنه ويذهب الى إعطاء احاديث ساخرة أو يكتب في الدفاع عن عناصر القاعدة بإعتبار أن عمليات التعذيب التي جرت بحقهم لم تكن إنسانية ،في ذات الوقت الذي يبرر فيه همجية روبسبير
ويكتب في النيويورك تايمس في عدد آذار 2007  : إننا نعيش في (وسط ) فساد أخلاقي لأن اللذين يمسكون بالسلطة يحاولون بإصرار كسر جزءا من عمودنا الفقري الأخلاقي ويعمدون الى إفساد أكبر منجزات حضارتنا ( حساسيتنا الأخلاقية التلقائية )
ومن المعروف ان زيزك يزوّق حديثه التلفزيوني  وتعليقاته الصحفيةعادة ببعض الطرائف السياسية  الساخرة ولايميل الى البحث المعمق، ففي إحدى  مقالاته السياسية في النويورك تايمس كتب :إن إحدى النتائج الواضحة للغزو الأميركي هي أنه ولد في العراق كوكبة سياسية أيديولوجية أكثر تطرفا وعنادا مما كان يمثله صدام.
وأضاف أن هذا أدى إلى هيمنة القوى السياسية الموالية لإيران, بل إن الغزو الأميركي سلم العراق للنفوذ الإيراني.
وقال زيزك إنه لو حوكم بوش من طرف قاض ستاليني لحكم عليه فورا بأنه "عميل إيراني", مشيرا إلى أن الانفجارات العنيفة التي ميزت سياسة بوش حديثا هي في الواقع نتيجة للتخبط وليس للممارسة المنطقية للسلطة.
وشجب المعلق تكرار البعض أن العالم أفضل بدون صدام, مذكرا بأن من يقول ذلك يريد طمس ما أدى إليه التدخل العسكري ضده من آثار سياسية وأيديولوجية خطيرة.
وأضاف زيزك أنه لا يعارض أن تصبح أميركا شرطيا للعالم, بل إنه يرى أن فترة ما بعد الحرب الباردة تحتاج لمثل هذا الشرطي.
وواضح هنا عمق التناقض في بنية التحليل السياسي فهو على سبيل المثال يريد من امريكا ان تكون شرطيا ولكن بمواصفات اخلاقية تصل الى ابعد من افكار فلاسفة المثالية الطوباويين.
لقد أدت المواقف المتناقضة في السياسة المحلية (اوربا ) والسياسة الدولية الى إنحسار أية تأثيرات هامة لتيار اليسار الجديد في الأحداث الأجتماعية المتغيرة بتسارع في العالم وإنحصر دوره في المجال (النقدي الثقافي )

37
أثر قوة التغيير الذاتية في التقنيات الحديثة على وسائل الأعلام
د.ذياب فهد الطائي
 
 15/ 7
إن التكنولوجيا  الجديدة تعمل على خلق الأسواق وليس البحث عن أسواق وهذه الأسواق التي يتم خلقها وفق أنماط إستهلاكية محددة سلفا ومنتجات قياسية في مستوياتها ، يجب أن يقابلها إنخفاض واضح في كلف الانتاج والاسعار ، ومن المطلوب أن تكون السلع التي ستضخ الى هذه الأسواق ،سلعا نمطية وممكنة الإستخدام في أي جزء من العالم ، كجهاز الهاتف النقال أو الكومبيوتر أو التلفاز
إن الأكبر إنتاجا وتوزيعا هو الكومبيوتر في المرحلة الحالية ولهذا يجري تطوير شبكات الإنترنيت على نحو أصبحت معة ضرورية لكل بيت ولكل مدرسة ومعهد وجامعة 
 وفي الجدول التالي تفصيلات عن استخدام العالم لهذه الشبكة التي تتدخل اليوم بكل نواحي الحياة البشرية
مستخدمو الانترنيت وحجم السكان في  30- سبتمبر2009 (الأرقام بالمليون ) مع التقريب
 المنطقة 


                 
Ref.Internet Coaching Library
 ويمكن ان أشير الى الملاحظات التالية على تفصيلات الجدول اعلاه:
1- إن افريقيا التي يبلغ عدد سكانها مليار شخص لايستخدم الانترنيت فيها اكثر من 67،3 مليون شخص ويمثلون 6،8 % من إجمالي السكان ويعود هذا الاستخدام المتدني الى حالة تدني مستويات المعيشة وعدم توفر المال والوقت هذا رغم ان الزيادة التي حدثت بين عامي 2000 و2009 كانت بنسبة 1495%
2- في آسيا كان حجم السكان حوالي أربعة مليارات شخص ولكن نسبة الذين يستخدمون الإنترنيت لم يتجاوز 19،4 % وكانت التضاعف هنا بين عامي 2000و2009 حوالي 600%
 3- في الغرب (الولايات المتحدة الامريكية واوربا ) كانت نسبة مستخدمي الانترنيت حوالي 54% من إجمالي السكان البالغ 1،242 مليار شخص أي ان عدد مستخميه بلغ 670 مليون شخص وتتركز النسبة الكبرى في الولايات المتحدة الامريكية حيث كانت حوالي 74% من اجمالي السكان
4- كدليل على ماذهبنا اليه من أن الكومبيوتر وإستعمال الشبكات على الانترنيت قد غدت لازمة وضرورية في حياة الانسانية ،نشير الى أن الزيادة التي تمت بين 2000و2009 .
في افريقيا : ارتفع الرقم من 4،5 مليون الى 67،3 مليون، وفي آسيا: إرتفع عدد مستخدمي الشبكة من 114،3 مليون الى 738،3 مليون، وفي اوربا: من 105،1 مليون الى 418،1 مليون، وفي الشرق الاوسط: من 3،1 مليون الى 57،5 مليون : وفي الولايات المتحدة الامريكية: من 108،1 مليون الى 263 مليون.
اما على نطاق العالم فقد ارتفع العدد الاجمالي من 360،9الى 1،734 مليار اي بزيادة مطلقة قدرها 1،373 مليار ، مما يعني  ان الزيادة السنوية في المعدل بحدود 152،6 مليون شخص
أما في الشرق الاوسط والبلاد العربية ،فإن الجدول التالي الذي يتضمن إحصائيات 2008 ، يكشف عن 34 :
        
 
1- تدني النسبة والارقام المطلقة لأستخدام الأنترنيت
2- إن الأمارات والكويت والبحرين وقطر هي التي تتصدر الدول العربية ولكن ايران هي التي تمثل الثقل في نسبة مستخدمي الانترنيت الى السكان، كما إن نسبة مستخدمي الانترنيت فيها الى سكان الشرق الاوسط هي النسبة الاعلى إذ بلغت 39،4 %
 3-  لابد من الإشارة هنا الى أن هناك تسارعا في معدلات الزيادة السنوية إذ بلغت في ايران بحدود 1،209 مليون وفي البحرين 18،7 الف وفي السعودية 390 الف
4- لايشير الجدول الى الزيادات الكبيرة في إستخدام العراقيين لشبكة الانترنيت ، فقد ذكرت جريدة الاتحاد في عددها الصادر في 3/3/2010 إن عدد المسجلين رسميا لدى الحكومة العراقية من مستخدمي الانترنيت كان 2،450 مليون شخصا علما بأن أعداد من يستخدم مقاهي الإنترنيت المنتشرة في عموم العراق يفوق هذا الرقم
 [1] في تقريره المقدم الى الندوة التي عقدت في لندن بعنوان (تحديات الأعلام العراقي وطرق حلها ) ، يذكر صلاح التكمجي  35: إن المواقع العراقية بلغت حتى منتصف  2008 ما يقارب من (1800 ) موقعا منها :
81 شبكة خبرية
486 منتدى
45 للأحزاب والكيانات السياسية
22 أدبي
17 كردي
15 تركماني
وحيث إن معدل الناتج المحلي العراقي يقدر بحدود 75 مليار دولار وإنه يمكن أن ينمو بواقع من 7%الى 10% (بسبب الزيادة في إنتاج البترول  والتوجه العالمي للأستثمار في العراق ) فان هذا يعني إنه في المتوسط سيكون حجم الإنفاق على هذا القطاع بحدود من 6,4 مليار دولار الى 7مليار دولار

ومما تجب الإشارة اليه هنا ، إن الإعلام الإلكتروني ليس تجارة فحسب (بكل تفصيلاتها السابقة) بل، هو مصدر مهم من مصادر المعلومات والأخبار والدعاية
ففي دراسة للدكتورة إيناس أبو سيف حول استخدام الصحفيين المصريين لشبكة المعلومات أجاب 100% من الصحفيين المستطلعة آرائهم انهم يتعاملون مع الكومبيوتر للحصول على المعلومات وأجاب 82% من العينة انهم يجدون ذلك مفيدا جدا وان 80% يرجعون للشبكة في إستقاء معلوماتهم كما أجاب 3،90 % من العينة ان الشبكة تضيف لإداهم الصحفي
ودرست(د. نجوى عبد السلام ) 36 أنماط ودوافع إستخدام الشباب المصري لشبكة الإنترنت و إلى التعرف على الإستخدامات المختلفة لطلبة الجامعات المصرية ، بين 18 سنة حتى سن 35 وذلك بإختيار عينة عشوائية من 145 شخصا ، بقصد التعرف على أنماط ودوافع وكثافةالأستخدام ، 
وخلصت الدراسة الى النتائج التالية :

1-66.5% يستخدمون الشبة بكثافة
2- 8% بشكل متوسط
3- 4.5 % بشكل قليل
4- 72.5% من العينة تستخدم الشبكة للحصول على البريد الإلكتروني المجاني
5- 4.5% للتعرف على المستجدات
6- 25 % بدافع البحث
7- 59% بدافع التعلم .......

كما بينت الدراسة إن هناك علاقة طردية بين درجة معرفة اللغة الأنكليزية واستخدام الشبكة ،فالمتعلمون ممن يحسنون القراءة باللغة الأنكليزية تزداد نسبة المستخدمين منهم للشبكة
كما بينت الدراسة أن هناك علاقة عكسية بين أعمار المستخدمين للشبكة وعددهم ، فكلما تقدم السن إنخفض عدد المستخدمين
إن هذا الإستخدام المتزايد لشبكة المعلومات الإلكترونية قد أثر على أعداد الذين يشترون
الصحف الورقية وبالتالي، فإن إنخفاض المبيعات والذي كان حادا في الكثير من دول العالم دفع بأصحاب الصحف ومموليها الى التفكير الجدي بالتحول الى الصحافة الألكترونية، وبالفعل تحولت العديد من الصحف والمجلات من الطباعة الورقية الى الإنترنيت وربما ساعدت بوادر الأزمة الأقتصادية التي تجتاح العالم في الكساد الذي تعرضت له الصحافة الورقية إبتداء من عام 2007  والتي لم تجد أمامها الا طريقين:
1- الغلق وتسريح منتسبيها
2- التحول الى الإنترنيت
وقد تحولت بالفعل صحف ومجلات أمريكية عريقة منها (روكي ماونتين نيوز ) و (كرستيان مونيتور )  ومجلة( بي سي ماجازين ) من يومية الى إسبوعية ،كصحيفة ورقية  وبدأت النشر يوميا على الأنترنيت .
وكان رجل الصحافة المعروف( مردوخ )37 قد حذر بقوة مستشرفا مستقبل الصحافة الورقية الصعب ، وقال إن (جيلا جديدا من مستخدمي الإعلام، نما علي أن يحصل، علي المحتوي ساعة يشاء، كيفما يشاء، وحتى كما يشاء). وأضافإن (القوة باتت تبتعد عن الطبقة المتحكمة القديمة في قطاع الإعلام.. رؤساء التحرير، والمديرين، وحتي المستثمرين). ونبه الي أنه من التحديات التي يواجهها القطاع اليوم، الإستفادة من ثورة الانترنت، ووصف هذه التقنية بأنها (علي الرغم من أنها لا تزال جنينا، إلا إنها تدمر وتعيد بناء أي شيء في طريقها). ولعل أبرز ما قاله مردوخ، هو تشبيه لافت، اعتبر فيه أن (الإعلام سيصبح مثل الوجبات السريعة.. يستهلكها الناس خلال حركتهم، حيث يشاهدون الأخبار، الرياضية والأفلام خلال السفر علي أجهزتهم الجوالة)
و يعتقد مردوخ إن أمام الصحف التقليدية سنوات كثيرة من الحياة، ولكن مستقبل الطباعة والحبر، هي أنه سيكون واحدا فقط من الكثير من القنوات الإعلامية، التي يختار من بينها المستخدم




38
أثر قوة التغيير الذاتية في التقنيات الحديثة على وسائل الإعلام
د. ذياب فهد الطائي
4/15
وقد نبه الرئيس الامريكي جيرالد فورد (1913-2006) في سبعينات القرن الماضي الى النفوذ المتزايد لتأثير هذه الوسيلة الاعلامية الجديدة في الحياة السياسية فقال: إن التلفزيون هذه الآلة الجديدة التي يتم بواسطتها (عملية اقناع الشعب الأمريكي ).
إن الملاحظة البارزة في هذا المجال والتي تؤشرها المعلومات السابقة ،هي أنه أصبح من المسلم به على نطاق واسع فكرة التأثير الأجتماعي لوسائل الاعلام الحديثة، كما كشف سير التنامي الكبير للتوظيفات الهائلة في العملية الاعلامية، عن الوظيفة الآيدلوجية لوسائل الإعلام في الدفاع عن النظام الرأسمالي ، و سادت أساليب بالغة التعقيد مدعومة بنظريات ومفاهيم مدروسة بعناية ،طرقا متنوعة للتضليل الأعلامي لخدمة ذات الاهداف الآيدولوجية
وبسبب إستقطاب بعض البرمج لأعداد متزايدة من الجمهور فقد وجدت الشركات الكبرى الباحثة عن الربح فرصتها في سيطرتها على محطات البث التلفزيوني لتركز بيدها القوة الاكثر تأثيرا في مجال الدعاية والأعلان على نحو لم يشهده أي من العصور السابقة واصبح الأعلان يحسب الثواني وبمبالغ طائلة وقد نتج عن ذلك ان سيطرت تلك الشركات على 77% من محطات التلفزة كما يذكر (روبرت بيشوب )، وهذا يعني ان فرصا استثمارية مهمة قد توفرت امام تحقيق ارباح كبيرة
وفي دراسة نشرتها مجلة المستقبل( لميهوب غالب)  جاء فيها ان برنامج ( ساعة الحقيقة ) الذي تبثه القناة الفرنسية الثانية يشاهده 8 مليون شخص ، كما شاهد 720 مليون شخص في 20-حزيران – 1969 رائد الفضاء الامريكي ارمسترونج وهو يخطو على القمر  .
وفي دراسة أمريكية تم الكشف فيها عن معدل حضور الطالب الى الجامعة الذي لم يتجاوز 600 ساعة سنويا في حين إن معدل مشاهدته للتلفزيون 1000 ساعة سنويا ،أما بالنسبة لفئات المجتمع الأخرى فقد أشارت الدراسة التي قامت بها اسوشتس و فيرونس سوهلر الى أن معدل الساعات التي يقضيها الفرد أمام التلفزيون تصل الى 2229 ساعة سنويا في أوربا  
وفي دراسة لمجموعة المرشدين العرب لعام 2007 تبين أن القطريين يقضون 3 ساعات في المعدل أمام شاشات التلفزيون وإن نسبة 96% منهم يحصلون على الأخبار من نشرات التلفزيون
وفي وقت لاحق من عام 2009 ذكرت محطة( إن بي سي) الأخبارية التي إحتكرت بث المبارات النهائية لكرة القدم الامريكية انها تقاضت 3ملايين دولار عن كل 10 ثواني اعلانية
 جاء في إحصائية لعام 1977 إن عدد أجهزة التلفاز تبلغ حوالي مليار و280 مليون في مختلف انحاء العالم ، وبلغت ايرادات الاعلانات التلفزيونية فس عام 1969 ثلاثة مليارات وستمئة مليون دولار في الولايات المتحدة الامريكية وحدها.
ولكن أكبر حجم للمشاهدة التلفزيونية كانت في عام 2008 حين عقدت المبارات الاولمبية في الصين للفترة من 08 الى 24 آب حيث بلغ العدد الاجمالي 7،4 مليار شخص عبر العالم
وصفت( مجلة بزنز ويك) الامريكية، التلفزيون ، بأنه أرخص وسيلة ترف للفقراء
لقد أعادت هذه الوسيلة الإعلامية الى المواصفات الجسدية للعاملين بحقل الإعلام أهميتها ذلك لأن من اشتراطات العمل على الشاشة الصغيرة ، الطلة الجميلة والمظهر الانيق والصوت المؤثر واللباقة وحسن التصرف ، هذا بالإضافة الى المهارات المكتسبة كضبط زوايا الصورة والاضاءة وعمليات المونتاج والفيديو ، ذلك لأن المراسل التلفزيوني مثلا قد يقوم بإرسال الافلام الى المحطة التي يعمل بها
كما إنها وسعت من مساهمة قطاع الإعلام في الناتج القومي الإجمالي ووفرت فرصا عديدة لإستيعاب عمالة متنوعة تمثلت في العاملين مباشرة على هذه الوسيلة كمعدي ومقدمي البرامج والمصورين والمخرجين والعاملين في مختلف مجالات العمل التلفيزوني الاخرى هذا فضلا عن العاملين في صناعة وتسويق هذه الاجهزة ، علما إن إنتاج التلفزيون يتطلب مراحل انتاج المعقدة والتي تتطلب مهارات هندسية عالية ، إذ يخضع بناء الصورة الإلكترونية الى معالجة تتم في حدود وظائف مختلفة فضلا عن عمليات معالجة الصوت    
لقد أمكن، عبر الراديو والتلفزيون ولأول مرة في تاريخ الانسانية، أن تنتقل المعلومات عبر العالم بحرية غير مسبوقة مماسهل ان تبدأ ثورة ما سمي بحرية المعلومات التي ارست قاعدتها في الفترة اللاحقة ولتشكل مدخلا للعالم الجديد
يمكن الإستدلال على إتساع نطاق مساهمة المرأة في التلفزيون (كمثال )أنه في عام 1990 ، بلغ عدد السيدات القياديات (في مصر ) في هذا الجهاز 62 امرأة يشكلن 63% من إجمالي العاملين ، وهذا يكشف بالطبع تغيرا كبيرا في هيكلية العمالة التي جاءت بها هذه الوسيلة الإعلامية
أما الجدول التالي فانه يكشف تطور حجم العمالة النسائية في التلفزيون في جمهورية مصر العربية
تطور عدد  ونسب العاملين في  التليفزيون حسب النوع
خلال الفترة (1990- 2007)
السنة               عدد الرجال            %              عدد النساء          %
1990                2752            61                 1769            39                  
1995                3477          56                  2745             44
2000                3717           53                  3241           47    
2005                3912          55                   3182          45
2006                4085           56                  3166          44
2007              3996            56                 3136            44  

                                       
المصدر : اتحاد الإذاعة والتليفزيون . الإدارة العامة للحاسب الالي
وما يعنينا في الجدول أعلاه هو إرتفاع نسبة النساء العاملات في التلفزيون من 39% عام 1990 الى 44% في عام 2007 وكنتيحة لذلك يقابل هذا الأرتفاع انخفاض في نسبة الرجال العاملين في التلفزيون المصري من 61% في عام 1990 الى 56% في عام 2007
 أما في الاردن فإن الإحصائيات تشير الى أن عدد الصحفيات في التلفزيون و 34 صحفية من أصل 185 صحفيا أي أن  نسبة النساء الى الرجال حوالي 18%
وفي تركيا التي بدأ فيها البث التلفزيوني متأخرا( في عام 1960 م) حين انطلقت أول قناة حكومية أعقبتها في عام 1990 أول قناة للقطاع الخاص، فإنا نجد إن تطورا متسارعا قد حصل في العمالة النسائية إذ إقتحمت المرأة هذه الوسيلة الأعلامية لتحتل مراكز متقدمة فيها :
مخرجات تلفزيونيات        6،24%
مساعدات مخرج            9،19%
منتجات برامج             7،28%
منتجات لحسابهن           8، 18 %
 وفي النشرة السنوية لمكتب الاحصاء المركزي في هولندة   لعام 2008 جاء مايلي :
عدد الرجال العاملين في صناعة وتجارة أجهزة التلفزيون 574800 مستخدم بين مهندس وعمل وموظف مبيعات
أما عدد النساء لنفس الفترة فقد كان 879200 مستخدمة بإختصاصات مختلفة
وبما ان إجمالي العاملين هو  1454000 مستخدم فإن نسبة النساء ستكون 50،60% وهذا يعني إن هذه الوسيلة الإعلامية قد هيأت فرصة كبيرة للنساء وقد يعني أيضا ان المهارات التقنية والتأهيل العالي قد ساعدا النساء على التوجه بكثافة نحو هذا الفرع من الصناعة الإعلامية
كما جاء بذات الاحصائية الصادرة عن مكتب الاحصاء المركزي لعام 2007 إن عدد الرجال العاملين في برامج التلفزيون كمذيعين ومخرجين وصانعي افلام ومعدي برامج كان 22140 شخصا أما عدد النساء فقد كان 22470 امرأة (المجموع الكلي 44610 ) أي بنسبة 50،36 % ،
 كان كل ماتقدم يؤكد بقطعية يقينية إن نظرة المجتمع في مطلع القرن التاسع عشر الى الطموحات الأكاديمية للمرأة ، تلك النظرة التي كانت مليئة بالريبة ، قد إنتهت في اوربا والغرب عموما، وإن التحول البطئ في الشرق في عدم الإعتراف بالقيمة الانسانية للمرأة لم تعد على الأقل تتماثل وما ذكرته الروائية هاريت مارينو في كتابها (مذكرات السيرة الذاتية) المنشور عام 1876 والذي ذكرت فيه انه( في أيام صباها لم يكن إقبال الفتاة على الدراسة يعتبر من الإمور الحميدة )

39
الذاتية في التقنيات الحديثة على الإعلام أثر قوة التغييرات
3/15
د. ذياب فهد الطائي
لقد كانت الإضافة التي قدمها الراديو الى وسائل الإعلام هامة جدا في حينه فقد أصبح من الممكن أن يستمع المتلقي الى مؤثرات صوتية وهو يتلقى الخبر ،كما أصبحت العوائق الطبيعية كالصحارى والبحار والجبال غير قادرة على وقف تدفق المعلومات ووصولها الى المتلقي ،هذا فضلا عن تخطي الصوت المنطلق من الراديو الحواجز السياسية،كما إن الراديو لايتطلب من المتلقي أن يعرف القراءة ، ويرى  (ماكلوهان )، إن جهاز الراديو يمنح المتلقي مجالا للتحليل والتصور أكثر من الصورة التلفزيونية
لقد أدى هذا الاختراع الى نشاط تقني كبير وسّع من نطاق البحوث والصناعات العاملة في هذا المضمار فقد نشطت فروع الصناعة المختلفة في رفع كميات الإنتاج مماأدى الى زيادة حجم العمالة، كما توجهت الإجهزة الرسمية التي تعمل في نطاق مواجهة الدعايات المضادة الى تكثيف جهود علمائها في إبتكار أجهزة التشويش ،التي مرت عملية تطويرها بعدة مراحل، إبتدأت في عام 1938 في النمسا ، وفي الفترة 1948-1960 عرف ما سمي بالتشويش المكثف ، ثم بدأ التشويش الانتقائي (1960-1963 ) ثم محاولات التأثير على التشويش (1963-1968)
وكتأكيد على تأثير كل هذا على زيادة حجم العمالة نشير الى أنه تم توظيف 5000 عامل في الإتحاد السوفييتي يعملون على حوالي مئتي جهاز تشويش
ولإعطاء صورة أكثر وضوحا عن مدى إنتشار هذه الوسيلة الإعلامية وحجم العمالة المطلوبة لضمان تدفقها الى الأسواق العالمية ومن ثم تصور حجم الاجهزة التسويقية المختلفة التي تعمل على إيصالها الى مختلف انحاء العالم نورد مايلي:
 

 
ونلحظ إن الراديو كوسيلة إعلامية جديدة قد حددت إشتراطاتها الخاصة في العاملين عليها ،
فهي قد أعادت واحدة من الصفات الجسدية الى عوامل النجاح في إستخدام هذه الوسيلة ونعني بها الصوت ، وبالطبع ، هذا لايمنع من تأهيل الصوت الملائم عبر تمرينات متنوعة ليكون أكثر إقناعا وحميمية أو أقدر على الإثارة
كما تطلبت عملية إنتاج هذه الوسيلة مهارات تقنية عالية ومؤهلات هندسية وجدت مجالها في مناهج المدارس الصناعية والمعاهد والكليات الهندسية مما فتح المجال أمام توظيف مئات الآلاف من المدرسين والمساعدين
وكما نلحظ في الجدول التالي، فان عمل المرأة في جمهورية مصر العربية يشكل نسبة تفوق نسبة عدد العملين من الرجال الأمر الذي لايتوفر في قطاعات اخرى عدا قطاع التعليم
تطور عدد  ونسب العاملين   بقطاع الإذاعة حسب النوع
خلال الفترة (1990- 2007)
 
            
المصدر : اتحاد الإذاعة والتليفزيون . الإدارة العامة للحاسب الالي
 
 في عام 1933 تم إختراع التلفزيون ، وسيلة إعلامية جديدة، أكثر إثارة وأكثر تأثيرا ، فأنت تشاهد الخبر مصحوبا بالصورة المتحركة والصوت ، أي انه يتم تلقي الموضوع عبر حاستي السمع والبصر لهذا فإن هذه الرسالة أكثر رسوخا في ذهن المتلقي ، كما أن هذا الجهاز بما يقدمه من رسائل متنوعة المضامين ، يلبي حاجة المتلقي
كانت معركة الحصول على براءة إختراع هذا الجهاز، حامية بين عدد من العلماء، ولكنها حسمت رسميا في عام 1939 لصالح الأمريكي (فيلو فارنزوورث ) وهو مدرس في مدرسة العلوم العالية وكان يعمل على إختراعه هذا وهو في العشرين من عمره

40
أثر قوة التغييرات الذاتية في التقنيات للحديثة على وسائل الأعلام

د. ذياب فهد الطائي
2/15
 
ويمكن أن نشخص بوضوح الاشتراطات التي تطلبتها كل مرحلة تاريخية من رجل الإعلام ، كما نستطيع إستكشاف هيكلية البنى لمؤسسات الإعلام وذلك على النحو التالي:
1- في مجتمع ماقبل التاريخ
المقصود هنا بمجتمع ما قبل التاريخ ، المجتمع الأنساني قبل الوصول الى معرفة الكتابة ، لقد بدأ البشر قبل أكثر من سبعة آلاف سنة بالسكن على شكل مجمعات سكنية صغيرة وكان التفاهم يتم بالإشارات وببعض الكلمات التي تم التعارف على إستخدامها وقد ظهرت الحاجة الى نشر تعليمات السلطة، التي بدأت تتشكل أبويا ، على سكان تلك التجمعات كما ظهرت الحاجة الى ان يستخدم المجتمع ما نسميه اليوم الانذار المبكر عن طريق وضع العيون على مسافة من المجمعات السكنية ليقوموا بالتحذير من هجوم الاعداء أو الحيوانات وكان هؤلاء الاشخاص بمثابة الإعلاميين اليوم الذين يذيعون الاخبار او تعليمات السلطة وقوانينها ، يتم إختيارهم لهذه المهمة من الرجال، وعلى ان يكونوا من القادرين على الصبر لساعات طويلة يتابعون رصد التحركات الغريبة وان يكونوا من الشجعان بحيث لايخافوا البقاء لوحدهم ليلا كما كان يفترض فيهم أن يكونوا من أصحاب الاصوات الجهورية التي يمكن ان تسمع من مسافات طويلة
مما تقدم يمكن القول إن الإشتراطات والمواصفات المطلوبة في هذه المرحله التاريخية، هي المهارات الجسدية، وأن الهدف هو خدمة المجتمع الذي ينتمي اليه وهذه الخدمة دونما مقابل 
2- بعد ان توسعت المجمّعات السكنية وتم ابتكار الكتابة واصبح المعبد باعتباره مكان التجمع الرئيس للسكان ، تغيرت الاشتراطات المطلوبة من المهارات الجسدية الطبيعية الى المهارات المكتسبة التي تتطلب تأهيلا خاصا وهكذا اصبح رجل ، هو الشخص الذي يجيد الكتابة والقراءة وأصبح الهدف ،هو خدمة السلطة عبر نقش الأوامر والتعليمات على جدران المعبد ليقرأها بعد ذلك للناس ذلك لأن مخنة الكتابة والقراءة كانت محصورة بيد الطبقة الارستقراطية وكان من يتم اختياره لهذه المهمة يبدأ منذ الصغرليتعلم في مدرسة تسمى بيت الألواح ، وكانت هذه المدرسة في مدينة اور ملحقة بقصر الملك زمري – ليم ،ويمكننا ان نقرر دونما تردد ، ان اهم انجاز حققته البشرية في حقل الاعلام هو ابتكار الكتابة
وهنا تغيرت الوضعية الإجتماعية لرجل الإعلام إذ غدا يمتلك نفوذا إجتماعيا كبيرا وتغيرت أيضا وظيفة الاعلام لتقتصر على خدمة النظام ممثلا بالحاكم
كما دخلت ممارسات جديدة تمثلت بالتلاعب بالتاريخ او بالحوادث من اجل اهداف وغايات خاصة ، فكما مر عند الحديث عن كتابة تاريخ معبد الشمس في جنوب العراق فقد تم التلاعب بتارخ بناء المعبد ولم يكتفوا بذلك بل انهم كتبوا على الجدار :إن هذا ليس كذبا انه الحقيقة الناصعة
وفي هذه المرحلة لم يسجل لنا التاريخ حضورا للمرأة في هذه النوعية من العمل الاجتماعي
3- في المرحلة اللاحقة بدأت تتشكل الإمبراطوريات وتتقدم الجيوش الغازية الى مسافات لم يحلم بها الانسان من قبل وأصبح لزاما أن تتطور الكتابة لتصبح بلغة اكثر سلاسة ويسرا وأصبح موضوع ارسال المعلومات الى الجند وتعميم الاوامر على الناس امرا بالغ الاهمية
كما أن تطورا مهما قد حدث وأثر بشكل مباشر على مجمل الحياة الانسانية  ، انه( الدين التوحيدي) ، فقد ظهرت اليهودية ومن ثم المسيحية ومن بعدهما الإسلام، وكان هذا التوحيد قد فرضته جملة عوامل ربما واحد منها الحاجة الى توحيد المجتمع وخلق مجموعات كبيرة متجانسة بهدف إيجاد قاعدة قوية للتوسع الخارجي
من هنا نشأت الحاجة الى نوع جديد من رجال الإعلام يتميز بما يلي:
1/3 – المعرفة الواسعة بالدين واساسياته
2/3 – القدرة على الاقناع
3/3 – المظهر الحسن
وبشكل عام كان رجال الإعلام أقرب فئات الشعب الى السلطة بعد قادة الجيش
وكان من نتائج ذلك بدء إنشاء المكتبات لتكون مرجعا للدارسين ومكانا لإطلاع الناس على تاريخ حكومتهم وأحداث بلدانهم، وكانت مكتبة الاسكندرية .
 كانت الاسكندرية قد بنيت في عام 331 قبل الميلاد ، بناها الاسكندر المقدوني وتشير النصوص التاريخية الى إن الاسكندر قد بنى المدينة بعد أن اقنعه كهنة إله مصر الفرعونية (آمون ) بذلك
شكلت المكتبات إرشيفا مهما للرجوع اليه ومن أكثر الجماعات المستفيدة من هذا الارشيف هم رجال الإعلام، فمكتبة الاسكندرية مثلا كانت تحتوي على جميع المعاملات الرسمية مكتوبة على ورق البردي ، وتتضمن تلك الوثائق جميع المعلومات عن تربية الخنازير ، وصنع البيرة،وتجارة العدس وإدارة الحمّامات وتفويضات اعمال الصباغين وتشير بعض تلك الوثائق التي تعود الى عام 258 م الى ان ديوان المحاسبة التابع لوزير المالية أبولونيو استلم خلال 33 يوما 434 لفيفة من البردي
وفي عام 380 م قام البابا داماسس الاول بتأسيس المكتبة الكاثوليكية في كنيسة لورنسو ثم كانت مكتبة بغداد التي دمرها المغول والمكتبة الفاطمية في القاهرة التي كانت تضم اكثر من مليون كتاب والتي تم تدميرها عام 1175م من قبل القوى السلفية التي أطاحت بالفاطميين في مصر.
وتعليقا على موضوع تدمير المكتبات الإسلامية لابد لنا أان لاننكفئ على مسائل يقينية صغيرة صنعناها لأنفسنا ونظل ندور في فضاءات ضيقة صنعتها إنتماءاتنا المذهبية وأن ندرس التاريخ كما هو لاكما نوده ان يكون 
من هنا أصبح لزاما على رجل الإعلام أن يكون على إطلاع بما تحتويه المكتبة من وثائق، ربما يحتاج اليها في كتابة تقاريه وتحقيقاته ، وهكذا أضيف عامل جديد الى مهارات رجل الإعلام
ويمكننا أن نشير الى أن الشاعر الإسلامي حسان بن ثابت كان رجل إعلام صدر الاسلام وأن الصحابي أبا ذر الغفاري كان رجل اعلام المعارضة الإسلامية بما كان يمارسه من دور محذرا ومنتقدا علانية في مختلف المحافل في الجزيرة العربية
ويمكن أن نضيف الطلب الذي وجهه الخليفة عمر بن الخطاب الى زعماء المسلمين أن يرسلوا له كل شاعر وكل ذي نجدة ليرسلهم الى الحرب الدائرة في العراق مع الفرس والذي كان يمثل فهما واعيا لعملية التعبئة و التحريض والاثارة التي يمارسها رجال الاعلام اليوم تحت عنوان
" الدعاية السياسية و اغتصاب الجماهير" كما شرح ذلك الكاتب الروسي المهاجر الى فرنسا "سيرج تشاخونين "في كتابة المطبوع عام 1939   
وفي هذه المرحلة ايضا لم يكن للمرأة من حضور في هذه الوظيفة وبالطبع فان وجود بعض الكاهنات لايعني إنهن من شريحة هيئة الاعلام         
4- إبتدأت مرحلة جديدة في مسيرة تطور وسائل الاعلام بإختراع المطبعة ويمكن تقسيم هذه المرحلة مجازا الى قسمين
1/ 4- إختراع المطبعة في عام 1440، حين تمكن يوهنز غنزفلايش تسر لادن غوتنبرغ  وهو من مدينة ماينز في المانيا والذي كان يعمل في إسقفية ماينتز في حفر النحاس وصقل الأحجار الكريمة ، من أن يصنع قوالب لصب الأحرف ومطبعة هي عبارة عن مؤالفة بين مكبس النبيذ وتجليد الكتب وحبر أسود مصنوع من الزيت
في عام 1450 – 1455 إستطاع غوتنبرغ من طبع نسخة من الانجيل
لقد ساعد نجاح غوتنبرغ هذا في التوسع بطبع الصحف والمجلات والدوريات و الكتب وفتح الطريق واسعا اما الاعلاميين ليمارسوا دورا اكبر تأثيرا في حياة الجماهيروفي التأثير على المزاج العام ، وكان من جراء ذلك ان انتشرت مكابس الطباعة في اوربا ففي عام 1465 بدأت ايطاليا بانشاء المطابع ثم في عام 1472 تبعتها فرنسا وفي عام 1475بدأت هولندة بنصب المكابس ثم انكلترا في عام 1489   وهكذا صدرت صحيفة رولاسيونالأسبوعية في المانيا عام 1605 ولكن مؤرخوا الصحافة الحديثة يرون اول صحيفة تفي باشترطات العمل الصحفي الحديث هي صحيفة الديلي كوران اللندنية والتي صدرت في عام 1702
ومن الطريف ان اشير الى ما تردد من شائعات وتكهنات بسبب انتشار الطباعة ، تتعلق بنهاية العالم
ولكانت اشتراطات العمل الاعلامي في هذه الفترة اكثر صرامة عما تطلبته المراحل السابقة فقد كانت بدايات القرن الثامن عشر تنبئ بارهاصات سياسية واقتصادية كبيرة واربا تغلي وهي تعيش واقعا غير مكتمل الملامح فقد سقط الحكم الملكي في فرنس عام 1799 وانتشرت افكار التحرر وتقلص دور اكنيسة وصعدت طبقة البرجوازية التي شكلت فيما بعد تاريخ اوربا والعالم وهي ترفع لواء الرأسمالية التي اندفعت بقوة على تسارع الاختراعات والاكتشافات . رجل الاعلام اصبح مطالبا بتتبع كل هذه الحركة المتشعبة ومطالبا ايضا بنشر اخباره وتحليل منطلقاتها ولهذا فان عليه ان يكون يقضا سريع الحركة على صلة مباشرة بمصادر الاخبار وان يتفادى سلطة الدولة الجديدة وممارساتها القمعية مطالبا بضمان حقوقه بحرية العمل في نشر وتسويق ما يريد عبر وسائل الاعلام المتاحة (الصحف ، المجلات ، الدوريات ، الكتب )
وكان من نتائج هذه المرحلة المهمة هي زيادة عدد الذين يقرأون ويكتبون بعد ان اصبح الحصول على الكتاب اكثر يسرا وارخص تلفة رغم رداءة المطبوعات
في هذه المرحلة لم يسجل التاريخ اية نشاطات اعلامية للمرأة وربما يعود سبب ذلك الى صعوبة العمل الاعلامي من جهة وعدم وجود ضمانات للعاملين فيىه واستمرار النظرة الدونية للمرأة ككائن اجتماعي   
 
2/4 – اختراع المطبعة البخارية السريعةعام 1833 م والذي تم على يد الالماني فريدر نش كوينغ الامر الذي مهد لأن تكون الصحف والمجلات والكتب في متناول الجميع وعلى نحو اقل كلفة وايسر تناولا
لقد هيأت المطبعة البخارية لرجال الاعلام فرصة كبيرة لأن يكونوا على اتصال اوسع بالجماهير ذلك لأن هذه المطبعة كانت اسرع من مطبعة كوتنبرغ بأربع مرات كما وفرت فرصة للطباعة الملونة وفي عام 1855 امكن تخفيض كلف الانتاج للنسخة الواحدة من 6 سنت الى سنت واحد وان يتم طباعة 2200 صفحة في الساعة بدلا من 300 صفحة في المعدل بالمطبعة السابقة وكان عدد الصحف في الولايات المتحدة الامريكية كما يلي:
200 صحيفة يومية
2300 صحيفة اسبوعية
وبلغ التوزيع اليومي 20000 نسخة
لقد ادى هذا التوسع في قطاع الاعلام الى زيادة اعداد العاملين على نحو لم يكن مسبوقا والى ازدياد نشاط انتاج معدات الطباعة والورق وان يشكل كل ذلك ولأول مرة مساهمة واسعة في اجمالي الدخل القومي
اصبح رجل الاعلام شخصية اجتماعية وكان اصحاب الصحف والمجلات يمارسون نفوذا سياسيا في المجتمع ولم تعد العملية الاعلامية كما في السابق تعتمد على النشاطات الفردية والمهارات الذاتية ، لقد بدأت تتحول الى عملية مدروسة ومخطط لها وتحتاج الى الدراسة والممارسة وفي هذه المرحلة بدأ العمل يأخذ صفة جماعية الى حد ما واصبحت هناك تخصصات متعددة ولم يعد الصحفي يعمل بمفرده بجمع مواد النشر وطباعتها والقيام بالتوزيع واعمال صيانة المكائن المستخدمه في الطباعة أي انه وباختصار قد دخل مبدأ تقسيم العمل الى المهنة (علما بان بعض محترفي الصحافة ظل يعمل كل ذلك بمفرده لأسباب مادية )، والصحافة في هذه المرحلة شكلت عنصرا ثقافيا ووسيلة اعلامية استطاعت ان تكون حاجة مهمة للفرد لايستغني عنها ، كما انها كانت تمل طابعا شخصيا مما جعلها اكثر قدرة على ان تحظى بقبول القارئ
 وابتداء من منتصف القرن الثامن عشر ابتدأت المرأة بدخول هذا العالم الذي كان يبشر بالأتساع فقد كانت الهولندية (أنا كاترينا ) صاحبة مطبعة وناشرة منذ منتصف القرن الثامن عشر (1720- 1775 )
كما عرفت الأمريكية أنا رويل من ولاية ماري لاند  صحفية محترفة فقد اصدرت صحيفة من اربع صفحات في عام 1831 بإسم (باول فراي)  وظلت تصدرها حتى نوفمبر من عام 1836
 وكانت اليزابث كوشران سي مان (1864 – 1922  ) والتي عرفت فيما بعد بعالم الصحافة بإسم نيلي بلاي من اشهر كتاب التحقيقات الصحفية وقد عملت في صحيفة (نيورك وورلد ) للفترة من 1880 ولغاية 1890
وقد تحولت المرسة مركريت فولر (1857-1944) الى العمل الصحفي كمراسلة صحفية ومحررة في صفحة (الفضائح )
 
5 – بدايات القرن العشرين شهدت التطورات الكبيرة الاولى في تكنولوجيا وسائل الاعلام فقد تم اختراع الراديو في عام 1920 ، وبغض النظر على الخلاف الذي مازال دائرا حول حقيقة من اخترع هذا الجهاز الذي غير كثيرا في مهام عمل الاعلام ، فان من المتعارف عليه انه مسجل باسم الايطالي جوليومو ماركوني (1874- 1937)

41
اثر قوة التغييرات الذاتية في التقنيات الحديثة على الاعلام
1/15

تطور وسائل الأعلام
 
د. ذياب فهد الطائي
 
مما لاشك فيه ان وسائل الاعلام ،مهما كان مستوى التطور التكنولوجي الذي تمثله ، تملك في طبيعتها (قوة ) جاهزة للاستخدام وفق المخططات التي يضعها رجل الاعلام ومن ورائه النظام الاجتماعي( الوسط السياسي الذي يعيش فيه )، ففي الدول التي لديها نظم مستبدة تسعى الاجهزة الاعلامية الى استخدام تلك الوسائل من اجل تغييب الحقائق وتعميم الجهل او تحويل انظار المجتمع نحو اهداف وغايات معينة وفي المقابل يسعى اعلاميو المعارضة الى استغلال القوة الكامنة في وسائل الاعلام من اجل اهداف تحررية وحشد الجماهير ضد السلطة
من هنا فان وسائل الاعلام المختلفة يمكن استخدامها في اهداف وغايات متباينة فهي كأية (امكانات ) تخضع لطبيعة الاستخدام لأن قوة التغيير الكامنة والتي تمتلكها هذه الوسائل (ذاتيا) ليست في مضامين هذه الوسائل وانما في تركيبتها للعمليات
ويرى( جان بودريار "1929- 2007  ) اsbن وسائل الاعلام ليست معاملات وانما هي مستجيبات وما يميزها انها ضد التوسط ، مكتفية بذاتها ، وتنتج للاتصال الذي هو في جوهره ، فضاء تبادليا ، قائما على الارسال والتلقي، وهي هنا ليست ذات طبيعة نفسية او اخلاقية ، بل هي ارتباط شخصي بين طرفي الاتصال.
لقد بدأت العملية الأعلامية مع بدء تكون المجتمعات الانسانية البسيطة ، فعملية قرع الطبول او اصدار اصوات معينة للتحذير،أو اشعال النيران ، هي عملية اعلامية ،ومع بدء تشكل السلطة في المجتمع بدء الحاكم يطلب من رجاله كتابة التعليمات والأوامر وكذلك اخبار الانتصارات العسكرية  على باب بناية الحكم ، كما فعل حكام بابل وأشور ، ويمكن الأشارة الى مسلة حمورابي الشهيرة باعتبارها وسيلة اعلامية لأضفاء صفة القداسة على القانون الذي سنّه حمورابي وهو يظهر خاشعا امام الاله الذي يسلمه القانون وكان كل هذا يعد ثورة الاتصال الاولى التي بدأت عام 3600 قبل الميلاد بإختراع السومريون للكتابة، في عامي 2276-2261 قبل الميلاد قام الكهنة في معبدالشمس في جنوب العراق بكتابة تاريخ انشاء المعبد على انه في عهد الملك الاكدي (مانيشا توشو )الذي كان قد توفي حتى قبل بدء العمل بالبناء وذلك بهدف تبرير النفقات الباهضة التي تم صرفها واقناع الناس بذلك  ، وكان هذا ايذانا ببداية التضليل الأعلامي و يرى البرتومانغويل ان الكتابة التي ابتكرها السومريون ،قدّر لها ان تغير العلاقة بين الناس وان الضرورة التي دفعتهم الى هذا الابتكار الفذ هي ضرورة اقتصادية،  ثم اصبحت المعابد (فضاء ) لنشر لخبر وبعدها اصبح المؤذن (رجل اعلام ) إضافة الى وظيفته ، فقد كان يحرض الناس على الالتحاق بالجند للدفاع عن الدولة ضد اعدائها او يعلن انتصار قوات الخليفة ويدعو الناس الى الصلاة لله شكرا على هذه النعمة ، وكذلك الكاهن الذي يقرع الجرس ليدعو الناس للصلاة والدعاء للحاكم
 ولكن تطور الحياة العامة واهتمام الجماهير بتتبع الاخبار  دفع بقيصر روما الى التأكيد على نشر اخبار المسرحيات والفضائح الاجتماعية لصرف انظار الشعب عن المشاكل الداخلية ، وقد وجدت تلك الطريقة  قبولا واسعا من الاهالي وعلى وجه الخصوص سيدات روما.
 وكان اول مطبوع قد صدر في انكلترا عام 1275 م ولكن بداية التطور الكبير في العمل الاعلامي كانت مع اختراع (يوحنا كوتنبرغ ) لماكنة الطباعة  في القرن الخامس عشر الميلادي ومن بعدهااختراع  المطبعة البخارية عام 1833
ومع تسارع وتيرة التطور الصناعي ظهرت وسائل جديدة للأعلام كالتلغراف والراديو (1924)ومسجلات الصوت والسينما والتلفزيون الذي تم اختراعه عام 1939  ،و أدى كل هذا الى تغيرات كبيرة في تركيبة البنى الاجتماعية والاقتصادية في الدول المتقدمة وغيّر من هيكلية القوى العاملة ومن ثم هيئ لأنتقال العالم الى عصر ( المعلوماتية )
لقد ولدت فكرة المعلومات من الكم الهائل من المعدات الخاصة بالاتصالات التي فرضتها حاجة الحرب الى ما يمكن تسميته بأجهزة الربط بين صنوف الجيش وهي تخوض حربا على جبهات متنوعة ومتفرقة وقد كانت البداية مع بحوث نظرية متنوعة وما قدمه الامريكي (جون فون نورمان )الذي انجز بناء حاسبة الكترونية كبيرة عام 1944-1946 بناء على طلب الجيش الامريكي لقياس مسار الصواريخ 
 ولكن الدراسة المتكاملة  التي نشرها العالم الامريكي كلود إي شانون. في عام 1948 لصالح مؤسسة الاتصالات الامريكية بعنوان (النظرية الرياضية للأتصال ) هي التي ادت دورا مركزيا في ترسيخ هذا التوجه  وكان الهدف من هذه الدراسة :
1- حساب كلفة رسالة عبر الاثير
2-امكانية تخطي اعمال التشويش التي يلجأ لها العدو
وهكذا ولد مجتمع المعلوماتية ،وهذا المصطلح دلالي يشير الى أن شكل وهيكل بنية قوة العمل قد تغيرت من حيث :
1- تركز العمالة في حقل المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات عموما وتشمل هذه العمالة كافة العاملين في حقل الاعلام كالصحفيين ومذيعي الراديو ومقدمي برامج التلفزيون والعلماء والمدرسين وآلاف العملين في حقل صناعة الثقافة كمعدي البرامج السينمائية والتلفزيونية الذين يجوبون اقطار العالم من اجل تقديم ماهو جديد وطريف ومشوق
2- تحول التركيز على انتاج السلع التقليدية كالملابس والسيارات ومعامل الحديد والصلب والمواد الغذائية الى العمل على انتاج المعلومات والتكنولوجياالخاصة بها كالكومبيوتر واجهزة الرصد والاقمار الصناعية
3- الاعتماد على نحو متزايد على العنصر النسوي في هذه الصناعات ، وهذه ملاحظة مهمة سنأتي على تفصيلها لاحقا
ان المسيرة الطويلة لوسائل الاعلام عبر تاريخ الانسانية تكشف بوضوح مدى تأثير تطور تقنية هذه الوسائل على الاشتراطات المطلوبة في العاملين ضمن اوعلى هذه الوسائل كما ان هذه المسيرة تؤشر تطور الانسانية من المجتمع الرعوي ومن ثم الزراعي ومن بعده الصناعي الى عصر المعلوماتية اي من العمل مباشرة على تربية الحيوانات ومن ثم العمل في الارض ومن بعده انتاج السلع والخدمات الى عصر انتاج الحالات الذهنية وبالطبع يمكن ان نلحظ ان هذه الانماط الاقتصادية قد خلتق معها انساقامتغيرة من التفكير تتماشى معها  ان هذه المقاربة الزمنية والتاريخية لتطور وسائل الاعلام تسهل لنا بحث التأثير المباشر لحركة الاقتصاد على تلك الوسائل



42
الصفحات والملاحق الادبية في صحافة البصرة
                                                                           
د . ذياب فهد الطائي

5/5 المقالة الادبية

قد يبدو مصطلح المقالة الادبية ملتبسا بعض الشيء ويتداخل مع موضوعات النقد مثلا ولهذا فان الباحث يعني بالمقالة الادبية المقالة العامة، التي تدور حل الادب  والتي لاتنجز احكاما او تتوصل الى نتائج تحتاج الى برهان ، أي انها ليست انشاء قائما على العاطفة أو الخيال ، كما انها ليست بحثا اكاديميا يحتاج بالضرورة الى التوثيق والمراجع والاسانيد ، وهي عموما تقوم
على ،السؤال      ، الجواب  ، الايحاء
ثم اخيرا الانفتاح على الجديد او المستجد من قضايا وافكار
 وعلى سبيل المثال يمكن اعتبار ماكتبه ربيع عودة عن ملتقى البريكان [1] والطموعات المشروعة هو مقالة ادبية وكذلك ماكتبه هاشم تايه بعنوان التشكيلي ابراهيم الجزائري يعود الى بصرته [2].
ومن اجل الوصول الى نتائج محددة بشأن الموضوع تم اختيار اربع صحف تصدر في البصرة ، وكالعادة جرى تحديد الأعداد التي تخضع للمقارنة بخمسين عددا من كل صحيفة.
 
جدول  بالتوزيع التكراري للمقالة النقدية في صحف العينة

ا

تحليل بيانات الجدول

اولا: التحليل الكمي

واضح ان صحيفة الاخبار قد احتلت المركز الاول بين صحف العينة وربما يكون هذا الكم من المقالات على حساب المواد الاخرى او لأن معظم كتاب وكاتبات الاخبار من هواة الادب  وربما لأن كتابة المقالة اسهل نسبيا من كتابة بحث نقدى او منجز ابداعي كالشعر او القصة .
كما لاحظ الباحث ان اعدادا كبيرة من المقالات مسحوبة من صفحات الانترنيت وما يعزز هذا الرأي انها لأسماء كتاب عرب اعتادوا الكتابة ( بالقطعة ) وبالتأكيد ان صحف البصرة لاتسمح لها ميزانياتها بالدفع ، وفي المرتبة الثانية جاءت صحيفة المنارة التي نشرت 100 مقالة أدبية بنسبة 25%، وكانت صحيفة العشار بالمرتبة الثالثة حيث نشرت ثمانين مقالة ،اما صحيفة ناس فقد نشرت 65 مقالة بنسبة 17% ، وهنا لابد من الأشارة الى أن صحيفة ناس التي يرأس تحريرها واحد من شعراء مدينةالبصرة اللامعين ،كان من المفترض أن تكون أكثر اهتماما بجوانب الأدب من صحيفة العشار التي يرأس تحريرها كابتن بحري .

ثانيا تحليل فئات المضمون

في المقالة الادبية تبرز مشاعر الكاتب الشخصية لانه يملك مساحة اكبر ليتحدث عن نفسه او عن انطباعاته ويفرغ شحنات التأزم والقلق التي كان او مايزال يعاني منها هذا على الضد تماما من كتابة مقالا في النقد الادبي حيث يكون محكوما بالنص الذي يتناوله من جهة ومحشورا في زاوية النظرية التي يدين بها ويأخذ بتفسيرها للنص او موقفها من العملية النقدية

ففي مقالة ادبية تتناول موقفا وجوديا للكاتب سرمد الطائي  [3]  يقول فيه :
تنقلت كالمجانين الذين احبهم بين مدن عديدة داخل العراق وخارجه بحثا "عن مكان ابلغ فيه الثامنة عشر " من العمر ، كان الاكراد يحبونني ، لكن الشرطة الكردية تمنعك من صعود جبل "أزمر "الخلاب خوفا من عروبتك وكثيرا ما يضعك رجال الامن ( ولديهم مبرراتهم بالتأكيد ) في طابور مع عمال اسيويين كي تحصل على رخصة اقامة داخل الجزء الكردي من عراقك الحبيب وحين تريد التقاط انفاسك في الاردن يخونك جواز سفرك العراقي.
ويتابع :
مدن بنكهات مختلفة ، مدن ايران التي يختنق فيها إرث الشاه العلماني بصرامة الدين الريفي المسيس حد اللعنة
بغداد المقبلة على مالم تعرفه من قبل
البصرة التي ما فتئت "تخرب"وتعود كالفينيق كي "تخرب " ثانية
يختتم حديثه ملخصا الموضوع الذي استهدفه منذ البداية (حكاية جيل بأكمله كان عمره مجرد مسافة بين دبابتين ، رائحة الشرق وغواياته ، جعلتني أكتشف معنى أن  تخاف الحرية ، معنى ان يستحيل عليك المعنى ، ان تحب الجحيم حتى في سوق الجنة)
ليس قلقا يصعد من احتدام الفكر في البحث عن الخلاص الشخصي مايقوله الكاتب ولكنها تجربة عميقة وواعية لتداعيات لا يعرف كيف ستنتهي ، فمشكلة العراقي اليوم ليست في مدينة عراقية بعينها ولكنها في كل مدنه وفي بلدان العالم المفتوحة لسواح يتكلمون مئة لغة.
في صحف العينة تنوع في المقالة الادبية ولكنها بصورة عامة تحاول ان تتناول، في معظمها، مسائل (غيرعراقية ) ربما ليكون الحديث اكثر موضوعية وبعيدا عن وهج العاطفة التي ماتزال مشبوبة رغم السنوات الست المضطربة التي لم تستطع ان تجعل من العراقي مجرد رقم عاجز عن التمدد
ومن ابرز كتاب المقالات الادبية الشاعر كاظم الحجاج الذي يمتاز برؤية عميقة ويمتلك اسلوبا سلسا يجري بيسر وباقتدار وقد ظل الوحيد الذي يكتب لصحيفة الاخبار بعد توقفها عن دفع المكافأت ،ومن مقالاته ،كتابته عن النكتة (( ،النكتة الذكيّة، هي نص إبداعي، شأنها شأن النصوص الادبيّة الحكائية والسرديّة، لأن مبدعي النكات يتعاملون مع المفردة ومع الجملة تماماً كما يتعامل معهما الشعراء والقصّاصون، وهم موهوبون أسوةً بأولئك وهؤلاء، وما يقرّب بين الشعر والنكتة الذكيّة هو كونهما يسيران معاً في حاضنتي التدوين الكتابيّة، وكذلك الشفاهيّة، على الرغم من أن النكتة هي الأكثر انتشاراً والأكثر تأثيراً، أحياناً كما كتب مقالة عن وضع المعلم في العراق ((حظي حسن، أن أولادي يصدقون ما كنت أرويه لهم من (أساطير) و(خرافات) عن حياة العراقيين، وكيف كانوا يعيشون - منذ الخمسينيات حتى أواخر الستينيات-.. ولأنهم فتحوا أعينهم وأبوهم (مدرّس).. لا أكثر! فلقد بدأت حديث الأساطير معهم عن (المعلم) العراقي، الذي كان غنياً براتبه، يلبس أرقى البدلات، ويتعطر بأثمن العطور.! وأن الدولة -الملكية ومن ثمّ الجمهورية الأولى- كانت تمنح المعلم رواتب العطلة الصيفية (ثلاثة أشهر) مقدماً، وكأنها تقول له : سافر واستمتع !.. أفليست هذه واحدة من (الأساطير) صعبة التصديق على أبنائنا، الذين فتحوا أعينهم على (معلم) بائس، رث الثياب، مهدد بالإهانة، في داخل صفه من قبل (الرفيق) المدير، أو من أعضاء (اللجنة الاتحادية)، بل حتى من طلابه أنفسهم؟!.. وكيف لأبنائنا أن يصدقوا أن هذا الكائن البائس كان يسافر كل سنة إلى ثلاثة أو أكثر من بلدان أوربا، لمدة ثلاثة أشهر، وهم يرونه الآن-في زمن الثورة الاشتراكية!- يبيع السجائر، في العصاري، ملثماً، خجلاً من معارفه وطلابه))



43
الصفحات الادبية في صحافة البصرة بين عامي 2003و 2009
4-5
د.ذياب فهد الطائي

النقد الأدبي

يعرف النقد الأدبي : بأنه فاعلية ثقافية تبتغي التعرف على ما يتحقق في النصوص من شعرية وأنظمة تتعلق بالجنس الأدبي وتقوم بالبحث عن مستويات النصوص ودلالاتها وتغيرات أنظمتها وابداعها وصلة ذلك بالكل الثقافي وبالقراءة التي تعطي النص تحققا وتأثيرا. وهدف النقد الكشف والتعرف وتقديم مفاتيح للقراءة وللفن نفسه ووضع النصوص والظواهر ضمن سياقاتها التاريخية والجمالية ، ولا شك أن ذلك الهدف تتفرع في الطريق إليه مسائل وأسئلة تتعلق بالثقافات الأخرى والتراث والواقع والإيديولوجيات والعوامل الفاعلة في تبدلات الحساسية والتقبل
 ويأخذ النقد الأدبي في رأي الباحث في مجال هذه الدراسة شكلين أساسيين
الأول :هو النقد الأكاديمي ( لايأخذ الباحث بوصف هذا الجنس من النقد ، بالعلمي )
الثاني :النقد الأدبي الصحفي، الذي يكتب في الصحف والمجلات

ان الأختلاف بين هذين الشكلين من النقد يكمن في

1- المنهج

النقد الأكاديمي يخضع لضوابط ومعايير تتسم بالصرامة وتلتزم بفكر يفرض نفسه على الناقد مسبقا لأنه (الناقد ) قد امتلك أدوات نقدية محددة من قراءاته وقناعاته، فالناقد البنيوي الذي يردد مقولة رولان بات الشهيرة (موت المؤلف ) لن يخرج بنفس النتائج التي يلتزم بها ناقد من انصار دلتاي شلاير ماخر ولن يكون ايضا في نتائجه قريبا من ناقد (تفكيكي )
يمكن وباختصارالقول أن النقد الأكاديمي يقوم  على اسس موضوعية تحكمها قواعد المدرسة الفكرية التي ينتمي اليها الناقد
أما النقد الصحفي فليس مطلوبا منه منهج نقدي لأن الصحفي الناقد يلتزم بمفردات العمل الصحفي ونوعية مضامينه فهو هنا وسيط بين المنتج الثقافي وجمهور المتلقين


2- في الوظيفة

النقد الأكاديمي يتوجه في العادة الى جمهور محدد معني بقراءة تفسير نص ما والوقوف على دلالاته ورموزه وحتى في معاني النص الداخلية والخارجية ووفقا لمنهج البنيويين فأن وظيفة النقد أن يعيد قراءة النص وبالطبع قد يذهب هذا بالناقد والمتلقي الى معان ومجالات لم يفكر بها كاتب النص اصلا
وقال المتنبئ
أنام ملء جفوني عن شواردها     ويسهر الخلق جراها ويختصموا

أما الناقد الصحفي فأن مهمته تقديم النص وعرضه بشكل مبسط وواضح وذلك :

أ- أن وظيفة الناقد الصحفي جزء من وظيفة الصحيفة وهي الأنتشار والوصول الى أوسع مجموعة ممكنة من القراء ، أي أن هدفه اصلا تجاري كما أن تلبية احتياجات القارئ اليومي الذي يرغب في الوقوف على النتاجات الأدبية وما يفرضه عليه واقع السرعة الذي يتسم به عصرنا ، تدفع بالناقد الصحفي أن يتسم عمله بالبساطة والوضوح وحسن اختيار الكتاب وأخيرا الأستخلاص[1][1]

ب – الناقد الصحفي مجبر على تقديم نصوص قد لاتكون مبدعة وليس لديه قناعة بها ولكن دواعي المهنة والتواصل تفرض عليه التساهل في هذا الصدد
ولكن ، رغم وجود اختلافات بين المصطلحين الا أنهما محكومان بعلاقة متلازمة في مثلث ضلعه الثالث القارئ ، الكاتب ( المؤلف ) والمثقف (القارئ ) والناقد (الصحفي) وهذه العلاقة تتحق في الصحيفة أو المجلة ،
الكاتب أو الشاعر هو الذي يبدأ افتتاح المشهد ، ثم يبدأ دور الصحفي الذي يختار القصائد أو القصص أو الكتب الثقافية ويستعرضها وقد يروّج لها ،وهذا هو العنصر الثاني ، وحينما يقرأ المثقف الصحيفة يكون قد بدأ دور العنصر الثالث.



التوزيع التكراري لبحوث النقد الأدبي في صحف العينة :



تحليل بيانات الجدول


اولا: التحليل الكمي

لابد ان اقف هنا لأشير الى أن  موقف الصحف بشكل عام متماثل، في استنساخ مقالات النقد من مواقع الانترنيت ولهذا فمعظمها لاتتمتع بمواصفات النقد الصحفي وانما تتجه الى النقد الاكاديمي والكثير منها يستعمل لغة معقدة لا تصلح لقارئ صحيفة يرغب في الوقوف على تفصيلات بسيطة وواضحة عن موضوع ما او تحليل سلس يتسم بالموضوعية والوضوح

ان من المهم التفكير ببساطة،  ماهو المطلوب من النقد الصحفي ،أليس هو خلق اجواء مناسبة لربط المتلقي بالنص وتسهيل مهمة ولوج المتلقي الى النص بروح متشوقة عن طريق سلاسة العرض ووضوح الرؤية

  لقد ناقشت هذه النقطة مع رؤساء تحرير صحف العينة الأربع ومع محرري الصفحات الادبية وكان الرد انهم مضطرون لهذا التصرف لأنهم يعانون من نقص الموارد التي لا تسمح لهم بالصرف على زيادة الكادر الصحفي او البحث عن عناصر متخصصة في الصحافة الادبية،وقد اشار بعضهم الى ان نقص الموارد قد تفاقم بعد انتهاء انتخابات الحكومة المحلية في البصرة.

من الجدول اعلاه نلاحظ ان صحيفة المنارة تأتي في المقدمة وتظل بقية الصحف محافظة على نفس التسلسل في المواضيع الاخرى التي سبق الحديث عنها .
ولاحظ الباحث ان معظم المقالات النقدية كانت تدور حول الشعر في صحف العينة ، وقد تتضمن الصفحة الواحدة اكثر من مقال نقدي كما جاء بالعدد 582 من صحيفة المنارة حيث نشرت نصين نقديين هما (التناص وتحولات الخطاب الشعري وكذلك تأملات مع بكائيات الربيع ) وكذلك في العدد 399 حيث نشرت مقالين الاول بعنوان القراءة والنقد والثاني عن الشاعرة رسمية محيبس

ثانيا : تحليل فئات المضمون

النقد هو نص ابداعي ثان ولهذا تتفاوت قدرات المبدعين فيه حسب نفاذ رؤيتهم وعمق تفكيرهم ومستوى ثقافتهم فمقال مثل( التناص وتحولات الخطاب الشعري) يختلف عن مقال (مع بكائيات الربيع )، فمن زاوية النقد كبحث مجرد فأن المقال الاول اكثر عمقا وثراء في تفاصيل البحث ولكن المقال الثاني اقرب الى النقد الصحفي الذي يحتاجه قارئ الصحيفة لأنه يقدم قراءة تأويلية واضحة يفكك فيها شفرة النص ويكشف عن اسراره ليعين المتلقي على فهم النص على نحو اكثر يسرا
ويقدم الدكتور سلمان كاصد في نقده لرواية فؤاد التكرلي ( اللاسؤال واللا جواب ) مقاربة نقدية تترواح بين النقد الصحفي والنقد الاكاديمي ( المنارة العدد 394 في 1 تموز 2007
وهذا مايفعله رياض عبد الواحد في قراءته لمجموعة الشاعر فاضل الشرع (حرائق التكوين) المنشورة في المنارة العدد444 في كانون الثاني 2008 حيت يقدم طروحاته مشفوعة بالبرهان باسلوب واضح لا يبتعد كثيرا عن اشتراطات النقد
يقول الكاتب عن ظاهرة التكرار في لازمة الشاعر ( من اين اجيء/و شمسي / تتسور / في ايام /براءتها /براءتها محجوزة ) ان بنية التكرار فيه بجملة( من اين اجيء) هي التي تغذي بنية المكان وتمهد لنشوء بعد زماني يتلاحق مع ذلك المكان ، كما يشير الى ان استعمال الشاعر الافعال المضارعة المتلاحقة تشير الى وسط متحرك ، والتي يصل حدها ان تحيل الموت الى صوت وأخيرا يكشف عن القصدية المبنية وراء النص الشعري والتي يبدؤها بقصدية التحولات التي تحصل لمظاهر الحياة والتي تذيب الكثير من الاشتراطات ليصبح النص نسيجا قائما على تعدد البنيات المعرفية ومن ثم تخطى الحدود غير المرئية بواسطة الفعل التجريبي المفتوح الذي يقود حتما الى تنوع فني داخل نسيج القصيدة البنائي
ان الكاتب هنا يتحدث عن النص من منطلق بنيوي ويتعامل معه متبعا صرخة رولان بارت التي تعلن موت المؤلف وبقاء نص وحيدا مجردا من الزمان والواقع الاجتماعي للشاعر وربما هذا ممايضعف من قوة التحليل بسبب عدم الكشف عن الصلة بين النص والحياة في الزمن الذي قيل فيه

اما صحيفة العشار فتنشر في عددها 219 بتاريخ 22-02 – 2009 دراسة نقدية على حلقات للكاتب والشاعر عبدالاله الصائغ بعنوان النقد الادبي الحديث وخطاب التنظير والمقال رغم اهميته وخوضه في مجلات نقدية متعددة واستعراضة لمنجزات شعرية وسردية لكبار شعراء وكتاب السرد العراقي الا انه يظل بعيدا عن اشتراطات الصحافة اليومية السريع بايقاعاتها المتلاحقة وهو قد يجد استجابة من قراء النخبة في مجلة متخصصة او في كتيب مستقل

وتنشر صحيفة ناس في عددها 45 بتاريخ 01 – آذار – 2009 استعراضا لمحاضرة نقدية في الصورة الشعرية تحت مسمى (متابعات ناس )تقرب فيها طروحات المحاضرة التي تخوض في مسائل ربما لايتمكن المتلقي العادي من متابعتها فهي تخوض في مسائل نحوية ودلالية عن الصورة الشعرية الاستعارية بين التراث والحداثة ، والمحاضرة للدكتور مسلم حسب حسين

وفي رأي الباحث ان التناول كان بحرفية صحفية عالية بحيث بدا النص اقرب الى الاستيعاب والفهم من متلقي متابع للصحافة ، ورغم ان الصحيفة لم تشر الى اسم الكاتب الا ان الباحث ومن خلال متابعتة (اثناء مراجعة الصحف البصريةوكذلك مقابلاته مع الصحفيين  )   يمكن ان يستنتج بان الكاتب هو رئيس التحرير طالب عبد العزيز الذي سبق له العمل منذ 2003 في صحيفه المنارة كمسؤول عن اجراء التحقيقات الصحفية
 




44
الصفحات الأدبية في صحافة البصرة بعدعام 2003
 
3/5
د. ذياب فهد الطائي


الشعر


عند الحديث عن الشعر العربي ، قد يمكن تحديد نقطة الشروع ولكن وبالتأكيد ليس من السهل تحديد نقطة النهاية ذلك لأن الشعر العربي ظهر مع ظهور العرب في تاريخ الأمم وظل لأكثر من الفي سنة يمثل الوعاء الثقافي الذي يشتمل على تاريخ الأمة و لغتها والمعبر الأكثر غنى في لغتها وشخصيتها .
ربما يمثل ظهور المعلقات ، الأهمية التي كان العرب يولوها للشعر حتى قيل (أن الشعر هو ديوان العرب) وقد كان في تاريخ الشعر محطات أساسية ابتدأت بأمرئ القيس ثم بأبي نؤاس ثم محطة المتنبئ وأبو تمام والبحتري وكان آخر هذا الخط المستقيم محمد مهدي الجواهري.
وفي أواخر النصف الأول من القرن الماضي تغيرت زاوية مسار الخط بظهور السياب ونازك الملائكة فقد جرى استبدال بحور الفراهيدي الستة عشر ببحور التفعيلة ويمكن أن يعزى هذا الى تأثير الأدب الأنكليزي على وجه الخصوص على الشعراء العرب
ثم تنوعت التفعيلات وكأننا أمام قطع موسيقية لايضبطها الا الأيقاع الموسيقي فظهر بلند الحيدري وسعدي يوسف وصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وأحمد الفيتوري .
ولكن وبحكم التأثيرات المستمرة للاداب الأوربية ولتغير نمط الحياة الأجتماعية العربية فقد مر الشعر ابتداء من بداية النصف الثاني من القرن الماضي بمرحلتين تمثلتا بما يلي:

1-     توسع حركة الشعر الحديث لتسيطر على المزاج الثقافي العربي ولتحتل أكبر مساحة في وسائل الأعلام المختلفة وتقلص صوت الشعر الكلاسيكي
 
2-     ابتدأت هذه المرحلة مع ابتداء ماسمي ب(الحداثة ) ولكنها بدأت تحتل مكانا أوسع فأوسع منذ سبعينات القرن الماضي وكان من نتائجها قصيدة النثر ،لقد انعكس تأثير الحداثة على المضامين الأدبية العربية فظهرت الروايات الوجودية والروايات التي تحمل تأثير مدرسة الوعي الأنكليزية ثم العجائبية السحرية ( أمريكا اللاتينية )ولكنها اقتصرت في الشعر على ظهور قصيدة النثر
 
أن مصطلح قصيدة النثر يمثل إلتباسا إشكاليا ولكن ورغم كل مايثار من اشكاليات فالملاحظ انها تتصدر اوسع المساحات في وسائل الأعلام كما ان معظم ماينشر اليوم تحت هذا المصطلح لايتجاوز كونه نثرا يمتاز بالضبابية وتعمد عدم الوضوح ، هذا رغم ان أسماء كبيرة قد بنت شهرتها الشعرية على هذا النمط الشعري الجديد  كأدونيس وأنسي الحاج ومحمد الماغوط وحسين مردان وسركون بولص وفاضل العزاوي
من هنا ولأن الباحث وجد أن صحف العينة تنشر في مساحة تقرب من 95% قصيدة النثر فقد  أولى هذ الجنس الشعري في بحثه مساحة أكبر


ماهي قصيدة النثر
  
يجب التأكيد أولا، على أن ظاهرة قصيدة النثر حالة أصيلة وان كانت تبدو متخيلة فهي ليست خارجة على التكوين اللغوي والقومي بالمعنى التاريخي ، كما ان أية مقاربة لقصيدة النثر ولتاريخها في الفضاء الأدبي العربي لا تأخذ بعين الأعتبار هذه الخصوصية سوف تكون مقاربة خاطئة من الأساس لأنها تكون قد
طرحت تساؤلا مراوغا وزائفا لن تكون نتيجته في النهاية غير مجموعة من الأتهامات التي تفضي الى المصادرة

إن قصيدة النثر، التي يكتبها الشعراء العرب ، هي جنس أدبي ( يعني الباحث النصوص الشعرية المبدعة مما ينشر ) ومن هنا يجب أن ينصب التساؤل على :

1- ماهي مواصفات هذا الأسلوب وماهي أسسه البنائية
2- ماهي علاقة قصيدة النثر كنص بالنصوص الشعرية في انماطها المختلفة
3- ماهي تأثيرات قصيدة النثر على القصة القصيرة ،على وجه الخصوص
4- وأخيرا وبما أن الباحث يكتب عن الصحافة ، فأن سؤالا مهما يثار وهو مامدى التأثير المتبادل بين لغة الصحافة وقصيدة النثر

تأريخ قصيدة النثر

يمكن القول اعتمادا على إجماع النقاد ومؤرخي قصيدة النثر ، ان هذ الجنس الأدبي قد وجد صيغته الحديثة حين نشر الشاعر الفرنسي (بودلير )[1][1] ديوانه الشعري (سأم باريس )في عام 1857
وقد بدأت قصيدة النثر في العراق بديوان حسين مردان (طراز خاص ) في أواسط خمسينيات القرن المنصرم وفي الستينيات ظهر حميد المطبعي (رئيس تحرير مجلة الكلمة التي صدرت لبعض الوقت في النجف ) وسركون بولص و الشاعر جان دمو ويوسف الصائغ وفاضل العزاوي وسامي مهدي ، وهؤلاء الثلاثة قاموا باصدار مجلة (الشعر68 ) في بغداد ، ولكن الباحث وبعد متابعته اليومية لشعراء البصرة اثناء زيارته للمدينة للبحث في الجوانب المتعلقة بالدراسة وجد ان البصرة كما كانت مدينة انطلاق التفعلية على يد بدر شاكر السياب ، كان لها ايضا دورا رياديا في قصيدة النثر ولكنه دور( مهمل )

في اثناء البحث وجدت ديونا صادرا عام 1958عن مطبعة الاديب للشاعر عبد الرزاق حسين بعنوان (وجوه الصغار وقصائد اخرى ) يتضمن قصيدة نثر واحدة بعنوان دعوة للحياة منها :

في غابة الليل الرمادي
الذي يغطي رأسك الحزين
تنكمش افراحي
كحمامات بيض محزونات
فوق شجرة سرو ذابلة وحيدة
عند غدير يجري ببطئ
كمرهق
وماؤه متخثر كصديد اخضر
واوراق صفر يابسة تتفتح في اعماقه اللزجة
كما تتفتح ذكريتنا
في اعماقنا

لقد حفزني هذا الى البحث تماما عن عنوان الشاعر الذي كان قد اعتزل مبتعدا حتى عن اصدقائه في بيته المتواضع استقبلني ، سألته عن الموضوع فاطلعني على رسالة من الشاعر الكبير سعدي يوسف يطري فيها القصيدة
  
التوزيع التكراري للنصوص الشعرية في صحف العينة

جدول رقم 2






تحليل بيانات الجدول



التحليل الكمي

ذكر الدكتور سهيل ادريس رئيس تحريرمجلة الاداب اللبنانية ،(مجلة الآداب عدد شباط 1956) إن مايستلمه في البريد الوارد الى المجلة من رسائل من العراق يتركز بشكل اساس في قصائد الشعر المتنوعه وان هذه النسبة قياسا الى مايرد اليه من البلاد العربية مرتفعة بما لايقارن وخلص الى القول ان طبيعة الشعب العراقي الرمانسية والمهومة والحالمة هي التي تدفع بشبابه الى تفضيل الشعر كنمط واسلوب للتعبير على بقية الاجناس الادبية ، بغض النظر عما في هذا القول من صدق وقرب من التوصيف الحقيقي لنفسية الشعب العراقي ،لابد من القول ان صحف العينة تشير الى نفس التوجه في تفضيل الشعر على سواه من أساليب التعبير  ففي القصة ، كان هناك 120 قصة منشورة اما في الشعر فقد نشرت صحف العينة 174 قصيدة  وقد لحظ الباحث ان قصيدة النثر تمثل 95% مما هو منشور في صحف العينة وان الـ 5% المتبقية تحسب لقصيدة التفعيلة
وفي محاورة جرت مع رئيس تحرير صحيفة الاخبار( خالد سلطان) في مقهى اتحاد الأدباء في البصرة بتاريخ 18-05-2009 ، قال بأنه كمشرف على الصفحة الادبية لاينشر الا قصيدة النثر لأنه يقف مع الحداثة ، ومن الجدول اعلاه نجد ان صحيفة المنارة قد نشرت العدد الاكبر من تلك القصائد ثم تليها الاخبار فالعشار والناس ، ومما لابد من الاشارة اليه ان رئيس تحرير صحيفة ناس هو الشاعر طالب عبد العزيز وعند مناقشته عن اسباب هذا الموقف وتراجع صحيفته عن نشر عدد اكبر من قصائد الشعر ،أجاب بانه مضطر أن ينشر أفضل ما يصله وليس كل ما يرد الى الصحيفة.

أما الشاعر عبد الرزاق حسين فيرى ان تتاح الفرصة كافية للشعراء الشباب ليقولوا ماعندهم وانه من مجموع هذا الكم ستجد شعراء حقيقيين [2][2]

تحليل فئات المضمون

الشعر الحقيقي يهبنا القدرة على النظر الى العالم بعيون ملونة ، ربما اكثر من اية قوة سحرية تملأ خيالاتنا بآلاف الالوان لأنه يهبنا الجرأة ليس ان نحلم ولكن ان نقتحم الواقع ايضا خلف صمت الضوء وعلى حفيف اشرعة الرحيل
والشعر عند العراقيين بكاء الروح وهو ايضا فرح الطفولة واهزوجة الموت في معركة يدرك فيها العراقي انه خاسر حربه ولكنه يقتحم الزمن ويرفع رايته على تلة ربما هي قبره
ان سنوات طويلة من القهر ما تزال مرارتها في الافواه ويقول الشاعر عبد الزهرة لازم شباري من قصيدة له في صحيفة المنارة في العدد 582 بتاريخ 20 – 21- 2009
قلت للربيع
وانا ما أزال في منافي الغربة
ما اكثر المتعبين
اما آن ان نرتدي
الصباح ؟

ان قصائد صحف العينة تتسم بملامح مشتركة من حيث توجهها، وتعبيرها عن مزاج متوتر يحكمه قلق وجودي فأغلب شعر الشباب يتحدث عن الاوضاع الامنية ويقول الشاعر علي المنصوري ( انا اكتب عن الارامل واليتامى ،  ولدي قلق لاعلاقة له بالرومانسية )
ويعبر الشاعر وحيد خيون عن شعوره بالمرارة من موقف العرب من العراق فيقول في قصيدته (لأني عراقي ) [3][3]

انا من تجلى لكم في الظلام
ومن ظل في جنبكم في المحن
دفعت الفواتير عنكم دما
وما قلت يوما أريد الثمن
لأني عراقي
بدأتم تطيرون عني بعيدا
ويتابع:
وللدهر يومان
يوم شديد الجفاء
ويوم شديد التلاقي
فلا تهربوا مرة من لقائي
ولا ترغبوا كلكم في فراقي
فما زال عندي جناح
وما زلت رغم الدار الكبير
ورغم تنامي الجراح
أغير حتى إ تجاه الرياح

وهنا لابد من ملاحظة انتقال الشاعر من عرض شعوره بالمرارة والالم الى روح الاصرار التي تتلبسه وهو يعض على جرحه
اما الشاعر خليل مزهر الغالبي فأن مأسوية عميقة تقف فوق كلماته في قصيدته بعنوان (كفى )[4][4]

غفت النجوم في عربات الخسائر
وموتك خارج الطوابير
فالفتنة لاتدب على ارضك
الارض لسكرك وصرير خطاك وتنزه الجنرالات
لتنكب في تصريف الشكاوى
على طاولة او منعطف أو صراخ

وتكمل هذا المشهد الشاعرة فليحة حسن حين تقول[5][5] :

ضجر ان تتقاضى دهرا
ثم تعده فوق اصابع لهجتك اليومية جدا
مبتدأ بضمائر هشة
هي:
قالت اهديك ملك:
آسف ما عندي قلاع للتدمير
هو : سيغدو ملكا
 لكن التيجان صغيرة
هامش "مازال حوار الطلقات يناقش وجه نبوءته
نحن : ما أقسى اللهب الموبوء
هم : يتشبهون بالمياه
فينجرفون الى المنحدر

وربما يعطي المأساة صوتا اعلى ، ما يقوله الشاعر محمد طالب الاسدي في قصيدته بعنوان (حدث في زمن الحصار)[6][6]

في زمن للحصار البريء
تجفف روح العراق
 صوت على حبل شنق يليق بك
أطفاله وكتاباته
ومآذنه والنخيل
سومر تسقط
تؤمر انهارنا بالتقشف
رعد يزمزم
من يتكلم
لاصوت
اذا لم تخافوا من الانس
خافوا من الجن .... فهي مسخرة لسليمان
هرول اطفالنا في الدرابين
والنمل فرّ..... و.....أش....ش

ماذا يريد الشاعر ان يقول ؟ ولماذا يطلب ان نصمت ؟ ولماذا يوجهنا نحو سليمان ؟ هل وراء الكلمات رمز يتخفى في دلالات السياق يعرضه الشاعر
ان الباحث يرى في الفصيدة نموذجا يحمل دلالات القهر السابق تتكئ علية تداعيات ما بعد الاجتياح
اما صحيفة العشار فانها تنشر قصيدة للشاعر ساجد الصالحي بعنوان إليك ياعراق يقول فيها :[7][7]

مزقوك يابلدي
وأصبغوا لوحاتي بدمك القاني

والقصيدة رغم ماتحمله من هم وهو يتحدث ببكائية عن الوطن الا إنها لا ترقى في مستواها الى ان تكون قصيدة نثر تحمل مواصفات فنية مناسبة
تبقى قصيدة الشاعر عبد الرزاق حسين (وهي من قصائد التفعيلة )التي اعادت نشرها صحيفة ناس هي افضل ما تم نشره من حيث المستوى الفني ، وربما يتحدث المقطع التالي عن نفسه من قصيدة (الذي يأتي )[8][8]    

حين صار الوطن بيتا                            
ومنفى
إنطفأت في سماء الحكايات اقمارها
 إختبأت أنجم في ضباب الزمن
فلا خبر عن أثر
عن حجر
عن كتاب تناثر في الريح
تحت المطر
عن بشر
اختفى أو تخفى
على اي وعد يقولون انك آت ؟
لقد شاخت الكلمات
ونحن على سفر

واخيرا فان الباحث يرى ان شعر البصرة في هذه المرحلة يحمل هما ويتماهى في رؤى التشكك ويحمل الكثير من روحية الاحباط ويغفو على وعد التصديق إن العراق قد وجد الطريق أخيرا
الشاعر الكبير عبد الرزاق حسين وهو من جيل الرواد في الصحافة وفي الشعر يردد (لقد شاخت الكلمات /ونحن على سفر ) وهو يجتاز عامه السادس والسبعين وبعد اكثر من خمسين عاما في الصحافة لايزال دون راتب تقاعدي يستحقه قانونا وقد تعب من المراجعات ونشر الشكاوى ، فماذا يقول ، غير ان الكلمات قد شاخت وهو اقرب الى القبر



45
2 / 5   الصفحات والملاحق الادبية في صحافة البصرة
2/ 5    القصة القصيرة



يعتقد بعض من دارسي الأدب العربي إن أصول القصة القصيرة وجدت في العهد القديم وفي بعض النصوص الدينية القديمة
ويذهب قسم من هؤلاء الى أنها تجد أصولها في القرآن الكريم ، وقد قا ل الله تعالى (نحن نقص عليك أحسن القصص )
ويرى قسم ثالث أن أصول القصة في التراث الأدبي الأسلامي على وجه الخصوص في مقامات الحريري وقصة حي بن يقظان وبخلاء الجاحظ
وفي رأيي فأن القصة العربية الحديثة تستمد مرجعيتها من التراث ومن تأثيرات القصة الأوربية ، ومن بعدهما، الأشكال الجديدة القادمة من امريكا الجنوبية.
 
يعرف الناقد والصحفي عواد ناصر القصة القصيرة بأنها (حكايات الناس المكتوبة بشكل فني ودرامي وهي اقضل اشكال التعبير الأدبي عن الحياة الأجتماعية للبشر بأيجاز شديد )
ويعرفها القاص الأمريكي كريكوري ناكوير (هي لقطة ، والقاص مؤرخ أخباري ولكن لايمكن الثقة به روائيا، بسبب أشكال الضبابية التي تغلف عالمه )
وتعرفها الكاتبة كاترين آن بورتر [1][1]  (العمل الذي يقدم فكرة في المقام الأول ، ثم معلومة ما عن الطبيعة البشرية)
ويمكن عموما القول بانها سرد قصير نسبيًا (قد يقل عن عشرة آلاف كلمة) يهدف إلى إحداث تأثير مفرد مهيمن ويمتلك عناصر الدراما. وفي أغلب الأحوال تركز القصة القصيرة على  شخصية واحدة في موقف واحد في لحظة واحدة. وحتى إذا لم تتحقق هذه الشروط فلا بد أن تكون  الوحدة هي المبدأ الموجه لها .
والكثير من القصص القصيرة يتكون من شخصية (أو مجموعة من الشخصيات) تقدم في مواجهة خلفية أو وضع، وتنغمس خلال الفعل الذهني أو الفيزيائي في موقف. وهذا الصراع الدرامي أي اصطدام قوى متضادة ماثل في قلب الكثير من القصص القصيرة الممتازة. فالتوتر من العناصر البنائية للقصة القصيرة كما أن تكامل الانطباع من سمات تلقيها  ، إضافة إلى أنها كثيرًا ما تعبر عن صوت منفرد لواحد من جماعة مغمورة.
ويذهب بعض الباحثين إلى الزعم بأن القصة القصيرة قد وجدت طوال التاريخ بأشكال مختلفة؛ مثل قصص العهد القديم عن الملك داوود، وسيدنا يوسف وراعوث وكانت الأحدوثة وقصص القدوة الأخلاقية في زعمهم هي أشكال العصر الوسيط للقصة القصيرة. ولكن الكثير من الباحثين يعتبرون أن المسألة أكبر من أشكال مختلفة للقصة القصيرة، فذلك الجنس الأدبي يفترض تحرر الفرد العادي من ربقة التبعيات القديمة وظهوره كذات فردية مستقلة تعي حرياتها الباطنة في الشعور والتفكير، ولها خصائصها المميزة لفرديتها على العكس من الأنماط النموذجية الجاهزة التي لعبت دور البطولة في السرد القصصي القديم.
ويعتبر ( إدجار ألن بو ) من رواد القصة القصيرة الحديثة في الغرب . وقد ازدهر هذا اللون من الأدب،في أرجاء العالم المختلفة، طوال قرن مضى على أيدي (موباسان وزولا وتورجنيف وتشيخوف وهاردي وستيفنسن )، ومئات من فناني القصة القصيرة.
وفي العالم العربي بدأت القصة بالترجمات وبالتصرف بها كما فعل مصطفى لطفي المنفلوطي
يمكن إعتبار ميخائيل نعيمة (من لبنان ) أول من كتب القصة بمفهومها الأدبي الحديث في عام 1914 حين نشر (العاقر )
وفي مصر كتب محمود تيمور في عام 1917 (في القطار )
ولكن للتونيسيين رأي مختلف حيث يذكرون أن أول قصة كتبها  صالح السويسي عام 1906.
بلغت القصة القصيرة درجة عالية من النضج على أيدي يوسف إدريس في مصر، وزكريا تامر في سوريا  
ومن رواد القصة من العراقيين ذنون أيوب وعبد الملك نوري  وعبد الحق فاضل  وجعفر الخليلي ونزار عباس وعبد الستار الناصري وفؤاد التكرلي وعبد المجيد لطفي ولطفية الدليمي ومهدي عيسى الصقر
ومن اشهر كتاب القصة في البصرة ،محمود عبد الوهاب ومحمود الظاهر وجليل المياحي ويعرب السعيدي ولؤي حمزة عباس وعبد الحسين الغراوي  
وكنتيجة للحراك الثقافي في البصرة تشكلت (جماعة البصرة أواخر القرن العشرين) والتي هي ظاهرة ثقافية جادة عند ظهورها، نشرت لونا من التجديد في السعي لبناء قصة عراقية جديدة، تستلهم التراث في بعض نصوصها لتعيد أنتاجه في سيرورة حداثية، وتشاكل الواقع لتعيد تقديمه في أشكال أبداعية مشحونة بالتغريب وصولا الى بناء اقصوصة جديدة .

أول اصدار للجماعة كان في 31 تموز 1991 وشارك فيه القصاصون: قصي حسن الخفاجي – لؤي حمزة عباس – جابر خليفة جابر– وحيد فرعون –كامل فرعون عيادة .
صدر العدد الثاني بعنوان (قصص البصرة أواخر القرن العشرين) بتاريخ 31 كانون الاول 1991 وقد شارك فيه القصاصون: قصي الخفاحي (بحر اليوتوبيا) وكامل فرعون عيادة (الموجة المتلاشية) وجابر خليفة جابر (الرجل الغريق) وسعيد حاشوش (الماء في كل مكان)

وقد ساهم قصاصون اخرون مع المذكورين في باقي الاصدارات التي استمرت منتظمة حتى العدد العاشر الذي صدر شتاء 1999.وقد نشرت هذه الجماعة من الشباب بيانا عن مشغلها القصصي ، تنوعت تجارب الكتاب بين قدرة مثقلة بالوعي الفني والغنى الادائي ومعرفة ما يريده الكاتب من نصه المدون وبين الاحساس بضرورة التجريب مع وجود بعض التجارب التي لاتنتمي الى فن القصة القصبرة بقدر انتمائها الى (نص) يقترب منها وينفتح على النثر الفني عموما.
كانت تجربة هذه الجماعة قد شكلت نموذجا للاصرار المبدع على الانتاج القصصي مع وجود الفروقات الفردية والمواصلة من أجل قيام بناء جديد للقصة الشابة في العراق.
وكانت مجموعة من كتاب القصة في المدينةقد شكلت ماسمي جماعة الـ (12 قصة ) وقد أصدرت مجموعتين قصصيتين وكان من بينهم الروائي والكاتب الكبير (محمد خضير )
وهكذا يمكننا أن نقول بأطمئنان الى أن البصرة كانت تمتلك مهارات ابداعية كبيرة في هذا الجنس الأدبي وأنها بشيء من الرعاية يمكن أن تقدم للأدب العربي نماذج مشرفة تسهم في تطور القصة الحديثة
ونحن لا نجد عددا من صحيفة المنارة (وهي احدى صحف العينة المختارة لأجراء الدراسة) ،على سبيل المثال ، يخلو من قصة قصيرة لكاتب من البصرة.
وفي بداية 2009 اقام اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين – فرع البصرة مسابقة بالقصة القصيرة في ذكرى وفاة القاص البصري جليل المياحي ، ومن الطريف في الأمر ان ادارة المسابقة في الأتحاد العام للأدباء والكتاب قد اعتمدت قاعدة تفصل بين الجنسين فهناك جائزة للرجال وهناك جائزة للنساء وقد فازت قصة (ذاكرة الرمل ) لعزيز داخل بالجائزةالأولى للرجال فيما تقاسمت الجائزة الأولى للنساء كل من ولاء عيسى عن قصتها (بستان أيوب )، وجنة زهير عبد علي عن قصتها( أحلام لزوج أسير)
 
التوزيع التكراري للقصة القصيرة في صحف العينة

تم اختيار أربعا من صحف البصرة ( تم استثناء صحيفة اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين "ابداع" وكذلك مجلة "فنارات " التي يصدرها الأتحاد بشكل دوري ،بهدف اجراء دراسة منفصلة عنهما) لاجراء البحث على مانشرته من قصص وكانت هذه الصحف المختارة هي :

 
1-    صحيفة المنارة التي تخصص عادة اربع صفحات داخلية تحت مسمى (الثقافية ) تنشر فيها القصة والشعر والنقد الادبي والمقالة النقدية وتخصص صفحة للشعر الشعبي الذي هو خارج نطاق هذه الدراسة

2-    صحيفة الاخبار ، كانت الصحيفة في سنتي اصدارها الاولى تكلف شعراء وادباء البصرة بالكتابة لها لقاء مكافأت مالية تدفعها الجهات الامريكية التي كانت تشرف على اصدار الصحيفة ولكن بعد انتقال مرجعية الصحيفة الى شبكة الاعلام العراقية توقفت عملية دفع المكافئات ولهذا بدء الكتاب بالأنسحاب تدريجا حتى لم يتبق غير الشاعر كاظم الحجاج الذي ينشر بعضا من نتاجه الشعري ويكتب عموا يوميا ساخرا [2][2]

3-     صحيفة ناس، وهي صحيفة يرأس تحريرها شاعر ومثقف هو طالب عبد العزيز الذي سبق له العمل في صحيفة المنارة وكتب العديد من التحقيقات الناجحة (في تقدير الباحث ) .ليس للصحيفة سياسة ثابتة في تحديد عدد الصفحات المختصة بالثقافة او الادب
4-    صحيفة العشار ، اصدرت الصحيفة خلا 50 شهرا من عمرها (صدرت في 2004 ) 217 عددا ، وهذا يعني ان معدل اصدارها السنوي كان بحدود 43 عددا تخصص الصحيفة الصفحة الرابعة للثقافة وتنشر عليها القصة والقصيدة والنقد الادبي للكتاب العراقيين ولكن الملاحظ انها لاتلتزم بهذا التخصيص اذ تنشر ايضا تقاريراو اخبار عامة لاعلاقة لها بالادب او الثقافة ، ففي العدد217 الصادر في 8- 2- 2009 تضمنت الصفحة الثقافية  أخبارا عن انتخابات الحكومات المحلية ،كما خصصت الصفحة الخامسة للثقافة العالمية ولكنها نشرت خبرا وتعليقا عن إصدار الشاعر البصري سعدي يوسف أعماله الكاملة.
 
كانت خطة البحث المفترضة ان يدرس الباحث كل موضوع عبر مئة عدد من كل صحيفة، أو يزيد قليلا وذلك على أساس فترة زمنية موحدة هي سنتين ،ولكن الباحث وجد ان معظم الصحف الصادرة في البصرة قد عانت من فترات متباينة تضطر فيها الى التوقف  ،ولهذا فأن اساس الوحدة الزمنية للتعامل مع الموضوع سيكون مربكا ولا يخدم النتائج  المتوخات .
 عليه ، فقد توصل الباحث الى إستنتاج مفاده الاعتماد على 50 عددا متسلسلا من كل صحيفة من صحف العينة بغض النظر عن المدة الزمنية التي استغرقها الاصدار

ومن الملاحظات المهمة التي يتوجب الاشارة لها هي ان معظم الصحف تنقل مباشرة عن شبكة الانترنيت ولكنها تتجاهل عن عمد الاشارة الى المصدر
جدول رقم 1 التوزيع التكراري للقصة القصيرة في صحف العينة



تحليل بيانات الجدول

التحليل الكمي

1- يكشف الجدول اعلاه إن صحيفة المنارة كانت تحتل المركز الأول في استحواذها على نسبة  38%وان صحيفة العشار تحتل المركز الاخير
2- ان صحيفة المنارة تنشر قصة في كل عدد تقريبا وان صحيفة الاخبار تنشر قصة في معظم اعدادها ، اما صحيفة ناس فتنشر قصة في كل عددين في حين ان صحيفة العشار تنشر قصة في كل ثلاثة اعداد تقريبا كمعدل
3- يكشف الجدول عن اهتمام بنشر القصص بشكل عام

تحليل فئات المضمون (الكيفي )

المقصود بالتحليل الكيفي هو الكشف عن السمات الاساسية للقصص المنشورة وتحديد توجهاتها العامة دون الخوض كثيرا في الجوانب النقدية ، فالنقد إن ورد فهو للكشف عن طبيعة تلك التوجهات التي تحكم مزاج الكاتب للوصول الى النتيجة التي يتوخاها الباحث في تحديد المزاج العام للكتاب وعلى وجه الخصوص الشباب منهم وكذلك تحديد انماط طروحاتهم الفكرية
ولهذا سيتناول الباحث القصص المنشورة في كل صحيفة مع ذكر مقاطع من النماذج المختارة.

1-   ان معظم القصص اشتركت في طرح موضوعات تدور على السنة الناس او مايسمى بلغة الصحافة موضوعات ساخنة وكانت ساحات السرد هي محطتها الاخيرة حيث يستريح ابطالها من عناء الحياة المريرة التي تعيشها شخصيات تلك القصص ، في ثلاث قصص قصيرة لمحمد سعيد الريحاني المنشورة في العدد 582 من صحيفة المنارة الصادر في 20-21- 05- 2009 يناضل بطل القصة الاولى كي لايعترف او يشي باصدقائة وهي صورة من الماضي وفي القصة الثانية يكشف عن المفارقة في توجهات النظام السابق الذي يحكم ببراءة المقاول الذي بنى الحي السكني الذي سقط على رؤوس ساكنيه في حين حكم بالاعدام على مسؤولي السجن الذي هرب منه بعض السجناء عند انهيار جدار السجن من الواضح ان الكاتب يعبر عن معاناة سابقة وانه يعبر عن موقف سياسي خال من الابداع الادبي

2-    في قصة خضير فليح الزيدي بعنوان (وتابعه.... الاسود السلقلق ) المنشورة في العدد 399 في 19 تموز 2007 ( المنارة ) القصة مما يسمى بالعجائبية السحرية والتي تشترط وجود موضوع يمثل عمود القصة الذي تدور حوله الاحداث بلغة زئبقية تخلط بين الحلم والحقيقة ،يتناول الكاتب المقطع الاخير لموت زبن مرميد المطير ويبدأ ( وأخيرا مات زبن مرميد المطير موتة كمد ) ودلالات القصة وتأويلاتها تغلق بابها على الماضي ايضا ولاتستشرف اية رؤى مستقبلية
  
3-   سيقان في العراء ، قصة ابراهيم السبتي المنشورة على صفحات المنارة في عددها 394 بتاريخ 01 تمز 2007 ، يتحدث الكاتب عن ثلاثة رجال يحاولون عبور الصحراء مع حمولتهم من السمك لبيعه في المدينةحيث يتعرضون لمشاكل البيئة الصحراوية ويفقدوا حياتهم.......عواء وعطش في هذا التيه المرعب! يا إلهي سأموت ساموت صباحا ... كانت ثلاثة طيور تحلق عاليا تطلق صفيرها المرعب ثم هبطت تحوم منخفضة قرب السيارة وسط رائحة المكان الكريه فيما حامت مجموعتان فوق جثتين ممزقتين تفصل بينهما الكثبان الرملية الشاسعة واضح ان القصة ترسم افقا شديد الظلام وشديد القسوة ففقدان مادة التجارة وفقدان واسطة النقل وفقدان حياة الرجال كلها مؤشرات ودلالات عبثية (من الواضح تأثر القاص بغسان كنفاني )
 
4-   اما صحيفة العشار فقد نشرت في عددها 217 بتاريخ 08 – 02-2009 قصة قصيرة بعنوان (عيون بلون العشب ) للقاص فاضل حسن الكعبي.

 يبدء القاص بتكثيف ، فيقول ( قدم الليل المعتم ، المدلهم، كانت صفحاته متشحة بالسواد الثقيل...... ساعاته كانت طويلة جدا) لايفعل البطل شيئا غير ان يتذكر مرة صديقه المخاتل ومرة شقراء قبّلها في يوم ما، ويحلم ان تأتيه ثم يغفو ان القصة نموذج آخر لسلبية فقيرة حتى في مستواها الفني لاتكشف عن أي طموح بالعمل من اجل المستقبل ، ولا حتى عن إرادة للعمل فالبطل يحلم ان تأتية الشقراء دون أن يتحرك من مكانه وشخصيته مستكينة ومحاصرة ليس لديها غير الذكريات

5-   في قصة عصام سحمراني بعنوان (ايدز .....لم لا )حكاية انتقام مكررة ومبتذلة ولكنها تظل في دائرة الاحباط والتخبط فالبطلة تنتقم من زوجها الذي تشك بانه على علاقة بالشغالة وذلك باخباره هاتفيا انها مضطرة لاستبدال الشغالة لأن الفحص الطبي لها اثبت اصابتها بالايدز ....يصاب الزوج بالسكتة القلبية
         نشرت القصة في صحيفة ناس العدد 49 في 9 أذار 2009

6-   نشرت صحيفة الاخبار بعددها 259 بتاريخ 17 03 – 2009 قصة قصيرة للكاتب عباس الساعدي بعنوان (مناسبة) والقصة لاتحمل ملامح فنية وتنتهي على نحو ساذج بقول البطلة (ها نحن نحترق من خلال هذه المناسبة الى ماض رائع لحياة الطفولة من خلال حاضر باهت )

مما تقدم يتكشف لنا ان قصص الشباب التي تنشرها الصحف في البصرة تفتقر الى المستوى الفني وتعبر عن حالة نفسية لاتزال مأزوومة في حين يتمتع قاصوا البصرة الكبار بمواقع متقدمة في السر د القصصي الذي يحفز المتلقي ليظل بانتظار القادم في اللحظة الغائبة والمحيرة والتي تشكل ما يمكن ان ندعوه حالة القلق كقصة محمود عبد الوهاب (إمراة الجاحظ) والتي فازت بالجائزة الاولى في المسابقة التي اعلنت نتائجها في03- 11 – 2008
او قصة القاص والروائي محمد خضير (أمنية القرد) او قصته بعنوان (قصتان من حشود باصورا ) المنشورة في مجلة فنارات الصادرة عن اتحاد أدباء وكتاب البصرةفي العدد السابع
نيسان 2009
لقد وجد الباحث ان ادباء وكتاب البصرة يترددون الان في تقديم نتاجاتهم الابداعية للصحف المحلية ويتوجهون الى مجلة فنارات الابداعية أو الى صحف ومجلات العاصمة


fahad_altaye@hotmail.com


46
الصفحات والملاحق الأدبية في صحافة البصرة
 1- 5
ذياب فهد الطائي
 
لابد من تناول الصحافة الأدبية في البصرة لما لها من تأثير واضح على المشهد الثقافي والعاملين به منذ ظهورها في صحيفة الأيقاظ للصحفي سليمان فيضي الصادرة في عام 1909 ذلك لأن هذه الصحافة وعبر مسيرتها الطويلة اسهمت في تطوير الأدب وتوسيع دارة المهتمين به ومنحت ادباء البصرة مساحة يتعرف الجمهور فيها على نتاجاتهم الأبداعية ،
يقول المفكر والكاتب اللبناني مارون عبود[1] ان الأدب العربي هو ربيب الصحافة ، ويرى الناقد والشاعر اللبناني، عبدة وازن (أن الصحافة الأدبية توفر للأدباء عددا كبيرا من القراء ، يخاطبونهم بسهولة )
لقد بدأ الدور الكبير والهام للصحافة الأدبية في الستينيات من القرن المنصرم فقد كانت الصحافة عاملا نشطا في تحريك المشهد الثقافي عموما ، كما انها وبما كانت توفره من مساحات لنشر وجهات النظر المتعارضة استطاعت ان تجتذب ادباء ومثقفين من تيارات فكرية مختلفة في الرؤية وفي الطرح مما اسهم في توسيع دائرة المهتمين بمتابعة هذا السجال الفكري الأمر الذي انعكس ايجابا على الأدباء وعلى المتلقين وأشاع روح البحث والتحليل
وهنا لابد من الأشارة الى أن مجموعة كبيرة من الأدباء الذين بدأوا النشر في صحف البصرة استطاعوا ان يجدوا لهم مكانا في المشهد الثقافي العراقي ومنهم الشعراء،  سعدي يوسف وكاظم الحجاج وعبد الخالق محمود ومجيد الموسوي وحسين عبد اللطيف ومحمود البريكان واحسان وفيق السامرائي وعبد الجبار داود البصري.
وكذلك القاصون والروائيون ، محمود عبد الوهاب , ومحمد خضير ومحمود الظاهر و يعرب السعيدي وعبد الحسين الغراوي.
يؤكد الصحفي  والشاعرعبد الرزاق حسين انه كان لأدباء البصرة دور فاعل في تأسيس الصحافة في هذه المدينة ، رغم المصاعب الشخصية والعامة التي مر بها هؤلاء الادباء.[2]
 
 
كانت الملامح الرئيسة للصحافة الأدبية في البصرة تتمثل في السمات التالية :
 
1-    عدم وجود سياسة واضحة تجاه المنجز الثقافي بشكل عام والادبي على وجه الخصوص ،وكانت الصحف تنتظر ما يوافيها به الأدباء وحسبما يعن لهم ولم تكن تسعى الى رسم ملامح متميزة لها بل كانت تبدو احيانا تشتمل على خليط من العناصرالمتعارضة والمنطلقات المتناقضة
 
2 - لم تعرف صحافة البصرة قبل 2003 الصحفي الأديب وكانت توجهاتها تهتم بالجانب السياسي وربما يعود هذا الى فهم العمل الصحفي باعتباره رافدا للنضال الوطني[3] فصحيفة البصرة مثلا كان يقوم بتحرير الصفحة الأدبية فيها القاص محسن البصري وصحيفة الثغر كان يحرر صفحتها الأدبية (اهتمت الصحيفة لفترة قصيرة بالأنتاج الأدبي ) الشاعر عبد الرزاق حسين ، أما بقية الصحف فكانت تنشر وعلى نحو غير منتظم بعض النتاجات العالمية منقولة من الكتب المطبوعة
3 - لم يكن المشرفون على الصفحات الأدبية متفرغون لهذا العمل بل كانوا باعتبارهم أدباء، يمتهنون اعمالا اخرى لتأمين لقمة العيش , و الأدباء الذين ينشرون نتاجاتهم لايتقاضون عائدا ماليا من الصحيفة التي تعاني من شحة التمويل، وكانت هناك فائدة متبادلة بين الادباء والصحافة، واثر احدها في الاخر ايجابا
1-     لم يكن من إهتمامات الصحافة في البصرة الترويج للشعر الشعبي ولم اعثر على اية صحيفة نشرت على شكل منتظم هذا اللون من الشعر علىما أن البصرة تعج بعشرات الشعراء الشعبيين ( اهتمت صحيفة الثغر بالشعر الشعبي حين عمل فيها الصحفي عبد الامير الديراوي ) ويمكن ان يعزى هذا الاهمال الى كون المشرفين على الصفحات الأدبية كانوا من غير المهتمين بالشعر الشعبي، من جهة ولسيادة الافكار القومية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، تلك الأفكار الي كانت تجد في تشجيع الكتابة باللهجات الدارجة جزءا من المحاولات الرامية الى محاربة القومية العربية (لابد أن نتذكر الحملة التي قام بها الشاعر اللبناني سعيد عقل لترسيخ الكتابة باللهجة الدارجة اللبنانية والحملة المضادة التي تبنتها الأحزاب القومية )
أما بعد 2003 فقد تغير الوضع بشكل واضح واجتذبت الصحافة الأدبية في البصرة كتابا كبارا كانوا قد توقفوا عن النشر في صحف المدينة (لم يستمر هذا الوضع طويلا)[4] واتجهوا الى صحف العاصمة أو الصحف والمجلات العربية ، كما أن اهتمام منظمات دولية[5] معنية بالشأن الصحفي قد ساعد على تطوير مهارات العاملين في حقل الصحافة عن طريق تنظيم دورات تدريبية لهذا الغرض ،يضاف الى ذلك الدورات التي أقامتها نقابة الصحفيين في البصرة وبيت الصحافة واتحاد الأدباء.
وبشكل عام فأن صحافة البصرة واجهت مشكلة شديدة التعقيد تحد من طموحها الكبير واندفاعها القوي نحو التوسع وايجاد مناخات صحفية تسمح باللحاق بركب الأعلام العالمي ، لقد تمثل ذلك في عدم توفر القدرات الأدارية اللازمة للأضطلاع بمهمة التطوير من جهة وعدم تغير نظرة القيادات الأعلامية للعمل في هذا القطاع ،لقد ظلت النظرة السائدة هي أن كافة وسائل الأتصال الجماهيري هي( وسائل دعاية )
لقد كان من المهم في بصرة ما بعد 2003 أن تتوفر مصادر موثوقة ومتعددة تتيح للمواطنين التعرف على الوضع الحقيقي في كافة شؤون حياتهم وبشفافية وموضوعية وبالطبع فأن هذا لايمكن أن يتوفر الا عبر إعلام مستقل وحر يعي المسؤولية الجديدة ويفهم أهداف العمل الأعلامي ، وكما هو معروف فأن الأعلام( الفقير) والذي لايتمتع بتمويل كاف لايمكنه أن يقوم بهذه المهمة [6]،
من هنا جرى البحث عن مؤسسات داعمة تعمل على تشجيع الأعلام المستقل.
وبالنسبة للصحافة الأدبية فقد جرى تطويرثقافة الصحفيين عبر فهم اهداف الصحافة الأدبية عن طريق
 
1-      تطوير ثقافة المهنة ،أي قواعد وأنظمة وأساليب وأدوات الصحافة ومعرفة تأثيراتها المختلفة على شرائح المجتمع المختلفة وتتركز هذه الثقافة على الشكل الخارجي للصحافة ،ومن هنا جرى الأهتمام بتصميم الصحيفة وتبويبها وبرزت اسماء ذات شأن في هذا المجال
2-      توسيع دائرة فهم ومعرفة الصحفي في الموضوعات التي يتناولها في كتابته ، فحينما يكتب عن موضوع ثقافي (استعراض كتاب مثلا ) فانه ملزم ان يكون ملما بموضوع الكتاب وحينما يجري مقابلة مع شاعر يجب ان يكون الصحفي ملما بالشعر وتنويعاته وموسيقاه الداخلية والخارجية .
 
ان الصحفي الناجح في الصحافة الأدبية  هو مزيج بين المثقف والمهني الذي يعرف جيدا اشتراطات مهنته ويتعلمها ويتقنها، وهنا لابد من الإشارة الى إنه لايشترط بالأديب الناجح والموهوب أن يكون صحفيا ناجحا
إن البحث في الصحافة الأدبية (الصفحات الأدبية ، الملاحق الثقافية أو الصحف والمجلات المتخصصة في الثقافة عموما ) وأهدافها النهائية المتعلقة برغبة الناشر التأثير في سلوك ومزاج المتلقي موضوع واسع وشائك ويتطلب دراسات خاصة ولهذا السبب فان الباحث سيقوم بحصر الحديث عن اجناس أدبية محددة باعتبارها من اشكال الثقافة وسيجري دراسته على عينة من صحف البصرة التي صدرت بعد 2003 ، وهذه الأجناس هي :
القصة القصيرة
الشعر
النقد الأدبي
المقالة الادبية
fahad_altaye@hotmail.com


________________________________________
[1] مارون عبود (1889—1962 ) أحد ابرز الكتاب اللبنانيين حضورا في المشهد الثقافي والأدبي اللبناني في النصف الثاني من القرن الماضي وقد ترك اكثر من ثلاثين كتابا مطبوعا وكان من ابرزها كتابة المنشور عام 1978 (بعد وفاته ) مارون عبود والصحافة ، كما ترك عددا من المخطوطات , ترجمت بعض كتبه الى الروسية والفرنسية
[2] عبد الرزاق حسين ،دور ادباء البصرة في الصحافة البصرية 1923-1959 ،مكتبة الصباح 2005 ص 6
[3] فيصل حسون ، صحافة العراق بين عامي 1945 و 1970  ،  بغداد  دار المدى 2007 ص125
 
[4] هذا ما افاد به كل من د. جوليانا يوسف من صحيفة الاخبار وعبد المنعم الديراوي من صحيفة شط العرب وعبد السادة البصري من مجلة فنارات ومحمد جواد الدخيلي من صحيفة أضواء اثناء المقابلات الشخصية معهم عند زيارتي مدينة البصرة لاجراء البحث الميداني \ في مقابلات شخصية مع عدد من رؤساء تحرير الصحف ، اثناء اجراء البحث الميداني في البصرة ،أفادوا ان الوضع المالي لايسمح بالصرف على تكليف الادباء بالكتابة لصحفهم
[5] مؤسسة يومانا السويدية
•             من أهم هذه المنظمات الدولية والمحلية التي أقامت دورات تدريبية:[6]
منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة
معهد الحرب والسلام
بيت الصحافة (البصرة )
مؤسسة المرتقى للتنمية البشرية
الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين
آفاق المنتدى الأعلامي
مؤسسة الصحفيين والمثقفين الشباب
مؤسسة شهيد المحراب
المنتدى الصحفي في البصرة
جمعية الثقافة للجميع
جمعية الأمل

47
التضليل في صناعة الخبر
ذياب فهد الطائي
يتفق الباحثون في تعريف الخبر على انه وصف لحادثة ،غير انهم يضعون هذا التعريف في قوالب تشكيلية مختلفة لتأكيد هوية كل منهم ،
ويعتقد بعض الباحثين وهم يعرفون الخبر بانه (جمع الحقائق عن الاحداث الجارية ) ومن هؤلاء الصحفي نيل ماكنيل ، ولكن الحقيقة الموضوعية التي تواجهنا ونحن نستمع او نقرأ هذا الكم الهائل من التدفق الاعلامي ، تشير الى ان مايذهب اليه ماكنيل يقع في (منطقة ) مثاليات العمل الاعلامي ، وان مهنة الاعلام تخضع لأعتبارات اخرى ليس اقلها تأثيرا انه يبحث عن رجل عض كلبا كما يقول اللورد نورثكليف في بحثه المنشور عام 1865 وقد لانجد حرجا اذا ما قلنا ان الاعلام مايزال في موضوعة صناعة الخبر يدور في مربع الجريمة والجنس والمرأة والمال ، هذا المربع الذي قد تكون احدى زواياه السياسة
 كما يركز الباحثون على ان الخبر يتضمن عادة الاجابة عن ستة اسئلة هي (ماذا ، متى ، أين ،من ،كيف ، لماذا )
ولنقل خبر وقوع انفجار في مكان ما ، يصاغ الخبر (استشهد ثلاثة اشخاص ""ماذا "" امس ""متى "" في سوق شعبية ""اين "" بسبب انفجار ""كيف ""  عبوة ناسفة موضوعة في كيس قمامة ""لماذا ""
ومثل هذا الخبر ربما هو حقيقة ينقلها رجل الاعلام بموضوعية وهو خبر قد يقع في اية لحظة في المناطق الساخنة من العالم ولكن التفصيل الذي يلي الخبر هو الذي قد يتضمن عنصر التضليل المقصود والذي يبعد رجل الاعلام عن مهام عمله كناقل امين للحادثة باعتباره مكلفا بهذه المهمة ،فمن اجل الايحاء الى المتلقي بان جهة ما هي التي وراء التفجير ، فانه يذكر "" ومن المعروف ان الخلافات السياسية بين اجنحة التيار الفلاني قد وصلت الى مستويات اللاعودة ، او ان يذكر : وقد شوهد قبل وقوع الانفجار بدقائق رجلا يرتدي ملابس الشرطة وهو يحمل كيسا من البلاستك في منطقة الانفجار
هذا بالطبع في حالة وقوع الحدث حقيقة ، ولكن رجل الاعلام قد يلجأ الى تضخيم عدد الشهداء او الجرحى مستفيدا من تلكؤ الاعلام الرسمي في نشر الخبر أو من تضارب التصريحات التي يدلي بها المسؤولون ، والهدف هنا قد يكون ، نشر البلبلة في صفوف الجمهور او لجذب انتباه المتلقين (الأثارة )
ولكن الخطورة الاكبر تكمن في فبركة الخبر ، ويمكن تشخيص الفبركة التي يقوم بها اعلامي محترف عن تلك التي يقوم بها اعلامي في مراحله الاولى ، فالأول يستفيد من حقيقة جزئية يبني عليها خبره مما يضفي بعض المصداقية على المعلومات التي يرغب في تمريرها عكس الثاني الذي لايهتم بهذه الجزئية
ومن المعروف ان عبارات مثل : (ذكرت المصادر) أو( وصرح مصدر مسؤول) أو( وقال شهود عيان) ، كلها عبارات غير مطمئنة ولا توحي بالثقة، وتكثر هذه المنطلقات في اخبار السياسة التي تعرضها صحيفة ايلاف الالكترونية رغم انها تتمتع بحرفية عالية واحيانا بمهنية في عملها وربما يعود لجوء بعض كتابها الى اختلاق تفسيرات من هذا القبيل الى خلفياتهم السياسية والفكرية
كما ان التضليل قد يقع في طريقة عرض مانشيت الخبر بهدف تشويق المتلقي الى متابعة الخبر ،ففي احدى الصحف العراقية ورد العنوان التالي بالخط الأحمر العريض :
 زيادة كبيرة في رواتب المقاعدين
ولكن تفاصيل الخبر على الصفحة الثالثة جاءت كما يلي :
 ذكرت مصادر وزارة المالية انه يجري بحث زيادة رواتب المتقاعدين ومن المؤمل صياغة نص القانون الخاص بذلك خلال الأشهر الثلاثة القادمة
وقد يقع التضليل حينما تقوم الاجهزة الاعلامية بالتركيز على حدث جانبي او تختلق هي حدثا ما وتعرضه باساليب مثيرة للأهتمام وتتجاهل حدثا مهما  بقصد صرف انظار المتلقين عنه ، وهذا يقع كثيرا لأسباب سياسية متنوعة ويكثر هذا النوع من التوجه الاعلامي في صحف الحكومة او الموالية للسلطة
كما ان من اساليب التضليل التلاعب في صيغة الخبر لغويا او عن طريق حذف بعض العبارات او تقديم بعضها على البعض الآخر على نحو يبدو عفويا وقد لاينتبه اليه المتلقي غير المختص ، وفي هذا الصدد يمكن الاشارة الى ماتقوم به بعض القنوات الفضائية العربية كالشرقية والفرات والجزيرة
ان تغيير الكلمة من صيغة الفاعل الى صيغة المفعول به قد يغير معنى الجملة بالكامل فالسياق اللغوي يعطي مدلولا مغيرا في مثل هذه الحالات ، وربما نتذكر الحجة التي تم الحكم بموجبها على المتصوف الكبير (الحلاج) الذي كان يمشي في الأسواق وهو ينادي :إتقوا الله (بفتح لفظ الجلالة ) في دمي ، ولكن الوزير نقلها للخليفة :إتقوا الله (بضم لفظ الجلالة ) في دمي ، وبالطبع اختلف المعنى كلية واتهم الحلاج بالزندقة واعدم وقيل
:بين الفتح والضم أعدم الرجل
fahad_altaye@hotmail.com



48
من تاريخ الصحافة في البصرة

الحلقة 17......... عبد القادر السياب

ذياب فهد الطائي

fahad_altaye@hotmail.com

هو واحد من الرعيل الريادي للصحافة في البصرة فقد ابتدأ طموحه الصحفي في عام 1929 بعد ان شكل ومجموعة من المثقفين ماعرف( بجمعية الأحرار) ،و حاول ان يحصل على امتياز لأصدار صحيفة باسم( التجدد) الا ان تعثر اصدار الصحيفة بسبب توجهاتها اللادينية وعلاقتها بمجلة وجمعية الشمس المعروفة بعائديتها للحزب اللاديني فقد اتجه الى دعم مجلة الاقتصاد التي اصدرها بديع شوكت بالأشتراك مع يوسف هرمز , ويشير السيد رجب بركات الى ان المجلة صدرت في نيسان عام 1928 وقد صدر منها ثلاث اعداد ثم توقفت ، وكانت تطبع على مطابع صحيفة الحياة للأخوين هرمز

من هو عبد القادر السياب؟

هو عبد القادر بن عبدالجبار بن مرزوق بن سياب السياب ،من قرية جيكور في قضاء ابي الخصيب ، ولد في عام 1901 وتوفي في عام 1969 وكان قد انهى دراسته المتوسطة وانقطع للكتابة والصحافة

وعائلة السياب فيها قول متعدد فمنهم من يعتقد انهم عائلة بصرية ليس من المعروف زمن سكناهم قرية جيكور وان سبب تسميتهم بالسياب يعود الى كونهم من منطقة لاتعرف غير زراعة النخيل وجني التمر وان كلمة سياب هي تسمية للتمر في واحدة من مراحل نضوجة

ولكن الدكتورة ليلى ياسين الأمير ترى انهم من أمراء قبيلة ربيعة (مدينة الكوت ) وان جدهم سياب السياب قد هاجر الى البصرة وسكن قرية جيكور وان سيابا هذا قد امتلك البساتين فيها وانجب( مرزوق) الذي انجب عبد الجبار وعبد القادر وشاكر (والد الشاعر بدر شاكر السياب)

ولكن الدكتورة الأمير لاتقدم اية مستند يمكن الركون اليه ، كما اني اعتقد ان امراء ربيعة يحتفظون بشجرة العائلة وانه من الميسور الأستفسار منهم عن هذا الموضوع والتحقق من ذلك سيما وان التاريخ المفترض لهجرة سياب الى البصرة على ضوء تعاقب ثلاث اجيال سيكون بين 1800 و1825 ميلادية

 وفي هذا الصدد لابد لي ان اشير الى هناك توجه عام لدى عوائل البصرة ان ينسبوا انفسهم الى مجموعات من خارج البصرة ولم يفكر احدهم ان هذه المدينة العريقة التي انجببت كبار مفكري العرب والمسلمين تمتلك امكانية ان تقدم ملاكي اراضي وحكام ومفكرين، هذا بالطبع، ان لم تكن هناك سياسة مقصودة في الاستعانة بالاخرين من خارج حدودها

محطات في تاريخ عبد القادر السياب 

1- بدأ الكتابة في الصحف العراقية في الربع الاول من القرن الما ضي كما كان من كتاب مجلة ( الشمس ) التي كانت تصدرها مجموعة تنتمي الى الحزب اللاديني في البصرة والتي كان يقودها طالب كلية دار المعلمين العالية في بغداد ، والمتخفي في البصرة (مهدي وفي ) وكانت مجلة الشمس قد كتبت على غلافها:

من أنصار مجلة الشمس الأديب الناهض عبد القادر عبد الجبار السياب وهو أحد أدباء البصرة ونصير مجلة شمس ومن الغيورين على المبادئ العصرية الحرة )

2- تأسيس جمعية الاحرار والتي كانت واجهة سياسية للحركة الماسونية التي اسسها الضباط البريطانيين في البصرة ، وفي الطلب الرسمي المقدم الى الجهات المختصة في البصرة كانت الهيئة التأسيسية مكونة من :

عبد القادر السياب

توما هرمز

مهدي وفي

عبد الحافظ الخصيبي

عبد محمد بنكال

3- اصدر صحيفة الناس في بغداد بتاريخ 03- 12 -1931 ولكنها لم تستمر طويلا مما إضطر عبد القادر السياب الى العودة الى البصرة

4- في 09- 06- 1935 اصدر صحيفة الناس في البصرة التي تبنت توجهات الحزب الوطني العراقي بقيادة جعفر ابو التمن  ،عطلت الصحيفة بعد فشل حركة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 واعتقل السياب وارسل مخفورا الى معتقل الفاو وبعد الافراج عنه عاود اصدار الناس  وعاودت السلطات تعطيلها في عام 1952 ولكنها مالبثت ان عاودت الصدور حتى 14 تموز 1958

5- اصبح نائبا عن البصرة في عام 1939 وحتى اعتقاله عام 1941

6- في عام 1946 اصبح عبد القادر السياب رئيسا لفرع حزب الاستقلال في البصرة

7- في عام 1966 اصدر صحيفة الحياة التي توقفت بتاريخ 06-08-1969 وكان السياب في هذه الفترة قد ترك حزب الاستقلال ليعمل كصحفي دون التزامات حزبية

8- كان عبد القادر السياب في كل مراحل حياته الضاجة بالحركة قد امتاز بما يلي:

1/8 – انه كان متفتحا يدعو الى الحوار ويشترك فيه ويقرر على ضوء قناعاته الشخصية الجهة التي يقف معها

2/8 – كان منذ البدء اقرب الى الفكر القومي على عكس اخية عبد المجيد السياب الذي انضم الى تشكيلات الحزب الشيوعي ، لهذا فقد كانت الفكرة القومية هي التي تحكم مسارات عمله السياسي، ومنذ ان ترك جمعية الاحرار ومجلة شمس كانت ارتباطاته مع الاحزاب القومية.

وكان على العموم مؤمنا بالعمل السياسي كوسيلة للتغيير ومتسامحا لم يعرف التطرف ، يروي السيد جاسم المطير ، انه كان قد اعتقل على خلفية المساهمة في التحريض على اشتراك عمال نفط البصرة في عملية الأضراب والمظاهرات التي عمت المدينة في شهر ديسمبر 1953 ، وان عبد القادر السياب تدخل لدى السلطات في البصرة لأطلاق سراحة بعد ثلاثة ايام من عملية الاعتقال

3/ 8 – كان السياب شخصية قوية تمتلك القدرة على اتخاذ القرارات في الظروف الصعبة والمعقدة ولهذا فحينما لم تصدر الموافقة على تأسيس فرع الحزب الوطني العراقي من وزارة الداخلية ، اعلن انهم غير ملزمين بقرار الرفض وعقد مؤتمر الحزب في ابي الخصيب ،كما لم يقترب من السلطة او يدخل في اية مساومات سياسية معها

4/8 – كان السياب كاتبا سياسيا محترفا، ولهذا انفردت، ولفترة طويلة صحيفته ، بكتابة المقال الافتتاحي إضافة الى نشر تحقيقات مطولة عن الوضع السياسي وعن برنامج الحزب الوطني العراقي ، كما ان السياب لم تشغله مهامه التنظيمية، في عمله الحزبي وتوليه بناء قواعد للحزب على امتداد شط العرب ونزولا حتى الفاو ،عن التصدى للرد على كل الدعايات المناهظة لتوجهاته او لمناقشة طروحات الاحزاب الاخرى وعلى وجه الخصوص الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يتمتع بنفوذ واسع بين المثقفين على وجه الخصوص


49
الصحافة الدينية في البصرة
ذياب فهد الطائي
fahad_altaye@hotmail.com
البصرة مدينة عراقية تقع على بعد 560 كلم جنوب بغداد وتحتل واجهة بحرية على الخليج العربي عرضها حوالي 50 كلم وهي المنفذ البحري الوحيد للعراق ، بناها القائد الأسلامي عتبة بن غزوان عام 14 للهجرة كقاعدة متقدمة للجيوش الأسلامية الزاحفة نحو الشرق،وقد اسهمت البصرة في بناء الحضارة العربية ، فهي مدرسة اللغة العربية وفقهها مع شقيقتها الكوفة ، وهي مدينة الحسن البصري وابن الهيثم والفراهيدي والجاحظ والمعتزلة وعدد كبير من الفلاسفة والمناطقة العرب ، وفي العصر الحديث قدمت بدر شاكر السياب وسعدي يوسف ومحمود البريكان ومحمد خضير .
هذا الحراك الفكري الواسع لابد وان ينعكس على الآليات الحديثة للعمل الأدبي والسياسي ولهذا:
غطت المجلات والصحف الصادرة في البصرة والتي كان عددها 148 صحيفة ومجلة، خلال الفترة  من عام 1889(بصدور صحيفة "بصرة " ) ولغاية عام 2003 ، كافة الانشطة العامة(السياسية ، الأدبية ، الدينية ) ولكن السيد حطاب جبار العبادي يذكر ([1][1]) : انه لم يستطع على العثور على اية معلومات او دليل مادي ملموس عن وجود نشاطات صحفية دينية في البصرة للفترة من 1902 وحتى 2004 وان هذا النشاط اقتصر على بغداد ، النجف ، كربلاء ، سامراء ، الحلة ، العمارة ، والناصرية .
  وانا اذ اتفق معه في عدم وجود مثل هذة النشاطات في الفترة الممتدة من 1968 وحتى 2003 ولكني اختلف معه بتأكيدي وجود نشاط صحفي ديني في الفترات السابقة فقد صدرت مجلة الشبان المسلمين للسيد طه فياض العاني  في 18-5-1935( في تعريف المجلة باتجاهها جاء مايلي : مجلة اسبوعية تهتم بشؤون الشباب المسلم )
 وكذلك مجلة السلام للقس سليمان داوود التي صدرت في مايس – 1954
 ونشرة الاحد للكنيسة الكاثوليكية ويشرف عليها الاب يوسف كوكي والتي صدرت في عام  1921
  كما كانت صحيفة السجل للسيد طه الفياض العاني ذات تو جهات اسلامية بحكم مايحمله صاحبها من ميول دينية، وكانت قد صدرت في عام 1937 ، كما كان كتابها ممن يحملون توجهات لها صلة بتنظيمات الشبان المسلمين
كما صدرت مجلة الشمس في عام 1925 بلسان حال (جمعية الشمس) وهي جمعية لادينية و يعتقد انها كانت الواجهة الاعلامية للحزب اللاديني الذي كان من المنوي الأعلان عنه رسميا في البصرة ولكن المعارضة الشديدة من الجمهور ومن الحكومة حالت دون ذلك
وبعد 09- 04- 2003 وسقوط الحواجزالتي كانت تقيد العمل الصحفي وتحول المشهد الاعلامي عموما الى حالة من الفوضى غير المنضبطة (كما يقول الصحفي فائق بطي) ، فقد صدرت في البصرة 95 صحيفة كان منها  35 منها تمثل حركات دينية  أوتحمل توجهات دينية واضحة سواء باسمها أو بما تحمله من   تعريف،
(20 صحيفة تنطق رسميا باسم أحزاب أو تيارات دينية و15 صحيفة تخضع بصورة غير مباشرة لتلك المجموعات ) ومن أصل 45 مجلة كانت حصة التيار السياسي الإسلامي 15 مجلة. ولأول مرة تصدر صحف ومجلات في الأقضية التابعة للمحافظة ،كأبي الخصيب والزبير والقرنة ، ومن الملاحظ ان المدينة لم تشهد صحيفة للمكون المسيحي أمام هذا التدفق الكبير لصحافة التيارات الأسلامية ، على الرغم من المسيحيين يمثلون مكونا مهما في المدينة ، وكانوا قد خاضوا انتخابات مجلس المحافظة في بداية 2009 بثلاثة احزاب
وكانت هذه الاحزاب والجهات الدينية هي:
الحزب الأسلامي
حزب الله
التيار الصدري       
حزب الفضيلة                             
حزب ثأر الله                             
المجلس الأسلامي الأعلى                         
تيار الإصلاح الوطني                   
    القواعد الشعبية                         
منظمة العمل الإسلامي                 
حزب الدعوة الإسلامي                 
حزب الولاء الإسلامي                 
منظمة عصائب الحق
منظمة بدر
حركة سيد الشهداء
منظمة المرأة المسلمة
جمعية بطلة كربلاء
منظمة تجمع ثوار الانتفاضة الشعبانية
حزب بقية الله             

ان وراء هذا التوسع في اصدرا هذا الكم من الصحف والمجلات ، الرغبة في اكتساب مواقع على الساحة الجماهيرية المحتقنة بحكم عوامل عديدة وقد ، لحظت أثناء قيامي بالدراسة الميدانية لتوثيق صحافة المدينة في شهر مايس/حزيران أن التقلص في أعداد الصحف الصادرة قد شمل الصحف الدينية أيضا.
وأعتقدأن هناك أربعة عوامل وراء هذا التقلص هي:
1- معارك صولة الفرسان ضد مواقع بعض الحركات المسلحة التابعة لميليشيات في مدينة البصرة، التي أفقدتها نفوذها وقدرتها على جمع الأموال وتمويل صحفها.
2- خسارة بعض القوى الدينية في انتخابات الحكومة المحلية في البصرة والتي كانت تعول على تحقيق مكاسب قبل إجراء الانتخابات الأمر الذي دفعها لإصدار صحف كجزء من حملتها الانتخابية ولكن الخسارة لم تترك مبررا لاستمرار تلك الصحف
3- فشل العديد من الصحف في تحقيق عائد مادي يغطي تكاليف الطباعة وعزوف القراء عن شراء تلك الصحف وتدني القدرة الإدارية والحرفية للعاملين فيها.
4- تخلي عدد من المرجعيات الدينية عن توفير غطاء لبعض الصحف مما اضطرها الى التوقف.
كما لابد من الاشارة الى ان نتائج الاستبيان الذي قمت به في البصرة عن رأي الجمهور في صحافة مدينتهم والذي كان
1- عينة عشوائية بعدد 75 طالبا وطالبة من جامعة البصرة
2- عينة عشوائية بعدد 75 امرأة ورجل من جمهور البصرة
كان احد الاسئلة هو : هل تفضل ان تكون صحافة البصرة.......دينية ....حزبية .... رياضية .... علمية ...عامة ومنوعة
كانت النتيجة ملفتة للنظر ، فقد ايد الصحافة الدينية طالبا واحدا وايدها من عينة جمهور المدينة رجلين وامرأة واحدة
ان هذه النتيجة تكشف عن (مزاج عام )في المدينة لايرغب في الصحافة الدينية ، وبالطبع يعكس هذا تقلص في التأييد لبرامج الأحزاب التي تمارس (الدين السياسي )
اعتقد ان على مسؤولي الأعلام في تلك الاحزاب والتيارات ، ان يأخذوا هذه النتيجة على محمل الجد وان يعالجوا نواحي القصور في سياساتهم الأعلامية ،فالصحف والمجلات عموما تنحو نحو اساليب قديمة في النصح والأرشاد ولا تعير المشاكل اليومية للمواطنين اهتما ما واضحا ، او انها تعيد انتاج مفاهيم مكررة بطريقة بعيدة عن الحرفية الصحفية
كما اعتقد من ناحية اخرى ان ملامح العزوف عن قبول الممارسات الأعلامية (على الأقل ) لتلك الاحزاب والتيارات سنجد نتائجها العملية في الانتحابات القادمة 

صفحات: [1]