عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - سامي العامري

صفحات: [1]
1

شهرةُ  الكاتب بوصفِها فضيحةً لا مجداً !
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
سامي العامري
---------


لمّا مات جميل بن معمر وبلغَ بثينةَ نعيهُ , أنشدتْ هذين البيتين كعهدِ وفاء :
وإنَّ سلوُّي عن جميلٍ لِساعةٍ
من الدهر ما حانت ولا حان حينُها
سواءٌ علينا يا جميل بن معمرٍ
اذا متَّ بأساءُ الحياة ولينُها
------
البيتان هنا يفيضان عذوبةً وشجا وموسيقية ألفاظٍ وأتذكر أنني حفظتهما بعد قراءتي الأولى او الثانية لهما !
كم جميل أن يحبَّ المرء بصدقٍ وأن يستمر هذا الحب حتى الموت !
حب الحبيب , حب الأرض , حب الناس , حب المصير , كلها تجليات لمعنى واحد فالحب لا يتجزأ .
ولكن ما أشقى مَن يدَّعي الحب .
بل ويسلكُ سلوكَ المُتفضِّل على مَن يدَّعي حُبَّهُ !
تتحدث مع البعض عن حقوق المرأة العربية مثلاً او مساواتها او حريتها فيجيبك كالمتفضل : لقد كتبتُ كذا عدد من المقالات حول هذا الموضوع او شاركتُ في هذه الندوة او تلك الخ ...
او تسأله عن هذا النزيف العجيب الذي إسمه الوطن فتسمع نفس الإجابة في حين أنك تطمح فعلاً الى سماع ذلك اللحن الحزين المجروح الذي ينطلق من الروح , روح المتحدث وهو يتحدث عن حال المرأة عندنا او حال الوطن بالأمس واليوم حتى بات السؤال عن هذه الحقائق الملحة مثاليةً ما بعدها مثالية .
وهذا القبح , أي شعور البعض بأنه كمَنْ يتفضَّل ويُحسِن , لا يسعُ المرأة العربية , شأنَ الوطن , إلاّ أن تحتقره وتسخر منه , وعن هذا يقول أبو الطيب ببراعتهِ المعهودة :
إنّا لَفي زمنٍ تَرْكُ القبيحِ به
مِن أكثر الناسِ إحسانٌ وإجمالُ .
وهو يعني - كما هو واضحٌ -  أنَّ تركهم للقبيح يُعَدُّ إحساناً منهم الينا !
وهذا الإدِّعاء الذي له تأريخٌ وتشعُّباتٌ وجذور بل وأخشى أن أقول تكايا ومبشرون !
يعجبكَ سطوعهُ بمجرد أن تتصفح سريعاً ما يُنشر اليوم مما يسمى شعراً وأدباً ونقداً ومتابعاتٍ .
فلا قاريءَ يحب الشعر مثلاً ويستفيد منه ويستمتعُ به او يؤْثِر الأدب بشغفٍ ويحرص على مواكبته إلاّ وأصبح اليومَ انتقائياً فالإستسهال في الكتابة والترجمة والنشر أصبح كالوباء , وإمكانية أن تقدِّم نفسك كاتباً او شاعراً أصبحتْ أسهل من عملية سلق بيضةٍ !
في تشبيهٍ لطيفٍ يُعبِّرُ أهلُ العراق عن هدوء المكان ونظافتهِ قائلين ما معناه : حتى اذا سقطتْ إبرةٌ سيَسمعُ رنَّةَ سقوطها الجميع !
واذا توسعتُ في اشتقاقِ دلالاتٍ بسيطة أخرى لهذا التعبير او المثل فقد أقول تجوُّزاً بالنظر الى هدوء المكان : إنَّ الحادثةَ , أيةَ حادثةٍ , مَهما صغرتْ او مَهما حاول البعض كتمانها فلا بد أنها ستظهر الى العلن !
واستطراداً , كان فيما مضى أحد الرهبان الذين عُرفوا لسنواتٍ بنكران الذات ومحاربة شهوات الجسد أي بالسمعة الرصينة حسب فهم الناس لها في زمانه غير أنه في حقيقته كانت له دوافعه الجنسية التي ظلت قوية بحيث لم يستطع صبراً وهو بدلاً من أن يعلن للناس صراحة عدم قدرته على الإستمرار في حياة الرهبنة وقسوتها فيهجرها , فعلَ ما يسيء لشخصهِ وسمعته وسمعةِ الكنيسةِ في بيئة مغلقة او مجتمعٍ صغيرٍ محافظٍ فما كان من الناس حوله إلاّ أن تنكروا له ورفضوا التعاطي معه رغم محاولاته المتكررة للتبرير فمكثَ في بيته وحيداً منطوياً شبهَ يائس ولكنه يوماً وكما الإلهام ! نهض من عزلته الكئيبة شادَّاً الرحال الى مدينة بعيدة وباشر العمل في مجالٍ آخر مكرساً وقته لحياة عمليةٍ بهمَّةٍ وحماسةٍ بعد أن غيَّر اسمه ,
وبمرور الأيام والأعوام ذاع صيته كواحدٍ من أثرياء زمانهِ ووصل ذلك الى المدن والأطراف المجاورة والبعيدة ومن بينها الناس في بلدته السابقة من غير أن يعرفوا هويته الأصلية فنما اليه ذلك الخبر ففكر مع نفسه وقال : أودُّ معرفةَ صاحب الفضل الأول في نجاحي وثرائي : هل خطيئتي ام هِمَّتي ام رفض الناس لي ؟!
وفي كل الأحوال نجح هذا الثري ( الراهب سابقاً ) في التخفي وتمويه شخصيته حتى مات ...
ما أرمي له الآن هو أن العولمة التي تغلغلت عميقاً في تفاصيل حياة البشر على الأرض من خلال أحد رموزها الرهيبة  - الإنترنيت -  جعلتْ الكثير من دقائق حياتنا الخاصة تبدو أكثر انكشافاً من الإبرة في مثالي الأول فهي مسموعة ومقروءة ومرئية !
والأمرُ اختلفَ كذلك في هذا العصر جذرياً فلم يعد ممكناً لأشباه الكُتّاب الذين أسرفوا في الإعتداء على أذواق القرّاء وتعكير مزاجهم أنْ يشدِّوا الرحال الى مدنٍ أخرى ويغيّروا أسماءهم !
ولم تترك الثورة التقنية المهولة ملاذاً آمناً لعاطلٍ أضناه الفراغ اذا هو ادَّعى الشعرَ او الفن فهو مفضوحٌ أينما حلَّ وتصدق هذه الحال على الصحفي بالطبع وعلى غير الصحفي , غير أنني سأترك هذه القضية الآن قليلاً لأنوِّه الى قضية أخرى تتوازى معها ألا وهي طبيعة رد فعل هؤلاء الأدعياء او بائسي الموهبة على الإحتقار المُوجَّهِ لهم من القاريء فهم في ذلك صنفان فأما الأول فهو لا يحس بهذه الإهانة لبلادته وأما الثاني فهو يحسُّ بها ولكنه يبتلعها بروحٍ رياضية عالية !
وهؤلاء هم عدد غير قليلٍ من مُتبجِّحي الكُتّاب والكاتبات .
إنك قد تجد في أحيان عديدةٍ نصاً هابطاً ما لكاتبٍ معروفٍ بمقدرته وحذقهِ إلاّ أنك تصفح عن ذلك لمعرفتك بأنَّ لدى هذا الكاتب قلماً متميزاً او أنه ذو موهبة مشهودة فالعملية الإبداعية ليست بالأمر الهيِّن او طوع البنان دائماً لذا فضعفُ البناء او التصورات مفترضٌ ويمكن إغفالهُ مرةً او مرتين ولكلِّ حصانٍ كبوةٌ !
أمّا مَن لا يمتلك أدواتهِ الفنية اللغوية الإبداعية ولا يمتلك مؤهِّلاً معرفياً وثقافةً متماسكةً وشعوراً فطرياً بوجوب أن تكون هناك مسؤولية في الكتابة وأهمية للموضوع الذي يريد الخوض فيه فلا بدَّ لنا أن نسأله عن أي شيءٍ تبحث وانت تهرع لنشر هذا السطور ؟
هل الغاية أن تقول للناس بأنك هنا ؟ وأنك مازلت حاملاً ثقل ظلك كالأحجار تلقي بها على الرؤوس صباحَ مساء ؟
وماذا عن الذي يسبُّ الفراهيدي لا لشيءٍ إلاّ لأنه لا يستطيع أن يدرِّب أذنه على تمثل البحور التي وضعها هذا العالِم الكبير ؟ وفوق كل هذا يُسمّي ما يكتب حداثةً , وهل من حداثة دون إحاطة بالتراث ؟ وهل الحداثة تعني إلغاء الغناء ؟
بل هناك الكثيرون صاروا يجنحون الى القافية او الكلام المسجوع لإيهام القاريء غير المتخصص بأنهم إنما يكتبون وزناً او هم أساسأ يعتقدون أن الشعر هو تواترُ قوافٍ فحسب !
إنها دون شكٍّ استماتةٌ من أجل الظهور وليكنْ ما يكون !
والشيء بالشيء يُذكر فقد كتب قبل فترة قصيرةٍ شاعرٌ قصيدة صادقة ولطيفة , قال في أحد مفاصلها : ( لا أبغي الشهرة ... ) فأمسكتُ بقلمي الإفتراضي وكتبتُ له عبارة كتعليقٍ قائلاً : ( الكلُّ اليومَ باتَ مشهوراً !! ولكنَّ الرهان مَن يستطيع أنْ يُظهِر نصَّه او صورته على صفحات النت دون أنْ يُغلِق القاريءُ النت بوجههِ او ينتقل الى موضوعٍ أكثر رأفةً ؟ هذا هو الرهان , هذا هو التحدي !! )
فهناك الصحفي الذي يتصدى لكتابة قصيدةٍ عصماء ويتَّصل بمعارفه قبل نشرها وكأنها فتح ! او بتقريريةِ لغته ينبري لتفكيك عمل روائي او قصصي , وهناك الفاشلُ إبداعياً يجري ( حواراً ) مع فردٍ أكثر فشلاً منه ويحاول تسويقه باعتباره متفرِّداً سابقاً لعصره وجيلهِ , وهناك مَن يجعل جمْعَ ابن آوى أبناءَ آوى وليس بنات آوى !!
وبالفعل فهم لا يختلفون عن بنات آوى إلاّ في كون ابن آوى قد عُرِفَ بالحيلة والذكاء والظرافة بينما هم لا يملكون حظاً من هذا , فهذه اللغة العربية المعروفة بجمالها ومرونتها وروعة تراكيبها تجدها على أيدي هؤلاء مخلوقاً منفياً تَعِساً او كياناً مهَلهَلاً ,
ولا بأس اذا اقتبستُ شيئاً مما ذكرتُهُ في مقالة قصيرةٍ سابقةٍ حول فصاحة الحَجّاج بن يوسف فقد قال عنه الحسن البصري : ( إنَّ مَن يستمع الى الحَجّاج وهو يخطب في الناس يعتقد أنَّ الناس هم الذين يظلمونه !! ) هكذا هو تأثير البلاغة وهكذا هو سِحر البيان ,
ونحن لا نتوقع أن يمتلك الكثير من كُتّاب اليوم وشعرائه فصاحة هذا الجلاد وإنما نرغب أكثرَ الأحيان بجملةٍ ذات معنىً سائغٍ مفهوم !
إنَّ الكتابة التي لا تنطلق من جذورٍ لا يمكن لها أن تسمق , لا يمكن لها أن تستشرف , لا يمكن لشجرتها أن تثمر ولا يمكن لمتعَبٍ أن يتفيأ ظلالَها , وهذه المعضلة يتساوى فيها اليومَ الكثيرُ ممَّن يحاولون أن يكتبوا إبداعاً أدبياً او شعرياً ومَن يحاولون الكتابة في قضايا السياسة او الفكر او المجتمع او المرأة وهكذا فالحدث او الفكرة او الموضوع  قد يكون مثيراً وذا أهمية إستثنائية في حينِ أنَّ لغة التعبير عنه تكون ميتة او ملتوية تفتقر الى العنصر الأهم في شدِّ القاريء ألا وهو السلاسة والتدفق , فمن يوقف هذا الضخّ العجيب من الكتابات الباهتة ؟ لا أدري , لا أدري ,
وأمرٌ باهتٌ أيضاً هو الإتيان بأمثلة نحن نعيش وسطها .
من آراء أحد مفكري هذا العصر وهو صموئيل هنتنغتون : ( إن العالم قد انتقل عبر ثورته التقنية الحديثة من القَبَلية المحلية الى القبلية الكونية ) .
ونحن شئنا ام أبينا ما نزال على مستوى التفكير والأهواء نحاكي مجتمعاً قَبَلياً مغلقاً لم يشارك العالَم ( قبليته الكونية ) .
لمَ لا نقرأ مساجلاتٍ حيةً او محاورات لأفكار هنتنغتون او فوكوياما في كتابات الكثير من سياسيينا مثلاً ؟ وهذان هما مفكران كونيان ومن أهم مُنظرِّي السياسة العالمية بعد الحرب الباردة ؟ واذا ما قرأوا لهما فلماذا يمرون عليهما بندرة وبشكلٍ خجول ؟ او لماذا لا يقرأون لهما بانفتاحٍ وتجردٍ ؟ 
انا عندما أتطرق لأمور دنيانا نحن أهل الشرق فكثيراً ما أكتب بانفعالٍ يقرب من الحنق !
ومِن بين مَن اهتمَّوا بالكشف عن محنة جيلنا اليوم وتحليلها رادَّاً على محاولة تشويه الهوية الثقافية عندنا وغائصاً في التراث والحداثة هو الشاعر والناقد الأدبي والفني فوزي كريم بمقدرتهِ الفذة على الإقناع وذلك في كتابهِ ( ثياب الإمبراطور ) الذي صدر عن دار المدى قبل سنوات والذي أسميتُهُ انا وثيقة العصر  ............
وكنتُ وما زلتُ أردِّد : خسارةٌ للشاعر العربي , خسارةٌ للمثقف العربي أن لا يطلَّع على هذا الكتاب .
ومما قاله المبدع فوزي كريم قبل أعوام قليلةٍ أيضاً ما معناه أنه منذ ربع قرن مثلاً لم تُوَجَّه له دعوةٌ لقراءة شعرية او ما شابه .
هكذا هو وسطنا الثقافي في طبيعته الصارخة , وما قاله الشاعر هنا ليس إلا مثالاً بسيطاً على افتتان هذا الوسط بالأخوانيات والعلاقات الشخصية او الحزبية او اليوتوبيا الكاذبة كما يطلق عليها هو , ولأن الشاعر والأديب فوزي كريم لا يسكت عن زيف واحتيالٍ ويعتقد عميقاً بأنَّ أغلب مهرجاناتنا لا تصنع إلاّ فتى الصحافة اليومية لهذا لم يأبه بأنْ قاطعتهُ أغلبُ المؤسسات الثقافية .
ومما يثير سخريتي وعجبي من فتيان الصحافة هؤلاء وغيرهم من هواة العيش على السطح او العيش على الأطعمة الجاهزة ! هو تخيُّلي لهم وهم يجلسون أمام شاشة الحاسوب ويسطِّرون كلماتٍ يسمونها أدباً او شعراً ويغلفونها تارةً بعبارات هيامٍ ووجدٍ للإيحاء برقَّة قائلها ! وتارةً أخرى لا بأس أنْ يلوح اسمُ الوطن بين ثناياها ولا بأسَ أنْ يطعَّموها بسطورٍ واثقةٍ تتحدث عن عذاباتٍ لهم لا تنتهي ! الخ
قد يستطيع كاتبٌ ما أن يجلس أمام شاشة الكومبيوتر ويكتب او يطبع  أفكاره مباشرةً اذا كان الموضوع الذي يريد تناوله يتطلب المباشرة او التوضيح او يتطلب لغةً إنشائيةً او قد يُنقِّح نصاً ما فيضيف جملةً خطرت في ذهنه او خياله فجأةً غير أنَّ الفعل الإبداعي الحقيقي هو ليس سوى ذلك الإحتراقِ اليومي يعيشه المبدع عبر دقائق حياته اليومية , وشتانِ ما بين هذا الإحتراق اليومي الجميل وبين قصيدة ( الكيبورد ) إبنة العصر !!
والملاحَظ أن الكثير من السياسيين عندنا لا يولون الأدب اهتماماً خاصاً فهم اذا شرعوا بقراءة قصيدة مهمة مثلاً فلأنها وقعت في أيديهم صدفةً لذا فهم لا يسعون اليها إلا فيما ندر بينما السياسي الغربي الحقيقي منظورٌ اليه في أعين الكثير من الغربيين باعتباره إنساناً يمتلك حساسية الفنان ومفكراً بل ومُشرِّعاً لا يني يصدر مؤلفاتٍ تثير اللغط والجدال ولاعجب اذا رأيتَ أنَّ مِن أولوياتهِ الحرصَ على زيارة المعارض التشكيلية او اقتناء مكتبة موسيقية متميزة وغير ذلك وعلى الجانب نفسهِ نرى الهوَّة بين سياسيينا وأدبائنا من جهة وبين القرّاء من جهة ثانية قد أصبحت أقرب الى الهاوية منها الى الهوة !
فلا الأديب هو الأديب الحقيقي المعَوَّل عليه ولا السياسي يخبرك عن السبب الحقيقي في عقدة نفوره من ( إرستقراطية ) الأديب وما يزعمه من نرجسيةٍ خاصةً عند الشاعر .
كان الفارابي وهو أيضاً فنان موسيقيٌّ ذو نزوعٍ صوفي يصرُّ في مدينته الفاضلة وغيرها من مؤلفاته على وجوب أن يكون السياسي فيلسوفاً وبمرتبة عالية في الأخلاق والفضل , 
ولهيغل فهمٌ للسياسة قريب من هذا فهو يقول : ( التأريخ السياسي هو فكرة الدولة ذات القوة الروحية والأخلاقية التي تتجاوز المادة والإهتمامات المادية كموضوع ) .
ولنتأملْ فهمَنا اليوم للتأريخ السياسي او للسياسة عموماً بمصالحها , باستبداديتها , بإرهابها !
فالسياسي الفنان مُغيَّبٌ او هم اجتمعوا عليه كي يسير حثيثاً فيصبح في حكم الماضي
وأمّا الشاعر الحقيقي فيعبِّر عنه البياتي في قصيدة ( المغنّي والقمر ) أصدق تعبير :
قميصهُ ملطخٌ بالتوتْ
وخيطُ عنكبوتْ
يلتفُّ حول نايه المحطم الصموتْ
وقمرٌ أخضرُ في عيونهِ
يغيب عبر شرفات الليل والبيوتْ
وهو على قارعة الطريق في سكينة يموتْ !

-----------------------------------------------------
كولونيا – صيف 2008
alamiri84@yahoo.de



 



2
هل رحلَ سركون بولص أم رحلَ مُشَيِّعوه !؟
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

سامي العامري
------


بعد هذه الأعوام الطويلة والثقيلة عرفتُ ما يكفي عن طبائع البشر ولكني مع ذلك توقَّفتُ مندهشاً كما توقَّفُ العديدون غيري , بعد رحيل الشاعر العراقي سركون بولص , أمام هذا السيل الهادر من المراثي والمآتم واللطميّات الثقافية !
وصار مألوفاً تماماً هذه الأيام أن تجد كلَّ فاشلٍ من الشعراء والكُتّاب وهو يتأبَّطُ ديواناً لهذا الشاعر متباهياً بهِ.
وأحدُ الكُتّاب فاخَرَ قبلَ أيامٍ بنفاد دواوين سركون بولص من الأسواق !
لقد حوَّلوا هذا الشاعر , وهو أبسط من هذا بكثيرٍ , الى كائنٍ مهرجانيٍّ لا يُشَقُّ لهُ غُبار !
كائنٍ مهرجانيٍّ يتبادلون على جثمانهِ الأنخاب حيث الكلُّ يدَّعي صداقتَهُ , ولكي يثبتَ لك ذلك فإنه ينسى ( حزنَهُ وحِدادَهُ ) على رحيل الشاعر فيُظهِر لك بفرحٍ وزهوٍ صُوَراً فوتوغرافيةً التَقَطَها مع الشاعر الراحل كأعزِّ ما يمكن أن يقدِّمَهُ للتأريخ وللقُرّاء بعد أن عَجَزَ عن كسبِ إعجابِ القُرّاء واعترافهم به من خلال ما يَكتبُ فهنا ليس الفتى مَن قال إني انا , بل الفتى مَن قال إني صديق الراحل !
وهذه الورطة هي بحدِّ ذاتها سورياليةٌ جسَّدوها على أرض الواقع ولم يجسِّدوها , رغم  رخاوتها , في كتاباتهم , فالمكالمات الهاتفية واللقاءات والبرقيات والفاكسات والنواح الإليكتروني , كلُّ هذا لم يترك لك مجالاً لمعرفة شيءٍ من شيء والجميعُ يُعرب عن عميق خسارتهِ مستعيداً بكلِّ أسفٍ ذكرياتهِ الحنون مع الشاعر الراحل , كلُّ هذا والشاعر سركون بولص يحتضرُ ولم يمتْ بعد !!
أمّا وقد مات بالفعل فَعَليَّ أنْ أشيرَ الى أنَّ هناك حقاً أصدقاء لهذا الشاعر قد حزنوا بصدق وتألَّموا في وحدتهم لأنهم كانوا يفهمون هذا المبدع ويقدِّرون إبداعهُ وسموَّ روحهِ إلاَّ أنهم قِلةٌ وعليَّ أن أشير كذلك الى أنَّ الغالبية , وهي هذه الطفيليات التي تعتاش على أوجاع الضحايا الأنقياء , هي ما دعاني الى كتابة هذه السطور وقد ذكرتُ في رسالة إيميل الى الروائي العراقي المبدع حمزة الحسن قائلاً : ( إنَّ مقالك الأخير حول هذه المأساة قد أغناني عن الكتابة كما أغنى الكثيرين ) . إلاّ أني وجدتُ أنَّ هناك أموراً أخرى تضغط باتجاه المزيد من التعبير علماً أن الروائي حمزة الحسن حسب علمي هو الوحيد - لحدِّ الآن - الذي انبرى ليقول ما هو مختلِف , ليكتبَ مُنَدِّداً بسلوكيات هذه الجوقة من الإنتهازيين بشجاعة وألمٍ وذلك في مقالهِ الأخير المنشور في موقع آرام تحت عنوان ( شاعرٌ ميِّتٌ يحمل جنازةَ مُشَيِّعيهِ ) وقد قرأتُهُ بحرصٍ فما كان مني إلاّ أن أرسلتُ إيميلاً الى كاتب المقال عبَّرتُ فيه عن تقديري لمقالهِ فأجاب في رسالةٍ طارحاً فيها سؤالاً محزناً مرتاباً : مَن سيكون الجثةَ القادمة ؟
وممّا جاء في مقالتهِ , بعد أن استثنى أصدقاءَ الشاعر الحقيقيين : ( سركون بولص المنعزل المبدع الخجول , الشاعر الحقيقي يفضح في موتهِ كما في حياتهِ مأدبةَ ذئابٍ تعيش على الجيَف وعلى ألمِ الناس وعلى الشرفات العالية , لأنَّ المزابل تريد الظهور في مأتم الشرفات للتعريف بنفسِها لا بالميت . ) وأمّا عن حزنهِ هو فيقول : ( خجلتُ أن أشارك في محفل الزور وفضَّلتُ الحزنَ الخاص على ضوء شمعةٍ عائلية . ) ثم يُنهي مقالَهُ بهذا التعبير المؤثِّر شديدِ الإيحاء : ( حملَ سركون بولص على ظهرهِ جثةَ مُشيِّعيه الى المقبرة وعاد وحيداً كما كان . ) ومن هذا التعبير صغتُ عنوانَ مقالي هنا .
ومن ناحيتي فقد قلتُ لأحد الأصدقاء : حقيقةً كنتُ أعرف عن الشاعر سركون بولص ما يكفي لأخذِ تصوُّرٍ وافٍ عن حياتهِ وطبيعة قصائدهِ ولكني الآن أمام ألفِ سركون بولص  ! فَمَن المسؤول عن هذا التناقض وهذا الإدِّعاء ؟ وهل هذا الإهتمام لا يحدث إلاّ بعد الموت ؟ فأجاب بمزاحٍ وألمٍ : مُتْ وسأكتب عنك أروع مرثيةٍ !
وأتذكّرُ هنا لقطةً من مسرحية ( كأسك ياوطن ) حيث أنَّ أحد المرضى يصرخ من شِدة الألم الذي يُحْدِثهُ الداءُ بينما مُحقِّقو المخابرات يضربونه في نفس الوقت – وهو البريء من أية تهمةٍ - لإنتزاع اعترافاتهِ !
ذكرتُ هذا لأنَّ من زائريْ الشاعر سركون بولص في المستشفى جماعة أحضرتْ كاميراتها معها لإلتقاط الصور التذكارية مع الشاعر فيما الشاعر يتألَّم ويصرخ على فراش الموت !
والطريف أنَّ الكثيرين في نَعيِهِم الشاعرَ يقتبسون من أشعاره أضعفَ مفاصلها واذا اقتبسوا ما هو جميلٌ من شعرهِ فإنهم في الغالب يقتلونهُ بتعليقهم عليهِ وتأويلهم له وذلك بأخذِهِ الى مساراتٍ لا يعنيها الشاعرُ أبداً !
هؤلاء ( الحزانى ) على رحيل المبدع سركون بولص أرى لسانَ حالِ لا شعورِهِم يقول بما لا يقبل اللَّبْس : حسناً فعلتَ أيّها الشاعر بأنْ متَّ فأنقذتَنا من شعورنا بالفشل وإنْ كان لقليلٍ من الوقت , ولو نفعتْ الأماني لتمنَّينا أن تموت كلَّ يومٍ !
قُطِعَتْ يدُ أحدِ المقاتِلين المسلمين في إحدى معارك العرب مع الروم فجاءَهُ نفرٌ من أصحابهِ يعودونه الى بيتهِ ويعزّونهُ فقالوا له : لا عليك , فإنك لو علِمْتَ ما يُخبِّيءُ لك الله يوم القيامة من أجرٍ وثوابٍ لتمنَّيتَ لو أنَّ الله لم يكتفِ بقطعِ يدك فقط وإنما ستتمنّى لو أنه قطعَ يديك ورجليك ودَقَّ عنقَك !! 

***************************************
كولونيا – تشرين الثاني – 2007
alamiri84@yahoo.de

3

الدكتاتور  وهو يتحوَّل الى أسطورة دينية !
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*


سامي العامري
--------




هناك مَن يكذب ويعرف أنه يكذب ويعرف أن الناس تعرف أنه يكذب ومع ذلك يصرُّ على الكذب !
في لقاء أجرتهُ صحيفة الرياض السعودية مع شيخ عشيرة البيجات علي الندا ترى موهبة الدجل والمداهنة على أتمِّها وبما أنَّ كلامه المفذلك طويل فسأقتصر على القليل مما يفيد لتوضيح صورة أراد تمويهها هذا الذي خسرَ بخسارتهِ لصدَّام ديمومةَ الجاه والسحت فَحَوَّل دفة راحلتهِ الى خليج النفط متملِّقاً مداجياً قد تحار فلا تعرف كيفية الهزء من هذا الشيخ المتصوُّف للكذب .
إنه يقول باختصار بأن صدام قاتلَ الأمريكان بشراسةٍ على أبواب مطار بغداد وأنه راهن على حرب الشوارع إلاّ أنّ الخيانات كانت أكبر !
أمّا عن مراهنته على حرب الشوارع أيها الشيخ فقد تبيَّنتْ حماقة تقديراتهِ منذ تسلُّمهِ السلطة فعلياً
فقد قال يوماً حينما نجحتْ ثورة الخميني , قال بطريقة تنمُّ عن صلافةِ وغباءِ دكتاتورٍ صريحٍ بوقوفهِ ضد إرادة الشعوب : أكبر خطأ إرتكبه شاه إيران هو هروبُهُ وطلبُهُ اللجوء فلو كان ذكيَّاً لبقيَ في الداخل . وهذا ما سيطبِّقه لاحقاً وكأنَّ الحالة الإيرانية تتشابه في  شروطها مع حالة العراق .
ويضيف الشيخ : إنَّ صدام لم يكن مختبئاً في حفرة وإنما كان يعيش في غرفة داخل مزرعة تقع على شاطيء دجلة ! وأمّا الحفرة فهي بئر قديم أراد أن يستخدمه للإحتياط وبأنه أراد عبور دجلة حينما أحسُّ بأنه محاصر ولكنه لم يكن مسلَّحاً فألقوا القبض عليه !!
هل نسيَ هذا الشيخ أنّ صدام أجلسَ حمامةً على بيضتين أمام باب حفرتهِ وسدَّ هذا الباب بنسيج العنكبوت ولمّا جاءه الأمريكان بصحبة عدد من العراقيين لإلقاء القبض عليه صاح به العراقيون باللهجة العراقية : إطلعْ لكْ , إطلعْ , تريد تعبُّرْ دالغاتك علينهْ ؟!   
وأمّا عن إبنيه عدي وقصي فقد قال هذا الشيخ بأنهما لم يستسلما للقوات الأمريكية التي حاصرت البيت الذي اختبئا فيه وإنما قاتلا ويقال بأنهما قتلا من القوات الأمريكية بين العشرين الى الأربعين جنديَّاً !
قد يكون عدي وقصي قد قتلا هذا العدد ولكن لسبب آخر هو أنَّ نوعية الفياكرا الأمريكية كانت مغشوشة وإلاّ فلماذا تركوهما حائرَين مع هذا العدد من العراقيات المختطَفات اللواتي كُنَّ ينتظرن الإغتصاب ؟
وأمّا عن تملُّقهِ لشيوخ النفط فقال : حينما دخلتْ القوات العراقية الى الكويت جاءتني  عوائل كويتية الى البيت وانا لا أعرفهم وأذكر أنَّ أحدهم كان معوَّقاً وكانت لديهم سيارة حمراء وكانت مع ذلك المعوَّق بنتٌ هي التي تقود السيارة , واستضفتهم لمدة ثلاثة أسابيع ومن ثمّ أمّنتُ لهم رحلة مع شاب سوري , كان يعمل عندي , الى الأردن ...
وفاتني أن أذكر أنَّ موقعاً اليكترونياً صدّامياً نشر مؤخَّراً خبراً مفادُهُ أن صدام لم يُشنَق وإنما مات مع المقاومة فأخفى الأمريكان جثتهُ خوفاً من أن تكون سبباً في ازدياد الغضب الشعبي والتحريض على الإنتقام وتصاعُدِ المقاومة ضد وجود المحتَلّ وأنَّ الرجل الذي شُنقوه لاحقاً هو شخص آخر يشبهُهُ !
نعم أيها المشرفون على الموقع فَهُم ما شنقوه وما رفسوه ولكنْ شُبِّهَ لهم !!
----------------------------------------------------

كولونيا – تشرين الأوّل - 2007
alamiri84@yahoo.de
 

4
تقاسيم على هيكلٍ عظميّ !
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

سامي العامري
--------

أراهم تناهبوا وطني الثريَّ او يكادون , عَرّوهُ , لطَّخوه بالأوحال وكأنْ ليس في العالم سوى وطني !
لماذا ؟ هل إنَّ السبب يعود الى كون أرضهِ ثريّةً ؟ لماذا لا ترسو سفُنُهم وأساطيلهم عند بحر الظلمات مثلاً حيث عالَم السِّحْرِ والكنوز الخرافية والجِنِّيات ؟
لماذا لا يجرِّبون الذهابَ الى ما وراء البحار ؟ فربَّما وجدوا هناك وطناً ما زالَ غيرَ مَرئيٍّ ! او أرضاً ثريَّةً ولكنَّ شَعبها لا يزال في طَور التخَلُّق ! فيحتلّونها ويُقسِّمونها كما يطيب لهم ما دام هاجسُهم التأريخي هو التقسيم والذي عَنَّ لي اليومَ أنْ أُطلِقَ عليهِ تقاسيم ؟ أم إنهم لا يريدون نسيان المثل الفظيع القائل : عصفورٌ في اليد خيرٌ من عشرةٍ على الشجر ؟ هذا المثل الذي انتَبَهَ اليه المبدع جبران خليل فَدَحَضَهُ وسَخَرَ من طريقة صياغة الناس للأمثال بما عُرِفَ عنهُ من رهافةِ حِسٍّ ورِقَّةٍ قائلاً : [ يقولون : عصفورٌ في اليد خيرٌ من عشرةٍ على الشجر . أمّا انا فأقول : الفُ عصفورٍ على الشجر خيرٌ من عصفورٍ في اليد ] ولكنْ مِن أين لساسةِ العصر أن يملكوا شيئاً من رِقَّة جبران ؟
لماذا لا يردمون أجزاءاً من البحر بالتراب كما تفعل هولندا اليوم مثلاً فيحصلون بذلك على وطنٍ صناعيٍّ يحفرون فيه آباراً صناعية يضخُّون فيها ما يشترونه او يسرقونه من نفط البلدان الأخرى ثُمَّ ليُقسِّموه كيفما شاؤوا طالما أنَّهم مصابون منذ بداية القرن الماضي بِلَوثة التقسيم !؟ بل لماذا لا يَعْمَدون الى تقسيم القمر هذا التابع الصغير الجميل بعد أنْ احتلّوه حيث ثَبتَ من خلال فحص عَيِّنات من صخور القمر وجودُ نفطٍ ومعادن ثمينة في باطنهِ سِيَّما وقد مَرَّتْ قبل أيامٍ الذكرى الخمسون على غزو الفضاء والمِلاحة الجوية
وحيث أصبحتْ لديهم خبراتٌ لا يُستهان بها في مجال الرحلات الى أعماق الفضاء حتى أنَّ شركة فنادق هيلتون تُخَطَّط لبناء فندقٍ من خمسة آلاف غرفة على سطح القمر بحلول عام 2020 !؟
وبدلاً من الإعداد للرحلة القادمة الى كوكب المرِّيخ والتي ستستغرق سنتين وخُصِّصَ لها مليارات الدولارات بإمكانهم توظيف هذه المليارات في التنقيب المستمر والحفر وبعد الوصول الى منابع النفط في تربة القمر , سَميرِ العشاق ومُلْهِم الشعراء لن تُشَكِّل مشكلة نقل النفط الى الأرض بالسُّفُن الفضائية عائقاً جِدِّياً إذْ يكفي مَدُّ خراطيمَ أشبه بخراطيم المياه من القمر الى الأرض وتحديداً الى أمريكا وتُحَلُّ المُعضلة ! 
لماذا وطني بالذات !؟
ثُمَّ إنَّ ابنَ البلد لو شَمَّ ثمنَ برميلٍ واحدٍ من نفطِ بلدهِ والذُي يُصَدَّر بطُرُقٍ غامضةٍ ! منذ عشرات السنين او لو وُظِّفَتْ رُبعُ عائداتهِ لرفع مستوى دخل الفرد او للتنمية الحقيقية والنهوض ببعض القطاعات الرئيسية كالتعليم والصحة والصناعة فربَّما رَضيَ هذا المواطن بالتقسيم ! او لو يُصار الى تعويض عوائل ضحايا النظام المجرم السابق وتخفيف معاناة المُهَجَّرين بل والمتسوّلين لكان هناك حديثٌ عن التقسيم ولكنَّ النفط بالنسبة لإنساننا أشبه بالسِّعلاة يَسمع به ولا يراه !
ما معنى التقسيم بعد أن ذابتْ وتلاشتْ الحدود الجغرافية بين البلدان بالمفهوم العملي والسياسي ولم تبقَ إلاّ اصطلاحاً ؟ وإذا كانت ثمة حدودٌ للدول في هذا العصر فهي التي أحَقُّ أنْ تُسمّى بالسعلاة حيث نسمع بها ولا وجودَ لها !
أليس من المُشين أن لا يستطيعَ سُنيٌّ السُّكنى الى جوار شيعيٍّ او بالعكس ؟ او كرديٌّ الى جانب عربيٍّ او تركماني والجميع من دينٍ واحدٍ ووطنٍ واحد ؟ او مسلمٌ الى جانب مسيحي او أيزيديٍّ او صابئيٍّ وهم من بلدٍ واحدٍ وتأريخٍ واحد ؟
وحتى هذه الفيدرالية ( المُطَوَّرة ) المُقْتَرَحة – اذا استثنينا إقليم كردستان - سنفهمها خطأً منذ يومها الأوّل ذلك أنها لن تفعل شيئاً سوى تكريس الشعور بنجاعةِ وجدوى ( نضال ) زعماء الطوائف ! وبأنهم جَنوا ثمار مُفَخَّخاتهم وقتلهم آلافَ الأبرياء !
إننا لو كانت لدينا بُنْية إجتماعية ناضجة ورجالُ سياسةٍ وقادةُ أحزابٍ حريصون مَهَرة بما يكفي لقلنا : هنيئاً لهذا الشعب على هذا الحلِّ لأنه سوف لا يكون أبعد من تقسيمٍ إداريٍّ إجرائي يُراد منه الصالح العام ولكنه وفقَ المطروح من برامج او نوايا يُراد منه الشرُّ فهنا ستُفتَح الأبواب للهيمنة والعلاقات المنفردة سِرَّاً او علناً وعبثِ دول الجوار باستقرار البلد او التدخّل بسياسته وحتى بواقع اقتصاده وتفصيلاته .
 إننا بكلمةٍ أخرى ما زلنا غير مؤهَّلين لمثل هكذا إجراءٍ لا يَحَسب حساب الأجيال القادمة ومصالحها وسيادتها على وطنها , أمّا اذا أثبتْنا أننا أهلٌ لمثل هذا الفعل الخطير وأننا من أجل هذه المُهمّة النبيلة أعددنا أنفسَنا واستخدمنا سياسةَ حرقِ المراحل فأصبحنا تبعاً لذلك ديمقراطيين علمانيين وعندنا نظامُ حكمٍ ومؤسَّساتٌ أشبه بنظام سويسرا ومؤسّساتها هكذا وبكلِّ ثقةٍ فسيعتذر العالَمُ لنا حتى لا يعود في قوس العتاب مَنزع !

***************
كولونيا – تشرين الأوّل – 2007
alamiri84@yahoo.de

5
الجرح الأيزيدي المُتَّسِع كضفتَي الفرات
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

سامي العامري
---------
alamiri60@yahoo.de



تعالوا معي لنتحدَّثَ قليلاً .
فشلالاتُ الدماء البريئة تستقبلها الأرضُ – الأم – في أحضانها بكلِّ أسفٍ وخجلٍ وحزنٍ .
تعالوا نسأل أنفسنا السؤال المؤلم التالي :
الى أيِّ شيءٍ يفتقر العراقي اليوم ؟ ما هو العنصر الحيوي الذي هو بحاجة ماسة اليه اليوم ؟
لا يختلف إثنان في أننا بحاجة أولاً وقبل كلِّ شيءٍ الى السلام .
كلِّ الأديان تدعو الى السلام ولكن لا توجد ديانة على الأرض – حسب علمي -  أعلتْ من قيم السلام أكثر مما أعلتهُ الديانة الأيزيدية . والصلاة الأيزيدية بمجملها سلام .
إننا كمسلمين نتلو آيات القرآن العابقة بالسلام عند الصلاة ولكننا ما أن نفرغ من صلاتنا حتى نفرغ من سلامنا ! , هذه حقيقة أسطعُ مَن جسَّدها بتفانٍ هم أصحاب التيار الإسلاموي التكفيري اللعين , وأقول اللعين رغم أنّ الديانة الأيزيدية لا تجيز اللعن , نعم , إنها لا تجيز اللعن على الأقل من جهة بعض نصوصهم الدينية الضاربة في القدم , فقد تكون أملاً بتوبة الفاسق والفاسد , وأيضاً تصوّرهم أنّ العالم تؤثِّر فيه بشكلٍ فاعلٍ الى جانب قوة الخير قوةُ شرٍ وبما أنها قوة علوية لذا لا يجُاز لعنُها , وفي الإسلام ما هو قريب من هذا إذْ يقول العديد من المجتهدين الإسلاميين بأنَّ الله خلق الخير وخلق الشرَّ أيضاً ! ولديهم ما يعتقدونه الدليل او الحجّة على ذلك فالله خالق كلِّ شيء .
وطبيعيٌّ أنّ أصحاب الديانة الأيزيدية اليوم لم يعودوا يهتمون بهذه الأمور ويعتبرونها أمراً غير جوهري , بل إنّ الكثيرين لا يمارسون طقوس دينهم اليوم غير أنهم كشأن أي إنسان آخر ليس بوسعهم التنكُّر لماضيهم لأنه ببساطة هويتهم , ومَن يرضى بالعيش دون هوية ؟
وصحيحٌ أنّ دينهم ليس كالإسلام من ناحية أنه غير تبشيري – وبالمناسبة هذه النقطة تصبُّ في مصلحة الإسلاميين التقليديين فطالما أقلقتهم البعثاتُ التبشيرية الأوروبية المسيحية الى أفريقيا وأمريكا الجنوبية وغيرهما ! -  ولكنَّ الإسلاميين لا يعترفون بهذا الفضل للأيزيديين فهو غير مقصود , والأصل في أيِّ عملٍ هو النيّة !
ومن دعاة الإسلام السلفي هؤلاء هناك ثلُّةٌ من الشيعة كذلك يكفرِّون الشارد والوارد ! إنهم في الغالب لا يفصحون بذلك أمام الإعلام ولكن فليحاولْ أحدُنا الإستماع اليهم داخل حُسينياتهم , بل إنهم يكفِّرون الفرد اذا كان مسلماً سُنيّاً فكيف اذا كان هذا الفرد مسيحيّاً او أيزيديّاً !؟ إنني لا أعرفُ من أعماق أيِّ الكهوف الرطبة المظلمة خرجوا الينا وهل لهذا السبب تجدهم لا يتحدّثون الى الناس بألسنتهم ككل البشر الأسوياء خوفاً من بروز أنيابهم لذا يعمدون الى حوار المفخّخات ؟ او هل هم يعتمرون العمائم لإخفاء قرونهم الطويلة ؟
ومنهم صنفٌ آخر يقف من هذه الناحية على الطرف النقيض فشيخُهم يُطِلُّ من إحدى الفضائيات ليقول متباهياً : أصبح لدينا الآن ثلاثة آلاف من المواقع التي تحمل اسم فاطمة الزهراء . ولا أدري وفقَ أية نظرية حداثوية استطاع المقاربة بين ظلاميَّتهِ وبريق شاشة الحاسوب !
هذا ديالكتيك لم أسمع بهِ من قبل !
لهذا المُتَخلِّف الذي لا يخجل ولمن هُم على شاكلتهِ من الذين إستعاضوا عن هَمِّ نشدانِ الخلاص للعراق وتقدِّمهِ ورفعتهِ ببثِّ سموم التفرقة والتربّص بالأبرياء وقتلهم أقول :
كلُّ ما باستطاعتكم فعلهُ هو أن تقتلوا العُزَّلَ من أبناء وطنكم بدمٍ أبردَ من الصقيع
أمّا اذا كان المحتلُّ يقتلُ أيضاً فهو أجنبي وإلاّ فما تأثيرُ أيزيديٍّ بسيط على مجريات سياسة البلد لكي تبيحوا دمَهُ كما كان صدام حسين قد روَّجَ بأنّ الأيزيدي هو أموي !؟
 ليؤلِّب الشيعي البسيط ضده .
إنهم يقولون عن الأيزيديين وهم أحد المكوِّنات العريقة للشعب العراقي بأنهم كفرة ! 
حسناً , لكن دعونا ننظر الى هذه المسألة من جانب أكثر وضوحاً ومليءٍ بالمفارقة والعجبِ في آنٍ واحد وهو أنني مثلاً لو قرأتُ الآن النصَّ التالي على أيِّ مسلمٍ فإني متأكِّد أنه سرعان ما يقول لي : جميلٌ وبليغٌ وشجيٌّ هذا الذي تتلوه , والنص التالي هنا مُوَجَّهٌ الى الله : ( باسم الله المقدس الرحيم الجميل . إلهي لعظمتك ولمقامك ولملوكيتك ، يا رب أنت الكريم الرحيم ، الإله ملك الدنيا , جُملة الأرض والسماء ، ملك العرش العظيم )
ولكني ما أن أُفصِحَ عن طبيعة هذا النصِّ وجذرهِ حتى يبدأ المسلم العادي بالتعوُّذ والإستغفار فيصبح النصُّ هنا بشعاً وركيكاً وثقيلاً !
ألا تلاحظون أنَّ القضية تغدو هنا مزاجية مُشبَّعةً بالأهواء ولا علاقة لها بالمنطق وأنَّ ما كان بليغاً غدا بقدرة قادرٍ ركيكاً ؟ , بلى ! وما هذا إلاّ لأنَّ المسلم الذي استمع الى هذا النصِّ الديني فخفقَ له قلبُهُ في البدء , عرفَ في الختام أنه نصٌّ مُقدَّسٌ يُتلى في صلاة الفجر الأيزيدية اليومية !
وكلُّ الذي فعلتُهُ انا هو أني أزلتُ اسم ( يزدان ) الذي يأتي مباشرة بعد : الله المقدس .
وهُم يعنون بـ ( يزدان ) الله تعالى ويزدان هو النور , وفي القرآن : ( الله نور السموات والأرض )
واذا سمّى الأيزيديون الخالق ( يزدان ) فالتسمية ليست ذات أهمية في هذا المجال فالأيزيدية ديانة توحيدية وليست كما يهذي البعض بالقول أنّ أصحابها يعبدون النار , كما أنَّ اسم ( الله ) معروف في الأديان التوحيدية ويُلفَظ كما هو . 
إنَّ الدين - أي دين - جاء دون شكٍّ لخير الناس , فلا موسى ولا عيسى ولا بوذا ولا وماني ولا سواهم من الأنبياء
مجَّدَ الظلم وكرَّمَ الكذّاب وأثنى على الرذيلة , والرسالة الإسلامية أخذتْ من هذه المنابع الحيّة مثلما أخذت من الزرادشتية والأيزيدية والكونفوشيوسية وغيرها تصوُّراتٍ وقيماً وأضافت عليها أضافات مهمة بحكم التلاقح الحضاري التأريخي وكلَّ هذه الحضارات – الديانات الشرقية –
أدّتْ رسالتَها من أجل خير الإنسان , وبفضل متنوِّريها عِبْرَ القرون وَهُمْ كثرٌ ترى الفرد الهندي البوذي اليوم مثلاً عندما يعرف أنك مسلم او يهودي او مسيحي فإنه في الغالب لا ينسى أن يذكر هذه العبارة المألوفة : الله واحد ولكن سُبُل الوصول اليه مختلفة . وما زالت هذه الجملة البسيطة تؤدّي دورها السحري الجميل في نفوس البشر من أغلب الأديان ولكن اذا جئنا الى الإسلام واليهودية اليوم فإننا نرى الهول فما زال ضيق الأفق هو السائد لدى الكثير من معتنقي هاتين الديانتين وهو دون شك ليس من صلب الإسلام ولا اليهودية فأمّا اليهودية فهي لأسباب تأريخية كانت وما زالت ديانة وقومية لجماعة معينة من البشر , تُشابهُها الأيزيديةُ من ناحية اقتصار الإيمان بها على فئة معينة تربطها رابطةُ الدم ولكن تفترق عنها في كون الأيزيدية ليست قومية وإنما ديانة متسامحة وسلمية وهي دينُ محبة , واذا كنتَ تكره المحبة ! فهذه هي عقيدتهم وهي تقبل بالمعتقدات الأخرى إيماناً وممارسة بل وتدعو الى احترام مقدّسات الأديان الأخرى ولكن الكثير من أرباب اليهودية في هذا العصر جعلوا ديانتهم أقرب الى السياسة منها الى الدين بل أصبحت كثيراً ما تتلوَّن بنزعات عنصرية وما السبب في ذلك سوى تعقيدات الإحتلال غير العادل لفلسطين  .
ومن الباحثين الذين أهتموا بالتأريخ الأيزيدي بشكلٍ مُلفتٍ الباحث العراقي رشيد الخيّون الذي أفردَ فصلاً من موسوعتهِ ( الأديان والمذاهب في العراق ) مُنَقِّباً في هذا التأريخ وكذلك المؤرِّخ وعالم الآثار طه باقر وغيرهما
والآن !
وقد حاولتُ قليلاً أنْ أبيّن أنّ الأيزيدي العراقي الفرد لديه قناعة راسخة بأنْ لا خلاص للبشر ولا سبيل للسلام والخير والحق والعدل إلاّ من خلال التسامح نجد هذه النقطة  البسيطة جداً ما زالتْ بعيدة كثيراً عن المنهج الإسلامي ( التطبيقي ) خاصةً في عراق اليوم
وحسبكَ أن تلاحظ الأيزيديين الأبرياء في مدينة سنجار حيث راح منهم قبل فترة قصيرة  جداً أكثر من 200 فرداً ضحية لتمسكهم بعقيدتهم وما توارثوه عن أجدادهم من قناعات و شعائر هي عراقية أصيلة وما قدِّموا من أجله عبر تأريخهم من دمٍ وقوافلِ نزوحٍ وتهجير  تُؤلم قلوبَ المؤمنين بهذا الدين أكثر من سواهم لأنّ تقديس المكان من صلب عقيدتهم .
هذا هو المسلم اليوم , ولم يقف حائلاً او رادعاً لهذا النزيف المحزن أنَّ الطرفين هُما أكرادٌ أي أخوة , والإمام علي الذي له في كلِّ موقفٍ قولٌ أخلاقيٌّ مأثور , يقول قولاً ننساه بالسرعةِ التي ننسى بها أنَّ لنا ضمائر : ( الناس صنفان ، إمّا أخٌ لك في الدين ، أو نظيرٌ لك في الخلق ) ولكن هذا ما تفتَّقتْ عنه أدمغةُ منتسبي القاعدة الفاسدة ودعموا المناصِرين لهُ : القتل والقتل الى يوم يُبعثون !
وأخيراً : الأيزيدية كمفردةٍ تعني الروح الخيِّرة , هذا ما يقوله المتخصِّصون باللغات القديمة وما تمكنوا من قراءتهِ في الألواح السومرية الطينية , ويؤكِّدون كذلك أنَّ الأيزيدية أقدم من الديانة الزرادشتية والمسيحية , أمّا عن نفوس معتَنِقيها فيُقدِّر البعض أنهم اليوم بحدود النصف مليون ويتوزَّعون في العراق وسوريا وتركيا وعلى حدود روسيا .
                                   
  *************************************************
كولونيا – آب - 2007

6
سعدي يوسف والصداع الأمريكي !
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

المقال هنا كُتِبَ على إثر قراءتي مقالين للكاتبة العراقية : ابتسام يوسف الطاهر

سامي العامري
---------


هناك الكثير من مظاهر الخلط لدى عدد لا بأس به من مُحلِّلينا السياسيين وأخصُّ منهم العراقيين في تناولهم لقضية الإحتلال الغربي -  الأمريكي للعراق فهم يستخدمون نفس الأدوات التحليلية التي اعتدنا عليها في زمن الحرب الباردة دون مراعاة أنّ العالم انقلب رأساً على عقب , وما كنّا في زمن ( الثوريات ) نعتبره من المقدسات والمبادىء قد ولّى دون رجعة , والعجيب أنهم في مقالاتهم ذاتها لا يكفّون عن الدعوة للتغيير الديمقراطي ولكن حينما يتعلّق الأمر بموضوع أمريكا فهنا تطفو على السطح الكثير من الحزازات والعقد النفسية ويتلاشى بريق الديمقراطية ! وتحلّ محلَّها قيم الكفاح والنضال والتحرّر !
وانا إذْ أذكر ذلك لا يغيب عن بالي ما قد يناله مقالي هذا من تسفيهات واتهام بالتواطىء مع المحتل !
على أنني حرصتُ في أكثر من مناسبة على القول بأنني لستُ بالسياسي المحترف وإنّما هَمّي الأم هو الشعر ولكن مهما كان فالعراق وطني الذي أحبّ ومستقبلهُ ومصيره وسعادته تهمّني , وحتى اذا غضضتُ النظر عن هذا الجانب – وهذا غير ممكن - فكيف لي أن أنسى أنني أصبحتُ أحد ضحايا سياسات حاكمهِ الإرتجالية العشواء منذ أن بدأتُ أعي الدنيا بدايةَ الثمانينيات ؟ انا بطبعي أقرأ في كلِّ شيء أستطيع وليس عندي تخصّصٌ في مجال الدراسة والتحصيل وقد قال سعيد عقل يوماً – وأظنُّهُ يبالغ – إنني أقرأ في كلِّ يومٍ كتاباً , وأيضاً أشار نجيب محفوط في لقاءٍ معه بأنه لم يقرأ في حياتهِ كتاباً مرّتين باستثناء القرآن ومن هذا المنطلق أردت أن أبيّن بأني كذلك من عشاق القراءة وكثيراً ما تجذبني العناوين ! مقالاتٍ قصائدَ نصوصاً أدبية دراساتٍ علمية وكتُباً وغير ذلك فأشرع في مطالعتها , ومن بين الموضوعات التي أقرأها في هذه الفترة بتمعّنٍ قدر المستطاع حاضر العراق والتحديات التي يواجهها ووجهات نظرِ كُتّابنا .
ومن المقالات التي قرأتها مؤخَّراً مقالٌ بعنوان : التهديد الأمريكي بفوضى بلا حدود .
المقال منشور في موقع مجلة الفوانيس للكاتبة ابتسام يوسف الطاهر .
ورغم أن صياغة عنوان المقال ركيكة حيث دخل حرف الجر ( بـ ) مرتين داخل جملة قصيرة إلاّ أنّ هذا لم يكن مهمّاً إزاء ما توقّعتهُ من الكاتبة فكراً واجتهاداتٍ وبما أنّ المقال طويلٌ نسبيّاً فعليَّ أن أكتفي بإدراج تعليقي على موضوعها ومن خلالهِ يستشفُّ القارىء – وهذا ما أرجو – بعضَ ما رميتُ اليه في بدء حديثي حول شكِّ البعض بجدية أمريكا في إيجاد خلاص للحالة العراقية التي تبدو مستعصية فقلتُ :
(( تحليلاتك حريصة ومعمّقة وتنمُّ عن دراية حسنة بالكثير من تفاصيل الواقع العراقي وتطوّراته وخلفياته وبالتالي تعقيداته المدوّخة ولكن الحل ؟ ما هو الحل ؟ إنّ أغلب كُتّابنا السياسيين من نساء ورجال تظهر عليهم أمارات الحرج ومن ثمّ التخبط حين يأتي هذا السؤال وفي أحسن الأحوال يجنحون الى التهرُّب من وضع تصوّر او رؤية ناضجة للحل او ربما اقتراح عملي موضوعي والآن بعد استفاضتك في كشف أوجه المأساة أجدكِ تقرِّرين ما قد تقرّر ومراراً قيل , تقولين : ( اذن على الشعب العراقي ان يعي تلك (اللعبة) ويسعى لانهائها، ويتكاتف لفضح تلك الجرائم ولا ينجر وراء شعارات ومسميات تُستغل ضده. وان لا تبقى السلطات العراقية مكتفة الايدي، فلا يمكن ان نسمح لتحويل العراق الى ساحة تتنازع بها اديولوجيات بائسة، او الاقاليم المُهَدّدة. او ساحة للعصابات لممارسة خططها الاجرامية. ) 
هذا مع كلّ احترامي لأهميتهِ , لا يغني ولا يسمن لأنّ أكثره مكرَّرٌ , أمريكا لا تريد أن تزرع الفوضى , والسبب في تخبّطها أنها تجهل الكثير عن طبيعة الفرد العراقي وهي تنتظر وصول شكل حكمٍ لا يتعارض ومصالحها في المنطقة ومصالح اسرائيل , أعتقد أنَّ جزءاً من الحل هو في التجاوب مع المحتل حتى تحين فرصة او بارقة لنظام ديمقراطي وبعدها ما من عراقي إلاّ وينادي بخروج هذا المحتل فيخرج مُشَرَّفاً أما عن قولك : وتأمل الناس خيرا بالحرية التي حرموا منها عقودا. ليكتشفوا ان تلك الحرية كانت اكثر بلاءا حيث غلبت عليها حرية القتل، حرية تنقل الارهابيون من منطقة لاخرى بلا رادع ولا وازع . فأردُّ عليه بالقول : لو أنك عشتِ يوماً واحداً داخل دهاليز الأمن العامة في الزمن الصدّامي فلا والله لن تقولي هذا الكلام العجول بل لن تفكّري فيه , وطبيعي انا لا أتمنّى لك ذلك ولا حتى لأعدائي فكيف لمثقفة حريصة من بلدي مثلك .)) انتهى التعليق .
وستطراداً هناك ما يمكن تسميتهُ اليوم بمرض سعدي يوسف . فهذا الشاعر , وهو من جيل الروّاد , إضافةً الى هذه الصفة هو ماركسيٌّ عريق وعانى كثيراً في معتقلات النظام
السابق , أجد أنّ لهاتين الميزتين تأثيراً لا يُنكَر على فاعلية كلماته في أذهان البعض ومخيلتهم فهي شبه مقدّسة لدى أنصاف المثقفين من الشيوعيين مثلاً وطالما استُشهِدَ بها في حين أنّ الحقيقة تخبرنا بأنّ هذا الشاعر متواضعٌ إبداعيّاً في الكثير من قصائدهِ ويمزج الشعر بالآيدولوجيا وبالحزب ولا يمتلك ذلك الإبهار الفني والقوة او المتانة التي لدى مجايليه إلاّ فيما ندر , وبالمناسبة شعرُهُ لا يكتسب قيمتَهُ في الغالب إلاّ من كون قائلهِ شاعراً من الروّاد وهو لو اكتفى بهذه الميزة ( شاعر رائد ) لكفاهُ مجداً ولكن أنّى لمثله نسيان أفضال ماركس عليه !؟ فها هو العالم يتحوّل على مرأى الشاعر الى ما يتعارض والعديد من المُثُل التي ناضل من أجلها وبدلاً من الإعتراف الشجاع بقصور العديد من تلك المُثُل او الأفكار التي تمسّك بها وبدلاً من تنقيتها وجعلها أكثر مطاوَعةً لعصرهِ نراه وبتناقضٍ مكشوفٍ يستمرُّ على نفس الوتيرة في سبِّ الإمبريالية والإستعمار ! متناسياً أنّ التخلّي عن فكرة ما لصالح آخرى أكثر نجاعة أمرٌ لا يوجد شاعر وكاتب ومثقف عبر التأريخ إلاّ وعرفهُ وحتى الفلاسفة منهم وهذه فضيلة تحسب لصاحب هذا الطبيعة الحيوية وليستْ لها صلةٌ بتقلُّب الأهواء او الأمزجة , إنها ديناميكية الحياة وتطوّرها . 
ثمُّ ليتوّج كلَّ هذا بإصرار لا يليق بمثلهِ وذلك بإعطاء مجموعته الشعرية الأخيرة اسم : الشيوعي الأخير ! وكأنه يريد بذلك أن يقول لنا : اذا جعلتم الجواهري آخر شاعر عربي كلاسيكيّ وهذا امتيازٌ كبير فانا كذلك آخر شاعر شيوعي وهذا امتياز أيضاً!
والأهمُّ من ذلك أنه إذْ يعادي أمريكا على طول الخط يتّخذ من لندن بلد إقامةٍ له , تُرى ما الفارق بين أمريكا وبريطانيا ؟!
وعودةً سريعةً مرة أخرى الى الكاتبة ابتسام يوسف أقول : إنني في نفس اليوم الذي قرأتُ فيه مقالها آنف الذكر قرأتُ كذلك مقالاً آخر للكاتبة منشوراً في موقع الهدف الثقافي يحمل عنوان : إبنتي والعراق وسعدي يوسف . تنقل فيه من بين ما تنقل حواراً للشاعر نُشر في عدد قديم من الصحيفة المصرية أخبار الأدب ما يلي :
يقول سعدي يوسف : 
- .. أما في لندن فأنا أشعر فعلا بطمأنينة، وأدرك أنني سأقيم فيها طويلا بعد أن شطبت تماما على فكرة العراق  والتعامل معه كوطن.
* ولكنه وطن ...؟
_ وطن ملغى، وليس وطنا كاملا. الوطن القائم لي الآن هو المملكة المتحدة، منذ زمن لم أعد أعتبر العراق وطنا.
* إذا لم يعد العراق وطنك... ماذا تسميه إذن؟
- مكان ميلادي الذي لم اختره، وأعتبر الأمر مسألة فنية استفيد منها أثناء عملية الكتابة، ولكن لم أعد أنظر إليه باعتباره وطنا.
* هل يغضبك إذن أن يتم تعريفك بـ(الشاعر العراقي)؟
- لا يغضبني، ولكنها لم تعد تسميه مناسبة لي، يمكن أن يقال (الشاعر) فقط.
فبالرغم من الاذى الذي شعرته – والكلام هنا للكاتبة -  وانا اقرأ ذلك اللقاء، بالرغم من خيبة العراق المتعب الذي يتخلى عنه ابنائه الواحد بعد الاخر، بالوقت الذي يتسابق العربان للانتماء له، زيفا، لغرض الحصول على لجوء في اوربا او لمواصلة الاعمال الارهابية والجرائم في العراق او في اوربا ذاتها. تألمت للشاعر والعراق. تعاطفت مع شاعرنا وانا احس بعمق الاذى الذي يعانيه . انتهى كلام الكاتبة ,
وعليّ أن أضيف هنا بأني لا أعني بأية حال أن الكاتبة الطاهر متأثرة بسعدي يوسف او أنها ماركسية او ما شابه ولكني عثرتُ على مقالها الثاني هذا لاحقاً وكان ذلك محض مصادفة. 

******************

كولونيا – تموز – 2007
alamiri60@yahoo.de
                                       

7
مِن شجون الأسماء وجرائرِها
*-*-**-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

سامي العامري
---------------


للشاعرة اللبنانية حنان بديع إبنة الشاعر الراحل بديع يوسف مقالٌ لطيف نُشِرَ مؤخَّراً في موقع دروب تشير فيه الى بعض معاناتها من اسمها في سنوات حياتها المُبكّرة وكيف كانت عُرضة لتعليقاتٍ قاسية من زملائها او بعض الشباب حينما تكون ردود  أفعالها أمام أيِّ موقفٍ ردوداً قد توحي باللا مبالاة او البرودة  فيسألونها مثلاً : إسمك حنان , فأين الحنان ؟ ومنهم مَن كان يُطلق عليها للتجريح حنش وليس حناناً الخ .. فكانت تحزن تارةً و تغضب تارة أخرى بسبب اسمها الى أن جاءتْ فضيحة دار رعاية الأيتام في بغداد لتطفو معاناة الكاتبة مُجدَّداً فدارُ الرعاية او مركز رعاية الأيتام أسمه أيضاً وياللسخرية حنان !
ما حدا بالكاتبة أن تنتفض مرةً أخرى لتكتب هذه المرة ليس دفاعاً عن اليتامى فحسب وإنما عن نفسها كذلك وكأنها هي المسؤولة عن المأساة !
قرأتُ مقالها فتأثَّرتُ فكتبتُ في صفحة التعليقات تحت المقال عدة سطور ذكرتُ فيها ( معاناتي ) انا أيضاً من اسمي قائلاً :
حول اسمك فطالما واجهتُ أنا هنا في المانيا ومنذ أكثر من عشرين عاماً السؤال القاسي الطريف التالي : هل انت يهودي ؟ يحصل هذا اذا سألني أحدُهم عن إسمي فإسم سامي معروف هنا كمختصرٍ للإسم اليهودي المتواتر المألوف سامؤيل او صامؤيل , وكثيراً ما كان اسمي أيضاً مدخلاً للخوض مع الناس في قضايا الشرق الأوسط والنزاع العربي الإسرائيلي ! وقضايا أخرى مثل :  لماذا يكون أمراً طبيعياً تعايشُ المغاربة العرب المسلمين مع اليهود لدرجة الأُلفة في حين فُرِضتْ الهجرة على العراقيين اليهود مثلاً ؟ ثم تتشعّب المواضيع الى أن تصل في النهاية الى موضوع الحوار بين الأديان !! كل هذا بسبب اسمي .
وممّا لا شكَّ فيه أنَّ اسم الكاتبة – وهي الشاعرة – لا بدّ أنه متطابقٌ مع شخصها ولكن
حول الأسماء والمسميّات فقد كانت تُهِِمُّنا أيضاً في سبعينيات القرن الماضي  نحن الفتيان في بغداد وقتذاك فنقوم بما يشبه المراهنة فيما بيننا فاذا سمعتَ عن أحد الآباء أنه أطلقَ على المولود الأوّل اسم وليد مثلاً والثاني حميد فإنّ اسم الثالث من الذكور في الأعمَّ لا يخرج عن ثلاثة احتمالات إمّا مجيد او رشيد او سعيد !
أمّا إذا كان المولود الجديد بنتاً وكان اسم أختها الأكبر هيفاء مثلاً  فسيكون اسم البنت هنا إمّا شيماء او عفراء او رجاء او آلاء ! وهكذا فبعض الآباء كثيراً ما يطرُبُهم جرسُ الإسم فيذهب الأبناء ضحية الرنين ! 
فقد ينشأ أحدهم خاملاً او مُغفَّلاً  فيما يكون اسمهُ فهمي , ولماذا فهمي ؟ لأنّ اسم أخيه الأكبر عزمي ! وكذلك عن الفتيات فتجد إحداهنَّ مُتَّزنة وخجولاً بينما اسمها رحاب , ولماذا رحاب ؟ لأنّ اسم أختها الأكبر سراب !
وممّا أتذكّرُهُ أنّ إحدى فتيات منطقتنا كانت ذات جمالٍ مُلْفِتٍ وغُنةٍ في صوتها ما جعلَها تُسحرُ الفتيان وكان الجميع يتمنى لو يفوز بقلبها !
هذه الفتاة مرّتْ يوماً من أمامنا في طريقها الى السوق ثم التفتتْ الى أخيها الصغير الذي تخلّفَ عنها قليلاً ثم نادتْ عليه – وربمّا بقصدٍ لكي تُسمعنا صوتَها -  فأسكرَنا صوتُها وقبل ذلك جمالها طبعاً , هذه الفتاة كان اسمها لمياء فقلتُ لأصحابي وقتها وبسبب فتنتِها : لو كنتُ أباها لأسميتها أشلاء !
وقد قرأتُ نكتةً  بصيغة سؤالٍ هو : أتعرف كيف يُسمّي الصينيون واليابانيون أولادَهم وبناتهم ؟  فيأتي الجواب بأنهم حين يولد لهم طفلٌ يرمون على أرضية الغرفة طنجرةً
(  قِدْراً ) فتتمُّ التسمية وفقاً لصوت الطنجرة !
وممّا أذكرهُ كذلك في بداية الثمانينيات هو أنَّ صدّام قد سمحَ لأسبابٍ ( عائلية ) الى الإقطاعيِّ الخرتيت خير الله طلفاح بالظهور على شاشة التلفزيون عدة مراتٍ مُحاولاً تزوير التأريخ الإسلامي والإتيان بالكثير من الهلوسات ولا أقول المغالطات عن وقائع تأريخية ثابتة وخصوصاً حول الشيعة ثمّ يشرع بعدها بسردِ صفحاتٍ من ( مذكّراتهِ ) وأحداثٍ عاصَرَها ويدّعي بأنه عاشها شخصيّاً فيقول مثلاً : وفي عام 1953 كنتُ جالساً في بيت المرحوم فلان او : وممّا قاله لي الوزير فلان رحمه الله , او في عام 1977 أخبرني المغفور لهُ فلان ...الخ .
ولاحقاً سمعتُ العراقيين في إيران وعلى الأخصّ الشيعة منهم يقولون عن ذلك للتندُّر :  شهود خير الله طلفاح كلّهم موتى !
هذا ( المؤرِّخ ) يقول في إحدى ( محاضراته ) التلفزيونية ما يعتبره إنجازاً يفخر به ما يلي : انا مَن سَمّى السيد الرئيس صدّاماً وذلك حُبّاً بمعاني الصِدام والفروسية . وأمّا عن اسمه هو بالذات فالتأويل حاضرٌ , يقول : خيرُ الله أطلَّ وفاح !
وتملُّقهُ هذا مع ذلك لم ينفعهُ في شيءٍ فعلى سبيل المثال قد شاءت المصادفات – وما أكثرَها في الزمن البعثي ! -  أن يلمع اسم إبنهِ عدنان بعد أن جعله صدام وزيراً للدفاع وعند هذا الحدِّ طبعاً يصبح الأمر جادّا فصدام المعروف بنرجسيتهِ المضحكة لا ولن يستسيغ صعودَ نجمٍ غيره وهو الذي جعل  صورَهُ وتماثيلهُ على طول البلاد وعرضها بمثابةِ أخطبوطٍ عملاقٍ لقزمٍ سياسي ,  فكان أنْ تربَّصَ بعدنان خيرالله  حتى حَلَّتْ اللحظة المناسبة حيث كان عدنان ومعاونوه مُحلِّقين في طائرة استطلاعٍ عسكرية فأطلقَ على طائرتهِ صاروخاً جعلَهُ يتناثر كطائر الحَجَل على ذُرى كردستان !

*-*-*-*-*-*-*

كولونيا –  تموز - 2007
alamiri60@yahoo.de

8
دار حضانة الأيتام – مقبرةُ أزهارٍ جماعية
*****************************
                                                     




أمامَ مرارة النتائج الحالية مقارنةً مع المرجوِّ من شعب عريق حيوي متجدد كالشعب العراقي لا أظنّ أنّ الحل يكمن في محاولة إجبار المحتل على ترك البلد الآن لأنّ هذا يعني الظلام الدامس وربيع الكهوف ! حيث العقلية المتحجرة والفهم الساذج للدين وقمع الحريات وأوّلها حرية المرأة ويعني الإستفراد بشعبنا المنهَك و الفوضى المعززة بالنهب واستباحة الحريات التي وإن كانت هامشية وبائسة اليوم إلاّ أنها أفضل بما لا يقاس مقارنة مع ( حريات )  أهل العمائم ودعاة فرض الحجاب. الديمقراطية المُتدِّرجة هذا هو الحل وجعل المحتل يخرج لاحقاً بشكلٍ مُشرِّف لأنَّ ما يؤلم هذه الشعوب نفسياً هو شعورها أنها لم تحقق من دخولها للعراق أية نتائج إيجابية . ما العمل ؟ التضحيات مطلوبة للأسف وأعتقد أن شعبنا لا بدَّ واجدٌ منفذاً في المستقبل القريب , آمل ذلك .

                         *-*-*-*-*-*-*-*-**-*-*-*-*-*   
السطور أعلاه كانت رَدّي على دعوةٍ وجَّهتْها ( جريدة العرب اليوم ) عِبْر موقعها الى الكُتّاب العرب يوم أمس للإدلاء برأيهم حول السؤال التالي : كيف تريد وطنك اليوم ؟
والآن أقول : ليس من الممكن أبدا ً التهاون بشأن المجرمين المسؤولين عن مأساة الأيتام , أولئك المسؤولين الأنذال الذين توفيَتْ ضمائرهم حدِّ شعور الإنسان السويِّ بالخجل من الإنتماء الى الإنسانية طالما هؤلاء المسوخ بعضٌ منها , وما يزيد الكارثة أسفاً على أسفٍ هو أنَّ مَن اكتشف هذه الزهور الذابلة المتلاشية بعيونها الإلهية البريئة هو الأجنبي لا ابن البلد ثمّ لتأتيكَ أصواتٌ ملْئُها اللُّئمُ والنفاجة لتعيبَ على الأمريكي كشفَهُ لهذه الفضيحة المخجلة . إنّ الأمريكي أيها الأحطُّ من القرود محتلٌّ وصاحبُ مصالح وأوُّلها مصالح وطنهِ ولكنه لن يصل به ضميرُهُ كإنسانٍ الى أن يرى طفلاً هو عبارة عن كيسٍ من العظام ولا يتوقَّف شَعرُ رأسه وهذا ليس من شِيَم الأمريكي فقط وإنما شيمة كلِّ إنسانٍ مهما كان وطنهُ وقوميته ودينه , وممّا يطفح من الأنباء أنّ الأوغاد آكلي لحوم الأطفال الأوراد كانوا يستولون على التبرّعات المخصصة لهؤلاء الأطفال , من أجهزة طبية وملابس وطعام وأدوية , نسبة كبيرة منها تأتي من خارج العراق , ليبيعوها في السوق السوداء التي صارت بيضاء من شدّة سطوعها وشيوعها , ماذا يريدون بأموال السحت هذه ؟ أن تتضخّمَ كروشهم أكثر ؟ الأ يعلمون أنّ في داخل معدةِ كلِّ واحدٍ منهم طفلاً حيّاً ؟ وفي كلِّ خطوةٍ يخطونها بثقةٍ يتداعى كُساحُ طفلٍ بلا أبوين ؟ وبين حيطان بيوتهم كلِّها تتردَّد صرخةُ ضحيةٍ بريئة تشقُّ السماء كـ " بابا او ماما ؟ آهٍ لو كانت لهم في تربيتهم هذه الصيحة الجميلة الوادعة التي حينما تسمعها الأم او الأب من طفلهما لا تكاد الدنيا أن تسع فرحمها وإمتنانهما لله . ماذا يريدون من الدنيا الغَرور ؟ هنا في المانيا التي اقتصادها ثالث أكبر إقتصاديات العالم , المانيا البلد المسيحي الذي ما أن يدخل الأجنبي اليه طالباً اللجوء لأيِّ سببٍ كان سياسياً ام إقتصادياً ام بسبب التمييز العنصري مثلاً فأنهم يسألونه عن نوع الطعام المُفضّل لدى شعبهِ لكي يوفِّروه لهُ لمّا يحين وقت الطعام , أقول : هنا حيث بإمكانِ إنسانٍ مثلي مضى عليه أكثر  من عشرين عاماً في هذا البلد أن يكون له بيتٌ كبيرٌ ويتناول أفخر الأطعمة ويرتدي أحسن الملابس , لم أُرِدْ وانا الباحث عن الكرامة والأمان سوى ما تتطلَّبه حياةٌ بسيطةٌ من مستلزمات : طعام عادي وملبس عادي وشقة صغيرة عادية , هل يريد هؤلاء السفلة القتلة أن يقنعوني بأنهم لا يمتكون هذه الحاجات الأساسية لكي تمتد أيديهم الآثمة الى حليب الأطفال اليتامى ؟ لماذا لا ينظرون الى العالم الواسع أمامهم ليغتنوا بشرفٍ إذا كان مقصدهم الغنى وجمع المال ؟ ألَمْ يقلْ القرآن : اسعوا في مناكبها ؟ ام أنهم وجدوا هذه المناكب بين ضلوع الأطفال ؟ وتفيد المعلومات أنهم لم يكتفوا بهذا وإنما قاموا أيضاً باغتصاب بعض هؤلاء اليتامى . وما علموا أنهم لو اغتصبوا بعضهم البعض لكان أشرف لهم .
الذي يمرُّ على تأريخ العراق منذ الف سنة سيعجب أيّما عجب إذْ لم يصل مستوى إنحطاط القيم فيه الى ما وصل اليه في هذا العصر فلا المتحزِّب التقدمي ! بريءٌ ولا المتديّنُ بريءٌ وانتقلتْ عدوى الأثم والجريمة حتى الى الأرصفة فما أن يخرج إنسان الى الشارع ليلاً حتى يبتلعهُ رصيفٌ !  فالفرد البسيط خائف , والرجل الديمقراطي العلماني حائرٌ  وهذا ليس حال بغداد فحسب وإنما هو تنافسٌ وسباق بين المحافظات والأقضية والنواحي ! فتسمع أنْ في بغداد قُتلَ عشرةٌ بانفجار قنبلة موضوعة في ساحة عامة فتردُّ عليها البصرة كمَن يشعر بالحسد , فتفجِّرُ جامعاً الى جانب كنيسة !  ثم تعصف الغيرة بمحافظة الأنبار فتستقدم شاحناتٍ مُطعَّمةٍ بالكيمياوي يجلس وراء مقاودها حشدٌ من التكفيريين ! ثم الى محافظة ميسان فتقوم بتفجير سوقٍ شعبيٍّ الى جانب مقهى إنترنيت ! ثم الى كركوك فتسمعُ دويَّ قنبلة داخل معبد أيزيديٍّ يروح ضحاياه كفرةٌ يعبدون الشمس من دون الله ! فَتُودُّ من كلِّ قلبك لو تستطيع أن تُقبِّلَ هذه القنابل الإيمانية ! أن ترقصَ معها , ثم تنتقل الى النجف وكربلاء فتجد العزاءات الحسينية وقد تحوّلتْ الى مفاقس لتفريخ عُشاق حور العين ! فما أن يبلغ أحد الفتيان سنَّ الرشد ويحسَّ بدبيبٍ ( غامض ! ) في جسده حتى تتولاّه عنايةُ مخلوقاتٍ لا قدَّس الله سرَّها بما أتى اليها من العِلْم اللدُنِّي فلا مدارس ولا علوم ولا معارف ولا تقنيات ولا تَحضُّر يمكن أن يقف حائلاً بينه وبين الإنتقال بأسرع الطرق الى جنات الخلد بتفجيره أقرب مركزٍ للشرطة او قد يفضِّل السفر الى بغداد ووضْعَ عبوةٍ ناسفةٍ في صالون حلاقة !
وصكوك الغفران هذه قد سبقتهم اليها إيران وإلاّ فالتأريخ الشيعي في العراق لا يذكر لنا أن الشيعة قد قاتلوا السنّة او غير المسلمين من أبناء وطنهم بسبب أنهم مختلفون معهم في العقيدة او المذهب وإنما هي السياسة القاصرة التي تصوِّرُ لجماعاتهم بأنَّ الفوضى خير دليل الى النظام ! وبهذا سيُهزَم المُحتل وهم لا يدركون أنَّ كلَّ هذا يصبُّ في رصيد البعث ونظامهِ الجديد الموعود بقيادة مُنَظِّرهِ الألمعيّ عزت الدوري ! ومثل هذه الجماعات تبحث أوَّلاً عن زعيمٍ روحي يستثير هِمَمها فتخلق شبحاً يكون في الغالب رجلَ دينٍ نكرة وسياسياً مغموراً فتُؤلِّههُ فيصدِّق بدَورهِ أنه بات مُهمّاً فيما هذا السياسي الشيعي الـ ( لْحَمي ) الذي خرج من البيضة للتوِّ والذي لم تعركْهُ الأحداث الداخلية ولا العالمية حيث تمرُّ من أمامهِ مَرَّ السحاب فلا يستنبط منها درساً , شأن حثالات القاعدة , لا يَقْدر بطبعهِ أن يُنتج إلاّ ما نراه من بضاعة كاسدة , إنه كمَن يروِّج لتلفزيونٍ أبيض وأسود في عصرٍ سيصبح بمقدور الفرد فيه من خلال الشاشة الفضيّة شمَّ الروائح بعد تمكُّنهِ من السمع والنظر ! ومَن يظهر لك في الشاشة الفضيّة هو كذلك يشمُّ رائحة المكان الذي انت فيه , ولا عجبَ في أمرِ هكذا أناسٍ ظلاميين لأنًّ عقولهم عملياً هي أيضاً فضيَّة تشمُّ رائحة التآمر مِن على بعدٍ ! فمجرَّد أن تختلف معهم في تفسير حديثٍ او آيةٍ قرآنية وتحاول إيصال دلالاتها الممكنة الى مدىً مقبول للجميع حتى تجدهم في اليوم التالي وقد اختطفوك !
لا يهمُّني الخوض في سياسة العراق الحالية داخلياً وخارجياً فما أنا رجل سياسة وإنما أريد أن أؤكّد على بديهة مفادها أنهُ غايةٌ في الحصافة والنضج الذهني أن يصل رجل الدين عندنا الى مستوىً من الوعي بحيث يدرك حقيقةً أساسية هي أنَّ العراق من البلدان التي لا يمكن بأيِّ حالٍ أن يحكمها رجلُ دينٍ مهما أُوتيَ من إخلاص وحسٍّ وطني ولا أن يحكمها حزب واحد ولا قومية واحدة ولا طائفة واحدة ولا دين واحد
وكذلك فإنه انتصار للدين الحق ولإرادة السلام والحرية والتسامح والعدل أن يبقى رجلُ الدين بمعزل عن السياسة وهذه تجاربُ كلِّ الشعوب الحديثة المتطوِّرة تؤكِّد رأْيَنا وتدعمهُ ولذلك كنت من أوائل الداعين لفكرة تغيير العَلَم العراقي وجعلهِ يعكس هوية العراق بمختلف أديانهِ وعقائده فالله أكبر , نعم ولكن ليس لتخليد جزّارٍ طالما زايد على الدين وفجَّرَ المراقد ودور العبادة وكذلك فإنَّ العراق لأسبابٍ تأريخية ثقافية وسياسية وإقليمية لا يمكن أن يتجزّأ وفي هذا قوة معنوية واقتصادية تضاف الى قِواهُ وإمكاناته المستقبلية الأخرى لا محالة .   
 
كولونيا – 22  - حزيران – 2007
alamiri60@yahoo.de

9


هل انهارَ الإتحاد السوفيتي ؟!
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

سامي العامري
----------------
من آراء المفكِّر الراحل هادي العلوي رأيٌ أعجبني : إنَّ الحضارات لا تسقط وإنما تنتقل في المكان . ويضيف : وبينما كان ابن رشد شبه مجهول في العهد العثماني كان الأوربيون يدرسونه ويطوِّرونه . ثمّ لينتهي الى التوكيد قائلاً : حينما توقَّفَ مدُّ الحضارة الإسلامية كانت منجزاتها قد انتقلت الى اوروبا ولذا فإنَّ الحضارة الإسلامية لم تسقط وإنما انتقلتْ . واذا عدنا اليوم سريعاً الى منجزات الثورة الإشتراكية في القرن الماضي نجدها كثيرة جداً وعلى مستويات عديدة ولم يحصل لها أن تقاطعتْ مع القيم الدينية الأساسية , أية قيمٍ وأيِّ دينٍ بل على العكس عزّزتْ ما ظلَّ يدعو له الدين من إيقاظ حسِّ العدالة والمساواة وتعزيز التسامح ورفض الظلم والإستغلال وصيانة كرامة الإنسان وبهذا أعطتْ الدين زخماً آخرَ أبعدَ أثراً بتخليصهِ من الخرافة والإتكالية ومن جعل مصير الفرد وبالتالي المجتمع رهناً بيد الإقطاع وسلطة رجال الدين المتخمين بما عُرفَ عنهم من جشعٍ وتخلُّفٍ وتواطىء مع أنظمة الحكم المختلفة ولم يكن هذا حال روسيا آنذاك فقط بل إن العالم بأجمعهِ كان قائماً على أساس الإستغلال الإقطاعي المِلكي والفقر والنزاعات وإذا كانت هذه الأُسس الفاسدة قد تَمّتَْ بتوفُّر الغطاء ( الشرعي ) أي الديني وتسويقها على أنها قدَرٌ إلاهيٌّ وما على البَشَر إلاّ الطاعة والإذعان لها فلماذا لا يصبح الدين وفق هذه المعايير الكريهة أخطر من أفيونٍ على الناس ؟
وما الذي يعيد للإنسان دورَهُ المُشَرِّف في الحياة غير سعيهِ الى تأديب رجل الدين الإنتهازي والسياسي المتسلِّط وجَعْلِ الدين رسالةَ تسامحٍ وعدلٍ وتكافىءِ فرصٍ وجعل السياسةِ أداةً للتقدم والإزدهار ؟
هذا من حيث الجوهر أمّا الثغرات التي تؤخذ على هذا النمط من النظام الشمولي , ومنها الدكتاتورية  – وهي أصل الكارثة -  فقد أملَتْها , حسب رأيي , طبيعة التطوّر السياسي العالمي , فالعقلية الإستعمارية كانت هي السائدة وهذا ما وفِّر المناخ الملائم لصعود  الدكتاتوريات التي صبغتْ القرن الماضي فلم يكنْ الإتحاد السوفيتي السابق استثناءاً فاذا أعطى الإتحاد السوفيتي ستالين مثلاً فالغرب أعطى هتلر وفرانكو وموسوليني وغيرهم أمّا العرب فكانوا رازحين تحت شتى الإحتلالات ويعيشون وقف مقاييس القرون الوسطى . نعم , ليس هناك أسوء من حكم الفرد , وهذه تجربتنا القريبة تشهد أيضاً بذلك ولكن الشعب الروسي ككلِّ الشعوب الحية الأخرى نظرَ يميناً وشمالاً فوجد أفقَهُ مسدوداً وأنهُ يدور في حلقة مفرغة بينما العالم من حوله يتغيّر ويتطوّر
ووجد أنه لا جدوى من مناطحة صخور رأس المال وأنَّ العالم لا يبحث عن الأمن والغذاء والصحة والتعليم  فقط ولا حتى عن السعادة المادية وإنما الترف المادي كذلك بل ويزحف نحو يوتوبيا كونية !
لذا فلم يجدْ بدّاً من التجاوب مع الغرب الحديث ولم يجد صعوباتٍ كثيرة في الإنضمام اليه كحلقة مهمة ضمن هذه السلسلة بحكم تشابه الثقافة والقدرة الإقتصادية والعلمية .
واللافت للنظر أنّ روسيا ومعها بلدان الكتلة الإشتراكية السابقة ما أن فتحتْ أسواقها للبضائع الغربية وتَوَسَّعَ تبادلها التجاري وغيره مع البلدان الغربية واليابان وأمريكا حتى تحوَّلت شعوب هذه البلدان الإشتراكية في نظر إيران وبلدان الخليج والإسلامويين عامةً الى شعوبٍ مؤمنة !
هذا عن بعض فضائل النظام الإشتراكي السابق ومنظومتهِ وحتى لا نخلط النهارَ بالظُلمة ! فمنذ بدايات القرن الماضي وجدنا رجال الدين والحُكّام عندنا ما أن استشعروا بغرائزهم الخطرَ المُحْدِقَ بامتيازاتهم ونفوذهم حتى سعوا الى تأليب الناس البسطاء على عدوٍّ وهميٍّ ( كافر !) بينما هُم أصل الكفر ومرتع الرذيلة وأوَّل من أساء الى مُثُلِ الدين وإلاّ فكيف لا يكون لهم وجودٌ وتأثيرٌ او حتى اعترافٌ إلاّ في الأوساط غير المتعلِّمة وأنصاف الأميين ؟ وليكنْ في علمِ المُتفيقهين الإسلاميين أنَّ العديد من التيارات الغربية او العديد من المؤسسّات الإحتكارية الغربية والأمريكية ظلَّت تعادي الفكر الشيوعي باعتبارهِ مبدأً دينياً يناضل من أجل التوزيع العادل للثروات او منع الإستغلال وأيضاً أنَّ النُظُم الإقتصادية الغربية الحالية نجد لدى مؤسَّساتها الكثير من التطبيقات الإشتراكية بشكلٍ او بآخر وتتغلغل داخل نسيج مجتمعاتها , أقول هذا وانا الذي ليس لديَّ إنتماء لأيِّ حزب او جهة , ولكن العلّة التي بقيت مستعصية لحدِّ الآن على قِلةٍ من أصحاب العقيدة الماركسية هي عدم مرونتهم في القبول بالتعامل الديمقراطي وهذا ما يضعهم على صعيدٍ واحدٍ مع البعثيين والسلفيين والتكفيريين وإلاّ فالماركسية اذا كانت تعني حكم الشعب فلا نظنُّ أنَّ الشعوب - وقد ازداد وعيُها - تقبل بغير الديمقراطية منهجاً وطريقةَ حياةٍ وهذا ما عنيتهُ بقولي أنّ الإتحاد السوفيتي لم تسقط الكثير من طروحاتهِ من حيث المبدأ وإنما انهارَ كمؤسّسات وشكل حكمٍ , ومن جهةٍ ثانية فإنّ العراق مثلاً , وقد ناضَلَتْ وضَحّتْ كلُّ أحزابهِ وتنظيماته وطوائفه وقومياتهِ دون استثناءٍ حتى تمكّنتْ من إسقاط دكتاتورٍ دمويٍّ , لا يريد أبداً أن تَستبدلَهُ بطاغية آخر مهما ادَّعى أنَّ بإمكانهِ جلبَ الرخاء للناس او القيام بمعجزاتٍ كأنْ يجعل الفيل يطير مثلاً ! كما تقول نكتة المخابرات , والعراق بلدُ ثقافاتٍ متعددة وأديان متعددة وطوائف متعددة وأحزاب متعددة لا يمكن لمَن يحكمه أنْ يتناسى هذا الحقيقة ويبقى حاكماً وعليه فالشيعيُّ مثلاً اذا كان يحلو لهُ أن يجعل الحكم في العراق له ولشيعتهِ فَحَسْبُ , عليه أن يقتدي بسيرة صدّام ليعرف كيفية التحكّم برقاب الناس ولا نحسب أنه سيصل فذاك دكتاتورٌ لا يُقلَّد ولا يتكرَّر , والأمر نفسه يصدق على السُنيّ والعربي والكردي وأصحاب الأديان والإثنيات والأحزاب الاخرى .
إنَّ الإنفراد بتضحيات الملايين من العراقيين من خلال جعلها إرثاً لطائفةٍ ما او قومية ما لَهوَ كفرٌ يصيب العقائد في الصميم , و يجرح المبادىء الإنسانية النبيلة فإنهم بذالك كمَن يرى أقاربَه وجيرانه وأصدقاءَه يجدُّن ويثابرون في بناء منزلٍ جميل فساهمَ معهم في وضع لبُنةٍ حتى اذا تمَّ البناء وأصابهم الإعياء سرقَ مفاتيح المنزل وأغلقَ عليه الأبواب ! هذا التشبيه قد يبدو طريفاً ولكنهُ واقعيٌّ وهو ما يحاولهُ بعضٌ من قادة الشيعة اليوم وغير الشيعة من خلال العمل على مصادرة كفاح الآخر ونَسْبِهِ الى أنفسهم بتجاهلٍ عجيبٍ لإنعكاساتهِ وما قد يولِّدهُ من انشقاقاتٍ وصراعاتٍ وحتى مذابح !
فماذا عن ضحايا النظام السابق من الشيوعيين وهم كثيرون جدّاً وتضحيات الوطنيين الآخرين وغيرهم من الأحرار وهي كثيرة جدّاً أيضاً ؟ وقد كنتُ أحسبُ أنَّ هذه العملية أَيْ القرصنة مقتصرةٌ على وسطنا الثقافي لأنها ( مألوفة ) فيه نوعاً ما ولكن يبدو أنَّ تأثيراتها امتدَّت الى عالم السياسة لدينا لتصبح أكثر من قرصنة فكرية , لقد أصبحتْ قرصنة ( نضالية ) !
وعلى ذكر القرصنة الفكرية يحضرني الآن مثالٌ حيٌّ وهو أنني كتبتُ قبل شهرين مقالةً هي رَدٌّ على دراسةٍ قام بها الناقد الأديب عدنان الظاهر لمجموعتي الشعرية ( السكسفون المُجَنَّح ) ونشرتُها في عدة مواقع , عنوانها ( الجواهر فيما ينطقهُ عدنان الظاهر ! )
وما هي إلاَ فترةٌ قصيرة حتى وجدتُ مقالتي منشورةً في موقع ( مقهى الثقافة العربي )  بعد حذف السطور الأولى منها , ومقالتي - الردّ هذه منشورةٌ باسم مدير الموقع جمال الخيّاط !
ففكّرتُ ربما أنه خطأٌ غير مقصود وانتظرتُ التصحيح دون فائدة فكتبتُ الى السيد مدير الموقع تعليقاً على عملهِ غير المُبَرَّر وغير المفهوم هذا ولكنْ العجيبُ أنهُ نشر تعليقي تحت مقالتي التي ادّعاها لنفسهِ !
إنهُ كمَن يقول لي : لقد نسبتُها لنفسي وانتهى , وتستطيع أن تعمل ما بدا لك أن تعمل !
ومثل هكذا جَرأة مفضوحة لا تنفع معها مقاضاةٌ او رفع دعوى , إنها انعدام النزاهة او الجَرَب الذي أُصِيب به أدعياءُ ثقافةٍ ومتصَنِّعو سياسية !

*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

كولونيا – حزيران -  2007
alamiri60@yahoo.de



10
الأحلام بوصفها هاوية !
***********************************************

سامي العامري
*********


هذه هواجس نفسٍ تتوق للمعرفة ,
الذكرى العزيزة تغمرك بدفئها كالشمس وكالشمس أيضاً تفيض عليك بكرمها دون أن تطلب منها ذلك , أي أنَّ الكثير من الأشياء والتفاصيل الحياتية تلوح غير مهمة وعادية بحكم تكرارها فانت لا تلتفت اليها كعلبة السجائر التي أمامي الآن مثلاً ولكن لأنّكَ رميتها على المنضدة فوقفتْ على أحد جوانبها بشكل غير مألوف فقد لاح أمام ناظريك موقفٌ قديم شبيه بهذا الموقف وهذا بدوره استدعى شريطاً لا ينتهي من الأشخاص والذكريات فلا يسعك أحياناً إلاَّ أن تبتسم وقد تضحك كثيراً وقد تبكي حَدَّ الإجهاش .
أردتُ أن أقول أنّ الماضي الغني العميق لا يتبدَّد وإنما يأخذ أشكالاً والواناً وروائح هي من صميم الحاضر فتحسُّ بفيضٍ عجيبٍ من الحيوية فتندفع لتفعل شيئاً ما , شيئاً موازياً للحالة المعنوية التي انت عليها فلا تلبث هذه المشاعر أن تتداعى أمامك بهيئاتٍ عديدة تشبه الرؤى , فاذا كنتَ من المصابين بمَسِّ الشعر او الكتابة فستنتهي هذه المشاعر الصافية الى كلماتٍ على الورقة , الى فعلٍ إبداعيٍّ صافٍ مُمْتَنٍّ حتى اذا فتحتَ نافذتك سرعان ما تتلقَّفُهُ الريح الى حيث مجالهُ الحيوي الآمن الأ وهو الغد , فما حاضرك إلاّ واسطة ينتقل من خلالها ماضيك الحميم الى مستقبلك الأكثر حميمية ,
وأقول : أكثر حميمية لأنَّ جمال الأشياء البعيدة , الصعبة المنال يتجلَّى في كونها ما زالت في طور الإكتشاف , طور التكوُّن , مازالت سِرَّاً , صلاةً , وعداً .
وهنا يتبادر الى الذهن سؤالٌ مُلِحٌّ : ولكن ماذا عن الماضي التعس للإنسان !؟
فأُجيب بأني لا أبحث في المعقول ولكن أحاول تصيُّد شذراتٍ من اللامعقول !
ومن وحي هذا الهاجس كتبتُ في العام الماضي :

أحياناً تغمرني الغبطةُ ولَهاً بالمجهولْ
أهو الأوحدُ من بين المعقولات المعقول ؟
ومع ذلك , فالماضي الحزين التعس لا يزول أيضاًَ ولكنك اذا كنت من ذوي الإرادة القوية فانك تكبت ماضيك الأليم في سحابة نهارك , تقمعهُ بما يتيحهُ لك يومك الجديد من أفعال منها المادي ومنها ما يتّصل بالأفكار ولعلَّ عالم الأفكار أهمُّها وكذلك بما تمتلكهُ من فلسفةِ حياةٍ وطبيعة إيمانك بالأشياء وأمَّا أثناء النوم حيث تتلاشى الإرادة وتستيقظ اللا إرادة , اللا شعور فهنا مرتع المأساة وميدان ميادينها !
ذلك أنك عشتَ وتعيش في عصرٍ قاسي الشروط ولا تزال تحاول الخلاص من ضغوطهِ لكي تقترب من وسادتك غير قلقٍ بشأن ما سيجلبهُ لك اليوم التالي او كيف ستكون معالمهُ ولكن أنّى لك وقد نزفتَ قبل أن تخترق الرصاصةُ جسمك !؟
الجنرال المهزوم يقف وسط أشلاء ضحاياه ويحلم أنَّ تؤدي له التحية رغم ذلك
والمرأة تدخل حلزوناً بحجم حريتها وتحلم بمحيطٍ دون رجال
والعالِم يرى في أحلامهِ عالَماً يسوده النظام والقوانين فيعِدُّ نفسهُ لإختراعٍ جديد .
ذو الموهبة الصلعاء يمضغ غليوناً ويحلم بجمهورٍ يطارد مؤلَّفاتهِ
والحزبي يرى حزبه وقد عَمَّرَ على رأس السلطة كما لا تعمِّر التماسيح
والطائفي يرى غرمائه أدنى منزلة منهُ فعلاقتهُ مع الله وصلتْ الى درجة الميانة
ومتصوّفةُ النفط لا يهمُّهُم من هذه الجلبة شيءٌ فالله دائماً في جيوبهم
والبعثيُّون بعد أن حرَّروا القدس وأخواتها يسعون بمؤآزرة الأشقاء الى تحرير مانهاتن
والإسرائيليون يحلمون بتجنيد حتى أعمدة الكهرباء وإلاّ فكيف تستقيم فكرةُ ربِّ الجنود ؟
كلُّ هذا يتمُّ في عالم الأحلام
ولكن أنتَ , بماذا تحلم ؟ وكيف تستقبل نهارك بعد نومك الذي يشبه المغامرة أحياناً ؟ ولكن ليس كلُّ البشر سواسية فهناك من لا يقيم للأحلام وزناً بل إنهُ ربما لا يحلم أبداً ولا أقول هذا من منطلق الشعور بالإحباط فانا أفهم عصري
ومن مكارمهِ مثلاً أنهُ جعلني أُجاورُ مَن يربح او يخسرُ آلاف اليوروّات في الروليت ليلاً وفي الصباح يمتشقُ قلمَهُ ليُعبِّرَ عن عظيم ألمهِ بسبب معاناة الأطفال والنساء والشيوخ في العراق وفلسطين من جَرّاء الحصار والقتل والجوع والأمراض ويجد مَن يصَدِّقُهُ من الأبرياء او من المُغفَّلين والحَمقى ويجد في بعض الأحايين مَن ينشر لهُ كُفرَهُ هذا
ولكنني لستُ بصدد هذا الموضوع ولا أجتهد في تأويل الأحلام وإنما أرمي الى القول بأنَّ الإنسان يتحدَّد يومُهُ وحتى غدُهُ تبعاً لحساسيتهِ ولهذا أرى أنَّ أغلب الناجحين عملياً هم اللا أباليون , فبعضهم يرى طريقه مرصوفاً بالهياكل العظمية والدماء ولكنه مع ذلك يركلُ هذه الجثة ذات اليمين وتلك المرأة المولولة ذات الشمال كالنفايات ويستمر في السير وكأنهُ على موعد مع عشبة الخلود !
ومثل هكذا بشرٍ , وقد وصل الكثيرُ منهم بعضَ البلدان الصناعية المتقدمة ,
يضجرون مثلاً من زحمة المواصلات في المناسبات او كثرة الضجيج في الأنفاق !
واذا ناموا فقد تكون هذه النقطة لا غير هي ما يُعكِّر صفو أحلامهم !
تسأل واحداً منهم أثناء النهار أن يسلِّفك عشرة دراهم من عملة هذا البلد على أن ترجعها له بعد يومين او ثلاثة فيعتذر اليك رغم معرفتك بأنه يستطيع تسليفك , الأمر لحد هذه اللقطة جداً عادي ولكن ما الذي يجعلهُ يلوح غير عادي ؟ ما يجعلهُ غير عادي هو أنك لا تسلم منه فانت غداً على الصفحات الأولى من صحف الصباح !
لماذا لا يعمل ؟ هل قصَّرَتْ الدولةُ في منحه فرصة عمل ؟ لماذا لا يكفُّ عن التدخين ؟ فتقول لهُ : أستاذ أنا أعتذر وفي نهاية الشهر ساعطيك عشرة دراهم هِبةً من عندي ولكن فقط خلِّصْني من لسانك !
وطبعاً وصل الكثير منهم الى اوروبا وغيرها ورغم أنهم وصلوا متأخرين إلاّ أنهم استطاعوا - بطُرُقٍ هُم وحدهم يعرفونها - الحصولَ على الإقامة والعمل والتحدُّث بعدة لغاتٍ حتى المنقرضةِ منها !
ضربتُ قبل قليل مثالاً عن الرجل الذي يُسلِّفك عشرة دراهم , ومثالي لم يكن اعتباطاً فهو قد حصل قبل أسابيع , ومشكلتي مع هذا الشخص أنه يسكن في طريقي اليومي المؤدي الى وسط المدينة , سألتهُ في إحدى المرات متعمِّداً :
هل حصلَ لك وأنْ حلمتَ بي في الليالي السابقة ؟!
أجاب : ولماذا أحلم بك ؟!
قلتُ : انا رأيتك في الحلم قبل عدة ليالٍ وكنتَ ترتدي زيَّ انضباطٍ عسكري وحاملاً عصا وتركض ورائي !
سألَ وهو يحاول أن يكون مَرِحاً : وهل مسكتُكَ ؟
قلتُ لهُ : صحيح , إن مشكلتي كانت السيجائر وقد سألتك لأنهُ لا أحد من معارفي كان قريباً مني ولو أعطيتني العشرة دراهم في ذلك اليوم لكنتُ كتبتُ بحماسٍ عن مواضيع عديدة تشغلني فقد كنتُ مهَيَّئاً تماماً لهذا العمل ولكن السيجارة .
لا جدوى من ذكر نصائحهُ ووصاياه لي فقد بدا أنهُ يفهم الكتابة وكأنها صنعة بإمكانك أن تستبدلها بأخرى وكم حقدتُ على نفسي لأنني تركتُهُ يتسلَّل الى أحلامي , هذا الخنفوس !
ومرَّةً أخرى ,
كَمَنْ يسير على حافة نهر عميق بينما العاصفة تدفع به وهو يقاوم السقوط في النهر , هكذا هي الحال بالنسبة للحلم عند أكثر الناس تفاؤلاً من جيلنا الذي أُبتليَ بالحروب والكوارث , الحافة هنا هي ومضاتٌ جميلة قد مَنَّ بها علينا هذا العصر الشحيح دون وعيٍ منهُ ! أمّا العاصفة فهي سِهام الماضي التي تدفع بك الى القاع ,
والقاع هنا ذو شعابٍ مختلفة منها ما يوصل الى الجنون ومنها الى قتل النفس ومنها الى الإدمان ومنها الى المازوكية والعبث والفوضى او اليأس وقد أَوصلَ ويوصلُ الى الجريمة , ناهيك عن الأمراض الأخرى التي أصبحتْ لا تثير الإنتباه لشيوعها كالإنطواء والصمت شبه الدائم والكآبة وغيرها .
ومع هذا , ومضاتٌ قليلة بسيطة ودون ملامح محدَّدة تعلِّمني أحياناً كيف أكافح لئن أتحدَّثَ مع هالةٍ غير مرئية اسمها الغد ,
قال المُتسوِّل : ليس أمامي سوى أنْ أحمل صحني وأطرق باب الغد !
قلتُ : أمّا انا فلا أطرقهُ مثلك إلاّ اذا حَلمتُ وحينذاك يصبح ُ فعلُ التسوُّل شيئاً يمكن فهمهُ وتبريرُهُ !





****************************************************
2007  -    كولونيا

11
السياسة بين الجِينات والجِنِّيات !



سامي العامري
********
استبشرنا خيراً بزوال الطاغية , وفي هذه الحالة , الحالة العراقية يكون استبشار العاقل والضحية في محلِّه فهو يدرك بعمقٍ الطبيعةَ الإجرامية المهولة للنظام السابق ويفرزها ببصيرتهِ وقبل هذا بجروحه التي ما زالت تصاحبهُ في حَلِّهِ وترحالهِ فما يحصل الآن مهما تمادى في الغَيِّ والعُتوِّ واللا مسؤولية بل واللا إيمان ما هو إلاّ دليلٌ آخر على مدى الخراب الذي أحدثهُ الزمن العفلقيّ في الكثير من النفوس وهو صنيعة بعثية بامتياز ولا يُهمُّ ما يرتدي من مسوح , انفصالية , طائفية , قومية , تكفيرية وهذا التبعيث اللا شعوريّ يجسِّدهُ – أوّل ما يجسِّدهُ - عدمُ المبالاة إزاء تناثر أجساد الضحايا بأحلامها وأحزانها وتأريخها , ورغم الأسى والإحساس الشقيِّ بالظلم فانه دون شكٍّ كان مفترَضاً او على الأقل كان الشعور بالخوف من حصول ما هو قريب منه موجوداً وكان على العاقل أن يُعدَِّ نفسهُ لمواجهة بعض تداعياتهِ لأنَّ الماضي القريب لم يكن عادياً بكلِّ المقاييس ولا أظنُّ أنَّ إنساناً يمتلك أخلاقاً ووعياً يتمنّى عودة الحكم السابق او أيِّ حكمٍ على شاكلتهِ درءاً لخطر الحالة الراهنة وتمزّقاتها وحتى لو تمنّى بعضهم ذلك فعجلة الزمن لم تعدْ حديدية متباطئة في المعيار المعاصر وليس فقط لا يمكن إرجاعها الى الوراء بل لا يمكن إيقافُها او في الأقل التقليل من سرعتها , إنها رهيبة السرعة ونحن مرتبطون بها وإن كان ارتباطنا لا يزال هلاميّاً وغير مُحدَّد المعالم وهذا الخراب أيضاً والذي كنا نأمل أن يقف القدرُ الى جانبنا فيجعله أقلَّ وحشية , ليس غريباً على تربة تشرَّبتْ تأريخياً بالدماء  وإنْ كان الأعنف والأفظع إلاّ أن المقاييس العالمية الآن اختلفتْ فما عادت الكثير من المفاهيم تحمل نفس المدلولات السابقة في الغالب والتي كانت تنتمي لحقبة الحرب الباردة كالوطن الواحد والحدود الواحدة بالمعنى السياسي والجغرافي او اللغة الواحدة او الثقافة الواحدة بمعنى الإنعزال داخل أُطُرٍ قومية مُحكمة الإغلاق فما يقع اليوم للعراقي مثلاً أصبح يُؤَثِّرُ على الأمريكيّ والصينيّ والقوقازيّ وبالعكس ,
إنه الإقتصاد , هذا هو الوطن الجديد الذي أصبح العالم ينضمُّ تحت لوائه وهو كاسحٌ لنا وكاسحةٌ لنا كذلك علومهُ السياسة بوعودها , بجيناتها , بجِنِّياتها !
ورغم أنَّ لدينا من الجِنيّات ما يكفي إلاّ أنّ واحدة منها لفتتْ نظري أكثر في مرحلتنا هذه وهي أننا برغم ترديدنا - ترديداً ميكانيكيَّاً طبعاً - القولَ المأثور للإمام علي : مغبونٌ مَن تساوى يوماه . فأيامنا ما تزال متساوية متشابهة تندبُ بعضها البعض , أيامنا توائمُ نَسَخَها الزمنُ نَسْخاً تحسدُنا عليه العلومُ الحديثة 
والطبُّ الحديث !
وأعود فأقول ما صار بديهية : إنه الإقتصاد , السوق هو ما يرسم العلاقات الدولية ومهما كان رأيك بنمط الدولة هذه او تلك فلا بدَّ أنك واجدٌ نقاطَ تلاقٍ معها أمّا العقلية الآيدلوجية التكفيرية فلن توصلنا إلاّ الى مستنقع الإفلاس الأبدي حيث نبقى نعوم في نفس الترعة ومع نفس الضفادع !
إنَّ الحضارة الحديثة تحاول إعادة الإعتبار لمبدأ التعاون المشترك الذي استُهلِكَ
بفعل رطانة الساسة او ربَّما إنها , أَيْ الحضارة , في بعض أوجهِها تحاول إعادة الإنسان سواء بشكلٍ واعٍ او غير واعٍ الى جذوره الأولى حيث لا تَمايُز إلاّ بقدر ما يتعلَّق الأمر بنوع الإستجابة والتفاعل والإغناء , ومن الحَيف أن يكتفي المرء او الدولة بدور المتفَرِّج ,
إنك ترى سلبيات هذه الحضارة وإجحافاتها وهي كثيرة ولكنْ طبيعيٌّ أنَّ الحلَّ لا يكون في مقاومة هذه الحضارة فهذا عبث وألعابُ صبيان وإنما العقل السليم يقول : عليك أن توجِّه لها نقداً وتقترح وتبادر وحتى تلعن اذا كنتَ مؤمناً بأنَّ هذا العالم مارقٌ وينمو ويترعرع في حضانة إبليس !
الحلُّ أن نجعل أنفسنا ننتمي ولو نفسياً لهذا العصر ونعتبر أنفسنا مسؤولين ومَعنيين بما يحدث له إنْ سلباً او إيجاباً
إننا ابتُلينا بمشكلة أسمِّها اللف والدوران فلا أحدٌ يقف على رأي ثابت في القضايا المُلحَّة وأتذكَّر وانا فتىً في السابعة عشر من العمر أني سمعتُ جملة : لا يا مولاي , صحيحٌ أنّ ما ذكرتَهُ آيةٌ قرآنية ولكنَّها حمّالة أوجه .
وهذا التعبير العتيد ( حَمّالة أوجه ) هو الذي يجعلنا عموماً نُفسِّر جوانب حياتنا الحساسة وأحياناً المصيرية تفسيراً لا يخرج عن المزاجية فإنْ قلتَ له إن القرآن على سبيل المثال يقول : تعالوا الى كلمة سواء بيننا . فانه يجيبك : ومَن رضي غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منهُ . وهكذا .
إنَّ الحرص على الدين الحقيقيَّ لا يتمُّ من دون إستنطاق خطابهِ الإنساني وما فيه من قيَم سلمية عادلة متسامحة أمّا أنْ تأتي إلى الناس بمُفخَّخَتكَ ناسياً أنْ لا إكراه في الدين فهذا شأنُ الذين لا يسأمون من الإساءةَ للدين وشأنَ البعثيين حينما جعلوا مفردة العروبة أشبه بالسُبَّة لتفنُّنهم بالمزايدة عليها وفيها .
كما أنّ الحرص على نَيل الحقوق القومية هو الآخر لا يحصل إلاّ من خلال
النهوض ببلدٍ غنيٍّ حُرٍّ آمنٍ موحَّدٍ , لا عن طريق الإستعانة بالظَلَموت !
إنَّ معايير الحداثة اليوم تتخلَّلنا كالهواء فهل تريد أن تناصبَ الهواءَ العَداء ؟!
لا مَخرجَ لنا إلاّ بالمشاركة الواعية لعصرنا وأن نعيشه بتحوّلاته ونجاحاته وإخفاقاتهِ وفي سعيه لكسر الرتابة فما نراه اليوم من منجزاتٍ ستصبح في عرف العالم المعاصر خلال عقدٍ او عقدين من الزمن أشياءاً شديدة الكآبة لتكرارها ورتابتها , أمّا صلافة بعضنا القائلة بإمكانية العيش دون الحاجة الى التعايش مع الغرب الكافر فهذهِ تذكِّرني بمقولة أخرى قريبة منها كان يحلو لرفسنجاني أن يردِّدها حيث يقول : إنَّ ايران قادرة على العيش دون أمريكا .
هذه رؤية رجلٍ لا يستطيع قراءة الأحداث والتطورات الدولية بعناية وهو قولٌ فيه الكثير من الغرور وأمّا عن حالة العراق في عهد المخابرات والمعتقلات والقبور الجماعية فكان صدام يجيب عندما يُسأل عن إمكانية ممارسة الديمقراطية الحديثة في العراق بالقول : لا , إنَّ وضع العراق يختلف . وهو في الحقيقة تهرُّبٌ او تبرير لدكتاتوريتهِ او للـ ( ديمقراطية ) البعثية التي وضعتْ العراق على حافة هاوية سحيقة وأرجعتْ الحاكم مرّة أخرى الى فترة النضال السلبي ( نضال الحفرة ) !
لذا فحالنا اليوم بوجود التيارات التكفيرية ودعاة النفاق القومي والبكاء زوراً على ضياع هوية العراق أقول : إنّ كلا الطرفين يجهلان العراق الذي عاش العديد من الإحتلالات في تأريخه القديم والحديث وهما يردَّدان نفس النغمة الصدّامية بينما العراق يتقافز بينهما , بين هذين الفريقين الأحمقَين كرجلٍ يتقافز حافياً على صفيحٍ من جمر , وأظنهما قد باركا القرار الأخير والحصيف جدّاً والذي يقضي بمنع سفر المرأة العراقية دون موافقة ولي أمرها !! هذا القرار الذي يعامل المرأة في وطنها وكأنها أسيرة حرب ! أقول : نعم , إنّ البعثيين يُطوّبون مثل هكذا قرارات وكل قرارٍ من شأنه إشعال الفتنة أكثر والى جهنم بـ ( حرائر العراق ) ! وهما , السلفي والصدّامي بتنافسهما على حيازة ميداليات  الفضائح ولشدّة غفلتهما يُذكِّراني بالحكاية التالية التي حصلت في فترة من فترات العهد العثماني إذْ يقال أنهُ زارَ مُفتي أنقرة مُفتي الشام في الشتاء وبينما هما يجلسان حول النار قال مفتي الشام : النار فاكهة الشتاء . فردَّ عليه مفتي أنقرة قائلاً : صدق الله العظيم .
فكتَمَ مفتي الشام هذا الخلط وفيما بعد زار مفتي اسطنبول مفتي الشام أيضاً فحكى له مفتي الشام تلك الحكاية فردَّ مفتي اسطنبول قائلاً : سامح الله صديقنا مفتي انقرة , لا يعرف التفريق بين الآية القرآنية والحديث الشريف !! 
********************************************
كولونيا – مايس – 2007
                         

صفحات: [1]