عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - تحسين المنذري

صفحات: [1]
1
ملاحظات على تقرير إجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي (4 ــ7 حزيران 2020)
تحسين المنذري
أصدرت اللجنة المركزية قبل أيام تقريرا عن إجتماعها المنعقد للفترة من ( 4 الى 7) حزيران ، ويتضمن التقرير بشكل تفصيلي ومطول أراء نهائية للجنة المركزية في قضايا كثيرة عراقية وخارجية ، إلا إني سأتوقف عند بعض النقاط في مناقشتي هذه،وهي تلك التي أعتقدها خصبة أكثر من غيرها للمناقشة وتبادل الاراء .
* طول مدة الاجتماع: حيث إستغرق أربعة ايام في حين إن التقرير نفسه يشير الى  (تأكيد التحليلات والاستنتاجات التي كانت اللجنة المركزية قد توصلت اليها في اجتماعاتها السابقة، بشأن ما يعانيه بلدنا من أزمة شاملة بنيوية تطال جوانب عديدة،) فإن كانت التحليلات والاستنتاجات نفسها ما سبب طول وقت الاجتماع؟ حيث إن الوقت يطول إذا ماكانت هناك مسائل ونقاط خلافية حادة يجري بحثها بإستضافة للوصول الى قناعات مشتركة أو وسطية .علما إنه الاجتماع الاول الذي يستغرق هذا الوقت منذ2003
* يتوسع التقرير في توصيفات القوى السياسية المتنفذة والاصرار على نهج المحاصصة المقيت وغير ذلك من النعوت التي باتت معروفة للقاصي والداني ثم ينتقل الى إستنتاج (وقد ادى هذا كله وغيره الى الاستعصاء السياسي والاحتقان الاجتماعي، وتعمق حالة الفرز الاجتماعي والطبقي في المجتمع، واتساع الهوة بين الغنى المفرط والفقر المدقع ... الخ ) وبهذا فإن التقرير كمن يضع الموشور مقلوبا على رأسه وليس قاعدته! فالاجدر كان أن يبدأ التقرير بتحليل الوضع الطبقي للمتنفذين في الحكم ومآلاتهم  وماهي الشرائح الطبقية التي تصنفهم( مثل برجوازية بيروقراطية أو كومبارودورية أو عقارية  أو بقايا إقطاع ... الخ) كي تكون التوصيفات أكثر دقة والاستنتاجات أكثر واقعية بناءا على مصالح تلك الشرائح وطموحاتها.
* وردت عبارة كأنها تتحدث عن ظاهرة بسيطة او طارئة ممكن تجاوزها بنصيجة أو بتنبيه وهي ( أدى استمراء العديد من القوى السياسية الاستعانة بالعامل الخارجي، إلى فسح المجال لتدخلات إقليمية ودولية في الشأن العراقي الداخلي) أو في الاقل جاء توصيفا محايدا لهذه الظاهرة الخطيرة في الوضع العراقي ، ففي مثل هذه الحالة أي الولاء للخارج فهناك إما توصيف طبقي وهو كومبرودارية الشريحة التي تستمرئ العلاقة مع الخارج أو هي عمالة وخيانة للجهة التي تقوم بذلك وربما يجتمع التوصيفين ( كومبرادورية وعمالة ) وهنا لابد من وقفة فاضحة وإدانة علنية فالتدخلات تلك أدت ومازالت الى التدهور المريع في كثير من جوانب الحياة العراقية سواءا على الصعيد الاقتصادي او الاجتماعي ـ الخدمي والامني  بل وحتى سياسيا ، لذلك كان الاجدر إيلاء إهتمام أكبر لهذا الجانب في التقرير ووضع الصورة بإطارها الصحيح مع الاشارة المباشرة في الاقل للدول التي تدخلت بالشأن العراقي عن هذا الطريق.
* الموقف من الحكومة المؤقتة : في إستعراض غير مهم للصعوبات والمهمات التي تواجه الحكومة المؤقتة يخلص التقرير الى أن الحزب سيدعم كل الايجابيات التي تقدم عليها وينتقد كل ماهو سلبي ! وهذا الموقف ليس بجديد ولا هو إمتياز تنفرد به الحكومة المؤقتة، فهو الموقف الازلي منذ عام 2003 ومع كل الحكومات التي مرت، وللاسف فإن هذا الموقف هو من أخطر الدرنات التي أصابت سياسة الحزب في هذه الفترة، فالجماهير التي تقف مع الحزب اليوم في موقف مناهض للسلطة سوف تصاب بالصدمة في يوم آخر نتيجة لموقف تأييد من الحزب للسلطة نفسها وبالتالي فإن تلك الجماهير ستفقد ثقتها بالحزب ولن تساير مواقفه اللاحقة حتى وإن كانت منسجمة مع رغبات وتطلعات تلك الجماهير. إن الاجدر والادق والذي يفترض أن يتخذه الحزب من الحكومات المتعاقبة هو موقف المعارضة المستند الى تحليل طبقي لطبيعة السلطة ومن هي الطبقات التي تشكل رافعا إجتماعيا لها ومن المستفيد الاكبر في الاخر من تلك السياسات المتبعة حتى وإن إستفادت شرائح المجتمع المسحوقة من بعض تلك القرارات او السياسات المتبعة، فحين قال ماركس (إن التاريخ يبدأ مع عصر الاشتراكية) كان يعني أيضا رفضه لكل مخرجات الانظمة الرأسمالية وهو على يقين بما تقدمه شرائح البرجوازية المتعددة من منجزات علمية تخدم في الاخر عموم البشرية لكنه كان متأكدا أيضا إن كل تلك المنجزات تقدم الخدمة الاكبر للطبقات المالكة ولسلطتها السياسية وبالتالي فإنه أشار الى ضرورة أن تناهض أحزاب الطبقة العاملة وعموم الشغيلة كل ما يصدر عن تلك الانظمة، وفي تأريخنا العراقي ما يغنينا ثراءا ففي زمن الحكم الملكي قدم النظام منجزات عمرانية وحضارية متعددة لكن مع ذلك كان الحزب الشيوعي معارضا دائما له وعمل بجد لاسقاطه ونجح، ذلك إنه كان يعلم إن كل منجزات ذاك النظام قُدمت بالاساس لخدمة روافعه الاجتماعية ولديمومته في حكم البلد، واليوم فإن قيادة الحزب أحوج ماتكون للاستفادة من هذا الارث النضالي ومراجعة مواقفها من السلطات بالاستناد الى التحليل الطبقي الماركسي .
* الحركات الاحتجاجية: يستعرض التقرير بشكل تفصيلي طبيعة الحركات الاحتجاجية والعوامل التي أدت الى إندلاعها وما ترتب فيها من تغيرات وغير ذلك مما أوفى الموضوع حقه لكن ترد عبارة في التقرير عن هذه الحركات تقول :( إن حزبنا يؤكد مجدداً انحيازه التام الى الانتفاضة السلمية ومطالبها العادلة، داعما لها ومشاركا فيها ومدافعا عنها بوجه كل من يحاول الإساءة اليها،)
ورغم إن هذه العبارة تبدو للوهلة الاولى طبيعية ومنطقية إلا إنها تخفي في طياتها إعترافا من قيادة الحزب بالتخلي عن الدور الريادي الذي أضطلع به لمثل هكذا حراكات إجتماعية ووقوفه خلفها وليس قائدا لها !! وهذه حقيقة تستدعي من قيادة الحزب وهيئاته الاختصاصية أن تبدأ عملية مراجعة فكرية أولا ومتابعة يومية لكل مايجري من مستجدات سياسية وإنسلاخات طبقية صعودا أو هبوطا وما يترتب عن كل ذاك من إرهاصات مجتمعية تستدعي الشيوعيين ليكونوا المشخصين الاوائل لحاجات الجماهير وكيفية صياغة شعاراتها وطرق المطالبة لتحقيقها ، فهذا ما درج عليه الحزب منذ تأسيسه فلابد من العودة لتلك الحقب ودراستها بإستفاضة مع ظروفها التي رافقتها وكيفية الاستفادة منها في الوضع الحالي .
* تحالف سائرون : لعل الاعلان عن إنتهاء العلاقة بتحالف سائرون إحدى أهم ما تضمنه هذا التقرير وهو بنفس الوقت موقف جرئ وواضح تعلنه قيادة الحزب من شأنه أن يقطع دابر الاقاويل التي لا تغني عن جوع ، ومن الايجابيات أيضا إن قيادة الحزب باتت تؤمن بما طرحه معارضو التحالف في حينها فقد ورد في التقرير: (بينت التجربة ان هناك قضايا معينة يمكن التنسيق والتعاون بشأنها، من دون دفع ذلك الى اطر تحالفية، لانها تحتاج الى مقاربات أخرى لها علاقة بمنهج الأداء السياسي وطبيعة الأطراف ونمط ادارتها، ولا يكفي في هذا الشأن تشابه المنحدر الاجتماعي لطبيعة جمهور القوى المتحالفة.) . لكن من الضروري التوقف مليا في هذه التجربة ، فالتحالف لم يكن حدثا عابرا في حياة الحزب الداخلية ولا على صعيد سياسته المعلنة ، فقد أحدث التحالف بما يشبه الهزة الارضية في عموم وضع الحزب مما يستدعي مراجعة شاملة لكل الظروف التي أدت الى الانزلاق لهذا التحالف بدءا بالمرتكزات الفكرية التي يقرها برنامج الحزب بعد ان صارت الماركسية واحدا من المصادر وليس لوحدها منهجا وصولا الى إضافة الفكر الاسلامي كأحد المصادر الفكرية للحزب كما أقره المؤتمر الثامن ، وأيضا مراجعة تطبيق المبادئ الديمقراطية في حياة الحزب الداخلية بدءا مما جرى في قيادة الحزب نفسها حيث ظهر تأثير أكبر وربما تفرد بالقرار لبعض من اعضاء القيادة على حساب رفاق آخرين لا يقلون عن غيرهم في التاريخ والتجربة والمكانة، إن لم يكن خزينهم أغنى، فلماذا وكيف حدث ذلك؟ وأيضا ضرورة أن تراجع قيادة الحزب وضع الرفاق المعترضين على سائرون بما عانوه نتيجة ذلك من تهميش وإقصاء وعقوبات غير مبررة بالمرة ، فالعودة الى جادة الصواب أيضا مكلفة كالخطأ الذي دفع للخروج عنها ولابد من مواجهة كل ذاك بروح شيوعية أصيلة تعتمد النقد والنقد الذاتي طريقا لتصحيح ما وقع .





2
قراءة في بيان لقاء القوى المدنية الديمقراطية
تحسين المنذري
صدر في الامس السبت 28/7/2018 بيان عن لقاء ممثلي القوى المدنية الديمقراطية وممثلي منظمات المجتمع المدني، وأول مبعث للامل في هذا البيان هو حضور ممثلي حزبين ممن تحالفوا مع "سائرون" قبيل الانتخابات التنشريعية مما شكل حينها إنتكاسة للمشروع المدني المنشود، ورغم إن اللقاء لم يؤشر الى عودة العمل وفق سياق تحالف "تقدم" إلا إنه بجميع الاحوال يعد مبادرة إيجابية في هذا الاتجاه، بدون البحث عن دوافع واسباب عودة الحزبين المذكورين لهذا اللقاء وعدم الاكتفاء بالبقاء في تحالف "سائرون".وإذ حمل البيان عنوان "هبة تموز" في محاولة لقصر طبيعة اللقاء بالحدث الاهم حاليا وهو الحراك الاجتماعي ـ ألاحتجاجي، إلا إنه في بعض فقراته خرج عن الوضع الحالي مؤشرا لعدة نقاط مهمة في سبيل تصحيح مسار الوضع الاجتماعي والسياسي في آن واحد، ومع تباين التوجهات الفكرية لكل طرف من اطراف الحضور الا إن المشتركات كانت كبيرة وكثيرة مما يدلل على ضرورة تعميق مثل هذه اللقاءات سيما وإن المجتمعين عموما من قوى لا تمت للاسلام السياسي بصلة لا فكرا ولا توجها وتلك من المزايا المطلوبة اليوم لعزل القوى الدينية وحلفائها المشاركين في إنحدار الوضع المجتمعي من جميع الجوانب والعمل على تعرية ممارسات تلك القوى وتوجهاتها الفكرية والسياسية، ورغم هذا البريق الايجابي الذي حمله البيان فهناك بعض الملاحظات التي تستدعي تسجيلها في سبيل الارتقاء بمجمل العمل الاحتجاجي من حهة وبتطوير المشروع المدني بعيدا عن قوى سياسية تدعي التنوير والانفتاح :ـ
* ربط البيان بشكل صحيح بين إنعدام الخدمات والنهج الخاطئ الذي سارت عليه العملية السياسية ، وأدان إستخدام العنف في مواجهة المحتجين دون التمعن بإيجاد حلول عملية سريعة للازمة الاجتماعية المتجذرة اليوم، وتلك مما يحسب للمجتمعين إلا إنهم لم يؤشروا لاي شعار أو هدف يتجاوز مطاليب المتظاهرين ويعطيهم دورا رياديا في قيادة حركة الاحتجاجات المتسعة ، فالقوى السياسية الرافضة لنهج السلطة عليها أن تأخذ زمام المبادرة في قيادة وتوجيه الاحتجاجات وذلك عن طريق طرح شعارات واهداف وطرق تحرك صحيحة  وكي تضمن عدم تمكن السلطات من الالتفاف على مطالب المحتجين او السماح لشخوص وقوى تحاول الاستفادة الشخصية من الوضع المتفجر الحالي .
* أدان البيان بشكل صريح وواضح نهج المحاصصة المقيت لكنه لم يدين القوى التي تتبع هذا النهج وهذا برأيي موقف لا يرتقي الى ضرورة تبني نهج المعارضة الدائمة للقوى السياسية المحاصصية والمتسببة بكل هذا الخراب
* طالب البيان بعدم إعتماد نهج المحاصصة في تشكيل الحكومة القادمة دون التطرق الى المحاصصة في توزيع مناصب الرئاسات والتي على ضوئها يتم توزيع بقية المناصب والحصص على إنها مكاسب وليس تكليفات سياسية ـ تشريعية
* أشار البيان الى قضية إعادة العد والفرز اليديوي للصناديق المشكوك فيها  وتعالي أصوات سياسية وصفها البيان بـ ( المعروفة) والداعية الى إعادة الانتخابات .. الخ وكأنه يربط بين كل هذا وذاك والحراك المجتمعي ـ الاحتجاجي وهذا بتقديري ربط غير صحيح بل يحمل في طياته شيئ من التشكيك بنوايا المتظاهرين ، فكان الاجدر بالمجتمعين عدم التطرق لهذه القضية وتركها الى وقت أو بيان آخر سيما وإن البيان حمل عنوان ( هبة تموز)
* تطرق البيان الى قضايا خطيرة أخرى مثل محاسبة المتسببين بسقوط الموصل وسبايكر وسبي الايزيديين وهي مواضيع حساسة تحتاج كل منها الى حراك سياسي كبير مقرون بالوثائق لادانة المتسببين بكل ذاك وحتى لا تأخذ هذه القضايا حجما أصغر مما هي عليه، رغم معرفة الجميع بأن المتسببين بكل خراب البلد هم نفسهم المتسببين بمصائب الموصل وسبايكر وغيرها
* حضور ممثلين لحزبي ( الشيوعي والتجمع الجمهوري) لهذا اللقاء مع بقائهم ضمن تحالف "سائرون" يحتاج الى تمعن ومراجعة من الحزبين انفسهم قبل غيرهم، فلا يمكن الجمع بين تجمعين او تحالفين يختلفان في التوجه والاهداف رغم تبنيهما شعارات الاصلاح والتغيير لكن كل على طريقته الخاصة وتلك قضية معروفة للجميع ظهرت بعض تجلياتها بعدم مشاركة التيار الصدري في ( هبة تموز) بل وحتى عدم دعمها بشكل صريح ماعدا بيان وتصريحات خجولة لبعض شخوصه لا ترتقي للحدث .
* في الختام أكرر إن اللقاء إيجابي ومثمر رغم كل الملاحظات عليه إلا إنه ومع تباين المنطلقات الفكرية للقوى المساهمة فيه فإن المشتركات كانت كثيرة ومهمة للغاية لابد من العمل على تطوير هذه اللقاءات وصولا الى تبني مشروع يناهض علنا سلطات المحاصصة وقواها السياسية .

3
طبقية الاحتجاجات : ملاحظات أولية
تحسين المنذري
* قادة الكتل والاحزاب السياسية التي تنفذت في الحكم منذ عام 2003 بنت لنفسها إمبراطوريات إقتصادية ضخمة تعددت نشاطاتها مابين العقارات والاستيراد والسيطرة على حقول في التجارة الداخلية ونمو كبير للبرجوازية البيروقراطية
*غلفت تلك الشرائح نشاطها السياسي بالانتماءات الطائفية في محاولة لتكريس وجودها في الحكم وبالتالي توسع نفوذها ونمو ثرواتها
*إستفادت من نظام المحاصصة المقيت المدعوم بشتى أشكال الفساد المالي والاداري لتوسيع نفوذها وتكريس امبراطورياتها الاقتصادية
* عملت وفقا لوصفات البنك الدولي وصندوق النقد لتهميش دور الدولة الاقتصادي وتحطيم او إتلاف ما تبقى من البنى التحتية الداعمة لنشاط القطاع العام وعدم تطوير المتبقي منها
*في مقابل كل ذاك تعمقت الهوة الاقتصادية في المجتمع مابين المتنفذين في الحكم وكل بقية الشرائح المجتمعية فظهرت شرائح من المسحوقين والمعدمين والمهمشين بالاضافة الى إزدياد معدلات البطالة بشكل غير مسبوق في المجتمع العراقي
*عملت القوى المتنفذة في الحكم على تكريس شعور التفرقة الطائفية في المجتمع وإشاعة ودعم ممارسات الشعائر الطائفية في محاولة مزدوجة لتخدير المسحوقين لاطول مدى ممكن بالاضافة الى إضعاف القوى الديمقراطية ـ اليسارية المؤهلة لريادة المطالبة بالتغيير
* دعمت القوى المتنفذة وأبرزت دور المرجعية الدينية في النجف وكرست تدخلاتها لصالحها للاستفادة من تأثيرها الروحي على فئات وشرائح واسعة من المجتمع لدعم وجودها وتنفذها في الحكم
*ظهرت حالات تذمر متفرقة وضعيفة من عموم سلبيات الوضع الاقتصادي ـ المجتمعي إتخذت من التناقض مع شخوص أحيانا أو مع كتلة بعينها وأحيانا كانت التناقضات قطاعية محدودة أو حتى على مستوى معمل واحد أو منشاة واحدة وتحت يافطات المطالب بتحسين الحال أو دفع الرواتب أو ماشابه من مطاليب محدودة
* بدت أيضا بشكل متفرق إحتجاجات ومطاليب ضد نظام المحاصصة ونتائجه ولم تمس القوى الطائفية نفسها ، ولضعف القوى اليسارية الرائدة لعدة أسباب لا مجال لشرحها الان لم تستطع  من تطوير تلك الاحتجاجات وتسمية المسببات بحقيقتها وإستهداف المتسببين بكل ذاك الخراب
*رغم توسع الاحتجاجات في فترات معينة وشمولها قطاعات مجتمعية واسعة إلا إن أحدا لم يتمكن من طرح مشاريع تضمن تنظيم تلك الاحتجاجاات وتحديد مساراتها وقيادتها نحو التغيير الشامل ، لكن حدث العكس حيث دخلت قوى متنفذة في الحكم ومساهمة في كل هذا الخراب بالتصدي لقيادة تلك الاحتجاجات مما أدى الى إنتهائها دون تحقيق أية نتائج
* أدت الانتكاسات هذه الى رفض الجماهير لاية قوى سياسية وعدم الوثوق بها وتسليم أمر قيادتها لها ونتيجة لتعمق الازمة المجتمعية ـ الاقتصادية وشمولها قطاعات وشرائح إجتماعية أكبر وإزدياد الشعور بالحاجة الى ابسط الخدمات والحقوق الانسانية بدت ملامح إنفجار واسع في عموم مناطق العراق
*ضعف إسناد الاحتجاجات من قبل النقابات الهامة كعمال النفط أو غيرها من النقابات والمنظمات المهنية يعود لضعف دورها كنتيجة لضعف اليسار وأيضا لتفشي البيروقراطية في عملها
* برزت شخصيات عشائرية وآخرين أُصطلخ على تسميتهم وجهاء على إنهم يقودون هذه الاحتجاجات لغياب القوى التي تمثل المسحوقين المحتجين بحق وهذا يحمل مخاطر عدة لعل أبرزها :ـ فيما لو نجحت هذه الاحتجاجات في إحداث تغيير ما فقد يستفيد منه هؤلاء ( الوجهاء والشيوخ) على حساب المنتفضين الحقيقيين والخطورة الاخرى إن شيوخ العشائر خاصة يملكون أسلحة كثيرة قد تفسد الاحتجاجا فيما لو إستمر العنف والعنف المضاد واللجوء لاستخدام هذه الاسلحة
* لاتوجد ثورة في العالم تاريخيا أو حتى مجرد إنتفاضة وقد خلت من أعمال عنف او تدمير أو ماشابه سواءا عن قصد أو عن طريق تصاعد حمى الاحتجاج والشواهد على ذلك كثيرة، ما يحصل في الحركة الاحتجاجية يبدو الى الان في إطار الحدث الطبيعي فالمحتجون هاجموا أماكن تعتبر رموزا لمن كرس تهميشهم وأوصلهم لأسوأ حال معيشي ( مقار أحزاب، مقرات شركات نفطية ، أماكن سكن عاملين أجانب وغيرها )
* إستمرار السلطات في التعامل مع الاحتجاجات على إنها تقاد من قبل مندسين أو بعثيين أو دواعش دون معالجات سريعة لجذورها الاقتصادية والتركيز على التعامل القمعي والتعسفي ينذر بتطور خطير قد يؤدي فعلا لاندساس قوى إرهابية أو عودة البعثيين لتصدر الواجهة .

4
سائرون ...... الى اين؟
تحسين المنذري
تشكل التحالفات السياسية وفي مختلف بقاع العالم إحدى أهم ظواهر العمل السياسي المستديمة ، ولا فرق بين هويات القوى التي تلجأ للتحالفات وبأشكال عدة ، فالقوى اليمينية ـ الليبرالية تلجأ أيضا للتحالفات من أجل ضمان تحقيق هدف ما ـ الفوز بأكثرية في الانتخابات مثلا ـ وكذا الحال بالنسبة للقوى اليسارية أو الديمقراطية التقدمية بشكل عام، وقد كانت التحالفات بالنسبة للاحزاب الشيوعية سمة عامة ، فكان لينين من المبادرين الاوائل في الدعوة لتحالف العمال والفلاحين وبقية شغيلة اليد والفكر من أجل تحقيق الثورة وصيانة وجودها ومنجزاتها إلا إنه كان مصرا على قيادة الطبقة العاملة ممثلة بحزبها الطليعيى لهذا التحالف ، ومن ثم طور ديمتروف فكرة التحالف من خلال دعوته في المؤتمر السابع للكومنترن الى ( الجبهة الشعبية الموحدة) على أساس مواجهة الفاشية المتنامية آنذاك مستهدفا التحالف بين الاحزاب الشيوعية وأحزاب الاشتراكية الديمقراطية التي كانت تتصارع فيما بينها على تمثيل الطبقة العاملة وصياغة أهدافها ، حيث كانت تلك الدعوة لتكوين الجبهات المناهضة للفاشية أي تجاوزا لحلقة الصراع السائدة آنذاك ، وحتى غرامشي الذي عانت طروحاته من التغييب لفترات غير قليلة فإن دعوته للتحالفات التاريخية كانت تستند الى دور المثقف في تكوين تحالفات تستمد قوتها من حشد الجموع التي تجد في نخبة المثقفين خير ممثلين لها. إن الدرس الاهم من كل تلك الدعوات والتحالفات التي حصلت بموجبها كانت تتمثل بتحالفات بين قوى تجمعها أهداف مشتركة ربما واحد أو أكثر ، فهي إما قوى خارج السلطة تناهض قوى السلطة طبقيا وفكريا أو هي تشترك في السلطة لتحقيق أهداف في مقارعة القوى المناهضة للتوجهات التقدمية . وفي التوقف قليلا عند غرامشي فإن التحالف التاريخي الذي دعا اليه لم يكن على أساس الدور الروحاني للكنيسة وإنما كون الكنيسة تمثل الشريحة المثقفة أو الاكثر وعيا في مناطق جنوب إيطاليا المتخلفة صناعيا، وإن كُتب لمثل هذه الدعوة أن تحيا مؤقتا في دول أميركا اللاتينية عندما تحالف رجال اللاهوت مع قوى اليسار في مقارعة المد الاميركي والانظمة الدكتاتورية في بلدانهم ، فإن هذه التحالفات سرعان ما أنفرطت بعيد التخلص من الانظمة الدكتاتورية وذلك بعودة رجال اللاهوت الى سابق وضعهم في مقارعة الجديد والمتطور( فقط تجربة الجبهة الساندينية في نيكاراغوا إستمرت أكثر من غيرها إلا إنها عانت من أنشقاقات عدة وهي تقود الحكم مما أسقطها في أقرب إنتخابات ) بجميع الاحوال فإن أي تحالف أو جبهة لم تكن مع قوى تساهم في السلطة ولها باع طويل في ترسيخ النظام السياسي للحكم ويجري التحالف معها لمناهضة السلطة نفسها !! بل إن إشتراط التقارب النظري والتكافوء من حيث القوة والتخندق (خارج السلطة أو داخلها) كانت السمة الابرز.
في التجربة العراقية كانت التحالفات الوطنية والتي يشترك فيها الحزب الشيوعي حتى وإن بصيغة أخرى غير مسمى الحزب ، كانت تلك التحالفات تشكل عامل ضغط وإخافة للنظام الملكي لما كان يتمتع به الحزب الشيوعي من نفوذ بين الجماهير وتأثير عليها ، إلا إن السمة البارزة أيضا هو عدم تسليم الحزب لزمام قيادة التحالف لاي جزب أو شخصية مهما علا شأنها ، وأسطع مثال طلب الراحل كامل الجادرجي من الشهيد سلام عادل أثناء التفاوض على جبهة الاتحاد الوطني بإعتراف الحزب له على إنه قائد لليسار في العراق، إلا إن الشهيد سلام عادل رفض ذلك واضعا القرار بيد الجماهير فهي التي تقرر من قائدها ، وبذلك أبقى على روح التعاون وبدون إستفزار ولا تسليم أمر التحالف بيد الجادرجي، إلا إن الجبهة الوطنية والقومية التقدمية عام 1973 كان فيها الدور القيادي الابرز لحزب السلطة آنذاك ( البعث) وتلك كانت بادرة سيئة قَبـِل بها الحزب بالاضافة الى ماجرى من تهميشات وأخطاء أخرى إنتهت بتقديم الحزب لكوكبة من خيرة مناضليه شهداءا وتشريد المئات في دول الشتات ، وللاسف فإن الكثير من الاخطاء رافقت قيام بعض التحالفات الاخرى دفع الحزب ثمنها غاليا مثل تحالفي (جود وجوقد)، أما مابعد التغيير فقد طرأت تبدلات جوهرية على سياسة الحزب بشكل عام كان أولها قبوله الاشتراك بمجلس يديره ويقرر فيه المحتل الامريكي والاخطر إحتسابه على كتلة طائفية معينة! وما بعد ذلك من علاقات تعاون مع كتل طائفية وصولا الى تحالف مع حزب الوفاق لاياد علاوي إنتهت علاقة الحزب به مبكرا، وباءت بعض أشكال التعاون بالفشل لاسباب أخرى مثل تحالف بعض منظمات الحزب في المحافظات مع التيار الصرخي في إنتخابات مجالس المحافظات وهو تيار ديني متخلف لم يقدم ذلك التحالف أي ثمرة سياسية للحزب بل ربما ابعد البعض عن التصويت للقائمة لوجود قوة غير مرغوب فيها مع الحزب الشيوعي ، وعدا هذا فلم يجر تنشيط جماهيري للتيار الديمقراطي، لا يتحمل الحزب المسؤولية لوحده في ذلك ، وإنتهت محاولات تأسيس تحالف بإسم ( تفدم) بطريقة مؤسفة من جانب الحزب الشيوعي !! حتى تم التحالف مع حزب الاستقامة المدعوم من مقتدى الصدر وفي هذا التوصيف محاولة لابعاد الصبغة الدينية ـ الطائفية عن الحزب على إنه حزب تكنوقراط، ومثل هذه التسميات أو المحاولات لجأ اليها التيار الصدري في أكثر من مناسبة إلا إنه في جميعها كانت تنتهي الى  الصبغة الطائفية  فتلك من مقومات وجود هذا التيار. ورغم وجود أحزاب أخرى في هذا التحالف إلا إنها جميعها احزاب صغيرة تبحث عن موقع في العملية السياسية لا غير، ولهذا فإن الاكثر إثارة هو تحالف الشيوعي مع التيار الصدري والذي يحتمل الكثير من الاراء المتناقضة . وفي الواقع فإن هذا التحالف يصطدم بجملة معيقات وتوجسات لعل من أبرزها :
* يؤمن التيار الصدري بالفكر الاسلامي ومن أبرز سمات هذا الفكر إنه فكر شمولي رافض لكل الافكار بل والديانات الاخرى وتلك من مستلزمات العقيدة فيه حسب القران" إنما الدين عند الله الاسلام" سورة آل عمران الاية 19
* في مقابل هذا فقد تراجع الحزب الشيوعي عن الايمان بالماركسية كفكر موجه لسياساته وتوجهه لتبني مبادئ أخرى كان آخرها إضافة التراث الاسلامي!! وهذا ما يثر مخاوف الكثيرين من مغادرة الحزب الشيوعي لكل تراث وتاريخ نضاله
*التحالف لم يتم على أساس تشابه القواعد الاجتماعية للتيار الصدري مع الحزب الشيوعي ، فالاخير نشأ كي يمثل مصالح هؤلاء المعدمين، أما التيار الصدري فحاله حال أي حزب أو تيار ديني يحوي في جماهيريه خليط من المعدمين والمترفين وذلك بحكم الخطاب الديني الفضفاض والذي يعطي مساحة لكل الاطراف بتبنيه في إنتظار الاخرة كي يجزي الله كل حسب ما عمل !! وبالامكان التدقيق في قواعد كل الاحزاب الدينية فأي منها لا يحتشد حوله مئات الالاف من المهمشين والمعدمين.
* من المخاوف المثيرة هي عدم ثبات التيار الصدري على مواقفه المعلنة وغالبا ما تتبدل سياساته تبعا لرغبات مقتدى الصدر مما يضع علامات الشك الكبيرة على إحتمالية إستمرار هذا التحالف ما لم يستسلم الحزب الشيوعي لكل رغبات ومزاجيات قائد التيار.
* إذا كان التحالف من أجل تجاوز نظام المحاصصة الطائفية فإن التيار الصدري مؤسس خطير في هذا النظام ومازال الى الان يجني ثمار نظام المحاصصة فقد تم تمثيله بعضو في مفوضية الانتخابات محسوبا على حصة الكتلة الشيعية. وقبلها كانت كل حصته الوزارية محسوبة على حصة الطائفة وممثليه في البرلمان ضمن كتلة التحالف الوطني ( الشيعي) ولو لا حدوث خلافات داخل الكتلة نفسها لما أعلن التيار الصدري خروجه منها وبالتأكيد الخلافات لم تكن على رفض النهج المحاصصي .
*أما إدعاءات التيار الصدري محاربته للفساد المالي والاداري فإن كل وزرائه تقلدوا مناصب الوزارات الخدمية ومنذ إشتراكهم في الحكم والى اليوم يعيش العراق في أسوأ خدمات نتيجة الفساد الموجود في هذه الوزارات فهل إن الوزراء أبرياء؟ مع العلم إن تهمة الفساد تطال حتى قائد التيار نفسه فمن أين له كل هذه الثروات ؟
*التحالف غير متكافئ من حيث إمتلاك التيار الصدري لميليشيات عسكرية وخلو جعبة الحزب الشيوعي من هذه الملكية، فماذا سيكون موقف الشيوعي إزاء الخلافات التي مازالت قائمة بين الصدريين وميليشيات مسلحة أخرى ومن نفس الطائفة ؟ ألا يكون الحزب كوادرا ومقراتٍ وكيانا مستهدفا من أعداء التيار كونه حليفا له؟ بل والاخطر من ذلك لو إختلف الحزب مع الصدريين وأدى الاختلاف الى إنفراط عقد التحالف وآلت الامور الى المواجهة العلنية فهل سيسلم الحزب من بنادق الميليشيات التابعة للصدر؟ أم إن هذا الاحتمال مستبعد تماما ولماذا؟
* والتحالف غير متكافئ سياسيا أيضا فكيف قبل حزب عمره أكثر من ثمانين عاما أن يقوده في التحالف حزب لم يتجاوز الشهرين من العمر؟
* التحالف كما تشير الوقائع جاء نتيجة التعاون الذي تم بين الطرفين في الحركة الاحتجاجية، إلا إن هذا التعاون كان من عوامل ضمور الاحتجاجات وتوقف الالاف  عن المشاركة فيها نتيجة لعدم ثقتهم بالتيار الصدري من جانب ومن جانب آخر تأكدوا بأن تلك المشاركة قد إخترقت مدنية الاحتجاجات وربما باتت ساحة لتصفية حسابات بين مختلفين لا غير.
* وأخيرا فهل المشاركة في هذا التحالف جاءت بنية فقط وصول مرشحين شيوعيين للبرلمان؟ أتصور هذه القضية بحاجة الى وقفة جدية فلم تكن من سمات الشيوعيين يوما الصعود على أكتاف الاخرين وهم بواسل العمل السياسي والميداني في كل حين.
من كل ما تسطر اعلاه يبدو لي إن هذا التحالف ليس هو ما تبغيه الجماهير وبالاخص جماهير الشيوعيين التي أصيبت بصدمة بعد الاعلان عن "سائرون" وسيكون الحزب للاسف الشديد حلقة ضعيفة في هذا التحالف فلابد من مراجعة الموقف،   فتاريخ الشيوعيين، وتضحياتهم الجسام، ودماء الشهداء الندية دوما، وماقدمته العوائل المناضلة من خسائركبيرة، وحتى كل قطرة عرق نضحت من جبين شيوعي لها موقع في تاريخ العراق ككل وليس في تاريخ الحزب فقط ، كل هذا وذاك أمانة في أعناق المتصدين للعمل في الحزب وبالاخص من تبوأ منهم موقعا قياديا فلابد من صون هذه الامانة والوصول بها لبر الاطمئنان حتى وإن بالتنازل عن إمتيازات شخصية سيحصل عليها البعض كنتاج لهذا التحالف المؤلم حقا.
أما بديل هذا التحالف فهو أولا مراجعة كل مواقف وسياسات الحزب والعودة الى أصول الفكر الذي قام على أساسه التنظيم وتطوير العمل بين الجماهير أسلوبا وشعاراتٍ والتصدي ببسالة كما فعل الرواد لقيادة الجماهير ذات المصلحة الحقيقية في التغيير ، وإن كان لابد من التحالف فيكون مع قوى تقترب مع الحزب طبقيا وفكريا وفي الاهداف وقوى غير إنتهازية على أن يكون للحزب الدور الريادي في هذا العمل.عذا ذلك فلا أحد يعلم الى أين نحن سائرون !!!!





5
هل توجد أزمة في الحزب الشيوعي العراقي؟
تحسين المنذري
حزب تجاوز عمره الثمانية عقود، تأريخ حافل بالتضحيات، ثمانية عقود تبدلت خلالها أحوال العراق والناس ولم تتبدل ريادة الحزب للنضال وتبني مطاليب الناس والتصدي ببسالة لتحقيقها.
 ثمانية عقود تغيرت فيها اساليب النضال تبعا للظرف الذي يعيشه الوطن، من مقارعة حكومات عميلة علنا الى مساندة سلطات بها شيئ من بريق الامل الى مناهضة دكتاتوريات قمعية حقيرة.
 يوم كان التخفي ضرورة لمواصلة النضال كان الشيوعيون فنارات تشيع بريق الامل، وهم وإن تستروا عن أعين السلطات إلا إنهم كانوا في أحداق الكادحين ضياءا وفي أفئدتهم دفئا.
 ثمانون وبضع من السنين والامل معقودا بنواصي الشيوعيين أن يقودوا وطنا نحو الخلاص.
 ثمانون عاما والشهداء الشيوعيون يطرزون صدر الوطن ويغورون عميقا في ضمائر الناس ويصيرون مضربا للامثال في الجسارة والتصدي والصمود.
 أكثر من ثمانية عقود كانت كافية كي ينهض الحزب قائدا لمسيرة وطن إبتلى بشتى أشكال الحكومات المتعاقبة عميلة ودكتاتورية وظلامية، وكان رأس حربة النضال في المواجهة مع كل رموز القمع والتخلف تلك.
 ثمانون عاما والحزب يرفد النضال العراقي بتجارب وخبرات تعلم منها الرفيق والصديق بل وحتى العدو.
 عقود ثمانية والثقافة العراقية تستزيد بريقا من فكر الشيوعيين ، وينهض من أوساط الحزب مثقفون ينيرون لاجيال لاحقة طريق الخلاص ويرسمون ملامح المستقبل بعد أن يغورون عميقا في معرفة الواقع والزمن الذي يعيشون ويحللون بعلمية ومهنية كل الظواهر في المجتمع، الغث منها والسمين، الدخيل والاصيل ، وأسباب ماحصل وكيف وأين والى متى،وهم في كل هذا وذاك يقترحون البدائل ويعطون الحلول .
ثمانية عقود وبعض من السنين لم تكن كافية كي يتربع الشيوعيون على دفة السفينة ويقودون البلد نحو الخلاص الابدي وبناء مرتكزاتٍ لمستقبل زاهر، ظاهرة تستدعي التوقف والتعمق فيها تلك هي عدم قدرة الشيوعيين في إيصال ولو نائب واحد الى مقعدٍ تحت قبة التشريع وفي كل مرة تبرر قيادة الحزب لنفسها ماجرى وترمي بأسباب ماحصل على الظروف الموضوعية وقوانين الانتخابات وعمل منظمات الحزب غير المتكامل وشتى أنواع الاسباب الاخرى لكن دون المرور بخطين أحمرين هما دور قيادة الحزب وماهية سياسة الحزب .
 بل إن التردي وصل الى حد إن الحزب لم يتمكن من قيادة بعض من نضالات الطبقات المسحوقة والتي كانت الى الامس القريب سياجه الحامي، وكان فكره منصبا فقط لاجل تبني مصالحها وصياغة شعارات نضالها، بل وفي حالات معينة غاب حتى إسم الشيوعيين حزبا وأفراد عن التواجد في حراكات مطلبية مختلفة.
بعد أكثر من ثمانين عاما بات الحزب غير قادر على تحريك حتى ولا نصف منظمة أساسية من منظماته بعد ماكان شعارٌ واحداً منه فقط يحرك الرأي العام العراقي كله، قيادة الحزب تأتي بثقلها لساحة إعتصام أو مظاهرة ولم يستجب لها ولا عُشر رفاقها في التنظيم، بعد ما كان رفيقان أو ثلاثة من قيادة الحزب يستطيعيون في ظرف ساعات قليلة من ملئ الشارع بمتظاهرين ومحتجين ليسوا رفاقا فقط بل أصدقاء ومؤيدين وأنصارا وحتى من آخرين غير مهتمين بالشأن السياسي .
عقود من الحراكات الفكرية داخل الحزب وحوله وصل بعضها حد الصراعات ، كانت في زمن المركزية الشديدة لا يبرز منها الا القليل ويجري إسكات الصوت المعارض بإسم الوحدة الفكرية وخضوع الاقلية للاكثرية وماشابه ذلك، أما في زمن الانفتاح الديمقراطي داخل الحزب وتعدد المصادر الفكرية صار تعريف الصوت المعارض هو فقط المختلف مع كل او بعض أعضاء قيادة الحزب وخاصة المؤثرين منهم ويجري إسكاته بالتهميش أحيانا أو بالعقوبات بحجة الخروقات التنظيمة!!
عزلة عن الجماهير وإنطواء في مقرات أغلبها لا أكثر من هياكل فارغة ومصاريف غير مبررة ، ورغم الاصوات المنادية بضرورة التغيير في هذا الوضع ، لكن لا من مستمع حتى ننتظر المجيب .
عزوف عن العمل عند نسبة كبيرة من رفاق لهم باعات طويلة وتأريخ مشرف يؤثرون الصلات الفردية عن العمل في المنظمات ، لم تتوقف قيادة الحزب عند هذه الظاهرة المتزايدة ولم تعطها بالا، فقط تكتفي بالتأكد من أن هذا الرفيق المعزول أو الذي عزل نفسه مازال يدفع الاشتراك الشهري فذلك يكفي !! كل هذا وغيره يستدعي التوقف عنده فقد بلغ السيل الزبى خاصة مع التخبط الشديد في سياسة قيادته وتحولاتها بإتجاهات غريبة عن فكر ونضال وتاريخ الشيوعيين العراقيين حيث كان أخرها التحالف الانتخابي مع قوى دينية لها تاريخ أسود في الجريمة والفساد المالي والاداري . والمراجعة باتت ضرورة حتمية لمعرفة ما يجري وكنه هذه التحولات والتي تؤشر وجود أزمة حقيقية داخل الحزب !
عانت الاحزاب الشيوعية في العالم ومنها الشيوعي العراقي من أزمات متعددة وفي فترات متباينة إلا إن الازمة الاشد كانت مع نهايات ثمانينات وبداية تسعينات القرن المنصرم حيث إنهيار التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبقية دول المنظومة الاشتراكية، ولم يكن الشيوعي العراقي بمعزل عن كل هذا فقد أصابه ما أصاب غيره من إهتزازات عميقة  مثلا بالتأثر بموجة بروز الظاهرة القومية مجددا وبحث القوميات الصغيرة عن تأسيس دول مستقلة مثل الجيك والسلوفاك ودول في البلطيق ويوغسلافيا وغيرها، فما كان من الشيوعي العراقي إلا أن يقرر تحويل منظمة إقليم كردستان الى حزب (شيوعي) يمتلك إستقلالا شبه كاملاً عن الحزب الام إضافة الى إقرارات أخرى لم تقل تراجعا عن هذا إتخذها المؤتمر الخامس للحزب المنعقد أواخر عام 1993 المسمى مؤتمر التغيير والديمقراطية كتسمية الاعمى بالبصير !
فقد أقر المؤتمر بالتخلي عن تمثيل الحزب للطبقة العاملة والفلاحين وأشار الى عمومية أفقدته روافعه الاجتماعية الاساسية  فصار يسير (على نهج يجمع بين النضال الوطني من أجل تحقيق تطلعات وآمال شعبنا بمكوناته جميعا، والنضال في سبيل مصالح الطبقة العاملة والفلاحين وعامة الكادحين من شغيلة الفكر واليد، من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة) وشتان بين هذا النص وأن يكون الحزب الشيوعي حزب الطبقة العاملة والفلاحين وشغيلة اليد والفكر يمثلها ويتبنى مصالحها ، فالنص لم يحدد الروافع الطبقية للحزب وتوسع في التمثيل المجتمعي مما أضاع الهوية الطبقية للحزب. ولم يكتفِ المؤتمر الخامس بهذا فقد الغى إيمان الحزب بالماركسية كنظرية عمل وجعلها مرشدا على قدم المساواة مع إرث الشعوب الاخرى وتواريخ مكونات الشعب العراقي !! حتى جاء المؤتمر الثامن ليضيف لكل ذاك الاسترشاد بالتراث الاسلامي التقدمي!!! وهنا ضاعت تماما الهوية الفكرية للحزب وصار حاله حال أي حزب ديمقراطي يقترب في بعض مفاصل عمله من الليبرالية فكانت الازمة عميقة أدت الى توهان حقيقي في النهج السياسي وتخبط واضح في التحالفات والعلاقات مع القوى السياسية الاخرى!! وكان من شأن هذه الازمة أن تخلق أزمات أخرى داخل الحزب منها مثلا ضعف تربية الكادر فلجأت قيادة الحزب الى معالجة ذلك عن طريق إستحداث نظام الكوتة الانتخابية والذي أتى بمجموعة من الرفاق والرفيقات ممن لا يستحقون المناصب القيادية فتحولوا بدورهم الى توابع لهذا الرفيق أو ذاك من الاقطاب القديمة في قيادة الحزب وصار المتابع يستطيع أن يشخص بسهولة تلك الولاءات ويعرف مسبقا ما الذي سيجري، فهل هذا حال حزب شيوعي مؤهل لتجسيد تاريخ الشيوعيين النضالي المليئ بصور البطولة والبسالة والتحدي.
إن وجود الازمة بات واقع حال لا يستطيع أحد نكرانه، أزمة التمثيل الطبقي والهوية الفكرية في آن واحد، لا تحتاج سوى إعتراف رسمي بوجود الازمة وفتح المجال علنا وبديمقراطية متناهية لطرح الحلول والعلاجات بلا تخوين أو تهميش أو إقصاء، فتاريخ الحزب ونضالاته ليس ملكا لاحد بعينه فهو ملك للشعب، للرواد الاوائل، للشهداء الذين دمغوا تاريخ الوطن بدمائهم الطاهرة ، ملك للامهات اللواتي قدمن فلذات أكبادهن معتقلين وشهداء ومشردين، ملك للابناء الذين حرموا من عطف الوالدين بسبب عسف الانظمة المتلاحقة ومحاربتها للشيوعية والشيوعيين، ملك للشبيبة المتطلعة لغدٍ أفضل، ملك للطفولة التي من أجل سعادتها قدم الاجداد والاباء والامهات أغلى التضحيات. إن الامانة والنزاهة تفرض على الجميع التعامل مع هذا السِفر الخالد بكل موضوعية وإحترام وتفاعل إيجابي.

6


تحسين المنذري

أتيحت لي فرصة التعرف على الدكتور رفعت السعيد للمرة الاولى عبر مذكراته التي قرأتها بشغف عام 2000 وكانت مكتوبة بلغة جميلة وبسيطة تشد القارئ وتسيح به في تاريخ مصر منذ أواسط اربعينيات القرن المنصرم حيث بدايات الوعي السياسي للصبي آنذاك رفعت السعيد، وقد إستوقفتني حادثة يرويها الراحل عن زوجته الراحلة ليلى الشال حيث كان عضوا في المكتب التنفيذي لمجلس السلم والتضامن العالمي وكان معه في المكتب المدعو( نعيم حداد) ممثلا لحكومة البعث العراقي وقد عُقد إجتماع لهم في بغداد يوم كان حداد وزيرا للشباب والذي يقول عنه رفعت السعيد بأنه أكرمه أيما إكرام واحتفى به بشكل مختلف عن الاخرين مما جعل السعيد يشعر بضرورة رد الدين له عندما زار نعيم حداد مصر حيث دعاه ضيفا في بيته ، إلا إن عقيلته الراحلة السيدة ( ليلى الشال) رفضت تقديم أي شيئ من واجبات الضيافة وقالت له إن ضيفك هذا أحد قتلة رفاقنا في العراق !!!مما أستدعى الدكتور رفعت السعيد كما يقول هو لجلب كباب من أحد مطاعم القاهرة وعمل الشاي بيديه وإخبار نعيم حداد بحقيقة كل ذلك!! وحال إتمامي قراءة المذكرات كتبت له رسالة عبر البريد العادي أثنيت فيها على المذكرات عموما وعلى موقف زوجته هذا حيث كان موقفا تضامنيا معنا كنا بأمس الحاجة اليه ، فجاء الرد منه عبارة عن رسالة بخط يده ومجموعة كتب من مؤلفاته كتب على بعضها إهداءا لي ومخاطبتي بلقب الرفيق ، شكرته حينها بالتأكيد وبقي الموقف عالقا في ذهني حتى زرت القاهرة أواخرعام 2006 حيث زرته في مكتبه بمقر حزب التجمع المصري ويومها كان رئيسه ، وبعد لقاء قصير للمجاملة والتحيات طلبت منه أن يعطيني من وقته قليلا لاجراء تحقيق صحفي معه للنشر في جريدة " طريق الشعب" وافق على الفور وضرب لي موعدا على أن يكون اللقاء لمدة ساعة ! إلا إن اللقاء هذا إستمر لثلاث جلسات وكل جلسة تستغرق أكثر من ساعتين!! وكان كريما معي في ضخ المعلومات والاجابات على كل أسئلتي بما فيها تلك الاسئلة المشاكسة أو المناكدة والتي كان يعرف مغزاها فيبتسم قبل أن يجيب مع قفشة مصرية من قبيل" يا واد يا مشاكس أنت" وغيرها من القفشات الاخرى ، وكان عندما يستقبلني يطلب من موظفي مقر التجمع عدم إدخال أي شخص عليه وغلق الاتصالات التلفونية تفرغا للمقابلة الصحفية مع "طريق الشعب" ، وكان حينما يريد البوح ببعض المعلومات الخاصة يطلب إلي غلق جهاز التسجيل أو هو يقوم بذلك بنفسه قائلا " المعلومات دي ليك أنت بس" وبالفعل حافظت على ذلك الى الان ولحين أن ألتحق به .وقد تم نشر التحقيق معه بصفحة كاملة في طريق الشعب مع صورة تجمعني به لم أكن أنا راغبا بنشرها!!
 لقد وجدته، وهو رئيس الحزب اليساري المصري الوحيد ـ المجاز رسميا آنذاك ـ وبنفس الوقت عضوا في مجلس الشورى المصري  لم يكن سوى إنسانا بسيطا جدا يتمتع بروح الفكاهة المصرية وألفة يشعر معها المرء وكأن علاقته بهذا الرجل تمتد لعقود وليس لسويعات قليلة، فلم يبخل بأية معلومة ولم يتكلف في جلسة أو إشارة ولم يقل لا لأي طلب، وكان خاتمة اللقاءات تلك هدية عبارة عن مجموعة من مؤلفاته  خط بيده إهداءا على بعضها. كنت وأنا أتابع سلاسة حديثه وتواضعه في ذكر بعض المواقف النضالية وشيئا عن هذا وعن ذاك من أعلام اليسار المصري أو العربي أو حتى بعض قادة الاتحاد السوفيتي وحواراته الجادة مع أي منهم لا يخطر ببالي سوى إنني أمام شيوعي حقيقي لم يتوان ولم يهدأ ولم يهادن فكل ما أشيع عنه من مهادنة لنظام مبارك لم يكن سوى محاولات تجريح فاشلة فقد كان ينبري قبل غيره كما تسجل الحوادث عنه للتصدي للمشاريع التي تريد أفقار المواطن أو إنها بالضد من حاجة المجتمع ولمصلحة الفئات الطفيلية والحاكمة وحدثني كثيرا عن محاولات ثنيه عن ذلك بما فيها إشارات من حسني مبارك نفسه بضرورة التخفيف أو التهدأة إلا إنه لم يستجب لاي منها، هذا الشيوعي المخضرم قاد مفاصلا في العمل الحزبي للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) وهي بمثابة الحزب الشيوعي المصري في حينها في ظروف غاية في التعقيد والخطورة وبسبب ذلك دخل المعتقلات لمرات عدة وفي أزمنة مختلفة ، إلا إنه وهو يتذكر الاعتقالات والسجون كان يقول " طبعا إحنا مانجيش حاجة لنضال ومعاناة رفاقنا العراقيين" بهذا التواضع وهذا الكبرياء كان يتحدث ، رجل لم يتوان في اي لحظة عن أي عمل يخدم الطبقة العاملة المصرية ولم يتخل عن شيوعيته حتى في مؤتمر حل الحزب الشيوعي المصري وكان آنذاك عضوا في لجنته المركزية فلم يحضر المؤتمر ورفض مسبقا كل ما سيخرج عنه لانه عرف قبل غيره نية القيادة اليمينية آنذاك في حل الحزب. هذا المناضل العنيد كان حينما يتذكر من سبقه في (حدتو) من المناضلين فإنه يتحدث بكل خجل لانهم كما يقول "قامات لن تتكرر ". فهل لمثل هذا المناضل الشيوعي الصلب أن يُنسى؟ لا أشك لحظة واحدة في الجواب بـ "لا" لن ينسى لذا فهو لم يرحل فمثله باقٍ في الذاكرة والوجدان، وليبق إسمك أيها الكبير فخرا لاهلك ولشعبك ولكل من عرفك .

7
عن الحركة الاحتجاجية مرة أخرى
تحسين المنذري
عن قريب سوف تكمل الحركة الاحتجاجية عامها الثاني دون أن تستطيع تحقيق أي مكسب من المسببات التي أدت لظهورها، ولم تعطِ أي مردود سوى استمرارها لكل هذه المدة مابين جزر ومد، إلا إن هذه الاستمرارية رغم ما تبدو عليه من أهمية ظاهرية ومطاولة سياسية إلا إنها تحمل بعضا من الجوانب التي لابد من التوقف عندها مليا:
* أفقدت الاستمرارية المباغتة في العمل الاحتجاجي والذي يعتبر من أهم عناصر نجاح العمل المطلبي أو الاحتجاجي حيث يعتبر التوقيت المفاجئ لبدء الاحتجاج الضربة الاولى للسلطات وهذا ما حدث في بداية الحراكات الجماهيرية في المحافظات والعاصمة عام 2015 وما توالت بعده من وعود وأوراق للاصلاح وشبه خوف من قبل السلطات .
* الاستمرارية في الاحتجاج ولّدت روتين في حضور المحتجين وبدون حماس يذكر سوى تثبيت الوجود او إعتياد اللقاء بأصدقاء أو كي يرضي المحتج نفسه ويعتقد بأنه أدى ما عليه
* الاستمرارية مع عدم تحقيق أي مطلب مهم جعلت الرغبة في المشاركة في الاحتجاجات أقل، خاصة بالنسبة للافراد غير المرتبطين بتنظيم أو المنحازين فقط للتغيربدون رؤيا واضحة، وذلك ما أدى الى تناقص أعداد الحاضرين أو تذبذب العدد بين جمعة وأخرى
* لجأ القائمون على الحركة الاحتجاجية أو ما أصطلح على تسميتها لجنة التنسيق، في محاولة لتقليل الملل، الى تغيير الشعارات المرفوعة في الاحتجاج، فمثلا كانت الشعارات بين محاربة الفساد، أو تغيير مفوضية الانتخابات أو قانون الانتخابات، ومن أجل سن قانون الاحزاب وغير ذلك وصولا الى وقفات لتأييد القوات المسلحة وتحيتها في حربها ضد الارهاب !! فأي إحتجاج هذا في تأييد جهة حكومية بعينها، رغم إن القوات المسلحة تستحق التأييد والتحية لكن في ساحة أخرى غير ساحة الاحتجاج.والشعار هو أحد أركان نجاح الفعالية المطلبية فالدقة في تحديد المطلب وصياغة الشعار ووضوحه والثبات عليه إحدى دعائم تقوية الحركة الاحتجاجية وليس التبديل المستمر حتى وإن كثرت المطاليب.
* لقد أدت عملية تغيير الشعرات وأهداف التجمعات الاحتجاجية الى تضارب في الرؤى لدى القائمين على الحركة الاحتجاجية مما ساعد في عملية بروز التناقضات بينهم وبالتالي الى تشتت جهودهم وتقسيم تجمعات تحت مسميات مختلفة مثل مستمرون ومدنيون وربما غير ذلك.
* رغبة الاستمرار والمحافظة على فكرة الاحتجاج رغم جدواها وحيويتها إلا إنها قلصت روح المبادرة للقيام بأشكال أخرى للاحتجاج مثل الاعتصام المؤقت أو التظاهر أو الاضراب أو غير ذلك من الاشكال الممكنة الاخرى .
* روتينية الاحتجاج بالحضور في كل جمعة بمكان محدد فوتت الفرصة على المشاركة في إحتجاجات أخرى مهمة جدا مثل مظاهرات الكهرباء التي حصلت في عدة محافظات مما أضعف من تلك الاحتجاجات ، بل إن إحتجاج العاصمة بغداد لم يستطع القائمون عليه من تغيير قرارهم ( بالاستراحة) في جمعة معينة رغم مقتل متظاهر محتج في النجف في ليلة تلك الجمعة وبالتالي فوتوا فرصة لتصعيد الاحتجاج وتوسيعه .
* وفي محاولة من القائمين على الاعتصام لادامة زخم الحضور لجأوا الى ( التنسيق) مع قوى أخرى غير مدنية بل ومتهمة بالمشاركة في الفساد مما ثلم مدنية الاحتجاجات وزعزع الثقة بها!
* وأخيرا فإن مناسبة مرور سنتين على بدء الاحتجاج أفترض بها أن تكون مناسبة للمراجعة وتقييم الاحداث التي رافقت الحركة الاحتجاجية بل والعمل الاحتجاجي نفسه وأساليبه وشعاراته وكل مايمت له بصلة لغرض التطوير وجعله مؤثرا، متمنيا على لجان التنسيق أن توسع صدرها لقبول الملاحظات الناقدة لعملهم وألا يجري تكميم الافواه بالاحتفال بحلوى وشموع أعياد الميلاد.

8
من وحي الثمانين
(علي الوردي) كم يشبهني واشبهه!
حسين أبو سعود
دقت الساعة الثانية عشرة معلنة انتصاف الليل في مطرح بسلطنة عمان وقد خلت الشوارع من المارة وخفت حركة السيارات، حتى الكلاب التي كانت تنبح فيما بينها اختفت من الطرقات وكنت اطل من الشرفة على البحر فوجدته هادئا غافيا وتجول ناظري في الشوارع المحيطة فرأيت بيوت اللواتيا ذات الطراز الفريد وجانب من سوق مطرح الشعبي والذي يقصده كل من يزور مسقط باعتباره من المعالم السياحية للمدينة.
الشرفة تطل مباشرة على سوق السمك والخضار، هذا السوق الذي يعج بالرواد اثناء النهار ويضج بالصخب تحول الى معلم صامت لا حراك فيه ، وبسبب حالة القلق جراء الارق الذي فاجئني صرت اجئ واذهب ما بين الغرفة والشرفة وفجأة وقع بصري على المرآة فرأيت فيها شخصا غير شخصي وجسما غير جسمي وتذكرت المرحوم علي الوري عالم الاجتماع العراقي المعروف وتذكرت كتابه الموسوم (من وحي الثمانين) وكنت قد قرأته قبل سنوات واردت ان اكتب عنه مقالا بسبب حالات التشابه الكثيرة بيني وبينه الا اني كنت اسوف في كتابة الموضوع واؤجلها لأني لم ابلغ الثمانين بعد وبيني وبينه زمن طويل ولكني في هذه الليلة شعرت بغربتي وكبر سني ووحدتي و وحشتي، فتذكرت الكتاب والكاتب وصرت استذكر ما قرأت واذا بقول الشاعر يحضرني
كل من تلقاه يشكو دهره        ليت شعري هذه الدنيا لمن؟
لم اكن اعرف علي الوردي، ولم اقرأ له غير اني كنت اسمع عنه واقرأ بعض المقالات التي تتناول حياته وكتاباته فعلمت بانه كان من التبعية الإيرانية دون ان يعترف بذلك  صراحة بل كان يقول بان الناس كانت تلجأ للسفارة الإيرانية هروبا من الخدمة العسكرية الإلزامية في العراق ، علما ان سكان العراق ينقسمون الى ثلاث تبعيات رئيسية وهي التبعية العثمانية والتبعية الإيرانية و التبعية الهندية حسب قانون الجنسية القديم، وقد عانى كل من سجل نفسه من التبعية الإيرانية الشيء الكثير في عهد صدام حسين حيث تم تسفير مئات الألوف منهم .
وفيما يخص الخوف من العدم، انا كنت اردد مع نفسي وللمقربين انه ما فائدة الإنجازات اذا كان مصير الانسان العدم واذكر بان احد الإعلاميين الكبار قال لي ذات مرة : انت تمتلك الكثير من الميزات والقدرات لكن عيبك الوحيد هو انك لا تستطيع ان تسوق نفسك إعلاميا، واذكر باني قلت له :لا بل عندي كل الإمكانات لتسويق نفسي ولكن ما الفائدة في النهاية والعمر بدأ يقترب من الستين، وكذلك كان يقول المرحوم الوردي: ما فائدة ان يظهر اسمك وان يشار اليك بالبنان وان الدود سيأكلك كما سيأكل من لا يشار اليه بالبنان) ص77 وهذا في رأيي اعلان مسبق منه بانه قد استنفذ غايته من الحياة وانه يعيش منتظرا الموت.
قلت اني لم اكن اقرأ للوردي الا ان ما كتبه  في ص91 عن الحمار والحمير هو نفس ما كنت  أقوله واكثر من باب توارد الخواطر ويتندر الوردي برواية طريفة في هذا الباب ويقول بان شخصا الح عليه أصحاب بيت كان في زيارتهم ان يتناول الطعام عندهم وبعد ان شبع اعادوا الكرة والحوا عليه مرة أخرى بتناول الطعام فاستجاب لهم  خجلا وتكرر الحال مرة ومرتين حتى أصيب بالتخمة وعندما خرج الى باب الدار قدم لحماره علفا فأكله الحمار ثم الح عليه بتناول المزيد من العلف على نحو ما الح عليه أصحاب الدار فحرك الحمار رأسه يمينا ويسارا علامة رفضه تناول المزيد من العلف فقال الشخص لحماره : والله انك تفهم اكثر مني ثم يقول: هل سمعتم بحمار تمرض او مات من التخمةلا سيما اذا عرفنا ان المعدة بيت الداء .
 وانا شخصيا لا أرى ان الحمار حمار لا يفهم بل هو ذكي ويتصنع بعض الأشياء حتى يتركه الناس ولا يتعبوه وهو الصابر القوي الخشن وكان استاذي يقول يا ليتني كنت حمارا من حمير اليمن اصعد الجبال بالأحمال وانزل واتناول العلف دون ان اتعرض لسؤال او جواب في الدنيا والاخرة.
 ان الوردي كان يدعو الله بدعاء لا يقصده فعلا وهو: اللهم ارزقني ايمان العجائز وهذا دعاء يستحيل صدوره من الامام علي عليه السلام صاحب العقل الكبير والتمييز الصحيح، ولا أدرى لماذا يروج بعض رجال الدين لهذه المقولة العوجاء ولعل السبب بأنهم يريدون من البسطاء ان يتركوا التفكير ويكونوا تبعا لهم في كل شيء.
وفي شؤون القلب يقول علي الوردي بان الحبيبة التي كان ينتظرها جاءت ولكن متأخرة وهذا ما حدث معي بالضبط فصرت اتمثل معه بقول الشاعر
أتت وحياض الموت بيني وبينها    وجادت بوصل يوم لا ينفع الوصل(ص105)
وكان علي الوردي مثلي محتفظا باللون الأسود في شعر الرأس رغم بلوغي الستين وبلوغه الثمانين واذكر بان احد الأصدقاء المصابين بداء الثعلبة التي جعلته شبه اصلع كان يغتاظ مني عندما يرى كثافة شعري حتى حسده وصار الشعر يتساقط ويغزوه الشيب بسرعة.
ان بياض الشعر وان كان يسبغ على الرجل شيئا من المهابة الا انه يبعد عنه النساء بالتأكيد ولو أنى أفضل في هذه المرحلة المتأخرة من العمر المهابة على التقرب من النساء، وعلي الوردي حاله حال الكثيرين يعترف بان المرأة ترد الروح وتنعش النفس اذا كانت شابة وجميلة(ص132).
انا اعرف نفسي باني اسير للمداراة ودغدغة المشاعر اذ لا اريد ان اجابه سخط الناس بسبب الصراحة الزائدة في ابداء الرأي لأني قد فعلت ذلك مرارا فتعرضت لعزلة خانقة في المجتمع وصرت أخشى من قول الحق، والوردي يتكلم عن هذا الامر وكأنه يتكلم عن لساني ويشرح ما في داخلي تماما فالناس لا يقبلون حتى بالمداراة والخروج من فخ البشر امر صعب للغاية(ص132).
وهناك الكثير من الكتاب اخفوا آرائهم الحقيقية مخافة الاصطدام بارباب المصلحة في تخدير الناس حتى قال لي احدهم بانه وضع عقله في صندوق وقفله والقى المفتاح في البحر ، يريد ان يقول بانه ليس له نية ابدا في العودة الى تنوير الناس والافصاح عن مكنونات القلب ، ويقول على الوردي : ان لي مذكرات أخرى اجلت نشرها الى ما بعد موتي والسبب رغبتي في تجنب سخط الناس وهم اذا أرادوا ان ينبشوا قبري بعد ذلك فليفعلوا ما يريدون فان الانسان عند ذهابه الى ربه لا يخشى أحدا سواه، واما انا فلا أفعل ذلك حتى بعد موتي لان اللعنة قد تلحق العيال والوردي لا يخشى حتى هتك الحرمة بنبش القبر كما فعل البعض من العراقيين مع رئيس الوزراء في العهد الملكي المرحوم نوري السعيد.
يقول علي الوردي في ص135 من كتابه : لقد اقتطفوا فقرات معينة من كتاب (وعاظ السلاطين) وفسروها حسب اهواءهم ، لقد هددت حينذاك بالقتل غير مرة وصدرت ضدي سبعة كتب وكرس احد خطباء المنبر ليالي رمضان كلها للتهجم على الكتاب ومؤلفه .
وهذه الحالة عانيت منها كثيرا اعني التفسير حسب الاهواء لبعض مقولاتي ولم اسلم في هذا من زوجتي واولادي والمقربين مني أيضا ولكن سلوتي في الاخفاق بإيصال الفكرة الى الناس والأولاد هو النبي نوح عليه السلام الذي لم يستطع ان يقنع ابنه في الصعود الى السفينة لينجوا من الغرق رغم المحاولات الحثيثة.
يشبهني على الوردي في حبه لمطالعة كتب الملالي التي تستوعب جدلهم الفارغ حول العقائد وكان يلتذ بمثل هذه الكتب ويقول: يخيل لي أنى اشاهد أحد أفلام لوريل وهاردي الهزلية(ص176) ويشبهني في التعجب من اقوال العلماء الجازمة مثل: مما لا شك فيه ومما اتفق عليه العلماء ومما لا يتجادل فيه اثنان ومما لا ريب فيه ومما لا يقبل فيه النقاش والجدل وغيرها وهم بهذا يحكمون على الفكر بالجمود ويستوقفني كلمة(الاجماع) مع ان الفقهاء يقرون بان الاجماع لا يعني الاجماع.
ويشبهني الوردي في نظرته للازدواجية في الشخصية كما في قوله في (ص191) انه قد يحدث أحيانا ان يكون المصاب بهذا المرض ذا ثلاث شخصيات او أكثر ولهذا يصح ان يسمى هذا المرض تعدد الشخصية بدلا من ازدواجية الشخصية، وكم من المثقفين في مجتمعاتنا مصابون بمرض تعدد الشخصية.
ويعاني الوردي مثلي من اظهار خلاف ما في الباطن او كتابة شيء مخالف ومناقض لما هو مقتنع به وعليه فأننا يجب ان نمدح ونزج بين المدح ان أمكن ذما حتى لا نعرف ونؤذى، ويقول الوردي في (ص196): ان الكاتب الذي يكتب المقال يضع في ذهنه ان هذه الكتابة يمكن ان تلحق به الأذى سواء من جهات رسمية او اجتماعية وأقول ان كان الانسان شجاعا في ابداء رأيه فاين ينشره ومن يقبل بنشره في الصحف.
ويشبهني الوردي الذي تعرض مثلي لمحاربة رجال الدين واذكر بان وكيل احد المراجع فرض علي عزلة ورفض استقبالي رغم ازدواجيتي في الطرح بغية التقرب الى رجال الدين، فلا حصل التقرب ولا وصلت الفكرة وقد اتهمني البعض باني اكتب في الغزل وكأن هذا عيب يسقط العدالة عن كاتبه مع ان هناك مراجع وفقهاء كتبوا في الغزل والتشبيب.
أقول علي الوردي كان يشبهني او اني اشبهه في أمور وأفكار كثيرة الا اننا لم نكن نتشابه في عادة التدخين حيث كان يدخن حتى أواخر أيامه ولكنني تركت التدخين منذ مدة ليست بالقصيرة.
أقول مرة أخرى باني ما زلت لم ابلغ الثمانين ونحن في نهايات العام 2016.
فندق المرسى – مطرح 12\12\2016

9
الفعل ورد الفعل في العمل السياسي
تحسين المنذري
الفعل السياسي هو سلوك أو طريقة عمل يتخذها شخص واحد أو حزب أو حتى كتلة تأتلف فيها عدة أحزاب ، وأي سلوك لا يأتي من فراغ، بل هو إنعكاس لجملة عوامل منها الخلفية الفكرية والتجربة العملية وقوة الفاعل والعوامل الموضوعية التي تؤدي الى هذا الفعل أو عكسه ، وغالبا ماتكون القوى السياسية الاقوى هي التي تبدأ بالفعل حيث تستطيع أن تقدر وقت حدوثه وطريقة إيصاله للاخرين ـ الشعب ككل أو المعارضة فقط ـ وحساب ردود الافعال وكيفية المواجهة وصولا الى تطبيق ماتريده، وفي الانظمة الديمقراطية تضع القوى صاحبة الفعل مدىً أو سقفا أكبر من المطلوب واقعيا كي تسمح لها مساحة التجربة في المناورة وتحقيق أقصى حد ممكن من مبررات الفعل نفسه، اما في الانظمة الشمولية فإن حسابات التراجع تكون عادة ضئيلة إن كان الفعل صادر من السلطة الحاكمة، وذلك  لما تتمتع به من وسائل قمع وإرغام الاخر على قبول ماتريده من الغايات وراء الفعل المعني، وهنا في هذه الحالة فإن قوى المعارضة والتي تكون عادة مضطَهَدة فإنها قد تعطي لرد فعلها مظهرا أكبر من الحقيقة، كأن يعلو صراخها في الخارج، كي تكسب رأيا دوليا مناصرا أو في الاقل عملية فضح لنظام قمعي قد يؤثر ذلك فيه مستقبلا على صعيد تخفيض التعاون الدولي معه أو التعامل معه كنظام غير موثوق في وعوده ومواثيقه، وعدا هذا فليس من تأثير ذي أهمية قد يؤديه الرأي العام الدولي الضاغط إزاء نظام شمولي قمعي حيث رد الفعل من قبل المعارضة وليس الفعل نفسه. يختلف في العمل السياسي الفعل ورده عنه في الفيزياء فلا يشترط المساواة في الحجم أو التأثير كما يمكن ألا يكونا بإتجاهين متعاكسين، لكن الملاحظة الاهم هي إن القوى التي تمتلك في لحظة ما المبادرة بالفعل عادة ما تكون في وضع يسمح لها لمفاجأة القوى المضادة مع إمكانية شل أو تقليل تأثير ردود الافعال في نتائج ما تنوي السلطات ذات الفعل من عمله. في علم النفس تشير الدراسات الى إن رد الفعل ينطلق عادة من العقل الباطن وقد يكون عفوي او غير مدروس بالكامل وربما يكون مؤثر بشكل عاطفي أكثر من تأثيره العقلاني، في هذا الاطار قد يكون العقل الباطن لقادة سياسيين مؤثرا في طريقة التعبير بعملية رد الفعل إلا إن العمل السياسي الناضح لا يحتمل مثل هذه الردود النفسية ـ رغم أهميتها ـ فردود الافعال يفترض أن تنطلق أيضا من حسابات المصالح الفئوية أو الطبقية أولا ومن ثم حسابات القوة سواء لقوى الفعل او قوى المعارضة، لكن أن تبقى قوى المعارضة معتمدة في نشاطها وتحركاتها السياسية على عملية رد الفعل فقط فتلك من الاخطاء الكبرى التي تؤدي الى تراجع في الاداء، فالبرنامج والفكر الذي تتبناه قوى رد الفعل يجب أن يلعبا الدور الحاسم أولا ومن تأتي حسابات القوة وطرائق أيصال الرأي والموقف للجماهير المساندة أو حتى تلك غير المنحازة أو ما أصطلح على تسميتها بالمعارضة الصامتة ، إلا إن قوى المعارضة عليها لو أرادت التغيير الحقيقي أن تنتقل من قوى رد فعل الى قوى فعل تجبر السلطات على التراجع وتغيير ستراتيجياتها بما يساعد قوى المعارضة من إضعافها وبالتالي مسك زمام المبادرة وهذا يعني إنها ستتمكن من فرض برنامجها وتنحية برنامج السلطات وبالتالي تغيير موازين القوى بما يجعلها أن تكون هي قوى السلطة وهي صاحبة اليد في الفعل وليس رد الفعل.لكن الخطأ الاكبر أن تعتمد قوى المعارضة رد الفعل في العمل السياسي والذي يعطي الفرصة لقوى السلطة من توجيه الدفة ومن أكبر أخطاء المعارضة أن تعلن تبنيها طريقة رد الفعل في معارضة السلطة.

10
رفضٌ لنهجٍ وليس لفردٍ
تحسين المنذري
تشكل المظاهرات التي تعاقبت في محافظات الجنوب ضد زيارة المدعو نوري المالكي ظاهرة ذات أبعاد إجتماعية ـ سياسية، فمهما حاول الاعلام المساند لحزب الدعوة وأبواقه المباشرة تصويرها على إنها إحتجاجات صغيرة يقوم بها ذوي توجه سياسي معين له تأريخ مع حزب الدعوة في التناحر والتناقض سيما في فترة بعد 2003 وما حصل بين الطرفين من صراعات وصلت بعضها الى إراقة الدماء، فإن تلك المظاهرات حملت مدلولات تعمقت أكثر بتعاطف الاخرين غير المشاركين المباشرين بها ممن تمنّوا إستمرارها وتطورها الى حركة إحتجاج أوسع ورفض أكبر. وفي العودة الى بعض المضامين الاجتماعية فإن المدعو نوري المالكي حين تبوأ في غفلة من الزمن موقع الرأس التنفيذي الاول، تصور بغباء سياسي إن ضمان بقائه لأطول فترة ممكنة في الحكم تبدأ مع هيمنته وحزبه على مؤسسات الدولة الرسمية فأغرقها بموظفين يدينون له شخصيا أولا ومن ثم لحزبه بالولاء المطلق متبعا بذلك طريقة ونهج البعث المقبور، وتصور إن هذا الجيش من الموظفين التنفيذيين يستطيع فرض إرادة القائد الاوحد على الاخرين مهما كانت توجهاتهم، إلا إنه لم يدرك إن هذا الجيش الذي إمتهن البيروقراطية كأداة في إدارة مؤسسات الدولة أعطى مؤشر الفشل الاول لنهج المالكي وحزبه خاصة بعد أن تحول الكبار وظيفيا منه وذوي الرواتب العالية الى شريحة من البرجوازية المقيتة والمعروفة بالبرجوازية البيروقراطية وتحول الاخرون من الموظفين الصغار الى أتباع تبحث عن حب البقاء، ومع هذا التوجه في الادارة غلفت هذه الشريحة نفسها بممارسات الفساد والسرقة والرشى مغرقة نفسها من أعلى مناصبها الى أدناها في فج الدفاع عن النفس بزيادة التوجهات البيروقراطية والايغال أكثر وأكثر بالفساد المالي والاداري والذي بات سمة مميزة لادارة الدولة في العراق . لقد شكلت كل تلك الممارسات عوامل ضعف للدولة من جهة وعزلة عن المجتمع مما أفقد المواطنين الثقة بمؤسسات دولته واللجوء الى ولاءلات أدنى وسلطات غير شرعية في حل إشكالياته أو في الحصول على حق مهضوم أو حتى لاغتصاب حقوق الاخرين! والاكثر إيلاما إن تلك الممارسات البيروقراطية والفساد المرافق لها إنتشر في المؤسسات الامنية والتي كان المالكي وخاصة في ولايته الثانية يديرها بشكل مباشر وتلمس القاصي والداني سوء تلك الادارة وذاك النهج من خلال حجم الخروقات الدموية التي كان يعاني منها المواطن البسيط بشكل يومي وصولا الى فقدان أكثر من ثلث مساحة العراق ووقوعها بيد الارهاب والمالكي متمسكا بضرورة بقائه في الحكم! كما إن نهج الاقصاء والتهميش الذي إتبعه المالكي وتعميقه للمارسات الطائفية خلقت بؤرا متوترة بشكل دائم وادت الى تكوين مراكز قوى أخرى تتمتع بقوة إقتصادية ودعم خارجي موازٍ للدعم الخارجي الذي يلقاه المالكي وسلطته وبالتالي أدى هذا الاسلوب في الحكم الى تدخلات في الشأن العراقي وتضارب مصالح لقوى إقليمية لم يكن للعراق وللمواطن العراقي أي مصلحة فيها بل إنها عمقت النقص الحاصل في كل شيئ من خدمات وأمن وسلع ضرورية وتردي مريع في المستوى الاقتصادي للفرد وإنخفاض الدخول قياسا مع حجم التضخم المالي الذي نتج عن الادارة المالية ـ الاقتصادية الرديئة للاقتصاد الوطني والاعتماد كليا على النفط في تكوين إقتصاد ريعي مشوه.
ثمانية سنوات من حكم المالكي لم يقدم خلالها أي مكسب يمكن أن يخدم المواطن حتى ولو على مستوى بقعة صغيرة ومحدودة، فمع أضخم ميزانيات في تأريخ العراق لم يعيد تأهيل أي مصنع مهم من مصانع العراق الكبيرة المتعطلة ولم يديم شيئا من البنى التحتية المتهالكة ولم يضف لها شيئا ولم يقدم سوى مزيدا من التوتر وإشاعة الخوف بين الناس عن طريق بث الاخبار عن وجود متآمرين يتربصون بالحكم والمالكي وبالتالي بالعراق، وفي كل مناسبة يزبد ويعربد المالكي على إنه يعرف من يتآمر ومن يسرق ومن يسهل للإرهابين القيام بعملياتهم الدنيئة ومن يخرب بالبلد ومن ... ومن .... دون أن يلمس المواطن أي إجراء فعلي بحق هؤلاء والتساؤل بقي يدور على ألسنة الناس إن كان رئيس الوزراء يعرف كل ذلك فماذا ينتظر لكي يردعهم؟ وسرعان ما إكتشف الجميع إن المالكي كان يتبع سياسة إشاعة الخوف من جهة وتعميق الطائفية والاغرب سياسة ( ضم لي وأضم لك ) بمعنى السكوت المتبادل عن جرائم المتصارعين مقابل أن يستمر كل بنهجه! لقد عبر المالكي طيلة فترة حكمه عن غباء سياسي متفرد وتبعية للاجنبي ( إقليميا ودوليا) بطريقة فجة ومكشوفة ومحاولات لاعادة نهج الدكتاتورية المقيت بكل أشكاله من التفرد بالقرارات الى الاجهاز على بعض المؤشرات الديمقراطية الى الاستحواذ على إستقلالية بعض المؤسسات والتركيز على مركزية غير مخططة وبين هذا وذاك الاعتماد على شلة الاقارب والاصهار والمقربين من حزبه كحواري تتمتع بإمتيازات خاصة! ومن المثير حقا أن تنبري مجموعة أصوات نشاز كل واحد منهم بحاجة الى مَن يدافع عنه ويزكيه لا أن يدافعوا هم عن رمزهم والذي بات عند عامة الناس رمزا للفساد المالي والاداري والفشل الامني، ويبدو إن هؤلاء المطبلين يؤدون واجب الدفاع في تمنّي عودة رب اسرتهم كي يوغلوا أكثر بفسادهم وموبقاتهم تحت حمايته ورعايته ( الكريمتين)، والاكثر كشفا لذوات هؤلاء المريضة هي تهديداتهم الصريحة باللجوء الى التصفيات الجسدية ضد المعارضين لهم وذلك ماعبر عنه أكثر من نكرة منهم بتلوين الشوارع بالدماء!!! وقد يكون هناك هدفا آخر يرمون اليه هو التستر على حقبة تعد من أسوأ وأردأ الحقب التي مرت على تاريخ العراق الحديث وجعل القضية برمتها صراعا بين شخصين لا غير، وحسنا فعل التيار الصدري حينما أعلن إنه لم يعطِ أوامرا بالتظاهر ضد المالكي!! كي يعرف الجميع إنها رغبة شعبية جامحة رافضة لنهج إكتوت منه الجماهير وذاقت الامرين وليس رفضا لشخص لو لا أن يكون مطيعا لذوي النعمة الاميركان أولا ومدعوما من الجارة اللدودة بحجة الطائفة والمذهب لما إستطاع أن يكون ماكان عليه ولما تمكن من جمع ثروات هائلة بطرق غير مشروعة حتما! لكن ماحدث يؤشر لقضية هامة جدا هي إن المتظاهرين كانوا في محافظات يفترض بها أن تدين بالولاء لطائفة المالكي ورهطه، وما خروج الناس بهذه العلنية وهذه القوة إلا تأكيدا على إن حاجة الانسان للعيش الكريم أكبر من الولاء للطائفة وخارج حسابات التقسيمات المكونية وغيرها مما يريد المتنفذون في الحكم من تقسيمات تضعف قوة رد الناس وتجزأها الى مكونات يسهل التغلب عليها، إن الصراع داخل نفس المكون الطائفي بدا ياخذ مديات أبعد وتتعمق جذوره الطبقية لتؤكد إن حاجات الانسان هي من تحدد توجهه وليس شعوذة وتخلف القائمين على نظام المحاصصة البغيض .   

11
الحزب الشيوعي والحركة الاجتماعية: المتن والهامش
تحسين المنذري
تعتبر عملية المطالبة بتحسين الحال عند الانسان فطرية منذ نشأة الخليقة، فكل التطورات التي حصلت على حياة البشرية هي نتاج طبيعي لسعي الانسان لتطوير وضعه نحو الاحسن، بدءاَ من إستخدام الحجر كأداة للصيد ، ومن ثم إكتشاف النار كويسلة للطهي، وأيضا مذ إمتهن الانسان الزراعة وصولا الى ماهو عليه الان من وضع، كلها جاءت على خلفية المحاولات العظيمة تأريخيا لبني البشر في تطوير وضعهم وإستقرارهم على كافة الاصعدة. وفي خضم هذا السعي الدؤوب حدث ويحدث حتما صراعا إنسانيا سواءا مع الطبيعة كبداية لسلسلة الصراعات المتتالية فيما بين البشر أنفسهم وصولا الى تولد حركات فكرية ذات مضامين إجتماعية ــ إقتصادية أثرت على شكل الصراعات وديمومتها، وتأريخا أثبتت الحركات التي لها إمتدادات فكرية نضجها عن تلك التي تولدت نتيجة لظرف طارئ مهما كان عمقه ومهما إتسعت الحركة المتولدة عن هذا الظرف، فالاديان كحركات فكرية عميقة تولدت نتيجة لحاجة إنسانية في التغيير، ومن ثم الصراعات بين الاديان نفسها تطورت نتيجة مصالح فئوية ـ طبقية وإن تلبست بلبوس أخرى، وداخل كل دين حصلت العديد من الارهاصات الفكرية وتولدت مذاهب وطوائف، في البحث عن إصولها سنكتشف مصالحا طبقية أيضا، إلا إن الاهم ملاحظته هنا هو بقاء وديمومة كل حركة فكرية (دينية أو مذهبية) يرتبط أساسا بمدى تمثيلها طبقيا، وكانت كل تلك الحركات العميقة تتولد الى جانبها حركات اخرى هامشية، قد تنمو وتبرق أكثر من الاصل إلا إنها سرعان ماتخبو نتيجة لهامشيتها في الظهور أو إنها تولدت كصراع جانبي عن الصراع الرئيسي الذي خلق الحركات الفكرية العميقة والتي تعتبر الاصل أو المتن. حتى تراجع دور الاديان كحركات فكرية تستجيب للمتغيرات المجتمعية نتيجة عوامل عدة ـ ليس هنا مجال البحث في اصولها ـ لحساب نشوء حركات فكرية فلسفية عميقة قادت المجتمعات في حينها نحو تغيرات عميقة في التطور أو في النظرة للتطور كأقل نتاج، فكانت الفلسفات المثالية تظهر وكأنها تبلط الارض لظهور فلسفات أخرى أكثر عمقا، وكل هذا ظهر نتيجة لبحث الانسان عن فسحة جديدة للتطور ولتغير الانماط القديمة سواءا في طريقة معيشته أو الاصح في تغيير شكل العلاقات الاقتصادية القائمة والتي تتحول في حقبة ما الى معيق لتطور الانسان مما يستدعي العمل بفكر وتنظيم لتغيير ذلك النمط المعيق، حتى جاءت الماركسية لتحدث ثورة عارمة في الفلسفة والتاريخ والاقتصاد، وكان من الطبيعي أن يرافق ظهورها وتطورها إرهاصات فكرية وتداعيات وتغييرات متعددة ، إلا إنها جميعها كانت تصب في مصلحة تغيير بنية المجتمع أو في الاقل تغيير واقع حال سيئ، فلم يكن فائض القيمة الذي سلط ماركس الضوء على دوره في الاضطهاد وفي تطوير رأس المال، إلا عاملا حاسما في تغيير نظرة المجتمع لما يجري من صراعات في داخله،وعاملا هاما في ظهور أحزاب وتنظيمات سياسية تتبنى الماركسية كنظرية عمل،  و كنتيجة حتمية ظهرت الى جانب التنظيمات التي قامت على الماركسية  توابع مثل النقابات وبعض المنظمات المهنية أو ذات الطابع التمثيلي لفئات معينة من المجتمع، إلا إن هذه التوابع جميعها لم تكن يوما لتصلح بديلا عن التنظيمات الماركسية نفسها، حتى وإن إتسعت في لحظات معينة لتبدو وكأنها أكبر أو أوسع من الاحزاب الماركسية ، ذلك إن المتن أو الاصل هو صاحب الفضل الاول في بث الوعي وتطوير أساليب المطالبة بالحقوق . وفي خضم هذا الصراع الهائل حاول الرأسمال الالتفاف بشتى الطرق للحد من رغبة التغيير الجامحة متبعا شتى الاساليب بدءا من القمع وصولا الى تقديم بعض التنازلات، التي لم يقدمها بسهولة بل إتبع مختلف أساليب التسويف والمماطلة، إلا أن جذرية المطاليب في التغيير لم تحدث لولا بعدها الطبقي . ومن هنا لابد من الاشارة الى أن بعض أساليب الرأسمال كانت دونية لمستوى منحدر جدا منها محاولته دس بعض المنحرفين عن الفكر او ممن تمكن من شراء ذممهم كي يحدوا من عنفوان الحركات السياسية والنقابية الحقيقية، وكانت الارض الخصبة لتلك المحاولات البائسة هي المنظمات والحركات التي تظهر بشكل هامشي بين الفينة والاخرى ذلك إنها تكون في العادة واسعة وغير متجذرة طبقيا وممكن لها أن تستوعب من هب ودب وتلك هي نقطة ضعفها الابرز.
 إن هذه الهوامش تلقى في الكثير من الاحيان الرعاية والدعم من قبل الاحزاب السياسية إلا إنها بجميع الاحوال لا تسمح لها أن تكون بديلا عنها حتى وإن برقت أضواؤها نتيجة لهذا السبب أو ذاك، وبالتالي فإن التعامل معها يكون حذرا بقدر دعمها، كي لايحصل وأن يتصور العاملين من خلالها بأنهم باتوا بديلا ، وتلك ليست من مساوئ الاحزاب السياسية بل هي النتيجة الطبيعية لمثل هذه التحركات السياسية تكتيكيا لاجل خدمة إستراتيجية الحزب الشيوعي ، ومن هذا فإن التركيز على سعة وتطور الحركات الاجتماعية في الوقت الحاضر لايخدم تطوير عمل الحزب الشيوعي بقدر ما يعكس صورة سلبية عن واقع الحزب، فالاجدر بالحزب الشيوعي أن يعلن تبنيه للمطاليب الجماهيرية رسميا وتصديه للعمل الاحتجاجي المطلبي وليدعم بعد ذلك كل حركة سياسية أو إجتماعية تتبنى نفس المطاليب وتسير مع الحزب الشيوعي أو خلفه لاجل تحقيق المطاليب المشروعة ، ومن هنا لابد من فض الاشتباك أو في الاقل تنظيم العمل لمن يزدوج في عمله بين الحزب الشيوعي ( المتن) وبين الحركة الاجتماعية ( الهامش) وعليه في الاول والاخر أن يركز على دور الحزب الشيوعي وليس على دور الحركة الاجتماعية لانها  ستمسي في الاخر هامشية وليست ذات شأن إذا ما أستطاع الحزب الشيوعي النهوض ثانية وبقوة بوجه محاولات التهميش والاستقواء بالسلطة أو نهب حقوق المسحوقين، ومن يعتقد بأولوية الحركة الاجتماعية من مزدوجي العمل بين المتن والهامش أرى من الاجدى له وللحزب الشيوعي أن يغادر الحزب ويكرس نشاطه كما يعتقد هو وذلك ليس بالشيئ المعيب تماما فلكل ٍ وجهته في العمل وهي في الاخر محترمة حتى مع الاختلاف، أما البقاء هنا وهناك والاستفادة من المتن والهامش لاجل الظهور وإدعاء العمل الجاد فتلك ستضر حتما بالحزب ، وإن بقي الذي يعمل على حاله بشكل مزدوج بدون الرضوخ لرغبة الحزب فعلى الحزب إتخاذ الاجراء الضروري الهام في مثل هكذا موقف .


12
المنبر الحر / هل من حِراك آخر؟
« في: 23:25 12/05/2016  »
هل من حِراك آخر؟
تحسين المنذري
عادت الغمامات السوداء تملأ سماء بغداد، وعاد اللون الاحمر يلون شوارع وأرصفة أحياء الفقراء، وتزايدت أعداد الشهداء والمعاقين والجرحى، حيث التفجيرات الاجرامية التي طالت مناطق عدة من العاصمة. وفي تتبع بسيط لاماكن التفجيرات فإنها في مناطق لابد ان يتواجد في ما قبلها من سيطرات تفتيش ربما متعددة، مما يلقي بظلال من الشك على دور الاجهزة الامنية في التصدي لمثل تلك العجلات أو الاشخاص المفخخين، وإن قبلنا ببعض التفسيرات بأن عملية التفخيخ في هكذا حالات تتم في مناطق قريبة من أماكن تفجيرها، فإن ذلك يؤشر لضعف العمل الاستخباراتي رغم تعدد تسمياته ودوائره، إستخبارات ـ أمن وطني ـ مخابرات، ولبعضها فروع متعددة على حسب الوزارت الامنية، إلا إن التفسير الاكثر مقبولية والذي بات يتردد على ألسنة عامة الناس بما فيهم حتى من غير المهتمين بالشأن السياسي، فإن هذه التفجيرات والتدهور في عموم الوضع الامني، جاء على خلفية الخلافات السياسية وما أدت إليه من إستعصاء وتأزم جديدين في العمل السياسي، مما يشير بأصابع الاتهام الى السياسيين أنفسهم ممن يتصدون لمختلف مفاصل العمل القيادي في الدولة، على صعيدي السلطتين التنفيذية والتشريعية. ولعل هذه التفجيرات كشفت بشكل لايقبل الشك إن لداعش التي تبنت تلك العمليات الاجرامية ايادي طولى في مؤسسات الدولة المختلفة بما يساعدها على إختراق الجدران الامنية  وتنفيذ تلك العمليات الدنيئة. وهذه المؤشرات الاخيرة أعتقدها مهمة جدا للقوى التي تتبنى معارضة النظام السياسي القائم بإتجاه إقامة البديل أي الدولة المدنية الديمقراطية، فالان بإستطاعة القوى المدنية إستثمار الاحداث الدامية هذه بإتجاه تأليب أكبر للرأي العام العراقي ضد قوى السلطة المحاصصية، والانتقال من مرحلة رفض النظام المحاصصي والمطالبة بالاصلاح، الى مرحلة متقدمة برفض القوى المحاصصية نفسها والمطالبة بالتغيير الكلي ، وبالتأكيد فإن مثل هذه الانتقالة تتطلب جهدا إستثنائيا غير عادي من أولى مستلزماته البدء بحملة دعائية لتحركات سياسية جديدة من أهم مستلزماتها إبتعادها عن القوى المحاصصية المتمثلة في البرلمان والحكومة مهما بلغت محاولات بعضها في تغيير بعض من ملامحها تماشيا مع الاوضاع المستجدة. إن الشعب العراقي وعلى مدى سنوات عجاف من حكم الاسلام السياسي إكتوى بنار الكثير من الوعود دون أن ينال ولو قسطا قليلا من الراحة، وهو يعي الان أكثر من أي وقت مضى إن تلك القوى لا تخدم مصالحه بل لا تلبي الحدود الدنيا من مطاليبه المشروعة، لكنه بحاجة الى عملية تثوير تعيد اليه شيئا من الوعي المغيب، وتكشف خطل وزيف الشعارات الطائفية والوعود الغيبية والتي لم تسمن ولم تغنِ عن جوع. إن العمل السياسي في مثل هكذا أوضاع لا يحتمل الوقوف في المنتصف، فإما أن تكون مع أو تكون ضد، أن تكون مع الشعب وضد الكتل السياسية المتنفذة في الحكم أو تكون معها وضد الشعب، فموقف من قبيل ندعم الايجابي وننتقد السلبي بات موقفا إنتهازيا بإمتياز مبتعدا عن البراغماتية التي أراد لها البعض أن تكون جزءا من سمات سياسته في الفترة المنصرمة.
إن التردي في الوضع الامني الان، والذي جاء تتويجا طبيعيا لسلسلة من الازمات المتلاحقة ليس أقلها الازمة الاقتصادية ومايعانيه المواطن من غياب أبسط الخدمات الضرورية لحياة الانسان، فرصة للقوى الطبقية ذات المصلحة الحقيقية في تغيير النظام، طبيعة وشخوص وكتل متنفذة، في تحشيد الرأي العام لمواقفها وشعاراتها والتي لابد أن تكون واضحة في صياغاتها ومدولولاتها كي تجتذب شرائح كانت مترددة بعض الشيئ أو غير واعية لمصالحها الحقيقية، وتلك مسؤولية تاريخية ملقاة على عاتق القوى المدنية عليها إعتمادها وتغيير أساليب إحتجاجها بما ينسجم مع الوضع المستجد حاليا حيث الرفض العارم للقوى السياسية المحاصصية بكل تلاوينها، وإن تهاونت القوى المدنية في إستثمار مايحدث وبالشكل الملائم  والسريع فإنها ستخسر الكثير من مواقعها بين الناس من جانب، ومن الجانب الاخر فإن القوى المحاصصية ستسعيد أنفاسها مجددا بمختلف الاساليب الدنيئة والتي منها إثارة النعرات الطائفية كما إعتادت بعد كل أزمة تمر بها وتعيد الامور الى ماتريده هي وليس بما يخدم مصالح الشعب.
إن الاستعصاء الحالي ينذر بالكثير من علامات الشؤوم ربما من بينها إعادة الاحتلال رسميا كما حدث في عام 2003، وميثاق الامم المتحدة يعطي الحق للدول الاكبر بفرض وصايتها وسطوتها بإسم المنظمة الدولية على الدول الفاشلة أو التي لم ينضج بعد سياسيوها ليقودوها لبر الامان وهذا ماهو موجود فعلا في الواقع العراقي، لذلك فإن تحرك القوى المدنية وبقوة من شأنه أن يقطع الطريق على القوى الطامعة في إعادة الاحتلال من تنفيذ مآربها خاصة وإنها شرعت بالفعل في تحشيد قوات عسكرية من دول حلف شمال الاطلسي للعودة للعراق مثل ما حدث مع الدنمارك وإيطاليا بالاضافة الى ماموجود فعلا على أرض الرافدين بحجة التدريب وحماية السفارات وغير ذلك من الحجج والتي أخيرها حماية المهندسين والعاملين في ترميم سد الموصل كما إدعت وزيرة الدفاع الايطالية، فهل ما يجري الان بعيد عن أنظار قادة القوى المدنية وأنصارهم؟ أم هم غافلين عن أبعاد ما يحدث؟ في الحالتين المصيبة عظمى.

13
عن الحشد الشعبي .... بصراحة
تحسين المنذري
والمناسبة هي الشائعات التي تؤكد تسليم حماية المنطقة الخضراء الى الحشد الشعبي ، وقبلها إعلان هادي العامري رئيس ميليشيا بدر عن إستدعاء كل قواته لتطويق بغداد وحمايتها من الارهابيين، وما قيل عن ظهور ميليشيا سرايا الجهاد في حدود المنطقة الخضراء من جهة جسر الطابقين والكرادة، وما ينقل هنا وهناك عن تواجد لمسلحين بأزياء متباينة بما فيها مدنية خاصة في مناطق الجادرية، بالمختصر الظهور العلني للميليشيات المسلحة على أثر تنامي الحركات الاحتجاجية وإنزلاقها في منحنيات غير محسوبة النتائج.
لم تكن فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية للشيعة في النجف، إلا ضوءا أخضرا للميليشيات المسلحة الموجودة بعضها قبل إصدار الفتوى، كي تأخذ الطابع الرسمي لوجودها، المدعوم من الحكومة العراقية بأغلبيتها الشيعية مع رعاية وإسناد إيرانيين وبدون أية مواربة. وبرغم ما كان بين تلك الميليشيات من عداء مستحكم بين بعضها، ووقتي او متذبذب بين أخريات تبعا لمصالح وأهواء قادتها المباشرين أو قادة الاحزاب السياسيين رعاة تشكيلها وإدامتها .... فإن تلك الميليشيات ضمنت الكثير من الامتيازات منها الدعم اللوجستي ومساحات تتحرك عليها علنا والتغطية والدعم الاعلاميين، فقد لعبت أجهزة إعلام بعينها مقروءة ومرئية، دورا هاما في تكريس وجود تلك الميليشيات وإضفاء صفات الشرعية والبطولة والوطنية ووجوب وجودها وغير ذلك الكثير، إلا إنها لم تستطع ابدا إلغاء الصفة الطائفية عنها مهما حاولت إظهار رغبات لأفراد مشكوك في صحتها للتطوع فيها أو هم فعلا متطوعين وهم من دين آخر أو من المذهب الاخر. ولعل ما نسب الى الحشد الشعبي بعيد تحرير بعض أجزاء محافظة ديالى كان مؤشرا خطيرا للدور الذي قد تضطلع به فيما لو إستتب لها الامر، ورغم إستنكار قادة سياسيين لما حدث بما فيهم رئيس الوزراء شخصيا، لكننا لم نسمع عن أي إجراء قانوني بحق المسيئين ولا حتى إجراءا إنضباطيا! وغير ذلك فإن الحشد الشعبي تم رفض إشتراكه في تحرير مناطق أخرى كانت محتلة من داعش مثل مدينة الرمادي وأقضية وقصبات أخرى من محافظة الانبار حيث الريبة من الدور الذي يمكن أن يلعبه منتسبوه، سواءا بتوجيهات مركزية من قادة الحشد أو من مبادرات فردية من منتسبيه دون أن ينالوا عقابا عن ذلك وإستعاض أبناء تلك المناطق بمتطوعين أسموهم أبناء العشائر أو الحشد العشائري في تمييز بيّن عن الحشد الشعبي، ولحد الان لم تتضح الصورة في إشتراكه أم لا في تحرير الموصل ومحيطها. كما إن الصدامات التي حدثت بين بعض ميليشيا الحشد وقوات البيشمركَة الكردية في منطقة (الدوز) كانت مؤشرا آخرسلبيا عما ستؤول اليه الامور مع تمركز وتقوية الحشد الشعبي، ورغم إني لا أمتلك الدليل على من كان المعتدي في تلك المعارك الجانبية، إلا إنها بجميع الاحوال خطرة كونها نشبت بين قوات غير نظامية ولا تحمل أي منها عقيدة وطنية! إن نُذُر السوء تظهر للعيان بشكل جلي من ممارسات الميليشيات المنضوية تحت إسم الحشد الشعبي لما تحمله من تركيبات طائفية متشددة، وهل هناك من ميليشيا تحمل السلاح غير متشددة؟ لكن الخطورة الكبرى تتمثل في مجموعتي عوامل أساسيتين تتسم بها ظاهرة الحشد الشعبي، الاولى هي الرعاية الحكومية والدفاع المستميد من قبل رموز السلطة الشيعة عن الحشد وممارساته والاصرار على إنه جزء من القوات المسلحة العراقية ويأتمر بأمر القائد العام وهو نفسه رئيس الوزراء، دون أن يكلفوا هؤلاء أنفسهم للتفكير بشكل سليم عن جدوى وجود ميليشيا غير منضبطة في العادة الى جانب قوات مسلحة يفترض فيها الانضباط والعقيدة الوطنية، وإلا فإن هذا التبني يؤشر الى منزلق خطير حيث تدار المنظومة الامنية من قبل ميليشيا وأيضا الى خلق قوى عسكرية موازية للقوات النظامية على شاكلة الحرس الثوري الايراني وهذه السمة تتأكد بمجموعة العوامل الاخرى المتمثلة بالدعم الايراني العلني للحشد وعدم نكران ذلك من قبل قادة الحشد والحكومة على حد سواء، وهذا يعني الولاء الخارجي المعلن والموافق عليه من قبل حكومة يفترض بها أن تكون مدافعة عن سلامة أراضي أقليمها وحافظة لأمن وسلامة شعبها ، فكيف يتحقق ذلك مع ولاء خارجي؟
 ومن كل ماتقدم فإن تم إسناد حماية المنطقة الخضراء الى قوات الحشد فإن ذلك مؤشرا خطيرا على مدى إنعزال السلطة السياسية عن الشعب من جهة وتسليمها لامر حمايتها وبالتالي قيادتها الى دولة أجنبية، ربما كان ولاء بعض القادة السياسيين الشيعة الى إيران واضحا وصريحا في مناسبات عدة، لكن ان تصل الحال الى حماية الحكومة من قبل قوى تدين بالولاء لدولة أخرى فتلك ماساة لا أظنها حدثت في أي دولة فاشلة أو اي سلطة في ظل اللادولة !! وحتى لو لم يتم ذلك بهذا الوضوح فيكفي تبني بعض ميليشيات الحشد لفكرة حماية بغداد أو لمناطق منها أو حتى لبيوت قادة سياسيين فإن ذلك يدلل على وصول حال البلد لمستوى متحلل جدا ووضع ينذر بالسوء أكثر مما هو فيه وكان عليه! فهل إن حكومة التكنوقراط ستكون كفيلة بحل هذه الاشكالية؟ أنا في شك من ذلك، وهل ترك الامور كما هي دون أن يكون هناك من صوت يستنكر أو يرفض على أسس وطنية وليست طائفية يقود الى نهاية مقبولة؟ لا أظن أيضا. إن القوى المدنية وقد أثبتت حضورا إيجابيا في تحركها الاحتجاجي سيما في بداياته ممكن لها أن تلعب دورا محوريا في التحشيد ضد إستشراء ظاهرة الحشد الشعبي لو إنها تبتعد بشكل أكبر عن قوى الاسلام السياسي عملا وتوجها، فإن قوى الاسلام السياسي جميعها وبدون إستثناء غير بريئة من تهمة إمتلاكها لميليشيات مسلحة ولا أعتقد إن من مستلزمات بناء الدولة المدنية وجود ميليشيات مسلحة وتابعة لحزب إسلاموي .
إن تركيزا إعلاميا على الحشد الشعبي صار، سيما في الفترة الاخيرة، ظاهرة يجب التوقف عندها، فهاهي الفضائيات تُظهر زوار الائمة وكأنهم لم يأتوا سيرا على الاقدام ويتكلفون كل ذاك العناء إلا لكي يدعون الى نصر الحشد الشعبي وليس القوات المسلحة العراقية، وطلبة الجامعة المتخرجون يهدون نجاحهم الى الحشد الشعبي هكذا يتحدثون الى الفضائيات، بل وحتى أساتذة الجامعة يهدون جهدهم العلمي الى الحشد الشعبي، وكل المارة وكل من هب ودب يظهر على فضائيات بعضها رسمية تتبع الدولة وليس احزابا كل هؤلاء لا هم لهم سوى التفكير بالحشد الشعبي والدعاء لقواته بالنصر المؤزر. لكني وفي الاخر أتوجه بالسؤال الى المرجعية الدينية صاحبة فتوى الجهاد الكفائي : هل إن مايحدث وما تم من تشكيل وتطوير لتلك الميليشيات كان جزءا من مستلزمات الفتوى؟ وهل كانت المرجعية مقدرة لهذا الذي حدث؟ أعتقد بدل إعادة لبس عباءة التقية، على المرجعية أن تقول كلمتها كي يتبين للناس الخيط الابيض من الخيط الاسود، خير من إختلاط الصور والالوان!

14
الدولة المأزومة والمدنية المثلومة
تحسين المنذري
منذ بدء إعادة تشكيل الدولة العراقية بعيد الاحتلال، بدت ملامح التكوين المشوه أكثر عرضة للتأزيم، فكان مجلس الحكم ساحة الصراع الرسمي الاولى، وبدت ملامح الصراع آنذاك بين ممثلي كتل الكيانات الذين إدعوا تمثيلهم لشرائح مجتمعية قد لا يرتضي كل ابنائها بهؤلاء ممثلين لهم، لكنها مشيئة المحتل هي من قررت ذلك التمثيل والذي تجاوز في لحظات معينة قوى مجتمعية ـ سياسية أقدم وأكثر أحقية في تمثيل بعض تلك الشرائح أو إنه سحبها، برضاها، من مواقعها الى مواقع طائفية، وإن كان الانتظار آنذاك سيد الموقف والامال الكبيرة المعقودة على التغيير هي مصبرات الجوع العراقي لحياة أخرى تعطي على الاقل للأجيال القادمة مالم تحصل عليه أجيال ىشاخت أو إكتهلت ، لكن كل ذاك بدأ بالانهيار تدريجيا ومن ثم الانحدار بشكل دموي مريع مع الاحتراب الطائفي ،حتى بات الحفاظ على الحياة الفردية هي أكبر المطامح ولم يكن ذلك مضمونا لا بمكان ولا بزمان. وهنا كان البروز للمستوى الاول للصراع وأعني به الصراع بين كتل سياسية بمليشياتها تدعي كل منها تمثيل مكون مجتمعي، أو هكذا كان وقود وضحايا تلك الكتل السياسية، وإن بقي الحال هكذا حتى بدت ملامح مستوى آخر من الصراع مابين كتل سياسية تنتمي لنفس المكون الذي تدعي تمثيله، وإن كان الصراع في المستوى الاول يأخذ طابع إثبات الوجود عن طريق قضم مايمكن من مميزات السلطة على حساب كتل المكون الاخر، فإن المستوى الثاني بدأ يظهر نوايا أخرى للكتل المتصارعة هو كسب ليس فقط مواقعا سياسية بل وأيضا ماتدره السلطة من أموال ومواقع إجتماعية مؤثرة ونفوذ في تقرير المصائر. ومع ترسخ مواقع السلطة بيد البعض من سياسيي مدعي تمثيل المكونات ، فقد برزت بوادر مستوى آخر من الصراع بين شخوص نفس الحزب أو نفس الكتلة، وشهدت الساحة إنشقاق قياديين عن أحزابهم أو كتلهم بمجرد فقدان تلك الشخصيات لمواقعها القيادية في السلطة أو في الحزب، ومن إنشق عن ميليشيا فقد ضمن لنفسه تكوين ميليشيا، وهكذا كانت تلك الصراعات ذات تأثيرات مباشرة وغير مباشرة أحيانا على إدارة مؤسسات الدولة وعلى تنفيذ برامج تنموية غائبة أو لم تكن في حسبان أغلب هؤلاء المتصارعين، وتحول صراع تحسين المواقع الى رعاية مفضوحة لاوكار الفساد المالي والاداري والسماح للاخرمن الكتلة المنافسة بغض النظر عن هويته بفعل مايشاء مقابل الحصول على مكاسب مماثلة أو أكثر وأن يسكت الاخر عنها، وبالتأكيد كانت كل تلك الصراعات وبمختلف الاصعدة والتجليات تختلق الازمات، الحقيقي منها والمفتعل، وبالتالي التأثير الفعلي والمباشر على مايحصل عليه المواطن من مكاسب أو حتى الحد الادنى من الخدمات الانسانية، وهذا كله كان من شأنه أن يؤسس لقاعدة مجتمعية عريضة معارضة لتوجهات القوى المحاصصية بغض النظرعن هويتها السياسية المعلنة مادامت قد تحولت تلك القوى الى قوى ذات مصالح طبقية تتناقض مع الشرائح المغلوب على أمرها من المهمشين والكادحين والمنحدرين من مواقع إجتماعية متوسطة الى مواقع أخرى أكثر فقرا وأقل حصولا على المطاليب الضرورية لحياة بكرامة إنسانية ولو بحدها الادنى.وبهذا تحولت السلطة من قوة ضبط وعامل فاعل يساعد المجتمع والفرد على تجاوز أزماته الى قوة خالقة للازمات ومديمة لها بشكل فج كي تضمن واقعا ضعيفا يكفل لها الاستمرار في مواقع القرار، وإن كان ذلك بأشكال متباينة إنسجاما مع وظائف ومراكز وفرتها التغيرات الجديدة في مؤسسات الدولة بما يسند تواصل التقسيمات المحاصصية، لذلك كان المواطن العراقي يتمنى أن تكون الازمات أقل وأن تكون نتائجها بما لايمس بقاءه على قيد الحياة.إن سلطة تعتاش على الازمات من شأنها أن يختلق في كنفها قوى ذات مشروع آخر مغاير لمشروعها ، فكيف وإن تلك القوى وذاك المشروع موجودان أصلا حتى قبل تشكل أغلب قوى الفساد في السلطة لكن ويا للاسف فإن هذه القوى المناهضة قد ثلمت مشروعها بقبولها الصفات الطائفية في ساحة الصراع الاولى ومن ثم عدم نفض أيديها تماما من العلاقة مع قوى التأزيم السلطوي ، فبعضها جرى إحتوائها وإفراغ مشروعها بالكامل حينما قبلت أن تكون جزءا من قائمة إنتخابية لقوى فاسدة محاصصية والاخر وإن لم تتح له مثل هذه الفرصة لكنه بقي على علاقة يشوبها الوئام حتى عندما وصلت بعض قوى السلطة الى حافة الانهيار.
إن تلك الحالة جعلت المواطن يفقد ثقته بهذه القوى المدنية لانها لم تعلن صراحة رفضها للقوى المسببة بإنتكاسات المشروع الوطني، رغم إعلانها الرفض لمشروع قوى السلطة، فذلك بنظر الناس، وهي نظرة واقعية،يوجب على من يرفض المشروع أن يرفض معه حامله كي يكسب إطمئنان الجماهير لمشروعه البديل. إن القوى المدنية كان بإستطاعتها أن تكون أكثر قوة وأكثر نفوذا لو إنها إختطت لنفسها نهجا يقصيها عن قوى السلطة ومكاسبها الوقتية ، وكان بالامكان للصراع أن يكون أكثر وضوحا وأكثر فرزا للقوى المتضادة ، إلا إنه ولحد الطور الاخير من ملامح صراع قوى السلطة فإن القوى المدنية أبقت لنفسها على علاقة وثقى ببعض أطراف صراع قوى التأزيم السلطوي، مما وضع الاختيارات للمواطن العادي مابين قوى أكثر فسادا وأخرى أقل ، أو إنها بدت محاولة كي يتكرر المشهد الايراني مابين محافظ ومعتدل وإصلاحي !! أي إن الناس كما يبدو قد أسلمت مصيرها الى قوى الاسلام السياسي دون النظر الى المشاريع الاخرى حتى وهي ترفع شعار الدولة المدنية، هذا الشعار الذي قد جرى إحتوائه من قبل قوى إسلام سياسي برضا وتهليل لمن يدعون تصديهم للحراك المدني ولمشروعه . واخيرا فإن الصراع المحتدم اليوم بين قوى الازمات السلطوية كان مقدرا له أن يندلع في أي لحظة، حتى دون الحاجة لحراك جماهيري منادي بالمدنية، ذلك إن ترسخ أقدام هذه القوى في السلطة وتوسع مصالحها وتناقضها في الكثير من المفاصل، كان من شأنه أن يتفجر في أي لحظة، وإن كان من فضل للقوى المدنية في الامر فإنها أعطت الذريعة والشعالر لبعض هذه القوى كي يعلن صراعه مع الاخر لاغير، دون أن تستطيع القوى المدنية أن تلتقط زمام المبادرة وأن تضع كل هؤلاء بموقعهم الطبيعي المعادي لتطلعات الناس في الانعتاق والتحرر. وإن الخطورة الاكبر هي بقاء القوى المدنية على نهجها في ثلم مشروعها النبيل دون أن تعي ضرورة الابتعاد كليا عن أية علاقات ودية مع قوى التأزيم السلطوي ، وتحت أية ذريعة بائسة مما يأتي تردادها على ألسنة (دعاة) المشروع المدني.

15
العراق.... رأي فيما يحدث
تحسين المنذري
مع تسارع الاحداث في العراق اليوم ، مابين دعوة للاصلاح وليس للتغيير تمتد آخر موجة منها لأكثر من ثمانية أشهر، ومابين رفض من قبل القوى المتنفذة في الحكم ومحاولات إلتفاف ومماطلة من قبل بعض رموز الحكم، ومن ثم دخول قوة سياسية مؤثرة في الشأن السياسي والشارع العراقي على حد سواء، في اللعبة، محاولةً  تقليم أظافر قوة أخرى منافسة لها ومختلفة معها في الحيثيات وليس في التوجه الفكري العام ، وصولا الى حصر المشكلة في تغيير شخوص حكم وليس نظام حكم ! وإنتهاءا وليس نهاية الى مطالبات بتغيير طاقم الرئاسات الثلاث وإعتصام مجموعة من البرلمانيين والبرلمانيات بحجة الرغبة في تغيير الوجوه وصولا الى إنهاء المحاصصة الطائفية كما أعلنوا في البدء إلا إنهم تراجعوا بشكل ملفت لكي تتحول المطالبة الى إنهاء المحاصصة الحزبية فقط ، حيث إصطدم النواب المعتصمون مع ذواتهم عندما أرادوا طرح مجرد إسم بديل عن واحدٍ من الرئاسات الثلاث حتى عادوا الى المحاصصة الطائفية بحجة الحفاظ على حق المكونات العراقية في المشاركة في الحكم، في محاولة بائسة للضحك على الذقون، في حين إن المحاصصة الطائفية حين بدأت لم يطرح منظروها الا هذا الشعار هو فسح المجال لكل المكونات العراقية في المشاركة السياسية، ما جرّته تلك التقسيمات من رداءة في كل شيئ حتى مرحلة الاستعصاء هذه.
لقد غطت أحداث إعتصام البرلمانيين على شعارات ومطالب كانت الى الامس القريب جدا هي المتصدرة للحدث ، مثل حكومة التكنوقراط ، ومستقلين، وإختيارات الكتل ورغبة رئيس الوزراء ، وغيرها من العبارات التي ملأت أسماع الناس كالجعجعة لكنها بلا طحن، إختفت كل هذه المفردات ومدلولاتها مع هبة البرلمانيين المعتصمين، الذين يقولون عن عددهم بأنه أكثر من 170 في حين إن كاميرات قاعة مجلس النواب لم تستطع أن تصور ألا أقل من 130!! ويبدو إن فكرة الفضائيين إمتدت حتى في هذه اللعبة ، وإلا أين هؤلاء الاكثر من اربعين نائبا؟ والغريب حقا هي قدرة هؤلاء المعتصمين على تقمص أدوار متباينة فمن كان بالامس يمثل دور الشمر صار اليوم يمثل دور الحسين، الفاسد المخضرم وفي كل العهود يدعي تصديه المشهد لمحاربة الفاسدين ، وصاحبة نظرية 7مقابل 7 يتبنى لسانها الطويل الهجوم على المحاصصة والمحاصصين ، ويبارك لهؤلاء مهزوم ترسخ في عهديه الفساد وترسخت مفاهيم الطائفية وإستحدث هو شخصيا مبدأ لا أفضحك ولا تفضحني ، أو التستر على جرائم الاخرين مقابل التستر على جرائمه هو ورهطه، والاكثر غرابة إن النواب المعتصمين كانوا لحد الامس على طرفي نقيض فهم يمثلون كتلة ذاك الزعيم الفاشل الفاسد وكتلة ذاك الزعيم الديني الذي لم يدخل اللعبة إلا لكي يقلم أظافر الاول وكتلته الحزبية والبرلمانية! ويجري كل هذا في محاولة لخلط الاوراق وتشويه المشهد !! فما الذي يحدث؟ يبدو المشهد للوهلة الاولى مظلما وليس هناك من خيط يقود حيث مكان العقدة الاهم، لكن مع تأمل بسيط من قبل أي متابع يكتشف إن كل مايجري إن هو ألا تمسك مقيت وقذر بكراسي الحكم على حساب مصلحة الوطن والمواطن ، وسينتهي الامر بإعادة تقاسم لمهمات السرقة والفساد، وتوزيع جديد للادوار، لايفضي كل ذاك الا لخدمة المتنفذين وكتلهم وحواريهم، أما الوطن والمواطن فإلى الجحيم ، ولم يعد ينقصهم إلا أن يرددوا مقولة المقبور الاثيرة (فليخسأ الخاسئون )فهم من نفس مدرسة السفالة والخسة التي تخرج منها ذاك وأرّثهم أصولها وتطبيقاتها! ويقال في التدقيق بسجلات بعض هؤلاء يكتشف ببساطة إنتماءهم للتنظيمين الذي كان يرعاه المقبور والذي هم فيه الان، فأي هاوية سيصل اليها الانسان العراقي ؟ واي أمل بالتغيير قد أمسى بخبر كان . بل إن حتى من إدعى محاولة تدخله لايجاد الحلول رمى الكرة في الاخر في ساحة الاخرين مثلما تقدم رئيس الجمهورية بورقة حل من ست نقاط عمومية المدلول غامضة التطبيق ورماها على عاتق البرلمانيين والكتل السياسية والقادة الاجتماعيين ليجدوا السبل لتطبيقها، أما كيف فيبدو إنه هو أيضا لا يدري، أو يخاف أن يعلن عن خارطة طريق لتطبيقها فقد يمسه الضر! وهكذا ستبقى الكرة في حالة تقاذف وتبادل إتهامات بين هذا وذاك وصولا الى قتل جذوة الامل في التغيير والوصول الى حالة يأس مقيت، ذاك هو الهدف الاكبر لهؤلاء.
إن تجربة حكم الاسلام السياسي منذ العام 2003 والى الان غنية بالتجارب وتكشف في كل مرة مدى دناءة هؤلاء متبني الفكر الديني فلسفةً في الحكم ، فأحزاب وكتل سياسية تنتمي لنفس المدرسة الفكرية لكن بمراحل وبنايات مختلفة، تتصارع فيما بينها وتتخاصم وتصل حد القتال ، وتتقاتل أيضا، لكنها تعود بعد فينة كي تتصالح وتتحالف وترعى إحداهما الاخرى وتدافع عن مسمياتها، كل ذلك يكشف زيف الفكر الذي يتبنون، وزيف الادعاءات المخلصة بحب الوطن وزيف أي مظهر قد يخدم الانسان ، وصولا الى إن الصراع والتصالح كله يتم على أساس المصالح التي بدأت شخصية وفئوية  والتي توسعت فيما بعد لتمسي مصالح طبقية فكل من هؤلاء إنتمى لشريحة طبقية وبنى حوله ركائز تديم ذاك الانتماء وترعى مصالح تلك الشريحة الطبقية ، لكنهم جميعا يشتركون في إنتمائهم لنفس الطبقة وإن إختلفت الشرائح فالمصالح تبقى واحدة. مع وجود تباينات في الانتماء ليس على صعيد القادة بل على صعيد الجماهير المغلوب على أمرها في تأييد هذا وذاك، وهذا ما يتسق بشكل كبير مع فضاضة الفكر الديني قبل أن يتمركز الولاء طائفيا ومناطقيا بل وحتى عشائريا.

16
الاحتجاجات الشعبية بين تيارين
تحسين المنذري
ما أن إتسعت الاحتجاجات الشعبية ـ المطلبية حتى بدت علائم إنتهائها تظهر بشكل أوضح، فالتصعيد الذي تبناه التيار الصدري سواءا بزيادة عدد المتظاهرين أو بالاعتصام أمام المنطقة الخضراء، بما كان يحمله في طياته من أهداف ورسائل يريد مقتدى الصدر إيصالها لمؤيديه ومناوئيه على حد سواء ، بدت وكأنها ترسم نهاية قريبة لتلك الحراكات الاحتجاجية، فقد أراد مقتدى الصدر شخصيا ومن ورائه بعض قادة تياره أن يقولوا للمحتجين المدنيين إنكم لا تستطيعوا الانفراد بعمل سياسي أو إحتجاجي مؤثر مالم يكن لاحد تيارات الاسلام السياسي مشاركة أساسية معكم بما يمليه الواقع المزري لعراق اليوم، وايضا اراد إحتواء تلك الحراكات وتوجيهها لاغراض تهم مقتدى وتياره تحديدا، لذلك رسم ونفذ بنجاح خطة إحتوائها، وماكان في خطبته قبيل إعتصامه داخل المنطقة الخضراء من مؤشرات سلبية تكفي لكشف ذلك، فقد تعامل بفوقية متناهية مع المعتصمين دون أن يحسب حسابا لغير مؤيديه المتواجدين في خيم الاعتصام وقتها، وكل إستخدمه من كلمات جافة ونابية مع جموع المعتصمين تؤشر على كبرياء فارغ كلّـله بتعبيره عن نفسه على إنه ممثلا للشعب، في أقتراب واضح من فكرة أنا الشعب التي تمثل بها كل الدكتاتوريين في العالم وعلى مدى التاريخ. الغريب إن كل ذلك جرى أمام أنظار وعلى أسماع جماهير التيار المدني دون أن يحرك أحدهم ساكنا كإحتجاج على ما بدر من مقتدى الصدر، بل ولا حتى من أي من قادتهم الميدانيين، وكأنهم قانعين بما قال وتصرف أو إنهم خائفين !!! كما كان خطابه الذي أنهى فيه الاعتصام، برغم ما حاول في بدايته من تطيب خاطر للتيار المدني ، إلا إنه أيضا حمل مؤشرات شخصية مقتدى الصدر بكبرياء مفتعل وفارغ وتعالي على الجموع، فهل إستشار مقتدى الصدر قادة التيار المدني في قراره إنهاء الاعتصام؟ أم كما جرت العادة يقرر بناءا على مزاجه المتقلب والذي لايثق به أقرب مقربيه.إن كل ما  حصل من تدخل لشخصيات إسلامية، دينية وسياسية ، يتحمله التيار المدني الذي سمح لمشاركة هؤلاء حركته الاحتجاجية، فبدل أن يهرول قادة التنسيقيات للقاء رموز التيار الاسلاموي بحجة إيجاد ركائز وجماهير دعم أكبر، كان عليهم إلاستفادة من الزخم الجماهيري الكبير الذي رافق بداية إنطلاق الحركات الاحتجاجية، عن طريق رفع شعارات أكثر حدة في مواجهة القوى المتنفذة في الحكم، فقد كانت الشعارات المطلبية في بداية الاحتجاجات أقرب للتوسل من الرفض والاحتجاج، والجماهير تريد من يستوعب فورتها بتطوير وعيها وتثويرها عن طريق رسم أهداف وشعارات أكثر راديكالية وأكثر وضوحا، وذلك ما دأب التيار الصدري تحديدا على الاستفادة منه في تحشيد جموع الفقراء والمعوزين لصالح قادته ورموزه، دون أن تنال تلك الجماهير المسحوقة، والمخدرة بوعود الاخرة، أي من مطاليبها المشروعة.
وحينما إزداد ضغط الشارع في مظاهرات التيار المدني كي ترتفع درجة الاحتجاجات، لم يتبنَّ قادة الإحتجاجات المدنيون سوى شعار الاصلاح كهدف أسمى وليس التغيير، في حين إن الجماهير نفسها وجدت في شعار( شلع قلع) على بدائيته وفوضويته، شعارا ينسجم مع دواخلهم المهضومة، لذلك إستجاب العدد الاكبر لدعوات مقتدى الصدر وتياره في نقل الاحتجاجات الى إعتصام، وفي أخطر منطقة في بغداد.
لقد كان جليا إن من أهداف مقتدى الصدر في المشاركة بالاحتجاجات والتصعيد هو إستهدافه لحزب الدعوة ولشخص أمينه العام نوري المالكي ، لما بين الطرفين من بغضاء إبتدأت مع قبول محمد محمد صادق الصدر ( والد مقتدى) لتصدر المرجعية الدينية في النجف بقرار من الدكتاتور صدام، وهذا التكليف عند مراجع الشيعة ورجال دينهم يعتبر شيئا معيبا ينتقص من قيمة المرجعية والمرجع نفسه، لانهم يعتقدون بمقولة ( خير أمة يقف حكامها على أبواب علمائها، وبئس أمة يقف علماؤها على أبواب حكامها) وبالتالي فإن هذا التكليف يجعل من المرجعية كيانا تابعا للسلطة السياسية وهذا مايرفضه ليس فقط رجال الدين الشيعة بل وحتى أتباعهم المتدينين، ومن هذا المنطلق فقد شن حزب الدعوة وبمشاركة مع قوى إسلامية أخرى حملة ضد محمد الصدر في وقتها على صعيد الجاليات العراقية في الخارج وبالاخص أيران،ولم تهدأ حتى مقتل محمد الصدر وولديه، وإن إستطاعت القوى الاخرى تسوية الامر مع مقتدى الصدر لاحقا عند عودتها بعد التغيير عام 2003 عن طريق إستدرار عواطف الخؤولة والنسب، فإن حزب الدعوة لم يلجأ الى ما يهدئ الامر بل الى تصعيده حينما تبنى نوري المالكي شخصيا فكرة وعملية تصفية جيش المهدي مبتدئا بالبصرة بما عرف بإسم صولة الفرسان، ومن ثم تبني نوري المالكي بحكم موقعه في السلطة لفئة منشقة عن التيار الصدري ودعمها علنا في محاولة للحد من نفوذ مقتدى أو لخلق قوة موازية خرجت من عبائته، لقد كان كل ذلك شاخصا في ذهن مقتدى الصدر حينما إشترك وتياره في الاحتجاجات الشعبية، ما يؤكد زعمنا هذا ما أشار اليه في خطبته التي أنهى بها الاعتصام، بشجاعة حيدر العبادي حينما تصدى لرفض الولاية الثالثة، وحينما قدم تشكيلة وزارية تقلم شيئا من أظافر حزب الدعوة في الحكم . فهل إنتهى كل شيئ ؟ بالتأكيد لا، فمقتدى الصدر بحكم معرفته بأساليب زملائه في تيارات الاسلام السياسي الاخرى بقدرتها على التسويف والمماطلة من جهة، ولرغبته في تأكيد تزعمه لحركة الاحتجاجات وتطويق التيار المدني، من جهة أخرى، أمر أتباعه بإستمرار التظاهر في كل جمعة لحين إقرار البرلمان للتشكيلة الوزارية الجديدة، وهذا مايؤكد ما ذهبنا إليه من أن رغبة الاصلاح عند التيار الصدري تتعلق برفض شخوص وليس سياسات ونهج وفلسفة حكم أدت الى ماوصل اليه العراق من تردي مريع. من جانب آخر يثار تساؤول عن مدى جدية قوى الاسلام السياسي المتنفذة في الحكم في قبولها بفكرة تغيير الشخوص وصولا للحد من الفساد المستشري؟ بحكم معرفة تلك القوى لطبيعة الشعب العراقي وإمكانية إستثارة عواطفه بضرب وتر الطائفية في أوقات الشدة، وأبرز مثال على ذلك الاستقبال الذي حظي به إبراهيم الجعفري وما كسبه من عواطف وتأييد بعد مجرد مشادة كلامية مع ممثل السعودية في الجامعة العربية وهو الشخصية الشيعية الاكثر كرها في الشارع العراقي حتى من قبل الشيعة أنفسهم، أقول بحكم معرفة المتنفذين بكل ذاك فإني أعتقد ماقاموا به هو فقط إنحناء شكلي أمام العاصفة سيعودون الى ماكانوا عليه بمجرد فتور الاحتجاجات أو بما سيقدم لاحقا من وعود وتطمينات لمقتدى شخصيا ولتياره وقادته،ففي البرلمان مازالت التحالف الشيعي يمتلك أكثرية، ولجان البرلمان الاكثر أهمية يقودها ممثلين عن الشيعة،والدستور والقوانين مازالت كما هي وبرعايتهم،مما سيجعل من الوزراء الجدد لا أكثر من موظفين تنفيذيين لاغير،وأيضا مما يساعد المتنفذين للعودة لحالهم الاصلي، إن بقي التيار المدني على ما وصل اليه من تراجع في الشعارات والمطاليب، ذلك إن من أبرز مستلزمات النهوض الان هو تغيير شكل الاحتجاجات الى أشكال أخرى أكثر تأثيرا على السلطات والمواطن، والى شعارات أكثر وضوحا ورفضا لكل توجهات السلطة السياسية ولكتلها المتنفذة وعدم الموافقة على أي تقارب مع أي تيار إسلاموي مهما بدا قريبا في شعاراته مما يطالب به التيار المدني،وعدم التعكز على خيال يفترض رفض المرجعية للحركة الاحتجاجية، أو تلك القوى الميليشيوية أو ذاك الفصيل المؤثر، فالجماهير هي مَن تحمي وهي مَن  ترفع مِن شأن مَن يتبنى مطاليبها بجرأة وتصدي شجاع. التجربة العراقية تقول وعلى مدى كل تاريخ إلاحتجاجات منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة والى الان، إن الشعار الاكثر حدة هو المطلوب والموقف الاكثر راديكالية هو المرأي، والابتعاد عن قوى السلطة السياسية هو الاكثر مرغوبا عند الجماهير.


17
هل هناك يسار جديد في العراق؟
تحسين المنذري
منذ أن عُرف اليسار كمفهوم في عالم السياسة مع الثورة الفرنسية، كان توصيفا للقوى المعارضة الرافضة للواقع والباحثة عن التغيير، ومنذ بدايات القرن العشرين إستوطنت الماركسية بكل تشعباتها ومدارسها الفكرية القوى المعارضة ذات المصلحة الحقيقية في التغيير، والى الان مازال مفهوم اليسار توصيفا للقوى الباحثة عن التغيير وفق مفاهيم ومبادئ متكاملة تمتلك صورة أوضح لما تؤول اليه الامور في التغيير. ومهما حاولت القوى المحافظة ، القوى اليمينية، من تحريف لمفهوم اليسار بإطلاقه على بعض القوى المتمردة عليها ولكنها ضمن نفس توجهاتها ، فإن تلك المحاولات سرعان ماتبوء بالفشل، ويبقى اليسار توصيفا لقوى التغيير الحقيقية ذات المفاهيم العلمية أو التي تدين لهذه القوى بالولاء وعدا هذا لايمكن توصيف القوى التي بمجرد ما تتمرد على حالة معينة أو بحثا عن مكاسب أفضل ، لايمكن إطلاق توصيف اليسارعليها حتى بمختلف تفرعاته اي يسار الوسط أو اليسار الجديد أو غير ذلك.
وفي مختلف الحراكات الاجتماعية ــ السياسية تحدث بشكل عفوي أو مبرمج الكثير من الانسلاخات والارهاصات التي تعيد أحيانا تشكيل المشهد أو إن تلك التغيرات تنتهي مع إنتفاء الحاجة لظهورها،ومنذ أن إنطلقت الحركة الاحتجاجية في العراق بمرحلتها الحالية التي بدأت مع منتصف العام الماضي والى اليوم تتصاعد أصوات متفائلة مع بعض التطورات التي ترافق الحركة الاحتجاجية والتي تبرز عادة مع كل إشتداد للازمة داخل السلطة ، وهذه لعمري قضية مهمة فإن تطورات المشهد الاخيرة لم تأتِ نتيجة لتطور الاحتجاجات أو لشمولها قطاعات جديدة أو لتغيرات نوعية في طبيعة التعبير عن الاحتجاج، بل إنها جاءت بحكم الارهاصات المعتادة داخل الكتل السياسية الحاكمة منذ عام 2003 والى الان، والتي تمثلت بتمرد هذا الفصيل عن كتلته أو تغيير لذاك الفصيل لمواقفه وفقا لمصالح مستجدة، إلا إنها لم تكن يوما من أجل مصلحة المواطن بقدر ماهي محاولات لتوسيع القواعد الجماهيرية على حساب الفصائل الاخرى في نفس الكتلة بحكم تشكل تلك الكتل وفقا للمحاصصة الطائفية ـ ألاثنية ، وقد سبق أن حدثت مثل هذه التغيرات وبحدة أكبر أحيانا في داخل مختلف الكتل السياسية، السنية والشيعية والكردية . وقد كان التيار الصدري في أغلب الاحيان هو التيار الاكثر إختلافا عن بقية فصائل كتلته ، بل إن صراعه معها وصل أحيانا للدم، لكنه يعود أدراجه بحكم مصالح الطائفة بشكل عام ومكاسب تتحقق للتيار نفسه شخوصا ومواقعا، وبالتالي فإن التعويل على هذا التيار في توليد يسارا جديدا يبدو وكأنه من أحلام اليقظة المملة ، فتيار عرف ليس ببراغماتيته بقدر ماعرف بإنتهازيته وتبدل مواقفه السريع والمفاجئ أحيانا لايمكن أن يعول عليه لقيادة أو لمجرد مشاركة في عملية تغيير مطلوبة يُراد لها أن تكون شاملة وحقيقية، صحيح إن شرائح واسعة جدا من أنصاره تعتبر ذات مصلحة حقيقية في التغيير المنشود،والتي لم تنحاز للتيار الا بحكم ظروف معينة لعل أهمها نكوص في فاعلية القوى الممثلة حقيقة لمصالح تلك الشرائح الطبقية إضافة لعوامل أخرى، لكن قيادات التيار لا تتحرك وفق تلك المصالح كما تشير تجربة السنوات المنصرمة بقدر تحركها وفقا لمصالح تلك القيادات ووفقا لمايريده زعيم التيار غير الموثوق بمواقفه من قبل الجميع، حلفاءا ومناوئين، وبالتالي فإن كل تعويل على دور التيار يبدو كـ "عشم إبليس في الجنة " وأي تصور بأن تلك الجماهير قادرة على إحداث التغيير داخل قيادات التيار تبدو أيضا أضغاث أحلام، فتلك الجماهير إعتادت أن تسير وفق الفتوى ومشيئة القائد( الضرورة الجديد) ولهذه الحالة مسببات وظروف ربما لايسع المجال للخوض فيها الان .
إن الحراكات الاحتجاجية الان إذا أُريد لها أن تحقق أهدافها فلابد أن تأخذ مداها الطبقي بكل تجلياته الفكرية والسياسية والاجتماعية ، ولابد لها أن تهدد مصالح القوى المتنفذة في الحكم صراحة عن طريق تهديد وجودها في السلطة ، فإن كل قوة تحكم أو متنفذة في الحكم بمواصفات الكتل السياسية الحاكمة في العراق الان لا تطمح لأكثر من بقائها في سدة السلطة وهي مستعدة من أجل ذلك لتقديم تنازلات هنا أو هناك مقابل الحفاظ على مواقعها في الحكم ، وكل حديث عن أفقية الاحتجاجات وعدم رغبتها بتهديد مصالح القوى السياسية المتنفذة في الحكم وعدم إستهدافها لهذا الشخص أو ذاك يصبح عديم الفائدة وغير مجدٍ لتطور الحركة ، وعلى الاحتجاجات ألا تجامل اسماء شخوص وكتل الحكام بل عليها أن تشير وبالاسماء الصريحة وبالادلة الثبوتية على فساد هؤلاء، وفضح برامجها السياسية والاقتصادية وطرح البديل العلمي الواقعي، وبمواجهة صريحة ودائمة لايشوبها الفتور أحيانا والتصاعد في أخرى ، وعند ذاك ستضاف قوى جديدة راغبة في التغيير ممكن أن تخلق يسارا ناهضا بمواصفات فكرية ذات مدلولات طبقية ونظرة متكاملة للواقع والمستقبل المأمول .

18

الاحتجاجات المطلبية في العراق الى أين؟
تحسين المنذري
قرابة الستة أشهر منذ أنطلاقة المظاهرات المطلبية في البصرة وبغداد والتي تبعتها محافظات أخرى تزايد عددها في فترة ما ومن ثم تقلص.
ستة أشهر من الشد والجذب بين المتظاهرين والسلطة السياسية ورموز الفساد المتنفذين فيها، لكن هذه الستة أشهر لم تستطع أن تغير من واقع حال الشعب ولم تبعد فاسدا واحدا مهما صغر حجمه عن موقعه، إلا إن الستة أشهر هذه شهدت تقلص المظاهرات وإقتصارها الان فقط على عشرات في كل محافظة مع إحتمال إندار أكثر في الاعداد، ومهما بذل القائمون على مظاهرات بغداد من محاولات لزيادة الاعداد مثل دعوة ممثلين عن كل محافظة أو الاستفادة من مؤتمرات للمرأة والطلبة وغير ذلك من طرق جذب أعداد جديدة للمظاهرات ، لم ينفع كل ذلك في الاستمرار في الزيادة بل كانت تبرز في كل جمعة جديدة ظاهرة تقلص الاعداد بشكل مؤسف.
ستة أشهر وأسلوب الاحتجاج واحد لم يتغير والشعارات من نمط واحد أيضا، رغم محاولات محدودة جرت للتظاهر أمام البرلمان أو مجلس القضاء الاعلى، لكن في كلا الحالتين كان الاسلوب هو نفسه والشعارات هي نفسها.
في تأريخ العراق الحديث منذ نشوء الدولة العراقية والى الان تراث حافل بالنضالات المطلبية والحركات الاحتجاجية، وتحولت تقريبا أغلب الحركات المطلبية الى حركات مناهضة للحكم بشكل واسع ولعل من الامثلة الساطعة إضراب عمال نفط كركوك عام 1946 والتي عرفت بإنتفاضة (كاورباغي) والتي بدأت بحركة إحتجاجية مطلبية لعمال النفظ وتطورت الى إنتفاضة باسلة شاركت فيها جموع غفيرة من ابناء الشعب الكادحين من غير عمال النفط، أو إنتفاضة تشرين عام 1952 والتي بدأت بإعتصام مطلبي لطلبة كلية الصيدلة وإنتهت بإنتفاضة شعبية عارمة شاركت فيها كل الاحزاب الوطنية آنذاك وأسقطت حكومة وكذا الحال مع إنتفاضة آل إزيرج والتي بدأت أيضا بتظلم الفلاحين من جور الاقطاع وصارت إنتفاضة ضد النظام الملكي، وغير ذلك الكثير من الامثلة التي تشكل إرثا نضاليا ممكن الاسنفادة من دروسه في تطوير النضال المطلبي الحالي في العراق، ولعل أبرز ملاحظة في كل تاريخ الحركات الاحتجاجية ـ المطلبية إنها لا تخيف السلطات الا بتبنيها شعارات سياسية تمس صلب عقلية الحكومات والتي هي أساس كل التقصيرات في الخدمات والاجور أو بإستشراء الفساد في مؤسسات الدولة، ولم يكتب النجاح لاي حركة إحتجاجية اذا إقتصرت على قضايا مطلبية بحتة إلا بشكل محدود في بعض القطاعات التي لاتهم السلطات تطورها من عدمه، كما إن الحركات المطلبية والاحتجاجية عموما لم تهادن قوى مشاركة في الحكم ولم تسمح لها بالمشاركة معها برفع نفس المطاليب مالم تتخلى تلك القوى عن مشاركتها في السلطة علنا وتبرئ نفسها من أخطاء وخطايا الحكم، وإعتمدت جميع الحركات الاحتجاجية على قواها وما تستطيع تحشيده من قوى أخرى ( طبقية أو سياسية)  دون اللجوء الى مساعدات مشروطة من أحد أو مساعدات لأغراض غير التي قامت الاحتجاجات من أجلها، أي إن مشاركة قوى يُشك في نواياها لم يكن مسموحا به أو في الاقل مرغوبا به وبالتالي لايكون هناك أي تعاون بين القوى المنتفضة والاخرين الطارئين، فكيف إن كان هؤلاء الطارئون مشاركين في الحكم أو هم متهمون أصلا في تردي الخدمات وتحوم حولهم شبهات الفساد وغيرها. ولعل هذه المسألة كانت من بين الامور التي أصابت المظاهرات بالضمور حينما قبل القائمون على تنسيق المظاهرات بدعم من جهات كانت أساسا داعمة ومتسببة في صعود الفاسدين الى دفة الحكم وأيضا قبول مشاركة قوى أخرى لها يد طولى في الفساد وتردي أحوال البلد.
إلا إن أكثر ماتؤاخذ عليها الحركات الاحتجاجية الحالية هي عدم إستفادتها من تجارب الماضي العراقي والذي من بين ذلك ثبات إسلوبها وعدم تطويره أو تغيير بعض الشعارات التي لم تعد تلبي حاجات الناس أو إنها غير مباشرة في طرح المشاكل بل وحتى في إتهام السلطات التي سارعت منذ إنطلاق موجة الاحتجاجات الى محاولات ركوب الموجة وإمتصاص زخم المظاهرات بإعلانها عن تبنيها لمشاريع إصلاحية على ضعفها وثانويتها لكنها لم ينفذ منها شيئا الى الان!!
وليس متأخرا أن نقول إن السلطات الحاكمة لم تعد حديثة العهد بالحكم واساليبه وإلتواءاته وليست غبية لدرجة الانجرار الى مصادمات دموية غير محسوبة العواقب، وبقدر سعيها لتجاوز مطاليب المتظاهرين وجعلها من ثانويات إهتماماتها، إلا إنها في عين الوقت تخشى تمرد الشارع عليها خاصة إذا ما أقترن بمحاولات تعطيل مصالح الناس، فما ضر القائمين على تنسيق المظاهرات أن يقوموا بإحتجاجات سلمية أيضا، تلك السمة التي يصر المنسقون على التمسك بها ـ وهم على حق ـ لكن هذه الاحتجاجات تأخذ طابعا أكثر تأثيرا على الحكم مثل قطع الجسور بأجساد مجموعة من المحتجين، أو قطع الشوارع الرئيسية وفي أوقات الذروة، مع رفلع شعارات توضح للناس اسباب قطعهم للطرق وتعتذر عن الازعاج ويا حبذا لو تكون تلك الشعارات واليافطات تحفيزية للاخرين كي يشتركوا مع المحتجين في إحتجاجهم ومساعدتهم، أو التجمع بوقت مبكر أمام وزارات ودوائر الخدمات المهمة ومحاولة منع كبار الموظفين من الدخول ورفع شعارات إقالة هؤلاء وبإسم الشعب، وربما لدى الناس أفكار أخرى مفيدة أيضا، ماضر المنسقين لو إنهم يستمعون لما يريده الناس منهم من تطوير لاحتجاجاتهم، أخشى أن يستمر تناقص المتظاهرين وأن يجد المنسقون أنفسهم في جمعة ما وحيدين في الساحة، سيستحقون التحية آنذاك،  لكن في نفس الوقت المواساة لانهم لم يستثمروا الفرصة.

19
المنبر الحر / إسلام آخر ممكن !
« في: 19:35 21/11/2015  »
إسلام آخر ممكن !
تحسين المنذري
مهما يحاول المسلمون المعتدلون إبعاد شبهة العنف عن الدين الاسلامي فإن محاولاتهم تلك تنتهي بالفشل ، ذلك إن مايحمله القران من آياتٍ تدعو للقتل والقتال والحرب كفيل بإسكات المدافعين، عدا الشواهد التاريخية والتي تعد بالالاف عن عدوانية المسلمين دولا وقادة عسكريون وسياسيون بل وحتى  أفراد ، وكلهم يستندون الى النص المقدس أو ماتواتر من سيرة نبوية وغير ذلك من الاسنادات التي تبرر لهم أفعالهم تلك. مما يؤكد إن محاولات إنكار شبهة العنف عن الدين الاسلامي غير مجدية ، بل إن البعض صار يعتقد إن محاولات المسلمين المعتدلين إن هي إلا محاولة إخفاء حقيقة أو إنها تكتيك مؤقت لحين ما تتاح لهم الفرصة كي يكشروا عن أنيابهم فيصيروا كما هم نظرائهم من المتشددين ودعاة القتل والارهاب .
مما يؤشر على الاديان السماوية والاسلام بشكل خاص هو تعدد منابره وفقهائه حتى صارت به مذاهب ربما تبتعد عن بعضها لحد شبهة الخروج عن الدين وتكفير بعضها بعضا ، وذلك ما ساعد على بروز تصورات وأفكار لدى بعض المذاهب وفي أوقات محددة، قديما وحديثا، تدعو الى العنف وإستخدام أساليب القتل والترهيب لفرض وجود أو كي ينحسر الاخر المختلف بغض النظر عن معتقده ، مما أدى الى إتساع دائرة الارهاب وبالتالي طغيانها على كل أو مجمل الدين وغدت الاصوات المعتدلة في أحايين كثيرة وكأنها أصوات نشاز تبتعد عن حقيقة الدين الاسلامي . وتبقى محاولات إنكار الاخرفي داخل الدين ، المعتدل أو المتطرف، محاولات فاشلة ذلك لوجود مايسند كل طرف، نصا وحدثا، ولسعة البحث وتعدد الباحثين وتباين مشاربهم مما وضع الدين الاسلامي في موقف لايحسد عليه من التراجع والضمور وتشوه في السمعة، إذا ما أستمر كل ذاك فربما سيصبح الدين الاسلامي سُبةً لمعتنقيه أو إنه مؤشر مخزٍ عند البعض. وبالتالي فإن بقاء الوضع كما هو عليه الان سوف لن يقدم إلا مزيدا من القتل وإتساع دائرة التهميش كي تشمل من هم ليس لهم يد في كل ماجرى ويجري . إن الدين الاسلامي يعيش الان في فترة أزمة حقيقية في الفكر والخطاب وفي مرتكزاته البنيوية ، وأي محاولة لانكار الازمة إن هي كمحاولة حجب نور الشمس بغربال. كما إن دينا يعتنقه خمس سكان الارض لابد أن تكون له من إدامة ومراجعة دورية في كل شيئ ، ليس من أجل بقاء الدين كمعتقد فحسب بل وايضا لوقف التداعيات المأساوية الناجمة عن بقاء أزمة الدين وتعمقها وما ينجم عنها من قتل وأرهاب ومنظمات تديم العنف وتطور أساليبه وغير ذلك من صور المأساة التي باتت البشرية أجمعها تعاني منها وليس المسلمين لوحدهم أو القريبين منهم أو المختلفين معهم فقط ، فالارهاب بات يهدد كل شيئ ، عليه فإن بقاء الحال كما هو عليه صار من المستحيلات وترك الامور على عواهنها سيؤدي الى ما لاتحمد عقباه ، ووقفة مراجعة من قبل المسلمين أنفسهم هي الحل الامثل لهذه الخارطة المعتمة الملامح، السوداوية اللون . وقبل أي شيئ لابد للمسلمين أنفسهم ، مفكرين ورجال دين من مختلف المذاهب والتوجهات الفكرية الاسلامية، أن يقرّوا أولا بوجود الأزمة ، كي يتمكنوا من فرض أجندة الاصلاح والتي لاتخرج عن فكر الدين الاسلامي نفسه، ففي مقابل آيات القتل هناك أكثر من ثلاثين آية في القران تدعو الى الحوار والجدال والمناقشة
﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ سورة النحل الاية ( 125). كما إن النسخ في القران والمقر من قبل جميع فقهاء المسلمين بمختلف مذاهبهم ممكن أن يكون أحد الركائز التي يستفيد منها الباحثون الجدد كي يبرروا وضع  آيات القتل وحوادثه جانبا وعدم النظر إليها سوى إنها آيات ٍ وحوادث كان لها وقتها الذي إنتهى الان ولا مجال لاعادتها ، و(القرآن حمّال أوجه ) لم يقلها جاهل بالدين والقرآن بل هو من أعلم من كان في التاريخ الاسلامي والى اليوم وأعني به الامام علي إبن أبي طالب ، كما يمكن الاستفادة من سير ائمة الدين بمختلف مذاهبه في ذلك ، فروحية حوار الامام جعفر الصادق مع الزنادقة في عصره ( الجعد بن درهم وعبد الكريم بن أبي العوجاء وغيرهما) تعد إحدى مدارس الحوار الفكري الناضج ، وكذا الحال مع إسلوب الامام علي بن موسى الرضا مع كل مخالفيه في عصره وماقدمه من أناة وهدوء وإستماع للآخر وما أوصلهم إليه من حالة رضا عن كل ماقاله ، ممكن أن تكون إحدى ركائز الراغبين في الشروع بالاصلاح الديني ، وأيضا ماقاله الامام أبو حنيفة النعمان (كلامنا هذا رأي فمن كان لديه خير منه فليأتِ به) تشكل أيضا ركيزة هامة في الحوار ، بل والاكثر من ذلك ماذهب اليه الامام الشافعي حينما أفتى في مصر في موضوعات كان قد أفتى فيها بالعراق ولكن بفتوى مختلفة، وعندما سئل عن ذلك أجاب، لقد تغير الزمان، وتغير المكان، وتغيرت أحوال الناس، كما تغير علم الشافعي، فازداد علماً وخبرة. وفي عصرنا الحديث كان للازهر أيضا إضاءات في قبول الجديد ولعل إصلاحات الامام محمود شلتوت في الازهر خير دليل على ذلك ، وكذا الحال مع فكر وممارسة الراحل الامام محمدحسين فضل الله أو التطورات الفكرية الاخيرة في مرجعية النجف الشيعية ودعوتها الى بناء الدولة المدنية فإنه يعد تطورا هاما في فكر المرجعيات الشيعية على مدى التاريخ . إن مهمة النهوض بواقع الدين الاسلامي تعتبر الان أكثر أهمية من غيرها ولا أعتقد إن الحكومات التي تدعي الاسلام دينا ونهجا في جميع بلدان العالم لها مصلحة في التغيير المنشود ، لذلك فإن الاعتماد على المراكز البحثية المستقلة عن الحكومات وتبني مفكرين مشهود لهم بالتجديد وسعة الافق هو الطريق الاسلم للوصول الى حالة إستقرار وتطور إيجابي للدين الاسلامي وتخليص لشعوب العالم أجمع من تبعات الارهاب المتدين .



20
المنبر الحر / لاڤين الذي رحل !
« في: 18:09 29/10/2015  »
لاڤين الذي رحل !
تحسين المنذري
أمس الاربعاء 28/10/2015 إحتضنت الارض بحنان جسد الشاب لاڤين مغلفا بالزهور ، حنان لم تمتلكه قلوب العنصريين القتلة ، أمس أنتهى فصل من حكاية سوف لن تنتهِ مادام في الارض ملونون ومادام للعنصرية زاد تستزيد منه ، أمس وقف وصفي إسكندر ليقول للجميع (إن لاڤين للكل)، الاكثر فجيعة من الاخرين هو الاكثر إدراكا لما حدث ، نعم فقد حاول البعض وربما كانوا جميعهم بحسن نية وصفاء حزن أن ينسبوا الشهيد لاڤين لهوية أخرى غير الهوية الانسانية ، البعض تحدث عن عراقية الشهيد وآخرون قالوا عن إنتمائه القومي ، والبعض تحدث عن ديانة أمه ، كل ما قيل في هذا الاطار هو في الحقيقة تقزيم للبطولة التي أقدم عليها الشهيد لاڤين ، فهو لم يفكر لحظة إقدامه البطولي لا بجنسيته ولا بقوميته ولا بديانته ، بل ولم يتصور إنه بعمله هذا يؤدي عملا بطوليا ، نعم هكذا هم الكبار ، هكذا هم المضحين ، هكذا هم الشهداء ، لم يفكروا لحظة تضحيتهم البطولية بأنهم يقومون بشيئ مميز ، كل ما يفكرون به ربما في تلك اللحظة كيف يؤدون عملا قرروا القيام به. كما إن المجرم العنصري الذي أقدم على فعلته الشنيعة تلك لم يعرف لحظتها إن كان لاڤين عربيا أو كرديا أو مسلما أم غير مسلم أو أي شيئ آخر ، فقط هو ذو سحنة غير سويدية ، فيجب بعرف هؤلاء الاوغاد أن لايعيش !! لكن الشهيد لاڤين سيبقى مثالا لكل من يريد للسلام أن يعم ، لاڤين سيبقى مشعلا للحب ، سيبقى شاهدا على إجرام العنصريين ، فإني أحمل اليمين السويدي والحزب العنصري ( ديمقراطيو السويد ) مسؤولية الجريمة تلك ، فهم من أشاع ثقافة العنصرية ، ثقافة الحقد والكراهية ، ثقافة إقصاء الاخر غير السويدي الاصل ، عليهم تقع مسؤولية هذه الجريمة هم وكل من يؤيد افكارهم المسمومة تلك ، والغريب ، الغريب فعلا أن تجد مَن هم مِن أصول غير سويدية يؤيدون هذا الحزب ، بعضهم بحجة إن الحزب العنصري هذا ضد المسلمين ، وبما إنه غير مسلم فيؤيده ، والبعض يتصور إن هذا الحزب هو ضد العرب ولانه هو غير عربي فيؤيد الحزب ، بل إن البعض أوغل اكثر فإنتمى لهذا الحزب ، ربما حقدا على شخص واحد ! أوشيئ من هذا القبيل !! وهم لايعلمون إنهم محتقرون من هذا الحزب وهم أعضاء فيه ، فهذا حزب عنصري ضد الكل ، فقط مع عنصرييه ، أنه حزب يكره ليس فقط الاجانب بل حتى السويديين المتعاطفين مع الاجانب ! فلنصحو من غفوتنا هذه ، ولنعد لما قاله الاكثر فجيعة منا في مسيرة الشموع حينما هتف وصفي إسكندر ( لنحب بعضنا ) يا لحكمتك ايها المفجوع ، نعم لنحب بعضنا ، ونعم (لاڤين للكل) لاڤين الذي رحل من حصة الانسانية جمعاء وليس من حصة أحد.     

21
عن مدنية الاحتجاجات

تحسين المنذري
لم يترسخ مفهوم في الحياة السياسية العراقية مثلما ترسخ مفهوم الدولة المدنية ، ليس فقط نتيجة لحجم الدراسات والمواد التي نشرت عنه بل أيضا نتيجة لممارسات دعاة المفهوم المضاد ، فمنذ عام 2003 والى الان دافعت أحزاب الاسلام السياسي عن مفاهيمها السياسية من خلال خططها المعدومة في مناهجها الحكومية وبرامجها السياسية الفاشلة والاهم عبر تكريس نظام المحاصصة الطائفة ـ الاثنية ،والذي تمكنت عن طريقه من تنمية مجموعة من الفاسدين سياسيا وإداريا وماليا بحيث خلقت منظومة فساد متكاملة تستمد بقائها وقوتها بتواجد شلة الفساد في مفاصل الحكم وإستمرارهم بنفس نهجهم وممارساتهم. حتى بات كل عمل تقوم به القوى المتنفذة في الحكم مرتبطا في الوعي الجمعي للشعب بالاسلام السياسي ، حتى وإن كانت بعض تلك الممارسات المشينة من أشخاص وكتل سياسية لا تستمد فكرها من الاسلام السياسي إلا إن وجودها الى جنب قوى السلطة المتنفذة يجعل من أخطائها محسوبةً على قوى الاسلام السياسي عند عامة الناس ، وتولد موقف رد فعل وشعور رافض لخطاب الاسلاميين في الحكم وتشكيك بكل ما يصدر عنهم حيث لم تسعف كل خطابات المسؤولين ومحاولات الظهور وكأنهم المنقذين للوضع لم تسعف أي ذا حاجة ملحة كانت أم مؤجلة ، وبقيت معاناة الناس كما هي في وضع أمني متردي وخدمات لاترتقى الى أدنى مستوى إنساني ، ووصل اليأس أوجه ،سيما مع العلاقة الطردية بين تزايد أخطاء الحكم الكارثية وتزايد مطاليب الناس  ، وصار البحث عن منفذ من محنة الوضع هاجس يومي للمواطن العراقي ، حتى جاءت حركة الاحتجاجات رافعة لواء الدولة المدنية كبصيص أمل لملايين المسحوقين خاصة مع شعاراتها المطالبة بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. وقد حاولت جهات سياسية عدة "ركوب الموجة " خاصة تلك ذات التوجه الاسلامي والتي لاقت رفضا علنيا من قبل المحتجين وإبتعاد كلّي عن خطابها وشعاراتها. وحتى بعد تأييد المرجعية الدينية في النجف للحركة الاحتجاجية فإن الناس بقت تنظر الى مدنية الاحتجاجات فقط . إن الوضع بات في العلن صراعا بين دعاة الدولة المدنية وبين الحكام المتمترسين بنظام المحاصصة المقيت ، مع كل مايقف وراء هذا الصراع من تباينات طبقية ووجهات نظر سياسية وأفكار إقتصادية وسياسية بل وحتى ثقافية ، وفي وضع مثل هذا لابد للقوى والشخصيات التي تصدت واجهة الاحتجاجات أن تحافظ على هوية ماتصدت له وألا تنساق خلف شعارات تصب في الاخر بمصلحة قوى السلطة مهما كانت تلك الشعارات نبيلة ومهما كانت مناسباتها إنسانية عامة تخص المظلومين والمهمشين ، فالخيط هنا دقيق جدا بين أن تكون مع مطاليب الناس وبين أن تتبنى خطابا سبق للسلطة الفاسدة أن تبنته ، بين أن تحافظ على تشكيلة القوى التي تقوم بتلك الاحتجاجات وبين أن تسمح لقوى مازال بعضها في السلطة ومتهمة كبقية قوى السلطة بالفساد والرشى والتخندق الطائفي. إن المواطن العراقي يبحث الان عن وضوح الموقف والصراحة في التعامل مع قضاياه الحياتية والفصل بين من يريد مصلحة الوطن والشعب وبين الباحثين عن مصالحهم الضيقة حزبية أو كتلوية أم طائفية ، وتبقى الاشياء بمسمياتها كما هي لايمكن الخلط بين هذا وذاك فالمواكي الحسينية هي مواكب لاقامة الشعائر الحسينية حتى تلك التي تتبى مطاليب الناس وحتى تلك التي ترفع في العادة شعارات يسارية فإنها تبقى مواكب لاقامة لاشعائر الحسينية وليست شيئا آخر ، فلتكن الاحتجاجات مدنية لا تشوبها أية شائبة على صعيد الشعار والمشاركة والاهداف .

22
المنبر الحر / التضامن وطن
« في: 00:52 14/09/2015  »
التضامن وطن

تحسين المنذري

وجوه لا تلفحها الشمس الا لماماً، ابيضت وأصفرت حتى تظنها وجوه لئيمة ، شابات بعمر الورد لاينقص أي منهن الجمال في كل مظهرها ، شباب مفتولي العضلات تنز ملامح الصحة من وجوههم ، لاينقصهم أي شيئ من مستلزمات الرفاهية العصرية، ما الذي يحمل كل هؤلاء على التفكير بهموم غيرهم ؟ ما علاقتهم بمشاكل الشرق الاوسط وهم يقبعون على سقف العالم في أقصى الشمال الاوربي؟ هذه بعض من أسئلة راودتني وأنا أقف اليوم في وسط تجمع تضامني مع المهاجرين الاجانب القادمين من بلدان الحروب والانظمة المتخلفة ، لم تكن نسبتنا نحن الذين نشترك في السحنة والاصل مع المهاجرين الجدد لتزيد عن عُشر من خرج للتضامن مع نظرائنا ،لكن نظرات الود والتعاطف والتضامن كانت تحيطنا وكأنهم يريدون أن يقولوا لنا مرحبا مرة أخرى .
في بدايات عام إشتداد الحرب الاهلية (2006) خسرت عائلتنا شابين هما أبني أختي اللذين ذهبا ضحية مذهب لم يختاراه ، وصراع لم يتسببا ولا بمقدار واحد بالمليون في نشوءه وتطوره ، بريئان حد البياض من كل ذنب، فكانت الخسارة موجعة جدا ، مؤلمة حد لاينفع معها التأسي بأي شيئ ، كان لي جار سويدي كبير السن عرف مني الحادثة ، وتألم معي وتضامن وحاول بشتى الطرق أن يواسيني ويخفف عني ، وصار يتابع أخبار الوضع العراقي كل يوم ، ويأتيني في الصباح ليقص عليّ ماحصل بالامس في العراق من تفجيرات لمفخخات وعبوات ناسفة وإستخدام حقير ولئيم لكاتم الصوت، ويتابع تصريحات وسخف مسؤولينا الذين أخزونا فكنت أحاول أن أبعد شبهة تخلفهم وكذبهم وفسادهم عن نفسي أولا وعن الناس الطيبين من أبناء الشعب ممن كانوا ومازالوا ضحايا لعسف الانظمة التي حكمتهم ، وفي كل مرة كنت  أقص عليه حكاية عن صدق وأمانة العراقيين المحبين لوطنهم المخلصين لمستقبل أجيالهم وأبنائهم ، بالطبع كان يصدقني ويتأسف لما وصل اليه حال البلد في ظل حكم شلة السفلة السراق والخونة ، تذكرته اليوم وترحمت عليه من كل قلبي ، لأن من رأيتهم اليوم متضامنين مع محنة اللاجئين هم إمتداد طبيعي لهذا الرجل .
لم يفكر أحدٌ من المتضامنين اليوم بأصول القادمين الجدد ، ولا بلونهم ،ولا بديانتهم ولا بملكياتهم ولا بأي شيئ سوى إنهم بشر يبحثون عن الامان، بل إن إحدى اليافطات كُتب عليها ، إن الهجرة لاتعني البحث عن الرفاهية بل البحث عن الامان فلنكف عن الكلام الزائد!! كما إن المتضامنين لم يخشوا على منجزات مجتمعهم من الخراب والتراجع ، ذلك ببساطة لان ماتم بناؤه لم يكن عن عبث ولم يأتِ من فراغ ، وليس طارئا ، بل إن كل مافي المجتمع جاء عبر سنوات وأجيال من الجد والا جتهاد والتبحر في العلوم والاستفادة المثمرة من تجارب الاخرين ، وبأموال المواطنين أنفسهم وليس بمنة من حكامهم أو من مساعدات الاخرين المشروطة بالولاء والتخلي عن الوطنية، لأن كل ماموجود له أساس متين يمتد عبر مسامات الانسان نفسه ، لأن المتضامنين كانوا وطنيين حد النخاع لم يخافوا على وطنهم من تلون السكان، فالوطنية عندهم ليس شعارات جوفاء ولا أغاني حماسية ولا عداوات مع الجوار وإتهامات رخيصة للاخرين بالخيانة ورفض المختلف وشتيمة الرأي الاخر ، الوطنية عندهم ببساطة هو أن تشتري منتوج وطنك حتى وإن إرتفع سعره عن المستورد ، أن تدفع الضريبة وأنت مطمئن البال مرتاح الضمير فما دفعته سيعود عليك منافعا ، صحة وتعليم وطرق حديثة ووسائل إتصال ووسائط نقل متطورة ومن آخرماتوصل اليه العقل البشري ،الشعور الوطني هو ببساطة تطبيق القوانين وعدم مخالفة الانظمة والتعليمات الحكومية والمؤسسية وإرشادات السلامة في كل شيئ، الوطنية عندهم ببساطة هي أن تحافظ على نظافة ومظهر مسكنك والطرقات المحيطة به والشوارع العامة والحدائق والمتنزهات وأماكن لعب الاطفال، كما تحافظ على نظافة بدنك ومظهرك اللائق ، وسوف يتعلم القادمون الجدد إن كل ذلك عليهم أن يفعلوه ويقفون بالدور بإنتظام كي يكونوا مواطنين صالحين في هذا المجتمع ويستحقون حمل جواز سفره وثيقة تؤدي الى إحترام المرء أينما حل وترحل . نعم سوف يصطدم القادمون الجدد بتطبيقات قد تكون صعبة عليهم في بداية الامر ، لكنهم في الاخر سيجدون لذة في تطبيقها والانصياع لمستلزمات الحياة السليمة الهادئة ، وسوف يصطدمون أيضا ببعض العنصريين أو ببعض مظاهر العنصرية في التعامل هنا وهناك لكنها في الاخر مخزية لمن يريد أن يفعلها أو هو يطبقها ، سوف يتضامن معهم إبن البلد الاصلي ضد إبن موطنه الاصلي لانه كان عنصريا في التعامل ، سوف يكتشف القادمون الجدد إن العنصريين قلة قليلة ولكي لايزدادوا لابد لهم أن يتعاملوا بحضارية مع المجتمع الجديد بإنفتاح لايلغي القيم والاعراف التي يؤمن بها اللاجيئ على أن لا تتعارض مع المجتمع الجديد ، وسوف يتعلم القادمون الجدد وأبناءهم إن الدين والمعتقد من حقوقهم التي لاينتزعها منهم أحد بشرط ألا يطبقوها بما يؤثر على حرية الاخرين ومعتقدهم ، وسوف يتأكد المهاجرون إن لا أحد يقدر أن يملي عليهم رغباته وشروطه إلا بقدر ماتسمح به قوانين العمل والبلد والاصول العامة .سوف يكتشفون وببساطة ماذا تعني كلمة إنسان !!

23
عن الكتلة التاريخية أتحدث

تحسين المنذري
كلما تشتد الحراكات الاجتماعية ضد توجهات السلطة القائمة منذ 2003 تثار قضية الكتلة التأريخية بوصفها حلا أو طريقا أو إنها الخيار الاهم للخلاص من الكتل السياسية الحاكمة، وفي العودة الى "غرامشي " صاحب الفكرة الاساسية، أو بالاحرى هو صاحب الصياغة الاكثر شهرة للكتلة التاريخية،ذلك إن ماطرحه ماركس متأخرا وما تبناه لينين مبكرا عن التحالف بين العمال والفلاحين من أجل التغيير،هو بحد ذاته طرح لفكرة الكتلة التاريخية لكن بصيغة التحالف ولربما كانا على حق بذلك وهذا ما سيشار اليه لاحقا.
يعتبر غرامشي من أوائل من طرح موضوعة المثقف ودوره في مهمة التغيير،وقد ألقى على عاتقه مسؤولية كبيرة في تطوير وعي الشغيلة ورسم الطرق والسياسات التي بها تستطيع الطبقة العاملة وبقية شرائح المعدمين من تغيير الحال والانتقال الى منظومة حكم جديدة من شأنها خلق تبدلات جوهرية في طبيعة العلاقات الاجتماعية،فكانت تسمية المثقف العضوي التي مازالت الى اليوم تلقى صدىً وإهتماما كبيرين في الدراسة والتحليل. كما إن غرامشي وضع على عاتق المثقفين الذين يتبنون قضايا مجتمعهم مهمة سد الثغرة التي تحصل بين الطبقة الحاكمة والطبقات المحكومة ، وهذه العملية قد تكون عملية ربط بين الفئتين أو عملية خلق لمناخ تغييري وهو الارجح في تصوراته،أو إنها عملية تفاعل بين متطلبات الطبقة الحاكمة والطبقات المحكومة،هذه المهمة هي التي تستطيع أن تخلق الكتلة التاريخية،أي إنها بإختصار فكرة تتعلق بالمثقفين العضويين، وإشترط غرامشي إضافة لذلك إستمرارية هذا الالتقاء لما بعد تحقيق المهمة الانية التي من أجلها قامت الكتلة التاريخية،وهو بذلك ميز بين فكرة التحالف والجبهات وفكرة الكتلة التاريخية،لكن ماينبغي التأكيد عليه هو إن الكتلة التاريحية عند غرامشي مفهوم طبقي  أيضا،لكنه يختلف عن ماركس ولينين بأنهما أرادا لكل العمال أن يتوحدوا مع كل الفلاحين في تحالف طبقي ستراتيجي في حين إن غرامشي بمفهومه للكتلة التاريخية أراد لشرائح المثقفين من الطبقات الفقيرة فقط أن يشكلوا تحالفا أطلق عليه الكتلة التاريخية،فالكنيسة في الجنوب الايطالي التي دعا للتحالف معها من قبل اليسار القوي في الشمال لوجود التطور الصناعي هناك ، لم تكن هذه الكنيسة مدعوة كواحة ربانية أو لانها تمثل النزعة الدينية في المجتمع بل لانها كانت تمثل الشريحة المثقفة في وسط فلاحي متخلف ،فكان الاساقفة والكرادلة هم المثقفين في هذا الوسط وعلى هذا الاساس تمت الدعوة لتشكيل الكتلة التاريخية معها. وحتى محمد عابد الجابري ذهب بإتجاه طبقي عندما دعا في ثمانينات القرن المنصرم الى تكوين الكتلة التاريخية ( تضم جميع القوى الفاعلة في المجتمع والتي من مصلحتها التغيير في اتجاه تحقيق الأهداف الوطنية)، إلا إنه توسع كثيرا في شرح القوى الفاعلة مقترحا عدة تكوينات وتنظيمات سياسية بما فيها الجماعات الاسلامية التي لم تكن لها باع في الحكم يومها ، مضيفا لها بعض من شرائح المتنفذين في الحكم ولم يستثنِ منها الا من لم يرد هو أن ينضم اليها ، وواضح إنه مفهوم فضفاض رغم إعتماده على فكرة التقسيم الطبقي في المجتمع ، حيث إنه كان يشبه الحال في الدول العربية كما لو إنها لم تزل تحت الهيمنة الاستعمارية المباشرة.أما الكتل التاريخية في أميركا اللاتينية والتي تشكلت في مقارعة الانظمة الدكتاتورية المدعومة من أميركا فإنها تشكلت أيضا على أساس الخلط بين المصالح الوطنية والطبقية في آن، يوم كان النضال الطبقي مرتبط كليا بالنضال التحرري للانعتاق من أشكال الاستغلال المباشر وغير المباشر من قبل الرأسمال الاميركي خصوصا والغربي عموما، وإن الكنيسة كانت أيضا جزءا من القوى المناهضة للوجود الغربي ــ الاميركي في بلدانها،لذلك برز قساوسة يساريون بإمتياز آمنو حتى بالماركسية كطريق للتغيير. إلا إن مايؤخذ على هذه الكتل التاريخية هي عدم ديمومتها كما هي فالبعض منها إنحل بمجرد تحقيق الاهداف والاخر تحول الى حزب سياسي لم ينجو من الانشقاقات والانحرافات وغير ذلك .
من الملاحظات الواجب التذكير بها هنا إن التحالف مع الكنيسة سواء عند غرامشي أو في أميركا اللاتينية بغض النظرعن الوضع الطبقي للكنيسة هناك فالمؤكد إن الكنائس المعنية بالكتلة التاريخية لم تكن ممثلة في الحكم بالمطلق بل إنها كانت مضطهدة ، ومن هنا أريد التوجه نحو فكرة تشكيل الكتلة التاريخية في العراق المطروحة منذ وقت ليس بالقصير ويجري التأكيد عليها في أيامنا هذه ، فهل إن القوى الاسلاموية المستهدفة في تشكيل الكتلة التاريخية ، قوى غير ممثلة في الحكم ؟ وهل إنها وإن حوت الكثير من شرائح الفقراء المسحوقين والفئات المهمشة ، تمثل بحق مصالح هؤلاء؟ أم إن إتباع هؤلاء لهذه الكتلة أو تلك من قوى الاسلام السياسي جاء بحكم الخطاب الديني الاسلامي العريض عادة والذي يستفيد منه المسحوق كما الغني في نفس الوقت ؟
إن إنحسار شعبية اليسار وأغلب القوى الديمقراطية في العراق والمنطقة مرتبط بعوامل عدة إستفادت منها قوى الاسلام السياسي فإكتسحت تلك القواعد الجماهيرية بوعود دينية لم يقبض منها المسحوقون والمهمشون شيئ منذ إعتلت سدة الحكم قوى الاسلام السياسي بشقيه وبمختلف تلاوين التنظيمات التي تشكل جبهات وكتل العمل السياسي منذ مابعد السقوط في 2003 والى يومنا هذا،لربما كانت فكرة الكتلة التاريخية أكثر نضوجا يوم كانت الدكتاتورية تحكم في العراق وكانت القوى السياسية جميعا مناهضة لها بما فيها الشيوعيون واليساريون وقوى الاسلام السياسي ، إلا إن هذه الاخيرة تعاملت خاصة بعد وضوح وقرب سقوط الدكتاتورية بكل عنجهية وبإستعلاء على إنها الممثل الاجدر والاكثر شعبية من بقية القوى السياسية الاخرى دون النظر الى التاريخ وحجم التضحيات التي قدمتها تلك القوى ، لكنها ــ أي قوى الاسلام السياسي ــ راهنت على تصدرها المشهد بالاستفادة من فكرة التقسيمات الطائفية التي لوح بها الاميركان قبل سقوط النظام، لذلك فإن فترة مابعد الاحتلال الاميركي لم تشهد تحالفا ولا حتى تقاربا بين قوى الاسلام السياسي وقوى اليسار والديمقراطية الا بقدر ضئيل جدا وببراغماتية واضحة من قوى الاسلام السياسي ، أي بإختصار إن قوى الاسلام السياسي لعبت دورا سلطويا من جهة وبعضها بالاضافة لذلك لها دور إنتهازي في إستغلال مشاعر بسطاء الناس وإستقطابهم الى غيبيات ماعادت تنطلي على أحد،فبعض قوى الاسلام السياسي تدعي مطالبتها بالخدمات شعبويا ووزراء الخدمات في الحكومة هم ممثليها في السلطة ، وتهم الفساد تلاحقهم والاخرون من نفس الكتلة يدعون التصدي لمحاربة الفساد والمفسدين،والحراك الجماهيري يتصاعد وتحاول هذه القوى نفسها ركوب الموجه والادعاء بالتحشيد الجماهيري المليوني في لعبة مكشوفة الاهداف والنوايا.من كل هذا فإن فكرة الكتلة التاريخية مع هذه القوى وشبيهاتها تعد شيئا من الخيال غير المجدي ، فلايمكن لقوى تمثل مصالح الفقراء والمهمشين أن تتحالف مع قوى كانت سببا رئيسيا في تهميش وإفقار هؤلاء.
كما لابد من التأكيد على قضية هامة هي ما يشير اليها البعض من الكتاب أو الكثير من الناس الا وهي فكرة التحولات الفكرية عند بعض رجال الدين أو ابنائهم نحو الماركسية وتبنيها كنهج ، أو العكس التحول الذي طرأ عند بعض الشيوعيين والديمقراطيين بإتجاه تبني الفكر الاسلامي كمرشد عمل على إنها عوامل مساعدة في تكوين الكتلة التاريخية ، والحقيقة إن ذلك لايدخل سوى في عملية الارهاصات والتبدلات الفكرية عند الناس تبعا للتجربة الشخصية أو التجربة العامة وليست مؤشرا الى إمكانية تحالف تلك القوى المستفيدة من هذه التبدلات.
تبقى ملاحظة أخيرة أعتقدها أيضا من العوامل الهامة في إعاقة تشكيل الكتلة التاريخية ، هي إن قوى الاسلام السياسي قاطبة تستند الى الدين الاسلامي بكل نصوصه المقدسة وتعاليمه كمرشد للعمل، والدين الاسلامي يختلف هنا عن الديانة المسيحية في كون هذه الاخيرة دين عبادات أكثر منه دين معاملات في حين إن منظري الاسلام السياسي ورجال الدين الاسلامي يعتبرون إن ماجاء به الاسلام نظرة متكاملة للحياة بكل جوانبها ، وهم عادة لايرتضون لفكر أو فلسفة تسير الى جانبهم فكيف بمن يطرح البديل عنهم، لذلك فإن أي تقارب على أي أساس كان من قبل قوى الاسلام السياسي مع غيرها من القوى السياسية التي لا تستند الى الدين كفكر وموجه لعملها فإن هذا التقارب يحمل الكثير من علامات الاستفهام ليس أقلها الانتهازية أو لتفويت فرصة ما على الاخرين أو إنه غطاء لتمرير أشياء أخرى لايعلمها أحد غيرهم.

24

تداعيات غريب منسي
تحسين المنذري

تنتشي بإبتسامة ترتسم على وجهك المتعب وانت تشاهد عبر التلفزيون بعض اللقطات الحية لتظاهر الشبيبة في ساحة التحرير ، هاهم من يعيدون اليك زهو أيام مضت،تحرك ساقيك الممددتين على بعضهما وكأنك بين الجموع تهتف ضد زيارة السادات الى الارض المحتلة ، تلك الايام التي تعيد عليك تسلسلها وأنت تتابع مايجري في وطنك المكلوم بزبانية المحاصصة ، لكنك وانت تحتسي كأسك الثاني تردد مع نفسك: هؤلاء الشبيبة من سيأخذ حقي من المتمسكين بكرسي لايستحقونه ، والتلفزيون ينقل لقطات إعتداء عدد من أزلام أحزاب وكتل السلطة على المتظاهرين السلميين ، ومحاولات بائسة لجرالمظاهرات الى متاهات تبتعد عما تريد أنت ويريد شبيبة الوطن ، وهاهم الجلاوزة يحيطون بك مع مكبرة صوت تهتف لقائدهم محاولين جرك الى الوقوع بنفس الحضيض ، لكنك وبعناد وإصرار تهتف لوطن أُستبيح وأرض سُلبت حتى يبتعد عنك الازلام خائبين، فتعيد اليك همة الشبيبة الامل بعودة وطن غادرته ولم يفارق مخيلتك لحظة،فتردد مع نفسك الممسكة بالحزن ماذا لو كنت بينهم الان ، ماضر لو رفعوني على أكتافهم لأهتف عاش الشعب وتسقط الحرامية ، نعم أريد للشعب أن يعيش ، كم تمنيت لو أستطيع أن أحرق بين شفتي الان لفافة سيكارة،تلك اللعينة التي منعني عنها الاطباء ، هي كانت بالنسبة لي مجرم أنتقم منه ، يخفف عني  حرقها حرقة هجر الحبيبة ، هؤلاء الذين حولوا حياتك الى جحيم مازالوا ينعمون بنفس إمتيازاتهم ، وأنت محروم من شمس الوطن ، كم يعيد لك صقيع المنفى مشاعر قسوة زنزانة الموت في مديرية الرعب العام ،وأنت ترتجف خوفا وبردا، والشبيبة تهتف للوطن ، وعلى هامش هتافاتهم يدلي البعض بما يعتقد ، فهذا لم يكن جريئا وذاك قال الحقيقة دون أن يعطي بديلا ، أما أنت فتؤمن كما قال هذا الأخير بأن القيد سينكسر حتما وتعود بغداد لاهلها ، تسهر وتمرح وتضحك حتى يتلفت المارة لصوت قهقهتك ، لكنهم يبتسمون لك فالفرح كان وطن ،لايريدون لك كما يريد المتمترسون الان بسدة الحكم أن تبكي وتلطم بلا نهاية ، إن الوطن لا أكثر من ساحة لشق الجيوب وجلد الذات حد الثمالة ، والكأس الرابع الان يفقدك قليلا من توازنك ، فتصرخ مع الجموع لا وطن بلا سماء زرقاء ولا أرض بلا ملح، ونحن ملحها ، وإن كنت ناسي أفكرك، تصدح هدى سلطان فتتمايل مع نغماتها وصورة الحبيبة التي لاترد على نداءاتك ، والوطن يهتز لهتاف الشبيبة: لامكان للمفسدين في الارض ، وتعيد النشوة اليك أيام مايسموه الزمن الجميل مع إنه كان زمنا بائسا ، أراد لنفسه أن يكون وصيا فكنت أنت اللعبة التي قضت السنون أن تلوك بك يمينا وشمالا حتى غدوت بلا لون ولا طعم ، رغم إن رائحتك بقيت كما هي ، تلاحق شبح الوطن فيطردك الفاسدون ، والخبر العاجل: لاتنسوا وطنا، فتهتز الروح في غربة المنفى مع صرخة شيخ ذلته السنين وفساد الحاكمين ، وليس الا أنت ياوطني ، بك الحبيبة تنتظر فارسها ، والحبيب يمتليئ عشقا ، ولكل جواد كبوة ، وللظالم جولة ، لكن للشبيبة وهي تهز الارض تحت مقاعد الظالمين ، وطن يحتضن أحلامها ويداوي جراحاتها ، ولا نفدي احدا:ً بالروح، بالدم، بعد اليوم ، لا أجمل من الحياة ولا أنقى من حبنا لامهاتنا اللواتي ذوين في الانتظار ولم نعد ، ياوطني أنت لم تكن يوما بضاعة وانا لست بائعا ، والشبيبة تهتف وأنت تمني النفس لو كنت في ساحة التحرير ، لكن من يذيب صقيع المنفى ، كي تعود لي حبيبتي فأنسى غربة وطني عني ، ويعود دفء حضن أمي فأنام مطمئنا.

25
موقف المرجعية المتأخر....... جداً
تحسين المنذري
في البدء لابد من تأكيد قضية هامة وهي إن المرجعية الدينية العليا في النجف حينما قبلت لنفسها التدخل في الشأن السياسي عليها أن تقبل النقد في السياسة أيضا ، وإلا فإن قدسيتها الدينية لاتشمل بأية حال مشاركتها السياسية ، وأنا أحترم وجودها الديني مثلما أحترم مرجعيات كل الاديان والطوائف ومعتقدات كل الاشخاص على مختلف تلاوينهم ، وعليه فإن ما أثاره ممثل المرجع الاعلى بخطبة الجمعة7/8  في كربلاء من قضايا سياسية تستحق التوقف والمناقشة،فالسيد أراد أن يساند متظاهرين بحت أصواتهم من المطالبة بقضايا إنسانية بسيطة تتحقق في أقل المجتمعات تحضرا، لكنها في عراق المحاصصة الطائفية لم ينل منها عامة الشعب شيئ سوى الوعود الكاذبة من كتل سياسية وسياسيين دعمتهم المرجعية بكل ما أوتيت من وجاهة حتى تبوأوا مراكزاَ أتاحت لهم التلاعب بمقدرات الوطن، أرضا وشعبا،لكن بإتجاه  التخريب وليس البناء،، مقابل نمو هائل لثرواتهم الشخصية والحزبية ووجاهة ما كانوا يحلمون في يوم ما ربما بعُشرِها ،وطيلة هذه المدة كانت المرجعية على علم بما آلت إليه أحوال الناس من تردي مريع في كل شيئ بدءأ من الوضع الامني مرورا بالخدمات وليس إنتهاءا بحاجيات الحياة المعيشية اليومية ، فكل شيئ كان من سيئ الى أسوأ، وإحتمت تلك الكتل والشخصيات السياسية بقدسية عباءة المرجعية وبعِلْم المرجعية وبرعايتها. ولم تكن المحاصصة الطائفية ــ الاثنية بمعزل عن دراية المرجعية، أو بعدم رضاها، ومنذ اللحظات الاولى لتلك التقسيمات كانت المرجعية مشارك رئيسي فيها من خلال رعايتها للبيت الشيعي الذي تشكل في النجف الاشرف مقر المرجعية وتحت رعايتها وربما توجيهاتها،فما الذي جعل المرجعية الان تتراجع عن المحاصصة الطائفية؟لقد أشار ممثل المرجعية بخطبته الى ضرورة إبعاد كل من تلوح حوله مؤشرات الفساد بغض النظر عن كتلته وحزبه ،وقد تكون المرجعية هنا راغبة فعلا بإستبدال المفسدين لكن بمن سوف يستبدلون؟ ولعل رغبتها الحقيقية هي بإاستبدال كل من لايواليها بأخرين موالين لها أو قل من الاتباع، عندها ستنتهي المحاصصة الطائفية أيضاَ!!!! أليس كذلك؟
لم تقل المرجعية سابقا مثلما قالت يوم الجمعة 7/8 ويبدو إنها إستهدفت أكثر من عصفور بهذا الحجر الذي رمته بتصويب دقيق فهي:
1- ربما أحست إن الجماهير سوف تهاجمها كراعية لوزراء مفسدين في الحكومة
2- أو إنها أرادت أن تظهر عدم دعمها للمحاصصة والفساد كي تمتص نقمة المنتفضين
3- وقد تكون رسالة للناس وللقوى والكتل السياسية ، بل وحتى القوى الاقليمية والدولية، على إنها مازالت تستطيع ركوب الموجه ، سيما وإن بعضا من أنصارها أعلنوا مشاركتهم في المظاهرات الاحتجاجية .
4- أو إنها أحست بأن هذه الاحتجاجات سوف تطيح برؤوس مواليها في السلطة  وأرادت أن تحميهم وتعطيهم مبرراَ جديداَ للمناورة
5- ولعلها أرادت أن تقول إنها منحازة للفقراء وليس لدافعي الخمس فقط ، بعد ما صار الهمس صوتا عاليا بأن الاغنياء وأصحاب القرار هم المسموعين من قبل المراجع وليس المسحوقين والمعدمين ، الذين كبرت نسبتهم وصار الموقف محرجا للمرجعية العليا قبل غيرها
6- أو إنها أرادت أن تسبق تمرد الناس كي لا تصل الحالة لرفض حكم الاسلام السياسي بالمطلق وبالتالي فشل تجربة كانت تنتظرها المرجعية منذ زمن طويل
وقد يكون في حسابات المرجعية أشياءٌ أخرى ، لكن بجميع الاحوال فإن موقف المرجعية جاء متأخرا جدا،فالحال الذي وصل اليه الناس لم يأتِ بشكل مفاجيئ بل هو نتيجة لتراكمات كثيرة وإنهيارات في بنى الخدمات المتهالكة أصلا،دون أن تبادر الجهات الحكومية المدعومة من قبل المرجعية لترميم تلك البنى أو لاعادة بنائها وتجديدها ، لم تتحرك المرجعية وهي ترى شخوصاً جاءوا الى مراكز القرار من رصيف البطالة والعوز وأصبحوا مابين ليلة وضحاها مليارديريين ومن رؤوس أغنياء العالم ، لم تتحرك المرجعية وهي ترى الناس تتلوى جوعا وتنتهك حرماتها بإسم الدين والمرجعية نفسها ، لم تقل المرجعية شيئا وهي ترى وتسمع كذب ودجل السياسيين الذين دعمتهم وباركت قائمتهم الانتخابية ، لم تبادر المرجعية لفعل شيئ والبلد تنتهك حرماته وحدوده وتستباح أراضيه وثرواته،ولو عددنا من مثل هذه الحالات فالقائمة تطول ، لكن المرجعية تحركت اليوم لانها عرفت بحاستها السياسية إن الشعب بدأ يصحو من غيبوبة التنخدير الذي غذت إنتشاره على مدى 12عام. الكلمة الفصل للشعب وليس للمرجعية ، مصدر السلطات هو الشعب وليس المرجعية الدينية، من يشاء ومن لايشاء هو الشعب وليس المرجعية، ومن يريد أن يستمر في مسيرة الاصلاح فليلجأ للشعب وليس لغيره، فالمدى الذي ستسير فيه المرجعية قصير وقد تتوقف في أي لحظة خوفا من إنهيار كل ما أسست له من غيبوبة وتراجع وعي ولا مبالاة وإعتماد على الغيب في معالجة الامور. للشعب الكلمة ولقواه الحية أن تقود الصحوة الكبيرة هذه في سبيل الانتقال الى مرحلة بناء حقيقية وليس دونكيخوتية.




26
مع الدكتور حيدر العبادي ... بصراحة

تحسين المنذري
تسلم الدكتور العبادي مقاليد السلطة بعد سلسلة إنكسارات وخسارات وهزائم وخراب في كل شيئ ، تلك كانت من نتائج حكم حزبه وكتلته البرلمانية بكل تحالفاتها، لكن قبوله بالمنصب في ذلك بالوقت بالذات كان تحديا كبيرا محسوبا له لا عليه،علما إنه لم يكن بعيدا عن مركز القرار فهو من المقربين لرأس السلطة السابق ويرأس لجنة مهمة في البرلمان العراقي وعضوا قياديا في حزبه وكتلته البرلمانية، لا أريد هنا أن أشير إليه بأصابع إتهام بقدر ما أردت أن أؤكد إنه كان على دراية بحجم الفساد والخراب،وفي مثل هذه الحالة يفترض به وهو يقبل المهمة الجسيمة أن يكون له تصوراً ما لمحاربة تلك الافات والتداعيات الناجمة عنها. ومنذ تسلمه السلطة بدت في الافق ملامح تفاؤول عند الكثيرين لما أبداه من مرونة مع الكتل الاخرى وما أطلق من وعود وإلتزامات على نفسه وحكومته،طبعا لم يكن طريقه معبدا بالورود ولم يسلم من إنتقادات إخوته الدعاة وزملائه في نفس كتلته برلمانيا، فأطلقت عليه تسميات شتى وإتُهِم بالضعف والمحاباة والانبطاح ، ومما يُحسب له إنه لم يرد علنا على أي من تلك التهم ، وتحسب له أيضا إستماعه لاراء الناس ومحاولة تلبية ما يستطيع وآخرها كانت إستجابته لنداءات كشف الفاسدين ومصادرهم المالية فأطلق نداء تفعيل مبدأ من أين لك هذا؟ ولا أدري لماذا لم يشرع ذلك بقانون وآليات تنفيذ صحيحة ؟ على أية حال هكذا يبدو وضع الدكتور العبادي أمنيات أكبر من الامكانيات،وإعاقات أكثر من التوقعات.
في الجانب الاخر من فترة حكم السيد العبادي فإن تطورا إيجابيا لم يحصل في محاربة الفساد،ولم يتحسن الوضع الامني في بغداد وبقية المدن المستهدفة من قبل الارهاب، ولم يتوقف تمدد "داعش" فقط إستبدل محافظة بأخرى ، وواقع الخدمات مازال كما هو سيئ جدا،وألاداء الحكومي لم يطرأ عليه تغيير فالوزراء مازالوا يتبعون كتلهم أكثرمن ولائهم للحكومة التي بها يعملون، وكل هذا وغيره يحسب على السيد العبادي وليس له،مع كل هذا هناك من الناس مَنْ مازال يعتقد به مخلصا، فتظهر الدعوات بشكل حاد في هذه الايام مطالبة إياه أن يفعل كذا وكذا،وأن يضرب الفساد بيد من حديد، وأن ينتزع المسؤولية من فلان ويتسلم دفة كذا ويقود تجربة جديدة و..و... الخ من الدعوات المتفائلة والتي لا تعدو عن كونها تعبيرا عن إمتنان الناس لتسلمه دفة الحكم وسخطا على رئيس حزبه الذي كان في موقعه قبله، فهل هذه الايجابية تكفي لكي ينهض الدكتور العبادي بكل تلك المهام ويلاقي النجاح ولو بأكثر من 50% بقليل؟أنا لا أقلل من إمكانيات السيد العبادي فربما يستطيع فعل ذلك وأكثر،لكني أعتقد إن محدداته كثيرة وتعيق تنفيذ حتى ربع الاصلاحات المطلوبة شعبيا. فإن أراد السيد العبادي فعلا أن يكون منقذا للوضع وأن يخلده التاريخ وأن يحصل على شعبية لا تقل عن شعبية الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم فإني أقترح عليه القيام بخطوتين إثنتين:
1- الاستقالة من حزب الدعوة،وبهذا يضمن التخلص من وصاية المالكي ورهطه
2- الاعلان صراحة تخليه عن مشروع الاسلام السياسي بكل تجلياته وبكل دواخله وبكل توابعه ومنها عدم الانقياد لرغبات المرجعيات الدينية من كل حدب وصوب، وبهذا فإنه سيضمن تخلصا من كل مايعيق حريته في إختيار الوزراء والمساعدين والمستشارين والقادة الامنين وغير ذلك من المناصب فهو بهذا الفعل إنما يعلن صراحة إنهاءاً لنظام المحاصصة الطائفية،ومن جهة أخرى فإن كل حراكات الشعب ستقف بجانبه وسيتشكل تيارٌ مدنيٌ ديمقراطي مساندا له وناصحا ومؤيدا في كل خطوة إيجابية يتخذها على طريق إنقاذ العراق مما يحيق به من أخطار جسيمة وحقيقية ،وبغير ذلك فلا خلاص على يديه أو ممن يأتون من بعده ضمن مشروع الاسلام السياسي .

27


بين شباط 2011 وتموز2015
تحسين المنذري
لم يكن إنطلاق الاحتجاجات الاخيرة في آخر تموز المنصرم مفاجئا لكل متابع للشأن العراقي من بعيد أو قريب،إلا إنها في هذه المرة إتسعت بشكل أكبر وأسرع لتشمل محافظات ومدن أخرى في الوسط والجنوب ،ورغم إن الاحتجاجات هذه المرة كانت مرحب بها من قبل السلطة التنفيذية على عكس مظاهرات 2011 التي كانت محط إنتقاد ومحاربة من قبل الحكومة وبشخص رئيسها أيضا الذي إتهم المحتجين  بصفات رذيلة ماكانت تليق بهم أو حتى بالمنصب الذي يشغله هو، ويبدو إن الحكومة هذه المرة إستفادت من أخطاء سابقتهاــ أو هكذا تبدو الى الان ــ وحاولت أو إنها تريد إحتواء تلك الاحتجاجات بعيدا عن الضجيج الذي أثارته سابقتها عام 2011،ومهما تكن نوايا الحكومة ومسؤولي الاجهزة الامنية فإن المتظاهرين عليهم الاستفادة من تلك الفسحة التي تريد أن تظهر الحكومة نفسها من خلالها على إنها ملتزمة بالدستور وتعطي الحريات المقرة وترعى أبناءها المتظاهرين وغير ذلك من محاولات تبييض الوجه،ما يهمني هنا هو الاشارة الى ملاحظتين هامتين تترافق مع هذه الاحتجاجات كما كانت في عام 2011 وتتلخصان بما يلي:
الملاحظة الاولى:  وتتعلق بهوية القائمين على الاحتجاجات والمظاهرات، وهذه مهمة للغاية ومن عدة نواحي،منها عدم فسح المجال أمام من يريد تشويه سمعة المتظاهرين كما حدث في المرة الاولى،بل وحتى الان فهناك من يحاول نسبها الى محور (سعد البزاز ــ الكربولي) لوجود خلافات بينهما ووزير الكهرباء ، أو من يريد إلصاقها برئيس الوزراء السابق وكتلته البرلمانية،على إنها محاولة خلق متاعب للحكومة الحالية ورئيسها، وأيضا من يريد نسبها الى المرجعية الدينية العليا ويضع شعار المرجعية ومطاليبها سقفهم الاعلى ،وبعض الوجوه التي برزت في الاعلام تبرئ نفسها من كل تلك التهم لكنها لم تعلن عن هويتها هي !! فما السبب؟ أعتقد إن الاعلان عن هوية وإنتماء ( حتى لو كانوا مستقلين، فهو إنتماء أيضا) القائمين عليها والمتصدين لقيادتها يقطع الشك باليقين ويتضح لمن يريدالاشتراك او يمتنع عنه في أي إتجاه يسير،ويسكت المدعين بتبنيها وقيادتها إن لم يكونوا هم بحق هكذا، وحتى لو كانت على أرض الواقع أكثر من جهة تقوم بالتحشيد والتحضير فلا بأس أن تعلن جميعها عن نفسها ويجلسون جميعا لتوحيد الجهود والنشاطات والاتفاق على آليات تحرك تخدم الاهداف التي من أجلها يعملون . وأخيرا كي لايأتي لاحقا من يدعي قيادتها ويصادر جهد المنظمين الحقيقيين.
الملاحظة الثانية:  تتعلق بالشعارات التي يرفعها المتظاهرون وأهدافهم ،وتأتي أهمية الشعارات في كل عمل إحتجاجي لانها هي من تحدد الاهداف المرتجاة من تنظيم تلك الاحتجاجات،وعدم ترك الامر للمصادفة أو المبادرة الانية،فمن شأن ذلك أن يفسح المجال لمندسين مثلا يحاولون تشويه المظاهرة عن طريق رفع شعار لايتلاءم مع أهداف الاحتجاج أو إنه يثير الفرقة على اسس مرفوضة، أو يعطي مبررا للجهات الامنية بقمع المظاهرة وما شابه ذلك. كما من الضروري أن تكون الشعارات مبتعدة عن مداعبة هذه الجهة على حساب تلك، حتى وإن كانت المرجعية العليا في النجف،لان هذا أيضا هو شعار طائفي بحد ذاته ويضع العمل الاحتجاجي في زاوية محدودة ، وقد يعمق من الشرخ الطائفي القائم أساسا، لذلك فإن شعارات الدولة المدنية هي الاقرب والانسب لمثل هكذا إحتجاجات . كما إن توحيد الشعارات يعطي للمظاهرة هيبة أكبر ووقع أعلى، مما يجعل السلطات أو حتى من يقف متفرجا أن ينظر للاحتجاج بنظرة جدية أكبر،مع ملاحظة ضرورة مراجعة الشعارات بعد كل مرة،فذلك ما يطور الفعاليات ويجعلها منسجمة مع واقعها وتطوره بشكل أفضل، وهنا تجدر الاشارة الى ضرورة ألا تقتصر الشعارات على قضايا مطلبية فحسب،فرغم أهمية ذلك،إلا إن تطوير الشعارات كي تناهض الاسس التي عليها قامت وبسببها تلك الاخفاقات الخدمية يعطي جذرية أكبر لروح الاحتجاج ،وبالتالي فإن الاحتجاجات لابد لها أن تتطور سياسيا كي تستطيع فرض أجندتها على الحكومة أو في الاقل جعلها تستجيب بشكل اكبر وأسرع لتلك المطاليب،وبدون الشعارات والاهداف السياسية،فإن المظاهرات هذه سيجري إحتوائها أو تحريفها أو نسبها الى جهات من داخل السلطة السياسية نفسها وهنا ينطبق عليها المثل الشامي ( يا أبو زيد كنك ماغزيت) فلماذا يضيع كل هذا الجهد الكبير؟ومن مظاهرات عام 2011 عندما لم يكن هناك تنسيق أو سمّه ما شئت فإن الاحتجاجات في كل جمعة تحولت الى تجمعات لكتل بشرية لا رابط بينها وكل كتلة لها أهداف وشعارات تختلف عن الاخرى ، بحيث وصل الحال الى مجموعة صغيرة جدا من الطلبة تعترض على مدرس لديها فتتجمع لوحدها دون إعتبار لبقية الكتل،وهكذا، وكي لا تتكرر التجربة تلك لابد من بروز هويات وإنتماءات القائمين على الاحتجاج ومنهم فقط يؤخذ الشعار أو الهتاف ومن غيرهم لا، حتى وإن كان منسجما مع أهداف الاحتجاج لان في ذلك فسح المجال لشعار آخر بالبروز وقد لايخدم المظاهرة.
ستكون الجمعة القادمة في بغداد محطة الاختبار الابرز لهذه الاحتجاجات ومدى إمكانية إستمرارها أو توقفها ومدى إستجابة السلطات للمطاليب وكيفية تعاملهم مع المحتجين وغير ذلك من الامور التي تستجد وقد تحدد إمكانية الاستمرار في التظاهر أم لا .

28
المنبر الحر / لابد من .....
« في: 22:08 30/07/2015  »


لابد من .....
تحسين المنذري
تتصاعد موجات إحتجاج بين الفينة والاخرى من أجل أهداف مطلبية محددة،مشروعة في العادة،وتنتهي تلك الاحتجاجات بتحقيق جزء من المطاليب،وتعود السلطة لممارسة نفس نهجها في التسويف والكذب وتسويق الفشل والتغطية على الفاسدين،بل إنها تستمر في الفساد وتطور أساليبه ومرتكزاته، هذا إن حدث إحتجاج !!وإلا فإن السمة الظاهرة على الشعب العراقي منذ عام 2003 هي الرضا بما يحدث على إنه مقدر ومكتوب،والخنوع لكل أشكال الضيم والقهر على إنه إمتحان رباني،والاكتفاء بالدعاء والتظلم في حضرة الرب علّه يجد حلا ومخرجا،لكن كما يبدو لا الدعاء وصل ولا الرب له إرادة في تغيير حالنا.
إن السلطة في العراق بمختلف تقسيماتها المحاصصية على دراية بإن الشعب سوف لن يفعل مايهدد وجودها مادام إنه يدين بنفس ماتدين هي به،ولديها الاساليب واللغة القادرة على تخدير تلك الجموع التي خرجت عن الطاعة وحاولت التمرد من أجل حقوق وإن كانت مشروعة !!
لقد عملت القوى المتنفذة في الحكم وعبر وسائل متعددة منها إعلامية وتعبئة شعبية وحتى أحيانا قسرية على فرض هيبة ووقار للمؤسسات الدينية بكل تفرعاتها بدءاً من المرجعية العليا وحوزتها وصولا الى أصغر حسينية وأصغر معمم وأصغر (روزه خون)،قبل تربعها على السلطة السياسية ومن ثم بعدما ترسخت أقدامها في الحكم،ونتيجة لذلك نشأت شبكة من العلاقات بين أحزاب السلطة والمؤسسة الدينية تقوم على أساس المنفعة المتبادلة ربما غير مكشوفة الابعاد والخيوط،لكنها تبدو جليا في الاعلام والسياسة والعمل بين الناس وخاصة البسطاء منهم والمعوزين وغير ذلك من مجالات التوافق بينهما،هذه العلاقة ـ الشبكة أعطت أبعاداً ومتاهاتٍ تبدو صعبة على الفهم أحيانا،مما جعل الناس تخشى الاقتراب منها أو حتى إدارة الظهر لما تقول وصولا حد الطاعة والخنوع ،وإستغلت أحزاب السلطة ذلك في مختلف المنعطفات،خاصة أيام الانتخابات البرلمانية،وفتوى مباركة المرجعية لقائمة الشمعة خير دليل على ذلك،حيث فرضت كتلة الانتخابات المستفيدة من تلك المباركة على كل الجوامع والحسينيات المتسقة مع توجهاتها بث تلك الفتوى عبرمنائرها لاكثر من خمسين مرة في اليوم الواحد. وتبقى المرجعية بفتوتها تلك أكثر من يتحمل وزر الجرائم والافعال الشنيعة التي ترتبت على إستمرارهؤلاء في الحكم .لكن في جميع الاحوال فإن المشهد لم يكن مألوفا سابقا في الوضع السياسي العراقي وهذا التداخل الفريد من نوعه،السري أكثر منه علنيا،في الايجابيات من أي طرف يبرز الاخر وفي سلبيات الوضع يتنصل،تعمية وتمويه غير مسبوقين ليس على صعيد العراق فحسب بل ربما كل المنطقة،إنها لعبة سياسية بإمتياز،لعبة تمسّك بالحكم على حساب كل شيئ ألا مصالح الرؤوس في طرفي المعادلة.
إن إثني عشر عاما من الحكم المستند الى الطائفية عمق العلاقة بين السياسي والطائفة التي يدعي تمثيلها عن طريق العلاقة الشائكة مع رجل الدين،حيث إرتكن فيها السياسي الى مباركة وإسناد رجل الدين وإستفاد الاخير من الامتيازات التي حصل ويحصل عليها نتيجة دعمه لرجل السياسة ربما أقلها الوجاهة التي رسخت دوره في القضايا المجتمعية، أو الدور الذي كسبه عبر وسائل الاعلام المملوكة للكتل السياسية ورجالاتها من توجيه وبث للفرقة بين الطوائف وترسيخ لمفاهيم بعضها أكل الدهر عليها وشرب إلا إنها تخدم بقاءه هو متصدرا والسياسي حاكما،هذه العلاقة من الصعب التصور إنها ستنفك عراها تلقائيا،أو بمبادرة من أحد طرفيها،مالم يشكل وجود الاخر خطرا على حياته ومستقبل ابنائه، وبالتالي على مجمل المنافع المتحصلة أو المؤملة، عند ذاك ربما يجري فك أو، وهذا هوالاحتمال الاكبر، تجري إعادة ترتيب الاوراق والاولويات. إن هذا يفرض على المتضررين من إستمرارية تلك العلاقة أن يفعلوا شيئا لاجل التغييروالا ينتظروا قدرة قادر في تغيير حالهم، وكل فعل لا يلامس أس المصيبة لا يمكن أن يُكتب له النجاح، أي بمعنى آخر إن أي رغبة في التغيير لابد وان تحصل لها مواجهة مع السياسي ورجل الدين في آن واحد، لتعرية الادعاءات الزائفة مثلا المستندة الى إجتهادات رجل الدين أو لاظهار تخلف النص المعتمد،أو لكشف التغطية المعتمدة من الطرفين على بعضيهما،أو أي إحتمال آخر لابد منه كي تجري عملية التغيير المطلوبة. في مظاهرات عام 2011وفي إحدى المحافظات الجنوبية ردد المتظاهرون شعارا كان يلامس لب الحقيقة حيث كان(ياويلي علينا إشلون حالتنا ، جا وين المراجع ليش عافتنا)ولست أدري لماذا لم ينتشر هذا الشعار في عموم العراق، فقد كان، رغم مناشدته للمراجع الدينية،وهم جزء أساسي من المشكلة،إلا إنه يحمل جرأة كبيرة، وربما كانت هذه الجرأة هي السبب في عدم إنتشاره. أما الان وبعد توالي السنين العجاف فالجراة مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، جرأة في تحديد الهدف،جرأة في تشخيص المتسبب، جرأة في طرح البديل والذي لايكون حتما مستندا الى نفس الاسس التي قادت لهذا التدهور في كل شيئ. المطلوب اليوم ان يقال مالم يقله أحد بالامس، لرجال الدين أن إلزموا جوامعكم ، وتعرية للسياسيين من كل حدب وصوب، لارحمة بأحد منهم، وألا تبقى الاحتجاجات بحدود القضايا المطلبية وإن كانت مشروعة، لابد لهذه الاحتجاجات من مهاجمة السياسيين المتسبيبين بكل هذا الخراب ومن يساندهم، والفكر الذي يعتمدون عليه، وإلا فأن الوضع سوف لن يتغير حتى وإن تحققت بعض المطاليب المشروعة، فالبلد يسير نحو الخراب ، ولن يعود لجادة الصواب مادام النظام كما هو والمتنفذين كما هم ، والمنافع متبادلة بين السياسيين والمستفيدين منهم من رجال دين وغيرهم. فهل في العراق من قوة سياسية تستطيع التصدي لمثل هكذا أمور؟ أم ننتظر أن تتولد قيادات جديدة قادرة على تحمل المسؤولية؟ لكن متى؟

29
المنبر الحر / قبل فوات الاوان !!
« في: 17:13 06/07/2015  »
قبل فوات الاوان !!

تحسين المنذري
منذ أن إنطلقت العملية السياسية بعيد سقوط الدكتاتورية في عام 2003 والحزب الشيوعي العراقي يتواجد في خضمها بكل أمكانياته، سياسية واعلامية وغير ذلك، بل إن جريدته المركزية " طريق الشعب " كانت أولى الصحف الصادرة علنا في العهد الجديد ، في إشارة واضحة من الحزب على فعالية مشاركته في كل شيئ بما فيها المؤسسات التي ستنبثق عن العملية السياسية الجديدة ، حتى صارت مشاركته تلك إحدى الموضوعات الفكرية التي دأبت قيادة الحزب بحرص على تثقيف قواعده وجماهيريه بأهميتها وصولا الى الدفاع عن العملية السياسية برمتها رغم كل تشخيصات الحزب للنواقص والهنات التي رافقت إنبثاق الفعاليات السياسية التي تعاملت مع الاحتلال كواقع حال ، كان الحزب يشير اليها متعللا بالاستفادة من كل سوح العمل للنضال من أجل تحقيق أهداف الحزب المعروفة للقاصي والداني .وفي خضم ذاك الحراك وما سبقه من علاقات لقادة الحزب مع شخوص من المعارضة قبل سقوط النظام ، دفع بالحزب لكي يتصور إن التغيير ممكن أن يأتي من أعلى ، أي من خلال العلاقات الناشئة مع قادة العراق الجدد ، وكان ذلك للاسف على حساب التحشيد الجماهيري والتثقيف بما ستؤول اليه الاوضاع في ظل التقسيمات الطائفية للمناصب ، حتى تم إتهام الحزب الشيوعي نفسه بالاحتساب على طائفة معينة بمشاركته بمجلس الحكم ، ورغم جسامة الاتهام وخطورته ، إلا إن رد قيادة الحزب كان باهتا مكتفيا بتصريح هنا وآخر هناك للرفيق السكرتير ولاخرين من قيادة الحزب نفيا لتلك التهمة ، في حين كان الاجدر أن يكون الرد أكثر حدة بما فيه الانسحاب من مجلس الحكم نفسه مالم يعترف " بريمر " وغيره من رموز العملية السياسية آنذاك بأحقية الحزب بالمشاركة كحزب شيوعي بكل تاريخه ونضالاته وتضحيات كوادره وأعضائه وما قدمه من قوافل شهداء ترتقي مكانة وعفة ونضالا على كل رموز العملية السياسية التي برزت آنذاك كقوى محركة وفاعلة في الوضع السياسي ، كان الاجدر ان ينال إعترافا يؤكد براءة الحزب من كل اردان الطائفية المقيتة.
وإستمرت مشاركة الحزب في العملية السياسية بواقع المساهمة في تشكيل حكومات وإن كانت رمزية (  وزير واحد في كل حكومة) إلا إنها كانت كافية لكي يتحول الحزب معها الى حزب سلطة يدافع عن مشاركته تلك بإعتبارها ضمن حكومات شراكة وطنية على أساس التوافق الوطني وليست حكومات تقسيمات محاصصية ، وإيغالا في هذا الموقف غض الحزب النظر عن كثير من الاخطاء التي رافقت عمل الحكومات أو مجمل العملية السياسية ، وتصاعدت علاقاته مع القوى الطائفية حد رغبة الحزب في إحدى الانتخابات البرلمانية في التحالف مع قوى إسلاموية ــ طائفية بإمتياز . بل إن الحال وصل مع بعض الرفاق في قيادة الحزب أن يتحدث عن تأريخية العلاقة والتحالف مع حزب إسلامي ــ طائفي ، في حين لم تكن العلاقة مع ذلك الحزب في أوج صفائها لاتعدو عن لقاءات مع بعض قياداته وكوادره ربما كان بعضها يتم على مضض من رموزه ، بدليل إن القيادي الابرز يومها رفض وجود الحزب الشيوعي في إجتماع للمعارضة العراقية بدمشق ، ولا أدري أين كان التحالف التأريخي للحزب الشيوعي مع هذا الحزب !!!؟ وحتى عندما تم إستبعاده من المشاركة في حكومة المالكي الثانية ، ورغم كل التأشيرات التي كانت تصدر من قواعد الحزب وكوادره بضرورة تحديد موقف أوضح من العلاقة مع الاحزاب الطائفية في السلطة ، إلا إن رد قيادة الحزب كان وهو في نفس الوقت سياسة الحزب المعلنة ، على إن الحزب ليس معارضا بالكامل وليس مع السلطة بالتمام والكمال ، وإنما معارض لما هو سيئ ومؤيد لما هو إيجابي ، وهذا الموقف بعينه هو الذي أفقد الحزب الكثير من جماهيريته التى إعتادت تأريخيا أن ترى المواقف الواضحة الراديكالية للشيوعيين العراقيين ، المواقف المناهضة لكل ماهو غير وطني مهما كان المصدر ، بسالة وتصدر لكل الحراكات الجماهيرية المطلبية ، وصولا الى رفض سياسي للقوى المتصدرة للحكم ، ولم تعتد الجماهير من الشيوعيين على مواقف وسطية،فالفكر والمبادئ التي يستند اليها الحزب تأريخيا لا تلتقي والوسطية بشيئ  ، ولم يكن في تاريخ الشيوعيين أي تراخي في الدفاع عن مصالح الناس والطبقات المسحوقة منهم خاصة ، وتلك هي الصور التي إجتذبت عشرات الالاف من المواطنين الى الانضمام للحزب ومئات الالاف من المناصرين والمؤيدين على مدى كل تأريخه. كما برزت وسطية الحزب في برامجه التي أُقرت بمؤتمري الحزب ( الثامن والتاسع) حيث أشرت بشكل كبير على رغبة الحزب للمشاركة في الحكم ولم تطرح سوى تفصيلات لطريقة إداء الحزب فيما لوكان في السلطة ولمختلف تفرعاتها وجوانبها ، بل إن مازاد في الطين بلّة هو تثبيت فقرة تشير الى أن الحزب يستوحي من إرث الحضارة الاسلامية كل ماهو تقدمي ، وفي هذا نكوص واضح عن الماركسية التي صارت في برنامج الحزب مرشدا وليست نظرية معتمدة بشكل رئيسي في منهج الحزب وخصوصياته ، وقد تكون حتى الاشارة الى ارث الحضارة الاسلامية جاءت من باب مجاملة الاحزاب الاسلامية .
لقد أتيحت فرص كثيرة للحزب كي يغيير من نهجه مع القوى الطائفية فيما لو أستثمرها بصورة جيدة على سبيل المثال لا الحصر مظاهرات شباط 2011 فرغم مشاركة منظمات الحزب وجماهيره بفعالية فيها الا إن شعار إصلاح العملية السياسية الذي أصر الحزب على رفعه دون غيره أدى الى تسرب الكثيرين من تلك المظاهرات وعدم التحمس للمشاركة فيها ، في حين لو جرى تصعيدا للفعالية ورفع شعارات أكثر جذرية وذات أهداف سياسية أكثر وضوحا لاجتذبت المظاهرات مزيدا من الجماهير خاصة مع أسلوب العنف الذي واجهت به السلطة المتظاهرين وإعتقال مجموعة من شباب الحزب ، وكذا كان الحال مع تصرف الحكومة السيئ القاضي بإخلاء مقري الحزب الرئسيين في محاولة الضغط على الحزب والذي إجتذب مساندين اكثر للحزب ممن كانوا صامتين او مبتعدين عن الحزب ، فلو جرى إستغلال هذا الموقف بالتصعيد أكثر خيرٌ من الطلب من السيد جلال طالباني رئيس الجمهورية يومها للتوسط وحل الخلاف ، سيما إذا عرفنا إن للحزب مقرات أخرى في بغداد بإمكانها إستيعاب موجودات المقرين الرئيسيين ، إلا إن سياسة المهادنة سادت الموقف في تلك اللحظة وخسر الحزب فرصة مواجهة مضمونة الفوز على السلطة .وكانت الانتخابات وقوانينها فرصا أخرى لم يجر الاستفادة من خروقاتها وإنحيازها للقوى المتنفذة في الحكم ، فرغم الاجراءات القانونية التي إتبعها الحزب في بعض الاحيان للمواجهة ورغم حضارية هذا الاسلوب الا إنه غير مجدٍ من الناحية العملية مع جمهور يبحث عن الاثارة والموقف المتصارع علنا وليس عن حيثيات تشريعية وقانونية ربما يصعب فهمها على الكثير من أبناء الشعب !
ومنذ إحتلال داعش للموصل وما تبعها من تداعيات ، جاء موقف الحزب المؤيد للحشد الشعبي والفتوى التي إنبثق عنها ، مخيبا لامال الكثيرين ، فالحشد الشعبي لم يكن الا غطاءا شرعيا لميليشيات طائفية كانت موجودة أصلا وإنبثقت عنها أخرى بفضل فتوى الجهاد الكفائي ، حتى بات موقف وموقع الحزب باهتا غير ذي تأثير على مجمل الوضع ، للاسف الشديد .
مازال في الوقت متسع رفاقي الاعزاء في قيادة الحزب لتلافي ماحدث عن طريق عقد مؤتمر طارئ أو كونفرنس لتبديل برامج الحزب وإقرار سياسة جديدة مناهضة ليس فقط للمحاصصة الطائفية ــ الاثنية بل أيضا وبصراحة للقوى المستفيدة من المحاصصة ، ومناهضتها سياسيا وفكريا وجماهيريا وإتباع خطابا إعلاميا وسياسيا جديدا ينسجم مع حاجة المواطن العراقي لبديل يختلف كليا عن توجهات قوى السلطة ليس فقط بعد عام 2003 بل وحتى أشكال ونماذج السلطات قبل ذلك ، المواطن العراقي بحاجة الى بديل حقيقي يؤمن بالديمقراطية طريقا ويمتلك رؤية واضحة لكيفية تطبيق العدالة الاجتماعية ، مازال في الوقت متسعا قبل أن تأتي قوة أخرى من خارج تنظيمات الحزب تتبنى أهداف وأساليب عمل الحزب المعتادة سابقا في المواجهة ببطولة وبسالة مع قوى التخلف السلطوية وتتمكن من الاستحواذ على جماهيرية الحزب ومكانته السياسية المعهودة، أو أن ينمو بشكل أكبرداخل تنظيمات الحزب التيار الرافض لسياسة الحزب الحالية وقد يحصل ما لا يحمد عقباه ، نصيجة رفاقية مخلصة: تحركوا أيها الرفاق قبل فوات الاوان.


30
العراق بعد داعش
الحلقة السادسة : التدخلات الخارجية


تحسين المنذري
لم يشهد بلد إستباحة لاراضيه مثلما يشهد العراق منذ 2003 والى الان بعلم سلطاته ، بموافقتها، بطلبها ، وأحيانا رغما عنها دون أن تستطيع منعها . وبسبب داعش كان التدخل اكثر وضوحا وبنفس الوقت متعدد الدول والتوجهات ، لكن يمكن إجمال التدخل بمنظومتين هما : 1- تدخل اميركا وحلفائها تحت يافطة التحالف الدولي لمحاربة داعش
        2- التدخل الايراني
كان كلا التدخلان بموافقة الحكومة العراقية ورضا أغلب قواها السياسية ، لكنهما تقسما الى تدخلين لان أميركا حاولت بخلق تحالفها عزل إيران أو في الاقل تحجيم دورها ، إلا إن فتوى المرجعية الشيعية وما تبعها من شرعنه لوجود الميليشيات المسلحة أعطى لايران الدور الاكبر في التدخل في الشأن العراقي وبات وجود أسماء لقادة عسكريين إيرانيين شيئا مقبولا من الجميع حتى من أميركا ، فماذا ستحصل إيران من تدخلها وماهي مصلحة دول التحالف ضد داعش ؟
لأبدأ بدول التحالف فهي متعددة متنوعة بعضها لم يشارك سوى بالاسم ، قسم منها من دول الجوار ومن المتهمة من قبل الحكومة العراقية بدعم ومساندة الارهاب ،والبعض الاخر مشارك بشكل فعلي بهذا القدر أو ذاك ، هذه الدول جميعا ستطالب بنصيب لها في العراق ، إذا ما تحرر من داعش ، قد ترضى بعضها بإستثمارات وقد ترغب أخرى بإشتراك في مشاريع على مدى سنوات طوال ، أي مشاركة في توجيه دفة الاقتصاد العراقي وبعضها تريد مصالح دائمة على حساب مصالح العراق وأخرى قد تكتفي بالتفضيل الدبلوماسي ، في جميع الاحوال ستكون الحكومة العراقية ــ أي حكومةكانت ــ ملزمة بمجاراة رغبات هذه الدول لانها ببساطة لها فضل على العراق بتحرير أراضيه من قبضة الدواعش .
أما إيران فسأكتفي بما قاله السيد علي يونسي مستشار الرئيس الايراني الحالي روحاني حيث قال : (إيران عادت إمبراطورية ، والعراق ليس جزءا من نفوذنا الثقافي فحسب بل من هويتنا ... وهو عاصمتنا اليوم .. وهذا أمر لايمكن الرجوع عنه لان العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة غير قابلة للالغاء ، لذلك فإما أن نتوافق أو نتقاتل ) ولا أظن هناك أبلغ مما قال .

31


العراق بعد داعش
الحلقة الخامسة : القوى المدنية الديمقراطية

لم تتضرر قوى سياسية من نظام المحاصصة الطائفية ــ بقدر تضرر القوى المدنية الديمقراطية ، فالتقسيمات الهلامية التي نتجت عن ذلك النظام شتت وحدة الروافع الاجتماعية للقوى الديمقراطية عموما واليسار خصوصا ، بل إن الاكثر من ذلك فإن قوى من الاسلام السياسي تبنت نفس شعارات وطرق نضال وأساليب عمل تلك القوى بل وأحيانا بنفس مستوى الراديكالية الذي إعتادت الجماهير أن ترى به تلك القوى واليسار خاصة ، مما ولد حالة ضعف وتراجع في جماهيرية القوى المدنية الديمقراطية ، بالتأكيد الى جانب عوامل أخرى موضوعية وذاتية ، فأضطرت القوى المدنية الى اللجوء لاسلوب إقامة العلاقات مع قوى الاسلام السياسي والقوى القومية الكردية على مستوى القيادات فقط لحجز مكان في السفينة لاغير وإثبات وجود ، وإن حمل ذلك الموقف شيئا من الصحة فقد كان على القوى الديمقراطية أن تعطي إهتماما أكبر لمطاليب الجماهير وبشخيص همومها ، وألا تتحول علاقاتها مع قوى الاسلام السياسي الى مايشبه علاقات التحالف التي سادتها المجاملة أكثر من علاقات التضاد والتصارع ، مما أثر في شعبية قوى اليسار خصوصا بل ذهب البعض الى عد مشاركة فصيل من تلك القوى مشاركة محسوبة على جهة طائفية !!رغم إن هذا الفصيل مبرأ تماما من كل اردان الطائفية.
إن تشخيص الخطأ وتسميته والجهة التي قامت بها لاتنتقص من المكانة السياسية لمن يقوم بها بل هي من صلب طبيعة الصراع في الانظمة الديمقراطية ، وإن السكوت عن الخطأ أو توجيه النقد المخفف لايؤثر الا على جماهيرية تلك القوى لا غير ، وهذا ماحصل بالضبط ، فاللجوء الى الوسطية رغم إنه لايمت الى مبادئ اليسار بصلة الا إنه في نفس الوقت يزعزع ثقة الجماهير بها ، فقد إعتادت الجماهير الشعبية أن ترى في القوى المدنية الديمقراطية أفضل من يشخص همومها ويتبناها ويرسم طرق النضال الصحيحة لتحقيقها ، ولا تقتنع تلك الجماهير بقوى سياسية تساند اليوم حكومة لموقف كذا وتعارض لاخر ، وهذا مايجب على ينبغي للقوى المدنية الديمقراطية أن تأخذه في الحسبان للقادم من الايام بعد تحرير ارض الوطن من داعش ، فالاستقطاب الطائفي سيكون على أشده ومطاليب الانفصال أو الاقاليم الاكثر استقلالية ستكون من أولى مطاليب جميع القوى الطائفية أو القومية الكردية ، وذلك حسب منظور القوى الاقليمية والدولية المؤثرة في الشأن العراقي وحسب الطبيعة الاجتماعية لقيادات تلك القوى وتوجهاتها السياسية بحثا عن مكاسب أكبر وإن كانت على حساب الوطن ، وهنا لابد للموقف الوطني للقوى المدنية الديمقراطية أن يبرز أكثر من أي وقت آخر ، وما عليها إلا أن تلجأ الى سياسة الفضح لكل التوجهات الفكرية والسياسية لتلك القوى والتأكيد على أن من أوصل البلد الى حالة التمزق والضياع ، هي سياسات القوى المتنفذة في الحكم منذ فترة مكابعد السقوط والى الان ، وبدون ذلك فإنه سيمسي لا مكان للقوى المدنية  الديمقراطية بين صفوف الجماهير ، وعلى ذلك فلابد البدء من الان بمراجعة فكرية أولا ، وبنقد موضوعي للسيسات التي أتبعت منذ 2003  والى الان ، وتغيير الخطابين السياسي والاعلامي ، واللجوء الى سياسة فضح المفسدين والمزورين علنا وبالاسماء والجهات التي ينتمون إليها ، والوقوف في كل صغيرة وكبيرة مع مطاليب الجماهير وجعلها الشغل الاكبر في حياة تلك القوى ، والابتعاد قدر الامكان عن روح المجاملة على حساب مصالح الوطن والمواطن وترتيب الاوضاع التنظيمية والسياسية لتلك القوى على أساس المجابهة مع القوى التي قادت البلاد الى هذا المستوى المتردي حتى وإن إقتضى الامر البدء من الان بعقد مؤتمرات تنظيمية ـ فكرية داخلية لتنظيمات القوى المدنية الديمقراطية إستعدادا للقادم من الاحداث والتطورات.

32

العراق بعد داعش
الحلقة الرابعة : السنة ــ العشائر
تحسين المنذري
كان يوم التاسع من نيسان 2003 كابوسا حل على أبناء الطائفة السنية في العراق ، ليس لأن نظام المقبور صدام قد سقط ، بل لان من يعتبرون ذلك النظام ممثلا للسنة قد بدأوا بالبروز وتبوء الصدارة في المشهد السياسي والدفع بإتجاه تبني المطابقة بين النظام المقبور والطائفة السنية في العراق ، ليجد العراق نفسه في خندقين: الشيعة القوة الجديدة الصاعدة والسنة مرغمين على لصقهم بالنظام البائد . لقد جرت محاولات عديدة من بعض عقلاء السياسة في كلا الطرفين لتبرأة الطائفة السنية من تهمة دعم ومساندة نظام البعث المقبور ، حققت بعض الاضاءات الا إنها بجميع الاحوال كانت أقل بروزا من أصوات التهميش الطائفي والاقصاء ، مما دفع بالكثير من أبناء الطائفة السنية الى تبني الدفاع عن نظام المقبور صدام وحماية بقاياه في محاولة للعودة للمشهد السياسي بقوة ، إلا إن ذلك كان خيارا بائسا ، فقد تبنى البعث المنهار بما تبقى منه سياسة اللجوء الى القوة بحجة مقاومة المحتل والقيام بعمليات إرهابية ليس ضد المحتل بل ضد من يصوروهم على إنهم مطايا الاميركان ومساعديهم في إحتلال العراق ، والغريب إن ضحايا هذه السياسة كانوا الابرياء من كلا الطرفين دون المساس برموز الطائفتين ، وحينما برز تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين كانت له حواضن في مناطق السنة التي أطلق عليها الاحتلال الاميركي المثلث السني وتبنى الطائفيون من الساسة الشيعة ذلك المفهوم وروجوا له في عملية تصعيد للصراع الطائفي بلغت أوجها بحرب أهلية ، حتى جاءت الصحوات التي ساعدت في الحرب ضد تنظيمات القاعدة الارهابية وطردها من أغلب الاراضي العرقية وسط وعود براقة بالحصول على مكاسب الدمج في القوات المسلحة بمختلف تلاوينها أو بالحصول على وظائف مدنية تنتشلهم من شبح البطالة المدمر ، ألا إن تلك الوعود لم يتحقق منها حتى ولو جزء يسير ، بل جرى قطع الرواتب عن منتسبي الصحوات وهم مايزالون في الخدمة ووقف الامدادات التسليحية بحجج واهية ، دفعت بالتالي منتسبي الصحوات الى تحول جزء منهم بما يشبه المافيات أو حتى قطاع طرق . إن هذه التجربة مازالت شاخصة للعيان وداعش تحتل مناطق كبيرة من اراضي يسكنها أبناء السنة رغما عن سكانها، وليس برضا الاكثرية منهم، فإني لا أبرئ بعضهم بإحتضان الداعشيين وتسهيل أمر أحتلالهم لاراضي العراق ، لكن هل يجوز معاقبة الكل بجريرة الجزء ؟ أتصور إن أي منصف سيقول لا حتما . إن تجربة مايقرب من العشر سنوات من تصدرا لقوى السياسية الطائفية الشيعية للمشهد السياسي العراقي وماجره من سياسات إقصاء وتهميش وإتهامات رخيصة لعموم أبناء الطائفة السنية ولدت حالة من النفور العام ورفض الانضمام الى الحشد الشعبي وفي نفس الوقت رفض دخول تلك القوات الى مناطقهم السكنية حتى كمحررين من داعش ، ليس حبا بداعش بل خوفا لما سيجره وجود شيعة مسلحين في أراضي يسكنها السنة ، لذلك جرت ومازالت محاولات حثيثة لتشكيل مليشيات مسلحة تحت أسم تنظيمات العشائر الغاية منها كما يزعم القائمون عليها مشاركة الجيش وقوات وزارة الداخلية في تحرير الاراضي المحتلة كبديل عن الحشد الشعبي . إلا إن تلك المحاولات ماتزال تلاقي الكثير من العراقيل من قبل سلطة بغداد بما يؤثر على عمليات تجهيز العشائر بالسلاح والعتاد . وفي خطوة غير مسبوقة يلجأ رموز وقادة الطائفة السنية الى القوى الخارجية مثل أميركا والاردن بشكل علني من أجل تسهيل تسليح عشائرهم ، مما يعد خطوة تصعيدية تلقي بظلالها على المشهد السياسي .
قد يكون بعض الحق مع وجهة نظر السلطة المركزية في الحذر من تسليح العشائر فالبعض من أبنائها كما أشرنا شكل حواضن لداعش وغيرها من التنظيمات الارهابية التي سبقتها ، وأيضا فإنهم جميعا يشعرون بالريبة من التوجهات اللاحقة للحكومة، فربما يحتفظون بالسلاح لمواجهة السلطة نفسها في محاول للعودة بقوة للمشهد أو على الاقل تعطيل محاولة كسر شوكة الطائفة السنية لمصلحة الطائفة الشيعية وغير ذلك من الاعتبارات التي لاتقل خطورة عنما ذكرنا والتي تعني بجميع الاحوال إن حالة الاحتراب ستبقى قائمة والحذر والخوف من الاخر وإنتهاز أية فرصة لفرض الارادات حتى ولو بقوة السلاح ، وهنا مكمن الخطر الاكبر حيث العودة الى الحرب الاهلية بيافطات طائفية. بالاضافة لذلك فإن قادة السنة السياسيين لجأوا لخيار التسليح من الخارج وبذلك وضعوا يدا تتكئ على الاجنبي الذي سوف لن يرضى لحلفائه السنة التهميش بعد إندحار داعش ، أي إن تدخل الاجنبي في الشأن العراقي عن طريق السنة بات أمرا ممكنا ، وبذلك سيكون المشهد اكثر تعقيدا ، فإما أن يأخذ أبناء السنة ما يشاؤون من الامتيازات والمناصب أو إن الوضع ذاهب نحو تقسيم العراق وفي أفضل الحالات التحول الى كونفدراليات .   

33

العراق بعد داعش
الحلقة الثالثة : الشيعة ــ الحشد الشعبي
تحسين المنذري
بعد أكثر من ثمانين عاما من حكم الدولة العراقية الحديثة دالت الدولة الى طائفة كانت تعتبر نفسها مظلومة ومهمشة ومضطهدة و...الخ حيث حَكم السنة تلك الحقبة وقبلها كانت الدولة العثمانية والعباسية وغيرها وكانت كلها دول سنية ، من هنا جاءت فكرة المظلومية عند الشيعة ، لكن من حَكَم العراق في فترة نشوء الدولة وبعدها وإن كانوا سنة لكنهم لم يمثلوا طائفتهم بذلك بل كلٌ مثل إتجاه ً سياسيا ، فالانتماء الى طائفة لايعني ان يكون المرء طائفيا ، صحيح هناك بعض الممارسات الاقصائية لكنها ليست سياسة رسمية للدولة ، فالشيعة في فترة الدولة الحديثة هم من قاطعوا المؤسسات الحكومية الناشئة حديثا وفق فتوى المرجع الخالصي آنذاك والتي ايدها كل مراجع ذلك الوقت ، واستمر الحال متذبذبا هكذا إبتعاد وإقتراب ، رغم وصول رؤساء وزارات شيعة ووزراء ومسؤولين مهمين لكنهم لم تكن الطائفة الشيعية ــ متمثلة بمرجعاياتها الدينة ــ تعتبرهم ممثلين للطائفة ، في حين إن كل سني هو ممثل لطائفته !! مفارقة غريبة لكنها عشعشت في أدمغة أكثرية الشيعة في العراق . حتى جاء التغيير في 2003 ليقفز سياسيون يعتبرون أنفسهم ممثلين للشيعة وبرعاية أميركية ، كان كل همهم ومازال هو حكم العراق وإعادة الاعتبار للطائفة ، لكن الاهم هو كسر شوكة الطائفة السنية وجعلها تابعا لهم تمتثل بأوامرهم ،وتخضع لمشيئتهم ، مما ولد حالة من النفور تطورت الى حرب أهلية في فترات معينة والى عداء دائم وترقب لفرصة معركة أخرى لكسر شوكة المقابل ، وهكذا الحال حتى جاءت داعش وفرضت نفسها كأجندة حاسمة للموقف ، وفي البدء إعتبر ممثلو الشيعة في الحكم ومازال قسم كبير منهم يعتبر داعش هي كل السنة وكل السنة هم دواعش ولو الى حين !! وأستغل الساسة المتنفذون وأغلبهم  في نفس الوقت قادة لميليشيات مسلحة فتوى للمرجعية العليا بالجهاد الكفائي لكي يزجوا بكل ميليشياتهم في حملة التطوع لتنفيذ الفتوى وليأخذوا الاذن بالعمل العلني المشرعن بحكم الفتوى ورغبة الحكومة المركزية . أنا شخصيا لاأمنح فتوى الجهاد الكفائي البراءة من طائفيتها وبناءا عليها لا أستطيع أن أقول إن قادة الميليشيات تحولوا في رمشة عين الى قادة وطنيين ، هم مازالوا طائفيين ومازال الهدف هو كسر شوكة الاخرين والتحكم بمصائرهم.
إن الخطاب السياسي للحكومة اليوم ولبعض قادة الكتل البرلمانية يبدو وكأنه خطابا وطنيا عاما ، لكنه كما أظنه مؤقتا فالجميع مازال بنفس إنتماءاته السياسية ومنطلقاته الفكرية ولم يعلن أحدٌ منهم الى اليوم تبرأه من طائفيته ولا حتى من ممارسات طائفية كانت تسود خطاب وعمل حزبه أو كتلته ، الجميع يحاول التستر على طائفيته لكن ـ كما أعتقد ـ الى حين .
إن (44) فصيلا مسلحا هم عداد الحشد الشعبي وكلها تحمل الهوية الشيعية وبعضها يعلن على الملآ ولاءه للخامنئي وأيران بل ولا يخجلون من الاعتراف بالتمويل الايراني والمشاركة الايرانية لهم في توجيه المعارك وقيادتها وأيضا وجود بعض المتطوعين الايرانيين الذين يقلدون مرجعية النجف العليا ،اي بالمختصر فإن الحشد الشعبي محسوم أمره للشيعة ومهما حاولت الحكومة زج بعض من أبناء الطائفة السنية أو الايحاء بدعم أبناء المناطق المحتلة من داعش للحشد فإن هويته تبقى مرفوضة من قبل أكثرية السنة مدعومين من قبل قوى خارجية.  إن لميليشيات الحشد الشعبي جميعا إستحقاقات إذا ما أندحرت داعش عسكريا، ولهم حسابات خاصة لكل فصيل إضافة الى أهداف أخرى مشتركة لتعزيز الطائفية السياسية وحسم الموقف مع الطائفة السنية وإعتبارها طائفة تابعة لهم مهما علا الصوت ومهما تضامن الاخرون من الخارج مع تلك الطائفة .
كما إن أعداد ( المتطوعين) اليوم في الحشد الشعبي ستشكل عبئا كبيرا على إقتصاديات الوطن إذا ماتركت السلاح ــ رغم إنها فرضية متفائلة قليلاــ فأين سيتم الاستفادة من خدماتهم ومن سيدفع رواتبهم وكيف سيتم تطويعهم للحياة المدنية وغيرها من الاسئلة التي ستكون الاجابة على بعضها أحيانا دموية ، فإمتهان القتال سيسهل عملية إعادته الى الواجهة في أية لحظة ، مالم تتحقق الامتيازات الفئوية لقادة تلك الميليشيات وعناصرها ، فالدم الذي يعطيه الان أبناء الحشد الشعبي ليس مجانا ولا هو لاجل الوطن ،رغم تمظهره كذلك،إلا إنه دم لاجل أجندات أخرى،ليس برغبة الضحايا أنفسهم ، بل بمشيئة قادة الحشد، وعلى القادم من الايام أن تعطي الفرصة لهؤلاء كي يحققوا ما يطمحون اليه وحتما سوف لن يكون الا على حساب الانسان والوطن .

34
العراق بعد داعش
الحلقة الثانية : الكرد ــــ البيشمركة


تحسين المنذري

بعد تاريخ طويل من الحروب والصراعات الكردية ـ الكردية أو للكرد مع جيش حكومة بغداد ،وسنوات من التهميش والاقصاء ومحاولات طمس الهوية وعمل نضالي كبير لاجل توحيد الهوية والهدف ،التقط الكرد أنفاسهم مع إتفاق قادتهم القوميين بعد عام 2003 على تقاسم كعكة السلطة ومغانمها ، لكن الامل المنشود بتحقيق المصير لم يتحقق بعد ، والبيشمركة الذين كانوا وقود كل تلك الصراعات وما كان يروى عنهم من مآثر وهزائم ،هم كانوا ومازالوا عماد الحركة القومية الكردية واليد الضاربة للقيادات المتربعة على مصائر الاقليم لدرجة لايمكن الحديث الى اليوم عن القضية الكردية الا وبرزت البيشمركة كمظهر هام لنضال الاكراد من أجل نيل حقوقهم ، القضية الكردية والبيشمركة لم يحظون بإهتمام مثل ماحصلوا عليه بعد إقتراب داعش من حدود أربيل ، فبرزت البيشمركة كقوة ضاربة وظهر حجم إهتمام الاميركان بقيادات الكرد فكان التدخل الاميركي المباشر وكان التمدد الكردي لمناطق كانت بالنسبة للقيادات الكردية حلما بعيد المنال مثل كركوك وسهل الموصل وشمال ـ شرق ديالى وغيرها من المناطق المعروفة بصفة المتنازع عليها ، وترافقا مع الاهتمام الدولي بالكرد مقابل داعش صار الحديث علنا من قبل القيادات الكردية عن عدم العودة مطلقا لما كان قبل 10/ حزيران / 2014 ، لِمَ لا إنها فرصة العمر!!! ومن ثم تحققت بعض الانتصارات بقيادة البيشمركة مثل جبل سنجار وما يحيط به وكسب بعض المعارك هنا وهناك جعلت للبيشمركة مكانة مرموقة ، فنالت رضا خكومة المركز بإرسال أسلحة لها وهذا يحدث لاول مرة في التاريخ ، فالبيشمركة التي تقاتل ضد حيوش الحكومات المتعاقبة تنال اليوم دعم الحكومة في بغداد ، وأيضا ماحصلت عليه من أسلحة وأعتدة ومستلزمات عسكرية من واشنطن وبعض العواصم الاوربية جعل منها كل هذا وذاك قوة مؤثرة وقضية كردية أبرز من ذي قبل ، حتى بات الحديث عن الاستقلال كشكل لتقرير المصير من قبل القيادات الكردية والبحث عن دعم دولي وإعتراف بالدولة الكردية المرتقبة أحدى مهام القادة الكرد الانية والمستقبلية ، فهل سيقتنع الكرد وقواتهم بالعودة الى الوراء إذا ما إندحرت داعش عسكريا وغادرت المناطق التي إحتلها؟ الجواب حتما :لا،فمالذي سيرضي القادة الكرد ؟ لاشيئ غير الاستقلال ، لكن هل من الممكن تحقيق ذلك ؟ لا أظن إن واشنطن او عواصم بقية دول القرار سترسل جيشا لمنع الكرد من اعلان إستقلالهم ولا ستعاقبهم على فعلتهم هذه ، قد تظهر بعض معالم الامتعاض ، لكن الكرد في النهاية سينالون الاعتراف المطلوب ، فهل هذا كل شيئ ؟ حتما لا ، ففي داخل البيت الكردي هناك من مازال يتمسك بالهوية العراقية ، ومشكلة اللغةالتي  ستعتمد في الخطاب الرسمي مابين السورانية والبادينية ستبرز بشكل حاد ، واليوم هناك من يتحدث عن إقليم السليمانية لكي ينأى بنفسه عن مهاترات قيادة أربيل ، والصراعات بين القوى السياسية الكردستانية بتوجهاتها المتقاطعة والمختلفة مع بعضها قد تتحول الى معارك مسلحة وفي التأريخ الكردي الكثير من الامثلة على ذلك ، ومشلكلة النازحين الذين لجأوا الى كردستان من مختلف المناطق ، من سيعيدهم ومن سيعوضهم ولمن ستكون تبعيتهم ، وكذا الحال مع بقية العراقيين الذي وجدوا في أقليم كردستان مكانا آمنا للعيش والعمل ، ماهو الموقف منهم وبأية طرق ستتعامل معهم حكومة الدولة الوليدة ؟ودول الجوار سيما تلك التي يشكل المكون الكردي جزءا من كياناتها ستقف حتما ضد الاستقلال وقد تحشد قواتها على حدود كردستان في مقابل حشود للبيشمركة ستنتشر هناك ، وبغداد التي مازالت ترفض حتى التفكير في إنفصال كردستان وتستنكر على كل من يروج لذلك سوف لن تقف مكتوفة الايدي حتما ، لكنها لا أعتقد لها القدرة على قيادة جيش نظامي لمقاتلة الكرد فقد تلجأ الى ميليشياتها المتبناة تحت يافطة الحشد الشعبي وقد تنحاز بعض قوات العشائر السنية لها على خلفية عقلية عنصرية تعشعش منذ عشرات السنين ، وإن لم يحصل ذلك فستلجأ حكومة المركز الى إسلوب العقوبات الاقتصادية مثل تجميد أرصدة وتعطيل عقود النفط وسحب الموظفين والخبراء رغم محدودية تأثير كل ذلك لكنه يبقى إجراءا يعبر عن موقف الرفض وعدم الاعتراف ، فماذا سيكون رد حكومة كردستان على كل ذلك ؟ لا شيئ سوى تقديم التنازلات والتعهدات والوعود الاقتصادية والقبول بدولة ضعيفة والبحث عن غطاء دولي والدخول في تحالفات مع قوى قوية عسكريا ومؤثرة في المنطقة والعالم على حساب النمو الاقتصادي والوعود بالرخاء وغيرها من البشائر التي تبثها القيادات الكردية، إنه مشهد معتم ويغطيه الدم والخاسر الاكبر هو الانسان لا غير . وكي اكون واضحا أنا لست ضد حق تقرير المصير للشعب الكردي لكني أرى في الظروف الذي ترافق الاعلان عن شكل تقرير المصير الدور الابرز والاهم.

35


العراق بعد داعش
الحلقة الاولى: المقدمات
تحسين المنذري
لم تأتِ سياسة المحاصصة الطائفية محض صدفة بل هي مخطط لها وكما يبدو منذ زمن أطول مما نتصوره قريبا من موعد الاحتلال الاميركي للعراق ، فكانت خير هدية من المحتل الى أحزاب الاسلام السياسي باركتها ورسخت جذورها المرجعيات الدينية وعمقتها سياسات دول الجوار التي إبتلى العراق رغما عنه بإختلافاتها التاريخية المتجذرة وتمظهرها الان طائفيا . ومن الطبيعي أن يظهر في كل حركة سياسية من هم المتشددون ومن هم الوسطيون وغير ذلك من التقسيمات ، وكلما كانت حلاوة السلطة في العراق تشتد، تتعمق معها الهوة بين الطوائف السياسية التي تدعي كل منها تمثيلها لابناء طائفتها ، ذلك ماوجد صداه عند عامة أبناء الطوائف غير المسيسين او غير الواعين سياسيا فكان إنحياز الاكثرية إنحيازا ساذجا تم توظيفه من قبل قوى الاسلام السياسي ــ بشقيه ــ لاغراضها غير الوطنية ، ودفع الاكثرية من أبناء الشعب ثمن تلك السياسة وذلك الانحياز الاعمى ،ورغم ما نتج عن  تلك السياسة من ويلات ومصائب يبدو إنها الى الان لم تردع هؤلاء الساسة، من الايغال بنهجهم الاقصائي والمتشدد طائفيا كما يريدون له أن يكون . وبدون الذهاب بعيدا في فترة ماقبل داعش فإن السنوات القليلة التي سبقت الاعلان عن الاحتلال الرسمي للموصل من قبل داعش ،  إتبعت الحكومة التي كانت تدير السلطة التنفيذية في وقت سقوط الموصل وقبل ذلك أجزاء كبيرة من الانبار ،إتبعت  سياسة هوجاء تقوم على أساس التخوين والاقصاء والتهميش المتعمد للمكونات الاقل تمثيلا في الحكومة نتج عنه تخندق أعمق وبحث عن خلاص بأي ثمن كان ، إستثمرت القوى المتطرفة ذلك ودعمت الوجود الضعيف لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق بتوسيعه في سوريا المضطربة أصلا وإيجاد مساحة من الارض أكبر لتحركه ولجمع وتدريب عناصره القادمين من بقاع الارض المختلفة ، مما خلق من التنظيم قوة كبيرة إستطاعت أن تفرض هيمنتها على بعض المدن السورية والتمدد شرقا بإتجاه الاراضي العراقية بعد أن أبدلت إسم التنظيم الى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام وأختصر الاسم الى (داعش ) ليشكل بعبعا مخيفا لكل القرى والبلدات التي توجه اليها نتيجة ما يسمعه الناس عن بشاعة الجرائم التي يرتكبها عناصر التنظيم وتحت يافطة ( لا اله الا الله ومحمد رسول الله ) مع صرخة الله أكبر .
إن سياسة التهميش والاقصاء التي اتبعتها حكومة السيد المالكي وهو شخصيا خلقت أرضية خصبة لاستقبال داعش في المناطق ( السنية ) واوجدت أكثر من مبرر لكي يستقبل الناس عناصر التنظيم الاجرامي ، بالاضافة الى التشكيل الهش لوحدات الجيش العراقي وغلبة الروح الطائفية ، وإستشراء الفساد المالي والاداري بين قادته ومنتسبيه مما ولد حالة من الترهل والتراخي ( ويقال الخيانة ) أدى كل ذلك الى سرعة إنهيار قوات حماية الموصل والاعلان رسميا عن سقوط الموصل بأيدي الداعشيين ومن ثم توالت البلدات في الانبار وصلاح وكركوك وديالى وحتى أقتربت داعش من بغداد العاصمة عن طريق تحريك خلاياها النائمة والعناصر التي إستطاعت التسلل بحكم فساد رجال السيطرات وغيرهم ممن سهلوا وصول وإحتلال داعش لكل تلك الاماكن المشار اليها .

حتمية سقوط داعش:  يعتبر النشوء السريع لداعش احد عوامل إنهياره فالبناء التنظيمي لم يستطع أن يرص صفوف مقاتليه بقدر اغراءات الغنائم والوعود البراقة بحوريات العين وغيرها من خرافات التأسلم السياسي ،كما إن تجربة حكم داعش هي التجربة الاولى لتنظيمات القاعدة وتوابعها حيث إعتاد تنظيم القاعدة القيام فقط بعمليات إرهابية والتمركز في في بعض مناطق الدول الضعيفة لخلق قواعد تدريب واطلاق مقاتليه ، دون أن يحكم بشكل مباشر كما هو الحال في أفغانستان واليمن ونيجيريا وغيرها وعليه فإن تجربة حكمه الاولى هذه محفوفة بالكثير من المخاطرمنها عوامل ذاتية مثل سلفية الفكر الذي سوف لن يستطيع إيجاد حلولا لمشاكل حديثة وايضا عدم الانسجام بين عناصر التنظيم حيث تعدد الجنسيات وبالتالي تنوع الخلفيات الفكرية وبرز ذلك بشكل جلي في الموصل حيث القتال الذي دار بين الدواعش العراقيين مع الاخرين من غير العراقيين وأدى الى مقتل العشرات من الطرفين وكذلك الاختراقات المخابراتية في التنظيم والتي كانت من العوامل المساعدة جدا في النشوء والانتشار السريع ، فإن تلك الاختراقات أو الولاءات المتعددة بين عناصر قيادة التنظيم كل للجهة المخابراتية التي أتت به ودعمته سيؤدي في الاخر الى تصادم بين مصالح تلك المخابرات مما يعني التصادم بين قادة التنظيم أنفسهم ، وبالتأكيد فإن العوامل الموضوعية ستلعب دورا هاما أيضا فالقسوة التي يعاقب بها التنظيم للمخالفين لتعاليمه ستجعل نفور الناس عنه أمرا بيّنا ، وأيضا وجود الغرباء في الاراضي العراقية حيث الطبيعة العراقية الرافضة لوجود غير العراقي بين ظهرانيها مالم يكن تحت طوعها وإرادتها سيؤدي ذلك حتما الى تمرد الناس على غير العراقيين القادة وربما الانتفاض عليهم . طبعا مع وجود إرادة حكومية بطرد داعش ووجود قوات عسكرية مختلفة التشكيلات تقاتل داعش بإسناد دولي على شكل طلعات جوية رغم إنها مازالت محدودة لكن لها تأثير أيضا ، كل هذا وذاك سيؤدي الى سقوط داعش .
المدخل: لقد أحدث إحتلال داعش لمساحات شاسعة من الاراضي العراقية خللا كبيرا في البنية الاجتماعية العراقية وتغييرات ديموغرافيه وخسائر إقتصادية كبيرة ، وبروز قوات وأسماء ماكان لها أن تبرز لولا محاربتها لداعش ، وأيضا تبدل في السياسات الحكومية ولمختلف القوى المؤثرة في الوضع ، فكيف سيكون الحال إذا ما إنتهى إحتلال داعش ؟
رغم ضبابية الصورة أو محاولة تضبيب الصورة من قبل القوى الحاكمة لكي توحي بتماسكها وإمكانية العودة الى وضع أفضل الا إن كل ذلك سيبقى مرهونا بمستلزمات وركائز متغيرة عن ذي قبل بعد سقوط داعش ، في الحلقات القادمة سأحاول البحث في تصورات لما سيؤول اليه الوضع مستقبلا .

36
حينما ينحاز المثقف طائفيا !

تحسين المنذري
في خضم دموية الصراعات الطائفية في الوطن ، كان الامل معقودا على نخبة الثقافة الوطنية كرمز من رموز الوحدة الوطنية ، ومازال في الوقت فسحة كي يلعب المثقفون الدور التأريخي المناط بهم في تنوير الشعب، أو من يسمع منه، بثقافة متجددة تبتعد عن الانحياز الطائفي الاعمى وترسم مساراتٍ أخرى تكشف فيها نوايا الصراع المحتدم ورخص هدر الدماء الزكية على أساس إن الضحايا هم مواطنون يحملون هوية عراقية واحدة وليسوا شهداء طوائف .
يبدو إن إستمرار الصراع الطائفي وإحتدامه جعل البعض من مثقفينا الذين يُعوَّل عليهم لعب الدور التنويري ، قد إنحازوا علنا الى طائفتهم ، وهذا ماظهر بشكل جلي في حادثة إستشهاد المواطن العراقي البطل ( مصطفى) على ايدي ثلة مجرمة في مدينة الفلوجة ، فالبعض إتهم طائفة بأكملها بمسؤوليتها عن إستشهاده ، وآخر صب جام غضبه على سكان مدينة الفلوجة ، وثالث إعتبر إستشهاده النذر الاخير لوحدة الوطن ،وهكذا إنسحب بعض المثقفين الى خانة التخندق الطائفي ، لا أدري مرغمين أو مختارين . إن الشهيد ( مصطفى) واحد من مئات بل ألوف فقدوا حياتهم من أجل أن يبقى وطن إسمه العراق وعلى مر الازمنة ، فهو حلقة من سلسلة ذهبية وهبت حياتها كي يعيش غيرها في وطن واحد موحد وفي ظل نظام يكفل الامن والاستقرار لكل أبنائه بدون أي تمييز على اسس غير إنسانية ، وهم بذلك و( الشهيد مصطفى) واحد منهم أرقى وأكبر وأعلى شأنا من كل الاعتبارات الطائفية الضيقة ، ووضع الشهيد ( أي شهيد) في خانة الطائفة أو الأثنية أو حتى الدين ، إنما هو تقزيم للشهيد نفسه وللقيم التي ضحى من أجلها .
إن الصراع الدائر الان في العراق هو صراع بين منظومتي قيم ،تتصارعان من أجل  إما أن يتمزق الوطن لكي سهل جره الى مواقع التخلف والشعوذة وإلغاء دور العلم والتنوير والثقافة  وسيادة قيم الاستبداد والتسلط وإنهاء دور الفرد وحريته الشخصية، أو أن يبقى الوطن موحدا يتمتع أبناؤه بقدر معقول من الكرامة الانسانية والحرية الشخصية تستطيع الاجيال اللاحقة أن تتخذ من العلم سلاحا وثقافة التنوير غذاءا والتطلع لمستقبل أفضل يتساوى فيه مسار الوطن مع بقية دول العالم المتحضر ،إن هذا الصراع بكل تفرعاته الطبقية والسياسية والثقافية  والعلمية وغيرها، يحاول البعض إختصاره الى صراع طائفي ، وهنا يبرز دور المثقف التنويري في فضح كل تلك الاساليب بجرأة وبإستنادٍ الى أسس علمية في المحاججة ووضع النقاط على الحروف كي يستطيع المواطن إختيار الطريق الاسلم له ولابنائه ، الوطن هنا لابد أن يكون هو محور الثقافة الاول ووحدته ومستقبله الهم الاكبر للمثقفين العلميين التنويرين كي يبقى للوطن رمز لتوحده .

37

حرب السعودية على اليمن ... وجهة نظر

تحسين المنذري
منذ أن إنطلقت الطائرات السعودية لتلهب سماء اليمن، حتى إنبرت أقلام وعلت أصوات تؤيد السعودية وأخرى تستنكر ، لكن الملفت إن هذه الاصوات وخاصة الرافضة للحرب تضع مايجري اليوم في إطار الحرب الطائفية ، بحجة إن الحوثيين شيعة والسعودية لايروق لها أن تحكم الشيعة خاصرتها ، نعم فاليمن هي خاصرة السعودية الموجعة بإستمرار ، ذلك لعدم إستقرار الوضع سياسيا وإجتماعيا في اليمن منذ أربعينيات القرن الماضي حيث بدأ التمرد على حكم آل عبد الحميد ، والقلق ينتاب السعودية من كل شاردة وواردة وأي تطور يحصل في اليمن تنظر إليه الاجهزة المختصة لديمومة حكم عائلة آل سعود بتمعن ونظر فاحص وحساب مالهم وما عليهم في كل هذا وذاك ، ولا تتوانى السعودية في التدخل العلني الفاضح في الشأن اليمني كلما إقتضت الضرورة .وليس بخافيا على أحد طبيعة نظام الحكم السعودي الثيوقراطي ـ التوليتاري ، ومن طبيعة مثل هذه الانظمة أن تحكم سيطرتها ليس على شعوبها فقط بل وكل ما أستطاعت من دول الجوار أو الدول ذات التأثير المباشر وغير المباشر على أمنها وإقتصادها وسياستها ، لذلك فإن السعودية وبحكم موقعها الجغرافي وحجمها وكثرة ثرواتها إستطاعت أن تفرض هيمنة شبه مستقرة على إمارات الخليج المتناثرة حولها تحت يافطة مجلس التعاون الخليجي . إن نظاما شموليا كالنظام السعودي لايرضى بوجود نظام مجاور أو قريب مغاير لتوجهاته ، فالسعودية ترغب  أن تدين الدول المجاورة بالولاء لها أو بالولاء لنفس الجهات التي تتبعها هي ، وهذا ماحاصل بالنسبة لكل دول مجلس التعاون الخليجي ، أما اليمن فقد إنتابته موجات فبعد إعادة حكم آل عبد الحميد الى سدة الحكم بعد إنقلاب عبد الله الوزير بقي الوضع قلقا حتى جاءت ثورة سبتمبرعام 1962 بقيادة عبد الله السلال الضابط القومي ـ الناصري التوجه ، عندها لم تخفِ السعودية قلقها مما حدث فمن شأن هكذا ضابط أن يثير المتاعب للحكم السعودي إذا ما أستقر في قيادة خاصرة السعودية ، فأعلنت السعودية تأييدها للامام البدر الذي لجأ الى أراضيها وتدخلت قواتها في حرب صعبة ضد نظام الحكم الجمهوري الجديد الذي حصل على دعم مصر ـ عبد الناصر بل ومشاركتها الفعلية في التصدي للقوات السعودية الغازية ، يومها لم يكن السلال شيعيا ولم تكن الطائفية عنوانا للصراعات ، لكن السعودية تصدت لتغيير نظام كان قريبا منها مواليا أو حتى تابعا ، وأستمر الحال هكذا لحد عام 1967 حيث الانقلاب الذي قاده عبد الرحمن الايرياني ضد السلال لتدخل اليمن في حكم أكثر تخلفا من حكم أئمة آل عبد الحميد ، ذلك ما بث روح الاطمئنان عند آل سعود حتى إضطربت اليمن مرة أخرى بعد سلسلة إنقلابات وإغتيالات رؤوساء تؤول في الاخر الى ضابط مغمور يدعى علي عبد الله صالح تمت ترقيته بعد تسنمه الحكم الى رتبة عقيد ، ومع إضطراب الوضع اظهر صالح تحالفه بل وإنتمائه الى قابل حاشد بقيادة آل الاحمر والذين لهم  تحالف ومصالح إقتصادية مع شركات ومستثمرين سعوديين بما فيهم من العائلة الحاكمة ، مما بعث على إطمئنان الحكم السعودي ، رغم كل شطحات صالح ونزقه وتحالفاته مع انظمة أخرى في أحيان كثيرة إلا إن السعودية كانت مطمئنة لقوة آلى الاحمر وهيمنتهم على صالح وهو ماكان حاصلا بالفعل ، حتى جاءت تطورات الربيع العربي وإجتياح الموجة لليمن بقوة مما أثار رعب آل سعود مرة أخرى ، لذلك تدخلت السعودية بكل ثقلها ومن ورائها أنظمة مجلس التعاون الخليجي لكي تبقى إدارة أمور الازمة وإمتصاص زخمها من قبل مجلس التعاون الخليجي والسعودية بشكل خاص ، وجرى كل ماجرى من إستبدال صالح بنائبه الاضعف منه بمرات عديدة وأعني عبد ربه منصور هادي الذي أعلن تبعيته للنظام السعودي وخذلانه للشبيبة الثائرة وإستمرار تخلف اليمن وتدني إقتصادياته خاصة بعد تطبيق شروط صندوق النقد الدولي بدءا من عام 1994 أيام حكم صالح والتي أدت الى مزيد من الافقار والتراجع ، تلك السياسة التي واصل هادي إتباعها ، إضافة الى محاولات فرض أجندات خارجية وفي مقدمتها المشيئة السعودية . إن ضعف الدولة اليمنية إنعكس بشكل بارز بإختيار القاعدة لها مركزا للتدريب وتأهيل إرهابيين والقيام أحيانا بعمليات إرهابية داخل اليمن نفسها كلما إقتضت الضرورة ،تذكير النظام القائم بضعفه وقوة القاعدة .وقد كان من شأن كل ذلك أن تشهد اليمن صراعات عديدة كان منها مثلا الحراك الجنوبي الذي أراد الانفصال مرة أخرى ، ونمو الحوثيين الاميبي ليس بمعزل أيضا عن ضعف الدولة اليمنية ، حتى جاءت لحظة التمرد الواضح ليس على الحكم اليمني بقدر ماكان على الهيمنة السعودية متمثلا برفض الحوثيين للاتفاق الموقع برعاية السعودية ومجلس التعاون الخليجي ، وسيطرتهم بالتالي على مقاليد الحكم وهروب منصور هادي الذي تسميه الاوساط الخليجية بالرئيس الشرعي !!!. ربما لا يكون الحوثيون بأفضل حال من سابقيهم فهم دعاة دولة ثيوقراطية أيضا ولا تتضمن شعاراتهم وأهدافهم أي إشارة الى الديمقراطية والتعددية ، لكنهم خارج الجلباب السعودي وتلك النقطة هي المفصلية في الامر ، وهنا لا أتهم الحوثيين بولائهم لايران ولا أستبعد ذلك لكنهم بجميع الاحوال ليسوا على النمط الخليجي المعتاد ، فكانت الحرب المعلنة من جانب السعودية وموضة التحالف الدولي المساند التي سادت الحروب منذ حرب تحرير الكويت . قد تكون للسعودية أهداف أخرى من هذه الحرب منها مثلا محاولتها تخريب المفاوضات الجارية بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد وخاصة أميركا حيث قرب التوصل الى إتفاق قد يفضي بعودة إيران الى الواجهة كحليف أهم لأميركا وقد يترتب على ذلك تغيير في الاولويات يضر بمصالح العائلة الحاكمة في السعودية ولو على المدى البعيد ، لكن ماهو واضح هو رفض السعودية وجود نموذج آخر وهذا ما دأبت عليه مع اليمن منذ أربعينات القرن الماضي والى اليوم ، عليه ارى إن وصم الحرب الجارية في اليمن بالطائفية قد يكون خدمة لال سعود تخفي نواياهم الحقيقية في الهيمنة والسيطرة على الشعب السعودي أولا وعلى شعوب المنطقة ثانيا ، إمعانا في التخلف ومزيدا من الترويج للبضائع والسياسات الغربية .


38
إنه الصراع الطبقي .... يا سادة

تحسين المنذري
لم تألوا الحكومات العراقية المتعاقبة منذ العام 2003 والى الان جهدا الا وبذلته في سبيل توجيه دفة الاقتصاد العراقي نحو الاقتصاد الحر ، وعملت كل مايتطلبه الامر بما فيها محاولاتها الجادة بتصفية المنشآت الحكومية وتحويلها الى القطاع الخاص ، مبتدأة بتحويلها الى منشآت تمويل ذاتي ، لكنها في الوقت نفسه لم توفر الارضية القانونية أو الاقتصادية لنجاح عملية التمويل هذه ، وفي الوقت عينه وفي خضم الانفتاح الاقتصادي المنفلت والفساد المالي الذي يرافق عادة عمليات الانفتاح الاقتصادي هذه ، تكونت شرائح طبقية من القيادات السياسية المتنفذة ، بعضها برجوازية بيروقراطية ، أو عقارية ، أو تجارية والبعض الاخر كومبرادورية إرتبطت بشكل خاص بالكارتلات النفطية العالمية ، كما إستطاع البعض من ذوي النفوذ المالي وشرائح طبقية برجوازية أخرى من إمتلاك وسائل التأثير في صناعة القرار السياسي والتوجهات الاقتصادية للجكومات العراقية بما فيها الحكومة الحالية التي ينص برنامجها صراحة على دعم سياسة التوجه نحو القطاع الخاص ، وبالتالي فقد تشكلت مصالح طبقية للفئات الحاكمة من مصلحتها أن تتخلى الدولة العراقية عن ملكية المنشآت الاقتصادية والصناعية التي بحوزتها ، وذلك أيضا ما ينسجم مع شروط العولمة الرأسمالية وأذرعها كي تمنح نظرة الرضا عن القائمين على الوضع العراقي وتحنو على الاقتصاد العراقي ببعض القروض أوالمشورات وربما بعض الاستثمارات خاصة في القطاع النفطي .
لقد تشكلت تلك الشرائح الطبقية للمتنفذين في الحكم بغض النظر عن إنتماءاتها الطائفية والاثنية ، وصارت لها مصالح إقتصادية تعلو على أشكال الصراعات السياسية بل وحتى المسلحة منها تحت يافطات طائفية في الاغلب . وللمراقب أن يكتشف أسباب الخلاف بين حكومتي الاقليم والمركز حول قانون النفط والغاز .وبالتأكيد فإن المصالح الطبقية بمختلف مجالاتها لتلك الشرائح تتعارض كليا مع الضفة الاخرى من المجتمع العراقي من كادحين بمختلف المجالات ، عمال وفلاحين وكسبة ومتقاعدين وغيرها ، وما شهدته الساحة العراقية من حراكات عمالية وإضرابات ومظاهرات للفلاحين في البصرة ومطالبات شعبية بمحاربة الفساد المالي والاداري متمثلا بمطاليب تخفيض رواتب موظفي الدرجات العليا والبرلمانيين وغيرها ، إن هي إلا أشكالا من التناقضات الطبقية ، تلك الصراعات التي تحاول قوى العولمة الرأسمالية غمطها أو تصويرها بمظاهر أخرى كصراع الحضارات، أو الصراعات الطائفية التي تسود مناطق الشرق الاوسط ،أو خلق بؤر إرهابية هنا وهناك وغيرها من المحاولات التي تثبت الحوادث والايام إن هي الا محاولات فاشلة للتغطية على الصراع الطبقي كمحرك رئيسي لتوجهات الحكم والسياسة الاقتصادية لمختلف الحكومات الموالية لتوجهات الغرب الاقتصادية .
إن العمال العراقيين الذين إنتفضوا من أجل حقوقهم المشروعة ليسوا مجموعة مساكين أو فقراء أو شحاذين ، بل هم جزء من الطبقة العاملة العراقية لهم حقوقهم ومصالحهم ، وما كسبوه من نتيجة أخيرة بصرف مستحقاتهم ليس منّة من أحد أو تصدق أو فضل قدمته السلطات العراقية لهؤلاء ، بل هو نصر في جولة من جولات الصراع وتأكيد لوجود تحاول السلطات منذ عقود للتغطية عليه بتسميات شتى ، وحق إنتزعوه من مخالب البرجوازية العراقية بكل تلاوينها وتوجهاتها ، ولابد من إدامة زخم نضال الطبقة العاملة العراقية وتدعيمه بصياغة الشعارات والبرامج وتنظيم صفوفها بما يتلاءم مع أشكال النضال الحالية . إن العمال الذين إنتفضوا لم يسأل أي منهم صاحبه عن هويته الطائفية أو الاثنية ،ولم تثن ِ عزيمتهم تشابه هوياتهم الفرعية مع هويات الحكام ، بل كانت المصالح الطبقية من تحركهم ومن وحّدتهم ... إنه الصراع الطبقي .... يا سادة .


39

مراجعة في بعض أساسيات العملية السياسية


تحسين المنذري
منذ أن إنطلقت العملية السياسية في عام 2003 وما إنبثق عنها من فعاليات ومؤسسات والى الان فإنها تعاني ليس فقط من ثغرات بيّنة وإنما مرت بفترات إنتكست فيها بحيث كادت أن يجهز عليها بالكامل حتى من قبل قوى سياسية من داخلها ، ومهما بدت الامور في بعض الاحيان وكأنها تسير بسلاسة إلا إنها في ذات الوقت تحمل أسباب إنتكاسها بل وحتى فشلها ، حتى جاءت أحداث الموصل في العاشر من حزيران المنصرم وما قبلها من تطورات عمقت حدة الصراع الطائفي وكشفت عمق الهوة التي تفصل بين قوى العملية السياسية من جهة وواقع العراق المتردي بشكل مزرٍمن جهة اخرى ، مما يستدعي مراجعة شاملة للوضع بمختلف مفاصله ، ولعل العملية السياسية تحتل موقع الصدارة في ضرورة مراجعة أسسها ومساراتها . فكل ما تحصّل من العملية السياسية في غضون مايقرب من الـ 12سنة لم يكن سوى مظاهر حريات ناقصة أقرب الى الفوضى منها الى الديمقراطية ،حتى سادت الطائفية  السياسية كل مفاصل الحياة وبات التمييزعلى أسس غير إنسانية هو المبدأ ولم تتبنى قوى العملية السياسية المتنفذة بشكل خاص هدفا إقتصاديا تسعى لتحقيقه ماعدا دعوات لسيادة القطاع الخاص ووفق أسس الفوضى ذاتها ، ولم تعرْلا المؤسسات السياسية ولا الاقتصادية موضوعة التنمية أي إهتمام سوى ورود كلمات خجلى في بعض الاحيان هنا وهناك في أدبيات الساسة وبعض خطبهم سيما تلك التي تأتي في فترة ما قبل الانتخابات ، لذا فإن جعل التنمية وبشقيها الاقتصادي والبشري هي الهدف الاعلى للعملية السياسية سيوفر الكثير من الجهد وقد ينحّي بعض التناقضات جانبا من أجل الرقي بالمجتمع وفق سياسات تنموية ، ولغرض أن تسود فكرة التنمية وأن تحقق مغزاها فلابد من :
1- الديمقراطية : "لاتنمية حقيقية بدون ديمقراطية" ، فكرة أجمع عليها غالبية الاقتصاديين في العالم ومن مختلف المشارب الفكرية ، ذلك إن الهدف الاهم للتنمية هو تلبية حاجات الناس فإن لم تكن هناك ديمقراطية فكيف يستطيع المجتمع أن يعبر عن إحتياجاته ؟ على هذا فبناء الديمقراطية لابد أن يتم وفق قوانين مدروسة تكفل العلاقة الصحيحة بين كل قوى المجتمع على أسس سليمة من شأنها  أن ينتظم الصراع بموجبها وفق ضوابط اقتصادية ـ إجتماعية ، تحدد المسارات السياسية للقوى التي تتبنى أهداف التنمية .
2- فلسفة التنمية : فلابد من تحديد فلسفة معينة للتنمية قد تكون هي بحد ذاتها موضوعا مصيريا في صراع القوى السياسية ـ الاجتماعية ، فعلى أي أسس ستقوم التنمية هل وفق سيادة الاقتصاد الحر ؟ فيجب وضع آليات وضوابط النمو الاقتصادي وضوابط للاستثمار سواءا للرأسمال المحلي أو الاجنبي وفق أهداف التنمية وليس منفلتا كما هو حاصل الان .وإن كان وفق نظام إقتصادي مختلط أي تتبنى أجهزة الدولة الاقتصادية تحقيق جزء من أهداف التنمية والجزء الاخر يصبح من مسؤولية القطاع الخاص فأيضا لابد أن يكون ذلك وفق ضوابط ومحركات للسوق والعمل على حد سواء كي تنجز التنمية أهدافها المنشودة ، وفي كلا الحالتين فإن التغير لابد أن يكون ضمن حسابات التخطيط المركزي للدولة وفق متغيرات السوق المحلية أو تأثيرات السوق الدولية والتي لابد من وضع ضوابط إستيراد وتصدير السلع بما يكفل التطور ويحمي المنتج المحلي . كما إن التنمية البشرية في هذا الاطار تصبح حاجة ضرورية لنجاح خطط التنمية الاقتصادية وبالتالي لابد لها أي التنمية البشرية أن تعتمد الاسس العلمية الحديثة في تطوير قدرات المجتمع البشرية ووفق الحاجة لذلك، لا خلق شرائح مدربة لكنها معطلة لعدم الحاجة لها . 
3- الموقف من شروط البنك والصندوق الدوليين :من شـأن تطبيق تلك الشروط أن تحد الدولة من عموم نفقاتها ، مما يزيد من حدة الفقر( تراجع في عدد ونوعيات البطاقة التنموية خير مثال )  خاصة في دولة مازال الاقتصاد الريعي هو المتسيد ، ومنذ عام 2003 والى الان تجد الحكومات العراقية المتعاقبة نفسها مجبرة على السير مع تلك الشروط حيث شروط نادي باريس المطابقة لها والتي إلتزم بها العراق نتيجة  لحصوله على إمتيازات تخفيض في ديونه المتراكمة من العهد المباد إضافة الى قروض من صندوق النقد الدولي ، وهذا يعني إن تقليل الانفاق الحكومي يقود الى ضعف في البنى التحتية أو تراجع في تنميتها مما يسبب حتما ضعفا في معدلات التنمية على كل الاصعدة .إن ذلك يملي على القوى المشاركة في العملية السياسية أن تحدد موقفها من تلك الشروط رفضا أو قبولا وفي حالة القبول عليها طرح برنامجها البديل أو المكافئ.
4- الموقف من إتفاقية منظمة التجارة العالمية ( الجات): والعراق في الطريق الى الحصول على كامل العضوية في هذه المنظمة والتي من شأن الالتزام ببنودها أن تفتح الابواب على مصراعيها للبضائع المستوردة على حساب المنتوج المحلي ، لذلك فإن التسليم بكل متطلبات إتفاقية الجات يؤدي بشكل لايقبل الشك الى تراجع مستوى المنتوج المحلي كما ونوعا ، لذلك بدلا من شروط الاتفاقية المجحفة يفترض أن يتم تشريع قوانين تدعم الانتاج العراقي على صعيد الضرائب الكمركية أو تقليل فوائد القروض وتقليل ضرائب الدخل وغيرها
وأخيرا لابد من التأكيد على إن العملية السياسية إذا ما بقت بدون أهداف ستراتيجية وبدون قنونة لاسس الديمقراطية التي أرادت الجماهير أن تقوم عليها فإنها سوف تبقى عرضة ليس فقط للهزات والتراجعات بل وايضا الى تعزيز نظام المحاصصة ليتحول من نظام إدارة سلطة الى نظام دولة وهنا تكون الطامة أكبر ، فلابد من تغيير نوعية الصراع ونقله الى مستويات تخدم المواطن وليس المسؤول .

40
المراجعة الفكرية ضرورة لابد منها

تحسين المنذري

منذ أن تبوأ الاسلام السياسي الحكم في العراق ولحد الان لم يستطع أن يقدم أي حلٍ جذري للمشكلات المستعصية التي ورثها من النظام الذي قبله ، بل إنه علاوة على ذلك خلق مشاكل أخرى زادت من حجم معاناة المواطن واسقطت هيبة الوطن الى الحضيض ، تسع سنوات من الحكم لم تأتِ بمنفعة لاحد سوى لرموز النظام السياسي ، ولم تستطع حكومات المحاصصة المتعاقبة أن تعيد الحياة لشيئ من البنى التحتية المدمرة ، بل إنها دمرت ماكان صالحا ، ثلاث حكومات للاسلام السياسي بمحاصصتها المقيتة لم تستطع تأمين حياة الناس كأبسط مطلب إنساني ، بل إنها إستباحت الحرمات وصار منظر الدم مألوفا للشعب بعامته وخاصته ،وفي كل يوم يزداد المشهد سوءا ، حتى باتت وحدة العراق مهددة علنا ، ورغم ذلك لم تتراجع حكومات المحاصصة عن سياساتها الاقصائية المقيتة ولم تنتقص من إمتيازات متنفذيها وحواريهم بل إنها إزدادت توهجا ومع كل إزديادٍ فيها تزداد حياة المواطنين سوءا وترتفع معدلات الجريمة  ، تسع سنوات وحكم الاسلام السياسي يزداد تعنتا وتزداد الحركات المتطرفة عددا ونوعا ،ولاول مرة في تاريخ العراق الحديث يتنامى شعور الكراهية بين مكوناته المختلفة على خلفية إتساع قاعدة فكرية أقصائية عدائية غذتها بشكل ملحوظ قوى السلطة المتناحرة على ضوء تباينها الطائفي ــ الاثني ،بحيث يمتزج بشكل جلي خليط من تفكير طائفي ــ عنصري لدى بعض المكونات الرئيسية مدعوما بتبريرات يقفز بعضها الى الواجهة مغلفا بنصٍ مقدس أو تبريرٍفقهي حتى صار التطابق يكاد أن يكون تاما بين الموقف السياسي والموقف الديني الطائفي، وتنامى الخوف من الاخر، وإتباع إسلوب التخوين صار السمة الابرز لاحاديث الساسة المتنفذين .   الى أن جاء يوم 10/6/2014 ليكشف كل المستور ويفضح عورات المتنفذين جميعا بلا إستثناء ، ومع هذا بقي البعض مستمرا في غييه وتعنته ، ولولا التغيير الاجباري الذي حدث على شخوص حكومة الاسلام السياسي لما تغير في الحال من شيئ . ولعل هذا التغيير أضفى شيئا من الامل بتبدل المشهد على ضوء إجراءات سياسية وبعضها أقتصادية أقدمت عليها ألاجهزة الجديدة في الدولة بشخوص لم يكونوا غائبين عن المشهد السياسي لكنهم لم يكونوا في نفس الوقت متنفذبن ولم يحتلوا مواقع المواجهة مع بعضهم كما صار مع تبدل الحكومة ،رغم إنهم ينهلون من نفس المنابع الفكرية لاسلافهم ، لكن التوجه الجديد هذا والاجراءات التي أُتخذت تكاد أن تبتعد عن خلفية الاقصاء والعداء السابقتين ، وبات الحديث عن الاصلاح والتغيير مشروعا وعلى لسان قادة الاجهزة الحكومية بعد أن كان جريمة في نظر من قمع وتعسف إزاء المطالبين به .
إن المشهد السياسي الحالي رغم إنتقاصه للكثير من مستلزمات الديمومة مثل ضرورة تشريع بعض القوانين الهامة والتي كانت معطلة وبعض النظم التي من شأن إقرارها تسهيل إجراءات الدولة والحد من مظاهر التفرد في الحكم والانعزال السياسي على الصعيد الدولي وغير ذلك ، إلا إن مراجعة نقدية للاسس الفكرية للقوى السياسية الدينية بشقيها وكذا الحال للقوى القومية بمختلف أثنياتها تبقى الاهم في هذه المرحلة ، لكي تنزع فتيل الحقد والتهميش الذي تنامى بشكل كبير في المرحلة السابقة ، ولكي تشكل ارضية خصبة لتغيرات ايجابية أكبر وأيضا وهذا هو الاهم كي تعطي مصداقية للقائمين على الامر ومن شتى المشارب السياسية . إن تناول الاسس الفكرية لقوى الاسلام السياسي بالنقد ليس بالضرورة أن يكون تناولا للدين نفسه بل تناولا للاسس والطرق الفقهية، وأيضا ربما إعادة تفسيرللنص المقدس  ـ مادام حمالا لاوجه ـ بما يكفل قبول الاخر وإستبعاد كل أشكال التطرف التي لها تأريخ عريق ممتد لعدة قرون ، وستحسب تلك المراجعة لمن يبتدئ بالامر، فليس ثمة مايمنع الحزب السياسي أو الكتلة السياسية من إعادة التفكير بالتوجهات الفكرية المعتمدة مادام ذلك لايقترب من المساس بأصل الدين المقدس ويكفل الاستمرارية والتطور إنسجاما مع روح العصر وتقبلا للجديد . كما إن من شأن تلك المراجعة الفكرية أن تعيد النظر بالاسس العرجاء التي بنيت عليها العملية السياسية وتغييرها بما يضمن بناءا أفضل للاسس الديمقراطية وبروح عصرية قابلة للتطور .
إن المراجعة النقدية لابد أن تحدث الان او لاحقا، لكنها الان كما أتصور ليست مبكرة بل إنها ضرورية جدا فالتجرية نضجت ونتائجها الكارثية صارت معروفة للداني وللقاصي وكذلك تجارب الاخرين من أحزاب الاسلام السياسي قد وضحت وظهرت نقاط ضعفها وقوتها وبإمكان ساسة العراق من المحاصصين الان أن يستفيدوا منها وأن يقوموا بالمراجعة الان وهم في دفة الحكم  خير من أن يقوموا بها  وهم مقهورين خارج الحكم وقد لفظهم المواطن خارجا .

41
المنبر الحر / كان الزمنُ جميلا ً
« في: 00:23 18/11/2014  »
كان الزمنُ جميلا ً
تحسين المنذري
كثيرا مانسمع إن الاغنية كذا أو قصيدة فلان من الزمن الجميل ، أو إن العلاقات كما يتحدث ابناء وبنات الزمن الجميل إنها كانت أنضج وأجمل وأكثر رقيا في زمنهم وهكذا في الكثير من الاحاديث وبعض الكتابات التي تتحدث عن زمن جميل مضى ، وهذا لايشمل العراقيين فحسب بل يقول بمثل ماقالوا المصريون والسوريون والايرانيون وغيرهم من الشعوب حتى الاوربية منها ، فما هو الزمن الجميل هذا ومتى كان ؟ يتحدث كل عن جيله فيصفه بالزمن الجميل فالبعض من بلغ به العمر عتيا يتحدث عن فترة أواخر الاربعينات وخمسينيات القرن المنصرم والاقل عمرا يتحدثون عن فترة شبابهم في الستينات والجيل الذي يليهم يتحدث عن فترة السبعينات ويتقدم البعض قليلا حتى يصل منتصف أو أواخر ثمانينات القرن المنصرم ، أي بحسبة بسيطة تكون فترة الزمن الجميل هي فترة مابعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية ثمانينات القرن الماضي ،فهل من المعقول أن يكون زمن الدكتاتور المقبور في العراق وزمن إقتصاد التقشف والحروب في مصر وزمن عسف الشاه في إيران وغيرهم ما يماثلهم في البلدان الاخرى زمنا جميلا ؟
في الزمن الجميل هذا إزدهرت الثقافة وتطورت الفنون ونافس الشعراء بعضهم جماليا وظهرت كتابات مازالت طراوتها وحلاوتها تلامس الروح وكتاب مازالت أسماؤهم نجوما تتلألأ ، واغانٍ وموسيقى يطيب لابناء الزمن الجميل ومن أتى بعدهم أن يعيدوا سماعها مرات ومرات ، بإختصار كان كل شيئ جميلا وحتى التذكر به جلاوة خاصة ومميزة ، فما السر وراء كل ذلك ؟
كانت شعوب العالم والثالث خصوصا لديها أكثر من خيار للتطور ، فقد كان العالم يعيش صراع القطبين ، وكان حلم بناء الاشتراكية يراود شرائح كبيرة من المجتمعات ، وكانت الرأسمالية تحسب الف حساب لخطواتها اللاحقة وتحاول الظهور بمظهر النظام المنصف ، لكن الاشتراكية أو في الاقل التحرر من قيود الرأسمالية المتعسفة حلما ممكن التحقيق كما كان العقل الجمعي للشعوب آنذاك مؤمنا بها ، لم تكن الرأسمالية قد إستفردت بعد بالعالم ورسمت الصراعات حسب مقاساتها بميزان صراع الحضارات البائس ،لم تكن بإستطاعتها إفراغ عقول الشعوب من محتوى الرغبة في رؤية الافضل ، لم تكن مسيطرة على وسائل نشر وإعلام بالكامل وتشيع من خلالها ثقافة البؤس والانحدار الاخلاقي ، لم تخلق بعد وهم الارهاب بأشكال شتى ، لم تصب الشعوب بالاحباط الفكري والثقافي ولم تكن من فسحة كبيرة لشيوع الخرافة والشعوذة ، وفي مجتمعاتنا العربية خصوصا لم يكن الاسلام السياسي خيارا بديلا للرأسمالية المتعفنة ، كان الامل أخضرا والحلم ورديا ، كان المبدع لديه فسحة التأمل الجميل فينتج إبداعا ، كانت الحياة أكثر يسرا وفي كل شيئ ، لكن ما أن إنتكست تجربة الاشتراكية حتى خبا الامل ، وبات الصراع بين قوتين ـ النظام الرأسمالي ورعب إرهاب الاسلام السياسي ـ أحلاهما علقما ، فهل يعود الزمن الجميل ؟ ... مجرد حلم .

42
هل أنقذ العبادي مشروع الاسلام السياسي الشيعي ؟
تحسين المنذري
تميزت الحقبة التي سبقت تولي السيد حيدر العبادي رئاسة الوزراء في العراق بتوالي الازمات والتي في أغلبها كانت مفتعلة ، رافقها إنكسارات أمنية كثيرة كان أخرها سقوط ثلث مساحة العراق بيد الارهاب وتفكك في التجالف السياسي الشيعي بمقابل محاولات تفرد بالسلطة وتمسك مشوب بالكثير من التشوه بطريقة إدارة دفة الحكم مستندا الى نتائج إنتخابات إعتمدت التصويت للمنصب والامتياز والمكسب المؤقت وفي بعضها التزوير على إنها أصوات مريدة عن وعي والتزام لجهة بعينها وشخص بالذات ، مما أدى كل ذاك الى حالة إستعصاء غير مسبوقة وتصرف جديد داخل التحالف الشيعي أدى الى ترشيح السيد العبادي لرئاسة الحكومة في عملية إلتفاف واضحة على إرادة السيد نوري المالكي الذي سعى بكل السبل لتجديد ولاية ثالثة ، ولا أحد يعرف الى الان ماهي الاتفاقات التي جرت خلف الكواليس والتي أدت الى تراجع السيد المالكي عن ترشيح نفسه بشكل مفاجيئ والاذعان لتولي منصب تنفيذي آخر أقل صلاحيات وأقل وجاهة ، لكن بجميع الاحوال فإن ماجرى عكس عمق الازمة التي يعيشها تحالف الاسلام السياسي الشيعي والتخبط في السياسات وعلى كل الاصعدة ، فهل كان إختيار السيد العبادي حلا للازمة ؟ حيث كانت الارتياحات كبيرة من كل الاطراف في الداخل والخارج وتلقى دعما غير مسبوق لشخص غير معروف  قياسا بحجم ذلك الدعم السياسي والامني  الذي تلقاه ، فقد تدخلت الولايات المتحدة بشكل علني عندما ربطت الدعم العسكري والامني بإستبدال المالكي ، وطالبت إيران على لسان أكثر من مسؤول بتنحي المالكي الرجل الذي كان الى الامس القريب متمتعا برضاها ودعمها ، وكذا الحال في الداخل العراقي حيث اعلنت حكومة اقليم كردستان وقوى سياسية سنية واخرى شيعية من داخل التحالف السياسي الشيعي دعمها المطلق لتولي العبادي المسؤولية التنفيذية الاولى خلفا للمالكي .وموقف هذه الشريحة الاخيرة بحاجة الى وقفة خاصة ، فإن كان للقوى الاخرى مواقفها المتعلقة بمصالحها او نكاية بسلف السيد العبادي فإن القوى الشيعية إنطلقت في تأييدها للعبادي من موقف أهم وهو إنقاذ مشروعها السياسي ، طبعا هذا لا يلغي منطلقات أخرى لهذه القوى في تأييد العبادي منها  تحقيق مكاسب شخصية أو حزبية ضيقة ، لكن يبقى العامل الاهم هو إنقاذ مشروعها السياسي والذي بدونه لا تستطيع تحقيق مكاسبها الاخرى. إن فكرة تبديل الوجوه والتي يلحقها حتما تبدل نسبي في السياسات ليست جديدة على وسط الاسلام السياسي الشيعي ، ففي إيران جارٍ إتباع هذه السياسة منذ زمن فيعد رفسنجاني المتشدد حكم خاتمي المتفتح ، وبعد أحمدي نجاد الظلامي المتزمت جيئ بروحاني المنفتح على الغرب وأميركا تحديدا ،في حين إن الهدف الاسمى وهو الحفاظ على نظام الجمهورية الاسلامية بحكم ولاية الفقيه يبقى الاهم من كل تلك التبدلات وحتى الوجوه ، من هذا التوجه جاء إستبدال المالكي بالعبادي ، ليس لان الاخير يحمل مشروعا سياسيا مختلف لكنه يستطيع الاتيان بالجديد الذي ينفتح فيه الاسلام السياسي الشيعي على بقية القوى المكونة للعملية السياسية أو المكونات الاجتماعية الاخرى ، لكن الى متى يستطيع هذا الانفتاح الاستمرار ؟
خلال حقبة العشر سنوات من تصدرالقوى الاسلامية للمشهد السياسي في العراق ، تبدلت خلالها بعض من التركيبة الاجتماعية نتيجة للسياسات الاقتصادية المتبعة والمتمثلة بالنظام الريعي والذي وفر لهذه القوى الحاكمة الارضية والعوامل المهمة لتكوين ثرواتها ومصالحها الخاصة ولعل الابرز منها هو الهيمنة الاكبر لقوى الاسلام السياسي الشيعي على مجمل وظائف الدولة وأكثرية المواقع القيادية في الجهاز البيروقراطي الوارث لمخلفات حقبة الدكتاتورية والنامي في فترة مابعد الاحتلال وتسيّد نظام المحاصصة الطائفية برعاية المحتل الاميركي وبتطبيق متشدد من قوى الاسلام السياسي بشقيه ومحاولة تقاسم المصالح والثروات عن طريق تقاسم العمل ، فمابين سيطرة شرائح معينة على الاستيرادات وأخرى على التطور العقاري كان نصيب الاسلام السياسي الشيعي هو الهيمنة الاكبر على وظائف الدولة والذي بواسطته يعتقد ممثلوه هم الاقدر على تسيير دفة المجتمع بكل تفرعاته ، لذلك كان الدفاع عن هذه المصالح هو الهدف الاسمى والتي صارت بحكم التقادم في الحكم هي نفسها بمثابة المشروع السياسي لقوى التحالف الشيعي ؟ بالتأكيد هناك وسائل أخرى منها الإستفادة من مواقف القوى الاخرى وسياساتها لتأكيد السيطرة والبقاء في الحكم مثلما تستفيد القوى الطائفية الاخرى من تزمت وتعنت قوى التحالف الشيعي ، إلا إن التمادي الذي سار عليه السيد المالكي أدى الى تخلخل التحالف الشيعي ووصوله الى حافة الانهيار واقتضى إستبداله بالسيد العبادي كبديل ملمع لوجه التحالف الشيعي في هذه الفترة بالذات ، ذلك إن الاسلام السياسي مهما كانت طائفته يبقى إقصائيا متفردا ، مشروعا تقسيميا يرفض الاخر ولايمكن له بأي حال أن يبني نظاما ديمقراطيا حقيقيا ، ينبغي التصدي له وفضح ممارساته ومرتكزاته الفكرية المشوهة والوقوف بوجه كل محاولات الهيمنة المطلقة التي يحاول تكرسيها سياسيا وإجتماعيا .

43
المشهد العراقي ...بين الاستعصاء والامل
تحسين المنذري
لم يعد في جعبة المواطن ما يعطيه دفعة أمل في تغير الوضع القائم ، وبات المتفائل في نظر الكثيرين ساذجا ، أو هو يعيش خارج الواقع ، فكل شيئ يسير نحو ترد ٍ مريع ، وكل وعود الديمقراطية والتقدم صارت هواءا في شبك ، فشعب يعيش كل يوم بل وكل لحظة على هاجس التفجيرات والمفخخات والعبوات الناسفة والكاتم ، والخطط الامنية الفاشلة لايمكن له أن يبحث عن فسحة رجاء سوى  البقاء على قيد الحياة ليوم آخر لاغير ، بل إن البعض ليس له أمنية سوى  الموت بطريقة رحيمة لا يتعذب فيها ولايعذب الاخرين ، وباتت العناوين السياسية التي تلقفتها ورددتها أفواه المواطنين بلهفة وتفاؤل في أول الامر ، ليست اليوم سوى أكذوبة لا يتمشدق بها سوى سياسيي الغفلة والمستفيدين من الواقع المرير على حساب الشعب المكتوي الصابر .
العملية السياسية
كان لصدى حراك القوى السياسية وتشابكها وإستقطاباتها وصراعاتها أحيانا وقع النسيم العذب لدى الشعب بعد عقود سوداء غابت عنها إختلافات الرأي والتعددية والتباين في وجهات النظر والتنافس على جذب أصوات الناخبين وكل شيئ له علاقة بتطور العالم المتمدن ، وباتت العملية السياسية بكل ما تحمله من أجواء جديدة محط إهتمام ومتابعة حتى من لدن المواطن البسيط ، بل إن الدفاع عنها صار دفاعا عن الواقع الجديد الناشيئ بعد إنهيار النظام الدكتاتوري المقيت ، لكن هذا الانبهار خفت بريقه بعد أن صارت العملية السياسية يوما بعد آخر سببا في تمزيق لحمة المجتمع العراقي ذلك إن بناءها تم على أسس معوجة ولم يكن إدعاء التوافق الا تغطية لتقسيمات طائفية وأثنية أدت الى غياب الخطط المبرمجة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بسبب من تبوء المناصب الحساسة والهامة شخوص غير أكفاء أتوا بحكم إنتماءاتهم لقوى تتبنى تلك التقسيمات غير الانسانية، دون إمتلاكهم لأي دراية في إدارة مؤسسات مسؤولياتهم والتي يتوقف على إدائها تطور المجتمع ، بل ولم يمتلكوا أية رؤية مستقبلية لما يمكن أن يؤول اليه الحال ، وبذلك فقد تحولت العملية السياسية الى نقمة يتمنى البعض التخلص منها دفعة واحدة هي ورموزها حتى ولو على حساب إجهاض الامل بديمقراطية منشودة .
القوى المتنفذة في الحكم
منذ تأسيس المؤتمر الوطني العراقي برعاية أمريكية ومن ثم توالي لقاءات قوى المعارضة العراقية آنذاك مع بعضها أو مع ممثلي الادارة الاميركية وما تلى ذلك من مؤتمري لندن وصلاح الدين ومن ثم بُعيد الاحتلال مباشرة برزت القوى الطائفية كقوى رئيسية تتبنى المشروع الامريكي في العراق ، ورافقتها القوى القومية الكردية وبعض المحسوبين على القومية العربية ، والتي لعبت جميعا دورا كبيرا في تفتيت وحدة الصف العراقي  وتغييب المشروع الوطني ، حتى بات الانتماء الى الوطن نغمة بالية ، وبرزت الانتماءات الثانوية التي تصدرت المشهد بدعم وإسناد من قوى إقليمية ودولية وعلى رؤوس الاشهاد بلا خجل أو تردد ، مع تصدي كل هؤلاء لقيادة دفة البلد حتى عمَّ الخراب كل شيئ من الامن الى الاقتصاد الى الخدمات والاهم الى نفسية المواطن العراقي الذي فقد الامل بإمكانية الاصلاح والتغيير مع هؤلاء الذين فقدوا عن دراية هويتهم الوطنية ، وبات المشهد بالنسبة لهم ملعبا لتنفيذ مخططات الغير مقابل فرهدة خيرات البلد وتسمين بطونهم وملئ جيوبهم في صورة مخزية من الفساد المالي لم يعودوا يخجلون منها ولا يسعون لاخفائها . لم يعد الرجاء معقودا على نواصي هؤلاء وليس من ضوء في آخر النفق ولابد لكل القوى والشخصيات الوطنية بحق الابتعاد عن هؤلاء وعدم الارتكاز على فترة العمل في المعارضة سوية أو ربما كان هناك شيئ من التعاون في هذه الفترة أو تلك حتى بعد الاحتلال ، وأي تصور آخر سيفضي الى سقوط القوى الوطنية في براثن الطائفية وتشويه سمعتها بالفساد والتردي المريع ، فلابد من عزل هذه القوى الطائفية ـ الاثنية تمهيدا لتحشيد الشارع العراقي في مواجهة سياساتها بل تخبطاتها وغياب برامجها وتمسكها بمقاليد السلطة على حساب أمن وراحة المواطن
القوى الديمقراطية والقوى اليسارية
رغم التباين في منطلقات وروافع هاتين الكتلتين إلا إن الظروف التي مرت بها كلاهما جعلت منهما يقفان  في خندق واحد ، ففي زمن الدكتاتورية تم إقصائهما مثلما تم إقصاء كل القوى السياسية الاخرى المعارضة للحكم ، وما بعد الاحتلال وتصدي قوى الاسلام السياسي للحكم كان من الطبيعي أن يتناقض ذلك مع مشروعيهما في بناء دولة مدنية ديمقراطية ، ورغم التقارب الموجود حاليا بينهما إلا إن ذلك ليس كافيا لكي يتصدرا المشهد نتيجة لعوامل عدة ، مما يستدعي مراجعة شاملة وبالاخص القوى اليسارية المتشتتة الى الان ، لكل برامجها وشعاراتها وأساليب عملها التنظيمي والجماهيري ، بل وحتى لمرتكزاتها الفكرية دون الخروج عن الطبيعة التغييرية العلمية لاسس الفكر الذي نشأت على ضفافه ، وبدون ذلك فستبقى هذه القوى تعمل بجهد عضلي أكبر منه فكري ،وقد تغيب عنها تصورات تتلائم والواقع المتردي ، لكن كل هذا لا يستدعي منها بأية حال التسليم بالواقع السياسي الراهن والدخول بتحالفات مع قوى الاسلام السياسي أو حتى تعاون ، لان ذلك سيفقدها بريق مشروعها المعلن المناهض للتخلف والظلامية ، وبالتالي خسارتها لثقة المواطن المكتوي بنتائج سياسات القوى المتنفذة في الحكم ، أي عليها إعادة النظر بفكرة التغيير من الاعلى التي تبنتها بعضها في مرحلة مابعد التغيير ، فقد أثبت الواقع عدم جدواها وفاعليتها ، سيما بعد إيغال قوى السلطة بسياسة التهميش والتفرد بالحكم لحساب مصالحها الشخصية والفئوية الضيقة ، ولابد للقوى اليسارية خصوصا إعلان موقف المناهض والمعارض ليس فقط لجزئيات سياسات كتل الحكم بل لكل منطلقاتها الفكرية وبرامجها والشروع علنا بتحشيد الشعب ضدها وتهيئته للتغيير وفق برامج وسياسات واقعية بعيدا عن الاحلام الهلامية ، ولا يتم كل هذا بتبني سياسة إنتقائية ـ كماهو الحال الان ـ نقد السلبي ودعم الايجابي ، فقد تكشفت كل نوايا احزاب الاسلام السياسي والقوى المتحالفة معها وظهر جليا غياب الوطن وهم المواطن عنها ، ما الفساد المالي وتستر بعضهم على بعض بحجج الحفاظ على ماتبقى من العملية السياسية وغيرها من الذرائع الواهية الا شاهدا حيا على فكرها وبرامجها ونواياها وأتصور إن كل ذاك يفرض الجهر بالمعارضة وترتيب الخطاب السياسي والاعلامي بما يتلائم وفضح هؤلاء والتحشيد ضدهم
الحراكات الشعبية ـ الاجتماعية
طال إنتظار المواطن العراقي بعد التغيير على أمل حصول تطور نوعي في حياته المعيشية أو في الوضع العام لوطن ، إلا إن إنتظاره هذا كان بلا جدوى ، فمع تردي الخدمات وإستشراء الفساد بكل أنواعه وعدم الكفاءة ومحاولات التضييق على الحريات العامة والشخصية وتدهور الوضع الامني ، بدأت الاحتجاجات تأخذ أشكالا شتى لكنها متفرقة على صعيد المحافظات أو حتى المحافظة الواحدة ، وتباين وجهات نظر منظمي الفعاليات الاحتجاجية وإختلاف منطلقاتهم ، إلا إن الميزة الابرز فيها جميعا إنها سلمية ومطاليبها تمس واقع حال الناس ، مع وجود فعاليات نوعية رافضة للتوجهات الظلامية لقوى السلطة ولو بشكل غير مباشر مثل فعالية "أنا عراقي أنا أقرأ " أو تأسيس المنتدى الاجتماعي الثقافي ،ومثلها بعض الاضرابات العمالية المطالبة بالحقوق المشروعة والتي  من شأن تطويرها أن يعطيها بعدا أعمق واشمل ، كما إن ماتم من مظاهرات سلمية رفعت شعارات مطلبية وسياسية كان له تأثير مهم في تحفيز روحية الاحتجاج والمطالبة بالحقوق ، لو لا إنها كانت متفرقة وينقصها التنسيق الشامل، والاهم من ذلك تنقصها الاستمرارية ربما لظروف أكبر من حجم وقوة القائمين عليها . إن عملية جمع حسابية لكل تلك الفعاليات تشير الى حجم التذمرالكبير من الوضع القائم وإفرازاته ، إلا إن التأثير الاهم ليس لعددها بقدر ماهو لنوعيتها ، فالعمل الذي يسير نحو التغيير من شأنه أن يؤثر بشكل أكبر مع تراكمه العددي والنوعي ، على إن المهم جدا هو عملية التحشيد لتلك الفعاليات التي لابد لليسار العراقي أن يقوم بها دون إدعاء تبني تلك الفعاليات لانها ببساطة فعاليات جماهيرية مطلبية شعبية أكبر من كونها مطاليبا للقوى اليسارية بذاتها ، ولابد أيضا من أن تتوجه الفعاليات المطلبية لمناهضة توجهات السلطة في الانفتاح الاقتصادي المنفلت الذي دمر الركائز الاقتصادية على مدى سنوات مابعد سقوط الدكتاتورية . وبالتالي فإن الفعاليات والحراكات الشعبية ـ الاجتماعية هي الامل الاكبر والاهم في تغيير واقع الحال المزري .
   


44
إنها لحظة الانحياز
تحسين المنذري
يتنامى الارهاب ويلعب لعبته كما يشاء ، ويمسك بزمام المبادرة ، ويصول ويجول كما يشاء ، وبات الدم يلون المشهد العراقي ، والخراب عنوانا للحواضر والمدن ، والانكسار سمة لكل عراقي ، وعلامات الانهيار في كل شيئ بدت واضحة للقاصي والداني ، فالعملية السياسية تم شلها ، والقوى المتنفذة في الحكم جرّف بعضها بعضا ، ولم تعد هناك هيبة للدولة ،وأصبح الحديث عن الامن وخططه نكتة سمجة لا يستسيغها حتى الخـَرِف ، ولم يعد عند القوى الحاكمة غير التقاذف والشتائم ورمي التهم والبذاءات بصورة مخجلة ، ولم يبق غطاء يسترون به عوراتهم سوى شراشف كراسي الحكم والتي صارت هي الاخرى مهترأة من كثرة التمسك بها بأظافر وأسنان قذرة لوثها المال السحت والدم البريئ ،وبرغم كل هذا فالدفاع عن  كرسي الحكم الساحر هو ديدنهم وهدفهم وكأن كل مايجري حولهم من دم ودمار وخراب لا صلة له بواقعهم أو إنه في بقعة قصية عن الكرة الارضية وليس في وطن أترعوا كؤوسهم من ماءه وملأوا بطونهم من خيراته ، وملَّ المواطن كثرة الوعود الكاذبة ،وكرِه وجوه الساسة وأسماءهم وألقابهم ،ودبَّ القرف في كل مشاعره من كل خطبة وتصريح وكلام واهن من أفواه وصلت عفونتها تخوم السماء ، وظهر التململ من الوضع جليا هذه الايام ، وبوادر الحراك الشعبي تزايدت في محافظات ومدن عدة متجاوزة التقسيمات الطائفية التي ارادها الحكام حواجزا بين أبناء الوطن الواحد ، ولعل القادم من الايام يحمل الكثير من نذر الشؤم نتيجة تمادي الارهاب في فعله  وتمادي الحاكمين في غيـّهم ، وبات الوطن على شفا حفرة من الاقتتال الاهلي ، والبحث عن بصيص أمل ٍ في الانفاق المظلمة هو الذي سيحرك الجموع للمطالبة بالتغيير ، ولا سبيل لمن يريد أن يرحمه التأريخ ويجد لنفسه فسحة عمل في المستقبل الا الانحياز الى الشعب على حساب المجاملات الباهتة لسياسيين وقادة حكم بلت مواقعهم ، ولا يكون الانحياز عبر تذمر في الخفاء، أو تصريح صحفي او بيان سياسي مكتوب ، أو أي شيئ لايمت الى الفعل بصلة ، لابد الان لمن يريد الانحياز الى الشعب  أن يتخلى عن إمتياز المنصب مهما كان صغيرا أو كبيرا ، لمن يريد الانحياز عليه أن يتخلى عن ترف المقرات وخدرها ، لمن يريد المستقبل ورضا الشعب عنه أن يكون في طليعة الفاعلين لاسقاط النظام المحاصصي المقيت ، الانحياز للشعب يعني الوقوف مع الشعب في إعتصاماته في تظاهراته في مطاليبه العادلة ، لمن يريد الانحياز للشعب عليه أن يعلن إنحيازه بكل صراحة وموضوعية ، أن يقول صراحة إنه ضد أحزاب السلطة المتنفذة نهجا وسياسة وممارسات ، أن يفند الفكر الظلامي الذي أتى بهم وأتوا به ، أن يعلن للشعب إنه معه ومنه يستمد العزم ، إنها لحظة إنحياز تأريخي الان ، الشعب يريد من يكون معه اليوم وليس من كان بالامس ، الشعب يعطي زمامه لمن يريد أن يبني معه المستقبل وليس من يجتر الماضي ، لحظة الانحياز التاريخي هذه لن تتكرر الا لماما ، ومن تفوته سيخسر ماضيه وحاضره مستقبله ، الانحياز الى الشعب برنامج وموقف وقبل هذا وذاك فعل ، فعل ملموس وتحرك بين الناس صريح وعلني وليس تسترا خلف آخرين ، إنها لحظة الانحياز التأريخي .

45
لماذا الشيوعيين بالذات ؟
ولماذا الان ؟
تحسين المنذري
في حملة ظالمة بدأها موقع الحوار المتمدن متمثلا بشخص ( رئيسه) تحاول النيل من الشيوعيين العراقيين ، حيث تم إختيار ما يتصوره (الرئيس) إنها نقطة ضعف فيه أو مثلبة عليه تلك هي إستلام الانصار الشيوعيين للرواتب التقاعدية من حكومة إقليم كردستان، وقبل الولوج في السؤالين أعلاه أود أن اعطي رأيي بموقع الحوار المتدمن الذي أعتبره موقعا معاديا للحزب الشيوعي العراقي ولدي على ذلك أكثر من شاهد ومن الموقع نفسه منها على سبيل المثال إنه ينشر اي موضوع يشتم الحزب الشيوعي حتى لو كان لاسم نكرة في صدر الموقع ويعيد نشره في أكثر من عدد ، في حين لو كتب كاتب مهم ومعروف مقالا يمتدح فيه الحزب فإنه يضعه في مكان مهمش وليوم واحد فقط ، وكذلك مسارعة الموقع لابراز اي مدعٍ بأنه ذو تنظيم يناهض الحزب وبأي شكل كان ،  عن طريق نشر بياناته وتكوين موقع فرعي له والتطبيل له بأي صورة ، ومن أطلقوا على أنفسهم كتلتة تصحيح المسار خير دليل على ذلك ، عدا هذا فإن هناك أسماء أشك بحقيقتها تنبري بين الفينة والاخرى للثناء على من يكتب مناهضا الحزب الشيوعي ، بل وصل الامر في هذه الحملة الاخيرة بأحدهم أن يكتب وبلغة هزيلة ومليئة بالاخطاء اللغوية والانشائية مفلسفا ماكتبه رئيس الموقع ويدعي قراءة مابين السطور وكان أسطر الشتم التي كتبها كانت موضوعا فلسفيا غامضا لم يستطع غيره حل رموزه !!!ومثل هذه الحالات عديدة ومتكررة ، أعني حالات التهجم على الشيوعيين ومحاولة النيل منهم ومن تأريخهم المشرف ، لكن هذه المرة أراها مختلفة فالوضع العراقي يشي بالكثير من التدهور ، فالانفلات الامني بلغ مدىً لايستطيع معه حتى القائمين على الوضع من نكرانه ، وإستطاع الارهاب أن يجرّف العملية السياسية وأمست في مهب الريح ، وصار الوطن على شفى حرب أهلية قد تطول ولاتنتهي الا بنسيان بقعة إسمها العراق ، وصار المسؤولون في مؤسسات الحكم لايخجلون من الفساد المالي بل إن بعضهم يتباهى بوجوده وبفروسيته ورياديته في هذا المضمار ، في نفس الوقت وعلى الجانب الاخر بدأ التململ في الشارع العراقي يأخذ مديات أبعد ،وصار الحراك المطلبي سمة من سمات بعض مناطق الوطن ، وبدأت الانظار تبحث عن بديل لهؤلاء الساسة الفاشلين ، وصار شعور الكراهية لهم وإنتقادهم علنا في الشارع العراقي .في ظل هذا المشهد المأزوم والدموي تبرز الحلول والافكار التي طرحها الشيوعيون قبل عامين من الان ومازالوا يؤكدون عليها وكأنها الطريق الذي لا مناص للقائمين على الوضع من إتباعه رغم تنكرهم لريادية الحزب الشيوعي فيها ، ومع ذلك لم يعترض الشيوعيون وأعتبروا إن المهم هو إيقاف حالة التدهور المريع هذه وحفظ الدم العراقي من الهدر تحت أية تسمية ومن قبل أي من كان وهم في ذلك يعبرون عن موقف لايرتقي اليه الا الشيوعيين العراقيين وحسب ، فهل أغاظ هذه الموقف من ينبري الان للهجوم على الحزب الشيوعي ؟ أم إنهم يرون إن النجاة ستكون في إتباع نهج الشيوعيين وتطبيق شعاراتهم ،لذلك فهم يستبقون الاحداث لخلق بلبلة وضبابية يحاولون القول إن الشيوعيين ليسوا مختلفين عن رموز الفساد الاخرى ، أو إن موقفهم من هذا المفسد أو ذاك لم يكن بالمستوى الذي يؤدي الى عزله أو إقصائه وكان خيوط اللعبة كلها بأيديهم(أيس الشيوعيين ) وهم يقدمون ويؤخرون من يشاؤون . لم يهاجم هؤلاء مدعي اليسارية مواقف القوى الطائفية وهي على وشك أن تهوي ولم يعطوا دفعا معنويا للمتظاهرين المطالبين بالكهرباء والخدمات ، ولم يكلفوا أنفسهم مسؤولية البحث عن أسباب التدهور الامني المريع ، ولم يقولوا كلمة واحدة تدين الارهابيين ، بل إنهم أعادوا تدوير الاسطوانة المشخوطة والتي يعرفون هم قبل غيرهم إن من دورها قبلهم لم يجد لنفسه مكانا سوى في قاع المزابل . تناسى هؤلاء المتياسرين إن واجبهم الاهم اليوم هو دعم حملات اللاطائفية ، ولا لتقاعد البرلمانيين ، وإبراز دور المثقفين الرافضين لنهج الحكومة في تهميش الثقافة الوطنية ومطالبتهم بإقالة وزير الثقافة غير المثقف والسعي لإيجاد مشتركات بين كل تلك الحملات وغيرها لغرض توحيد الجهد وتقليل الخسائر وإختصار الوقت ، لعلهم لايريدون الوقوف بوجه القوى المتنفذة التي تحاول وضع تشريع إنتخابي على مقاساتها هي يهمش الاخر ويقصي الديمقراطيين الحقيقيين ، نسوا أو تناسوا إن وطنا يخوض ثالث إنتخابات برلمانية لكن بدون قانون تقدمي منصف ينظم حياة الاحزاب السياسية ويراقب إدائها بموضوعية ، لايكلفون أنفسهم مسؤولية فضح سياسات السلطة في تهميش المرأة المتزايد وتحويلها الى قطعة أثاث بيتية ، ولايريدون أن يقولوا إن أكثر برنامجا ينصف المرأة هو برنامج الحزب الشيوعي العراقي ، لا يهمهم أن تكون البطالة السمة الابرز للشبيبة العراقية ونسبتها في العراق هي الاعلى بين كل دول المنطقة ، كل هذا وذاك ليس من إهتماهاتهم ، ليس لهم سوى شتم الشيوعيين ، ذلك هو سلاح المفلسين ، الخاوين ، مدعي اليسارية والديمقراطية .

46
الربيع العربي بعد 30 يونيو ( الجزء الخامس )
هموم الوطن العراقي
تحسين المنذري
الربيع العربي ليس بلدانا بعينها ، إنه موجه ثورية لامست الذات الانسانية ليس في البلدان العربية فحسب بل إمتدت إقليميا وعالميا ، لذا فالحديث عنه او دراسته لاتشمل مساحة جغرافية محددة ، وليس عيبا أن نتمثل نحن العراقيين بدروسه ، فقبلنا شعوب ونحن أيضا تعلمنا من الثورة الفرنسية وسادت قيمها في الحرية والمساوة والعدالة الى اليوم ، وتعلمنا الى جانب شعوب أخرى من ثورة أكتوبر الاشتراكية ، وكانت تجربتها محط إهتمام شعوب العالم أجمع ، واليوم تستفيد الشعوب من تجربة الربيع العربي ، حينما إنتفضت الشعوب العزلاء ضد أنظمتها المدججة بالاجهزة القمعية والامكانيات الاقتصادية الكبيرة ،والدعم الدولي غير المحدود ، مواجهة كانت تبدو غير متكافئة للوهلة الاولى ، لكن التجربة أثبتت الشعار الذي رددته الجماهير " إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر " ، فكانت إستجابة القدر حتمية وأسقطت تلك الانظمة المتهرأة ، ورغم الانتكاسة التي أصابت ثورات الربيع العربي ، إلا إن التجربة تقول إن إرادة الشعوب لاتقهر وإن أنتكست مؤقتا ،والتطلع نحو الحرية باق ٍ ، وحكم الاسلام السياسي أثبتت التجربة فشله ، ونحن في العراق أجدر من نقول ذلك ، فتجربتنا هي الاطول عمرا قياسا بتجارب شعوب الربيع العربي ، وحالنا هو الاسوأ ، ومعاناتنا هي الاكبر ، ولاعيب في تحملنا كل ذلك فلنا خصوصيتنا التي نتفرد بها من إرث وواقع وأحزاب سياسية وجيران ومكونات وغير ذلك ، ورغم كل هذا وذاك فهل علينا أن نستكين ؟ بالتأكيد لا ، والتجربة تقول إن كل ثورات العالم هي عبارة عن صراع يتطور الى إنتصار قوى الثورة وإنقضاضها على سلطة المستبدين مهما كان لونهم ، والصراع في العراق قائم ويتجلى بأشكال عدة ، فإضرابات العمال في مصانع ومناطق عدة منذ سنوات ، وتظاهرات المتقاعدين ، والاحتجاجات المطالبة بالخدمات كالكهرباء وغيرها ، والاحتجاجات ضد التهميش والاقصاء ، والمطالبات بتطبيق العدالة القانونية بحق الموقوفين ، ومظاهرات شباط 2011 وماتلاها من حراكات ، والتحركات الجماهيرية التي حدثت وتحدث مثل لاتسرق صوتي ، والمطالبة بإلغاء تقاعد البرلمانيين ،وحملة أنا عراقي أنا أقرأ  في مواجهة سياسة التجهيل التي تنتهجها قوى الاسلام السياسيى بشتى منابعه ،بل وحتى إطلاق النكتة والتذمر الفردي تعتبر من مظاهرالتناقض مع السلطة الحاكمة ، وكذا الحال مع الاعلام المناهض لمشروع المحاصصة وما يقدمه مقابل إعلام يطبل للسلطة ويكرس مشاريعها ، والرفض الكبير من لدن المثقفين وعامة الناس لمحاولات التضييق على الحريات العامة والاعتداءات التي تمارسها السلطة بإسم ميليشيات أو مجالس محافظات أو عشائر ووجهاء ، كل هذا وغيره هو الصراع بعينه ، فمالمطلوب لتطويره ؟
إن تجربة مصر في تطوير صراع القوى المناهضة لمشروع الدولة الدينية ضد حكم الاخوان ، تجربة تستحق الدراسة بتمعن ( ليست هذا المقال حتما)  لما تحمله من متشابهات كثيرة مع التجربة العراقية رغم تفرد تجربتنا بتمزيق صفوف الشعب بهويات فرعية على حساب الهوية الوطنية ،إلا إن استخلاص الدروس ولو بشكل سريع قد يكون مفيدا في التخطيط للنهوض بالصراع المجتمعي لحد القيام بثورة تسقط نظام الاسلام السياسي المحاصصي ، ولعل في مقدمة تلك الدروس هو توحيد جهد كل القوى المناهضة لمشروع الدولة الدينية مهما كانت توجهاتها الفكرية أو السياسية ، المهم إشتراكها جميعا بهدف إقامة دولة مدنية ديمقراطية وتحديد مغزى هذا الجهد فقط بإسقاط مشروع الدولة الدينية ووضع أسس راسخة للديمقراطية ومن ثم القيام بأعمال مخططة هدفها تصعيد الصراع مع قوى السلطة والاعلان صراحة عن رفض مشروع الدولة الدينينة والقيام بحملات فضح لكل ممارسات السلطة وكتلها ورموزها من فساد إداري وعدم كفاءة وغير ذلك ، لكن قبل هذا وذاك نحن بحاجة الى قيادات جماهيرية جريئة تطرح توجهاتها دون مواربة أو مجاملة لاي حزب او جهة تتناقض مع مشروع الدولة المدنية ، وغختيار لغة سهلة لمخاطبة الجماهير مع تطوير وسائط الاتصال بالناس وتحفيزهم للتعبير عن رفضهم للسلطة الحالية وكل توجهاتها ،وعدم الاستكانمة أو الجنوح نحو التفاوض مع السلطة مهما كانت وعودها فقد إكتفى المواطن من كثرة الوعود الكاذبة  وزيف الكلمات المدافة بالعسل والتي تدغدغ المشاعر الطائفية والدينية عموما ، إن كل هذه اللمارسات لابد أن تقترن ببرنامج وطني واضح لايقبل التأويل والتغيير أو التلون بما يخدم مصالح جهة أو قوة سياسية بعينها ، فالجماهير قد ملت وتعبت وتحتاج الى منقذ فلم يعد في القوس منزع .

47
الربيع العربي بعد 30 يونيو ( الجزء الرابع )
الاسلام السياسي فاشلا
تحسين المنذري
أربعة وثمانون عاما إحتاجها الاخوان المسلمون لكي يصلوا الى دفة الحكم ، قرابة القرن من العمل تحت الارض، تحالفوا خلالها مع حكومات واختلفوا وحملوا السلاح وكانوا الجماعة الوحيدة في مصر التي لجأت الى العنف لحل إشكالياتها ،وعنها انشقت او إنبثقت تنظيمات أخرى أكثر عنفا ، ، أربعة وثمانون عاما تحالفت جماعة الاخوان مع تنظيمات سياسية  واختلفت وافترقت ،وخاطبت الفقراء بوعود ربانية ،وكان الاسلام هو الحل الشعار الذي داعبت فيه ومن خلاله مشاعر بسطاء الناس وفقرائهم وكسبت ودهم ، وكانت الجماعة الفئة أكثر ترددا في إتخاذ القرار بالمشاركة بإنتفاضة الشعب المصري في يناير 2011 ،وبإنتهازية واضحة قفزت الى واجهة الاحداث، وأستغلت ماوصلها من مساعدات خارجية لكي تنشيئ الجمعيات الخيرية وتوزع القرطاسية على تلاميذ المدارس وتهب القرى الفقيرة المساعدات الطبية وتقدم العطايا لكل من هب ودب على طريقة هبات الوالي ، وأفترقت عن كل الاحزاب السياسية التي شاركت في ثورة الشعب المصري وتحالفت مع الجيش،وأخيرا فاز مرشحها الاحتياط بمنصب رئيس الجمهورية . في ظل وضع شائك ورغبة حقيقية تداعب خيال الشارع المصري في رؤية مصر أخرى أكثر ديمقراطية وأوضح معالما في الطريق نحو العدالة الاجتماعية ، لكن كل ذاك الامل خاب مع أول مواجهة بين الرئيس المنتخب والقضاء الذي حل البرلمان ليعيده بقرار رئاسي مفاجيئ ويتراجع عنه بعد ثلاثة أيام طارحا صورة الرئيس المتردد والفاقد للحكمة ، وتتوالى القرارات الخاطئة والتصرفات المؤدية لأقصاء الاخر ، فتشرع بعملية أسلمة الدولة والمجتمع فيما عُرِف بعملية الاخونة ، غاب الكفوء لحساب الموالي ،والمباشرة للاجهاز على الحريات العامة دون الاكتراث لحجم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني المواطن ،بل إزديادها تعمقا ،ولاول مرة في تاريخ مصر تبرز الطائفية على واجهة الاحداث وكأنها نهجا للسلطة الجديدة أو في الاقل برعايتها ،ويزداد نهج الرئيس المتذبذب تدهورا وإكتشف القاصي والداني إن كل مايدور إن هو إلا بإرادة مكتب الارشاد وبرز دور المرشد كموجه علني للحكم ،وصار الرئيس المنتخب مندوبا لمكتب الارشاد في رئاسة الجمهورية ،وصار العنف سمة المواجهة بين الاخوان وسلطتهم من جهة وجموع الشعب من جهة أخرى بكل قواه ومؤسساته بما فيها الاعلام ذلك الجهاز الاكثر عراقة في مصر والاكثر ضما للمثقفين والمتنورين المصريين من غيره من أجهزة الاعلام في عموم المنطقة ، فكانت الدعاوى والبلاغات النيابية تتوالى في محاولة لتحجيم دوره وإقصاءه وصولا الى إعلام موالي للاخوان يطبل لرموزها ويهتف لتفاهات رئيسها ، لكن هيهات ، فقد كان الفشل الذريع حليف الجماعة ، التي حكمت المصريين بمفهوم الرعايا وليس المواطنين .وكأن السنوات الاربعة والثمانين لم تفعل سوى زيادة في الانكفاء على الذات والجماعة وتغييب لكل مفاهيم العصرنة والحداثة ، وفي نفس الوقت الحلم بدولة الخلافة والمرشد الفقيه ،في محاولة للعودة بشعب قطع طورا كبيرا في التطلع نحو الافضل ،ولم يغب الفساد المالي والاداري عن المشهد بوجوه جديدة وأسماء متنفذة في الجماعة وحلفائها وبغض نظر بيّن من سلطة الحكومة الاخوانية ، وبذلك كشفت جماعة الاخوان عن وجهها الحقيقي وطريقة تفكيرها في الاستحواذ على الحكم بأي شكل ، مما إضطرها راغبة غير مرغمة في عقد تحالفات مشبوهة مع أميركا يقال منها بيع 40% من أرض سيناء للاميركان مقابل فتات من المساعدات ووعود بدعم سلطتهم في مصر . كل هذا أدى الى تحرك قوى الشعب الحية ، شرائح طبقية وتنظيمات سياسية جمعها هدف واحد هو بناء الدولة المدنية في مواجهة مشروع الدولة الدينية المتخلفة التي سعت جماعة الاخوان وحلفاؤها لتكريسها ، فكانت الانتفاضة ـ الثورة المتجددة إمتدادا لثورة 25 يناير والتي أسقطت حكم السلفيين والاخوان ،وإن إستمر التحشيد ووضوح الاهداف فإن هذا السقوط سيكون الى الابد . تجربة مصر تعطي زخما لثورات الربيع العربي بتجديد زخمها وترصين القوى الحقيقية الراغبة في التغيير لكي تجهز على حكومات الاسلام السياسي المشابهة مهما كانت وعودها ومحاولات تلميع وجهها بشعارات الاعتدال والوسطية ، ففي الاسلام السياسي لا توجد أفكار وسط ولا ممارسات إعتدال فتطبيق الشريعة واحد من حيث النتيجة وإن إختلفت المسارات والشعارات المرحلية ،ولعل في تجارب الشعوب القريبة من مصر ماينذر بتجدد الثورات واعادتها لمسارها المرتجى منذ البداية .أربعة وثمانون عاما من عمل وجهد الاخوان ضاع بسنة واحدة في الحكم ، إنها الحقيقة المهزلة .

48
الربيع العربي بعد 30 يونيو ( الجزء الثالث )
ثورة أم ثورتان
تحسين المنذري
ما أن إندلعت أحداث يوم 30 يونيو في مصر حتى سارعت أجهزة إعلام متعددة الى الحديث عن ثورة ثانية ، وإن الشعب المصري يثور مرة أخرى ، وذهب الامر عند البعض الى تسميتها بثورة مصر الثانية ، فهل كان الامر كذلك ؟ في عودة سريعة الى المشهد في مصر قبل ثورة 25 يناير فإن الشعار الابرز الذي رفعه الثوار كان { عيش (خبز ).... حرية .....عدالة إجتماعية } والذي يعكس عمق الازمة التي كان يعاني منها الشعب المصري ، حيث كان الصراع متمظهرا بأشكال عدة لعل أبرزها الاضرابات العمالية  في غزل المحلة وإضرابات العاملين في القطاع الحكومي بمناسبات عدة ،وغيرها . وماحدث بعد سقوط مبارك وصولا الى تسلم الاخوان دفة الحكم وإستمرارهم لمدة عام كامل  إن تلك الازمة قد تعمقت بشكل كبير ، فالاجهاز على الحريات العامة كان الهدف الابرز الذي سعى الاخوان لتكريسه من أجل ترويض الشعب المصري وجندوا لذلك فضائيات تبث سمومها وقيم التخلف بشكل يثير الرعب ،ولم يسلم قطاع الاعلام في قنواته ومفاصله الاخرى من الترهيب الذي مارسته فئات متحالفة مع الاخوانة في ظل صمت مطبق ورضى خفي عن ذلك، فالكل يتذكر حصار ( الحازميون ) لمدينة الانتاج الاعلامي ،ومبنى إتحاد الاذاعة والتلفزيون المصري في ماسبيرو ، والاعتداء على العاملين في المكانين من إعلاميين وإداريين ، لاجل ترويعهم وجرهم الى التحول الى مداحين للسلطة ،وكذلك الدعاوى والبلاغات التي تم رفعها ضد إعلاميين والتي بلغت مايقارب الـ 600 دعوى بضمنها 24 دعوى بتهمة إهانة الرئيس !! وأخيرا الوصف الذي أطلقه محمد بديع مرشد الاخوان على الاعلاميين المناوئين لهم بأنهم ( سحرة فرعون ) لاجل إثارة الرأي العام الشعبي ضدهم ، كل ذاك من أجل الاجهاز على الحريات السياسية والاجتماعية والشخصية أيضا . في الجانب الاخر فإن الاخوان بدأوا حملة شعواء ذد النقابات العمالية فقاموا بفصل رؤوساء نقابات وناشطين من أعمالهم والتضييق على الحريات النقابية وإجبار بعض النقابات بإستبدال رؤوسائها بآخرين إما موالين للاخوان أو إنهم أقل خبرة في التصدي لمناهضة حقوق العمال ، وفي هذا الاطار قامت حكومة الاخوان بغلق 4500 مصنع بحجج عدم وجود مواد أولية أو  نقص في الطاقة ، أي البدء بتهديم البنى التحتية للاقتصاد الوطني ، كما إن المصانع التي إستمرت بالعمل فإنها لم تعمل بكل طاقتها ، فأكبر مصنع للمنسوجات في غزل المحلة لم يعمل بأكثر من 30% من طاقته ، ونتيجة لكل ذلك فقد تم فصل أكثر من ( 35000) عامل بدون حقوق تقاعدية أو تعويض عن البطالة . إن كل هذا وذاك أدى الى زيادة حدة الاحتجاجات والاضرابات في عموم مصر ، ففي خمسة عشر شهرا من 1/1/ 2012 الى نهاية آذار 2013 بلغ مجموع الاضرابات والاحتجاجات والاعتصامات (6599) فعالية منها (3817) فعالية خلال عام 2012 و( 2782) خلال الشهر الثلاثة الاولى من عام 2013 وقد شملت تلك الفعاليات قطاعات الغزل والنسيج والسكك الحديد والمترو وسائقي النقل العام والمراقبين الجويين وعمال قطاع المواد الغذائية  ( حسب المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ) ،من ذلك يظهر إن حدة الاحتجادات تصاعدت عموديا واتسعت أفقيا  بشكل كبير جدا، وكان طبيعيا أن  يؤدي ذلك الى الانفجار العام الذي حدث في 30 يونيو . وبذلك نرى فإن الاهداف التي قامت من أجلها الثورة في 25 يناير 2011 بقيت هي نفسها ولم يتحقق منها شيئ ، بل إن الوضع إزداد سوءا ، كما إن الطبقات والشرائح التي كانت متضررة زمن نظام مبارك ساءت أحوالها بشكل أكبر ، والقوى السياسية ـ الاجتماعية التي تصدت لتفجير ثورة 25 يناير(تجمعات شبابية ، احزاب وتنظيمات يسارية وديمقراطية وليبرالية ونقابات ومنظمات مجتمع مدني أخرى ) إستمرت نفسها في التصدي للصراع  مع الاخوان وتصدرت المشهد في 30 يونيو ، وكأنها بذلك تطبق ما قاله لينين :(إننا نؤيد الثورة المتواصلة ولن نقف في منتصف الطريق ) ، وبالتالي فإن الاهداف التي قامت من أجلها الثورة لم تتحقق ، والتسليم بأنها (ثورتان ) يعني تبدل في القوى الطبقية والسياسية التي فجرت ثورة 25 يناير أو إن الثورة قامت بتوجيه وقيادة من الاخوان وقد حققت أهدافها ، واي شيئ من ذلك لم في الواقعه لم يحصل ، كل ماحصل إن قوى الثورة المضادة تصدرت المشهد وسرقت نضال وجهد أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير ، لكن ذلك لم يدم لها طويلا فعادت قوى التغيير الحقيقية لاستكمال ثورتها ، لكن الصراع لم ينتهِ بعد.

49
الربيع العربي بعد 30 يونيو ( الجزء الثاني )
فكرة المؤامرة
تحسين المنذري
بعد أن حقق الاسلام السياسي الفوز الإنتخابي في أكثر من بلد من بلدان الربيع العربي سادت فكرة المؤامرة عند الكثير من المحللين والمتابعين للشأن السياسي ،وسرت عدوى هذه الفكرة عند جمهرة كبيرة من الشعوب العربية ، معتبرين إن الموضوع برمته ومنذ البدء كان مؤامرة راح ضحيتها الشعوب التي تفاعلت مع الحدث ودفعت الثمن غاليا نتيجة إندفاعها غير الواعي مع ماجرى . فهل كان الامر كذلك ؟ لكن قبل الخوض في غمار هذا التحليل لابد من الاشارة الى إضاءة هامة يكشفها هذا التصديق السريع لفكرة المؤامرة ، تلك هي رسوخ فكرة عمالة أحزاب الاسلام السياسي للغرب وتبعيتها لتوجهات الغرب الرأسمالي ،وفي هذا يستند أصحاب هذا الرأي على حوادث تاريخية وآنية شتى ( لا مجال لبحثها هنا)، وبغض النظر عن صحة هذا الرأي أو خطأه فإن رفض حكم الاسلامويين إزداد يوما بعد آخر وبشكل جلي في مصر أكثر من غيرها ، ذلك إن القوى السياسية المدنية في مصر كشفت حقائقا مهمة عن الدور المريب للمتأسلمين في ثورة 25 يناير 2011 ، منها تأخر إشتراكهم في الثورة ألا بعد أن تبين لهم إنتصارها الاكيد ، بل وإن شريحةهامة منهم وهم السلفيون لم يكونوا مع الثورة مطلقا لانهم يرون في الخروج عن ولي الامر محرم شرعا ،وهنا ممكن إثارة السؤال الهام كيف تمكن الاخوان وحلفاؤهم من تصدر المشهد وتسلم دفة الحكم ؟ ولابد من الاشارة الى أن الاخوان المسلمين وحلفاؤهم كانوا الاكثر تنظيما في فترة ما بعد نجاح الثورة ، إضافة الى قِدَم تنظيم الاخوان قياسا بتنظيمات ليبرالية ومدنية نشأت بعضها بعد الثورة ، لكن ذلك كله لايلغي فكرة المؤامرة ، فالدعم الاعلامي الخارجي مؤامرة ، والمساعدات المادية الكبيرة من تنظيمات حليفة خارجية مؤامرة أيضا ، واللقاءات التي تمت مابين رموز الاخوان وسياسيين اميركان بعضهم أعضاء في الكونغرس تشوبه خيوط المؤامرة، زيارة أردوغان قبل الانتخابات الرئاسية كانت جزءا من المؤامرة ، هذه بعض من خيوط المؤامرة التي رشحت الى السطح ، مع ذلك فكان هناك من يقول إنها إرادة الشعب المصري أن يفوز الاخوان وكل شيئ جرى بسلاسة وبدون تدخل خارجي ولاتوجد أية رائحةعفنة تدلل على المؤامرة !!! وعام كامل من حكم الاخوان كشف كثيرا من نتاجات المؤامرة ، علاقات الود المتناهي مع إسرائيل ،العداء العلني لايران بعد أن كان ودا قبل الثورة وبعيدها، غلق السفارة السورية بعيد قرار البيت الابيض بتسليح المعارضة ، سياسة الاقصاء والتقسيم التي تنسجم مع مشروع الشرق الاوسط الجديد، وربما غيرها الكثير ، فإن كان كل ذاك ليس كافيا فالموقف الاميركي بعد 30 يونيو يكشف مراهنة الادارة الاميركية على حكم الاخوان ويترك الابواب مشرعة أمام التوقعات بماهية الشروط التي وافق عليها الاخوان مقابل الحصول على الدعم الاميركي للفوز بإنتخابات الرئاسة المصرية ،وبحجة الدفاع عن الشرعية الديمقراطية ، وكأن الديمقراطية هي فقط صندوق الانتخاب،   فهل كانت إدارة أوباما عمياء ولم ترَ الحشود المليونية التي أسقطت حكم الاخوان ؟ في أقل تقدير لجموع 30 يونيو حسب (كوكل) كان 14.3 مليون معارض بناءا على رصد اقمارها الصناعية وهو رقم أعلى مما جمعته صناديق الانتخابات لمصلحة مرسي إذا سلمنا بصحتها وبدون أي ترهيب أو ترغيب  أو تزوير والتي كلها إحتمالات قائمة ،كما إن إدارة أوباما بدأت تهدد بإقاف المساعدات التي تقدمها لمصر كل عام ، فلماذا كان الموقف الاميركي هكذا ؟ يقال إن الكونغرنس الاميركي ينوي فتح تحقيق في الاموال التي صرفتها إدارة أوباما دعما للاخوان !! وفي نفس السياق كان طلب مرسي من وزير خارجيته الاتصال بالناتو والادارة الاميركية لغرض التدخل ، فهل كان هذا جزءا من إتفاق الاخوان معهم ؟ وأخيرا موقف الاتحاد الافريقي بتجميد عضوية مصر بحجة الانقلاب على الديمقراطية ونصف بلدان افريقيا لاتعرف معنى الديمقراطية في حكمها !!
يبدو أن الدولة المدنية الديمقراطية لاتروق لهؤلاء ومشروع الشرق الاوسط  الجديد هو تكريس للتخلف وسيادة قيم الظلام وتهميش الشعوب . وإن ثورات الربيع العربي كانت ثورات حقيقية بمسبباتها الموضوعية لكن المؤامرة جاءت فيما بعد لحرف إتجاه الثورة وهذا ماحصل مؤقتا.


50
الربيع العربي بعد 30 يونيو (الجزء الاول )
تحسين المنذري
ثلاثة أيام هزت العالم ، هكذا ممكن وصف المشهد ، ثورة شعبية عارمة ، ثورة إجتماعية ، رفض لكل أشكال الظلام والتخلف ، ثورة أطاحت بتجربة الاسلام السياسي في مصر ،تلك  التجربة التي رغم حداثتها لكنها أفرزت التوجه الاقصائي للاسلام السياسي ، دللت بما لايقبل الشك إن حكم الاسلامويين لم يعد يلائم العصر ، بل إنه يقود الى تخلف مريع في كل شيئ . إلا إنها في الجانب الاخر وأعتي هنا ثورة الشعب المصري في 30 يونيو أعادت الاعتبار الى ثورات الربيع العربي بعد ما أصاب اليأس شرائح كبيرة من الشعوب العربية وشعوب المنظقة أجمع ، حتى تم توصيف الربيع العربي بأنه الربيع السلفي ، أو إنه كان مؤامرة أميركية بإمتياز ، أو إن قدر الشعوب هو هذا من سيئ الى أسوأ ، لتثبت مصر إن الثورة لم تكن ساذجة ولم تكن مؤامرة ، وإن عواملها الموضوعية التي سببت ذلك الرفض العارم لم تكن وهمية ، فالتخلف الذي كان يلازم الشعب المصري تعمق بشكل أكبر في ظل تجربة الاخوان المسلمين ،والازمات برزت على الواجهة كظاهرة يومية ، وإستشرى الفساد بوجوه جديدة ، وإزدادت معدلات البطالة ، وغابت الوطنية عن المشهد الوطني لحساب أجندات خارجية ، وتم التضييق على حرية الاعلام ،ومحاولات للاجهاز على الحريات الاجتماعية العامة والشخصية ، وتقسيم المجتمع الى ولاءات ثانوية ، وبروز محاولات التفرد بالحكم وصولا الى الاستبداد بأشكال شتى . على الجانب الاخر كان القدر يغلي ، القوى المجتمعية والسياسية التي  كانت متضررة بشكل كبير والتي تصدرت الثورة في أيامها الاولى خصوصا لم تكن غافلة عما يجري ،وعادت الى تجربتها للدراسة واستخلاص العبر ،ورمت جانبا كل الخلافات الثانوية ،وعزمت على العودة وخططت لذلك بمزيد من التروي والتأني ،وأعلنت نياتها على الملأ لثقتها المطلقة بصحة نهجها وخطل نهج الحاكمين ، فكانت الثورة الشعبية العارمة التي أطاحت بتجربة تعد من أخطر وأهم تجارب الاسلام السياسي لاعتبارات عدة :
1-   أقدمية عمر حركة الاخوان المسلمين في مصر كونها أول حركة سياسية في المنطقة تتبنى نهج الاسلام السياسي
2-   صدارة مصر وثقلها النوعي في مختلف أشكال النضال  وموقعها الجغرافي المميزوتأريخها العريق على صعيد المنطقة عموما
3-   الثقل المعنوي والمادي الذي وضعته الاحزاب والحركات السياسة الاسلاموية في المنطقة ،ودعم بعض الدول الاقليمية والعالمية لتجربة حكم الاخوان المسلمين في مصر
4-   الدعم الذي حظي به حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لحركة الاخوان المسلمين من القوى السياسية الاسلامية المصرية بكل تياراتها واتجاهاتها ( سلفية ، معتدلة ، جماعات جهادية ، ... الخ )
5-   نهج المواجهة مع القوى الاخرى الذي تبنته حركة الاخوان وحلفاؤها في مصر ومحاولات التهميش والاقصاء بحدية وعلنية سافرة ،والتهديد بالعنف بل وإستخدامه في حالات عدة لارهاب الاخر وفرض الهيمنة
6-   الغزو الفكري والثقافي ومحاولات أخونة المجتمع المصري بشكل سريع وحاد ومباشر
إن هذه الاعتبارات وربما غيرها ليس أقل أهمية منها جعلت العالم مشدودا لما جرى في مصر خلال ثلاثة أيام ،وحبست الانفاس بعيد بيان القوات المسلحة المصرية وخطاب الرئيس المخلوع الذي تحدى فيه الجميع إلا أهله وعشيرته ، حتى حانت اللحظة المبينة فكان السقوط المدوي ، وفرحة النصر التي لاتوصف ، فهل كانت التجربة محض صدفة أم إن الثورة كانت في مخاض ؟ الصورة تقول إن ما جرى لم يكن الا صراعا مجتمعيا – سياسيا ، تمظهر بأشكال عدة على مدى العام المشؤوم من حكم الاخوان ،وكان النصر حليف الشعب متمثلا بقواه الحية ونجاعة التخطيط  ومعرفة كيفية إشراك الشريحة الاكثر حيوية في المجتمع وهم الشبيبة الذين تصدوا بكل بسالة لكل أشكال القهر والتهديد والعنف ، فإستمالوا بصحة شعاراتهم وصواب النهج ووحدة الموقف كل الذين عارضوا بصمت حتى نطقوا ، بل وتفاعلوا بروح ثورية قل نظيرها في زمننا هذا ، فكان النصر حليفهم . لكن الصورة لم تكتمل بعد .
 

51
المنبر الحر / رهانات القادة
« في: 18:08 20/06/2013  »
رهانات القادة

تحسين المنذري
التعويل على القادة السياسيين في حل الاشكاليات العالقة وعلى أي مستوى ،يبدو إنه إرثا عربيا بإمتياز ، وبالتأكيد فإن لذلك إمتدادا تأريخيا ـ مجتمعيا يرتبط بعدة موروثات بدءا من النظام البطرياركي الذي ساد علاقات الانتاج  وتمظهر لاحقا بنظام الاقتصاد الريعي ومرورا بترسخ عقلية النظام العشائري في الذهنية الفردية والجمعية ودور الوجيه الاجتماعي ولعل غير ذلك الكثير ، مما يعطي للسياسي المتنفذ دور الصدارة في التصدي أو الادعاء بالتصدي لحل مايعتري حياة المواطن من إشكاليات ، وفي حقبة ما بعد نشوء الدول العربية أثبتت التجربة ، أو هكذا كان حظ شعوبنا ، إن الساسة المتنفذين كانوا دائما على  الضفة الاخرى بعيدا عن هموم المواطن ومشاكله ، ماعدا بعض الاستثناءات القليلة هنا وهناك . لكن في المقابل كان هناك مكسب مع كل تحرك جماهيري  يتصدى لمحاولة تكبيل وطن بإتفاقية ما ، او للمطالبة بحق مهدور ، أو لتطوير خدمة بعينها ، وهناك الكثير من الشواهد التي تثبت ذلك . وفي حالات كثيرة كان صوت المواطن مدويا فعالا حتى في غسقاط بعض الحكو مات والرموز الدكتاتورية ،وتجارب الربيع اعادت لأصوات الشعوب هيبتها ، رغم النتائج التي آلت اليها تلك الحراكات الشعبية بتصدي قوى أشد تخلفا من سابقتها والذي يعتبر إنحرافا في مسار التحرر الوطني قد تستطيع الشعوب نفسها تصحيحه . وفي التجربة العراقية تاريخيا وحاليا ، تثبت التجربة أن صوت المواطن كان له أبلغ الاثر في تحقيق بعض المكاسب ، وكلما كان الحراك الشعبي منظما وبأهداف واضحة وبتوجيه سليم ، كلما كان تأثيره أكبر . وفي ظل الاوضاع المأساوية التي يعيشها وطننا العراق اليوم فلا بديل عن اللجوء الى الشعب في أي محاولة تصحيحية كانت أم تغييرية ، وقد أجبرت الحراكات الشعبية التي حصلت في السنوات الاخيرة ،الساسة المتنفذين على التراجع هنا أو هناك وتحقيق بعض من المكاسب التي ينادي بها الناس ، وفي نفس الوقت فإن تجربة العراق الحديثة تثبت إن كل خلاف بين الساسة المتنفذين به منفعة شخصية لهم ، وكل تصالح بينهم يحمل زيادة في رقعة النفوذ ، وكل لقاء ينجم عنه إضافة لارصدتهم المالية ،وكأنهم يحملون المناشير في كل فعل يأكلون في الذهاب ويقصون في العودة لكن بجميع الاحوال فإن مصالحهم ونموها  الاهم من كل مطاليب الناس وحاجاتهم ، وفي كل حراكات القادة يدفع المواطن ثمنا باهضا ، دما أو حرية  أو زمنا مهدور. ولهذا فإن أي تعويل ـ كما تشير التجربة المرة في العشر العجاف التي مضت ـ على ما يقدمه هؤلاء الطارئين على البلد المكتوي ، يعتبر رهان خاسر ، ذلك إن للقادة السياسيين رهانات اخرى غير تلك التي ننتظرها نحن من إكتوينا بحكمهم .

52
مهام تنتظرالتيار الديمقراطي (2ـ2)
تحسين المنذري
تواجه التيار الديمقراطي مصاعب جمة نتيجة لعوامل عديدة ليس أقلها تأثير المد الديني ووجود قوى بعينها تدافع عن سياسة تحاول لصقها بالدين قسرا وهي لاجل ذاك تسعى لتحجيم قوى التيار بشتى الطرق من تشويه سمعة الافكار التي يتبناها دعاة الدولة المدنية وليس إنتهاءا بتضييق الحريات العامة والشخصية ،ولا سبيل لقوى التيار الا مواجهة كل هذا وذاك لكن يفترض عبر آليات قانونية تسمح بها الركائز الديمقراطية المتوفرة على قلتها ، ومن هذا المنطلق فإن مهاما كبرى على التيار التصدي لها في مواجهة الانتخابات البرلمانية المقبلة في العام القادم .
ثالثا:مهام تتعلق بالانتخابات البرلمانية المقبلة :
تشكل هذه المهام إمتدادا لعمل قوى التيار ومكملة لنهجه ، بل هي الابرز في مسيرته ، ذلك إن الوصول للبرلمان تشكل إحدى أبرز تحديات التيار الديمقراطي  ، حيث إن المهام التشريعية والتأثير فيها تعتبر إحدى أهم حلقات الصراع فبواسطة القوانين يتم تسيير توجه الدولة ومن ثم المجتمع إقتصادا وثقافة وحريات وغيرها من مرتكزات البناء اللاحق وعلى هذا فإن مهاما يمكن إجمالها بما يلي لابد من التركيز عليها والسعي لتحقيقها :
1-   التأكيد على إستمرارية تحالف قوى التيار وتوسيع آلياته وتطوير أساليب العمل التي تضمن تلاحما أكبر بين قواه والسعي لضم قوى جديدة ربما كانت مترددة سابقا
2-   العمل على إستمالة مصوتين جدد لقوائم ( أو قائمة ) التيار والتركيز في هذا المجال على المعارضة الصامتة ممن لم يدلوا بأصواتهم في إنتخابات مجالس المحافظات والذين يشكلون حسب مفوضية الانتخابات نصف من يحق لهم التصويت ، وفي بغداد وحدها كانت نسبة غير المصوتين 67% ممن يحق لهم الانتخاب ، وبالتالي فإن البحث عن هؤلاء تعتبر إحدى المهام الكبيرة في العمل الجماهيري لاعضاء أحزاب وقوى التيار الديمقراطي ، ومحاولة إستمالتهم للتصويت عبر إقناعهم ببرامج التيار التي يفترض أن تكون واضحة ومختصرة وتلامس هموم وحاجات الناس عموما
3-   عدم الركون الى عدد المصوتين في إنتخابات مجالس المحافظات فربما هناك نسبة منهم تقع في خانة المتذبذبين ، أو إن نسبة أخرى ممن صوتوا للتيار من منطلق إن مجالس المحافظات خدمية فقط ، أما عندما يتعلق الامر بسياسة البلد وتوجهاته فإن الرجوع الى الطائفة أو القومية يكون بالنسبة لها ضمانا للبقاء حيث إن هؤلاء يخضعون لتأثير قوى تصور الامر وكأنه صراعا بين مكونات يكون البقاء فيه للاقوى ، وعلى هذا فإن الاطمئنان لعدد المصوتين في إنتخابات مجالس المحافظات إن حصل فإنه قد يشكل نكوصا عن مواصلة العمل الجاد ولابد من التعامل مع الموضوع على البدء من الصفر .
4-   تجديد حملة لاتسرق صوتي وتوسيعها لاجل تعديل قانون إنتخابات البرلمان سيما وهناك قرار من المحكمة الاتحادية يقضي بتعديل فقرة حساب المقاعد الباقية ، والاستفادة من تجربة لاتسرق صوتي السابقة للضغط لتعديل هذه الفقرة إما على طريقة ( سانت ليغو ) أو توزيع المقاعد الباقية على أساس أكبر الخاسرين ، كما لابد من إثارة مسألة أخرى تعتبر في غاية الاهمية هي محاولة جعل العراق دائرة إنتخابية واحدة لما لها من تأثير في عدم ضياع أصوات الناخبين ولانها تجربة أثبتت أفضيلتها في الانتخايات البرلمانية عام 2005
5-   الضغط لتشريع قانون للاحزاب لكن ليس بالصيغة التي طرحها مجلس الوزراء ، بل بإجراء تعديلات تضمن في الاقل عدم هيمنة السلطة التنفيذية على نشاط وعمل الاحزاب السياسية . إن تشريع قانونا للاحزاب من شأنه في الاقل أن يضبط موارد تمويل الاحزاب السياسية لحملاتها الانتخابية وحجمها ، ولكي لايجري استغلال المال العام في الدعاية الانتخابية لمرشحي قوائم السلطة
6-   عدم التهاون مع أخطاء مفوضية الانتخابات والعمل على فضحها بشتى الطرق وذلك لتقليل تأثير التوزيع المحاصصي للمناصب الذي تشكلت على أساسه المفوضية .
رابعا : مهام تتعلق بلجان تنسيق التيار خارج الوطن :
تشكلت لجان تنسيق للتيار الديمقراطي خارج الوطن تباين مستوى إدائها من لجنة لاخرى اعتمادا على حجم الجالية الموجودة ومدى تنظيمها وماهية منظمات المجتمع المتواجدة حيث جرى التركيز عليها في التشكيل الى جانب شخصيات ديمقراطية مسستقلة ، لكنها جميعا تشترك في هم واحد هو دعم عمل التيار الديمقراطي داخل الوطن ، وقامت لجان التنسيق تلك بحملات تضامنية ناجحة دعما لجهد الديمقراطيين في الداخل لعل ابرزها حملة لاتسرق صوتي ، على هذا فإن التركيز على التضامن العالمي مع مطاليب الشعب يبقى أحد أهم مهام عملها ، والذي يحتاج الى عملية تنظيم ممنهجة بإقامة الصلات مع القوى والمنظمات والشخصيات الديمقراطية واليسارية العالمية وصولا الى إشراكها أو كسب دعمها في حملات التضامن المطلوب إجرائها في الفترة المقبلة والتي يمكن تلخيصها بمايلي :
1-   البدء بحملة فضح القوى الطائفية والضغط عليها لايقاف أو على الاقل التهدأة في صراعاتها غير الوطنية والتي لا تخدم بأية حال مصالح الشعب والوطن
2-   الشروع من الان لاستبيان موقف البرلمان العراقي من إشراك عراقيي الخارج في الانتخابات البرلمانية المقبلة ، حيث ظهرت اصوات في الانتخابات السابقة دعت الى عدم إشراكهم بحجج مختلفة منها الكلفة العالية للصوت الواحد وقلة عدد المشاركين وصعوبة توزيع الاصوات على المحافظات وعدم توفر الوثائق التي تثبت عراقية الناخب لدى بعض الموصتين
3-   الضغط لانشاء سجل للناخبين في كل سفارة عراقية في الخارج يُعتمد عند الادلاء بالاصوات
4-   العمل على جعل الوثائق المطلوبة من عراقيي الخارج ماهو متوفر وإعتماد وثيقة الدولة التي يعيش فيها الناخب كوثيقة رئيسية وليست داعمة ، وذلك للحيلولة دون إلغاء اصوات الناخبين مثلما عمدت مفوضية الانتخابات السابقة بالغاء الاف الاصوات بحجج واهية منها نقص الوثائق
5-   في حالة عدم التمكن من جعل العراق دائرة إنتخابية واحدة فالعمل على إحتساب اصوات الخارج على المقاعد التعويضية كما حصل في إنتخابات عام 2005 وليس على المحافظات ، وذلك لصعوبة عملية التوزيع من جانب وعدم مطابقة أماكن السكن الاخيرة لعراقيي الخارج مع أصل إصدار وثائقهم العراقية
6-   السعي لكي تشمل الانتخابات أكبر عدد ممكن من بلدان اللجوء وتوزيع المراكز الانتخابية على عدد اكبر من المدن في كل بلد تجري فيه الانتخابات .
إن كل ماتقدم هي أراء شخصية سعيت من خلالها إيصال وجهة نظري بالعديد من القضايا الى قوى التيار الديمقراطي كوني أحد مناصريه ، وهي تبقى مجرد وجهات نظر تخضع للقبول او الرفض والمناقشة من قبل قوى التيار ومناصريه .


53
مهام تنتظر التيار الديمقراطي (1ـ2)
تحسين المنذري
تُعد إنتخابات مجالس المحافظات الاخيرة نقطة تحول في مسيرة التيار الديمقراطي ، بعد أن إستطاع مرشحوه من الظفر بعشرة مقاعد في بعض مجالس المحافظات التي جرت فيها الانتخابات ، حيث إنتقل التيار الديمقراطي من مرحلة إثبات الوجود الى توسيعه وتعميق جذوره ، وتجاوز حالة الاحباط ، وإستطاع أن يزحزح القناعات الطائفية لدى الكثير من الناخبين الذين إنحازوا عن وعي هذه المرة الى مرشحين جدد أقل ما يمكن توصيفهم به هو نضج البرامج التي جاءوا بها ، وكل هذا وربما غيره يستدعي قوى التيار ومناصريه الى التأمل بطبيعة المهام التي لابد للتيار أن يتصدى لها في طريق النضال اللاحق ، ويمكن تقسيم تلك المهام الى : 1- مهام بعيدة المدى
2- كيفية تبرير ثقة الناخبين الذين صوتوا لمرشحي التيار
3- مهام تتعلق بالانتخابات البرلمانية المقبلة
4- مهام لجان تنسيق التيار في الخارج
أولا : المهام بعيدة المدى :
1-   شكلت الفترة التي سبقت إجراء إنتخابات مجالس المحافظات فترة عمل جماهيري دؤوب تميز بالنضج والتخطيط الصحيح وذلك من خلال مؤشرين هامين الاول هو تمكن شخصيات وقوى من داخل التيار من تحريك الرأي العام ضد قانون الانتخابات بشكله القديم وتكلل ذلك بحملة لاتسرق صوتي وإقامة دعوى قضائية إنتهت بتبديل الفقرة المجحفة من القانون القديم المتعلقة بتوزيع المقاعد الى إعتماد طريقة ( سانت ليغو ) والتي هي أكثر عدالة من طريقة توزيع الباقي الى الكتل الفائزة والتي كانت معتمدة في الانتخابات السابقة عام 2009 ، أما المؤشر الثاني الهام فهو إعتماد مرشحي التيار وقواه على التحرك الجماهيري والاتصال بالناخبين بشكل مباشروشرح برامج قوائم التيار والدعوة الى التصويت لها دون اللجوء الى وسائل إعلامية متطورة كالفضائيات أو كثرة الملصقات الدعائية أو حتى توزيع الهدايا والرشى . إن ذلك الجهد المثمر يتطلب الان من التيار الديمقراطي تعميقه وتوسيعه وعدم جعل اللقاء بالناس وسماع همومها عملا موسميا يتعلق بفترة الانتخابات وحسب ، بل لابد أن يكون جزءا من المهام اليومية لقوى التيار وبطريقة مبرمجة وليست عملا عفويا أو عشوائيا
2-   أثبت تحالف قوى التيار الديمقراطي صحته مما يتطلب تعميق هذا التحالف وتوطيده عن طريق القيام بفعاليات مشتركة والعمل على التنسيق والتحالف في إنتخابات منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية وتوسيع هذا التحالف ليضم القوى التي تحالفت بشكل مؤقت في إنتخابات مجالس المحافظات الى قوى متحالفة بشكل دائم أي جزء من القوى التي تشكل التيار الديمقراطي والسعي لضم شخصيات وقوى أخرى ربما كانت مترددة سابقا في الانضواء تحت لواء التيار الديمقراطي على أن يتم كل ذلك بالمحافظة على الاسس التي قام عليها التيار الديمقراطي وتطويرها أي دون النكوص عن بعض أهداف التيار الاصلية بحجة توسيع قواه
3-   ضرورة وضوح موقف قوى التيار من القوى المناهضة لمشروع الدولة المدنية واعلان ذلك بشكل لايحمل أي مجاملة لتلك القوى مهما كان حجمها أو موقعها السياسي ، على أن يكون ذلك الموقف مستندا الى أسس علمية وليست مواقف رد فعل آنية ، أي التعامل مع تلك القوى على إنها من الخصوم السياسيين وعدم التذبذب في الموقف منها تحت أية ضغوطات أو مغريات ، إلا ذلك لا يلغي في نفس الوقت إمكانية التعامل معها واللقاء بها لشرح وجهة نظر التيار في ما يجري سواءا كان آنيا أو بشكل دائمي ، أي طرح التيار لنفسه على إنه قوة مناهضة للمشاريع التي تتعارض مع نهجه في بناء الدولة المدنية الديمقراطية على أسس العدالة الاجتماعية
4-   إتباع سياسة فضح المفسدين والمرتشين وعدم التهاون في ذلك ، وأيضا تفنيد البرامج التي لا تخدم مسيرة الوطن كوحدة متكاملة وطرح البديل عنها بطريقة علمية ومبسطة تقنع الناخب سواءا كان على مستوى عالي من الوعي أو من بسطاء الناس ، وإعتماد خطاب سياسي واعلامي بعيد عن المهاترات ولغة المثقفين المحدودة أو العصية على فهم عامة الناس ، لكي تتسع جمهرة المتابعين لبرامج التيار الديمقراطي وطروحاته المتعلقة بالقضايا الآنية .
ثانيا : تبرير ثقة الناخبين الذين صوتوا لقوائم التيار الديمقراطي :
إن فوز مرشحي التيار الديمقراطي ليس آخر المطاف بل هو البداية لعمل جاد يبرر الثقة التي منحها الناخبين لهؤلاء المرشحين ، ولأن الفائزين لم يأتوا منفردين أو بجهد فردي بحت ( مع ضرورة تقييم الجهود الشخصية للمرشحين )فعلى قوى التيار مجتمعة تقع مسؤولية تبرير تلك الثقة التي حصل عليها الفائزين من خلال :
1-   دعم عمل الفائزين في مجالس محافظاتهم من خلال :
أ‌-   متابعة عملهم
ب‌-   دعمهم بالمعلومات التي تخص محافظاتهم وتقديم المشورة لهم مع إحترام روح المبادرة ووجهات نظر الفائزين أنفسهم
ت‌-   إبراز دورهم إعلاميا وجماهيريا مثل إجراء مقابلات صحفية معهم تتبناها صحف قوى التيار وحث الفضائيات على الاتصال بهم وتطوير علاقتهم بالاجهزة الاعلامية بشتى الطرق
2-   من أجل دعم وجود التيار ككتلة من الضروري عدم تجيير فوز أي من المرشحين الى حزب او جهة معينة من قوى التيار بل من الضروري التعامل مع القضية على إن الفوز جاء بجهد جماعي لكل قوى التيار وتأكيد ذلك داخل تنظيمات قوى التيار واعلاميا أيضا
3-   إستثمار وجود أعضاء من التيار الديمقراطي في مجالس المحافظات لتسهيل إتمام المعاملات القانونية التي يحتاجها المواطنون بغض النظر عن تصويتاتهم ، وذلك عن طريق التقليل من الاجراءات الروتينية والبيروقراطية المعيقة لسرعة إتمام تلك المعاملات
4-   تطوير علاقات الفائزين بعضوية مجالس المحافظات بزملائهم من الكتل الاخرى خاصة من الكتل الصغيرة ومحاولة إستمالة أكبر قدر ممكن من أعضاء مجالس المحافظات لاي مشروع أو قرار يتبناه ممثلو التيار ، حيث تلعب العلاقات الشخصية والكاريزما الشخصية لعضو مجلس المحافظة دورا هاما في تطوير العلاقات وبالتالي تمرير مشاريع القرارات ، سيما إذا أكدنا إن مهام مجالس المحافظات خدمية وليست سياسية قد تتقاطع مع التوجهات الفكرية والسياسية لكتل أعضاء المجالس .

ـ يتبع ـ

54
المنبر الحر / كفى دماً
« في: 23:44 19/03/2013  »
كفى دماً

تحسين المنذري
اليوم هو الثلاثاء 19/3/2013 ، يضرب الارهاب بالعمق مرة أخرى ، وتستباح بغداد بكل ضواحيها واحيائها والاستباحة تمتد كما في كل مرة لمدن أخرى ، وعشرات الضحايا بين قتيل وجريح ، ويُعطل العمل في الدوائر مبكرا ، ونتسمر أمام شاشات التلفزيون وأجهزة الكومبيوتر لمتابعة الاخبار ، وفي خبر عاجل مجلس الوزراء يؤجل إنتخابات مجالس المحافظات لستة أشهر في الاقل ، ويقال إن التأجيل يشمل فقط محافظتي نينوى والانبار،وينبري قائد عسكري ليهدد ويتوعد ، وحملة إعتقالات تشمل إبن عم الخياط الذي خاط بدلة الانتحاري ، ولا يتوقف الدم ، ما قيمة تأجيلكم للانتخابات أو إجرائها بموعدها ؟ هل سيتغير الحال ؟ وكم سمعنا من تهديدات ووعود ، وكم من حملة أمنية تتبع تفجيرات وحوادث قتل ولا تسبقها ، والى متى تستمر المهزلة ؟ بودي أن أعرف كيف كان يوم قادتنا السياسيين والامنيين والعسكريين بعد أن سمعوا بأخبار العمليات الارهابية هذا اليوم ، هل غادروا مكاتبهم لرؤية حجم الدمار ، أم إكتفوا بمتابعة أخبار الفضائيات مثلنا ؟ هل تناولوا وجبة غدائهم وقالوا لانفسهم عوافي ؟ هل إبتسموا ؟ هل داعبوا أطفالهم ؟ هل سيسكنون الى زوجاتهم هذه الليلة ؟ بل هل سينامون كما في كل ليلة هانئين منعمين ؟ ماذا سيفعلون ؟ بودي أن أعر ف، أتمنى أن يخرج مسؤول واحد فقط ولو كان من الدرجة الثالثة أو الرابعة ليقص علينا كيف قضى يومه هذا اليوم ، ذلك إني أعرف إن المسؤولين الكبار منشغلين بأمور أخرى أهم من دماء الفقراء وطلاب المدارس ، أهم من عويل الامهات وأنين الارامل ، أهم من أوجاع المصابين ، أهم من كل شيئ ، أهم حتى من العراق .
لكن لا خيار لي سوى أن أخاطبهم هم لا غيرهم وارجوهم بل وأتوسل إليهم أن ينزلوا عن بغلاتهم المغتصبة منا علنا وجهارا، أن يركنوا ولو ساعة الى العقل ، أن يتذكروا إن السحت الحرام الذي يملأ بطونهم كان لنا في يوم ما ، أن يعودوا الى رشدهم وان يتذكروا الاخر ، أن يعرفوا إن الملل والجزع قد بلغ منا مبلغه ، أدعوهم مخلصا ليتنازل كل منهم الى الاخر ولو قليلا ، من أجل عيون الامهات والارامل والايتام ، تحاورا رجاءا ، أعيدوا بناء العراق والدولة على إسس غير التي تربعتم على عروشها ، ليكن العراق شعاركم ، ليكن حفظ الدم العراقي هدفكم ، قولوا لبعض ما تشاؤون ، إشتموا بعضكم ، عضوا واحدا الاخر ، تشباكوا بالايادي ، إفعلوا ما شئتم لكن خلف أبواب مغلقة لايراها غيركم ، وإعلنوا بعد هذاوذاك إتفاقكم ، وليكن التراجع عن مكتسباتكم ولو شيئا يسيرا ، وألا يفكر أحدكم بزيادتها على حساب دمائنا ، كونوا ولو مرة واحدة على قدر المسؤولية ، لا شيئ أطلب منكم أكثر من هذا . أعلم إن من نكد الدنيا علينا أن نطلب منكم هذا لكن لاخيار لنا سواه ، وإن كان لكم خيار آخر يعيد لنا كرامتنا ويوقف نزيف دمائنا ويحفظ وحدة شعبنا، فقولوه بل إفعلوه ، رجاءا رجاءا رجاءا


55
الى أين يتجه التيار الصدري ؟
تحسين المنذري
كانت آخر فعاليات التيار الصدري في الاعتصام أمام البرلمان العراقي مؤشرا هاما على ما وصل اليه التيار من تدني في الحضور الجماهيري ومحاولات التشبث بأي شيئ من أجل البقاء !!!فلم يستطع أربعون نائبا يمثلون التيار في البرلمان من فعل شيئ لتصديق الموازنة ، بل وربما لم يفهم جلهم ماذا تعني الموازنة وماهي تفصيلات بنودها ، فإضطر منظروا التيار الى اللجوء لتحشيد الشارع كعادتهم حيث يضعون عنوانا ـ شعارا ويحشدون له دون توعية الناس بمضامينه ، وتلك من سمات التيار مذ نشوئه العلني قبل ما يقارب العشرة أعوام والى اليوم . فقد تكون التيار على خلفية التحشيد الذي قاده السيد محمد صادق الصدر تحت غطاء حكومة البعث المقبور ، ليمتد الى مابعد السقوط بنفس التوجه في تجييش العامة والاستفادة من الاسم والتاريخ دون روابط الامتداد الفكري والنضالي لآهم رمز في التيار بل وفي الحركة الاسلامية الشيعية العراقية هو السيد محمد باقر الصدر ، وهكذا تكوّن التيار من خليط غير متجانس من حيث التوجهات والانحدارات الطبقية ، والرغبات والنوايا وصولا الى طرائق العمل بين الجماهير ، فقد بدأ التيار أولى خطواته بجريمة إغتيال شهيرة ذهب ضحيتها السيد عبد المجيد الخؤي ، ولم يعلن التيار عن أية ملامح فكرية متميزة عن التنظيمات الشيعية الاخرى ، فقد كان السيد مقتدى الصدر اللاعب الابرز إعلاميا متنقلا في الهوى والتصريحات مابين الوحدة الوطنية والاخوة الاسلامية ومابين تشكيل جيش المهدي المتهم بكل رموزه بجرائم قتل وحشية بحجة الدفاع عن الشيعة ضد محاولات السنة في العودة الى التفرد بالحكم ، ذلك الجيش الذي لم يسلم من عدوانيته وجرائمه حتى الشيعة أنفسهم ، فإصطدم مع حكومة الشيعة بقيادة المالكي لان وجوده صار مهددا حقيقيا لبقاء الشيعة في قيادة الحكومة بل والعملية السياسية نفسها ، فكانت العمليات العسكرية التي سميت بـ "صولة الفرسان " في البصرة أهم معاقل الحركة الاسلامية الشيعية ، كانت تلك الضربة التي أسقطت ميليشيا مقتدى الصدر وأدت الى إنهيارها في بقية المدن والقرى العراقية ، والى قطيعة سياسية تامة هرب إثرها السيد مقتدى الصدر الى الجارة الام إيران والتي لعبت بدورها الدور الابرز لاحقا لعودة المياه الى سواقيها رغم ما يحمله طرفا النزاع من ضغينة كل تجاه الاخر برزت بشكل أكبر عام 2011 بعيد مغادرة قوات الاحتلال الاميركي العراق ودعوة المالكي لعصائب أهل الحق للدخول في العملية السياسية واطلاق سراح زعيمها قيس الخزعلي الذي كان معتقلا في سجون الاحتلال ، فقد فهم التيار الصدري تلك الفعلة محاولة من المالكي لتحجيم دوره والاتيان بمنافس قوي قد يقضي على قواعده او في الاقل يضعفها . لقد سبق ذلك زيارة مقتدى الصدر الى قطر الدولة الاكثر عداءا لحكم الشيعة في العراق والتي أعتبرت مؤشرا سلبيا ليس على الصعيد السياسي الشيعي بل وحتى في الأوساط الشعبية من المؤيدين الشيعة للتيار لما يحملوه من نظرة عداء لقطر وحكامها ، في المقابل فإن إيران لم تعد كما عهدها سابقا تثق بالسيد مقتدى الصدر وربما أعطت بذلك الضوء الاخضر لاخرين في الانقضاض على مواقع التيار الصدري حيث يجري التركيز على المجلس الاعلى وبعض أجنحة حزب الدعوة ، حتى جاءت أخيرا المظاهرات الاحتجاجية في بعض المحافظات العراقية لتكشف الغطاء عن التيار الصدري من جانبين : الاول هو رفض المحتجين في الانبار إستقبال وفد التيار في ساحات إحتجاجهم متذكرين جرائم ميليشيا التيار بحق ابناء طائفتهم في بغداد والمحافظات الاخرى المختلطة مذهبيا ، مما أسقط بيد السيد مقتدى الصدر دعوته الى الوحدة الوطنية والاخوة الاسلامية وغيرها من الشعارات التسويقية التي كان يعتمدها التيار ،كما أعادت رغبة زيارة وفد التيار الى الانبار تذكر زيارة مقتدى الصدر الى قطر حيث أعتبر الكثير من العامة موقفه هذا إمتدادا لتلك الزيارة ، أما الجانب الثاني فقد كان الاعلان عن تشكيل ميليشيا جديدة تحت إسم جيش المختار وإعلان مؤسسيها عن انخراط الالاف من ميليشيا المهدي في صفوفها رغم تكذيب التيار الصدري لهذا الخبر لكن كما يبدو فإن ضيق الساحة الراغبة في العودة الى الاحتراب الطائفي تجعل أمر تصديق قول قادة ميليشيا المختار أكثر قبولا . لذلك كانت عملية الاعتصام أمام البرلمان محاولة إستعراض قوة وإثبات وجود بعد كل التدهور الذي حصل في شعبية التيار الصدري والذي يهدد بدوره قوة تمثيله في إنتخابات مجالس المحافظات القريبة .
لم يستطع التيار الصدري على مدى عشرة أعوام من تحديد الرافعة الاجتماعية ـ الطبقية التي يعتمدها لمشروعه ، بل بقي تيار شعبويا بلا ملامح ، ولم يتمكن قادته ورموزه من رسم ملامحا فكرية للتيار تختلف أو تتبنى توجها راديكاليا او منفتحا أو أي شيئ آخر فقد إستمرت الاراء والتصريحات التي يطلقها رموزه متباينة بل وفي كثير من الاحيان متناقضة ولم نسمع عن وثيقة فكرية أو تعبوية أصدرها التيار يحدد فيها ملامح التوجهات الفكرية التي يعتمدها ، وسياسيا لم يتمكن التيار من وضع إطار محدد لتحالفاته ففي وقت يشكل فيه التيار جزءا هاما من التحالف الوطني ، يتحالف التيار بشخص قائده السيد مقتدى مع كتلة العراقية والتحالف الكردستاني لغرض سحب الثقة عن رئيس الحكومة المعين من قبل التحالف الوطني نفسه !! مما أفقده ثقة السياسيين جميعا لهذا الموقف المتناقض ، كما لم يسلم ممثلو التيار من تهم الثراء غير المشروع والفساد الاداري والمالي والتجاوزات القانونية وغيرها من ملامح الساسة الطارئين الجدد.
مما تقدم يبدو إن مستقبل التيار مهدد بخطرالاضمحلال أو ربما الزوال ، إذا ما أستمر بنفس نهجه الحالي دون تغيير ، لكن فرصة ظهور تيار صدري آخر معتدلا متوازنا قد تكون أكثر حضورا الان إذا ما تبناها السيد حسين إسماعيل الصدر الذي أثبت على مدى العشر سنوات الاخيرة إتزانا وإعتدالا وأكثر قبولا في الاوساط الشعبية وعند الكثيرين من المسلمين على إختلاف عقائدهم وعند معتنقي الاديان الاخرى .   

56
المنبر الحر / الوداع الاخير
« في: 00:03 14/02/2013  »
الوداع الاخير
تحسين المنذري
يعتصرك الألم ، قافلة أقمارٍ تمر أمامك ، وانت جليس الفضاءات الحزينة ، وذكريات منتشية بالحنين لماض ٍ لن يعود ، يوم إستسلمت وسلمت أمرك لوطن الوجع ، يوم قررت أن تكون خيطا من نسيج الحياة الخضراء ، يوم أنشدت مع الجموع " هبّوا ضحايا الاضطهاد" ، يوم إتشحت بالاحمر، مباهيا الاقران، ومتحديا أنّات أمك ودموعها ، يوم رسمت طريق الامال الوردية صحبة  فتية تمردوا على كل القيم البالية ، حيث شد إعجابك هدوء وأناقة خالد حسين إطيمش ، وإبتسامة أحمد علي الجاسم وحكمته ، وأثارك شعر جبار حميد الشطري ، وهرولت خلف منعم ثاني علـّك تتعلم منه جديدا، لم يكن في حسبانك يومها إنك تودعهم كل يوم ، كل لقاء كان إيذاناً بقراق أبدي ، لم تكن تعي إنك في وطن لم يعطك فسحة معرفة أي شئ ، إلا الموت ، وحتى في هذا لم يعطك حق إختيار الطريقة ، فلم يكن بحسبان المنذري بديع إنه سيموت تقطيعا ، ولم يعرف حميد عبد الله إن الحبل سيخنقه ،ولم يعلم إبن عمك جعفر إنه قد شرب الثاليوم سما،  ولم تدر ليلى المنذرية بأية طريقة تم......وت .
وأنت في صقيع منفاك ، وقد شاب الرأس حزنا ،وخوت عظامك بردا، لا تدفأ الا بذكرى بيت " أحمد علي الهاشمي " يوم دلفته للمرة الاولى ، حيث لم يجل بخاطرك وقتها إن هذا البيت سيـُفجع ، لكن أية فجيعة ، أية فجيعة تلاحقك حتى في نومك ، وعذاب عشقه الذي لم يتم ، كأنك كنت أنت العاشق الذي لم يهنأ ، كأنك كنت تعلم يوم ودعته بدموع تركت اخاديدا على وجنتيك .
وأنت تمشى اليوم وحيدا، تعود الى شوارع الوزيرية ، و سحر عبد المجيد تسير منصتة إليك فتحكي لها عن مهام المرحلة وتعزيز الجبهة ... أية جبهة تلك ؟ أية جبهة أكلتنا جميعا ،أية جبهة تلك التي أغمضت عيني سحر بكل سحرها ، يا لقسوة الجلاد، كيف تجرأ أن ينال من عنفوان وشموخ سحر ، ألا شـُلت الايادي التي إعتقلت وتلك التي عذبت وتلك التي أعدمت . 
وأنت تنصت الى الاغاني ، لايقفز أمامك الا رحيم أبو أماني بصوته الجهوري ، بعذوبة غنائه ، وكأنه يعطي اللحن بـُعدا آخر ، يتسلل الى روحك ولا يغادرها ، تنتشي وأنت تتذكر يوم تحدى رحيم الجلادين وغنى في الزنزانة ، يوم أنشد " ما أكَدر والنبي أودّعك " وكأنه كان يدري إنه غادر أماني بلا وداع .
وانت تودع الروح عند من غادروك قسرا في زمن الدمار البعثي ليس لك إلا أن تنشد لهم
نودعكم ....
كوكبا.... كوكبا
بين صرير أبواب الزنازين  ... وقعقعة سلاح السجانين المرتعدين خوفا
نهضتم
فارسا .... فارسا
جبالا طرزها بردي الهور
شقت عنان السماء
وأسرجت الليل نحو الرحيل الاخير
نفارقكم
واحدا ... واحدا
نحن الفانين بدنيا المسافات المطوية
بتقارير المخبر السري وسياط الجلاد
وأنين أمهاتنا ... عاشقات الحزن والسواد
*    *    *
ياوطن الحب والمواجع
يا وطن القتل البعثي المتجدد
كم حسين ٍ فيك قد قـُتل
وكم زينب ٍ سـُبيت
وكم أم ٍ للعباس قد ثـُكلت
وكم عروس ٍ للقاسم قد ترمـّلت
يا وطن العشق السرمدي
متى نقول وداعا للموت العبثي  ؟


57
متى يصبح البطاط حبيب الروح ؟
تحسين المنذري
واثق البطاط ، إسم قفز فجأة على واجهة الاحداث في العراق ، رغم إنه كان معروفا من قبل بزعامته لحزب الله العراقي ، حيث قرر تشكيل جيشا بإسم "" جيش المختار " نسبة الى " المختار بن ابي عبيد الثقفي المتوفي سنة 67 هجرية " الذي عـُرف بثورته الانتقامية من قتلة الحسين ، ولقب المختار أطلقه اخيرا بعض المناصرين على السيد نوري المالكي نفسه!!! وما أن أعلن السيد واثق البطاط الموسوي عن نيته تشكيل هذا الجيش حتى بدت ردود الفعل الغاضبة ، فكان أولها رد السيد المالكي بإصداره كما يقال أمرا بالقاء القبض على واثق البطاط ، ذلك الامر الذي لم يأبه له البطاط فكان رد فعله أن قام أتباعه بتوزيع إستمارة إنتماء لجيش المختار ، يقول  الناطق الرسمي بإسم جيش المختار إن عدد المتطوعين  بلغ الـ ( 800 ألف متطوع ) ، لكن مستشارا للمالكي يتهم القضاء !!! بتأخير إصدار أمر إلقاء القبض بحق البطاط !! وفي حين عربدت وزارة الداخلية وأزبدت ، بدا السيد البطاط هادئا متزنا وهو يرد على الداخلية بإستغرابه من ذلك ، فهو كما يبدو على ثقة من واحد من أمرين : إما عدم قدرتها على فعل شيئ ضده ، أو إنه لديه الضوء الاخضر من (جهة ما) أعلى منها بتشكيل الجيش !!! .
يتهم السيد البطاط الاجهزة الامنية بعدم قدرتها على حماية المواطنين ، لذلك فقد بادر هو لتشكيل هذا الجيش ، وهذا السبب نفسه كان قد تمسك به من قبل السيد مقتدى الصدر بتشكيل جيش المهدي لكنه كان أكثر صراحة حيث إدعى بأنه شكل جيشه لحماية الشيعة ، وهذا ما يقتنع به كثير من الناس على خلفية التجييش الطائفي وحرب السنتين بين أبناء البلد الواحد بأنه (لو لا جيش المهدي لما قامت للشعية قائمة في العراق !!!) رغم إختلاف العديد من الشيعة مع السيد مقتدى الصدر ونهجه .
يأتي تشكيل ميليشيا المختار اليوم في ظل أوضاع متأزمة جدا ، وإستقطاب طائفي يهدد وحدة العراق ، وتجاذبات سياسية على أسس طائفية رغم إعلان الجميع براءتهم منها ، لكن الامور تسير كما يبدو نحو الاسوأ يوما بعد آخر في ظل التعنت الحكومي الرسمي ، وإصرار المتظاهرين في بعض المحافظات على رفع سقف مطاليبهم وتهديدهم بنقل الاحتجاجات الى بغداد للضغط بشكل أكبر على الحكومة ، ولم يكن الاعلان عن تشكيل ميليشيا المختار الى صبا للوقود على النار . فلماذا يبدو السيد البطاط غير آبهٍ بكل هذا الوضع وبكل التهديدات الحكومية ضده ؟ في البدء أتصور إن تشكيل هذه الميليشيا لا يراد منه سوى تأزيم أكبر للاوضاع ففي ذلك تعميق لنهج المحاصصة وترسيخ لاقدام الطائفيين المتنفذين في الحكم  سيما وإن الناس بدأت بالتململ من نهج المحاصصة بشكل محسوس وأكبر من ذي قبل ، وأيضا فإن السيد البطاط يعرف إن كل هذه التهديدات غير جدية ، فقبله كان السيد مقتدى الصدر مطلوبا للقضاء ومهددا من قبل الحكومة والمالكي شخصيا الذي قاد صولة ضد ميليشيا المهدي في البصرة ، لكن فيما بعد وبعد أن راح ضحية ذلك التشكيل وممارساته الاللاف من أبناء العراق ، عاد السيد مقتدى الى العراق بعد فترة هروب في إيران معززا مكرما وقريبا من الحكومة ومناصرا للمالكي رغم كل ما يعتري علاقتهما من مد وجزر ، وأيضا فإن ميليشيا عصائب أهل الحق التي كانت مطارده كلها وزعيمها قيس الخزعلي معتقلا ، عادت عناصرها وزعيمها الى العملية السياسية دون أية مطالبات أو ملاحقات بل وإن المالكي نفسه يريد تقريبهم أكثر وأكثر ونوه بذلك في أكثر من مناسبة  ، من هذا كله فإن البطاط يبدو واثقا إنه سوف لن يمسه السوء ، وإن حصلت مناوشات أو معارك فعلية بالسلاح فهو ومقربيه في منأى عنها وكذا الحال بالنسبة لشخوص الاحزاب الطائفية وقادتها ، كل ما في الامر سيذهب كم ( إبن خايبة ) ضحايا لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وسوف يعلن البطاط في يوم ما حل أو تجميد ميلشيته ويعود مرحبا به زعيما شيعيا في العملية السياسية ورغما عن الكل ، إنها عملية تبادل أدوار قذرة يلعبها هؤلاء المتنفذون ، على حساب ابناء الشعب وعلى حساب مصالح الوطن وعلى حساب مستقبل أجياله ، ولمصلحة قوى خارجية وأخرى داخلية مستفيدة من الوضع المتأزم دائما وتحاول أن تبقي على نظام المحاصصة لأطول وقت ممكن ، يعرف البطاط إنه سيصبح يوما قريبا من القلب بل وحبيبا لكل الساسة الذين يظهرون رفضهم اليوم لما ينوي القيام به ، يبدو إن تشكيل الميليشيات أو حتى التهديد بذلك أقرب الطرق للوصول الى قلب السلطة والتمتع بكل أنعامها وليذهب الشعب العراقي الى حيث ما يذهب ، المهم أن يبقى الحال على ماهو عليه وعلى المتضرر أن يموت منتظرا إنصافه .

58
مظاهرات 25 شباط 2011
ما لها ... وما عليها
تحسين المنذري
قبل عامين وفي أوج تطور ثورات الربيع العربي حاول العراقيون أيضا تجديد ربيعهم ، فكل العوامل المسببة لطلب التغيير قائمة ، والمزاج الجماهيري العام كان على أتم الاستعداد لنفض غبار الصبر والانتظار ، والان وبمناسبة ذكرى إنطلاق تلك المظاهرات ، ولأن العوامل الموضوعية مازالت قائمة ، بل إن الشرخ قد تعمق بين نظام الحكم والشعب ، فأزمة النظام وحدها كافية أن تكون سببا ، ناهيك عن إستمرار نقص الخدمات وإزدياد البطالة ونمو حجم الفساد المالي والاداري وفشل السلطات بكل تخصصاتها عن إيجاد حلول عملية للواقع المر الذي يعيشه العراقي ، وسيادة سياسة أزمة تعقبها أخرى  ، فإن دعوات عدة ظهرت لتجديد تلك الفعاليات بل وإن البعض منها يرى بتقديم موعدها الى 25 / كانون ثاني (يناير ) الحالي ، مما يستوجب التوقف عند التجربة السابقة والبحث في أسباب عدم ديمومتها وعدم تمكنها من تحقيق مطاليبها وأهدافها وأيضا ماهي أبرز إيجابياتها ، وفي العودة الى تلك التجربة بودي التوقف عن أبرز الملامح لعل فيها من العِبـَر ما يفيد ليومنا هذا أو مستقبلا .
التوقيت: إختار المنظمون يوم 25 شباط  موعدا لإنطلاق المظاهرات ، وبدا جليا إن إختيارهذا التاريخ كان محاولة إستنساخ لموعد 25 يناير يوم بدء إنتفاضة مصر ، مما أوحى بالتقليد ، أو إن القضية هي مجرد محاولة لمواكبة أحداث الغير ، وكأن الوضع العراقي لا يحتاج الى مثل هذه التظاهرات ، كما إن هذا الموعد ربما شكل عامل ضغط لم يستطع معه المنظمون من ترتيب كل أوراقهم وإحتمالات الحدث ، حتى عندما هاجمت السلطة فكرة المظاهرة والمنظمين قبل إنطلاقها لم يستطع منظمو المظاهرة من المناورة وبقوا حبيسي الزمان والمكان الذي إختاروه ، كان الاجدر تفويت الفرصة على السلطات وتغيير الموعد تقريبا أو تأخيرا مع تهيئة كل وسائل التحشيد الممكنة .
المنظمون: أطلق منظمو المظاهرة تسمية شباب شباط على أنفسهم ، وهذه التسمية غير معروفة من قبل ولم يعلنوا عن هوياتهم السياسية ، مما أتاح الفرصة للسلطات بإتهامهم على إنهم بقايا النظام المقبور وأشاعوا فوبيا البعث في محاولة لتشويه صورتهم أمام الرأي العام العراقي والاجنبي ، كما إن جهات أخرى إستغلت هذه التسمية لتتبنى الدعوة للمظاهرات ، مما خلط الحابل بالنابل وجعل المواطن المتضرر المستقل يتهيب المشاركة خشية الوقوع في فخ الشبهات ، كان الاجدر أن يعلن المنظمون عن هوياتهم السياسية وبإسم منظمات مجتمع مدني أو أحزاب أو نقابات معروفة التوجه لكي يقطعوا الطريق على تشويه السلطة وعلى الدخيلين على المظاهرات
المكان: تشكل ساحة التحرير في بغداد رمزا مهما سيما إنها إقترنت بنصب الحرية الخالد وبالكثير من الفعاليات التي انطلقت منها في فترات زمنية متباينة وكان من حق المنظمين أن يختاروها ، لكن حينما تصدت السلطة لتلك الفعالية ومنعت التجوال في ذلك اليوم وأقامت الحواجز الامنية والكونكريتية لمنع وصول المتظاهرين للساحة ، لم يبادر منظمو المظاهرة الى المناورة وتغيير مكان التجمع أو الافضل إختيار أكثر من مكان في مناطق عدة من مدينة بغداد كأن يكون أكثرمن مكان في الكرخ  مثل ساحة اللقاء وعلاوي الحلة وآخر في البياع وأمكنة أخرى في الرصافةمثل مكان قريب من ساحة الميدان او شارع المتنبي وآخر في بغداد الجديدة أوالكرادة وغيرها لكي يسهل وصول المحتجين الى أقرب نقطة لهم ولتوسيع رقعة الاحتجاجات وأيضا لتشتيت جهد الاجهزة الامنية .
شعارات المظاهرة : تبنى منظمو المظاهرة منذ البداية الاعتدال في طرح الشعارات والاهداف التي قامت من أجلها المظاهرة ، فكان الشعار الاكثر ترديدا " الشعب يريد إصلاح النظام " ومن ثم جاء شعار " الشعب يريد إسقاط الفساد " بالاضافة الى شعارات أخرى بعضها وقتي وبعضها طارئ ، إن الشعارين الرئيسيين لم يكونا من النوع الجاذب للجماهير ففكرة الاصلاح تبدو أقرب الى الرومانسية السياسية منها الى العمل الجاد الواقعي أو هي لغة صالونات وحديث متخصصين في الشأن السياسي وليست لغة شارع يريد الخلاص مما هو فيه من وضع خدمي متردي وانحطاط في الاداء الحكومي يتوجه فساد لم يكن خافيا على أحد، كما إن إٍسقاط الفساد يبدو شعارا شبحيا فمن هو الفساد الذي يبغي المتظاهرون إسقاطه ؟ سؤال طرحه الكثيرون ممن شاركوا أو أرادوا المشاركة ، لذلك كان وجود آخرين إشتركوا في المظاهرات ورفعوا شعارات مثل إسقاط النظام أو مهاجمة سياسيين بالاسماء ، أكثر جاذبية من شعارات شباب شباط ، فالجماهير تبحث دائما عن الشعارات الاكثر راديكالية ، ذلك إنها ترى جهدها ووقتها الذي تبذله في المشاركة بهكذا فعاليات لابد أن تكون ثماره كبيرة وهذه لا تأتي من شعارات الا إذا كانت في منتهى الثورية والرفض
المساهمون في المظاهرات : تنوعت أهواء وتوجهات المشاركين في المظاهرات أيام الجمع ، وتحولت المظاهرات الى مجاميع لاتنسيق بينها ، ولا شعارات موحدة أو حتى متقاربة ، وتحولت ساحة التحرير وقتها الى ما يشبه ( الهايد بارك اللندني ) فتجد مجموعة من طلبة كلية بعينها هنا يهتفون ضد عميد كليتهم ويطالبون بتغييره ، ومجموعة هناك ممن يطرحون مشاكلهم فقط مع المجلس البلدي لمنطقتهم ،ومجاميع أخرى تطرح شعارات طائفية ،  ومجاميع أخرى تقف فقط متفرجة على ما يجري وهكذا ، كان الاجدر بكل المساهمين أن يبادروا الى اللقاء والبحث في كيفية توحيد جهودهم وإبعاد كل ما يثير الشبهات عن هوية المظاهرة مثل الطائفية وبقايا النظام المقبور ، والاتفاق على عمل أكثر تنظيما وتطورا في كل جوانبه سواءا في التحشيد أو التغطية الاعلامية وتوفير كل مستلزمات النجاح لهكذا فعالية ، والفرصة أتصورها الان أكثر نضجا لمثل هكذا تنسيق وعمل فالقوى غيرالطائفية وغير الملوثة بشبهة البعث وجرائمه كثيرة في المجتمع العراقي ومن مصلحتها التغيير وما يجري في البلد من تردي مريع في كل شيئ يشكل أرضا خصبة لتحريك الجماهير وتوعيتها بمسؤولياتها ودورها لاحداث النقلة النوعية المطلوبة .وهنا لابد من التأكيد على ضرورة الاتفاق على سلمية المظاهرات وإنها ضد المحاصصة الطائفية ـ الاثنية وضد كل ما انتجته من تشوهات في العمل السياسي ومحاولات البناء الديمقراطي .
لابد من القول : إن مظاهرات 25/ شباط / 2011 كشفت بحق رعب السلطات من التحركات الجماهيرية المطلبية والسياسية البعيدة عن الطائفية ، وما قامت به السلطة من إجراءات قمعية ومطاردات للناشطين فيها كشف زيف الادعاء بالديمقراطية وقبول الاخر ، وتجسد التراجع السلطوي أمام المتظاهرين بوعود المائة يوم التي لم ينفذ منها شيئا ومحاولات اجهزة السلطة في الالتفاف على المطاليب المشروعة وتحريك الاخر المساند للتوجهات الطائفية وذلك ما ظهر جليا عندما إستقدمت السلطات بعض أبناء العشائر من الفرات الاوسط ودست بينهم بعض المأجورين الذين قاموا بالاعتداء على المتظاهرين السلميين وتشتيت تجمعهم ، من هذا فإن الحراك الجماهيري كان مهما كتجربة يمكن إستلهام دروسها وتجاوز نواقصها إذا ماكانت هناك نوايا حقيقية للقيام بإحتجاجات جديدة بعيدة عن المسلك الطائفي ولا تبغي سوى التغيير نحو الافضل .



59
من أجل العراق ... مظاهرات للتيار الديمقراطي
تحسين المنذري
في لجة ألازمات المتلاحقة والاحداث الملتهبة تبرز المحاصصة بشقيها الطائفي والاثني كعامل أبرز تدور حوله كل التصريحات النارية للسادة المسؤولين والتي بدورها تعمق الشرخ الحاصل في وحدة الصف العراقي ، فلم يشهد العراق بكل تأريخه مثل هذا الانشقاق القائم على أسس غير إنسانية ، لايستفيد من كل ذلك سوى ثلة من السياسيين الفاشلين المترعين بكل مستلزمات الفساد الاداري والمالي والسياسي والذي هو بنفس الوقت يديم بقائهم ويدعم توجهاتهم ، مع إعتماد في بعضه ظاهر وفي الاخر مستتر على دول إقليمية بعينها ، إن كل هذا وذاك يلقي بظلال من  الشك على اي تصريح سياسي أو موقف ، سيما وإن بعض السياسيين المعروفين بطائفيتهم صاروا يتمشدقون برفضها محاولين التبروء من أردانها بأي شكل كان ، وهذا ما يلقي على عاتق القوى المعروفة برفضها لمنطق التمييز على الاسس الطائفية أو الاثنية أن يكون لها موقفا واضحا من هذه الاحداث العاصفة بالبلد والتي قد تؤدي إذا ما أستمرت الى العصف بالعملية السياسية وربما لاحقا بأي منجز وطني لحساب التخندق الطائفي المقيت ، ولعل التيار الديمقراطي العراقي بكل قواه السياسية او التي دخلت في تحالفات معه  لأجل خوض إنتخابات مجالس المحافظات بل وحتى بعض القوى الاخرى من خارج هذه التحالفات ممن تؤمن بحق بالعراق وطنا بلا تقسيمات أثنية أو طائفية،  هي الاكثر معنية بما يجري في العراق، عليها أن تقول كلمتها الفصل الآن ، لان من أبرز ما تجره المحاصصة الطائفية هو تهميش للقوى الوطنية الديمقراطية ، ولعل هذا ماتسعى اليه بعض القوى المتمسكة بطائفيتها أو التي تقوم عن عمد بإثارتها مع كل إقتراب لموعد إنتخابات ، ولأن هذه القوى الديمقراطية مازالت لاتملك الماكنة الاعلامية الضخمة مثل الفضائيات ،ولا يكفي إصدار بيانات إدانة أو تحذير، فإن عليها أن تلجأ الى الشارع لقول كلمتها ولتكن مظاهرات في كل محاقظة وبأي عدد من المتظاهرين ، مع شعارات مركزية موحدة تعبر عن الحرص على الوحدة الوطنية أولا ونبذ للتقسيمات المحاصصية ثانيا ، مع شعارات مطلبية وطنية عامة تهم كل أبناء العراق وليس فئة منهم ، ففي ذلك فرصة لاتعوض سواء من أجل تغيير مسار العملية السياسية أو حتى لأجل التحشيد لمرشحيها للانتخابات القادمة ، ولابد من الاستمرارية والتواصل في هذه المظاهرات أو الاعتصامات وعدم قطعها لأي سبب كان ، حيث إن الاستمرارية كفيلة بأن تجذب لها مناصرين جدد ، والنضال هو دائما عمل تراكمي يتصاعد وتزداد تأثيراته في الناس كلما إمتلك عمرا أطول وكلما كانت شعاراته ملامسة بشكل أكبر لهموم المواطنين وحاجاتهم .

60
لماذا لا ينتفض الشعب العراقي ؟

تحسين المنذري
تشتد يوما بعد يوم الفاقة عند جموع متزايدة من أبناء الشعب ، نتيجة لسياسات الحكام المتراجعة دائما وغير القادرة على تحقيق أبسط منجز يستحقه المواطن العراقي ، بعد عقود عجاف عانى فيها الامرين من أنظمة حملت لواء الدكتاتورية شعارا وممارسة ، ولم يكن التغيير الذي حدث عام 2003 إلا بارقة أمل سرعان ماخبت مع تزايد الاعتماد على المحاصصة المقيتة وإنتشار الفساد الاداري والمالي جنبا الى جنب مع تنامي الارهاب وتنوع أدواته ، ومن ثم التراجع عن الحريات العامة والشخصية وتقليص مساحة الديمقراطية وفقا لدستور متناقض أو حتى خروجا عن بعض الاضاءات التي يحملها . ورغم إن كل ذاك لم يمر دون إحتجاج أو رفض من هذه الكتلة أو تلك القوى ومن تجاوب يبدو الى الان محدودا من عموم جماهير الشعب ، إلا إن كل ذلك لم يعد كافيا ليس بمنظور المراقب البعيد فحسب لكن حتى عند من يتلقى لظى السياط ، ومع تجدد الانتفاضة المصرية ضد حكم الاخوان تنادت أصوات عديدة عبر المواقع الالكترونية وبعض مواقع التواصل الاجتماعي متسائلة عن سبب عدم تكرار التجربة في العراق ، بل وذهب البعض منها الى وصم الشعب العراقي بالجبن والتخاذل والخنوع وغيرها من الاوصاف الظالمة ، فإلى متى يبقى لمثل هذه الاصوات صدى ً ؟ وهل إن الشعب العراقي هو نفسه وريث إنتفاضات الوثبة عام 1948 وتشرين 1952 وضد العدوان الثلاثي عام 1956 وثورة تموز 1958 وغيرها؟ أم إن الشعب الان منفصل عن تاريخه ؟ ولكي تكون الصورة أوضح فلابد من التوقف عند محطات هامة في التاريخ القريب للشعب العراقي ، تلك التي وُلدت معها هذه الاجيال وتكونت شخصيتها بهذا الشكل ولعل أبرزها :
•   سلسلة الحروب : على فرض إن معدل عمر المواطن العراقي الان يزيد عن الخمسين سنة تقريبا فإن من وِلد مع بداية عقد الستينات وعى الحياة بعد عقده الاول على حرب داخلية شنتها دكتاتورية البعث ضد مواطنين عراقيين يسمونهم الكرد إستخدمت فيها كل أنواع الاسلحة بما فيها غير الاخلاقية ،أعقبتها حملة شعواء ضد عراقيين وطنيين مخلصين لوطنهم أدت الى إعدام وسجن وتشريد الالاف منهم بلا ذنب سوى حملهم لفكر آخر غير فكر سلطة الدكتاتورية الحاكمة، ومع إكتمال عقده الثاني وجد نفسه جنديا مجبرا لخوض حرب لا يعرف من بدأها ولماذا ، قدم فيها سنوات عمره الاهم من حيث النضج والتكوين بين أسلاك المعسكرات أو في حفر الملاجئ ولا يرافقه سوى سلاح أصم لا ينطق بغير أُقتل أو تُقتل ، فقدت العوائل العراقية خلال هذه الحرب قرابة المليون بين قتيل أو معاق أو أسير أو معدوم ، كانوا أبناءا وأخوة أو أصدقاءا لمن مازالوا أحياءا الى اليوم ، وما أن إنتهت هذه الحرب بدون تحقيق أي هدف معنوي او مادي كان يبحث عنه المواطن الانسان ، وكان لمّا يزل ينفض عن نفسه غبار ومآسي حرب ضروس ، حتى وجد نفسه في حرب أخرى لاتقل ضراوة وبمواجهة قوى لم يكن يحلم برؤية جنديا منها ، فكيف وهو يواجه أعتى دول الحروب وأكثر الاسلحة فتكا بالعصا والحجر وأقوال لقائد مهووس بالانتصارات الوهمية ، وحصار إقتصادي عالمي دمر كل شيئ من البنى التحتية للاقتصاد الى روح الاستقرار في النفس البشرية ، وصولا الى البحث عن السلامة والرزق يوما بيوم وطموح بالبقاء على قيد الحياة ليوم آخر لاأكثر .... والله كريم !!. ولا ننسى إن أجيالا أخرى وِلدت في خضم هذه الحروب أشبعت ذاكرتها صور من المعركة ولافتات سوداء أين ماجالت بأعينها . فما الذي ترك كل ذاك عند الانسان العراقي من عزم وتصميم على روح التغيير ؟.
•   إنتفاضة آذار 1991: بعد كل هذا الخراب والدمار الذي أصاب كل شئ وبعد الانكسارالكبير الذي أصاب النظام الدكتاتوري نتيجة هزيمته الشنعاء في حرب الكويت ، إستغل المواطن العراقي بحسه الفطري فرصة ً كانت مواتية للتغيير فإنتفضت الجموع في إنتفاضة وطنية لم تنشد غير إسقاط النظام الدموي  من أجل العراق / كل العراق ، ومن أجل الشعب / كل الشعب ، لكن ماحدث لم يكن في الحسبان ، فدولة مجاورة تتدخل لحرف وجهة الانتفاضة من وطنية عامة الى طائفية ضيقة ، ودول أخرى كانت سببا مباشرا في هزيمة النظام تحولت الى سبب مباشر في نصرته ، أميركا بسماحها بإستخدام المروحيات في قمع المنتفضين والسعودية وغيرها من دول الخليج بما قدمته من دعم غير منظور لوجستيا ومعنويا ، فكانت النتيجة دماء لونت المشهد ومئات الاف غيّبوا الى اليوم وإزدياد عجرفة النظام الدكتاتوري الدموي . مما إنعكس على ذهنية العراقي بالخوف أو التردد في الاقدام على أي عمل لتغيير النظام خشية تكرار التجربة ,
•   التغيير عام 2003 والمحاصصة المقيتة : كان الامل بسقوط صدام حلما يراود المخيلة ، وحلم النظام القادم رسمت له عواطفنا صورا بأزهى الالوان ، فكان التغيير على بؤس الطريقة التي تم بها مقبولا بشكل كبير ، وإرتفعت الامال في البدء مع حجم الدعاية الاعلامية التي مارستها سلطات الاحتلال وبشتى السبل ، لكن هروب الدكتاتور والصفح الذي أبداه المحتل علنا وعن قصد عن كثير من الرموز البعثية والذين تلطخت أياديهم بجرائم شنعاء بحق الشعب ، ومن ثم بروز أشخاص تصدروا المشهد السياسي أقل ما يمكن وصفهم به هو عدم الكفاءة وتبنيهم للمحاصصة الطائفية كأساس للحكم وبطريقة أدت الى تمزيق لحمة الشعب ،  إضافة الى تشتيتها لجهد القوى الوطنية الديمقراطية المجربة تاريخيا ، جعل المشهد العراقي يبدو قاتما خاصة بعد التدخلات العلنية لدول الجوار وإنحياز رموز الكتل السياسية وتبريرها لتلك التدخلات وإستخدامها سلاح الخوف من الاخر ، الاخر العراقي قبل أي شيئ ، مما ترك بصمات سوداوية وخوف من التغيير القادم وعدم ثقة بكل الوعود والمواثيق مهما كانت بسيطة أو ضرورية .
•   فوبيا البعث : إستخدم المحتل ومن بعده من تنفذ في الحكم "البعث" شماعة لتبرير كل التراجعات والاخطاء بل وحتى الارهاب المنفلت ، ووصل الحال الى التهديد بعودة البعث مع أي إنتكاسة ممكن أن تحصل في البلد ، ولكن في نفس الوقت تمت إعادة الاعتبار لكثير من شخوص البعث ومنحهم مراكزا حساسة في الاجهزة الامنية خصوصا ، وعودة اساليب البعث بلبوس أخرى وأسماء كانت تدعي المظلومية والاضطهاد من قبل النظام البائد ، حتى صار " البعث " فوبيا يتشدق بها السياسيون وبجيدون إستخدامها متى ما شاءوا ، مما ولّد وما زال حالة من ردة الفعل السلبية إزاء كل تصرف يؤدي الى رفض أساليب الحكم الحالية أو بعض رموز الحكم خوفا من عودة البعث ، الذي عاد كما أشرت سلوكا ونهجا في الكثير من ممارسات الحكم والذي عزز الخوف منه بشكل أكبر
•   مظاهرات 25/ شباط /2011( التجربة ) : رغم كل التجربة المرة التي يحملها العراقي فردا او جمعا ، وبالضد من توجه الخنوع الذي أرادت الحياة ان تفرضه عليه ، وإتساقا مع إنتفاضات الربيع العربي التي عمت المنطقة حاول الشعب النهوض من جديد بعد سلسلة تجارب محدودة سبقت حتى الربيع العربي مثل انتفاضة الكهرباء في البصرة وغيرها ، تنادت قوى مجتمعية تتصدرها قوى شبابية يملؤها التحمس للتغيير وللتجديد الى القيام بتظاهرات جماهيرية تعم أغلب مدن العراق في يوم الجمعة 25/شباط ، ربما كان الامل يحدوهم لكي تتطور الى إنتفاضة !! فما الذي حدث ؟ كانت أول ردة فعل من جانب السلطات إتهامهم بالبعث "فوبيا البعث " وشرعت مرجعيات دينية الى تحريم التظاهر وأخرى أرادت مصادرتها ، وإعلام قادته السلطة السياسية للتحريض ضد هؤلاء الشبيبة ومن ثم منع للتجوال في يوم المظاهرة المحدد ، إلا إن كل ذلك لم يمنع المتحمسين للخروج الى الشارع والتجمع في ساحة التحرير وتحت مرأى ومسمع السلطات وشخوص متنفذه منها قادوا الاجهزة الامنية لارهاب المتطاهرين ـ رغم عدم تخصصهم في ذلك ـ هتف المتظاهرون وطالبوا لكن للاسف بالاصلاح وليس التغيير !! وتلك كانت أولى مثالب تلك الهبة الجماهيرية ، إلا إن ذلك لم يمنع السلطات من مواصلة شن الحرب الاعلامية والامنية ضد المتظاهرين ومع تكرار التحشيد في ساحة التحرير إزدادت الضغوط وبشتى الاشكال وتم إعتقال بعض الناشطين وترويعهم وتهديد آخرين ومحاولات إغراء للبعض الاخر، وكل ما أتيح للسلطة من أيادي كانت آخرها تحشيد بعض رجالات العشائر حيث تم نقلهم بسيارات مريحة وإيصالهم الى ساحة التحرير بحجة مطالبتهم بقضية أخرى إلا إنهم نفذوا إعتداءا شرسا على متظاهري ساحة التحرير الاصلاء ،في نهاية المائة يوم التي وعدت بها السلطة لتنفيذ الاصلاح المطلوب!! لتستمر الضغوط ويستمر معها تقلص عدد المشاركين حتى إضمحلت . ولعل في هذه التجربة أكثر من درس ربما تكون لنا معها عودة .
•   عوامل أخرى : بالتأكيد ما ذكرته أعلاه ليس كل الاسباب بل هناك عواملا أخرى لاتقل أهمية عنها، وهذا ليس من باب التبرير وإنما هو توصيف للواقع ، فالوضع المعيشي  المتردي ، وعدم وضوح التشكيلات الطبقية وإتساع نسبة المهمشين في المجتمع ، وإشاعة مفاهيم الولاء للقائد ، وتكريس دور الدين في حماية السلطة وغيرها الكثير الكثير مما يترك أثارا سلبية في رغبة وإستعداد العراقي  للمشاركة في أي عمل برغبة التغيير كا التظاهر اة الاعتصان أو غيرها
•   ما العمل : لابد للقوى التي لها مصلحة في التغيير ،مجتمعية أو سياسية ، من العمل الدؤوب وصوغ شعاراتها بطريقة واضحة وتحجديد أهدافها وتبني على ضوئها تحالفات مرحلية وقبل هذا وذاك إعتماد الطرق الديمقراطية ـ السلمية والسير بطرق قانونية مع تحشيد الرأي العام العراقي وتقليل قدر الامكان من حجم المخاوف من التغيير بضمانات التاريخ النضالي والبرامج ، والابتعاد كليا عن كل أشكال العنف وجعل السلم الاهلي هدفا أسمى من كل الاعتبارات .

61
المنبر الحر / والله حيره !!!
« في: 17:24 31/12/2012  »
والله حيره !!!
تحسين المنذري
كل يوم تزداد حيرة العراقيين ودهشتهم إزاء ما يحصل في البلد ، وربما فجرت الازمة بين العيساوي والمالكي الحيرة بشكل أكبر ، فأن يقول الواحد منا إن ما يحصل هو تهويل للامر ، فمجرد توجيه تهمة لمجموعة من الاشخاص وإعتقالهم بقرار قضائي لا يستدعي كل هذه المظاهرات والتصريحات النارية من مختلف الاطراف ، لكن سرعان ما تقفز الى الذهن فكرة على شكل سؤال : هل إن القضاء العراقي مستقل وغير مسيس ولا يخضع لإرادة الاغلبية الحكومية ؟ حتما سيكون الجواب لا ، ذلك إن هذا القضاء نفسه برأ وزير التجارة الاسبق مع إنه ضُبِط بالجرم المشهود ، وإن هذا القضاء نفسه والذي يفترض به أن يكون حاميا للدستور أصدر قرارا لعيون رئيس الوزراء يعطيه الحق في التحكم بالهيئات المستقلة ، وهذا القضاء نفسه يسكت عن جرائم واضحة المعالم ومكتملة الصورة مثل الاغتيالات بواسطة الكاتم ، لكنه مازال يقول إن الفاعل مجهول ، وفي نفس الوقت فإن هذا القضاء نفسه أصدر لحد الان خمسة أحكام إعدام بحق شخص واحد اسمه طارق الهاشمي ، ولم يكشف هذا القضاء نفسه مدبري مئات التفجيرات والتي وقع ضحيتها الالاف من مظلومي الشعب العراقي . وإذا إنتقلنا من القضاء الى السياسيين أنفسهم فإن السيد العيساوي لم ينبس ببنت شفه عن ماجرى بين حكومتي المركز والاقليم وهو وزير مهم لوزارة سيادية ، ولم يبدِ موقفا لا مؤيدا ولا معارضا لجملة من تصرفات المالكي وتصريحاته وتحشيداته العشائرية ، وما نطق إلا حينما مسته النار ، فهل القضية شخصية بينه وبين المالكي ؟ إذا كانت كذلك فلماذا تهب هذه الجموع وفي محافظات عدة نصرة للسيد العيساوي ؟ وإذا أردنا لهذه المظاهرات أن تكون مظاهرات مطلبية بحتة وإن كل ماترفعه من شعارات هو مطاليب مشروعة بحق ، فلماذا يرتفع علم النظام الدكتاتوري البائد على رؤوس المتظاهرين ؟ ولماذا يرفع بعضهم صور السيد أردوغان رئيس وزراء تركيا ؟ فهل إن المحافظات المنتفضة هذه هي بالاصل تركية وتم ضمها إحتلالا للعراق وهم يريدون العودة الان للوطن الام ؟ وأيضا ماذا يفعل بين المتظاهرين علم الجيش السوري الحر ؟ فهل إن من يحكمنا هو بشار الاسد ونحن لاندري؟ والله حيرة !!!

62
هل مازال الاصلاح ممكنا ً؟
تحسين المنذري
والسؤال هنا يدور حول واقع العملية السياسية في العراق ، فبعد ما يقرب العشر سنوات من إنطلاقها وتعثرها وخيباتها وإنحدارها ، يغدو من الواجب على كل القوى التي أسست أو التي إلتحقت فيما بعد ،مَن كان منها في الحكم أوخارجه، أن تراجع كل الذي حدث بروح من النقدية المسؤولة ومراجعة الذات قبل أي شئ آخر ، فالوقوف أمام الحقيقة أمر ممكن ، حتى وإن ترك مرارات كبيرة في النفس ، سيما وإن الوضع لا يهم فرد أو كتلة بعينها بقدر ماهو مصير شعب مكتوٍ منذ عقود ووطن آيل للتقسيم .
فإن كانت البداية متعثرة ،مزدوجة المسار ، تقسيمات طائفية ـ أثنية مع محاولات بناء ركائز للديمقراطية ، فإن ما آلت اليه الامور اليوم  هو تعمق نظام المحاصصة على حساب الديمقراطية ، فالدستور رغم كل ما حمله من هنّـات تم إعتباره أساسا صالحا للتغير على أن يتغير مع المستجدات، صار الان مركونا على جنب ، وتجاوزه أسهل من تناول كأس عصير ، وبات الموت  شبحا يلاحق الجميع بلا إستثناء ، والحريات العامة والشخصية والتي كانت أملا مرتجى صار إنتهاكها سلعةـ رغم فسادهاـ يتباهى البعض بترويجها ، وساد الفساد الموقف في كل حيثياته ، ولم تعد للدولة تلك الهيبة المنشودة ، وتطاول دور الفرد على دور المؤسسة ، وتراجع كل شئ ، خدمات صحية ، تعليم ، مرور ، كهرباء ، ماء، تنظيم شوارع ، مستوى معيشي ، ... والقائمة تطول . إلا إن الانكى من كل هذا وذاك عدم إعتراف القائمين على ولاية الامر بكل هذا الخراب ويتحدثون بصوت عال ٍ عن إنجازات لم ير منها المرء سوى الخيال ، مما يعني ببساطة شديدة إن لاقيمة للشعب في حساباتهم ، وإن الامر الأهم عندهم هو إستمرار تربعهم على كراسي الحكم وليذهب الآخرون الى الجحيم ، وهنا مقتل الوليد ، فهل ممكن إصلاح هؤلاء أو نظاما أتاح لهم كل هذه العنجهية وهذا التدهور المريع في حياة الناس ؟ سيكون الجواب سهلا بالتأكيد ، لكن الاهم هو متى وكيف ؟ الوقت الان قد حان ولا مجال للتأخير أو التروي ، والشعب ذو المصلحة الحقيقية في التغيير وهو صاحب الصوت الاقوى بحاجة لكي يقول كلمته ، بحاجة قبل هذا الى أن يعي مصلحته الحقيقية وأن يرى مع النور طريق الخلاص ، وأن تقول القوى الديمقراطية الممثل الحقيقي لمصالح الشعب والوطن كلمتها الفصل وترفع شعار التغيير من أجل الافضل ، لغد تنعم فيه الطفولة بالامان وإنسان لا يلاحقه شبح الموت ولقمة عيش بكرامة ووطن كنا ومازلنا نحلم بدفئه وربيعه .

63
لمصلحة من ....إلغاء البطاقة التموينية ؟
تحسين المنذري
شكلت البطاقة التموينية منذ بدء العمل بها في عام 1990 سلة غذاء أساسية لملايين من العراقيين ، فقد كانت في عقد التسعينات ولحد عام 2003 حاجة أساسية لما يزيد عن الـ 80% من العراقيين رغم رداءة أنواع الاغذية الموزعة بموجبها ، وبعد سقوط النظام الدكتاتوري تردى وضع موادها ونقص بشكل كبير ، لكنها ومع إزدياد معدلات الفقر بقت تشكل ركنا أساسيا في غذاء الفقراء وشرائح كبيرة أخرى ممن يقتربون من خط الفقر بشكل متزايد . إلا إن قرار إلغائها لم يكن مفاجئا لمن يتابع تدهور وضعها ولما وافقت عليه الحكومات المتعاقبة ما بعد الاحتلال من شروط لنادي باريس وصندوق النقد الدولي، فمن شروط ونصائح تلك الجهتين للمقترضين شئ أساسي هو تقليل الانفاق الحكومي، ويترتب على هذا الشرط جملة قضايا منها تقليل عدد موظفي الحكومة ، وخصخصة المؤسسات والشركات غير المربحة ، وتقليل الدعم الذي تقدمه الحكومة للمحروقات والمواد الغذائية ، لذلك فقد كان إلغاء البطاقة التموينية هدفا مباشرا بناءا على نصائح الصندوق الدولي ونادي باريس،والذي إستجابت له الحكومة العراقية بشكل أعمى دون النظر الى حاجة المواطنين المتزايدة لها ، حيث سبق هذا تخفيض الدعم على أسعار المحروقات ورفع أسعارها عام 2006 ،في حين إن البطاقة التموينية ممكن أن تكون ورقة ضبط لحركة السوق وأسعار المواد الغذائية كان بمقدورالحكومة ـ لو شاءت ذلك ـ إستخدامها عن طريق زيادة كميات وتحسين نوعيات المواد وعددها بناءا على وضع السوق من حيث الوفرة أو عدمها وبالتالي التقليل من حجم التضخم وحماية ذوي المدخولات القليلة ولجم رغبة التجار الجامحة دائما لزيادة أرباحهم وإستغلال حاجة الناس بشكل غير إنساني، لكن يبدو إن الحكومة غير معنية ،أو إنها لا تملك ستراتيجة واضحة في المجال الاقتصادي،أما لو كان هدفها يتطابق مع رغبة شريحة التجار الطفيليين فستكون المصيبة أعظم .
البطاقة التموينية والفساد:
مع تضخم عدد موظفي الدولة وتزايد أعداد كبار الموظفين ـ يوجد أربعة ملايين موظف مدني وعسكري ، حسب وزارة التخطيط العراقية ـ فإن هؤلاء باتوا يشكلون شريحة إجتماعية كبيرة ، واذا ربطنا هذا التفاقم مع إزدياد حجم الفساد الاداري والمالي فإنهم يشكلون أيضا قوة إقتصادية ، والعاملين منهم في وزارة التجارة كانوا ومازالو مستفيدين بشكل كبير من وجود البطاقة التموينية كمصدر للرزق السحت ، فهل بإلغاء البطاقة التموينية سينتهي دور هؤلاء أم هل سيقل الفساد ؟ إنها ليست المرة الاولى التي تعلن فيها الحكومة عجزها عن محاربة الفساد ويكفي إن أحد تبريرات مشروع قانون البنى التحتية بأنه أقل فسادا!! أي إنه لا يلغي الفساد من تطبيقه ، لذلك فإن شريحة الموظفين البيروقراطيين سوف لن تضيق بهم السبل لإيجاد منفذ آخر للعب دورهم القذر هذا ، لكن إلغاء البطاقة التموينية ستستفيد منه شريحة أخرى هم البرجوازية الطفيلية وأعني بها التجار مصاصي دماء الفقراء ، ذلك إن الحاجة الى المواد الغذائية وتزايد الطلب سيزيد من أسعارها ويقلل من جودتها وبالتالي زيادة في التضخم قد تعجز الحكومة التي لاتملك ستراتيجية إقتصادية واضحة من الحد من التداعيات الخطيرة لهذا القرار، وأيضا سيتنامى دور شريحة التجار الطفيلين والمستوردين في الوضع السياسي ، وهذا ما يقودنا الى  سؤال آخرهل إلغاء البطاقة التموينية له علاقة بالصراعات السياسية بين المتنفذين في الحكم سيما وهم على أبواب فترة إنتخابية جديدة ؟ أنا أعتقد بوجود مثل هذه العلاقة سيما وإن جميع الكتل السياسية تعلن عن نيتها بإقامة تحالفات جديدة ، وبالتأكيد فهناك ضمن قادة الكتل والمتنفذين فيها من سيستفيد من هذا القرار وأعني بهم من يمتهن تجارة المواد الغذائية  إستيرادا وتوزيعا ومن يسهل تمرير البضائع الاجنبية ، وهم جميعا من سيسعون لتقوية نفوذ متخذي هذا القرار غيرمبالين بما ستؤول اليه حالة ملايين العراقيين المتضررين ، وستكفيهم أغطية الطائفة والقومية لتمرير مشروعهم السياسي ترافقا مع إستمرارية تدني الوعي السياسي والانتخابي خصوصا، لشرائح كبيرة ومؤثرة في صندوق الانتخاب .

64
وماذا بعد شرعنة الاستبداد؟

تحسين المنذري
منذ محاولة قوى المحاصصة الطائفية تمرير قرار مجلس الحكم (137) والى اليوم ،فهي بعد أن إطمأنت الى تكريس وتثبيت نظام المحاصصة المقيت ، شرعت برسم خارطة طريق لنظام إستبدادي يقمع الاخر المختلف وينهي الصوت الوطني الديمقراطي ، فبعد سلسلة تصريحات لقادة وسياسيين متنفذين تحاول إقصاء الاخر وتقمع حرية الرأي ، الى عدة ممارسات لمسؤولين في مراكز حساسة تحد من الحريات العامة والشخصية ، فـُسرت جميعها على إنها ممارسات فردية لاتمثل النظام ،مرورا الى رعاية المزورين وحمايتهم ومن ثم التستر على الفاسدين والمفسدين بل ودعمهم سراً وعلانية ،وإستخدام التصفيات الجسدية بالكاتم وبغيره لكل من يناوئ مشروعها أو حتى يختلف معها في بعض الجزئيات،وصولا الى محاولات إصدار قوانين ـ مازالت مستمرة ـ   تثبت الاستبداد وتشرعن  كل الممارسات الناجمة عنه ، بل إن بعض تلك القوانين قد  تم تمريرها بالفعل ، فما الذي سيحدث بعد ذلك ؟ أتصور إن الهدف القادم سيكون تصفية كل الحركات السياسية والاشخاص الذين يعارضون نظام المحاصصة ويؤمنون بوطن عراقي ديمقراطي موحد ، وقد بدأت هذه المحاولات بالفعل منذ شباط عام 2011 ، أو حتى قبلها بقليل ، فهل ستقف القوى الوطنية الديمقراطية مكتوفة الايدي إزاء ما سيحدث ؟ إن تاريخ الحركة الوطنية مليئ بنضالات مقارعة شتى أشكال الحكم الاستبدادي ، لكن في كل مرة كانت المبادرة بيد الانظمة المستبدة ، وكل ماتعمله القوى الوطنية هو التخفيف من حجم الضربات أو التقليل من تأثيرها وتستعيد أنفاسها لتتلقى ضربة أخرى ، أما الان فالوضع أتصور يجب أن ينقلب ، فعلى القوى السياسية المعارضة لنهج السلطات الاستبدادي ونظام المحاصصة أن تشرع من الان ـ  إن لم تكن قد شرعت بعد ـ بترتيب بيتها الداخلي تنظيميا بصيانة أعضائها ومؤازريها ووضع ترتيبات تؤهلها للشروع هي بأخذ زمام المبادرة وعدم إنتظار الضربة لكي تحمي المتبقي منها ، إن المواجهة قادمة لا محال ، فلابد للقوى السياسية المعنية أن تختار هي الوقت والكيفية للمواجهة  وأن لاتقلل من شأن حجمها حتى وإن كانت الكفة غير متوازنة ، فتجارب التاريخ تثبت إن النصر للبادئ وليس للمدافع ، ولذلك أساليب شتى قد تبدأ من الاحتجاج الفردي الى الاعتصام والاضراب والتظاهر تترافق مع حملة توعية كبيرة للرأي العام العراقي وتوثيق الصلات مع المنظمات الحقوقية الدولية والاحزاب والقوى السياسية الديمقراطية وإطلاعها على كل مجريات الامور والطلب اليها بالتضامن وفضح ممارسات القوى المتنفذة في الحكم والتي شرعت وأقرت بشكل نهائي نظاما للاستبداد ستطال ناره كل مفاصل المجتمع العراقي .

65
إشاعة الخوف ... سلعة الاسلام السياسي
                                                                                                                                  تحسين المنذري
لعل من العوامل التي ساعدت فكر الاسلام السياسي على الانتشار ماحدث مع نهايات القرن المنصرم من هزة فكرية عميقة أصابت مجتمعاتنا العربية تمثلت بظاهرتين: الاولى إنهيار الاتحاد السوفيتي وبقية دول المنظومة الاشتراكية الذي أدى الى تزعزع كبير بالثقة بالفكر الاشتراكي ومدارسه المتنوعة ، والثانية هي القضاء الاخير على بقايا الفكر القومي العربي وذلك بإجتياح صدام حسين للكويت وإحتلالها وما تلى ذلك من تداعيات خطيرة على عموم المنطقة ، فالفراغ الذي نجم عن هاتين الهزتين فسح المجال كثيرا لبروز فكر الاسلام السياسي كملاذ للشعوب العربية التي وجدت في حلوله الاخروية خير تخدير لكل هواجسها المضطربة ونوازعها نحو الاستقرار والطمأنينة ، لكن ذلك كما تقول الكاتبة السورية "ديمة ونوس" في المقدمة التي كتبتها للطبعة الثانية لكتاب  " نقد الفكر الديني "  لصادق جلال العظم ( أسهم في تداعي الحياة السياسية والاجتماعية وفي خنق آخر حفنة أمل في التغيير الديمقراطي والاصلاح .... وربما يفسر الان لجوء عدد كبير من الشباب الى الدين للهروب من الواقع الاقتصادي السيئ لان الجو العام يجعل الشباب تلجأ الى التطرف والتشدد في القضايا الدينية ، وهو نوع من الهروب المخدر الذي يساعد الشباب على إستعادة توازنهم مع غياب بدائل وطنية ، رغم إن رجال الدين لايملكون بدائل أو حلول وكلامهم مبني على عواطف ومشاعر مستمدة من الدين ) ويظهر من ذلك إن ما تقدمه قوى الاسلام السياسي ليس حلولا بل ربما زيادة في حجم المشاكل التي يعاني منها المجتمع بشكل عام ، والتي قد تنقلب يوما الى عوامل محركة لقوى المجتمع المسحوقة والمهمشة لتنتفض في يوم ما على قوى الاسلام السياسي التي ليس فقط برزت في واجهة الحياة السياسية بل إن بعضها تسلم دفة الحكم في بلدانها . يظهر إن قوى الاسلام السياسي تعاني من نقص كبير في مشارعها وبرامجها المستقبلية ، بل هي لا تمتلك حتى ولا رؤية مستقبلية في تقديم بدائل علمية تتماشى مع تطور العلم وإجتياحه كل مناحي الحياة ، لذلك فهي تلجأ الى أساليب عدة لتثبيت سلطانها على عقول الناس ولعل من أبرزها إشاعة الخوف الجماعي أو المجتمعي وهو ما يصطلح عليه في علم النفس بـ ( الرهاب الجماعي ) ، ولديها من أجل ذلك أساليب عدة منها إشاعة الخرافة وتهويل الظواهر الطبيعية ، وتشجيع العنف كوسيلة لحل الاشكاليات العالقة واللجوء الى تطوير ذلك بمختلف الاساليب مثل إنشاء ميليشيات مسلحة أو غض الطرف عن تشكيلها وعملها ، أو إستخدام أجهزة الامن في قمع المتذمرين ، أو إفتعال مواجهات عنفية بين المحتجين أنفسهم ، أو البحث عن عدو حتى وإن تم خلقه من أقرب حلفاء الامس وتوجيه وسائل الاعلام المملوكة للدولة أو لها شخصيا لتأجيج حدة الخلافات وتركيز إنتباه الناس ومشاعرهم إزاء تلك القضايا الخلافية لصرف أنظارهم عن مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية المستشرية ، ومن أجل إستكمال تحقيق ما تصبو اليه من تعزيز وإيغال أكبر في إشاعة الخوف فإنها تلجأ الى التضييق على الحريات العامة وحرية الرأي والصحافة وتهديد المعارضين بالصاق شتى التهم جزافا ، كل ذلك من أجل ليس فقط ترهيب المختلفين عنها بل وأيضا لكي يسود جو من الرعب والترقب يصيب الفرد والمجتمع على حد سواء ، إشاعة الخوف الدائم ، الخوف من المجهول ، الخوف من أي شئ وكل شئ ، الخوف من القادم المبهم . الخوف كما يعبر عنه الدكتور المصري "عادل صادق "أستاذ الطب النفسي ( إنه ينسف الثقة بالنفس ويجعل الانسان الخائف حائرا عاجزا منطويا يراقب ذاته المنهارة ) وفي مكان آخر من كتابه "اعرف نفسك" يقول الدكتور عادل صادق ( إن الانسان الخائف يشعر بأنه قليل وضئيل وهزيل ومحدود ) عند ذاك سيبحث الخائفون عن ملجأ ، عن قوي يحميهم ، عن أي شئ يلوذون به بحثا عن الطمأنينة والاستقرار ولو مؤقتا .والشواهد على ممارسات الاسلام السياسي التي تشيع الخوف كثيرة منها على سبيل المثال :
في تونس : ما إن إستتب الامر لاحزاب الاسلام السياسي حتى شرعت بتشكيل هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبرزت ميليشيات تقارع المحتجين السلميين بالعنف مثل مهاجمة تجمعات طلابية وشبابية في ساحات الكليات والاماكن العامة ،  وتمت محاصرة مبنى الاذاعة والتلفزيون الرسمي من قبل تلك الميليشيات لارهاب العاملين فيها وتحويلهم الى إمعات يرددون ما يريده حزب النهضة وحلفاؤه ، الاعتداء على الحريات الشخصية في الملبس وخصوصا النساء وغيرها الكثير
في مصر :الشروع مباشرة بعد الانتخابات النيابية بالتضييق على الحريات العامة والشخصية عن طريق منتسبي أحزاب الاسلام السياسي وترويع الناس في مجمل ممارساتهم المعتادة يوميا ، ومحاولة خنق الحريات عن طريق إستخدام العنف في مواجهات مفتعلة مع الشباب في ساحة التحرير ، وأخيرا المواجهة المفتعلة مع المجلس العسكري ( حليف الامس) قرب مبنى وزارة الدفاع مما أدى الى سقوط بعض القتلى ومئات الجرحى ، كل ذذلك من أجل ترويع الناس وإنكفائهم .
في العراق : الشواهد على ذلك كثيرة بدءا بتشكيل الميليشيات من قبل أحزاب الاسلام السياسي نفسها ورعايتها وخلق المواجهات فيما بينها وبينها وبين أجهزة الامن ، التضييق على الحريات العامة والمنتديات الثقافية ، مواجهة المحتجين بأساليب عنفية ولصق التهم بهم ، الاغتيال بالكاتم لعدد كبير من العلماء والاعلاميين والشخصيات العامة والتي يعمل بعضها حتى ضمن أجهزة السلطة التي تتحكم بها قوى الاسلام السياسي ، إفتعال مواجهات بين الكتل السياسية الحاكمة وبث تهم التخوين والولاء للغير ورعاية الارهاب والتهديد باللجوء للعنف وترويع الناس بإشاعة فكرة المواجهات المسلحة وصولا الى الحرب الاهلية ، إقتحام مباني ومقرات لقوى سياسية مسالمة بدون إذن قضائي ، إعتقالات كيفية للمحتجين وتوجيه تهم باطلة اليهم ، وأخيرا لكنه ليس آخرا سماح السلطة رسميا لكل عائلة لامتلاك قطعة سلاح أي اللجوء الى العنف في أي قضية أو خلافات حتى وإن كانت شخصية .
إن كل تلك الممارسات ستفضي في الاخر الى شيوع الخوف والريبة وتردي الاوضاع الامنية أكثر مما هي متردية وإذا ما إقترن إنتشار الخوف بين الناس بنقص حاد في الخدمات ومستلزمات تأمين الحد الادنى للعيش بكرامة إنسانية فإنه يؤدي حتما كما يشبر الباحثون الى تبعية الخائف المحروم الى المالك ، والذي هو هنا يتمثل بالسلطة ، سياسية كانت أم عشائرية ، او إقتصادية ، أو غيرها التي تمتلك مفاتيح قيادة المحرومين هؤلاء الى السير خلفهم بطريقة لا إرادية ، تبعا لخوف آخر من مجهول أو تشبثا بالحصول على ما ينتقص الانسان ، او محاولة لاستدرار عطف القوة المالكة ، أو إن علاقة ما ستتكون كعلاقة السجين بالسجان ، لذلك فرغم معرفة الشعوب بمسبب أزماتها فإنها تسير خلفه خاصة إذا ما أقترن ذلك بشيوع الغيبيات والوعود الاخروية والعقاب والثواب في دنيا الآخرة . وعلى هذا أتصور إن قوى الاسلام السياسي تتعمد عن قصد ودراية مسبقة بإشاعة كل أشكال الخوف في المجتمع في رغبة منها بالتمسك بأبدية السلطة السياسية حيث المال والنفوذ والوجاهة . إلا إن كل ذلك لا يمكن أن يكون أبديا فمهما حاولت قوى الاسلام السياسي التمسك بمفاتيح السلطة فإن التطور الاجتماعي وحراك الصراعات القائمة على توفير لقمة العيش بكرامة وإزدياد حجم المطاليب الضرورية للحياة ، الى جانب تطور العلم وشيوعه وقدرته على إقتحام أصعب القلاع تحكيما مع شيوع وسهولة وسائل الاتصال والاعلام الحديثة ، حيث سيخلق كل ذلك وعيا شعبيا بضرورة التغيير والذي لابد أن يقترن ببرنامج وطني شامل لا يسعى الى تغيير فوقي في السياسات العامة بل إحداث تغيير جذري في علاقات الانتاج وسبل تعميق نهج إحترام الاخر ورأيه وعدم التمييز على أي أسس غير إنسانية ، مع فرض تبني هذا البرنامج من قبل قوى سياسية ـ مجتمعية قادرة على النهوض وطرح نفسها بديلا أمثل لتلك القوى التي تشيع الخوف والتردي والفرقة وتحقيق المكاسب الذاتية على حساب مصالح جموع الشعب بكل فئاته وطبقاته وأطيافه المختلفة .

66
المنبر الحر / وفرضت طوقا أمنيا !!!
« في: 23:25 03/05/2012  »
وفرضت طوقا أمنيا !!!
تحسين المنذري
كثيرا ما تتردد هذه العبارة ( العنوان) في تصريحات السادة المسؤوليين الامنيين العراقيين وفي أجهزة الاعلام العراقية مع كل حادث أمني ، فإذا إنفجرت مفخخة أو نفذ إنتحاري هجوما أو تفجرت عبوة لاصقة أو ناسفة ، أو قـُتل أحد ٌ بكاتم صوت ، أو تم ذبح عائلة على طريقة أبو طبر وغير ذلك الكثير المتنوع من أشكال الجرائم التي تحدث يوميا في عراقنا المـُبتلى ، وكأن الطوق الامني هذا الذي تفرضه أجهزة الامن بعد وقوع الجريمة هو الحل السحري الذي يعيد الارواح التي أ ُزهقت أو يشفي الجرحى والمصابين أو يمنع وقوع جريمة مشابهة . لاتوجد الى اليوم إحصائية رسمية أو حتى من جهة مستقلة عن عدد الجرائم التي وقعت في العراق منذ عام 2003 والى الان، وبذلك فلاتوجد أيضا إحصائية عن عدد الاطواق الامنية التي فرضت ! وضمنا لاتوجد أية أرقام عن نجاح الاطواق الامنية هذه في كشف المجرمين المنفذين أو حتى معرفة إنتمائاتهم وتوجهاتهم ، فلماذا تفرض القوات الامنية هذه الاطواق ؟
فرض الطوق الامني في مكان حدوث الجريمة أمر متبع من قبل الاجهزة الامنية في كل بلدان العالم التي تشهد حوادثا أمنية وغالبا ماتؤدي هذه الاطواق الامنية الى نتائج إيجابية في كشف على الاقل ملابسات الجريمة وظروفها ، وخاصة في الدول التي تتمتع فيها الاجهزة الامنية بمهنية عالية وخبرة تفوق خبرة المجرمين وأيضا مع حوادث إجرامية منفردة وغير منظمة أي ليس كما هوالحال في عراقنا الجريح ، فالارهابيون عندنا صاروا ذوي خبرة عالية جدا تقنيا وأمنيا في تنفيذ ما يشاؤون من جرائم ومتى ما يشاؤون وأين ما يشتهون وكأنهم يهزأون بقواتنا الامنية البطلة ويلعبون بها لعب الاطفال بالدمى ، ذلك إن قواتنا الامنية لم تزل لاتمتلك أية دراية عن تحركات الارهابيين وقواتهم وعديدهم ، فكثيرا ما سمعنا عن إحتضار القاعدة وبقايا البعث المقبور وأن ما يقومون به إن هو إلا النفس الاخير ، لكن يظهر لاحقا إن ما قاموا به ليس إلا جس نبض وكأنه البداية لجرائم أكبر ستحدث في وقت آخر يختاره المجرمون ، وتسع سنوات من الموت والدمار وسيادة الارهاب كأنها نسمة هواء عليل لقواتنا الامنية لم تغير من الواقع شيئا رغم تجاوز أعدادها المليون ، ذلك إنها بُنيت على اسس خاطئة متمثلة في نظام المحاصصة الذي يتجاوز فيها الطائفة والقومية الى الكتلة والحزب والعشيرة  وبعض الشخصيات أحيانا ،وتلعب الرشوة والمحسوبية الدور الاهم في التعيينات والاختيار ، إضافة الى ما تعج به تلك القوات من أفراد النظام المقبور وبمناصب عليا في الداخلية او الدفاع ، أي إن الولاء للوطن أو المهنة آخر ما يخطر ببال منتسبيها ، لذلك فإنها هي نفسها أي القوات الامنية بمختلف تشكيلاتها وصنوفها تحتاج الى طوق أمني ينقيها من أردان التخلف والمحسوبية فربما يساعد ذلك في تقليل ما يحدث من جرائم .

67
في ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي :
فلتـخرس الابواق الرخيصة
تحسين المنذري
مع إطلالة الربيع في كل عام يحتفل الشيوعيون العراقيون واصدقاؤهم بذكرى تأسيس حزبهم المجيد حزب الطبقة العاملة والفلاحين وكل شغيلة اليد والفكر ، وبقدر ما يشكل هذا الاحتفال مناسبة وطنية هامة تلتقي فيها كل القوى والشخصيات الوطنية لتعبر عن تضامنها مع نضال الشيوعيين المعمـّد دائما بالتضحيات الجسام ، فعلى الجهة الاخرى تشكل هذه المناسبة طعنة في ضمير كل الشخوص النكرة والقوى المستمدة عداءها من تاريخها القبيح ورفضها لكل ما هو تقدمي وانساني ، وهكذا دأبت القوات الامنية في عهود الدكتاتورية المقبورة وما قبلها من أنظمة معادية للحرية والسلام أن تدخل نفسها في أقصى درجات الانذارمع إقتراب ذكرى التأسيس الخالدة في كل عام ،  ذلك إن الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة  يشكل تحد ٍ لقيمها البالية  ورسالة تهديد لوجودها القميئ ، وكأن الحال لم يتغير الان في زمن الانقضاض على الحريات العامة وعودة شبح الاستبداد ومناهضة كل التوجهات الديمقراطية التقدمية المؤمنة بحق بعراق فيدرالي موحد ، فالقوات الامنية مازالت تحمل إرث سابقيها ممن تلوثت أفكارهم  بمعاداة الشيوعية تلك الخطوة التي تقود صانعيها الى معاداة الشعب وهذا ما أثبته التاريخ العراقي المعاصر بدءاً من بهجت العطية وصولا الى اصغر رقم من أزلام النظام المقبور . وللعام الثاني على التوالي ومع إطلالة ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي تفتعل القوات الامنية العراقية أزمة مع الحزب ، ففي العام الماضي كانت محاولة قسرية غير قانونية لاخلاء مقرات الحزب قادها رأس السلطة التنفيذية وهذا العام أوكلت المهمة الى أجهزة القمع الجديدة ـ القديمة لتقتحم مقر جريدة طريق الشعب الناطقة بلسان الحزب ، تلك الصحيفة المناضلة والتي شهد ويشهد بصدقيتها ونزاهتها كل قريب وبعيد ، وبطريقة لا تختلف عن طرق أجهزة الامن الصدامي، تفتش هذه القوة الامنية مقر الجريدة وتعبث بموجوداته وتعتقل حراس المبنى وتصادر أسلحتهم المرخصة قانونا ، وكأن التأريخ يعيد نفسه ، فبعد أن تسرب نص كتاب لاحدى أجهزة القمع يوصي بمراقبة الشيوعيين في زمن يدعي القائمون عليه بتبني مبادئ الديمقراطية ، ينبري بعض أصحاب الاقلام الموبوءة ليدافع عن تلك الاجهزة في وقت لم تدافع هي عن نفسها ولم تكذب صدور مثل هذا التوجيه بل إنها أكدت توجهاتها تلك بعملها المشين هذا بإقتحام مقر جريدة طريق الشعب !!
لقد إعتاد الشيوعيون على مواجهة هكذا تحديات ، وتمرسوا على الاستبسال والصمود بوجه كل أساليب الغدر الجبانة سواءا كانت بالقلم المشوه أم بممارسات القوى الامنية ولا فرق بين الاثنين فهدفهما واحد . ولعل الشعور بالنقص الدائم ومحاولة إيجاد مكان حتى لو كان منزو ٍ في خيمة السلطة ، ذيلا للناطق الرسمي للحكومة مثلا ، هو من يدفع مثل هؤلاء أو ذاك المدافع بشراسة عن سلطة لم تزكها سنوات الحكم المنصرمة ، فهل كان لهذا الدفاع ثمن مقبوض مسبقا ؟ ربما ، لكن يا لخسة من تصدى للدفاع عن أجهزة أمنية متهرأة يخترقها أصغر إرهابي ويعبث بأرواح أبرياء ومقدرات البسطاء دون أدنى خجل أو وجل من القائمين عليها ومدعي قيادتها وكأن الامر لا يعنيهم ، وأرواح الابرياء رخيصة عندهم لدرجة حتى عدم إظهار الحزن على الضحايا !! فهل عند ذاك أو هؤلاء من تبرير لهذا الدفاع المستميت غير الثمن المقبوض مسبقا ؟
سيبقى حزب الشيوعيين العراقيين بتأريخه ، بمناضليه ، بالتضحيات الجسام التي قدموها منارا لكل من يسلك طريق الدفاع عن الحرية وحب الوطن ، وسيبقى فكره ملهما لاجيال وأجيال ، وستندحر كل محاولات الاساءة أو النيل من هذا الطود الشامخ ، والخزي والعار لمعاديه وكل من يقف معهم أو ورائهم أو يدافع عنهم . ولتخرس كل الابواق الرخيصة .



68
الربيع العربي والاسلام السياسي


                                                                                                                        تحسين المنذري

مع إنتهاء الانتخابات البرلمانية المصرية فقد حسمت أربعة دول أمرها بتسليم السلطة الى قوى الاسلام السياسي ( تونس ، مصر والمغرب  عن طريق الانتخابات  وليبيا سيطرة ميليشيات ) مما يثير علامات إستفهام كبيرة عن كيفية حدوث ذلك وقوى الاسلام السياسي لم تكن مبادرة وليست قائدة لتحركات الشعوب ، وشباب الفيسبوك لم يكن توجههم سوى ليبرالي ديمقراطي عام ، ففي تونس لم يكن أي من قادة أو أعضاء حزب النهضة بين قادة الانتفاضة بل كل من تصدى وقتها لقيادة الثورة والمواجهة مع النظام إن هم إلا ديمقراطيون ويساريون وشيوعيون مع حشد من الجماهير ومنظماتها الاجتماعية ، وفي مصر لم يكن الاخوان المسلمون من المشاركين الاوائل في الانتفاضة بل تأخر إشتراكهم لحين إستفزازهم من قبل نظام مبارك في محاولة لتشويه سمعة الثورة على الاقل دوليا ولم يعرف الشارع المصري وقتها تنظيمات تسمي نفسها سلفية ، وفي ليبيا لم يبادر الاسلاميون لمواجهة نظام القذافي بل دخلوا المعركة متأخرين ، وفي مظاهرات المغرب المحدودة كان لليسار الدور الريادي في المواجهة  فكيف حدث ذلك وفاز الاسلاميون في قيادة السلطة السياسية . وللبحث في هذه الظاهرة فلابد من التوقف عند الخلفية التاريخية لشعوب المنطقة والتي تدين اغلبيتها الساحقة بالاسلام دينا ، إضافة الى خلفية تاريخية كبيرة من قيام دول وحضارات إسلامية مهمة تركت بصاماتها على مسيرة تلك الشعوب لاحقا ، مع وجود قبور ومقامات لرموز إسلامية كبيرة مازالت تشكل في ذهن المواطن البسيط مراكزا للغوث والدعاء وإداء المراسيم الدينية ، مع وفرة المراكز الدينية من جوامع ومؤسسات تلقى الرعاية من قبل الدول حتى العلمانية منها بحكم الطبيعة الدينية للشعوب ، وقد شكلت هذه المراكز غطاء تحرك وترويج لفكر الاسلام السياسي على مدى عقود خلت والى الان ، هذه الارضية الخصبة إستغلتها قوى الاسلام السياسي بمختلف توجهاتها إستغلالا كبيرا ولأقصى مدى ممكن . كل ذلك في ظل سلطات جائرة ضيقت ما إستطاعت القيود على مجمل القوى السياسية المناهضة لها والتي لم تجد منها سوى قوى الاسلام السياسي ذلك الغطاء والارضية للتحرك . كما يجدر الاشارة الى تحالفات تمت بين القوى الحاكمة بمختلف مشاربها مع قوى الاسلام السياسي ولفترات مختلفة وحسب الحاجة في مواجهة قوى يسارية – ديمقراطية أو في مواجهة  مواقف أخرى كانت تحتاج السلطات القمعية فيها الى حليف جاهز ولم تجد قوة أكثر جهوزية من تشكيلات الاسلام السياسي . كل هذا وذاك يعني إن لقوى الاسلام السياسي في المنطقة عموما تنظيمات كانت ومازالت ذات شأن مهم في الحياة السياسية والمجتمعية مع الاخذ بنظر االاعتبار الخطاب الشعبوي لتلك القوى والوعود السماوية المجزية لكل من ساهم ودعم تشكيل وعمل الاحزاب الاسلامية . بهذه القوى وهذه الارضية تصدت الاحزاب الاسلامية للوضع الجديد ، فمع إنهيار الانظمة المستبدة وحصول الفراغ السياسي والامني ، كانت قوى الاسلام السياسي القوة الاكثر تنظيما وتأهيلا لسد الفراغات ، إضافة الى الدعم الذي حصلت عليه من قبل دول أخرى وبشتى الاساليب – المالية والاعلامية وفي البعض العسكرية ـ مع تحالف غير معلن في كثير من الاحيان مع قوى الانظمة المنهارة ، ففي مصر قدم المجلس العسكري خدمات جليلة للاخوان من قبيل توقف دعم الدولة للمراكز الصحية في القرى والارياف والسماح للاخوان بتقديم تلك الخدمة مجانا بدلا من الدولة ، إضافة الى إيقاف تقديم المساعدات الدراسية لاغلب المدارس المصرية مثل الكتب والقرطاسية وتصدي الاخوان لتقديمها بالمجان أو بأسعار رمزية ، مما أعطاهم فرصة الدعاية الكبيرة وطرح أنفسهم كبديل أمثل للدولة وبالتالي الاكثر تأهيلا لاستلام السلطة السياسية . ومع كل هذا وذاك قدمت القوى الاسلامية تطمينات كبيرة للمجتمع الدولي وأقامت علاقات سريعة  لكن متينة  حتى مع الشيطان الاكبر ، وتمت لقاءات علنية بين الاخوان في مصر وممثلين عن الكونغرنس الامريكي  وحكومة أوباما  كل ما قيل عنها إنها للبحث في مستقبل العلاقة بين الطرفين ، لكن الغنوشي في تونس كان أكثر جرأة إذ زار البيت الابيض قبيل تقديم اسماء حكومته للبرلمان التونسي لغرض إستحصال موافقة أميركا على ذلك التشكيل ، وكان رئيسا وزراء تونس والمغرب نجمين لامعين هذا العام في مؤتمر دافوس الاقتصادي الدولي ، وأقامت ميليشيا الاسلام السياسي في ليبيا علاقات وثيقة مع الغرب بكل تلاوينه قبل استلامها للسلطة ، لقد وعت قوى الاسلام السياسي دور الغرب وأميركا تحديدا في إسنادها وتمكنها من العمل بحرية في مجتمعاتها وتقديم كل أشكال التسهيلات للمال الغربي في الاستثمار وتوجيه الاقتصاد في بلدانها .
بالمقابل فإن القوى التي بادرت وقادت الثورات كانت على نوعين ، الاول شباب متحمس يمتلك القدرة العالية على التحشيد والتظاهر وإستخدام أفضل الاساليب التقنية للتواصل مع بعضهم ، لكنه يفتقد الخبرة التي تؤهله للاستمرار والمناورة والتحرك السياسي ، والنوع الثاني هي قوى المعارضة التقليدية ، والتي تفتقد لقدرة التحرك والتحشيد بنفس قدر الشبيبة ، لكنها ذات خبرة في المناورة والاستمرارية ومعرفة الخصوم ورسم الخطط المضادة ، إلا إن المشكلة الاكبر هو عدم تحالف تلك الكتلتين من المناهضين للانظمة المنهارة ، بل ووصلت في أحيان معينة حتى لعدم التنسيق ، مما أتاح الفرصة للقوى المنظمة والتي إزدادت قوة في تلك الفترة وأعني قوى الاسلام السياسي على البروز كقوة أكثر تماسكا وأدق تنظيما ، فخاضت الانتخابات موحدة في مقابل التشتت الذي رافق عمل القوى الاخرى ممن لا ينادون بالدولة الدينية ، وبمراجعة بسيطة لنتائج الانتخابات في تونس فإن القوى الاسلامية حصلت فقط على 42% من مقاعد البرلمان مقابل 58% لقوى اخرى تدعو للدولة المدنية لكنها لم تستطع أن تحقق تحالفا إنتخابيا ، وفي المغرب ايضا حيث لم تحصل قوى الاسلام السياسي سوى على 117 مقعدا في برلمان يضم 395 نائبا ، أي إن 278 نائبا ليسوا من دعاة الدولة الدينية لكنهم غير متحالفين ولم يمتلكوا حتى ولا  إتفاقا على برنامج إنتخابي موحدا ، مما أهل قوى الاسلام السياسي في تلك الدولتين على قيادة السلطة السياسية لما بعد الانتخابات وتشكيل الحكومات الجديدة .
هنا تبرز تساؤلات عديدة منها ، الم تصل قوى الاسلام السياسي الى الحكم عن طريق الانتخابات ؟ فلِمَ الاحتجاج ؟ وأيضا ألم تعـِد القوى الاسلامية تلك بالابقاء على الحريات العامة والحفاظ على مدنية الدولة ؟ واليست هي قوى من داخل مجتمعاتها وغير غريبة عنه ؟ وربما غيرها العديد من التساؤلات والتي يمكن إختصارها بسؤال واحد هو لـِمَ التخوف من فوز الاسلاميين ؟ وللاجابة على هذا التساؤل الهام لابد من مراجعة أساليب قوى الاسلام السياسي في العمل بما تتمثل به من إنتهازية وتحالفات هلامية ( كما حصل مع الوفد في مصر ) وتعدد الخطابات السياسية ( داخلية وإعلامية ) وتبدل في الخطاب العلني حسب الظروف ، إضافة الى رعايتها للقوى السلفية وبشكل خاص رجال الدين المتشددين ، وعدم ترددها في اللجوء الى أي وسيلة للحفاظ على مكاسبها السلطوية بما فيها الالتفاف على المفاهيم الديمقراطية نفسها وإعتبار الكثير من قيادي الاسلام السياسي الديمقراطية كآلية للوصول للحكم لاغير ، فكيف الحال وقوى الاسلام السياسي ستكتب الدستور في مصر وتونس ؟ ففي تجربة العراق ما يكفي لمعرفة أساليب قوى الاسلام السياسي في وضع الكثير من الالغام والمطبات في نصوص الدستور بما يمكنها من تفسيرها هي كما تشاء ، وفي غضون الفترة القصيرة جدا المنصرمة من حكم هذه القوى ظهرت للعلن العديد من الظواهر التي تجعل الخوف مشروعا ، فرجل دين في تونس يعلن عن تشكيله لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سيئة الصيت ، بصمت مطبق من حزب النهضة والقوى المتحالفة معه ، ولا أحد يعرف عن مصادر تموين هذه الهيئة شيئا ، إضافة الى ظهور ميليشيات لحزب النهضة وفي أكثر من مناسبة لقمع إحتجاج أو لتفريق تجمع في الجامعات مثلا وفي ساحة البرلمان ، وكذا الحال في مصر حيث التوجه المعلن للاخوان في قمع حرية الابداع في الفن والكتابة والنشر بحجة مخالفة ذلك لتعاليم الدين الحنيف مما يهدد بهجرة متوقعة للمبدعين والفنانين خصوصا أو لنتاجاتهم على الاقل وتلكمؤشرات خطيرة جدا على مستقبل البلدان تلك حيث تسعى الاحزاب الاسلامية ليس الى السيطرة على الحكم فقط بل للاطباق على كل مفاصل الحياة وقمع الحريات الاجتماعية بأقسى قدر ممكن والتأسيس لولادة أجيال متخلفة في الوعي والثقافة مما يسهل للقوى الاسلامية الاستمرار في الحكم ، إنها ببساطة صورة سوداوية لمستقبل مظلم . فما العمل ؟
لا سبيل سوى النضال والعمل الجماهيري ووضع علمانية الدولة الشعار الابرز في عمل القوى ذات التوجه غير الديني والسعي لاقامة تحالفات مرحلية فيما بينها ترتكز على نفس الهدف هو الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي مع التأكيد على علمانية الدولة ،ومن الضروري عدم المهادنة وفضح كل أساليب الاسلام السياسي وبشكل غير مجامل والعمل على إفراغ القوى الاسلامية من محتوى خطابها الشعبوي ومرتكزاته الغيبية والوقوف بحزم ضد كل أساليب السحر والشعوذة التي تتبعها عادة القوى الاسلامية ، وعلى القوى السياسية الديمقراطية اليسارية منها والليبرالية تحمل مسؤولياتها التاريخية إزاء شعوبها ، وإلا فأنها ستضيع وستضيع معها الشعوب وبالتالي الاوطان .


69
حذار كردستان ... حذار
                                                                                                                                تحسين المنذري
شهد إقليم كردستان – العراق مع بداية شهر ديسمبر الحالي حوادث أمنية خطيرة تمثلت بنزوع علني لقوى إسلامية نحو العنف في إعمال مشينة تطال الحريات الشخصية والاجتماعية ، وواجهتها بالمقابل أعمال لا تقل خطورة عنها في رد العنف بالعنف ، وشكلت حكومة الاقليم لجنة تقصي للحقائق أشك في صراحة إعلان نتائجها قبل حدوثه ، وذلك إستنادا على حقيقة مجمل الوضع في كردستان  فالشفافية  ليست على مستوى عال من التطور ، ولا توجد إستقلالية حقيقية لقضاء أو محاكم أو أية أجهزة تشريعية أخرى مع تبعية كل الاجهزة التنفيذية لمشيئة حكومة الاقليم وقواها المتنفذة وليس الى فيدرالية الاقليم ولا يوجد نظام مؤسساتي بالمعنى الصحيح ، وإتساقا مع اللجان الكثيرة جدا التي شكلتها حكومة المركز لتقصي مئات الجرائم والحوادث دون الاعلان عن نتائجها ، وسواءا كانت هذه الحوادث محلية بحتة ، أو ورائها قوى خارجية لاتريد الاستقرار لكردستان والعراق عموما ، أو هي رسائل إنذار بقادم أسوأ ، أو هي جس نبض لقدرة السلطات على مواجهة مثل هكذا أعمال وأفكار أو أي إحتمال آخر ، فإن هذه الحوادث تؤشر لحقائق مهمة لابد لقوى السلطة الكردستانية أن تعيها يمكن إجمالها  بما يلي :
1-   إن الديمقراطية ليست صندوق إنتخاب وحسب ، بل هي ثقافة لابد أن تسود كل مفاصل المجتمع الكردستاني بدءا من العائلة والمدرسة ووصولا الى أعلى قمة في هرم السلطة ، وهي تتناقض كليا مع القيم العشائرية السائدة في الاقليم ، وهي ممارسة يومية تكفل الشفافية في التعامل بكل مفاصل الحياة سياسية كانت أو إقتصادية أو أي قطاع أخر، وإن العنف والحلول الامنية لاتكفل الاستقرار والامان لأية بقعة في الكون وليس كردستان فحسب 
2-   إن إقليم كردستان ليس واحة في صحراء ، وهو ليس بمعزل عن كل ما يجري حوله سواءا في الداخل العراقي أو على صعيد المنطقة عموما ، لذلك فإن فكرة التعالي على مجمل ما يحدث في مناطق العراق الاخرى بحجة العزلة وعدم شموليتها الاقليم ، وضبط المنافذ الحدودية ، وإنسجام المجتمع الكردستاني وحفاظه على التنوع وغير ذلك من أمور تبدو هنا جميعا واهية ، فإقليم كردستان ليس بمعزل عن ما يجري في العراق والمنطقة ، وحل مشاكل الاقليم لابد أن ينسجم مع حلول جذرية لكل مشاكل العراق على الاقل وليس بإنفصال في الباطن وتوحد في المظهر
3-   لابد للقوى القومية الكردستانية أن تراجع تحالفاتها السياسية على صعيد الوطن ، وأن تعود الى تحالفها القديم مع القوى الديمقراطية المناهضة للعنف والتي ناضلت معها عقودا من الزمن لاجل السلام والديمقراطية للعراق جميعا وفي سبيل الحقوق القومية للشعب الكردي  ، فتحالفاتها الحالية والتبجح بتلك التحافات مع قوى تنسجم كليا مع مثل هكذا ممارسات ـ إن لم تباركها في الخفاءـ والعلن أحيانا يؤدي الى نمو قوى تزعزع أمن وإستقرار الاقليم ، وتتفق منابعها الفكرية مع القوى التي تحالفت معها قوى الاقليم القومية بشقيها ، وحتى وإن كسبت حكومة الاقليم وحزبيها المتنفذان في الشأن الكردي مكاسب ما خلال فترة التحالف هذه فإن تلك المكاسب سوف تتهاوى بسرعة أمام شراسة العنف وغياب المعالجات الجذرية المبتعدة أساسا عن التعصب بأي شكل أثنيا كان أو دينيا بل وحتى فقط أيديولوجيا
4-   على القوى القومية الكردية أن تراجع وبشكل مستمر مصادرها الفكرية ومرجعياتها حتى وإن ضمن النهج القومي ، بما ينسجم مع مجمل التطورات الحاصلة كونيا وبما ينسجم مع مصالح الشعب الكردي عموما وتقاليده النبيلة وسماته التقدمية بشكل عام ، وليس بما يكفل إستمرار فئات محدودة منه في التحكم بمصائر الشعب الكردي والتأثير في مجمل أوضاع الوطن  العراقي على حساب  قوى الاقليم الحية  الاخرى.
لذلك فإن الحذر هو ليس فقط كلمة تقال بل هو يقتضي تغيير ملموس في كل شئ ومصالح العراق وطنا وشعبا بكل مكوناته من وراء القصد.



70
الربيع العربي مؤامرة أم ثورة ؟
                                                                                                                              تحسين المنذري
ما إن بدت علامات الانهيار على نظام بن علي في تونس حتى إرتفعت أصوات عديدة سياسية واعلامية تشير الى فكرة المؤامرة في إسقاط بن علي ، ومن ثم تزايدت إثر الظهور القوي لشباب مصر المطالبين أولا بالكرامة،  ومع تصاعد شعاراتهم وصولا الى إسقاط النظام  تصاعدت أيضا قوة فكرة المؤامرة ، ومن بعد حيث اتساعها الى بلدان عربية أخرى ، تبنت الانظمة المهددَة بالسقوط واخرى تخشى على نفسها من ذات المصير تلك الفكرة وصارت تهاجم علنا حركات الشباب والقوى السياسية الرافضة لنهجها وتتهمها بالعمالة للاجنبي وتنفيذ مخططات الغرب وغير ذلك من التهم الجاهزة أصلا لتشويه صورة الحركات الاحتجاجية تلك .
ويستند دعاة فكرة المؤامرة الى مبررات قد تبدو للوهلة الاولى إنها مقنعة ، منها الانحياز العلني للاجهزة الرسمية الغربية والاعلامية مع الثورات والدعوات العلنية التي ظهرت من البيت الابيض وغيره من صناع القرار الغربي  لرموز الانظمة الدكتاتورية الى التخلي عن الحكم كما حدث مع بن علي ومبارك ، وأيضا حملات الدعم التي قامت بها في البداية ـ خصوصا ـ  قنوات إعلامية عربية معروفة بولائها للسياسات الغربية في المنطقة بل وحتى الصهيونية ، مما شوه من سمعة تلك الثورات الى حد بعيد ، ومن ثم تصدر قوى الاسلام السياسي لواجهة الاحداث . وبالتأني في البحث نجد إن دعم الغرب وأميركا لم يكن سوى تدخل سافر في شأن الشعوب المنتفضة ،  أدى الى  إنحراف الثورات عن أهدافها وبروز قوى لم تكن أبدا مبادرة أو حتى مشتركة في التخطيط والعمل المباشر لإنجاح هذه الثورات بل هي إستفادت من حجم التغيرات التي حصلت والضعف الذي ظهرت به الانظمة الدكتاتورية لتقفز على قمة الاحداث وتقود سير الثورات بإتجاه أخر يمكن أن نسميه بالثورة المضادة .
لقد فوجئت أميركا ومن خلفها الغرب الاوربي بالتطورات الدراماتيكية التي رافقت ثورة شباب تونس بداية ، فلم تكن تتصور إن مجموعة من الشباب الناقم على سياسة بن علي تتظاهر مؤدية الى سقوط نظام الحليف الستراتيجي بن علي ، فقد إعتاد العالم على وجود مظاهرات مناهضة للانظمة الاستبدادية وذات مطاليب أجتماعية إقتصادية وسياسية ايضا، يرافقها أحيانا العنف وأخرى بدونه تنتهي بإعتقالات وملاحقات وأحيانا تلبية لبعض تلك المطاليب ، لكن ضعف بن علي ونظامه وإنهياره كان نقطة البداية لتتوالى الثورات في بلدان عربية اخرى إمتد شعاعها ليشمل دولا عدة بما فيها الولايات المتحدة نفسها حيث إحتجاجات ( إحتلوا وول ستريت ) التي بدأت في نيويورك وإمتدت الى ولايات اخرى .
وفي حقيقة الامر فإن لهذه الثورات عوامل داخلية إجتماعية ـ إقتصادية ، بالاضافة الى مطاليب سياسية هامة ، فجميع هذه البلدان تعاني من تباين واضح في الدخول وخطط تنمية مشلولة أو معدومة ، بالاضافة الى تباينها من منطقة لاخرى إستنادا على عوامل شتى ، وتراجع في مستويات الدخول خاصة بالنسبة للفئات الوسطى مع إقتران ذلك بنسب تضخم متصاعدة ، وإزدياد دور البرجوازيات الطفيلية والكومبرادورية ، مع هيمنة كبيرة للاستثمار الاجنبي على حساب الرأسمال الوطني ( عام وخاص ) ، مما أدى الى زيادة سنوية تصاعدية في نسبة البطالة  مع هجرة واضحة لارباح الاستثمارات الوطنية والذي بدوره أدى الى تدني منسوب الناتج المحلي الاجمالي حيث إستثمار الارباح في الخارج ، وترافق كل ذلك مع هيمنة لانظمة دكتاتورية تزداد شراسة يوما بعد أخر وغياب أبسط الحقوق الانسانية المشروعة وتقليص متزايد للحريات الاساسية وتغليب دور ذوي القربى والحاشيات الفاسدة في مجمل التغيرات التي تطرا على البلدان وفي مختلف الاصعدة ، تلك وغيرها من العوامل أدت الى حراك جماهيري واسع انفجر في لحظة هامة من الزمن وشكل صدمة حقيقة ليس للانظمة الدكتاتورية فحسب بل ولاسيادهم في الغرب الاوربي واميركا .
لكن صدمة المفاجأة هذه لم تلاقيها أجهزة الغرب بأيادي مكتوفة فقد سارعت لشحذ كل طاقاتها من أجل الحيلولة دون إفلات هذه الدول من تحت هيمنها، فجندت الاعلام أولا ومن ثم الدبلوماسية والتلويح بالمساعدات الاقتصادية والتعكز على الديمقراطية وغير ذلك الكثير لترجيح كفة من يضمن لهم إستمرار المصالح والتبعية وتحجيم القوى الديمقراطية وبالتالي ضمان إستمرار نهج الانظمة المنهارة بتبديل جزئي في وجوه الحاكمين ، فكان الاسلام السياسي بمختلف تشكيلاته خير عكاز لاستمرار النهج السابق وبتشدد أكثر وإفراغ الثورات من محتواها التقدمي .
لقد كانت الثورات ذات أسباب حقيقية وداخلية ، وإن إستفادت من التقنية الحديثة فهذا ليس إستيرادا ولا إسقاطا غير مبرر لفكرة الثورة ، لكن الضعف الذي إعترى العامل الذاتي في الثورة هو الذي سمح لقوى أخرى بالتدخل وحرف الثورات عن مسارها ، ويتمثل هذا الضعف في كون الشبيبة التي حركت قوى الثورة إمتلكت الاساليب الحديثة في الاتصال والتحشيد مع ضعف في الخبرة وإدارة إستمرارة نهج الثورة في مقابل قوى سياسية تقليدية تمتلك الخبرة لكنها لا تجيد التحرك وفق الاساليب الحديثة التي اتبعتها الشبيبة ، ولم تستطع كلا الكتلتين من القوى ( الشبيبة والاحزاب التقليدية ) من الاتفاق على مسار واحد وربما لكل منها مبرراته ، لكن في جميع الاحوال كانت تلك الثغرة الاكبر التي إستفادت منها قوى الثورة المضادة وإجهضت المشروع التقدمي للثورات .
( الموضوع القادم سيكون عن ثورات الربيع العربي والاسلام السياسي )



71
ثورات الربيع العربي بين الديمقراطية والتراجع
                                                                                                                                  تحسين المنذري
في كل البلدان العربية التي حدثت فيها الانتفاضات الشعبية العارمة مازل الوضع غير محسوم الاتجاه، حتى في البلدان التي تم فيها اسقاط دكتاتورييها ،  مابين إنتصار حقيقي للقوى المنادية بالديمقراطية والدولة المدنية والتغيير الافضل لمصلحة الطبقات الفقيرة والمتوسطة ، وما بين قوى تمتلك رؤى خاصة لاعادة بناء الدولة على أسس من الاتجاه الديني من شأنه أن يزعزع الثقة بالانتصارات الحقيقية التي حققتها الشعوب ويؤدي الى تراجع عن أبسط مكتسبات الديمقراطية الاجتماعية والتي كان بعضها قائما مفروضا على الانظمة الاستبدادية المنهارة أو التي في طريقها نحو الانهيار،هذا إذا أستبعدنا قوى وفلول الانظمة الاستبدادية من صورة هذا الصراع بشكل مؤقت .
والحقيقة فإن كلا المجموعتين من القوى لها إمتدادات إجتماعية وتشكيلات سياسية غير حديثة إضافة الى التشكيلات التي تمت أثناء وبعيد بدء إنتفاضات الربيع العربي ، فالمجموعة الاولى هي قوى تمثل مصالح الطبقات المسحوقة عموما كالعمال والفلاحين وشغيلة اليد والفكر والبرجوازية الصغيرة وشرائح الفئات الوسطى ومجاميع من البرجوازية الوطنية والتي هُمشت بفعل سياسات الانفتاح الاقتصادي وفسح المجال لدخول ـ حتى منفلت أحيانا ـ للرأسمال الاجنبي برعاية من رؤوس الفساد المالي والاداري المتنفذة في أجهزة السلطات الاستبدادية ، كما إن هذه الطبقات عانت جميعا من تدني المستوى المعيشي وتفشي البطالة بين صفوفها وأيضا التهميش من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية ، لذلك فقد كان من المنطقي أن تكون شرائح منها هي المبادرة لاشعال فتيل الانتفاضات إنطلاقا من عوامل إقتصادية ـ إجتماعية في الاساس مع مطاليب سياسية وحقوقية مشروعة مثل حرية الرأي وتطبيق مواثيق حقوق الانسان الدولية وغيرها ، وهي بذلك ربطت بشكل موضوعي بين جملة المطاليب الاقتصادية ـ الاجتماعية مع الوضع السياسي بكل تداعياته وإبتعاده أو إنحرافه عن مفاهيم الديمقراطية وقيمها .
على الضفة الاخرى هناك المجموعة الثانية من القوى التي تسير جنب الاولى في مطالبتها بالتغيير الشامل لكن بتوجيه الوضع الى إتجاه أخر لا يمت بصلة الى جملة الاهداف الكبرى التي قامت لأجلها الثورات ، فهذه المجموعة الثانية وعلى إختلاف تسمياتها بالسلفي المتشدد أو المتنور تعتقد بفكر شمولي يضع نفسه في مقام المقدس الذي لايقبل النقاش مع الاخر ، وله أولويات لعل أقلها الاجهاز على المكتسبات الاجتماعية التي تحققت بفعل نضال طويل لجموع الفعاليات الشعبية من أحزاب أو منظمات ديمقراطية . كما إن هذه القوى لها إمتدادات أجتماعية كبيرة في كافة شرائح المجتمع إستنادا الى خلفية دينية وأرث إجتماعي عقائدي ، نما وتطور خلال حقبة الانظمة الاستبدادية بشكل ملحوظ ، فهي تنظيمات معارضة تستفيد من كل المعتقدات الشعبية وتمتلك غطاءا فكريا لتحركها، وأماكن عبادة مقدسة تتجنب السلطات الدكتاتورية عموما المساس بها،توفر أمكنة جيدة لتنظيم لقاءاتها والترويج لافكارها عبر محاضرات رجال الدين والواعظين ، كما إن بعض تلك الانظمة الاستبدادية لجأت في فترات معينة الى تحالفات مختلفة معها أو هي على الاقل تستفيد منها لمواجهة ألافكار التنويرية والثورية إذا ما تنامى حضورها الفكري والسياسي  ، فكانت على الاقل تسمح لها بالمشاركة في العمل السياسي حتى وإن بمسميات أخرى ، هذه المجموعة من القوى هي الخطر الاكبر الذي يواجه نجاح الثورات في تحقيق أهدافها التي قامت لأجلها ، سيما إذا ماتوفر لها عاملان أساسيان يساعدانها على تحقيق ما تصبو اليه من فوز في المقاعد البرلمانية أو المجالس الشعبية ، وهذان العاملان هما أولا فلول وبقايا الانظمة الاستبدادية والذين مازال الكثير منهم الى الان يمتلك القوة والمال اللذين يساعدان بشكل كبير في كسب المؤيدين ، والعامل الاخر الخطِر هو إقامة علاقات لهذه القوى مع القوى الدولية الكبرى وخصوصا أميركا والتي تتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية عبر وسائل شتى ،والتي لايهمها سوى الحفاظ على مصالحها الحيوية في المنظقة عموما وفي كل بلد على حدة ، وهنا سوف تتشكل بحق قوى الثورة المضادة،  وعند ذاك سوف تتراجع الثورات عن مساراتها التي أرادها لها المنتفضون الاساسيون .
كما يبدو فإن حدة الصراع تبقى على أوجها ، ولكي تستطيع القوى الديمقراطية من تحقيق منجز الثورة فلا بد عليها أولا من تطوير علاقاتها مع بعضها ومع القوى والاحزاب السياسية المساندة لمشروعها عبر هياكل تنظيمية تحالفية رصينة لاتقتصر على تحقيق منجز واحد بل تكون لها ستراتيجية بعيدة المدى لبناء نظام دولة مدنية ديمقراطية ، وخلال هذا فلابد من الاستمرار في تطوير وتنويع أساليب العمل بين الجماهير وتحشيدها بإتجاه تعريفها بحقيقة التطورات الجارية والعمل على تحقيق مكاسب تهم أولا وقبل كل شئ حياتها المعيشية والحفاظ على المنجزات الاجتماعية المتقدمة أساسا على أهداف وأفكار قوى الثورة المضادة .




72
الجبان نوري المالكي

                                                                                                                 تحسين المنذري
عذرا دولة الرئيس ، فقد كثـُرت صفاتك وتسمياتك السيئة ، ولا أحدٌ غيرك يتحمل مسؤولية ذلك، وأتمنى عليك أن ترضى بهذه التسمية ولا تطلق أذرع وأبواق أنصارك لمحاربتها كما فعلت يوم سموك الناس كذابا ، فالجبان أقل سوءا من العميل والخائن وبائع الضمير والقاتل المجرم   والفاسد والمفسد والدنئ ، ودعني أضع اخطاءك في خانة الجبن ، فربما ذلك أرحم لك مستقبلا ، يوم لا ينفع كرسي ولا منصب إذ تقف بين يدي العدالة مهزوما صاغرا لا تملك من وسائل الدفاع عن نفسك ، إلا أن ترضى بنفسك جبانا .
فالذي لا يستطيع أن يقول للمحتل كفى وعليك الخروج نسميه جبانا خير من أن نقول عميلا ، والذي يسمح بالمليشيات تعيث بالارض فسادا وهو رئيسا للوزراء ، إما خائنا أو جبانا ، فلنختر اقلهما سوءا ولنقل جبانا .
 والذي ينام على ضيم أهله من ظلم الجوار وتدخلاتهم وقصفهم لاراضي بلده  دون أن يفعل شيئا وهو قادر على ذلك لنسميه جبانا خير من بائع الضمير .
والذي يرى بعينيه ويسمع بأذنيه عن مقتل أبناء شعبه وهو المسؤول الاول عن حمايتهم بحكم المناصب الامنية العديدة التي يتقلدها ولا يفعل شيئا لحمايتهم ، فإما أن يكون هو المجرم أو الجبان الذي لا يستطيع فعل شيئا لحمايتهم ، أليست تسمية جبان ارحم ؟
والذي يقود حكومة جلها من السراق والفاسدين والمرتشين ولا يقدر على ردعهم، جبانا أو هو فاسدا مثلهم ، فبأيهما ترضى ، لنقل جبانا خير لك من غيرها .
والذي يملأ دوائر الدولة بمزوري الشهادات ، بل ويسعى لحمايتهم بتشريعات رسمية ،مفسدا ، أليس كذلك يا دولة الرئيس ؟ لكن دعني أقول عنك إنك تخافهم لئلا يكشفوا المستور لذلك فأنت جبان يا سيادة الرئيس
والذي يرضى بكل هذا وذاك متمسكا بمنصب رئيس الوزراء دنيئا ، فهل تقبل أن تكون دنيئا أم جبانا ؟
ألم أقل لك يا دولة الرئيس عذرا ، فأنت من جنى على نفسه وصرت جبانا .




73
ثورات الربيع العربي والتدخل الخارجي
ليبيا نموذجا
تحسين المنذري
شكلت التغيرات الثورية التي مازالت جارية في بعض البلدان العربية محطات توقف مهمة للبلدان الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية ، حيث المصالح الغربية المترسخة في المنطقة والتي تلقى رعاية كبيرة من لدن الكثير من الانظمة التي انهارت أو التي في طريقها للانهيار ، وأيضا الثروات الكبيرة التي تتمتع بها دول المنطقة ولا سيما النفط والتي تشكل احدى أهم مصادر الطاقة في العالم ،كل هذا وغيره حفز دول الغرب وحلفاؤها في المنطقة على التدخل بشؤون الثورات تلك وبشتى الطرق يمكن إجمالها بالاشكال التالية :
1-   التدخل العسكري المباشر ـ ليبيا والبحرين نموذجا
2-   التدخل السياسي والدبلوماسي  ـ كل البلدان التي حدثت فيها ثورات
3-   التأثير الاعلامي الموجه وبشكل خاص ماتقوم به بعض الفضائيات العربية الموالية للغرب
4-   الضغوطات الاقتصادية المباشرة مثل العقوبات التي اتخذتها دول الاتحاد الاوربي واميركا ـ سوريا وليبيا نموذجا ، وبعض التهديدات التي رافقت الثورة المصرية ومازالت بقطع المساعدات وعدم تشجيع السياح لزيارة مصر بحجة عدم الامان
5-   التدخل المخابراتي والذي لم يشكف النقاب عن حيثياته الى الان لكن رائحته تفوح مع كل تصرف وموقف غربي
كان العقيد القذافي دكتاتورا أهوج بإمتياز، فعلى الصعيد الدولي كسب عداء الرأي العام العالمي ودولا كثيرة نتيجة لرعايته وتنفيذه أعمالا إرهابية أشهرها إسقاط طائرة (بان أميركان) فوق منطقة لوكربي ، وعلى الصعيد الافريقي زج بجيشه في حروب عبثية لاناقة له فيها ولا جمل مثل الحرب مع تشاد ،وعربيا إمتلك خصومات كثيرة نتيجة لمواقفه المتسرعة وسياساته المبنية على رد الفعل غالبا وغير المدروسة في الكثير من المواقف إضافة الى سلاطة لسانه بما لا يليق ودبلوماسية رئيس دولة ، أما على الصعيد الداخلي فقد مارس سياسة العسف مع كل خصومه بما فيهم رفاقه في ثورة الفاتح ، ولم يكن هناك أي شكل من أشكال الحرية ، فلم تشهد ليبيا وجود أي تنظيم سياسي أو نقابي ، وعلى الصعيد الاقتصادي شكل النفظ المورد الوحيد للاقتصاد الليبي دون إعارة أي إهتمام لانشاء أو تطوير البنى التحتية الضرورية لقيام إقتصاد متوازن ، بل العكس كان الاقتصاد الريعي هو السمة الوحيدة في ليبيا والذي أدى ليس فقط الى تخلف ليبيا إقتصاديا بل وأيضا الى تحكم القذافي وعائلته بمصير ليبيا وعلى كل الاصعدة ، فتحولت الدولة الغنية تلك الى ضيعة لحساب الدكتاتور وعائلته ومقربيه ، في مقابل شعب يعاني أكثر من نصف سكانه من حالة الفقر والحرمان ، هذا إضافة الى عزل ليبيا علميا وحضاريا بطريقة جعلت الشعب الليبي وكأنه مجموعة بشرية تعيش على هامش التاريخ أو هو شعب يعيش في القرون الوسطى . الى جانب هذا فقد إستفاد الدكتاتور الليبي من سيادة العلاقات القبلية في المجتمع حيث إعتمد على الولاءات القبلية في تقريب وإبعاد البعض مما أحدث شرخا في العلاقات الاجتماعية على الصعيدين القبلي والمناطقي . إن كل هذا وغيره الكثير كان كفيلا بأن يشعل ثورة في أي لحظة، فقد توفر أهم عامل فيها وهو عزلة النظام عن الشعب ، وما ثورتي تونس ومصر ألا عواملَ دفع ٍ شجعت الناشطين على الاستعجال بالقيام بعمل ما للاطاحة بالعقيد ورهطه ، فكان يوم 17/ شباط بدء الانطلاقة الكبيرة لمظاهرات عمت اغلب المدن الليبية وتركزت بشكل اكبر في مدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية ، فكان الموقف الدولي سريعا في تأييد الانتفاضة وكأن العالم كان ينتظر فرصة الاعلان عن رفضه للقذافي وحكمه ، وتتالت التطورات بشكل سريع ، ففي أقل من إسبوع يقرر الاتحاد الاوربي فرض عقوبات على ليبيا وعدم منح تأشيرة سفر لليبيين ، ودخلت الجامعة العربية على الخط ضد القذافي ونظامه وفعلت الشئ نفسه أغلب الدول العربية منفردة وكان الموقف الاكثر حدة هو موقف دول مجلس التعاون الخليجي ،وتعطلت نشرات الاخبار في أغلب الفضائيات العربية وأكثرها إنتشارا عن بث أي شئ عدا ما يجري في ليبيا ،  وهكذا تسارعت الاحداث داخل ليبيا وخارجها وبدت حدة التصريحات تزداد سخونة حتى جاء قرار مجلس الامن المرقم 1973 في 18/3 /2011 ليضع الصورة في قلب الاطار ، حيث فرض حظرا جويا على الطيران الليبي وسمح للدول الكبرى بتوجيه ضربات عسكرية ، وبادرت فرنسا وأيطاليا وبريطانيا واميركا بتنفيذ القرار ( الاممي ) هذا ، ففي فجر 19 / مارس بدأت الغارات الجوية على أبرز الاهداف العسكرية الليبية وبعض المنشآت ذات الاستخدام المزدوج مثل المطارات والطرق والبنايات الحكومية ، وصارت الحرب ضد ليبيا واقع حال يسانده إعلام غربي وعربي ضخم مصورا إياه وكأنه الحاسم للموقف والناصر الاهم لثورة ليبيا .في خضم كل هذا دخلت المحكمة الدولية في لاهاي على الخط بإصدارها قرارا قضائيا بإدانة القذافي نفسه وأبنه واحد أقرب مساعدية.إن هذا القرار رغم إنه يبدو للوهلة الاولى وكأنه إنتصار أممي للعدل وملاحقة للمجرمين أينما كانوا ، إلا إنه وضع الدكتاتور الليبي أمام خيار السلاح فقط ، لإنه قطع الطريق على حل مغادرة القذافي ليبيا لاجئا في بلد ما ، ذلك إن القذافي صار يخشى أن يتم تسليمه إذا ماطلب اللجوء في أي بلد ، وأيضا فإنه لم يبق ِ بلداً يرضى بإستضافة القذافي لاجئا خوفا من ملاحقة القضاء والسمعة الدولية السيئة التي تلحق به إذا ما إستضاف القذافي ، لذلك جعل من الحل العسكري هو الحل الاوحد والقتال الى النهاية خيار القذافي الوحيد ، وهذا ما حصل فعلا وإستثمرت دول الناتو ذلك لتبرير وزيادة هجماتها الجوية على أهداف منتقات في ليبيا .
على الصعيد الداخلي برزت تنظيمات سياسية كان بعضها قائم مثل الجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا وهو خليط سياسي غير متجانس تأسس خارج ليبيا عام 1982 وتنظيمات اخرى متناثرة أغلبها ذات طابع إسلامي مثل الاخوان المسلمين الذين كانوا على علاقة أيجابية مع النظام الليبي من خلال سيف الاسلام القذافي ، وأيضا تنظيم متشدد آخر هو " الجماعة الاسلامية المقاتلة " وهو تنظيم ليبي تأسس في أفغانستان وله إمتدادات هنا وهناك في الداخل الليبي،إضافة الى عشرات التنظيمات الصغيرة الاخرى والتي في أغلبها ذات طابع أسلاموي متشدد، لكن الاخطر في كل هذا هو بروز ميليشيات مسلحة قبلية الانتماء إسلامية الهوى لاتشترك فيما بينها سوى بهدف واحد هو إسقاط النظام، بل وإنها حتى لاتدين بالولاء للمجلس الانتقالي الليبي الذي تأسس بعيد بدء الانتفاضة سوى الاستفادة منه كغطاء سياسي أمام العالم ،وهي أي هذه المليشيات تعمل بأوامر قادتها بغض النظرعما يريده أو لايريده المجلس الانتقالي وفي هذا خطورة كامنة قد تبرز لاحقا إذاما إستتب الامر وأنهار نظام القذافي بالكامل .
في ظل هذا التعقيد في الوضع ظل الغرب مراهنا على خيار الحسم العسكري فسلح الثوار بطرق شتى ، وإستخدم الغارات الجوية الليلية بشكل خاص الى أن تمكن الثوار من دخول العاصمة طرابلس وهروب القذافي الى مكان ما في ليبيا وإدارته مع بعض من أفراد عائلته لعمليات قتالية متناثرة مع تمركز لها في بعض البلدات الموالية للقذافي ، وهذا يعني إستمرار الوضع مليشيويا لا تلوح في إفقه رغبات حقيقية في تأسيس جمهورية جديدة تقوم على الديمقراطية والتعددية كخيار أمثل للمستقبل ، سوى بعض التصريحات المبتورة لبعض أعضاء المجلس الانتقالي بالتحضير لكتابة دستور دائم وإختيار وليس إنتخاب أعضاء البرلمان القادم بنفس طريقة إختيار أعضاء المجالس الشعبية السابقة ، أي إنتخاب لجان في المناطق والمدن ومنها يتم إختيار برلمان عام كما كانت الامانة العامة للقيادات الشعبية في زمن القذافي .وفي الاستناد الى تجارب أخرى تدخل فيها الغرب وأميركا عسكريا فإن الوضع سيبقى كما هو الان ، وجود مليشيات مناوئة لبعضها وحكم مركزي ضعيف وممارسات تسمى ديمقراطية لكنها تكرس مصالح ونفوذ الغرب . وربما سيتم تحريك تلك المليشيات لزعزعة الوضع متى ما تشاء إرادة الغرب ولتمرير صفقات لا تخدم الشعب الليبي بالتأكيد بقدر خدمتها للمصالح الغربية .
إن للحرب كلفة على الليبين التهيوء لدفعها وحسب عسكريين من الناتو قالوا إن كلفتها بلغت ( الف مليار ) دولار أمريكي  وهذا يعني بقاء ليبيا بلد تفوق مديونيته وارداته لعشرات السنين القادمة ، وما قامت الغارات الجوية بتدميره سيتم بناؤه من الخزينة الليبية أيضا والمنفذون شركات غربية !!! كما إن العقوبات التي فـُرضت على ليبيا سوف لن يتم رفعها بسهولة بل إنها ربما ستملي على الحكم الجديد في ليبيا شروطا جديدة تجعله تابع دائم لمشيئة الغرب ، بل وحتى التشريعات سترتهن لما يريده الغرب وبما يخدم أهدافه وستراتيجيته ليس على المستوى الليبي فقط وإنما على الصعيدين الافريقي والشرق اوسطي .
لكن الاخطر هو إن هذا التدخل قد شوه سمعة ثورات الربيع العربي وجعل منها وكأنها رغبة غربية في تبديل الوجوه الحاكمة ، وإنسحب التشكيك الى كل ما تقوم به الشعوب من محاولات تغيير فكأنها امست إلعوبة بيد الغرب ، وإستفادت من هذه التشويه أنظمة عربية مؤهلة للسقوط على أيدي شعوبها، فهل هذا هو الهدف الاهم لاميركا والغرب ؟؟؟





74
والديمقراطية ِوما يؤمنون .... إنـَّهُم لـَمٌنحرِفون

                                                                                                                  تحسين المنذري

في وقت تتصاعد فيه حدة الخلافات (السياسية )بين الاطراف المتنفذة في الحكم ، ومع تدني الاوضاع في كل المجالات، يمور الشارع العراقي غيضا وتتصاعد الاحتجاجات  والمطالبة بالاصلاح ومحاولات التصدي للمنحرفين من المفسدين والفاسدين والمرتشين والسراق والمزورين ، مع كل هذا ، فإن القوى المسيطرة على دفة الحكم لاتخجل من الكشف عن زيف إدعائاتها بالديمقراطية وحرية التعبير والتظاهر ، مخالفة بذلك حتى بنود الدستور الذي أقرته بإرادتها نفسها ، فقد أقدمت السلطات الامنية الموالية لاحزاب السلطة على إختطاف  أربعة شباب من المحتجين على سوء الخدمات ، في عملية وصفت بأنها لاتمت للديمقراطية المنشودة بشئ ولا لحيادية أجهزة الامن كما تدعي السلطات ، فقد تمت عملية الاختطاف بواسطة مسلحين مدنيين وبسيارة إسعاف وتحت أنظار وحماية القوات العسكرية ، وليس هذا فحسب ، بل إن المعلومات المتسربة تشير الى تجهيز الناطق بلسان قوة حماية بغداد  بأسماء 250 ناشطا وتكليفه بمهمة إيقاف نشاطهم بأي طريقة سواءا عن طريق الاعتقال أوالتهديد أو ... أو....، فأين هذه الممارسات القمعية من الديمقراطية التي يدعون ؟؟
يبدو إن الاحزاب الطائفية لها مفهوم اخر للديمقراطية يبرز من خلال مجمل التصرفات التي تتكشف يوما بعد أخر ، فديمقراطيتهم هي البحث عن مراكز النفوذ والتمسك بكراسي الحكم ،
ديمقراطيتهم تعني توزيع المناصب السيادية بينهم حسب الاقوى ويقال حسب من يدفع أكثر 
ديمقراطيتهم تعني رعاية الفساد والمفسدين وتطوير أساليبه
تعني حق مزوري الشهادات بالتمتع بإمتيازات المناصب والدفاع عن حقهم في التزوير وبرعاية من السلطة ورئيسها شخصيا
وتعني إبعاد كل الكفاءات العلمية ومنعها من ممارسة إختصاصاتها العلمية في بناء العراق
ديمقراطيتهم ترعى الميليشيات وتتستر على جرائمها وتحمي إستعراضاتها العسكرية وترضى بوصف تلك الميليشيات على إنها قنابل موقوتة ، بل وربما تفتخر
ديمقراطيتهم تعني منع المخالف من القول وحرمانه من حق التعبير عن رأيه بأي ثمن وإعتقاله وإختطافه وربما ستصل لابعد من ذلك
وتسمح ديمقراطيتهم بكل أنواع اللطم والتطبير حتى لوتعطلت مؤسسات الدولة وتوقفت عن إداء واجباتها
ديمقراطيتهم تعني ضع من تشاء وفقا للتقسيمات المحاصصية في أي موقع تشاء ولاداعي للتفكير بما سيقدمه للوطن ، المهم أن ترضي الاطراف المتحالفة بعضها بعضا ويتستر البعض على البعض والكل على الكل ، أما المواطن وهمومه والوطن وبناؤه فتلك من الامور الثانوية والتي لم يحن بعد الوقت للتفكير بها
ديمقراطيتهم أبعد ما تكون عن الارتكاز على الميثاق العالمي لحقوق الانسان وكل العهود والمواثيق الدولية التي تنضم الحياة المجتمعية على أسس العدالة الاجتماعية والتكافوء في الفرص والمكانة والكرامة الانسانية .
 لقد تذكرت اليوم مقولة للمقبور سلفهم الدكتاتور صدام حينما سؤال عن الديمقراطية في العراق فقال : (إنها حق المواطن في إختيار أي صورة يشاء لرئيس الجمهورية إن كانت بالزي العسكري أو المدني ، واقفا أم جالسا ، ومن حقه أي يرسم صورة لرئيس الجمهورية بالزيت أو بالاصباغ المائية )
أليست ديمقراطية اليوم عند الاحزاب الطائفية هي الوريث الشرعي لديمقراطية المقبور صدام حسين؟





75
ألاستعصاء العراقي بين إعادة الانتخابات والحراك الجماهيري

                                                                                                                      تحسين المنذري
منذ عام ونيف والعراق يمر بحالة إستعصاء سياسي كبيرة تنعكس مردوداتها على الوضع الامني بشكل جلي فالتدهور الحاصل الان بشتى أشكاله ليس إلا مظهراً من مظاهر التدهور المريع الذي  يعاني من وطأته المواطن العراقي  والذي يمتد الى شتى المجالات لعل الجانب المعيشي وتدهور الخدمات من أكثر التجليات التي يعاني منها الانسان العراقي بشكل يومي ومحسوس . وفي ظل هذا التدهور والشد الكبير بين ألاطراف المتنفذة في الحكم برزت قضية إعادة الانتخابات كحل ليس دائما حتى في تصور من يطالب بذلك ، ذلك إن المشكلة أكبر من شخوص تربعوا على كراسي الحكم بقدر ما هي أزمة نظام الحكم الذي تمثل في التقسيمات المحاصصية وما ترتب عنها من تداعيات مريبة ربما أكثرها خطورة الان هو الفساد الاداري والمالي المستشري في كل أجهزة ومؤسسات الدولة تقريبا . ومن كل ما حصل ويحصل اليوم ذهب الكثير من الساسة للتفكير بحلول ربما تساعد في الخروج من المأزق الذي يمر به البلد منها كانت تشكيل حكومة أكثرية ، والتفكير بتحالفات جديدة ، وفكر البعض بإحتمال قيام إنقلاب عسكري تنظمه جهات ربما بالتعاون مع قوى دولية أو إقليمية ، وكانت أيضا فكرة إعادة الانتخابات كحل للازمة،  ولكي تتحقق هذه الفكرة فلابد في البدء من الاقدام على حل البرلمان والذي لا يتم إلا عبر طريقين لا ثالث لهما كما نص الدستور على ذلك في المادة 64 :
المادة (64):
اولاً : يحل مجلس النواب بالاغلبية المطلقة لعدد اعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث اعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء و بموافقة رئيس الجمهورية، ولايجوز حل المجلس في اثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء .
ويظهر من هذه المادة إن فكرة الحل تقف بوجهها عقبات جدية فإن كان تحقيق الاغلبية المطلقة لا يتم إلا عبر طلب من ثلث أعضاء المجلس أي بعدد ( 109) عضو في البرلمان ، فمن هي الكتلة التي تمتلك هذا العدد ؟ وحتى لو تم تحقيق نصاب الـ (109) عبر تحالف أكثر من جهة ،  فإن تحقيق الاغلبية المطلقة يصطدم بعقبات جدية ذلك، فكما تشير المادة أعلاه فإن الاغلبية المطلقة لثلث أعضاء البرلمان وليس لثلث الحضور في جلسة التصويت وهذا صعب المنال إعتمادا على ما كان يحدث من غيابات بعضها مقصودا وما ظهر من عدم الجدية لعدد غير قليل من الاعضاء في التعامل مع القضايا المصيرية التي كانت تطرح للنقاش في البرلمان، كما إن جل أعضاء البرلمان تهمهم مصالحهم الذاتية على حساب مصالح الكتلة أو الطائفة أو الوطن وهذا يتجلى من حجم التجاذبات والاستعصاءات ومراجع الاعضاء الفكرية والطبقية ، فهم في الاغلب الاعم جاءوا وفق توافق لمصالحهم الشخصية مع الكتلة التي ترشحوا عنها وليس عن قناعة فكرية ببرنامج أو توجه ما ، وإن إعتمدنا على توافق رئيس الوزراء مع رئيس الجمهورية على فكرة الحل فعلينا أن نعلم إن قرار اي من مؤسستي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ليس مستقلا كما أثبتت الاحداث وإنما يخضع لتأثيرات ليس أقلها من قوى إقليمية أو دولية .لكن على فرض إن فكرة الحل ممكنة الحصول فما الذي سيحدث ؟
لقد إمتلكت القوى السياسية المتنفذة في الحكم خبرة إعادة إنتاج أو تكوين نفسها ، وإن تحصل تغيرات ما في التركيبة فإن محصلتها النهائية تبقى في الحفاظ على هوية الكتلة أو توجهها الطائفي بشكل عام ، وأيضا فإن أية تغييرات في البنية الاجتماعية التي أدت الى صعود هذه الكتل في الانتخابات السابقة لم يحصل الى الان لكي نراهن على العامل الطبقي في التغيير ، وكذلك فإن المراجع الفكرية للكتل الطائفية مازالت ذات تأثير قوي في الشارع العراقي وعلى حرية الناخب في التصويت ، والاهم إن القوى البديلة وأعني قوى التيار الديمقراطي مازالت تحبو ولا تستطيع أن تكتسح الشارع أو حتى تحقيق عدد مؤثر في البرلمان ، ومن ذلك يظهر إن القوى المتنفذة سوف تبقى نفسها في الحكم مع تغيير في الوجوه ومحافظة على شكل النظام المحاصصي ، ولاابد أيضا من مراعاة وضع جماهير التيار الديمقراطي والتي لا أتصور إنها تحتمل إنتكاسة إنتخابية أخرى . ومن حري القول التأكيد على إن إعادةالانتخابات تستلزم من جملة ما تستلزم تشريع قانون إنتخابات عادل غير الذي تمت الانتخابات الاخيرة بموجبه ، يضمن عدالة توزيع الاصوات وعدم تصديرها لغير الجهات التي صوت لها الناخب ، وكذلك قانون أحزاب ديمقراطي ليس الذي قدم مجلس الوزراء مسودته الى البرلمان لما تحمله هذه المسودة من هنات وثغرات وتوجهات تعطي مؤسسات السلطة الحاكمة إمكانية الهيمنة على الاحزاب السياسية الموجودة حاليا أو التي ستنشأ وفق القانون ، فمن سيشرع هذه القوانين ؟ أليس هو البرلمان الحالي بكل ما يحملة من مساوئ لم يستطع الى الان إظهار وجه إيجابي يكفل على الاقل تشكيل سليم للحكومة . وأيضا لابد من إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات ليس على الاسس القائمة عليها الان ، بل لابد من تجاوز فكرة التقسيم المحاصصي للمناصب فيها ، فهل ستتقبل قوى المحاصصة الحالية والمهيمنة على مقدرات الحكم تشكيل مفوضية إنتخابات من خارجها ؟ لا أتصور ذلك بالمطلق . وايضا مازالت ركائز الديمقراطية الهامة والتي تتم عبر تشريعات لم تنجز فلا قانون ناضج ينضم عمل منظمات المجتمع المدني ولا برنامج حكومي أوقانون يكفل إستقلالية النقابات المهنية ويمنع تدخل الحكومة في عملها ولا توجد ضمانات للحرية الفردية إجتماعيا أو سياسيا ، فكيف نستطيع أن نضمن تغيير ما في تركيبة برلمان المستقبل المنشود عبر الانتخابات المبكرة؟ هذا إضافة الى تأثيرات الوضع الامني والاقتصادي على حرية الناخب ووعيه في الاختيار . لذلك فإن فكرة إعادة الانتخابات تبدو أقل تأثيرا في إيجاد مخارج للازمة المستعصية التي تمر بها العملية السياسية في العراق ، ولا يوجد بديل أمثل من التوجه الى الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير وذلك عبر تطوير أساليب رفضها للواقع الحالي والخروج من محدودية الشعارات التي ترفعها إعتصامات الجمعة المتكررة من مطاليب تمس مجالس وهيئات محلية الى شعارات تعبر عن رفض التوجهات الفكرية والسياسية للقوى المتنفذة في الحكم وفضح أساليبها في المرواغة والتمويه والوعود الكاذبة ، ولعل تجربة مظاهرات يوم 25 شباط الماضي خير دليل على ذلك ، فالرعب الذي أصاب الحكومة ورئيس الوزراء شخصيا والاساليب التي لجأت اليها أجهزة السلطة في منع وقمع المتظاهرين خير دليل على ذلك ، وأيضا التداعيات التي نجمت عن إقالة ثلاثة محافظين(رغم إنه لم يأت ِ بديل أفضل منهم  ) ألا إن ذلك بجميع الاحوال كان هزة في كيان القوى المتنفذة في الحكم ، وأيضا ما أ ُشيع عن خلافات حادة داخل بعض الكتل حول مشروعية مطاليب المتظاهرين وأساليب التصدي التي إتبعتها الاجهزة الامنية وغير ذلك  ، كان كله مؤشر هام على فاعلية الحراك الجماهيري في تحقيق بعض المكاسب . لذلك فإن التوجه لتطوير هذا الحراك عبر تطوير شعاراته وأساليب التحشيد وأمكنته وأوقاته من شأنه أن يؤدي الى إحداث هزات في الحكم ينكشف معها  بشكل أكبر النموذج الردئ الذي تتبعه القوى السياسية صاحبة العدد الاكبر في البرلمان والذي من شأنه أن يقلل من إمكانية إستمرارها على الاقل بنفس أساليبها إن لم يكن تغيير في توجهات الناخب العراقي لاختيار الاكفأ والاصلح في إنتخابات تحتاج الى وقت لكي تختمر فيها فكرة التغيير المنشود.

76
قراءة سياسية
لمشروع قانون الاحزاب العراقية

                                                                                                                    تحسين المنذري
يعتبر قانون الاحزاب السياسية في كل بلد مؤشرا هاما على مدى تطابق المبادئ  الديمقراطية مع فلسفة السلطة أو القوى المتنفذة في الحكم ، ومشروع قانون الاحزاب السياسية العراقية خير مثال على ذلك ، فالذي وضع مسودة القانون يمثل بحق توجهات السلطة السياسية العراقية الحالية في محاولات الهيمنة على الحياة السياسية وتوجيهها بالشكل الذي تستطيع معه القوى المتنفذة في الحكم من إستمرار فرض هيمنتها المطلقة على مجمل عمل وتوجهات القوى السياسية حتى المختلفة معها في المضمون والتوجهات العامة . ولعل التوقف عند بعض مفاصل مشروع القانون قد يعطي صورة لطبيعة تفكير قوى السلطة والتي وعدت في أكثر مناسبة بمراجعة الدستور وتعديله ، لكن وكما يبدو من مشروع قانون الاحزاب السياسية إنها لا تنوي الوفاء بوعدها هذا وتستند في أكثر من مادة من مشروع القانون على الدستور بما يضع علامات إستفهام على المنوي من ذلك ، فهل إن تعديلات الدستور أصبحت من أحلام الماضي ؟؟ إن الدستور العراقي بوضعه الحالي وكما هو معروف للجميع يحمل أكثر من تناقض بين مواده وايضا فيه من العبارات العمومية والتي تحتمل التفسير بأكثر من صورة مما يضع المتابع للوضع في حيرة على أي أساس سيتم تفسير هذه المادة أو تلك ، وهذا ما إنعكس في مشروع القانون أيضا فالمادة الخامسة ثانيا تشير الى عدم جواز تشكيل حزب سياسي على أساس التعصب الطائفي أو العرقي  أو المذهبي ، فما المقصود بالتعصب هنا ؟ وما هو التصرف  أو الموقف الذي يمكن إعتباره تعصبا ؟ أتصور إن المسألة تخضع لمزاجيات وتوجهات القوى المقررة لذلك ، فما تعتبره هذا الكتلة أو الجهة تعصبا ربما لا تعتبره القوى التي على الضفة الاخرى منها تعصبا ، فكيف سيتم حل مثل هذه الاشكالية إن ظهرت مستقبلا كعقدة في الحياة السياسية العراقية ؟ أتصور كان الاجدى بالمشرع أن يستعيض عن هذه العمومية بعبارة أكثر وضوحا وحزما بفرض عدم تشكيل أي حزب على أساس عنصري أو ديني أو طائفي ويشترط مبدأ المواطنة العراقية في تشكيل الحزب ، ورغم وجود نص بهذا المعنى في مشروع القانون إلا إن المشروع يناقض نفسه عندما يشير في المادة (11) حق الاقليات في تشكيل أحزابها وهذا خروج عن معنى المواطنة المنصوص عليه في الدستور أولا ويتناقض مع منع تشكيل الاحزاب على أساس عنصري  كما نصت على ذلك  المادة الخامسة ثانيا .
الاحزاب تخضع لمشيئة السلطة التنفيذية : في جميع البلدان المتطورة ديمقراطيا ، تنحي السلطة التنفيذية نفسها عن شؤون الاحزاب وكل ما يتعلق بها من تراخيص أو منع أو عقوبات أو غير ذلك ، لأنها ببساطة مكونة من حزب او مجموعة أحزاب سياسية ، ولكي تحترم السلطة التنفيذية استقلاليتها وتضمن النزاهة في التعامل مع شؤون الاحزاب فإن القوانين هناك تعهد بشؤون الاحزاب والمنظمات السياسية الى السلطة القضائية المستقلة عادة ، لكن مشروع قانون الاحزاب السياسية العراقية المنوي تقديمه للبرلمان يقضي بتشكيل دائرة لشؤون الاحزاب تتبع وزارة العدل ( والحمد لله إنها لاتتبع الداخلية ) يفترض القانون تشكيلها على اساس الحياد وليس المحاصصة المقيتة كما هو معهود في كل التشكيلات الحكومية منذ عام 2003 والى الان ، وأحال مشروع القانون كل متعلقات الاحزاب الى المحكمة الادارية والتي هي تختص بشؤون دوائر الدولة فيما بينها أو هي طرفا في أي قضية وتتبع وزارة العدل أيضا وكأن الاحزاب هي جزء من تشكيلات ودوائر الدولة العراقية ، كان ألاجدر بالمشرع أن يحيل كل ما يتعلق بالاحزاب من تراخيص وحل إشكاليات الى مجلس القضاء الاعلى وتكوين لجنة منه ذات مستوى رفيع وليس كما يريد المشرع أن تكون اللجنة برئاسة مدير عام ومجموعة من الموظفين ، وفي ذلك محاولة مفضوحة من جانب السلطة للهيمنة على شؤون الاحزاب ومقدراتها .
عراقيل أمام تشكيل وعمل الاحزاب السياسية وتدخل في شؤونها :
يشترط مشروع القانون أن يكون عدد أعضاء الهيئة التأسيسية للحزب أن لايقل عن الـ ( 2000) مواطن عراقي وهذا رقم كبير من شأنه أن يعيق تشكيل احزاب جديدة على أن يتواجد المؤسسون في ما لايقل عن ستة محافظات عراقية ، رغم إن النية في وضع هذا الرقم واضحة ، ذلك إن الانشقاقات التي تتعرض لها بعض الاحزاب المتنفذة في السلطة خطر داهم عليها أبدا وهي بذلك تحاول درء هذا التهديد بوضع شرط العدد الكبير ، لكن العراق وشعبه ليس هذه الاحزاب وحسب إنه أكبر بالتأكيد وفيه من الخيرين ما لم تستوعبه تلك الاحزاب  وفي مقارنة مع قوانين الاحزاب لعدد من الدول الاوربية فإن عدد الهيئة التأسيسية في الغالب لا يزيد عن الخمسمائة مواطن ، وكذلك فإن من حق أي مجموعة من المواطنين تشكيل حزب سياسي وفق قانون مرن وسهل ، بل وربما هناك إمكانية تشكيل أحزاب تهتم بشؤون إقليم لوحده وربما محافظة بعينها ، ما المانع في ذلك إذا التزم الحزب بنظامه الداخلي وبعمله بضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية وفقا للدستور ، وخلاف ذلك ممكن سحب إجازة الحزب في الحال ، ثم إن هذا العدد الكبير الـ (2000) ألا يحتاج تجميعهم الى جهد ووقت يقتضي التحرك سياسيا وجماهيريا قبل الحصول على موافقة التشكيل ، وإن حصل هذا فإن أصحاب فكرة التأسيس الاولى والذين هم أقل من الفي مواطن سيتعرضون حتما للعقاب القانوني بحجة العمل الحزبي بلا ترخيص ، اليس هذا فخا يعيق تشكيل أحزاب جديدة ؟وهناك إشكالية اخرى تبرز في هذا العدد الضخم للمؤسسين ذلك هو وجوب حضورهم المؤتمر التأسيسي الاول للحزب فكيف يتم تجميع هذا العدد وكم هي المصاريف التي تكلف هذا الاجتماع وأي قاعة تستوعب هذا العدد وكيف سيدار إجتماع يحضره الفا شخص ؟ كلها تساؤلات كان على المشرع أن ينتبه لها فبل وضع هذا الشرط المجحف .  كما إن من حق أي حزب أن يغير ببرامجه متى ما شاء وبأي طريقة يرتأيها فلماذا نص مشروع القانون على ضرورة أن يحصل الحزب على موافقة المحكمة الادارية لغرض تغيير برنامجه ، فهل أذا رفضت المحكمة الادارية هذا التغيير على الحزب أن يتراجع ؟ أم عليه أن يجري تغييرات ترضي السلطة التنفيذية فقط ؟ إن وجود هذه المادة الثامنة عشرة / ثانيا هو تدخل سافر بشؤون الاحزاب السياسية على المشرع أو مجلس النواب العراقي الانتباه لذلك وحذفها كليا .ويمضي مشروع القانون في محاولات فرض إرادة السلطة التنفيذية على الاحزاب فيفترض وجود رئيس للحزب وليس أمينا عاما أو سكرتيرا أو ما شابه ذلك ويفترض وجود نائب لرئيس الحزب وليس هيئة قيادة جماعية ، ويملي على الاحزاب أن يقود رئيس الحزب أونائبه إجتماعات المكتب التنفيذي أو الهيئة القيادية العليا !!! في حين إن التقليد الديمقراطي في أغلب الاحزاب الديمقراطية في بلدان العالم المتطور هو إنتخاب أحد الاعضاء في الهيئة لقيادة أي إجتماع لها مهما كان مستوى الهيئة وتكون مهمته قيادة الاجتماع فقط ويخضع لقيادته كل أعضاء الهيئة بما فيهم رئيس الحزب أو سكرتيره ، حيث إن ذلك يساعد على تطوير الكادر داخل الاحزاب وتعليمهم التجربة الديمقراطية والحزبية ، فلماذا يفرض مشروع القانون هذا الإجراء التنظيمي البحت ؟ وتستمر محاولات التدخل بفرض شرط عقد مؤتمرات الحزب في كل سنة لماذا؟ ماهي المتغيرات التي تفترض عقد المؤتمر سنويا ، أليس الاجدر جعل المؤتمر كل أربع سنوات إنسجاما مع الدورة البرلمانية ؟ ويفرض مشروع القانون على الاحزاب التبليغ وأخذ الموافقة على تحالفاتها ومن المحكمة الادارية أيضا !!! من المعلوم إن التحالفات هي جزء من نشاطات الاحزاب وعملها ربما حتى اليومي ، وقد تنشأ تحالفات في ظروف طارئة وقد لاتستمر مدة طويلة إنسجاما مع الحدث الذي من أجله تمت فلماذا أخذ الموافقة قبل التحالف ؟ وهل إذا رفضت المحكمة الادارية هذا التحالف فإنه سوف لن يتم ؟ أليس ذلك غريبا ؟ ومن يضمن إن المحكمة ستوافق على تحالف ضد الحكومة مثلا أو ضد بعض إجراءاتها . إن موضوع التحالفات يفترض أن يُترك الى قانون الانتخابات فهنا تتم التحالفات المهمة رغم إنها قد تكون وقتية لكن تسجيلها فقط وليس أخذ الموافقة عليها هو المطلوب لغرض تنظيم عملية التصويت وتحديد الكتل والكيانات المشاركة في الانتخابات لاغير وليس إستجداء الموافقة كما يريد مشروع القانون . وفي محاولة إتخاذ إجراء قسري بحق الاحزاب فإن الحزب الذي لا يشارك في دورتين إنتخابيتين للبرلمان أو لمجالس المحافظات أو البلديات يتم حله كما تريد ذلك المادة 40 من مشروع القانون ، ولا أدري أليس مقاطعة الانتخابات موقفا سياسيا ؟ ويحق لأي حزب أن يتخذ موقفه كما يشاء ؟ هذا إن كان الوضع ديمقراطيا ، فلماذا لا يحق للحزب التعبير عن موقفه بحرية وكما يشاء ؟ ثم إنه ـ أي الحزب ـ يعمل سياسة والمشاركة في الانتخابات أومقاطعتها إحتجاجا أو لظروف تخص الحزب هو عمل سياسي أيضا ومن حقه أن يتخذ الموقف الذي يراه مناسبا ، فلماذا يتم حله وفقا لهذه المادة المجحفة ؟ هل هناك من حاجة لإعادة القول إنه تدخل سافر في شؤون ومواقف الاحزاب حتى قبل أن تنشأ ، وإنه محاولة من السلطة التنفيذية لفرض أجندتها هي على الاحزاب وإخضاعها لمشيئتها السياسية .
موارد الحزب المالية : أعطى مشروع القانون الحق للحزب في تجميع موارده المالية من أعضائه ومناصريه على شكل إشتراكات أوتبرعات كما إنه أجاز للحزب الحصول على الموارد المالية من بيع أدبياته أو من نشاطاته الاجتماعية والثقافية وما تخصصه الدولة من ميزانيتها للاحزاب وتلك بادرة أيجابية ، لكني وددت التوقف عند ملاحظتين هامتين : الاولى تتعلق بالتبرعات فمشروع القانون لم يحدد سقفا لمبلغ التبرعات المستلم من الشخص( المعنوي) المتبرع وهذه ثغرة كبيرة فمن شأن التبرعات في مثل هكذا حالات أن تكون مبالغها مرتفعة جدا مما يثير علامات الاستفهام على مصدرها أولا وأيضا قد تكون وسيلة غسيل أموال أو إنها تهرب ضريبي ، كان الاجدر تحديد حد أعلى للتبرعات المستلمة وأيضا لابد للقانون الضريبي أن يحدد إن كانت  مبالغ التبرعات للاحزاب السياسية خاضعة للاعفاء الضريبي أم لا . والملاحظة الثانية هي تلك المتعلقة بتوزيع مبالغ الدولة على الاحزاب فقد أشارت المادة 52 الى طريقة توزيع مجحفة حيث يتم توزيع 30% من تلك المبالغ على جميع الاحزاب وتوزع الـ 70% الاخرى على الاحزاب الممثلة في البرلمان وحسب نسبة تمثيلها ، أي إن الاحزاب الممثلة في البرلمان تحصل على حصتين والثانية أكبر من الاولى حتما ، وبذلك فإن مشروع القانون يضمن لاحزاب السلطة حصة الاسد من الكعكة وهذا تمييز صارخ بين الاحزاب ، كان الاجدر بالقانون أن يساوي بين الاحزاب ويوزع المبلغ المخصص من ميزانية الدولة بالتساوي على الاحزاب بغض النظر عن وجودها في البرلمان أوخارجه فذلك جزء من مستحقات تلك الاحزاب على الدولة واجب التنفيذ .
خاتمة القراءة : يبدو مما تقدم أعلاه إن مشروع قانون الاحزاب السياسية يحمل الكثير من الهنات والثغرات ولا يصلح بشكله هذا ليكون قانونا ديمقراطيا منصفا تستطيع معه الاحزاب العراقية التشكل والعمل بحرية ، كان الاجدر إحالة كتابة مشروع القانون الى قانونيين محايدين ومتمرسين بشؤون القانون والقضاء حتى وإن لم يكونوا موظفين في الدولة ، والاستفادة من قوانين الدول الاخرى الديمقراطية وهذا ما متعارف عليه بالقانون المقارن ، كما لابد من عرض القانون على الاحزاب السياسية القائمة حاليا بغض النظر عن وجودها في البرلمان من عدمه لغرض المناقشة والاستفادة من الملاحظات قبل إعداده بصيغته النهائية وعرضه على البرلمان ، ففي ذلك توسيع لمشاركة القوى السياسية في تنظيم العملية الديمقراطية وضمان صيغة قانون أكثر تكاملا وتوافقا مع رغبات القوى السياسية العراقية وليس فقط رغبات القوى النمتنفذة في الحكم .

77
كي لاتفقد المظاهرات بريقها

                                                                                                                 تحسين المنذري
لم يكن الرعب الذي  أصاب الحكومة وأركانها قبيل إنطلاق مظاهرات يوم 25/ شباط  قادم من فراغ ، فالحكومة تعلم جيدا إنها تستحق الرفض ، والمطاليب كانت مشروعة وواقعية بحيث لا يستطيع أحد أي كان أن يقف بوجهها ، كما إن الجهات التي تبنت الاحتجاجات ليست من تلك القوى التي يمكن تقديم الرشوة لقادتها وإرضائها بحيث تنطلي الوعود على جماهير المحتجين ، كما إن الدعاية الاعلامية الكبيرة أعطت لتلك المظاهرات بُعدا أخاف المتنفذين بالحكم ، مما حدا بهم جميعا الى تبادل الادوار في الرفض وطلب التريث وفي بعض الاحيان الصمت وعند أخرين إظهار التعاطف مع المحتجين ، وكل هذا وذاك لم يكن إلا محاولات بائت بالفشل ، فقد تمكن المتظاهرون من قول كلمتهم وخرجوا بالالاف  رغم كل محاولات المنع التي إتبعتها أجهزة السلطة الرسمية بدءا من الفتاوي الى إغلاق الطرقات والجسور وتكثيف المفارز الامنية وقبلها كانت محاولات تشويه المتظاهرين والتي بدورها أعطت مشروعية أكبر لتلك التظاهرات وكشفت زيف وكذب من أطلقها ، ولقت الاحتجاجات صدى ً إيجابيا لدى الرأي العام العراقي وحتى العالمي الذي إطلع عن كثب على ماجرى في يومي الجمعة 25/ شباط و4/آذار ، إلا إن الاسبوع الاخير(يوم الجمعة 11/آذار )  ورغم إصرار المحتجين على التظاهر لم يشهد ذلك البريق الذي رافق الجمعتين الاوليتين ، ولهذا حتما أسباب موضوعية أكبر من كونها فتور همة المحتجين وفشلهم في إيصال الصوت كما يريد البعض أن يصور ذلك أو عدم مشروعية المطاليب وإنخفاض جدية القائمين على تلك الاحتجاجات ، وغير ذلك مما قد يتصور البعض معه إن المظاهرات لم تعد ذات جدوى ، والحقيقة إن إجراءات الحكومة في محاولة التخفيف من حدة الضغط الشعبي بالشروع ببعض الاصلاحات التي أعلن عنها مجلس الوزراء لم تكن من العوامل التي أثرت بأي حال على معنويات المحتجين أو خفضت من سقف مطاليبهم ، فالكل يعلم بما فيهم الحكومة إن الاجراءات التي أ ُعلن عنها لاتلامس حتى شغاف المشاكل الحقيقية والجدية التي يعاني منها المواطن العراقي والتي تحمل بسببها الكثير من الاوجاع الانسانية ، ورغم بقاء المطاليب نفسها على أهميتها وجديتها وضرورة الاستمرار في تأكيدها مع كل مناسبة إحتجاجية قادمة لحين تحقيقها ، فإن الاهداف والشعارات والمطاليب التي رفعها المتظاهرون في المرات السابقة لم تعد كافية لإثارة شهية التظاهر والاحتجاج ، فالمشاكل تكمن كما يعرف العراقيون جميعا في طبيعة النظام القائم وفي شخوص السياسيين الذين يتولون إدارة دفة الحكم وهم المسؤولون قانونا عن كل ما يجري في البلد كحكومة مركزية وحكومات محلية ، لذلك فلكي تستمر الاحتجاجات في التصاعد لابد من رفع سقف المطاليب والشعارات المرفوعة في المظاهرات حتى وإن مست وضع النظام نفسه أو الحكومة كحد أدنى ، ولابد أن تكون الشعارت واضحة ومباشرة بهذا المعنى وليست تدور حول الهدف فقط .
إن المواجهة بين النظام السياسي القائم بقواه المتنفذة في الحكم وبين جموع الشعب الرافضة لكل سياساته وممارساته قادمة لا محال ، فلا يوجد في الافق ما يشير الى إحتمالات التغيير المؤدية الى تحسن الوضع ، لذلك فلابد من أخذ زمام المبادرة من الان من قبل المحتجين ولكي يضعوا هم الجدول الزمني للتغيير ، لا أن يأتي ذلك من الغيب .

78
الهجوم على مقري الحزب الشيوعي
إحتفال حكومي بالذكرى الاولى للانتخابات

                                                                                                           تحسين المنذري
على شرف الذكرى الاولى للانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 7/ آذار /2010 داهمت قوات حكومية مقري اللحنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وجريدة طريق الشعب في سابقة غير مألوفة منذ العام 2003 والى الان ، ولعل التبريرات التي أطلقتها الاجهزة الحكومية لهذا التصرف المشين ، كانت أكثر سخرية من الحدث نفسه ، فالبنايتان  مشغولتان بشكل رسمي من قبل الحزب الشيوعي  وليس مثل الابنية التي تشغلها أحزاب أخرى متنفذة في السلطة ، والايجارات كبيرة ومرتفعة وهناك مفاوضات بين طرف حكومي والحزب الشيوعي لتقليل تلك المبالغ ، وكل شئ كان يسير على مايرام ، حتى إن مكتب رئيس الوزراء أكد في 12/ كانون ثاني  2011 التريث بتطبيق قرار سابق بإخلاء كل المباني الحكومية التي تشغلها لاحزاب السياسية بعد عام 2003 ، فلماذا كانت هذه الهجمة المشينة ؟ ولماذا شملت الشيوعيين دون الاخرين ؟ يبدو لي إن الامر ليس لغزا ولا به ما يدعو الى التفكير الطويل ، فالاحزاب المتنفذة في السلطة والتي أرادت من قانون الانتخابات سئ الصيت الذي أقرته قبيل الانتخابات البرلمانية السابقة ، أن تحجم دور القوى السياسية الاخرى المناهضة لمشروعها ، القوى التي تريد عراقا ديمقراطيا بحق ، يرفل المواطن فيه بكل اشكال الحريات العامة والخاصة ، عراقا تسوده المودة ، وتعم الخدمات كل أرجائه بكل مفاصلها ، عراقا يقف فيه المواطن ليقول للمسؤول عذرا لقد أخطات فغادر موقعك ، عراقا يستطيع الانسان فيه أن يمارس دوره الرقابي ويتمتع بحد معقول من الكرامة الانسانية  ، عراقا لايروق للقوى السياسية المتنفذة في السلطة ، فكيف نريد لها السكوت وقد فشلت محاولتها الانتخابية في تحجيم  دور تلك القوى ؟ نعم من الصعب عليها أن ترضى وهي تريد الانفراد بالقرار بلا رقابة وبلا معارضة  ، فقامت بعد ذلك بسلسلة من الاجراءات للتضيق على الحريات العامة ، ولم تفعل سوى أن زادت من حجم السخط الشعبي على سياساتها بالترافق مع التردي المريع في الخدمات والانتشار الكبير للفساد ، وتربع واضح لقوى المحاصصة المقيتة في إقتسام مخجل للمناصب والامتيازات ، لقد هبت جماهير الشعب في كل أرجاء الوطن مطالبة بحقوقها وبإصلاح الوضع سياسيا وإجتماعيا وإقتصاديا ، وتلك ممارسة لاتخرج عن إطار الديمقراطية والحقوق التي كفلها الدستور العراقي مع كل ما يحمل من هنات وأخطاء ، فلم يرق للسلطة ذلك وحاولت جاهلة بشتى الاساليب منع الشعب من أن يقول كلمته  ، لكن هيهات للمارد أن يعود الى قمقمه إن إنطلق منه . وفجأة تكتشف السلطة إن الشيوعيين يسيرون حيث يسير الشعب الرافض ، وكأنهم لم يكونوا كذلك منذ أن وجدوا في أرض الرافدين ، فأغاضها موقفهم هذا وبدت الاشارات واضحة من رأس السلطة لمن فشل في الانتخابات ، لكنه وببؤس شديد حاول ربطهم مع القاعدة والبعث الصدامي المقبور ، فكان بحق محط سخرية  وإستنكار الجميع ، فقال الشعب كلمته والشيوعيون جزء حيوي منه ، وأرعب المتسلطين بطريقة غير مألوفة ، وتهاوت كل أوراق التوت الديمقراطية ، وسقطت الاقنعة ، وبدت ممارساتهم القمعية متطابقة مع  سابقيهم من الحكام المستبدين ، فكان منع التجوال والرصاص الحي والقتل العمد وخراطيم الماء والعصي الكهربائية والهروات والاعتقال التعسفي والتعذيب ومنع التغطية الاعلامية وكل ما يشين الديمقراطية ، وكان لابد للتصاعد في تلك الممارسات القمعية أن يستمر ، فكان الهجوم على مقري الحزب الشيوعي محاولة بائسة أخرى ، لايبغون منها سوى إشغال الحزب وجماهيريه عن ما أعتزموا الاستمرار فيه ، وضغط مخزٍ لايشرف أحدا .
لقد تصورت القوى الشاغلة الان لكراسي الحكم إن قانونها الانتخابي سوف يهمش الشيوعيين بالذات ، ولم يدر بخلدها إن الشيوعيين جاءوا من رحم المعاناة الانسانية للشعب ، وهم لم يغادروا أمكنتهم في افئدته مهما حاولت السلطات التهميش والابعاد ، وإن كراسي البرلمان التي شغلوها لم تكن سوى وسيلة نضال وطني شرفت تلك الكراسي ، فلم يبتعد حميد مجيد موسى  ومفيد الجزائري عن هموم أبناء جلدتهم وهم في مكان كان بإستطاعتهم وهم فيه أن يبنوا لانفسهم مالا وجاها زائفين كما يفعل من كان يجاورهم مجلسا في البرلمان ، لكنهما لم ينسيا المواطن الذي وهبهم صوته فكانا المدافعين الاشد عن حقوقه ، وذلك ما كان يغيض الحكام حتما . فإن غادر الشيوعيون البرلمان فإنهم لم ينسوا قط تأريخهم وإرث نضالاتهم الوطنية وحجم التضحيات الجسام التي قدموها من أجل حرية الوطن وسعادة الشعب .
يبدو إن كرسي الحكم يعمي من يشغله ، ويحجب التاريخ عنه ، فأين كل المستبدين السابقين الذين حاولوا القضاء على الشيوعيين أو حتى تهميشهم ، أين موقع هؤلاء اليوم ؟ لم تعد الذاكرة الحية تعطي لهم فسحة سوى في الاماكن المخزية من صفحاتها ، فلتبحث السلطات عن طريقة أخرى للاحتفال بنصرها الانتخابي المنهار ، طريقة لاتحملها خزي الاحتفال المشين هذا ، وهل سيثني إحتفال السلطات بذكرى إنتخاباتها الشيوعيين عن ممارسة دورهم الوطني المشرف في الدفاع عن مصالح الشعب والتصدي لهاضمي حقوقه ؟ لا أظن ذلك فهم يعون دورهم الحقيقي ويعون في نفس الوقت أهداف السلطات القمعية في ممارساتهم التعسفية هذه ، وسيبقون كما هم لاتفارقهم الصلادة ولاتهزهم ريح صفراء خاصة وعيون الشهداء الاماجد شهداء الحزب والوطن شاخصة بكل عنفوانها ترقب وتوجه وتريد لمسيرتها الاستمرار. وأخيرا كأني أرى الشيوعيين اليوم يرددون نفس أغنيتهم" بوية كَضه اللي جان يحسب كَضانه ".فهل في الحكم من يعي ذلك ؟

79
هتافٌ يختصر الطريق
( ياويلي علينا إشلون حالتنا .... جا وين المراجع ليش عافتنا )

                                                                                                              تحسين المنذري
ياويلي مشتقة من الفصحى من كلمة ويل وويل كما وردت في مختار الصحاح " وَيْل كلمة عذاب ويُقال وَيْلَه ووَيْلك ووَيْلي وفي الندبة وَيْلاه ، وقال يسار بن عطاء : الوَيْل واد في جهنم لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره " ويبدو إن العراقيين إستعاروا في عاميتهم معنى الويل في الندبة " وهم لايستخدموها عادة إلا في المصائب الكبيرة التي تقع كالأقدار ولا يستطعون ردها مثل قولهم: " أويلي على فلان مات غدر " أو " أويلي إحترك بيت علان " وهكذا من الاستخدامات التي تدلل على عِظَم الواقعة . وفي مظاهرات 25 شباط ردد المتظاهرون في إحدى محافظات العراق الويل نادبين حظهم وحالهم فقالوا " يا ويلي علينا إشلون حالتنا " إلا إنهم لم ينسوا أن حملوا مسؤولية حالهم لمن تقع عليه فعل المسؤولية فعلا فقالوا " جا وين المراجع ليش عافتنا " وهذا هو عين الصواب . فالمرجعية الدينية في النجف تتحمل الى جانب قوات الاحتلال الاميركي عبء المسؤولية كاملة ، فالمرجعية أول من نادى بالانتخابات التي تؤتي بمجلس يكتب الدستور ، في وقت لم يكن للانتخابات من معنى في الحس الشعبي العراقي سوى بيعة القائد أوإعطاء الصوت للاقوى  مثل شيخ العشيرة والوجيه ورجل الدين أومن يشير اليه حتى وإن كان الاختلاف معه قائم ، ، وسار المحتل الاميركي مع هذه الفتوى بحجة مخافة إثارة الرأي العام ضده لما تصوره الاحتلال من دور وتأثير بنيوي للمرجعية في الرأي العام العراقي وليس هبة عواطف مشحونة ومكبوتة لعقود مضت ، بل إن الاحتلال ربما كان يعلم بذلك كله لكنه أراد أن تكون الصورة كما هي عليه الان فذلك له أجدى . ولم تكتفِ المرجعية بهذا بل راحت تروج علانية وسراً للتصويت لشريحة معينة عن طريق مباركة قائمة كذا علنا وعن طريق حث الوكلاء لتحشيد الناس للتصويت لنفس تلك القائمة ، فكان ماكان ، إذ فازت تلك القائمة بالاغلبية المطلقة مع ترافق مقاطعة شريحة  كبيرة من الشعب للانتخابات . وجلس ( فقهاء ) الدستور الاميين ليكتبوا دستورا أعرجا على مقاساتهم هم لاغير . ولم يتوقف دعم المرجعية لهؤلاء ليمتد الى الانتخابات النيابية الثانية في مباركة ودعم نفس الوجوه والتي أتت بحكومة قيل عنها إنها حكومة توافق وطني أو كما تمشدق البعض بأنها حكومة وحدة وطنية ، لكنها لم تكن سوى حكومة تقسيمات طائفية كادت أن تودي بالبلد الى التقسيم ، وكل ذاك كان بفضل الاشخاص والاحزاب الذين دعمتهم المرجعية ، وظهر أيضا إن جلَّ هؤلاء لم يكن مؤهلا ليس للحكم فقط بل ولا لتحمل أي مسؤولية تقتضي الامانة والصدق ، فكانوا سراقاَ بإمتيار ، مفسدين من الطراز الاول ، قتلة مجرمين أسسوا ودعموا ميليشيات قتل وجريمة ، وفعلوا كل ما يندى له الجبين من كذب وتدليس وغش وخداع ، فقط من أجل البقاء في الحكم ، فهل كانت المرجعية على علم بسلوكيات هؤلاء ودعمتهم ؟ أم إنها لم تكن تعلم بحقيقة هؤلاء فقدمت دعما مجانيا بعينين مغمضتين وذهن شارد ؟ فإن كانت المرجعية على علم بحقيقتهم ودعمتهم فتلك مصيبة يتوقف عندها المرء مذهولا ولايمتلك الا الحسرة والاسف لما آل اليه حال حماة الدين والاخلاق والفضيلة ، وإن كانت المرجعية لا علم لها بحقيقة هؤلاء فالمصيبة أعظم ، فكيف لمرجعية تتبنى شؤون ملايين من الاتباع والانصار ويفترض بها أن ترعى شؤونهم الدينية والدنيوية وتدافع عنهم في كل شاردة وواردة ، وعليها أن تكون بيتا للحكمة وقول الحق ، ولاتعرف بواطن و أخلاق مجموعة صيـّرت منهم قادةً وذوي أمر ونهي . ولأفترض إن الاحتمال الثاني هو الارجح وما فعلته المرجعية كان بحسن نية وصدق مشاعر لانهم من الاتباع وواجبها يملي عليها دعمهم وتقديم المعونة في مثل هكذا أوقات سيما وإن المراجع غير معصومين عن الخطأ فقد توقفت العصمة عند الامام المهدي المنتظر ( ع) وبالتالي فإن الخطأ أمره وارد ونحن بشر وكلنا خطاؤون ، لكن ألم ترى وتسمع المرجعية أفعال هؤلاء الذين دعمتهم وقدمت لهم خدمة العمر ، أليس المتضررين من الاتباع أيضا ؟ بل أليسوا بشرا قبل كل شئ ؟ فلماذا صمتت المرجعية عن أفعال الحكام ، لماذا لم يصدر عنها أي شئ يشير الى تورطها في دعم هؤلاء ؟ وليس التورط فربما هي كلمة ثقيلة على أسماع البعض ، لماذا لم تقل المرجعية إنهم إنحرفوا عن الخط الذي ينبغي أن يسلكوا ، لماذ لم تقل إنهم وعدوا فكذبوا ، لماذا لم تنبس ببنت شفه وهي ترى وتسمع كل أفعالهم وموبقاتهم . فهل خافت المرجعية منهم لئلا يستخدموا سلطانهم عليها أيضا ؟ فكيف بمرجعية تخاف في الحق لومة لائم ؟ لابل إن المرجعية لابد أن تكون المتصدي الاول للظلام والسراق والمنحرفين فكيف أرتضت لنفسها الصمت ؟ يبدو إن السادة المراجع العظام كانوا على علم بكل ماجرى ويجري ، وربما كانوا راضين عن ذلك ، والدليل إنهم وقفوا الى جانب حكومة السراق والمفسدين عندما هب الشعب ليعلن رفضه لسياساتهم وما آلت اليه الامور ، فتصدت المرجعية وطالبت الناس بعدم التظاهر ، بل وعليهم الخنوع والسكينة لمشيئة الحكام وينتظروا بذل ما يوزعوه عليهم من فتات فتلك مشيئة الحكام والتي لابد أن تـُطاع !!! من هذا فقد شخص الهتاف كل ذلك وطالب الذين دعموا وساندوا وباركوا أن يعودوا الى أنفسهم قليلا فربما في الكأس من بقية تشفع لهم ويقولوا قولة حق ويساندوا المظلومين ولو مرة واحدة لاغير . لكن هيهات فالمرجعية راضية عن كل مايجري والخشية كل الخشية أن يكون ذلك بموافقات مسبقة منها . وربما لم تهدف المرجعية من كل ما قدمت من دعم ومؤازرة سوى تعميق الجهل والظلام ، وزيادة في اللطم والتطبير فذلك أبقى لها أولا وتطوير لوارداتها غير المحسوبة وغير المعروفة عند الناس .


80
أميركا..... واللعب على الحبال

                                                                                                                  تحسين المنذري
منذ بدأت الاحداث في تونس بالتصاعد لتشمل بلدانا أخرى حيث كانت مصر الحلقة الاهم كما يبدو عند الاميركيين، والتصريحات الاميركية تتوالى عن دعمها لتلك التحركات والانتفاضات الجماهيرية ، بل وذهبت لابعد من ذلك في الشأن المصري  من خلال دعواتها العلنية لرئيس مصر السابق حسني مبارك بالتخلي عن السلطة ، وهي مازالت الى الان ترقب الوضع المتأزم في الشرق الاوسط مع توالى تصريحات مسؤوليها في دعم الشعوب وكأنها الحامي الرسمي لنضالات شعوب البلدان المكتوية بنار الدكتاتوريات المدعومة أصلا من قبل اميركا لحد قبيل انهياراتها بأيام بل وربما بساعات . فهل هذا الموقف يعبر فعلا عن طريقة تفكير الساسة الاميركان ، وهل حقا يدعمون نضالات هذه الشعوب ؟
تعلم أميركا قبل غيرها إن ماجرى ويجري في المنطقة الان ليس بمعزل عن سياسة العولمة التي تنتهجها منذ بداية تسعينات القرن المنصرم  وتسعى الى ترسيخ فكرة سيادة العولمة بنظامها الرأسمالي وكأنها الخيار الأخير للشعوب والذي لامناص منه . سياسة العولمة تلك التي نفذتها الولايات المتحدة الاميركية عن طريق أذرعها الرئيسية ( صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي  و منظمة التجارة العالمية ) أدت الى إزدياد الفقر في بلدان الاطراف كما يحلو للمنظرين الاميركان تسمية شعوب البلدان النامية ، فقروض صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي تفرض على الدول المقترضة إلتزامات كبيرة بإتجاه تقليل الانفاق الحكومي والذي يشمل تقليل ومن ثم إلغاء الدعم لأسعار الوقود والمواد الغذائية الاساسية كالخبز مثلا، وهذا ما حصل في مصروتونس ويحصل الان في العراق من محاولات إلغاء البطاقة التموينية وقبلها تقليل الدعم على أسعار الوقود عامة ، كما إن وصفة البنك وصندوق النقد الدوليين تقضي بإلغاء ما يسمى بالقطاع العام والتوجه نحو الخصخصة والذي قامت به مصر وتونس فيما سبق ويتجه العراق الان نحوه ، وهذا يعني تقليل عدد العاملين في تلك المؤسسات التي أمست مملوكة للقطاع الخاص حيث البحث عن الربح على حساب راحة ووقت قوة العمل ،  وبالتالي إزدياد البطالة في المجتمع ، وتقضي إتفاقية منظمة التجارة العالمية الى إلغاء الحواجز الكمركية بين أعضائها مما يساعد الدول المتطورة صناعيا وزراعيا على تصدير منتوجاتها الى البلدان الاخرى وذلك لجودة النوعية مع رخص في الاسعار حيث كميات المنتج الكبيرة ، وهذا يتم بالتزامن مع منع الدولة من دعم المنتوج المحلي ، وبالاخر فإن الدول تتحول تدريجيا الى دول مستهلكة لامنتجة ويعني أيضا إزدياد معدلات البطالة والفقر في المجتمع . وبين هذا وهذاك تأتي موضوعة فتح الابواب على مصراعيها للاستثمارت الاجنبية بقوانين تسنها الدول على حساب الرأسمال الوطني ( عام وخاص ) والذي يعني إزدياد هجرة الارباح الى خارج البلد والتي جاءت من إستغلال الثروات الوطنية بشرية كانت أم مادية ، وهذا أيضا من شأنه أن يزيد من معدلات الفقر في بلدان الاطراف .
إن هذه العوامل مجتمعة كانت الاسباب الرئيسية التي أدت الى الانتفاضات الشعبية في بلدان الشرق الان ، والتي يتوقع بعض المراقبين إمتدادها الى دول خارج المنطقة مثل جنوب شرق أسيا والدول التي إستقلت عن الاتحاد السوفيتي وبعض دول المنظومة الاشتراكية السابقة خاصة تلك التي مست الاجراءات الاقتصادية لحكوماتها مفاصل حياة المواطن اليومية وأدت الى إزدياد ثروات الشرائح المالكة في المجتمع على حساب مداخيل الطبقات والفئات ذات الدخل المحدود والتي إزدادت فقرا خلال الفترة المنصرمة ، وهنا جاءت اللعبة الاميركية ، حيث إعلانها الاصطفاف الى جانب الشعوب المنتفضة وليس الحكومات التي رعتها بالامس وصانت وجودها، وذلك في محاولة بائسة لإظهار موقفها وكأنه الموقف المساند لقضايا الشعوب المضطـَهدة ، إلا إن الخطاب الرسمي الاميركي لم يتطرق مطلقا للاسباب الحقيقية لتلك الانتفاضات ، فقط جرى التركيز على الحريات العامة والديمقراطية حتى ذهب الرئيس الاميركي أوباما الى التصور بأن شعاره الذي رفعه خلال الانتخابات الاميركية ( التغيير ) هو الذي يجري إستنساخه في هذه البلدان ، وكأن التغيير كفكرة أو كلمة لم يكن لها مكان في قواميس لغات العالم إلا بعد أن نادى بها أوباما !!! متناسيا إنه الهدف الاكثر شهرة والاهم لكل نشاطات الانسان منذ بدء الخليقة والى الان وسيستمر كذلك . نعم إن الديمقراطية والحريات بكل أشكالها كانت عواملا هامة من عوامل الانتفاضات المتعددة والتي تشهدها المنطقة الان ، لكنها ليست أهم من حق العمل والعيش بالحد الادنى من الكرامة الانسانية كتوفر الغذاء والسكن والخدمات وبأسعار ملائمة لذوي الدخول المحدودة والفقراء خاصة . إن محاولات الادارة الاميركية وسياسييها مكشوفة تماما وهي ليست الا محاولات للتمسك بالحكومات القادمة والتي ستتولى شؤون بلدانها لما بعد التغيير ، والابقاء على حالة التبعية الاقتصادية وبالتالي السياسية لكل منظومة تلك البلدان ، وهذا يعني إستمرار نهج العولمة الاقتصادية  والانفراد بالعالم كقطب واحد ، فالاقطاب الاخرى مهيأة للظهور في أي لحظة ( الصين مثلا ، أو اي تحالف لليابان مع دول أخرى لها قوة إقتصادية ، بل وحتى الاتحاد الاوروبي إذا ما تخلص من تبعيات أقتصاديات بعض بلدانه لأميركا ) .
هنا يتحتم على القوى التي شاركت في التغيير الاستمرار بنهج الدفاع عن مصالح الفقراء والمهمشين وعدم التهاون مع أي محاولة للاجهاز على بعض المكتسبات التي بدأت تلوح بوادر تحقيقها في الافق الان. والتأكيد دائما على الاسباب الرئيسية لتلك الانتفاضات وليس الاكتفاء بتحقيق مكاسب جزئية .

81
نعم أُشارك في المظاهرات ... ولكن!

                                                                                                                  تحسين المنذري
منذ ثورة الياسمين في تونس والنفوس تغلي ، وبعد صمود المصريين بوجه محاولات تشبث طاغية مصر بالسلطة بأي شكل تزداد إحتمالات تكرار التجربة في اي من بلدان الحرمان والشعوب التي تعاني من فقدان الحريات والخدمات والباحثة عن الحد الادنى من الكرامة الانسانية ، والعراق واحد من تلك البلدان وشعبه من أكثر الشعوب التي عانت ودفعت ضرائبا ربما لايصدقها غير العراقيين ، لذلك فإن الوضع في العراق مهيأ لكي يكون التجربة القادمة . إلا إن الوضع في العراق يختلف عن مثيلاته في أي من بلدان المعاناة وذلك لتشابك عوامل عدة لعل أبرزها التقسيمات الطائفية ـ الاثنية للحكم وإنسحاب ذلك على عقول الكثير من العراقيين تحت واجهات الدفاع عن النفس من خلال الدفاع عن الطائفة ، أو تعويض سنوات الحرمان والمظلومية ، وعند أخرين البحث عن فرصة البقاء تحت مظلة الحكم بأي شكل كان في محاولة للدفاع عن وجود مهدد من قبل الاخر . وبسبب من تلك التقسيمات ، فإن بناء الدولة العراقية مازال ناقصا وما تم بناؤه قام معوجا ومن الصعب أن يستقيم ، فالاجهزة الامنية مازالت غير مهنية وتدين فصائلها بالولاء الى ماهو أدنى من الوطن كل حسب من وهبها المركز أو الوظيفة . وتعاني أجهزة الدولة من أمراض الفساد المالي والاداري ونقص الكفاءة الى جانب تمتع الكثير من بقايا النظام الدكتاتوري بحرية البقاء والتحرك تحت واجهات عدة ودون أدنى محاسبة من قبل الاجهزة الامنية المشلولة ، يضاف الى ذلك شيوع الجريمة المنظمة وتمكن الارهاب من تنفيذ الكثير من جرائمه بقدرة تفوق إمكانيات الاجهزة الامنية والعسكرية . إن كل تلك العوامل هي بالتأكيد محفزات موضوعية لنهوض جماهيري قد يتحول الى ثورة شعبية عارمة ، إلا إنه وفي نفس الوقت فإن كل تلك العوامل قد تصبح أسباب فشل تلك  الاحتجاجات الجماهيرية وذلك وفقا للاحتمالات التالية :
1-   من المحتمل جدا أن تستغل بقايا النظام المقبور التحركات الجماهيرية المناهضة للظلم والفساد لكي تعيد تأهيل نفسها والعودة بقوة أكبر للتحكم بالشارع وبالتالي الوصول من جديد الى دفة الحكم تحت مسميات وعناوين أخرى
2-   قد تستغل قوى الارهاب مشاعر الناس وتبادر بالدعوة لتنظيم مظاهرات حاشدة تكون بمثابة فخ تنفذ من خلاله جرائمها بتفجير سيارات مفخخة أو أحزمة ناسفة ، وعندها ستكون الخسائر جسيمة وردة الفعل عنيفة قد لاتستطيع أي قوة أخرى معها تجميع ولا حتى عشرات من الناس لاحقا
3-   كذلك فإن القوى الممثلة بالسلطة نفسها قد تستغل تلك الاحتجاجات لتصفية حسابات حزبية أو فئوية ضيقة ، وعندها سيكون البديل أسوأ
4-   وجود قوى مليشيوية لها امتدادات في السلطة واخرى خارجها وربما تستغل هذه المظاهرات لتصفية حساباتها ويذهب ضحية ذلك الابرياء الذين لاحول لهم ولا قوة
5-   قد تنشأ قوى من خلال المظاهرات لها إمتدادات خارجية إقليمية أو دولية بالاضافة الى القوى ذات نفس الامتدادات الان مما يجير نجاحات المتظاهرين لمصلحة غير العراقيين ، علما إن العراق وبإعتراف سياسييه ساحة لصراع القوى الخارجية منذ عام 2003
من كل ما تقدم فإن القوى التي تريد التصدي لقيادة الاحتجاجات بأي شكل كان لابد أن تحمل المواصفات التالية :
1-   أن يكون تأريخها السياسي معروف  وليست ذات خلفية بعثية بأي شكل كان ، وليس لها أي إمتداد مع القوى المتنفذة في السلطة الان والتي تتحمل مجتمعة ما آل اليه الوضع المزري في العراق الان ، كما ويجب ألا تكون قوى ميليشيوية ولا تحمل السلاح أثناء التظاهر وتحت أية ذريعة
2-   أن تعلن عن نفسها صراحة وبلا تردد
3-   أن تقدم برنامجا وطنيا حقيقيا يستجيب لطموحات الملايين من العراقيين المهمشين والعاطلين عن العمل وممن يعانون المر في تدبير لقمة العيش اليومية ، وألا يتضمن برنامجها أي تسميات تتعلق بالطائفة أو القومية أو الدين أوالعرق أو الجنس
4-   أن تعلن صراحة نيتها بناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية تبتعد عن كل ما يعيق التطور العلمي للمجتمع
5-   أن تتبنى شعار التسامح المقرون بالمحاسبة القضائية لكل مسيئ أومذنب بعيدا عن روح الانتقام أو عن فكرة عفا الله عما سلف
6-   أن تصوغ شعارات واقعية ممكنة التطبيق وتبتعد عن كلمات الموت أوالقتل أوالدمارأو ما شابهها مما أثقل على العراقيين سنوات طوال وشوه طريقة تفكيرهم  وزرع الخوف والتردد عند الملايين ممن لاحول لهم ولاقوة
7-   أن تتبنى الشعارات الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي  وتعمل على تصحيح القائم منها الان وإن كان قد بـُني على أسس غير صحيحة ، وألا تكون شعاراتها متضمنة دعوات لعودة الاستبداد بأي شكل كان ، وليس شعارات الموت للديمقراطية تحت أي ذريعة كانت
8-   أن لايتم إقصاء أي جهة سياسية أو مكون إجتماعي ترغب المساهمة في الاحتجاجات بشرط تبنيها شعارات واهداف المتظاهرين حقيقة وليس إنتهازية أو وصولية .
9-   أن تتطور أشكال النضال السلمي وأهدافه وشعاراته تبعا لتطور حركة الاحتجاج وإمتداداتها
أتصور إن بروز مثل هكذا قوى ومن رحم الشارع العراقي سوف يستطيع أن يجمع حوله الملايين من العراقيين التواقين للحرية وللعيش بحد أدنى من الكرامة الانسانية ، على أن تسلك تلك القوى الطرق الديمقراطية الحقيقية في التحشيد والتظاهر وبطريقة حضارية متطورة .


82
النظام المصري يمنح الاخوان المسلمين شرفا لايستحقوه

تحسين المنذري
منذ نجاح الانتفاضة الشعبية في تونس ، والمسحوقون في مصر يتحسسون قوتهم بشكل أكبر ، تشتد عزيمة المهمشين وخريجي الجامعات العاطلين عن العمل ، وأبناء العشوائيات ، وكل من يشعر بثقل الغلاء ومطاليب الحياة المتعددة ، فكانت تونس بالنسبة لكل هؤلاء النموذج الذي لابد أن يُحتذى ، وبدأ التململ منذ اليوم التالي لهروب دكتاتور تونس ، واشتد أواره في يوم الثلاثاء المنصرم الخامس والعشرين من كانون الثاني الحالي ، فخرج الالاف في مختلف المدن المصرية والكبيرة منها بشكل خاص ، وعلى تعدد القوى والاتجاهات السياسية في مصر ، فإن القوى التي تبنت مطاليب المتظاهرين والاشترك فيها وبالتالي قيادتها لم تكن سوى القوى اليسارية والديمقراطية والليبرالية ، فقد أشتراك أعضاء أحزاب التجمع والشيوعي والوفد والغد والناصري بالاضافة الى بعض الحركات الاجتماعية مثل حركة كفاية وأيضا بعض الاجتماعية المحلية في بعض المدن مثل اللجنة الشعبية للدفاع عن ارض مطار أمبابة واللجنة الشعبية لدعم الوعي الجماهيري بأوسيم ، وعلى مدى اليومين الاولين لم يُشاهد في المظاهرات المتعددة تلك أي من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين سوى أنفار منهم أشتركوا في مظاهرات محافظة الفيوم . لقد كانت تلك المظاهرات وتوجهات القوى السياسية والفكرية التي تبنت قيادتها والمشاركة فيها مختلفة كليا عن الاخوان المسلمين وعن كل توجهاتهم الفكرية والسياسية ، إلا النظام المصري بادر في يوم الخميس السابع والعشرين من كانون 2 بحملة إتقالات منظمة لبعض قيادات الاخوان ولكثير من كوادرهم المعروفة لديه أصلا ، وهو بذلك فقد إستهدف جملة أمور هي :
أولا : جماعة الاخوان المسلمين حركة غير مجازة رسميا وفي هذا تبرير لعنف الاجهزة الامنية التي  واجهت المظاهرات .
ثانيا: محاولة مكشوفة لتشويه المظاهرات المطلبية المشروعة وبنفس الوقت عملة تخويف للمواطن المصري من تكرار التجربتين الايرانية والعراقية والتي فيما أفضت اليه مصادرة للحريات الاجتماعية العامة ، تلك التي إعتاد عليها الانسان المصري في مختلف عهود الحكم التي مرت عليه .
ثالثا: لقيت الانتفاضة المصرية بعض التعاطف من قبل الرأي العام الدولي ( ما عدا الاميركي ) مثل الاتحاد الاوربي وكندا ، وبإلقاء التهمة على الاخوان المسلمين سيتمكن النظام المصري من التقليل من حدة التعاطف التي ربما تتصاعد في الايام القادمة ، ذلك إن الرأي العام العالمي يخشى من صعود قوى الاسلام السياسي لدفة الحكم في أي بلد كان لما يؤدي اليه ذلك الصعود من تنامي للحركات الارهابية بمختلف تلاوينها .
رابعا : قد يستطيع النظام بواسطة هذا التشويه للانتفاضة من السماح لقوى خارجية للتدخل في قمع الانتفاضة .
خامسا : نجح النظام في جر جماعة الاخوان المسلمين الى المواجهة سيما وإن اليوم التالي للاعتقالات كان يوم جمعة مما يعني مزيد من التجمعات في الجوامع لإداء الصلاة وبالترافق مع ما يجري على الساحة المصرية فإن حشود المصلين هؤلاء كان من المحتم أن تستجيب لنداءات التظاهر والاحتجاجات وإستبقت الاحداث بتسمية هذا اليوم بـ"جمعة الغضب "، وفي ذات الوقت ليس بمستطاع الاخوان المسلمين أن يقفوا مكتوفي الايدي والفرصة جاءت اليهم على طبق من ذهب لمصادرة جهود الاخرين في التهيئة والتحشيد والتظاهر .
لقد وضع هذا التطور إنتفاضة الشعب المصري هذه على حافة الخطر ، وهي مهددة بالقمع والانتهاء في أي لحظة ، خاصة بعد أن برزت الى الواجهة حوادث شغب ونهب وحريق ، يتهم النظام المصري بتدبيرها عن طريق بعض المندسين في المظاهرات . فهل ستستطيع القوى السياسية الاساسية تحجيم دور الاخوان والعودة بالصورة المشرقة للانتفاضة ؟

83
رسائل تونس الى بغداد ...... هل أ ُستلمت ؟

تحسين المنذري
أربعة أسابيع من التطورات الدراماتيكية ، وتصاعد المد الجماهيري المطالب بالتغيير ، أثمرت وبشكل تصاعدي عن إنهيار أهم رمز دكتاتوري هو زين العابدين بن علي وأهل بيته وحاشيته ، وهروب مخز ٍ يليق فقط بالمستبدين عشاق دماء الشعوب والتواري في الحفر والافلات من المواجهة المصيرية المحتومة .
لم يكن مفاجئا إندلاع الوضع في تونس لكل متابع لسياسات الرئيس بن علي ورهطه ، وكل ما في تونس من أوضاع إقتصادية وإجتماعية وسياسية ، وما آل اليه الوضع حاليا ، تشكل رسائلا لكل الانظمة الفاسدة والتي تتحكم برقاب شعوبها ، لكن في متابعة بسيطة لتشابه الوضع بين العراق وتونس يجد المرء الكثير من الرسائل التي لابد للسياسيين العراقيين المتنفذين في وضع العراق اليوم أن ينظروا لها بجدية ، لانها في الاخر قد تتكرر الصورة ولو بأشكال أخرى :
فهامش الحرية السياسية الذي حاولت القوى الحاكمة أن تصيغه بشكل منـّة تهبها للشعب لم يكن كافيا لانه يفتقد الى تكامل النهج الديمقراطي في إحترام أرادة الفرد والجماعات في التعبير بحرية متناهية وممارسة آمنة لكل ما يؤمن به هؤلاء ، ولعل الفساد الاداري والمالي الظاهرة الابرز في تشابه الوضعين العراقي والتونسي ، ونتائجه الكارثية في تعطيل حركة النمو الاقتصادي ، والتنمية البشرية ، وتربع مجموعة من المستفيدين  المقرّبين من رموز النظام على مجمل المصالح الاقتصادية والتي تحولت الى مجرد إستثمارات تشل الاقتصاد التونسي والتي بدورها خلقت نسبة عالية من البطالة تزيد على الـ 14% من مجموع القادرين على العمل ،وإزدياد معدل الفقر ،  مما يعني خلق أرضية خصبة للتذمر والتمرد على الواقع ، وصاحب كل ذلك إرتفاع في الاسعار يثقل كاهل المواطن الاعتيادي ذو الدخل المحدود ، بمقابل ثراء فاحش للمتنفذين في النظام وإمتيازات كبيرة لهم ولأبنائهم متمثلة في إمتلاك المشاريع الكبيرة والاقامة خارج تونس في بحبوحة الترف والثراء غير المشروع ، يرافق كل ذلك تغييب سياسي لإرادة الطبقات الكادحة ، وتحجيم لدورها في عمليات البناء والتغيير ، بل وصل الأمر لحد العسف والعنف وذلك ما تمثل في ممارسات النظام المنهار في مواجهة الانتفاضة الباسلة للمهمشين والمسحوقين بإستخدام السلاح في محاولة لقمع الانتفاضة والحفاظ على السلطة ومكاسبها . لعل كل ما ذ ُكرأعلاه وغيره صورا متقاربة في الوضعين العراقي والتونسي ، وهي في ذات الوقت رسائل تحذيرية لمن لايريد أن يتدارك الامر وينتبه الى ماتقود اليه ممارساته في مختلف المجالات .
إلا إن الرسالة الأهم التي أفرزتها أحداث تونس هي إرتكاز الدكتاتوريين وأجهزة الاعلام المشبوهة المساندة لهم الى التجربة العراقية وماجره السياسيون المتنفذون الان من مآسي بحق الشعب كذريعة للبقاء في الحكم . فهل يعي سياسييونا في العراق هذا ؟

84
إنهم يدقون ركائزا ً للاستبداد 6
النجفي ــ الاديب
تحسين المنذري
ما من شئ أخطر من العلم وبيوته على توجهات أي قوة تبغي الاستبداد خاصة إن كانت ذات توجه ديني  ، ولعل التجربة الايرانية خاصة بعد تولي أحمدي نجاد منصبه عام 2005 حيث بادر الى اعلان "الثورة الثقافية الثانية" والتي تم بموجبها طرد العشرات من خيرة الاساتذة الايرانيين من مختلف الجامعات الايرانية وكللها بإصداره أمرا بإلغاء كل ما يتعلق بالعلمانية من مناهج وتوجهات وأيضا تقليص عدد الطالبات المقبولات في الجامعات بحجج واهية منها مثلا إن كثرة عدد الطالبات يسبب أزدحاما في النقل ومشاكل !!( حسب أحد جهابذة الجامعات النجادية ) . وها هو السيد علي الاديب يفتتح عهد وزارته بزيارة المرجع الاعلى بشير النجفي لتلقي التوجيهات بصدد إدارة عمل وزارة التعليم العالي التي استوزرها بموجب التقاسم المحاصصي الاخير ، فلم يبخل السيد النجفي دام ظله بتقديم النصح مبتدئا بالاختلاط حيث قال قدس سره :( أن هناك أجندات ولا أشك أنها خارجية تُريد النيل مِن أبناءنا وبناتنا عن طريق نشر ثقافة الاختلاط والميوعة، وبالتالي جعل الحرم الجامعي أو العلمي بعيداً عن أجواء طلب العلم والتقدم لخدمة العراق، ) هكذا إذا ً حسب فهم السيد النجفي إن الاختلاط في الجامعات يتعلق بأجندات خارجية ، فمعاهد العلم العراقية منذ تأسست كانت ومازالت عميلة للاجنبي لان الاختلاط فيها سائدا ولان تعلم إحترام الاخر في الجنس غريبا عن قيم الاسلام الحنيف فلابد أن نلغي الاختلاط اللعين هذا ، وإن الجامعات العراقية كانت متدنية المستوى، ضحلة ،ولم يتخرج منها أي عالم بل ولا أي متعلم لانها كانت مختلطة ، أما الان وبفضل المحاصصة الطائفية المجيدة فإن الجامعات العراقية لم يعد معترفا بها حتى ولا ضمن الالف جامعة الاولى في العالم ، لكنها وللامانة التاريخية فإنها تقدم الان عشرات المواكب اللطمية والتطبيرية  كل عام  وهذا هو الهدف الذي تبحث عنه قوى المحاصصة الطائفية ، أما العلم  وشؤونه فيؤجل النظر فيه لحين ما يتم إلغاء الاختلاط اللعين هذا وقطع دابر الاجندات الخارجية التي شخص وجودها العلامة الفاضل السيد بشير النجفي ببعد نظر قل مثيله . ولم ينس دام ظله الشريف أن يشير الى ضرورة إعادة الهيكلة للجامعات العراقية وفقا لمنظوره العظيم أي كما أتصور إنه يريد أن يقول لابد من تأسيس معاهدا للبنين وأخرى للبنات . ولم تفته فكرة التأكيد على الجنبة الاسلامية في الجامعات العراقية ، وهذا تأكيد جديد على إلغاء الآخر من الديانات الاخرى ( ما فرق السيد النجفي عمن يجبرون المسيحين الان على مغادرة العراق ؟)
توجيهات السيد النجفي تتطابق  تماما مع ما إتبعه نظام البعث المقبور، فمن بعثثة بعض الكليات الى بعثثة إجبارية لكل الهيئات التدريسية ومن ثم إلغاء للعلم الذي لايطابق توجهات الدكتاتور البعثي المقبور . اليس كل هذا دقا لركائز الاستبداد ؟
طبعا لم ينس السيد علي الاديب وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن يؤكد في ختام زيارته الميمونة هذه (أن وزارته ستكون جادة لأخذ هذه الوصاية النيرة بعين الاعتبار.) ملاحظة هامة : الوصاية هنا يراد بها الوصايا لكنه خطأ قدم فائدة ومعنى أهم هي وصاية السيد النجفي على جامعاتنا منذ الان .
ويبقى سؤال أخير : هل السيد بشير حسين النجفي عراقيا ً ؟
لمزيد من المعلومات يمكن الرجوع الى الرابطين التالين :
http://www.alnajafy.com/display1138.htm
http://www.alnajafy.com/biography-arabic.htm



85
إنهم يدقون ركائزا ً للاستبداد 5
منع بيع الدفاتر المدرسية ذات الأغلفة الفاضحة في الحلة

                                                                                                                    تحسين المنذري
مجلس محافظة الحلة الذي أنبرى سابقا (لتأديب) الفرق الغنائية والموسيقية القادمة لمهرجان بابل بمنعها من تقديم فنونها على مسارح المهرجان ، يتصدي هذه المرة لظاهرة يعتبرها لا أخلاقية وتتنافى مع أخلاق طلاب مدارس الحلة الفيحاء . فقد أصدر المجلس الموقر تعليماته للقوى الامنية بالمحافظة لمنع بيع الدفاتر المدرسية التي تحمل تلك الصور وإحالة الباعة الى القضاء ، هذا الخبر منشور على موقع القناة الفضائية العراقية مع صور لأغلفة الدفاتر ، ويا للدهشة حينما ترى الصور تجدها عبارة عن تخطيطات يدوية لفتيات صغيرات في السن ربما لاتتجاوز الواحدة منهن العشر سنوات ، لكن كل ما في الامر أن الصور ملونة بألوان زاهية أولا والفتيات المرسومات باليد غير محجبات ثانيا!!!! والصور منشورة ايضا على نفس الموقع وتحت هذا الرابط
http://www.imn.iq/news/view.3214/
يحمل الخبر أكثر من دلالة في مقدمتها إن المجلس الموقر يحاول أن يكرس التشدد الديني  الظلامي ، ويحارب الفن الجميل و الرسم منه هذه المرة ، وتلك دلالتين على مدى إنغلاق عقول أعضاء المجلس المحترمين ، وهو أيضا يسعى لتكريس ثقافة أحادية الجانب وتلك إحدى أهم ركائز الاستبداد  في كل العصور . وأيضا فهو يعبر عن عقول متخلفة لاتستطيع أن ترى الاطفال وهم يشاهدون ألوانا زاهية ربما تفرحهم قليلا ، فالفرح كما يبدو ممنوع حتى على الاطفال !!لكنه يكشف جانبا آخر من جوانب شخصيات أعضاء المجلس المحترمين ، تلك هي حجم دنائتهم الاخلاقية بحيث إن صورا لاطفال أثارت غرائزهم وأعتبروها من المحرمات شرعا ، فأي اخلاق كريمة تلك التي يتمتع بها أعضاء المجلس الموقر ؟؟؟ لكن يبدو لي إن فهم هذه المسألة يصبح في غاية البساطة إذا عرفنا إن هؤلاء الاعضاء الحاكمين في محافظة بابل لديهم فتوى تجيز تفخيذ حتى الرضيعة !!! فأي نفس بشرية شريرة ودنيئة تلك التي تشتهي الطفلة الرضيعة جنسيا ، لذلك لا أستغرب أنا هذا القرار من مجلس محافظة بابل غير المحترم
أدناه أضع الخبر مع الصور وهي مأخوذة بالكامل من موقع قناة الفضائية العراقية وتحت الرابط اعلاه
منع بيع الدفاتر المدرسية ذات الأغلفة الفاضحة في الحلة


16/12/2010 11:23
عدنان عبد تركي من الحلة:
وجه مجلس محافظة بابل مديريتي الشرطة والأمن الوطني ومكتب مكافحة الجريمة برصد حالات بيع الدفاتر المدرسية التي تحمل أغلفتها الخارجية صورا فاضحة.

وقال مجيد فليفل عضو مجلس المحافظة ان المجلس أوصى باتخاذ الإجراءات القانونية بحق بائعي تلك الدفاتر وأحالتهم الى القضاء.

داعيا في الوقت نفسه التجار وأصحاب الشأن بعدم استيراد هذه الدفاتر التي تتنافى مع الأخلاق والعادات الحميدة التي يتمتع بها طلاب المدارس، حسب وصفه.



86
إنهم يدقون ركائزا ً للاستبداد 4
أحمد الدجيلي وداعا

                                                                                                                   تحسين المنذري
رحلت وفي ذهنك مشاريع شتى ، مشاريع لاتقترب من المستبدين بشئ ، أنت المدير العام في وزارة الامن الوطني ، ذلك يعني إن مهنتك كما عرفنا نحن في العراق وتعلمنا لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالسلم والتضامن ، لكنك كنت عضوا في رئاسة مجلس السلم والتضامن العراقي .   يوم فـُتحت صناديق أسموها إنتخابية لتأكيد بقائهم زورا ، كنت أنت  تلج َّ الابواب مع شريكة عمرك لكي ينتخب الناس من لا يريدهم المستبدون الجدد ، وحينما وجدت حبات المسبحة تفلت من بين يديك ، بادرت لتأسيس برلمان بديل ، أو هو برلمان الظل ، وأسميته مجلس الرقابة الشعبية .
 في وقت يبني أقرانك المدراء العامون قصورا ويهربون أموالا لخارج العراق  ليضمنوا مستقبلهم وعوائلهم ، تسكن أنت وعائلتك دارا مستأجرة في الكاظمية . إنه زمن ردئ يتباهي فيه المستبدون بعديد حمايتهم ، وأنت تعيد مخصصات حمايتك لميزانية دائرتك وتجوب الشوارع وحيدا ، كنت هدفا لهم وهم قريبون منك لكنك بعناد أبدي كنت تعمل وتجتهد وتجد ، فإن عرف منفذوا جريمة إغتيالك القذرين طريق ذهابك وإيابك كما في كل يوم ، فكيف عرفوا موعد خروجك المبكر من عملك يوم الخميس 9/12/2010 لكي ينتظروك عند أقرب مفرزة للتفتيش حيث الزحمة تغلق الشوارع وسير السيارات ويوجهوا رصاصات كواتمهم نحوك وتغادرنا في الحال دون وداع .
لست غريبا عن الموت والشهادة فألتحقت بركب شهداء عائلتك ، أبيك وأخيك وعمك وأبناء عمومتك وجمهرة أقاربك الاخرين ، شهداء الدجيل ، ضحايا زمن الدكتاتور المقبور ، ذلك الزمن الذي يريد له المستبدون أن يعود  ، لكن بألوان أخرى  ليس فيها اللون الزيتوني .
إنهم المقتولون ولست أنت ، فمشروعهم سيموت حتما ، ومشروعك باق ٍ أبدا ً
أحمد يعقوب الدجيلي ، يا زوج شقيقتي وصديقي وداعاً.


87
إنهم يدقون ركائزا ً للاستبداد 3
الشيخ اليعقوبي نموذجا


                                                                                                          تحسين المنذري
مثلما كان السلف  من خلفاء وولاة المسلمين رحمهم الله جميعا، يحتاجون الى من يبرر لهم أفعالهم من رجال دين يعطون الفتوى تلو الاخرى  لكي يرضى أولي الامر أولا ولكي يكرس سلطانه بين الناس بأسم الدين ، فقد إحتاج كما يبدو السيد الزيدي رئيس مجلس محافظة بغداد المنتخب وعضو إئتلاف دولة القانون برئاسة السيد نوري المالكي رئيس الوزراء للسنوات الاربع المقبلة حفظه الله ورعاه ، إحتاج لمن يدعمه بفتوى تساند تجاوزه على حريات الناس وتطاوله على مثقفي الشعب ، فكان الشيخ اليعقوبي ـ دام عزّه ـ خير عون وخير سند ، مباركا مهنئا ومتجاوزا السيد كامل الزيدي ـ أطال الله في عمره ـ بالاوصاف والسب والشتم والتطاول مما يخجل منه حتى أنصاف المثقفين بل وعامة الناس أيضا ولا يجروء على التلفظ بما قال قـُدس سره حتى أرباع بل وأثمان المتدينين فقد بدء هجوما غير مسبوق على أدباء العراق وإتحادهم وكل من تصدى لحملة السيد الزيدي العدوانية إذ قال بارك الله فيه (والغريب أن يتصدر تلك الحركة ما يسمى بإتحاد أدباء العراق، ولا أدري أي أدب يحمله هؤلاء! وهم يتنكرون لهوية الأمة ومقوّمات وجودها، وأي حريّة يطالب بها هؤلاء لمجموعة من الأشرار تسكر وتعربد وتعيث فساداً في المجتمع! حتى استغاث المجتمع من شرهم بكل الجهات الدينية والسياسية والحكومية والإنسانية لإنقاذهم من تعدّي هؤلاء الأشرار على أمن الناس وأعراضهم وكرامتهم. فهل الحرية التي يطالبون بها تسمح بهذا العدوان؟) فهل سمع أحد منا بمثل هكذا أوصاف سابقا لأدباء وشعراء ومثقفين كل ذنبهم إنهم يحملون مشروعا غير مشروع الشيخ اليعقوبي ويختلفون معه في التوجهات لا غير ! والغريب أن يتهمهم الشيخ المقدس بالاشرار المعتدين على أمن الناس وأعراضهم ! هكذا يبدو إن المفخخات والاحزمة الناسفة والعبوات اللاصقة وميليشيات الغدر والظهر والصدر والسلحفاة والبطة والناقة والزرافة  وكل ما تجود به النفس الشريرة هو من إنتاج إتحاد أدباء العراق ! والان سوف يستتب الامن والسلام في ربوع عراقنا الحبيب وينعم الرجال والشيوخ والاطفال والنساء بنعمة اللطم والتطبير الى يوم يبعثون .
ولم يكتف الشيخ الجليل بذلك فقد زاد بصور يقول نـُقلـِت اليه عن إتحاد الادباء حيث أورد في فتواه الكريمة مايلي (لقد أثبت ما يسمى باتحاد الأدباء، انه لا أدب له ولا حياء، والعار له ولكل من ساند حركته هذه، ولقد كان ينقل لنا عمّا يجري في ناديهم من سكرٍ وعربدةٍ ومخازٍ، (حتى إن بعضهم يبول على بعض حينما يملأون بطونهم بالإثم والحرام) فلم نكن نصدق حتى كشفوا عن وجوههم القبيحة بهذا التحرك الوقح.) إذن المشكلة عند الشيخ اليعقوبي حفظه الله ذخرا للامة هو في تحرك إتحاد الادباء ومن سانده ولو لم يتحركوا لما وصفهم بما يخجل منه حتى الوضيع ، فأي ديمقراطية ننشد من هؤلاء ؟وأي مستقبل ننتظر ؟ وأي مجتمع مدني ؟ لمجرد أن قالوا لا فقد أصبحوا بلا أدب وبلا حياء . يبقى هناك سؤال اتمنى أن أسمع عنه إجابة : من نقل للشيخ الجليل اليعقوبي تلك الاخبار عن ممارسات أعضاء إتحاد الادباء ؟ هل للشيخ المبجل جهاز إستخبارات خاص به ؟ وهل من واجب الشيخ المعظم أن يتابع أخبار النوادي الاجتماعية ويتجسس عليها ؟ وبأي حق ؟
أخيرا لمن يريد أن يطلع على فتوى الشيخ اليعقوبي حفظه الله وأدام ظله الوافر فليرجع الى الرابط التالي :
http://www.yaqoobi.com/arabic/artc/1992/news/default/index.html


88
إنهم يدقون ركائزا للاستبداد 2

                                                                                                                 تحسين المنذري

هكذا إذن يصف السيد كامل الزيدي  المعترضين على قراراته وأفعاله بأنهم " مأجورين " وإنهم
"لم يفهموا القرار " ببساطة شديدة يريد أن يقول هو وما يفعل  الصحيح وغيره لا ، ولا أدري ما فرقه عن المقبور صدام وأزلامه عندما كانوا يصفون كل معارضيهم بالعمالة .
ويهدد السيد الزيدي بتسيير مظاهرات مليونية تأييدا لتصرفاته ، وهذا ماكانت تفعله أجهزة النظام الدكتاتوري الساقط مع كل سعلة أو تنهد للدكتاتور المقبور .
ويتهم السيد الزيدي المعتصمين في يوم الجمعة الماضي بشارع المتنبي بأنهم يعتدون على حريات الاخرين ، مثلما كان النظام المقبور يتهم كل معترض ٍ على سياسته بأنه معتد ٍ على الشعب العراقي .
وأتصور أن لاداعي للاستمرار في مقارنة الزيدي بنظام البعث المقبور، يكفي إنه إعتمد فيما فعل على قرارات دكتاتورية البعث الساقط  وقوانينه،  بل ويقولها بملئ الفم بلا  حياء ولا تردد .
لم تكن قرارات الزيدي فردية كما أتصور وليست هي طارئة ولم تأت ِ في وقت غير مناسب، بل هي مقصودة، وذات توجه فكري محدد، وتسبق شهر محرم الحرام بأيام ،وبعد ايام من تكليف المالكي رسميا بتشكيل الحكومة ،  وهم على علم مسبق بأنها ستلاقي الرفض والاحتجاج ، وهم مهيأين للرد ، واللجوء الى الدين كسلاح فكري في المواجهة وإثارة عواطف الناس أرتباطا بشهر محرم وما يثيره من عواطف لدى الغالبية الساحقة من عموم المواطنين البسطاء ، ولا أتصور إن المحتجين كانوا راغبين لممارسة الرذيلة كما يفهمها فكر الزيدي ورهطه ، إن القضية هي ببساطة قضية رأي عام وحق في ممارسة الحرية الشخصية وضرورة إحترام مبادئ حقوق الانسان سيما ونحن نقترب من الذكرى الثانية والستين لاعلانها . وهنا لابد من التساؤل عن الموقف الرسمي للسيد نوري المالكي خاصة وإن الزيدي جاء الى سدة الحكم عبر قائمة ( دولة القانون ) التي يرأسها المالكي نفسه ، وأيضا من الضروري لكل القوى المتنفذة وغير المتنفذة أن تقول رأيها بما يجري فالصمت قد يقودنا الى المثل المشهور " أ ُكـِلت ُ يوم أ ُكِلَ الثور الابيض "


89
إنهم يدقون ركائزا ً للاستبداد

تحسين المنذري

ليست هي المرة الاولى التي تقف فيها السلطات العراقية ـ  محلية كانت أم مركزية ـ بوجه الحريات العامة والتجاوز على حقوق المواطنين بما فيها تلك التي أقرها الدستور الذي وضعوه هم بأنفسهم .فغلق النادي الاجتماعي لإتحاد الادباء وأمثاله من النوادي الاجتماعية في بغداد ، ليس إلا حلقة من سلسلة غير قصيرة من التجاوزات والانتهاكات الفضة ، بدءا ً من قرار مجلس الحكم رقم (137) سئ الصيت ، وقرار حكومة الجعفري الفاشلة بكل المعايير رقم (8750) في 8/8/2005 القاضي بتجميد أرصدة منظمات المجتمع المدني والذي مازال ساريا ، ومرورا بكل الانتهاكات التي مارستها أجهزة السلطة بحق متظاهري الكهرباء في البصرة والناصرية ، وحجب الموافقة عن عدد غير قليل من طلبات التظاهر والاعتصام في مدن عدة بما فيها بغداد ، وإلقاء القبض على عدد من الناشطين في محافظات مختلفة وإجبارهم على توقيع تعهد بعدم ممارسة الانشطة السياسية كما هو الحال في زمن الدكتاتورية الساقطة ، بل وحتى الإبقاء على القانون رقم (150) لسنة 1987 القاضي بتحويل العمال الحكوميين الى موظفين ، وليس إستثناءا ما قاله السيد المالكي في إجتماع عشائري في رده على أحد المطالبين ببقائه في الحكم " ومنو كالك راح ننطيها " تلك العبارة التي عبر فيها المالكي عن رفضه لمبدأ تداول السلطة الذي أقره الدستور .
إن كل ماجرى ويجري الان ليس بمعزل عن فكر الأحزاب المتنفذة في السلطة ، فمنع كل ماهو مبهج ويشيع الفرح بين الناس يأتي من حرمة الطرب ، والشعر غير مرغوب فيه فالشعراء يتبعهم الغاوون ، والفن يلهي الناس عن العبادة ،والتصوير حرام لانه من شأن الخالق فقط ، والعلم يتناقض مع جملة مفاهيم وقيم تؤمن بها تلك الاحزاب فكرا وممارسة ، وغير ذلك الكثير مما يؤدي حتما الى تجهيل أكبر للشعب وتكريس لثقافة الظلام ، والذي بدوره يكرس بقاء تلك القوى في الحكم لاطول فترة ممكنة ، هي محاولات لتأسيس شكلا اخرا للاستبداد قد يكون إستبدادا ً لفكر معين ، أو لطائفة ما ، ومن ثم لحزب بعينه ، وهكذا .
إن الوقوف بوجه كل تلك الممارسات وفضحها بشتى الوسائل يعد الواجب الاهم اليوم من أجل ترسيخ مبادئ الديمقراطية وإحترام حقوق الانسان وتمتعه بحد أدنى من الكرامة ، ووضع العراقيل بوجه إستمرار تلك الممارسات، فقط لاجل وطن أجمل وضمان أكبر لاجيال عانت وتعاني الى اليوم من عسف الدكتاتورية البائدة ومن ممارسات تلتقي مع ما بنته تلك الدكتاتورية من قمع وعسف وتغييب للحريات العامة وحرية الفرد خصوصا .


90
هل يشارك الشيوعيون في الحكومة المقبلة ؟(2ـ2)

تحسين المنذري
بعد صراع مصالح مرير وغير نزيه، تم تقسيم المناصب الرئاسية وكالعادة حسب المكونات الطائفية ـ الاثنية، وبدأت أيضا بوادر أزمات جديدة ، وتسعير بخس للوزرات من أجل تقاسم المغانم ، فقد إنتصر المحاصصون في الاخر على الشعب وبدأوا يتفنون في كيفية تقاسم الكعكة ، وفي خضم هذا التيه جرى همس هنا وهناك وكتب البعض في المواقع الالكترونية بضروة إعطاء حصة للشيوعيين في الوزارة القادمة ، وكلٌّ ذهب لذلك من منطلق ، فبعضهم إعتبر الشيوعيين خير من يمثل العلمانيين الذين لم يفز منهم أحد في الانتخابات الاخيرة والاخر إعتبر نزاهة الشيوعيين وتأريخهم كفيل بحصولهم على شئ من التقسيمات الوزارية القادمة وربما هناك معللات أخرى لم يشأ المصرحون البوح بها ، فهل فعلا لابد للشيوعيين من الحصول على منصب وزاري في هذا الخضم اللامتناهي من ضراوة الصراع والتصورات التجزيئية للعراق ومستقبله ، أم إن الشيوعيين لهم ما يختلفون به عن كل هؤلاء المحاصصين ؟
في مراجعة بسيطة لوثائق الحزب الشيوعي العراقي ودلالاتها يستطيع المرء أن يكتشف وبسهولة البون الشاسع بين ما يفكر به المحاصصون وبين فكر برنامج ومشاريع الشيوعيين فالمشروع الوطني الديمقراطي للحزب الشيوعي  يشير الى ( تأكيد روح المواطنة ، والتصدي للطائفية ووضع حد لنهج المحاصصة في الحكم وفي مؤسسات الدولة ، ونبذ توظيف الدين لاغراض سياسية وإبقائه في منأى عن التنافس والصراع السياسيين ، ونبذ أشكال التعصب الديني والمذهبي والقومي والعشائري والمناطقي جميعا.) ويعود الحزب ليؤكد في بلاغ إجتماع لجنته المركزية في تشرين الثاني 2010 فيقول التقرير (وباسم تحقيق "التوازن" بين "المكونات" في احتلال مواقع المسؤولية العليا في الدولة، تم تكريس المحاصصة الطائفية والأثنية في بناء مؤسسات الدولة، ما يعني عملياً تقاسم النفوذ والسلطة بين الاحزاب والكتل السياسية المتنفذة، القائمة على اساس طائفي او قومي) ومن هذا التشخيص الدقيق نخلص الى أن الحزب يقف بعيدا عن كل نهج المحاصصة فهل سيقبل لنفسه أن يكون جزءا من حصة هذا المكون الطائفي أو ذاك القومي ؟ لا أظن ذلك .أما من حيث البرامج والسياسات فالحكومة القادمة سيكون لزاما عليها القبول بشروط صندوق اللنقد الدولي ونصائح البنك الدولي وذلك ما تصدى له الحزب في مقاله الافتتاحي في طريق الشعب بتاريخ 22/9/2010والمعنون " إصلاح لشركات الدولة أم تمرير لوصفة البنك الدولي ؟" حيث يشير المقال الى (اكد حزبنا ان سبيل النهوض بالاقتصاد العراقي، وتخليصه من ازمته البنيوية واحادية موارده، وضمان ديناميته، يكمن في تبني استراتيجية تنموية شاملة متكاملة، توظف كل القطاعات (العام والخاص والمختلط والتعاوني) بصورة تلبي حاجاته وتطوره المتوازن.) ويعود ويؤكد في مكان آخر من نفس المقال الى عدم الانصياع الى نصائح هذا الطرف أو ذاك دون تمحيص وتدقيق بمدى إنطباقها على الواقع العراقي وحاجة الاقتصاد الوطني لذلك . ولعل من أبرز نصائح البنك والصندوق الدوليين هو تقليل الانفاق دون الاهتمام بشرائح المجتمع المحتاجة فعلا للدعم الحكومي خاصة البطاقة التموينية ويكفي عنوان مقال إقتتاحي لطريق الشعب بتاريخ 15/9/2010حيث كان العنوان ( لا .. لإلغاء البطاقة التموينية ... نعم .. لزيادة موادها وتحسين نوعيتها ).  وفي شأن أخر يؤكد الحزب على أهمية ودور القطاع العام في برنامجه الذي أقره المؤتمر الوطني الثامن للحزب فيشير الى : (الاهتمام بالقطاع العام ، بإعتباره قاعدة رئيسية للاقتصاد الوطني ، وعامل التوازن الاقتصادي والاجتماعي . والعمل على إصلاحه إقتصاديا وإداريا بإرساء معايير الشفافية والكفاءة والمساءلة ومحاربة الفساد والقضاء على جذوره ) ويعود الحزب في مكان آخر في البرنامج ليشير برأي نابت عن الخصخصة  فيقول : ( الوقوف بوجه الدعوة الى إعتبار الخصخصة وصفة عامة وشاملة لحل مشكلات الاقتصاد وتحقيق التنمية في مطلق الاحوال . والتأكيد على إجراء تقييم إقتصادي شامل وموضوعي لمؤسسة القطاع العام . إذا ما إقتضت الحاجة الاقدام على إجراء لخصخصتها ، على أن تتسم عملية الخصخصة بالشفافية ، وأن تدر أفضل عائد على الدولة وان تضمن حقوق العاملين في المؤسسات المشمولة بها .) وهذا كما واضح موقفا متوازنا بين متطلبات التحديث والمحافظة على حقوق المجتمع في مؤسساته . أما بصدد الاتفاقية الامنية فقد إعتبرها الحزب بوقت التفاوض والتصويت عليها في مجلس النواب بأنها أفضل السيئات ، كما عبر عن ذلك السيد حميد مجيد موسى سكرتير عام الحزب ولم ينف ِ الحزب إمكانية الاستفادة من شروطها التي تضمن للعراق إستقلالا ناجزا .
وربما يكون التدقيق في الكثير من مفردات برامج ومشاريع الحزب الشيوعي ومقارنتها مع توجهات القوى المتنفذة في السلطة والبرلمان يجد المرء فروقا شاسعة ، لكن كل ذلك ربما يصطدم بقضية هامة هي إن مشاركة الحزب في الحكومة تضمن له التأثير في موقع القرار،وقد يكون أصحاب هذا الرأي على حق ، لكن تجربة السنوات الماضية كشفت إن تأثير الحزب من خلال مشاركته في السلطة كانت محدودة ليس لضعف المشاركة لكن السلطة السياسية التي حكمت البلد في السنوات الماضية كانت ايضا حكومة محاصصة وتوافقات تؤدي وأدت في الاخر الى ضياع ذلك التأثير رغم نضج وجدية وواقعية أراء الحزب الشيوعي في مختلف القضايا التي كانت تطرح على جداول البحث والنقاش ، كما إن تلك المشاركة من جانب أخر لم تفد الحزب على المستوى الجماهيري بدليل فقدانه لمقعدي البرلمان اللذين كان يحتلهما ـ مع الاخذ بنظر الاعتبار كل الظروف التي أحاطت بالانتخابات وقانونها المجحف ـ فما الذي سيتغير الان في ظل تشكيل حكومة تلوح ملامح المحاصصة فيها بشكل أشد من ذي قبل .
لقد إختار الحزب الشيوعي منذ أمد ليس بالقصير على عاتقه تنشيط التيار الوطني الديمقراطي وبرز ذلك بشكل أكبر بعيد الانتخابات البرلمانية الاخيرة وتكفلت كل منظمات الحزب بمهمة الاتصال والتنسيق وعقد المؤتمرات المحلية لهذا التيار وصولا الى المؤتمر الوطني الثاني المنوي عقده في غضون الاسابيع المقبلة  . وأكد الحزب على هذا الدور مرارا ففي بلاغ الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية في تشرين ثاني 2010 ورد بهذا الخصوص مانصه : (
إن الهدف من التحرك لتفعيل التيار الديمقراطي، بصفته تيارا سياسياً مجتمعياً ، هو في المطاف الأخير تنظيم وحشد القوى ذات المصلحة في تبني المشروع الوطني الديمقراطي والعمل بحماس وثبات من اجل الترويج له، باعتباره المشروع الذي يحمل الحلول الحقيقية والحاسمة لأزمة البلاد) وهذا عين الصواب في إختيار النهج الذي يضمن تنمية وتطوير التيار الديمقراطي بوصفه تيارا مناهضا لكل أشكال التقسيمات الطائفية أو الاثنية . وقد كان للنشاطات المطلبية التي تبناها الحزب الشيوعي وبمساعدة بعض قوى التيار الديمقراطي صدىً إيجابيا جدا في أوساط الشارع العراقي وذلك ما يقتضي التواصل فيه وجعله النهج الاقرب في الوصول الى أبعد ثنايا مشاعر المواطنين المتضرررين من نهج سلطات المحاصصة وسياساتها ويؤكد الحزب نهجه هذا أيضا في بلاغ إجتماع اللجنة المركزية في تشرين ثاني 2010 مع تشخيص دقيق لمسببات كل التدهور الحاصل في المستوى المعيشي للمواطن وتدني الخدمات وغير ذلك من مظاهر البؤس المستشرية فيشير البلاغ الى : 
يلقي التذمر المتنامي في مختلف اوساط شعبنا من القوى السياسية المتنفذة، بسبب مسؤوليتها عن الأزمة وتجاهل آثارها على الأوضاع الأمنية والحياة السياسية، وعن تدهور الاوضاع الاقتصادية والخدمية وتفشي الفساد المالي والاداري والتضييق على مصادر دخل الكادحين ، يلقي على عاتق حزبنا مهام ومسؤوليات عديدة. وتتجلى هذه المهام في تبني المطالب الجماهيرية، وتنظيم الحملات والفعاليات المطلبية، والتصدي لمحاولات انتهاك حقوق الانسان والتضييق على بعض الحريات.
إن هذا النهج الذي يتبناه الحزب ليس جديدا على عمله بل هو نهجه الدائم منذ تأسيسه الى اليوم وما التأكيد عليه الان الا بتقديري تأكيد من الحزب على إختيار نهج المعارضة الواضحة لكل سياسات القوى المسببة في تدهور الوضع الاقتصادي والخدمي والتي هي في عين الوقت نفسها قوى المحاصصة المتنفذة في الحكم ، لذلك فإن هذا الاختيار يملي على الحزب جملة من التغييرات في وضعه التنظيمي والاعلامي وفي خطابه السياسي وفي كل مفاصل عمله .
إن الزمن القادم هو زمن المعارضة ، معارضة نهج السلطات التقسيمية المحاصصية  مما يفضي الى ضرورة التصدي لفكر تلك القوى ومنطلقاتها وفضحها مع وضع الحلول البديلة المناسبة واللجوء الى المواطن العراقي صاحب المصلحة الحقيقية في التغيير والدخول في عملية صراع سلمي يؤدي بالضرورة الى توعية المواطن بالقوى التي لابد أن يعتمد عليها في غاياته النبيلة التي ضحى وقدم من أجلها سنين من عمره ذهبت هباءا في مناهضة نظاما دكتاتوريا تعسفيا وحروبا ونتائجا أفقدته الكثير من الابناء والاموال وفرص التقدم ، فلابد من نقل تلك المعارضة وذلك العمل الدؤوب الى مناهضة قوى التيارات الظلامية والقوى الساندة لها والقوى المتحالفة معها من أجل حفنة مكاسب ضيقة لايستفيد منها سوى قادة تلك الكتل والمنتفعين من السير ورائهم .







91
هل يشارك الشيوعيون في الحكومة المقبلة ؟
(1ـ2)

                                                                                                                      تحسين المنذري
بعد مايقارب التسعة أشهر من الاستعصاء والشد ، وبعد ضغط شعبي تمثل في نشاطات قوى التيار الديمقراطي التي إستحصلت قرارا من المحكمة الاتحادية قضى بوجوب عقد جلسة للبرلمان ، وبعد لقاءات مكثفة وتدخلات  إقليمية ودولية بعضها مستتر والاخر علني ،  إلتأم البرلمان العراقي المنتخب وجرى تقاسم للرئاسات على أساس المحاصصة نفسها والشروع بمشاكل جديدة وربما أزمات لايبدو معها أفق رحب لسلطة تقوم على أساس الشراكة الوطنية كما يـُراد لها في العلن . ففي فترة مابعد الانتخابات بدت واضحة للعلن سياسة التراجع عن شعارات الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية بشكل جلي ، من خلال ممارسات كل الكتل الفائزة في الانتخابات ، بل وربما كان ذلك مقصودا لكي يجري ترسيخ فكرة القبول بالتقاسم المحاصصي للسلطة في أذهان الناس وكأنه الحل السحري لمشكلات الوطن ، في حين إنه ليس  سوى حلا مؤقتا لمشاكل تقاسم النفوذ والسلطة والمال ، تلك السمة التي ميزت كل الصراعات التي خاضتها القوى السياسية العراقية مع بعضها منذ عام 2003 والى الان وما لحقها من خسائر بشرية وتراجع في معدلات النمو الاقتصادي وغياب لكل مشاريع التنمية البشرية والاقتصادية ، وتردي مرعب في الخدمات ومستويات متدنية في التعليم والثقافة ، وغيرها الكثير من مظاهر التخلف والتردي . إن مشكلات الصراع الرئيسية اليوم تتمثل في توجه وفكر كل كتلة سياسية ـ إجتماعية  في كيفية بناء الدولة العراقية  الحديثة والاسس التي تعتمدها في ذلك البناء والقوى الاجتماعية الرافعة لمشروعها  وكيفية إستقطاب المكونات الاجتماعية عبر تقسيمها طائفيا وأثنيا من قبل قوى يتمسك بعضها بشعارات الاسلام السياسي رغم محاولاته التخفيف من ترديدها في الاعلام مع إستمرار تبنيها كنهج فكري وسياسي ، ويتمسك شق أخر بنهج قومي متعصب في السر والعلن ، لكن رغم هذا التباين في الرؤى والتوجهات فإن تلك القوى تلجأ الى التوافق في أحيان كثيرة من أجل الاستمرار والبقاء بمواقع السلطة ، مما يكشف حقيقة إمتداداتها الاجتماعية وتبنيها لشرائح طبقية تتسم  جميعها بضرورة تبني نهجا إقتصاديا متشابها في أغلب نواحيه مع إختلافات جزئية في كيفية التطبيق والاولويات المطلوبة تلبية لرغبات البرجوازية الكومبرادورية والتي بنت القوى المتنفذة في السلطة جزءا كبيرا من هذه الشريحة بنفسها أو تحت رعايتها وجعلتها الشريحة الاكثر نفوذا اليوم على حساب بقية شرائح البرجوازية الوطنية ، مما يضع كل تلك القوى على طرف النقيض مع القوى الديمقراطية الوطنية التي تريد بناء دولة المواطنة الحقة على أسس من الديمقراطية الصحيحة والتي تكفل المساواة على أساس الولاء للوطن أولا وإحترام الهويات الفرعية الاخرى ، وبناء إقتصاد وطني متين يضمن حداً أدنى من الكرامة لشرائح الشعب المتدنية الاجور من عمال وفلاحين وكسبة وشغيلة يد وفكر والذين كانوا الاكثر تضررا من سياسات النظام الدكتاتوري المقبور ، مما يفرض توفير الخدمات بكل تفرعاتها وإعادة الاعتبار للثقافة الوطنية التقدمية وبناء التعليم على أسس علمية تواكب بقدر معقول لكل التطورات التكنولوجية والعلمية الحديثة ،أي بشكل أوضح إن الاختلاف في الرؤى والسياسات بات اليوم أكثر وضوحا من ذي قبل وينتقل الى مواقع أكثر أهمية من فكرة المعارضة السابقة للنظام الدكتاتوري المقبور وسياساته .
إن هذا الاستعراض السريع للصورة القائمة يملي فكرة التأمل بشكل وتوجهات الحكومة العراقية القادمة والتي على أساسها يتحدد الموقف ،فالصراعات الحادة بين الكتل على تقاسم المناصب ومن ثم التوافق الهش يجعل من فكرة الطمأنينة بين الكتل شيئا مستبعدا ً بل ويرتقي الموقف الى فقدان الثقة، لذلك فإن الضمانات التي يطالب بها البعض من المشاركين في الحكم ربما تكون أكبر من طاقة الحكومة نفسها ، كما إن إرضاء الاطراف كافة سواءا منها التي ستشارك في الحكم أو التي قدمت الضوء الاخضر لتشكيل الحكومة - إقليمية كانت أو دولية - تجعل من الحكومة القادمة حكومة ضعيفة بكل المقاييس خاصة منصب رئيس الوزراء والذي شكى في فترة الحكم المنصرمة من عدم التزام الوزراء بنهج الحكم وإظهار ولاءاتهم لكتلهم السياسية اكثر من الولاء لسياسات الحكومة ، كما إن هذه المشكلة نفسها ستجعل عدم الانسجام بين الوزراء أنفسهم ظاهرة مستشرية وتؤدي الى تصرف كل وزير بوزارته على إنها مقاطعة تخصه هو أو كتلته السياسية مما يشجع على نمو أكبر للفساد المالي والاداري تلك الظاهرة التي تشل الاقتصاد العراقي عموما والخدمي منه بشكل خاص ، لعل كل هذا وذاك سيؤدي الى أزمات حكم جديدة كما حدث في الماضي القريب من مقاطعات وإعتكافات عن المشاركة وصلت عند البعض حد الاستقالة مما أخر الكثير من مشاريع القوانين المهمة والتي سيكون على عاتق الحكومة القادمة انجازها وفي المقدمة منها تعديل الدستور وتطبيق المادة 140 المثيرة للجدل عند البعض غير القليل من المشاركين في تقاسم الحكم ، إضافة الى مايزيد عن الخمسين مادة من الدستور والتي تحتاج الى سن قوانين لتطبيقها ، هذا بجانب موضوع الاجتثاث الذي إن أبقت عليه الحكومة القادمة فسيثير إشكاليات عند البعض هددوا بالمقاطعة في حالة عدم تلبية مطاليبهم وإن إستجابوا لرغبة رفع الاجتثاث فإن عودة البعثيين ستكون مباركة من قبل السلطة رغم إنهم عادوا بقوة أكبر من ذي قبل منذ عام 2003 وتبوؤأ مناصبا ً مهمة في بعض الكتل الانتخابية ،  كما إن أخطر ما يواجه الحكومة الجديدة هو إستحقاق تطبيق شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مما يعني ضرورة سن قوانين للخصخصة وتقليل الانفاق الحكومي والشرائح المستهدفة بهذا التقليل وتشريع قانون أكثر فاعلية للاستثمار الاجنبي ووضع قانون للنفط والغاز يضمن حق المشاركة للشركات النفطية الاحتكارية الكبرى في إستغلال الموارد النفطية العراقية فذلك من أهم ما تطالب به الولايات المتحدة الاميركية إضافة الى إنه أحدى نتائج التطبيقات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي ، وأيضا هناك إلتزام أخر مهم على الحكومة القادمة الشروع بتنفيذه هو تهيئة العراق لكي يكون فاعلا ضمن إتفاقية التجارة العالمية والتي تعهد العراق بالانخراظ فيها ضمن ورقة التفاهمات التي وقعها وزير الخارجية العراقي مع سفير الولايات المتحدة بعيد توقيع الاتفاقية الامنية بين البلدين وذلك يعني مزيدا من التهميش للمنتوج الوطني لحساب المستورد،كما إن الاتفاقية الامنية  نفسها والتي سيستحق جزءها الاهم تطبيقا في الفترة القادمة حيث الانسحاب الاميركي الكامل والذي يملي ضرورة إعادة بناء القوات المسلحة والامنية على أسس من المهنية والكفاءة ذلك ما لم تستطع حكومة المحاصصة السابقة من تنفيذه وما الحكومة اللاحقة سوى نسخة أخرى منها قد تكون معوجة أكثر ، فهل ينسجم مشروع الحزب الشيوعي العراقي  ومشاريع قوى التيار الوطني الديمقراطي مع هذه التوجهات المتوقعة للحكومة القادمة ؟؟
في الحلقة القادمة سأناقش ما يتعلق تحديدا بالحزب الشيوعي العراقي .

92
عندما لايكون الحل عراقيا ً

تحسين المنذري

منذ ثمانية أشهر تقريبا والعراق يعاني من حالة شلل سياسي متمثل بعدم تشكيل الحكومة ، وبين تجاذبات القوى السياسية وصراعاتها فقد المواطن العراقي كل أمل مرتجى في رؤية الاستقرار وعودة الروح الى البنى الاقتصادية وسيادة القانون وتعزيز النهج الدستوري في إدارة الحكم بعد كل الخروقات والتعطيل  والمماطلة التي انسحبت مجتمعة على الوضع العام من كل نواحيه والوضع الامني بشكل خاص ، وفي ظل هذه الازمة عادت الى السطح وبشكل اقوى من ذي قبل نزعة الروح الطائفية والتقاسم المحاصصي للسلطة ، وظهرت الى العلن مرة أخرى الرموز الطائفية بوصفها الأداة التي من خلالها سيتم حلحلة الوضع وإيجاد صيغ تعتبرها هي فقط مقبولة ولا مناص منها . ولم يكن كل ماجرى بمعزل عن تدخل اقليمي فض برعاية أمريكية معلنة تارة ومستترة في أخرى ، مما دفع المواطن العراقي الى التعبير عن تذمره وعدم رضاه عما يجري ، بل وإعلان رفضه لكل تلك الممارسات من خلال جملة الاعتصامات التي شملت عدة محافظات عراقية توجت بإقامة دعوى قضائية ضد البرلمان الحالي من قبل منظمات المجتمع المدني التي تصدرت حملة المطالبة بالاسراع بتشكيل الحكومة والتي كسبتها بإجبار مجلس النواب على الانعقاد بموجب قرار المحكمة الاتحادية وإعتبار الجلسة المفتوحة التي أقر بها رئيس السن للمجلس غير قانونية ، وترافق كل ذلك مع المبادرة المعلنة من قبل رئيس أقليم كردستان والتي إعتبرها البعض أساسا ممكنا للتفاوض عليه وقرب إعلان التحالفات النهائية لتشكيل الحكومة  ، في خضم كل هذا جاءت الدعوة من قبل العاهل السعودي للاجتماع في الرياض بعد عيد الاضحى تحت مظلة الجامعة العربية لغرض إيجاد حل للازمة المستعصية . ورغم إن الحراك السياسي العراقي في الفترة المنصرمة لم يكن مقتربا تماما من الحل النهائي إلا إنه في جميع الاحوال كان حراكا عراقيا يخضع للضغط الشعبي سواءا أقر بذلك المتنفذون في العملية السياسية أم لا ، فهل جاءت الدعوة السعودية لغرض تنشيط هذا الحراك أم لشئ أخر ؟
تشير كل التجارب السابقة التي تولتها جهات خارجية لغرض حل الاشكاليات الوطنية الى إنها لم تكن سوى محاولات لحل الازمة أدت في الكثير من الاحيان الى تعقيدها وليس تفكيكها ، فالمبادرة المصرية لحل الاشكالية الفلسطينية لم يكلل لها النجاح بل زادت تعقيدا في حدة المشهد السياسي الفلسطيني ، وإجتماعات الدوحة للمساعدة في مشاكل السودان لم تستطع أن تغير في الموقف شيئا بقدر ما إزداد الوضع تشابكا مع دعوة جهات وإستثناء أخرى ، وكذا الحال مع إجتماعات الطائف عام 1989  والتي أريد لها أن تضع حدا نهائيا للحرب الاهلية اللبنانية حيث نجحت بشكل مؤقت في إيقاف نزيف الحرب لكنها في الوقت ذاته عززت من التقسيمات الطائفية للمجتمع والدولة على حدٍ سواء وتمتين الدور القيادي لبعض الزعماء الطائفيين وسهلت التدخلات الخارجية بشكل كبير في الشأن اللبناني مما جعل الساحة اللبنانية مكانا لتصفية حسابات القوى المتناحرة إقليميا بل وحتى دوليا . فهل سيضع إجتماع الرياض المزمع عقده حدا للتناحرات السياسية العراقية المتشابكة مع الصراعات المسلحة ؟
إن تتبعا بسيطا لجذور الازمة العراقية يجد إنها تتمثل في شيئين رئيسيين هما : التقسيمات الطائفية ـ المحاصصية للمناصب السياسية جميعا والدستور العراقي بما يحمل من هنّات وثغرات ، وهذا يعني إن أهل مكة أدرى بشعابها ، فهل ستدعو الجامعة العربية متمثلة بالسعودية العراقيين الى إلغاء المحاصصة أم إنها ستعزز تمثيل الطوائف في مؤتمرها المزعوم ؟ وهل سيتم تعديل الدستور العراقي وسد نواقصه في الرياض ؟ أم هو بحاجة الى آلية عمل عراقية لإتمامه ؟
إن التجربة اللبنانية تقول لم يكن مؤتمر الطائف حلا للنزاعات الطائفية بقدر ماكان تهدأة مؤقته للصراعات المبنية على أسس طائفية ، لكن في نفس الوقت ترك مؤتمر الطائف ثقلا كبيرا على عاتق الاجيال التي تعيش الان مشاكل المحاصصة المقيتة . إن حل المشاكل العراقية لايمكن أن يستوي الا بأيدي عراقية وكل ماضاق الخناق الشعبي على السياسيين المتنفذين كلما يدفعهم مرغمين على التخفيف من حدة إنحيازاتهم الطائفية ، وما النمو البطئ لكن الرصين لقوى التيار الديمقراطي الا مشعل يزيل بإنارته ظلام المحاصصة المسيئة للعراق وشعبه ويسحب البساط تدريجيا من تحت أقدام القوى المستفيدة من تكريس النظام المحاصصي ، والتجارب تشير الى إنه كلما تقادم نظام المحاصصة في البقاء كلما كانت إمكانية إزالته أضعف ذلك إن قادة الكتل الطائفية سوف يستطيعون مع الايام تركيز وجودهم إقتصاديا وإجتماعيا وأيضا سيقيمون علاقات سياسية مع دول الاقليم وغيرها تعزز من مكانتهم السياسية بما يؤهلهم للاستمرار في إدارة دفة الحكم بوقت أطول ، لذا فإن البقاء في صراع سياسي داخلي حتى وإن طال قليلا خير من اللجوء الى قوى خارجية تعزز من وجود المحاصصين ونظامهم .   

93
أزمة كهرباء ... أم أزمة نظام ؟
تحسين المنذري
في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات الشعبية على شحة تجهيز الكهرباء في عموم العراق وإنطلاق مظاهرات عارمة في العديد من المحافظات ، يتوقف البعض عند دوافع هذه الاحتجاجات والقوى التي تقف ورائها ، في محاولة لحرف النظر عن الاسباب الحقيقية لهذا التحرك وجعله ذو أهداف سياسية تتعلق بالصراع بين القوى اللاهثة خلف تقاسم المناصب ،  قبل أن تكون أهدافه إنسانية مطلبية ملحة . والحقيقة فإن أزمة الكهرباء واحدة من أزمات إنسانية عديدة يعيشها المواطن العراقي منذ سنوات ربما تمتد لأكثر من سبع ، جاءت نتيجة سياسات خاطئة ، كان المواطن يعول على إنتهائها بتغيير النظام الذي كان يحكم ، لكن الزمن كشف إن ألازمات إزدادت حدة وتعمقت تأثيراتها وغدت ظاهرة تترسخ . لكن المواطن العراقي لم يستطع الى الان هضمها أو تقبلها على إنها أمرا واقعا والدليل هو عمليات الاحتجاج التي تتناقلها وسائل الاعلام مع تبريراتها ودفاع المسؤولين عن أنفسهم بل عن نظامهم الذي حمى كل فسادهم وإفسادهم ، وهنا بيت القصيد ، فما يعيشه الوطن ليس أزمة كهرباء أو أزمة خدمات أو أزمة تشكيل حكومة ، وإنما الازمة الاكبر هي أزمة النظام السياسي نفسه الذي بُني على أساس المحاصصة المقيتة والتي أدت الى أن يحتل أشخاص ليسوا ذوي كفاءة لمواقع هامة وحساسة في حياة المواطن والوطن ، كل كفائتهم إنهم ينتمون الى هذه الكتلة الطائفية أو تلك القومية ولايهم بعدها ماله وما عليه من إمتيازات أم هنات ... وتلك هي المصيبة !!! إن أزمة تشكيل الحكومة والفراغ الامني لاتُحل عن طريق التوافقات والكواليس والتقسيمات للنفوذ والمغانم ، بل إنها ذات عمق أكبر يمتد الى طبيعة القوى التي تتصدر العملية السياسية والنفوذ البرلماني ذو الاشكاليات الدستورية الكبيرة ، وأزمة الكهرباء وأزمات الخدمات الاخرى ، هناك من يسند بقاءها وديمومتها،  ذلك هو الفساد المالي والاداري المستشري الذي يلقى الرعاية والدعم من لدن قوى المحاصصة والتي بدورها تستفيد من بقاء تلك الازمات لتكريس أسس نظامها في رهان خاسر على حاجة المواطن وما يعانيه من نواقص تمس ـ كما تتصور تلك القوى ـ قدرته على التحرك والاحتجاج . لكن الحقيقة هي غير هذه ولا تلك ، إنها رفض المواطن لطبيعة النظام الذي أتى بكل تلك الازمات وبالتالي فلابد لهذا الاحتجاج أن يأخذ مداه الحقيقي ، وأن يكون العنوان الابرز هو المطالبة برحيل نظام المحاصصة المقيت ، وإلا فإن القوى التي إستفادت منه سترحل هي عاجلا أم اجلا ,

94
ألا تحدث جرائم إرهابية ....
ذلك هو الغريب!!
                                                                                                تحسين المنذري
كلما تحدث اختراقات أمنية في العراق ، يثير السياسيون والمراقبون على شتى أطيافهم، جملة من التساؤلات عن أسباب تلك الاعمال وعواملها والوسائل التي أتبعها الارهابيون في تنفيذ إجرامهم  ودور القوات الامنية في التصدي لمثل هذه الاعمال الجبانة وغير ذلك من الاسئلة والتوصيفات ، وكأن البلد يعيش في بحبوحة أمنية وكل هموم قادته توفير العيش الافضل لأبنائه وسعيهم الدؤوب لكل ما هو خيّر للوطن وشعبه ،هذا إذا ما أفترضنا إن هؤلاء المجرمين هم مجموعة معزولة عن الناس والحياة والعملية السياسية وكل شئ وليس لديهم سوى جحور يأوون إليها لترتيب اوضاعهم وثم العودة لتنفيذ جريمة ما بكثير من الحذر والريبة لكي لايقعوا في ايدي قوات الامن المدربة تدريبا عاليا وذات الكفاءة والمهنية الكبيرتين !! في حين إن الواقع يشير الى عكس ذلك ، فما من ارض أكثر خصوبة من أرض العراق لكي ينفـَذ فيها ويصول ويجول المجرمون والارهابيون بشتى مشاربهم واهوائهم ، فالقوات الامنية والتي يعـّول عليها في مثل هذه الحالات في التصدي للمجرمين ، هي ليست أكثر من قواتٍ نشأت على أسس غير وطنية تحكمها الولاءات الطائفية والانتماءات الحزبية حينا والعشائرية في حين أخر ، وإن أكثر منتسبيها دفع الرشى وحسب المنصب لكي ينال (شرف ) العمل الوظيفي هذا ، فلِمَ لا يقبض الرشى لتمرير أي شئ بلا أدنى مشاعر إنسانية أو وطنية ؟ وبالتالي فإن هذه القوات ستكون حتما غير مهنية وغير كفوءة  وليست من يُعـّول عليها للتصدي لهؤلاء المجرمين ، عدا هذا فإن الدولة العراقية فاقدة لهيبتها من خلال بنائها القائم على المحاصصة المقيتة وتشريعاتها الناقصة بدءا من الدستور وصولا الى حتى التعليمات التي تصدرها مؤسساتها المبنية هي أيضا على أسس الولاءات الضيقة غير الوطنية ، ولا تقدم الدولة بكل مؤسساتها الخدمات الاسياسية المطلوبة لأي مجتمع حتى وان كان ينتقل للتو من البداوة الى الحضارة ، بل إن مؤسسات الدولة بالعقليات التي تديرها تنتمي لعصر ماقبل النهضة الصناعية ، ولاتوجد منابر ترعاها الدولة لبث الوعي الحضاري والثقافة التنويرية ، بل العكس فإن الدولة ترعى من يبث سموم التفرقة والتخلف والسحر والشعوذة ، وفوق هذا وذاك يأتي الدور المشين الذي يلعبه رجالات الاحزاب المتنفذه في العملية السياسية من بحث مخزٍ عن المناصب والقيادات الحكومية في إعلان فاضح عن الرغبة في إمتلاك ألامتيازات والجاه والمال لاغير ، فلِمَ لا ينشط الارهابيون وينفذون ما يشاؤون من أعمال إجرامية خسيسة ؟.
وفي العودة الى ماحدث يوم الاثنين 10/5/2010من إجتياح مرعب للكثير من المرافق الحيوية والدور السكنية وبمناطق مختلفة من العراق ، فإن أبرز تساؤل يبرز هو ما الذي تغير وجعل الارهابين يتمكنون من فعل ما فعلوا ؟ هل تم تقليل القوات الامنية التي كانت تحرس تلك الاماكن التي أُستـُهدفت ؟ أم هل تم تغييرها ؟ أم هل تم تقليل السلاح الذي كان بعهدتها ؟ أم ماذا ؟ ولماذا حدث ماحدث في هذا الوقت بالذات ؟ ألم يستطع الارهابيون فعل ذلك قبل هذا الموعد ؟ وألا يستطيعوا فعله مرة أخرى في وقت اخر ؟ سأترك ألاجوبة على هذه الاسئلة لكني أريد أن أقول لماذا لم تكن ميليشيا الاحزاب المتنفذة في السلطة هي من قام بهذا ؟ من يبرؤها ؟ أليس في الوضع السياسي من الاستعصاءات والاتهامات المتبادلة ما يكفي ليستخدم السياسيون ميليشياتهم في تنفيذ تلك الجرائم ؟ سيما إذا عرفنا إن بعض من سياسيينا الاشاوس لا يمتلك من الذخيرة الفكرية أو العمل السياسي أو التاريخ القريب أو البعيد سوى إنهم جاءوا الى دفة السلطة وبعضهم الى المواقع البارزة في العملية السياسية فقط إنهم كانوا قادة أو رعاة لميليشيات مسلحة قتلت وأشاعت الرعب في أوساط مختلفة من أبناء شعبنا المكتوي اليوم بنار المحاصصين بعد ما سأم نار الدكتاتورية . وأليكم الامر يا أُولي الامر .

95
انتخابات الخارج لم تضمن سرية الناخب !
                                                                                               تحسين المنذري
يبدو إن إنتخابات الخارج  كانت غير مرغوب فيها من قبل القوى المتنفذة التي سنّت قانون الانتخابات ، لذلك فقد وضعت عراقيل عدة في التنفيذ ، كانت في مجملها أكبر من طاقة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، فالوثائق التي أرادت المفوضية العليا للانتخابات توفرها عند الناخب العراقي  لكي يثبت عراقيته ، لم يكن توفرها عند الجميع أمرا سهلا ومن ثم كان التصويت إجبارا لمحافظة بعينها وفق وثائق من الصعب توفرها عند عراقيين تركوا وطنهم مجبرين قبل مايزيد عن العقود الثلاثة، بل وإن بعضها سحبت عنوة من قبل السلطات الدكتاتورية من العراقيين المهجرين ،  كانت حجر عثرة حقيقية بطريق التصويت ، وباءت كل المحاولات من أجل أن يختار الناخب العراقي في الخارج المحافظة التي يصوت لها بالفشل مع تعنت المفوضية في تعليماتها وأوامرها القسرية ،وأيضا كانت الاوامر المتبدلة بسرعة فائقة عن الوثائق التي تعتمد والتي لا ،  عامل قلق نفسي عن الناخبين العراقيين . ومن جانب اخر فإن مراكز الاقتراع كانت قليلة وبعيدة عن سكن معظمهم والتي لم تراع ِ مكاتب المفوضية في الخارج توزيعها بصورة عادلة  ، وعن قصد كما بدا للكثيرين ممن التقوا بممثلي المفوضية الذين لم يستطيعوا تقديم تبريرات مقنعة لأحد في إختيار الاماكن المحددة والتي لم تكن جميعها صالحة لاستقبال الاف العراقيين المتحمسين للادلاء بأصواتهم ، ومع هذا وذاك فقد تحدى عراقيو الخارج ( كما يحلو للبعض تسميتهم ) كل العراقيل وتوجهوا بالالاف بحثا عن الصبغة البنفسجية ، والتي كانت مطمحا حتى لاطفال بعمر الورد لطخوا بها أصابعهم وخرجوا من مراكز الاقتراع كأهلهم مزهوين بها . حتى جاء يوم العد والفرز لتكون الصدمة أكبر بإستبعاد الالاف من الاوراق التصويتية لاسباب مجهولة لم يستطع موظفو المفوضية من إقناع أي شخص بها ، فهل يصدق أحد إن تسعة الاف صوت في بريطانيا واكثر من ستة الاف في السويد كانت جميعها مكررة او إنها إعتمدت وثائق مستنسخة أو مزورة كما إدعى موظفو المفوضية ؟؟ فماذا كان عملهم في أيام الاقتراع إذن؟؟ إلا إن هذه الضارة كانت نافعة في كشف شئ أخر هو عدم سرية الناخب في إختياره للكيان الذي صوت له ، ذلك إن الاستبعاد كما ظهر جليا  إعتمد على البيانات التي  تُسجل عن الناخب في سجل الناخبين والتي كانت ترسل كل ثلاث ساعات تقريبا الى مركز المفوضية في أربيل ، حيث كان يسجل إسم الناخب الثلاثي والوثائق المعتمدة في التعريف بشخصيته والوثائق الساندة لذلك مع رقم المظروف الذي وضع فيه ورقة إقتراعه !! وهنا بيت القصيد ... فلماذا لم يعتمد أي مظروف في الانتخابات التي جرت للعراقيين المقيمين في أرض الوطن ؟ في حين جرى إعتماد ذلك للعراقيين المقيمين رغما عنهم في الخارج ؟ الم يكن الامر مبيتا أذن ؟ فقد كان على العراقي المقترع في الخارج أن يضع ورقته في مظروفين الاول خالٍ من كل شئ ويسمى المظروف السري والثاني يحمل رقم مركز الاقتراع ورقم خاص للمظروف يسجل الى جانب اسم الناخب في سجل الناخبين ، غي كان بإستطاعة أي شخص من موظفي المفوضية أن يستل أي مظروف لشخص بعينه ويعرف بحكم موقعه الوظيفي الجهة التي صوت لها ، وكان يكفي ايضا معرفة اسم المصوت من قبل مدخلي البيانات لكي يعرفوا لمن صوت ، ففي خارج الوطن الكل معروف الاتجاه بحكم السنين الطوال التي عاشها وساهم في نشاطات عدة لنصرة الوطن ، بل وإن بعضهم كتب قبيل الانتخابات مصرحا بالقائمة التي سيعطيها صوته ويكفي أن يرد خلف إسمه إسمين لابنائه لكي يعرف مُدخل البيانات إن هذه الاصوات الثلاثة لمن تذهب ، وهذا مايثير الريبة أكثر في عملية إستبعاد الاوراق التصويتية . ربما سيكون رد المفوضية إن تصويت الخارج هو التصويت المشروط والذي يفرض التدقيق في بيانات الناخبين من قبل أكثر من موظف وصولا الى عملية إدخال البيانات ، فألا يكفي تدقيق موظفي المفوضية في مراكز الاقتراع ؟ ام إنهم مشكوك بأمرهم أيضا ؟ ثم السؤال الاهم لماذا يكون تصويت العراقيين المقيمين في الخارج مشروطا ؟ لماذا عليهم إثبات عراقيتهم بأوراق أغلبها مهترئة بحكم الزمن وتقادمه؟
حينما كان العراقيون في الخارج يصولون ويجولون من أجل الوطن ، إعتصامات في الشوارع ومظاهرات ، ومذكرات لجهات برلمانية ودولية ، ولقاءات علنية مع وسائل الاعلام ، لم يكن احدٌ يسألهم عن الوثيقة التي يحملون ، حتى النظام الدكتاتوري المقبور كان يكتفي بإسم المعارض من دون حاجة لوثيقة تعريف  لكي يلاحق مَن بقي مِن أهله في أرض العراق حيا ويزج به في سجونه أو تبقيه أجهزته مراقبا ملاحقا ، ولم يثن ِ كل ذلك العراقيين في الخارج من إداء واجبهم الوطني في نصرة أهلهم ووطنهم ، فلماذا عليهم الان أن يثبتوا إنهم عراقيين لكي ينصروا أهلهم ووطنهم عبر صناديق الاقتراع ؟

96
حسابات القوائم الكبيرة المصرفية :
غسيل للاموال القذرة
                                                                                               تحسين المنذري
تتنوع اساليب الدعاية الانتخابية للبرلمان العراقي القادم ذات الكلف المالية العالية ، وكذا الحال مع الهبات التي تقدمها بعض القوائم كرشى ً للناخبين والتي تثير جميعها الكثير من التساؤلات عن مصادر تلك الاموال ، بحيث يذهب البعض الى التأكيد على إنها من دول اخرى ربما مجاورة للعراق تـُُدفع دعما لهذا أو ذاك من المرشحين وأيضا لبعض القوائم  . ويذهب الاخرون الى التأكيد على إن تلك الاموال ماهي الا أموال الدولة العراقية التي يسيطر على إقتصادياتها  رموز من تلك القوائم  ، سيما وإن البعض منهم متهم علنا بالفساد الاداري والمالي . وأيضا فإن بعض تلك المصاريف تشير علنا الى استخدام إمكانيات الدولة بشتى المجالات مثل قيام بعض منتسبي الجيش والشرطة بالترويج لقوائم بعينها ، أو قيام عمال وموظفين بتعليق اعلانات القوائم جهارا نهارا أثناء أوقات العمل الرسمي دون أن يكونوا متمتعين بإجازات رسمية عن وظائفهم ، بل إن بعضهم يستخدم الاليات والعجلات الحكومية للقيام بتلك المهام . ولما صارت كل تلك الحيثيات مكشوفة للعيان وحديثا للمواطنين الذين إكتووا بنار ممارسات تلك القوائم خلال السنوات الاربع المنصرمة ، ولكي تنأى تلك القوائم المقصودة بنفسها عن هذه الاتهامات فقد لجأت بعضها لفتح حسابات مصرفية لجمع التبرعات من المساندين لقوائمهم ، على أن تخضع تلك الحسابات الى التدقيق الحسابي العلني وبإشراف محاسبين متخصصين !! هذا ما أعلنه بعض مرشحي تلك القوائم . ولما كانت التبرعات قد حصلت بمبالغ طائلة جدا فإن السؤال الهام هو : من أين أتى هؤلاء المتبرعين بتلك المبالغ الضخمة التي تبرعوا بها ؟ طبعا أن المتبرعين المحسنين لله ـ جزاهم الله خير الجزاء ـ غير ملزمين بالافصاح عن مصادر تلك الاموال . وهنا تكمن القضيبة ، فإن أصحاب القوائم الكبيرة لجأوا الى هذا الحل ( السحري ) لكي يأنون بأنفسهم عن تلك التساؤلات ، لكن ليس من الصعب على أحدٍ من أن يعرف إن تلك المبالغ  المُتَبَرع بها هي أموال قذرة .

97
صورتان من محاكمة قتلة الشيوعيين

                                                                                                    تحسين المنذري
بدأت في الاسابيع الماضية محاكمة بعض من رموز النظام الدكتاتوري المقبور، لقيامهم وعن عمد بمحاربة واضطهاد الشيوعيين العراقيين لحد إعدام المئات منهم، والذين تمت تصفية الاكثرية منهم بصورة دموية قاسية من خلال التعذيب، والبعض الآخر بمحاكمات صورية لم ترتقِ حتى الى محكمة قرقوش السيئة الصيت . في هذه المحاكمة تتمثل صورتان: الاولى للضحايا ـ الشهداء منهم والاحياء ـ وهم عراقيون واجهوا نظاما دكتاتوريا قاسيا بغيضا بقلوب عامرة بحب العراق وعقول مترعة بالفكر الثوري وأحلام بوطن أجمل وشعب لا يجوع فيه إنسان ، وهم بذلك كانوا إمتدادا لمناضلين سبقوهم في المسيرة كان أقرب جيل منهم هم المناضلين في سبيل الحرية وبمواجهة  فاشيي عام 1963 عام شباط الاسود ، الذين سطروا أروع ملاحم البطولة في صد الهجمة الشرسة،  وقدموا حياتهم أو خيرة سنين شبابهم خلف قضبان السجون البغيضة. والصورة الثانية لجلادي عصر الدكتاتورية  والذين هم ايضا امتداد لمن سبقوهم في الجريمة ، فاشيو عام 1963 ، مستفيدين من تلك الخبرة القذرة في مواجهة الشيوعيين والديمقراطيين ، حيث نفذ مجرمو عام 1963 أبشع جرائم التاريخ الحديث ليس على مستوى العراق وحسب بل وعموم المنطقة ، حينما امتلأت السجون وفاضت لتتحول الملاعب الرياضية وبعض أبنية المدارس الحكومية الى مقرات إعتقال وتعذيب وتصفية جسدية نالت من حياة شبيبة باسلة نساءا ورجالا ، وتحول العراق وقتها الى ساحة عنف وإرهاب دمويين ، مازال أبناء العراق يتذكروها بمزيد من المرارة والحسرة ، ذلك إن رموز الاجرام التي نفذت تلك الجرائم البشعة مازال بعضها ينعم بالحرية ـ رغم ذل وعار الجرائم ـ إلا إنهم في اية حال مازالوا أحياءا طلقاء لم يمسهم الضير .  الجريمة واحده والضحية هم أنفسهم حتى إن بعضهم من ذاق الإضطهادين في عام 1963 وإبان حقبة حكم البعث الثانية ، وكذلك المجرمون بعضهم من مارس نفس الدور في الفترتين ، فلماذا لا يقف مجرمو عام 1963 في نفس القفص الذي يقف فيه أقرانهم اليوم ولماذا لا يتم إنصاف ضحايا عام 1963 وما بعدها ، لماذا لا يصار الى تضمين قانون السجناء السياسيين انصافهم ؟ إنها أسئلة تبحث عن إجابات . فلكي تكتمل الصورة لابد أولا من إنصاف الضحايا لكي يتمكنوا من المطالبة بحقوقهم المشروعة ، ولابد للمجرمين أن ينالوا جزاءهم المستحق .

98
توحيد الحقول المشتركة مع دول الجوار :بيع بخس للثروات الوطنية


تحسين المنذري
أثارت ازمة حقل الفكة التفطي مع الجارة ايران الكثير من ردود الفعل المتباينة داخل الاوساط الحكومية والسياسية العراقية ، وجاء التباين تبعا لأهواء القوى التي حاول كل منها أن يصور الامر بطريقته بحثا عن شئ ما ليس مجهولا للمراقبين، لكن مما يثير الحفيظة بشكل مزري هي الرسالة التي بعث بها السيد وزير النفط الى السيد وكيل الاستخراج للعمل مع ايران لتوحيد الحقول المشتركة ، وأكدالسيد الناطق الرسمي بلسان الوزارة والذي لم ينفِ مضمون الرسالة ، إلى إن الوزارة توصلت الى اتفاقية مع الكويت بهذا الصدد ايضا . ويبدو للوهلة الاولى إن مثل هذا الحل من شأنه أن يبعد عن العراق وجيرانه خلافات مستديمة تتعلق بالحدود اصلا ومنها المناطق النفطية المتنازع عليها. ورغم إن ما تسرب من الرسالة لم يشر الى حيثيات الانتاج والاستخراج بالتفصيل ، فمن سيقوم بذلك هل شركات الدولتين أم يمنح استثمارا لشركات اجنبية ، أوبأشراف من سيكون وكيفية التعامل مع هكذا حالات ؟ كلها اسئلة وغيرها الكثير تحتاج الى اجابات قبل التقدم بمثل هكذا ، إلا إن مثل هذا الحل يفترض شروطا موضوعية وذاتية تتحقق في كلا البلدين اللذين يتفقان على توحيد الحقول المشتركة . لعل في مقدمة ذلك هو توفر النزاهة والشفافية ووجود خبرات وطنية قادرة على التفاوض ووجود ارادة صادقة في حل مثل هذه المشاكل بطرق سلمية صحيحة وقبل هذا وذاك لابد من التكافوء بين البلدين الموقعين على مثل هكذا إتفاقيات ، وهنا مكمن المشكلة الرئيسية عند العراق تحديدا ، فالبلد يمر بظروف صعبة قل نظيرها ومازال يشكو قلة الموارد الاقتصادية وضعف إداء الاجهزة الامنية والجيش تحديدا ،وتغييب متعمد لأهم كفاءاته العلمية ومنها النفطية تحديدا ،  ووجود تضارب فاضح بين أركان حكمه إستنادا الى المحاصصة الطائفية التي أتت بهم الى سدة الحكم ، بحيث هناك من يدعو الى السكوت عن إحتلال ايران لابار حقل الفكة ، بالمقابل فإن إيران أو الكويت تتمتعان بأستقرار اقتصادي نسبي إلا إنه أعلى من أستقرار العراق حتما بعدة مرات ، وفي العراق جيش لم يقو َ على طرد عشرة جنود ايرانيين من موقع بئر واحد ،وإيران تحتفظ بجيش وأجهزة مخابرات تملك خبرة حروب داخلية وخارجية  وتدخلات إقليمية كبيرة  والفساد المالي والاداري يطال تقريبا جميع مؤسسات الدولة ولم يسلم منها وزير النفط نفسه بدليل إستدعائه من قبل البرلمان في قضية لم تنته بعد الى الان ، والعراق ضعيفا دبلوماسيا وقانونيا بدليل إستطاعة الكويت من منع إستيراد طائرات للنقل المدني منذ عدة سنوات دون أن يستطيع العراق الحصول على حقه في الطائرات رغم دفعه أثمانها الباهضة !! وغير هذا وذاك الكثير مما يجعل العراق في موقع الاضعف في أي تفاوض تجاري أو دبلوماسي أو لترسيم الحدود حتى ، فكيف به يخوض مفاوضات لاستثمار حقول مشتركة ، والسيد وزير النفط لا تخفى عليه كل هذه المعلومات إن لم يكن يعرفها هو بشكل شخصي فإن مستشاريه الشخصيين ومستشاري الحكومة على إطلاع بالموضوع فكيف له أن يجروء على طرح هذه الفكرة والتفاوض عليها مع إيران أثناء زيارته الميمونة لطهران ؟ أم هو يعلم بكل هذا ويريد ـ عن قصد ـ أن يحصل ما يحصل ولتذهب ثروات العراق فداءا لعيني اصدقائه الايرانيين ؟
إن على العراق الان أن يضغط بإتجاه واحد فقط هو إيقاف إستثمار الحقول المشتركة بينه وبين جيرانه ، من قبله ومن قبل جيرانه في نفس الوقت ، حتى وإن إقتضى الامر إستحصال قرارا من الامم المتحدة بذلك ، وفي كل دول المنطقة، بما فيها العراق ، هناك حقول وموارد أخرى تمكنها من تسديد كل نفقاتها ويفيض . أم إن السيد وزير النفط يسير متفاعلا مع المشروع الاميركي الذي يقضي بأن يكون تصدير العراق وخلال الخمس سنوات القادمة إثنا عشر مليون برميل يوميا في سرقة واضحة لثروات العراق وهدر لامواله لحساب المحاصصين الطائفيين الرعاة الحقيقيين للفساد الاداري والمالي وللمفسدين ، ودون أن يكون هناك تخطيط لإقامة مشاريع إقتصادية تشكل ركائزا حقيقية للتطور الاقتصادي العراقي في المستقبل .

99
ليس قانونا للانتخاب وانما قانونا للالتفاف على الديمقراطية

                                                                                                  تحسين المنذري
بعد صراع مرير ، وأحد عشر مرة تأجل فيها التصويت ، وكانت كركوك شماعة واهية لتعليق المشاكل ، صوّت البرلمان العراقي ، أو بالاحرى الكتل المتنفذة ، على قانون لا يضمن سوى إستمرار هيمنة القوى الطائفية ـ المحاصصية على برلمان قادم وما يجرّه هذا من خراب ودمار جديد . فقد تم رفض مقترح أن يكون العراق دائرة إنتخابية واحدة تضمن تمثيلا متوازنا لكل المكونات والاحزاب العراقية ، وقُـبِلَ بديلا عنه مقترح أن يتكون العراق من دوائر إنتخابية تكون كل محافظة فيه دائرة واحده ، وتم تخفيض المقاعد التعويضية من خمسة واربعين مقعدا الى فقط خمسة عشر مقعد تخصص للمكونات قليلة العدد ، وبهذا فقد تم قطع الطريق على إحتساب أصوات الاحزاب والكتل التي لم تفز في محافظاتها وتجميعها لكي تحصل مقاعد بديلة على أساس القاسم الوطني في المقاعد التعويضية ، ولم تكتف ِ الكتل الطائفية بذلك بل إنها أعادت ماحدث في إنتخابات مجالس المحافظات من عملية تزوير للاصوات ومنحها المقاعد الخالية  لأكبر الفائزين بدل أن تكون لمن جمع أكبر عدد من الاصوات دون أن تصل الى القاسم  الانتخابي للمحافظة التي ترشح فيها  .
وبتشريع هذا القانون فقد سجلت القوى المتنفذة في برلمان الهرج العراقي تراجعا واضحا عن التطور في بناء الديمقراطية الوليدة ، بل إن هذا القانون هو نقطة سوداء في تاريخ العمل السياسي في العراق منذ عام 2003 والى الان ، يكشف حجم زيف الادعاء بالديمقراطية الذي مازالت القوى الطائفية تتمشدق به منذ إعتلائها سدة الحكم والى الان ، فقوى لم تدخل الديمقراطية في قاموسها منذ تأسست ، بل وإن بعضا منها كان الى الامس القريب يرفض حتى التلفظ بحروفها ، ليس مستغربا منها أن تلتف بأنانية واضحة على أحد مستلزمات الديمقراطية ، ألا وهو الانتخاب الحر المتوازن ووصول صوت الناخب الى مستحقه .
إن تجربة إنتخابات مجالس المحافظات كشفت حجم الزيف الذي لحق بنتائجها والمقاعد الخالية التي حصلت عليها قوى لا تستحقها وغيبت قوى كانت أكثر إستحقاقا من حيث عدد المصوتين الا إنها لم تستطع الوصول الى مجلس المحافظة  بسبب إن قائمتها لم تحصل على الاستحقاق المطلوب وذهبت اصواتها الى مرشحين لم يحصلوا على عُشر ما نال هؤلاء، فقط لانهم من قوائم حصلت على الاستحقاق الانتخابي .
لقد استطاعت القوى الطائفية المتنفذة الان في السلطة ، وعلى مدى سنوات حكمها أن تؤسس لها مجتمعة أو لأعضائها أماكن لا تستطيع التخلي عنها بسهولة ، لما قام به كل هؤلاء من خروقات قانونية ومالية وربما إشتراك في بعض الاعمال الارهابية  تؤدي بهم في حال إنكشاف أمرهم الى المثول أمام العدالة ، وبهذا فهم أسسوا لامبراطوريات من الفساد والرذيلة ، يتستر بعضهم على بعض ، بحجة ضرورة إستمرارية العملية السياسية وعدم التراجع الى الخلف ، إلا إنهم في حقيقة الامر ليسوا سوى سراق لجهد المواطن وثروة الوطن . وبالضرورة فإنهم يدافعون عن مواقعهم تلك ، وكأني أرى عضو البرلمان الذي صوّت على بنود القانون الحالي ، يتحسس كرسيّه قبل رفع يده ، لأنه وببساطة يفكر بهذا قبل أي شئ آخر .
لقد اقترن تشريع هذا القانون ليس فقط بالقصور والخواء الفكري لمشرعيه وإنما ايضا بإرادة المحتل الاميركي والذي كان لدبلوماسييه الاشتراك العلني في وضع لمسات القانون ومتابعة التصويت ومن ثم المباركة التي اطلقها باراك أوباما لتشريع قانون ينتقص الديمقراطية ولا يضيف لها شيئا . إلا إن كل ذلك لا ينتقص من نضال القوى الديمقراطية الوطنية التي تبنت الوطن والمواطن كأهداف ومشاريع لكل عملها ، وهي بالتأكيد لن تكل عن مواصلة العمل النضالي الدؤوب وعلى مختلف الاصعدة لإنتزاع الحقوق المشروعة والعيش بكامل الكرامة الانسانية .

100
الموقف من : حيدر ردام

                                                                                            تحسين المنذري
"حيدر نزار ردام " مواطن عراقي من اهالي البصرة ، قدم الى السويد منذ عامين ، حاملا معه هم العراق وجرحا في ساقه نتيجة اطلاق نار عشوائي أُصيب به قبل قدومه الى بلد يبحث فيه عن الأمان الذي إفتقده بين أهله وصحبه ، حيدر ردام ترك أمه وشقيقه وشقيقته وزوجته وإبنه في سوريا ، كبلد مؤقت ،وإنتظارا للالتحاق به في حال حصوله على حق الاقامة الدائمة في السويد ، لكنه لم ينل ما أراد ، كان الرفض والتهديد بالتسفير بموافقة الحكومة العراقية يلاحقه في كل لحظة ،و جرحه النازف في ساقه ظل يؤلمه حتى تقيح ، مما إضطر دائرة الهجرة السويدية الى إرساله لمستشفى متخصص لاجراء جراحة عاجلة . لكن الدواء صار داءا ، فمات حيدر ردام أثناء إجراء العملية نتيجة خطأ في التخدير ـ وهذا نادرا مايحدث في السويد ـ البلد المتطور علميا وطبيا ، لكنه الاجل ، أو القدر النحس الذي ظل يلاحق حيدر ردام قال قولته الاخيرة . إلا إن معاناة حيدر ردام لم تنته عند هذا الحد ، فدارت الاسئلة في رؤوس الجميع ، أين يدفن ؟ ومن له ، وكيف التصرف مع أهله في سوريا ؟ تم إحضار أخيه "عامر" المقيم في بلجيكا ، إلان إنه كان أيضا بلا حول ولا قوة ، فهو لاجئ هناك لا يقوى سوى على قوت يومه . فما العمل ؟ الجمعية الثقافية العراقية في مالمو ، كانت الجهة التي التجأ اليها عامر ردام ، ولم تبخل عليه بالمساعدة ، إتصل العاملون فيها بدائرة الهجرة السويدية ، وهي الجهة المسؤولة عن طالبي اللجوء في أمل الحصول على مساعدتها لنقل الجثمان الى العراق ، لكنها إعتذرت لان نظام عملها يسمح فقط بتسفير الاحياء الى بلدانهم وليس الاموات !!!!! بلدية مالمو وعدت بالمساعدة إذا تم دفنه في أراضيها وليس تسفيره ، فبرز السؤال مرة أخرى ما العمل ؟ لم يكن أمام الجميع سوى الاتصال بالسفارة العراقية في السويد لطلب المساعدة في الموضوع ، وبالفعل إتصلوا تلفونيا وكان على الجهة الثانية من الخط القنصل العام في السفارة السيد "عمر واصف "  ، والذي ما أن سمع القصة حتى بادر بالرد وبلغة دبلوماسية ، معتذرا عن تقديم أية مساعدة لان المتوفي حيدر ردام وببساطة تقدم بطلب لجوء الى السويد وهذا يعني إنه معارضا للدولة العراقية مما يتعذر على السفارة تقديم المساعدة للمعارضين حتى وهم أموات، وبعد إلحاح وترجي وافق على تقديم عريضة للسيد السفير علّه يقدم عونا ، لكن الرد من السيد السفير العراقي في السويد ــ والذي كان معارضا سياسيا سابقا ولاجئا في بلد أوروبي أخر هو فرنسا ــ جاء مطابقا لرأي السيد القنصل العام " عمر واصف " حسب مانقله الاخير الى ممثلي الجمعية الثقافية العراقية في مالمو وعبر الهاتف ، لكن السفارة على إستعداد لختم التابوت بختمها!!!
فيا للمنطق القديم الجديد ، حيدر ردام  ، الهارب من جحيم الموت والمصاب بإطلاق ناري في ساقه ، معارض للدولة العراقية ، لا لشئ سوى إنه يبحث عن الامان ، معارض للدولة العراقية لانه يريد العيش بكرامة إنسانية  إفتقدها في وطنه ، معارض للدولة العراقية ، لأن المحاصصين لم يعطوه فرصة تحقيق آماله في وطنه ، معارض للدولة العراقية ، فقط لأنه يريد تأمين مستقبل مستقر وآمن لعائلته وبالاخص لولده ، معارض للدولة العراقية ولا يستحق سوى ختما على تابوته ، أما خيرات وطنه ، نصيبه في شئ من ماله ، فليس له حق بها لأنه ببساطة معارض للدولة العراقية .
منطق القنصل العراقي العام السيد "عمر واصف " ليس جديدا على العراقيين ، إنه موقف النظام الدكتاتوري المقبور إزاء كل معارضيه ، الحرمان من حق المواطنة ومن الحريات ومن العيش بكرامة ومن كل ماهو إنساني ونبيل ..... وأخيرا الحرمان من حق الدفن في الوطن ذلك مالم يجروء على قوله السيد القنصل العراقي العام في السويد .
فهل هذا هو منطق الديمقراطية الجديدة في العراق ايضا ؟؟
نعم لتعلموا أيها المعارضون ،وأعني أيها المقيمون خارج وطنكم ، الباحثين عن الاستقرار والامان والعيش بأدنى حد من الكرامة الانسانية ، إنكم لا تستحقون شيئا من وطنكم ، وليس لكم حق فيه إلا أن تقولوا "نعم"لكل حكوماتكم ، وأن توافقوا على هدر حرياتكم وكرامتكم وأن تموتوا وانتم راضين عن كل مايجري ، وإلا فأنكم ربما ستحرمون بموجب فرمان قادم حتى من حق الدفن في تربة وطنكم ، وأحذروا أيها الباقين على قيد الحياة في أرض العراق اليوم ، إحذروا أن تغادروا جحيم المفخخات والاحزمة الناسفة ، لا تبتأسوا من حرمانكم من الماء والكهرباء ، لا تتذمروا ، لا تعترضوا ، وأقبلوا بكل شئ حتى وإن كان غير انساني ، وحذار حذار إن تغادروا أرض العراق لئلا تحسبون معارضين للدولة العراقية ويحتار بكم أهاليكم وصحبكم ، إن متم، أين ستدفنون ؟؟
في قضية حيدر ردام ايضا فقد تناخى العراقيون الشرفاء من أبناء الجالية العراقية في جنوب السويد مع بعض من جمعياتهم وتدبروا فيما بينهم كلفة نقل جثمان حيدر ردام وكلفة سفر أخيه الى ارض البصرة ،ووصل الجثمان الى هناك وبدون ختم السفارة ،   إلا إن الخوف يلازمهم من القنصل العراقي العام في السويد السيد " عمر واصف " مخافة أن يلاحق المعارض العراقي المتوفي حيدر ردام الى هناك ويحرمة من حق النوم الابدي في التربة التي تربى فيها .
حيدر ردام ، إرتحل دون أن يعرف قصة معاناته كلها .

101
وجهة نظر في: التحالفات السياسية

                                                                                               تحسين المنذري
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية العراقية في السادس عشر من شهر كانون الثاني المقبل ، تتصاعد حمى الكيانات السياسية في تشكيل تحالفات تخوض فيها الانتخابات ، سيما وإن القوى السياسية العراقية على إختلاف مشاربها إمتلكت خبرة في التحالفات أقلها ما سبق إنتخابات البرلمان السابقة ، وبغض النظر عن خلفية كل حزب أو كيان سياسي ، فإن التحالف والتكتل مع الاخرين صار سمة للعمل السياسي العراقي ، برزت بشكل كبير بعد سقوط النظام الدكتاتوري .
إلا إن التحالفات التي إنبثقت في غالبيتها ـ في الفترة المنصرمة ـ آلت الى الفشل بسبب من طبيعة تلك التحالفات أولا ومن طبيعة القوى والظروف التي تحالفت بها ثانيا وأخيرا بسبب الاهداف الحقيقية التي لم تعلن عند تشكيل تلك التحالفات والتي كانت تدور حول إقتسام مغانم السلطة . لذلك جاءت التحالفات مشوهة في كتلها الأكبر والتي قامت على أُسس طائفية وأخرى قومية  ، مما أدخل البلد في أتون تقسيمات طائفية أدخلت الجميع في دوامة حرب كارثية لم تنته أوراها الى الان رغم كل الاعلانات التي تبنتها القوى المتنفذة في السلطة بإنتهاء خطر الحرب الاهلية  أو التقسيم الذي كان قاب قوسين أو أقرب من مستقبل العراق . واليوم وقبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة صارت تلوح في الافق تحالفات أخرى ليست بأفضل حال عن سابقاتها ، إبتدأت بإعلان تحالف الائتلاف الوطني الذي قام على أطلال تحالف طائفي كان يسمى الائتلاف العراقي الموحد ، لكنه لم يكن عراقي التوجه ، بل طائفيا ، ولم يكن موحدا ، فقد دبت الخلافات في أوصاله منذ إعلان فوزه متمثلا في الصراع على  تقاسم الحقائب الوزارية والصراع الكبير على منصب رئيس الوزراء بين بعض أهم رموزه، ولم يكن  يجمعه سوى الغطاء الطائفي المقيت ، والذي لم تستطع القوى المكونة له أن تنزع عن نفسها العباءات الطائفية رغم كل التغييرات التي حدثت في أسمائها أو في خطابها المعلن أو حتى إنشقاقاتها ذات الاهداف غير الوطنية والتي تدور حول ناعور الطائفة والحفاظ على المكاسب السلطوية لا غير . وبالرغم من إحتواء الائتلاف الجديد لقوى سياسية لاتنتمي الى نفس الطائفة ، إلا إنها دخلت الائتلاف تحت يافطة طائفتها ومن أجل مواقع في السلطة الجديدة التي ستـنبثق عن الانتخابات القادمة . أما على الضفة الاخرى من القوى الطائفية ، فبرغم التشرذم الذي يحيق بها إلا إنها لم تتوان عن إعلان هويتها الطائفية وإحتمال عودتها الى  نفس تحالفها السابق ردا على التحالف الطائفي المقابل الذي إنبثق أخيرا .
وأيضا فإن بعضها ينوي الدخول في تحالف على أساس طائفته مع قائمة دولة القانون التي لم تثبت رغم فوزها في انتخابات مجالس المحافظات تخليها عن إنتمائها الطائفي ، وما تقوم به سلطتها في البصرة خير دليل على ظلامية توجهها . من هذا العرض المختصر تظهر الصورة تمسك القوى الطائفية بنفس نهجها وطائفيتها رغم كل إعلاناتها التي ترمي بها تلميع صورتها ووضع بعض الرتوش الزائلة حتما . وكذلك يبرز وقوفها في خندق القوى الظلامية من الصراع الدائر الان في الساحة العراقية ،مقابل قوى ديمقراطية تدعو الى علمنة الدولة والمجتمع وإنتهاج سياسة تبتعد كليا عن المحاصصة الطائفية المقيتة وعن فكر العودة الى الوراء ، إلا إنها  مازالت  مبعثرة لم تتفق على برنامج محدد ورؤى مشتركة واضحة ، وهذا ما ساعود اليه لاحقا في نفس هذا المقال ، لكن لابد من التوقف عند القوى القومية الكردية  التي تمتلك تاريخ وأرضية جيدة لتكون ضمن القوى الديمقراطية الداعية للعلمانية ، إلا إنها وللاسف الشديد إنساقت منذ تشكيل الحكومة العراقية المنبثقة عن الانتخابات السابقة مع القوى الطائفية المحاصصية  في تقاسم النفوذ والسلطة، مما جرها الى أن تقترب في بعض مواقفها من الشوفينية ، بحجة الدفاع عن مصالح الشعب الكردي المضطهد منذ عصور ، متناسية كل القوى التي وقفت الى جانبها في أحلك الظروف ودافعت عن مصالح الشعب الكردي بل وصاغت الكثير من شعاراته المرحلية والستراتيجية وإرتقت في كثير من الاحيان الى حد حمل السلاح مع أبناء الشعب الكردي العراقي من أجل نيل حقوقه المشروعة كاملة . إن القوى القومية الكردية المتمثلة في الحزبين الرئيسيين ( أوك وحدك) لا تزال تستطيع أن تلعب دورا محوريا في تجميع القوى الديمقراطية والداعية للعلمانية بل وحتى طيف واسع من القوى الليبرالية ، وأتصور إن إنتخابات إقليم كردستان وما تمخض عنها من نتائج ، تساعد الى حد كبير في إعادة رسم صورة التحرك اللاحق للحزبين الكرديين الرئيسيين بعد التراجع الذي حصل في جماهيرتها وظهور قوى كردية جديدة مؤثرة في الساحة السياسية الكردستانية ، ورغم الزيارات المتكررة لبعض الشخصيات السياسية لكردستان ومحاولة الايحاء بنية تحالفها مع القوى الكردية إلا إن هذه الاخيرة لم تعلن بعد كل توجهها التحالفي في خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة ، مما يجعل الباب مشرعا لكثير من الاحتمالات صوب اليمين أو اليسار بسبب من الطبيعة الطبقية للقوى المتنفذة في قيادة الاقليم أو الحزبين الرئيسيين . وهنا يأتي دور القوى الديمقراطية ـ العلمانية لحث القوى الكردستانية للانضمام الى التحالف المنشود الذي يضوي تحت لوائه كل الطيف الواسع من القوى الديمقراطية وحتى الليبرالية ، والتي لم تجد الى الان مشتركات تكفي للتوحد كما يبدو، رغم إن أرضية الواقع تشير الى العديد مما يمكن أن يكون أساسا صلبا لتحالف قادم قد يتعدى الانتخابات القادمة وبرلمانها .
تجارب العراق تحديدا وبقية شعوب العالم أثبتت إن ماكان بالامس صالحا لتحالف ما، قد يصبح اليوم مثابة خلافات مستديمة ، فالمعارضة لنظام دكتاتوري تم إسقاطه لا تمسي مشتركا لتحالف لاحق، وتجربة جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 تؤكد هذه الحقيقة ، فبعد إسقاط النظام الملكي مباشرة دب الخلاف والتشتت بين قوى الجبهة ولم ينته إلا بعداء مكشوف ومستديم مازال بين بعضها الى يومنا هذا ، ولا مناص من الاعتراف بأن القوى التي لم تستطع تحقيق تحالف ناضج وهي تشترك في هدف واحد ، إمتلك كل مقومات التجميع ، كيف لها أن تستند الى نفس المشترك وقد إفترقت في الاهداف والمواقع ؟ بعد سنين عجاف من التردي والتراجع ، لم تستطع خلالها سوى الايغال بمزيد من الخلاف والتناحر والانتقال من موقع الى اخر يباعد بعضها عن بعض على إسس بناء الدولة وشكلها والتعامل مع الديمقراطية كبناء يؤسس لعراق جديد . من هذا فإن تحديد شكل الصراع وقواه في المرحلة الحالية يعتبر أساسا أمثل لتحديد التوجه اللاحق للتحالفات التي تنوي القوى الديمقراطية إقامتها ، فكما معروف إن كل خلافات القوى المتصارعة على السلطة ذات منطلقات فكرية عميقة ، لم تأتِ من الفراغ ولا تغاير الطبيعة الطبقية والاجتماعية لها ، فالقوى التي تريد بناء نموذج الدولة المستندة الى فكر الدين قالبا ومضمونا تقف في خندق القوى الرامية الى تأسيس إقتصاد حر تنمو فيه البرجوازية الطفيلية ـ الكومبرادورية والتي تشل بناء الاقتصاد الجديد وإعادة تركيب البنى التحتية المهدمة ، وتلتقي في الاخر شاءت هي أم أبت ، مع قوى خارجية لاتريد للعراق إقتصادا وسياسة وثقافة و... و... أن يستقر ويزدهر ، وبذلك فإن الافتراق مع هذه القوى يشكل صلب النضال حاليا ومستقبلا، لقوى تريد بناء نموذج دولة العدالة الاجتماعية المستندة أيضا الى إقتصاد حر لكن بشروط وضوابط الدولة ، والتي تهدف بالاخرالى بناء نموذج الدولة المدنية الديمقراطية المتباعدة في الاسس والتوجه عن نموذج الدولة الذي تريد بناؤه قوى الضفة الاخرى . من هذا فإن أي تحالف أو حتى إتفاق إنتخابي  بين هذه القوى المفترقة في كل شئ  يعد تنازلا من أحدها عن الصراع القائم أو هو إستسلام من جانب الضعيف للأقوى ، وتكمن الخطورة الاكبر في هذه الحالة بإحتواء القوى الديمقراطية من قبل القوى المناهضة لمشروعها ،. وبذلك فإن القوى الديمقراطية تكون قد تخلت تماما عن الجماهير الشعبية العريضة التي ترى فيها المنقذ والساعي لتنفيذ طموحاتها المشروعة .
من كل هذا وذاك فلا خيار أمام قوى التيار الديمقراطي واليساري تحديدا سوى البحث عن انجع الوسائل والسبل لايجاد صيغة اتفاق فيما بينها،يضمن عدم اشتراك أي فئة أو قوة كانت في يوم ما مساندة للنظام الدكتاتوري المباد أو مازالت بعلاقة مع بقاياه ، مهما كانت ادعاءات هذه الفئات الحالية في الديمقراطية أو العلمانية أو الليبرالية أو غير ذلك من الشعارات الرنانة التي ترددها في الابتعاد عن المحاصصة أو إدعاء محاربة المحتل أوغير ذلك . إن إتفاقا كهذا من شأنه أن يبعد  القوى الديمقراطية عن حالة التشتت التي تعيشها ، ولكي ترتقي لهذا لابد لها من الارتقاء أولا عن  فكرة المناصب والمراتب ، ومن هو الاول ومن هو الثاني ، فهمّ الوطن اكبر ، وطموحات الشعب اكثر مشروعية ، وتأمين المستقبل لأجيال ضحت واخرى في الطريق ،هو الدَّين الواجب السداد في كل وقت وقبل كل شئ .
إن الجماهير العراقية عطشى لمن يتبنى مطاليبها ، وتاريخيا كانت تلك الجماهير ومازالت تساند من يدافع عنها ومن يتقدم الصفوف من أجلها ومستقبلها ، فلا طريق أو خيار أمام القوى الديمقراطية سوى اللجوء الى الجماهير لتبني مشروعها الديمقراطي والبحث عن الخيارات التي تقربها من الناس لأجل الوصول الى المواقع التي تساعدها لتنفيذ وعودها وتقديم كل ما من شأنه أن يرسخ الديمقراطية على أسس متينة تضمن عدم عودة الدكتاتورية بأي شكل أو غطاء، وتحت أي مساندة أو دعم ، وخلف أي فكر .


102
تداعيات من تفجيرات الاربعاء الدامي
                                                                                           تحسين المنذري
منذ الاربعاء 19/8/2009 والى الان تتزايد تداعيات اليوم الدامي في العراق ، فقد سبقته أيام دامية ، وتلته أُخرى دموية ، ودوامة العنف تزداد نموا ، والمواطن العراقي يشد الحجر على بطنه جوعا ، ويصم أُذنيه من نعيق البعض ، ويلملم أطرافه خوفا من القادم ، وتتسارع أطراف العملية السياسية لرمي الحجر كل في بركة مناوئيه ، هروبا من المسؤولية ، وجنيا لمكاسب إعلامية فارغة تساعده في كسب هذا الصوت أو ذاك لانتخابات برلمانية ، لايبدو في الافق القريب منها ، أي تغيير ايجابي يبعد العراقيين عن تقاسمات المحاصصات الطائفية ـ الاثنية .
الحكومة سارعت الى توجيه اصابع الاتهام الى جهة العراق الغربية وامتداداتها العراقية ، وأطراف برلمانية وجهت نبالها الى شرق العراق ومعاونيه العراقيين ، وأخرى شملت الجميع في اتهامها (بعث وقاعدة وميليشيات ...الخ ) ، والمحللون السياسيون إنقسموا فيما بينهم بمسببات التفجيرات ، فمن ذهب الى لوم القوات الاميركية لانسحابها المبكروكانهم يريدون إعادة إحتلال المدن من قبل القوات الاميركية  ، وآخرون وضعوا اللوم على القوات الامنية لكسلها وتراخيها ، وآخرون قالوا بدقة التخطيط والتنفيذ وقدرة الارهابيين في الوصول الى مايشاؤون ، ولعل تحليلات اخرى قد نسمعها يوما تضع اللوم على الضحايا أنفسهم لأنهم تواجدوا في أماكن التفجيرات ، من يدري ؟ ففي جعبة ممتهني السياسة العراقيين الان الكثير من التحليلات والمسببات ربما لانعرفها بعد . لكن الحقيقة الدامغة والتي يغض الطرف عنها جميع المتنفذين في الحكومة والبرلمان ويتحاشون حتى المرور عليها مرور الكرام تبقى ساطعة في اذهان كل العراقيين المتضررين من مجمل الوضع المتردي في كل ثنايا المجتمع العراقي ، تلك الحقيقة المرعبة التي تقول بمسؤولية كل هؤلاء السياسيين ، حكومة وبرلمان وصحوات وعشائر ومتنفذين في توجيه دفة العمل السياسي العراقي . فإن سلمنا بإتهام الحكومة لغرب العراق أو بإتهام برلمانيين لشرق العراق ،فإن طرفي المعادلة متواجدين في الحكم من قمته الى ادنى مستويات المسؤولية ،  أو قلنا بتراخي الاجهزة الامنية وكسلها ، أو بقدرة الارهابيين ، او أي شئ أخر ، تبقى الحكومة واطرافها والبرلمان وقوّاليه ، هم المسؤولون اولا واخيرا عن كل ماجرى ويجري في عراق الموت والخراب والدمار الشامل . لقد أرتضى كل هؤلاء بل واستفادوا جميعا من نظام ردئ ومقرف هو التقسيمات المحاصصية لنظام الحكم حتى تحولت الدولة العراقية معه الى دولة محاصصات مقيتة ، إنسحبت تلك التقسيمات الى كل مفاصل الاجهزة الحكومية ،وأولها الاجهزة الامنية ، تلك الاجهزة التي بُنيت منذ لحظات تشكيلها على أساس الولاءات الحزبية الضيقة وإن توسعت فالى ولاءات طائفية  ، وفي كلتا الحالتين يغيب العراق عنها كوطن ، وتغيب المهنية عنها كأساس ، ويختفي الحياد كتوجه أرأس في كل مفاصل عملها ، بل وإن الفساد الاداري والمالي يجد الارض الأخصب في ثنايا تلك الاجهزة ، فقد بات معروفا لجميع العراقيين، وعلى رؤوس الإشهاد، مبالغ الرشاوي التي تدفع لكي ينال الراشي المنصب الذي يريد ولكل منصب قيمته في مبلغ الرشوة ، فلمن تدين هذه المؤسسة أو أي فرد من أفرادها ؟ أيُعقل إنها تملك شيئا من المهنية أو الحيادية ؟ ومن يصدق بنزاهة دافع الرشوة ؟ لِمَ لا يرتشي هو أيضا ؟ وهذا ما يدفع بعدم قبول تحليل الانسحاب المبكر للقوات الاميركية المحتلة من المدن ، فما قيمة أكثر من مليون عنصر أمني بُنيت أجهزتهم وإداراتهم على أسس من الفساد والمحسوبية والولاءات الضيقة . والحكومة بكل شخوصها المتنفذين يعرفون كل مايجري بل وربما بعلمهم هم ، إن لم يكونوا مساهمين رئيسين فيه ، لكن الصمت سيد الموقف . لإن الجميع مستفيد مما يجري ، وأبسط دليل على ذلك موقف السيد المالكي رئيس وزراء دولة القانون عندما هدد البرلمانيين العراقيين بكشف كل ملفاتهم إذا ما أستمروا في محاسبة الفاسدين والمفسدين في حكومته ، وبذلك فقد شل نصف مهام البرلمان المتمثلة في الرقابة على الحكومة وإدائها .
في الوقت الذي تركت تفجيرات الاربعاء الدامي أثارا نفسية عميقة لدى كل ابناء الشعب المبتلى بالمحاصصين ، ودوامة الحيرة تلف جل تفكيرهم  وأسفهم لما يحصل ، فلم تستطع حكومة المحاصصات الحد من جرائم بقايا البعث ولم تضع معاييرا وطنية لوقف تدخل القاعدة ، بل إن بعضا من أطرافها إمتلكت مليشيات للقتل تداخلت عناصرها مع الاجهزة الامنية ، ينظر المواطن بعين الريبة الى التشكيلات الائتلافية القادمة والمعلن عنها أو عن نية تشكيلها ، لأنها الى الان لم تخرج عن اطارها الطائفي ، فتشكيل الائتلاف لم يفعل شئ سوى إنه بدل اسمه وأدخل عناصرا أُخرى معه أيضا على أساس طائفي ، بل وإن رموزه البارزين هم أبرز الطائفيين ، فيكفي إسم أحدهم  الذي تخلى عن لقب عائلته مقابل لقب طائفي ، وأخر لم ينبس ببنت شفه الى اليوم عن المحاصصات الطائفية رغم توليه منصبا قياديا هاما في البلد ، وأخريقود ميليشيا  طائفية تدور حولها الكثير من الشبهات الجنائية ، دع عنك أخرا لم يجد لنفسه موطئ قدم سوى في البيت الطائفي الذي سعى لتشكيله منذ البداية وعمل عرابا له طيلة السنوات المنصرمة . بل وحتى تشكيل السيد المالكي الذي مازال لم يحسم أمره بعد ، فرغم تأكيد المالكي على إنه سيتجاوز حدود الطائفية ، فإنه يعلن صراحة عن أسس طائفية للتشكيل ، وبالجهة الاخرى بات تشكيل ائتلاف طائفي حافزا لها لكي تعيد تشكيل ائتلافها الطائفي القديم وإن تبدلت وجوهه أو غيرت لباسها لكن لم تخرج عن إطارها الطائفي ، وهكذا يستمر مسلسل التكتلات الطائفية في التتالي على المشهد السياسي العراقي ، ليطول معه عناء المواطن العراقي  والذي لم يجد على مدى سنوات ست منذ سقوط الدكتاتورية أي تطور ملموس في حياته المعيشية أو الخدمية أو في أي من مناحي الحياة الاخرى بل إن الامر إزدادا سوءا عن حاله المزري أيام حكم الدكتاتورية المقبورة.
من كل هذا وذاك فإن تفجيرات الاربعاء الدامي أعطت رسالة الى الشعب العراقي  ، لم تكن تقصدها بالتأكيد ، هو ألا ينتخب المحاصصين مهما حاولوا تبديل جلودهم أو تلميع وجوههم الكالحة ، وليعلن صراحة رفضه لكل سياسات التقسيم المقيتة.

103
في جدلية العلاقة بين العلمانية والديمقراطية

                                                                                              تحسين المنذري
تزداد أهمية التعمق في فهم العلمانية، يوما بعد آخر، في ظروف الصراعات السياسية المحتدمة في بقاع كثيرة من العالم ، سيما وإن جملة من البلدان حققت فيها قوى الاسلام السياسي نتائج ايجابية على صعيد التربع على كراسي الحكم أو في الهيمنة الفكرية على الكثير من مفاصل الحياة الاجتماعية والثقافية ، بحيث تنتشر على خلفية ذلك  الكثير من المفاهيم التي بدت في لحظة من الزمن إنها قد ولت، أو غدت من تراث الماضي السحيق، إلا أن جملة من العوامل الموضوعية أدت في النهاية الى إستعادتها لمكانتها في عقول الكثير من الناس بما فيهم شريحة واسعة من المتعلمين والذين كان يعول عليهم الاشتراك أو قيادة عمليات التغيير التي تؤدي الى علمنة المجتمع. وفي خضم هذا الصراع تتعرض العلمانية الى تشويه في الفهم وربط غير دقيق بموضوعة الديمقراطية والتي صارت بدورها شعارا لقوى لم تكن تؤمن بها أو تتحاشى حتى التلفظ بها أو ببعض مفاهيمها في كل أدبياتها وعبر كل تاريخها، بل وإن بعضا من هذه القوى صارت تدعي، على خلفية ممارسات سطحية وديمقراطية ظاهرية ، تبنيها وإعتبار ما أنجزته هو كل العلمانية أو الفهم الصحيح للعلمنة .
وفي هذا الإطار تتجاذب العلمانية بين توجهين، يفضي كلاهما في الاخر الى تمييع فهمها ودورها في مساندة الديمقراطية وتطوير ممارساتها على مختلف الاصعدة . فهناك من يعتبر العلمانية غير قائمة إن لم تترافق مع ممارسات ديمقراطية تفضي بالضرورة الى عدم هيمنة أي فكر أو أيديولوجية على مقدرات السلطة والمجتمع ، وهم بذلك فقد اجتزأوا من العلمانية نصفا ، ولم يشملوا نصفها الاخر وهو الداعي الى تفعيل العلم ودوره في حياة المحتمع لأجل الإنتقال الى مراحل اُخرى تفضي في النهاية الى تبني الديمقراطية كنهج في إدارة الدولة والمجتمع . وفي هذا الاتجاه يستند دعاته الى تجربة الاتحاد السوفيتي السابق وبقية دول المنظومة الاشتراكية على إنها لم تكن علمانية بأي شكل، لأنها لم تكن تتبنى الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي واقتصارها على جانب الديمقراطية الاجتماعية فقط . إلا أنهم بهذا يغمطون الدور الذي لعبته تلك الدول في تطوير العلم  وجعله في متناول الجميع وقيامهم بعلمنة مجتمعاتهم بكل تفاصيله مبتدئين بدور العلم واعتمادها على اخر المبتكرات العلمية والبحثية وتوفيرها لعموم الطلبة الدارسين في المعاهد العلمية لتلك الدول بغض النظر عن جنسياتهم ، كما وإن دول المنظومة الاشتراكية نجحت في فصل الدين عن الدولة  ولم تكن الايدولوجية التي تبنتها في معزل عن التطور العلمي  أو هي بديل له ، لكن ما يعاب عليها في هذا الاطار هو غياب الديمقراطية السياسية والذي لم ينتقص من علمانية الدولة ومؤسساتها .
على الضفة الاخرى يقف التيار الاخر الذي يعتبر اعتماد الديمقراطية بأشكال ظاهرية مثل وجود البرلمانات وبعض من حرية الصحافة هو كل الديمقراطية وبالتالي فان العلمانية تكون قد تحققت كتحصيل حاصل بغض النظر عن طبيعة وفكر الجهة او الحزب السياسي الذي يدير دفة الحكم ، خاصة إن لم يكن في الدستور نص يشير الى علمانية الدولة، أو به بعض من المطاطية في تحديد المصادر الاساسية في التشريع، أو يشير إلى ما يؤسس لعدم علمانية الدولة، والخطورة هنا تكمن في أن قوى الاسلام السياسي اذا ماكانت هي الحاكمة ، فإن تأثيراتها المباشرة والتي تحد من التطور العلمي واللجوء الى أساليب اخرى في حل اشكاليات المجتمع المتعددة في الصحة والاقتصاد والسياسة وغيرها ، كإعتماد السحر والشعوذة والاتكال على مفاهيم غيبية في معالجة المشاكل الناجمة عن تطور وإزدياد أعداد السكان مثلا يؤدي في النتيجة الى إنحسار دور العلم وتكريس مفاهيم بالية وبالتالي يقود ذلك الى إنفراد هذه القوى في إدارة البلد سياسيا عن طريق تجهيل الناس وتكريس إعتمادهم على تلك القوى في حل المشكلات العالقة ،وهو يؤدي بالضرورة الى إنحسار دور الديمقراطية وتكريس أشكال جديدة من الدكتاتوريات تفضي في الاخر إلى العودة للوراء في كل شئ  . وهنا تبرز الحاجة الى تأكيد حقيقة هي إنه لا يمكن لديمقراطية ما أن تستتب وتستمر مالم تكن العلمانية إحدى ركائزها ، على أن يكون ذلك مثبتا في دستور الدولة بمادة واضحة المعالم لا تقبل اللبس ،  ذلك إن العلمانية تفضي في النتيجة الى وقوف الدولة ومؤسساتها موقفا محايدا إزاء كل الاديان والطوائف والاثنيات ، وحياد الدولة يشكل ركنا أساسيا في تحقيق مبدأ التكافوء الذي لا تقوم ديمقراطية صحيحة بدونه ، كما إن عزل الدين عن الدولة يعني في بعض من أشكاله الى إعتماد الطرق العلمية في قنونة المجتمع وإعتماد العلم في حل كل الاشكاليات التي ممكن أن تتوالد، حيث إن العلم حياديا دائما لايجامل مكونا على حساب آخر ولا أكثرية على حساب أقلية . وعليه فإن تأكيد تعريف العلمانية على أنها عزل الدين عن الدولة وليس المجتمع أو كما يذهب بعض العلمانيين العرب الى تخفيف ذلك باللجوء الى تنظيم العلاقة بين الدين والدولة وفي كلتا الحالتين تستكمل العلمانية تعريفها بضرورة تفعيل العلم واعتماده كمحور اساس في تطوير دور ومعاهد الدراسة لمختلف المراحل وجعل العلم هو الفاصل في حل كل النزاعات والاشكاليات الناجمة عن عملية التطور الطبيعي لأي مجتمع . وإذا ماتحقق ذلك فإن بناء الديمقراطية سيعتمد على إسس بحثية علمية تكفل إستمرارية وتطور أساليب وأشكال التطبيقات الصحيحة للديمقراطية ، ويعني هذا فيما يعنيه إن التطور اللاحق في المجتمع سيكون لصالح القوى التي تؤمن بحق بالديمقراطية، وتصون المنجزات المتحققة في هذا الاطار . من هنا تبرز اهمية تأكيد العلمانية كنهج في إدارة الدولة يؤمن لكل المكونات الدينية والطائفية والاثنية ممارسة حقوقها وشعائرها بالكامل ، دون المساس والتأثير السلبي بالاخرين .

104
المالكي ـ البصرة ـ شلتاغ

                                                                                           تحسين المنذري
للبصرةأهمية إستثنائية في تاريخ العراق وحاضره ، فهي منفذه البحري الوحيد ، وهي غنية بالموارد الطبيعية( زراعية أو إستخراجية أو أخرى ) ، وبها أكبر الصناعات التحويلية ، هي ببساطة عاصمة العراق الاقتصادية بلا منازع ، وهي على مدى تاريخها ولحد قبل المحاصصات الطائفية نموذج للتعايش السلمي لمختلف مكونات الشعب العراقي  . وهي أيضا ذات أهمية خاصة في تأريخ حزب الدعوة ، فقد كانت من المدن الاولى التي إحتضنت الركائز الوليدة لحزب الدعوة في أواخر خمسينات القرن المنصرم ، منها كان أحد القادة التاريخيين لحزب الدعوة ، هو الشهيد الشيخ عارف عبد الحسين البصري ، ومنها وفيها احتضن أحد قادة الدعوة ( عبد الامير المنصوري ) خيرة خطوطها التنظيمية التي لم يتمكن نظام العفالقة من إكتشافها في أواخر سبعينات القرن الماضي  لحين إنهيار القيادي المذكور في بداية عام 1980، وأيضا كانت المعبر الاهم لأعضاء حزب الدعوة في التسللل الى الكويت عندما إختفت قيادتهم هناك  بعيد الملاحقات الكبيرة أواخر السبعينات ، ومن ثم صارت الممر الهام في العبورالى إيران بعد إنتصار الخميني وإحتضانه لمختلف التنظيمات الاسلامية العراقية ، ومنها وبها توالدت قيادات مختلفة للدعوة ـ رغم اختلاف هذا او ذاك منهم مع حزب الدعوة الام ـ مثل الشهيد عز الدين سليم . إذن هي ليست عادية في عمل وتوجهات حزب الدعوة ، ولعل كل هذه الاعتبارات كانت في رأس السيد المالكي عندما بدا حملته الانتخابية للتصويتات المتلاحقة ( المحافظات ، البلديات والبرلمان ) عندما بدأ صولة الفرسان ، والتي على إثرها أطلقت بعض وسائل الاعلام لقب رجل الدولة على السيد المالكي . لقد كانت صولة الفرسان التي أشرف عليها السيد المالكي بنفسه، بحق بداية حملته الانتخابية ، حيث ركزت وسائل اعلام الدعوة المختلفة على صولة الفرسان كعنوان لتوجهات المالكي وحزبه اللاحقة على أساس رفضه لكل الخارجين عن القانون وتصفيته للمليشيات المسلحة مهما كانت هوياتها الطائفية .إثر تلك الحملة إنطلق المالكي يتحدى ليس خصومه فحسب بل حتى حلفائه في محاولة فرض لزعامته على قائمة مكونه الطائفي ( الائتلاف العراقي الموحد سابقا ) ، ومازال يواصل مسيرة فرضه لتلك الزعامة وصولا الى انتخابات البرلمان بداية العام القادم . البصرة اذن هي المفتاح وهي النموذج ، وقائمة دولة القانون (أي قانون ؟) فازت بإكتساح واضح في المحافظة المفتاح ، وتربع السيد شلتاغ مياح محافظا للبصرة بلا منازع ، وهاهو يشرع ببناء النموذج الذي تريده قائمة إئتلاف دولة القانون ومن خلفها حزب الدعوة الاسلامية بقيادة السيد المالكي ، يمنع عزف الموسيقى في الاماكن العامة ، ممنوع الغناء ، ممنوع الاختلاط بين الجنسين ، يمنع على النساء الخروج بلا حجاب ، ممنوع تناول المشروبات الكحولية ، ممنوع ارتياد الحدائق العامة من قبل العوائل ، ممنوع .... ممنوع .... وقد نصل الى منع فتح الافواه ضحكا أو حتى نطقا .
فهل كان السيد المالكي يعلم بتوجهات رجله الاول في البصرة ( شلتاغ مياح ) فتلك مصيبة، وإن كان لا يعلم فالمصيبة أعظم
وهل هذا هو النموذج الذي يريده السيد المالكي ؟
هل هذا هو القانون المنوي تطبيقه على العراق جميعا ؟
هل هذا هو البديل للمليشيات المسلحة ؟
كيف سيكون حال البصرة بعد عام من فوز قائمة السيد المالكي ( إئتلاف دولة القانون ) ؟
وهل سيخوض السيد المالكي الانتخابات القادمة بنفس إسم القائمة ونفس توجهاتها ؟
هذه بعض من أسئلة تستحق المناقشة ولعل غيرها الكثير
فهل سيصوت العراقيون ثانية لقائمة دولة قانون الظلام ؟
لله درك ياعراق

105
برلمانيون بلا حصانة

                                                                                                    تحسين المنذري
منذ أن إنبثق مجلس النواب العراقي الحالي في عام 2005 والى الان لم تهدأ فورة التناقضات السياسية داخله ولم تمر فترة من الزمن دون أن تثار قضايا مخلة بالامن أوالفساد الاداري والمالي يكون لهذا النائب أو ذاك ضلع فيها أو دور رئيسي أحيانا فقد أُثبرت منذ الايام الاولى لانبثاق البرلمان قضية النائب السابق مشعان الجبوري وسرقته لاموال كبيرة بحجة حماية المنشآت النفطية في بيجي وإعطائه أسماءا وهمية كعناصر أمنية، والى آخر المطاف قضية محمد الدايني وضلوعه في عمليات إرهابية كان أبرزها محاولة تفجير مبنى الشرعية العراقية والذي هوعضو فيه، وما بينهما كانت قضية النائب عدنان الدليمي ولفلفتها من قبل البرلمان والسلطتين التنفيذية والقضائية ومن ثم تحويلها الى إتهامات تخص أفرادا من حمايته لاغير، وكذلك قضية النائب مفيد الجزائري الذي تحدى البرلمان طالبا رفع حصانته لثقته الكبيرة بنفسه وبدوره وزيرا سابقا للثقافة العراقية، وربما غير هذه وتلك قضايا اخرى لامجال لسردها الان . وكل هذا يشير الى إختلاط الحابل بالنابل كما يقال ، فقد جرت الانتخابات البرلمانية السابقة في ظروف كانت غير مهيئة بتاتا لإجراء هكذا انتخابات ينتج عنها برلمانا يدير دفة التشريع في أهم حقبة زمنية من تاريخ العراق الحديث على الاطلاق ، لكن هذا هو قدرنا ، فقد تسلل الى البرلمان أشخاص أقل ما يقال عنهم انهم غير مهيئين سياسيا أو اخلاقيا أو مهنيا لإحتلال المناصب التي احتلوها عنوة، لتنكشف فيما بعد، بعض من أفعال هؤلاء وربما القادم أعظم . وبما إن الفترة القادمة ستشهد التحضير للانتخابات البرلمانية التي ستجري اواخر هذا العام ، وربما أيضا سيجد بعض من هؤلاء طريقا سالكه للبقاء تحت قبة الحصانة البرلمانية وليمارسوا سيئاتهم كما هم عليه الان ، ولأجل قطع الطريق على هكذا عناصر فأني أقترح أن يصار الى تشريع قانونا إستثنائيا للحصانة البرلمانية ـ وما اكثر الاستثناءات في حياتنا ـ ويشمل الدورة القادمة فقط ينص القانون على عدم حصانة عضو البرلمان من جرائم الارهاب والفساد الاداري والمالي وما يضر الصالح العام وكل الجرائم التي تندرج تحت يافطة الجرائم المخلة بالشرف والاخلاق ، على ان يحفظ القانون حق البرلماني في ابداء رأيه السياسي ونقده لإداء أجهزة السلطة التنفيذية ومناقشته لمشاريع القوانين ورفضها أو قبولها وممارسة كامل دوره الرقابي كعضو برلمان وما يترتب عن ذلك من إلتزامات ومواقف لا تقترب من الثأر الشخصي أو إعادة الصاع صاعين وما شابه . وعند هذا القانون سيتوقف الكثير ممن تسول لهم أنفسهم لعب نفس الدور السئ الذي لعبوه سابقا مختبئين تحت عباءة الحصانة البرلمانية ، وأتصور إنهم سيراجعون أنفسهم ألف مرة قبل خوض تجربة الحصانة البرلمانية، ولكي نُطهّر صفوف البرلمان من هؤلاء .  انه مجرد مقترح يدخل من باب الفنتازيا ، اعرف ذلك ، لكن ماضرَّ لو جربنا .

106
المحاصصة  ... هي نفسها ... المحاصصة

تحسين المنذري

لست من يعرِّف الماءَ بعد الجهد بالماءِ ، لكن الامر يفرض نفسه كما يبدو هكذا ، فأغلب السياسيين العراقيين الان يرفعون يافطات الرفض لكل أشكال المحاصصة . خاصة السيد نوري المالكي الذي صار وفي أكثر من مناسبة يهاجم وعلنا التقسيم المحاصصي للسلطة ويرفض الطائفية بكل اشكالها ، لكن سؤالا هاما يبرز هنا : لولا التقسيم المحاصصي للسلطة هل كان السيد المالكي قد صار رئيسا للوزراء ؟ وحتى إنتخابات مجالس المحافظات والتي فازت قائمة السيد المالكي  بأغلب مقاعد المحافظات الوسطى والجنوبية فأن هذا الفوز لم يخرج عن إطار التقسيم المحاصصي للسلطة ولا عن الطائفية السياسية المقيتة . وإلا لماذا لم تفز قائمة السيد المالكي بأي مقعد في محافظة الانبار أو صلاح الدين على سبيل المثال لا الحصر ؟
بل إن برنامج  وإسم قائمة السيد المالكي يستند على منجزات سلطوية لاغير ولم يرتق الى برنامج يحمل مضامين فكرية وتوجهات تستند الى فلسفة سياسية أو ماشابه ذلك ، والسلطة لم تأتِ للسيد المالكي لجهده السياسي او الفكري الفردي بل جاءت نتيجة محاصصة طائفية واستعصاء في قائمة طائفية جعلت منه رئيسا للوزراء ، وينسحب الامر نفسه على قوائم من طرف اخر فقائمة السيد صالح المطلك ليس لها اي نصيب في محافظة النجف او كربلاء ، والسيد المطلك من اكثر المهاجمين شراسة للطائفية وللمحاصصة عموما ، لكن الحياء يبدو قد اسقط نفسه عن وجوه هؤلاء الساسة فيقولون ما يشاؤون دون ادنى رادع .
والمحاصصة هي نفسها وراء جعل مفوضية الانتخابات غير مستقلة ، ذلك إن أعضاءها جميعا جرى إختيارهم على اساس التقسيم المحاصصي للسلطة ، ورغم كل الخروقات التي بانت امام الجميع من لدن ممثلين لقوائم طائفية فأن المفوضية لم تنبس ببنت شفه إزاء كل ما حدث ، أليس وضع إسم الحسين (ع) على كل اليافطات الاعلانية لاحدى القوائم خرقا لقواعد اللعبة الانتخابية ؟ ألم يرَ احد من أعضاء المفوضية لافتة أو إعلان من تلك ؟ أم إن العين تغفل عن أي إساءة لأبناء الطائفة وممثليها أم ماذا؟ وايضا لماذا قبلت المفوضية بظهور السيد عبد العزيز الحكيم في يوم الجمعة يوم الصمت الاعلامي قبل عملية التصويت في قناة الفرات التي يملكها مروّجا لقائمته ولم تشر لا من بعيد ولامن قريب لذلك على إنه خرقا للقواعد التي وضعتها هي نفسها ، حتى ولو من باب ذر الرماد في العيون فأنا اقبل ان اغمض عيني بحفنة رماد انتخابي واعلل نفسي بأن المفوضية فعلت ماعليها أو على الاقل ما تستطيعه .
المحاصصة هي نفسها ايضا التي جعلت مفوضية النزاهة غير نزيهة ، فرغم كل الحديث العلني الصارخ عن الفساد الاداري والمالي في اجهزة الدولة ، ورغم معرفة الناس بكل رموز الفساد وسراق ثروات العراق ، فإن مفوضية النزاهة لم تعلن الى اليوم خطوة واحدة بإتجاه هؤلاء ولم تستطع ان توقف ولا حتى عشرة بالمئة من نزيف الفساد المالي والسرقات العلنية والمكشوفة ، بل ان مفوضية النزاهة لم تستطع ان تقول لرئيس  وزراء سابق من اين لك هذا؟ فالرجل لم يكن يملك قبل ترؤوسة وزراة العراق اي مورد مالي وكان يقتات على المساعدة الاجتماعية التي تقدمها حكومة الدولة المقيم فيها كلاجئ  للاجئين على اراضيها وهي بالكاد تكفي سد الرمق ، لكنة يصرف الان كما يقول المثل العراقي( بلا وجع كلب ) فهو المتبرع الاول للمواكب الحسينية، وهو الموزع الاكثر لرشاوي شراء الاصوات الانتخابية ، وكما يقال هو المالك الاوحد لمجموعة شركات كبيرة في الامارات ، وهو الداعي دائما للاصلاح والنزاهة ، لكنه لم يثبت ذلك على ارض الواقع ابدا . فهل ان مفوضية النزاهة مصابة بعمى ولاترى مايجري ام انها صمّاء بكماء لاتسمع ولاتتكلم ؟؟
المحاصصة هي نفسها وراء كل الاستعصاءات التي حدثت وتحدث الان في مجمل العملية السياسية في العراق ، فلماذا هذا التأخير في اختيار خلفٍ لرئيس مجلس النواب الطائفي المحاصصي المستقيل محمود المشهداني ، رغم وجود اكثر من مرشح وبعضهم من خارج اطار التقسيم المحاصصي . ورغم تشدق البعض بتجاوز الطائفية ومحاصصتها ، الا إن أحدا  من دعاة رفض الطائفية بما فيهم السيد المالكي نفسه  لم يخرج عن الرغبة في إختيار شخص آخر من خارج كتلة رئيس البرلمان السابق ذات التوجه الطائفي المكشوف ، فأين إقتران الفعل بالقول ؟ أم إن القول مجرد إستهلاك دعائي لاغير ؟
إن المحاصصة الطائفية التي شلت العملية السياسية منذ ستة اعوام وماتزال وانجبت دستورا أعرج كأجمل توصيف ، ستبقى تشل كل مفاصل الحياة العراقية وفي كل المجالات ، ولابد من تشريعات اولا وافعال ثانيا ترتقي على المناصب الطائفية وتعطي كل ذي حق حقه بدون اي تمييز في الاختيار للمنصب على اساس الإنتماء الطائفي أو العرقي وتلك أولى الخطوات بإتجاه تصحيح مسار العملية السياسية ، من أجل غدٍ أفضل لعراق آمن مستقر .



107
شباط الاسود
لطخة عار أبدية بوجوه أزلامه
تحسين المنذري
اسودٌ شباط لانه غلّفنا بالحزن وما يزال ، في الثامن منه عام 1963 بدأت مسيرة الانتكاسات، وفيه خسر العراق ليس ثورته الوطنية فحسب بل خيرة رجاله وسياسييه ، يوم هبّ فتية لم يكن لهم هم سوى العراق ، ولا هدف سوى ايقاف الطوفان الفاشي الذي اعاق مسيرة انتصارات الثورة وها هو في ذلك اليوم المشؤوم ينقض على مواقع السلطة ، فتية حملوا قلوبهم بين ايديهم والعراق نصب اعينهم ، وهمة لا توقفها طائرات الغربان التي قصفت الاهالي العُزّل في الكرخ، واغارت على ابنية وزارة الدفاع ومعسكر الرشيد . ايادي تلطخها الجريمة بدأت مشوار يومها ذاك بأغتيال زعيم الجو جلال الاوقاتي وكانت تلك ساعة الصفر لبدء سلسلة جرائم وقف ضدها كل خيّر ونزيه في العالم ، اُستُبيحت الحرمات وانتُهكت الاعراض ، الثامن من شباط يومٌ أسس لعلاقة الدم بين ابناء الشعب الواحد ،  يوم ابتدأ فيه الخراب الذي مازال ، يومٌ تسيّد فيه المجرمون دفة الحكم وعاثوا فسادا في العراق واهله ، اغتالوا عن دراية وقصد ابطالا ميامين تطرز اسماؤهم وستبقى سماء العراق باحلى المنارات ، لكن المؤسف في الامر ان هؤلاء المجرمين مازالوا لم ينالوا عن كل جرائمهم تلك اي مسائلة !!! فشخص مثل حازم جواد يعترف بمذكراته ان اشترك في اغتيال الشهيد البطل سلام عادل ، لكنه حر طليق لم يمسه الاذى ، عمار علوش احد كبار مجرمي قصر النهاية يعيش في بغداد دون ادنى وجل ، ابو طالب عبد المطلب احد قادة الحرس الفاشي ( القومي) واياديه ملطخة بدماء الابرياء يعيش في بغداد في بحبوحة لا يضاهيها شئ ، عبد الغني الراوي الذي لم يرض لنفسه الا بقتل خمسمائة شيوعي فأكثر لكي يعلو مقامه مازال طليقا ويعيش في دولة بجوار العراق، وغير هؤلاء مجرمون كثر مازالوا احياء وطلقاء وذكرى شباط الاسود هي كل تأريخهم و(مآثرهم )التي بها يفخرون !!!! فهل يُصدق هذا ؟ بل ولماذا كل هؤلاء بقوا ينعمون بلذة الحياة وخسر العراق سلام عادل والعبلي والحيدري وابو العيس وعبد الجبار وهبي وجورج تلو والاف غيرهم ؟؟ اليس من الانصاف الان أن ينال المجرمون جزاءهم ؟
في القانون العراقي لا تسقط الجريمة بالتقادم ، والادلة على هؤلاء يعرفها القاصي والداني ، وهم ليسوا اقل اجراما من موسليني حينما حكم عليه بالموت بمجرد ما نطق بأسمه . أليس من حق العراقيين ان يروا المجرمين وقد نالوا ما يستحقون ؟ فإن كان اهالي الضحايا مازالوا لم يقيموا الدعاوي القضائية بحق هؤلاء المجرمين وانا هنا ادعو لذلك ، فعلى الاقل ان الحق العام مازال قائما ، فلماذا لا تبادر السلطات العراقية الحالية والتي تدعي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وسيادة دولة القانون و.. و... وغير ذلك من الكلام المنمق الكثير ، اقول لماذا لا تبادر لتقديم هؤلاء الى القضاء ؟ عندها ستكون دولة حق وقانون فعلا وليس قولا فقط

108
غزة ــ بغداد
ما أشبه اليوم بالبارحة

                                                                                                     تحسين المنذري
نفس الظلام الذي يغلف غزة الان غطى بغداد ومازال منذ عام 1991 يوم رفض الطاغية صدام كل المحاولات الدبلوماسية والسياسية لحل أزمة الكويت والإنسحاب بشكل سلمي ولم تنفع معه كل التهديدات الدولية وكل محاولات الاصدقاء والاعداء لثنيه عن الاستمرار بغيـّه بإحتلال الكويت ، وهكذا كان حال قادة حماس إذ رفضوا كل محاولات الاصلاح السياسي وكل مبادرات اعادة اللحمة للوحدة الفلسطينية ، بل وذهبوا أبعد من ذاك برفضهم تمديد التهدئة مع إسرائيل والتي وفرت رغم هشاشتها يوم كانت موجودة الكثير من الأمان لأبناء غزة واستمروا بتعنتهم حتى بدأت إسرائيل بالقصف الجوي ، مثلما فعلت الولايات المتحدة وحلفاؤها عام 1991 حينما بدأت الحرب لتحرير الكويت ، وبدأت معها ابواق الدعاية الصدامية مبشرة بنصر عظيم اتٍ ، واصدرت البيانات تلو الاخرى بتحقيق انتصارات موهومة على العدو الثلاثيني كما كانت تسمي القوات المتحالفة لتحرير الكويت ، وهاهي حماس ينبرى قادتها الواحد بعد الاخر في سباق محموم مع بعضهم مبشرين بالنصر أو الشهادة ومتوعدين العدو الاسرائيلي بأشد العقاب ، والويل والثبور،  وهم لا يملكون أي سلاح مقاوم للطائرات التي حولت أجواء غزة الى لهيب دامٍ ، مثلما عملت الطائرات الاميركية في سماء بغداد ودمرت كل البنى التحتية وكل وسائل الاتصال ولم تستطع كل المقاومات الارضية من خدش أي طائرة مغيرة ، وحينما كانت القوات الاميركية تحتل ثلث ارض العراق ولم تبق شارعا او بيتا الا  وبثت الرعب في اطفاله ، يخرج صدام المقبور بخطاب يتوعد فيه الاميركان ويبشر بمحاولات اُخرى لاستعادة الكويت ـ كما الاستانة التي لم تُفتح من اول محاولة ـ ومن اجل تفويت الفرصة على العدو الغاشم ولا أدري اية فرصة كانت ـ بعد أن إستباحت القوات الاميركية وحليفاتها كل شئ ـ سوى بقائه بالحكم ، وهاهو السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس يظهر على شاشات التلفزيون مبتسما بخطاب ناري ومبشرا ببقاء البنى التحتية لحماس على حالها وإنها لم تتأثر سوى قليلا رغم ان ضحايا غزة بلغت يومها بحدود الالفين بين قتيل وجريح عدا المنازل التي دمرت ومحطات الكهرباء والغاز ، لكنه كان هاشا باشا لا يهمه مايجري مادامت بُنى حماس المسلحة باقية على حالها وكرسي الحكم تحت اقدامه ، وكأن منطق الدكتاتوريين واحد برغم إختلاف المنطلقات الفكرية والنوايا والنتائج .
وفي وقت كان المقبور صدام يتوعد الاميركان بالهزيمة إذا ما أقدمت على الهجوم البري لم يكن أي جندي عراقي يملك الرغبة حتى على البقاء في موقعه وليس المقاومة، فكانت الهزيمة الكبيرة التي  لم تمر بتاريخ الجيش العراقي قبل ذلك ، ويتكرر المشهد اليوم فبينما كان اثنان من قادة حماس يلقيان بيانا ناريا يتوعد الإسرائليين بالهزيمة إذا ما أقدموا على الهجوم البري كانت الدبابات الاسرائيلية تتقدم في عين وقت إلقاء البيان دون أن يعلم القائدان الحماسيان بمايجري على الارض ، ومازال الهجوم البري يقطع اوصال قطاع غزة في ذات الوقت الذي تتوعد حماس فيه إسرائيل بالهزيمة النكراء (متى؟) .
قد تنتهي حرب إسرائيل مع غزة ببقاء حماس في دفة الحكم كما بقي صدام رغم خراب العراق لكن النتيجة ستكون واحدة هي الفشل الاخير لمشروع حماس السياسي كما قضت حرب تحرير الكويت على مشروع صدام السياسي والى الابد . فما أشبه اليوم بالبارحة !!!

109
الدولة المدنية الديمقراطية
بديل دولة المحاصصة

                                                                                                                 تحسين المنذري

يحتل موضوع الدولة المدنية الديمقراطية ومقارنتها بالدولة المحاصصية ( طائفية أو أثنية ) أهمية إستثنائية في مجمل نضال شعبنا وعدد من شعوب المنطقة كلبنان أو كالسودان، لما تعانيه تلك الشعوب من آثار التطبيق المتزايد لفرضية العزل على أساس طائفي أو أثني، وما جره ذلك العزل من نتائج كارثية على مجمل تقدم وحضارة الشعوب المبتلية بنظام المحاصصات. وقبل الحديث عن أهمية الإنتقال الى الدولة المدنية الديمقراطية لابد من التوقف أولا عند خصائص الدولة المحاصصية وذلك إستنادا الى تجارب قريبة مازالت قائمة:
1.      تُقسِم الدولة المحاصصية المجتمع الى كيانات وهمية تؤدي الى عزل أبنائه عن بعضهم على أساس الإنتماء المذهبي أو القومي.
2.      يؤدي هذا العزل بالضرورة الى إضعاف نضال القوى الوطنية الديمقراطية واليسارية تحديدا وذلك لإن العزل يؤدي الى تجزئة نضال الطبقات الاجتماعية الرامية الى التحرر والتطور والانعتاق والتي تشكل الرافعة الاجتماعية للقوى الديمقراطية اليسارية بحيث ينحصر التناقض داخل كل مكون (طائفي ـ قومي ) على حده بدل أن تتجمع طاقات القوى الديمقراطية في تناقض واحد مع القوى المعيقة للعملية الديمقراطية التقدمية. 
3.      تتمثل الدولة المحاصصية بتوزيع المناصب السيادية الهامة على أساس محاصصي وكذا الحال للكثير من المواقع الوظيفية الهامة مما يؤدي بالضرورة الى أن يتبوأ أشخاص أقل كفاءة من آخرين مجايلين لهم لا يبعدهم عن المركز الوظيفي أو السيادي سوى إنتمائهم العرقي أو الطائفي وهذا يؤدي الى نتيجتين :
أ.    ضعف الاداء الوظيفي مما يعني عرقلة تطبيق خطط التنمية الشاملة او إقتصارها على مناطق دون اخرى.
ب. إستشراء حالة الفساد الإداري والمالي والذي يعرقل بدوره كل عملية تقدم ملموسة على صعيد تطوير الكفاءات البشرية أو الاقتصادية أو غير ذلك .
4.       تستند القوى الطائفية  ـ الاثنية إلى نصوص مقدسة أومؤسسات دينية أو الى مرجعيات قومية لاتعطيها المرونة للقبول بالأخر وتبادل السلطة سلمياً.
5.      تنكفئ الولاءات الوطنية الى ولاءات أقل منها مستوى مثل الولاء للطائفة أو القومية مما يضعف روح المواطنة والشعور بالمسؤولية تجاه قضايا الوطن الاساسية الهامة (مثل قضايا التنمية أو الديمقراطية وحقوق الإنسان).
6.      يفرض غياب وحدة قوى الضبط الوطنية جراء المحاصصة حاجة المكونات الطائفية ـ الاثنية الى أذرع مسلحة على شكل ميليشيات بعضها علني وألاخر مستتر لفرض توازناً للرعب أو لحل خلافاتها مع المكونات الاخرى عن طريق العنف.
7.      تضطر المكونات الطائفية او القومية أحيانا وعن طريق ممثليها السياسيين الى الاعتماد على قوى خارجية ( إقليمية أو دولية ) لأجل الإستقواء بها على المكونات المقابلة مما يفسح في المجال لتلك القوى للتدخل بالشأن الداخلي للبلد المعني.
8.      قد تتوفر في دولة المحاصصة بعض الحريات لكنها تفتقد الى الديمقراطية الحقيقية بسبب غياب مبدأ تكافؤ الفرص. كما ينحسر دور الفرد لحساب دور الجماعة أو الكتلة الطائفية، ويتم إستغلال الستار الطائفي لطلب السلطة من قبل شرائح طبقية مستفيدة من الوضع وهذا بدوره يؤدي الى إنقسامات داخل الطائفة  أو المكون الاجتماعي، وتضعف منظمات المجتمع المدني، ويتم اللجوء الى مبدأ التوافق كحل وقتي للأزمات والإشكاليات. 
يظهر مما تقدم أن الدولة الطائفية أو المحاصصية تعود بالمجتمع الى الوراء بعيدا عن أشكال الدول المتحضرة حتى أنها تبدو أحيانا وكأن المجتمع في مرحلة ماقبل الدولة، وإن الإيغال في تطبيقات المحاصصة على مختلف جوانب الحياة ليس السياسية فقط، قد يجر في الأخير الى تقسيم البلد الى دويلات صغيرة مهمشة يكون الضحية فيها دوما الإنسان المتطلع الى حياة أفضل تعتمد العلمنة كأساس لتوجهاتها اللاحقة. وبالتالي فأن النضال لإستبدال نظام الدولة من الدولة المحاصصية الى الدولة المدنية الديمقراطية عتبة مهمة لإنتقال الإنسان الى مراحل متطورة تتحقق فيها كامل إنسانيته حاصلاً على كل حقوقه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية . فماهي الدولة المدنية الديمقراطية ؟
ظهرمفهوم الدولة المدنية في أوربا أثناء وبعد قيام الثورة الصناعية الكبرى، حين صار العديد من القيم والمفاهيم المتوارثة متخلفة إزاء الواقع المتطور تصاعديا ومعيقة لمجمل هذا التطور، وحين تبنت القوى الاجتماعية ـ الاقتصادية المستفيدة من مجمل التطورات العلمية الناشئة، عملية الصراع ضد القوى التقليدية، وبذلك فإن مفهوم الدولة المدنية مستمد من التمدن والحداثة وليس من الحياة المدنية بمواجهة علاقات العسكرتارية ، رغم أنه أي المفهوم يفضي إبعاد العسكركقوة مؤثرة وفاعلة في توجيه دفة الحكم والبلد .
ويعتبر تطور الدولة هاما بالنسبة لشعوب البلدان النامية ومنها العراق لما سيفضي إليه لاحقا من تطورات مجتمعية، فالدولة المدنية تصبح هامة للوصول الى المجتمع المدني، ذلك إن حجم التخلف الذي لحق بالشعب العراقي وتحطيم أو تعطيل دور قواه الوطنية الديمقراطية لعقود من الزمن جعل فكرة المجتمع المدني بعيدة المنال مالم تتحول الدولة الى الطراز المدني الديمقراطي. يعتبر( مونتسيكيو ) إن الدولة المدنية هي الدولة التي يتم فيها فصل السلطات الثلاث ( التشريعية، التنفيذية والقضائية ) عن بعضها بطريقة تضمن إستقلال كل منها عن بعضها. إلا إن هذا المفهوم يصبح قاصرا إذا ماعرفنا إن تجاربا شتى لم تضمن إستمرارية إستقلال السلطات ما لم تقترن بجملة تشريعات ترسخ المفهوم المدني للسلطة لعل أبرزها هي عملية فصل الدين عن الدولة وهو ماعرف بالعلمانية بمايضمن حياد كافة أجهزة الدولة إزاء الاديان والطوائف جميعا التي يتكون منها المجتمع على أن تكون علمانية الدولة ضامنة لحق معتنقي الاديان كافة في ممارسة كافة شعائرهم وحقوقهم بدون مساس بالأخرين أو تجاوز على حقوقهم ومعتقداتهم.
في الدولة المدنية يجب أن يتضمن الدستور و كافة التشريعات التي تقرها الدولة والمتعلقة بكل مفاصل الحياة المجتمعية عددا من الشروط الأساسية:
1.      فصل أو تنظيم العلاقة بين الدين والدولة.
2.      الإقرار بالديمقراطية كمبدأ أساس للتعامل بين أجهزة الدولة والمواطن وبين المواطنين ومكوناتهم السياسية والاجتماعية .
3.      النص صراحة على علوية الاعلان العالمي لحقوق الإنسان كوثيقة تشريعية أساسية وكافة المواثيق والعهود الدولية المكملة له. 
4.      الفصل بين السلطات الثلاث عن بعضها بما يضمن استقلالية كل سلطة.
5.      حق الفرد في التعبير عن رأيه بالطرق الديمقراطية والقانونية.
6.      حرية التنظيم السياسي والنقابي وحق تشكيل منظمات المجتمع المدني.
7.      التداول السلمي للسلطة عبر الإنتخابات.
8.      مساواة الأفراد أمام القانون وفي ممارستهم حقهم في التعبير وإبداء الرأي والمشاركة في الانتخابات ترشيحا أو تصويتا بغض النظر عن الجنس والعرق والمعتقد أو المركز الوظيفي أو الاجتماعي أو السياسي( أي مبدأ تكافوء الفرص).
9.      وضع قانون للاحزاب والمنظمات المدنية يقر عدم شرعية أي تنظيم يحمل إمتدادات ميليشيوية أو يمثل شريحة طائفية دون اُخرى ويلزم الاحزاب كافة إعتماد الديمقراطية والشفافية كمبادئ أساسية في عملها تقرها برامجها وأنظمتها الداخلية ويمنع على الاحزاب تلقي كل اشكال الدعم الخارجي مالية كانت أو إعلامية أو غير ذلك.
10.  تضمن الدولة تشريعيا وتطبيقا إستقلال دور العلم ( مدارس، معاهد ، جامعات) وإعتمادها على آخر المبتكرات العلمية والبحثية في وضع برامجها التدريسية وعدم تبعيتها لأي فكر أو توجه ديني أو أيديولوجي وحق المواطن الفرد في ولوج دور العلم كافة وفق اُسس منهجية واضحة .
11.  تتبع الدولة خططا للتنمية الاقتصادية والبشرية الشاملة بما يحقق العدالة الاجتماعية كحد أدنى لضمان تمتع المواطن بحريته في العيش والسكن وممارسته لكل مستلزمات ديمومته الحياتية ( كالصحة والتعليم وبقية البنى الاسياسية للمجتمع ).
12.  ضمان عدم تبعية أجهزة الجيش والامن لأية سلطة سوى ولاءها للوطن عن طريق ضمان حق كافة المواطنين في العمل والتطوع فيها بدون شروط ( لاتتعلق بالنزاهة أو الآهلية الاجتماعية أو البدنية ) تستثني البعض دون الاخر حتى في إحتلال المراكز القيادية المهمة .

أثبتت التجارب إن طول فترة بقاء البلد تحت نموذج الدولة المحاصصية يجعل عملية الانتقال الى الدولة المدنية الديمقراطية أكثر صعوبة وذلك لإستطاعة القوى المستفيدة من المحاصصات من إيجاد ركائز اقتصادية وسياسية تخدم بقائها في الحكم وايضا تستطيع أن توثق علاقاتها مع دول كبرى أو ذات مصالح متنفذة في المنطقة تدعم بقائها وإستمراريتها، وتجربة لبنان دليل واضح فرغم مقررات مؤتمر الطائف التي حاولت التخفيف من حدة الفصل الطائفي بين مكونات الشعب اللبناني إلا إن أغلب بنودها مازالت حبرا على ورق ولم يتسنَ للقوى الموقعة على الاتفاقية من تنفيذ التزاماتها التي أبرمتها بنفسها، من هذا فأن لتجربة كالتجربة العراقية التي إبتدعت قوى الاحتلال فيها تقسيمات طائفية دور مهم في الصراع ضذ الطائفية مرهون بإرادة القوى الديمقراطية وبقدرتها على تنظيم صفوفها وتوحيد أهدافها وعلى ما تطرحه من بدائل للنهوض بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي عموما وعلى إتباع الطرق السلمية في التغيير بعيدا عن كل اساليب العنف والمواجهة الدموية ونقل الصراع الى مستوى الصراع الفكري والسياسي بطرق ديمقراطية والتركيز على إحداث تغييرات جوهرية في الدستور وبقية القوانين النافذة بما يضمن بشكل جلي إزالة كل مايعيق ممارسة الإنسان العراقي لكل حقوقه وتنفيذ واجباته. ورغم وضوح الفكرة لابد من التأكيد على ضرورة استبعاد فكرة الإنقلابات العسكرية والتدخلات الخارجية من أجل الوصول الى صيغة الدولة المدنية الديمقراطية والتي لايضمن إستمرارها وتطورها وجود قوى أجنبية تحتل العراق، فالاستقلال شرط أساس وهام لإنجاز المشروع الوطني الديمقراطي للعراق .


110
اغتيال المثقف ...... الغاية والدلالة

                                                                                             تحسين المنذري
في خضم كل الصراعات على تنوعها يتحمل المثقفون التقدميون اعباءا استثنائية  سواءا بدورهم في التنوير او في التهدئة او ما يعانوه من جانب الهجوم المضاد من قبل قوى الظلام والتراجع . وبحكم طليعيتهم الناجمة عن وعيهم المسبق وريادتهم التغيريية  فان الضغوط تتنوع من الترغيب والتهديد الى الاعتقال أوالتشريد  والنفي أو الاغتيال . ومذ كان المثقف شاعرا فقط كان هدفا مهما في الحروب الى ان صار المثقف التنويري ملاحقا من السلاطين والولاة الطغاة لما يشكله المثقف ـ وعي ونتاج ـ تهديدا لعروش الحرير وقيمهم الاخلاقية والسياسية المعادية لارادة الشعوب . ويتنوع الضغط شكلا ومضمونا تبعا للوعي الجمعي للمجتمع ولحدة وشدة تخلف المعادين انظمة كانوا ام منظمات او حتى افراد ، تلك القوى التي اخذت على عاتقها عارا في التصدي للمثقفين تشهيرا وملاحقة وقتلا ، فالحلاج الذي اتهم بالسحر والشعوذة وثم الالحاد انتهى به الامر قتيلا في القرن الرابع الهجري ، وغاليلو الذي خرج عن مقولات الكنيسة وحكم عليه بالصلب في القرن السابع عشر الميلادي واعفي عنه لتراجعه هو عن موقفه انتهى به الامر حبيس داره الى ان مات في عام 1642 م نماذجا لما يعانيه المثقف التجديدي وصولا الى العصر الحديث حيث يكون المثقف المع الضحايا ..... ويشكل استهداف المثقفين بجميع الاحوال والاشكال احد المؤشرات الهامة ونقاط التحول في مسيرة الثقافة والوطن ، فاسرائيل التي احتلت بيروت عام 1982 انما بدأت ذلك بأغتيال غسان كنفاني عام 1972، وبرزت شوكة منظمات الظلام الارهابية قوية في لبنان بأغتيال حسين مروة ومهدي عامل عام 1987 ، ولم يتوقف المسلسل وان تغيرت اساليبه فبعد محاولة اغتيال نجيب محفوظ عام 1994 قامت القوى الظلامية بتكفير نصر حامد ابو زيد ومحمود سيد القمني الذي اضطر للتراجع عن كتبه حفاظا على حياته مثلما فعل العراقي بهاء الوردي المقيم في المغرب باحراق كتبه لكي لا تحرق حياته .
في كل الحالات فان استهداف الثقافة والمثقفين برزت بشكل دراماتيكي في توجه السلطه الدكتاتورية الصدامية التي استهدفت المثقفين بأشكال شتى بدءا من الاغراء والتهديد مستميلة جزءا منهم اليها والملاحقة والتشريد حيث غادر جمهرة واسعة من المثقفين العراقيين وطنهم مرغمين ومات بعضهم غريبا يحن الى الدفن في تربة وطنه كالجواهري وشمران الياسري والبياتي وغيرهم ، وتم الاعتقال والتغييب والموت فكان صفاء الحافظ وصباح الدرة وحميد ناصر الجيلاوي وغيرهم قناديلا تضئ اقبية الموت الصدامية، لكن القافلة لم تتوقف حتى بعد انهيار الدكتاتورية فكان اغتيال قاسم عبد الامير عجام في ايار عام 2004 احدى بواكير التحول في مسيرة البلد حيث اشتد الهجوم الظلامي متصارعا مع ذاته ومع الاخرين وكاد العراق ان يسقط في اتون حرب اهلية لم تنته مخاطرها ولم يرم ِ رموزها اسنتهم فأغتالوا كامل شياع  المثقف والمناضل في 23/اب/2008 معلنين وجودهم القوي وتوجهاتهم التي لم تتبدل في مقارعة الثقافة ورموزها امتدادا لكل الطغاة والدكتاتوريات، فماهي خطورة المثقفين على هؤلاء ؟.
يعلم انصار الجهل والظلام ان اي توسع في المعرفة على المستوى الشعبي يؤدي بالضرورة الى انحسار التابعين لهم والمتلقين لتعليماتهم، وصراع القوى الظلامية مع العلم والثقافة النيرة ليس صراعا مع افراد بقدر ماهو صراعا مع حركة تطور المجتمع بشكل عام فما ان ينير ضوءٌ مساحة قليلة حتى ينحسر الظلام وهكذا يزحف العلم والمعرفة بين ثنايا المجتمع الذي سيجعل دور السحر والشعوذة اقل تاثيرا وصولا الى نهايته المحتومة لما يحمله العالم من تطورات علمية تؤدي بالاخيرالى تحررالانسان من كل قيود الظلام والتخلف ،ولان رموز القتل يعرفون كل تلك الحقائق فأن اختيارهم للمثقف لا يأتي عن جهل بل عن دراية ومعرفة بحجم ودور المثقف التنويري وما يستطيع ان يفعله في تقليص مساحات تحركهم لايغال المحتمع والناس اكثر فأكثر في الجهل وبالتالي فأن الارضية التي يتمنون ان تبقى خصبة لهم دائما سوف تتقلص مساحتها بشكل يقلل من نفوذهم وتأثيرهم على مجمل حركة التطور وليس على الانسان كفرد فقط ، لذلك فانهم باغتيال المثقف الانسان لايبغون منه انهاء حياة ـ رغم بشاعة الموقف ـ بقدر ماهو محاولة لايقاف فكر وثقافة من السيروالتطور المتصاعد واعلان حرب التخلف ضد العلم والتطور، وايضا فان الاغتيال هو عملية بث للرعب ليس فقط في اوساط المثقفين ومحاولة الحد من تحركهم ونشاطهم بل وايضا بث للرعب في اوساط عموم الناس وتحذيرهم من الاقتراب من افكار ومبادئ هؤلاء المثقفين  وبنفس الوقت فأنه اعلان قوة ووجود بما يشكله كل ذلك من تهديد للمجتمع والبشر وللتطور العلمي المتنامي  وكذلك للسلم الاهلي ومحاولة جر قوى المجتمع المتباينه الى حرب لا يستفيد منها الا التخلف والتراجع والظلام ومن يقف وراءه من قوى مستفيده اقتصاديا وسياسيا وفكريا ربما لا تمت الى البلد المعني بصله بقدر ماهي تسعى الى ايقاف التطور في بلدانها عن طريق ارهاب الاخرين وقمعهم بشتى الطرق .
ان اغتيال المثقف هو حرب الجهل ضد العلم ، وحرب التخلف ضد التقدم، وحرب السحر والشعوذه ضد علمنة المجتمع والدولة .

111
المنبر الحر / لماذا كركوك الان ؟
« في: 17:55 15/08/2008  »
لماذا كركوك الان ؟
تحسين المنذري
احتلت قضية كركوك في قانون انتخابات مجالس المحافظات اهمية كبيرة جدا وسُلطت الاضواء على المشكلة وكأنها تبرز للمرة الاولى ، وتداعت الاحداث وتصاعدت التصريحات والتصريحات المضادة وبرزت مواقف متعصبة عند مختلف اطراف المشكلة وجرى التصعيد ليس فقط في الجانب السياسي وانما امتد ليمس اولا الجانب الامني حيث التفجير الذي شهدته مدينة كركوك يوم 24/تموز وكذلك التفجيرات التي تلاحقت في مدن اخرى لم يغب نصيب بغداد العاصمة عنها رغم الهدوء الذي ظهر في الاشهر الثلاثة الاخيرة ، والموضوع لم ينته بهذا الحد فمازالت التفاعلات الظاهرة منها والخفية تغلي ولا احد يعرف ما سيؤول اليه الامر مستقبلا رغم كل محاولات التهدئة والتدخلات الاممية والاميركية والعربية ، فلِمَ حدث كل هذا ؟ أليست كركوك محافظة عراقية حالها حال بقية المحافظات التي لم ترتبط بأقليم ، وبالتالي فأن فقرات القانون ممكن ان تسري عليها كسريانها على البصرة وبابل والموصل وكذا بقية محافظات العراق ؟ الا ان التصعيد سرى كالنار في الهشيم ولم يستطع احد الى الان ايقافه فلماذا ؟
لقد بدأت المشكلة عندما كان مجلس النواب يبحث اصدار قانون انتخابات مجالس المحافظات غير المرتبطة باقليم حيث تقدمت جهة ما بطلب جعل كركوك اربعة دوائر انتخابية استثناءا عن بقية المحافظات التي تشكل دائرة انتخابية واحده ، وتفاعل الموقف وازداد التعقيد حدة واستغل البعض القضية محاولا تجاوز المادة 140 من الدستور التي تخص كركوك واستعصى الامر لحد اليوم على مجلس النواب الذي يتمتع اعضاءه الان بعطلتهم الصيفية رغم التهاب المشكلة . وتتبع بسيط يظهر ان القضية اكبر من مشكلة اسمها كركوك فرغم النواقص التي تراها اطراف اخرى في القانون مثل قضية المرأة والقائمة المفتوحة وتجيير المقاعد الخالية الى القوائم الكبيرة وايضا كما يثبت البعض قضية استغلال الرموز الدينية ومراكز العبادة للدعاية الانتخابية كنقص في القانون ورغم اهمية تلك القضايا  الا انها بدت ثانوية ازاء كركوك المحافظة العراقية ذات الخصوصية المميزة اقتصاديا وديموغرافيا  ورغم وجود خارطة طريق لحلها متمثلة بالمادة 140 من الدستور ، الا ان ماحدث يكشف ان العملية السياسية العراقية تعاني من هشاشة حقيقية وجمرات تستتر خلف رماد سرعان ما يزول مع اول نسمة وليس عاصفة .وما حدث في جلسة البرلمان ليوم 22/7 يعد تراجعا بحق في سيرالعملية السياسية يؤكد ان الاساسيات التي استندت اليها العملية السياسية المتمثلة في المحاصصة الطائفية ـ الاثنية غير مجدية كأقل وصف لها ولابد من الانتقال الى شكل اخر من التحالفات السياسية وتوزيع الادوار والمناصب يستند اولا واخيرا الى برامج المكونات السياسية ونزاهة وكفاءة المروجين لها والداعين الى تنفيذها ، ان ماحدث في قضية قانون الانتخابات انما يؤشر الى وجود من لا يريد للديمقراطية ان تترسخ كوجود ملموس في كل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية ويحاول نقل الصراعات الى مستوى اكثر حدة لا فيصل فيه سوى العنف المسلح واراقة الدماء والذي لا يجدي حلا يخدم بناء الانسان ومستقبله وتأمين حياة مزدهرة للاجيال القادمة ، وانعكس التراجع في ترسيخ خطى الديمقراطية حيث يشكل انتخاب مجالس المحافظات استحقاقا هاما في تلك المسيرة ، انعكس على المواطن العراقي الذي ظهر عزوفه جليا عن التسجيل  او اعادة التسجيل في سجل الناخبين فلحد الان كما تشير احصائيات المفوضية المستقلة للانتخابات ان عدد الذين راجعوا دوائر التسجيل لا يزيد عن مليون مواطن ومواطنة رغم كل الجهود المبذولة لحث الناخبين على مراجعة تلك الدوائر واعادة تجديد البيانات بالاضافة او الحذف فالنسبة لم ترتق الى الان عن الـ (8% ) مما يشكل تراجعا لابد من التوقف عنده . فالمستهدف اذاً ليس كركوك المحافظة او الاكراد كقومية او غيرهم كمكوّن وانما كل تلك الضجة تستهدف العراق كوطن يرنو الى الاستقرار والديمقراطية كنهج لادارة الدولة وفي التعامل بين المكونات والقوى السياسية وحتى ابسط ممارسات المواطن العراقي في كل مكان . فهل يغيب كل ذلك عن ذهن السياسيين ؟

112
في ضوء المفاوضات الاميركية ـ العراقية
العودة للارث العراقي اجدى

تحسين المنذري


مع اقتراب الموعد النهائي للتوقيع على الاتفاقية الاميركية ـ العراقية ( اواخر تموز الجاري ) يحتدم النقاش حول اهميتها اولا وحول البنود التي مازالت غير معروفه للكثير من السياسيين العراقيين وبالتالي لعموم جماهير الشعب العراقي ، عدا بعض التسريبات التي اتصورها كانت مقصودة اصلا لجس نبض الشارع العراقي الذي عبر بشتى الاشكال عن رفضه لكل مايمس سيادة الوطن، مما حدا ببعض السياسييين المتصدين للوضع الحالي الى تبديل مواقفهم من جهة ومحاولة البعض الاخر التخفيف من وقعها في محاولة لامتصاص النقمة أوالغضب المتوقع لاحقا في حالة اعلان كل بنود الاتفاقية . الا ان ما يجلب الانتباه اكثر هو محاولة التخفيف بالمقارنة غير الموفقه بين الاتفاقية المزمع عقدها بين العراق والولايات المتحدة مع اتفاقيات سبق للولايات المتحدة الاميركية ابرامها مع دول اخرى وتحديدا اليابان وكوريا الجنوبية والمانيا لدرجة ان وفوادا عراقية أُرسلت لدراسة تلك الاتفاقيات عن كثب والاستفادة من بنودها لغرض التفاوض لاحقا مع الوفد الاميركي بشأن المقاربة في البنود بينها وبين الاتفاقية العراقية. ورغم انه لم يعلن لحد الان عن نتائج زيارة تلك الوفود والعِبر التي خلصوا اليها الا اني اجد ان جهدا مثل هذا غير مجدٍ لاختلاف الظروف الذاتية والموضوعية التي احاطت بابرام تلك الاتفاقيات ،مع تلك  التي تحيط الان بالمفاوضات الجارية لتوقيع الاتفاقية العراقية الاميركية. ذلك ان تلك الاتفاقيات وقعت اولا بين دول خاضت غمار حرب ضروس مع اميركا وحلفاؤها سميت الحرب العالمية الثانية ووقعت الاتفاقيات كجزء من وثائق الاستسلام لحكومات تلك الدول ، والشعب العراقي لم يدخل الحرب مختارا ولم تكن له اية يد في سحب الجيوش الاميركية الى ارضه بل وحتى الحكومة الحالية لم تكن هي التي تدير الحكم عندما قدمت الجرارات الاميركية للعراق ، من جهة اخرى فان دول الاتفاقيات القديمة تحالفت او تبنت فكرا نازيا ـ فاشيا قارعته دول تدعو الى الديمقراطية خوفا من انتشار ذلك الفكر الشمولي العدواني ، والشعب العراقي كان مكتويا بحكم شمولي عدواني قدم الكثير من التضحيات للخلاص منه ، والاهم من كل هذا وذاك فان الاتفاقيات القديمة ابرمت في ظروف بداية دخول المعسكر الامبريالي في حرب باردة مع الاتحاد السوفيتي وبقية دول المنظومة الاشتراكية الناشئة حديثا انذاك لذلك ارادت الادارة الاميركية وقتها بناء دول من طراز خاص تدعم تطورها تكنولوجيا واقتصاديا واجتماعيا في مواجهة الانتصارات المذهلة للجيش الاحمر والنجاحات المتحققة وقتها لشعوب بلدان الاتحاد السوفيتي وبقية الدول الاشتراكية سيما وان كل تلك الدول( الموقعة للاتفاقيات مع اميركا) تحد او تقترب مكانيا من الدول الاشتراكية انذاك والعراق الان في وضع مختلف تماما عن وضع اليابان او كوريا الجنوبية وكذلك المانيا فلا وجود لقطب اخر ينافس انفراد الولايات المتحدة في التحكم بمقدرات العالم ومن ذلك فان القواعد الاميركية التي أُنشأت انذاك ومازالت كانت موجهة بالاساس لمواجهة خطر مفترض هو توسع الاتحاد السوفيتي بمختلف الاتجاهات تلك الفرضية التي اقتنعت او اُ قنعت بها حكومات تلك البلدان ، فما الغرض الان من انشاء قواعد عسكرية اميركية لم تحدد مدد بقائها على المستقبل المنظور؟ وذلك يعني انها تحول العراق الى دولة مرتهنة بارادة الولايات المتحدة الاميركية لشن العدوان على اية حكومة او شعب من شعوب المنطقة تفترض اميركا انها تهدد مصالحها وفق مناظير خاصة بها لا يملك الشعب العراقي فيها لا ناقة ولاجمل ، بل وربما ستكون الاتفاقية وفق هذا التوجه نموذجا جديدا تدشن به اميركا عهد العولمة المفروضة عسكريا على شعوب بلدان الاطراف ، فاين مصالح الشعب العراقي في هذه الدوامة ؟
ان للعراق ارث زاخر في مواجهة اتفاقيات جائرة من هذا النوع بدءأ باتفاقية عام 1930 مع بريطانيا العظمى وقتذاك ومرورا باتفاقيات بورتسموث واتفاقية عام 1954 واخيرا حلف بغداد ، فلِمَ لا تلجأ الجهات العراقية المفاوضة الى الاستفادة من هذا الارث على الاقل في طرق مواجهة الضغوط الاميريكية المستعجلة في فرض بنود الاتفاقية  ، والحال ينطبق على كل القوى العراقية التي مازالت تنظر بريبة للاتفاقية عموما ولاهداف الولايات المتحدة الاميركية في ابرام مثل هكذا اتفاقية واللجوء الى الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في بناء عراق مستقر امن قد تهدد مستقبله وجود اتفاقية من العيار الثقيل والتي تنوي اميركا فرضها على الشعب العراقي .
تبقى مسألة في غاية الاهمية لم تنل الاهتمام الكافي او انها أُغرقت في لجة  البنود الامنية الا وهي مسألة الجانب الاقتصادي في الاتفاقية ، فما هو مصير النفط العراقي؟ وماهي توجهات بناء البنى التحتية للاقتصاد الوطني؟ والى اي مدى ستمتد الخصخصة؟ وماوضع الرأسمال الاجنبي في العراق ،ماهي التزاماته او امتيازاته ؟ وغير ذلك من الجوانب الهامة التي تتعلق بمستقبل الاجيال اللاحقة في العراق والتي لم تجد الى الان اي نقطة ضوء في اخر النفق . فهل ان كل ماجرى على مدى السنوات الخمسة المنصرمة كان مخططا له لكي يصبح هدف الانسان العراقي هو البقاء على قيد الحياة وليذهب كل شئ الى الجحيم ؟؟؟
ستكون الاتفاقية بما ستحويه من شروط نقطة تحول هامة في مسيرة العراق اللاحقة على ضوءها سيتحدد مستقبل البلد وبالتاكد نضال القوى الوطنية العراقية الرامية لبناء عراق ديمقراطي مزدهر ينأى بشعبه عن ويلات الدمار والحروب .

113
الاول من ايار
زمن طريّ يعود
تحسين المنذري
لم يزد عدد الطبقة العاملة العراقية عن بضعة الاف حينما تأسس لهم حزب تليد ، وكل مازاد عددهم مئة كلما اشتد نضالهم تالقا ، حزبا ونقابات ، ونازلوا في عراق الامس اعتى امبراطورية للنفط والحكم ، فهزوا مضاجعها في كاورباغي ، والكي تو ، وانتفضوا مع بقية الشغيلة في الفكر واليد في وثبة كانون 948 وفي انتفاضة تشرين 952 كانوا الدروع التي حمت الطلبة ، وساروا في كل انتفاضات ووثبات الشعب،  قادة وكوادر واعضاء ومناصرين ، نجوما متألقة تسير الجموع على هدي خطاها ، لم يألفوا نضال الصالونات وعتب التلفونات ، لا تميز بين القائد والمناصر في ترديد الشعار وتصبب العرق بل وحتى في الجراح التي تنزف والتألق شهادة ً في سبيل الوطن واهداف الحزب . هم الشيوعيون هكذا ابدا ، حتى في اعوام مابعد الثورة ، لم يختر سلام عادل ولا العبلي ولا الحيدري ولا اي من القادة والكوادر ان يجلس في شرفة لتحية المتظاهرين او ان يقف جانبا ليوجه الاخرين عبر ثلة من الوسطاء ، كانوا جميعا ودوما في قلب الحدث مسيرة احتجاج او احتفال ، في المسيرات المليونية في الاول من ايار 1959 والذكرى الاولى لثورة تموز ، كان صالح دكلة وزكي خيري وابو العيس وجل قادة الحزب يسيرون كتفا الى كتف جنب عامل لا يجيد القراءة ومع مهوال يثير النخوات وطالب يتأبط كتبه المدرسية ومثقف يستلهم من الحدث مشروعه القادم .
بالامس الاول من ايار 2008 اعاد حميد مجيد موسى سكرتير الحزب ورفاقه  القادة صورة الزمن الطري ، فساروا مع الحشود ، يحتفلون بالعيد الاممي للعمال ، ليؤكدا ان النضال البرلماني والعلاقات الصالونية مع القادة السياسيين من مختلف التيارات ، ودعوات التهدئة ، والدبلوماسية السياسية لا تلهيهم عن مطاليب شعبهم ، ولا تبعدهم عن موقعهم الطبيعي بين الجماهير محتفلين كانوا او محتجين ، ساروا وصفقوا وهتفوا وتعرقوا وقالوا كلمتهم الاثيرة ، عمال العراق ، نسيج شعبه الثر، يجمعون حولهم كل المناضلين من اجل غد مشرق ، من اجل وطن حر وشعب .
تحية للعمال في عيدهم وتحية لقادة الحزب الشيوعي العراقي احتفالهم مع بناة حزبهم وجماهيره في يوم مجيد، يوم اممي ، يوم نضال اخر في سفر الحزب الخالد.

114
جمعة الاحزان العظيمة



تحسين المنذري
مرة اخرى يسقي الدم العراقي ارضه ، متدفقا هذه المرة ايضا من فقراء الشعب دافعي ضريبة الدم مدى الدهر ، كل ذنبهم انهم لم يكونوا من الحواسم ، ولم يرتدوا ثياب الدين في ميليشيات او احزاب محاصصية ، كل ذنبهم انهم يبحثون عن لقمة عيش ليوم واحد يرضون بها اطفالهم المحرومين من الالعاب والملابس النظيفة والمدارس والحليب والماء النقي والكهرباء والتلفزيون ، هؤلاء الاطفال القانعين بكل هذا الحرمان مقابل وجود اب يدفئهم بحنانه في برد الشتاء ويظللهم بقامته من حرقة الشمس ، رضوا بكل الحرمان مقابل وجود الاب ، فكيف امسوا وقد فقدوا حنانه وخسروا حنو كفيه المعروقتين وغابت عنهم صورته ، ما ذنب هؤلاء ؟؟ هل هم المدرعات الامريكية ؟ هل هم حماة المنطقة الخضراء ام انهم هم من كسب السلطة ؟ ام ... ام ....ماذا كان ذنبهم ؟ واي مقاومة عاهرة هذه التي تستهدف هؤلاء ؟ من اي نطف عفنه جاءوا ؟ وبأي عقل واي قلب واي دم قرروا وخططوا ونفذوا ، هل لهؤلاء اطفال يداعبون ؟ وهل لديهم نساء اليهم يسكنون ؟ ام انهم من صنف اخر اقل وصف له انهم ليسوا بشرا
ياجمعة الاحزان العظيمة
لا دم يسيل الا في العراق
وسياسيوه ينعمون بترف السلطة ومكاسبها ، وبلا ادنى خجل يعتلون كراسي تتدحرج تحتها الجماجم ويسقي الدم تربعهم عليها ، ويديمون لحاهم بحناء الدم ، وتملأ جببهم وعمائمهم رائحة الدم
في جمعة الاحزان العظيمة
صلى المحاصصون مسبحين بحمد ربهم ، هاشين باشين ، مهنئين بعضهم بالسلامة
اي تسبيح واي حمد واي سلامة بل واي صلاة
حاشا لله ان يقبل منهم صلاة او تسبيح او حمد
حاشا لله ان يرتضي بهؤلاء عُبّادا
بعد جمعة الاحزان العظيمة
يا ايها المحاصصون حتى اوراق التوت قد سقطت
يا ايها المحاصصون اين خطتكم الامنية واين فرضكم للقانون
يا ايها المحاصصون اين حلفاؤكم عفوا ساداتكم ، حماة وجودكم وكافلي سلطتكم
يا ايها المحاصصون غادرونا ، اتركوا عراقنا لنا وعودوا لامتداداتكم
يا ايها المحاصصون ابحثوا عن جحور تأويكم او اخرسوا ابد الدهر
يا ايها المحاصصون من يملك منكم ذرة غيرة فليستقل
يا ايها المحاصصون ان كنتم بلا حياء
                        ما تشاؤون فاصنعوا        فرصة لا تُضيَّعُ
ياجمعة الاحزان العظيمة
لاموت الا في العراق
لادم يسيل الا في العراق
لا حزن يلف الارض الا في العراق .


115
اين السيادة ياسيادة رئيس الوزراء ؟
تحسين المنذري
في يوم الجمعة التاسع من نوفمبر الجاري اطلقت القوات الاميركية في العراق سراح تسعة من الايرانيين كانوا قد اعتقلوا من بين عشرين اخرين على خلفية قيامهم باعمال مخالفة للقانون على الارض العراقية . وشئ طبيعي ان يحدث مثل هذا في العلاقات الدولية ، لكن الغريب في الامر هو شكل او طريقة اطلاق سراح هؤلاء التسعة ، فقد قامت القوات الاميركية بتسليمهم الى مكتب رئيس الوزراء العراقي وعلى الفور توجه سفير ايران في بغداد ( حسن كاظمي ) الى مكتب رئيس الوزراء وتسلم الايرانيين التسعة !!!! وهنا مكمن الاهانة التي وجهت الى السيادة العراقية ، فمنصب رئيس الوزراء بغض النظر عمن يشغله يشكل احد الرموز السيادية لاي بلد وعلى شاغل المنصب ان يتصرف بوعي ودراية في كل خطوة يخطوها للحفاظ على المكانة السيادية ليس لاجل عيون الرئيس لكن من اجل وطن وشعب سلم مقاليد قيادته بيده .
ان حالات الاشتباه بمواطنين من دول اخرى كثيرة الحدوث وتجري عمليات اطلاق سراحهم وفق ضوابط واعراف تقضي ان لم يكن هناك اتصال دبلوماسي على اي مستوى بين الدولتين ذات العلاقة أن يتم اطلاق سراحهم عن طريق دولة ثالثة وسيطة او اي من المنظمات الانسانية الدولية كمنظمة الصليب الاحمر الدولي ، فهل كان السيد المالكي وسيطا بين ايران والقوات الاميركية ؟ هل يعقل ان يتوسط رئيس وزراء دولة لاطلاق سراح معتقلين مشتبه بقيامهم باعمال مخالفة للقانون على ارض بلده ، اما كان الاجدر برئيس الوزراء العراقي احالة الايرانيين التسعة الى القضاء العراقي وليس تسليمهم الى السفير الايراني ، ذلك ان اطلاق سراحهم من قبل القوات الاميركية ربما جاء بسبب عدم ثبوت تهمة عليهم تمس القوات نفسها وربما كانت مخالفاتهم تمس امن ومصالح العراق وهذا ما يفترض  الا تحقق  به  القوات الاميركية بل اجهزة القضاء العراقي  فلِمَ لم يفعل ذلك السيد المالكي ام انه واثق من برائتهم بقدرة قادر ؟ ام ياترى لايهمه مخالفاتهم ولا يريد اثارة حفيظة الجارة المسلمة ايران  واستدعى السفير الايراني الذي اقتحم مكتبه بعيد قليل من اطلاق سراحهم وكانه يسرح في ضيعة من ضيعات حكومته دون ادنى وجل ، ان اصطحاب السفير الايراني لهؤلاء المشبوهين التسعة معه من مكتب رئيس الوزراء ليس خرقا للسيادة العراقية بل هو سحقا لها ، فأين السيادة ياسيادة رئيس الوزراء .

116
هل سيدوم الهدوء الامني في العراق؟
تحسين المنذري
انخفضت العمليات الارهابية في الاونة الاخيرة في عموم مناطق العراق وبغداد خصوصا مما اعطى دفعة امل للكثير منا باستمرار الانخفاض وتصاعد وتائر الاستقرار وبدت عند الكثيرين منا علامات الارتياح معبرين عنها بطرائق مختلفة ، وكانت ابرز ظواهر وعلامات الهدوء النسبي الذي يعم مناطق العراق الان متمثلة في عودة الكثير من النازحين والمهجرين الى ديارهم ، فعلى بوابة الحدود السورية ارتفع رقم العائدين الى مايقرب من الخمسين الف مواطن ، وعاد الكثيرون ممن لحقهم التهجير الاجباري داخل الوطن في مناطق كانت تعد الى الامس القريب من المناطق الساخنة جدا والتي ذهب ضحية التصعيد الطائفي فيها الكثير من المواطنين الابرياء ضحايا لذنب لم يقترفوه وكان لهذه العودة صدى كبيرا وصل عند السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية  لحد الاعلان رسميا عن دعوته لعودة المهجرين الى مناطقهم مطلقا وعودا بالامن والاستقرار وكأن لا عودة الى ما مضى .
وتتعدد الاسباب في البحث عن اسباب الهدوء النسبي  فقد تكون للعمليات العسكرية المشددة هذه المرة تأثير كبير في الحد من نشاط الارهابيين ، وربما كانت اللقاءات الثنائية والمتعددة للعراق مع دول الجوار المغذي الرئيسي  للجماعات الارهابية  ذات  نتائج ايجابية  وقد تكون اللقاءات السرية -الى الان- مع بعض الجماعات المسلحة  قد توصلت الى اتفاقات تفيد بانحسار العمليات الارهابية وايضا كما يرى الكثيرون فأن تجميد جيش المهدي اثر ايجابا في انخفاض الارهاب المسلح ، ويذهب الكثيرون الى اعتبار الصحوات العشائرية في اغلب المناطق الملتهبة ، قد اعطت ثمارها  وربما يطول تعداد الاسباب المحتملة  ، لكن ما ذكرنا هو ما يتفق عليه الاغلبية الساحقة من متابعي الوضع في العراق .
وفي العودة الى الوراء قليلا للتمعن في اسباب اندلاع الارهاب منذ ما بعد سقوط النظام الدكتاتوري سنجد ان اغلب تلك العوامل ان لم يكن جميعها مازالت تفعل فعلها في الواقع السياسي  الراهن  ، فالدولة العراقية التي اعيد بناؤها على اسسٍ خاطئة متمثلة في تكريس المحاصصة الطائفية لم يجر اي تغيير لا على شكلها ولا على مضمونها  ومازالت الحقائب الرئاسية والسيادية تتمتع بنفس ميزات المحاصصة التي قامت عليها ، ومازالت قوات الاحتلال تلعب نفس دورها الاول في اثارة مكامن الانتفاض على وجودها عسكريا  دون اي تغيير حتى بعد ان تم استبدال اسمها من قوات احتلال الى قوات تحالف  ، ومازال الاستعصاء السياسي في تصاعد مستمر وصل اخيرا حد اعتباره ازمة سياسية – وزارية يتمثل في استقالة ستة عشر وزيرا دون ان يتمكن السيد رئيس الوزراء من تعويض النقص الحاصل رغم كل الوعود والمواعيد التي اطلقها لذلك ، كذلك فان الخدمات الاساسية التي اعتاد المواطن العراقي  الحصول عليها من الدولة متمثلة في خدمات الكهرباء والماء الصالح للشرب والوقود مازالت هي الاخرى لم تتحسسن قيد انملة ان لم تكن قد ازدادت سوءا في الكثير من المناطق ، وكذا الحال مع الاقتصاد العراقي المنهار في كثير من اجزاءه والمتردي في بعض مفاصله المشتغلة جزئيا ، لم يطرأ عليه اي تغيير نحو الاحسن بل ان مؤشرات تراجعه تزداد يوما بعد اخر ، مما يعني استمرار البطالة الارض الخصبة للارهاب في التزايد رغم الاعلان الرسمي الذي قاله وزير المالية عن انخفاض كبير في البطالة من ستين بالمئة الى ثمانية عشر قي المئة والذي لم يصدقه احد ولم يدعم هو اعلانه بأي ملموسية تضفي عليه الصدقية ، وبقي الفساد الاداري والمالي يعشعش في مختلف مفاصل الدولة العراقية بامتياز مع ازدياد واضح في الوزارات التي خلت من وزرائها  والاهم من كل هذا وذاك فان المليشيات المسلحة والمدعمة منها خصوصا من بعض الاطراف السياسية المشاركة في الحكم مازالت تتمتع بنفس وتائر الدعم وتقف على نفس الارضية التي نشأت وترعرعت عليها دون المساس الحقيقي بمرتكزاتها ، وبقيت القوات المسلحة العراقية بمختلف اشكالها موزعة على الولاءات الطائفية بامتياز بل وان بعضها وصلت به الامور الى التوزع على ولاءات حزبية ضيقة كما هو الحال في البصرة ، فما الذي يدفع الى التفاؤل ؟
بل اني اجد ان مؤشرات تأزم الوضع الامني من جديد قد امتلكت  عاملا اضافيا جديدا متمثلا بتسليح العشائر تحت يافطات الصحوات العشائرية ، تلك العملية التي بدأتها القوات الامريكية  المحتلة  بدون علم الحكومة العراقية ودون حتى استشارتها كما عبر عن ذلك السيد نوري المالكي رئيس الوزراء حين رفض عمليات التسليح تلك التي قامت بها القوات المحتلة في بادئ الامر ، الا انه سرعان ما انساق وراءها واشرف بنفسه على تسليح عشائر جديدة في ديالى مثلا كما اعلن مكتبه عن ذلك في حينها ، وبذلك فقد ارتكبت الحكومة العراقية بالاشتراك مع قوات الاحتلال خطأً جسيما يتمثل في خلق بؤر مسلحة جديدة لم يعلن الى اليوم عن ضوابط انهائها او الوعود التي اعطيت الى قادتها من رؤساء وشيوخ العشائر  التي تم تسليحها ، ويبدو ان  بعض قادة الصحوات قد حلى له الامر لدرجة يعلن السيد احمد ابو ريشة ( اننا سنستلم الملف الامني للانبار في منتصف شهر كانون اول القادم ) !!!!!!! بأي صفة سيستلم السيد ابو ريشة الملف الامني ؟ هل بات مجلس الصحوة في الانبار هو الممثل الشرعي للدولة العراقية في الانبار ؟ ام هو جزء منها ؟ لا ادري ما هو الجواب لكني اعرف ان تصريحه هذا قانونيا يعتبر تجاوز على الدولة العراقية ومؤسساتها ، فهو لم يمتلك الى الان اي صفة رسمية في الحكومة العراقية ، هو فقط رئيس عشيرة ترأس اخوه الشهيد ومن بعده هو رئاسة مجلس الصحوة ، فهل باتت مجالس الصحوة بديلا عن المؤسسات الشرعية للحكومة العراقية ام انها الشكل الذي تريده القوات المحتلة لاجهزة الحكم في العراق ؟
ان مايجري على الساحة العراقية الان لابد ان يصاحبه عملية نقد واصلاح جذري لمجمل العملية السياسية الجارية في البلد وان تكون التهدئة الامنية حافزا لتصعيد النضال السياسي من اجل تطويق وانهاء نظام  المحاصصة والطائفية منها خصوصا ، تلك الافة التي زرعتها اميركا الدولة المحتلة في العراق وغذتها بالتعاون مع قوى سياسية تمتلك للاسف الشديد صفة العراقية ، ويقضي في عين الوقت بأن تتصدى القوى السياسية  الديمقراطية للعمل بشكل موحد على اسس من برنامج وطني ديمقراطي شامل يكفل حلولا منهجية صائبة لمجمل مشكلات العراق القديمة والمستجدة منها مترافقة مع جملة اجراءات ضرورية واساسية تبدأ باعادة تدوير عجلة الاقتصاد العراقي واصلاح البنى التحتية وتمر بتنشيط تقديم الخدمات الضرورية للمواطن العراقي متمثلة بالكهرباء والماء النقي والوقود واعادة الحياة الى المؤسسات الثقافية  وابعادها عن لعبة المحصصات المقيتة  بدءا من الجامعات ومعاهد العلم والمدارس ومرورا بكل المؤسات الحكومية والشعبية الراعية للانشطة الثقافية المختلفة ، وتنقية الاجهزة الامنية من اردان العناصر التي لا تدين بالولاء للوطن اولا ، وبث روح التسامح وقبول الاخر مهما كان الاختلاف معه في الرأي او الوجهة على الا يكون ذلك ملاذا لمن تلطخت ايديهم بجرائم بحق المواطن العراقي والوطن  وان يتم تفعيل القضاء واعطائه الاستقلالية الكاملة ليقول كلمته الفاصلة بحق المجرمين القدامى منهم والجدد وتفعيل دور الاجهزة الرقابية المتعددة وصيانة ارواح واراء العاملين فيها ، وغير ذلك من كل ما هو ضروري لاعادة وطن اسمه العراق قبل ان نفقده بشكل نهائي .

117
قرار التقسيم الكونغرس – امريكي من معه ومن ضده


تحسين المنذري
اثار القرار غير الملزم الذي اتخذه مجلس الشيوخ الاميركي قبل ايام ردود افعال متباينة في الرفض من قبل اغلب الفرقاء السياسيين الا فرقة واحدة هي حكومة اقليم كردستان التي رأت فيه حلا لمشكلات العراق ، وانا شخصيا لم ارَ في هذا الموقف اية غرابة  فمسيرة السنوات الاربع المنصرمة من عمر العراق كان الساسة  الكرد فيها يدفعون بالنار والتأزيم حيث تنجو مصالحهم وحيث يكسبون اكبر قدر من المكاسب في ظل وطن جريح وممزق غير ابهين بما يؤول الحال اليه في مناطق العراق الاخرى دافعين باتجاه الحصول على اي مغنم في فرصة تاريخية لا تتكرر وذلك ما قاله السيد مسعود بارزاني مرة حينما سؤل حول حجم المطالب الكردية الكبيرة فقال ( انها فرصة لا تتكرر ) وكان محقا في ذلك  فالنهب والخراب يعم ارجاء البلاد ولابد من اخذ الجزء الاكبر من كعكة العراق قبل فوات الاوان ، من هذا المنطلق وهذا المنطق اشرت الفترة الماضية تحرك الاخوة الكرد سياسيا في العراق ، فهل هذا هو المنطق الصحيح ؟ لقد نسي الاخوة الكرد ابناء العراق الذين تضامنوا معهم في محنهم المتتالية عبر السنين ، ونسوا التضحيات التي قدمها عراقيون من غير الكرد وصلت حد حمل السلاح الى جانب البيشمركة الاكراد دفاعا عن الشعب الكردي وضد كل معاديه والذين هم في ذات الوقت اعداء للشعب العراقي كله ،تخلوا عن كل هؤلاء، نسوا كل تضحياتهم وتحالفوا مع اخرين لان اللقمة عندهم ادسم  دون اية وخزة ضمير ولا اي رادع ، فهل في ذلك من الوطنية شئ ؟  واليوم يعلنون ان قرار الشيوخ الاميركان هو الحل الامثل لمشاكل العراق !!!!! وكأنهم يعيشون خارج العراق ولايهمهم ما يجري فيه ، هكذا يبدو للوهلة الاولى لكن الموقف في حقيقته فرصة اخرى للمزيد من العنب من سلال الاخرين واي اخرين جرحى ومعاقين ومهمشين ومسلوبي ارادة ومشردين ومحكومين بالموت من قبل جلادين  تلتقي مصالحهم في الاخير مع مصالح الساسة الاكراد في تقسيم العراق وتهميشه  !! فيا للعيب والعجب ان تصل المصالح القومية الضيقة باصحابها الى هذا الحد من الانحدار !! ولا ادري الان هل كان فعلا شعار الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان متبنى  من قبل الساسة الاكراد انفسهم ام ان في ذاكرتنا خلل ؟ وان من تبناه كانوا اخرين لا يمتون للموجودين حاليا باية صلة ؟ ربما .... لكن الغريب في الامر وليس المستغرب ان يرفض قرار الشيوخ الاميركان اخرون يعملون لحد اليوم بنفس الاتجاه اي اتجاه التقسيم من خلال قوائمهم الانتخابية وسياستهم الطائفية وتهميشهم للاخر عن عمد مقصود وميليشياتهم التي تبنت التهجير القسري والقتل اليومي على الهوية والاسم وكل ما قاد العراق للخراب الذي هو فيه ، فهل هي صحوة ضمير ؟ ام هي مناورة اخرى ؟ قد لايعرفون الجواب هم انفسهم ، فما فعلوه اليوم برفض القرار ربما جاء عن هفوة كلامية غير محسوبة العواقب او انها رفض لاجل الرفض لاغير وقول كلمة حق يراد بها باطل . لكن ماشد انتباهي الاكبر هو رفض السيد هوشيار زيباري للقرار معتبرا ذلك قرار للتقسيم وليس للفيدرالية والتي هي مقره اصلا في الدستور ، فهل ان السيد زيباري صار عراقيا اكثر منه كرديا ؟ ام ان المنصب يملي عليه قول ذلك لا اكثر ؟ اتمنى ان يكون احتمالي الاول هو الاصوب ، لكني في ذات الوقت اتمنى ان يصحح لرفاقه في حكومة الاقليم المعلومات ويعلمهم قول الصالح في السياسة والاصوب والامثل للعراق واهله .

118
نـــــــــــــــــــــــداء
الى ناشطي حقوق الانسان العراقيين في الخارج


تحسين المنذري
Tahsin515@hotmail.com

لعب ناشطو حقوق الانسان العراقييون في الخارج سواءا كافراد او كمنظمات حقوق انسان دورا هاما في فترة حكم الدكتاتور صدام للعراق ، وقدموا للعالم صورا فاضحة عن جرائم حكم البعث بحكم عمل الناشطين في فضح وتعرية انتهاكات حقوق الانسان ، كما عرفوا العالم بالحقوق المهضومة للانسان العراقي وما يعانيه من عسف وقهر على ايدي السلطات البعثية انذاك ، وكان كل ذلك عبر مؤتمرات وندوات ومذكرات وجهت الى جهات دولية عدة وايضا عبر دراسات وكتابات رصينة . لكن ما ان سقط نظام صدام حتى برزت بوادر فتور في عمل منظمات حقوق الانسان العراقية ، وان اعطى البعض تفسيرا لذلك بالامل في تحقيق الديمقراطية واحترام حقوق رغم الغزو والاحتلال الذي اصاب العراق ، فان ذلك لم يكن مقبولا من الجميع او هو مقبولا عند البعض على مضض. لكن الغريب في الامر ان يستمر الخدر في عمل جمعيات ومنظمات حقوق الانسان العراقية الى يومنا هذا ـ باستثناء بعض الومضات من هذه الجمعية او تلك المنظمة ـ رغم كل التدمير الذي لحق بالانسان العراقي من قبل جهات شتى سواء كانت قوات احتلال او مليشيات ارهابية او حتى اجهزة الحكومة نفسها مما يفرض على الناشطين التحرك الجاد والمنظم في مواجهة تلك الخروقات وفضحها وكسب التضامن العالمي مع الانسان العراقي .... ان الحيادية والصدق الذي يميز عمل منظمات حقوق الانسان عالميا يكفل لها قول الحقيقة وكشف الجاني وادانته مهما كانت هويته دون المساس بمصداقية المنظمة ، بمعنى ان تتهم الجمعيات جهة حكومية بخرق حقوق الانسان فان ذلك لا يعني اصطفافها الى جانب قوى الارهاب ، ولا يعني ادانتها للعمليات الارهابية وقوفها مع قوى الحكومة السياسية واحزابها وكذا الحال مع قوات الاحتلال ويقينا  فان السير على هذا الصراط المستقيم لجمعيات حقوق الانسان يكفل لها الالتزام المطلوب بالدفاع عن حقوق الانسان العراقي .
ان فرصة كبيرة موجودة الان لاعادة النشاط لكافة منظمات حقوق الانسان العراقية في الخارج نتيجة لحجم الخروقات الهائل لحقوق الانسان العراقي وايضا وجود منظمات حقوق انسان عراقية داخل الوطن بالامكان التعاون معها ومع بقية منظمات المجتمع المدني العراقية في الداخل لغرض فضح الممارسات اللانسانية وتعريف المواطن العراقي بحقوقه كاملة .
وفي الاخير اتمنى ان ينهض الجميع من اجل اعادة تنشيط منظمات حقوق الانسان العراقية في الخارج واعادة التعاون فيما بينها من اجل مصلحة الانسان العراقي ومن اجل صيانة حقوقه .

119
تسليح العشائر ..... مأزق اخر
تحسين المنذري
منذ اربعة اعوام ونيف والوضع في العراق بكل جوانبه يزداد تدهورا ، ولم تستطع الاحزاب والكتل السياسية النافذة في السلطة او في العملية السياسية عموما من تقديم اي حلول من شأنها ان تخفف عبء ما يجري ، بل ان بعض ما قدمت تلك الاحزاب لم يزد الا في النار سعيرا ، وذلك ما حدث بوضوح مع خطة فرض القانون التي استهلكت اعلاميا قبل البدء بتنفيذها ، وها هي حكومة المالكي تقدم على خطوة خطيرة اخرى بتسليحها العشائر لغرض مطاردة فلول الارهابيين والقاعدة خصيصا ، ومع اني اكن الاحترام الكامل للعشائر العراقية كونها مكونات اجتماعية قائمة ، الا ان هذه المكونات كمجموع وليس كافراد لا تمتلك الوعي السياسي الكافي الذي يؤهلها للقيام بالمهمة على اساس وطني صرف ... بل ان ما يدفعها لذلك مصالح لا تبتعد بكثير عن عقلية البداوة التي ما زالت قيمها تعشعش في رؤوس شيوخ العشائر ووجهاءها وهم الرموز التي ستتفق او اتفقت مع الحكومة حتما ، فما هو المقابل الذي ستربحه العشائر بموافقتها على التصدي للمهمة ؟ هل هو السلاح فقط ، المال ، الوجاهة ، السلطة على مستوى محلي اي في مناطق سكناها او ربما لها عيون على السلطة المركزية نفسها ؟ ربما كل هذا او جزءه الاكبر واي كان فهو مؤشر هام وخطير على الدور الذي ستضطلع به العشائر في المستقبل القريب على الاقل ، ذلك ان طموحاتها ومطاليبها ستزداد حتما ارتباطا مع الطبيعة البدوية في محاولة كسب المزيد وانتهاز الفرص والتي ستكون عبئا اضافيا على الحكومة ان لم تستطع تنفيذها او الاستجابة لها فأن السلاح الذي ستكسبه العشائر من الحكومة سيرتد للتوجه ضد الحكومة نفسها ، وبهذا فان السلطة السياسية ستساهم في خلق ميليشيات جديدة لاتزيد في الوضع الا تعقيدا . كما ان الكثير من ابناء العشائر من ارتبط بهذا الشكل او ذاك ببعض التنظيمات الارهابية العاملة على الساحة العراقية الان ، فماذا لو اصبح هؤلاء جسورا بين العشائر نفسها وتلك التنظيمات لتكسب العشائر السلاح من الحكومةوالمال من التنظيمات الارهابية ؟ وشيوخ ورؤساء العشائر العراقية معروفين بسرعة تبدل ولاءاتهم تبعا للذي يدفع اكثر.وماذا لو اتمت العشائر على سبيل الفرض مهمتها بأكمل وجه وفي مدة قصيرة فهل ستستطيع الحكومة نزع السلاح من ايديها بسهولة ؟ فأن كان كذلك فلماذا لا تنزع سلاح المليشيات الان ؟ ام ان المدة الزمنية التي ستقضي فيها العشائر على المتمردين كافية لكي تقوى الحكومة بالشكل الذي يؤهلها لانتزاع السلاح من ايدي العشائر بقرار واحد ؟ لا اظن ذلك لوجود جملة مؤشرات على الوضع السياسي الحالي والذي يشكل خلفية هامة لمعرفة دوافع قيام الحكومة بتسليح العشائر . فان شهر ايلول يقترب وهو الشهر الذي حُدد لحكومة المالكي وللقوات الاميركية المشاركة معها في خطة فرض القانون لكي تحسم الموقف لصالحها وتقدم بالملموس النتائج المثمرة للخطة ، ولايبدو لحد الان في الافق مايشير الى نجاح واضح لتطبيق خطة فرض القانون بل ان الامر ازداد سوءا سيما في العاصمة بغداد مع ازدياد حدة التفجيرات والقتل على الهوية والجثث المجهولة التي تُجمع كل يوم ـ بأسف كبير ـ كما تُجمع النفايات !!!  كما ان الحراك السياسي الجاري الان في العراق لايملك احدٌ جوابا قاطعا على ايجابية نتائجه والذي يبرز في التصدع الحاصل في بعض القوائم والذي برزت منه الى السطح اخبار منها تقديم عادل عبد المهدي استقالته من مجلس الرئاسة ، والتأرجح الحاصل في قائمة التوافق مابين قبول اورفض تنحية محمود المشهداني من رئاسة مجلس النواب وكذلك ما يشاع من احتمال تشكيل حكومة جديدة على اساس الاحزاب وليس القوائم وغيرها من الامورالتي لا تعطي انطباعا ايجابيا بالحسم ،بل انها ربما تحمل المزيد من مؤشرات تدهور الوضع السياسي  بانعكاساته السلبية على الوضع الامني . وفي نفس الوقت فان هذه المؤشرات تعطي انطباعا بان خطوة تسليح العشائر ليس اكثر من محاولة كسب المزيد من المؤيدين لغرض البقاء في سدة الحكم لاطول مدة ممكنة .
ان حكومة المالكي والاحزاب السياسية المتنفذة في الحكم تعلم يقينا ان المشكلة الرئيسية هي سياسية ويمكن حلها سياسيا ايضا عن طريق الغاء المحاصصة الطائفية ـ القومية المقيتة والتي اثبتت احداث الاعوام المنصرمة سوءها وفشلها ، لكن كما يبدو فانهم جميعا يغمضون الاعين ويتوارون خلف حلول لاتسمن ولا تغني عن جوع ، فقط ازدياد في الدمار والدماء على حساب الشعب العراقي المكتوي بسياسييه . ان لا حل لكل الوضع المتأزم في العراق الا بالرجوع الى تأسيس الدولة العراقية على اسس صحيحة غير عرجاء كماهي عليها الان والغاء المحاصصة المقيتة وتعديل الدستور الدائم بما يضمن التساوي للجميع من العراقيين في الحقوق والواجبات على اسس مدنية حديثة ويرافق كل ذاك اعادة تدوير عجلة الاقتصاد وتقديم الخدمات الضرورية للمواطن العراقي واعادة المهجرين الى ديارهم واتباع طريق السلم الاجتماعي والحرية المكفولة والديمقراطية القائمة على اسس صحيحة.
يبقى اكثر من سؤال اجد نفسي ملزما بطرحها دون ان املك جوابا قاطعا عنها : يقال ان المالكي لم يكن راضيا عن تسليح العشائر ، فهل هذا صحيح ؟ وان كان كذلك فلماذا غيّر رأيه ؟ هل لاميركا العظمى دور في  تبديل المالكي لرأيه ؟ فان كان كذلك .... فيالبؤس ما سيأتي .

120
لبننة العراق ام عرقنة لبنان
والامر يبدو سيان مادام المستهدف هو الانسان
تحسين المنذري
بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 برز مصطلح لبننة العراق للاستدلال على التقسيم الطائفي للمناصب وسرى الى ابعد من ذلك ببوادر النزاعات الطائفية ، الا ان الحرب في العراق لم ترتقِ بعد الى مصاف الحرب الاهلية كما حدث في لبنان ولم تكن باقل منها سعيرا او في الخسائر فقد تشابكت عوامل دولية واقليمية لتنفذ حربا وقودها وضحاياها مجاميع وافراد من الشعب العراقي وبذلك تبلور نوع جديد من الحروب يتمثل بقيامها على اراضي الغير وينال الخسارة  شعب لا ناقة له فيها ولا جمل ( ربما تكون الحرب التي شنها المقبور صدام على ايران بدايات بروز لمثل هكذا حروب ) وكذا الحال ما هو يحدث في العراق الان . فمن الاهداف الهامة لحرب العولمة الاميركية المتمثلة باحتلال العراق هو اخافة قوى اقليمية ومحاولة اخضاع من لم يتوافق مع التوجهات الاميركية اصلا او زيادة خنوع الخاضع منها ... الا ان الذي حدث هو ان تلك الانظمة استثمرت الوجود الاميركي في العراق لتقارع من اجل البقاء لاطول فترة ممكنة ، وسواء كان ذلك مأزقا اميركيا ام امرا محسوبا ومخططا له ، فان الولايات المتحدة الاميركية مستمرة في شحذ اسلحتها في العراق والمضي في الحرب الى نهاية ربما لا تعلم هي موعدها تحديدا ... وجاءت احداث لبنان في تموز العام المنصرم لتسير في نفس اتجاه ما يجري في العراق فمثلما وجدت ايران في الارض العراقية من ينفذ سياستها ويعمل محاربا لحسابها ، وجدته في لبنان ايضا لا يقل حماسة عن نظيره العراقي ومدعوما من ( النظام السوري ) حليف ايران الدائم مقابل اسرائيل الحليف الستراتيجي لاميركا ، وتضاربت التحليلات حينها ما بين اعتبار ما جرى جزء من الحرب التحررية او هو تنفيذ لاجندات اجنبية على الارض اللبنانية الى ان صرح السيد رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الايراني بعد توقف القتال بشهرين تقريبا حيث قال " ان ما حدث في جنوب لبنان مؤخرا سيجعل  اميركا تعيد النظر بحساباتها الف مرة قبل ان تقدم على توجيه ضربة استباقية لايران " ليحسم امر الحرب على انها تنفيذ لاجندات اجنبية على الارض اللبنانية . وان لم تنجح حرب تموز 2006 في شق الصف اللبناني او انتقاله الى المواجهة المسلحة وذلك لاشتراك قوى غير طائفية في الدفاع عن ارض لبنان فان ما لحقه من تحركات سياسية ومواقف متأزمة بدأت معها نذر التجزأة حتى برزت اخيرا منظمة ( فتح الاسلام ) احدى اذرع منظمة القاعدة الارهابية لتعلن بداية الحرب في لبنان على الطريقة العراقية وهو ما سمحت لنفسي بتسميته ( عرقنة لبنان ) ورغم كل محاولات التهدأة ، الا ان المتاريس قد نصبت والاسلحة قد شحذت استعدادا لحرب الاجندات الاجنبية في لبنان.
من المعروف ان تنظيم القاعدة الارهابي نشأ برعاية ومباركة اميركية ، وما ان انقلبت عليه الادارة الاميركية نتيجة لتبدل سياساتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية وحسم دخول الرأسمال الاميركي لمرحلة العولمة منفردا حتى وجد تنظيم القاعدة مصادر تمويل اخرى من جهات عدة واعلن عداءه الدموي الصريح لاميركا ومصالحها في اي مكان وجدت ، اي بمعنى انه اينما حل هذا التنظيم وجدت مصالح لجهات اجنبية في ارض وجوده ، ولما كان الوضع في لبنان منقسما على نفسه اصلا ما بين ولاء رئيس الجمهورية وكتل سياسية اخرى الى نظام الحكم في سوريا ، وولاء رئيس الوزراء وكتل اخرى الى الغرب ، وحزب الله ذو التسليح القوي يعلن صراحة ولاءه الى ايران وسوريا في ان واحد....... اي ان  الارضية مهيأة في الاساس لصراع الاجندات الاجنبية فلم يكن دخول تنظيم القاعدة الا لزيادة اللهيب استعارا .
انه كما يبدو الشرق الاوسط الجديد الذي بشرت به ادارة بوش الابن ، وانها الخرائط السرية للمنطقة  التي لم تكشف عنها الادارات الاميركية ، مزيدا من التقسيم والتجزأة عن طريق الحروب الداخلية تحت يافطات الطائفية والمحاصصات الاثنية ، لتدمير الانسان وسحق قواه الوطنية . ولعل في جعبة الادارت الاميركية الكثير .. الكثير ... فالسودان مرشحة ايضا مثلما هي الصومال تنوء تحت حرب الاجندات الاقليمية وربما ستطول القائمة مادامت السيادة لعولمة الرأسمال الاميركي .

121
ايها الاحبة الكرد: سقطت ورقة التوت
تحسين المنذري
ليس عاديا حادث التفجير الاجرامي الذي وقع اليوم التاسع من ايار في وسط مدينة اربيل ، رغم ان حوادث التفجير في عموم العراق صارت من الاخبار العراقية المألوفة ، الا ان حادث اليوم يحمل بعدا اكثر من كونه جريمة تهز المشاعر الانسانية ، فهو يدعو للتأمل بقدر حجم الالم الذي يلف المتابع المتلقي للخبر ، فكردستان الامنة والملاذ الاقرب للعراقيين الهاربين من حجيم الارهاب لم تَعُد كذلك ، سيما وان تنظيم القاعدة الارهابي اعلن قبل ايام عن تشكيل منظمته لكردستان ، اي ان كردستان باتت احدى مناطق عملياته الاجرامية وقد بدأها بالفعل . ان كل ذلك يثير تساؤلات بوجه السادة قادة الحركة القومية الكردية : فأين المراهنة على قوات الاحتلال التي بدأها السياسيون الكرد قبل غيرهم ؟ واين قوات البيشمركة ذات الباع الطويل وخبرة الستين عاما ؟ وهل ان امان كردستان لوحدها كافٍ ؟ ام هي جزء من عراق محطم مستهدف ؟ والاهم الا يجد السادة السياسيون الكرد انفسهم في مواجهة مع الذات لمراجعة اربعة اعوام من العمل السياسي المتحالف مع قوى الاسلام السياسي الطائفية ؟ الا يكفي التفكير بالمكاسب الضيقة على حساب شعب العراق ؟ اليس من عودة لحضن القوى الديمقراطية العلمانية لانقاذ ما تبقى من ماء الوجه واشلاء العراق؟
ان حدث التفجير الارهابي يعيد الى الواقع الشعار العتيد " الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان "  رغم تطور الهدف الى الفيدرالية فمعناه هو الاهم ، فالترابط العضوي بين الوضع في كردستان وعموم الوضع العراقي مازال وسيبقى قائما ، ولا مناص من العمل من اجل عراق مزدهر، ديمقراطي ،آمن  لكي تتحقق فيدرالية كردستان الديمقراطية الامنة ، ولا سبيل لذلك سوى بتحالف اوسع للقوى الديمقراطية العلمانية العراقية ، لامكان لحركة التحرر الكردي الا بين ثناياها ، والتصدي بحزم سياسيا اولا لمجمل الانقسامات في العراق ومعالجة اشكاليات اعادة تأسيس الدولة العراقية بتنقيتها من المحاصصات الطائفية والعرقية واعادة الدوران لعجلة الاقتصاد والبدء فورا بتنشيط الخدمات الاساسية للمواطنين العراقيين وايضا فض التحالفات ذات المصالح الانية الضيقة .
ايها الاحبة الكرد عليكم يقع عبء اعادة التوازن في العملية السياسية ولكم ان تتأملوا امركم من جديد ...... ورب ضارة نافعة .

122
جدار عازل ام معتقل
تحسين المنذري

مازال الرأي العام التقدمي العالمي وناشطو حقوق الانسان تحديدا يستنكرون بتحدٍ واضح بناء الجدار العازل الاسرائيلي على حدود الاراضي الفلسطينية ، ويعتبر الجميع ان ذلك جزء من سياسة العدوان الاسرائيلي الرامية الى تكريس احتلالها ووجودها غير الشرعي على اراضٍ اغتصبت رغم انف الشعب الفلسطيني ، ويتدفق الكثير من ناشطي حقوق الانسان الى الاراضي المحتلة لكي يعبروا عن احتجاجهم بوقوفهم في مناطق بناء الجدار متحدين الجرافات وماكنة الحرب الاسرائلية ، لكنهم سيحتارون حتما في اي مكان في العراق سيقفون لتحدي واستنكار بناء الجدران العازلة التي شرعت قوات الاحتلال باقامتها في اماكن غير معلن عنها سابقا ، ففي بغداد يجري اعتقال اهالي الاعظمية بشكل جماعي باقامة جدار يفصلهم عن بقية بغداد وفي المقدادية بمحافظة ديالى يقام جدار يفصل المدسنة الى جزأين وربما في الجعبة مزيد من الكتل الكونكريتية التي ستعتقل مجاميع اخرى من اهالي بغداد او العراق عموما ، فكما تسرب ان مدينة الثورة وكذلك منطقة الغزالية من الاماكن المرشحة لاعتقال اهاليها بشكل جماعي عن طريق بناء جدران عازلة حول اماكن سكناهم ، وعلى ما يبدو فان فكرة بناء الجدران العازلة  وان لم يعلن عنها سابقا هي جزء من خطة فرض القانون جرت الاشارة اليها اثناء الحملة الاعلامية المكثفة والتي قادها السيد نوري المالكي شخصيا عندما تحدث اكثر من مسؤول ومصدر الى ان الخطة الامنية ستقسم بغداد الى تسعة مناطق امنية ، لكن احدا لم يكن يتصور ان هذا التقسيم سيكون عن طريق بناء جدران عازلة ابتدأت بجدار اعتقال الاعظمية وقد يستمر الى مزيد من الجدران التي تفصل بغداد وتقسمها الى معتقلات مصغرة وفي ذلك يعرف الاميركان والسياسيون الطائفيون انها لن تؤدي الى حل المعضلة العراقية  وانما تزيد الامر تعقيدا فالكل يعلم ان المشكلة الاساس هي سياسية قامت على اثر اعادة البناء  الخاطئ للدولة العراقية بعيد الاحتلال عام 2003 حيث برزت المحاصصة الطائفية والاثنية بتخطيط مسبق وبنوايا سيئة من الادارة الاميركية لتكون الاسس التي تمت عليها عملية اعادة البناء .
ان حل مشاكل العراق الحالية لا يتم بتعزيز القوات المحتلة ولا بخطة فرض القانون قسريا ولا بكل الاجراءات العسكرية مالم يرافق كل ذلك اعادة البناء على اسس صحيحة تكفل حرية الرأي والمعتقد والتداول السلمي للسلطة بما يتيح الفرصة لكل العراقيين ان يعبروا بحرية عن حبهم لوطنهم وشعورهم بالانتماء لهذه التربة . وهنا لابد من التأكيد على الدور الذي يمكن ان تلعبه قوى التيار الوطني الديمقراطي بمختلف تلاوينه في التصدي لمثل هذه الممارسات الخاطئة وطرح مشروعها الوطني الديمقراطي كبديل عن مشروع الاسلام السياسي والذي اثبت فشله على مدى السنوات المنصرمة من عمر تصديه لادارة البلاد ومجمل العملية السياسية .
يبقى تساؤل اخير هل ان بناء الجدران العازلة هو جزء من مشروع الشرق الاوسط الجديد والذي تدعي الادارة الامركية انه الحل الامثل لمعضلات المنطقة ؟ لا ادري ربما .....

123
مَن الاجدر بالتضامن
الشعب العراقي .... ام الفيلق الثامن
تحسين المنذري
كيف حكم صدام العراق؟ سؤال يثير الدهشة للوهلة الاولى ، لكننا سنجيب عليه جميعا وبلا تردد ...انه حكم بالحديد والنار... بينما يبقى  السؤال الاهم ماهي الادوات التي اعتمدها الدكتاتور صدام لتكبيل الشعب العراقي بالحديد وكويه بالنار؟ هل قام بكل ما قام بيديه فقط؟ ام هناك من نفذ مشيئة السلطان ؟ وهذا السؤال كما اعتقد كبير بحاجة الى اكثر من وقفه .
ان نظاما دكتاتوريا شموليا كالذي انشأه وقاده المقبور صدام ، لم يُحكم بافراد معددوين او بمشيئة ربانية ، وانما اسس وامتلك منظومة متكاملة من الاجهزة بدءا من السكرتير الشخصي للدكتاتور وحمايته الشخصية وليس انتهاءا باصغر بعثي يكتب التقارير عن كل صغيرة وكبيرة ومرورا بأجهزة ضخمة من القوات المسلحة والامن والمخابرات والاستخبارات العسكرية والفيلق الثامن ، وهذا هو بيت القصيد الذي اريد التطرق الى جوانب من دوره التخريبي ، وتسمية الفيلق الثامن اطلقها نظام الدكتاتورية على جمهرة المطبلين والمزمرين والراقصين ( ادباء وكتاب وشعراء ومطربين واعلاميين وغيرهم ) وذلك ابان الحرب العراقية الايرانية حيث كان الجيش العراقي المسلح يتكون من سبعة فيالق تقاتل على الحدود وهؤلاء هم ثامن الفيالق المقاتلة لكن بطريقة اخرى وعلى جبهة اخرى وان حمل بعضهم السلاخ الشخصي علنا .
لقد لعب المداحون هؤلاء دورا تسويقيا هاما لنظام القتل والدمار الذي قاده الدكتاتور المقبور وساهموا بتظليل الشعب بتصوير بطولات لا وجود لها وتكميم افواه اهالي الضحايا بفرض صورة وهمية من الامجاد في محاولة لكسب رضى هؤلاء واستمرار ولاءهم العلني في الاقل لنظام المقابر الجماعية . ولعب الشعراء منهم على الاخص دورا تعبويا لاستمرار حكم الطاغية عن طريق تدبيج الكلمات التي تضفي صورة بهية للدكتاتور نفسه اولا ولنظامه ثانيا ، اخذ منها الملحنون والمطربون نهجا واساسا لايصالها عن طريق اجهزة الاعلام المكرسة اصلا لخدمة اغراض المقبور صدام ونظامه وحزبه ، وعلى دور الفيلق الثامن  هناك امثلة كثيرة ، فإن يحول كاتب سياسي واعلامي مقوله تافهة للدكتاتور " سنطلق الرصاص على البغل المحتضر " ويعني به النظام الايراني ، ان تتحول هذه العبارة وفي اليوم التالي مباشرة الى مقال يحتل صفحة كاملة في جريدة الثورة يفلسف المقولة ويصورها بأبلغ الصور بل ويقربها حتى من الاقوال المقدسة ، فتلك قضية تستحق التوقف عندها ، فهل كان هذا عبثا ام محاولة للافلات من يد الدكتاتور ام  ان الحبل كان قريبا من عنق الكاتب واراد الافلات منه، ام انه تطوع وتبرع عن قناعة  لتسويق تلك المقولة كجزء من نهج الطاغية في اشاعة ثقافة القتل .وايضا حينما وصف احد الاعلاميين صداما بقوله انه لا ينطق عن الهواء ان هو الا وحي ..... لكن لا نبي من بعد محمد ، فهل كان هذا الاعلامي المدني المدير لدائرة التوجيه السياسي في وزارة الدفاع يصف سيده هكذا خوفا ام عرفانا بجميل النِعَم التي اغدقها عليه سيده المقبور ولم يكن يحلم بها يوما .وكذلك حينما امتدح شاعر لبعض من حواشي حاشية الدكتاتور بعد ان تحول من ساكن لزريبة البغال الى زريبة اخرى ادنى مستوى تلك هي زريبة البدلات الزيتونية ومسح احذية المقبور الاخر عدي ، ويواصل نهجه في ابتزاز زملاءه الادباء والشعراء والكتاب عن طريق اجبارهم على التطوع في قادسية سيده او على الاقل الذهاب للمعايشة في الجبهة فلا اظن ان هذا الشاعر كان مخدرا حينما عمل كل ذاك بل انه قام بكل ما قام عن وعي وقناعة ومصالح ذاتية ... والملحن الذي قدم اكثر من ثلثمائة عمل خلال فترة حرب الثمانية اعوام ، اترى كانت تلك شطحة بسيطة ام غفلة ام كان مجبرا على اداء كل ذلك ؟ وهل يمكن المقارنة بين فنانتين مسرحيتين تشاء المصادفة ان تكونا اختين ، احداهن ارتضت لنفسها عيشة الكفاف والعزلة والمعاناة لكن بشرف عن ان تبيع نفسها لخدمة الدكتاتور ونظامه والثانية التي ادت كل ما عليها وزيادة في خدمة سيدها وحصلت على سيارة مكرمة منه لانها قدمت رقصة قصيرة في احدى اغاني الملحن العتيد ذو الثلثمائة لحن ... وهل وهل وهل كثير من الاسئلة والامثلة على ادوار هؤلاء المكملين لادوار اجهزة الامن والاستخبارات ومؤسسات القمع الاخرى التي انشأها ورعاها نظام صدام المقبور ...
على الضفة الاخرى كان هناك الشعب الذي يرزح تحت وطأة الحرب والحصار ، يئن من ثقل الضربات الموجعة ، وتزداد اعداد الثكالى والارامل واليتامى في كل يوم ، ويضرب الالم والفقر حتى نخاع العظم عند كل الشعب ، ويرفل الفيلق الثامن بمكرمات الدكتاتور وعطاياه من السحت الحرام ، من اموال هؤلاء الجوعى والمساكين والمحرومين ، فهل صحى ضميرٌ لفرد من افراد الفيلق الثامن وتنبه لما يجري حوله ام ان الاعين كانت مغمضة والاذان مسدودة والطريق الى خدمة الدكتاتورواحد يجمعه مع كاتب التقارير وشرطي الامن والجزار الذي ينفذ اوامر الاعدام وغيرهم من عبيد الجريمة ومنفذيها والمتسترين عليها .
وبعد فقد سقط النظام ، وفر مِن هؤلاء مَن فر ، وانتشروا في المنافي البعيدة والقريبة ، وبعضهم كان قد افلت قبل سقوط سيده مستقرئا المستقبل القريب ، ولم ينبس اي منهم ( ربما عدا عدد محدود فقط) بأي شئ يشير الى ما اقترف واذنب بحق شعبه ، بل ان اغلبهم ان لم يكن جميعهم صار يشتكي ويولول تهميشه وتغييبه ومحاولات صده ، وكأنهم اقتنعوا بان لهم المجد والامتيازات والسطوة والكلمة العليا اينما حلوا وفي اي زمان كانوا ، فهل يصح ان يتساوى الجلاد مع الضحية ؟ كما ان البعض منهم حاول ان يعيد تأهيل نفسه عن طريق تقديم اعمال مشتركة لهم جميعا ، او استدراج البعض الغافل للعمل معهم ، ورغم ان هذا البعض فاشل فنيا ومهمشا ، الا انه في جميع الاحوال لم يكن يوما مشاركا في الجريمة التي شارك فيها افراد الفيلق الثامن ، كما ان احد منهم غير اسمه منتحلا اسم فنان اخر في محاولة لتسويق نفسه ، واستمرار حصد الامتيازات والكؤوس .
والاغرب من كل هذا وذاك ان ينبري البعض للدفاع عن هؤلاء ، في نفس الوقت الذي يستكثر على الاخرين فضحهم او حتى نقدهم ، لكن محاولة الدفاع هذه محاولة يائسة ، بل انها تلقي مزيدا من ظلال الشكوك على المدافع نفسه ، فربما احس بخطر ما يقترب منه فاستخدم الهجوم وسيلة للدفاع أو انه سقط في فخ "يكاد المريب ان يقول خذوني ". وربما لايعرف المدافعون ان افراد الفيلق الثامن لم يكتفوا بدور ( المثقف) في خدمة الدكتاتور فقد ادى البعض منهم ادوارا رذيله في كتابة التقارير والابتزاز واخذ الرشى بل وحتى السرقة مما أتيح له من اموال الشعب ، فهل علينا السكوت عن كل ذاك؟ ام لابد من لحظةٍ للمواجهة وكشف المستور ؟ام ان الدفاع عن هؤلاء سيستمر وفي ذلك خطورة كبيرة ، فقد يجر الدفاع عن الفيلق الثامن لدفاع عن كتاب التقارير ومنتسبي الاجهزة القمعية الاخرى بحجة انهم كانوا موظفين ادّوا ما عليهم ، ويتصاعد الدفاع ليعم رموز النظام نفسه ، وقد يقول قائل ان علي حسن المجيد لم يكن الا عبدا مأمور في تنفيذ رغبات  السيد الاعلى والقائد الاوحد وهكذا لنعفي عما سلف ، وشعبنا اكثر من اكتوى من سياسة عفى الله عما سلف التي اتبعها المرحوم عبد الكريم قاسم وجرت من بعده لاكثر من اربعين عاما ما جرت على الشعب من قتل ودمار وخراب .... مازال مستمرا الى الان.
والان ياترى هل تحولت انا الى جزار ومجرم كما كانوا هؤلاء لاني كنت قاسيا عليهم في ذكر الحقيقة المرة التي عاشوها ونفذوا فصولها خير تنفيذ ؟ بالتأكيد اجيب عن نفسي لا ، لا اتمنى لنفسي هذا الدور ولم احلم به يوما لكني اطالب ان يعترف هؤلاء ممن يريد ان يعيد تأهيل نفسه بكل ما اقترفت يداه بحق الشعب ، بكل ما ادى وقدم من عمل ، ادبا كان اوفنا او فعلا في ارض الواقع ، ويعلن ندمه وشجبه ، وان يعيد السارق منهم والمرتشي والحائز على هدايا ومكرمات سيده وكل ما حصل عليه بتلك الطرق الى الشعب المالك الحقيقي لتلك الاموال ، وان يقول الشعب كما يطالب المدافعون كلمته بحق هؤلاء لكن عن طريق القضاء النزيه المستقل ، وعندها وبعد ان يُنفذ  حكم القضاء ليعد التائبون منهم الى جادة الصواب وليخدموا شعبهم لا جلاديه ووطنهم لا مكبليه .... والا فان دوامة التغييب والتهميش والشكوى ستستمر .. ولابد للتاريخ ان يسجل القول الفصل ، والا فأني سأبقى اؤمن ان تزوير التاريخ يبدأ من لحظة وقوع الحدث .[/b][/font][/size]

124
جند السماء ام بعث الدماء
تحسين المنذري
اثارت قضية جند السماء الذين ظهروا (فجأة) في اطراف النجف كثيرا من الاقاويل وتضاربت تصريحات المسؤولين الرسميين العراقيين بشتى المستويات عن حقيقة هذه المجموعة فمن قال انهم محموعة من السنة التكفيريين وقال اخر انهم محموعة شيعية منحرفة وذهب مسؤول اخر الى انه تنظيم (غريب) يجمع في صفوفه شيعة وسنة ، وقيل عن قائدهم انه سامر ابو قمر من اهالي الديوانية اصلا وكان من اتباع محمد محمد صادق الصدر نزح الى البصرة منذ ثلاث سنوات (اي بعيد سقوط النظام الصدامي) وسمى نفسه هناك احمد الحسن واصدر مؤلفا اسمه قاضي السماء ثم ادعى انه هو نفسه منزل من السماء وسمى نفسه ( علي بن علي بن ابي طالب) واخيرا استقر على انه وصي المهدي وسفيره يمهد لظهوره ، واثيرت اخبار وشائعات عن تبعية هذه المجموعة الى السيد الصرخي (الشهير) وان احمد الحسن هو احد ابناءه وغير ذلك. ووصفوا المجموعة على انها تمتلك اسلحة متطورة وخبرة قتالية عالية وتنظيم جيد ، وهذه الصفات الاخيرة تضع علامات استفهام وتعجب كثيرة ، فكيف لمجموعة( مجهولة) الجذورولم تكن معروفة سابقا ان تمتلك هذه الصفات دون ان تكون قد صقلت خبرة عناصرها على ارض الواقع بعد تدريب دقيق ومتميز ، وكيف اتيح لهم ان يتدربوا ( زمانا ومكانا) دون علم احد ، وماهي مصادر تسليحهم ومن اين اتوا بخبرة التنظيم الجيد ؟ كلها اسئلة تلقي ظلالا من الشكوك على كل تصريحات السادة المسؤولين الرسميين عن هذه القضية . لقد لفت ودارت كل التصريحات الرسمية حول حقيقة ابى المسؤولين البوح بها وهي ان هذه المجموعة هي تنظيم بعثي مئة بالمئة ولا احد يريد ان يقول الصراحة، وان اباح احد بهكذا تصريح يعني انه قد حكم على كل التجربة السياسية منذ مابعد السقوط الى الان بالفشل ـ وتلك حقيقة قائمةـ لايريد المسؤولين الرسميين الاعتراف بها .... ان قرار حكومة بريمر الاولى بحل تنظيمات حزب البعث لايعني  ان البعثيين قد حلوا انفسهم وان ضم الدستور الدائم بندا يشير الى تحريم عمل حزب البعث فلايعني ذلك عدم وجود تنظيمات بعثية متعددة وقائمة وناشطة على الساحة السياسية العراقية لكنها تسمي نفسها بتسميات متباينة ، كما ان جزب البعث ان سلمنا بان هذه المجموعة هي احدى تنظيمات القاعدة الارهابية فانه قد تحالف معها مذ كان الزرقاوي في حضن صدام قبل سقوطه وعمل خلفها بعد السقوط ووضعها في الواجهة الامامية ، وان اخذنا بفكرة انها منظمة تجمع في صفوفها السنة والشيعة فلايوجد تنظيم معادي للعملية السياسية الان يجمع في صفوفه مثل هذا الخليط غير حزب البعث . وما الخبرة القتالية العالية التي اظهروها والتنظيم الجيد الا دليل اخر على ان هؤلاء العناصر هم نفسهم من كانوا يمثلون اجهزة الجيش والاستخبارات والامن والحرس الخاص وغيرها من تنظيمات حزب البعث الدموي ، وهم بدون ادنى شك يمتلكون الخبرة القتالية العالية والتنظيم الجيد نتيجة للامكانيات التي كانوا يمتلكوها بحكم اعتلائهم الحكم . لكن السؤال الذي يبرز الان لِمَ اختاروا النجف وهذا الوقت بالذات ؟ تشير المعلومات المتسربة من التحقيقات انهم كانوا ينوون ان يقوموا بعملية اقتحام النجف واحتلال الصحن الحيدري في يوم العاشر من محرم والانقضاض على الرموز الدينية واعلان حكومة محلية تقوم بالزحف لاحقا على بغداد واعلان انقلاب عسكري يسقط الحكومة الحالية وينهي الوضع بالوحهة التي يريدونها لكن معلوماتا استخبارية وصلت السلطات العراقية ادت الى اجهاض عملهم هذا ، والحقيقة فان الزخم البشري الذي يتواجد في يوم العاشر من محرم في النجف كبير الى درجة عالية جدا واي عمل تخريبي ( تفجير او قنبلة يدوية او قذيفة هاون او غيرها ) سيجعل من الصعب السيطرة على الموقف من قبل الجهات الحكومية مما يسهل لهم تنفيذ خطتهم المرسومة والاستيلاء على مقاليد السلطة هناك وفي ذلك عمقان مهمان الاول ما تشكله النجف من ثقل ديني هام للسلطة السياسية الحالية حيث النجف مركز التشيع العالمي الاول وانهيارها سيؤدي حتما الى انهيار او على الاقل تزعزع كبير في موقع السلطة السياسية في بغداد يسهل سقوطها والثاني هو ان النجف تحادد الصحراء وطريقها الى الدول المجاورة سالك سواءا في التهريب  او طريق الحج البري مما يسهل لهم الهروب في حالة فشل العملية . تبقى مسألة اخيرة هي ما موقع المدعو سامر ابو قمر او احمد الحسن في كل ذلك ؟ ولهذا هناك احتمالان  : الاول ان يكون احمد الحسن هو احد البعثيين وتم اعداده وتهيئة اجواء بروزه بهذه الطريقة لكي يتسنى له جمع عدد مؤيدين اكبر والثاني هو الا يكون سامر ابو قمر بعثيا بل استدرج للاشتراك في هذه العملية مقابل وعود معينة اعطيت له او غُرربه للاشتراك مع البعثيين دون ان يعرف الهوية الحقيقية لهم .
في الاخير فان السلطات الرسمية مطالبة بالكشف الكامل عن التحقيقات التي تجريها مع من القي القبض عليه من هذه المجموعة والاعلان بشفافية تامة عن كل الخيوط المرتبطة بهم لكي يكون المواطن العراقي على بينة مما يجري ويحاك ضده والا فان السلطات القائمة تتحمل نتائج اخفاء مثل هكذا حقائق ففي اخفاءها ضير وضرر للشعب .[/b][/font][/size]

125
هل كان الطاغية صدام بطلا؟
[/color]

تحسين المنذري

اين البطولة في اعدام الطاغية صدام ؟ وهل في وقوفه امام الحبل من شئ مميز ؟ وهل كان ينتظر غير ذلك؟ ام ان تزوير التاريخ يبدأ من لحظة وقوع الحدث؟ هذه الاسئلة وغيرها تثير في كوامن النفس استغرابات وتولد اسئلة اخرى قبل ان تصل الحقيقة الى موقعها الطبيعي .

والحقيقة فان صورة البطل في الموروث الشعبي العراقي والذاكرة الجمعية تستمد اصولها وجذورها من شخوص فرضوا انفسهم بواقعية كبيرة وان ازدحمت صورهم احيانا ببعض الاساطير التي يلفقها الجمهور المتابع لمواقفهم وتاريخهم حبا وليس تزييفا للحقيقة ، لكن البحوث التاريخية والعلمية على مدى الازمنة كانت تؤكد وجود ملامح تكاد تكون مشتركة بين الابطال التاريخيين وان اختلفت اصول هؤلاء الابطال وانتماءاتهم الفكرية . فلو امعنا النظر في صورة البطل   الامام علي بن ابي طالب (ع) لاكتشفنا انه كان شديد التمسك بالاسلام وذو مواقف خارقة في الدفاع عن معتقده سواءا بالفعل العضلي او بالفكر كالارشاد والموعضة وغيرها ، ولو استدعينا صورة البطل عنترة بن شداد لوجدنا انه كان متمسكا بحب ابنة عمه عبلة وفعل ما فعل لاثبات هذا الحب واهليته له ولاجل ذاك اتخذ عدة مواقف بطولية في الدفاع عنها وعن قومه اضافة الى شاعريته الفذة ، اي ان البطل الذي يحفظ اسمه الناس ويخلدوه لا بد له من ان يتوافر على شرطين رئيسيين هما المبدأ النبيل والفعل في الدفاع عن المبدا او تأكيده ففي  مثال الامام علي (ع) فان الاسلام هو المبدأ الذي تمسك به ودافع عنه ، وفي مثال عنترة كان حب عبلة هو المبدأ، لكن هذين الشرطين الاساسيين يبدوان غير كافيين لتأكيد صورة البطل وحفظها فلابد من ان يرافق ذلك جملة اوصاف تلازم صورة البطل وتؤكد شخصيته لعل ابرزها الصدق في اعتناق المبدأ والمواجهة وعدم الغدروالشجاعة والكرم والعفو عند المقدرة والحلم والصبر والقدرة على مواجهة الشدائد برباطة جأش  وعدم النكوص او التراجع حتى ولو وقتيا وان لايعرف للهزيمة من طعم طوال حياته ، وان يكون نزيها امينا لم تتلوث يديه بالاعتداء او السرقة او اي من الاعمال المشينة الاخرى وايضا الاستمرار تصاعديا في تأكيد مواقفه البطولية بافعال لايرقى لها الشك وصولا الى الظفر او الموت في صمود وتضحية من اجل الاخرين كاحدى ابرز ملامح البطل الخالد في ضمائر الناس وذاكرتهم . ولو حاولنا هنا سحب شيئا من تلك الصفات على نموذج الطاغية صدام ـ ولا اريد تعداد كل سيئاته فقد لا يسعها المكان ـ لوجدنا انه لا يمت الى اي من الصفات التي عددنا او قد يعدها الاخرون اي صلة ، فالمبدأ الذي تبناه كما كان يدعي حب عروبته والدفاع عنها نسفه بمجمل مواقف لعل ابرزها شق المنظمات الفلسطينية اوائل سبعينات القرن المنصرم واعتداءه المشين على الكويت وما نتج عن ذلك الاجتياح من ممارسات وتداعيات اثبتت وحشيته ودونيته وعدم امانته ، وكذلك الطريقة التراجيدية التي انتهت بها عملية الغزو من تدمير للبنى التحتية للوطن العراقي وشروط استسلام مذلة قبل بها وظهر بنفسه ذليلا خانعا يعلن انسحابه غير المشروط من الكويت بعد ان كان يؤكد لزمرته الا ينسحبوا وان سمعوا صوته يدعوهم لذلك !!! فاين البطولة في كل تفاصيل هذا الحدث او في صورته العامة ؟ وصدام حسين الذي جاء من قاع الحضيض حيث كان منبوذا مهمشا حتى من اقرب اقاربه ليصبح في غفلة من الزمن القائد الاوحد ذو المال والجاه والمليارات المودعة باسمه وعائلته في بنوك العالم (العولمي) صورة عليها وبها الكثير من اشارات الغدر والخيانة والسرقة واستغلال المنصب والتامر والرذيلة  ولعل من ابرز ما رشح عنها الطريقة الوحشية التي صفى بها مجايليه من اعضاء قيادة البعث وقولته الشهيرة في ادانتهم لواحد مهنم (والله لاطرُّوه طر للمايقبل ) اي تقطيع المعارض لانفراده بالسلطة لعدة قطع ! فهل هناك اكثر خسة ودناءة مما فعل ؟ وكذا الحال مع كل ضحاياه سواءا في الطريقة الهمجية بتصفيتهم وعوائلهم او بالاجراءت التي تلحق ذلك مما تدل جميعها على جبنه وهو يرأس اعتى نظام فاشي عرفته المنطقة العربية وربما العالم ، واخر ما قدم من نموذج للجبان المتخاذل هو هزيمته يوم 9|4|2003 وهو القائد العام للقوات المسلحة وتركه الاف الجنود والضباط في مواجهة خاسرة نأى بنفسه عنها خوفا  ومحاولة للحفاظ على حياته بطريقة لايرتضيها حتى اي رذيل انتهت باخراجه ذليلا اشعثا قذرا من حفرة لا تليق حتى بالجرذان ، فأين البطولة في كل ذلك؟ واين المرؤة والشهامة ؟ ان هذا التتبع السريع لحياة الطاغية ومواقفه لاتلتقي مع اي من صفات البطل الشعبي او التاريخي او الحقيقي ولاتمس حياة الكرامة بشئ ولا لها من الاخلاقيات الحميدة قوام ذرة حتى جاءت وقفته امام حبل المشنقة التي يحاول الكثيرون ايجاد بطولة زائفة فيها في حين انها كانت مشحونة بالضعف والتخاذل والا لما رد على جمع الواقفين (هي هاي المرجلة) وهي عبارة تدلل على ضعف قائلها لا تحديه والا كان باستطاعته ان يرد عليهم بكلمات اكثر جرأة وتحدي ولو من باب الدفاع عن النفس في اللحظات الاخيرة لكنه كان لايقوى حتى على الوقوف على قدميه خوفا وجبنا ولم يتقدم بنفسه لمواجهة المقصلة بل دُفع اليها دفعا من قبل فريق التنفيذ ، فأي بطولة هذه التي لم ترتقِ حتى لمواقف القطة في مواجهة الموت والتي تتحول فيها الى حيوان شرس قد يقضي على من يحاول الانقضاض عليها ولكن حتى هذا الموقف للقطة لا يحسب لها عملا بطوليا لانها تقضي كل حياتها بالمواء والهزيمة ، ولايمكن مقارنته مع الاسد مثلا وان تشابهت لحظات المواجهة ذلك ان الاسد يقضي عمره بطلا مواجها متحديا حتى اللحظة الاخيرة والتي تكون منسجمة مع مسيرة حياته لا منفصلة عنها كالقطة .

اخيرا لابد لي ان اثبت اني ضد كل التصرفات غير القانونية التي رافقت عملية التنفيذ من هتاف او استفزاز او غيرها لكني اتساءل في ذات الوقت ماهي الظروف التي كانت ترافق اعدام الالاف من ضحايا الجلاد ، هل كانوا يوفرون لهم الاحترام ؟ هل يحضر اركان التنفيذ الاساسيين حسب القانون العراقي (طبيب ورجل دين وقاضي وشهود) ام ان كل شئ كان يتم في الخفاء ولا احد يعرف الطرق القذرة التي كان يتبعها صدام وجلاوزته في تنفيذ الاحكام الجائرة بحق المواطنين العراقيين المدانين لاسباب لايرتضيها اي ضمير حي او عقل بشري الا من فقد الكرامة وارتضى للخسة والجبن موقعا يلفه . فأين البطولة في حياة الطاغية واين العدالة التي يطالب بها مريدوه الان وهل كان الدكتاتور بطلا ؟ اني انفي صفة البطولة عنه جملة وتفصيلا لانه لم يكن ذلك حقا .[/b][/font][/size]

126
أُعدِمَ صدام !! .... وبعد ؟
[/color]
تحسين المنذري
اعدم طاغية العصر وسُلِّمَ جثمانه لذويه ، ذلك ما لم يفعله هو مع  ضحاياه

اعدم المجرم واحتفى به اهله ومريدوه ، وذلك ما كان يمنعه هو عن ذوي ضحاياه

اعدم صدام وأُعلن عن نهايته ، في حين لم يفعل ذلك هو عندما كان يغتيال ضحاياه

اعدم الدكتاتور بعد وضوح جرائمه ومحاكمته علنا وعرف هو نهاية حياته قبل اعلان القضاء لرأيه ، لكن لم يمتلك احدا حتى ولا دليل واحد على جرم ضحايا صدام

اعدم ولم يستوفَ من ذويه ثمن قتله كما كان يفعل هو

اعدامه كان امنية قضى خيرة اهلنا حسرة على رؤيته ، وباعدامه قال القضاء حكمه في الدكتاتورية  وهمجيتها ووضع احدى اهم لبنات بناء الديمقراطية ، لكن ماذا بعد ؟ مالذي سيتغير في الحال الذي يزداد سوءا يوما بعد اخر ؟ وهل ستكون نهاية حياته بداية لشئ حسن ونهاية لاخر سئ؟ كلها وغيرها اسئلة لابد ان يجاب عليها من قبل ذوي الامر والقائمين على شؤون دنيانا ومدعي قيمومتهم على ديننا .

ان اعدام طاغية العصر على اهميته وكونه مؤشرا على جدية السلطات الحاكمة في العراق على ملاحقة المجرمين الا انه ليس خاتمة المطاف وليس هو الهدف الاخير المنشود ، صحيح ان كل المجرمين الذين كانوا يقتدون به ويسيرون على دربه سواءا من رموز نظامه او من امراء القتل الجدد قد فقدوا باعدامه نموذجهم ورمزهم الحي الا ان ذلك غير كاف بالمرة للسكوت على جرائمهم او محاولة التخفيف من وقعها بحجة القضاء على رأس الافعى  ، فلابد من خطوات لاحقة تؤكد عزم السلطات في المسير بنفس النهج الذي حاكمت به صدام واعدمته وتجاوز الاخطاء والهنات التي رافقت تلك العملية الشائكة بالتاكيد ، اي لابد من اظهار الحقيقة كاملة امام الرأي العام المحلي والدولي لكي لا يظهر من يدافع عن جرائم الاخرين كما ظهر من يدافع عن جرائم صدام وحكمه ، وهنا يلعب القضاء المستقل بالضرورة الدور الاكبر في العملية مع مراعاة عملية الحسم السريع لكل القضايا المعلقة الى الان ، ومن الاهمية بمكان ان تدار العملية السياسية في العراق من قبل المتصدين لها بقدر اكبر من الحكمة في معالجة الاختناقات الحاصلة في الوضع السياسي وكشف المستور من التوجهات الطائفية التي تدار بها القوائم السياسية الرئيسية ومن لم يجرأ على النهوض بهدذا الدور الهام والخطير الان وان كان مخلصا لوطنه ولعمله فعليه كما اتصور التنحي مبكرا لكي لا تنحيه عدالة القانون لاحقا ، وان توفرت النيات في السير بعمل صحيح بناء سياسيا فمن الضروري ان يرافق العمل السياسي هذا اعمال اخرى على مختلف الاصعدة وفي مقدمتها وضع خطط وبرامج للقضاء على العنف المنظم وتوفير اقصى درجات الامان والاستقرار النفسي للمواطن العراقي متزامنا ذلك مع البدء بجدية في اعادة تدوير عجلة الاقتصاد بتشغيل واعادة تشغيل مؤسسات البنى التحتية للاقتصاد الوطني واعتماد التكنولوجيا والعلوم الحديثة في تسيير دفة الاقتصاد ، والاهتمام بملاحقة الفساد الاداري والمالي صنو الارهاب في تأخير التقدم المنشود والازدهار المنتظر مع مراعاة توفير الخدمات الضرورية للمواطنين من كهرباء ووقود وماء صالح للشرب وغيرها مما يفتقده الانسان العراقي الان ، ولكن مع كل هذا وذاك فلابد من الشروع فورا بحل المليشيات المسلحة مهما كان لونها وانتماءها وحصر استخدام السلاح بايدي القوات المسلحة الحكومية المسؤولة اولا واخيرا عن امن المواطن والاقتصاد الوطني ، على ان يعاد بناء القوات المسلحة على اساس وطني وليس حزبي او طائفي او مناطقي او اي تسمية تقسيمية اخرى ،ومن المهم جدا ان يصار الى رفع كل التشريعات الدستورية وغيرها والتي تكرس المحاصصة الطائفية والاقليمية في تسيير عجلة الحكم .  ان خطوات هامة وجدية كبيرة تنتظر المرحلة اللاحقة لاعدام الطاغية لكي يتحسس العراقي ايا كان عرقه او دينه انه في وطن يأويه ولا يلفظه خارج حدوده بحثا عن شئ ما ربما يكون وطنا اخر او امان مفقود او اي شئ يستطيع من خلاله الانسان ان يبدع ويقدم ، ولعل من اول الاولويات التي تواجه الحكومة الحالية هي عملية تطهير نفسها من العناصر المدعومة من قبل المليشيات والتي تقدم في ذات الوقت الدعم للمليشيات المسلحة ميليشيات القتل والخراب والدمار.[/b][/font][/size]

127
المنبر الحر / شكرا اثيوبيا
« في: 02:24 30/12/2006  »
شكرا اثيوبيا
[/color]
تحسين المنذري

لا اعرف من يحكم اثيوبيا ،ولا اعرف الاتجاه السياسي لحكامها ، ولا ادري ما هي ديانتهم ، لكني اعلم انها دولة مجاورة للصومال ، واعرف انها منذ اشهر غير قليلة متحسسة من الوضع المزري في جارتها الصومال ، وعرفت اخيرا اسم رئيس وزرائها السيد" ميليس زيناوي " والفضل في ذلك لاثيوبيا نفسها ، فلو لا هبتها في مساعدة شعب الصومال لما عرفت او تابعت تصريحات السيد رئيس الوزراء الاثيوبي ميليس زيناوي ، والقضية ببساطة ان اثيوبيا اعطت نموذجا صادقا لما يجب ان  يكون عليه الجار ، وربما كانت تنتظر الفرصة المؤاتية لتظهر موقفها الحاسم في مساعدة الشعب الجار لمواجهة قوى الظلام والتخلف من سمت نفسها بالمحاكم الاسلامية وجندت الالاف من الشباب لتنفيذ مشروعها الظلامي على ارض الصومال المبتلاة بالحروب الاهلية منذ خمسة عشر عاما . وسر اهتمامي بالامر غير خافٍ على احد بالتأكيد ، فشعبنا تذبحه الميليشيات المسلحة وتلبس نفس لبوس المحاكم الاسلامية الصومالية ، لكن جيراننا لم يكونوا اثيوبيا ، لم تثيرهم دماء العراقيين المهدورة ، ولم يستفزهم صراخ الارامل والاطفال ، بل انهم قدموا شتى انواع الدعم لزيادة ذلك ، الميليشيات المسلحة في العراق تتلقى المعونات المادية والتسليحية والبشرية ايضا من بعض دول الجوار وزيادة على ذلك الخبراء والخطط والسيارات المعدة او المهيأة للتفخيخ ، فأي جوار عندنا واي جار عند الصوماليين !!! لا نحسد احدا على ما امتلك لكنها تلك هي الحقيقة ، افلا تستحق اثيوبيا الشكر الان ؟ بل انها تستحق ان نقول لها علنا :

شكرا اثيوبيا لانك وقفت الموقف الصحيح في مساعدة جارك الصومال

شكرا اثيوبيا لانك اعطيت النموذج الصحيح لما يجب ان يكون عليه الجار

شكرا اثيوبيا لانك لم تستغلي حاجة الجار لتقوية نفسك

شكرا اثيوبيا لانك لم تتهاوني بالحزم والتصدي

شكرا اثيوبيا لانك فهمت مبكرا ان النار ان اشتعلت فلن يهدا اوارها ان لم تحرق الجميع وخفت على شعبك من ذلك

شكرا اثيوبيا لانك تدحرين الارهاب في مهده

ورغم اني لا اتصور ان الامر في الصومال سينتهي بهذه البساطة وستعود الحياة الى مجاريها الطبيعية لكني ابقى اقول :[/b][/font][/size]
                 

128
عدالة القضية وعدالة المحكمة
[/color]
تحسين المنذري
لا اظن ان هناك  اعدل من قضية  احقاق الجزاء العادل بحق مجرمين اتضحت معالم جرائمهم وثباتها كوضوح الشمس في تموز عراقي  ، ولا اتصور ان شعبا في العالم اجمع وعلى مدى التاريخ عانى ما عاناه العراقييون ابان حكم البعث وصدام تحديدا ، لذلك كان انتظار صدور الاحكام كانتظار ام لوليدها بعد غياب طويل ، فرحة العراقيين جميعا وذوي الضحايا حصرا لا اجد اي كلمات في اللغة يمكن ان تعطي وصفا دقيقا لها بل انها ستكون هي الوصف لافراح الاخرين بعدا او قربا عنها ومنها ، فسيقال فرح فلان بقدر نصف او ثلاثة ارباع فرح العراقيين بصدور الاحكام بحق الطغاة وهكذا سيؤرخ الزمن القادم بانه زمن بعد صدور الاحكام وسيكون للحياة طعما اخر الذ وارقى ، ومهما حاول التكفيريون وبقايا البعث المهزوم ان يدافعوا عن اسيادهم الطغاة فسوف لن يجدوا بدا من الاندحار ، تلك هي عدالة التاريخ ان ترمي في المزابل هؤلاء الاوغاد المجرمين .
ولعل الاحكام التي صدرت اليوم الخامس من تشرين الثاني هي المعيار الامثل لعدالة المستقبل العراقي والرسالة الاوضح للمعمية ابصارهم الى الان ، فهاهو محمد العزاوي البعثي يطلق سراحه ببراءة لانه لم يثبت عليه ما يدينه رغم انه كان بعثيا منتظما في حزب فاق الفاشية والنازية اجراما الا انه تمت تبرئته من التهم المنسوبة اليه ولم يحكم باي شئ لمعتقده الفكري او لانتسابه للبعث وتلك الرسالة الابرز كما اراها اليوم لكل من يشكك بقدرته على التعايش والانسجام مع العراق الجديد لمجرد انه كان بعثيا ، ولم ينل الموت الجميع ، ذلك انه ليس الحل الامثل لانزال العقاب العادل كما كان يفعل المجرم صدام لكل من يشتبه او يشك في ولاءه له بل ان السجن ربما سيكون اصلاحا قصرت او طالت مدته ، فحتى نائب المجرم صدام واعني المجرم طه الجزراوي لم تنله عقوبة الموت بهذه القضية لعدم كفاية الادلة المؤدية للاعدام ، رغم انه جزء من النظام المجرم وحلقة اساسية فيه ، والاعدام العقوبة الامثل لمن ازهق ارواح المائة والاربعين عراقيا بغض النظر عن موقعه او مستواه في منظومة الاجرام التي حكمت العراق لعقود من الزمن ، ان الاحكام اليوم ان هي الا رسالة لكل الخائفين المترددين وحتى بعض المتمردين لكي يراجعوا انفسهم للعودة الى جادة الصواب ففي الافق مازال لهم ضوء.[/b]

129
وقفه صادقة مع قادة الحركة الكردية العراقية
تحسين المنذري

لا يستطيع اثنان اليوم ان يختلفا على حق الكرد او اي من القوميات والاقليات في العيش بكرامة متمتعين بكامل حقوقهم المعنوية والمادية لما طرأ في العالم من تغييرات ايجابية باتجاه اقرار الحقوق المشروعة للشعوب والذي لم يأت بعزل عن نضالات كل القوميات والاقليات التي ابتليت بانظمة غير ديمقراطية في اقل وصف لها غيبت الحقوق الانسانية وعزلت الشعوب عن تاريخها وثقافتها وكل ارثها الحضاري.
ولا اظن ان هناك من ينكر حجم التضحيات التي قدمها الكرد في العراق قادة واحزاب وشعب في سبيل الوصول الى الاهداف السامية التي ناضلوا من اجلها طيلة عقود من الزمن قدموا خلالها القرابين نساءا ورجالا في مختلف الاعمار طالت حتى الاطفال منهم.
ولا احد يستطيع دثر حقيقة المواقف المشرفة للقوى الديمقراطية واليسارية العراقية في مساندة قضية الشعب الكردي العادلة والتي بدأت من رفع الشعار المطالب للكرد بحقوقهم ووصلت حد رفع السلاح جنبا الى جنب مع المقاتلين الكرد واختلط الدم العربي بالكردي ساقيا ربوع كردستان ومخضبا جدران السجون والاقبية الرسمية للسلطات الحكومية المتعاقبة والتي كانت ترفض الاقرار بالحقوق المشروعة للشعب الكردي.
ولم يكن ذلك النضال المشترك الا لاجل عراق موحد ديمقراطي تعددي يكفل الحرية لكل ابناءه في العيش الكريم بغض النظر عن العرق او الدين او الجنس او الطائفة او غيرها من اشكال التمييز المرفوضة انسانيا ، وفي هذا الاطار لم يكن الشعار الذي صاغه الحزب الشيوعي العراقي مع اوائل اندلاع القتال في كردستان في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم ( الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان ) الا تجسيد حقيقي للاهداف المشتركة لكل فئات وطوائف الشعب العراقي ، ذلك الشعار الذي تبنته الحركة القومية الكردية نفسها شعارا لنضالها المرحلي انذاك والذي لا يزال يحتفظ بحيويته الى الان رغم تبدل المطلب الى الفيدرالبية والتي سوف لن تنجز بالكامل الا بترسيخ الديمقراطية الحقيقية في كل العراق كنهج وسلوكية لكل مؤسسات الدولة العراقية.
ولا اظن ان الموضوع بخافٍ على الاخوة قادة الحركة الكردية كافراد او كتشكيلات قيادية لما يتمتعون به من بعد نظر وخبرة في العمل السياسي اكتسبوها نتيجة النضال المرير والطويل على مدى العقود المنصرمة من الزمن وهذا هو الذي جعلني اتوقف عند مواقف الاخوة في قيادات الحركة القومية الكردية منذ سقوط النظام الدكتاتوري الى الان وهي وقفه لا استجدي فيها عطفهم على حركة ما ولا اريد نصرة بها لحزب معين فالكل يعمل وفق امكانياته والكل يكسب وفق فكره وبما تسمح به ظروف العمل السياسي المعقدة في عراق اليوم.
لكني وانسجاما مع تجربة الاخوة الكرد في النضال السابق والحالي والذي يؤكد ان حقوق كردستان واهلها رهن بالتطورات الديمقراطية في العراق عموما وليس في بقعة منه فحسب وليس عند زيد او عمرو من قادته وسياسييه فاني اتساءل عن جدوى التحالفات التي اقامها قادة الاحزاب الكردستانية مع قوى سياسية امتلكت لظروف خاصة جدا زمام المبادرة وقيادة السلطة السياسية في البلد والذي وان حقق للاخوة الكرد بعض المطالب المشروعة لكنه يبقى في جميع الاحوال مكسب قلق قد يتغير بتغير الظروف السياسية السائدة في البلد الان.
وان كان ما اقدم عليه الاخوة الكرد هو شئ من البراغمات المطلوب سياسيا احيانا الا إن المبادئ هي المطلوبة دائما وابدا سيما اذا ما عدنا الى الحقيقة التي اشرنا اليها سابقا بارتباط النضال الكردي بالنضال الديمقراطي والتقدمي لكل الشعب العراقي .
وهنا يقود الامر الى تخيل الحالة التي كانت ستسود لو تحالف الاخوة الكرد في الانتخابات التي جرت مرتين في العراق بعد سقوط الدكتاتورية مع الكتل الديمقراطية واليسارية والعلمانية المتنوعة في الساحة العراقية الان ، الا يعتقد الجميع ان ذلك لوتم لغير الكثير في الخارطة السياسية الحالية القائمة الان ، الم يكن ذلك كفيلا بلجم سياسة المحاصصة الطائفية في توزيع المناصب الرسمية والتي ينال منها الكرد قسطا وفيرا في المناصب السيادية ، كان بامكانهم ان ينالوا ما هو اكثر لو تحالفوا مع تلك القوى الديمقراطية.
الم يكن ذلك اجدى للوطن في تحجيم دور المليشيات المدعومة من قبل احزاب تقود السلطة السياسية الان نالت الدعم من الاحزاب القومية الكردية  وتمتعت بحق الحكم ، الم يكن ذلك التحالف اكثر منفعة للديمقراطية المنشودة لعراق اليوم والمستقبل وترسيخا اكثر للحقوق المكتسبة للشعب الكردي.
لكن ومع الاسف الشديد ان النظرة في اقامة التحالف للاخوة الكرد مع القوى السياسية الاسلامية اقتصر على تحقيق مطالب سوف لن تدوم اذاما استقر الوضع السياسي والامني للقوى حليفة الاكراد الان ، ذلك انها لا تملك عمق النظرة الديمقراطية المخلصة للشعب الكردي في حقه في العيش الكريم وهذا ما يؤكده تاريخ تلك الاحزاب والحركات وقادتها والذين جميعا لم يصدر عنهم يوم ما موقفا مساندا للحركة القومية الكردية سوى بعض التصريحات التي انسجمت مع وضع كانوا يبغون منه تحقيق مطالب انية تتمثل في قبولهم سياسيا عندما كانوا في صفوف المعارضة العراقية سابقا وليس على اساس مبدئي ذو جذر فكري عندها.
ان الاخوة في قيادة الحركة القومية الكردية يتحملون المسؤولية التاريخية عنما يجري في الساحة السياسية العراقية الان امنيا او اقتصاديا او سياسيا او على اي صعيد وذلك من جانبين اثنين اولها انهم قادة يقودون عملية سياسية لبلد باكمله وليس للشعب الكردي فقط وثانيا لانهم اقاموا تلك التحالفات المشوهه .

لقد وصل الامر بتنكر الاخوة الكرد لنضالات القوى السياسية العراقية التي ناضلت جنبها في سنوات عجاف لحد ان السيد جلال الطالباني لم يذكر وهو يلقي خطبتي تسلمه دفة الرئاسة مرتين  مناضلين قدموا حياتهم قربانا لكردستان وللشعب العراقي عندما كان يترحم على بعض من شهداء الشعب العراقي ، فهل كان فعلا لم يتذكر ام انه تناسى عن عمد في اشارة سياسية واضحة المعالم لكنها لاتنم مع الاسف الشديد عن موقف مبدأي يطمئن الاخر .
وايضا وصل الامر بقائد كردي اخر ان يعلن صراحة موافقة الكرد على اقامة فيدراليات تقسيمية في الوسط والجنوب هو يعلم قبل غيره انها لااساس تاريخي او موضوعي لها فقط اراد ان يثبت حق الفيدرالية الكردستانية القائم فعلا والذي لا يحتاج الى مرواغة سياسية لاعلانه ، وحتى وان استند الى الدستور فانه يعلم جيدا انه دستور مشوه سيتغير بتغير موازين القوى وافول نجم القوى السياسية التي فرضت بنوده بارادتها الخاصة وليس بارادة وطنية خالصة.

ان الوقت مازال فيه متسع ليغير الاخوة في القيادات القومية الكردية للكثير من مواقفهم ولكي يحصلوا على مكاسب دائمة تضمن وحدة الشعب والارض في عراق تسودة الحرية والديمقراطية ويتكاتف الجميع لبناءه وليس للحصول على مكاسب انية ضيقة قد تنتهي مع الزمن وتعود العجلة الى الوراء . [/b][/size] [/font]

130
المنبر الحر / بيعوا الفيوم *
« في: 02:30 10/09/2006  »
بيعوا الفيوم *
تحسين المنذري

لعل الذي حدث في جلسة مجلس النواب ليوم 7|9 ليس غريبا على عمل المجلس ، فالتشكيلة غير المتجانسة وتدني الوعي السياسي والديمقراطي عند نسبة غير قليلة من النواب وضعف ادارة الرئاسة وطبيعة شخصية محمود المشهداني غير المتزنة وغير اللائقة لادارة اعمال هكذا مجلس بهذه الاهمية وبهذا الوقت بالذات ، وربما غيرها من العوامل تجعل الذي حدث مألوفا في اجتماعات المجلس السابقة وربما سيحدث في اللاحقة ايضا ، الا ان الذي يستدعي التوقف عنده هو الذي  طُرح في اجتماع المجلس وجعل الهرج والمرج يسود الجلسة ويضطر غير الكفوء محمود المشهداني الى طرد اعلاميي ومصوري الفضائية العراقية وفض اعمال الجلسة الا وهو مشروع قانون الاقاليم الذي طرحه بعض من نواب قائمة الائتلاف ، والذي لم يرشح من محتوياته شئ الى الان وسواء كان ذلك بعلم رئاسة المجلس كما ادعى بعض نواب الائتلاف او بدون علمها كما قال رئيس المجلس فان التساؤل الاكبر يدور حول مدلولات طرح هذا القانون الان ؟ فربما تكون القضية لا اكثر من رد فعل لما قامت به حكومة اقليم كردستان من استبدال العلم العراقي او هي محاولة استعجال من قائمة الائتلاف نفسها لكسب شئ ما قبل فوات الاوان سيما وان المؤشرات صارت كبيرة عن احتمال اسقاط حكومة المالكي او حل البرلمان الحالي او تجميد العمل بالدستور او غيرها من الحلول القاسية انسجاما مع الاوضاع الامنية والاقتصادية المتردية وفي اي من تلك الحالات قد لا تعود قائمة الائتلاف الى تصدر الوضع السياسي ولعب الدور الاكثر تأثيرا في مجريات الامور ، الا ان الراي الذي اميل اليه هو ان طرح قانون الاقاليم الان إن هو الا وصول المشروع السياسي الاسلامي المتصدي للوضع في العراق الان الى قاع الهاوية ، فمنذ ان اقتسمت الاحزاب السياسية الاسلامية ( الشيعية والسنية) كراسي الحكم على طريقة المحاصصة الطائفية ، والوضع السياسي في تدهور مستمر مترافقا مع استشراء ظاهرة الفساد الاداري والمالي وفقدان الامن وتدني الخدمات الى مستوى لم تصل اليه من قبل منذ تأسيس الدولة العراقية وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي لدرجة اثقلت كاهل المواطن لحد قصمه ، وغيرها من المظاهر السلبية العديدة والمتنوعة ، تؤشر مجتمعة الى الفشل الذريع الذي مني ويمنى به مشروع الاسلام السياسي ، مما جعل قيادة الشق الشيعي منه يتراجعون عن مطلب حكم العراق باكمله الى حكم اقاليم منه ، فلو كان عبد العزيز الحكيم ومن وراءه ومن معه لهم اليد المطلقة في حكم العراق باكمله لما طرحوا فكرة الاقاليم ففي ذلك تقليص لمساحة حكمهم  وحد من طموح الدكتاتورية المطلقة التي تحكم عراقا موحدا .

ان ما يحدث الان ذكرني بمشهد من مسلسل تلفزيوني عنوانه مدير المديرية كان مأخوذا عن رواية المفتش العام لغوغول حيث يجمع المدير موظفيه السراق والمرتشين بعد ان انكشف امرهم ويخاطبهم : خذوا اي حاجة بيعوا اي شئ بيعوا الرصيف بيعوا الفيوم .

* الفيوم اسم محافظة مصرية افترضت المسلسلة ان الاحداث تدور فيها .[/b][/size][/font]

131

تحسين المنذري

تناقلت الاخبار محاولة السيد ابراهيم الجعفري تشكيل حزب جديد باسم (حزب الدعوة الديمقراطي)يضم الى جانبه نخبا من الذين تركوا العمل في حزب الدعوة او مجمل الحركة الاسلامية العراقية ، على ان يتحالف لاحقا مع التيار الصدري وبعض الشخصيات الاسلامية المستقلة لتشكيل جبهة بديلة او مضادة لتحالف الائتلاف العراقي الموحد ، ومبشرا بقرب سقوط حكومة المالكي وحل البرلمان الحالي ، هذا وقد اخذ السيد الجعفري الضوء الاخضر من عمائم ايران ومن مرجعية النجف التي صار يروج لها على انها لا تبغي حكم ولاية الفقيه ولا استنساخ التجربة الايرانية ، وسواء تم ذلك للجعفري ام لم يتم ، صح الخبر ام لم يصح ، فأني ارى ان استباق الحدث شئ مهم والوقوف بوجه هكذا محاولة ضروري جدا ، وليس انتظار القادم من الاحداث والايام والتي قد تشهد ولادة هذا الحزب وربما ترسخه اكثر من غيره من الاحزاب الاسلامية.

والحقيقة فأن المحللين السياسيين والمتابعين للشأن العراقي والعارفين بشخصية الجعفري وحزب الدعوة الاسلامية لايستبعدون تماما هذا الحدث ، ذلك ان الفشل الذريع الذي منيت به حكومتي الائتلاف وما آلت اليه الامور من تدهور على مختلف الاصعدة ، وتصاعد حدة الخلافات بين مكونات القائمة ووصوله لحد المواجهة المسلحة – في البصرة مثلا- وغيرها مؤشرات لاحتمال اصطفافات جديدة داخل القائمة خاصة بعد ان تبنى السيد نوري المالكي –رئيس الوزراء –مطلب حل المليشيات .
كما ان حب السلطة والجاه الذي ابداه السيد الجعفري اثناء توليه منصب رئيس الوزراء وخلال ترشحه ثانية لشغل نفس المنصب لحد الاستماتة تجعل من احتمال سعيه للعودة الى الواجهة ممكنا جدا ، وايضا فأن الانشقاق داخل حزب الدعوة الاسلامية ليس مستبعدا لما عرف عن الحزب منذ تأسيسه للآن بكثرة انشطاراته الاميبية ولا سيما في فترة تولي الجعفري لقيادته .....
اذاً من كل ذلك فإن احتمال ان يكون الخبر صحيحا امر وارد جدا  .... لكن السؤال المهم ماهي الاهداف التي يبتغيها السيد الجعفري من محاولته هذه وهل هو لوحده في هذه المهمة ام معه اخرين ؟

وابدأ بالاجابة من الشطر الثاني للسؤال ....فبعد ان فقد الجعفري كل بريقه خلال فترة توليه لرئاسة الحكومة لما بدا منه من محاولة تكريس نفسه دكتاتورا وظهور فشله الاداري في السيطرة وفرض خطه معينة وضعفه في اتخاذ القرارات الحاسمة ، وايضا محاولاته في استمالة العشائر واستقبال روؤساءها واغداق الهدايا عليهم لم تذكر الناس الا بصدام جديد اخر ، كما انه بدأ فترة حكمه مغازلا قوى قومية رجعية حينما ترحم على حفصة العمري متنكرا لقوى سياسية عمل معها في المعارضة وكانت له بها لقاءات عمل وعمل معها في مجلس الحكم والوزارة الاولى واستغل اكثر من مناسبة لغمز طرفها بهذا القدر او ذاك ... اضافة الى حجم الخروقات الادارية وتعمق ظاهرة الفساد الاداري والمالي في مختلف مؤسسات الدولة العراقية والتي لم يحرك ساكنا للحد منها او ملاحقة المتهمين بها ، وكذلك هروبه المتكرر الى خارج البلاد كلما اشتدت المواجهات مع قوى الارهاب ( في تلعفر مثلا) وايضا عدم التزامه ببرنامج حكومته وتنصله عن اتفاقات له مع قوى سياسية اخرى فاعلة في البلد .
لكل هذا وذاك وربما غيرها تجعل من الجعفري شخصا غير مرغوب فيه لتولي سلطة او تحالف ، لكنه هناك من وراءه ، هناك مرجعية النجف التي يدفع الشعب العراقي ثمن فتواها في دعم وانتخاب قائمة الائتلاف والتي تحاول تجميل صورتها بأي شكل دون ان تتراجع عما قالت ...
وهناك المتضررين من المالكي ممن استبعدوا عن مناصبهم ، وهناك من افتضح امر فسادهم المالي والاداري ، وايضا هناك من تُهدد ميليشياتهم بالحل وضياع سطوتهم المسلحة ، واخيرا هناك ايران التي تريد استمرار نفوذها لاعبا اساسيا في الشأن العراقي .

وما من هدف اسمى لدى الجعفري واعوانه سوى استمرار المشروع السياسي الشيعي – الطائفي في الحكم حيث ان استمرار التدهور كما هو الان قد يفضي الى نهاية مأساوية للمشروع السياسي قد لاينهض بعدها دهرا ، وعليه فإن محاولة الجعفري هذه يراد لها ان تكون انتفاضة من الداخل فتلك خير من الانقضاض الذي قد يأتي من خارج قائمة الائتلاف ، فلعله يستطيع ان يمد بعمر المشروع الشيعي لفترة اخرى من الزمن ، وايضا فان انسحابه من ترشيح نفسه لرئاسة وزارة ثانية قد حدث كما يبدو رغما عنه وستبقى غصة في صدره ما حيا ولن تنتهي الا اذا عاد الى دفة الحكم بسطوة اكبر ...

اما فكرة الديمقراطي في حزب دعوة الجعفري فهي زيف لا ينطلي على احد ، فالاسلام السياسي يرفض الديمقراطية فكرا وتجارب حكمه اثبتت وتثبت ان قوى الاسلام السياسي ابعد ما تكون عن الديمقراطية فكرا وتطبيقا ، بل ان الجعفري نفسه رفض مرة في ندوة عامة بمدينة مالمو السويدية وعلنا ان يلفظ كلمة الديمقراطية وقال انا لا اسميها هكذا ، انا اسميها ربما شورى او سماح بقسط من الحرية او اي شئ اخر ، وسموها انتم ما شئتم اما انا فلا ، ربما استفيد من إلياتها نعم ، لكن كمبدأ فلا .....

فهل يعقل ان السيد الجعفري قد تغير لهذا الحد ؟ ربما فلله في خلقه شؤون .[/b][/size][/font]

 

132
المنبر الحر / يملك الحل؟
« في: 05:46 14/07/2006  »
يملك الحل؟

تحسين المنذري
ما عاد الدم العراقي يجري في الاوردة والشرايين البشرية ، ما عاد هناك قلب يضخه واجهزة تتلقفه ، لقد صارت الشوارع مجارِ للدم العراقي ، امست الحيطان لوحات مصبوغة بالدم ، صار الدم مسفوحا في كل مكان بدءأ من السجون والاقبية  العلنية منها والسرية وصولا الى اعلى نجمة في السماء ، وصارت ادوات ضخه متنوعة تنوع وسائل الابادة البشرية بدءا من المسدس والبندقية مرورا بالمفخخات والاحزمة الناسفة والقنابل الموقوته والهاونات وليس انتهاءا بتصريحات الرؤوس المعممة او الحاسرة بل وحتى الخاوية من اي مبدأ او فكر الا القتل ولا شئ غير القتل حتى ولو للقتل،  تسلية او ملهاة ، وصار صراخ الامهات الثكالى والاطفال اليتامى والشابات الارامل اعلى حتى من اصوات المؤذنين ونواقيس الكنائس ، ولكن لا من مجيب ، فلا الخطط الامنية اجدت نفعا ، ومبادرة المصالحة ولدت مشوهة ،الموت  اقرب اليها من الحياة ، تصريحات السياسين صارت تهما متبادلة وشتائم علنية  وربما بها اشارات ايعازية للارهابيين ، سياسيو الدول الكبرى المعنية في الشأن العراقي وممثلي دول الجوار لايهمهم ما يجري ويتنصلون علنا من النار التي اشعلوها  ، والامم المتحدة بدءأ من امينها العام حتى اصغر موظفيها رحّلوا العراق وشعبه الى كوكب اخر وارتاحوا من همومه وتمتعوا بعطلهم الصيفية في ارقى منتجعات الاستجمام  ، بالمختصر لم يبق لنا امل باحد ، لم يعد يجد معنا نفعا كل من يدعي تقديم المساعدة او العون ، لم يبق لنا سوى انفسنا ، ما تبقى لنا من قدرات ، ما نملك من حناجر حتى لو كانت مبحوحة ، لنجمع انفسنا عراقيين لا غير العراقيين ولنصرخ بوجه الجميع ، اوقفوا الدم اوقفوا الهذيان وابدأوا العمل ، لكن اي عمل وكيف؟ هذا ما اريد قوله بعد كل هذه المقدمة المملة او غير المجدية او سموها ما شئتم . ان الحل كل الحل كما ارى صار بيد المجتمع الدولي الباحث عن الامن والامان ، بيد القوى المحبة للسلام ، عند من يريد اسعاد البشرية وتخليصها من الحروب وويلاتها ، واني رغم ما قلت عن الامم المتحدة ما زلت ارى فيها املا وملاذا اخير بيدها الحل والعقد وعندها القرار الاخير وهنا ادعوها الى تبني القضية العراقية من جديد ، اتمنى عليها ان تقرر ايقاف العملية السياسية المهزلة الجارية في البلد ، اريد منها ان تنحي كل السياسيين المدعين والمتصدين للوضع الحالي ، اطالبها ان تأتينا بمن يستطيع ان يمسك زمام الامور ويقرر فعلا لا قولا حل المليشيات ويشرع قانونا جديدا للاحزاب والمنظمات يمنع علنا كل حزب او جمعية او منظمة تقوم على اساس ديني او طائفي او مناطقي ويحرم كل رموز الارهاب القدامى والجدد من دخول العملية السياسية الجديدة ، ولابد لها ان تشرع قانونا يمنع رجال الدين ونساءه من ان يتدخلوا في السياسة تنظيما او تصريحا او حتى تلميحا ، واخيرا على الامم المتحدة ان تلزم اعضاءها وفق البند السابع من ميثاقها ان ينفذوا التزاماتهم بالاعمار واعادة بناء الاقتصاد العراقي المخرب ، وربما هناك اشياء اخر تأتي بها عقول نيرة تعيد لنا اهلنا ، تعيد لنا وطننا ، تعيد لنا ارضا اسمها العراق ، فذلك كل ما نريد.[/b]

133
اليسار: انتصارات ... وكبوات
تحسين المنذري

في وقت يشهد العالم صعودا تدريجيا لليسار في مختلف بقاعه ، فأن اليسار العربي وفي منطفة الشرق الاوسط مازال يعاني مصاعبا جمة تعيق عملية النهوض المنشودة ..... لقد انتصر اليسار في عدة بلدان من اميركا اللاتينية ، وهو يحكم الان في بولونيا وبلغاريا وتوحدت احزاب اليسار الدانماركي في حركة واحدة ، وانتصر اليسار الفرنسي على اليمين الحاكم في معركة قانون العمل ، وهاهو تحالف اليسار - الوسط يمسك الان دفة الحكم في ايطاليا .... بالمقابل فأن اليسار العربي وفي منطقة الشرق الاوسط تحديدا لم يستطع ان يستثمر كل تاريخه العظيم في مناهضة الاستبداد والمشاريع الامبريالية ، ومناصرة قضايا الشعوب ، ولم يتمكن من العودة الى الريادة في العمل الجماهيري ، وابرز مؤشر لذلك الانتخابات البرلمانية في فلسطين والعراق.

فقد اثار فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية وقبلها القوى الدينية العراقية في الانتخابات البرلمانية على حساب القوى اللبرالية والعلمانية واليسارية عموما ، الكثير من علامات الاستفهام والتعجب ، فحماس الحركة الحديثة التكوين قياسا بالحركات العلمانية اليسارية تحديدا قفزت على جواد الانتفاضة الفلسطينية الجامح وتصدت للوضع الفلسطيني بطريقة العنف والعنف المضاد ، لاتملك البرنامج السياسي الاشمل لحل واقعي للقضية الفلسطينية ، في حين ان القوى الاكثر تجذرا في الساحة الفلسطينية والتي بدأت وقادت الانتفاضة لم تستطع ان تجاري التيار الجارف لحركة القوى الدينية الفلسطينية رغم امتلاكها الخلفية التاريخية والبرنامج السياسي الواقعي وارث النضال المسلح والسلمي ضد الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية . وكذا الحال مع القوى الدينية العراقية التي فازت في الانتخابات العراقية مرتين وخلال عام واحد  ،لم يكن اغلبها ذو تأثير سياسي داخل العراق فبعضها تشكل خارج العراق (ايران تحديدا) والاخر تشكل بعد سقوط النظام الدكتاتوري ، كما ان برامجها السياسية التي طرحتها وبرامجها الانتخابية لم تحمل المشروع الوطني بقدر تركيزها على الهوية الطائفية (سواءا كانت شيعية ام سنية) مقابل القوى العلمانية الليبرالية واليسارية التي امتلكت تأريخا نضاليا حافلا في مقارعة الانظمة الرجعية والدكتاتورية المتعاقبة على حكم العراق اضافة الى برامجها السياسية الاكثر ملائمة للواقع العراقي الحالي .

ورغم الاختلافات البينة بين الوضعين العراقي والفلسطيني الا ان هناك ثوابتا مشتركة وخلفيات سياسية متقاربة يمكن على ضوءها دراسة الظروف التي ادت الى هذا الفوز والتصدي السياسي للقوى الدينية - السلفية في كلي البلدين والمنطقة عموما اذا ما نظرنا الى النجاح الذي حققه الاخوان المسلمون في مصر في الانتخابات التشريعية الاخيرة.

-لاشك ان للفكر الديني ارضية خصبة في واقع بلدان المنطقة نتيجة عوامل عدة لعل اهمها ظهوره الاول وقدم تواجده في المنطقة اضافة الى وجود رموز تتعلق بنشأة الفكر الديني وتطوره مثل بيت المقدس وقبور الكثير من قادته وزعماءه التاريخين وكذلك الدور الاصلاحي الاجتماعي الذي يقوم به رجالات الدين منذ القدم والى الان مما سهل لقوى الاسلام السياسي عملية احتواء الجماهير تحت يافطات الفكر الديني بما تقدمه من حلول سهلة الفهم لاغلب مستعصيات الجماهير لكنها طوباوية غير واقعية ، وايضا تأجيل حل الاكثر صعوبة منها الى الغيب المطلق مما يجعل الجماهير تتعلق بأمل النهوض القادم من خلال القوى السياسية الاسلامية.

- استفادت التنظيمات السياسية الاسلامية من كل اساليب عمل وتنظيم القوى السياسية التي سبقتها (يسارية ويمينية) في تنظيم الجماهير وقيادتها وفي بناء التنظيم الحزبي الداخلي ، واستوعبت دروس النجاح والفشل التي رافقت سابقاتها من الاحزاب السياسية بمختلف مشاربها.

- تمتلك الجماهير في عموم المنطقة العربية موقفا مناهضا لقوى الاستعمار القديم ولامتداداته الحديثة المتمثلة بالدول الرأسمالية الكبرى ، والذي لم يأت هذا الموقف بمعزل عن نضال قوى اليسار المحلي والعالمي التي كانت المتصدي الاول للمشاريع الامبريالية بمختلف اشكالها سياسية ام اقتصادية ، مما ولد ارضية فكرية قوية عند عموم الجماهير لمناهضة الامبريالية وخصوصا الاميركية لوقوفها العلني ضد تطلعات تلك الجماهير ومساندتها للمحتل الاسرائيلي وبقية الانظمة الرجعية في المنطقة.

- ان الموقف الجماهيري هذا لم يرتق بأية حال الى اعتناق الفكر اليساري كمنبر اوحد لمناهضة المشاريع الامبريالية ، بل ان مشاربه متنوعة وقاعدة عدو العدو صديق تكاد تكون الاقرب الى تحديد النوازع السياسية لحركة الجماهير الشعبية غير الواعية سياسيا بالقدر الكافي ... ففي حين كان الاتحاد السوفيتي وبقية منظومة الدول الاشتراكية والحركات اليسارية عالميا هي الصديق الاوفى عند عموم الجماهير تلك لمناهضتها المشاريع الامبريالية عموما والاميركية تحديدا ، انقلبت تلك الجماهير الى التمسك بمثل الدين الاسلامي بعد ما توجهت الاجهزة الاميركية بالعداء لفكر الدين الاسلامي بعيد انهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة البلدان الاشتراكية وما رافق ذلك من تراجع حاد في فكر وجماهيرية اليسار العالمي والمحلي

- حصلت قوى الاسلام السياسي على دعم معنوي وسياسي واحيانا مادي ( افغانستان نموذجا) من لدن البلدان الامبريالية وخصوصا اميركا ومن حلفاءها الانظمة الرجعية في المنطقة لتقوية شوكة تلك التنظيمات كمد جماهيري مقابل لقوة وجماهيرية اليسار الذي يمتلك تحالفات وامتدادات عالمية مع قوى التحرر الوطني وبلدان المنظومة الاشتراكية.

- لاقت قوى اليسار المحلي منذ بدء تشكيلها صعوبات جمة تتمثل في المقدمة منها محاربة الانظمة الرجعية لتلك القوى وقمعها واستخدام العنف السياسي كأسلوب للحد من تحركها الجماهيري .

- استثمرت القوى الدينية والرجعية الاخرى التحليل المادي للماركسية ، شر استثمار واستطاعت ان تشوه صورة اليسار وان تستثير الكوامن الروحية عند عامة الشعب في موقف مزدوج مناهض لليسار ومؤيد لها (القوى الدينية ) في آن واحد.

- تبني بعض الانظمة والقوى السياسية البرجوازية لشعارات يسارية وتشويه تطبيقها والقيام بممارسات خاطئة وصلت حد قمع القوى السياسية الاخرى بما فيها اليسار نفسه مما عكس صورة مشوهة عن حقيقة اليسار .

- انغلاق قوى اليسار على شعارات محددة ربما لا يلاءم بعضها واقع الحال لكنها تكفل لها التشابه امميا مع الاحزاب الحاكمة في البلدان الاشتراكية وبعض حركات اليسار العالمي مما اصابها احيانا بعزلة عن الجماهير .

- انهيار الاتحاد السوفيتي وانظمة البلدان الاشتراكية الاخرى مما انعكس سلبا على وضع اليسار عالميا وعزوف الجماهير عن تأييده بحجة فشل التجربة نهائيا ، وكذلك ادى الانهيار الى غياب المثل المتقدم لليسار نفسه.

 

لكن رغم هذا التراجع في قوة اليسار فأن اميركا وحلفائها التقليديين لم ينسوا يوما الحركات اليسارية كعدو دائم لما يحمله فكر اليسار من بديل مكافئ للفكر الامبريالي ولما يطرحة من برنامج اقتصادي بديل يكفل حل اغلب مشاكل الجماهير ويضمن التفافها حوله فأستمرت اميركا مثلا في محاربة الحركات اليسارية في امريكا اللاتينية ودعم الانظمة المناهضة لليسار ، وليس غريبا ان تظهر اصوات في البرلمان الاوربي تدعو الى اجتثاث الشيوعية في اوربا على طريقة اجتثاث النازية التي ظهرت كقانون بعيد الحرب العالمية الثانية .

ان انتصارات اليسارالمشار اليها انفا تعطي بالتأكيد الدعم المعنوي لحركات اليسار العالمية الاخرى ومنها حركات واحزاب اليسار في المنطقة العربية ودول الجواروالتي لابد لها من الاستفادة من تجاربها وتجارب الاخرين لمعالجة الازمة الراهنة التي تمر بها ، ان ذلك يتطلب :

-ان تشخص قوى اليسار مهامها المحلية بصورة دقيقة وترسم البرامج المناسبة لمعالجتها حتى وان اختلفت تلك المهام من بلد لاخر

- العودة الى تحفيز الجماهير وتثويرها عن طريق تشخيص مشاكلها ورسم شعارات مطاليبها والقيام بتحركات جماهيرية تقودها احزاب اليسار نفسها مثل الاضرابات والمظاهرات ورسائل الاحتجاج حتى وان بدأت صغيرة او ضعيفة

- تحديث الخطاب السياسي لليسار بما يلائم المستجدات العلمية والسياسية العالمية

- ضرورة اعلان موقف واضح وصريح من الدين والتركيز على العلمانية وتطبيقاتها كنظام للدولة الحديثة وبث شروحات واضحة عن حقيقة العلمانية تستطيع الجماهير هضمها وفهمها.

- الاستفادة من هامش الديمقراطية او من الديمقراطية الناشئة في بعض بلدان المنطقة والمساهمة الفاعلة في العملية السياسية بمختلف اشكالها المتاحة لكي لا يصاب اليسار بعزلة عن الجماهير من ناحية ومن ناحية اخرى ان تلك المساهمة ستدرب كادرا متمكنا يستطيع النهوض بالمهام الجديدة واستيعاب التطورات التي تحصل لاحقا.

- عقد لقاءات او مؤتمرات فكرية سياسية لاحزاب وحركات اليسار في المنطقة لمناقشة المهام والطروحات الفكرية الجديدة وتحديد سمات المرحلة واهدافها السياسية على ان تُحترم خصوصية كل بلد وايلاء الثقة بالبرنامج المطروح من قبل الحزب اليساري المعني بذلك

- تأسيس معاهد تنظم دورات تثقيفية لكوادر واعضاء الاحزاب اليسارية في المنطقة وتقديم الدراسات المتخصصة في شؤون الفكر اليساري وان استدعت تلك العملية استقدام اساتذة ومحاضرين من خارج بلدان المنطقة.

 

ان الماركسية مازالت فكرا ثرا يمكن الاستفادة منه وتطويره،وان ارضية تحرك اليسار مازالت خصبة في كل بلدان المنطقة ولابد للاحزاب اليسارية استثمار ذلك لكي تحول ماجرى لها من تراجعات الى الان الى كبوة والا فأنها سوف تتحول الى هزيمة يصعب معها العودة الى كامل عافية اليسار المعهودة.[/b][/size][/font]

134
المنبر الحر / لا عنف
« في: 14:55 28/05/2006  »
لا عنف

في ظل دوامة العنف والعنف المضاد ، حيث التهجير والغاء الاخر والتفرقة الطائفية والعنصرية ، وحيث تصول المليشيات المسلحة وتجول دون اي رادع ، واذ بات القتل على الهوية ابرز سمات الوضع ، يتداعى عراقيون يحدوهم الامل بوطن امن مستقر ، ارعبهم الموت المجاني ، وقض مضاجعهم العنف ولا من ضوء في النفق ، فقرروا ان يشعلوا شمعة هي كل ما يملكون يحدوهم الامل ان  تكون البداية لمصابيح تنير دروب الاجيال ، انهم منتمين ولا منتمين ، يمثلون اطيافا شتى ، هم عراقيون قبل كل شئ ، اعضاء في منظمات المجتمع المدني ، اتحادات طلابية وشبابية ، منظمات تمثل اديان وطوائف من صميم العراق ، اضافة الى احزاب سياسية ، ليعلنوا اسبوع (لا عنف )يبدأ من السابع والعشرين من ايار وينتهي في الثاني من حزيران.

سيتم توزيع الملصق والبيان المرفقين في مختلف المناطق العراقية ، في المدارس والجامعات، في الحسينيات والجوامع، في الشوارع والمقاهي  ، في الاسواق والاماكن العامة ، وفي كل مكان تطاله اياديهم النظيفة ، في كل محافظات العراق وفي المناطق الاكثر سخونة على وحه الخصوص .

كل ما يحتاجوه هو الدعم الاعلامي والمؤازرة المعنوية ، لنسلط الضوء في الكلمة والملصق والشعار على ثقافة اللاعنف.

موقع جماعة لا عنف
www.laonf.org

وللمراسلة على البريد الالكتروني التالي
info@laonf.org[/b][/size][/font]

135
رد على بيان مدرسة الخالصي في الكاظمية
تحسين المنذري

ونحن في غمرة فجعية فقدان عزيزين من عائلتنا هما الشهيدان محسن واياد المنذري على ايدي الارهابيين المجرمين فوجئنا ببيان للمدرسة الخالصية في الكاظمية ينسب الشهيدين اليها ومتهما قوات الاحتلال واعوانهم كما سمى ذلك بتنفيذ تلك الجريمة البشعة نشر على صفحة ايلاف بتاريخ 14ايار2006 وكم كان بودنا لو اقتصر البيان على عبارات التعزية والاستنكار المعتادة في هكذا حالات والا يحاول المتاجرة بارواح الابرياء وادعاء ما ليس لهم به حق.

صحيح ان عمهما السيد سليم المنذري هو من اتباع المدرسة الخالصية في الكاظمية وليس منذ الان بل منذ ما يزيد على العقود الاربعة ومهما كانت مكانته في المدرسة فأن ذلك لايبرر تبعية الشهيدين للمدرسة ولا انتماءهما لتيارها الفكري او السياسي بل هما كانا يتمتعان بكامل الاستقلالية ولم يرتبطا بأي جهة كانت دينية او سياسية وعلى مدى عمريهما القصيرين وان كانا متدينان فأن ذلك لا يعني بأي حال تبعيتهما للمدرسة الخالصية ، وان كانت التبعية بالقرابة او بالوراثة فأن والدهما الحاج جميل المنذري  ويتذكر جيدا الشيخ جواد الخالصي كان قد ارسل له رسالة عام 2003 بعيد وضوح الخط الذي سار عليه الشيخ جواد يستنكر عليه ذلك ويعلن عدم استعداده للتعاون مع الشيخ ومدرسته ماداموا ينتهجون نهج التحالف مع القوى التكفيرية وبقايا البعثيين المهزومين ، فلماذا لم يكن ابنيه على نهجه وليس على نهج عمهما ان كان لصلة القربى اي تاثير بالتوجه والانتماء ، الا انهما واؤكد ذلك ثانية لم يكن لهما اي صلة بنهج الخالصي ومدرسته ، ان كل همهما كان بناء اسرتيهما وتوفير لقمة العيش الشريفة وتربية نفسيهما واولادهم على الطريق الصحيح طريق الخير والشرف والكرامة .

ان من قام بعملية الاغتيال الدنيئة ان هم الا حلفاء الشيخ جواد الخالصي  بقايا البعث والتكفيريون الممسوخي الانسانية اشباه البشر وان  الاحتلال يتحمل مسؤولية الحفاظ على ارواحهما كأفراد من الشعب الذي استباح الاحتلال وطنه وتركه مفتوحا امام  قوى الشر تصول وتجول وتقتل وتستبيح الحرمات بأبشع صورة لم يشهد لها التاريخ مثيلا ولا يجرؤ على افعالهم الا من كانت له اسبقية بالجريمة وارثا   خبرة المقابر الجماعية وقتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق ، كما ان الشهيدين لم يتلقيا اي تهديد مسبق بالقتل كل الذي حدث ان التكفيرين وزعوا بيانا بتاريخ 10|5|2006 يعلنون فيه ان منطقة العامرية قد تحولت الى امارة اسلامية تحكم من قبلهم بتوجيه من جماعة التوحيد والهجرة وينذرون الناس الامنين الابرياء سكان العامرية ممن لا ينتمون لهم بالمغادرة او القتل ولم يكن الشهيدان او اي من افراد عائلتهم على علم بذلك (وهذا دليل على اعتزال العائلة كلها الحياة العامة طلبا للسلامة) والا لكان للموضوع شئنا اخر ربما الانتقال النهائي اوالمؤقت من منطقة العامرية كلهاوليس الوقوف بوجه مجرمين عتاة غادرت قلوبهم المشاعر الانسانية وتحولوا الى قتلة اوغاد لا قيمة للانسان في حساباتهم .

اننا اذ نعلن ما قلناه للناس تبيانا للحقيقة فأننا نطالب الشيخ الخالصي بسحب بيانه والاعتذار لنا عن الاساءة التي الحقها بالشهيدين امانة للتاريخ وحفظا للامانة.

عن عائلة الشهيدين
خالهما     
تحسين المنذري
16|5|2006[/b][/size][/font]

136
ماجدوى اشتراك القائمة العراقية في الحكومة ؟
تحسين المنذري

تنحى الجعفري وكُلِّف المالكي ، عملية تبدو وكأنها مفتاح لازمة سياسية رافقت تشكيل الحكومة العراقية للسنوات الاربع القادمة ، تمثل المطلب الرئيسي فيها بتشكيل حكومة وحدة وطنية تراعي الاستحقاقات الوطنية ولاتنسى الاستحقاقات الانتخابية ، ومنذ الوهلة الاولى بدت على السيد المالكي ملامح الجدية في الاستجابة لذلك المطلب الوطني الهام ، واطلق فيما بعد هو ومساعدوه التصريحات الرنانة المفرطة في التفاؤل بتشكيل تلك الحكومة المنشودة ، وسرت عدوى التفاؤل لممثلي بعض القوائم المشاركة في العملية السياسية لحد التصريح بأعطاء خمسة وزارات الى القائمة العراقية احداها الدفاع !!ورغم اني اشكك  في مدى واقعية مثل هذا الافتراض الا انني سوف افترض صحته مائة بالمائة واتساءل عن جدوى هذا الاشتراك ؟

من المؤكد ان قائمة الائتلاف ستحظى بأكثرية المقاعد الوزارية كما هي القائمة الاكثر تعدادا في البرلمان اضافة الى ان رئيس الوزراء منها ايضا وتلك بديهيه برلمانية لا خلاف عليها، اي انها بالمختصر لديها الامتيازات الاكبر داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية  اضافة الى امتلاكها تحالفات مع هذه الكتلة او تلك

وقتية او دائمية ، بمعنى انها تستطيع تمرير ما تريد من قرارات وقوانين ان ارادت ذلك ،وايضا اثبتت تجربة الحقبة المنصرمة للقوائم التي عملت مع الائتلاف ان ممثليها في الحكم لم يكونوا اوفياء بما وعدوا ولم يلتزموا بقواعد العمل التي أُتفق عليها ، والان وان تغيرت الاسماء فأن النهج هو نفسه والانتماء واحد ولا اظن ان في الامر تغيير هام سيما اذا تذكرنا ان اولويات قائمة الائتلاف تختلف مع اولويات قوائم اخرى منها العراقية . وهنا لابد من الاجابة على تساؤل هام الا وهو البرنامج الذي سيتفق عليه للعمل مع الحكومة الجديدة وهل هناك من اليات لتنفيذه او لمحاسبة المسبب في التقصير؟ ان من ابرز الاولويات هو الوضع الامني كما هو ظاهر للجميع والذي فشلت قائمة الائتلاف في احداث اي تغيير نوعي او اي تحسن فيه خلال حقبة حكمها المنصرمة لسبب واضح للجميع والذي هو اعتمادها التمييز الطائفي في التعامل مع هذا الملف الحساس والذي ظهر للعيان من خلال فضائح عدة لعل ابرزها قبو الجادرية والذي لم يتكشف عنه اي شئ للان اضافة الى عدم محاسبتها للمليشيات الشيعية حول اي من جرائمها التي اقترفتها بحق المواطنين العُزّل في الجنوب او في المناطق الاخرى من البلد ، الى جانب ملفات اخرى لاتقل حساسية عن الامن منها الوضع الاقتصادي المتردي وفضيحة سرقة النفط والتي اضطرت الامم المتحدة الى الطلب علنا من الحكومة العراقية وضع عدادات على فوهات التصدير ولم تفعل حكومة الجعفري اي شئ بصدد ذلك ، اي بالمختصر كل ذاك وغيره ملفات تمس قائمة الائتلاف في الصميم ، فكيف سيتم التعامل مع هذه وتلك من القضايا الساخنة؟ هل سيكون السكوت ثمنا لاستمرار الحكومة بعملها واحتفاظ الوزراء بمناصبهم ام ستكون المواجهة التي قد تقضي على مستقبل الحكومة ؟ 

وهناك ايضا مسألة هامة تتعلق بالقائمة العراقية بالذات الا وهي اساس تشكيل القائمة مقارنة بالقوائم الاخرى فمن المعروف ان قائمتي الائتلاف والتوافق قامتا على اساس طائفي وقائمة التحالف الكردستاني قامت على اساس قومي في حين ان القائمة العراقية لم تقم على اي من تلك الاسس بل انها اعتمدت مبدأ الوطنية القائم على اساس ليبرالي عام واسع الاطياف ، اي ان هناك خلاف فكري في منظومة التشكيل الاساسي للقوائم ، فكيف سيتم الحسم وعلى اي اساس ؟ سؤال اظنه بحاجة الى اجابة شافية.

من كل ذلك يتضح ان بقاء القائمة العراقية خارج التشكيلة الحكومية اجدى وانفع سيما اذا ما استطاعت ان تكون في موقع المعارضة البنّاء الناقد لكل ما هو سلبي والذي يطرح البديل الايجابي لاي من القضايا المطروحة او التي ستطرح على جدول عمل الحكومة القادمة . والا فأن اشتراكها سيوقعها في الكثير من الاشكاليات والتي قد تصل لحد التوريط في امور لا تستطيع ان تفعل القائمة العراقية لها شيئا الا انها تُحسب عليها كونها مشارك في الحكم .

يبقى شئ اخير هو ان اشتركت القائمة العراقية بممثلين لها في الحكومة فلا بد ان يكونوا على قدر المسؤولية المناطة بهم الى جانب تمتعهم بالشفافية في كل مفاصل العمل الحكومي اللاحق ، اي ان يقوموا بأطلاع الناس على كل صغيرة وكبيرة بطريقة بناءة وصحيحة خدمة للعملية السياسية والتنموية ولمستقبل القائمة نفسها ولسيا سييها ومستقبلهم. [/b] [/size] [/font]

137
المنبر السياسي / عُقدة الجعفري
« في: 15:48 08/04/2006  »
عُقدة الجعفري
تحسين المنذري

مازال الوضع السياسي العراقي في مرحلة من الاستعصاء الصعب بعد المطالبات الملحة من قبل اغلب ممثلي القوائم الاتنخابية بتغيير السيد الجعفري كمرشح لرئاسة الوزارة المقبلة يقابله تعنت شرس ُيظهره الجعفري في التمسك برئاسة الجكومة وبين هذا وذاك يتحمل المواطن العراقي نتائجا ماساوية تتصاعد حدتها يوما بعد يوم ، ولا هناك من بريق امل يلوح في الافق الى الان.
ولهذه المعضلة عدة ابعاد ربما يقف في المقدمة منها تساؤلٌ مشروع هو: ان قبلت القوائم الانتخابية بنتائج الانتخابات فلماذا لا تقبل بمرشح القائمة الفائزة وتنهي هذا الاحتقان ؟ وللاجابة على هذا التساؤل لابد من التطرق الى موضوعة حكومة الوحدة الوطنية كحل للتأزم الذي اعقب اعلان نتائج الانتخابات وكنتيجة للوضع المتدهور على الساحة  العراقية والذي يفرض على القوى السياسية اللجوء الى تشكيل حكومة وحدة وطنية كحل امثل في مثل هكذا ظروف على ان يكون المقصود من حكومة الوحدة الوطنية هو ان تلتزم ببرنامج وطني يحوي حلولا وتصورات تشارك جميع القوى الوطنية بوضعها لا ان تكون حكومة توزيع مناصب على القوى الفائزة فحسب.
 ومن هذا المنطلق الذي وافقت عليه حتى قائمة الائتلاف العراقي الموحد التي فازت بالاكثرية في الانتخابات ، يصبح الحديث عن شخصية رئيس الوزراء من حيث مدى قبوله او عدمه شئ مهم لكي تستطيع القوى السياسية المشاركة في الحكومة من التعامل بأطمئنان على برامجها  او حلولها وتصوراتها التي اقترحتها .
ولان الجعفري ذو تجربة سابقة في رئاسة الوزارة امتدت لعام تقريبا اثبت خلالها فشله الذريع في ادارة دفة الحكم وتنصله من تنفيذ الكثير من الوعود التي وعد بها الاخرين ولان الازمة السياسية – الاجتماعية –الاقتصادية قد تعمقت خلال فترة حكمه المنصرمة اضافة الى التدهور المريع في الوضع الامني ، اي ان الحال ازداد سوءا في جميع مناحي الحياة ، فأن الحديث عن رفض تولي الجعفري رئاسة الحكومة بات يحمل الكثير من المشروعية .
الا ان الرافضين للسيد الجعفري وان جمعهم الهدف فأن ما يفرقهم هو المنطلقات والنوايا التي دفعتهم لاتخاذ هذا الموقف فمنهم من اعتمد فعلا موقفا وطنيا حريصا بناءا على التجربة السابقة مع الجعفري وبالتالي فأن هؤلاء حريصين فعلا على نجاح العملية السياسية وعلى احراز تقدم ملموس يخدم المواطن العراقي في كل نواحي الحياة ، وجزءٌ اخر له نوايا غير سليمة في رفض الجعفري تقوم اما على اساس طائفي او من يريد تعميق الازمة العاصفة بالبلد لكي يحقق مآرب دنيئة لا تخدم في الاخر مصلحة البلد والمواطن العراقي ، وجزءٌ اخر رأى في تولي الجعفري لرئاسة الحكومة خسارة شخصية له او فقدان لمنصب كان يحلم به وهذا الجزء في الغالب هو من داخل قائمة الائتلاف نفسها .
ان هذا التشابك الذي يحصل الان ويلتقي في هدف تغيير الجعفري يقابله تعنت غريب من قبل الجعفري نفسه ومؤيديه داخل قائمة الائتلاف والذي يلقي الكثير من الظلال وعلامات الاستفهام على هكذا موقف ربما تكون كل الغايات التالية اوبعض منها هو من يحرك هذا الطيف والتي هي حسب تصوري الشخصي كالاتي:

1. حب الجاه والسلطة لدى الجعفري نفسه ولدى من وعدهم ربما بتولي مسؤليات هامة خلال حقبة حكمه القادمة اضافة الى النَفَس الدكتاتوري الذي برز في تصريحات الجعفري الاخيرة من قبيل (ان من اختارني هو شعبي وهو وحده من يقرر بقائي في الحكم ولا تهمني امزجة السياسيين) ولا اظن ان هناك من داعِ لمناقشة هكذا مقولة فالجميع يعرف كيف تم اختيار الجعفري لرئاسة الحكومة القادمة.

2. ربما هي محاولة الابقاء على بعض الملفات والفضائح في طي الكتمان ربما ان استبدل الجعفري سوف يفتضح امرها وتسبب لاصحابها المشاكل التي قد تعصف بالمستقبل السياسي لشخوصها وربما حتى يحالون الى المحاكم بسببها ، من تلك الفضائح مثلا نتائج التحقيق في قبو الجادرية السري التابع لوزارة الداخلية ، او نتائج التحقيق في حادث تفجير مرقد الامامين الهادي والعسكري (ع) في سامراء ، او فضائح تهريب النفط التي اضطرت الامم المتحدة الى الطلب علنا بوضع عدادات على فوهات تصدير النفط العراقي للقضاء على تلك الظاهرة ، وربما هناك الكثير من ملفات الفساد الاداري والمالي والتي مازالت غير معروفة الى الان.

3. الاحتمال الاخير هو ان يكون هناك ربما ارتباط معين بجهات اجنبية يهمها عدم استقرار البلد والاستمرار بتدهوره على كافة الاصعدة لكي يبقى ضعيفا ممزقا تستطيع ان تصول وتجول فيه محققة لاهداف ذاتية دنيئة او لأخذ الثأر من الشعب العراقي الذي لم يكن يوما معتديا عليها او على احد غيرها.

ان هذا الوضع المتأزم يفرض على السيد الجعفري اتخاذ موقف جرئ يُسجل له ولا يُحسب عليه بالتنحي عن ترشيح نفسه الى رئاسة الحكومة ، وبذلك يثبت حرصه على البلد من التمزق والانحدار اكثر نحو الهاوية ، فهو الى الان لم يُثبت حرصه حتى على القائمة التي اختارته والتي بدأ التشقق يظهر عليها جليا او ان تقوم قائمة الائتلاف التي اختارته والمرجعيات الدينية التي دعمت القائمة باجباره على التنحي خدمة للمسيرة السياسية للبلد وللتطور اللاحق ، والا فأن اللجؤ الى البرلمان لحل هذا الاشكال قد يقود البلد الى مأزق خطير اقله اعادة الانتخابات وربما يتطور الى ما لا يُحمد عقباه .[/b][/size][/font]

138
المنبر السياسي / المعلم الاول
« في: 04:18 27/03/2006  »
لمناسبة الذكرى 72 لتاسيس الحزب الشيوعي العراقي
المعلم الاول
تحسين المنذري

لم يكن شيئا عاديا ذلك الكيان الذي ولد في ربيع عام 1934 فقد نقل الحزب الوليد النضال الوطني الى مرحلة متقدمة في الصراع من اجل الحرية المنشودة للوطن ومن اجل سعادة شعب يستحق العيش بكرامة وانسانية متطورة ، ومنذ اللحظات الاولى للولادة فهمت الجماهير انها ازاء تغير هام في طريقة العمل السياسي والنضال الطبقي من خلال ما طرحه الحزب من شعارات ستراتيجية ليست ذات طابع مرحلي او وقتي وبذلك اعطى الحزب الدرس الاول للحركة الوطنية العراقية ، فلا موسمية ولا مزاجية في العمل من اجل مصالح الجماهير بل انها عملية نضال متواصلة دؤوبة ترتبط فيها الاهداف المرحلية بالاهداف الستراتيجية البعيدة المدى ، ولاول مرة يتحسس العمال والفلاحون  ماهية اهدافهم  الحقيقية فبعد ان كان كل نضالهم يتركز على مطاليب انية محدودة  كتحسين ظروف العمل او زيادة في الاجور وما شابه ذلك صار لهم هدف ستراتيجي هو امتلاك وسائل الانتاج  والارض  وفهموا سر اضطهادهم ، واقتحم الشيوعيون ساحات النضال ضاربين اروع الامثلة في التضحية  كافراد او كحزب  متقدمين الصفوف في كل المناسبات  مهتدين بشعارات واضحة تشخص الحاجة  الموضوعية ومحددين الاهداف بكل دقة ، فقبل ان تنمو الحركة القومية الكردية وتتبلور مطاليبها رغم كل انتفاضات الشعب الكردي في فترة ما بعد الاحتلال البريطاني ولحد منتصف الثلاثينات والتي كانت جميعا انتفاضات بطولية الا انها في ذات الوقت لم تحمل المطاليب الستراتيجية للشعب الكردي ، فأن الحزب شخص تحديدا مطلب حق  الاستقلال الكامل للكرد في العدد الاول من جريدته كفاح الشعب  الصادر في تموزعام 1935 "طرد المستعمرين ، وضمان حرية الشعب والاستقلال الكامل للاكراد وضمان الحقوق الثقافية لكل الاقليات" وعاد الحزب ليؤكد ذلك في البرنامج الذي اعتمده في اذار 1953 عندما اعترف "للشعب الكردي بحقه في تقرير المصير ، بما في ذلك حقه في الانفصال" (1) وربط الحزب كل النضال الوطني بضرورة انهاء الاستعمار بكل اشكاله وضمان الاستقلال غير المنقوص وعمل لاجل ذلك بشتى الطرق من انتفاضات واضرابات ومطالبات سلمية وغير ذلك  ،منفردا او بالتعاون مع القوى الوطنية الاخرى وكان اول حزب يطرح التحالفات المبرمجة كاهم ستراتيجيات العمل السياسي بما امتلكه من نظرة موضوعية بضرورة تحفيز وتثوير كل القوى ذات المصلحة في ازدهار الوطن وتقدمه فرفع شعار "قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية " لتكون وثبة كانون 1948 اول ميدان اختبارلهذا الشعار اثبت الشيوعيون فيه صدق نواياهم وشعاراتهم وتكلل الجهد المشترك بين تلك القوى بقيادة الشيوعيين بانتفاضة باسلة اخرى عام 1952 حصل الشيوعيون فيها على شهادة القيادة الجماهيرية من اهم حزبين للبرجوازية الوطنية انذاك هما الوطني الديمقراطي والاستقلال(2) وتتوالى قيادة الشيوعيين لمختلف اشكال النضال الوطني العراقي الى ان تكلل كل ذلك النضال بالثورة الوطنية الكبرى عام 1958 وليتصدر الشيوعيون النضال للمحافظة على مكتسبات الثورة وعلى جبهة الاتحاد الوطني التي ساعدت بشكل حاسم على انجاح الثورة ، الا ان تكالب القوى الرجعية والخاسرة من نجاح الثورة ادى الى اجهاضها والاجهاز على اغلب منجزاتها التقدمية ليتقدم الشيوعيون الصفوف في التضحية والنضال ضد كل اشكال الحكم الرجعية والدكتاتورية الى يومنا هذا وليثبتوا احقيتهم وجدارتهم في التصدي لتمثيل الجماهير وتشخيص مصلحتها الحقيقية.

ان شيوع افكار ومفاهيم مثل البرجوازية والاقطاع والاشتراكية والشيوعية وصراع الطبقات ونضالها لم يكن بمعزل تماما عن دور الشيوعيين في تثبيتها في اذهان الناس ، مفكرين ومثقفين وسياسيين وغيرهم حتى صارت مفردات يومية يتداولها عامة الناس ، وكذلك ابرازه اهمية ودور الطبقات المسحوقة في المجتمع كاهم الشرائح الاجتماعية التي يتوجب النضال من اجلها والاهتمام بمصالحها مما جعل الجميع من الاحزاب السياسية والافراد بغض النظر عن انتماءاتهم الطبقية وغاياتهم يسعون لكسب رضى تلك الطبقات وممثليها بل ان الكثبر منهم تبنى الخطابات السياسية والشعارات والمفاهيم التي اشاعها الشيوعين كاهداف ومسميات لعملهم وتنظيماتهم وفي هذا يقول بطاطو" وفي السنوات الاخيرة من العهد الملكي صار حزب الاستقلال اليميني ، وبالرغم من كل ابتعاده عن الروح الماركسية ، يتحدث ويرطن بطريقة ماركسية. وفي العام 1951 ، وقبل ان يتعلم العامة التمييز بين (الاشتراكية)و(الشيوعية)سمّى صالح جبر ،الذي كان ذات مرة رئيسا للوزراء والمستند كليا الى ملاك الاراضي والمشايخ القبليين اشباه الاقطاعيين، الحزب الذي اسسه (حزب الامة الاشتراكي)، ولم يكن الا واحدا من كثيرين لبسوا في ذلك العقد عباءة الاشتراكية بأمل كسب شئ من الشعبية التي لها ، ويكفي القاء نظرة سريعة على بيانات البعث (الحالية) او على خطابات عبد الكريم قاسم ، او حتى عبد السلام عارف المغرق في الاسلام للتحقق مما قدمته الشيوعية لجيل كامل من العراقيين الذين لم تكن اتجاهاتهم الفكرية قليلة التنوع "(3).

بل وحتى على مستوى التنظيم الحزبي ، كتشكيلات مثل المكتب السياسي واللجنة المركزية والهيئات القائدة الوسطية والدنيا والكادر وغيرها ، كان الحزب الشيوعي اول من اسس لها وادخلتها احزاب اخرى ضمن طرائق عملها ، فهاهو الشهيد محمد باقر الصدر يستعين بالنظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي ليضع الاسس التنظيمية لحزب الدعوة الاسلامية (4) . ولم يبخل الحزب الشيوعي العراقي في تقديم العون والمساعدة للاحزاب الاخرى سيما منها الناشئة التكوين سواءا عن طريق المشورة او الاسناد او حتى على مستوى الدعم الطباعي فالطبعة الاولى من كتاب( فلسفتنا) للشهيد محمد باقر الصدر تتم عام 1959 في مطبعة (الفرات ) التي كان يمتلكها الحزب الشيوعي العراقي في النجف ويشرف عليها الشهيد حسن عوينة (5).

ولئن تبرز هنا وهناك مشكلة سياسية او فكرية فما لنا الا العودة الى الحزب وادبياته وتراثه فبها لابد ان نجد الحل وبهذا الصدد اشير الى ما اثير خلال عملية كتابة الدستور اخيرا عن هوية العراق وعلاقته مع الدول العربية اوجامعتها  فأن الحزب وقبل خمسين عاما قد وضع النقاط على الحروف بصدد ذلك ولنقرأ في وثائق الكونفرنس الثاني المنعقد عام 1956 ما يلي:

1- ان الارض التي يقطنها الشعب العربي في العراق ، هي جزء لا يتجزأ من ارض العروبة وان الشعب العربي في العراق جزء لا يتجزأ من كل الامة العربية التي مزقتها المؤامرات الاستعمارية ، فالامة العربية هي امة واحدة تمتلك جميع الخصائص القومية للامة الواحدة.

2- ولكن العراق ، بحدوده الجغرافية الحالية التي رسمها الاستعمار يضم جزءا من كردستان ، الممزقة الان بين دول تركيا وايران والعراق وفقا لاتفاقات بين الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الاولى وان الشعب الكردي في العراق هو جزء من الامة الكردية الموزعة في اجزاء كردستان الممزقة والامة الكردية لها جميع خصائص الامة.

3- في العراق قوميتان رئيسيتان عربية وكردية ، لذا فأن حركة الجماهير العربية في العراق في الوقت الذي تنتهج فيه سياسة عربية تحررية ينبغي لها ان نؤازر وتشجع حركة الانبعاث القومي الكردي الرامية الى التحرر والوحدة . ومن الناحية الاخرى ليس ثمة طريق اخر امام القوى الوطنية في كردستان سوى طريق الكفاح المشترك مع  الجماهير العربية في العراق ضد الاستعمار واحلافه ، طريق الكفاح المشترك مع  الحركة التحررية العربية الصاعدة في سبيل التحرر الوطني والقومي لجماهير الشعب العراقي ، وتأمين الاستقلال الذاتي لكردستان العراق وفق اتحاد اختياري كفاحي اخوي يفتح امام الشعب طريق التحرر الشلمل والوحدة القوميةبأسرها.(6)

ان تراث الحزب ونضاله لغني بمثل هذه الدروس والعبر ، وهو في ذات الوقت لا يعطي حلولا جامدة او ابدية فأن التغير والتطور اهم سمات الماركسية التي بها يؤمن الشيوعيون وبهديها يهتدون وهم المؤهلون ابدا لقيادة حركة الجماهير الرامية للتحرر والانعتاق ونيل الاستقلال والبناء .

لقد استحق الحزب مقولة الراحل حسين مروة (لا استطيع ان ارى العراق بدون دجلة والفرات والحزب الشيوعي ) واكدها الراحل بطاطو في سفره الخالد عن العراق حينما قال ان الحزب الشيوعي جعل من (الشيوعية عاملا من عوامل الحياة في العراق)

فليهنأ الشيوعيون بحزبهم المعلم الاول للحركة الوطنية العراقية والقائد التاريخي لكل نضالات الشعب الوطنية والذي يستحق ان يُكتب اسمه (فوق النجم عالي وحروفه من ذهب)

____________________________________________________________________

(1) بطاطو ، حنا :العراق ج2 الحزب الشيوعي العراقي ص 90

(2) نوري ،بهاء الدين:المذكرات ص 169 وص 175

(3) بطاطو، حنا : مصدر سابق ص 120

(4) الخرسان ،صلاح :حزب الدعوة الاسلامية –حقائق ووثائق ص52

(5) الخرسان ، صلاح : مصدر سابق ص 98

(6) ناجي يوسف ، ثمينة : سلام عادل سيرة مناضل ج1 ص 138[/b][/size][/font]


صفحات: [1]