ankawa

الحوار والراي الحر => المنبر السياسي => الموضوع حرر بواسطة: فلاح علي في 11:42 23/04/2009

العنوان: الأديان تلتقي مع الماركسية وكل الأفكار الأنسانية والتقدمية على الأرض
أرسل بواسطة: فلاح علي في 11:42 23/04/2009
الأديان تلتقي مع الماركسية وكل الأفكار الأنسانية
والتقدمية على الأرض
فلاح علي
لقد اشار إلى ذلك الكثير من الباحثين والعلماء والكتاب سواء في أوربا أو في بلدان العالم الثالث ومنها العراق منذ قرون وإلى الآن . ولم يكن ذلك طرحاَ نظرياَ وإنما تجلى في حقائق من تأريخ الشعوب وأكدت  تلك الحقائق و المعطيات على أن الفكر الماركسي وكل فكر إنساني يلتقي من حيث الجوهر مع قيم الأديان السماوية التي تدعوا جميعها للسلام والتسامح والتعاون والمحبة والعدل والمساواة وقبول الآخر  والبحث عن العلم والمعرفة والجدل إنها صفات مشتركة و نقاط إلتقاء  , وبهذا إلتقت الأديان مع هذه الأفكار الأنسانية على الأرض , والتي تؤكد أيضاَ على الأقرار بمواطنية الفرد وليس بمذهبيته واحترام حقوق الأنسان في حرية التفكير الديني أو العلماني .
من التجربة العراقية :
حدث ذلك في العراق في نهاية العشرينات كان عالم الدين العلامة محمد مرزا إبن محمد رضا الشيرازي . كان يسكن في مدينة كربلاء . وقد ألقى آنذاك العديد من المحاضرات على حشود من الناس في جوامعها وشوارعها (حول العلاقة الدنيوية بين الأسلام والبلشفية(1)وكان يبرهن ويؤكد في معطيات أن الأسلام والبلشفية يلتقيان على الأرض) وفي بغداد في مدينة الكاظم  كان  محمد مهدي الصدر يلقي المحاضرت ضمن هذه الوجهه . ومن الحجج التي كانا يطرحانها في محاضراتهما هو إنهما يلتقيان ( من أجل الأنسان في عيشه الكريم ومحاربة الفقر والجهل والمرض وفي إحقاق الحق والوقوف ضد الظلم والظالمين وانصار المظلومين والوقوف بوجه الباطل واحقاق الحقوق ومن أجل العدل والمساواة ومحاربة الأستغلال ومن أجل العلم والمعرفة والتعاون والمحبة والسلام والتسامح وحرية الرأي ) وكانت هذه المحاضرات قد أقلقت القنصل البريطاني في العراق , وما كان منه إلا أن طلب من الملك فيصل الأول بترحيلهما إلى ايران وفعل ذلك الملك وأبعدهما إلى إيران وحسب ما يؤكد حنا بطاطو واصلا نفس الوجهه في القاء المحاضرات في جوامع ايران  وما يؤكده حنا بطاطو أن محمد أقام صلة مع لينين من خلال وسيط إيراني واستلم رسالة من لينين معنونه إلى والده مهدي الصدر, يؤكد فيها استعداد الحكومة البلشفية لتحرير العراق من السيطرة الأستعمارية (2) .

حول الفتوى :
بعد ثلاث سنوات من إعدام مؤسس الحزب الشيوعي العراقي الخالد فهد ورفيقيه أعضاء المكتب السياسي حازم وصارم , وبعد وثبة تشرين عام 1952 . حصل مد شيوعي في العراق , وأصبح للحزب الشيوعي العراقي نفوذ جماهيري واسع , ودور مؤثر وفاعل في الأحداث السياسية آنذاك , وأصبح بمقدوره أن يحرك الشارع العراقي في طول البلاد وعرضها , فأقلق ذلك الحكومة الملكية وحماتها البريطانيون آنذاك  ( فقد فكر الأثنان معاَ الحكومة والسفارة البريطانية في بغداد للتخلص من الحزب الشيوعي العراقي من خلال طرف ثالث وهو المرجعية الدينية بالحصول على فتوى منها ) فقد توجه إلى كربلاء القنصل البريطاني في بغداد وذلك في أواخر تشرين الثاني من عام 1953 . وقد إلتقى بآية الله السيد الشيرازي في كربلاء وكان آنذاك سماحته وكيل الأمام وقد طرح عليه  التالي:(يوجد عدو مشترك لنا ولكم ويتطلب إتخاذ موقف للخلاص من هذا العدو فرد عليه وكيل الأمام إذا كنت تقصد الشيوعيين فأنهم ليسو بأعداء لنا و إنهم وطنيون يجاهدون من أجل تحرر وطنهم) (3) . هذا الموقف التأريخي من رجل دين كبير قد أكد إنه قد أحب شعبه وأحس بآلامه وتطلعاته وإنه قد رفض إشهار سلاح التكفير ضد مواطنيين عراقيين , وبنفس الوقت قد وجهه سهماَ للمحتل عندما رماه بوطنية الشيوعيين وأعطاه درساَ بليغاَ بأن الدين لا يمكن أن يكون سلاح بيد أشخاص يستخدم لتسخين المناخات ولنمو قوى التكفير والغلو والتطرف والأرهاب وتصفية حسابات وإشاعة ثقافة الكراهية , وقد عبر وكيل الأمام بشكل صادق عن أمانته على دين الله وعبر عن فهمه الصحيح لجوهر الدين وهذه هي الحكمة والعقل المستنبر والشعور الوطني حيث إستطاع وكيل الأمام أن يحافظ على روح الدين ويجنب شعبه من فتنه أرادوا توريط الدين بها آنذاك.
وقبل هذا التأريخ كان الأمام محمد عبدة بين مجموعة النهضويين الذين عرفهم القرن التاسع عشر فقد ولد في1849 وتوفى عام 1905 . كان يؤكد على مفهوم المواطنة والوطنية , بوصفها منظومة حقوقية تؤسس للحقوق والواجبات , وتوحد الوطن حول الرأي العام المؤسس على الحريات : حريات التفكير والتعبير بلا تخوين ولا تكفير , أي ماعبر عنه الأمام محمد عبدة في قولة : لا وطن بدون حرية , ولا وطنية مع الأستبداد (4)  . ويؤكد الأمام محمد عبدة الذي أصبح الأكثر شهرة في مصر والعالم العربي والأسلامي , وقد خلف تراثاَ فكرياَ عظيماَ , وله أثراَ حاسماَ في تحولات مصر والعالم العربي , من مجتمع التقليد إلى الحداثة والنهضة والتنوير . يؤكد الأمام (أن سلطة الأسلام هي سلطة الموعظة الحسنة والدعوة للخير)  ويؤكد أيضاَ ( إنه يرفض إتهام الأسلام هو ضد هذا المنجز المدني الذي حصل في أوربا والمقصود فصل الدين عن الدولة ويؤكد إنه من أعمال التمدن الحديث الفصل بين السلطة الدينية والسلطة المدنية )5 .(وأكد الأمام على إلغاء التكفير تماماَ وليس البعد عنه على حد تعبير الأمام ) 6 .

من القرآن الكريم :  
قال الله جل جلاله في كتابه الكريم مخاطباَ الرسول محمد عليه السلام : (( فذكر أنما أنت مذكر , لست عليهم بمسيطر)) (من سورة الغاشية في الآية 22 ) وقال الله  تعالى في كتابه الكريم(( تواصوا بالحق وتواصلوا بالصبر )) ( سورة العصر في الآية 3)  من هذه الآيات من كتاب الله تؤكد لنا حقيقة أن القرآن هو كتاب هداية وموعظة ينبذ التطرف ولا يثير البغض والكراهية والتكفير والهيمنة والتسلط , ومع الأعتدال ومن الأدلة على التوسط والأعتدال قوله تعالى: (( وكذلك جعلناكم أمة وسطاَ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداَ ) )( سورة البقرة الآية 143 ) وهناك آيات قرآنية تحمي الحريات الفردية ومن ذلك حرية الرأي والتعبير والتعليم التي عبر عنها القرآن الكريم في قوله عز وجل : (( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ... )) ( سورة النحل – الآية 125 )  وقد عبر الحديث الشريف للرسول (عليه الصلاة والسلام ) ((أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)).ومن الآيات التي تؤكد على حماية حرية العقيدة بقوله تعالى : (( لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)) ( سورة البقرة – الآية 256 )  وهناك آيات أخرى تؤكد على حرية العقيدة من ذلك قوله تعالى (( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر))  وكذلك قوله عز وجل: (( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا , أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) 
هذه الآيات في كتاب الله عز وجل . يتبلور فيها فكر منفتح يؤدي إلى قبول الآخر وإطلاق الحرية الأنسانية واعتبار أن العقل هو الحكم والمعيار في منظومة الأفعال الأنسانية من حيث القبيح والحسن ومحاربة التطرف .

التطرف أضر بالدين :
المتطرفون وذوي المصالح لبسوا لباس الدين ووظفوه لخدمة أهدافهم الأنانية وبأسمه بأسم الحق فرضوا سيطرتهم وهيمنتهم على الناس بدون وجهة حق , وبدلاَ من أن يشيعوا ثقافة قبول الآخر والأنفتاح والتقوى  فقد صادروا الحريات الأنسانية وكل ما هو حسن , وأشاعوا ثقافة الكراهية ضد الآخر والبغض والتكفير وأعلنوا الحرب على الجميع بأسم الدين.
حصل هذا منذ الستينات من القرن الماضي بعد أن تأسست أحزاب الأسلام السياسي وقد تاجرت لعقود بأسم الدين , وإرتكبت مجازر بحق شعوبها ,وحاربت المنجزات التي حققتها الشعوب وأسهمت بأسقاط أنظمتها الوطنية . وبعضها في البلدان التي حكمت فيها الأنظمة الدكتاتورية والشمولية والقومية الأستبدادية قد تحالف مع تلك الأنظمة . وبعضها تحالف مع ال CIA,  كما حصل في أندونيسيا في عام 1965 وتم إسقاط حكومة سوكارنو وإبادة الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين والوطنيين في أندونيسيا وقبلها في العراق في إنقلاب شباط عام 1963 .وبد أ يتشكل اسلام اصولي جهادي مغلق مع خطاب متطرف متوازي مع الخطاب القومي المتطرف أيضاَ على سبيل المثال رفع القوميون شعارهم  الجامد في الستينات وهو ( من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر ) وكأنهم  يوحدوا العرب بهذا الشعار المتحجر . وشعار( بالروح بالدم المقيت) وبالنسبه لشعار السيادة الذين ملئوا الدنيا صخباَ به فقد فرطوا بها وقادوا البلدان إلى الأحتلال بالمقابل رفع دعاة أحزاب الأسلام السياسي آنذاك شعار تكفير الآخر وتطبيق الشريعه الأسلامية والأسلام هو الحل كما حصل في السودان والصومال وإفغانستان وغيرهما .
وهكذا قد استفاقت شعوبنا العربية على السجون والتعذيب وإنتزاع البراءات ومصادرة الحريات والتكفيروالقتل والمقابر الجماعية والحروب وتدمير الأوطان والأحتلال والأرهاب وتجارة المخدرات ,منذ الستينات من القرن الماضي وإلى الحاضر وأطل علينا لاحقاَ من عتمة فكرهم وظلاميته ذالك النموذج الجاهل المسمى الجهادي المقاوم الأنتحاري وبه فرضوا على الشعب ( الأنتحار الجماعي) . قتل النفس البريئه , فقد نمى الغلو والتطرف والأرهاب , وإلغاء الآخر هذا التشويه والمتاجره بأسم الأسلام من قبل كل جماعات الأسلام السياسي ,  والأسلام منهم براء هو الذي يتقدم واجهة المشهد اليوم في العديد من البلدان مع إشاعة ثقافة الكراهية وإلغاء الآخر . وإستغلال الدين للسيطرة والهيمنه على الخلق لتمرير أهدافهم الأنانية المقيته . 
 
في أوربا لقد انتصر الدين فيها وتحرر من الخصخصة :
بعد أن تحرر الدين من سيطرة الكنيسة التي كانت بأسمه تبني سلطتها وتصعد من بطشها وتمد نفوذها وتوسع ممتلكاتها على حساب الفلاحين الفقراء , وتسرق أتعابهم وتزيد ثروتها مقابل بيعهم ( صكوك الغفران ) مستغله جهلهم وبساطتهم .وقد بنيت حكمها الأستبدادي المطلق لقرون , من خلال خصخصتها للدين وأصبح الأشخاص يتحدثون ويقررون بأسمه , ولكن بعد أن ساد القانون في اوربا الذي تأسس على العقد الأجتماعي . لقد انتصر الله ودينة في الغرب , بفك أسر الدين وتخليصه من الخصخصه من خلال  فصل الدين عن السياسة وإنقاذ القيم المقدسة السامية من شؤون المبتذل اليومي , بوضعهم دستور ديمقراطي وقد عاد العنفوان للدين وتحول من حب لرائحة الشواء والقتل والقرابين وسرقة أتعاب الآخرين وحقوقهم والتجويع والجهل والمرض والحروب الأهلية والدماء وإلغاء الآخر والحكم الأستبدادي المطلق في زمن سلطة الكنيسة , إلى محبه وسلام وأمان وتسامح وقبول الآخر ,  والديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والفكر , وسعادة الأنسان وحق المواطنه وإلى البحث والأكتشاف والأبداع والعلم والمعرفة والجمال والموسيقى والفن والغناء وديننا الأسلامي والمسلمين ليس ببعيدين عن ذلك .
22-4-2009
   
1- البلشفية : مصطلح روسي المقصود به الأغلبية بقيادة لينين في الحزب الشيوعي الروسي وقد فجرو ثورة اكتوبر في عام 1917 .
2- حنا بطاطو حول الوضع السياسي في العراق المؤلفات الجزء الثاني .
3-  حنا بطاطو . مصدر سابق .
4- عبد الرزاق عيد – محمد عبده .إمام الحداثة والدستور .الطبعة الأولى بيروت. السنة 2006 ص- 402 .
5- محمد عبده – الأعمال الكاملة . ج3 ص – 308 .
6-عبد الرزاق عيد . مصدر سابق . ص- 270 .