عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - أدب

صفحات: [1]
1
أدب / أحضان الله "
« في: 18:07 04/09/2019  »
أحضان الله "

زينب الحيالي

ما إنا سوى كائن مهمش, ثمل بأوجاع الحياة,والسعادة سجينه بين أضلعه, سرقتني الحياة من فم المجانين, إنا ألان أحيا بين المثالين, أشم رائحة المتناقضين

بلا استئذان, ابتلعوا فصولي الأربعة لتكتمل لعنتي, ولتزهر الحياة يتجمع في جمجمة رأسي ألف سؤال أجهضتها واحده تلو الأخرى على المارين, وما أن تعثرت بطرقهم

عثرت على الجواب, لصقت على جدرانها #هنا_الأموات

إلا تلك العبارة فاجأتني

  آنت مجنونه

 ههه من آنت

اهربي للسماء لأحضان الله.

2

صدور مجموعة((ا لمصابح العمياء)) القصصية  للاديب حميد الحريزي
صدر عن دار تموز للطباعة والنشر  وبتعضيد من قبل الاتحاد العام للادباء والكتاب في النجف الاشرف   المجموعة ((المصابيح العمياء))  للاديب حميد الحريزي  وقد ضمت المجموعة ((22))  قصة قصيرة  و ((41))  قصة قصيرة جدا    /  مع مقالات ودراسات نقدية  حول بعض قصص المجموعة  من قبل نقاد عراقيين وعرب
نتمنى لكم قراءة ممتعة .
 

3


 صدور  رواية قصيرة جدا

صدر عن مطبعة (( حوض  الفرات(( في النجف   رباعية   روايات قصيرة جدا   للاديب   حميد الحريزي    ، تضمن اربع روايات  هي :- رواية  ارض الزعفران ،   القداحة الحمراء ، المقايضة ، المجهول  ))  مع دراسات  نقدية  حولها   للناقد والمترجم احمد فاضل  والناقد سلمان العلوان  والناقد  جمعه عبد الله  من السويد  ن والناقدة عزة الخزرجي من تونس ... نتمنى  تلقى  قبولكم ورضاكم  .

4
خسوف بدر الدّين- جدوى الدّوران والتّأرجُح بين الأقطاب

1* لا شكّ أنّ هذه الرّوايةَ تصطفي في مراتب الأعمال الرّوائيّة الفلسطينيّة الّتي استطاعَ كاتبُها أن يفيدَ من تقنيّات العملِ الأدبيّ، وأنْ يُجنّدَ هذه الأساليبَ في سبيلِ الوصول بعملِهِ الأدبيّ إلى هذهِ الهيئة الأدبيّة.
2* نلمح، لا سيّما في الآونة الأخيرة، نزعةً لدى أدبائِنا الفلسطينيّين، في التّعريج على التّاريخ بشكلٍ عامّ، والتّاريخِ الصّوفيّ بشكلٍ خاصّ؛ أذكرُ على سبيلِ المثالِ روايات: راكبُ الرّيح ليحيى يخلف، الصّوفيّ والقصرُ لأحمد رفيق عوض، ولا ننسى تجربةَ شعرائِنا محمود درويش وسميح القاسم وغيرهما، في اعتمادِ التّوجّهِ ذاتِهِ في الشّعر، خاصّةً الأشعار المتأخّرة؛ ولهذا أسبابُهُ، ففي هذا التّعريج والاستخدامِ خطابٌ يرنو إليهِ أدباؤُنا، يجدونَ في الحُلّةِ الصّوفيّة، أو المُرقّعةِ الصّوفيّة، إن صحّت الاستعارة، إطارًا يفيدون منه.
3* يتطلّبُ هذا المَنحى جهدًا كبيرًا مِن المؤلِّفِ الّذي يخوض في عالمٍ واسعٍ جدًّا هو عالمُ الصّوفيّة، إضافةً إلى دراسةِ التّاريخ. في هذا التّوْليف إنجازٌ كبيرٌ، لكنّ هذا الإنجازَ يتطلّبُ جهدًا مَهولًا، فبُورِكَ أصحابُه.
في محاولةٍ لرصدِ بعضِ الحركاتِ في "رواية خسوف بدر الدّين" أشير بدايةً، إلى أنّ الرّوايةَ تستحقّ دراسةً سأسمّيها في هذا المَقام بالدّراسة النّورانيّة، لتِبيانِ انعكاسِ المفاهيمِ الصّوفيّةِ فيها، وتَحليلِها وِفقَ الأنساقِ الصّوفيّةِ كوْنَها زاخرةً بها، وهي دراسةٌ لن تَفيها الدّراسة الأدبيّة النّقديّة اللغويّة كاملَ حقِّها. فقد دأبَ باسم خندقجي على تذويتِ المُعجم الصّوفيّ في بنيانِ الرّوايةِ ونسيجِها. ومنها المَنهجُ العرفانيّ الّذي يعتمدُهُ مَسارًا في بناءِ شخصيّةِ بدر الدّين: وقد اعتبرَ العرفانَ أحدَ المناهج المُتّبعةِ في الوصول إلى الله، إلى جانبِ المَنهج العقليِّ والمَنهجِ النّقليّ أو النّصّيّ. ويُفارقُ المنهجُ العرفانيُّ غيرَهُ مِن المناهج الآنفةِ الذّكر، أنّهُ لا يعتمدُ في إنتاجِ مفاهيمِهِ على العقل، ولا على ظاهرِ النّصّ الدّينيّ، بل يُرجعُها إلى الإلهامِ والتّلقّي مِن مَصدرٍ مُتعالٍ. فالمعرفةُ حسبَ طرائقِ العرفانيّةِ تَنشأُ عن مُكاشفةٍ وعيانٍ، لا عن دليلٍ وبرهان.
يمكنُ قراءةُ هذه الرّوايةِ بتوجّهاتٍ عدّة، والتّركيزُ على نَواحٍ عدّةٍ فيها أيضًا. اخترت، هنا، التّركيز على حركيّةِ الرّواية، وهي حركيّةٌ أسمَيْتُها بـ:”الدّوران وَالتّأرجُح بين الأقطاب"، وفي هذه التّسمية توازٍ بينَ حركةِ العملِ الرّوائيّ، وبينَ حركةِ المريدِ الصّوفيّ في دورانِهِ وتأرجُحِهِ واتِّباعِهِ أقطابَ المعرفةِ اللّدُنيّةِ والنّورانيّة. فكما يدورُ الصّوفيُّ دوْرتَهُ تدورُ أحداثُ الرّواية، فيتركُ بدرُ الدّين سماونة مسقطَ رأسِهِ، ويجوبُ بلدانَ العالم مُتأرجحًا بينها، لكنّه يعودُ إلى هناكَ بحركةٍ دائريّةٍ كدوْرةِ الصّوفيّ. في سيماونة يبني مَجْدَهُ، يقول ص304: "ها أنتَ قد عدتَ إلى سيماونة شيخًا، لا بل مُعلّمًا، لا بل ثائرًا، بل ممسوسًا"، ويدورُ بهِ القدَرُ والزّمنُ فينهارُ المجدُ، بخسوفِهِ بدرًا مِن النّور إلى العتمةِ، في دورةِ الزّمن تنهارُ مملكتُهُ، وهي أشبهُ بالكومونا الّتي يبناها ثوّار إبّان الثورة الفرنسيّة، أو اليوتوبيا وفقَ الأيديولوجيّة الاشتراكيّة الشّيوعيّة، حتّى وإن بدا التّوازي بينهما عسيرًا. أمّا الدّوران الأكبر فهو في عنوان الرّواية: خسوفُ بدر الدّين، ففي خسوفِ القمرِ حركةٌ دائريّةٌ أدّتْ إلى حدوثِهِ، ولولا الدّوران لربّما بقيَ الخسوف، أو لربّما ما كانَ أصلًا. لهذا فالرّوايةُ تقومُ على حركيّةِ الدّوران وما يَحملُهُ مِن تغييرٍ قد يكونُ ذا حدّيْن، ويبقى السّؤال: هل هناك [إرساء] مِن جدوى للدّوران، أم أنّ الجُمودَ أفضلُ في بعضِ الحالات؟
أمّا التّأرجُحُ فينعكسُ في المَحاورِ الثّلاثةِ الّتي تتناولُها الرّواية، وهذهِ المحاورُ الأساسيّةُ هي الصّراع بمختلفِ أطرافِهِ، ثمّ التّقاطُبُ كشكلٍ مُتطوّرٍ للصّراع، والخيبةُ كنتيجةٍ له، وتتلاحقُ الأحداثُ راسمةً صورةً لهذه المَحاور، لنجدَ الشّخصيّةَ الرّئيسيّة بدر الدّين، وما يحيط به/ ها مِن شخصيّاتٍ قريبةٍ، يَدورونَ ويتأرجحونَ في دائرةِ هذه المَحاور، بُغيةَ البحثِ عن إجاباتٍ وافيةٍ لأسئلةٍ لا إجاباتٌ شافيةٌ لها.
الصّراع: في الرّوايةِ عددٌ هائلٌ مِن الصّراعاتِ الّتي تذهبُ بعقل القارئِ بعيدًا، إلى تلكَ الحقبةِ التّاريخيّة، وتَدَعُهُ يتساءلُ ليسَ عن الصّراعاتِ فقط، بل وعن طبيعةِ الجنس البشريّ الّذي لا يَستكينُ، إلّا إن رأى الدّماءَ مَسفوكةً، والحياةَ مُستباحةً أمامَ نداءِ الموت؟ فيتساءلُ عن جدوى كلِّ هذا. خندقجي يقودُ قارئَهُ بحنكةٍ، ليُوصلَهُ إلى هذا التّساؤل، وذلكَ مِن خلالِ العددِ الهائلِ واللّامُتناهي مِن الصّراعاتِ المُختلفة، والّتي يُغيّرُ فيها البشرُ مواقفَهم، كما تتبدّلُ الفصولُ أو الشّهور. وفي هذا تلميحٌ وإيماءٌ لِما نُعايشُهُ، لكنّه هنا مُركّزٌ مُشدّدٌ بشكلٍ لا يتركُ مجالًا لخديعةٍ فكريّة. ومِن هذهِ الصّراعات: صراعُ الهُويّة لدى طورة، وصراعُ الجيوش، والسّلاطين، والأمم. يقول على لسان ابن خلدون ص97:”حلِّقْ في سماءِ الزّمان، ترَ الأرضَ ترتجفُ بزلزلةِ جيوشِ السّلاطين".
الأقطاب: نلمحُ في الرّوايةِ تأرجُحًا شديدًا وحادًّا تتخابط بينها الشّخصيّات، كأنّها الكُرةُ الّتي تتقاذفُها جِهتان، فمِنْ قطبٍ إلى قطبٍ تجدُ نفسَها الشّخوصُ في حركةٍ مِنَ الحيرةِ، أو القراراتِ المُتعاقبةِ تحتارُ بين قطبيْن، أو تنتقلُ بينهما، مِن صورةٍ مكنونةِ المزدوجة الّتي تُمثّلُ الطُّهرَ والعفّةَ والنّورَ والرّوحَ تارةً، والشّهوةَ والجسدَ والشّبقَ تارةً أخرى، بشكلٍ مُتقطّبٍ يدعو إلى الذّهول؛ مِن العِلم مقابلَ السّيف، مِنَ الواقع مقابلَ الغيب، والدّينِ مُقابلَ الكُفر، مِن تجاذُبِ الذّكرى أمامَ الواقع مِن ترجيح القوّةِ على العدلِ أو العكس، مِنَ الانقيادِ إلى النّقائض، الموتِ في سبيلِ الحياة. هذا التّقطّب يُسارعُ مِن حركةِ التّأرجُح، لتَخرجَ منهُ الشّخصيّاتُ مُنهَكَةً، وقد تفتّتَ فيها الجسدُ والفِكرُ، وطَرحتْ سؤالَ الجدوى مُجدّدًا حيالَ اختيارِها، أو اتّجاهِها. فهذا بدر الدّين، وأنا أقرأ ص 212: "فمَن الّذي كان ممسوسًا بالاضطرابِ والقلق، وذلكَ المزيجِ الغامضِ مِنَ السّرورِ والأسى والفرحِ والحزنِ سوى بدر الدّين؟". وينجلي التّقطّب جليًّا في التّعابير الإكسومورونيّة (الإرداف الخلفيّ الّذي يجمعُ بينَ نقيضيْن مُتلاحقَيْن) الّتي يُفاجئُنا بها خندقجي حين يقول ص95: "وأنتَ الغريبُ الوحيدُ، القلِقُ المُبصِرُ، الأعمى المُتمرّد الخانعُ، الضّالُّ المُؤمِنُ، المُخطِئُ التّائب، المُعلّمُ الجاهلُ، الفتى الكهلُ، عبدُ الشّهوةِ وعبد التّوبة".
الخيبة: الرّوايةُ تمتلئُ بالخيبةِ والانكفاءِ، وتَبدُّدِ الآمالِ في فضاءِ الرّغبةِ والتّوْقِ والحُلم. تسعى الشّخصيّاتُ إلى تحقيقِ ما تصبو إليه، لكنّها تنكفئُ مُجسِّدةً مثالَ اللّابطل، وهو تلكَ الشّخصيّةُ الّتي لا تتمكّنُ مِن تحقيق أهدافِها ولا طموحاتِها، بل تنكفئُ على نفسِها، وخيبتُها على مستوى الرّغبة، والعمل، وحتّى الشّعور...، وهناكَ الكثيرُ مِنَ الخيباتِ: السّلطانة أمّ فرج لا تُحقّقُ مأربَها مِن بدر الدّين. علي باي الخازندار يفشلُ في الانقلابِ على الملكِ برقوق. مكنونة الّتي تفشلُ في تحقيقِ الجاه، مِن خلالِ صوْتِها والتّقرّبِ إلى أصحاب السّلطة والنّفوذ، فتدفعُ روحَها ثمنًا لذلك. لكن يبقى السّؤالُ: هل تجدُ الشّخصيّاتُ نفسَها قد قامتْ بدوْرِ البطلِ أم لا؟ هل ترى جزءَ تحقيقِ المأرب، أم جزءَ الانكفاءِ ودفْعِ الثّمن؟ أيّ جزءٍ مِن الكأسِ ترى؟ وهل دفْعُ الثّمنِ كفيلٌ بإعادةِ التّفكير، أو بزَمّ الشّفتيْن والضّربِ على الصّدر ندمًا.
الرّوايةُ تعجُّ بالخيبات؛ ما قد يدفعُ القارئَ إلى التّساؤل عن جدوى الحُلم. لماذا نحلمُ إن كانت الخيبةُ تتربّصُ بنا هناك في طرفِهِ؟ وهل هي إلى هذا الحدّ، واهنةٌ واهيةٌ تلكَ الخيوطُ الّتي ننسجُ منها أحلامَنا هذه؟ يُوجّهُ خندقجي القارئَ بفِطنةٍ إلى التّساؤل عن جدوى الإقدام، والتّغيير، والرّفض، والنّيّةِ في البناء، وكأنّي به يُحمّلُ الخيبةَ خطابًا مِن نارٍ يُشعلُ سؤالَ الجدوى مِن جديد، كما جاء على لسان بدر نفسِه ص122: "ما الجدوى من حياةٍ عجزت فيها"؟ وينبشُ في أعماقِ التّوْقِ (بالتاء) سلاسلَ طوْق (بالطاء)، قد تجعلُ الباحثَ المُكدَّ يتوقّفُ عن سَعيِهِ، فيَقبلُ الواقعَ كما هو طائعًا، مسلّمًا، ممتثلًا، راضخًا، مستجيبًا، شاكرًا، راضيًا، قانعًا، قنوعًا، صاغرًا، صغيرًا، منكفئًا، عاجزًا، مُغلِقًا مَنافذَ حواسِّهِ بيديْهِ، كتمثالِ القِرَدَةِ الثّلاثة.
ونتساءلُ حيالَ حركاتِ الدّورانِ والتّأرجُح، وحيالَ ما ينتهي به الصّراعُ مِن خيباتٍ مارّةٍ بفعلِ التّقطّب، هل يكتفي خندقجي فعلًا بسرد الحدث التّاريخيّ، مُطعّمًا بالأجواءِ الصّوفيّة مِن كشف، وأحوال، وانخطاف، وحقيقة، ونور (تكرّرت الكلمة مئات المرّات)، معتمدًا على شخصيّة بدر الدّين الّتي احتارَ التّاريخُ والمُؤرّخون بأمرِها، أم يقومُ الخطابُ الرّوائيُّ في هذا العمل، على الإحالةِ إلى الحالةِ العربيّةِ الفلسطينيّةِ أو الإنسانيّةِ عامّة، في السّؤال حولَ ما نبحثُ عنه مِن مَعانٍ، في تمرّدنا ورَفضِنا للأمر القائمِ ولواقع الحال؟ هل هناك جدوى مِن الرّفضِ والتّحدّي، وصفِّ الصّفوفِ وتجنيدِ النّاس وراءَ فكرٍ، مَهما كان ساطعًا مشرقًا إنسانيًّا وعادلًا حتّى، أم أنّ في الدّنيا توازنًا ما يفرضُه الأقوياء؟
عندها هل تبقى لجذوةِ الكفاحِ الجدوى نفسَها؟ هو سؤالٌ يخترقُ التّاريخَ والمستقبلَ، ويَجثُمُ على كاهلِ الحاضر. إنّه سؤالٌ يُحرجُ الأيديولوجيّات المختلفة، ويضعُها عاريةً أمامَ النّتائج، كما عرّت الخيبةُ الصّراعاتِ، وكما تأرجحتْ على حوافِّ الأقطاب. والمقصودُ أيديولوجيّات مَذهبيّةً وسياسيّةً علمانيّةً ودينيّة، هو ليس بالسّؤال الوجوديّ فقط، والدّائر حول جدوى الحياة وما فيها من رغبات وأهداف يسعى الإنسان إلى تحقيقها، بل ويسألُ عن هذه الجدوى مقابلَ مبدأ النّهاليّة ”النّهاليزم"، وهو مبدأ رفض القِيم القائمة، كما قال نيتشة: "الإيمانُ يعني عدمَ الرّغبة في المعرفة". فهل نحن أمامَ خطاب كهذا؟ عندها تحملُ الرّوايةُ أبعادًا خطابيّةً وجوديّةً ومنهجيّة وحياتيّة ووطنيّة، تدعو إلى قراءتِها بتَرَوٍّ كبير، وتأنٍّ، وبحزمةٍ كبيرةٍ مِن النّور.
فإنّ كان الأمر كذلك، فهذه الرّواية هي كشف حساب عميق للحركة والحركات الّتي ينتهجها المرء، وهي سؤال مفتوح لجدوى التّأرجُح مقابل القبول، وجدوى الرّفض مقابل الرضوخ، وتقبّل الواقع كما هو.


5
د. عادل الأسطة بعنوان: سطوة الشّاعر باسم الخندقجي في "نرجس العزلة".


باسم الخندقجي شاعر وروائيّ يقبع في الأسر من سنواتٍ طويلة، وهو محكوم بغير مؤبّد. صدر له حتّى الآن، ديوانا شعر وروايتان ومنثور روائيّ. بدأ باسم يكتب الشّعر ثمّ تحوّل إلى كتابة الرّواية التّاريخيّة، فصدرت له روايتان هما "مسك الكفاية" و"خسوف بدر الدّين"، والرّوايتان يعود زمنُهما الرّوائيّ إلى فترة العبّاسيّين وما تلاها.
تجربة باسم تجربة تُلفت النّظر لغير سبب، فهو يقبع في السّجن ولا يكتب عن تجربته فيه، وهو بذلك يختلف عن سجناء كثر كتبوا عن عالم السّجن وتجربتهم فيه، وتكاد أعمالهم تقتصر على تجربتهم ومحيطها، ومنهم وليد الهودلي، عصمت منصور، هيثم جابر وعائشة عودة، ومن قبل هشام عبد الرّازق.
ويحقّ للمرء أن يتساءلَ عن السّبب: لماذا يكتب باسم عن عوالم لم يعشها، ويلجأ إلى التّاريخ ولا يكتب عن عالمه؟ هل قرأ نتاجات أدب السّجن، ورأى أنّه لن يضيف إليها أيّ شيء جديد؟ هل يعتقد أنّ القارئ أشبع قراءة عن حياة السّجن، وأنّه بحاجة إلى نصوص مختلفة؟ هل هو شخصيّا مُغرم بالتّاريخ وبالرّواية التّاريخيّة؟ وهل تربّى في أحضان الرّواية التّاريخيّة، فقرأ جرجي زيدان وأمين معلوف وغيرهما، فأراد مواصلة الكتابة في هذا النّوع من الرّواية؟
ولكن باسم قبل أن يكتب الرّواية والرّواية التّاريخيّة، كتب الشّعر وأصدر فيه ديوانيْن، وتحوّل بعد كتابة الشّعر إلى كتابة الرّواية، وهو في هذا الجانب ليس استثناء. الشّعراء العرب الّذين أخذوا يكتبون الرّواية، وغدوا يُعرفون على أنّهم روائيّون أكثر مما يُعرفون شعراء، كثيرون.
ظاهرة كتابة الشّعراء الرّواية وهجران الشّعر تُحيل إلى كتب نقديّة لنقّاد بارزين التفتوا إلى هذا، وقد أصدر النّاقد المصريّ المعروف جابر عصفور كتابًا نقديًّا عنوانه "زمن الرّواية"، ويتزامن مع سؤال زمن الرّواية سؤال آخر هو سؤال موت الشّعر، وليس هذا السّؤال مقتصرًا على الأدب العربيّ، ففي فرنسا كتب مرّة ناقد في ثمانين القرن 20: "إنّهم يَدقّون آخر مسمار في نعش الشّعر".
في الأدب الفلسطينيّ التفت دارسون ونقاد إلى الظاهرة، وكتبوا عن شعراء معروفين غدوا يكتبون الرّواية، ومن الشّعراء سميح القاسم وإبراهيم نصر الله وأسعد الأسعد وزكريا محمد، وظاهرة إبراهيم نصر الله تُعدّ الأكثر بروزًا، وهو يكاد الآن يُعرف روائيًّا بالدّرجة الأولى، فرواياته هي الّتي جلبت له الجوائز في الفترة الأخيرة لا دواوينه الشّعريّة.
باسم مال مؤخّرًا إلى الرّواية، وآخر أعماله الصّادرة هذا العام في بيروت هي روايته التّاريخيّة "خسوف بدر الدّين"، وقبل عاميْن ونصف العام صدر للكاتب نصّ عنوانه "نرجس العزلة" 2016، وقد أدرج على غلاف الكتاب دال "رواية"، لكنّ الصّفحات الدّاخليّة الّتي احتوت على تصنيف المؤلف لا النّاشر، اعتمدت عبارة "منثور روائيّ، ولم تعتمد دال رواية، وإذا نظر المرء في متن النّصّ، فإنّه سيقرأ عن تجربة فلسطينيّ يكتب الشّعر، ولكنّه بدأ يحاول كتابة الرّواية، وقد كتب رواية للفتاة الّتي أحبّها في أثناء دراسته الجامعيّة، ثمّ أهداها المخطوط، ولم يعد يملك نسخة عنه، ولا يعرف صاحبه ماذا فعلت به، بعد أن تزوّجت وسافرت إلى دولة نفطيّة.
"منثور روائيّ" عبارة لافتة تُحدّد جنس "نرجس العزلة"، وفيه مزج بين النّثر والشّعر. كما لو أنّ ما كُتب هو شعر نثر. و"منثور روائيّ" تُذكّرنا بعباراتٍ عرفها الأدب العربيّ، هي نثر المنظوم أو نظم المنثور.
والصّحيح أنّ الأدب الفلسطينيّ لم يَخلُ مِن نصوص نثريّة غلب عليها روح الشّعر. من "يوميّات الحزن العادي"، إلى "ذاكرة للنّسيان"، إلى "في حضرة الغياب" لمحمود درويش،  إلى "دفاتر فلسطينيّة" لمعين بسيسو، إلى "إلى الجحيم أيّها اللّيلك" لسميح القاسم، إلى شعراء كتبوا الرّواية مثل محمد القيسي و.. و..
من بين الأسماء السّابقة الذكر يستحضر قارئ "نرجس العزلة" كتب محمود درويش النثريّة المشار إليها، وأبرزها "في حضرة الغياب"، وكأنّ سطوة الشّاعر درويش سطوة لا يقدر كثيرون على مقاومتها، وأنا طبعًا في مقالاتي منهم.
هل قرأ باسم للتوّ "في حضرة الغياب" و"يوميّات الحزن العادي" و"ذاكرة للنّسيان"، ثمّ شرع في الكتابة؟
ما يغلب على نصوص درويش في كتابيْن من الكتب الثلاثة، هو توظيف الضّمير الثاني في الكتابة، وهو ضمير الأنا أنت، حيث يُجرّد من نفسه شخصًا آخر يُخاطبه، وتغدو الكتابة مونولوجًا طويلا، وقد توقّف الدّارسون، وأنا منهم، أمام هذا الأسلوب، بل إنّني وجدتُني أوظّفه في أكثر ما كتبت، ولسوف أجتهدُ في إيجاد مبرّرات ومُسوّغات للّجوء إليه، في حالة لجأ إليه كاتب، ومثل نقّاد كثر لم أرَ فيه لعبة شكليّة أو نزوعًا نحو التّنويع في أساليب القصّ والكتابة ليس إلّا.
يبدو نصّ "نرجس العزلة" مونولوجًا طويلا، وكاتبُه الّذي يدرس الأدب في جامعة النّجاح، خلافًا لرغبة أبيه، وظّف ضمير الأنا أنت، وان كان في صفحات مُعيّنة يستخدم الضّمير الثالث وأحيانا الضّمير الأوّل، فنصغي إلى ساردٍ يقصّ بصيغة الفعل المضارع عن الشّاعر الشّاعر، وهو يحلم بكتابة رواية (ص88 وما بعدها)، ونصغي إليه يتحدّث عمّا يُلمّ به، ويورد الكاتب هنا كلام الشّخصيّة بين علامات تنصيص.
يلجأ الشّاعر إلى العزلة، ويكتب نصّه الأقربَ إلى سيرته الذاتيّة، ويعترف الشّاعر أنه شيوعيّ فلسطينيّ ينتمي إلى حزب الشّعب الفلسطينيّ، ويُقرّر العزلة الشّخصيّة لمدّة مُحدّدة، وللعزلة أسباب، فقد شعر بالضّجر والقرف ممّا آلت إليه أوضاع الفلسطينيّين، بعد نهاية الانتفاضة الأولى الّتي يتغنّى بها كثيرًا، ومع توقيع اتّفاق (أوسلو) ومجيء السّلطة، ويُقدّم نقدًا عنيفًا لمَن سار في رِكابها مِن مناضلي الأمس ويسخرُ منهم، ويظلّ يتحسّر على الشّهداء، ومنهم صديقه أمجد الّذي استشهد في الرّصاصة الأخيرة الّتي أطلقها جنود الاحتلال، قبل انسحابهم من المدن الفلسطينيّة بعد توقيع الاتّفاقيّة.
ويكون لأمجد حضورٌ كبيرٌ وتأثيرٌ بارز في ذهن الشّخصيّة المُتكلّمة في النّصّ، فقد كان صديقَهُ المُقرّبَ فكريًّا وشخصيّا، ويمكن القول إنّه مرجعيّته الّتي يتكئ عليها في رفض ما آلت إليه الأوضاع، ولم يكن المتكلم ليصدّق ما يجري، حيث النّقاء الثوريّ الّذي كان هو وأمجد وجيل الانتفاضة يتمتّعون به قد غدا من الماضي، وحلّت مَحلّه الانتهازيّة والمشاريعُ التّنمويّة المُموّلة من جهات غربيّة، لا يَهمُّها المشروع الوطنيّ، على أنّ السّببَ الأساسَ للعزلة يكمنُ في الرّغبة بالإبداع. "نعم، ستُجدّدُ عزلتك، ستفضّ المَطالع وتكتبها، ستمارس فوق الصّفحات عشق قصائدك، ستكتب نصًّا، ستبدع".
والشّخصيّة الرّوائيّة صاحبةُ المونولوج تُقرّ بأنّها شخصيّة مُتناقضة مع نفسها، فهي شخصيّة يساريّة تشرب الخمر، ولكنّها تفكّرُ في الارتباط بفتاة جامعيّة مُحجّبةٍ ومتديّنة، وهذا ما لفت نظر الأستاذة الجامعية بربارة الّتي رغبت فيه واشتهته، إذ تقول له: "لكنّها مُتديّنة أيّها الأحمق، وأنت كومونست شيوعيّ؟" (ص60).
ويعترفُ هو بأنّه شخصيّة متناقضة: "تضحك بصوت عال من تناقضك" (ص57).
ويبدو هذا اليساريّ الشّيوعيّ نرجسيًّا حقّا، فهو مثل عمر بن أبي ربيعة ونزار قبّاني. إنّه مطلوبٌ من النّساء، وهو ما يقوله العنوان عموما "نرجس العزلة"، وهو ما تلاحظه الفتاة الّتي أحبّها، وظلّ يَنعتُها بـ"امرأة البدء" الّتي كانت تلاحظ بصمت مدى ازدحامهنّ حول عاشقها".
تغيب امراة البدء عنه جسديّا، لكنّها تظلّ ذاتَ تأثيرٍ وحضور، فهي لم تختفِ مِن حياتِه، وتدخل امراةٌ ثانية من حيفا في حياته، وتكون هذه المرأة امرأةَ الهُويّة والانتماء، وغالبًا ما يُلصق بها عبارة "الهُويّة والانتماء"، كما ألصق بالأولى عبارة "امرأة البدء"، المرأة الأولى هي حبُّه الأوّل، والمرأة الثانية هي فلسطين في امتدادها التّاريخيّ: "ها أنتِ مع نون من حيفا، حيفا الّتي تَسكنك، امرأة من وطن ووطن بلا امرأة، كنت تودّ لو تحضنها باكيًا في ذلك المساء. عذرًا أيّها الوطن، لقد خذلتك".
طبعًا هناك نسوة أخرياتٌ في النّصّ، مثل الأمّ الّتي لها حضورٌ لافتٌ ومُؤثّرٌ في حياته، فمنذ طفولته كانت تعرفُ تفاصيلَ حياته، وتهتمّ بها من الحمام إلى الطعام، وهناك أخته ليلى الّتي تقوم علاقتُهما معًا على أساس الصّراحةِ التّامّة، ويغلب عليها أمر المكاشفة، فهو مرجعها حتّى في أمورها العاطفيّة، وهناك فادية الصّديقة الّتي تهتمّ بأمره وتسأل عنه حتّى في عزلته، وهناك السّكرتيرة أمّ الياس الّتي تعمل معه في المؤسّسة الّتي يُديرها، واللّافت هنا نموذج المرأة الّتي تبدو شهوانيّة "أمّ صبحي"، وهي امرأة مُتزوّجة ولها غير عشيق، تحبّ الحياة وتمارس الجنس لانشغال زوجها عنها بالتّجارة والمال، مع أنّها أمّ، وابنها شاب وصديق للمتكلم ولصديقه أمجد.
هل يمكن المُطابقة بين كاتب النّصّ الحقيقيّ والشّخصيّة الرّوائيّة؛ المُؤلف الضّمنيّ الّذي نُصغي إليه مباشرة؟ أعني؛ هل النّصّ نصّ سيرة ذاتية؟
العقد الّذي أبرمَهُ الكاتبُ مع قارئه هو "منثور روائيّ" لا سيرة ذاتيّة، وإذا ما طابقنا بين باسم وكاتبه، فسنجد تقاطعات واختلافات. كلاهما ينتمي إلى حزب الشّعب الفلسطينيّ ويعتنقان الماركسيّة، لكنّ باسم حتّى الآن، لم يتجاوز الخامسة والثلاثين من العمر، في حين تجاوز بطله السّتين، وكان تخرّجه من الجامعة في الانتفاضة الأولى الّتي شارك فيها، وأمّا باسم فقد شارك في الانتفاضة الثانية. تبقى المطابقة غير مُجدية، بخاصّة أنّ الكاتب صدّرَ نصّه بالآتي: "إنّ هذا المنثور لا يمتّ إلى الواقع بأيّة صلة، وإن حدث، فهذا محض صدفةٍ أو محض عشق".
والسّؤال هو: كيف يُصدّرُ كاتبٌ يساريّ يعتنقُ الماركسيّة نصًّا أدبيًّا بالعبارة السّابقة؟ هل أذهب بعيدًا، إذ أزعمُ أيضًا أنّ باسم كان واقعًا تحت تأثير نصوصي الرّوائيّة؟ في كتابتِهِ عن نابلس المدينة المحافظة الّتي يتلصّصُ أبناؤها بدافع الفضول على خصوصيّات الأفراد، كنتُ أقرأ ما كتبتُه عن المدينة، فهل مرّ بطلُ منثور باسم بما مررت به؟
ولنابلس حضور يشغلُ صفحات من "منثور روائيّ"، نابلس في فترة الاتفاضة الأولى الّتي أغلقت فيها الخمّارات، لكنّها لم تكن تخلو من أشخاصٍ يُوفّرون المشروبات الرّوحيّة لمَن يتعاطاها سرّا. ونابلس مدينة ليس فيها أماكن "تصلح لامرأة وشاعر".
وحين يُقرّر لقاء فادية وحيدين، "لم يكن يعرف أين يمضي بها، كلّ الأماكن محاصرةٌ في المدينة، كلّها تتلصّص على كلها"، و”أخذ يتجوّل في السّيّارة دون أدنى وجهة محدّدة"، واكتشفت هي مدى ضياعه فضحكت قائلة: "ألم أقل لك إنّ المدينة لا تصلح؟"، وفي النّهاية لا يجد مكانًا يجتمعان فيه، سوى دكان العائلة التّاريخيّ شرق المدينة.
طبعًا، علينا ألّا ننسى أنّ هذا كان في فترةٍ سابقة، فنابلس مع مجيء السّلطة الفلسطينيّة اختلفت في هذا الجانب، وصار فيها أماكن يمكن أن يجتمع فيها شاعر وامرأة، إن لم يكونا تحت المجهر.
ونابلس كما يقول عنها أمجد مدينة أحبُّ الأشياء إلى قلبها الإشاعات، ومع ذلك يحنّ أبناؤها إليها وهم بعيدون عنها، فالمتكلم وهو في عزلته في مدينة ثانية، يتذكر ساعات خاصّة بها، وبخاصّة وقت الأصيل، فهذا الوقت هو "وقت مدينتك البعيدة، دكان أبيك، رائحة السّوق العتيقة، ما بعد صلاة العصر بقليل، رشرشة مياة تمتزج مع صوت فريد الأطرش الّذي كان أبوك يهوى صوته، كنت تتّحد في تلك اللحظات، وعندما تفاجئك الذاكرة بها الآن، تتّحد بها وتعشقها أكثر... هي مدينتك وشارع حبّك الّذي كان وطنًا لحبك وقت الأصيل، بضع حميميّة غريبة عن مدينة لا تحبّذ الأشجار كثيرًا، بقدر ما تحبّذ صناعتها المحليّة والتّرويج لها ولهمومها اليوميّة".


6
صدور
[ الأعمال الكاملة – الرواية القصيرة ]
للروائي هيثم بهنام بردى

بدعم من برنامج إبداع الثقافي لمجلس الأعمال العراقي في الأردن، وعن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وبواقع 415 صفحة من القطع المتوسط، بغلاف أنيق معبّر صممه الفنان والأديب العراقي بيات مرعي، صدرت (الأعمال الكاملة / الرواية القصيرة) للروائي العراقي هيثم بهنام بردى. وهي حصيلة اصداراته في الرواية القصيرة NOVELLA على التوالي: (الغرفة 213، الأجساد وظلالها، الطيف، أَبراتُ) التي أصدرها خلال الأعوام السابقة.
ومما جاء في الغلاف الخلفي:
- ولقد لمع اسم القاص والروائي هيثم بهنام بردى في عالم السردية العراقية المعاصرة، بعد أن بانت كتاباته عن مخيلة خصبة هي وليدة مخاض واقعي اشتبكت فيه الواقعيات المعهودة كالواقعية الفوتوغرافية والواقعية النقدية والواقعية الاشتراكية، فكانت واقعيته خاصة ذات ملامح مبتكرة تبتدع الفنتازيا وتستلهم الأسطورة وتوظف الحكاية ببراعة فنية لازمها كثير من الصبر بغية الإتقان والمعاناة بغية النجاح والاكتراث بغية النضوج والارتقاء. هكذا راح يجرب سردياً، فاستقى من واقعية ماركيز السحرية أطياف شخوصه، وأخذ من واقعية بورخس الغرائبية أوصاف أمكنته، واعتمد على واقعية كافكا الفنتازية في صنع عوالم أزمنته بتماه لا تحده حدود، والنتيجة أنه اصطنع لنفسه ومنذ منتصف العقد الثامن من القرن الماضي واقعيته الخاصة التي بانت عوالمها واضحة مختمرة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين..
                                                                    أ. د نادية هناوي سعدون
- يراهن هيثم بهنام بردى في محاولاته المتعددة لتجديد النص الروائي العربي المعاصر على قضية جوهرية ومغايرة للسياق التاريخي والجمالي المعروف من خلال التركيز على مسألة حجم النص أولاً (الرواية القصيرة) بما يتوافق مع التطور الحياتي الهائل ومزاج القارئ... ومناقشة وعرض القضايا الإنسانية الهامشية ثانياً.... تلك القضايا التي تحتاج رؤية فكرية عميقة وإنارة ساطعة حتى تزيح عنها عتمتها... هيثم بردى مازال مستمراً بمشروعه الرائد (الرواية القصيرة) وأتوقع أن يقدم لنا مشروعاً متكاملاً وفريداً من نوعه في تاريخ الرواية العربية...
أ. د. فيصل غازي النعيمي
- السارد هيثم بهنام بردى صاحب صنعة ومحترف في صنعته... هو يهندس معمارية سرده في رواياته القصيرة، بتقانة فريدة جعلت بصمته واضحة وعميقة في السردية العراقية... لغته الشعرية المتصوفة وشخصياته والأمكنة والأزمنة والأحداث جعلت من سرده متماسكاً... المدهش في نتاجه أنه لا يكرر نفسه ففي كل عمل ينتجه تجد شيئاً مختلفا عن العمل السابق فهو لا يدور في حلقة مفرغة في أعماله. هو مؤسس لسرد جديد عراقي يتمظهر بتوظيف المسكوت عنه بصورة جمالية غير مباشرة.
د. مثنى كاظم صادق
***
شكراً لمجلس الأعمال العراقي في الأردن.
شكراً للأستاذ سعد ناجي.
شكراً للأستاذة عبير النائب.
*

7
أدب / حقل فوكو - تشارلز ليمرت
« في: 20:20 10/11/2018  »
حقل فوكو - تشارلز ليمرت

 مدارات ثقافية :ترجمة : خالدة حامد

ما ميشيل فوكو ؟ هل هو ماركسي ؟ بنيوي ؟ سيميائي semiotician ؟ فهو يستعمل مصطلحات ماركس : الطبقة ، الاقتصاد السياسي ، الإنتاج ، رأس المال ، سلطة العمل ، الصراع . لكنه وإن كان ماركسيا ، تبدو صلته بالماركسية غير واضحة . إذ نلمس اهتماما بنيويا بالأشكال الشمولية من الثقافة في حديث فوكو عن ” النظام في حالته الأولية ” وفي محاولته ” كشف أعمق طبقات الثقافة الغربية (1)”.
إلا إنه ينكر اتجاهه البنيوي ، على الرغم من ذلك ، ويبدو دوره السيميائي واضحا في دراساته للنحو العام في ” الكلمات والأشياء “ Les mots et les choses وللعلاقة بين العلامات signs والأعراض symptoms في ” مولد العيادة ” (2) Naissannce cliniqne . لكنه يبدو على الرغم من ذلك أكثر من محض سيميائي .
إن الماركسي ، البنيوي ، السيميائي صفات يلصقها به قراؤه وليست صفاته شخصيا . فنحن حينما نقرأ له نراه يواجهنا في كتاباته بالجديد والغريب ، ونفعل ما يفعله بقية القراء أي نقرأ من المألوف إلى الغريب . ونظرا إلى أنه مفكر فرنسي يكتب بعد الحقبة الوجودية existentialist period ، نفترض أنه لابد أن يكون ماركسياً أو بنيوياً أو سيميائياً . فما الذي يمكن أن تجده في فرنسا هذه الحقبة عدا ما ذكرناه ؟ إن افتراضا من هذا النوع يثير مشكلات كثيرة . وقد تفيدنا مثل هذه الستراتيجية في القراءة فائدة كبرى في حالات معينة لكنها تخذلنا في حالة فوكو . فبعض المؤلفين يميل إلى ملاءمة المقولات بينما لا يفعل فوكو ذلك.
تدفعنا كتابات فوكو بعيدا عن المألوف باتجاه الغريب ، ويكون القارئ عارفا بالسور المتين الذي يحيط بما لدينا من خزين المعرفة المألوفة ، والذي لا تنحل أواصره حينما نقرأ . فنحن لا نستطيع استغلال معرفتنا بالماركسية والبنيوية والسيمياء بل نحن مجبرون على الانتهاك وتجاوز حدود معرفتنا وفسح المجال أمام أنفسنا للسقوط في غياهب لغته وفكره الغريبين والتساؤل عما إذا كان لما نقرأه أية قيمة أصلاً ، إذ تبدو القواعد اللازمة لقراءة فوكو على النحو الآتي : لا تجعل منه شخصا آخر ، تعلّم أن تعيش معه كما هو ، توصلّ إلى أحكامك بعد قراءة الكثير . ومما لا شك فيه إنك ستتعلم الكثيرعن سوسيولوجيا العقاب في ” المراقبة والمعاقبة” Discipline and punish ، وأبستمولوجيا العلوم الإنسانية في “الكلمات والأشياء” ، والتفكيك الفلسفي لنظرية السلطة في ” تاريخ الجنس ” The History of sexuality الجزء الأول ، والفلسفة الشارحة للمعرفة التاريخية في”حفريات المعرفة” Archaeology of Knowledge ، ونظرية الفكر السياسي في” الحقيقة والسلطة” Truth and power (3) ، والدراسات الأدبية لباتاي وبلانشو وفلوبير وروسيل ونيتشه في ” اللغة والذاكرة المضادة والممارسة (4) ” Language , counter –memory , and practice ونجد الكثير من هذه الموضوعات قائمة بذاتها ويمكن أن تذوب في موضوعات هي خارجية بالنسبة لفوكو إلا أن كل من لديه رغبة بفهم فوكو عليه أن لا يحوله إلى شيء آخر ، بل ينبغي له رؤيته من منظور مصطلحاته الصعبة الخاصة به.
يبدو أن أحد الأسباب التي تدفع فوكو إلى إقصائنا خارج حدود المألوف هو أنه باريسي . فالمفكرون الباريسيون يعملون في حقل القوى الفكرية المعقد والمتغير بسرعة . (5) فالأفكار تغدو وتروح ، والنجوم الفكرية تبزغ وتأفل ، وقد يحدث ذلك في غضون أسابيع . ولا يوجد أي مكان فكري آخر في العالم الحديث يماثل باريس تماما ، فهي البؤرة التي تتمركز فيها معظم قوة ثقافة العالم وبالتالي صار لزاما على المؤلفين ، وعلى أفكارهم ، التنافس لاحتلال موقع في هذا الحقل ، وقلة هم الذين يحتفظون بمكانتهم لفترة طويلة . وينبغي للكتاب تلبية حاجات الجمهور الأدبي الملح والمتقلب . كما يكون المفكرون تحت أنظار صفحات جريدتي ” اللوموند ” أو ” النوفيل أوبزيرفاتور” ، وعلى شاشات التلفزيون الفرنسية ، وعلى منصات الكوليج دي فرانس . وقلما نجد مخبأ من باريس كلها لأن القبول الأدبي علامة على القيمة الفكرية . فحالما يعرض الكاتب نفسه لهذا الجمهور تعصف به عندئذ قوة ذلك الجمهور . ولكي يتفادى المفكرون الباريسيون الإحراج يكونون تحت طائلة الضغط للبحث عن ملاذ لهم في ما هو غريب وجديد وهذا هو السبب وراء قلة شروحات الأدب الفرنسي والعلم الإنساني وغزارة شفراته (6) codes . وتعمل الابتكارية الأسلوبية والفكرية على حماية موقع المؤلف الثمين في مناخ ثقافي متأجج . ويشعر القراء الأجانب ، لا سيما الأميركان ، بهذا الأمر أولا . فنحن نكتشف ميرلو بونتي ، سارتر ، ليفي شتراوس ، التوسير ، غورفتش، بارت ، دريدا ، كرستيفا ، هنري ليفي ثم نندفع إلى باريس لزيارة هذه النُصُب لكننا لا نجد سوى الحجارة . فقد اكتسحتنا العاصفة نحن أيضاً ، والنجوم أفلتْ أو انتقلت إلى مجرة معجمية lexical أشد غرابة ، ولا أحد في باريس يرغب بالحديث عنها ، فقد وجد الفرنسيون أن اهتمامنا بالنصب التذكارية غريب تماما.
يعد فوكو جزءا من هذا الحقل . وعلى الرغم من أنه لم يفقد مكانته الأدبية في باريس حتى الآن ، يبدو أن مؤلفاته تحمل علامات ضغوطها . وربما كان هذا الأمر غريبا إلى الحد الذي جعل فوكو يحتفظ بهذه المكانة عشرين عاما ، أي منذ نشر كتابه ” تاريخ الجنون “(7) Histoire de la Folie في 1961 . ومع ذلك ، يوجد تفسير جوهري لغرابة فوكو . فهو قد حول شروط الفكر الباريسي المعقدة إلى منهج وضعي . لكن ينبغي لنا القول أن فوكو ليس ذا مزاج عابث . ومهما يكن حكمنا النهائي على عمله ، لابد من التشديد على أن فوكو يقصد الكتابة والعمل على النحو الذي يمارسه هو . وتؤكد نظريته الاجتماعية انتهاك الحدود المألوفة على نحو واضح.
فوكو الحدث : إن إطلاق اسم ” الحدث “event على فوكو لا يعني الاحتفاء به أو جعله أكثر مما هو عليه ، بل يعني دراسته بمصطلحاته الخاصة ، فهو يرفض التاريخ التقليدي للأحداث الكبرى (الحروب والمعاهدات والاتفاقيات الدبلوماسية ، وما إلى ذلك ) ويقترح بدلا منه تاريخا يضفي صفة الحياة على الفهم الاعتيادي للأحداث التاريخية . فنجده يهتم بالأحداث القليلة الشأن في التاريخ أكثر من اهتمامه بالأحداث الكبرى : إذ يعنى بالراويات المنسية ، بتقرير عن جريمة ما ، بقصة خنثوية ، بمشهد واحد من الأعمال الكاملة لماغريب (8) . فالحدث لا يقاس بما يحمله من معنى أو أهمية ، بل بمكانته في مجال القوة الاجتماعية . فهو بؤرة لقلب المصادفة Chance reversal : ” علينا أن نتقبل إدخال المصادفة بوصفها مقولة category في إنتاج الأحداث(9) ” . فحدث فوكو لا يشكل المصدر الآني للتغير ، بل هو اللحظة المنفصلة المحدودة حينما يتضح التحول . ولهذا السبب فإننا حينما نتحدث عن فوكو ، فإن الحدث لا يعني السؤال عن المعاني المهمة أو المقاصد الخاصة أو الكليات totalities الاجتماعية التي يمثلها الحدث ، بل ينبغي لنا أن نضع جانبا الأسئلة الاعتيادية المتعلقة بخلفية فوكو وتراثه ومصادره وتأثيراته ، وخط اتصاله وأهميته ومعناه الأعمق . بل لا يتطلب الأمر سوى وضع كتاباته في محل تكون فيها مختلفة ومحددة بخصوص ” شروط وجودها الخارجية (10) “.
يعد فوكو حدثا يمكن فيه رؤية الانقلابين اللذين حلاّ في الفكر الفرنسي مؤخرا ، وإن لم يكن هو السبب وراءهما ، ولا ممثل لهما تماما ، بل كان بمثابة المركز البؤري لهما . ومع ذلك يمكن أن نلحظ من اختلافه عن الحقول التي كان جزءا منها مدى تجسيد [عينية] concreteness موقفه والسمات العامة للحقل الذي اشترط هذا الموقف.
وقد مثلت الحركة البنيوية أول التحولين . إذ ظهر كتاب فوكو ” تاريخ الجنون ” 1961 في خضم الجدل البنيوي ، وكان عنفوان البنيوية واضحا في المدة المحصورة بين 1955 ( ” المدارات الحزينة ” Tristes Tropigues لليفي شتراوس) ومنتصف الستينيات ( من أجل ماركس ” For Marx لألتوسير 1966 ، و”علم الدلالة البنيوي “Structural Semantics لغريماس 1966 و”السلطة السياسية والطبقات الاجتماعية ” Political Power and Social Classes لبولانترة 1968)(11) . وعلى الرغم من أن البنيوية شكلت حركة متعددة الجوانب ، ولا شك أنها كانت النشاط الفكري الوحيد المتميز آنذاك ، نجدها طرحت أسئلة فصلتها عن وجودية وظاهراتية phenomenology ما بعد الحرب العالمية الثانية تماما : هل أن التاريخ يقبل التحول إلى أفعال actions تقوم بها الذات التاريخية ؟ ألا تفسر اللغة العقل الإنساني أفضل من الوعي ؟ كيف تكون دراسة الإنسان علمية ؟ يبدو جليا تداخل الأسئلة وإجاباتها . واستطاعت البنيوية تحويل الفكر الفرنسي ضمن الأنشطة المتراوحة بين استخدام ليفي شتراوس للسانيات linguistics ياكوبسن في نقد النزعة التاريخية historicism الماركسية . لكن على حين غرة ، اكتنف الشك الذات التاريخية وميتافيزيقيا الوعي ، ومسألة إعلاء شأن الهرمنيوطيقا hermeneutics (12) في العلوم الإنسانية . وحلت محلها أسئلة مختلفة تماما : ألا تعد الذات نتاج القوى الاجتماعية ؟ ألا يمكن قراءة الوعي من اللغة ؟ ألا يمكن وجود علم شكلي ، شامل في الأقل ، للإنسان من دون التأويل interpretation أو اللغة ؟ ما معرفة الإنسان ؟ وهكذا نجد أنها نشرت تعاقبية synchrony سوسير بإزاء النزعة التاريخية ، وأعلت شأن اللغة على الذات المتكلمة بإزاء الظاهراتية ، وعادت إلى تحليل الشكل والعام بإزاء الهرمنيوطيقا.
كان فوكو حدثا ضمن هذا الجدل ، وطرح الأسئلة ذاتها إلا أنه رفض البنيوية قبل انصرام العقد(13) ، لأنه عمل في كتب تلك الحقبة ” تاريخ الجنون ” و ” الكلمات والأشياء” و ” حفريات المعرفة ” في المجال الفكري ذاته الذي عملت فيه البنيوية ، وإن لم يكن يحمل صفة البنيوي . وحدث التحول الثاني في الفكر الفرنسي الحديث داخل البنيوية ذاتها . فقد ظهرت البنيوية كتكيف من الداخل ، إلا أن الأمر تحول على نحو أنذر بنهايتها ، وما بين كتب دريدا الثلاث في 1967 ( ” الصوت والظاهرة “Speech and Phenomena و” الكتابة والاختلاف “ writing and Difference ” و ” في الغراماتولوجيا (14) “ Of Grammatology ) وكتاب دولوز وغواتاري ” نقيض أوديب : الرأسمالية والشيزوفرينيا ” Anti – Oedipus : Capitalism and Schizophrenia في 1072 ، وكتاب بورديو “نظرة في نظرية الممارسة “Outline of a Theory of Practice في 1973(15) ، جوبهت البنيوية في أضعف مواضعها : حيث تكمن آثار النزعة الإنسانية والتمركز حول الصوت phoncentrism عند سوسير وليفي شتراوس ، وعجز البنيوية عن تقديم تفسير سياسي للثقافات التاريخية ، ونزعتها الوضعية ، ولاسيما تغاضيها عن الذات الراغبة ، الممارسة . ولم يكن الانقطاع هنا واضحا على النحو الذي توضح فيه مع الوجودية . وأن ما يسمى بما بعد البنيوية قد سلَّم برفض البنيوية للميتافيزيقا واهتمامها باللغة والأدب ورفضها تحويل الإنسان إلى ذات مثالية . إلا أن هذه الحركة ما بعد البنيوية أفادت من الانبعاث اللاكاني(16) ، إلى حد ما ، ومن القراءات المستقلة لفرويد ونيتشه وماركس (وغيرهم) ، وتمكنت من إحياء قضايا الذاتية subjectivity والفعل التاريخي والممارسة . ولم تعد الذات تمثل ذاتية الوعي القديمة المتعالية ، بل أصبحت ذاتية الرغبة المتوسطة بين اللغة والأدب . وما عاد الفعل التاريخي يمثل مشاركة إنسانية بل صار سياسة الكتابة والجنون . وما عادت الممارسة تعبيراً عن المقاصد ، بل أصبحت استراتيجيات يحددها اتحاد القوى الاجتماعية والرغبة الإنسانية(17). وينبغي ألاّ نندهش إذا علمنا أن التحول الأخير أكدته سنة الثورة 1968 . ومن هذه اللحظة ، ما عاد بالإمكان التفكير ، على نحو تجريدي ، بالتعاقبات الجامدة ، بالإنسان التاريخي ، بالبنى الاجتماعية (بضمنها البنى اللسانية) بوصفها محددات ، أحادية الجانب ، للفعل الاجتماعي أو للذوات التي بلا رغبات أو التي لا تخشى تهديد الموت ، فإذا وضعت البنيوية حدا للبرالية الوجودية السرية فستمد الحركة ما بعد البنيوية حبالها إلى النزعة التجريدية abstractionism وإلغاء النزعة السياسية الكامنتين في البنيوية.
ولا شك في أن فوكو يُعد حدثاً في هذا التحول الثاني وقد وضح في كلمته الافتتاحية التي ألقاها في الكوليج دي فرانس ، دور النقد في الدراسات التاريخية (18). إلا إنه كان بعد ذلك ، أي في ” المراقبة والمعاقبة ” 1975 و ” تاريخ الجنس ” 1976 ، حذرا في محو آثار نظرية السلطة التحديدية غير المباشرة كلها . إذ ما عادت السلطة تأتي من الأعلى ، أي ما عادت تمثل فعل البنى الإقصائي على الأفراد ، بل صارت سيرورة محايثة immanent process مرتبطة بالمعرفة والخطاب بإحكام ، وتعمل بصفة تقنية على مستويات المجتمع كافة(19). وكان الفرد الراغب نتاجا للجنس ومنتجا له . ولم يكن الفكر السياسي الحَكَم الذي يتحدث إلى الجماهير وينوب عنهم ، بل أصبح الفكر العيني الذي يشترك في دراسات إقليمية (20) . لكن علينا توخي الحذر من احتمال إثارة جدل يشترك به فوكو مع نفسه . إذ لا يوجد فوكو مبكر وفوكو متأخر بالمعنى الذي اكتشف فيه فوكو ، بعد 1970 ، كلية وجود السلطة وسياسة الحقيقة [ أي أنها موجودة في كل زمان ومكان ]. فمنذ البداية كان ثمة نيتشه وباتيل وآرتو وفرويد(21). فلو لم يتغير فوكو ، لكان قد تميز بأحداث 1968 ، في الأقل . وهذا لا يعني أن فوكو ، الحدث ، بنيوي وما بعد بنيوي ، وإن كان لا يمثلهما معاً . فهو حادث في هذه التحولات إلا إنه يحتفظ بخصوصيته على الرغم من ذلك ومثلما إن هذين الانقلابين كانا أعظم من فوكو ، كان هو ، بالمقابل ، يزيد من وقعهما . وقد أفرزت هذه التحولات قضايا التاريخ واللغة والمعرفة ، وأخيراً ، السياسة . وكاد فوكو أن يكون حدثاً في عصره إلا إنه يشكل ، إلى جانب تلك القوى ، أعضاء في سلسلة الأحداث ، أي السلسلة التي سبقت البنيوية والتي لا شك في أنها سوف تدوم بعد زوال ما بعد البنيوية.
وهكذا ، لا نستطيع التحدث عن خلفية فوكو ، بل عن مكانه ، بوصفه حدثا في السلسلة التي تظهر كقوى فكرية . ويرى فوكو أن قضية التاريخ من وضع ماركس ونيتشه ومؤرخي ” الحوليات “ Annals .
كما يرى أن قضية المعرفة طرحها ، إلى حد كبير ، باشلار وكانغيلم ، وغيرهم بينما طرح قضية اللغة باتاي وبلانشو وآرتو ونيتشه وفرويد ، فحينما تقرأ فوكو تصل إلى سلسلة أسماء ، كتلك المذكورة آنفا . وتتباين هذه السلسلة وتتداخل عناصرها ، ولا تمثل هذه الأسماء مصادر فوكو ، بل هي طبقات متنوعة من الأحداث التي يعد فوكو عضوا ملائما فيها.
فنحن إذا بدأنا بتسميات مألوفة ماركسية ، بنيوية ، سيميائية ثم ننبذها ، فإن هذا يعني الدخول في غرابة عينية فوكو ، فالأحداث العينية المتجسدة ، ضمن خصوصيتها ، تكون مألوفة أقل من الرموز التي نحاول تنظيم الأحداث من خلالها . ولا شك في أن فوكو يتميز بالماركسية والبنيوية والسيمياء إلا أن خصوصيته تبرز في تداخل هذا الاتجاهات معا والإسراف فيها ، أي في طريقته التي يستجيب فيها إلى قضايا التاريخ والمعرفة واللغة.
التاريخ : إذا اعتمدنا على المألوف ، يبدو فوكو ماركسيا عندئذ . فهو يُعرف ماركس بأنه نقطة التحول الحاسمة في المنهج التاريخي (22) . فماركس هو قائد المنهج التفسيري الوضعي ومحرره من الإطار الأخلاقي (23) . ويشير فوكو في ” المراقبة والعاقبة ” بتحليل ماركس لرأس المال الثابت والمتغير في كتابه ” رأس المال “ Capital الجزء الأول لغرض توضيح السجن الحديث بوصفه أداة السلطة الانضباطية ” . والحقيقة أن من غير الممكن الفصل بين عمليتي تراكم البشر وتراكم رأس المال ، ولعله كان من المتعذر حل مشكلة تراكم البشر من دون تطور أدوات الإنتاج القادرة على الإبقاء على هاتين العمليتين واستخدامهما . وعلى العكس من ذلك ، أدت التقنيات ، التي جعلت من كثرة البشر التراكمية مفيدة ، إلى تصعيد رأس المال “(24). وهذه واحدة من أبرز إشاراته إلى منهج ماركس ولا توجد أية إشارة غيرها . كما أن سجن المجانين في المصحات asylums ، في كتابه ” تاريخ الجنون ” ، والفقراء في العيادة التعليمية ، في كتابه ” مولد العيادة ” ، كلاهما مرتبط بنظرية العلامات الإنتاجية وإيجاد العمالة الفائضة واقتصاد الفقر السياسي . وقد اختلفت المصحة عن أشكال السجن الأخرى عند النقطة التي ” أصبح فيها الفقر ظاهرة اقتصادية”(25) ولهذا السبب ، مع حلول القرن التاسع عشر تم فصل المجانين عن الفقراء والعاطلين غير المنتجين ، واحتاج الفقراء إلى معامله خاصة لأنهم كانوا يمثلون الفئات السكانية غير المنتجة على نحو يتعذر تغييره . وهنا ظهرت المصحة الحديثة ، وظهرت معها بداية علم النفس الإصلاحي الحديث. وعلى هذا الغرار ولد المستشفى التعليمي مع ظهور العصر اللبرالي من أجل الإفادة من أجساد الفقراء.
” لقد مثلت هذه الأحداث بنود العقد الذي اشترك فيه الأغنياء والفقراء لتنظيم التجربة العياداتية [الإكلينيكية] . ومع نظام الحرية الاقتصادية وجدت المستشفى طريقة لفائدة الأغنياء ، إذ أن العيادة تشكل الانقلاب التقدمي للطرف الآخر في العقد . فهي تمثل الفائدة التي يدفعها الفقراء على رأس المال الذي وافق الأغنياء على استثماره في المستشفى … فتحديقة gaze الطبيب تعد ادخاراً saving صغيراً جدا في تبادلات العالم اللبرالي المحسوبة(26).
وفي ” تاريخ الجنس” ارتبطت الميكانزمات الاجتماعية الخاصة بالانضباط وتنظيم الجنس بالاقتصاد السياسي الذي يحتاج الأجساد من أجل قوة العمل . ” إذ أن مسألة تكييف تراكم البشر مع تراكم رأس المال ، ربط نمو الجماعات البشرية بتوسع الإنتاجية والتخصيص المتفاوت للربح ، أصبحت ممكنة إلى حد ما ، من خلال ممارسة نهج القوة الحياتية بمختلف أشكاله وأنماطه التطبيقية(27) “. لكن الأعم من ذلك هو أن المرء كثيرا ما يشعر بوجود صلة حميمة مع ماركس في نقد فوكو المتواصل للقرن التاسع عشر ، ذلك النقد الذي قدمه على نحو مدمر في إعلانه الشهير في ” الكلمات والأشياء ” عن موت اللبرالي . ويبدو تاريخ فوكو ماركسيا جدا في مفرداته كما في منهجه ، لكننا نجده يحافظ ، على الرغم من ذلك ، على المسافة التي تفصله عن ماركس.
” أنا أرى أن ثمة لعبة من نوع ما تخص بما أقوم به . فأنا كثيراً ما اقتبس من ماركس مفاهيم ونصوصا وعبارات من دون أن أشعر بأني مضطر إلى إضافة هامش محقق أو عبارة إطراء تصاحب اقتباسي . لأنك إذا فعلت ذلك سيشار إليك بوصفك شخصا يعرف ماركس ويعكسه وستكون موضع تبجيل ما يسمى الماركسية . إلا أني اقتبس من ماركس من دون أن أقول أني اقتبس منه ، ومن دون أن أضع علامات الاقتباس
ونظرا إلى عجز الناس عن التعرف إلى نصوص ماركس ، تراهم يعدونني شخصا لا يقتبس من ماركس . فهل يشعر الفيزيائي بضرورة الاقتباس من نيوتن وانينشتاين حينما يكتب بحثا في الفيزياء ؟ يستحيل ، في الوقت الراهن ، كتابة التاريخ من دون استخدام سلسلة كاملة من المفاهيم التي ترتبط بفكر ماركس ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، والتحليق في أفق الفكر الذي عرفه ماركس ووصفه . وقد يتساءل المرء عن الاختلاف الذي قد يظهر بين كون المرء مؤرخا وكونه ماركسيا(28)”.
ولم يتمكن فوكو من تعيين هويته بوصفه ماركسيا مثلما إنه لم يتمكن من الانفصال عن الماركسية الفرنسية بوضوح أكبر وانحراف أكثر . وهذا أمر معتاد بالنسبة لمنهج فوكو ، فهو ليس ماركسيا وليس لا ماركسيا بل كليهما معا . وهكذا تجده يهاجم الشيوعية والنزعة الاقتصادية (29) . فقد تمثل التحول الأساس في فكره ، أي ظهور مفهوم سلطة المعرفة في كتابه ” المراقبة والمعاقبة “، بنقد النزعة الاقتصادية الماركسية والتحليل الطبقي التقليدي . فالسلطة ، بوصفها سلطة معرفة ، لا تمثل هيمنة الطبقات الحاكمة.
” إن السلطة تصدر من الأسفل ، أي ليس ثمة تعارض ثنائي وشمولي بين الحكام والمحكومين من جهة ، وأصل علاقات السلطة من جهة أخرى ... بل ينبغي لنا أن نفترض أن علاقات القوة المتعددة التي تتخذ شكلها وتبدي فعلها في آلية الإنتاج والعائلات والجماعات المحدودة والمؤسسات تشكل الأساس الذي تقف عليه آثار الانقسام الواسع المدى الذي يظهر على الهيكل الاجتماعي كله (30) “.
لاشك أن مرد هذا الاكتشاف قناعة راسخة تتخلل عمله كله .” لنوضح القضية على النحو الآتي : يتمتع السجن النفسي ، والتطبيق السايكولوجي للأفراد ، والمؤسسات الجزائية بأهمية محدودة إذا ما نظرنا إلى دلالتها الاقتصادية ، إلا أنها تكون أساسية ولا ريب ضمن السياق العام لآلية السلطة (31) “.
ويعد فوكو ماركسيا واكثر من ماركسي . وهذا هو السبب وراء لا جدوى الحديث عن مصادر . فهو لا ينتمي للتراث بل يعمل بالمادة الخام الخاصة بالحاضر ، بالأحداث الخطابية الحاسمة . إذ إنه لا يكتب ضمن تراث ماركس بل أرجأ التفكير فيه بعد ماركس . ولهذا فهو يرى أن مواجهة التاريخ تتأتى من مفهوم اللامفكر فيه unthought (32) والمستحيل التفكير فيه unthinkable في الماركسية ، ومن مفهوم اللامفكر فيه في تراثين تاريخيين فرنسيين : ” حوليات ” التاريخ الاجتماعي وتاريخ العلم الباشلاري . وهو يرى أن النهج التاريخي محصور في الفضاء الواقع بين فكرتين : التاريخ الطويل الأمد والانفصال discontinuity . الأولى معروفة جيدا في الفكر الفرنسي المعاصر وفي كتاب فرناند برودل ” المدة الطويلة ” La longue duree ، والأخرى معروفة في كتاب لويس التوسير ” القطيعة الابستمولوجية ” coupure epistemologique (33) وكلا الفكرتين لهما سوابق : مارك بلوش ولويس فيفر في قضية برودل وغاستو باشلار وجورج كانغيلم في قضية التوسير . وتلتقي البنى المستقرة والانفصالات والتاريخ الطويل الأمد وتاريخ القطائع raptures عند فوكو . ويُقصَد بالالتقاء هنا أنها تشكل مجموعة جديدة من القضايا للتاريخ (34) . ويتحدى فوكو مفهومي السببية والاتصال في التاريخ التقليدي بصورة خاصة . ويكمن خلف هذين المفهومين بديهة مثالية تخص التاريخ المعنوي . وباختصار نقول إن فوكو يعمل بين ” الحوليات ” وباشلار ويقدم نقدا ماديا للتاريخ الميتافيزيقي وللتواريخ التي تفترض قوة سببية بين عظماء الناس أو الحضارات أو الأحداث ، أو تفترض ، بدلا من ذلك ، اتصالا ذا معنى يرتكز على اللوغوس المتعالي . لهذا السبب ينظر فوكو إلى التاريخ بوصفه ” يحول الوثائق إلى نُصُب تذكارية “(35). ولا ينبغي تأويل وثيقة المؤرخ لكشف أسرار المقاصد الإنسانية ، بل أنها تتحول إلى نصب تذكاري جامد ينبغي ربطه بالنصوص بصورة مادية.
وبناءً على ما سبق ، يعد منهج فوكو مدينا بالكثير لنقد ” الحوليات ” لموضوع ” التاريخ التوثيقي”. ولا تدرس الأحداث الإنسانية الكبرى إلا ضمن السياق الأوسع للبنى المادية والاقتصادية الطويلة الأمد . فكتاب برودل “البحر المتوسط ” (36) ، مثلاً ، يقع في ثلاثة أجزاء : “دور البيئة ” ، وهو يمثل دراسة للجبال والسهول والأنهار والمسالك البحرية والمناخ ، و”المصائر الجماعية ” وهو يمثل تاريخ اقتصادي لمنطقة البحر المتوسط ، و ” الأحداث والسياسية والناس ” . وتوضح الأحداث الاجتماعية والسياسية إلى جانب البنى المادية والاقتصادية والطويلة الأمد . ولا يسير التاريخ على طول المسار الخطي للفعل الإنساني لأن الإنسان مشروط بالعالم المادي . ولذلك يعد منهج برودل وثيق الصلة بالموضوع إلا أن كتاب ” البحر المتوسط ” دراسة تذكارية في أرشيفات أوربا كلها . وقد تم أخذ الحسابات الإحصائية والبيانات الملاحية والخرائط القديمة والتقارير الزراعية ، وغيرها من الوثائق ( الرئيسة والثانوية ) ، وقسمت إلى أجزاء ثم رتبت في سلسلة . فالخارطة تكون ضمن سلسلة إلى جانب البيانات الإحصائية وتقارير الرعي وحقائق المناخ . كما لا تمثل الهجرة طريقة حياة حسب ، بل هي أحداث تقع ضمن بنى طويلة الأمد يُعاد بناؤها من الوثائق . ولا تتشكل السببية في التاريخ من حدث إنساني معين لتتحول إلى حدث آخر ، بل من الحدس بالقوى المادية الاقتصادية والاجتماعية . ولا يسير التاريخ عبر الزمن بل يكون في زمن الديمومة . وفي النهاية يكون الزمن متماكنا.
لقد ترك منهج ” الحوليات ” بصماته على فوكو ، إذ ترتبط الحوليات الاستطرادية بحقولها الاستطرادية في ” حفريات المعرفة ” ويرتبط النحو العام ، وهو حدث في معرفة المنطق واللغة ، بالاستيمية [الوحدة المعرفية] المسطحة للعصر الكلاسي في ” الكلمات والأشياء ” . وتم تفسير السجن في ” تاريخ الجنون ” و ” المراقبة والمعاقبة ” بأنه راجع إلى الدوافع الاقتصادية للرأسمالية المبكرة ، أما في “مولد العيادة ” فقد ارتبطت مراقبة الجسد بالتحولات الحاصلة في بنى العصر اللبرالي في مطلع القرن التاسع عشر ، إذ أصبحت البنية تفسر الأحداث الإنسانية . إلا أن بنى فوكو ليست ستاتيكية ، فهو لا يضع التحليل الزماني موضع التحليل المكاني ، كما أن الحفريات “لا تحاول تجميد الزمن واستبدال تدفق أحداثه بالارتباطات التي تحدد الشكل الساكن “(37) ، وتجده ، بدلا من ذلك ، يرفض ميتافيزيقا الزمن الإنساني السرية ويسمح لطبقات التشكل الاجتماعي كلها بتكوين أزمنتها الخاصة . وبذا ، يمكن أن يحصل تكرار وعودة وانفصال تماما مثل امكانية وجود اتصال . ولهذا السبب لا يتحدث فوكو عن التغيير الاجتماعي ، بل عن التحول(38) . وما عاد التاريخ يمثل قضية تقدم ، بل إعادة ترتيب للعلاقات بين قوى عدة مادية ، اقتصادية اجتماعية تتوسط عملية التشكل الاجتماعي.
هوامش :
* هذا الفصل مترجم عن كتاب “ميشيل فوكو : النظرية الاجتماعية بوصفها انتهاكاً” Social Theory as Transgression تأليف : تشارلز ليمرت و غارت غيلان Charles Lemert and Gart Gillan . ( المترجمة )
1- فوكو ، ” الكلمات والأشياء ” ، ص 21 26 .
2- ينظر دراسة فوكو السميولوجية للوحة مارغيت ( 1973 أ ) وعرضه لكتاب ج . ب بريزة ” علم النحو المنطقي ” ( 1970 ) ... الخ .
3- فوكو ، ” الحقيقة والسلطة ” (1977أ ) ، وهناك الكثير من المناقشات لفوكو عن السياسة في ” عن اتيكا” (1974 أ) ، ” السلطة والجنس ” ( 197 غ ) ومختلف المقالات والترجمات التي جمعها دونالد بوشار في تحريره لكتاب ” اللغة والذاكرة المضادة والممارسة ” .
4- ينظر :عن بلانشو ” اللغة إلى التناهي ” ( 1963غ) ، وعن فلوبير ( فنطازيا المكتبة ” ( 1967 ج ) .. الخ.
5- لمعرفة اثر باريس على المفكرين الفرنسيين ينظر : تشارلز ليمرت ” قراءة في علم الاجتماع الفرنسي ” (نيويورك : مطبعة جامعة كولومبيا ، 1981 ) .
6- ان كتابات فوكو مثال واضح على ذلك ، وتحديدا : “ حفريات المعرفة ” ( 1969 أ ) .
7- في الحقيقة ، كان أول كتاب لفوكو يحمل عنوان ” المرض العقلي والشخصية ” ( باريس : مطبعة جامعة فرنسا ، 1954 ) الذي تم تنقيحه وأعيد صياغة عنوانه في 1962 وتُرجم إلى المرض العقلي والسايكولوجيا ( نيويورك : هاربر ورو ، 1976 ) . أما اعظم أعماله الأولى فهو ” تاريخ الجنون في العصر الكلاسي ” ( 1961 أ ) .
8- ينظر مناقشة فوكو للأحداث المهملة في : حديث السجن ( 1975 ج ) وتاريخ الجنس الجزء الأول (1976أ) ، (1980ء ) ، ” أنا بيير ريفيير قتلت أمي وأختي وأخي ” ( 1973 ب) (1973أ)
9- فوكو ، ” خطاب في اللغة ” (1971)، في ” حفريات المعرفة ” ص 231 .
10- فوكو ، ” حفريات المعرفة “ص 229 .
11- كلود ليفي شتراوس ، ” المدارات الحزينة ” ، لويس التوسير ” من اجل ماركس ، أ . ج . غريماس “علم الدلالة البنيوي ” ، بولانتزة ، نيكولاس ” السلطة السياسية والطبقات الاجتماعية ” .
12- الهرمنيوطيقا Hermeneutics اسم لفلسفة ألمانية عريقة فرضت نفسها في أوساط الفكر الفلسفي العالمي . ويشير أصل هذه الكلمة إلى صلتها الواضحة بهرمس Hermes رسول الآلهة عند الإغريق الذي أنيطت به مهمة فهم وتأويل ما تريد الآلهة نقله للبشر . ومن دلالة هرمس الأصلية صار هرمس نفسه مفهوماً يرمز إلى الوسيط بين الآلهة والبشر، فقد كان يوضح أفكار الآلهة ، ويترجم اللامتناهي إلى المتناهي؛ ولهذا السبب كان لوجوده دلالة لأنه يشير إلى التحليل والقياس والتخصيص ويُعزى له اكتشاف كل ما أصبح مفهوماً ، ولا سيما اللغة والأدب . وقد استعمل المصطلح في البدء في ” محاورات أفلاطون ” ، إذ أطلق على الشعراء تسمية hermenes ton theon أي مفسريّ الآلهة . ثم استعمله أرسطو في كتابه Per Hermeneias (أي الهرمنيوطيقا ) الذي ترجم إلى الإنكليزية On Interpretation ( في التأويل ) . وكان هدف التأويل يتمثل باكتشاف حقائق وقيم العهدين القديم والجديد من خلال اللجوء إلى مختلف الوسائل والمبادئ ، بمعنى أن الهدف هو الوصول إلى الحقائق القيم الإنجيلية بواسطة التفسير النزيه . وهكذا يتمثل حقل الهرمنيوطيقا بالكشف عن عدد من التأويلات المختلفة لنص معين ، تبعاً للافتراضات التفسيرية والتقنيات التي تم تطبيقها عليه . وقد أصبحت الهرمنيوطيقا حقلاً مهماً مارس تأثيراً كبيراً في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية خلال السنوات الأخيرة لدورها الفاعل في نظريات مختلف الحقول النقدية ومنهجياتها. وتنامى الاهتمام بالهرمنيوطيقا في العقود الأخيرة ، كما أخذ استعمال هذا المصطلح وتفرعاته يتزايد يوما بعد يوم على يد ممثلي العلوم الاجتماعية والإنسانية . واليوم يشير مصطلح ” هرمنيوطيقا ” إلى الاهتمام الذي تشترك به حقول واسعة النطاق ، مثل الفلسفة ، السوسيولوجيا ، التاريخ ، اللاهوت ، السايكولوجيا ، الفقه ، النقد الأدبي ، والإنسانيات عموماً . كما يمكن تعريفها بأنها نظرية تأويل أو فلسفة تأويل المعنى . وقد ظهرت بصفة موضوع مركزي في فلسفة العلوم الاجتماعية وفلسفة الفن وفلسفة اللغة وفي النقد الأدبي بصورة خاصة . ( المترجمة )
13- فوكو ، ” حفريات المعرفة ” 15 .
14- يُعرف جاك دريدا هذا المصطلح في كتابه ” في الغراماتولوجيا ” [في علم الكتابة] بأنه دراسة للأدب ولحروف الهجاء ولمقاطع الكلمات والقراءة والكتابة ” قائلاً إنه يستند في ذلك إلى تعريف ليتريه Littre ، وأنه لم يعثر على هذا المصطلح في هذا القرن إلا في كتاب غيلب Gelb الذي يحمل عنوان ” درس في الكتابة : أسس الغراماتولوجيا ” A Study of Writing: The Foundations of Grammatology (1952) /د. محمد عناني : المصطلحات الأدبية الحديثة / وسيرمز له المؤلف بالرمز OG (المترجمة).
15- جاك دريدا ” الصوت والظاهرة ” ، وكتب أخرى ، دولوز وغواتاري ” نقيض أوديب : الرأسمالية والشيزوفرينيا ” ، بورديو ” نظرة في نظرية الممارسة ” .
16- ينظر : توركل ” علم السياسة السايكوتحليلي ” .
17- لمناقشة هذه الأحداث وعلاقتها بالتغيرات الطارئة على علم الاجتماع ، ينظر : ليمرت ” علم الاجتماع الفرنسي ” ، المقالة الأولى .
18- فوكو ،” خطاب في اللغة “، ص 232 233 .
19- فوكو،” تاريخ الجنس “، ص 92 102 ، وسنشير من الآن إلى الجزء الأول من هذا الكتاب .
20- فوكو ،” الحقيقة والسلطة ” ( 1977أ) ص 301 307 ، اما بخصوص المكانة النظرية للفرد بوصفه ذات السلطة والتحول التاريخي ، ينظر ” اعترافات جسد” ( 1977) ص 23 .
21- فوكو ، ” المرض العقلي والسايكولوجيا ” ( 1954 أ ) ، ص 86 88
22- فوكو ،” في تاريخ الكتابة ” ( 1967 )
23- فوكو ، ” السلطة والجنس ” ( 1977غ) ص 153 .
24- فوكو ، ” المراقبة والمعاقبة : مولد السجن ” ( 1975 أ ) ص 221 ، قارنها مع ص 218 224 .
25- فوكو ، ” تاريخ الجنون ” ص 229 .
26- فوكو ، ” مولد العيادة ” ( 1963 ب) ص 85 .
27- فوكو ،” تاريخ الجنس ” ( 1976 أ ) ص 141 .
28- فوكو ، ” حديث السجن ” ( 1975 ج) ص 15 ، أما المادة التي أوردناها في هذه المقالة فهي ترجمة المؤلف لطبعة 1975 ج .
29- المصدر نفسه ص 15 ، و” الحقيقة والسلطة ” ( 1977 أ ) ص 294 295 .
30- فوكو ، ” تاريخ الجنس” ( 1976 أ ) ص 94 .
31- فوكو ، ” الحقيقة والسلطة ” ( 1977 ء ) ص 298 .
32- للاطلاع على مناقشة فوكو لمفهوم ” اللامفكر فيه ” ، ينظر : ” الكلمات والأشياء ” ص 322 328 و الجزء الأول .
33- فرناند برودل ، ” البحر المتوسط ” ( جزأين ، نيويورك : هاربر ورو ، 1972 ) ص 11 24 ، وينبغي على القارئ ان يلاحظ هنا اننا لا نتحدث عن تأثيرات شخصية مباشرة على فوكو لانه شخصيا مدين كثيرا لثلاثة معلمين جان هيبوليت وجورج دوميزي وجورج كانغيلم ( ينظر : خطاب في اللغة ( 1971 ) ص235 237 ).
34- فوكو ، ” حفريات المعرفة ” ( 1969 ) ص 3 10 .
35- المصدر نفسه ص 7 .
36- برودل ” البحر المتوسط ” الجزأين الأول والثاني .
37- فوكو، ” حفريات المعرفة ” ص 169 .
38- المصدر نفسه 166 167 .


8
صدور ديوانين بالفرنسية لسمير درويش

صدرت في فرنسا، بالتزامن مع معرض باريس الدولي للكتاب، الترجمة الفرنسية لديوانين في مجلد واحد للشاعر سمير درويش، هما: "في عناق الموسيقى"، و"مرايا نيويورك"، "Dans l'etreinte de la musique" et "Les Miroirs de New York"، عن هيئة الشارقة للكتاب بالاشتراك مع دار نشر وتوزيع فرنسية، ضمن مشروع طموح تتبناه الإمارة لترجمة مختارات من الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية.
يذكر أن الديوانين صدرت طبعتاهما العربية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، عامي 2015 و2016 على التوالي، وقد انتهت المترجمة اللبنانية سوسن الفقيه من ترجمتهما إلى اللغة الإنجليزية، ومن المتوقع صدورهما قريبًا -في كتاب واحد أيضًا- عن دار أوستن ماكولاي الإنجليزية العريقة، التي تولت إصدار ديوانين آخرين للشاعر، في مجلد واحد كذلك، هما: "تصطاد الشياطين"، و"أبيض شفاف".
الديوانان هما الأخيران في إصدارات درويش، وفيهما الملامح العامة لتجربته التي تنحو إلى التكثيف الشديد، واعتماد المشهدية كمنطلق جمالي، حيث يبدو الشاعر –ظاهريًّا على الأقل- ساردًا خارجيًّا محايدًا، بالإضافة إلى حضور المرأة بشكل لافت، بنفسها أو بصورها، بحيث تصنع القصائد جدلاً معها يكشف حاجة كلاهما للآخر.
سمير درويش أحد وجوه شعراء الثمانينيات، اصدر 16 ديوانًا، أولهم بعنوان "قطوفها وسيوفي"، صدر عن سلسلة أصوات أدبية التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وآخرها "ثائرٌ مثل غاندي.. زاهدٌ لجيفارا" الذي يصدر خلال أيام عن منشورات بتانة، كما أصدر روايتين: "خمس سنوات رملية" 2004، و"طائر خفيف" 2016، وكتاب سياسي في نقد تجربة عام حكم الإخوان المسلمين لمصر، وصدر عام 2014 عن دار دلتا للنشر.

9


مخاض رائع / قراءة في مجموعة نوبات شعرية للدكتور صالح الطائي

الأستاذ الدكتور محمد تقي جون الحسني

الشعر ما لم تحتضنه الموسيقى مغامرة غير مجدية. في القصيدة تتحول كل التفاصيل إلى قيم نغمية تحدث هذا التآلف والانسجام المذهلين فتنصهر الفكرة والخيال والكلمة محدثة أشبه ما يكون بسيمفونية تترافد فيها آلات كثيرة، ولكن تصنع لحنا واحدا منسجما. ولا يقصد بالموسيقى ذلك البناء اللحني الظاهر الممثل بالبحور، بل هذه البحور تدخل جزءا في نغمية الشعر، ولا تصنع بمفردها شعرا.
 إن التصدي لكتابة قصيدة ناجحة يحتاج إلى إحساس مرهف بالنغم وذوق سمعي رفيع، وعلى هذا الأساس يصنف الشعراء كبارا أو صغارا؛ فالشاعر الكبير يختار له طبعه كلماته فتأتي متناغمة، متآلفة مع أجزاء القصيدة ومتلابسة كالسبيكة . والشاعر الصغير هو الذي يختار كلماته بوعي تام ليقطّعها على قوالب موسيقية معدة سلفا فتأتي قصيدته مفككة غير متلابسة كذرات الرمل . وهذا يفسر لنا كيف أن كبار الشعراء كانوا على درجة غير اعتيادية من الموسيقية كالأعشى الذي سموه لنغمية أشعاره العالية بـ(صناجة العرب)، وكقمم شعراء الأمس واليوم الذين ابتكروا ألحاناً وأنغاماً تنسجم مع الصوت العربي فأبدعوا.
في مجموعة الدكتور صالح الطائي يبدو الظهور الموسيقي جلياً.. فنحن نتفاعل مع الأفكار والمفردات من خلال النغم فنعيش أجواءه.. فإذا كنا نريد التأكد من أن صالح الطائي شاعر أم لا، أو البحث عن الشاعر في الباحث الإسلامي صالح الطائي، فالقراءة الموسيقية تبرز حقيقة انه (شاعر) بالفعل. نجد ذلك في شعره العمودي، الذي كتبه بطريقتين: الشطرينية المعتادة، أي قصائد ذات شطرين متقابلين، وقصائد شطرينية وزع كلماتها بطريق الشعر الحر. وكذلك نجد الموسيقى في شعره النثري.
ومن الأمثلة الموسيقية في شعره العمودي قوله:
هل الجراح الشمُّ يا ضيغمُ      أسياف مجد يعتليها فمُ
تهجّد الدين على صوته      وسار في صراطه معلمُ
وقوله:
رتل تواشيح الهوى
فالحشد
قد رفع اللوى
والشعب هبَّ جميعه
ومشى يطهّر نينوى
فالموسيقى تظهر بسيطة عفوية منسابة، وكأنَّ الشاعر قالها وهو تحت وطأة غيبوبة خالية من صحو الوعي، وألا لجاءت مفتعلة. وهذه سمة بارزة في شعره، اقصد العفوية والطبع وعدم التكلف.
وكقوله من قصيدة نثر بعنوان (يا سجدة العمر النبيل):
إليك يا سيدتي
يا من تنوئين بحمل اشتياقي
يا سجدة العشق النبيل
في محراب دنياي
يا لوعة عاشرتني سنين
تملأ قلبي حنين
فيلاحظ أن الشاعر يستحضر سمة موسيقية هي (القافية) فضلا عن التقطيع، وانسجام الكلمات، وتآلف حروف الكلمة الواحدة نفسها، كل هذا يصنع موسيقى فاعلة في النص والنفس، تعوّض الوزن الخارجي الذي هو طفيف الموسيقية، كما تشي بذلك قصائد الشعر التعليمي التي تكتب على بحر الرجز وغيره ولا يحس القارئ بأي موسيقى فيها .
صالح الطائي شاعر.. نعم شاعر جيد، ليس شاعراً كبيراً وليس شاعراً خاملا في نتاجه إذا قيس بجمهور الشعراء الموجودين في المشهد الواسطي أو العراقي.. في اختيار اللفظة الشاعرة، والأسلوب الشاعري، والأساليب والأدوات وطرح الأفكار والصور والفذلكات والقفشات.. الخ في كل ذلك هو لا يتخلف عن الشعراء، بل واحد منهم. نعم في بعض القصائد يظهر تعب المخاض، وألفاظ هاجرة، وصور لم تكتمل، وهذا أمر طبيعي يحصل لدى الكبار. أما الطائي فله العذر فإنه قام باستيلاد جديد لشاعر قديم في أغوار نفسه أخفته السنين والظروف، حيث أخذته الحياة. وعندما ظهر باحثاً ومفكراً، ظلَّ يلح عليه الشاعر الأمسي البعيد ليخرجه.. ثمّة شواغل عطلته.. إلا أن صدق الشاعرية هو الذي نجح أخيراً في إخراج هذا الشاعر المكبوت أو الامسي في نفسه... فكان ظهوراً يستحق العناء.
هو شاعر إذن، وله تاريخ قديم، وثمة قصائد قديمة تجاوزت المحاولات التجريبية. وهو شاعر جيد مؤثر ويمتلك الفعل الشعري، وإذا لم يكن في المقدمة فالأمر راجع إليه؛ فالشعر يختلف عن التأليف والتفكير العقلي، الشعر يعطي قياده للمتفرغ له.. فإذا أراد التفرغ له فليس عسيراً عليه مع امتلاكه الموهبة والأدوات أن يتقدم متخطياً الرقاب إلى الصفوف الأولى، وقد سئل الشاعر خليل مطران عن سبب تقدم احمد شوقي على شعراء جيله فقال: (لقد أعطى شوقي نفسه للشعر، فأعطاه الشعر ما لم يعط غيره). وشاعرنا مفكر وبحاثة وعلامة من الطراز الأول، فهل سيوازن بين العاطفة والعقل، أم سيضحي بالتفكير لصالح التشعير.. معادلة صعبة.. فنحن نعرف أن أبا العلاء المعري حين أصرَّ على أن يكون شاعراً وفيلسوفاً دون التضحية بأي منهما أصيب بخيبة أمل شعرية في أن يكون ثاني المتنبي، وقصرت يده عن اللحاق بالقمة، إلا انه وجد في أشعاره الفلسفية الراحة والرضا والعوض.
نبارك لواسط وللعراق خروج الشاعر من جوانح الباحث الكبير صالح الطائي، بمجموعة شعرية رائعة طافحة بالشعرية والصور الجميلة، في موضوعات وطنية وعاطفية اسماها الشاعر (نوبات شعرية) لتأكيد أن هذا الشاعر كان يفاجئ الباحث فيدق عليه قلبه وعاطفته ومشاعره، وهذه النوبات هي الخروج الميمون والظافر للشاعر أخيراً. فمبارك للشاعر صالح الطائي خروجه في هذا المخاض الشعري الجميل.



10
صدر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، رواية "في المدينة ما يكفي لتموت سعيدا" للروائية الجزائرية ياسمينة صالح، وتأتي الرواية في 242 صفحة من الحجم المتوسط، تتناول فيها الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية التي مرت بها الجزائر في السنوات الماضية في قالب روائي مشوق.
ياسمينة صالح من مواليد 1969 بالجزائر العاصمة، واحدة من الروائيات الجزائريات الجادات في مجال الكتابة الروائية، رغم غيابها عن الساحة الأدبية الجزائرية في السنوات الماضية، حظيت بقراءات نقدية كثيرة لأعمالها، ترجمت روايتها الأولى "بحر الصمت" إلى الفرنسية في طبعتين، كما حظيت روايتها "وطن من زجاج" على جائزة القراءة في تونس عام 2009. قال عنها الروائي العراقي الراحل "عبد عون الروضان" بأنها واحدة من ضمن أفضل الأقلام الروائية التي قرأ لها. يذكر أن غلاف الرواية للفنان التشكيلي السعودي "أحمد البار".

11
صدر حديثا "أخبار أخر العُشَّاق" للاديب العربي برهان الخطيب

عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدرت رواية « أخبار أخر العُشَّاق » للأديب والروائي العربي الكبير المقيم في السويد " برهان الخطيب ".
الرواية التي تقع في 300 صفحة من القطع المتوسط، تصدر في العام الذي يمرُّ فيه نصف قرن على صدور أول كتاب لـ" برهان الخطيب " مؤلف "شقة في شارع أبي نؤاس"، "الجسور الزجاجية"، "الجنائن المغلقة"، "ليلة بغدادية"، "نجوم الظهر"، وأكثر من ثلاثين رواية مؤلفة ومترجمة من الروائع المعروفة في أرجاء الوطن العربي...
« أخبار أخر العُشَّاق » رواية مستقلة ومكمِّلة لروايته السابقة "أخبار آخر الهجرات" الصادرة قبل عامين... العنوان يقدِّم الرواية بوضوح إلى القارئ، من ناحية المضمون، ثلاثة شبان من عائلات غنية، متوسطة، فقيرة ، تتقاطع حيواتهم على منعطفات عامة خطرة، يتغيّر عندها الزمان، المكان، تفترق في الوطن، تلتقي في الغربة، في مواجهة خيارات دامية أحيانًا، خلاصاتها تحولات ريادية نهاية الرواية، منها أن أكثرنا إحساسًا بالبراءة إزاء ما يجري من تدهور في الحياة الخاصة والعامة قد يتبدى الأكثر مشاركة في التدهور...
إنها بانوراما أدبية واسعة تصورها الكلمات في تلقائية شاعرية محكمة تكشف أعماق عالمنا الراهن المفعم مشاكل.
الشكل الروائي جديد على مستوى الإبداع العربي في رأي نُقَّاد معروفين منهم د. علي ابراهيم، د. صالح الرزوق، د. نجم عبدالله كاظم ، الباحثة مروج حسين، يعتمد على مزاوجة فن القصة القصيرة مع فن الرواية، يمكن قراءة فصول الرواية (أخبارها المتصلة) قصصًا منفصلة، كذلك تُقرأ حدثًا كبيرًا واحدًا متعدد الأوجه، الانعكاسات، يُكثف فنيًا التعبير الروائي يعمِّقه في سطوع يجلي زوايا عالمنا الراهن المعقدة المليئة تفاصيل، منها ما نراه عادة، أيضا ما لا نراه، من ظاهرة انقلاب اجتماعي جديد، في امتدادها الإقليمي، العالمي، بعد انقلاب ربيعي ساخن عابر. أحداث فصول أو أخبار روايتنا هذه تبدأ في الوطن تنتهي في الغربة معبِّرة عن تشظي التاريخ على رقعة حرجة من جغرافيتنا الفسيحة.
الروائي العربي الكبير " برهان الخطيب " يستثمر في الرواية بعض قصصه السابقة يعيد كتابتها، يزيل عنها غشاء البراءة السابق الذي يسربل تجارب الكتّاب الأولى، آن يكونوا مطلع الشباب غيرهم بعد نضج في المراحل المتقدمة من العمر، يتجلى غير المألوف فيها فوق مألوفها الظاهر منطقيًا ضروريًا، الخطيب يستخلص: لا قيمة لرواية بريئة في عالم غير برئ، مفتتحا، على حد تعبير أحد النقاد، عالمًا استثنائيًا جديدًا للسرد، رؤية صاحية بعيدة عن رؤية أحزاب، تجمعات، إلى الإنسان، الوطن، ضيقة مؤدية إلى خراب تتصدى الرواية له تحفّز قارئها إلى تجاوزه.
إذاً بعد نصف قرن تتوج أعمال برهان الخطيب رواية جديدة، تحكي عن تداخل مصائر الأفراد في مصير الوطن، عن صعوده صعودهم في آنٍ، أو العكس... دماره دمارهم لو يغلّب الأفراد نزعات طموحات مشبوهة على مصيرية نبيلة.
Al Bawaba

12


غدير حدادين تكتفي بالعيون لتمنحها زوّادة الطريق
عمّان-
في ديوانها الجديد الصادر مؤخراً عن "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان، تعلي الشاعرة غدير حدادين من قيمة ومكانة العيون، إذ ترى فيها الطاقة الكافية التي تحتاجها في طريق الحياة والسعادة، بل قد تمنح العيون  الحياة. ولشدة عشقها للعيون منحتها عنوان كتابها: "سأكتفي بعينيك قمحا للطّريق". ويتأكد أن العيون بالنسبة للشاعرة هي الحياة بكل ما فيها، ففي قصيدة" أكتب لعينيك..." تقول:
أكتب للوردة المغروسة في عنق الحياة،
أكتب للفراشات التي  لونت شفاه الأحلام،
أكتب لراحلين عن قصائدنا،
للذين ضلوا في شواطئ الغيابْ ..
للمتعبينَ، للجرحى،
لمن خذلتهم يدُ الأمنياتْ ..
أكتب كي أتلمّسَ حدود داخلي
وآخرَ ميناءٍ يحضن كفي ..
أكتب كي ترتفع ضحكة الأطفال كالمآذن،
أكتب للصفحات المحناة بالقصائدِ
ومواويل الطيبين  ..
أكتب للأسماء التي كبرت معنا ولنا،
أكتب لعينيكَ التي سافرتُ إليها سراً
ولم أعد حتى الآن!
ويبدو أن العيون تشكل عالما خاصا بالنسبة للشاعرة، عالما يختصر العالم، وحياة تختصر الحياة، تقول في قصيدة "عيناك":
ليتني أكتبكَ فتقرأُني من دون ضبابْ
ليتني أعيشُ الزمنَ بذكرى واحدةٍ وأعوامٍ منكْ
ليتني أُعانقُ أسرابَ الحزنِ التي تمضي معَكَ دوني!
خذْ شيئاً من حنيني لتلمسَ وَحشةَ اﻻنتظارِ
وبرودةَ المساء!
خذْ من شُطآنِ الغيابِ
قُبَلاً لم ترحلْ معَها مراكبُ الذكرياتْ ..
خذْ وردَ اشتياقي وتشمم عطرَ أطيافكَ الذائبةْ
خذ وجعي منِّي ولا ترحلْ،
سأكتفي بعينيكَ قمحاً للطريقْ ..
وتتكرر صورة وثيمة العيون لدى الشاعرة في أكثر من قصيدة، فتقول في مقطع آخر:
سيدُ النسيان قلبكَ
وعيناكَ عواصفُ يلوذُ بها الظمأ
مثل رحيل الحقول
وانكسار الوتر كدمعة!
وبدرجة عشقها للعيون التي ترى فيها الحياة ذاتها، هي تعشق الوطن درجة التقديس، في ترفض أن تتعامل معه كمحطة عبور، أو شيئا بروتوكوليا، فهو بالنسبة لها ملح حياتها الذي لا غنى عنه،
لستَ محطةً أعبرها وأبكيها حنيناً،
ولستَ "كوفيةً" أرتديها لمناسبةٍ عابرةْ ..
ولا نشيداً يُسمعُ في الصَّباحْ ..
حبيبي أنتَ، ومِلحُ أيامي وصبرُ الأمهاتْ ..
منكَ ، وفيكَ ، وإليكَ أعبرُ كلَّ حينْ ..
في سهرِ الجنودِ على حدودِ الورد،
في تعبِ الكادحينَ لبسمةِ أطفالِهمْ،
في سُكَّرِ التِّينِ وصَلاةِ الزيتونْ،
وفي مُستقبلِ الرَّايةِ الجامعةْ ..
فدُمْ مُـحبَّاً أيها الوطنُ المقدَّسْ ..
ولعمان تغني بكل الحب:
كنتِ .. فكانَ الحبّْ!
وتوضَّأتِ .. فصلَّى القلبْ
وأضاءَتْ في العشقِ دموعي!
تقول الشاعرة عن تجربتها الشعرية "الشعر حال وجدانية إنسانية تثير في دواخلنا الرغبة بالبوح الشفيف والذي يبعدنا عن الواقع ليصنع واقعه الخاص. وأنا أكتب كي أتنفَّس، أقول بالكلمة هواجسي التي ترافقها صوَر شعرية أرسمها بالكلمات ونبض القلب".
وتقول: "حين يتملّكني إحساس بالتعب أحتاج للكتابة، أحتاج لتفريغ ما في داخلي من مشاعر، وأرتاح حين تلامس فضاء الأبيض معلنةً ولادة قصيدة. أبتعد مع الشعر، مع كلماته التي تتسلَّق الروح كنبات الجداريات تاركةً خلفي ماضياً لا أعود إليه. فالكتابة برأيي تصريح واضح عن الأمل والاستمرار، تصريح أنّ بعد الحزن هناك أملاً يتململ تحت الرماد".
يذكر أن الشاعرة غدير حدادين من مواليد سنة 1977، حاصلة على ماجستير تربية رياضية من الجامعة الأردنية عام 2001،  تعمل مديرة للتطوير والتسويق والإعلام في "مركز روح الشرق للتدريب والتطوير لذوي الاحتياجات الخاصة"، أطلقت مبادرة إنسانية إجتماعية "لوِّنها بالأمل" التي تعنى بالطفل المصاب بالسرطان وذوي الاحتياجات الخاصة.
وهي بالإضافة إلى كونها شاعرة وعضو رابطة الكتاب الأردنيين، فهي فنانة تشكيلية وعضو رابطة التشكيليين الأردنيين. صدر لها مجموعتان شعريتان : "أُشبهني"، 2014، و"أحلمُ كما أشاء"، 2012. كما أقامت العديد من المعارض الفنية الشخصية والجماعية.








13


نجوم الظهر تسطع في سماء بغداد*

 
عن دائرة الشؤون الثقافية في بغداد - وزارة الثقافة والفنون صدرت أمس رواية الأديب العراقي برهان الخطيب الموسومة (نجوم الظهر) تصميم الغلاف للفنان د. رائد مهدي، في أكثر من 300 صفحة، ذلك في صيغتها النهائية  أخيرا  بعد مرور ثلاثين عاما على نشرها أول مرة مسلسلة على امتداد عام كامل في مجلة (أوراق) الأدبية الأسبوعية من الإمارات، الرواية سبق أن نشرت أيضا طبعة تجريبية في موسكو عن دار أوراسيا بداية التسعينات في ثلاثة ألاف نسخة كما هو مثبت على الصفحة الأخيرة من الرواية، تحوز على شهرة واسعة في عموم الوطن العربي، لكنها مثل معظم روايات الخطيب لا تصل القارئ العراقي حسب تقدير الباحثة مروج حسين مؤخرا في دراستها الأكاديمية عن الأديب. دائرة الشؤون الثقافية منذ مطلع الألفية الجديدة بل قبل ذلك أيضا تسعى، ضمن سعيها خدمة الثقافة العراقية، إلى  توفير روايات ب الخطيب للقارئ العراقي خاصة، العربي عموما، تنشر أوائل ثمانينات القرن الماضي كتابه (الشارع الجديد) تتبعه بعد ربع قرن روايته الملحمية الكبرى (الجنائن المغلقة) في جزئين، الفرق في نشر الثمانينات عن نشر ما بعد الألفية الثانية أن الرقيب حينه يستبعد من مجموعة قصص (الشارع الجديد) جزءً مهما منها، قصة عنوانها (الطلقة)، فتصدر الدائرة المجموعة ناقصة من غير العودة إلى المؤلف أو استشارته، بينما لا تغير الشؤون الثقافية اليوم في نص (نجوم الظهر) الحالية المذكورة، غير كلمتين، رغم ذلك لا من غير استشارة المؤلف والحصول على موافقته.
أيضا تدرس دائرة الشؤون الثقافية حاليا مشروع إصدار بقية روايات الخطيب بعد عمل المؤلف عليها طويلا، السنوات الخمس الماضية، يغير أسلوبها، يكمل صياغتها، صورة نهائية صالحة لقراءة الأجيال الآتية تحقيق متعة جمالية فكرية تنويرية عالية، الاطلاع في آن على خفايا التاريخ العراقي في أدق تفاصيله أحيانا، أي ما يُخفى كما يقال وراء كواليس.
على غلاف (نجوم الظهر) طبعة موسكو يكتب المؤلف:
كل مرة أكتب رواية يلازمني خوف من الموت قبل إنهاء العمل، وكل مرة أنتهي من رواية يلازمني خوف آخر من العيش بلا كتابة. حين بدأت كتابة (نجوم الظهر) كنت شبلا في قفص، بعد أشهر هرمت، ورحت قبيل خاتمتها أتوسل إلى رب العالمين يمنحني يوما آخر أضع فيه آخر كلمة لها.. أنا انتحر وأنقذ نفسي بالكتابة. في يوم نفض يدي من الرواية سقطت صريع صداع قاتل وانقذتني سيارة اسعاف. نجوم الظهر رواية منحتني حبا باقيا ساعدني في كتابتها..
اليوم على غلاف طبعة بغداد نقرأ من لجنة التأليف والنشر:
ضمن هذه السلسلة روايتنا الحالية (نجوم الظهر) للكاتب المتميز برهان الخطيب التي كتبت بحرفية عالية، اظهرت تمكن المؤلف من أدواته الفنية حيث اعتمد السرد الحر الذي جعله طليقا في الزمان والمكان معززا بثقافة ودراية سياسية واجتماعية، مكنته من ايصال الفكرة ورسم ملامح الشخصية الخارجية والداخلية، وحيث يحافظ على ايقاع السرد يذكرنا بوظيفة الحكواتي، و توظيف الجمل والكلمات العامية والامثال والحكايات الشعبية..
 
 أخيرا، جسار بطل الرواية في محاولته رفع حاله، فهم العالم، لا يهادنه القدر، ينتقل من امرأة إلى أخرى،  يهرب مضطرا من مدينته إلى الريف، إلى العاصمة، يلتقي أناسا نماذجهم تشكل مجموع الشعب في مغامرة روحية واقعية تكشف ما في أعماق وآفاق العراق، مغامرة جلجامشية عصرية قلما نجد لها نظيرا في آداب الأمم الأخرى، ما يدفع أشد النقاد العراقيين تزمتا إلى الاعتراف بأن مؤلف الرواية يصنع منها: عمارة فنية في غاية الجودة. كذلك تكتب مجلة (أوتلاندسكا بوكر) السويدية الرسمية الخاصة بالمكتبات عن (نجوم الظهر) حين تُعرض في مكتبات السويد العامة تقدمها إلى قارئ العربية: يعرض الكاتب في هذه الرواية بعاطفة عميقة وقوة تصويرية بيئتين مختلفتين، إنه يتكلم عن سكان المدن والبدو وبموازاة ذلك يقارن بين نمطي حياتيهما المختلفين، ويعالج الصراع بين الخير والشر، بين المدينة وسكانها، وبين الأغنياء والمضطهدين. إنها رواية مثيرة وواقعية. 
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عن صحيفة العالم العراقية 



14


 تَوَجُّس

د. ابراهيم الخزعلي


إستيقظ صباحا كعادته ، فرآها ليست كما هي ، كانت تتأمل، مع حزن شفيف  يشوبها، فيما الغيوم المدلهمة  تحجب السماء تماما، إلاّ فسحة صغيرة  تخللت  منها الشمس لتبعث رسالة حب صباحية  اليها ، وهي تركن في زاوية  من النافذة .
شيئا فشيئا راح يدنو منها ، وقبل أن ينحني ليشم عطرها ، إمتدّ قلبه من بين أضلعه اليها ليدرك كنه كآبتها ، فاستشف  خلجاتها ، تقول له ، ان عالم غربتك الضيّق الذي يعدّ أنفاسك ، كالأناء الذي أنا  صُلبْتُ به ، معزولة عن عالمي الذي ولدتُ فيه ، النهر والشجر والفراشات والفضاء الرّحب ، بينما  هو يصغي الى هسيس احاسيسها ، وإذا بصوت  ينطلق من داخل القفص المعلق على الجدار  قائلا : وأنا كذلك . وساد التأمل جو الغرفة!


موسكو
2.02.2017

15
أدب / كافر
« في: 18:44 28/02/2017  »
كافر

ذات مساء..

قالت أُمّي :

أنا أُؤمن بالرّبِّ ،

وأُؤمِنُ باليومِ الآخر

فلماذا ولدي كافر ؟

فَقُلْتُ :

يا أُمّي أَنا شِيوعي ،

وأنا لَسْت بكافر

قالت:

ولماذا أَنت تُغامر؟

فَقُلْتُ:

لأنّكِ أَوّل مَنْ عَلَّمَني

ماذا تُعني الشُيوعِيّهْ
 
بوَجْهي اصْطَدَمَتْ دَهْشَتها ..

أنا ؟!! قالت

نَعَمْ يا أُمّي أَنتِ

أَنتِ مَنْ عَلَّمَني ..

في البَدءِ مَعَ نَفْسي

أَن أَصْدُق
 
ومَعَ الناسِ ..

هي أَسْمى المِصْداقيّهْ

وأَنتِ مَنْ عَلَّمَني
 
أَن لا أَسرق

أَن لا أَكذُب

أَن لا أأكل

إلاّ من عَرَقِ جَبيني


وأَنتِ مَنْ عَلَّمَني
 
أَنْ أَعْمَل

وأَنتِ مَنْ عَلّمَني
 
أَنْ أَبني

وأَنتِ مَنْ عَلَّمَني

أن لا أهْدم

وأَنتِ مَنْ عَلَّمَني

كيف أكون

ودوداً

خَلّاقاً

معطاءا

وأَنتِ مَنْ عَلّمَني

كيف أكون إنساناً وعصاميّا

وأَنتِ مَنْ عَلّمَني

بالعَدْلِ والأنصافِ والحرية

تحيا الدنيا والبشرية

وأَنتِ مَنْ عَلّمَني
 
كيف أذودُ عن الفقراء

وعن المحرومين

 والضعفاء
 
وأبناء الطبقة المنسيّة

 وأَنتِ مَنْ عَلَّمَني
 
أن لا أَغدر

وكَيْفَ أَكون وفيّا

وأَنتِ مَنْ عَلَّمني

حُب الوطن

وحُب الناس

وأَنتِ يا أُمّي

رَسَمتِ لي دَرْب الخير جميلاً
 
فَوَجْدتُ نَفسي

شيوعيّا

أَجَلْ يا أُمّي  قُلْتُ

أنا كافر بالطاغوت

حاكم  رأس المال

وأنا كافر

بالفُجّار

وأَنا كافر

 بالظّلْم

وأَنا كافر بالأنذال

والمُحْتال

وأنا كافر ، لا بالدّينِ

 بَلْ بالسّمسار

والخَوّان

والغدّار

وأَنا كافر يا أُمّي

 باعداء المُثُلُ العُلْيا

وأَعداء الأنسانية

فابْتَسَمَت أُمّي قائلة :

ياولدي أَنّي أَعرف

لكنّي أَخافُ عليك
 
من هذا الدّربِ الصّعْبِ

وعيونِ الأشرار الوحشيهْ
-----------------------
الدكتور ابراهيم الخزعلي
22.02.2017
 

16
الى الشهيد  البطل عبد الكريم قاسم
وكل شهداء الصبح الأسود
 
طقوسٌ تأمُّليةٌ عند بَوّابة الغائب الحاضر

لَمْلَمْتُ ما تبقى مِنْ
مٍسْبَحَة الآلهة المغدور
واقتَبَسْتُ مِنْ
فَيْض روحه
النور والعطور
أبدء الصلاة في مِحْرابِهِ ،
فساعة أُسَبّحُ
وساعة بحُبّهِ مخمور
زرَعْتُ في عتبةِ انتظارهِ
  الأمل والحب والزهور
وشربْتُ من صبرهِ المُعَتَقُ
المُرُّ، في لقائه عسل
 أحَلّقُ في فضائهِ
ثُم أغفو
ثُم أصحو
ثُم  أغفو
ثُم أصحو
عدد النجوم
آحلامي الخضراء،
وآهة تنفخ في المساء
 في موقد الضلوع
في سَماواتِ الأماني
حمامةٌ تَنوحْ
لحظة تَحُطُّ  بالقرب من جراحي
ولحظةٌ تطيرُ أو تدور
الشوق يعلو
ثُم يعلو ، ثُم يعلو
سحائبٌ حبالى
 إشراقة تمطرُ من نور
ذا أنت على صهوة بيضاء جئت
وحيدا ولم يأت العراق؟!!
_  ..............
وعلى الوسادةِ  تشتعل
آهة حرّى
والأدمع مدرارة تفور
سيّدي ..
البُعْدُ طالْ
البُعْدُ طالْ
وطالَ طالَ الأنتظارْ
الزمنُ الرّثُ
 ريحٌ وأشرعةٌ
السفن المبحرة 
 تبحث عن شواطئ الأمان
وهي بلا رُبّان
عيونٌنا الحالمة
 ذاب المدى فيها
 والأفق النائي
تسمّر في الجفون
بيوتات الكادحين
تندبُ حظها
ثمة جرذان خرافية ،
تقرض
 اعمدة السماء
الذؤبان تعوي
ولا قمر منير
عشتار تبحث في الفصول
عن ابجدية الحياة
تبحث في الحروف عن معاني
تبحث في الفضاء عن سماء
تبحث في الذاكرة
عن عالم الخلود
ولحظة البداء
تبحث في النفوس
عن ومضة من نور
تبحث عن مسلة العطاء
تبحث عن تلك اللواتي
ألْبَسَهُنَّ الغدر،
الحزن والسواد
تبحث عن مفتاح
 بابها المفقود
تبحث عن تموز
فليس سوى صدى
 عواء سربروس
في جنة النهرين
في جنة الفردوس
والحالمون هاهنا
أو هناك في الأكواخ
في البيوت
في المدن التي
رسمها تموز من شموس
أطفالها
نساؤها
اشعلوا الرموش ،
 كالشموع
والحلوى والنذور للقاء
فعسى تموز أن يعود
ويبعث الحياة في الوجود
ويطرق  الأبواب
  الأملُ، والبشرى والحبور
من أي السماوات ستأتي،
من أي الفصول قادم ،
يا سيد الفصول ؟
وأنت أدرى ..
ما يجري أو يدور
بعد اللتيا والّتي
والسموات السود
 الصباحات، تئن من جراحها
تنهشها ..
أنياب سربروس
 اوباش ما
 حوت القرى
من قاص
ومن دان
ووجها العبوس
صباحات شباط الراعفة
تأريخ دم وطقوس
ونزيف وجراح
أفعى الظلام
ليلنا طويل
أشباح الأساطير
في كل حيّ
 كل درب
والبيوتات..
خراب
رسموا على ابوابها
أحلامهم ذئاب
وطلاسم ملغومة
هي إرث الأولين

الدكتور ابراهيم الخزعلي
9.02.2017
موسكو

17


الفضاء الروائي في روايات برهان الخطيب


بغداد ـ العالم
نصف قرن وكاتبنا العراقي برهان الخطيب يواصل إبداعه، أخيرا تصدر مؤسسة شمس المصرية روايته (أخبار آخر العشاق). الخريف الماضي تناقش كلية الآداب ببغداد (الفضاء الروائي في روايات برهان الخطيب) دراسة ماجستير للباحثة مروج حسين، دراسة لها هيكل دقيق، التمهيد عن مفهوم الفضاء في الخطاب النقدي وتقسيماته: الفضاء النصي، الدلالي، الجغرافي، والفضاء كمنظور أو رؤية. تحت عنوان وظيفة الفضاء تتحدث الباحثة عن علاقته مع شكل الرواية، مع المضمون، عن تطور البناء الفني في روايات الخطيب، تقنياته السردية، موظفة في دراستها اثنتي عشرة رواية له، بدءا من (ضباب في الظهيرة) رواية عام 1968 عنها يكتب سعد البزاز، غسان كنفاني، حسن النجمي، إلى (اخبار اخر الهجرات) ثم (غراميات بائع متجول) من اعماله الحالية، مع تركيز على تشريح المكان، الزمان، علاقتهما بالشخصية. تقول الباحثة: لم يعد مصطلح الفضاء، اشكالية تحديده بمفهومه الواسع، مقتصرا على الزمكان الذي يركز عليه جيرار جينيت ومن يتبعه من الدارسين العرب. المكان له دور رئيس في حياة الانسان، منه ينطلق إليه نعود، أو ليست حياتنا ككل رحلة مكانية تبدأ برحم الأم تنتهي بالقبر، نقرأ ذلك عند نجيب محفوظ في صيغة (جئنا من ظلام نعود إلى ظلام) كاتبنا العراقي برهان الخطيب يختصر ينقل تلك الرحلة الوجودية شبه المحدودة للإنسان في روايته (الجسور الزجاجية) إلى صعيد الرمز الواقعي، من ظلام إلى ظلام نعم لكن من سجن حيث تبدأ الرواية إلى سجن آخر حيث ينتهي بطلها مزعل. في بدايتها (ولادة روحية) له وبعد رحلة ألم قصيرة بين المدن والتحديات والذوات يعود إلى الظلام مرغما محبطا مع حصيلة تجربة تلخص مسيرة وجود إنساني عريض يكسبها المرء خلال عمر طويل.
في روايته (ليلة بغدادية) يواصل الخطيب استلهام تجربة العراقيين في الشقاء يجدد رسم تلك الدورة الحياتية، من ظلام إلى ظلام، من عراك إلى عراك، تبدأ تنتهي بمطاردة سياسية لا تنتهي، ملخصا نمط العيش في منطقتنا نتيجة تغليب انفعالات على العقل، سهو على يقظة، محدودية تفكير على انفتاح.. ص 7 الأطروحة.
يؤثر المكان عند ب الخطيب على تركيب الاشخاص، ابن البادية غير ابن المدينة، ابناء المدن يختلفون باختلاف المدن، تغير المكان يؤثر على الشخصية، احسان مثلا في رواية الخطيب الجديدة (اخبار اخر العشاق) يتغير بعد انتقاله من العراق إلى المهجر، يمسح المهجر الفروق بين ابناء البلد الواحد حسب تعبير احسان: تتساوى القرعة مع أم شعر في الغربة.. تبهذلنا.. لا يتركوننا نعمر بلدنا يحركون غرور زعماء، أطماع أتباع، يثيرون الحروب نتشرد نقع في شِباك.
في التمهيد تستعرض الباحثة وجهات نظر نقاد معروفين في موضوعة الفضاء الروائي، ارتباطها بالمكان، من ياسين النصير، حميد لحميداني، ميشال بوتور، حسن بحراوي، عبد الصمد زايد، عبد الملك مرتاض، مراد عبد الرحمن، شاكر النابلسي، محمد شوابكة، محمد عزام، حسن نجمي، كريستال شولز، غيرهم، تؤيد تدحض تصل إلى استنتاج: مجموعة برهان الخطيب القصصية (الشارع الجديد) تشكل بمجموعها رواية، مؤلفها يفطن مبكرا إلى الفرق بين المكان والفضاء جيدا، في قصصها التسع عشرة (قدمها للوزارة عام 1979 "عشرون قصة" حذف الرقيب واحدة") ينوع المكان، مسرح الأحداث، عامدا متعمدا حسب تنوع جغرافية العراق، ينتقل عبر قصصه من حي المدينة في قصة (الشارع الجديد) إلى البادية في قصة (الهدف) إلى مواقع الفيضان في (الطوفان) إلى مواقع الجفاف في (أم الوز) إلى مكان تدريب العمال في (بأمر السيد المدير) إلى مواقع الغجر في (ولكن ليس كالريح) إلى القرية في (جزيرة الواق واق) إلى حمام المدينة في (سر اللعبة) إلى بيت لغز في (المأدبة) إلى البحر في (البحر) إلى مدينة ثلج متخيلة في (طائر الثلج) إلى مضيف العرب في (المضيف) يغطي جغرافية العراق برمتها خالقا من تنويع المكان فضاء فسيحا يسهل تحويله إلى روايته (أخبار آخر العشاق) هنا نرى العلاقة وثيقة متبادلة رغم التنوع بين الجزء (المكان) والكل (الفضاء) احدهما يؤثر في الآخر على خلق التنوع تناغمه لصالح الطرفين.. كأنه يقول تحت النص ان أي انفصال لأي جزء من تلك الفسيفساء الباذخة يدمر الصورة الكلية كما يضيّع الجزء ذاته صورته. تلك فكرة يضعها الخطيب في أساس عمله يكتشفها الباحث في يسر عند الانتهاء من قراءته، إنما يمكن لقارئ ذي خيال أبعد الحصول على امتدادات لها أبعد.   
الفصل الأول من الدراسة مكرس الى المكان الروائي، مبحثه الأول عن ثلاثة مواضيع: أهمية المكان في العمل الروائي، وظائف المكان، الوصف والمكان. تعرّف الباحثة المكان الروائي: هو العمود الفقري الذي يربط أجزاء العمل بعضها إلى بعض، أحيانا يكون الهدف، يجسد رؤى الكاتب. تحلل الباحثة آراء النقاد بهذا الشأن من سيزا قاسم، عبد الصمد زايد، سمر روحي الفيصل، صلاح صلاح، طاهر عبد مسلم، منال بنت عبد العزيز، محمد برادة.. تصل إلى القول أن برهان الخطيب يتمثل ذلك في رواياته، في رواية (شقة في شارع أبي نؤاس) بدءأ من العنوان حتى الانتهاء منها نجد المكان رمزا للعراق كله في فترة زمنية محددة عام 1963 لها تأثير كبير في تأريخ العراق، وجود الشقة ذاته في شارع اشتهر شارع حانات وملاه يبرز ما يمكن ان يخبر عنه المكان، في صور غير مباشرة، خلاله يوحي المؤلف قبل قراءة الرواية أنها تجسد حقبة استثنائية خارج نطاق تاريخ العراق المحافظ المعتاد. قراءة الرواية توضح بشكل ملفت جريمة اغتصاب، اعتقال، أحداث تنتهي بانقلاب أواخر عام 1963 مؤثرا مباشرة على شخصيات الرواية ومصائرهم، بل ان تنوع تلك الشخصيات من كردية وعربية، طلبة لهم انتماءات سياسية مختلفة، يعيشون في مكان واحد، شقة واحدة، عن اختيار بعد تمحيص من المؤلف، يجعلهم ممثلين للشعب العراقي برمته، هكذا يحصل المكان أقصى قدرة على استيعاب وظيفته الفنية في دعم السرد، إيصال الافكار إلى القارئ، من غير أن يبقى المكان منعزلا عن باقي عناصر السرد. على ذلك النهج يواصل الكاتب الخطيب باقي رواياته الأخرى، يختار لكل منها مسرح أحداث ذا دلالات متنوعة، يعبر عن أعمق وأوسع ما يريد توصيله من تجارب العراقيين. (بابل الفيحاء) مسرحها مدينة الحلة، يمكن عدها رواية الحدث العالمي، المعد محليا، إعداد حلف بغداد مع امتداده اليوم. أولا العنوان ذاته من شطرين، بابل أي التاريخ ضمنا المكان، يعقبه الحاضر أي الفيحاء، أي الزمن ضمنا المستقبل، تأكيدا على امتداد الحدث الروائي من حاضنته التاريخية إلى حاضنته في الاتجاه المقابل، ديمومة الخير. تستنتج الباحثة: المكان في هذه الرواية وغيرها من روايات الخطيب هيكل عظمي لبدن المجتمع العراقي، ذلك ربما لتطور تجربة الخطيب الروائية منطلقة من تجربة نجيب محفوظ وغيره ما يدل على ان العملية الابداعية في عموم الوطن العربي متصلة متصاعدة، بل تتصاعد حين تكون متصلة، متفاعلة ايجابيا. ثم تعرج الباحثة إلى رواية (ذلك الصيف في اسكندرية) للخطيب تبين اهمية احداثيات المكان الجغرافي، ضرورة تطابقها مع الواقع حين يجري السرد على تضاريس معينة، لا مجازية. عن قصة (سامية الاسكندرانية) تذكر: لقد قام شخص مبعوث من معهد الاستشراق الموسكوفي إلى الإسكندرية من قِبل مترجم القصة بوريس جوكوف بمطابقة اسماء المناطق والمحلات المذكورة في النص العربي وهي كثيرة مع اسمائها كما هي في الواقع، وجدها ذات مصداقية كاملة.
تنوع المكان في العمل الروائي يؤدي إلى تعدد وظائفه، إلى توسيع رقعة السرد، من وظيفة إيهامية، إلى تعبيرية، إلى تفسيرية، إلى رمزية.. المكان يُستحضر بواسطة الوصف غالبا، تراه الباحثة قد يقترب أحيانا إلى الوثائقية عند الخطيب دون الخروج عن السياق الفني، حتى أن قراء (بابل الفيحاء) و (الجسور الزجاجية) يتعرفون على مدينة الحلة من خلال الروايتين كأنهم يعيشون مع أهالي المدينة عمرا طويلا، ذلك كما جرى التعرف على الحي اللاتيني في باريس وغيره من خلال كتب سارتر، مونترلان، هيغو،  كما على اسبانيا من خلال همنغواي، كما على الصين من خلال اندريه مالرو، كذلك على الاسكندرية المصرية من خلال ما تقدمه عنها رواية الخطيب (ذلك الصيف..) أيضا على موسكو في روايته (حب في موسكو).. على المسيب وكربلاء اللتين يذكرهما في (نجوم الظهر) على الشام والسويد في (الجنائن المغلقة) غير ذلك مما يصل إلى حدود الرصد الطبوغرافي كما في روايته (غراميات بائع متجول) مع تحرك المكان وانتقالاته من خلال ترسباته في الشخصية الروائية، ذلك يتجلى في روايته (أخبار آخر الهجرات) حيث يحمل يوسف وزوجته تأثيرات المكان معهما إلى أرض الغربة، يبدأ صراع جديد، يصرخ يوسف فيها: اخرسي يا ساقطة.. ليس للسقطة حق الكلام! ترد زوجته: لا انت تقرر مَن الساقط مَن الشريف.. أنت لست رب العالمين.
ـ أنا رب هذا البيت في الأقل أقرر فيه ما السقوط ما الشرف.. فتنخرط زوجته في البكاء:
ـ اعترف يوسف لم تعد ربا لأي بيت ولا سيد نفسك ولا لي منذ لا تتمكن حماية بيتك القديم، منذ نترك الوطن!
 هكذا يتضح جبروت المكان، أهميته كجذر مغذ للإنسان، تفاعله سلبا ايجابا مع الشخصية الروائية، المؤلف يبقى على حياد المهندس إزاءه، تضيف الباحثة: ذلك غير جديد على الروائي الخطيب فهو مهندس في الأصل، تخضع كل رواياته إلى خطة، إلى بناء هندسي واضح الملامح، لا مساحة تخلو من فائدة لمجمل البنيان، ذلك جلي في روايته (ليلة بغدادية) يضغط كل أحداثها الجسام في ليلة واحدة، في بيتين متجاورين، في أشخاص لا يتجاوز عددهم خمسة أو أربعة، مقدما مرحلة كاملة من تاريخ العراق الحديث.

18


الستينيون.. الروح العراقية المبدعة


بغداد ـ العالم


على منعطفات التاريخ تطل ظاهرة الفورة الأدبية في آداب العراق، العالم، قد تعقبها ثورة على محيط السياسة، فورة تستحدثها كوكبة ثرة من الكتاب، منفعلة أو فاعلة في الأحداث تتفاعل مع التغيرات، حاملة معها ارهاصات، قلة منها يلاحظ نقاد يمكنها التعبير في فصاحة في رجاحة عن جوهر وأبعاد تلك التغيرات، تعبيرا لا يتجلى بالضرورة ناضجا في الحال. نضج ذلك الجيل، أي جيل، يحتاج غالبا أكثر من عقد ليشع ألقه، من تلك النخبة  يبقى على الساحة الأدبية عدد أقل .. يسطع نجوما مع أنواره الإبداعية منيرا سماء الثقافة، زمن بوشكين، دستويفسكي، شكسبير، همنغواي، فلوبير، أو ستندال، غيرهم، هناك العشرات من الكتاب  يصخبون، يملئون المجالس نقاشا، كتابات، يبقى اليوم من إبداعهم بيننا الأكثر قدرة على التعبير عن روح زمنهم، عن تطلعات الناس.
عبر تأريخ العراق تنشأ أكثر من فورة أدبية، خاصة في الخمسينات، في الستينات، ترافقها فورة أخرى في مجالات الإبداع الأخرى، الرسم، النحت، التمثيل، تؤدي إلى تحولات سياسية عميقة، أحيانا يحصل العكس.. تغيرات السياسة تستحدث فورة أدبية ثقافية.. إنما على السطح.
اليوم تتعرض ثقافتنا، بل الحضارة برمتها، إلى انقلابات مرئية، غير مرئية، بتأثير من الداخل كماً، من الخارج نوعاً، في العراق تكتمل تجارب كتابنا في العقود الماضية، منها تجربة قصاصي وروائيي ستينات القرن الماضي. على منعطف الستينات إلى السبعينات يتحدث شيخ النقاد العراقيين المرحوم د. علي جواد الطاهر عن الكتّاب الجدد حينه، في مقابلة إلى مجلة ألف باء العراقية، يفهرسهم في تيارين أو خانتين، تجريبية متأثرة بالأدب الغربي عبر تراجم عنه، الفرنسي خاصة، تضم عبد الرحمن مجيد الربيعي، محمد خضير، زملاء لهما، الثانية واقعية على نهج الأدباء العراقيين والعرب السابقين، يمثلها الراحل خضير عبد الأمير، غازي العبادي، وآخرون. الطاهر يفرز برهان الخطيب عن التيارين، يصفه: هو نسيج نفسه. بداية الثمانينات الماضية يكتب المستشرق الروسي المعروف بوريس جوكوف دراسة عن الرواية والقصة العراقية، يترجم نماذج منها إلى أكثر من كتاب وموسوعة، يصف الخطيب تحديدا روايته (ضباب في الظهيرة) نوعا جديدا من الفن الروائي يتطور في أوربا يمكن تسميته (الرواية الضد). نهاية القرن الماضي، آذار 2000 تنشر بروفسورة مارينا ستاغ السويدية كلمتها عن رواية الخطيب (الجنائن المغلقة) على آخر صفحة منها تنهيها قائلة عنها: الرواية سياسية تحبس الأنفاس، لها أعماق وجودية، تستحق القراءة جدا. قبل ذلك، يمنع نظام حكم الحزب الواحد في بغداد تداول روايات الخطيب كما هو معروف منذ مؤلفه (شقة في شارع أبي نؤاس) يحظر أيضا الكتابة عنها أكاديميا، يبقى الحظر قائما حتى يتغير النظام. في تصريح للأكاديمي المعروف د. صالح هويدي يقول: لم يكن هذا الموقف هو الوحيد الذي كاد يعصف بمشروع أطروحة نيفت على السنوات الثلاث، وكان للأستاذ المشرف دور واضح في طمأنة صاحبها. فبعد أن أقرت الأطروحة أكاديميا، أحيلت إلى جهة ما يعرف بالسلامة الفكرية. ولم يدر في خلدي أن الأمر سيعنيني أو أنه سيتجاوز الحدود الروتينية. لكن ظني اهتز تحت دواعي الدهشة التي فاجأني بها أستاذ السلامة الفكرية، عضو فرع التنظيم الذي أخبرني أن في الأطروحة ما يمنع إجازتها في شكلها الحالي، وأنه لا بد من تخليصها من أعمال كاتبين في الأقل هما: غائب طعمة فرمان وبرهان الخطيب. ولم تجد حججي معه كثيرا؛ من القول بأن الأعمال موضوع الدرس مطبوعة في بغداد، ولا في أن التناول النقدي اهتم بالبعد الأدبي ولم يتجاوزه إلى ما عداه... بل وأحالني إلى قصة لبرهان تصور عائلة تسمى بآل يعرب تصويرا ينال منهم في دلالة رمزية مقصودة على حد زعمه، كان حدثا عصيبا، فليس الأمر هذه المرة مما يتصل بالمنهج أو القيمة العلمية التي يمكن أن تناقش، بقدر ما هو موقف يهدد المشروع بالمصادرة والإلغاء."
ينتهي الاقتباس عن الدكتور الجليل هويدي من موقع: http://ittijahat.info/articles/salih_alhwaidi.htm
الملاحظ إن شيوعيي موسكو تبين مؤخرا من حديث أحدهم أيضا يقاطعون الخطيب حينه، لكن غائب طعمة فرمان من غير إعلان لا يلتزم بذلك يزوره يوميا في شقته المجاور لشقته، الناقد الراحل قاسم عبد الأمير يكتب عن أحدى تلك الزيارات، يخرق الحظر أدباء وأساتذة شجعان مثل الأديب عبد الرحمن مجيد الربيعي يكتب عن الخطيب في الصحافة اللبنانية، كذلك الناقد عبد الجبار عباس، د. باقر جواد، د. علي عباس، غيرهم. حتى اليوم يبتعد بعض المحافل.. بالوراثة، متحدثين عن سلبيات المحاصصة، عن ابداع الخطيب الوفير، حين يتبادلون المديح بينهم. عدم الاستقرار في العراق، العالم، يؤثر سلبا على كافة أصعدة المجتمع العراقي من سياسية إلى اقتصادية، ثقافية، أكاديمية، إنما تبقى العقول العراقية العالية، مراكز  بحث فيه، تسعى إلى تجاوز المحنة وتنجح في ذلك، تحقق نتائج طيبة مع الاصرار والتعاون بين مخلصين إلى ثقافة الوطن. الخريف الماضي في كلية الآداب بجامعة بغداد يتم إقرار وإعداد ومناقشة رسالة ماجستير السيدة مروج حسين، الموسومة (الفضاء الروائي في روايات برهان الخطيب) تحت اشراف أ. م. د. كرنفال أيوب محسن بناء على توصية من رئيس قسم اللغة العربية في الكلية المذكورة أ. م. د. عقيل رحيم علي. تنجح الباحثة في الدفاع عن أطروحتها تنال درجة جيد جدا عنها بعد نقاش حامي الوطيس مع ناقديها، أ. د. فليح كريم الركابي، أ. م. د. باسم صالح حميد، م. د. حيدر فاضل عباس، مع أساتذة متشددين يقفون بالمرصاد لدراسات لا على هواهم ربما، يتم تصديق الرسالة من قبل مجلس كلية الآداب بجامعة بغداد بتوقيع عميد الكلية المذكورة أ. د. صلاح عايد الجابري. الرسالة أو الدراسة تتناول إلى الفحص والتحليل الأدب الروائي لأحد أهم كتاب الرواية العربية منذ منتصف ستينات القرن الماضي رأينا آن تبدأ مرحلة تجديد الأدب العربي على أسس حديثة متحررة، تجربة حيوية تقطع شوطا طويلا تنتج الكثير من الأعمال الروائية والقصصية الباهرة، منها يُترجم إلى لغات أجنبية، يدخل موسوعات كبرى، روسية، ألمانية، أمريكية، هنغارية، سويدية، مثل سامية الاسكندرانية، الفيضان، دولاب الهوا، السحب الخريفية من قصص ب الخطيب، أو ينتج إلى السينما كقصته الشمس السوداء.
رغم ذلك تجد الباحثة مروج حسين الدراسات العراقية تحديدا، أكاديمية أو صحافية، قلما تتعرض لأدب الروائي برهان الخطيب، يصير ذلك أحد أسباب تحفيزها إلى اعتماده موضوع دراستها الأكاديمية، تقسمها إلى ثلاثة فصول، لكل منها مبحثان، مع مقدمة وتمهيد مسهبين، مع خاتمة، يعقبها سجل مصادر ومراجع مختلف النقاد، خلاصة الاطروحة باللغة الانكليزية. غدا نستعرض أفكار ومضامين دراستها الأكاديمية.

19

ديوان ( أحلُمُ أن أعود)

للشاعر/ صباح سعيد الزبيدي


 مع إطلالةِ عامٍ جديد (عام 2017) يهلّ علينا هلال (أحلمُ أن أعود) الذي أبدعهُ شاعرنا العراقي (صباح سعيد الزبيدي) وهو يرسمُ لوحاتٍ بألوانٍ تأخذُ بصرنا وبصيرتنا نحو عوالمَ عاشها ويعيشها ويحلمُ بها الشاعر.
    ونحن بدأنا بسنة وتأريخ ميلادي جديد، فالأعوام والزمان يأخذ مكانه في حياتنا التي أصبحت أرقاماً، نحفظها كرقمنا العسكري الذي كُنّا نرددهُ أكثر من اسمنا في الحروب. فمن (1977- 2017) أربعون سنة، أربعونَ عالماً، شمساً، بحراً، نعم أنهُ عمر!!، وهكذا مع هذه وتلك ، قبل وبعد عام (1980) هاجر نخل العراق، العراق الذي كان يتنفس أكثر من (30) مليون نخلة، من أجمل وأطيب نخيل العالم ، فأصبحت كل نخلة تحت نجمة (كما يقول مثلنا العراقي)، فتفرقتْ الأحبة في أصقاع الأرض، وفي دول كُنّا لا نعرفها إلا في خريطة العالم أو ما نسميه (الأطلس).
   أربعونَ عاماً وأكثر منها، صارتْ لكل عراقي قصصٌ ورواياتٌ، شاءَ أم أبى، أربعون عاماً ومع الثلج وبرودة الغربة والاغتراب لم ينسَ الشاعر (الزبيدي) كل شارع وحي و(دربونة) ومقهى، تكتنزهُ ذاكرتهُ وهو يتنفسُ شبابَ مراهقتهِ في قصة حب، أو مشروع حياة، لم تشغلهُ دوّامة المكان الجديد الذي كان طارئاً في حياته. نعم يظلّ المكانُ يلقي ظلاله على الديوان، بدءًا من العنوان (أحلمُ أن أعودَ)، وهي العودةُ للمكان الأول، وكما قال الشاعر العربي:
كم منزلٍ للمرء يألفهُ الفتى      وحنينهُ أبداً لأولّ منزلِ
يظلّ المكانُ والمكانُ وارفَ الظلال، وتظل محلة السّراي، وعوّاشة، والدّبيسات، والحلفاية، و..و.. أماكن تصارع طرقات وبارات ومقاهي بلغراد ورييكا، بل تتسابقُ في خيالهِ موجات المشرح والمجر والهور مع موجات نهر الدانوب، ونهر السافا.. وكلي يقين يظل الهور هو المنتصر والذي يسبح في بحر أفكار وآمال شاعرنا.
   وقد أثّرتْ ثقافة المكان الأولى في ذات الشاعر، الثقافة المنفتحة على العالم ففي شارعٍ واحد وحارةٍ واحدة تلتقي كل الثقافات والأديان السماوية وتنمو ثقافة التسامح والمحبة مع الآخر، ففي (عكد التوراة) تلاحظُ وجود تعايش الحضارات والديانات ففي شارع واحد تجد كنيس يهودي، وكنيسة أم الأحزان المسيحية، مع جامع للمسلمين، وفي جانب آخر وطرف مقابل في مدينة (العمارة) مدينة الشاعر، تجد مكاناً لتعبّد الصابئة على شاطيء النهر.. هكذا عاش شاعرنا وسط هذه الأجواء، ومع مرافقته لأصدقاء من ألوانٍ شتى ، كلها تصبّ في صميم ثقافته وذاكرته التي لن تهدأ..
   بعد أربعين عاماً من سفرٍ طالَ، أحسّ السندباد بالتعب، التعب الممتزج بالخوف من الموت، أنهُ كأسٌ يشربهُ نخبَ العمر. وهكذا جاءت نصوصه الشعرية وهي تحمل هذا الحنين لداره الأولى والى أصدقاء الصّبا، الى كلّ شارعٍ ومحلّة ومقهى ونهر. قسّمَ الديوان على أربعةِ أجزاء:
 فكانَ الجزء الأول: (الى مدينتي العمارة الحبيبة، وتجليات أخرى). والجزء الثاني: (الى وطني الغالي العراق الجريح وشعبي المظلوم). والجزء الثالث: ( الى أعداء الانسان والانسانية وطواغيت هذا الزمان). وأخيراً الجزء الرابع : ( قصائد كتبتُها بالصربية وترجمتُها الى العربية).
    أنهُ ذخيرةٌ حيّة من الوجدان والاحساس المرهف، وسيظل هذا الديوان مع دواوين شعراء عراقيين آخرين في المنفى أو المهجر مشروعاً للنّقاد وللباحثين والدارسين للوقوف مع النتاج الأدبي للعراقيين الذين تغرّبوا وطافوا وساحوا في أرض الله.. أترك صفحات الديوان للقاريء والمتلقي الكريم ليقفَ على تجربةِ هذا الشاعر ، وأتمنى للشاعر التوفيق في طريق الابداع..
د. وليد جاسم الزبيدي
شاعر وناقد عراقي
* لوحة الغلاف الاول بريشة الفنان الكبير الدكتور صبيح كلش ... بنت العمارة أو فتاة الريف ...... أقتناها السفير الروسي في تونس.

20


اختيار شاعر عراقي للجنة التحكيم بماراثون شعري في صربيا

بلغراد / خاص

اختير يوم السبت المصادف 2016/12/17 الشاعر العراقي المغترب صباح سعيد الزبيدي المقيم في بلغراد – صربيا عضوا في لجنة التحكيم  للماراثون الشعري الرابع لعام 2016 ، والذي اقيم في احدى صالات اعدادية تشوبريا التي تم تاسيسها عام 1909. بدا هذا الماراثون الشعري منذ 19 عاما في مدينة تشوبريا – الجسر وبتنظيم من قبل النادي الأدبي "دوشان ماتيتش" حيث يقام في كل عام 4 مرات في السنة والذين يتم اختيار قصائدهم من قبل لجنة التحكيم سيتنافسون العام القادم 2017 لاختيار افضل قصيدة لعام 2016.
يذكر ان قصيدته " لهيب البعد " والتي كتبها باللغة الصربية قد فازت بالمركز الاول كافضل قصيدة لشهر آيار – مايس 2016 وسيشارك بها في العام القادم 2017 لاختيار افضل قصيدة لعام 2016.
كما حصل من قبل النادي الأدبي "دوشان ماتيتش" لمدينة تشوبريا على هدية للتعاون في مجال الادب والشعر وهي عبارة عن قطعة فخارية من الطين الاحمر ( حذاء الفلاح الصربي التراثي) ، والذي يعتبر جزء من الأزياء الشعبية التراثية عند الصرب.
هذا وشارك في الماراثون الشعري شعراء وشاعرات من كافة انحاء صربيا.

21


غسّان عبد الخالق يستعيد تجربته القصصية في (لذّة السّرد)


عن دار فضاءَات للنشر والتوزيع والطباعة في عمّان، صدر للقاص والناقد والأكاديمي الأردني الدكتور غسان إسماعيل عبد الخالق، كتابه الأحدث (لذّة السّرد: النصوص القصصية ومراياها)، الذي يستعيد فيه كل ما كتبه ونشره من قصص منذ عام 1984 وحتى عام 2011.
الكتاب الذي يقع في 280 صفحة من القطع المتوسط وصمّم غلافه الفنان (نضال جمهور) موشَّحًا بلوحة بديعة للفنان (صلاح شاهين)، ضمّ المجموعة القصصية الأولى لغسان عبد الخالق (نقوش البياض) التي صدرت عن دار الكرمل في عام 1992 والمجموعة القصصية الثانية (ليالي شهريار) التي صدرت عن دار الينابيع في عام 1995، وقصة طويلة أو رواية قصيرة (ما تيسّر من سيرته) نشرت في مجلّة (أفكار) الأردنية في عام 2011، وقصة مُمَسرحة (شهريار والرّاوي) نشرت في مجلة (أفكار) الأردنية عام 2000.
(لذّة السّرد) يضم أيضًا فصلاً بعنوان (مرايا نقوش البياض) يضم أحد عشر مقالاً نقديًا نشرت في أعقاب صدور (نقوش البياض)، من منظورات متعدّدة؛ نقدية وسينمائية وأوتوبيوغرافية وسيكولوجية وسوسيولوجية وشعرية، لعدد من النقاد والمبدعين مثل: د. يحيى عبابنة، وفاء القسوس، وديع العبيدي، د. تيسير مشارقة، محمد هديب، محمد المشايخ، حسّان أبو غنيمة. وأما (مرايا ليالي شهريار) فقد ضمّ أربع مقالات نقدية نشرت في أعقاب صدور (ليالي شهريار) من منظورات نقدية وتراثية، بأقلام عدد من المبدعين والنقاد مثل: علي العامري، د. زياد أبو لبن، ياسين النصير، عبد الله رضوان.
كتاب (لذّة السّرد: النصوص القصصية ومراياها) الذي يتطلّع مؤلّفه إلى أن يكون مختبرًا للمزاوجة والمقارنة بين الفعل الإبداعي القصصي ورد الفعل النقدي في آن، قدّم له غسّان عبد الخالق بمقدّمة عنوانها (عود على بدء) واستهلها قائلاً: "لم تجر العادة بأن يتولى القاص مهمّة التقديم لقصصه، لكنني سأغامر بتقديمها، اقتناعًا مني بأن هذا النكوص يشتمل على كثير من التطهريّة الزائدة؛ فما أجمل العودة إلى القصص الأولى وما أقساها! جميلة لأنها تعيدك إلى زمن البراءة والحماسة والانطباعات الأولى في الكتابة، وقاسية لأنها تذكرك بعدد السنوات التي انقضت والتجارب المرّة التي طردت الأحاسيس البريئة. ولعلّني، ما كنت لأجرؤ على استعادة ماضيّ القصصي بعد أن أقمت في منازل النقد والنقّاد، لولا أن ثلّة من الأصدقاء والصديقات، شعراء وقصّاصين وروائيين ونقادًا، لم يتوقّفوا عن الإعراب عن عتبهم الشديد عليّ، لأنني هجرت كتابة القصة القصيرة بوجه عام، ولأنني لم أبذل ما يكفي من الجهد لإعادة طباعة مجموعتيّ القصصيتين (نقوش البياض) و(ليالي شهريار) بوجه خاص، بعد أن مرّ على طباعة الأولى 24 عامًا ومرّ على طباعة الثانية 22 عامًا، ونفدت نسخهما".
ويتابع غسّان عبد الخالق الإفصاح عن بواعث إقدامه على استعادة تجربته القصصيّة فيقول: "وعليّ أن أعترف بأن سحابة من النشوة ما زالت تظلّلني، كلّما فاجأني أحد الأصدقاء قائلاً: أعدت قراءَة (نقوش البياض) أو (ليالي شهريار) قبل أيام، واستمتعت جدًا بقراءَتها، لكنني عاتب عليك لأنك توقفت عن كتابة القصة القصيرة. أو كلّما استوقفني كاتب أو قارئ شاب ليؤكّد لي سعادته بأنه عثر على نسخة من هذه المجموعة أو تلك في إحدى أكشاك الكتب القديمة. ولولا خشيتي من عتب الأصدقاء والصديقات، لعدّدت أسماءَهم التي لن أنساها ولأوردت أقوالهم التي قد يُعدّ بعضها ضربًا من ضروب البوح الشخصي الذي لا يحسن إفشاؤه".
وأما بخصوص مسوّغات اكتفائه بنشر خمسة عشر مقالاً نقديًا من أصل حوالي خمسين مقالاً نشرت عن (نقوش البياض) و(ليالي شهريار) فيقول: "وقد اخترت منها خمس عشرة مقالة وأثبتّها في هذه الطبعة، لتكون مرآة ممثلة لإيقاع النقد والتلقّي الثقافي قبل عشرين عامًا، ووثيقة مفيدة للباحثين والدّارسين والنقّاد الجدد. وسوف يلاحظ القارئ المنصف الرّصين أن هذه المقالات قد اختيرت لأنها تشتمل على وجهات نظر وأطروحات متماسكة ومتنوّعة، رغم أن بعضها انطوى على انتقادات لاذعة. ولست بحاجة للقول بأنني قد استبعدت ما يقرب من خمس وثلاثين مقالة لأنها جاءَت مثقلة بالثّناء الفاقع أو بالوصف أو بالتلخيص أو بالتفسير أو بالمتابعة الإخبارية الصحفيّة التي لا طائل تحتها".
الناشر الشاعر والروائي جهاد أبو حشيش اختار أن يوشّح الغلاف الخلفي لكتاب (لذّة السّرد) بالمقطع الأول من قصة (ليالي شهريار) على هذا النحو: "أنا شهريار،،، وقد حدث هذا قبل أن ينصّبني الناس مليكًا في الحكاية بزمن طويل؛ ما إن بلغت الثامنة عشرة، حتى أهاجت خاطري حكايا العيّارين والشطّار، فعزمت على السفر إلى دار السلام، وقد نفضت رغبتي هذه إلى أمي، فلم تشأ مخالفتي رغم حبّها لي وتعلّقها بي، فهيّأت لي حاجتي ودعت لي، ثم إني سرت أيامًا بلياليها، حتى إذا صرت على مشارف بغداد، أحاطت بي كوكبة احتملتني إلى مقدّم الجند، وإذا بي بين ليلة وضحاها، حارسًا من حراس مولانا الخليفة، أعز الله ملْكه وأيّده بنصر من عنده، فما دريت أأفرح لهذا العارض أم أحزن، إذ هو جعلني بعيدًا عن مبتغاي كلّ البعد، وأقرب إليه من حبل الوريد، وظلّ هذا دأبي حتى قضى الله فيَّ أمرًا كان مفعولاً، مما ستعلمونه من خبري، فالحمد لله الذي بيده الملْك، وهو على كل شيء قدير".
واختار المؤلّف أن يهدي كتابه إلى الشاعر (صلاح أبو لاوي الذي ما زال يعتقد بأنني قاص موهوب)! وأردفه بمقتطفات تسلّط الضوء على تجربته القصصيّة من منظور عدد من النقاد:
-   الناقد ياسين النصير: "البناء الفني عند غسّان عبد الخالق، يعتمد الرؤية التشيخوفية، لأنه يغلِّب الأنا على البنية، فتصبح ابتداءات قصصه ونهاياتها مرتبطة به فقط".
-   الناقد حسّان أبو غنيمة: "إن حداثية اللغة السينمائية التي تعبّر عنها أفلام رينيه وغودار وانتونيوني وآلان روب غرييه، تظهر بوضوح في قصص غسّان عبد الخالق؛ فإيقاعه القصصي وبنيته السرديّة تنتميان إلى الحداثة بحقيقة مفهومها، لا بالتجريب المضلِّل وغير المفهوم".
-   الناقد تيسير مشارقة: "غسّان عبد الخالق في مجموعته القصصية الأولى (نقوش البياض)، لم يخرج كثيرًا عن (ميثاق لوغون الأوتوبيوغرافي)، وكان جريئًا ومغامرًا بالإفصاح عن طفولته ومخزون ذاكرة الصّبا".
-   الناقد محمد المشايخ: "قصص غسّان عبد الخالق، مواكبة لنوع محدّد من القصص الذي بدأ يظهر في الأردن بعد النصف الثاني من الثمانينات، على يدي محمد طمليه وطلعت شناعة وغيرهما، هذا مع التأكيد على أن لكل منهم تميزه وتفرّده في الأسلوب، ولأن الموضوعات الملقاة على قارعة الطريق مشتركة كما قال الجاحظ، فإن اللمسات الطفوليّة والأجواء المدرسيّة وظروف التشرّد والفقر والحرمان والدغدغات العاطفيّة، تكاد تكون موجودة عندهم جميعًا".
-   الناقد زياد أبو لبن: "اكتفى غسّان عبد الخالق في (ليالي شهريار) بالقصة الإطارية، وأحال سائر القصص المروية داخل هذا الإطار السردي، إلى مرجعية القارئ التراثية".
-   الناقد عبد الله رضوان: "مع أن معظم قصص (ليالي شهريار) تحاول أن تمتد لتغطّي فترة طويلة زمنيًا، إلاّ أن قدرة القاص على إيجاد تناغم بين الزمن الفني والوقائعي ظلّت قائمة. إن هذا الإتقان في التعامل مع الزمن الفني وترابطه مع الزمن في حركته الواقعية يؤكّد قدرة القاص على التعامل مع تقنيات فنّه".
ويذكر أن لغسان عبد الخالق –الذي يشغل منصبي عميد كلية الآداب والفنون بجامعة فيلادلفيا الأردنية ورئيس جمعية النقاد الأردنيين- خمسة عشر كتابًا في حقول النقد والفكر أبرزها: (الزمان والمكان والنص) و(مفهوم الأدب في الخطاب الخلدوني) و(الأخلاق في النقد العربي) و(الدولة والمذهب) و(الموروث والنهضة والحداثة) و(الغاية والأسلوب) و(تأويل الكلام) و(الأعرابي التائه) و(الرمز والدلالة) و(الصوت والصدى)، وقد أصدر مؤخرًا الجزء الأول من سيرته الذاتية بعنوان (بعض ما أذكره).

22
القصة القصيرة جداً
الريادة العراقية
إصدار جديد لهيثم بهنام بردى

           بطباعة أنيقة وغلاف موحٍ، صدر عن دار غيداء للنشر والتوزيع في الأردن  كتاب [ القصة القصيرة جداً/ الريادة العراقية ] لهيثم بهنام بردى، وهو يتناول موضوعاً حساساً وحاسماً يؤكد فيه المؤلف بالدلائل والبيّنات، الريادة العراقية لجنس ((القصة القصيرة جداً)) عبر تجربة الرائد العراقي القاص نوئيل رسام، راداً فيه على المحاولات التي حاولت عن عمد أو دونه، سحب البساط من هذه الحقيقة ونسب الريادة إلى قصاصين من دول عربية أخرى.
وإن كانت ريادة الرسام ومجايله القاص عبدالمجيد لطفى تاريخية (نشر رسام قصصه الثلاث عام 1930، ونشر لطفي قصصه السبع في مجموعته الموسومة "أصداء الزمن" عام 1938))، فإن كوكبة من الأسماء العراقية اللامعة (( إبراهيم أحمد، أحمد خلف، بثينة الناصري، حسب الله يحيى، خالد حبيب الراوي، عبدالرحمن مجيد الربيعي)) رسخت الريادة الفنية لها إبان ستينات القرن الفائت من خلال تجاربهم الناضجة التي فتحت الطريق ومهدت لتجارب عربية قادمة جعلت القصة العربية القصيرة تقف في مقدمة التجارب العالمية في كتابة هذا الجنس السردى. 
يتوزع الكتاب على العناوين التالية:
-   ما يجاور التقديم.
-   رؤى.
-   القصة العربية القصيرة جداً/ البواكير
-   الريادة: نوئيل رسام/ قصص مختارة
-   الريادة الرديفة: عبدالمجيد لطفي/ قصص مختارة
-   الجيل الستيني/ التأسيس
-   معنى الجيل وكينونته
إبراهيم أحمد/ قصص مختارة
أحمد خلف/ قصص مختارة
بثينة الناصري/ قصة مختارة
حسب الله يحيى/ قصص مختارة
خالد حبيب الراوي/ قصص مختارة
عبدالرحمن مجيد الربيعي/ قصص مختارة
-   استبيان
وسبق لهيثم بردى وأن أصدر كتاباً توثيقياً عن هذا الجنس أسماه [القصة القصيرة جداً في العراق ] وصدر بطبعته الثانية عن دار الشؤون الثقافية العامة عام 2015. وطبعته الأولى عام 2010.
***


23
عن دار ضمة بمصر ( القاهرة) صدر ديوان شعري مشترك بين الاديبة المصرية ( د. عايده بدر ) وبين ( جوتيار تمر) من كوردستان .. بعنوان ( ومضات حوارية )....

24



شاعر عراقي يفوز بالمركزين الأول والثاني في مسابقة شعرية بصربيا
بلغراد / خاص
فاز الشاعر العراقي المغترب صباح سعيد الزبيدي  بالمركز الثاني وبقرار من لجنة التحكيم عن قصيدته " الحـــــبُ قـــــدرٌ " والتي كتبها باللغة العربية وترجمها والقاها باللغة الصربية وذلك خلال انعقاد المهرجان الشعري بمدينة تشوبريا الصربية والذي نظمه النادي الادبي " دوشان ماتيتش" في مدينة تشوبريا ( الجسر ) الصربية امس السبت المصادف 28.05.2016 وتم اختيار القصيدة من بين افضل القصائد لعام 2015.
هذا وسبق للقصيدة فوزها بالمركز الثالث في المسابقة الشعرية لشهر ديسمبر – كانون الاول 2015.
وفي الجزء الثاني من المهرجان اطلق الشاعر الزبيدي العنان لحنجرته حين القى قصيدته " لهيب البعد " والتي كتبها والقاها باللغة الصربية وسط تصفيق متكرر من قبل الجمهور والذي بدا متكيفا تماما مع نبرة الشاعر وباللغة الصربية حيث حصد المركز الأول وبقرار من الجمهور و تم اختيار القصيدة كأفضل قصيدة لشهر آيار 2016.
يذكر ان الشاعر صباح سعيد الزبيدي عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق و اصدر لحد الآن 8 مجموعات شعرية وباللغتين العربية والصربية و 4 كتب شعرية لشعراء من صربيا ودول يوغسلافيا السابقة مترجمة الى اللغة العربية. ولد في مدينة العمارة – محلة السراي عام 1956 وهو الآن مقيم في بلغراد - صربيا منذ عام 1977 .

25
عبدالكريم الكيلاني :الموت هو ابرز دعائم هذه الحياة
حوار:ابتسام انطون
مابين الفسحة والصمت، لغة لها بلاغة حد الصمت، بعد ان قرأت اجاباته على أسئلتي المتواضعة، أدركت سر الكوردي المثقف الممتلئ  حباً، ربما تشبهنا الفصيلة كوننا فلسطينين نعيش هذا الحال في الداخل، يأخذنا الميل العاطفي لمن يشبهوننا في الحياة من أقليات، في أوطان ليست اوطانهم،ونشيدهم الوطني مخنوق من رجفة الارض تحت اقدامهم، عبد الكريم الكيلاني، ليس شاعراً واديباً فحسب،أنه فنان في رؤاه الحياتية، وترتيب أولويات الحزن واولويات الفرح، لرسم الحياة، سلوكه حروف أنيقة، توازي مرايا المرأة في قمة جمالها، وتؤازر الشريد حتى الوصول لملاذه، للكيلاني كم من الحياة السخية لمحيطه، أرى الاوطان في وطنه وارى وطنه في ملامحه، كان لي شرف اللقاء مع هامة أدبية من كوردستان العراق.

عبدالكريم الكيلاني شاعر وكاتب وروائي  من أصول كوردية ،اين تسكن الآن ؟

الآن انا اسكن في دهوك، تلك المدينة الهادئة الواقعة بين جبال ثلاث، وهي احدى مدن اقليم كوردستان العراق التي تتمتع بمناظر خلابة وسياحية، وهي احدى المدينتين اللتين اسكنهما، الأخرى هي مدينة الشعر والادب والخيال، أسكنها منذ أول حرف، أختال في شوارعها حاملا ابتساماتي واحزاني واحلامي ، أتوق الى أزقتها كل لحظة، لأنها تحتويني بصدق كلما هبت ريح عاصفة على مدن روحي.

ماذا انتج هذا الصراع غير الشرخ؟


أي صراع تقصدين ياسيدتي، أن كنت تقصدين الصراع بين المخيلة والواقع فهو صراع أزلي، تسوق المخيلة جيشها العرمرم الى رحى هذا الصراع والقتال المشرف ليكسر شوكة الواقع المر، هذا الواقع الذي نعيشه بشق الانفس، والذي لا يمنحنا سوى الحروب والجوع والمآسي والخراب، أما المخيّلة فهي الملاذ الآمن الذي يستريح الانسان تحت سمائه الشاسع وسقفه المفتوح، وأما أن كنت تقصدين صراع الأجناس الأدبية فهناك أشكال واضح في هذا المصطلح، إذ كيف سننظر لهذه الاشكالية، وهل أن الأدب بشكله العام وليد للواقع الذي نعيشه أم  أنه انعكاس لرؤية الكاتب والموقف الآني له تجاه الواقع، وفي الحالتين هناك انتاج ثر للادب الانساني بكل اجناسه واشكاله وهذا الانتاج يولد الصراع الايجابي الذي يحتاجه الادب بصورة عامة.

لشعرك لون داكن يميل للأحمر،هل هو لون الحياة ما بعد الموت ام لون التماوت في حياة واحدة لا غيرها؟

باعتقادي ان الحياة بصورة عامة جميلة لكنها غير منصفة، والموت هو ابرز دعائم هذه الحياة، فالحروب والاحداث الدامية تنخر جسد التكوين الاستراتيجي لشرق اوسطنا المبتلى بهذا السواد، والشعر هو محاكاة للواقع بشكل أو بآخر، لهذا فأن ما كتبته من نصوص شعرية او مقطعات أدبية يعبر عن هذا الواقع برؤيتي، وبما أن الاحمر هو السائد في الواقع، فأن نصوصي تقع تحت تأثيره وتصبغ بلونه، بالرغم من محاولاتي للخروج من شرنقة الحزن الا انني لم افلح فأنا جزء من هذا الواقع والموت هو المشهد اليومي الذي يتكرر أمامي، لكنني أأمل واتطلع الى مستقبل خال من العنف والموت.

لست شفافا في شعرك، ثوب الغموض يلبس الكلمات، لماذا هذا الجدار العازل بينك وبين القصيدة؟.

أعتقد أن العكس هو الصحيح، فاللغة تمثل الوعي والبناء الشعري يحتاج الى لغة رصينة تؤسس لهذا البناء وتحمله على اجنحتها، لتدخل القلوب وتبقى لمدى أطول ولأجيال أخرى، ربما يرى أحدهم أن هناك جدار عازل بيني وبين القصيدة ، ويرى آخر بأن نصوصي تخلو من الاسوار والجدران والابواب المغلقة، وهذا يعتمد على نوع القراءة والوعي القرائي، لا اعتقد بأن الغموض هو السائد في نصوصي الشعرية لكن بالتأكيد الأمر السائد فيها هو اللغة والبناء اللغوي الذي يشكّل في النهاية اسلوبي الكتابي،.

كم هو تأثير شرذمة الكيان على قصيدتك؟

للكيان أو البنية أو الهيئة تأثير كبير على الانسان بغض النظر عن كونه كاتباً أم شاعراً أم فناناً أو أي مبدع في أي مجال آخر، وربما هذا المصطلح مشاع جداً فالكيان يتبع الوطن في اغلب الأحيان، والقصيدة هي الوطن الأم للشاعر، لذا فأن الشعر مرآة ناصعة للكيان الشعري، وهو الداعم الأول لتأثيث الكيان بالحداثة والاسلوب والمحتوى الذي تضخه المخيلة وتلبسه ثوب القصيدة.

هل انت معي ان من يعتلي منصبا يفقد ماهية التقشف في الشعر،،كيف تمكنت من التوازن بين عملك والقصيدة المجردة؟

أنا اؤمن بأن هذه المقولة صحيحة لحد ما، لكنها ليست قاعدة، الشعر هي حاجة انسانية لا ترضخ للمعايير ولوظيفة الانسان، فالشعر ببساطة هو الثوب الذي يرتديه الشاعر وبدونه يشعر بانه عارٍ، والعري الروحي يفقد الانسان رغبته في الحياة، اعتقد أن على الشاعر او الكاتب ان يجد متسعاً من الوقت للقراءة والكتابة وممارسة طقوسهما بغض النظر عما يمتهنه الانسان كوظيفة، فالشعر هو الخالد وبقية الامور تفاصيل تنتهي.

 هل الادب له منظور جنسي برأيك ؟؟ له انتماء ذكوري او انثوي؟


لا اعتقد بأن الأدب يجب أن يصنف الى أدب نسائي أو رجالي، ذكوري أو أنثوي، فالأديب يستطيع أن يكتب على لسان المرأة كما أن المرأة تستطيع أن تكتب على لسان الرجل، فالأديب المتمرس يستطيع أن يتقمص مايشاء ويخلق حيوات مختلفة والا فأنه لا يرتقي الى مصاف المبدعين، وهنا نعطي مثالا بسيطاً، لقد كاتب جورج اورويل رواية شخوصها من الحيوانات ( مزرعة الحيوانات ) ، اذا باعتقادي لا يصنف الادب على هذا الشكل وكل الادب واحد.

كم انت متصالح والمفاهيم المتوارثة حول الانثى ومكانتها في المجتمع الذكوري،،خلف الخلف؟ لك حكاية والموت؟؟

انا اؤمن ايمانا تاما بان المراة والرجل هما ركيزتا هذا العالم، وبدون احدهما لايمكن للحياة ان تستمر، ودائما وفي كل كتاباتي اقف مع المرأة وادافع عنها لانها سر جمال الحياة، ولا يمكن للحياة أن تسير بدونها، لايجب أن تكون المرأة خلف الخلف، عليها أن تكون في المقدمة، عليها ان تكافح وتناضل من اجل الاستحصال على حقوقها، من الخطأ مخاطبة المرأة على أنها هامش في الحياة، المرأة والرجل صنوان لايمكن أن يهمش احدهما على حساب الآخر.

كم انت حر منها الآن وبقاياها أسرة دون زوجة؟


لا يمكن للرجل أن يتحرر من المرأة، المرأة هي الأم والأخت والزميلة، والصديقة، والشريكة في الحياة، نعم انا بلا زوجة لكن المرأة موجودة في قصائدي وكتاباتي ولا يمكن أن أحيا بدونها.

تورين الرواية عماذا تتحدث وكيف ولدت ؟


روايتي تورين وليدة التغيير الشامل الذي حصل بعد احداث 2003 وهو يرصد الواقع الذي انتج عن هذا التغيير، وطريقة الحياة المعاشة في الموصل ودهوك، تورين الرواية هي صرخة لكل ماسبق، ورؤية لما سيأتي في القادم من الأيام، وقد ترجمت الرواية للغة الكوردية وطبعت أيضاً، ونفذت نسخها من السوق وأنا الآن أخطط لطبعها ثانية ورفدها للاسواق.

كيف ترصد الحال الأدبي في آننا؟

اعتقد بأن المشهد الأدبي ضبابي بسبب انتشار وسائل الاتصال والعالم الرقمي، لكن الابداع يفرض نفسه بالرغم من كل هذا، انا اؤمن بأن الادب سيتعافى رويدا رويداً، وسيتخلص من الشوائب العالقة في ثوبه، ففي النهاية لا يصح الا الصحيح.

ما هي وثيقة عبدالكريم الكيلاني  فيما بعد الحياة؟


سؤالك فلسفي وصعب جداً، بعد الحياة يأتي بعد الحياة، الآن نحن نعيش الحياة، وان كانت هناك حياة أخرى سنتحدث عن هذا الأمر ياصديقتي. وشكرا لك على هذا الحوار الممتع

 

سيرة ذاتية

عبدالكريم الكيلاني
مواليد الموصل 18 - 4 - 1969
المؤلفات :
- ( ترانيم في الغربة ) مجموعة شعرية - 1995
- ( بقاياي ) مجموعة شعرية صدرت 1998
- ( عري القناديل ) مجموعة شعرية 2008
- مقالات نقدية في نصوص كوردية 2006.. مع مجموعة من الكتاب .. صادرة عن اتحاد الأدباء الكورد _دهوك
- ( خربشات على الهواء) كتاب نقدي 2009
- ( تورين ) رواية 2011
- ( فيض ) مجموعة مشتركة عن اتحاد الأدباء والكتاب فرع نينوى 1995
نشر العشرات من المقالات الادبية في مختلف الصحف العربية والكوردية

26
أدب / خوفناك كهوست .. الدهشة
« في: 21:25 08/02/2016  »

خوفناك كهوست .. الدهشة
 
أسامة العمري  الكاتب عندما ينغمس في أرواح شخصياته
أسامة العمري كاتب بدرجة حكاواتى

 
حين تطالع  المجموعة القصصية"خوفناك كهويت"  للكاتب اسامة العمري في جناح دار اطلس للنشر في معرض القاهرة للكتاب ولابد أن  تعتريك الدهشة للوهلة الاولى وأنت تقلب صفحات تلك المجموعة القصصية فلا تستطيع أن تتكشف شخصية الكاتب المنغمسه في أرواح شخصياته فهو المدير العصامي الناجح الواثق من نفسه الى حد الغرور الذي بدأ من الصفر وهو يحدث ضياء في " بضعه أنفاس " 
أما زلت تسأل ؟! إنها الكاريزما يا صديقى التى تحيل الفشل إلى نجاح !
الإ تذكر؟ لم أتول مشروعا! في هذه الشركة الإ وتكللت بالنجاح الالمعية ليست حكرا على أحد . لكنها تورث في عائلتنا توريثا ..!
وهوالإبن المتبصر المتمسم بالعلم المغرق في المادية  في  " الحضرة " يخاطب الحيرة في نفسه
مازلت أذكر شغفي بالبساطمي وابن عربي والحلاج والحسن البصري والغزالي والجلياني مما  زاد رقعة الحيرة في ذهنى ، من هؤلاء ..؟! هل هم اصحاب علم حقيقى ؟ أم اصحاب بدعة ؟ هل لديهم علم خفي يتجاوز عفولنا ؟ أم هم باطنية ؟ لم تنتشلنى قراءاتى إلى شط الامان بل خاضت بي إلى لجاج الحيرة وتنكرت الي ؟
 
وهو سعيد الشاب الطموح الذى هرب من المسئولية ينشد  السكينة في الغربة فكانت الغربة له سوطا يلذع ظهره بالانكار والجحود كان صوت سعيد صارخا  عندما تم القبض عليه ظلماً في متباينه المتناقضات ؟
ماذا فعلت ؟
أخبروني ؟
أين حقي في الحديث ؟
أين حقى كعربي في بلد عربي ؟
اين حقي كمسلم في بلد يدين بالإسلام
أين حقى كإنسان في عالم يتشدق بالانسانية
اسمعوني ؟ جادلوني ؟ ناقشوني ؟
بأى لغة احدثكم ؟
 
واختار الكاتب اسم مثير يلفت الانتباه ليكون لعنوان مجموعته القصصية فظهر لنا ملثماً وقد تأبط مشاعر الاقصاء في مجتمع يؤمن بالقبلية ويصنف الناس بناء على الوانهم وقبائلهم في لغة مشوقة اجاد فيها وابدع ليسبر أغوار القارئ في حالة من الترقب والفضول لمعرفة ما ستؤول اليه الاحداث " خوفناك كهوست "
 
الجميع يحبس أنفاسه وإن عانق الترقب داخلهم نشوة مسعورة في الاستمتاع بما يحدث .. العقول شاردة والابصار شاخصة .
الاحداث تتوالى دون توقف والتركيز هو البطل الاوحد لا ينافسه سوى بعض من شهقات اعجاب !
 
( أنت طرش بحر .. ) !!
هذه العبارة عادة ما يطلقها الناس على أمثالي ممن كانوا نتاج زواج ليس أحادي الجنسية .. فأنا خليط .. هذا ما همس به المدير عندما رفض طلب توظيفى في العمل ، متعللا بعدم كفاءتي ( خضيري اتركك منه ) نفس العبارة التى استخدمها مدير الابتعاث في الجامعة مع التحجج بإن عدد المبتعثين قد اكتمل .
 
من يقرأ المجموعة القصصية يجد إن الكاتب يقدم قصصه محملة بالكثير من القضايا والافكار، فهو كالحكاوتى الذى يعبر عن مكنونه ببساطة الكلمة دون تكلف أومعاناه يطلق افكاره كعصافير تنشد الحرية من قفص التقليد والنمطية ليتلقفها كل من يمعن النظروالتفكير ،
المجموعة تزحم بالكثير من الافكار  كالتفحيط والانجذاب الدينى واقصاء المرأة في لغة سلسلة ومشوقة  خوفناك كهوست وإن كانت الباكورة السردية لإسامة العمري الإ إنها جعلتنى  كما قال الكاتب عثمان الشال في المقدمه من الحريصين على متابعة هذا الكاتب  في اعماله القادمه .


27
القيسي يصدر روايته الثالثة " الفردوس المحرّم " في بيروت وعمّان

عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عمان وبيروت تصدر خلال الأيام القليلة المقبلة رواية " الفردوس المحرّم " للأديب والإعلامي الأردني يحيى القيسي، وهي رواية يتوقع أن تثير الكثير من الجدل حول نصها السردي المفخخ بالدلالات والأسرار لا سيما ما يتقاطع من ذلك مع الجانب المخفي والمسكوت عنه في العلم والدين، وكتب ناشر الرواية على غلافها الأخير يقول:
 تحتفي " الفردوس المحرّم " بعوالم وشخصيات تبدو للكثيرين قادمة من الخيال لكنها كما يحاول الروائي أن يقدمها مغرقة في واقعيتها وتعيش بيننا دون أن نقوى على استيعابها، فالواقعية السحرية ليست حكراً على أدب أميركا اللاتينية بل لها بعد عميق في التراث العربي القديم، وأيضا في تفاصيل حياتنا المعاصرة، وتحتاج فقط إلى من ينتبه إليها.
ربما تكون هذه الرواية بما فيها من غريب وعجيب مصدر قلق للقارىء والمؤلف معاً، فهي تسعى إلى زلزلة الطمأنينة التي تبدو راسخة في مجتمعاتنا تجاه العديد من القضايا، وتواجه التضليل الكبير الذي حدث للبشر، والأكاذيب التي يقتاتونها صباحاً ومساءً، وهي أيضاً من جهة أخرى تناقش رواية سبقتها وتحاول تصحيح مسارها، فشخصيات روايته السابقة " أبناء السماء " تطارد مؤلفها في هذا العمل الجديد وتتغلغل بشكل مفرط في ثنايا شخصيات" الفردوس المحرم ".
رواية يمكن أن نقول عنها باختصار أنها تكشف الكثير من الأسرار، وتضيء الكثير من الأنوار، لاسيما في هذا الزمن المعتم ..!

يذكر أن القيسي من مواليد قرية " حرثا " شمال الأردن في العام 1963، وقد عمل في الإعلام الثقافي وفي الإدارة الثقافية صحفياً ومحرراً ومديراً في الأردن وتونس والإمارات منذ العام 1990 وما يزال حيث يعمل حاليا نائبا لمدير عام هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، وهو مؤسس ورئيس تحرير موقع " ثقافات " العربي للفكر والإبداع والفنون، كما أنجز 20 فيلماً وثائقياً تلفزياً بعنوان " سيرة مبدع " وأعدّ أفلاما أخرى، أما اصدارته الأدبية في القصة والرواية فهي:
-   أبناء السماء – رواية – المؤسسة العربية للدراسات 2010
-   باب الحيرة – رواية – المؤسسة العربية للدراسات 2006
-   رغبات مشروخة- مجموعة قصصية- عمّان – 1996
-   الولوج في الزمن الماء – مجموعة قصصية – إربد 1990
-   حمّى الكتابة – حوارات أدبية – أمانة عمّان – 2008

28


جائزة إمتياز لشاعر عراقي في ملتقى أدبي باللغة الرومانية
بلغراد / خاص

تم منح جائزة إمتياز من قبل جمعية اللغة الرومانية لإقليم الفويفودينا في جمهورية صربيا للشاعر العراقي المغترب صباح سعيد الزبيدي المقيم في بلغراد عاصمة جمهورية صربيا وذلك لمشاركته في ملتقى الكتاب الرومانيين من صربيا وللفترة من 12.11.2015 ولغاية 13.11.2015 والذي نظم من قبل هذه الجمعية وبالتعاون مع المركز الثقافي لمدينة فرشاتس الصربية وبدعم مالي من بلدية فرشاتس حيث القى قصائده باللغات العربية والصربية والرومانية وكانت لغة الملتقى هي اللغة الرومانية والتي يتحدث الزبيدي بها بطلاقة.
يذكر ان الشاعر صباح سعيد الزبيدي عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق و يكتب الشعر باللغتين الصربية والعربية وترجم من العربية الى الصربية ومن الصربية الى العربية قصائد لشعراء عرب وصرب ومن جمهوريات يوغسلافيا السابقة وهو الآن مقيم في بلغراد - صربيا منذ عام 1977.

29

قراءة في المشهد الشعري الكردي – نصوص- عدي العبادي

تختلف الرؤى من شاعر لشاعر، كما تختلف الايدولوجيات والمفاهيم والأفكار والقناعات من شخص لآخر، وقد تجد شاعرين من نفس الجيل ولهما نفس التجربة، ولكن لكل واحد منهما نظرة خاصة بالحياة والحب، بل حتى بالوطن نفسه، وهذا لا يعود للذات الشاعرة التي يملكها المبدع، بل حسب ما يصل له من قناعات شخصية، فبشار والمعري شاعران من نفس العصر، وكانا أعميين، لكن بشارا كان متفائلا، إما أبا العلاء المعري فمتشائم وكئيب ونجد أن للشعراء الكرد وجهات نظر تختلف، فكل مبدع منهم يترجم الحياة والحب حسب نظرة شخصية خاصة به قد لا تنتمي بجذورها لتجربة غيره من الشعراء، فالشاعرة لازو تجد ان الموت قريب والسماء قريبة ولكنها لا تجد حبيبها الوطن والذي تشير إليه بطريقة الترميز حين تقول في أحد نصوصها
لماذا الموت قريب؟
لماذا السماء قريبة؟
لماذا أنت بعيد؟
جُرحنا ولمع دمنا
ذبُل عشقنا وارتدينا السواد
تشردنا في المساءات
وكنا نردد معاً:
الوطن لهم.. والوطن لهم
ليس بالضرورة أن نعيش تجربة الشاعرة كي نشعر بروعة ما كتبت أو نشاركها همومها، كل ما يعنينا كمتلقين هو ما يطرح الصورة الإبداعية التي يحملها كل النص، فالمبدع وحده يتفرد بحسن الوصف وسعة الخيال، ومع ان لازو وصفت حزنها بدقة وجمالية وهي تعبر عن وطنها وما جرى فيه من نكبات أعطت دلالات عدة على مرحلة زمنية مر بها العراق، وستظل هذه الصورة الشعرية خالدة، وقد وثّق الكثير من الشعراء العرب والكرد الزمن المظلم الذي مر به العراق بسبب حكم الطاغية الذي خرب البلاد كلها، والشعر حاله حال كل الفنون التي يعبر بها المبدع عما في دواخله أو ما يحيط به، ولكن كما قلت فقد تختلف الرؤى، فلو أخذنا تجربة لشاعرة كردية ثانية وهي زاوين شالي، وهي من نفس جيل الشاعرة، أي الثمانينيات، ومن نفس بلدتها السليمانية سنجد اختلافاً شاسعاً بالطرح مع ان الشاعرتين ذات تجربة متقاربة ولكن كل شاعرة تكلمت بشكل مختلف وأعطت مفهوماً مغايراً.
تقول الشاعرة زاوين شالي:
أشك في بياض الثلج
رقة الماء
زرقة الموج
والرسائل البيض للرياح
أعلم.. سيأتي يوم
يصبح فيه اليمين يسارا
واليسار يميناً
الأبيض أسود.. العلو إنخفاضا
سيأتي يوم أيها الحبيب
تنعكس فيه الأشياء جميعها
سيصبح البكاء ضحكا.. الضحك بكاء
أنت ستصبح «أنا»
سأعود «أنا» لذاتي
ليس هناك تعريف محدد أو متفق عليه للجمال أو كيفية تعريفه، فلكل مبدع إحساس يتفرد به عن غيره، فالشاعرة زاوين شالي تختلف مع الشاعرة لازوفي تصوير الحياة والمستقبل، وتعتقد إن الأيام القادمة ستكون أجمل مما فات وأن هناك املاً وتغييراً سيحدث وقد برعت في الوصف بطريقة حداثوية معتمدة على الضربة الشعرية وبين حزن لازو وسعادة وأمل زاوين شالي نتناول تجربة ثالثة للشاعر الكردي ئاوات حسن أمين الذي يعبر عن مفهومه للحياة في أحد نصوصه الجميلة يقول فيه:
العصافير أسراره …
لا أعرف لم لا يفهمونني
الشوارع تنصت إلي
الأشجار تمسح دموعي
العصافير تصون أسراري
ولكن الأقربين مني , هنا ..
لا يفهمونني !
يعتقد الشاعر آوات حسن أمين أن ليس هناك صعوبة في الحياة أو التعامل معها ولكن المشكلة أن الحياة نفسها لم تفهمه وهذا كبرياء الشعراء الذي يجعلهم يعتقدون أن الحياة هي فهم واحترام أطروحاتهم وقد حمل نص الشاعر الكثير من الصور مع الحفاظ على وحدة البنية الداخلية، والشعر الكردي مثل الشعر الأوربي يعتمد على الصورة، عكس الشعر العربي الذي يكون فيه جانب من السرد، كما ان الشعر الكردي اشبه بقصيدة النثر وقصيدة النثر كما تقول سوزان برنار أنَّ قصيدة النثر هي: (قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور… خلق حرّاً) وقصيدة الشاعر آوات حسن أمين من جنس النثر تحمل الكثير من المشاكسة، فهو يقول: (الشوارع تنصت إلي) وهذه الدلالة السيميائية فالشوارع عند آوات حسن تملك صفة الإصغاء وتجيد الاستماع والأشجار تمسح دموعه وهذه الدلالة السيميائية الثانية فالأشجار خرجت من حيز كينونتها كنبات لتواسي الشاعر، ويعود سبب توظيف الشاعر للشجر انه يعيش في مدينة كلها أشجار، أما الشوارع فالمدلول السيميائي هو ان آوات حسن أمين تربطه علاقة روحية بالطرقات، فالسيميائية التداولية بتصورها الشمولي والدينامي للعلامة، لما ينتجه المبدع. ان الشعر عبارة عن إرهاصات، اما داخلية يعيشها الشاعر او خارجية، وتحيط بعالمه الخارجي يترجمها على شكل نثر فالشاعر الكردي شيركو بيكه س لا يتحدث عن نفسه بل عن الذين من حوله ويصف ألمهم في واحدة من روائعه حيث يقول:
أنا لا أقْدُرُ أنْ
أُكلّم أحزانكُم ْ
هَمْسا ً …
فَدوي ّ ُ وأنينُ الدّور ِ والزّمان ْ
قد أثقلا أسماعَكُمْ
تــُرى …
كيف تًسْمَعُونَني ؟ !
إذا أنا
لم أصْرُخْ مِلْ ءَ فَمي
يحاول الشاعر شيركو بيكه س خلق ثورة وهو يتحاور مع مجموعة يخاطبهم ويشير إليهم ويطلب منهم الحرية بالصراخ وهذا التعبير والترميز يعني الحرية التي طالما طالب بها الشعب الكردي الذي تحمل الكثير من الظلم والاضطهاد على مر عصوره ولم يحدد الشاعر من هم الذين خاطبهم كي يخلق عند المتلقي تساؤلات وتكون هناك علاقة مفتوحة بين النص والمتلقي الذي ينتهي اليهالخطاب الشعري، كل مشروع شعري او غير شعري، كالقصة والرواية والرسم فكل الفنون يشتغل فيه المبدع على منظومة الذائقة العامة التي تكون له الحكم ولهذا يقال ان المتلقي مبدع حين يختار ما يقرأ اما الناقد فتكون مهمته ترجمة المطروح وتبييناً لجوانب الجمال والضعف، يقول رائد الحداثة في مصر الدكتور والناقد الكبير جابر عصفور ان الناقد حين يكتب عن عمل فهو يخلق لنا عملاً ثانياً أي يكون عملاً مستقلاً في ذاته. وكما قلت ان الشاعر قد يتحدث عن نفسه او عن واقعه الخارجي الذي يحيط به ونحن كل ما يعنينا الجوانب الإبداعية فكما تحدث الشاعر الكردي شيركو بيكه س عن الآخرين وطلب منهم البوح بحزنهم تتحدث الشاعرة الكردية شرين ك عن نفسها وتخاطب حبيباً أو شخصاً ما ابتكرته من بنات أفكارها وجعلته بطل نصها حين تقول:
ها هو ذا المشهدُ
لختامه يميل
لم يتبق إلا بضعة سجال
ُفتات كلمات
نُتف إبتسامات
غداً ترحل
أم أرحل أنا
وما الفرق؟
سأغدو بذاكرتك شبحاً
طيف خيالك
ثم أسطورة ماضيك
لكني
لست من ماضيك راحلة
سأمكث تحت قبتها الهنية
لتسمع صوتي
همسي
يلومك أبداً
أنت لم تحبني بما يكفي!
ان جمالية نص الشاعرة شيرين ك تكمن بدقة الوصف وروعة المباشرة، فالمباشرة تنقسم لقسمين، إما واضحة تكون أشبه بالخواطر أو غير مباشرة.. الضربة الفنية التي لا يستطيع ان يكتبها غير المبدع الذي يتميز عن الإنسان العادي، ومباشرة الضربة التي اشتغلت عليها شرين ك هي الواقعية السحرية التي كتبها كتاب الرواية، وقد عرف هذا الفن في الخمسينيات واشتهرت بهأمريكا اللاتينية، وهذا الفن الراقي يتحدث عن الواقع بطريقة سحرية، أي يخلق لغة ثانية، وهناك لون من الحزن والشجن في النص وحديث عن الرحيل مع وجود دلالة لغوية..ان الشعر الكردي يعتمد على الصورة، وأغلب ما وصل لنا من الأدب الكردي القديم هو الشعر وأغلبه وجداني او يحمل هموم الأكراد، وهذه الشفافية سببها الظلم الذي عاشه الأكراد ومع ان الشاعرة شرين ك تحدثت عن نفسها وما تعانيه من ألم وغيره يطل علينا الشاعر الكردي مؤيد الطيب بنص يتحدث فيه عن الحاكم الطاغية الذي يحكم شعبه بالنار والحديد يقول فيه:
تهيجت كلاب السلطان المسعورة
يسكبون الدماء في الأزقة
قالوا:
العجائز الشمطاوات
تنخرن جسدك
وترعشن اوصالك
قالوا:
مهما أظلمت ليلة السلطان
فنارك ستظل نيرة,
ولن تفر مشاعلك وقناديلك
قالوا:
غدوت مدينة كبيرة
لكني !مهما عبرت الشهور والسنين
وكبرت…
وظل الشعر الصوت العالي المسموع، وقد كان للشعر الفضل الكبير في معرفة التاريخ القديم فكان الشعراء لا يتركون شاردة او واردة، وأول ما وصلنا من التاريخ القديم هو شعر مثل ملحمة كلكامش الشهيرة وهي قصيدة موزونة، ومن خلال ما طرح عرفنا أن مؤيد الطيب يتكلم عن الحاكم وكلابه وقد رمز للقتل والتشرد والشاعر في كل نظام يكون حالة خاصة متفردة فهو صوت الشعب وينقل همومهم وأكثر الشعراء يكرهون السلطة والســــــلطان وقد استطاع مؤيد الطيب ان يرسم لنا فكرة انطـــــــباعية عن واقع تعيشه كثير من الأمم، واختزل الطيب الكثير بكلام من خلال الانزياح الذي رسمه، وهذا الانزياح يجعل النص مفتوحاً أكثر عــــــــند الذائقة العامة وقد عرفنا من كل ما طـــــرح مدى الاختلاف بين النظرة والمفهوم عند الشعــراء الكرد ولكن في النهاية نقول إن كل ما طرح كان جميلاً وإبداعاً حقيقياً خلقه نخبة من المبدعين.
تختلف الرؤى من شاعر لشاعر، كما تختلف الايدولوجيات والمفاهيم والأفكار والقناعات من شخص لآخر، وقد تجد شاعرين من نفس الجيل ولهما نفس التجربة، ولكن لكل واحد منهما نظرة خاصة بالحياة والحب، بل حتى بالوطن نفسه، وهذا لا يعود للذات الشاعرة التي يملكها المبدع، بل حسب ما يصل له من قناعات شخصية، فبشار والمعري شاعران من نفس العصر، وكانا أعميين، لكن بشارا كان متفائلا، إما أبا العلاء المعري فمتشائم وكئيب ونجد أن للشعراء الكرد وجهات نظر تختلف، فكل مبدع منهم يترجم الحياة والحب حسب نظرة شخصية خاصة به قد لا تنتمي بجذورها لتجربة غيره من الشعراء، فالشاعرة لازو تجد ان الموت قريب والسماء قريبة ولكنها لا تجد حبيبها الوطن والذي تشير إليه بطريقة الترميز حين تقول في أحد نصوصها
لماذا الموت قريب؟
لماذا السماء قريبة؟
لماذا أنت بعيد؟
جُرحنا ولمع دمنا
ذبُل عشقنا وارتدينا السواد
تشردنا في المساءات
وكنا نردد معاً:
الوطن لهم.. والوطن لهم
ليس بالضرورة أن نعيش تجربة الشاعرة كي نشعر بروعة ما كتبت أو نشاركها همومها، كل ما يعنينا كمتلقين هو ما يطرح الصورة الإبداعية التي يحملها كل النص، فالمبدع وحده يتفرد بحسن الوصف وسعة الخيال، ومع ان لازو وصفت حزنها بدقة وجمالية وهي تعبر عن وطنها وما جرى فيه من نكبات أعطت دلالات عدة على مرحلة زمنية مر بها العراق، وستظل هذه الصورة الشعرية خالدة، وقد وثّق الكثير من الشعراء العرب والكرد الزمن المظلم الذي مر به العراق بسبب حكم الطاغية الذي خرب البلاد كلها، والشعر حاله حال كل الفنون التي يعبر بها المبدع عما في دواخله أو ما يحيط به، ولكن كما قلت فقد تختلف الرؤى، فلو أخذنا تجربة لشاعرة كردية ثانية وهي زاوين شالي، وهي من نفس جيل الشاعرة، أي الثمانينيات، ومن نفس بلدتها السليمانية سنجد اختلافاً شاسعاً بالطرح مع ان الشاعرتين ذات تجربة متقاربة ولكن كل شاعرة تكلمت بشكل مختلف وأعطت مفهوماً مغايراً.
تقول الشاعرة زاوين شالي:
أشك في بياض الثلج
رقة الماء
زرقة الموج
والرسائل البيض للرياح
أعلم.. سيأتي يوم
يصبح فيه اليمين يسارا
واليسار يميناً
الأبيض أسود.. العلو إنخفاضا
سيأتي يوم أيها الحبيب
تنعكس فيه الأشياء جميعها
سيصبح البكاء ضحكا.. الضحك بكاء
أنت ستصبح «أنا»
سأعود «أنا» لذاتي
ليس هناك تعريف محدد أو متفق عليه للجمال أو كيفية تعريفه، فلكل مبدع إحساس يتفرد به عن غيره، فالشاعرة زاوين شالي تختلف مع الشاعرة لازوفي تصوير الحياة والمستقبل، وتعتقد إن الأيام القادمة ستكون أجمل مما فات وأن هناك املاً وتغييراً سيحدث وقد برعت في الوصف بطريقة حداثوية معتمدة على الضربة الشعرية وبين حزن لازو وسعادة وأمل زاوين شالي نتناول تجربة ثالثة للشاعر الكردي ئاوات حسن أمين الذي يعبر عن مفهومه للحياة في أحد نصوصه الجميلة يقول فيه:
العصافير أسراره …
لا أعرف لم لا يفهمونني
الشوارع تنصت إلي
الأشجار تمسح دموعي
العصافير تصون أسراري
ولكن الأقربين مني , هنا ..
لا يفهمونني !
يعتقد الشاعر آوات حسن أمين أن ليس هناك صعوبة في الحياة أو التعامل معها ولكن المشكلة أن الحياة نفسها لم تفهمه وهذا كبرياء الشعراء الذي يجعلهم يعتقدون أن الحياة هي فهم واحترام أطروحاتهم وقد حمل نص الشاعر الكثير من الصور مع الحفاظ على وحدة البنية الداخلية، والشعر الكردي مثل الشعر الأوربي يعتمد على الصورة، عكس الشعر العربي الذي يكون فيه جانب من السرد، كما ان الشعر الكردي اشبه بقصيدة النثر وقصيدة النثر كما تقول سوزان برنار أنَّ قصيدة النثر هي: (قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور… خلق حرّاً) وقصيدة الشاعر آوات حسن أمين من جنس النثر تحمل الكثير من المشاكسة، فهو يقول: (الشوارع تنصت إلي) وهذه الدلالة السيميائية فالشوارع عند آوات حسن تملك صفة الإصغاء وتجيد الاستماع والأشجار تمسح دموعه وهذه الدلالة السيميائية الثانية فالأشجار خرجت من حيز كينونتها كنبات لتواسي الشاعر، ويعود سبب توظيف الشاعر للشجر انه يعيش في مدينة كلها أشجار، أما الشوارع فالمدلول السيميائي هو ان آوات حسن أمين تربطه علاقة روحية بالطرقات، فالسيميائية التداولية بتصورها الشمولي والدينامي للعلامة، لما ينتجه المبدع. ان الشعر عبارة عن إرهاصات، اما داخلية يعيشها الشاعر او خارجية، وتحيط بعالمه الخارجي يترجمها على شكل نثر فالشاعر الكردي شيركو بيكه س لا يتحدث عن نفسه بل عن الذين من حوله ويصف ألمهم في واحدة من روائعه حيث يقول:
أنا لا أقْدُرُ أنْ
أُكلّم أحزانكُم ْ
هَمْسا ً …
فَدوي ّ ُ وأنينُ الدّور ِ والزّمان ْ
قد أثقلا أسماعَكُمْ
تــُرى …
كيف تًسْمَعُونَني ؟ !
إذا أنا
لم أصْرُخْ مِلْ ءَ فَمي
يحاول الشاعر شيركو بيكه س خلق ثورة وهو يتحاور مع مجموعة يخاطبهم ويشير إليهم ويطلب منهم الحرية بالصراخ وهذا التعبير والترميز يعني الحرية التي طالما طالب بها الشعب الكردي الذي تحمل الكثير من الظلم والاضطهاد على مر عصوره ولم يحدد الشاعر من هم الذين خاطبهم كي يخلق عند المتلقي تساؤلات وتكون هناك علاقة مفتوحة بين النص والمتلقي الذي ينتهي اليهالخطاب الشعري، كل مشروع شعري او غير شعري، كالقصة والرواية والرسم فكل الفنون يشتغل فيه المبدع على منظومة الذائقة العامة التي تكون له الحكم ولهذا يقال ان المتلقي مبدع حين يختار ما يقرأ اما الناقد فتكون مهمته ترجمة المطروح وتبييناً لجوانب الجمال والضعف، يقول رائد الحداثة في مصر الدكتور والناقد الكبير جابر عصفور ان الناقد حين يكتب عن عمل فهو يخلق لنا عملاً ثانياً أي يكون عملاً مستقلاً في ذاته. وكما قلت ان الشاعر قد يتحدث عن نفسه او عن واقعه الخارجي الذي يحيط به ونحن كل ما يعنينا الجوانب الإبداعية فكما تحدث الشاعر الكردي شيركو بيكه س عن الآخرين وطلب منهم البوح بحزنهم تتحدث الشاعرة الكردية شرين ك عن نفسها وتخاطب حبيباً أو شخصاً ما ابتكرته من بنات أفكارها وجعلته بطل نصها حين تقول:
ها هو ذا المشهدُ
لختامه يميل
لم يتبق إلا بضعة سجال
ُفتات كلمات
نُتف إبتسامات
غداً ترحل
أم أرحل أنا
وما الفرق؟
سأغدو بذاكرتك شبحاً
طيف خيالك
ثم أسطورة ماضيك
لكني
لست من ماضيك راحلة
سأمكث تحت قبتها الهنية
لتسمع صوتي
همسي
يلومك أبداً
أنت لم تحبني بما يكفي!
ان جمالية نص الشاعرة شيرين ك تكمن بدقة الوصف وروعة المباشرة، فالمباشرة تنقسم لقسمين، إما واضحة تكون أشبه بالخواطر أو غير مباشرة.. الضربة الفنية التي لا يستطيع ان يكتبها غير المبدع الذي يتميز عن الإنسان العادي، ومباشرة الضربة التي اشتغلت عليها شرين ك هي الواقعية السحرية التي كتبها كتاب الرواية، وقد عرف هذا الفن في الخمسينيات واشتهرت بهأمريكا اللاتينية، وهذا الفن الراقي يتحدث عن الواقع بطريقة سحرية، أي يخلق لغة ثانية، وهناك لون من الحزن والشجن في النص وحديث عن الرحيل مع وجود دلالة لغوية..ان الشعر الكردي يعتمد على الصورة، وأغلب ما وصل لنا من الأدب الكردي القديم هو الشعر وأغلبه وجداني او يحمل هموم الأكراد، وهذه الشفافية سببها الظلم الذي عاشه الأكراد ومع ان الشاعرة شرين ك تحدثت عن نفسها وما تعانيه من ألم وغيره يطل علينا الشاعر الكردي مؤيد الطيب بنص يتحدث فيه عن الحاكم الطاغية الذي يحكم شعبه بالنار والحديد يقول فيه:
تهيجت كلاب السلطان المسعورة
يسكبون الدماء في الأزقة
قالوا:
العجائز الشمطاوات
تنخرن جسدك
وترعشن اوصالك
قالوا:
مهما أظلمت ليلة السلطان
فنارك ستظل نيرة,
ولن تفر مشاعلك وقناديلك
قالوا:
غدوت مدينة كبيرة
لكني !مهما عبرت الشهور والسنين
وكبرت…
وظل الشعر الصوت العالي المسموع، وقد كان للشعر الفضل الكبير في معرفة التاريخ القديم فكان الشعراء لا يتركون شاردة او واردة، وأول ما وصلنا من التاريخ القديم هو شعر مثل ملحمة كلكامش الشهيرة وهي قصيدة موزونة، ومن خلال ما طرح عرفنا أن مؤيد الطيب يتكلم عن الحاكم وكلابه وقد رمز للقتل والتشرد والشاعر في كل نظام يكون حالة خاصة متفردة فهو صوت الشعب وينقل همومهم وأكثر الشعراء يكرهون السلطة والســــــلطان وقد استطاع مؤيد الطيب ان يرسم لنا فكرة انطـــــــباعية عن واقع تعيشه كثير من الأمم، واختزل الطيب الكثير بكلام من خلال الانزياح الذي رسمه، وهذا الانزياح يجعل النص مفتوحاً أكثر عــــــــند الذائقة العامة وقد عرفنا من كل ما طـــــرح مدى الاختلاف بين النظرة والمفهوم عند الشعــراء الكرد ولكن في النهاية نقول إن كل ما طرح كان جميلاً وإبداعاً حقيقياً خلقه نخبة من المبدعين.

30

القضية في شعر فوزي الأتروشي
تحولات الشاعر عبر ثلاثة مستويات

عدي العبادي

ارتبط الأدب والفن بكثير من القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية على اساس ان الأدب والفن إنتاج فكري أنساني خالص فالأديب والفنان واحد من الناس يعيش معهم ويشاركهم في فرحم وحزنهم ويجري عليه ما يجري عليهم ويظهر لنا هذا من خلال المنتج الأدبي والفني والأديب والفنان يختلف عن غيره من الناس بطريقة التفكير والرؤية و الإحساس والمشاعر.
فهو كائن شفاف ذو حسية عالية ويعتبر صوت الناس والمعبر عن مشاعرهم فهو ينظر لكل شيء في محيطه بطريقة خاصة أو يحس بما حوله بخاصية ثم يترجمه الى عمل إبداعي ولهذا كثير من الإعمال الفنية والأدبية كانت عبارة عن أحاسيس او تعبير عن حالة مر بها المبدع او حدث مهم اثر في المجتمع فصوره الأديب على شكل عمل مثل لوحة الفنان الايطالي الشهير دافنشي العشاء الأخير صور فيها دافنشي الخيانة الدينية التي قام بها يهودا الذي كان احد حواريي المسيح لكنه خان و باع المسيح (ع) وهناك إعمال فنية وأدبية تحدث عن هموم الناس فظهرت مسرحيات وقصص وروايات ولوحات تتحدث عن كوارث و نكبات مرت بها البشرية بتاريخها الطويل كما ظهر ادب الحرب الذي تناول مجموعة من المعارك وكان للشعر حضورا مميزا على اعتبار انه اكثر من باقي الفنون التصاقا في المجتمع فقصيدة الشاعرة نازك الملائكة النهر العاشق تجسيد لحادثة غرق بغداد بفيضان دجلة الشهير الذي اغرق بغداد كلها عام 1954، وشعر بدر شاكر السياب ولوركا ومحمد الماغوط شعر يحمل الكثير من القضايا وهموم الناس والشعر الفلسطيني ذو نبرة جهادية ودعوة للمقاومة بسبب احتلال بلدهم وفي شعر فوزي الاتروشي تتضح القضية ليس من خلال نصوص فقط بل حتى من تفكيره فهو يقول في احد مقالاته الأدبية معرفا الشعر .. (الشعر ليس نظماً ولا هو مجرد كلام مقفى وموزون، وليس قصة مدائحية على باب الحاكم او شعاراً مناسباتياً سرعان ما ينطفئ لهيبه ليستحيل إلى رماد.انه في الأساس رغبة تمرد على السائد المألوف وأداة تحفيز نحو الأجمل والأنقى، وتأهيل للمتلقي لمقاومة القبح من حوله والطموح اللامتناهي للخير والحق والجمال في تعريف لوظيفة الشعر قاله اليونانيون منذ أقدم الأزمان. وهو شاعر يصادق ضميره الحي ومشاعره وأحاسيسه ولا يجامل خارجها اياً كان, ويكتب للالم والجراح الغائرة والمعاناة المستديمة للمواطن العراقي لا تشفياً ولا انتقاماً من جهة، او تقرباً من جهة أخرى, بل يكتب وبالأحرى ينزف على الورق لوقف أنين الجراح وإعادة الدموع الى المآقي املاًفي رسم بسمة وفتح كوّة أمل وإشعال شمعة فرح لنا جميعاً,,
مفاهيم جميلة
من هذه المفاهيم الجميلة التي طرحها الشاعر الاستاذ فوزي الاتروشي في مقاله .. عرفنا كيف انه يعتبر الشعر ثورة ولا يكون في خانة النظام العروضي القافية والوزن فقط بل هو اكبر من هذا كله و لم يعبر الاتروشي في كتابته فقط بل ترجم أفكاره على شكل نصوص شعرية جميلة تتسم بالشفافية
صباغون شحاذون
يتامى
في بطونهم غصة ندامى
يظلوا يتمنون أو تبني لهم وطنأ
يمنحهم كسرة خبز
وشيا من الحرية والسلامة
*****************
صباغون شحاذون
يفترشون ارصفة الشوارع
ينهمرون قبل المصلين
على مداخل الجوامع
لعلهم يتهأون بأيد
تبعد فأل الشر عنهم
وتنبؤهم بحسن طالع
صباغون ولدوا وعاشوا
على الطرقات
لم يتعلموا سوى
فن تلميع احذية الآخرين
برع الشاعر في التعبير عن الطبقة الكادحة الفقيرة واستطاع الحديث ليس عن همومهم فقط بل حتى أحلامهم التي يحلمون بها وهذا يدل على قدرته في التعبير وعلى شعوره اتجاه هذه الطبقة المسكينة التي يعد الحديث والدفاع عنها قضية سامية فهم طبقة بسيطة تعيش ظروف صعبة بسبب من سرق حقوقهم لا يجودون ما يسد جوعهم وقد أبدع الشاعر حين ربط بين حلمهم بالخبز والوطن أي المسكن والأمان ولكنه خلق مشاكسة شعرية جميلة حين رفع من سقف مطالبهم فبعد الخبز و الوطن يحلمون الفقراء بشيء من الحرية والسلامة ثم عرف أماكن تواجدهم واي مقصد يتجهون اليه وشرح في نصه جزء مهم من حياة الفقراء الذين يهرعون للجوامع في الصباح ليس للصلاة بل من اجل ان يتصدق عليهم المصلين ومفهوم الفقر كما جاء في الموسوعة المعرفية على أنه حالة من الحرمان المادي الذي يترجم بانخفاض استهلاك الغذاء، كما ونوعا، وتدني الوضع الصحي والمستوى التعليمي والوضع السكني، والحرمان من السلع المعمرة والأصول المادية الأخرى، وفقدان الضمانات لمواجهة الحالات الصعبة كالمرض والإعاقة والبطالة وغيرها. وللحرمان المادي انعكاسات تتمثل بأوجه أخرى للفقر كعدم الشعور بالأمان ضعف القدرة على اتخاذ القرارات وممارسة حرية الاختيار ومواجهة الصدمات الخارجية والداخلية. وبمفهوم مبسط للفقر يعتبر الفرد أو الأسرة يعيش ضمن إطار الفقر إذا كان الدخل المتأتي له غير كافٍ للحصول على أدنى مستوى من الضروريات للمحافظة على نشاطات حياته وحيويتها. للفقر العديد من التعريفات تبعث من منطلقات إيديولوجية واقتصادية وثقافية, وهو بشكل عام لا يمثل ظاهرة في المجتمع بل يترجم خلال ما في تنظيم هذا المجتمع. والفقر ليس صفة بل هو حالة يمر بهاالفرد تبعا لمعايير محددة, وقد اختصر الشاعر فوزي الاتروشي كل هذه المفاهيم في نصه وحدد أهم النقاط التي يتمركز عليها معنى الفقر وما هي أحلام وطموحات الفقراء فكانت قراءة لحياتهم جيدة ومنطقية مقنعة في أسلوب شعري نثري وذو رسالة حقيقية وقد أخذت قضية الطبقة الفقيرة أخذت حيزا كبيرا في الأدب والشعر وظهر شعراء اختصوا في الكتابة عن الفقراء مثل الشاعر المصري الشعبي أحمد فؤاد نجم.. ذلك الشاعر الذي كان نجما لامعا في عالم الأدب الشعبي العربي، واحتل بعد ذلك مكان الصدارة في قلوب الفقراء ولكن يظل الباب مفتوحا في هذه القضية المهمة التي كتبت عنها الشاعر فوزي الاتروشي ولم تكن هذه المسألة الوحيدة بل كان يتنوع بطرحه حيث كتب عدت نصوص في السياسة وهو رجل سياسة كما هو شاعر يقول في احد نصوصه
وطني الذي أرهقته
البنادق والخناجر
تفتحت على جبينه اليوم
حقول وبيادر
وكلما قرأ المصلون سورة الأنفال
تذكروا المدائن
التي صارت مقابر
وطني اليوم محمل بنبض عاشق
وصلاة قديس
وصحوة ثائر
وطني دمرته الحرائق والخرائب
لكنه اقسم ان لا يهاجر
هرع الكثيرون الى البوابات
حاملين حقائبهم
لكنه وطير الخجل الذي بين اثوابه
بقى عالقأ بالأرض لا سافر
وطني الذي أثخنته
الجراح والحروب
وسدت عليه المنافذ والدروب
وصف الشاعر حالة وطنه العراق وما جرى عليه وكما هو معروف إن الشاعر وثيقة تاريخية لنقله للإحداث والتاريخ بطريقة فنية وقد عرفنا الكثير من تاريخ الأمم السابقة واهم الاحداث التي جرت في حقب زمنية من خلال شعرائهم وأدبائهم وليس الشعراء فقط بل حتى الروائيون الذين يؤرخون بكتابتهم إحداث ووقائع المعيشة كما نقل الروائي المصري نجيب محفوظ حياة الحواري المصرية في معظم رواياته وقد استطاع الاتروشي ان ينقل لنا صورة حية عن ما مر بهالعراق الذي عاش سنين طوال من الدمار والحروب والخراب والموت المجاني وحصار تسبب بهدم البنية التحتية ليس للبلد فقط بل حتى الإنسان العراقي ومع كل هذا بث الشاعر روح التحدي في وطنه والعزم حين قال انه لم يهزم وظل ثابتا في الأرض وهذه الضربة الشعرية اي التصاق الوطن في الأرض وجملة لم ويسافر تعد العمود الفقري للمادة الأدبية المطروحة واذا فككنا النص نجد عمق في الشرح حيث نكتسف من مطالعتنا صور عدة ضمن سياق واحد فقد اعتبر الشاعر وطنه يحمل نبض عاشق وهذه الرؤيا الشعرية تعود للذات الشاعرة في داخله وان هناك نظرة جمالية .
نساء بلادي حوامل
أرامل ثكالى
خبزهن اليومي دم الدموع
وفي عتمة الليل
ابتهال لله تعالى
اذا شكون ضرين لكي يكن
كما قال في قوانين الرجال
عبرة لمن اعتبر
يهبن الحياة نصفها ولكن
في ملذات الحياة ما لهن اثر
أسماؤهن في ملفات الشرطة تمحى
وتحت خيمة الزواج
يبقين ضميرأ مستتر
واذا متن لا تقم على
قبورهن شاهدة
فحتى القبور لا تحفظ
غير اسماء الذكر
بين يدي وحوش كاسرة
وان حلمت يخرج
الجنين من صلبهن
غوص عميق في المعنى ووصل للقضية وترجمتها بطريقة النص هذا ما فعله الشاعر فوزي الاتروشي في حديث عن نساء العراق الأرامل بسبب الحروب المتتالية والإرهاب الذي خطف زهرة شباب الوطن فكان الشاعر بالفعل صوت معبر بإحساس عال ولم يتحدث عنهن فقط بل طور الفكرة حتى يصل بنا إلى فضاء أوسع وان تغيبهن يظهر من قوله يبقين ضميرأ مستتر والدلالة في الوصف عن الظلم الذي يقع على ألمرأة الشرقية وبالخصوص المطلقات والأرامل . حمل نص الاتروشي مجموعة كبيرة من الأطروحات حول موضوع في غاية الأهمية والشعرية بارزه فيه بدقة الوصف حتى جعل المتلقي يعيش مع الصورة كاملة ومع ان الحديث عن الأرامل والمطلقات لكن القضية تأخذ جوانب أخرى حين جسد بمقولة قال فيه ان قوانين الرجال تعني تسلط رجال العائلة على أراملهم فكان بالفعل إحاطة كاملة من كل الجوانب ولم يستثني أي شيء
قتلوك وما عرفوا
ان الجرح المحفور بقلبك
يصبح منجم بارود ينفجر كالبركان
قتلوك وما عرفوا
ان الشهداء وان ماتوا
يبقى حيأ فيهم حلم الانسان
قتلوك وما عرفوا
ان الوطن المتوزع فيك
سيجعل لك مقبرة الاحزان
وبأن خرائطهم
ووجوههم المزروعة
ستصير
هباء منثورأ
وستدخل أرشيف النسيان
قتلوك وما عرفوا
ان الجسد المقتول جواز سفر
بأن جراح القلب ينابيع
وسماوات حبلى
تهب الدنيا حبأ ومطر
استهلال جيد في المطلع الذي يقول فيه قتلوك وما عرفوا يتضح منه حجم الشخصية التي قتلوها وثم تعريج على ما سيظهر من مميزات الشهيد فجسده جواز سفر الى الحرية التي يتمتع بها شعبه بفضل تضحيته والجرح المحفور في قلبه يصبح منجم بارود ينفجر كالبركان انه تحدي كبير يطرحه الشاعر معرفا من خلاله مدى أهمية التضحية من اجل الهدف النبيل الوطن وحرية الآخرين انها قضية كبيرة وتسويق لمشروع نضالي يقول الاتروشي في ختام نصه الذي كان مستهله قتلوك وما عرفوا
فقأ عينيك وما عرفوا
إن العين المفقوءة عند مجي الليل قمر
لتكن أنت المتقول
لتكن أنت المدفون بهذي الأرض
فهي البقعة من زمن
لم ينبت داخلها
للقمح حقول
حتى يقول الشاعر في نصه
حرام ان يبقى
عنق الوطن الغالي مغلول
اختمرت الفكرة كاملة في أذهاننا من خلال ثلاثة محاور الأول ان هناك شخص مهم قتلوه ولم يعرفوا حجمه الحقيقي والثاني تحول جسد الشهيد الى كوكب وعينه قمر إما المحور الثالث التضحية من اجل الوطن والقيم النبيلة مع ترسيخ للجمال الروحي للعمل النضالي وخلد بقصيدته الحدث مع جوانب إبداع كصفه لعنق الوطن المغلول والقيمة الفنية هنا ان الطواغيت عند الشاعر تمثل حبل المشنقة .. ان الذات الشاعرة عند كاتبنا متنوعة في الوصف إبراز الزوايا المظلمة مما يدل على شفافيته في الكتابة والوصول لأخر نقطة ممكنة في الموضوع مستخدما كل قدراته مع جودة اللغة يقول في نص ثاني حمل عنوان ( يا وطني )
يا حلم اليتامى والجياع
حلم من ماتوا وما لا قوا المطر
يا حلم أطفال تساءلوا وأوغلوا في السؤال
متى القمح
تحتج على وجه المغول والتتر
يا حلم من استشهدوا
وفي بطونهم رمل وحصو وحجر
ولون بارود الرصاصات التي
باسم السلام تشترى
وباسمه تباع حتى للذي به كفر
أي ضمير العالمي
بداية البحث
تتحول القضية في شعر الاتروشي الى جانب جديد ومهم وواسع النطاق ففي بداية البحث عن القضية في شعره وجدناه يتكلم عن الفقراء والشحاذين الطبقة المحرومة التي سلب حقها وكان يدافع بصدق عنها وجعلنا معهم بالصورة ثم وجدناه يتناول قضية وطنه وما يجري فيه من أزمات ونكبات ولكنه زرع الأمل واعتبر ان وطنه اكبر من كل التحديات وانه سينهض ويولد من جديد وفي محور تكلم عن الشهيد الذي عذب من اجل ان يعيش الناس اما الان كتب عن قضية اكبر اتساعا واهمية فهو ينفتح على كل العالم حين يروي عن الفقراء وعن الذين يموتون وفي بطونهم الرمل والحجارة بينما تعيش امم في الرفاهية والترف كما يصف قتلهم المجاني برصاصات بيعت تحت اسم السلام ان الاشتباك مع القضية والتعبير عنها عند الشاعر فوزي الاتروشي يأخذ إبعادا كثيرة فهو يحللها ويصوغها بطريقته الخاصة ويترجمها شعرا ذو أطروحات عدة على نسق واحد كما ان القضية عنده لا تحصر في مجال او خانة أي انه لا يتكلم عن بلاده او صديق بل يخوض في كل شيء وفي معاينة سريعة لقصيدته التي عنونها يا وطني لمسنا حجم الالم الذي ينطلق منه فهو يقول فيها
يا وطني بيادر القمح لأسراب الجراد
ووجهك البري حقل من الجراح
من حنين وداد
لون عينيك أراه قائمأ يعلن للذين نسميه الضمير العالمي
يوم حداد
يربط هنا بين وطنه وجراحه والصمت العالمي انها إشارة جميلة منه ان لون عيون الوطن يوم حداد على الضمير العالمي أنها ضربة شعرية وثورة داخلية اتجاه التخاذل كلنا نملك الإحساس ونعرف ما يجري ولكن لا نملك الموهبة التي تعطينا القدرة على الكتابة وإيصال ما نشعر به والسبب إننا لسنا شعراء.

31


فضاءُ الّلغةِ في قصيدة (نَقْشٌ في عَتْمَةٍ حَافِيَةٍ) للشاعرة آمال عوّاد رضوان



الناقد عبدالمجيد عامر اطميزة

عَلى شُطُورِ الْهُوَيْنا رَكَضْتِ.. رَقَصْتِ
بِجِلْدَةِ طَيْفِكِ الرَّطِبِ زَيَّنْتِ جِيدي
وَمَزنْتِ بِتَفاصيلِ فَرائِضِكِ دُوني!
رَغْوَةُ نَداكِ الْمُمَلَّحَةُ
جَ فْ فَ تْ/ عَلى نَسْغِ قَلْبي النَّازِفِ
فتَكَمَّشتْ بُطُونُ أَيائِلي بَيْنَ هاوِيَتَيْنِ!

غاباتُ هَجْرِكِ سافِرَةُ النِّيرانِ/ أَزْهَرَتْني تَباريحَ ظَمَأٍ
عَلى بُورِ فُؤادٍ اعْشَوْشَبَ بِغِيابِكِ
وَما كانَ مِنْ مُتَّسَعٍ لِأَلَمي الْمُخْمَلِيِّ.
مِنْ أَرْضِ الرَّحيلِ الْبَعيدِ عُدْتُ سُنُونُوَّةً
أَنْبَتَتْها عَتْمَةُ مَسافاتٍ مُتَأَرْجِحَةٍ
فوْقَ ظَمَأِ الصَّدَى الْمُعَتَّقِ/ في شِباكِ الْعَناكِبِ!
رَنَّتْ أَزْهارُ عَوْدَةِ الشَّحاريرِ/ تسْتَنْدي طَلَّكِ الأَيُّوبِيَّ
تَسْتَسْقي قُبَّتَكِ النَّبيذِيَّة:
اِمْنَحيني حصَّةً مِنْ مُزْنٍ مُضيءٍ/ يَسْتَحِمُّ بِهِ سَوْسَني
لأَتَمَدَّدَ حُلُمًا/ فِي أَعْشاشِ صَوامِعِكِ!

أيا خِبْءَ سَمائِي وَأَرْضي
شَقاوَتُكِ الضَّامِرَةُ.. ضارِيَةٌ بَراعِمُهَا
تَ سُ و قُ نِ ي/ إلَيْكِ يا ابْنَةَ خابِيَتي
إِلى اخْضِرارِ خِريفٍ مُفَخَّخٍ بِالْهَذَيان
وَلا تَفْتَأُ تَنْقُشُ عَتْمَتي الْحافِيَةَ
فِتْنَةً خافيةً عَلى خَوابيكِ الآمالِ

يَمامَةَ قَزٍّ اسْتَكَنْتِ/ بَيْنَ أَحْضانِ تُوتي
تَلْتَهِمينَ أَوْراقَ نُوري الْغافي
تُشَرْنِقينَني عَناقيدَ حَياةٍ
تَدَلَّتْ وَشْمَ ضَبابٍ في مَنْفى تَكْويني!
تَسامَيْتِ عِطْرَ ضَوْءٍ وَحْشِيٍّ
فِي ثُقُوبِ مَدايَ الْمُلْتَهِبَة
وَما فَتِئْتِ أُسْطُورَةَ حُلُمٍ
تَسْتَوينَ عَلى تَكايا رِمْشي في رِياضِ التَّمَنِّي!

إِلامَ أَطْيافُ عَصافيري
 تَدْبَغُهَا قُرْمُزِيَّةُ حَلَقاتِكِ
عَلى ارْتِدادِ آهاتي الصَّامِتَة؟
خُيُولُ جِنّي الْفاتِنَةُ
تَرْمُقُ كَمالَ خَطايايَ/ في كاتِدْرائِيَّاتِ غُمُوضِكِ
وَلَمَّا أَزَلْ أَرْسمُني احْتِيالَ مَغْفِرَةٍ تُهَدْهِدُني
عَلى حَواشي هَيْكَلِكِ الْمَسْحُورِ!

عَبَدَةٌ مُزَيَّفُونَ
يَسُوسُونَ دَمي بِأَحْذِيَةٍ مَجْرُوحَةٍ
وَبِأَسْمَالٍ عُشْبِيَّةٍ يَتَقَرَّبُونَ اغْتِفارًا/ عَلى عَتَباتِ عِتابكِ الْمُقَدَّسَةِ!
تَسْقُطُ سَراويلُهُم الْمَثْقُوبَةُ/ عَلى قِمَمِ الاحْتِضارِ
وَفي قَيْلُولَةِ الاجْتِرارِ
تُرْغي أَسْماؤُهُمُ الْمُخْمَلِيَّةُ
وَلا تَنْفَكُّ سَماواتُكِ تُرْضِعُهُم أَمْطارَ طُهْرِكِ الرَّؤُوم؟!

يَا ابْنَةَ النُّورِ الْمُوغِلَةَ فِي النَّارِ
فَدَتْكِ أَجْنِحَةُ الرَّحْمَةِ أَبَدِيّةَ الرَّجاءِ!
ها ثَمِلَةً.. / تَغْفُو قَنادِيلُ الرُّعَاةِ عَلى حُفُوفِ مَراعيكِ
ها مُنْهَكَةً.. / تَسْهُو تَرانيمُ الدُّعاةِ عَلى كُفُوفِ يَراعِكِ
وَسُجُودًا مَشْطُورًا تَنُوسُ مَلكاتُ الْكَلِماتِ الْعَذْراءِ
تَتَوَسَّدُ ابْتِهالاتِ خُشُوعٍ!
أَتُضيئينَني مُسْتَحيلًا شَهِيًّا/ فِي طَوابينِ الْوَرَق؟
أَلا يَتَبَرْعَمُ بِكِ غَدي.. وَأَتَوَرَّق وَطَنا؟!

رَبَواتُ مَلائِكَةٍ.. / تَجْثُو مُتَلَعْثِمَةً فِي خِبائِكِ السَّماوِيِّ
وَعَلى أَفْنانِ لِسانِ سَلْمٍ / يَتَلَجْلَجُ بِثِمارِ الصَّلَواتِ
تَنْدَلِعُ فاكِهَةُ سَمائِكِ
تَسْتَفِيقُ في نَداهَا عَرائِسُ جَنَّتي تَبْتَهِلُ:
الْمَجْدُ لِطُولِ أَناتِك يا ثَدْيًا أَرْضَعَني أَناك
ثانيًا: التّحليلُ الأدبيّ: العنوانُ يَتكوَّنُ مِن خبرٍ مرفوعٍ لمبتدأ محذوفٍ تقديرُهُ "هذا"، ومِن جارٍّ ومَجرورٍ "في عتمةِ"، في مَحلِّ رفع نعت، ونعت مجرور "حافية"، والعنوانُ حافلٌ بالانزياحِ المُتمثّلِ في الحذف، فقد حُذِفَ المبتدأ، وحُذِفَ المُضافُ، والتّقديرُ: "هذا نقشٌ في مَكانِ عتمةٍ حافيةٍ"، وهناكَ انزياحٌ إضافيٌّ يَتمثّلُ في المفاجأةِ الّتي يُنتِجُها حصولُ الّلامنتظَرُ مِن خلالِ المُنتظَرِ؛ أي أنْ يتوقّعَ المُتلقّي مضافًا إليهِ يَتلاءَمُ والمُضاف، كأنْ يَتوقّعُ بَعدَ كلمةِ "عتمة" وجودَ مُضافٍ إليهِ مَعقول، مثل كلمةِ "مُظلِمة"، لكنّهُ يَتفاجَأُ بوجودِ كلمةِ "حافية"، وهكذا يُصبحُ لدينا انزياحٌ إضافيٌّ شِعريٌّ بحت، وجَماليّةٌ في الأسلوب.
"نقشٌ" وجمْعُها "نقوش" والمصدر: نَقْش، ومعناها ما أثّرَ في الأرض، أو ما نُقِشَ على الشّيءِ مِن صورٍ وألوان. ومِن خلالِ العنوان، نُدركُ أنّ الأحداثَ كما النّقش، لها أثَرُها البارزُ، تجري في جوٍّ قاتمٍ مَليءٍ بالعقباتِ والأخطارِ والعداواتِ، وﻤِن خلالِ لغةِ شاعرتِنا آمال، نُلاحظُ مدى التّجاوزِ الّذي تُحْدِثُهُ مَجازاتُها وتكثيفُها في الّلغةِ الشّعريّةِ، فعبْرَ المَسافةِ الّتي تَخلِقُها الّلغةُ بينَ المدلولِ الحقيقيِّ والمَدلولِ المّجازيّ، يتأسّسُ الفضاءُ الّلغويّ-الدّلالي، ولم يَكنِ اختيارُ شاعرتِنا للعنوانِ اعتباطيًّا، بل عن وعيٍ ودرايةٍ، فالعنوانُ "نظامٌ دلاليٌّ رامزٌ لهُ بُنيتُهُ السّطحيّةُ، ومُستواهُ العميقُ مِثلهُ مثل النّصِّ تمامًا"(2)، مِن حيث إنّه حمولةٌ مُكثّفةٌ مِنَ الإشاراتِ والشّيفراتِ، الّتي إن اكتشفَها القارئُ وجَدَها تَطغى على النّصِّ كُلِّهِ، فيكونُ العنوانُ مع صِغَرِ حجْمِهِ نَصًّا مُوازيًا (Paratexte)، ونوْعًا مِن أنواع التّعالي النّصّيّ (Transtextualité)، الّذي يُحدِّدُ مَسارَ القراءةِ الّتي يُمكنُ لها أن "تبدأ من الرّؤيةِ الأولى للكتاب" (3)، أو النّصّ.
وتقول: عَلى/ شُطُورِ الْهُوَيْنا رَكَضْتِ.. رَقَصْتِ/ بِجِلْدَةِ طَيْفِكِ الرَّطِبِ زَيَّنْتِ جِيدي/ وَمَزنْتِ بِتَفاصِيلِ فَرائِضِكِ دُوني! رَغْوَةُ نَداكِ الْمُمَلَّحَةُ/ جَ فْ فَ تْ/ عَلى نَسْغِ قَلْبي النَّازِفِ/ فتَكَمَّشتْ بُطُونُ أَيائِلي بَيْنَ هاوِيَتَيْنِ! صورةُ الضّحيّةُ- وهو مِنَ القتلِ البَطيءِ كما  يَجري في أفلام الكاوبوي– حيثُ يَتِمُّ ربْطُ يَدَيْ ورِجْلَي الضّحيّة، ووضْعِ جلدةٍ رطبةٍ على عُنقِهِ، وترْكِهِ في الصّحراءِ تحتَ أشعّةِ الشّمسِ المُلتهِبة، إلى أنْ تبدأ تجفُّ الجلدةُ على عُنقِهِ وتَضيقُ؛ ليموتَ اختناقًا وببطءٍ، إلّا إذا مَرّ أحدُهُم بهِ وأنقذَهُ، وهكذا يَحصلُ معَ مَنْ تُخاطبُهُ الشّاعرةُ، وهو الوطنُ الذّبيحُ.
(عَلى/ شُطُورِ الْهُوَينا رَكَضْتِ/ رَقَصْتِ): هكذا يحصلُ للوطن كما حصَلَ معَ الحبشيِّ الذّبيحِ الّذي صوّرَهُ لنا الشّاعرُ إبراهيم طوقان: قالوا: حلاوةُ روحِهِ رقصَتْ بهِ/ فأجبْتُهم: ما كلُّ رَقْصٍ يُطربُ! في السّطريْنِ نلحَظُ الانزياحَ التّركيبيَّ، وهو مُخالفةُ التّراتبيّةِ المَألوفةِ في النّظام الجُمَليّ، مِن خِلالِ بعضِ الانزياحاتِ المَسموحِ في الإطارِ اللّغويّ، كالتّقديم والتّأخيرِ في بعضِ بُنى النّصّ، كتقديمِ الخبَرِ على مُبتدئِهِ. وهذا أبلغُ وأوضحُ في تأكيدِ أهمّيّةِ المُتقدّمِ وأعمَقُ دلالةً، فقد قدّمَتِ الشّاعرةُ شِبهَ الجُملة "على شطور الهُوينا" وحقُّها التّأخير، على كلٍّ مِنَ الفِعلِ والفاعل "ركضتِ" وحقُّهُما التّقديم، وهذا في العادةِ ما يَشمَلُ النّصوصَ ذاتَ البُعدِ السّياسيّ، لتؤكّدَ الشّاعرةُ رحلةَ عذابِ الوطن الطويلةَ والبطيئةَ في سبْرِها.
"ركضتِ... رقصتِ": فعلانِ ماضيانِ، وفيهما انزياحٌ بالفصل، حيثُ حَذفتِ الشّاعرةُ حرفَ الرّبْطِ بينَهما، وهذا أبلغُ وأجمَلُ، وجاءا على نفسِ الوزنِ، وحروفُهُما يَدلّانِ على الحركةِ والاضطرابِ، كاضطرابِ الوطنِ تمامًا، علاوةً على توحُّدِهِما في بعض الصّوامتِ، وقد تَشابَها في تِكرارِ كلٍّ منهما بأصوات: الصّوائت جميعها، كما جمعَتْ بينَهُما صوامتُ كلٍّ مِن: الراء والكاف والتّاء. وَيُعَدُّ التّكرارُ أَحَدَ المنابعِ الّتي تنبعُ منها الموسيقى الشّعريّةِ، والموسيقى الدّاخليّة تنشأ مِنَ انسجامِ الحُروفِ أوّلًا، واتّساقِ الألفاظِ ثانيًا، وهي ترتبطُ بالتّأثيراتِ العاطفيّةِ للشّاعرة، وذلك لأنّ للجانبِ الصّوتيّ أثرًا واضحًا في الكشفِ عن أحاسيسِ الشّاعرة وانفعالاتِها ومشاعرِها، فالدّلالةُ تَنشـأُ مِن تَلاقي بعضِ المَقاطعِ والحُروفِ في السّياقِ كلِّهِ، أو في العبارةِ الواحدةِ، عندئذ يُمكنُ للأصواتِ أنْ تُشيعَ في النّفسِ إحساسًا عاطفيًّا مُعيّنًا، فليسَ هناكَ مَقاطعُ أو حروفٌ يمكنُ أن تَتّصفَ في ذاتِها بإحساسِ الحزنِ أو الفرح، وإنّما الّذي يُحَدّدُ العلاقةَ بينَ أصواتِ المَقاطعِ والحُروف وبينَ إحساسٍ مُعيّنٍ، هو النّغمُ النّاشئُ مِن جُملةٍ كاملةٍ، ذلكَ أنّ الانفعالَ في داخلِ أيِّ عملٍ أدبيٍّ، لا يُمكنُ تَحقيقُهُ مِن لفظةٍ مُفرَدةٍ، إنّه يَتحقّقُ مِن تَداخُلِ الكلماتِ صوتًا وإحساسًا". فالموسيقى الدّاخليّةُ لا تَتحقّقُ مِن خلالِ الّلفظِ المُفردِ، وإنّما مِن خلالِ ورودِهِ في سِياقٍ مُتكامِلٍ.
(بِجِلْدَةِ طَيْفِكِ الرَّطِبِ زَيَّنْتِ جيدي): فالجلدةُ هي الجلدةُ الّتي تُوضَعُ حولَ رقبةِ الضّحيّةِ لخنْقِهِ، كنايةً عن الموْتِ البطيءِ، وفي الجُملةِ تَقديمُ شِبهِ الجُملة "بِجِلْدَةِ طَيْفِكِ الرَّطِبِ"، على كلٍّ مِنَ الفِعل والفاعل والمفعول بهِ " زَيَّنْتِ جِيدِي"، وقدْ أوضحْتُ آنِفًا هذا النوعَ مِنَ الانزياحِ، وفي عبارةِ "بِجِلْدَةِ طَيْفِكِ الرَّطِبِ" انزياحٌ إضافيٌّ يُكسِبُ الأسلوبَ جَماليّةً وروْنقًا، فلِلطّيْفِ جلدةٌ، وفيهِ رطوبةٌ، ولقد ذَكَرَتِ الشّاعرةُ "الجِيدَ" وهو الجزء، وأرادتْ بهِ الكُلَّ، مَجاز مرسل علاقته الجزئية.
(وَمَزنْتِ بِتَفاصيلِ فَرائِضِكِ دُوني!): كنايةً عن تَحَمُّلِ الوطنِ وحدَهُ كافّةَ الأعباءِ، وفي عبارةِ "بِتَفاصيلِ فَرائِضِكِ" انزياحٌ إضافيٌّ، والوطنُ يَمشي ويَمضي مُسرِعًا، ولهُ فرائضُ مُفصّلةٌ، وكُلُّها استعاراتٌ مُتزاحِمةٌ مُتلاحِقةٌ عذبة.
(رَغْوَةُ نَداكِ الْمُمَلَّحَةُ/جَ فْ فَ تْ): كنايةً عن سَلخِ الوطنِ وضَياعِهِ، وللنّدى رغوةٌ مُمَلّحةٌ تَجفُّ، والشّاعرةُ كتبَتْ كلمةَ "جفّتْ" مُتقطِّعةً أفقيًّا؛ لتُقْرَأَ بتأَنٍّ وببُطْءٍ، تمامًا كبُطْءِ إتمامِ عمليّةِ التّجفيفِ وطولِ أمدِ التّعذيب.
(عَلَى نَسْغِ قَلْبي النَّازِفِ): كنايةً عن تألُّمِ الشّاعرةِ وفَجيعتِها بما يَحصُلُ للوطنِ، والقلبُ يَنزفُ ألمًا، مثلما يَنزفُ الماءُ مِن جذعِ شجرةٍ، يُقطَع ويُفصَلُ عن أُمِّهِ، ويَشغَلُ فضاءُ المعنى في قصيدتِنا، حيِّزًا جَماليًّا مِن فضاءِ الكتابةِ الشّعريّةِ المُتّصلةِ بالتّشكيلِ الفنّيّ، فضاءٌ جَماليٌّ ولُغويٌّ بامتيازٍ، وهو مُوزّعٌ بينَ الخَيالِ الّذي يَستدعي الّلغةَ وتشكيلاتِها المُختلفةَ، وتوْظيفَها توظيفًا جديدًا يَحملُ مَفاهيمَ واسعةً وعميقةً ودقيقة.
(فتَكَمَّشتْ بُطُونُ أَيائِلي بَيْنَ هاوِيَتَيْنِ!): كنايةً عن أنّ الشّاعرةَ قد ألمَّتْ بها نكبةُ عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين، والنّكسة عام ألف وتسعمائة وسبعة وستّين، والأيائلُ رمزٌ للجَمالِ والطّبيعةِ العذبةِ، وأطفالِ فلسطين.
وها هي الشّاعرةُ الّتي ظننّا بأنّها قد وصَلتْ مَعنويّاتُها إلى الدّركِ الأسفلِ وضَعُفتْ، ها هي تعودُ بكاملِ قوّتِها ومَعنويّاتِها، تعودُ بكاملِ أحاسيسِها ونبْضِها للوطنِ الذّبيحِ، تعودُ كعوْدةِ طائرِ السّنونو الّذي يُحَلّقُ جماعاتٍ وأسرابًا يقودُها قائدٌ واحدٌ حكيمٌ، تلتزمُ جميعُها بقيادَتِهِ، في صفوفٍ مُرتّبةٍ لا تَخرجُ الواحدةُ منها عن سِربِها لتَصِلَ لغاياتِها، وتندمِغُ شاعرتُنا معَ وطنِها، تَعزفُ أعذبَ الألحانِ وأجمَلَ الأصواتِ شِعرًا كما الشّحرور، تعودُ وهي تستندي أعذبَ الطّلّ، ألا وهو طلَّ الانتصاراتِ الّتي جسَّدَها صلاحُ الدّين الأيّوبي، وصبْرُ النّبيّ أيّوب– عليهِ السلام.   
(غاباتُ هَجْرِكِ سافِرَةُ النِّيرانِ أَزْهَرَتْني تَبارِيحَ ظَمَأٍ): كنايةً عن حنينِ الشّاعرةِ للوطنِ المُغتصَبِ المُجزّأ، فهنا صُوَرٌ جزئيّةٌ تَتلاحَقُ وتتتابَعُ؛ لتُشكِّلَ في مَجموعِها صورةً كلّيّةً قوامُها الاستعاراتِ، فغاباتُ هجْرِ الشّاعرةِ للوطنِ المُشتعِلَةُ بالنّيران، تُزهِرُ ظمأَ ينابيعِ الشّاعرةِ المُتدفِّقةِ شوقًا وتحنانًا، فلهَجْرِ الوطنِ غاباتٌ تَشتعِلُ، وللظّمأ تباريحُ مِن وجْدٍ وحَنانٍ تُزهِرُ كما الشّجر.
(عَلى بُورِ فُؤادٍ اعْشَوْشَبَ بِغِيابِكِ): كنايةً عن خُلوِّ قلبِ الشّاعرةِ، إلّا مِنَ التّحنانِ للوطن. 
(وَما كانَ مِنْ مُتَّسَعٍ لِأَلَمي الْمُخْمَلِيِّ): كنايةً عن فيْضِ قلبِ الشّاعرةِ بالآلامِ والأحزانِ، فلِلآلامِ حيِّزٌ ومُتّسَعٌ، ولها مَلمَسٌ مُخمَليٌّ.
(مِنْ أَرْضِ الرَّحيلِ الْبَعيدِ عُدْتُ سُنُونُوَّةً؛/ أَنْبَتَتْها عَتْمَةُ مَسافاتٍ مُتَأَرْجِحَةٍ): كنايةً عن عودةِ الشاعرةِ بثِقلِها، لتَحمِلَ همومَ الوطنِ، كعوْدةِ طائرِ السّنونو لوطنِهِ، وفي السّطرِ الأوّلِ انزياحٌ تركيبيٌّ، فقد قدّمَتِ الشّاعرةُ شِبهَ الجُملة "مِنْ أَرْضِ الرَّحيلِ"، وحقُّها التّأخير، على كلٍّ مِنَ الفِعل والفاعل "عُدْتُ"، وحقُّهُما التّقديم، لِما للمقدَّم مِن أهمّيّةٍ وجَماليّةٍ في الأسلوبِ، وتتزاحمُ الانزياحاتُ، كما في عبارةِ "أَنْبَتَتْها عَتْمَةُ مَسافاتٍ مُتَأَرْجِحَةٍ": وهنا انزياحٌ إضافيٌّ يَتمثّلُ في المُفاجأةِ الّتي يُنتِجُها حصولُ الّلامُنتظَرِ مِن خِلالِ المُنتظَر؛ أي أنْ يَتوقّعَ المُتلقّي مُضافًا إليهِ يَتلاءمُ والمُضاف. كأن يَتوقّعُ بعدَ كلمةِ "عتمة" وجودَ مُضافٍ إليه معقول، مثلَ كلمةِ "مظلمة"، لكنّهُ يَتفاجأُ بوجودِ كلمةِ "مسافات"، وكذلكَ بعدَ كلمةِ الموصوف "مسافات"، يتوقّعُ المُتلقّي وجودَ كلمةٍ مُناسبةٍ له، لكنّه يَتفاجَأُ بوجودِ كلمةِ الصّفةِ "مُتَأَرْجِحَةٍ". 
وهكذا يُصبحُ لدينا أكثرُ مِنَ انزياحٍ إضافيٍّ شِعريٍّ خالِصٍ، وجَماليّةٌ في الأسلوب، "فالأسلوبُ بهذا المَعنى تَوَتُّرٌ دائمٌ بينَ لذّاتِ التّلقّي وخيبةِ الانتظارِ لدى المُتلقّي"(4)، وهذا التّوتّرُ الدّائمُ هو جوهرُ العمليّةِ الأسلوبيّةِ، أو ما عبّرَ عنهُ ريفاتير بعنصرِ المُفاجأةِ، الّذي يُمكنُ أنْ نُؤصِّلَ لهُ بالعودةِ إلى ياكبسون، الّذي قرّرَ بأنّ المفاجأةَ الأسلوبيّةَ هي "توليدٌ الّلامُنتظَرِ مِن خلالِ المُنتظَر"(5). والسّنونو رمزٌ للجَمالِ والحُرّيّةِ والانطلاق.
(فوْقَ ظَمَأِ الصَّدَى الْمُعَتَّقِ في شِباكِ الْعَناكِبِ!): كنايةً عن شِدّةِ حنينِ الشّاعرةِ وحُبِّها لوطنِها، وهنا تَرادُفٌ بينَ كلمَتَيْ: "الظمأ" و"الصّدى"، فللصّدى ظمأٌ مُعتّقٌ، وللعناكبِ شِباكٌ، والعَناكبُ تَرمزُ للوطنِ الّذي هُجِّرَ منهُ أهلُهُ، وفي عبارة "شِبَاكِ الْعَنَاكِبِ" حذْفٌ، فقد حَذفَتِ الشّاعرةُ المُضافَ وأبقتِ المُضافَ إليه؛ ليدُلَّ عليهِ والتّقدير: "في شِباكِ بيوتِ العَناكب".
(رَنَّتْ أَزْهارُ عَوْدَةِ الشَّحاريرِ تسْتَنْدي طَلَّكِ الأَيُّوبِيَّ/ تَسْتَسْقي قُبَّتَكِ النَّبيذِيَّة(:: الشّحاريرُ رمزٌ للأصواتِ الجميلةِ، كنايةً عن عودةِ الأصواتِ المُطالِبةِ والمُتغنّيةِ بالعودةِ الحقيقيّةِ للوطن، تلبيةً لحاجاتِهِ النّفسيّةِ والرّوحيّةِ ومُتعتِها الوجدانيّة، فأزهارُ عودةِ الشّحاريرِ تتطلّعُ وتَطلبُ الطّلَّ الأيّوبيَّ وعِزّتَهُ، وانتصاراتِهِ وصبْرَهُ على البلوى، والأيّوبيُّ نسبةً لصلاحِ الدّين الأيّوبيّ، ونسبةً للنّبيّ أيّوب الّذي ابتلاهُ ربَّهُ في جسَدِهِ وصَبَرَ، وتَطلُبُ القببَ النّبيذيّةَ تجلّيًا، والقببُ رمزٌ للمَساجدِ والكنائسِ، وهنا مَكمَنُ جَمالِ الاستعارةِ، الّذي يتمثّلُ في التّشخيصِ والتّجسيمِ والتّصويرِ وبَثِّ الحياةِ في الجّماداتِ.
(اِمْنَحيني حصَّةً مِنْ مُزْنٍ مُضيءٍ يَسْتَحِمُّ بِهِ سَوْسَني/ لأَتَمَدَّدَ حُلُمًا/ في أَعْشاشِ صَوامِعِكِ!): الشّاعرةُ استهلّتْ مقطوعتَها بالأسلوبِ الخبَريّ؛ تأكيدًا لذاتِها وصَوْنًا لروحِها مِنَ الابتذالِ، ورِفعةً وتقديرًا لوطنِها، وتنتقلُ الآنَ للأسلوبِ الإنشائيِّ المُتمثِّلِ في الأمْرِ "اِمنحيني"؛ ليُفيدَ الالتماس. والمُزْنُ: السَّحابُ يَحمِلُ الماءَ، وفي التّنزيلِ العزيز: (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) الواقعة/69، و"المُزْنُ" مُفردتُها "مُزْنَة"، وحَبُّ المُزْن: البَرَدُ (6)، والمُزنُ رمزٌ للخيرِ والعطاءِ، والسّوسنُ رمزٌ للجَمال. وتُوظِّفُ شاعرتُنا آمال الرّمزَ؛ فهو أهمُّ التّقنيّاتِ الفنّيّةِ الّتي سخّرَتْها في شِعرِها، وأخذتْ تُشكّلُ علامةً فارقةً في تطوُّرِ التّجربةِ، بحيثُ أصبحَتْ ذاتَ رؤيا شموليّةٍ تَصِلُ الخاصَّ بالإنسانيِّ العامِّ والكوْنيّ، وتَربطُ الحاضرَ بالماضي، وصارتِ القصيدةُ بُنيةً مُركّبةً ودراميّةً، عميقةَ الدّلالةِ، شديدةَ الوحدةِ العضويّة، حينَ تُبنى على رمزٍ مِحوريٍّ يَدورُ حولَهُ النّصُّ؛ ما يُؤدّي إلى تحَوُّلِ الرّمزِ إلى بؤرةِ إشعاعٍ دلاليٍّ وإيحائيٍّ، يَتفاعلُ فيهِ الخاصُّ والعامُّ والكوْنيُّ، في نسيجِ وحدةٍ تفاعليّةٍ تَكامليّةٍ شديدِ الفاعليّةِ والتّأثيرِ، ولْنتتبّعِ الاستعاراتِ، وغالبيّتُها مُستجدّةٌ وجديدة: فالمُزنُ يُضيءُ، ويُقسَّمُ لحصصٍ، ويُمنَحُ كما الهديّة، والسّوسنُ يَستحِمُّ، والشّاعرةُ تتمدّدُ حلمًا في أعشاشٍ، وللصّوامعِ أعشاشٌ كما للطّيور. إنّ نسَقَ المفاجأةِ في الّلغةِ الشّعريّةِ وفضائِها عندَ شاعرتِنا، يتطابَقُ معَ نسَقِ المعنى المُباغِتِ، الّذي نشَأ ونما على امتدادِ نمُوِّ الفِعلِ الجّماليّ، الّذي يُشكّلُ حُلّةً جَماليّةً بديعةً، تُضفي على فضاءِ الّلغةِ فضاءاتٍ رحبةً، لتتولّدَ الّلغةُ الشّعريّةُ الخالِصةُ العذبة.
(أيا خِبْءَ سَمائِي وَأَرْضي): كنايةً عن قيمةِ الوطنِ وأهمّيّتِهِ، وشاعرتُنا لها باعٌ طويلٌ في الّلغةِ وإدراك مَعانيها ومَبانيها، تختارُ منها الّلفظةَ المُلائِمةَ، وتضعُها في المكانِ المُناسِبِ لها. ولْنطّلِعْ على بابِ "خبأ" في لسان العرب، حينَها سوفَ نُدركُ إلى ما ذهبتْ إليهِ، فالفروقُ بينَ مَعاني "خبأ" دقيقةٌ جدًّا. لقد استخدَمَتْ شاعرتُنا المَصدرَ، وهو "خبْ" بمعنى الخِدر والمرأة المستورة، كما استخدَمَتِ "الخابية" وجمْعُها "خوابيك" ومنهُ الخَابِيَةُ، إلّا أنّهُم تَركوا همْزَها، والخَبْءُ ما خبئ، وخبْءُ السّماءِ القطْرُ، وخبءُ الأرضِ النّباتُ، واخْتَبَأَ استَتَرَ، والشّاعرةُ مُتأثّرةٌ بقوْلِهِ تعالى: {الّذي يُخْرِج الخَبْءَ في السّمواتِ والأَرضِ}، الخَبْءُ الّذي في السّمواتِ هو المطَرُ، والخَبْءُ الّذي في الأَرضِ هو النَّباتُ(7)، وتسمّى هذهِ الظّاهرةُ بـ "التّناص". وترى جوليا كريستيفا: أنّ "كلَّ نصٍّ يتشكّلُ مِن تركيبةٍ فُسيفسائيّةٍ مِنَ الاستشهاداتِ، وكلُّ نصٍّ هو امتصاصٌ أو تحويلٌ لنصوصٍ أخرى"(8)، ونوْعُهُ تناصٌّ دينيٌّ، وهو نوْعٌ مِنَ الانزياحِ، يُثري الأدبَ ويَمُدُّهُ برَوافدَ جديدةٍ، فانتقلتْ لأسلوبِ الإنشاءِ، والنّداءُ هنا يُفيدُ التّحبُّبَ والتّقرُّبَ مِنَ الوطن.
(شَقاوَتُكِ الضَّامِرَةُ.. ضارِيَةٌ بَراعِمُها): البراعمُ كنايةً عن الأطفالِ الّذينَ تسَرّبوا مِن طفولتِهم ومَدارسِهم، وعاشوا الشّقاءَ ومسؤوليّةَ الحياةِ بخريفِها، فالبَراعمُ وصَلتِ الخريفَ قبلَ الأوان، فللشقاوةِ ضمورٌ، ولها براعمُ كما الشّجرة.
(تَ سُ و قُ نِ ي): وهنا تلجَأُ الشّاعرةُ لتفكيكِ صَوامتِ الكلمةِ؛ لتُقرَأَ على مَهلٍ، وبينَ كلِّ صامتٍ وآخرَ وقفةٌ، كما تستوقفُ فلسطينُ الشّاعرة. "إنّ الشّاعرَ الحقَّ المُكوّنَ تكوينًا لغويًّا وثقافيًّا ناضجًا، لا يتلقّى الّلغةَ كمادّةٍ يتصرّفُ فيها وكأنّها مُعطاةٌ مِن قبْلُ، بل إنّهُ هو الّذي يبدأ يَجعلُها ممكنةً؛ لأنّهُ أميرُ الكلامِ، وإمارتُهُ هذهِ ناجمةٌ عن امتلاكِهِ ناصيةَ لغتِهِ، وتَمَثُّلِهِ لأسرارِها ولطاقاتِها التّعبيريّةِ بفِعلِ الدّربةِ المُؤازِرةِ للطّبع، فالطّبعُ مُجرّدُ طاقةٍ كامنةٍ تتجلّى في شكلِ تهيُّؤٍ للإبداع، وتبقى هذهِ القدرةُ مُستترةً ما لمْ تُسعفْها الدّربةُ، الّتي تُمكّنُ الشّاعرَ مِنَ النّفاذِ إلى القوانينِ التّوليديّة، الّتي يَنهَضُ عليها الخطابُ الشّعريُّ، وإذا كانَ الطّبعُ يُمكِّنُ الشّاعرَ مِنَ التّهيُّؤِ للنّفاذِ إلى ما في صُلبِ النّظامِ الُّلغويِّ مِن قوانينَ، فإنّ الدّربةَ هي الّتي تضعُ الطّبعَ على عتباتِ تلكَ القوانين(9). (إلَيْكِ يا ابْنَةَ خابِيَتي): وهنا تُوظِّفُ الشّاعرةُ أسلوبَ النّداءِ، للتحبُّبِ والتّقرُّبِ للقدسِ وبيتَ لحم وما فيهِما مِن قُدسيّةٍ، حيثُ المسجدُ الأقصى، وقبّةُ الصّخرةِ، وكنيسةُ القيامةِ في القدس، وكنيسةُ المَهْدِ في بيتَ لحم، وتُرَمِّز الشّاعرةُ بـ "ابنةَ خابيتي" عن القدس وما يُجاورُها جنوبًا، ألا وهي مدينةُ السّيّد المسيح- عليه السلام.
(إِلى اخْضِرارِ خَريفٍ مُفَخَّخٍ بِالْهَذَيانِ): الخريفُ رمزٌ للجَفافِ كما الاحتلالُ تمامًا، واخضرارُهُ يَرمزُ لسَريانِ الأملِ في النّفوسِ بإمكانِ زوالِهِ، وفي عبارةِ (يَا ابْنَةَ خابِيَتي) انزياحٌ إضافيٌّ، يتمثّلُ في المفاجأةِ الّتي يُنتِجُها حصولُ اللّامُنتظَرِ مِن خِلالِ المُنتظَر؛ أي أنْ يتوقّعَ المُتلقّي مُضافًا إليهِ يتلاءمُ والمُضاف، كأنْ يتوقّعُ بعْدَ كلمةِ "ابنة" وجودَ مُضافٍ إليهِ معقول، مثل كلمة "أخي" مثلًا، لكنّهُ يَتفاجَأُ بوجودِ كلمةِ "خابيَتي"، واخضرارُ الخريفِ مُفخّخٌ بما يَحصُلُ في فلسطينَ مِن قتْلٍ وأسْرٍ وتشريدٍ وامتهانِ كرامةٍ بفِعلِ الاحتلالِ، فالخَريفُ يَخضَرُّ، والهذيانُ يُفخَّخُ؛ استعاراتٌ عذبةٌ فيها مِنَ التّجسيمِ والتّشخيصِ والتّصوير ما يسحرُ الألبابَ.
(وَلا تَفْتَأُ تَنْقُشُ عَتْمَتي الْحافِيَةَ): وهو عنوانُ القصيدةِ، وقد اهتمّتْ بهِ شاعرتُنا آمال، و"يُمثّلُ العنوانُ العبارةَ المفتاحيّةَ للنّصِّ، مهما كانَ النّوعُ الأدبيُّ، سواءً كانَ قصّةً أو شعرًا أو روايةً أو مقالةً، فالعنوانُ هو أوّلُ ما يُفاجِئُ القارئَ، وعليهِ فإمّا أن يَجذبَ القارئَ أو يُبعِدَهُ، أو يُبقِيَهُ على الحيادِ معَ نصٍّ قد يكونُ غنيًّا أو عاديًّا، إضافةً لِما في العنوانِ مِن دلالاتٍ مَعرفيّةٍ ذاتِ أبعادٍ مختلفةِ الأطياف، تَكشفُ عن ثقافةِ صاحبِ النّصّ، وغوْصِهِ في المَكنونِ الفِكريِّ الّذي يَستلهِمُهُ أو يَعيشُهُ أو يَنتظِرُهُ، مِنَ الماضي والمعاشِ إلى الحالةِ المُستقبليّة، لذا؛ أوْلَى النّقّادُ مسألةَ العنوانِ أهمّيّةً كبرى، وكانتْ لهُ مكانتُهُ في الدّراساتِ النّقديّةِ النّصّيّةِ(10). (فِتْنَةً خافيةً عَلى خَوابِيكِ الآمالِ): ورغمَ ما تمُرُّ بهِ المَدينتانِ المُقدّستانِ مِن مِحَنٍ، فلا زالَ في الأفقِ عَلَمُ الأمَلِ مُرفرِفًا ومُعلِنًا بقربِ الخلاص.
(يَمامَةَ قَزٍّ اسْتَكَنْتِ بَيْنَ أَحْضانِ تُوتي): وفي عبارةِ "يَمامَةَ قَزٍّ" انزياحٌ إضافيٌّ عذبٌ جميلٌ، وظّفتْهُ شاعرتُنا بحنكةٍ واقتدارٍ، ولتوضيحِ ذلك، علينا توضيحُ الرّمزِ في طائرِ اليمامِ، فهو يَرمزُ إلى الهدوءِ والسّكينةِ والأمْنِ والأمانِ، كما يَعشقُ الحُرّيّةَ بكلِّ ما تَعنيهِ الكلمةُ، فهو لا يَستأنسُ، ويَصعُبُ للغايةِ تَربيَتُهُ في أقفاصٍ، مثلما يَصعُبُ ترويضُ الشّعبِ الفلسطينيِّ وسجْنُهُ في كانتونات، ولا يَفترقُ زوْجُ اليَمامِ عن زوْجتِهِ، فهُما مُتلازمانِ وفِيّانِ، فإذا أصيبَتِ الزّوجةُ بعيارٍ ناريٍّ، لا يُفارقُها الزّوجُ، بينما إذا أصيبَ الزّوجُ، فتسرعُ أنثاهُ قافلةً إلى فِراخِها، لذلك نرى أنّ في العبارةِ انزياحٌ لهُ وظائفُ مَعنويّةٌ كثيرةٌ، إلى جانبِ وظيفتِهِ الأسلوبيّةِ، فالانزياحُ الإضافيُّ يتمثّلُ في المفاجأةِ الّتي يُنتِجُها حصولُ اللّامُنتظَرِ مِن خلالِ المُنتظَر؛ أي أنْ يَتوقّعَ المُتلقّي مضافًا إليهِ يَتلاءَمُ والمُضاف، كأنْ يتوقَعَ بعدَ كلمةِ "يمامة" وجودَ مُضافٍ إليهِ معقولٍ، مثلَ كلمةِ "سلام" مثلًا، لكنّهُ يَتفاجأ بوجودِ كلمةِ "قزٍّ"، فاستبدَلَتْ شاعرتُنا القَزَّ، وهو مَعنًى سامٍ بدودةٍ وهي أقلُّ سُمُوًّا، وهنا واءَمَتِ الشّاعرةُ بينَ الألفاظِ، فالقَزُّ يَحتاجُ للتّوتِ، تمامًا مثلَ المُواءمَةِ بينَ الشّاعرةِ والقدس، فللتّوتِ أحضانٌ كما للأمّهاتِ، فالقدسُ صوّرَتْها شاعرتُنا بيمامةِ قزٍّ، بدَلَ دودةِ قزٍّ بهَديلِها الحزين.
وفي ضوءِ ذلكَ كلِّهِ، يُمكِنُ أن نفهَمَ دعوةَ غير واحدٍ مِن نُقّادِ الحداثةِ الشّعريّةِ، إلى لغةٍ شِعريّةٍ مُتّزنةٍ أصيلةٍ مُخلِصةٍ للعربيّة، بقدْرِ إخلاصِها للخطابِ الشّعريِّ في المشهدِ الثّقافيّ. فعلى الشّاعرِ كما يَرى الدكتور وهب روميه: أن يَخلقَ علاقاتٍ لغويّةً جديدةً، دونَ أن يَخِلَّ بقوانينِ الّلغةِ وأنظمَتِها، وأنْ يُزلزلَ التّقاليدَ الأدبيّةَ أو يُعدّلَها وِفْقَ الحاجةِ.
وفي هذا الصّدد يقولُ الدّكتور نعيم اليافي، أنا معَ التّطوُّرِ والتّجديدِ والحداثةِ الشّعريّةِ إلى آخِرِ مدى، شريطةَ أنْ يَتمَّ ذلكَ ضِمنَ خصوصيّتي القوميّةِ، وتُراثي الثّقافيّ، ولغتي العربيّة. 
أمّا نازك الملائكة فتقولُ: نحنُ نرفضُ بقوّةٍ وصراحةٍ أن يُبيحَ الشّاعرُ لنفسِهِ أنْ يَلعَبَ بقواعدِ النّحوِ، إنّ كلَّ خروجٍ على القواعدِ المُعتبَرَةِ يُنقِصُ تعبيريّةَ الشِّعرِ(11)، وهذا النّهجُ الّلغويُّ سارتْ عليهِ شاعرتُنا آمال.
(تَلْتَهِمينَ أَوْراقَ نُوري الْغافي/ تُشَرْنِقينَني عَناقيدَ حَياةٍ): كنايةً عن أنّ القدسَ تغزلُ شرانقَ الحياةِ الحريريّةِ، والنّورُ رمزٌ للحُرّيّةِ والتّحرُّرِ، فللنّورِ أوراقٌ ويَغفو، وللحياةِ عناقيدُ تتشرنَقُ. (تَدَلَّتْ وَشْمَ ضَبابٍ فِي مَنْفى تَكْويني!): وعناقيدُ الحياةِ في القدسِ تدلّتْ وظهَرَتْ كما الوشمُ، لكنْ تَلُفُّهُ غيومٌ ضبابيّةٌ بفِعلِ الاحتلالِ، وقدْ حَذفَتِ الشّاعرةُ أداةَ التّشبيهِ وهذا أبلَغُ، وهنا تتزاحَمُ الاستعاراتُ العذبةُ بصورةٍ مُبتَكَرَةٍ جديدةٍ، فللحياةِ عناقيدُ كما للعِنبِ وتتدلّى، وتُوشِمُ كوشْمِ الإنسان، وتكوينُ الشّاعرةِ لهُ مَنفى.
(تَسامَيْتِ عِطْرَ ضَوْءٍ وَحْشِيٍّ في ثُقُوبِ مَدايَ الْمُلْتَهِبَة): لقد أجْرَتْ شاعرتُنا تبادُلًا بينَ مُعطياتِ الحَواسِّ، فأخضَعَتِ الضّوءَ الّذي يَخُضَعُ لحاسّةِ البَصرِ، أخضَعَتْهُ لحاسّةِ الشّمِّ "عطرَ ضوْءٍ"، على طريقةِ الرّمزيّينَ وهذا أبلَغُ، فالضّوءُ مُوحِشٌ، ومدى الشّاعرةِ مُلتَهِبٌ وَمَثقوبٌ، وعباراتٌ واستعاراتٌ تَلُفُّها غيماتُ حزنٍ بسببِ الاحتلالِ، بلُغةٍ تَجاوَزتْ فضاءَ المَعنى، وتَصرّفتْ بها شاعرتُنا، وهي تُحافِظُ على سلامةِ بنائِها.
(وَما فَتِئْتِ أُسْطُورَةَ حُلُمٍ/ تَسْتَوينَ عَلى تَكايا رِمْشي في رِياضِ التَّمَنِّي!): فالقدسُ وبيتُ لحمَ حُلمُ الشّاعرةِ الأسطوريُ، وفي عبارةِ "تَسْتَوينَ عَلى تَكايا رِمْشي" كنايةً عن تقديسِ الشاعرةِ للمدينتَيْنِ المُقدستَيْنِ، وهنا جُملةٌ مِن الانزياحاتِ، عِمادُ كُلٍّ منها الّلغةُ المُوحِيةُ، فلِلحُلمِ أسطورةٌ، ولرموشِ الشّاعرةِ تكايا كما للمُتصوِّفينَ، وللتّمنّي رياضٌ، فالشّاعرةُ تتمنّى حرّيّةَ فلسطينَ عامّة والمُقدَّساتِ خاصّةً.
(إِلامَ أَطْيافُ عَصافيري تَدْبَغُها قُرْمُزِيَّةُ حَلَقاتِكِ/ عَلى ارْتِدادِ آهاتي الصَّامِتَة؟): الشّاعرةُ تَنتقلُ للأسلوبِ الإنشائيّ، والاستفهامُ يُفيدُ التّعجُّبَ، والعصافيرُ رمزٌ للأطفالِ والنّاشئةِ الّذينَ يَطوفونَ في حلقاتِ التّمنّي والأحلامِ والصّلوات، ويُخاطِرونَ بأرواحِهِم في سبيلِ الوصولِ للمَسجدِ الأقصى وكنيسةِ القيامةِ والدّفاعِ عنهُما، "عَلى ارْتِدادِ آهاتي الصَّامِتَة": كنايةً عن التّفجُّعِ والتّوجُّعِ بسببِ تَصرُّفِ الاحتلال.
(خُيُولُ جِنّي الْفاتِنَةُ/ تَرْمُقُ كَمالَ خَطايايَ في كاتِدْرائِيَّاتِ غُمُوضِكِ): كنايةً عن إسراعِ الشّاعرةِ للمَدينتَيْنِ المُقدَّستَيْنِ وأماكنِ العبادةِ فيهِما مِنْ مَساجدَ وكنائسَ، وفي عبارةِ "خُيُولُ جِنّي" انزياحٌ إضافيٌّ، فللخطواتِ كَمالٌ وعيونٌ تَرمُقُ، وللمدينةِ غموضٌ، وقد ذَكرَتِ الشّاعرةُ الجزءَ "الكاتدرائيّات"، وأرادتِ الكُلَّ "المَدينتَيْنِ أو فلسطين"، مجاز مرسل علاقته الجزئية. لغةٌ رصينةٌ لا تَخرجُ عن أبنيتِها، لكنَّ شاعرتَنا بمَعرفتِها لأسرارِ الّلغةِ، تُحَمِّلُها المَعانيَ العميقةَ والمَضامينَ الكبيرةَ، عن طريقِ تحويلِها لمعاني الّلغةِ العادّيّةِ إلى مَعانٍ شِعريّةٍ. (وَلَمَّا أَزَلْ أَرْسمُني احْتِيالَ مَغْفِرَةٍ تُهَدْهِدُني/ عَلى حَواشي هَيْكَلِكِ الْمَسْحُورِ): كنايةً عن أنّ الشّاعرةَ تُريدُ أنْ تَتعبَّدَ وتَطلُبَ مِنَ اللهِ المغفرةَ في بيوتِهِ المُقدسةِ الّتي تَسْبي اللُّبَّ والوجدان. نرى أنّ الشّاعرةَ قدِ انتقلَتْ في السّطورِ القليلةِ السّابقةِ للأسلوبِ الخبَريِّ؛ لتأكيدِ ذاتِها وتبيانِ قوّتِها في وجهِ الأعاصيرِ وتقديسًا للمدينتَيْنِ، وإجلالًا وتعظيمًا لربِّ العزّةِ، وهنا استخدَمَتْ حرفَ الجَرِّ الزائدِ "مِن"؛ ليُفيدَ تأكيدِ أن لا بديلَ لشاعرتِنا غيرَ اللهِ والاستغفار. وهنا قَدّمَتْ ما حقُّه التأخير"من بديل" وهو خبر ليس، على ما حقُّهُ التّقديم "سواك" وهو اسمُ ليس، وهذا انزياحٌ تركيبيٌّ فيهِ الجَمالُ الأسلوبيُّ، وبيانُ أهمّيّةُ المُتقدّم.
وتقولُ: (عَبَدَةٌ مُزَيَّفُونَ): كنايةً عنِ السّاسةِ الكذّابينَ المُتملّقينَ الوصوليّينَ الّذينَ يَتلاعبونَ بالأوراقِ والمَصائرِ، وقد استخدمَتِ الشّاعرةُ أسلوبَ الحذفِ، فحذَفَتِ المبتدأ والتقدير "هُمْ عَبَدَةٌ مُزَيَّفُونَ". (يَسُوسُونَ دَمِي بِأَحْذِيَةٍ مَجْرُوحَةٍ): كنايةً عنِ استخفافِ السّاسةِ بعُقولِ النّاسِ وامْتهانِهِم للكرامةِ، وذَكَرَت الشّاعرةُ الدّمَ "السّبب"، وأرادتْ بهِ المُسبِّبَ "الحياة"؛ مجاز مرسل علاقته السببيّة، وهذا انزياحٌ عذبٌ، فالدّمُ يُساسُ، وللأحذيةِ جُروحٌ كما للكائنِ الحيّ، وهذهِ عباراتٌ تتجاوزُ فضاءَ الّلغةِ بحَقٍّ، ولقدْ تَكرَّرَ صوْتا كلٍّ مِنَ الصّامتِ "السّين" والصّائتِ الطّويلِ "الواو" في كلمةِ "يسوسونَ"، لخلقِ إيقاعٍ جميلٍ.
(وَبِأَسْمالٍ عُشْبِيَّةٍ يَتَقَرَّبُونَ اغْتِفارًا): كنايةً عن صورةِ الخوَنةِ والمُندَسّينَ في صفوفِ الشّعبِ الفلسطينيّ، وهي صورةٌ مُناقِضةٌ للصّورةِ الّتي ذَكَرَتْ فيها شاعرتُنا يمامةَ القزِّ، والمُتمثّلةَ في المؤمنينَ ممّنْ يَلبَسونَ الأثوابَ الفلسطينيّةَ الحريريّةَ المُضيئةَ الطّاهرة.
(عَلى عَتَباتِ عِتابكِ الْمُقَدَّسَةِ!): كنايةً عن تواطُؤِ المُسؤولينَ وتَمَسُّكِهِم بالمُقدَّساتِ تظاهُرًا ومُراءاةً، وذَكرَتِ الشّاعرةُ "العتباتِ" الجزءَ، وأرادتْ بها "الأماكنَ المُقدّسة" الكُلّ، مجاز مرسل علاقته الجزئيّة، وتَتلاعَبُ الشّاعرةُ بالألفاظِ، فنلحظُ الجِناسَ غيرَ التّامِّ بينَ كلٍّ مِنَ "العتباتِ" و"العتاب"، لتوليدِ إيقاعٍ مُناسِبٍ في المقطوعةِ. واستخدَمَتْ صيغةَ الفِعلِ المُضارعِ المَرفوعِ المُتّصلِ بواو الجماعة، في كلمَتَيْ "يَسوسونَ" و"يَتقرّبونَ" وبنفسِ الوزن؛ لتوفيرِ إيقاعٍ في النّصِّ يَسري في عروقِ المَقطوعة، وفي عبارةِ "عَتَباتِ عِتابكِ الْمُقَدَّسَةِ" انزياحانِ جميلانِ، انزياحٌ إضافيٌّ وآخَرُ في الصّفة.
(تَسْقُطُ سَراويلُهُم الْمَثْقُوبَةُ عَلى قِمَمِ الاحْتِضارِ): كنايةً عن انكشافِ زيفِ وخِداعِ الخوَنةِ، وعدَمِ طُهْرِ مَن يتآمَرُ على بَني وطنِهِ. "تَسْقُطُ سَراويلُهُم الْمَثْقُوبَةُ": كنايةً عن فضائِحِهِم وتَعَرِّيهِم وانكشافِهِم. و"قِممُ الاحتضارِ": كنايةً عن قُرْبِ نهايةِ حُكمِ المسؤولينَ المُخادِعينَ لشُعوبِهم، وقُرْبِ نهايةِ العُملاءِ، فللاحتضارِ قِممٌ، وهنا انزياحٌ إضافيٌّ في عبارة " قِمَمِ الاحْتِضارِ". (وَفي قَيْلُولَةِ الاجْتِرارِ تُرْغي أَسْماؤُهُمُ الْمُخْمَلِيَّةُ): فالعملاءُ والفاسدونَ مِن ذوي السّراويلِ المَثقوبةِ يَتظاهرونَ كأنّهُم فحولٌ، ويَرغون رغْيَ الجِمالِ بالرّغمِ مِن عدَمِ طُهْرِهِم، إلّا أنّ وسائلَ الإعلامِ تَجتَرُّ أخبارَهُم وتُلَمِّعُهُم، وتَجعلُ أسماءَهُم مُخمليّةً ثمينةً، وفي هذهِ العبارةِ انزياحٌ تركيبيٌّ، وهو مُخالفةُ التّراتبيّةِ المألوفةِ في النّظامِ الجُمَليِّ، مِن خِلالِ بعضِ الانزياحاتِ المَسموح بها في الإطارِ الّلغويّ كالتّقديم والتّأخيرِ، وهذا أبلغُ وأوضحُ في تأكيدِ أهمّيّةِ المُتقدّم، وأعمقُ دلالةً في أنْ تأخذَ العبارةُ المُتقدّمةُ فضاءَها الّلغويَّ الواسعَ، فقدْ قدّمَتِ الشّاعرةُ شِبهَ الجُملة "وَفي قَيْلُولَةِ الاجْتِرارِ" وحَقُّها التّأخيرُ، على كلٍّ مِنَ الفِعلِ والفاعلِ "تُرْغي أَسْماؤُهُمُ الْمُخْمَلِيَّةُ"، وحقُّهُما التّقديمُ، وهذا في العادةِ ما يَشمَلُ النّصوصَ ذاتَ البُعدِ السّياسيّ. وهذا النّصُّ ذو بُعدٍ سِياسيٍّ، ولننظُرْ لاستعاراتِ الشّاعرةِ الجديدةِ في كلِّ سطورِها هنا وفي غيرِها، فهيَ تَحمِلُ كلُّها مَعانٍ وتَعابيرَ تُسافرُ بها أقصى فضاءاتِ الّلغةِ، فللاجترارِ قيلولةٌ، والأسماءُ مُخمليّةٌ وترغي.
(وَلا تَنْفَكُّ سَماواتُكِ تُرْضِعُهُم أَمْطارَ طُهْرِكِ الرَّؤُوم!): واستخدَمَتِ الشّاعرةُ عبارةَ "ولَا تَنْفَكُّ" لتُفيدَ الاستمراريّةَ، فالسّماءُ مُستمِرّةٌ في الإرضاعِ الطّاهِرِ، وهنا مَجازاتٌ واستعاراتٌ تأخذُ مَداها في فضاءِ الّلغةِ، فالسّماءُ تُرضِعُ وللطُّهرِ أمطارٌ كالأمِّ الرّؤوم.
(يَا ابْنَةَ النُّورِ الْمُوغِلَةَ فِي النَّارِ): كنايةً عن الأراضي المُقدّسةِ، وهُما مدينتا القدس وبيتَ لحم، والّلتانِ في قبْضةِ المُحتَلِ ونيرانِهِ المُوغلةِ، ولقدِ استخدَمَتِ الشّاعرةُ أسلوبَ النّداء؛ ليُفيدَ التّحبُّبَ والتّقرُّبَ مِنَ المَدينتَيْنِ، وذَكَرَتِ الشّاعرةُ المَكانَ "المدينتَيْنِ" وأرادتْ مَن فيهِما، مَجاز مرسل علاقته المكانيّة أو المَحلّيّة، واستخدمَتِ الانزياحَ الإضافيَّ في المُنادى "يا ابنةَ النّورِ". و"في النّارِ"، رمزٌ لِما يَحصلُ مِن حربٍ وقتْلٍ وسَفْكٍ، فتتحوّلُ مدينةُ النّورِ والسّلامِ، لمدينةِ نارٍ وحربٍ، ولْنتذَكّرْ أنّ الشّاعرةَ تتكلّمُ بلسانِها، لكن "أنا الشّاعرة" تتحوّلُ لتُصبحَ "أنا الشّعب". (فَدَتْكِ أَجْنِحَةُ الرَّحْمَةِ أَبَدِيّةَ الرَّجاءِ!): وهنا رمزٌ للعودةِ إلى ميلادِ السّيّدِ المسيح، وظهورِ المَلائكةِ يُمَجِّدونَ اللهَ هاتفينَ: "المجدُ للهِ في العُلا، وعلى الأرضِ السّلام، وفي النّاس المَسرّة"، وهو الهُتافُ المَلائكيُّ، وصلاةُ المؤمنينَ والدّعوةُ بالشّفاعةِ. وهي كنايةً عن الاستغاثةِ باللهِ، والدّعواتِ الصّادقةِ بتخليصِ المَدينتَيْنِ مِن قبْضةِ الاحتلال، وتفتدي الشّاعرة بنفسِها مِن أجلِهِما، كما يَفتدي المُؤمنونَ بأنفسِهم أيضًا.
"فدَيْتُكِ": دعاءٌ للمُخاطب، وكانتْ هذهِ العبارةُ تُستعمَلُ قديمًا؛ بمعنى فديْتُكِ بمالي مِن الأسْرِ، واستخدَمَها إبراهيم طوقان على سبيلِ التّهكُّمِ، وهو يُخاطِبُ أحمد شوقي ردًّا على قوْلِهِ: قُمْ للمُعلِّمِ وَفِّهِ التّبجيلا/ كادَ المُعلِّم أنْ يكونَ رِسولا. فقالَ لهُ: اُقعُدْ، وأنا أفديكَ مِنَ الوقوفِ، فلا يَستأهِلُ مُعلّمُ الصّبيةِ هذا وقوفَك. ومعناها "أقَدَّمَ رُوحَي فِدىً فِي سَبِيلِ تَحْرِيرِ بِلاَدِي، وخاصّةً المدينةَ المُقدّسة، وتُبدي الشّاعرةُ تَمَسُّكَها بحِبالِ الله، و"فَدَتْكِ" تُفيدُ الدّعاءَ، وتُشَبِّهُ شاعرتُنا الرّحمةَ بطائرٍ لهُ أجنحة، كنايةً عن رحمةِ الله.
(ها ثَمِلَةً.. تَغْفُو قَنادِيلُ الرُّعاةِ عَلى حُفُوفِ مَراعيكِ/ ها مُنْهَكَةً.. تَسْهُو تَرانيمُ الدُّعاةِ عَلى كُفُوفِ يَراعِكِ/ وَسُجُودًا مَشْطُورًا/ مَلكاتُ الْكَلِماتِ الْعَذْراءِ/ تَتَوَسَّدُ ابْتِهالاتِ خُشُوعٍ!): صورةٌ تَعودُ إلى بيتَ لحم مدينةِ المَهْدِ، حيثُ الرّعاةُ حولَ مغارةِ الميلادِ، والمَلائكةُ والعذراءُ مريمُ والطّفلُ المولودُ، وفي هذا المَقطعِ إشارةٌ أخرى إلى كنيسةِ المهدِ في بيتَ لحم، وهذا المَقطعُ الكُلّيّ يُعيدُنا إلى حِصارِ الإسرائيليّينَ لكنيسةِ المَهدِ عام 2002م، وهُم يُحاصِرونَ المُدافِعينَ الفلسطينيّينَ، عندما تَحَصّنوا فيها. "ها" حرفُ تَنْبِيهٌ تَفْتَتِحُ العربُ بهِ الكلامَ للاستفتاح. و"قَناديلُ الرُّعاةِ": كنايةً عن مدينةِ بيتَ لحمَ المُقدّسةِ ومَنْ يَحرُسُها. و"حُفُوفِ مَراعيكِ": كنايةً عن أماكنِ العِبادةِ في تلكَ المدينةِ المُقدّسةِ. وفي هذا السّطرِ انزياحٌ تركيبيٌّ يَتمثّلُ في التّقديمِ والتّأخيرِ، وهذا أبلغُ وأوضحُ في تأكيدِ أهمّيّةِ المُتقدّمِ، وأعمَقُ دلالةً في أنْ تَأخُذَ العبارةُ المُتقدّمةُ فضاءَها الّلغويَّ الواسعَ، فقدْ قدّمَتِ الشّاعرةُ الحالَ "ثملةً" وحقُّها التّأخيرُ، على كلٍّ مِنَ الفِعلِ والفاعلِ والمَفعولِ به "تَغْفُو قَناديلُ الرُّعاةِ"، وحقّهُ كلٌّ التّقديم. ولْنتتبّعِ الكناياتِ والاستعاراتِ في كلِّ سطورِها هنا وفي غيرِها، فهي تَحملُ مَعانٍ وتعابيرَ تَنقلُنا لفضاءاتٍ لغويّةٍ رحبةٍ، مَعانيها فيها الجدّةُ والابتكارُ، فيها بَثٌّ للرّوحِ والحيويّةِ والتّصويرِ والتّشخيصِ والتّجسيمِ، فكأنّنا أمامَ فيلمٍ يَنقُلُ إلينا الوقائعَ بالصّوتِ والصّورةِ الحَيّة، فللرُّعاةِ والمُصلّينَ  قناديلُ تغفو وتثمَلُ، وللمَراعي وأماكنِ العبادةِ حفوفٌ. وترمزُ الشّاعرةُ بـ(اليراع) للأطفالِ الفلسطينيّينَ، وللطفولةِ المَهدورةِ الّتي أنهَكَتْهُم سِنو الاحتلالِ، ولكنّ الفلسطينيَّ رغمَ المآسي، لا زالَ يَفتخِرُ بهِم كعنوانٍ للتّحدّي والصّمود.
وتعودُ الشّاعرةُ للتّكرارِ، فقدْ كرّرَتِ الحرف "ها"، وجانَسَتْ بينَ كلٍّ مِنَ "الدّعاة" والرّعاة"، ووازنَتْ بينَ جُملَتَيْ "قناديلُ الرّعاةِ "وترانيمُ الدّعاة"، كلُّ هذا لتوفيرِ إيقاعٍ موسيقيٍّ يُغذّي النّصَّ ويتسرَّبَ في مَفاصِلِهِ، وهنا جُملةٌ مِنَ الانزياحاتِ المُتمثّلةِ في الكناياتِ والاستعاراتِ والمَجازِ المُرسل، كلُّها مُتتابِعةٌ مُتلاحِقةٌ، لتأخذَ ألبابَنا إلى فضاءٍ لغويٍّ مُبتكَرٍ سامِقٍ، فلِليَراعِ كفٌّ، وفي هاتيْنِ الّلفظتَيْنِ ثلاثةُ انزياحاتٍ: انزياحٌ إضافيٌّ، واستعارةٌ مَكنيّةٌ، ومَجازٌ مرسل علاقته الجزئيّة، والمُتلقّي سوفَ تأسُرُ لبَّهُ، وتأخذُ بتلابيبِ عقلِهِ في رحلِتِهِ للّغةِ وفضائِها الرّحب، وما تَحتمِلُهُ مِن مَعانٍ، وللدُّعاةِ والمُصلّينَ ترانيمُ وألحانٌ، وهي تفيقُ وتَسهو كما الإنسان. لقد قدّمَتْ ما حقُّهُ التّأخيرُ وهو الحالُ "مُنهَكة"، على ما حقُّهُ التّقديمُ "الفِعل والفاعل" تَسْهُو تَرانيمُ الدُّعاةِ". وقدّمتْ أيضًا ما حقُّهُ التّأخيرُ وهو الحال "مُنْهَكَة"، على ما حقُّهُ التّقديمُ المبتدأ، والخبر "مَلكاتُ الْكَلِماتِ الْعَذْراءِ تَتَوَسَّدُ ابْتِهالاتِ خُشُوعٍ!" والهدفُ التّأكيدُ على تعلُّقِ المُؤمنينَ الفلسطينيّينَ بعِباداتِهِم ومُقدَّساتِهم، ولِخلْقِ جوٍّ جَماليٍّ يُسحِرُ لُبَّ المُتلقّي ووجدانَهُ في هذا الفضاءِ الّلغويِّ العذب. ولْننظرْ لروعةِ التّصويرِ والتّجسيمِ، فلِلكلماتِ ملكاتٌ كما النّوابغُ، وهُنّ عذارى كالفتيات، تتوسّدُ بخشوعٍ وخنوعٍ لرَبِّها وبارئِها، وما زالتِ الشّاعرةُ تتّكئُ على الأسلوبِ الخبَريّ تأكيدًا لذاتِها، ولتُبَيِّنَ مدى ارتباطِها بدينِها السّماويّ ومُقدّساتِها الغالية.
(أَتُضيئينَني مُسْتَحيلًا شَهِيًّا في طَوابينِ الْوَرَق؟): وتنتقلُ الشّاعرةُ للأسلوبِ الإنشائيِّ المُتمثّلِ في النّداءِ الّذي يُفيدُ السّخريةَ والاستهزاءَ، فالاتّفاقيّاتُ الّتي أفقدَها الاحتلالُ مِن مَضامينِها لا تَعنيها بشيْءٍ. (أَلا يَتَبَرْعَمُ بِكِ غَدي.. وَأَتَوَرَّق وَطَنا): وهنا تُصِرُّ الشّاعرةُ على حقِّها بوطنٍ يتجدّدُ بجَمالِهِ وتَشعُرُ بالدّفءِ في أحضانِهِ، ترنو لمستقبلٍ حُرٍّ تنطلِقُ في رِحابِهِ، يَتبرعَمُ ويتجدَّدُ كما الشّجرة، فلِلّهِ درّ شاعرتنا في تَمكُّنِها مِن زمامِ فضاءِ لغتِها: فالغدُ يَتبرعمُ ويتجدّدُ كما الأشجار، والوطنُ يُورِقُ كما الورود والرّياحين، وقد بدأتْ شاعرتُنا سطرَها بـ "ألا"، وهو حرفٌ يُفيدُ الطّلبَ بالتّحضيضِ أو الّلين.
(رَبَواتُ مَلائِكَةٍ تَجْثُو مُتَلَعْثِمَةً في خِبائِكِ السَّماوِيِّ/ وَعَلى أَفْنانِ لِسانِ سَلْمٍ يَتَلَجْلَجُ بِثِمارِ الصَّلَواتِ/ تَنْدَلِعُ فاكِهَةُ سَمائِكِ/ تَسْتَفيقُ في نَداها عَرائِسُ جَنَّتي تَبْتَهِلُ:/ الْمَجْدُ لِطُولِ أَناتِك يا ثَدْيًا أَرْضَعَني أَناك): في أسبوعِ آلامِ السّيّدِ المسيح– عليه السّلام– تُردِّدُ الملائكةُ والمُؤمنونَ داعينَ ربَّهُم وقائلينَ: "المجْدُ لطولِ أناتِكَ يا ربّ"، وهنا تسترسِلُ الملائكةُ، ويَدعو المُؤمنونَ ربَّهُم، ورباطُهُم الرّوحيُّ مَتينٌ معَ الواحدِ الأحدِ والفردِ الصّمد بعباراتٍ ذاتِ دلالاتٍ دينيّةٍ، كما في نحو: رَبَواتُ مَلائِكَةٍ، خِبائِكِ السَّماوِيِّ، بِثِمارِ الصَّلَواتِ، سمائك، المجد.. وكلُّها عباراتٌ ذاتُ سِمةٍ دينيّةٍ تحمِلُنا إلى فضاءاتٍ واسعةٍ، وهنا الشّاعرةُ تَشعُرُ بلذّتِها الرّوحيّةِ في الاستغراقِ بالذّاتِ الإلهيّة، لتتحَوّلَ حياتُها إلى جنّةِ نعيمٍ، كما العروسُ تَزهو بليلةِ عُرسِها. وتتلاعبُ الشّاعرةُ بالألفاظِ بينَ كلٍّ مِن "أناتِك" و"أناك"، لِما في الجِناسِ مِن أثَرٍ إيقاعيٍّ، وتَزخَرُ السّطورُ بالاستعاراتِ: فربَواتُ الملائكةِ تجثو وتتلعْثمُ، وللّسانِ أفنانٌ وأغصانٌ، وللصّلواتِ ثمارٌ كما الأشجار، وللسّماءِ فاكهةٌ تستفيقُ، وللجنّةِ عرائسُ نديّةٌ، وللسِّلمِ لسانٌ ناطقٌ. ولم تكتفِ الشّاعرةُ بذلك، فوظّفَتِ الكناياتِ والمجازاتِ.
في جُملة "في خِبائِكِ السَّماوِيِّ"، وَ "يا ثدْيًا أرْضَعَني": كنايةً في كلٍّ عن عطاءِ اللهِ. وفي عبارةِ "أَفْنانِ لِسانِ سَلْمٍ": مجازٌ مُرسل علاقته السببيّة، فذكرَتِ "الّلسانَ" وهو سببٌ في الكلام أو علاقتِهِ الآليّةِ، على اعتبار أنّ الّلسانَ آلةُ الحديث. 
(وَعَلى أَفْنانِ لِسانِ سَلْمٍ يَتَلَجْلَجُ بِثِمارِ الصَّلَواتِ/ تَنْدَلِعُ فاكِهَةُ سَمائِكِ): وهنا تُبرِزُ الشّاعرةُ العلاقةَ بينَ السّماءِ والأرض، وبينَ اللهِ والبرايا، فألسِنَةُ المُؤمنينَ تتضرّعُ وتتشعّبُ بصلواتِها، فهي كالأفنانِ والأغصانِ المُزهِرةِ والمُثمِرةِ الّتي تُنضِجُها السّمواتُ ببرَكتِها. وهنا تتّكئُ الشّاعرةُ على صيغةِ الفِعلِ المُضارع، لِما فيهِ مِن استمراريّةٍ وبَثٍّ للحيويّةِ والنّشاطِ في نحو: يَجثو، يَتلجلجُ، تَندلعُ، تستفيقُ، تَبتهِلُ، ونلحظُ أنّ هذهِ الأفعالِ مَبدوءةٌ بالصّامت تاء المضارعة أو الياء؛ لتوليدِ ال

32
أدب / سوريا يا حبيبتي
« في: 16:46 17/12/2012  »

اللوحة بعنوان سوريا يا حبيبتي


القصة:الضربة الأخيرة


لبنى ياسين



لم يعدْ السيافُ مسرورٌ مسروراً مما قامتْ به يداه، باتَ الأحمر أرقهُ، وبدأ يخافُ تلكَ النظرات الدامية التي رآها في عيون منْ قتلهنَ، تاركةً أخاديدَ عميقة في ذاكرةِ الليالي المضرجةِ، وصارَ مزاجهُ حاداً، وفارقهُ النومُ إلى غير رجعةٍ، وأخيراً اتّخذَ قرارهُ، سيعلنُ العصيانَ، سيستقيلُ من عملهِ، وسوفَ يتسلقُ جدرانَ الحكايةِ ليثورَ عليها، وهكذا مضى دونَ زوادةٍ  تذكرُ إلا غضبه، وبدأ يسيرُ منتهكاً  فطنةَ النهاياتِ، ميمماً نحوَ البدايةِ، وحدها البدايات يمكنها أنْ تمنحهُ خياراً آخرَ ليغيِّـرَ مسارهُ، ربما يصبحُ بحاراً فتهيمُ بهِ ابنة ملكِ البحار، أو قدْ يصبح راعيَ غنمٍ، فتتمايلُ زهراتُ السوسنِ راقصةً لتراتيلِ نايهِ، وقدْ يصيرُ طباخاً فيجد الخاتمَ السحريَّ في بطنِ سمكةٍ، ما الذي وجدهُ هو في مسيرتهِ الطويلةِ طيلةَ ألف ليلةٍ وليلة، سوى الدمِ والكرهِ ورائحةِ العفن؟! هذا عدا عيونٍ ترمقهُ بازدراءٍ، وتدَعي أنَّ خبزَ قوتهِ مغمسٌ بالدم، حسناً، ربما كانوا على حقٍ، فرغمَ أنـَّهُ ترعرعَ في بيتِ الملكِ، وعلـَّمه أبوهُ -السياف الراحل- كيفَ يقطعُ الرقابَ مذ كانَ طفلاً صغيراً، عندما أجبرهُ على ذبحِ حمامةٍ كان يربيها، ويطعمُها حتى آنستْ لهُ..ثم ُأجْبِرَ على ذبحِها، لكن..أيةُ فضيلةٍ يملكها من يقتلُ الناسَ دونَ سببٍ واضحٍ سوى نزوةِ ملكٍ مجنون؟  ربما عليهِ أنْ يصبحَ طبيباً ليكفـِّرَ عنْ مؤازرتهِ للموتِ بمحاربتهِ له.
في طريقهِ نحو البداية، متسلقاً السطورَ سطراً وراء آخر، تعثرَ  بإشارةِ تعجبٍ كادتْ تودي بحياتهِ، عندها فقط، وعلى منعطفٍ لا يودي إلا إلى الضفةِ الأخرى، حيثُ يتخلصُ المرءُ من جسده، ويعتلي شرفاتِ السماء بروحٍ شاردةٍ، فطنَ مسرورٌ إلى قيمةِ الحياة، وأدركَ أنَّ ما كان ينتزعهُ دونَ حقٍ من نساءٍ حملنَ جريرةَ الجمالِ، ودفعنَ ثمنهُ، كانَ أثمنُ بكثيرٍ من نزوةِ مليكه، وكيفَ لنزوةِ رجلٍ نزقٍ، لا يكادُ يفكرُ، أنْ تساوي أرواحَ كل تلكَ الجميلات؟ أو حتى القبيحات؟.
بعد أيامٍ من السيرِ وحدهُ، تعبَ مسرورٌ، وقررَ أنْ يقيلَ في خانٍ قريب، لكنَّ صاحب الخانِ ما أنْ رآهُ حتى اصفرَ لونهُ، وازرقتْ شفتاه، وهاجمهُ بقوةٍ، إذْ صادفَ أنَّ ابنة صاحبِ الخان كانتْ إحدى جميلاتِ شهريار اللاتي قُتلنَ على يدِّ السياف.
ارتعدَ السيافُ للمرةِ الأولى في حياتهِ، كيفَ لا؟ وهو الآنَ يتبادلُ الدورَ مع ضحاياهُ، ويقابلُ رجلاً غاضباً، وفي يدهِ مدية يكادُ لمعانُ حدّها يضيءُ الخان، بذراعينِ أعزلين، بعد أنْ رمى سيفَهُ وفرّ بحياتهِ منْ غضبِ شهريارعندما يتناهى إلى سمعهِ أنّ سيافهُ لمْ يعدْ يريدُ أنْ يقتلَ أحداً..لا بدَّ وأنـَّهُ سيأمرُ بقتلهِ لو واجههُ..لم يكنْ أمامهُ سوى الفرار تاركاً السيفَ المرصعَ خلفهُ لئلا يُتهم بسرقته، تماماً كما فعلَ في الخان، عندما فرَّ بحياتهِ من وجهِ الأبِ الغاضب.
هنا تحديداً ولهذا السبب، حلقَ مسرورٌ لحيتهُ السوداء، هذَّبَ شاربه، رتبَ هندامه، وغيَّر حلـَّته، حتى أنهُ عندما وقفَ أمامَ المرآةِ شهقَ، وكادَ يهوي بيدهِ على الرجلِ المقابلِ له، لولا أنْ أدركتهُ تلكَ الشامة على خدهِ، ففهمَ أنَّ هذا الرجل المهندم اللطيف ليس سوى..سيافٍ مستقيلٍ.
كان مسرورٌ ينكرُ بكلِّ ما أوتي من قوةٍ- حتى بينهُ وبينَ نفسهِ - أنهُ أحبَ شهرزاد، لم تكنْ كبقيةِ النساءِ اللواتي قتلهنَ، فقدْ صادفَ أنْ استمعَ لحكاياها، وهو يحرسُ البابَ، وعندما طرقَ صوتُها مسمعهُ، شعرَ برعشةِ نبرةِ ذلكَ الصوت الرقيق وهو يحكي عنْ تفاصيلِ هذه القصة أو تلكَ، وانتبهَ إلى ارتفاعِ وتيرتهِ عندَ المنعطفاتِ الصعبة، وخفوتهِ لدى الحديث عن الحبِ، وأنينهِ عندما يتحدثُ عن الفراقِ، ولوعتهِ عندما يمرُّ الموتُ بينَ تفاصيلِ الحكايةِ، فكيفَ يمكنُ لهُ أنْ يتظاهرَ بأنهُ لا يعرفُها، ويرفعُ السيفَ في وجهٍ ينحتُ تقاسيمَ رقِّتهِ في ذاكرةِ العشقِ كل يومٍ وهو يصارعُ النومَ لعلهُ يغفو على ضفافِ حلمٍ مستحيلٍ؟!
ومسرورٌ هذا، رغمَ أنهُ يتسلحُ بالسيفِ، والقسوةِ، وبملامحهِ الجافةِ، إلا أنَّـهُ رجلٌ بأيِّ حالٍ، وفي جوفهِ قلبٌ ينبض، لم يكنْ يعلمُ عنْ وجودهِ شيئاً، إلا عندما زُفتْ شهرزادُ إلى شهريار، وبدأتْ حكاياتِها الأولى، وعندما تحدثتْ عن الحب، انتفضَ شيءٌ ما في صدرهِ، فأدركَ أنَّ لديهِ قلبٌ، وأنَّ الأخير قررَ أنْ يمارسَ فعالياتهِ شاءَ صاحبهُ أم أبى، منْ يومها، وهو يسترقُ السمعَ إلى الحكايا دونَ أنْ يفطنَ أحدٌ إلى وجودهِ أو يهتمَ لهُ، لم تكنْ الحكايةُ بحدِّ ذاتِها تعنيهِ في شيء، إلا أنَّ صوتَ الراويةِ كان يجعلُ قلبه يتمايلُ طرباً، ويحملهُ على شفاهِ الغيم إلى جنةٍ لم يدركْ وجودها من قبل..فيتساءلُ بينهُ وبينَ نفسه: إذا كانَ الحبُ بهذهِ العذوبة وهذا الجمال، لماذا يصرُّ سيدي على قتلهِ؟ إلا أنَّه لمْ يجدْ يوماً جواباً شافياً لسؤالهِ.
وعندما اقتربتْ شهرزادُ من نهايةِ الألف ليلة، تلبَّسهُ الخوفُ حتى ارتداهُ تماماً، ماذا لو أنَّ سيده أمرَ بقتلِ شهرزاد؟ كيفَ يمكنهُ أنْ يرفعَ السيفَ ويهوي بهِ على عنقها النديّ؟ كيف يمكنُ أنْ يقتلَ محبوبته؟ وكيفَ يهبُ الموتَ لمنْ وهبتْ لهُ الحياةَ، وجعلتهُ يدركُ يوماً أنَّ قلباً في صدرهِ يوشكُ أنْ ينبضَ بمشاعرَ لم تعتريهِ منْ قبل، بعدَ أنْ كانَ مؤمناً بأنهُ مخلوقٌ منْ نوع ٍآخر لا مكانَ للمشاعرِ في جوفه.
أكملَ مسرورٌ سيرهُ، واجهتهُ إشارةُ استفهامٍ، لم يعرفْ كيفَ يستدير حولها، فعطلتْ سيرَهُ لأيام، أما النقطة فقدْ شاكستهُ حتى أضنته، لكن الفاصلة كانتْ أكثر تساهلاً، بل وأرشدتهُ إلى الاتجاهِ الذي يجبُ عليهِ أنْ يسيرَ بهِ ليصلَ إلى وجهتهِ في أقربِ وقت، فقد علمتْ بقصتهِ، وأرادتْ لهُ خاتمةً أخرى تليقُ بخفقانِ قلبهِ، كانتْ تؤمنُ بأنَّ للإنسانِ حقٌ في ارتكابِ الأخطاء، وله الحقُ أيضاً في التراجعِ عن أخطائهِ، وكانتْ تردِّدُ على مسامعِ أصدقائِها: لو أنَّنا أقصينا كل مخطئٍ ورمينا بهِ خارجَ السطورِ، لفقدتْ الحكايةُ متنَها ومعناها، وضاعتْ التفاصيلُ الجميلةُ، وانتهى مفعولُ النقطةِ والفاصلةِ، وربما بقيتْ علامتا التعجبِ والاستفهامِ  فقط  قيدَ العملِ.
وأخيراً وصلَ مسرورٌ إلى البدايةِ، عندها أدركَ أنَّ سيدهُ لم يكنْ سوى رجلٍ متألمٍ بسببِ الخيانةِ، وعندما حاولَ أنْ يمحوَ تلكَ الحادثةِ البشعةِ، واجهتهُ الحكايةُ، ومنعتهُ من العبثِ في جسدها، واتهمتهُ بالتحرشِ، فتراجعَ على عجلٍ خوفاً منْ أنْ يُقصَّ رأسهُ بسيفِ سيافٍ آخر..فمنْ يستطيعُ الوقوفَ في وجهِ الحكاية، وهي التي تملكُ من حيلِ النساءِ أدهاها، ومنْ كيدهنَّ أعظمه؟!.
وهكذا اعتذرَ مسرورٌ من الحكايةِ، وطلبَ منها أن تغيِّرَ دوره، وأخبرها أنه لا ِقبـَـلَ له على قتلِ شهرزاد، واعترفَ لها في آخرِ الأمرِ أنّه يحبها، ولا يريدُ شيئاً سوى أنْ يتأكدَ منْ أنَّها تعيشُ سعيدةً في كنفِ مليكها، فهو يدركُ أنـَّه مجردُ سيافٍ مستقيل، ومن جهةٍ أخرى، يعلمُ تماماً أنَّ شهرزاد أحبتْ مليكها منذ الليلةِ الأولى، وفي جميعِ الحالاتِ، لا يمكنُ لهُ أنْ يجعلَ شهريارَ يتحملُ عبءَ خيانةٍ أخرى، فربما أبادَ بعدها نساءَ المدينةِ جميعاً حتى المولوداتِ حديثاً، من يستطيعُ التكهنُ بما يمكنُ أنْ يتمخضَ عنهُ عقله المريض مدعوماً بسلطتهِ المطلقة كملكٍ لا يوجدُ منْ يستطيعُ الوقوفَ في وجههِ؟!
رقَّت الحكايةُ لقلبِ مسرور العاشق، ومنحتهُ فرصةً واحدة، أخبرتهُ بأنَّها ستتركهُ يتجولُ في ربوعها صامتاً، شريطةَ ألا يتدخلَ في مسارِ الأحداث التي يمرُّ بها، حتى يجدَ ما يناسبهُ من  عمل.
فرحَ مسرورٌ بفرصتهِ، وقررَ أنْ يستغلها بأفضل ما يمكن، لن يبوحَ بقرارهِ حتى يقلـِّبَ جميعَ الأعمالِ أمامَ عينيه، ويختار ما يناسبهُ بشكلٍ مؤكد، وفيما هو يسيرُ في السوق، سمعَ صوتَ شهرزادهُ تصرخُ مستغيثةً، ركضَ باتجاهِ الصوت، فوجدَ سيافاً آخرَ يجرّها من شعرِها ليقتلها، لم يتمالكْ مسرورٌ نفسهُ فاستلَّ السيفَ من الغمدِ الذي يضعهُ السيافُ على خاصرتهِ، السيفُ المرصعُ ذاته الذي اعتادَ أنْ يحزّ رقابَ الجميلاتِ به، وقطعَ رأسَ السيافِ في ساعتها، وسرعانَ ما قامتْ  شهرزاد، واختبأتْ خلفَ رداءِ مسرور، دونَ أنْ تدركَ أنهُ السياف الذي هربَ من القصر، قهقهت الحكايةُ عالياً وهي تقول: أرأيتَ يا مسرور..أنتَ سياف..لا تستطيعُ أنْ تفعلَ شيئاً سوى القتل.
فأجابها : بل أستطيعُ يا سيدتي..ألا ترين؟!!، لقد حررتُ شهرزادَ للتوّ من يدِ السياف..ومنحتها حريتها...ولم يبقَ في جعبتكِ سيافٌ بعد أنْ قتلتُ آخرهم بسيفه، ..ستتدبرين أمرَ الليالي القادمةِ دونَ موتٍ يذكر!! فكيفَ ستفعلينَ ذلكَ سيدتي؟
أطرقتِ الحكايةُ وقدْ أعياها الجواب، وقتئذ كانتْ شهرزاد تتشبثُ بردائه، سعيدة بأنَّها أخيراً وجدتْ فارسها النبيل.
 

33
أدب / إلى ايـنَ المَـسـيـر
« في: 15:28 04/12/2012  »


إلى ايـنَ المَـسـيـر



ميسون نعيم الرومي

 
أَهـو ظن ؟
ام حـَقـيـقـة ؟ أَم يـقـين ؟
أَهـي فـِكـرة مـَحـمـومـَة
أَم صـَرخـَة مكـتـومة
أَم شـَجـَن  ولـّـى
وشـوق تـولـّـى
في متاهات الضياع
بـلا وداع
لتحترق الشـموع
وتنهمـر الـدموع
على مـاض ضَنـيـن
أَهـو ظن ؟
ام حـَقـيـقـة ؟ أَم يـقـين ؟
***
انـتـَفـَضت الـذكـرى
صـَرخـت الأحـلام
تـأرجـَح الـصدق
واسـتـغاثـَت أَيـام
اكـتـَوت بـلـذع الـلوعة
ومـرالـعذاب
سـَقـَطـَت تـبـاعـا
 كـالـشـهاب
فـَتـاه الـصبا فـي حـَنـايـاهـا
والـشـبـاب
إلى الـحـَنـيـن    
أَهـو ظـن ؟ أَم حقيقة؟
 أم يـقـيـن؟
***
انـّـات وجع ! لماض حزين
 يدور بها الشك
ام ترى يدور  فيها
تـعب السنين
هل كل ما كان نسج خيال
في خيـال ! من خيال
ام قصورشيدت وسط الرمال
أوَلم يكن هذا مــُحال؟
ام هو وهم احتضن الضلوع
صمت الأنين
 وسكت الكلام المبين
أَهـو ظـن ؟ أَم حقيقة؟
 أم يقين؟
***
ايها الحاضر المسكين
هل بتصديق كذبة
تــُعتقل الأيام  
وتـُـسجــَن السنين
الى اين تسرع ايها الزمن
المـقـيـّـد كالسـجيـن
أيـن مـالكَ ! والـبنيـن
ماذا حصدت ؟
ماذا ابقيت ايها العذاب
وكيف تشتري خداع السراب
لانـاصـر ينـصركَ
ولا مـُعيـن
أحقيقـة تبكي اليـقـيـن؟
أَهـو ظـن ؟ أَم حقيقة؟
 أم يقـيـن ؟
***
إلى اين المسير بلا دليل؟
بحملك  الـمـُضـنـِي الثقيـل
آه أَيا الـقـلب العليل
أفِــق ! تحرر
من قيدك والعناء
دعك مـّمن سقاك الذل
 سـُــمـّــاً والشقاء
قــَـتــَل الفرحة فيك تـغنـّـي
للسـعـادة والهناء
وحنى هامتك ظـلمـاً
فخاب فيه الرجاء
ليـجـهض ذاك الجنين
لــيـت عــمـري
اهو ظن ؟ ام حقيقة؟
أم يقــــــين ؟
 
ديسمبر/ 2012
ستوكهولم
 





34
أدب / أبواب مواربة
« في: 23:30 28/11/2012  »


أبواب مواربة


لبنى ياسين


ستسألني الشبابيكُ عنْ رائحتهِ
ذلكَ الذي مضى دونَ أن يلوِّحَ مودعاً
واستعارَ خطاي
مخضبةٌ أمنياتي بالرحيل
ومجدولةٌ أصابعُ فرحتي
بملامحِ حلمٍ مختبئٍ
على شفاهِ الصدفة
لا تفصحُ عنْ ذاتها
يرتجفُ الوقتُ معانداً
كلما باغتتهُ أغنيةُ الراعي
لتخبرهُ عن جدائلِ ربيعٍ قادم
سوفَ يمحُو ملامحَ الانتظارِ
وحدَها الريحُ لا تسمعُنا
تلوكُ أخبارَهَا المنسيةِ وتمضي
يسْكرُها صريرُ الأبوابِ التي نسِينا أنْ نغلقَها

لأنني ثملةٌ برائحةِ الياسمين
عايرتني أشجارٌ تتقاتلُ مع ظلالها
ولأنَّ الأبيضَ يرتكبني وجعاً
تطاولتْ الألوانُ فوقَ قامةِ حزني
جرَّتني عن غيمتي
وأطلقتْ عليَّ إشاعاتٍ يابسة
كيفَ تتكسرُ الأغاني
على شفاهِ ألحانها
دونَ أنْ تفقدَ أناقة كحلها؟
وكيفَ لي أنْ أتفقدَ رائحته
دونَ أنْ تئنَ في داخلي
مواويلُ الغربةِ
وأوجاعُ النايَّ المهجور
منذُ آخرِ مطرٍ
غسلَ أرصفةَ الخوفِ
ببحةِ موالٍ ضائعٍ
عن تميمةِ عشقهِ الأزلي ؟



35
أدب / خـمـارالـخـَريــف
« في: 17:25 03/11/2012  »


خـمـارالـخـَريــف



ميسون نعيم الرومي


وتدور عجلة الزمن لتعودَ الينا حاملة خريفاً حطَّ الرحال في مدينتنا الجميلة .
 خـَريـفٌ فـرح بـلـقاء حَسـنائـه  (سـتـوكهـولـم ) ، التي طال فـراقـها لـيـَتـَنـَفـس حاضرها ، ويـزفـر ماضـيـها ، لـيـطلق تـَنـَهـداتـه سـُحـبا تـَصعـد فـَرحة تتـَراقـص غنجـاً الى سـماء ازرورديـة  حـالمـة ، فـُتـِنـَتْ بـطفـولة وَعـَبـَث غـَيـمات تـُحاول جاهـدة ان تـكون خـِماراً يـحجب وجه السماء الفيروزية الفاتـنـه ، فيتوارا القمر خجلا من ضعف رؤياه ، وتـَضحك  مـُداعـبـة مشـاكسة عـيون سـماء لامعة نـجومها ، لـتـذكـّر ذلك الضيف بـقلـة حـيـلـَتـه ، وبـعـمره الـقـصير المتـَناهي ، فـَتـطلق أَنـّـاتاً ، وآهـاتـاً ـ ودمـوعاً تـَغـسـل وجـه أَشـجار ـ حان وقـت هـدوئها ـ وراحتها لـتـرقـد وتـنام بـَعـد أَن انـتـَزَعـت الطيـور أَفـراخاها مـن بـَيـن احـضانها وَوَدعـَتـها تـاركـة أَعشاشها الجـَميلـة أمـانـةً بـَيـن أَحضانها تـُذكـرها بـحلاوة ، واسـتمرار الحـياة القـادمة .  
 
اسـتكـانت مدينـتـي مـُعـلـنة انـتـظارها ـ مـُتـَرقـبـّـة عـَودة قـَريـبة ، لـحـبـيـب غـادَرَ لـيـَعـود ، وَبـَيـن كـفـوف يـديـه بـَدلـة زفـاف إلـيـها ، بـَيـضاء كريستالـية لامعـة ، مـُطـَرَزة بـلؤلؤ الـشـوق ، وَقـبـلات الـلـَهـفـة والـوفـاء .
 
 تـتـعاطف غـابات الأشـجار مَعَ فـَرحة حبـيـبـتـها (ستوكهـولم) ، مـُشـاركة لها زغـاريـد زفـة عـرسـها لـتـعـلـن مـَراسـيـم الـبـَهـجة ، والأحتـفال ، شــارعـة بـتـغـييـر أَلـوان تـتـقـاسـمها ، بـتـَدرج سـاحر أَخاذ... يـطـلـق الـخـَريـف نـَسـيـماً هادئا ، تـتـراقص معـه أَوراق الأشـجـار بدلال  يـَتـنـاغم بـقـوة وعـنـفـوان مع قـُدسـيـة الأحتفال فـتـتطايـر معـه أَوراق الأشـجـار رسائل حب ,  تـَحـثُ فـيـها فـَصل الشـتاء ان يعود حاملاً البـدلـة الـبـيـضاء الناصعـة لتـكسـو اذرع اشـجارغـابات تـعـرّت سيقانها ، متلهـّـفـة لأرتـداء حـُلـَتـها الـمـَلائـكـية الجميلة ، باذيـالـهـا الممتـَدة ، مـَزهـوة لـتحتضن بـحـيـرات حان وَقـت راحـتـها ، وسـكـونـها لتنام بين احضان خريفها
 بدلة ازلية ساحرة تتـبـَخـتـَر بها عـَروس الـجـَمـيـلات مـَديـنـَتي (ستـوكهولم) الشـامـخـة ، تـَزفـها عـيـونـاً غـَسلـتـها الدموع...! ، وصخب اطفال ، فرحين مطلقين شدو زقزقتهم سمفونيـة تـحـاكي القلب والوجدان ، فيدخل شعاع أَمل وفسحة فرح لقلب اتعبه الرحيل واضناه الأنتظار.. فتبدد صبره مع رياح الخريف .
 
2012 / نوفمبر
ستوكهولم
 





36
أدب / أسرار شائكة
« في: 14:09 30/09/2012  »



أسرار شائكة




لبنى ياسين

 
أقمْ قليلاً على معصمِ الوجد
 وامنحْ الوقتَ فضيلةَ الاحتراقِ
 واتركْ الانتظارَ يشغلُ نفسه
 بمراقصةِ قوافل اللهيبِ ويستعر
 يهمُّ بأوجاعهِ المختبئةِ
 في تخومِ لونٍ داكنٍ
 فتخلع عنها ثوبَ الفضيلةِ
 وترتدي إثماً لم تعترفْ به بعد
 
أقمْ قليلاً على حافةِ جرحي
 فالمسارات الملتوية تعلنُ فوضاها
 وتمنحني نزيفاً لائقاً
 ها أنتَ مثل يوسفَ
 تنزوي في البئرِ
 كدتُ أعلنكَ وطناً
 عندما لاكتْ الريحُ معطفَ صمتك
 
أقمْ قليلاً في سكونِ الليلِ
 فللعتمةِ أسرارٌ شائكة
 تعلنها كلما تغلغلتُ في وسادتي
 أستنشقُ وحدتي هواءً فاسداً
 يعتريهِ الضجرُ على تخومِ هاويةٍ
 أتقنُ تماماً طقوسَ السقوط
 بين أضراسِ وحشتها
 لكنها لا تعلكني جيداً
 لكي تجبرني على السقوطِ
 مرةً أخرى
 ليلةً أخرى
 خيبةً أخرى
__._,_.___


37
أدب / حبيبي...بلدي
« في: 17:44 02/07/2012  »


حبيبي...بلدي


ميسون نعيم الرومي



يـاقـَلـبـيَ الـمـَوجـوع..يـابـَلـَدي
يـاأنـَةً مـَكـتـومـة فـي الـمـهـجـَة   
فـي الـقـَلـبِ  فـي الـجـَسـَد
حـُبـكَ سـَعـيـر نـار
 يـَسـري فــي دَمـي
وَحـروف اسـمـك
 مـَوشـومـة
 فـي الـرروح فـي الـكـَبـَد
 
هـاجـت بـي الـذكـرى
فـَضـاعَ الـصـَبـر
وَكـل مـا كـانَ مـن جـَلـَد
ضاقـت بـي..ضاقــََت بـي
الـدنـيـا..وَهـي واسـِعـَة
فـَغـَدوت تـائـِهـَة
بـِلا أَرض
 بـِلا بـَلـَد
 
آمـالـنـا فـي لـقـاك
 وَأَحـلامـنـا
تـاهـَت بـهـا.. ســنــيـن الـعـمـر
فــي الـعـَدِ
والـعـَدد
أَيـام مـاضـيـنـا ذوَتْ
يـَتـبـَعـها حـاضـرمـُكـَبـَل
 بـالـهـمِ.. بـالـكـَمـَد
 
يـا روحَ قـَلـبـي..مـُنـى الـنـَفـس
 حـَبـيـبـي.. حـَبـيـبـي
 بـَلـَدي
 أَضـنـانـي التـَرجـي
 وَطـالَ بـي الأَمـَد
سـنـيـن إِثـرَسـنـيـن
 مـَضـَت
وَذكـراك لـهـا الـقـَلب
والـروح تـَرتـَعـد
 
مـُقـلـَتـَي سـَـيـل مـدامـعـها
جـَفـاهـا الـكـَرى
وَتـاه عـَنـها الـَنـَوم
 والـسـهـد
تـُقـَبـلُ فـيـكَ عـَيـنَـي.. كـُل دَرب
وَكـل حـارة
 وكـل نـَخـلـَة
وكـل مـَعـْبـد
 
فـؤادي لـحـُبـك خـافـق
مـَهـْـمـا تـَتـابـَعـَت الأيـام
ومـَهـمـاَ طـال  بـي الأمـد
بـاقـيـَة أَنـا لـلـعـَهـدِ حـافـِظـَة
ما بـَقـى مـن الـعـمـر
وَحـَتـى..وَحـتى
 إِلـى الـلأَبـَد
 
جـَزَعٌ..ضـيـاعٌ..غـُربـَةٌ
وحـدةٌ
مـُتـَخـَفـْيـة فـي حـَنـايـا الـروح
 تـَنـهـَشـها
مـن دونِ رَحـمـة
 ولا.. وَرَع
فـَأَصـبـَحَ  أَمـس, مـِثـْلـَه الـيـَوم
 مـثـل غـَد
خـابَ الـرَجـاء
وضـَل الـيـأس مـُعـْتـَمـد
 
يـا نـارَ فـؤادي .. يا قـاتـلي
مـنـكَ
 وَلـَكَ
 بـؤسـي وَشـَقـائـي..
وَشـَقـائـي وَفـَرحـَتـي
وَفـيـكَ..
وَفـيـكَ مـَدفـَنـي الأبـَدي
يـَزوره حـيـنـاً فـَحـيـنـاً بـُلـبـُلٌ
 لـِيـنـشـد أُغـنـيـَة الـوداع
بـِـصـَوتـِه الــغـَرِد
 
2012 / تـمـوز
ستوكهولم


38
أدب / العرافة تقرأ كف الوطن
« في: 14:35 03/06/2012  »
العرافة تقرأ كف الوطن:
لبنى ياسين
 
كيفَ أخبركَ سيدي
بمدى حيرتي؟
هذه الخطوطُ الحمراء
تنحدرُ بقوةٍ على تضاريسِ جرحك
لا تتصافحْ
كيفَ لها ألا تلتقي
وهي محبوسةٌ في كف؟!
 
 
هذه الدماء
التي تسيرُ كيفما اتفق
على خارطةِ الجرح
هل أقرؤها؟
هل أعتبرها من خطوطِ الكف
أم هي  طفيلية
لا قيمةَ لها؟
 
لديك خمسُ أصابع سيدي
حسناً
تسألني: وما الغريبُ في ذلك؟
سأخبركَ لا تستعجلني
الغريبُ في الأمر
أنَّ كلَّ واحدٍ منها
يريدُ أن يتخلص من  أخوته
ويبقى مغروساً وحده
في باطنِ كفك
ألم تخبرهم يوماً
أن كفاً دون أصابعها الخمسة
كفٌ عاجز؟!
 
الدمُ يتسربلُ هنا وهناك
ويتلاشى
بؤساً
أين  تختفي كل هذه الدماء في كفك؟
في أي عنقٍ تحطُّ رحالها؟؟
 
 
أعتذر سيدي
قراءتي
كأفكاري عمياء
متداخلة ودون معنى
عاجزةٌ عن إخبارك
بأيَّ جديد
عاجزة عن زرعِ الشمس
بين أناملك المتعبة
أنا من أبيعُ الأحلام للعاجزين.
 
غدكَ مظلمٌ سيدي
لا أستطيعُ رؤيةَ  نجومهِ
لا أستطيعُ قراءةَ تفاصيلهِ المرعبة
أعتذرُ يا سيدي
لا تضعْ في يدي نقوداً
لا أستحقها
كفكَ عصيٌ
حتى على عرافة
في مثل شهرتي
فهي المرةُ الأولى
التي أقرأ فيها
كفاً مبتوراً
 
 
لبنى ياسين
كاتبة وشاعرة وصحفية سورية
 
قصيدة"سلام عليك" بصوتي:
http://www.youtube.com/watch?v=kH0HgotJhAE

39
جماعة كركوك: من أرشيف زهدي الداوودي

سان خوسيه، 12 – 06 – 1994

    كتاب عن "جماعة كركوك"

الأعزاء أعضاء "جماعة كركوك"
تحية،

ظهرت "جماعة كركوك" (جك) عفوياً من التقاء نخبة من الأدباء والفنانين في كركوك. لقد انقضت أربعة عقود منذ ذلك اللقاء وتحولت جك إلى ظاهرة في الثقافة العراقية المعاصرة. شملت امتداد زمني وتراكم نتاجي يتطلب اصدار كتاب للتعريف بها. هذه الرسالة هي دعوة لكم للمشاركة في تأليف هذا الكتاب.
في هذه الرسالة مخطط لشكل ومحتوى الكتاب والخطوات اللازمة لانجازه. أقترح أن تشرف على اعداد الكتاب واصداره لجنة مؤلفة من فاضل العزاوي وزهدي الداوودي وأنور الغساني. أنا أيضا على استعداد للقيام بمهمة منسق اللجنة. أرجو أن تصلني اقتراحاتكم في موعد أقصاه 1 آب 1994. سأقوم بعد ذلك بوضع الصيغة النهائية للمشروع. وفي كل الأحوال، أرجو أن تخططوا من الآن لكتابة مساهماتكم دون انتظار الاتفاق على التفاصيل الإجرائية، وأن تباشروا بكتابتها كي تصلني في موعد أقصاه 1 آذار 1995.

عنوان الكتاب (مؤقت)
جماعة كركوك – شهادات في الثقافة العراقية المعاصرة
الهدف
تسجيل جزء من تاريخ كركوك الثقافي والحفاظ عليه من الاهمال والنسيان؛ المساهمة في توثيق الأدب العراقي المعاصر؛ ابراز خاصية جك في الاستمرار والتطور معتمدة على علاقات الصداقة بين أعضائها.
طبيعة الكتاب
شهادات وذكريات شخصية يكتبها أعضاء جك على أن تشمل كل مساهمة، كحد أدنى، ما يلي:
1.   كركوك، المكان، التاريخ، الناس، الثقافة.
2.   بداية تكون جك ومراحل تطورها الثلاث: في كركوك، في بغداد، في خارج العراق، منذ الخمسينات وحتى الآن.
3.   التجربة الشخصية للمساهم مع الأدب/ الفن/ الثقافة.
4.   الصداقات بين أعضاء جك.
(بامكانكم أن تأخذوا بهذه النقاط كاملة أو بجزء منها أو تهملوها وتبنوا مساهماتكم على النحو الذي يروق لكم)

بنية الكتاب/ المحتويات
سيتألف الكتاب من الوحدات التالية:
-   دراسة عن كركوك وعن تاريخ وأهمية جك في الثقافة العراقية والعربية والعالمية – حوالي 25 ص.
(يكتبها أنور الغساني وواحد أو أكثر من الزملاء – أرجو ممن يرغب في المساهمة الاتصال فورا بأنور للمباشرة بالتنسيق)
-   المساهمات – حوالي 15 ص لكل مساهمة.
(ستتصدر كل مساهمة صفحة واحدة من السيرة الذاتية وصورة على صفحة كاملة لكاتب المساهمة. ترتيب المساهمات سيكون وفقا للترتيب الابجدي للأسماء.
من الأفضل كتابة المساهمات كشهادات/ ذكريات/ أيضا الحاضر والمستقبل؛ تفادي نبرة النواح على الماضي؛ التأكيد على الصداقات، الأشياء الجميلة، الخلافات؛ كل شئ ينبغي أن يكون موثقاً قدر الامكان – هوامش، مراجع، أماكن، أشخاص؛ التفاصيل مهمة جداً لكي تكون الكتابة جذابة؛ تفادي التحليل والتنظير قدر الإمكان لأن المساهمة ليست بحثا علمياً بل شهادة؛ تحدث – قبل كل شئ – عن نفسك وأعمالك وعن الحاضر والمستقبل؛ كن شخصياً واستشهد بأعمالك... الخ.)

الغائبون – حوالي 50 ص.
(المقصود بالغائبين الزملاء الذين لن نستطيع الاتصال بهم للأسباب المعروفة. هناك أيضاً المتوفون. يمكن أن يكتب المساهمون الحاضرون صورا قلمية – بورتريه – عن الغائبين والمتوفين وبطول 3 – 4 ص لكل صورة.بامكان أي مساهم أن يكتب عن واحد أو أكثر من الغائبين والمتوفين، كما أن من الممكن أن يكتب أكثر من مساهم عن زميل غائب أو متوفى. الرجاء الاتصال فورا بأنور لكي نعرف من يريد أن يكتب عن من.)

أحدث أعمالهم – 50 – 100 ص

(تخصص 4-5 صفحات لكل مساهم لتقديم نموذج من أحدث أعماله. كما ستقدم مختارات من أعمال الغائبين والمتوفين.)

-   وثائق و صور
(كل ما يتيسر من وثائق وصور عن كركوك وجك – هل لدى أحدكم خارطة لكركوك؟)

-   الملحق التقني
(هوامش ومصادر؛ قائمة بأسماء أعضاء جك؛ ما هو متوفر من عناوين أعضاء جك)
الحجم
ربما 400 ص
الناشر وتاريخ النشر
تاريخ الانتهاء من اعداد الكتاب: 31 كانون الأول 1995
الناشر     : يشترك الجميع ومن الآن في البحث عن ناشر
عام النشر  : 1996

قائمة مؤقتة بأسماء أعضاء "جماعة كركوك"
الآراء مختلفة حول من هم في الحقيقة أعضاء جك. ولكي نستطيع التوصل إلى تأليف قائمة تحظى إلى حد ما بالقبول فقد وضعت القائمة التالية مراعياً أن تشمل من ينتمون إلى ما يسمى "نواة" جك ومن ينتمون إلى الإطار العريض للنشاط الثقافي في كركوك (خاصة في الستينات والخمسينات). أرجوكم دراسة القائمة. أبعثوا إلى باسرع وقت ممكن بأسماء من تعتبرونهم من جك ومن لا تعتبرونهم من جك. سأضع على ضوء ما سيأتيني القائمة النهائية التي ستظهر في الكتاب. هذه القائمة لن ترضي الجميع بالتأكيد ولكنها ستشمل كل الأسماء التي ستقترحونها. (ستصلكم نسخة من القائمة بعد وصول ردودكم).
القائمة المؤقتة
(ترتيب الأسماء عشوائي وقد أكون قد نسيت بعض الأسماء)
صلاح فائق
زهدي الداوودي
قحطان نجاتي الهرمزي
عصمت نجاتي الهرمزي
أنور الغساني
عبد اللطيف بندر أوغلو
سنان سعيد (م)
+++++
فاضل العزاوي
مؤيد الراوي
علي شكر البياتي
سعاد الهرمزي
محمد أحمد رستم
عبد الصمد خانقاه (م)
محمود العبيدي
+++++
سركون بولص
علي حسين السعيدي
يوسف الحيدري (م)
يوسف سعيد
نور الدين الصالحي
موسى العبيدي (م)
فائق معصوم
+++++
حسين علي الهورماني (م)
جان دمو
جليل القيسي
صديق أحمد
محي الدين زنكنة
نجيب المانع (م)
عثمان خوشناو
_ (م) متوفى. هل هناك آخرون توفوا؟ لا أدري.
_ أجرى زهدي أثناء تواجده في كردستان في نيسان الماضي اتصالاً غير مباشر مع قحطان وعلي شكر البياتي وجليل. لم أطلع بعد على التفاصيل.
والآن يا "بوليه" (بتفخيم الواو واللام) أليس هذا ما كنتم تريدونه دائماً، اصدار كتاب عن جك؟ بقي أن تهتموا ولا تهملوا الأمر. تجربة الكتابة ستكون جميلة ومنعشة، والكتاب سيكون ثميناً. إذا لم نحصل على ناشر مغفل يتورط في نشر هرائنا البديع فاننا سننشره في كراريس أو مسلسلاً في مجلة. المهم تأليف الكتاب أولاً.
أبعثوا بكل ما له علاقة بكتاب جك إلى صندوقي البريدي 1555 وليس إلى 823 (راجع العنوان في مطلع الرسالة).

                                                                                         تحيـــــــــــــــــــــاتــي
                                                                                  أنــور الغســـــــــــــــــــــــــانــي

40
أدب / الــســَرابْ
« في: 14:40 11/05/2012  »



الــســَرابْ




ميسون نعيم الرومي

 
يا تائها في العمر
تدور بك السنون
الى سراب
اثقلتها بحرقة الآهات
ومـرّ العذاب
زرعت ظلام الليل في فرح الصبا
والحـسـرات وشاحا لأحلام الشباب
عـيناك غائرتان
مرتعشتا الدمع
بين المقل والأهداب
خابت الآمال فيهما وذبح الرجاء
بــلا جواب
يومك حائر دون صباح
وغدى غدك مـلـبـّـد بالسحاب
اطياف اوهام تخاف شرودها
اطبقت عليها بالأسنان وبالأنياب
فكيف و متى
تدور محزونا اسيراً للمنى؟
سجينا في وجـَع الذكريات
حائرا ضـائعـاً
في غياهب متاهات الأكتئاب
ترنحت فيك ابتسامة
مكلومة موجوعة
ثم  ذوت
فماتت على الـشفاه
لتطرب السمع فيك
اصداء انيين الروح
كلحن يعزف اللحن في رقة
وهـدوء وانسياب
هان فيك الدمع
أَنَّ الأنـين ثم خبا
واكتوى القلب بوهج لهاب
مستعرا يحرق
الروح والوجدان
فلماذا
وعلام َ
وكيف
تاهت الفرحة
في حنايا زمن غادر كذاب ؟
بنيت من وهم فكرك جنة
طرّزتها بالضلوع وبالدماء
فـغـزتها الثعالب .. والذئاب
وسرت في الروح حرقة
ابتلعت امس واليوم
وغـد وبـعد غـد
وكل سنين العمر
على اطلالها نـعق الغراب
يا غربة الروح
يالوعة مكـنونـة
وبؤس حـائـر
بين اشـلاء الشقاء
مرت لـتـمضي
واحـَسرتاه
دون سؤال أو حساب
فأين أيـن مابنيت من قلاع
مـشـيـّـدة ! كـانت من رمال ؟
واين الفرحة والأحلام ؟
واين الأمل ! وأين الرجاء ؟
وإلى اين سائر أنت ايها القدر ؟
وبماذا ، ولمـاذا
حكمت على البشـر
فالى متى هذا العذاب
وإلى متى هـذا الـسـهـَـر
وانت دائر في الوهـم
شاخصا الى العدم
حثيثة خطاك
الى ســَــراب
 
سـتوكهولــــــــم
مـــايس 2012




41
أدب / هذا المساءْ
« في: 13:58 26/04/2012  »
هذا المساءْ

لبنى ياسين
 
هذا المساء
سأمزِّقُ الحزنَ العتيق
وأرتدي ولهَ الطريق
وسأنحني
لخيولِ لونِ الشمسِ
تجتاحُ السماءْ
هذا المساءْ
ستكونُ لي
كل الأغاني السُمرِ
تحكي عن وطنْ
منذ الأزلْ
كانتْ سنابلُ قمحهِ
شعراً لرأسِ الأرض
لوناً للعسلْ
وشقائقُ النعمان
تشدو للغيوم صلاتها
شِعرَ الغزل
فَـيُبَحُّ صوتُ الناي
منْ أنَّاتهِ
ويغصُّ وردُ الشام
شوقاً عندما
تنهالُ دمعته
فيبكيهِ الجبلْ
هذا المساءْ
سألملمُ الأمطارَ
 من كبدِ السماء
وأنقِّطُ القمرَ الحزين
بموطني
وسأقتفي أثرَ الظلال
الغائبات وراء سور الليل
وأبيح الغناء
هذي خطايَ
يا ابنة التاريخ تمشي
حيثُ تنسكبُ الدماء
سوقُ الحميدية
محييِ الدين
يذوي بينَ أخبارِ
الثكالى
 
وموكبِ الموتِ المهيبِ

وصمتِ هذا الكونِ
 
في وضحِ العراءْ
هذي أنا
في "النوفرة"
حيث التقيتُ الأصدقاءْ
 
 
هذا المساءْ
سيكونُ لي  وطني صديقْ
ولن أطيقْ
أصواتهم يتقاتلون
يتراشقون بجرحنا ويعربدون
ألأجلِ كرسيٍ غبيٍ
مُزِّقت رئة الوطن؟!
يا للشجن!
هذا المساءْ
سيكونُ لي وطني صديقْ
ليفوحَ عطرُ الأنبياء
ولأمسح الحزن المعتقَ
عن قبور الأولياء
ولن أطيقْ
صوتاً يهزُّ جوارحي
وسع الفضاء
ولن أطيق
يداً تهزُّ اليأسَ فيَّ
لأستفيقْ


42
أدب / يعز علينا قول الوداع
« في: 22:08 19/03/2012  »

يعز علينا قول الوداع

المقدمـة


يعـــــــز علينا قول الوداع                   لنجم سما سمو السماء  
قدت الكنيسة بحرص ومجد               وشعب المسيح في كل لقاء
 
فكنت الصديق وكنت الرفيق             لكل من تاه ومن الغرباء
فكنت الطبيب وكنت الحبيب             لكل مريض ونعمة الدواء

فرغم السنين عبرت الفيافي             تزرع الحب في كل فناء
   كما المسيح تصنع خيرا                 لمن في مصر وفي الصحراء
 
  بنيت بيوتا وبنيت ديورا                 ومثلها كنائس رغم الجفــــاء
   تجول بالخير لكل محتاج                دون خشية علنا وفي الخفاء    
****

  يانبراس عصر فاق عصره                 حكمة وتواضعا وبشهاده العلمــاء  
  فأنت بغير الحب لم تنادي                  وبشريعة تفوق العقل والخيـــــلاء
 
   فنم قرير العين في كل قلب                     مع شكر يفوق الوصف والثنــــــــاء
   فنم قرير العين مع من رحلو                    في المقطم وماسبيرو وكل الشهداء

وصلي لمصر في كل ضيق                مع القديسين والإخوان والأبـــــاء
لقد رحلت ويبقى السؤال                   متى يزول الجهل من مصر والغباء

الخاتمة

 
    

لقد رحلت وخلفك كلب يعوي            فرحا فتلك شيمة ألأنذال والحقراء
          فسجل أيها التاريخ وبإفتخار            كلاب مصر تعوى فرحا بدل الرثاء          

            فكم من كلب يسير الهوينة             ولكن القافلة تسير بشموخ وإباء          
    فمثالكم معذور لأنه كالإناء          ينضح بما فيه بـــول أو خــــراء
 
فإنعقو حتى تموتو في غيضكم             فالكلاب لاتجيد غير لغة العواء
فكم من كلب أجرب شوه أمة             فإستحق لعنه ألأرض قبل السماء




وأختم قصيدتي بقول شاعر أخر إذ قال 
 
  تموت ألأسود في الغابات جوعا         ولحم الظان يرمى للكلاب
    وذو جهل ينام على السرير             وذي علم ينام على التراب

              
 


سرسبيندار السندي
مواطن يعيش على رحيق الحقيقة والحرية
من بلاد الرافدين
MARCH / 19 / 2012

 
 





43
مـَتـى تـَنـْهـَض يـا عـِراق
ميسون نعيم الرومي
 
مـَتـى تـنـهـَض يـاعـِراق
فـَقـَد أضـْنـانـا الـنـَوى
وَسـَئـمـنـا لـُعـْبـَةَ الأيـام
تـَفـَتـَحـَتْ فـي الجـروحِ عـيـون
تـَسـلـُبَ الـنـَومَ,تـَقـتـُلَ الأحـلام
 
ذوَتْ أجـْسـادُنـا كـمـَداَ
واسـتـَوطـَنَ فـيـها الـسـُقـام
صـَمـتَ الـصـَمـتُ فـيـنـا وهوى
فـنسـَيَنـا في الجوى حلو الـكـَلام
 
دونـنـا استوطن البـوم وَالغـربـان   
هـاجـَرَ مـِنـه الـحـُب والـسـلام
شـُعـاعُ الـشـَمـس بـَغـدادَ خـَبـى
غـابَ عـَنـهـا الـنـَجـم والـقـَمـَر
 وَحـَـلَت حناياهـا عـتـمة وظـَلام
 
نشف الـفـراتين هـاجـرَ الـطَـيـر
 مـاتَ الـوَردُ ! وانـتحـرالـخـُزام
نـَخـيـلـُكِ اعـتـَلّـَت هاماتها
 غزاها الظلم والـمـَوت الـزؤام
 
جميلة ذكـرَيـاتـنـا مُـسـِخـَت
بـِدُعـاةِ أدعـيـة الـعـمائـم والـكـلام
مـَديـنـَتـي بـغـداد
أيـن الـجـَمـيـلـَه شـَوارعـُكِ؟
أيـن بــِنـايـاتـكِ ؟
أيـنَ خـَيـرُكِ والـعــَطـاء؟
 
أتـَدريـَن حـَبـيـبـَتـي !
 مـا حـَلَ بـأبـْنـائـكِ مـن بـَلاء؟
اسـتـَبـدلـوا الـجـلاد واخـتـاروا الـوبـاء
فـَمـا عـادَ الـصـُبـح صـُبـحـا
ولا غروب الـمـَسـاء مـَسـاء
غـَزا فـَلـَذاتُ الأكـبـادِ سـقـام
َاسـتـَفـْحـَلَ الـداءُ فـَأيـْنَ الـدَواء ؟
 
بـأيــتـامٍ غـصـّـت شـوارعَـكِ
 افـتـرشوا الأرض والـتَحَـفـوا الـسـَمـاء
آمـالـهـم نـُثـِرَتْ هـبـاء فـي الـهـَواء
أمـَهـاتٌُ فـُجـِعـْنَ فـاصبـَحَ
 اللآتيَ كـالـماضي سـواء في  سـَواء
 
دنـانـيـرٌ رُصـِدَتْ لـِمـيـزانـيـةٍ
لـكـنـها مـِنـها خـواء
اسـتـَقـَرت فـي جـيـوبِ سـاسـة
 لا يـَعـرفـون الـيـَوم مـَعـنـى الـحـَيـاء
مـيـلـيـشـيـاتُ أحـزاب تـَـقـاتـَلـَت
 تـَنـشـر الـمـوت حـتـى فـي الـفـَضـاء
جـلاوزة بـِلا ضمـيـر تـعـاقـبـوا
إمـتـهـنوا وأدمنوا شرب الدماء
 
شـَعـبٌ يـَلـطـم الـصـُبـحِ
والظهر يبكي ثم يلطم في الـمـَسـاء
حتى نسى اقوال كل الانبياء
 
يـاطـَيـبَ الـقـَلـب تبقى لي وطنا
إلـى مـَتـى في مهجتي هـذا الـعـَنـاء
 
سـتـوكـهـولـم
آذار/ 2012


44
أدب / وَرْدَةُ فـالـنـتـايـن
« في: 19:33 14/02/2012  »


وَرْدَةُ  فـالـنـتـايـن



ميسون نعيم الرومي

 


يـا وَردَتي الـحـَمـراء
 يا حـُلـمَ الـصـِبا والـجـَمـال
يـارَحـيـقَ الـنـَرجـِس,وَالأرجـوان
وَعـِطـر الـسـَوسـَن
يـاشـامـِخـَةً بـَيـنَ الـَورد والـرَيـْحـان
وَطـَعـْم الـحـُبِ لـَونـك
حـُلـوة الـحـلـوات
 يـا فـَرحـَةَ الـقـَلـب الـمـُتـْعـَب
يـُغـَنـْى ويـُنـْشـَد الشعر
 في جمالك الحـَسـَن
إلـَيـك تـَهـْفـو قـلـوب الـعـاشـقـيـن
 وتـَخـفـق
رسـالـَة الأَحـْبـاب,عـُنـوان الـحـب أنـْتِ
والـدَلال
 
بـِخـشـوعٍ يـَكـون الـكـَلام
 فـي ذِكـرى كـُل مـُقـَدَس
إلـَيـْكِ أَرنـو يـازَهـرَتـْي,وأَهـمـس!
هـَلْ مـَرَرتِ يـَومـاً بـِمـِحـْرابِ عـاشـق
 خـائـِب مـَذبـوح الأمـل ؟
تـَقـَرَحَ جـَفـْنـَاهُ ,أَضـْنـاهُ الـمـَسـيـر!
َأَتـعـَبـهُ الـصـَبـر
يـَدٌ عـابـِثـَةٌ ,نـَثـَرَتْ عـُمـْره فـي الـفـَضـاءِ
 وَفـَوقَ الـحـَجـَر
فـَبـَكـَتـْه الـشـَمـْس.. رَثـاهُ الـنـَجـم
وَانـكـَسـَف مـن حـُزنـه الـقمر
رَدَدَتْ أَنـّاتـهُ الـريـح والـغـَيـم!
 وَبـَكـاهُ الـمـَطـَر
حـَمَـلـَـتْ آهـاتـهُ بـَعـْيـداً بـَعـْيـداً
مـَوجـات فـي الـبـَحـَر
 
يـاوَردَتي الـحـَمـْراء أَتـدريـنَ مـَنـْهـَدَر؟
مـاعـادَ يـَنـْفـَع الـتـَطـويـل
 ولا يـَشـفـَع الـمـُخـْتـَصـَر
مـن هـَول اسـطـركـُتـَبـَت..تـاه فـيـها الـفـِكـر
وَعـَلـَيـها تـَحـَجـرالـبـَصـَر
ثـارَ بـُكـران غـادِر! هـَدم الـنـاي والـعـود
 وأَحـرَق الـوَتـَر
 لا كـُنـّا..وَلا كـانَ..
لـَـن يـُصـْلـِح الـعـَطـار مـا انـكـَسـر
رُحـماك.. إرفـق أَيـُها الـقـَدَر
 
يـا زَهـرَتـي الـحـَمـراء! لاتـَسـألـيـنَ مَـلـخـَبـَر
أَظـنـانـا الـمـَسـيـرإلى سـَرابٍ..
أَتـعـْبـَنـا الـسـَفـَر
لـمـّيْ بـَقـايـا وَهـْم , أنـثـريـه بـَيـنَ الـوَرد
 والـزَهر
لـيـَكـنْ شـاهـد عـلـى مـَن بـاعَ عـَهـدا
 بـِسـعـرٍ مـُحـْتـَقـَر
 
وَانـْتـَهـَيـْنـا,بـَعـدَمـا تـَكـَشـّفَ الـحـاضـر
 وَالـماضـي وَازدادَ الـضـَـرر
مـات الـقـَلـب , وَالـحـُب فـيـهِ
 قـَد انـتـَحـَر
يـاوَردةَ فــالـنـتـايـن
أَودَعـتُكِ حـُباً هـَوى  
بــَعــدَ أَن تــاهَ
 وَعـَثــَر
 
ستوكهولم
14 / 2 / 2012



45
أدب / سلام عليك
« في: 17:08 07/02/2012  »
   
سلام عليك

لبنى ياسين


أراقصُ طيفكَ تحتَ  خدودِ المطرْ
وألبسُ صوتـَكَ خيطَ حريرٍ
وتعجنني لهفةُ الضوءِ في  ليلِ كفيكَ
ينبتُ فوقَ صراخي الضجرْ
أيا أنتَ
يا فرحةَ اللونِ
حين تمطَّى على خدِّ ليلي
ويا بحـَّةَ الصَـوْتِ
حينَ يغادرُ شوقَ دروبِه
ويا لهفةَ الشمسِ
حين تعانقُ ظلَّ دموعي
فترقصُ فيَّ الحياةُ
وتشرقُ في مقلتي الصورْ
وتمسكني موجةُ
البحرِ في  ضجيجِ المدينةِ
تلكَ التي لمْ تعدْ تشبهني
ولا تشبهكْ
هكذا  مرةً إثرَ مرة
ألملمُ أوجاعَ صمتك
وأنسجُها تحتَ حزنِ الحروفِ
سطورَ اشتياقٍ
تعاندُ أحزانَ قلبي
فتبكي أناشيدُ صبري
ويشهقُ دمعُ الوتر
وينفلت العتمُ بين أصابع ليلي
صلاةَ احتراقٍ
وأوجاعَ نايٍ
يراودُ أرصفةَ الخوفِ
عن صمتِ جدرانها
في المساءِ
ولا من ضياءٍ
ولا من قمرْ
سلامٌ عليكَ
أشيِّدُ عطرَ جبينكَ
كوكبَ  شوقٍ
وألبسُ بعض  سنيك
كل الليالي..
وكل طقوس التذكر
بعض الخواطر
كل الصورْ
ألا ليتَ قلبي دخان
وليتكَ قلبي
لأخفيك بين ضلوعي
أساهرُ نبضك حتى يحين الصباح
ولا لائم ينبئُ الشمسَ عنا
ولا من حديثٍ
ولا من خبرْ
 سلامٌ عليكَ
أنادي على لونِ طيفكَ
لا من مجيبٍ
جميعُ الخيولِ توارتْ
وظلتْ أمانيَّ
طيفَ هوىً
في بلادِ الذبولِ
فاطعنْ بصوتكَ خوفَ جفوني
وخذني إليكَ
عاريةٌ أنا من دونِ صوتكَ
بردانةٌ أنا
ومتهرئٌ فوقَ بردي الفضاءْ
يراودني عن ضفافي الصقيعُ
ويرحلُ عني صدى الكبرياءْ
وهذا طريقي إليَّ
تلاشى
وضعتُ وضاعَ الصدى في الزحامِ
أناديكَ علَّ  الخوفَ يضيعُ
لعلني أولدُ بين يديكَ
لحظةَ موتِ احتضاريَ
قوسَ قزحٍ
يطعنُ لونَ السماءِ
وينحتُ يأسيْ أهازيجَ ماءٍ
أدوِّرُ وجهَ القمرْ
وأمسكُ لونَ عيونك
بين يديَّ
أمشِّطُ شعرَ هدوئكَ
بعمرِ اشتياقي
فيهربُ موتي
و يَحني السكونُ أساطيرَ عشقه
في حضرةِ  الشوقِ
تحتَ جناحِ اليمام
وفي غمرةِ الحلمِ المنتظرْ
أتوقُ إلى نبضِ قلبكَ
إلى ليلِ صمتكَ
إلى فرحةِ الطفلِ في مقلتيكَ
ولا أقبضُ بين يديَّ إلا
على ذكرياتِ الرحيلِ
فما بينَ إغفاءتين
على حضنِ صوتكَ
تاهَ الغمامْ
وبينَ شقوقِ التذكرِ
ينبتُ عشبكَ
دون لقاءٍ
ودون كلامْ
ويزرعُ في مقلتيَّ العويل
وتهربُ كل الرؤى في الضياع
تـُلـَطِخُ صوتي بوحلِ الوداع
ولم  تبقَ لي رغبةٌ في الحياة
ولن تعتنقني  دروبُ السلام
إذا لمْ تكنْ وجهتي موضعك
ووجهكَ في آخرِ الكون
يصلبُني مرتين
وليسَ إلى الحلمِ يأتي
فكيف يخون؟
ألا ليتَ قلبي حجرْ
لينزلقَ الشوقُ عن راحتيه
حينَ رحيلكَ
أنتَ الذي لمْ تكنْ لي
سوى أسطورةَ شوقٍ
توسوسُ قلبي إذا ضاعَ مني الكلامْ
لتصلبني إنْ تلاشى الصباح
تميمةَ جرحٍ ينزُّ حنيناً
وينهمرُ الليلُ في راحتيه
فيبقى شهيدَ انتظارٍ
يعلِّقُ ظلَّ هواه
 على أغنياتِ السهرْ




  *  لبنى ياسين
كاتبة وصحفية وشاعرة سورية
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات

   

46
أدب / انتظار
« في: 17:06 07/02/2012  »

انتظار

لبنى ياسين

أتوجسُ فيكَ فرحاً
يتسلـَّقني على مَـتنِ لونٍ فاسق
لا يلمْلِمُ سَوْءتـَهُ  في حضْرةِ الشَّمس
باهظٌ حُزنُ السَّماءِ هذهِ الليْلة
فلا ُتمْطِـرْني أقمَاراً ولهى
ودعني أرشقُ الليلَ بالسَّهر
وأدثـِّرُ كفوفَ الوجعِ بصبري
فقد أراودُ الجِراحَ عن صَمْتِها
وقد تَملـَؤني السَّماءُ شغفاً
فينحني ظمئي إجلالاً  للعتم
وتترنَّحُ أوردتي في خاصِرةِ النبض
ويتعمَّـدُ قلبي في غيابِ الضوءِ
قرباناً للوقت
مُنْتهكاً فطنةَ الانتظار
حينَ يرْتبكُ الوجعُ في مَنازلِ الليلِ
وتنثني شِفاهُ الأسئلةِ تحتَ سقفِ الريح
وتراوغُ الأغنياتُ شُحوبَ ألحانِها
ويشتكي المَطرُ بللَ ثيابهِ
وأسْلكُ الدروبَ وحيدةً كمَا أنا
لأمزِّقَ صَمتَ الأرصِفَةِ الباردة
وأعبثَ بسرَّةِ الجُدرانِ التي ترافقها
حتى آخرِ خيبةٍ في جُعبةِ المساء
يخونني ميعادُ حنيني
فيُمعنُ في الهروب
أمسكـُه متلبساً بالخوف
فأصْلبـُه على جدارِ الليلِ
في سِراجٍ من وجع
ويخونني معنى الوجع
فتتفقَّدُني كلماتٌ غافيةٌ
على سطرٍ أعرج
أضاعتْ تأويلَ حروفِها
عندَ آخرِ فاصلةٍ معلنة
وبَعثرتْها الأوراقُ
على مشارفِ أنوثتها
فأفقدتْهَا أناقةَ البكاءِ
في حضرةِ غيابٍ باذخ
ويتقمصُني النسيانُ
فأستنجدُ بذاكرةٍ مثقوبة
لا تؤرِّقـُها ابتهالاتُ الصور
العالقة بين غصَّتين
تتعاركان في صدري
تُشعلانِ في جسدِ ذاكرتي
شهوةَ الجدب
وحمى الذبول
وتسحقني هلوسة ذكرياتٍ
لا تمنحني خبايا سكونِها
لتستعرَ في مفاصلي
كلُّ الألوانِ المتمردة
كلُّ الظلالِ الآبقة
وجميعُ الكلماتِ المحظورة
فينكسرُ جناحُ الحلمِ
على ضفافِ ليلٍ أحمق
لا يملكُ حجةَ غياب
وينقضُّ عليَّ كابوسٌ جائع
يقتات من وريدِ لوعتي
كلما تسلقَ الظلامُ
شطآن عمرٍ نازفٍ
على أروقة الوهمِ
 
13\6\2011
 

 
.

  لبنى ياسين
كاتبة وصحفية سورية
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات






47
رواية "أعشقني" للأردنية سناء الشعلان تفوز بجائزة دبي للإبداع في حقل الرواية للعام 2010/2011


د.سناء الشعلان
   

    أعلنت جائزة دبي الثقافية للإبداع للعام 2010/2011 في دورتها السابعة أسماء الفائزين بجوائزها لهذا العام في حقول القصة القصيرة والرواية والفنون التشكيلية والحوار مع الغرب والتأليف المسرحي والأفلام التسجيلية، فضلا عن شخصية العام الثقافية الإماراتية.وقد حصلت الأديبة الأردنية د.سناء الشعلان على الجائزة  الثانية في حقل الرواية عن روايتها المخطوطة" أعشقني". وتأتي هذه الجائزة لتكون الجائزة 48 التي تحصل عليها سناء الشعلان في حقول الإبداع والبحث العلمي من جهات عالمية وعربية ومحلية مرموقة.
    وسيتم في القريب استلام الشعلان وسائر الفائزين في كلّ الحقول جوائزهم في حفل رسمي تقديمه الجائزة في مدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة إلى جانب إشهار الرواية منشورة عبر أعداد الجائزة التي دأبت على نشر الأعمال الفائزة منذ سبع سنين لكي يرى العمل الفائز الضّوء،ويُقدّم للملتقي في كلّ مكان.
  ويُذكر أنّ لجان التحكيم تشكّلت من الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي من مصر، ويوسف أبو لوز من فلسطين، ونبيل سليمان من سوريا، ود. صالح هويدي من العراق، ود. حاتم الصكر من العراق، وعزت عمر من سوريا، وعبد الفتاح صبري من مصر، ود. عمر عبد العزيز من اليمن، وإسماعيل عبد الله ونواف الجناحي من الإمارات.
وتقول الأديبة سناء الشعلان عن الرواية الفائزة" أعشقني" :" هذه الرواية هي امتداد لروايات الخيال العلمي عبر توليفة سردّية روائية،وباختصار أستطيع أن ألخّص فكرة الرواية في كلمة بطلتها في البداية حيث تقول:" وحدهم أصحاب القلوب العاشقة من يدركون حقيقة وجود بُعد خامس ينتظم هذا الكون العملاق،أنا لستُ ضدّ أبعاد الطّول والعرض والارتفاع والزّمان،ولستُ معنية بتفكيك نظرية إينشتاين العملاقة التي يدركها ،ويفهمها  جيداً حتى أكثر الطلبة تواضعاً في الذّكاء والاجتهاد في أيّ مدرسة من مدارس هذا الكوكب الصّغير،ولكنّني أعلم علم اليقين والمؤمنين والعالمين والعارفين والدارين  وورثة المتصوّفة والعشّاق المنقرضين منذ آلاف السّنين أنّ الحبّ هو البُعد الخامس الأهم في تشكيل معالم وجودنا،وحده الحبّ هو الكفيل بإحياء هذا الموات،وبعث الجمال في هذا الخراب الإلكتروني البشع،وحده القادر على خلق عالم جديد يعرف معنى نبض قلب،وفلسفة انعتاق لحظة،أنا كافرة بكلّ الأبعاد خلا هذا البعد الخامس الجميل".
وعن سبب اختيار الشعلان للكتابة في جنس الأدب الروائي القائم على الخيال العلمي تقول:" الخيالُ العلميُّ يفتح شرفة ثلاثيّة الأبعاد على مستقبل التّقدّم المعرفي،وممكن الإنسان المحتمل الحدوث في محدّدات زمانيّة ومكانيّة ومعرفيّة قادمة ضمن سيرورة التقدّم العامودي والأفقي في مدارج الحضارة،وشكل الرّوايةّ التّقليديّ في ضوء سلطات معرفيّة جديدة تَعِد بأن تقدّم معطيات حداثيّة للشّكل الحكائيّ السّردي بما يتناسب مع أيدولوجيات الطّرح المختلف،ومعطيات العوالم المقترحة،والإمكانيّات المشروطة،بما يتناسب مع فرضيات كاتب الخيال العلمي ،ومع نظرياته،ورؤاه المستقبليّة.
      ومن هذه الشّرفة الثلاثيّة العريضة التي يقدّمها هذا الأدب،نستطيع القول إنّ الخيال العلمي تجربة رياديّة خاصة في كتابة المستقبل بالارتكاز على دراسة علميّة دقيقة لمعطيات الواقع المعرفيّ،وأفق نمائه وامتداده في ضوء إمكانياته واحتمالاته وحاجاته،وبخلاف ذلك تصبح تجربة كتابة الخيال العلمي هي مجرّد شطحات فانتازيّة مغرقة في الشّطط،لا تساعد في أن تقوم بدورها التنويريّ والتحريضيّ في تقديم صيغ معرفيّة جديدة في ضوء منتاجات معرفيّة حاليّة حقيقيّة الوجود،والتّماهي في تشكيل صورة الوجود الإنسانيّ على كوكب الأرض.
    إذن أدب الخيال العلميّ أدب يتحقّق وجوده،وتتمّ نبوءته عندما يستكمل أدواته وشروطه كاملة لندرجه بحق في خانته التجنسيّة بعيداً عن تقديم تجارب إبداعيّة تشظّى منظمومته التخيليّة العلميّة،وتنسف شكله الإبداعي الدّرامي المتحصّن خلف محدّدات صارمة بما يخصّ خطوطه العريضة،بحجّة الوصول إلى منتج إبداعيّ متفلّت من كلّ ضابط،مفتوح على مخيال منفرط،يجعل من الدّهشة والخروج عن الممكن وفق الشّروط الطّبيعيّة لعالمنا معايير لنجاحه،وللإقبال الجماهيّري عليه،ضارباً بعرض الحائط اضطلاع الحقيقة والممكن بجوهر وجود هذا الأدب".



48
الشاعرة العراقية
فاتن نور
الولايات المتحدة الأمريكية

الثقافة هي المدخل والمعول لكل التحولات السياسية والاجتماعية وغيرها
"الطفولة مكون جوهري من مكونات الشخصية مثل الوطن، قد يشيخ ولا تشيخ مكوناته في دواخلنا"
"وراء كل إنسان عظيم فلسفة، وروافد شتى داعمة له"
حوار من إنجاز نعيمة الزيداني- صحافية من المغرب
ضيفتنا لهذا العدد من فرح الشاعرة العراقية المتألقة "فاتن نور"  ابنة محافظة البصرة الفيحاء، حاصلة على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة البصرة. عملت بمجال تخصصها بعدة وزارات عراقية دون أن تعرف الاستقرار، وعن ذلك تقول" رُحلّتُ من وزارة إلى أخرى كالمساجين حين يُرَحلون لصراحتي في كشف الحقائق أمام الجهات العليا ."
هاجرت إلى الولايات  المتحدة الأمريكية، وبها تقيم حاليا، ثقافتها واسعة ومتنوعة فهي مهتمة بالفلسفة وعلم النفس والشعر والقصة، ولها فلسفتها الخاصة في القراءة، تقول" تنوعتُ في قراءاتي ما بين العربيّ والعالميّ،  أبحثُ دوماُ عن الكتاب والكتاب الناقد للكتاب / لعبتي هي الشيء ونقيضه."
تكتب الشعر منذ كانت طالبة في المرحلة المتوسطة، لغتها الشعرية شديدة التفرد، وقصائدها تفيض فلسفة... يقول عنها الناقد الدكتور وليد سعيد البياتي "الشاعرة فاتن نور تمثل مسارا خاصا ومتفردا في الشعر الرمزي، وهي تحاول تقديم منظور فكري معاصر للمرأة."
أهلا بك في هذا اللقاء مع قراء فرح
س: في البداية، ورقة تعريفية للشاعرة فاتن نور؟

أهلا بكم. أنا كاتبة من هذا الوطن الصغير جدا: كوكب الأرض. من رقعة جغرافية منهكة بالشقاق والتوتر، رفعها الأقدمون بعقولهم وزينوها بقلوبهم، بينما داس عليها العابرون والمخمورون، ودنسها المناضلون الجدد صاعدين بها الى الدرك السفليّ، وتوضأ بها أرباب الشهوة والوهم، وصلوا صلاة الامتلاء على رؤوس الآبار والمعدمين، حاميلن الدلاء الكبيرة فوق رؤوسهم الموغلة في الصغر. أنا كاتبة فقط، يتشظى القلم معي في اللحظات الماكرة من فرط حبه لي. إجابتي غير تقليدية غالبا على مثل هذه الأسئلة فعذرا.
س: ماذا تقولين لنا عن فاتن نور في لحظاتها الإبداعية الأولى حين يسكنها وجع الكتابة ؟

قيل الكثير عن اللحظة الإبداعية، فقد ربطها الأقدمون بالجن، أو إلهام شياطين وادي عقر، قال امرؤ القيس: تخّبرني الجنُّ اشعارها / فما شئت من شعرهن اصطفيت
وفي بيت آخر يقول:
فاعزل مرجانها جانبا / وأخذ من درّها المستجادا
ومنهم من ربطها بالخبرة وتضافر عوامل التجربة والعزم والإستبصار أو بالحالة السيكولوجية وتداعياتها وما إليه. لكل منا تصوراته ورؤيته الخاصة عن اللحظة الإبداعية. أما عن تصوري فهي لحظة "الدهشة" التي تخلق مناخا إنفعاليا. لا سيما أن الدهشة ذاتها هي وليدة لمناخ إنفعالي قد يكون الكاتب فاعلا فيه أو مفعولا به بمستوى أو آخر. فالدهشة كـ "القدحة أو الشرارة" تحرك السواكن وقد ينزاح عنها فعل كتابيّ. ولكن ليس بالضرورة، فلحظات الدهشة كثيرة ويكاد لا يمر يوم عقيما بهذا الإتجاه، فقد يصار الى تخزينها لا شعوريا لتظهر بفعل دهشة أخرى أو تطفو في خضم حالة ما من حالات الإنفعال أو السكينة. علما أن الدهشة نسبية، فما يدهشني وأنفعل به قد لا يدهش الآخر، أو قد يدهشه بشكل مغاير كليا أو نسبيا. لو تأملنا كل ما يقال عن توصيف اللحظة الإبداعية سنجده مازال عالقا لحد ما بتصورات العصور الغابرة، فحالة الوعي واللاوعي التي غالبا ما تـُدرَج في تواصيف اللحظة الإبداعية، توحي بعالم مضبب، مزدحم باليقظة والحلم ويتداخل فيه المُدرَك باللامُدرَك والمحدوس بالمحسوس، يشبه ولحد ما ضبابية عوالم الجن والشياطين واخباراتها الشعرية.
الكتابة ليست وجعا، لو كانت هكذا لما كتبنا شيئا. أرى أنها مخاض يجمع بين حبور الرغبة في تفريغ شحنة ما، والتأهب لاحتضان ما ينزل من صلب النفس ومخاضات سيرورتها في الحياة والوجود. ولكل مخاض ثيمة من ثيمات الوجع، لكنه ليس وجعا صرفا.
س: في شعرك نلمس براءة الطفلة حينا، ونضج المرأة حينا، وكونية الإنسان حينا آخر...من هي فاتن نور من بين كل هؤلاء؟
في داخل كل إنسان طفل لا يكبر. الطفولة مكون جوهري من مكونات الشخصية مثل الوطن، قد يشيخ ولا تشيخ مكوناته في دواخلنا فهي من لبناتها الأساس.  والنضوج مكون آخر لصقل ما يمكن صقله، والإنسان "سؤول عقول، مثلما قال الفراهيدي" سائح في هذا الوجود شاء السياحة ام أبى مادام فيه نبض أو نفس. وكلها مكونات متشابكة فلا فاصل مرئي أو محسوس ندركه بينها. وكل ما ينتجه الإنسان أو يقوم به هو نسيج معقد ومركب من مكونات شخصيته وقراءته للعالم، ولا يمكنه أن ينتج شيئا من مكون بعينه لتداخله مع بقية المكونات وانصهاره في بوتقة واحدة. جوابي المباشر عن سؤالك هو: فاتن نور تكتب مما في هذه البوتقة وبتحريض مباشر أو غير مباشر من العالم الخارجي، أو عالمها الخاص.
س: قصائدك غنية وجدانيا ولغويا تفصح عن أحاسيسك بعمق وشفافية رغم حضور مواقفك الفكرية بقوة في كتاباتك...كيف تمكنت من تحقيق هذه المعادلة الصعبة؟
هذا السؤال، بتصوري، من طينة السؤال السابق، أو من خمير إجابتي عنه.لكنني سأوضح، كل المكونات التي تحدثنا عنها في السؤال السابق وما يتبعها من مكونات فكرية وفلسفية، ثقافية وسيكولوجية، عقلية وعاطفية وما إليه، هي طرف من المعادلة وحسب توصيفك، والطرف الثاني منها هو "إنسان ما"، يعادل الطرف الأول بمكوناته المذكورة. وهي متغيرات وليست ثوابت، فمثلا، مكونات الطفولة تتغير تبع فهمنا لها واحساسنا بها زمنيا، ولأن أي "فهم" لابد أن ينطلق من ثقافة ما أو وعي ما، ولأن الثقافة متغيرة فثمة إكتساب لها أو فقد وعلى امتداد الزمن، فهذا يؤثر في طبيعة إدراكنا لمكونات طفولتنا وطبيعة تواصلنا معها. وهذا التأثر سيؤثر بدوره على طبيعة فهمنا لشخصيتنا كون الطفولة من مكوناتها. لذا يمكنني القول هاهنا، المعادلة تتحقق عفويا أو لا شعوريا وعلى مدار اليوم والساعة، حينما نفعل، نفكر، نحب، نسلك، نكتب..الخ. يحضرني قول للفيلسوف الفرنسي والمحلّل النفسي فرانسوا روستانغ، مفاده أن الكثير من أفعال الإنسان وسلوكياته ما هي إلاّ تحولات مجازية عن عالم الطفولة.
س: من أين تنبع مفرداتك الشعرية؟ وما سر هذا التألق المدهش للرمز في كتاباتك؟
"تنبع"، أشكرك على هذه المفردة من الصميم. أجل، المفردات تنبع من وتطفو على سطح البوتقة، تلك التي تحدثنا عنها والتي تنصهر فيها مكونات الشخصية، واللغة مكون آخر، فعندما تراودنا لحظة الكتابة او تدخلنا الرغبة لتفريغ شحنة آنية تولدت بمؤثر ما، أو شحنة اختمرت أو تكثفت لفترة غير محددة او مُعرفة، يتدفق نبع المفردات كما تتدفق الآبار الإرتوازية وتفرض نفسها. فلا عناء أو جهد يذكر في هذا المجال لا سيما إذا كان الخزين المعلوماتي ثريا ومتنوعا. وربما تشكل المفردة عبئا على المتلقي إن لم تكن مألوفة أو شائعة. ولكن عن نفسي أقول، لا أكتب لإرضاء الآخر أبدا أو حتى لإرضاء نفسي بل أكتب بما يشبع لحظة الإنفعال وتصويرها أو التعبير عنها، وبما ينبع عنها أو يتفجر من مفردات قد تبدو رموزا للآخر، أو قد تكون رموزا فعلا تشبع الدلالة في سياقها وتمد آفاقها. وفيما ذكرته أجد جوابا شافيا عن الشق الثاني من السؤال.
س: كيف هي علاقتك بالنقاد؟ وما موقفك من استيراد المناهج النقدية الغربية لإسقاطها على النصوص الشعرية العربية؟
المتتبع لحركة النقد الأدبي العربي يجد أن العلاقة قديما تشي بعدم ارتياح، أو هجاء يصل حد الخصومة، وهي ليست بأفضل من هذا الحال في يومنا. أما في العالم الغربي فيحضرني ما قاله الشاعر الرومانسي الأنكليزي- بيرسي بايسش شيللي-  في هذا الصدد:  "ما عدا أمثلة نادرة، لا يمثل النقاد سوى سلالة غبية وخبيثة، وكما يتحول اللص المفلس الى خفير، كذلك يتحول المؤلف العاجز الى ناقد". والى مثل هذا المعنى ذهب الشاعر نزار قباني، والشاعر الناقد الأنكليزي - تايلر كولريدج- وغيرهم. عدم الثقة بالنقاد لعلها هي القربة التي تنضح منها مثل هذه التصورات وهي صائبة ولحد ما، وثمة مقولة تلخص الأمر وهي: اطلب الورد في كانون، والتمس الثلج  في حزيران قبل أن تثق بالناقد.
من الضروري، بتصوري، أن ننصف النقاد ولا نوقع بعلاقتنا بهم في خضم مفهوم بعينه. فكل ناقد بما ينتجه في مجال النقد وما يختاره من نصوص بحيادية، وما تشي به قراءاته لها، يفرض علاقته الخاصة بالآخر المتلقي. أما اللجوء الى تعميم مفهوم بعينه لتوصيف العلاقة فلا يبدو لي إنصافا.  عن نفسي، أكاد اقترب من الشاعر شيللي لأنه استهل قوله بـعبارة منصفة وهي "ماعدا أمثلة نادرة".
أما عن استيراد المناهج النقدية، فلا يهم ما يسقطه الناقد على النص الشعري بتصوري، المهم فهمه للمنهج أولا، ومدى موضوعية قراءته للنص سواءً جاءت بتوظيف منهج بعينه أو مجموعة أو بدون، بعيدا عن آفة التقديس والتدنيس، أو ضخ دلالات وآفاق لا يحتملها سياق النص ثانيا.
س: يقول الناقد المغربي الكبير"عبد الفتاح كليطو":" كل كاتب يحاول إخفاء شيء ما."ما تعليقك؟
يبدو أنني سأختلف مع أحد رواد الحداثة النقدية الذي أثرى كلاسيكيات ثقافتنا العربية بمقاربات تحليلية جادة وهادفة. وانطلاقا من نظرته هو حول الأدب بصفته خرقا للمألوف والسائد من الكلم الدارج، الإخفاء إذن ليس "محاولة" إنما ضرورة فنية تكسب النص "أدبيته" بالتخريب والإيهام أو الإبهام والإنزياح، هذا من جهة. من أخرى، فإن ثمة مسافة بين قراءة المؤلف لنصه وقراءة المتلقي وإن جاء النص مكتوبا بلغة بيان جلية، فإن هذه المسافة قد تقترب من الصفر لكنها لا تكون صفرا بأي حال، فكل إنسان كيان مختلف عن الآخر وإن تقارب معه معرفيا ووجدانيا. وبوجود هذه المسافة قد يبدو خفيا ما لا يريد المؤلف إخفاءه في سياق نصه على مستوى الفهم والإستيعاب أو التقبل والتأمل. أما في المسافات الشاسعة فتطفو"علة الفهم" وتبرق الحاجة إلى تفسير أو تأويل لفتح مغاليق النص. يمكننا فهم مقولة كليطو على أكثر من محمل، ولكن مفردة "يحاول" حسب موقعها تشي بـ "قصدية" يحاولها الكاتب لإخفاء شيء، ولا أجد في هذا صوابا مطلقا، فقد يكون"الإخفاء" تحصيل حاصل تفرضة المسافة بين فهم المتلقي وفهم الكاتب ولا يقصده الأخير أو يحاوله.
س: مالدوافع التي جعلتك تختارين الهجرة والحياة في الولايات المتحدة الأمريكية؟ أهي الحرب وافتقاد  الأمان...أم أشياء أخرى؟
لم يكن اختيارا أو خيارا. فما حلمت قط بالولايات المتحدة الأمريكية ولم يكن في حسابي أبدا الإقامة فيها وحمل جنسيتها كلاجئة.
أحلامي الكبيرة جدا لم تخرج أبدا عن الرقعة الجغرافية الصغيرة التي ولدت فيها وترعرعت، إنما الرياح قد تأتي بما لا تشتهي السفن وقد دفعتْ بكل أشرعتي خارج الحدود، وحدود رغبتي وأحلامي أيضا. هكذا وجدتني على رقعة جغرافية فارهة تقطنها جنسيات مختلفة من شتى أرجاء العالم، رقعة تستوعب الرغبة والحلم بشكل أفضل وتمنح حدوة لمن يريدها لينطلق كالحصان. ومن هذا تعلمت بأن الظرف السيء قد يحملنا قسرا الى حيث لا نريد، وما لا نريد  قد يكون أفضل من كل اختياراتنا  أو ما نسعى إليه بأقصى طاقة ممكنة وجهد.
س: أي الإحساسين أقوى...الغربة أم الاغتراب؟ وكيف انعكس كل منهما على كتاباتك الشعرية؟
أحسنت بسؤالك هذا فشتان ما بين الاثنين. الغربة انزياح شعوريّ يولده التنقل في المكان، فالخروج عما نألفه في مكان ما إلى آخر، يشعرنا بالحنين لما تركناه خلف ظهورنا، وقد يشعرنا بالاضطراب والقلق ويشيع مسحة من حزن في دواخلنا، لكن الإحساس بالغربة يتضاءل بالتعايش والتقادم الزمني. في الغربة تجديد وصقل للذات واكتساب للمعرفة والخبرات، وفرصة مواربة لتحقيق الطموحات التي تعثر تحقيقها. فهي ليست سيئة تماما. أما الاغتراب فحليف ذات المكان الذي نألف، وبكل ما يفرضه من منغصات وقيود على كافة الصعد تصيبنا بالإحباط. بمعنى آخر، الشعور بالغربة في المكان الذي ألفناه منذ نعومة أظفارنا  قد يحيلنا إلى اغتراب، إلى شعور بالكره والمقت وعدم الرضى لفقد التجانس والتوازن، ويؤدي الى الإنكفاء والعزلة. ولأني مقيمة في امريكا منذ 1995 أكاد لا أشعر بغربة المكان رغم الحنين الذي لا ينضب، ولا أشعر بالاغتراب في الداخل الأمريكي إنما أحمل في دواخلي إغترابات مكان آخر ولدت فيه وعشته بكل توتراته وسكناته المُحبِـِطة، خزين كبير عالق في الذاكرة ومازال حيا نابضا يوجعني. وكل خزين له انعكاسات عفوية على المنجز الكتابي لا يدريها الكاتب بالضرورة أو يقصدها.
س: تشهد بلاد الرافدين تحولات كبيرة وخطيرة سواء اجتماعيا أو سياسيا، هل ترين أن ذلك سيساهم في إحداث تغييرات جوهرية في المشهد الثقافي العراقي ؟
الثقافة هي المدخل والمعول لكل التحولات السياسية والإجتماعية وغيرها، وهي المؤثر الأول لنجاح أنشطة التغيير والإصلاح والتنمية الاجتماعية لعلاقتها العضوية بكل صعيد ومفرق من مفارق الحياة. وأنا أتحدث هنا عن ثقافة تعددية أو سوسيولوجية حية ومنتجة، وليس عن ثقافة مركزية تقليدية أو رجعية.  إلا أن المعادلة مقلوبة في بلاد الرافدين والبلدان العربية بشكل عام، فالأنظمة السياسية تكرس الثقافة التقليدية، ثقافة الثوابت وليس المتحولات، وترسخها عبر آلياتها المعروفة.  يقول سارتر ،" المثقف هو الذي يتدخل فيما لا يعنيه"، وهذا ربما هو الفاصل بين فهم مجتمعاتنا "للمثقف" وفهم المجتمعات المتحضرة، فنحن نعيب من يتدخل فيما لا يعنيه لأن الثقافة في مفهومنا  "اختصاص أو تخصص" ، لذا ننظر إلى حملة الشهادات الأكاديمية كشريحة مثقفة لأنها متخصصة في حقل ما وهذا فهم غير سوي. بينما لا نرى الفلاح، على سبيل المثال لا الحصر، مثقفا مع أنه يحمل معرفة متخصصة هو الآخر في شؤون الحرث والزراعة، وهذه ازدواجية مضافة إلى الفهم الخاطئ .
قطعا اقول، أي تحول سياسي أو إجتماعي في أي بلد، سيؤثر سلبا أو إيجابا في المشهد الثقافي للبلد وحسب طبيعة التحول ومرتكزاته السببية ، ومدى عقلانية قياداته ومستوياتهم المعرفية، وطبيعة الأهداف ووسائل بلوغها.  يمكنني القول بأن طبيعة التحولات وسيرورتها تعكس ثقافة المجتمع والعكس صحيح، فإذا كانت الثقافة استبدادية تعسفية في أصغر مؤسسة في الدولة وهي الأسرة على سبيل المثال، فمن الصعوبة ان نحظى بثقافة ديمقراطية في المؤسسات الأكبر. ومن المؤسف أن تكون الثقافة تابعا للسياسة، أو أن تكون الأخيرة المنتج الأول لها، أو الرقيب على إنتاجها.
س: هل يمكن أن يفقد الشاعر العربي مصداقيته في زمن الثورات والانقسامات ليتحول إلى دمية تمسك خيوطها أياد سياسية لا علاقة لها بالفعل الثقافي؟
ليس فقط في زمن الثورات والإنقسامات، بل في كل زمن، ثمة شعراء يسخرون أقلامهم للسلطة ويقتاتون من فتاتها، أو تسخرهم السلطة وتقتات على حبر أقلامهم. والسلطة خير من يجيد الإغراء وتحمّـل مسؤوليته المالية أو التحفيزية لا سيما أن المال العام متاح لها، بل في قبضتها، وقد تزحلق الكثير من الشعراء قديما على زلاجات الإغراء السلطوي فبين المديح والدرهم علاقة وطيدة في تراثنا العربي ومازال الحال قائما. أما "السلطة" حسب موقعها فليس بالضرورة أن تكون سلطة دولة، فقد تكون سلطة مؤسسة، أو سلطة شيخ قبيلة أو سلطة فرد وجيه ماليا ينقصه المديح أو الإطراء والثناء.
س: بمن تأثرت من الشعراء العرب؟ وهل تقرئين للشعراء الغربيين؟
التأثر بشاعر بعينه يعني التأثر بعموم منجزه الشعري أو غالبه بالنسبة لي، وهذا ما لم يحدث معي، فقد أتأثر بقصيدة لشاعر ولا أتـأثر بأخرى، أو بمجموعة شعرية بعينها دون غيرها. اسم الشاعر ومهما بلغت شهرته ومكانته في الوسط الأدبي لا يجرني الى التأثر بكل ما ينتجه أو تذوقه، فما ينجزه الشاعر طوال حياته لا يمكن أن يكون بنفس الجودة والقيمة بتصوري. لا يمكنني حصر القصائد التي تأثرت بها سواءً لكبار الشعراء في الواجهة أو للصغار خلف الكواليس المنسية، وهكذا بالنسبة لشعراء الغرب.
ولكن من الشعراء الذين قرأتهم باهتمام وشغف، أذكر لك السياب ومحمد بنيس وأدونيس والشابي وجبران وسركون بولص ومحمود درويش وفدوى طوقان ووفاء العمراني، دانتي وبودلير ورامبو وريلكه وطاغور وبابلونيرودا وايليوت وبورخيس..وغيرهم. وقطعا الشعراء الأقدمون والفحول منهم في غنى عن الذكر.
س: هل يمكن أن تنطبق عليك مقولة وراء كل عظيمة رجل؟
عظيمة! من أين جاءتني هذه العظمة؟ عموما لو سألنا "من هو العظيم" ستتوارد إجابات كثيرة تختلف حسب مستوى الوعي والفهم والاهتمام، فمن يضع الأخلاق في المقدمة، ربما العظيم لديه هو صاحب الخلق العظيم وحسب تصوراته لماهية الخلق العظيم.
وربما آخر يرى العظمة في تحقيق أكثر الأشياء نفعا وتجنب أكثرها ضررا، وحسب فهمه للنفع والضرر أو الخير والشر وهذه ثنائيات متداخلة ونسبية. وقد تربط العظمة بالمنتج الثقافي والأدبي والفكري والفلسفي والعلمي وقيمته العالمية.
"العظيم حقا، هو من لا يحب أن يسوده أحد، أو يسود أحدا".. هذه مقولة لجبران خليل جبران، أجدها رائعة وشاسعة الأفق، وتضفي صفة العظمة على الكثير من البشر.
أما المقولة التي نتداولها بكثرة "وراء كل رجل عظيم امرأة"  فهي تحتمل الصواب والخطأ إضافة لكونها مقننة بفرد. وبتصوري وراء كل إنسان عظيم فلسفة، وروافد شتى داعمة له أو ساندة. وقد يكون الإنسان الآخر أحد هذه الروافد وبغض النظر عن جنسه أو طبيعة علاقته بالإنسان العظيم. بمعنى، ليس بالضرورة ان يكون امرأة كما في المقولة. ومن الطريف، أذكر عندما كنت طالبة في جامعة البصرة أفاد أحد الزملاء وكنا بصدد هذه المقولة، بأنها لنابليون بونابرت، وهي منقوصة وأصلها "وراء كل عظيم امرأة، تجره الى الخلف"، ولا أدري مدى صحة هذه المعلومة.. لكنها طريفة فعلا من طرائف العقل الذكوري.
س: ماذا عن مشاريعك المستقبلية؟
في جعبتي الكثير من المشاريع العالقة دائما باللحظة القادمة: المستقبل. حرصت على جمع ما ذرفته من الحبر في كراريسي الصغيرة لتغادر معي خارج التخوم العراقية. أتمنى أن يتسع الأفق والمزاج لتهذيبها وتبويبها وتقديمها للقارئ الجاد. إضافة الى الخزين الكبير الذي لم أنشره إلكترونيا وعلى أمل نشره ورقيا.لا تقودني العجالة في هذا المضمار فأنا متأنية تماما وأمنح نفسي فرصة التأمل قبل القفز في بحر مضطرب لا تبدو أمواجه الصاخبة عالية الفطنة.
س: نشكرك جزيل الشكر، ونتمنى أن تكون هديتك لقراء فرح قصيدة من اختيارك؟
وجزيل شكري لكم لإتاحة هذه الفرصة الطيبة.
"من هنا" قصيدة قصيرة من ثلاث قصائد نُشِرت لي هذا العام. عادة لا أنشر إلاّ القليل مما أكتب إذ يطيب لي الاحتفاظ بالحبر لأجلٍ غير مسمى. يسعدني أن أهديها لك ولكل قراء فرح، وقد أخرجتها على اليوتيوب بحنجرتي المفخخة بالنيكوتين، والمدهش، لم يحدث أي تفجير خلال التسجيل والحمد لله مالك الملك.
رابط النص على اليوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=YdPN0sqUr9w

رابط الحوار على مجلة فرح

http://www.magfarah.com/index.php?option=com_content&view=article&id=978:2011-09-14-14-17-23&catid=41:waraa-kol-adim&Itemid=149


49
أدب / الضائعة الجاحدة
« في: 20:32 02/09/2011  »


الضائعة الجاحدة



ادريس الهلالي :


شكراً لك سيدتي
وألف ألف شكر
شكرا لزياراتك الملحة
بوجهك الحلبي
على شباك الزيارات
يتكسر
وشعرك الإغريقي المسدول
نصفه على الصدر
والنصف الأخر على
الظهر
يخطفني..يحملني
طفلا على قصاصاته
الذهبية
وفي فمه قطعة
سكر
2
شكرا لمجيئك وقت
غفوة الريح
في خاصرة الضحى
شكرا لمجيئك عند
اشتداد ونتف الثلج
بزخات المطر
3
لن أنسى يا سيدتي
وكيف لي أنسى
غيابك المجحف
بتجاهلك
ونكرانك المر
وكأننا يوما ما شيدنا
قلعة أدب
ولا يوما أرصفنا مداميك
من مرمر
4
لا تبحثي عني وعذرا فقد
رحلت
وعلى سفح الأفق
كهفي بنيت
واكتفيت بالنوم
على عريشة رذاذ
ولغيرك سأكتب واسطر
5
لا تبحثي عني وعن هديل ريشتي
بح صوتها لأمثالك
.. يا أنثى ...
يا علقماً في حنجرة الانتهاز يتمرمر

50
أمسيتان للصائغ في لندن؛ المقهى الثقافي العراقي، ومقهى الشعر البريطاني




(لندن – ثقافات):

* على ايقاع الفلوت البريطاني والشعر العراقي، التقى الشاعر عدنان الصائغAdnan al-Sayegh ، والعازفة نيكي هاينن Nicky Heinen ، للمرة الثانية، في أمسية شعرية موسيقية، أقامها المقهى الثقافي العراقي في شارع هارو، لندن. مساء 31-7 وقدمها الفنان فيصل لعيبي.
http://al-nnas.com/ARTICLE/is/13b35.htm
http://www.almadarnews.com/more.asp?cid=4&mid=8833

وكانت أمسيتهما الأولى قد أقيمت مساء ٤/٣/٢٠١١ في كامدن تاون.
http://vimeo.com/20715795

هذا وقد عملت الفنانة هاينن ثلاثة أفلام قصيرة، لثلاث قصائد للصائغ هي: "منتهى" والمقطع (8) و (13) من "أوراق من سيرة تأبط منفى" تضمنت عزفاً منفرداً لآلة الفلوت (الناي) صاحبتها القصائد الثلاث بصوت الشاعر. تداخلت فيها الموسيقى والكلمات، مع انعكاسات تلألأ الشمس على بحيرة كوتسوولد Cotswolds lake.
منتهى
http://www.youtube.com/watch?v=sLvHeYpXU-Y

أوراق من سيرة تأبط منفى – (8)

http://www.youtube.com/watch?v=nHTJ4R_rpgY&NR=1

أوراق من سيرة تأبط منفى – (13)
http://www.youtube.com/watch?v=OBQ-u13w_H4&NR=1


* وفي مقهى الشعر البريطاني Poetry Café، في كفر كاردن، وسط لندن، أقامت رابطة حبر المنفى "Exiled Writers Ink"  أمسية شعرية يوم 1 آب – أغسطس، تحت عنوان  "My Freedom, My Bondage". قرأ فيها فيها الشعراء: أوريت آشري Oreet Ashery، عدنان الصائغ Adnan al-Sayegh  (قرأ الترجمة الانكليزية الشاعر ستيفن واتس Stephen Watts)، الفريدو كوردل Alfredo Cordal، كريس كاتكند Chris Gutkind.
وقدمها الشاعر جنوي آزبيكه Chinwe Azubuike.

http://www.poetrylibrary.org.uk/events/readings/?id=6752


- وتستضيف الجمعية العربية للثقافة في مدينة كارديف الشاعر الصائغ، في قراءات شعرية، مساء السبت المصادف العاشر من شهر أيلول- سبتمبر 2011، في القاعة اليابانية - المركز الويلزي العالمي للفن والثقافة في كارديف Wales Millennium Centre. والدعوة عامة.
http://www.alnoor.se/article.asp?id=123830

كما سيشارك في أيام الثقافة العراقية في العاصمة السويدية، استوكهولم، للفترة 15-19 أيلول – سبتمبر 2011.


- هذا وكان قد صدر للصائغ هذا العام مجموعته الشعرية الجديدة، تحت عنوان " و.. "، عن دار رياض الريس للكتب والنشر، في بيروت. تقع المجموعة بـ 212 صفحة، وضمت 74 نصاً. وسبقه "القراءة والتوماهوك، ويليه، المثقف والاغتيال" كتابان في مجلد بـ 780 صفحة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 2010.
http://www.adabfan.com/criticism/8168.html
http://www.anhaar.com/arabic/index.php/permalink/7200.html
http://www.aljareeda.com/AlJarida/Article.aspx?id=170755

- وكانت قد نُوقشت في كلية الآداب - جامعة الموصل، اطروحة ماجستير، بعنوان (قصيدة الحياة اليومية في شعر عدنان الصائغ) الباحث أحمد محمد علي، بتاريخ 22/5/2011. ونال فيها درجة تقدير امتياز. سبقتها عام 2006 رسالة ماجستير في كلية التربية - جامعة بغداد، حملت عنوان [شعر عدنان الصائغ دراسة اسلوبية]، قدمها الباحث والشاعر عارف الساعدي، وحصل فيها على درجة امتياز.
http://www.alnoor.se/article.asp?id=116494
http://www.al-bayyna.com/modules.php?name=News&file=article&sid=44284

أمسيات سابقة 2011:
الجواهري والصائغ بصوت نادين وألحان ياملكي، في أمسية عراقية في كندا
http://www.alnoor.se/article.asp?id=115458

كأس لياملكي ونادين والصائغ
http://vimeo.com/27021432

"جنون اليأس" رواية جديدة للروائية العمانية غالية آل سعيد، متضمنة ( 114) مقطعاً من قصائد الشاعر العراقي عدنان الصائغ.
http://www.alapn.com/index.php?mod=article&cat=book&article=17124
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=data\2011\06\06-13\13m15.htm
http://www.oman0.net/showthread.php?t=556060


شاعر بريطاني يقرأ أشعاره في «مقهى أدبي مكة".
http://www.alnoor.se/article.asp?id=114718
http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/263142
http://www.arabicmagazine.com/Arabic/news.aspx?Id=5146

الشاعر العراقي عدنان الصائغ يشارك في مهرجان سكوتلندا العالمي للشعر، وفي مهرجان كلاسكو.
http://www.alnoor.se/article.asp?id=112992
http://www.al-nnas.com/CULTURE/2tm22.htm
http://www.yanabeealiraq.com/0511/02051102.html
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,502555.0.html

قراءات في جامعة كامبرج.
http://www.alnoor.se/article.asp?id=108757


51
أدب / القاهرة تولد من جديد
« في: 18:05 21/02/2011  »
القاهرة تولد من جديد
حنا خوشو


في زمن الغضب
تدور المعركة بين الاستبداد والحرية
"ام الدنيا" تستفيق من نومها العميق
وتنفض غبار السنين عن وجهها
لتصنع تاريخا جديدا.

في شوارع القاهرة تُسمَع اناشيد عذبة
تعلو لتعانق السماء
بعد ان كانت مكبوتة لدهور
الهواء يبدو غريبا..
الشمس تستطع اكثر من المعتاد..
الالوان زاهية غير مألوفة
والطيور تحلق في الاعالي
غير آبهة بالضجيج..
انه زمن التحولات.

في "ميدان التحرير" تعانقت اصوات الملايين
مرددة - ارحل!
ولم تتوقف حتى رحل
في "ميدان التحرير" اشتعل لهيب الثورة
ثورة الخبز والحياة
ليحمل آمال الناس حول غدٍ افضل
الى كل العالم..
وفي الليل كنّا نشاهد القاهرة تحترق..
لأجلي ولأجلك.

شيئا فشيئا يعود الصمت الى الازقة
غبار المعركة يتلاشى في الافق
والضباب ينجلي عن ضفاف النيل..
القاهرة تحترق لتولد من جديد.




52

تعال يا نزار* ولو للحظة

ماجد ابراهيم بطرس ككي


الآن تعال...وأرجع

لترى الشعوب... الثائرة

ما عادت تقبل أن تقمع

بعد أن نفذ صبرها

وهالها الذّل والهوان

هالها الفقر المدقع

ما عادت للذّل تخنع

وللهوان تركع وتخضع

لصوتها الصارخ...أسمع

فطبولها في الساحات

تدّق...تدوّي وتقرع

فالكلّ نزل للشارع

تجمّع تظاهر وتشجّع

ما عاد يخيفها قهر

قتل دبابة او مدفع

ونجمها في ليل بهيم

أخذ ينير ويسطع

والطواغيت منها أرتعبت

بدأت تخاف و تفزع
فواحد إثر واحد

اخذت تهرب وتهرع

تغادر مواقعها قصورها

كراسيها وبعيون تدمع

وبدأت سلسلتهم المنعقدة

تنفرط تنكسر و تتقطع

فبالامس كانت في تونس

واليوم في القاهرة تسمع

وغداً في...

وبعد غدٍ...

فلن تتوقف أبداً

إلى أن الطغاة كلها تخلع

ولن تعود مالكة تتربّع

ما عاد يفيد او ينفع

ما فسد وخرب ان يرقع

فهذه البداية والمطلع

لغد أفضل يفيد وينفع


-------------------------------------------------

(*)الشاعر نزار قباني


       



53
أدب / الكهريز
« في: 15:10 06/02/2011  »
الكهريز

سعدي المالح

                                                                                                  قصة قصيرة

في طفولتي كان ثمة كهريز في عنكاوا. وهذا الكهريز- على وفق الاعتقاد السائد- موروث من زمن الملك الآشوري سنحاريب (705-681) ق. م، ولعله كان جزءا من مشروع إروائي كبير، أو شيّد في القرون المسيحية الأولى، إلى جانب كهاريز أخرى لا تزال بعضها قائمة في سهل حدياب– أربل.

معماريا، كان هذا الكهريز يعد أسطورة حضارية: سبع آبار متصلة بعضها بالبعض عبر قناة تحت الأرض مسقفة على نحو نصف قوس بالآجر المفخور، تتزود من مياه جوفية، تنحدر مهرولة نحو ثلاثة كيلومترات، ثم تنسكب من فم تل صخري في حوض كبير زلالاً صافياً، تُصدر خريراً متناغماً، لتجري بعد ذلك متبخترةً في ساقية جميلة، تروي عطش القرية بناسها وحيواناتها، والبساتين الخضراء الممتدة على طرفيها.

كانت هذه الساقية تدخل القرية من طرفها الشرقي فتسقي، أول ما تسقي، على اليمين بستان القس بولص عبدوكا ومينا كومتا (السوداء) زوجة أخيه المتوفى، البستان العامر بالكثير من أشجار التوت والرمان وكروم العنب والخضار المختلفة كالبصل والخيار والطماطم والفجل والكرفس والسلق وغيرها المزروعة في وسطه. وعلى اليسار بستان الخواجة ويردينا الحسيني الذي كان يحوي خمس شجرات توت كبيرة وعدد من أشجار التين والرمان وكثير من الكروم والخضار. بعد أن تهب الساقية لهذين البستانين مياها وفيرة تلتف يسارا لتسقي بستانا آخر واسعا، أو قل عدة بساتين للخضراوات لأولاد الخواجة سبي. ثم تسير الهوينا لتمر، بعد انتقالنا إلى بيت جدي لأمي، متهادية من أمام بيتنا. كان مجراها يبعد عن بابنا بضعة أمتار فقط. وما أن أطل براسي من الباب الخشبي الضخم ذي المسامير المفلطحة الكبيرة أرى أشعة الشمس تلمع على صفحة مياهها الصافية الرقراقة، وأجد أهل المحلة يجلسون في الأصباح الصيفية على حافة الساقية تحت ظلال حائط بيت المختار حنا بويا سبي، حيث تمر بجواره، تخلصا من الحر. أخرج بمرح وألعب مع بعض أصدقائي, وعلى ضفة هذه الساقية أنصب أعوادا رفيعة، فتأتي الفراشات الملونة لتحط عليها، أتقرب منها خفية وامسكها بأناملي الصغيرة وأضعها في علبة زجاجية. وأحيانا أبني أحواضا صغيرة على ضفة الساقية الغرينية وادخل فيها سمكة صغيرة جدا مثل دودة.

بين إلتواءات هذه الساقية وخضرة هذه البساتين العامرة، والحقول الديمية التي تليها مباشرة، كنا، نحن الأطفال، نسرح ونمرح ونلعب ونسرق التوت والرمان وبعض الخضار أحيانا، أو نصيد العصافير بالمقلاع (الجتل) من على الأشجار أو ضفتي الساقية. ولهذا كنا الأعداء اللدودين لأصحاب هذه البساتين، ولا سيما القس بولص عبدوكا وزوجة أخيه مينا اللذان كانا يخرجان من بيتهما المجاور المطل على البستان وهما يشتمان ويلعنان آباءنا وأجدادنا راكضين وراءنا مسافة إلى أن نبتعد. لكننا لم نكن نتعظ فنرجع بعد ساعات أو في اليوم الثاني وكأن شيئا لم يكن. أما بستان العم ويردينا فكان أكثر سهلا للسطو والنهب من قبل الأطفال لأن مسكن هذه العائلة كان في الطرف الآخر من المحلة؛ في زقاق طويل يدخل بعيدا في عمق البيوت، ولهذا لم يكونوا يتواجدوا دائما في البستان إلا في الفترات التي كان العم ويردينا العجوز يبقى في  القبرانا (كوخ صغير في البستان، وهي تصغير لكبر أو كفر وتعني بالسريانية الكوخ الصغير أو القرية) ولم يكن يخيفنا كثيرا لأنه كان في تلك الأيام طاعنا في السن وغير قادر على الركض مثل القس بولص ومينا كومتا.

كانت ثمة أشياء كثيرة تجذبنا في هذين البستانين وفي مواسم مختلفة. في نهاية الربيع مثلا التوت اللذيذ، إذ كان للعم ويردينا أكبر عدد من أشجار التوت وأقل عدداً منه للقس بولص وثلاث شجرات لبيت المختار تطل اثنتان منها على السور الشمالي المجاور للساقية والثالثة على السور الشرقي ونصف أغصانها تقع خارج السور تغرينا للتحرش بها. توت شجرة المختار كان أبيض كبيرا وحلوا، وتوت القس بولص فيه من الأبيض والأحمر، بينما توت العم ويردينا معظمه أحمر ووردي فيه بعض الحموضة، وكان هذا التوت يستهويني أكثر من غيره. وذات مرة خاطت أمي لي قميصا بجيب. وأمي، على فكرة، كانت خياطة ماهرة تعرفها المحلة جيدا، لبست القميص مزهوا ذاك اليوم، واستغللت في الظهيرة، فرصة ذهاب العم ويردينا للغداء، فهرعت مع صديق لي نحو أشجار التوت، وتسلقنا غصنا عامرا بالثمر اللذيذ، وبدأنا نأكل بشهية من ذلك التوت. ولأنني كنت أحب والدتي كثيرا، تذكرتها وأنا في تلك النشوة، فأردت تكريمها على خياطتها للقميص الجميل بأن آخذ لها جيبا مملوءاً بالتوت الأحمر الشهي، ثم فكرت أن استزيد فوضعت أيضا بعض التوت في طرف قميصي. ولا أعرف كيف نزلت من الشجرة وركضت فرحا إلى البيت لأقدم هديتي إلى أمي. في الحوش ما رأتني أمي، وقبل أن تسمح لي بالحديث، بدأت تلطم على رأسها:

-         يا ابن الكلب هذا أول يوم تلبس فيه القميص، لقد عمت عيوني بخياطته وأنت قد تلفته بالتوت.

نظرت إلى التوت الذي في جيبي وفي طرف قميصي، وكان قد ترك لونه في كل مكان، وأردت أن أقول لكنني جئت إليك بالتوت، إلا أنها هجمت علي وضربتني كفا وأفرغت التوت من القميص ورمته في الماء وهي تقول:

-         أشوف كيف يذهب هذا اللون لعنك الله.  

وكان القصب الكثيف في أحد أطراف بستان القس بولص يجذبنا كثيرا خاصة في أوائل الصيف وبعد بدء عطلة المدارس. كان هذا القصب عاليا يخرج من سور البستان ويميل نحو الشارع إذ من السهل علينا قلع أنبوب منه أو قص قسم من أنبوب بالسكين دون أن يرانا أحد. فنذهب ونجلس عند الغرغراوا (فتحة مياه الكهريزالمحدثة خريرا يشبه الغرغرة) ونصنع هناك لأنفسنا الدوزلا (ناي مزدوج) أو الشبابة أو غيرهما من الأدوات "الموسيقية" البدائية.

ومن المشهيات الأخرى في هذين البستانين، وتحديدا في بستان العم ويردينا، الحصرم. وكان هذا العنب الحامض قبل نضوجه لذيذا جدا وخاصة عندما كان يؤكل مع الملح، ونحن لم نكن نبخل بقطفه منذ أن تبدأ حباته بالتكور. أما الرمان فكنا نبدأ به قبل أن ينضج فنأكله مزا، وعندما ينضج تكون لنا حصة فيه لا سيما كنا نجد الكثير منه متساقطا تحت الأشجار.      

الصراع الأبدي والدائم في تلك البساتين كان بين ابن المحلة عامر شابو رزوقي من جهة وبين القس بولص ومينا كومتا. كان عامر صيادا ماهرا للعصافير بالمقلاع (وكنا نسميها بلهجتنا العنكاوية القشتة والأصح هي مقلاعتا بالسريانية ومنها المقلاع العربية) وكان عامر يصيد عشرات العصافير يوميا وتراه طول الوقت، وخاصة في الظهيرة أو الأصباح الباكرة، يدور في بستان القس بولص وفي يده المقلاع ويطبق أحيانا المثل القائل إنه يقتل عصفورين بحجر واحد. كانت أحجار عامر الطائرة من مقلاعه تتلف الكثير من الأثمار، ولهذا كان القس بولص يتربص به أحيانا، وما أن يراه إلا ويركض وراءه شاتما. تصور هذا القس الذي كانت تهابه عنكاوا بوقاره ورزانته وورعه أصبح في السنوات الأخيرة من حياته- رحمه الله- يصارع عامر الصغير ومصيدته!      

بعد عودتي إلى الوطن واستقراري في مسقط رأسي سجلت عدة مقابلات مع بعض كبار السن في عنكاوا  تحدثوا فيها عما كانت عليه عنكاوا في طفولتهم وشبابهم. وفي مقابلة من تلك المقابلات قال لي المرحوم يوسف أسوكا، إنه ذات يوم، حينما كان فتى مراهقا، قدم له جدي لأمي سبو مقي وأحد وجهاء عنكاوا الخواجة ويردينا حسيني جرخا (قداحة) وفنداً (شمعة رفيعة داكنة اللون) وطلبا مني اجتياز مجرى نفق الكهريز من أوله إلى آخره على أن ينتظراني عند البئر الأولى الأم، لكي أكتشف إن كانت ثمة قاذورات أو حيوان ميت مرمي فيها. وأضاف : أشعلت الشمعة وأحنيت ظهري ودخلت خائفا من فوهة "المفتح" بعكس مجرى الماء، وسرت في النفق حتى وصلت البئر الأولى، وهناك ناديت على العم سبو فسألني إن كنت رأيت شيئا ما. قلت له: لا .قال: إذن سأمد لك الحبل. فمد لي الحبل وسحبني. ولما وصلت إلى سطح الأرض شكراني هو والعم ويردينا وأثنيا على شجاعتي وأخبراني بأنهما كانا قد سمعا أن جثة أُلقيت في نفق الكهريز وكان يريدان التـأكد من الخبر الذي اتضح انه كان كاذبا ، لكنهما لم يرغبا بالإفصاح عنه لي لكي لا أخاف وامتنع عن دخول النفق.  

هذا الكهريز بآباره السبع، وفتحته ذات المياه المتدفقة الغزيرة، والباردة في عز الصيف التي نسميها (المفتح) ومَخاضتيه الواسعتين الكبيرة والصغيرة (اورزالتا رابثا وأورزالتا زورتا)، وساقيته الجميلة الوادعة (شاقَيثا)، كان ملعب صبانا، ومنبع حكاياتنا.

في نهاية الربيع كنا نتجول في مماشي تخوم الحقول وبأيدينا كتبنا المدرسية استعدادا للامتحانات النهائية، فنلتقي أحيانا عند هذه الآبار ونجلس على حوافها نتبادل المعلومات أو التوقعات في ما ستكون عليه الأسئلة، نأكل أحيانا بعض النباتات البرية التي نسميها محليا تشيراتا وقوللغانه والكعوب وغيرها.

في عيد الصعود (سولاقا أو نوسرديل)، وفقا للتقليد، من عادة الناس، كبارا وصغارا، أن يسكبوا الماء على بعضهم البعض. وعندما كنت صغيرا، كنا نحن الصغار نحمل طاساتنا أو سطولنا أو أي إناء نتمكن أن نحمل فيه ماء، ونهرع منذ الصباح، بعد عودتنا من الكنيسة، إلى الساقية، وهناك نتبادل سكب الماء على بعضنا البعض، وعلى كل من نصادفه في طريقنا أو على مقربة منا سواء كان صغيرا أم كبيرا. وما اشد فرحتنا عندما نحظى برجل هام، فيحاول التملص منا في البداية، إلا انه يغادر إلى بيته، في النهاية، خاسرا ينقط منه الماء، كأنه دجاجة مسموطة. وأحيانا نستغل هذا العيد لسكب الماء على بعض معارفنا "غير المرغوب فيهم" أو أصدقائنا اللدودين فنكمن لهم ونفاجئهم بسكب الماء عليهم ونهرب فيتعذر عليهم اللحاق بنا، لكننا نسمع أحيانا بعض العتاب أو بعض اللعنات الخفيفة تلاحقنا.

ولهذا التقليد حكايتين الأولى مرتبطة بالمسمى الأول نوسرديل ويعد بحسب الكنيسة الآشورية عيدا قوميا ويعني بالأكدية (سكب الماء على الإله) وكان يحتفل به في بابل وآشور بينما يسمى لدى الكنيسة الكلدانية سولاقا أي الصعود ويعد عيدا دينيا صرفا يرتبط بذكرى صعود المسيح إلى السماء. ولعل ثمة شعوب أخرى تحتفل بمثل هذا العيد لأنني شاهدت في برنامج تلفزيوني عيدا مماثلا لهذا العيد لدى بعض الأقليات في مناطق جبلية نائية من الصين.

وكانت فرحتي لا تضاهيها فرحة عندما يسمح لي جدي بأخذ حصانه إلى الساقية مساء لأرويه، أو عندما يسمح لي الراعي بمرافقته لإرواء قطيع أغنام جدي. وكان لطريقة الإرواء ووقته، فنونه ومواعيده، مثلما لأحايين صيد السمك أو نقل الماء إلى البيوت. إرواء الماشية عادة كان يتم مساء بعد عودتها من الرعي، ونقل الماء إلى البيوت يتم صباحا باكرا عندما يكون الماء زلالا صافيا لا يعكره شيء، لأن هذا الكهريز كان له قدسيته. وكان الأطفال الأكبر مني سنا يسردون قصصا عن أناس أصابتهم عاهات عندما حاولوا تلويث مياهه! أحدهم أصيب بالعمى وآخر تيبست يده، وثالث انتابه الجنون، ولهذا كنا لا نتجرأ على تعكير الماء أو تلويثه أبدا. وتحكي والدتي أن أحد رجال القرية كان مغمورا ومهملا، فأراد أن يذيع صيته ولو بالسوء، فرمى في الساقية وعند الفتحة (المفتح) في الصباح الباكر قاذورات بيته، وأصبح على إثرها مضربا للمثل السيئ، وظل هذا المثل سائدا في القرية والقرى المجاورة.

مياه هذا الكهريز انقطعت في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. حينها كنت صغيرا جدا، وتمكن الأهالي بعد فترة من إعادة المياه إلى مجاريها، ويحكى أن في اليوم الذي تدفقت فيه المياه إلى من المفتح إلى الساقية من جديد فرح الأهالي فرحا عظيما وراحوا يخبرون بعضهم بعضا، وشاءت الصدف أن يكون معظم أهل القرية في ذلك اليوم مدعوون إلى حفل زواج أحد أبنائها، يرقصون على على أنغام الطبل والمزمار، وحال سماعهم للخبر ، من شدة فرحهم، تركوا حلقات الرقص وتوجهوا نحو فوهة المفتح. ولما رأى الطبال وعازف المزمار ما حدث ولم يبق أحد من الراقصين توجها هما أيضا في إثرهم وراحوا يعزفون لهم هناك، فتشكلت حلقات الرقص من جديد وابتلعت فرحة المياه المتدفقة فرحة أهل العريس الذين بقوا وحدهم!

جفت مياه الكهريز من جديد في أواخر الخمسينيات، كنت في حدود الثامنة من عمري، ولا أنسى أبدا، عندما نادي المنادي في القرية: يا أهل عنكاوا ، الكهريز جف، لقد نضبت مياهه. فهرع الناس، كل بما يملك من أدوات وآلات إلى المفتح، الذي كان ما يزال يسكب مسيلا ضعيفا من الماء، والآبار السبع، لتنظيفها والسماح بمزيد من الماء بالجريان. في تلك الأيام تحسن مجرى الماء قليلا غير أنه لم يعد كما كان قبلا. لكن بعد سنوات، في السنوات الأولى من الستينيات جف البئر مرة وإلى الأبد، وكان يشاع أن المياه سرقت من قبل أهالي القرى المجاورة الذين غيروا مجرى المياه الجوفية إلى قراهم! أو حفروا آبارا ارتوازية في منطقة تقع ضمن البحيرة الجوفية للكهريز. ويقول البعض لا هذا ولا ذاك وإنما خسفت الآبار بتأثير هزة أرضية ضربت المنطقة في تلك الأيام. وقد تكون هذه الساقية جفت بسبب إهمال الأهالي في صيانتها وتنظيفها بعد حصولهم على الماء الصالح للشرب الأكثر نظافة من أنابيب وحنفيات موزعة في المحلات المختلفة، ثم الممتدة والداخلة إلى بيوتهم. ولا أحد يعرف أي النظريات أصح، لكن على العموم ثمة مئات من الكهاريز جفت في المنطقة في العقود الأخيرة.  

وإلى تلة هذا المفتح، كان المتزوجون من أصدقاء العريس يأخذون العريس، بعد أن تدخل العروس بيته، ليعلموه ويهيؤوه " للدخلة" فنلحق بهم نحن الصغار ونوشوش لبعضنا البعض بما يمكن أن يعلموه! وربما الأمر الأهم لنا كان أن نحصل على بعض الدجاج الذي كان يولم في هذا الطقس.

وفي المخاضة الواسعة ( اورزلتا) دخلت الماء للمرة الأولى في حياتي مع فرنسي بويا وفاضل نوري يونان ورمزي فرنسي وغيرهم من أطفال محلتي واصطدت سمكا صغيرا بواسطة دشداشتي. كانت هذه المخاضة غير عميقة تتلألأ في قعرها أنواع من الحصى الملونة وتسبح فيها أسماك صغيرة ناصعة البياض.

أما نساء القرية، فأكثر حكاياتهن مع الكهريز هي ما يخص الجن والأبالسة، وهو أمر نراه طبيعيا إذا ما عرفنا إنهن كن يرتدن الساقية لنقل المياه الصافية إلى بيوتهن قبل أن تتعكر، في الساعات الأولى من كل صباح وسط الظلام والبرد في الشتاء، وتحت ضوء القمر في الصيف. ولم أكن أتعدى الخمس أو الست سنوات عندما كانت والدتي تأخذني معها لأحمل لها الفانوس، وهي تحمل السطل أو كوز الماء فتعلمني إذا ما أوقفنا الجن عليّ أولا أن ارسم بسرعة إشارة الصليب على وجهي قبل أن يحاول الجن أن  يلطمني أو يكفخني على رأسي، ثم أسرع بتلاوة: "أبانا الذي في السموات" حتى يهرب.. لأن الاعتقاد السائد أن الجن يظهر للناس في الليل وفي الأماكن القريبة من الماء ويهرب عند سماعه للصلوات!.

حكايا الجن مع نساء القرية كانت بالعشرات، فهذه لطمها على وجهها وتلك ركض وراءها، وثالثة تحرش بها، ورابعة خطف منديلها.. وإلخ. وكلما سمعت، في تلك الأيام، واحدة من تلك الحكايا خسف قلبي وانكمش، حتى إنني لازلت كلما مررت من قرب ساقية أو نبع في الليل تذكرت حكايا الجن.

ساقية هذا الكهريز اِندرست وعدد من آباره أيضا، فضلا عن المفتح والاورزلتا. ولم يبق في عنكاوا بساتين ولا مزارع مع شديد الأسف. والساقية الثانية التي كانت تروي الجزء الشمالي من عنكاوا، المنطقة التي كانت ذات يوم مليئة بالبساتين، إلى درجة أن الأراضي الواقعة خلف تلك البساتين على طريق "بحركة" كانت تسمى إلى وقت قريب أراضي ما وراء البستان (باثرت باقجة) اندرست قبل هذه الساقية ، لقد وعيت وهذه الساقية جافة نلعب أحيانا في آثار مجراها اليابس الذي كان ذات يوم عامرا بالمياه.

منذ أن جف الكهريز توقفت زراعة الخضار الموسمية في القرية تقريبا لأن المحاولات القليلة التي جرت فيما بعد بحفر الآبار الارتوازية لم تنجح طويلا، ثم تحولت القرية الفلاحية ذات الأراضي الواسعة رويدا رويدا إلى بلدة يسكنها الموظفون الحكوميون وبعض أصحاب المهن الصغيرة ولم يعد أصحاب الأراضي الديمية يزرعون أراضيهم، ثم زحفت مشاريع الأعمار على الأخضر واليابس كما يقال لتتحول البلدة الصغيرة إلى مدينة عصرية بعيدة عن الفلاحة ولم يبق فيها أي اثر للكهريز إلا في ذاكرة البعض من أمثالي.

 عن كيكا

54
أدب / مأساة كنيسة سيدة النجاة
« في: 13:00 16/12/2010  »
مأساة كنيسة سيدة النجاة
                

هناء ميخائيل مقدسي

                                                     
لماذا قتلوهم هل كانوا مجرمين؟
أم هم عن القانون خارجين؟            
كلا..... انهم حشد من المصلّين
وفي دار العبادة مجتمعين
يوقدون الشموع ويقدمون القرابين
امام المذبح  وللرب خاشعين
لزرع المحبة فيما بينهم داعين
ليعم السلام في ارجاء بلدهم الحزين
قلوبهم متألمة وليس هم بحاقدين


وباغتتهم ريح الغدر من خلفهم وهم راكعين
يرنمون التراتيل للرب مسّبحين
وقبل ان يختموها بكلمة أمـــــــــــــــين
دوت أصوات البنادق والقنابل كالبراكين
لتسلب أرواحهم وهم على الارض منبطحين
دخان ونار أدمت القلوب والعينين
وروائح غاز حجبت الهواء عن الرئتين
صراخ وأصوات استغاثة ولا من معين
أصموا أذانهم لانهم بالقتل سبّاقين


تقدم احد الكهنة لمفاوضة  الخاطفين
وقدّم نفسه ذبيحة عوضا عن الموجودين
إقتلوني واتركوا الشعب يخرجون سالمين
لكنهم سقوه مر الموت وهم هاتفين.......
ومعه اخوه ايضا وأحد الشماسين
لقد قتلوا اّباءنا الشبان الاثنين
وجرحوا أحد من اّباءنا الوقورين
اللذي علّمنا صلاةُ للابوين والمحسنين
عندما أعددنا للتناول الاول قبل سنين
علّمنا لماذا يحب الاباء البنين
وكيف يحترموا الابناء المعلمين
ستشفى ياأبانا وتبقى شوكة في أعين الغادرين
لتكمل مسيرة المحبة لرب العالمــــــــــــين

طفل صاح كفى ... كفى وعمره ثلاث سنين
فأسكتوه مع أبوه بعد حـــــــــــين
أحد أقرباءنا ترك زوجته و الابنتين   
وعروس لم يمضى على زواجها شهرين
أم ثكلى بفقدان ولديها الشابين
واب رحل وطفله لازال في الرحم جنين
عندها سألهم أحد الحاضرين
لماذا تقتلونا ؟؟ نحن مسيحيين !!
اننا ابناء هذه الارض منذ ألاف السنين
لقد أكلنا الخبز معا وشربنا ماء النهرين
صرخوا أخرجوا انتم لستم بمؤمنين
إنكم قوم  من الكافرين
وانتم بالله مشركين
ويجب ان تكونوا من البلد مطرودين
ثم فجروا انفسهم فتناثروا على رؤوس المحتجزين

يارب نًور عقولهم ليعرفوك عن إيمان ويقين
وإزرع محبتك في قلوبهم ليعيشوا مسالمين

إشفي يارب جرحانا وجميع المتألمين والمجروحين
وإرحم موتانا واجعلهم في الملكوت مع القديسين
وإرفع الظلم عن العراق وعن وجميع العراقيين

     اّمـــــــــــــــــــين ثم اّمــــــــــــــــــــين







55
أدب / بمن نستنجد
« في: 16:22 21/11/2010  »


بمن نستنجد



ناظم خوشابا شاطي


عفوا يسوع أن كنت أكفر            وأنظر كيف سالت دمانا
علمتنا محبة العدو جائزة            فكيف وحب العدى أظنانا
تسامحنا وغفرنا لهم دائما         فزادنا الطغاة ظلما وعدوانا
صدقا وددنا وغدرهم باركنا           كفانا  فطعم الود أعيانا
أدرنا الوجوه يمينا وشمالا           فلونوا بالأحمر كلا خدانا
فذاب الخد ولم نعلم يومها          أمن الصفع لونه أم خجلانا  
كفى سيدي فهم لا يفهموا         من كنا لهم في الشدائد أخوانا
أرهابا وتشريدا وقتلا جائرا         والكره واحد ليس له ألوانا
من غيظهم قتلوا فينا فرحتنا        أطفأوا الشمس وخنقوا هوانا
يأتوننا بقلوب وعيون باردة           وواحدهم لم يذق حبا وحنانا
كالح الوجه أذا يوما نظرته             بان فيه الضبع للدم ظمأنا
لا الخيل ولا البيداء تعرفه              بل ولد وشب بداخله جبانا
ومنا من طلب المناصب جالسا       مسترخي اليد شاردا نعسانا
فالبطولة توأم للتفاني وليست          أبدا لمن أصبحوا لهم أعوانا
عفوا سيدي أن كنت أكفر              أليس في بعض الكفر أيمانا
أأهملتنا أم نسيتنا لهم فريسة            فبغير قصد زادت خطايانا
وأنظر كيف الظلم  أنهكنا               وبلا عمر قد شابت لحايانا
وأن يأسنا وبتنا في حيرة              فأرسل لهم من عندك برهانا
ألا جعلت من د مع أمهاتنا              سيلا جارفا يغرقهم طوفانا
ومن صرخة جرح بناتنا                  رعدا مزلزلا يصم الأذانا
ومن دماء غر شبابنا لهبا                  تنفثه بعيونهم نارا ودخانا
بمن نستنجد يا حبيبنا البار                 أم أنك لست بسامع شكوانا
عذرا أخوتي فلست بشاعر              فالغضب من كتب لكم ديوانا
وها ضاقت بنا اليوم غربتنا                فأين سنبحث لنا بعد أوطانا
فأرى سطور المجد فارغة                 وبقسر وبرود تمحى حكايانا
ونور شمسنا  يصبح قاتما                    وستضحى بلا لحن غنايانا
فأنهضوا يا بنو بابل وآشور                 ولا تكتبوا في الذل لكم بيانا
أمسحوا الدمع من وجوهكم                 وأرفعوا الصليب لكم عنوانا
فما الدمع يوما شيد صرحا                   ولسنا به نبني ونعلي بنايانا
فأطلقنا وأنت من ستحررنا                     ألهمنا الحق ولا تكبل يدانا
وهل نخاف من قتل أجسادنا                 ونحن من في السموات أبانا
ومهما عظمت علينا قساوتهم                 فطوبى لنا وبك يكون لقيانا
عفوا يا سيدي فبمن نستنجد                  وأنت أبن الله ولا بد ترعانا




56




اكراما لدماء شهداء كنيسة سيدة النجاة وكل شهداء ابناء شعبنـــا

د.قاسم الانباري

قررت ان اقود حملة ضد الله واكبر ,,منذ ان فتحت عيناي وعقلي على كتاب التاريخ الاسلامـــي
عرفت كلمات عديده لبيك لبيك وامعتصماه واي منقلب. والاشد وقعا على ضمير كل انسان هي
عبارة الله واكبر ,,ولم تفارقنا ايات القتل منذ اول يوم الحرب العراقيه الايرانيه ولم يخلو اي بيــــان
رسمي ان لم يبتداء باية من ايات القتال والتي تتجاوز الالاف ايه ..وكان صدام وبشهادة الجميع
علمانيا اذا نحن محاطين بهذا الكم الهائل ممن يقدسون هذه الايات التي بات كبوسا علــــــى
مشاعرنا واحاسيسنا .حتى اصبحنا مقيدين حتى في التعبير عن غضبنا خانعين خائفين ,نسأل
انفسنا ماهو الحل !!ماذا نفعل !! نقدم الحلول والمقترحان ولكن في النهايه نقبل بالامر الواقـــع
ان نكون نحن الضحيه ونحن الذين يجب ان ننال العقاب كوننا ضحيه ,,لااملك سلاحا ولاامــــــلك
مالا ولااملك حلا غير اني اشارك في كل دعوه وفي كل مسيره لاعلن غضبي ,ولكني الان وبعد
ان طفح الكيل وامتلاءت الجرار بدماء الابرياء ,,فقررت ان اقود حملة في الانترنات لرفع عبــــــــارة
الله واكبر من العلم العراقي اكراما لدماء شهداء كنيسة سيدة النجاة وكل شهداء ابناء شعبنـــا
وكل شهداء العراق الابرياء على حد السواء فان هذه العباره هي رمز للقهر والموت وانــــــــــها
الرصاصه القاتله التي لاتنطلق من فوهة بندقيه بل من افواه مليئه بالحقد والضغينه والعــــــداء
لكل ماهو انساني ومتحضر ثقوا ايها الاخوه لقد مات شهدائنا الابرار قبل ان تنطلق الرصاصه لقد
ماتوا حال سماعهم العباره المقيته من فم الارهابي اللعين وهو يصيح باعلى صوتـــــــــــه الله
واكبر , ينحرون الابرياء بعبارة الله واكبر. ولاشك انها العباره الاكثر شهرة في العالم والاكثر رعبـا
وان وجودها على علم العـــــراق دليل على استمرار حمام الدم والقتل في كل البلاد ,,لهــــذا
اناشد كل عراقي مخلص ومسالـــم وكل مثقف وكل من يدعي بانه انسان عصري والى كــــل
محبي السلام في العالم ,, ومن اجــل دماء شهدائنا الابرار التي انهمرت بهذه الرصاصــــــــه
القاتله من اجل جرحنا الذين يرقدون فـــــــي المستشفيات واللذين لايزال انين وصدى تـــــلك
العباره يقتلهم كل لحظه ,من اجلنا نحن جميـــعا ليدعوننا وشاْننا ولنحزن ونعتكف بعيدا عــــــن
هذه العباره والتي لوثت اجساد شهدائنا ونعوشهم بالعلم المغطاة به . بعد ان كانت انذار مـوت
لهم قبل ان يقتلوا ,,, شاركوني يا اخوتي صرختي الموجهه :ـ
الى الحكومه العراقيه
والى البرلمان العراقي
والى مشرعي الدستور العراقي
والى كل حزب سياسي عراقي
الى رئيس الجمهوريه
الى رئيس الوزراء
الى قاضي قضاة العراق
الى كل عراقي شريف
ارفعوا هذه العباره من العلم العراقي
كما قررتم رفع النجمات الثلاثه
ارفعوا العباره ايضا الم يكتبها الطاغيه بدمائه كما تقولون
ارفعوها من اجل كل قطرة دم عراقي
ارفعوها لانها الرصاصه القاتله وحسب ,
ارفعوها لاجل العالم اجمع
ارفعوها لااجل السلام
ارفعوها لتمقتوا الطائفيه فأن الكل يقتل بهذه العباره ,,
ا رفعوها لانريد علما يوحي بالرعب والقتل والارهاب ,,
عزيز القارئ انسخ هذه الرساله وارسلها لجميع من في قائمة بريدك
انسخها ووزعها في الفيس بوك وفي التوتر وفي كل المواقع






 

57
أدب / شهداء مسيحنا في بغداد
« في: 01:50 06/11/2010  »
شهداء مسيحنا في بغداد
OLIVER كتبها
لست أكتب مرثية.فهؤلاء الأبطال هانئون فرحون في فردوس النعيم.يظن الشر أنه إنتصر و هو منهزم.و يظن الإرهاب أنه أقوي من الحب و هو واهن متخاذل.و يظن القتلة أنهم حققوا شهوتهم و هم واهمون.
لا أستبعد أن القتلة يرون الآن بأرواحهم الشريرة المنزعجة و إذا الشهداء ينعمون في حضن إله إبراهيم و إسحق و يعقوب. و يكتشفون هزيمتهم المنحورة.و خيبتهم الأبدية.فيتحسرون .و لعلهم يترجون الشهداء الأبرار الآن كي ينقذونهم من ظلامة أبديتهم و لا من مجيب.لعلهم يسترضونهم أن يبلغوا رفقاءهم الأشرار علي الأرض كي يتوقفوا عن هذه الغباوة القاتلة .فهل من منصت؟...
فلتكن نهايتهم مع الغني الغبي. و لا تبصر أرضهم نوراً. لأنهم في قساوة قلوبهم قد إستأصلوا أبراراً من الأرض. و أما الشهداء الأبرار فليكن لهم نصيب محبي الرب. و ليتكللوا كما وعد الرب خائفيه و أتقياءه. و ليكونوا رمزا خالداً من رموز الحب و البر و السلام.
و إليهم و إلي ذويهم المكلومين فيهم و إلي كل من تألم لأجلهم أهدي هذه الأبيات
قصيدة
دم النيل و الفرات يسيلان

رسموا فوق فٌرَاتِكَ خطاً أحمر
يمضي من صوب النيل إلي الأشقرْ
يا قلب الموت فإمض ِ و تَبَخْتَرْ
يفتخر بك قومُ من شخصِ المجدِ
يسترهم حبُ من قلبٍ. بالسما يتدثرْ
و ينادي كل أحباءه ذو صوت حاني يتخيرْ
يتبعه هذا من الوادي و ذاك الطفل كما شادِ
و ذاك الكهل عينه نحوه تتسمر
و ينادي الصوت علي الأكبر و علي الأصغر
تعالوا يا مباركي ابي تعالوا إلي الأقدر
و سيقلب بهم كلَ ظلامِ الليل
و بهم يتلأليْء يتنورْ
و يصيروا عزاءاً
و الهاتف فيهم بالقتل سيُقْتَل و يعيشَ  الأَبَدِ يتحسرْ
و سيسمعَ كلُ أصَمٍ صوتَه يا بغدادَ ويتأثر
و سيبصرَ كلُ كفيفِ البَصَرِ يا بصراءِ و يتبصر
تتعانق فوق السحب أحباءٌ من قِبط و من بغداد
و من لبنان و السودان و بيت اللحم الأشهر
شهداءُ لا يعرف تاريخُ الموتِ لهم وصفٌ
أو تاريخُ أو أسماءُ .بل فيهم يتعثر
فهمو الأبطال متي وثبوا. يحصدوا للموت هزائمه
يغلبوا عالمهم من قلبٍ بالرب ضعيفٌ يتجبر
فخريطة شهدائك ربي من كل لسان
وجِهات الأرضِ الاْربع  في حبك تتبحر
ترخص من أجلك يا فادٍ فأقبلنا
 مهما قدمنا فأنتَ قدمتَ الأكثرْ
مهما تألمنا فآلامك تسمو.. تجعلَ آلامنا في حبك تبدو أصغر
شهداءُ كنيستك من كل مكان يأتونك
تجعل صلواتنا حفل إستشهادٍ
فتكون ذبائح صلواتنا نحو ذبيح ٍ يبدو الأبهر
ها هم قد صاروا هيكلكَ بل مذبحكَ
بل صاروا الرفقاءُ الأشهرْ
يا دمعُ كفىْ لا تنهَمرُ...أفراحُ الشهداءِ كثيرةْ
و زمانُ الظلمِ قد أدبرْ
فمسيحنا بدماءِهِ كَتَبَ أعجبَ آياتِ محبِتهِ
شهدائنا أيضاً قد كتبوا رَدَاً بسطورٍ من ياقوتٍ أحمرْ

أيناك قلمُ سليمانُ ؟. أين مراثيكَ يا باكي؟
أين عَبَرَاتِكَ يا داود ؟فَلَذَاتِنِا أغلي من المَرْمَرْ
أين نغماتك أفرايم؟ تكتب أهازيجاً لائقة
بأناس قد صاروا ملوكاً في تقوي مسيحنا تتحرر
يرتوي شهدائك من نبعك و يعيش القتلة في عطشٍ
بجوار فراتك تتحسر
و سلام رغم خسائرنا. و سلام رغم متاعبنا
و سلامٌ رغمَ بنادقَ إسلامِ تظهرْ
و سلامٌ من غَدرِ التنين.و سلامٌ لكل المساكين
و سلامُ يا بغدادَ أَمينْ . و سلامُ فينا يَتَصَوَرْ


58
أدب / سيدة النجاة
« في: 01:48 06/11/2010  »
سيدة النجاة

أحمد مكطوف الوادي



لا عليك
سيكون قلبي ناقوسك....
الذي يعلن عن قداسك القادم
سيدة النجاة ....
أتيتك مرسلا من سيد الرحمة...
لا تصدقي إن أولئك إخوتي....
إنهم إخوة تيري جونز
وكما تعرفين إن من "صلب" المسيح
وقتل يوحنا
ليس ابن داود !
أتصدقين إن شارون هو ابن داود؟!
المجرم ليس أخي
وان تكلم العربية
المجرم ليس ابن عمي
وان شابه سحنتي
هو ابن الخطايا
هو ابن فكرة زانية
تدور في أرحام الخطيئة
وتلد في العقول المفخخة برذيلة التكفير
إنهم لا يعرفون المحبة
"أمسيحها بوجهي"
وخذي من دمي هذا النازف في كل حين
لتعرفين صدق قولي
انه احمر قان ٍ
وهناك في الكنيسة
ستجدين بقايا بقع سوداء
لدماء عفنة
هل يمكن لتلك الدماء المشبعة بالضغينة والبغضاء
أن تقتل حبنا وتذبح ودنا؟
لقد عشنا كل سنين البؤس سوية
وكل سنين الحب سوية
وسنبقى نعيش من اجل غد ٍ أبهى
سيدة النجاة ها قد جئت أبرئ ساحتي
وأعلن حزني
وأنا مضمخ بدمي
مفجوع بوطني المدمى
جئت أعلن حزني
على إنسانيتنا المنتحرة

59
أدب / انحني لکم خمسة آلاف مرة
« في: 01:40 22/02/2010  »
انحني لکم خمسة آلاف مرة
واقول  بشراکم يا قرة الفؤاد
عودوا يا احبتي فکل شئ ينتظرکم
      عودي يا اميرة حلبجة ...ياعروسة حلبجة
المرجوحة تناديك...
والثوب المطرز بالألوان يرقص شوقا لترتديه‌
عودي يا فلذة القلب ...
وامرحي في المراعي ...واقطفي النجوم ...اقطفي الشمس والقمر
زيني بها خصلات براءتك...کي تتفتح الزهور على خديك
ويعلن الربيع مجئ موسم العدالة
عودي يا مولاتي يا سيدة حلبجة...
ودندني لى لى ولولو مع غفوة المهد
غني يا مولاتي للنائم فيه‌ ...
و قولي عدنا...رجعنا وها هو والدك يزرع الحب في بستاننا
وها هم أخوتك يحضرون الحقائب المدرسية ويعدون نحو الصفوف
ها هم يکتبون على لوحة القدر ...لقد عدنا
عودي يا مولاتي ...
فالنار موقدة في تنور دارك
والصغار ينتظرون خبزك الحار...
وأواني اللبن على مائدتك تنتظر لم الشمل...
عد يا سيدي....
عد ايها الشيخ الجليل ....
وأطلق صيحاتك مع حمامات کوردستان
أطلق صرخاتك مع قدوم حفيدك ....
واهمس في أذنه‌ ...أيقضه‌ من مضجعه‌ الدافئ
ليطير مع الحمام وينثر الابتسامات على شفاه‌ الرضع
عد يا شيخي الجليل...
واجلب معك تحيات الله‌ لحلبجة   
ولترفرف الآيات الزاهقة للباطل
ولتحوم حول الوطن ...وتبارك عودتکم

پريزاد شعبان / شاعرة کوردستانية
  مبروك لاهالي حلبجة إعدام الکيمياوي ومبروك لکل عوائل الشهداء peri@live.se


60
أدب / انحني لکم خمسة آلاف مرة
« في: 14:19 30/01/2010  »
انحني لکم خمسة آلاف مرة
واقول  بشراکم يا قرة الفؤاد
عودوا يا احبتي فکل شئ ينتظرکم
      عودي يا اميرة حلبجة ...ياعروسة حلبجة
المرجوحة تناديك...
والثوب المطرز بالألوان يرقص شوقا لترتديه‌
عودي يا فلذة القلب ...
وامرحي في المراعي ...واقطفي النجوم ...اقطفي الشمس والقمر
زيني بها خصلات براءتك...کي تتفتح الزهور على خديك
ويعلن الربيع مجئ موسم العدالة
عودي يا مولاتي يا سيدة حلبجة...
ودندني لى لى ولولو مع غفوة المهد
غني يا مولاتي للنائم فيه‌ ...
و قولي عدنا...رجعنا وها هو والدك يزرع الحب في بستاننا
وها هم أخوتك يحضرون الحقائب المدرسية ويعدون نحو الصفوف
ها هم يکتبون على لوحة القدر ...لقد عدنا
عودي يا مولاتي ...
فالنار موقدة في تنور دارك
والصغار ينتظرون خبزك الحار...
وأواني اللبن على مائدتك تنتظر لم الشمل...
عد يا سيدي....
عد ايها الشيخ الجليل ....
وأطلق صيحاتك مع حمامات کوردستان
أطلق صرخاتك مع قدوم حفيدك ....
واهمس في أذنه‌ ...أيقضه‌ من مضجعه‌ الدافئ
ليطير مع الحمام وينثر الابتسامات على شفاه‌ الرضع
عد يا شيخي الجليل...
واجلب معك تحيات الله‌ لحلبجة   
ولترفرف الآيات الزاهقة للباطل
ولتحوم حول الوطن ...وتبارك عودتکم

پريزاد شعبان / شاعرة کوردستانية
  مبروك لاهالي حلبجة إعدام الکيمياوي ومبروك لکل عوائل الشهداء peri@live.se

61
أدب / اعدك
« في: 15:55 17/01/2010  »
دينا الجلبي
Dina-aljalbi.dk

اعدك

اعدك بأني سأستنزف روحي
وجهدي .
لأنساك ....
ولأعلن
الحرب عليك
اعدك ان لا احبك بعد اليوم
واتجاهل عينيك ..
ان لا اضعف امام نظراتك
وان لا اموت من الشوق اليك
اعدك .... اعدك
اعدك ، بان أُسيطر على دموعي
واريك اني اقوى منك
سأتجاهل  كلامك ……..
.......
سانساك  ...
و سابذل جهدي
وأعد نفسي الا أحبّ بعد اليوم
اعدها  ان لا اطالع القمر لارى وجهك
نعم ..... اعدها الاّ.. ولا ... و الف لا
لن ارحلَ الى ذراعيك
لن . .
رغم حبي لك
ودموعي عليك
اعد نفسي  اعدها ....
اعدها
ان لا اراك في منامي
وان لا يحزن قلبي عليك
لا ... لن القي بشفتاي على شفتيك
سأنسى قبلتنا الاولى
و لن احتاج الى صدرك
اعدك ....
اعدك ، أن أجعلك
في اشعاري  ..... المنسية
فقد  انكشف
وجهك الخفي  ..
الحب عندك
لم يكن  الاّ انانية

اعدك ....
نعم اعدك
ان  ابذل كل جهدي
لأعلن
الحرب عليك
واقول لك وداعا
ما عاد يعنيني البقاء
وداعا .... لجروحي و للأحزان
وداعا  لحياةٍ لم تكن معك الاّ سواداً
وداعا ..... وداعا
وداعا للكذب وللكاذبين
فقل عني ماشئت
فانا انتمي الى الصادقين ...
نعم .... الصادقين
ان كنت تعرف معنى الصدق
........
قمْ الآن وارحل .... !!
ارحل ... ارحل
وداعا ....
وداعا !!  فانا لا اريد منك ..... لا اريد
لاحُبَّ
ولا حناناً زائفاً كاذبا !!

62
أدب / عراق
« في: 00:39 23/11/2009  »
عراق

خالدة نيسان


صوت يرتل اسمك
ها اسماء اسلافي
سومر،بابل،اور
يا عطرا اشهق بك
ها هناك اشور
شموعي اشعلت
هاتوا لي رقمي
في دمائي صليت
هاتوا لي جنائني
دمي ونرجسي ودفلاي
نذوري قدمت
هاك يا دجلة
هاك يا فرات
...............
عودي يا عشتار
عودي حبيبك
وطني يموت ويبعث
هكذا كان البدا
وهكذا المنتهى منك
تعالي يا عشتار
حبيب اضناه انتظار
تعالي عشتار
عودي حبيبك
للعرس اوان الزهر
ووطن من تكوينك

63
أدب / قصة قصيرة : خالدة نيسان
« في: 10:48 25/10/2009  »
قصة قصيرة : خالدة نيسان
الحي غارق في ضوء الشمس، يلعب في ارجائه ويمتد الى حيث يريد هو النهار والاماكن كلها له حتى المساء لكن البيوت مغلقة والجدران ملثمة كما الوجوه المغطاة للنساء اللواتي انحشرن بينها، لا حركة في الدروب او نداء من امراة الى جارتها او نظرة مطلة من النافذة ولا يد تدق باب دار، الشمس تمرح في كل مكان لكن البيوت اغلقت ابوابها كأن ليلا قد حل في وضح النهار، الخراب وخفافيش الظلام قد سكنت الحي، بيت فتح بابه لتدخل الشمس ارجاءه، وخطوات خرجت منطلقة، صبية خصلات شعرها تركتها للضوء وفستان تلعب في طياته الفراشات الجميلة والورد واخوها الصبي وخطواته الفتية الرشيقة مرتديا سروالا صيفيا يمتد حتى ركبتيه، نسيم هادئ يداعب الحديقة ويخفف من لهيب حر الصيف.
مخلوقات متوحشة عيونها تترصد بقسوة وشراسة طلعت من نوافذ ثم تلتها اصوات متوحشة خفية وخطوات سريعة لاشكال بشرية ذات مخالب طويلة من سكاكين حادة وبنادق اتجهت نحو حديقة الدار.
وقفوا يحيطون بهما، نظرات فيها نذير الموت ولون الدم احدهم قائلا للصبية:
- ما هذه الملابس التي ترتدينها؟ انت تستحقين الموت...
الآخر يصوب بندقيته ونظراته القاسية الشرسة الى الصبي:
- وانت ايضا ما هذا السروال الذي ترتديه...
رعب وهلع ولا متسع من الوقت للصبي واخته لينطق اي منهما بكلمة واحدة، اصوات متوحشة ورصاص البنادق ينهمر على الجسدين، يغتال هدوء النسيم ووشوشة الورد...
العشب الاخضر احتضن الجسدين الفتيين وصار بلون الدم.


64
قصة قصيرة بعنوان : الشجرة الحكيمة 



كتابة :غدير رحيم الحلي                       
وسط التلال العالية ، وفي غابة خضراء زاهية ، كانت هناك شجرة حكيمة وكبيرة ، تأتيها الحيوانات لتأخذ منها العلم والمعرفة، وتستشيرها في بعض الأمور ، وكما أنها كانت تعطيهم الدواء وتعالجهم من الأمراض ، وفي احد الأيام شعرت هذه الشجرة بان وقت الرحيل قد آن ، وأنها قد قدمت ما يكفي من الحكم والدروس ، و أفادت غيرها من المخلوقات ، وقد حان الوقت الآن لتودع هذا العالم وترحل إلى عالم الظلام ، فيجب عليها أن ترى الحيوانات وتوصي كلا منها بأمر معين ، فطلبت من الغراب كوكو أن يذهب ويدعو الحيوانات إلى اجتماع ، فذهب الغراب وبدأ يحلق عالياً في الجو ، فرأى الثعلب لبلب يقف أمام النهر فذهب إليه ليخبره بان يذهب إلى الاجتماع ، فعندما رآه الثعلب صاح قائلا ً: اغرب عن وجهي يا نذير الشؤم و إلا سأقطع جناحك .
فاستغرب الغراب من تصرفه وقال: جئت لأخبرك أن...فقاطع الثعلب كلامه قائلاً:كلما رآك حيوان أصابته مصيبة أو كارثة أو هلك ابتعد عني قلت لك ولا أريد أن تخبرني بأي شيء تكفيني مصائبي .
فطار الغراب وهو يقول بنفسه : لماذا تكرهني الحيوانات ويعتقدون بأني نذير شؤم فيبتعدون عني ويتجنبونني وإذا أردت أن اشرب من النهر يهرب الجميع ويبتعد عنه ، هل أنا حقاً نذير شؤم كما يقولون ؟
ثم ذهب الغراب إلى الطاووس سوسو فحط بقربه وقال له: مرحبا يا سوسو فلم يجبه الطاووس ، فأعاد وقال: مرحبا يا سوسو فلم يجبه أيضا ، ودخل إلى منزله وأغلق الباب في وجهه،وبعدها ذهب إلى الأرنب ومن ثم إلى حمارة الوحش  والى الببغاء والكل طرده و وصفه بنذير الشؤم.
فرجع كوكو إلى الشجرة فسألته: ما بك يا كوكو لماذا تبدو حزينا؟ ، هل هناك من أزعجك ؟
فاخبرها كوكو بما حصل له ، وكيف عاملته الحيوانات ووصفته بنذير الشؤم ، وفوق كل ذلك طردته وأغلقت الباب في وجهه
فقالت له الشجرة الحكيمة : لا عليك يا كوكو أعدك أنني سأجعل الجميع يعاملك بحب واحترام ، ولن يناديك احدٌ بنذير الشؤم بعد الآن ، وسيكون هذا درسي الأخير في هذه الحياة .
فبدأت الشجرة تفكر كيف ستقنع الحيوانات بان الغراب ليس نذير شؤم ، وفجأة لمعت بذهنها فكرة فدعت الحيوانات لوداعها ، فجاء الكل ما عدا كوكو فقد طلبت منه أن لا يأتي حتى يحين الوقت المحدد الذي أخبرته عنه لكي ترى ردة فعل الحيوانات الأخرى، فكان الجميع يودع الشجرة ويشكرها على ما قدمته له من علم ومعرفة وحكم ، وبعد أن أنهى الجميع كلامه وودعها ، قالت لهم الشجرة: أيتها الحيوانات أريد إخباركم بأنني  أود اختيار من يكون من بعدي حكيما لهذه الغابة فمن يرى في نفسه أنه يستحق ذلك فليقل .
فقال الثعلب :يا أيتها الشجرة أنا أرى أنني الأحق في هذا المنصب من غيري فقد اكتسبت منك حكم وخبرات كثيرة ، ثم إنني الأكثر ذكاء واستطيع خداع الجميع، فما رأيك ؟
فقالت له الشجرة :حسناً دعنا نستمع لغيرك .
ثم قال الذئب: مالذي تقوله ؟ أنا الأحق لا أنت أيها الذكي ، فأنا أكبر منك حجماً ، والأكبر منك حجماً أكبر منك عقلاً ،أليس كذلك يا شجرتنا ؟
فأجابته الشجرة : حقاً لم أكن اعلم بهذه الحكمة، و لم اسمع بها من قبل.
ثم من بعده قال الطاووس :كفاكما غراء أنا أكثر من في الغابة حكمة ومعرفة ، و أفوق الكل بذكائي وبحجمي الكبير وبجمال ريشي الملون .
وهكذا قال الكل وجهة نظره،وفي هذه الأثناء دخل كوكو إلى مكان الاجتماع وقال : مرحبا أرجو أن لا أكون قد تأخرت عليكم
فلم يجبه احد ، وتظاهر الجميع بأنهم لم يره إلا الشجرة الحكيمة قالت له :أهلا بك ، لا بأس لم تتأخر كثيراً وأخبرته بأمر اختيار حكيم للغابة .
فسأل الثعلب لبلب الشجرة :الم تقرري بعد من ستختار حكيما للغابة؟ لقد نفذ صبري.
فقالت له : بلى لقد قررت و اخترت .
فسألها الجميع : حقاً، من ؟ وبدأ كل واحد منهم يقول في نفسه لابد أنها اختارتني لي فأنا الأجدر بهذا المنصب .
فأجابتهم :أجل لقد اخترت كوكو ليكون حكيماً من بعدي فهو الأجدر من بينكم ؟
فسألها الذئب:لكن لماذا اخترته ولم تختاري احدنا؟ ألا تعلمي بأنه نذير شؤم وستحل بسببه مصائب على الغابة ؟
فقالت له:لا يا ذكي ، الغراب ليس نذير شؤم ، ولا غيره من الحيوانات ، ولو كنا سننادي لكل حيوان بالاسم المشاع عنه فسوف أناديك بالغدار أو الخائن ، وأنادي الثعلب بالماكر أو الخبيث ، وأنادي الطاووس بالمتكبر أو المتعجرف ، وكل حيوان باللقب الذي يسمى به ، لكن الغراب كان أفضل منكم ، و لم يرد عليكم و لم يسمكم بهذه الأسماء ، لأن كل حيوان يختلف عن الآخر ، فهناك قطط وفيه ، وهناك قطط لطيفة ، وكذلك هناك قطط شرسة ، لذلك اللقب لا ينطبق على الكل .
فقال الطاووس :معك حق وأنا آسف يا كوكو  على تصرفي معك وأعدك أن لا أكرره ،وهكذا اعتذرت كل الحيوانات للغراب كوكو ووعدته بأن لا تناديه بهذا الاسم بعد اليوم لأنها اقتنعت بكلام الشجرة الحكيم  .
ثم سأل الثعلب : لكن من اخترع هذه الأسماء والألقاب البشعة للحيوانات؟
فقالت الشجرة الحكيمة : إنهم البشر فهم يختلقون خرافات وأساطير كثيرة لا أصل لها ، فما بالكم أيصعب عليهم اختراع صفات يسموننا بها ؟ إن كثير من البشر يا أحبائي أشرار ولا يهتم بنا نحن النباتات والحيوانات ، فيقطعون الأشجار ، ويحرقون الغابات ، ولا يبالون بالأضرار التي يسببونها للبيئة ، فنحن الأشجار نعطيهم الأوكسجين ليتنفسوا ، والثمار ليأكلوا ، ومن أوراقنا يصنعون الدواء ومن جذوعنا الخشب ، ومن أغصاننا الحطب ، و مع كل هذا هم لا يهتمون لأمرنا ، وانتم الحيوانات يأخذون حليبكم وهو حق لأولادكم و يسلخون جلدكم ليصنعوا منه الحقائب ، و يأخذون فروكم وصوفكم ليصنعوا منه المعاطف ، ثم يذبحوكم ليأخذوا لحومكم ويقتلوكم ليعرضوكم في منازلهم ، هكذا حال البشر فهم أنانيون وطماعون وغير مبالين ، فلا تكونوا مثلهم بل كونوا متحابين ومتعاونين وكريمين ومخلصين لكي لا يستطيع أن يفرق احد بينكم .
وهكذا رحلت الشجرة الحكيمة إلى عالم الظلام بعد أن  قدمت آخر ما بقي عندها من حكم وعبر ، وعملت الحيوانات بنصيحتها ، فعاشت بسعادة وهناء يغمرهم الود والمحبة والصفاء .

65
أدب / مابين ثغرك وأنفاسي
« في: 00:56 22/09/2009  »
مابين ثغرك وأنفاسي
مابين ثغرك وأنفاسي
درر وردية
وفضاءات غروب
وبساتين لأشجار الحروف
تثمر كتب وقصص عشق
***
مابين ثغرك وأنفاسي
تأتي الطيور محملة بالأزهار
وفي ثناياها كراريس الموسيقى
تعزف زقزقة أسطورية
لآلهة القلوب
تحت نسيم ريش الطواويس
من صولجانات ذهبية
***
مابين ثغرك وأنفاسي
كرنفال .... وقداس
ورهبان بقنوت
يشبكون أصابعهم بخشوع
وفي الأركان توقد الشموع
وتعلوا أناشيد الأطفال
بعيون براقة
***
مابين ثغرك وأنفاسي
أغفوا منذ عصور
بلا شموع ميلاد
ولا أيام
ولا وطن .
صفاء الغزي
العراق
Safaahussen33@yahoo.com






66
أدب / السيد كوجيتو والخيال
« في: 23:26 19/07/2009  »
السيد كوجيتو والخيال
للشاعر البولوني الكبير زبجنيف هيربيرت

نقل عن الالمانية: صباح كاكه يي


1
السيد كوجيتو
لم يثق بفن الخيال أبدا

البيانو فوق قمة الألب
عزفت له مقطوعات مزيفة

لم يُخَمن حجم المتاهة
أبي الهول يمتلأ منه غضباً

عاش في بيت بلا قبو
ومن غير مرآة ولا جدال

غابة من اللوحات الفنية
لكنها لم تكن موطنه

نادراً ما كان يطير
بجناحين مستعارين
فسقط مثل ايكاروس 1
في حضن الجَدة

انه بَجَلَ الإطناب
الذي يفسر الشيء
بالشيء نفسه

يعني أن الطائر طائر
والعبودية عبودية
والمدية مدية
والردى ردى

وقد عَشِقَ ــ
الأفق المبسوط
الخط المستقيم
الجاذبية الأرضية

2

السيد كوجيتو يعده المرء
من صنف القاصرين

القرار القادم من خبير حروف الهجاء
سيتحمله برباطة جأش

إنه استخدم قوة التَخَيُّل
لغايات مختلفة بالكامل

أراد أن يصنع منها
أداة إشفاق

أراد الاستزادة التامة في معرفة...

ــ الليلة الباسكالية
ــ الماس الطبيعي
ــ أحزان الأنبياء
ــ غضب أخيل 2
ــ مرض الهَوَس بقتل الشعب
ــ أحلام ماري ستيوارت 3
ــ خوف النياندرتال
ــ يأس آخر أزتيكي  4
ــ موت نيتشه المبطئ
ــ ابتهاج رسامي لاسكاوكس 5
ــ صعود وسقوط شجرة بلوط
ــ رقي روما وسقوطها

بالتالي ستخرج الأموات من قبورها
وتحمي التحالف

أوهام السيد كوجيتو
لها حركة بندوليه

تتأرجح بانتظام
من محنة الى أخرى

ليس فيها متسع
لقصيدة حماسة مستعارة

الحقيقة الغامضة
تلتزم بالإخلاص له

----------------------------------------

ملاحظة :
1ـ ايكاروس: بطل أسطورة يونانية قديمة. هو أبن المصمم المعماري داندالوس.
2ـ أخيل: أحد الأبطال الأسطوريين في المثيولوجييا الإغريقية.
3ـ ماري ستيوارت: ملكة اسكتلندا مولودة في عام 1542م، تملكت فرنسا في عام 1560م لمدة سبعة أيام فقط، حكم عليها بالإعدام وقطع رأسها في عام 1587م.
4 ـ لاسكاوكس: كهف يقع في جنوب فرنسا. أكتشف على جدرانه رسوم حيوانات تعود تاريخها بين خمسة عشر الى سبعة عشر ألف عام.
الأزتيك5ـ حضارة أنشأة في وادي المكسيك عقب انهيار الحضارة التيسوتهواكانية واستمرت حتى غزو الأسبان للمكسيك في القرن السادس عشر.



67
أدب / مار افرام وانا
« في: 15:44 27/06/2009  »
مار افرام وانا

أمير يوسف


اسير بين قصائدك
اسير مع قصائدك
وارى كنوز الحب الغنية
اسحاق و مرقس و حني و شموني و خيرية
كالمسامير التي كانت على ابواب كنيسة  قريتي
تنادي الملء تعالوا الي . . تعالوا الي
                
                   ● ● ● ● ●

كلماتك تقول لي: احبب اخاك . . احبب اخاك، تمهل، لا تكبح نفسك
لأجل عينيك ساحفر توقيعي على وريقات اغصان الزيتون
وادخل الكنيسة وبيدي هذه الأغصان!
لأخرج منها وفي عقلي لذة الغفران
وادخل بيوت اخوتي وبيدي هذه الأغصان!
لأخرج منها وفي قلبي حنان و غفران


                   ● ● ● ● ●

انظرالى كلماتك و ارى فيها روحك تزورني
ما هذه الروعة؟
هل تضحك الشمس ؟ ام هذي قرانا لها الشمس وجه؟
تترقرق اشعتها
قلوب في الوطن، و قلوب هنا تتفيأ بحبها
 واعشاش حنين دافئة، واطفال يرقصون حولها
عيد هناك، عيد هنا
عيد في كل بيت "يسكن" الوطن
عيد في كل بيت خارج الوطن

فلنتعانق، فالشمس لا ترفض البقاء حولنا ابدا"
فلنتعانق، فالشمس لا ترفض البقاء حولنا ابدا"

ترى . . هل ستتيه الشمس إن غادرتنا؟
وهل سنتناءى عن بعضنا إن تاهت الشمس؟
وهل سنحب بعضنا إن تاهت الشمس؟
ترى . . كيف سنحب بعضنا؟

                  ● ● ● ● ●  

لا احد يعرف اني ازورك في كل بيت كتبته
و لا احد يعرف أن اشعارك تراني مرات و مرات
تصرعني ولا تمنحني حرية غلق العينين
انا مكسور في معركة لم يكتب لها التكافؤ

                   ● ● ● ● ●                                                                                          

اسير بين قصائدك واسمع فيها دقات الوطن
اسير مع قصائدك وانسى نفسي ردحا" من الزمن
وتأخذني غفوة الى مرتفع قريب
فيه باب للعبادة، تعلوه خشبتان متعامدتان
اراني اتمتع بالحرية
اراني اتمتع برؤية النجوم المتألقة بيني وبين نفسي

وارغب ان ارسم فرحي و ألمي على باب العبادة
وارغب ان ارسم فرحي و ألمي على باب العبادة

هل يقبل باب العبادة ضدان جدليان نابعان من لب مشيئتي؟
هل يقبل باب العبادة فكري و قلبي ان كنت من الضالين؟
وهل يقبل خطواتي ان كنت مثل العابرين؟  
وهل يرفض باب العبادة ان اضع قلبي عند نهايات ابيات قضائدك؟
وهل يرفض ان اتمدد في ظل ما تبنيه اشعارك
وامسك نور الشمس وأصوغه اقراصا" نحاسية صغيرة
ارميها من هنا لتعانق الأطفال الجائعين في الوطن
ارميها من هنا لتعانق الخائفين الصابرين في الوطن

                      ● ● ● ● ●                                                                                          


ما هذه الروعة؟
ما هذه الكلمات؟
اراها تركض تمضي . . اراها تركض تأتي
وتسف لتعانق اهداب فرحتي
ثم تعلو و تصعد، وتعلو بعيدا"
لترسم تلونا" قزحيا" فوق بيوت الفقراء
                                                                                                    
                       ● ● ● ● ●                                                                                          


في اشعارك تعودت ان اقرأ العيون،
ان اسمع القلب و قفزات الزمان،
ان انحت تقاسيم الحب،
وان اضع، على جناحي فراشة، مملكة الوجدان


                   ● ● ● ● ●                                                                                          


انت تقول:
"الحمد لفلاح شجرة بني الانسان
الذي يقطف في كل اّن ثمارا" للقربان
فواكه من كل الاوزان واثمارا" من كل شان"

ما هذه الروعة؟
ما هذه الكلمات؟
اراها تركض تمضي . . اراها تركض تأتي
وتداعب اصابع الاطفال وعيون الامهات
وتشيد اقواس النصر ليمر من تحتها البؤساء
وتسأل القادم من وطن الاحزان عن الحب و الارض و الخبز و الانسان

يقول:
هرب الحب خوفا" ليختبئ خلف ضوء القمر
وتعبت الارض و المياه و التمر والشجر
وانقسم الانسان اثنان .. اثنان  ..  اثنان
وقتل شمامسة و قسّان

       بولس و رغيد و منذر و غسان
               و يوسف و وحيد و فارس و بسمان

اقرأ في وجوههم واكتشف في ارواحهم حكمة تقول:
ان الحرية لا تباع في الاسواق بل يصنعها الشهداء.


                       ●●●●●●●●


68
أدب / دع الحلم يتكلم
« في: 17:00 20/06/2009  »
دع الحلم يتكلم

سلوى حسن


عن معاناته مع الزمن
عن كل محاولاته اليائسة
حيث رسم الزمان خريطة المكان
دع الحلم يتكلم
عن عمر هدر
في مستنقعات الألم
على أرصفة الحرمان
وعن ضحكات مملوءة بالحزن
يخرج من ثوبه لبس قناع
حتى لا يكشف الآخرون أنيابه
دع الحلم يروي لك معاناته مع الزمن
فلكل زمن حكايات
تروى على السنة الآخرين
لهب يحرق الجمال
وقد يتحول الحرمان الى حورية ترفض المكان
وتتراقص الحمامات فوق حلمات الزمن
لترسم خريطة القدر
على جسد ممزق
دع الحلم يتكلم
كم مرة ومرة انتحر
وصلبه على معبد الحرمان

69
أغنيــــــــةّ حمــــــــراء

هـاتف بشـبوش


لـــدى هوميــــــروس:
لافـــــرق في الشعـــــر بيننـــا, وبيـــــن السحــاب
ولابيـــن الابديـــة والفنــــــاء
ومن مذابــح الطــــروادييــن والاخييــــــن
صــــــــــاغ لنـــــا آلامهـــم مدافـــة بالاغــاني
وجعــــــــل من أرواحنـــــا بُــراقــا

بينما الوحشيــــة البالــــــغة
لقرود مقنعــة بلــحم ودم بشــــري
تتحــزّم بالنـار
كي  تمضـــي أشـلاءً إلى الفــردوس

جثــث !
الثــــائـــريـــن
والملحـــديــن
والمــــؤمنيـــن
والاثريــــاء
والباعــة المتجوليــــن
وكل الفقــراء العراقييــن
الــذين لـم يكفـــّوا عن السمنــة
رغـم ســوء التغذيــة
وكثــرة الخــوف وضيــاع الامـــل
والسكيريــــن
والزانيــــن
والزانيـــات
والمثلييـــن
تـُلقــى في الوهــاد السحيقــة والانهـــار
هيــاكل عظــمية تنــــز منهــا شقائــــق الحــريــــة

ماالـــذي استطاعــه اشاوسنا البـــدويـــــون
الجدبـــــون كصحرائــــهم
غير أستخــراج طاقــــــة الانتقــام
من رؤوس المنتحــريــــــن
ومع قـــــــوة اللــه الديناميتيـــــــة**
و رهــــط من الملائـــــــــكة
صنعوا قنبلـــــة
تبـــيــد ..............
إسرائـــيل
والمــرتديـــن
وعالــــم
الزنادقـــة




** إنما الله قـــوة  ديناميت/   بحــر العلــوم


دنمـــــارك

70
أدب / احلم بك ِعصفورة على كفي
« في: 08:16 27/04/2009  »
   
احلم بكِ عصفورة على كفي

موفق ساوا



انت القصيدة  المطلقة

وانا شاعر بحورك

الذي اتنفس الغرق الجميل ....

ابحث عنك

يا قصيدتي ومناي

أُحاول الطيران اليكِ يا كل سمائي

 

انت محيط حياتي الباقية

احاول ان ارسو على ضفتيك

لأنام على وسادة شواطئك الدافئة

بوصلة القلب تشير لعاصفة الدفء

القادم

 

احاول تسلق جبالك،

كطائر ملكوتي عنيد 

فأنا ادم الذي لازال يبحث

عن تفاحته المسحورة

احاول ان اسرق حروفك الضوئية

لتنور  ديواني ...

انحتها وشما فرعونيا على ذراعي

او حرفا سومرياً

احاول ان اغطس في اعماق تفعيلاتك

لأقبل حركات شفتيك ....

وامشط  سعف نخيلك....

لأرشف الشاي من موسيقى اناملك ِ ...

فأقداح الشاي العراقي لا ترقصها

الا هذه الانامل الناطقة

سأقبلها حتى ترضى 

 

قررت أن أكون معك ...

او لا أكون مع غيرك

مع  تمثالك، مع عنوانك، مضمونك، سطورك

وتأويلاتك...

وبين أطلالك، أظلامك وأنوارك....

 

دعيني اقترب قليلا

دعيني انحت في قلبك

خرافاتي  وتعويذاتي

دعيني اتعلم قوافيك ...

أوزانك ... إيقاعك

دعيني اشاغب  شيطانك

دعيني اتشيطن مع عفريتك

دعيني ارتوي من ثغر بحورك

حتى الثمالة

 

كلما أشــرع برسم عينيك

تهرب فرشاتي لممالك الظلام

وتسقط اوراقي في عش الحمام

وتتبعثر ألواني في قصر السلطان

 

وتحاول الرياح ان تـأكل افكاري

وتحاول افكاري ان تاكل ناري

لأبقى إنسان بلا إنسان

إنسان بلا لســـــــــان

إنسان لا يرتدي قمصان

إنسان متكور في هذا الزمان

 

احاول تلوين شفتيك

تخطيط حاجبيك

وتصفيف واحة رمشيك 

أتـَحجر  كصخر عتيق

في سجن ِجنائنك ِالمعلقة

 

وكلما احاول إنهاء لوحتك ِ

تـَلفـّني خيوط الجهل 

تقتحمني جيوش الظلام

وافقد ما لا أقدر أنْ أراه

ولا اراه

 

ضاع العمر وشاخ الجسد

وشاب الرأس

وانتِ .... أنتِ ..... ، بلا حسد،

لا تمر عليك امواج الزمان

فانت اجمل لؤلؤة في اعماق البحار

لا يصلها انسان

 

وصلت مرقصك الليلي

وطاف نهارك حول قلبي

تدحرجت ُالى حضنك

فرضعت ُ من حروفك

وتعلمت ُ نظم اوزانك

حاولت  أن أ ُراقصك

على جرف نهرك الهادر من شلال رأسك

الى اخمص قدميك ِ

ونمشي معا فوق المسامير

وَحـَـلُـمـنا بسمفونية الخيال

نطير كلانا بلا اجنحة

فوق جمهورية العصافير

وقبل ان انهي تشكيل اخر حرف من اسمك،

قبل ان اطبع اخر قبلة

في اخر الليل

في اخر مشهد من نصي العرضي

وقبل ان يصيح الديك ثلاثا ً

سقط جسدي، كجثة، من سريري

فلم اسمعْ الا الذئاب ....

 تعوي من  حولي ...

فهربتْ قصيدتي الخجلى

ومن ثم اختفت بين جماجم الاطفال

في شوارع الدمــاء

تبحت عن دار ٍ للأيتام

وتحت سماء سوداء

في مدينة الله التي يسمونها العراق

نامت في عش تنتظر العشاق

 

اعود مكسورا ً الى صومعتي

اعود مجرورا  بحرف الجر الى سريري

عسى .... وعلني ...

احلم بك، ثانية، عصفورة ًعلى كفي

 

فاين انت الان ...؟!

أأنت هاربة أم إني هارب

أم كلانا نهرب من جحيم الى جحيم

ونمشي نركل الاحجار َ ونمضي منشدين

متى يعود الربيع  ... متى نعود للربيع

ونرفع اصابعنا بجنون الى السماء..!

 

اعود مكسورا ً الى صومعتي

اعود مجرورا  بحرف الجر الى سريري

عسى .... وعلني ...

احلم بك، ثانية، عصفورة ًعلى كفي

 

قرأت كل لغات العالم

درست  كل الدروس

تـَبـَحّرْتُ ببحور جمالكِ

صعدت سلم موسيقاك

حفظت انغامك

رسمت نوطاتك

دخلت مدرسة ايقاعك

انهيت صفوف شطرك وعجزك

وختمت جميع بحورك

لأحلم لحظة ً بك عصفورة ًفي كفي

 

قرأوا لي فنجاني

فسروا خطوط  كفي واحلامي

طرقت ُابواب َالسحرِ

جَرَّبتُ  كل التعويذاتِ

مارست طقسا من الدروشة في معبدك ِ

تخشبت ُ تساميت ُ...

لتحطي عصفورة ً على كفي ....

 

صَرَّح َشيخ المجانين :

ما دمتَ تـُحاولُ الوصول َالى شيطانِها

فغادر طوعا ً

وعشْ كالأطفال الذين لا يرضعون

الا دماء اصابعهم.

 

اعود مكسورا ً الى صومعتي

اعود مجرورا  بحرف الجر الى سريري

عسى .... وعلني ...

احلم بك، ثانية، عصفورة ًعلى كفي

 

أحلمُ أنْ أنسجَ حروفـُك ِلهذياني

انشر حلمي على خيوطك الذهبية

اقفز فوق سطحك لتغتسل

 روحي بمياه قدسية

امد ُّ ذراعي

نحو سماء َوجهكِ

أرسل ُأصابيعي كمخبرين ...،

يختبأون سراً، بين حُجرات شَعـْرَكِ

تـَوَتـَدّتُ بخيتمك ِ

زرعت اضلاعي بين ثنايا

مساماتك..

طوقـتـُك ِبقافيتي

بداتُ بـِمـُتَحـرككِ وأقفلت ُبساكنك ِ

اطلقت ُحراسي حول مضمونكِ

بعثرتُ ألغامي في أرضك الحرام

أطلقت ُإسمكِ عنوانا لديواني

وَشَجَـرّتُ عنوانك ِبين ثنايا صفحاتي

لأحط، لحظة، (كالسوبر مان ) في ملعبكِ

واتسابق مع فريق حروفك

 

اعود مكسورا ً الى صومعتي

اعود مجرورا  بحرف الجر الى سريري

عسى .... وعلني ...

احلم بك، ثانية، عصفورة ًعلى كفي

 

بقيت كظل اركض سنينا

لأصلُ ... لأتلمس الفيروز

فكنتِ وما زلتِ زئبقة ً

فكل الدروب مشمسِّة فيك

كيف الوصول اليك...؟!

 

لبستُ حتى ثوبَ اليأسِ ِ

رفعتُ رايتي الًبيضاء

ركعتُ أمامَ اسوار  معصميك

 ورحلتُ الى مدينة حلمي ثانية

فَحـَط َّ شيطانـك ِبقربي

فرحل وراءه شيطاني

في اعماق البحــر ِ...

 

اعود مكسورا ً الى صومعتي

اعود مجرورا ًالى سريري

عسى .... وعلني ...

احلم بك عصفورة على كفي

 

تـَنـَخـَّلـْتُ لأحملَ رطبكِ

تـَبـَسَّقتُ عاليا ًتحت سمائكِ

تـَرَطـَّبـْتُ في نخيلكِ

تـَسـَعـَّفـْتُ من سيقانكِ

تـَوَرَّقْـتُ من اغصانكِ

تـَقَـَرَّبـْتُ من اذارك ِ

إحْـتـَرَقـْتُ بناركِ

لأحصل على صولجانك

واضرب على ايقاع طبلك

وانفخ في مزمار الحانك

 

فاعود مكسورا ً الى صومعتي

اعود مجرورا ًالى سريري

عسى .... وعلني ..

احلم بك عصفورة على كفي

 

يا سيدتي  كل محاولاتي باءت بالفشل

وتدحرجتْ كلمات قصيدتي من سطحك

فتـْـرَهـْبـَنـَتْ كل حروفي على عتبة باب ديرَك ِ

وها انا أقدم قرابيني التي تنزف حبرا احمرا

وبعيدا عن شياطينك

 

فاعود مكسورا ً الى صومعتي

اعود مجرورا ًالى سريري

عسى .... وعلني ...

احلم بك عصفورة على كفي

 

تـَكـَهـَّفـْتُ

تـَحـَجـّرْتُ

تـَصَحـَّرْتُ

تـَشـَجـَّرْتُ

تـَشـَظـَّيـْتُ

تـَلـَوَّنـْـــتُ

بكل الالوان

لأصل حافات مياهك

لألمس زهور صدغيك

او اقترب من اسوارك

او اشم حروفك،

لأتنور بكراتكِ الضوئية

وهمزاتكِ القطعية والوصلية

و واوك ِالمعطوف

ورافع فاعلك المرفوع

وناصب مفعولك المفتوح

 

اصوم في كهفك

اصلي في معبدك

اركع امام مفعولك المطلق

لأكون لحنا في اوتارك

او جارا او مجرورا

امام عتبة مقدساتك

 

اعود مكسورا ً الى صومعتي

اعود مجرورا ًالى سريري

عسى .... وعلني ...

احلم بك عصفورة على كفي

 

سابقى أ ُهرول باتجاه نجومك

كما كنت ُاليوم وبالامس ِ

فما ينثني عزمي

او يطأ راسي

 

اعود مكسورا ً الى صومعتي

اعود مجرورا ًالى سريري

عسى .... وعلني ...

احلم بك عصفورة على كفي


سيدني - اذار 2009

     

71
أدب / جنح الظلام
« في: 08:56 22/02/2009  »
   
جنح الظلام

فادية النجار


حبيبى مر عام
 ومضى من بعده عام
وانا وحدى فى جنح الظلام
حائرة بين الأمانى والأحلام
تعتصرنى الأحزان والآلام
. اشتاق اليك  .. اناديك ...
.ابحث عنك..واسأل  الأيام ..
واظل وحدى فى ظلام ليلى
وروحى تبتعد كأنها تسافر عنى ....
تهجرنى تذهب  للفضاء  تناجيك
وهكذا أظل افتش .. ابحث عنك
واجن لأجلك  فكيف  الاقيك ؟
لأرتمى بأحضانك وانسى
بين ذراعيك  ليلى الحزين
. فما العمر بدونك ...
ما الدقائق  ما الأيام .. ما السنين ؟
اناديك حبيبى واستجير منك بك
فمن اكون ان لم يكن هواك !!
أأعيش العمر هكذا  امرأة مكتئبة
النفس مزقت من أجلك صباها
ومزقت لأجلك الغد والأمس .
فلا همس بدونك ولا لمس
 وصارت حياتى كأنها
 صنعت من احزان وملل ويأس
فلن ترتاح النفس ولن يهدأ القلب
 ان لم تسكن  احضانك واحلامك
فدعنى اغوص ببحارك واداعب اعماقك
دعنى اسبح قليلا بضيائك دعنى يا سيدى
واتركنى اتمايل قليلا  كوردة ببستانك
واجعلنى مرسى وشاطئ من شطآنك
 وليبتسم ثغرك  ولتداعب افراحك افراحى
أحبنى حبيبى.واشعل ايامى بحبك لى
اشعل كل كيانى .احبنى دوما.

تفكر يوما فى هجرى و نسيانى
اذكرنى ..اذكر يوم لقانا... يوم ميلادى
خذنى قمرا بلياليك..
اجعلنى لحنا بأسفارك
اجعلنى عبيرا ببستانك..
بريق شوق ينمو بوجدانك
فمن اجلك  مزقت كل كبريائى
وكشفت عن ضعفى وانكساراتى
من اجلك واجل حبك
تخليت عن كل افكارى ...
.مزقت تراثى... احرقت معتقداتى
فمن غيرك يا املى كان بأمكانه ان..
يمسح كبريائى ويعربد باحلامى
وامسياتى ومن غيرك كنت
 اعطيه افراحى واشتياقى وبكائى..
فرجائى يا من تسكن ذاتى
الا تمت حبى لك
ولا تحفر مقبرة لأشواقى..
ولا تعربد يوما بعشقى
 وتضيع رونقى ونقائى
فحين عرفتك تخلصت  من عيوبى
و كفرت فيك عن كل ذنوبى


   

72
أدب / رحيل النسر
« في: 00:23 16/02/2009  »
 
رحيل النسر
(الى روح الرفيق الصديق نشرا زورقو والغالية ماريا أويملك)


شمعون شليمون


أيها النسر الجبلي الى أين تشد الرحيل
فالياسمين مازلت برعمة والنرجس لم تكتمل
وجراح عشاق خازر من بعد ماريا لم تندمل
يامن كنت بأمس تحلق في سماء احلامنا
يا من كنت بأمس فاكهة اللقاء بين رفاقنا
يا من كنت تنسج الفكاهة من جمر آلامنا
يامن كنت بأمس الرفيق والقريب من قلوبنا
كيف فاجئتنا بالرحيل دون ان تودعنا
أم ان أشباح غسق سرقت طيفك من عيونا
ولم تمهلك حتى تلوح بدك قبل ان تغادرنا

*  *  *

يا أيتها الأرض القاسية تأخذين دون عطاء
تشربين أنهرمن دمائنا دون أرتواء
تسرقين الحن الجميل فأمست ذاكرتنا صماء
من هول الحزن وحرقة الآلم نسينا البكاء
لأن دموعنا جفت واحداقنا لم يعد فيها ماء
فالخازر لفظ  نارا احرق جسد الهيفاء
والنسر حلق بعيدا غاب في عمق السماء

 

73
أدب / موت الخلود
« في: 01:31 08/12/2008  »
   
موت الخلود

شمعون شليمون



 ولدت
 من رحم الحزن
منفيا
 في ذاكرة الموج
حيث الأصداف
تسطر للعشق لحنا
في رحلة الألم

* * *

عبثا أحاول
ان أنسج
من خيوط الشمس
تاجا
قبل رحيل النجوم

* * *

عجنت
في عيني
من رماد
الأحلام قربانا
للآله

* * *

في مواكب
الشمس
لن أشيع
ظلي
في عرس 
الفراشات

* * *
 بترتيلة
النهر
تعطَر نهديك
جروح
أسوارالقيامة


* * *

لكن
 وقاحة الفحم
تصلب
 الزمان
وتشهد
لموت الخلود
؟؟؟

   

74
أدب / أنثى (ذياب مهدي آل غلآم)
« في: 04:51 16/11/2008  »
   
أنثى
 
ذياب مهدي آل غلآم

 
أنثى من عصير البرتقال
زئبق وشمع عسل
كجناح فراشة في الظلال
للضوء وصال
روح وريحان.......كرستال
جسدها
هذا أقل ما يقال

* * *

أنثى من صلصال
يجسد الحياة
كيف تنعكس المرايا
ويسجد البريق
ليطفح الرحيق
امام هيكلها البض
يارب الجمال
ما هذه!؟....... حواء
أم خيال

* * *
 
شعرها كما للغجر خيول
تعدو في فراديس الروح
وتغدو على الصبوح
خصلاته لا تهاب الريح
كنبت أستوى على عاصفته
شلال
لايكبو في الفصول
أسترالية
خلاسية
أستوائية
أمطارها هطول
تروي الزهر والحرث
غدرانه سيول
جسدها
فتحت له ابواب القلب للدخول
همست بغنج لاملول
ايها القرمطي
ايها العراقي
يا عاشقي المبتول
أنا بابلية الأصول

* * *

يكتل جمال البيج.....فنه آلليلوحه
حته الله من سواج.....صفك الروحه



حي السعد/ ملبورن المحروسة

   

75
احلام على باب المنفى

صـباح ســعيد الزبيـدي




في آخرِ النهار
حينما تركت الرياح كل اثقالها
على ركام الذكريات
وجدت نفسي
احمل صليب غربتي
وأدفن الأحزان في قلبي الذبيح
وعلى باب المنفى
مر طيفك يا حلوتي
فشدني الشوق للقياك
وحين دعتني الأشواق
دخلت في معبد صبري
لاوقد شموع الانتظار
وامسح عن وجهي ظلام الغربة.


* * *

هذي عصافير الأفراح
فوق اشجار حدائق الأحلام
اختنقت بنوبات البكاء
وارتمت فوق نعش المواعيد
وهاهي في بساتين الطفولة
وفوق ذرا النخيل
تبحث عن جذع النهار
وتبكي على الراحلين.


* * *

عند شرفة القمر
اراك قديسة بثوب من الشموخ والكبرياء
تقدمين قربان حبنا العذري
لتواريخ العشق المتغلغلة في اوهام العشاق
فتعالي ...
 يا حبي الصعب في زمن الانكسار
يا اجمل امرأة خبأتها في كهف دمي
ونمت في سرير ظلها
لأكسر طوق الأحزان
تعالي ...
لأعلمك سر الميلاد
ونحتفل بعرس اللقاء
لأن الفراق عذاب
وبيني وبينك
لاشئ غير الضياع
وفي صدر السماء
غيوم تجهل أحزاننا
وأوجاعك الداميات
وها أنا ضللت طريق عينيك
ولم يبق على ضفاف شواطئي
غير زهر الأقحوان
ونوارس حزينة
ورمال...


* * *


آه يا عصفورتي السمراء !!!
ضيعتنا المصائب بين محطات الأنين
فافترقنا ...
نحمل همَّ السنين
ومآسي هذا الزمان
تحتضر مواعيدنا كل المسافات الأليمة
وقلوبنا سفن احزان
تمخر في عمق البحار
حتى آخر الأرض والألم
وتحت سقف غيوم الأسى
نصلي على نعش السراب
ونكتب مرثية
للأموات ..... وللأحياء.



بلغراد- صربيا

   

76
أدب / القوش
« في: 19:11 09/11/2008  »
                                               القوش*

                                             زكري ايرم

 
القوشْ رمزَ الإبى ما هزّكِ جبـــــلُ                  ما نالكِ وارتقى اسواركِ رجـــــــلُ
في كلِّ سفح ٍ شَهدْنا الفَ ملحمــــةٍ                 أبلى بها اهلـُكِ فرسانـــــــــك الأولُ
كانوا اباة ً وما لانتْ عزائمُهــــــــم                 وبالذي عاهدوا قد أقسَموا فـَعلـــوا
ما طأطأوا هامَهم يوماً لطاغيــــةٍ                  شُمُّ الأنوفِ بَقوا للظـُلم ما امتثلــوا
إنّا وَجدنا لدى اهلـُك أسوتـَنــــــــا                   كانوا كراماً سموا يَحدوهُم الامـــلُ
هذا سليمان باق ٍ في ضمائِرنـــــا                  من قبلُ توماسُك اسطورة ٌ بطـــــلُ**
ذكـِّر بهم عُصبة َ الانصار ِ بمـــــا                  تـَحكي البطولاتُ لمّا ضاقتِ السُبـــلُ
استبسلوا زادُهم فِكرٌ وتضحيــــة ٌ                  بالنفس ما قتـَّروا بالروح ما بَخلـوا
دكّو غِمارَ الردى لا شيءَ يُرهبهم                  لم يوقفِ الزحفَ لا خوفٌ ولا وَجـلُ
حقٌّ علينا لهم تـُتلى قصائدُنــــــــا                  والكلُّ يزهو بهم أنـّى متى نزلـــــوا
لو رُمتَ تستنطقُ التاريخَ ما فعلوا                 قد يَعجزُ النطق عن اطراءِ ما بَذلوا
هذي لك يا أخا ودّي تحياتـــــــــي                 معطارة ً نفحُها الإخاءُ والقبــــــــــلُ


* قصيدة تهنئة للزميل نبيل يونس دمان لاصدار كتابه( حكايات من بلدتي العريقة)
* يقصد بهما المناضلين: توما توماس وسليمان بوكا


تشرين اول 2008

77
تلك الأمسية الشتائية

يوسف يلدا
   


في ذلك اليوم الممطر، كتب عليك أن تكون على موعد مع قدرك. طوال ساعات النهار الباردة، وما سبقتها من أيام، لم يكن يدور في رأسك ما أنت مقبل عليه. لم تكن قد خططت أو رسمت  ليومك أولأيامك القادمة، وهذا شأنك. كل من يعرفك عن كثب، يحمل في ذهنه فكرة اللا مبالي عنك. وعلى رغم حرصك الشديد على أبسط تفاصيل حياتك اليومية، غير أنك لا تفكر إلاّ بيومك فقط. اليوم الذي أنت فيه، تعيشه بحذافيره، وعندما يأتي المساء، وتدنو ساعة الرقاد، تحمل جسدك ورأسك الذي لا تشوبه شائبة، وتسلمهما للسرير الذي لا يطلق سراحهما إلاّ في وقت متأخر من صباح اليوم التالي، وهكذا دواليك!
وتلك الأمسية الشتائية لم تكن لتختلف عن غيرها، صورة طبق الأصل لما قبلها.. نسخة مستنسخة منها، بالضبط. لا مبالاة بوقتك الثمين، أنت الذي كنت تمضي أكثر ساعات يومك في العمل، وعندما كنت تعود، لم تكن لتضع نصب عينيك برنامجك لذلك اليوم. لا إلتزامات إجتماعية، ولا زيارات لأقرب المقربين إليك، ولا هم يحزنون. ولفرط إهمالك وعدم مبالاتك بما يدور من حواليك، تخلى عنك أغلب الأصدقاء والأقرباء ، وكل من يحيط بك. أصبحت صديق ظلّك فقط. كلما فكرت في الخروج، عندما تضيق بك الدنيا، في لحظة مفاجئة، لا هي على البال ولا هي على الخاطر، تدعو ظلّك لمرافقتك، بعد أن أصبحت وحيداً.
كانت الساعة تشير إلى العاشرة مساءً، وأنت حتى تلك الساعة لم تكن قد قررت إلى أين ستكون وجهتك، في ذلك الوقت المتأخر من الليل ببرده القارص، وإن كنت، مسبقاً، قد خططت لقضاء يومك المتبقي خارج البيت. لكن أين؟ تلك كانت معضلتك الأبدية. ولأنها كانت نهاية الإسبوع، فأن أول ما خطر ببالك، حقن رأسك بما يجعله في حالة دوخان عند عودتك في ساعة متأخرة من الليل، لتنام من دون أن تدرك كم سيدوم ذلك، يوم، يومان، شهر، سنة، العمر المتبقي كله؟ لم تكن لتعلم، ولو كنت تعرف شيئاً عن علم الغيب، لتوصلت إلى الإجابة التي كانت ستشبع رغبتك في معرفة وقت إستيقاضك في اليوم التالي، لكنك حتى في هذا لا مبالي!
خرجت مسرعاً وطواعية إلى قدرك المحتوم، والذي لم تكن قد خططت، أنت، له، بل القدر. وما لم تكن تتوقع، مطلقاً، أن يغيّر من إتجاه حياتك، ويقلب موازينها بدرجة 180. أسرعت الخطى وأنت في طريقك إلى الشارع، ورذاذ المطر المتناثر من السماء، كان لك حصة منه. تعجلت على أمل أن تعثر على سيارة تكسي، أو سيارة خصوصي ممن يعمل أصحابها بصفة سواق تكسي بحثاً عن لقمة عيش تسد رمق أطفاله في زمن شحّت فيه فرص العمل. لم تنتظر طويلا، إذ وقفت سيارة تكسي لتحملك إلى قدرك، لسوء أو لحسن حظك.
بعد أن ترجلت من سيارة التكسي التي طلبت من سائقها أن يقلك إلى نادِ معروف بإقامته أمسيات موسيقية، كل إسبوع، ووقفت، بعد أن إقتنيت تذكرة دخول، تجول بنظرك قي فراغ القاعة المكتظة بالحضور، لعلّك تتعرّف على وجه مألوف، حتى لو كانت علاقتك به غير عميقة، لأن المهم، بالنسبة لك، أن تجلس على طاولة، مهما كانت ، صغيرة أم كبيرة، محاطة بأصدقاء أم بأعداء، المهم أن تحتل مقعداً يتيح لك الشرب والإسترخاء، والإستماع إلى الموسيقى، لأن غايتك، في تلك اللحظة، لم تكن لتتعدى ذلك. ما لم يكن في الحسبان، في تلك الأمسية الشتائية، كان قد وقع، فقد لمحت، عن بعد، أحد أصدقائك القدامى، ممن، نادراً ما تلتقيهم، في مناسبات مثل تلك المناسبة، وقبل أن تقتنصه، كان قد لمحك، ملوحاً بيده لك. وأنت، كما لو لم تكن مكترثاً للأمر كثيراً، إكتفيت الرد عليه بالمثل، ملوحاً بيدك، ومن ثم موجهاً نظرك إلى زاوية أخرى من القاعة، وإن كنت في قرارة نفسك تتمنى أن يدعوك للجلوس إلى طاولته. وقد تحقق، حينها، ما أردت. فقد توجه بشخصه إليك، ودعاك للجلوس مشيراً إلى كرسي فارغ، كما لو كان القدر قد حجز لك ذلك الكرسي ، في تلك الأمسية الشتائية.
جلست، بعد أن ألقيت التحية على مجموعة من الأشخاص ، لم تتعرف عليهم، الأمر الذي قادك إلى الشعور بالإحراج. غير أن تدخل صديقك، وقطع خيوط إحراجك، حال دون الإستمرار في إرتداء ذلك الشعور. فقد باغتك بتقديمك إلى الآخرين، مما أذاب ما كنت تتصوره إحراجاً، بينك وبينهم. من كل ما علق بذهنك من كلمات التقديم، أن واحدة من بين الجالسات والجالسين تكون قريبته. لم تهتم للأمر كثيراً، وإن كنت ترى في ذلك فرصة للحديث والدنو أكثر منها، كونها قريبة صديقك.
بعد أقل من ساعة، كانت قناني البيرة قد رصت أمامك، مما يعني، أنك سوف لن تبالي بما يدور من حواليك، وسوف لن تستعين إلاّ بما يأمرك به تفكيرك المترنح، لأنك عندما ترتقي الخمرة السلّم، إلى حيث رأسك الكائن في أعلى منطقة من جسدك، تتحول إلى عنتر زمانك، وتنفتح قريحتك على مصراعيها، من دون ما رقيب أو تأنيب ضمير، وإن لم تكن تتجاوز حدودك، أبداً.
خفتت الأضواء، وإنسلت الموسيقى الرومانسية من بين أنامل أعضاء الفرقة، وإنشرحت القلوب الصغيرة الموزعة في القاعة، وراح الأحبة يحتضنون بعضهم البعض. أما أنت، فليس هناك من تمد يديك إلى خصره في تلك اللحظات المفعمة بالعواطف الجياشة، والأجواء الغارقة في الشاعرية. لم تمر إلاّ دقائق معدودات، ومع ختام أول مقطوعة موسيقية، وفي خضمّ عربدة أفكارك، دعوت قريبة صديقك للرقص، بعد أن إستأذنته، طبعاً، وإن لم تكن هذه من خصالك، وبصورة خاصة، في لحظات سكرك الشديد. غير أنك أقدمت على ذلك، وكان من حسن حظك، أنها لم ترفض طلبك. حالما وطأت قدميك مسرح الرقص، رحت تنسج في خيالك بساطاً إنطلق بك إلى الأعالي، إلى النجوم المختفية في تلك الأمسية الشتائية وراء الغيوم. وقد إرتحت لذلك، لأنك لم تشأ أن يراك أحداً برفقة قريبة صديقك ذات التسعة عشر ربيعاً. حلقت معها عالياً، من دون إستئذان، ورحت تحلم بقوس القزح، وأنت تحدّق النظر في بلوزتها المزركشة الألوان، وتنورتها، المنسجمة جداً مع بلوزتها تلك. وفي لحظة إنسجام مع نفسك، وبعد كلمات قليلة تفوهت بها لكسر الجمود الذي حلّ بينكما، في البداية، طلبت منها موعداً، هكذا وببساطة شديدة، وكأنك ترى فيك دون جوان عصرك. وإنتظرت أن ترد عليك بالإيجاب، كما الواثق من نفسه، إلاّ أنها، وبإسلوب، في غاية التهذيب، طلبت منك التريث، والتمتع بالموسيقى والصحبة اللطيفة، لا غير. لم يثبط ردها عزيمتك، مبرراً ذلك بكونه أول لقاء، ولا بد أن تلين لو ألححت. وكنت قد كررت طلبك للقياها في اليوم التالي، لكنها تشبثت بما قالته لك في ردها السابق مع بعض الليونة في ردها هذه المرة. فقد أضافت قائلة، ما كان بالنسبة لك المفاجأة الكبرى في تلك الأمسية الشتائية، أنها سوف تفكر في ذلك وتعطيك الجواب فيما بعد. ذلك الرد كان الخيط الذي شدّك إليها حتى هذه اللحظة. لا بل كان قدرك المحتوم، والذي أحال اللاحق من أيامك وعمرك إلى عالم لا مثيل له، لم يأت ولن يأتي شبيهاً مثله.

آب / 2008
سيدني – استراليا
ibrahimyousif@hotmail.com
   

78
أدب / صرخات من وطن الآلام
« في: 06:20 23/06/2008  »
صرخات من وطن الآلام

صـباح سـعيد الزبيـدي


صرخت نساء في بيت حانون
صرخت نساء في فلسطين
مالكم ، مالكم نائمون
أيها الخادعون ضمائركم
ان ابا رغال لايحرر وطنا 
ستون عاما مضت
وانتم في  ممالك السراب
تائهون .. تلهثون
تحملون رايات تاريخكم المقتول
تطلقون خيل احلامكم السوداء
وتركعون في محراب الجنون
وفي اسرة الهزيمة
تغطون انفاسكم المريضة
باغطية الذل والاذعان
وهاهم طغاة هذا الزمان
في بيت حانون
أطفؤا قمرِ الطفولةِ
ودنسوا رحم وطن الآلام
فاستيقضوا ..
واستفيقوا من وطأة النومِ
واحلام الركض وراء السراب
لقد جاء الخراب..
وحل زمن الفجيعة والظلام
واختفت في الافق شمس النهار
واصبحت بيت حانون مقبرة
ترقص فوق رمالها الذئاب
واثقلت كل بيوتها بالجراح

********
من رحم الكلمات النازفات
تلوح قبة ام النصر
بثوبها الدامي
في زمن الخطايا
والضمائر الخرساء
تبحث عن شمس الدين
ورايات صلاح الدين
فيا اطفال فلسطين
أيها المعذبون في حضرة الصدق والموت
نذرت لكم قلبي ملجأ
وعلى شواطئ جنة الرحمن
اوقد لكم الشموع
واصلي بخشوع
انتظر بزوغ الفجر
وميلاد يوم جديد.



بلغراد- صربيا
30.04.2008
sabah@sezampro.yu

   

79
أدب / اسطورة غائبة
« في: 05:33 18/03/2008  »
اسطورة غائبة

صـباح سـعيد الزبيـدي



يوم ثلجي كئيب
يطرزعلى اعتاب مدن الغربة
كبرياء السماء
وقوانين الطبيعة
في لعبة الكون المحطم
ورغم هذا الوفر الثلجي الساقط
الذي غشى الارض
بردائه الطاهر..
وفي عاصفة الثلج والضباب
وطواحين همومي
في زمن الصقيع
مازال الحزن يحتضن عيوني المتعبة
ويحمل دمع الليل الخارج من ثنايا القلب
والمتجمد في اوردة الكلمات
وفي ليل هذا الشتاء الثقيل
اضيع في دوامة البعد والالم
واتيه عذابا يرحل اليك
مع طيور الحزن في هجرتها
ابحث عن وطن فيك
فالدرب اليك بعيد
والقبلات تبعثرها الريح
والعناق من خلف الغيوم
يصلبني في خشوع
وابقى اغوص في هذه الدوامة الرهيبة
اجمع كلماتي العطشى لانهار عينيك
يازنبقة العالم المنهار
ياربيع عمري المفقود
يااغنية حالمة في زمن الحق الضائع.

* * * * *

غدا من ظلمات ليالي الحزن والوحشة
تولد شمس طفولتنا وصبانا
 وهذه سفن احلامي ..
شدت رحالها
لتعانق طيفك
وتبحث عن وجهك
الذي غيرته خارطة اشباح الظلام
ورياح الموت البطئ
في مواسم القحط والجفاف
وهاهي روحي الملهوفة
 في محراب الكلام
تطلب الانعتاق
وتنتظر الوصال.

   

80
أدب / اطياف حالمة
« في: 06:05 20/02/2008  »
اطياف حالمة

صباح سعيد الزبيدي



صباح خريفي تدّ لت فيه الثلوج
فحطت على الارض في رقة واحتشام
وها أنا على بوابة النهار
بعد كل سنوات البعد والرحيل 
امرغ احلامي بالثلوج
اعانق وحدتي
كالطفل اليتيم
حين يهفو لصدر حنون
وعلى ضفاف الغربة
اسير فوق الثلوج
اخاطب اسراب الحمام
متى اعود ..
ولكن اسمع صدى اصوات سحابة ثكلى
تناديني :
ايها الغريب
لن تعود .


* * *

في غمرات الذهول
رغم زمهرير الشتاء
ووحشية أَشباح الفناء
في زمن الحرب والطاعون
وفي زمن خنقتنا فيه الكلمات
اظل اسبح في احلامي
وسط أمواج النوم الزاخرة
لاضم روحك الى روحي
وليسمو كل شوق وحنين
ومع انهمار الثلوج
مازلت يا وطني
قصيدتي الكبرى
وقمري الحزين.


* * *

هذا الشتاء قد انتهت احلامه
ودنا الربيع
 وسترحل معه اشباح الخطيئة
وتلوح لنا الحياة
مع تباشير الصباح
عندها ستعود عصافير الربيع
وينجلي الليل الطويل
وعلى ضفاف الحياة
سوف اكسر قيد انفاسي
واعانق الفجر الجديد.



بلغراد- صربيا
31.01.2008
sabah@sezampro.yu

   

81
وينك يا خالق الكون مـَدَه تشوف

موفق ســـاوا



(عشـنـا وشـفـنا .......... وبعـد نشــــــوف)
ابـلـدنـا الغـربة واحـنا صــرنـا اضــيـــــوف
وعلى وحـده ونص نركـص بلا دفــــــــوف
ونغـنـي وبـيـدنا ســـلاح كلاشـنـكـــــــــوف
يـكـتـلـون كــل عــراقـــي اذا صــــــاح اوف
شــــوف يـلعـراقـي بـعـيـنـك انـت شــــــوف
احـنه الاصــل...... صرنا أطياف وطـيـــوف
ابلدنه الغـربة ..... واحـنه صـرنا ضـيـــوف 
اطـاحــوا بـيـنـا عـظـم الهـدهـد المنـتـــــوف
وصـــار الـقـتـل بـيـن الشـيـعـه والسـنــــــه 
وهُـمَّـه لا نـاكـه بـيهـا ولا خـــــــــــــــروف
صـرنا ما نميز بـين الخـاطـف والمخطــوف
(الاســلامـوي) يـذبحـنـه  عـلـمـكـشــــــوف
 بصحره انشمرنا  لا عاطف ولا معـطـــوف   
كطمو روسنا مزقوا الجسد وكطعوا الكفوف
والمسيحي ما زال يصلي للأعداء بلا خوف
رجعونا للقرون الوسطى نعيش بالكهـــوف
وينك وينك يا خالق الكون مـَدَه تشــــــوف
صرنا بالخيمه لاجئين ولونه مخطـــــــوف
والغريب على دمنا يركص أمام(الضـيوف)
ابلدنه الغـربة ..... واحـنه صـرنا ضـيـوف 


سيدني - استراليا
al-iraqianewspaper@hotmail.com

           

82

العنقاء .. هل تنجو من أنفلونزا الطيور ؟
[/size]


محمد رشيد/ العراق

الكل يعلم وخصوصا المقربين الذين يحضرون نشاطات دار القصة العراقية ونادي ثقافة الأطفال الأيتام ونادي صحافة الأطفال وبعض فعاليات مهرجان العنقاء الذهبية الدولي الرحال  التي تقام على قاعة العنقاء في مبنى  دار القصة العراقية يوجد على زاوية اليسار قريبا من السقف عشا لفاختة  منذ افتتاح (ملتقى القصة القطري الأول) عندما افتتحت دار القصة العراقية يوم 2/11/1999 هذه الفاختة منذ اللحظة الأولى التي استأجرت فيه هذا المكان بدأت تبني عشا لها  فوق قاعدة شمعة الفلورسن لتستقر في (عشها الزوجي) وكلما حاولت أن تبني عشها تتساقط الأعواد التي كانت تجلبها بمنقارها لذلك وبمساهمة مني لمد يد العون لها وبدء صداقة من نوع خاص مع الحيوانات الأليفة اشتريت (سلة بلاستيكية مشبكه) وثبتها في المكان التي حددته الفاختة وحالما ثبتها على الحائط بعد دقائق فقط دخلت فيها مباشرة وراحت تبيض بيضتها الأولى وكأنها كانت تنتظر مني أن أقوم بهذا العمل لكي تستريح من ذلك (العسر البيضي) , منذ تلك اللحظة بدأت علاقتنا تنمو لذلك استمرت هذه الفاختة في وضع  البيض والتفقيس في هذا المكان بأمان وكلما كبرت أفراخها وأصبحت قادرة على الطيران تبقى تحوم وتبيت في قاعة العنقاء والأكثر فرحا راح البعض منها يكون أسرة جديدة لذلك رحت اعمل نفس ما عملت للفاختة الأم ولكن هذه المرة كانت الأمكنة خارج القاعة أي على جدران قاعة العنقاء الخارجية , لذا كان هديلها أشبه ب(الدعاء) كان يطرد الشر الذي كان يحاك من قبل (الأعدقاء) أتذكر مرة مررت بظروف صعبة وقاسية جدا بسبب المشاكل التي اختلقت حول نشاطات دار القصة من بعض الأصدقاء والاعدقاء حتى أثرت بالتالي إلى غلق دار القصة العراقية بأمر رسمي لا يمكن الصمود أمام تياراته الجارفة مما ألقى بظلاله على حياتي الأسرية حتى أجبرتني الظروف آنذاك مكرها  أن أبقى مقيما في دار القصة العراقية ولمدة ستة أشهر بعيدا عن أطفالي, توطدت حينها علاقتي مع الفاختة مما أسهمت في ولادة قصة  كان عنوانها (طائر المرايا) هذه القصة تميزت كونها تحمل قيم ودلالات فنية وإنسانية كانت بحق تجربة  ثرية لاتنسى .استمر الحال في علاقتي مع هذه الفاختة  إلى أن انتشر قبل فترة مرض (أنفلونزا الطيور ) المشئوم وراح الكل ينتقدني على هذه الفاختة الرائعة التي اعتبرها أكثر من صديقة بل أحيانا تأخذ شكل الحبيبة عندي وأحيانا تلعب دور الأم أو البنت وهكذا كل مرة كنت أشاهدها بشكل أجمل من الشكل التي عرفتها في بادئ الأمر لكن الإخوة الذين يعملون معي  في دار القصة احدهم هدد بأنه لم يدخل إلى دار القصة (كنت أتمنى أن لا يدخل الدار أبدا) إذا ما أزيل عش هذه الفاختة وراح يشرح لي كيف أن الفايروس الذي من الممكن أن تنشره هذه الفاختة الوديعة التي لم تترك في دواخلي سوى الذكريات الجميلة وراح يشوه الصورة تماما وكأنها  فيروس كوني سيجلب الكارثة للأمة العربية  حقيقة غضبت جدا وقلت أنا لا استطيع أن اهدم هذا العش الذي بنيته بمحبتي  ولكن ساترك الأمر لكم احتراما مني ل( الرأي الأخر) مرغما ولكنكم  ستحاسبون أمام الله لو حدث لها أي مكروه غبت فترة عن الدار وبعد عودتي رأيت مكانها فارغا إلا من الذكريات الجميلة التي زرعتها هذه الفاختة وذريتها في دواخلي وفي قاعة العنقاء. انتابني حزنا أزليا  لفراقها ولعنت كل شيء يسهم في فراق الأحبة والأصدقاء لكنني عندما ادخل في غرفتي وما إن أبدء عملي اليومي في دار القصة  أتطلع إلى النافذة المطلة على نهر دجلة أحيانا أشاهدها واقفة على سياج الشرفة مع عددا كبيرا من الطيور الجميلة التي أطلق سراحها مؤخرا بسبب المرض المزعوم ونظراتها تحمل عتبا جارحا يغلفه حزنا صامتا وكأنني  أنا الذي اقترفت بحقها جريمة هدم عشها و الإخلاء ألقسري الذي شتت شمل ذريتها ولكنني كلما حاولت التقرب منها لأوضح لها هذا الالتباس تفر مني هاربة وكأنني احمل فيروسا معديا بعدما كانت تتمتع مرارا وهي تلتقط حبات العدس و(فتات الصمون) من كفي.

Iraqish99@yahoo.com

[/font] [/b]

83
لعل  الشروق  يكون

(من قلب أنطون إلى روح سوزان . . . في ليلة الحب)




هل تعرفين عمر الأرض . . . ؟
هل تعرفين عمر السماء . . . ؟
أجيبي يا من افترشت التراب
وبالتراب تلحفت
أجيبيني . . .  أجيبي
هل تعرفين عمر الأرض . . . ؟
هل تعرفين عمر السماء . . . ؟
أجيبي . . . لما سكت. . . . . . ؟
أجيبي . . .
عذرا . .
نسيت بأني أخاطب صورة
نسيت باني أخاطب ذكرى
نسيت بأنك اليوم . . . . .   كنت
بطول عمر الأرض اشتقت إليك
بعمق عمر السماء احن إليك
بألوهية الله افتقد دفء يديك
بعمق جراح العراق . . . أموت عليك
طعنة في العمق . . . تزاحم ألفا
حين اذكر انك . . . . كنت
فقومي . . وعودي . . . و كوني
أو إليك خذيني . . . . !
خذيني إليك  . . . . !
مكبلا بالآهات . . .  ابكي
مقيدا بالآلام  . . . . اكتب
مثقلا بالحنين . . . أناديك
تعالي . . . عودي . . . و كوني
لعل الشروق يكون
حاوريني . . . . لا تصمتي. . .!
عانقيني . . . . . لا ترقدي. . . !
 راقصيني. . . .  لا تسكني . . !
تحركي . . . .  استعبديني
واعرفي
 إني لا اعبد الأصنام
و لا يواتيني السكون
تعالي . . . . لعل عمر الأرض يطول
               لعل عمر السماء يطول
               لعل الرقاد يطال الهموم
تعالي . . . وعودي . . . و كوني
لعل الله يدوم




شعر : عبد الأحد خالي


(هذه القصيدة مهداة إلى روح المعلمة الراحلة سوزان ايشايا و الى الصديق الدكتور انطون يوسف زوج سوزان)



[/font][/b]

84
أدب / أرض الشمس (رمزي يوسف)
« في: 03:44 20/01/2006  »

أرض الشمس


أنا اسف
لاني فكرت يوما
أن الرحيل هو الافضل
أنا اسف
لاني منذ سنين لم أسال
أدركت الان
من يترك الارض
يترك كل شي
وينتهي الى النسيان

أنظر نحو الشمس
وهي تشرق من بعيد
مرة كل عام
أتذكر طفولتي
كنت أهرب من الدرس
كنت لا أهتم
بكل ما كانت تقوله معلمتي
كانت الشمس
حلمي الكبير

أقف على الشاطئ
أفتش بين الامواج
عن زجاجة
قد تحمل لي خطابا
أو ماردا
ينفذ لي ماأريد
أعود الى البيت حزين
أقف قرب المذياع
أفتش عن أغنية عراقية
تجعلني أبكي
تأخذني الى أرض الشمس
في لحظات
   

أحضر المائدة
فتحت علبة السردين
وأحضرت بعضا من الخبز العجيب
تذكرت امي
كيف كانت تحضر الفرن الطيني
وتصلي فوق العجين

أدخن سيكارة
أدخن سيكارة اخرى
أتذكر أبي
أتذكر كيس التبغ
و غليونه الخشبي
يرن جرس الهاتف
أسرع نحو الهاتف
لعلي أسمع صوتا
من أرض الشمس
يجعلني في لحظة يأس
أسعد انسان
تتكلم امراة بصوت ممسوخ
تدعوني الى السرير
باسهل ما يكون
و تنسى
وتنسى انها امراة
وان الشرف شي ثمين
كل شي هنا تافه
كل شي هنا
يعيدني الىعصرماقبل الانسان
انا اسف




رمزي يوسف





85
أميرتي الجميلة ومملكة الوفاء


صباح سعيد الزبيدي



1

كتبت اسمك في اوراق ذاكرتي
وزرعت بذور حبك في حدائق احلامي
رحلت عنك بعيدا ..
وتركت على ضفاف شواطئ انهار الطفولة
حبي البرئ ..
زهرة قرنفل ..
وقصائد عشق ..
وها أنا ..
لازلت في غربتي
اسير وحيدا في ازقة الحياة
وفي محطات الحزن
ابحث عن وجهك الذي رسمته فوق جدران قلبي
وها أنا ..
لازلت اسير الشوق والوفاء
وفي وادي الحزن
اكتب قصائد شوق
لك ياحبيبتي .. ولمدينة طفولتنا ..
فهاتي كلمات حبنا الاولى
وحروف اسرار الهوى
لاتعاتبيني ..
 واهجري الشكوى
وصدقيني عندما اقول ..
اشتقت اليك..
ولازلت احبك ..
وصدقيني عندما اقول ..
ان في القلب جرحاً أليماً
ومازلت اراك يا أميرتي الجميلة واتتبع بكاءك
عندها ينفطر قلبي لوعة
واتذكر..
 كلمات الرحيل..
دموع الحب في تلويحة الوداع
وازهار الياسمين التي تركتها على عتبة بابك
لتحرس حبنا البرئ..


2

آه ياعمارة ..
آه يامملكة الوفاء..
ارى في عينيك الحزينة وطني المستباح والممزق..
فتقتلني احلامي المجنونة
وفي مستنقع الظلمة
اشعل شموع الشوق ..
واسكب دمعة غريب
 لاسقي بها ورود حبي التي لم تذبل بعد..
أه يا عمارة ..
هذه احذية الغزاة و الغرباء
تدوس ورود حبنا البرئ..
وتقتل احلامنا الوردية.
وفي زمن الحرب والقتل ..
وليالي الخوف والتشرد
يقدم العاشقين قربانا لالهة لاتعرف الرحمة.


3

آه ياأميرتي الجميلة ..
كم اشتاق اليك..
 فتهتز صورتك في خيالي
اتذكر حين كنا نجلس على ضفاف دجلة
ننظر للنجوم والقمر ..
اقولها آه ..
مااجمل القمر في سماء وطني
تسعة وعشرون عاما
وقلبي لم يرى ذلك القمر
وعينيك الحزينة
عندما كانت تمطرني بدموع العشق
وتسقي بها صحراء شوقي.
سامحيني ياحبيبتي الجميلة ..
لازلت احلم بك ..
واراك وحيدة في محطات الانتظار ..
تغرسين اشجار الوفاء..
وأنا كالطائر المجروح
يخشى من رجفة الموت
في مقابر الغربة
ويحلم باللقاء.
فهاتي ورود الدنيا كلها..
واملئي بها صحراء شوقي ..
هاتي جمرات الحنين
لنشعل بها نار الحب ونهجر الشكوى.
ولملمي دمعك يااميرتي الجميلة
لنبكي عند ملتقى النهرين
ونطفئ معا حرائق الشوق والحنين
وعلى ضفاف شواطئ مدينتنا
سنلهو كطفلين ..
نرقب صباح اليوم الاتِ ..


****************

صباح سعيد الزبيدي
بلغراد 22.10.2005
صربيا والجبل الاسود

Sabah@sezampro.yu
http://sabahalzubeidi.friendsofdemocracy.net

 

صفحات: [1]