ankawa

الحوار والراي الحر => المنبر الحر => الموضوع حرر بواسطة: الأب ريبوار عوديش باسه في 11:56 22/12/2017

العنوان: تَجَسدَ ربُّنا ليكُن معنا ويمسح دموعنا ويفرح قلوبنا
أرسل بواسطة: الأب ريبوار عوديش باسه في 11:56 22/12/2017
تَجَسدَ ربُّنا ليكُن معنا
ويمسح دموعنا ويفرح قلوبنا

الأب ريبوار عوديش باسه

[١وفي تِلكَ الأَيَّام، صدَرَ أَمرٌ عنِ القَيصَرِ أَوغُسطُس بِإِحْصاءِ جَميعِ أَهلِ الـمعَمور. ٢وجَرَى هذا الإِحصاءُ الأَوَّلُ إِذ كانَ قيريِنيوس حاكمَ سورية. ٣فذَهبَ جَميعُ النَّاسِ لِيَكتَتِبَ كلُّ واحِدٍ في مَدينتِه. ٤وصَعِدَ يوسُفُ أَيضاً مِن الجَليل مِن مَدينَةِ النَّاصِرة إِلى اليَهودِيَّةِ إلى مَدينَةِ داودَ الَّتي يُقَالُ لَها بَيتَ لَحم، فقَد كانَ مِن بَيتِ داودَ وعَشيرتِه، ٥لِيَكتَتِبَ هو ومَريمُ خَطيبَتُه وكانَت حامِلاً. ٦وبَينما هما فيها حانَ وَقتُ وِلادَتِها، ٧فولَدَت ابنَها البِكرَ، فَقَمَّطَتهُ وأَضجَعَتهُ في مِذوَدٍ لأَنَّه لم يَكُنْ لَهُما مَوضِعٌ في الـمَضافة. ٨وكانَ في تِلكِ النَّاحِيَةِ رُعاةٌ يَبيتونَ في البَرِّيَّة، يَتَناوَبونَ السَّهَرَ في اللَّيلِ على رَعِيَّتِهم. ٩فحَضَرَهم مَلاكُ الرَّبِّ وأَشرَقَ مَجدُ الرَّبِّ حَولَهم، فخافوا خَوفاً شديداً. ١٠فقالَ لَهمُ الـمَلاك: "لا تَخافوا، ها إِنِّي أُبَشِّرُكم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرحَ الشَّعبِ كُلِّه: ١١وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ فِي مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ. ١٢وإِلَيكُم هذِه العَلامة: سَتَجِدونَ طِفلاً مُقَمَّطاً مُضجَعاً في مِذوَد". ١٣وانضَمَّ إِلى الـمَلاك بَغتَةً جُمهورُ الجُندِ السَّماوِيِّينَ يُسَبِّحونَ اللهَ فيَقولون: ١٤"الـمَجدُ للهِ في العُلى! والسَّلامُ في الأرض، لِلنَّاسِ أَهْلِ رِضاه!"] (لوقا ٢: ١ ـ ١٤).

عندما نمرُّ بخبراتٍ مؤلمة وبمحنٍ شاقة نشعر بأنه لم يبقى لنا سوى ملجئاً وحيداً، ألا وهو الله. نضع ثقتنا به ونطلب عونه. ولكن ما نختبره في بعض الأحيان هو ان الله لا يتدخل لإنقاذنا "إِلهي إِلهي، لِماذا تَرَكتَني؟" (مزمور ٢٢). يبدو وكأننا نضع ثقتنا به ونطلب منه العون والمساعدة، إلا أنه لا يحرك ساكناً لإنقاذنا! بل أن محننا تزداد، ومشاكلنا تتفاقم لتتحول الى معضلات، ومعضلاتنا تتعظم لتتحول إلى كوارث. فيتجه حالنا من سيء إلى أسوء، حيث تزداد همومنا، وتغدو أحزاننا أكثر بكثيرٍ من أفراحنا. فلا نجد من يتدخل لخلاصنا، ويزرع السلام في وقلوبنا، والاطمئنان في نفوسنا! وبالتالي نسأل أنفسنا: هل من معنى لاحتفالاتنا الدينية، ولا سيما الاحتفال بعيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح، ورأس السنة الميلادية؟
نعم يا أخواتي وإخوتي، هنالك معنى لهذا الاحتفال، لا بل في وسط ظروف كهذه، يمكننا أن نختبر المعنى الحقيقي لميلاد ربّنا يسوع المسيح. فولادة يسوع وظروفها لم تكن أفضل من ظروفنا. فمثلما حياتنا مملؤة بالمفارقات، كذلك حياة يسوع. يكفي أن نضع نصب أعيننا أين وكيف ابتدأت حياة يسوع الأرضية؟ وأين وكيف انتهت؟! إنها ابتدأت بالمذود، وانتهت على خشبة الصليب. لكن ما كان يبدو نهاية، حوله الله لبداية حياة جديدة وأبدية، وذلك بقيامة الربّ يسوع المسيح من بين الأموات، وتحقيق الخلاص للبشرية.
إن الإنجيلي لوقا في سرده لقصة ولادة يسوع (لوقا ٢: ١ـ ١٤) يبين كيف أن الرب شاركنا احزاننا وهمومنا، وأنه تجسد لينقذنا منها. فهو أيضاً ولد في ظروف غير إنسانية بسبب حكام زمنه الذين كانوا يعتبرون أنفسهم صمام الامان والاستقرار للشعوب، بينما كانوا بالحقيقة يستغلونهم ويتسلطون عليهم ويستعبدونهم ويفرضون عليهم ضرائب تثقل كاهلهم. كان الحكام والملوك، ولا يزالوا في أغلب الحالات، يتخذون قرارات لكي يحافظوا على مناصبهم من دون إي اعتبار لمصالح شعوبهم، ولهذا السبب أيضاً صلبوا الربّ يسوع، بعد أن كان قد فشل قبلهم الملك هيرودس في قتله عندما علم بولادته، ولطخ أيديه بدماء بريئة لأطفال بيت لحم وجوارها (قارن متى ٢: ١٦ ـ ١٨). لنتأمل بحال مريم العذراء، حيث كان عليها وهي حُبلى أن تسافر من منطقة لأخرى كي تؤدي واجبها بخصوص الإحصاء، ولكن السلطة لم توفر لها أدنى متطلبات هذا السفر الشاق، ولا أي مكان للإقامة، وغيرها من المتطلبات. تولد ابنها، وليس هنالك من يقدم لها يدّ العون، فتقوم هي بنفسها بعد مخاض الولادة بتقميط ابنها، ووضعه في المذود. هؤلاء هم الحكام في زمن المسيح وزمننا. فالسبت بالنسبة لهم أهم من الإنسان، والكراسي أغلى من دماء الأبرياء التي تُستباح بدلاً من أن تصان، والأموال أعزُ من كرامة الشعوب والأوطان.
لو أكتفينا بقراءة الآيات السبعة الأولى من الفصل الثاني لإنجيل لوقا، لارتابنا نفس الشعور الذي نوهنا إليه، أي أن المحنة كبيرة والظلم والفقر يتفاقمان والظن بأن الله غائب وبعيد عنا، ولا يتدخل لينقذ المظلوم من الظالم. لكن ما يبدو لنا حدث معتاد من الأحداث اليومية، كولادة طفل في ظروف مؤلمة وغير إنسانية، يتبين لنا من الآيات اللاحقة ـ أي (لوقا ٢: ٧ ـ ١٤) ـ بأنه من أهم مراحل التدبير الخلاصي. فالذي ولد في مغارة بيت لحم، هو ملك الملوك ورب الأرباب والمسيح المنتظر ومخلص العالم. إن ظهور الملاك للرعاة المساكين والساهرين لحماية رعيتهم، وتبشيره لهم بولادة المخلص، وتسبيحة الملائكة وتبشيرهم بالسلام على الأرض تشير لأهم حدث في تاريخ الخلاص. وهنا هي مفارقة المفارقات. وهذا ما يعزينا ويفرحنا ويزرع الأمل والرجاء في قلوبنا. ففي الأحداث والظروف الصعبة التي نظن فيها بأن الله بعيد عنا، هو في الحقيقة يتدخل من خلالها لخلاصنا. فلا يوجد علامة أكبر لحضور الله بينا من تجسده وولادته في أصعب ظروف لكي يكون معنا ويخلصنا؛
[" ... ٢١وستَلِدُ ابناً فسَمِّهِ يسوع، لِأَنَّهُ هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم" ...
 ٢٣"ها إِنَّ العَذراءَ تَحْمَلُ فتَلِدُ ابناً يُسمُّونَه عِمَّانوئيل" أَيِ "اللهُ معَنا"]
(متى ١: ٢١. ٢٣).
الإنجيلي لوقا في قصة ولادة يسوع يذكر سورية والجليل والناصرة واليهودية وبيت لحم. هذه الأماكن التي ولد المسيح فيها، ونشأت المسيحية في ربوعها وانطلقت منها بشارة الإنجيل لأرجاء المعمورة، لا زالت بحاجة للسلام والأمان، كما هي بحاجة لذلك أرض الرافدين موطن إبراهيم، أبو الإيمان. فلنطلب من ربنا يسوع المسيح، ملك السلام، بأن يمطر سلامه على الأرض التي ولد فيها، وينعم على كل إنسان بالأمان والاطمئنان، ولا سيما في الشرق الأوسط. وليمسح الرب دمعة كل متألم وجريح ومظلوم (قارن اشعيا ٢٥: ٨؛ رؤيا ٧: ١٧؛ ٢١: ٤)، ويحول السيوف سككاً، والرماح مناجلاً، وألا يسمح بأن ترفع أُمةٌ على أُمةٍ سيفاً؛ وعوض تعلم فنون الحرب (قارن ميخا ٤: ٣)، أن تتقن الأمم والأقوام والأديان فنون السلام والعدل والمسامحة والغفران؛
"٦فيَسكُنُ الذِّئبُ مع الحَمَل، ويَربِضُ النَّمِرُ مع الجَدْيِ، ويَعلِفُ العِجلُ والشِّبلُ معاً، وصَبِيٌّ صَغيرٌ يَسوقُهما. ٧تّرْعى البَقَرةُ والدُّبُّ مَعاً، ويَربِضُ أولادُهما معاً. والأَسَدُ يَأكُلُ التِّبنَ كالثَّور. ٨ويَلعَبُ الرَّضيعُ على حُجرِ الأفْعى، ويَضّعُ الفَطيمُ يَدَه في جُحرِ الأرقَم. ٩ولا يُسيئونّ ولا يُفسِدون ..." (اشعيا ١١: ٦ ـ ٩).
وليجعل الله كلاً منا أداة للسلام والمحبة والسعادة والوئام. ولتكن ولادته بيننا، دافعاً لولادتنا الثانية وتجديدنا بالروح والحق (قارن يوحنا ٣). فيتجدد وجه الأرض، وتتحقق في عالمنا وكنيستنا وبيوتنا وفيما بيننا وفي وسط قلوبنا كلمات رؤية يوحنا القائل:
[١ورَأَيتُ سَماءً جديدةً وأَرضاً جديدةً، لِأَنَّ السَّماءَ الأُولى والأَرضَ الأُولى قد زالَتا، ولِلبَحرِ لم يَبقَ وُجود. ٢ورَأَيتُ المَدينَةَ المُقَدَّسة، أُورَشَليمَ الجَديدة، نازِلَةً مِنَ السَّماءِ مِن عِندِ الله، مُهَيَّأَةً مِثلَ عَروسٍ مُزَيَّنَةٍ لِعَريسِها.٣وسَمِعتُ صَوتاً جَهيراً مِنَ العَرشِ يَقول: "هُوَذا مَسكِنُ اللهِ مع النَّاس، فسيَسكُنُ معهم وهم سيَكونونَ شُعوبَه وهو سَيكونُ "اللهُ معَهم". ٤وسيَمسَحُ كُلَّ دَمعَةٍ مِن عُيونِهم. ولِلمَوتِ لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآن، ولا لِلحُزنِ ولا لِلصُّراخِ ولا لِلأَلَمِ لن يَبْقَى وُجودٌ بَعدَ الآن، لَأَنَّ العالَمَ القَديمَ قد زال"] (رؤيا ٢١: ١ ـ ٤).

عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح مبارك
وكل عام وكنيستنا وعراقنا والعالم بأسره بألف ألف خير