عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - فائز الحيدر

صفحات: [1]
1
في أربعينية الرفيق جلال جرجيس جـلو ( أبـو مـسار)

فائز الحيدر

لقد ودعنا في السنوات الأخيرة خيرة المناضلين الذين لهم باع طويل في النضال الوطني ومقارعة الدكتاتورية ، وبعد وداع كل مناضل يراودني السؤال التالي  ... لماذا يموت المناضلين بسرعة ويتركون فراغا" كبيرا" بعدهم .
فمنذ شهور عديدة ، ونحن نتابع عن كثب وبقلق صحة الرفيق جلال جلو ( أبو مسار ) ، حتى طرق الى سمعي في التاسع من آذار / 2010 الماضي وأنا طريح الفراش في المستشفى بعد العملية الجراحية للقلب وفاته مما شكل لي ولجميع من عرفه وعاشره صدمة كبيرة .
لقد شاء القدر أن يخطف من بيننا رفيق مناضل قدم الكثير لشعبه ووطنه ، وهو يقارع الأنظمة الأستبدادية الفاشية المتعاقبة طيلة فترة حياته حتى إستقراره في سدني/ استراليا ، رفيق صلب ، مجرب ، مخضرم في المحن والصعاب ، لقد ناضل الفقيد منذ أيام شبابه في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وفي أصعب الظروف ولم يغادر ساحات النضال فكان مثالا" للثبات والتضحية والألتزام ونكران الذات .

تعرفت على الرفيق أبو مسار في فترة من فترات النضال الصعبة ضد الحكم الدكتاتوري في نهاية الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، وجمعتنا الظروف أن نكون في تنظيم واحد ولعدة سنوات صعبة وقاسية... كان خلالها الرفيق أبو مسار وكعادته لا تفارق وجهه الأبتسامة ..في كل حديث ، صبوراً ، هادئا" ، كنت كل ما أحس بتعب أيام النضال وأود التحدث مع أحد يخفف عني همومي ، لم يأتي في البال غير زيارة الرفيق أبو مسار في المحل ، حيث كان يعمل في فترة قصيرة في معرض أحذية باتـا في شارع الرشيد والمقابل لشارع المتنبي . كان يستقبلني كالعادة بأبتسامته المعروفة وهو صاحب النكتة والضحكة المميزة مع أستكان شاي مهيّل يعده في المحل خصيصا" لرفاقه وللمقربين منه ، يتحدث مع رفاقه بكل سرور وإنشراح ، هكـذا عرفته ، كبير القلب ، رؤوفا" ، رحيما"... صلبـا" في مبادئه .
في تلك الأيام الصعبة وفي وقت شدد فيه النظام الدكتاتوري من إجرائاته لمحاربة تنظيمات الحزب كانت تجمعنا اللقاءات والأجتماعات في مقاهي مختلفة في بغداد لصعوبة إيجاد المكان المناسب لإجتماعاتنا .... فكانت مقهى شط العرب الواقعة في شارع الرشيد والقريبة من أورزدي باك ، إحدى ملاذاتنا الآمنة لذلك متذرعين بالدراسة أسوة بالمئات من الطلبة الذين أتخذوا من طاولات هذه المقهى مكان للدراسة ، حاملين كتبنا ومحاظر إجتماعاتنا السرية ، لقد إستمر عملنا هذا ولسنوات عديدة وفي قطاعات مختلفة . وحتى فترة السبعينات حيث نسب كل منا الى عمل مختلف عن الأخر ولم نلتقي طيلة سنوات عديدة بسبب الأرهاب وهموم الحياة وصعوبة اللقاء .

اثناء الحملة الشرسة لتصفية الحزب في عام 1978 غادرت الوطن مع المئات من المناضلين والشيوعيين نحو العاصمة البغارية صوفيا حاملا" معي له رسالة قصيرة من زوجته ورفيقته أم مسار حيث كان قد سبقني الى هناك بعدة أشهر مع هدية متواضعة منها وهي عبارة عن شيشة عنبة هندية كان يحبها .
كان لقاءنا في صوفيا لا يوصف وأعدنا الذكريات الجميلة والأيام الصعبة ، ومع الأسف لم تستمر علاقاتنا طويلا" ، كان الجميع مشغول بهمومه في الغربة ، وما سيفعله الحزب في المرحلة القادمة وخاصة هناك المئات من الرفاق توزعوا في فنادق صوفيا وبقية المدن البلغارية وعدد من عواصم الدول الأوربية .
بعد فترة قصيرة سافرت الى مدينة روسا الواقعة في شمال بلغاريا وأنقطعت علاقاتنا من جديد ، ولغاية سفرنا بعد عدة أشهر الى جمهورية اليمن الديمقراطية في إكتوبر عام 1979 .
في عدن ، لم تسمح لنا لظروف باللقاء لفترة طويلة وبشكل يلبي طموحاتنا ، فقد ألتقى مع عائلته لفترة قصيرة وسافر الى لبنان في مهمة خاصة كُلف بها من قبل الحزب . وبعد سنوات طويلة من الفراق شاءت الظروف أن أستقر في كندا بينما أستقر الفقيد وعائلته في أستراليا ورغم بعد المسافات فقد تابعنا أخبار بعضنا وعاودنا الأتصال من جديد .
في تشرين الأول الماضي 2009 سافرت زوجتي الى أستراليا ، وهناك قامت بزيارة قصيرة لأبو مسار ، ولكن ليس في بيته بل في المستشفى حيث كان يرقد هناك منذ عدة أشهر ونقلت له تحياتي وأمنياتي له بالشفاء ، وسجلت له شريط فيديو خاص بي ... يقول فيه (( قبلاتي وتحياتي لك أبو سوزان ، أتمنى لك الصحة والعافية ، يا ريت ترجع الأيام القديمة وذكريات كازينو شط العرب ولقائاتنا هناك ، يا ريت يرجع العمل السري ولا هذا الوضع المخربط ، أتمنى لك الصحة عزيزي ، لقد فرحت برؤية زوجتك ونقلت لي أخبارك ، أتمنى ان يتحسن وضعي الصحي وأزور أمريكا ، ومن هناك أكيد سنلتقي ونتقابل ونعيد الذكريات ، تحياتي الى كافة الأخوة ، طليعة وناهض وكل الأخوة في كندا وآسف فلربما نسيت أحدهم )) .

لقد كان أملي أن تتحسن صحة هذا البطل ويحقق أمنيته بزيارة ديترويت ولقاء أخوه ومعارفه ، وقد تكون فرصة لنا للقاء من جديد ، لكن القدر وقف لنا بالمرصاد وتدهورت صحته سريعا" وفارقنا مستعجلا" ... مما أصابني بصدمة كبيرة أضافت لي آلام أخرى بجانب آلام العملية الجراحية .
 
يا رفيقي وصديقي العزيز ، لا نريد أن ننعيك اليوم ، فأنت لا زلت حيا" بيننا وأمثالك سيبقون خالدين في القلب والذاكرة . لقد أستعجلت الرحيل عنا ، فالجميع بحاجة أليك اليوم أكثر من أي وقت مضى ، فأنت معنا دوما" ولن ننساك أبدا" ، فـلن تغيب عن بال أهلك ورفاقك وأصدقائك الذين يشاركون عائلتك الحزن . ففي ذكراك نتعلم منك الصبر على الآلام والتمسك في المبادي والمعنويات العالية ، لا نريد أن نقول لك وداعا" ولكنه عتاب لرحيلك قبل الأوان ، ونحن أحوج أليك في السنوات الصعبة هذه .
الذكر الطيب لك ، وتعازينا للرفيقة الغالية سلـوى ( أم مسار )  رفيقة دربك , والى أولادك وبناتك , مـسار ، مـنـار ، آور ، يـسـار ، في سدني ، والى عائلتك في القوش وأخيك أبو مخلص في ديترويت ، وكل محبيك .

كندا في 11 / نيسان / 2010  .


2
محنة الصابئة المندائيين وإزدواج الشخصية

فائز الحيدر

يتعرض الصابئة المندائيون ومنذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق الى محنة كبيرة تهدد حياتهم ومستقبلهم في أرض آبائهم وأجدادهم ، محنة رجال ونساء وشيوخ وأطفال ولدوا وترعرعوا في بلدهم العراق حيث القتل المتواصل والخطف والأغتصاب التي تسجل ضد مجهول ، محنة التشريد والتهجير الجماعي القسري اللاأنساني لخارج الحدود ، محنة جرائم تقوم بها عصابات ومليشيات تنتمي للأحزاب الأسلامية المشاركة في الحكومة الحالية وخارجها ، محنة الأمهات والأخوات والأرامل اللواتي فقدن أزوجهن أو أولادهن أو أشقائهن ، محنة طائفة دينية مسالمة لا تعرف حمل السلاح ولا تملك مليشيات للدفاع عن نفسها بل تملك المحبة والوئام والتسامح  وحب الوطن ، محنة آلاف العوائل المندائية المشردة من وطنها تاركة كل شئ خلفها طلبا" للنجاة من القتل المبرمج وتعيش اليوم في ظروف مزرية في دول الجوار دون أن يلتفت لهم أحد من المسؤولين في الحكومة العراقية ، وهم بإنتظار عطف المنظمات الأنسانية والدولية ، محنة من تبقى منهم متشبثا" بأرض الوطن ولا يستطيع مغادرته وهو ينتظر الموت في أية لحظة ، محنة طائفة تنتظر قيام المرجعيات الدينية السنية والشيعية لأصدار فتاوى تحرم قتلهم بالرغم من إنهم موحدون وأصحاب كتاب ، محنة العائلة الواحدة التي تشتت أبنائها ما بين الأردن ، سورية ، أوربا ، أمريكا ، كندا ، أستراليا ونيوزيلاندا ومن الصعب اللقاء ثانية ...

محن كثيرة تتجسد اليوم في محنة أكبر هي محنة الأبادة الجماعية التي تتعرض لها الطائفة المندائية في العراق وفق اجندات أقليمية وداخلية وفتاوي رجال الدين المسلمين ، وصمت المرجعيات الدينية الأسلامية لأفراغ العراق من إحدى مكوناته الأساسية  ...
ورغم كل هذه المحن والمأسي التي تمر بها الطائفة والتي تتطلب من كافة المندائيين بمختلف أفكارهم وإتجاهاتهم السياسية توحيد صفوفهم والتنسيق فيما بينهم لوقف الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها ووضع الحلول المناسبة لمواجهتها والتي أقرها المؤتمر الخامس لإتحاد الجمعيات المندائية الذي عقد في السويد في الأول من تموز الماضي / 2009 ، نرى البعض من المندائيين والذين يدعون الحرص على الطائفة ووحدتها والتباكي على الدين المندائي يتخذون من هذه المحن وسيلة لتوظيف ألسنتهم وأقلامهم ورسائلهم لكتم الأفواه والشتم والأهانة وقمع الرأي الآخر وتهديد أخوانهم المندائيين الشرفاء ، وطمس الحقائق ومحاولات تشويه وعي الناس والتمسك بالدين والأخلاق ، لغرض زرع الفتنة والتفرقة وخلق الصراعات الجانبية وإشغال الطائفة ومؤوسساتها في أمور بعيدة كل البعد عن توجهاتها الحالية التي توصي بالمحبة والتسامح ونسيان الماضي وبدء صفحة جديدة بالعلاقات المندائية .
وهنا نتسائل لماذا يتصرف هؤلاء بهذا الطريقة ؟ وهم يتظاهرون بالمثالية والأخلاق والتدين والوعي ، في حين تمرالطائفة بهكذا محن وظروف صعبة ؟ وهل ان تصرفاتهم تدل على وعي وإدراك بالمرحلة الخطيرة التي يمر بها المندائيون ؟ أم إن هذه التصرفات تدل على الأزدواجية في شخصيتهم كما يسمي ذلك المختصين بعلم النفس .

 ودعونا هنا نسلط الضوء على مصطلح الأزدواجية وكيف يتم التعامل مع أصحابها ....
يؤكد علماء النفس والتربويين على إن الإزدواجية هي ( ما يقوم به الفرد من أعمال وأفكار تناقض أفعاله وسلوكياته اليومية ) ، ومثال ذلك المندائي الذي يحث ويطلب من الآخرين الخروج بمظاهرة أمام السفارات والمنظمات الدولية أحتجاج على إبادة المندائيين ولا يقوم هو شخصيا" بالأشتراك بهذه المظاهرة لأسباب معروفة ، او يدعوا الى ان المندائيين عائلة واحدة وهو اول الناس الذين يبثون التفرقة بين المندائيين ، أو من يتظاهر امام الناس المحيطين به بالمحبة والتسامح وتمسكه بالدين المندائي مع انه لا يملك هذه الصفات .
 يؤكد الباحثين إن هناك نوعين من الأزدواجية :
1 ـ  إزدواجية متعمقة في الشخصية ... ويمكن إعتبار هذه الحالة على إنها حالة مرضية ، حيث يسلك المريض فيها سلوكين متناقضين ، فيكون ذا شخصيتين مختلفتين في السلوك لا تتذكر أي شخصية منهما ما قامت به الشخصية الأخرى ، وهذا ما يسمى بإنفصام الشخصية أو ما تسمى بالطب النفسي ( بالشيزوفرينيا). ويؤكد الأخصائيون في علم النفس إن التخلص من هذه الحالة مسألة معقدة وتحتاج الى علاج نفسي طويل الأمـد ، إذ أن هذا النوع من الإزدواجية متأصل داخل منطقة اللاشعور عند الأفراد ويعتبر مكونا" ذاتيا" لشخصياتهم .
2 ـ  الازدواجية البسيطة ... وهي الحالة التي تراود الشخص من وقت الى آخر، وصاحب هذه الشخصية غير ثابت على رأي معين ويتعامل مع محيطه بوجوه وشخصيات مختلفة و حسب المواقف والاحداث وفق مصالحه الشخصية والأنانية . وبما ان غالبية تصرفاته اليومية خاطئة وبعيدة عن الواقع ذا نراه دائماً في موقف المدافع الضعيف . ويعتبر هذا النوع من السلوك غير مرضي لأن أعراض هذا المرض مرتبطة بالمصالح الشخصية وبالوضع الخارجي والظروف والتغيرات الأجتماعية والسياسية والثقافية المتناقضة ظمن المجتمع الذي يعيش فيه . ويؤكد علماء النفس على إن مسألة الشعور بالنقص وعدم الأحساس بالوجود بسبب الاخفاق في الحياة الاجتماعية وعدم تحقيق الطموحات التي ينوي الشخص تحقيقها تلعب دوراً فعالا" في إزدواجية الشخص . ويمكن القول ان هذا النوع شائع في كل المجتمعات ولكنها تختلف من مجتمع لآخر حيث يمكن معالجة هذا السلوك بمعرفة الأسباب وإزالة آثارها .
وقد بين المرحوم الدكتورعلي الوردي في كتابه ( شخصية الفرد العراقي- ص 54) بأن اهم أسباب الإزدواجية في الشخصية العراقية هو التناقض والصراع بين قيم البداوة والحضارة ، وكذلك التباين الجغرافي الذي يميز الطبيعة الجغرافية للعراق ، وقد يكون للأوضاع السياسية المتناقضة والملتهبة التي مرّ بها العراقيون في العهود السابقة أثرا" كبيرا" في خلق أو تعزيز التناقض والإزدواجية بينهم ، وظل هذا التناقض ينمو ويتطور منذ مئات السنين حتى أصبح ظاهرة واضحة في شخصية الأنسان العراقي خصوصا" والعربي عموما" ، حيث اهتم العرب منذ القدم بالكلام دون العمل ولم يواكبوا التطورات والمسائل العلمية  والحضارية ، وتمسكوا بالشعر والأدب والدين لإيجاد المبررات لأستمرار حياة الفقر والبؤس التي يعيشونها وذلك بهروبهم إلى دنيا الأحلام الكاذبة والأساطير الخرافية و خلق الأمجاد لأجدادهم ولأسلافهم ويضيف الدكتور علي الوردي في كتابة ( شخصية الفرد العراقي ) ، فأما ان تكون هذه الشخصية ذات طابع عنفي ويرافقها ... الأنفعال ، الغضب ، التكبر ، المفاخرة الكاذبة ، الصلف ، التحجر العقلي ، التلذذ بتعذيب الآخرين ، والأسراف في الطموح ، أو تكون شخصية ضعيفة خاضعة يرافقها الكبت ، الكذب ، التصنع الكاذب ، النفاق ، الحقد ، اللؤم وفقدان الثقة بالآخرين ، والوشاية والأنتقام والإعتماد على الغير والإسراف في الخيال.
 وما ذكر آنفا" ينطبق كليا" على واقع حال البعض من المندائيين بأعتبارهم شريحة إجتماعية ضمن فسيفساء المجتمع العراقي وتأثروا به وبذلك انتقلت هذه الظاهرة أي ( ظاهرة الإزدواجية ) إليهم بحكم المعايشة اليومية مع جيرانهم لسنين طويلة . وأصبحوا سلبيين في تعاملهم ومواقفهم ولا يجيدون سوى الشتيمة والنقد والتجريح بالآخرين  .
وفي الحياة العامة نجد إن هؤلاء المندائيين مصابين بإزدواج الشخصية بشكل واضح ، فمنهم من يدعي التحرر والأنفتاح ولكن من جانب آخر يملك العديد من التصرفات والأعمال التي تدل على انه رجعي ، متعصب ومتخلف ، لايهمه إلا أنانيته ونرجسيته ، فتراه يتلون حسب المصالح ، ويتنازل عن أي شي في سبيل الوصول إلى أهدافه الشخصية حتى لو كان ذلك على حساب طائفته وديانته وكرامته الشخصية ، كما حدث لهؤلاء الذين أرتموا ولا زالوا بفكر النظام السابق وفق مصالحهم الشخصية الأنانية ، كما ويمكن ملاحظة هذه الازدواجية عندما يقوم به هؤلاء من سلوكيات بشكل علني وبين ما يمارسه ويؤمن به خفية ، فتراه يطرح أفكارا" متحررة لكنه في الواقع لا يؤمن بها ، وقد يتجلى ذلك في التعامل اليومي والتعصب والنظرة السلبية للمرأة وسوء معاملتها في الحياة العامة رغم قدسية المرأة في الديانة المندائية .
وفي ظل هذه الازدواجية وفي المجال الثقافي نلاحظ بوضوح ما يصدر عن أشباه المثقفين وأصحاب الأسماء المستعارة من المندائيين ذوي السلوك المرفوض وهم يسّخرون أقلامهم وكتاباتهم لغرض التشهير والأساءة  لأبناء الطائفة والعاملين في مؤسساتها وبذلك حولوا أقلامهم الى تجارة العنف والأحلام الفارغة .

فرغم ما تقوم به رئاسة الطائفة في داخل الوطن وإتحاد الجمعيات المندائية في المهجر ومجموعة حقوق الأنسان من جهود ونشاطات على كافة الأصعدة لتبيان معاناة الطائفة اليومية ووقف عملية الإبادة الجماعية المنظمة وأيصالها الى المنظمات الدولية ومساعدة المهجرين في دول الأنتظار وإيصالهم بسلام الى دول اللجوء ، فلا زال هؤلاء ممن يدعون المندائية يتهمون هذا وذلك في قيادة الطائفة ومؤسساتها المدنية بالتقصير وترك أبناء الطائفة يواجهون مصيرهم في العراق . ووصل الحد الى الطعن بشكل ساذج وتشويه موقف القوى والشخصيات والأحزاب السياسية الوطنية التي طالما وقفت ولا زالت تقف الى جانب المندائيون والأقليات الدينية الأخرى وتحميلهم مسؤولية التقصير بما يحدث للمندائيين من معاناة يومية ، في محاولة منهم لخلق المشاكل والصراعات بين ابناء الطائفة وفق توجيهات خارجية معروفة للجميع ، في الوقت الذي نرى إن أغلبية هؤلاء لم يكلفوا أنفسهم يوما" في تقديم أي دعم مادي أو معنوي أو المشاركة في أي نشاط أو فعالية تدعوا لها الطائفة أو أحدى مؤسساتها المدنية .
كما وتبرز الإزدواجية بوضوح عند البعض من المندائيين الذين يدعـون بالظـاهر بالمروءة  والشهامة و الحديث الواعي والأيمان بالدين المندائي والتباكي على الطائفة ووحدة أبنائها ، وإن المندائيين عائلة واحدة وهم بنفس الوقت يحملون الوجه الآخر والمزدوج في تصرفاتهم ... ونلاحظ ذلك من خلال الإزدواجية في التشجيع على أنشاء جمعيات صورية متعددة في بلد واحد تتخذ أسماء مندائية مختلفة وهم يدركون إن هذه الجمعيات هي مجرد حبر على ورق ولأغراض شخصية بحتة وليس لها أي نشاط يذكر لخدمة الطائفة ، أو في تهديد اخوتهم المندائيين الذين يختلفون معه في الرأي بعبارات قاسية منها ( أعذر من أنذر ) وكأنهم أوصياء على الطائفة والتي تذكرنا برسائل التهديد التي كانت تبعثها العصابات والمليشيات الأجرامية لأبناء الطائفة لمغادرة مناطق سكناهم خلال ساعات وإلا واجهوا الموت ، أو إزدواجية من يتظاهر بحب الطائفة ، لكنه من الجانب الآخر قد تسبب في استشهاد وعذاب العديد من ابناء طائفته في الوطن ، أو إزدواجية من يشجعون بناتهم والقريبات منهم على الطلاق لأسباب تافهة ، وهي من المحرمات في الديانة المندائية ، أو إزدواجية من يعيش في بحبوحة المهجر منذ سنوات ويصرخ ويطالب الأحزاب السياسية الوطنية للقيام بمظاهرات لنصرة القضية المندائية بديلا" عن المندائيين أنفسهم وهو أول المتغيبين عن تلك النشاطات أو من تقديم أية مساعدة ، أو إزواجية من يدعي الحرص على وحدة الطائفة ووجودها وبنفس الوقت يسطوا على الخطابات المتبادلة لإتحاد الجمعيات المندائية ، أو إزدواجية من يطالب الآخرين بالأبتعاد عن السياسة والسياسيين ويصفهم ( بالحمير ) ويدعوا بنفس الوقت الى أيصال صوت الطائفة الى الأحزاب السياسية والجهات الأعلامية والصحفية والمسؤولين في المنظمات الدولية للدفاع عنها ، أو إزدواجية من يطالب الأقليات الدينية بالتضامن ونصرة القضية المندائية ولكنه لا يتعاطف مع محنة ومعاناة الأقليات الأخرى المضطهدة التي تعاني نفس المصير . أنها مئات الأمثلة التي نلاحظها كل يوم وعايشها الكثيرون من الأخوة المندائيين وتدل على أزدواجية تلك الشخصيات .

أخيرا" نتمنى ان لا تتحول هذه الإزدواجية بين المندائيين الى شكل مرضي يصعب علاجه فيما بعد .

19 / آب / 2009




3
هل تصدر المرجعيات الدينية فتوى تحرم قتل المندائيين
فائز الحيدر
الصابئة المندائيون طائفة دينية عريقة ، سكنت وادي الرافدين منذ آلاف السنين ، فهم أتباع اقدم ديانة سماوية توحيدية على وجه الأرض وكتابهم المقدس هو الكنز العظيم ( الكنزا ربا ) ، هذه الديانة التي ترفعهم الى مصاف بدايات الأديان والشرا ئع الموحدة في التأريخ . أتخذ الصابئة المندائيون من جنوب العراق وأيران وعلى ضفاف الأنهار موطنا" لهم لأرتباط طقوسهم الدينية بالماء الجاري ، ولكونهم أقلية لا تؤمن بالقتل والعنف وحمل السلاح وتؤمن بالسلام فقد تعرضوا وطيلة قرون عديدة الى الكثير من العمليات الأرهابية والأضطهاد الديني والسياسي والأجتماعي والأيذاء النفسي والأعتداء الجسدي لا لذنب أقترفوه سوى تمسكهم بديانتهم وعشقهم لتراب أرض أبائهم وأجدادهم ، وأزداد هذا الأضطهاد منذ بداية الفتح الأسلامي لأرض العراق في بداية القرن السابع الميلادي ، لغرض نشر الديانة الأسلامية ، مستندين لقول النبي محمد الذي يؤكد على ( إن الأسلام دين الحق ) ، وعلى المندائيين وبقية الأديان من أهل الكتاب القبول بهذا الدين والدخول فيه مجبرين او دفع الجزية ، كما وعاملتهم الدولة الأسلامية فيما بعد بمنطق أهل الذمة ، وكانت نتيجة ذلك مقتل وهجرة الألاف منهم وأجبار آلاف أخرى على تغيير ديانتهم الى الديانة الأسلامية .
ونتيجة لطغيان الثقافة العربية الأسلامية والأضطهاد طيلة قرون ، أنمحت لغتهم المندائية وهي من اللهجات الآرامية الشرقية ، وأكتنف الغموض ديانتهم ، وساهم في ذلك الجهل المطبق لسكان المنطقة من جيرانهم المسلمين في جنوب العراق ، حيث أعتبرهم فقهاء المسلمين ورؤساء العشائر المتخلفين بأنهم من عبدة الكواكب والنجوم .
ويذكر الدكتور رشيد الخيون ، في كتابه ( الأديان والمذاهب بالعراق ) ، ان الجهل بتاريخ الديانة المندائية  جعل الطبري ينقل عن الصنعاني / ت 211هـ عن سفيان الثوري بقوله ( الصابئون قوم بين اليهود والمجوس ليس لهم دين ) . كما برر البعض نجاستهم لأنهم مشركون حسب الآية القرآنية ..( انما المشركون نجس ) ( سورة التوبة ) ، فأفتوا بأخذ الجزية منهم أسوة بالمشركين بالرغم من حكم القرآن فيهم والذي خصهم بثلاثة سور (( البقره والحج والمائده)) . أما القسم الأخر من الفقهاء فقد أفتوا بقتلهم مما جعلهم هدفا" سهلا" للمتطرفين الأسلاميين والعصابات والسراق . ومن تلك الفتاوى ما افتى به القاضي والفقيه الشافعي ابي سعيد الحسن بن يزيد الاصطخري سنة 328 هـ ايام القاهر العباسي وهو الخليفة العباسي التاسع عشر في ترتيب خلفاء الدولة العباسية ) ، الذي عزم على قتلهم حتى كف عنهم بعد دفع مال كبير له . ويقول البعض ان فتوى القاضي كانت قد استندت الى الآية القرآنية .. ( وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) سورة التوبة 29 ، أو الآية ( من ابتغى غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو من الخاسرين ) لذلك فضل المندائيون أثر ذلك الأنزواء كوسيلة للحفاظ على حياتهم ودينهم وتراثهم من بطش جيرانهم .
وطيلة تأريخ العراق الحديث ساهم المندائيون ببناءه وقدموا العشرات من الشهداء بسبب حسهم الوطني ، وفي الثمانينات من القرن الماضي حيث الحروب العبثية للطاغية صدام حسين ، ارسل غالبية شبابهم الى الى الخطوط الأمامية للجبهة رغم ان ديانتهم تحرم القتال ،  بغية التخلص منهم لما يملكونه من حس وطني ، وأستشهد منهم ما يزيد عن 25% من مجموع شباب الطائفة في تلك الفترة والذي تجاوز عدة مئات ، أضافة لعشرات الشهداء المناضلين الذين أعدموا لأسباب سياسية ، أما المندائيين في ايران فكان عدد ضحاياهم مضاعفا" الى جانب تعرضهم لحملة واسعة لتغير ديانتهم الى الأسلام .
ورغبة في التخفيف عن هذه المعاناة التي يتعرض لها المندائيون تم عرض الأمر على المرجع الشيعي الأعلى في العراق آنذاك آية الله أبو القاسم الخوئي لتعريفه بالديانة المندائية ووضع بين يديه ما يملكون من كتب وحجج تبين انهم من الديانات الموحدة ، وبعد دراسة مطولة لكتبهم وتاريخهم أعطى رأيه فيهم مؤكدا" بقوله ( ان الاقوى والاظهر بحسب الأدلة ان الصابئيين يعدون من اهل الكتاب ) . الا انه لم يصدر فتوى بذلك ولم تأخذ المرجعية أي أجراء لتطبيقها عمليا" وبقي المندائيون بنفس معاناتهم بالرغم من تغير المرجعيات الدينية لسنوات لاحقة .
وفي لقاء مع المرشد الأعلى للثورة الأسلامية آية الله علي خامنئي في إيران لتوضيح ديانتهم وبعد الأطلاع عليها نفت المرجعية هناك وعلى لسان آية اللة علي الخامئني في كتابه ( الصابئة حكمهم الشرعي وحقيقتهم الدينية ) ، أن تكون ديانتهم متفرعه من الديانات الأخرى بل نظر اليها كديانة مستقلة وقال فيهم (( فمن جملة عقائدهم التي يدعونها ويصرون عليها التوحيد)) ، كما وجه الخامنئي نقدا" للفقهاء الذين لم ينظروا في أمر هذا الدين ، وهو حي بينهم حيث قال في رسالته النقدية (( والحق الذي ينبغي الأعتراف به هو أننا لا نعرف من المعارف والأحكام الدينية لهذه النحلة التاريخية ( المندائيون ) والتي أصبح المنتمون إليها موجودين بين أيدينا وفي عقر بلادنا )) . ورغم هذا الموقف لم تصدر فتوى من المرجعيات الدينية في إيران تحرم قتل المندائيين .
أما بعد الأحتلال الأمريكي للعراق وفقدان الأمن وانتشار الفوضى فقد تعرض المندائيون الى الكثير من الأنتهاكات لحقوقهم ، وأرتكب القوى الظلامية والمليشيات الدينية المرتبطة بقوى الأسلام السياسي الحاكم جرائم بشعة ضدهـم لا سيما في المحافظات الجنوبية والوسطى والعاصمة بغداد ، حيث جرى تكفيرهم من بعض المرجعيات ورؤساء العشائر ، وتعرضوا لأبشع صور القتل المتعمد وهم يمارسون طقوسهم الدينية وأعمالهم ، أضافة للخطف والسرقة وفرض الأتاوات الشهرية والتهجير القسري واغتصاب النساء والأجبار على أعتناق الأسلام ولبس الحجاب وتحريم شراء ممتلكاتهم وذلك لغرض ابادتهم ، وتجاوز عدد الضحايا المئات ومئات الجرحى ، ومع الأسف يحدث كل هذا أمام المرجعيات الدينية والحكومة الطائفية .
لقد قامت رئاسة الطائفة ممثلة برئيس الطائفة وبعض الشخصيات المندائية بمقابلة العديد من المرجعيات الدينية الشيعية والسنية ومنهم مرجعية آية الله العظمى السيد علي السيستاني والسيد مقتدى الصدر ، والمرحوم محمد باقر الحكيم وهيئة علماء المسلمين لغرض توضيح معاناة المندائيين وما يتعرضون له وطالبوا بإصدر فتوى تحرم قتل المندائيين ولكن ومنذ سنوات على هذه اللقاءات لم تصدر مثل هذه الفتاوى . لأسباب قد تكون معروفة للكل .
وبناء على ما مر ذكرة ونتيجة لتصاعد موجة القتل والعنف المتعمد ضد المندائيين وكان آخر الضحايا هو الشاب وئام عبد النبي لازم الخميسي  والذي أغتيل في محله في حي الأسكان في بغداد يوم الخميس 6 / آب / 2009 بمسدس كاتم الصوت لا تملكه إلا الدولة أومليشيات الأحزاب الأسلامية الحاكمة وسرق محله ، تصاعد الأحتجاج بين أبناء الطائفة المندائية لمناشدة رئاسة الطائفة والمنظمات المندائية المدنية برفع صوت الأحتجاج عاليا" ضد هذه الجرائم والتي عادة ما تسجل ضد مجهول ، خاصة وان كافة الأدلة ومن خلال إلقاء القبض على بعض القتلة المجرمين والتحقيق معهم تشير ان القائمين بها ينتمون الى مليشيات شيعية مرتبطة بالأحزاب السياسية الطائفية الحاكمة في بغداد وموجهين من قبلهم .
وقد يتصور البعض منا ان أصدار فتوى في قضية معينة هو امر بسيط  يقوم به المرجع الأعلى ولكن هناك الكثير من الأمور قد تكون غامضة للبعض وإن غالبية الأحزاب السياسية الشيعية الحاكمة اليوم في بغداد لها مرجعيات مختلفة بإختلاف الحزب ومرجعيه ، فهناك مرجعية السيد السيستاني ، واليعقوبي ، الشيرازي والحائري والحكيم ومقتدى الصدر في المستقبل القريب وغيرهم الكثير ، فألى منّ من هؤلاء نوجه ندائنا لأصدار الفتوى لحماية المندائيين من القتل خاصة وان جميعهم يستنكرون عمليات القتل هذه .
ودعونا نسلط الضوء قليلا" عن عمل المرجعية الدينية وأهدافها ...

يؤكد العاملين في المرجعية الدينية في النجف ، على إن عمل المرجع ( هو تزويد المؤمنين بالفتاوى الشرعية في مختلف شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، والسعي لترويج الدين الحنيف على نهج أئمة أهل البيت بما يشتمل عليه من مكارم الأخلاق ورعاية حقوق الآخرين وعدم التجاوز عليها ) .
ومن عمل المرجعية المذكور أعلاه نلاحظ التركيز على عبارة ( ترويج الدين الحنيف على نهج أئمة أهل البيت ) وهذا يعني التركيز على شيعة أهل البيت فقط دون المذاهب الأسلامية وهم أخوة لهم بالدين ، فما بال حال الأديان الأخرى وحال المندائيين الذين يعتبرونهم كفرة ومن أهل الذمة .

ـ إن كل فتوى يصدرها أي من رجال الدين لا تطبق من قبل كافة المسلمين بأي حال ،  بل تطبق من قبل  تلك الجماعة التي تقلده ، وهي معروفة تماماً لدى أتباع المذهب الشيعي . ويمكن أن لا يزيد عدد أفراد من يقلده عن عدد أصابع اليد أو أكثر بقليل بسبب كثرة رجال الدين في العراق . .

ـ  عندما تصدر أي فتوى من قبل رجل دين يمكن أن يختلف معه بقية رجال الدين ، وبالتالي فهو اجتهاد شخصي لا غير ، فالفتوى لا تعتبر ملزمة بأي حال لغير من يقلدون المرجع  حيث إذ أن باب الاجتهاد مفتوح لكل رجال الدين ، فمثلا" أذا أصدر السيد على السيستاني فتوى لصالح المندائيين لربما لا يلتزم بها السيد مقتدى الصدر بسبب المصالح والجهات الممولة والخلافات بينهم يضاف لها أتهام مرجعية السيد السيستاني بالمرجعية الصامتة وهكذا بقية المراجع وقد بدا هذا واضحاً لدى عدد من المسؤولين السياسيين الذين أكثروا من زيارة رجال الدين لأخذ الفتوى أو النصيحة منهم .

ــ على من يصدر فتوى بشأن قضية معينة ، يفترض فيه أن يعي بعمق وشمولية عدة مسائل جوهرية وهي
مسؤوليته المباشرة في ما يصدره من فتاوى وتأثيرها على واقع المجتمع واحتمالات إثارة المزيد من المشكلات في البلاد وان يكون ملما" بطبيعة القضية التي يراد بحثها والتعمق في فهمها من مختلف الجوانب ، وموقف المرجعيات الإسلامية بشأنها منذ العهد الأموي والعباسي والعثماني .

وبناء على ما سبق يمكننا الأستدلال على إن كافة المرجعيات الدينية سوف لن تقوم بإي تعاطف مع معاناة المندائيين ولا بإصدار أية فتوى لصالحهم لتحرم قتلهم والأسباب عديدة ومعروفة وأولها عدم اعتراف هذه المرجعيات أصلا" بالديانة المندائية كديانة سماوية مهما قدمت لهم من وثائق وكتب تثبت ذلك ومهما أدعت هذه المرجعيات من تعاطف في السنوات السابقة والغرض بات واضحا" هو بناء الدولة الأسلامية بالعراق على غرار الجمهورية الأسلامية في ايران .

وما على المندائيين اليوم ألا التعاون مع بعضهم وتوحيد كلمتهم ونسيان خلافاتهم الجانبية وبناء حياتهم بالمهجر من جديد ، وتوثيق علاقاتهم مع المنظمات الدولية والمعنية بحقوق الأنسان وأيصال صوتهم لها ، التعاون مع كافة الجهات والأحزاب السياسية الوطنية المناضلة وغير الطائفية والتي وقفت مع المندائيين سابقا" وتقف وتتعاطف معهم حاليا" ، والوقوف لجانب الأقليات العراقية الأخرى والتعاون معها لكونها تتعرض لمصير مشابه ،  ومواصلة الأحتجاجات من خلال مؤوسسات الطائفة الدينية وإتحاد الجمعيات المندائية في المهجر وتطوير الخطاب الإعلامي عبر ما يكتبه الكتاب والمثقفون والفنانون فهي الطريق الأسلم للحفاظ على الطائفة من الأنقراض

كندا
13 / آب / 2009

4
من ينقذ الصابئة المندائيين من الأبادة الجماعية ؟؟

فائز الحيدر
(( الى منظمة الأمم المتحدة ، الى المنظمات الدولية المعنية بحقوق الأنسان ، الى كل الشرفاء في العالم ، الى المثقفين والكتاب والفنانيين وأصحاب الرأي الحر ، الى كافة المتعاطفين مع الصابئة المندائيين في محنتهم وهم يتعرضون الى حملة الإبادة الجماعية ، إن وقوفكم وتضامنكم مع المندائيين في هذا اليوم سيسجله لكم التأريخ  ، أكتبوا بأقلامكم الشريفة عن معاناتهم وما يتعرضون له من قتل مبرمج وأضطهاد ، أرفعوا أصواتكم تضامنا" مع الضحايا الأبرياء الذين يسقطون يوميا" على أرض آبائهم وأجدادهم ، طالبوا الحكومة العراقية بتوفير الحماية لهذه الطائفة المسالمة ،  فتضامنكم معهم يخفف من معاناتهم اليومية))
من يقرأ التأريخ البشري يعرف إن البشرية قد مرت خلال تأريخها الطويل بالعديد من جرائم الأبادة جماعية لشعوب كثيرة ، حيث الصراعات البشرية التي كانت تقضي بأسم الدين أو القومية أو القبيلة على جماعة أو قبيلة أخرى وتذبح سكان مناطق معينة بأكملها . ومع التطور التأريخي للبشرية وظهور الأديان والقوميات المختلفة تحولت هذه الجريمة الى وسيلة لأبادة الديانات والأقليات العرقية والأثنية ذات الأعداد الصغيرة .
و العراق فى تأريخه الطويل الذي يمتد لآلاف السنين كان مرارا" ساحة لجرائم الابادة الجماعية أثناء الحروب والغزوات منذ فترة الأمبراطوريات المتعاقبة والفتوحات الأسلامية وحتى سقوط الخلافة العباسية وسقوط بغداد على يد هولاكو فى القرن الثالث عشر الميلادي وما تلتها من جرائم أبادة عديدة مثل أبادة الأرمن والأشوريين .
الصابئة المندائيون ، طائفة دينية يتحدث أبنائها باللغة المندائية ، لهم تأريخهم العريق و دينهم المسالم ، يرجع تأريخهم ووجودهم في العراق الى حقبة زمنية تمتد لألاف السنين وقد ورد ذكرهم ونبيهم في القرأن في أكثر من آية ، وتعاليم دينهم توصي على المحبة والتسامح والوئام وعدم حمل السلاح والكثير من القيم الأصيلة لهذه الديانة الموحدة العريقة المسالمة . ويقطن الصابئة المندائيون في أرضهم التي ولدوا بها وسكنوها وعاشوا بها منذ مئات السنين فهي موطنهم الأصلي حيث يتمركز المندائيون في مدن بغداد والبصرة والناصرية والعمارة والكوت وقلعة صالح وعلي الغربي في جنوب العراق أضافة الى المدن الرئيسية الأخرى ، يمتازون بالطيبة والتسامح والخلق ولطافة المعشر كما يشهد بذلك جيرانهم ، عانوا من ظلم الحكومات المتعاقبة ومورست بحقهم شتى أنواع القتل والأضطهاد والأهمال والأنكار لحقوقهم الدينية .
في هذه الأيام ومنذ سقوط النظام الدكتاتوري يتعرض أبناء الصابئة المندائيون والمتجذرة أصولهم في تربة وماء العراق لممارسات يومية مستمرة تؤدي الى تشريدهم الى خارج الوطن وفق أجندات تسعى لأبادتهم وإنقراضهم ومسحهم من خارطة العراق تحت ستار الدين والقومية التي يمارسها البعض ضدهم .
وفي ظل الأحتلال الأمريكي للعراق وفقدان الأمن في ربوع الوطن وضعـف الحكومة المركزية الطائفية وانتشار مليشيات الأحزاب الأسلامية بنوعيها السنية والشيعية والمتصارعة على السلطة والتي اخذت بتكفير بعضها البعض الأخر ، انتشرت ظاهرة القتل على الهوية والخطف والأغتصاب والتهجير الجماعي للأقليات الدينية تحت مسميات و ذرائع مختلفة لتقضى على الاقليات العرقية والدينية المسالمة فى العراق وخاصة الصابئة المندائيون وبخطوات مدروسة من قبل البعض لغرض أفراغ العراق من أحد مكوناته الأساسية ووفق أجندات داخلية وأقليمية لإقامة الدولة الأسلامية على غرار الحكومة الأسلامية في ايران .
يتعرض الصابئة المندائيون هذه الأيام على أيدي مليشيات القوى الظلامية والإسـلام السياسي المتخلفة ، الى حملة شرسة من التطهير العرقي لأبناء هذه الطائفة الصغيرة والمسالمة . ولجأت قوى الظلام هذه إلى أستخدام كل الأساليب الوحشية البشعة ، فقد تم خطف العشرات من الأطفال لقاء فدية مالية وقتل بعضهم أو أحرقوا وهم أحياء رغم تسليم الفدية ، وفرضت في بعض المناطق الأتاوات الشهرية أو ما تسمى بالجزية ، على الطريقة الأسلامية ، وأجبر الألاف منهم تحت التهديد بالرحيل عن أرض الوطن أو مواجهة الموت ، كما وصدرت فتاوي من بعض رجال الدين تحرم شراء ممتلكاتهم وتحلل دمائهم . وتم إختطاف وأغتصاب العشرات من النساء المندائيات وقتلهن ولم يعرف مصير البعض منهن لغاية الآن  ، وأجبرت العشرات من العوائل على تغيير ديانتها والزواج من شبان مسلمين أو مواجهة الموت لاحقا" ، وتعرض العشرات من المندائيين الى عمليات قتل متعمدة وهم يمارسون أعمالهم المختلفة وخاصة عملهم في مهنة الصياغة وتمت سرقت محلاتهم وكان آخر الضحايا هو الشاب وئام عبد النبي لازم الخميسي الذي أغتيل في محله في حي الأسكان في بغداد يوم الخميس 6 / آب / 2009 بمسدس كاتم الصوت وهو من مواليد عام 1973 ، علما" ان هذا السلاح لا تملكه إلا الدولة أومليشيات الأحزاب الأسلامية الحاكمة ،  وبالتأكيد ستعتبر هذه الجريمة جنائية كسابقتها وستسجل ضد مجهول ويغلق التحقيق كما حدث مع ضحايا مدينة الطوبجي ومدينة الشعب قبل اسابيع معدودة وعشرات الحوادث السابقة .
أن كافة الشواهد تدل على ان هذه الجرائم تنفذ عن قصد وسابق إصرار من قبل عصابات ومليشيات مرتبطة بقوى الأحزاب الأسلامية المشاركة بالسلطة التي يرتدي أصحابها ملابس رجال الشرطة أوالجيش ويستعملون أسلحة  وسيارات الدولة وغالبيتهم من المليشيات الذين يكفرون المندائيين والأديان الأخرى غير الأسلامية حيث غالبا" ما تسبق هذه الجرائم أصدار فتاوى من بعض المرجعيات وعلى كثرة عددها والتي تكفر وتحلل قتل وتعذيب وسلب مال الذين لم يدخلوا الدين الأسلامي ، لذا فأن سكوت هذه المرجعيات الدينية عن ما يجري بحق المندائيين وعدم أصدار الفتاوى لأتباعهم لوقف ما يجري يدل على مشاركتهم الفعلية بشكل أو بآخر.
لقد سببت هذه الأوضاع هجرة قسرية واسعة النطاق للعوائل المندائية الى خارج العراق وخاصة سورية والأردن ولبنان واليمن وغيرها ، وإن ما يعاني منه المندائيين اليوم قد وصل اليوم حد الكارثة الأنسانية حيث نجد عشرات الألوف من أبنائها في حالة يرثى لها وهم يتركون منازلهم ومصادر رزقهم ومدارس أطفالهم ، ويهيمون اليوم في شوارع وأزقة المدن السورية والأردنية وغيرها دون مأوى ، وليس لهم من الإمكانيات المادية ما يستطيعون به تدبير مأوى لهم وتدبير أمورهم المعيشية اليومية وهم تحت رحمة المنظمات الدولية والأنسانية . يحدث هذا كله امام مرأى ومسمع الحكومة العراقية والمرجعيات الدينية السنية والشيعية دون أن تحرك أحدى هذه الأطراف ساكنا" . ان المندائيين ليسوا بحاجة اليوم الى من يعطف عليهم لذر الرماد في العيون بإطلاق اسم أحد علمائهم على شارع او قاعة في جامعة ، ان ما يحتاجه المندائيون اليوم من الدولة هو حمايتهم من القتل والخطف والأغتصاب والتهجير واعطائهم حقوقهم كمجموعة بشرية تعيش على أرض العرق منذ آلاف السنين .
ان جرائم القتل والخطف والأغتصاب والتهجير القسرى التي يتعرض لها الصابئة المندائيين و استعمال العنف والاكراه لتغير دينهم هي أفعال جرمية تدخل فى اطار جريمة الإبادة الجماعية ضد هذا الطائفة الدينية المسالمة وفق تعريف القانون الدولى لجريمة الابادة الجماعية . فتكفير المندائيين من قبل الأرهابين وميليشيات الأسلام السياسي المشاركين في السلطة وخارجها هي ذريعة لإبادتهم لكونهم جماعة عرقية وأقلية دينية ، وتنطبق عليهم المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لمنع و معاقبة جريمة الابادة الجماعية .
مفهوم الأبادة الجماعية في القانون الدولي
حددت المادة الثانية من الاتفاقية التي اقرتها الجمعية العامة للامم المتحدة في أجتماعها المنعقد بباريس في 9 كانون الاول 1948 والتي عرفت مفهوم الإبادة الجماعية Genocide بتعريف شامل على انها :
(( كل عمل يرمي الى أفناء شامل أو جزئي لأحدى المجموعات القومية أو العنصرية او الدينية )) وهذا هو الاطار العام لجريمة الإبادة الجماعية كما نصت عليها اتفاقية منع إبادة الأجناس البشرية . ويقصد بمصطلح genocide في اللغة اللاتينية ( قتل الجماعة ) وأقترن هذا المصطلح بأفعال النازية وأبادتها لليهود في الحرب العالمية الثانية ، وإن كانت هناك أمثلة لجرائم أخرى ينطبق عليها هذا التعريف في التاريخ البشري عموما" .
وأعتبرت المنظمة الدولية إن هذه الجريمة هي من نمط الجرائم التي ترتكب لتدمير جماعة ما ، ويقصد بالأبادة كل فعل يهدف من ورائه الجاني الى القضاء على جماعة بشرية او دينية او عرقية قضاء كليا" او جزئي و بشكل مباشر أو غير مباشر أو بالتحريض على قتل اعضاء الجماعة المشار اليها في المادة الثالثة للأعلان العالمي لحقوق الانسان والتي تنص : (( لكل فرد الحق في الحياة والحرية واالسلامة الشخصية ))
وحسب نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من الأتفاقيـة الدولية يعتبـر الجرم أبادة جماعيـة ضـد أي مجموعة أذا كانت قد أتخذت أحدى الأفعال التالية ....
1 ـ الأبادة الجسدية بهدف أفناء مجموعة بشرية .
لا يعنى هذا قتل كل أعضاء الجماعة بل يكفى قتل بعض من أفرادها بقصد إبادتها ، أو الحاق أضرار نفسية أو جسدية بأفرادها بقصد الأبادة كالتهجير الجماعي و الحرمان من الكسب مثلا" .
إن من يتابع وضع الطائفة المندائية في العراق يلاحظ ضخامة عدد القتلى اللذين سقطوا على يد الأرهابيين ومليشيات الأحزاب الأسلامية قياسا" لعددهم حيث يقدر عددهم بالمئات ، أضافة لعمليات الخطف والأغتصاب للنساء وحرق الأطفال وهم أحياء وتشويههم ، والتهجير من مناطق سكنهم التي سكنوها منذ مئات السنين وسميت بعضها بأسمائهم ، إن ما يعانيه المندائيين اليوم هو نوع من الأبادة الجماعية التي يعاقب عليها القانون الدولي . وإن معاقبة القائمين بهذه الجريمة لا يشمل فقط مرتكبيها الفعليين فقط ، بل وحسب المادة الثالثة لهذه الاتفاقية ، تشمل العقوبات المحرضين على إرتكاب هذه الجريمة . وطلما إن عمليات الأبادة  تقع غالبيتها في سط وجنوب العراق حيث تواجد رجال الدين والمرجعيات الدينية الشيعية بالذات ورؤساء العشائر المتخلفين فى المناطق التى يسكن فيها المندائيون فأننا لم نسمع من من تلك المراجع أي أدانة أو فتاوى تحرم قتل و تشريد المندائيين وتدافع عنهم ويمكن إعتبار هذا دليل على موافقتهم المبدئية على هذه الجرائم وقد تتم تحت أشرافهم أيظا" ، لذا فأن هذه المرجعيات يمكن ان تواجه المسؤولية القانونية لأن الأمتناع عن القيام بعمل ما لمنع وقوع جريمة وشيكة او جارية يمكن ان يعاقب عليه القانون .
 إننا نعتقد ان مسلسل مواصة العنف ضد المندائيين سيتواصل وستشهد الساحة العراقية والمندائيين عمليات قتل اخرى وبأشكال مختلفة وستسجل كالعادة ضد مجهول ايضا" ، وهذا يتطلب من كافة المندائيين لتوحيد صفوفهم ورفع أصواتهم عاليا" من خلال كافة وسائل الإعلام مطالبة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الأنسان والقوى الخيرة المتعاطفة مع محنة المندائيين لتوفير الحماية اللازمة لهم والحفاظ على كيانهم .
2 ـ الحاق أضرار جسدية و نفسية بالغة بأعضاء هذه الجماعة .
فالجمعية العامة للامم التحدة و مجلس الأمن اعتبرتا ان التهجير القسرى والتطهير العرقى شكلا" من اشكال جريمة الإبادة الجماعية فى العديد من قراراتهما ، وهذا ما ينطبق على المندائيين ايظا" حيث أن عمليات التهجير القسرى للصابئة المندائيين من أرض أجدادهم وممارسة جريمة التطهير العرقى ضدهم ليس إلا محاولة لفرض ظروف معيشية قاسية عليهم و الهدف منها هو محوهم كليا" او جزئيا" حسب المادة الثالثة لإتفاقية الابادة الجماعية حيث أجبرت آلاف العوائل المندائية على ترك مدنها و مناطق سكناها وتوجهت الى خارج العراق أو مناطق أخرى و هى تعيش فى حالة مأساوية مما خلق لهم أضرار جسدية ونفسية بالغة نتيجة الأفق والمستقبل المجهول .
ان حماية المندائيين وما يتعرضون له اليوم ليست مسؤولية القانون الدولي والمنظمات الدولية فقط وفق معاهدة منع جريمة الابادة الجماعية ، بل المسؤولية تقع على عاتق كافة المسؤولين عن تطبيق القانون في العراق ونقصد بهم الحكومة العراقية الطائفية الحالية كما جاء فى المادة الخامسة من اتفاقية الابادة الجماعية والتي تنص على ( أن على الحكومات اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع جرائم الابادة الجماعية ) ، أما الطرف الآخر الذى تقع عليه المسؤولية القانونية لحماية المندائيين من الابادة الجماعية هي القوات المتعددة الجنسيات المنتشرة في العراق ومسؤوليتها في الحفاظ على الأمن حسب قرار مجلس الامن رقم 1546 والتي تؤكد على واجب هذه القوات في الحفاظ على الامن و الاستقرار فى العراق .
3 ـ فرض ظروف على الجماعة تؤدى الى منع الولادة والتكاثر ضمن نطاق الجماعة .
إن الظروف الصعبة التي يمر بها المندائيين حاليا" تحول دون مواصلة الحياة والأنجاب لعدم تمكنهم من الأستقرار في مناطقهم والقيان بتربية أولادهم وسط العنف الذي يتعرضون له ، أما الشباب والشابات فهم يعيشون في دوامة من القلق والخوف وفقدان الأمل في المستقبل ، مما يجعلهم يفكرون أكثر من مرة قبل الأقدام على الزواج وتكوين االأسرة ، كما أن ممارسة طقوس التعميد على ظفاف الأنهار في وقت لا يتوفر فيه الأمن يعرض الجميع الى خطورة القتل والخطف ، إن هذه الظروف تجعل من تبقى منهم متمسكا" بالعراق وهم لا يتجاوزن 20% يفكر اليوم من جديد ويعيد حساباته لمغادرة الوطن الى دول أخرى حيث يتوفر الأمان والأستقرار ، وبالتأكيد ان هذه الأسباب التي ستطول لسنين عديدة ستسبب بشكل مباشر أو غير مباشر في المدى البعيد على نقصان أعداد المندائيين تدريجيا" ومن ثم التهديد بإنقراضهم .
4 ـ نقل أطفال جماعة بشرية لجماعة أخرى قسرا" .
أن أعداد كثيرة من الأطفال من المندائيين ومن الجنسين قد خطفوا ولا يعرف مصيرهم لحد الان ، وهناك الكثير من المندائيين قد مورست ضدهم كل الأساليب الأجرامية من قبل جهات عديدة لغرض تغيير دينهم بالأكراه والتحول الى الديانة الأسلامية ، وأكيد ان هناك عوائل كثيرة لديها العديد من الأطفال بمختلف الأعمار دون سن البلوغ سوف يتبعون ديانة آبائهم الجديدة أضافة الى أجبار هذه العوائل على زواج بناتهم الشابات الى شبان مسلمين بالأكراه ودون رضى الوالدين والفتاة .
كما إن هناك مجموعة من الأطفال المندائيين الذين ولدوا في خارج الوطن مثل الأردن ، غير معترف بديانتهم المندائية أصلا" حيث إن القوانين الأردنية لا تعترف سوى بالديانة الأسلامية والمسيحية و عند ولادة الطفل لا يكتب في حقل الديانة بشهادة الولادة بانه مندائي بل يترك فارغا" ، وهذا مخالف لما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل الذي اعتمدتها الجمعية العامة في 20 تشرين الثاني / نوفمبر 1959 والمسماة بالأعلان العالمي لحقوق الانسان والتي تؤكد على حقوق الطفل ، أبتداء من حقه في الحياة وفي الأسم وإكتساب الجنسية وحقه في الحرية التعبير والفكر والوجدان والدين ، وقد اكدت الاتفاقية على انه لايجوز حرمان الطفل المنتمي لتلك الأقليات أو لأولئك السكان من الحق في ان يتمتع ، مع بقية افراد المجموعة بثقافته او الأجهار بدينه وممارسة شعائره او استعمال لغته .
ومن هذا نستنتج ان جريمة الإبادة الجماعية المحددة بإتفاقية الجمعية العامة للامم المتحدة تنطبق كليا" على واقع المندائيين الحالي لمعاناتهم الحالية وحسب أعتقادنا أن هذه الجريمة وبهذا الحجم لا يمكن ان ترتكب فعليا" من قبل مليشيات معروفة في الساحة العراقية دون اشتراك أجهزة السلطة اشتراكا" فعليا" بأعتبار إن السلطة هي الجهة المسؤولة على تحقيق الأمن والاستقرار وتأمين الحريات وضمان حقوق مواطنيها أضافة لعدم تحركها في أنقاذهم من الأبادة التي تجري أمامهم .
وأخيرا" يمكن ان نتوصل الى أن المندائيين يمرون في مرحلة الأبادة الجماعية لما ذكر أعلاه
ومن خلال التطبيق لهذه الأتفاقية لوحظ إنها رغم إيجابياتها في حماية الأقليات في بعض البلدان إلا انها لم تتمكن من منع وقـوع جرائم الأبادة الجماعية في دول كالعراق يحكمـها حكام طائفيون جائوا للسلطة بفتاوي المرجعيات الدينية يمارسون القتل والأضطهاد والأبادة ضـد شعوبهم . فعلى المندائيين اليوم مواجهة هذه الحقيقة والحفاظ على حياتهم ومغادرة الوطن فليس هناك من يحميهم بعد الأن .


 7 / آب  / 2009



5
الإعـلام المنــدائي ... الواقـع والطمــوح
فائز الحيدر

في الأول الى الرابع من تموز / 2009 عقد في السويد / سودرتيليا المؤتمر الخامس لأتحاد الجمعيات المندائية في المهجر ، وقد اتخذ المؤتمر جملة من القرارات المهمة فيما يخص الأوضاع الصعبة التي يمر به المندائيون سواء في داخل الوطن أو في بلدان الأنتظار أو في بلدان المهجر ،  ومن هذه القرارات (  تطوير الأعلام المندائي المركزي وتطوير دار النشر المندائية و كافة اشكال الاعلام الحاليه المكتوبة و المسموعة و المرئية ) بما يتناسب مع أوضاعهم الحالية . إننا نعتقد أن هذه الدعوة هي خطوة جيدة يتخذها المؤتمر بالطريق الصحيح .

وهنا يتبادر للقارئ السؤال التالي .... هل هناك وجود للإعلام المندائي في الوقت الحاظر حتى يمكن تطويره ؟ وما كان دوره في السنوات السابقة وخاصة بعد سقوط النظام السابق ولغاية اليوم والطائفة المندائية تعيش أصعب أيامها من قتل وخطف وتهجير قسري والأجبار على تغيير الدين من قبل القوى الظلامية والمليشيات المسلحة المرتبطة بأحزاب الأسلام السياسي المسيطر على السلطة ؟ وما هي الواجبات التي قام بها الإعلام المندائي لأيصال صوت الصابئة المندائيون ومعاناتهم الى المنظمات الأنسانية والمحافل الدولية ؟ وهل تتوفر لدى الطائفة كوادر وامكانيات قادرة على النهوض بالإعلام المندائي وحسب قرارات المؤتمر ليؤدي دوره بشكل فعال في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها الطائفة المندائية  ؟

لا يمكن لأحد ان ينكر ما سعى اليه إتحاد الجمعيات المندائية في المهجر ومنظمة حقوق الأنسان المندائي والعديد من الباحثين والمثقفين المندائيين والعاملين في الجمعيات المندائية في السنوات الأخيرة للولوج في الأعلام العام وايصال صوت الطائفة للمحافل الدولية من خلال الكتابة والترجمة والنشر في الصحافة ومواقع الأنترنيت والقيام ببعض الفعاليات والمحاظرات واللقاءات واعطاء بعض التصريحات للمحطات الفضائية والراديو والتلفزة ، لكن هذه الأصوات كانت غالبا" ذات صدى ضعيف وغير مسموعة أحيانا" من الجهات المسؤولة ولربما كونها غير موفقة في طرح القضية المندائية على الملئ . وقبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع لابد لنا من معرفة ماذا نقصد بالإعلام وما هي أهدافه الآنية والمستقبلية ؟

يبين المختصين في اللغة ان الأعلام مشتق من لفظة ( العلم ) ... ويقصد به إيصال المعلومة الخبرية بقصد الإيضاح ، وقد ورد في مختار الصحاح : علم الشيء تعلمه علما" أي عرفه ... وعلمه الشيء تعليما" فتعلم ... والأعلام بمعنى  نشر الأخبار والوقائع والمعلومات لكافة أفراد المجتمع ، وهو وسيلة لتوجيه الرأي العام وإعلامهم بالحدث لما يدور في أرجاء الكون في كل دقيقة عبر وسائل الأعلام السمعية ، البصرية والخبرية  مثل التلفزيون ، الأذاعة ، الصحافة ، شبكة الأنترنيت ، والهاتف ، والفضائيات وغيرها .

وتبين الموسوعة الحرة ، يكيبيديا.....  الإعلام بأنه ( مصطلح على أي وسيلة أو تقنية أو منظمة أو مؤسسة تجارية أو أخرى غير ربحية، عامة أو خاصة ، رسمية أو غير رسمية ، مهمتها نشر الأخبار و نقل المعلومات ، إلا أن الإعلام يتناول مهاما" متنوعة أخرى ، تعدت موضوع نشر الأخبار إلى موضوع الترفيه والتسلية خصوصا" بعد دخول التكنولوجية الى عالم الإعلام .
كما إن هناك تعاريف عديدة لمفهوم الإعلام تختلف حسب وجهة نظر الباحثين وإتجاهاتهم الفكرية والسياسية ، ولكن يمكننا أن نذكر ان التعريف الذي جاء به الباحث العربي الدكتور ( سمير حسين ) هو تعريف كامل وشامل للإعلام ونصه ( أنه كافة أوجه النشاطات الاتصالية التي تستهدف تزويد الناس بكافة الحقائق والأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة عن القضايا والمواضيع والمشكلات ومجريات الأمور بموضوعية وبدون تحريف بما يؤدي إلى خلق أكبر درجة ممكنة من المعرفة والوعي والإدراك والإحاطة الشاملة لدى فئات الجمهور المتلقين للمادة الإعلامية بكافة الحقائق والمعلومات الموضوعية الصحيحة بما يسهم في تنوير الرأي العام وتكوين الرأي الصائب لدى الجمهور في الواقع والموضوعات والمشكلات المثارة والمطروحة ) .
ومن التعريف السابق نستنتج ان للإعلام والذي يطلق عليه اليوم ( السلطة الرابعة ) دورا" كبيرا" في التحكم بحياة الناس وعقولهم وفق ما يخطط له القائمين على وسائل الإعلام لايصال وجهة نظرهم الى عموم الناس ، فأما ان يكون الإعلام مستقلا" هادفا" وغرضه بث الوعي الأجتماعي والأقتصادي والثقافي والصحي ، أو ان يكون موجها" لأغراض سياسية او فكرية أو تمجيد القادة والزعماء والشخصيات الدينية والأجتماعية مستغلا" وجود قصور في الوعي الأجتماعي والثقافي والتخلف الديني في المجتمع .
وعلى ضوء ما ذكر فالمندائيون يحتاجون اليوم لغرض النهوض بإعلامهم الى إعلام نشط وقادر ليضعهم في الطريق الصحيح ، إعلام مندائي مستقل بدون تمويه وتضليل وخوف ، لأن الإعلام في الوقت الحاضر هو السلاح الأقوى الذي تستطيع بواسطته الطائفة المندائية ان توصل صوتها ومعاناتها الى الجميع ، وان تستخدمه لمصلحتها وتقف بوجه كل من يريد التسلط عليها ، على المندائيين تطوير خطابهم الإعلامي وتوسيع مجالات الإعلام وإيجاد عنصر بشري إعلامي قادر ومؤهل ، مثقف ، ليقوم بتحمل المسؤولية الإعلامية لغرض الوصول الى إعلام ناجح وهادف ، ، قادر على شد ابناء الطائفة المندائية ويعكس همومهم ومعانتهم وهجرتهم القسرية من وطنهم الأم العراق ، متماشيا" مع تطور وسائل الأعلام ، مهنيا" ، ملتزما" ، محايدا" ومحافظا" على القيم الدينية والاجتماعية والتراث الثقافي للطائفة المندائية . ، قادر الى إستقطاب وتعاطف كل المثقفين والأدباء والسياسيين والمنظمات الأنسانية والدولية والمتعاطفين مع القضية المندائية لتفهم قضاياهم من خلال عكس الكلمة الصادقة والخبر الدقيق للوصول الى الحقيقة  .

ومهما يكن فيبقى ما ذكر هو مجرد طموحات طالما لم تطبق عمليا" ، لأننا ندرك ان مثل هذا الإعلام يحتاج الى جهود وتحظير وإمكانيات كبيرة قد تكون صعبة التحقيق في الوقت الحاظر نظرا" لمحدودية وضعف الأمكانيات البشرية والفنية والمالية المتوفرة حاليا" ، لذا نعتقد ان إعلام الطائفة في هذه المرحلة يجب ان يكون منصبا" على الصحافة المقروءة والنشاطات الفنية واللقاءات مع المنظمات الدولية والجمعيات العراقية والعربية ومواقع الأنترنيت حيث تشكل التكنلوجيا في عالم اليوم صلب وسائل الاتصال وتبادل المعلومة ، وان عالم الانترنيت هو الأطار الواسع الذي يجمع الطائفه المندائية وبشكل متقدم قد يفوق عالم الاذاعات والتلفزة والمطبوعات .
وبعد كل ما ذكر سابقا" نرى إن على الطائفة المندائية ولغرض النهوض بإعلامها ، إعداد خطة إعلامية وبالشكل التي تصبوا اليه بعد ان يتم تحديد هدف الإعلام وكيفية الوصول اليه وفق الأمكانيات المتوفرة كخطة عمل أولية للوصول إلى الأهداف العامة المعنية من خلال تحقيق بعض الأهداف الآنية ، حيث يؤدي تحقيقها إلى تحقيق الهدف العام المعين وفي مدى زمني محدد .

ولتنفيذ الخطة الإعلامية ، لابد من تكليف بعض الأخوة المثقفين والمتخصصين بتنفيذها ، وهذا يحتاج إلى عمليات تنظيمية وتنفيذية ليست سهلة كما يتوقع البعض ، فهي تحتاج الى الوضوح والتعاون والأخلاص والثقة المتبادلة بين العاملين ووضع سمعة الطائفة ومصلحتها وإعلامها في المقدمة . والإستخدام الأمثل للطاقات والإمكانات والموارد من اجل خدمة الإعلام ، وإستخدام التقنية الحديثة في إرسال الرسالة الإعلامية للجماهير مع اختيار الوسيلة المناسبة ، ولضمان تنفيذ الخطة الأعلامية بالشكل المخطط له تقع على سكرتارية اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر مسؤولية المتابعة وإصدار تقارير دورية عن النجاحات والأخفاقات ، وقياس مدى كفاءة وفعالية وعائد الخطة الإعلامية والتعرف على مستوى تحقيق الهدف العام للخطة .

لذا اننا نعتقد ومن اجل النهوض بالإعلام المندائي هناك بعض الخطوات التي ممكن القيام بها ووفق الإمكانيات المتاحة لتعزيز الخطة الإعلامية للطائفة ومنها ....
ـ  يمثل الفن التشكيلي العراقي والنحت والخزف أحد الأوجه البارزة في الثقافة العراقية والمندائية ، وتملك الطائفة المندائية العديد من الفنانين التشكيلين والنحاتين وغيرهم من الكفاءات الفنية البارزة على الساحة الفنية العراقية والعربية والدولية ، لهذا ندعوا الى إصدار مجلة فنية متخصصة بالفن التشكيلي المندائي وإقامة معارض للرسم والنحت والخزف ومحاولة إنجاز كراس يعني بالحركة التشكيلية تحوي على سيرة الفنانين المندائيين وإنجازاتهم الفنية وتوثيق ذلك  .
ـ تعدّ الترجمة من اللغات الأجنبية والمندائية الى اللغة العربية إحدى المكونات الأساسية للبنية الثقافية في المجتمع ، وسبق ان قام بعض الحريصين من ابناء الطائفة بترجمة الكتاب المقدس ( الكنزا ربا ) وكتب عديدة اخرى الى اللغة العربية واصبحت في متناول اليد لذا نقترح  تأسيس هيئة ترجمة مندائية تابعة لأتحاد الجمعيات المندائية تأخذ على عاتقها مهمة الترجمة والتنسيق بين مختلف المؤسسات ذات العلاقة بحركة الترجمة و العمل على اختيار عدد من الكتب التي تتحدث عن المندائية وتأريخها وطقوسها وتوفير الدعم المالي والقواميس اللازمة لهم .
ـ  تظم الطائفة المندائية الكثير من الممثلين والمخرجين المسرحيين وبقية الأختصاصات في مجال المسرح وغالبية هولاء الفنانين اعتزلوا الفن المسرحي لأسباب عديدة معظمها خارجة عن ارادتهم رغم حبهم للمسرح لذا يمكن الأستفادة من هذه الطاقات الكامنة والمتخصصة بتأسيس فرقة مسرحية مندائية تقوم باعمال مسرحية يمكن عرض نتاجاتها في العديد من الدول لعرض الأبداع المندائي .
ـ تقوم غالبية الجمعيات المندائية في المهجر بإصدار مجلات خاصة بها ووفق امكانياتها المتواضعة ، ويفضل في هذا الجانب ان يقوم أتحاد الجمعيات المندائية بتشكيل هيئة تحرير من مختلف الجمعيات وذلك بتوحيد الجهد المندائي المبعثر في دول عديدة في مجلة مندائية فصلية واحدة تعني بشؤون الطائفة في المجالات السياسية والدينية والوطنية والفنية وغيرها ويمكن بيعها الى اعضاء الجمعيات في كل بلد وبأسعار مناسب يستفاد منه في دعم العمل الجماعي .
ـ العمل على تشكيل لجنة لرعاية الثقافة والفنون والآداب يضم نخبة من مثقفي الطائفة في العراق المهجر تأخذ على عاتقها تأسيس متحف مندائي شامل في بغداد  للفلكلور والتراث الديني والشعبي  يحوي كافة المأثورات الثقافية والدينية ،  والكتب الدينية المقدسة ، قطع اللباس الديني ( الرستة ) نماذج لرمز المدائيين ( الدرفش ) ، الأواني الفخارية المستخدمة خلال مراسيم الزواج ، الكتب التي تناولت الطائفة وديانتها ، الوثائق والصور القديمة ، المصوغات الفنية وأدواتها ، الأحراز الفخارية ، صور لرجال الدين ، الأكليلة ، السكين دولا ، المندلثا ، المركنة ونماذج مكبرة لحروف لغتنا ومواقع سكن المندائيين ، ونماذج النباتات المقدسة .
 ـ تواجه المرأة المندائية في داخل الوطن وبلدان المهجر كثير من الضغوط والقيود والتمييز ولا تمنح لها الفرص الكافية لممارسة حقها في خلق شخصيتها المتكاملة، كما وظلت المرأة المندائية على الدوام ضحية إضطهاد من المجتمع ومن ذكورية الرجل ، ولذا فقد ظلت المرأة محدودة النشاط ، وهذا يتطلب من الإعلام المندائي رفض كل مشاهد العنف ضد المرأة والخروج من وضع المرأة كربة بيت أو أم فقط . وإظهار المرأة في الإعلام بما لا يقل عن دور الرجل ، وإبراز دورها الثقافي وإشراكها في المؤتمرات الثقافية المحلية والعالمية لتكون واجهة للطائفة المندائية .

ـ اللغة المندائية من اللغات الآرامية الشرقية القديمة التي اخذت طريقها للأنقراض بسبب ظروف الأضطهاد الديني للمندائيين ولقرون عديدة ورغم الجهود التي تبذل حاليا" لأحيائها من جديد من قبل ابناء الطائفة إلا انها تبقى دون مستوى الطموح بسبب الصعوبات التي تجابههم ، لذا على المعنين بالأمر وخاصة الجهات الإعلامية مواصلة الأتصال  المنظمات الدولية وخاصة منظمة اليونسكو بهذا الشأن ووضع خطة علمية لأيحائها ، وتوفير كافة الأمكانيات اللازمة لتحقيق هذا الهدف .

ـ يعتبر التراث مجموع النتاج الفكري لأبناء الطائفة فهو يعبر عن إبداعاتهم على مر العصور في مختلف المعارف سواء أكان في العلوم الدينية والفلسفة واللغة والأدب والشعر والتاريخ والحكايات والأمثال الشعبية وغيرها من العلوم التي ارتبطت بشكل مباشر مع الانسان وواقعه وحياته اليومية
كما ويعتبر التراث وسيلة ذات أهمية كبيرة لمعرفة خصائص المجتمعات والبحث في عوامل تطور الأمم بالعودة لتراثهم لتفحص خصائصه ولمعرفة أسراره وغموضه ،....
فالتراث المدون هو ذاكرة الشعب ، ودليل هويته وعصارة فكره . فماذا قام الإعلام حول إحياء تراث المندائيين وتأريخهم ؟   وهل نجح الإعلام المندائي لبيان من هم المندائيين ؟  وهل هم شعب أم أمة أم طائفة دينية ؟ وهل ينطبق عليهم شروط الشعب او الأمة ؟  ، وما هي تعاليمهم وتراثهم وطقوسهم الدينية ؟ هذه الأسئلة وغيرها تحتاج الى إعلام قادر على إيصال المعلومة الى المتلقي المندائي قبل غيره من الناس .
واخيرا" فإن الإعلام المندائي بوضعه الحالي يحتاج الى جهود متواصلة وإمكانيا كبيرة وتعاون كافة أبناء الطائفة لتطويره ولأخراجه لحيز الوجود ، إنها مسؤولية الجميع .
4 / آب / 2009   


6
المثقفـون والموقف من دعـاة الثقافـة
لقد جئت الى هذا العالم كي اختلف معه
( مكسيم غوركي )

فائز الحيدر
شهد العراق بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تغييرات في واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وهبت على العراق بعد الحرب العالمية الثانية رياح التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، ونشأ جراء ذلك صراع مرير بين الشعب العراقي بكافة فصائله السياسية وبين السلطة الحاكمة . ولعبت الثقافة العراقية دورا" كبيرا" ومهما" كأداة للتغيير في ذلك الوقت .. كما ولعبت المقاهي الأدبية وروادها من الأدباء والشعراء والفنانين دورا" كبيرا" في رفع الروح الثورية للشعب العراقي ، وبرز الكثير منهم في مجالات الأدب والشعر والقصة والفن يشهد لها بالبنان على الساحة الثقافة العراقية والعربية والدولية ، وأطلق عليهم لقب الرواد الأوائل للحركة الثقافية العراقية أمثال .. جواد سليم ، محمد مهدي الجواهري ، معروف الرصافي ، جميل صدقي الزهاوي ، حسين مردان ، بدر شاكر السياب ، عبد الوهاب البياتي ، عبد الأمير الحصير ، بلند الحيدري ، غائب طعمة فرمان ، لميعة عباس عمارة ، أحمد الصافي النجفي ومصطفى جمال الدين وغيرهم الكثير...
وهنا لابد ان نسلط الضوء اليوم عن ما هي الثقافة ومن هم المثقفون ؟؟ ... فقد لا نجد تعريفا" واحدا" لمعنى الثقافة وهذا يرجع لإختلاف وجهات النظر والآراء بين العلماء والفلاسفة والمثقفين في تحديد تعريف معين للثقافة يوافق عليه جميع العاملين في الحقل الثقافي  ، ويعرَّف الأنثروبولوجي البريطاني ( إدوارد تيلور (الثقافة  بالشكل التالي: ( هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة ، والمعتقدات والفن ، والأخلاق ، والقانون ، والأعراف ، والقدرات ، والعادات التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع )
ورغم كون هذا التعريف شاملا" ودقيقا" لكنه غير مقبول من قبل بعض الأطراف الثقافية ، وقد يكون التعريف التالي مرضيا" من قبل غالبية الأطراف والمثقفين وهــو .. ( الثقافة هي عبارة عن مقاييس أخلاقية ونظرة عامة الى كل جوانب الحياة الروحية والمادية تؤثر على السلوك والعادات وتهدف الى رفع مستوى الإنسان الى الأحسن والأفضل وتتناقل من جيل الى آخر عن طريق اللغة والمحاكاة ويعتبر المثقف هو المرآة التي تعكس هذه النشاطات الثقافية ) .
والمثقف كما يقول ( إدوارد تيلور ) ( هو الفرد الذي لايقف بعلمه واطلاعه عند حد محدود  ... فهو الذي ذاق المعرفة ، وأحبها ، وتأثر بها ، وتهيأ لها ، فأصبح إنسانا" بأوسع معاني الكلمة ، إنسانا" لايحس الغربة في أي وطن من أوطان الناس أو بيئة من بيئاتهم ، ولا يجد القلق حتى يسمع الناس يتحدثون في أي ضرب من ضروب الحديث ) .
وهنا يمكننا القول ان المثقف هو الشخص ( الذي يمتلك قـدراً من الوعي والثقافـة والإطـلاع على الأشكال المتعـددة للثقافة ، وهذا الأمر يتطلب من قبل المثقف عملا" وجهدا" مضاعفا" متواصلاً لحركة التطور لأنواع الثقافـة المتعددة في العالم  )  .ويتصف المثقف بإطلاعه الواسع على الحياة ، و يملك قدرا" معقولا" من التعليم والمعرفة حتى يمكنه من مواصلة الثقافة ، لا يؤمن بالخرافات والتطرف والتعصب ، و يؤمن بالحوار الديمقراطي وأحترام الرأي الآخر ، أن يكون متزنا" ، متواضعا" ، عفيف اللسان ، متسامحا" ، مراعيا"  لمعايير الأخلاق السائدة في الأوساط الثقافية  .
فبعد حالة التصدع والأنحسار التي عاشتها الثقافة العراقية خلال فترة النظام الدكتاتوري السابق استبشر المثقف العراقي في المنفى بزوال القيود التي كبلته لسنوات طويلة اثر عملية التغيير وسقوط الصنم وراح يعيد تنظيم نفسه ويعد برامجه لواقع جديد طالما انتظره لاسيما وقد استقبل التصريحات والخطب والوعود والأماني وحلم الديمقراطية والانفتاح والحرية التي كان من المؤمل أن يعيش في ظلها الجميع .

لكن هذه الآمال سرعان ما تبخرت مع الأسف وانقلبت الأمور من جديد وحدثت مفاجئات غير متوقعة فساد الشارع العراقي العنف نتيجة غياب الجانب الأمني ، وقتل جراء ذلك العديد من المثقفين والعلماء وأساتذة الجامعات كما حدث للشهيد كامل شياع ، كما وهاجر القسم الآخر من جديد إلى منافي شتى وتوزعوا في بقاع متباعدة ، أما من بقي في الداخل فقد انشغل في تدبير أموره الحياتية الصعبة . وهكذا  توقفت مئات المشاريع الثقافية عن التنفيذ وتحولت الأنظار إلى هموم الساعة والقلق من المستقبل المجهول .
ومن هذا يمكننا ان نلمس اليوم حقيقة الوضع المزري الذي يعيشه الوسط الثقافي والأدبي والإعلامي العراقي الذي لا يمكن فصله عن المأزق السياسي الذي يمر به الوطن وهو تحت وطأة الأحتلال وهيمنة الأحزاب الدينية والطائفية المتخلفة ، حيث انحسرت الثقافة بكل أشكالها . وظهرت ثقافات بديلة مثل ثقافة الأرهاب ، التطرف ، العنف ، الثقافة الطائفية ، وثقافة إنهاء الآخر ، تلك الثقافات التي أوقفت التقدم الثقافي وشلت الحياة الثقافية ، وانتشرت ظاهرة الخطف والتهديد والأبتزاز والتصفيات الجسدية لرموزها ، الى جانب غياب الرؤية الواضحة للحكومة وأحزابها الطائفية في المجال الثقافي الأمر الذي يؤدي إلى استحالة قيام المثقفين بمهامهم الثقافية .

فالوسط الثقافي والإعلامي يمر اليوم بمحنة كبيرة نتيجة تسلط القوى الدينية والطائفية ، حيث أحتلت الساحة الثقافية العراقية وجوه جديدة لا تمت للثقافة بصلة ، وساهمت في تشويه المعالم الثقافية الأصيلة وما بقي منها على مجمل الساحة الثقافية . فبعد كل هذه السنوات لم يتحقق غير الصراع والتنافس على المناصب واقتسام المواقع والفساد المالي والأداري عبر ممارسة صيغ التوافق والمحاصصة الطائفية المقيتة واستبعاد الأساتذة والأكاديمين والمثقفين وأصحاب الخبرة ، وغزت الأسواق الأدبية الكتب الدينيـة والخرافية والأساطير التي تروج للطائفية والثقافة المتخلفة من بلدان الجوار ، ومنعت الأغاني والموسـقى والرقص الشعبي وحتى مراسيم حفلات الزواج كما وأغلقت دور السينما وحوصرت المهرجانات الأدبية والمسرحية والشعرية ومنها مهرجان المربد السنوي ، وأصبح الركض خلف المال والتزوير الثقافي هو البديل عن الأعمال الإبداعية من خلال الفساد الأداري والمالي الذي يعم الوطن .
وبما ان المثقفين هم شريحة اجتماعية ضمن فسيفساء المجتمع المتنوع وعاشوا في مجتمعات متباينة متخلفة أحيانا" فقد حمل البعض منهم رواسبا" وأمراضا" نفسية عديدة منها مرض الطائفية والأنـا واصبحت هذه الأمراض صفة ملازمة لشخصية العديد منهم.. وفي ظل هذه الفوضى في الواقع الثقافي ، تأثر البعض من المثقفين بالأوضاع السياسية التي يمر بها الوطن ، ففقد البعض من الكتاب والشعراء والأعلاميين والصحفيين سمعتهم الثقافية ، وانعدمت شخصيتهم وفقدوا استقلاليتهم بعد ان باعوا أنفسهم لمؤوسسات السلطة الثقافية الطائفية ، وتحولوا الى دمى يتلاعب بهم هذا المسؤول أو ذلك التيار السياسي أو الديني أو الطائفي ، وأصبح المثقف العراقي يعيش صراعا" بين حريته ورسالته الثقافية وبين الأرهاب والقتل على أيدي مليشيات العمائم المتخلفة ودعاة الثقافة التي سيطرت على الساحة الثقافية العراقية ، فمنهم من فر بجلده الى خارج الوطن ليواصل من هناك رسالته الثقافية بعيدا" عن إرهاب السطة وتوجهاتها الثقافية ، ومنهم من ألتزم الصمت وقبل بالأمر الواقع وهم القلة بالطبع ، ومنهم من باع قلمه لقاء اجور زهيدة ، وهناك من أصطف طائفيا" ويصفق للفكر الديني الطائفي والعشائري المتخلف ، وهناك من تخلى عن فكره المثقف الواعي واستقلاليته واصبح يهتف للحاكم والأفكار المتخلفة التي تغزوا الشارع لقاء امتيازات بسيطة .. أما المثقفين الجهلة ومن دعاة الثقافة فقد أحتلوا المراكز الأساسية في الساحة الثقافية وفق المحاصصة الطائفية .
ومن البديهي ان يدرك هؤلاء الجهلة والمتسلطين اليوم على واقع الثقافة في الوطن دور المثقفين المعارض في المنفى ، وما يقومون به من نشاطات ثقافية وأدبية وفنية وكلمات صادقة تعبر عن محنة الوطن الثقافية ، فراحت تمد أياديها الخبيثة تحت اسماء وشعارات مختلفة لتسئ لما يكتبه هذا أو ذاك من المثقفين والفنانين والأدباء في محاولة لأعاقة العمل الثقافي والتشويش عليه واحلال العهر الثقافي والفكري مكانه ، وذلك بمواصلة الضغط والتهميش ، ومن خلال تدمير من بقي منهم تحت ضغوطات الحياة في المنفى ووضع العراقيل امام عودتهم للوطن ليعيشوا طيلة حياتهم في حالة إغتراب طالما يقولون ( كلا ) لدعاة الثقافة المتخلفة .
لقد شاءت الصدف أن أحضر جانبا" من أحدى اللقاءات الأدبية ، لألتقي  بأحد دعاة الثقافة الطائفيين الجهلة الذين يتحملون اليوم مسؤولية كبيرة في وزارة الثقافة ، ، وفي هذا اللقاء سمعته يتحدث عن تطور الثقافة العراقية والأهتمام بالمثقفين من قبل وزارته وظرورة عودتهم الى الوطن ، وانه يستنكر أرهاب السلطة والقمع الثقافي للمثقفين ، ويطالب بحرية الرأي والأختلاف والحوار الديمقراطي ، وتعتقد عند سماعه للوهلة الأولى إننا امام مثقفا" كبيرا" عانى من الأضطهاد والظلم والرأي الواحد كبقية المثقفين ونسب الى هذا المنصب عن جدارة . ولكن عند طرح بعض االأسئلة عن واقع الحياة الثقافية والمثقفين في الوطن ، تسمع أجوبته التي تدل على مستواه وضحالة ثقافته وطائفيته ، فعن رأيه بالكتاب والأدباء والشعراء العرب في هذا الوقت ، يبدأ بالأبتسامة وكأنه خبير بمجمل الثقافة والمثقفين العرب وهو يلتفت يمينا" ويسارا" محاولا" جذب انتباه المحيطين به ويحرك رقبته يمينا" ويسارا" ويتنحنح قليلا" ، واضعا" يده اليمنى على كرشه الكبير وبيده اليسرى ما تبقى من سكارته ليقول ماذا تريد ان تسمع عنهم ؟ ان هؤلاء المثقفين غالبيتهم من الفاشلين ، هم ادباء الوطن العربي المتخلف يكررون ما مضى من التأريخ وليس لهم أي شئ جديد .
وعن رأيه بالشاعر الكبير ( الجواهري ) ، فيجيب بسرعة ، انه شاعر كلاسيكي عرف بعد مقتل أخيه ( جعفر ) ولا يمثل غير دعاية للشيوعيين ، وعن الشاعر ( مظفر النواب ) ، يقول ان شعره لا يفهمه إلا المحيطين به من الناس ولا يفهم بالشعر شيئا" ، وعن شاعر المقاومة ( محمود درويش ) يقول انه شيوعي معروف ولولا دعاية حزب الشعب الفلسطيني لما وصل شعره للجماهير الفلسطينية ، وعن الشاعرة المندائية ( لميعة عباس عمارة ) ودواوينها السبعة لأجاب أنها صابئية مندائية وشعرها عبارة عن دعاية للمندائيين ، وعن الكاتب ( عزيز سباهي ) ومؤلفاته العديدة وآخرها كتبه الثلاث ( عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي  ) فيجيب انه لم يسمع عنه ، ولم يقرأ له شيئا" ، وعلمت ان ما ذكره في ثلاثيته قد كتب سابقا" من قبل القادة الشيوعيون الأخرين في مذكراتهم ، وعن العالم المندائي  ( عبد الجبار عبدالله ) ،  فيقول ان ما توصل له من أبحاث علمية لا يمكن تطبيقها في الواقع العملي وحاز على سمعة أكثر مما يستحق ، وعندما تسأله عن آخر ما قرأ وماذا كتب أخيرا" فيقول لا شئ في السوق يستحق القراءة هذا اليوم وانه توقف عن الكتابة احتجاجا" على الثقافة الهابطة والأوضاع السائدة . وعن رأيه وعلاقته بالمثقفين الآخرين فيرد انه لا يحبذ الجلوس معهم لما يحملونه من نرجسية عالية .
شجع حوارنا هذا بعض الأخوة وتوسعت دائرة المهتمين بالثقافة وبدأ الحوار الديمقراطي الذي يدعوا له فبدأ كلامه ببعض الآيات القرآنية وبعض أقوال الأئمة وبعض الحكم والمصطلحات حاملا" مسبحته بيده مؤكدا" قول الشاعر ( اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ) وانه يؤمن بالحوار الديمقراطي وسبق له ان تعرض شخصيا" للأضطهاد بسبب آراءه تلك وجسمه يحمل آثار التعذيب ، وسبق وان اختلف فكريا" مع هذا وذلك من المثقفين العراقيين والعرب ، وعندما يفرغ ما في جعبته من كلام فارغ  يدعوا الأخرين لأبداء آرائهم في الحوار وبما طرحه من آراء ، ولكن ما ان تطرح رأيك المخالف حول مقتل مستشار الثقافة العراقية الشهيد كامل شياع مثلا" والتغطية على الجريمة من قبل الحكومة بحجة مواصلة التحقيق ، حتى يكفهر وجهه وتتغير ألوانه ويترك مسبحته وسكارته وترتجف شفاه وتكتشف انك امام جلاد من نوع آخر . وقبل ان تكمل ما تود ان تقول حول اسلوبه في المديح المبالغ به لنفسه والتقليل من قيمة المثقفين العراقيين والعرب وما هو تأريخه الثقافي ونشاطاته الثقافية ؟ تراه قد كشر عن أنيابه وتهيأ للهجوم ويتحول الى موضوع آخر ، وعندما تذكره بما قاله قبل قليل حول الحوار الديمقراطي بين المثقفين وأحترام الآخر وقول الشاعر الذي استند عليه يتهمك بعدم المعرفة وبالكفر والألحاد والزندقة والعمالة وغيرها من النعوت .
وأذا كان هذا هو واقع حال دعاة الثقافة والمتسلطين على الساحة الثقافية العراقية ، يمكن ان نتصور واقع الثقافة المزري هذه الأيام . وهنا يأتي السؤال الى متى يستمر الحال ؟ وما هو موقف المثقفين مما يجرى ؟

إن واجب المثقفين اليوم هو توحيد الشعب والوطن بعيدا" عن الطائفية والقومية ، فهم أداة الأنفتاح على الثقافة الديمقراطية ، وعليهم تقع مسؤولية تنقية الثقافة العراقية من كل التشوهات التي دخلت عليها وأنشاء ثقافة أصيلة تشارك فيها كل القوى المثقفة في المجتمع بعيدا" عن تدخل السلطة وتأثير رجال الدين ، وممارسة  ثقافة الحوار والتسامح والأعتراف بالآخر ، ورفع الوصاية بكل اشكالها علي الانشطة الثقافية ، والأعتماد على الكفاءات في اختيار الكوادر الثقافية وألغاء التقاليد المتخلفة التي غزت المجتمع وبرز من خلالها المثقفين الاميين والجهلة ممن استلموا المواقع السياسية والثقافية بحكم ما يملكون من تراث طائفي وعشائري متخلف ولكي تكون الثقافة مرآة عاكسة لكل مكونات المجتمع وهمومه بعد ان غابت عنه طويلا" بسبب غياب الديمقراطية والنظام الديمقراطي وحل محله النظام الطائفي والعشائري المتخلف .

21 / تموز / 2009



7
من الذاكرة

طفولة وذكريات
في الذكرى الحادية والخمسين لثورة 14 تموز / 1958
فائز الحيدر

قد يكون من الصعوبة أن يتذكر المرء أحداث وقعت قبل سنوات قليلة ، فكيف بحدث قد مر عليه أحدى وخمسين عاما" ونحتفل به نحن العراقيين كل عام ، واقصد هنا بالذات ثورة الرابع عشر من تموز / 1958  فرغم هذه السنين فلا زلت اعيش تلك الأيام بساعاتها واحداثها التي حفرت في الذاكرة  .
ترعرعت بأحضان عائلة وطنية تقدمية ، ساهمت بالرغم من صغر سني في النضال الوطني مع اني لا أملك حينها ذلك الفهم والأدراك الكامل للأوضاع السياسية المعقدة والسائدة في تلك الفترة في الوطن ، وكان الحس الوطني يجعلني اتابع واشارك في بعض الأحداث أسوة ببقية المواطنين من أبناء الشعب بغض النظر عن أعمارهم ، اتذكر مشاركتي الأولى وأنا في العام الحادي عشر من عمري مع الآلاف من المتضاهرين في انتفاضة عام 1956 التي أندلعت تضامنا" مع الشعب المصري ضد العدوان البريطاني الفرنسي الأسرائيلي جراء تأميم مصر لقناة السويس ، كنت والمئات من أبناء الشعب البواسل من الأطفال والنساء والشيوخ في ساحة باب المعظم التي تحولت الى ساحة معركة حقيقية بين قوات الشرطة السيارة وقوى الأمن من جهة وبين الطلبة وبقية قطاعات الشعب المنتفضة من جهة أخرى ، كنا نسمع ونتابع الأضرابات والأعتصامات التي يقوم بها الطلبة في الجامعة ، لذلك كانت مهمتنا نحن الأطفال جمع الحجارة من الأرصفة والأزقة المجاورة وتهيئتها ومن ثن أيصالها من خلف جدران الكليات الى الطلبة المعتصمين في كليات القانون والآداب والأقتصاد ودار المعلمين العالية للبنات والهندسة لتي كانت متجاورة للبعض في ساحة باب المعظم في ذلك الوقت ، لغرض مقاومة الشرطة الملكية التي استعملت القوة المفرطة ضد المتضاهرين والمعتصمين في حين كانت مهمة النساء تجهزهم بالخبز والمياه والهلاهل . لقد تركت تلك الأيام وأحداثها ذكريات لا تنسى في الذاكرة رغم مرور أكثر واحد وخمسون عاما" عليها ومنذ ذلك الوقت عرفت حب الشعب والوطن وبدأ يزداد لدي الحس الوطني المعادي للنظام الملكي خاصة وان اعداد ليست بالقليلة من المناضلين العراقيين قد قتلوا أو دخلوا المعتقلات والسجون بسبب نشاطهم السياسي وأخلاصهم للوطن .
محاولة أغتيال الملك فيصل الثاني
وقبل ان ندخل تفاصيل معايشتي لأحداث اليوم الأول لثورة 14 تموز عام 1958 بساعاتها وتفاصيل ما حدث ، لا بد من العودة لعام 1957 أيضا" والتطرق لأحداث جرت في ذلك العام ، ولم أكن حينها قد تجاوزت عامي الثانية عشرة من العمر وفي المرحلة النهائية للدراسة الأبتدائية في مدرسة التضامن الأبتدائية في محلة الدوريين قرب مستشفى الكرامة في الكرخ . كانت من عادة موكب الملك فيصل الثاني أن يتوجه الى عمله الرسمي في البلاط الملكي الواقع في منطقة الكسرة في الأعظمية . أن يأخذ مساره من قصر الزهور أو قصر الرحاب مارا" بشارع دمشق فساحة المتحف ، فعلاوي الحلة ، ثم يسارا" الى الشارع الموازي لشارع الشيخ معروف والذي تقع في وسطه مدرستنا ( مدرسة التضامن الأبتدائية ) ، ثم الشارع المحاذي لمقبرة الشيخ معروف ومنها عبور جسر الصرافية الحديدي ومن ثم الى منطقة الكسرة في الأعظمية حيث البلاط الملكي ، وطيلة سنتين لي قضيتها في هذه المدرسة كنا نشاهد بين فترة وأخرى ومن خلف سياج المدرسة قليل الأرتفاع الموكب الملكي وهو يمر ببطئ في حوالي الساعة التاسعة صباح كل يوم تقريبا" ونكون نحن الطلبة في فترة الأستراحة الأولى بعد الدرس الأول ، حيث تجرى للموكب التحضيرات الأمنية في الشارع يسبقه وعلى بعد عدة مئات من  الأمتار عدد من افراد الحرس الملكي بزيهم الأبيض المميز وخوذهم المعروفة وهم يستقلون الدراجات النارية ، ويحيط بسيارة الملك ما يزيد عن تسعة من افراد الحرس الملكي بدراجاتهم أيضا" ، ثلاثة منهم أمام السيارة وأثنان على جانبيها وثلاثة في المؤخرة مع انتشار بعض افراد الشرطة ورجال الأمن هنا وهناك في كل محلة يمر بها .








في صباح أحد أيام شهر نيسان من عام 1957 كنت متوجها" الى المدرسة كالعادة وجلب أنتباهي وعلى الأرض حجرة كبيرة)  حصوة ) يقدر وزنها بربع كيلوغرام مصقولة وذات ألوان جذابة وكأنها من صنع نحات مميز ، حملتها معي الى المدرسة وانا فرح بها لغرابتها وألوانها الجميلة ، بمرور الوقت أحسست بثقلها وقررت التخلص منها رغم أعتزازي بها ولكن كيف ؟ والكل يتمنى ان يحصل على هذه التحفة الزاهية ، دقائق من التفكير قد مرت بسرعة البرق ولا أدري كيف خطرت ببالي فكرة رميها على الموكب الملكي عند مروره هذا اليوم من أمام المدرسة غير مباليا" خطورة وتبعات عملي هذا .
وفي وقت مرور الموكب وبعد ان شاهدت الدراجة النارية الأولى للحرس التي عادة ما تسبقه بعدة مئات من الأمتار للأطمئنان على الوضع الأمني ، صممت على تنفيذ المهمة مهما كانت تبعاتها دون ان ادع أحدا" من الطلبة ينتبه لي ، كان جميع التلاميذ قد أصطفوا كالعادة بجانب سياج المدرسة لمشاهدة الموكب ، توجهت خلسة الى أحد اركان المدرسة اليمنى والقريبة من الأدارة وبحذر شديد رميت الحجارة على الموكب وحسب الصوت الصادر من الدراجات النارية المرافقة للملك وعدت مسرعا" مندسا" بين بقية الطلبة المصطفين على السياج وهم يصفقون للملك وكأن شئ لم يحدث ، أصاب الهرج الموكب الملكي بعد ان أصابت ( الحصوة ) مقدمة السيارة ، وتعالت أصوات وصافرات وزادت السيارة الملكية من سرعتها يحيط بها الحرس الملكي في حين رفع بعض افراد الشرطة اسلحتهم النارية تحسبا" للطوارئ . بعد ثوان  من الحدث دخلنا الدرس الثاني مسرعين وقد أصابنا الخوف والرعب .
لم تمض اكثر من نصف ساعة ونحن داخل الصف حتى أقتحمت قوة من رجال الشرطة والأمن المدرسة وأدارتها وطلب من كافة المعلمين التوجة لغرفة الأدارة وتم احتجازهم وبدأ التحقيق معهم وخاصة مع المعلمين المعروفين بميولهم الوطنية لكون إن أحد أفراد الحرس الملكي قد شاهد ان مصدر الحجارة كان من المدرسة . ، وبعد نصف ساعة تقريبا" طلب من كافة الطلبة الأصطفاف في ساحة المدرسة وبدأ ضابط شرطة وبرتبة رائد يهدد الجميع بما فيهم أدارة المدرسة ويستعمل كلمات نابية ويتحدث عن ( محاولة لأغتيال جلالة الملك المفدى ) ويطلب من التلاميذ تزويده بأي معلومات عن الفاعل لكن دون جدوى . وبعد حديث طويل وتوجيهات استمرت لفترة طويلة طلبت ادارة المدرسة من كافة الطلبة العودة الى بيوتهم وحتى اليوم الثاني على ان تقوم الشرطة بتحقيق مطول فيما بعد .
عدت فرحا" للبيت لأنقل ما جرى للأهل والجميع غير مصدق ما عملته وتحدثت به أمامهم مع توصية الوالد ان يكون الأمر سرا" لكونه يسبب خطرا" كبيرا" على جميع أفراد العائلة ومثقفيها المحسوبين على التيار الوطني اليساري حينها . بعد تلك الحادثة لم نشاهد الموكب الملكي يمر من امام المدرسة ويبدوا ان خط سير الموكب الملكي قد تغير لأسباب أمنية .
في درس العلوم وكما يسمى في ذلك الوقت ( الأشياء والصحة ) طلب مني المعلم ( وصفي ) المعروف بميوله الوطنية بين المعلمين ، مقابلته لأمر هام بعد أنتهاء الدرس وفي قاعة المرسم ، كنت خائفا" ومرتبكا" للغاية وخاصة من دعوته الغريبة الغير عادية رغم علاقتي الجيدة به ، وسألني فيما أذا كنت قد شاهدت من رمى الحجارة على سيارة الملك ؟ وكان جوابي طبعا" بالنفي ، ثم عاود سؤاله هل انت متأكد من ذلك ؟ وكان جوابي بالنفي أيضا" ، وعندها مد يده اليمنى ومسك  أذني اليسرى وأخذ يعصرها بقوة وهو يقول لا داعي للكذب لقد شاهدتك من خلف نافذة الأدارة وأنت ترمي الحجرة على الموكب ، واستمر يتحدث وهو ما زال يعصر أذني بقوة وهو يقول .. أولا" ان أرت ان تفعلها ثانية فعليك ان لا تدع احد يشاهدك مهما كان هل فهمت ، وثانيا" عليك ان تكون دقيقا" في التصويب في المرة التالية حتى تكون الأصابة موفقة أكثر ، وثالثا" لا تخف فسيكون الأمر سرا" بيننا . الحقيقة لم أكن أتوقع ما حدثني به المعلم وصفي وأستمرت علاقتي به لسنوات طويلة وهو يناديني داخل الصف بالبطل دون ان يفهم بقية التلاميذ ما يعني بذلك ، وفي السنة التالية وبعد ثورة 14 تموز كنت قد تخرجت من الأبتدائية ودخلت المتوسطة ، وفي احدى زياراتي للمدرسة قدمني لزملاءه في أدارة المدرسة ضاحكا" ... أتعرفون من هذا البطل الشاب ؟ أنه من أراد أغتيال الملك في السنة الماضية وتحملنا نحن تبعات عمله هذا وسط ذهول وضحك جميع المعلمين ومن كان في الأدارة .
 
ثـورة 14 تمـوز / 1958
لقد أجمع المؤرخون على وجوب كتابة التأريخ بحيادية والأبتعاد عن الأراء الشخصية لكي يكون سجل للأجيال القادمة كي تتعلم منه بصورة صحيحة دون التاثر بآراء المؤرخ الشخصية وفكره السياسي او الطائفي ، فالتأريخ هو ذاكرة الشعوب . لقد أختلفت الروايات وتناقضت التصريحات عن أحداث ثورة 14 تموز / 1058 ، وكيفية تنفيذها وظروف مقتل العائلة المالكة ، وكتب الكثير من الكتاب والباحثين والدارسين عشرات المقالات عن هذه الثورة وغالبيتهم اعتمد في كتاباته على روايات منقولة عن مصدر واحد ، أو أشخاص متعاطفين مع العائلة المالكة كان غرضهم الأساسي تشويه الثورة كما فعل السيد فالح حنظل الضابط في الحرس الملكي في ذلك الوقت ، والبعض الأخر سمعوا عنها من مقربين لهم دون ان يساهموا بها واصبحت أرائهم معتمدة للكثير من الدارسين رغم عدم دقتها . وهناك البعض من المساهمين بالثورة فعليا" قد كتبوا عن الثورة حسب دور كل منهم في تنفيذها وما جرى من مفاوضات مع الحرس الملكي والعائلة المالكة والتي استغرقت حوالي الساعتين وما جرى بعدها من تطورات أدت الى مقتل الملك وعبد الأله وبعض افراد العائلة المالكة . ومع ذلك فهناك الكثير من الأسرار التي لم يتم لأحد التوصل الى معرفتها لحد اليوم .
والغريب ان البعض ممن كتبوا عن الثورة لم يميزوا حتى بين قصر الرحاب الخاص بعبد الأله الواقع في الجهة اليمنى من نهاية شارع دمشق وبالقرب من جسر الخر وبين قصر الزهور الخاص بالملك فيصل الثاني والواقع في الحارثية وفي الطرف المقابل لقصر الرحاب بجانب ثكنات معسكر الحرس الملكي والذي لم تصله الجماعير يوم الثورة ، ففي ليلة الثورة كان الملك فيصل الثاني قد قضى ليلته مع خاله عبد الأله وبقية العائلة في قصر الرحاب أستعدادا" للسفر الى تركيا ، وبذلك كانت فرصة موفقة لقادة الثورة في محاصرتهم فيه .
 وما اكتبه اليوم من ذكريات هي شهادة واقعية لليوم الأول للثورة كما عشتها بساعاتها والأيام التالية لها وما يتناسب مع عمري في ذلك الوقت .
بعد أنهاء دراستي للمرحلة الأبتدائية وفي العطلة الصيفية تعوت النهوض صباح كل يوم مبكرا" لأرافق الوالد ذاهبا" الى العمل . كان صباح يوم الأثنين الرابع عشر من تموز / 1958 يوما" هادئا" لطيفا" بنسيمه العليل ونحن نقضي ليلتنا على سطح الدار كأي أسرة عراقية . في ذلك الصباح وفي الساعة السادسة تقريبا" استيقظت فزعا" وليس كعادتي بعد سماع رشقات لأسلحة رشاشة وبعد ثوان تبعتها رشقات أخرى ، أيقضت الأهل مسرعا" وأسرعت الى جهاز الراديو لنستطلع الخبر ، ليس هناك سوى البرامج الأعتيادية  مما يدل على ان هناك شئ غير طبيعي لم يصل الى الأذاعة بعد ، وبعد مرور ما يقارب العشرة دقائق سمعنا رشقات لأسلحة رشاشة أخرى صادرة عن بعد وأخرى عن قرب مع سماع اصوات وهتافات غير مفهومة ، تركت البيت مسرعا" الى ساحة المتحف القريبة لأستطلاع الخبر وشاهدت الآلف من المواطنين وهم يتحدثون عن الثورة وسقوط النظام الملكي .عدت مسرعا" لأخبر الأهل بما شاهدت ولنتابع ما يصدر من بيانات للثورة ، وبعد دقائق أستمعنا الى البيان الأول للثورة على لسان العقيد عبد السلام محمد عارف كما علمنا فيما بعد ، وبعد نصف ساعة أعيد البيان مرة أخرى وتلتها دعوة للعقيد عبد السلام مجمد عارف وهو يدعوا الجماهير للتوجه لقصر الرحاب (  لدك أوكار الخونة ) ، طلب الوالد منا جميعا" الهدوء لغاية معرفة الأمر عن كثب فلربما هناك محاولة أنقلابية فاشلة كما حدث سابقا" لأسقاط النظام الملكي . اسرعت ثانية الى ساحة المتحف لأستطلع   آخر تطورات الوضع فشاهدت الآلاف من الجماهير وهي تسير بأتجاه شارع دمشق المؤدي لقصر الرحاب حيث يدعوا البيان الأول للثورة والجميع يهتف بحياة الثورة والموت للطغاة .عدت مسرعا" للبيت لأخبر الأهل بما شاهدت من جديد ولأخبرهم بنجاح الثورة ، طلب منا الوالد عدم مغادرة البيت والأستماع الى الراديو خوفا" على حياتنا من المجهول ، وفي غفلة من الوالد قفزت لأتناول رغيفا" من الخبز وخرجت مسرعا" حيث حشود الجماهير وهتافاتهم .





 في تلك الأثناء وصلت قوة عسكرية صغيرة مكونة من بضعة أفراد وأخذت لها موقع قدم في الساحة ، خيمة عسكرية خاكية اللون مع بضعة جنود ومدفع مضاد للجو مع طاقمه الذي لا يزيد عدده عن عدد الأصابع ، وأخذ أحد الجنود وضع الأنبطاح واضعا" أصبعه على زناد رشاش آلي قديم من مخلفات الحرب العالمية الثانية ، الجماهير تواصل مسيرتها بأتجاه قصر الرحاب وقد أصابهم الذهول لسماعهم البيان الأول للثورة والبعض الأخر فرحا" يهنئ من بجانبه ليعبر عن سعادته وآخرون لزموا الصمت لربما ينتظرون نتائج الثورة وأستقرارها  .
الساعة تشير الى ما قبل التاسعة صباحا" وبالقرب من ساحة المتحف ووسط الجموع الغفيرة لمحت دبابتين تتوجهان بأتجاه القصر قادمة من معسكر الرشيد وعلى ظهر أحدها كان أبن العم الملازم الأول جبار خضير الحيدر مع ضابط آخر هو الرائد أبراهيم كاظم الموسوي بعد ان جاءت التعليمات لهم بالتوجه لقصر الرحاب لدعم القوة المهاجمة ولأسكات المقاومة هناك ، حييته وحاولت الصعود على ظهر الدبابة وهي تسير ببطئ من شدة الفرح وسط حشود الجماهير ولكني لم أفلح في ذلك .
يقول أبن العم النقيب المتقاعد ( جبار خضير الحيدر ) في الذكرى الخمسين للثورة ( كما وصل في الوقت ذاته عدد من الدبابات آتية من معسكر الرشيد عبر جسر الجمهورية بقيادة الرائد الشيوعي الشهيد ( ابراهيم كاظم الموسوي ) الذي استشهد على يد البعثيين يوم 8 شباط الاسود عام 1963 ، كنت اعرفه جيدا" ، ركبت معه في نفس الدبابة ، وزميلي النقيب نعمة صعد في الدبابة الثانية وتوجهنا نحو قصر الرحاب حسب طلب العقيد الركن عبد السلام عارف ، مررنا بساحة المتحف التي كانت مكتضة بالجماهير الثائرة تهتف بحياة الجمهورية وقادتها ، لا يوجد عتاد في الدبابات ، فاخذنا غدارات الجنود داخل الدبابة ولكن دون عتاد ايضا ، وعند وصولنا الى قصر الرحاب وجدنا ان المقاومة قد انتهت بفعل قوة المهاجمين الابطال الذين هم ضباط من مدرسة الاسلحة الخفيفة والتي آمرها الزعيم المرحوم ( ابراهيم الجبوري )  (1)
الآلاف من الجماهير تأخذ طريقها نحو قصر الرحاب ، وتزداد الحشود كثافة كلما تقدمت الى الأمام ، قبل ان نصل الى مفرق المنصور ، سمعنا رشقات لأسلحة رشاشة وأخرى فردية متباعدة وتلاها صوت أنفجارين هزت أجواء المنطقة آتية من موقع قصر الرحاب الذي لا يبعد عنا سوى نصف كيلومترا" ، أصبت بالتعب والأعياء لشدة الأزدحام وحرارة الجو ولم اتمكن من المواصلة وقررت العودة , خاصة وان بعض الجنود وقفوا حائلا" دون وصول الجماهير للقصر لكون ان المقاومة من داخل القصر لا زالت مستمرة ، والبعض من الجماهير يسأل هل نجحت الثورة ؟ ما مصير الملك وعبد الأله ونوري السعيد ؟ من هم قائدة الثورة ؟ .
لم نعد نسمع بعد الأنفجارين العنيفين أية اصوات لأعيرة نارية وهذا يعني ان المعركة قد حسمت لصالح الثورة وكانت الساعة تقترب من الثامنة صباحا" أو ما بعدها بقليل ، سيارات عسكرية ومدرعات محملة بالجنود لا زالت تتوجه نحو القصر لدعم الثوار والبعض الآخر قادمة منه بالأتجاه المعاكس لشارع دمشق ، كانت هناك مدرعة عسكرية ومجموعة من الجنود بأسلحتهم الرشاشة وضعت عند الباب الرئيسي لمعسكر الوشاش ( منتزه الزوراء حاليا" ) بعد ان تمت السيطرة عليه من قبل الضباط الأحرار والمراتب المؤيدين للثورة ، وعلى بعد عدة مئات من الأمتار من الباب الرئيسي للمعسكر هناك جماهير غاضبة تحيط بسيارة خاصة صغيرة حمراء اللون تحمل ارقام أجنبية وبداخلها أثنين من الأجانب ( وهذا خلاف لما يقوله فالح حنظل من ان السيارة كانت تحمل أجنبي واحد فقط ) تحاول الجماهير أخراجهم منها وقد أغلقوا أبوابها ، لم نعرف من هؤلاء الأجانب ولمن تعود هذه السيارة ، العديد من الجنود وبعض المدنين يحاولون الحفاظ على حياتهم وأبعاد الجماهير الغاضبة عنهم . واصلت مسيرتي نحو ساحة دمشق قرب المحطة العالمية وقد أصابني الأعياء ولم أتمكن من السير بفعل الحرارة الشديدة  ، جلست في المتنزه الواقع في الركن المقابل للمحطة لبعض الوقت والذي سمي بعد الثورة بمنتزه 14 تموز . ومن ثم عاودت السير بأتجاه ساحة المتحف .
الساعة تشير الى ما يقارب الحادية عشرة صباحا" ، المئآت من الجماهير متوجهة نحو ساحة المتحف قادمة من جهة المحطة العالمية وهي تحيط بشئ ما وسط الهتافات العالية ، دخلت وسط هذه الجموع الغاضبة لأرى جثة ممزقة لأنسان عاري ذو جسم ابيض مصفر وكأنه لم يرى الشمس وقد فقد كل الدماء الموجودة فيه من كثرة الطعنات والجروح ، كانت هذه الجثة تعود للوصي عبد الأله خا الملك وقد ربط بحبلين أحدهما حول الرقبة والآخر ربط من تحت الأبطين ، وبالرغم من كل شئ فملامح عبد الأله كانت واضحة لمن رآه سابقا" وهو مفتوح العينين ، الجثة المشوهة وعبارة عن شحم ابيض يعلوه وجه عبد الأله ، انهالت عليه ركلات الحشود بالاقدام وصاح أحدهم هذا جزاء الخونة وأخذ ينهال بحذاءه على الجثة ، أخر سحب خنجره وطعن الجثة بعدة طعنات وهو يصيح هذه لأخي الشهيد ، العار للقتلة الخونة ، واصلت مسيرتي مع الجموع وأنا انظر الى الجماهير الغاضبة الفاقدة للشعور والأنضباط في تلك اللحظات ، وكلما تقدمت الحشود الى الأمام صادفتهم الجماهير الهائجة والغاضبة القادمة من احياء مجاورة لتلقي نظرة او ضربة او طعنة آلة حادة في الجثة ، الحرارة تزداد تدريجيا" والجماهير تواصل سحل جثة عبد الأله نحو علاوي الحلة ومن ثم شارع المأمون المؤدي الى جسر الشهداء ، وأمام مخزن أحذية باتـا المقابل ( لفندق المأمون ) (2) توقفت الحشود والسحل وصعد أثنان منهم الى الطابق الثاني من الفندق ومن شرفته رموا حبلين تم ربط الجثة التي تقطعت بعض أطرافها وتم رفعها الى ما فوق الشرفة بحوالي المترين وبقيت هناك لفترة اكثر من ساعة وبعد انزالها تركت آثارا" على شكل بقعة دهنية واضحة على جدار الفندق لفترة طويلة كنت اشاهدها كلما مررت من امام الفندق ولأشهر طويلة ، في ذلك الحشد والحرارة الشديدة والروائح المختلفة والعرق المتصبب من الأجسام المتراصة مع بعضها أصبت بالأعياء ولم أستطع التنفس وأخرجت نفسي بصعوبة من بين الحشود متوجها" لمنطقة الشواكة حيث السفارة البريطانية وتمثال مود المنتصب أمامها . بينما واصلت حشود الجماهير سحل الجثة بعد انزالها متوجهة نحو وزارة الدفاع مرورا" بجسر الشهداء كما سمعت فيما بعد .
وبعد عدة أشهر من الثورة حصلت من أحد  الأقارب على مجموعة أسنان مع جزء من اللثة حصل عليها من فك عبد الأله بعد ان تكسرت جمجمته وتناثرت أسنان الفكين ، كانت عبارة عن أربعة أسنان ، أثنان منها محشوة بالبلاتين ، وقد أحتفظت بهذه الأسنان في مادة الفورملدهايد لغاية السبعينات من القرن الماضي ومع الأسف لم اتمكن من الأحتفاظ بها حيث تخلصت منها بسبب تكرار عمليات الدهم والتفتيش  من قبل قوى الأمن لدارنا وقد تكون مستمسكا" يدخلني في مشاكل فيما لو وقعت بأيديهم  .











في الشواكة حيث ينتصب تمثال فاتح بغداد في 11 / تموز / 1917 الجنرال الأنكليزي مود وبملابسه العسكرية ممتطيا" حصانه في ساحة صغيرة أمام السفارة البريطانية ، انه رمز لأحتلال العراق من قبل بريطانيا ، ( أصيب الجنرام مود بمرض الكوليرا وتوفي في 18 / تشرين الثاني / 1917 ودفن في مقبرة الأنكليز في باب المعظم في بغداد ) ، شاهدت جندي عراقي يمسك رشاشة ميدان ثقيلة نوع فيكرس منبطحا" على الأرض بجانب الساحة الأيمن ، باب السفارة مفتوح على مصراعيه ، السيارة الحمراء الخاصة التي شاهدتها قرب معسكر الوشاش كانت متوقفة في مدخل السفارة وعلى بعد عدة امتار من الباب الرئيسية ، المئات من الجماهير تحاول أسقاط هذا النصب ، مستخدمة المطارق والفؤوس دون جدوى ، كانت البداية تحطيم وأزالة اللوحة البرونزية المثبتة على مقدمة قاعدة النصب الكونكريتية ، وبقي التمثال عصي عن السقوط رغم كل المحاولات ، وضعت عدة سلالم خشبية على الجانبين وتسلق العديد من المواطنين وربطوا حبال غليظة وسلاسل حول أماكن ضعف التمثال وحاولت الجماهير اسقاط التمثال دون جدوى ، بعد عدة محاولات فاشلة توجهت سيارتين حمل ثقيلة وتم ربط السلاسل بها وتم سحب التمثال بأتجاهات مختلفة ولعدة مرات لغاية أتمام المهمة بنجاح وسط هلاهل وهتافات الجماهير ، وتكسرت بعض أطراف التمثال واكملت الجماهير بما تملك من ادوات تكسير ما يمكن تكسيره ، في تلك الدقائق قابلت أبن العمة الدكتور لفته طارش العبيدي وهو يحمل كامرة صغيرة قديمة وطلب مني ان آخذ له صورة تذكارية عند سقوط التمثال ، ساعده البعض على تسلق القاعدة ووقف في مكان التمثال بعد سقوطه ولكنه فقد توازنه لضيق المسافة التي وقف عليها واستدار قليلا" وبدون أي انتباه اخذت الصورة وكان مع الأسف في وضع معاكس ولم يظهر غير ظهره في الصورة بعد سقوط التمثال ، وكانت هذه آخر صورة في الكامرة   مع الأسف .
في تلك الساعات كان هناك تبادل أطلاق نار متقطع بين المواطنين من خارج السفارة وموظفي السفارة من داخلها لمنع أقتحامها ، ثم قامت على اثرها حشود المواطنين الغير مسيطر عليهم بأقتحام السفارة ونهبها ، وتم حرق بعض أجنحتها ، المئات من المواطنين تحمل ما يمكن حمله من داخل السفارة من بابها الأمامية وبابها الجانبي القريب من نهر دجلة والمقابل لدار المرحوم رئيس الطائفة المندائية ( الشيخ عبداللة الشيخ سام ) ، كراسي خيزران ، طابعات ، مكاتب مختلفة الأحجام ، سجاجيد ، أسرة نوم ، قاصات حديدية صغيرة وضعت على عربات خشبية ... لوحات ، وحتى أدوات المطبخ الخ .
بعد تلك المشاهد توجهت الى ساحة الملك فيصل الأول حيث ينتصب تمثال الملك فيصل الأول لآرى ان التمثال قد تم أسقاطه في وقت سابق . والمئات من المواطنين يتضاهرون اما مبنى دار الذاعة العراقية في الصالحية والتي تحيط بها المدرعات تايدا" للثورة وقادتها . كانت جولتي لهذا اليوم مرهقة جدا" ولكنها طبعت في الذاكرة .





في اليوم الثاني الخامس عشر من تموز وما تلاه تم السماح للمواطنين بزيارة قصر الرحاب ووجدتها فرصة للزيارة ، كان قصر الرحاب من الأمام مكون من طابقين ومربع الشكل ، بابه الأماميه تؤدي الى الداخل ، وعلى ذات الباب شرفة واسعة تتوسط الطابق الثاني من القصر مستندة على أربعة أعمدة ( دنك ) متباعدة عن بعضها بشكل متساوي ، كما يحيط بالقصر سياج خارجي بارتفاع حوالي المترين مبني من الطابوق ايضا على شكل مربع ، يفصل بين السياج الخارجي ومدخل القصر حديقة بسيطة تحيط بها الزهور ، وله باب عريضة امامية للدخول وعلى جانبي الباب الخارجية غرفتين مخصصة للحرس الملكي ، ومنها يوجد طريق يؤدي لباب القصر الداخليه
 بضعة جنود موزعين على البوابة الأمامية وبعض ردهات القصر للحراسة ، المئات من المواطنين يدخلون القصر ، أصاب القصر الكثير من الدمار والنهب ، وما تبقى هو عبارة عن حطام مبعثر هنا وهناك أثار حريق قد حدث في أحدى الغرف في الطابق الثاني نتيجة القصف بقذيفة مدفع قد أصابت أحدى دنك شرف القصر من جانب اليمين ، .. صور العائلة المالكة الزيتية محطمة ومرمية على الأرض ، الأثاث محطمة وممزقة ، قاصة حديدية مثبتة في الحائط شق بابها الرئيسي  بآلة حادة وسرقت محتوياتها ، أسرة النوم والأفرشة مبعثرة في كل مكان ، حنفيات الماء تكسرت وسرق النفيس منها ، اوراق وووثائق في كل مكان ، بعض الغرف حرقت ويبدوا حدث ذلك من جراء القصف للقصر يوم الثورة أو من قبل الجماهير عند دخولها ، السرداب أصابه الحريق ويبدوا ان المياه قد تسربت أليه وظهرت منه رائحة العفونة ، كل شئ مبعثر ومحطم وفي كل زاوية من زوايا القصر ، في حديقة القصر الخلفية حيث حيث تتواجد ساحة الطائرة والتنس وأماكن تربية الطيور النادرة فارغة إلا من مخلفاتها ، أجزاء وقطع من أفلام سينمائية متناثرة لحفلات رقص صاخبة في حدائق القصر أحتفظت بأجزاء منها لسنين طويلة تبين الملك فيصل الثاني وعبد الأله ونوري السعيد وآخرين يلعبون ويقفزون فوق بعضهم البعض في احدى الحفلات ، أجزاء من أفلام لنساء ولرجال مجهولين مبعثرة على الأرض . وبعد اسابيع ظهرت في الأسواق كثير من الحاجات التي تم سرقها من القصر  ..




بعد يومين زرت مع بعض الأصدقاء قصر نوري السعيد في منطقة كرادة مريم بجانب نهر دجلة ، لقد أصاب القصر هذا ما أصاب قصر الرحاب من نهب وتدمير ...!!! ويمكن اعتبار المشهد واحد سوى تغيير في الأسم .
وبعد أيام فتح بيت قائد الثورة عبد الكريم قاسم في بغداد بالقرب من ساحة الجندي المجهول وفي الشارع المجاور لمسجد الفردوس المطل على ساحة الفردوس في شارع السعدون للجمهور ، ذلك البيت المتواضع لمواطن عادي فقير وبكل ما يحتويه البيت من آثاث ، واعتقد ان أبسط موظف في الدولة كان يملك أفضل منه بكثير






الهوامش

1 ـ جبار خضير الحيدر ، ستبقى شمس تموز خالدة مهما جار الزمن ، الحوار المتمدن - العدد: 2343 في 15 تموز / 2008
2   ـ لقد ذكر أسم الفندق بأسماء مختلفة من قبل بعض الكتاب فمنهم من أسماه ( الرحاب أو الأحرار ، أو الكفاح ) ولكني أوكد ان أسم الفندق هو ( فندق المأمون ) تماشيا" من أسم الشارع الموجود فيه .
 3 ـ الصورة الأولى تبين طبيعة الموكب الملكي .
 4 ـ الصورة الثانية لقصر الزهور في منطقة الحارثية .
5  ـ الصورة  الثالثة أخذت من قبلي شخصيا" لجماهير بغداد وهي تعتلي قاعدة تمثال الجنرال مود بعد ان حطمته صبيحة يوم الثورة
6  ـ الصورة الرابعة  للواجهة الأمامية لقصر الرحاب قبل الثورة .
 7 ـ الصورة الخامسة للواجهة الخلفية المقابلة للنهر لقصر نوري السعيد والواقع في كرادة مريم .
8 ـ الصورة السادسة للبيت عبد الكريم قاسم بعد الثورة بالقرب من ساحة الفردوس خلف الجامع .

12 / تموز / 2009

8
لمناسبة يوم الطفل العالمي
الطفولة والتكنولوجيا والمتغيرات الدولية
فائز الحيدر
يعود الأهتمام بالطفل الى بداية نشوء المجتمع البشري ، وقد أخذ هذا الأهتمام بعدا" عالميا" مع بداية هذا القرن وذلك بوجود المؤسسات الدولية . ففي 26 / أيلول / 1924 أقرت الهيئة العامة لعصبة الأمم المتحدة ( أعلان حقوق الطفل ) . كما صدرت أتفاقية حقوق الطفل التي حددت سن الطفل من الولادة حتى سن الثامنة عشر عاما" ، ومع أنطلاقة الحرب العالمية عام 1931 فقدت هذه الوثيقة قيمتها وأصبحت بدون مضمون .
ومع بداية تأسيس هيئة الأمم المتحدة في عام 1946 أوصى المجلس الأقتصادي والأجتماعي التابع لها أعادة النظر في هذا الأعلان ، وكان لصدور أعلان حقوق الأنسان عام 1948 والذي عبرت فيه كافة دول العالم عن أهتمامها بحقوق الطفل ، بدأ هذا الأهتمام يتبلور عندما بدأت اللجنة الأجتماعية المنبثقة عن المجلس الأقتصادي والأجتماعي التابع لهيئة الأمم المتحدة أعادة مسودة الأعلان العالمي لحقوق الطفل في سنة 1950 ، وأستمر هذا العمل على وضع هذه المسودة حتى عام 1957 . وقد أقرت اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1959 ( الأعلان العالمي لحقوق الطفل ) . وقد واكب صدور هذا الأعلان حملة أعلامية عالمية مركزة أستهدفت أتاحة الفرصة لكافة مقرري السياسة وللمؤسسات والمنظمات الدولية والمحلية في العالم أن تدرك أبعاد الحقوق التي يجب أن تكفل للطفل والحاجات التي يجب العمل على تلبيتها . ومن خلال هذه المفاهيم فقد قامت الأمم المتحدة في عام 1964 بأنشاء منظمة متخصصة لرعاية الطفولة هي منظمة اليونسيف والتي أخذت على عاتقها تقديم العون والمساعدة للأطفال في كافة أنحاء العالم . وفي عام 1990 عقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل وأقر الأتفاقية الدولية لحقوق الطفل .
وفي يوم الطفل العالمي في الأول من حزيران من كل عام حيث تحتفل الطفولة بيومها تعبر جهات عديدة مختصة بشؤون الطفولة عن قلقها لوضع الاطفال في العالم عموما" والعراق خاصة بسبب الظروف القاسية التي يمر بها أطفال العراق وخاصة ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري في التاسع من نيسان / 2003 وما نتج عنه من ظروف مأساوية ضاعفت من خطر وفاة الأطفال العراقيين .
وتؤكد آخر التقارير الصادرة عن المفتشية العامة لوزارة الصحة العراقية وكذلك تقارير المنظمات الدولية المعنية بالطفولة ان نسبة وفيات الاطفال في العراق تزايد 150 % عن الفترات السابقة ، حيث يموت طفل من بين كل ثمانية أطفال في العراق قبل أن يبلغ سن الخامسة نتيجة الجوع والأمراض والعنف الذي يسود المجتمع العراقي . وان نسبة بقاء الأطفال على قيد الحياة في العراق حتى ما بعد سن الخامسة قد تراجع بشدة منذ العام 1990 ليحتل العراق المركز الاخير في الترتيب العالمي خلف مجموعة من أفقر دول العالم مثل بتسوانا وزمبابوي ، حيث بلغت نسبة وفيات الأطفال دون الخامسة أكثر من 108 / لكل 1000 ، ونسبة وفيات الأطفال الخدج 138 / لكل 1000 وهي نسبة كبيرة جدا". وأكدت منظمة ( أنقذوا الأطفال ) التي اعدت التقرير وهي منظمة اميركية أن العراق عانى منذ العام 1990 من قصور في الإمدادات الصحية والكهربائية ، ومن نقص كبير في الخدمات الطبية وتأمين المياه النظيفة للشرب ، وقد شهد العام 2005 وفاة 122 ألف طفل عراقي . وحمل التقرير الحكومة مسؤولية هذا التردي في الوضع الصحي مشيرا" الى انها لم تتخذ الأجراءات الكافية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة .
وعلى أهمية الجهود اتي بذلت على الصعيد الدولي من أجل ضمان حقوق الطفل فأن الأهتمام بحقوق الطفل بقي ضعيفا" بل معدوما" في الكثير من الدول وخاصة الدول النامية .
في عصرنا الراهن هذا تصنف الطفولة عموما" الى ثلاث فئات :
ـ فئة الأطفال الأغنياء ... حيث يعيش هؤلاء الأطفال في حالة اللا إنتماء للوطن ، يكبرون بدون جذور ، لا يحملون أية هوية وطنية ، وبدلا" من شعورهم بالأنتماء الأجتماعي للأهل والمجتمع تراهم ينساقون مع الأعتقاد الجازم بأن الواقع يشكل تهديدا" لهم . ان وطنهم هو المنتجات والسلع ذات الماركات المشهورة أما لغتهم فهي رموز وأسماء الشركات العالمية . أن الأطفال الأغنياء رغم أختلافهم عن بعضهم البعض إلا انهم يتشابهون في عاداتهم كما تتشابه الكثير من المدن في أسواقها ومطاراتها ومراكزها التجارية .
وبما أنهم يربون في عالم خيالي فأنهم يظلون على جهل تام بالواقع السياسي والأقتصادي الحقيقي المعاش الذي تنحصر هويته الوجودية وبالنسبة لهم في كونه أما شئ مخيف وأما سلعة تشترى لا غير ، أنهم يدربون منذ ولادتهم على الأستهلاك وحب المال والعمل بتشجيع من عوائلهم لتلبية رغباتهم المتعددة من المنتجات التكنولوجبة التي تحيط بهم من كل جانب ، ويقضون طفولتهم في التأكد من أن الأجهزة التكنولوجية هي أجدر بالثقة من الأشخاص عبر أنشدادهم الى أجهزة الكمبيوتر ، أكلات سريعة Fast Food ، سيارات سريعة Fast Car ، وحياة سريعة Fast Life وعندما يبلغون سن الرشد فهم ينتظرون الساعة التي تهدي لهم سياراتهم الأولى من قبل ذويهم من نوع جاكوار أو ميرسيدس يكونون قد تدربوا على السياقة في الطرق السيارة السبرنيتية ، حيث يلعبون Games بأقصى السرعات على الشاشات الألكترونية ويلتهمون بأقصى السرعات السلع الباهظة الثمن التي يشترونها من الأسواق التجارية ذات الأسماء التجارية المعروفة عالميا" دون المبالات بأسعارها .
ـ فئة الأطفال الفقراء... وقبل أن يكف أطفال الأغنياء عن يكونوا أطفالا" ويكتشفون المخدرات الباهظة الثمن التي تخدر وحدتهم وتستر خوفهم يكون أطفال الفقراء قد شرعوا في استنشاق المخدرات وحبوب الهلوسة وهذا ما تؤكده التقارير الطبية لوزارة الصحة العراقية حول أنتشار أستعمال المخدرات ، حيث بلغ عددهم خلال السنتين الماضية أكثر من سبعة آلاف مدمن . وبينما يلعب الأطفال الأغنياء لعبة الحرب بواسطة قذائف أشعة الليزر تكون طلقات الرصاص والمتفجرات وتفجير السيارات قد أخترقت أجساد الأطفال الفقراء الأبرياء في شوارع المدن العراقية .
وفي عراق اليوم ، لا يذهب الكثير من الأطفال الفقراء إلى المدرسة ، ولا يلعبون في الشوارع ، ولكن بدلاً من ذلك تجدهم يختبئون عن الأنظار في الزوايا لتعاطي المخدرات والاتجار بها. وغالبيتهم من الأيتام الذين فقدوا والديهم نتيجة العنف الدموي . ويرى الخبراء أن الأطفال ، وخاصة اليتامى ، سقطوا في معضلة المخدرات خلال السنوات القليلة الماضية وخاصة بعد سقوط النظام الدكتاتوري حيث أتجه الأطفال نحو المخدرات لتخفيف معاناتهم وآلامهم الناشئة بسبب الحرب والعنف . وحذّر تقرير لليونيسيف بأن مشكلة الإدمان على المخدرات تتجه لتصبح ظاهرة متعاظمة ومتفاقمة بين أطفال العراق وتزداد بحدود 10 % سنويا" لوجود سوق ضخم لتجارة المخدرات في العراق قادمة من أيران ، ويشكل الأطفال في هذا السوق أعمدة رئيسة داخل عصابات تجارة المخدرات .
ومن جانب آخر وحسب الأحصائيات الدولية هناك أكثر من سبعين مليون طفل في حالة فقر مطلق ، ويرتفع عددهم بأستمرار . أن هؤلاء الأطفال هم أكثر رهائن النظام الأقتصادي الأجتماعي السياسي تعرضا" لسوء المعاملة . أن المجتمع يقهرهم ، يراقبهم ويعاقبهم ، وأحيانا" يقتلهم ، ونادرا" ما يستمع أليهم . وأذا فعل فهو لا يفهمهم . أنهم يولدون وجذورهم في الهواء . كثير منهم هم أبناء فلاحين أنتزعوا أنتزاعا" بعنف وقسوة من الأرض ليأتوا الى المدن حيث يهيمون غير مندمجين مع بعضهم . أن الجوع والرصاص والمتفجرات يختصران لهم المسافة بين المهد واللحد . من بين كل طفلين أثنين واحد يشتغل ينهك نفسه للحصول على لقمة عيش ويتخذ من الجسور مأوى للنوم . أنهم يبيعون أي شئ في الشوارع ، ويقدمون يدا" رخيصة للمصانع فيتقاضون أدنى الأجور في معامل المنتوجات الأستهلاكية كالأقمشة والأحذية التي تصدر الى المتاجر الكبرى في العالم .
ومع ذلك فمن كل طفلين فقيرين نجد واحدا" منهما فائضا" لا حاجة للسوق به ، وبالتالي لا مردودية له ولا حق له في الحياة ، أن نفس النظام الأجتماعي ، الذي يكره الشيوخ ويتضايق منهم ، يضيق ذرعا" بالأطفال ، أنه ينفيهم ويخافهم . أن الشيخوخة من منظور النظام الأجتماعي السائد ، فشل وعجز ، أما الطفولة فهي تهديد . لقد عملت هيمنة السوق في بلدان عديدة على كسر روابط التضامن وتمزيق الأنسجام الأجتماعي ، فأي مستقبل لأولاك الذين لا يملكون شيئا" في دول يشكل فيها حق الملكية الحق المقدس الوحيد .
إن الأطفال الفقراء يعانون بقسوة من التناقض بين ثقافة تطلب منهم أن يستهلكوا وواقع يمنعهم من ذلك . أن الجوع يجبرهم على السرقة والأنتماء للعصابات الأرهابية ويكرههم في ذات الوقت على الأستهلاك ، المجتمع يلعنهم ، أذ يفرض عليهم ما يمنعه عنهم فينتقمون منه بالهجوم عليه .
ـ فئة أطفال الطبقة الوسطى... فهؤلاء يصنفون بين الذين يعيشون من لاشئ والذين يعيشون في الغنى والرفاه فهناك أطفال لديهم أكثر قليلا" من لا شئ وأقل كثيرا" من كل شئ . أن أطفال الطبقات المتوسطة هؤلاء يحرمون من حريتهم أكثر فأكثر . أن المجتمع الذي يقدس النظام وفي نفس الوقت يحرض على الفوضى ويغذيها ، يصادر حرياتهم يوما" بعد يوم . وفي هذا الزمن الذي يتميز بعدم الأستقرار الأجتماعي وبتمركز الثروة وأنتشار الفقر وأستفحاله ، كيف يمكن للمرء أن لا يشعر بأن الأرض تفلت من تحت قدميه ؟ إن الطبقة المتوسطة تعيش في جو كله تضليل وتمويه . أنها تتظاهر بأن لديها أكثر مما عندها وهي تعاني أكثر من أي وقت مضى في أخفاء حاجاتها وستر حالها . أنها تعاني من الشلل الذي يتسبب فيه الرعب ، الرعب من فقدان العمل ، من فقدان السيارة والمنزل والأشياء الخاصة الشخصية ، والرعب من عدم التمكن من الحصول على ما يجب الحصول عليه من أجل العيش والبقاء على قيد الحياة . تدافع عن النظام القائم كما لو كان نظامها هي ، بينما هي أسيرة له ، أنها تعيش في حالة هلع ورعب ، الرعب من الحياة والرعب من الفقر بين أبنائها . أن أطفال الطبقة المتوسطة الأسرى في شراك الخوف والهلع محكوم عليهم أكثر فأكثر بالعيش في هوان السجن الدائم .
وفي مدينة المستقبل سينظر الأطفال المراقبون عن بعد والمحروسين بالممرضات الألكترونية ، سينظرون من أعلى الشرفات والنوافذ الى الشارع الممنوع النزول أليه بسبب العنف أو خوفا" من العنف ، الشارع الذي يجري فيه كل يوم مشهد الحياة الخطير دوما" والمدهش أحيانا" .


كنـــــدا
28 / 5 / 2009

9
سايكولوجية الفكر القومي العربي تجاه الأقليات


فائز الحيدر
تؤكد المنظمات الدولية والمختصين بالتأريخ الأنساني بأن الأقليات والفوارق البشرية والاجتماعية والطبقات قد وُجدت منذ القدم ، نتيجة عدم استقرار الجماعات السكانية عبر التأريخ ، ومن جراء تشابك العلاقات الاقتصادية والاجتماعية للقوى البشرية ، وعلى هذا الأساس تكوّنت الفوارق في البنى الاجتماعية والبشرية المختلفة ، ونشأ الاختلاف في توزيع الثروات والموارد وأدت الى ظهور مستغِل ومستغَل ، فنشأت أقليات محكومة ومضطهدة من قبل الأكثرية . وبذلك أصبحت مسألة الأغلبية والأقلية محور غالبية الصراعات حول الحقوق والمواطنة والموارد والأرض منذ أقدم العصور وحتى اليوم .
ويمكننا ان نذكر اهم العوامل التي أدت الى نشوء الأقليات في تلك الفترة :
ـ أولا" ... هجرة الجماعات البشرية بشكل ذاتي وبدوافع اقتصادية أو اجتماعية أو بسبب الحروب وغيرها من مكان الى آخر لتعيش مع مجموعة بشرية أخرى تؤلف أكثرية سكانية ، ومن جراء تشابك العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الطرفين وتطور المجتمع البشري نشأت أقليات محكومة ومضطهدة من قبل الأكثرية التي تملك القوة والأرض .
ـ ثانيا" ... التهجير أو ما يسمى بتهجير القسري للسكان ، حيث يُطرد فيها سكان البلد الأصليين من قبل الأكثرية من ديارهم بالقوة إلى مكان آخر ، أو أجبارهم على التحول الى الدين الأسلامي بحيث يصبحون أقلية فيه وتخضعهم لقوانينها وأنظمتها وتسلبهم كافة حقوقهم الأقتصادية والثقافية والفكرية ، وخير مثال ذلك ما سببته الغزوات الأسلامية للعديد من البلدان العربية ومنها العراق حيث أصبح سكان البلد الأصليين منذ آلاف السنين وهم الصابئة المندائيين والمسيحيين والأيزيدين وغيرهم أقليات دينية مسلوبة الحقوق .
 وما ينطبق على العراق ينطبق على غالبية الدول العربية حيث تتواجد أقليات دينية وقومية كثيرة تعاني من الأضطهاد اليومي بأشكاله المتعددة بشكل مباشر أو غير مباشر على يد الأنظمة الحاكمة في تلك البلدان وتقدر الدراسات الدولية ومنظمات حقوق الأنسان وجود ما يقارب 8000 أقلية دينية وقومية كبيرة وصغيرة في العالم يتجاوز مجموع أفرادها المليار نسمة تخضع للتمييز والأضطهاد والقتل بشكل مستمر من قبل الأكثرية .

لا يوجد تعريف متفق عليه بشكل كامل حول الأقليات في العالم ، وينسحب هذا الأمر علي الأقليات في الوطن العربي ، ورغم ان تعبير الأقلية يدل بشكل تام على شعور ضمني بالتفوق والاستعلاء من قبل الأكثرية إلا ان الأقليات تعرف بشكل عام ( بإنها تجمعات بشرية ذات خصائص معينة تختلف عن مثيلاتها في مجتمعات الأكثرية ، ولكل أقلية سماتها القومية أو الإثنية أو الدينية المشتركة بين أفرادها ) . وتأخذ هذه الأقليات تسميات مختلفة تدل على جذور الأقلية وأصولها وهويتها الأجتماعية . فهناك مثلا" الأقلية القومية والأقلية العرقية والأقلية الدينية والأقلية المذهبية وغيرها ، وهذه الأقليات ذات هويات متعددة تجتمع فيها عناصر العرق والدين والأصل واللغة والعادات والتقاليد والتراث والتاريخ تختلف فيها عن الأكثرية . وعادة ما تعيش الأقليات في ظل حكم الأكثرية التي تمارس ضدها التمييز العنصري. وتعتبر الأقليات العرقية والإثنية والدينية والقومية أكثر الأقليات ظهوراً في العالم ، وتكمن وراءها أغلب الصراعات التي تنشب من حين إلى آخر في الكثير من بلدان العالم في الوقت الحاظر .

ونتيجة للأضطهاد اليومي الذي تتعرض له الأقليات سعت الأمم المتحدة من جانبها لضمان حقوقها و الاعتراف بالشخصية القانونية لها وحقها في الوجود من خلال أصدارها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/12/1948 الذي ينص على مبدأ الحقوق المتساوية والثابتة على أساس الحرية والعدل والسلام في العالم لجميع أعضاء الأسرة الدولية . أضافة الى اتفاقية منع الإبادة الجماعية génocide لعام 1948 والعديد من الأتفاقيات التي تخص التعليم والحقوق المدنية والسياسية  وغيرها وفي إلزام الدول الموقعة اتخاذ كل التدابير المتعلقة بهذه الحقوق .
ولو تصفحنا خارطة الوطن العربي لوجدنا إن الأقليات الدينية والاثنية ، موجودة في أغلب الدول العربية تقريبا" . ففي العراق يوجد ( الشبك ، الأرمن ، الصابئة المندائيين ، الكلدان الآشوريين السريان ، الأيزيديين، التركمان ، الكورد الفيليين ، الأكراد) وفي لبنان يتواجد ( الشيعة ، الدروز ، المسيحيون ، الأكراد ، الترك ، العلويون ) ، وفي بلدان الخليج يوجد ( الشيعة ) ، وفي سوريا ( العلويون ، الدروز ، الإسماعيليون ، المسيحيون ، الأكراد ، الترك ، الشركس ) والدروز السوريّون ، وفي مصر ( الأقباط ، النوبيون ، البربر ، وفي السودان ( المسيحيون في الجنوب و المسلمون من قبائل  طوائف فور ومساليت وزغاوة ، في غرب السودان) .  وقد وجدت منظمة حقوق الأنسان الدولية ( هيومن رايتس ووتش )  أدلة قاطعة على أن غالبية الأنظمة العربية الحاكمة تمارس بشكل مباشر او غير مباشر شكلا" من أشكال الأضطهاد ضد الأقليات في بلدانها قد يصل بعضها حد القتل والتطهير العرقي .
وبعيدا" عن الواقع المؤلم وما تعانيه الأقليات في الوطن العربي من إضطهاد يومي فقد تجاهل الفكر القومي العربي المسيطر على فكر غالبية الزعماء العرب ، مسألة الأقليات وأنكر وجودها أصلا" في محاولة لصهرها ضمن المجتمع العربي الأسلامي ، وكان هذا الفكر وما زال منذ سنوات طويلة يلقي تبعة الاضطرابات والأزمات التي تولدها الأقليات على التدخل الخارجي . وهناك من رجال الدين المسلمين والمفكرين العرب من يقول ان مسألة الأقليات هي من صنع الأستعمار أصلا" وهو الذي يحرك هذه الأقليات لتكون أوراقا" فى اللعبة الاستعمارية ببلادنا ، متجاهلين بذلك حقيقة أن وجود الأقليات يرجع إلى ما قبل الفتوحات الإسلامية وأقدم من الاستعمار والإمبريالية بمئات السنين ، وأن عوامل التصادم معها لا زالت موجودة على الساحة العربية والأسلامية ..
وهنا يأتي السؤال لماذا لا يعترف الفكر القومي العربي  بحقوق الأقليات ؟؟
والجواب على ذلك ان بعض المفكرين العرب والمسلمين يتعبرون أن وجود الأقليات هي بمثابة خنجراً في جسم الوطن العربي والهدف منها تفتيت البلاد وهدم الدين الأسلامي ، حيث ما زال الفكر القومي العربي مسيطرا" على فكر الزعماء العرب والأحزاب القومية العربية والجهلة في الشارع العربي ، والذي رسخ في عقولهم ان فكرة إعطاء الأقليات المضطهدة في العالم العربي حقوقها التي نصت عليها القوانين الدولية الآتية من الغرب الكافر ، هو مخطط صهيوني صليبي  … الهدف منه تقسيم الوطن العربي الإسلامي وهدم دينه وعلى العرب والمسلمين الوقوف بوجهه ومحاربته .

ويتمادى بعض المفكرين العروبيون ليقول إن مشكلة الأقليات التي ظهرت مؤخراً في العالم العربي والإسلامي هي مشكلة مفتعلة ، وناتجة عن التحريض الأجنبي ، فالإسلام يدعوا إلى التعارف مستندين الى الآية ( وجعلناكم شعوبا" وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، ولكن القوى الاستعمارية استخدمت موضوع الأقليات تحديداً كتبرير للغزو والعدوان والتدخل في الشؤون الداخلية للدول من خلال الدور الذي تقوم به المؤسسات التنصيرية في الوطن العربي .

اما البعض الآخر من المفكرين العروبيون المتعصبين فيقولون بان هناك دور تخريبي وهدام تمارسه الأقليات في المجتمع ويمكن رصده من خلال وجود عدد كبير من مثقفي الأقليات من غير المسلمين أعضاء في الأحزاب الشيوعية واليسارية في المنطقة العربية يتبنون الدعوة في مناهضة اللغة العربية أو الثقافة الإسلامية ، متناسين بذلك عن قصد ان الأحزاب الشيوعية واليسارية في البلدان العربية لا تظم في صفوفها أبناء الأقليات من غير المسلمين فقط وانما الغالبية من اعضاء هذه الأحزاب هم من العرب والمسلمين ، وان كان هناك عددا" من ابناء الأقليات قد انتموا الى هذه الأحزاب فلأنهم يعتقدون ان الأحزاب الشيوعية واليسارية هي المدافع الأمين عن مصالحهم وحقوقهم الثقافية والدينية والقومية .
في حين يعقب هؤلاء المفكرون بإن مشكلة الأقليات العرقية والدينية لم يكن لها أي وجود يذكر في الوطن العربي ، لأن الإسلام لا يفرق بين المسلمين على أساس الجنس أو العرق أو اللون أو حتى اللغة وكذلك لا يظلم غير المسلمين على أي أساس  وان الحل الأمثل لمشاكل الأقليات هو العودة إلى المرجعية الإسلامية وإعلاء قيمة الانتماء الحضاري الإسلامي .
يتمادى البعض من شيوخ المسلمين في حقدهم تجاه الأقليات وحقوقها ، وهذا واضح بما كتبه شيخ الأزهر السابق ، الشيخ عبد الحليم محمود في كتابه ( الإيمان بالله ) حيث يقول : ( إن المسيحيين مثل السرطان والمرض المعدي ، وإن على المسلمين أن يضطهدوهم ويعاملوهم بخشونة واحتقار ويقاطعوهم لإجبارهم للتحول إلى الإسلام . أو إعطاء حضانة أطفالهم للأم عندما تعتنق الإسلام ، استناداً إلى أن الدين عند الله الإسلام وأن على  الأطفال أن لا يتربوا تحت شرائع  دين آخر ) .
إن الواقع المعاش اليوم يدحض ما يذكره هؤلاء المفكرين ورجال الدين حيث تشير الدراسات إن مشكلة الأقليات في المنطقة العربية والأسلامية ليست بالجديدة ولم تنشأ خلال الحقبة الأستعمارية كما يعتقد هذا وذاك ، ولكنها قديمة قدم الحضارات البشرية ولكنها برزت بشكل واضح بعد أنهيار الدولة العثمانية التي سبق وان أعطت وفق نظام الملل العثماني في عهد السلطان عبد الحميد  ( 1839- 1861 ) حق الأقليات في إدارة شؤونها الدينية بنفسها وبناء مؤسساتها التربوية ، والثقافية ، والاجتماعية . وكان هذا النظام يعتبر شكلا" لا بأس به للتعايش بين المذاهب والطوائف والأقليات الدينية وغيرها في مرحلة قوة الدولة العثمانية التي امتدت طوال القرنين السادس والسابع عشر . لكن نظام الملل هذا ظل يعانى الكثير من المشاكل عند التطبيق بسبب فتاوى رجال الدين المسلمين التي صدرت عام 1860 والتي ترفض منح الأقليات الدينية حق المساواة بالمسلمين ودعت بعضها الى سفك دمائهم وهتك أعراضهم ومصادرة أموالهم وتدمير بيوتهم وإضعافهم بإهلاك نسلهم . وكان من تبعات تلك الفتاوى إبادة الشعب الأرمني في شرق تركيا عام 1919 ، وتحت شعارات عربية وإسلامية مثل ( لا إكراه في الدين )  . وما تبعها من شعارات للقوميون والعروبيون ( أرض العرب للعرب ) و( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) والأسلاميون ( خير أمة أخرجت للناس ) الذي ينكر وجود الأديان الأخرى على الساحة والتأكيد على ما ذكر بالقرآن ( من إبتغ غير الإسلام دينا فهو كافر ضال ) ، وما تبعها من خطوات ومنها سياسة التعريب الواسعة التي أدت إلى حرمان الأقليات من حقوقها الطبيعية في التحدث بلغاتها والحفاظ على تراثها الثقافي وتهميشها بالتدريج وتعرضها لكل اشكال القمع والاستغلال .
ولو استعرضنا واقع الأقليات الدينية والقومية في الوطن العربي وما تعانيه من إضطهاد يومي يمكننا ان نأخذ العراق مثالا" حيا" على ذلك حيث الأضطهاد المبرمج للأقليات الدينية كالصابئة المندائيين والمسيحيين والأيزيدين والأرمن والشبك وغيرهم . ولو ركزنا على طائفة الصابئة المندائيين كأقلية دينية مضطهدة فهم من أوائل من سكن أرض الرافدين القدماء ، فديانتهم توحيدية ، ولغتهم هي الآرامية الشرقية ، لا تبيح ديانتهم استعمال العنف والقتل وحمل السلاح ولكنها تنشد المحبة والتسامح والسلام ، غالبية طقوسهم الدينية تجرى في الماء الجاري لدجلة والفرات ، لم ينشد أبناء الطائفة السلطة أو النفوذ طيلة تأريخهم السحيق ، أذكياء واصحاب شهادات وكفاءات علمية ومهن حرة ، ليس لهم أرض خاصة بهم وانما يشعرون ان كل العراق وطنهم ، لا يملكون مليشيات تحميهم كما يفعل الآخرون ، هذه الأسباب وغيرها جعلتهم كأقلية دينية هدفا" سهلا" للخطف والقتل وإغتصاب النساء ولبس الحجاب والتحول للدين الأسلامي قسرا" من خلال الخطاب الديني التحريضي من بعض الرموز الدينية وفتاوى رجال الدين وقوى الأسلامي السياسي بكافة اشكالها المشاركة أو غير المشاركة في السلطة ويتم ذلك على مسمع ومرأى من المرجعيات الدينية والحكومات المتعاقبة وخاصة بعد سقوط النظام الدكتاتوري السابق في عام 2003 .
وقد حذرت تقارير الأمم المتحدة ومنظماتها الأنسانية من خطورة وضع الصابئة المندائيين والمسيحيين والأيزيديين في العراق الذين اتخـذوا من العراق موطنـاً لهم منذ عصور سحيقة ، واستنتجت أن الأقليات ليست ضحايــا العنف والنزاع الطائفي فحسب بل هي ضحايا منافسة الأجندة السياسية والطائفية لجهات داخلية وأقليمية خارجية ، وان عملية ترحيلهم قسرا" وتحت التهديد بالقتل والخطف وأغتصاب النساء والتحول الى الدين الأسلامي من قبل الجماعات المتطرفة والأحزاب الدينية المشاركة في السلطة أو خارجها دون ان تتحرك الدولة لحمايتهم هو انتهاك فض لإعلان حقوق الإنسان وعدواناً على حق الإنسان في العيش آمناً في وطنه . وتقدر هذه التقارير إن عدد المندائيين الذين غادروا العراق خلال السنوات الخمس الماضية ب 80 % يعيشون في ظروف مزرية في بلدان الجوار بأنتظار عطف المنظمات الأنسانية وبلدان اللجوء لإستقبالهم  وأن نحو 60% من المسيحيين ونسبة كبيرة من الأيزيديين قد غادروا العراق أيضا" .
ان ما يجري في العراق تجاه الصابئة المندائيين والأقليات الأخرى يلقي الضوء على مواقف العديد من الأنظمة السياسية العربية والأسلامية تجاه الأقليات مدعومة بفتاوى رجال الدين المتخلفين ، فقد تجاهلت هذه الأنظمة العربية والأسلامية تاريخياً حقوق الأقليات الدينية والثقافية والاقتصادية وتناست مستلزمات المواطنة وأصبح أبناء هذه الأقليات مواطنين من الدرجة الثانية . لقد انتهجت الأنظمة العربية أسلوب الإلغاء والتهميش ولم تعترف بالأقليات كشركاء ومتساوين في الوطن ، وفي الإرث الثقافي والتاريخي المشترك بصورة جدية، وإنما تم اعتبارهم مجرد مخلفات لحضارات أو أقوام سابقين تكرّم عليهم المجتمع العربي والأسلامي فحماهم ولم يتركهم نهباً للانقراض والموت . وهناك الكثير من الأمثلة في العديد من الدول العربية والأسلامية التي ترفض كليا" الأصغاء لمطالب هذه الأقليات المتعلقة بحقوقهم ومساواتهم والأعتراف بمواطنيتهم ، مما ادى الى ظهور احزاب وتيارات سياسية تأخذ على عاتقها تحقيق تلك المطاليب بطرق مختلفة ومنها استعمال العنف والقوة .
وفي الختام نعتقد إنه لا يمكن تحقيق المساواة بين المواطنين في البلدان العربية إلا في ظل الدولة الديمقراطية التي تنظم العلاقة بين الدولة والمواطنين على اساس القانون ، حيث تكرس إحترام حقوق الأقليات باعتبارهم مواطنين متساوين أمام القانون دون أي استثناء . ويتم فيها منحهم حقوقهم الدينية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية . ومع الأسف إن ما نراه قائم اليوم هو العكس وبدلا" عن الدولة الديمقراطية المنشودة في البلدان العربية نرى دولة دكتاتورية الحزب الواحد أو دولة المؤسسة العشائرية والطائفية أو دولة الشعارات الديمقراطية والأشتراكية المزيفة  .وعلى هذا الأساس اعتبرت الدول العربية والأسلامية دولا" لا تقبل التنوع والتجانس والتعايش مع الأقليات الدينية والعرقية مما يدفع هذه الأقليات وتحت الأكراه بالتوجه نحو دول اللجوء ، عفوا" دول ( الكفر ) كما يعتقد ذوي الفكر القومي العربي ، حيث يسود التسامح والحريات الدينية والفكرية وحقوق الأنسان . فالديمقراطية وحقوق الإنسان هما ركائز دولة القانون التي تعتمد على الحرية والحوار والتسامح و المساوة والعدالة الاجتماعية والولاء للهوية الوطنية الديمقراطية باعتبارها أساس الانسجام الاجتماعي ، والحل الديمقراطي الوحيد لمشكلة الأقليات. .
كندا
20 / مايس / آيار / 2009




10
في الذكـرى الخامسة لإستشهاد الناقد والأديب
قاسم عبد الأمير عجام





فائز الحيدر
تمر هذه الأيام ذكرى رحيل الكاتب والناقد والأديب الزميل قاسم عبد الامير عجام مدير عام دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة . فقد طالت يد الأجرام هذه الشخصية الأدبية والوطنية ورئيس اتحاد وادباء وكتاب بابل ومدير ناحية مشروع المسيب ، كما وأستشهد معه في الحادث الزميل والصديق باسل نادر كريدي مدير زراعة مشروع المسيب ، حيث هاجم القتلة الظلاميون يوم الأثنين 17 / آيار / 2004 السيارة التي كانا يستقلانها وهم في طريقهم الي بغداد واطلقوا عليهما وابلاً من النيران أدت الي مقتلهما علي الفور
ان عملية الاغتيال هذه قد اثبتت حقيقة الدوافع الإجرامية لبقايا البعث والجريمة والقوى الظلامية المتحالفة معها التي ترمي الى وقف عجلة أعادة بناء العراق وما تمّ تخريبه طيلة فترة تأريخية أمتدت لأكثر من خمس وثلاثين عاما" في المجال الثقافي من قبل النظام الدكتاتوري السابق ، وأدت الى قمع أصوات المثقفين والأدباء الوطنيين ، ولمنعهم من أداء واجبهم الوطني في نهوض الثقافة العراقية من جديد على اسس وطنية تقدمية .
ان منفذي هذا الحادث الأجرامي مهما كانت تسمياتهم لم يستهدفوا بالتأكيد الشهيد الراحل فحسب ، انما استهدفوا اغتيال الثقافة العراقية الوطنية بكل أبداعاتها ورموزها المناضلة التي قاومت بكل ما تستطيع  النظام الدكتـاتوري والثقافـة الفاشية لحزب البعث والتي اجتاحت العراق طيلة خمس وثلاثون عاما" وشملت كافة جوانب الحياة . ان التأريخ الثقافي والأدبي  للشهيد والذي أمتد لفترة طويلة تجاوزت الثلاثين عاما" في مجال النقد الأدبي والكتابة ظل ناصعا"  ويعتز ويفتخر به كافة المثقفون العراقيون .
ولد قاسم عبد الامير عجام في مدينة الحلة / قضاء المسيب / عام 1945 من عائلة فقيرة متواضعة مناضلة ، وأكمل دراسته في كلية الزراعة / جامعة بغداد / قسم التربة وعمل منذ تخرجه في مشروع المسيب الكبير الذي يعتبر من المشاريع الزراعية الكبرى في العراق ، حصل بعد سنوات من العمل الشاق على درجة الماجستير في مايكروبولوجي التربة عام 1977 من كلية الزراعة / جامعة بغداد وتخصص في زراعة ونشر الفطر    Mushrooms  وبكتريا البقوليات في المشاريع الزراعية وهي تجربة زراعية جديدة رلئدة في ذلك الوقت وقدم لزملائه كل تجربته العلمية في هذا المجال ،  بيد أن هذا التخصص العلمي لم يمنعه من المساهمة في النشاط الثقافي العراقي والأدبي من اواسط الستينات حيث عرف ببراعته في النقد التلفزيوني والسينمائي وما تحتويه من برامج ومسلسلات وأفلام عربية أضافة الى النقد القصصي . لقد كتب الفقيد العديد من الدراسات منها ...
ـ  في التطور الزراعي ، تعايش بكتريا الريزوبيا والبقوليات ، أسسه وتطبيقاته ، العراق / 1986
ـ   ( الخوف والتخلف والموت في خمارة القط الأسود ) ، نشرت في مجلة الأقلام ، بغداد 1973
 ـ ( جناحا النهوض )  ... وهي عبارة عن  تأمّلات في موضوعة الثقافتين الأدبية والعلمية )  نشرت في مجلة آفـاق عـربية ، العدد 12 / 1982  .
ـ   ( مواصـلة الحديث في العمارة ) ، مجلة آفاق عربية ، العدد 8 / 1985 .
ـ   ( ثقافة أم ثقافتان ) : دعوة للتفكير العلمي وضمّ رافدي الثقافة ، بابل 16/1988.
ـ   كتاب ( النور المذبوح ) : عين ثقافة العراق ،  اصدار اتحاد الأدباء والكتاب / فرع بابل . 
ـ   كتاب ( الضوء الكاذب في السينما الامريكية ) في عام 2001   .
ـ   دراسة ( رموزنا الثقافية بين الاستثمار والاهدار) ، الحلة 20 / 1/ 2003 م
في بداية السبعينيات.. وقيام الجبهة الوطنية ومع توفر حرية الصحافة بشكل محدود وعلى صفحات صحيفة طريق الشعب بدأنا نقرأ لزميلنا الكاتب والأديب قاسم عبد الأمير عجام ما لم نكن نعرفه عنه ، لم نكن نعرف في البداية ان ما يكتب في هذه الصحيفة هو لزميلنا المهندس الزراعي قاسم الا بعد فترة ، ولم نكن نعرف ان له هذه المقدرة الثقافية على الكتابة في نقد المسلسلات التلفزيونية العربية وهو المهندس الزراعي المتمرس .
كان لقاسم اسلوبه الخاص والمتميز في النقد ، كنا نشاهد ونتابع المسلسلات والأفلام العربية التي تعرض على الشاشة الصغيرة ومن خلال القناة الوحيدة المتوفرة حينذاك حيث لا يوجد لنا بديل آخر ، وأتذكر منها مسلسل أبن الحتة والقط الأسود وفلم الأرض وغيرها الكثير وفي الأسبوع التالي نقرأ لقاسم النقد الجريئ لهذا الفلم او ذاك المسلسل ونطلع على مواقع الأخفاق والنجاح في ذلك وان نميز ما شاهدناه بأعيننا على شاشة التلفاز وما شاهدته عيون قاسم المتمرس بالنقد ونكتشف عندئذ الطريقة التي يتبعها المنتجون والمخرجون من اصحاب الأموال لهذه المسلسلات في تشويه افكار المشاهدين صغارا" وكبارا" على حد سواء دون ان ينتبه أحد لذلك . كان قاسم ينظر لهذه الأنتاجات السينمائية بفكر علمي يعطيه قدرة على التحليل لهذا الفلم او المسلسل وكان يطرحها بشكل سلس عبر مقالاته الاسبوعية يحلل وشرح ما كنا نشاهده من اعمال ويزيل الألتباس عن عيوننا وعيون المشاهدين لكي يكونوا على بينة ويقظة وانتباه لما تبثه شاشة التلفاز المبرمجة المعبرة عن اعلام السلطة وسياستها حيث ادرك الفقيد عجام منذ البداية خطورة هذه المسلسلات  وتأثيرها على عقول المشاهدين البسطاء والطبقات الشعبية . لقد أسس الفقيد قاسم تقاليد فن النقـد التلفزيوني ومازالت بصماتها واضحة حتى هذه اللحظة التي تشح فيها ويندر وجود نقاد بمستوى الفقيد قاسم وهذا العدد الهائل من المحطات الفضائية .
في اواسط السبعينات عممت وزارة الزراعة والأصلاح الزراعي كتابا" لكافة المشاريع والمؤوسسات الزراعية لأرسال مرشحيها الى مشروع المسيب الكبير للتدريب في دورة قصيرة على استعمال انواع مستوردة من البكتريا تساعد على زيادة انتاج المحاصيل البقولية وزراعة الفطر ( المشروم ) وتحت رعاية المهندس الزراعي الشهيد قاسم ، رشحت من قبل دائرتي للألتحاق بالدورة المذكورة .
بعد ايام وجدت نفسي في مكتب بسيط وانا اتحدث مع شخص ممتلئ القامة ذا بشرة بيضاء احرقتها الشمس ،  مثقفا" ، تعلوا الأبتسامة على شفتيه في كل وقت ، لم اكن قد ألتقيت  بقاسم عبدالأمير عجام شخصيا" حينها إلا عبر مقالاته النقدية في صحيفة طريق الشعب وقدم نفسه لي...... قاسم ، وتبادلنا التحايا ، تعارفنا بسرعة وخلال ساعات قصيرة ربطتنا علاقات صداقة متينة تجاوزت علاقات العمل ، بعد اسابيع زارني في دائرتي لمتابعة ما تم انجازه من الدورة التدريبية وسط مراقبة عيون عملاء السلطة المنتشرة في كل زاوية من مرافق العمل ويظهر ان المعلومات وصلت الى دائرتنا قبل وصوله بأيام وانا المتهم بنفس التهمة واحمل نفس افكاره مما زاد من خذرنا وزاد من علاقات الزمالة والصداقة التي تربطنا .
استمرت لقائاتنا بين فترة واخرى في نادي المهندسين الزراعيين نتبادل الحديث عن الشعر والأدب والنقد التلفزيوني بعيدا" عن الأختصاص ، وكان دائما" ما يرافقه في تنقلاته رفيقه وزميل الدراسة الصديق الشهيد باسل نادر كريدي مدير زراعة مشروع المسيب ، ذلك الصديق الوفي الذي اشتركت معه في عدة معارض فنية للرسم والنحت طيلة سنوات الدراسة في كلية الزراعة في جامعة بغداد في نهاية الستينات وبداية السبعينات والتي عادة ما تتم في مهرجان الكلية ربيع كل عام .
 كان الشهيد قاسم عبد الأمير كما عرفته اضافة الى عمله الزراعي المتميز اسما" لامعا" في سماء الثقافة العراقية ، شخصية محبوبة على الصعيد الاجتماعي والثقافي والسياسي وربطتني به علاقة صداقة على مدى سنين طويلة كان خلالها رجلا" طيبا" ومحباً ومرحا" عطوفا" يرفع في كل حديث من شأن الثقافة العراقية ومسارها الثقافي الوطني .
في صيف عام 1977 حالفني الحظ بالسفر مع الشهيد ابو ربيع في سفرة سياحية الى موسكو ، كانت السفرة رغم قصرها ولم تتجاوز الثلاث اسابيع لكن كانت سفرة رائعة ، زرنا خلالها عدة مدن سوفيتية وكان الشهيد قاسم مشغول بتسجيل ملاحظاته عن كل ما يشاهده من معالم سياحية ومتاحف رسم ونصب تذكارية ويقارن ما يشاهده وما يتوفر في الوطن ويستعد للكتابة عنها ، كنا نتهرب أحيانا" من برنامج السفرة الممل لنبحث سوية عن المتاحف وصالات الأوبرى ومراكز الثقافة لنروي عطشنا الثقافي ، وخلال زيارتنا الى مدينة سوجي الواقعة على شاطئ البحر الأسود كنا نقضي ساعات الفراغ والراحة وقت الظهيرة على ساحل البحر المجاور لفندقنا لأخذ الحمام الشمسي ، كان أبا ربيع كما اتذكره ذا جسم ابيض مملوء بعض الشئ وكأنه لم يرى الشمس وكنت النقيض له اسمر الجسم نحيفا" ، كان يلاطفني بقوله ( سبحان الله .. وهما كلمتين عادة ما يرددهما في حديثه....( رغم اختلاف اجسامنا في كل شئ لكن افكارنا متطابقة في كل شئ ) واخذنا نؤلف ضاحكين  نظرية جديدة سميناها نظرية التناقض والتطابق .
ثلاثة اسابع من التجوال انتهت بسرعة وكانها ثلاثة ايام وعدنا الى الوطن واتفقنا على زيادة لقاءاتنا وكانت الحملة ضد القوى الوطنية واليسارية أخذت بالأزدياد فلم تسمح لنا ظروف العمل والوضع السياسي باللقاء مثل السابق وأصبحت لقائاتنا في نادي نقابة المهنسين الزراعين محدودة ومتباعدة بسبب تحوله الى وكر لعملاء السلطة ، ونتيجة للحملة الشرسة والتصفيات ضد كل القوى اليسارية  في عام 1979 قررت مغادرة الوطن  بعد اختفاء دام عدة اشهر واختفى أبا ربيع أيضا" ولم أستطع الأتصال به وفقدت اخباره .
قبل يومين وانا أتهيأ  لمغادرة الوطن في آيار عام 1979 التقيت به صدفة في نفق ساحة التحرير في بغداد  وكان لقاءنا حارا" وكل منا يريد معرفة اخبار الآخر وبادرته قائلا" :
ـ الحمد لله ان أراك سالما" أيها الرفيق ابا ربيع ، أين أنت جعلتني قلق عليك كثيرا" طيلة الأشهر الصعبة الماضية .
ـ انا سعيد برؤيتك ايضا" يا رفيقي العزيز أنها الظروف يا عزيزي ... انهم يقتلون الأنسان بكل بساطة لا لشئ سوى انه يحمل فكرا" وعقلا" مغايرا" لفكرهم .. أية انسانية وأي فكر وأي ثقافة يحملون ؟ انهم يحملون ثقافة فاشية بكل معنى الكلمة .
ـ لقد قررت مغادرة الوطن يا ابا ربيع وأنت بماذا تفكر ان الوضع يزداد سوءا" .
ـ كيف اغادر الوطن يا رفيقي العزيز وانا من ألتصق بهذه الأرض وحب الوطن ويصعب عليه الأبتعاد عنه ، كيف اغادر وانا مسؤول عن اعالة عائلتي الكبيرة وجلهم من النساء وليس هناك من معيل اخر يحل محلي ، على كل حال ستسمع اخباري وسأكون على العهد كما عرفتني اتمنى لك التوفيق ولا تنسى ان نتواصل وتعلمني بأخبارك  .
ـ اتمنى ان اراك يوما" يا رفيقي وصديقي العزيز وأنت بألف خير وسوف لن أنساك وستبقى معي دوما" وعليك الأهتمام بنفسك .
طيلة سنوات الغربة وتنقلي في بلدان عدة لم اسمع عن قاسم أي خبر ، لم أقرأ له لكنه كان دوما" في الذاكـرة 
وعلمت في تلك الفترة أي نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات وفي ذورة بطش الدكتاتورية الصدامية ضد قوى اليسار العراقي توقف الشهيد قاسم وابتعد قليلا" عن الثقافة لآنه يدرك ان مواصلته للكتابة ستوصله الى حتفه لذلك تفرغ لعمله ووظيفته كمهندس زراعي في مشروع المسيب دون ان ينتبه له أحد وتصور البعض انه قد غادر الوطن أسوة بالآخرين من المثقفين الذين فروا من حملات الاضطهاد والتنكيل التي كان يقوم بها النظام وكانت المفاجأة أكبر عندما علم الجميع ايضا" بأن الشهيد قد قضى كل تلك الفترة  بصمت بعيدا" عن الثقافة البعثية الهزيلة والمهرجانات الفارغة  ليمارس مهنته الزراعية  .
وبعد سقوط الصنم عاد الشهيد من جديد ليواصل عمله الثقافي الذي احبه .. مبتعدا عن دوائر الزراعة التي يعمل بها.. ليكتب تصوره لمستقبل الثقافة العراقية للمرحلة القادمة وسبل النهوض بها وأبراز وجهها الحقيقي على أنقاض الثقافة الدكتاتورية . كنت اخطط لزيارة بغداد وألتقي من صديقي قاسم ولكن تدهور الأوضاع من جديد تريثت قليلا" عسى ان يتحسن الوضع السياسي ويسمح بالسفر ومع الأسف لم يتحقق ذلك الحلم حتى وصلنا خبر استشهاده مع زميلنا باسل كريدي على أيدي القتلة من القوى الظلامية . لقد كان استشهاده صدمة كبيرة  لنا جميعا" .
لقد اصبح الشهيد قاسم عبد الأميرعجام شعلة في ذاكرة الثقافة العراقية ، وستظل سيرته الشخصية ومواقفه الثابتة أمثلة رائعة ينظر إليها الجميع بأحترام واسع وتقدير. ولا يسعنا الا ان نقول لصديقنا ورفيقنا الشهيد أبا ربيع  سيبقى اسمك خالدأ  في سماء الثقافة العراقية وفي ذاكرتنا جميعا" .
لك الخلود ابا ربيع فأنت في القلب دوما"


11
لمناسبة الذكرى 26 لمجزرة بشت آشان عام 1983

 
شهادة للتأريخ
مجزرة بشت آشــان
من سـيحاكم القتلة ؟؟
  الفقيد سلام الحيدر
   ( د. أبو تانيا الأعلام المركزي )               

بعد رحلة شاقة دامت خمسة وأربعين يوما" وصلنا بشت ئاشان في أوائل تشرين الثاني / 1982 ، تلك الرحلة الشاقة التي لا أتخيل أن ينساها أي رفيق جديد ، لقساوة أيامها ، وهي تجربة ومقياس لقوة التحمل والصبر لأي رفيق ونصير جديد .
كانت بشت ئاشان في حركة مستمرة يوميا" ، رفاق يبنون قاعات جديدة وحيوانات تنقل مواد تموينية لفصل الشتاء القريب ومقرات وفصائل في طور التكوين ، وكانت مقراتنا ( المكتب السياسي والأعلام والحماية ) قد أنسحبت من منطقة ناوزنك على الحدود التركية لمخاوف من تقدم القوات التركية أثر أتفاقيات سرية وقعتها تركيا مع نظام صدام حسين . أما الرفاق الذين تراكمت لديهم خبرة في العمل الأنصاري أعتبروا المنطقة غير آمنة من حيث موقعها الجغرافي المحصور بين مرتفعات ضيقة من كل جوانبها وتحاذي الحدود الأيرانية من خلال أحد أعلى جبالها وهو جبل قنديل وهو الطريق الوحيد للأنسحاب في حالة تقدم قوات معادية .
بشت ئاشان قرية صغيرة مهجرة . تحولت بمر الأيام الى مركز ثوري للأنصار الشيوعيين مما حفز الأهالي على العودة لها لفلاحة الأرض والأهتمام ببساتينها العامرة ، تحولت هذه القرية المهجرة الى خلية نحل ، بناء قاعات ، مفارز قتالية ،خدمات طبية ، أجتماعات حزبية وعسكرية ، ندوات ثقافية  وأذاعية , عندما أكتملت زينة بشت ئاشان وتوسعت بأبنائها وبأنصار الحزب الشيوعي العراقي أحتضنها السكان وفرح بها الأنصار ولكنها بدت مخيفة للنظام الدكتاتوري والفاشيون وقرروا منعها من النمو . في بشت ئاشان تجسدت البطولة وغرفة العمليات التي تدفع المفرزة تلو المفرزة نحو مقرات السلطة ومرتزقتها ، ذلك الموقع الذي عجزت قوات السلطة وطيرانها عن أزاحته من تربته العراقية ... تحول الى جريمة سوداء بعد أن مرت مفارز أوك من أمام ربايا ومعسكرات الحكومة ! وبقوة تفوق قوة الموقع عشرات المرات وبعد أن رسم وخطط للعملية قبل مدة من بدأ العدوان .

كان السكون يسبق العاصفة لتلك الأيام من نهاية شهر نيسان من عام / 1983 وكل منا يتوقع بأن أحداث لا تحمد عقباها ستحصل . وكان توقعنا في محله ، ففي 26 نيسان أطلقت مدفعية خفيفة عدة قذائف على مقراتنا ، حيث جرح فيها الرفيق الشهيد أبو ماجـد من فصيل الأدارة في كتفه ، وكنا نعتقد بأن الجحوش يودون جس نبض قواتنا وتحديد أماكن المقرات المتواجدة من خلال سقوط القذائف  وهو ما يسمى عسكريا" تعيين الأحداثيات . ذهبت مع الرفيق ملازم قصي وعدد من رفاق فصيل بولي الى الأماكن التي أطلقت منها القذائف وكانت تبعد عن مقراتنا ثلاث ساعات سيرا" تقريبا" .
لم يخطر في بال أحد من القيادة أو أي رفيق بأن قوات كردية حليفة (  الأتحاد الوطني الكردستاني / أوك ) تستعد لشن هجوم واسع على مقراتنا في بشت ئاشان . كان الحزب في تلك الأيام يستعد للأحتفال بمناسبة عيد العمال العالمي في الأول من آيار . كان الرفيق عماد الطائي يفترش سقف مقر سريتنا ويرسم جدارية كبيرة على القماش . ولرفع المعنويات وزيادة روح المتعة والمرح كان الرفيق طبيب الأسـنان أبو بـدر مع عـدد من الرفاق يرفعـون الأعـلام الحمـراء مرددين الأغنية الرمضانية   ( ماجينا .. ماجينا حلي الجيس وأنطينا )

ترافقت مع تلك الفعاليات خطوات أقدم عليها رفاقنا في مكتب الفوج فقد نقلت عوائل الى قرية قريبة هاجر أهلها قبل فترة من الزمن ، وتمت زيادة نوبات الحراسة الليلة ووضع فصيل بولي المتقـدم ربيئة متقدمة تحسبا" للطوارئ . في تلك الربيئة وفي الأول من مايس/ آيارسقط لنا أول شـهيد في بشت ئاشان وهو الرفيق المسرحي شهيد عبد الرضا / أبو يحيى الذي كان يحلم بأنجاز عمله المسرحي لتموز المجيد . حيث سيطرت قوات ( أوك ) على الربيئة في وقت مبكر وجرح أبو يحيى وعذب حتى الموت وبالرغم من جراحه أطفأت أعقاب السكائر على جسده ودفن أمام المستشفى .
في ذلك اليوم بدأ الهجوم الذي شنته قوات ( أوك ) على مقراتنا ومن مناطق عدة محيطة ، كنا نرى بالناظور كيف كانت هذه القوات تهبط من قمم الجبال المغطاة بالثلوج الى الوادي ، ووصلت ألينا أخبار متفرقة وقليلة من هنا وهناك بالهجوم مما خلق نوع من الأرتباك بين الرفاق لكونه مفاجئ ولم يسمح لهم الوقت لترتيب الأوضاع بشكل أفضل ، حيث لم يتبين في البداية من الذي يقوم بالهجوم . أنتشر الرفاق في أماكن عديدة ورابض الرفاق حول مواقع الدوشكات ووضعت كمائن متقدمة ، أما أنا فقد كنت مع بعض الرفاق في كمين متقدم قرب مقر ألأعلام من الصباح وحتى اليوم الثاني ، وعند عودتي للفصيل طلب مني الرفيق أبو آيار المستشار السياسي للسرية بالتوجه للقرية التي نقلت أليها العوائل سابقا" وذلك لعلاج أحد رفاقنا الذي جرح هناك  . وصلت القرية التي تبعد حوالي الساعة عن المقر ووجدتها فارغة ولم أجد أحد من الرفاق وتبين أنهم قد أنسحبوا الى قمم الجبال خوفا" من سقـوط القذائف في الوادي والقرية نفسها . عدت الى مقر السرية ولم أجد أحدا" غير الرفيق ملازم قصي الذي أخذ يناديني بصوت عالٍ ويخبرني بأن قوات أوك تتقدم وهي على بعد أمتار قليلة وطلب مني التوجه الى مقر المكتب السياسي .... كان ذلك ظهر يوم الثاني من مايس / آيار ، كان الرفيق أبو عامل في المقر وعدد من الرفاق بينهم الرفيق أبو زينب وهم يجمعون بعض الأوراق والوثائق وحاجات أخرى لحرقها . جمعنا الرفيق أبو عامل وطلب منا الأنسحاب للحاق بالرفاق الذين سبقونا   وأشار الى قمة جبل بعيدة جدا" وقال أنها قمة جبل قنديل وهي هدفكم في المسير ، وبعد ساعات قليلة تبعنا الرفيق أبو عامل وبقية الرفاق بعد أن أحرقوا المقر .
بعد مسيرة حوالي الساعة في داخل الوادي بدأنا نتسلق المرتفع وننظر الى المشهد المؤلم ، طابور طويل من عشرات الرفاق يسيرون ببطئ شديد نتيجة الجوع والعطش وشعور بالأحباط ، شاهدت على الطريق الجبلي حاجات مختلفة تركها الرفاق لعدم أستطاعتهم حملها ... راديوات ، حقائب شخصية ، ملابس ، وحتى بعض الأسلحة . أتذكر الرفيق أبو علوان الذي كان يحمل سلاح الستريلا والقذائف , كان متعبا" لحد الأعياء , لم يبادر أحدا" من الرفاق بمساعدته على حمله فأضطرالى تحطيمه بالحجر ولم يصل غير سلاح ستريلا واحد حمله الرفيق أبو حسين ناصرية الى آخر نقطة آمنة وأتذكره كيف كان يروي بفخر للرفاق في القيادة كيف بوحده وبدون مساعدة أوصل السلاح بأمان .
كانت المسيرة متعبة جدا" وكل منا يفكر متى نصل الى القمة ! ؟  بدأ الظلام يخيم على المنطقة ونحن نسمع أصوات طلقات نارية متقطعة بعيدة وضوء نيران خافتة ، كنا نلتهم الجليد الذي غطى الطريق بالرغم من شهرمايس / آيار ليروي عطشنا بسبب التعب الذي رافق مسيرتنا . ومن شدة التعب والأعياء لم ينطق أحد من الرفاق بأي كلمة , وربما لم يتسنى لأي رفيق بالنظر الى رفيقه الذي يسير جنبه وكل رفيق يود أن يسير لوحده لكثرة الأسئلة التي تشغل رأسه .
أتذكر تناوب أحد الرفاق مع أخيه  على حمل والدتهم التي جاءت قبل أيام من الأحداث من مدينة كركوك وكانت طاعنة في السن ونحيفة ولم تطاوعها قدماها بالسير فأضطروا لحملها ، ومشهد آخر لرفيق يصرخ من التعب والأعياء  بصوت عالي ، وعدد من الرفاق وصل بهم اليأس لحد الرغبة في التسليم لربيئة حكومية . درجات الحرارة بدأت بالأنخفاض كلما أقتربنا من القمة وأخذ البرد يسيطر علينا بسبب ملابسنا المبتلة بالعرق .
وصلنا قمة جبل قنديل الواقع على الحدود الأيرانية  في الساعة الثالثة من صباح اليوم التالي وبعد مسيرة عشر ساعات متواصلة . البرد شديد جدا" ، تولدت فكرة لدى الرفاق للأستراحة قليلا" فجمعـوا ما لديهم من أوراق شخصية في جيوبهم وأشعلوا النيران فيها طلبا" لدفء كاذب ولدقائق معدودة ، ولحسن الحظ لم نقع في الكمائن العديدة التي التي نصبتها قوات أوك في طرق عدة .
حدثني الرفيق أبو جعفر فيما بعد بأنه أثناء الأنسحاب تردد وأختلف مع ثلاثة من رفاق الحزب الأشتراكي الحليف بالسير من خلال أحد الطرق الفرعية وذهب وحده من طريق آخر وعلم بعدها بأن الثلاثة قد أستشهدوا بعد وقوعهم في كمين قاتل نصبته قوات أوك التي كانت تقتنص أي شخص يمر من خلال كمينهم . 
بعد وصولنا قمة جبل قنديل أصبح لزاما" علينا الهبوط من الجهة الثانية حيث الأراضي الأيرانية وكانت سفوح الجبل هذا مغطاة بكميات هائلة من الجليد وقد ساعد هذا عدد من الرفاق بالنزول السريع . أخبرني في حينها الشهيد الرفيق الدكتور أبو ظفر ذو المعنويات العالية دوما" بأنه ساعد العديد من الرفاق ورفع معنوياتهم لمواصلة السير وسط الجليد أو مواجهة الموت سيما وأن أمامهم ساعات معدودة للوصول الى الوادي . كما أنه أنقذ الرفيق أبو ليلى السراج زميل الدراسة في الأتحاد السوفياتي حيث تخرج من معهد النفط في أذربيجان بعد أن ساءت حالته الصحية وأخذ يرتجف من شدة البرد حيث تم لفه في بطانية وسحبه من قبل بعض الرفاق بسرعة الى أسفل الجبل وتم أسعافه هناك ، كما شاهدت العديد من الرفاق وهم يتدحرجون كالكرة على الجليد .

في الساعة السادسة صباحا" كنا في أسفل الجبل ، حيث الرفيق أبو آسوس وعدد من الرفاق يستقبلون القادمين المنهكين وهم يعدون الشاي وقليل من الخبز ويعقبها أستراحة قصيرة ثم التحرك بمجاميع عدة يرافقها أدلاء يعرفون المنطقة بالسير في عمق الأراضي الأيرانية . وبعد مسيرة ساعات وصلنا الى أحدى المقرات التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الحدودية وبسيارات عسكرية كبيرة تم نقلنا الى العمق الأيراني وبأسماء كردية مستعارة حيث أدعينا بأننا من أنصار الحزب المذكور بلغ عددنا العشرات ، تحولنا الى ضيوف وشحاذين في نفس الوقت ، كنا نقف طوابير طويلة لتناول وجبات الطعام ووزعنا في بيوت القرية وهي شبه أسطبلات للحيوانات . كان السؤال المطروح من قبل جميع الرفاق ... ماذا سـيعمل الحـزب الأن .. ؟  وكم يوم سنبقى هنا .. ؟ وهل سنعود الى كردستان أم ماذا ... ؟ وكانت قيادة الحزب في حالة تشاور مستمر مع السيد مسعود البرزاني سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي زار المكان وقد ألتقيته لأول مرة .
في الليالي كنا نتحدث بما لدينا من معلومات ، وكل رفيق محمل بالعديد من المآسي عاش أحداثها أو سمعها من رفاق آخرين ويرويها بألم ومرارة وكأنها نسج من الخيال وليست وقائع عاشها الرفاق بساعاتها وأيامها . عندما ألتقيت الرفيق ملازم قصي عند رجوعي من القرية وطلب مني التوجه الى مقر الكتب السياسي توجه بدوره الى الأذاعة التي نقلت الى مكان مرتفع متقدم قبل أيام الهجوم وفجرها بقذيفة ( أر . بي . جي 7 ) ثم ألتحق مع مفرزة كان فيها أكثر من سبعين رفيقا" ورفيقة أنسحبوا من طريق آخر ولكنهم وقعوا في الأسر وكان بينهم الرفاق كريم أحمد ، أحمد باني خيلاني ، أبو آدم ، أبو عادل وملازم قصي وقد نقلوا جميعا" الى قرية ( ورته ) مقر أوك وأدعت أذاعتهم حينها أنهم ليس أسرى بل ضيوف لدى مام جلال ولكنهم نسوا بأنهم أطلقوا النار على الجرحى ومثلوا بجثث الشهداء .
لقد أطلقوا النار على الرفيق سمير مهدي شلال / أبو تيسير المهندس الزراعي / خريج جامعة طاشقند . عندما وقع في الأسر مع بعض الرفاق كان جريحا" بعد أن أصيب بشظية قنبلة يدوية في يده ولم يتمكن من السير، أستفسروا عن الأسماء وأتصلوا في اللاسلكي لتلقي التعليمات التي كانت زخة رصاص في جسده فأستشهد بطلا" أمام رفاقه ورفيقاته اللواتي صرخن بوجه القتلة ( أنذال ، فاشست ) . كذلك على الرفيق الجريح نصير محمد حسن الصباغ  وهو أبن أخت الرفيق الفقيد مهدي عبد الكريم / أبو عباس حيث كنت على معرفة بأخيه الذي غرق في نهر موسكو قبل سنوات . كما أطلقوا النار على الرفيق المناضل حامد الخطيب / أبو ماجد وهو جريح وسرقوا مالية الأدارة التي عثروا عليها في ملابسه . كان أبو ماجد متحدث لذيذ المعشر ، أحد المناضلين اللذين حملهم قطارالموت عام 1963 الى نقرة السلمان وهو ضابط برتبة ملازم ثاني .
أكثر من خمسين رفيقا" ورفيقة أستشهد لنا في تلك الأيام المعدودة . أستشهد الرفيق أبو يحيى في كمين صباح بوم الهجوم بعد أن جرح وعذب وسمع صراخ مهندس أذاعة صوت الشعب العراقي سمير يوسف كامل / عمار وهو يسقط في الوادي شهيدا" وكان الشهيد كاتب قصة قصيرة وقارئا" ممتازا" وشيوعيا" متفانيا" والرفيق عماد شهيد هجول/ أبو المعالي وهو خريج بلغاريا / فرع الأقتصاد ، والشاب الوسيم توفيق وقريبه ( س ) كاتب القصة مرهف الحس ، والشاعر ( س ) . كذلك سقط الشهيد الرفيق محمد فؤاد زميل الدراسة في موسكو حيث سقط شجاعا" في المعركة ولم يستسلم وأوصى بالحفاظ على الرفيقات حتى أصابتة رصاصة قاتلة في رأسة. وأستشهدت البطلة عميدة عذبي حالوب /أحلام بعد أصابتها بساعدها ولكن نبضها ما زال حارا" حتى أطلق النار على وجهها وسلبت قلادتها وخاتم زواجها بعد قطع أصبعها ، ومن فصيل ( الكويت ) أستشهد لنا رفيقان رعد وسعد وأمر الفوج ملازم عبد الرزاق مع الرفيق مؤيد عبد الكريم الذي قاتل في صفوف الثورة الفلسطينية لسنوات وألتحق بالأنصار لأيمانه بأن قضية التحرر العربية لا تتجزأ وأن نصرة الشعب الفلسطيني وثيقة الصلة بالنظال ضد طغمة بغداد ، والرفيق رعد عبد المجيد عندما وقعوا في كمين غادر قرب مقر المكتب السياسي ولم يكن لديهم علم بأن المقر قد سقط بيد قوات أوك . ومن الفصيل المتقدم أستشهد الرفيق حمه سور آمر الفصيل العسكري ، كما روى القرويون كيف أستشهد ببطولة الرفيق ( س ) خريج هندسة من ألمانيا وهو يقاتل الأعداء من صخرة الى أخرى وجرح عدد منهم  حتى حوصر وأستشهد في قمة التلة . كما أستشهد زميلي عبد الحسين خريج هندسة طيران من أنكلترا وقد سبق وشكلنا معا" لجنة لأتحاد الطلبة قبل شهر من الهجوم على أمل عقد أجتماع موسع كذلك الرفيق المحبوب أبو حنان خريج هندسة بريطانيا وقد علمنا بأن الجامعة التي تخرج منها أطلقت أسم سـلام وهذا أسمه الحقيقي على أحدى قاعات الجامعة ، وأكثر مأساوية الطريقة التي أستشهد فيها الرفيقان أبو سمير ورفيق آخر من مدينة السماوة وهما من الكوادر الحزبية وقد وصلوا قبل أيام من الهجوم حيث أستشهدا بطلقات الدوشكا التي تركها الرفاق في أماكنها ولم يطلق منها ولا طلقة واحدة  ، كما لم يبادر رفاق الحراسة عليها ولربما نتيجة الخوف والأرتباك من نزع  قطعة الزناد الصغيرة والتي تشل السلاح تماما" أذا سحبت منها ، فعندما كنا نتناوب الحراسة على سلاح الدوشكا نتركها مساء" بعد ان ننزع منها هذه القطعة .

عندما كنت في فصيل دراو السفلى وبعد فترة من الهجوم أخبرني الرفيق خالد عرب بأن أحد القرويين الذي كانت لنا علاقات طيبة معه ويسكن بالقرب من مقرنا أخبره بأن الجلاليين وضعوا جثة أحد الرفاق الشهداء على صخرة للتهديف عليها وبالتناوب أخذوا يطلقون النار عليها من مسافات قريبة وهم يمرحون ويرقصون فرحين وكأنهم في مسرحية ، كذلك أخبر الرفاق بأنه قد أخفى أحد الرفاق في بيته بعد أن ظل طريق الأنسحاب و لمدة ثلاثة أيام وكان الرفيق متتردد بالأستسلام وألقاء السلاح ولكن القروي أقنعه بأنه سوف يضمن سلامته وأخبر الجلاليين وتوسل أليهم بالمحافظة على حياته فخدعوه بأنهم سوف يأخذونه أسير ولكنه مجرد ألقاء سلاحه أفرغ أثنان كامل عتاد رشاشاتهما عليه وواصلوا أطلاق النيران بالرغم من أستشهاده وسقوطه على الأرض ولم يكتفوا بذلك بل جاء ثالث مسرعا" بعد أن سمع أصوات الرصاص وعندما علم بالموضوع أفرغ طلقات أخرى عليه وبصقوا على القروي الكردي لايواءه العربي حسب قولهم وقد دفنه القروي قرب داره .
لم نعلم في البداية من هو هذا الرفيق ولكني أخبرت الرفيق ملازم قصي وقد وافقني في الرأي بأنه الشهيد أبو علي / أحسان الهاشمي خريج زراعة بغداد ، الرفيق الهادئ الوسيم ألأشقر وكنا معا" في القامشلي عدة أشهر أستعدادا" للدخول الى كردستان وكانت قد أنقطعت أخباره ولم يشاهده أحد أو يسمع عنه أي خبر ، ستبقى بشت آشان ذكرى أليمة في تأريخ حركة الأنصار حيث فقدنا في أيام قليلة رفاق رائعون ، فقدناهم الى الأبد .
حملة تضامن واسعة عربية ودولية ساندت حزبنا وأدانت الأعتداء على مقراته وبقية الأحزاب الكردية ونشروا ما طبعه حزبنا من وثائق وكراريس تحمل معلومات حول الأحداث في بشت ئاشان ، كما أصدر الحزب كراسا" يصور الشهداء الذين دافعوا عن مقراتنا ونبذة عن حياتهم وكتب الرفيق زهير الجزائري في حينها مذكرات حول الموضوع على أمل نشرها في كتيب ولكن الحزب لم يسمح بنشره وتوزيعه لأن العلاقات مع أوك قد تغيرت ولم يرغب الحزب بخلق حساسيات جديدة ، وقد سنحت لي الفرصة بقراءة مسودات هذا الكتاب وهي أنطباعات حقيقية لرفاق ورفيقات عايشوا الأحداث وتكلموا عنها بمرارة وألم .
لقد تبين فيما بعد بأن قوات أوك كانوا بحدود 1700 مقاتل معظمهم حملوا سلاح B K C وهو سلاح ذا مدى بعيد زودهم به النظام أضافة الى تسهيلات المرور جنب الربايا وتزويدهم بأجهزة المخابرة والعتاد وفق الأتفاقية السرية المعقودة بين الطرفين .
أما قواتنا فكانت بحدود 300 رفيق ورفيقة بما فيهم الرفاق في القيادة والعوائل والرفاق المرضى وهم تحت العلاج في المستشفى ، أضافة الى أن معظم الرفاق لم يدخلوا معارك حقيقية ولم تكن لديهم خبرة في القتال الأنصاري بعكس قوات أوك المتمرسة بالقتال منذ سنوات وكانوا يعرفون المنطقة ومداخلها معرفة جيدة وهم مزودين بأسلحة حديثة .
قسم من رفاقنا كانوا قد وصلوا كردستان من الخارج خريف عام / 1982 ولم تتسنى لهم فرص التدريب في دورات عسكرية وكان من المقرر أن يتم تدريبهم في صيف السنة القادمة في دورات عسكرية خطط الفوج لها . ولم يكن في الفوج حسب ما أذكر سوى جهاز أتصال واحد وهذا سبب أشكالا" كبيرا" في تبادل المعلومات والأخبار بين الفصائل وأنقطعت الأتصالات فزادت الفوضى لعدم وجود الأوامر العسكرية ، أضافة الى منطقة بشت آشان وصلنا منذ فترة رفاقنا من ناوزنك على الحدود التركية بعد الأنسحاب منها ولم يكونوا على دراية بالمنطقة بشكل جيد ولا مداخلها وطرق الأنسحاب منها ، أضافة الى أن الكثير من الرفاق تحدثوا في وقت سابق عن عدم صلاحية الوادي مقراتنا . أضافة الى هذه الثغرات كانت قيادة الحزب تولي ثقة عالية بالأحزاب الكردية وخاصة أوك . أتذكر أن الرفيق أبو أحلام آمر فصيل بولي أوقف قبل يومين أو ثلاثة من الهجوم عدة سيارات محملة بقوات أوك وكان يقودها م. فاروق أحد قيادي أوك ومنعهم من المرور بل هددهم بضرب القوات وكانت قواتنا قد أحتلت كل القمم والمرتفعات القريبة ، وأخبر فاروق أبو أحلام بأن قواته ذاهبة الى السليمانية ومع ذلك رفض أبو أحلام مرورهم فأتصل فاروق بالرفيق كريم أحمد الذي طلب من أبو أحلام بالسماح لهم بالمرور ومع الأسف كانت هذه القوات هي القوة الأساسية بالهجوم على مقراتنا حيث عبرت من الجهة الثانية . لذلك لم تشك قيادة الحزب بأوك وقبل شهرين كان الحزب مشغولا" بأعداد موائد الطعام للحزبين الكرديين في مسعا" منه لفض النزاع المسلح بينهما ، في حين كان مام جلال يوقع على الأتفاقية السرية مع الطاغية صدام . 
لقد كتب المناضل الثوري ( تشي جيفارا ) في الصفحات الأخيرة من  مذكراته قبل ألقاء القبض عليه وعلى رفاقه بعد أن ألتقى مع أمرأة طاعنة في السن ترعى الحيوانات في الغابة بأنه على يقين بأن هذه المرأة سوف تخبر الأعداء على مكان تواجدهم بمجرد أعطائها قطعة من النقود لأنها لا تعرف بأننا نقاتل من أجل سعادتها ، وقد أيقن ( تشي ) حينها بأن الوقت لم ينضج لبدء بؤرة ثورية جديدة .
لقد أستقبل أهالي بشت ئاشان الجلا ليين بالهلاهل والترحيب وبقيت جثث رفاقنا مرمية لأيام عديدة بالعراء . كم ساعد الرفيق الدكتور الشهيد أبو ظفر هؤلاء القرويين بالعلاج والأدوية المجانية ، وهل يعلمون بأن لدى رفاقنا نية لفتح مدرسة لتعليم أولادهم ومستشفى كبير بالتعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وفعلا" تم أعلام رفاقنا الأطباء في قواطع أخرى بالتوجه الى بشت آشان ولكن الأحداث أجلت ذلك .
لقد ذكر رفاقنا بعد فترة بأن أكثر من جاسوس ومندس كانوا يعملون لأوك وكانوا يرسلون المعلومات والأخبار عن تواجد مقراتنا والأسلحة وأماكن الدوشكا ليس هذا فقط بل وكما يقال شر المصيبة ما يضحك كان آمر حضيرة فصيل مدفع الهاون من عناصر أوك وكذلك النصير صوفي  وهو ملتحق أيضا" قد ألح على الرفيق ملازم قصي بالسفر الى أهله بحجة الزواج وتبين بأنه على علم بموعد الهجوم .

شهداء معركة بشت آشان
ــــــــــ    معذرة لأرواح الرفاق الشهداء الذين لم تسعفني الذاكرة بتذكر أسماء من
لم يرد في القائمة أو ألتباس في الأسم أو مكان الأستشهاد  : ـ
عميدة عذبي حالوب / أحلام  ،  منير رمزي يونس  ،  مجيد رسن / حميد  ، بهاء الدين أحمد     
 محمد فؤاد هادي /أبو طارق   ،  عبد الوهاب عبدالرحمن   ، عبد الوهاب عبد الرحمن                                     
سلام شهاب أحمد /أبو عادل   ،     باسم محمد غانم الساعد ، باسم محمد غانم الساعدي
شهيد عبد الرضا / أبو يحيى  ،  شهيد عبد الرضا / أبو   يحيى  ،  علي جبر / عادل بهديني  ، سمير يوسف كامل / عمار ،  الدكتور بهاء / طارق   ،  سمير عبد الحسن / أبو صابرين  ،  حسن مرتضى / رشدي                                                 
ثائر عبد الرزاق أحمد / سعد  ،  صلاح حميدي / أبو مهدي  ،   وهاب عبد الرزاق / ملازم حامد   ،  يحيى
 د . سلمان جبو  ،  سيدو خلو اليزيدي / أبو مكسيم  ، سمير مهدي شلال / أبو تيسير                                 
هيوا نائب عبد اللة  ، نصير محمد حسن الصباغ  ،  رسول صوفي / مام رسول               
نصير محمد حسن الصباغ  ،  نعمة فاضل / أبو سليم  ،  كاظم طوفان / أبو ليلى                                       
سرباز أحمد ملا عطوان حسين / أبو علي  ، حسين محسن سعيد العباس
رعد يوسف عبد المجيد / ابو بسيم   ،  عبد الأمير عباس علي / سمير طارق عودة / رعد                                       
عبد الحسين أحمد / أبو سمير ، ناصر عواد / أبو سحر ، نزار ناجي يوسف / أبو ليلى
قيس عبد الستار القيسي / أبو ظفار ،  مؤيد عبد الكريم / حامد  ،  جبار شهد / ملازم حسان
جعفر عبد الأئمة / أبو ظفر ،  صامد أحمد الزنبوري / أبو خلود ، أنور حاج عمر / رستم   أحمد عبد الأمير مرتضى / أبو سلام ، غسان عاكف حمودي / الدكتور عادل ، علي حسين بدر / أبو حاتم
حسن أحمد فتاح ماموستا دارا ، عباس حسين / أبو توفيق ، هيوا مقديد عمر / بختيار ،  هاشم كاظم محمد / أبو محمد ، عيسى عبد الجبار / سلمان ، هاشم كاظم محمد / أبو محمد                 
محمد صالح الساعدي  / أبو وطفاء ، علي عبد الكريم النعيمي  ،  حامد الخطيب / أبو ماجد  ، سعد علوان هادي / أبو صوفيا ، شهيد فؤاد سربست محمد صالح  ، ئازاد ئاغوك نادر / له زكين
حسان عباس الهاشمي ، أبراهيم عبد اللة شمسة / أبو يوس  ، دارا حسين شريف / قاره مان
محي الدين كمال الدين  ، أحمد بكر أبراهيم / هاور ،  خالد كريم علي / هيمن ، محمد أمين عبد اللة / دهشتي   عطوان حسين عطية / أبو مازن   ،  زهير عمران موسى / سليم  ، عماد شهيد هجول / أبو معالي       

بعض الرفاق الذين أستشهدوا على يد قوات أوك في معارك متفرقة :
ــــــــــــ
أحسان عباس الهاشمي
دارا حسين شريف / قاره مان  ،   آزاد رضا أغجله ري / آرام  ، خالد كريم علي / هيمن
ماموستا قادر  ،   شهيد فؤاد سربست محمد صالح  ، محمح قادر محمد ، آزاد عزبز صالح
آزاد عزبز صالح   ،  فاخر محمد حسن  ،  آزاد رضا أغجله ري / آرام

-  آسف لعدم ورود أسماء لرفاق أستشهدوا ولم تسعفني الذاكرة لمعرفة أسمائهم
ملاحظة
ـــــ
كتبت هذه المذكرات من قبل النصير سلام عبد الرزاق الحيدر ( د. أبو تانيا ) قبل وفاته في 2004 بأشهر قليلة



12
المندائيون والحوار الديمقراطي
هل نحتاج الى صولة الفرسان في استراليا ؟؟؟

فائز الحيدر

لقد تعددت الأراء حول مفهوم الديمقراطية وتطبيقها في الحياة اليومية للمجتمع ، سواء في الحياة الحزبية أو في المجالات الفكرية ، الفلسفية ، السياسية ، الاقتصادية ، الاجتماعية . ولكي نطبق الديمقراطية بشكلها الصحيح علينا ان نتسلح الوعي والثقافة لأدراك هذا المفهوم .
فالديمقراطية مفهوم إنساني واسع وجدلي قائم بين الفكر والواقع ، وهي علاقة جدلية مستمرة باستمرار الحياة وتعكس الطموح من اجل حياة أفضل يحقق بها الإنسان إنسانيته وكرامته . فالديمقراطية طموح وتجربة ترتبط بها مفاهيم عديدة أخرى كالعدالة والمساواة والحرية والتعايش و التسامح وأحترام الآخر ،  وحين ندعو للديمقراطية في كل مناسبة نتناسى في بعض الاحيان ان معظم الشعوب وخاصة الشرقية منها لا تعرف معنى الديمقراطية وقبول الرأي الآخر وسبب ذلك يعود لحياة العزلة عن العالم التي عاشتها تلك الشعوب طيلة قرون عديدة بسبب الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة ووممارستها القمع و البطش والأرهاب المستمر ضد شعوبها . وبالتأكيد ان المندائيين أناس من تلك الشعوب التي عانت الكثير قد تأثروا بمحيطهم الشرقي العربي والأسلامي وتطبع بعضهم بهذه الطباع ..... وهنا لا بد القول اننا لا يمكننا فهم الديمقراطية من جانب واحد وانما علينا فهمها بجانبيها النظري والتطبيقي فهما جانبين مترابطين ، فالعلاقة بين الديمقراطية والرأي الآخر علاقة ثابتة لا يمكن فصلهما عن بعض وعلينا البحث عن المكان المناسب لطرح الرأي الآخر وكيفية الطرح وطريقة التعامل معه وهذا يحتاج الى الوعي والثقافة والنضوج الفكري .
لقد اثبتت الواقع ان الكثير من المندائيين الذين يدعون الديمقراطية واحترام الآخر لا يفهمون الديمقراطية الحقيقية وهذا يتجلى عند التحاور مع البعض وأختلافنا مع الآخر حيث تنهال الأتهامات التي تصل حد التخوين أحيانا" ، ان هدف الحوار هو ليس الأقناع في الرأي المطروح وانما الهدف الأساسي هو تبادل للآراء للوصول الى الأفضل ، ولطرفي الحوار الحق بالدفاع عن آرائهم ، فالحوار ليس صراعا" وانما هو تفاعل فكري للوصول الى آراء جديدة تكون مقنعة ومرضية للمتحاورين وإلا سيفقد الحوار هدفه . ومن هذا الجانب ولأدراكهم معنى الديمقراطية وأهمية الحوار الديمقراطي بين ابناء الطائفة المندائية بادر الغيارى منهم ومنذ عدة سنوات لأنشاء موقع الياهو ليكون وسيلة اتصال ومتابعة لأخبار ابناء الطائفة المشتتين في أرجاء العالم وموقعا" لطرح الأفكار المختلفة ومناقشتها بالحوار الديمقراطي الحقيقي وهذا يتطلب الوقت لغرض المتابعة والمال الشخصي والجهد الأضافي من قبل العاملين والمشرفين عليه .
يعاني المندائيون اليوم وبعد هجرتهم الأجبارية وغير المخططة بسبب الأرهاب الذي تعرضوا له في داخل الوطن بعد سقوط النظام الدكتاتوري في التاسع من نيسان / 2003 على يدي الأرهابيين وقوى الأسلام السياسي وتوزعهم على بلدان عديدة متباعدة ، من ضغوطات عديدة جمة غيرت الكثير من سلوكهم اليومي ، فالضغوطات اليومية الأقتصادية والأجتماعية والتربوية في المجتمعات الجديدة والبعثات التبشيرية التي تهدد وجودهم في بعض بلدان الأنتظار وتنافر الجمعيات المندائية في المهجر في برامجها وقياداتها وعدم وجود مجلس روحاني منتخب لعموم الطائفة وأختلاف بعض رجال الدين فيما بينهم وتدخلهم الواضح والسلبي في النشاطات المدنية البعيدة عن مهماتهم الدينية والتي ادت الى ابتعاد نسبة كبيرة من ابناء الطائفة عن العمل المنظم . ان هذه الأسباب وغيرها جعل ابناء الطائفة يتخبطون بين هذه الجمعية وتلك وبين هذا وذاك من رجال الدين واصبح موقع الياهو المندائي احد المنابر لطرح المشاكل والتناحرات وتوجيه الأتهامات لهذا وذاك من الناس وبين الجمعيات المندائية وخاصة في استراليا حيث التجمع الأكبر لأبناء الطائفة بعيدا" عن الحوار الديمقراطي للتعبير عن وجهات النظر المختلفة وطرح الأفكار التي تهم عموم الطائفة وبقائها . فهناك العديد ممن ينقصهم السلوك الحضاري بطرح الآراء وفهم الديمقراطية يوجهون الأتهامات ضد هذا وذك من الحريصين على وحدة الطائفة وديموميتها  ويتهمون المشرفين على موقع الياهو  بالأنحياز الى أتجاه سياسي أو حزب معين بسبب توجهاتهم السلفية في الدين والحياة .
فقبل ايام قليلة تحت عنوان ( منبرنا حزبي أو مندائي ) كتب احد المندائيين رسالة أتهام الى المشرفين على الموقع معتقدا" ان الموقع قد تحول الى واجهة دعاية لأحد الأحزاب السياسية اليسارية العراقية نتيجة لما يكتبة بعض الكتاب والمثقفين المندائيين لمواضعيه تعبر عن وجهة نظر سياسية في أحياء مناسبات وطنية كما ويؤكد في رسالة اخرى بما ان طائفتنا هي طائفة دينية لذلك فعلينا ان نسير في الأتجاه الديني اليميني رغم انه يؤكد في رسالته الى المشرفين على الموقع بقوله ... ( لا اعرف ما هي اليمينية واليسارية ولكني يجوز احب اليمينية من جانب مهم لان الديانة المندائية تفضل اليمين على اليسار في كل طقوسها ) ويا حبذا يبين لنا الأخ المذكور ماذا يقصد باليمينية في الديانة المندائية ؟؟ وهو يقول في بداية رسالته لا اعرف ما هي اليمينية واليسارية !!!! ، وماذا يعني ان المندائية تفضل اليمين على اليسار في طقوسها ؟؟
نحن نعتقد عندما يكتب المرء فهو بالتأكيد يعبر عن آرائه الخاصة بحرية وما يجول بداخله تجاه قضية او موضوع معين ولكن لا يجوز فرض آراءه على الآخرين ، كما وان عدم الأتفاق مع تلك الأراء المطروحة لا يعطي الحق لأي شخص برمي الاتهامات الباطلة جزافا" بل علينا ان نتناقش بموضوعية ونبتعد عن اساليب التجريح الشخصي . ولكن ان أنتساب مثل هؤلاء الأخوة وبهذه العقلية الثقافية المتواضعة وتعصبه الديني الى الجمعيات المندائية ذات الأهداف والبرامج المختلفة سيسعون بالتأكيد الى حرف تلك الجمعيات وأبعادها عن عملها بحجة المحافظة على الدين المندائي والطائفة المندائية ككل  .
يدرك المندائيين ان طائفتهم قد عانت الكثير وطيلة سنوات طويلة من التقوقع الديني ووصلت لحد الأنقراض بسبب تركيزها على الدين وطقوسه فقط ، ونسوا ان هناك مجالات عديدة في الحياة يمكن الخوض بها لتعزيز مكانتها ، ان الديانة المندائية ليست ديانة متحجرة ، وهي ليست صوم وصلاة وتعميد وقراءة الكتاب المقدس ( الكنزا ربا ) فقط ، وانما هناك الكثير من المجالات السياسية والأقتصادية والثقافية والعلمية والأجتماعية يجب الخوض بها لرفعة الطائفة وأيصالها الى المكانة الحقيقية التي تستحقها . ان ما قام ابناء الطائفة الحريصين على بقائها ووحدتها من المثقفين والعاملين في الأختصاصات العلمية من عمل ونشاط في مواقعهم المختلفة طيلة السنوات الأخيرة في داخل الوطن وخارجه عبر مؤوسسات الطائفة المدنية وبالأخص اتحاد الجمعيات المندائية ومجموعة حقوق الأنسان وغيرها وبمساندة بعض رجال الدين المتنورين في المجالات السابقة وبتأييد تام من الشخصيات الوطنية والثقافية والأحزاب اليسارية الوطنية ومثقفيها وعقدها مؤتمرات التضامن مع الطائفة المندائية كانت أحدى الأسس في رفعة الطائفة وابراز وجهها الحقيقي ومعاناتها في المحافل الدولية وكسبت بذلك تعاطف العديد من الدول والمنظمات الأنسانية التي لم تكن تعرف شيئا" عن المندائية سابقا" وان هذه النجاحات تفوق على كل ما قامت به الطائفة ورجال الدين المندائيين طيلة سنوات طويلة من القرن الماضي .
ومن جانب آخر فمنذ عدة سنوات وأبناء الطائفة المندائية في الوطن وفي بلدان المهجر يتابعون بقلق ما يجري بين أبناء جلدتهم المندائيين في استراليا حيث تظم اكبر تجمع مندائي في مدن متقاربة ومحصورة في منطقة ضيقة حيث يبلغ عددهم في حدود الخمسة آلاف مندائي من اصول عراقية وأيرانية ، مع وجود ما يزيد عن خمسة عشر مؤسسة مندائية اتخذت اسماء جمعيات ومجالس ونوادي وشركات وتنظيم وتظم قيادات غير متجانسة تفتقر الى الخبرة في العمل ادت لنشوء خلافات مستعصية واحتراب فيما بينها منذ عدة سنوات ولغاية الأن ووصل هذا الأحتراب الى ابعاد غير طبيعية لدرجة لم يستطع رئيس الطائفة من خلال زياراته لأستراليا المساعدة في حل تلك الخلافات .
ويلاحظ المتابع لوضع الطائفة في أستراليا ان غالبية اسباب الصراع يعود الى قلة الوعي الثقافي ومرض الأنا المتفشي بين المندائيين تعلوها المصالح المادية و الشخصية والى التخندق الديني لبعض رجال الدين المندائيين السلفين الذين يعتبرون انفسهم الأولى بقيادة الطائفة لأيصالها الى بر الأمان وتأثيرهم السلبي على عمل الجمعيات ، في حين يقف بالضد منهم الكثير من المثقفين والمتنورين الذين يهمهم ديمومة الطائفة ويطالبونهم بعدم تدخل رجال الدين بالشؤون المدنية لجمعياتهم مما ادى الى إنشقاق وانقسام في هذه المؤسسات وتكوين اكثر من مجلس يعني بالشؤون الدينية . لقد اثرت هذه الحالة سلبا" على عموم الطائفة في استراليا وتوزع ابنائها بين هذا المجلس وذاك وامتنع البعض من قادة هذه المؤسسسات حتى الجلوس مع الطرف الآخر للتحاور معه وايجاد السبيل الأفضل للعمل المندائي ، وهذا لا يعفي بعض رجالات العهد االدكتاتوري الذين تربوا بأحضان الدكتاتورية لسنين طويلة والذين يعملون ليل نهار بشكل مباشر وغير مباشر لتفتيت وحدة الطائفة ومحاربة الفكر الوطني التقدمي والتنكر لتضحيات المندائيين من اجل الوطن بأسم الحفاظ على الديانة المندائية والطائفة .
ان الأحتراب بين المندائيين هناك يحتاج الى حلول جذرية وموقف صلب وصولة الفرسان تساهم بها رئاسة الطائفة في الوطن واتحاد الجمعيات المندائية في المهجر وكافة الشخصيات التي تجد في نفسها الكفاءة للمساهمة لوضع حد لما يعانيه ابناء الطائفة الذين اصبحوا رهينة لهذة الجمعية او تلك ، ونعتقد أن الحلول تتطلب :
ـ دعوة أتحاد الجمعيات المندائية للأطراف المتخاصمة يحظى يموافقة كافة الأطراف لعقد اجتماع طارئ برئاسة رئيس الأتحاد لكونه على معرفة ومتابع لما يجري هناك منذ سنوات وله القدرة والحنكة على حل تلك المشاكل .
ـ  ان يطلب اتحاد الجمعيات المندائية من الجمعيات المندائية في استراليا وخاصة المنظوية تحت لواءه بتجميد كافة النشاطات طيلة عقد المؤتمر الطارئ لتجنب المزيد من الخلافات .
ـ دعوة كافة رجال الدين المندائيين في أستراليا لسحب أيديهم وتاثيرهم السلبي على عمل تلك الجمعيات مهما كان نوعها لكي تواصل عملها لخدمة ايناء الطائفة .
ـ اختيار عضوين من كل جمعية للجلوس والتحاور والأتفاق على حل جمعياتهم وفق قوانين البلد وتوحيدها في جمعية واحدة ذات نظام داخلي فعال تتفق عليه كافة الأطراف يقود المندائيين بالشكل الصحيح .
ـ يلغى أتحاد الجمعيات المندائية في المهجر عضوية كل جمعية او مؤسسة في حالة عدم القبول أو الألتزام بما يتوصل اليه المؤتمرون .
اننا ندرك ان اقتراحنا هذا ليس بالأمر الهين ولكن يحتاج الى جهود كبيرة مشتركة ووقت طويل ومبالغ مالية كبيرة .
وكلمة اخيرة نقولها أننا نعتقد أن الديموقراطية لا يمكنها أن تستقر بين أبناء طائفتنا إلا عندما تقتنع أغلبية ابناء الطائفة بأهمية العمل المنظم والتفريق بين العمل الديني والعمل المهني المدني بعدها يمكن ان نلاحظ ان هناك تطور واضح سيحصل في عمل الجمعيات المندائية .



          كندا
الثلاثين من آذار / 2009


13
لمناسبة عيد المرأة العالمي
الصابئة المندائيون والعنف ضد المرأة




فائز الحيدر

يعيش الأنسان اليوم ونحن في مطلع القرن الواحد والعشرين عصر التكنولوجيا والعولمة ، وقد حققت الحضارة الأنسانية تقدما" هائلا" في المجالات العلمية والأقتصادية والأجتماعية والحياتية ، ومع كل هذه التطورات الهائلة لم يتوصل الأنسان الى العيش بسلام ومحبة ووئام مع الآخرين فهناك الكثير من مظاهر العنف والتخلف الأجتماعي والجهل وقلة الوعي الثقافي  من سمات القرون الغابرة لا زالت مترسخة في النفس البشرية لغاية اليوم ، ومن أهم هذه الظواهر هي ظاهرة العنف ضد الفئات الضعيفة في المجتمع وخاصة المرأة .
يعتبر العنف ضدّ المرأة ظاهرة مزمنة في المجتمع البشري ومنتشرة منذ قرون عديدة في كل المجتمعات والدول المتطورة والدول النامية ، ويعتبر اخطر مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان والأتفاقيات الدولية التي تخص المرأة . وتشير الدراسات الأجتماعية وتقارير الأمم المتحدة بأن العنف ضد المرأة هو الخطر الأكبر الذي يهدد حياة أغلبية النساء في العالم . ونتيجة لضخامة هذها الخطر الذي يواجه المجتمع البشري اعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم ( 54/134 المؤرخ 17 كانون الأول / ديسمبر1999 ) واعتبار يوم 25 تشرين الثاني / نوفمبر من كل عام اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة ، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة في ذلك اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام لتلك المشكلة  .

أختلف علماء الأجتماع والباحثين في كيفية نشوء العنف ضد المرأة فقسم من الباحثين يرجعه الى عوامل غريزية لدى الأنسان منذ القدم حيث التسلط والبقاء للأقوى وفق شريعة الغاب بحكم التركيب الفسيولوجي لجسمي الرجل والمرأة ، و يعتقد البعض الآخر الى ان العنف ناتج عن التربية العنيفة التي ينشأ عليها الطفل والتي تولد لديه طبيعة العنف ويصبح ذو شخصية ضعيفة يستقوي على الأضعف منه وهي المرأة ، في حين يعزوها البعض الى التفسيرات الدينية المتخلفة أوالثقافة العشائرية والقبلية المسيطرة على المجتمع والمبنية على مجموعة من الذرائع والأسباب تحاول أن تثبت أن المرأة إنسان ناقص بالولادة ( ناقصة عقل ودين ) ، دماغها أصغر من دماغ الرجل ، عاطفية ، طائشة وغيورة ..... وغيرها .

وبناء على ما سبق فهناك اكثر من تعريف يخص العنف ضد المرأة وحسب ما يعتقد كل باحث ... ولكن يمكن ان نختار اهم التعاريف التي يتفق عليها معظم علماء الأجتماع والباحثين وهو :
(( هو أي عمل عنيف عدائي أو مؤذ أو مهين تدفع إليه عصبية الجنس يرتكب بأي وسيلة كانت بحق أية امرأة لكونها امرأة ويسبب لها أذى نفسي أو بدني أو جنسي أو معاناة بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة ))
المرأة العراقية والعنف
لقد عانت المرأة العراقية من الاضطهاد والعنف ومآسي الحروب ، ولم تكن بعيدة عن ساحات النضال الوطني فقد دخلت السجون والمعتقلات وتعرضت للملاحقات والتعذيب والموت من أجل الدفاع عن حقوقها المشروعة التي غيبتْها الحكومات المتعاقبة ، كما وشاركت في الانتفاضات الوطنية والمظاهرات وحمل السلاح في كردستان العراق وفي العمل السري ولمعت اسماء العديد من الشهيدات حيث اصبحن رمزاً من رموز العراق الوطنية وستبقى على مر الاجيال باقية في الذاكرة العراقية . ومع كل هذا الدور النضالي للمرأة العراقية فلا زالت تتعرض للعنف في حياتها اليومية سواء في البيت او الشارع او المدرسة او في مجال العمل حيث تغتصب حقوقها من قبل غالبية المحيطين بها  ان قضية المرأة وحقوقها ووقف العنف ضدها هي من حقوق الشعب وقضيته في الحرية والديمقراطية ولا يمكن الفصل بينهما .
المرأة المندائية والعنف
لقد عاش المندائيون منذ مئات السنين قرب الأنهار في مدن وقصبات جنوب العراق  ذات الأغالبية المسلمة حسب ما تتطلبه طقوسهم الدينية وبسبب الأحتكاك المباشر مع محيطهم الأسلامي وصعوبة الحياة وتعرضهم للأضطهاد الديني والأجتماعي وضعف التعليم أخـذ البعض منهم مع الأسف الكثير من التقاليد الأسلامية والعادات العشائرية المتخلفة والبعيدة كل البعد عن الديانة المندائية وتعاليمها واخذ البعض بتطبيقها عمليا" ومنها النظرة الدونية المتخلفة للمرأة ومعاملتها في الحياة اليومية واجبار البنات على لبس الحجاب ومنعهن من الذهاب الى المدارس أو مواصلة العمل وبقي هذه السلوك مع الأسف متوارث حتى بعد انتقالهم الى دول اخرى .
وهنا يأتي السؤال هل الديانة المندائية تحث على العنف ضد المرأة ....؟ لنرى ما تقوله كتبهم المقدسة بخصوص المرأة ......
المرأة في الديانة المندائية
لقد اعطت الديانة المندائية الكثير من الحقوق للمرأة تفوق ما اعطته الديانات الأخرى لها ، وتحث على نبذ العنف وبأي شكل وتؤكد على الأحترام المتبادل بين افراد العائلة ، ويعتبر الزواج في الشريعة المندائية من أكثر الأمور أحتراما" وقدسية . وعادة ما تأخذ اجراءات طقوس الزواج ساعات طويلة من النهار ، وقد نص  الكتاب المقدس للمندائيين ( الكنزا ربا ) على أحترام المرأة والرابطة الزوجية المتكافئة وحرص على ديمومتها والألتزام بها .. وان الأخلال بهذا التكافئ سيؤدي بالتالي الى المشاكل اليومية التي عادة ما تنتهي بالعنف .
ومن وصايا الكتاب المقدس ... ( يا رجال ويا نساء إن نويتم الزواج أظهروا المحبة الصادقة وأختاروا وأشبكوا ، فاذا كتب لكم ذلك وملأ الحب قلوبكم تزوجوا ، ولكن أذا لم تختاروا وتزوجتم فليتحمل أحدكم الأخر كالمريض على فراش المرض ، فأذا عملت أعمالا" كريهة غير مألوفة لنفسها أبتعدوا عنها ولا تمنحونها الثقة لأنها تشبه المرض العضال الذي لا شفاء منه ) .
ويقال للعريس عندما يتصافح مع عروسه في أثناء مراسيم الزواج .... (( حلفت بالحي العظيم وملائكته الأطهار ألا تنقض وعدك ولا تنكث عهدك وتحافظ على قرينتك ، تعزها وتكرمها ، لا تأكل ولا تشرب بدونها ، كن عصاها التي تتوكأ عليها أيام المحن ، أبتعد عن الخمرة والسرقة والكذب لأنها تدمر حياتك الزوجية ، هذا ما أمرني به ربي وأنا آمرك أن تلتزم به . أما قَسم الزوجة أن تحافظ على زوجها في السراء والضراء والغيبة والحضور وفي ماله وعرضه )) .
وهنا نلاحظ إن الرباط الزوجي في الدين المندائي متين ومقدس ، فبواسطته تبقى روحا الزوجين مرتبطان في الدنيا والأخرة إلا في حالتين هما من أرتكب الزنا أو من خرج من الدين المندائي ففي كلا الخطيئتين يحذف إسمه من بيت الكمال وينقطع رباطه المقدس لأنه دنس هذا الرباط وخان الثقة التي منحت له وحنث بالقسم الذي قطعه على نفسه .
ورغم ما ذكر من وصايا حول الزواج وقدسيته بالنسبة للمندائيين ولكون الى ان الدين المندائي دينـا" سمحا" لا يـؤمن بالعنف والأضطهاد والأكراه وخاصة في الزواج نلاحظ إن العنف ضد المرأة في المجتمع المندائي لا زال موجودا" ويمارس مع الأسف حتى من قبل البعض من المندائيين فقرائهم وأغنيائهم  ، المثقفين وغير المثقفين وهناك أمثلة لا تحصى على هذه الممارسات اللاأنسانية ضد المرأة التي تتخذ أشكال مختلفة ...... ترى ما هي الأسباب التي تشجع على العنف ضد المرأة والديانة المندائية كما أسلفنا تحترم المرأة وحقوقها وتقدس الزواج وتنبذ العنف .
يصنف علماء الأجتماع العنف الى عدة انواع ولكننا نتطرق الى أهمها :
ـ  العنف المعنوي :

ويعتبر من أخطر أنواع العنف ، لكونه غير ملموس مثل ( السب والشتم ) والكلام الجارح او استخدام الاطفال كوسيلة للعنف ضد المرأة وذلك اما بضربهم أو إهانتهم وسبّهم أمام أعين المرأة قصد تعذيبها نفسياً. ولا يترك هذا النوع من العنف أي أثر له واضح على الجسم وهو شائع في جميع المجتمعات ومنها المجتمع المندائي فهناك الكثير من النساء المندائيات يتعرضن لهذا النوع من العنف يوميا" .

ـ  العنف الجسدي
ويقصد به الإيذاء البدني والجنسي مثل الضرب والتحرش الجنسي والخطف والاغتصاب وإحداث العاهات الدائمة والحرق والقتل غسلا" للعار . ويكون هذا العنف واضحا" ويترك آثارا" بادية للعيان وتستخدم فيه وسائل مختلفة.  وهذا النوع من العنف لا زال شائع في المجتمع المندائي أيضا" حيث تتعرض الكثير من النساء المندائيات الى الضرب والأهانة سواء من الأب أو الزوج أو الأخ أو من قبل اهل الزوج وامام زوجها الذي لا يحرك ساكنا" ويرى انها مسألة طبيعية يتطلبها العرف العشائري . ومع الأسف ان الكثير منهن يتحملن هذا التعدي تهربا" وخوفا" من الطلاق في مجتمع يدينها وحكومة ذات تفكير جاهلي وقوانين لا تنصفها وطائفة دينية مضطهدة ليس لها حقوق . ويمكن القول ان هناك المئات من النساء المندائيات في داخل الوطن وفي بلدان المهجر ضحايا لهذا النوع من العنف الذي ترك آثارا" واضحة على جسم المرأة المندائية وأصيب قسم منهن بعاهات مستديمة مثل الأصابات بالكسور والحالات الصحية ذات والعقلية  الآلام المزمنة يدفعن ثمنها لحد الأن في بلدان المهجر .
ويؤكد بعض علماء الأجتماع ان المرأة نفسها تعتبر أحيانا" أحد العوامل الرئيسية لبعض أنواع العنف والاضطهاد، وذلك لقبولها له واعتبار التسامح والخضوع أو السكوت عليه كرد فعل لذلك ، مما يجعل الآخر يأخذ في التمادي أكثر ، وقد تتجلى هذه الحالة أكثر عند فقدان المرأة لمن يقوم بحمايتها .
اسباب العنف ضد المرأة
يجب ان لا ننسى ان العنف ضد المرأة لا يرتبط بعامل اجتماعي وحيد، بل يرتبط بشبكة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ، تتشابك فيما بينها لتولد الأسباب المؤدية للعنف ضد النساء ، ويبين الباحثين إن الاختلاف في المستوى الثقافي بين الزوجين يعتبر عامل اساسي في العنف خاصة إذا كانت الزوجة هي الأعلى مستوى ثقافيا" قد يولد نوعا" من التوتر لدى الزوج في محاولة لسد هذا النقص في اي مناسبة سانحة له . كما ان العادات والتقاليد البالية المتجذرة في ثقافات الكثيرين والتي تحمل في طياتها الرؤية الجاهلية المتخلفة لتمييز الذكر على الأنثى مما يؤدي ذلك إلى تصغير الأنثى ودورها وتكبير الذكر ودوره في المجتمع . حيث يعطى الحق دائما" للمجتمع الذكوري للهيمنة والسلطة وممارسة العنف على الأنثى منذ الصغر وتعويد الأنثى على تقبل ذلك وتحمله والرضوخ إليه لكونها أنثى .
كما ان ثقل الأزمات الاقتصادية الخانقة وتداعيات الحروب وما تخلفه من ثقافة للعنف وشيوع للقتل وتجاوز لحقوق الإنسان ، وبما تفرزه من نتائج مدمرة للاقتصاد والأمن والتماسك والسلام الاجتماعي ومن عنف عام بسبب التضخم والفقر والبطالة والحاجة تسبب ضغوطا" كبيرة تؤثر على المستوى المعاشي للأسرة ويصعب بذلك الحصول على لقمة العيش مما يؤدي الى ان يصب الرجل غضبه على المرأة مستعملا" العنف ، ومن الطرف الآخر تتقبّل المرأة هذا العنف لأنها لا تتمكن من إعالة نفسها أو إعالة أولادها .  وهذا العنف اصبح ما يشبه لعادات وتقاليد موروثة تتوجه نحو التفكك الأسري ومن ثم الى الطلاق المحرم أصلا" في الديانة المندائية . وتشير سجلات المحكمة الشرعية المندائية التي تأسست في يوم 11 / 11    1996 ان المحكمة نظرت خلال سنتين فقط من تأسيسها بما مجموعه 150 حالة غالبيتها تشهد على ممارسة العنف ضد المرأة ومن هذه الحلات التالية : ( حضانة أطفال 6 قضايا ، التفريق بين الزوجين 50 قضية ، المخالعة بين الطرفين 13 قضية ، حالات الطلاق 24 قضية ، نفقة أطفال 33 قضية ، مشاهدة اطفال 6 قضايا  ، المطاوعة 3 قضايا ، الزواج 8 قضايا ، اسقاط حضانة 6 قضايا ) ومع الأسف ليس لدينا أحصائيات عن عدد الحالات التي نظرت بها المحكمة الشرعية المندائية بعد عام 1996 ونعتقد انها زادت في السنوات الأخيرة بحكم الظروف الصعبة التي مر بها الوطن .
اما بعد سقوط الصنم وازدياد العنف ضد العراقيين كافة وتجسد بشكل أكبر ضد الأقليات الدينية ومنهم المندائيين فعمليات القتل والخطف ولبس الحجاب والتحول للدين الأسلامي وغيرها دفعت الألاف من العوائل المندائية الى الهرب لدول الجوار ينتظرون عطف دول اللجوء في ظروف أقتصادية يرثى لها مشكلة ضغوط  نفسية هائلة توسعت تدريجيا" لتصبح عنف منظم ضد النساء المندائيات من قبل أزواجهن بشكل خاص أو احد افراد العائلة وهناك امثلة عديدة مسجلة بخصوص اختراقات حقوق المرأة المندائية الأنسانية وممارسة العنف ضدها للأسباب السابقة .
أما في بلدان اللجوء حيث المجتمع الجديد فبرغم الضغوط النفسية الناتجة عن الحياة المعقدة والبطالة فالعنف ضد المرأة بين المندائيين عادة ما يكون أقل حدة بحكم الوضع الأقتصادي المستقر نوعا" ، ولكن هناط عوامل أخرى قد تسبب العنف وعادة ما تكون نتيجة الأختلاف بتربية الأبناء في المجتمعات الجديدة المنفتحة على الجنس والتدخين والمخدرات والزواج من الأديان الأخرى وتناول المشروبات ومخالفتها للتقاليد المندائية والعلاقات الأجتماعية ، وفي هذه الحالة يكون الأطفال المندائيين وحدهم هم الخاسرين في عملية الهدم العائلي المبني على أساس العنف ضد المرأة والذي عادة ما يحول سعادتهم وآمالهم  في الحياة الى جحيم ويقضي على أحلامهم البسيطة في أن يعيشوا في كنف جو عائلي مستقر مثل بقية أقرانهم .
وبعد كل ماسبق تواجه المرأة المندائية في الوطن كبقية نساء العراق اليوم القهر والحرمان بعد أن غيبت عنها كثير من حقوقها في الدستور العراقي التي كانت تتمتع بها منذ عقود وسط سلطة الأحزاب الدينة المتخلفة المهيمنة على مقاليد السلطة  ، ومع ذلك فهي لا زالت تواصل نضالها ومصرّة على نيل حقوقها ودحر الفكر الجاهلي المتسلط ، على المرأة إيصال صوتها إلى العالم بواسطة التثقيف بحقوقها الأنسانية وعدم التسامح والتهاون والسكوت في سلب هذه الحقوق ، ومعبر نشر ثقافة احترام وتقدير المرأة ونبذ العنف ضدها وهذا يتطلب مساهمة وسائل الأعلام المختلفة ومؤوسسات المجتمع المدني والمثقفين والباحثين والكتاب في ذلك .
فتحية للمرأة العراقية بيوم الثامن من آذار ، اليوم العالمي للمرأة
تحية اجلال واحترام لشهيدات الحركة النسوية
المصادر ......
ـ الطلاق والشريعة الصابئية المندائية ،  صفحة 12 ،  مجلة آفاق مندائية العدد التاسع / السنة الرابعة /  كانون الثاني 1999


         كندا
آذار / مارس / 2009

14
الصابئة المندائيون ويوم الشهيد الشيوعي
سلاما" على جاعلين الحتوف   جسرا" الى الموكب العابر

فائز الحيدر


 قد يسأل المرء نفسه أحيانا" ، لمذا تمجد الشعوب والأحزاب السياسية شهداءها ؟ أهو تمجيدا" للموت البطولي ؟ أم هو محبة وعشقا" للجود بالنفس بأعتباره أقصى غاية الجود؟ وهل كان الشهداء الشيوعيين زاهدين بحياتهم بمعزل عن الأهداف التي ناضلوا من أجلها ؟ الجواب بالتأكيد كلا بالطبع فلم يكن العظماء من البشر ومن بينهم الشهداء ، على مدى التأريخ عشاقا" للموت . بل كانوا من عشاق الحياة . ولكن ليس أية حياة . بل حياة العزة والكرامة والدفاع عن القيم الأنسانية الرفيعة التي آمنوا بها وكرسوا حياتهم من اجل تحقيقها وضحوا بالغالي والنفيس دفاعا" عنها . فمنذ بداية التأريخ كان الشهداء ولا يزالون يلهمون رفاقهم العزم على الكفاح حتى تحقيق ما ضحوا بحياتهم من اجله ، وهكذا تظل ذكرى الشهداء ساطعة تنير درب المناضلين وتعطيهم المثل والقوة في الصمود دفاعا" عن القضايا النبيلة في وجه أعتى الدكتاتوريات .
في الرابع عشر من شباط من كل عام يحتفل الشيوعيون العراقيون بيوم الشهيد الشيوعي . هذا اليوم الذي أصبح تقليدا" يلتقي فيه الشيوعيين وأصدقائهم لأحياء ذكرى شهداء حزبهم الذين سقطوا في ساحات النضال المختلفة ، في السجون والمعتقلات ، في الشوارع والانتفاضات ، في جبـال وسـهول العراق ، وفي المنافي والقبور الجماعية دفاعا" عن قضايا شعبهم ووطنهم في مواجهة الدكتاتوريات المتعاقبة . فهذا الأحتفال ليس احتفالا" عابرا" بل أحتفالا" تحتشد فيه المعاني والرموز العميقة ، هو استعادة غير مجلبة بالسواد لأرواح شهداء الوطن الذي ابتلع الحقد الالاف من صفوتهم . انه يوم ذكرى البطولة والصمود والأستشهاد من أجل القيم والمبادئ الفكرية السامية ، ذكرى القادة في الحزب الشيوعي العراقي الذين قدموا أنفسهم قرابين للمبادئ التي آمنوا بها من اجل حرية الشعب واستقلال الوطن والغد الأفضل .
ففي الرابع عشر من شباط / فبراير 1949 وفي العهد الملكي البغيض تعهد الطاغية نوري السعيد بالقضاء على الحزب الشيوعي العراقي وجماهيريته وذلك بأعدام قادته الأبطال . حيث صعدت الى المشانق أول كوكبة خالدة من الشهداء هم قادة ومؤسسي الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف ( فهد ) ، زكي بسيم ( حازم ) ، وحسين محمد الشبيبي ( صارم ) وهم يهتفون بحياة وطنهم وحزبهم وشعبهم . ففي هذا اليوم وفي ذكرى أستشهادهم دأب الشيوعيون أينما وجدوا على تمجيد هؤلاء القادة وهم يقفون إجلالا" لأرواحهم الطاهرة . وفي لحظات الخشوع  يتطلع الشيوعيون وكل الوطنيين  بإكبـار إلى الأرادة الصلبة التي حملها هؤلاء الأبطال والتي واجهت المشانق برجولة وشرف متحدية الطغاة والجلادين .
وفي الخمسينات كانت دماء ومآثر الشهداء الشيوعيين والوطنيين تتواصل ، في إنتفاضة تشرين الثاني 1952 ومجازر السجون في بغداد والكوت عام 1953 واضرابات العمال والفلاحين وانتفاضة خريف عام 1956 هذه الدماء التي تعتبر مشاعل على طريق النضال الذي توج بثورة 14 تموز 1958 .
 وكانت مأساة الأنقلاب الفاشي في الثامن من شباط الأسود / 1963 محطة من أكثر المحطات سطوعا" في تأريخ الحزب ،  ففي هذا اليوم تعهد قادة حزب البعث الفاشي بأنقلابهم الدموي الأسود بتحقيق نفس الأمنيات بعد تسلمهم السلطة . حيث إمتزجت دماء العرب والأكراد والكلدوآشوريين والمندائيين والتركمان والأيزيدين في جنوب الوطن وفي جبال كردستان العراق ، حين أصدر الحاكم العسكري للأنقلابيين رشيد مصلح التكريتي البيان رقم 13 الذي يدعوا ويخول رؤساء الوحدات العسكرية وقوات الشرطة والحرس القومي إبادة الشيوعيين.. حيث يؤكد البيان (  نظراً للمحاولات اليائسة للعملاء الشيوعيين ، شركاء " عدو الكريم " في الجريمة  لزرع الفوضى في صفوف الشعب ، وتجاهلهم للأوامر والتعليمات الرسمية ، فقد كُلف قادة الوحدات العسكرية  والشرطة ، والحرس القومي بالقضاء على كل من يعكر صفو السلام . وإننا ندعو أبناء الشعب المخلصين إلى التعاون مع السلطات بالإعلان عن هؤلاء المجرمين  وإبادتهم  ) .
ثم تبعه قانون رقم 35 لسنة 1963 الخاص بتشكيل فرق الحرس القومي تحت عنوان ( حرس البعث الأمين على أهداف الأمة العربية ) . ومنذ الساعات الأولى لتشكيله بدأت عصابات الحرس القومي بألقاء القبض على الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين من كافة القوميات والأديان ، عسكريين ومدنيين ، من قادة الحزب وكوادره وأصدقاءه . وتحول العراق على يد هؤلاء القتلة في تلك الأيام الى سجن رهيب بأستعمالهم كافة أدوات التعذيب البشعة في سراديب قصر النهاية وبيوت المخابرات السرية والنادي الأولمبي في الأعظمية وملعب الأدارة المحلية  في المنصور ومركز شرطة الفضل وبناية محكمة الشعب وغيرها بحق الشخصيات الشيوعية والوطنية بموجب قوائم معدة سلفاً بأسماء الشيوعيين ومؤيديهم ، وأمتلئت تلك السراديب ببرك الدماء والجثث المقطعة للضحايا ، وجرى إغتصاب الفتيات والنساء وبنات وزوجات المعتقلين أمام أعين ذويهم . في حين كانت تواصل بقية قطعان البعث تنفيذ عمليات الأعدام في النادي الأولمبي في الأعظمية ببغداد ومعتقل رقم واحد في معسكر الرشيد وغيرها . وقضى عدد كبير منهم  وهم يسطرون ملاحم بطولية خالدة  ومن هؤلاء الشهداء :
سلام عادل ، جمال الحيدري ،  محمد صالح العبلي ،   جورج تلو ، محمد حسين أبو العيس ، طالب عبد الجبار ،  وعبد الرحيم شريف ، عبد الجبار وهبي  ،  نافع يونس ،  وحسن عوينة ، عزيز الشيخ   ،  ومهدي حميد ، وحمزة سلمان ، شريف الشيخ ،  لطيف الحاج  ، عبد الرحيم شريف والمئات من الشهداء من كافة القوميات والمذاهب والشخصيات النقابية والأجتماعية .

 وبعد سقوط حكمهم الفاشي في 18 / تشرين الثاني / من قبل شريكهم في السلطة والأجرام المجرم عبد السلام محمد عارف صدر كتـــاب ) المنحرفون ) الذي يبين صور التعذيب واحواض الأسيد وادوات التعذيب والجرائم البشعة للضحايا من الشيوعيين والوطنيين الأبرياء من النساء و الرجال الذين دفنوا أحياء على يد جلادي البعث وحرسه القومي في مقابر جماعية في منطقة الجزيرة بالقرب من الكوت . وتذكر المصادر الرسمية وتقارير الطب العدلي ان عدد الضحايا خلال الأيام الأولى للأنقلاب قد بلغت  12 - 16 الف عراقي من مختلف الأحزاب السياسية والأديان والقوميات .

وبما ان الصابئة المندائيين هم أحدى المكونات الأساسية للشعب العراقي فقد تعرضوا منذ مئات السنين الى الأضطهاد الديني والأجتماعي ، هم أبناه هذا الوطن والحريصين عليه قبل غيرهم وقدموا كل شئ من أجل بناءه ، هم الشريحة المتعلمة والمثقفة المسالمة المسامحة المحبة للخير والسلام ، ووجدوا في الأفكار الوطنية والأشتراكية الوافدة الى العراق  خير وسيلة للدفاع عن حقوقهم المفقودة لذلك ساهموا بالحركة السياسية الوطنية منذ نشأتها في العراق ، وأرتبط المئات منهم بالأحزاب الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي وساهموا في النضال الشاق طيلة تأريخه الطويل وتعرضوا أسوة برفاق الدرب الآخرين الى البطش والتصفيات الجسدية والتعذيب في الثامن من شباط الأسـود / 1963 . ففي هذا اليوم دخل المئات منهم السجون والمعتقلات وتعرضوا الى ابشع اساليب التعذيب الجسدي والنفسي واغتصاب المناضلات وأستشهد منهم العشرات تحت التعذيب ومنهم من سقط في أرض المعركة وهو يتصدى ببطولة وبسالة لجلاوزة الأنقلاب الفاشي في ذلك اليوم المشؤوم .
وفي ذكرى يوم الشـهيد الشيوعي لابد للصابئة المندائيين أن يتذكروا شهدائهم ، يمجدوهم ويكرموهم ويفتخروا بهم كرموز لطائفتهم المندائية ولشعبهم العراقي ، ومن حقهم ان يقفوا دقيقة صمت اجلالا" لأرواحه هؤلاء الشهداء الأبطال....(  صبيح سباهي خلف ، مهدي ( شنور ) عودة الوالي ، حواس حلو بندر الزهيري ، سميع جاني سهر الناشي ، شاكر نعمة هليل ، ماجد عبداللة خلاوي الزهيري ، عبد الواحد راشد الزهيري ، فرج شجر منصور الزهيري ، كريم خلف داخل ، نعيم عنبر منشد ، وعبد الجبار الزهيري ) وغيرهم العشرات من الأبطال المجهولين الذين تمت تصفيتهم أواختفت آثارهم ..
وفي17 تموز من عام 1968 عاد حزب البعث الفاشي لتولي زمام السلطة بأنقلابه المعروف ليواصل من جديد فكره الشوفيني الفاشي والتصفيات الجسدية لقادة وكوادر وأعضاء الحزب الشيوعي والأحزاب الوطنية الأخرى . وجرت تصفية العديد من قادته وكوادره عن طريق الأغتيالات في الشوارع والدهس بالسيارات أو الخطف ، مدعين بأنها حوادث مؤسفة لا علم للسلطة بها !!! وتقيّد ضد مجهول !! وكان من بين القياديين الذين استشهدوا بهذه الطريقة كل من أستاذ الفلسفة في جامعة البصرة الدكتور ( عبد الرزاق مسلم الماجد ) في 31 آذار /1968 وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الشهيد ( ستار خضير الحيدر ) في 23 حزيران من عام 1969 والشهيد ( محمد الخضري ) عضو مكتب بغداد للحزب الشيوعي في آذار من عام 1970 ، ( وفكرت جاويد ) في السليمانية عام 1974 وغيرهم . وعندها بدأ الحزب يتحول الى العمل السري تدريجيا" لتلافي الضربات المتتالية .
وفي عام 1979 حدث ما كان بالحسبان حيث شنّ البعث حملة واسعة النطاق لتصفية الحزب وإعتقال قياداته وكوادره وأعضائه في كافة أنحاء الوطن ، لكن الحملة هذه لم تحقق اهدافها بأختفاء غالبية قيادة الحزب سواء بالسفر لخارج العراق أو ليقود الحزب في ظل ظروف العمل السري البالغة الصعوبة أو الأحتماء بجبال كردستان ، بينما وقع في أيدي البعث عشرات الآلاف من أعضاء الحزب وكوادره وتعرضوا للتصفيات الجسدية والتعذيب ، وكان من بين القياديين المعتقلين القياديين والذين تمت تصفيتهم ( عايدة ياسين ) عضوة اللجنة المركزية للحزب والدكتور ( صفاء الحافظ )  و الدكتور ( صباح الدرة ) وغيرهم .
وفي تلك الفترة والأيام العصيبة والنضال الشاق والصعب واصل الصابئة المندائيون أيضا" تقديم العشرات من الشهداء في نضالهم العنيد ضد النظام الفاشي أسوة برفاقهم الشيوعيين من بقية القوميات والأديان . إن تأريخ هؤلاء الشهداء ونضالهم ومآثرهم هي بالتأكيد جزء لا يتجزأ من تأريخ الحزب وأمجاده البطولية ، فهم لا زالوا أحياء في ضمائرنا ووجداننا وباقون في قلوب وذاكرة ذويهم ورفاقهم ، بل هم نبراسا" هاديا" للجميع بما تركوه من آيات في الشهامة والبسالة والعطاء والتضحية والأرث النضالي والتأريخ الناصع المشرف ، وهنا لابد ان نتذكر بعض هؤلاء الشهداء .....
 أكرام عواد سعدون السعدي ، ألتفات ثجيل خفي السعدي ، أمين نوري جابر الدهيسي ، أنتصار خضير موحي ، باسم تركي الزهيري ، باسم خضير موحي ، بدرية داخل علاوي الكلمشي ،  بشير راضي حافظ  ، بشير زغير حرز ، بشير يوسف خصاف ، جبار حلاوي راضي الزهيري ، جبار كريم حافظ ، جبار نعيم غانم الكيلاني ، جبار عنيد ، حسام خضير موحي ، حميد شلتاغ حالوب الكلمشي ، حرية فعيل حطاب  ، حسام شنيشل حسن حيدر ، خالدة فعيل حطاب ، خليل مكطوف جابر السعدي ، رافع عبد الجبار ، رعد ثجيل خفي السعدي ، رشيد ثجيل خفي السعدي ، رعد عبد الجبار خماس ، رعد مالك عبد الكريم الدهيسي ، رعد نوري جابر الدهيسي ، رحيم كوكو حمادي العيداني ، زاهرة ذياب سرحان الفريجي ، زهير ناصر منصور ، ستار عبد الجبار خلف ، سمير جبار حامي حاجم ، سمير زامل صادق ، سميع رشودي بادي ، سعدون لعيوس عفن بشارة العثماني ، سعيد صبيح ، سلمان عبد السادة الكيلاني ، سعد نوري جابر الدهيسي ،  شنيشل طعيس منصور ، شوقية ضايف لايذ ، صائب ضمد منصور ، صالح هليجي شفيف الكلمشي  ، صبار نعيم غانم الكيلاني ، عاتي صحن زغير ، عبد المنعم فزع ضيدان ، عبد الجبار عسلاوي الزهيري ، عبد الواحد رائد غبر ، عبد الرزاق سهيم علاوي ، عبد الكريم مطشر تقي علوان ، عزيز بطيخ ساهي الدهيسي ، عزيز سوادي السيفي ، عصام حسناوي كسار ، عميدة عذبي حالوب ، عواد داخل نجار ، فائز ناصر منصور ، فائز جليل شيخ زهرون ، فاضل زهير زغير حرز ، فرحان شامي مدينف الزهيري ، كريم حميد شلتاغ الكلمشي ،  لؤي عودة بطي الزهيري ،  مهتم مجيد عزيز سفيح الزهيري ، مصطفى جيزان  ، مصطفى شنيشل حسين الحلي ، منذر منديل سنيد ،  نافع عبد الرزاق الحيدر ، نبيل علوان شلتاغ ،  نصير راضي ضامن حويزاوي ، هيثم ناصر الحيدر ...والعشرات غيرهم .

ليكن يوم الشهيد الشيوعي مناسبة لوقفة إجلال وإكبار أمام تلك الدماء الزكية التي أضاءت الدرب . ولابد ان نقول لكل الشهداء من الصابئة المندائيين وشهداء الحركة الوطنية العراقية اننا نفتخر بأسمائكم ووجوهكم وصفاتكم فقد صنعتم عهدا" جديدا" للوطن وكنتم الصخرة التي دفعت النظام الدكتاتوري الى مزبلة التأريخ ، أليكم المجد أيها الأبطال .. يا من قدمتم حياتكم ودمائكم قربانا" للمثل النبيلة التي آمنتم بها ، اليكم المجد أيها الأحبة فأنتم في الوجدان والضمير .
أن من واجب الصابئة المندائيين في هذا اليوم أن يشعروا عوائل الشهداء ... آبائهم وأمهاتهم وأراملهم وأطفالهم اليتامى بأن طائفتهم لم ولن تنساهم يوما" ، وليبدأ الجميع وخاصة ذوي الشهداء ومعارفهم بأحياء ذكراهم سنويا" بالكتابة عنهم ، وعن تأريخهم وبطولاتهم وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لأرواحهم الطاهرة فهل سيتم تحقيق ذلك ؟ أنها أمنية نتمنى ان تتحقق وأملنا كبير بذلك .
 المجد كل المجد لشهداء الصابئة المندائيين ، لشهداء الحزب الشيوعي العراقي ، لشهداء الحركة الوطنية ، لكل شهداء الشعب والوطن  !
   
             كندا
العاشر من شباط / 2009



15
الصابئة المندائيون
بين والحداثة والسلفية في الدين
فائز الحيدر
الصابئة المندائيون طائفة دينية موحدة تجذرت في وادي الرافدين عبر التأريخ ، حافظت على عاداتها الأجتماعية وتقاليدها الثقافية وطقوسها الدينية عبر آلاف السنين . المندائيون هم تراث حضارة وادي الرافدين ، تحّلوا منذ القدم بالقيم الأنسانية والخصال النبيلة ، عشقوا الوطن والماء والطهارة ، مسالمين ، صبورين ، قلوبهم مملوءة بالمحبة لا تعرف الكراهية والحقد والضغينة وهذه الصفات ساعدتهم على مواجهة الحياة القاسية وكانت أحدى أسرار بقائهم لحد الأن .
عان ابناء هذه الطائفة طيلة تأريخهم الطويل من محاولات التبشير المسيحية وحملات أعتناق الأسلام ، وتعرضوا الى التصفيات الجسدية والتهجير والتمييز وتحملوا الآلام والتضحيات الكبيرة ، ورغم هذه المعاناة فقد تأقلموا مع هذه الصعاب في كل مرحلة مروا بها عبر تأريخهم الشاق الطويل ، وأندمجوا مع أخوتهم أينما عاشوا في مناطق سكناهم المختلفة وساهموا في الحياة السياسية والأقتصادية والثقافية والشعرية وشاركوا أبناء وطنهم الأفراح والمحن ، وقدموا الكثير لوطنهم العراق منذ القدم ، وبرز منهم شخصيات أدبية وعلمية وطبية وفلكية ساهمت في رفد الحضارة العربية والأسلامية وخلدها التأريخ .
وبسبب حملات الأبادة والمجازر الوحشية وإنتهاك حقوق الأنسان التي تعرض لها المندائيون خلال فترة ما قبل الحكم العثماني وما بعدها أضطروا للهجرة والأبتعاد عن الأضطهاد والتصفيات الجسدية المتعمدة من قبل جيرانهم وذلك بالعيش في القرى الجنوبية البعيدة عن أعين السلطات والمتخلفين من روؤساء العشائر ورجال الدين المسلمين ،  مما أدى الى تشتت عوائلهم في مدن متباعدة وإنغلاقهم على ديانتهم والأبتعاد عن ممارسة طقوسهم الدينية ونسيان لغتهم المندائية ، مما أضعف الروابط العائلية والدينية بينهم مما اثر على الأجيال اللاحقة .
وبعد تأسيس الحكم الوطني عام 1920 وتكوين مفاصل الدولة وأفتتاح المدارس بدأ المندائيون بالخروج من عزلتهم والتوجه للمدن الكبيرة ذات النشاط الأقتصادي ودخل أبنائهم وبناتهم مدارسها . وفي العقود اللاحقة واصلوا تعليمهم وحصل الكثير منهم وبتفوق على اختصاصات في العلوم الطبية والهندسية والأدبية وبرز منهم العديد من العلماء والكتاب والمثقفين والشعراء والاكاديمين والفنانين الذين اسهموا في بناء العراق المعاصر لما يملكونه من ذكاء ومهارات مختلفة ..
وفي الثلاثينات من القرن الماضي ونتيجة لتطور الوعي السياسي الوطني وتأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 31 / 3 / 1934 الذي اخذ يتصدر النضالات الجماهيرية للمطالبة بحقوقها وحريتها ، ونتيجة الأضطهاد المتواصل الذي عان منه المندائيون طيلة تأريخهم ولكونهم طائفة متعلمة متفتحة اطلع ابنائهم على الثقافة الوطنية والأشتراكية ووجدوا في مبادئ هذا الحزب خير وسيلة للدفاع عن حريتهم وحقوقهم فأنتمى الكثير من مثقفيهم لهذا الحزب وساهموا معه في النضال ودخل الكثير منهم السجون والمعتقلات وقدموا الكثير من الشهداء في فترات مختلفة من تأريخ العراق الحديث وحتى سقوط الصنم في التاسع من نيسان / 2003 .
ورغم الأضطهاد اللاانساني الذي واجهته الطائفة خلال عقود طويلة لم يعرف الصابئة المندائيون الهجرة لأرتباطهم بأرض الوطن ، ولكن يمكن القول إن هجرة المندائيين قد بدأت بشكل فردي نتيجة تعرض المئات من المناضلين للقتل والتعذيب والسجون بعد تسلم حزب البعث الفاشي للسلطة في الثامن من شباط عام 1963 ، وأخذت بالتصاعد في السنين اللاحقة حتى وصلت قمتها في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي بسبب أشتداد القمع وتوسع الحملة الشرسة لنظام البعث لتصفية القوى الوطنية وخاصة الحزب الشيوعي العراقي ، إلا انها أصبحت هجرة شبه جماعية وشملت الآلاف من المندائيين بعد سقوط النظام الدكتاتوري في التاسع من نيسان / 2003 وتسلم قوى الأسلام السياسي المتخلفة مقاليد الحكم في العراق .
لقد مارست المليشيات والعصابات المرتبطة بقوى الأسلام السياسي المشاركة بالحكم وفق أجندة خارجية وداخلية أبشع أنواع القتل والخطف وإتباع أساليب القمع والتهديد بالأستيلاء على الأملاك المنقولة وغير المنقولة لحمل المندائيين على تغيير عقيدتهم الدينية ، وأجبار النساء المندائيات على أرتداء الحجاب واغتصاب العشرات منهن ، وأجبار البعض على الزواج القسري بعد عمليات الخطف ، وممارسة الختان بشكل قسري للأطفال والبالغين ، وسبب في هجرة الآلاف منهم الى دول الجوار في ظروف مزرية بحثا" عن مكان آمن للعيش .
فبعد سنوات من المعاناة يقضيها المهاجرالمندائي في بلدان الأنتظار ، يصل بعدها احدى دول اللجوء ليواجه من جديد معاناة أخرى ، فقد توزعت عائلته في بلدان عديدة يصعب لقائهم وجمع شملهم من جديد ، ويتعلم الأبناء لغة البلد الجديد وعاداته وثقافته وبنفس الوقت يكونوا قد نسوا لغة الوطن الأم وعاداته وتقاليده ، وتبدأ عندئذ السخرية من عادات وتقاليد الآباء والأجداد المتخلفة !!! ، وفي ظل تشتت المندائيين وانعدام المؤسسات المندائية ودور العبادة وقلة رجال الدين في مناطق سكنهم الجديدة  يبقى الأباء والأمهات لا يعرفون مصيرهم وهم يتطلعون الى الوطن والحنين أليه والأستماع لأغاني داخل حسن وحضيري ابو عزيز والقبانجي وناظم الغزالي وغيرهم في حين يعيش الشباب حالة اللا إنتماء للوطن ، يكبرون بدون جذور ، لا يحملون أية هوية وطنية ، إن وطنهم في المهجر هو المنتجات والسلع ذات الماركات المشهورة أما لغتهم فهي رموز وأسماء الشركات العالمية . أنهم يعيشون منذ ولادتهم على حب الأستهلاك والمال وتحقيق رغباتهم المتعددة من الأجهزة الألكترونية التي تحيط بهم من كل جانب ، ويقضون طفولتهم في التأكد من أن هذه الأجهزة هي أجدر بالثقة من الأهل عبر أنشدادهم الى أجهزة الكمبيوتر والألعاب الألكترونية        Games   والأكلات السريعة Fast Food و السيارات السريعة Fast Car ، والحياة السريعة Fast Life ، أما أقراص الليزر فتحوي على أغاني مايكل جاكسون وسلين ديون وهيفاء وهبي وشاكيرا وغيرهم من مطربي هذا الزمان ، أضافة الى المشاكل الناشئة عن الإدمان على المسكرات والمخدرات والتدخين  ، وهنا يبدأ الصراع بين الطرفين وتشتت العائلة وتفقد السيطرة على الأبناء وهم تحت حماية قوانين الدولة ورعايتها .  وبعد كل ما ذكر وبعد سنوات تكون الطائفة المندائية قد خسرت الكثير من أبنائها وبناتها في بلدان المهجر . وبذلك يكون مستقبل المندائية قد دخل أكثر المراحل خطورة . ومن هنا تقع على ابناء الطائفة من رجال الدين والجمعيات المندائية والمثقفين المندائيين مسؤولية الحفاظ على طائفتهم  بإيجاد الحلول الواقعية لتجاوز هذه المرحلة .
ووفق هذا الواقع الجديد وما يواجهه المندائيون في المهجر تطرح بين الحين والآخر أسئلة تحتاج الى نقاشات مطولة وأجابات مقنعة قد تشكل هاجساً لدى بعض الأخوة من رجال الدين المندائيين والباحثين والمختصين في الديانة المندائية ، ومنها... هل أن الطائفة المندائية وبعد هذه الهجرة شبه الجماعية والظروف التي تمر بها في طريقها الى الزوال ؟ وهل تنسجم الديانة المندائية وتعاليمها وطقوسها هذه الأيام مع الحداثة والتطورات البشرية المحيطة بنا ؟ وكيف يتعاطى المندائي الذي يعيش في المهجر مع الطقوس المندائية والتراث المندائي القديم بطريقة حديثة تخدم الطائفة ؟ خاصة وان غالبية التراث المندائي قد فقد أو تلف نتيجة الأضطهاد المستمر والهجرات المتعددة للمندائيين طيلة تأريخهم الطويل . قد تكون هذه الأسئلة عابرة بالنسبة لأولئك الذين ما زالت تشغلهم كثيراً مسألة البحث عن إجابة وافية ومقنعة له وربما يقعون بالتالي في اشكاليات تفسير الكثير من الطقوس والنصوص الدينية المختلف عليها بين رجال الدين المندائيين والتوافق بين ما هو تراثي قديم وما هو حضاري حديث .
بخصوص زوال الطائفة مستقبلا" ، بدون أي شك لا يتمنى أي مندائي ذلك ، ولسبب بسيط كي تبقى الطائفة المندائية رافدا" حيويا" من روافد التراث والفكر الانساني بسبب ان المندائية قد أرتبطت بأرض الوطن من آلاف السنين وعانت كثيرا" من القتل والأضطهاد وبقيت صامدة لغاية الأن ويمكنها الصمود مستقبلا" ، فيما أذا تغلبت على ما يجابهها اليوم من صعاب وتحديات ، ومنها ان الأنتاجات الثقافية النابعة من التراث المندائي وتطبيق الطقوس الدينية في المهجرعليها ان تكون منفتحة وتتفاعل مع التطورات في المجتمعات الجديدة ومتحررة من التفاسير الغامضة المنغلقة وتتعامل مع الحداثة والثقافات المختلفة الأخرى بعقلية عصرية منفتحة ومرنة والأستفادة من ثقافات الأمم المتقدمة لأخذ سبل التقدم والحضارة .
فاليوم تواجه المندائيون صعوبات اساسية عديدة تواجه مستقبلهم وتحتاج لدراسة معمقة من كافة رجال الدين والمثقفين والباحثين المندائيين لوضع الحلول العملية والواقعية لها من خلال مؤتمراتهم القادمة ، ومن أهم المسائل التي تحتاج الى دراسة عملية متكاملة هي مستقبل الطائفة في ظل المستجدات في دول المهجر واللغة المندائية والطقوس المندائية ، وزواج الجيل الجديد من غير المندائيات ، وعذرية المرأة ، والختان القسري والعشرات من القضايا الأخرى والموقف من ذلك. وعلينا هنا التعامل مع هذه الأسئلة بعقلية منفتحة لأيجاد صيغة مقبولة للجميع ووفق واقع المندائيين الجديد بعيدة عن عقلية الماضي المتعصبة لبعض رجال الدين المندائيين وأتباع كتب التفسير القديمة وإلا فأننا سنقع في خطأ كبير لا نحسد عليه .
ومن جانبي أرى هناك نقطتين ذات أهمية أستثنائية تستحق التركيز ، فالمسألة الأولى وهي اللغة المندائية ، وهي لغة الكتاب المقدس للمندائيين ( الكنزا ربا ) والتي تعتبر لغة شبه منقرضة حاليا" ولا يتحدث بها إلا عدد قليل من المندائيين ، ومسألة إحيائها في هذه الظروف والواقع الذي تمر بها الطائفة المندائية في بلدان الشتات يعد شيئا" شبه مستحيل لعدم توفر الأسسس الصحيحة والكوادر والمستلزمات المادية والفنية لاحيائها ، لذا فعلى المندائيين إيجاد البديل لها وخاصة في اللقاءات واجراء الطقوس المندائية والتخاطب مع الشباب ، ونعتقد ان البديل الأفضل هي اللغة العربية أو الأنكليزية بحكم إن غالبية المندائيين يتحدثون بهما في محطاتهم الجديدة . اننا ندرك إن الكثير من الأخوة المندائيين وبعض رجال الدين ذوي التوجه المحافظ متعصبون للغة المندائية ولا يؤيدون أن يمسها التغيير أو إيجاد البديل عنها بأعتبارها لغة الكتاب المقدس ( الكنزا ربا )  ولشدة تقديسهم للماضي ورفضهم كل اسباب التطور ، ولكن علينا ان نفهم ان الحياة تتجدد يوميا" في كافة الحقول النظرية والثقافية وفق الواقع الجديد وبحكم تأثرها بالثقافات المختلفة على مر السنين ، وان التحدث مع الشباب بلغة يفهمونها في اجراء الطقوس الدينية سوف لن يغير من جوهرالدين شيئا" .
أما العامل الثاني محط النقاش هو الدين المندائي وطقوسه ، فمن الممكن أن يصبح فعالا" بين أبناء الطائفة المندائية إذا إبتعدنا عن الفهم والتفسير السلفي للدين ، ويجب أن ندرك إن ما من أحد يود أن يمس العقيدة المندائية التي توفر للأنسان المندائي إعتقاده الخاص وعلاقته مع الخالق ، ولكن هناك الكثير من الدعوات المطروحة تنصب على تجديد الفهم للقيم الدينية حتى تتناسب مع الحياة العصرية التي يعيشها المندائيون وإبعادها عن الأفكار السياسية وإقحامها في المفاصل والنشاطات المدنية والثقافية المتعددة ، خاصة وإن أبناء الطائفة قد توزعوا على دول ومدن متباعدة مما أضعف عندهم الرابطة الأجتماعية والدينية وإتجه أولادهم للأحتكاك مع المجتمعات الجديدة بكل ايجابياتها وسلبياتها .. فهناك العشرات من المسائل المهمة التي تدخل في باب الطقوس الدينية تحتاج الى مراجعة دقيقة وواسعة من قبل الجميع لغرض إيجاد البديل المناسب وفق الظروف الجديدة .
وحسب إعتقادنا يتحمل رجال الدين المندائيون المسوؤلية الكبيرة والمباشرة في هذه المرحلة لمراجعة النفس والتعايش مع الحدائة والواقع الجديد الذي يعيشه المندائيون في بلدان اللجوء وعليهم تجاوز الكثير دون المساس بجوهر الدين المندائي وطقوسه لغرض الحفاظ على جيل الشباب من الضياع .
اننا ندرك ان هناك إختلاف واسع بين رجال الدين المندائيين سواء في المراتب الدينية أو التحصيل العلمي أو في فهم اللاهوت المندائي أو في تفسير الكتب الدينية أو إجادتهم للغة المندائية أو في أجاباتهم على أسئلة أبناء الطائفة ، ولذك تظهر بينهم أختلافات واضحة في كيفية تطبيق الطقوس الدينية وكيفية الحفاظ على الطائفة في الحاضر والمستقبل ولذلك انقسموا فيما بينهم ما بين المتشدد والمتساهل والمعتدل وتركوا أبناء طائفتهم المندائيين في حيرة من أمرهم وبأي إتجاه يسيرون . فمنهم من حلل وأوصى بشرب ماء الحنفية والتعميد بها وآخر من يبحث لغاية اليوم بين ثنايا الأنهار المتجمدة وفي درجة الحرارة التي تقارب العشرين تحت الصفر ليملئ بعض الأواني بالماء الملوث أصلا" رافضا" التوصيات للبعض من رجال الدين  وما يتفق عليه الأخرين ، ومنهم من يلبس الكفوف البيضاء في يديه قبل ان يصافح ابناء جلدته من المندائيين .
وبدلا" من أن يبحث رجال الدين المندائيون عن السبل لأيجاد الحلول المناسبة للقضايا التي تواجههم والمختلف عليها فيما بينهم نلاحظ ومع الأسف إن البعض منهم قد نسى واجباته ومهماته الأساسية وتغلبت عليه الأنانية والنرجسية والمصلحة الذاتية ، ووصل الحال ليخّون أحدهم الآخر ويعطي لنفسه أحقية البقاء دون غيره ، مما وضع أبناء الطائفة في حيرة وقد تشتت أذهانهم بين هذا وذلك من رجال الدين ، وما يسري على رجال الدين  ينطبق على الجمعيات المندائية التي كثرت أعدادها في البلد الواحد أيضا" لما بينها من خلافات جوهرية في الرؤى ووصل لقيادتها أناس غير مؤهلين لذلك ، وأداروا ظهورهم لواجباتهم وتوجهوا ليصفقوا لرجل الدين هذا أو ذلك متناسين الدور والمهمة التي تشكلت من أجلها هذه الجمعيات . هذا من جانب أما الجانب الآخر إن ما يقوم به الكثير من المثقفين المندائيين وأتحاد الجمعيات المندائية في المهجر اليوم من نشاطات لتقريب وجهات النظر بين هذه الأطراف المتخاصمة والعمل على عقد المؤتمر العام لرجال الدين ومؤتمر اتحاد الجمعيات المندائية في الصيف المقبل ، هي بالتأكيد جهود مشكورة تتطلبها المرحلة الحالية وتصب في خدمة الطائفة وتحتاج الى المواصلة .
إن أبناء الطائفة يدركون اليوم ما يدور حولهم ، فهم يعيشون في بلدان ديمقراطية لها قوانينها التي تحترم الأنسان وكرامته وعقيدته الدينية . وهم ينظرون اليوم الى واقعهم الصعب الذي يمرون به في هذه الدول ويؤكدون على أهمية حل المشاكل التي تواجههم في المهجر وذلك بتشكيل المجلس المندائي الأعلى الذي سيقع على عاتقه مواكبة الحداثة وقيادة الطائفة في كافة المجالات لمجابهة الأخطار التي تواجهها لغرض ايصال المندائية والمندائيين الى بر الأمان . واذا فشلنا في تحقيق ذلك فقد تتحول الديانة المندائية الى مجرد طقوس دينية متشددة لا تواكب العصر ولن تجد لها تجاوبا" من المندائيين وخاصة الشباب في المستقبل .
كانون الثاني / 2009
         كندا


16
المرأة المندائية
تأريخ نضالي مشرف في سبيل الوطن



فائز الحيدر

احتلت المرأة مكانة اجتماعية واقتصادية متميزة في مختلف العصور ولعبت دورا" فاعلا" في شؤون الحياة المختلفة ، و تباينت اهمية واشكال هذا الدور وهذه المكانة بأختلاف العصور . ففي المراحل الأولى للتأريخ كان للمرأة مكانة كبيرة في مرتبة الألهة حيث يعبدها البشر ويطلبون منها الرحمة والغفران ، وأعتبرت رمزا" من رموز الخير والأنتاج والخصوبة ولهذا كانت هناك علاقة وثيقة بين المرأة والخلق .
وفي شريعة حمورابي فقد وجدت العديد من النصوص التي تنظم الأسرة وتحفظ مكانة ودور المراة البابلية في العراق القديم . وكان للمرأة حق الطلاق ورعاية الأطفال وممارسة العمل التجاري والحق في الرعاية والنفقة ، كما وضعت عقوبات قاسية على الشخص الذي يسئ معاملة المرأة أو ينتهك حقا" من حقوقها الثابتة .
كما أحتلت المرأة دورا" متميزا" ومكانة كبيرة في العهد الأغريقي وفي جمهورية افلاطون ، غير ان هذه المكانة لم تكن كذلك عند عرب الجاهلية قبل الأسلام . أما في العهد الأسلامي ورغم عدم مساواتها بالرجل كان للمرأة دور مهم في المعارك التي خاضها سكان الجزيرة وخلال قرون عديدة  وهي تشجع المحاربين في المعارك من خلال خطبها و هتافاتها وأشعارها .
إن التعصب الاجتماعي والديني الذي كان سائداً في أغلب مدن العراق في أواخر العهد العثماني أنعكس بدوره على مكانة ونظرة المجتمع المتخلفة للمرأة وأصبحت هذه النظرة حجر عثرة في طريق نهضة المرأة فالمرأة العراقية كانت محاطة بتقاليد صارمة جداً ، وقد كان الناس في ذلك العهد يعتقدون بأن مجرد تعليم المرأة القراءة والكتابة يؤدي إلى فسادها وخروجها عن الطريق بحسب ما كتبه ( الفقيه البغدادي الشيخ نعمان بن أبي الثناء الآلوسي ) الذي ألف كتاباً في عام 1897م عنوانه ( الإصابة في منع النساء من الكتابة ) حيث يقول فيه ( أما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله منه ) .
 وفي عهد الوالي العثماني عبد الوهاب باشا ونتيجة لهذا التعصب خرج أهالي بغداد احتجاجا" على قرار الوالي منح النساء ( دفتر النفوس ) أسوة بالرجال معتبرين ان ذلك يمس بشرفهم ويحط من قدرهم وكرامتهم لمساواتها مع الرجل . وعندما أعلن الدستور العثماني في تموز 1908م ، وقف الشاعر معروف ( عبد الغني الرصافي ) الى جانب المرأة في قصائده أما الشاعر المتنور والأستاذ في مدرسة الحقوق ( جميل صدقي الزهاوي ) فقد وجد ان هناك فرصة مناسبة ليطلق أفكاره التحررية بكتابة احدى المقالات بخصوص نصرة المرأة والوقوف الى جانب تحررها ومساواتها بالرجل مستفيدين من نص المادة 18 من الدستور العراقي الذي تم إقراره في 10 تموز 1924 ، والتي نصت على أن العراقيين متساوون في التمتع بحقوقهم وأداء واجباتهم ، الا ان هذه هذه الأفكار جوبهت بالأعتداء والهجوم العنيف الشاعر وأتهامه بالزندقة ومخالفته الشريعة الأسلامية مما ادى لفصله من العمل ، ومن قاصائده في نصرة المرأة ...
أسفري فالحجاب يا ابنة فهر ....... هو داء في الاجتماع وخيم
أما في الفترة التي تلت الحكم العثماني ، فتشير المصادر لدورالمرأة العراقية  الفعال في المعارك التي حدثت ضد الاحتلال البريطاني للعراق والتي قامت بها عشائر الفرات الاوسط في اثارة النخوة وترديد الهوسات والاهازيج لرفع المعنويات في المعارك وأنتفاضات الشعب ، ومنها انتفاضة العشائر ضد الأنكليز قرب الديوانية عام 1917 . وعند أندلاع ثورة العشرين ، ساهمت المرأة بشكل فعال في اسناد الثورة والتضامن مع ثوارها ، وساهمت بنقل المؤن والأسلحة ومعالجتها للثوار الجرحى وتشجيعهم على مواجهة القوات البريطانية عبر الأهازيج والأشعار التي ترفع من معنوياتهم الثورية للتصدي لقوات الاحتلال البريطانية ، وشاركت بالتظاهرات لشجب الأحتلال البريطاني والأحتجاج حول اعتقال الوطنيين واطلاق سراحهم .
أن مساهمتها هذه وهي تعيش في ظروف اجتماعية غاية في الصعوبة حيث التعصب الأجتماعي تشير الى بداية معركتها الاولى والدخول في مرحلة نضالها الوطني الحديث وخطوة كبيرة في حياتها نحو الأمام ، في الوقت الذي نمت فيه المفاهيم الوطنية لدى العراقيين وكانت البداية للوعي الوطني العام الذي اخذ ينمو ويتطور و حفز المرأة على المطالبة بحقوقها ومشاركتها الرجل في جميع نواحي العمل في الوقت الذي كانت فيه قوانين الاحوال الشخصية العراقي التي طرحت في الخمسينات تستلهم محتواها من الشريعة الأسلامية وهي قوانين مبنية بالأساس على أخضاع المرأة للرجل وتعطي الشرعية لأستخدام العنف والتمييـز ضد النساء .
وفي تلك الفترة خاضت المرأة المندائية الى جانب المرأة العراقية نضالا" عنيدا" من أجل الحصول على مكانتها في المجتمع والمساهمة في العمل أسوة بالرجل . حيث تنص الديانة المندائية على مساواة المرأة بالرجل في كافة أمـور الحياة وتشجع على مواصلة التعليم حيث يذكـر الكتاب المقـدس للصابئة المندائيين ( الكنزا ربا ) ( ويل لعالم لا يمنح من علمه وويل لجاهل منغلق على جهله ) ، ولذلك انخرط المئات من الشباب والشابات المندائيات في المدارس في عموم العراق منذ بداية العشرينات من القرن الماضي وواصلن تعليمهن وتخصصهن في الكثير من الفروع العلمية والأدبية ، ودخلت المرأة المندائية الحياة العملية في المجتمع حيث ساهمت بالعديد من النشاطات الأجتماعية والأقتصادية والعلمية ، ففي مجال التعليم أيضا" برزت المعلمة المندائية (  باشا عبد الله ) التي تخرجت عام 1920  وبرز منهن الكثير من العاملات في مجال الشعر والأدب وبرزت في هذا المجال الشاعرة المندائية ( لميعة عباس عمارة ) التي كتبت العديد من دواوين الشعر ،  كما حققت الباحثة والشاعرة المندائية (  ناجية المراني ) العديد من النتاجات الأدبية في مجال الشعر والنقد والترجمة والتأليف ومن اهم كتبها ( مفاهيم صابئية مندائية ) أضافة لخدمتها في مجال التعليم . وفي مجال الطب برزت الدكتورة المندائية ( سلوى عبد الله مسلم ) وهي اول طبيبة مندائية تخرجت عام 1956 وتميزت بخدماتها الانسانية في مجال الطب العام والنسائية والولادة . كما وبرزت المرأة المندائية في مجال الصحافة وكتابة القصة ، القانون ، الرسم ، والأعلام وغيرها من الأختصاصات .
وفي المجال الوطني فقد بدأ نضال المرأة المندائية في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي وبرز منهن مناضلات دخلن السجون والمعتقلات من خلال مشاركتهن في التظاهرات الطلابية والنسائية والاعتصامات العمالية . وعند تبلور الوعي السياسي الوطني ساهمت المرأة المندائية في العمل السياسي والديمقراطي ، فأنتمت للأحزاب الوطنية ومنها الحزب الشيوعي العراقي والمنظمات النسائية الديمقراطية كرابطة المرأة العراقية منذ بداية تأسيسها فكانت تشارك في حمل وتوزيع وإخفاء البيانات الحزبية وحماية الأجتماعات في البيوت الحزبية ونقل البريد بين المنظمات الحزبية في المدن والى داخل سجون نقرة السلمان والكوت وبعقوبة والعمارة وتحملت الحاجة والحرمان والمطاردة والتعذيب والسجون ومنهن المناضلات أم عادل زوجة لعيبي خلف وأم حازم زوجة خيري يوسف الحيدر وأم مي زوجة الشهيد ستار خضير الحيدر وام صباح زوجة خضير صكر الحيدر وأم ناظم زوجة جاسب كَبيص وأم رياض زوجة نعيم بدوي وأم سعد زوجة عزيز سباهي وام ظافر زوجة جبار خضير الحيدر وأم عايد زوجة عبد الله علكّ وأم سلام زوجة طالب بدر وأم نضال زوجة جبار عبود ، وأم واثق زوجة نعيم الزهيري والعشرات غيرهن لا تسعف الذاكرة بتذكرهن .
 وساهمت المرأة العراقية بالتصدي والوقوف مع الرجل ضد معاهدة ( بورثسموث ) الاستعمارية في كانون الثاني عام ( 1930 ) ومشاركتها في انتفاضة وثبة كانون الثاني المجيدة في عام 1948 حيث كانت للمرأة المندائية حضورا" فاعلا" فيها وكانت رمزا" للبطولة والتضحية من خلال مشاركتها في المظاهرات وتصديها وبشجاعة لرصاص الشرطة على ( جسر الشهداء ) في بغداد حيث استشهدت فتاة الجسر ( بهـيجة ) وهي تتحدى حكومة نوري السعيد العميلة ، كذلك فقد ساهمت المرأة المندائية الى جانب أختها العراقية في انتفاضة تشرين عام 1952 وأنتفاضة عام 1956 لمساندة الشعب المصري في مواجهة العدوان الثلاثي بعد تأميم قناة السويس وتعرضت العديد من النساء للاعتقال والسجن المؤبد وسحب الجنسيه والطرد من العراق .
وفي تلك السنوات أدركت المرأة العراقية ضرورة تأسيس منظمة نسائية تعمل من أجل المطالبة بحقوقها في مختلف المجالات بالارتباط مع نضال شعبها ضد الاستعمار ومن اجل الاستقلال والسيادة الوطنية لذلك تأسست ( رابطة المرأة العراقية ) في العاشر من آذارعام 1952 وكان للمرأة المندائية حضورا" كبيرا" وفعالا" في نشاط هذه الرابطة منذ تأسيسها لحماية حقوق المرأة والطفولة والنضال مع قوى الشعب الوطنية من اجل التحرر والديمقراطية ، لادراكها الكامل بانه لا تحرر للمرأة ولا حرية ولا حقوق اذا لم يتحرر المجتمع والرجل اولاً من الجهل والتخلف . فساهمت المرأة المندائية مع زميلاتها في برامج رابطة المرأة العراقية في مكافحة الأمية وبثت الوعي الوطني والصحي والاجتماعي . وساهمت بجدارة في انتفاضات شعبنا وفي توحيد قوى شعبنا الوطنية وانتصار ثورة 14 تموز . وعبأت الجماهير لحمايتها وتطوير منجزاتها ، وحققت أول إنجازاتها في اصدار قانون الأحوال الشخصية .
وجاءت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 لتحدث طفرة كبرى فيما يخص حقوق وحريات المرأة ومساواتها بالرجل ، من خلال إصدار قانون جديد للأحوال المدنية رقم 188 لسنة 1959 الذي أعاد الإعتبار للمرأة العراقية ، وأقر القانون بمساواتها بالرجل في الميراث ، وشهادتها في المحاكم ومسألة تعدد الزوجات وبذلك حققت المرأة خلال نضالها طفرات كبرى في الطريق نحو تحررها وفسح المجال أمامها لتلعب دورها الكامل في بناء الأسرة والمجتمع .
أما في الثامن من شباط الأسود عام ( 1963 ) حيث الانقلاب الفاشي وخلال فترة قصيرة قام النظام المنهار بضرب الحركة النسوية رغبة في القضاء على رابطة المرأة العراقية فأعتقلت الآلاف وتمت تصفية العشرات منهن وحكمت على المئات بأحكام ثقيلة والغت قانون الأحوال الشخصية وأجهاض عدد من القوانينن التي تبنتها المرأة العراقية عبر سنوات نضالهن الطويل بتأثير المراجع الدينية في ذلك الوقت . كما ومورست أبشع أنواع التعذيب والقتل بحق الشيوعيين والديمقراطيين الذين وقفوا لجانب حقوق المرأة  مما شكل انتهاكا" صارخا" لحقوق و حريات المرأة في العراق .
وهنا أيضا" كان للمرأة المندائية دورا" مشرفا" وبطوليا" كما كانت عليه سابقا" ، إذ وقفت شامخة بوجه المجرمين القتلة من عناصر عصابات الحرس القومي وتعرضت العشرات من النساء المندائيات إلى الأعتقال والمطاردة ومورس ضدهن أبشع أساليب التعذيب الوحشي على يد الانقلابين الفاشست ومنهن المناضلات ليلى الرومي التي حكم عليها بالأعدام ثم أبدل الحكم الى المؤبد نتيجة الضغط الدولي . والمناضلة دلال محارب ، والمناضلة نجلة الشيخ خزعل والمناضلة غريبة عبود لفتة شبيب والشهيدة المناضلة بدرية داخـل علاوي ( ام ماجد).. والمناضلة روضة عبد اللطيف والمناضلة زكية والعشرات غيرهن . 
وفي نهاية السبعينات وبداية الثمانينات وعلى اثر الحملة الشرسة للنظام الدكتاتوري على الحركة الديمقراطية والحزب الشيوعي العراقي ، قامت اجهزة السلطة الدكتاتورية بأعتقال المئات من المناضلات وصفي العديد منهن وكانت ابرزهن الشهيدة عايدة ياسين عضوة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ، ولم تنجوا المرأة المندائية من هذه الأعتقالات ، حيث تم أعتقال العشرات من المناضلات المندائيات اللواتي تعرضن للتعذيب الوحشي والمطاردة والسجن والتصفية الجسدية ، وتم أعدام العديد منهن وضاعت اخبار البعض الأخر بعد الأعتقال ، ومن المناضلات اللواتي تم اعدامهن في الثمانينات المناضلة ( اكرام عواد سعدون السعدي ، المناضلة انتصار خضير موحي ، المناضلة بدرية داخل علاوي ، المناضلة حرية فعيل حطاب ، المناضلة زهرة ذياب سرحان الفريجي ، المناضلة شوقية ضايف لايذ ، المناضلة هدية عبد الغني ، المناضلة ام الزين والمناضلة وعد هاشم ام نضال ) وغيرهن الكثير ..

ولم يقتصر نضال المرأة المندائية في صراعها ضد الأنظمة المتعاقبة على المطالبة بحقوقها ومساواتها مع الرجل ومن أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان وحسب بل وقدمت الكثير من التضحيات على الصعيدين الوطني والاجتماعي طيلة حياتها السياسية ، ففي نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي حملت المرأة المندائية السلاح تلبية لنداء حزبها إلى جانب رفيقاتها ورفاقها الأنصار لمقارعة النظام المقبور من خلال اشتراكها في صفوف الحركة الأنصارية في جبال كردستان متحدية أشرس نظام دكتاتوري وفاشي شهده العراق . وكانت هذه التجربة مثيرة للإنتباه بين أوساط أبناء المنطقة و فصائل البيشمركه في ظل قيود المجتمع العشائري الإقطاعي السائد هناك  .
وفي ظروف حصار كردستان وجبالها الوعرة تحملت النصيرة المندائية أسوة ببقية النصيرات لقساوة الحياة والجوع والعطش وقصف الطيران والمدفعية والأبتعاد عن العائلة والزوج والحبيب والى حرارة الشمس صيفا" وبرودة وثلوج الشتاء وواصلت عملها ببطولة ونكران ذات ، فكان لها دورا" كبيرا" في العمل الأنصاري في الجبال والوديان ، وساهمت بالعمل في المقرات الثابتة ومتطلباتها اليومية والمفارز القتالية وضمن فرق الطبابة في المواقع وقرى كردستان وعلاج الأنصار الجرحى وحراسة السجون والمخابرة والإعلام والبناء أضافة لمسؤولياتها الحزبية والعسكرية ..
من منا ينسى النصيرات المندائيات البطلات الشامخات اللاتي كتبن تاريخ الوطن وتاريخهن بالدم والدموع ، من ينسى المناضلات ( يسار ، أم سوزان ، نادية ، انتفاضة ، أحلام ( عميدة عذبي حالوب ) ، ام دنيا ، ليلى ، أيمان ) وغيرهن اللواتي سجلن  صفحات مشرقة في تاريخ العراق الحديث وسجل شهداء الحركة الوطنية العراقية . وفي ظروف استثنائية وحزينة صدمت الجميع إستشهدت النصيرة المندائية البطلة أحلام ( عميدة عذبي حالوب ) في الأول من آيار عام 1983 في ( معركة بشت آشان) وهي تقاتل إلى آخر طلقة إلى جانب الشهيد الأنصاري ( مام خدر كاكيل ) حينما شن الإتحاد الوطني الكردستاني هجوم غادر ومباغت على قوات الحزب الشيوعي العراقي  ....
وبعد سقوط الصنم في 9 نيسان من عام 2003 استبشر الشعب العراقي بذلك وكانت احلامه بوطن حر مستقل ديمقراطي لا تنتهي ، ولكن بسبب السياسة الرعناء للمحتل الأمريكي سرعان ما  تلاشت هذه الأحلام ووعود الأدارة الأمريكية بتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحلت بالبلاد كارثة كبرى بعد أن تسلمت قوى الإسلام السياسي الطائفي الحكم في البلاد وكونت ميليشياتها الأرهابية بدعم دول الجوار مستغلة فقدان الأمن وضعف الدولة وأخذت تعيث في البلاد فساداً وقتلاً وذبحاً للنساء بحجة مخالفة الشريعة الأسلامية !!، وفرض الحجاب عليها ، وكان آخر ضحايا هذا الأرهاب المناضلة من اجل حرية وحقوق المرأة ( نهلة حسين الشالي ) القيادية في رابطة المرأة العراقية والتي قتلت في كركوك في كانون الأول /2008 .
واليوم تعاني المرأة المندائية بشكل خاص من الأرهاب والعنف الموجه ضدها ، فالقتل والخطف والتهجير  والأغتصاب وتغيير الدين الى الأسلام ولبس الحجاب وترك العمل والدراسة هو ما تتعرض له المرأة المندائية كل يوم ( ومنظمة حقوق الأنسان المندائية تملك المئات من الوثائق المعززة بالصور التي تؤكد ما يجري للمرأة المندائية وعلى مرأى ومسمع الحكومة العراقية دون ان تتخذ أي أجراء لوقف ذلك )  ، مما أدى الى هجرة الآلاف منهن وعوائلهن الى بلدان الجوار كسوريا والأردن ولبنان واليمن وفي ظروف مزرية وهن يقفن اليوم بطوابير أمام مكاتب الأمم المتحدة وأبواب السفارات علهن يجدن الدولة التي تفتح لهن أبواب اللجوء لغرض مواصلة العيش بسلام وبناء حياة جديدة  .
فتحية للمرأة المندائية العراقية المناضلة أينما كانت ، وسيبقى نضالها في سبيل الوطن تخلده الأجيال عبر التأريخ .

كنــدا
28 / كانون الأول  / 2008



17
الصابئة المندائيون والأرهاب عبر التأريخ



فائز الحيدر
يشهد العالم ومنذ سنوات عديدة موجة خطيرة من الأرهاب ، واستهدفت أهدافا" مختلفة وراح ضحيتها الألاف من الأبرياء . وأصبح الأرهاب اصطلاحا" يشغل حيزا" كبيرا" في الصحافة العالمية ، كما أصبح كابوسا" يخلق الرعب في نفوس الناس في المجتمعات المختلفة وخاصة بعد التطور الهائل في مجال الفضائيات ودخول الأنترنيت في كل بيت ، وهي تنقل لمتابعيها من جميع أنحاء العالم وبسرعة صور الحوادث المروعة وآثارها وضحاياها المقطعة بين أنقاض البنايات السكنية والمدارس والمستشفيات والأسواق المدمرة أو على أرصفة الشوارع أو في وسائل النقل . وهذا ما نشاهده يوميا" في بغداد والمدن العراقية الأخرى .
كما أصبح الأرهاب ظاهرة عالمية لا تتحدد في منطقة أو دولة أو قارة بوحدها . حيث أصبح يمارس بأساليب مختلفة وتستعمل فيه أحدث الأبتكارات العلمية بما فيها الأسلحة الكيمياوية ، وبات القائمون بالأرهاب ينتمون الى جنسيات عديدة ومختلفة والى عقائد ومبادئ وديانات مختلفة .
والإرهاب في اللغة العربية جاء من الرهبة و التخويف اما كلمة "Terror" في الإنجليزية فهي لا تعني التخويف والرعب بل تعني عملياً ابادة للبشر لاسباب عديدة ، وهناك عدة تعاريف لمفهوم الأرهاب منها :
1 ـ عرفه البعض بانه أي عمل يتم فيه أستخدام العنف والقوة ضد المدنيين ويهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للعدو عن طريق إرهاب المدنيين بشتّى الوسائل العنيفة .
2 ـ و البعض الآخر من المتطرفين  Extremist  فعرفوه بأنه نوع من استخدام القوة و السلاح لاثارة الرعب في نفوس أعداء المسلمين مستندين الى الآية القرآنية : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) سورة الأنفال : 60
ومهما يكن الخلاف في النقطتين اعلاه ولعدم وجود تعريف دولي واضح لمفهوم الأرهاب ، يمكننا  ان نقول عن الأرهاب    Terrorism بأنه :
(( هو العنف Violence ، اي الرعب والخوف الذي تقوم به جماعة أو أفراد أو شخص أو دولة أو منظمة لغرض أستهداف ضحية بريئة والقضاء عليها بأساليب عنيفة ولأسباب أقتصادية أوسياسية أو دينية أو قومية بهدف خلق الرعب والهلع في المجتمع ، مما يحقق بذلك النتائج المخطط لها )) .
وهنا علينا الأنتباه وعدم الخلط بين الأرهاب وبين حركات التحرر التي تناضل من اجل حقوقها ، فهناك انظمة سياسية عديدة في العالم يسودها الظلم والأستبداد والأضطهاد القومي والتطهير العرقي بحق الشعوب والقوميات والأثنيات والمذاهب الدينية واغتصاب الحقوق الفردية والجماعية وعدم تكافؤ الفرص والمساواة امام القانون في الحقوق والواجبات ، هذه الأسباب وغيرها قد تدفع هذه الشعوب لتشكيل  حركات وطنية تهدف الى ازالة هذه الأنظمة الغير ملتزمة ببنود الميثاق الدولي . ان هذا النموذج من النضال مشروع  وفق احكام وقواعد القانون الدولي ولا يمكن اطلاق عبارة الأرهاب عليه ، وهذا ما تؤكد عليه الكثير من المواثيق والأتفاقيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة .
وللولايات المتحدة الأمريكية طبعا" نظرتها الخاصة لمفهوم الأرهاب في العالم ووتتعامل معه وفق المفهوم الذي يتلائم مع مصالحها الأقتصادية الحيوية ، ونزعة التحكم في العالم ونهب ثروات الشعوب ، واتخذت من الأرهاب حجة أو ذريعة ضد الأنظمة والدول والحركات الوطنية حيث تفرض الأجراءات العسكرية والأمنية والعقوبات بحجة معاقبة الأرهابيين ، وتتميز سياستها  بالخلط المتعمد بين نضال الشعوب وبين الأرهاب كظاهرة إجرامية والهدف هو اتخاذ الموقف المناسب من تلك الحركات بما يتلائم مع مصالحها . وهناك أمثلة كثيرة على هذه السياسة في العديد من البلدان لا نود الخوض بها الأن .
وفي العراق الذي يعاني من العمليات الأرهابية منذ ما يقارب الخمس سنوات ، عانت الأقليات الدينية فيه من الأرهاب والأضطهاد والقتل عبر تأريخها الطويل والذي يمتد لقرون عديدة ، وأزداد هذا الأضطهاد بالفتح الأسلامي لأرض أجدادهم أرض العراق في بداية القرن السابع الميلادي ، لغرض نشر الدين الأسلامي ، مستندين لقول النبي محمد الذي يؤكد على ( إن الأسلام دين الحق ) ، وعلى الأخرين من المسيحيين والمندائيين واليهود من أهل الكتاب فعليهم القبول بهذا الدين والدخول فيه مجبرين او دفع الجزية ، كما وعاملتهم الدولة الأسلامية فيما بعد بمنطق أهل الذمة وسط الأرهاب والأضطهاد لتغيير دياناتهم . اما في العصر الحديث فمذابح الأشوريين والأرمن من قبل العثمانيين والأنفال والتهجير والأبعاد القسري للكرد الفيليين لأيران من قبل ( المؤمن ) الطاغية صدام حسين ، والأضطهاد للصابئة المندائيين والمسيحيين والأيزيدين وغيرهم هذه الأيام خير شاهد على ذلك .
ومع الأسف رغم تعرض الأقليات غير المسلمة في البلدان الاسلامية الى الأضطهاد والأرهاب يوميا" فهناك من الباحثين وفقهاء المسلمين ينكرون وجود مشاكل للأقليات الدينية في الدول الأسلامية وبصدد ذلك يذكر ( محمد بن شاكر الشريف الباحث الشرعي بمجلة البيان في مقالة بعنوان وضع الأقليات في الدول الأسلامية ) حيث يقول : (( لا توجد مشكلة تتعلق بالأقليات في الدولة التي تقوم على أساس الإسلام  )) . ويحملون أمريكا والدول الغربية المسؤولية بذلك .                                       
 وفي مقالنا هذا نركز على أحدى الأقليات الدينية العراقية الأصيلة من مكونات الشعب العراقي التي ساهمت ببناء حضارة وادي الرافدين منذ آلاف السنين ، هي طائفة ( الصابئة المندائيون )  هذه الطائفة الصغيرة المسالمة التي أرتبط مصيرها بأرض الأجداد العراق .
فالمندائيون هم أتباع اقدم ديانة سماوية توحيديه غير تبشيرية على وجه الارض ، ومن اهم كتبهم الكنز العظيم ( الكنزا ربا ) والذي يحوي على صحف آدم وشيت وادريس ونوح ، هذه الديانة التي ترفعهم الى مصاف بدايات الأديان والشرا ئع الموحدة في التأريخ . أتخذ الصابئة المندائيون من جنوب العراق وأيران وعلى ضفاف الأنهار موطنا" لهم لأرتباط طقوسهم الدينية بالماء الجاري ( اليردنا ) ، ولكونهم أقلية ، لا تؤمن بالقتل والعنف وتؤمن بالسلام فقد تعرضوا وعلى مر التأريخ للكثير من العمليات الأرهابية والأضطهاد الديني والسياسي والأجتماعي والأيذاء النفسي والأعتداء الجسدي لا لذنب أقترفوه سوى تمسكهم بديانتهم وعشقهم لتراب أرض أبائهم وأجدادهم .
‏لقد تعرض الصابئة المندائيون في العراق وأيران وخلال تأريخهم الطويل في الذي يمتد لقرون عديدة في العهد الأسلامي الى العديد من العمليات الأرهابية وجرائم الاباده الجماعية حسب المفهوم الدولي لأبادة الجنس البشري وكانت نتيجة ذلك مقتل وهجرة الألاف منهم وأجبار آلاف أخرى على تغيير ديانتهم الى الديانة الأسلامية ، وكان تكفير ديانتهم هي الذريعه المستخدمه لابادتهم .
ونتيجة لطغيان الثقافة العربية الأسلامية والأضطهاد طيلة قرون ، أنمحت لغتهم المندائية التي لا يتحدث بها إلا عدد قليل منهم الأن ، هذه اللغة التي تعتبر لهجة من اللهجات الآرامية الشرقية والتي كانت لغة التخاطب فيما بينهم ولغة كتبهم الدينية التي لم يفهمها محيطهم الأسلامي . وللسبب السابق ونظرا" لكون ديانتهم غير تبشيرية ولعدم تمكنهم التحدث بلغتهم ومن ممارسة طقوسهم الدينية بحرية وبشكل علني أكتنف الغموض هذه الديانة ، وساهم في ذلك الجهل المطبق لسكان المنطقة من جيرانهم المسلمين في جنوب العراق ، حيث أعتبرهم البعض من فقهاء المسلمين ورؤساء العشائر المتخلفين بأنهم من عبدة الكواكب والنجوم .
ويذكر د . رشيد الخيون ،في كتابه  الأديان والمذاهب بالعراق ، ان الجهل في تاريخ هذا الدين بسبب سريته جعل الطبري ينقل عن الصنعاني / ت 211هـ عن سفيان الثوري بقوله ( الصابئون قوم بين اليهود والمجوس ليس لهم دين ) . كما برر البعض نجاستهم لأنهم مشركون حسب الآية القرآنية ..( انما المشركون نجس ) ( سورة التوبة ) ، رغم أن التعميد في الماء الجاري يعتبر من أهم طقوسهم الدينية ، فأفتوا بأخذ الجزية منهم أسوة بالمشركين بالرغم من حكم القرآن فيهم ، والذي خصهم بثلاثة سور (( البقره والحج والمائده)) وساواهم في الأيه (62) من سورة البقره بالذين أمنوا واليهود والنصارى . أما القسم الأخر من الفقهاء فقد أفتوا بقتلهم مما جعلهم هدفا" سهلا" للمتطرفين الأسلاميين والعصابات والسراق . ومن تلك الفتاوى ما افتى به القاضي والفقيه الشافعي ابي سعيد الحسن بن يزيد الاصطخري سنة 328 هـ ايام القاهر العباسي (  القاهر بالله محمد بن الخليفة المعتضد بن الموفق طلحة بن الخليفة المتوكل على الله العباسي وهو الخليفة العباسي التاسع عشر في ترتيب خلفاء الدولة العباسية ) ، الذي عزم على قتلهم  حتى كف عنهم بعد دفع مال كبير له ، فأثروا أثر ذلك الأنزواء كوسيلة للحفاظ على دينهم وتراثهم من بطش جيرانهم . ويبين لنا التأريخ العشرات من العمليات الأرهابية والأبادة التي تعرض لها المندائيون طيلة تأريخهم والتي تسببت في هجرتهم لأماكن عديدة دونت في تراثهم وكتبهم الدينية ولكن بسبب الأضطهاد والهجرة المتواصلة فقد الكثير من تأريخهم وتراثهم ومخطوطاتهم ولكن في هذا المقال يمكن ان نذكر بعض تلك العمليات الأرهابية :
ـ يشير كتاب ( حران كويثا ) ( حران السفلى ) ( Inner  Harran ) ، وهو أحد الكتب الدينية الذي يتحدث عن تأريخ الصابئة المندائيين الى تعرض المندائيين في القرن الميلادي الأول وفي بداية الدعوة المسيحية الى الأرهاب والمجازر وحملة إبادة جماعية  للمندائيين في مدينة أورشليم سنة 70م التي كان يسيطر عليها الحكم الروماني حيث تمت إبادة آلاف المندائيين ومن بينهم 360 رجل دين مندائي وكانت هذه المذبحة العامل الأساسي في هجرتهم الأولى من اورشليم والعودة الى موطنهم الاصلي في وادي الرافدين ووقف التبشير بالدين المندائي مما أثر على أعدادهم لاحقا" .
ـ  تتحث الليدي إي . أس . دراور في كتابها ( الصابئة المندائيون في العراق وأيران ) ترجمة المرحومين غضبان رومي و نعيم بدوي عن الأبادة التي  تعرض لها المندائيون في القرن الرابع عشر في العمارة حين كان السلطان محسن بن مهدي حاكما" عليها وكان ابنه فياض حاكما" على شوشتر حيث تعرض بعض العرب على امرأة مندائية لغرض أغتصابها وعلى أثر ذلك أعلنت الحرب على المندائيين فتم قتل رجال الدين والرجال والنساء والاطفال وبقيت الطائفه بلا رجال دين  لعدة سنين )) .
ـ  وفي زمن حكم الملك الساساني بهرام الأول عام 273 م في ايران جرت حملة أرهاب وابادة جماعية بحق المندائيين حيث قتل الألاف وأجبر الآلاف منهم على دخول الدين الأسلامي خوفا" من القتل وللتخلص من الأضطهاد ودفع الجزية وطلب الأمان .
ـ  في عام 1782 م وفي جنوب بلاد فارس حدثت حملة أرهاب وأبادة جماعية  للمندائيين بعد محاولة المسلمين هناك الحصول ومصادرة الكتب الدينيه للمندائيين لغرض حرقها والقضاء عليهم وعلى ديانتهم وبعد فشل محاولتهم تلك تعرضوا الى عملية ارهابية واسعة ومذابح وأعتقل الآلاف منهم و جميع رجال الدين وزجهم في السجون وتعرض المئات منهم الى عمليات تعذيب وجلد وحرق وقلع العيون وقطع الأطراف للبعض منهم ولم ينجوا إلا القليل منهم بهروبهم الى تركيا حاملين معهم ما تيسر من كتبهم الدينية التي تم استنساخها فيما بعد .
ـ  في مدينة شوشتر الأيرانيه القريبة من مدينة الشوش والأهواز تعرض المندائيون في عام 1870 م لعملية إبادة جماعية حيث تمت قتل غالبية سكان المدينة والبالغ عددهم 20 الف مندائي على يد الحاكم الايراني انذاك ناصر الدين شاه الذي حكم ايران من سنة 1831 م ـ 1896 م ويمكن حاليا" ملاحظة بعض الكتابات المندائيه تشير الى هذه المذبحة في المدينة .
بعد نشوب الحرب العالمية الأولى للفترة من 1914- 1918 وسقوط الدولة العثمانية سنة 1918 ودخول القوات الإنكليزية للعراق واحتلال البصرة ومن ثم توجههم نحو يغداد من خلال مدن جنوب العراق التي يقطنها نسبة كبيرة من المندائيين وهي الممر الوحيد لقوات الاحتلال الأنكليزي بأتجاه بغداد ، اثر ذلك على تواجد المندائيين في تلك المدن والاهوار حيث تعرض الصابئة المندائيين لظروف عصيبة جدا" بسبب ظروف الحرب وفقدان الأمن وعدم وجود المؤوسسات الحكومية ، وأنتشرت الفوضى وانعكس ذلك على حياتهم وديانتهم مباشرة حيث تعرضوا الى عمليات القتل والسطو والنهب وخطف النساء وإجبارهم على ترك دينهم ومنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية مما أدى الى هجرتهم الى مدن اخرى أكثر هدوءا" . الا ان ظروفهم لم تتحسن في مناطق سكنهم الجديدة حيث تعرفت السلطات الأنكليزية تدريجيا" على المندائيين وديانتهم ومعتقداتهم مما اثار انتباه المبشرين والمستشرقين والباحثين في الديانات القديمة لغرض التعرف عليهم أكثر والوقوف على ديانتهم القديمة فتوافد الكثيرون منهم الى جنوب العراق . مما حدا بالمبشرين الأوربيين لاحقا" بممارسة الضغوطات والأغراءات المالية للتحول للديانة المسيحية بأعتبارهم من ( الخارجين على المسيحية ) أو ما اطلق عليهم مسيحي من أتباع يوحنا المعمدان ، رافق ذلك ضغط وتهديد أسلامي من سكان المنطقة للتحول الى الديانة الأسلامية .
وفي العشرينات من القرن الماضي ورغم ظروف الأضطهاد والقسوة والأجبار على تغيير الدين ،  لم يتوقف المندائيين من اداء واجبهم في بناء وطنهم العراق فتوجهوا لممارسة المهن الحرة التي تتناسب مع متطلبات واحتياجات المنطقة كصناعة الأدوات الزراعية والقوارب وأدوات الصيد والصياغة وغيرها ، وتوجه أبنائهم الى المدارس والكليات المختلفة لمواصلة تعليمهم وبرز منهم الكثير من الأطباء والأساتذة والعلماء والمهندسين كان لهم الدور الكبير في عملية البناء اللاحقة في العراق ودخل الكثير منهم في المعترك السياسي الوطني ، ورغم كل هذا بقيت الطائفة بعيدة عن ممارسة حقوقها وطقوسها الدينية والتحدث بلغتها وأزداد التمييز بينهم وبين الآخرين أمام اقضاء ، ولم يتبوأ أحد منهم مناصب عليا في الدولة رغم وجود العشرات من الشهادات العليا التي يحملونها ، كل ذلك بسبب النظرة الدونية التي كان ينظر لهم جيرانهم المسلمون لعدم معرفتهم بديانتهم الموحدة . وزاد من معاناتهم ما كتب عنهم وعن ديانتهم بشكل مشوه واعتبروهم من عبدة الكواكب والنجوم . فكتب عنهم في الثلاثينات من القرن الماضي المؤرخ العراقي المعروف عبد الرزاق الحسني في كتابه ( الصابئيون في حاضرهم وماضيهم ) حيث شوه ديانتهم وأتهمهم بأنهم من ( عبدة الكواكب والنجوم ) وبالطبع كان لهذا الكتاب وفي تلك الفترة الوقع السيئ على الطائفة حيث لا زال الكثير ممن ليس لديهم معلومات وأطلاع على الديانة المندائية يقتنعون بما ذكر بهذا الكتاب ويعتبرونه أحد مصادرهم في الكتابة عن الديانة المندائية . 
لقد استمرت معاناة المندائيين لسنوات طويلة ولكن بعد ثورة 14 / تموز من عام 1958 كانت هناك بوادر من قبل قيادة الثورة وخاصة المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم لأنصافهم وكان من بينها أختيار الدكتور عبد الجبار عبد اللة رئيسا" لجامعة بغداد وهو أعلى منصب حصل عليه مندائي وكانت هناك بعض الوعود بأنصافهم واحترام حقوقهم وبناء معابد لهم ولكن الأمر لم يستمر طويلا" لتحقيق هذه الوعود فقد أغتيلت الثورة بالأنقلاب الفاشي في صبيحة 8 / شباط / 1963 ودخل المندائيون من جديد في حمّامات القتل و الأعتقال والتعذيب والسجون على يد سلطة البعث وكان من بين المعتقلين الدكتور عبد الجبار عبد اللة نفسه الذي تعرض لأبشع انواع التعذيب والأهانة ، كما وتجاوز عدد الشهداء من المناضلين المندائيين الذين تم تصفيتهم المائة شهيد أضافة لمئات المعتقلين .
وبالرغم من صدور قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل الخاص بالأقليات الدينية من قبل حكومة البعث الثانية لتحسين صورتها امام المجتمع الدولي بأحترامها لحقوق الأنسان ، وبالرغم من توقيع العراق على عدد من المواثيق الدولية ومنها ميثاق الامم المتحدة لعام 1945 والاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 وكافة المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بحماية حقوق الانسان والحريات الاساسية ومنع جريمة الابادة . لم تنتهي معاناة الصابئة المندائيين وبقي القانون حبرا" على ورق ، واستمر التمييز بينهم وبين الآخرين وانكرت حقوقهم من جديد وبشكل واضح ولم تأخذ اي من الحكومات المتعاقبة أي اجراءات لحمايتهم .
وفي الثمانينات من القرن الماضي ودخول العراق الحرب مع ايران تعرض الصابئة المندائيون في العراق الى عمليات تصفية من جديد وارسل غالبية شبابهم الى الجيش ومن ثم الى الخطوط الأمامية للجبهة رغم ان ديانتهم تحرم القتال بغية التخلص منهم لما يملكونه من حس وطني ، وأستشهد منهم ما يزيد عن 25% من مجموع شباب الطائفة في تلك الفترة والذي تجاوز عدة مئات ، أضافة لعشرات الشهداء المناضلين الذين أعدموا لأسباب سياسية ، أما في ايران فكان عدد ضحايا الحرب من المندائيين مضاعفا" ، أضافة لتعرضهم لحملة شرسة لتغير ديانتهم الى الأسلام .
ورغبة في التخفيف عن هذه المعاناة تم عرض الأمر على المرجع الشيعي في العراق آنذاك آية الله أبو القاسم الخوئي لتعريفه بالديانة المندائية ووضع بين يديه ما يملكون من كتب وحجج تبين انهم من الديانات الموحدة ، وبعد دراسة مطولة لكتبهم وتاريخهم أكد فيهم :( ان الاقوى والاظهر بحسب الادلة ان الصابئيين يعدون من اهل الكتاب ) . الا ان هذه الفتوى لم تفعل ولم تأخذ المرجعية أي أجراء لتطبيقها عمليا" وبقي المندائيون بنفس معاناتهم بالرغم من تغير المرجعيات الدينية لسنوات لاحقة .
أما في إيران فقد ساهموا في إغناء الهوية الثقافية والتراث الحضاري لشعبهم شأنهم في ذلك شأن سائر إخوانهم من المندائيين في العراق الذين برز منهم رجالات علم وأدب وثقافة ساهموا في بناء حضارة الأمة من خلال ما أنجزوه في مجالات العلوم والآداب والفنون والهندسة والطب والفلك ولهم علمائهم التي لا زالت في الذاكرة . لكن معاناتهم بقت لا تختلف عن معاناة اهلهم المندائيين في العراق وجرت اتصالات مع المراجع الدينية الأيرانية وخاصة مع المرشد الأعلى للثورة الأسلامية آية الله علي خامنئي لتوضيح ديانتهم ، ورغبة في مارسة طقوسهم بحرية ، وبعد الأطلاع عليها نفت المرجعية هناك وعلى لسان آية اللة علي الخامئني في كتابه ( الصابئة حكمهم الشرعي وحقيقتهم الدينية ) ، أن تكون ديانتهم متفرعه من الديانات الأخرى بل نظر اليها كديانه مستقلة وقال فيهم (( فمن جملة عقائدهم التي يدعونها ويصرون عليها التوحيد)) . ولعل الخامنئي في كلمته السابقة قدم نقدا" غير مباشر للفقهاء الذين لم ينظروا في أمر هذا الدين ، وهو حي بينهم حيث قال (( والحق الذي ينبغي الأعتراف به هو أننا لا نعرف من المعارف والأحكام الدينية لهذه النحلة التاريخية ( المندائيون ) والتي أصبح المنتمون إليها موجودين بين أيدينا وفي عقر بلادنا )) .
وعلى الرغم من الاعتراف بالصابئة المندائيين كأهل كتاب وموحدين من قبل اعلى سلطة في ايران نجد ان دستور الدولة الايرانية لا يعترف بهم ضمن الاديان الاخرى المعترف فيها وهي الزرادشت واليهود والمسيحيين ، وتم التضييق على إداء شعائرهم وطقوسهم الدينية مما دعاهم الى الهرب للقرى والأرياف للممارستها خوفا" من ملاحقة السلطات الأيرانية لهم ، كما ومنع أبنائهم من مواصلة الدارسة الجامعية أو الحصول على عمل مناسب وتجسدت هذه الخطوات بأستحواذ الحرس الثوري الأيراني في عام 1989 على المعبد الوحيد ( المندي ) الخاص بالمندائيين في مدينة الأهواز وتحويله مقرا" لقيادة الحرس الثوري في المدينة ولم تكتفي بذلك فحسب و إنما عمدت الى تدمير اكبر مقبرة للصابئة في مدينة الأحواز مخالفة بذلك لأبسط القواعد الأنسانية والمواثيق الدولية ، رغم المناشدات التي تقدم بها رجال الدين وشخصيات بارزة من أبناء الطائفة ، وعند ذلك بدأت أعداد كبيرة من المندائيين بالهجرة غير المخططة من أيران واللجوء الى دول عديدة ولم يبقى منهم الأن في أيران غير بضعة مئات .
أما بعد الأحتلال الأمريكي للعراق وفقدان الأمن وانتشار الفوضى فقد تعرض المندائيون الى الكثير من الأنتهاكات لحقوقهم ، وأرتكب الأرهابيون والمتطرفون والمليشيات الدينية جرائم بشعة ضدهـم لاسيما في المحافظات الجنوبية والغربية والعاصمة بغداد ، حيث جرى تكفيرهم من بعض المرجعيات وتعرضوا لأبشع صور القتل المتعمد وهم يمارسون طقوسهم الدينية ، أضافة للخطف والسرقة وفرض الأتاوات الشهرية والتهجير القسري واغتصاب النساء والأجبار على أعتناق الأسلام ولبس الحجاب وتحريم شراء ممتلكاتهم وذلك لغرض ابادتهم ، وتحتفظ مجموعة حقوق الأنسان المندائي على الآلاف من الوثائق والصور والأفلام للضحايا والتي تثبت خرق حقوق الأنسان المندائي ، ومع الأسف يحدث هذا أمام الحكومة العراقية وسكوت المرجعيات الدينية والعالم وصمت من جميع الأطراف . إن المندائيين الذين قتلوا لم يكن احدا" منهم شرطيا" أو رجل أمن او عضوا" بمجلس النواب أو وزير او غيرها من المناصب التي اعتبرت سببا" للقتل والتهجير ، بل أن جميع الضحايا من الأبرياء المسالمين وأصحاب الشهادات والكفاءات العلمية وليس بينهم من يستحق ذلك ! فالمندائيون هم اكثر الناس طيبة وبساطة وخلقا" ، مُسالمون بكل معنى الكلمة ، وكل من عايشهم وتعامل معهم يدرك مدى المحبة والهدوء والصفاء والتسامح الذي يحملوه في انفسهم .
 ويؤكد الكنزبرا ستار جبار حلو ( رئيس ديانة الصابئة المندائيين في العراق والعالم ) في لقاءه مع الفضائية العربية بتأريخ 25 / أكتوبر / 2008 ما تعاني منه الطائفة المندائية طيلة تأريخها بقوله : (( لم تنصفنا أي من الحكومات بشكل كبير وبشكل يشفي صدورنا ، لم يسمح لنا ببناء المعابد في الكثير من محافظات العراق ، لم يسمح لنا بتسمية أولادنا وفق مفهومنا الديني ، لم يسمح لنا بإنشاء مدارس دينية خاصة بنا . ذُكرنا نعم في الدستور العراقي الآن ولكن ما الفائدة ، نعم ذُكرت الصابئة لكن نريد ممارسات عملية لكي نشعر بإنسانيتنا  )) .
واليوم يعاني الآلاف من المندائيين وعوائلهم المهجرين ظروف قاسية جدا" في سوريا والأردن مع آلاف أخرى من بقية ابناء الشعب العراقي والأقليات الدينية أمام مرأى ومسمع الحكومة العراقية دون ان تعمل شيئا" بعد ان تركوا كل ما يملكون خلفهم في وطنهم الأم العراق وهم ينتظرون عطف دول اللجوء والمنظمات الأنسانية لتقديم المساعدة والعون اللازم لهم .
وبدلا" من أن تحل مشاكلهم والعمل على توفير المناخ المناسب لعودتهم تم مؤخرا" إلغاء المادة 50 من قانون مجالس المحافظات والخاص بمقاعد الأقليات بأجماع الكتل البرلمانية الطائفية المهيمنة على البرلمان لتصبح تجسيدا" لهظم حقوقها وحرياتها ، وبذلك يمارس مجلس النواب الطائفي ( المنتخب ديمقراطيا" ) عملية أضطـهاد أخرى لأبناء العراق الأصليين ويقف لجانب الأرهابيين من اعداء العراق بدلا" من الدفاع عنهم ، كما وأتخذت هذه المادة كورقة سياسية للمتاجرة بحقوقهم من قبل هذه الأحزاب والقنوات الفضائية التابعة لها وتستنكر ألغاء هذه المادة وكأن الأقليات هي من ألغت المادة  الخاصة بحقوقها وليس الكتل البرلمانية الطائفية وبضغوطات داخلية وأقليمية التي تود افراغ العراق تدريجيا" من مكوناته الأساسية .
وهنا لا بد ان نسأل الحكومة العراقية أو ما تسمى حكومة الوحدة الوطنية أو حكومة ( العراق الديمقراطي الجديد ) ، هل يتمتع الصابئة المندائيون بحقوق المواطنة المتساوية مع غيرهم من المسلمين وبدون تمييز في العراق ؟ وهل يتمتعون بالحقوق التي وردت في اتفاقية فيينا لعام 1993 ؟  وهل قامت الحكومة العراقية بحمايتهم والحفاظ على هويتهم الدينية والقومية والأثنية والثقافية واللغوية وممارسة صقوسهم الدينية وثقافتهم الخاصة وبحرية أسوة بالآخرين بحرية دون أعتداء رغم ان هناك أدلة دامغة على خرق حقوق الأنسان للمندائيين تحت مرأى ومسمع الحكومة العراقية والأحزاب السياسية المشاركة فيها دون ان تفعل شيئا ؟ وهل شاركوا في الحياة الثقافية والدينية والأجتماعية ؟ وهل لديهم من يمثلهم في مجلس النواب ومجالس المحافظات بعد الغاء المادة 50 من قانون مجالس المحافظات من قبل ما يسمى مجلس النواب ؟  أنها أسئلة مطروحة على الحكومة العراقية ننتظر الأجابة عليها !!! .
نأمل في نهاية المطاف ان يحصل كافة أبناء العراق من عرب وكورد وتركمان وكلدان وآشوريون سريان ، وأرمن وصابئة مندائيين وأيزيديون وشبك لحقوقهم وحريتهم وانسانيتهم وان يعيشوا جميعا" بحب ووئام في وطن حر ديمقراطي يؤمن بالتعددية وأحترام حقوق الأقليات الدينية فهم تراث الإنسانية وحاضرها ومستقبلها في وطنهم العراق
    كنـــدا
تشرين الثاني / 2008



18
الصابئة المندائيون
بين الهويــة والمستقبل المجهول


فائز الحيدر
بسم الحي العظيم
* من أخطأ منكم فقوموّه وأسندوه * فإن أخطأ ثانيةً فقوموّه وأعينوه * فإن أخطأ ثالثة فأرشدوه ، والصلاة والتسبيح لله فأسمعوه * فإن عصى واستكبر ، وأبى إلاّ المنكر ، فاجتثوا هذه الكرمة من الجذور ، وازرعوا مكانها كرمةً تعرف طريق النور ، فقد قالوا له إسمع فلم يسمع . وأروه نور الله فلم يخشع ، فسقط في العذاب... و *عـلـّـموا النشـماثا أن لا ترتـاب قلوبها ، وأسمعوها لغة السلام : التسبيح الذي آتيتكم .. فتشهد قلـوبهـا وتطمـئـن .
الصابئة المندائيون هم احفاد بناة الحضارة التي قامت على ارض وادي الرافدين منذ آلاف السنين هؤلاء هم اصل العراق وملحه . أتخذوا مدن جنوب العراق والأهواز في ايران موطنا" لهم منذ قرون عديدة ، عاشوا في تلك المنطقة فأثروا فيها وتأثروا بها وانتشرت فلسفتهم الدينية في شمال الحجاز وفلسطين والاردن والرقة والخابور وفي اعالي الفرات حاملين لغة التوحيد اينما حلوا . مارس غالبيتهم الحرف اليدوية كالحدادة والنجارة وصناعة القوارب والادوات الزراعية . وفي فترة ما قبل الحكم البريطاني وخلاله وبسبب الأوضاع الأقتصادية والأجتماعية والأضطهاد والقتل الذي مورس ضدهم من قبل جيرانهم المسلمين بدأت هجرة المندائيين الى المدن الكبيرة كبغداد والموصل وكركوك والفلوجة والرمادي والحبانية وديالى ليعملوا في الصياغة والنقش والحفر على المعادن .
وفي العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي ومع انحسار الحكم البريطاني وأنتشار التعليم ، بدأ الجيل المندائي المثقف يظهر للوجود واعتبرت تلك الفترة  نقطة تحول في واقع حياة المندائيين ، فتوجه غالبية أبناء الطائفة الى المدارس والجامعات ، وبعد تخرجهم تحملوا مسؤوليات كبيرة في التعليم والصحة والفنون وغيرها . وبتأثير ثورة أكتوبر الأشتراكية وتأثيرها على الشرق أزداد الحس الوطني في المجتمع العراقي وبدأت الحركة الثقافية والسياسية بالنشاط بعد ان وجدت التربة الخصبة لنشاطها ، فساهم الكثير من ابناء الطائفة في المعترك السياسي والأدبي والتعليمي وبرزت منهم أسماء لامعة معروفة في كافة المجالات ساهمت في عملية التغيير نحو الأفضل . وترافق مع ذلك توافد المستشرقين على العراق لزيادة معرفتهم بالديانة المندائية وواقع حالها وساهم بذلك بعض رجال الدين والمثقفين في أيصال المعلومة عن ديانتهم ورفع الشعارات للمطالبة بحقوق الطائفة الدينية والأجتماعية ، ولم يمنع كل ماسبق من الأضطهاد الشامل واليومي للمندائيين في كافة المجالات ، هذا من جانب أما من الجانب الأخر ومع هذا التحول في حياة المندائيين ولبساطة القيادة الدينية المتمثلة برجال الدين وقلة أدراكها لمتطلبات المرحلة التي يمر بها المندائيون ولعدم قدرتها على مواكبة الأحداث المؤلمة التي كانت تواجه الطائفة وتفرغهم للعبادة والزهد وممارسة الطقوس الدينية متناسين واجبهم الأساسي بالأهتمام بالطائفة وأبنائها ولغتها وتعاليمها الدينية ، هذا ما حدث في مدن جنوب العراق أما في المدن العراقية الأخرى المتباعدة التي هاجر لها المئات من المندائيين بسبب الأضطهاد والظروف الأقتصادية الصعبة التي كانوا يمرون بها ، فكانت تفتقد الى رجال الدين وأماكن العبادة ( المندي ) أضافة لعدم اجادتهم لللغة المندائية أو الخوف من التحدث مع تحول العديد  من العوائل المندائية الى الديانة الأسلامية تحت الأكراه والتهديد بالقتل ، أدى كل ذلك الى قلة اهتمامهم بممارسة طقوسهم الدينية وان مارسوها كان في السر ولا يتعدى مناسبات الأعياد ، مما أضعف التزامهم الديني وتناقص أعدادهم  تدريجيا" وبقي الحال لعشرات السنين دون ان يوضع حل لهذه المسألة .
ان ما يقلق الجميع في هذه الأيام هو شبح الأنقراض الذي يواجه الطائفة ، وهي حقيقة واضحة في الأفق خاصة بعد اتساع حجم الهجرة التي بدأت منذ أواسط الستينات ولحد اليوم ، مما أدى الى تشتت ابنائها في دول عديدة وشملت حتى العائلة الواحدة حيث ينتظرهم المستقبل المجهول ، لقد انشغل غالبية رجال الدين في خلافاتهم الشخصية وتدبير أمور حياتهم وتفسيراتهم المختلفة لكتابهم المقدس ( الكنزاربا ) ( الكنز العظيم ) ولم يلتفتوا الى أهمية بقاء الطائفة ومستقبلها ، وبقي غالبيتهم في حالة من الانعزال التام ولم يغرسوا في عقول ابناء طائفتهم إلا السئ القليل عن الدين ومبادئه واصوله ، وبدلا" من حل مشاكل الطائفة التي تعاني منها  كانت هناك الكثير من الخلافات الشخصية فيما بينهم  تطفوا على السطح تحول دون وحدتهم وأنشاء المؤسسات المندائية الفاعلة للبت في الأمور التي تواجه الطائفة وأبنائها في بلدان المهجر وتشير المعلومات الى تزايد نسبة عدد الشباب الذين تزوجوا من الديانات الأخرى حتى وصلت الى 75 % من مجموع عدد الشباب في بعض الدول وهي ظاهرة خطيرة أخذت بالأنتشار في السنوات الأخيرة في كل بلدان المهجر بسبب الحريات المتاحة والأنفتاح على المجتمعات الجديدة أضافة الى الأنتشار الواسع لظاهرة الطلاق المحرمة في الديانة المندائية . هذه الأسباب وغيرها ستؤدي بالتأكيد الى تناقص عدد المندائيين تدريجيا" مما يؤثر على مستقبل الطائفة ككل .
ومن الأرقام أدناه وللأسباب السابقة ولفقدان التأريخ والتراث المندائي لم تتوفر معلومات دقيقة عن عدد المندائيين لقرون عديدة خلت مقارنة باليوم بالرغم من ان الديانة السائدة في تلك الفترة هي الديانة المندائية الى جانب الأسلامية والمسيحية ، وبالتأكيد ان أعدادهم كانت في ذلك الوقت تفوق الأرقام المتوفرة حاليا" ولكن الدراسات والأبحاث المتوفرة تشير الى ان عدد المندائيين بلغ أربعون ألف في عام 1555 ميلادي (1 ) أي قبل اربعة قرون ونصف تقريبا" وأخذ هذا العدد بالهبوط لدرجة مخيفة حيث بلغ عددهم خمسة عشر ألف في عام 1979 ميلادي . فبدلا" من ان يتضاعف عدددهم عشرات المرات خلال أربع قرون ونصف هبط عددهم الى خمسة عشر ألف وهنا يأتي السؤال ما هي الأسباب الحقيقية وراء ذلك ؟
 يبين الباحث رشيد الخيون ، ان عدد الصابئة بلغ 15937 نسمة ( 2 ) حسب أحصاء 1977 أي ما يعادل نسبته 0.014 % من سكان العراق فيما أخذ بالأرتفاع ثانية حتى وصل أربعون ألف في عام 1998 ميلادي ورغم عدم دقة هذه الأحصائيات والمبالغة فيها لأسباب عديدة يعرفها الجميع منها النسبة العالية للتكاثر السكاني غير الطبيعية ،  ولكن هناك اتفاق على ان أعدادهم آخذة بالهبوط مما يوئر على مكانتهم في المجتمع العراقي والمطالبة بحقوقهم ومستقبل أجيالهم القادمة في وطنهم الأم ولذلك لم يتمكنوا من دخول مجلس النواب رغم انهم أحدى أقليات سكان العراق الأصليين ووصل الأمر بتسميتهم ب ( الجاليات ) كما جاء على لسان أحد أعضاء الأتلاف العراقي الموحد الحاكم في احدى جلسات مجلس النواب العراقي عندما ألغى المجلس المذكور المادة رقم 50 الخاصة بقانون انتخابات مجالس المحافظات متناسيا" حقوقهم التي نص عليها الدستور العراقي وأنهم سكان العراق الأوائل .

ويمكننا الأستنتاج مما سبق أن قيادة الطائفة المتمثلة في العراق ولعشرات السنين مضت لم تكن مدركة تماما" لما يجرى للطائفة ومستقبلها ولم تكن موفقة في الحفاظ على بقائها ووحدتها والدفاع عن حقوقها وأبراز وجهها الحقيقي على الساحة العراقية ولم تكن لديها النظرة الثاقبة لأتخاذ الحلول المناسبة لتجنب الأضطهاد والأبادة المنظمة التي مرت بها الطائفة ، وعلى الأقل التشاور والبحث عن اماكن بديلة للأستقرار ولم شمل أبناء الطائفة في أماكن آمنة ، بل تم العكس وتركوا أبنائهم ينتشرون في مناطق واسعة من العراق يصعب الوصول أليها الأمر الذي ساهم في ضياع ديانتهم ووحدتهم وتراثهم ولغتهم مما انعكس سلبا" على الأجيال اللاحقة وهو ما يدفع المندائيون ثمنه الأن .
وهنا نتسائل ..... من يتحمل المسؤولية الأساسية في ذلك ؟ هل هم قادة الطائفة من رجال الدين ؟ هل هم رجال الدين المغلقين على انفسهم الذين تركوا الطائفة تعيش في حالة من التشتت والجهل المطبق حول ديانتهم ؟ هل الظروف الأقتصادية والأجتماعية التي مرت بها الطائفة لعبت دورا" في تشتتها ووصولها الى هذا الحال ؟ هل يتحمل آبائهم واجدادهم هذه المسؤولية ايضا" ؟ ... واذا ساهمت كل الأسباب السابقة في ضعف الطائفة فلماذا لا يعمل الجميع لتعويض ما فقدوه ؟ .
 ولسنا هنا في مجال توجيه اللوم والأتهام الى جهة معينة بل انها مجرد أسئلة يرددها المندائيون أنفسهم في حواراتهم في أماكن مختلفة وتحتاج الى إجابات مقنعة لغرض وضع الحلول الناجعة للمشاكل التي تواجهها والسعي للتجديد وترك السلفية ومواكبة العالم المتمدن واهمية تعاون الجميع من وجهاء الطائفة ورجال دين ومثقفين وحقوقيين وباحثين وأساتذة لأعادة هيبتها ومكانتها خاصة بعد الهجرة الشاملة لأبنائها في السنوات الأخيرة  ولكن مع الأسف غالبا" ما تصطدم هذه الطروحات والأفكار بمعارضة البعض الأمر الذي يؤدي الى تعثر مسيرة الطائفة نحو الأمام .
لقد طرح الكثيرمن المثقفين المندائيين الحريصين على ديمومة الطائفة والذين ساهموا في رفع أسم الطائفة في السنوات الأخيرة أفكارا" عديدة تبحث في قضايا أساسية عديدة  تستحق التوقف عندها والتنبيه إلى أهميتها تتعلق بمستقبل الطائفة وهمومها اليومية وتحتاج الى مناقشات مستفيضة من قبل الجميع سواء من المثقفين المندائيين أم من رجال الدين أو غيرهم لأهميتها ولمعرفة الحالة التي وصلت لها الطائفة المندائية بعيدا" عن خلافاتنا الشخصية . وبالتأكيد ليس الغرض من طرح هذه الأفكار هو إنتقاد أحد أو الاشادة بأحد فحرية الرأي وإحترام الرأي الأخر واجب على الجميع ، ولكن رغبة في التنبيه الى جوانب يعتقد الكثير من المندائيين انها أساسية وضرورية لتحقيق ما تنشده الطائفة المندائية من تقدم ومعرفة الطريق الصحيح لمسيرتها المتعثرة وتتعلق هذه الأفكار بجانبين أساسيين هما :
الاول..... هو النقاش بين بعض المثقفين المندائيين وبعض رجال الدين والذي شهدته الطائفة المندائية أخيرا" والتي اعتبره بعض رجال الدين تقليلا" من مكانتهم الدينية ، وما تلا ذلك من مواقف متباينة من الجانبين تبعها التعصب في لغة الحوار وتوجيه الأتهامات المتبادلة التي لا يمكن قبولها بها . فالاساءة أثناء الحوار لا يمكن قبولها بأي شكل من الاشكال ليس فقط لرجال الدين ، وانما لاي محاور على الاطلاق ايا كان موقعه
الثاني ..... الذي ارتبط بهذه النقاشات هو ما اظهرته من تصدع الوضع في الطائفة المندائية . فاذا كانت مجرد طرح أفكار تحمل وجهات نظر مختلفة من هذا الفرد او ذاك من الممكن ان تفجر احتقانا" بين أبناء الطائفة وبعض رجال الدين على النحو الذي تشهده الطائفة حاليا" ، فمعنى هذا انهم ازاء وضع هـش يمكن ان يفجره أي مقترح او حوار يصب في صالح الطائفة .
ويمكن القول ان ما قرأناه من أفكار متباينة تبين مدى حجم الفجوة بين غالبية المثقفين المندائيين وبعض رجال الدين الذين لا زالوا يسيرون بخطى أجدادهم قبل قرون عديدة والتي تبين انهم في طريق العودة الى نظرية ... ( الحق الإلهي ) . والتي تعني أعطاء صبغة إلهية لا يمكن تجاوزها على الحكم ومن يمثله . مما يعني ان الحاكم يعتبر ممثلا" لله على الأرض ومعبرا" عن مشيئته ومصون ولا تجوز معارضته في كافة الاحوال كما حدث في اوربا وخلال فترة الحكم الأسلامي . ومن خلال هذه الأفكار يتبين إن البعض من رجال الدين يود ان تكون لهم حصانة دينية ، أي ان آراءهم ومواقفهم التي يعبرون عنها هي غير قابلة للنقد من قبل أي طرف ونابعة من الكتاب المقدس ( الكنزا ربا ) وان أبداء وجهة نظر مخالفة لما يطرحوه هو تعد واضح على حقهم الألهي .
وان هذه الحصانة التي يطالبون بها سوف تقود تدريجيا" الى التطرف والتعصب والتشنج وهذا ما ينعكس سلبا" على الطائفة نفسها ، أضافة لا يصبح للحوار الديمقراطي اي معنى . ان الحوار الديمقراطي بين القطاعات المختلفة يعني احترام الاراء والمواقف مهما أختلفت ومن حقها التعبير عن نفسها بشكل حر ومفتوح ، والامر متوقف على الطرف الآخر ومقدرته على الدفاع عن مواقفه واثبات صحتها . والغرض من ذلك التوصل الى أكثر المواقف والآراء قربا" من الصواب والتي تصب في مصلحة الطائفة . ومع الأسف ان البعض يستخدم الحريات المتاحة ، ليس للدفاع عن رأيه ووجهة نظره واثبات صحته ، وانما يستخدم هذه الحريات لمحاولة فرض رأيه ووجهة نظره التي يستفاد منها شخصيا" وأتخاذ مواقف تؤثر سلبا" على وحدة الطائفة وبقائها وذلك بمصادرة الرأي ووجهة النظر المخالفة . ومع الأسف يمكننا القول ان ثقافة الديمقراطية ، ثقافة احترام الرأي الآخر واحترام حقه في التعبير ،  ثقافة الحوار ، ثقافة التسامح السياسي والديني بشكل عام ، لم تترسخ لدى بعض ابناء الطائفة بعد . وعلى الاقل لدى قطاع واسع من المثقفين ورجال الدين المندائيين وهذا يعني ان ثقافة التعصب الديني والنرجسية ومرض الأنا ما زالت متجذرة في ذهنية البعض ، فالطروحات الدينية لدى الكثيرين هو خط احمر ومنطقة محظورة  لا يمكن الأقتراب منها ومناقشتها حتى لو كانت تلك النقاشات تصب في صالح الطائفة غير مدركين أن جميع الأديان بكل تشريعاتها جاءت من أجل خدمة الإنسان وسعادته واستقراره على جميع المستويات . ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتصور ان يكون الدين بمعزل عن الإنسان ومصالحه وأنفتاحه على الثقافات المختلفة ، لذلك فأن أحد وجوه الأزمة والتي تمر بها الطائفة حاليا" والتي تنعكس سلبا" على حياتهم اليومية هي تضاؤل المحبة والتسامح وفهم الديانة المندائية ومثلها وتطبيق تعاليمها بشكل عملي لدى البعض من الذين لم يمتثلوا الى مثلها الحقيقية وبالتالي لم ولن يكونوا أمناء على حقوق ومستقبل طائفتهم  .
ان الطائفة المندائية وقيادتها بأمس الحاجة اليوم لأعادة النظر في مسيرتها من قبل الجميع بكل سلبياتها وايجابياتها ووضع خطة عمل واضحة للنهوض بواقعها والأبتعاد عن السلفية والتعصب ومسايرة الحياة المدنية ومتطلباتها والأنفتاح على العالم والأهتمام بالشباب والمحافظة عليهم من الضياع فهم مستقبلها ووجودها وهذا يتطلب تجاوز كافة الخلافات بين رجال الدين أنفسهم من جهة وبينهم وبين المثقفين المندائيين من جهة أخرى ان كانوا فعلا" حريصين على وحدة الطائفة وبقائها وبذلك يسهل تشكيل المرجعية الدينية ( المجلس الروحاني المندائي الأعلى ) الذي يطالب به كل المندائيون ومنذ سنوات ليبت في كافة الأمور الدينية المختلف عليها فالطائفة بحاجة لمثل هذا المجلس اليوم أكثر من أي وقت ، فمستقبل الطائفة مرهون ببناء الذات والأنفتاح على العالم الجديد والأبتعاد عن ما عفى عنه الزمن
ان أمام الطائفة اليوم الكثير من العمل للوصول لغايتها خاصة بعد سقوط النظام الدكتاتوري وصعود نجم أحزاب الأسلام السياسي المتخلف على الساحة العراقية ، وان ما تحقق خلال السنوات السابقة ولغاية اليوم وبجهود أبنائها يفوق ما حققته الطائفة خلال قرون وهذا هو الحل الصائب لمواجهة الوضع الصعب للطائفة ، فأتحاد الجمعيات المندائية في المهجر ومجموعة حقوق الأنسان المندائي والمنظمات المندائية الأخرى في داخل الوطن والمهجر وبتعاون كافة المخلصين تلعب دورا" كبيرا" في أعادة وجه الطائفة من جديد وتعريف العالم بكل منظماته الأنسانية والدولية بوضع وبمعاناة الطائفة الحالي والتي تتعرض اليوم الى حملة أبادة شاملة منظمة حيث الهجرة القسرية والخطف والقتل والتشريد وأغتصاب النساء وسلب الحقوق وفق أجندات داخلية وخارجية وتحت شعارات أسلامية متطرفة ، وكسبتبعملها هذا تعاطف المئات من الغيارى معها ومن كافة القطاعات وتشكلت العديد من المنظمات المساندة للطائفة من الشخصيات الأدبية والعلمية العراقية والعربية والدولية للدفاع عن الطائفة وحقوقها في المحافل الدولية وحصلت أنجازات كبيرة في هذا المجال ولو انها دون مستوى الطموح ، فأعادة وجه الطائفة يحتاج الى جهود كبيرة ومن الجميع ولوقت طويل .
الهوامش ـــــ
1 ـ راجع موقع (  Mandaean World ) على الأنترنيت .
2 ـ رشيد الخيون ،  الأديان والمذاهب بالعراق / الطبعة الأولى 1426 صفحة 439 .

           كندا
تشرين الأول / 2008


19
المندائيون والعهد الدولي الخاص بحقوق الأقليات



فائز الحيدر


ينص الأعلان العالمي لحقوق الأنسان بما يلي :
 ـ  يولد جميع الناس احرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق .
 ـ لكل انسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في الاعلان بلا تمييز بسب العنصر او الدين .
 ـ لكل انسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين وحريته في اعتناق اي دين او معتقد يختاره .
لقد ناضلت البشرية لسنوات طويلة من أجل المطالبة بحقوق الانسان المختلفة وكان من  الانجازات التي حققتها البشرية خلال مسيرتها هو التحول الكبير من اوضاع كانت البشرية فيها مقيدة بقيود الرق والعبودية الى اوضاع تعتبر فيها ممارسة حقوق الانسان وحرياته الاساسية مسؤولية دولية ، وخرجت مسألة حقوق الانسان من نطاقها المحلي الى النطاق الدولي بسبب التقدم الحضاري وترسخ اسس الدولة التي ترتب عليها تدوين حقوق الانسان وحرياته وصياغتها في شكل مواثيق دولية ملزمة .
وفي العقود الاخـــيرة زداد الاهتمام بحقوق الاقليات نتيجة تصاعد أضطهاد الأقليات العرقية والإثنية والدينية في دول عديدة والتي عرضت النسيج الاجتماعي والسياسي للخطر منها مجازر الألمان ضد اليهود ، ومجازر الأرمن المعروفة ، مجازر البوسنة ، رواندا ، جنوب السودان ، ودارفور وغيرها من الدول . أما في العراق فهناك مجازر الأنفال والقصف الكيمياوي لحلبجة وقمع انتفاضة آذار / 1991 وما تبعها بعد غزو العراق من جرائم ترتكب يوميا" ضد الأقليات الدينية مثل الصابئة المندائيين والمسيحيين والأيزيدين والأرمن والشبك وغيرهم .
ولذلك أخذت الدول المتحضرة ودساتيرها وقوانينها الداخلية تعطي أهمية خاصة لحقوق الأقليات الأنسانية  وذلك يعود الى الأرتباط الوثيق بين احترام حقوق الإنسان من جانب والتقدم والتنمية وتحقيق الرخاء والرفاهية لصالح الشعوب من جانب آخر . حيث غدت حقوق الإنسان من المهام الأساسية التي اوكلت  بها المنظمة الدولية للأمم المتحدة لكي ترعاها وتعمل على كفالة احترامها وتعزيزها وإتباعها .
ومن اجل ذلك انعقد مؤتمر فيينا الذي في 14 ـ 26 حزيران / يونيو / 1993 والذي أصبح وثيقة تأريخية وبرنامج دولي يرسخ احترام حقوق الأنسان ، فقد وورد في ديباجة اعلان الامم المتحدة بشأن حقوق الاشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية وإلى أقليات دينية ولغوية والصادر من الجمعية العامة للامم المتحدة المرقم  47 / 135/ في الثامن عشر من / كانون الأول/ ديسمبر / 1993 ( أن الاهداف الاساسية للامم المتحدة كما أعلنها الميثاق هو تعزيز حقوق الانسان والحريات الاساسية والتشجيع على احترامها بالنسبة للجميع دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين ) . وأذ تعيد ( أي الأمم المتحدة )  تأكيد ايمانها بحقوق الأنسان وكرامته وبالحقوق المتساوية للرجال والنساء و للامم كبيرها وصغيرها .
ماذا نعني بالأقلية  ؟؟
بعد ما سبق طرحه يأتـي السؤال ماذا نعني بالاقلية ؟ وما هو تعريفها  ؟ وهل هناك فائدة من اقرار حقوق الاقليات دون وجود نظام  ديمقراطي حقيقي يستند الى مرجعيات  حقوق الانسان لتتحول الأقليات من فئات معزولة الى فئات تساهم في بناء المجتمع والاندماج فيه بما يضمن الحقوق الاساسية بلاتمييز او عدم مساواة وعلى الرغم من صعوبة التوصل إلى تعريف مقبول عالميا" تم تعيين خصائص مختلفة للأقليات تغطي معا" معظم حالات الأقليات ويمكن تلخيص وصف الأقلية الاكثر شيوعا" في استخدامه في دولة ما:   ( بأنه مجموعة غير مهيمنة من الافراد الذين يشاطرون خصائص قومية أو ثنية أو دينية ولغوية معينة تختلف عن خصائص غالبية السكان  وبشكل عام الاقليات التي تتسم بهوية اثنية أو لغوية أو دينية تختلف عن هوية غالبية السكان ) .
وهذا التعريف ينطبق كليا" على المندائيين وهم من الأقليات التي سكنت العراق منذ آلاف السنين  , حيث وضعهم المزري والأضطهاد الذي يعانون منه قد شغل في السنوات الأربع الأخيرة وخاصة  بعد سقوط الصنم حيزا" لا بأس به في الإعلام الداخلي والدولي حول الانتهاكات المتكررة للحقوق الإنسانية لهذه الأقلية الدينية أسوة مع بقية الأقليات مثل المسيحيين والأيزيدين والشبك والأرمن وغيرهم التي تمتد جذورها في تاريخ العراق الطويل .
لقد أقر ميثاق فيينا المذكور اعلاه حقوق الأقليات العامة ومنها :
ـ  حماية الدول لوجودهم وهويتهم القومية والاثنية وهويتهم الثقافية والدينية واللغوية.
ـ الحق في التمتع بثقافتهم الخاصة واعلان وممارسة دينهم الخاص واستخدام لغتهم الخاصة سرا وعلانية .
ـ الحق في المشاركة في الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والعامة.
ـ الحق في المشاركة في القرارات التي تمسهم على الصعيدين الوطني والاقليمي.
ـ الحق في انشاء الرابطات الخاصة بهم والحفاظ عليهم.
ـ الحق في اقامة اتصالات سلمية ومواصلتها مع سائر أفراد جماعتهم ومع أشخاص ينتمون الى أقليات أخرى داخل حدود بلدانهم وعبر الحدود على السواء
ـ حرية ممارسة حقوقهم بصفة فردية وكذلك بالاشتراك مع سائر أفراد جماعتهم دون تمييز.
وعلى الدول أن تحمي وتعزز حقوق الاقليات واتخاذ التدابير لتهيئة الظروف المواتيه لتمكينهم من التعبير عن خصائصهم وتطوير ثقافتهم ولغتهم وتقاليدهم وعاداتهم .
ـ اتاحة فرص كافية لتعلم لغتهم الام وتلقي الدروس بها وتشجيعهم لمعرفة تاريخ الاقليات الموجودة داخل اراضيها ومشاركتهم في التقدم والتنمية الاقتصادية ووضع برامج وطنية والتعاون والمساعدة لتعزيز المصالح المشروعة للاقليات .
كما ان نصت المادة (27) من العهد الدولي وهي من اكثـرالاحكام الملزمة قانونـا" فيما يتعلق بحقـوق الاقليات والتي تنص ( لايجوز في الدول التي توجد فيها اقليات اثنية او دينية او لغوية ان يحرم الاشخاص المنتمين الى الاقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة او المجاهرة بدينهم واقامة شعائرهم او استخدام لغتهم بالاشتراك مع الاعضاء الاخرين في جماعتهم ) ، وكانت هذه المادة الوحيدة التي عالجت وضع الاقليات الى ان صدر اعلان الجمعية العامة للامم المتحدة سالف الذكر ، غير ان كل هذه الضمانات لن تكون مجدية في تحقيق السلم الاهلي في نهاية المطاف وقد تخرق هذه القواعد كما يحصل في الدول التي فيها انتهاكات واسعة لحقوق الانسان .
 أن هذه الحقوق التي أقرها مؤتمر فيينا ليست امتيازات وأنما حقوق منحت للاقليات وفق القوانين الدولية لكي يسمح لها بالحفاظ على هويتها وخصائصها وتقاليدها ولتحقيق المساواة في المعاملة وعدم التمييز بحيث تكون هذه الاقليات قادرة على استخدام لغاتها وثقافتها والاستفادة من الخدمات التي تنظمها بنفسها والمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية للدول وتعزيز المساواة الفعلية وتحقيق رفاهية المجتمع بأسره .
وهنا يمكننا التساؤل هل الأقليات الدينية والقومية والأثنية غير الإسلامية في العراق تتمتع بحقوق المواطنة الكاملة المتساوية مع الأغلبية المسلمة  ؟ أي هل مبدأ المواطنة وعدم التمييز مطبق على تلك الأقليات في العراق ؟ وهل يتمتع المندائيون وبقية الأقليات الدينية العراقية بهذه الحقوق التي وردت في اتفاقية فيينا لعام 1993 ؟  والجواب بالتأكيد لا !!  وهل قامت الحكومة العراقية بحمايتهم  والاقليات الأخرى من القتل والخطف والتهجير وأغتصاب النساء ولبس الحجاب وتغيير الدين بالقوة والحفاظ على هويتهم الدينية والقومية والأثنية والثقافية واللغوية ؟ وهل قام المندائيون بممارسة ثقافتهم الخاصة وبحرية أسوة بالآخرين  ؟ وهل شاركوا في الحياة الثقافية والدينية والأجتماعية ؟ وهل مارس المندائيون حريتهم بشكل كامل دون تمييز لتمكينهم من التعبير عن خصائصهم ؟ وأخيرا" هل أتيحت لهم الفرص لتعليم لغتم الأم اللغة المندائية لأطفالهم وحق ممارسة صقوسهم الدينية بحرية دون أعتداء ؟ وهل يمارس المندائيون وبقية الأقليات العراقية حقوقهم كاملة بدون تمييز يذكر ؟ .. أنها أسئلة مطروحة على لحكومة العراقية لللأجابة عليها !!! رغم ان هناك أدلة دامغة على خرق حقوق الأنسان للمندائيين والأقليات الأخرى تحت مرأى ومسمع الحكومة العراقية والأحزاب السياسية المشاركة فيها .
أن التمييز والتفرقة والأستبعاد والتقييد والتفضيل  الذي يعاني منه المندائيون والأقليات الأخرى والمبنية على أساس الدين او القومية او العرق أو اللون هو أحد مصادر عدم الأستقرار في الدول التي لا تحترم حقوق الأنسان ويضر بالأقليات سياسيا" والهدف من ذلك هو تعطيل الاعتراف بالمساواة بين جميع الأفراد بالحقوق والحريات وممارستها وهو أخلال واضح بألتزام الدولة العراقية بتعهدها بحماية الأقليات الدينية والقومية بأعتبارها أحدى الدول الموقعة على الأتفاقيات الدولية .
 لقد حظر التمييز في عدد من المواثيق الدولية في ميثاق الامم المتحدة لعام 1945 والاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 وفي العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 وكذلك الصكوك الدولية المتخصصة بما فيها أتفاقية منظمة العمل الدولية لعام 1958 وأعلان اليونسكو بشأن التحيز العنصري لعام 1978  واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 وهنالك اتفاقيات أقليمية مثل الاتفاقية الاوربية لحماية حقوق الانسان والحريات الاساسية ووثيقة جتماع كوبنهاكن لمنظمة الامن والبعد الانساني والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب واتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية حيث وقعت الحكومات العراقية المتعاقبة على كافة المواثيق السابقة بأعتبارها عضوا" في الأمم المتحدة .

ووفق التغيرات التي حدثت ما بعد الأحتلال الأمريكي للعراق أصبحت مسألة التمييز والتطهير العرقي والديني والتهجير للأقليات العراقية وخاصة الصابئة المندائيين تأخذ موقعا" هاما" وأكثر وضوحا"  وأصبحت قضية ملحة تحتاج إلى حلول جذرية حيث الأضطهاد اليومي لهذه الأقليات الدينية والذي تمارسه عصابات تقوم بعملها بشكل منظم وامام أنظار جميع المسؤولين في الحكومة والدولة والأحزاب الدينية المساهمة بشكل مباشر في الحكومة الحالية وتحت اسماء معروفة حيث تقوم مليشياتها على ممارسة ابشع صور القتل والخطف والتهجير واغتصاب النساء والتكفير والأجبار على تغيير الدين ولبس الحجاب لغرض ابادتهم دون استنكار لهذه الأحزاب لما يجري لأقلية دينة لها لغتها وتأريخها العريق ودينها المتسامح وهمها العيش بسلام مع بقية أخوتهم من العراقيين بحب وسلام .
ان الأقلية المندائية تتعرض اليوم الى الأبادة الجماعية حسب مفهوم القانون الدولي بسبب أنتمائهم الديني فقط وهم تحت حماية القانون الدولي كأية أقلية دينية أوعرقية ، ان سياسة التهجير والتطهير العرقي  للمندائيين وهجرة الألاف منهم من مناطق سكناهم وأرض اجدادهم في عموم العراق وفي مدن الجنوب خاصة تتم وفق اجندات سياسية مدعومة من الخارج تتعلق بأقليم جنوب العراق الذي تروج له بعض الأحزاب الدينية المشتركة بالحكومة في هذه الأيام هو لفرض ظروف حياتية صعبة تجبرهم على الهجرة لغرض محوها كليا" من الفسيفساء العراقي ، ان هذه الجريمة يعاقب عليها القانون الدولي ليس فقط القائمين بها بل حتى الذين يملكون زمام الأمور ولا يحركون ساكنا" لأيقافها ، وهنا تقع على عاتق الحكومة العراقية والأحزاب المشاركة فيها مسؤولية كبيرة لحماية المندائيين سواء كأفراد او جماعات كما ورد في المادة الخامسة من أتفاقية الأبادة الجماعية ، ومع الأسف لم تبادر الحكومة العراقية بأي أجراء لحمايتهم ولم تفي بألتزاماتها تجاه حماية الأقليات في العراق بحجة الظروف الأستثنائية التي يعيشها البلد ، كما لم نسمع أي استنكار او فتاوي لرجال الدين ومرجعياتهم المتنفذين في مناطق سكن المندائيين تحرم قتلهم وتهجيرهم وأغتصاب نسائهم . وللأسف الشديد بين الحين والآخر نسمع تصريحات من بعض رجال الدين في العراق تتنكر لوجود الأقليات أصلا" بزعم أن هذه الأقليات من نسيج واحد ولحمة واحدة مع الأغلبية المسلمة في العراق وان الدستور العراقي يساوي بين كل المواطنين بصرف النظر عن اللون أو الدين أو الجنس.
الدستور العراقي وحقوق الأقليات
على الرغم من ان تاريخ الدولة العراقية مليئ بأنتهاكات لحقوق الانسان وفق المعايير الدولية الا ان الدستور العراقي  الجديد لم يأخذ أثناء كتابته ما تنص عليه حقوق الانسان والمواثيق الدولية في نصوصه  . ففي المادة (4) من الدستور أعتبرت  اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان وضمن للعراقيين تعليم ابنائهم بلغة الام كالتركمانية والسريانية والارمنية في المؤسسات التعليمية الحكومية وايضا اقر المشرع اللغة التركمانية واللغة السريانية لغتين رسميتين في الوحدات الادارية ولم يتطرق الى المندائيين ولغتهم اللغة المندائية بشئ .
كما أن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ، خصص نصاً للجرائم التي تمس الشعور الديني ، عاقب فيه من يعتدي بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية او حقّر من شعائرها، وأيضا عاقب كل من تعمد التشويش على إقامة شعائر طائفة دينية او على حفل أو اجتماع ديني او تعمد منع او تعطيل إقامة شيء من ذلك، بالإضافة إلى معاقبة كل من خرب او اتلف او شوه او دنس بناء معداً لإقامة شعائر طائفة دينية او رمزا" او شيئا" آخر له حرمة دينية.
كما عاقب القانون كل من طبع او نشر كتابا" مقدسا" عند طائفة دينية إذا حرف نصه عمدا" تحريفا" يغير معناه. او إذا استخف بحكم من احكامه او شيء من تعاليمه ، ويعاقب القانون العراقي من أهان علنا" رمزا" او شخصا" هو موضع تقديس او تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية ، وعاقب كل من يسخر من حفل او طقس ديني أيضا".
فأين الأقلية المندائية والأقليات الأخرى من هذه القوانين ومدى تطبيقها في الواقع العملي ، وأين هذا القانون من حرق دور العبادة وقتل المصلين وخطف رجال الدين وقتلهم أثناء تأدية الصلاة ، أين هذا القانون من مصادرة ابنية المؤوسسات الدينية والأجتماعية لهذه الأقليات ، وأين هذا القانون من أستباحة المقابر وبيع رفاة الموتى الى جهات أجنبية ، اين هو التعويض المادي لشهدائهم اسوة بقتلى الأحزاب الدينية  المشاركة في الحكومة  . لقد اثبت الواقع انه مهما بلغت الضمانات القانونية والدستورية الداخلية لهذه الحقوق والحريات من أحكام ، فإنها تظل مرهونة بمشيئة السلطة الحاكمة وتطبيق القانون ، فلا أمل في ضمان حقوق الإنسان ما لم يهتم الرأي العام الداخلي والعالمي بهذه الحقوق ، وما لم تتضامن الدول والحكومات جميعا" على تأكيد هذا الاحترام إن التقدم الحضاري لا يقاس بوجود تشريعات وقوانين وإنما بمقدار العمل بهذه القوانين واحترامها فتكون مرآة صادقة للمجتمع وصدى لما يحدث في الواقع وبمدى التزام الدولة بالقانون وتنفيذ بنوده وجعله ممارسة يومية فعلية في الحياة اليومية ، حيث إن معيار شرعية أي نظام سياسي يقوم على مدى احترامها للتعددية واحترام الآخر واحترام حقوق الأقليات وحق أعضائها في المساواة الكاملة ، وطبقا" للدستور العراقي فأن كافة الاتفاقيات الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والموقعة من قبل العراق ملزمة للحكومة العراقية  وعلى جميع أجهزة السلطة في الدولة العراقية ان تلتزم بها .
ان الضمان الأساسي لحقوق المندائيين والأقليات يتطلب العمل :
ــ  فصل السلطة الدينية عن السلطات الأخرى ،  التشريعية والتنفيذية والقضائية مع احترام الأديان كلها وعدم التمييز بين فرد وآخر على أساس ديني  ويكون الجميع متساوون أمام القانون. وهذا يستدعي إلغاء المادة الثانية من الدستور العراقي التي تنص على ( أن الإسلام دين الدولة الرسمي والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ) .
ـ زيادة الوعي الجماهيري بشكل يساعد على ترجمة هذه المبادئ إلى ممارسات يومية في الحياة الاجتماعية والسياسية ، وذلك من خلال تدريس مبادئ حقوق الإنسان في كل المستويات التعليمية والمؤسسات العامة والحكومية .
ـ منع الكتب والصحافة والنشرات التي تحرض على نشر الكراهية بين اطياف المجتمع الواحد المتعدد الأقليات
ـ  الطلب من شيوخ ورجال الدين المسلمين ومرجعياتهم بإصدار فتاوى تحرم القتل العمد بحق أناس يؤمنون بدين أو مذهب آخر والكف عن التثقيف الديني ضد الأديان الأخرى والتصدي لرجال الدين الذين يصدرون فتاوى تبيح قتل معتنقي الأديان الأخرى .
 كندا / كانون الثاني / 2008

             
 
 

20
 
من الذاكـــرة
          دماء وشهداء في ساحة السباع
              7 / أكتوبر / تشرين الأول / 1968

    فائز الحيدر

يعتبر يوم الثلاثون / كانون الأول / 2006 يوما" خالداً في تاريخ الشعب العراقي ، حيث يحتفل شعبنا العراقي بأعـدام طاغية العصر صـدام حسين لما أرتكبه من جـرائم بشعة لا تعد ولا تحصى على مدى أكثر من ثلاثين عاما"  تجاه شعبنا بجميع مكوناته وأطيافه ، حيث أعدم وقتل الآلاف من أبنائه البررة خلال حكمه المقيت ، وبأعدامه رسمت الفرحة على شفاه الأمهات الثكالى والأرامل واليتامى ، هذه الفرحة التي تحولت الى حقيقة بعد ان كانت مجرد امنية عوائل جميع الشهداء  .
ان نهاية الطاغية صدام كانت محتومة ومتوقعة لأي مجرم و سفاح كبير، وبنفس الوقت يعتبر درسا" جديدا" وعبرة لكل الحكام والطغاة في الوطن العربي ، ولكل مَن يستسخف بمقدرات شعبه و يصادر حريته ، وهذا هو حكم التاريخ الذي لا يرحم مهما تجبر وتكبر الطغاة ، فلا بد وأن ينالوا جـزائهم العــادل .
ولنسلط الضوء هذا اليوم على احدى الجرائم التي ارتكبها الطاغية صدام حسين وهو في بداية وصوله وحزبة للسلطة بعد انقلاب 17ـ 30 / تموز / 1968 وهي واحدة من مئات الجرائم التي أرتكبت بحق فصيل سياسي معروف على الساحة السياسية العراقية هو الحزب الشيوعي العراقي . هذه الجريمة التي لم يتناولها أي من الكتاب والباحثين وما كتب عنها من قبل البعض في حينها لا يزيد عن بضعة سطور .
لقد واجه الشعب العراقي انقلاب 17ـ 30  تموز / 1968 بالقلق وعدم الارتياح ، بسبب التاريخ الدموي لحزب البعث وسيطرته السابقة على مقاليد الحكم إثر انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963 ، حاول الأنقلابيون في بيانهم الأول التغطية على الأهداف الحقيقية للأنقلاب وسموه بالأنقلاب الأبيض  بعد ان رفعوا شعارات حل القضية الكردية وأقامة النظام الديمقراطي في العراق وتطبيق العدالة الاجتماعية فضلا" عن مساندة القضية الفلسطسنية . 
يذكر المرحوم زكي خيري في كتابه صدى السنين (( كان على الحزب ان يمهل البعث هذه المرة بعض الوقت ويضعه على المحك ، حيث اتخذ الحزب موقف التمهل ولم يصغ الى بعض قادته بضرورة رفع شعار اسقاطه كما فعل تجاه الحكومات المتعاقبة ، وقرر الحزب طرح المطاليب الوطنية الديمقراطية الملحة على حكومة الانقلاب التي انفرد بها جناح البكر وصدام حسين بعد انقلاب 30 /  تموز / 1968 الذي اطاح برفاق السفر العسكرين عبد الرزاق النايف وعبد الرحمن الداود الذين لعبوا الدور الرئيسي في انقلاب 17 تموز ووضعوا البكر وصدام حسين على سدة الحكم .
وبنفس الوقت كان الحزب مشغولا" وبحاجة الى مهلة لاستعادة انفاسه ولم منظماته التي تحطمت منذ شباط 8 / 1963 واعادة روابطه مع الجماهير ))  ( 1 ) .
 ولكن مع الأسف لم تمض إلا بضعة شهور حتى تبين الهدف الرئيسي لحزب البعث فأغرق البلاد من جديد بالدماء ، وزج بمئات الوطنيين في غياهب السجون ، ومارسوا ابشع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي ضدهم أضافة لعملية الأغتيال المبرمج والدهس بالسيارات للكثير من المناضلين السياسيين وارتكاب العديد من الجرائم ومنها جريمة ساحة السباع التي بقيت طي النسيان ولم يكتب عنا الكثير سواء من قبل الحزب الشيوعي نفسه اوالكتاب والباحثين بأعتبارها أول جريمة قتل متعمد كبيرة ترتكب ضد الحزب الشيوعي العراقي بعد تسلم البعث للسلطة من جديد في تموز / 1968 وتم التخطيط لها مسبقا" لغرض توجيه رسالة للحزب بعدم تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة له .
ويشير الأستاذ عزيز الحاج في سيرته الذاتية الى (( طلبت اللجنة المركزية من السلطة اجازة احتفالا" بذكرى ثورة اكتوبر / تشرين الأول الاشتراكية واقترحت السلطة بحسب ما نشرته صحافتها لا مانع من  قيام اجتماع واسع بمشاركة حزب البعث في احدى القاعات ولكن الاقتراح رفض من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وبحسب الرواية الرسمية .... غير ان السلطة وافقت اخيرا" على طلب اللجنة المركزية فتسلمت موافقة رسمية على عقد الاجتماع في ساحة السباع التي شهدت عام 1948 ميلاد الاتحاد العام لطلبة العرق بقيادة الشيوعيين وكانت شعارات الاجتماع مكرسة للتمجيد بالسوفيات والمعسكر الاستراكي والصداقة السوفياتية العراقية ))( 2 )

لقد اعتادت القوى الوطنية والمنظمات الديمقراطية والجماهيرية استقبال مناسبة انتصار ثورة اكتوبر الأشتراكية بأحتفالات متنوعة في كافة انحاء العراق لأستلهام العبر والدروس من هذه المناسبة التي يعتز بها الشعب العراقي . ولغرض المساهمة في هذه الفعالية فقد اوعز اتحاد الطالبة العام الى اعضاءه ومؤازريه بالمشاركة في هذا الأحتفال وفي ساحة السباع في يوم  7/ تشرين الأول / 1968 .

لماذا أختيرت ساحة السباع بالذات دون غيرها من الساحات في بغداد ؟؟

ساحة السباع ساحة صغيرة تقع في منطقة عمالية معروفة تتوسطها اربع اسود كل اسد يواجه احد الاتجاهات صنعه خلال الأربعينيات فنان روسي يدعى ألكسندر بمادة الإسمنت بواسطة قوالب جاهزة ، ولهذا سميت بساحة السباع ، يحيط بهذه الساحة سياج حديدي صنعه الحدادين انفسهم مما اعطاه بهجة وجمال التراث العراقي .
يحيط بهذه الساحة العشرات من محلات الحدادة تعلوها شقق سكنية قديمة غالبا" ما يسكنها العمال العاملين بهذه الساحة . اطلق على هذه الساحة بـ ( عاصمة الحدادين ) في بغداد ، ونعني بها ( ساحة السباع ) التي تتوسط شارع الشيخ عمر ، على جانبيها تقع محلات الحدادين وورش عملهم التي تزدحم بمختلف الادوات كالمطارق الثقيلة والخفيفة والكلابات والمقصات و( الجواكيج ) وما اليها من ادوات تستخدم في مهنة الحدادة اليدوية وصناعة الأبواب والشبابيك الحديدية وغيرها .
شهدت هذه الساحة في 14 نيسان / 1948 أنعقاد المؤتمر الطلابي الأول في تأريخ العراق  بحضور المئات من ممثلي الطلاب والطالبات واعضاء وممثلي لجان الثانويات والكليات والمعاهد العالية ، ومن كل محافظات البلاد، عربا وكورداً ، تركماناً ، من مسلمين سنة وشيعة، ومن مسيحيين وصابئة وايزيديين، وبحضور العديد من وجوه البلاد السياسية والثقافية والأجتماعية ، وبحماية سواعد العمال الأبطال من عمال وكسبة وفقراء منطقة الشيخ عمر الصناعية وليعلنوا عن تأسيس المنظمة الطلابية المجيدة ( الأتحاد العام لطلبة العراق ) وتغير الأسم بعد ثورة 14 تموز الى ( أتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ) ، التي صار اسمه راية نضالية وتحت هذا الأسم عملت أجيال متعاقبة من أبناء الشعب ودخلوا معترك النضال من اجل حقوق الطلبة والشباب. وافنى المئات شبابهم وهم يعملون تحت رايته في الدفاع عن حقوق الطلبة في التعليم الديمقراطي والحياة الكريمة وضمان الحق في حرية التعبير عن الرأي كما وقدم العشرات من الشهداء خلال مسيرته النضالية .
وصلت التوجيهات من الحزب والمنظمات الديمقراطية بظرورة المساهمة الفعالة لأحياء هذه المناسبة ، ورغم تباين وجهات النظر بين مؤيد ومعارض داخل التنظيم الحزبي والطلابي لهذه الفعالية واهميتها ومكان وتأريخ القيام بها فقد تم تبليغ كافة المنظمات الحزبية والطلابية بظرورة التواجد والأشتراك بهذا التجمع بفعالية ونشاط ظهر يوم 7 / تشرين الأول / 1969 .
العشرات من الشبان والشابات يتوجهون نحو الساحة قبل الموعد المقرر من الشوارع والأزقة المؤدية أليها حاملين لافتات قماش حمراء وأخرى كارتونية بيضاء كتبت عليها شعارات مختلفة تمجد ثورة اكتوبر ، بمرور الوقت بدأ عدد المحتفلين يزداد تدريجيا" والبسمة واضحة على الوجوه ، دقائق عن الموعد المحدد ويبدأ الأحتفال ، سيارة نجدة محملة بالشرطة تصل الساحة اعتقد الجميع انها دورية عادية للشرطة غرضها حماية المحتفلين كما يحدث في العالم المتمدن ، سيارة نجدة أخرى تصل الساحة وثالثة ورابعة حتى تجاوز عددها العشر سيارات ، سيارات مدنية تحمل رجال جهاز حنين التابع لحزب البعث والمتخصص بالقتل والأغتيالات بملابس مدنية لا يعرف عددهم بالضبط ، ولوحظ من بينهم المجرمين المعروفين جبار الكردي وسامي الوادي حيث كانوا المشرفين على العملية بتوجيهات قيادة حزب البعث وهم يعطون الأوامر لرجال الأمن بالأنتشار لأخذ المواقع حول الساحة ومن جميع الأتجاهات ، سيارات النجدة تتحرك يرافقها أعداد من رجال الأمن لغلق الأزقة المؤدية الى الساحة ، لم يتوقع أحد ان السلطة قد خططت مسبقا" لأرتكاب مجزرة تجاه تجمع سلمي لأحياء ذكرى ثورة اكتوبر ولا يمس حزب البعث والسلطة بشئ  . عن بعد ترى ماذا يدور في خلد هذه القوة الأمنية الكبيرة الغير عادية ، احس الجميع بالخطورة ، تم التشاور مع المنظمين على التجمع بضرورة الأنسحاب التدريجي وألغاء الأحتفال وتجنب الصدام والضحايا المتوقع سقوطهم  ، بعض المحتفلين ممن أحسوا بالخطورة تراجعوا للخلف وأتخذوا مواقع أكثر أمنا" بين المحلات ، أصحاب المحلات أغلقوا محلاتهم بعد ان تولد لديهم الأحساس بأن الهجوم قادم لا محالة ، أطفال بعمر الورود يتسلقون سياج الساحة الحديدي ويشاركون المحتفلين ولكنهم لا يدركون ماذا يجري وما هي مناسبة الأحتفال وما تعني ثورة اكتوبر .

ـ  رفاق لنعطي التوجيهات بألغاء التجمع ، الوضع والوقت ليس بصالحنا ، انهم يعدون العدة للهجوم .
ـ  لا يا رفاق لا يمكننا الأنسحاب الأن ان احتفالنا سلميا" ولا يمس السلطة بشئ سنواصل الأحتفال .
وهنا وفي هذه اللحظة بدأ التصفيق وتعالى الهتاف بثورة أكتوبر ، عاشت ثورة أكتوبر الأشتراكية العظمى ... وبدأ العشرات من المحتفلين المنتشرين في المنطقة يتوجهون للساحة وهم يرفعون الشعارات المختلفة وسط التصفيق الحاد ، دقائق حرجة بطيئة ، العيون متوجهة الى الغربان السود وماذا سيكون ردها ، شبان يرفعون شخصا" على أكتافهم وبدأ يلقي كلمة الأتحاد العام لنقابات العمال بالمناسبة ، لم تمر غير لحظات حتى انهمر الرصاص بكثافة من جميع الأتجاهات بدون سابق أنذار من رجال الآمن والشرطة ، الفزع والفوضى عم المحتفلين والساحة كلها ، المحتفلين يركضون بأتجاهات مختلفة وبشكل عشوائي ، العديد من المحتفلين يسقطون بين قتيل وجريح ، طفل لم يتجاوز العاشرة من العمر يسقط صريعا" برصاصة في الرأس بقي معلقا" على سياج الساحة الحديدي متدليا" نحو الأسفل ، رجال الأمن والشرطة التي اغلقت الأزقة المؤدية للساحة تلقي القيض على كل من وقع بأيديهم وهي تنهال عليهم بالضرب بأعقاب البنادق وتجبرهم على ركوب لوريات الشرطة ، بعضهم تجنب الوقوع بأيدي رجال الأمن فتوجهوا نحو الشقق السكنية المحيطة بالساحة التي فتحت أبوابها لمساعدة الناجين من الموت .
وجدت نفسي مع ثمان من الشبان محصورين في شقة واحدة متواضعة مطلة على الساحة ، لم يسبق لي ان ألتقيت بأحد منهم من قبل ، أحدهم ينزف من رأسه وقد تلوث قميصه الأبيض بالدماء ، اعتذرت من صاحبة البيت ( زهرة ) وهي شابة في الثلاثين من العمر بدخولنا البيت دون أذنها ورجوتها ان تسمح لنا بالبقاء فترة لغاية أنجلاء الوضع ، بادرتنا وهي تحمل طفلها ذو العامين من العمر على كتفها بقولها .
ـ لا تخافوا من هؤلاء القتلة انا معكم وانتم اخوتي ، لقد قتل البعثيون أخي في 8 شباط 1963 لكونه يحمل افكاركم فانتم اخوتي أيضا" سأدافع عنكم بكل ما استطيع  .
 نظرت الى جرح زميلنا ويبدوا انه من ناتج من رصاصة طائشة اصابت جبينه الأيسر واحدثت جرحا" بسيطا" ويحتاج الى مراجعة المستشفى ، لقد كتبت له الحياة بأعجوبة ، جلبت لنا قليل من القطن والكحول لتعقيم الجرح  والضغط عليه لوقف النزيف .
نظرت من خلف ستائر نافذة الشقة المطلة على الساحة لتبيان الأمر ، ثلاث سيارات أسعاف تنقل القتلى والجرحى ، بعض الجرحى نقل بسيارات النجدة لا نعرف من هم وما عددهم بالضبط ، رجال الأمن لا زالوا ينتشرون في كل مكان ويغلقون مداخل الساحة وآخرين يداهمون الشقق السكنية بحثا" عن الناجين من الموت . سارعت لأزالت قطرات الدم التي انتشرت على سلم الشقة .
دبت الفوضى وبدأ الأنفعال يظهر على هؤلاء الشباب ، وصل بهم الحال لأتخاذ خطوات متهورة  كونهم من الشباب المتحمسين ، بعضهم حاول الخروج من الدار معرضا" نفسه للأعتقال الفوري ، أخرين أخذوا يوجهون كلمات نابية للحزب وقيادته متسائلين ما فائدة هذا التجمع للحزب وهل يتناسب مع الشهداء والجرحى الذين سقطوا اليوم ، البعض منهم صعد  لسطح الشقة وهم يحاولون القفز الى البيوت المجاورة عبر السطوح خوفا" من مداهمة الشقة والأعتقال ولكنهم فشلوا لأستحالة ذلك . رجوتهم الهدوء والتصرف بعقل وعدم التهور ، عندها ساد الهدوء والتعقل ، المرأة الطيبة ( زهرة ) تجلب لنا شاي الدارسين وهي تؤكد للجميع ...
ـ  أخوتي بس أرتاحوا وما يصير الا خاطركم طيب وأخرجكم بسلام واحد واحد .
 واخذت تغادر الدار حاملة طفلها على كتفها وتستطلع الوضع وتعود ألينا بالأخبار ، لا زال رجال الأمن ينتشرون على كل الأرصفة بعد سحب القتلى والجرحى وسيارات النجدة . وفجأة سمعنا طرقا" شديدا" على باب الشقة وهم على وشك اقتحامها وهم يصرخون :
ـ  هل دخل شقتكم احدا" من الشيوعيين العملاء ؟؟  أذا رأينا أحدا" سنعتقلكم جميعا" .
 لزم الجميع الهدوء التام وكسرت  زهرة  السكون وهي تجيبه بسرعة .....
ـ  لا خوية محد دخل غريب عدنا تعال وشوف بنفسك .
وهم على وشك مداهمة الشقة لعب الحظ دوره هذه المرة لصالحنا حيث جاءت التعليمات من القيادة :
ـ  عباس أسحب القوة التابعة لك وتوجه بسرعة لمقر القيادة في السعدون وأتركوا بعض الأفراد للمتابعة .
ـ  نعم سيدي .
تنفسنا الصعداء قليلا" ومرت علينا ساعات بطيئة وثقيلة أنتظارا" لغروب الشمس لربما يتغير الوضع ، وأنا أنظر الى قرص الشمس من خلف الستائر وأهمس مع نفسي
ـ  أيتها الشمس سارعي في غروبك الى الجهة الأخرى من العالم ففي غروبك نجاتنا جميعا" هيا اسرعي .... ، الوضع في الساحة اصبح هادئ نسبيا" أضافة ما تحمله لنا زهرة من أخبار من خارج الدار ، الساعة تجاوزت الثامنة ليلا" ، بدأ الهدوء يعم المنطقة كلها الا من بعض رجال الأمن المنتشرين في الأزقة ، وهنا كسرت الأخت زهرة السكون قائلة ...بعد عودتها من الخارج :
ـ  أخوتي الوضع هادئ ولكن نحتاج الى ساعة ثانية حتى أطمأن عليكم وتخرجون بسلام .
 كان علينا اخراج الجريح أولا" مع أحدهم لغرض الذهاب الى المستشفى ، ناولته الأخت زهرة أحد قمصان زوجها لتغير قميصه المشبع بالدم الجاف ولف رأسه باليشماغ ولبس العقال ليغطي الجرح ، طلبت من زهرة شاكرا" ان تجلب لنا سيارة اجرة الى الباب بحجة مرض ابنها ، تم كل شئ على ما يرام ، بنفس الطريقة  تم خروج الأخرين في فترات متباعدة مختلفة حسب حركة رجال الأمن وتواجدهم قرب الشقة  وبحجج مختلفة ترافقهم زهرة الى خارج المنطقة الخطرة ، عادت زهرة وهي تبتسم وتقول وصلوا بسلام وتؤكد ان أحد رجال الأمن يقف امام عتبة الباب ويبدوا انه لا يود مغادرة مكانه وعليّ التريث قليلا" ، طال أنتظارنا والساعة تشير الى التاسعة والنصف ليلا" ، طلبت مني زهرة ان أغير ملابسي الى ملابس عربية تعود لزوحها للتنكر والخروج معها حاملا" طفلها على كتفي وحاملا" ( زمبيل ) المسواك الذي يحوي ملابس العادية ونتحدث كأننا عائلة ، رجل الأمن لا زال متوقفا" أمام الدار ونحن نمر من أمامه ونتحدث بهدوء وهو ينظر ألينا دون ان يتحدث بشئ ، كانت الأزقة هادئة نوعا" ألا من جولات لسيارة نجدة بين الحين والأخر ، وصلت الى شارع الكفاح بسلام غيرت ملابس وسط عتمة أحد الأزقة وبسرعة وشكرت الأخت الطيبة زهرة على ما فعلته من أجل انقاذنا جميعا" .
عدت للبيت وسط قلق الأهل وخوفهم على حياتي بعد ان سمعوا ما جرى في الساحة من جريمة ولتأخر عودتي الى البيت كالمعتاد . لم أبالي بقلقهم  ، تفكيري كله منصب على رفاقنا الشهداء والجرحى .
رفعت سماعة التلفون وأتصلت بسرعة بالرفاق وأنا في غاية الأنفعال لأستطلع الوضع ولمعرفة من هم القتلى والجرحى وأنا أصرخ :
ـ   أهذا هو الحزب الي تودون وضعه على المحك كما تقولون رفاق ألم تكتفوا بجرائمهم السابقة ؟  اخبروني كم قتيل وجريح لدينا ؟
ـ هدأ من روعك يا رفيق رجاء ... لحد الأن لدينا ثلاثة شهداء وعدد الجرحى تجاوز الثلاث عشر لحد الأن  والأرقام قابلة للتصاعد أضافة الى اثنان واربعون معتقلا" .
ـ أخبرني يا رفيق  بسرعة من هم الشهداء لا استطيع  الأنتظار ؟
ـ  هدأ من روعك يا رفيق أنهم الشهداء....  وليد الخالدي ، عبيد البدر ، أدور عبد النور .
ـ  ولكني رأيت طفلا" بريئا" لا يتجاوز العشر سنوات سقط شهيدا" أمام عيني هل عرفتم أسمه ، وهل تمت معرفة اسماء الجرحى ؟
ـ   لا يا رفيق لم تصلنا أية معلومات عن اسمائهم علمنا العدد فقط ولم نسمع عن مقتل الطفل .
ـ   أهذا الاحتفال وهذه المناسبة تستحق كل هؤلاء الشهداء والجرحى يا رفيق ومن المسؤول عن ذلك ؟؟
ـ   أنا معك رفيق سنتحدث في ذلك بالتفصيل لاحقا" ونقيم الحدث !!!
وبعد كل هذه السنين التي تجاوزت 36 عاما" لم يقيم الحدث !!! ولم نعرف من هو المسؤول ولم تعرف مع الأسف اسماء غالبية الجرحى  واسم الطفل الشهيد ولم يذكر عنه اي شئ من قبل كل من كتب عن الحادثة . أنها جزء من معاناة الطفولة العراقية البائسة !! .
بعد كل ما حصل وبعد كل هذه السنين فالجميع يحتاج الى وقفة جريئة لتقييم الحال والنقد الموضوعي للحدث وبالتالي من المسؤول ؟ ؟... من المسؤول ؟؟؟؟

بعد مرور عدة اشهر زرت مع بعض الأصدقاء بيت الأخت البطلة زهرة وألتقينا مع زوجها حاملين معنا رسالة شكر مع باقة من الورد من الحزب وبعض الهدايا لطفلها لما قدمته من مساعدة لرفاق الحزب .

الهوامش :
1 ـ زكي خيري / صدى السنين في كتابات شيوعي مخضرم
الموقف من انقلاب 17 / تموز /1968 / الفصل 87 ، صفحة 300 ، نشر مركز الحرف العربي  / طبعة 2 / 1996
2 ـ عزيز الحاج / شهادة للتاريخ / اوراق في السيرة الذاتية والسياسية / صفحة 301 ، مجزرة ساحة السباع ، مؤسسة الرافد ، باريس / نيسان 2002


كـــندا / تشرين الأول / 2007

21
النباتات الطبية
الجت غذاء للحيوان ودواء للانسان

فائز الحيدر

لقد عرف الإنسان الأعشاب والنباتات الطبية بالتجربة، واهتدى إلى علاج أمراضه بواسطتها عن طريق التجربة أيضاً واستخدمتها شعوب العالم قاطبة المتحضرة منها والبدائية.  فبالرغم من التطور الهائل في الطب والتكنولوجيا المتطورة في صناعة الأدوية كيميائياً لا يزال طب الأعشاب يحتفظ برصيد لا بأس به ، كما أن كثيراً من الناس ما زال يفضل التداوي بالأعشاب والنباتات الطبية . فطب الأعشاب هو طب الآباء والأجداد فقد عرفه الإنسان منذ أن وجد على الأرض باعتباره من الوسائل الأساسية للعلاج وقد مر بمراحل عديدة من التطور حتى وصل إلى ما هو عليه في يومنا هذا .
وعلى مر التأريخ كتب الكثير من الفلاسفة عن النباتات الطبية ووصفها والتعرف على فوائدها ومنهم : ثروفراسيتس ، الروماني ديوسقوريدس ، اليوناني جالينوس وابو الطب الأغريقي أبو قراط الذي يقول (( ليكن غذاؤك دواؤك ... وعالجوا كل مريض بنباتات أرضه فهي أجلب لشفائه )) ، كذلك الكيميائي العربي المشهور جابر بن حيان ، ابو بكر الرازي وكتابه المشهور ( المنصوري ) ، ابن سينا ، والأندلسي أبن البيطار ، وداود الأنطاكي ومن مدينة القيروان ابو جعفر أحمد بن الجزار وغيرهم .(1)
 لقد انتشرت المعالجة بالأعشاب والنباتات الطبية والمواد الطبيعية بشكلٍ كبير وعلى مستوى عالمي ولا سيما في دول أوربا وأمريكا وعرفت بالطب البديل ، وقد اهتمت دول العالم بهذهِ الطريقة العلاجية وبدأت تستفيد من خبرائها فأنشأت لها مؤسسات طبية تعمل بموازاة المؤسسات الصحية ، ففي أوربا تستعمل الأدوية العشبية والنباتية بشكلٍ كبير في الطب التقليدي ويجري إنتاجها بطريقة منظمة وعصرية وعلمية كما في أي مصنع للمستحضرات الصيدلانية . أما في الولايات المتحدة فتقدر الإحصائيات بأنها تصرف حوالي 13 مليار دولار في مجالات الطب البديل مع ملاحظة أن 80% من هذه المبالغ لا يتم تعويضها عن طريق شركات التأمين .
وبالرغم من أن هذه المهنة تنطوي على أسرار لا يمكن البوح بها لأقرب الناس فإننا سنكشف هنا سر استخلاصها والعمل بها حيث يؤتى بالأعشاب  اليابسة منها والرطبة وهي على أنواع وأشكال تتركز في المناطق الزراعية المفتوحة وكذلك في الأماكن الصحراوية وتوضع في غرفة جافة حتى تجف ثم تعزل الأوراق عن الأغصان ، أما الزيوت ولا سيما الطيارة منها فتستخلص عن طريق جهاز خاص وبمساعدة المذيبات كالإيثانول
 ، وبعض الأعشاب تستخلص بواسطة مكبس كالحبة السوداء.

إن طريقة العلاج بالطب الطبيعي هي طريقة خالية من الأعراض الجانبية ومن الآلام وقد قيل قديماً عن النبتة الطبية: ( إن لم تفدك فلن تضرك ) فهي لا تترك آثاراً سلبية على المريض ولا تصيبه بالأذى ، وإن العلاج بالأعشاب لا يعني الحصول على النتائج العلاجية الشافية لأن استجابة الجسد البشري تختلف من شخص إلى آخر ، وكذلك الحالة النفسية والمعنوية لتقبل العلاج أو رفضهِ بالإضافة إلى طريقة التنظيم الغذائي كل هذه العوامل تساهم في العلاج وشفاء المريض . ويمكن استشارة العشاب بشأن مجموعة من الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والربو والتهاب المفاصل والروماتزم والأمراض الجلدية ويتبع العشابون طرقاً شبه طبية حيث يصفون أدوية عشبية لتخفيف حدة الأعراض ويقومون بتركيب وصفات من الزيوت أو المساحيق أو الصبغات أو الأعشاب المجففة لمعالجة الأمراض .
 الجـت Alfalfa                                           
      الأسم العلمي            Medicago Sativa
      أسم العائلة النباتية Papilionacae           
الجت من المحاصيل البقولية العلفية الخضراء ذا أهمية كبيرة في العديد من الدول الأوربية والولايات المتحدة . من المعتقد ان منشأه في وسط آسيا وانتقلت زراعته الى اليونان من ايران عام 490 قبل الميلاد ثم انتشر الى ايطاليا والدول الأوربية الأخرى ثم دخل الى امريكا الوسطى والجنوبية عن طريق المستكشفين الأسبان تم دخل بعد ذلك الولايات المتحدة بحوالي عام 1851 عندما انتقل الى ولاية كاليفورنيا من جمهورية تشيلي حيث بدأت زراعته كمحصول علف اخضر مستقل منذ ذلك الحين ، وأول المعلومات التي حصل عليها المستكشفون عن هذا النبات هو ما وجد مكتوبا" في احد كتب الامبراطورية الصينية ويعود تأريخه الى 2939 قبل الميلاد ، كما واطلق عليه العرب في قديم الزمان ( أبو الغذاء ) وذلك باطعام خيولهم بالجت لكي تحصل على الطاقة وتجري سريعا" .
الوصف النباتي :  الجت نبات عشبي معمر   ينتمي الى العائلة البقولية ويعود الى الجنس Medicago     
ويصل ارتفاعه من 50 ـ 100 سم ويتفرع الساق من اسفل الى عدة فروع تتراوح من 5 ـ 20 فرعا" وتحتوي على اوراق كثيرة ويمكن للجت ان يبقى في الأرض من 5 ـ 8 سنوات وهذا متوقف على خصوبة الأرض والظروف المناسبة للنمو .
أما الجذر فهو وتدي يتعمق بالأرض الى حوالي 8 ـ 10 متر خاصة في السنوات الأخيـرة من النمو . أما الأوراق فهي مركبة ثلاثية ذات عنق مرتبة على الساق بالتبادل والأذينات كبيرة مغلفة لقاعدة العنق والوريقة مسننة في الثلث العلوي وازهاره صغيرة ذات لون بنفسجي خلاف الحندقوق ذا الأزهار الصفراء والخط الأحمر الذي يتوسط الوريقات وكذلك الحلبة ، وتشكل الأوراق 48 % من وزن النبات . أما الثمرة فهي قرن حازوني صغير يحتوي في المعتاد على 1 ـ 8 بذرة كلوية الشكل ذات لون أصفر مخضر. (2)

بعد هذه المقدمة القصيرة ... هل تعرف عزيزي القارئ ان للجت فوائد طبية كثيرة للأنسان أيضا"  ... لا تضحك أرجوك فهذه هي الحقيقة والواقع ..... !!!!!
لو كان بالأمكان الجلوس مع الأبقار والدجاج لشرب فنجان من القهوة والدردشة معا" لسمعنا الكثير عن فوائد الجت بالنسبة لهم ، فأضافة الى غزارة أنتاج الحليب بالنسبة الى الأبقار فأن تناوله من قبل الدجاج يعطي بيضا" أكثر يحتوي على قيمة غذائية عالية . (3)
الجت غني بالفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية والأنزيمات الهظمية والسبب يعود الى التركيب الجذري الذي يصل عمقه الى 125 قدم تقريبا" ، وعلينا ان نعرف ان هذا النبات البسيط يحتوي على الفيتامينات التالية
A , B1, B6 , B12 , C , D , E , K , P   وكثير من الحوامض مثل : Niacin , Pantothenic , Biotin , Folic Acid ,   وأملاح الكالسيوم ، والفسفور ، البوتاسيوم ، المغنسيوم ، الحديد ، الزنك ، النحاس ، أضافة ان للجت الكثير من الفوائد الطبية وفي مقدمتها تخفيف آلام الروماتزم ، ألتهاب المفاصل ، مشاكل القلب ، المساعدة على تخفيف آلام فترة سن اليأس Menopausal ، فترة الرضاعة ، امراض تسوس الأسنان وعلاج فقدان الشهية والهضم .
الروماتزم وألتهاب المفاصل
ان اسبابها يعود الى زيادة الأحماض في الجسم التي تستقر في المفاصل مسببة الألتهابات ، ان استعمال الجت وحده يكون دون جدوى ما لم يتم التخفيف او الأستغناء عن السكر ، ملج الطعام ، الطحين الأبيض ، والكافائين ، والكحول ، ان أضافة الجت الى النظام الغذائي اليومي يقلل من الألتهابات ويحول الجسم الى حالة قلوية تقف أمام ترسبات الحوامض .
يمكن تناول الجت على شكل حبوب او على شكل شاي وتحتاج الى 9 ـ 18 حبة كل يوم للحصول على الفوائد  اما اذا كنت تفضل شرب الشاي فان كوب الى كوبين في اليوم ( ملعقة شاي واحدة من العشب الجاف الى 8 أونس من الماء المغلي ) يعتبر كافيا" عموما" صباحا" وبعد الظهر . ومن الطبيعي يفضل استشارة الطبيب للموافقة على نظام التغذية الذي تود السير عليه .
مشاكل القلب
هناك تأكيد علمي على ان حبوب الجت تساعد على تنظيم ضغط الدم وتقلل الكولسترول بنسبة 25 % حيث تساعد هذه الحبوب على تقوية الشرايين الدموية وخلايا الدم في الجسم التي بدورها تقوي القلب .يوصى بأستعمال 3 ـ 4 حبات يوميا" أوكوب واحد من الشاي .... تذكر دائما" نظام الرجيم ( الدايت )  وأستشارة الطبيب .
مقاومة الأمراض
ان عشب الجت غني بالفيتامينات والمعادن وتقاوم امراض البرد والأنفلونزا .... حاول تناول كوب الى كوبين من الشاي يوميا"ستلاحظ الفرق في الوضع الصحي .
فترة سن اليأس Menopausal
الجت عشب غني بالفيتامينات النباتية التي تتحول الى هرمونات بشرية في الجسم ، ان تناول كوب من شاي الجت خلال فترة سن اليأس  Menopausal ولمدة أسبوعين كل شهر ولمدة ثلاثة الى اربع شهور تساعد على تغذية المبايض وغدة الأدرنال  adrenal Gland وتساعد الغدة النخامية Pituitary Gland
تسوس الأسنان
كل المختصين بالأعشاب يشعرون ان تناول 2 ـ 3 حبة من حبوب الجت يوميا" يساعد على منع التسوس وخاصة للأشخاص قليلي الأهتمام بأسنانهم وهذا لا يعطي الحق بعدم تفريش الأسنان .
خلال فترة العمل
ان تناول اقراص الجت المثلجة خلال فترات العمل المرهقة يخفف من التوتر ، كما ان تناول كوب شاي يوميا" يساعد الأمهات في فترة الرضاعة على افراز زيادة في الحليب وخاصة اذا تم تناوله في كل صباح او قبل الرضاعة او بعد الظهر ، وعادة ما يضاف مواد عطرية او ليمون الى الشاي لتقليل مذاق الأعشاب .
ملاحظة
ـ  ان لكل دواء بعض المحاذير وتأثيرات جانبية لذا يجب استشارة الطبيب دائما" .
ـ  لا تتناول بذور الجت لأنها تعطي حوامض أمينية سامة تسمى Canavanine  التي تسبب خللا" في النظام الدموي يسمى  Pancytoopenia الذي يسبب تثبت الصفائح التي تساعد الجسم على مقاومة الألتهابات .
ـ  هذا الموضوع لا يعني اخذ مكان الطبيب والميل الى الأبتعاد عن الأدوية الكيمياوية .
ـ  النساء الحوامل والأمهات المرضعات يجب عليهن استشارة الطبيب قبل استعمال علاج الأعشاب .
الحندقوق
هناك تشابه كبير بين الجت والحندقوق خاصة لغير الزراعيين ، فالحندقوق نبات عشبى محول من الفصيله الفراشيه يبلغ ارتفاعه المتر ، ساقه منتصبه متفرعة  واوراقه ثلاثيه الوريقات  , الوسطى معنقه ، وازهاره صفراء ، وثمره الحندقوق قرن قصير بنى اللون الفاتح ،  مجعد ،  متدل ، وجذر وتدى قوى .
وتحتوى ثمار الحندقوق على مركبات كومارين خاصه ، غلوكيسيدات . راتنج ، فيتامين C وهرمون جراحى يساعد على ألتئام الجروح .
ومن خصائص الحندقوق اذا شرب مغليا" فانه مضاد للتشنج ومهدأ للجهاز العصبى ويصبح منوم اذا زادت الجرعه ويعتبر مطهر بولى ممتاز ومدرر للبول ومضاد لتخثر الدم وملين كما انه مضاد لامراض العين ومخفض للضغط المرتفع .
الهوامش ــــ :
1 ـ النباتات الطبية عبر التأريخ ، الهادي معتوق
2 ـ إنتاج المحاصيل ، ج2 ، د. علي علي الخشن ، د . أحمد أنور عبد الباري ، دار المعارف / 1980
3 ـ مجلة صحتك الكندية ، العدد في / 30 / نيسان / 1996 


كـــندا / آب 2000

22
 
شجـرة الزيتـون
رمز السـلام والحياة والخصوبة

فائز الحيدر

شجرة الزيتون ( Olea Tree) من الأشجار المعمرة التابعة للفصيلة الزيتونية ( Family :Oleaceae) وهي شجرة دائمة الخضرة ومعمرة يصل إرتفاعها أحيانا" إلى 15 متراً ، أوراقها بسيطة معنقه سهمية متقابلة ذات لون أخضر داكن ( زيتوني ) ، وعادة تزهر الشجرة ثم تثمر بعد أربع الى خمس  سنوات وتستمر في إعطاء ثمارها أكثر من ألف عام ، وثمرة الزيتون من الثمار الغضة وتكون الثمرة في البداية خضراء داكنة ثم تتحول إلى سمراء بعد نضجها . تحتاج شجرة الزيتون إلى مناخ معتدل فى فصل الشتاء وجاف فى الصيف ، وإلى كمية كبيرة من الأمطار في فصلي الخريف والربيع ، وهي ظروف مناخية لا تتوفر إلا فى محيط البحر المتوسط لذلك فهذه المنطقة تعتبر من أكثر المناطق ملائمة لنموها . يعيش أشجار الزيتون حياة طويلة، حيث يُعتقد بأن متوسط حياتها قد تمتد من 300 إلى 600 سنة، أو حتى أكثر من ذلك. تُقّدر أعداد أشجار الزيتون الموجودة اليوم فوق سطح الأرض بحوالي 800 مليون شجرة ، تنتمي إلى 400 صنف مختلف من أشجار الزيتون المزروعة في أنحاء العالم .
 البيئة والموطن الاصلي
يقّر العلماء والباحثين بأن شجر الزيتون قد استوطن في البداية أراضي سوريا الكبرى قبل ستة آلاف سنة تقريباً  ويعتبر حوض البحر الأبيض المتوسط هو موطنها الأصلي ألا ان بعض المصادر التأريخية تعتبر أن الظهور الأول لشجرة الزيتون كان في سوريا وبالذات  في مدينة أيبلا التأريخية القديمة ، حيث نشأت مملكة أيبلا عند ضواحي مدينة حلب السورية . والتي سيطرت في أوج عظمتها ( 2600-2240 قبل الميلاد ) على كلٍ من شمال سوريا ولبنان وأجزاء من بلاد ما بين الرافدين الشمالية . وقد وُجد العديد من الوثائق في أرشيف مدينة أيبلا القديمة يعود تاريخها لعام 2400 قبل الميلاد وتصف الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون والتي تعود ملكيتها للملك والملكة ، وقد اثبت ان حضارة إبيلا أول من عرفت زيت الزيتون ، وقدمت السائل الذهبي لآلهتها .
و أعتبر سكان حوض المتوسط شجرة الزيتون شجرة مقدسة لآلاف السنين . قدّمت شجرة الزيتون عبر التاريخ بعض الخدمات للعديد من الديانات والثقافات ، وهي تعتبر رمزاً للسلام والحياة والخصوبة .
وفي وقت لاحق  نسب المصريون القدماء الفضل بتعلم الإنسان لزراعة الزيتون والحكمة للآلهة إيزيس .

وقد عُثر على عبوات تحتوي على زيت الزيتون بين القبور المصرية خلال العمليات الحديثة للكشف عن الحفريات الأثرية لهذه القبور.. أما في اليونان القديمة فقد استخدم الرياضيون الأوائل زيت الزيتون لتدليك أجسامهم . أول شعلة أولمبية كانت في الأصل عبارةً عن غصن زيتون مشتعل .
و كان الرومان أول من  نشر زراعة هذه الشجـرة في كل شبه الجزيـرة الإبيرية ، وقد أخذ الأسبان معهم هذه الشجرة أثناء اكتشافهم لأمريكا في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين . ويوجد في اسبانيا حالياً اكثر من 215 مليون شجرة ، و تتبوأ إسبانيا المركز الأول في العالم في إنتاج وتصدير زيت الزيتون . واعتباراً من القرن الحادي عشر قبل الميلاد أي في عام 1030 دخل الزيتون إلى أسبانيا، ولأول مرة بواسطة الفينيقيين وعبر البحر آنذاك ،  وأنتقلت زراعة الزيتون في القرن السادس قبل الميلاد إلى شواطئ متوسطية عديدة عبر الشواطئ الليبية و التونسية و ساهم الرومان في نشرها في حوض المتوسط و أعتبروها سلاحاً في أيديهم كعامل استقرار للسكان ، أما العرب المسلمون فقد كان لهم دوراً هاماً في نشر و تطوير هذه الزراعة حيث نقلوا أصنافاً عديدة من الزيتون إلى ضفاف المتوسط الأوربية و خاصةً إلى أسبانيا حتى أن كلمات الزيت و الزيتون في اللغة الأسبانية مأخوذة عن العربية في تلك الفترة .
انتقلت بعد ذلك زراعة الزيتون إلى أمريكا مع المكتشفين الإسبان ، و ابتداءً من عام 1560 بدأت بالظهور في أمريكا الجنوبية .
شجرة الزيتون في الديانات السماوية
لقد ذكرت قصة الطوفان والذي يعرف بطوفان نوح في كل الكتب السماوية ( الأسلامية  ، المسيحية ،  اليهودية  ، والصابئية المندائية )  ، ان المياه قد غمرت الأرض قاطبة وبعد هدوء الفيضان أرسل النبي نوح الطيور ليفتشوا عن مكان ظهور اليابسة فكانت الطيور تغادر السفينة عدة مرات وتعود دون جدوى وفي النهاية أتت الحمامة وهي تحمل بفمها غصن زيتون مبشرة بالسلام  رمزا" لأنتهاء غضب الله عن الأرض فعلم ان الطوفان قد انتهى وإن بأستطاعته أن يعود بسفينته الى الأرض . وتعتبر شجرة الزيتون أ ول شجرة نبتت في الدنيا، وأول شجرة نبتت بعد الطوفان، ونبتت في منازل الأنبياء والأرض المقدسة ، ودعا لها سبعون نبياً بالبركة منهم النبي إبراهيم والنبي محمد ( ص ) حيث قال : ( اللهم بارك في الزيت والزيتون ) .
 ومنذ ذلك الوقت أعتبرغصن الزيتون شعار من شعارات السلام والأمان ومازالت الشعوب تتناقل هذا الرمز جيلاً بعد جيل حتى جعلته الأمم المتحدة شعارها .‏ أما اليونانيون فجعلوها رمزا" للقوة والعظمة والحكوة والنصر .
قدسية شجرة الزيتون في الديانة الاسلامية
شجرة الزيتون شجرة مباركة ورد ذكرها في القرآن الكريم في مواضع كثيرة منها التين والزيتون فقد عرف الناس شجرة الزيتون منذ أقدم العصور فقدسها الأقدمون وتباركوا بزيتها في طقوسهم الدينية وأستوقدوا عيدانها وأكلوا ثمرها ، وقد أشار كلٌ من القرآن الكريم والحديث الشريف إلى قيمة زيت الزيتون عدة مرات . ففي أحد الأحاديث ، رُوي بأن النبي محمد( ص )  قال بأن في زيت الزيتون علاجاً لـ 70 علة .
وقد ورد الزيتون في القرآن الكريم : { التين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الأنسان في احسن تقويم } .
وفي مكان آخر : { انا صببنا الماء صبا" ، ثم شققنا الأرض شقا ، فأنبتنا فيها حبا ،  وعنبا" وقصبا" وزيتونا" ونخلا  }. لذلك قال الرسول محمد ( ص ) (  كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة  ) .
والزيت المذكور هنا هو زيت الزيتون فقد جاء في لسان العرب لابن منظور أن الزيت : عصارة الزيتون .
   وغالبا" ما يطلق العرب والمسلمون على شجرة الزيتون بالشجرة المباركة أو شجرة النور ،  حيث ذكرت في أكثر من سورة في القرآن الكريم ، ومنها سورة سورة النور .
 ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري ، يوقد من شجرة    مباركة زيتونه لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، نور على نور )  .
ولا عجب أن يقسم بها الفلاحون أحيانا"على هذا الشكل ( وحياة شجرة النور ) لأعتقادهم أن الشجرة مقدسة     ومباركة ، وان كل إنسان يقطع إياه منها سيعاقبه الله ولن ينعم بأي سلام بعد ذلك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيتها (  كلوا من الزيت وادهنوا به فانه شفاء من سبعين داء منها الجذام  ) .
ويعتقد المسلمون بأنه في ليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان ، تفتح أبواب السماوات ، والشخص المحظوظ يمكن أن يرى من خلالها ، وفي هذه الليلة تنحني شجرة الزيتون كما الأشجار الأخرى إجلالاً حتى لا تنظر إلى وجه الله . ويقول الباحث المربي د. شكري عراف في انتقائه لغذاء النبي محمد فيقول كان النبي ( يغمس قطعة الخبز بالخل وزيت الزيتون ويأكل ) .
ولقد سماها النبي محمد ( ص ) بالشجرة المباركة لما فيها ما نفع الناس من نبتها وخشبها وورقها وثمرها ودهنها وهو الزيت وأوصى بشجرة الزيتون حيث روى عمر بن الخطاب ( ائتدموا بالزيت وأدهنوا به فانه من شجرة مباركة ) ، وروى الترمذي ( كلوا الزيت وأدهنوا به ) . ومما تقدم يمكن القول إن شجرة الزيتون حظيت بمكانة مرموقة في القرآن الكريم حيث أمد لنا أنها من نعم الله على العباد في الدنيا لما لها من منافع كثيرة وأستخدامات عديدة في المجالات الطبية وأنها الصديق الحميم للأنسان وطبيبه الملازم له  .
  قدسية شجرة الزيتون في الديانة المندائية
شجرة الزيتون شجرة مقدسة في الديانة الصابئية المندائية التي تعتبر من أقدم الديانات التوحيدية والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم وفي سور الحج والمائدة والبقرة ، ومن طقوسهم اثناء التعميد والزواج  يلف غصن الزيتون قمة الدرفش وهو الرمز الديني للصابئة المندائيين رمزا" للمحبة والسلام والتعبد لله ، ولا ننسى ان هيكل الدرفش المتعامد الذي يلف عليه الوشاح هو مصنوع من اغصان شجرة الزيتون . وتؤكد الكتب الدينية المندائية انه عند نزول الملاك جبرائيل ( هيبل زيوا ) الى عالم الظلام كان غذاءه الروحي هو التمر والسمسم والزيتون .
ويمر المرشح لنيل الدرجة الاولى من سلم رجال الدين في الديانة الصابئية المندائية ، بجملة من الأختبارات الدينية و الطقوس التي تستمر لمدة اسبوع واحد يلبس خلالها المرشح مع استاذه المشرف ، الملابس الدينية البيضاء الخاصة.. يتبعها فترة اعتكاف للصلاة والتأمل والدراسة لمدة ستون يوما" من العزلة التامة ، حينها يستلم هداياه واسلحته الكهنوتية وهي (( خاتم الحياة وهو من الذهب الخالص ويجب ان يرتديه مادام حيا" في خنصر يده الايمن ، وعصا الكهنوت أو رجل الدين المستعملة من قبله في اثناء اداءه الطقوس الدينية هي من أغصان الزيتون لصلابتها وعمرها الطويل وامكانية التحكم بشكلها المطلوب ، والتاج الذي يحاك من الحرير الخالص ، وباقة من اغصان شجرة الاس التي ترمز لخلود عطر الحياة الطيب ))  بعدها يصبح المرشح برتبة ترميذا .
  قدسية شجرة الزيتون في الديانة اليهودية
كان زيت الزيتون يستعمل  في مراسيم تتويج ملوك اليهود القدماء ، وقد أمر أبناء إسرائيل بإحضار زيت زيتون مرصوص (  إلى خيمة الاجتماع  السرج دائماً )  كذلك عندما مسح صموئيل كأول ملك على إسرائيل كان الزيت يملا القارورة .
كذلك تستعمل أغصـان شجرو الزيتون  للزينة فاستعملها المسيحيون لتزيين شموع أطفالهم في أحد الشعانين .
وأستعملت شجرة الزيتون وزيتها في تفسير الأحلام فعند تفسيرهم لحلم شخص رأى في منامه أن يزرع شجرة زيتون أو يقطفها أو يستعمل زيت الزيتون وما إلى ذلك ، وتفسير الحلم يعني انه ينتظر ضوء أمل  وفرج أكيد .
 وفي استعراض كتاب تأريخ القدس / الجزء الأول الذي يتحدث عن العهد القديم فانه يؤكد عندما جاءوا اليهود إليها أي الى القدس كان في البلاد أنواع عديدة من الفواكه والثمار ذكر بها التين والزيتون والخوخ والعنب والرمان . وتشير البحوث الى ان اليهود أستعملوا  أغصان الزيتون لبناء العرش في عيد المظلة . أما أغصان الزيتون اللينة فتصنع منها سلال حتى يومنا هذا في العيد من القرى العربية . أما أوراق شجر الزيتون فاستعملت كغذاء للحيوانات  واليابسة منها للتدفئة والكتابة .
  قدسية شجرة الزيتون في الديانة المسيحية
  يكرر الإنجيل ذكر زيت الزيتون في 140 موضعاً ، وجعل المسيحيين شجرة الزيتون رمزاً للدين والآلام لأن السيد المسيح عيسى تألم على جبل الزيتون ، وأخيراً جعلت رمزاً للصحة والطعام اللذيذ ، ولم تهمل الكتب المقدسة الأخرى ومنها الإنجيل شجرة الزيتون وفضلها ، بل أشارت بذكرها في مواضع كثيرة فيها تعبير بديع يشبه الزيت بروح الله وذلك في مثل العشر عذاري الحكيمات والجاهلات ، واعتبر الزيتون البري في الإنجيل وأعمال الرسل دلالة عن الرجل الوثني ، أما الزيتون المزروع فدلالة عن المسيح عيسى عليه السلام الذي اكد استعمال زيت الزيتون في شفاء المرض في رسالة يعقوب الرسول بقوله (  أمريض أحد منكم ، فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب )  . وورد في إنجيل مرقص ما يشعر بذلك (  واخرجوا شياطين كثيرة ، ودهنوا بزيت مرض كثيرون تشفوهم ) .
كما ويقوم المسيحيون يمسح أطفالهم بزيت الزيتون اثناء عمادهم ، كما استقبل سكان القدس المسيح عيسى  بأغصانها يوم دخل المدينة قبل موعد صلبه بأسبوع ، وما زال الأطفال حتى يومنا هذا يحملون مجموعه من نفس الأغصان ، يزينوها بالورود والبيض والبالونات في مثل هذه الذكرى ( أحد الشعانين ). ولكون شجرة الزيتون مباركه ومقدسه فأن أمهاتنا يبخرن بأوراقها أولادهن وحيواناتهن عند الشك بإصابتهم بالحسد والعين الشريرة .وللمسيحين اعتقاد عن شجرة الزيتون ففي عيد الصليب المقدس في 13 أيلول وفي عيد الغطاس في 6 كانون الثاني فإن شجرة الزيتون تنحني احتراماً لوجه الله .

شجرة الزيتون في التراث العربي
 
 قال ابن منظور في كتابه لسان العرب والشجرة المباركة هي شجرة الزيتون  .
 وقال ابن سينا في كتابه ( القانون في الطب )  الزيتون شجرة عظيمة توجد في بعض البلاد وقد يعتصر من الزيتون الفج الزيت ، وقد يعتصر من الزيتون المدرك ، وزيت الإنفاق هو الزيت المعتصر من الفج ، والزيت قد يكون من الزيتون البستاني وقد يكون من الزيتون البري .
جاء في كتاب الطب النبوي لابن قيم الجوزية : الزيت حار رطب في الأول , وغلط من قال يابس .
وجميع أصنافه ملينة للبشرة , وتبطيء الشيب . وماء الزيتون المالح يمنع من تنفط حرق النار , وبشد اللثة , وورقه ينفع من الحمرة والقروح الوسخة والشرى , ويمنع العرق , ومنافعه أضعاف ما ذكره
ذكر إمام الحافظ محمد بن أحمد الذهبي في كتابه ( الطب النبوي ) عن الزيتون : 
زيت الزيتون هو المعتصر من الزيتون الفج وهو بارد يابس .. والمتخذ من الزيتون المدرك حار باعتدال مائل الى الرطوبة , وكلما عتق قويت حرارته , والادهان به يقوي الشعر والأعضاء , ويبطيء الشيب , وشربه ينفع السموم ويطلق البطن , ويسكن وجعها , ويخرج الدود , ومنافعه جمة , وجميع الادهان تضعف المعدة إلا الزيت .
وجاء في كتاب ( حديقة الأزهار والعقار ) لأبي القاسم بن محمد بن إبراهيم العسالي : أن شجرة الزيتون من جنس الشجر العظام المعمر , وهو نوعان :
بستاني , وبري , فالبستاني يعظم كثيراً وثمره أعظم من ثمر البري الزبوج ويعتصر من الزيتون الفج يقال له زيت الانفاق
قال الشاعر داود المعلا .....
يا شجرة الزيتون ما اقتربت                من صدرك العاري سكاكيني
الا لارسم فيك ما عجزت                   عنـه رسـومات الملاييـن
وهناك اغنية شعبية تقول كلماتها:
على دلعونا على دلعونا          فلاح بلادي زارع زيتونا
فلاح بلادي تسلملي ايدو           ويا ربي الهادي من عندك زيدو
نازل ع الوادي والمعول بيدو       ينكش زرعاتو ينال اللي يريدو
وأغنية أخرى :
يا شجرة الزيتون               يا زينة الاشجار
يا امـــنا الحنون                يا بهجة الانظار
فيك لنا طعــام                 في الزيت والثمر
ومنك كم جنينا                ما ينفع البشر
يا شجرة الزيتون              يا راية السلام
الله حقاً فيك                 قد بارك الانام

لقد ذكرت شجرة الزيتون في التراث الفلسطيني فقيل في الزيتون وزيته :
كل زيت بتناطح الحيط ، القمح والزيت سبعين بالبيت ،  الزيت نور على نور ، اللي عنده زيت بعمر البيت .
وقد تغنى الفلسطيني بالزيتون قائلاً ...
على دلعونا على دلـعونا        بي.. الغربة الوطن حنونا
بالله إن متت يامّا اقبروني       بأرض بلدنا بفيّ الزيتونا
 للزيتون منافع كثيرة منها يسرج الزيت ، وهو إدام ودهان ، ودباغ ووقود يوقد بحطبه وتفله ، وليس في شيء إلا فيه منفعة ، حتى الرماد يغسل به الإبريسم .
  قال داوود : الزيتون من الأشجار الجلية القدر، العظيمة النفع، تغرس من تشرين (أكتوبر) إلى كانون (ديسمبر،  فتبقى أربع سنين ثم يثمر فيدوم ألف عام .
قال الدكتور صبري القباني في كتابه الغذاء لا الدواء " لقد عرف الإنسان شجرة الزيتون منذ أقدم العصور فاستغلها خير استغلال إذا ائتدم بثمرها واستضاء بزيتها واستوقد وجزل حطبها.
قال الدوس هكسلي في كتابه شجرة الزيتون " لو كنت استطيع الرسم ، وكان لدي الوقت الكافي لقضيت عدة سنوات وأنا أرسم لوحات تصور شجرة الزيتون ، فكم هناك من أشكال مختلفة لشجرة واحدة ؟ هي شجرة الزيتون . وهناك قصة كسرى والفلاح الشيخ الذي غرس زيتونا ، وقصة التينة الكئيبة على رحيل النبي محمد ( ص ) ، حين قالت للزيتونة بنوع من التحدي : ما بك لا تحدّين على رحيل ابننا الكريم ! فقالت الزيتونة : ( الحداد ليس بسقوط الورق، لكن قلبي من جوّا احترق...)  وغير ذلك الكثير من الحكايات الشعبية الرائدة .
يقول الفلاح : زيتونتي اطيب عروس ، ما بتتثمن بالفلوس ، تحميني من الفقر والبؤس ، ومن شر يوم عبوس ، الزيتون مصيبي لقاطو بشيب بس زيتو طيب.
الفوائد الطبية لزيت الزيتون
تتركب ثمار الزيتون من:
الماء 86% ، البروتين 5% ، الدهون 20% ، المواد سكرية 9% ،  ثمار الزيتون مغذية ومهضمة تفتح
الشهية وتقوي المعدة وتساعد على الهضم وتمنع الإمساك وتفيد في مكافحة الرواسب والحصى الصفراوية ونوى الثمار «البذر» كان الطب الشعبي يصفه
  بخوراً ودواءً للربو والسعال .‏


يعد زيت الزيتون من أغنى الزيوت النباتية من حيث القيمة الغذائية فهو يعطي قيمة حرارية عالية في غذاء الإنسان ( 1 غرام منه يعطي 224 سعرة حرارية  ) ويشمل زيت الزيتون على فيتامين  A , D ,E ) الذوابة في الدهون وعلى حوامض عضوية غير مشبعة ومفيدة للإنسان ويتألف الزيت من الغلسرين وحامض الزيت وهو لا يذوب في الماء لأنه أخف منه ويتحول الزيت الى صابون كيميائياً بمزجه بمادة قلوية وقد ثبت أن زيت الزيتون لا يزيد من كمية كولسترول الدم وهو يقاوم الشيخوخة ويحمي الأمعاء والمعدة وينشط افرازات الحرارة ويقلل من أخطار تكوين الحصى وعموماً فإن زيت الزيتون سهل خفيف يحافظ على جمال ونضارة الجسم وقد وجد أنه يخفض نسبة السكر بالدم ويستخدم لتغذية فروة الرأس وذلك عن طريق تدليك الجذور .

ثمار الزيتون من الثمار الغنية بالزيت ، وكما هو معلوم فإن الزيت يتكون من الأحماض الدهنية ( Fatty    Acids)  والجليسرول  ( Glycerol ) وزيت الزيتون يحتوي على بروتينات ، مواد سكرية  ، بوتاسيوم ، كالسيوم ، مغنسيوم ، فوسفور ، حديد ، نحاس ، ألياف ، كاروتين .
وترجع القيمة الغذائية والطبية العالية لزيت الزيتون لاحتوائه على نسبة عالية من الأحماض الدهنية غير المشبعة الأحادية والتي تصل إلى 83% من زيت الزيتون وهي تفوق نسبتها في الزيتون الأخرى بكثير.
كما يحتوي زيت الزيتون على نسب عالية من الفيتامينات وخاصة فيتامين E.B والكاروتين .
الأهمية الاقتصادية لشجرة الزيتون
لشجرة الزيتون أهمية خاصة عند العرب والمسلمين منها خشب شجرة الزيتون من الأخشاب الممتازة ذات اللون لبني العسلي غني بالمواد الحافظة التي تمنع تلفه وتسوسه وإصابته بالحشرات أو الأرض( النمل الأبيض ) والذي يعتبر من ألد أعداء المواد الخشبية .. ويستخدم خشبها في صناعة أفخر أنواع الأثاث الخشبي ، يستخدم تفل النوى ( المتبقي بعد عصر الزيت ) في علف الدواب، وتسميد الأرض ، ووقود وفي تطيين الجدران  .تستعمل أوراق شجرة الزيتون في معالجة أمراض الأسنان واللثة عند مضغها خضراء . تعطي شجرة الزيتون حوالي 60 كيلوجرام من الزيتون المستخدم في التخليل والتغذية وينتج منه زيت الزيتون  .شجرة الزيتون تعمر أكثر من 5 آلاف سنة، ولا تحتاج إلى مجهود كبير في الرعاية فهي حقاً شجرة مباركة  .فهل بعد ذلك لا نأكل زيت الزيتون ولا نَّدهن به ونعتني بشجرة الزيتون تلك الشجرة المباركةّ!!!!


كـــندا / 1 / آب / 2007
الهوامش ــــــ
1 ـ مجلة    Week to optimum healt للمؤلف أندرياويل
2 ـ دراسة نشرت في مجلة (Archives of Internal Medicine ) في عدد أغسطس 1998
      3 ـ كتاب Heart Owner Handbook ) الذي أصدره معهد تكساس لأمراض القلب
      4 ـ بحث نشر في شهر ديسمبر عام 1999 في مجلة AmJclin Nutr
     5 ـ بحث قام به الدكتور ألدو فرارا في جامعة نابولي الإيطالية ونشر في مجلة
 Archives of Internal Medicine           بتاريخ 27 مارس 2000
   6 ـ كتاب إعجاز النبات في القرآن الكريم الدكتور نظمي أبو العطا أستاذ النبات في الجامعات المصرية 

23
     
  يا من ضحيتم من أجل الشعب والوطن
             ستبقون في الذاكرة والوجدان           
      الشهيد البطل هيثم ناصر الحيدر  ( عايد )
             ومعركة سـينا وشيخ خدر
[/b]



فائزعبد الرزاق الحيدر


عندما يطالب المندائيون بظمان حقوقهم المدنية والقانونية والدينية في الدستور العراقي القادم هو مطلب نابع ليس لكونهم عراقيين ومن سكان العراق الأصليين فحسب وأنما ما قام به أبناء هذه الطائفة وأسلافهم منذ آلاف السنين من المشاركة الفعالة في بناء حضارة هذا الوطن في كل جوانبه أضافة الى ما قدموه من قوافل الشهداء الذين روت دمائهم أرض الوطن سواء في نضالات شعبنا طيلة عقود عديدة أو خلال الحروب المتعاقبة أو نتيجة الأضطهاد السياسي أسوة ببقية قطاعات الشعب العراقي .
وهنا نتحدث عن شهيد مندائي آخر روت دمائه أرض الوطن من خلال ألتحاقه بفصائل الأنصار الشيوعيين المقاتله ضد أعتى نظام دكتاتوري عرفه التأريخ .
أنه الشهيد البطل هيثم ناصر الحيدر ( عايد ) .

عندما ألتحقت بفصائل الأنصار في قاطع بهدنان / مكتب الأعلام  كان لدي أمل أن تسمح لنا الظروف أن نلتقي مع بعض بعد فراق سنوات طويلة ولكن مع الأسف لم يتحقق أملي هذا ولسبب بسيط هو أنه استشهد ببطولة قبل وصولي كردستان حيث كان من الأوائل الذين ألتحقوا بفصائل الأنصار بعد الهجمة الشرسة من قبل النظام الدكتاتوري لتصفية الحزب الشيوعي العراقي ، ولكني سمعت الكثير من رفاقه أنه كان بطلا" وأستشهد ببطولة
 .
والأن دعوني أحدثكم عن حياة هذا البطل الشاب الذي أستشهد عن عمر لا يتجاوز 28 عاما" .
 
ولد الشهيد هيثم في11 / 11 / 1954 في بغداد من عائلة مندائية يكن لها الجميع الحب والأحترام ،  وتوفي والده ولم يتجاوز عمره الثلاث سنوات وترعرع في أحضان أخواته وأخوته الأكبر سنا" ، أنهى دراسته الأبتدائية في مدرسة الشواكة في بغداد وكان من الطلبة المتفوقين فيها ، ثم أكمل دراسته المتوسطة في متوسطة الدورة للبنين .
 كان عمره ستة عشر سنة عندما سافر الى هنكاريا لزيارة أخيه وعندها قرر عدم العودة للوطن والبحث عن عمل مناسب وكانت فرصته الوحيدة هي العمل على ظهر باخرة يونانية لنقل النفط . وطيلة سنتين كاملة كان يتنقل بين دول العالم ، وبحكم عمله أختلط وتعرف على شعوب كثيرة وأحس بمعاناة وآلام هذه الشعوب من فقر وجوع وأضطهاد سياسي وأستغلال ، لهذا نذر حياته لمساعدة الناس البسطاء والكادحين . ونظرا" لصغر سنه لبى رجاء عائلته بالعودة الى الوطن وكان عمره ثمانية عشر سنة .

كان هيثم شابا" مرحا" ، ذو طلعة بهية ، صاحب نكتة وبديهية سريعة ، حازما" عند الشدائد  ، صبورا" ، مؤمنا" بقضية الشعب والوطن  ، في زياراته المتباعدة ألينا يحول البيت الى ساحة من المرح والفكاهة وينسينا همومنا وما أكثرها في ذلك الوقت  .
 أستدعي عام 1972 للخدمة العسكرية الألزامية والتي قضاها في كردستان وأبي غريب وكانت من أصعب الأيام في حباته .
كان مندفعا" في خدمة الحزب والناس البسطاء من جماهير الحزب ، ففي الساعة الثانية عشر ليلا" من يوم فصل شتاء قارص وقد وصل توا" للبيت في أحدى أجازاته من الخدمة العسكرية سمع أعلان في التلفاز يطلب من المواطنين التبرع بالدم لأنقاذ حياة أحد الأطفال الراقدين في مستشفى مدينة الطب والمحتاج الى صنف معين من الدم ولما علم أن صنف الدم مطابقا" لصنف دمه أسرع الى المستشفى بسيارة أجرة وسط أعتراض عائلته وليقوم بهذا الواجب الأنساني وعاد الى البيت فخورا" بسيارة أجرة متحملا" تكاليفها المكلفة بالنسبة لراتبه كجندي مكلف .
بعد أكماله الخدمة العسكرية عمل في شركة فرنسية وحتى عام 1978 حيث أنهت الشركة عملها في العراق فكان مثال للعامل المخلص حيث ربطته علاقات وثيقة مع بقية عمال الشركة  وفي تلك الأيام العصيبة والأرهاب التي يمر بها العراق حصل على عضوية الحزب الشيوعي العراقي مما أثر على حياته كثيرا" فأصبح أكثر ألتزامنا" وأهتماما" بعائلته وأقاربه . كان شديد التأثر بشباب عائلته ذو الأفكار الوطنية حيث أستشهد بعضهم ومنهم أولاد عمه ستار خضيرالحيدر  ونافع عبد الرزاق الحيدر  وأبن عمته سمير جبار وآخرين سكنوا السجون .

وعند تسلم الطاغية صدام حسين السلطة عام 1979 وبدأ بتنفيذ خطة تصفية الحزب الشيوعي العراقي ، كرس الشهيد هيثم ( عايد ) حياته وأمكانياته لمساعدة رفاقه اللذين آثروا البقاء في الوطن وأتخذ بعضهم من داره ملجئا" لهم حيث يسكن مع والدته المريضة ، وأستفاد من أخواته اللواتي يترددن على البيت لتهيئة الطعام وتدبير شؤون البيت وكان حريصا" على سلامة الرفاق في بيته وبدأ يتحرك بحذر ويحس بالمسؤولية الكبيرة التي تحملها .

كانت آخر من تردد على بيته بعض قادة الحزب ومنهم الشهيدة البطلة عايدة ياسين عضوة اللجنة المركزية للحزب حيث قضت عدة أشهر هناك  ، وفي صباح أحد الأيام :
ـ   رفيق هيثم لديّ مهمة حزبية خاصة عليّ أنجازها ولساعات وسأعود قبل الظهر وأذا لم         
     أعد يرجى أخبار الحزب بذلك .
ـ   الوضع خطر للغاية يا رفيقة وأنت تدركين ذلك ويمكنك الأعتماد عليّ بأي مهمة تكلفيني
     بها ولكن أرجوك لا تجازفي بحياتك .
ـ   لا أستطيع رفيقي العزيز فالأمر في غاية الأهمية .
ـ   هل أستطيع مرافقتك ولو عن بُعد فسأكون قلقا" عليك لغاية عودتك .
ـ   لا حاجة لهذا القلق أشكر لكم حرصكم عليّ ولكني سأعود  ..... مع السلامة .
    ومرت الساعات ثقيلة وعيون هيثم لا تفارق ساعته ، وجاءت الظهيرة ولم تعد !! وأخذ
 يصرخ بأعلى صوته .... أعتقد أنها النهاية لقد كنت متوقعا" ولدي أحساس بذلك .
جلس هيثم الى جوار التلفون يتابع آخر الأخبار يتصل بالحزب والعائلة والجميع يعطي نفس الجواب ، لا يا رفيق لم نشاهدها اليوم .  حتى تأكد له أنها وقعت في يد القتلة .
 ومرت الأيام الحزينة حيث كانت بالنسبة له الأم والأخت والرفيقة ، فجمع حاجاتها الشخصية وأرسلها الى أختها في حي العامرية وأخبرهم بالأمر وأبدى أستعداده لأي مساعدة .

بعد أعتقال الشهيدة عايدة ياسين قرر أن يغادر العراق الى جهة مجهولة ولم ينسى أن يوص والدته وأخواته بأن يبقى البيت جاهزا" لأستقبال أي رفيق يحتاجه ورغم سفره  ، كما أخبر الحزب أن بيته يعتبر أحد البيوت الحزبية وإن والدته وأخواته مستعدون لتقديم أية مساعدة للحزب عند الحاجة  .

غاب عن الأهل شهرا" وعاد مرة أخرى ولكن قرر هذه المرة أن يذهب الى بيروت وهناك دخل دورة عسكرية للتدريب على السلاح في أحد معسكرات منظمة التحرير الفلسطينية  وألتحق بعدها بفصائل الأنصار الشيوعيين في كردستان رافضا" ذهابه الى أحدى الدول الأشتراكية لأكمال دراسته وأتخذ من  ( عايد ) أسما" له تيمنا" بالشهيدة عايدة ياسين حيث أقسم بأن يأخذ بثأرها وكافة الشهداء  .
 يتحدث عنه أحد رفاقه الأنصار :
نسب عايد في بداية وصوله ألى كردستان ألى قاعدة الأنصار في بهدنان / مكتب الأعلام وهناك عرف نفسه لرفاقه في المكتب  ......  عايد 
ـ  أهلا" بالرفيق العزيز عايد .. تعال للداخل لتشرب معنا قدحا" من الشاي فنحن في الأعلام   
    محظوظين بما لدينا من شاي وسكر .
ـ  شكرا" لكم رفاق فأنا من هواة شرب الشاي .. هه .. هه ..  هه  ..
ـ  ولكن لماذا عايد .... ؟  فقد صارت هذه المفردات مثيرة للتشائم منذ أستخدمها الأخوة
    الفلسطينيون ! 
ـ  لأنه لدي من الثقة بعوتي الى بغداد مما يجعلني أتفائل ليس وحدي فحسب بل ما يكفي
    لأستبدال تشاؤمك أنت بالتفائل وأنت ترى بأن غيبتي عن الوطن قصيرة .
ـ  لعلك حديث العهد ببغداد   ؟
ـ  نعم لقد تركتها قريبا" .
ـ  أذن أنت من رجال العمل السري في الداخل ، حدثني أرجوك   ؟
ـ  أطلق ضحكته المميزة وعقب ، كيف أحدثك عن ذلك وأنت تقول أنه العمل السري ؟
خجلت من هفوتي وبررت ذلك بالحاجة لسماع أخبار الحزب الجديدة . كان صوته قويا" كالأيمان وهو ما يجترحه الفتية البواسل من مآثر تجعل شجرة الحزب خضراء رغم ما يتدشق به البعث الفاشي من أنه أقتلع الشجرة من الجذور . ومرت أيام حافلة ... تعلمت من الفتى عايد بأن العراق ليس وطنا" كغيره بل هو أرض تشابكت فيه عروق المرايا الجميلة ، النجوم البريئة ، زهور خبأت عطرها بأفراح الصبايا ، أحلام الفراشات ، زرقة الماء ، خضرة النخل وقطرات عرق على جبين متعب ، جراح الضحايا ، عباءة أمي وبكائها في الفرح ونحيبها في الحزن ، عروق وعروق تشابكت لتنبت الحزب الذي أنجب هيثم ناصر الحيدر ، لا أدري لم تذكرت قصة القاسم في تراثنا الشعبي وأنا أراه يحمل بندقيته ويلتحق بالمفرزة الأنصارية القتالية ، لقد كان عريسا" يزف لحبيبة طال عليه أنتظارها .

ألح على مكتب القاطع من أجل أعفاءه من العمل في مكتب الأعلام وألحاقه بمفرزة قتالية لكي يثأر من الجرائم التي أرتكبت بحق الشعب والوطن على يد البعث الفاشي ، ونسب الى مفرزة سرية دشت الموصل .
لقد كتب المناضل الثوري تشي جيفارا في الصفحات الأخيرة من مذكراته قبل ألقاء القبض عليه وعلى رفاقه بعد أن ألتقى مع أمرأة طاعنة في السن ترعى الحيوانات في الغابة بأنه على يقين بأن هذه المرأة سوف تخبر الأعداء على مكان تواجدهم بمجرد أعطائها قطعة من النقود لأنها لا تعرف بأننا نقاتل من أجل سعادتها وقد أيقن تشي جيفارا بأن الوقت لم ينضج لبدء بؤرة ثورية جديدة .
وهذا ما حدث عندما لجئت مفرزة سرية دشت الموصل الى مدرسة قرية ( سينا وشيخ خدر )
لقضاء ليلتها هناك بعد جولة شاقة في المنطقة أستمرت عدة ايام . قريتا سينا وشيخ خدر ، قريتان متجاورتان يفصل بينهما وادي سهلي واحد وتبدوا للناظر لأول وهلة أنهما قرية واحدة  تقع المدرسة في وسط الطريق بين القريتين ، ويحاذي المدرسة من الخلف سفح جبل دهوك المعروف بوعورته حيث يستغرق تسلقه والذهاب الى مدينة دهوك في الجانب الأخر منه ثلاث الى أربع ساعات سيرا" على الأقدام .

 بوشاية من أبن المختار وهو أحد عملاء النظام أستطاع فوج من قوات المغاوير ضرب طوق محكم على القرية ليلا" وكذلك الجانب الوعر من الطريق الجبلي لقطع طريق الأنسحاب على الأنصار ،  كما وضعت عدة كمائن داخل القريتين وعلى طول الوادي السهلي الفاصل بينهما

كانت المفرزة تظم أكثر من خمسين نصير ونصيرة فضلوا قضاء ليلتهم داخل المدرسة  بعدة جولة في المنطقة أستمرت أيام عديدة ومنهم  :
الشهيد النصير عايد  ، الشهيد النصير حكمت ( رافد أسحق ) وهو من مواليد 1959  ، من سكنة بغداد الجديدة / حي الغدير ، طالب مثابر في الصف الثاني في كلية الهندسة / بغداد ، ترك دراسته ولبى نداء الحزب وألتحق بصفوف الأنصار الشيوعيين في بداية الثمانينات ، شاب ذكي ، منظم جيد ، هادئ الطبع ، محبوب من كل رفاقه ، شجاع  ، ذو نكران ذات ، ربطته مع الشهيد عايد علاقات صداقة حميمة لتشابه كثير من الصفات بينهما . النصيرة عشتار ، حيث ذهب زوجها في مهمة للداخل ، النصيرة أم أمجد زوجة المستشار السياسي للسرية ، النصيرة أم عصام زوجة آمر المفرزة الشهيد أبو نصير ، النصيرة دروك ، النصير الشهيد أبو رؤوف  ، النصير ياسين اليزيدي ، النصير هشام ، النصيرأبو ظاهر ، النصيرأبو لينا السالك ، النصير وسام الأشقر ، النصير وميض ، النصير أبو علي النجار ، النصير الشهيد أبو رستم ، النصيرأبو مناف ، النصيرأبو شريف ، النصيرأبو حاتم ، النصير سعيد ، النصيرأبو سلام ،  النصيرالشهيد أبو هلال سواري ، النصيرالشهيد ناظم ، النصير أبو أنس ، النصير الشهيد عادل بهديني ، النصيرأبو فاتن ، النصيرأبو كفاح ، والنصيرالشهيد الدكتور عادل ، النصيرالشيخ ، النصيرين كمال وجمال أخوة النصير الشهيد أبو ماجد ، النصير الشهيد فكرت ، النصير أبو سلام بعشيقة  ، النصيرأبو سلام باعذرة ، النصيرصباح كنجي ، النصير خليل أبو شوارب وغيرهم . أما النصيرين أبو فؤاد وأبو داود فقد قضوا ليلتهم في أحد بيوت القرية . 
بدأت المعركة في ساعات الصباح المبكرة من يوم 19 / 2 / 1982 عندما أرسلت قوة المغاوير مفرزة صغيرة لمعرفة أماكن تواجد الأنصار، وهنا واجههم الأنصار الحرس وهم الأنصار أبو عليوي الأشقر وأبو حياة وتم تبادل أطلاق النار الكثيف بين الطرفين ومن الجانب الأخر بدأت قوات المغاوير الأخرى بأطلاق النار الكثيف                   
على المدرسة لمعرفة رد فعل الأنصار وعددهم وأماكن تحصنهم وبنفس الوقت تبين للأنصار أيضا" مواقع القوات الحكومية وبذلك أستعد الأنصار لمعركة حاسمة قد تحدد مصيرهم . توجه الأنصار عايد وحكمت وأبو رستم وأبو علي النجار الى الجهة المواجهة لقرية سينا وتوجه الأنصار أبو حاتم وآخرين نحو الجهة المواجهة لقرية شيخ خدر وتم تبادل أطلاق النار بين الطرفين بكثافة ثم خف تدريجيا" وأدرك الطرفين أماكن ضعف وقوة الطرف الأخر ، بدأ النصيران عايد وحكمت  ويحمل كل منهما قاذفة RBG بالتقدم نحو بداية القرية وأطلق كل منهما قذيفة بأتجاه مفرزة قوات المغاوير المتقدمة نحو القرية مما أدى ألى أكتشاف موقعهم فأمطروهم برصاص كثيف وأصيب النصير حكمت أصابة بليغة في البطن ، وتوجه لنجدته رفيقه وصديقه الحميم النصير عايد لينقله الى مكان آمن وأخذ يبحث في القرية عن بغل ليحمله لطريق الأنسحاب ونجح في مسعاه وليخرج به من القرية التي أطبق عليها القتلة ، وبدأ مع الأنصار الأخرين أبو رستم وأبو علي النجار بالأنسحاب حسب الخطة التي أتفق عليها ولكن مع الأسف وقعوا في كمين للعدو :
ـ  قف من أنتم  ؟
ـ  أنا الرفيق أبو رستم ورفاق آخرين ومعنا الرفيق الجريح حكمت .
ـ  أرموا سلاحكم يا أولاد الق ....  وتقدموا ألينا   .
    عندها أدرك الرفاق أنهم وقعوا في كمين محكم . كان الأنصار أبو رستم وأبو علي النجار في المقدمة ويسير خلفهم النصير عايد وهو يقود البغل الذي يحمل النصير الجريح حكمت . أتخذ النصيران الوضع القتالي وأنبطحا أرضا" وباشروا بأطلاق النارعلى الكمين ولم يتمكن الرفيق عايد من أتـخاذ الوضع القتالي سريعا" محاولا" السيطرة على البغل الهائج وسط تبادل أطلاق النار بشكل كثيف فأصيب كل من عايد وحكمت برصاصات قاتلة وأستشهدا في الحال  حاول أبو رستم وأبو علي النجار سحبهما من ساحة المعركة دون جدوى بسبب كثافة النيران وتقدم القوات الحكومية نحو القرية .
في نفس الوقت وجد الرفاق أبو فؤاد وأبو داود اللذان قضيا ليلتهم في القرية أن هناك شق في الأرض على شكل أخدود مناسب للأنسحاب من القريتين يمر داخل القرية ويؤدي الى خارجها  وتجنبا" لمزيد من الضحايا أعطيت الأوامر وبلغ النصير أبو حاتم لأبلاغ كافة الأنصار بالأنسحاب عن طريق هذا الأخدود الى قرية الصالحية نحو جبل ألقوش . 

كان يوما" حزينا" لكل أفراد المفرزة أختلطت فيه مشاعر الألم والتحدي ، عاد الأنصار الى القرية مساء" بعد أنسحاب القوات الحكومية لغرض سحب جثتي النصيرين عايد وحكمت وتبين لهم ان القوات الحكومية قد أخذت الشهيدين معها الى دهوك وعلقوا على أعمدة أمام بناية المحافظة لأثارة الرعب في سكان مدينة دهوك وأخيرا" تم دفنهم من قبل المواطنين الشرفاء في دهوك في مقبرة ( شاخكة ) .

وفي حفل تكريم الشهداء في مقر الأنصار في وادي كوماته ذكرمسؤول المقر الرفيق توما توماس ( أبو جوزيف ) عضو اللجنة المركزية للحزب أن بطولة النصيرالشهيد عايد وتحليه بهذه الروحية الجهادية العالية والنادرة هي من صفات أبطال الحزب فهد وسلام عادل وسوف لا تنسى عبر الزمن .

     نطمأنك يا عزيزنا عايد بأن في العراق فتية بواسل ما زالوا يرعون شجرة الحزب .
                             المجد والخلود لكل شهداء الوطن 
ملاحظة :
*   الصورة أعلاه  تمثل بعض من رفاق مفرزة دشت الموصل وهم من اليسار : أبو لينا السالك ، أبو        ظاهر ،  وميض ، د . جمال ،  وعادل بهديني .

**  النصير فكرت أستشهد في معركة أثناء تصديه ورفاقه لغزوا القوات التركية للأراضي العراقية أما الشهداء الأخرين  والتي وردت أسمائهم سقطوا في معارك أخرى .

***  أستشهد الرفيق النصير أبو فؤاد مع الشهيد النصير أبو رزكار في القصف الكيمياوي لقاطع بهدنان في 5 حزيران عام 1987 وأصيب أكثر من 150 رفيق ورفيقة بأصابات مختلفة


كندا / أونتاريو / لندن

صفحات: [1]