عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - كمال يلدو

صفحات: [1] 2
1


بين الحنين للملكية وتسفيه ثورة ١٤ تموز

  لا يختلف إثنان بأن المزاج الجماهيري الذي اعقب نجاح ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ وما تلاها من سنين قلال كان مؤيدا بحماس للثورة، ومتعاطفا مع اسباب إسقاط النظام الملكي  الذي سجلت بحقه اخطاء جسام منها ربط العراق بالاحلاف والارتهان للسياسة الاستعمارية وعدم الجدية في محاربة الفقر والمرض والامية ناهيك عن تردده في تحقيق المسار الديمقراطي وما يتطلبه من حزمة من القوانين التي يجب ان تُحترم مع تغيّر الحكومات، هذه بعض الاسباب ، مضافا لها المزاج العام ( العراقي والعربي والعالمي) الداعي للاستقلال والتحرر وإقامة الحكومات الوطنية والوعود بالانتصار لقضايا الكادحين ، كل هذه الامور كانت ترفع المعنويات وتساهم استمرار التحرك الجماهيري والاقدام على سن القوانين الوطنية والتقدمية  في حياة حكومة ١٤ تموز الفتية وارتباطها كثيرا بالزعيم عد الكريم قاسم.
لكن ثورة ١٤ تموز ونتيجة للتدخلات الخارجية وانتباه الدوائر الاستعمارية للخلل، استغلت تلك الثغرة القاتلة وهيأت الارضية لدخول الثورة في ذلك النفق المظلم الذي ادى في النهاية الى اسقاطها والانتقام من قادتها وجماهيرها، لابل من مجمل حركة اليسار العراقي ، ألا وهي "الوحة الفورية مع مصر " ومن يقف خلفها من البعثيين والقوميين أو "لاتحاد "  ومن يقف خلفها من انصار الثورة ، هذه القضية التي شقت الحياة السياسية والمجتمع العراقي طوليا ولم يتعافى منها ، مضافا لها ملفات مثل عودة التمرد في شمال العراق وقضية ضم الكويت وانحسار الديمقراطية وزج الوطنيين في السجون مجددا ، وعودة تغلغل القوميين والبعثيين في كل مفاصل الدولة مع الاحتضان الرجعي الداخلي للقوى المعادية للثورة وتصاعد التدخلات الخارجية، كانت قد مهدت الارضية لنجاح انقلاب ٨ شباط الدموي وما جره من مآسي على العراق .
من الناحية العملية لم يقف البعثيين بعد الانقلاب موقفا سلبيا من ثورة ١٤ تموز، بل كان موقفهم سلبيا من الزعيم ومن قادتها اليساريين خاصة.
سقط البعث في تشرين ثان ١٩٦٣ وعاد ثانية في تموز ١٩٦٨، ولم يتغير موقفهم (اعلاميا) من تمجيد  ثورة ١٤ تموز لكن مع استمرار تسفيه قادتها اللذين جرى قتلهم وتصفية انصار الثورة من قبل ذات الجماعة الحاكمة .
هذا الموقف المتناقض بين تأييد الثورة وقتل قادتها وضع حزب البعث في موقف لا يحسد عليه بعد العام ١٩٦٨، فهو لم يعاديها ، لأنه كان يدعي بمعاداته للاستعمار والرجعية ويعد الجماهير بالاصلاحات  وهي ذات القيم التي نادت بها الثورة وطبقت بعضا منها ، إذن كيف الخروج من عنق الزجاجة؟
لقد فسح نظام البعث المجال لبعض الكتاب وطلبة الدراسات العليا في تناول ثورة ١٤ تموز (والانحرافات) التي وقعت فيها من جانب، وتأليه وتكبير بعض رموز وشخصبات النظام الملكي والاعلاء من شأن العائلة المالكة  والاعتناء بالمقبرة الملكية ايضا، تزامنا مع التقارب مع الاردن والملك حسين (من ذات العائلة الهاشمية) مقابل تجاهل القادة الحقيقين لثورة تموز لابل حتى بعدم الافصاح عن قبورهم الحقيقية التي جرى اخفائها عن الشعب العراقي ولليوم، ناهيك عن آلاف الضحايا التي جرى دفنهم في مقابر جماعية  مجهولة من قبل البعثيين لا غير!
يضاف ذلك التعديلات (التشويهات) التي جرت في المناهج الدراسية لثورة ١٤ تموز ورموزها ، هذا إن لم اقل بأن تمجيد شخصيات مثل الزعيم او المهداوي     كان يمكن ان يأخذ صاحبها للتحقيق وربما السجن.
تلك الدراسات (ان صح تسميتها دراسات) او المناهج الدراسية طرحت وجهة نظر البعث حول ثورة تموز دون اعطاء الحق للرأي الآخر فيها ، ولعل المفارقة تكمن في البحث عن الجواب لسبب قتل قادة الثورة بشكل اجرامي والانتقام من اتباع الثورة من دون ادانة القتلة او تقديمهم للعدالة .
يا ترى ماذا جرى بعد زوال البعث في العام  ٢٠٠٣ ؟
الحقيقة ان المثل : اكذب اكذب حتى تصدقك الناس ، قد وجد تجلياته في الاصوات التي ظهرت والاقلام التي كتبت حول الملكية والنظام الملكي في تسفيه ثورة ١٤ تموز وقادتها ووصفهم بأقذع الاوصاف وهذا كان متوقعا من اتباع سياسة نسف الواقع وطرح البدائل الكاذبة من قبل البعثيين والقوميين وبقايا الاقطاع العربي والكردي ومضافا لها القوى الاسلامية التي ظهرت للسطح والتي ناصبت العداء لثورة تموز منذ ايامها الاولى بدوافع اخطرها كانت بتشجيع الدوائر الاستعمارية وايران.
 اما الاصوات التي تدعو لعودة الملكية ، انما تدعو لبقاء النظام الحالي لسبب بسيط لأن النظام الملكي زال ولا رجعة منه اولا، وثانيا إن تأريخ العراق منذ سقوط بابل حتى العام ١٩٢٠ لم يعرف الملكية! اما الذي اتي بالملكية للعراق فهو المستعمر البريطاني ولم يجلبهم إلا لانهم كانوا في خدمة مخطاطاته ومصالحه هذا اولا، اما فكرة ان قاسم قتل العائلة المالكة ، فهذه اكذوبة ما بعدها اكذوبة سوّغ لها البعث وأعداء الثورة ، علما انهم يعرفون جيدا بأن الذي قتلهم كان (العبوسي) ولم يكن بتوجيه مباشر ، انما الحقيقة جاءت في اعترافاته المتأخرة ، مضافا لها الفوضى التي خلقتها نداءات عبد السلام عارف (احد قادة الثورة) عبر الاذاعة طالبا من الجماهير التوجه الى قصر الرحاب ، وهذه خلقت فوضى عارمة مما حدى بقادة الثورة الى اعلان حالة منع التجول الساعة ٣ عصرا من يوم ١٤ تموز، وإن قتل قادة تموز في الاذاعة هو انتقام الهي من قتل العائلة المالكة! وحتى هذه النظرية فإنها تفضح حقدا دفينا على ثورة تموز وقادتها .اما المحاججة الاخرى فهي فكرة ان ثورة ١٤ تموز قد فتحت الباب امام الانقلابات العسكرية، وهذه لا يطرحها الا جاهل بتأريخ العراق الحديث او حاقد اعمى على ثورة تموز.
إذن يبقى السؤال: لماذا يحتفي البعض بثورة تموز، ولماذا ما تزال شخصية الزعيم ملهمة للكثيرين؟
بالحقيقة ان ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ تعتبر ثورة فريدة في العالم الثالث لأنها كانت ثورة وطنية ولم تكن للقوى الخارجية يد فيها ، وحصلت على تأييد منقطع النظير ،وثانيا، ان الثورة حققت الكثبر من وعودها على صعيد السيادة الوطنية والاستقلال ونصرة الفقراء ومحاربة الامية والمرض والقيام بمشاريع كبيرة ، لكن الذي فات قادة الثورة وزعيمها بالاساس هي قضية التأسيس لنظام عراقي دستوري جديد يعتمد على دستور دائم وانتخابات وقوانين حرية الاحزاب والصحافة وأن يجري تسليم السلطة للمدنيين، هذه المطالب كانت واحدة من اسباب سقوط ثورة تموز وهي من اسباب تمسك البعض بها لليوم لأن الوضع القائم الآن ونحن في العام ٢٠٢٣ مازال هو هو أن لم أقل انه تراجع للخلف سنوات ضويئية كثيرة .
إذن ، ستبقى الجماهير تبحث عن الخلاص من محنتها وأزمتها الحالية ، وحتما ستضع امامها تجربة كانت ناجحة (الى حد ما) لم ترتق لها اي من الحكومات التي تلتها، وحتما ستفتخر بقادتها وزعيمها (رغم اخطائه القاتلة) فقد كانوا عنوان للوطنية والنزاهة ، وهذا ما يغيض البعثيين والاسلاميين والرجعيين والمساكين انصار عودة النظام الملكي .
مجدا للذكرى ٦٥ لثورة ١٤ تموز المجيدة
مجدا لقادتها الابطال وشهدائها الابرار
كمال يلدو
تموز ٢٠٢٣




2
كيف نجعل من عيد العمال عيدا لشغيلة اليد والفكر

  يعكف منظرّي الحركة العمالية والنقابات في الولايات المتحدة،  على دراسة التغيرات البنيوية الجارية في هيكل الطبقة العاملة (القوى العاملة بشقيها العضلي والفكري) في الثلاثين سنة الأخيرة مع دخول التكنولوجيا الحديثة الى حيّز العملية الإنتاجية وتوسّعها الكبير، وما نتج عنها بالأستغناء عن اعداد كبيرة من العمال الذين كانوا القوّة الأساسيّة في العملية الأنتاجية، لتحل محلّها الماكنة الحديثة او الحواسيب وصولا للانسان الآلي ، لابل يجري الحديث اليوم ايضا عن دخول (الذكاء الأصطناعي) اليها أي العملية الأنتاجية في القريب العاجل .

هذا الأمر بحاجة الى نظرة تأمليّة مسؤولة،  إن كان في الآثار السلبية التي سيتركها على مصير الاعداد الكبيرة من القوى العاملة التي سترى نفسها عاطلة عن العمل ومرميّة هي وعوائلها على قارعة الطريق، أو في لوحة القوى المسؤولة عن العملية الأنتاجية وتأثيراتها الاجتماعية الكبيرة من جهة ، ودورها في تركيز الأرباح في يد الشركات المنتجة. هذا الجانب المهم يجري اليوم تقديم الكثير من الدراسات حوله، وتُعقد من أجله العديد من الندوات وحلقات النقاش، لكن هناك أمراً مهما وعلى صلة بالموضوع وهو ضرورة التحضير والتخطيط له بعناية.   فإذا أسلمنا بأن ادخال التكنولوجيا الحديثة الى العملية الانتاجية سيركز على زيادة أرباح الشركات، فالسؤال هو عن مدى تأثير ذلك الأنسان العامل. هنا تكمن أهمية الدراسات وامتلاك النظرة المستقبلية والتخطيط المسبق لها، الآن وليس غدا!

 السؤال الذي بحاجة للجواب اليوم هو: من هي القوى المتضررة  من حلول المكننة محل الجزء الاكبر من شغيلة اليد، وماذا عن شغيلة الفكر المرتبطين بالعملية الانتاجية، وأقصد بذلك التقنيين العاملين في إدارة أنظمة الحواسيب في حالة إدخال (الذكاء الاصطناعي) الى العملية الانتاجية؟

إذا افترضنا أنّ النقابات العمّالية هي الإطار السليم للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة (المتحققة  أو التي تفرضها الظروف الجديدة) فإن الصورة لا تبدو وردية في سوق العمل الأمريكية، إذ ان أكثر الأرقام تفاؤلاً  تشير الى ١٠.٥٪ من القوى العاملة  منضوية للنقابات العمالية الآن (حسب احصائيات العام ٢٠٢٢)، وهذا يعني أن هناك حوالي ٩٠ ٪  من العمّال غير منضمّين لنقابات عمّاليّة، وهذه النسبة العالية من العمّال غير المنضمّين للنقابات لها اسبابها التأريخية ومنها، عمليات الألتفاف التي قامت بها الشركات نتيجة الوفرة الزائدة في سوق العمل مما دفعها لوضع شروط عدم امكانية التنظيم النقابي في حالة التوظيف الجديد، او سَن قوانين التزمتها الكثير من الولايات في منح حرية الاختيار للعمال الجدد في الأنضمام للتنظيمات النقابية النقابي من عدمه مع منحهم بعض المغريات، ناهيك عن التراجع الذي اصاب التنظيم النقابي نتيجة فساد بعض القادة النقابيين وتقاعسهم في الدفاع عن حقوق العمل المستلبة،  وتضاف اليها عوامل مهمّة مثل نتائج الركود الاقتصادي  وإرتفاع نسب البطالة وحاجة العمال للعمل اكثر من حاجتهم للتنظيم النقابي. هذا من جهة ومن الجهة الثانية هو التأثير الكبير الذي تركته عملية إدخال المكننة ونظام الحواسيب الى العملية الإنتاجية التي كانت نتيجته الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمال الذين أضطروا لاحقا للبحث عن فرص عمل أخرى غير المصانع والمعامل ولجوء الكثير منهم الى القطاع الخدمي. ولطالما كان الحديث عن القطاع الخدمي فالصورة تبدو اكثر أهمية لدراستها بعمق والخروج منها بنتائج ملموسة، فبعض الاحصائيات في  العام ٢٠٢٢ تشير الى وجود ثلاثة  تجمعات للشغيلة الخدمية لا تتوافر لها الأطر التنظيمية النقابية، وإن وجدت فهي صغيرة جدا وغير مؤثرة ومحلية في توزعها الجغرافي،  وهنّ: شركة آمازون ( ٢.٢ مليون مستخدم)، شركة وول مارت ( ١.٦ مليون مستخدم)، قطاع مطاعم الوجبات السريعة ( ٣.٦ مليون مستخدم )، كل هذه الاعداد تمثل رصيدا هائلاً للحركة العمالية والتنظيم النقابي لو تمكنّت النقابات العمّالية من إيجاد الأطر الصحيحة والشعارات السليمة لاستقطابهم حتى لو اقتضى الأمر بهم للوصول الى المحاكم،

هناك قوّة إزداد عددها وتراكمت خبراتها في السنوات الثلاثين الماضية، الا وهي قطّاع التقنية والعاملين في انظمة الحواسيب على مختلف مستوياتهم (المشغلّين او المبرمجين)، هذا القطّاع عاش فترة  تمتّع فيها بمزايا الدفع المجزي والسباق في التوظيف، لدرجة وصلت بالشركات الامريكية الى تقديم المغريات للكفاءات من خارج الولايات المتحدة بمنحهم فرص الإقامة الدائمة في البلاد. نعم، هذا القطاع توسّع وليس من الممكن الاستغناء عن خدماته كاملة، لكن وبسبب طبيعة النظام الرأسمالي وأعتماده على مبدأ الربح الفاحش، دفع بالشركات للاعتماد أكثر وأكثر على المكننة وإدخال نظام الحواسيب والأنسان الآلي الى العملية الانتاجية، وهذا الأمروضع هؤلاء التقنيين مؤخرا تحت وطأة  نظام العرض والطلب،  فكانت النتيجة ان تعرض الكثير من هؤلاء التقنيين للتسريح او الاستغناء عن خدماتهم ما دفع الكثير منهم للبحث عن فرص عمل حتى خارج نطاق إختصاصاتهم، وبالتالي اضيفوا الى سوق البطالة المتضخّم اصلا.  وهذه البطالة لا تعني البطالة بمعناها الضيق بل بمعناها الأوسع،  فهناك فرق كبير بين ان تعمل  إستشاري تقني براتب يصل احيانا الى ١٠٠ ـ ١٥٠ دولار في الساعة، مقابل العمل في احدى ىشركات الخدمات او في خدمة الاوبر مقابل ١٥ ـ ٢٥ دولار في الساعة.

هذا الفصيل مهم جدا ومن الممكن ان يكون قوة إحتياط للطبقة العاملة لو أُحسن تنظيمه وأيجاد الأطر الصحيحة لمخاطبته عن طريق رفع وطرح الشعارات التي تتناسب وحاجاته اليومية. أنّ الطبقة العاملة في الألفيّة الثالثة لم تعد تلك الطبقة
التي تبيع قوّة عملها المجرّدة مقابل الأجر فقط ، بل يُمكن أن تضمّ كلُّ من يُساهم بالعملية الانتاجية من ألفها الى يائها، وهذا الأمر بتصوري لا ينطبق على الولايات المتحدة فقط، بل يشمل كل الدول الصناعية التي مرت او ستمر بالمراحل التي مرت وتمر بها  العملية الأنتاجية والاقتصاد الأمريكي على ما أظن .
كمال يلدو
آيار ٢٠٢٣

3

  في يوم المسرح العالمي
أثر  معاهد المسارح العالمية على مسيرة المسرح العراقي

تعود اولى التجارب التمثيلية المسرحية في العراق للعام ١٨٧٦ وتحديدا في مدينة الموصل على يد الآباء الكهنة في الكنيسة الكرملية والكلدنية وتمتد لتصل ناحية القوش عام ١٩١٢، في تلك الفترة حمل ريادة هذه الاعمال التمثيلية (المسرحية البدائية) نخبة من الآباء الكهنة او المعلمين الذين درسوا في لبنان وفرنسا ، فأعتمدوا على بعض النصوص والحكايات من الكتاب المقدس ، ثم ترجموا بعض المسرحيات الاوربية. بعدها توجه جيل من المثقفين الى كتابة نصوصاً تحاكي النصوص المسرحية الاوربية المترجمة ، وتواصلت عملية تقديم  الاعمال التمثيلية ان كان في الكنائس او صالات المدارس، وعندما وصلت التجربة الى بغداد أوائل القرن العشرين ، مارست كنيستا الكلدان واللاتين دورا مشرفا في رعاية التمثيليات، ثم دخلت مدرسة شماش للطائفة اليهودية وقدمت العديد من الاعمال والتي كانت مستوحاة من الكتاب المقدس ايضا ، وانضمت اليها المدارس الارمنية ايضاً ، كل هذه الجهود جاءت استكمالاً لدور الحكواتي (القصاخون) الذين كانوا ينتشرون في الاحياء والمقاهي الشعبية، برواية القصص التراثية أمثال الزير سالم وعنتر ابن شداد وغيرها،  مضافا اليها بعض المبالغات وعوامل التشويق بغية جلب جمهور اكثر في كل مرة، على ان هذه القصص كان تعتمد على (الفرد الواحد) وقدرته الابداعية ، فيما كانت التمثيليات تعتمد على اكثر من شخص  وعلى النص والديكور والاخراج ومستلزمات شروط العمل الاخرى .
بعض المعلومات التأريخية تذكر بأن  شخصاً بإسم (نوري فتاح) أسس جماعة سنة ١٩١٩ وقدمت مسرحية (النعمان ابن المنذر) على مسرح سينما اولومبيا الذي كان يقع في شارع الرشيد.
أما بعد الاحتلال البريطاني وخاصة بعد العام ١٩٢١، فقد ظهرت العديد من النوادي والجمعيات التي كانت ذات طابع اجتماعي وثقافي عام، وقامت بذات الوقت بتقديم عروض (تمثيلية / مسرحية) من اجل اذكاء الروح الوطنية ضد الاحتلال ومنها:
١) وفاء العرب، ومثلها في بغداد طلبة مدرسة الكلدان في النصف الثاني من تشرين اول ١٩٢٠ وكانت من تأليف انطوان الجميل
٢) وفود النعمان الى كسرى، وقد عرضت عام ١٩٢٠
٣) فتح الاندلس على يد طارق ابن زياد، وقد قدمت عام ١٩٢٠
٤) صلاح الدين الأيوبي، أول مسرحية تعرض على مسرح مدرسة اسلامية في الموصل وقد أخرجها أرشد افندي العمري (مهندس البلدية) عام ١٩٢١.
أما مدرسة التفيض في بغداد ، فقد قدمت مسرحيات من على مسرح سينما رويال في ساحة الأمين عام ١٩٢٥ من قبل الاستاذ حقي الشبلي وزميله فاضل عباس.اما
الاستاذ محمد خالص ملا حمادي،  فقد عرض مسرحيتي  (هارون الرشيد) و (عائدة ) على مسرح سينما الوطني في شارع الرشيد  عام ١٩٢٦.
وحدث بعد زيارة فرقة المؤلف والممثل المصري (جورج ابيض) وفرقة الريحاني و الفنانة  (فاطمة رشدي)  ان اندفع العديد من الشباب لتأسيس فرق مسرحية مثل: الفرقة العصرية والفرقة الشرقية وفرقة حبزبوز التي كانت تقدم اعمالها الكوميدية في المدارس، وشهدت المدرسة الجعفرية تأسيس فرقة مسرحية.
في العام ١٩٢٧ اسس الاستاذ حقي الشبلي  مع زملائه فوزي محسن الأمين و فاضل عباس و عبدالله العزاوي فرقة المسرح الوطني والتي قدمت مسرحيات : 
 ١ـ جزاء الشهامة  ٢ـ في سبيل التاج
وبعد سفر حقي الشبلي الى مصر ، ترأس الفرقة الفنان عزيز علي، لكنه لم ينجح في مهمته، فقدم صفاء الدين الحيالي مسرحية (خطايا الوالد ).
بعد عودة الاستاذ حقي الشبلي عام ١٩٣٠، أسس  الفرقة العصرية  وقدمت عدة مسرحيات من ضمنها (يوليوس قيصر).
وقد سبق هذا التأسيس ان قام الاستاذ يحى فائق بتأسيس فرقة (المعهد العلمي للتمثيل) عام ١٩٢٨ ، فيما اسس الاستاذ توماس حبيب فرقة اسماها (انوار الفن) .
كل هذه المقدمات شكلت اللبنة الاساسية لقيام الحركة المسرحية العراقية المعاصرة التي ترافقت مع تأسيس (معهد الفنون للموسيقى) عام١٩٣٦ ومن ثم اضافة قسم التمثيل عام ١٩٤٠، هذه البداية تزامنت مع تطلع المسرحيين الاوائل نحو التجارب التي كانت تعج بها المسارح الاوربية ،  مما شجع الدولة آنذاك نحو ارسال البعثات الطلابية لدراسة المسرح خارج العراق، وقيام مجموعة  اخرى من الطلبة بالدراسة على حسابهم الخاص  من اجل ارواء عطشهم الفني والاستزادة بالخبرة المسرحية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ذهب كل من إبراهيم جلال ويوسف العاني الى المانيا على حسابهم الخاص . اما بانسبة للبعثات فقد ضمت نخبة من الطلبة الذين عادوا بعد ذلك  ليصبحوا اساتذة في الاخراج والتمثيل والتأليف المسرحي، لا بل تعدوا ذلك الى نقل تجارب مثيرة ومهمة من المسارح الاوربية والامريكية .
وللمرور سريعا على( بعض) الاساتذة والدول التي قصدوها اذكر مثلاً :
١) الولايات المتحدة: ابراهيم جلال ، بدري حسون فريد، جاسم العبودي، جعفرالسعدي، بهنام ميخائيل ، حسن الناظمي، خالد سعيد، وليد شامل، علي العادلي ، عبد المطلب السنيد ود.قائد النعماني ، د. علاء يحى فائق، فريد جاسم العبودي، د. ابراهيم الخطيب (جعفر علي / سينما وتلفزيون ، امتثال الطائي وخيرية العطار  / تصميم الأزياء)
٢) بريطانيا: سامي عبد الحميد وسعدون العبيدي و(محمد شكري جميل/ سينما)
٣) ايطاليا: اسعد عبدالرزاق، عبد الوهاب الدايني، عبدالله جواد و (فاروق حسن وهيفاء الحبيب/ ديكور و أزياء)
٤) جيكوسلوفاكيا: محسن العزاوي، سليم الجزائري، فخري العقيدي و ابراهيم السعدي
٥) الاتحاد السوفيتي: قاسم محمد، فاضل قزاز، محسن السعدون
٦) المانيا : عوني كرومي، د. فائق الحكيم
٧) فرنسا: د.سعدي يونس (ياسمين خليل / تصميم ألازياء)
٨) بلغاريا: حميد الجمالي، فاضل خليل، د.جواد الاسدي، د. فاضل سوداني ، عبداللطيف صالح، نور الدين فارس و أديب القليجي
٩) رومانيا: د.عبدالاله كمال الدين، عبد المرسل الزيدي وصلاح القصب
١٠) بولندا: صلاح مهدي و( مجيد عبد العباس/ سينما)
١١) يوغسلافيا :( ضياء انور/ ديكور و إضاءة)
 هذه الاسماء وغيرهم ممن درسوا المسرح خارج العرق يعود لهم الفضل الكبير في وصول المسرح العراقي وخاصة في حقبة السبعينات ،الى مستويات راقية في عروضهم داخل العراق او في المهرجانات العربية ،  عادوا ليمارسوا التدريس في معهد الفنون وأكاديمة الفنون الجميلة والفرق الأهلية والحكومية.
ولما كنا نتحدث عن اولئك الاساتذة الكبار لابد من الوقوف امام تجارب بعضهم التي تركت بصمات مهمة في تأريخ المسرح العراقي:
١) الاستاذ المخرج جاسم العبودي، الذي كانت له اضافة كبيرة في طرح نموذج جديد من الاخراج ( مسرح ستانسلافسكي وفق الرؤيا الامريكية) وقلب موازين القوالب القديمة التي كانت سائدة في التدريس في فترة الخمسينات.
٢) قاسم محمد وإضافته الفذة من المسرح الروسي  في استلهام الموروث الشعبي
٣) سامي عبد الحميد وتشبعه بالمسرح الكلاسيكي  من دراسته في بريطانيا
٤) عوني كرومي ونقله تجربة المسرح الملحمي (مدرسة بريخت) من دراسته في المانيا الديمقراطية
٥) د.سعدي يونس وتأثير دراسته في فرنسا على نقل تجربة (مسرح الشارع) الفذة .
٦) صفاء مصطفى، الذي يعتبر اول عراقي يدرس الدراما وعاد من المانيا ليكتب  وينقل تجربة المسرح التحريضي للعراق .
وبنظرة سريعة للاسماء والدول يمكن استنتاج بأن الولايات المتحدة استحوذت على حصة الاسد من هؤلاء الاساتذة وبالذات ( معهد الفنون في شيكاغو) والذي يعتبر من المعاهد المسرحية المهمة في منطقة وسط  الولايات المتحدة، حيث تخرج من بين جدرانه وعلى مدى حوالي ١٠٠ عام، آلاف الاساتذة والفنانين والكتاب والممثلين المسرحيين ومن كل دول العالم. ويضم المعهد ١٥ فرعا يمنح الخريجين شهادة البكالوريوس وأهمها  :
١) التمثبل٢) التصميم ٣) تكنلوجيا التصميم ٤) الانارة ٥) النقد المسرحي ٦) تصميم  المناظر ٧) هندسة الصوت ٨) إدارة المسرح ـ الستيج ـ ٩) الفن المسرحي ١٠)  تكنلوجيا المسرح ١١) الاخراج المسرحي ١٢) القيادة في العمل الفني .
هذا المعهد ينتج ما لا يقل عن (٢٠) عملاً مسرحيا في الموسم الواحد، وهو  يقدم الاعمال الكلاسيكية والحديثة من على خشبة ( كودمان ثياتير ـ مسرح كودمان في شيكاغو)، كذلك يملك فرعاً خاصاً للعوائل  الذي يقدم مسرحيات الاطفل.
أما شعار المعهد فهو: التعلم من خلال التطبيق .
وجدير بالملاحظة، بأن هذا المعهد كان يدرّس مدرسة (ستانسلافسكي) في الاخراج المسرحي ولكن برؤيا وإضافة امريكية مما انعكس بشكل لافت وواضح في عمل المخرج جاسم العبودي و الاستاذ بهنام ميخائيل .

كمال يلدو
آذار ٢٠٢٣


4
صفحات مضيئة من تأريخ المرأة العراقية

حملة تضامن عالمية تُنقذ ثلاث رابطيات من حكم الاعدام عام ١٩٦٣

مع إن ستون عاماً قد انقضت على ذلك الإنقلاب  الذي تآلف فيه البعثيون والقوميون مع كل الرجعية العراقية من التيارات ألدينية والقومية والشوفينية مدعومة بدول الجوار المرتبطة بالأحلاف اإاستعمارية، إلا ان حوادثه ومآسيه مازالت عالقة في ذهن جيل عراقي غير قليل .
فعقبَ المجازر الدموية التي بدأت بإغتيال قائد القوة الجوية جلال الأوقاتي  ومن ثم قصف وزارة الدفاع ومجزرة مبنى الإذاعة، بدأ الانقلابيون مشروعهم الدموي ضد الشيوعيين والديمقراطيين وكل المدافعين عن ثورة ١٤ تموز وتوجوها ببيانهم المشؤوم، البيان رقم ١٣ بإبادة الشيوعيين . على اثر ذلك انطلقت حملة تضامن خارج العراق  ،بدأت  بأول خطوة  جماهيرية للتضامن  مع الشعب العراقي ، حيث دُعي الى تجمع  في مركز فسيح جدا بالعاصمة الجيكية براغ  ضم كل العراقيين وفعلا اكتظت القاعة بالحضور حتى إن عدد الواقفين كان أكثر من الجالسين.  ونتيجة لهذه الاستجابة الكبيرة من القوى والشخصيات الديمقراطية العراقية  إنبثقت (لجنة الدفاع عن حقوق الشعب العراقي) وبدأت نشاطها بعقد مؤتمر صحفي حضرهُ مندوبين من الصحف الشرقية والغربية ، وتم إنتخاب ألشاعر محمد مهدي الجواهري لرئاستها، فضلاً عن لجنة عليا لقيادتها تكونت من الدكتورة نزيهة الدليمي  وفيصل السامر ومحمود صبري ورحيم عجينة وعبد المجيد الونداوي وكمال فؤاد ونوري شاويس ومراد عزيز ، وكانت تلك اللجنة تُدعى للمؤتمرات بإعتبارها  حركة ديمقراطية عامة ، وتألفت لجان فرعية في بلدان عديدة نشطت في تعبئة المنظمات والصحف والاذاعات المحلية لمساندة الشعب العراقي . ولعل واحداً من أبرز نشاطاتها هو الدور المشهود لرئيسة رابطة المرأة العراقية نزيهة الدليمي في مؤتمر النساء العالمي الذي انعقد في موسكو حزيران ١٩٦٣ ، إذ أدى وفد الرابطة دوراً كبيراً في اقناع  الرئيس السوفيتي  نيكيتا خروشوف بإرسال  برقية الى عبد السلام عارف طالبه فيها بالكف عن اضطهاد النساء العراقيات واصفاً صدور حكم الإعدام بحق عدد منهنَّ بالمفجع  ،وأدى هذا الضغط الى إلغاء حكم الاعدام واستبدالهِ بالسجن بديلاً، والمعتقلات كنّ  زكية شاكر و سافرة جميل حافظ وليلى الرومي ، القائدات في رابطة المرأة ، حتى اطلق سراحهنَّ عام ١٩٦٦ .
وكان من نشاطات الحركة ايضا ضم عدد من اعضاء مجلس النواب البريطاني في عضويتها، كما تمكنت من كسب الفيلسوف البريطاني (برتراند رُسل) الى رئاستها ، فضلاً عن نجاحها في إرسال لجنة تحقيقية الى العراق برئاسة النائب العمالي ( ويلي غريفتس) ، إذ نجح في تقديم تقرير مهم عن الاوضاع في العراق ساهم في تعبئة الرأي العام البريطاني ضد ما كان يرتكب من انتهاكات فيه ، وتمكنت الحركة من كسب عددا من الشخصيات العالمية الكبيرة، ففي فرنسا ترأس اللجنة (جاك كولان) الاستاذ في جامعة السوربورن، فضلا عن مساهمة شخصيات حكومية في دعم الحركة مثل رئيس وزراء المانيا الديمقراطية وجيكوسلوفاكيا وبلغاريا ورئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي، والرئيس الكوبي فيديل كاسترو والرئيس الغاني نكروما .
نشاط هذه اللجنة كان موجعاً للانقلابين حيث فضحهم عالمياً، فكان رد فعل تلك السلطات الرجعية هو إصدار مديرية الامن العامة يوم السادس عشر من تشرين اول ١٩٦٣ كتابها المرقم ١٥٨٩ الذي نص على سحب الجنسية العراقية عن الدكتورة  نزيهة الدليمي ورفاقها ، محمد مهدي الجواهري وفيصل السامر وصلاح خالص وهاشم عبد الجبار ونوري عبد الرزاق حسين وعبد الوهاب البياتي وذو النون ايوب وغائب طعمة فرمان ومحمود صبري وآخرين ، فيما أصدر الحاكم العسكري العام امراً بحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة استنادا الى كتاب كان قد صدر في ١٤ شباط ١٩٦٣ .
اما المناضلات اللواتي شُملن بتخفيف حكم الإعدام إلى السجن فكنَّ:
١) زكية شاكر (١٩٣٠ ـ ٢٠٠٠) إحدى المؤسسات لرابطة المرأة، والمناضلة من اجل حقوق المرأة والمدافعة عن ثورة ١٤ تموز. تخرجت من كلية التجارة والاقتصاد أوائل الخمسينات ، وكانت من النساء القلائل في الجامعة آنذاك، وهناك تعرفت على زوجها كاظم جواد. اعتقلت بعد ايام من الإنقلاب ، وتعرضت للتعذيب والضرب والإهانة في قصر النهاية، وكان من المجرمين الذين اعتدو عليها صدام حسين، وشهدت تعذيب القائد سلام عادل ورفاقه، وبعد تخفيف الإعدام نُقلت إلى سجن النساء ، وهناك كان دورها كبيرا بين النساء السجينات إذ استطاعت وضع جدول عمل لهنَّ وأسست مكتبة هناك . بعد إطلاق سراحها عام ١٩٦٦ ، عملت هي وزوجها الذي كان نزيلا في نقرة السلمان على فتح محل بقالة ، وبعد فترة عادت للوظيفة فعملت مدققة للحسابات في وزارة العدل ، واحيلت للتقاعد المبكر نتيجة نزاهتها وكشفها للفاسدين ، فيما عمل زوجها في شركة التأمين . لم تمض حياتهم سهلة مع استفزازات البعث واجهزته ، مما اضطرهم الى الهجرة والالتحاق بأبنائهم وأحفادهم في السويد . وحتى هناك لم تهنأ طويلا ، فقد داهمها مرض عضال اتي عليها في شهر آب عام ٢٠٠٠ .
٢) سافرة جميل حافظ، قاصة ومناضلة. من مواليد بغداد العام ١٩٣١، درست في كلية الآداب . بداياتها الادبية كانت منذ الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية حتي الجامعية ، حيث كتبت ونشرت العديد من القصص  وربما تكون أول إمرأة كتبت القصة القصيرة ، كما عملت في الصحف مٍحررة لصفحة المرأة في جريدتي البلاد والاخبار، تعرضت للتوقيف اول مرة عام ١٩٥٢، شاركت في تأسيس رابطة المرأة العراقية في يوم ١٠ آذار ١٩٥٣، وأعتقلت لأول مرة عام ١٩٥٦ عقب المظاهرات المنددة بالعدوان الثلاثي على مصر، والمرة الثانية كانت بعد ايام من انقلاب شباط الدموي هي وزوجها الشهيد محمد حسين ابو العيس حيث لجأ الفاسشت غلى اقذر الطرق في كسر ارادة المعتقلين وذلك  بتعذيبها امامهً وتعذيبهِ أمامها أو أمام رفاقهم المعتقلين وخاصة سلام عادل ورفاقه الأماجد . ساهمت بكل النشاطات الوطنية بعد العام ٢٠٠٣ ، وكان حضورها واضحا في الساحة الادبية، حيث قدم لها أتحاد ألادباء والكتاب لوح الابداع ناهيك عن العديد من الجوائز التقديرية من جهات متعددة . منذ ثلاثة سنوات حولت مكتبتها وجزءا من دارها في منطقة الكرادة الى مكتبة عامة للقراءة ودعت اليها كل محبي الكتاب والثقافة ، هذه الخطوة التي قامت بها جاءت وفاءا لوالدتها التي كانت تردد على مسامعها ( لو كنتً اجيد القراءة ، لقرأت مكتبات بغداد جميعها، لأن القراءة هي التي تفتح لكم آفاق المعرفة وفهم العالم) .
 ٣) ليلى الرومي، طبيبة اختصاص بالأطفال، مناضلة طلابية ونسائية ووطنية . ولدت في مدينة العمارة ونشأت في بيئة مندائية متفتحة، إذ ساهم والدها (غضبان الرومي) الذي كان تربوياً، في زرع حب العلم والمعرفة بين جميع ابنائه وبناته حيث لم يكن يفرّق بينهم . دخلت الابتدائية والثانوية في بغداد . في الصف الرابع الثانوي (١٩٥٥)  فصلت من الدراسة لعام نتيجة نشاطها السياسي . دخلت كلية الطب عام ١٩٥٧، ووصلت الصف السادس حيث كان مقررا ان تتخرج عام ١٩٦٣، لكن حدوث الانقلاب قلب حياتها رأساً على عقب. فقد تعرضت للاعتقال يوم ١٨ شباط ٦٣ ونقلت إلى قصر النهاية يوم ٢١ شباط ، وتعرضت للتعذيب مع قادة الحزب الشيوعي من رجال ونساء وبضمنهم الشهيد سلام عادل . كانت ليلى الرومي وزكية شاكر وسافرة جميل حافظ من ضمن قائمة ب ٢٤ اسم قد صدر حكم الإعدام بحقهم ليلة ٢٤ شباط ١٩٦٣، لكن جرى سحب النساء الثلاثة مؤقتا ونفذ الحكم بالرجال الذين دفنوا في مكان مجهول.وبعد تسرب أسمائهم للخارج وبدء حركة التضامن مع ألسجناء جرى تخفيف الحكم إلى السجن حتى أطلق سراحها عام ١٩٦٦ . حاولت العودة للكلية الطبية لاكمال الثلاثة شهور المتبقية لكنهم رفضوا عودتها، مما اضطرها لاخراج  جواز مزور والسفر الى بولندا وتعلم اللغة والدراسة هناك لعامين حتى تخرجت عام ١٩٧٠، سافرت بعدها للملكة المتحدة حيث تخصصت بطبابة الاطفال  وتعمل في أرقى المستشفيات البريطانة . اما على صعيد النشاطات السياسية والثقافية فهي دائمة ألمشاركة وايضاً تعمل بنشاط في الجمعيات المندائية وخاصة النسوية .
كمال يلدو    آذار ٢٠٢٣

 

5
الحركة النقابية الامريكية تصارع التوجهات المعادية لحقوق العمال

بقلم : كمال يلدو

تواجه الحركة العمالية الامريكية، ممثلة بنقاباتها وإتحاداتها المهنية تحديات جمّة مع دخول العالم مرحلة العولمة واحلال الانسان الآلي محل البشر في الدورة الانتاجية، اضافة الى التطورات التقنية الهائلة التي شهدتها وحدات الانتاج بإعتماد اساليب ومعايير تتيح لارباب العمل الاستغناء عن الاعداد الكبيرة من العمال والاعتماد على عدد اقل ، مما يوفر ارباحا اكبر للشركات ، ناهيك عن التشريعات التي راعت مصالح الشركات على حساب قضم المنجزات التي حققتها الحركة النقابية على مدى عقود من النضال، وجاءت  ازمة (كورونا) لتزيد معاناة الطبقة العاملة اكثر ، وكانت الحصيلة اما بتوقف عمل بعض الشركات او تقليص ساعاتها او حتى انهاء عقود الكثير من الشغيلة .
امام هذه الصورة المعتمة تحدث البروفيسور وكبير الاقتصادين في 
(آي اف ال ـ سي آي او) اكبر الاتحادات المهنية الامريكية في مقابلة اجريت معه بداية العام ٢٠٢١ وقال:مع كل الصعوبات وحالات الاحباط والحرب النفسية على النقابات، الا ان هناك ظاهرة مهمة تتجلى بزيادة الوعي لدى الشباب اليوم بأهمية احياء العمل النقابي وتعضيد الموجود منه الآن، لانه هو الضامن الحقيقي لحقوق العمال والشغيلة في كل حقول الاننتاج والخدمات القائمة اليوم، وهذا الوعي لدى الشباب تجاوز موقف اهاليهم الذين اجبروا على الوقوف ضد العمل النقابي في العقود القريبة الماضية .
وقد اثبتت الوقائع التي عاشتها امريكا مع انتشار جائحة (كورونا) بأن العمال الذين كانوا منتظمين في النقابات ، كانوا الاوفر حظاً بالحفاظ على مهنهم، وان النقابات لم تكن تهتم فقط بمناقشة رفع الاجور وزيادة امتيازات العمال مع ارباب العمل فحسب، بل ساهمت بإيجاد مناخ افضل  للتعامل المشترك بينهم وبين الادارات في ظل الظروف الاستثنائية القاهرة، ومنها جائحة (كورونا)، ووجود مثل هذا المناخ مكن الشركات من الخروج بنتائج افضل من قريناتها .
ثم اضاف قائلاً: نعم، شهدنا تراجعا خطيراً في ارقام العمال المنخرطين في النقابات إذ وصل عددهم عام ٢٠٢٠ الى (٧،٢ مليون عامل وبنسبة ١٠،٨٪ من قوى العمل)، ولعل من الاسباب المهمة لذلك، هي تبعات العوملة ، وغلق الكثير من الشركات او ترحيلها للدول الفقيرة، إضافة الى التشريعان المعادية للتنظيم النقابي ومنها (قانون حق العمل) الذي يشجع العمال غير المنتظمين بالنقابات، ويحارب العمال النقابيين، بالاضافة الى الازمات الاقتصادية المتتالية  واختلال النسبة بين العرض والطلب في سوق العمل ، والاستفادة من الدماء الشابة العطشى للعمل حتى باجور اقل من الاجيال التي سبقتها .
لكن، هذه الازمات احدثت طفرة في الوعي ايضا تجلى في التطور النوعي بكفاءة العمال ، مما منحهم امتيازات في تحدي بعض ارباب العمل الذين كانوا يعاملون اسلافهم كآلات وليس كبشر، وهذا تجلى في حركات عمالية جنينية ناهضة اليوم وخاصة في حقل عمال (تكنلوجيا المعلومات) مثل شركة ـ آبل للاتصالات والكومبيوترات ، ومحاولات بشركة (كوكل) ايضا، واصداء هذه التحركات تجد انعكاساتها في محاوت جادة لتأسيس النقابات في  (شركة وول مارت / اكبر شركة  للعمال في امريكا بحجم ٢،٣ مليون عامل و موظف) و (شركة امازون للخدمات/ ثاني اكبر شركة للعمال بحجم ٩٥٠ الف عامل و موظف) و (شركة اوبر لخدمات التوصيل) وحتى في مطاعم الوجبات السريعة مثل (ماكدونالد) . ومن الامثلة الصارخة على محاربة التنظيم النقابي ما جرى في مؤسسة (امازون) بولاية آلاباما ، حيث جرى التصويت على تأسيس نقابة للعمال هناك في يوم ٨ نيسان ٢٠٢١، شارك فيها ٥،٨٠٠ عامل وكانت نسبة الاقبال ٥٥٪،  لكن صاحب العمل طعن بالنتائج ، وشكك بالكثير من بطاقات التصويت والامر الآن بيد القضاء ة!! هذا واحداً من الامثلة .
يمضي الاستاذ وليم سبركس بالقول: لقد جرى تجريد العمال من الكثير من المنافع في السنوات الاربع الماضية (ولاية ترامب) ، وأختلت  العلاقة بين ادارات العمل والعمال متمثلة بعدم احترامها لارادة العمال و محاربتهم بشتى الطرق، فيما تعرضت حياتهم الاقتصادية للخطر نتيجة لذلك، مما دفع المزيد من العمال ل (الهجوم) بدلا من (الدفاع) لاستعادة حقوقهم المستلبة، ويأتي التنظيم النقابي كأهم هذه المؤشرات.
ومن المفيد التذكير بأن الاخفاق  في الحفاظ على حقوق الشغيلة تتحمله جهتان، الاولى هي الحركة النقابية وما اصابها من خلل وتقلص ، والثانيةهي الحكومة وقوانيها المشبعة بالثغرات والتأويلات، مما جعلت من عملية تشكيل النقابات امراً مستحيلا في بعض الحالات.
ويُكمل الحديث: ويمكننا اليوم التعويل على الرئيس (بايدن) وإدارته ، وعلى سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ في تشريع قانون (حماية العمل ـ برو آكت)والذي قدِّم لمجلس النواب العام الماضي، هذا القانون الذي نعول عليه في تحديث قوانين العمل في البلاد ، والتخلص من العديد من التشريعات المعادية  للنقابات العمالية التي جرى سنّها في العقود الثمان الماضية.
اننا بحاجة الى (قانون حماية العمل) خاصة في حقل العمل الخدماتي والذي ازدهر على حساب حقل العمل الانتاجي سابقا، وبشكل خاص للعمال الذين لا يمتلكون مهارات كثيرة .
أما الفيلسوف والمؤرخ الناشط الامريكي (نعوم جامنسكي) ، فإنه وفي عمر ٩٢ عاما ، مازال في اوج نشاطه وحيوته والتي تجسدت مؤخرا بإصداره آخر كتبه (نداء جامنسكي للنشطاء) والذي يمثل دعوة لحملة الافكار التقدمية للعمل الحثيث على إعادة الحياة والروح للحركة النقابية، أمل الطبقة العاملة في الحياة المستقرة ، ويقول : إن البلاد ، والمجتمع والطبقة العاملة تواجه اخطاراً كارثية وجسيمةولعل اهمها هي مخاطر البيئة، والتغيرات المناخية، والحروب وسباق التسلح والعولمة بكل مخاطرها ، فهل سننجح بالحفاظ على الحياة على وجه الارض ام اننا ماضون للفناء والانقراض!
نعم، ليس في عالمنا اليوم حركات ثورية كما عرفناها سابقا، لكن مستوى وعي الشعوب والحركات المدنية اكبر بكثير من حركات التحرر التي سبقتها، ان البشرية تمضي بثبات نحو الحرية  ومحاربة الاستبداد والتمييز والحروب .
إن دعوة الفيلسوف جامنسكي هذه ، إنما تفتح الآفاق واسعة ورحبة امام الحركة العمالية والنقابية في البحث عما هو جديد ومفيد للمجتمع، ولعل العمل المشترك مع منظمات البيئة، والاهتمام بالتقنية الخضراء والتبدل المناخي سيوفر ارضية لدفع قطاعات اكبر من المجتمع ليس لتبني هذه المطالب فقط، بل للعمل التضامني ايضا .

١ آيار ٢٠٢١ 


6
كمال يلدو: إطلالة على عطاء ثلاثة موسيقيين ،حنا بطرس و سعيد شابو والبير شفو وشهادة العازف فؤاد ميشو

http://www.ankawa.org/vshare/view/11697/kamal-yaldo/

7
"الحصاد المنسي"، تجربة انسانية فريدة في ديترويت
Forgotten Harvest

مَن قال إن للعطاء الانساني حدود!
 أضع بين يدكم هذه التجربة الرائدة في اطعام المحتاجين والفقراء ، جرت وتجري وقائعها في مدينة ديترويت وضواحيها منذ ثلاثين عاما ولليوم.
بداءت الفكرة عندما قامت الطبيبة النفسية د. نانسي فشمان عام ١٩٩٠ بإستخدام سيارتها الشخصية لجمع الاطعمة والغذاء الزائد من المطاعم وإيصاله الى  (المطاعم والمطابخ المجانية – Soup kitchen) المعروفة في ديترويت، وسرعان ما تطورت الفكرة بعدما سمع بها  ـ زوجان متقاعدان ـ فقاما بالتبرع لها بشراء سيارة كبيرة وآثرا ان يبقى اسميها غير معروف وكذا بدأ المشوار.
تتحدث د.نناسي فشمان ـ Nancy Fishman PHD عن مبادرتها هذه وتقول: كانت تجربة عائلتي مع العوز كبيرة، وتركت آثارها الانسانية عندي، وعقدتُ العزم أن اقدم ما بوسعي تقديمه للمجتمع حينما اكبر ، حتى اجنّب الاطفال وكبار السن والمعاقين والمحتاجين ، تلك التجربة الصعبة في الجوع او النوم بدون عشاء،  ومن أجل " طرد الجوع من مجتمعنا".
تطور عمل مؤسسة (الحصاد المنسي) الخيرية وغير الربحية عبر السنين والذي يعتمد اسأساً على فكرة العمل الطوعي ، والتبرع الانساني وجمع الاغذية الصالحة للاستعمال وعدم تبذيرها وإعادة توزيعها وايصالها للمحتاجين ، اما هذا الاغذية فتأتي من  : المطاعم ، قاعات الحفلات ، مراكز بيع الجملة،  السوبرماكيتات، مطابخ الملاعب ، محلات مايرز وكروكير، المخابز، المستشفيات، مراكز تحضير الاغذية بالجملة .
في العام ١٩٩٦ جرى اصدار قانون حماية المتبرع بالغذاء من الملاحقة القانونية بإسم: ((قانون إيمرسون ، للسامري الطيب المتبرع بالغذاء)) وجاء هذا نظرا لتزايد حجم واعداد المتبرعين، والخشية من ان تسبب عملية التبرع متاعب قانونية  غير متوقعة، حيث بات معروفا بأن اسباباً كثيرة تجتمع بفكرة التبرع اضافة الى فعلها الانساني الطيب ومنها: استحصال وصولات للاعفاء الضريبي من نصف قيمة المواد المتبرع بها، أو فكرة التخلص من المواد ذات التأريخ القريب لانتهاء صلاحية الاستخدام، او حتى التخلص من تكاليف نقلها واتلافها.
  كما اقترن عملهم ايضا بفكرة طلب المزارعين المحليين ابالتبرع بالمحصول الزائد بدلا من تعرضه للتلف والخسارة، لابل إن الامر تطور منذ العام ٢٠١٣ حينما تبرعت عائلة (مورون فاملي) بأرض زراعية صالحة بلغت مساحتها  (٩٥ ايكر)  ، حيث قام متطوعوا (الحصاد المنسي) بزراعتها ، وترافق ذلك بحصولهم  على تبرعات بالمكائن الزراعية اللازمة وصلت اقيامها الى (٤٠٠ ألف دولار)، ووصل حجم المحصول في السنة الاولى الى (٨٥٠ ألف باوند) اما مجموع ما جرى حصاده في السنوات الثلاث التالية  فقد بلغ (٣،١ مليون باوند) من  الخضار.
تتوزع مراكز توزيع الاغذية المجانية في  (٢٢) مركز منتشرة في ثلاث مقاطعات هي : ماكومب ، اوكلاند و وين كاونتي وتوفر الطعام للمحتاجين على مدار ستة ايام في الاسبوع . تشترك اليوم في عملية جمع المواد الغذائية من المصادر المذكورة وايصالها الى مراكز التوزيع قافلة مكونة من ٣٣ سيارة حمل كبيرة ومبردة، تراها تجوب الشوارع ليل نهار وطوال ايام الاسبوع .
في العام ٢٠١١ جرى افتتاح اول مركز في مدينة (وندسور الكندية ـ المجاورة لمدينة ديترويت)  حيث وزعت في سنتها الاولى (١٣٥ ألف باوند) من الاغذية على المحتاجين وقفز الرقم في العام ٢٠١٣ الى (١ مليون باوند)
 
يذكر الموقع الرسمي لمؤسسة "الحصاد المنسي" الخيرية  المهمة الرئيسية التي قامت عليها فكرتهم:  مساندة المحتاجين للطعام لتجاوز حاجتهم، ومنع تبذير الأغذية التي ممكن اعادة توزيعها واستخدامها .  وفي ادناه  بعض الارقام المهمة، والتي تمثل حصيلة عملهم الكبير وخدمتهم الانسانية الرائعة، وبلا مقابل إلا من اعلاء شأن الانسان ووضع الفرحة والبسمة على وجوه الناس ، إذ يمثل الانسان عندهم اغلى شئ!
ـ تم توزيع ١،١ مليون باوند عام ٢٠٠١
ـ تم توزيع ٨،٦ مليون باوند عام ٢٠٠٧
ـ تم توزيع ٢٣ مليون باوند عام ٢٠١١
ـ تم توزيع ٤٣،٩ مليون باوند عام ٢٠١٣
ـ تم توزيع ٤٨،٨ مليون باوند عام ٢٠١٤
ويذكر الموقع الرسمي ايضاً ارقاما لايمكن للانسان إلا ان يحييهم ويرفع القبعة لهم لما يقومون به، إذا تذكر الاحصائيات للعام الأخير:
ـ بلغ عدد الاشخاص  المتبرعين  والذين ساعدوا المؤسسة٢٥،٤٣١
ـ بلغت عدد ساعات العمل الطوعي ٧٧،٨١٠ ساعة
ـ بلغ حجم الاطعمة والاغذية التي جرى انقاذها من التلف وتوزيعها (بعام واحد) ٤١،٥٢٣،٧٦٢ مليون باوند
ـ وبرقم أبسط ، إذ يجري توزيع ١٣٨ ألف باوند من الاغذية والاطعمة يوميا  لمعظم مراكزتوزيع الاغذية والتي بدورها تقوم بتوزيعها وتسليمها للعوائل المعففة والمحتاجين دون مقابل.
مؤسسة ـ الحصاد المنسي ـ هي جزء من المؤسسة الاكبر ـ إطعام اميركا ـ وهي مؤسسة غير ربحية، أي انها معفية من الضرائب، يقع مركزها الرئيسي في مدينة  ـ اوك بارك ـ بمقاطعة اوكلاند  في ضواحي مدينة ديترويت، ويرأسها الآن السيد ـ كرك مايس ـ  وتبلغ ميزانيتها ٧٧،٢٢٠،٧١٣ مليون دولار، بينما يبلغ عدد موظفيها العاملين ٧١ أما عدد المتطوعين في خدماتها وفروعها فيبلغ ١٤،٧٠٠ متطوع!
**)) المصدر: جمعت من الموقع الرسمي لمؤسسة ـ الحصاد المنسي ـ
https://www.forgottenharvest.org

كمال يلدو
آيار ٢٠١٩


8
تسعة شهداء من عائلة واحدة وصمة عار في جبين صدام والبعث المجرم

كلما تأملنا سني حكم البعث وما قام به، تتكشف امامنا حجم الجرائم المهولة التي اوجدها في جسد هذا الشعب، إن كان بالارهاب والقتل والتغييب والتعذيب والحروب العبثية والدمار، ملفات يصعب على اي انسان منصف ان يمر من امامها دون أن تحرّك فيه السؤال: لماذا ؟
تستوقفني بعض ردود الافعال عن الغاية من فتح ملفات مضى عليها ثلاثون عاما او أكثر  وجوابي : يجب ان نبقى نبحث بها ونكشفها ونطالب بتقديم الجناة للمحاكم ونطالب بانصاف الشهداء هذا اولاً ، وثانيا لتجنيب العراق حقبة دموية ودكتاتورية جديدة، إن كان اليوم اوغدا.   فمازال العراق بحاجة الى قانون عادل للحريات المدنية، وقانون ينظم عمل الاحزاب ومصادر تمويلها، وقانون عادل للانتخابات ولجنة مستقلة مشرفة عليها ، وقضاء نزيه ومستقل ، ودستور علماني خال من دين الدولة ومن الطائفية والعنصرية، ودونها سيبقى جرح العراق نازفاً ونبقى نقدم القرابين، مالم تتحرك القوى المدنية والمخلصة وتمسك بزمام المبادرة وتستعيد العراق من الحكام السراق والطائفيين والعملاء.
وقفتنا اليوم مع الشهيد النصير هرمز خوشابا هرمز (أبو نصير) وزوجته النصيرة الشهيدة جوليت داود خوشابا، وأبنائهم الشهداء السبعة.
وبغية تسليط الاضواء على هذه المأساة وضحاياها كان لي فرصة اللقاء بالاستاذ سليمان ختي، الذي يحمل بين ثنايا قلبه ذكريات كثيرة وبدأها:
تعود معرفتي  بالشهيد (هرمز) الى اواسط الستينات، حينما التحق بصفوف الانصار في قاطع بهدينان عام ١٩٦٥، ويومها ترجاه القائد الانصاري  الراحل (ابو جوزيف) ان يعود للقرية وذلك لصغر سنه، لكنه اصر على البقاء ، وفعلاً هذا ما تم حتى نهاية العمل المسلح في كردستان العراق مع توقيع صدام والشاه اتفاقية الجزائر يوم ١٧ آذار عام ١٩٧٥.
ولد الشهيد هرمز خوشابا هرمز (ابو نصير) في قرية (عين بقرِ) التابعة لناحية القوش عام ١٩٥١، وهو ينحدر من عائلة فلاحية متواضعة كانت تمارس الفلاحة ، وبعد رحيل والده المبكر تحمل مسؤولية العائلة، مما حرمه من أي تحصيل علمي يذكر. كان اسم والدته (جمكي) اما اخوته إيشايا وجورج فقد كانا من ضمن الانصار ، وله شقيقة واحدة هي (منى) .  تزوج الراحل من النصيرة الشهيدة جوليت داود خوشابا، والتي تنحدر من ذات القرية في تموز عام ١٩٧٣، بحفل بهيج  وكان للقائد ابو جوزيف ورفاقه الانصار حضور بهي في تلك الليلة .
انطلق للعمل السياسي بعد انهيار الكفاح المسلح، ورغم وجود (الجبهة الوطنية) بين حزب البعث والحزب الشيوعي لكن ذلك لم يشفع له كثرة الملاحقات والمضايقات والتحقيقات معه والاعتقالات الكيفية من قبل رجال الامن ومرتزقة البعث مما دفعه لمغادرة القرية صوب بغداد ، والعمل فيها لتوفير لقمة العيش لعائلته وكذلك الالتحاق بصفوف الحزب هناك بعيدا عن أعين الامن، وحتى تلك الرحلة لم تدم طويلاً حيث انكشف أمره فعاد الى قريته وأنصرف للعمل الزراعي في حقله.  وحدث ذات يوم وهو يعمل في الحقل أن رصد تقدم لقوة من الامن والمرتزقة قادمين من صوب مدينة القوش القريبة جدا، بإتجاه قريته ، وساورته الشكوك بأنه هو المستهدف هذه المرة حيث طوقوا القرية  إلا انهم لم يتجرأوا على الاقتراب منه كثيرا لمعرفتهم بشجاعته واستحالة ان يسلم نفسه لهم، وفي تلك اللحظات الحرجة كان عليه ان يتخذ قراراً شجاعاً وجريئاً ، فتوجه الى بيته وامتطى عدته الحربية كاملة وطلب من شريكه في المزرعة ان يُحضر التراكتور الزراعي ، وركبه امامهم وغادر شمالاً بإتجاه قرية (بيرو زافا) متخذاً موقفاً دفاعياً وهجومياً في آن واحد امام ذهولهم وفشلهم في القبض عليه .
بعد هذه الحادثة توجه للالتحاق برفاقه الانصار عام ١٩٨٢، ونتيجة لخبرته القتالية فقد أصبح آمرا للسرية الرابعة/ انصارالفوج الأول، وقد اثبت شجاعة واقدام كبيرين في عمله النضالي والعسكري، علماً  إن ما عرف عنه من قرب بأنه قليل الكلام، ورزن ومسامح ويحمل براءة كبيرة وإخلاص لا متناهي لمبادئ الحزب .
وأما ما يتعلق بي (يكمل) الاستاذ سليمان ختي: فقد امتدت علاقتنا وتنامت عائليا وصداقيا ورفاقياً وأنصاريا، ليس معه فقط بل مع كل افراد عائلته الذين أكن لهم كل المحبة والاحترام. وطالما نحن نتكلم عن خصال الرفيق (ابو نصير) سأروي هذه الحادثة عنه: في العام ١٩٦٧  وبعد تشكيل المقر الثاني والذي كان يقوده  النصير إيشايا سرسنكي ، قامت مجموعة من ثلاثة انصار برحلة استكشافية في المنطقة بضمنهم الشهيد هرمز وذلك في منطقة (دفري ـ دشت نهلة ـ التابعة لناحية دينارتا ومنطقة زيبار ـ والعائدة لقضاء عقرة) حيث تعرضوا الى اطلاقات نارية اثناء تجوالهم  من قبل الجحوش التابعين لمنطقة الزيبار . استمرت المعركة بين الطرفين لبعض الوقت وتمكن الرفاق من دحر ربيئتين اثنتين من الجحوش وبقيت واحدة عصية عليهم، وقرروا مواصلة الهجوم على الربيئة الاخيرة مستخدمين سلاحهم البسيط (رشاشات كلاشنكوف ودكتوريوف) ، وفي هذا الاثناء اصيب أحد الرفاق بكتفه مما حرمه  القتال، وواصل الرفيقان الهجوم، وعند اقترابهم اكثر وأمام كثافة الاطلاقات النارية ، اصيب الرفيق الثاني ولم يبق إلا الرفيق هرمز، الذي واصل القتال حتى تمكن من الربيئة الاخيرة واسكت نيرانها.
ويسترسل الاستاذ سليمان ختي بكلامه : تمضي الايام، وتستمر الانظمة الرجعية بسياستها المدمرة للعراق، والتي ترافقت مع تصاعد المقاومة بكل انواعها إن كانت المسلحة او السلمية والتي تعني ايضا المزيد من الشهداء والمزيد من الضحايا.  حدث في يوم ٢٣ تموز عام ١٩٨٧ ان جرت معركة مع الجحوش والمرتزقة وذلك في (مجمع شيخكا ـ جنوب القوش) ، حيث كان الشهيد هرمز آمر احدى السرايا من الفوج الأول، وأثناء محاولته سحب جثة رفيقه الشهيد ( خليل اوراها ـ روبرت) فقد تمكنت منه الرصاصات الغادرة ووقع شهيدا في تلك الواقعة .
أما لزوجة الشهيد، النصيرة الشهيدة جوليت داود خوشابا، حكايات وعذابات وتضحيات اخرى. فقد كانت نشطة في العمل النسوي والحزبي، وكانت العون له في المراسلات وايصال البريد الحزبي، وعقب التحاق الشهيد بحركة الانصار ثانية عام ١٩٨٢، فقد بقيت في القرية مع اولادها، لكن ذلك لم يدم طويلاحيث قامت قوات الامن والمرتزقة بأعتقالها وذلك عقابا لعوائل الشيوعيين وعوائل الانصار، واودعت سجن الموصل وكانت حينها حاملاً، وانجبت وليدها في السجن وأسمته (زوزك ـ تيمناً بمقر الانصار)، وبعد اشهر من الاعتقال جرى اطلاق سراحها مع اولادها وأصغرهم كان رضيعاً، ولم يكن خافياً بأن الاوضاع كانت تسير من سئ الى أسوء في القرية ومحيطها، فقد قام زوجها الشهيد بالطلب اليها للالتحاق بالانصار والذي تم في (قاطع بهدينان ـ مقر مه راني ـ في منطقة كَارا) ، وبقيت هناك مع العشرات من عوائل الانصار والشيوعيين حتى حدثت الكارثة الكبرى (يوم الانفال) وانتهاء العمل المسلح في المنطقة وقيام الحكومة العراقية بإصدار (عفو عام)، فما كان من منفذ امام هذه العوائل فيما حدود العراق كلها مقفلة والحركة المسلحة مشتتة ، لم يبق امامهم سوى التسليم لقوات الجيش و السلطة، وحدث ذلك في مفرق (ناحية زاويتة ـ طريق مانكيش / سرسنك)، ثم جرى نقلهم الى قلعة (بروشكا) في محافظة دهوك، وبعدها بيومان جرى ترحيلهم الى (تجمع بحريكي ـ منطقة عنكاوا) ومن هناك الى كركوك ومقر المجرم ـ علي حسن المجيد ـ في (طاسلوجا ـ بين كركوك والسليمانية) ، حيث كانت القلعة متكونة من طابقين، العلوي على هيئة سجن للموقوفين ، والسفلي كان مخصصا للتعذيب والتصفيات الجسدية وأحواض التيزاب.
ومنذ ان وصلت العائلة مع اولادها اختفت اخبارهم ولليوم، ولا يعرف إن كانوا احياءاً ام اموات، أو أين دفنوا، وكان هذا للاسف مصير (٢٨٦) شخص من الاطفال والنساء وكبار السن، علما بأن الحكومة كانت قد اصدرت ما يسمى ب (العفو العام) وهؤلاء سلموا انفسهم وفقاً لذلك ، لكن كيف يمكن الائتمان للحكومة وصدام وحسن المجيد والبعث؟
أما تسلسل اىسماء الشهداء (الضحايا) فكان كلآتي :
١ـ الشهيد النصير هرمز خوشابا هرمز (أبو نصير)
٢ـ الشهيدة  جوليت داود خوشابا ـ زوجة الشهيد
٣ـ الشهيد نصير هرمز خوشابا ـ الابن الاكبر
٤ـ الشهيد فيديل هرمز خوشابا
٥ـ الشهيد ماجد هرمز خوشابا
٦ـ الشهيدة ماجدة هرمز خوشابا
٧ـ الشهيد فؤاد هرمز خوشابا
٨ـ الشهيد زوزك هرمز خوشابا
٩ـ الشهيد انصار هرمز خوشابا
يبقى السؤال الذي بحاجة لجواب شاف: لماذا كان على العراقيين دفع كل هذه الاثمان والتضحيات والدماء والعذابات؟  وماذا لو أن الانظمة التي حكمت (وما زالت تحكم لليوم)  قامت بما تمليه عليها مسؤولياتها في تحقيق الديمقراطية والعدالة وترخيص العمل الحزبي وحرية الصحافة والاعلام والانتخابات ودستور دائم وقضاء عادل ....فمن كان سيعلن التمرد ويقاوم النظام؟
*) الشكر الجزيل لشقيقة الشهيدة جوليت السيدة هناء داود خوشابا وزوجها السيد وليد بيقوندا لتزويدهم بالمعلومات والصور
*) الشكر لرفاق منظمة الحزب الشيوعي العراقي في القوش لتزويدهم بصور الشهيد

**** المجد والخلود لذكرى الشهداء هرمز وجوليت وأبنائهم السبعة
**** المواساة لأهاليهم وأحبتهم وكل من عرفهم وعمل معهم في سبيل الوطن
**** العار يلاحق البعث وأزلامه وكل من شارك بذبح هذا الشعب خدمة للمخابرات الاجنبية

كمال يلدو
آيار ٢٠١٩

9
مجدا لبطلة الأول من آيار،القائدة العمالية الامريكية لوسي كَونزاليس ـ  بارسونس

في ٧ آذار ١٩٤٢، شب حريق في بيتها الصغير بمدينة شيكاغو الامريكية، في شارع  ـ نورث تروي ـ  وكانت آنذاك قد بلغت ٨٦ عاماً، فأتى عليها وعلى البيت سويةً.
ولدت القائدة النقابية لوسي كَونزاليس ـ بارسونس عام ١٨٥٣ في ولاية تكساس لعائلة ملونة ( مكسيكية ـ من السكان الاصليين ـ سوداء )، وكانت عائلتها مملوكة ضمن العبيد. وتعتبر أول امرأة من اصول ملونة ولجت دروب النضال العمالي النقابي ـ والتحرري السياسي ، من اجل الاشتراكية والعدالة الاجتماعية والمساواة ليس في امريكا فحسب، بل وفي كل العالم . وقد اصطدم اختيارها هذا وبعمر مبكر مع المنظمة العنصرية الارهابية الواسعة الانتشار في الجنوب الامريكي ال ( كو كلاس كلان)، مما ترتب عليه من ملاحقات وسجون  وعمل شاق وحياة اجتماعية قاسية  وحتى خسارة أقرب الناس اليها.  لكن دروب الكفاح هذه دلّتها ايضا الى توأم روحها، ذلك الشاب (الابيض) الوسيم والمدافع عن المساواة والعدالة الاجتماعية بين الامريكان ومن كل الالوان، فكان أن اقترنا، إلا ان النظام العنصري في ولاية تكساس الامريكية لم يعترفوا بعقد الزواج، لابل انهم طردوهم من الولاية بعد ان أصّرا على البقاء سوية، فتوجها للعيش في مدينة شيكاغو .
بعد وصولهم لشيكاغو، التي كانت تعج بالنضالات السياسية والعمالية، فقد انضما لحلقتين واحدة تدعو لتشكيل اتحادات قوية لعمال القطاع الصناعي، والثانية تدعو لنشر الافكار الاشتراكية . وفيما ركزّت (لوسي) عملها لتنظيم العمل النقابي النسوي ، فقد انصرف زوجها ( ( آلبرت بارسونس) الى العمل التنظيمي والخطابي، وكان يعتبر واحداً من النقابيين اللامعين القلائل في شيكاغو من غير المهاجرين الجدد!
في صبيحة السبت الأول من آيار ١٨٨٦، قام الزوجان ومعهما ابنتيهما الاثنتان بقيادة اول مسيرة احتفالية بمناسبة (عيد العمال) في مدينة شيكاغو (في شارع مشيكان آفنيو) شارك فيها (٨٠ ألف) عامل مطالبين بيوم عمل من (٨ ساعات)، وتزامنا معها انطلقت مسيرات احتفالية في مدن امريكية اخرى وصل عدد المشاركين بها الى (١٠٠ألف عامل) من حوالي ١٣ ألف معمل وورشة صغيرة .
مضت أربعة ايام على هذا الحدث حيث انطلق تجمع آخر يوم ٤ آيار  ١٨٨٦  في منطقة (هي ماركيت سكويرـ قبالة معمل مكورمك) للتضامن مع العمال المضربين (وقد سبقتها جريمة قتل ٦ عمال مضرين  قبلها بيوم)، وكانت توجد حشود من الشرطة والمخبرين في تلك الساحة، وحدث ما كان يخطط له اصحاب المعامل ورؤوس الاموال المعادين للحركة النقابية حيث القيت قنبلة على تجمع الشرطة راح ضحيتها (٧ قتلى) من الشرطة، التي بادرت باطلاق النار العشوائي والقاء القبض على ثمانية من  ابرز قيادات التظاهرة، وانتهى الامر بعد أشهر بصدور احكام جائرة ضدهم كانت وفاة احدهم في السجن، وحكم على إثنان بالسجن ١٥ عاما، وواحداً بالسجن المؤبد وأربعة بالشنق، ومن ضمنهم كان زوج  لوسي ، النقابي  ـ آلبرت بارسونس ـ.    لقد مثلّت تلك الحادثة ونتائجها ضربة كبيرة للعمل النقابي وللحركة العمالية  في عموم البلاد ، وأظهرت مدى استعداد الرأسماليين وأصحاب رؤوس الاموال  لاغراق الشوارع بالدماء منعاً لقيام حركة عمالية كبيرة ومنظمة، لكن كل تلك الاحداث ونتائجها لم تثني   ـ لوسي ـ من المطالبة بإعادة المحاكمة للمعتقلين وإثبات الجناة الحقيقين في مقتل الشرطة السبعة، وأمام اصرارها هذا دفع أحد المسؤولين في شيكاغو للقول : إن هذه السيدة أخطر بكثير من آلاف المتظاهرين !  وقد اثبتت التحقيقات لاحقا بأن المتظاهرين او القادة الذين القي القبض عليهم كانوا أبرياء من هذه الجريمة.
رغم خسارة زوجها، وفقدانها لابنتها نتيجة المرض بعد عامين، لكنها استمرت بالنضال وهذه المرة مع النساء المعدمات والفقيرات حيث قادت التظاهرات باتجاه الاحياء الغنية لعرض اوضاعهم وكسب التعاطف مع شرعية مطالبهم.

يستمر عملها ومشاركتها في الاضرابات والتظاهرات، وفي عموم البلاد، ومع العام ١٩٠٥، حضرت هي و (الأم جونس) الى مؤتمر ضم ٢٠٠ مندوب كنّ هنّ النساء الوحيدات فيه ،  والذي تمخض عنه تأسيس (جيش العمال الصناعيين) وكانت تناشد النساء بالقول: لا تكونوا عبيدا للعبيد، وكانت تستنكر استخدام الشرطة للعنف والقمع في مواجة التظاهرات العمالية، لابل انها طرحت في خطاب مطوّل بالمؤتمر الى تبني مبدأ نبذ العنف ، والاعتصامات السلمية، والبقاء في المعامل أثناء الاضراب والحفاظ على كل الممتلكات من التخريب، ويبدو ان هذه المناشدات وجدت صداها في السنين اللاحقة (بعد ثلاثين عاما) في النضال السلمي الذي قاده ـ المهاتما غاندي ـ ضد النظام الكولونيالي الاستعماري في الهند للمطالبة بالاستقلال، وذات الشئ في عقد الخمسينات والستينات من القرن المنصرم في حركة الحقوق المدنية التي قادها ـ القس مارتن لوثر كنج ـ والتي تكللت باصدار مجموعة من التشريعات المدنية والغاء التمييز العنصري ضد السود والملونين.

اكتسبت شخصيتها بعداً وطنياً وعالميا في الحركة العمالية ، وقد شاركت في مؤتمراً نقابيا بانكلترا في شباط ١٩٤١، ومن ثم طلب منها تجمع عمال المكائن الزراعية، والمطالبين بحقوق المكفوفين والعمال المؤقتين من القاء خطابا حماسيا في مؤتمرهم لدفع نضالهم واعطاءه مزيدا من الحيوية. كما دعيت في نفس العام لتكون ضيفة الشرف في مسيرة الأول من آيار في لندن .
من المؤكد بأن ما حصل عليه العمال والشغيلة من حقوق  ـ ٨ ساعات يوم عمل ـ رعاية الامومة والطفولة ـ الضمان الصحي ـ تعويضات للاعاقة بفعل العمل ـ الاجازات السنوية والمرضية ـ  التعويض في حالة الطرد القسري ـ التقاعد لدى بعض المصانع ـ  القروض الممنوحة بفوائد قليلة وغيرها من الحقوق، التي يتمعون بها الى اليوم ، لم تأت بالمجان  بل كانت نتيجة تضحيات وسهر وعمل وملاحقات وسجون، لكن تبقى هناك غصة في القلب في الطريقة التي تعاملت السلطات أمس ولليوم مع القائدة النقابية (لوسي كونزاليس ـ بارسونس)، حيث لا يرد لها ذكر من بين الرائدات النسويات، ولا توجد اية اشارة لها في المناهج الدراسية، وهذا يكشف مدى العنصرية والطبقية في التعامل مع هذه الشخصية المضحية .

عشية الحريق الذي اتى عليها وعلى بيتها الصغير يوم السبت السابع من آذار عام ١٩٤٢، وقف رجال الامن والمحققين أمام ذلك الحطام ليتأكدوا بأن قضية (لوسي كونزاليس ـ بارسونس) قد انتهت مع هذا الحريق!
فقاموا بجمع كل كتاباتها وأوراقها ومكتبتها وكل مقتنياتها الشخصية ، وأختفت منذ ذلك اليوم وإلى الآن، لكنهم لم يتمكنوا من محوا اسمها ودورها النضالي والارث الذي تركته، ولو تتبعنا لغة الارقام، فقد قادت أول مسيرة للاحتفال بالأول من آيار عام ١٨٨٦  وهي بعمر  ـ ٣٣ عاما ـ واستشهد زوجها في ذات العام، وبقت في دروب النضال بعد رحيله ـ ٥٩ ـ عاما  لتتوفى عام ١٩٤٢، فما اروعها وما اعظم تضحياتها .
 يقول الكاتب الامريكي ـ اوجي ماندينو ـ : كل عمل عظيم في تأريخ البشرية هو انتصار لمبدأ التفاؤل، ولا يمكن تحقيق أي شئ دونه، لأنه يمثل حالة التحدي لأي شئ مهما كان صعباً أو مرعباً، وبدونه فإن الانسان يسقط في الوهن، لكن معه تستطيع تحقيق المعجزات!
المصادر:
** جمعت معظم هذه المعلومات من  صفحة (زن ـ للتعريف بالشخصيات الامريكية)
** من كتابات المؤرخ والباحث الامريكي وليام لورين كاتز ، المختص بتأريخ سكان البلد الاصليين وعلاقتهم بالشعب الاسود
**  https://www.zinnedproject.org/materials/lucy-gonzales-parsons/
كمال يلدو
آيار ٢٠١٩



10
شكرا جزيلاً اخوني ناصر على مرورك العطر وتعليقك الجميل ، مع العلم انك تبهرني بمتابعاتك الجميلة وتعليقاتك النابعة من حس وطني أصيل  مزدان بسني ارتباطك والتزامك بالقضية الوطنية العادلة إن كانت تخص الشعب العراقي بمكوناته المنوعة او بالمكون الكلداني الاصيل . أشد على يدك ايها النبيل وأشكرك من قلبي
لا يفوتني ان اشكر (عنكاوا دوت كوم) هذه الخيمة الوارفة بظلالها ، وبجهود الغالي أخي وصديقي أمير المالح ، لما توفره لنا من مساحة للنشر او للتعبير عن وجهات نظرنا والتواصل مع احبتنا حول العالم . يقنا  ...أنا مدين لهم ولكل المواقع النبيلة التي تساهم بنشر الكلمة الحرة في زمن الضياع والبؤس وحكم الاوغاد والسفلة!

11
سلاماً لذكرى الشهيد النصير رعد بولص ميخو

علمتنا الحياة دروساً كثيرة في طريقة تعامل الشعوب مع الأنظمة الحاكمة. فإما مجموعة قابلة بالنظام قهراً وتعبّر عنه بالسكوت و اللامبالاة خوفاً من بطشه أو العمل معه لأغراض في النفوس أو مجموعة تنطلق من قناعة مطلقة بالنظام لتتحول إلى أداة طيعة  بيدهِ بغية تحقيق مآربها، او بين رافض  يعبّر عنه بالسكوت ايضاً أو المعارضة . لكن حينما يتحول النظام إلى غول وذئب جارح، فالمعادلة تختلف ايضاً  تبعاً لقاعدة  الفعل ورد الفعل ،  وهكذا تنشأ المقاومة والمعارضة المسلحة أو السلمية.  وبين الجلوس على التل أو العمل لتغيير النظام مسافة اصطبغت بلون الدماء لأن  غاية  ألانظمة الحاكمة في العراق لم تكن خدمة الشعب والإرتقاء به الى أعلى المستويات بل إستخدامه حمّالة لبلوغ مآربها واشباع رغباتها وامراضها النفسية وكان ابرز نماذجها نظام البعث الاجرامي الدموي . فالبعض الذي كان يجلس على التل متفرجاً وما كان منه موقف سوى الدعوة بأن مقاومة النظام هي عبارة عن مغامرة تجاه نظام يمتلك الجيش والشرطة والمخابرات والطيران ناسياً أو متناسياً بأن كل هذه الادوات ممكن أن تتحول الى ادوات لانهاء هذه الانظمة والخلاص منها. ولعلي في هذا المقام استشهد بمقولة لقائد الهند العظيم "المهاتما غاندي"  الذي قال يوماً: قد يتمكنوا من تعذيب جسدي، أو كسر عظامي أو حتى قتلي ، وحينها لن يكن بين ايديهم سوى جسد ميت، لكن لن يتمكنوا من جعلي عبداً مطيعاً لهم!
رحلتنا اليوم مع الشهيد  النصير رعد بولص ميخو المولود عام ١٩٦٣ في بلدة القوش ،محلة (سينا) والتابعة لمحافظة نينوى، والدته كانت المرحومة كتّي أبونا، اما اشقاءه فهم : إسحق، إيليا، ميخا، بنّو، اوراها وأودا ، وشقيقاته: كَوزه ـ وارو ـ جانيت ـ سلوى.
يروي صديق العائلة ألفريد ختّي بعض ذكرياته ويقول: ينحدر الشهيد رعد من عائلة فلاحية/ عمالية كادحة ذات حالة اقتصادية بسيطة  ومواقف وطنية تقدمية، إذ كان والده يعمل بالفلاحة وطحن الحبوب، اما الشهيد فقد عمل في الفلاحة والعمّالة وأنهى دراسته المتوسطة، ويشار له بأنه طيب المعشر. ورغم انه يصغرني سناً حيث كنت صديقاً لشقيقه الاكبر (اودا) لكني كنت اتابع نشاطه الوطني عن قرب، لاننا من بلدة واحدة اولًا وثانياً لطبيعة الاوضاع الحساسة التي كان يشهدها العراق وقربي من عائلته .
لم يكن خبر استشهاده هو و ثمانية أنصار آخرين ( إثنان آخران من القوش) بالأمر الهين على  البلدة، ولكن والحال هذا ماذا كان بالإمكان عمله سوى كظم الغضب والألم وإنتظار لحظة انجلاء هذا الليل الطويل . فقد قام مخبروا ألامن في بلدتنا بنشر خبر الإستشهاد بين ابناء البلدة وانتظار ردود افعالهم حتى يكملوا اعمالهم القذرة بالانتقام منهم. ولعلي هنا اتذكر ، والكلام مازال لصديق العائلة الفريد ختّي: فلم تتمكن العوائل من إقامة مراسم عزاء علنية، إذ تمت في السر ، وساد حزن كبير لدى معظم عوائل القوش، وبينما أجمعت الاغلبية بأنه خبر مؤسف لكن كان هناك فريقاً يقول، انه المبدأ والشهادة هي الطريق الصحيح !
أما الشهادة الثانية فكانت من رفيقه في العمل النصير كامل حمّيكا حيث يتذكّر :  لقد كان لي الشرف أن اساعد الشهيد رعد (سلمان) للإلتحاق برفاقه الانصارفي الجبل عام ١٩٨٢ بعد معاناة غير قليلة في الاختفاء من عيون البعث وعملائه، ناهيك عن ان الشهيد كان انساناً مبدأياً ولم يستسلم لسياسة النظام في القتل والترهيب تجاه اي انسان غير بعثي او غير موال لهم، علماً ان فرص النجاة من النظام باتت محدودة في ظل بسط قبضته الارهابية الحديدية على عموم العراق ولم يبقى امامنا  سوى الجبل ومآسي الجبل!
 عمل بعد التحاقه بالأنصار في السرية المستقلة  في بهدينان ثم  في الفوج الاول وعرف عنه جرأته وإقدامه وشجاعته.
وتعود بي الذاكرة لتلك الساعات التي حملت بين ثناياها ذاك الخبر المأساوي .  فقد كان الوقت حوالي الساعة الثانية والنصف ظهراً من يوم الخميس ٢٣ آيار ١٩٨٥، وكنت أنا وبعض الرفاق بمهة حراسة في جبل القوش حينما شاهدنا  سربان من الطائرات، إثنتان سمتيتان وإثنتان أليوت جنب منطقة (كَلي كورت)، وسمعنا ايضا رمي مدافع الدوشكا وصواريخ راجمة ، وزاد قلقنا بعد القصف من ان هناك حركة ما تجري هناك.
علمتُ عن تلك التفاصيل في اليوم التالي حينما زارني الرفيق جيجو ـ ابو حسن ـ وقال بأن كارثة حدثت يوم أمس وصار ينقل تفاصيلها: كانت توجد مفرزة الرفاق في حدود منطقة بيرموس ـ مجاور كَلي كورت، ويبدو ان آمر المفرزة (آمر الفوج) توفيق زوغاد والمستشار السياسي للمفرزة أبو محمود كانوا بمهمة اشراف بمنطقة قريبة، وحينما تأخرت عودتهم ساد شعور من القلق بالخشية من وقوعهم بكمين للسلطة، فتحرك الرفاق للاستطلاع بإتجاه (كفري وزير) التي تقع خلف دير الربّان هرمز، ونعتقد بأن عملاء السلطة قاموا بالابلاغ عنّا ، حتى لم يمض وقت طويل وظهرت الطائرات في سماء المنطقة فحدثت المواجهة غير المتكافئة والتي دامت حوالي النصف ساعة  ما بين مقاومة الطائرات المهاجمة والقصف حيث وقع الرفاق في منطقة مكشوفة ومنبسطة تقع على يمين بلدة بيرموس، إذ تمكن منهم طيران  السلطة وسقط فيها عشرة شهداء مرة واحدة، وهي تعتبر اقسى معركة قدم فيها الانصار الشيوعيين هذا العدد من الشهداء (مقارنة بجريمة بشت آشان التي اقترفها عملاء البعث من قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني) اما الشهداء فكانوا : ( ١ـ رياض عبد الرزاق محسن علي الشرع (أحمد) ٢ـ  نضال حمزاوي عبد نور الكَرعاوي (نبيل) ٣ـ  جميل أحمد صالح  سواري  (أبو هلال)  ٤ـ  عيدو كورو (دلير)  ٥ـ جوقي علي (أبو ماريا)  ٦ـ فرج  حاجي عثمان (جكرخوين)  ٧ـ  طلال  ياقو شمو توماس (سعد) ٨ـ باسل حنا هرمز حميكا (طلال) ٩ـ  و رعد بولص ميخو (سلمان) ١٠ـ سعد ياقو صادق (طلال)  وقد تمكن الرفاق المتبقين من سحب جثامين الشهداء ونقلها الى مقبرة بيرموز القريبة من الحدث حيث جرى دفنهم هناك.
وعلى الرغم من مضي حوالي ٢٥ عاما على تلك الواقعة فإن رفاق الشهداء لم ينسوهم ،  حيث قامت منظمة الحزب في القوش ومع الأهالي والشبيبة يوم ٢٩ نيسان ٢٠١١ بنقل رفات ثلاث مقاتلين الى مقبرة كنيسة القوش،  وكان من بينهم رفات الشهيد رعد ورفيقه طلال ياقو توماس وشقيقه خيري ياقو توماس الذي استشهد في واقعة اخرى، وسط حفل جماهيري وسياسي كبير شارك فيه عوائل وأهالي وأصدقاء الشهداء  وعبّر عن وفاء البلدة لأبناءها النجباء  واستنكارها للسياسات القمعية لجميع السطات الحاكمة قبلا واليوم.

الآن وقد انقضى ذاك النظام القذر، رغم انه اخذ معه ارواح مئات الآلاف من الشهداء والضحايا، وخلّف  الايتام والجرحى والمعوقين والمغتربين والنازحين، فهل يا ترى تعلمنا درساً ام ان المشهد سيعاود الكرّة لكن مع اوغاد وعملاء جدد. يقيني ان هناك طريقاً واحداً لخلاص العراق مما هو فيه ومركز ثقل هذا الطريق هو بيد النخب المثقفة والمفكرة والمستقلة عن المشاريع الاقليمية والدولية، نحو بناء الدولة المدنية العلمانية وضمان حرية عمل الاحزاب واحترام مبدأ التبادل السلمي للسلطة وسيادة القضاء والقانون   ، بأمل ان تتوقف مآسي العراق ويبدأ السير نحو شاطئ الامان والتقدم.
(شكرا لموقع عنكاوا الغالي لنشره صور نقل رفاة الشهداء والتشييع)

** مجداً للشهيد رعد بولص ميخو ورفاقه الابطال
** المواساة لعائلته الكريمة ومحبيه واصدقائه
** العار لنظام البعث وكل من يغطي على جرائمه
كمال يلدو
نيسان ٢٠١٩





12

من هو مرشح ألانتخابات ألامريكية  الاشتراكي الديمقراطي بيرني ساندرز؟

لقد كان ضرباً من الخيال أن يتحدث سنتوراً امريكاً وبشكل علني عن المثل الاشتراكية الديمقراطية والأفكار ألانسانية التي تحملها مع العدالة الاجتماعية والمساواة، في بلد كالولايات ألمتحدة ألامريكية المعروفة بمواقفها من حركات التحرر والانظمة المؤيدة للفكرة الاشتراكية الديمقراطية،  لابل مازالت الكثير من ألمناهج الدراسية والأفكار السائدة  متأثرة بالحقبة المكارثية سيئة الصيت وآثارها المدمرة على حرية التفكيرداخل المجتمع الامريكي في معاداة الشيوعية والاشتراكية والانتقام من حملة تلك الافكار.  لكن كل تلك المخاوف تتبدد حينما تستمع لخطابات ألسنتاتورألامريكي عن ولاية (فيرمانت) بيرنارد (بيرني) ساندرز، مما يؤيد فكرة إن المثل والافكار الإنسانية لايمكن الحجر عليها أو محوها من ذاكرة الشعوب بتسليط الإرهاب.  أما المفارقة الكبرى التي يعرفها القاصي والدّاني فهي عن الاغلبية العظمى من مؤيدي حملات (ساندرز) والعاملين معه بأنهم من الشباب والطلاب والفئات ألعمرية الوسطى، وهم بالضرورة مستقبل هذا الشعب!

ولد بيرنارد ساندرز في مدينة بروكلين بولاية نيويورك عام ١٩٤١، من أبوين ذوي اصول بولندية كان اقربائهم قد شهدوا بطش ألقوات النازية ضد أليهود إبان ألحرب العالمية الثانية، مما ترك آثاراً كبيرة على تفكيره بالعمل والمناداة لمجتمع العدالة والمساوة، وربما تكون شخصية هتلر وأعماله وجرائمه  قد اثارت عنده النزعة الانسانية المفرطة كردة فعل . لم تكن عائلتهِ فقيرة لكنها لم تكن ميسورة ألحال ايضاً، فقد كان الأبوان يسعيان لتلبية حاجات العائلة الأساسية . بعد أن أنهى الثانوية في مدينة بروكلين بفترة قصيرة فقد والدته، وبعدها بسنين رحل والده .أنهى دراسة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة شيكاغو عام ١٩٦٤. بعد تخرجه من ألجامعة عاد الى نيويورك وعمل مدرساً ، ثم معاوناً في حقل المعالجة النفسية  ثم نجاراً.

يقول ساندرز بأن اهم مراحل حياته وبدايات نضجه السياسي كانت فترته الجامعية في شيكاغو، وهذه وجدت انعكاساتها في شخصيته ونشاطاته لحد هذا اليوم ، حيث تمكن من الإطلاّع وقراءة مؤلفات كثيرة لشخصيات أمريكية واوربية منها: توماس جيفرسون، ابراهام لنكولن، جان دموي، كارل ماركس  وإيريك فروم . إنضم في بداية الأمر الى (إتحاد الشباب الإشتراكي)  التابع للحزب الاشتراكي الامريكي ، ونشط في حركة (الحقوق المدنية) و لجنة الطلبة السلميين ألمناهضين للعنف، وفي العام ١٩٦٢ قاد مظاهرة  للطلبة ضد عميد الجامعة احتجاجا على سياسة التمييز العنصري في الاقسام الداخلية للطلبة و للمطالبة بالغاء هذا الفصل غير اللائق بالحياة الجامعية ، ونجح بمطالباته بعد عام.   وفي العام ١٩٦٣ كان ضمن ألتظاهرة الكبرى في واشنطن تلك التي ألقى فيها الزعيم الوطني مارتن لوثر كنج خطابه الشهير " عندي حلم" . وفي تلك الأيام وما تلاها كان نشطاً في مظاهرات الشباب ضد الحرب على فيتنام .

في العام ١٩٦٨ انتقل الى ولاية (فيرمونت) وعمل ايضا في النجارة ، وصناعة الافلام التوجيهية القصيرة وفي الكتابة ، وخاض اولى تجاربه السياسية ابتداءاً بالعام ١٩٧١ في الانتخابات المحلية بمدينته و انتخابات الولاية ،حتى افلح في  العام ١٩٨١ كمرشح مستقل حيث فاز بمنصب (عمدة مدينة برلنتون) التي تعتبر أكبر مدينة في الولاية واعيد إنتخابه لثلاث دورات متتالية ، وأثناء خدمته تلك تمكن من  تحقيق التوازن في ميزانية المدينة، واصبحت مدينته أول مدينة امريكية في إيجاد ميزانية مخصصة  للسكن لذوي الدخل المحدود ، كما عمل على تحديث مركز ألمدينة والمناطق المطلة على الماء لجعلها وجهات ترفيهية وسياحية ، وفي العام ١٩٨٧ اعتبرت جريدة (يو اس نيوز آند وورلد ريبورت) بيرني ساندرز كأفضل عمدة في عموم امريكا، وفي العام ٢٠١٣ اعتبرت مدينة (برلنتون) كأفضل مدينة امريكية.

في عام ١٩٩٠ انتخب عضواً في الكونغرس الأمريكي، وكان ثاني شخصية مستقلة بتأريخ امريكا يدخل الكونغرس وأول شخصية اشتراكية ايضاً كما قالت صحيفة الواشنطن بوست آنذاك .  وفي سنته الاولى كان ينتقد كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي ويعتبرهم اداة بيد الاغنياء. لقد وقف ضد الحرب على العراق عام ١٩٩١ و ٢٠٠٢ ، واحتلاله عام ٢٠٠٣، ووقف ضد (القانون الوطني للحماية ـ باتريوت آكت) لانه يسئ الى الحريات المدنية والشخصية، كما دعا الى تقنين حمل السلاح الشخصي عام ١٩٩٤، والى  وقف ألتسهيلات الهائلة التي تقدمها الدولة للبنوك والمصارف، وفي العام ٢٠٠١ ساند التصويت على قانون استخدام القوة لمحاربة الارهاب .   منذ العام ٢٠٠٧ اصبح عضواً في مجلس الشيوخ الامريكي .

دخل بيرني ساندرز معترك الانتخابات الرئاسية في انتخابات ٢٠١٦  كمرشح مستقل لكن ضمن تحالف مع الحزب الديمقراطي، وبرع في جولاته الانتخابية التي طرح فيها أبرز تصوراته ومفاهيمه والتي لاقت تجاوباً وقبولاً كبيرين من قبل فئتي الطلبة والشباب ومتوسطي الاعمار ومن كلا الجنسين وكل القوميات والاطياف.  لقد رفض المرشح بيرني ساندرز اي دعم مالي من المؤسسات الكبيرة وكان يصر بأن يكون تمويل حملته الانتخابية من التبرعات الصغيرة للمواطنين،  ودعا الى تطوير البرامج القائمة حاليا مثل الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية المستديمة والمتوافقة مع نظام الاشتراكية الديمقراطية المعمول بها في اوربا والدول الاسكندنافية بالذات، وطالب بأن يكون لامريكا مواقف اكثر جرأة من التغيرات البيئية والمناخية   ونادى بالإصلاح المصرفي ووضع حد لسياسة (وول ستريت) والتلاعب بمصير الاقتصاد .  وعشية إنعقاد مؤتمر مندوبي الحزب الديمقراطي  لتحديد المرشح الأخير لمنافسة مرشح الحزب الجمهوري، فقد خسر ذاك النزال بنسبة ٤٣٪ الى ٥٥٪ لمصلحة هيلاري كلنتون. ويومها طلب من كل مؤازريه ان يساندوا مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات للفوز على مرشح الحزب الجمهوري  دونالد ترامب ، مؤكدا على ضرورة استمرار روح (ألثورة السياسية) التي أطلق شرارتها عشية دخوله معترك الإنتخابات الرئاسية.
وفي شباط من هذا العام أعلن بيرني ساندرز مجددا ترشحه ضمن الحزب الديمقراطي للإنتخابات الرئاسية المزمع وقوعها في العام ٢٠٢٠ ضد الرئيس الجمهوري  دونالد ترامب .اما اهم بنود برنامجه الانتخابي فهي:
ـ يؤيد حقوق العمال
ـ يدعو للمساواة الاقتصادية في المجتمع
ـ يدعو الى نظام رعاية صحية موحد يشمل كل المواطنين
ـ يدعو الى ضمان الدفع لحقوق العاملات لفترة الامومة
ـ مجانية التعليم لكل المراحل الدراسية بما فيها الجامعية
ـ ان نمتلك الجرأة في مناقشة القضايا الاجتماعية المعقدة
ـ المزيد من الصرامة في قوانين حيازة الاسلحة
ـ سياسة انسانية واضحة ومرسومة تجاه قضية الهجرة
ـ يدعو الى تخفيض الميزانية المخصصة لوزارة الدفاع ، وصرف الفائض على المشاريع الصحية والتعليمية  في البلد
ـ تفضيل الحلول السياسية  والسلمية على سواها في العلاقات الدولية
ـ تعزيز التعاون الدولي، وعدم التقوقع
ـ التأكيد على حقوق العمال ، والحفاظ على البيئة في المؤتمرات الدولية
ـ أن يكون للولايات المتحدة دورا اكبر  اثناء النقاش حول الاتفاقيات الاقتصادية الدولية

ينطلق بيرني ساندرز في حركته لإحداث التغيير في الولايات المتحدة من خلال حركة وطنية تقدمية شاملة لعموم الوطن  تأتي عن طريق  ثورة سياسية  بديلاً عن  الثورة العنفية.
قد لا يحظى بالفوز هذه المرة، وقد يفوز! وحتى لو إنتصر وأصبح هو الرئيس فهذا لن يكون إلا بداية المشوار الطويل والصعب في تغيير الولايات المتحدة نحو مجتمع العدالة والمساواة بعيدا عن مجتمع حكم فئة صغيرة جدا  تسيطر على معظم واردات البلد . ان حركة المرشح بيرني ساندر وقبلها ومعها حركة " حزب الخضر" و " اتحاد جميع الالوان" وعمل الاتحادات المهنية والنقابات ، هي مؤشر مهم على ديناميكية هذا المجتمع وتأثر نخبه المثقفة بما يجري في البلاد والعالم، وكما ردد مناضلوا حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة ومعهم اليوم ساندرز:
 سنتغلب في النهاية!
We shall over come .....We shall over come one day

كمال يلدو
٣١ آذار ٢٠١٩




13
تحية لمخترع نظام إطعام ألجياع في أمريكا، جان فان هينجل
John Van Hengel and feeding the poor

ما كان للبشرية أن تصل لما وصلت إليه أليوم لولا صحة مقولة: ألفرد للكل وألكل للفرد! . هكذا تتجسد كل ألقيم ألإنسانية في فعل ألمساعدة وألعمل ألتضامني، وألذي لولاه لكانت ألصورة أكثر قتامة. تلعب ألصدفة أحيانا لعبتها، لكنها بحاجة دائمة للإنسان ألذي سيجسد فعلها الخارق!    ولعلي هنا أستعيرمقولة جميلة قالها ألفنان الكوميدي الامريكي من ألاصول اللبنانية داني توماس: ألنجاح ألحقيقي ليس فقط بما تحققه في حياتك ألشخصية، إنما هو بما تقدمه للآخرين دون مقابل!      
فعلى ألرغم من كل ما وصلت إليه ألولايات ألمتحدة من تقدم تقني، ومن وجود عدة برامج حكومية وشبه حكومية لمساعدة ألمحتاجين وألعاطلين عن ألعمل والمرضى والمعاقين، لكن تبقى هناك فئة من السكان تقدر بحوالي (٤٠ مليون إنسان ـ ١ من كل ٦ أشخاص) تتطلع الى مساعدة إضافية للبقاء على قيد الحياة والتخلص من ألجوع. 
   
ولد جان فان هينجل، ألذي يعتبر ألاب ألروحي ومخترع فكرة (ألبنك ألغذائي ـ Food Bank -) في شباط عام ١٩٢٣ في ولاية ويسكانسن ألامريكية من أبوين ألمانيين، حيث كانت أُمه ممرضة فيما  كان  والده صيدلانياً . حصل على شهادة ألبكالوريوس في ( إدارة الدولة) من ـ- جامعة لورنس ـ في ويسكانسن، إنتقل بعدها إلى عدة ولايات ومارس عدة مهن، وفي ألعام ١٩٦٠ عاد إلى مدينته وعمل في مقلع حجري. أصيب بشلل جزئي نتيجة تدخله لفض شجار بين إثنين في أحد ألبارات مما تسبب في إرساله إلى مصح  مقرونة بفترة نقاهة  بدنية في ولاية اريزونا، وبعد فترة إستعاد عافيته وتجاوز ألعاهة ، فعمل كمنقذ للحياة في المسبح والبلاجات Life guard، وكان أكبرهم سناً حيث بلغ الرابعة والاربعين.
ينحدر السيد (جان) من عائلة ألمانية كاثوليكية. عمل متطوعاً  قي سياقة سيارة نقل تابعة لكنيسة (ألقلب ألاقدس ـ  مدينة فينكس)، ومعها بدء مشواره في ألعمل ألتطوعي،  حيث إلتحق ب ( مطبخ إطعام الجياع ـ مؤسسة القديس فينسنت دي بول ـ Soup kitchen) . هذا ألعمل ألتطوعي دفعه لمفاتحة بعض أصحاب (ألسوبرماركيت)  في منطقته السكنية ، فيما لو كانت عندهم بضائع فائضة عن ألحاجة لتقديمها لجياع  المطبخ !  فكان له ذلك، ثم إزدادت علاقاته بأصحاب ألمحلات، فقام بشراء سيارة مستعملة بقيمة (١٥٠ دولار) لتسهيل نقل ألبضائع، وتضاعفت ألمواد  وحجومها مما دعاه لمفاتحة ـ راعي كنيسة القديسة مريم ألاب رونالد كولوني ـFather  Ronald collony ـ لغرض توفير مكان لخزن البضائع الزائدة، فما كان من هذا الاب إلا أن استجاب لطلبهِ ومنحه بناية مهجورة تابعة للكنيسة كانت فرناً في السابق ومعها مبلغ  ٣٠٠٠ألف دولار لتمشية مشروعه . لقد كان أمراً مدهشاً له حجم المواد (التالفة وغير التالفة) التي كانت تلقيها خارجا وتتخلص منها محلات السوبرماركيتات في مدينته كل يوم، وهذه البناية ساعدت على خزن ألمواد  ألغير قابلة للتلف لغرض إستخدامها لاحقا في مطبخ إطعام ألجياع .
في أحد ألايام وبينما كان يستلم الاغذية الزائدة من ألباب الخلفي لأحد ألسوبرماركيتات وإذا به يلحظ سيدة تقوم بالبحث في صندوق أزبال السوبرماركيت....فأقترب منها وسألها ماذا تفعلين؟ فأجابتهه: انا ام وعليّ إطعام (١٠) ابناء كل يوم ، ومثلما تراني، فإني آتي كل نهار الى هنا وابحث في الاطعمة التي يلقونها، فالكثير منها جيد وصالح للتناول ، ثم توقفت قليلا وأكملت: ماذا لو كان هناك مكان يقصده ألجياع وألمحتاجين ليأخذوا حاجتهم من ألطعام، مثلما يفعل الناس بالذهاب للبنوك عندما يحتاجون للنقود ، ولتكن تسميته (((( البنك الغذائي ـFood bank))))!
كان هذا ألحوار كاف لإطلاق سلسلة ألافكار في عقل ألسيد (جان) الذي لم يكن بعيداً عنها ، وفعلا بدأ ألعمل وألتخطيط لذلك . وما أن حل ألعام ١٩٦٧، أي بعد مرور عام كامل على تلك ألحادثة حتى كان (جان) قد إفتتح أول مكان لخزن الطعام (لفترة طويلة) ومن الذي تلقيه خارجاً السوبرماركيتات وسماه ( بنك القديسة مريم للطعام)، تيمنا بالمساعدة ألتي قدمتها له ألكنيسة في بداية مشواره ألتطوعي،  وتمكن في عامه ألاول وبمساعدة ألمتطوعين من توزيع (٢٧٥ ألف باوند) أغذية إستفاد منها الفقراء بينما كانت كلها في طريقها للمزابل.

لقد عمل ألسيد (جان) لعقداً من ألزمن متطوعاً وبدون راتب، وكان يأخذ طعامه من (ذات) ألمطبخ ألذي يعمل به متطوعاً، وينام في غرفة تبرع بها أحد ألاشخاص وكانت تقع فوق أحد الكراجات!

في ألعام ١٩٧٥ إستلم ألسيد (جان) دعماً حكوميا بقيمة (٥٠ ألف دولار) إستخدمها لتأسيس (١٨ مركزاً) لبنوك ألطعام على عموم ألولايات المتحدة، وفي ألعام ١٩٧٦ أسس مؤسسة ( ألحصاد ألثاني لإطعام أميركا ـ Second harvest feeding America)  فيما تجاوزت أعداها اليوم ال (٢٠٠) مركز على عموم ألبلاد.
لقد ساهم تسجيل هذه المؤسسة تحت بند المؤسسات غيرألربحية، في منح محلات ألسوبرماركيت ومخازن بيع ألأطعمة والملاعب وألمطاعم وقاعات الحفلات ألتي تتبرع بالأغذية وصولات (إعفاء ضريبي) عن قيمة ألمواد ألمتبرع بها ، بدلا من أن ترمى في ألقمامة، وفي ألعام ١٩٨٣ ، أسس السيد (جان) مؤسسة ( إطعام أميركا ـ Feeding America) ، وألتي تحولت عام ١٩٩١ ألى مؤسسة عالمية بإسم:  منظومة مصارف ألطعام الدولية ـ Global Food Banking Network
وعمل ألسيد (جان) مستشارا للكثير من هذه البنوك في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا واوربا.
حصل السيد (جان) على (١٠) جوائز وطنية ما بين الاعوام ١٩٧٢ ـ ٢٠٠٣، تكريما لعمله الانساني ، هذا إضافة للعديد من ألتكريمات ألمحلية ألتي كانت تشيد بتجرته ألانسانية ألرائدة في مساعدة ألفقراء وألمحتاجين وألحفاظ على كرامتهم ألانسانية!

تقوم هذه المؤسسة  بتقديم المساعدة الغذائية لحوالي ٤٦ مليون مواطن في امريكا، بينهم ١٢ مليون طفل و ٧ مليون من كبار السن وذلك من خلال  (٢٠٠ مركز توزيع خاص بهم ، وعشرات السيارات الكبيرة وآلاف المتطوعين ومن كل الاعمار والاجناس) و أكثر من (٦٠ ألف ) مخزن ومؤسسة ومطبخ لإطعام الفقراء والجياع والمحتاجين في عموم البلاد . ولعل خير دليل على عملهم الانساني الكبير هو ما تكشفه الارقام وهذه بعض الاحصائيات التي تمنح المتابع فكرة عن حجم عملهم وحجم الجوع الموجود ، والفراغ الذي جرى تغطيته من خلال هذه ألمؤسسة ألخيرية وغيرها، مضافاً لذلك عظمة ألإبداع ألإنساني في مساعدة ألآخرين ممثلةً بشخص ألراحل (جان فان هينجل) وألذي غادر هذا ألعالم  في أكتوبر عام  ٢٠٠٥ .
** عام ٢٠١٠ : تقديم ما مجموعه (١ بليون وجبة طعام) للجياع
** عام ٢٠١٢: جرى توزيع ٣,٣٩ (بليون) باوند من ألاطعمة للمحتاجين
**عام ٢٠١٤: تقديم الطعام الى ٤٦ مليون جائع بمجموع  ٣،٦ بليون وجبة في السنة
** عام ٢٠١٥: تقديم ألطعام بمجموع ٣،٧ بليون وجبة طعام
** عام ٢٠١٦: تقديم ٤ بليون وجبة طعام في السنة ، مع توفير ١،٢٥ بليون باوند من ألفواكه وألخضار، و توفير ٢،٨ بليون باوند من ألطعام
** عام ٢٠١٧: تقديم ٤،٢ بليون وجبة طعام للفقراء وألمحتاجين وألجياع!

ولعل من المفارقات الجميلة في حياة هذا الانسان النبيل  أنه في العام ١٩٨٧ سنحت له ألفرصة لزيارة جذور عائلته في اوربا  بعد فوزه ببطاقة سفر، وقد  وجد في مقبرة بالعاصمة الهولندية امستردام (شاهد) على قبر أحد أجداده ـ ديرك فان هينجل Dirk Van Hengel ـ وألمتوفي عام ١٦٤٩ عبارة : (( لقد أطعم ألجياع في المانيا)) !
أما اللوح ألتذكاري على قبر ألراحل جان فان هينجل فقد حمل عبارة:
 (( سيكون ممكناً العيش مع ألفقر دوماً، لكن لماذا يكون ألجوع بيننا))!


** معظم المعلومات جرى استخلاصها من شبكة المعلومات (ويكابيديا)
كمال يلدو
آذار ٢٠١٩


14
سلاماً لذكرى الشهيد حنّا جيجو
في مسيرة الحركة الوطنية العراقية قصصا كثيرة تجسد اروع صور ألتضحية من اجل حياة  ومسقبل أفضل، وليس بالضرورة أن يكون أبطالها أناساً منظمين او سياسيين، بل بالعكس ، ربما يكونوا اناساً عاديين قادتهم  الحاجة والشعور بالمسؤولية والرغبة بالتغيير نحو الولوج في دروب الكفاح الصعبة، خاصة عندما تخون الانظمة والحاكم المهمة النبيلة التي اوكلت لهم ، لقيادة البلد نحو التقدم والحياة الحرة وضمان المستقبل . وقصة اليوم تدور عن احد هؤلاء الابطال الذين قضوا في سبيل الاهداف السامية، ولعل السيد " الفا عمر كوناري" رئيس جمهورية مالي كان محقاً حينما قال: إن الشهادة في سبيل الوطن ليست مصيرا سيئاً، بل هي خلود في موت رائع!
ولد الشهيد حنّا جيجو عام ١٩٤٦ في بلدة القوش ، وبالتحديد في  (محلة سينا) ، والده كان  يوسف الملقب ( جيجو)، ووالدته نعمة جبرائيل القس يونان، واخوته حبيب (حبو)، عبد (اودة)، بطرس ، خالد ، بدري وشقيقة واحدة هي (وحيدة) .
وللحديث حول رحلة هذا الشهيد كان هذا اللقاء مع النصير وابن بلدته القوش  (سليمان ختي) ويبدأ الكلام: ولد الراحل لعائلة فقيرة، حيث عمل والده  بمطحنة لطحن الحبوب كان قد استأجرها من (دير السيدة ـ القوش) ، وكانت العائلة  تقوم بزراعة  بعض ألمنتجات ألبسيطة في منطقة (بيندوايا ـ – بستان الرقي)، فيما عملت والدته في نقل الحبوب على ظهر الحمير . دخل الشهيد المدرسة وقطعها بعد فترة وجيزة نتيجة حاجة العائلة له للعمل.
بعد انقلاب ٨ شباط عام ١٩٦٣، التحق مع القائد ـ هرمز ملك جكو ـ–ويومها ، كانت قد تشكلت جبهة عسكرية بين الانصار الشيوعيين ومقاتلي هرمز ملك جكو، وعندما اغتيل (هرمز) في ٢١ تشرين ثان ١٩٦٣، لم يغادر الشهيد حنا العمل المسلح بل انتقل للعمل في قاعدة الشيوعيين.
ثم يكمل سليمان ختي حديثه بالقول: لم يكن الشهيد انساناً حزبيا منظماً، لكنه كان يدافع عن الوطنيين والشيوعيين بكل اخلاص، وذات الشئ يقال عن باقي افراد عائلته، إن كان الاب يوسف والابناء، اما والدته (نعمة القس يونان) فلها مواقف مشهودة، حيث كانت توفر الغذاء للانصار رغم حالتهم المادية البسيطة ، وتنقل البريد ايضا .  ويوم كانت  " القوش " مطلوبة للحكومة، حين  قامت قوة مؤلفة من (٦٠٠٠) من الجحوش وفوج من الجيش وبالتحديد يوم ٢٨ تموز عام ١٩٦٩ وكانت مطوقة من كل الجهات بحثاً عن القائد الانصاري ( توما توماس ـ  ابو جوزيف)  قامت باختراق صفوفهم ووصلت لبيت أبو جوزيف وصاحت : ( ابو جوزيف ...ابو جوزيف ....إن الجبل يحترق!) وكانت هذه كافية لاشعار توما توماس بالخطر، حيث تمكن من الافلات منهم بصحبة  ( حبيب ـ حبو)،  شقيق الراحل ولهذا الاخير قصص لا تنسى، فقد كان قناصاً بارعاً ولا يخطئ الهدف . وحدث ان قام الجيش والشرطة نهاية صيف ١٩٧١ بعمل استفزازي لاهالي القوش لغرض جرهم لمعركة، وفي هذه الحالات ، تتوهج المشاعر بمقارعة الجيش والشرطة ، فقام الراحل (ابو جوزيف) بسحب البندقية من يد (حبيب) وقال حينها : إن طلقته لا تخطئ  ( وما تروح بلاش)، ونحن لا نريد خوض المعركة معهم ( أي الحكومة)، وهم  ينتظرون اي خطأ  ليحرقوا القوش!
يصل الاستاذ سليمان ختى الى الفصل الاخير، فصل الفاجعة والوجع ويقول:  كان ذلك في كانون ثان او شباط عام ١٩٦٥، وكان الحزب الشيوعي العراقي يواجه ظروفا صعبة، وهجمات من القوات الحكومية، وكانت عملية بناء قواعد الانصار وترميم الجسد الحزبي بحاجة لتواصل ومتابعة دائمة، وكان الاعتماد الاكبر هو على حركة الرفاق، وهكذا ذهب الشهيد (حنا) في مهمة ايصال البريد الحزبي برفقة رفيق آخر جريا على الاقدام متخذين الطرق الجبلية  ، وعند وصولهم الى منطقة (نهلة) التابعة الى ناحية (ديزتا) في قضاء عقرة، حيث الاجواء الشتوية الصعبة،  يبدو ان اقدامهم قد غاصت في ثلج عميق، او انهم غاصوا في حفرة عميقة كانت مكسوة بالثلج، ولخشيتهم من انكشاف امرهم، فإنهم قاموا باطلاق بعض العيارات النارية بأمل اشعار اهل القرية المجاورة لغرض انقاذهم، لكن تبددت كل تلك الامال بعد نفاذ العتاد ودون وصول ية نجدة ، فماذا يكون بعد ذلك.......انه الموت المؤلم، الشهادة. ولم يعثر على رفاتهما الا في شهر آيار حيث تذوب الثلوج، فاستفاق اهل القرية المجاورة على جثتيهما وبجنبهما خراطيش الاطلاقات ، فقاموا  بدفنهم في قرية (دفريي)!
ويختم الاستاذ سليمان ختى كلامه بالقول: بهذه النهاية المأساوية والمحزنة، تنطوي صفحة هذا الانسان، الذي رحل وهو في عز الشباب (١٩ عاما) فخسرته عائلته وبلدته ووطنه، لكن لنتوقف قليلا ونسأل: لماذا جرى كل ذلك؟ ألا تتحمل الانظمة الرجعية وقوانينها المجحفة وسياساتها العنصرية المسؤولية الكاملة عن خسارة العراق لشبابه، ان كان في القتال اوفي سوح الحرب مع الاكراد او بالهجرة. من منّا كان سيفكر بالتمرد او حمل السلاح او الاختفاء والاختباء لو كان هناك قانونا ينظم جوانب الحياة السياسية في البلد ويحمي المواطن من بطش الحكومة  التي تدعي انها جاءت لخدمته؟
** شكرا للفنان اسامة ختلان الذي خص الشهيد بهذه اللوحة التعبيرية

***مجدا للشهيد حنّا جيجو ولتبقى ذكراه بيننا دوما
*** مجدا لعائلته الكريمة وكل من قدم الغالي والنفيس من اجل قضية الوطن
*** لن نكل ولن نمل حتى تحقيق (وطن حر وشعب سعيد) اليوم وغدا ودائما

كمال يلدو
آذار ٢٠١٩

15

سلاماً لذكرى الشهيد  النصيرالشيوعي أمين عبي

لم يبق من جيل المناضل أمين عبي الكثيرممن يتذكروه وينشروا مآثره، وقد كنت محظوظاً أن احظى بمن سردوا لي الاحاديث الكثيرة عنه.  ومع ان خمسة وخمسون عاما انقضت منذ ان ارتقى  مجد الشهادة، لكن تبقى ذكراه امانة في أعناقنا من اجل ايصالها للجيل الجديد المتعطش لمعرفة ما مر به الحزب الشيوعي العراقي، وكيف صنع كوادره وأبطاله،  وما هي ملاحمهم البطولية التي استرخصوا لها ارواحهم وحياتهم،وكيف تعاملت الانظمة الرجعية المتوالية مع هذه النخبة المثقفة من ابناء الشعب. وكما قال نابليون بونابرت مرة: إنه المبدأ ، وليس الموت هو الذي يصنع الشهداء والابطال!
 
** يفرد القائد الانصاري الراحل توما توماس ـ ابو جوزيف ـ في مدونته جانبا عن الشهيد ويقول:" هو أمين عبدلله من عشيرة المزوري والملقب (أمين عبي)، والذي كان معروفاً بشجاعته، وعلى أثر بعض الخلافات العشائرية اودع سجن الموصل في اواسط الخمسينات، وهناك اهتدى للافكار الشيوعية، وترشح للحزب بعد خروجه من السجن. عمل في لجنة ريف دهوك، وتقدم الى عضوية لجنة القضاء. التحق ومعه مجموعة من رفاق دهوك بالحركة الانصارية الشيوعية اوائل ١٩٦٣، وكان معاون آمر القاعدة العسكري. خاض عدة معارك وكان فيها مثالاً للمقاتل الشجاع، وقد تولى مسؤولية احدى المفارز في المنطقة . استشهد في عملية احتلال مركز شرطة تللسقف في شباط ١٩٦٦، ودفن في مقبرة بيرموس .  استقرت عائلته في القوش بعد ان تم حرق قريتهم . كان قد اقترن بالسيدة  خديجة وله منها ولدان غازي و نازي ."
 
**يتحدث الاستاذ موفق حكيم عن أمين ويقول : لم تكن (بيرموس) البلدة التي ينحدر منها الراحل بعيدة عن بلدتنا القوش، وكنّا قد سمعنا عن بطولاته كثيرا، ولعل بعض الصور مازالت عالقة بالذاكرة. فقد ترعرع في وسط فَرضت عليه ان يكون قويا وشجاعاً، نظراً لواقع المنطقة والاستقطابات الجارية وموقف رجال الشرطة بدعم هذا الطرف على حساب ذاك، وكان  هو ووالده وبعض افراد عائلته قد التحقوا ب (عبد العزيز حجي ملو) لاجل المحافظة على وضعهم، حيث كانت تشهد المنطقة مناوشات (كر وفر) مع الآخرين، ويبدو انه وفي احدى تلك الجولات قد القي القبض عليه وحكم لعدة سنوات حيث أودع سجن الموصل.
في السجن تعرف على الشيوعيين المسجونين هناك، وأول ما علموه كانت القراءة والكتابة، بعدها كان لبعض القادة دورا كبيرا في تغيير مفاهيمه وتحويله الى انسان جديد ومنهم: (عبد الرحمن القصاب،عدنان جلميران وآخرين)،  وقد توطدت علاقته بالحزب عن طريق  الشماس (آبرم عمّا)، وقد كسب الكثير من ابناء بلدته لصفوف الحزب، لابل انه اصبح كادرا سياسيا آنذاك . وعشية انقلاب ٨ شباط الدموي عام ١٩٦٣ التحق بالحركة الانصارية هو ومجموعة رفاقه من دهوك، التي انطلقت للدفاع عن القرى والبلدات في مناطق سهل نينوى ودهوك مع الراحل ( توما توماس ـ ابو جوزيف)، وقد شارك في قتال (القوات السورية) التي هبت لدعم انقلابيي٨ شباط البعثي في المنطقة، ويروى عنه بأنه كان يتنقل بخفة  وسرعة من موقع الى آخر حتى كان البعض يشبهّون  سرعته بأنها شبيهة ب (افلام الكاوبوي) . ان اكبر ما يحسب لهذا الشهيد بأنه انتقل من انسان اعتيادي الى مناضل وطني يدافع عن مصالح الشعب العراقي عامة، وثانيا، فإن الفضل الكبير يعود له في تحويل  منطقته (بيرموس) الى اهم قاعدة دفاعية للانصار الشيوعيين منذ العام ١٩٦٥ ولحد انتهاء العمل الانصاري مع هجوم الانفال عام ١٩٨٨. واعتزازا بتلك البلدة وناسها والشهيد ، فإن منظمة (القوش) للحزب الشيوعى العراقي تصدر مجلة فكرية سياسية دورية تحمل الاسم ـ بيرموس ـ، فيما ضمت هذه القرية البطلة مقبرة لشهداء الحركة الانصارية ما بين لاعوام ١٩٨٠ ـ ١٩٨٨.
 لقد كان شخصية محبوبة ومحترمة وخاصة من اهالي القوش وأبنائها البررة .
**أما القائد الانصاري دنخا البازي ـ أبو باز ـ فإنه يروي فصلا آخرا من حياة هذا المناضل ولعله الفصل الاكثر حزنا، فهو عاش تلك اللحظات القاسية (قبل أكثر من خمسة عقود) والتي مازالت ماثلة أمامه لحد هذه اللحظة ، ويقول: بعد انقلاب ٨ شباط الدموي، والهجمات الاجرامية التي قادها الحرس القومي والبعثيين والقوميين ضد انصار الحزب الشيوعي وثورة ١٤ تموز، لجأ الكثير منّا الى المناطق الجبلية الوعرة وبعض القرى البعيدة هرباً من الاعتقال وتفادياً للموت المحتم، وهذا الامر لم يكن سهلاً امام اختلال التوازن بين نظام يملك جيشاً وشرطةً وطائرات، و مجموعة هاربة لا تملك السلاح ولا المقرات ولا حتى اماكن للاختباء أو طعام. وقد استغرق الامر منّا وقتا غير قصير حتى استعدنا توازننا وخلقنا وضعا افضل لسلامتنا. وفي بداية عام ١٩٦٦ كنتُ بعملية اشراف حزبي على منظمتنا  (السرية) في تللسقف  ، وبعد انتهاء الاجتماع نظرتُ من خلال الشباك وإذا بمركز شرطة تللسقف امامي، فلمعت بذهني فكرة!  فأخذت احد افراد العائلة المضيّفة وذهبت واستكشفت المركز ورسمت خطة.  بعد ايام عدت الى مقر الانصار وفاتحت الرفيق (ابو جوزيف) بالامر، وهو الهجوم على المركز والاستيلاء على الاسلحة (التي كنّا بأمس الحاجة لها) ونعمل على أخذ الشرطة معنا ( اسرى)  لبعض الوقت بغية تأمين عودتنا لمقراتنا سالمين . وفعلا راقت للراحل ابو جوزيف الفكرة فأعددنا فريقين، الاول يكون للحماية تحسبا لهجوم قوات السلطة والفريق الثاني شاركتُ انا (ابو باز) والرفيق  كوريال (حامل مدفع البازوكا) والرفيق أمين عبي ورفيق آخر (للاسف لا يحضرني اسمه) .
ثم يُكمل ابو باز حديثه بالقول:  كانت الخطة تقضي بأن يتوجه الرفيقان (امين والآخر معه) ويستقرا على الدرج من جانب المركز  ، وطلبت منهم وأمرتهم بأن لا يصعدا للسطح لان الخطة ستنكشف ويتعرضوا للرمي، اما انا وكوريال فنكون خلف السياج وتكون نقطة الصفر بأطلاق قذيفة بازوكا على المركز ثم الهجوم .
لحظات دقيقة وصعبة وثقيلة تمُّر، وإذا بالرفيق الآخر مع أمين يصرخ : أمين كَوشن ! أي (امين قُتل) ، فطلبت منه السكوت ، وفي هذه اللحظة الصعبة كان على كوريال اطلاق القذيفة ، إلا ان سياج المركز كان عالياً وكوريال ليس طويلا، فإضطررت للانحناء حتى يصعد كَوريال على ظهري ويرمي، وكنتُ اطلب منه : ( يللّه كَوريّا الخاطر الله ارمي) ، وفعلا ضرب القذيفة وأحتللنا المركز ، فقصدتُ جثة البطل أمين ونظرت بحزن، فقد كانوا قد صعدوا للسطح، فقلتُ معاتبا الرفيق الآخر: الم اقل لكم لا تصعدوا السطح!
هكذا خسرنا انسانا مناضلا طيبا صلبا  للاسف !
 ثم ينهي ابو باز كلامه بالقول: الشهيد أمين وآلاف الشهداء ومئات الآلاف من المناضلين وملايين العراقيين ما كان لها ان تستشهد او تُعتقل او تُعذب او تختار النفي والهجرة لو عمل حكام البلد على نقل العراق الى مرحلة اكثر متطورة بقانون حرية الاحزاب، وتنظيم الانتخابات وتطبيق مبدأ التبادل السلمي للسطة ، فمن كان سيفكر بحمل السلاح او محاربة الحكومة او اخيار الجبل والاهوار لمقاومة ارهاب الانظمة وعسفها ، لكن ماذا كانت النتيجة ، ضحايا وشهداء وحروب، وأنظمة وجدت مكانها الى مزابل التأريخ هي وقادتها المجرمين .
** آمل ان لا تشغلكم سنة الاستشهاد، فالرفيق (ابو جوزيف) كتب في ١٩٦٦، فيما الرفيق (أبو باز) يتذكر ١٩٦٤ ، ومهما يكن من امر، فقد خسر الحزب والعراق مناضلاً جسورا !
**شكرا لرفاق منظمة القوش على تزويدي بصورة الشهيد، وللاستاذ سليمان قتي على المعلومات التكميلية
*** المجد للشهيد النصير أمين عبي، والمواساة لاهلّهِ وأحبته وكل أهالي بيرموس
*** العار للانظمة القمعية وسياساتها الفاشلة
كمال يلدو
شباط ـ ٢٠١٩




16
كمال يلدو: عن مخاطر التغيير الديموغرافي في برطلة وباقي مناطق سهل نينوى مع المهندس عامر دانيال

http://www.ankawa.org/vshare/view/11406/amer-daniyal/

17
وفاءً للشهيدة نجمة رضا محمد الهاشمي (ام كفاح)   

يقول الفيلسوف والشاعر الدانماركي سورين كيركيكارد : " يموت الطاغية فينتهي تأريخه، ويموت المناضل فيبدأ تأريخه"
هكذا علمتنا الحياة بكل تفاصيلها وتقلباتها، بين قسم يعيش مؤثراً وآخر يعيش متأثراً ، وبين قسم يقرأ التأريخ وآخر يصنعه، وقسم ينتظر التغيير، وآخر يسعى ويعمل نحوه....وفي هذا المطاف تبذل الارواح والأنفس ويتحمل البعض تبعات قاسية لانه تطلع نحو الغد أو تمنى حياة أفضل!
على ان مسيرة العراق كان ممكناً ان تكون في الاتجاه المعاكس لما نراه اليوم لو عمل الساسة والنخب والحكومات والاحزاب الى اقرار قانون عادل للانتخابات ولحرية الاحزاب والايمان بالتبادل السلمي للسلطة وفصل الدين عن الدولة، هكذا انطلقت دول العالم التي نطلق عليها (المتحضرة) لكن ، التخلف والولاء للغير والتدخلات الخارجية كانت سيدة الموقف وهذه نتائجها.

ولدت الراحلة نجمة رضا محمد الهاشمي في محافظة النجف عام ١٩٣٤، وتزوجت من الراحل (هادي علي مرتضى) عام ١٩٤٧، وانضمت لصفوف الحزب عام   ١٩٤٩ وأتخذت لنفسها كنية (ام كفاح) ويبدو انها تأثرت بأفكار والدي وأيقنت بأن العمل الوطني هو السبيل لتحقيق (وطن حر وشعب سعيد)  ، وقد انجبت ستة ابناء هم:
عبد الامير العطار (أموري) مواليد١٩٤٨ : مقيم الان في النجف
جواد العطار (جودي) مواليد ١٩٥٠ : رحل في بغداد صيف عام ٢٠١٢
حسين العطارمواليد ١٩٥١ : مقيم في المانيا، ويخضع للعلاج هناك
مخلص العطار مواليد ١٩٥٣: كان آخر محل اقامة له في النرويج وقد رحل عام ٢٠١٧
جمال العطار ـ جمال علي ـ  (اسمه الانصاري ابو انجيلا) مواليد ١٩٥٧: مقيم الآن في السويد
سلام العطار (اسمه الانصاري عماد ـ عمودي) مواليد ١٩٦٣: مقيم الآن في النمسا
ولمعرفة المزيد من التفاصيل حول سيرة هذه المناضلة، تشرفتُ بتسجيل شهادات ثلاثة من ابنائها (اصدقائي ـ اخوتي) وكانت كالآتي:
يقول ابنها البكر (اموري):نشأت والدتي يتيمة، حيث رحلت امها (جدتي) وهي بعمر سنة واحدة، فإضطر والدها (رضا محمد الهاشمي)  للزواج، وأصبح لها أربعة اخوة وثلاث أخوات، رحلوا جميعا بعد أن كبروا الى دولة الامارات (قبيل استقلالها) وأقاموا هناك ، وعبثاً حاولوا أخذها معهم لكنها كانت تقاوم تلك الرغبات لارتباطها بالقضية الوطنية .
لم تذهب للمدرسة، لكنها تعلمت القراءه لاحقا حينما عملت في صفوف الحزب.
ويُكمل اموري حديثه بالقول: اتذكر انها كانت تأخذني وأنا صغير الى المحافظات في زيارات وكانت تحمل معها منشورات وصحف والبريد الحزبي على ما اعتقد، وقد كنتُ اتلمس شجاعتها وأقدامها ولازلت اتذكر  القصة التي رواها الرفيق الكاتب "علي النوري" ـ مسؤول محلية كربلاء في السبعينات ـ في احد اعداد جريدة "طريق الشعب" عشية الاحتفال بعيد المرأة العالمي عام ١٩٧٤حينما تذّكر تلك الواقعة: فقد انطلقت المظاهرات المؤازرة للشعب المصري ضد العدوان الثلاثي عام ١٩٥٦ في النجف ، وأمر حينها العسكر المتظاهرين بالتفرّق وعدم التظاهر ، فما كان منها (ام كفاح) سوى ان ترتقي الدبابة وتضع (خنجرا) على رقبة الضابط وتأمره بالتخلي عن قرار المنع او ان تسفك دمه، في تلك اللحظة استسلم الضابط للامر الواقع  ومضت الامور على ما يرام واستمرت التظاهرة !
انتقلت العائلة الى بغداد بعد انقلاب ٨ شباط عام ١٩٦٣، وكانت اوضاعنا تعبة جدا، فسكنّا في مدينة الثورة عند عائلة السيد (كاطع ـ طيب الذكر)، وبعدها عند بعض الاصدقاء، وعمل حينها والدي (ندّافاً) من اجل توفير لقمة العيش، فيما كانت والدتي منهمكة بالعمل الحزبي بعد تلك الضربة القاسية.
وينهي (اموري) شهادته بالقول: لم نسلم من الملاحقة والمطاردة وحتى من النفي الى قضاء (بدرة وجصان) عام ١٩٥٧، وكانت النتيجة ان ننتقل لعدة اماكن، ولعلي مازلت اذكر الايام الاخيرة من حياتها!  فقد تعرضت لحادث مما اضطرها لمراجعة المستشفى، ولم تمض ايام إلا وكانت قد اسلمت الروح يوم ١٠ آيار ١٩٦٤  وهي بعمر (٣٠ عاماً) فقط ! ولي شك كبير بأن اهمال علاجها آنذاك كان متعمدا، او ان جرى زرقها بابرة قاتلة للتخلص منها، ولم يمض وقت طويل  حتى  لحق بها والدي ايضا  وفي ذات المستشفى وبذات الطريقة .  هذا الفقدان المبكر لوالديّ  جعلني اصبح (الاب والام) لاخوتي وكان اصغرهم (سلام) حيث كان بعمر سنة واحدة!    فعملت ما بوسعي من اجلهم، ولعلي افتخر بأننا كنّا امناء على المسيرة الوطنية المشّرفة لوالدي ووالدتي، ومع اننا لم نسلم من الاعتقال او الملاحقة او كلاهما لكننا فخورين بالدرب الذي اخترناه وبالافكار السامية التي علمتنا اياها تلك المناضلة الكبيرة (امي) . وبالنسبة لي لم ابخل بأن اكون في صفوف الحزب وفي كل الظروف، وهكذا سار اخوتي الباقون مخلص وجودي ، اما اخي (حسين) فاختار العمل ضمن المقاومة الفلسطينية، وأخوتي جمال وسلام كان لهم شرف الالتحاق بالعمل الانصاري في عقد الثمانينات.
نعم، ان تلك المسيرة لم تكن سهلة، لكن كل معاناتنا تتحملها الانظمة الرجعية والسياسات الفاسدة لقادتها التي اوصلت البلد لهذا الدرك. إن الانسان يولد حراً ويجب ان يحيا ويموت حراً ولا يحق لاحد قتل الانسان لمجرد انه يحمل افكارا مخالفة لافكار السلطان!
اما ابنها جمال (أبو انجيلا) فيقول:  هنك مرارة في فمي من كل تلك الايام التي انقضت، فما هو ذنبي ان لا اعيش حنان الام وأن افقدها ولمّا زلتُ بعمر سبعة اعوام. لقد كانت الانظمة قاسية معنا، فتحملنا مرارة الاختفاء والتنقل والمطاردة وأتذكر رغم صغر سني بعض البيوت في الكوت وعلي الغربي ومدينة الثورة. ومازلت اذكر المدرسة التي كنّا نذهب اليها أنا وأخي مخلص ( مدرسة بدر الكبرى) والتي كانت تقع قرب ساحة النهضة وسينما الفردوس.    بعد انقلاب عبد السلام على البعث في تشرين، استأجر اهلي غرفة كبيرة في احد دور منطقة (صبابيغ الآل) قرب مدرسة حليمة السعدية ، ومازال اسم تلك السيدة (ام فيليب) ماثلا في ذهني  وقد كانت طيبة معنا.  لقد كان وضع الحزب صعب آنذاك ، مابين الاعتقالات  والقسم الذي اعتزل العمل ، لكن والدتي بقت مصّرة على العمل والنشاط، فبالرغم من كثرة الاعترافات عليها لكنها لم تنقطع من اخذ البريد الحزبي على ما أتذكر الى الديوانية وكربلاء والنجف وعملت جاهدة لرص صفوف الحزب واعادة بناء تنظيماته . ثم يكمل جمال القول: في بداية آيار ١٩٦٤ تعرضت والدتي الى حادث صحي اضطرها لمراجعة المستشفى الجمهوري في الباب المعظم، مع خشيتها الكبيرة من انكشاف امرها للنقطة الامنية التي كانت مرابطة في المستشفى ، وكانت في تلك الايام حامل، فاضطر الطبيب الى اجراء عملية لاخراج الجنين الميت من احشائها، ولسوء الحظ فقد كانت (بنت) وكانت هذه امنيتها بعد ان رزقت بستة ابناء، وهذا الامر كان مؤثرا جدا عليها مع تعقيدات وضعها الصحي آنذاك. حاول الطبيب مساعدتها لكن رجل الامن كان يقطع (قنينة المغذي) عنها ، حتى تموت ببطء، وهكذا كان حيث اسلمت الروح يوم ١٠ آيار١٩٦٤، وقد ووري جثمانها الثرى بالقرب من امها في مقبرة النجف حسب وصيتها .
الشاهد الثالث كان اصغر ابنائها (سلام ـ عماد ـ عمودي) حيث يقول: لقد عشت اليتم بكل قساوته بعد رحيل امي وأبي وأنا لم اتجاوز السنة، ومع كل ما قدمه لي اخي الكبير اموري وأخوتي، لكن هذا لا يسد ابدا فراغ وحنان الام والاب الذين فقدتهم بسبب سياسات الانظمة القذرة ضد معارضيها . ثم يكمل سلام: بالحقيقة إن كل ما اعرفه عنها هو من كلام سمعته من رفاق ورفيقات عاصروها في العمل الحزبي وبعد أن كبرتُ.  لقد كنا نخشى من تناول سيرتها السياسية إلا همساً . على ان حادثة سمعتها بقيت عالقة في وجداني لليوم وكانت:  في عام ١٩٩٧ كنّا انا واخوتي مخلص وحسين في زيارة الى اخي جمال في مدينة (مالمو) السويدية، وصادف ان حضرنا احتفالا بيوم الشهيد الشيوعي ، وصار الكثير من الرفيقات والرفاق يتبادلون ذكرياتهم عن الشهداء وعن تأريخ الحزب المشرف، حتى جاء دور الرفيقة (ام جبار) زوجة الرفيق (ابو جبار) حيث روت حادثة مرت بها وقالت: في عام ١٩٥٧ كنّا منفيين الى قضاء (بدرة وجصان) بسبب نشاطنا الحزبي، وجائتنا عائلة مكونة من اب وأم  وكان اسميهما (ام كفاح) و (ابو كفاح) مع اربعة اولاد وكانوا ايضا من المبعدين بسبب النشاط السياسي، وكانت (ام كفاح) في شهرها الاخير، وصادف ان اشتد عليها الطلق ، فساعدتها على الولادة وحتى قص (حبل السّرة) ويومها ولدت ولد (مثل القمر) واسمته جمال، وأتذكر  احتضاني له وضمّه الى صدري، فقد كانت امه متعبة  جداً !
يُكمل سلام حديثه: في تلك اللحظات ، كنّا ننظر نحن الاخوة الاربعة احدنا للآخر وقد اغرورقت عيوننا بالدموع وانتبة المشاركين بالحفل الينا، ونادوا على الرفيقة (ام جبار) وقالوا لها: إن جمال الذي تتحدثين عنه موجود هنا!   فطلبت ان تضمه اليها وتحضنه وقالت لهُ : تعال ابني تعال، دعني احتضنك بمكان امك، فقد كانت إمرأة بطلة!
** المجد والخلود للشهيدة (نجمة) ولكل شهداء الحزب والشعب العراقي
** العار سيلاحق الانظمة الرجعية والكتاتورية اعداء الشعب العراقي
كمال يلدو
شباط ٢٠١٩




18
كمال يلدو: عن دور الحرس القومي في انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ الدموي مع المؤرخ فايز الخفاجي

http://www.ankawa.org/vshare/view/11401/fayez-alkhafaji/

19
كمال يلدو: المصلحة الوطنية تنتصر على عرّابي قانون "شركة النفط " مع المحامي زهير ضياء الدين


http://www.ankawa.org/vshare/view/11398/zuhir-deyalden/

كمال يلدو: مَن يقف خلف انتشار جرائم الاتجار بالبشر في العراق مع القاضي هادي عزيز علي

http://www.ankawa.org/vshare/view/11399/hadi-aziz/

20
كمال يلدو : عن احوال مخيمات الموصل وسكنتها ومستقبلهم مع المتطوع الاغاثي علي الاحمد


http://www.ankawa.org/vshare/view/11377/ali-alahmad/

21
كمال يلدو: هل النسيج الوطني العراقي بخير وبأيادي أمينة، مع الناشط الشيخ د. بشير حسين اللامي

http://www.ankawa.org/vshare/view/11374/dr-bashir-hussen/

22
كيف لفّقَ البعث تهم الجاسوسية، والفقيد صبري الياس مروّكَي نموذجاً

في مثل هذا العام تكون قد انقضت خمسون عاماً (٥٠) منذ ان طوى اجرام حزب البعث، رمياً بالرصاص، صفحة انسان برئ لفقّت له تهمة او (سبّة) إن اردت تسميتها ، وهي الجاسوسية!   نعم، كان سهلاً على المجرمين تعليق التهم واعدام الناس وتدمير العوائل وتركها تعيش المّر لسنين، لا لجرم اقترفوه إنما لرغبة الحاكم المستبد والنذل في اظهار حكمه بمظهر القوي، فكان الارهاب بكل اصنافه ومنها الاعدامات وتعليق جثث الابرياء في السجون وفي الاماكن العامة.
ولد الراحل صبري الياس مروكَي  عام ١٩٤٢ في مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى، محلة سيسي لعائلة تكونت من، الياس الوالد و أمينة نونا الوالدة وكل من الاخوات والاخوة، ميري ، باته، مادلين ، كريم وكوركيس.، ودرس في مدرسة العرفان، وعندما اصبح شابا انتقل للعمل في البصرة مع ابناء خالته، عاملاً في الفنادق.  تزوج في العام ١٩٦٧، واعدم رمياً بالرصاص في ايلول ١٩٦٩.

يقول شقيقه الاكبر (كوركيس) : كان اخي صبري شاباً جسورا ويعتّد بنفسهِ كثيرا ، وهذا ما ادخله في مشاحنات مع من كان يريد ان يعتدي ويتطاول عليه، كان وسيما وقوي البنية، وفوق ذلك كان يكره الخدمة الالزامية ، وعلى ما اتذكر انه كان هاربا من العسكرية آنذاك . ومع ان ذلك المشهد المؤلم مضت عليه كل هذه السنين فإني اعتذر مسبقا لان  تلك الصورة محت الايام والاحزان الوانها، للاسف!   ويستطرد قائلا: سمعنا عن اشاعة بصدور عفو عام عن الهاربين من العسكرية، وشاهد والدي (الياس) سيارات النقل العسكرية (لوريات) تنقل الناس للمعسكر، ويبدو انه لمح اخي (صبري) من بينهم ايضاً.
بعد مرور (٤ـ٥) ايام، استلمنا كتاب  يطلب من العائلة الحضور لمشاهدة (إعدام) ابنهم في معسكر الرشيد. كان الامر مرعباً ، الاعدام امر ليس هيناً امام الجرم او التهمة التي كنّا نتوقعها وهي (الهروب من الخدمة العسكرية) ، فذهبنا والدي ووالدتي وزوجتي (جورجيت) وابن اخي (موفق ايضا) ، وقد شهدت بوابة المعسكر فوضى عارمة ومئات السيارات، وناس غاضبة وناس تبكي وتصرخ ، وقصدنا جندي واصطحبنا لمكان حيث اجلسونا في غرفة الانتظار وكان يحرسها ضابط وقال لنا : تكلموا بكل ما تريدون!
وحوالي الساعة الثانية صباحاً، وقبل موعد الاعدام بقليل، جلبوه للغرفة وكان يرتدي بدلة الاعدام (الحمراء)  وسلّم علينا، وفي اليوم التالي استلمنا جثته من الطب العدلي، فيما نشرت صحف الصباح خبر (إعدام جواسيس لاسرائيل) مصحوبة بأسمائهم وعناوينهم. ومضت اياماً صعبة على العائلة حيث كنّا نسمع تعليقات غير رصينة ومؤذية بدلا من المواساة.   لبست امي ثوب الحداد لسنين طوال ولم تبدله ،كيف وقد شهدت الموت يغيّب ابنها، الشاب الوسيم بعمر ٢٧ عاما! اما والدي فكان يداري حزنه. اخواتي واخي كريم وباقي العائلة كانت مهمومة بالحزن ، ولا اخفيك بأني لغاية هذا اليوم وبهذا العمر فإني ابكي ولا اتمالك دموعي حينما يأتي ذكره.
الشاهد الثاني كان السيد (موفق كريم ججو قلاّ) ابن السيدة ميري شقيقة الراحل صبري حيث قال: كيف لي ان انسى ذاك اليوم، وكيف انسى مرارته وحزنه، نعم، كنت في عمر الشباب يوم ذهبت  مع جدي وجدتي وخالي وزوجته لمعسكر الرشيد حتى نشهد إعدام خالي!  وبالحقيقة لم نكن نعرف التهمة حتى ساعة احضاره للغرفة قبيل الاعدام بقليل، فقد كنتُ اعلم ان خالي كان هاربا من العسكرية لانه (يكرهها) ، وكذلك فإنه اودع السجن نتيجة مشاجرة مع احد الاشخاص ، ويبدو ان تلك العملية سهّلت على البعث الصاق اية تهمة به.  اتذكر عندما اتو به للغرفة وكان مرتديا بدلة الاعدام (الحمراء)، سأله خالي كوركيس: ما هي التهمة؟
 فقال صبري : الجاسوسية لاسرائيل! وهنا انتفض خالي  واستحلفه بالله إن كان قد عمل هذا العمل المشين، وقال له انك ستذهب لدار الحق، قل لنا وريّح ضميرك!
 قال الراحل صبري: ابداً ابداً  أنا برئ ، في حياتي لم اقم بمثل هذا العمل، ونقل لنا كلام الحاكم الذي قال للمحكومين (( هاي اوامر . هذا موبيدي)). في تلك الاثناء قابلنا ايضا الراحل (موفق الياس زوما) الذي حكم عليه بالاعدام ايضا وحمّلنا وصيته لعائلته التي لم تتمكن من الحضور من تلكيف الى بغداد.
ويكمل ابن شقيقته موفق القول: نعم، إن خالي كان معتداً بنفسهِ ، وكان طيبا ويحب الحياة، اما (جسارته) فقد جلبت له الكثير من المشاكل، ولعل هذه كان خاتمتها للاسف.
في اليوم التالي للاعدام، حضرت كل العائلة وأقمنا لخالي قداس الجناز من (كنيسة البتاوين ـ الباطريارك)، وتلاها ثلاث ايام الحداد والسابع والاربعين . وبالحقيقة فإن السلطات لم تضايقنا بهذا الامر ولا ادري إن كان لمعرفتهم او حدسهم بأن تهمة الجاسوسية كانت ملفقة لخالي صبري او لغيره. وينهي السيد (موفق) كلامه بالقول: كيف يمكن لمشاجرة أو لفكرة الهروب من العسكرية أن يكون ثمنها روح ، شاب في مقتبل الحياة، وكيف يُعقل ان تلقى تهمة عظمى مثل الجاسوسية على انسان برئ وبهذه الطريقة ، بالحقيقة كانت تلك اقذر الطرق التي استخدمها حزب البعث لاخافة الشعب  وتثبيت مواقعه، لا اكثر ولا أقل!
تمضي الايام وتتكشف اكثر فأكثر جرائم حزب البعث وصدام حسين، وما يبعث على القرف ان ينبري البعض في الدفاع عنهم .....كيف يقوى انسان شريف في الدفاع عن المجرمين القتلة ما لم يكن واحدا قذرا سافلاً مثلهم .  لكن ماجرى في العراق بعد العام ٢٠٠٣ ومجئ شلّة الحرامية والاوغاد لحكم العراق، فقد حرمنا من فرصة محاكمة النظام العفلقي وتقديم رموزه وجرائمه كلها للعدالة ، وليس فقط جريمة الدجيل!!!

** الراحة الابدية  والذكر الطيب للراحل البرئ صبري الياس مروكَي
** العار سيلاحق حزب البعث وزبانيته وكل مَن اجرم بحق العراقيين

ديترويت/ كانون ثان ٢٠١٩
كمال يلدو
kamalyaldo@yahoo.com

23
كمال يلدو: البحث في واقع مركز ايواء المشردات والحريق الذي نشب مع الاعلامية افراح شوقي القيسي


http://www.ankawa.org/vshare/view/11369/afrah-shawqi/

24
كمال يلدو: عن رؤية احزاب الاسلام السياسي الحاكمة للواقع الاقتصادي العراقي مع د. عبدعلي عوض

http://www.ankawa.org/vshare/view/11367/abed-ali-awath/

25
كمال يلدو: من هو الاكثر فسادا ، الشعب العراقي أم الحكومة وهل العراقيين جبناء في مواجهة الحكام؟

http://www.ankawa.org/vshare/view/11276/kamal-yaldo/


26
كمال يلدو: الموصل تنفض غبار داعش وتنشد للفرح في مهرجان القراءة الثاني مع الناشط كنعان الحوري

http://www.ankawa.org/vshare/view/11259/kanan-alhori/

27
كمال يلدو: الاب ثابت حبيب يوسف خوري كنيسة مار ادري في كرمليس وحوار حول مستقبل المسيحيين

http://www.ankawa.org/vshare/view/11196/thabet-habib/

28
جرائم البعث وإعدام الجواسيس ، والفقيد سالم داود سلمو نموذجاً

      سوف لن تطوى صفحة البعث القذرة حتى تُكشف كل جرائمه، وحتى تدان كل قياداته ، ويقدم الاحياء منهم للعدالة، وحتى ينظف العراق من هذا الحزب العميل وافكاره الشوفينية .فمنذ العام ١٩٥٩ وحتى بعد نيسان ٢٠٠٣ ، ماض في الجريمة ، ماض في القتل والارهاب ، ماض بتطبيق سياسة اعداء العراق ، وسأتقدم بالسؤال لكل من مازال يدافع عنهم : ضع نفسك محل مئات الآلاف لابل الملايين من العوائل التي دفعت الثمن غاليا: لماذا ؟ ولم
صلحة من؟ وما الذي جناه الشعب العراقي منذ انقلاب ٨ شباط الدموي عام ١٩٦٣ ولليوم.  لقد مارس هذا الحزب ابشع انواع الارهاب والترهيب والانتقام  من خصومه ، عبر اتهامهم بالتجسس او بالاغتيالات او بحادث سيارة ، او عن طريق الذبح ومسلسل ابو طبر ، او حتى بالتسميم . نعم تلك كانت سياسة البعث ومازال البعض يتسائل: لمصلحة من ولماذا يلجأ الحاكم الى كل هذه الجرائم ، وهو جاء للحكم كما يدعي بأنه لخدمة المواطنين .

حكايتنا اليوم عن المغدور به، الراحل سالم داود زيا سلمو، من مواليد العام ١٩٤٤ في بلدة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى وانزل به حكم الاعدام في آب ١٩٦٩ بتهمة الجاسوسية.  درس  الابتدائية في مدارسها، وفي العام ١٩٦١ انتقل للسكن في بغداد عند شقيقته حتى العام ١٩٦٣ حيث اقترنت، ومن ثم انتقل الى البصرة للسكن والعمل مع والده ، حيث اشتغل نادلاً في (ملهى النصر) . تزوج مطلع العام ١٩٦٩ من السيدة (سعيدة)  . وفي تلك السنة تحدث اليه والد زوجته وقال له: إذا عندك شئ قل لي،  فأنا اعرف الكثيرين الذين لن يبخلوا عليّ بالمساعدة ، لان الامن جاؤا الى هنا يسألون عليك ! فأجابه : لا ، ليس عندي اية مشكلة.
كانت زوجته قد ظهرت عليها علامات الحمل، وفي احد ايام ١٩٦٩ اقتيد من مكان عمله وانتهى الامر!

يقول شقيقه الاصغر  السيد رعد داود سلمو، مواليد ١٩٥٤: مازلت اتذكر ذلك اليوم من شهر آب ١٩٦٩، وكان عمري ١٥ عاما، وكنت انقل الماء من بيت عمي الى بيتنا في تلكيف، إذ تناهى الى سمعي حديث الناس بأن (أخي ) قد اعدم!   فذهبت الى البيت مسرعا ، وفتحت الراديو ، وإذا بنشرة الاخبار تقول : اعدام أخي سالم بتهمة الجاسوسية لاسرائيل وامريكا .  والحقيقة تسمرتُ ووقع هذا الخبر علينا مثل الصاعقة ، فالموت شئ محتم على كل انسان ، لكن الاعدام وبتهمة الجاسوسية ، فهذا امر صعب جدا في مجتمعنا وفي بلدتنا الصغيرة .
لم تقوى عائلتي على الذهاب الى بغداد وجلب جثة أخي سالم من هناك، فقد قامت بذلك خالاتي (مشكورات) وجلبنه الى تلكيف ، في اليوم التالي، حيث قمنا باصطحابه الى مقبرة البلدة  والتي كان يشرف عليها آنذاك (اسكندر يونوـ–جحالي) ، فقمنا بدفنه انا ووالدي ومسؤول المقبرة، حيث لم تجرى عليه حتى صلاة الميت أومراسم الدفن المعهودة، إذ امتنع كاهن البلدة من إصطحابنا خشية من انتقام الحكومة، فووريَ  الثرى يومها وحيدا حزينا مغدورا !

يعود شقيقه الاصغر رعد للحديث قائلا: تحولت حياتنا الى جحيم بعد تلك الواقعة ، وكان القلق والخوف مرادفا لخيالنا ، ولا نعرف ماذا يضمر النظام لعائلتي بعد تلك الجريمة . لقد اصيب والدى بمرض جلدي بعد الحادثة ، وعانى منه كثيرا حتى وافته المنية وهو مهموم بأخي عام ١٩٧٦ في البصرة ، حيث كان يسكن منطقة (البريهة) الشعبية . اما والدتي المرحومة (حنية مراد قرجو) فقد توفيت عام ٢٠٠٥، ولم يغب عنها يوما او ساعة،  طيف أخي سالم، وكانت تعيش وكأنه ظلها الغائب.
يتذكر رعد حادثة غريبة جرت له في اواخر السبعينات، حيث قصده للبصرة احد اصدقاءه من (عرب تلكيف) ، فما كان منه إلا ان اصطحبه للبيت ، إذا طلب منه الاقامة لبعض الوقت (وهذا هو حق الجار على الجار عند الاشراف). وشاع خبر هذا الضيف في المحلة ، ثم قامت الاستخبارات العسكرية بالقاء القبض عليّ وعلى شقيقي ونحن في العمل ( بار الاهرام ـ و بار آسيا) في البصرة ، وبعد التحقيق اقتادونا الى وزارة الدفاع في بغداد ، وانا مندهش من كل هذا الامر ، وصرت اخشى ان اذهب بها انا وأخي مثلما ذهب من قبلنا  أخي سالم.
اشرف على التحقيق معنا ملازم اول و نقيب، وخلال التحقيق قلت لهم بأن أخي اعدم عام ١٩٦٩ بتهمة الجاسوسية ،  لخشيتي من اخفاء اية معلومة عنهم ، وربما كي ينظروا الي بنظرة عطف ، وتبين  بأن سبب احضاري الى بغداد كان جراء استضافتي لعسكري هارب من الخدمة كان قد اعتدى على احد المراتب وأختفى ، عندها شعرت بنوع من الاطمئنان وهنا حدثت المفاجأة ، حيث قال لي كلا المحققان:
راح الاخضر بسعر اليابس ، من ورة هاي الشكولات ، روح .....اخوكم ما جان عنده شي!

نعم، كنتُ على يقين بأن اخي (ما جان عنده شي )، وإن آخر ما كنتُ اتوقع منه ان يكون جاسوساً ، لكن والحقيقة التي يجب ان اقولها ، فقد قال لي الكثرين من اصدقاءه المقربين بأنه كان يحمل افكاراً (يسارية) لا اكثر ولا أقل ، اما بعض اصحابه الذين رافقوه في قصر النهاية فقالوا لنا ، بأنهم تفاجؤا من الاعدام ، لان كل الاشارات كانت تدل على انه سيطلق سراحه قريبا ،  لكن التهمة وحاجة البعث للمزيد من القرابين لتمرير مشروعه في بث الرعب عند الناس كانت اسرع !  اما عن حالنا لاحقاً ،  فانظر للثمن الذي دفعته العائلة طوال هذه السنين ،  وعلى رأسها زوجته ، وابنه (منهل) الذي ولد يتيماً ، والمجتمع الظالم ، والنظام الاكثر ظلما ، فاضطر معظمنا للهجرة والخلاص من ذاك الجحيم ، ومن بقي ، فقد تعايش مع الالم حتى تمكن منه .
**الذكر الطيب للراحل سالم داود زيا سلمو
** العار لنظام البعث الذي زرع المآسي والاحزان في كل دار
** وبأمل ان يأتي اليوم وتنصف الانظمة هذه العوائل والضحايا وتعيد لهم كرامتهم
 
كمال يلدو
تشرين ثان ٢٠١٨


29


نفحة من شارع المتنبي في مدينة آن آربر الامريكية

قيل لأرسطو: كيف تحكم على انسان؟ فأجاب: أسأله كم كتاباً قرأ وماذا قرأ ؟
مدينة آن آربر بولاية مشيكان الامريكية، هي مدينة جامعية تحتضن (جامعة مشيكان ـ آن آربر ـ) التي تحظى بسمعة كبيرة وسط الجامعات الامريكية وتصنف ضمن العشرة الاوائل في البلاد، وهذه الخصوصية منحتها صفة ثقافية ، حيث تكثر فيها المسارح والمكتبات وتعج طوال السنة بالنشاطات والفعاليات ذات الطابع المحلي والوطني وحتى العالمي.
وقد احتضنت المدينة يوم ٢٣ تشرين اول ـ اكتوبر ٢٠١٨ ، حدثاً ثقافيا فريدا بعنوان  " الكتب في طريق المارة"  وتبنته ـ مؤسسة الدراسات الانسانية في( جامعة مشيكان ـ آن آربر ـ) بالتنسيق مع صاحب الفكرة الاساسي ، جامع الاعمال الفنية الاسباني الجنسية " لوزنتيربتوس" ، حيث حقق قبلها أربعة فعاليات ناجحة نالت اعجاب كل من شاهدها في مدريد ـ اسبانيا ، تورنتو ـ كندا ، ملبورن ـ استراليا ، ومدينة نيويورك الامريكية ، لتكون مدينة آن آربر الخامسة في هذا التسلسل .
وتقوم الفكرة على عرض آلاف الكتب المزدانة بأضوية (الليد)، وبشرط ان يكون العرض مساءاً ، وهكذا كان الحدث في مدينة آن آربر، حيث   غُطي ( شارع المكتبات) والواقع ما بين شارعي ـ ستيت و مينارد ـ بعشرة آلاف كتاب (١٠,٠٠٠) كلها مزدانة من الداخل بالاضوية التي تعمل ببطارية صغيرة، وامتد النشاط من الساعة الخامسة عصرا وحتى الساعة الحادية عشر مساءاً وحضره آلاف الزوار المنبهرين بهذا الكرنفال الفريد .
احاط الحضور  ملحمة الكتب هذه ، وكانت انوار الكاميرات لا تتوقف من التقاط الصور، فيما كانت السماء رحيمة في هذا المساء الخريفي ، حتى ان القمر زيّن ليلها، وبعد عدة ساعات دُعي الحضور لاخذ الكتب، مجانا، ولكل حسب ما يحتاج او يمكن حمله ولم يمض وقت طويل ، حتى بانت ارضية الشارع ، وصار لهذه الكتب منزلا وراعيا وقارئاً جديدا!
اما فكرة وضع الضياء ـ الليد ـ داخل الصفحتان الوسطى للكتاب، فيما يترك الكتاب مفتوحاً ،  فهي اشارة الى ان نور المعرفة يأتي من بطون الكتب، يأتي من القراءة.
معظم الكتب التي عرضت كان من المقرر ان ترسل الى معامل (اعادة التدوير الورقي)، وبعضها تبرع بها مواطنون وأصحاب المكتبات المحلية وبعض المؤسسات في المدينة ، وقد خصصت احدى قاعات الجامعة للمتطوعين الذين عدّوا بالعشرات حيث استغرق العمل منهم ثمان أيام (٨ ايام) لتجميع وتهيئة الكتب وتحضيرها.
كانت تجربة جميلة تأخذك من حيث لا تدري الى تجربة " شارع المتنبي" الفريدة في العالم ، حيث مهرجان وكرنفال عرض وبيع الكتب كل يوم جمعة ، وطوال السنة.
يقول الشاعر البحريني قاسم حداد : القراءة ، زيت قنديلك!

كمال يلدو
تشرين اول ـ ٢٠١٨

30
كمال يلدو: كيف ينظر ابناء الجيل الثاني لليهود الى موطن اجدادهم العراق والسيدة سمادار العاني

http://www.ankawa.org/vshare/view/11030/samadar-alani/

31
كمال يلدو : متى تُحرر المختطفات ويعود النازحين ويحل الامن والامان مع الاستاذ خديدة ابو ارفيد

http://www.ankawa.org/vshare/view/10954/khudida-abo-arfed/

32
شكرا لك استاذ جورج على هذا الطرح ، وقد اصبت في سردك للوقائع وتشخصيك للطبقة السياسية الحاكمة ، لكن : ما هو الحل بنظرك ؟  فأنت حينما تشكك بالانتخابات ونزاهتها وقوانينها وشخصياتها ، انا معك ١٠٠٪ ، لكن إن لم تمنحني امل بالتغيير ، فانت تشجعني على القبول بالامر الواقع ، وتقول لهذه الطبقة السياسية الحاكم....انتم باقون !
آمل منك ، ومن الكثير من المثقفين والمعنيين بالشأن العراقي أن يبادروا الى طرح البديل ، وكما علمتنا الحياة والتجارب فإن هذا الوضع لن يدوم للابد ، لكن كيف يمكن التعجيل بالخلاص من هذه الزبالات . مع التقدير لشخصك

33
كمال يلدو: عن احوال بلدة تللسقف ومستقبل شبابها مع الناشط المدني ايمن نجيب عكو

http://www.ankawa.org/vshare/view/10933/ayman-nageb/

34
كمال يلدو: ماذا وراء غلق (الادارة الذاتية الكردية) للمدارس السريانية في الحسكة مع الناشط يكدان نيسان

http://www.ankawa.org/vshare/view/10925/yakdan-nissan/

35
كمال يلدو: جوابا إن كان العبادي قد جاوز صلاحياته بضرب المتظاهرين مع المحامي زهير ضياء الدين يعقوب

http://www.ankawa.org/vshare/view/10899/zuher-thiya/

36

اعلان
يقيم  "تيار الديمقراطيين العراقيين" في مدينة ويندزور الكندية ، وقفة تضامنية مع المتظاهرين في الوطن ، والذين يتعرضون للقمع المفرط على ايدي القوات الامنية والميليشيات ،
وذلك يوم الاحد الموافق ٥ آب ٢٠١٨
من الساعة ٥ عصرا ـ ٧ مساءاً
والدعوة عامة لابناء وبنات الجالية العراقية والعربية للمشاركة
على العنوان التالي:
Charles J. Clark Square, 250 Windsor Ave.


37

الدكتورة مونا: أمريكية من أصل عراقي تتألق في سماء امريكا

نشرت مؤسسة كارنيكي الامريكية المتمركزة في ولاية نيويورك
Carnegie Corporation of New York
مقالة استأجرت لها صفحة كاملة في جريدة (نيو يورك تايمز) الامريكية الواسعة الانتشار  يوم ٤ تموز ٢٠١٨ ، وفي الذكرى الثانية والاربعين بعد المئتين للعيد الوطني الامريكي الذي يُحتفل به يوم ٤ تموز من كل عام ، وحمل عنوانا بارزا ومهماً :
تحية اكبار وتقدير الى ٣٨ مهاجرا متميزين بعطائهم!
ولعل واحداً من الاسباب التي دعت هذه المؤسسة لنشر هذا الاعلان ، وتوقيته في عيد الاستقلال ، وفي واحدة من اهم الصحف الامريكية هو الرد المباشر على السياسة المتطرفة التي يتبناها الرئيس الامريكي ، ومعه صقور الحزب الجمهوري تجاه مجموعة معينة من المهاجرين ، نسبة الى اصولهم الآسيوية و الافريقية أو من امريكا اللاتينية.
ومن المفرح أن يكون من بين ال ٣٨ شخصية أمريكية متميزة (من اصول مهاجرة) التي اختارتهم مؤسسة كارنيكَي لهذا العام، الامريكية من اصول عراقية ، الدكتورة مونا حنا ـ عتيشا ، الرئيسة السابقة  لقسم الاطفال في (مستشفى فلنت) والتابعة لولاية مشيكان الامريكية والاستاذة في الكلية الطبية لجامعة ـ مشيكَان ستيت ـ  والتي اشتهرت وعرفت بأنها هي التي كشفت اكبر فضيحة تتعلق بالتغطية على الفساد الاداري في ولاية مشيكان بشأن الماء الملوث بنسب عالية جدا بمادة الرصاص والتي  تترك آثارا صحية وخيمة نتيجة دخولها الجسم وتمركزها في الدماغ او حوله ، مما يعني نسب عالية من الامراض والتشوهات الخلقية لدى الاطفال والكبار والنساء الحوامل اللوتي يستخدمن الماء الموّرد من قبل المؤسسات البلدية ، حيث جرى حينها (عام ٢٠١٥)  استبدال عقد توريد الماء الصالح للشرب الى سكان مدينة فلنت، من شركة الى اخرى بغية توفير بعض الاموال اثناء مرور الولاية بأزمة مالية، ضاربين عرض الحائط كل التحذيرات من ان البني التحتية للشركة الجديدة هذه ،  قديمة ومتآكلة وسوف تسبب كوارث صحية ،    لكن ( الدكتورة مونا ) وايمانا منها برسالتها الانسانية كونها طبيبة ومثقفة ، وتنحدر من عائلة عراقية عرفت بوطنيتها في العراق وفي امريكا ، تحدّت هذا الواقع الفاسد وكشفتهم للرأي العام المحلي والوطني  وحتى العالمي ، حيث احتلت قضية (نسبة الرصاص في ماء مدينة فلنت) عناوين الكثير من الصحف ونالت اهتمام مؤسسات محلية وامريكية وعالمية لما له من اهمية على حياة الانسان وسلامته ، ونتيجة لهذا الدور الكبير الذي لعبته في اثارة هذا الموضوع مع كل المؤسسات الاعلامية المحلية والعامية فإنها حازت على شهرة واحترام وتقدير من لدن المسؤولين الحكوميين والمنظمات المحلية والعلمية وهكذا كان الامر مع  (مؤسسة كارنيكَي) .
وفي قرأة حيثيات الخبر الذي نشرته المؤسسة، فانها اختارت ابرز (١٠) شخصيات من قائمتها التي تضمنت اسماء ٣٨ امريكيا من اصول مهاجرة تميزوا بعطائهم ، وكان تسلسل (الدكتورة  مونا ) الرابعة في هذه القائمة حيث قدمتها بأعتبارها راعية للصحة العامة للمواطنين.
ومن الجدير بالذكر ، ان الدكتورة مونا حن اـ عتيشا قد  نُشر لها كتابا  من مدة قصيرة حمل عنوان :
 الذي لا تراه العين، قصة محنة ومقاومة وأمل في مدينة أمريكية
“What the Eyes Don’t See: A Story of Crisis, Resistance and Hope in an American City.”
 ضمنته تجربتها الشخصية ، وعن عائلتها والعراق والهجرة والوصول لهذه البلاد ، ثم الدراسة لحد اطلاق صافرة الانذار حول (ماء مدينة فلنت) وكل ما رافق تلك العملية ولليوم من اتعاب ومضايقات وحتى تهديدات من اجل اسكات صوتها الصادق  في فضح الفاسدين والمتسببين في كوارث ضد الاطفال والنساء وابناء مدينة فلنت .
وبالحديث عن (مؤسسة كارنيكَي) المتمركزة في ولاية نيويورك، فهي تعتبر أقدم مؤسسة امريكية معنية بتقديم المنح، حيث تأسست عام ١٩١١ من قبل السيد (آندرو كارنكَي) لغرض تطوير القابليات والطاقات  وتبادل المعرفة ،  وعملاً بالمبادئ الاساسية التي ارساها مؤسسها ، فهي تولي اهتماماً خاصاً ب : قضايا السلام العالمي، تطوير القابليات الدراسية والمعرفية، وتقوية الديمقراطية في الولايات المتحدة .
منذ العام ٢٠٠٦ ، وتزامناً مع عيد الاستقلال الامريكي ، دأبت المؤسسة على ابقاء إرث مؤسسها والذي كان بالاصل مهاجراً من اسكتلندا، إذ كان يؤمن بفكرة توفير الفرص للمهاجرين الجدد واحتضانهم وضمهم للشعب الامريكي عبر التجنس، واليوم ونحن نعيش بدايات الالفية الثالثة، فإن نسبة عالية من المهاجرين لهم اسهامات كبيرة في الحياة الامريكية ، اما احتفالية هذا العام فإنها اختارت ٣٨ شخصية من الامريكان من اصول مهاجرة ينحدرون من حوالي ٣٠ بلدا ، كانت لهم قصصاً مختلفة في كيفية وصولهم لهذه البلاد ، لكنهم يشتركوا بأمر واحد ومهم ، وهو عطائهم المتميز لهذه البلاد والشعب وللبشرية.
** ولمن يرغب بتصفح مقالتي عن د. مونا حنا ـ عتيشا ، والتي نشرتها في موقع عنكاوا الغالي يوم ١٠/١٠/ ٢٠١٦ عبر الرابط المرفق:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=794166.0

** للمزيد من المعلومات عن كتاب د. مونا حنا ـ عتيشا يمكن الذهاب الى صفحتها الالكترونية ومعرفة الكثير عن عملها ونشاطها
https://monahannaattisha.com

كمال يلدو
تموز ٢٠١٨


38
كمال يلدو: عن الطفولة العراقية والوجع والمستقبل الغامض مع المخرج السينمائي باز شمعون البازي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10864/baz-shamon/



39
كمال يلدو: الدور المرموق ل "جمعية مار ميخا الخيرية " في مشيكان والاستاذ مسعود ميخائيل صنا


http://www.ankawa.org/vshare/view/10856/masud-mikhail/

40
كمال يلدو: ٧٥ عاما على تأسيس الجمعية الكلدانية العراقية الامريكية بديترويت والكاتب جيكوب بقال

http://www.ankawa.org/vshare/view/10848/gekob-baqal/

41
كمال يلدو: عن ما آلت اليه (الكوتا المسيحية) في الانتخابات مع الباحث القانوني د .رياض السندي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10837/ryath-alsndi/

42
كمال يلدو: مع الناشط المدني الاستاذ كامل زومايا، نائب رئيس منظمة (شلوم...
متى تعود المخطوفات ، ومتى يعاقب المجرم ؟
نص اللقاء مع كامل زومايا نائب رئيس الهيئة الادارية لمنظمة شلومو للتوثيق  مع الإعلامي كمال يلدو وبرنامجه اضواء على العراق للقناة الفضائية الآرامية في الولايات المتحدة الامريكية ليوم الأربعاء ١٦/ أيار/٢٠١٨
في ديترويت
تناول الحديث عن  منظمة شلومو للتوثيق وعن المخطوفات والناجيات المسيحيات وعن مستقبل الايزيديين والمسيحيين في العراق
عن موقف الأحزاب الكلدانية السريانية الآشورية والكنائس والحكومة العراقية من الابادة الجماعية التي تعرض لها شعبنا
الموقف الغربيب والصمت الاعلامي والصمت انتخابي من قضية المخطوفات والناجيات المسيحيات
وقضايا وهموم وطنية ممكن مشاهدته عبر الرابط التالي
http://www.ankawa.org/vshare/view/10831/kamil-zomaya/

43
كمال يلدو: مع الناشط المدني الاستاذ كامل زومايا، نائب رئيس منظمة (شلومو) لتوثيق الجرائم

http://www.ankawa.org/vshare/view/10831/kamil-zomaya/

44
كمال يلدو: مع الكابتن باسل كوركيس حنا ، مرشح قائمة ابناء النهرين رقم ١٥٤ تسلسل ٣ - الكوتا

http://www.ankawa.org/vshare/view/10818/basil-hanna/

45
شكرا جزيلا لهذا المبادرة الطيبة والمهمة، لكن وللاسف فقد وضعتوها (أبيض و أسود) وهذا غير مألوف في عملية الاستفتاء ...وفي العادة يضعون العديد من الموازين والاختيارات امام الناس من اجل اوسع مشاركة ممكنة .   لذا أنا اقترح على حضراتكم وضع (٥)  معايير لتقييم اي من النواب وبالتالي يمكن تقييم  عمل كل نائب  . مع الود
١) جيد جدا
٢) جيد
٣) ممكن ان يكون أفضل
٤) ضعيف
٥) سئ
وفي هذا التقسيم يمكنني ان اقيّم كلا منهم ...وبنوع من الانصاف والمعقولية .....دمتم للكلمة الحرة والطيبة والمعرفة والوعي
كمال يلدو

46
كمال يلدو: مع د. حكمت داود حيدو المرشح في قائمة ائتلاف الكلدان رقم ١٣٩ تسلسل ٢ - الكوتا -



http://www.ankawa.org/vshare/view/10806/kamal-yaldo-hekmet-dawod/

47
كمال يلدو: مع الناشط القومي والكاتب صباح برخو مرشح اتحاد بيث نهرين الوطني رقم ١١٥ تسلسل ١


http://www.ankawa.org/vshare/view/10790/kamil-zomaya-sabah-barkho/

48
كمال يلدو: الناشطة ايفان فائق جابرو، عن الكوتا المسحية و قائمة ائتلاف الكلدان#١٣٩ وبتسلسل١٠



http://www.ankawa.org/vshare/view/10775/ivan-faiq/

49
كمال يلدو:عرس ابناء بغديدا في "نقرأ لنصل معا" ورصيف راسن الثقافي مع الفنان عماد صبيح كوركيس

http://www.ankawa.org/vshare/view/10766/imad-sabih/

50
كمال يلدو: عن القوى التي تتآمر لافراغ العراق من مكوناته الاصيلة مع د بولص منصور شير

http://www.ankawa.org/vshare/view/10764/polis-mansor/

51

شهادات بحق نوري روفائيل المتطوع العراقي في الدفاع عن الثورة الاسبانية

عشية الذكرى الثمانين لنهاية الجمهورية الاسبانية

سجّل التأريخ لليساريين العراقيين والشيوعيين مواقفا بطولية وشجاعة في التضامن الاممي على مر العقود ترجمتها الاحداث  عمليا من خلال التطوع والمشاركة وحتى عرائض التضامن والاستنكار، وأشتركت فيها جموعا كبيرة من الجماهير، مربية فيهم روح التضامن مع الشعوب وحركات التحرر في كل العالم، ويمكن تسجيل بعضها على سبيل الذكرى، الموقف من القضية الفلسطينية ،العدوان الثلاثي على مصر، ضد الحرب على كوريا وفيتنام ولاوس وكمبوديا،التضامن مع حركات التحرر في افريقيا وامريكا اللاتينية وامريكا الشمالية، مع المقاومة الفلسطينية وكل حركات التحرر في الخليج وباقي الدول العربية، الموقف من القضية الكردية وغيرها من المواقف ولليوم مع الحزب الشيوعي السوداني.
اما على صعيد المشاركات الفردية، فهناك امثلة ساطعة كثيرة، منهم من روت دمائه الزكية تلك البقاع ومنهم من عاش ليروي تفاصيل تلك المشاركات البطولية، في المقاومة الفلسطينية، او حركة تحرير ظفار، وفي جمهورية اليمن الديمقراطية ، والصحراء الغربية، والساندينستا ....واسبانيا !
وهنا سأتوقف قليلا امام  هذه التجربة النادرة والفريدة.  فقد سجلت لنا الوثائق مشاركة اثنين من المتطوعين العراقيين في الدفاع عن الجمهورية الاسبانية التي قامت ما بين الاعوام (١٩٣٦ ـ ١٩٣٨) . وانطلقت حينها حملة تضامنية اممية  تطوع خلالها آلاف الوطنيين ومن كل ارجاء العالم ضد التمرد والانقلاب الدموي الذي قاده الجنرال (فرانكو) آنذاك وبتدخل موسوليني والدول المحيطة بها ، حيث اغرقوا اسبانيا بالدماء وسقط اثرها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى.

المتطوع الاول كان اسمه (سيتي ابراهام هورش)  وهو من ابناء الطائفة اليهودية العراقية، حيث هاجرت عائلته من العراق الى الاورغواي في امريكا الجنوبية عام ١٩٢٩، والتحق من هناك بالمتطوعين الاجانب المدافعين عن الجمهورية  عام ١٩٣٧، ليلتقي لاحقا بالمتطوع العراقي نوري روفائيل والذي جمع بينهما الموقف الاممي من الجمهورية الاسبانية، وقد انضم كليهما الى صفوف الحزب الشيوعي الاسباني في تلك الظروف العصيبة.


ولد نوري روفائيل عام ١٩٠٥ في منطقة (صبابيغ الآل/ سوق الغزل) في بغداد، ودرس الابتدائية في مدرسة الكلدان الواقعة في (عكَد النصارى) وبعد ان انهى الابتدائية والمتوسطة سافر الى بيروت عام ١٩٢٣ والتحق بالجامعة الامريكية هناك، وعاد للعراق حاملا شهادة في هندسة الطرق والجسور .  عمل استاذا لمادة الرياضيات في احدى الثانويات بين الاعوام١٩٣٠ـ ١٩٣١ ، ثم التحق بواحدة من اكبر الجامعات الامريكية بمجال الهندسة (MIT) في ولاية ماسيجوسيس بين الاعوام ١٩٣١ـ١٩٣٣ ، ويبدو انه انجّر للسياسة هو وزميله (جميل متى) وترك الدراسة ، حيث ساهم الوضع السياسي العام في امريكا آنذاك وفي خضم الازمة الاقتصادية الكبرى والكساد، فتأثر بالافكار اليسارية والشيوعية والنقابات التي كانت سائدة آنذاك. عاد للعراق ، والتحق بجماعة (الاهالي) التي كانت حديثة التشكيل. عمل مهندس مساعد في مديرية المساحة والطرق عام ١٩٣٥، ، وفي آذار من ذات العام اسس مع (عاصم فليح و جميل توما ، ويوسف اسماعيل) جمعية ضد الاستعمار، وقد انفرط عقدها  بعد ان اعتقل عاصم فليح.  تعرض للاعتقال والسجن في الفترة (٢٩ تشرين ثان ١٩٣٦ ـ ١٧ نيسان ١٩٣٧)  وما لبث ان غادر العراق بعد ان اطلق سراحه بفترة وجيزة متوجها الى فرنسا لشعوره بالخطر من الاعتقال اثر الفوضى التي تلت اغتيال بكر صدقي . مكث في باريس حتى ٧ شباط ١٩٣٨ حيث سافر الى اسبانيا ملتحقا بقوافل المتطوعين عن الجمهورية الثانية، وانضم الى  (كتيبة ابراهام لنكولن الاممية) التي كان معظمهم من الامريكان، وخدم هناك كجندي ثم عريف ورقي الى رقيب . وأهم مشاركاته كانت في المعارك البطولية ( غندسيا ـ آبرو ـ على الحدود مع كاتلونيا) . غادر اسبانيا مشيا على الاقدام بعد انهيار مقاومة الجمهوريين، واعتقل في الحدود الفرنسية الاسبانية، وحاول الفرار ثلاث مرات لكنه نجح في المرة الرابعة. وتشاء الصدف ان يصحبه زميله (يوسف اسماعيل) الى باريس، وبعد فترة يقصد السفارة العراقية وهناك يلتقي زميل دراسته  قنصل العراق (علي حيدر سليمان) الذي يصدر له جواز سفر مؤقت ويعطيه بعض المال لتأمين عودته للعراق، وكان ذلك في صيف ١٩٣٩.
شارك في فوج المجاهدين للهجوم على معسكر الحبانية اثر اندلاع حركة مايس عام ١٩٤١، لكنه اعتقل اثر فشل الهجوم فسجن في سجن العمارة ثم البصرة وبعدها الى نقرة السلمان حتى عام ١٩٤٤ . اعتكف عن العمل السياسي ومارس التجارة حتى قيام ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ ، حيث عين مديرا للسكك الحديدية  وناشطا في حركة انصار السلام، ومرة اخرى يتعرض للاعتقال عقب حركة الشواف عام ١٩٥٩ ، ويلجأ الى الاختفاء لمدة خمسة سنوات اثر انقلاب شباط ١٩٦٣ . خرج من جديد عام ١٩٦٨ لكنه كان متعبا ، وتمضي سنين لم يمارس فيها اي نشاط سياسي حتى رحيله عام ١٩٨٥ ، بعد ان قاسى كل اشكال القهر والملاحقة والسجن من قبل الانظمة المتعاقبة، لا لجرم ارتكبهُ، سوى انه كان يحمل فكراً مختلفاً عن فكر الحاكم، وهكذا تبدد طاقات شباب وشابات العراق حتى يبقى الحاكم اطول مدة ممكنة في الحكم .
 تعود ذكريات نوري روفائيل  وزميله سيتي  ابراهام هورش  للحياة مرة اخرى هذا العام وفي اسبانيا لمناسبة الذكرى الثمانين  لسقوط الجمهورية  الاسبانية التي دامت سنتان فقط،  على اثر تمرد الجنرال فرانكو وبمساعدة موسوليني والدول المحيطة التي اغرقت اسبانيا بالدم والتي عرفت كولاده وسابقة للحرب العالمية الثانية، تعود تلك الشخوص للواجهة من جديد عشية تلك الاحتفالات وتتصدر صورتهما في تقويم (روزنامة) عام ٢٠١٨ في شهر كانون ثان مع نبذة عنهما وعن مآثرهما البطولية في فريق المتطوعين الاجانب ، بالاضافة الى الكثير من الكتابات التي نشرتها صحف اليسار والمحاربين القدماء وانصار الجمهورية عنهم. 

يقول الروائي العالمي ارنست همغواي :" لا أحد مات بشرف ودُفن، كالابطال كالذين استشهدوا دفاعاً عن الجمهورية الاسبانية" .

** هذه المعلومات وغيرها الكثير ستكون جزء من بحث واسع مصحوب بالوثائق والصور عن حياة الشخصية الوطنية والاممية نوري روفائيل يقوم به د. موفق حنا وابنه مارك وناشئه كوتاني،اضافة الى بعض افراد عائلة الراحل، بامل ان ينشر قريبا. تتناول ايضاً الدكتوره مونا حنا في كتابها القادم عن شخصية نوري روفائيل كما رواها جدها خليل جموعة الذي هو ابن خاله.

كمال يلدو
آذار ٢٠١٨ 


 



 

 

المقاتلون العرب في صفوف الجمهوريين الإسبان (1936-1939)

مدونة "موسوعة الأندلس". وهذه هو الغلاف الذي يحتوي على صور نوري روفائيل




=====================
 
 

52
كمال يلدو: اربيل تبتهج وتفتح ذراعيها معلنة - نقرأ لنحيا - مع منسق المهرجان الناشط محمد السالم

http://www.ankawa.org/vshare/view/10745/mohamed-alsalem/

53

كمال يلدو: عن الوثائق وكيفية مشاركة ابناء الجاليات العراقية في الانتخابات مع الناشط نبيل رومايا

http://www.ankawa.org/vshare/view/10729/kamil-zomaya/

54
كمال يلدو: رحلة في فضاء المنجز الابداعي للشاعر الراحل زهير الدجيلي مع الشاعر كاظم غيلان

http://www.ankawa.org/vshare/view/10717/zuher-kadhim/

55
كمال يلدو: المغزى من التصريحات غير اللائقة لعلي اكبر ولايتي عن الشيوعيين ، مع د. هاشم نعمة

http://www.ankawa.org/vshare/view/10713/hashim-nema/

56

كمال يلدو:رحلة في معاناة ابناء شعبنا من المكون الايزيدي امس واليوم مع المؤرخ داود مراد الختاري

http://www.ankawa.org/vshare/view/10707/dawod-murad/

57
كمال يلدو: الاصالة العراقية في مركز ومتحف يهود بابل بإسرائيل والمهندس خضرسليم بصون

http://www.ankawa.org/vshare/view/10703/khder-salim/

58

وفاءاً للشهيد البطل أثير كوركيس داود عم مرقس

في أحد خطابات الداعية الامريكي لحقوق الانسان القس مارتن لوثر كنج يقول:
كُن شتلة، إن لم تستطع أن تكون شجرة
وكن نجماً، إن لم تستطع أن تكون شمساً، فالنجاح أو الفشل لا يقاس بالحجم، بل قدّم وكُن الأفضل فيما أنتَ عليه !
وهكذا كانت سيرة الشهيد أثير كوركيس داود عم مرقس.
ولد عام ١٩٦٦ في محافظة الانبار، مدينة حديثة ، رحلت والدته في حادث مرور وهو بعمر ثلاث سنوات. أنهى المرحلتين الابتدائية والثانوية هناك، وبعدأن تم  قبوله في الجامعة المستنصرية ، انتقل الى العاصمة بغداد وسكن مع أخويه في مدينة بغداد الجديدة ، منطقة الامين الاولى.
يتذكره (فارس ججو )جيدا  ـ وزير العلوم والتكنلوجيا السابق ـ فقد ارتبطا بعلاقة وثيقة رغم الظروف الصعبة التي كان يعيشها المناضلون في عقد الثمانينات، حيث كان فارس يتنقل بين العمل المسلح في منظمة الانصار بكردستان، وبين العمل السري في العاصمة بغداد ويقول في معرض ذكرياته: في اثناء الحرب العراقية الايرانية، كان النظام يسعى بكل الطرق لتجنيد الناس لتلك المحرقة، ومنهم طلبة الجامعات، فقد اقيم معسكر لطلبة الجامعة المستنصرية في العطلة الصيفية عام ١٩٨٦  في معسكر للجيش الشعبي في الديوانية، وبعد يومين من التحاقه، كان له موقفا واضحاً وجريئاً من تلك الحرب ،ومن فكرة المعسكر والتدريب على السلاح حيث قرر الهروب، وفعلا تمكن من ذلك، والتجأ الى الاهالي هناك الذين قدموا له ولبعض زملائه الحماية من السلطات حتى تمكن من العودة لبغداد سراً . وفي تموز عام ١٩٨٧ قرر الانضمام لصفوف مناضلي الحزب الشيوعي العراقي، وكان نشطا وجريئاً، ويمضي فارس ججو قائلاً:  (كنّا أناوهو وبعض الرفاق) نقوم بتوزيع المنشورات في مناطق وقوف الباصات في شارع فلسطين وكانت تدعو لوقف الحرب الكارثية ، وفي يوم ١٨ آذار عام ١٩٨٨ ، أي بعد يومين من قصف حلبجة بالكيمياوي، غطينا مناطق كثيرة في الكرخ والرصافة بالمناشير التي كانت تدين هذه الجريمة وتدعو الجنود والضباط الى التمرد على حكم صدام حسين الدكتاتوري ، وافترقنا في آيار ١٩٨٨، وفي اثناء تصدينا لمعارك الانفال سيئة الصيت وردتنا برقية تفيد  بإعتقال ( الناشط أثير ـ واسمه الحزبي بركان)   ، وعلمت ُ في آب من نفس العام بأنه اعتقل لوحده، وعند عودتي الى بغداد يوم ١٣ كانون ثان ١٩٨٩، تأكدتُ بأنهم اعتقلوه أثناء توزيعه  مناشيرا مناهضة للحكم الدكتاتوري في سوق الدورة في أحد أيام آب ١٩٨٨.

أما رفيق دربه وصديقه (فريد طوانا) فإنه يحمل للشهيد أثير كثيرا من الذكريات الحلوة، برغم قصر المدة التي امضياها سوية وطبيعة المراقبة من قبل جلاوزة الامن والمخابرات فهو يقول: كان الشهيد أثير ذكياً ومحباً للقراءه وصاحب نظرة ثاقبة، ويحمل عقلاً سياسياً واقتصادياً متميزا. فبالرغم من تفشي الارهاب والقمع والخوف في الشارع آنذاك، إلا انه انكب على دراسة الماركسية وعلومها خاصة وانه كان يدرس في قسم (الادارة والاقتصاد ) في الجامعة، وكان حريصا على رفاقه، حيث كان يقوم بكتابة المحاضرات الثقافية مستخدما (ورق المحاضر الخفيف) ويقوم بتسليمها لنا أثناء اللقاءات، ومن ثم نناقشها في اللقاء التالي، ولم تكن لتفوته اية أزمة اقتصادية تعصف بالنظام الرأسمالي، فقد كان حريصا على تفسيرها لنا وتبسيطها.

أما صديقه الحميم (كامل زومايا)، والذي اقتسم مع الشهيد أثير ايام السجن والزنزانات والمحاكم وحكم الاعدام، فله ذكريات تأبى الايام أن تمحوها ويقول:  في يوم ١٨ تموز ١٩٨٩ تقدمت كوكبة من مناضلي الحزب الشيوعي العراقي الى ما يسمى ب (محكمة الثورة) التي كانت آنذاك برئاسة الجلاد عواد البندر، وكان تسلسل الشهيد رقم (١)، وطلب المجرم منه إقراراً بأنه مذنب، واعداً اياه بتخفيف الحكم عليه، لكن اجاب الشهيد عليه بأنه: بريئ من التهم الموجهة اليه، وطالب بأن تكون المحكمة عادلة، وأن الافادات المكتوبة قد جرى تدوينها تحت التعذيب الوحشي، وإن كل ما جاء في مطالعة  المدعي العام كذب وافتراء ، وهكذا كانت اقوال رفاقه ال (١٥) المتواجدين في المحكمة ذاك اليوم. وبعد المداولة (المسرحية) بين اعضاء رئاسة المحكمة تم النطق بالحكم على الرفيق (أثير كوركيس) بالاعدام شنقا حتى الموت، وقد هتف بوجههم : الموت للفاشية، والتمجيد بحياة الحزب الشيوعي العراقي مما دفع الحراس الى شد وثاق الشهيد كالوحوش الكاسرة ورميه في سيارة (البوكس)  التي نقلتنا بعدها الى سجن (ابو غريب) .
في السيارة التي أقلتنا كان جالسا قبالي، ابتسم وقال لي : اكيد سوف نلتقي، من المؤكد ان عمرهم قصير ، وكنتُ أشد على يديه فيما تعالت اصوات الجلاوزة بعدم الحديث .
نقلتنا القافلةالتي كانت محاطة من قبلهم الى قاطع الاعدام في سجن ابوغريب، فنزل الشهيد ليتم استلامه من قبل قاطع الاعدام، فتم العناق بيننا  بالرغم من صراخ السفلة بعدم الحديث الى الشهيد، ودعّنا امام باب القاطع وهو يرفع باصبعيه علامة النصر !
ويتذكر فريد طوانا الذي كان معه في السجن وفي تلك اللحظات العصيبة، بأنهم تريثوا بالاعدام وكان مؤملا ان يجري اطلاق سراحنا بعفو رئاسي ، لكنني سمعت بأنهم أعادوا تقديمه الى مديرية أمن الكرخ، وتم تنفيذ حكم الاعدام به في احد ايام تشرين أول عام ١٩٨٩، وسلمت جثته الى أهله ، الذين قاموا بدفنه في مقابر الكلدان على طريق بعقوبة.
" حينما سلّمت الاجهزة الأمنية جثة الشهيد ، كانت بلا عيون، وإدعوا بأن الشهيد تبرع بعينيه (خضراوتان) الى بنك العيون ....فكيف جرى ذلك؟؟؟قبل الاعدام ام بعده؟؟ اليست هذه جريمة ثانية الى جانب جريمتهم الاساسية في محاكمته واعدامه، مع انه كان معارضا سياسياسلميا لم يحمل سوى منشورات"
**المجد لذكرى الشهيد أثير كوركيس عم مرقس
**مواساتنا لعائلة الشهيد وأحبته وكل من عرفه
** الخزي والعار للقتلة بحزب البعث وجلاوزته وكل المجرمين الذين يسيرون على طريقه
**النصر حتما، حليف نضال الشيوعيين والوطنيين وكل القوى الخيرة العراقية
((ملاحظة: اتقدم بجزيل الشكر والامتنان لكل ما قدمه ويقدمة الاعلامي الوطني الاستاذ باسم عم مرقس لتسهيل مهمة كتاباتي عن شهداء تللسقف الابرار ..ولولا مساعدته لكان الامر اصعب بكثير ..دمت لنا استاذ))

كمال يلدو
شباط ٢٠١٨


59
كمال يلدو: عن مقاومة الكاظمية البطولي لانقلاب ٨ شباط الرجعي والناشط محمد هاشم الصراف

http://www.ankawa.org/vshare/view/10695/kamal-yaldo-mohammad-hashim/

60
كمال يلدو: لنجعل اعياد العراقيين مناسبة لتقريبهم من بعض وتوحيدهم والناشط المدني ثائر الوائلي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10681/thair-alwaely/

61
انحناءة مستحقة في رحيل شكرية ككتوما (ام عماد)

غادرتنا ليلة الجمعة ٢٢ كانون أول ٢٠١٧ في مدينة ديترويت الانسانة الوديعة والرائعة شكرية حنا ككتوما، عقيلة الراحل عابد أسمرو، ووالدة كل من عماد وعادل وعامل و كفاح وعلاء وسماح وعميد وعاطف وعبير أسمرو.
ومع كل ما يحمله الفراق من حزن والم لوداع لن يعود من جديد، لكنها رحلت بهدوء وسلام وأمان وسط ابنائها ، مغمورة بمحبتهم وأحترامهم ، كيف لا ! وقد كانت هي الخيمة  التي حمتهم وأحبتهم ومنحتهم حنان الأم والأب بعد رحيله، وكانت السماء المعطاء للافكار السامية والطيبة.
ولكل من مر بتربية الابناء والاخذ بيدهم، فإن العناية ب٦ اولاد وبنتين لم يكن هينا أبدا، خاصة بعدما مر على العراق ما مرّ، مما اضطرهم للهجرة وتركه اواخر السبعينات، ليواجهوا عالما أصعب وعلاقات لم تكن سهلة في مجتمع متعدد الثقافات ، وبواقع كان سريع الجريان ويمكن أن يجرف من لم تكن جذوره قوية.
اشتركت هذه الانسانة الطيبة بخصال مع معظم الامهات العراقيات الاصيلات،  في الطيبة والمحبة والتسامح وسعة الصدر وطول البال، كما كانت تعي جيدا ، بفطرتها وحاستها الانسانية الصادقة، بأن طريق الوطنيين رغم صعوباته يبقى هو الطريق الصحيح، ولكل من عرفها عن قرب يعلم بأن مواقفها الوطنية لم تكن عفوية ابدا، فهي كانت تعي جيدا تلك المعادلة السهلة الصعبة، بأن لاطريق لخلاص العراق سوى على يد ابناءه الشرفاء والمخلصين مهما غلت التضحيات وطال الزمن، ومن المؤكد بأن تلك القناعات جاءت من كل تلك المنابع الطيبة،   من عائلتها الكريمة و من مواقف زوجها الراحل عابد اسمرو ومن مواقف أهالي وتأريخ ألقوش النضالي المشرف.
 لقد شهدت كيف نمى عود اولادها وكبر، ومعها مواقفهم الوطنية التي لم تلين، إن كان عماد او عامل، أو عادل  في امتلاكه للمسرح والمايكرفون في معظم النشاطات الوطنية بديترويت،  أما عميد ، فقد تألق ليصبح نجما غنائيا وفنيا تفخر به جاليتنا وكل الوطنيين ، حيث لم يألوا جهدا في اعادة غناء الاغاني الوطنية العراقية  في المناسبات السنوية لاكثر من ٣٧ عاما ، حتى اصبحت على كل الالسن.
لقد كان منظراً مألوفاً أن تجد الراحلة (أم عماد) في اغلب النشاطات والاحتفالات والمناسبات الوطنية إن لم أقل كلها، حاضرة والزهو يملأ قلبها وهي تنظر نحو المسرح، نحو عادل يهز القاعة بالقاءه الشعري الجميل او عميد بغناءه وبمشاركة شقيقه عبير. نعم عائلة كبيرة بمواقفها الوطنية والانسانية النبيلة.
** مواساتي لاخوتي وأخواتي ابنائها وبناتها برحيل امهم الغالية
**التعازي  لكل اهلها وأقربائها وعائلتها وأحبتها
يقيني بأن البذور التي تركتِ خلفكِ، اينعت وستزهر ورودا وطيبا ومحبة....مثلكِ تماماً
لترقد روحكِ بسلام (خلتو شكَرة)....كنتِ لنا  اماً حنونة وجميلة وطيبة
كمال يلدو /٢٠١٧
 ديترويت

62
كمال يلدو: عن الواقع والمستقبل السياسي في اقليم كردستان العراق والناشط علي محمد كريم

http://www.ankawa.org/vshare/view/10638/mohamed-karim/

63
كمال يلدو: رحلة نشر الثقافة والمحافظة على الموروث في "أولاد الطرف" والناشطة نيران البصون

http://www.ankawa.org/vshare/view/10624/niran-albson/

64
كمال يلدو: عن واقع النازحين في السليمانية ومدن كردستان مع الناشطة الانسانية بروين مام فتاح

http://www.ankawa.org/vshare/view/10620/parwen-mam-fatah/

65
كمال يلدو: التمييز في القوانين يطغي على حقوق المكونات غير المسلمة مع الحقوقي حسام عبدلله

http://www.ankawa.org/vshare/view/10605/hussam-abdula/


كمال يلدو: عن الجوانب المخفية في التعديلات على قانون الاحوال الشخصية مع د. بشرى العبيدي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10606/bushra-alobaedi/

66
كمال يلدو: هل العراق مهيأ للقانون الجعفري للاحوال الشخصية مع الحقوقي علي حسين جابر محسن

http://www.ankawa.org/vshare/view/10599/ali-hussen-jaber/

67
كمال يلدو:عن واقع بلدة عنكاوا الكلدانية والمخاطر المحيطة بها ومستقبلها مع الناشط دانيال روند بولص

http://www.ankawa.org/vshare/view/10594/rawand-poles/

68

كمال يلدو: المخرجة السينمائية سما وهَام، أصالة عراقية في فضاء الابداع والمعرفة


http://www.ankawa.org/vshare/view/10585/sama-weham/


69
كمال يلدو: الموصل تسترجع انفاسها وتداوي جراحاتها مع الناشطتان المدنيتان أماني وتهاني العبيدي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10583/amani-tahani/

70
كمال يلدو: عن ملامح مستقبل الوجود المسيحي في العراق مع الناشط القومي والكاتب صباح برخو

http://www.ankawa.org/vshare/view/10582/sabah-barkho/

71
كمال يلدو: مستقبل واعد للجالية الكلدانية - العراقية بديترويت مع الكاتب أيوب جميل بقال جيكوب بقال

http://www.ankawa.org/vshare/view/10576/ayoub-jamil/

72
الفرحة الغامرة بإفتتاح متحف التراث الكلداني ـ العراقي في ديترويت

في اجواء اختلطت فيها مشاعر الغبطة والفرح والافتخار، جرت يوم الاربعاء ١٣ أيلول ٢٠١٧ مراسيم الافتتاح الرسمي  ل ( متحف التراث الكلداني ـ العراقي) في أحد اجنحة  نادي الجمعية العراقية الكلدانية (شانون دووا) في مدينة ويست بلومفيلد الواقعة في اطراف مدينة ديترويت، المدينة التي تضم ثاني أكبر تجمع للكلدان في العالم بعد وطنهم الاصلي العراق.
وللوقوف على هذا الحدث المهم في حياة الجالية الكلدانية  في مدينة ديترويت كان هذا اللقاء مع الاستاذ عادل بقال، احد النشطاء في الجمعية  الكلدانية والجالية العراقية حيث بدأت الحوار  معه :
**متى طُرحت الفكرة أولاً فأجاب:
 الفكرة كانت موجودة دائما ومنذ سنين، لكن العائق الاساسي كانت التكلفة المالية، وكيفية الحصول على المبالغ المطلوبة، وقد حُلت  بقيام الاعضاء بتقديم تبرعاتهم السخية بالاضافة لقيام الاعضاء بمفاتحة الشركات التجارية والبنوك التي يتعامل معها ابناء الجالية من اصحاب المصالح والذين قدموا مبالغ مشجعة ساهمت بإكماله على الوجه المطلوب.
اما السؤال التالي فكان حول اقسام المتحف، فأجاب:
**يضم المتحف اقساماً هي :
١ـ تأريخ العراق القديم ـ وادي الرافدين ـ والدولة الكلدانية في بابل
٢ـ ظهور المسيحية في الشرق واتناقها من قبل  الكلدان في القرن الأول الميلادي
٣ـ صور للكنائس والاديرة الكلدانية في عموم العراق وبالأخص في نينوى وسهلها
٤ـ صور ونماذج مجسمة من الحياة العامة في القرى والبلدات وطبيعة الاعمال التي كان يزاولها الآباء والاجداد.
٥ـ هجرة الكلدان الى الولايات المتحدة، وبالخصوص مدينة ديترويت قبل أكثر من ١٠٠ عام خلت
٦ـ طبيعة الاعمال التي زاولها المهاجرون الأوائل، وصورهم  مع عوائلهم، وصور لبعض محلاتهم ومهنهم، وحتى نماذج من المنتوجات التي كانت مشهورة آنذاك.
٧ـ جناح  عن الجمعيات والاندية الاجتماعية ومنظمات الجالية والفرق الرياضية ومؤسساتها العاملة قديما وحديثا والتي شكلت جزءاُ مهما من تأريخ الجالية.
كما ونتطلع لاضافة المزيد من الاجنحة مستقبلاُ، فهذا المتحف يحتمل الكثير من التطوير.
كما توجد صالة خاصة في المتحف تُعرض فيها الكثير من الافلام والفديوات التعريفية بالجالية وبتأريخ الكلدان في العراق.
وعن حفل الافتتاح قال السيد عادل بقال:
**ضم الحضور في يوم الافتتاح نخبة طيبة من المحتفلين كان على رأسهم سيادة المطران مار  ابراهيم ابراهيم الجزيل الاحترام  وجمع من الآباء الكهنة و من راهبات الكلدان والعديد من ابرز شخصيات الجالية الكلدانية والعراقية ومنظماتها ووسائل اعلامها المحلي، أما على الصعيد الرسمي فقد شارك  ممثل حاكم الولاية ومدير بلدية مدينة (ويست بلومفيلد) وشرطتها وممثلين من بلدية ديترويت وشرطتها،اضافة لجمع من ممثلي كبريات الشركات والمؤسسات الامريكية التي يتعامل معها رجال الاعمال من ابناء الجالية الكلدانية.
وعن البرنامج الفني والتعريفي ليوم الافتتاح ذكر السيد عادل بقال:
**أزدانت اجواء الحفل بالموسيقى والاغاني الفلوكلورية فيما طُرزت اجواءه بالازياء الفلوكلورية واحتفال الزواج في القرية ، وحتى قيام العديد من الاخوات بعمل الخبز وبعض الاطعمة الشعبية على الطريقة المتبعة هناك، وتوزيع القهوة والحلويات المشهورة محليا.
 ثم يكمل القول: استغرق اكمال مشروع المتحف وقتاُ غير قليل، حيث حرص القائمين عليه من اجل ان يكون نموذجا شاملا وبأتباع تكنلوجيا عالية مستخدمة في الكثير من المتاحف، ومنها توفير الشاشات وأجهزة الكومبيوتر التي جرى تحميلها بالكثير من المعلومات والشرح والصور التوضيحية.
وعن اللجنة التي اشرفت وساهمت بإخراج المتحف بهيئته هذه قال الاستاذ عادل بقال:
 **لابد في البداية من تقديم الشكر لكل من ساهم بدعم فكرة  (متحف التراث الكلداني ـ العراقي) إن كان معنويا او ماديا او عينيا بتقديم الكثير من الادوات والصور التي جلبها المهاجرين معهم من البلدات الكلدانية العراقية لكي تمنح المتحف بعدا وعمقا ضاربا بالأصالة والتأريخ، والشكر الاكبر لكل من السيدات والسادة الكرام: فرنسيس بوجي، رعد كثاوا، حنا شينا، فيرجين عربو، ميري رومايا، أفيتا بقال، فكتور صاروكي، جوزفين صرافة، خيري فوميا، بان كيزي، خلدون نجار، آليكس أيار، وفينيسيا كرمو.
واليوم، يحق لكلدان ديترويت وأمريكا والعالم أن يفخروا بهذا الصرح الثقافي الكبير بأمل ان يكون نموذجا يحتذى به لدى الجاليات العراقية المنتشرة حول العالم.
أخيرا سألت السيد عادل بقال عن الغاية والمعنى من هذا المتحف ، في بلد كبير مثل الولايات المتحدة الذي يعج بمئات الجاليات ومن كل اركان الأرض قال:
**نعم، ان مصدر قوة امريكا هو هذا التنوع الحضاري والاثني الذي يتعايش بسلام ووئام تحت ظل القانون العلماني الذي يضمن المساواة والعدالة بين كل ابناء البلد (وهذا ما نتمناه لعراقنا الحبيب) ، لكن الغاية الاساسية كانت في نقل رسالتنا الانسانية، الكلدانية العراقية الى ابنائنا وأحفادنا الذين سيخلفوننا ، ونجعلهم يفتخرون بموطن آبائهم وتأريخهم وتراثهم وحضارتهم، ونريده ان يكون شاهدا حيا على (الحلو والمر) الذي مررنا به، لكننا أصرينا على اكمال الحياة وأختيار الاجمل فيها، ومن هنا عملنا على توثيق تأريخنا القديم والحديث لهم، ليعتزوا به مثلما نعتز نحن وربما سيكون عندهم أكبر!

  نقول فرحة، على الرغم من المرارة التي يعيشها كل ابناء الجالية نتيجة لما جرى لبلداتهم وتأريخهم ومقابرامواتهم  وآثارهم  في العراق وسهل نينوى من تدمير متعمد تارة على يد الجهلة والمتخلفين وتارة على يد المتشددين الارهابيين،ومن مجمل التأريخ القديم والحديث والذي تميز في الكثير من محطاته بالتمييز والعنف والمعاملة اللاانسانية وإعتبار ابناء البلد الاصليين من الكلدان والسريان والآشوريين مواطنين من الدرجة الثانية رغم انهم كانوا  اضافة لاخوتهم من الصابئة المندائيين والايزيديين، ممن بنوا تلك الحضارة المجيدة ، حضارة وادي الرافدين العريقة بكل مفاصلها السومرية والاكدية والبابلية الكلدانية والآشورية، على ان الانتماء للعراق والاخلاص لشعبه أمراً لن تتمكن الانظمة ولا سياساتها العنصرية الفاشلة من المزايدة علينا به، و يبقى العراق ووادي الرافدين العمق الذي لاتنازل عنه مدى الحياة، فهو الاصل والمنبع والمحبة والخير.
يَفتح (متحف التراث الكلداني) أبوابه الآن مرة في الأسبوع وذلك:
أيام الجمعة من الساعة ١١ ظهرا وحتى ٣ عصراً
ولمزيد من المعلومات او لتنظيم الزيارات يمكن الاتصال مع:
السيدة ميري رومايا ـ مديرة المتحف ـ على رقم التلفون:
12486815050
أما عنوانه فيقع على:
The Chaldean Cultural Center
5600 walnut Lake Rd.
West Bloomfield, MI 48324
USA
**** مرفق فديو انتجته قناة الحرة في يوم الافتتاح
كمال يلدو
أيلول ـ ٢٠١٧

متحف التراث الكلداني العراقي في مدينة ديترويت الاميركية ارث حضاري وتاريخي
http://www.ankawa.org/vshare/view/10552/torath-alkoldani/

73
كمال يلدو:الموصل تستعيد عافيتها خطوة خطوة على يد ابنائها المخلصين ، حوارمع د. طارق القصار

http://www.ankawa.org/vshare/view/10536/tarek-alkasar/

74
كمال يلدو: شهداء مجزرة "قرية صوريا" يعانقون السماء مع عمل من تصميم المهندس بشار كَزنخي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10533/sorya/

75
كمال يلدو: تضامنوا مع اهالي بلدة القوش ضد سياسات قمع الآراء والتهديد وفرض الامر الواقع

http://www.ankawa.org/vshare/view/10530/alqosh/

76
كمال يلدو: البحث في قواعد وشروط قيام الدولة العلمانية مع قاضي التحقيق المحامي مرشد كرمو

http://www.ankawa.org/vshare/view/10524/murshed-karamo/

77
كمال يلدو: هل يدفع السياسيين هذا الوطن لمفترق طرق ، مع الكاتب والشاعر نجم خطاوي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10520/najem-khatawi/

78
رحيل الاديب نوري عموري

رحل قبل أيام الاديب نوري عموري وهو من مواليد تلكيف سنة 1934. وبالرغم من انه اضطر الى ترك الدراسة في المرحلة المتوسطة، الا انه دأب على القراءة والمطالعة على الدوام وخاصة الاعمال الروائية والفلسفية. وبالنسبة للادب، أبدى اعجابه على الأخص بالأعمال الروائية الروسية في القرن التاسع عشر حيث انه قرأ جميع روايات تلك الفترة تقريبا من تأليف دستويفسكي وتوستوي وشولوخوف وغوركي وغيرهم. ورغم انه لم يدرس فن كتابة القصة والرواية والمسرح والنص السينمائي الا انه أبدع في هذه للمجالات. وكانت أولى روياته "مدرسة الأبطال" بالاشتراك مع مرشد كرمو. وتدور أحداث الرواية في العراق والشرق الاوسط أثناء الحرب العالمية الاولى حيث تميط اللثام عن الظلم الذي لحق بشعبنا خلال تلك الفترة المظلمة. ومن الجدير بالذكر بان هذه الرواية تم تحويلها الى فيلم سينمائي بعنوان "الزمن المر" من اخراج ريكاردوس يوسف.
وشارك نوري عموري أيضا بكتابة نص الطوفان الذي يمثل حدثا مأساويا حقيقيا راح ضحيته 42 شخصا أغلبهم طالبات المدرسة الابتدائية في تلكيف في الأول من نيسان سنة 1949. وتم تحويل هذا السيناريو الى فيلم سينمائي من اخراج ريكاردوس يوسف أيضا بعنوان "عفرياثا دنيسن" . وللمؤلف نوري عموري قصص عديدة منها جزيرة الذهب، عين الينبوع، بين جيلين، الذبابة والشرطي المتهم.
وفي المجال الفلسفي تمعن في مطالعة الأعمال الفلسفية من أفلاطون وأرسطو وانتهاءا بالفلسفات التي سادت في القرون السادس عشر حتى القرن العشرين منها ديكارت وكانت ونيتشة. وعمل نوري في الصحافة حيث أصدر جريدة الزمان الشهرية في الثمانينات من القرن الماضي لكنه اظطر الى أغلاقها لاسباب مالية بعد سنة من اصدارها.
ونوري معروف بدماثة الخلق وحبه للهدوء والسكينة، يتكلم قليلا ويسمع كثيرا، لا يغضب ولا يشتكي مهما كانت الظروف. وكان صديقيه الى جانب الكتاب كوب القهوة  والسيكارة الذين يلازماه طول النهار. وقد أنجب ولدين  وثلاث فتياة تغمده الله برحمته الواسعة.


79
كمال يلدو: في ظل ضعف القانون والدولة وقفة على معاناة الشعب (المسيحي) مع الوزير فارس ججو

http://www.ankawa.org/vshare/view/10515/faris-gago/

80
كمال يلدو: في الذكرى ٨٤ لذكرى مجزرة سيميل مع الكاتب الآشوري السوري الاستاذ يكدان نيسان

http://www.ankawa.org/vshare/view/10509/ykadan-nissan/

81
الاخوات والاخوه الافاضل
تحيه خالصه لكم جميعا
يتشرف صالون الدكتور جان قاصد
 بدعوتكم لحضور نشاطه الثقافي القادم والذي سيصادف يوم الاربعاء الموافق للتاسع من شهر اب الجاري ( ٩ آب ٢٠١٧)
 وذلك في تمام الساعه السابعه مساءا وعلى قاعة نادي فارمنتن مانر 

الموضوع الثقافي :
العلمانيه ومفهوم فصل الدين عن الدوله.
المتحدث:
المحامي مرشد كرمو
ادارة :
المفكر زياد نصر
تقديم:
الدكتور جان قاصد

نامل مشاركتكم في هذه الندوه المهمه

الملاحظات:
١) الماكولات والمشروبات متوفره في القاعه.
٢) سيتم نقل تفاصيل هذه الندوه لجميع وسائل التواصل الاجتماعي .

FARMINGTON HILLS MANOR
 23666 Orchard Lake Rd
Farmington Hills, MI 48336
248-888-8000

82
كمال يلدو:عن العبرة والغاية من توقيت الاستفتاء في كردستان الآن، مع الكاتب صباح مجيد قدوري

http://www.ankawa.org/vshare/view/10492/sabah-qadori/

83
كمال يلدو: مع الكاتب يوحنا بيداويد وكتابه الموسوم عن "سفر برلك" - مذابح "سيفو" المجرمة

http://www.ankawa.org/vshare/view/10486/safar-balak/

84
كمال يلدو: عن المؤامرة التي حيكت لاقالة فائز جهوري مدير ناحية القوش مع فلاح القس يونان

http://www.ankawa.org/vshare/view/10476/falah-alqas-younan/

85
كمال يلدو: عن اوضاع العراقيين المهددين بالترحيل مع النائب الكلداني من مشيغان كلنت قسطو

http://www.ankawa.org/vshare/view/10466/kamal-yaldo-kelnet-kasto/

86
كمال يلدو: عن الآثار السلبية والصادمة لقرار اغلاق بعض الكنائس في بغداد مع المهندس سالم جدو

http://www.ankawa.org/vshare/view/10443/salem-gedo/

87

كمال يلدو: عن واقع المسيحيين في منطقة الشرق الاوسط مع الناشط القبطي والاعلامي ابرام مقار


http://www.ankawa.org/vshare/view/10437/apram-maqar/

88
كمال يلدو: عن المنجز الابداعي لعالم الآثار الراحل د. بهنام أبو الصوف مع نجله سرمد ابو الصوف

http://www.ankawa.org/vshare/view/10431/sarmad-abo-sof/

89

كمال يلدو: من اجل مناهضة ودحر مشروع زواج الفتيات القاصرات مع الناشطة المدنية فاتنة بابان

https://www.youtube.com/watch?v=EGhf9FVPUQo&t=9s

90
كمال يلدو:ماهي الخارطة الديموغرافية لسهل نينوى بعد تحريرها مع البرلماني السابق خالص ايشوع

http://www.ankawa.org/vshare/view/10427/khales-isho/

كمال يلدو:كيف دخل داعش للموصل: اسئلة تبحث عن أجوبة مع الكاتب والفنان التشكيلي نبيل تومي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10428/nabil-tomi/


كمال يلدو: غضب كبير يلف الجالية العراقية بديترويت عشية ترحيل عراقيين مع الاستاذ جوزيف كساب


http://www.ankawa.org/vshare/view/10429/josef-kasab/


91
كمال يلدو:عن تشكيلة الهيئة المشرفة على الانتخابات وقانونها مع الناشط المدني والنقابي أحمد جسام

http://www.ankawa.org/vshare/view/10420/ahmad-gasem/


كمال يلدو:عن الثقافة السائدة وانعكاساتها على ثقافة المرأة العراقية مع الحقوقية والشاعرة وفاء الربيعي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10421/wafa-alrubaiyi/

92
كمال يلدو: رحلة في آثار النظام الدكتاتوري القاسية مع نشأت فرج،عميد السجناء السياسيين العراقيين

http://www.ankawa.org/vshare/view/10414/nashat-farag/


كمال يلدو: عن الاصالة العراقية مع الاستاذ موريس شوحيط ، رئيس المنظمة العالمية ليهود العراق

http://www.ankawa.org/vshare/view/10415/moris-shohet/

93
كمال يلدو:مَن يعيد الأمن والامان الى سنجار وبحزاني وبعشيقة؟ مع الكاتب والناشط خلدون سالم الياس

http://www.ankawa.org/vshare/view/10407/khaldon-salem/


كمال يلدو: حل مشكلة بلدات سهل نينوى بين الواقعية والمزايدات مع الناشط المدني سالم البوتاني


http://www.ankawa.org/vshare/view/10408/salim-albptani/

94
كمال يلدو: كيف استذكرت الاحزاب القومية الذكرى (١٠٢) لمذابح سيفو مع الاعلامي باسم روفائيل

http://www.ankawa.org/vshare/view/10396/basim-rofael/


كمال يلدو: اللقاء بالناشطة فيان الشيخ علي، رئيسة منظمة تموز للتنمية الاجتماعية يوم ١٠ آيار ١٧

http://www.ankawa.org/vshare/view/10397/viyan-dakhel/

كمال يلدو: عن واقع ابناء شعبنا التركمان مع الناشط اورخان كتانة يوم الاربعاء ١٠ آيار ٢٠١٧

http://www.ankawa.org/vshare/view/10398/orkhan-kanana/





95
كمال يلدو: عن الطريقة المثلى للتعامل مع عوائل الداعشيين ، مع الباحث الاكاديمي د.عماد الراشدي


http://www.ankawa.org/vshare/view/10392/imad-alrashdi/


96

كمال يلدو: بعد ١٠٢ عام على جرائم (سيفو) ، الشرق مازال متخما بالارهاب والاحقاد والاقصاء


http://www.ankawa.org/vshare/view/10390/kamal-yaldo-sifo/

97
كمال يلدو: كيف يمكن جعل العمل القومي في الخارج رصيدا للوطن مع الناشط والكاتب صباح برخو

http://www.ankawa.org/vshare/view/10383/barkho/

كمال يلدو: الكورد الفيلية، الشريحة العراقية التي لم تنصفها الانظمة لليوم مع الكاتب زكي رضا

http://www.ankawa.org/vshare/view/10382/zaki-retha/

98
استاذي الغالي لطيف نعمان
شكرا جزيلا لهذه الرحلة الجميلة مع النصير، الشيوعي العراقي  "أبو ميسون" . عرفتَ جيدا كيف تدخل الى احاسيسي  وتفتح الطريق لهذه الدموع ان تسيل. أشكرك.
أما للغالي وردا بيلاتي ، فمرة اخرى اقول "تهانينا" على الكتاب وشكرا لهذا التوثيق الذي نحن بأمس الحاجة له . تجربة فريدة وطنية فذة، أنحني لها ولابطالها، انصار ونصيرات باسلات ، شهداء وشهيدات كبيرات ........الله ما اعظم الجرح التي تركته الدكتاتورية في ذاكرتنا ....الا لعنة التأريخ عليها وعسى أن لا نقع بالاسوء منها ....وأن يكون ليلهم قصيرا .....بأمل أن تشرق الشمس على ربى هذا الوطن ....كافي  كافي مللينة!
شكرا لك استاذ لطيف، وشكرا لك رابي وردا .....وردود وطننا التي تبقى مزهرة دوما

99
كمال يلدو:عن نشأة اللغة الآرامية والأقوام التي ما زالت تتحدث بها مع خبير السريانية د. بشير الطورلي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10359/basher-torli/

100
كمال يلدو:عن مظاهرات طلبة الكوت وعيد المعلم والطبقة الفاسدة الحاكمة في العراق

http://www.ankawa.org/vshare/view/10329/kamal-yaldo/

101
كمال يلدو : عن واقع محافظة بابل الثقافي مع الاستاذ صلاح السعيد رئيس اتحاد ادباء وكتاب بابل

http://www.ankawa.org/vshare/view/10323/salah-saed/

كمال يلدو: عن دور الطبقة الوسطى العراقية في الاحداث مع المحلل السياسي فوزي عبد الرحيم

http://www.ankawa.org/vshare/view/10324/fawzi-abdul-rahim/


102
كمال يلدو: عن البلدات المحررة وأحوال ومصير الايزيدين بعد داعش مع الاستاذ هادي باباشيخ

http://www.ankawa.org/vshare/view/10322/hadi-babashekh/

103
كمال يلدو: عن العمل النبيل لشباب وشابات بابل الساعين الى ادخالها لقائمة التراث العالمي واليونسكو

http://www.ankawa.org/vshare/view/10313/babel/

كمال يلدو: الموقف من قوانين الانتخابات والمفوضية مع الخبير القانوني الاستاذ زهير ضياء الدين

http://www.ankawa.org/vshare/view/10314/zuher-diyaaldin/


كمال يلدو:من يدير الدولة العميقة والملثمة في بغداد مع الاعلامي شاكر عبد جابر


http://www.ankawa.org/vshare/view/10315/shaker-abduljabar/

104
كمال يلدو: الكلدان والآشوريون والسريان وصراع التسمية مع الباحث الاكاديمي د.عبدلله مرقس رابي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10307/abdula-rabi/

105
كمال يلدو: الجهود من اجل إعادة اعمار سهل نينوى وعودة سكانها الاصليين والاستاذ يوحنا بيداويد

http://www.ankawa.org/vshare/view/10288/youhana-bedawed/

106
وفاءاً لذكرى الشهيد زهير جرجيس مقدسي

قد تدفعنا وطنيتنا وأعتزازنا بالشهداء للكتابة عنهم، والاحتفال بشهادتم، خاصة وأنها كانت من أجل قضية وطنية تخص الكل، هذا صحيح الى حد ما خاصة لو اقترن ذلك بتحقيق كل او جزء مما ناضل الشهيد من أجله، لكن والحال (اليوم) يجعل فرصة الفرح محدودة إن لم أقل ممزوجة بمرارة ، سيما وإن من قطف ثمار التضحيات وقوافل الشهداء هم ناس غرباء على الوطن والوطنية، هذا جزء من لواعج الذكرى!
لكن للمشهد لوحات أخرى، والوقوف امامها والتبحر في صور وأسماء الشهيدات والشهداء، وبمجرد النظر الى عيونهم يمكن أن نطوف في عالم الاحلام ونسأل: كيف كانت ستكون حياتهم لو لم يُقتلوا ، أين كانوا سيقطنون الآن لو لم تُغيّب جثامينهم، وماذا كان يمكن ان يستفيد الوطن منهم لو لم تُنهى رحلتهم بهذه العجالة، وبهذه الطريقة؟
اسئلة كثير تبقى عصية على الاجابة، إلا من يقين واحد بأن نحترم حرية الأختيار عند الشهيد أولاً ، ونطالب بتقديم الجناة للعدالة وأنصاف الشهداء وعوائلهم ثانيأً.
وفي رحلة استذكار ألشهيد  زهير جرجيس مقدسي، الذي تنحدر عائلته من مدينة (القوش) السخية بالمناضلين والشهداء، حيث ولد عام ١٩٤٨، ودرس الابتدائية في مدرسة القديس يوسف في بغداد وبعدها في متوسطة الرشيد ثم أكمل الثانوية في مدرسة النجاح المسائية .  أدى الخدمة العسكرية بعدها، وعمل عاملا في معمل نفط الدورة ، ثم نقل الى السماوة، انقطعت أخباره بعد العام ١٩٧٩، وعُرف انه استشهد على يد النظام الدكتاتوري بتأريخ ٢٣ كانون أول ١٩٨٢ كمال في الوثيقة التي نشرها الحزب الشيوعي العراقي في تموز ٢٠٠١٣، عقب جمعه وحصوله على بيانات المخابرات والامن حول (بعض) جرائم الاعدام.

يتحدث شقيقه (فؤاد مقدسي) فيقول: وبالقدر الذي تسمح لي الذاكرة، فقد كان انساناً طيباً الى درجة كبيرة، اجتماعي وصاحب معشر. لم نتفق انا وهو على قضية العمل السياسي، وغادرت العراق اواخر السبعينات، وطلبت منه الالتحاق بي والبدء بحياة جديدة، لكنه كان يرفض ويقول: ان له مشوار في الوطن، ثم سمعت بالاخبار وأنا خارج العراق. ما عساي أن افعل وما عساي أن اقول، سوى إن فكرة العمل السياسي في بلدان الشرق ليست ناجحة لانهم لا يقبلون بالفكر الآخر ، مهما قالوا وفعلوا، فهم في آخر سلم البشرية من ناحية التطور والديمقراطية .

أما شقيقته (فائزة) فتقول: كنت شابة في مقتبل العمر اواخر السبعينات، وكل ما أتذكر من توجيهات أبي حينها،  بأن لا اعطي أية معلومات عن أخي او عائلتي الى ( الاتحاد الوطني) في المدرسة، ولو طُرق الباب فعليّ أن لا افتحه، هذه كانت الاجواء. لكن عشية سفر أخي (في وقت ما من العام ١٩٧٩)  فإني اتذكر جملتان مازالتا ترنان  في ذهني : دروا بالا لخاثي ـ أي حاموا وأعتنوا باختي ـ والثانية : أنا راجع في العيد! وها قد مر ٣٨ عيد ولم يأت!
بالحقيقة، لقد تغيرت حياتنا كلياً، حيث لم نعرف عن مصيره أي شئ، سوى إن الامن كان يأتي ويضرب أبي أو يهينه ويعتدي عليه ويسألوه عن أخي ، ونحن لا نملك الجواب، وفي احدى المرات اعطوا والدي (علبة جكليت فارغة) وقالوا : هذه من ابنك، وعندما فتحها وجد فيها طلقات فارغة، ولك ان تعرف معنى الرسالة. نعم تغيرت حياتنا نحو الاسوء، ما بين غياب اخي ومعاناة العائلة ، فما كان منّا إلا مغادرة العراق للخلاص من هؤلاء الاوباش عام ١٩٨٠، وها قد مرت السنين ، وتغيرت امورا كثيرة لكن هناك حزن عميق في عائلتنا، اولاً نريد أن نعرف ماذا كان مصيره، أين هو ، وإذا اعدموه (كما تشير وثائق الحزب الشيوعي نقلا عن بيانات الامن العامة) فأين هي رفاته وأين هو قبره؟  الشئ الاسوء هو مصير هذا الوطن ، فهل يُعقل أن تقدم عائلتي وآلاف العوائل الاخرى قوافل من الشابات والشباب شهداء من أجل قضية انسانية ثم ينتهي الوطن بيد مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق الطائفيين ، هل هذا معقول؟ ماذا عن الجناة والقتلة؟ من سيحاسبهم...؟
ألم كبير يعتصر قلبي ...وقلبنا ...ولا ادري كيف سنداويه.

**الذكرالطيب والخلود للشهيد زهير جرجيس مقدسي
**المواساة لعائلته الكريمة وأهله ومحبيه
**بأمل تقديم الجناة والقتلة للمحاكم وفضح جرائمهم القذرة

كمال يلدو
شباط ٢٠١٧




107
أدب / رد: أنا وألاجنبي
« في: 05:21 14/02/2017  »
نعم استاذي الغالي لطيف ....نعم ....والنتيجة امامك وبالالوان (سكوب ملون) ....مجموعة من الجهلة والاوغاد يلعبون ب ٣٥ مليون عراقي ....نعم ، المسرح مقياس مهم .  شكرا لمقالتك الجميلة . وسينتصر المسرح عليهم وعلى ثقافتهم البائسة ...سينتصر

108
كمال يلدو: عن تحرير الموصل وبلدات سهل نينوى وعودة الاهالي مع القانونية نضال يوسف ايليا


http://www.ankawa.org/vshare/view/10272/nidalyousif/

109
كمال يلدو: عن تكرار حالات الاعتداء على التدريسيين وموقف الدولة من ذلك مع د. غازي الخطيب

http://www.ankawa.org/vshare/view/10267/ghazi-alkhateb/

كمال يلدو: في البحث عن الاجابة فيما لو كان العراق طارداً لابنائه ام لا مع د. موفق وهاب أحمد

http://www.ankawa.org/vshare/view/10268/moafaq-wahab/

110
كمال يلدو: مَن يُحارب فكرة الدولة العلمانية في العراق مع الناشط المدني والكاتب د. ثائر البياتي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10257/د-ثائر-البياتي/

كمال يلدو: البحث في السبل لوقف زحف الملح على شط العرب مع المهندس محمود شاكر الشاهين

http://www.ankawa.org/vshare/view/10258/المهندس-محمود-شاكر-الشاهين/

كمال يلدو: البحث في متى تنتهي رحلة عذاب اللاجئين العراقيين ؟ مع المهندس حيدر يعقوب يوسف


http://www.ankawa.org/vshare/view/10259/المهندس-حيدر-يعقوب-يوسف/

111
كمال يلدو:عن الثمن الباهض الذي دفعه ابناء المكون اليزيدي في اللقاء مع الباحث داود مراد الختاري

http://www.ankawa.org/vshare/view/10246/dawod-murd/

112
كمال يلدو: عن قانون العشائر ومستقبل الدولة المدنية العراقية في اللقاء مع الحقوقي د. محمد السلامي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10244/mohamad-alsalami/

113
كمال يلدو: عن الصيد الجائر في الاهوار مع مدير عام مركز انعاش الاهوار سميرة عبد محي الشبيب

http://www.ankawa.org/vshare/view/10236/samira-mohi/

كمال يلدو: عن خطاب التكفير والكراهية من البعض في اقليم كردستان مع السيد ضياء بطرس صليوا

http://www.ankawa.org/vshare/view/10237/dhiaa-patrus/

كمال يلدو: عن واقع السلم المجتمعي مع د. أحمد علي ابراهيم سكرتير المجلس العراقي للسلم والتضامن

http://www.ankawa.org/vshare/view/10238/ahmad-ali/


114
كمال يلدو: اللقاء مع زياد العجيلي رئيس مرصد الحريات الصحفية حول حماية الصحفيين من الاعتقال

http://www.ankawa.org/vshare/view/10235/ziad-alogeli/

115

كمال يلدو: عن احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة في بغداد مع الصحفي والاعلامي بسام بولص ككا


http://www.ankawa.org/vshare/view/10230/bassam-kaka/

116
كمال يلدو: اللقاء مع الناشط السياسي الاستاذ فلاح القس يونان وحوار حول القوش ومستقبل السهل

http://www.ankawa.org/vshare/view/10229/falah-alqas-younan/

118
كمال يلدو: عن محنة العنف الاسري وتبعات الازمة الاقتصادية وداعش مع د. بشرى العبيدي


http://www.ankawa.org/vshare/view/10213/boshra-alobidy/


كمال يلدو: بين الدستور العراقي وقانون "الحماية القانونية للحشد الشعبي" مع د . صادق إطيمش

http://www.ankawa.org/vshare/view/10214/sadik-itemesh/

119
كمال يلدو: هل يمتلك الاقليم الحصانة ضد الفقر والقمع مع الشخصية السياسية د . كاوا محمود

http://www.ankawa.org/vshare/view/10212/kawa-mahmod/


120
كمال يلدو: كيف ساهم ركوب الدراجات الهوائية بتهديد الامن الوطني ؟

http://www.ankawa.org/vshare/view/10202/kamal-yaldo/


كمال يلدو: عن أحوال شريحة منسية ومهملة مع الناشطة المدنية والنسوية كوريا رياح (ام فرات)

http://www.ankawa.org/vshare/view/10203/om-furat/



كمال يلدو: هل الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي و معركة تحرير الموصل عراقية ام طائفية؟



http://www.ankawa.org/vshare/view/10204/kamal-yaldo/

كمال يلدو: أين مصلحة العراقيين في التشريعات مع المؤلف والاعلامي نبيل عبد الامير الربيعي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10205/abdul-amir/

121
لقد تشرفتُ بإستضافة د. حميد الكفائي الذي تحدث عن المخاوف  على (الديمقراطية) في العراق ، وبعدها التقيت بالاستاذ سعدون هليل ، صاحب مكتبة في شارع التنبي وتحدثنا طويلاً ,
آمل أن تروق لكم


كمال يلدو: هل بداء العد التنازلي للديمقراطية في العراق مع الكاتب والاكاديمي د. حميد الكفائي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10181/dr-hamid-alkafi/


كمال يلدو: في القيمة المعرفية والحضارية لشارع المتنبي على الحياة العامة مع الكاتب سعدون هليل
http://www.ankawa.org/vshare/view/10182/sadon-khalil/

122



كمال يلدو: عن جرائم البعث في اعدام اليهود وغيرهم ابتداءاً بالعام ١٩٦٩ مع د. خضر سليم البصون

http://www.ankawa.org/vshare/view/10178/khdither-salem/

كمال يلدو: البحث في معاناة ومستقبل (أطفال التقاطعات) مع الناشطة المدنية فاتن عبد الاله

http://www.ankawa.org/vshare/view/10179/faten-abd-ilah/

123
كمال يلدو: عن الفساد والصفقات في تصفير الحسابات مع الاعلامي الاستاذ ياسر السالم ٢٣/ تشرين ثان

http://www.ankawa.org/vshare/view/10169/yaser-salem/


كمال يلدو: في الوفاء لاستحقاقات الرياضيين القدامى من قبل الدولة مع الاعلامي عبد الرحمن فليفل عبود


http://www.ankawa.org/vshare/view/10170/abdulrahman-abod/

124
كمال يلدو: عن أحوال بعشيقة وبحزاني المحررتان ومستقبل سهل نينوى مع الناشط الوطني كفاح كنجي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10154/kifah-kunji/

125
كمال يلدو: مع السيد ضياء بطرس صليوا رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الانسان في اقليم كردستان

http://www.ankawa.org/vshare/view/10150/dhya-patrus/

126

كمال يلدو: بعد تحرير قسم من بلدات سهل نينوى : هل سيعود اليها أهلها ام لا؟ مع الناشط كامل زومايا

http://www.ankawa.org/vshare/view/10141/kamil-zomaya/

127
كمال يلدو: عن التجاوزات على أراضي المسيحيين في اقليم كردستان مع الاعلامي السيد ريبين حكيم


http://www.ankawa.org/vshare/view/10122/reben-hakim/

128
كمال يلدو: مع الاستاذ إدوين شُكر ويهود العراق التي تتجاوز علاقتهم بالوطن حدود الزمن والجغرافيا

http://www.ankawa.org/vshare/view/10114/adwen-shokar/


كمال يلدو: عن الآثار الكارثية للتلوث البيئي بالعراق في اللقاء مع الباحث د. حسين عودة كريدي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10115/husen-oda/

129
كمال يلدو: المرأة العراقية الكادحة بين جمع القناني الفارغة من النفايات أو بيع الكتب والمجلات

http://www.ankawa.org/vshare/view/10074/alani/


كمال يلدو: في رحيل الفنان المسرحي الكبير الاستاذ يوسف العاني

http://www.ankawa.org/vshare/view/10075/yousif-alani/

130
كمال يلدو : اللقاء مع النقابية العمالية السيدة هاشمية السعدي ، رئيسة نقابة عمال الكهرباء في البصرة


http://www.ankawa.org/vshare/view/10054/hashmya-alsadi/

كمال يلدو: بين داعش والطائفية والنزوح، عن أحوال المسيحيين في العراق مع الاديب روند بولص

http://www.ankawa.org/vshare/view/10055/rawond-polis/

131
كمال يلدو: عن تريّف بغداد والمدن في اللقاء مع الباحث الاكاديمي في علم الاجتماع د .عبدلله رابي

http://www.ankawa.org/vshare/view/10043/abdula-rabi/


كمال يلدو:عن مسؤولية الحاكم في استمرارنزف العقول العراقية للخارج مع الاستاذ باسل جعفر نجم

http://www.ankawa.org/vshare/view/10044/basil-jafar/

132
كمال يلدو: عن أزمة مياه الشرب وتلوثها اللقاء مع الخبير في المياه والبيئة أ. د . حسام صالح جبر

http://www.ankawa.org/vshare/view/10007/husam-saleh/

كمال يلدو: اللقاء مع أ.د. كريم عبود المبارك ، وحديث عن معاناة ابناء شعبنا اصحاب البشرة السوداء

http://www.ankawa.org/vshare/view/10008/karem-abod/

كمال يلدو: مع الاعلامي والناشط الايزيدي بركات العيسى والبحث في اسباب الخلافات في تحرير الموصل

http://www.ankawa.org/vshare/view/10009/barkat-alissa/

كمال يلدو:مع الناشطة في مجال حقوق الانسان إنتصار الميالي وحوارعن العنف الاسري في العراق

http://www.ankawa.org/vshare/view/10010/intsar-almayali/

133
كمال يلدو: اللقاء مع الشاعرة والكاتبة والناشطة النسوية منى حسين عن الحروب واغتصاب النساء

http://www.ankawa.org/vshare/view/9994/muna-hussen/


كمال يلدو: كيف أعاد اليابانيون والألمان بناء اوطانهم فيما فشل حكام العراق، اللقاء مع د. ثائر البياتي


http://www.ankawa.org/vshare/view/9995/thaeer-albayati/

134

كمال يلدو: هل تحرير الموصل سيكون سببا في تمزق العراق؟ مع المحلل السياسي مصطفى محمد غريب
 
http://www.ankawa.org/vshare/view/9969/mostafa-mohamed/



كمال يلدو: اللقاء مع الاستاذ بديع الخيون قائمقام قضاء الجبايش حول مخاطر آفة "زهرة النيل"

http://www.ankawa.org/vshare/view/9970/badie-khayon/



135
كمال يلدو: اللقاء مع الفنان التشكيلي وائل المرعب في اضواء على العراق الاربعاء ٧ أيلول ٢٠١٦

سنين طويلة مضت منذ ان مسكت اصابعه الرقيقة القلم وبدأ بالرسم وهو في الصف الثاني الابتدائي بمدرسة (عادل) . لم يفار...   
http://www.ankawa.org/vshare/view/9941/wael-almureb/


كمال يلدو: اللقاء مع الاستاذ عماد حنا مروكي ، كابتن وحامي هدف منتخب العراق بكرة اليد

http://www.ankawa.org/vshare/view/9942/emad-hanna/
يتشرف اللاعب عماد حنا مروكي بتلك الذكريات والسنين ، وحديث عن ملاعب صباه وأصدقائه وكيف تدرج عشقه للرياضة ابتداءاً...   



136
شكرا لهذه الالتفاتة أخي الغالي (جاني)  المشكلة ....لا ندري من اية جهة تأيتينا اللكمات : من داعش ....من الميشات المنفلتة ، من التنظيمات المتطرفة ، من الذين كانوا ازبلاً ايام النظام البائد واليوم صاروا قومية وطائفة ، من الحاقدين، من الشوفينيين ....من مَن؟
من الشيطان؟؟؟
في موقف كهذا أخي الفاضل لا يحلو سوى مقطع شعر يصف فيه الكبير مظفر النواب هذه النماذج بالقول:
أولاد القحبة إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم ....نعم  ، اطهر من اطهرهم وأطهر من تأريخهم ، وأطهر من ثقافتهم!

137
كمال يلدو: اللقاء مع الكابتن فكرت توما ، مدرب المنتخب الوطني العراقي لكرة السلة

http://www.ankawa.org/vshare/view/9927/fekret-toma/
حتى وإن سكنوا بلاد الغربة، يبقى الوطن عندهم غاليا وعزيرا، وكيف لا وهم اللذين بذلوا لاجل رفع اسمه اجمل ايام وسني شبابهم، يحدوهم أملاً كبيرا بأن البذور التي نثروها في أرضه ستينع يوما نبتاً طيباً وخيراً . في برنامج (أضواء على العراق) الذي بُث من ديترويت عبر الفضائية الآرامية مساء الاربعاء ٣١ آب ٢٠١٦ كان هذا اللقاء مع اللاعب ومن ثم المدرب الكابتن فكرت توما، آمل أن يروق لكم.


كمال يلدو: اللقاء مع الناشطة المدنية والنسوية والمجتمعية د . دينا الطائي يوم ٣١ آب ٢٠١٦

http://www.ankawa.org/vshare/view/9928/dina-talia/

سيسجل التأريخ بحروف كبيرة اسماء وملاحم الابطال والبطلات اللذين نزلوا الى ساحة التحرير وسوح الحرية في طول العراق وعرضه ، دون كلل او تعب او ملل مطالبين بالدولة المدنية ، مطالبين بإسقاط نظام المحاصصة الطائفية، نظام التستر على مافيات السرقات والتزوير . وقد كان للمرأة العراقية دورأ ريادياً رغم انواع التهديد والوعيد والمحاربة، لكنها أثبتت وجودها بجدارة . هذه وقفة على مؤتمر النساء المدنيات الذي عقد في بغداد يوم ٢٦ آب ٢٠١٦ تحت شعار ( يا إبنة العراق إنهضي) آمل أن يروق لكم.

138
الى زميلتي الغالية شذى توما مرقوس
شكرا لكل وشكراً لقلمك الجميل ولكل ما تقدميه لخدمة الفكر الانساني وخدمة شعبنا ووضع تلك اللمسات الجميلة  في رواق ثقافتنا .
لك كامل الحق في عتابي، وأنا اتقبله  وأرجو منك تقبل شديد اعتذاري للسهو الذي حصل  في عدم الالتفات اليك . انت تستحقين الكثير .
مرة اخرى اشد على يدك واحيي قلمك الجميل ومن القلب ادعو لك بالموفقية والنجاح ولمزيد من الألق والعطاء يا شذى
كمال يلدو

139
الاستاذ الغالي لطيف نعمان
لقد فاجأتني بهذا المنجز...فاجأتني بأعملك ونتاجاتك وكتاباتك  ....يا ايها الطائر الذي لا يكل ولا يمل. شكراً لك، وشكرا لصحبتنا، وشكرا  ل (نادي اور العائلي - بغداد) الذي وفر لي فرصة العمر في التتلمذ على يدك في مسرحية (الطبيب الطائر - للكاتب الفرنسي  موليير) ، كان مذاقها اطيب من العسل .
مزيدا من الصحة ومزيدا من الفرح ومزيدا من العطاء.
كمال يلدو

140

كمال يلدو: اللقاء مع الناشط المدني الاستاذ عيسى قلو من استراليا يوم الاربعاء ١٧ آب ٢٠١٦

http://www.ankawa.org/vshare/view/9896/issa-qalo/

141
أخي العزيز جان
شكرا جزيلا على هذا التوثيق والاخلاص لمن كانوا مخلصين حقاً للوطن وللكرة العراقية .  نعم، الاستاذ مناضل داود قامة كبيرة بالعطاء والاخلاق والمحبة ، ونموذج متواضع وغير متعالي ، ولا يبخل بالمساعدة وخدمة الآخر . وشكرا لعطائه ومثابرته  أمس واليوم ايضا . وشكرا لجهودك الطيبة في توثيق  سيرة  ذاك الجيل  الذي لم تعر له الحكومات المتلاحقة الاهتمام الذي يستحقه، لكن يبقى اهتمام الجمهور الرياضي والكروي ، هو كنز الوفاء والمحبة .
كمال يلدو

142

كمال يلدو: اللقاء مع الكاتب والروائي والصحفي يوسف ابو الفوز ـ يوسف علي هداد ـ
https://www.youtube.com/watch?v=K6sopUSciLQ


كمال يلدو: اللقاء مع الناشط الوطني السيد سعيد حسين الشفتاوي حول الواقع الثقافي في ديالى
https://www.youtube.com/watch?v=fkOQaP5zdds&feature=youtu.be


143
كمال يلدو: اللقاء مع الكابتن دكلص عزيز ، جنرال ومهندس خط وسط المنتخب الوطني العراقي

http://www.ankawa.org/vshare/view/9843/doglas-aziz/

كمال يلدو: اللقاء مع د. علي كاظم الرفيعي ، رئيس قائمة التحالف المدني الديمقراطي

http://www.ankawa.org/vshare/view/9844/ali-kadhem/



كمال يلدو: اللقاء مع د . فاتن الجراح الاختصاصية في اخراج وتأليف الدراما التعليمية والتفاعلية

http://www.ankawa.org/vshare/view/9845/faten-algarah/


كمال يلدو: اللقاء مع الباحث في تأريخ العراق القديم والشاعر والكاتب المسرحي د . خزعل الماجدي

http://www.ankawa.org/vshare/view/9846/khazal-almajdi/

144
كمال يلدو: اللقاء مع د ريمون شكوري وعطر الذكريات في (عكَد النصارى) ايام الطفولة والشباب

http://www.ankawa.org/vshare/view/9837/remon-shakori/

145
كمال يلدو : اللقاء مع المهندس والموسيقي والمستشار الاجتماعي الاستاذ بشار حنا ٢٠ تموز ٢٠١٦

http://www.ankawa.org/vshare/view/9836/bashar-hanna/


146
تشرفت بلقاء واحدة من القامات النسوية العراقية للحديث عن بدايات العمل النسوي وتأثيره على قرارات ثورة ١٤ تموز حول الاحوال الشخصية وحقوق المرأة
مع السيدة بشرى برتو، أمل ان يروق لكم

كمال يلدو: اللقاء مع القائدة النسوية والشخصية الوطنية السيدة بشرى برتو في ذكرى ثورة ١٤تموز

http://www.ankawa.org/vshare/view/9808/bushra-boto/


لمناسبة الذكرى ٥٨ لثورة ١٤ تموز كان هذا اللقاء مع د. عقيل الناصري والبحث في اسباب قتل العائلة الملكة
آمل أن يروق لكم

كمال يلدو: اللقاء مع المؤرخ د. عقيل الناصري والبحث في اسباب قتل العائلة المالكة تموز ١٩٥٨

http://www.ankawa.org/vshare/view/9809/aqil-naser/


لمناسبة الذكرى ٥٨ لثورة ١٤ تموز كان هذا اللقاء مع  السيدة خولة القيسي ابنة اخت الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم
آمل أن يروق لكم

كمال يلدو: اللقاء مع السيدة خولة القيسي إبنة السيدة أمينة قاسم الشقيقة الكبرى للزعيم الراحل قاسم
http://www.ankawa.org/vshare/view/9810/khawla-alqaysi/




147
كمال يلدو: حلقة برنامج أضواء على العراق


كمال يلدو: الكرادة تغرق بالدماء والقتلة طلقاء في اللقاء مع الاستاذ ضياء الشكرجي
http://www.ankawa.org/vshare/view/9794/diya-alshakarchi/

كمال يلدو: دروس سبعة عقود في اللقاء مع الاستاذ الضابط المتقاعد والمحامي عربي الخميسي
http://www.ankawa.org/vshare/view/9795/arabi-alkhamisi/

148
كمال يلدو: عن دور الفنانين والموسيقيين اليهود في الأغنية العراقية الحديثة ا مع الفنان رعد بركات

http://www.ankawa.org/vshare/view/9778/raad-barakat/


كمال يلدو: رحلة في الذاكرة الجميلة لناحية المشّرح مع الأديب والكاتب والمسرحي مديح الصادق

http://www.ankawa.org/vshare/view/9779/madeh-alsadik/

149
كمال يلدو: لقاء الفضائية الارامية مع الزميل امير المالح

http://www.ankawa.org/vshare/view/9774/amir/

150
كمال يلدو: في استذكار شهيد البصرة والعراق والطائفة المندائية الشهم ناجي جمعة سرحان الخميسي

في حلقة (اضواء على العراق) ليوم الاربعاء ١٥ حزيران توقفت أمام المأثرة البطولية التي سطرها الشهيد (ناجي جمعة سرحان الخميسي)  حينما قام  بإنقاذ افراد الاسر التي كانت تجاورهم ، نتيجة الحريق، لكن النتيجة كانت أن انفجرت قنينة الغاز مما أدى الى استشهاده .
وآمل أن اكون قد انصفته وأنصفت عائلته.
مع الود من
كمال يلدو
http://www.ankawa.org/vshare/view/9749/naje-sarhan/

151

كمال يلدو: اللقاء مع الفنان شليمون بيت شموئيل عن الآلات الموسيقية في حضارة بين النهرين

كان لي الشرف أن استضيف الفنان والملحن الآشوري الرائع الاستاذ شليمون بيت شموئيل في برنامج (أضواء على العراق)  في يوم الاحد ١٢ حزيران ٢٠١٦ حيث قدم ملخصا لبحث  عن موضوعة الآلات الموسيقية التي اخترعا ابناء حضارة وادي الرافدين وكيف انها انتقلت للحضارات الاخرى وتطورت .
حديث ممتع شيق آمل أن يروق لكم
مع الود من
كمال يلدو

http://www.ankawa.org/vshare/view/9743/shlimon-bet-shmoel/

152
كمال يلدو: اللقاء مع البروفيسور العراقي الأصل سامي المعلم والاسرائلي الجنسية شموئيل مورييه

كانت فرصة جميلة ونادرة أن استمع  الى نبضات الحنين والمحبة من قلب أبى إلا ان يكون عراقيا أصيلاً بكل المعايير والمقاييس ، رغم جفاء الزمن وظلمه عليهم. لكن بقت عراقيته تسموا على كل افكار التخلف ، آملاً لغد يحيا فيه الانسان حراً وفرحاً ومعافى.
هذه دعوة لمشاهدة لقائي التلفزيوني  في برنامج (أضواء على العراق) مع الكاتب العراقي الاصل سامي المعلم، والاسرائيلي الجنسية شاموئيل مورييه. آمل أن يروق لكم
مع الود والمحبة من
كمال يلدو

http://www.ankawa.org/vshare/view/9740/sami-almoalem/

153
كمال يلدو: اللقاء مع عضوة المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي رجاء الخفاجي يوم ١٢ حزيران ٢٠١٦

تشرفت يوم الاحد ١٢ حزيران بإستضافة عضوة المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي ورئيسة لجنة المرأة فيه للحديث حول الحراك المدني وآفاق الحلول المطروحة للخروج من عنق الزجاجة . اللقاء كان في برنامج ـ أضواء على العراق ـ الذي بُث عبر الفضائية الآرامية . آمل أن يروق لكم

http://www.ankawa.org/vshare/view/9739/raga-khafagi/

154
كمال يلدو: اللقاء مع الخبير في شؤون النفط العراقي الاستاذ حمزة الجواهري في برنامج ١٢ حزيران ٢٠١٦

تشرفت هذا اليوم، الاحد ١٢ حزيران ٢٠١٦ بلقاء واحدا من القامات العراقية الاقتصادية الكبيرة، الاستاذ حمزة الجواهري، الخبير في شؤون النفط العراقي، في لقاء صريح حول النفط العراقي وعقود التراخيص ، كان هذا في برنامج (أضواء على العراق) الذي بُث عبر الفضائية الآرامية .
آمل أن يروق لكم ....محبة دائمة من كمال يلدو

http://www.ankawa.org/vshare/view/9738/hamza-algawahry/

155
كمال يلدو: اللقاء مع الاستاذ ريمون شكوري وحوار حول ريادة ابناء الرافدين لعلوم الرياضيات والفلك

كان لي الشرف أن استضيف واحدا من اعلام الرياضيات في العراق  ( د. ريمون شكوري)  في برنامجي  ـ أضواء على العراق ـ لحلقة يوم الاربعاء ٨ حزيران ، حيث تناول  موضوعة " ريادة ابناء الرافدين لعلوم الرياضيات" باسلوب وطريقة شيقة وجميلة
أقدم لكم التسجيل الحصري للقاء ، وآمل ان ينال رضاكم
مع الود والمحبة من
كمال يلدو


http://www.ankawa.org/vshare/view/9729/rimon-shokri/

156
كمال يلدو: مع الناشط السياسي ابراهيم برخو حول تداعيات قرار البرلمان الالماني عن مذابح ١٩١٥

استضاف برنامج (أضواء على العراق)  الناشط السياسي إبراهيم برخو ، الذي تحدث عن أبرز تداعيات قرار  البرلمان الالماني بإعتبار جرائم الدولة العثمانية عام ١٩١٥ ضد الارمن واليونانيين والآشوريين والكلدان والسريان كانت : جرائم إبادة جماعية.
آمل أن يروق لكم اللقاء
مع الود والتقدير لكم
كمال يلدو


http://www.ankawa.org/vshare/view/9728/ibrahim-barkho/

157
كمال يلدو: لمناسبة يوم الطفل العالمي اللقاء مع الاعلامي وكاتب قصص الاطفال داود أمين حزيران ٢٠١٦


http://www.ankawa.org/vshare/view/9714/dawod-amin/

158

كمال يلدو: اللقاء مع ـ طبيب الشعب ـ الدكتور مزاحم مبارك مال الله يوم الاحد ٢٩ آيار ٢٠١٦

اللقاء مع الشخصية الرائعة د.مزاحم مبارك مال الله وتجربته الرائدة والفريدة في معالجة الفقراء والمحتاجين بعيادته الشعبية المجانية، طبيب الشعب
آمل أن يروق لكم ولقرائكم الكرام
كمال يلدو
http://www.ankawa.org/vshare/view/9710/mozhem-mobarek/

159
كمال يلدو: اللقاء مع الباحث الآثاري الاستاذ حامد الحيدر يوم ٢٩ آيار ٢٠١٦

فديو لقاء مع الباحث الآثاري حامد الحيدر حول الأثر التأريخي لآثار نينوى والنمرود التي دمرتها وحوش (داعش) الارهابية.
مع الود لكم من
كمال يلدو

http://www.ankawa.org/vshare/view/9709/hamid-alhaidar/

160
كمال يلدو: اللقاء مع د. صادق إطيمش عن البديل للوضع القائم بعد فشل فكرة الاصلاح ٢٢ آيار ٢٠١٦

هذا الفديو للقاء مع الباحث والكاتب د.صادق إطيمش  وحوار حول أفق البديل  بعد اخفاق الطبقة السياسية في تلبية مطالب الجماهير  أو تحقيق الاصلاح المرجو.
آمل أن يروق لكم
كمال


http://www.ankawa.org/vshare/view/9689/sadiq-etemesh/

161
كمال يلدو : اللقاء مع الاستاذ عزيز إيليا ووقفة امام التجاوزات على أراضي المسيحيين في كردستان


http://www.ankawa.org/vshare/view/9682/aziz-eleya/

فديو اللقاء مع الاستاذ عزيز إيليا والحديث حول التجاوزات على أراضي المسيحيين في كردستان

تحية طيبة لكم
هذه متابعة للقضية الشائكة التي يمر بها أبناء شعبنا  في قراهم التأريخية الواقعة في اقليم كردستان حيث يتعرضون الى مسلسل من التمييز والمضايقة وصل الامر الى السيطرة والاستحواذ على أراضي بعضهم.
اللقاء مع الاستاذ عزيز ايليا في برنامج  ـ أضواء على العراق ـ
آمل أن يروق لكم
مع التقدير من
كمال يلدو

162
كمال يلدو: الصحفي عبد المنعم الاعسم يقول ان حجم الحراك التضامني مع المتظاهرين دون المطلوب

ادعوكم أحبتي الكرام للتفكير بجدية من أجل الخروج من هذه الدائرة ، نحو فسحة أكبر للتضامن مع الحراك المدني في العراق . شكرا لكل من خرج وتضامن، والمطلوب أكبر ، فحجم الدمار في العراق أكبر
وحجم المخاطر أكبر
ولا احد يعرف ماذا سيحث غدا
مطلوب منا التضامن .
آمل أن يروق لكم ....كمال


http://www.ankawa.org/vshare/view/9677/abdulmonim-alasam/

163
كمال يلدو: اللقاء مع سيادة المطران يوسف حبش ، مطران ابريشية سيدة النجاة للسريان الكاثوليك بأمريكا


لقاء مع سيادة المطران يوسف حبش، مطران ابريشية كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في الولايات المتحدة وحديثه حول معاناة العراقيين والمسيحيين من جراء (داعش) والسياسات الخاطئة للسياسين.
آمل أن يروق لكم
مع الود من
كمال يلدو


http://www.ankawa.org/vshare/view/9673/yousif-habash/

164
كمال يلدو: اللقاء مع كامل زومايا مسؤول العلاقات الخارجية لمنظمة (شلومو) للتوثيق ١٥ آيار ٢٠١٦

في اللقاء مع الناشط المدني كامل زومايا، جرى حديث مطول عن جرائم داعش والميليشيات ضد المكون المسيحي وباقي المكونات الاصيلة، وضرورة توثيقها رسميا... آمل أن يروق لكم اللقاء
كمال يلدو


http://www.ankawa.org/vshare/view/9672/kamil-zomaya/

165
كمال يلدو: اللقاء مع شاعر العذابات والوطن والناس الاستاذ موفق محمد يوم ١٥ آيار ٢٠١٦

http://www.ankawa.org/vshare/view/9671/mowfaq-mohamad/

166
كمال يلدو: اللقاء مع المهندس جمال قلابات نائب رئيس الهيئة العليا للرابطة الكلدانية ومسؤول فرع امريكا

http://www.ankawa.org/vshare/view/9663/gamal-qabalat/

167

كمال يلدو: اللقاء مع الاستاذ عمانوئيل خوشابا حول التجاوزات على اراضي المسيحيين في كردستان

نص التسجيل للقاء الذي أجريته مع الاستاذ عمانوئيل خوشابا ، سكرتير الحزب الوطني الآشوري،فجر الخميس ٥ آيار ٢٠١٦ في برنامج (أضواء على العراق) ، حول الحركة الاحتجاجية لمناصرة المسيحيين الذين يجري الاستيلاء على أراضيهم في بعض مناطق كردستان.
آمل أن يروق لكم
كمال يلدو

http://www.ankawa.org/vshare/view/9647/amanuel-khoshaba/

168
كمال يلدو: اللقاء مع المقاتل خدر صالح، رئيس المجلس التأسيسي لأيزيدي شنكَال في ١ آيار ٢٠١٦

تحية طيبة لكم أحبتي الكرام
تشرفتُ اليوم بإستضافة أحد ابناء شعبنا العراقي ، المقاتل خدر صالح وهو يقاوم ورفاقه ببسالة تنظيم داعش الارهابي من أجل دحره وتحرير سنجار منه وإرجاع أهلنا المختطفين وعودة النازحين الى مدنهم وقراهم.
آمل أن يروق لكم

http://www.ankawa.org/vshare/view/9642/khider-saleh/

169

كمال يلدو: اللقاء مع المقاتل خدر صالح، رئيس المجلس التأسيسي لأيزيدي شنكَال في ١ آيار ٢٠١٦

تحية طيبة لكم أحبتي الكرام
تشرفتُ اليوم بإستضافة أحد ابناء شعبنا العراقي ، المقاتل خدر صالح وهو يقاوم ورفاقه ببسالة تنظيم داعش الارهابي من أجل دحره وتحرير سنجار منه وإرجاع أهلنا المختطفين وعودة النازحين الى مدنهم وقراهم.
آمل أن يروق لكم

http://www.ankawa.org/vshare/view/9642/khider-saleh/

كمال يلدو: اللقاء مد د. غادة السلق لمناقشة المنجز الابداعي للمعمارية الراحلة زهاء حديد في ١آيار ٢٠١٦

http://www.ankawa.org/vshare/view/9641/ghada-alsalaq/

تحية طيبة لكم
تشرفتُ اليوم بإستضافة د.غادة السلق، رئيسة قسم هندسة العمارة في كلية الهندسة بجامعة بغداد حيث تحدثت عن سيرة المعمارية الراحلة زهاء حديد ، وعن رحلتها الهندسية ومنجزها الابداعي. ومن سياق الكلام تبين كم كانت الراحلة متفردة في رؤيتها التي دفعت بالفن المعماري نحو مساحات لم يشهدها من قبل، مما وضعها في قمة المصممين المعمارين. رحلة رائعة وتقديم أروع من د. غادة السلق آمل أن يروق لكم . تم اللقاء يوم الاحد ١ آيار ٢٠١٦ عبر برنامج (أضواء على العراق) عبر الفضائية الآرامية من مدينة ديترويت.

كمال يلدو: اللقاء مع د. جواد الزيدي وحوار حول الذائقة الفنية والثقافية لمدينة بغداد يوم ١ آيار ٢٠١٦

تحية حلوة لكم أحبتي

حلّ د.جواد الزيدي، الكاتب والناقد والاستاذ في اكاديمية الفنون ضيفاً على برنامج (أضواء على العراق) ليوم الأحد الأول من آيار ٢٠١٦ حيث تحدث عن ابرز مراحل تشكل الذائقة الفنية والحضارية لمدينة بغداد المعاصرة، وتوقف أمام اهم المعوقات التي تأخذ بهذه المدينة العريقة والجميلة نحو زاوية الظلام والعتمة منطلقة من الثقافة السطحية للكثيرين من المتحكمين او صناع القرار. آمل أن تروق لكم
كمال يلدو: اللقاء مع د. جواد الزيدي وحوار حول الذائقة الفنية والثقافية لمدينة بغداد يوم ١ آيار ٢٠١٦

http://www.ankawa.org/vshare/view/9640/jwad-alzubedi/

170
تحية حلوة لكم أحبتي

حلّ د.جواد الزيدي، الكاتب والناقد والاستاذ في اكاديمية الفنون ضيفاً على برنامج (أضواء على العراق) ليوم الأحد الأول من آيار ٢٠١٦ حيث تحدث عن ابرز مراحل تشكل الذائقة الفنية والحضارية لمدينة بغداد المعاصرة، وتوقف أمام اهم المعوقات التي تأخذ بهذه المدينة العريقة والجميلة نحو زاوية الظلام والعتمة منطلقة من الثقافة السطحية للكثيرين من المتحكمين او صناع القرار. آمل أن تروق لكم
كمال يلدو: اللقاء مع د. جواد الزيدي وحوار حول الذائقة الفنية والثقافية لمدينة بغداد يوم ١ آيار ٢٠١٦



http://www.ankawa.org/vshare/view/9640/jwad-alzubedi/

171
كمال يلدو: مع الاستاذ جوزيف كساب ونقاش حول مصير الأقليات الدينية خاصة المسيحيين في بلاد النهرين


http://www.ankawa.org/vshare/view/9639/josef-kassab/

172
كمال يلدو: رحلة في عالم الثقافة والابداع من مدينة تورنتو الكندية مع الشاعر والقاص كريم شعلان

http://www.ankawa.org/vshare/view/9622/karem-shalan/


كمال يلدو: اللقاء مع الناشطة آرمينوهي اسطيفان رئيسة رابطة المرأة العراقية في سدني ـ استراليا

http://www.ankawa.org/vshare/view/9623/arnnohi-istefan/


كمال يلدو: رحلة في الموسم الرابع لكرنفال ( أنا عراقي أنا أقرأ ) مع الناشط بسام عبد الرزاق

http://www.ankawa.org/vshare/view/9624/bassam-abdulrazaq/

173
كمال يلدو: اللقاء مع الاديب والناشط القومي السيد الياس منصور من ملبورن ـ

http://www.ankawa.org/vshare/view/9620/elias-mansor/
في حلقة برنامج أضواء على العراق تطرق الناشط القومي في الشأن (الكلداني السرياني الآشوري) السيد الياس متى منصور ، الى بعض نشاطات الجالية في مدينة (ملبورن الاسترالية) ، والى رؤيته للوضع العراق وآفاق حله .

174
تحية طيبة لكم أحبتي
مع كل المآسي التي تمر على وطننا ، وآلام الارهاب وداعش والميليشيات والقتل اليومي والسرقة والنهب، كان علينا أيضا أن نتعامل مع أمورا تبدو (بسيطة) لكن لها مغزى أكبر .
ولعل التضامن ، وتقريب الافكار  ورص الصفوف اليوم مطلوب أكثر من أي وقت.
آمل أن يروق لكم اللقاء
مع الود من
كمال يلدو

http://www.ankawa.org/vshare/view/9615/katren-mikhel/

175
في لقاء مع برنامج (اضواء على العراق) من ديترويت: رئيسة كيان أبناء النهرين السيدة كاليتا شابا تدين الاستيلاء على أراضي المسيحيين في بعض مناطق كردستان

http://www.ankawa.org/vshare/view/9607/kaleta-shaba/




176
اضواء على العراق / كمال يلدو : محنة العراق لن يحلها (الظرف المقفول)


http://www.ankawa.org/vshare/view/9526/kamal-yaldo/

177

(فديوات) الحلقة المتميزة من برنامج (أضواء على العراق) التي انجزتها اليوم الأحد ٣ نيسان ٢٠١٦ حيث تشرفت بإستضافة أربعة شخصيات، وأمتدت الى ساعتين، أخذ منها كل ضيف نصف ساعة وكانوا على التوالي:
١) الناشط الايزيدي السيد صائب خدر : مدير مركز أديان للتعايش السلمي من بغداد
http://www.ankawa.org/vshare/view/9496/saeb-khider/

٢) الناشط المدني د. أثير الجاسور: استاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصري في بغداد
http://www.ankawa.org/vshare/view/9497/atheer-jasor/

٣) غبطة مار لويس ساكو: باطريارك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم من مدينة عنكاوة
http://www.ankawa.org/vshare/view/9498/mar-lois-sako/

٤) الفنان المسرحي طه رشيد : مدير العلاقات والاعلام في دائرة السينما والمرح في بغداد
http://www.ankawa.org/vshare/view/9499/taha-rasheed/

٥)) الحلقة الكاملة
http://www.ankawa.org/vshare/view/9495/kamal-yaldo/


178
برنامج اضواء على العراق: لقاء مع غبطة مار لويس ساكو: باطريارك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم من مدينة عنكاوا
http://www.ankawa.org/vshare/view/9498/mar-lois-sako/


179
كان لي الشرف أن استضيف في برنامج (أضواء على العراق) ليوم الأربعاء ٣٠ آذار  كل من :
١ـ الناشطة المدنية والمدافعة الأمينة عن حقوق الانسان  والمرأة والطفل  في العراق هناء أدور:
كمال يلدو: اللقاء مع الناشطة المدنية والمدافعة عن حقوق الانسان والمرأة في العراق هناء أدور

http://www.ankawa.org/vshare/view/9485/hana-edwar/   


٢) الفنان المسرحي صلاح الصكر، رئيس الجمعية الثقافية المندائية في مدينة (لوند) السويدية وسكرتير فرقة (ينابيع المسرحية) :

كمال يلدو: اللقاء مع االمسرحي صلاح الصكر رئيس الجمعية االمندائية الثقافية في مدينة لوند السويدية
http://www.ankawa.org/vshare/view/9486/salah-sagar/


٣) التسجيل الكامل لحلقة برنامج أضواء على العراق ليوم ٣٠ آذار  ٢٠١٦
مع الود والتقدير لكم
كمال يلدو


180
بابا الفاتيكان يتضامن مع ضحايا تفجيرات ملعب كرة القدم في الحلة

رفع البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان رسالة تضامنية الى عوائل ضحايا التفجير الارهابي الذي طال الحلة مؤخراً وقال: " انني كنتُ مصدوماً بالخسائر البشرية الفادحة التي سببها هذا الهجوم الارهابي" وذلك أثناء مبارات لكرة القدم جرت يوم الجمعة في احد الملاعب المحلية في مدينة الحلة ، والذي تبنته لاحقا (الدولة الاسلامية) وأضاف قائلاً: "انه يصلي من أجل أن تكون ردة فعل العراقيين على هذا الهجوم ـ سبباً لتقوية لحمتهم ولحل الفروقات والخلافات والعمل سويةـ من أجل مستقبل يضمن الاحترام والحرية".
وتوّج البابا فرنسيس اليوم الأحد مراسيم الكنيسة الكاثوليكية في اسبوع الآلام الذي يبدأ بأحد السعانين ثم يوم الخميس حيث غسل اقدام التلاميد ثم الجمعة العظيمة وسبت النور والقداس بعد منتصف الليل وصولا الى أحد القيامة. وفي هذا اليوم تبدأ الاحتفالية بأن يلقي البابا خطبته  من شرفة كاتدرائية القديس بطرس التي تطل على ساحتها التي عادة ما تكتظ بعشرات الآلاف من الزوار الذين يأتونها من كل العالم، وقد أدان في كلمته الارهاب "الاعمى"  مستذكراً ضحاياه في اوربا وافريقيا وفي كل مكان من العالم، كما وعبر عن تضامنه مع الجموع الغفيرة التي تضطر لمغادرة بلدانها قاصدين اوربا كلاجئين.
بعدالخطبة كان قداس الفصح في كاتدرائية القديس بطرس، حيث تحدث قليلاً الى  ملك وملكة بلجيكا اللذان كانا ضيوف شرف، فيما أدان في كلمته الاعتداءات  الأخيرة  التي جرت في كل من بلجيكا، تركيا ، نيجيريا، تشاد، الكاميرون، ساحل العاج والعراق. بعدالقداس توجه البابا بسيارته المكشوفة ليصافح جموع الزائرين في الساحة والسلام على بعضهم باليد فيما كانوا يلقون بالزهور على موكبه.
**نص الخبر كما نقلته شبك (ياهو) الاخبارية
https://us-mg5.mail.yahoo.com/neo/launch?.rand=7mrtn1pin7vtf#1962321981

إعداد وترجمة: كمال يلدو

181
تحية طيبة لكم
والآن يمكنكم مشاهدة الحلقة المتميزة من برنامج (أضواء على العراق) حيث شرفني أن يكون فيها الضيوف الأعزاء:
١) الباحث الآثاري الاستاذ فلاح عبد الهادي الجباوي ـ من محافظة بابل ـ مدينة الحلة ، وحوار حول واقع الآثار العراقية ، وموقف المسؤولين من جرائم (داعش) تجاهها ، والدور التخريبي لسراق الآثار
٢) الناشط المدني والمهندس الزراعي د. رمزي توماس ـ من ألمانيا، للحديث حول واقع النازحين من بلدات سهل نينوى، ومستقبلهم في هذه الظروف أو بعد طرد داش، وآفاق تطوير مناطقهم .
٣) شاعر الاوبريتات الغنائية والشخصية الوطنية البصرية الاستاذ علي العضب ـ من البصرة، ورحلة مع شعره وتواصله مع الجماهير التي تخرج اسبوعياً الى سوح الحرية .
٤) أما الجزء الاخير فقد كان حديثاً عاما تناول بالتفصيل خطاب المالكي الأخير وتوعده للمتظاهرين او المعتصمين ....
شاهدوها على اليوتوب ...و آمل أن تروق لكم . مع الود والتقدير لكم
كمال يلدو
١) التسجيل الكامل للحلقة
اضواء على العراق / كمال يلدو : الاستجابة لمطالب المتظاهرين حاجة لا تقبل التأجيل

http://www.ankawa.org/vshare/view/9417/kamal-yaldo/


٢) التسجيل الحصري للقاء مع الاستاذ فلاح الجباوي
كمال يلدو: اللقاء مع الباحث الآثاري الاستاذ فلاح الجباوي من محافظة بابل في ٢٠ آذار ٢٠١٦
http://www.ankawa.org/vshare/view/9418/falah-algbori/


٣) التسجيل الحصري للقاء مع د. رمزي توماس
كمال يلدو: اللقاء مع المهندس الزراعي والناشط الوطني د . رمزي توماس من المانيا يوم ٢٠ آذار ٢٠١٦

http://www.ankawa.org/vshare/view/9419/ramzi-tomas/


٤) التسجيل الحصري للقاء مع الشاعر علي العضب
كمال يلدو : اللقاء مع الشاعر الغنائي وكاتب الاوبريتات والشخصية الوطنية الاستاذ علي العضب

http://www.ankawa.org/vshare/view/9420/ali-aladeb/





182
كمال يلدو: سلاماً للقائدة الانصارية فكتوريا يلدا (شيرين ـ ام عصام)

قد تقترن حادثة ما او يقترن مكان بشخص او بإسم، وقد تمضي الايام، ولا أحد يضمن أن تبقى الذكرى او ترحل وتغيب. على إن لهذه القاعدة استثناءً كبيراً، ارتهن بإمرأة لا يمكن تجاهل اسمها عندما يأتي الحديث عن سـير المضحيات والنصيرات  المناضلات الجسورات، خاصة امام المحطات الكثيرة التي مرت على الحركة  الوطنية. فقدكانت ومازالت في قلب (المعمعة) كما يقولون ولا يبدو انها تعبت، بل تصر بأنها ممتلئة بروح الشباب وستبقى هكذا، ولكل من يشك بالأمر، عليه أن يجرّب!   
***
 القائدة الأنصارية فكتوريا يلدا ( شيرين ـ ام عصام) من مواليد محافظة دهوك، وقضاء زاخو تحديدا، درست الابتدائية هناك، وعندما تقدمت للدراسة الثانوية تحفّظ والدها بسبب كون المدرسة كانت (مختلطة) فحُرمت من فرصة اكمال تعليمها. تزوجت من الشهيد (أفرام برخو جلبي) وهي بعمر ١٦ عاماً ، وأنجبت منه ولداً  (أدور) وله الآن بنتان ـ دينا و لونا ـ وولد واحد ـ أفرام. استشهد زوجها عام ١٩٦٥ على اثر التعذيب، ثم اقترنت بعدها بالشهيد (لازار ميخو ـ أبو نصير) عام ١٩٨١ في كردستان عقب خروجه من السجن، وتقاسما سوية العمل المسلح في فصائل الانصار، لكن ما لبث  أن اغتيل  هو الآخر غدرا في دهوك عام ١٩٩١. والآن هي مقيمة في دولة الدانمارك، وتعيش في العاصمة (كوبنهاكن) حيث تقضي جل وقتها مع أحفادها ورفاقها ورفيقاتها وبحضور النشاطات، و التفاعل مع الحياة بحيوية  خاصة حينما يتعلق الامر بالعراق وأُناسه.
عن بواكير وعيها وتعلقها بالفكر الوطني تقول النصيرة (ام عصام): كنت أخرج وألعب مع بنات الحارة بمنطقتنا في زاخو والتي كانت تسمى (محلة النصارى)، وكان إبن خالي (أفرام منصور) يعطيني  لفّات من الورق مغلفة بالنايلون ويطلب مني ايصالها الى (سمير بوتاني و جورج توما) ولم أكن اعلم ما فيها، وبعد فترة أختفى  إبن خالي (أفرام) ، ثم علمتُ بأنهم اعتقلوه وعذبوه ونفوه هو وعائلته الى جنوب العراق، ويومها عرفت بأن تهمته كانت (الشيوعية) ومنذ ذلك الزمن دخلت هذه العبارة الى قاموسي! ورغم مرور السنين فإن تلك الذكريات تعود معي كلما زرت العراق ، وزرتُ مدينة زاخو، فألتقي بالسيد (ساهر افرام) ويعود المشهد حياً وعابرا لشريط الحياة الطويل.
 بعدالزواج إنتقلنا الى كركوك، وقد كان زوجي منغمرا بالسياسة و نشطاً، وهذا ما ساهم أكثر في تعزيز وعيي الوطني والتزامي بهذا الفكر والدفاع عنه. بعد انقلاب ٨ شباط الاسود، تعرّض زوجي للاعتقال وتنقل بين سجون كركوك وبغداد وأخيرا أودع  سجن (نقرة السلمان) الرهيب، يومها لم يكن ابني (أدور) قد بلغ الاربع أعوام من عمره. لم يخطر على بالي أن اترك زوجي في تلك الظروف الصعبة،  فقد كنت أزوره في كل الاماكن التي اعتقل بها . لقد تعرض للتعذيب والسجن الانفرادي، وساءت احواله الصحية فجرى نقله الى مستشفى الديوانية، وعلمتُ ذلك بطريق الصدفة اثناء مراجعتي لسجن نقرة السلمان، وكانت المفاجأة لهم بأني تمكنتُ من تحديد مكانه وزيارته، وبعد الاستفسار عن وضعه وأسباب نقله الى هناك، علمت بأنهم يزرقوا ابراً في جسمه، فسرقت واحدة منها وعرضتها على طبيبة في بغداد وقالت لي بالحرف الواحد: إن هذا سم وسيقتلوه بالموت البطئ. وفي تلك الاثناء قال لي مدير الشرطة: لماذا تراجعين هذا الشخص، انه مجرم! فقلت له: إن هذا الذي تسميه مجرم، هو زوجي ، وكان يحترمني ويدللني، ولما صارت عنده ظروف يجب أن لا اتخلى عنه، ولو فعلت ذلك  حينها سيقول الناس عني بأني خائنة وبلا حياء! فما كان من مدير الشرطة إلا أن صرخ بوجهي وقال: انتي لسانج طويل!
لم أكن أملك سلطة حتى احرره من قيده، وكنت ارى صحته تتدهور يوما بعد آخر، فتمكنت من إقناع أحد الاشخاص بإبلاغي في حالة حدوث أي مكروه له، وفعلاً وصلتُ في الوقت المناسب بعد أن كان هذا الدواء (السم) قد تمكن منه، فأخذته منهم، وهنا جن جنون المسؤولين وقالوا لي : كيف عرفت بالأمر . المهم، إني أخذته وقمت بواجبي في مواراته الثرى لكن ليس قبل أن الف جسده بالعلم الأحمر!
تكمل النصيرة (ام عصام) القول: بعد رحيل زوجي، لم يكن الامر هيناً ، لكني عزمت على مواجهة هذه الصعاب، فعدت الى المقاعد الدراسية وتمكنت من الحصول على الشهادة الثانوية في الفرع العلمي، وكم كان أملي أن ادخل (كلية القانون والسياسة) وأتخرج محامية، لكن الحياة كانت أقسى. عملت فترة في وزارة شؤون الشمال، وفي وزارة الري، وكنت المنسقة بين جميع الاندية (السريانية وعددها ٢٤ في بغداد)، أما اول تجربتي مع الاعتقال فكانت في العام ١٩٧٤ بعد أن القيت كلمة في (نادي اور العائلي) أثناء حفل اقيم بمناسبة يوم المرأة العالمي واتُهمت آنذاك بالعمل في النشاط القومي المحظور، ثم جرت التدخلات وأطلق سراحي.
بعد أن ساءت الاحوال السياسية ، غادرتُ العراق عام ١٩٧٩ وتوجهت الى بلغاريا حيث حصلت على بعثة دراسية لمدة سنة،  بعدها ذهبت الى اليمن الديمقراطي، وعملت هناك مشرفة تربوية، وكذلك مع المنظمات النسائية وقد نشأت الفة كبيرة بيني وبينهم. وفي العام ١٩٨٠ سمعتُ أن هناك جهوداً لإعادة النشاط المسلح في كردستان العراق وتشكيل فصائل الانصارمجددا، فطلبت الالتحاق، لكن يبدو ان الظروف لم تكن قد نضجت بعد، ولمّا كنتُ بعيدة (نوعاً ما) عن مكان الحدث، فقمتُ (بشكل شخصي) ببيع بعض مما تبقى لي من حاجياتي الذهبية واشتريت بطاقة للطائرة وقصدت دمشق، وهناك طرحت الامر مجدداً على رفاقي.  عبرّتُ لهم عن رغبتي الحقيقية بالألتحاق، وأن هذا الامر بالنسبة لي التزام نضالي وأخلاقي تجاه زوجي الشهيد!   تكمل النصيرة (ام عصام): حيث تعود  القصة للعام ١٩٦٣ عندما وقع زوجي في مخالب البعث، فحينها كان يريد الالتحاق بقوات الانصار التي انطلقت، لكن رفاقه منعوه وطلبوا منه البقاء في العمل المدني، وسرت الامور عكس ما كنّا نريد، إذ تعرض للاعتقال، وتركت تلك المسألة طعماً مراً عنده، حيث كان يعيدها عليّ كلما قابلته بالسجن ويقول: لو كنتُ قد التحقت بالانصار لما كنت بين أيديهم الآن، ويومها اوعدته بأني سأكون أول امراة تلتحق بالعمل الانصاري حينما يصار اليه! وها هي اللحظة قد أزفت.
لقد كان لي الشرف فعلاً أن اكون أول نصيرة ـ في قاطع بهدينان على الأقل حيثُ كان هناك التحاق من نصيرات أخريات في قاطع سوران  ـ  تلتحق مع (ام صباح) وبدأنا العمل سوية في (يكماله ـ يه ك ماله).  ورغم كل ما كان يكتنف العمل الانصاري من صعوبات حياتية ولوجستية لكن وجود المرأة المقاتلة كان أمراً مفرحاً ومشجعا لدى رفاقنا الانصار الذين لم يدخروا جهدا في تقديم اية مساعدة ممكنة لانجاح مهمتنا النضالية، لكنها من الجهة الاخرى كانت أمراً صعباً على بعض المقاتلين من القوى الكردية الحليفة في المنطقة حيث لم يألفوا هذا المشهد ، ناهيك عن القروين والطبيعة المحافظة للمجتمع الكردي آنذاك، إلا ان تلك التجربة أثبتت كفاءة وجرأة تُسجّل  بحروف من ذهب لهذا الفصيل الثوري الذي عبّد الطريق امام اشتراك (المرأة) في الكفاح المسلح، وكم أنا فخورة اليوم وأنا اشاهد المقاتلات الشيوعيات الايزيديات ومن كل الانتماءات يرفعن السلاح للدفاع عن وجودهن وأفكارهن ضد الطغيان والرجعية والأفكار السوداء لداعش وأخواتها.
أما عن تجربتها الانصارية فتقول (ام عصام): لم تكن سهلة أبداً، فقد كان هناك دافعاً وطنياً حماسيا يؤجج فينا روح المجابهة وتحدي النظام الدكتاتوري الذي انقلب على رفاقنا وأصدقاءنا وانتقم منهم، وعلى الرغم من الصعاب والانكسارات  والتضحيات الجسام بالرفيقات والرفاق الشهداء، وبالتضحيات الشخصية كل على حدة، وتشتت عوائلنا وأفتراقنا عن ابنائنا وأهالينا، وأستخدام النظام البعثي العفن لأبخس الطرق في ابتزازنا وأبتزاز عوائلنا وإرهابهم، لكننا لم ننحني له وكنّا شوكة وقوة عصية الشراء او الانهزام، نعم نحن احفاد اولئلك الابطال الذي كانوا يعتلون المشانق وهم يهتفون للوطن والافكار والشعب.
اما ما تقوله عنها بعض النصيرات والانصار فأنه شئ يبعث حقاً على الفخر والاعتزاز. حينما تنظر اليها وتقترب منها ، فستعلم حقا انك امام جبل أشم، ونخلة باسقة وإرادة قوية ومعرفة وثقة بالنفس نادرة. هذا ما جاء على لسان العديد من النصيرات ومنهن : دروك، ام نصار و ندى ، وذات الشئ مع الانصار ومنهم أبو باز وأبو نصار وجاويد ، فقد كانت أختا لهم وامّاً وصديقة ومعلمة ورفيقة وقائدة.  وكم من مرة أثبتت على كفاءة النصيرات حينما كانت تأخذ الرفيقات معها وتذهب لأداء بعض المهام السياسية او العسكرية او حتى في جلب المؤونة، لم تكن لتخاف ، لقد كانت شجاعة، لقد قامت بالمهام  مئات المرات  بدون تعب أو ملل، بل كانت تقوم بها والضحكة والنكتة لا تفارقها ابداً، لابل ان مناسبات كثيرة شهدت كيف إن (الآخرين) كانوا يُعجبون من سرعة بديهيتها ولباقة لسانها وفطنتها، ولعل حكاية المبيت  في الجامع مازالت ماثلة وطرية عند النصيرات اللواتي كنّ معها في الدورية، حينما رفض رجل الدين المسؤول عن الجامع، مبيت الفريق الانصاري النسوي هناك تلك الليلة، فدخلت النصيرة (ام عصام) معه بمحاججة انتهت أن قال لها: الليلة تنامين هنا (في الجامع) وفي هذا المكان بالذات، أنا لم اشهد إمرأة بلباقتك ولا بفطرتك وجرأتك، هذه كانت ام عصام.
للعديد من النصيرات والانصار، كان معروفاً حجم التضحيات والفداء وكأس الصعاب الذي تجرعه هذا الفصيل، وقد قدموه بكل فخر واعتزاز وبطولة، لكن كيف يمكن للمواطن العادي أن يقتنع بحجم هذه التضحيات؟ كيف يمكن أن يُفسَّر له هذا الامر؟
بالحقيقة فإن "ام عصام" تجيب هؤلاء الباحثين عن الجواب والحائرين بأنها: حازت على أمر لا يباع ولا يُشترى ولا يُقدر بثمن، إنه محبة الناس! وهذه الخصال هي مثل المعادن النادرة والثمينة، وحتما تجدها فقط عند الناس التي تبدي استعداداً للجود بالغالي وبالروح من اجل قضية الشعب العادلة والافكار السامية، نعم، هكذا تفاعل معها رفاقها ورفيقاتها في مهرجاناتهم ولقاءاتهم الانصارية حينما منحوها أكثر من وسام شرف وتقدير، تثمينا لها ولدورها الريادي، وهم بذلك كانوا مصيبين ومحقين.
أمّا حينما سألتها عن امنياتها للعراق فقالت: عندي ثقة بأن العراق سينهض ويقف على قدميه مجدداً، وسيكون أفضل من السابق، ولن تذهب الامور هكذا، وهذه ليست امنية أو من باب الاحلام، انه أمر واقع فحسب. لقد سقينا هذه الارض بدماء رفيقاتنا ورفاقنا ، وروينا ترابه من اغلى الأنفس، ولن تذهب هدراً، نعم أنا متفائلة وهذا اليوم آت لا محال!

في النهاية هناك أمران عليّ الاعتراف بهما أمامكم ايها الاعزاء: اولهما، إن (ام عصام) لم تكن لتعرف بإن الغاية من مكالماتي كانت لجمع المعلومات لغرض الكتابة، وقد رجتني كثيراً أن لا أكتب عنها، وكانت تقول : اكتب عن الرفيقات الاخريات وأعطتني قائمة بالاسماء، وتصر بأنها  قدمت ما عندها!  لكني كنت أنظر للأمر من زاوية أخرى، فكيف لنا أن نحتفل بها، كيف لنا أن نقول بأعلى الصوت شكراً لك يا حبيبتنا ويا صديقتنا ويا امّنا، وبهذا اردت الاحتفال مع الكل بسرد أسطر من تلك السيرة المعطرة والمليئة بالتضحيات اليوم وليس غداً. أما ثانيا، فهو خشيتي منكم انتم الذين شهدتم على نضالها وسيرتها، بأمل أن أكون قد قدمت أسطراً لائقة بها، ولعلها ليست بالضرورة أن تكون لوحة متكاملة، لكنها على الأقل بداية متروكة للكثير منكم ايها الاعزاء لتكملوا  التفاصيل تلك  بكتاباتكم وتعليقاتكم، وإني على يقين بأنكم اهلا لها.
# الشكر والاعتزاز لمن زودني بالصور وبعض الحكايات عنها ومنهم، النصيرأبو صارم طبيب السرية المستقلة، والنصيرتان ندى و ام نصّار.
 
**كل الود والمحبة لهذه المناضلة النصيرة الباسلة "أم عصام"
**المجد لشهيداتنا وشهدائنا الابطال
**العار للأنظمة الرجعية التي عطلت قدرات الشعب وأنهكته بالأرهاب والحروب، واليوم بالفساد الأداري والسرقات ومحاربة الاقليات وإدخال داعش للعراق.


كمال يلدو
آذار ٢٠١٦
 



183
تحية حلوة لكم أحبتي
ودعوة لمشاهدة الحلقة الجديدة من برنامج (أضواء على العراق) التيي بُثت مساء الاربعاء في ديترويت 9 آذار 2016 وقد تشرفت بإستضافة
1) السيدة ياسمين يحى رئيسة الجمعية المندائية في سدني ـ استراليا
2)مع مداخلة د. خالد الحيدر حول الاصلاح والتغيير
3) مداخلة الاستاذ علاء مهدي من استراليا ومشاهدين آخرين
آمل أن تروق لكم الحلقة
كمال يلدو



١) تسجيل الحلقة كاملاً
اضواء على العراق / كمال يلدو : المشهد العراقي بين التلكوء في الاصلاح أو المطالبة بالتغيير
 
http://www.ankawa.org/vshare/view/9319/kamal-yaldo/   
                  
 
٢) التسجيل الحصري للمقابلة مع السيدة ياسمين يحى ـ سدني
كمال يلدو: اللقاء مع السيدة ياسمين يحى رئيسية الجمعية المندائية في سدني، استراليا يوم ٩

آذار ٢٠١٦http://www.ankawa.org/vshare/view/9320/jasmin-yahya/

                  
 
٣(التسجيل الحصري لمداخلة د. خالد الحيدر
كمال يلدو : اللقاء مع د. خالد الحيدر مع الحراك المدني في العراق والمطالبة بالتغيير ٩ آذار ٢٠١٦
 
    
    http://www.ankawa.org/vshare/view/9321/khalid-alhaydar/         
 



184
كمال يلدو: ألق كلداني في برنامج "ذي فويس" الأمريكي

كمال يلدو

تمكن الشاب الكلداني جانثون باك (Jonathan Bach ) من إجتياز مرحلة الصوت، وعبر للمرحلة الثانية في مسابقة ذي فويس  (The Voice 2016 ) بنسختها الامريكية، بعد أن قام أحد الحكام الأربعة "فاريل ـ Pharrell " بالدوران له، وعبر عن اعجابه بصوته وقدراته، فيما بدت علامات الفرح والمفاجأة واضحة على وجه "جانثون" وحركاته، إذ مثلت  هذه المشاركة جزءاً  من طريق تحقيق احلامه  في الفن والموسيقى والغناء.
لجنة الحكام في (ذي فويس) الأمريكية تتألف من :
١) فاريل: وهو مغني (راب) و (روك) ، وواحداً من المنتجين المشهورين، ويحوي سجله على أكثر من عشرة جوائز (كَرامي)
٢) المغنية المشهور كريستينا آكويليرا
٣) بليك شيلتون، مغني طراز (كونتري)
٤) آدم ليفين، مغني مشهور في ال (بوب) و (روك)
أما معدل المشاهدات للبرنامج الواحد من (ذي فويس) بنسختها الامريكية فتبلغ حوالي (١٠ مليون أو أكثر)، وهذا العدد كبير جداً نسبة الى عدد المحطات والبرامج المنافسة.
 وقد ترشح بعد أدائه المتميز لاغنية ( ولدتُ هكذا ـ ليدي كاكا)
( Born this way, by Lady Gaga )
ولد "جانثون باك" في أحدى ضواحي مدينة ديترويت وله الآن (٢٠ عاما) ويدرس في السنة الثانية بجامعة مشيكان (آن آربر). أبرز هواياته هي التمثيل حيث اشتراك بعشرات المسرحيات المدرسية ويأتي الغناء بالمرتبة الثانية، هذا اضافة الى رغبته بالحصول على درجة علمية بعد التخرج.
والداه  عراقيان كلدانيان من ولادة بغداد: ديفد باك (باجوّا) ، حاصل على الشهادة العليا في الصيدلة ، ويعمل مديراً لقسم الصيدلة في مؤسسة (دي ام سي DMC ) الصحية في ديترويت وضواحيها، فيما والدته بان كرمو حاملة لشهادة الصيدلة وتعمل في احدى كبريات الصيدليات (سي في اس CVS).
كل الموفقية  للشاب "جانثون" الذي يطمح أن يضع اسمه بين اسماء المشاهير الكبار في حقل الغناء والتمثيل والفن.
 ولعل من محاسن الصدف أن تتزامن مشاركته ، مع مشاركة عراقي آخر  هو الفنان (ليث السعدي) من مدينة آن آربر، والذي ترشح للمرحلة الثانية ايضا، هذا بالأضافة للنجمة العراقية  الكلدانية الرائعة (ميرنا حنا) التي وصلت الأدوار قبل النهائية في برنامج (ذي فويس كدز ـ بالعربي) والذي انتهت فصوله قبل أيام.
كل الموفقية لمسيرتهم الرائعة، في تقديم الأفضل والأجمل للذائقة الانسانية، ومن أجل أن يبقى اسم العراق، وطن الآباء والاجداد، متألقا بأبنائه وبناته اينما حلوا ووصلوا!

**نسخة من الشريط الدعائي من ذي فويس
http://www.ankawa.org/vshare/view/9313/jonathan-bach/

كمال يلدو
آذار ٢٠١٦

185
تحية طيبة لكم أحبتي الكرام
ودعوة لمشاهدة الحلقة الجديدة من برنامج (أضواء على العراق) ليوم الأحد ٦ آذار ٢٠١٦، وقد تشرفتُ بإستضافة ثلاثة شخصيات عراقية راقية كانت:
١) المستشار المتقاعد  في وزارة الموارد المائية محمد ضاري الشبلي: من  ـ بغداد ـ وتحدث عن قضية (سد الوصل) والمخاوف من انهياره
٢) القائد النقابي الاستاذ هادي علي لفتة: نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال العراق ـ بغداد ـ والحديث حول مساعي بعض الجهات الحكومية لتصفية معامل ومشاريع القطاع العام
٣) الشاعر الشاب المبدع أدهم عادل ـ بغداد ـ ورحلة في عالم الكلمة الدافئة الحماسية والمليئة بالشجن والحزن والالم والغضب، من أجل طفولة جميلة وحياة لائقة
آمل أن تروق لكم ....مع الود من كمال يلدو




اضواء على العراق / كمال يلدو: المخاوف من إنهيار سد الموصل وفقدان الصناعات الوطنية العراقية
 
    http://www.ankawa.org/vshare/view/9295/kamal-yaldo/   
                  
 
٢) التسجيل الحصري للقاء مع المسشار المتقاعد الاستاذ محمد ضاري الشبلي
كمال يلدو: اللقاء مع الاستاذ محمد ضاري الشبلي مستشار متقاعد عن سد الموصل يوم ٧ آذار ٢٠١٦
 http://www.ankawa.org/vshare/view/9296/mohamad-tari/   
                  
 
٣) اللقاء الحصري مع القائد النقابي الاستاذ هادي علي لفتة
كمال يلدو: اللقاء مع القائد النقابي العمالي هادي علي لفتة حول تصفية القطاع العام يوم ٧ آذار ٢٠١٦http://www.ankawa.org/vshare/view/9297/hadi-ali/   
                  
 
٤) اللقاء الحصري مع الشاعر المبدع أدهم عادل
كمال يلدو: اللقاء مع الشاعر المبدع أدهم عادل يوم ٦ آذار ٢٠١٦ في برنامج أضواء على العراق
 
    
    http://www.ankawa.org/vshare/view/9298/adham-adel/   
                  
 



186
تحية طيبة لكم أحبتي الكرام
في هذه الحلقة تحدثت  عن:
**  استمرار المظاهرات المطالبة بالأصلاح، واشتراك التيار الصدري مؤخرا، والتفجيرات التي حدثت  في مدينة الثورة  والمقدادية
** عجز الحكومة عن محاربة الفساد بشكل جدي
** طفولة عراقية بائسة
** ابواق الاحزاب الطائفية، وعباس البياتي نموذجا،
** مظاهرات الطلبة في جامعة المثنى، واللقاء مع السيد بارق حميد ، سكرتير اتحاد الطلبة العام في محافظة المثنى ، وذلك في النصف ساعة الأخيرة من البرنامج
آمل لكم طيب المشاهدة
مع الود من
كمال يلدو
http://www.ankawa.org/vshare/view/9261/kamal-yaldo/

187
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد عادل كامل الربيعي

مَن سيتمكن يوما من حساب الجرائم التي اقترفها حزب البعث وصدام حسين بحق العراق والعراقيين....مَن؟ فكيف يُعقل أن يكون ثمن حمل فكر سياسي مخالف لفكر (الحزب القائد) القتل، أو التغييب، او الغربة او الحرمان والدمار؟ وأية احزاب تبرر لنفسها هذه الاعمال والجرائم الشنيعة بحق معارضيها؟ ألم يحن الوقت لنعي، ويعي العراقيين بأن وطنهم لن يتقدم ويتطور مالم تكون القاعدة فيه المساواة والعدالة والقانون، مالم  يضع الحاكم قضية الشعب امامه قبل كل شئ، مالم يجري فصل الدين عن الدولة ويكون الشعب هو الحارس على التبادل السلمي للسلطة. نعم، أربعين عاماً من الغربة عن وطني الذي أحببته وضحينا من أجله، اربعين عاما وأولادي لم ينعموا بذلك الفضاء تحت هذه السماء الزرقاء ، العراق!
جراح بعمق الالم وطول الليالي وحزن الاطفال، عسى أن تكون بذوراً لوطن الحالمين والعشاق والمحبين،وطن الموسيقى والمياه والشمس المشرقة، والقمر ساعة الغروب، وطن يجمعنا  بين ذراعيه!
**
ولد الشهيد عادل كامل الربيعي في مدينة الحلة في كانون الأول ١٩٤٨، رغم إن عائلته تنحدر أصلاً من مدينة الكوت، لكن طبيعة عمل والده ( موظف في القائمقامية ) كانت سبباً في تنقلات العائلة. بعد أن انهى دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية، دخل كلية التربية وتخرج من قسم البايولوجي عام ١٩٧٠. عمل بعدها في سلك التدريس في الرمادي والحلة. حصل على زمالة دراسية للاتحاد السوفيتي عام ١٩٧٥ونال شهادة الدكتوراه عام ١٩٨١، فيما ترجمت اطروحته الموسومة ـ تطبيع الخلايا السرطانية ـ الى اللغتين الانكليزية والالمانية في حينها، وعندما منحته الجامعة السوفيتية (هدية مالية لبحثه هذا) عاد وتبرع بها للجامعة عرفاناً على ما تسديه من خدمات له وللطلبة الاجانب. اقترن بالسيدة إنعام المهداوي عام ١٩٧٦ في الاتحاد السوفيتي، وأنجبت له بنتان (سلام عادل، ونداء عادل) وولد واحد (علي عادل) ولو قدر له الحياة الآن لكان قد شهد (٦) احفاد. بعد انتهاء دراسته  وبسبب تصاعد موجة الارهاب في العراق، قصد سوريا عام ١٩٨٢ حيث زاوج  بين العمل الوظيفي والعمل الوطني ، ومات غدرا وهو على مشارف دمشق في طريق عودته من اللاذقية  فجريوم ١٦ تشرين الأول عام ١٩٨٧.
تروي زوجته، السيدة إنعام المهداوي فصولا كثيرة من سيرة الشهيد أبو سلام بالقول: نشأ في بيت وطني، فقد كان والده  من محبي الزعيم قاسم (قاسمي) ، أما عمّه السيد محسن الربيعي، فقد كان من ضمن المقاومين لانقلاب ٨ شباط في الكاظمية مع الشهيد حسن متروك، لكن الحادثة الابرز كانت في بداية الثورة وكان عمره (١٠ سنوات) حينما أرسل والده بيده رسالة وطلب منه تسليمها للزعيم، فذهب عادل ووقف امام باب وزارة الدفاع، وعندما جاءت سيارة (الزعيم) توجه للشباك وسلمها بيده. مع مرور السنين ازداد عنده الوعي الوطني فانخرط في العمل بإتحاد الطلبة العام واتحاد الشبيبة الديمقراطي، ولاحقا عمل مع المثقفين.
اما اول تعارفي به (تكمل السيدة إنعام) : فقد كان في العام ١٩٧٣ في عملنا الوطني، ثم توج ذلك بالزواج عام ١٩٧٦ في موسكو، ولعل من الصدف أن يكون ٢٤ آذار من هذا العام ذكرى مرور (٤٠) سنة على ذاك اليوم. اما قضية السفر فلها حكاية أخرى، حيث بدأت مضايقات البعثيين له في سلك التدريس عام ٧٥، وما كان من منفذ سوى اخراجه للخارج، وحدث ذلك دونما تخطيط مسبق، وأمام دهشة عائلتي التي كانت تفضل أن أتزوج وأكون بالقرب منهم، لكن للضرورة أحكام كما يقولون، فقررت السفر أنا أيضا، ومن حسن حظي أن أحصل على بعثة دراسية معه انجزتها بحصولي على شهادة الدكتوراه بالأدب الروسي عام ١٩٨٢، أي بعد تخرجه بسنة واحدة.
لقد كان شوقه كبير للعمل الوطني، وكان يريد الالتحاق بحركة الانصار التي بدأت في شمال العراق لمحاربة الدكتاتورية، لكن لسوء حظه، فقد وقف وضعه الصحي حائلاً دون ذلك، لكن عوّض  عطشه ذاك بعمله في مساعدة العوائل العراقية في الشام والملتحقين الجدد بالأنصار وفي اللجنة التنفيذية لاتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي. في العام ١٩٨٧ شارك في  (مؤتمر الشبيبة ونضالها من اجل السلام) الذي عقد في عاصمة المانيا الديمقراطية برلين، ووقتها  (تكمل السيدة إنعام) كنتُ حاملاً بإبني ـ علي عادل ـ وبعيد النشاط إتصل بي وقال انه سيبقى هنك  ثلاث أو اربعة أيام اضافية لمشاهدة معالم برلين الديمقراطية، لكنه  وعلى غير عادته عاد في اليوم التالي الى الشام، وأحسست إن  أمراً ما قد حدث! ورغم إنه قليل الكلام ولم يكن ليشغلني بهذه الامور، لكني علمتُ بأن جهات رسمية عراقية قد فاتحته بالعودة للعراق، وهددته أيضا! هذا الامر وصل للسلطات الالمانية التي سارعت الى اخراجه من هناك حفاظاً على سلامته.
لم تمض حياتنا بشكلها الديناميكي الجميل كما كانت، فقد أصبح (عادل) أكثر قلقاً علينا، وصار يتفحص الوضع خارج البيت كثيرا، ويحتاط حذرا عند خروجه او عند خروجنا، أما أنا فقد كنت اشجعه واحاول أن لا (اُزيد الطين بلّة) كما يقولون، ومرت عدة أشهر وهو يشعر بأن عيونا ما تترصده، وهذا لم يكن مستبعداً من نظام تمكن من شراء الكثير من الذمم وبأبخس الاثمان بغية الانتقام من خصومه أو معارضيه.
في يوم ١٤ تشرين أول ١٩٨٧ كان قد لبى دعوة وجهتها له جهات رسمية بدعوة من الرئيس السوري (حافظ الأسد) لتشكيل لجنة تضم   ( أطباء في الامرلااض النسائية، وأمراض الأطفال وباحثين من قسم البايولوجي) الى مدينة اللاذقية، وكانت هذه مناسبة له للالتقاء بزملائه هناك ايضا ومعرفة احتياجاتهم ونقل بعض اوراقهم الى الشام، وغادرها عائداً فجر السادس عشر من تشرين أول ١٩٨٧ قاصدا دمشق، حيث حدث ما حدث على مشارف دمشق بينما كان هو في سيارة النقل، وقيل في حينها انه (حادث قضاء وقدر) بينما ذكرت لي الراحلة د.نزيهة الدليمي التي شاهدت جثته بأن :( الثقب الموجود في جسمه ناتج عن كاتم صوت) وليس شيئاً آخراً. هذه كانت تلك الساعات التي مازالت تعيش معي ومع ابنائي لليوم. وبعد أن أبلغتني الجهات الرسمية بالحادث حوالي الساعة السابعة مساءاً، جرت مراسم التشييع والدفن في اليوم التالي ابتدأ من مستشفى تشرين العسكري حتى مثواه الاخير، وكان حقاً تشييعاً مهيباً  يليق حقاً بإنسان مناضل ومبدئي مثل عادل (أبو سلام).
لم يبخل علينا رفاق الشهيد بمحبتهم ، حيث ساعدونا لمدة عام كامل بعيد رحليه، ولعلي هنا اُثبت شكري وتقديري الى الاستاذ (زياد الشطي) وزير الصحة السوري آنذاك، الذي ساعد في تعيني استاذة  في كلية الآداب بجامعة دمشق منذ ١ أيلول ١٩٨٨ حتى موعد مغادرتنا الشام لاجئين الى هولندا عام ١٩٩٦.
لم تكن مهمة تنشأة بنتان وولد في الغربة بالأمر الهين والسهل عليّ ، لكنني تحملتها بكل شرف وإفتخار، لشخصي أنا، ولرفيق حياتي  (ابو سلام) ولأبنائي وللأفكار السامية التي جمعتنا!  نعم ، عملتُ وشقيتُ حتى أوفر لهم حنانا مركبا بالأب والأم وآمل ان أكون قد وفقتُ معهم في مسيرتي ومسيرتهم. ولعلي هنا أقول، بأن بذور محبة الوطن والمبادئ السامية لي ولوالدهم لم تسقط على أرض جرداء (رغم المنغصات وعوادي الزمن وحال العراق الصعب) لكنهم نشأوا على محبتها والاعتزاز بها، وهذا مبعث فخر اضافي لي.
لقد خسر العراق طاقة خلاقة ومبدعة في حقل كان يمكن أن يفيد البشرية كلها، فالذين عرفوا "أبو سلام" عرفوا به انساناً ذكيا محبا للعلم ومواضباً عليه، ولعلي هنا اشير بكل فخر وأعتزاز لمستوى ابنائي العلمي والوطني ، حيث إن "إبنتي الكبرى سلام عادل" حصلت على درجة الدكتوراه وهي مدرسة جامعية، و"أبنتي الوسطى نداء عادل" ربة بيت ومواضبة في عطاءها ، و"أبني الرائع علي عادل" حصل على شهادة في ميكانيك السيارات، وكم أنا سعيدة بهم، وبأبنائهم (أحفادي) ، وأتمنى لهم اجمل الاعوام وأحلى مستقبل.
وتنهي السيدة إنعام المهداوي كلامها بالقول: رغم كل انشغالات العائلة والابناء والاحفاد، فإني لا اتلكأ في تأدية واجبي الوطني والانساني، العراقي والهولندي، حيث أحضر واساهم في نشاطات رابطة المرأة العراقية، واشارك في ما متوفر من مناسبات وطنية واممية للدفاع عن حقوق المرأة، او بالعمل متطوعة لمساعدة اللاجئين الجدد بالترجمة على الأقل، وكذلك في  فعاليات مجلس البلدية المحلي.
أما لوطني الغالي، للعراق الذي احببناه وبذلنا شبابنا له، فلا أظن ان امراً سيغيره قبل أن تقوم انتفاضة شعبية عارمة تكنس كل هؤلاء العنصريين والطائفين والحقودين، اعداء الانسان والانسانية، ولن تستقيم الحياة قبل أن تقوم على انقاضهم الدولة المدنية الديمقراطية العادلة، ويتحقق شعارنا العتيد، شعاري وشعار الشهيد زوجي وأبنائي سلام ونداء وعلي عادل في : وطن حر وشعب سعيد!

**الذكر الطيب والدائم للشهيد الراحل عادل كامل الربيعي
**مواساتنا لزوجته الغالية إنعام المهداوي وبناته سلام عادل و نداء عادل وإبنه علي عادل
**العار لنظام القتلة البعثي والمأجورين العاملين معه بأمل تقديمهم للعدالة يوما

كمال يلدو
آذار ٢٠١٦
 



188
الأخ الغالي حنا شمعون ....
كثير الامتنان لمرورك وتعليقك، وبالحقيقة أشعر بالفرح وأنا اقلب ذلك التأريخ الذي نتمنى أن نتعلم منه قليلا، وثانيا أن تكون الرسالة واضحة، بإن هؤلاء الشهداء هم ملك لنا كلنا طالما هم ضحوا بالغالي والنفيس لنا كلنا.
ويبقى أملنا كبيرا بأن تلك التضحيات لن تذهب سدى، ويأتي يوم ليرتاح هذا الوطن وناسه
شكرا من كمال

189
الصديق الكريم انطوان الصنا ....شكراً جزيلاً لمرورك الكريم وتعليقك وإضافاتك التي طالما اغنت مواضيعي. فذكرياتك عن الشهيد وتفضلك بسرد اسمار (اعضاء الفريق الرياضي) شئ جميل ووفاء لذكرى الشهيد. وأتمنى عليك ان تتفضل بإرسال الموضوع او الصورة للأحبة الذين ذكرتهم.
تمنياتي لك بالصحة والموفقية
كمال

190
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد النصير خليل توما متى (سليم مانكيشي)

حتى بعد مرور ثلاثين عاما على ذلك الرحيل المفاجئ والمحزن، فمن المؤكد ان ذكراهم مازالت طرية وحاضرة دوماً، وما نتذكره
ويتذكره البعض ليس إلا سطورا من تأريخ كان يمكن له أن يكون كتابا كبيرا، بدلا من أن يحمل عدة وريقات وينتهي! لقدكان من الممكن والمؤمل أن يكونوا مشاريع بناء لهذا الوطن، مشاريع فرح لأهاليهم وعوائلهم وأصدقائهم، لكن يبدو أن مشاريع الانظمة الدكتاتورية تسير في طرق واتجاهات معاكسة ، ويكون ثمنها حتما ، المزيد من الضحايا والدموع وضياع الفرص من الوطن.
***
ولدالشهيد النصير خليل توما متى (سليم المانكيشي) يوم ٤ آب ١٩٥٢ في ناحية مانكيش التابعة لمحافظة دهوك، والتي تبعد عنها حوالي ٦٠ كلم. درس الابتدائية في مدرسة مانكيش لغاية الصف الثالث، بعدها انتقلت العائلة الى بغداد بحثاً عن فرص معيشية أفضل، فأكمل الابتدائية في (مدرسة الراهبات) التي كانت تقع في عكَد النصارى، ومن بعدها درس في (متوسطة المثنى) بمدينة الاعظمية، وأنتقل الى (الاعدادية المركزية) لكن ظروفهم المعيشية حالت دون اكماله امتحان  الدور الثاني للبكالوريا بمادة اللغة العربية، نتيجة انشغاله في اعانة عائلته التي كانت تتكومن من (١٤) فردا، حيث عمل موظفاً في كلية الادارة والاقتصاد نهاراً، وسائق تاكسي في المساء. التحق بالخدمة الالزامية عام ١٩٨٠، ثم التحق بفصائل الانصار عام ١٩٨٢، واستشهد يوم  ١٨ تشرين الأول ١٩٨٦ في  استراحة قرية (دوكري)  التابعة لمحافظة دهوك والقريبة من قاطع بهدينان.
لعل من الانصاف القول بأن حكايات تجربة العمل الانصاري (الفريدة من نوعها في عالم النضال) كثيرة وصعبة الاحصاء، وحتى الاشخاص الذين كانوا اناساً عاديين ، اضحوا في في هذه المدرسة ابطالا ونياشين للفداء والتضحية، وقصة الشهيد النصير (سليم مانكيشي) لا تخرج عن نطاق البطولات في كثير من المواقف المشرفة التي تحسب له. وربما سيأتي وقت، او تقوم جهة ما، بجمع الآرشيف الانصاري، والكتابات والذكريات والصور  وتجعل منها  متحفاً يستحق الوقوف امامه والانحناء لأبطاله الميامين، من الذين استشهدوا او رحلوا او مازالوا شهودا على هذا الزمن الردئ الذي يعيشه العراق، بأمل أن يأتي يوما على هذا البلد وتثمر فيه تضحيات هذا الفصيل الثوري الرائع، ورفاقهم الذين بذلوا الكثير في عملهم السياسي داخل الوطن.

السيد (سامي توما موكا) شقيق الشهيد الذي يصغرة بعدة سنين يقول: اتذكرهُ جيداً، كانت اهتماماته بالسياسة كبيرة، وكنت أعلم بأنه تأثر كثيرا بالمرحومين (أبو نصير ـ لازار ميخوـ  و أبو حسن ـ فرنسو ميا). ومن المؤلم القول بأني خسرته كأخ وصديق، فقد كان طيب القلب، ولم يبخل في تقديم المساعدة للآخرين حتى لو كانت على حسابه، هكذا كان أخي الكبير خليل. وعلمت منه بأن واحداً من اسباب التحاقه برفاقه في الجبل هو للخلاص من الحكم البعثي الصدامي، حيث قال لي : لا استطيع اكمال العسكرية، فأنا مستهدف، ولا اريد أن اكون فريسة سهلة بيدهم، هناك تكون المنازلة الصحيحة! رحل شقيقي للأسف، وقد عانت العائلة كثيرا من المضايقات  عندما وصلت المعلومات للحكومة ، فقد كانوا يستدعونني، ويستدعون أي انسان من العائلة للاستفزاز والضغط من أجل أن يسلم نفسه، وكنت أعلم  انه إذا سلم نفسه ، فانهم سيقتلوه في كل الاحوال ، كان نظاما مجرما وقاسياً.
أما النصير داود (سعيد مانكيشي) فيقول: الشهيد خليل (سليم) صديق طفولتي الذي اعتز به ايما اعتزاز، ولعل النضج السياسي لديه واعتناقه الافكار الثورية كانت محطة مهمة في تطوير علاقتنا أكثر. لقد جمع صفتان فريدتان في شخصيته، البساطة والنشاط والمثابرة، ولما بدأت بوادر الهجمة البعثية مع نهاية العام ١٩٧٨، أضحى اكثر يقظة ، وصار يفكر حقاً بالالتحاق بالجبل، لكن مسؤولياته تجاه العائلة كانت حائلاً دون ذلك، حتى حانت الساعة عام ١٩٨٢، لأن الوضع لم يعد يُحتمل.
أما النصير وردا بيلاتي (ملازم أبو ميسون) فيتذكر الشهيد سليم بالقول: بعد أن نقلت الى قاطع (بهدينان) شهدت بإُم عيني على جهادية وتفاني هذا النصير في أكثر من مناسبة، وأتذكر واحدة منها ، حيث صادف لجوء الرفيق (بولص ميا) وعائلته ـ شقيق الشهيد أبو حسن ـ  للمناطق التي يسيطر عليها الانصار في موقع الفوج الثالث، ولم يكن عندنا غرفة لاستقبال العائلة، فبادر مع رفاقه في بناء الغرفة بوقت قياسي وسط اعجاب الكل، اما الحادثة الاهم فقد كانت في عملنا الانصاري العسكري، فإني مدين له بهذه الانفاس، ولولاه لكان أمراً أخرا الآن، فقد كنا محاصرين أنا ومجموعة من المقاتلين ، ولولا شجاعة الرفيقان (سليم) و (يوسف مانكيشي) وسرعة التفافهم على العدو وتدميره لكنت من عداد الموتى . لقد حزنت كثيرا بعد رحيله، وأعلم بأننا خسرنا شابا طموحا جسورا وشجاعا، وكان محط ثقة رفاقه في تنفيذ المهام الصعبة . الذكر الطيب لهذا الانسان الرائع.
للنصيرشمعون ( شيرزاد مانكيشي ) ذكريات كبيرة مع الشهيد (سليم) ترقى لمستوى سجل حياته لسنين، نظراً لصداقتهما ومن ثم عملهما المشترك في الانصار ويقول:  كان الشهيد بالنسبة  لي أخاً عزيزاً وصديقاً صادقاً ورفيقاً مناضلاً  يُقتدى به في النبل  والصراحة والحزم والصرامة والالتزام والبساطة  والمحبة والاحترام والكرم وكل الصفات الانسانية. وأذكر  في اولى ايام التحاقي بالأنصار سألني إن كان معي بعض النقود ، فسلمته (٨٠) دينارا وكانت كل ما أملك، فأرجع لي (١٠) دنانير وطلب مني الاحتفاظ بها فيما أخذ الباقي، وعندما سألته ماذا ستعمل بها، قال: هناك رفاق  عرب جاؤا من مدن بعيدة وهم بحاجة لها (علما انه لم يكن يملك في تلك اللحظة ولا حتى ربع دينار!)، فوزعها عليهم، وفرحوا كثيرا، وكان هذا كافيا لأن يكون بأتم السعادة.  وفي مناسبة اخرى، شهدتُ كيف تعامل مع بعض المندسين في الاحزاب الحليفة ربيع ١٩٨٦ حينما وقعت (مانكيش) بيد البيشمركة، إذ أرادوا القيام بأعمال السلب والنهب في البلدة والصاقها بالمقاتلين، فتوجه اليها مع سريته من منطقة (السندي ) التابعة لزاخو،  وأخذ بيده مكبر الصوت وألقى كلمة قصيرة هدد كل من تسول نفسه العبث بالمدينة والممتلكات بأنه سيلقى حتفه! ولم يكن من باقي الفصائل الا الانسحاب امام اصراره وموقفه الذي لا يلين. ومن الوقائع العسكرية (يروي النصير شيرزاد مانكيشي): كان هناك مفوض أمن في سيطرة (باطوفا) على طريق زاخو وكاني ماسي، وكان يستهزء بالسكان المحليين ويهينهم، ويشتم هذا وذاك، ولما اشتكى منه سكان القرى، كان للشهيد (سليم) أمرا آخرا معه رغم الحماية ووجود ربيتين بالقرب منه ، ومجموعة من (كلاب الحراسة)، فتخلص السكان منه!
 لقد كان مقاتلاً شجاعا وعندما كانت السلطات تعلم بأنه موجود في منطقة ما ، كانت تدخل في إنذار (ج) تحسبا منه ، ومن جرأته. لقد كانت قصة رحيله  ذات وقعاً مؤلما، لعلني لليوم وبعد مرور (٣٠) عاما أشعر بأوجاعها ورهبتها في نفسي، وفعلاً (( يا حسافة لشجعان أمثاله يدفنون تحت الثرى)).
مسك الختام كان مع ابنة بلدته النصيرة (ندى) التي قالت: لم ترض عقارب الزمن أن تتحرك من مكانها بعد تلك الليلة، وأشعر بثقل هوائها وظلامها وانحسار المكان وكأنني في علبة صغيرة تتحرك جدرانها نحوي ، وتخنقني!  ففي صيف عام ١٩٨٦ قام النظام بالهجوم على منطقة (السندي) ومن جميع المحاور، وحينها كان معظم الانصار في تلك المنطقة مصابون ب (الملاريا) ومن ضمنهم  ـ سليم ـ وقد تم اخلائهم الى مقر الفوج.
وأمام هذا الهجوم قرر من تبقى من الانصار بالسرية التقدم لمواجهة العدو بالاشتراك مع (مجموعة من منظمة محو كودة) للحزب الديمقراطي الكردستاني، والاهالي الهاربين من القرى،  وتمكنوا من دحر تقدم الجيش  في ملحمة بطويلة. قبل نهاية المعركة سمع الشهيد (سليم) بالهجوم ـ وقد كان في حالة صحية يُرثى لها ـ فترك المواقع الخلفية وتوجه الى مقر  السرية السابعة وقال: كيف تريدونني أن أجلس هنا ورفاق سريتي يتعرضون للهجوم، ولم ينفع توسلنا به ولا حتى تحذيرات ( الدكتور أبو تضامن)، وعند وصوله للمقر، تبين بأن المعركة كانت قد انتهت بهزيمة الجيش، عندها صافحهم فردا فردا وقبلهم من رأسهم، وكان سعيداً جداً ، وبعث بخبر الى رفاقه الآخرين يطمأنهم على وضعه. ولم تمض سوى ساعات قليلة وقبل انبلاج الفجر حيث كان في استراحة قرية (دوكري)، حتى توجه الى خيمتنا (تكمل النصيرة ندى) الرفيق الراحل حكمت حكيم (أبو شهاب) وحمل ذلك الخبر المحزن وقال: النصير سليم استشهد!

لم تكن رحلة اولئك الشباب الذين قرروا ترك حياتهم المدنية والالتحاق بالجبل لحماية افكارهم ومبادئهم ومحاربة الدكتاتورية، رحلة للنزهة او المتعة، بل كانت تجربة نضالية وطنية قاسية، وبأثمان غالية جدا جدا، ويتحمل النظام الدكتاتوري البعثي وسياسة صدام حسين الرعناء المسؤولية عن كل شاب وشابة سقطوا في تلك المعارك. 
 فقد كانت هي السبب بايصال البلد الى هذا المستوى المدمر، ويحق لنا أن نسأل : ماذا كان العراق سيخسر لو اوجد قانونا عصريا للاحزاب، ومنح الاجازة للعمل الحزبي والمهني، وماذا كان سيخسر لو حقق نظام الانتخابات النزيهة وأقر بمبدأ التبادل السلمي للسلطة؟
 الم يكن هذا افضل بمئة مرة من المصير الذي اوصلنا اليه اجرام (بطل القادسية) وحروبه العبثية وصولا لما يشهده وطننا  اليوم على ايدي السراق  والطائفيين والعنصريين؟
\\ أتقدم بالشكر  لكل من ساعدني بتوفير المواد أو الصور لاتمام هذه الخواطر وأخص بالذكر منهم أخي الغالي النصير شيرزاد مانكيشي.

**الذكر الطيب للشهيد النصير خليل توما (سليم مانكيشي)
**المواساة لافراد عائلته الكريمة بخسارة ابنهم الرائع، والراحة لوالديه (توما موكا وكترينة صنا) وشقيقه (شوكت)
**العار يلاحق النظام البعثي الصدامي، ومجرميه القتلة   

كمال يلدو
شباط ٢٠١٦
 



191
حلقة برنامج (اضواء على العراق) التي بُثت يوم الاحد ٢١ شباط الجاري، عن الذكرى المشؤومة لانقلاب ٨ شباط الاسود عام ١٩٦٣، وقد تشرفتُ بإستضافة  كل من :
١) اللاعب الدولي الاستاذ مؤيد محمد صالح: إبن شقيقة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم  ـ من بغداد
٢) المحامي الاستاذ دريد الجنابي: نجل الشهيد الزعيم داود الجنابي قائد الفرقة الثانية ـ من بغداد
٣) الكاتب والمؤلف ومؤرخ ثورة ١٤ تموز وقادتها الميامين د. عقيل الناصري ـ من السويد

مع الود من  ......كمال يلدو
١)
كمال يلدو: اللقاء مع اللاعب الدولي والمدرب الاستاذ مؤيد محمد صالح ، إبن شقيقة الزعيم الشهيد قاسم
 http://www.ankawa.org/vshare/view/9184/muaed-mohamed/   
                  
 
٢)
كمال يلدو: اللقاء مع المحامي دريد الجنابي، نجل الشهيد الزعيم داود الجنابي يوم ٢١ شباط ٢٠١٦
 
    http://www.ankawa.org/vshare/view/9185/dured-alganabi/   
                  
 
٣)
كمال يلدو: اللقاء مع الكاتب والباحث والمؤرخ لثورة ١٤ تموز وقادتها د. عقيل الناصري ٢١ شباط ٢٠١٦
 
    http://www.ankawa.org/vshare/view/9186/aqel-alnasry/   
                  
 



192
٤ فديوات من برنامج أضواء على العراق



١)
  كمال يلدو: اللقاء مع الاستاذ سالم حسين ، والد الشابة (روان) يعد بإستمرار التظاهر حتى بعد الحريق
http://www.ankawa.org/vshare/view/9159/salim-husen/    
                  
 
٢)
كمال يلدو: اللقاء مع الناشطة هيفاء الامين تدين الاعتداء على مظاهرات الناصرية يوم ١٢ شباط ٢٠١٦
http://www.ankawa.org/vshare/view/9160/hayfa-alamin/
   
                  
 
٣)
كمال يلدو: مع الناشط المدني اليزيدي السيد حسـو هورمي حول قرار الاتحاد الاوربي عن ابادة الاقليات
http://www.ankawa.org/vshare/view/9161/hasso-hurmi/
   
                  
 
٤)
كمال يلدو: اللقاء مع الكاتبة والناشطة أميرة شموئيل حول الاستيلاء على بيوت المسيحيين في بغداد
http://www.ankawa.org/vshare/view/9162/amira-shmoeal/    
                  

193
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد رياض أحمد صالح

كان معمل الصناعة البلاستيكية الذي ملكه الشهيد، ملاذا آمناً للكثير من الرفاق الذين حاولوا الهروب من أعين ومخالب المخابرات، كما كان مصدرا لمعيشة البعض أيضاً، ولعل موقعه المتميز لعب دوراً في ذلك. فقد كان يقع في منطقة سكنية مزدحمة، كانت تسمى (العمّار) والتي هي جزءاً من المنطقة الاكبر ل (رأس القرية)، والوصول له يمر من "شارع الرشيد" عبر احد الازقة الفرعية  والتي كانت تكنى ب (دربونة كرزات الموصل، او صائب أبو الثلج) على ان معالماً اخرى كانت موجودة ايضا ومنها الخطاط (عبد القدوس)، بيت (ماركو ووالدتها رجّو) بيت (العلوية) وبيت (أبو نشعة) وهذه كلها كانت دوال للوصول او تقريب المشهد لموقع ذلك المعمل الذي كان ينتج بعض الحاجيات المصنوعة من البلاستك.
***
ولد الشهيد (رياض أحمد صالح) في مدينة بغداد عام ١٩٥١، من عائلة كانت على تماس بالاهتمات والتطلعات الوطنية المشروعة، إن كان من قبل الاب أو الابناء أو الشقيقة الصغرى لاحقا. درس في مدارسها وتوقف في المرحلة الاعدادية الاخيرة بعد أن كان العمل في البلاستك قد أخذ جل وقته.
يتحدث عنه صديقه (كاظم صدام) ويقول: تعرفت على الشهيد "رياض" منذ ايام المتوسطة في مدينة الحرية، وانعقدت صداقة عميقة بيننا، ولعل الهاجس والاهتمام الوطني كان قاسمنا المشترك، فقد كان شديد الاهتمام بالثقافة الماركسية ، وأيقن بأن لا مناص من خلاص الشعب إلا بقيام نظام وطني يكون للوطنيين المخلصين الدور الكبير به.
 في عام ١٩٧٦ قصدني الراحل بطلب أن اولي بعض الاهتمام بشقيقته (إقبال) التي قُبلت في كلية العلوم حيث كنتُ طالباً، وقد وعدته بذلك، وزادت تلك اللحمة مع الثقافة الوطنية والسياسية التي كانت تحملها  (إقبال) فتزوجنا، وبنينا عائلة جميلة، لكن وياللأسف، فقد خطفها المرض من بيننا قبل ثلاث سنوات.
لم تمض تلك الايام التي انحدر فيها النظام نحو الارهاب والعنف في تصفية خصومه السياسيين، وخاصة  الشيوعيين واليساريين منهم، لم تمض دون أن تترك لعناتها وجراحها غائرة في اجسادنا، كما عشرات الآلاف من العراقيات والعراقيين،  فقد تعرض الشهيد (رياض) الى الاعتقال حينما كان يصف سيارته في المرآب الارضي للسوق العربي بمنطقة الشورجة، وحيث كان والده معه ايضا في احد أيام تشرين الثاني عام ١٩٨٠ ولم نسمع أي خبر عنه ، وصرنا نخشى حتى البحث او السؤال عنه. أما عائلته فلم تسلم هي الاخرى من ارهاب واستفزاز المنظمات الحزبية البعثية التي كانت تتلذذ بمراقبتنا وتحويل حياتنا الى جحيم،  وقد وصل الامر الى المعمل والعمال العاملين به،  وحتى أنا (يقول السيد كاظم صدام) فلم أنجو من الملاحقة أو الاستجواب وحتى من الترهيب، لابل انهم قد صادروا (نصف المعمل) والتي كانت تمثل حصة  الشهيد. رحل والده عام ١٩٨٨، فيما لازالت والدة الشهيد السيدة (نعيمة عودة خلف) على قيد الحياة، وحتما فأن ألماً غائرا في الذاكرة والقلب دائم الحضور كلما مرّت ذكرى ذلك اليوم الاسود على العائلة.
بعد سقوط نظام البعث  وصدام حسين في مزبلة التأريخ عام ٢٠٠٣، حاولنا (أنا وزوجتي وبعض الاخوة) عبثا أن نجد اية طريقة تدلنا على مصيره، فلم نتوصل إلا الى اوراق وأضبارات  ـ الامن العامة ـ تثبت بأن (رياض) قد نُفذ فيه حكم الاعدام عام ١٩٨٦، ولم نستدل على المكان الذي يضم رفاته،  وربما سأفترض بأنه استشهد تحت التعذيب وانه لم يدلي بمعلومات عن رفاقه. وبذا يكون قد مات بطلاً!
اما قطعة الأرض التي ضمت جسده فمن الممكن أن تكون في أي مكان من العراق، وهو الذي ناضل لكل العراق، ولعل انفاسه ايضا تطير في كل مكان في العراق، لأنه أحب كل العراقيين حتى بذل حياته لهم.  وكم كان الجلاد البعثي غبياً حينما اقترف جريمتان في آن واحد، الاولى بقتله ظلما، والثانية بتغييب جسده الطاهر، حتى تبقى لعنات الاجيال تلاحق البعث وفكره الجهنمي، هو وكل من يسير بطريقه في محاربة الوطنيين والشيوعيين، فالبلدان لا تبنى بالارهاب، بل بتكاتف كل الناس الخيرة، فهل فهم الطغاة القدامى والجدد هذه الحقيقة، أم بعد؟

**الذكر الطيب للشهيد رياض أحمد صالح
**المواساة لوالدته الكريمة وأشقائه والراحة لوالده وشقيقته إقبال
**العار يلاحق البعثيين والقتلة الذين نفذوا الجريمة

كمال يلدو
شباط ٢٠١٦
 



194
كمال يلدو: كردستان تبقى آمنة بمحاربة الفساد وضمان الحريات

التسجيل الكامل لحلقة برنامج أضواء على العراق ليوم الاربعاء ١٠ شباط الجاري، كما أرسل لكم أيضا  النسختان الحصريتان بالضيوف الكرام:
١) الاكاديمي والكاتب والناشط  في الشأن الكلداني د. عامر ملوكا من  ملبورن ـ استراليا
٢) الناشط المدني الكردي علي محمود ـ علي سياسي ـ من مدينة أربيل
عسى أن تروق الحلقات لمتابعيكم الاعزاء
كمال يلدو
التسجيل الكامل للحلقة:
http://www.ankawa.org/vshare/view/9111/kamal-yaldo/

**التسجيل الحصري للقاء مع د.عامر ملوكا

كمال يلدو: اللقاء مع الاكاديمي والكاتب د . عامر ملوكا وحديث حول واقع الجالية في ملبورن
http://www.ankawa.org/vshare/view/9112/amer-maloka/
                  
 

التسجيل الحصري للقاء مع الاستاذ علي محمود ـ علي سياسي
كمال يلدو: اللقاء مع الناشط المدني الكردي علي محمود ، وحوار حول الحريات والفساد في الاقليم
http://www.ankawa.org/vshare/view/9113/ali-mahmod/
                  
 



195
كمال يلدو: وفاءاً للشهيدة "فريال" بنت العلوم

حدث في أحد أيام تموز ٢٠٠٣ حينما نشر موقع الحزب الشيوعي العراقي قائمة بأسماء (١٦٧) شهيدا كان النظام البعثي الدموي قد اعدمهم، بعد أن حصل عليها من ملفات الامن العامة. وفي قرأة تلك الاسماء، تختنق الذكريات وتتيه بوصلة العقل وتتشبث الذات البشرية با لأمنية المستحيلة...أتمنى أن لا يكون اسمه او اسمها معهم، لكن عبثاً كان الترجي!
وحينما قرأت اسم الشهيدة (فريال عباس السامرائي) وكان تسلسلها في القائمة رقم ١٤، عادت بي الايام والذكريات، فكان اول رد فعل هو أن اكتب شيئاً، فكم كنت بحاجة لاخراج شيئا من روحي... صراخ...بكاء...تأمل ...صمت ....لا اعرف .
كتبت تلك الاسطر، وكانت هذه أول محاولاتي الوجدانية، حيث كنت قبلها اكتب خطباً ومقالات سياسية، وبعد أن اتممتها خاطبتُ احد اصدقائي الشعراء بغية مساعدتي في بعض التصليحات التعبيرية او اللغوية فأجابني: كمال هاي مشاعرك، ولتخللي واحد يغيرها او يلعب بيها!
وهذا ما فعلت، أرسلتها للكثير من المواقع، ولم اعرف تصليحها او اعادة صياغة اي من جملها، ولغاية اليوم، اردتُ أن اضعها بين يدكم كما هي، كما كتبتها وكما شعرت بها. اما حينما نشرتها فكان هناك شعور غيبي يسيطر عليّ، مرده الكيفية التي اوصل هذه الكلمات الى عائلة "فريال" ومن بقى منهم، وهل هم في العراق ام خارجه ؟ هواجس وأفكار كثيرة، لكني كتبتها وأرسلتها....وحسننا فعلتُ! فقد علمتُ بعد سنين بأن احدى شقيقاتها (د.نضال) كانت قد قرأتها، وهناك الكثير من عوائل الشهداء او من معارف الشهيدة قد قرأوها. فرحتُ كثيرا، ومازالت فرحتي لليوم كبيرة، وأترجمها في كتاباتي عن الشهداء بأمل ان أصل الى عوائلهم  وأحبابهم وأقول لهم: بأنهم أعزاء عندنا مثلما هم أعزاء عندكم، وثانيا: من أجل ان تبقى هذه الاسماء وقصص شهادتهم عالقة في فضاء الوطن، مرئية ومحسوسة ، كالمطرقة على رؤوس المجرمين اصحاب الضمائر الميتة، بأمل أن يدور الزمن ويقدموا للمحاكمة حتى ينالوا قصاصهم العادل، وبأمل أن يصحوا بعض اؤلئك المأجورين والمحسوبين على جنس البشر ويخرجون للعلن معلنين عن اماكن دفن اجساد هؤلاء الشهداء.... عن اماكن دفن احبابنا!
اليوم وبعد ١٣ عاما من نشرها الاول، لم تعد موجودة في شبكة الانترنيت، فآثرت إعادة نشرها، احتفالا بذكرى (يوم الشهيد الشيوعي) واعتزازاً بذكراهم العطرة ، التي لا تُنسى.
***
 حين دَقَ الحارس المسمار في يد المسيح المسجى على الصليب، ايُّ صوت جاء من المسمار، وأية حشرجة خرجت من فم المسيح؟ ....وأيُّ صدى تردد لما إقتحمت الرصاصات جسد جيفارا الملقى على الأريكة، وهل سمع صوتها؟ ...أم أحس بها تشقُ جسده النحيل؟

كعادتنا، كلما تلاقينا او تحادثنا، كانت الكلية (العلوم) وذكرياتها المساحة التي تجمعنا، مع هموم الوطن وإجترار الذكريات حتى صارت لنا صلوات لايمكن تجاوزها لئلا تغضب الآلهة وتصيبنا بلعنتها.

عدتُ يومها للبيت وأنتهيتُ لألبوم الصور، واحداً من إثنين عمرهما أكثر من (٢٥) عاماً، البعض القليل مما تبقى من العراق ومني، فيه دمي وذكرياتي، فيه انفاسي المنسية...لا ....فيه قيود ثقيلة ومؤلمة. فما الفائدة من حفظ الصور إن لم تكن لذكرى حلوة؟ ...أما إذا كانت مصدر همّ وألم وأسى، فماذا تكون حين ذاك؟ ....ليس أكثر من جلاد حين الطلب.

قلبتُ الصور، وقلبتُ أشخاصها، تذكرتُ كيف اصطففنا أمام الكاميرا،  نضحك ونمسك الضحكة حتى نسمع صوت العدسة. هذا يعمل حركة وذاك رفع يده وهذه تضحك وهذا يوميء بيده.
شباب متدفق في الصف الأول من الكلية، هذه أول تجربة لنا، صفوف وبناية تجمع الطلاب والطالبات. آمال كبيرة وأسرارا أكبر. حب هنا وإعجاب هناك...وهذه شهوة مكبوتة تنتظر خروجها للشمس، هذه كانت تحبني وهذه معجبة وهذا يحب تلك وتلك تحب هذا.....والكل حب وأمل.
الكل يضحك أو يبتسم على أقل تقدير في هذه الصور...وأثناء تفرسي لها حاولت أن أفهم هذا اللغز، لماذا الابتسام؟ أهي رغبة في مواجهة الحياة أم حالة نفسية نفرضها على الصورة أم رسالة لعالم غامض وغير مرئي....عالم ما وراء الكون.
هذه الصور ...والشخوص ...والأماكن....بعد هذه السنين صامتة  لا حراك، ألوان ومواد كيميائية مرتبة بشكل معين وخطوط ومنحنيات تنجبُ أجساماً بشرية.
وحتى هذه الضحكات لم يعد لها صدى يُسمع، أحسها مسامير تدق في لحمي وبألم فائق...
لا....لا....هي إذن آهات أو اصوات استغاثة
هذا في اوربا
وهذه في العراق
هذا في أمريكا
وتلك تزوجت
هذا لا أعرف
وهذا مات

وفريال عباس ...أين فريال عباس؟

هذه الفتاة الرقيقة، متوسطة الجمال. ذات جسم صغير ونحيل، وكانت امها كثيرا ما تشكي انها لا تأكل كثيراً، لكن الذي يسمعها وهي تناقش أو تصر على رأيها، لا يتصور إن فتاة بهذه النحافة صلبة متماسكة وواثقة الى هذا الحد.
من عائلة فقيرة....فقيرة ....إخوة وأخوات وأبوين مليئان بالعطف ... يوم دخلت الجامعة فرح الكل بها، فغداً أو بعد غد، ستتزوج شخصاً ذو جاه....غداً أو بعد غد.
كانت فريال شفافة ورقيقة، صوت دافئ وخافت، كنتُ اواجه صعوبة في سماع صوتها وكنتُ اقرب اذني منها حتى أسمعها....لا ...ربما كانت تصطنع ذلك حتى اقرب وجهي من وجهها لكي تشعر بحرارة وجهي.
لا ...لا...لاأدري....ربما.
فريال ....كم مرة تقاسمنا السنين والآمال....فريال حدثتني عن حب دلها على الطريق لكنه ترك قلبها....فريال كانت أحلاماً كبيرة.
دخلت كلية العلوم عام ١٩٧٦، درسنا السنة الأولى سوية، وفي العام التالي التحقت بفرع الكيمياء وتركتنا في فرع البايولوجي. لكن كنا دائما نأخذ (الفورد) من بغداد الجديدة لباب المعظم ثم للأعظمية. مسيرة دائمة وأحيانا كنا نختار قياس الطرق راجلين من الاعظمية حتى بغداد الجديدة.
ساعتان ... وأحياناً أكثر من الآمال والامنيات في بناء الوطن الواحد....يومها كانوا يعدون القضبان والبوابات لبناء عراقهم!
كان المفروض أن تتخرج عام ١٩٨٠....غادرتُ العراق ربيع ١٩٧٩أثناء العطلة الربيعية والتي كانت تدوم (١٥) يوماً....وها قد مددتها لتصل (٢٤) عاماً!!
فريال عباس السامرائي...قرأتُ اسمها في صحيفة (طرق الشعب) العراقية عام ١٩٨٠ مع مجموعة من زملاء كلية العلوم، وكانت المناسبة: القاء القبض عليهم بتهمة الشيوعية، وتكرر اسم فريال مع قوائم المعتقلين والمعتقلات لسنين وسنين.
فريال عباس السامرائي...ظهر اسمها مرة اخرى....وهذه المرة في قوائم شهداء الحزب الشيوعي العراقي حيث كانت قد استشهدت رمياً بالرصاص في ٢٣/١٢/١٩٨٢.
فريال، هذه الاحلام الجميلة والعائلة التي تنتظر تخرجها، هذا الجسد النحيل صاحبة الصوت الواثق. الطالبة في كلية العلوم....يعرفها أبناء وبنات الطرف...فتاة هادئة يعرفها أصحاب (الفوردات) ويعرفها جيدا رجل الأمن الذي يقف في باب الكلية. فريال لا أدري إن كنتُ قد ودعتها يوم قررتُ أن انفذ  بجلدي من القصاب.

كيف اقتحمت الرصاصات هذا الجسد...وأيُّ صدى كان لها؟ ....هل سمعت الرصاصات أم أحسّت بها تمزقها؟ ....وكيف للرصاص أن يؤذي فتاة مثل فريال؟ ...أما كان يمكن للرصاص أن يخطئها أو يتخطاها؟
ماذا كانت تلبس في آخر ساعاتها...وبأي شئ كانت تحلم وما هي آخر صورة في عينيها؟....ماذا قالت امها وأخواتها وأبناء الطرف وسائقوا (الفوردات)؟
قبل أيام كنتُ قد أعددتُ لمشروع رسالة أبعث بها الى صحيفة "طريق الشعب" في بغداد أسأل فيها عن النخيل والشجر والماء الذي تركته ورائي قبل ربع قرن،

واليوم ستحمل رسالتي اسماً أقل!

كمال يلدو
تموز ٢٠٠٣


196
كمال يلدو: كيف اغتيلت ثورة ١٤ تموز بإنقلاب شباط الاسود؟


كمال يلدو: اللقاء مع الاستاذ مناضل نجل الشهيد فاضل المهداوي وحديث عن إنقلاب ٨ شباط عام ١٩٦٣
http://www.ankawa.org/vshare/view/9071/munathel/
 
كمال يلدو: اللقاء مع الناشطة النسوية هند وصفي طاهر وذكرياتها عن إنقلاب ٨ شباط الاسود ١٩٦٣؟
http://www.ankawa.org/vshare/view/9072/hend-wasfi/

كمال يلدو: اللقاء مع سلام العبلي إبن الشهيد محمد صالح العبلي عن ذكرى إنقلاب شباط الاسود
١٩٦٣؟
http://www.ankawa.org/vshare/view/9073/salam/               
 


كمال يلدو: كيف اغتيلت ثورة ١٤ تموز بإنقلاب شباط الاسود؟
http://www.ankawa.org/vshare/view/9070/kamal-yaldo/
   
                  
   
                  
 



197
أحبتي الاعزاء
هذه دعوة لمشاهدة حلقة برنامج (أضواء على العراق) ليوم الاربعاء ٢٧ كانون الثاني ٢٠١٦ والتي حملت عنوان ((من يستهدف الحياة المدنية في بغداد؟)) وشـرفني أن استضيف أربعة وجوه ديمقراطية وطنية تناولت هذا الموضوع كل من زاويته.
 آمل ان تروق لكم الرحلة...كمال

١) التسجيل الكامل للحلقة
http://www.ankawa.org/vshare/view/8999/kamal-yaldo/

٢) التسجيل الحصري مع د.سحر أمير عبد الاحد من هاملتون ـ كندا
http://www.ankawa.org/vshare/view/9000/amir-abdulahad/

٣) التسجيل الحصري للقاء مع الناشط المدني الاستاذ صالح عودة من آن آربر ـ مشيكان
http://www.ankawa.org/vshare/view/9001/saleh-oda/

٤) اللقاء الحصري مع الناشطة المدنية والاجتماعية شهرزاد الحيدر (شيري فرحان) ـ استراليا
http://www.ankawa.org/vshare/view/9002/shahrazad-alhaidar/


٥) اللقاء الحصري مع الكاتب والباحث الاكاديمي د.كريم يونس كَردي ـ ولاية مشيكان
http://www.ankawa.org/vshare/view/9003/karim-younes/


198
كمال يلدو: بعض المسؤولين العراقيين لايخجلون من ادائهم السئ امام المواطن !


تحية طيبة لكم أحبتي الكرام
 ودعوة لمشاهدة حلقة يوم الاحد ٢٤ كانون الثاني ٢٠١٦ من برنامج (أضواء على العراق) والتي تشرفتُ بإستضافة ثلاثة شخصيات رائعة من العراق:
١) الاستاذ عقيل الربيعي ـ ممثل التحالف المدني في مجلس محافظة بابل
٢) الزميلة سمير القس يونان ـ رئيسة فرع رابطة المرأة العراقية في ألقوش
٣) السيد مازن الجنديل ـ رئيس التنسيقية العليا لشركات التصنيع العسكري
في برنامج آمل ان ينال رضاكم
مع الود والتقدير من كمال يلدو

** التسجيل الكامل للحلقة
http://www.ankawa.org/vshare/view/8970/kamal-yaldo/

**التسجيل الحصري مع الاستاذ عقيل الربيعي
http://www.ankawa.org/vshare/view/8971/aqel-alrubaye/

** التسجيل الحصري مع الزميلة سميرة القس يونان
http://www.ankawa.org/vshare/view/8972/samira-alkas/

**التسجيل الحصري مع السيد مازن الجنديل
http://www.ankawa.org/vshare/view/8973/mazin-algandel/



199
كمال يلدو : بين العطل الرسمية وأوضاع النازحين، المأساة مستمرة

تسجيل حلقة برنامج (اضواء على العراق) الذي قدمته مساء الاربعاء ٢٠ كانون الثاني ٢٠١٦ والذي تضمن في بدايته ايضا اللقاء بالناشط المندائي في مجال حقوق الانسان الاستاذ (نزار ياسر الحيدر) اضافة الى ابواب كثير في البرنامج.
آمل ان يروق لكم
مع المودة من
كمال يلدو
*** التسجيل الكامل للحلقة

http://www.ankawa.org/vshare/view/8947/kamal-yaldo/

200
تحية طيبة لكم أحبتي الكرام
كان لي شرف استضافة المهندس الاستشاري الاستاذ (نهاد القاضي) الأمين العام لهيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب في العراق يوم الاربعاء ١٣ كانون الثاني للحديث حول قيام (البعض) بتخريب قبور المسيحيين في مقبرة كركوك ونشاطات الهيئة عموما. كما تضمنت الحلقة الابواب الثابتة في مناقشة ابرز جوانب المشهد العراقي.

التسجيل الكامل للحلقة
http://www.ankawa.org/vshare/view/8903/kamal-yaldo/

مرفق  التسجيل الحصري للقاء مع الاستاذ نهاد القاضي:
http://www.ankawa.org/vshare/view/8904/nihad-alqadi/

201
كمال يلدو: ثلاثة اقلام تبحث بالمشهد العراقي د. خيال الجواهري وعدنان حسين و طلعت كريم

مع بداية العام الجديد، كان المشهد العراقي حاضرا بكل تفاصيله، وكان هذا البرنامج المتميز بضيوفه الاعزاء:
١) د. خيال محمد مهدي الجواهري ، القيادية في رابطة المرأة العراقية وحديث صريح حول العنف الاسري والمجتمعي المسلط على المرأة العراقية
٢) الكاتب والصحفي الاستاذ عدنان حسين ، من صحيفة (المدى) اليومية وحوار حول ملفات  السياسة العراقية
٣) الزميل طلعت كريم،سكرتير  اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق وحوار حول الواقع الطلابي والتعليمي وآفاق ومستقبل الطالب
آمل ان يروق لكم ...مع المحبة من ...... كمال يلدو

******تسجيل الحلقة الكامل:
http://www.ankawa.org/vshare/view/8889/kamal-yaldo/

*****اللقاء مع د. خيال الجواهري، القيادية في رابطة المرأة العراقية
http://www.ankawa.org/vshare/view/8890/khaial-gwari/

***** اللقاء مع الصحفي الاستاذ عدنان حسين من صحيفة (المدى) اليومية
http://www.ankawa.org/vshare/view/8891/adnan-husin/

****** اللقاء مع الزميل طلعت كريم سكرتير اتحاد الطلبة العام
http://www.ankawa.org/vshare/view/8892/talat-karim/

202
كمال يلدو: في ذكرى عيد الجيش ، المطلوب تنظيف العراق من داعش والميليشيات

عن ٦ كانون وعيد الجيش، عن احتفالات الميلاد ورأس السنة ، وعن الفقر والنازحين والفساد الاداري كان البرنامج الأول لعام ٢٠١٦ من ((اضواء على العراق)) آمل ان يروق لكم .......كمال

http://www.ankawa.org/vshare/view/8858/kamal-yaldo/


203
كمال يلدو : اللقاء مع حُجاز بهية و سُهيلة الأعسم و إبراهيم الخياط والجواب على سؤال: حصاد العراقيين عام 2015 ؟

١ـ الناشط السياسي حُجاز بهية وحديث عن الحصاد السياسي للعام ٢٠١٥
٢ ـ الناشطة النسوية سُهيلة الأعسم وحديث عن واقع المرأة والطفولة في العام ٢٠١٥
٣- الشاعر إبراهيم الخياط وحديث عن الواقع الثقافي في العراق للعام ٢٠١٥

*** الحلقة كاملة
كمال يلدو : اللقاء مع حُجاز بهية و سُهيلة الأعسم و إبراهيم الخياط والجواب على سؤال: حصاد العراقيين عام 2015 ؟


http://www.ankawa.org/vshare/view/8775/kamal-yaldo/
          
 
١) مع الناشط السياسي حجاز بهية
كمال يلدو: اللقاء مع الناشط السياسي حُجاز بهية والبحث في حصاد العراقيين عام 2015 يوم ٢٧ كانون اول

 
http://www.ankawa.org/vshare/view/8776/hegaz/         
 
٢) مع الناشطة النسوية سُهيلة الاعسم

كمال يلدو: اللقاء مع الناشطة النسوية سهيلة الأعسم وحوار حول حصاد المرأة العراقية والطفولة عام ٢٠١٥

 
http://www.ankawa.org/vshare/view/8777/suhila/   
                  
٣) مع الشاعر إبراهيم الخياط
كمال يلدو: اللقاء مع الشاعر إبراهيم الخياط في حصاد المشهد الثقافي للعام ٢٠١٥ الاحد ٢٧ كانون اول

 
http://www.ankawa.org/vshare/view/8778/ibrahim/    
                
         

204
شكرا جزيلاً لك ست انتصار الميالي على هذه التغطية الجميلة،. اللوحة التي رسمتيها غاية في الاناقة، وتمنحنا الامل بأن هناك من يخفق قلبه لهذا الوطن. آمل للمرات القادمة ان يرافق مثل هذه الكتابات بعض الصور التي تمنح الحدث بعده الجمالي.

205
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد عابد يوسف مرادو

من يستطيع أن يحصي جرائم صدام حسين ونظام البعث بحق الشعب العراقي....من؟ إن كان في الارهاب او الحروب او التشريد والترهيب، ولا أظن أن بيتاً عراقياً قد سَلمَ منه.  أما من ما زال يحن اليه، فلا يمكن أن اقول إلا أن الذليل لا يمكن له الحياة إلا ذليلاً. لقد كان ممكناُ لوطننا ان يكون افضل، وأن نوفر شبابنا وشاباتنا للبناء بدلاً من المقابر او الغربة، نعم سنتمكن من ذلك حينما يفرض الشعب ارادته على الحكام ويقوم نظام مدني عادل وبدستور يحترم الانسان باعتباره اغلى شئ في الحياة، حينما يكون هناك قانون يصون حرية التفكير والانتماء والمعتقد وحرية الاحزاب، حينما يكون دور رجل الدين في مؤسسته فقط بينما يتفرغ السياسي للوطن والشعب، وحينما يكرّم المخلص والمبدع، ويحاسب المقصر والسارق، يومها يكون العراق قد بدء فجره الجديد.
***
ولد الشهيد عابد يوسف مرادو عام ١٩٥٣ في مدينة ألقوش التابعة لمحافظة نينوى وفي (محلة قاشا)، متزوج من السيدة لمياء جرجيس لاسو، ولهم ثلاثة أولاد وبنت واحدة ( ريفون ، رونالدة ، رفيار و ريفير) ولهم (٥) أحفاد لحد الآن . استشهد في ألقوش  فجر يوم ٧ شباط ١٩٨٩، بينما كان عائدا من بغداد.
درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس ألقوش، ثم نال شهادة الدبلوم من معهد إعداد المعلمين في الموصل. مارس التعليم في مدارس الشرقاط وصديرا العليا وصديرا السفلى ثم تعرض للاعتقال، وبعد الافراج عنه عاد للتدريس مجددا في مدارس نصرة و دينارتا في عقرة وعلي شان وناويك.  لقد زاوج مع مهنة التعليم مهنة الاعمال الكهربائية  وافتتح محلاً له،  ويقال عنه بأنه لم يتوانَ عن تقديم الخدمة لابناء بلدته حتى وإن قصدوه في منتصف الليل،وأغلب الاحيان لا يتقاضى أجرهُ، فقد كان حريصاً على خدمتهم.
كانت مدينته ألقوش (ومازالت لليوم) قلعة للوطنيين وللأفكار الثورية، ولم يكن غريباً أن يتأثر بها الشهيد عابد، فأنخرط في العمل السياسي منذ العام ١٩٧٢، وكان أمينا على افكاره ورفاقه، وحاول أن يعكس صورة طيبة لكل ابناء بلدته في الاخلاص والتفاني وخدمة الآخرين. هذه الخصال منحته محبة الناس وعداء المنظمة الحزبية القذرة في ألقوش ايضا، فلم يسلم من التهديد أو حتى محاولات الاغتيال، وتعرّضت عائلته للترهيب او في تفتيش بيتهم مرارا وتكراراً، كما اُجبر على الحضور لمركز الشرطة اسبوعيا لتثبيت وجوده. أما قضية استشهاده فقد اراد لها نظام القتلة البعثيين أن تكون غامضة (مبهمة) كعادته في معظم جرائمه، لكي لا يلومه أحد اولاً وثانياً حتى تبقي عوائل الضحايا في دائرة الشك القاتل طوال عمرهم، وهذا ليس افتراء على اجرام البعث بل حقيقة قاطعة دفعت ثمنها غاليا آلاف العوائل العراقية، إن كان من جراء ابنائهم المعارضين لحكم البعث أو حتى ألناس المستقلين!
ولعل  زيارة الماضي والوقوف امام الحقائق يحتاج الى دليل أمين ، وخير من يمكن ان يدلي بشهادته هي زوجته المفجوعة، السيدة (لمياء جرجيس لاسو) التي تبدأ كلامها: لستُ مبالغة حينما أقول إن الزمن توقف عندي منذ ذلك الصباح، فلا فرحة الزواج ولا فرحة ولادة الابناء ولا اي شئ بقي معي إلا تلك اللحظات التي مازلتُ لليوم اعيشها وأشعر بثقلها على صدري لدرجة الاختناق. لقد حاولنا (أنا والراحل) التأقلم مع الأوضاع الجديدة  ـ عقد الثمانينات ـ وأشتداد هجمة البعث الارهابية على الشيوعيين وأي خصم يمكن أن يظهر للوجود، ولم أكن أعلم فيما لو كان لزوجي الراحل اي نشاط سياسي آنذاك، لكن اوضاع بلدتنا ألقوش والعراق عامة كانت ساحة مفتوحة لما تتفتق عنه عقلية الحاكم المريضة، والتي ينفذها عملائه علينا، فلم نسلم من الاهانة والتهديد والتفتيش المستمر ، لدرجة أن تدفع المجرم (أبو علاء)  ضابط أمن ألقوش الى تهديد زوجي بالقول: (سنخرب بيتك على رأسك) أما لماذا....فأتمنى ان التقي هذا النذل وأساله وجها لوجه ...لماذا؟ هل لجرم اقترفه زوجي ، ام لسرقة ، ام لعمل سئ قام به؟ كلا وألف كلا، فقط لانه لم يكن بعثياً خانعا او نذلا يبايع الحاكم الذي يذيق الشعب صنوف الارهاب.
 ثم تُكمل السيدة "لمياء" حديثها: أذكر إن زوجي الراحل "عابد" كان قد ذهب الى بغداد أثناء فترة العطلة الربيعية اواخر كانون الأول              ١٩٨٩ لقضاء بعض الاشغال وبنفس الوقت  لزيارة شقيقه الذي كانت زوجته (ناهدة) مريضة في تلك الفترة . وشخصيا لم اكن اتوقع أن تمتد الزيارة لايام حتى اتصلت بشقيقه (هرمز ) واستفسرت عن اسباب التأخير، فقال لي: دعيه عندي لبعض الايام، فإني اعيش الوحشة في البيت نتيجة مرض زوجتي، وهكذا كان الأمر. مرت بعض الايام، وصرت أتوقع قدومه في أي صباح ممكن، فكنتُ استيقظ حوالي الساعة الثالثة فجرا، موعد وصول باص  (المنشأة) من بغداد الى القوش، وبعد دقائق، كان ضجيج الطرقات يخفت، فأقول في سّري، انه لم يأت اليوم!
 وفي ذات صباح، افقت في تلك الساعة، وطرق لسمعي  ضجيج خفيف امام باب الدار، وانتظرتُ ان يكون هو، فيقوم بفتح الباب، لكن الباب لم يُفتح، فقلت في سّري، إن هذا ليس (عابد)، وبقيتُ في تلك الساعة اتنقل ما بين اليقظة والنوم، حتى الساعة السادسة صباحا حينما طرق بابنا بقلق (إبن شقيق زوجي) وقال : تعالي شاهدي  عمي عابد! فهرعتُ كالمجنونة ، لا أدري كيف تمكنت قدماي من حمل جسدي كل تلك الخطوات، وإذا بي أمام منظر مريع يبعد عن بيتنا امتاراً معدودة، و(عابد) ملقياً على ألأرض مضرجاً بالدماء، وقد فارق الحياة.
إن هذا المشهد هو مثل كابوس قاتل أعيشه منذ العام ١٩٨٩ ولليوم، ولا يغرب عن بالي، ولا أدري إن كان شعوراً بالحزن لأني لم انتظره امام باب دارنا في ذلك الصباح، ام ان سلطان النوم والتعب الذي غلب عليّ ليلتها، ام انه نتيجة لليل الانظمة الدموية التي تسترخص ارواح الناس من اجل اشباع عطش الجلاد. أقولها (تكمل السيدة لمياء): سمعتُ اطلاقات نارية في ذلك الصباح، وخلتها آتية من بعيد، وقبلها سمعتُ ببعض الضوضاء اما باب دارنا (اصوات لثلاثة أو اربعة اشخاص)، ولكون الباب لم تُطرق أو تُفتح، فتصورتُ ان (عابد) لم يأت في هذا الصباح، لكني اكتشفتُ لاحقا، بأن الضوضاء كانت ناتجة عن تركه لشنطة السفر اما الباب ، ويبدو إن المجرمين الذين انتظروه، أرادوا سحبه بعيداً عن الدار قليلا، فأجهزوا عليه على بعد (٥٠٠) متر من بيتنا، في حادثة أريد لها أن تبقى غامضة في دور الفاعل، لكن إن كان الامر قد انطلى على البعض، فإني على يقين مطلق، بأن الذي قتل زوجي (عابد يوسف    مرادو) هو نظام حزب البعث وصدام المجرم عبر مرتزقته الموجودين آنذاك في القوش.
نعم، لقد تركت تلك الحادثة ندوبا وجروحاً حتى وإن اندملت بعد السنين، فأنها تعود في مناسبات كثيرة. ولم يكتفوا بذلك، بل استمر إرهابهم لنا، حيث استدعوني للأمن العامة في الموصل وسألني الضابط إن كنتُ أشك بأحد الاعداء الذي يمكن أن يكون قد قتل زوجي، فقلت لهم بصريح العبارة: إن زوجي لم يكن له أعداء، انكم انتم الاعداء، وأنتم من قتله. فماذا كان الثمن بعد هذه الجريمة: فقد وضعوا العائلة في قائمة الممنوعين من السفر، فأية سفالة هذه؟
على الصعيد الاجتماعي كان زوجي انساناً طيباً معي ومع الابناء، مُحب وخدوم وذو صبر طويل، وأكثر ما كان يضايقه ويغيضه الاخبار (غير السارة) عن رفاقه، وبالحقيقة كان يهتم بتلك الامور كثيراً، وهذا تعبير عن مدى مبدئيته وصدقه ووفائه حتى وإن كانت احياناً على حساب العائلة. وطالما كان الحديث (تكمل السيدة لمياء) لما بعد رحيله، فأني بالحقيقة عانيتُ، لكن الذي خفف تلك المعاناة كان الموقف المشرف للاهل والاقرباء وأبناء القوش الذين كنتُ اتلمس التعاطف والمحبة منهم، أمس واليوم، فشكراً لكل من ساندنا وتضامن معنا.
أما ابن الشهيد السيد( ريفون مرادو) فتعود به الذاكرة لتلك الايام ويقول: حينما قتلوا والدي كان عمري حوالي (١١) عاماً، وكنتُ من الطلبة المتفوقين بمدرستي، لكن بعد الحادثة  لم أعد أهتم كثيرا بالدراسة، فتراجع مستواي كثيرا، وكنتُ أشعر بحزن كبير على ما آل اليه حال والدتي والعائلة، مع إنها لم تدعنا نشعر بأي نقص او حاجة في حياتنا، فقد عوضتنا بتضحيتها وصبرها، علما كان اصغر اخوتي يبلغ (٩ شهور) من العمر ساعة رحيل والدي. كانت المفاجأة كبيرة عليّ حينما قدمت طلباً للحصول على جواز السفر عام ١٩٩٨ بعد أن دفعت البدل النقدي للخدمة الالزامية، وإذا بهم يقولون لي : (عليكم منع سفر!) ، ولم يدم الامر طويلاً بعدها، فغادرت العراق بحثاً عن فرصة افضل للحياة، فيما غادرت والدتي والعائلة عام ٢٠٠٦، ومع اني اعيش في الولايات المتحدة وهم في السويد، فأننا متواصلون دائما.
اما الاستاذ موفق حكيم فيتذكر الحادثة بالقول: نعم ، كان صباحا مؤلماً على ألقوش، وهو صادف عشية ذكرى انقلابهم الاسود في ٨ شباط ٦٣، فاستيقظت المدينة على شهيد آخر. لم يكن بيتهم بعيداً عن موقف سيارات المنشأة القادمة من بغداد، فقد كان يقع جنب كنيسة ومدرسة مار كوركيس ويسمى الزقاق محليا (الولتا د مر ميخا) فيما وجدوه  مقتولا ومضرجاً بالدماء ليس بعيدا، بل بالقرب من دير الراهبات الدومنيكان وفي الزقاق الذي يسمى محليا ( الولتا د بي  أبشاره). لقد اشتركت كل القوش في تشييع ابنها الراحل المربي عابد مرادو، بصمت وألم وحزن كبيرين.

مع ان الكتابة عن الشهيد (عابد مرادو) اقترنت بمناسبة الاحتفال "بعيد الميلاد المجيد ورأس السنة" لهذا العام، إلا ان ذلك لم يمنعني من نشرها، لابل ان الحقيقة التي اعرفها هي ان معظم إن لم أقل كل عوائلنا تستحضر اسماء وأرواح احبابهم في المناسبات الجميلة، في الاعياد والافراح والاعراس، في تقليد انساني فريد، وكأن لسان حالهم يقول للفقيد: انت معنا، في كل الاحيان. ولابأس اذن أن تكون روح الشهيد "عابد" وكل رفيقاته ورفاقه الذي قضوا من اجل قضيته الانسانية في (وطن حر وشعب سعيد) ان يكونوا ضيوفاً اعزاء ومكرمين بيننا، اليوم وكل يوم.
(شكري الجزيل للأعزاء عامر تومي و راني فلاح القس يونان والرفاق في منظمة القوش لما قدموه من مساعدة لاخراج الموضوع)
**الذكر الطيب للشهيد الراحل عابد يوسف مرادو
** المواساة لزوجته لمياء وأبنائه وكل أهله ومحبيه
**العار يلاحق المجرمين حتى يقدموا للقضاء وينالوا جزائهم

كمال يلدو
كانون الأول ٢٠١٥
 



206
كمال يلدو:  سلاماً للقائد الانصاري  توما القس (أبو نضال)

صحيح إن اخبارهم لا تتناقلها محطات الراديو أو الفضائيات المحلية،  ولم يحضوا يوماً بإطلاق اسمائهم على احد الشوارع او احدى الساحات العامة او المدارس، لكن الاصح من ذلك إن احداً لا يمكن أن ينافسهم على سجلهم وتأريخهم الوطني المشرف في مقارعة الدكتاتورية والانظمة الرجعية التي توارثت على حكم العراق وعلى مدى عقود من السنين، وهم الأكثر معرفة بأن بناء الوطن لايمكن دون الاستعانة والاستفادة من كل الجهود والقوى الوطنية المخلصة، وإن عراقاً لا يمكن أن ينهض ويدوم إذا حُكم بعقلية عنصرية شوفينية او طائفية او دينية اقصائية، هذا الوطن ملك لكل ابنائه ، وحينما توضع القوانين التي تراعي وتحترم ذلك، يكون البلد قد اختار السكة الصحيحة ودونها، فالمشهد الحالي  يفصح عن نفسه بكل جلاء، وهو كاف للحكم وتقييم القوى التي تحكم البلد.
***
ولد القائد الأنصاري توما القس داود (أبونضال) عام ١٩٣٠ في ناحية (كاني ماصي) التابعة لقضاء العمادية، ودرس الابتدائية فيها، ثم انتقل الى مدرسة إعداد المعلمين الريفية في منطقة الرستمية في بغداد، وقبيل تخرجه عام ١٩٤٨ ، كان قد اشترك في انتفاضة الشعب التي طبعت تلك السنة، فاصيب برأسه في التظاهرات، إلا انه اكمل دراسته بعد تعافيه وتخرج بتفوق. إقترن بالسيدة (شاميران بنيامين) وأنجبت له بنتان ـ نضال وندى ـ  وولدان ـ منير و داود ـ  ولهم الآن (٨ )  احفاد . رحلت سيدة البيت قبل حوالي ثمان سنوات في دهوك بعد  معاناة وعذابات طويلة  سببت لها الكثير من الامراض نتيجة رحيل ابنها الغالي (منير).
كان تعينه الأول عام ١٩٥٠ في مدرسة بقرية (بيدو) قرب كاني ماصي، ثم نُقل الى قرية (هيي) وعاد الى كاني ماصي حتى عام .  ١٩٦٠  . ومع بداية انتكاسة ثورة ١٤ تموز واستلام زمام المبادرة من قبل الرجعية  المعادية للثورة حيث امتدت تلك الريح الصفراء  الى قريته،  حينما قام (مفوض الشرطة) بتدبير حادثة شغب ضد التقدميين أدت في النهاية الى اعتقال حوالي (٣٠) من المعلمين والطلاب بحجج واهية ومبيتة. وقد أدت تلك الحادثة الى اعتقاله لمدة (٤) أشهر في العمادية وبعدها الى تلعفر وليكون القرار النهائي النفي (ضمن السلك التعليمي) الى مدينة السماوة بين الاعوام ١٩٦١ ـ حتى انقلاب شباط ١٩٦٣ حيث قرر حينها الالتحاق ب (قوات الانصار) في الجبال بدلاً من ان يكون فريسة سهلة لجهاز الارهاب البعثي: "الحرس القومي".  ساهم في تأسيس اولى القواعد الانصارية بمدينة السليمانية (كلكا سماق) ثم انتقل الى منطقة (برواري بالا) حتى بيان ١١ آذار عام  ١٩٧٠، الذي ضمن الحكم الذاتي للشعب الكردي،  إذ عاد الى سلك التدريس في السماوة ايضاً. وفي العام ١٩٧٥ عيّن في (المجلس التشريعي للحكم الذاتي) ممثلاً عن الحزب الشيوعي العراقي، ثم  تعرض للاعتقال (لفترة قصيرة) عقب حل هذا المجلس، ثم توجه بعدها لمهنته المحببة في التدريس مجددا، وبعد انهيار الجبهة الوطنية مع البعث عام ١٩٧٩ ،  التحق ب (الجبل) مجددا  وقصد مناطق ( بهدينان ـ زيوا ـ كاني هيسة) حتى هجوم صدام بالاسلحة الكيمياية على مناطق كردستان فيما سميّت ب (الانفال) نهاية ١٩٨٨، حيث اضطر للنزوح الى المخيمات في تركيا، وبعدها الى سوريا حتى انطلاق انتفاضة عام ١٩٩١ حيث عاد الى دهوك وسخّر جلّ وقته في خدمة الحزب الشيوعي مع القائد الانصاري الراحل توما توماس ـ ابو جوزيف ـ والعديد من الكوادر والشباب .
وبينما كان القائد (أبو نضال) يقارع الدكتاتورية في جبال كردستان، كانت عائلته قد اضطرت للمعيشة في بغداد، وهذا لم يمنع  سلطات البعث من مضايقتها وإرهابها وبالتالي اعتقال ابنه (منير) لعدة شهور بغية الضغط عليه ومساومته على حرية ابنه، ولم تنفع تلك السياسة ، فلجأوا الى وسيلة خبيثة كأفكارهم، حيث أرسلت المخابرات العراقية وعبر مرتزقتها في المنطقة من ضعاف النفوس بقنينة كحول ( بطل ويسكي) الى أبو نضال وقيل انه "هدية" من ابنه منير في بغداد حيث لم يكن قد علم بإعتقاله آنذاك، وعلى الرغم من المحاذير المعروفة لدى قوات الانصار من هكذا (فخ) إلا ان  "أبو نضال " قد وقع فيه، فشربه مع صحبه في احدى الليالي وتبين لاحقا بأنه كان ملوثا ب ( سـم الثاليوم) الذي كان يستخدمه  حزب البعث في التخلص   من خصومه، حيث تظهر عوارضه بعد أيام، وكانت هذه الحادثة سبباً في سحبه الى الخطوط الخلفية وبالتالي ارساله  للخارج لغرض العلاج، وبعد أن تماثل للشفاء، يبدو ان الثاليوم كان قد فعل فعلته حيث أدى ذلك السم الى خلل في السمع لدى "ابا نضال".
عن احواله في هذه الايام (اواخر ٢٠١٥) يقول شقيقه السيد " يورم القس داود توما":  إن ابو نضال بصحة لا بأس بها قياسا لعمره ومعاناته الكبيرة، وهو يعيش الآن في دهوك مع عائلة شقيقتي "نضال" حيث تقوم هي وزوجها بتدبير اموره والعناية به، أما بالنسبة لي ، يكمل شقيقه: فأن أبو نضال يعني الكثير ، فهو شقيقي الاكبر ، إذ يزيدني حوالي (٩) سنوات عمراً، لكنه كان نبراسا لحياتي، وتأثرت كثيرا بأفكاره (قبلاً ولليوم) وأعتز بها، وكنت في المصائب جنبا لجنب معه، ومن الطريف القول إني قمت  ب (دفن) بعض الكتب في فناء حديقتنا ايام العهد الملكي وانتشار التفتيشات  عليها، وكنت اقوم بين فترة وأخرى بأستخراج أحدها وقرأتها، لا بل اني قمت وبعد انقلاب البعث عام ١٩٦٣ بالالتحاق بقوات الانصار التي كانت قد تشكلت للتو، ولعل اكثر ما كان يسعدني ويفرحني هو موقف الاهالي في تلك القرى التي كنا نزورها، والذين كانوا قد سمعوا او عرفوا شقيقي يقولون : "بس أبو نضال وبس"، وهذا شرف ووسام كبير عن هذا الانسان الرائع، الذي ضحى بالكثير من أجل المبادئ السامية وتحقيق شعار الحزب في "وطن حر وشعب سعيد".
ويكمل الاستاذ يورم القول: لعلي هنا لا اكشف سراً حينما اقول ما سمعته مرة من شقيقي، بأنه كان قد تأثر كثيرا بأفكار الاستاذ الرائع " عزيز سباهي" الذي اتمنى له كل الصحة والعافية، حينما كان أخي في  (مدرسة اعداد المعلمين) بالرستمية عام ١٩٤٧، وساهم بعدها في تشكيل اولى الخلايا الشيوعية في منطقة "برواري بالا" والقرى المحيطة بها،  ان هذا تأريخ مشّرف لانسان مناضل وكادح ، ضحى بالكثير من أجل حزبه وشعبه، وبقت اياديه نظيفة طوال كل تلك العقود من الكفاح والمسؤولية.
يورد القائد الانصاري الراحل "توما توماس ـ ابو جوزيف" في ذكرياته التي نشرها مشكورا (موقع الناس)  عدة مرات اسم القائد الانصاري "توما القس" ويتوقف ملياً اما حادثة (قنينة الويسكي) المشهورة، ويمضي ابعد ليكشف (ابو جوزيف) عن حالات كثيرة دنيئة لجأ لها نظام البعث المقبور في محاربة الانصار الشيوعيين مستخدماً طريقة التسميم وذلك من خلال (الحليب) تارة  و(المعلبات) أو اية سلع اخرى  يمكن ان يحتاجها المقاتلون، حتى وإن ادت (سهوا) الى سقوط ضحايا من القرويين المسالمين، فلا يهم، وكان المهم عندهم قتل الانصار!
أما القائد الانصاري " أبو باز" فيقول عنه: تعرفت على المناضل "ابو نضال" في اوائل الثمانينات عندما اقتسمنا العمل الانصاري في (قاطع بهدينان) وكان يتحمل مسؤلية إدارية في القاطع، إلا ان علاقتنا الرفاقية كانت قبل حتى ان اشاهده وجها لوجه، فقد علمت من الحزب إن "ابو نضال" قد تعرض للاعتقال من قبل البعث اواخر السبعينات بعد فشل فكرة (المجلس التشريعي) رغم علمهم بأنه كان ممثلا للحزب الشيوعي، حيث قمنا آنذاك بجمع مبلغا من المال لمساعدة عائلته وعدم تركها أسيرة الحاجة. ولعل فترة نضاله في منطقة (برواري بالا) والمناطق المحيطة بها، كانت واحدة من المحطات المنيرة في حياته، فقد كان له منزلة خاصة لدى سكان تلك القرى، وكانوا يأتون ليسمعوا له، وكانوا يحبوه كثيرا ويحترموه، وكان معروفا عندهم بأنه من عائلة معروفة وأنه كان معلما ايضا. ولا يسعني اليوم، أنا والنصير الرائع (وردة بيلاتي ـ ملازم أبو ميسون) إلا ان نتمنى الصحة لرفيقنا الغالي "ابو نضال" ونبعث سلامنا لباقي افراد العائلة في دهوك ( نضال وزوجها) وفي السويد (ندى وعائلتها وإبنه داود) وبمواساتنا في رحيل الغالية ( شاميران  بنيامين) و ابنه النصير البطل (منير) .
 اما شقيقه الاصغر السيد (نبيل القس داود توما) فيتذكر الكثير من الحوادث  عن القائد (ابو نضال) و يقول: لقد كنتُ الاصغر في العائلة، وقد قُتل والدي المرحوم (القس داود) وأنا لمّا كنتُ (٩) سنوات من العمر اثناء هجوم ومعارك مع المجرمين الطامعين بأراضينا وحيواناتنا في (كاني ماصي)، فأصبح منذ ذلك اليوم شقيقي الاكبر (توما) هو الاخ والاب والمعلم والصديق، وما زال لليوم يحملُ ذات المكانة في قلبي ومشاعري. الكل كان يقول عنه إنه شجاع وذكي وإنسان طيب ومحب، وحتى الذين لم يتفقوا معه سياسياً  فقد كانوا يحبونه، وأشعر بسرور بالغ حينما يتحدث الناس عن أخي الكبير بهذا المستوى. ويُكمل السيد (نبيل) كلامه:  اقوم تقريبا بزيارته في دهوك كل عام، وهو على العموم بصحة جيدة قياساً الى عمره (٨٥ عاما) ويتمتع بذاكرة حادة أبهرت رفاقه أكثر من مرة، وقد شهدتُ واحدة في عيني السنة الماضية حينما زاره مجموعة من رفاقه من منظمة العمادية للحزب الشيوعي الكردستاني لغرض الاطمئنان عليه، وكان قد أنجز للتو خارطة للمنطقة ضمنها القرى والجبال مع اسمائها التي كانت مسرحاً لنضاله لسنين طوال وقال لهم: "هذه الخارطة تضم حوالي (٢٥٠) قرية كنّا قد ناضلنا فيها وحاربنا الدكتاتورية ايام الكفاح الانصاري ، وربما بتُّ على الاقل لليلة واحدة فيها".  لقد تركت تلك الخارطة رفاقه مذهولين وهم يقولون له (إن الكومبيوتر لا يمكن ان يرسمها بالدقة التي قمت انت بها).

رغم مضي حوالي سبعة عقود منذ أن تعرف المناضل توما القس (أبو نضال) على تلك الافكار النيرة ، حينما كان تلميذا في معهد إعداد المعلمين بالرستمية، فإنها لم تغادره ولا هو غادرها، فقد نشرها بكل امانة اينما حل ، ودافع عنها دفاعاً مستميتاً ،وقاوم كل مغريات الحياة وقايضها بالتضحيات الجسيمة من اجل الشعب العراقي، وتحمل قساوة الجبل والحصار وحروب الحكومات الغاشمة والسجون، ومحاولات  الاغتيال اللئيمة التي دبرّها البعث الفاشي ضده، وكذلك مع المعارك والهجوم بالكيمياوي الذي تعرضت له مناطقهم، والتي أدت ايضاً الى استنشاقه لتلك الغازات القاتلة، ومثلما هو ضحى، فقد ضحت عائلته الكريمة زوجة وأبناء وبنات، نعم انه ايقن تمام اليقين بأن خلاص هذا الوطن وشعبه لن يكون إلا حينما يكون  للشيوعيين دورا كبيرا في بناء الوطن ، ومن خلال إقامة النظام المدني الديمقراطي العلماني، ومن اجل تحقيق شعارنا العتيد (وطن حر وشعب سعيد).

**الذكر الطيب للراحلة الغالية (شاميران بنيامين) والنصير البطل (منير توما القس)
**التحية والمحبة لباقي افراد العائلة الكرام وعوائلهم (نضال، ندى، داود)
**مزيدا من الصحة للقائد الانصاري المبدئي الشجاع توما القس (أبو نضال) 
 
كمال يلدو
كانون الأول ٢٠١٥
 



207
كمال يلدو: برنامج اضواء على العراق ... أبناء المكونات الصغيرة، اُصلاء أم غرباء على الوطن؟ / فيديو

ضم البرنامج لقائات مع:
١) الاستاذ الناشر  والباحث في المكون المسيحي حبيب حنونا
٢) د. قيس السعدي، الناشر والباحث في الشأن المندائي
٣) د. عدنان زيّان فرحان، الناشر والباحث في الشأن الايزيدي

**** مرفق تجد تسجيل الحلقة كاملاً بكل ضيوفها ...آمل أن تروق لكم ....كمال يلدو
http://www.ankawa.org/vshare/view/8687/kamal-yaldo/


 **** مرفق  الفديو الحصري باللقاء مع د. قيس السعدي

http://www.ankawa.org/vshare/view/8684/kamal-yaldo/

****الفديو الحصري باللقاء مع د. عدنان زيان فرحان

http://www.ankawa.org/vshare/view/8685/adanan-zayan/

**** الفديو الحصري باللقاء مع الباحث الاستاذ حبيب حنونا
http://www.ankawa.org/vshare/view/8686/habib-hanon/

208
كمال يلدو: اللقاء مع الناشط المدني علي هاشم عن الحراك والتظاهرة ضد التدخل التركي ٩ كانون الاول ٢٠١٥

اقدم لكم حلقة (اضواء على العراق) التي قدمتها عبر الفضائية الآرامية يوم الأربعاء ٩ كانون الاول ٢٠١٥، والتي تضمنت في جزئها الاول اللقاء مع الناشط المدني من بغداد ـ علي هاشم ـ ثم حديث حول الاجتياح التركي، وملفات الوضع العراقي الراهن وصولا لمشروع البرلمان  بتحريم الكحول في العراق العظيم!
آمل أن يروق لكم البرنامج
كمال يلدو
ومرفق ايضا تجدون نص المقابلة الحصرية مع الناشط (علي هاشم) .

http://www.ankawa.org/vshare/view/8655/kamal-yaldo/

209
كمال يلدو: لن نرثيكَ بدمعة حتى بعد سنين أخي رياض العوصجي

   "هنا يرقد المأسوف على شبابه الشهيد رياض يعقوب يوسف العوصجي. استشهد بتأريخ ١١/ كانون الأول /١٩٨٠ في قاطع عبادان إثر نشوب الحرب العراقية الايرانية بتأريخ ٢٢/ أيلول/ ١٩٨٠. إبتعدتَ يا عزيزنا عن عيوننا الدامعة. قلوبنا الدامية لن تنساك الى الابد. إرحمه يا رب واعطه الراحة الأبدية".
هذا كل ما تركته لنا الأنظمة الدكتاتورية وحروبها العبثية. ففي حين استقبلت القوش ابنها البار في ذلك اليوم، لم تعلم بأنه سيكون الأول في مسلسل  سيأتي على خيرة ابنائها وبناتها النجباء، مابين شهيد في الحرب او شهيداً للأفكار السامية التي حملها.

ولمن عرف (رياض) عن قرب، فإنه كان شخصية طيبة ومرحة ومحب للثقافة والتفكير الحر، ولهذا إنغمر في العمل الوطني مبكراً في حياته، ولعل للاجواء اليسارية بمدينته (القوش) والقصص البطولية لقادتها الميامين، والتأريخ النضالي لعمّه (عادل عوصجي) أثرا فيما طبع حياته اللاحقة. شخصيته تلك،  منحته فرصة التأثير على الكثير من أقرانه الشباب في مدينته (الحبيبية) ، والتي كانت مجاورة  لمدينة الثورة ودور العمال والبلديات، حيث كانت تعج بالكادحين المتطلعين لغد افضل .
لكن في مكان ما من (الحبيبية) كانت الذئاب تخطط لشئ آخر، شئ ليس له اية علاقة بتطوير حياة الناس، او توفير افضل المدارس والخدمات لابنائهم، لابل حتى في نقل  (مزبلة الحبيبية) ودخانها القاتل بعيداً خارج المدينة، لقد كانوا يخططون  للكيفية التي يوقعون بها (رياض) في فخهم، بغية الاقتصاص منه ومن افكاره. انتبهَ لتلك اللعبة وحاول جاهداً الافلات منهم، تارة بالمبيت عند بيت جده
(يونس العوصجي) في الكرادة ، أو بالمجئ للبيت في ساعة متأخرة من الليل وثم الخروج في اولى ساعات الصباح الباكرة.  لكن حينما سيق للعسكرية فقد اصبح الصيد بين يدهم هذه المرة، إذ لم ينجُ من كثرة الاستدعاء والاستجواب والمضايقة وممارسة شتى انواع الارهاب النفسي عليه.
كان حسّه مرهفاً وبحنين متدفق لاخوته وأخواته، وتعلق كبير جداً بوالدته الراحلة ( فكتوريا يونس العوصجي)، هذه المشاعر الانسانية كانت تدفعه في كثير من المرات للمخاطرة في زيارة العائلة رغم علمه بأن عيون المنظمة الحزبية كانت تحوم حول دارهم. اما والدته الغالية والتي رحلت قبل سنين قلائل، فإنها ارتدت اللون الاسود طويلاً، وغادرت الضحكة والفرح حياتها، والتف حول عيونها غضباً عارماً على المرتزقة البعثيين وكلابهم السائبة في الحبيبية، اولئك الذين سرقوا منها  (مثلها مثل آلاف الامهات) عناوين الفرح والسعادة، وأذاقوهم مرّ الحياة تارة بالملاحقة والاستجواب او بالاعتقال الكيفي أو بتفتيش المنزل وارهاب افراد العائلة، بعد أن يكونوا قد استعملوا معهم اقذع الالفاظ والكلمات والتي كانت تعبر بحق عن ثقافتهم ومبادئهم الساقطة.  ولعل الموت الذي اتاها، رغم كل قساوته، قد يكون الحل النهائي في راحتها من آلام الفاجعة وذكريات العراق السيئة.

كان العام ١٩٧٢ وثانوية (عقبة بن نافع) في شارع فلسطين مسرح صداقتنا الأول، ثم اصبحنا زملاء في (اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي)، وكبرت احلامنا واهتماماتنا، وصرنا نفكر مثل الكبار، ونأمل بأن يحل السلم والعدالة في كل العالم، ولأننا كنا  نمتلك قلوباً صافية، فقد كنّا نحلم ايضا بالعائلة والابناء، وكان (رياض) يكن حباً جماً  للأنسانة التي أسرت قلبه، ولم يكن قد صارحها به، لكنه كان يقول : انها هي التي ستكون اماً لأولادي!
كان قد اوعدني بأن يأخذني الى مدينة اجدادي (تلكيف) حتى اراها، ومن ثم نعرّج على (القوش)  ونقيم فيها لأيام، ونحضر افراح (الشيرا) ونذهب الى (بيندوايا) و (مار قرداغ)، ونشترك في احد الاعراس ، وسنرقص الدبكة ونستمتع بالأغاني، وسنشاهد اشهر عازف زرنا في العالم (عليكو)، وسأسقيك اطيب عرق صنع  في القوش، ونمرح ونسرح في المراعي الخضراء الجميلة.  هذه كانت باختصار احلامنا الجميلة قبل ان  تستفرد الوحوش البعثية بالوطن وناسه ، فتحطم الاحلام وتمزق العوائل وتترك ابناء العراق لمستقبل غامض ومجهول داخل البلاد وخارجه!
ولعل فضلاً كبيراً مازلتُ مديناً به ل (رياض العوصجي) وهو تقديمي كصديق للكثير من الاحبة القادمين من مدينة القوش، هذا العهد الذي تشرفت به ولليوم. ومن الطرائف أن بعض الاخوة وفي اولى ساعات تعارفي بهم يسألون:
ـ ميكوت آيت ؟ (من اين انت؟)
ـ م ألقوش (من القوش)
ـ م بي مني كبيشت؟ (من اي عائلة ؟)
ـ م بي عوصجي، برد امعلم ياقو د بي عوصجي (ابن المعلم يعقوب العوصجي)
ـ با ، محكيثوخ ليله د ألقوشنايه، ومعلم ياقو لثواله برونه شميح كمال (لهجتك ليست مثل ابناء القوش ولم نسمع بأن المعلم يعقوب عنده ابن اسمه كمال)
ـ اي لا، آنه ون برونيح ، و ون قيمه ب بغدد (انا ابنه ومقيم في بغداد لهذا لا تعرفوني) ، وبعدها نضحك سوية لهذه الطرفة.

كان صباحاً بارداً من صباحات كانون اول ١٩٨٠ حينما التقيت زميلي وصديقي (عامل اسمرو) في حارتنا بمدينة ديترويت  وأخبرني بأن صديقي (رياض العوصجي) قد أُوتي به مقتولاً من جبهات الحرب، وإن  امه وخاله (حازم ) لم يصدقا الأمر حتى فتحا صندوق الكفن ليتأكدا من أن الموجود به ربما يكون شخصا آخراً غير رياض!
مع كل ما يحمله هذا الخبر من حزن وألم على فقدان محب، لكني بقيتُ على قناعة بأن هذا الذي كان في الكفن (ربما) ليس رياضاً!  ولعل ما يحدث لي في عشرات المرات التي زارني بها (رياض) في المنام يفسّر سر هذا التصور. فدائما كان يبدو أنيقا، وسيماً ، ضاحكا ومتألقاً وكل مرة أفضل من سابقتها، فابادر الى سؤاله: يقولون عنك انك مت في الحرب، وإن خالك حازم لم يصدق الخبر حتى فتح صندوق الكفن؟  ثم يجيبني: ها إني اقف امامك، فلا تصدقهم ها ها ها!
ومن المفارقات التي تحدث لي كلما دعيتُ الى مناسبة يكثر تواجد اخوتي من مدينة القوش بها، فأسرح كثيرا في وجوه الحاضرين، خاصة الشباب (طوال القامة) وأسأل احدا من الذين أعرفهم: اليس ذاك رياض ابن المعلم يعقوب عوصجي؟ فيأتيني الجواب صادماً: لا ، لا ، رياض مات في الحرب! اعود ادراج دواخلي وأمنّي النفس، بأنه سيفاجئني يوما في زيارة لمدينة ديترويت، وسيقوم بالسؤال عني أول الامر، وحينها  سأعلنها على الملء: إن رياض العوصجي على قيد الحياة، وها هو بيننا، وإن الموت لم يأخذه كما يدعـّون!
 
 قبور  وأحزان وصور وكثير من الذكريات التي تأبى ان تفارق الذاكرة، متحدية عوامل الزمن والغربة، لابل انها تمرست على اعادة انتاج ذاتها في مشهد دراماتيكي رافض لفكرة الموت، وواضعة اياه في زاوية من حياتنا بعيدة عن الاحبة وأقرباء الروح، وكأنهم في تشكيلة لاتنطبق عليها قوانين الحياة الجارية على الآخرين!
**الخزي والعار لنظام البعث وكل من سانده في اجرامه من مرتزقة وحثالة
**الرحمة للراحلين المعلم يعقوب و فكتوريا عوصجي
**مواساتي للعائلة الكريمة، اخوتي وأخواتي الاعزاء
**مودتي لك ايها الغالي رياض اينما كنت، فإني افتقد صداقتك كل يوم

كمال يلدو
كانون الأول ٢٠١٥
 



210
الصديق العزيز رعد دكَالي
شكرا جزيلا لمرورك الكريم، ولتعليقك الطيب. إن ما اقوم به هو واجب تجاه ذكرى الشهداء الابطال، وعوائلهم الكريمة وكل من أحبهم، ومن جانبي  اتمنى ان يقوم كتابنا الكرام بمثل هذا العمل الانساني إن كان مع الشهداء او المبدعين او المعلمين، هؤلاء هم من يشكلوا احدى اهم ركائز ثقافتنا الوطنية وانسانيتنا. شكرا لك  وأعدك بأنك ستقراء المزيد عن الشهداء بقامي.
مع الود والحبةى لك ايها العزيز

211
كمال يلدو: عراق الازمات، متى يرتاح؟

http://www.ankawa.org/vshare/view/8599/kamal-yaldo/

كمال يلدو: الحقوقي محمد السلامي وحقوق النازحين في التشريع العراقي والعالمي يوم ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٥

http://www.ankawa.org/vshare/view/8600/mohamad-salami/


كمال يلدو: مع المحامي آزاد هرمز العمادي حول قوانين بيع ممتلكات المسحيين ٢٩ تشرين الثاني ٢٠١٥

http://www.ankawa.org/vshare/view/8601/azad-hurmez/

212
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد صبري الياس حنا دكَالي ( جندو)

كانوا شباباً وفي بداية ربيع حياتهم، يحدوهم الامل في بناء وطن جميل لهم ولاقرانهم،  ووجدوا الافكار الاشتراكية واليسارية أفضل من يترجم تلك الطموحات والاحلام، فإنخرطوا في العمل الوطني، لكن حيتان الرجعية والتخلف والعمالة كانت لهم بالمرصاد، وبعد سنين رحل الشهداء ورحلت الانظمة، واحداً اخذ مكانه في ذاكرة الشعب والآخر ترك جروحا في جسد الوطن، مضت الانظمة الرجعية مصحوبة باللعنات، لكن الافكار الخيرّة مازالت تحث الطريق من اجل بناء (وطن حر وشعب سعيد).
***
ولد الشهيد صبري الياس حنا دكَالي (جندو)  في مدينة القوش التابعة لمحافظة نينوي عام ١٩٤٩ وفي  محلة (سينا). وقد ابدى نضجاً وطنيا وسياسيا منذ صباه ، وللحق يقال ، فإن القوش  كانت على الدوام مدرسة للوطنيين والمناضلين، ولم يكن هو او المئات من ابناء بلدته استثناءاً بل بالعكس كانوا هم القاعدة، ولعل ابناء ذلك الجيل وما قبله ولليوم يفخرون بأن مدينتهم لها الصبغة اليسارية الحمراء ويلقبها البعض (موسكو الصغيرة) وهذا التشريف لم يأتي بالسهل، فقد قدموا للوطن وللشعب قوافلاً من الشهيدات والشهداء ناهيك عن المناضلين الذين امضوا عشرات السنين من حياتهم دفاعاً عن المثل الوطنية وعن مصالح الشعب العراقي في الحرية والحياة السعيدة. درس الابتدائية في مدينته، وعند اتمامه السن القانوني التحق بالخدمة العسكرية المكلفية، وقد تعرض اثناء الخدمة الى السجن لمدة شهرين، مما اثار حفيظته وخشيته من ان يصبح صيداً سهلاً بيد حكم البعث (الحاقد على الشيوعية وعلى ألقوش)، فقرر ترك الخدمة العسكرية والالتحاق بالفصائل المسلحة (الانصار) التي كانت تحت قيادة الراحل توما توماس (أبو جوزيف). يتذكر بعضاً من رفاقه الذين حملوا السلاح معه ، بأنه اشترك في عدة عمليات انصارية، وانه كان شجاعاً مقداماً ولا يهاب المعارك.
المشهد الاخير كان يوم ٢٧ تموز من عام ١٩٦٩، حيث طوقت قوات السلطة مدينة القوش بعد أن وصلت لها معلومات بوجود القائد (ابو جوزيف) فيها برفقة مجموعة من الانصار، حيث كان مطلوبا لذلك النظام، وصادف يومها أن يكون الشهيد في القوش ايضا، وبعدما علم بمغادرة  الانصار المدينة، أراد اللحاق بهم لتوفير المزيد من الحماية ، لكن قطعان المرتزقة كانت أسرع منه، فقد دخلت المدينة من  الجنوب والغرب،  ووقع في فخهم، فقاومهم مقاومة الابطال، لكن المعركة لم تكن متكافئة، فأستشهد في منطقة ( بيادر القوش ـ غرب المدينة وعلى طريق بندوايا) وكان يحتمي  خلف صخرة كبيرة مازالت  تحكي حجم تلك المواجهة من كثرة آثار الطلقات النارية التي مازالت واضحة لليوم رغم مرور كل تلك السنين.
وبعد أن هدأت المعركة، توجهت تلك القوة الى حيث كان ساقطاً ومضرجاً بالدماء، وهم بأمل ان يكون صيدهم  القائد (ابو جوزيف) لكن خاب ظنهم هذه المرة ايضا، فقد تعرّف عليه بعض المهاجمين الذين قالوا : انه جندي من سريتهم.
لم يتوقف المشهد امام هذه النهاية المؤلمة ، بل قام بعضا من (الجحوش ـ الفرسان) بسحبه ورميه  بالقرب من (مزار مار قرداغ ـ كما يرويها الاستاذ موفق حكيم)  فيما يقول السيد ناظم، ابن عم الشهيد بأنهم رموه (قرب المدرسة الثانوية) ومهما يكن الامر، فأن اهالي المدينة انتظروا حتى انسحاب الجيش من البلدة، قبل أن يقوموا في عصر ذلك اليوم بدفنه في مقبرة المدينة في موكباً شعبياً صامتاً ومهيباً، ولعل ذلك كانت رسالة ابناء القوش الى السلطات الغاشمة وحتى بعض (المترددين) من ان البلدة لن تتنازل عن ابنائها الميامين ، وستقوم بواجبها تجاههم مهما كانت التضحيات والثمن.
يتذكر السادة (وديع وفاضل) اشقاء الشهيد صبري والموجودين في ألقوش حتى اليوم، يتذكرون ذلك اليوم بكل تفاصيله ويقولا: في مساء ذلك اليوم، وكعادة كل العوائل التي تخسر احد افرادها للموت، فأن اهالي القرية يقصدون بيت العائلة لتقديم التعازي والمواساة، فيدخل القائد الانصاري الراحل "توما توماس" الى البيت رغم كل المخاطر،  ويقدم تعازي الانصار والحزب الى العائلة وخاصة والدتي المرحومة "وارينة يوسف صادق جنّو" ويعرب لها عن اسفه لفقدان مقاتلا شجاعاً وبطلا  هوالراحل "صبري دكَالي" فأجابته والدتي وعلى مرأى ومسمع كل من كان في دارنا تلك الليلة بكل فخر واعتزاز: "لا تهتمون وتتأثرون باستشهاده ، لانه ابنكم وإبن الحزب، ولديّ آخرين اقدمهم قرباناً للحزب"   ولعل هذا الموقف يجد تجسيده الصادق في موقف اشقاء وشقيقات الراحل الداعم والمؤازر لنضالات الحزب الشيوعي، حزب شقيقهم (صبري) الذي ضحى بحياته من اجل اهدافه النبيلة وقياداته المخلصة والامينة.
عمل والد الشهيد المرحوم "الياس حنا بتي دكَالي" طباخاً في منطقة عين زالة، ورحل عن الحياة وصبري كان صغيرا، اما حينما قضى الشهيد فقد ترك خلفه عائلة ثكلى مكونة من والدته وأشقائه (المرحوم حميد و وديع و فاضل، والشقيقات، المرحومة هيلو ، وسلمى وصبيحة).
في عمر لم يتجاوز العشرين ربيعاً ولم يكن قد تزوج اصلاً،  يكون محزننا ان تخسر العائلة او المدينة انسانا طيبا ونظيفا ومخلصا.  لم يمت نتيجة سرقة اوجريمة قتل اوعملية سطو، لقدقضى لسبب اساسي ومهم:  وهوموقف الانظمة الغاشمة والدكتاتورية من العملية السياسية برمتها، من حرية الاحزاب وحرية الانتماء ومن التبادل السلمي للسطة.  وقد يقول قائل، بأن هذه ليست إلا احلاما وردية  ستُطبق في مجاهل افريقيا قبل أن تُطبق في العراق، وبالحقيقة،  لهم ولكل اصحاب الآراء الراجحة أقول: أولاً ، ان اول وآخر من يتحمل دماء هذا الشهيد وعذابات أهله، هونظام البعث البائد، وكل من يسير في نهجه المتخلف، وثانياً ، إن فكرة بقاء الانظمة وعدم تغيرها ليست منقوشة على حجر او (منزّلة من السماء) هذه الانظمة يبنيها البشر ، ويغيرها البشر، وقدآن الاوان  (اليوم او غدا) ان يعيش العراق وشعبه في ظل نظام ديمقراطي مدني عصري، وتُطبق فيه القوانين التي تحمي الانسان وتعتبره اثمن شئ في الحياة، وليس لنا اي شئ اثمن من هذه الافكار.
**الشكر والامتنان لكل من ساعدني بإخراج هذا الريبورتاج خاصة الاعزاء عامر تومي وراني فلاح القس يونان من القوش.

**تحية لذكرى الشهيد البطل صبري الياس دكَالي (جندو)
**المجد والخلود لكل من ضحى وعمل من اجل تحقيق الاهداف التي ناضل من اجلها في (وطن حر وشعب سعيد)
**العار للانظمة الرجعية وعقيدتها  الدموية المتخلفة

كمال يلدو
تشرين الثاني ٢٠١٥
 



213
الدكتور العزيز غازي ابراهيم رحو
تحية طيبة لك ، وشكر وامتنان على تفضلك بكتابة التعليق، وليس لي قول سوى: إن الاصيل يبقى اصيل اينما كان وكيفما تبدلت الظروف ، اما هؤلاء الطارئين على العراق اليوم فمصيرهم الزوال، لكن للاسف ليس قبل ان يسببوا الاذي والدمار للمخلصين . شكرا لتعليقك ولكلامك الطيب

214
الاخ الفاضل انطوان الصنا
تحية حلوة
اشكرك جزيل الشكر على متابعاتك المستمرة لما اكتبه، وهذا يزيدني اصرارا على تقديم الافضل لك ولكل القراء الكرام.
لك كل الود والامتنان
كمال يلدو

215
الاستاذ الغالي شوكت توسا
تحية طيبة وشكر وامتنان لمرورك الكريم وكلامك المعطر عن المقالة. احييك وأحيي تشجيعك ومتابعتك التي لا تمل منها، وهذا يدفعني لتقديم المزيد .
دمت استاذنا الغالي
كمال يلدو

216
عزيزي الغالي منصور عجمايا . شكرا لمرورك الكريم وعطرك في الكلام . وما اقوم به عزيزي هو أقل من الواجب تجاه الناس ووطني . وتسعدني كلمات التشجيع منك ومن كل الاحبة الكرام . وشكرا ل (عنكاوة) الحلوة وجهود كل العاملين بهذا الموقع الرائع ، خيمتنا التي تجمع بظلالها كل محبي العراق.

217
الصديق العزيز الياس منصور
شكرا جزيلاً لمرورك الكريم وتعليقك على المقالة. لك كامل الحق أخي أن تعتز وتفتخر بمثل هذه السيرة ، للاستاذ (زهير) ولمئات القامات الشامخة من ابناء  شعبنا الذين قدموا لهذا الوطن بكل سخاء ولم يبخلوا يوما ، وهذا الشئ جار لليوم، وقد نراه ونسمع عنه، او قد لا نسمع عنه، وهذه ايضا واحدة من مهمات مثقفينا وكتابنا بأن يقوموا بواجبهم تجاه نخبة المبدعين وأن يكتبوا عنهم حتى نحتفل بهم وهم احياء على الاقل . شكرا لك

218
كمال يلدو:  مع الرباع العراقي زهير إيليا منصور، الحائز على لقب أقوى رجل في العالم

تزخر جاليتنا العراقية في ديترويت و (الكلدانية) خاصة بشخصيات برعت في التمّيز بعطائها للوطن الام وللوطن الجديد أمريكا، وكانت على مدار السنين عنواناً مهماً في العمل والابتكار، لابل انهم اضحوا سفراء امناء للعراق.  فعلى الرغم من مرور حوالي (٥٥) عاما منذ ان غادر العراق، الا ان اسم هذا الوطن لا يغيب عنه ابداً، وهو يسعى بكل ما اوتي من طاقة وابداع ان يكون نموذجا طيبا امام ابناء الجالية والمجتمع الجديد، وحتى لمن هم سائرون في طريق الحياة هنا،  فتجربته  هذه جديرة بالتوقف امامها والتعلم منها ، لابل في الانطلاق نحو تجارب جديدة ترتقي بالانسان وبحياته وثقافته ورفعته.
***
النشأة
ولد الرباع زهير إيليا منصور عام ١٩٤٠ في العاصمة بغداد، وتحديدا في منطقة (القاطرخانة ـ والواقعة في شارع الوثبة بين شارع الجمهورية وسوق الصدرية). درس الابتدائية في (مدرسة الطاهرة) في منطقة سوق الغزل وعكَد النصارى، ثم  المتوسطة وجزءاً من الاعدادية في (ثانوية المشرق الاهلية)  في منطقة الكرادة. غادر العراق عام ١٩٦١ قاصداً الولايات المتحدة وتحديدا مدينة ديترويت لغرض الدراسة، وبعد اكماله للدراسة الثانوية، انتسب الى (معهد التكنلوجيا للهندسة الصناعية) وتخرج منه عام ١٩٦٥.  عمل في شركة العدد الصناعية بمدينة ديترويت حتى العام ١٩٧١، حيث توجه بعدها للأعمال الحرة التي مارسها شراكة مع شقيقه الأكبر (عمانوئيل) بنجاح كبير حتى العام ٢٠٠٩، حيث أحال نفسه للتقاعد. متزوج من السيدة (كيرن منصور) ولهما بنت واحدة (هايدي) .

البداية
مثله مثل الكثير من ابناء جيله، كان يمارس في طفولته  العاب كرة القدم والكرة الطائرة والركض والقفز وألعاب الساحة والميدان في المحلة والمدرسة، وإبتداء مشواره مع التفوق منذ الصف السادس الابتدائي ب (مدرسة الطاهرة) حينما  فاز بأول كأس  لبطولة كرة المنضدة، وكانت المسابقة بإشراف مدرس العربية والرياضة الاستاذ (عبد الملك ياسين) ، فقد كان مغرماً بالرياضة كما يقول.  لم تكن لتدور في خلده لعبة الاثقال او كمال الاجسام  حتى وقعت الصدفة مرة وكما يرويها شقيقه الاكبر السيد (عمانوئيل إيليا منصور) إذ يقول: كنتُ امارس رياضة كرة السلة والكرة الطائرة والقفز بالزانة عندما كنت تلميذا في (الثانوية الشرقية) بمنطقة الكرادة ـ ارخيتة،  فنصحني بطل العراق في القفز بالزانة آنذاك (خالد توماس) بأن اقوم برفع الاثقال لتقوية عضلاتي، فقمتُ على أثرها بشراء بعض الاثقال و (الدمبلصات) لغرض التمرن في البيت، فشاهدها أخي زهير وكان يبلغ من العمر آنذاك (١٥ عاماً)، فأعجب بها منذ اليوم الاول  ، فدفعتهُ ل (الحديد) أكثر بعدما أيقنت بأنه قادر عليها.  وصادف ان تُقام  بطولة بغداد للناشئين عام ١٩٥٦ في (نادي النهضة بالأعظمية) فأشترك بها  أخي زهير، وحاز على المركز الاول في رفع الاثقال (وزن الديك ـ ٥٦ كغم) والثاني في كمال الاجسام، وأذكر ان تلفزيون بغداد كان ينقلها على الهواء، إذ كان قد دخل حياتنا للتو آنذاك.

تعود تلك الايام مسرعة الى ذاكرة الرباع "زهير ايليا منصور" ويقول: كنت اقوم بتدريب نفسي بنفسي، ومن حسن حظي ان يكون جسمي بهذه اللياقة والقوة.  لقد انتميت في عام ١٩٥٨ الى (نادي الشباب) والكائن في شارع الشيخ عمر، وكانت  الالعاب الموجودة فيه هي كرة السلة والسباحة ولعبة كمال الاجسام، وأقترحتُ عليهم اضافة لعبة (رفع الاثقال) بعدما تعهدتُ لهم بأن أجلب العديد من الشباب الهاوي من الاندية الاخرى، وفعلا هذا ما تم، ثم  اوعز مدير النادي (الاستاذ فاروق فؤاد) ببناء قاعة لرفع الاثقال، تمت بجهود الرياضيين من النادي ، أما تجهيزها بما تحتاج  فقد تكفل بها الاستاذ فاروق عبر السفارة السوفيتية في بغداد آنذاك حيث قدم طلبية لشراء الأثقال التي يحتاجها  الرباعين للتدريب.
شاركتُ في بطولة العراق للناشئين في نادي الاعظمية عام ١٩٥٨ ونلت المركز الاول .
وفي العام التالي،  ١٩٥٩شاركت في التصفيات التي اقيمت في نادي الهواة في الاعظمية ، بغية تسمية الفريق الاولمبي لدورة (روما) وقد حزتُ على المركز الاول في وزن الديك، وقد رفعت وزنا فاق الرقم المطلوب ب( ٥ كغم)، ويعود الفضل الكبير في هذه المشاركة لتشجيع الرباع الكبير (عبد الواحد عزيز) حيث قال لي بالحرف الواحد: انت قوي ، وجسمك يساعد ، شارك وستفوز بالوفد! وهكذا تم.  وللتأريخ أقول، بعدما جرى اختيار الوفد لدورة روما الاولمبية، دُعي وفد رفع الاثقال للقاء الزعيم (عبد الكريم قاسم) الذي استقبلنا في وزارة الدفاع ، وقال لنا كلاماً طيباً ، وشجعنا وشـد من أزرنا  والتقط معنا صوراً تذكارية، وقدم لكل عضو ميدالية تحمل صورته هدية ، وكان الوفد برئاسة الاستاذ أكرم فهمي والمقدم عزيز الحجية رئيس اتحاد رفع الاثقال.

علاقتي بالدورات الاولمبية

يقول الاستاذ الرباع "زهير إيليا": يزيدني شرفاً أن اكون أول عراقي  يشترك ب (٣) دورات اولمبية في مسيرة حياته الرياضية، وهذا "التشريف" اعتز به ايما اعتزاز وأنا اساهم برفع علم العراق شامخا في القرية الاولمبية وفي استعراض الافتتاح او في توزيع الاوسمة، نعم انه تأريخ لا ينسى ومهمة تشعرني دائما بالغبطة والسرور. أما حكاية المساهمات فكانت:
ـ  عام ١٩٦٠، دورة الالعاب الاولمبية في روما: وقد جرى اختياري للفريق الاولمبي بعدما فزت بالمركز الاول لوزن الديك بالتصفيات التي جرت في نادي الهواة بالاعظمية.  وقد حزتُ في الدورة على الرقم (١٤) من أصل (٤٠) رباعاً اشتركوا في هذا الوزن، وفي هذه الدورة ، أدخل الرباع العراقي  وإبن البصرة "عبد الواحد عزيز"  اسم العراق الى سجلات الميداليات حينما أحرز الميدالية البرونزية في رفع الاثقال للوزن الخفيف.
ـ عام ١٩٦٤، دورة الالعاب الاولمبية في طوكيو: في هذا العام كنت اعيش في الولايات المتحدة، و ازاول لعبة رفع الاثقال في المسابقات المحلية والوطنية، وكان المسؤولين في العراق يتابعون سيرتي الرياضية هذه، فوجه لي (اتحاد رفع الاثقال العراقي) طلباً للمشاركة في الدورة الاولمبية، وكان هذا شرفا كبيراً، فوافقت وأشتركت ضمن الوفد العراقي وقد كان تسلسلي  (١٢) في وزن الريشة من اصل المتسابقين ، لكني احرزت المركز الخامس في (رفعة النتر) لوزني.
ـ عام ١٩٦٨، دورة الالعاب الاولمبية في المكسيك: وهذه الدورة مثل سابقتها، فقد وجه لي (اتحاد رفع الاثقال العراقي) كتاباً للمشاركة ، وقد وافقت في تمثيل العراق  ضمن وفد البلاد، إلا ان امراً غريباً ومعقداً حدث بالتزامن مع افتتاح هذه الاولمبياد. فقد سافرنا للمكسيك أنا  وزميلي المصارع (اسماعيل القرغولي) الذي كان يدرس في جامعة (ايسترن مشيكان) للالتحاق بالوفد العراقي، وعندما وصلنا القرية الاولمبية قالو لنا: إن الوفد العراقي انسحب من الدورة!  وكان وقع هذا الخبر علينا مثل الصاعقة  والحدث المدوي في تبخر حلم المشاركة في الاولمبياد.   قدمتُ للمسؤولين
 الهوية والاوراق اللازمة ، قالوا : (إن هذه المستمسكات لا قيمة لها امام انسحاب الوفد) ، فطلبتُ مقابلة رئيس اللجنة الاولمبية، وقد وافق على الاستماع لنا (انا وزميلي المصارع) ، ومن حسن حظي أن ينظم لهذه المقابلة (رئيس اتحاد رفع الاثقال العالمي ـ كليرنس جونسون)  والذي يسكن  مدينة ديترويت ، وهو يعرفني حق المعرفة، فساعد في تقريب وجهات النظر  ومن ثم جرت الموافقة على (مشاركة العراق!) .
ثم يُكمل الرباع زهير ايليا حديثه بالقول: رغم انسحاب الوفد الرسمي ، إلا اننا تمكنا من استخدام الطابق المخصص في المبيت اثناء مكوثنا في القرية الاولمبية. وقد لعبت الصدف مرة اخرى، حيث تعرفتُ على شخصية رياضية عراقية هو (جورج تاجريان) وعرّف نفسه بأنه متسابق في الدراجات وكان يحمل هوية المشاركة في الوفد العراقي ، فذهبت للمسؤولين وقلت لهم : (عندنا عضو آخر سيلتحق بالوفد) فصرنا ثلاثة، وبعدها بوقت قصير ، حضر للقرية شخصية عراقية اخرى جاء للقاء الوفد العراقي  وهو( د. محمد سبع) ،  استاذ قسم الرياضة بجامعة "مورهيد ـ كنتاكي"، وكان بطلاً سابقاً للعراق بألعاب الساحة والميدان وكرتي السلة والطائرة اوائل الخمسينات، فحدثناه عن قصة الانسحاب ورغبتنا في المشاركة،  فدعيناه للمشاركة معنا، وافق على الانضمام  بصفة (اداري)، فأصبح عدد افراد البعثة أربعة . وعشية الافتتاح كان علينا أن نتدبر أمرنا في قضية العلم اثناء استعراض الدول، فذهبت الى الاستاذ "اوانيس ياسيان" وهو مدرب اعرفه من العراق، ومشارك بصفة حكم برفع الاثقال في الاولمبياد، وشكوت له عدم امتلاكنا علم العراق، فما كان منه إلا ان يذهب وينتزع العلم من بين الاعلام المرفوعة في الاولمبياد، وبعد ان صار عندنا علم، رفعناه عاليا في يوم الافتتاح، حيث قام جورج تاجريان برفع العلم، وسرتُ انا خلفه ثم زميلي اسماعيل القرغولي وخلفنا د. محمد سبع بصفة اداري (كما واضح في الصورة). وبعيدا عن بعض التفسيرات لدى بعض الاخوة، فاننا شاركنا في الدورة كرياضيين، ولم نكن نرغب بمزج المواقف السياسية او اسقاطها في المحافل الرياضية الدولية التي تبحث عن المودة والصداقة بين الشعوب  من مختلف القارات.  اما رياضياً، فقد تمكنتُ من الحصول على التسلسل (١١) في الوزن الخفيف (٦٧،٥ كغم) والتسلسل الخامس في رفعة النتر. وفي هذه الدورة يزيدني شرفاً ان اقوم بتحطيم رقمان اولمبيان كانا مسجلان سابقاً بإسم رباعنا الرائع الاستاذ (عبد الواحد عزيز) وهما:
•   في رفعة النتر سجلتُ (١٥٥ كغم) فيما كان الرقم باسم الرباع عبد الواحد (١٥٢ كغم).
•   * في المجموع كان عندي (١٨٧،٥ كغم) فيما الرباع عبد الواحد (١٨٥ كغم) .

سجل رياضي مشرّف
منذ أن وصلتُ الى ديترويت عام ١٩٦١ لغرض اكمال دراستي، كان عليّ أن اتدبر معيشتي ايضا ، فتوفرت لي فرصة  للعمل في  (سوبرماركيت) لاحد المعارف، اما في المساء فقد التحقت بنادي خاص وكان اسمه (آسترو) وكنّا نتمرن أنا وعشرة رباعين في (القبو ـ البيسمنت) ، وقد تمكنت من:
•   عام ١٩٦٢ الحصول على المركز الثاني في بطولة أمريكا للوزن الخفيف
•   ١٩٦٤ الحصول على المركز الثالث في بطولة أمريكا  لوزن الريشة
•   ١٩٦٦ الحصول على المركز الثاني في بطولة امريكا  للوزن الخفيف
•   ١٩٦٧ الحصول على المركز الثاني  في بطولة امريكا للوزن الخفيف
•   ١٩٦٨الحصول على المركز الاول في بطولة أمريكا للوزن الخفيف
•   ١٩٦٩ الحصول على المركز الأول في بطولة أمريكا  للوزن الخفيف ورافقها  كسر الرقم الأمريكي في رفعة النتر، وفي المجموع (٣٩١ كغم)، وتحقيق الرقم القياسي في رفعة الضغط (١٤٣،٢ كغم) والذي كان عمره ٢٥ عاماً
•   ١٩٧٠ الحصول على المركز الثاني في بطولة أمريكا للوزن المتوسط

وبعد أن تفرغتُ للعمل والاسرة بعض الشئ، توقفت عن رفع الاثقال  وأكتفيتُ بالتدريبات البيتية للمحافظة على اللياقة البدنية والقوة، لكن روح الاصرار وحب المسابقة عادت من جديد لتغريني بالنزول الى حلبة الاثقال ، فعدت للمشاركة هذه المرة في السباقات المخصصة للفئة العمرية (فوق الاربعين) وكانت النتائج:
•   ١٩٨٠ بطولة أمريكا للفئة العمرية فوق الاربعين والحصول على المركز الأول. ويشرفني القول باني تمكنت من تسجيل (٣٦) رقما قياسيا أمريكيا  وعالميا في لعبة رفع الاثقال لهذه الفئة في الاوزان (المتوسط، المتوسط الثقيل والخفيف الثقيل) وفي كل الرفعات (الخطف، النتر و المجموع)  ومن تحطيم كل الارقام السابقة.
•   ١٩٨١ المشاركة في بطولة  الامريكيتين (الشمالية والجنوبية)  لرفع الاثقال لما فوق الاربعين في دولة المكسيك ، العاصمة مكسيكو والحصول على المركز الثالث رغم الاصابة ب (جرح في العكس) منذ المحاولة الاولى.
•   ١٩٨٨ المشاركة في بطولة العالم لرفع الاثقال  لما فوق الاربعين في ولاية فلوريدا الامريكية ـ مدينة اورلاندو والحصول على المركز الأول
•   ١٩٩٠ المشاركة في بطولة العالم لرفع الاثقال للفئة العمرية فوق الاربعين  في (النمسا) والحصول على المركز الأول والتتويج بلقب (أقوى رجل في العالم) من كل الاوزان
•   Grand Master of the world
•   ١٩٩١ المشاركة في بطولة العالم لرفع الاثقال للفئة العمرية فوق الاربعين في (المانيا)،  والحصول على المركز الأول، ورافقها كسر ثلاثة ارقام عالمية في الوزن الخفيف، وفي رفعة النتر.
ومن الضروري شرح الفكرة من وراء لقب (اقوى رجل في العالم) وهذه تأتي من حساب العمر، والوزن وكتلة الجسم بالمقارنه بحجم الاثقال التي رفعتها بالمفرد وبالمجموع، وكنت مؤهلاً للتتويج بهذا اللقب .
وعندما سألت الرباع (زهير ايليا) عن سرّ اهتمامه برفع الاثقال والدافع الاول لهذه الهواية اصلاً قال: لا اخفيك سراً لو قلت بإني مدين بالكثير من التشجيع الى أخي الأكبر (عمانوئيل) فهو الذي كان يشجعني ويدفعني ويغمرني بمحبته وهو الاول، اما الثاني فكانت مناسبة مشاهدة الفريق الاولمبي الامريكي لرفع الاثقال الذي زار العراق عام ١٩٥٥ عقب بطولة العالم وأقام عرضاً لرفع الاثقال في ساحة الكشافة، فأصطحبني أخي (عمانؤيل) وشاهدنا العرض الذي ابهرني ، علما ان مدرب الفريق (بوب هوفمان) هو من أشرف عليه لحوالي ٤٠ عاما، ومن حسن الصدف أن اتعرف يومها على بطل العالم الامريكي برفع الاثقال للوزن الثقيل (نوربرت شمانسكي) الحائز على اربعة ميداليات اولمبية وصاحب ٢٦ رقم قياسي عالمي، اما العامل الثالث فكان الرباع العراقي الرائع والاصيل (عبد الواحد عزيز) الذي اعطاني تمارينا كثيرة في القوة، وكان يأتي الى (نادي الشباب) ويتدرب معنا كلما جاء الى بغداد، وكنتُ معجباً به وبانسانيته وثقافته ووطنيته الرائعة، ورابعاً لابد لي من الاشارة الى الاساتذة (اوانيس ياسيان) و (رسول حبيب) اللذان أشرفا عليّ وقدما النصائح الثمينة في اول مشواري برفع الاثقال قبل مغادرتي العراق، والعامل الآخر الذي لازمني طوال عمري هو تشجيع والدي (إيليا منصور) ، هذا الانسان المغامر والمحب لكل ما هو مثير وجديد، اما والدتي (ماري باتا شعيا) فلم تكن من المشجعات، وكانت دائماً تقول : (اخشى عليه من أن تقع الاثقال وتكسر يده او رجله)، اما العروض التي كانت تُبث بالتلفزيون فأنها كانت ترفض مشاهدتها وتطلب غلق التلفاز، لانها لا تقوى على مشاهدة ابنها بهذه الحالة، وربما هذا هو شعور اية ام تخاف وتخشى على ابنائها. وبالعودة الى والدي، فبالحقيقة انه عاش في شبابه مغامرا، فقد غادر العراق وهو شابا يافعا، وقصد بيروت حيث عمل في موانئها، ثم أخذته تلك الموانئ الى (المكسيك) حيث وصلها هو والعديد من الشباب (الكلداني) في اوائل العشرينات بحثا عن فرص في (العالم الجديد) ، ويبدو ان مجموعة من اصدقائه قصدت ولاية تكساس الامريكية بواسطة القطار لغرض الدخول الى الولايات المتحدة والالتحاق بأقربائهم في ديترويت، فسألهم الضابط  إن كان لهم اقرباء يتكفلونهم فأجابوا بالايجاب، لكن والدي لم يكن يعرف احداً في هذه البلاد ولم تكن عنده الفيزا او الاوراق الثبوتية ، فأرسله الضابط الى (جزيرة آليس في نيويورك ليمكث فيها موقوفا حوالي الشهر عام ١٩٢٤) قبل أن يُسفّر الى فرنسا ومنها الى لبنان ومن ثم للعراق. تزوج بعدها وعمل واشرف على تربيتنا، ثم قمنا بسحبه للمعيشة معنا في ديترويت عام ١٩٦٩، وسعيد بالقول انه عاش معززا مكرما وذات الشئ مع امي، لكل هؤلاء أقول: مزيدا من الصحة والعافية لمن هم على قيد الحياة، والرحمة على ارواحهم الطاهرة والذكر الطيب لكل من غادرنا بسلام.
وعندما سألته عن طريقة قضاء اوقاته، وما إذ كان مازال مستمرا على رفع الاثقال قال: بالحقيقة، إن علاقتي بالاثقال اصبحت مثل علاقة السمكة بالماء، فأنا لا استطيع الحياة من دونها، ولعل هذا (العقد) الذي تحول الى الفة مدى الحياة، بدءاً منذ ايام شبابي الاولى ولليوم، ولم افارقه رغم كل التبدلات التي تطرأ على ظروف الانسان الحياتية، من نجاحات او اخفاقات، فقد كنت ملازماً له. لقد مارست رفع الاثقال ك (هاوي) طوال عمري، ولم احترفها او اتقاضى مبلغا بالمقابل، ولعلي هنا أقول، بأن اسعد لحظات حياتي كانت عندما يشيرون اليّ بالقول: العراقي! وهذا أكبر وسام ارفعه ويرفعني عاليا بين الغيوم والنجوم،  نعم ، شعور ما بعده من شعور، وفاءا لوطننا الغالي ولناسه الذين تعلقت بهم وأحببتهم رغم تبدل اوضاعنا والسنين والغربة، لكن العراق حاضر في كل رفعة اثقال ارفعها عاليا وأشعر بها بأني ارفع اسم بلادي عاليا شامخا ! لقد كنت اتمرن في الليل يوميا، بعد المدرسة والعمل، وتمكنت من تنظيم وقتي وأن اكون انا المدرب ورافع الاثقال والمرشد والمشرف على التغذية وكل ما يتعلق الامر بهذه الهواية، ومازلت لليوم احتفظ بغرفة امارس فيها اللعبة يوميا بلا كلل ولا ملل، ولعلي هنا اقدم لأحبتي الذين ولجوا طريق (رفع الاثقال) و (كمال الاجسام) ان لا ييأسوا من التمرين، وأن يمارسوه يوميا بروح حلوة وبأمل كبير، وأن يعتنوا بصحتهم كثيرا ، وبخاصة في التغذية المناسبة لجسمهم، وأن لا ينسـوا الثقافة والمعرفة المدرسية والاخلاق الحلوة والحميدة، هذه هي مقومات اللاعب الناجح والذي يستحق حقا ان يرفع اسم العراق عاليا، لهم ابعث بمحبتي وسلامي وامنياتي بالتفوق والنجاح في صالات المنافسة  المحلية والعالمية.
  ولمعرفة ما يدور بشكل يومي فإني  اتابع الاخبار الرياضية والسباقات عبر المجلات وبرامج التلفزيون، والمحطات الرياضية الخاصة ،  والعديد من مواقع التواصل الاجتماعي في الانترنيت،  فشكراً لهم ولجهودهم الكبيرة.
اما عن العراق والاوضاع الحالية فيتحدث الرباع الدولي (زهير إيليا منصور) قائلاً: يحزنني كثيرا أن ارى شبابنا الرياضي وهم محرومين من الاندية اللائقة بهم ، والرعاية التي هم بأمس الحاجة لها، والقاعات الرياضية والملاعب والارضيات الملائمة لمختلف الالعاب. لقد وصل العلم  المتداخل مع الرياضة والانسان والبنى التحتية الى مديات عالية جدا، والاحرى بالمسؤولين ان يستفيدوا ويفيدوا الوطن بذلك. اما للناس واصدقائي فأقول : (شحجي وشأدبر وأكَول، غيري يكَوم يدكَلي طبول، ومن احجي يسكتوني، شحجي شحجي بها الوضع!). اتمنى ان يحل الامن والامان على اهلي وناسي في العراق الحبيب، وأن يعود السلام للوطن، وان يجد التقدم والتطور طريقه لهذه البلاد التي يستحق شعبها كل الخير.
   

كمال يلدو
تشرين الثاني ٢٠١٥
 



219
كمال يلدو : لماذا الاعتداءات الجبانة على المتظاهرين السلميين في العراق؟

التسجيل الكامل لحلقة أمس والتي تضمنت  اللقاء بأحد النشطاء الذين جرى اعتقالهم يوم الثلاثاء وحديث حول الحراك المدني، ثم عن موقف رئيس الجمهورية من قانون الهوية الوطنية، وحديث عن الفساد وآثاره الكارثية ومن ضمنها غرق عائلة مهجرة من (بغديدا) في بحر ايجة.

http://www.ankawa.org/vshare/view/8523/kamal-yaldo/

وهذا هو التسجيل الحصري للقاء مع الناشط جهاد جليل
كمال يلدو: اللقاء مع الناشط المدني جهاد جليل حول ظروف الاعتقال والحراك الشعبي ١٨ تشرين الثاني ٢٠١٥
http://www.ankawa.org/vshare/view/8524/kamal-yaldo/

220
كمال يلدو: التجاوز على الحقوق والمظاهرات وأحلام الطفولة، بانوراما عراقية

هذا التسجيل هو للحلقة كاملة مع الضيوف الثلاثة:
http://www.ankawa.org/vshare/view/8498/kamal-yaldo/

وهذا هو التسجيل الحصري للقاء مع الاساتذة المحامين، عيدو بابا شيخ و آزاد هرمز العمادي
كمال يلدو: اللقاء مع المحاميان السادة عيدو بابا شيخ و آزاد هرمز نيسان العمادي ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٥
 http://www.ankawa.org/vshare/view/8499/ido-baba-shikh/   
                  
 
٣) وهذا هو التسجيل الحصري للقاء مع القيادي في الحراك المدني الاستاذ جاسم الحلفي
كمال يلدو : اللقاء بالقيادي في الحراك المدني الاستاذ جاسم الحلفي حول المظاهرات ١٥ تشرين اول ٢٠١٥
http://www.ankawa.org/vshare/view/8500/jasim-halfi/    
                  
 
٤) وهذا هو التسجيل الحصري للقاء مع الناشطة والمدافعة عن حقوق الطفولة  روان سالم حسين

كمال يلدو: اللقاء مع الناشطة والمدافعة عن الطفولة العراقية روان سالم حسين ، ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٥
   
http://www.ankawa.org/vshare/view/8501/rawan-salem/

221
كمال يلدو: بغداد تطفو بماء المطر والحكومة بالسرقات مع النشطاء علي عبد الخالق و فكتوريا يلدا

http://www.ankawa.org/vshare/view/8481/kamal-yaldo/


كمال يلدو: مع الناشطة برابطة المرأة والمتطوعة لمساعدة النازحين فكتوريا يلدا ـ دهوك تشرين ثان ٢٠١٥

http://www.ankawa.org/vshare/view/8482/kamal-yaldo/

222
كمال يلدو:  عن فلم " بيشمركَة مرة اخرى" مع النصير وردا بيلاتي (ملازم أبو ميسون)
كانت تجربة انخراط الكثير منهم في العمل الانصاري جديدة. آتوها  ومعظمهم شبابا بأعمار غضّة بدأت للتو تتنسم عبير الحرية والانطلاقة في الحياة، فقصدوها من المدن والقصبات و من دول الجوار وحتى ممن كان في بعثة دراسية للخارج، قصدوا "الجبل" وتركوا خلفهم الحياة المدنية ، متحملين كل انواع الصعاب، واكثرها قسوة على الانسان، ليقفوا  بوجه  الدكتاتورية ويتحدوها. كان (ومازال لليوم) يحدوهم الامل ببناء وطن يرفل اهله بالامن والامان ويعيش شعبه حرا سعيدا، ومهما يكن من أمر وما آلت اليه الايام، الا ان شيئا  لم يتغير عند هؤلاء (الانصار) الا وهو حبهم بعضهم للبعض ، وعشقهم للوطن، وليس غريبا ابدا ان يترجموا هذه المحبة كل عام او عامين عبر اللقاءات الجماعية واستذكار ملاحمهم ورفاقهم وشهدائهم ، حتى بعد مرور اكثر من ربع قرن على انقضاء تلك التجربة الرائعة.
***
كانت الصدفة وحدها هي التي ادت الى انتاج الفضائية العربية لفلم  ( بيشمركة مرة اخرى) الذي عرض في فترة نهاية تشرين الثاني  ٢٠١٤.  يقول النصير وردا بيلاتي (ملازم ابو ميسون) حيث بدأت القصة: كان هناك مهرجاناً سينمائيا  اقيم  في المانيا، وقد حضره القاص (النصير) زهير الجزائري، وقد تعرف في حينها على المخرجة (داليا الكوري ـ الاردنية الاصل والحاملة للجنسية الكندية)، ويبدو ان حديثا وحوارا قد جرى بينهما عرفت منه المخرجة بأنه كان منخرطاً في حركة الانصار التي  بدأت في اوائل ١٩٧٩ ـ ١٩٨٨ لمناهضة حكم صدام حسين الدكتاتوري، وقد أسرتها تلك القصة ، فذكرت حينها للقاص زهير الجزائري: بأن الفضائية العربية تنوي تكليف العديد من المخرجين بتقديم موادا عن ابواب وجوانب منوعة، وأنا (اي المخرجة) سأدخل هذه المسابقة بمغامرة لا اعرف نتيجتها، لكني آمل ان افوز بها في النهاية.
ومن هنا بدأ العمل، يكمل النصير وردا بيلاتي ـ ملازم أبو ميسون ـ إذ اتصل "زهير الجزائري" بالنصيرة ( د.جومانة القروي ـ شهلة) والاستاذة في جامعة أربيل،  للمشاركة بتصوير فلم عن الحركة الانصارية في  كردستان، مستفيدين على الأقل من توفر الجانب الامني في المنطقة، فوافقت  واقترحت ايضا أن يشارك (ملازم أبو ميسون) والنصير (شيرزاد من دهوك)، وبعد تحديد التوقيتات للبدء بالتسجيل، يبدو إن القاص زهير الجزائري قد تعرض لوعكة صحية ، فكان لابد من ايجاد بديل سريع لمعالجة هذا الوضع الطارئ، فوقع الاختيار على النصير ( داود أمين ـ ابو نهران) الصحفي والكاتب، و الذي كان متواجدا في اربيل اصلا، وهذا سهّل الأمر كثيرا.
ثم يكمل النصير وردا بيلاتي: إن اندفاعنا لهذا العمل (نحن فريق الانصار) كان نابعا من حرصنا على مثل هذه الفرصة الرائعة في اخراج فلم عن الحركة الانصارية، علماً اننا لم نتعاقد على اية اموال مع المخرجة ( سوى انها تبرعت بشراء ملابس الزي المعروف للبيشمركة)، ناهيك بأننا لا نملك اية خبرة سينمائية سابقة (ربما في المسرح قليلا) هذا بالاضافة الى عدم وجود (نص) مكتوب، بل جرت معظم الحوارات بشكل عفوي وتلقائي، وقد استغرق التصوير خمسة أيام بمجموع (٨٠ ساعة تصوير)  وقد جرى تصوير مشاهد الفلم في منطقة بهدينان ـ ناحية زاويتة، وفي منطقة دوسكي  و برواري بالا و ألقوش، ومدينة دهوك، وهناك مشهدا في احدى مقاهي قلب مدينة دهوك ايضاً.
ويمضي النصير وردا بيلاتي في الحديث قائلا: يبدو ان المخرجة  كانت تنوي الدخول به في مسابقة اختيار مجموعة من الافلام من اصل (٨٠٠) عمل مشارك في مسابقة العربية.  لقد انعقدت صداقة بيننا وبينها اثناء العمل، وعرفنا بأنها قامت بهذه (المغامرة) حتى دون ان تعرف ابعادها، الا انها شبهتها مثل ضربة حظ، وهكذا كانت لاحقاً، وقد قالت  في نهاية الرحلة : " لم يكن لنا اي تصور بأن هناك قوة اخرى تحارب صدام حسين غير الاكراد، لكن اكتشفت بأن تنظيم "الانصار الشيوعيين" كان يضم العراقيين من كل القوميات والاديان، وللحقيقة أقول، إن هناك تعتيم في الاعلام العربي على هذه الحركة اليسارية، وباعتقادي ان عرضها في "العربية" سيكون اضافة طيبة للمشاهد العربي" . اما من جهتنا فلم نكن نعرف ان كان الفلم قد قُبل من قبل " العربية" ام رُفض، لكننا تفاجأنا بعرضه في التلفزيون، حتى دون الرجوع الينا او اطلاعنا على النسخة الاصلية من اجل الحذف او الاضافة، لكننا شاهدناه وكانت المفاجأة فعلاً!
 
لقد اعجب به البعض، ورفضه البعض فيما تحفظ فريق آخر عليه، ومهما تكن الآراء ، فأني شخصيا احترمها، مثلما اتمنى ان يحترموا آرائي ايظا. وقد رأى الفريق المؤيد، بأن هذا الفلم كان فرصة رائعة للمشاهد العراقي والعربي الذي يتابع "العربية"  وهم بالملايين ، للاطلاع على تجربة الانصار الفريدة من نوعها في الشرق الاوسط والعالم، وانها دخلت بيوت وشاهدها اناس لا يمكن  الوصول اليهم، فيما ذهب الفريق (الخصم) الى القول، بأن هذا   الفلم قد اعد خصيصاً للاساءة الى حركة الانصار واظهارها بمظهر الضعف والوهن وعدم تحقيق النصر النهائي....الخ  ، فيما بقى الطرف الثالث محايدا في آراءه  بين الصمت او التأييد لكلا الرأيين.
أما انا، يكمل (النصير وردا بيلاتي) بالقول: فأرى الامور من منظارا اكثر ايجابية وأقل سوداوية، وهذا الكلام لا اقوله لأني اشتركت في هذا الفلم، او بالنيابة عن رفاقي الآخرين، ابدا، أنا اقوله عن قناعة تامة:  إن فكرة الفلم رائعة رغم انها جاءت بالصدفة، وإن المساحة التي اخذها  كبيرة جدا وأكبر من امكانياتنا كأنصار او كحزب، وثالثا، انها مبادرة من جهة مستقلة، لم تظهر تأيدها لنا او عدائها، فلماذا نرفضها او نشكك بها، ورابعا ، اننا ورغم مرور حوالي ٢٥ سنة على انتهاء حركتنا الانصارية عقب جريمة الهجوم بالكيمياوي وحرب الانفال ، لم تكن هناك مبادرة بهذا الحجم، ولا حتى التزاما حقيقيا بعمل فلم او افلام عن الحركة الانصارية ، فلماذا نعارض الآخرين حينما يبادرون؟  وبالحقية  فإن ما ورد في السيناريو كان كلامنا ، والأشكال التي ظهرت كانت اشكالنا ،  والآراء التي ظهرت كانت آرائنا ، فلا اتصور ان هناك مدعاة لتلبيسها أمراً آخراً غير الفلم بحد ذاته.  لكني ومن جانب آخر اتفق مع الكثير من النصيرات والانصار الذين اتصلوا بي وأسمعوني آرائهم المنوعة: نعم، إن حركتنا الانصارية بشقيها (عام ١٩٦٣ و ١٩٧٩) تستحق اكثر بكثير من هذا الفلم، وأننا مقصرون في أرشفتها أو اللقاء والكتابة عن ابطالها وشهدائها، وإن البرنامج المخصص لها  كتجربة فريدة في العالم، لا يرقى ابداً الى حجمها ودروسها وتضحياتها والى نتائجها المبهرة لاحقاً. فهي لم تكن حركة مجموعة من (العصاة) بل انها ضمت مناضلين  ومثقفين ومتعلمين من كل القوميات والاديان وبمختلف الاعمار، ولأول مرة تنخرط النصيرات في هذا العمل الكبير، هذا اضافة الى انها لم تكن  تتعامل بسلبية او بروح (العصابات) مع القرى والبلدات التي كانت تزورها، وقد انعقدت صداقات وعلاقات طيبة مع الاهالي رغم معرفتهم بأن ثمنها سيكون باهظا إذا علمت السلطة بذلك. كانوا يقومون بطبابة ابناء القرى المرضى او الجرحى،  ويقيمون لهم الندوات الثقافية والمسرحيات ومعارض الرسوم وحتى مساعدتهم باعادة بناء بيوتهم بعد هجمات الحكومة و متى ما توفرت الفرص لذلك.  نعم  نحن بحاجة الى مراجعة انفسنا قبل ان (نعاقب) العربية على قيامها بتبني وبث فلم عن الحركة الانصارية للشيوعيين العراقيين انها تستحق اكثر بكثير.  ومرة اخرى اقول، ليس لأني كنت جزءاً منها (وهذا شرف كبير) لكن لأنها تمثل واحدة من أجرأ التجارب  وأنقاها في منطقة الشرق الأوسط وربما في العالم، فهي لا تقل البتة عن تجربة الرفاق الفيتناميين او في حركات التحرر الأخرى، إلا في امر جوهري كبير، فقد كان نظام صدام حسين قد وضع العديد من قادة  الدول (الاشتراكية او من تدعي بحركات التحرر) تحت تصرفه بفعل دولاراته  وسياسته الغوغائية، فيما كنا نحن نعتمد على امكانيات شحيحة ، وثمن غال جدا في التضحيات ما بين الشهادة في القتال او الشهادة نتيجة الاندساس او الخيانة وكلاهما نتيجة سياسة البعث الدنيئة، مضافاً اليها، ان حركتنا بقت مستقلة بمواقفها وآرائها وبعيدة عن دولارات الانظمة او المحاور السياسية في المنطقة، لقد رفضنا اي املاء ومن اية جهة كانت، فقد كان الشعب هو مصدرنا ، أمس واليوم وغداً،  فكيف لي ان ارفض فكرة طرح تجربتي على ملايين المشاهدين؟
اما الموضوعة الاكثر جدلا بين من شاهد الفلم من (الانصار ورفاقهم) فربما كانت على لسان "النصيرة شهلة" ، وحول هذا الامر فلي انا (يكمل النصير ابو ميسون)  رأي: ان الرفيقة قاتلت  معنا ، وكانت ومازالت في صفوف هذا الحزب والشعب، ولها الحق ، مثلها مثل الآخرين في التعبير عن وجهة نظرها وعن قراءتها لتجربتها، وهي تتمتع بكامل الصلاحية في رأيها، لأنها حينما تطرحة ، مازالت حاملة لذات المشعل الذي حملته  منذ اول ايامها في هذا الطريق . نعم ان تجربة الانصار تجربة ثورية رائعة، لكنها تجربة (انسانية) قاسية ايضا، فقد فقدنا الكثير من رفاقنا، وتحملنا الكثير من الظروف الصعبة ، ودفعت العديد من العوائل اثمان باهضة لالتحاق ابنائها، وحُرمنا من حياة طبيعية كان من الممكن ان تكون منتجة ومثمرة اكثر في ظل ظروف سلمية، والاكثر منها، ان الحركة لم تحقق (كل) اهدافها وذلك بالاطاحة بالنظام الدكتاتوري، مع انها شكلت صمام الامان الذي حافظ وأبقى جذوة الحزب الشيوعي  الى اليوم، وانها تحدّت ارهاب السلطة وراهنت على الاخلاص والمبدئية لقضية الشعب العادلة، ومن هنا اقول علينا ان نقبل الرأي الآخر حتى وإن لم يوافق رأينا، وأن نحترم صاحبه الذي هو منا ولنا!
وينهي النصير وردا بيلاتي (ملازم ابو ميسون) كلامه بالقول: إن فرحة كبيرة تغمرني كلما تعيد الفضائية العربية بث الفلم من جديد، والاكثر منها هي تعليقات المشاهدين، ومشاركة هذا الفلم  في العديد من المهرجانات العالمية، وحتى في عروض خاصة تقوم بها الكثير من المنظمات الوطنية ، وآخرها كان في الضفة الغربية ورام الله، علما ان المعروض الآن هو الفلم الاصلي  بطول (ساعة واحدة و ٢٠ دقيقة) فيما الذي عرضته العربية اولاً كان (أقل من ساعة واحدة).  انها فرصة رائعة،  وآمل ان نعرف كيفية تسويقها بالشكل السليم لتثبيت تأريخنا الوطني الذي حاولت الدكتاتورية اسقاطه بنظر الجماهير. ان تجربتنا فريدة ورائعة وتستحق ان تكون بمتناول المشاهد الكريم، وما قامت به "العربية" اعتبرها خدمة لا تقدر بثمن، مع شكري وتقديري للتجارب الاخرى في اخراج بعض الافلام  من قبل رفاقنا إن كان عن الانصار او النصيرات، وتبقى تجربة الانصار بنظري قابلة للمزيد  من النتاجات الاعلامية الشخصية أوالمركزية، وأن يجري (الآن) الاستفادة من الكوادر القديمة المتبقية على قيد الحياة قبل ان يكتب لها الرحيل وبالتالي نكون قد فقدنا معينا كبيرا من الذكريات.

سيرة ذاتية:
ولد النصير وردا عوديشو وردا (ملازم ابو ميسون) عام ١٩٤٦ في محافظة كركوك وفي منطقة شاطرلو. درس الابتدائية والمتوسطة في مدارسها، متزوج من السيدة تيريزا إيشو ولهما بنتان وولد واحد (عوديشو، ميسون و نينورتا)، ومقيم في الدنمارك منذ العام ١٩٩١.
انخرط في العمل السياسي منذ ايام شبابه عبر اتحاد الشبيبة واتحاد الطلبة، وفي اوائل السبعينات أصبح سكرتير اتحاد الشبيبة في كركوك، عمل في فترة السبعينات (عامل فني) في شركة النفط، قسم الهندسة الميكانيكية، كما فتح صالون (وردا) لحلاقة الرجال في منطقة شاطرلو. التحق بالعمل الانصاري يوم ٢٢ آذار ١٩٧٩ بمنطقة (نوازنك ـ وادي الاحزاب) ، وانتسب للكلية العسكرية في اليمن الديمقراطية بين عامي (٨٢ ـ ٨٤) وعاد الى كردستان حتى جريمة الانفال  حيث قصد المخيمات في ماردين ـ تركيا في الفترة من أيلول ١٩٨٨ ونيسان ١٩٨٩ حيث اتت التوجيهات بتنظيم عملية هروب جماعي حيث كانت المجموعة مكونة من ٩ أنصار ونصيرة،  ثم جرى اعتقاله في سوريا  بعد أن ظلّت المجموعة طريقها لكن  افرج عنه لاحقا. حصل على بعثة دراسية الى بلغاريا في اكاديمية العلوم الاجتماعية بين عامي ( ٨٩ ـ ٩٠) وبعدها عام ١٩٩١ تقدم باللجوء السياسي الى الدنمارك وهو مقيم هناك منذ ذلك التأريخ.

** رابط الفلم لمن يرغب بمشاهدته من جديد:
http://www.alarabiya.net/ar/programs/documentaries/2014/11/29/بشمركة-مرّة-أخرى.html

كمال يلدو
تشرين الثاني ٢٠١٥



223
الاستاذ الفاضل ايوب عيسى اوغنا، شكراً لمرورك العطر وكلماتك الندية ، وهذه المشاعر الانسانية الجياشة تجاه عائلة وطنية فذة متمثلة بالاستاذ (ابو جنان) وزوجته الرائعة (ام جنان) وكلا العائلتان . انهم بحق نموذج وطني فذ. اتمنى ان يقرأ دعوتك ابا جنان، وانا شخصيا سأتصل به واشير اليها. شكرا لمتابعة كتاباتي، وهذا لطف كبير من حضرتك. دمت سالما

224
الاستاذ العزيز  خوشابا سولاقا، شكرا لطرحك هذه الموضوعة الكبيرة والمهمة، وقد ابليت بلاءاً حسنا في تفسيراتك وطروحاتك.نعم امامنا مهمة صعبة، لكن اهم نقطة حدثت، وهي الانطلاقة، هذه التي كنا نفتقدها لبعض الوقت، والآن وقد انكشفت عورة هؤلاء المزيفين والمنافقين من تجار الدين والطائفة، اصبح الامر قضية وقت. ممتن لك. كمال يلدو/ ديترويت

225
كمال يلدو: مطلب العراقيين في محاسبة السراق من طرف العباسية حتى نازحي سنجار

http://www.ankawa.org/vshare/view/8438/kamal-yaldo/

مرفق ابعث لكم حلقة جديدة من برنامج  (اضواء على العراق) ليوم الاربعاء ٤ تشرين الثاني ٢٠١٥ وقد تضمنت اللقاء بشخصيتين
١) القاص والكاتب سلام القريني (اعلامي موكب شباب طرف العباسية) ـ كربلاء
٢) الناشط المدني الايزيدي كفاح جمعة كنجي عن محنة ابناء الطيف الايزيدي
وأبعث لكم الحلقة كاملة، كذلك اللقاء المنفصل مع كل من الضيفين على حدة، وأترك لكم حرية الاختيار ....وتقبلوا مني مسبقا كل الشكر والمحبة لما تقومون به.
كمال يلدو

226
في مناسبة تصويت  مجلس النواب على قانون البطاقة الوطنية الموحدة
الشيوعي العراقي : نضم صوتنا الى كل الاصوات التي رفضت المادة 26
في تصريح خص به مركز الاتصالات الاعلامية ( ماتع ) اليوم  (5 تشرين الثاني 2015)  بين الرفيق بسام محي ، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ، بان " مجلس النواب قد صوت بالاغلبية على قانون البطاقة الوطنية الموحدة  وفيه مادة تشرعن التمييز وتنتهلك مبدأ المواطنة ، والمساواة بين العراقيين بغض النظر عن الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الراي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي ( المادة 14 من الدستور  العراقي ) .
ومضى يقول : لقد  نصت المادة 26 /2 من القانون الجديد على ان " يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الابوين " .وهو ما يتقاطع مع العديد من مواد دستورنا الساري المفعول ، فالمادة 42 منه تقول : لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة . وان ما  جاءت به المادة 26 يعد مخالفة صريحة  لحقوق الانسان كما  وردت في احكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، ومن المعلوم ان هذا العهد اصبح قانونا عراقيا بعد المصادقة عليه بالقانون المرقم 193 لسنة 1970 .
واوضح محيي : ان ما تضمنته المادة 26، موضع  النقد والرفض ، لم تراع طبيعة المجتمع العراقي ، والتعددية الدينية فيه وضرورة الحفاظ عليها وتعزيزها . وان الاصرار على  تضمينها في هذا القانون يدعو الى الاستغراب حقا  في وقت يتم الحديث فيه عن الديمقراطية والمساواة وعدم التمييز ، فهل ينسجم هذا مع اكراه الناس على اعتناق دينا غير دينهم ؟!.
واختتم الرفيق بسام محي تصريحه بالقول : نحن في الحزب الشيوعي العراقي ، نضم صوتنا الى كل الاصوات التي رفضت هذه المادة وطالبت بالتخلي عنها ، وبما يخدم  ترصين الوئام والانسجام بين اطياف مجتمعنا ،وتمتين الوحدة الوطنية ، ويصون حرية الانسان العراقي وخياراته  وكرمته .

227
كمال يلدو: استهداف المكونات غير المسلمة في قانون البطاقة الوطنية العراقية

http://www.ankawa.org/vshare/view/8404/kamal-yaldo/

تحية طيبة لكم أحبتي الكرام
كما عودتكم ان أكون في صلب الحدث ومع خيرة مثقفي ومثقفات شعبنا، كانت حلقة (اضواء على العراق) ليوم الأحد الأول من تشرين الثاني ٢٠١٥ زاخرة بهذه النماذج التي ناقشت التداعيات الخطيرة للفقرة ٢٦ من قانون الهوية الوطنية الذي اقّر مؤخرا من قبل البرلمان العراقي ، ليستهدف بشكل فاضح ومكشوف وبشكل عنصري حاقد ، ابناء المكونات العراقية الأصيلة من المسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين . ضيوف البرنامج كانوا:
١)  النائب جوزيف صليوا، عضو البرلمان العراقي  من قائمة الوركاء الديمقراطية ـ بغداد
٢)  د. كاظم حبيب ـ المانيا ، الكاتب وعضو هيئة الدفاع عن الديانات والمذاهب في العراق
٣) الدكتور صُهيب الناشئ ، الرئيس الفخري لأتحاد الجمعيات المندائية في المهجر ـ الولايات المتحدة
٤) د. كاترين ميخائيل، الكاتبة والناشطة المدنية والنسوية ـ كندا
٥)  السيد كامل زومايا، الناشط في الدفاع عن حقوق الكلدان والسريان والآشوريين ـ المانيا
٦) الاستاذ إبراهيم الحريري، الباحث والصحفي والاعلامي ـ كندا
٧) الناشطة المدنية شميران مروكل، سكرتيرة رابطة المرأة ورئيسة قائمة الوركاء الديمقراطية ـ بغداد
٨) السيد خليل سنجاري ، ناشط إيزيدي ـ ولاية مشيكان، الولايات المتحدة

آمل ان يروق لكم أحبتي الكرام، ومع الود والتقدير من
كمال يلدو


228
تحية لكلامك الطيب اخي جان،  وبالحقيقة لقد سمعت مئات النداءات المشابهة ، والتي تتحدث عن الاخوة التأريخية والدينية والوطن الواحد......والسؤال يبقى: اين تكمن مصيبتنا اذن؟ من الذي يصب الزيت على النار؟ وها ستترتفع قامات مثقفينا ونخبنا الوطنية في هذا الظرف الصعب ام مازلنا نناقش (البيضة من الدجاجة ام الدجاجة من البيضة) ...شكرا لك أخي العزيز وآمل ان يسقط كلاماك على آذان عراقية مسيحية وليس بأي تفصيل آخر!

229
كمال يلدو: قانون البطاقة الوطنية قانون رجعي ومعادي للأقليات العراقية غير المسلمة

حلقة الاربعاء من اضواء على العراق ضمت لقاءا مع الناشطة المدنية والنسوية انتصار الميالي  خلال زيارتها للولايات المتحدة، وخُصص الجزء المتبقي للحديث عن تصويت مجلس النواب اليوم على قانون (البطاقة الوطنية) وما تضمنه من فقرة رجعية وعنصرية تجاه المكونات غير المسلمة.
آمل ان تروق لكم هذه الحلقة
مع الود والتقدير لكم
كمال يلدو

http://www.ankawa.org/vshare/view/8386/kamal-yaldo/


230
كمال يلدو: سلاماً للقائد الأنصاري نجيب حنا عتو ( حمه سعيد ـ أبو جنان)


    تعتبر عملية صناعة "الرمز" أو "البطل الوطني" في بعض دول العالم عملية تراكمية ايجابية يقوم بها المعني،  لحياته  الخاصة أو للمجموع، أما في مشهدنا العراقي فيضاف لها عناصر أخرى هي سلبية بظاهرها لكنها  تعتبر مكملة لبناء ذلك "الرمز".  وتُحدثنا سير المناضلين عن شتى انواع المعاناة ، مع الاجهزة الامنية في الزنزانات والمعتقلات، في المنافي والجبال، عبرالحدود او مختبئين في اقصى زوايا الوطن، لابل حتى ان بناء العائلة وتربية الاطفال كانت أقرب الى الخيال منها للحقيقة. هذه الوقائع فرضتها العقليات المتخلفة والنظرة الدونية لفكرة الحرية والتعددية وقبول الرأي الآخر في مجتمعاتنا الشرقية، فكانت النتيجة ندوب وعلامات تركها الزمن القاسي، وقوافل من الشهداء رحلوا قبل اوانهم وقبل ان يقطف الوطن ثمار عطائهم.  لكن تبقى "العبرة" و "النموذج" من سير هؤلاء المناضلين ، نبراساً على مدى العصور، قد يأخذ مداه في حدود الوطن أو قد يسافر وينير طرقات شعوب اخرى.

****
ولد القائد الأنصاري نجيب حنا عتو عام ١٩٤٤ في ناحية عنكاوة التابعة لمحافظة أربيل، وفي محلة وردة. درس الابتدائية في مدينته، والمتوسطة في كركوك، ثم دخل الثانوية في أربيل. وفي العام ١٩٧٤ حصل على بعثة دراسية للأتحاد السوفيتي في معهد العلوم الاجتماعية.  اقترن بالسيدة غزالة حنا توما وأنجبت له ثلاث بنات وولدان (جنان، جنيد، ميلاد، ريزان وليليان) ولهما الآن ثلاثة احفاد، يقيمون حاليا في مملكة السويد.

يستذكر الاستاذ "نجيب حنا عتو" سني شبابه الأولى ورحلته مع عالم السياسة بالقول: تفتحت عيوني في بيت كانت مفردات السياسة فيه متداولة بشكل كبير، فوالدي كان عاملاً في شركة النفط، اضافة لكونه عسكري سابق، لكني علمت بهويته  السياسية بعد ثورة ١٤ تموز، وربما لأسباب امنية حسب ظروفهم آنذاك. كانت المرة الأولى التي اتعرض بها للأعتقال في عام ١٩٦٢، حينما اقمنا احتفال علني بعيد (نوروز) عند "مزار مريم"  وكنت حينها مسؤول اتحاد الطلبة العام في مدينة عنكاوة، وكان الامر ناتج عن وشاية قدمها أحدهم للجهات الامنية، وعندما مثلتُ امام حاكم التحقيق، دافعتُ بصلابة عن موقفي، مما أثار اعجابه، فنهر (الجاسوس وصحبه) وقال لهم: هذا موجود هنا لأنه متهم، لكنه أكثر شجاعة منكم وأنتم تقدمون افادتكم كشهود، فاطلق سراحي في حينها.

بعد انقلاب ٨ شباط الأسود، يُكمل الاستاذ نجيب حنا عتو ويقول: كنتُ حينها في بغداد، اكمل دراستي في احدى الاعداديات المسائية، فقررت انا وبعض الاصحاب مغادرة بغداد واللجوء (الى الجبل) حتى لا نكون فريسة سهلة للحرس القومي، وفعلا انطلقنا من جهة كركوك (خوا  نوزان) عبر قرية كانت معروفة ، ومن الطريف القول، بأن الليلة الاولى قضيناها في السجن هناك من قبل (عناصر كردية) ربما لاسباب أحترازية آنذاك، لكن  الأمرالطريف كان مصادفتي بالسجان الذي كان زميلا لي في المدرسة، فأنتهت الامور الى سلام. بعد ذلك تواصلنا مع الانصار والشباب الآخرين الذين صعدوا الجبل ايضا، وصرنا نؤسس القواعد، ونحمي انفسنا من قوات النظام والمندسين في المنطقة، ونتجنب الاحتكاك او الانسياق لمعارك جانبية مع الاحزاب الكردية، وأستمر عملنا في تلك القواعد حتى قيام الأخوة الاكراد ب (طردنا) من المنطقة بعد أن وقعوا بيان ١١ آذار مع الحكومة آنذاك.
ثم يسترسل الاستاذ نجيب حنا عتو بالذكريات ويقول: قصدت العاصمة بغداد وكنت امارس مهامي السياسية رغم ظروف التوتر في الشارع، وعملت ايضا كمصحح  في القسم الكردي من جريدة الحزب الشيوعي (الفكر الجديد ـ بيره نوي)، واضيف لها مهمة التصحيح في الصفحة الثقافية التي كان يشرف عليها الاستاذ سعدي يوسف.

لم تمض الامور على ما يرام وبدأ النظام بشن حملته الاجرامية على اعضاء واصدقاء الحزب الشيوعي منذ اوائل ١٩٧٨، وصرنا نترقب الوضع عن كثب حتى حانت ساعة اختفائي في بغداد، ثم التوجه الى (أربيل) التي لم تكن الحملة الاجرامية قد طالتها آنذاك، وقد تمكنت من الوصول الى (مقر الاقليم) والالتقاء بالرفيق  ـ ابو حكمت ـ حيث كلفوني بواحدة من اصعب المهمات آنذاك ، وهي اعادة تأسيس قواعد لقوات الانصار، وكنّا في ظرف سياسي معقد، فنحن نتحرك في منطقة جغرافية صعبة جدا، وبأمكانيات مادية وعسكرية شبه معدومة ، اضافة الى عدم معرفتنا برد فعل القوى الكردية على تواجدنا المسلح في المنطقة، ولكن مضت الامور على خير ، حيث لم ندخل لفترة معينة بأي صدام مسلح او نقوم بهجوم عسكري، إذ كنا في مرحلة البناء ومرحلة استقبال المتطوعين الذي صاروا يقصدون الحزب من الداخل ومن دول العالم المختلفة.

ثم يتذكر "أبو جنان" واحدا من المواقف ويقول: في طريقنا للالتحاق بكردستان من بغداد،  قصدنا منطقة (دار بسار) ، انا ومجموعة من الملتحقين الجدد ، حيث كان لنا بيت صغير هناك، وبعيد عن الانظار، وكان يحوي على آلة الطابعة والرونيو وورق الاوفسيت وقمت بادارتها آنذاك، ووصل عدد الانصار الملتحقين حوالي (٩٤) فيما كان عندنا (٢٥) قطعة سلاح مدفونة تحت الارض ، تبين صلاحية (١٤) منها وتلف الباقي.  وأستمرينا في النضال في تلك الظروف الصعبة والتحديات الكبيرة وكان لي الشرف ان أكون مسؤول الاعلام المركزي لفترة من الوقت في عقد الثمانينات اضافة للعمل في الصحافة السرية آنذاك.   وبالعودة  للوضع السياسي، فقد كان في غاية التعقيد نتيجة ترافق ارهاب السلطة مع حرب خارجية، وهذه الصورة بالترابط مع تشابك المصالح الدولية قد عقدت مهمتنا النضالية في التعجيل باسقاط الدكتاتورية، التي تمكنت اخيرا من استعادة زمام المبادرة بتصفية خصومها هذه المرة (بالاسلحة الكيماوية) فيما سميت آنذاك  (الانفال) سيئة الصيت، فأنسحبنا عام ١٩٨٨ باتجاه الحدود الايرانية ، ثم عبرها الى (تركمانستان) في الاتحاد السوفيتي وبعدها وصلت الى (المملكة السويدية) وها نحن نعيش هنا منذ العام ١٩٩١، وسعيد جدا بأن احصل على الرعاية الطبية اللازمة، وأن يكون ابنائي واحفادي وزوجتي الغالية معي بأستمرار، وكما يعلم العديد من أحبتي بأني اخضع الآن للعلاج من (مرض السرطان) وتبدو النتائج جيدة جدا، الا ان امراض العمر (السكري وارتفاع ضغط الدم) هي التي تعقد الصورة اكثر، لكني اشعر بتحسن كبير ، لابل ان الاطباء مندهشين من طريقة تعاملي مع المرض وروح التفاؤل العالية وقوتي في مجابهة تبعات هذا المرض اللعين.


ولعل الصورة لا تكتمل دون الحديث الى توأم "أبو جنان" عقيلته، السيدة غزالة حنا توما فتقول: نشأت في عائلة وطنية ، وكان كل من فيها يتعاطى السياسة ويعمل او يتعاطف مع الحزب الشيوعي، وقد قدمنا للوطن شهيدان، كان الأول شقيقي (نصير حنا توما) والآخر ابن عمي (توفيق سيدا توما)، ومنذ صباي كنتُ احلم أن اقترن بإنسان مناضل يضع في اولوياته خدمة الوطن والحزب اضافة للعائلة، وربما اكون من المحظوظات اللائي تحقق حلمهن، فقد كان  (نجيب عتو) يتردد الى بيتنا بحكم عمله السياسي، ومن هنا نشأت تلك العلاقة التي توجت بالزواج.  وعندما أقف (تكمل السيدة ام جنان) وأنظر للوراء، فأن حياتنا الزوجية كانت جميلة، رغم كل اسقاطات الوضع السياسي السلبية عليها، فمثلاً اضطررنا الى ترك اثنان من اولادنا عند الأهل في عنكاوة ولم نشاهدهما الا بعد سنين طوال، كما إني التحقت بالعمل الانصاري مع أبو جنان لمدة ثمان سنوات وتحملنا كل ما تحمله الانصار الابطال، لابل ان ثلاثة من ابنائنا ولدو في ظروف غير طبيعية، حيث ولدت (ريزان) في الجبل، فيما ولدت (ليليان) اثناء هروبنا الى ايران، اما الآن فإني سعيدة بأن يجتمع شمل العائلة كلها، ونعمل ما في وسعنا للتعويض عما فاتنا لكن ، تبقى السياسة وقضية الوطن في صلب اهتماماتنا. لقد قامت علاقتنا على الاحترام والمحبة والود ومازالت لليوم مورقة بالمفاهيم الانسانية الراقية.

شهادات

في مسيرة نضالية طويلة تمتد لعشرات السنين،  مرت بكل منعطفات السياسة العراقية، كان لابد ان يكون لها شهودا، عاشوا وتقاسموا تلك السنين: 

**  الكاتب والاعلامي النصير سامي المالح الذي  يقول: الذكريات الأولى مع الرفيق والأخ (أبو جنان) تعود الى بداية السبعينات، حينما كان كادرا حزبيا في مدينة كركوك، فيما كنت انا في بداية مشواري مع السياسة، وأتذكر إن والدتي (حني)، وحينما كان يمر  "ابو جنان" من امام دارنا كانت تومئ له وتقول ((شيوعي بطل)). اما اللقاء الحزبي الاول بيننا فكان إبان الحملة الارهابية  في نهاية السبعينات، فقد التقيته متخفيا في مقر الأقليم بأربيل، وبقينا هناك لمدة اسبوع، خرجنا بعدها الى (دشت كويسنجق) لنكون جزء من المفرزة الانصارية الأولى في (قاطع أربيل). ثم قضينا معاً فترة في بناء (قاعدة ناوزنك) والفصائل الأولى، وأفترقنا عندما انتقلتُ الى قاطع السليمانية للعمل في أول إذاعة للحزب في (جبل نوري). بعد سنوات عديدة التقينا في المجلس العسكري لقاطع أربيل وبقينا قريبين من بعضنا ونعمل في اللجان او بتنفيذ العديد من المهام، فيما كان أبو جنان في مكتب (محلية أربيل) وأنا أعمل في (قيادة قاطع أربيل) .أما لقاءنا الأخير ونحن انصار فقد كان في (ناوزنك) بعد الأنفال المشؤومة وقبيل انتفاضة ١٩٩١.
طوال تلك السنين (يكمل النصير سامي المالح): عرفتُ الرفيق (ابو جنان) مناضلاً صلباً ثابتاً متواضعاً وحريصاً على المتابعة وتطوير امكاناته الفكرية والثقافية التي أهلته أن يناقش ويساهم في الحوارات الرفاقية وتطوير نضالات الحزب والمنظمات التي عمل فيها، وأعطته الجدارة لمواجهة الأعداء والأنتهازيين بصلابة وحنكة.
اما اجتماعيا، فقد ربطتني به وبعائلته الكريمة (ام جنان) ومعي العشرات من الانصار، رفقة رائعة سادتها المودة والوفاء التي عوضتنا في الكثير من المحطات والمواقف عما كنّا نفتقده نتيجة بعدنا عن عوائلنا، وما تعرضت له من اضطهاد على يد اجهزة الدكتاتورية البغيضة.

** النصير صباح كنجي يتذكر بالقول:  تعود علاقاتي بالنصير (حمه سعيد ـ ابو جنان) الى العام ١٩٧٩ حينما توجهنا الى أربيل قادمين من بغداد لنلتحق بالعمل الانصاري ونتشرف بإعادة بناء القواعد من جديد، وجمعتنا الكثير من السنوات ، لقد كانت ايام رائعة  لا تنسى مع كل ما رافقها من مشقة وصعاب، وهنا لابد لي من أن اتمنى للرفيق وعائلته الكريمة كل الصحة والمودة.

** اما السيد عبد فرنسيس صليوا فيقول: مع ان علاقة عائلية تربطني بالمناضل نجيب عتو (ابو جنان) ، الا اني  لم أره او اخالطه كثيرا لفارق العمر ونتيجة سفري المبكر للخارج، لكن ما اعرفه وأسمع عنه كاف لأن اقول: إن هذا الانسان، وزوجته الرائعة يمثلان قمة النضال والتضحية والصدق، وهما اعلى مثل يمكن لبلدتنا الغالية (عنكاوة) ان تحتفل بهما دوماً، انهم مشاعل نضالية ومدارس في الوطنية، ولا يسعني الا ان اتمنى له ولعائلته الكريمة كل الموفقية والصحة والسعادة.

يعود القائد الانصاري نجيب عتو ( حمه سعيد ـ ابو جنان) للقول: لقد مرت عقود من الزمن منذ أن دخلتُ عالم السياسة شاباً يافعا، وشهدتُ السجون والملاحقة والحرمان، شهدتُ الانتصارات والانكسارات، شهدتُ النجاحات والاخفاقات، إلا أن امراً واحدا لم يتغير عندي وهو قناعتي التامة بحسن اختياري لهذا الفكر المنير، وأرتباطي الكلي بقضية الشعب والوطن، تلك التي سخرتُ لها حياتي وعائلتي وأنا فخور بها. نعم ان وضعنا الراهن معقد ومفتوح على كل الاحتمالات، ولم يعد هناك أمراً لم يُجرب في هذا الوطن وعلى هذا الشعب المسكين، لكن في النهاية " لايصح إلا الصحيح" وأنا على يقين بأن ما نعيشه الآن هو مؤقت وآمل أن يزول بزوال المؤثر، ولعل المظاهرات التي انطلقت منذ أشهر ومازالت تنطلق لليوم وبحماسة كبيرة تؤكد صحة استنتاجي، بأن هذا الشعب لن يُقهر، وفيه طاقات وطنية كامنة لابد وأن تنطلق وأن تجد طريقها للنور، كما وأني على يقين بأن المظاهرات ستصل الى اهدافها طالما بقت بوصلتها واضحة وأهدافها مرئية للجماهير وأن تبتعد عن التجاوزات والفوضوية.
اما لوطني الغالي (يقول ابو جنان): أتمنى له تجاوز هذه المحن، وأن يرسوا على بر الأمان، ولأهلي وأبناء شعبي النازحين، وفي كل مناطق العراق، العودة الى قراهم ومزارعهم وحياتهم الطبيعية، وأن تقوم الدولة بواجبها المفروض في محاربة الارهاب وتوفير الامن والامان للمواطن، وأخيرا ستثبت الايام بأن الهدف السامي الذي ناضلنا  وضحينا من اجله باق ومتجذر في اعماق الناس وتثبت الايام صحته، من اجل: وطن حر وشعب سعيد!

كمال يلدو
تشرين الأول ٢٠١٥
 


231
كمال يلدو: نشاط رائع في ألقوش وقلق على السلم في كردستان مع راني القس يونان وحكمت بامرني

حلقة برنامج أضواء على العراق ليوم الاربعاء ١٢ تشرين أول ٢٠١٥ ، والتي تضمن اللقاء بالناشط المدني والشبابي ( راني فلاح القس يونان) والحديث حول اوضاع القوش وحملات الشبيبة هناك، كذلك اللقاء بالسيد حكمت بامرني ، ممثل الحزب الديمقراطي الكردستاني في امريكا الشمالية وحديث حول اوضاع كردستان العراق .
مرفق تجدون الحلقة كاملة:
http://www.ankawa.org/vshare/view/8325/kamal-yaldo/



232
كمال يلدو : محنة المندائيين والمسيحيين مع فضيلة الترميذا علاء الزهيري والنائب جوزيف صليوا

الفديو الكامل لبرنامج اضواء على العراق يوم الاحد ١٨ اكتوبر والذي تضمن اللقاء مع
١) فضيلة الترميذا علاء الزهيري، نائب رئيس الطائفة المندائية
٢) عضو البرلمان جوزيف صليوا عن قائمة الوركاء الديمقراطية

http://www.ankawa.org/vshare/view/8313/kamal-yaldo/

233
كمال يلدو: اللقاء مع الناشط المدني المهندس ريبين حكيم من ناحية عنكاوة يوم ١٤ تشرين أول ٢٠١٥

http://www.ankawa.org/vshare/view/8295/rebeen-hakem/

ني عنكاوة، هذه المدينة المسالمة التي تقع على اطراف مدينة أربيل، وذات الغالبية المسيحية والتأريخ الوطني الحافل بالتضحيات، تعاني من الفساد الأداري والتجاوزات على حرمة سكانها وعلى كنائسها، عبر استخدامها كمكان للهو (الفاحش) على حساب التقاليد والأعراف لأبنائها. ففيما يمنع بعض المسؤولين فتح البارات والملاهي بالقرب من الجوامع، فأنهم يسمحون لها بالأفتتاح ملاصقة للكنائس والدور السكنية في عنكاوة، فأية عدالة تسمى هذه؟ اللقاء مع الشخصية المدنية والمهندس ريبين حكيم يميط اللثام عن الكثيلر من الأمور.

234
كمال يلدو : محاربة الفساد والفاسدين من عنكاوة الى ميسان وكل العراق

http://www.ankawa.org/vshare/view/8289/kamal-yaldo/

235
شكرا جزيلا لك أخي انطوان الصنا .اتمنى ان يصل كلامك الطيب الى افراد اسرته كلهم، فهم يستحقون كل المودة والمحبة خاصة في الاوقات الصعبة . وها هي العائلة تفقد انساناً رائعاً آخراً، الراحل بولص ميّا (أبو فريد).
مواساتي للعائلة الكريمة
وشكرا للعزيز انطوانالصنا ...ولموقع عنكاوة الحبيب الذي يجمعنا

236
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد النصير فرانسـو ميّا (أبو حسن)

حينما يكشف الأنسان عن ألم أو حزن يصارع روحهُ، وعندما تدفعه نوازعه المتشبثة بالحياة لتعلن بأعلى صوت وعلى مرأى من الملأ، انا هنا ، انا اعاني، انا اتحمل ، وأنا سأنتصر!  يكون هذا هو التجلي الواعي لقيمة الحياة السامية التي تفرد مفرداتها المناضلة  التي قضت معظم حياتها في الدفاع  عن مصالح الشعب العراقي متحملة (هي وعائلتها وأقربائها) شتى اشكال المعاناة والاضطهاد والسجون والتضحيات والشهادة وحتى الغربة. نعم، هي (تحتفل) تتذكر في هذه الأيام مرور (٣٠) عاما على استشهاد شقيقها "النصير أبو حسن" غدراً في احدى مناطق كردستان، وهو لمّا يزل شاباً يافعاً مليئاً بالحيوية والحب والعطاء.  تطل الذكرى مترافقة مع جرح نازف آخر يتمثل بإعتلال صحة شقيقها الثاني (بولص ـ أبو فريد ـ ديترويت) والذي لا يُعرف كم من الوقت ستمنحه الحياة والعلاجات الطبية. هموم وأحزان وذكريات تتفتح على بعضها البعض  بجروحها  التي خلناها اندملت، لكن آثار الارهاب والدكتاتورية مازالت تطل بنتائجها علينا بين الحين والآخر ، رغم سقوط الطغاة ورحيلهم بلا عودة. 
***
 ولد الشهيد النصير فرانسو ميّا ( أبو حسن) في ناحية مانكيش عام ١٩٥٢، ودرس الابتدائية في مدارسها ثم اكمل المتوسطة والثانوية ما بين دهوك وتلكيف وبغداد نتيجة تنقل عمل شقيقه الأكبر الذي تحمّل مسؤولية اعالة العائلة.  قُبل في كلية الزراعة ـ قسم الري، وتخرج (مهندساً زراعياً) عام  ١٩٧٥، خدم في العسكرية لمدة عام ثم كان تعيينه الوظيفي الأول في محافظة البصرة.  وفي العام ١٩٧٦ أُرسل ببعثة دراسية الى الأتحاد السوفيتي  حيث أكمل دراسة الماجستير، بعدها لبّى نداء الالتحاق بقوات الأنصار لمقارعة النظام الدكتاتوري عام ١٩٨٠. خاض عشرات المعارك البطولية ضد قوات السلطة التي كانت تهاجم القرى الآمنة، وتصدى للمرتزقة والجحوش وشارك في معارك بشت آشان الأولى والثانية، ونشط في خلق خطوط التواصل بين كردستان والداخل، لكنه استشهد بعملية اغتيال غادرة نفذها (المندسين والجواسيس والجحوش) يوم ٦ تشرين أول عام  ١٩٨٥حينما كمنوا له في (قرية دهي) بعد أن قدّم النظام الرشى مقابل قتله.  ودُفن حينها في قرية (كاني بلاف) في منطقة برواري بالا وفي مقبرة الكنيسة،  ثم نقلت رفاته لاحقاً الى مدينته الأم ومسقط رأسه مانكيش، حيث ووري الثرى  هناك.

تتحدث عنه شقيقته "ماركو بولص (رجاء)"  وتقول: كان الراحل يمتلك شخصية قوية، ويتمتع بذكاء كبير، وذو طباع هادئة ، ويتحلى بالأدب والصبر، وأنا لا اقول عنه هذا الكلام تحّيزاً كونه شقيقي الذي احبهُ وأعتز به، لكن هذا هو الواقع ، والذي يشهد عليه كل الذين عاشروه وعرفوه عن قرب، فبالرغم من اننا نشأنا  في ناحية (مانكيش) التي كانت بعيدة نسبيا عن المدينة ، لكننا كنا من المتابعين الجيدين لكل احداث الوطن، وكان المد الوطني والثوري قد وجد طريقه لبلدتنا منذ عشرات السنين، ولعل تعلق أخي الشهيد وأفراد عائلتنا بهذا الفكر نتج عن انغمار أخي الأكبر (أبو فريد) منذ ايام شبابه في النضال الوطني وحمله للأفكار الماركسية والوطنية،  هو الذي دفع به للتعلق بها وبالتالي تبنيها منهجا لحياته اللاحقة. لقد كان شابا جميلا بأخلاقه وثقافته وألتزامه وبمبدئيته.
وتكمل شقيقته "ماركو" الكلام: لم تكن حياتنا سهلة ، فقد رحلت والدتي (شموني ججو) عام ١٩٦٢ اثناء الولادة، وكنّا حينها صغارا، ونشأنا في ظروف غير سهلة، وزادت معاناتنا اكثر مع ارهاب الأنظمة الدكتاتورية ومرتزقتها  لكل حملة الأفكار الوطنية، لكننا لم نيأس وبقينا متشبثين بها رغم التضحيات. رحل والدي  بعد اشهر قليلة من اغتيال (فرانسو)عام ١٩٨٦ ، وكنتُ قد تعرضتُ انا  وأخي باسل وبنات أختي للإعتقال والتعذيب ثم الملاحقة ومحاولات الأغتيال حتى ونحن في صفوف الأنصار، انها معاناة حقيقية عاشتها عائلتنا، ومتأكدة بأنها مرّت ايضا على عشرات العوائل المناضلة.  ثم تضيف شقيقته "ماركو": لقد كان موقفه من الأفكار الثورية التي حملها قضية حياة او موت، ولم يبخل بها في الساعات الصعبة، فقد كان في المقدمة، شجاعاً يروي عنه رفاقه الكثير من المواقف المشرفة، وقد بلور تعلقهُ بالأفكار الثورية عبر القراءة والمطالعة وسعة الأفق والروح الوثابة التي يتملكها الشباب. لقد تركت جريمة اغتياله غصّة  في قلوب اسرته، وتعود تلك اللحظات والايام وكأنها لا تريد مغادرتنا، فتوقظ فيّ السؤال القاتل: لماذا كان علينا، وعلى آلاف العوائل الوطنية دفع هذا الثمن الغالي بأبنائها وبناتها، بالأعتقال والتعذيب وبالتهديد او التهجير، لماذا؟ وكيف كان سيكون حال العراق لو امتلكنا نظاما  تعدديا حزبياً  وأتبعنا اسلوب التبادل السلمي للسلطة واحتكمنا الى نظام الأنتخابات وحرية الأحزاب وحمل الأفكار، كيف كان سيكون وطننا، وهل كنّا سنقدم هذه القوافل من الشهداء التي كان يمكن لها أن تكون مشاريع محبة وبناء وإعمار وتقدم للوطن؟   إن البعث وأعوانه ومرتزقته وكل (الأغبياء) الذين ساروا خلفه، والدول الاستعمارية والأمبريالية والأحزاب العميلة للبعث وللأجنبي تتحمل وحدها الكوارث التي حلت بهذا الوطن إن كان بالأمس او ما نشهده اليوم.

اما ابنة شقيقته  "النصيرة ندى كوركيس"  فتقول: كنّا نقوم بعملنا الوطني في الداخل اثناء وجود الراحل (ابو حسن) في صفوف الانصار، وقد كان يُعد من الكوادر المتقدمة والمطلوبة (حياً أو ميتاً) من قبل السلطات، وكان لي الشرف أن اكون صلة الوصل بينه وبين قيادات الداخل عبر البريد الذي كنت انقله بالتنسيق معه وإيصاله الى بغداد، كان خبر اغتياله (الدنيئ) مؤلما لنا، فقد خسرنا رفيقا وصديقا وخالاً كنّا نحبه كثيراً.
اما ابنة شقيقته الأخرى" تانيا كوركيس"  فتقول: نعم اني لم اكن كبيرة بالعمر يوم اغتاله الجبناء آنذاك، لكني اتذكر تأثيرها النفسي على العائلة، ففي تلك الأجواء اودعوني السجن وأنا في عمر (١٦) عاما ، وحكم عليّ بالاعدام نتيجة عملي السياسي، ثم خفف للمؤبد، وبعدها افرج عني ضمن العفو العام ، وها انا اليوم على قيد الحياة أروي تلك الأحداث فيما الجبناء والقتلة المجرمين اما تحت التراب او مختبئين في جحورهم القذرة . ويبقى السؤال المحيّر الذي آمل منه ايقاظ الضمائر وكشف الحقيقة يوما للناس:  عن الكيفية والخطط والخبايا التي أدت الى الأيقاع بالشهيد (أبو حسن) ومن ثم اغتياله بطريقة جبانة ، فهل كان الأندساس ورائها ، ام الجحوش او الخونة ام أمر آخر؟  أتمنى ان تصحوا تلك الضمائر يوما وتكشف المستور، وحتى لو لم تُعاقب على جرمها، لكن على الأقل ستطفئ النار المستعرة في صدورنا منذ (٣٠) عاماً.

**الذكر الطيب للشهيد الغالي والنصير فرانسو ميّا (أبو حسن)
**الراحة لوالديه الكرام ، والمواساة لأفراد اسرته  وعائلته الأعزاء
**العار لقتلته المجرمين، ولمشاريعهم المدمرة لشعبنا ووطننا
**النصر للقضية العادلة التي ناضل من اجلها الشهيد في:
((وطن حــــر وشــــعب ســــعيد)) .

كمال يلدو
تشرين الأول ٢٠١٥



237
شكرا لك أخي الغالي أوديشو يوخنا على مرورك العطر وكلامك الجميل، وأنا سأوصله للأخت الغالية (مونا) ، لكني بالحقيقة أشد على يدك وأحييك على ما تحمله من شارات فخر وأعتزاز في موقع (عنكاوة)  فأنت عضو خارج منظومة التميز ....احييك ، وأحيي الرقم الذي يظهر تحت اسمك، فقد تجاوز ١٢ الف. شكرا لك ولكل المحبيبن الذين يبقون اضواء (عنكاوة) منيرة.

238
كمال يلدو: الطبيبة العراقية مونا حنا ـ عتيشا،  تنقذ حياة آلاف الأطفال في ولاية مشيكَان

فجّرت طبيبة الأطفال مونا حنا ـ عتيشا مفاجأة كبيرة ، وفضحت تلاعباً خطيرا  في الصحة العامة من قبل بلدية مدينة (فلنت) احدى كبريات المدن في ولاية مشيكَان الأمريكية، حينما كشفت للرأي العام عن وجود ارتفاع خطير في منسوب مادة (الرصاص) في مياه الشرب التي يستعملها المواطنين، مقابل صمت وتغاضي من قبل الجهات الرسمية في المدينة، وقد لفت هذا التقرير انتباه المؤسسات الصحية ووكالات الأنباء والصحافة، ليس على مستوى الولاية فحسب، بل تعداه لتصبح مادة اعلامية في نشرات الأخبار الوطنية والعالمية.
عن هذا الموضوع تقول طبيبة الأطفال السيدة مونا حنا ـ عتيشا: كانت الصدفة وحدها هي التي قادتني لهذا الأمر الخطير، فقد كنت مدعوة لعشاء في لقاء عام ، وإذا بأحد الاشخاص يثير موضوع شكاوي المواطنين في المدينة من (لون) مياه الشرب و (طعمها) غير الطبيعي، فقادني هذا الامر للعودة  والبحث في الفحوصات التي اجريتها على بعض الأطفال المرضى، وتأكدت من شكاوي أهاليهم عن (ماء الاسالة) خاصة في الحالات التي كانت تترك بعض الالتهابات الجلدية  والقيوح والطفح، فأتصلت بالجهات الصحية  وكان جوابهم : بأن المياه المقدمة سليمة من اية ترسبات، لابل ان (رئيس بلدية مدينة فلنت) ظهر في التلفزيون وهو يشرب من الماء في محاولة لطمئنة الرأي العام الذي كانت شكاواه تتصاعد.
حينها (تُكمل الدكتورة) عمدتُ و ـ بصورة شخصية ـ الى ارسال عينات من دماء الاطفال الى احد المختبرات المستقلة للتأكد من الفحوصات، فكانت النتائج مذهلة ومرعبة ، إذ تبين بأن نسبة الرصاص في الماء المستخدم للشرب تبلغ  أعلى بمئات الاضعاف قياساً  للحد المسموح به والمقبول والذي لايؤثر على الصحة العامة، حينها قررتُ طرح الموضوع على الملأ، كون المسؤولين لم يعيروا هذا الاكتشاف والفضيحة اية اهمية تذكر.
تعود الدكتورة مونا حنا ـ عتيشا مستدركة الكلام وتقول: بالحقيقة إن لهذا الامر خلفية  ومن الضروري التوقف امامها، فمن المعروف ان مدينة (فلنت) التي كانت اشهر من نار على علم في صناعة السيارات، اصبحت مهجورة ومهملة منذ أن غادرتها الشركات الكبرى، وصارت تعاني من البطالة وقلة الواردات المالية، ومع تصاعد الازمات الاقتصادية، لجأ السيد رئيس البلدية وبالتنسيق مع حاكم ولاية مشيكَان (رك سنايدر) الى ابدال المؤسسة الموّردة لمياه الشرب من شركة (الولايات العظمى للمياه) الى شركة (نهر فلنت للمياه) طمعاً بسعر رخيص لوحدة المياه قياسا بالأولى،وتبين بأن السعر الرخيص له تبعاته الكارثية، فشركة (نهر فلنت)  قديمة ، وبنيتها التحتية متقادمة ، اما الأنابيب المستعملة في نقل المياه فهي صدئة اولاً، وكونها قديمة فهي من مادة (الرصاص) الذي كان مستعملاً قبل اكتشاف مضاره الصحية، ولهذا كانت المياه ملونة بلون الصدأ ومشبعة بالرصاص. ولمعرفة الآثار الجانبية لوجود هذه المادة  في مياه الشرب تقول الدكتورة مونا حنا ـ عتيشا: تتباين تأثيراته السلبية بين فئة الكبار والصغار. ففي حالة الأطفال ، فإن هذه المادة تجد طريقها للخلايا الدماغية، وتعمل على تعطيل مهامها ومن ثم ينتج عنها ان يصاب الاطفال بعاهات كثيرة مما يجعلهم في صف (الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة)  وللجزء الآخر منهم، فأنهم ينتهون  الى تملك الروح العدائية والتوجه للاجرام لاحقا، وفي كلتا الحالتين فأنها خسارة للمجتمع والبلد، ومعاناة لا يجب ان يدفع الطفل ثمنها. وبالحقيقة فإني سعيدة (تُكمل الدكتورة مونا) أن يقوم المسؤولين في مدينة فلنت، ونتيجة للتغطية الاعلامية التي حاز عليها هذا الموضوع ، وكونه يمس الصحة والسلامة العامة وخاصة الأطفال، فقد قامت بتوقيف التعامل مع شركة (نهر فلنت للمياه) والعودة الى شركة ( الولايات العظمى للمياه) كعلاج أولي للمشكلة، لكن تبقى امامنا محاولات مستميتة لانقاذ ما يمكن انقاذه من هؤلاء الاطفال المساكين، ضحايا الجشع والأزمة الاقتصادية التي لم يكونوا سببا بها! سعيدة بكون الموضوع اثير في اواسط شهر ايلول ٢٠١٥، والتغيرات تحدث سريعا جدا ونحن في بداية شهر تشرين أول. وأتصور إن السياسيين يخشون غضب الناخبين لاحقاً.
نبذة:
ولدت الدكتورة مونا حنا ـ عتيشا عام ١٩٧٦ في المملكة المتحدة اثناء فترة دراسة والدها هناك، وبعد ان استقرت عائلتها في ولاية مشيكَان، درست الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية والتخصص الطبي في ذات الولاية.  تمارس مهنة الطب منذ العام ٢٠٠٢، وقد تخصصت في طب الاطفال، وهي الآن مديرة قسم المقيمين في مستشفى فلنت، وتعمل ايضا في مستشفى (هيرلي هوسبتال)، ومؤخرا حصلت على اعلى تقديرمن من المؤسسة الصحية المشرفة على الكليات الطبية في الولاية. الدكتورة (مونا) متزوجة من الدكتور إليوت عتيشا، ولهما بنتان جميلتان ، نينا وليلى.
تنحدر الدكتورة من عائلة معروفة بعطائها الانساني والعلمي، فوالدتها (طليعة خليل جموعة) حاصلة على شهادة في الكيمياء من العراق وعملت مدرسة في ديترويت، اما والدها د.موفق حنا ، فقد كان رئيس قسم المهندسين في شركة (جنرال موتورز) لغاية احالته على التقاعد، فيما يملك شقيقها (مؤكد ـ مارك) مكتبا للمحاماة في العاصمة واشنطن  واختصاصه هو تمثيل النقابات العمالية والدفاع عن مصالح العمال امام تجاوز الشركات الاحتكارية.
يقول عنها والدها د. موفق حنا: انا فخور جداً بما وصلت اليه "مونا" ويزيدني فرحاً ان تتألق بانسانيتها وترجمتها لمهنتها بأروع صورة، في الامانة والاستبسال في حماية الطفولة من أي تجاوز.
كمال يلدو
تشرين الأول ٢٠١٥
 

239
كمال يلدو : الطفولة المقتولة في العراق مع الناشطان سارة مجيد و أثير الخالدي

تحية طيبة لكم أحبتي
كان لي الشرف أن استضيف اثنان من شبابنا النشطاء في الحراك المدني:
١) سارة مجيد الموسوي من محافظ واسط ـ مدينة الكوت
٢) أثير الخالدي من محافظة الديوانية ـ قضاء الحمزة الشرقي
والحوار حول الحراك المدني في محافظاتهم، اضافة الى فقرة عن الطفولة العراقية والكوليرا والتفجيرات.
آمل ان يروق لكم
مع الود من
كمال يلدو
http://www.ankawa.org/vshare/view/8233/kamal-yaldo/

240
أدب / رد: هكذا كفروا بالوطن
« في: 13:04 05/10/2015  »
صورة انسانية رائعة استاذ لطيف. نعم، قد نكون في الخانة الاخرى من المعادلة، في الخانة غير الرابحة، وقد نقبل الخسارة على مضض، لكني على يقين بأن البشرية وشعوبا كثيرة قد مرت بمثل هذه الانكسارات، لكنها قامت وتحدت الصعاب وبنت، ولا اتخيل ان ابناء وادي الرافدين والذي يعتبر واحدا من المجتمعات الغارقة في القدم هو استثناء من ذلك. اليوم لهم، لكن ذاك لن يدوم، وآمل ان تشاهده عيني والشعب يدوس عليهم وعلى ثقافتهم بالاحذية

241
كمال يلدو:عيوننا على العراق مع الوزير فارس ججو والسيد محمد الزيني

يسعدني ان اقدم لكم هذه الحلقة الجديدة من برنامج (اضواء على العراق) والتي بُثت اليوم  ٤ تشرين أول  وتضمنت اللقاء مع المهندس  وزير العلوم والتكنلوجيا الاستاذ فارس ججو ، ولكن للاسف كان مؤملا ان استضيف الاستاذ جمعة الزيني (وليس محمد الزيني) لكن يبدو ان هناك خللا حال دون تحقيق اللقاء.
آمل لكم وقتا طيبا مع البرنامج
محبة من كمال

http://www.ankawa.org/vshare/view/8206/kamal-yaldo/

242
كمال يلدو: هل التأخير في الأصلاحات ناتج عن الصعوبات ام للتضليل؟

هذه الحلقة تضمنت ثلاثة ضيوف:
١) السيد أحمد عباس  ناشط مدني من محافظة النجف
٢)السيدة أمل ناجي يوسف  ناشطة في الحراك المدني من  مدينة تورنتو / كندا
٣) السيد حيدر عودة الناشط والكاتب  من ولاية كاليفورنيا
آمل ان يروق لكم
مع المودة من
كمال
http://www.ankawa.org/vshare/view/8189/kamal-yaldo/

243
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد حكمت كيكا صادق تومي

مثل حبات السكر، حتى وإن ذابت وأختفت فإنها تترك خلفها طعماً حلواً. هكذا هم الشهداء في رحيلهم، ولعل هذا الطعم الحلو هو الذي يمنحهم سـمواً خارقا يفوق الآخرين بسلطانه، فنبقى نتذكرهم ونعيد سرد قصصهم وذكرياتهم، ونمنحهم منزلة وكأن ليس من بعدهم بعدُ!  نعم انهم يستحقونها، لأنهم قدموا شيئا كبيرا لقضيتهم، لإنسانيتهم ولرسالتهم، وهم بهذا ضمنوا تلك المنزلة والمحبة منّا نحن الشهود على الأيادي الأثيمة التي تجاوزت على أرواحهم الطاهرة.
***
من مواليد مدينة ألقوش ، محافظة نينوى عام ١٩٥٤ وفي المحلة التحتانية ( محلة اختيثة).  درس الأبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس مدينته، وبعد تخرجه التحق بكلية العلوم ، جامعة الموصل وتخرج من قسم الفيزياء عام  بمعدل ومستوى متميز١٩٧٧، وكان تعينه الأول مدرسا لمادة الفيزياء في مدينة العمادية.
كانت اجواء العراق مشحونة وتنذر بالخطر القادم، فقد باشر النظام البعثي بالتهيئة لشن حملات التصفية ضد الشيوعيين او اي انسان يشك في ولائه، ورغم انها اخذت بعض الوقت لكن ملامحها كانت واضحة للعيان، والشهيد حكمت لم يكن استثناءا من المضايقات والملاحقات،  ويبدو انه قرر مغادرة المدينة والألتحاق برفاقه في حركة الأنصار (الالتحاق بالجبل) و صادفت بفترة قليلة قبيل   اشتعال الحرب العراقية الأيرانية المدمرة.

تتذكر تلك الأيام شقيقته سلطانة تومي ـ كريش وتقول: نعم كان الوقت ربما شهر ايلول من عام ١٩٨٠، وقال لي انه ذاهب الى العمادية، وكل ظني انه كان يهيأ نفسه للألتحاق بالقائد توما توماس.وبعد مرور فترة من الزمن لم نسمع اية اخبار عنهُ، مع احترامنا لمبدأ الصيانة وسرية العمل، لكن الكثير من الأنصار وأخبارهم كانت ترد لمدينتنا ألقوش، ولكن لا خبر عنه ابداً. في تلك الظروف بدأ القلق يساور العائلة، فأرسلنا رسالة للقائد توما توماس وطلبنا معرفة اخباره، لكن جاءنا الجواب مدمراً، إذ ذكر لنا (أبا جوزيف): بأن حكمت لم يصل الى قواعدنا! حينها اشتعلت كل الظنون  والتوجسات، وصرنا ندور في دوامة الشك، وعشناها بكل آلامها وأحزانها وظنونها لأكثر من عشرين سنة، بين الشك واليقين، بين الحياة والموت، وكما يقول المثل : (ام القتيل تنام، ام المهدد بالقتل ما تنام)، ولم نعرف الحقيقة، او نسدل الستار على قضيته إلا بعد أن نشر الحزب الشيوعي قائمة بأسماء الشهداء التي حصل عليها من ملفات المخابرات ودوائر الأمن، وإذا بأخي حكمت واحدا منهم!
وتكمل السيدة سلطانة شقيقة الشهيد: في تلك اللحظات، لم اعرف كيف اداري ردة الفعل، فقد كانت اعصابنا قد استهلكت من كثرة المحن والأنتظار، استهلكت من الثمن الباهض الذي دفعناه، لا لجرم اقترفناه او لسرقة او لتفجير قمنا به، كان فقط جراء حمل افكار مغايرة لأفكار الحاكم، ولكم أن تتخيلوا حجم وهول هذه الجريمة.
تتنهد سلطانة شقيقة الراحل وتُكمل: كثيرة هي العوائل التي تحملت ظلم الأنظمة وارهابها، إن كان بالمضايقات او بالشهداء او بالتعذيب النفسي، وعائلتنا لم تكن استثناءا، لكني أشعر وبكل جوارحي عندما اسمع عن معاناة احدى العوائل التي قدمت قرابينا للوطن. في تلك الفترة اعتقلوا زوجي وضاعت أخباره، وسافر أخي وأنقطعت اخباره، فيما لم تنقطع مخابرات السلطة  من استفزازنا كل يوم  بدعوى التحقيق في  مصيرهم، والأنذال يعرفون ذلك جيد، وهذا يكشف كم كانوا منحطين بأخلاقهم وقيمهم وثقافتهم. انعكست تلك الأجواء على كل افراد العائلة، والأكثر تأثرا كانت والدتي    ( يازي نونا ) التي قضّت مضاجعها هذه الأخبار السيئة، وظلت تتلوى من الحزن والألم الذي اتى عليها في النهاية وهي لمّا تتجاوز  (٥٤) عاما فقط، لم تهنأ بسنيها الأخيرة بل  انها تجرعت  كأس المرارة التي اسقاها البعث المجرم للشعب العراقي.
وتظيف السيدة سلطانة:  تنحدر عائلتي من واقع فقير، وكان والداي يجهدون لتوفير المعيشة المعززة لنا ، وكانت والدتي تقول كلما أتى ذكر (الفقيد) حكمت:  لقد جمعنا المبلغ بالكاد حتى يذهب للجامعة،  بعد أن حرمت نفسها من كل شئ في سبيل اسعاد اخوتي وأخواتي، وللأسف فأنها لم تهنأ وتفرح طويلاً.
كان حكمت بالنسبة لي صديقاً أكثر من أخاً، وعندما التحق زوجي (الشهيد يوسف كَريش) بقوات الأنصار كان حكمت يعيد الكلام عليّ: لاسامح الله إذا حدث أي شئ ليوسف، فأنا الذي سأقوم بأعالة وتربية ابنائك، وها هم كلاهما رحلا وهم في عزّ الشباب. لقد كان شاباً وسيماً وهادئاً ومحباً للكل، ومحبوباً ايضاً.  كانت طباعه كنزاً من الألق، أما شغفه بالفكر والثقافة والعلم فلم تكن لهما حدود، لقد كان ذكياً بإمتياز أما اختياره لفرع الفيزياء فلم يكن اعتباطاً، بل كان ناتج عمّا كان يجول في عقله من أفكار ومشاريع كان ممكناً أن تخدم بلده وربما العالم ولكن .....!
وعندما سألتها عن امنيتها للعراق تأملت سلطانة الأفق وقالت: العراق، هذا الوطن الجميل، ترابه يحتضن رفاة آبائي وأجدادي، يحتضن عظام زوجي وأخي في مكان ما من أرضه، امنياتي له أن يكون هذا الشعب وفياً لمعاناتنا وللشهداء، وفياً لمثلهم السامية وللأهداف التي استشهدوا من أجلها، لقد عاش ابنائنا حياتهم بالزهد والصدق والأمانة وتقبلوا سر الشهادة المقدس وأنا فخورة بهم وبمبادئهم السامية، وحتى وأن كانت الحياة وسياسة العراق غير منصفة لهم، لكن المستقبل حتما سيكون حليف زملائهم وأصدقائهم الذين يكملون المسيرة. لا محالة من ذلك، الأفكار السامية هي التي ستسمو على الطائفية والكره والبغضاء وهي الباقية للشعوب. أتمنى أن يرفل العراق والعراقيين بالأمن والأمان وأن تنتهي محنة النازحين والمبعدين ويعودوا الى ديارهم وقراهم ومزارعهم معززين مكرمين.
** شكري للغالي نبيل دمان لنشره مقالة عن الشهيد حكمت تومي في موقع ـ عنكاوة ـ  في آب ٢٠٠٣ ضمنها الكثير من الذكريات والسيرة العطرة للشهيد، وإزدانت المقالة بالتعليقات الشجية والوافية والمكملة التي ابداها كل من الأساتذة حبيب تومي وعمانوئيل تومي. وللمزيد يمكنكم زيارة المقالة مرة اخرى.
 http://www.ankawa.com/cgi-bin/ikonboard/topic.cgi?forum=14&topic=182

** الذكر الطيب والدائم للشهيد حكمت كيكا صادق تومي ورفاقه الأماجد
** المواساة لعائلته الكريمة  والرحمة على والديه الأعزاء
** عهداً أن لا ننسى القتلة الأوغاد ، وحتى لا يكرروا جرائمهم، يجب أن لا يفلتوا من العقاب.
 
كمال يلدو
أيلول ٢٠١٥



244
الى الأستاذ والصديق الوفي ناصر عجمايا. اشكرك من الأعماف لقد وفيت وكفيت، وهل مثلك احد يجيدها.  بالحقيقة في اكثر من مناسبة تفاجأني بتعليقاتك ، وسعة المعلومات وصورها الفوتوغرافية ـ الكلامية الجميلة التي تنقل القارئ الى  قلب الحدث. انت انسان رائع وطيب . اشكرك على الأضافة النفيسة للمقالة، وهي بالحقيقة (مقالة كاملة بذاتها) ، انا على يقين إن أبا يعكَوب او عائلته او رفاقه سيسعدون بها، تماما مثلي انا او ربما اكثر. شكرا لقلملك وشكرا لمحبتك استاذ ناصر الغالي.

245
الاستاذ الغالي شوكت توسا
شكرا لمرورك الكريم، وكتابتك وملاحظاتك ،  وهذا اعتبره وفاءا طيبا منك لمثل هكذا شخصية.وعطفاً على تعليقك الجميل، فإن تذكر هوؤلاء المناضلين  والكتابة عن سيرهم الوطنية وتضحياتهم يغدو واجباً انسانيا مثلما هو واجب وطني لعدة اسباب لعل من أهمها، ان لا دولة لنا لكي تكّرمهم بما يستحقوه وبحجم تضحياتهم، لهذا تقع هذه المهمة على عاتقنا ويجب ان نعمل بها ومن كل المنابر وكل حسب امكاناته. هؤلاء هم ابناء شعبنا، هؤلاء هم نماذج فذة للوطنية والصدق والانتماء للأرض ويستحقون كل محبتنا طالما هم احياء. اما سلامك فإني سأوصله له على طبق من ورد....لست انت بل كل من اعجب بهذه الكتابة وقبلاً اعجب بهذا الماضل.

246
كمال يلدو: القائد الأنصاري دنخا شمعون البازي (أبو باز)، بعد التحية

لا يخطئ مَن يجلسُ معهُ وينظر الى عينيه، وكأنه يُبحر في فضاء بلا حدود أو كتاب بلا نهاية. تلك العيون ، رغم ميلانها للأحمرار من جراء التعب  والأعياء والعمر، إلا انها اختزنت صوراً لمدن وقصبات جميلة، للجبال والسهول، للوجوه الطيبة من المناضلين والأنصار والنصيرات، لعشرات المعارك، للأنتصارات والأنكسارات، شهدت أرتفاع نجم البعض شهداءاً في سماء الوطن، او ممن رحلوا  تاركين خلفهم الذكريات، وشهدت تلك العيون الزوجة والأبناء والأحفاد، وشهدت افراحاً وأعراساً في الخطوط الخلفية  أيام العمل الأنصاري. انها كاميرة سجلت احداثاً كثيرة، ومازال صاحبها لليوم متفائلاً  ومقتنعاً بالطريق الذي سلكه  ويقول: لم تنجب الحياة أفضل منه، ولا أرقى من الناس الذين حملوه .
***
 ولد القائد الأنصاري دنخا شمعون البازي عام ١٩٣٣ في قرية إيزيدية بريف سمّيل، وقد صادف في تلك الأيام أن تقوم قوات الحكومة العراقية الملكية بمجازرها الوحشية ضد الآشوريين  فيما اُطلق عليها (مذابح سميّل)، فساعدت احدى القابلات الأيزيديات (والدته) في الأنجاب وأنقذتها من الموت المحتم، فيما قام الرجال بإنتشال (والده)  من تحت جثث اهله وأقاربه القتلى، وكُتب له عمر جديد. لم تدم  فرحة الولادة كثيراً فكان على أهله الفرار في اليوم التالي هرباً من الجيش. درس الأبتدائية في مدارس ألقوش وكان من التلاميذ الأذكياء، فأرسلتهُ عائلته ليكمل المتوسطة في  مدارس الموصل وأقام لفترة بين عائلة كبيرة عددياً من أقاربه. لم تمض ايامه بالسهولة وهو مازال يافعاً، فقصدَ مدير المدرسة طالباً منه شهادته لكي يعود الى اهله ويقطع المدرسة. تعجب المدير من هذا الموقف وقال له: انتَ طالب شاطر وذكي، لماذا تريد ترك المدرسة؟   فأجابهُ والدمع يسبقهُ : إني لا اجد خبزاً كافياً للطعام في البيت الذي اعيش فيه، ولهذا اريد العودة لأهلي. ولم تنفع نصائح المدير له، وتمنى له الموفقية في حياته وهو يسلمه اوراقه الدراسية ويودعه. هكذا بدأت حياتي  يقول القائد الأنصاري (أبو باز): بعد أن عدتُ للعائلة عملتُ وأنا طفل (نادلاً) في نادي الموظفين بمنطقة الشيخان، ثم عملتُ (نادلاً) في نادي الموظفين بمدينة كركوك ايضاً، ناهيك عن عملي الأضافي لطحن الحبوب (كَيركَرا ـ الجرجر). وأتذكر ان عمري كان بحدود ١٤ ـ ١٥ سنة حينما عملتُ في (مَسـفن) بمدينة البصرة وكانت تديره شركة انكليزية اسمها (كَري مكنزي)، وفي تلك الفترة تعرفتُ أول مرة بحياتي على الفكر اليساري حينما دس احد العمال جريدة (القاعدة) في جيبي، واعجبتُ بمواضيعها، وصرت احصل عليها بإستمرار. نُقلتُ بعد فترة الى شركة النفط في الفاو، وعملتُ  فنياً على (ماكنة الفريز ـ لعمل الدشالي) وهو عمل بأختصاص فني ومعقد، لكني تمكنتُ منه علماً اني كنتُ اتقاضى آنذاك راتباً شهريا مقداره (٢٤ ديناراً ونصف) وهو يوازي راتب ضابطاً في الجيش. بعد أن تصاعد العمل الوطني والنقابي عشية ثورة ١٤ تموز المجيدة، جرت حملة اعتقالات في المعمل،  وقام أحد العمال بالأعتراف عليّ بأني كنتُ أوصل له جريدة (القاعدة) فحكمتُ (٦) أشهر وكان هذا أول حكم يصدر بحقي.
يتذكر القائد الأنصاري (أبو باز) أيام ثورة تموز ويقول: كانت حقاً ايام بأعراس وطنية  ولكن للأسف لم تدم نتيجة مؤامرات الرجعية العربية والمخابرات الأمريكية والبريطانية بالتحالف مع حركة القوميين العرب وحزب البعث. عملتُ في تلك السنين في نقابة الميكانيك، لكن بعد انقلاب شباط، توجهت للجبل متفادياً أن اقع فريسة بأيدي اوباش (الحرس القومي) وبدأت لأول مرة في حياتي العمل الأنصاري منذ العام ١٩٦٣ برفقة مجموعة نادرة من المناضلين الأشداء كان على رأسهم البطل الراحل (توما توماس ـ ابو جوزيف طيب الذكر)، ولم تكن بالمهمة السهلة ونحن نشق طريقنا  وسط المناطق الوعرة والصعبة جغرافيا، لكن ايضا وسط القوى الكردية وثكنات الجيش. كانت مهمة عسيرة لكننا خضناها بكل تفاني وتمكنا من بناء الركائز الأولى للعمل الأنصاري المسلح ( قيصرية، غرب قرية باعذرا)، فيما اصبحت مواقعنا نقاطاً محصنة لكل من يريد أن يتفادى ملاحقات الشرطة والأمن .
ثم يُكمل (أبو باز) حديثه ويقول: لم أكن قد قمتُ بأي عمل عسكري من قبل، لكن صادف أن كنتُ بزيارة الى بيت أحد مناضلينا في  قرية (تلسقف) وبعد أن انهينا الأجتماع، نظرتُ من الشباك وإذا بالبيت يقع مقابل مركز الشرطة تماماً، فقمتُ لوحدي بعملية استكشاف للمركز، وتعرفتُ على كل تفاصيله، ثم قررتُ  ان نَهجم على المركز بعملية عسكرية، وبعد أن جهزتُ القوة ورسمتُ لهم خطة الهجوم والأنسحاب، قمنا بالتنفيذ، وفعلاً تم ما كنتُ اتمناه، فقد تمكنا من احتلال مركز الشرطة وقمنا بأسر الشرطة وسحبهم الى مواقعنا ( اطلق سراحهم لاحقاً)، كما قمنا بالأستيلاء على اسلحتهم ومصادرتها، وقد كان لهذه العملية صداها الكبير وسط القرى والأرياف المحيطة، كذلك على الأنصار الذين كانوا يتأهبون لمواجهة قوات الحكومة في اية دقيقة، لكن مع كل ما رافق تلك العملية من نجاح، يحزنني ان نفقد أحد شبابنا نتيجة قلة الخبرة والممارسة والتوقيت الحسن ،لقد خسرنا الشهيد أمين عبيه من قرية بيرموس وكان هذه أول مرة أحمل فيها شهيداً حيث أنزلته من سطح المركز حتى باحته السفلى. بعد اتفاق آذار عام ١٩٧٠ تفرغتُ للعمل السياسي المدني، وكنتُ اتنقل بين المحافظات وفي بغداد، حتى حان وقت انهيار (الجبهة الوطنية) فعدتُ ثانية للجبل وساهمتُ بإعادة بناء الركائز الأنصارية سوية مع الراحلين أبو جوزيف و أبو نصير وغيرهم ، انطلاقاً من بهدينان، وتوسعت مواقعنا وزادت اعداد المقاتلين، وكبرت فعالياتنا حتى هجوم البعث بالأسلحة الكيماوية عام ١٩٨٨ فيما سمي آنذاك بالأنفال. حينها انسحبنا الى مناطق كثيرة وقصدت ُ سوريا كملاذ مؤقت . بعد أن تمكنت أمريكا من فرض (حظر الطيران) على اقليم كردستان، عدتُ للوطن وعملت  في اللجنة الأقتصادية  حتى العام ١٩٩٣ حينما قررت مغادرة العراق واللجوء الى هولندا، حيث اعيش انا وزوجتي وأبنتي أمل  وإبني باز، فيما ابنتي الثانية سلفانا تعيش مع عائلتها في ديترويت.
عن تقيمه للعمل الأنصاري يقول (أبو باز):  حينما اتحدث عن هذه التجربة النضالية فإني اولاً اعلن انحيازي التام لها، فهي كانت رديفة لحياتي وتأريخي ، فقد امضيتُ فيها  ما لا يقل عن (٢٥) عاما من عمري السياسي الذي تجاوز الستة عقود. نعم ، خضناها رغم الصعاب، ورغم قلة الخبرة والمؤنة والسلاح، خضناها رغم الخيانات التي واجهتنا، والأغتيالات من قبل مرتزقة الحكومة (الجحوش) أو القوى الأخرى التي كانت تتقاسم الجبل معنا. فرحنا وأحتفلنا، بكينا وتألمنا.  كان الجبل والنضال الأنصاري كل شئ بالنسبة لي وللكثير من المناضلين الذين احفظ لهم مكانا خاصا في قلبي. لقد استقبلنا المثقفين والأميين، استقبلنا النصيرات البطلات والشباب، ابناء المدن وأبناء الأرياف، المتعلم وغير المتعلم، جاؤنا من العراق ومن أركان الدنيا الأربع، يملؤهم الأمل في مقارعة الدكتاتورية والحفاظ على حزبهم  ومبادئهم السامية. لم تكن تجربتنا خالية من النواقص، لكننا بأصرارنا تجاوزنا الكثير، ويحزنني أن اقول أن بعض التضحيات كان ثمنها غاليا، فقد فقدنا شبابا وشابات كانوا مؤهلين لأن يكونوا مشاريع أمل وبناء وخير لهذا الوطن. نحن لم نختار التمرد او القتال رغبة بالقتال، ابداً! إن مبادئنا الثورية وقيمنا الوطنية أرفع بكثير، لكن من اجل قضية الشعب استرخصنا ارواحنا الغالية. إن اللجوء للكفاح المسلح والحركة الأنصارية كان خيارنا الأخير لمواجهة بطش الأنظمة الرجعية والدكتاتورية، وخاصة نظام حزب البعث وصدام حسين.  لقد عاملوا رفاقنا بقسوة وفقدنا مئات الشهداء قبل ان نعود للعمل المسلح، وهذا الأمر يعرفه العدو قبل الصديق، لكننا لم نيأس حينما أزفت الساعة بل كنّا لها ومازلنا لليوم، مستعدين لأن نسترخص ارواحنا لكننا لن نساوم مع العدو الجبان.
ويكمل (أبو باز) حديثه: وبالحقيقة فإني وكلما عدتُ  بأفكاري للوراء قليلاً، وتذكرتُ تلك الملاحم البطولية التي سطّرها الأنصار، أشعر بالفخر والأعتزاز، لأن هذه الحركة كانت المنقذ لحركتنا الثورية في بقائها وأستمرارها ومعالجة ما اصابها من أذى على يد النظام الدكتاتوري، وقد اضحت مدرسة صقلت مواهب وأفكار الكثيرين ممن انضموا اليها، وبهذه المناسبة (يكمل حديثه) فإني اتمنى على رفاقي العاملين الآن، وعلى الأنصار بالذات أن يبذلوا جهودا مخلصة لأرشفة هذه الحركة وبالشكل الصحيح، من اسماء الى صور الى الشهداء الى الأحياء ، الى المرضى او المعاقين، الى الراحلين، وأن يجري استخلاص الدروس النضالية منها، وأن يُكتب عنها بما تستحقهُ من تجربة نضالية فريدة حدثت في الشرق الأوسط وأستمرت لسنين طوال، وهي لا تقل في دروسها عن ملاحم الجيش الفيتنامي او قوات الأنصار التي حاربت النازية في دول اوربا، نعم انها تجربة ترفع الرأس.
اما عن حياته الأنصارية فيقول أبو باز: كانت مدرسة الأنصار بالنسبة لي واحدة من اعقد دروس الحياة وتجلياتها الأنسانية المرة والحلوة، فالعمل وسط الفلاحين، والقرى الكردية والأيزيدية والمسيحية في تلك المناطق وبالتضاريس الصعبة وبالترافق مع هجمات الحكومة و مرتزقتها، علمتنا الكثير، ويمضي (مبتسما) لقد عرفوني في بعض المناطق  (أبو يعكَوب)  وفي منطقة أخرى (جميل بك) وأخرى ب (أبو باز) ولكل واحدة حكاية حلوة، لكني تمكنت من النجاة من (٣) محاولات اغتيال، ناهيك عن عشرات المعارك او الكمائن، وكنت دائما انصح رفاقي بأن يكونوا حذرين، في كل الظروف. ويشرفني (والكلام مازل له) إني لم أقتل أسيرا،أو غدرا، أو إمرأة أو طفلاً، وعشت حياتي صوفيا ويداي ماكانت لتمتد الى الأموال ابداً. لقد كنت في لجنة المبيعات في الهيئة الأقتصادية بالأقليم لمدة (٣) سنوات، وكنت اتعامل بملايين الدنانير والدولارات وكنت اسلمها الى (ف ـ م ، مسؤول المبيعات)، وكنت اعتاش على ما كان يقدمه (الحزب) لي من مرتب شهري، وعندما غادرتُ كردستان، استلفتُ (١٠٠٠) دولار حتى اقضّي احتياجاتي. هذا ما تعلمته من المدرسة النضالية السياسية والأنصارية وأنا فخور بها.
******
شهادات
كثيرين هم الذين عايشوا هذا المناضل الشجاع، في كلتا مراحل العمل الأنصاري، وقد كتب عنه الكثيرين، ولعل ما كتبه الراحل (توما توماس ـ ابو جوزيف) في اوراقه، شهادة حية . ولم يكتف رفاقه بذلك فقط بل أرادوا أن يكون لهم صوت مسموع عنده، فكتب:
 
** النصير صباح كنجي في موقع "الحوار المتمدن" مقالة تحت عنوان (لن يموت هذا الرجل) قال في جزء منها:  (( دنخا شمعون البازي..لم يكن رضيعا في لحظة ليكبر وينمو كغيره من الرُضع ويصبح طفلاً...البازي لم يكن طفلاً في يوم من الأيام ...من ولادته...منذ ذلك العهد في تلك الليلة من  ليالي المذابح في عام ١٩٣٣ كان بازاً يواجه الموت تلو الموت...موت الولادة..موت يلاحقه في السجون والمعتقلات ..موت يداهمه في لحظة خيانة وغدر... موت في محطات ومعابر بين البصرة وخانقين وزاخو وسنجار وبحزاني وسمّيل وسائر المدن التي وطأها........حكايا وتفاصيل غير مطروقة  ومعروفة فيها الكثير من الطرائف والألم ...طرائف تترافق مع مواقف وآلام تمتدُ لتوخز الوجدان في لحظات فراق ولقاء يتواصل بعد عقد ونصف مع ابنه باز في العاصمة التشيكية براغ لا يتعرف أحدهم على الآخر ويتكرر الموقف ذاته مع بنته سلفانا في دهوك بعد أن طرقت باب داره مع حفيدين اعتقد انها أمرأة جاءت تسأل وتستفسر عن شئ ما ليخاطبها بدلاً من إبنتي: تفضلي اختي ....))

** النصيرة د.سعاد تتذكره جيدا وتقول: حينما كان ينزل في مدينتنا (ألقوش) كان يدخل الى بيوتنا التي كانت تعج بالامهات والنساء والفتيات والصبية ، وكان هو ورفاقه الأنصار في غاية الأدب الرفيع والأخلاق العالية، لقد كان (ومازال) ابو باز محترماً ومحبوباً في بلدته ألقوش.

** اما النصيرة دروك فتقول عنه: لقد رافقتهُ منذ التحاقي بالعمل الأنصاري اوائل الثمانينات، وكنا نستمع له كثيراً، وحاز على اعجاب الكل به، وللحق أقول فأني كنتُ ومازلتُ لليوم اناديه (خالي) لأنه فعلاً هو بمنزلة خالي وعمي وأبي. انه انسان شهم ونظيف وشجاع.

** النصير كفاح كنجي يقول عنه :أبو باز رجل المواقف الصعبة على مدى (٣) عقود، ولم يتخلى للحظة واحدة عن موقفه. فارق عائلته (١٥) عاما، وحين التقاهم لم يتعرف عليهم. عملتُ معه بعد الأنتفاضة في لجان الجبهة في دهوك وكان كالماكنة التي تعمل ليل نهار. حافظ على نقاء اسمه ولم تغريه الأموال ولا المناصب ومازال لحد هذا اليوم لايملك قطعة أرض او دارا في العراق وهو الذي نذر سني عمره لهذا الوطن. نحنُ نعتبرهُ عماً لنا، لأنه أمضى سنين عديدة معنا في بحزاني، وهو في منزلة والدنا أيضاً. لأبو باز طول العمر والصحة والسلامة الدائمة.
**حدثت لي طرفة مع ابنه (باز) حينما اتصلتُ بالهاتف حتى أطمئن على (ابو باز) عقب مغادرته ديترويت عائدا الى هولندا، فكان باز على الجانب الآخر من التلفون، ولحسن الحظ فهو لا يعرفني، وأبدلتُ صوتي وقلتُ له: هل السيد دنخا البازي موجود رجاءا؟ فأجابني بأنه خرج وسيعود بعد قليل، لكن ما هو الأمر: فقلتُ له بأني اتصل به من برنامج (من سيربح المليون) وأنه فاز بمليون دولار، حينها سمعتُ ضحكة مدوية عبر التلفون  وقال باز: شوف اكَلك، احنا منراح انشوف منها ولا فلس، هايه هسّه ياخذها ويتبرع بيها للحزب، أبويه وأعرفه!

يعرج ابو باز على الوضع العراقي الراهن ويقول: بالحقيقة انا سعيد جداً، ومتفاجئ ايضاً. ففي كل جمعة أشعر بأن الألم في مفاصلي قد غادرني، وأن الدماء تسري سريعاً في عروقي التعبة، وإن تأريخاً جديداً يكتبهُ الشباب في بغداد ومحافظات العراق الأخرى، وأرى امامي في الأفق اسطرا وجملاً وأماني مكتوبة بالطباشير الملون ، نعم اليوم استطيع أن اقول بأن عملنا وتضحياتنا وشهدائنا لم ولن تذهب سـدى.
وحينما سألته عن امنياته للعراق قال: وطن حر وشعب سعيد بس!

لك يا أبا باز، أبا يعكَوب و جميل بك، ومن على لسان اجيال الرفيقات والرفاق الذين عاصروك وعرفوك وناضلوا معك،  من افواه الشهداء والراحلين والأحياء ايضاً، أقول شكراً لسني نضالك، شكراً لتضحياتك وصبرك ولدروس الوطنية الخالصة التي ضربتها لنا، وشكراً للغالية ام باز وأمل وسلفانا وباز، شكرا لهم على كل ما عانوه، وتحملوا من اجل اهدافك النبيلة وقضيتك السامية العادلة.
انتَ وسام في صدرنا وتاج لكل من يحبك!
** كل الأمتنان للأنصار الذين زودوني بالصور وخاصة الرائع كفاح كنجي
كمال يلدو
أيلول ٢٠١٥
 

247
كمال يلدو: الجماهير مستمرة بالتظاهر ومصّرة على محاربة الفاسدين

برنامج هذا الأسبوع من (أضواء على العراق) تضمن اللقاء مع الأعلامي والناشط المدني ياسر السالم من بغداد والحديث حول التظاهرات والحراك المدني، اضافة الى استعراض اهم مفاصل الوضع العراقي.
آمل أن يروق لكم
مع الود من
كمال يلدو
http://www.ankawa.org/vshare/view/8129/kamal-yaldo/

248
كمال يلدو: استمرار مظاهرات العراق وشعار جمعة وره جمعة والفاسد انطلعه

كان لي الشرف أن التقي  بثلاثة شخصيات من نشطاء الحراك المدني في البرنامج التلفزيوني (أضواء على العراق) مساء الأربعاء ١٦ أيلول ٢٠١٥،وهم:
١ـ الناشطة المدنية هيفاء الأمين من الناصرية ٢ـ الناشط بسام عبد الرزاق من بغداد ٣ـ الناشط المضرب عن الطعام علي المدني من بغداد. آمل أن يروق لكم
خالص الود من كمال يلدو
http://www.ankawa.org/vshare/view/8078/kamal-yaldo/

249
كمال يلدو: رعاية التلاميذ النازحين في برنامج TEACH

منذ أن سقطت الموصل بيد تنظيم (داعش) الأرهابي وتعرض مئات الألوف من سكنة منطقة سهل نينوى الى مصير مجهول، اما عبر الخطف او القتل او التهجير القسري من قراهم واللجوء الى المحافظات والبلدات القريبة او حتى اختيار دولاً كطريقة للأبتعاد عن مصادر الأرهاب والخطر، وبعدما نقلت وسائل الأعلام العالمية تلك المشاهد الأنسانية المريعة عن احوال النازحين، ناهيك عن الزيارات الميدانية للعديد من النشطاء، ابتدأ عمل انساني كبير تقوم به مؤسسات وجمعيات وشخصيات وفي مقدمتها (ابريشية مار توما الرسول بديترويت برعاية المطران فرنسيس قلابات) وبالتنسيق مع  برنامج " تبني عائلة لاجئة"، لتقديم المساعدات الممكنة لهذه العوائل المنكوبة.
وللوقوف على تفاصيل هذا العمل الأنساني كان اللقاء مع "المربية السيدة ماركريت شمعون" وأبتدأت الحديث:
  العمل الأنساني وسط الجالية (العراقية ـ الكلدانية) في ديترويت بدأ منذ ان اطلق السيد باسل بقال ندائه (عام ٢٠٠٧) في تأسيس الصندوق الخيري لمساعدة العوائل اللاجئة الى سوريا والأردن، ثم تطور ليشمل لبنان وتركيا بالتزامن مع تزايد العوائل اللاجئة، وسمي البرنامج آنذاك  برنامج : (تبني عائلة لاجئة ـ Adopt A Refugee Family)، وأعتمد على جمع التبرعات من ابناء الجالية وتقديمها كمعونات شهرية لأكثر العوائل العراقية عوزاً وتضرراً في تلك الدول، ولاقى نجاحاً كبيرا نتيجة المواصلة والأمانة والثقة التي عمل فيها الفريق المتطوع.
  وتكمل "السيدة ماركريت شمعون" : لكن ما حصل عقب احتلال الموصل في ١٠ حزيران ٢٠١٤ وأستهداف داعش لبلدات سهل نينوى، الاراضي التأريخية للكلدان والآشوريين والسريان والأيزيدين، وتشريد مئات الآلاف من العوائل، وأمام عجز الحكومات والدول ، فرضت الحاجة (علينا) أن نقوم بعمل انساني اضافي فكان أن جرى توحيد جهود فريق (تبني عائلة لاجئة) مع جهود  (أبريشية توما الرسول في ديترويت برعاية المطران فرنسيس قلابات) وظهر للعلن فريق عمل اطلق عليه ( ساعدوا العراق ـ Help Iraq) هذا البرنامج شمل ايضاً مساعدة النازحين داخل العراق هذه المرة، وبالأعتماد على ما تجود به ايادي الخيرين من عوائل جاليتنا الكريمة.
وللحديث اكثر عن الصندوق الجديد تقول "المربية ماركريت شمعون":  يتضمن العمل الجديد الأستمرار ببرنامج (تبني عائلة لاجئة) مع العوائل اللاجئة لدول الجوار ، واستحداث ثلاثة مؤسسات هي: مؤسسة تقدم الخدمات الصحية للنازحين على شكل أدوية او اقامة العيادات الطبية (MERCI) ، ومؤسسة تعني بالجوانب القانونية لحقوق النازحين ومحاولة ضمان املاكهم وممتلكاتهم قانونيا وتقديمها للمؤسسات المعنية، ويشارك بها  نخبة من المحامين المتطوعين (JUSTICE)، والمؤسسة الثالة (TEACH) وهي التي تعني بالتلاميذ والشبان الذين حرموا من مواصلة التعليم أو حتى من التعليم اصلاً،  وخاصة اولئك الصغار الذين اضطرت عوائلهم الى اللجوء  لدول الجوار حيثُ تَحرمهم معظم قوانين تلك البلدان من مواصلة التعليم هناك.
وتُكمل "السيدة شمعون" حديثها قائلة: بالنسبة الى صندوق (تعليم ـ TEACH)، فقد تأسس قبل حوالي سنة من مجموعة من المربيات والمربين من مدينتنا بدعوة من راعي الأبريشية المطران قلابات، وتوجهنا بالنداء الى عوائل جاليتنا الكريمة عبر كل المنابر المتاحة من اجل جمع الأموال لمساعدة هؤلاء التلاميذ الذين لا ذنب لهم في كل ما يجري هناك. وقد كانت النتائج مبهرة مما شجعنا اكثر ، وقد تمكنا من تنظيم عدة حملات  منها: حملة شراء القرطاسية واللوازم المدرسية والحقائب  للتلاميذ في المخيمات، والثانية اسميناها (حملة المعاطف ـ Coats Drive) وجرى فيها توزيع المعاطف على الصغار، ثم حملة (الحفاظات) حيث تم شراء وتوزيع حفاظات الأطفال  والحفاظات النسائية ، ثم حملة (الكرسمس) حيث جرت تهيئة هدايا ولعب للأطفال ووزعت عليهم اثناء اعياد الميلاد في العام الماضي ، وقد كان لهذه الحملات مردودها النفسي الطيب على العوائل مثلما على التلاميذ. وهناك جهد استثنائي يجري العمل عليه الآن لتأسيس  (مدرسة عراقية في الأردن) لأبناء العوائل النازحة نأمل أن تستوعب (٣٥٠ تلميذ) حتى ننتشل هذا الجيل من الحرمان والأمية ونوفر لهم فرصة التعليم .
 وتضيف "المربية ماركريت شمعون":  إن عملنا متواصل في كل يوم، لأن محنة هؤلاء النازحين مستمرة ولا نعلم لها اية نهاية، لكننا ماضون في المساعدة طالما هناك حاجة لها. وبودي أن اضيف (تكمل حديثها): على الرغم من ان النسبة الكبرى من الأموال تجمع من العوائل الكلدانية المسيحية وبمشاركة الأبريشية ، فأن هذه المساعدات غير مشروطة، حيث نُقدمها لكل من يحتاجها ومن يقصد مراكزنا هناك. لقد قدمناها للأخوة الأيزيدين والتركمان والعرب اضافة للمسيحين، ونحن لا نسأل عن الدين او القومية، المهم عندنا ان نقدم المساعدة، وهذا هو ترجمة لقيمنا الروحية المسيحية التي تدعونا لمساعدة الضعيف والمحتاج كائن من كان.
ثم تختتم "المربية ماركريت شمعون" كلامها بالقول: إن هذا العمل الذي نقوم به هو عمل طوعي وفخورين به، وتملء قلوبنا الغبطة بأننا نقدم المساعدة لاناس لا نعرفهم ولم ونراهم وربما لن نراهم، لكننا نلتقي معهم بأنهم بشر مثلنا ومواطنون عراقيون ايضا. ويسعدني ان انقل للقراء الكرام بأن الأموال التي نجمعها والتي تتبرع بها العوائل او الأشخاص تذهب ١٠٠٪ الى العوائل المحتاجة، حيث نتحمل نحن (المتطوعين) كل الصرفيات الثانوية المتعلقة بالتحويل والتوزيع، ويسعدني كثيرا ان اقول بأن كل العاملين يبذلون ما بأمكانهم لأسعاد الآخرين ورسم ابتسامة على وجوههم بأمل أن تنتهي معاناتهم. ولهذا اتوجه اليكم ايضا بدعم هذه المشاريع الأنسانية عبر التبرع من خلال زيارة موقعنا الألكتروني (www.helpiraq.org) أو من خلال التطوع معنا في نشاطاتنا وحملاتنا مع الجالية، او بالصلاة لنا ولكل النازحين والمهجرين.

كمال يلدو
أيلول ٢٠١٥

250
اصلاحات العبادي هواء في شبك ببرنامج اضواء على العراق

اقدم لكم احدث حلقة من برنامج (اضواء على العراق) ليوم الأربعاء ٩ أيلول ٢٠١٥ والتي تضمنت اللقاء مع الناشط المدني أبراهيم أحمد من ديالى والحديث حول الحراك الجماهيري وأوضاع النازحين هناك، كذلك اللقاء مع المربية (بالأنكليزية) ماركريت شمعون وحديث حول برنامج مساعدة التلاميذ من ابناء العوائل العراقية النازحة، اضافة الى وقفات مع الوضع العراقي الراهن ....

http://www.ankawa.org/vshare/view/8042/kamal-yaldo/

251
شكرا لك أخي نبيل دمان على مرورك الكريم وتعليقك. والذكر الطيب لشهيدنا الغالي رافد ، وكل الموفقية لأبنك الكريم رافد.

252
وفاءاً للشهيد النصير رافد اسحق حنونا (حكمت)

تنمو السنابل مستقيمة وبإتجاه الشمس لا غير، بإتجاه النور والدفء. وحينما تنضج وتبدأ بالأنحناء، لا تفعل ذلك إلا لأنها امتلئت بالعطاء والخير للناس. هكذا كانت قوافل الشهداء، ابطال ومناضلات، لم ييأسوا من الصعاب او من قسوة الحاكم، بل كانوا (ومازلنا) يحدوهم الأمل بأن غداً مشرقاً حتما سيأتي لهذه البلاد. قبلوا سّر الشهادة بكل صلابة وثقة وشجاعة، وما تبقى من مسيرتهم التي لم ينجزوها ستبقى امانة علينا .
***
 الشهيد "رافد اسحق حنونا" من مواليد مدينة ألقوش التابعة لمحافظة نينوى عام ١٩٥٨ وفي  ـ المحلة التحتانية ـ
درس الأبتدائية في مدرسة العزّة بألقوش، ثم أكمل المتوسطة في بغداد، وتخرج من (ثانوية الجمهورية /المعلمين) بمعدل عال أهلهُ للقبول في كلية الهندسة/ جامعة بغداد ـ قسم الكهرباء، حيث دخلها في السنة الدراسية ٧٦ ـ ٧٧. ولأن الأوضاع السياسية في العراق كانت تسير نحو الأسوأ، فقد قطع دراسته وغادر بغداد يوم ١٢آب عام ١٩٧٩. ثم انضم لاحقا الى  قوات الأنصار التي اعيد تشكيلها في جبال شمال العراق. وقد استشهد أوائل شهر كانون الثاني عام ١٩٨١ في قرية (سينا / شيخ خدر) بعد معركة مع قوات النظام.

يتحدث عن الشهيد "رافد" شقيقه السيد جلال حنونا قائلاً: منذ الصغر كانت له خصال طبعت حياته اللاحقة، الأمانة والصدق والذكاء. فقد كان متفوقا في الأبتدائية وهكذا في المتوسطة والثانوية، اما الجانب الثاني فكنت دائما ما اشبهه بالقديسين، لكثرة مساعدته الآخرين وعطائه اللامحدود، اضافة الى خلق رفيع وشخصية هادئة. وبالرغم من كوني ازيده (١٢) عاما ، فقد كنت افخر به حينما كان يناقش الآخرين بالحجة والمعرفة، وهذا كان انعكاسا لشغفه بالعلم  وأرتياد المنتديات الثقافية ومنها أماسي اتحاد الأدباء كل أربعاء.
لم أعرف انا ولا اياً من العائلة وجهته الحقيقية حينما قرر مغادرة بغداد تفاديا للوقوع بيد عصابات البعث عشية الهجمة الشرسة اواخر عام ١٩٧٩ التي شنها نظام صدام ضد اليسارين او ممن كان يشك بولائهم للبعث، وكنت اعتقد انه توجه الى احدى الدول الأشتراكية لأكمال دراسته، وقادني هذا التصور لاحقا للسفر الى هنكاريا لغرض لقائه، إلا ان احد اصدقائه قال لي بإن (رافد) قد التحق بالأنصار وأراني رسالة كان قد استلمها منه.
لم تكن اوضاع العراق سهلة في تلك الأيام العجاف، وكانت عيون المخابرات تبحث عن اي زلة او غلطة حتى تنقضّ على الضحية وتنتقم منها، ولكوننا كنا نسكن بغداد فقد انقطعت اخباره بالمرة، ولم نعلم بخبر استشهاده الا بعد مرور عدة أشهر، عبر دليل أوصل لنا الخبر، ومترافقا مع ذلك  ايضا، عبر إبن عمي (نافع) الذي كان قد زارنا في البيت اثناء اجازته العسكرية وكان في غاية الحزن، فسأله والدي عن اسباب حزنه، حينها اجهش بالبكاء وأخبرنا بإستشهاد (رافد) في معركة بالجبل.  وقد علمتُ لاحقا بأن اهالي (القوش) ربما كانوا قد سمعوا بالخبر نتيجة قربهم من الجبل وعلاقاتهم بالأنصار، إلا ان احداً لم يشأ ان يخبرنا في حينها، لأن الأمر ليس هيناً.
لقد حزنتُ كثيراً عليه، وحزنتُ أكثر أن نخسر كعائلة وكوطن مثل هؤلاء الشباب الذين كان ممكنا أن يكونوا مشاريع بناء وعمران، بدلا من أن يصبحوا مشاريعا للموت.هكذا يرحل عنّا أعز الناس نتيجة غباء الحاكم وعنجهيته وعقليته المتخلفة، فكيف كان ممكناً أن تكون صورة العراق لو توفرت فرصة للشباب أن يعتنقوا الأفكار التي يرغبوها، وماذا كان سيخسر الوطن لوأن هامشاً من الحرية كان مضموناً وعلنية الأحزاب مكفولة بالقانون، فكيف كان سيكون وطننا؟
لم يمض الخبر سهلاً على والدي (رحل عام ١٩٨٦) فقد عاش حزيناً رغم انه لم يُظهرها علناً، علماً اننا لم نَتمكن من إقامة مراسيم العزاء للراحل، ونجهل  حقيقة المكان الذي وري جثمانه فيه.
 اما والدتي، فلم نتجرأ ان نخبرها بالحدث حتى أذنت ساعة رحيلها عام ٢٠١٠، وبقي الأمر طيّ الكتمان، وكانت كلما اتى ذكر أخي (رافد) تقول: لابد لي أن اراهُ قبل أن أرحل من هذه الدنيا! فقد بقت صورته يوم المغادرة عالقة في ذهنها ، وربما كان الأفضل ان لا تسمع بخبر استشهاده،  فما كان سيضيفه لها سوى الألم والبكاء، لكنها رحلت وفي نفسها ذلك الشوق للقائه، وحتى وإن لم يتم، فأنه أهون بكثير من الحقيقة المرة.
لقد عانت عائلتنا كثيرا من جراء ملاحقات الأمن وأسئلتهم التي لا نهاية لها، ومضايقاتهم، فيما كنا ننفي معرفتنا بالأمر، فلم نكن نتجرأ القول بأنه ذهب خارج العراق، ولا حتى أن نقول بأنه (قضى) في معركة مع الجيش، فكلتا الحالتين جريمة بنظر القانون البعثي. لقد بقت صورته وذكراه معي، وقد كتبت فيه قصيدة نُشرت في (مجلة بهرا، العدد ١٦٥ عام ٢٠٠١) وقلتُ فيها:
" مثل سنابل القمح
نموت واقفين
لنمنح الحياة للآخرين
وإذا عدنا للحياة ثانية
سوف لا نختار إلا ذلك الطريق
طريق الحرية والأنعتاق"

لعل شخصية الشهيد المحببة، وشجاعته ، وطريقة استشهاده قد تركت ذكريات للكثير من الأنصار الذين رافقوه في تلك المسيرة القصيرة، فقد كتب عنه:
النصير مُناف الأعسم (ابو حاتم) مقالة لمناسبة الذكرى الثلاثون لمعركةـ سينا وشيخ خدرـ ضمنها تفصيلاً دقيقاً لتلك اللحظات الحاسمة حينما طوقت مجموعة من الجيش المدرسة التي نزلت فيها مجموعتنا الأنصارية  في قرية (سينا) نتيجة وشاية ابن المختار، وكيف ان دورية الحراسة  الليلية كانت  من حصة الشهيد، حينما سمع بأقتراب مجموعة عسكرية من باب المدرسة بغية ايقاع اكبر عدد من القتلى بين صفوف الأنصار، فما كان منهُ إلا أن فاجئهم بإطلاق قذيفة (آر بي جي ٧) مما تسبب في مصرع وجرح العديد منهم، لكن النتيجة كانت ان عُرف مكانه نتيجة الضوء الذي تسببهُ هذه القذيفة عند الأطلاق، فأمطروهُ  بوابل من الرصاص جُرح على أثرها في بطنه، وحمله رفاقة (أبو رستم، عايد و ابو علي النجار) على دابة، وتمكنا من مغادرة الموقع، إلا انهم وقعوا في كمين آخر سقط فيه الشهيدان (رافد حنوناـ حكمت ـ و هيثم ناصر الصكَر ـ عايد ـ) ولم يُستدل على مكان دفنهما.
أما النصيرة د. كاترين ميخائيل (د.سعاد)، فقد صادف التحاقها بقوات الأنصار بعد فترة قصيرة تلت تلك الحادثة وتقول : حينما وصلت الى مقر (الفوج الثالث في قاطع بهدينان) كان الحزن واضحا على الأنصار هناك، وحينما جاء أخي  النصير باسل الصفار ( سعيد ) لأستقبالي والترحيب بي قال: بقدر فرحي بلقاء شقيقتي في هذا العمل الوطني العظيم، بقدر شعوري بالحزن لفقدان أحد رفاقنا الأنصار. اما الأمر الثاني فكان (والحديث مازال للنصيرة د.سعاد) فقد التقيتُ في تلك الفترة ايضا النصير (سمير توماس) ابن القائد توما توماس والذي كان قد التحق في تلك الفترة، وبعد سماعه الخبر، فقد اختار(حكمت) اسماً حركياً له، لأن هكذا كانت القاعدة في العمل الأنصاري، وقال يومها: إني اختارُ هذا الأسم، حتى لا تغيب عن بالنا ذكرى الشهيد ويبقى اسمه عالياً.
اما النصير نبيل دمان، فقد نشر مقالة في  مجلة "رسالة العراق العدد ٦٢، شباط ٢٠٠٠" تحت عنوان ـ في ذكرى معركة سينا ـ شيخ خدر البطولية ـ ضمنها الحادثة وذكريات عن الشهيد وعن سيرته الشخصية. ولعل واحدة من المفارقات الجميلة التي ذكرها السيد جلال حنونا، شقيق الشهيد، وفي الحديث عن الصديق نبيل دمان، بأنه قد أسمى احد ابنائه (حكمت) تيمنا بالشهيد ومن أجل بقاء ذكراه خالدة دوما، فأية صداقة وأية رفقة وأي اخلاص للمناضلين.

كثيرة هي الذكريات، ومازال عطرها نديا، لكن تبقى غصة عالقة في الفم، وألم يضرب الفؤاد عن الدرس الذي نتعلمه من هذه الشهادة وغيرها، عن افواج من خيرة الشباب والشابات الذين رحلوا وهم غصوناُ يافعة فداءا للوطن، نعم، ولكن لماذا؟ فما الذي تغير طوال كل هذه السنين، وأي شئ تعلمنا نحن او تعلم شعبنا من دروب الشهادة، وأي حصاد جنيناه بعد هذه المسيرة الشاقة والمخضبة ؟ لعلي هنا أذكّر بالدرس، وبالحكمة المهمة  لضرورة تلقيح مجتمعنا بمضادات الدكتاتورية والعنف والتخلف وضيق الأفق، وأن لا ننحني لهذه العاصفة الصفراء التي هبت على وطننا حتى بعد مرور(٣٤) عاما على شهادة "حكمت" و رفيقه "عايد"، وأن نُرسي على أرض صلبة صخرية نظاماً مدنياً ديمقراطياً يقوم على حرية الأنسان ومساواته وأحترامه وتوفير كل وسائل الراحة والتقدم والتطور له، نظام ينبذ الأنتقام والقتل ، ومن أجل تجنيب شعبنا المزيد من بحور الدماء والأنطلاق نحو بناء المجتمعات العصرية التي تؤمن بالديمقراطية وتوفر أساس حمايتها من اعدائها.
 
**المجد والخلود للشهيد النصير رافد اسحق حنونا (حكمت) ورفاقه الميامين
**الرحمة لوالديه الكرام، وألمواساة لعائلته الرائعة وأصدقائه وأحبابه
**النصر المؤزر للقضية العادلة التي استشهد من اجلها، لتحقيق (وطن حر وشعب سعيد)

كمال يلدو
أيلول ٢٠١٥

   

253
الأستاذ الغالي ادي بيث بينيامين
أولا شكرا لمرورك الكريم وتعليقك الطيب، وأقدر عاليا تجربة مدرستكم الرائدة وكل المدارس والأندية والمؤسسات التي تعمل بإخلاص للحفاظ على الهوية القومية وعلى اللغة كمفتاح لذلك. لا أختلف معك أخي الفاضل، وأنا اتوجه الى كل من يعنيه الأمر، لكني في رسالتي توجهت الى (الكنيسة أو كنائسنا) بأعتبارها اكبر المؤسسات، لتبني مثل هذا المشروع،  ومع انها عملت منذ مئات السنين وما زالت لليوم ضمن مهامها في الحفاظ على الطقوس المحلية، ان تحافظ ضمنا على اللغة، فهذا لا بمنع ان يتوجه احد ابنائها بالنداء مجددا في ضرورة الأرتقاء بالعمل وتطويره حتى لا نقع بالمحظور ،ونبكي على ماض تولى!

254
الشماس العزيز عدنان فتوحي
شكرا جزيلا لمرورك الكريم وكلامك. اتصور ان بامكاننا تقديم الكثير لخدمة شعبنا، لو حقا تملكنا الروح السمحة والطيبة والمثقفة والتي تعلو على الصغائر.  إن وطننا يحترق وبلداتنا سلبت منا وحتى آثارنا وقبور آبائنا وأجدادنا لم تسلم من عبثهم، ونحن اليوم تريدنا أن نختلف على التسميات.... وشكرا لمروركم الطيب

255
شكرا للأساتذة الأفاضل
تيري بطرس
وردا البيلاتي
يوسف شكوانا
على مروركم الطيب وملاحظاتكم المشجعة، وما يتعلق بي أنا قلته، وآمل من كنيستنا الفاضلة وكهنتنا الأعزاء ان يولوه اهتمامهم وعسى أن يكون خيرا لنا.

256
كمال يلدو : سياسيوا العراق لا يسمعون نداء المتظاهرين ويغلسون !

http://www.ankawa.org/vshare/view/8002/kamal-yaldo/

257
الأخ الفاضل مايكل سيبي
شكرا لمرورك الكريم، وأتمنى ان تكون قد قرأت مقترحي من الأعلى الى الأسفل وليس العكس. انا لست معنيا بما تفكر به ، المقترح هو مطروح من اجل الحفاظ على اللغة التي يتحدث بها هذا المكون، وحاولت أن اضع لها كل التسميات المتداولة ، والتي لم أخترعها أنا، لكن هناك من يستعملها، وحتى لا يضيع الحابل بالنابل، ونخسر فكرة المقترح وضعت هذا الهامش  :  ((في النهاية يكون من الواجب تقديم الشكر لكل من ساهم قبلاً أو يساهم الآن في الحفاظ على لغتنا الغالية (السريانية أو الكلدانية أو الآشورية أو السورث وكما ترغبون) )) حتى لا اقع في المحضور ....وإذا لم تجد التسمية التي تعنيك في هذا الموضوع، فأنت غير ملزم به، ولا انا ملزم بالمساجلات معك . افهمها كما تشاء .

258
القراء الكرام
Samy و نذار عناي و عصام المالح المحترمين .
شكرا لمروركم الكريم على المقالة وعلى تعليقاتكم.  وأود أن اقول ايضا، بأني معكم متفائل ، وكل الذي اتمناه هو أن يقع هذا المقترح على اذن سامعة،  وقد آثرت نشره في شبكة الأنترنيت حتى يصل الى اكبر عدد ممكن، وبالتالي يمكن ان يؤثر على صناع القرار.

259

كمال يلدو:
 دعوة كنائسنا الفاضلة الى ادراج مادة (اللغة السريانية ـ السورث) ضمن دروس التناول الأول


 يدور حديث كبير في اوساط المثقفين (الكلدان والآشوريين والسريان) وفي عموم ابناء هذا الطيف حول الكيفية التي يمكن بها الحفاظ على الهوية القومية المتميزة، خاصة في ظل ظروف قاهرة اتت على هذا المكون تمثلت بالحروب والأرهاب  والهجرة وأخيرا هجوم (داعش)  واحتلاله للبلدات التأريخية في سهل نينوى وتشريد مئات الآلاف ، بين نزوح  وهجرة قسرية.  وبالتعامل مع واقع الحال، فإن وضعاً جديدا صار يتشكل منذ فترة متمثلاً بالجاليات المستقرة (نسبيا) في الكثير من دول العالم، وتوفر فرص اقتصادية وثقافية وأجتماعية وحياتية افضل من السابق ، وهذا بدوره ساهم ايضا مع مرور الوقت على نشوء اجيال جديدة، لكنها لم تتمكن عمليا من التواصل مع أرض الآباء والأجداد (احد العناصر المهمة في الحفاظ على الهوية القومية) ، ومن هذا المنطلق يحاول الكثيرون البحث في السبل والكيفية التي يمكن على الأقل في الوقت الراهن  انقاذ ما يمكن انقاذه في هذه الهوية .
وعليه أود الأقتراح على حضراتكم، مشروعاً  سوف لن يُكلّف كثيراً من الناحية المادية، وربما لن يأخذ وقتا كبيراً للتحضير، ولا يحتاج إلا الى بعض الإعداد والتنسيق والأستفادة من الأمكانيات الموجودة والمتوفرة ، وربما تطوّع مجاني.  و هذه الفكرة تقوم على اساس:

١)  إدراج تدريس مادة (اللغة السريانية ـ السورث) بدروسها الأبتدائية (أول ابتدائي) للتلاميذ الذين تُسجلهم عوائلهم لقبول اسرار التناول الأول كل عام في كنائسنا، على الأقل في البلدات والمدن والدول التي لايوجد فيها هذا التقليد.
٢)  إن اغلبية هؤلاء التلاميذ (ذكوراً وإناثاً)  قد استمعوا الى هذه اللغة  في البيت او مع الجد والجدة او مع الأصدقاء وهكذا، وبالنتيجة فهي ليست غريبة على مسامعهم.
٣)  كونهم بهذه الأعمار (٩ ـ ١٢ سنة) فهو عمر ممتاز، ويمكن لهم أن يتقبلوها ، لابل أن يحفظوها، وقد تبقى معهم لفترة طويلة،  وربما يكون الهدف الرمزي  حاليا ، تمكين التلميذ أو التلميذة  من كتابة اسمه باللغة السريانية وأن يكون ذلك في شهادة التناول الأول،  حتى تبقى له ذكرى طوال عمره.
٤)  ان فكرة تعليم الأطفال تأتي من باب الأعتزاز باللغة والأصل  أولاً، وثانيا حتى تبقى جذور هذه اللغة مع الجيل الناشئ الذي سيحميها بكل تأكيد، حتى وإن كان بنسبة بسيطة، لكن تلك البذور سوف لن تذهب هباءاً.
٥)  ولعل الأستفادة من المناهج الموجودة الآن ، ضمن تجارب تعليم هذه اللغة إن كان في بعض كنائس الوطن، أو حتى في الدول المضيفة، وطرحه على لجنة من التدريسين وأصحاب الأختصاص بغية الخروج بشئ لائق ويتماشى مع العصر وعقلية الأجيال الجديدة وتنوع اماكن تواجدها،  بينما اصبحت عملية النشر أسهل  الآن  عبر الأنترنيت او وسائل التواصل الأجتماعي الكثيرة.  ويمكن التوجه في تشكيل لجنة من الأخوات والأخوة  الشمامسة او العلمانيون  بغية  وضع  الخطوط العامة لهذا المشروع وطرق التدريس.
٦)  يمكن التنسيق بين (من يقوم بأعطاء دروس التعليم المسيحي) لهؤلاء التلاميذ،  وبين الكادر الذي من المؤمل أن يُدرس هذه اللغة عبر منح (نصف ساعة ـ كمقترح) اسبوعيا لتعليم اللغة، آخذين بنظر الأعتبار بانهم اطفال وأذكياء وعقولهم تتلقف الفكرة سريعا.
٧) كما ويمكن الطلب الى الكهنة الأفاضل أن يضّمنوا في موعظاتهم فكرة تشجيع العوائل وحث ابنائهم وبناتهم الى تعلم (ابجدية لغة الآباء والأجداد بشكلها المبسط والمحبب) وقد تكون فكرة الأقناع افضل وسيلة للتواصل  وبأن هذه الدروس هي للفائدة المعنوية وهي احدى ضمانات الحفاظ على الهوية القومية، ولابد انها  ستعني لهم الكثير حينما يقولون لزملائهم من ابناء القوميات الأخرى،  بأنهم يتكلمون هذه اللغة ويقرأوها وهذا أمر معنوي كبير بالنسبة لليافعين من الجيل الناشئ.  لا اتصور ان تعلم هذه اللغة سيشكل ثقلا على الطالب، حيث إن معظم الدروس تقع في العطلة الصيفية، وإن الفكرة من تدريس اللغة هو معنوي  ويمنح الشخص اعتزاز وإفتخار بأنتمائه القومي، وهي اضافة مهمة لعقل وتفكير هذا الطفل. ولعل من اسوأ ما يمكن سماعه من البعض، بأن لا فائدة من تدريس هذه اللغة، وأنها لغة (ميتة) او ليس لها اي تداول كبير، ومهما كانت تبريرات هذا البعض، فهي تعكس وللأسف حالة الأحباط الذي اصاب واقعنا، وتشرذم البعض الآخر وعدم قدرتهم على فهم فكرة الأنتماء القومي، وضياع الجانب المعرفي والثقافي في هذا التمييز.

اتقدم لكم بهذه الأفكار آملاً ان  تنال اهتمامكم أو ربما تُدرس من قبل المعنيين، ويمكن جعلها اساس يضاف عليها او يحذف منها، لكن  تبقى الفكرة الأساسية  هي  في الأستفادة من وقت تواجد تلاميذ (التعليم المسيحي للتناول الأول) ، ومع مرور الوقت والسنين فإني على يقين  بأن هذا المشروع سيساهم  في ابقاء لغتنا متداولة ومكتوبة،  كواحدة من الخطوات التي تحافظ (قدر الأمكان) علينا من الذوبان في المجتمعات التي نعيش بها، وممكن لهذه الفكرة أن تُطبق في ايّ مكان تقوم  الكنيسة في تقديم خدمة التعليم المسيحي ودروس التناول الأول.
في النهاية يكون من الواجب تقديم الشكر لكل من ساهم قبلاً أو يساهم الآن في الحفاظ على لغتنا الغالية (السريانية أو الكلدانية أو الآشورية أو السورث وكما ترغبون)، ومنهم تجربة السيد أسعد كلشو في مدارسه بضواحي مدينة ديترويت، وبالتأكيد هناك تجارب راقية وناجحة في اماكن أخرى، والشكر موصول لكل من وضع هذه الدروس بمتناول متصفحي شبكة الأنترنيت، هذا العمل الكبير الذي يُنتظر ان يُترجم الى واقع مثمر. أخيرا دعونا ايضا نستثمر خبرات ابناء وبنات جالياتنا من المربين والمربيات وذوي الأختصاص في اللغة او اساليب التدريس وعلوم اللغات للخروج بأفضل منهاج للوقت الراهن.

كمال يلدو
أيلول ٢٠١٥



260
كمال يلدو ولقاء مع الناشط كريم العزي حول معاناة النازحين والحراك الجماهيري في كركوك

http://www.ankawa.org/vshare/view/7945/karkuk/


اضواء على العراق ٢٦ آب ٢٠١٥ لقاء مع الناشط ماهر الربيعي من مدينة الحلة

http://www.ankawa.org/vshare/view/7946/babel/

261
كمال يلدو: ليلة الأحتفال بذكرى الموسيقار "صالح الكويتي"  في ديترويت

"كان حلما يراودني منذ عشرات السنين، وخفت أن لا اتمكن من تحقيقه، لكن صدق النوايا والفرص الكبيرة التي وفرتها لنا الحياة في الولايات المتحدة، اضافة الى تحوّل العالم الى قرية صغيرة بفعل التكنولوجيا، منحتنى الأمل والفرصة لتحقيقه على أرض الواقع".
 بهذه الكلمات يصف الفنان الأستاذ "رعد بركات"  الأحتفالية التي اقيمت في ديترويت برعاية (منتدى الرافدين للثقافة والفنون في الولايات المتحدة) في يوم ٢٤ نيسان ٢٠١٥  والتي خصصت لأستذكار الفنان والملحن والموسيقار العراقي الرائد "صالح الكويتي" ويُكمل:   سمعتُ بإسم  الراحل منذ ان كنتُ شاباً، وبعد دراستي الموسيقى وعملي في الأذاعة والتلفزيون عرفت المزيد عنه من خلال اساتذتي والرواد  الذين عاصرتهم  ومنهم، الأستاذ عباس جميل، سلمان شكر، آرام باباخيان  وجميل سليم، إذ كانوا يتحدثون عنه بشغف ولهفة وأعجاب،  فازداد تعلقي به. ودارت بنا الأيام ، واخذتنا الغربة بعيداً، لكن وفائي لذكرى الراحل بقت معي تطاردني. إن الاخلاص للقامات الموسيقية العراقية اصبح واجباً علينا نحن الجيل الجديد، كونهم هم من وضعوا الأساس المتين للموسيقى والأغنية العراقية الحديثة، حيث يَعتبر كلّ البحّاثة (المنصفين) بأنها ولدت على يد الفنان الراحل "صالح الكويتي". 
وفي السؤال للفنان "رعد بركات" عن تحويل الفكرة الى عمل قال: إن الذي شجعني، كان نجاح الأمسية التكريمية التي اقمناها نحن في (منتدى الرافدين) للأستاذ "ناظم نعيم" منذ فترة وتقبل جمهور  الجالية الكرام المتذوقين للفن العراقي الأصيل،  دفعني حقاً للتفكير بحفل تكريمي للفنان الراحل (صالح الكويتي).  بدأت اولاً بجمع المعلومات عنه، وساعدني مشكوراً أخي العزيز الفنان وعازف الكمان (طاهر بركات) ، إذ كانت قد توفرت له الفرصة ومن خلال  الجالية العراقية (اليهودية) في  العاصمة البريطانية لندن ، ان يلتقي بأبن الراحل (السيد سليمان صالح الكويتي)  ويأخذ منه العديد من المعلومات عن والده، اضافة لبعض الشخصيات العراقية التي عاصرت الراحل في العراق. فبدأتُ العمل بالتنسيق مع الأخوة في (منتدى الرافدين للثقافة والفنون) والذين رحبوا بالمشروع، ومن ثم جرى الأتصال بالفنانين الموجودين في الجالية العراقية بديترويت، بعدها  وجهنا الدعوة لأبن الراحل (السيد سليمان الكويتي) الذي شـرفنا بحضور هذا الحفل الفني .
بعدها سألت الفنان "رعد بركات" عن تقييمه للحفل فقال: لا اظن ان شخصاً على وجه الأرض كان اكثرُ سعادة مني في تلك الليلة، انا والجالية والفنانين نغني ونتحدث بسيرة واحداً من اعظم وأروع  رواد الفن والموسيقى العراقية  ، بالحانه العظيمة وأعماله الجميلة، وأثبتنا لكل الساسة بأننا أكبر من الطائفية والأحقاد . لقد كان الحفل جيداً بصورة عامة،  فيما تميز الجمهور الذي حضربالأذن الموسيقية والذائقة الراقية. لقد حُولت منصة الحفل الى لوحة فنية كبيرة، وازدانت بمجموعة  من الفنانين والعازفين، من أمريكا ومن خارجها، ثم كان لوجود ضيفنا إبن الفنان بحد ذاته،  جميعها عوامل ايجابية أثرت المناسبة والحفل.  لقد أقمنا نحن مجموعة من الفنانين مالم تستطع ان تقيمه مؤسسات ثقافية تابعة للحكومة العراقية والذي يعتبر من صلب مهامها، إن كانت وزارة الثقافة او الملحقية الثقافية في واشنطن.
وبالسؤال حول القيمة الأبداعية للأرث الذي خلفه الراحل صالح الكويتي قال الفنان رعد بركات: لقد ترك لنا المبدع "الكويتي" كنوزاً من الأعمال  لن يكن لها بديلاً او مثيلاً. ولعلي هنا أشير الى موضوعة شائكة حول الفن والغناء في العراق، فمعلوم للكثير من الباحثين ان الغناء العاطفي والغزلي كان يعتبر من "المحرمات" في مجتمعنا العراقي المحافظ  وبدعوى انه مخالف للأسلام، خاصة وان البلد كان قد خرج للتو من العباءة العثمانية العنصرية المتخلفة، وأهتم اكثر باللون الديني من "الموشحات والشعائر والمآتم والمولد النبوي".  لكن مع اطلالة العشرينيات، بدأت النهضة الموسيقية على يد الفنانين (اليهود) اولاً،  حيث شكلوا بعض الفرق الموسيقية (خاصة الجالغي ـ وكانوا يسمون العضو المنفرد ـ جلغجي) كون ديانتهم لا تحرم الغناء، فيما وصل عددهم في  نهاية عقد العشرينات الى حوالي (٢٠٠) شخصية موسيقية يهودية.
برز الراحل (صالح الكويتي) الذي تميز بامكانياته الفذة ليس على مستوى العراق بل في المنطقة كلها،  حيث أخذ باللحن الريفي وطاوعه للغناء، وابتكر الغناء الحديث، والأوبرالي  منذ ذلك الزمان.  نعم، لقد انطلق الفن في العشرينيات من القرن الماضي متألقا وبألوان متعددة وبسلالم منوعة.
 لقد ترك لنا الراحل اكثر من (٧٠٠) لحن  ، اما في حقل أشهر الأغاني العراقية  فأن الحانه كسبت (١٠٠) اغنية من اللواتي تحتل  اعلى شهرة في سلّم الأغاني العراقية المسموعة دائما بلا منازع،  تلك التي يطربُ لها الكبير والصغير، تطربُ لها الفتاة والمرأة ، ويطربُ لها العراقيون بكل اطيافهم وقومياتهم وخلفياتهم.
 هذا هو العملاق صالح الكويتي (العراقي).
ثم يكمل الأستاذ "رعد بركات"  بالقول: مع اطلالة الثلاثينات والأربعينات دخلت جمهرة (المسيحيين) الى حقل الموسيقى فكان منهم : منير بشير، جميل بشير، آرام باباخيان، نعيم سلمو والد الملحن ناظم نعيم ، ومن ثم ناظم نعيم،  جورج جابرو  وفؤاد ميشو وآخرون كثر تزخر بهم تلك الحقبة العظيمة في تأريخ الثقافة والموسيقى العراقية، ولأن الأنطلاقة كانت كبيرة فقد انضم اليهم العديد من الموسيقيين العرب (المسيحيين خاصة) من أمثال جميل صدقي ـ مصري، عبد الحليم السيد ـ مصري ومن دورة محمد عبد الوهاب، سعد ألبير وآخرون .
اما الضيف  السيد "سليمان صالح الكويتي" فيقول عن الحفل: لقد كنتُ مبهوراً بمحبة الناس، وكنتُ أتمنى طوال الوقت لو كان "أبي صالح" حاضراً ليرى ما رأتهُ عيني. اناس من كل الأشكال والأديان والطوائف، رجال ونساء، يسلمّون عليّ ويطلبون التصوير معي، بعضهم قبلني والآخر صافحني بحرارة، لأ اعرفهم، لكن تشدنا تلك اللحمة العراقية التي تغلبت على كل من أراد تفريق ابناء الوطن الواحد، نعم  استقبلوني كعراقي، وكيهودي  وكأبن للموسيقار صالح الكويتي وهذا شرف كبير لي سأحمله اينما ذهبت وطالما حييتُ. كان الحفل جميلاً، ولأول مرة احضر (تكريماً) لوالدي بهذا الحجم  وهذا الجمهور المتعطش، نعم المتعطش للفن والغناء والتراث العراقي الأصيل ، لقد بكيتُ  وأختنقت الكلمات مراراً  في فمي، محاولاً ان اجد تفسيراً منطقياً لما جرى على والدي وعائلتي وعائلة المرحوم عمي داود ايضا ، ولليهود العراقيين بصورة عامة، لكن ما شهدتهُ عيني في تلك الليلة، وحتى في الأيام القصيرة التي قضيتها بديترويت بضيافة الأخ الغالي (رعد بركات) برهنت لي بأننا عراقيون ومن طينة عجنت بمياه دجلة والفرات وفاءً.
وتعود الأيام وشريط الذكريات لتروي آخر خطوات الراحل على تراب اجداده وعلى لسان ابنه سليمان فيقول:   حينما بدأت موجة اسقاط الجنسية عن اليهود العراقيين وتسفيرهم للخارج حوالي عام ١٩٥١،  سمعتُ من والدتي  ان رئيس الوزراء آنذاك (نوري السعيد) قد حصل على استثناء لأبقاءه (٦) أشهر اضافية حتى يقوم بتكثيف عمله مع جيل الموسيقيين الناشئ آنذاك لتعليمهم اهم المبادئ  في التراث العراقي.  وعندما أزفت ساعة المغادرة بعد الألحاح الكبير من والدتي بالرحيل، ترك ابي العراق وبيده (الكمنجة ـ الكمان) فقط في حين سَحبت الجهات الرسمية منه النوتات التي كتبها بدعوى انها من التراث، لكنه كان يقول مراراً وتكراراً : "سأسافر الآن وأرجع للعراق، لن اشتري بيتاً بل سأقضيها بخيمة"  نعم كانت هذه امنيته، ان يعود الى وطنه، الى البلاد التي نشأ فيها وأحبها وأعطاها أجمل ما يملك.   كان دائمل يقول : (نعم إني غادرت العراق، لكن العراق لم يغادرني)!  ولعلي هنا أذكر ، والكلام مازال للأستاذ "سليمان صالح الكويتي"   بأنه وعشية اخراج أبي من العراق، طرحت دولة الكويت عليه آنذاك منحهُ الجنسية الكويتية، لكنه رفض وقال:  سأحتفظ بجنسيتي العراقية لوحدها!
 لقد غادر والدي العراق عام ١٩٥١، ورحل عنّا عام ١٩٨٦، وهذه الثلاثين سنة ونيف، كانت صعبة جداً  عليه وعلى أمي وعلينا كلنا، فقد كان مهووساً بشئ اسمه العراق، ولا اظنه ارتاح ليوماً واحداً، الا حينما توقف ذلك القلب المحب والحنون عن الخفقان، ربما ارتاح حينذاك ، ومن يدري!
ينهي السيد "سليمان"  إبن الراحل كلامه بالقول:   بالحقيقة حينما تكون ابناً لشخصية معروفة فأنها تشكل حملاً ومسؤولية كبيرة.  وما اكثرها من مناسبات، إن كان وسط ابناء الطائفة اليهودية العراقية في اسرائيل ، او الجالية العراقية في لندن وهم يهمسون : (هذا ابن صالح الكويتي). لقد دفعني  اهتمام الناس هذا  للبحث اكثر في المنجز الابداعي الذي ساهم به والدي وعمي ايضاً ، ويعتريني فخر كبير بأني أصدرتُ كتابا (صالح الكويتي : نغم الزمن الجميل)  منذ فترة، ضَمنتهُ اهم مراحل سيرته الذاتية ومشواره مع اللحن والفن والتراث العراقي وأبرز أغانيه، وقد كان له صدى طيب لدى محبي التراث العراقي الأصيل. لقد حضرتُ اكثر من مناسبة في  اسرائيل أو لندن لغرض تكريم والدي (والكلام مازال للضيف سليمان الكويتي) ، لكن ما جرى في ديترويت كان يفوق تلك الأماسي حجماً ونوعاً وحميميةً، وأنا ممتن للكل ، ولكل من قدّر ويقدّر الفن العراقي الأصيل، ولعلي هنا اشارككم صورة طالما ارتسمت امامي ، ففي كل مكان أذهب، أجد العراق وأبي متلاصقين ويسيرون سـويةً، وأشعرُ بأني مثل فسيلة تتفيأ بهما وبذكراهما.  وبالحقيقة فإنه دائم الحضور، رغم غياب جسده منذ اكثر من ثلاثين عاما، لكن مَن  ذا الذي يتجرأ على محو الأصالة والصدق والدفئ من ذاكرة العراقيين، أقول انه مجنون من يحاول ذلك، فالكثير من الأشياء قابلة للمحو والنسيان والأبدال، إلا الهوية الثقافية الوطنية للأنسان، باقية ما بقى هو في الوجود.

**ازدان مسرح الحفل بأجواء بغدادية جميلة ، إذ اشرف الفنان رعد بركات على تصميمه مستخدما صور الفنانين الرواد وأبرز رموز الثقافة العراقية  على جدران المسرح، فيما كان المشهد يوحي بجلسة في احدى المقاهي مع جوقة من الفنانين والموسيقيين:
١) عباس العطار ٢) سوسن النجار في الغناء ٣) رعد بركات ٤) طاهر بركات على الكمان ٥) صباح سلمان ٦) أكرم السبع ٧) قصي عبد الجبار على الكمان  ٨) نشوان فاضل على العود ٩) فادي عزيز على الناي ١٠) حيدر السماوي على القانون ١١) ثائر العزازي مطربا١٢) محمد لفتة  على الرق ١٣) عباس طبانة على الطبلة.
اما الأشراف الفني فكان بإدارة رعد بركات، فيما قام بالأخراج المسرحي أمير مشكور، و طلعت المندوي في اعداد النص المسرحي والتقديم، فيما قام السيد حسن حامد بالأشراف على الفيديو والأنارة والصوت.
*** كانت واحدة من الصور الجميلة حينما اعتلى المسرح الضيف "سليمان الكويتي" وألقى كلمة مؤثرة، عبّر فيها عن شكره وتقديره للجالية العراقية الكريمة، وللمنتدى، وللأستاذ رعد بركات، ولكل الفنانين ، وللحضور الذي منح ألامسية ألقها المتميز، ثم قدم الفنان التشكيلي (أنيس ربيع) هدية رمزية  بإسم المنتدى ، وهي عبارة عن كرة يحيط بها (مفتاح صول) مُشكلاً من الحروف المكونة لاسم "صالح"  فيما لوّنت بالبرونز والأرجواني الدافئ، ولكون (مفتاح صول) يبدأ ب (نقطة)، فأن تلك الكرة صارت هي البداية، والبداية كانت مع صالح الكويتي.  وحينما استلم الضيف  سليمان صالح الكويتي الهدية رد بالقول: شكرا لهذا التكريم، الهدية رائعة ومعبرة وسأقدمها الى امي لتضعها في غرفتها في دار كبار السن الذي تقطنه الآن.
** رابط الحفل الفني المنشور في شبكة اليوتوب:
https://www.youtube.com/watch?v=3PL-8LBkkOE

كمال يلدو
آب ٢٠١٥
 



262
كمال يلدو: العراق بعيون متفائلة مع الناشط والأكاديمي سعد سلوم

لقد توفرت فرصة طيبة في الأيام الماضية للقاء بالشخصية الأكاديمية والباحث (سعد سلوم) ، وليلة اول من امس كان لي لقاءا تلفزيونيا معه وتطرق الى مشاريعه الثقافية والأنسانية، كما جرت استضافت احد الأخوة النازحين  من مدينة بغديدا السيد ابراهيم كولان والموجودين في اطراف دهوك الآن.

http://www.ankawa.org/vshare/view/7902/saad-salom/

263
برنامج اضواء على العراق واللقاء بالمحامية أمل حسين وحديث عن المظاهرات

حلقة يوم الأربعاء ١٢ تموز كانت منوعة، وضمت اللقاء بالمحامية من بغداد أمل حسين الساجر للحديث عن المظاهرات وتجمع (مستمرون)، والناشط الآشوري يكدان نيسان والحديث عن اطلاق سراح بعض اسرانا في الحسكة والصديق كريم في حوارات منوعة. آمل ان تروق لكم
كمال يلدو
http://www.ankawa.org/vshare/view/7848/athwa-iraq/

264
كمال يلدو:صورة العراق بين مظاهرات ساحات التحرير ومحنة النازحين


http://www.ankawa.org/vshare/view/7800/kamal-yaldo/

تحية طيبة لكم احبتي
ادعوكم لمشاهدة احدث حلقات برنامجي (اضواء على العراق) ليوم الأربعاء ٥ آب ٢٠١٥، وقد  استضفت الناشطة  والشخصية الوطنية شميران مروكل من بغداد والحديث عن الحراك المدني الذي يعم العراق الآن،  والكاتبة صباح محمد أمين من السليمانية والحديث حول الذكرى الأولى لأحتلال داعش مدينة سنجار ومأساة أخوتنا الأيزيدين، اما الجزء الأخير فكان حول احوال البصرة الفيحاء .
آمل ان يروق لكم
مع الود من كمال يلدو

265
كمال يلدو: مصير مجهول للكنائس والأديرة وحوار مع السادة عبد الأحد اوغسطين و نامق ناظم

http://www.ankawa.org/vshare/view/7714/kamal-yaldo/

266
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد سـالم أيوب حنا رمّو(هيتو)

تنتصر الحياة بالولادة وتَدحر الموت، وتنتصر الأفكار بتقديمها الأفضل لرفعة البشرية. وقد يسود الخطأ لفترة، ظنًا بأنه باق للأبد، ودون اعتبار للتجارب التي سبقته. هكذا عاش العراق تأريخه السياسي الحديث، اناس يقتادون للسجون والمعتقلات والمشانق، بين التعذيب والحرمان والبطش، ليس لجريمة ارتكبوها بحق الشعب، بل لأنهم يحملون افكار غير الأفكار التي يحملها السلطان، فخسرنا الألاف والملايين بين شهيد ومهاجرومغترب، فيما السلاطين انتهوا الى مزبلة التأريخ. الألم يكمن اليوم في أن الحكام يكررون نفس الأخطاء وبذات العقلية الرعناء، وهم لم يفهموا بأن هذا البلد بحاجة لقانون يساوي بين ابناءه، بحاجة لتنظيم العمل السياسي والحزبي، بحاجة لفصل الدين عن الدولة، بحاجة لنظام مدني، بحاجة لقوانين تحمي الحرية والديمقراطية،  فهل من سامع؟
***
 ولد الشهيد "سالم أيوب حنا رمّو" في مدينة ألقوش التابعة لمحافظة نينوى يوم ٦ كانون ثان عام ١٩٤٦ وفي محلة (سينا)، تزوج من السيدة "بديعة اسحق بيبو اسطيفانا" عام ١٩٧٤ ورزقا ببنتين وولد واحد (إيفا ١٩٧٤، لينا ١٩٧٦ و قيس ١٩٧٨)  ولو قـدّر له الحياة الآن لكان قد شهد زواج ابناءه، وولادة  (٧) احفاد ايضا. درس الأبتدائية والمتوسطة في مدارس ألقوش، اما الثانوية فقد أكملها في (ثانوية المشرق المسائية) بشارع ابي نؤاس ببغداد، مفضلا العيش في العاصمة وتحمّل ألم الغربة عن أهله، على الوقوع فريسة سهلة لعصابات الحرس القومي عقب نجاح انقلابهم المشؤوم عام ١٩٦٣ وقيام تلك القطعان بالأنتقام من الأهالي والبلدات التي كانت تؤيد ثورة ١٤ تموز، وحيث كانت ألقوش واحدة منها. اشتغل في الكثير من الأعمال حتى استقر به الحال في اوائل السبعينات، حينما فتح (أسواق الشمال)  بمنطقة الغدير بالمشاركة مع شقيقيه (بطرس وكريم)، وعقب تلك البداية فتح محلا جديدا في منطقة الكرادة وأسماه (أسواق سالم) مع السادة حافظ العوصجي وحنا بجوري شريكاه.

ولتقليب ذلك التأريخ ومعرفة تفاصيل ساعاته وأيامه، إذ انه مازال شاخصا بذاكرة وعيون السيدة "بديعة اسحق اسطيفانا" زوجة الراحل حيث تقول: كنت أعلم بأن زوجي يسارياً ومؤمناً بالأفكار الأشتراكية، ولا عيب او غرابة بذلك، اولاً لأنه حق شرعي للأنسان، وثانياً لتأثره بالمناخ الثوري الذي كان (ومازال) في مدينتنا الغالية ألقوش. بعد اشتداد الحملة البعثية على الوطنيين منذ اواخر ١٩٧٨، فقد اعتُقل من قبل رجال الأمن العامة (سيئة الصيت) للمرة الأولى يوم ١٥/٤/١٩٧٩، وبقي عندهم ثلاثة ايام، وحينما افرج عنه اشترطوا عليه التعاون معهم، ولم يتمكن من خيانة اهله ورفاقه، وزادت تهديداتهم له من أجل التعاون ، اي بالمعنى الآخر للكلمة ، أن يخون ضميره، ولم يقبل بذلك حتى حل يوم الثلاثاء ٢٧/٥/١٩٨٠ حين اقتادوه من محل عمله (اسواق سالم) في منطقة الكرادة وفي تمام الثامنة مساءا (وكأنهم لا يستطيعوا الأنتظار لليوم التالي صباحا!) وقالوا لشركاءه، انهم سيستجوبوه لمدة (٥) دقائق ويعود، وها هو العمر و (٣٥) عاما مضت و (سالم) لم يعد.
لم يكن أحد منّا يعلم بما الذي يجري خلف جدران الأمن العامة، لكننا كنّا نمني النفس بأنهم مسجونين وحتما سيأتي اليوم ويُطلق سراحهم، وعلى هذا الأساس كنتُ أقدم العرائض لغرض المواجهة، او معرفة مصيره او أيّ شي عنه، ويأتي الجواب يوم ٢٧/١٠/١٩٨٣ ، أي بعد ثلاث سنوات وخمسة شهور : إذ بلغتُ رسميا بأن زوجي "سالم أيوب قد أُعدم لعدم تعاونه مع الجهات الأمنية وأنه كان مجرماً ولا يستحق الحياة"! علما انهم لم يسلمونا جثته، ولم يبلغونا بمكان دفنه ، وفوق كل ذلك منعونا من اقامة مراسم العزاء لروحه.  هكذا بكل بساطة يسدل الستار على حياة انسان، له زوجة وعمل وعائلة وأطفال وأصدقاء ومحبين، ولكن له رأي سياسي آخر، وللأسف على هذا الشعب الذي حكمته مجموعة من المجرمين الجهلة ، والذين لا يعرفون اي معنى للوطنية. المضحك المخزي أن يجري استدعائي الى الأمن للتوقيع على ورقة تثبت بأنهم قد بلغوني، كيف تكون السفالة إذن. ومع كل التراجيديا في هذا المشهد فأن تداعياته لم تنته، إذ لم تتوقف الزيارات الشهرية لمنتسبي الأمن العامة لبيتنا بغية (تجديد المعلومات) والمضايقات الحياتية او اثناء المراجعات الرسمية، وحتى في المدارس مع اولادي، حيث اضطررتُ للأدعاء بأن (زوجي مات) تخلصاً من اقاويلهم وتعليقاتهم.
وعن ظروف حياتها بعد اعتقال زوجها وتغييبه لاحقاً تقول زوجته السيدة "بديعة اسحق بيبو":من السذاجة القول بأن حياتنا لم ترافقها الصعوبات، مع كل ما كان يمر به البلد من أزمات، متمثلة  بالحرب مع ايران ثم الكويت والحصار وأرهاب البعث والأمن العامة، كانت صعبة ومقرفة، لكن بصيص الأمل يأتي أحيانا من قلب الأنسان، وأنا بالحقيقة كنت محظوظة بأخوة زوجي (بطرس وكريم وأمهم العزيزة راحيل جردو) وموقفهم النجيب من محنتي اضافة الى موقف عائلتي وبالأخص والدتي التي ساعدتني كثيرا في العناية بأولادي حينما كنت في العمل، فهم لم يتركوني وحدي وكانوا معي دائما وأنا ممتنة لهم طوال حياتي. لقد تمكنتُ بعد فترة من فتح محل لبيع الأحذية بالمشاركة مع أخي (صباح اسطيفانا)، حتى حل العام ١٩٩٨ إذ قررتُ الخروج من العراق، للخلاص من ملاحقاتهم وسياستهم البائسة مع الناس، وأنا الآن مقيمة في ضواحي ديترويت، وسعيدة مع ابنائي وأحفادي والأهل، وكل الناس الطيبين.

اما زميله في الدراسة د.كريم كَردي فأن ذكرى الشهيد "هيتو" تمر صعبة وثقيلة عليه ويقول: عملنا سوية انا والراحل في (اتحاد الطلبة) عندما كنا في المتوسطة، وبعد انقلاب شباط ٦٣ غادرنا الى بغداد والتحقنا بمدرسة (النجاح المسائية) ، فأكمل هو الثانوية بينما تعرضتُ انا للأعتقال وحكم عليّ لمدة (٥) اعوام. لقد كان (سالم) انسانا وطنيا آمن بالأفكار السياسية عن قناعة ، وأمتاز بالجرأة والشجاعة والثقافة والمواقف الصلبة، وأشعر بالأسى أن يخسر وطننا ناسه بهذا الطريقة (الرخيصة) فيما كان من الممكن ان يكون انسانا  من بناة هذا الوطن.
اما الأستاذ موفق حكيم، فأنه يتذكر الشهيد في كثير من المواقف و منها: بأنه كان شجاعا ومثقفا  ورياضيا ، وانه حصل على بطولة رمي الثقل على مستوى محافظة نينوى عندما كان تلميذا في المتوسطة، وأحزن كلما مرّت ذكراه، كان شابا وسيما. الذكر الطيب له دائما.
وتكمل السيدة "بديعة اسحق بيبو" كلامها قائلة: مع كل ما في المشهد من حزن وألم لكني على يقين بأن الأفكار التي آمن بها زوجي هي الصحيحة لحكم العراق، ولابديل عن قيام حكم وطني  مدني بقيادة الناس المخلصين بديلا عن القتلة والمجرمين والمتخلفين. أنا فخورة بأني "زوجة الشهيد هيتو" وربيّتُ اولادي على تلك المحبة والقيم، وأسمه كان دائما عالي، فيما هم وثقافتهم وشعاراتهم الى غير رجعة.

وتنهي زوجة الراحل كلامها: اتمنى ان يحل السلام في وطننا الغالي، وأن تنتهي حالة الحرب والقتل والدمار، وأن تنتصر المحبة والأخاء على الكراهية، وأن تندحر قوى التخلف والظلام ويعود العراق لأهله سالما معافى.
**الذكر الطيب للشهيد سالم أيوب حنا رمّو (هيتو)
** المواساة لأسرته (بديعة، إيفا، لينا وقيس) وكل عائلته الكريمة
**العار لقتلته المجرمين بأمل أن ينالوا يوما جزائهم العادل
**النصر للأفكار  والقضية التي آمن وأستشهد في سبيلها.

كمال يلدو
تموز ٢٠١٥
 



267
تحية لك أخي كامل، وللعزيز فريد ولكل من سلم من مخالب الدكتاتورية الفاشية، والذكر الطيب لمن قبل الشهادة من اجل الفكر السامي والوطن.  مرارة تبقى في فمي حتى يتم تقديم (القتلة) الى المحاكم لينالوا جزائهم العادل. لقد كانوا يتلذذون بتعذيب السجناء والأنتقام منهم بحجة (انهم يقومون بالواجب) ايّ واجب هذا؟ نعم آمل ان يُقدم كل هؤلاء المجرمين (امس واليوم) الى العدالة ليكونوا عبرة للذين تضايقهم انسانيتهم وأنتمائهم الى فصيلة البشر.
لقد شهدتَ سقوط الدكتاتورية، وتقديم زعيمها للمحاكمة، وآمل ان نكمل المشوار لبناء وطن حر وشعب سعيد.
شكرا لعنكاوة التي تجمعنا

268
الصديق العزيز حنا شمعون
شكرا جزيلا لمرورك الكريم وتعليقك الرائع. اما القصيدة، فهي غاية في الروعة وتعبر عن روحك الطيبة. نعم  الشهيد (ابو نصير) والآلاف مثله من مناضلات ومناضلين يستحقون محبتنا وتقديرنا. مع خالص مودتي لك.

269
شكرا لمرورك الكريم أخي (انطوان الصنا) وعلى بصمتك في التعليق على هذا الموضوع، نعم ابو نصير والآلاف من امثاله قدموا ارواحهم الغالية رخيصة للوطن وللشعب، لا لكي تعبث به القوى الطائفية والعنصرية ضيقة الأفق، ولا لجماعة السراق والمزورين وعملاء الأجنبي، قدم روحه الطاهرة من أجل أن يعيش هذا الشعب برغد وسعادة ومستقبل زاهر، في دولة العدالة والتآخي والمساواة. إن مشروع شهادته متوقف قليلا مع (الطارئين) الذين يحكمون العراق الآن، وحتما سيأتي الوقت ونقول ، إن شهادة أبو نصير ورفاقه ورفيقاته الأشاوس لم ولن تذهب هدرا. شكرا لمرورك.
وبالمناسبة، انا اشكرك وأشكر الكثير من الأعزاء الذي كتبوا عن سيرة هذا المناضل، وقد اشرت لها في كتابتي المتواضعة عن هذا (الجبل) المانكيشي الشامخ.

270
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد النصير لازار ميخو (أبو نصير)

قد تكون قضية الشهادة من اجل المبادئ السامية أو قضية الشعب العادلة أرقى تضحية يقدمها الأنسان، وهكذا كان الأمر مع الذين دخلوا السجون وعانقوا الشهادة، او من الشابات والشبان الذين التحقوا بحركة الأنصار الباسلة تاركين خلفهم كل مظاهر الحياة وبهجتها في الدفاع عن انفسهم من ارهاب الأنظمة اولاً، ولديمومة نضالهم الوطني لاحقاً، ولعل الذي يعرفهم جيدا، فأنهم لا  يهابوا الموت ابداً وصارعوه في اكثر من موقعة، ومن المهم التذكير بأنهم لم يرتضوا ان يسقطوا بأيدي الأعداء الذين كانوا ينتقمون منهم اشد الأنتقام ضاربين عرض الحائط قواعد الأشتباك المعروفة ولهذا كان الكثير منهم يضع جانبا (طلقة) أو (رمانة) في الحالات التي تستوجب استخدامها، هكذا كانوا وهكذا سجلوا ذلك التأريخ، ومنهم كان الشهيد (ابو نصير).
 لكن اشد المواقف ايلاماً على المقاتل هي في الرصاصة التي تأتي من الخلف غدراً، وخاصة اذا اتت ممن تأتمن جانبهم!
***
ولد الشهيد لازار ميخو عام ١٩٣٣ في ناحية (مانكيش)، ودرس في مدارسها ، اما الأعدادية فقد أكملها في كركوك، حيث سكن عند شقيقه "داود". تفرغ بعدها للعمل السياسي الوطني، ومارس العمل ميكانيكيا وأصبح كادرا نقابيا. بعد انقلاب شباط ١٩٦٣، وأشتداد الهجمة البعثية على الوطنيين، التحق بقوات الأنصار ملبيا النداء في تشكيل القواعد الأولى في جبال كردستان لمقارعة الحكم الرجعي، وطبعت تلك التجربة حياته النضالية اللاحقة حيث تحول الى قائد انصاري باسل الى جانب القادة الأشاوس الأوائل  "ابو جوزيف" و "أبو باز".
تحدثت عنه  زوجته ، الأنسانة الرائعة والنصيرة (السيدة  فكتوريا يلدا ـ ام عصام) وقالت: كنت قد تعرفت على (ابو نصير) في بغداد في عقد السبعينات، والتقيته لاحقاً حينما التحقتُ بحركة الأنصار، وتوطدت علاقتنا اكثر حتى تم زواجنا عام ١٩٨١، فقد كان أرملا إذ رحلت زوجته (شموني) نتيجة المرض بعد أن اعطته بنت حلوة (انتصار ـ متزوجة الآن ولها ولد وبنت) وشاب وسيم (نصيرـ متزوج الآن)، فيما كان زوجي قد استشهد نتيجة التعذيب على ايدي البعثيين عام ١٩٦٣. ولقصة الزواج حكاية طريفة، حيث كانت مجموعتنا (من ضمنهم الراحل ابو جوزيف والشهيد ابو نصير)  في مهمة انصارية ، فعلم ابو جوزيف بوجود (مطران) في احدى القرى القريبة، فقال : لقد حان الوقت لعقد القران رسميا، وفعلا تم ذلك في مراسيم حلوة ، إذ لازلتُ اتذكرانه كان في  ٦/آب/ عام ١٩٨١، وقد كانت مجموعة الشهود مكونة من  (النصيرتان دروك و أم أمجد والنصيران أبو ميسون وجوزيف توماس إبن الراحل توما توماس)،  ولم تكد تمض (٤) ساعات على حفل الزواج، حتى حان موعد استلامي لمهمة الحراسة في تلك الليلة!  كان (ابو نصير) انسانا وديعا ورائعا، وكان رحيله المفاجئ خسارة لحزبه وشعبه.
 لقد فقدناه في تلك الليلة (١٥ـ١٦ حزيران ١٩٩٣) عشية انعقاد المؤتمر الأول للحزب الشيوعي الكردستاني، وكنتُ  اقوم بتهيئة بعض الأغراض للسفر حيث كنّا مدعوين (أنا ، والشهيد وأبو باز) وكان المفروض ان نغادر في الصباح، لكن في وقت ما من ذلك المساء سمعتُ اطلاق رصاص لم يكن طبيعياً، وكنتُ في بيتنا بمدينة دهوك، وكانت ابنته "انتصار" معي، إذ كنّا ننتظر عودته من العمل، فأنتفضتُ وقلتُ لها دون سابق انذار: انتصار ، لقد قتلوا أباك! وفعلا كان حدسي في محله، فقد كان الراحل قد تلقى العديد من رسائل التهديد المباشرة وغير المباشرة وكان مصدرها بعض المهربين والسراق الذين كانوا يتربصون لأي انسان يعمل بأخلاص ولا يتعاون أو يتعامل معهم. في تلك اللحظات غادرنا البيت متوجهين حيث مصدر النيران ، وكانت الشوارع مكتظة بالحمايات ورجال الأمن، وحينما وصلنا سيارته، وجدناه مضرجا بالدماء، إذ سقط بعد أن هاجمته عصابة من القتلة ، وقد اجهزت عليه بصف من الرصاص اطلق من غدارة كان يحملها احدهم، ومع اننا في العام ٢٠١٥ فيما الجريمة جرت عام ١٩٩٣، الا ان التحقيقات لم تتوصل للقاتل الحقيقي، وهذه بحد ذاتها قضية تبعث على الحزن والألم.  مع ان دهوك كانت تحت سيطرة الأحزاب الكردية،  إلا ان ذلك لم يمنع سلطات البعث من تسخير بعض المرتزقة وضعاف النفوس من تأدية مثل هذه الأعمال القذرة تجاه الكوادر الوطنية النزيهة ، والسبب الرئيسي يعود للدور الذي كان يلعبه الشهيد (أبو نصير) في محاربة المفسدين والعصابات التي لم تتمكن من اغراءه بالمال، فلجأت الى تصفيته، حتى يخلو لها الجو!
لعل من الصدف السيئة ان يتم اغتيال  الشهيد فرنسيس شابو من الحركة الديمقراطية الآشورية وعضو البرلمان الكردي بفارق اسبوع واحد قبيل اغتيال (أبو نصير) وكليهما من ناحية مانكيش.لقد عاش مناضلاً حقيقيا، وذاق مرارة السجون لعدة مرات، وخرج منها منتصرا ومرفوع الرأس على اعداءه الذي انتهى عهدهم الى مزبلة التأريخ، وليس غريباً ان يلقبه البعض (بطل السجون والمعتقلات وقاهر التعذيب) لأنه فعلاً كان كذلك.

أما رفيق دربه القائد الأنصاري  (أبو باز) فيتذكره بالقول: كان أول تعارفي بالشهيد عام ١٩٦٣ في الجبل، وبالذات في مقرنا بمنطقة "قيصرية" غرب قرية (باعذرا)، وقد خضنا سوية العديد من المعارك ضد قوات الحكومة  التي كانت تهاجم مقراتنا ، كما شاركنا في عشرات المفارز والمهام السياسية والقتالية. أبو نصير بأختصار شديد: مقاتل شجاع بمعنى الكلمة، هادي الطبع ورزين الكلام وذو أخلاق رفيعة وسامية، وإذا حاز الأنسان على كل هذه المواصفات فماذا أقول عنه، بالحقيقة سأختصر الأمر وأقول: هذا (ابو نصير ثاني)! بكل بساطة. لقد جمع هذا البطل خصلتين لم يكن من السهل خلطهما، مقاتل من الطراز الأول، وسياسي من ذات الطراز، وهناك أمر لابد من ذكره وأنا اتحدث عن "لازار"، فلقد نشأنا في بيئة جبلية صعبة، وتدربنا عليها بالسليقة، فنحن لا نلقب (ابناء الجبل) هكذا، بل لأن هذه حقيقة يعرفها عنّا كل من خاض النضال والصعوبات معنا، ونحن نتفاخر بهذه الصفة التي سخرناها (سوية مع الأنصار الآخرين) لخدمة قضيتنا الوطنية العظيمة. عملنا انا والراحل عام ١٩٩١ في اللجنة الأقتصادية في دهوك، وللأمانة فأننا كنّا نعيش على المخصصات التي تأتينا من حزبنا، ولم نرتض بأن نعتاش على الرشوة او (المال الحرام) كما يقال. ولعلي هنا، والكلام مازال للقائد الأنصاري (أبو باز) اتذكر تلك الأيام العجاف بكل وضوح، فلقد التقيته بأسبوع قبل استشهاده في جلسة عائلية بمنزلي في مدينة دهوك، ورجوته من القلب أن لايخرج في الليل، معرضا نفسه لغدر الجبناء، لكنه كان يصر على مواجهتهم، وياليت لو كانت المواجهة وجها لوجه، لهانت القضية كثيرا، لكن أن يأتيك الرصاص من الجهة التي كنت تأتمنها، او تعتبرها حليفا لك، فهذا أمر مخزي ويعبر عن (جُبن) تلك الجماعات والجهات ليس إلا. ويكمل بألم وحسرة: لقد فقدتُ أخاً ورفيقاً وحبيباً، وكم كنت اتمنى ان يموت بمعركة وأكون بجنبه، وليس بيد جبناء هجموا عليه في الظلام. تعسا لهم ولثقافتهم وقيمهم البائسة .

أما النصيرة (ندى) فتتذكره قائلة: مثلما للكثير من البلدات ابطال وأعلام تفتخر بهم، هكذا نحن ابناء وبنات مانكيش نفتخر بالشهيد (أبو نصير). لقد كان اسمه يتردد كثيرا في بيتنا، فقد كان الصديق المقرب جدا لخالي (أبو فريد)، وكانا كلاهما من اوائل المتأثرين بالأفكار الماركسية والوطنية في مانكيش، كما انه كان من اوائل من التحق بالحركة الأنصارية عام ١٩٦٣، وثانية في نهاية السبعينات بعد خروجه من سجن البعث وتعرضه لشتى انواع التعذيب والأهانة. لقد التقيته في الجبل حينما كان آمر فوج (مرّاني)، وكم كنتُ فخورة وسعيدة به، لقد عاش وناضل ومات كالأبطال.نعم ان خسارته كانت كبيرة، وقد كان من الممكن ان يقدم المزيد لشعبه ووطنه، لكني اؤكد بأن الذي يتحمل المسؤولية الأساسية هو نظام البعث وصدام حسين، فلولا سياستهم الهمجية وتعاملهم القاسي مع الأحزاب الأخرى ما كان للشهيد (ابو نصير) وغيره من النصيرات والأنصار ان يركبوا تلك المخاطر ويعيشوا تلك الحياة الصعبة بعيدا عن المدنية، وعن اهلهم وأحبابهم وعوائلهم، بعيدا عن جامعاتهم ووظائفهم. كان البلد (ومازال الى اليوم) بحاجة لقوانين تنظم عمل الأحزاب وتشيع الديمقراطية وقبول الآخر وترسي مبدأ التداول السلمي للسطة، ودون ذلك فأن الجرح سيبقى نازفا، وآتيا على المزيد من الشباب الذين ننتظر منهم البناء، وليس الموت.
**شهادة: إن الشهيد لازار ميخو كان يتمع بحضور كبير، ووجه معروف سياسيا وفي حركة الأنصار، ولذا فقد كَتب عنه الكثير من الأعزاء، أذكر بعضا منها مع تقديري  للآخرين ان كنت قد اغفلت ذكر اسمائهم :  في مجموعة "من اوراق الراحل توما توماس"  منشورة في موقع (الناس)، سربسـت مصطفى، ناظم ختاري، صباح كنجي وأنطوان الصنا.

**الذكر الطيب للشهيد الراحد لازار ميخو (أبو نصير)
**المواساة لأبنته انتصار وأبنه نصير وزوجته الغالية ام عصام
**العار لقتلته الجبناء وكل من وقف ويقف خلف كشفهم للعدالة
**النصر لقضيته العادلة من اجل "وطن حر وشعب سعيد"
كمال يلدو
تموز ٢٠١٥
 



271
تحياتي لك استاذ ناصر عجمايا وشكر لهذا التوثيق الرائع والدقيق لتلك الحادثة المشؤومة. كما أرجو منك (وهذا الأمر هو فني بالدرجة الأولى) أن تضيف اسم الشهيد الى عنوان كتابتك مثلا ((  الذكرى 52 لأستشهاد كَوريال اوراها،  القامة الشامخة من تللسقف))  وهذا ممكن ضمن الخدمة التي يوفرها موقع عنكاوة العزيز ـ إذ ان ذلك يسهّل مهمة القارئ وحتى الباحث في مواقع البحث الألكتروني، لأن بقاء العنوان عائما لا يعطي مدلولا بأن الكتابة تتحدث عن شخص بعينه وليس عن شهداء مدينة كاملة. تقبل الود والى لقاء  قريب عبر الكتابات. وشكرا لموقع (عنكاوة) الجميل الذي يجمع الأحبة.

272
كمال يلدو : لقاء مع د. صُهيب الناشئ ومحنة المندائيين

استضافة د.صُهيب الناشئ، الرئيس الفخري للجمعيات المندائية، والمندوب الذي القى كلمة بأسم الطائفة المندائية  في مؤتمر الأتحاد الأوربي للأقليات في العراق

http://www.ankawa.org/vshare/view/7606/sahib-alnashe/

273
شكرا لك عزيز زيد ميشو، لمرورك الكريم وتعليقك. هناك الكثير من الفرص لمساعدة اهلنا المنكوبين من جراء جرائم داعش والميليشيات المنفلتة. وما تملكه الجالية العراقية في ونسور كثير من الناس الكفوئين أخوة وأخوات، وقيل قديما : طريق الألف خطوة يبدأ بخطوة....عليك بالبداية وسترى الكثيرين معك.

274
فيديو: حلقة من برنامج (( اضواء على العراق)) من فضائية الارامية

http://www.ankawa.org/vshare/view/7572/kadhem-habib/

275
كمال يلدو: مع الناشطة المدنية من تورنتو الكندية إيمان بكتاش ودعم النازحين



كان إحتلال داعش للموصل وبلداتها  وطرد مئات الآلاف من ابناء المنطقة ونزوحهم الى قرى وبلدات في محافظات اقليم كردستان، فعل الهزات الأرتدادية على كل الجاليات العراقية المنتشرة في العالم، ومنها في كندا حيث بادرت للقيام بالعديد من الفعاليات من اجل التضامن مع محنة النازحين، أو لتقديم المساعدات الممكنة لهم. وللوقوف على ابرز تلك الأعمال كان هذا اللقاء مع الناشطة في مجال العمل مع المنظمات المدنية السيدة إيمان بكتاش حيث بدأت كلامها بالقول: منذ أكثر من تسعة شهور أطلقت مجموعة من منظمات الجالية العراقية في مقاطعة اونتاريو الكندية، وبالتحديد في مدينة تورنتو (الجمعية العراقية الكندية، تيار الديمقراطيين العراقيين، البيت العراقي في لندن اونتاريو ومنظمة "نعم للعراق" ) حملة وطنية وانسانية كبرى ، للتضامن مع ضحايا حرب عصابات داعش و (الفاشية الدينية الجديدة)، ولتحويل تلك المأساة الى حركة جماهيرية واسعة وموسعة وطويلة الأمد، وهي تلقى المزيد من التأييد مع الوقت. وعند سؤال الناشطة إيمان بكتاش عن مدى التجاوب من قبل الجالية قالت: في البداية كانت الناس مترددة من صدق ندائنا ونوايانا، لكن تمكنا بعملنا  الطوعي الجاد وانضمام الكثير من الشابات والشبان الينا من كسب ثقة الجالية التي بادرت الى التعبير عن مدى التصاقها بالوطن وتضامنها مع محنة النازحين حيث كانت الحصيلة:
١) في الحملة الأولى  جرى تجميع ١١،٨٣٥ كغم من الملابس التي وضعت في (٧٥٠) صندوق وشحنت الى البصرة بغية توزيعها على النازحين الذين لجأوا الى بغداد والحلة والفلوجة والرمادي
٢) الحملة الثانية جرت بعد نجاح الأولى بحوالي شهر وجرى فيها تجميع حجم مقارب وضع في (٧٤٠) صندوق وشُحنت عبر تركيا بغية توزيعها على النازحين في دهوك وأربيل وكركوك وسنجار وألقوش، مع مبلغا ماليا بلغ (٣٧ ألف دولار)
٣) ونعمل منذ فترة في الحملة الثالثة، والتي ستتركز على جمع الأموال من ابناء الجالية وارسالها الى الجمعيات والأشخاص الذين نتعامل معهم وسط النازحين، آخذين بنظر الأعتبار اعتماد مبدأ الشفافية في عملنا، واصدار وصولات الأستلام في كل مراحل تقديم التبرعات وصولا الى توزيعها واستلامها من قبل النازحين، ولعل الأمر المهم هنا هو ايصال المبالغ المرصودة بغية شراء المراوح الهوائية والمكيفات لمقاومة حر الصيف اللاهب هناك. ونعمل الآن لتشكيل هيئة تعني بمساعدة النساء اللواتي تم تحريرهن من داعش عبر أخذهن للعيادات الطبية والنفسية وتقديم المعالجات الآنية وللتخفيف عن معاناتهن.
وللوقوف أقرب من عمل هذه الجمعيات كان لابد من التعرف على عدد العاملين وتمويلهم وطرق تحركهم فأجابت السيدة إيمان بكتاش بالقول: ما يجمعنا أولاً كوننا عراقيين، ونعالج محنة عراقية. من هنا كان هذا العمل اصلا، وكل الذين معنا هم متطوعين، بغض النظر عن الساعات التي يقضوها إن كان في جمع المواد العينية او التوجه للعوائل والمؤسسات، لا بل لابد هنا من تسجيل الشكر لأحد ابناء الجالية الذي منحنا (بيتا) مؤقتا مكننا من خزن المواد التي جمعناها، اضافة الى الأخوة اصحاب الشركات ورجال الأعمال العراقيين الذين سهلوا عبر (شاحناتهم الكبيرة) من نقل المواد، وبصورة عامة كانت ملحمة وطنية خالص، اختلطت فيها الدموع احيانا، والفرح احيانا اخرى ونحن نرى حجم التضامن والتعاطف من ابناء وبنات الجالية مع مسعانا الأنساني هذا. لقد تضاعف عددنا وكذلك مع التبرعات منذ ان نشرناها في وسائل التواصل الأجتماعي بالأنترنيت والفيس بوك.
اما عن الجهات التي يجري التعامل معها في الوطن فقالت: بالحقيقة اعتمدنا على علاقاتنا مع بعض منظمات المجتمع المدني العراقي وخاصة "رابطة المرأة العراقية" وشخصيات وطنية معروفة بنزاهتها اخص منهم بالذكر : (فكتوريا يلدا ـ دهوك، نازك كشميدن، كفاح كنجي، أبو روزا الحرافيش، مهند سنجاري، حسن عزيز، سميرة القس يونان في القوش، د. أزهار جابر في الحلة والزميلة ماجدة الجبوري اثناء تواجدها في العراق) وربما اناس آخرين قدموا ويقدموا لنا المساعدة في العراق في توزيع هذه الأعانات على النازحين، وتحمل اعباء ذلك من جيوبهم الخاصة. كما نعمل جاهدين على ايجاد قناة للتواصل مع الدكتور مزاحم مبارك (الطبيب المجاني) لمحاولة امداده بما يحتاج من ادوية في عمله الطبي الأنساني مع النازحين.
وعند سؤالها عمّا إذا كانت هناك جهات اخرى غير عراقية قد ساعدتكم او قدمت التبرعات فأجابت السيدة إيمان بكتاش : إن كل ما جرى كان بأيدي عراقية خالصة، وبالحقيقة اننا فخورين بذلك، ليس هذا فحسب، بل اننا نتعامل مع الكل هنا وفي العراق، ولا نفرق بين النازحين على اساس طوائفهم وأديانهم، وأذكر باعتزاز تبرع منظمة (مريان الخيرية) العراقية ب ٦٥ صندوق ومبلغ مالي لدعم النازحين، ولا بد لي من تسجيل أسمى آيات الشكر والتقدير الى جاليتنا الغالية، الى كل من ساهم ودعم وعمل وتبرع لأنجاح حملتنا، وبالحقيقة فإن موقفهم كان (رفعة للراس) كما يُقال. اما عن افضل طريقة للتواصل معنا ومع حملتنا لدعم اهلنا النازحين، ضحايا ارهاب داعش والميليشيات فهو عن طريق موقعنا الألكتروني:
http://icsociety.ca/index.php/ar
او بزيارة صفحتنا الألكترونية على موقع الفيس بووك:
https://www.facebook.com/pages/Iraqi-Canadian-Society-of-Ontario-/33834675627673

 بالترابط والتنسيق مع حملة "معاً" العراقية العالمية، إذ يوجد فيها رقم حسابنا المصرفي الذي يمكن تحويل الأموال اليه رسميا، او عن طريق الجمعيات المشاركة في حملتنا هذه وأعضائها المعروفين في الجالية وأذكر بعضهم : ( رياض الامام، علي اللامي، سالم يوسف ، حنان الشيخلي و نوال ناجي يوسف) وآخرين اعزاء معهم. وبالحقيقة اننا نسعى الى استغلال كل المناسبات للأعلان عن مشروعنا الأنساني من أجل:
 إعادة النازحين الى ديارهم، وترميم جروحهم النفسية والجسدية، احلال السلام في العراق والمناطق التي تُطهّر من قوى الظلام والأرهاب، وتوفير فرص عمل للنازحين ودعمهم من اجل عودتهم الى حياتهم الطبيعية، وفي مسعانا هذا نعتمد على الخيّرين من جاليتنا العزيزة وعلى قوى السلم الشقيقة والصديقة في كندا والعالم.
***
سيرة شخصية: السيدة إيمان حميد بكتاش من مواليد العاصمة بغداد، درست الأبتدائية والمتوسطة فيها وتخرجت من الأعدادية المركزية. حاصلة على شهادة الماجستير في حقل الفلسفة وعلم النفس.غادرت العراق عام ١٩٧٩ووصلت الأرض الكندية عام ١٩٩٩. تعمل في المنظمات المدنية، فهي رئيسة الجمعية العراقية الكندية، ورئيسة حملة "معا" لدعم النازحين في العراق، كذلك هي عضوة ناشطة في التيار الديمقراطي، اضافة لعملها الوظيفي اليومي.
أما امنيتها للعراق فتقول: أن يُحسن العراقيين في اختيار ممثليهم للبرلمان، وأن تَنتج الأنتخابات القادمة برلماناً وحكومة عابرة للآفات السامة الثلاث، المحاصصة الحزبية والفساد الاداري  والطائفية المقيتة.

كمال يلدو
تموز٢٠١٥


276
كمال يلدو: وفاءاً للراحل يوسف بولص شعيا، شهيد "السلم في كردستان" بساحة الخلاني

أن يسقط الأنسان شهيداً في الدفاع عن مصالح الجماهير، او عن المُثل التي يعتنقها، شئ رائع تفخر به الشعوب وحركات التحرر، لكن أن يسقط برصاص شرطة الحكومة التي خرج ذات يوم بالمظاهرات دفاعاً عنها ومناصراً لقادتها، فهذا أمر يحمل في ثناياه تناقضات صعبة.
نعم ، سقط وهو يعي بأن الشعار واللافتة التي كان يروم تعليقها تعني فيما تعنية حقناً للدماء العراقية، وتجنيب الثورة مساراً غير الذي تمناه العراقيين، إن كان في السلم الأهلي والأخاء الوطني، أو بمنح الأكراد حقهم في الحكم الذاتي، طريقاً بديلاً عن لغة القنابل والرصاص. سقط وهو يدعو ل "السلم" وياليت لهذا السلم أن يتحقق بمماته، لكن وللأسف كان هناك طريقاً طويلاً وأنهراً من الدماء وقوافلاً من الشهداء، اخذت البلاد الى حيث لا يتمناه أيُّ انسان مخلص.
***
ولد الشهيد يوسف بولص شعيا بالمحلة العليا ـ محلة ائليثا ـ من مدينة باطنايا التابعة لمحافظة نينوى عام ١٩٣٧، واقترن بالسيدة بربارة بطرس اسحاق، ورُزقا ببنت وولد، خالدة وثامر، ولو كان على قيد الحياة فسيكون له تسعة أحفاد وخمسة من أبناء الأحفاد لحد الآن.
في عام ١٩٤٨ قصدت عائلته العاصمة بغداد بحثا عن فرص عمل أفضل، فعمل والده بولص في مديرية الطرق والجسور، وتبعه الراحل في نفس الدائرة حينما بلغ سن التوظيف. لم تتوفر له الفرصة للتعليم لأنه إنشغل  بالعمل منذ صباه، خاصة وأنه أكبر الأبناء، لكنه انتظم في مدارس (محو الأمية)، فيما سكنت العائلة منطقة (المربعة) الكادحة .

يتحدث عنه شقيقه السيد بطرس بولص شعيا ويقول: كان المرحوم انسانا هادئا وصبورا وحكيماً. لا اتذكر ان كانت له اية مشكلة مع أحد في منطقة السكن (الطرف)، وكان محترما، وأنا شخصيا  كنت احبه. وعندما تعود بي الأيام فأن الدم يتجمد في عروقي من هول الحدث.  كان اليوم هو الثامن عشر من شهر كانون الثاني ١٩٦١، وكنت قد باشرت يومي للتو في عملي بدائرة الكمرك الكائنة بمنطقة السنك، وقد يكون الوقت  حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا حينما دخل الى المكتب أحد معارفي (أنيس) وقال لي : إن الأهل يطلبوك في البيت، وعلمت لاحقا بأن الأمن قد ضرب يوسف بالرصاص وهو يعلق اللافتة في ساحة الخلاني،  وأخذته على الفور الى مستشفى الطوارئ، وبقيت الى جانبه، ولأنه كان ينزف فقد تطوعت أنا وأحد اقربائي (يوسف ميخا ـ أبو سلام) للتبرع بالدم. أشرف على علاجه جراحا كان ذو خلفية وطنية مازلت أذكر اسمه (د. سنحاريب)ويبدو أن الجرح كان عميقا، وأستمر معه النزيف، إذ قال لنا الجراح، بأن الطلقة استقرت في (المثانة) وهذا مكان خطر وحساس للجراحة. كنت اقف بجنبه وأحتضن يداه ودموعي تنهمر مثل الأطفال  فيما كانت قواه تضعف شيئا فشيئا، ولم يمض وقت طويل حتى اسلم الروح . حملناه الى (كنيسة ام الأحزان) حيث اقام المطران الراحل موسيس قداس الجناز على روحه، وفي هذا الأثناء كان نبأ ضربه بالرصاص ومن ثم وفاته قد انتشر سريعا كالنار في الهشيم، فتجمعت الجماهير وأنطلقت من الكنيسة مخترقة الأحياء الشعبية حتى شارع الجمهورية وصولا الى (مقبرة الكلدان) قرب ساحة الطيران ومقابل تانكي الأسالة حيث وري الثرى .
كان الخبر والحدث وكل ما جرى في ذلك اليوم فاجعة كبرى، على مستوى الوطن أو على مستوى العائلة. كان والداي يحبونه كثيرا، ولو تأخر قليلا في أحد المساءات  كانت والدتي تطلب مني أن أخرج للبحث عنه. لقد كان يحبني ، وكنت ابادله ذات المشاعر. ولأن عملية القتل اقترنت بالغدر والغطرسة، فقد كانت ردود فعل المشيعين غاضبة جدا. حملت الناس جثمانه مرورا بكل المناطق الشعبية التي عرفته وأحبته وأحبها، وكان حقا يوما حزينا، تلقينا فيه المواساة من جموع وشخصيات كثيرة جدا.
اما عن عملية اطلاق الرصاص فيقول السيد بطرس شعيا شقيق الراحل: كنّا نعرف جيدا إن مؤسسات الأمن مليئة بالبعثيين والقوميين وأعداء الشيوعية، وكانت هذه فرصتهم للأيقاع بين الزعيم وبين أكثر الناس حبا له وحرصا على ثورة ١٤ تموز وأعني بهم الوطنيين واليساريين والفقراء. ولا اتذكر يوما أن قام الأمن بمعاقبة (بعثي أو قومي) نتيجة اعتدائه او قيامه بعمل مخالف للثورة، لكنه أسرع وأطلق الرصاص الحي على أناس كانوا يقومون بتعليق لافتة سياسية، لم تكن تدعوا لقلب الحكم او قتل اي شخص او تدعو للكراهية والحقد، لقد كانت تدعوا بكل بساطة الى : ((السلم في كردستان)) وهي استجابة للنداء الذي اصدره الحزب الشيوعي، والذي حذر من الفخ الذي نصبه اعداء ثورة ١٤ تموز لقيادتها الوطنية وذلك من خلال اذكاء الأحقاد الشوفينية واشغالها بالحروب الداخلية وأرهاق الجيش والشرطة حتى يتسنى لهم الأنفراد والأنقلاب على الحكم، وهذا ما تم بعد فترة وجيزة في يوم الثامن من شباط الأسود عام ١٩٦٣. لقد أحب  أخي الراحل الثورة وقادتها الميامين، ومن الصعب أن يصدّق الأنسان بأنه يُقتل بالرصاص الذي كان المفروض ان يحميه. لقد كان رحيله خسارة شخصية لي ولعائلته خاصة لزوجته حيث كان اولادهما في عمر الزهور( سنة ونصف و ستة شهور)، اما للوطن فأظن انها كانت اشارة قوية لما ستؤول اليها الأوضاع لاحقا، لكن بعد فوات الأوان.
اما زميله ورفيق دربه السيد كوركيس منصور (أبو شوقي) فيتذكره بالقول: كأن الحدث يعيد رسم مشاهده أمامي اليوم وليس قبل (٥٤) عاما خلت. كان الراحل ينحدر من نفس بلدتي (باطنايا) وفي بغداد عشنا بذات المحلة الشعبية (المربعة) وأنعقدت صداقة حميمية بيننا ، ولأن الراحل كان كادحا وينحدر من عائلة عمالية فأنه تعلق أكثر بالأفكار الوطنية التي توّجت بالأنتصار الكبير الذي حققه الشعب في ثورة ١٤ تموز .  وبالرغم من انه لم يكن على درجة عالية من التعليم لكن ايمانه السياسي كان حقيقيا وصميميا، لابل انه تمكن من التأثير على كل افراد عائلته. وبالحديث عن التزامه السياسي فقد كان بالنسبة له مرادفا للموقف من الحياة والأنسانية، إذ  لم تدعوا يوما للدمار أو التخريب أو القتل، بل على العكس فقد كانت تنادي ب (وطن حر وشعب سعيد). ويكمل السيد "أبو شوقي": في الليلة التي سبقت الحادث، انطلقنا سيرا على الأقدام (كعادتنا يوميا) قاطعين شارع الجمهورية من جهة منطقة (المربعة ودكاكين عبو) نحو ساحة الطيران، وتوقفنا قليلا امام المكان المزمع تعليق (اللافتة) فيه ، فكان من شرفة لشقة مطلة على ساحة الخلاني و مملوكة  من قبل السيد (حمدي شريف) شقيق الأستاذ عزيز شريف.
في صباح اليوم التالي، كنّا عدة مجاميع، واحدة للحراسة وأخرى للتعليق وهكذا. كان يرافقه  زميله المرحوم (نعيم مروكي)، وبينما كان الراحل يصعد السلم لتعليق اللافتة، فأذا برجال الأمن ينادون عليه بالنزول والتوقف عن ذلك، وهددوه بالرمي بالرصاص، فأجابهم: إني جئت لأكمال هذه المهمة ولا تهمني لغة الرصاص!  وفعلا قاموا بإطلاق الرصاص عليهما، فأصيب نعيم مروكي في جسمه وتعافى لاحقا، فيما اصيب الراحل بطلق ناري اخترق مثانته وأدت لوفاته لاحقاً.  ويكمل أبو شوقي:  هكذا يخطف الرصاص هذا الأنسان الوديع الذي صعب عليه أن يرى العراقيين يتقاتلون، فيما الرجعية وأعداء الثورة من البعثيين والقوميين متربصين بأحقادهم الشوفينية وواضعين الخطط لتضييع الثورة ودفعها في الدروب المظلمة. وللأسف فإن رحيله  كان واحدا من  المؤشرات لقادم الأيام من المآسي والأرهاب والدمار.
** السيد كوركيس منصور (أبو شوقي) صديق في غاية الوفاء لهذا الشهيد، فهو لا يكف الحديث عنه وعن مأثرته البطولية في الشهادة، وكان قد نشر مقالة عنه يوم ١٨ كانون ثان عام ١٩٨٧ في جريدة (صوت الأتحاد) بديترويت، ضمنها تلك الحادثة وأبيات من الشعر نظمها له، علما إن أبا شوقي هو الوحيد الذي يحتفظ  بنسخة من صورة الشهيد، فشكرا لك يا وفي.

**الذكر الطيب للشهيد يوسف بولص شعيا، شهيد السلم في كردستان
**المواساة لعائلته الكريمة، إخوة وأخوات وزوجة وأبناء وأحفاد
**الأندحار للأفكار الشوفينية الحاقدة والدوام لتطلعات الأنسان نحو غد أفضل
كمال يلدو
حزيران ٢٠١٥
 



277
كمال يلدو: رحلة دعم العيادات الطبية للنازحين والمهجرين مع د. نزيه بجوري

تفخر عوائل الجالية العراقية في ديترويت بالموقف النبيل لأبنائها وبناتها من محنة النازحين التي ضربت وتضرب العراقيين على مدى السنين الماضية، عبر البرامج الأنسانية والتبرعات السخية والوقوف معهم في اصعب الأوقات. وبعد سقوط الموصل بيد الأرهابيين صار هناك جهدا اضافيا على كل المنغمرين في العمل الأنساني، فكبرت تلك المؤسسات وتوسع عملها مع اتساع المعاناة والمأساة الأنسانية هناك. فبعد ان كان هناك برنامج (تبني عائلة لاجئة ـAdopt a Refugee Family)  توسع اليوم  ليصبح ( برنامج ساعدوا العراق ـ Help Iraq.org)  حيث وضعت  " مطرانية مار توما الرسول الكلدانية بديترويت وراعيها المطران فرنسيس قلابات" امكانياتها لأنجاح هذا العمل، وتم فعلا التوسع  به وإضافة المزيد ،  حيث مازال برنامج مساعدة النازحين واللاجئين (لدول الجوار وداخل العراق) قائما، وأضيف له  برنامج تقديم اللوازم المدرسية للتلاميذ (التعليم ـ Teach) وبرنامج التوعية القانونية للنازحين والمهجرين (القانون ـ Justice) والبرنامج الذي يعني بالمساعدات الطبية (الرحمة ـ MERCI) ، وحول ذلك كان هذا اللقاء مع د.نزيه بجوري الذي عاد منذ فترة قصيرة من زيارة رافقته بها زوجته د.ندى بجوري وقال:
استجابة للنداءات والحاجة الماسة لأهالينا النازحين الذين اضطروا لترك قراهم وبيوتهم نتيجة احتلال (داعش) لها والسكن في المخيمات، فقد  أوفدتنا نقابة  (اصحاب المهن الطبية الكلدانية الأمريكية بديترويت CAAHP) لتفقد الأوضاع في المحافظات الشمالية من العراق والوقوف على احتياجاتها والقيام بعمل ما على الأقل الآن، وهذا ما تم بالفعل  في شباط الماضي ٢٠١٥. ويُكمل د. نزيه حديثه قائلا: عقب الأزمة مباشرة قمنا بتأسيس ثلاثة عيادات طبية في (محافظة أربيل ـ مدينة عنكاوة) حيث النسبة العالية من النازحين، وبعد اشتداد الأزمة ونزوح المزيد من العوائل وتوزعهم في مناطق اكبر برزت الحاجة للأستجابة لذلك، وأستطيع أن أقول بفخر ان عدد عياداتنا قد وصل الى احد عشر (١١) حتى شهر حزيران ٢٠١٥. إن نقابتنا خيرية، وهدفها طبي انساني، وهي مؤسسة غير ربحية وجميع وارداتها ونفقاتها من اعضائها، وكل ما نقوم به من اعمال يأتي من المصروف الخاص للعضو أو العضوة ، وهذا يحسب كرصيد انساني وخيري لهم. إن سفرتنا لم تكن طويلة نتيجة لأرتباطاتنا المهنية هنا. بعد وصولنا الى أربيل حاولنا استثمار الوقت بأفضل طريقة، آخذين بنظر الأعتبار المناطق الواجب تغطيتها، والوضع الأمني والطرق الوعرة والمسافات بين المناطق، لكني استطيع القول بأننا كنّا موفقين للقاء العديد من الكهنة الأفاضل والأطباء المتطوعين وكذا الحال مع الممرضين والمساعدين والراهبات الفاضلات وكل من يعمل على اغاثة المحتاجين.جدير بالذكر إن كل هذه العيادات قد اقيمت ضمن (بناية) الكنائس، حيث اقتطعت بعض الغرف والمكاتب وتم تحويلها الى عيادات لمعالجة المرضى والمحتاجين.
**اولى المحطات كانت زيارة عيادات مار يوسف الخيرية، مار تشموني  وعيادة ام النور في عنكاوة.
** زرنا العيادة الخيرية في شقلاوة، والتقينا بالدكتورة الراهبة د.لارسا
**زيارة عيادة  مار قرداغ الخيرية في ألقوش ولقاء الأب الفاضل آرام و د. بادر
**باقتراح من سائق سيارتنا الرائع (منهل بلّو) زرنا قريتان قرب ألقوش تأويان مئات العوائل النازحة (ملا بروان ـ هزار جوت) مع زيارة للكنيسة ولقاء الأب دنحا.
** توجهنا الى دهوك والعيادة الخيرية في (كنيسة إيث آلاها)، وكذلك مركز توزيع الأرزاق في (كنيسة مار نرساي)
**زيارة الى زاخو حيث الحاجة الماسة للعيادة الطبية نتيجة العدد الكبير من الأسر النازحة (آلاف) علما إن معظم النازحين كانوا قد  التجأوا الى قرى فقيرة أصلا.
**في زاخو قام الأبوان جوني و لؤي و د.عصام  بعمل جرد لكل الحالات التي تحتاج الى أدوية الأمراض المزمنة.
** توجهنا بعدها الى كركوك حيث التقينا  المطران يوسف توما، والعيادة الخيرية هناك يعمل فيها طيف منّوع من الأطباء والمساعدين.
**محطتنا قبل الأخيرة كانت في عيادتنا التي تغطي منطقتي (أرادن و مانكيش) وكانت فرصتنا للقاء (الأب يوشيا) العائد لبلدته بعد (٣٠) عاما من الغربة.
**أما آخر المحطات فكانت في مدينة السليمانية حيث افتتحنا عيادة طبية هناك.
إن عملنا هذا هو ترجمة لمشاعرنا وأهداف نقابتنا الأنسانية ، وندعو جاليتنا العزيزة الى  المزيد من التعاضد معنا، إذ ان محنة النازحين مستمرة ونخشى ان تطول اكثر وتكون نتائجها اصعب على الأطفال والنساء وكبار السن، وحتى على الشباب الذي تنعدم امامهم فرص المستقبل. لقد تمكنا خلال الفترة الماضية من تقديم (١٢٠ ألف دولار) للمساعدة ببناء العيادات الطبية هناك وشراء كل مستلزماتها وأحتياجاتها، والحاجة مستمرة لليوم. اما هذه المبالغ فأنها تودع في (الحساب المصرفي الرسمي) للكنيسة الكلدانية في أربيل والذي تشرف عليه لجنة من الأمناء، بغية تحقيق الشفافية في العمل وطمأنة كل المتبرعين بأن أموالهم تذهب ١٠٠٪ الى المحتاجين. إني أشكر كل من ساعدنا في سفرتنا وسهّل امور تنقلاتنا وضيافتنا، ,اشكر بأسم نقابتنا كل الآباء الكهنة والراهبات والأطباء والمساعدين وكل من يبذل جهدا طيبا لمساعدة النازحين في محنتهم، والشكر ايضا لجاليتنا المعطائة التي لولاها لما وجدت برامجنا النور أو تمكنت من التوسع بهذا القدر.

** تأسست النقابة  عام  ١٩٩٦ وتضم كل العاملين من اطباء وأطباء اسنان وصيادلة وكل العاملين بالمهن المتعلقة في هذا الحقل ، وتبلغ عضويتها الآن حوالي ٢٥٠ ـ٣٠٠  منتسب ويرأسها  د. مصعب كَبي. هناك عملا شهريا دأبت النقابة عليه كجزء من التزامها تجاه الجالية الكريمة في ديترويت وذلك  بتقديم الفحوصات واللقاحات في اماكن تجمع العوائل وتحديدا في العمارات السكنية والكنائس مجانا تحت برنامج ( التعافي Bismotha) والذي يقوم بأجراء الفحوصات الطبية وعلاجات الأسنان مجانا لذوي الدخل المحدود من ابناء الجالية، أو ممن ليس لهم التأمين الصحي،  بطاقم مؤلف من حوالي ٣٥ طبيب وحوالي ١٠ اطباء اسنان اضافة للمضمدين والممرضين مع تقديم الأدوية اللازمة مجانا، وقد انطلق هذا البرنامج   منذ حوالي خمسة سنوات وللآن .   نحاول من خلال تبرعات الأعضاء ونشاطاتنا الأجتماعية والترفيهية  توفير المبالغ اللازمة لتفعيل دورنا وعملنا الأنساني مع النازحين والمحتاجين والمتضررين من ابناء شعبنا العراقي على اختلاف طوائفة وقومياته وأديانه.
وللمزيد من المعلومات والأخبار والصور يمكن زيارة الموقع الرئيسي للحملة على العنوان :
http://www.helpiraq.org

** د. نزيه  ججو بجوري: من مواليد العاصمة بغداد عام ١٩٦٦، تخرج من كلية طب الأسنان في جامعة بغداد عام ١٩٨٩، ثم حصل على شهادته العليا من ولاية ماسيتجوسس في الولايات المتحدة . قدم الى أمريكا عام ١٩٩٨، وهو متزوج من د.ندى حنا، ويمارس عمله من خلال عيادته التي تقع وسط تجمع الجالية. اما امنيته للعراق فيلخصها بأن يعم السلام والأمان ويتوحد العراق وتعود الناس المهجرة الى بلداتها وبيوتها وحقولها،ويعيشون كما كانوا دائما، متحابين ومتعاونين.
كمال يلدو
حزيران ٢٠١٥
 



278
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد يوسف جرجيس توما كَريش

يدور جدلا كبيرا عند عامة الناس حول جدلية العلاقة بين المواطن والسلطة، بين مواطن مجرد ودولة تملك الجيش والشرطة والأمن والمعتقلات والسجون وكواتم الصوت، ويبقى السؤال باحثا عن الجواب: مَن يجب أن ينتصر لمَن؟  وبالحقيقة ان المواطن يتحمل جزء من المسؤلية في اي تغير منشود، فبدون وعيه ومعرفته لحقوقه، تبقى كل ما تقدمه الأنظمة (مكارم)، حتى السجون والمقاصل والمقابر الجماعية. لا تبنى الأوطان بالقمع والدم والغاء الآخرين، بل على العكس انها تبنى بسيادة القانون وعقد الثقة والمصلحة المتبادلة بين المواطن والدولة. الدولة التي تحترم ابنائها وتقدس الأنسان لأنه هو المفروض ان يكون مشروعها الأول والأخير.

***
الشهيد يوسف جرجيس توما كَريش من مواليد  مدينة ألقوش التابعة لمحافظة  نينوى عام ١٩٤٥ في (المحلة التحتانية ـ محلة ختيثة)، إقترن بالسيدة سلطانة كيكا صادق ورزقا بولدين (وسام وفرات) ولهما الآن خمسة احفاد.
درس الأبتدائية في مدارس ألقوش، ثم أكمل الثانوية في بغداد بعد انتقال العائلة لها، دخل معهد المعلمين، وبعد تخرجه كان أول تعينه في (قضاء المحمودية) وأصبح مديرا للمدرسة هناك، نُقل بعدها الى سامراء، وبعد فترة الى مدرسة في (مدينة الشعلة) ببغداد. وفي تلك الفترة صعّدت الأجهزة الأمنية من حملة المضايقات والتهديد بإستهداف كل من لم يدين بالولاء للبعث أو ينظم لصفوفهم، والشهيد يوسف لم يكن استثناءا من ذلك، فقرر الألتحاق بصفوف (الأنصار) بين نهاية ٧٨ وبداية ٧٩، حيث اعيد تشكيل الفصائل المسلحة لمواجهة تهديدات السلطات ولأستيعاب الأعداد الكبيرة ممن آثروا الأفلات من ملاحقات البعث وسجونه. أمضى هناك قرابة العامين، وكانت من اصعب الأيام نظرا لظروفهم القاهرة وقلة المؤون والسلاح، وأقترانا بقوة السلطة وتسليحها العالي.  مع دخول العراق الحرب ضد ايران، اصدرت السلطات قرارا بالعفو عن الهاربين او الملتحقين بصفوف (العصاة) كما كان النظام يصفهم، فقرر تسليم نفسه، وفعلا تم ذلك يوم ٢٠ أيلول عام ١٩٨٠ في مدينة ألقوش. وأمضى ثلاثة ايام مع عائلته وفي اليوم الرابع توجه مع والدته الى (مديرية الأمن) في بغداد بغية الحصول على (كتاب رسمي) يؤهله العودة الى وظيفته، فقيل له : عد بعد ساعة، وهذا ما فعله!
تتذكر السيدة سلطانة زوجة الراحل تلك الساعات وكأن عقارب الزمن قد توقفت هناك: كنّا بانتظاره عصر ذاك اليوم، وعندما حان المساء، بدأ القلق يدب فينا، فذهبت والدته المرحومة (سـيّة يوسف كَريش) مع احد الأقرباء الى مديرية الأمن للأستفسار عنه، فقيل لها: انه لم يُراجعنا ولم يدخل عندنا! ومنذ ذاك التأريخ عشنا الويلات والمصائب وصارت كل الأمور مرتبطة بالمجهول.
وتكمل الزوجة المفجوعة سلطانة القول: لم نترك الأمور، فقدمنّا العرائض، وقلنا لهم بأنه (سلّم نفسه بناءا على قرار العفو) ولم تجد نفعا، وحاولنا الوصول الى اي مسؤول ممكن ان يحل هذا اللغز، وفعلا تمكنا  (عبر احد المعارف) من الوصول الى (طه ياسين رمضان)، وكان جوابه بأن "نذهب للجهات المختصة"، وقمنا بالمحاولة ثانية مع مديرية الأمن العامة، وهنا ثارة ثائرة الضابط، وصار يكيل لنا الكلمات ويقول: كيف وصلتم الى طه ياسين رمضان، لابل انه قال بالحرف الواحد: لو يكون يوسف خلف ظهري، فإني لا استطيع ان اقول انه موجود! هكذا عاملونا.
وتضيف السيدة سلطانة قائلة: كان مخبري الأمن وأعضاء المنظمة الحزبية يأتون الى بيتنا كل شهر ويقولون لي : أين زوجك؟ وأجيبهم  بذات اللهجة، إن زوجي عندكم! وفي احدى المرات قصدت مديرية الأمن وطلبتُ توضيحاً عن مصير زوجي، فقال لي الضابط: هذا لا يستحق دموعك، لقد اعدمناه، كان مخرّبا، وعندما ايقنت من كلامه طلبت منهم شهادة وفاة، فأجابني قائلاً:    لقد اعدم شنقا حتى الموت، ودفن في مقبرة جماعية في منطقة الزعفرانية او قربها.
إن معاناتنا لم تنته عند هذا الحد المؤسف، بل امتدت ايضا الى المضايقات والأرهاب المتكرر، وتحمل مسؤلية الأبناء الذين اصبحتُ لهم الأم والأب.وطالما تحدثت عن ذلك، فأني اكرر امتناني وشكري الى موقف والدة الشهيد (سـيّة) المشرّف وعائلته في مساعدتي بتربية اطفالي وعدم تركي اسيرة اية ازمة او حاجة، لقد تَحملت هذه الأم كثيرا وتجرعت كأس المرارة لكنها، لم تنحن للطغاة او تستسلم لهم.
اما السيد شمعون كَريش شقيق الشهيد يوسف فيتذكرهُ قائلاً: لقد نشأ أخي في بيئة (ألقوش) التي كان يغلب عليها طابع الأنتماء اليساري وقادتها الميامين، ولم تكن تلك الأفكار غريبة عليه، لكني علمت بأنه اختارها  منهجا وطنيا له في تلك الفترة التي عمل فيها معلما في المحمودية بداية عام ١٩٧٤.  كان يتمتع بشخصية محترمة ومحبوبة، وتمكن من التدرج السياسي وحاز على ثقة زملائه به، ولم يكن مترددا في الفداء من اجل الشعب او قضيته التي آمن بها. بعد ان ساءت الأحوال السياسية في نهاية السبيعنات وتعرضي للأعتقال، اصبح الشهيد هدفاً قريبا لمخابرات البعث لهذا آثر اختيار الألتحاق بالأنصار بديلا عن الأستسلام لهم. لقد اثبتت الحياة بأن البعث وكل من كان على شاكلتهم هم اقوام لا يؤتمن لهم ولا يقرّون بالديمقراطية او بالمجتمعات المتعددة او بالتداول السلمي للسطة، ان القمع والأرهاب عندهم اسهل طريقة للأنتقام من خصومهم السياسيين. لقد خسر الوطن الآلاف من خيرة ابنائه وبناته  وأحتل مكانهم الجهلة والمتخلفين الذين أشعلوا وطننا الغالي بالحروب وأغرقوه  بالأرهاب والموت، تبا لهم ولسياستهم الفاشلة.

لعل من يلتقي السيدة سلطانة زوجة الشهيد الراحل،  لا يخطئ ابداً وهو ينظر عميقاً في عيونها، إذ يشعر بحجم الألم والمرارة والغضب الساكن بهما، وتقول: نعم اشعر بالحزن لما آل اليه مصير زوجي على يد اناس اثبتوا بأنهم غدارين وخونة، وقد اثبت التأريخ والأحداث بأنهم لم يخونونني انا فقط بل خانوا كل الشعب. لقد دفعتُ انا والمئات من عوائل الوطنيين الثمن غالياً نتيجة العقليات المتهورة والمغرورة ، نتيجة التخلف ورفض الآخر، هذا الذي يُفترض ان تحميه الدساتير والقوانين، لكن مع كل هذا فقد انتصرتُ على جلاديه، لقد عشتُ وربيتُ أولادي على افضل ما يكون وأنا سعيدة معهم. ولا تغيب عنّا ذكرى والدهم ولا الأفكار النبيلة التي اعتنقها وضحى من اجلها، انها افكار سامية، انها لم تدعُ  للموت او الخراب او الأنتقام، لقد كان يطالب ب (وطن حر وشعب سعيد) وما اروعه من موقف وشعار. نعم لقد عانيتُ.  لقد اقترنتُ به وكنتُ شابة صغيرة العمر، ودام زواجنا سبع سنوات فقط، تخللها الكثير من الأحداث. غادرتُ العراق عام ١٩٩١، ومررتُ بالأردن والدانمارك وكندا قبل أن استقر في ولاية مشيكَان بالولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كانت عندي امنية أو أمل اقوله، فهو لن يكون بعيداً عمّا نادى به زوجي "يوسف" بأن يعيش الناس بالأمن والأمان والفرح، وأن ينعم الأطفال والنساء بمستقبل زاهر، وأن تزول غمامة داعش والطائفية ويعيش الناس في وطننا معززين مكرمين.
** الذكر الطيب للشهيد يوسف جرجيس توما كَريش
**العار لقتلته المجرمين ونظامهم الفاشل المقبور
**المواساة لزوجته الغالية سلطانة وأبنائه وسام و فرات وعائلته وكل من عرفه وأحبه
كمال يلدو
حزيران ٢٠١٥
 



279
جهد رائع لهدف انساني نبيل. شكرا لرابطة المرأة، وشكرا ست انتصار، وكم كنت اتمنى ان ارى بعض البرلمانيات اللواتي تزأر حناجرهن في مناسبات، ويلفها الصمت المميت في مناسبات اخرى. وتحسدنا بعض الشعوب ان في برلماننا سيدات؟؟؟

280
الف شكر وتحية لك (ملازم أبو ميسون) وتقديري الفائق لمساعدتك في اظهار المقالة بشكل جيد. تقبل تقديري

281
ألف شكر على كلامك الطيبب أخيAshur Rafidean وبالحقيقة من خلالك اشكر كل من يقرأ ويتابع ويثني على العمل الطيب، وربما هذه دعوة لكل انسان طيب أن نكتب عن شهدائنا والمضحين من اجل خير الآخرين. للأسف، لا توجد جهات رسمية ترعى هذه العمل النبيل، فتبقى المسؤلية علينا نحن. شكرا جزيلا لزيارتك وكلامك النبيل

282
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد النصير عباس مهدي محمد شكر (أبو رغد)

يخرجون كل صباح، قاطعين القرى والأرياف والمدن حاملين اعلامهم الملونة وراياتهم الداعية لبناء الأوطان والإنسان، لرعاية الطفولة والمرأة ولضمان الحياة الحرة السعيدة، ولتحقيق العدالة والمساواة في هذا الوطن المثخن بالجراح والملئ بالحالمين والأحلام. اولئك هم جمهرة شهيداتنا وشهدائنا الأعزاء، الذين لا يغيبوا عن بالنا مهما اشتدت الأزمات وصعبت الأوقات. لهم الذكر الطيب دائما ولعوائلهم الكريمة محبتنا وخالص شكرنا وتقديرنا لتضحياتهم.
***
 الشهيد عباس مهدي محمد شكر ( أبو رغد ـ أبو مسار) من مواليد محافظة النجف عام ١٩٥٢، درس في مدارسها، وعندما تخرج كان يحمل شهادة الدبلوم من (معهد الصحة العالي ـ بدرجة مساعد طبيب).كان توظيفه الأول في البصرة (المدَينَة)، ثم نُقل الى (الفاو)، وبعد أن انهى خدمة الأحتياط العسكرية انتقل الى بغداد عام ١٩٧٧. إقترن بالسيدة (نضال مجيد حميد الياس) في مطلع العام ١٩٧٩، ولم يمهله تدهور الوضع السياسي كثيرا، فاضطر لترك العراق عقب زواجه بأيام معدودة في شباط ١٩٧٩ وتوجه الى بيروت وليعاود نشاطه الوطني من هناك. وعندما اعيد تشكيل فصائل الأنصار المسلحة لمقارعة النظام الدكتاتوري في كردستان العراق كان من اوائل الملتحقين عام ١٩٨٠، وسقط شهيدا في آيار ١٩٨٤.
ومن اجل أن تكتمل صورة المشهد كان لابد من الأتصال بالسيدة نضال، زوجته وشريكة حياته فقالت: تعرفت على الشهيد عبر أحد زملائي (عامر جميل) عندما كنت طالبة في الجامعة المستنصرية، وتم الزواج في اوائل ٧٩،  واضطر للمغادرة مباشرة عقب زواجنا وأيام شهر العسل القصيرة في شباط ٧٩ وقصد بيروت، وقد تمكنت من اللحاق به في تموز من ذات العام. ووضعت مولودي الأول (مسار)  في بيروت من نفس العام، وأفترقنا من جديد ، إذ عدتُ لبغداد فيما التحق هو بفصائل الأنصار في كردستان العراق. كنّا نتواصل (شحيحا) وقد تمكنت من الألتقاء به في تركيا عام ٨٣ وفي ايران عام ٨٤ ، وبقيت معه في كردستان لفترات قصيرة، لكني كنت مضطرة للعودة الى بغداد. في عام ١٩٨٤ التقيته لمدة ثلاثة ايام في احدى القرى القريبة من دهوك، إذ كان أخي يملك عيادة بيطرية في مدينة دهوك. عدت بعدها الى بيت أخي، وإذا بي افاجأ بخبر استشهاده في اليوم التالي لفراقنا، فأنتقلت الى بيت أخي الثاني في بغداد، وساهم بأعالتي وتغطية احتياجاتي بعد أن قام بتأجير منزل لي شاركتني به والدتي وشقيقتي وإبنتي مسار ايضا. ولشدما يحزنني أمر كنت اتمنى ان تمنحنا الحياة ولو فرصة قصيرة لتداوله، الا هو خبر حَملي الثاني بأبني (مجد) الذي ولد عام ١٩٨٤، ذات العام الذي رحل فيه عباس. لقد كان الخبر قاسيا جدا عليّ، ليس بسبب مسؤولية الأطفال بل لأن الوضع العام كله كان مربكا، فالحرب مع ايران قائمة، والحرب على القوى الوطنية قائمة، والسجون والأعدامات قائمة، والبلد كله على فوهة بركان، وأنا مع طفلين (٤سنوات وسنة واحدة)، لكني تدبرتها، وإضطررت لمغادرة العراق بحثا عن الأمان وتوفير المناخ الملائم لتربية الأبناء وأعيشُ اليوم بجزيرة (غوتلاند) بالمملكة السويدية. لقد كبرت مسار وكذا  مجد، وقد تزوج كلاهما وغالباً ما نتحدث بسيرة والدهم الشهيد رغم انهما لا يتذكرانه لكنه دائمُ الحضور بيننا، وأقص عليهم عن كردستان والنضال والعمل الوطني والتضحية من اجل المبادئ السامية، ورغم اللوعة التي تداهمني احيانا بسبب افتقادي له، لكني اتجاوزها بالنظر للمستقبل.
اما الفصل الثاني من حكاية الشهيد "عباس" فيرويه زميلهُ عامر جميل ويبدأ القول: تعود بنا الذكريات الى العام ١٩٧١ حينما تعرفت عليه عبر صديق آخر هو ( وسام محمد جواد) وحينها عرفت بأنه من كوادر "اتحاد الطلبة العام". استمرت تلك الصداقة وتوطدت اكثر ، وكنت استضيفه كلما حل في بغداد مجازا. كنت من اسعد الناس وأنا اشارك في بناء عائلته الصغيرة مع زميلتي الغالية (نضال مجيد)، ورغم كل الأوجاع التي تلتها، لكني مصر على استحضار الفرح اكثر من الألم. كان آخر لقائي به في شارع السعدون مقابل سينما النصر في شباط ١٩٧٩، وأفترقنا. أما أشد الصدمات ألما  كان ذلك الخبر الذي نزل عليّ كالصاعقة، حينما استلمنا في ديترويت (بيانا) موقعا من قبل المنظمات العربية العاملة في بيروت عام ١٩٨٤ وهي تنعي الشخصية الوطنية والكادر الشبابي (عباس مهدي ـ ابو مسار)، ولم يهدأ لي بال قبل أن اعرف  تفاصيل استشهاده بدقة، فعلمت عبر الأستاذ د. كاظم حبيب بأن الشهيد كان عضوا في الأعلام المركزي للحزب الشيوعي، وأنه عمل في قيادة (اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي ـ بعد اعادة تشكيله) ، اما ظروف الأستشهاد ، فهي الأشد غرابة وقسوة على قلبي. فقد قص لي بعض من رفاقه المشهد الذي أودى بحياته حيث قالوا: إن الشهيد قد سقط نتيجة الغدر والأندساس في المنطقة من قبل وكلاء النظام الذين سخرهم لأستهداف الكوادر الوطنية. . كان أمرا محزنا أن ينتهي  هذا الكادر السياسي الوطني، والشخصية الطيبة بهذه الطريقة ، وهو الذي ترك خلفه حياة المدينة والزوجة والأطفال وألاهل والأصدقاء وتوجه حاملا سلاحه وأيمانه من أجل مقارعة الدكتاتورية، بغية اقامة وطن آمن، وطن يتسع لأحلام الطفولة وأماني العشاق. لقد تحمل الصعاب والوحدة من اجل نصرة قضية الشعب الكردي العادلة ولمواجهة ارهاب البعث المسلط ضد الأكراد، هكذا وبهذا الثمن غابت شمسه وبهاؤه عنّا. انه لأمر احزنني وأخوتي ووالدتي وكل من عرفه صديقا طيبا مخلصا.
وفي هذا السياق يتذكر الملازم أبو ميسون ، آمر السرية الثالثة للفوج الثالث، كيف ان أحد الأشخاص (يفترض أن يكون موضع ثقة)  قد غدر به بعد أن عادت زوجته وأبنته الى دهوك، وكان يقوم بمرافقة الشهيد للعودة الى المقر، لكنه قتله. وعندما علمت قريته بذلك  ـ قرية زفنكي في منطقة صبنا ـ فأن نزاعا حدث ، لأن عملية الغدر تمس أخلاق اهالي القرية، وأنقسموا الى شطرين، شطر مع  المجرم والحكومة وشطر اصطف مع الأنصار. اما الصورة الثاني التي يحملها الملازم ابو ميسون، فهي عن حادثة القصف بالكيمياوي الذي تعرضت له المنطقة وكانت (النصيرة ام مسار) مع الأنصار وزوجها وأبنتها مسار، وربما من محاسن الصدف أن تنجو  وأن تبقى لتكمل المسيرة مع (مسار ومجد) ، الف تحية لها.
اما آخر الكلام فكان من زوجته الصبورة الطيبة ( نضال مجيد ـ أُم مسار) أذ تقول: مع كل أحزان المشهد، والأرباك الذي لازم حياتي لسنين، فأني مازلت على قناعة بأن الأختلاف في الأنتماء السياسي لا يجب ان يكون ثمنه الغربة والعذاب أو الموت. من حق الناس ان تعتنق ماتشاء، ويجب على القانون والدولة أن تحمي المواطن. إن جرائم البعث وصدام والدكتاتورية لاتغتفر، فلولا ارهابهم ما كان (عباس) قد غادرنا، ولا تغرّب وتغرّبنا، ولا مات بهذه الطريقة الخسيسة، انهم  وحدهم يتحملون المأساة التي يعيشها العراق أمس واليوم، ومع كل هذا فأني  أشعر بالفخر والأعتزاز كوني زوجة الشهيد (أبو رغد)، وأفتخر بانتمائه وحبه للوطن، كما وأشكر رفيقاته ورفاقه الذين وقفوا معي على مدى السنين وغمروني وأبنائي بمحبتهم. أتمنى ان يتعافى العراق من جراحه ويعود جميلا للجميع، ويملؤني الأمل بناسه الطيبين وشبابه المتطلعين للغد الديمقراطي السعيد.
**الذكر الطيب للشهيد  النصيرعباس مهدي محمد شكر (ابو رغد)
**العار لقتلته الأوغاد وللنظام العفلقي الذي اوصل البلد للدمار
**المواساة لزوجته نضال وأبنته مسار وأبنه مجد، ولكل عائلته وأصدقائه وكل من عرفه انسانا رائعا.

كمال يلدو
آيار ٢٠١٥
 



283
تحية لك استاذ لطيف وشكرا لأثارة هذا الموضوع. بالحقيقة ان ما تفضلت به قد أخذ البعض بشكل مفاجئ، فالعراقيين لم يختبروا سابقا حكم الجماعات الأسلامية، وها نحن اليوم نختبرها. كنا نسمع عن المواقف المتشددة لدى بعض الجماعات في مناطق من العالم، الموقف من الفن والأدب والثقافة والعلوم والتطور لكن ومع ماجرى في المنطقة خلال ٣٠ سنة الماضية من صعود للمد الديني الأسلامي، صار معلوما وبما لا يقبل الجدل والشك بأن هذه الجماعات لها ذات الموقف وان اختلفت تطبيقاته بعض الشئ لأنها بالحقيقة تستقي ثقافتها من ذات المنشأ. وحتى لا يضيع الأنسان في متاهات التحليل، فأن قناعتي اوصلتني لحقيقة بأن الأحزاب والجماعات الدينية عموما والأسلامية خاصة، هي لا تشجع الفنون والأداب، ولو اتيحت لها الفرصة لحاربتها وحاربت مشجعيها. ولمن يبحث عن البرهان....هذا هو العراق الجميل بين يديك!

284
كمال يلدو:العمل وسط النازحين مع الناشطة ماجدة الجبوري

حينما وقعت بين مخالب البعث عامي (١٩٨٠ و ١٩٨٤) خضعت لشتى انواع التعذيب والألم. كان كل أملهم أن يحطموا انسانيتها، ويكسروا معنوياتها، لكن الذي حصل كان العكس، فقد انتصرت عليهم بصبرها وثباتها، وتفوقت على ارهابهم بأن عاشت فيما نظامهم ذهب للجحيم، والأكثر من هذا انها تعيش اليوم مناصرة لقضايا المرأة العادلة في المساواة والعيش الكريم والأحترام. تعمل ليل نهار حتى يصبح العراق بلدا يكون فيه القانون سيد المشهد، وأن ينعم أهله بالحياة الحرة الكريمة. خاضت تجربتها الأخيرة مع النازحين والناجين من ارهاب (داعش) وتعمل  مع العديد من المنظمات لمساعدة النساء (الأيزيديات وغيرهن) ممن تعرضن للأغتصاب بغية إعادة تأهيلهن للحياة العامة، وهي تبعث برسالتها لكل العراقيات والعراقين بأن ينتصروا لأنسانيتهم ويقدموا ما في وسعهم للتخفيف من آلام العوائل التي شُردت من قراها ومزارعها وتعيش حياة صعبة في المخيمات.
****
 كان منظر النساء والأطفال اللاجئين كاف لأن يجعل الصخر ينفجر، فكيف بالأنسان، هكذا تبدأ السيدة ماجدة الجبوري الناشطة في مجال حقوق الأنسان حديثها عمّا تمكنت من تقديمهُ لخدمة الأنسان العراقي وتضيف: حين قررتُ العودة الى كردستان العراق، رغبتُ أن اكون في قلب الحدث، وهذا ما تم فعلا في كانون الأول 2014  الماضي.  فور عودتي أجريت ُ اتصالات مع (هيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب في العراق) إذ اعملُ  عضو فيها، و بدأتُ العمل مباشرةً مع نخبة طيبة اذكر منهم (نرمين عثمان، نهاد القاضي، كامل زومايا، دانا جلال، راهبة الخميسي، زهير كاظم عبود، نور نجدت، وثم التحق بنا د. كاظم حبيب) فأطلقنا صرخة اسميناها ـ اليوم العالمي لأنقاذ سنجار ـ حيث كان عالقا في جبل سنجار آنذاك ما لايقل عن (١٠،٠٠٠) مواطن ايزيدي ، مترابطا بما تعرّض له ابناء هذا المكون من قتل وتشريد وأغتصاب ومن ثم اخذ النساء والبنات كسبايا حرب. هذا المشهد المؤلم دفع بالكثير من الناشطين في العراق وحول العالم للتحرك ووضع الرأي العام العالمي امام مسؤلياته بعدما (عجزت) الحكومة العراقية والمسؤولين والمعنيين من القيام بعمل حقيقي ملموس. ثم تكمل السيدة ماجدة: بدأنا حملة مكثفة في اوربا، وبعثنا برسائل الى الأمم المتحدة  ومحكمة الجنايات، والأتحاد الأوربي ومؤتمر بروكسل، وتمكنا من تحشيد حوالي (٤٠٠) منظمة دولية واقليمية وعربية  لدعم نشاطنا. عقب ذلك، حققنا وقفات احتجاجية يوم ٩ ـ ١٢ ـ ٢٠١٤ في كل من أربيل والسليمانية ودهوك، وقد شارك فيها مسؤولين وقضاة وناشطين وأساتذة جامعات. اُرسلنا إثرها مذكرات الى حكومتي المركز والأقليم والبرلمان  ومكتب الأمم المتحدة والمحكمة الأتحادية .
وللوقوف على الغرض من هذه الوقفة والعرائض الأحتجاجية قالت السيدة ماجدة: بالحقيقة كان هدفنا الرئيسي الضغط على حكومتي المركز والأقليم لتخليص الناس المحاصرين في (جبل سنجار) وايجاد ممر آمن لهم للخروج من هذه المحنة، بعد أن علمنا بأن هناك سيدات قد توفيّنَ اثناء وضعهن للمواليد الجدد في ظل هذه الظروف، وكذا الحال مع كبار السن والمرضى من رجال ونساء، لقد كان المشهد مأساوياً. وبالحقيقة كانت عندنا مجموعة من المطالب منها:  السعي لتوحيد الجهود الدولية لدحر داعش، توفير الأحتياجات الأنسانية من طعام وماء وملبس  وأدوية وحفاظات للأطفال، ايصال وسائل ايواء لهذه العوائل مثل الخيم والكرافانات، ايصال قوات حماية لوقف تهديدات (داعش)، توفير ممرات آمنة للعوائل العالقة، ثم القيام بتهيئة قاعدة بيانات ومعلومات تلك التي تُمكن من ربط العوائل مع بعضها من جديد وتُسهّل البحث عن المفقودين، ناهيك عن ضرورة معالجة حالات الخطف والأستباحة والأغتصاب الذي تعرضت له نسبة عالية منهن. ان ما جرى لأبناء الطيف الإيزيدي والمسيحيين والمندائيين والشبك، تعتبر جرائم ابادة ويجب ايقافها وتقديم الجناة للعدالة.
وعندما سألت الناشطة ماجدة الجبوري عمّا إذا كانت هناك نماذج استجابة ملموسة فقالت: إن المصيبة كبيرة، انها مهمة يجب ان تنهض بها دول. أما جوابي على السؤال: (نعم)، كانت هناك استجابات (لا أقول نتيجة عملنا فقط، لكن ربما كجزء منه) أذ تشكل التحالف الدولي، وبدأ بتوفير الغطاء الجوي للممر الآمن وفك الحصار عن (جبل سنجار) كذلك في توفير الخيم والكرافانات وبعض المؤون الضرورية، لكن تبقى المشكلة أكبر. فالسؤال الذي يطرح نفسه: متى يعود النازحين الى قراهم، كيف ومن سيحميهم من ارهاب قادم؟ من الذي سيعوضهم، من يعيد المفقودين ومن سيعالج المرضى والأطفال والنساء المغتصبات؟ وهناك المئات من الفتيات لازلن تحت رحمة داعش سبايا!! هذه اسئلة اوجهها الى كل سياسي حمل العراق في قَسمه حينما تسلّم المسؤولية. وتضيف السيدة ماجدة: بالحقيقة إن ما احاول القيام به (بشكل شخصي أو جماعي) هو زيارة اللاجئين المنسيين والموجودين خارج المدن، هؤلاء الذين لا تصلهم الوفود ولا المنظمات الأنسانية، ممن يعيشون في الهياكل الغير مكتملة البناء، لا كهرباء ولا ماء ولا أي خدمات متوفرة لهم، والحال هناك سئ للغاية. فعلى سبيل المثال، هناك منظر يداهمك وأنت تدخل محافظة دهوك فترى على امتداد البصر (كفن ابيض بلا حدود) عدد لا يحصى من الخيم وعلى امتداد المدى، فهناك مجمع يضم ٥٠٠٠ آلاف خيمة، و ٣٠٠٠ خيمة و٢٠٠٠ خيمة و ١٥٠٠ خيمة، هناك اكثر من ستة عشر مخيم، ومئات الهياكل.   هذه الخيم والهياكل تسكنها عوائل، والعوائل مكونة من بشر ، والبشر لهم احاسيس ومشاعر وأحلام! وهذا هو واقعهم ولا يعلم احد مصيرهم بعد اليوم والى متى ستستمر معاناتهم. كنت ازورهم وأستمع الى قصصهم التي يعجز حتى الخيال من وصفها. لقد التقيت بعدد من النازحات، اواللواتي حُررنَ من السبي، مع عوائل ماتت اطفالها من العطش، مع عجائز فقدن بناتهن اللواتي فضلن الأنتحار على العيش مع جريمة الأغتصاب والحمل من المجرمين، لقد كانت المشاهد ثقيلة جداً عليّ ، وكنت اقضي الوقت اثناء عودتي لمسكني باكية من أثر القصص التي سمعتها اليوم، فكيف الحال وانت تسمع لمثل هذه المآسي ايام وأيام.
وعندما سألتها عن نشاط الجالية في كندا وتحديدا في تورنتو قالت السيدة ماجدة الجبوري: ان كل عمل مهما يكن هو مفيد، إن كان فرديا او جماعيا، ان كان على شكل تطوع او تقديم المال او جمع المساعدات مهم، فهؤلاء النازحين بحاجة لدعمنا، بحاجة لمحبتنا وتضامننا معهم، لأن (الجهات الأخرى) قد استفادت من قضيتهم لفترة، وتركتهم جانبا، لكن مصيبتهم مستمرة لليوم. وبالحقيقة لا بد من تقديم الشكر والأمتنان للأخوة والأخوات في:
 ١) حملة "معاً" في كندا
٢) تيار الديمقراطيين العراقيين
 ٣) الجمعية العراقية الكندية
 ٤) البيت العراقي، وكل من شارك بمجهوده الشخصي والعام. وأشكر زميلتي العزيزة الناشطة المتميزة (ايمان بكتاش) التي لم تبخل بوقتها وراحتها لمساعدة النازحين، كما اشكر زميلاتي في الداخل (فكتوريا ونازك، وماريا، وفتحية والعشرات من النساء والرجال). لقد تمكنا من ايصال وتوزيع المساعدات ، من ملابس  وتبرعات مادية، وقمت بشراء (٥٠) ماكنة خياطة مع مستلزماتها ووزعتها على النساء في المخيمات، وهي دعم وتبرع من الناس الخيرين في كندا، كما لا انسى اجمل ليلة رأس سنة قضيتها مع الأطفال في المخيمات، برفقة عدد من أعضاء هيئة الدفاع عن اتباع الديانات والمذاهب في العراق، واعلاميين وناشطين، إذ اشترينا لهم الهدايا، وأنتظرنا حتى منتصف الليل، وأطفأنا النور، واشعلنا الشموع ، غنو لسنجار وقراهم، رسموا باناملهم الصغيرة بيوتهم، واحلامهم بالعودة لها، وضحكنا وفرحنا وضَمَرنا في قلوبنا الأماني للعام القادم، كنت في قمة السعادة، وكانوا هم وأهاليهم كذلك!
وسألتها ان كان ما قُدّم كافياً للتخفيف من معاناة النازحين فردت الناشطة ماجدة بالقول: لا يوجد في القاموس كلمة (كافياً) بالنسبة لمن خسر بيته وقريته وأهله وأطفاله وربما هو نفسه. الحاجة مطلوبة أمس واليوم وغدا، مطلوب منّا ان نختبر انسانيتنا و آدميتنا، وأن لا نخبئها في العلب الحديدية، المطلوب ان نتبارى بأهدافنا  في تقديم الأفضل. ان اي شئ تقدمه الجاليات له الف حساب، وأنا شخصيا احيّ كل الجهود وخاصة حملة (معاً) ورابطة المرأة العراقية في دول المهجر، وتحديداً في بريطانيا وهولندا حيث وصلت مساعداتهم الى النازحين في دهوك واربيل و بغداد والحلة والعديد من المناطق، إن كانت    المساعدات عينية أو مادية، كذلك  احيّ الحملات الأنسانية لجمع التبرعات والمساعدات في مراكز الكثير من جالياتنا الموزعة في العالم ، خاصة في اوربا وأمريكا وكندا واستراليا، انه عمل رائع يرفع الرأس، ويعبر حقاً عن الأنتماء الأنساني والتضامن العراقي وأدعو للمزيد،  لأن المشكلة قائمة وربما تتعرض للمزيد من التعقيدات، خاصة مع انتشار امراض مثل الجرب  والقمل والحساسية والجدري والكثير من الأوبئة عند الأطفال والنساء في ظل انعدام الظروف الصحية واماكن النوم الجيدة.  ان الكثيرين بحاجة لعلاجات جسدية وتأهيل نفسي، تصور ان هناك اطفالاً كانوا يهربون ويختبؤن عند امهاتهم كلما سمعوا الآذان وكلمة ((الله اكبر)) التي تعيد الى مسامعهم مأساة اغتصابهم او اغتصاب امهاتهم وقتل آبائهم على وقعها، يا لها من مفارقة.
ولعلي هنا أذكر واحدة من الحوادث التي رافقت عملي في كردستان حينما ترافق وجودي هناك مع زيارة وفد كندي ضم احد اعضاء البرلمان وناشطين لتفقد اوضاع النازحين، وما تم بعد ذلك أعتبره مهماً جداً، إذ تمكنتُ من مساعدتهم بالوصول ولقاء أطفال، وفتيات نجون من مخالب داعش، استمعوا الى قصصهم المؤلمة، ومن ثم الأستفادة من قاعدة البيانات التي جمعتها حول العوائل وأيصالها  الى الجهات الرسمية الكندية بغية ايجاد طرق قانونية لجلب (الناجيات) من قبضة داعش وإعادة تأهيلهن او معالجتهم جسديا ونفسيا من آثار الصدمة، وهذا الأمر يسير بشكل طيب وربما يرى النور عن قريب.
****
الناشطة ماجدة سعود مشهد الجبوري: من مواليد محافظة بابل، لعائلة فلاحية كبيرة كانت تتكون من سبعة اخوان وستة أخوات، حيث كان والدها فلاح ومن الشخصيات الوطنية والتقدمية المعروفة في منطقة الفرات الاوسط ، قارع الاقطاع، واشترك في توزيع الاراضي الزراعية على الفلاحين عام 1958 بعد ثورة تموز، كما قاوم النظام الدكتاتوري الصدامي، ولم ينحني او يهابهم يوماً، وهو حي يرزق وقد بلغ الآن (102) عاما من العمر و يسكن (قرية العمادية ـ ناحية القاسم).
دَرست الأبتدائية و المتوسطة، ولم تُكمل دراستها نتيجة تَعرضها للأعتقال والسجن لمدة سنتين عام ١٩٨٠، ثم الأعتقال عام ١٩٨٤ والحكم عليها بالسجن المؤبد لنشاطها السياسي لكن افرج عنها عام ١٩٨٦، فعادت للعمل كفلاحة.  قدمت عائلتها شهيدان  هما أنور سعود وكان معلماً، و أركان سعود وكان فلاحاً إذ استشهدوا عام ١٩٩١ ودفنا في المقابر الجماعية، اما الأخ الثالث كامل سعود، فقد حُكم بالأعدام هو الآخر وتعرض لشتى انواع التعذيب حتى فقد بصره بالكامل وفلت من الموت لكنه مريض القلب الآن.  بعد سقوط نظام البعث  وتحديدا في العام  ٢٠٠٦ أُرسلت ببعثة في الأعلام الى المانيا، وبيروت. عَملت مسؤولة  (صفحة المرأة) في جريدة طريق الشعب التي تصدر في بغداد، وفي (إذاعة الناس) من بغداد ايضا، وعملت في اعلام الحزب الشيوعي الكردستاني. وهي تنشط  في العديد من المنظمات الأنسانية والمدنية في العراق وكندا .

كمال يلدو
آيار ٢٠١٥
 

285
الأستاذ الغالي ناصر عجمايا ...شكرا لمرورك العطر وكلماتك ومشاعرك وسردك القصصي المشوق. انت كفيت ووفيت وأنا شخصيا ممتن لك. نعم انها جروح، لكننا مدانون لهؤلاء الشهداء وعوائلهم بالمحبة، ومازلنا نرفض النوم على الظلم ونطالب بتقديم القتلة للعدالة، وتحصين العراق من المجرمين والعقليات المنفلته، التي حينما لا تجد رادعا لها، فان جل عملها هو القتل والدمار. وها نحن شهدنا ونشهد حقيقة الأمور. دمت اخا حبيبا.
كمال يلدو/ ديترويت

286
شكرا جزيلا لك استاذ شوكت توسا على ملاحظاتك.  نعم ان نظام الحرس القومي قد اتبع أخس الطرق للأيقاع بالناس الطيبة، وزرع الفتنة والأنشقاق والأنقسام بين اهالينا حتى يقوى عوده ويبقى في الحكم، وكان الثمن لذلك باهظا، من شباب وشابات بعمر الورود وعوائل ومثقفين ومن كل الأختصاصات، صاروا ضحية لهم، اما الخاسر الأكبر اضافة للناس فكان الوطن، وها انت ترى الى اي مستوى اوصلوا العراق .
الرحمة على روحه الطاهرة والمواساة لأهله وأحبته
والشكر لك و ل (عنكاوة) التي تجمعنا دائما.

287
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد بطرس هرمز جركو

لعقود وسنين طوال كان الحكام يشغلون الدنيا خطباً وضجيجاً بشعارهم العتيد: اننا جئنا لخدمة المواطن. ومع الوقت ، تخضع العبارة للأمتحان،  فتارة يلقون له الفُتات، وأخرى بعضاً مما يجعله رافعا الحمد والشكر لهم، لكن وبمجرد ما ان يكتشف هذا (الحاكم) بأن لهذا (المواطن) رأياً او فكراً مخالفا له رغم انه حق مشروع، فأنه ينقلب الى ضبع شرس ، لاينتقم منه فقط ، بل يمتد احياناً لعائلته وعشيرته وملّته وحتى لأبناء قريته. معظم هؤلاء الحكام انتهوا من حياتنا وتأريخنا، لكن ليس قبل أن يتركوا جروحاً عميقة ونازفة لليوم.
 لا يكفي رفض سياستهم أو ادانتها، مع إن هذا مفروض لكن المطلوب هو البديل، الذي يحمي المواطن والبلد من مثل هذه العقليات التي تنتج امثال هؤلاء الحكام.
كفى لهذه الأرض ان ترتوي بدماء شبابها وشاباتها اليافعين والطموحين، ولتُفتح كل الأبواب الموصودة حتى ننطلق لبناء الوطن بما يليق بصبر هذا الشعب وتضحياته، بتنوع تأريخه وحضارته، بلون عيون اطفاله وبسمة نسائه.
***
ولد الشهيد بطرس هرمز جركو عام ١٩٤٦ في مدينة ألقوش التابعة لمحافظة نينوى وفي (محلة سينا).
درس الأبتدائية والمتوسطة في مدارسها وكان شديد الذكاء، وغالبا ما كان يُعفى من أداء الأمتحانات النهائية. ترافقت دراسته الثانوية مع انقلاب البعث الأول في شباط ٦٣ (الحرس القومي سئ الصيت) وقيامهم بحملات اعتقالات وتصفيات لكل الوطنيين والديمقراطيين و لمن كان متعاطفا مع ثورة ١٤ تموز أو زعيمها. وقد اتبعوا سياسة العقاب الجماعي وأرهاب الأهالي الآمنين بالتنكيل والجرائم البشعة والتهديد بالترحيل او الأعتقال، وحتى بأستخدام اعيان البلدة كأسلوب رخيص للأيقاع بالضحايا. جرى ذلك في مدينة تلكيف ولحقتها ألقوش والكثير من المدن والقرى التي كان يسكنها المسيحيون في سهل نينوى.
بعد انقلاب شباط وامتداد الأعتقالات لقطاع كبير من ابناء تلك المدن، اضطر الوطنيون للدفاع عن انفسهم من عسف السلطات، والمصير المحتوم على أيدي الأنقلابيين، فشكلوا (فصائل الأنصار المسلحة) في الجبال المجاورة وكانت بقيادة الشخصية الوطنية  الراحل (توما توماس ـ أبو جوزيف)، وقد وجد بعض الشباب في تلك الحركة أملا بالأفلات من مخالب الحرس القومي.
يستذكرالسيد لزكَن جركو، الشقيق الأكبر للشهيد بطرس ويقول: في تلك الأيام لم تسلم ألقوش من حملات الأعتقالات، ويبدو إن الأمر قد صدر بحق شقيقي بطرس حيث ارادوا اعتقاله بعد أن نصبوا له فخاً، وعندما شعر بذلك، بادر مسرعا الى مغادرة ألقوش والألتحاق بقوات الأنصار في الجبل ، لكن بقت عينه على المدينة، فقد كان ينزل  لزيارة عائلته في بعض الليالي ثم يعود ويغادرها صباحا. ويكمل السيد لزكَن جركو قائلاً: لم تمض الأمور طويلا على هذه الشاكلة، فقد تعرضت المنطقة الى هجوم من قبل الجيش وبمعاونة (الجحوش) وحصلت المواجهات التي لم تكن متكافئة، فأنسحب الأنصار، إلا ان الشهيد بطرس ومعه رفيقه كوريال  قد اصيبا في المعركة، فألقي القبض عليهما، وجرى ربط اقدامهما بالحبال وجرهم بين الأدغال والحجارة والصخور من قمة الجبل حتى اسفله وقد استمر هذا المشهد الأجرامي لعدة ساعات، فلفظا انفاسهما من جراء الألم، وتشوهت معالمهما كثيرا، وكان من الصعب التعرف عليهما، لولا ان صرخت أختي انجيل (هذا بطرس) إذ عرفته من (الجراب الذي اعطته له في الليلة الفائتة).
ويضيف السيد لزكَن جركو وقد اعياه ألم الذكريات: لقد مُنعنا من دفنه أو اقامة المراسيم لهُ، حيث دُفن في (مقبرة الغرباء) التابعة للبلدية، لكن رفاقه الأنصار  وبتوجيه من القائد توما توماس، أمروا بنقل جثمانه ورفيقه ( كوريال ـ من اهالي تلسقف) في احتفال مهيب بعد سنين، ووريا الثرى في مقبرة الشهداء في الدير العالي (ديرا ائلايا)  وهي مسيجة ومزدانة بالورود اكراما لأرواحهم، حيث كنا نزورهم ونقيم على ارواحهم الصلوات . لقد تركت تلك الحادثة جرحاً عميقاً في قلب والدتي وشقيقاتي، اما والدي فقد رحل إثرها بوقت قصير.  قتل البعثيون شابا يافعاً وجميلاً وذكياً ولم يزل (١٧) عاما، ليس لأي سبب، سوى لأنهم كانوا عطاشى لدمائنا وللأنتقام من مواقفنا  الوطنية .
اما المدرس موفق حكيم فيتذكر تلك الحادثة ويقول: وكأن الذكريات تأبى أن تغادرنا والأيام توقفت، وأشعر برعشة الحدث الجلل. كان الشاب بطرس  نشطاً في (اتحاد الطلبة العام) قبل الأنقلاب، وبعد محاولة الأمن اعتقاله، ألتحق بصفوف الأنصار حتى يتخلص من ملاحقاتهم. وأتذكر جيدا ان  اليوم كان الأحد الموافق ٥ تموز ٦٣، وكنا مجموعة من (الأنصار) في منطقة مدخل (كَلي الدير ـ سارشتا ـ بئر الماء) جالسين حول البئر وكان الشهيدان معنا نتحدث عن الأوضاع السياسية وما يمكن عمله آنذاك، وللحق أقول، فقد كان (بطرس) فرحاً ومرحاً وملئ بالحيوية والنشاط، اما (كوريال) فكان في غاية البهجة، إذ اوصلوا له (بندقية والده) وكانت من نوع ـ برنوـ وكم كان سعيدا في تلك اللحظات وهو يتلمسها ويداعبها. وحدث في تلك الليلة هجوم مشترك من قوات الجيش برفقة الجحوش (المرتزقة) على مدينة ألقوش، فهرب الأهالي الآمنين خوفا من القتال متوجهين للمغارات القريبة أو للدير العالي، ويبدو ان بعض (الجحوش) قد تسللوا لمناطق تواجدنا ويصحبهم بعض العساكر، وقد عرفناهم بأنهم من عقرة وكانوا يجيدون لغة (السورث)، فحدثت المواجهة ، لكن القائد توما توماس أيقن بأن المعركة غير متكافئة، فأمر بالأنسحاب المنظم، ويبدو ان الشهيدين (بطرس وكوريال) كانا بعيدين نسبيا، فقاتلا حتى اصيبا  ـ إذ عثرنا في موقعهم على خراطيش فارغة وبقع دماء ـ وتبين لاحقا ان الجيش ربط أرجلهم بالحبال وقام بسحلهم حتى القوش، إذ تركوهم في شارع  بمحلة (قاشا) قبالة مقبرة ألقوش ويسمى (بثر حويش ـ اي خلف البيوت)، بعدها دفنا في مقبرة البلدية ـ الغرباءـ ثم نقل ثراهم لاحقا الى مقبرة الشهداء.
 ثم يكمل الأستاذ موفق القول:
انه لأمر مشين ومعيب في طريقة تعامل الجيش معهم، فهو لم يحترم قواعد الأشتباك ولا حقوق الجرحى والأسرى حتى لو كانوا من الأعداء، وبالحقيقة إن ما قام به البعثييٍن يومذاك، لم يكن يمثل إلا عقليتهم وثقافتهم ومبادئهم. لقد كانت قصة استشهاده مؤلمة على كل من عرفه، شابا وسيما يافعا ومتطلعا للحياة.
// من مفارقات الحياة: كانت زوجة الشهيد كوريال( السيدة جليلة شمعون شنا عم ساوة) في ايام حَملها الأخيرة حينما سقط زوجها شهيداً، ويومَ ولدت تؤاماً اسمتهما (كوريال وبطرس) رغماً على الطغاة.

**الذكر الطيب للشهيد بطرس هرمز جركو والعار لقتلته الأوغاد
**الرحمة على والديه "هرمز و راحي" وشقيقه المرحوم "جرجيس" لما تحملاه من ألم
**المواساة لشقيقه الأكبر "لزكَن" وشقيقاته "وارينة وانجيلا وسمرة ـ هيلين ـ" الذين عاشوا تلك المحنة ومازالوا لليوم
**المواساة لأهله وأحبته ولكل من عرفه انسانا رائعاً.

كمال يلدو
آيار ٢٠١٥
 

288
كمال يلدو:
عن عيد التعميد المقدس والجالية المندائية مع الترميذة خلف الخميسي


على ضفاف الأنهر ومع الماء الجاري، يحتفل ابناء الطائفة المندائية وأين ما تواجدوا هذه الأيام بعيد (التعميد المقدس ـ دهفه ديمانه ـ اي يوم الديمومة أو يوم الأيمان) حيث يتوقع ان يحضر جمع غفير من ابناء الطائفة حفل التعميد الجماعي الذي سيجري على ضفاف (بحيرة ستوني كريك ومياهها الجارية ـ في ضواحي مدينة ديترويت) وبمشاركة من المندائيين الساكنين في الولايات القريبة من مشيكَان، ولعلها فرصة اجتماعية  كبيرة للتواصل، اضافة الى بعدها الروحي.
كانت هذه المناسبة  فرصة  لتسليط الأضواء والحديث عن اوضاع  الجالية المندائية في ديترويت فكان  اللقاء مع "الشيخ خلف عبد ربه لفتة الخميسي" حيث بدأ حديثه بالقول: لاشك بأن التغيرات الكبيرة التي حدثت في العراق قد أدت الى هجرة الكثير من ابناء الطائفة المندائية ، إما الى دول الجوار أو الى اصقاع الدنيا الأربع، ومنها مدينة ديترويت وضواحيها حيث تضم الآن مابين ( ١١٠٠ ـ ١٢٠٠) مندائي، في أكبر تجمع لعوائل الطائفة في الولايات المتحدة، ثم تليها مدن كاليفورنيا ، اوهايو، تكساس ومدينة ويستر في ماسيتجوسس ومدن اخرى، فضلاً عن تواجد  كبير نسبياً في مدن تورنتو ولندن الكنديتان. أما عن أبرز ملامح الجالية فيذكر الشيخ خلف: إن التجمع بحد ذاته هو حالة طيبة ويساعدنا كثيراً في تبديد وحشة الغربة، يضاف لها وجود جالية عراقية ـ  كلدانية  و عربية كبيرة تساهم في تعزيز الألفة والمحبة والأواصر التأريخية.  أما عن ابرز معاناة الجالية وطرق تفاعلها مع المشاكل الحياتية فيقول الشيخ: تأتي اللغة الأنكليزية في مقدمة تلك المشاكل، وخاصة للجيل القديم، اضف اليها نوعية الأعمال المتوفرة، قياسا بالخبرة اليدوية التي يمتلكها معظم ابناء الطائفة، وأعني بها "الصياغة" والأعمال الحرفية الأخرى، مما ترك في صفوفها نسبة لا تقل عن ٥٠٪ من البطالة، مترافقة ايضا مع الأزمة الأقتصادية التي تمر بها الولاية، هذا ولا استثني (التصادم) بين ثقافتنا والثقافة الأمريكية عموما ونمط الحياة والعلاقات الأسرية الأمريكية، إذ نحاول المحافظة على اواصرها كما كانت في الوطن. اما عن العلاجات والحلول فيقول الشيخ خلف: الحقيقة لا توجد حلول سحرية لهذه المشاكل، وبقدر ما نحن ممتنون للفرصة التي اتيحت لنا في هذه البلاد العامرة، فأننا ايضا نسعى الى تجميع الجالية، وتجربتنا مع (الجمعية المندائية في مشيكَان) رائدة ومشجعة ، وقد انتهينا مؤخرا من شراء هذا الصرح المكون من بنايتين، ستخصص احداها لممارسة الشعائر الدينية والصلوات، فيما تكون الثانية مخصصة للفعاليات والنشاطات الأجتماعية، وهذه بحد ذاتها تخفف من  وحشة الغربة وآثارها. وعلى سبيل المثال فأن هذا (المندي)  يعزز الجانب الديني والروحي لأبناء الطائفة ويوفر المكان الملائم لممارسة الطقوس. فيما القاعة الثانية ستخصص للنشاطات الرياضية والأجتماعية وحتى الحفلات والزيجات قدر الأمكان. ويساورنا أمل كبير بأن نتمكن من بناء  ( حوض خاص للتعميد) حتى نتجاوز قساوة الشتاء في مشيكَان وعناء الذهاب للنهر في تلك الأجواء الباردة، كما نطمح ان تكون لنا  مكتبة عامرة، وفرق رياضية  بالاضافة لمسابقة (لعبة البنكو) اسبوعياً . وضمن طموحاتنا وواقعنا وظروفنا الأقتصادية  نحاول قدر الأمكان شق طريقنا مع ابناء الطائفة، وربما يكون تجمعنا للصلاة صباح كل أحد، ولقاءاتنا الأجتماعية كل ليلة خميس  نواة جيدة للمزيد من العمل.
أما عن آفاق تطور وتقدم الجالية المندائية فيقول الشيخ خلف: لعل أكبر المخاوف التي تراودنا، إن كنّا رجال دين أو آباء وامهات هو (الأنصهار) في هذا المجتمع الكبير  وضياع الهوية  ـ القومية الآرامية الكلدانية، أو الدينية المندائية ـ وهو أمر في النهاية خارج عن ارادتنا، لكننا نحاول زرع البذرة الطيبة في الجيل الناشئ. ومن جانب آخر فأن هناك امورا ايجابية كثيرة  منها العلاقات الطيبة والتوجه العام للدراسة وأكمال فصولها العليا، والأنغمار في الحياة العامة والعلاقة مع كل المؤسسات العراقية والعربية والأمريكية ايضا.  هذا الحرص دفع الكثير من العوائل أن تختار سكنها ارتباطاً بالمستوى العالي لمدارس المنطقة، حتى يضمنون افضل النتائج لأبنائهم. إن واقعنا ليس سهلاً، فبعد أن كنا اسياد الذهب والفضة والحرف الدقيقة في وطننا، صار الأقبال عليها في المهاجر محدوداً قياسا بالماضي، وهذا الأمر دفع ابناؤنا للولوج في حقول جديدة آمل لهم كل الموفقية فيها.
اما عن امنياته فيقول الشيخ خلف: على صعيد البلد الجديد، اتمنى ان نتعاون ونتعامل ونعمل كعراقيين، اكثر من ان نكون ابناء طوائف. اننا اتينا من وطن واحد وبتأريخ مشترك، ولعلي هنا اوجه الكلام بصورة أدق لأخوتي ابناء الطائفة الكلدانية، وأطمح ان تكون اواصرنا أقوى وأكبر، خاصة وأننا تقاسمنا الوطن ونتشارك بالكثير من العادات والتقاليد واللغة، ناهيك عن المصير المشترك. اما لوطني العزيز، فأتمنى ان يرجع كما كان، كبيرا مثل اسمه الغالي، موسوماً بالخير والرفاهية وأن يعم السلام كل ربوعه وعلى كل ابنائه وطوائفه وأديانه وقومياته، عراق واحد لشعب واحد.
** شكر خاص وأمتنان للسيد أكرم السداوي (رئيس الجمعية المندائية في مشيكَان) لتقديمه صور الأحتفال بالعيد.
سيرة ذاتية:
الترميذة خلف بن عبدربه بن لفتة الخميسي: مواليد عام ١٩٤٠ في (قلعة صالح) التابعة لمحافظة ميسان. أنهى الأبتدائية في القلعة، ثم اكمل المتوسطة والثانوية في البصرة، تلاها التخرج من كلية التجارة في جامعة البصرة عام ١٩٦٨. غادر العراق عام ٢٠٠٦ ، وأستمرت غربته الأولى أربعة سنوات قبل أن يصل الولايات المتحدة عام ٢٠١٠، وهو الآن مقيم في احدى ضواحي مدينة ديترويت.  وهو من النشطاء روحياً وأجتماعياً، ويحضرمعظم الفعاليات العامة التي تقيمها منظمات الجالية، ومشاركاته تلك لها أكبر الأثر  في تعزيز الروح العراقية السمحة.

كمال يلدو
آيار ٢٠١٥




289
شكرا جزيلا لك أخي الحبيب كامل زومايا، ولملاحظاتك وأضافتك الحلوة. ومع اننا نبحر في ذاك الماضي الملئ بالجراح والألم، لكن لي يقين  بأن لا نترك شهدائنا بعيدين عن ضمائرنا وقلوبنا، وكلما تذكرناهم، ورفعناهم هم وعوائلهم عاليا، كلما أشعر بأن هذا هو جزء من الوفاء لهم، وبذات الوقت نقول للقتلة (القدماء والجدد) بأننا لا ننسى، وبأن دماء رفيقاتنا ورفاقنا القانية ليست (ماء).

290
كمال يلدو: وفاءاً لذكرى الشهيد جلال يونان جبو عم مرقس

حينما بدأت شراين قلبه تحمل نبض الشباب المتدفق بالأماني والأحلام، وصار المستقبل عنده مرسوما بين هلالين (وطن حر وشعب سعيد)، كان  ـ حزب البعث ـ يعد العدة لمشاريع جهنمية أخرى في الطرف الآخر، بين الحروب والقتل والدمار، بين المحاربة والتضييق وبناء سجون جديدة، لا بل تحويل العراق الى سجن عملاق وبمقبرة جماعية كبرى لا ترقى لها كبريات المقابر في العالم. ذاك كان تأريخ الدكتاتورية وذاك كان إرثها الذي ورثناه. اما لو أُوتي لأرواح الشهداء البررة ان تطوف من جديد على بغداد وباقي مدن العراق، فلا اتصور إن احداً سيتمكن من معرفة مدى خيبتها وحزنها على ما آل اليه حال هذين المسكينين، الشعب والوطن، وكأن دماءهم لم ترو أديم الرافدين وتخضبه بالطيب والأماني. ان مسؤلية أخلاقية كبرى تدعونا للتمعن بمشهد العراق الراهن والعمل بكل صدق لوقف هذا التدهور المريع، هذا النزيف القاتل وانهيار القيم  والتدمير الحضاري . إننا مدعوون لسحب المبادرة من أيدي الجهلة والفاشلين،  وهذا سيكون اقل عربون محبة نقدمه للشهداء الذين استرخصوا ارواحهم لغد أفضل،  من اجل أن ينام الشهيد جلال ورفاقه ورفيقاته دون خوف على مشاريعهم للحياة المثلى.
****
ولد الشهيد جلال في مدينة (تلّسقف) التابعة لمحافظة نينوى عام ١٩٥٥، وما كاد يبلغ السادسة من عمره حتى انتقلت عائلته الى محطة  ( تي وان T1) احدى محطات ضخ النفط للأنبوب المار بسوريا في محافظة الأنبار، إذ كان والده عاملا في شركة نفط العراق.
بدأ مشواره المدرسي في الأبتدائية والمتوسطة وصفين من الأعدادية في منطقة (T1)، لكنه أكمل الصف السادس الثانوي في بغداد، إذ التحق بأخيه الأكبر (صبري) والذي كان يدرس في الجامعة المستنصرية، وبعد تخرجه من الثانوية درس في (معهد التكنلوجيا ـ الزعفرانية عام ١٩٧٥)  وعندما تخرج منه ، أدى الخدمة الألزامية. لقد وجد نفسـه بعيدا جدا عن التوظيف الحكومي بعد أن تسّرح من الخدمة العسكرية، فأضطر للعمل كسائق تكسي مستخدما (سيارة موسكوفيج) .
أظهر ميلا للأفكار الوطنية والثورية منذ سني صباه الأولى، وكان أثناء دراسته الثانوية في السبعينات،  في قمة نشاطه وقد قام مع مجموعة من زملائه  بإعادة  تشكيل  فرع (اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية) في اعداديته ب (T1).  وحينما انتقل لبغداد عمل بكل صبر وتفاني لخدمة الأهداف الوطنية التي آمن بها.   بعد الهجمة الشرسة التي قادتها اجهزة البعث والمخابرات مع اطلالة عام ١٩٧٨ لم ينثن  للصعوبات، فواصل  نضاله وعمله حتى حان يوم ٣٠ تشرين أول ١٩٨٠ حينما تم اختطافه من قبل اجهزة الأمن والمخابرات من الشارع وهو في سيارته باحثا عن الرزق الحلال في منطقة البلديات ببغداد.

ـ تتذكره السيدة سهام مرقس زوجة شقيقه صبري بالقول: كان أول عهدي بالشهيد الراحل (جلال) في العام ١٩٧٥ حينما اقترنتُ بشقيقه، وتقاسمنا البيت مع اسرته. يومها كان طالبا في المعهد، وعرفته انسانا نبيلا ومحبا ومندفعا بكل حيوية الشباب، كان اكثر من أخ لي، بل اضحى الصديق الودود. لقد ساعدني بتخفيف حمل مسؤليات البيت، خاصة وأني كنت اعمل موظفة آنذاك وقد رزقنا انا وشقيقه صبري  ببنتين جميلتين (صمود و لهيب)، إذ كان يلاعبهما اثناء غيابي، وغالبا ما يأخذهما الى مدينة الألعاب، وبالأضافة لذلك فقد كان يذهب للتسوق، ولم يتوانَ حتى عن  (طبخ الطعام) للعائلة اثناء انشغالي بالوظيفة.  ولأنه كان متعلقا ببناتي، فكانت والدته (المرحومة بريجو) عادة ما توجه السؤال له: لماذا لا تتزوج وتنجب لنا أميرات مثل شقيقك ؟  فيرد عليها بالقول مبتسماً، أنا متزوج قضيتي، وهذا يكفي!
انه لأمر محزن حقا أن تنطفئ كل تلك الحيوية والشباب نتيجة القهر والأرهاب والعقليات المتخلفة التي كانت سيدة الموقف لدى الحكام. لم تمض حياتنا بسهولة اثناء حكم الدكتاتورية، وخاصة بعدما اختطفوه وأنقطعت كل اخباره عنّا، ولم نكن نتجرأ حتى بالسؤال عنه، فقد كان النظام يتبع اسلوبا اجراميا مع الكل. هذه الحالة دفعتنا لنقل سكننا اكثر من مرة هربا من ملاحقات الأمن، فمن البلديات الى المشتل ثم الدورة وبعدها الى الضباط.
لا استطيع أن اصف فرحتنا بسقوط الدكتاتورية، لكن همّاً جديداً طرح نفسه علينا وهو البحث عن مصير "المُغَيّب جلال" ، وكانت الضربة القاصمة حينما اعلن الحزب الشيوعي العراقي عن حصوله على قوائم بأسماء المناضلين الذين اعدمتهم الدكتاتورية عام ١٩٨٤، وقامت بدفنهم في  ما اسمتها ( مقبرة الخونة في أبي غريب ـ المقابر الجماعية) وتبين بأن "جلال"  كان من بين الضحايا، فذهب شقيقه صبري الى تلك المقابر وأمضى أربعة ايام في البحث (مع مئات الناس الذين كانوا ينبشون الأرض بحثا عن أحبتهم)،  مواصلا الليل بالنهار علّه يعثر على اية اشارة لرفات الشهيد، لكنه عاد بعدها خالي اليدين، ولم يمض كثيرا من الوقت حتى فارق هو الآخر الحياة (٢٠٠٦) مثخناً بالألم والحسرة والمعاناة بعدما كانت والدته قد سبقته للرحيل ايضا (١٩٩٠) شاربين المرارة من ذات الكأس!
ـ اما السيد باسم روفائيل، إبن عم الشهيد جلال فيقول: ما أقسى الزمن وما أوجع ضرباته. ويوميا اتسائل: كيف يمكن ان يكون الأعدام والقتل والتعذيب ومحو اي أثر للمقابر، ثمنا لأعتناق فكر سياسي ؟!  كيف يمكن ان يعاقب الناس بهذه الطريقة الوحشية، وكيف يمكن لبلداننا ان تتطور وتزهو  وتلتحق بركب الأمم الأخرى إن لم يكن فيها فسحة من الديمقراطية والحوار والأختلاف والأتفاق ؟  اي عقلية همجية سار عليها اؤلئك الحكام، ولا عجب، فجريمة البعث لم تقتصر على (جلال) بل تعدتها لتشمل ملايين "الجلالات" ولتطال كل الشعب ، ليس في زمن حكمهم فقط، بل  لغاية هذا اليوم ايضا.
وبقدر ما افتخر بإستشهاد ابن عمي جلال، وأعتبر ذلك وساماً لمدينتنا الحلوة (تلّسقف) وقنديلاً ينير دروب كل الطامحين لغد مشرق لهذا الوطن الجميل، إلا ان الماً آخراً يعتصر صدري وهو وضع العراق اليوم، وحال مكوناته الأصيلة التي صارت ضحية الأرهاب والعقليات المتخلفة، وها نحن اليوم نعيش (نازحين) في وطننا بعدما احتلت داعش مدينتنا، إلا ان باباً رحبا قد فتحه لنا اهلنا وأحبتنا ورفاقنا الأعزاء في مدينة المناضل توما توماس، القوش الحبيبة وعسى ان يكون ليل انتظارنا قصير.
ـ اما  السيد رزاق نعمو قريب الشهيد فيتذكره بالقول: لقد جمعتنا المناسبات العائلية في طفولتنا،  وبعدما انتقل الشهيد الى بغداد  توطدت تلك الوشائج. كان انساناً طيباً، و يتحلى بأخلاق سامية،   ويمتاز بالنزاهة والصراحة . وفي كل جلساتنا الصداقية  كان شخصية متميزة بمرحه وكياسته. لقد حزنت كثيراً لرحيله، وحزنت اكثر كلما تذكرت العذابات التي مرّت عليه بيد القتلة، انه منظر صعب جدا. يبقى جلال خسارة كبيرة لنا وللوطن.
** الذكر الطيب للشهيد جلال يونان والخزي لقتلته
** المواساة لعائلته الكريمة وأهله وأصدقائه ومحبيه

كمال يلدو
آيار ٢٠١٥




291
كمال يلدو: وفاءاً للشهيدة تماضر يوسف متي ديشا


كان ممكنا أن تكون بيننا اليوم، موظفة أو مهندسة أو مديرة قسم أو عالمة. كان ممكنا أن تكون زوجة، لها بنات وبنين تلاعبهم وتداعبهم، تمشط  شعرهم وتشتري لهم اللعب والملابس. وكان ممكنا ان تكون احدى كادرات رابطة المرأة العراقية او عضوة في احدى منظمات المجتمع المدني، او ان تكون خارج البلد وعاملة في احدى التنظيمات الوطنية . كان ممكن للكثير من هذه الأحلام ان تكون حقيقة واقعة لو فهم وأيقن البعث بأن بناء الدولة يحتاج لتكاتف الكل وليس للأرهاب، يحتاج اي طاقة ممكنة وليس القتل والتشريد، لو حقا كان لتلك القيادات الحكمة بدل الغرور والعنجهية التي اخذت البلاد والشعب ، وخيرة المناضلات والمناضلين الى المجهول، الى المقابر الجماعية، الى مسلسل الحزن والألم، فيما كان التأريخ بالمرصاد لصدام حسين وزبانيته ومرتزقته وكل المتزلفين، فكتب الزمن سطورهم كأبشع مجرمين مروا على العراق والمنطقة في الزمن الحديث.
***
ولدت الشهيدة تماضر يوسف متي ديشا في مدينة ألقوش التابعة لمحافظة نينوى في ( محلة سينا) عام ١٩٦٠، وبعد ثلاث سنوات رحلت عائلتها الى العاصمة بغداد، فدرست في مدارسها حتى انهت الثانوية وقُبلت في (معهد التكنلوجيا) عام ١٩٧٨ .
ـ تقول عنها أختها الكبيرة (هـديّة): كانت تماضر انسانة لطيفة، ومع انسيابيتها وسرعة منحها الثقة للآخرين، الا انها كانت حذرة ايضا، فقد كانت ذكية . وفي آخر ايامها سكنت في منطقة (القصر الأبيض)  وعلى مقربة من دائرة (الأمن العامة) وكنتُ دائما احذرها وأتوخى فيها اليقظة، وكانت تجيبني : بأني منتبهة. إذ كانت تستقبل العديد من صديقاتها، في الزمن الأسود السئ ١٩٧٩ ـ ١٩٨٠. لقد تعلقت بالسياسة مقتفية أثر شقيقها الأكبر (الشهيد خالد يوسف) والذي كان كادرا طلابياً ووطنياً كبيرا. مع اني لم اتعاطى السياسة إلا اني كنت اتعاطف معهما، ولما لا!   فالأهداف التي كانوا يناضلون من اجلها كانت انسانية، لكنهم كانوا متواجدين ويسيرون في غابة مليئة بالضباع والذئاب والكلاب المسعورة، ولو كان غير ذلك ، لكانت النتيجة مخالفة ايضا. فهم لم يكتفوا بأعتقالهم وقتلهم ومحو اي اثر لهم، بل دمروا الشعب والوطن، وها نحن اليوم نعيش نتائج تلك الحقبة المظلمة من تأريخ العراق.
كانت هناك الكثير من المواقف التي جمعتني والشهيدة، ولعل واحدا منها كان تقديم خدماتها لي عندما اكون في العمل فدائما كانت تقول : ( لا تهتمي بشئ، قومي انت بقضاء مهامك، وأتركي البيت والطبخ عليّ) ، اما اقسى الذكريات فكانت في اليوم الذي سبق اعتقالها، إذ  كنّا مدعوين لحفل زفاف، وبعدما اقنعتها بضرورة الأستراحة و تبديل الجو، قبلت  بمرافقتي، وقمت بعمل أجمل تسريحة لشعرها ، وقضينا وقتا حلوا، وحينما أزف اليوم التالي وذهبت للعمل، لم تعد تماضر، لم تعد لليوم، ولا أعرف اين هي الآن !
ـ اما شقيقتها (سعاد) فتقول: بالحقيقة ان ألماً وحسرة كبيرين يعتصران قلبي كلما مرّ ذكر هذه (العصفورة) عل مسامعي. لقد غادرتُ العراق في وقت كانت هي  بنت يافعة، وكل ما سمعتُ عنها لاحقاً كان القليل، الا ان حادثة اعتقالها  وما آل اليه مصيرها المجهول ظل يؤرقني ليل نهار. في عام ١٩٨٣ قرأت اسمها لأول مرة من ضمن قوائم المعتقلين الذين طالب (الحزب الشيوعي العراقي) بأطلاق سراحهم، لكن الخبر المدمر كان في عام ٢٠٠٣ بعد سقوط النظام الدكتاتوري حينما نشر الحزب قائمة بأسماء الشهداء التي حصل عليها من ملفات الأمن العامة، وكان من بينهم أخي الغالي (خالد) وأختي الحبيبة (تماضر)، كان ذاك خنجرا مسموماً أضَفتهُ لسني العذاب والألم والغربة. كان وقعهُ ثقيلا على باقي افراد أسرتي ووالدتي بالذات وكل اهلي، كان عبئاً ثقيلا  ومؤلماً، لكننا تجاوزناه  من اجل غلاوة الوطن.
ومع كل التراجيديا التي تصاحب هذا الخبر والحدث، لكني أفتخر بها كثيرا، افتخر بأنتمائها وصبرها وصمودها، افتخر بشهادتها من اجل الشعب والوطن والفكر. كيف لا، وهي شقيقة البطل خالد، وأبنة مدينة (القوش) الرائعة والمشهود لها  بصمود رجالاتها وقادتها الوطنيين الأشاوس وتضحياتهم الوطنية الغالية.
ولكل ما سمعت عنها، فقد كانت (رفعة للراس)، ولعلي من المحظوظات من بين عائلتي، بأن يكون لي بنتان غاليتان ( تانيا وأماندا) وكلتاهما يحملان وجها صبوحاً وباسماً وبشوشاً مثل تماضر، لابل انه وجه تماضر بالتمام والكمال، فكم انا محظوظة إذاً !
ـ اما إبن عمّها د. كريم كَردي ديشا  فيقول عنها وعن تلك الأيام: سمعتُ من العائلة بأنهم اعتقلوها من (المكان) الذي كانت تقوم فيه بالتطبيق لعملها (اواخر عام ١٩٨٠)  ولم نسمع عنها الكثير، وبالحقيقة ان الأوضاع لم تكن لتسمح حتى بالسؤال او البحث، فقد كان النظام قد وصل لأعلى درجات الوحشية بالتعامل مع من يشك بولائهم ،  وسمعنا بعدها بالهمجية والمقابر الجماعية والقتل، لكني لم أتخيل يوما أن تضم تلك القبور اناساً أبرياء، وملائكة كالغالية (تماضر) التي لم تتجاوز العشرين عاما حينما جرى اعتقالها وتغييبها.  الرحمة على روحها الطاهرة، والعار لقتلتها وقتلة رفاقها ورفيقاتها.
** لقد رثاها كل من عرفها وأحبها، ولعل من بينهم استاذها المدرس هرمز رمـّو والذي كتب عنها قصيدة مؤثرة .

تمضي الحياة، وتسقط الدكتاتورية وتنفضح (بعضا) من جرائمها التي اقترفتها بحق الشعب، ويأتي نظام آخر كنّا نأمل أن يكون طاويا لصفحة الأرهاب والقمع، لكن وللأسف، أصبح سببا  في تولي طبقة من الفاسدين والمزورين والسراق مقاليد الأمور في البلد، هذا الوطن الغالي الذي يأخذوه نحو الهاوية ، بالفقر والجريمة والحروب والقتل ودخول كل مجرمي العالم الى حدوده والعبث بكل مكوناته وقومياته.
ولعل من حق أيُّ عاقل أن يتسائل: كيف يكون الأعتقال والتعذيب والأعدام وأخفاء الجثث ومحاربة العوائل ثمناً لأعتناق فكر آخر، كيف يكون ضريبة لحمل رأي آخر؟ فتماضر حلمت يوما، مثلها مثل الآلاف من رفيقاتها ورفاقها بعالم جميل، بوطن يرفل بالحرية  وبشعب تزهو بين جنباته السعادة، نعم انها حملت فكرا انسانيا وضاءاً ومسالما وداعيا الى لم كل الجهود للأرتقاء بالأنسان العراقي، ايا كان دينه او مذهبه او قوميته، نحو غد الأنسانية الرائع، اما من مهازل الزمن ان تنتهي بتلك الطريقة المشينة، وأن لا يعرف اهلها اي شئ عنها ولا حتى عن ثراها.  انها لم تلبس  يوما حزاماً ناسفا، ولا قادت سيارة مفخخة ولا زرعت عبوة ناسفة، ولا سرقت اموال الشعب ولا زوّرت شهادتها،  فكيف اقتنع الجلاد، ومن كان معه بعدالة (حكمهم) المشين عليها؟
ان المنظر مؤلم ومحزن، فالعوائل التي قدمت القرابين لهذا الوطن، تأمل وتطالب بأن لا تذهب دماء ابنائها وبناتها هدرا، وعملة رخيصة لتجار الساسة والدين!
** الذكر الطيب للشهيدة الغالية  البطلة تماضر يوسف متى وشقيقها البطل خالد
** الصبر والسلوان لعائلتها وأحبتها وكل من عرفها انسانة رائعة
**العار للقتلة، وأمل بأن يأتي اليوم الذي يحاسبون به على جرائمهم وأن لا يفلتوا من العقاب حتى ولو بعد حين.

كمال يلدو
آيار ٢٠١٥



292
كمال يلدو: وفاءاً للشهيد المربي كامل فرنسـي كمّه

لم يكتف الطغاة بمحاربة من كان يخالفهم الرأي او العقيدة، بل عملوا على ملاحقتهم وأعتقالهم وتعذيبهم ومن ثم تصفيتهم، وحتى تكتمل فصول جريمتهم، فقد عمدوا الى دفن ضحاياهم في قبور جماعية غير معلّمة، ومنعوا اهاليهم من اقامة مراسم العزاء لهم، لابل ان دنأتهم لم تتوقف عند هذا الحد، بل عمدوا الى محاربة عوائلهم وأبنائهم والأقتصاص منهم بغية إذلالهم، لكن حكم التأريخ لا يخطئ،  فعلمتنا التجربة الى اية مزبلة انتهوا.

ولد الشهيد كامل فرنسي كمّه (كامل فرنسو نعمو ـ كما ظهر الأسم في قوائم الشهداءالمنشورة عام ٢٠٠٣) في مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى عام ١٩٢٩ وفي (محلة دخو). كان متزوجا من السيدة منتهى حنا هيلنتو، وقد رزقا بثلاث بنات (غصون، غيداء و نادية) وولد واحد (غسان)، ولهم للآن أربعة أحفاد .
درس الأبتدائة في (مدرسة تلكيف)، ثم أكمل المتوسطة في ( كلية الموصل الأهلية)، انتقل بعدها الى بغداد ليكمل دراسته الأعدادية في الفرع الأدبي الذي تخرج منه بتفوق. عقب ذلك دخل (دورة للمعلمين) والتي كانت لمدة سنة واحدة، وبعد تخرجه منها ، استلم تعينه الأول في احدى (مدارس العزيزية) التابعة لمدينة الكوت، ثم انتقل بعد فترة الى الموصل.
تعرض للأعتقال مع العشرات من ابناء مدينة تلكيف في آذار ١٩٥٩ أثر مقتل (المرحومان أمجد المفتي ومرافقه عمر الشعّار)  في الحادثة المشهورة آنذاك، وقد افرج عنه مع الكثيرين الذين ثبتت برأتهم بعد (العفو) الذي اصدره الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم عقب نجاته من محاولة الأغتيال  التي نفذها البعثيون والقوميون في نهاية العام ١٩٥٩. عمل بعدها في حقل (الحسابات) لدى القطاع الخاص. اعيد الى وظيفته عام ١٩٦٨ مع المفصولين السياسيين، وعين معلما في احدى مدارس (محافظة أربيل)، انتقل الى بغداد بعد مرور عدة سنوات، وقام بالتعليم في احدى مدارس منطقة (بارك السعدون) حتى احيل على التقاعد عام ١٩٧٧. عمل بعدها في الأعمال الحرة مستخدما سيارته الشخصية (بيك آب روسي) إذ كان ينقل البضائع لبعض اصحاب المحال التجارية في بغداد.
لم يدم الحال طويلا، خاصة مع اشتداد الهجمة التي قادتها السلطة الدكتاتورية ضد حملة الأفكار الوطنية آنذاك، فقررت العائلة الهجرة للولايات المتحدة والألتحاق بباقي افراد الأسرة الذين سبقوهم الى هناك. كان المفروض أن يغادر بغداد يوم ١٨ ـ كانون أول ـ ١٩٨٠ إلا ان شيئا ما حصل في تلك الأيام، غيرت حياته وحياة اسرته وعائلته ومحبيه، مرة والى الأبد!

تقول السيدة (منتهى) زوجة الراحل: كان اليوم هو ١٥ ـ كانون أول ـ١٩٨٠، وقد خرج كعادته صباحا، وما أن حل وقت عودته المعتاد حتى دبّت فيّ الشكوك وساورني القلق، وجاء الليل ولم يعد (كامل)، فقصدت المستشفيات عسى أن اجد جوابا ولم أجده، ثم توجهت لمراكز الشرطة ، وبعدها  لمديرية الأمن ولم يعطوني اي جواب، وبعد ايام وأيام من المعاناة والتلفونات والقلق والخوف ، لمحت سيارته في كراج الأمن العامة، فقلت لهم : (هذه سيارة زوجي) وكان جوابهم انهم سحبوها من الشارع.
ثم قامت العائلة بمحاولة اخرى وذلك بأرسال والدته المرحومة (حنية عبو) من الولايات المتحدة الى بغداد عام ١٩٨١ لغرض (الأفراج عنه بالرحمة) و تسليم العرائض للمسؤولين، لكنها لم تحضَ بأي مقابلة، بل كان جوابهم لها : (إن ابنك مسافر للخارج)!
فعشتُ تلك السنين، وأنا اتدبر أمر الأبناء الذين تركهم وهم صغار، فعملتُ في الخياطة فيما ساعدتني عائلتي وعائلة زوجي في تجاوز المحنة. في عام ١٩٨٧ قمت بمراجعة مركز الشرطة بغية الحصول على كتاب رسمي حول (قصة اختفاء كامل) لأن إبنتي ترغب بالحصول على جواز السفر، وهذا يتطلب اما حضور والدها او وجود شهادة عنه !
 قال لي الضابط يومها: (إن زوجك ميّت) ، وسلمني  كتابا تضمن
ـ سـبب الموت : الأعدام شنقا حتى الموت.
ـ ماهية التهمة: الأنتماء لحزب معاد للدولة.
ولم أدر ما افعل امام هذا الخبر الذي نزل عليّ كالصاعقة، فطوال فترة غيابه كنت آمل أن يكون على قيد الحياة حتى لو كان مسجونا، اما اليوم فإن كل تلك الأحلام والأمنيات قد تبخرت وأنقلبت الى كابوس كبير يلاحقني، فطلبت منهم (جثته) حتى اقوم بالواجب تجاه الميت، فأجابني بكل برود وبلا اية لياقة او أدب: لقد جرى دفنه بمقبرة جماعية، وهذا الأمر تابع للدولة!
فلا (كامل) رجع، ولا حصلت على جثته، وحتى كتاب الوفاة الذي استلمته فيه (انتقام) من الضحية ومن عائلته، أكثر مما هو اعلان وفاة!
عاشت العائلة بعد ذلك والهواجس والقلق يحيطها من كل جانب، وأعين المخابرات لا ترحمنا ولا تحترم خصوصيتنا، فأضطررنا لمغادرة العراق عام ١٩٩٠، وعشنا لاجئين حتى توفرت الفرصة للوصول الى مملكة هولندا، حيث اقمتُ انا والأبناء لمدة عشرة سنوات، بعدها قدمنا للولايات المتحدة بغية لم الشمل مع باقي أفراد العائلة، وها  قد كبر الأبناء، ومنهم من تزوج ومنهم من ينتظر، وكم كنت اتمنى لو كان (والدهم) معنا حي يرزق ليداعب احفاده ويلاعبهم ويفرح معهم.
وتكمل السيدة (منتهى) حديثها بالقول: كان زوجي انسانا طيبا، ويساعد الكل. لقد كان الحائط الذي اتكأ عليه، وكان سندي رغم قصر السنين التي جمعتنا، لكن ذكراه وأنفاسه بقت معنا وعملتُ جاهدة حتى يتحلى الأبناء بأخلاقه الحميدة. لقد احب الناس وشعبه وكان ينادي بالعدالة والسعادة للكل، وهو لا يستحق هذا المصير من قبل حكومة الجلاوزة والقتلة البعثيين.

اما شقيقه الأصغر المدرس (صباح فرنسي كمّه) فيتذكر الراحل بالقول: ان الأيام التي قضياناها سوية ذهبت مسرعة ، لكنها تركت ذكريات طيبة وجرح غائر. لقد كانت آخر مشاهدتي له يوم اصطحبني الى الأردن  في آب ١٩٧٦ وأنا في طريقي للهجرة الى الولايات المتحدة، فآثر ان يكون معي لعدة أيام. لم اسمع من زملائه سوى الكلام الطيب عنه، وحتى اصحابه الذين كان يلتقيهم في (نادي عشتار) كانوا يمتدحون أخلاقه كثيرا . كان وطنيا مخلصا بأمتياز، ولم يتردد بإعلان آرائه وأفكاره ، وللكثيرين من أبناء جيله كان معروف بميوله الوطنية، والتي هي حق مشروع لأي اي انسان، ولا يجب ان يكون الأنتماء او حمل الأفكار حكرا على احزاب السلطة او رجالاتها. لقد توفيت والدتي عام ٢٠٠٠ وكانت دائما تردد مقولتها: (حتما سأرى كامل قبل وفاتي) لكن للأسف فقد سبقها الى ذلك بسنين! لقد كان  بالنسبة لنا كأب، إذ اننا وعينا هذه الحياة انا وأخواتي الأصغر وكان والدنا قد رحل مبكراً.

لم يكتف النظام بتغييبه ومن ثم تصفيته، بل إن حقدهم الكبير وأنحطاط افكارهم دفعهم الى تسريب الأشاعات عنه بين البسطاء والسذج، خاصة في مقهى (شنيشل) في منطقة البتاوين حيث كان يقضي بعض اوقات فراغه، إذ اشاعوا عنه بأنه وأثناء لعبه للنرد (الطاولي) قال لمحدثه: وعيون الخميني، وهذه عادة يلجأ اليها من يلعب اللعبة بالقول (وعيون فلان) أملا بأن يحالفه الحظ في رمي النرد، وهذه التهمة السخيفة ما كانت لتنطلي على الذي خبر اساليب الأمن الخبيثة، ولا يمكن ان يتفوه بها انسان مثقف وملتزم ومتعلم مثل المرحوم كامل كمّه.

** الذكر الطيب للشهيد الراحل كامل فرنسي كمّه، والعار لقتلته المجرمين
** العزاء والمواساة لعائلته الكريمة ، وزوجته وأبنائه ولكل من عرفه وأحبه أو تتلمذ في المدارس على يده.

كمال يلدو
آيار ٢٠١٥


293
شكرا للتيار المدني، وللنائب الشجاع جوزيف صليوا.  وشكرا لموقع عنكاوة العزيز على النشر . من الطبيعي أن يمنعوك رفيقي العزيز ، ها قد مرت مئة عام وهم يتنكرون لتلك الجرائم، وهم يتنكرون لجرائم داعش ايضا. وشيخ الأزهر يرفض تكفير داعش بدعوى (ان المسلم لا يكفّر اخاه المسلم) هل يعي القراء الكرام والشهود على هذه العقلية المتخلفة والمتحجرة والتي تساوي بين الضحية والجلاد، بين القاتل المجرم والضحية. يقينا سيأتي يوم تتنفس فيه شعوب المنطقة الهواء النقي بعيدا عن هذه العقليات العفنة. أملنا فيكم ايها الطيبون، وبكل المخلصين للشعب العراقي والقضية الأنسانية، اما تجار الدين والمزورين والطائفيين وأصحاب الشهادات المزورة، فحتما ايامهم معدودات.
كمال يلدو/ ديترويت

294
كمال يلدو:
بعد ١٠٠ عام على مذابح الأرمن والآشوريين والكلدان، الجرح مازال نازفاً !


  يظهر جلياً لمن يقلّب أوراق التأريخ القريب بأن بعض القوى المهيمنة في المشهد السياسي، من نخب وأحزاب وحركات ترفض استيعاب الدروس التأريخية، فتعيد انتاج وتكرار المآسي في محاولة  لتثبيت أوضاعها وضمان مصالحها ، ليس بتقديم الأفضل لجماهيرها وشعوبها، بل بالمزيد من القمع والقهر والأرهاب، لابل حتى بالأتكاء على الماضي المظلم وسطوره المغمسّة بدماء الأبرياء، الذي لم يكن لهم ذنب، سوى الأختلاف بالرأي أو العقيدة أو المذهب مع حامل السيف!
لقد كان من الممكن ان تكون أوضاع الشرق، ومن ضمنها العراق أفضل بكثير لو أيقن الحكام، وبخاصة منهم حكام الجمهورية التركية، بأن دماء الضحايا تبقى أثمن من كل شعاراتهم البراقة التي يزوقون بها مؤتمراتهم وخطبهم، وبأن المجرمين يمكن أن يكون لهم اسطراً في اوراق التأريخ، لكنهم لن يكونوا مَن يكتبهُ بل انه يُخط بأقلام البناة  والحالمين بغد افضل للأنسانية. اما سياسة المراوغة والكذب والتدليس، فربما تنجح لبعض الوقت، لكنها قصيرة بتأريخ الشعوب، وحينما تندحر، فأنها تسقط للأبد.
لم يعد سراً عناد القيادة التركية الحالية والممثلة بحزب (الحرية والعدالة) الوريث الشريعي للدولة العثمانية وأفكارها، بأن ينكر على شعبه أولاً وعلى ضحاياه  والعالم  الجرائم التي اقترفها الحكام آنذاك، بحق الأرمن والآشوريين والكلدان واليونانين  في تلك المجازر الشنيعة التي يهتز لها الضمير الأنساني كلما مر على ذكرها ، او راح يشاهد مناظرها المؤلمة وضحاياها الأبرياء.  اما انكارهم لها ومحاولة التنصل منها،  فأنها تدل عن جهل  سياسي تضع المراقب في حالة التساؤل:  فإذا لم يكن (حزب اردوغان) هو الذي قام بتلك الجرائم، فلماذا انكارها وعدم تحميل مسؤليتها للفاعل الأصلي؟  اما لو اخذنا الصورة معكوسة، وإعتبرنا ان (حزب اردوغان) يمثل عقلية وسياسة ونهج وفكر القادة الأتراك آنذاك ، فسيكون من السذاجة بمكان مجادلته وطلب اعترافه بالجرائم، بل الأحرى بالعالم الحر، العالم الذي يدعي الدفاع عن الأنسانية ومُثلها السامية  تقديمه هو (وكل من يسانده) للعدالة، كي ينالوا جزائهم. فكيف يمكن لأصحاب العقل المستنير ان يوجدوا المعادلة مابين، حكومة ترغب بالأنضمام للأتحاد الأوربي (رمز الديمقراطية في الغرب) وهي ذاتها تنكر بأن اسلافها العثمانين قد اقترفوا جرائم القتل والتصفية العرقية والدينية، وهي ذاتها من يقود حرب ابادة  ضد الشعب الكردي، في الوقت الذي كانت ومازالت تعتبر أكبر حاضنة وداعمة وممولة  لأشهر منظمة ارهابية شهدها التأريخ الحديث (داعش ودولتها الأسلامية المزعومة).
 انها المفارقة بعينها، فهل يستفيق لها العقل البشري؟

بعد مئة عام على تلك المشاهد التراجيدية المؤلمة، لا يسع المرء إلا أن يسجل اعلى درجات الأعجاب والتقدير والتضامن مع نضالات الشعب الأرمني، مع قواه الحية ونخبه، مع فنانيه ومثقفيه وحتى مع كنيسته التي ابقت على شعلة الحقيقة وقّادة  ومستعرّة،  وأن تحافظ على حق المطالبة  بتقديم القتلة والمجرمين  للعدالة وأرجاع حقوق الشعب الأرمني، وجعلها واحدة من الأولويات مهما تبدلت الأنظمة والحكومات وخارطة العالم السياسية .
فقد احتفلت دولة أرمينيا، وكل شعبها  المتوزع في أركان الدنيا الأربع، متمثلا بمنظماته و مؤسساته وكنائسه في هذه الذكرى المؤلمة رافعين شعارا كبيرا ومتميزا هذه السنة:
(( نحن نتذكر ....ونحن نطالب))
وعلى الرغم انهم لا يدعون للأنتقام من اسلاف العثمانيين، لكنهم لا يظهروا اية رغبة بالمساومة على دماء ودموع وآلام هذا الشعب المسالم والبرئ الذي وقع ضحية  الثقافات البدائية المتخلفة، وحيث مازال اخوتهم في الدين المسيحي  يدفعون ذات الفاتورة الغالية إن كان في العراق أو سوريا وفلسطين ومصر وغيرها من بلدان الشرق المعتمر بالعقليات العنصرية الحاقدة.
لقد اضحت الحقيقة ماثلة لكل ذي عقل راجح، فبحجم الصبر والثقة بالنفس والتضحيات  التي قدمها الأرمن،  كان  يقابله حجم أكبر من التعاطف والتضامن العالمي الذي ابدته الشعوب والحكومات والأحزاب والحركات التي ترفض تطرف (المنظمات  الأسلامية)، وتدين استعمال القوة والأرهاب تجاه المكونات غير المسلمة، لابل انها تدين العقليات العنجهية والمتكبرة التي يتصنعها حكام انقرة الذين يحاولون اظهار انفسهم كأناس حضاريون، فيما هم غارقون في اوهام الحقد والكراهية التي تعود للعصور الحجرية المظلمة.
ولأن احتفالات هذا العام اقترنت بمرور مئة سنة على تلك المجازر المروعة، فأنها اكتسبت طابعا وزخما اضافيين، وربما كانت البداية في حضرة الفاتيكان والقداس الذي ترأسه الحبر الأعظم، البابا فرانسيس وبحضور بابا الطائفة الأرمنية الأرثذوكسية ، حينما حدد بكل وضوح واصفا ما قامت بها تركيا العثمانية وسلاطينها آنذاك بأنها (كارثة انسانية وإبادة جماعية عرقية ودينية) ، مما اثار حفيظة حكام أنقرة.
انطلقت الأحتفالات الرسمية يوم الرابع والعشرين من نيسان من مدينة يريفان ، عاصمة  أرمينيا  وبرعاية رئيس الجمهورية وبحضور الرؤساء الروسي والفرنسي والألماني وجمع كبير من المسؤولين وممثلي مختلف الكنائس في العالم، وأمتدت الأحتفالات للكثير من  عواصم ومدن العالم ومنها بغداد، إذ شهدت أول تظاهرة للطائفة الأرمنية وبمؤازرة من  قوى التيار المدني والكنائس، توجهت نحو السفارة التركية بغية تسليمها برقية احتجاج آثرت أن لا تتسلمها!
اما في مدينة ديترويت الأمريكية ، فقد كانت كنيسة (سانت جورج ـ مدينة ليفونيا)عصر يوم الجمعة على موعد مع ابناء الطائفة الأرمنية ممثلين بكنائسهم الأربع ، وفي قداس  قاد مراسيمه المطران الأكبر خدمة (آلين فكنيرون ـ من مطرانية الروم الكاثوليك بديترويت)، حيث ابتدأت المراسيم بإيقاد (اثنا عشر شمعاً) تيمناً بالمقاطعات الأثني عشر التي احتلتها تركيا من أراضي أرمينيا التأريخية بعد أن قتلت وهجّرت سكانها،  ثم توالت الصلوات وسط افراح الحضور، حيث تم ترقية (٣٠٠) من قادة الشعب الأرمني الذين اعدموا عشية بدء الأبادة  لمرتبة القديسين.
 وللحقيقة، فما كان يمكن لأي شخص ان يخطئ الظن بأن أمراً كبيراً يحدث هنا، فقد دخل الكنيسة زواراً مثلوا ربما ثلاثة أو اربعة اضعاف سعتها ، لكن الأبهى من كل ذلك كانت المسيرة التضامنية  الرمزية من قبل كل الكنائس المتواجدة في ديترويت ممثلة بكهنتها ومطارينها.  فقد  كان منظرا مؤثرا وهم  يخترقوا حشود الحاضرين متوجهين لمقدمة الكنيسة في موقف انساني مؤثر، مؤكدين على  المطالب المشروعة لهذا الشعب، وبالترحم على ضحاياه، وحتى الذين يسقطون لليوم على يد الأرهابيين.

شـــهادات
يقول الأب هرانت كيفوركيان من الكنيسة الأرمنية الأرثذوكسية في هذه المناسبة: " لقد استوعب شعبنا الدرس، وسرنا في اتجاهين، الأول هو في بناء دولتنا وبلدنا ، والثاني  في جمع اكبر قدر ممكن من التضامن مع عدالة مطالبنا، وبسبب وجود دولة  عضو في الأمم المتحدة تساندنا (دولة أرمينيا) فقد تمكنا من رفع الدعوة للأمم المتحدة  وسنظل نلاحق المسؤولين ونطالب بمحاكمتهم على جرائمهم، وإعادة الحقوق الى الشعب الأرمني. نحن لسنا طلاب ثأثر، فالدين المسيحي يرفض ذلك، لكننا طلاب حق" .

مذابح "ســــيفو" ضد الآشوريين والكلدان
لايبدو الأمر سهلا حينما تُرجع عقارب الزمن عقودا للوراء، وليس لغرض نكأ الجروح من جديد، بل لأنها  ما كادت أن تلتئم حتى تجد من يغرس فيها خنجره السام  من جديد.  هكذا يبدو المشهد اليوم مع المسيحيين العراقيين من ابناء الشعب الآشوري الكلداني السرياني.  فبعد أن نجا بعض اجدادهم من تلك المجازر المروعة (يقدر عدد الضحايا بحوالي ٢٥٠ ألف ـ نصف مليون) ، ها هو المشهد يتكرر على يد عصابات (داعش) الأجرامية التي عملت قتلا وسبيا بسكان بلدات سهل نينوى،مما اضطرتهم هذه الأوضاع للنزوح طلبا للأمان، ومن ثم  قامت ذات العقليات الحاقدة، بحرق كنائسهم وأديرتهم وتجريف مقابرهم، وتدمير آثار اسلافهم.

يقول الباحث والكاتب السيد حبيب حنّونا في هذه المذابح : " كانت (مذابح سيفو) على يد اتراك الدولة العثمانية محطة مهمة، وهي لم تكن الأولى بل سبقتها مجازر كان من بينها في العام١٨٤٦ في منطقة (أشيثا ومنيانيش) ، بعدها (المجازر الحميدية)  نسبة للسلطان عبد الحميد عام  ١٨٩٥  ثم مجازر (سيفو) عام ١٩١٥ ، وقد سميت كذلك نسبة الى استخدام السيوف في تلك الجرائم. ولابد هنا من القول بأن عملا كبيرا ينتظر النخب المثقفة والسياسية وكل اصحاب الشأن في تثقيف ابناء الشعب العراقي ، و (الكلداني السرياني الآشوري) على وجه الخصوص من أجل ان لا تُطمس هذه القضية العادلة، وأن تجري المطالبة بأقرار ما جرى  ك(ابادة جماعية) وأن يحاسب ويدان المسؤلون عن ذلك وتعاد الحقوق الى اصحابها"

أما الأب أمير بريخا من كنيسة مريم العذراء الآشورية فيقول في هذا الحدث: "ان كنيستنا تتضامن مع كل الضحايا، إن كانوا أرمناً او آشوريين وكلدان، ونقيم لذلك القداديس والصلوات، لكن المؤلم في تأريخنا المعاصر، بأن تلك الجرائم لم تتوقف عند ذلك التأريخ، بل وللأسف انها تواصلت ولحد هذا اليوم.  فبعد مذابح سيفو  طال القتل الشعب الأشوري في (مذابح سميل ١٩٣٣) فأضطر الناس الهرب حينها وعبروا الحدود نحو منطقة الخابور في سوريا، وها هي مناطقهم تقع بيد الأرهاب ويسقطوا  اسرى من جديد. تلتها مذبحة (صوريا) في عام ١٩٦٩.  وها نحن نشهد ونعيش اليوم كيف ان شعباً بأكمله يُجبر على مغادرة مدنه  وكنائسه وأديرته ويخليها للمجهول، يخليها لنيران الحقد والكراهية،  فيما الناس تعيش اقسى الظروف في الخيم والكرافانات وبمستقبل غامض ، بعيدا عن أرضها التأريخية التي احبتهم وأحبوها. ان أمراً يجب ان يتغير في هذه المنطقة حتى تعيش شعوبها المتنوعة بسلام ووئام، ولا بديل عن اقامة الدولة المدنية، لابديل عن النظام العلماني  وفصل الدين عن الدولة، انه الضامن الحقيقي للمساواة والعدالة بين كل المكونات صغيرها أم كبيرها ".

كان يمكن لهذه الذكرى ان تمضي، كحال الكثير من فصول التأريخ، لكن يبدو ان المصالح السياسية تبقى أهم بكثير من النفس البشرية، اهم من كرامة الأنسان او سعادته.  إذ كيف يعقل ان لا يتعلم العالم من تلك الأحداث، وكيف يسمح للقتلة ان يظهروا من جديد ويقوموا بذات الجرائم إن لم تكن أبشع منها.  كيف يُعقل ان لا تتحصن هذه الشعوب من العنصرية والطائفية والحقد والكراهية وأحترام الآخر، وكيف يمضي مشروع تهجير وأستهداف وقتل ابناء المكونات الأصيلة للعراق من الكلدان والآشوريين والسريان والشعب الأيزيدي وأبناء الطائفة المندائية، وأقتلاع جذورهم، على يد الغرباء الذين لايمتون للعراق وشعبه وثقافته بصلة، فيما العالم يقف متفرجا على مأساة النساء الأيزيديات والمسيحيات المختطفات من قبل الأرهابيين.
إن الوازع الأخلاقي لدى الحكام والدول بحاجة الى مراجعة، قبل ان نفقده ونخسر الأمل ببناء دولا مدنية ترعى وتسهر على راحة وسعادة ومستقبل شعوبها، اكثر بكثير من الأعلام السوداء، أو تلك الملطخة بدماء الأبرياء.

كمال يلدو
نيسان ٢٠١٥


 



295
كمال يلدو:
غرفة التجارة الكلدانية ـ الأمريكية بديترويت،  تقيم حفلها السنوي الثاني عشر


كما درجت عليه سنويا، فأنها ماضية في الحفاظ على هذا التقليد  الذي يعتبر واحدا  من ابرز المهرجانات السياسية ـ الأجتماعية السنوية عند الجالية الكلدانية بمدينة ديترويت. فقد اقيم الحفل السنوي مساء يوم الجمعة ١٧ نيسان ٢٠١٥، في نادي  الجالية الكلدانية (شانوندوا) حيث اكتظت  اكبر قاعاته  الأحتفالية بالمدعوين (ما لا يقل عن ١٠٠٠ شخص) غصّت بالمدعوين والمحتفلين من ابناء الجالية وبالمسؤولين الأمريكان.
تشرف غرفة التجارة الكلدانية ـ الأمريكية  و التي تمثل معظم  (اصحاب المصالح ورجال الأعمال الكلدان)  في المدينة،  على هذا الحفل بمؤازرة ومساندة معظم مؤسسات الجالية الكلدانية، المهنية والأجتماعية والثقافية والسياسية والأعلامية والدينية و تُسخّر لأنجاحه كل الجهود بغية اظهار الجالية بأبهى وجه وبما تستحقه من مكانة توازي ثقلها ودورها الأقتصادي والثقافي والأجتماعي في مدينة ديترويت وضواحيها.
أهمية هذا المهرجان تأتي من طبيعة المدعوين له .  إذ تحرص غرفة التجارة على توفير المناخ والمكان المناسب لجمع  اصحاب المصالح الكلدان مع نظرائهم الأمريكان، اضافة للمسؤولين الذين يبحثون عن اية مناسبة تفيدهم وتخدم مشاريعهم الأنتخابية المستقبلية، وبالتالي فأن هناك مصلحة مشتركة تأتي بثمارها  للطرفين.
هذه هي الفلسفة من هذا النشاط، وهي تأخذ مدى تصاعديا في النجاح والتأثير على صنّاع القرار إن كان على مستوى الولاية او البلد بصورة عامة.
ابرز ما ميّز الأحتفال السنوي هو الوجوه السياسية التي حضرت، والرسائل السياسية المهمة، اضافة الى التلقيد الذي درجت عليه غرفة التجارة في تكريم شخصيتان من الجالية أو أكثر أحيانا، واحدة للجانب التجاري والأخرى للجانب الأنساني.
نال جائزة افضل و أنجح رجل اعمال من الجالية الكلدانية السيد (أنمار صرافة) لعمله المبدع بتأسيس ثلاث مؤسسات للأدارة، وشرائه مؤخرا لمعمل (البيرة) في مدينة  ـ فرانكين موث ـ السياحية، والذي كان قد اغلق نتيجة الأزمة المالية، فبعث فيه الروح والنشاط، وساهم ليس بأنعاش اقتصاد المدينة فحسب، بل بتوفير فرصة عمل لعشرات العمال وعوائلهم ايضا. والسيد انمار صرافة من مواليد بغداد، هاجرت عائلته الى الولايات المتحدة عام ١٩٦٣، وأكمل تعليمه في مدارسها، وتوجه للعمل في مجال الإدارة، وكان ناجحا فيه، لكنه يقول: إن الصدفة وحدها هي التي دفعتني لشراء معمل البيرة في مدينة "فرانكين موث" السياحية، وأنا سعيد بهذا الأختيار.
اما جائزة (الأبداع في العمل الإنساني) فقد حصل عليها السيد (رافد يلدو) الذي ضرب نموذجاً  طيباً في مساعدة العوائل المهجّرة نتيجة هجوم (داعش) على قرى وبلدات سهل نينوى، فقام بسفرتان للأقليم، وألتقى بالكثير من العوائل، وساهم بعمله ومسعاه هذا الى دفع المزيد من ابناء الجالية للإنخراط في العمل الأنساني الذي كان قائما بالأصل، لكن وجود السيد رافد يلدو، ساهم بخلق الحافز  للمزيد من العمل والعطاء. ولعل اجمل اللحظات كانت تلك التي اعتلى فيها منصة الحفل وألقى كلمة مؤثرة بخصوص تجربته  مع النازحين والتي قال عنها بأنها صنعت منه انساناً أقوى، وأنساناً يقدّر البشر ويحبهم ويعمل ما بوسعه لسعادتهم.
ولد السيد رافد يلدو في بغداد، وهاجرت عائلته للولايات المتحدة عام ١٩٧٦، ويعمل الآن مديرا لمؤسسة (جان بول ـ للخدمات الصحية للمرضى والمقعدين)، وهو عضو نشط في مؤسسة (تبني عائلة لاجئة) والعديد من النشاطات الخيرية والإنسانية والكنسية.

إن العمل الدؤوب الذي تقوم به  الهيئة الأدارية ل (غرفة التجارة الكلدانية الأمريكية) يجد انعكاسه في حجم الثقل السياسي للمسؤولين الأمريكان الذين يلبون دعوة الحضور، وهي امتداد لمجمل النشاط على مدى اشهر السنة ان كان في طرح القضايا المتعلقة بالجالية في ديترويت، او بالدفاع عن مصالح اصحاب الأعمال الكلدان أو فيما استجد الآن في العراق حيال اوضاع المسيحيين والأيزيديين الذين ارغموا على مغادرة قراهم وبلداتهم من قبل تنظيم (داعش) الأرهابي، والكيفية التي يمكن للإدارة الأمريكية عبر المسؤولين المحليين في مساعدتهم بمحنتهم الحالية. وانصافا للحقيقة، فأن القائمين على غرفة التجارة والأبريشية الكلدانية وبالتنسيق مع العديد من منظمات الجالية كانوا قد شكلوا (لوبي كلداني) للضغط على الحكومة الأمريكية وصنّاع القرار للأسراع بتقديم المساعدات للنازحين، لابل حتى مطالبتهم  بأصدار القرارات الأمريكية او الأممية من اجل تحقيق (المنطقة الآمنة) او (الحماية الدولية) التي يحتاجها هؤلاء النازحون بعد عودتهم لديارهم، ناهيك عن قيام غرفة التجارة بلعب دورا مهما في تسهيل مهمة لقاء الوفود الكنسية العراقية مع الأدارة الأمريكية. 

وزّع في الحفل  كراس  على شرف هذه المناسبة تصدرته كلمة تحية للمطران "فرنسيس قلابات" راعي (ابريشية مار توما الرسول) في مشيكَان، ثم تضمن رسائل التحية والتقدير من المسؤولين الأمريكان، مع نبذة عن المحتفى بهم، وإعادة نشر اسماء وصور الذين جرى تكريمهم في السنين المنصرمة، اضافة الى نبذة عن فعاليات ونشاطات وشخوص  غرفة التجارة.
أما أبرز الوجوه التي حضرت الأحتفال فكانت:
ـ الأب عمانؤيل بوجي، ممثلا عن المطرانية.
ـ ممثلا عن السيد (رك سنايدر) حاكم ولاية مشيكان، الذي بعث بدوره برسالة مرئية عرضت في الحفل.
ـ السناتورة  ديبي ستابنو، التي القت كلمة مؤثرة في الحضور اشادت بدور الجالية ومنظماتها ، وتضامنها مع محنة المهجّرين.
ـ السناتور (كَيري بيترس)
ـ عضو مجلس النواب (ساندر ليفن)
ـ عضو الكونغرس (ديف تروت)
ـ مسؤول مقاطعة اوكلاند (ل . برووكس باتيرسون)
ـ مسؤول مقاطعة وين (وورن ايفانس)
اضافة للعشرات من المدراء والمسؤولين المحلين في المقاطعات والبلديات.
افتتح الحفل بكلمات ترحيب من السادة: مارك صرافة، مارتن منا، سـعد عبو. اما فقرات الحفل فقد قدمها الأذاعي المشهور ببرنامجه الصباحي (موجو)  والذي اضاف نكهة فكاهية وطريفة لمقاطع الحفل.
لابد من تسجيل مشاعر الأمتنان والتقدير لفريق العمل الذي حضّر وأشرف على هذا الحفل الناجح، وعلى ادائه وتنظيمه الجيد،  وحجم الدعوات والمشاركات من قبل المسؤولين الأمريكان. اما الشكر والأمتنان الأكبر فيقع لأبناء وبنات الجالية الكلدانية ، التي عبرت بأسلوبها الراقي عن مدى التزامها وتنظيمها، وسعيها لبناء قنوات التفاعل المثمرة مع صنّاع القرار الأمريكي، وبذات المعنى، للوفود الرسمية التي حضرت، والتي حرصت عن ابداء تقديرها وأعتزازها بدور الجالية، ورجال الأعمال، وبعمل ونشاط "غرفة التجارة الكلدانية الأمريكية".
كمال يلدو
نيسان ٢٠١٥



296
كمال يلدو: مربون في الذاكرة الحلقة (٢٢)


رحلة مع بناة الأنسان العراقي
لو قدّر لهذه الأشجار أن تقص علينا عدد الأزهار والثمار التي طرحتها عبر عشرات السنين، والى أين اتجهت وأينعت وأثمرت بعد ذلك مرارا وتكرارا مع مضي الحياة ، لأحتجنا الى ملفات كثيرة  لاتعد ولاتحصى.  هكذا كانت سيرة المربين والمدرسين والتربويين الذين قدموا أغلى ما عندهم  للتلاميذ الذين اعتبروهم مثل ابنائهم.  وما من لحظة تزهو بها عيونهم، أجمل من تلك التي تتلاقى فيها مع تلاميذهم، وقد كبروا وصار لهم شأن ما في المجتمع، فيبادروهم القول ((مرحبا استاذ ....مرحبا ســـت)). مهما قيل بحق المربين سيكون قليلا، لكن اجمل هدية نقدمها لهم، هو التفاخر بمسيرتهم  وإعلاء شأنهم ، ذاك الذي يستحقوه بجدارة.  هذا هو احلى وسام يبعث في ارواحهم الفرح والسرور.
ادعوكم لرحلة جميلة مع مربين رحلوا، لكنهم حاضرون بيننا ومعنا على الدوام.
****       ******       ******       ******      ******

المربي الراحل هرمز روفا طليا
ولد في مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى عام ١٩٠٧ في (محلة اورو) وتوفي في بغداد عام ١٩٨٠. كان متزوجا من السيدة فهيمة يلدا قرانا، ولهم ١٠ بنين وبنتان، مع (٣١) حفيد و (٢١) ابناء الأحفاد لحد الآن.
درس الأبتدائية في (مدرسة تلكيف الأبتدائية)، بعدها انتقل الى بغداد ودرس في (دار المعلمين) لمدة ثلاثة سنوات وتخرج منها معلما عام ١٩٢٧. كان تعينه الأول في

١) منطقة سـناط (اسـنخ بلغة السورث) على الحدود مع تركيا ثم الى
٢) (مدرسة ارادن) في مدينة ارادن ثم عاد الى
٣) (مدرسة تلكيف الأبتدائية) بعدها انتقل الى
٤) (مدرسة القوش الأبتدائية) بحدود الأعوام ١٩٤١ ـ ١٩٤٢ ثم الى
٥) (مدرسة باطنايا)  بعدها عاد ليستقرفي مدينة تلكيف
٦) معلما في (مدرسة تلكيف الأبتدائية) انتقل بعدها الى بغداد 
٧) معلما في (مدرسة القديس يوسف الأهلية) لمدة ٤ ـ ٥ سنوات حتى احيل على التقاعد.
درّس مادتي اللغة العربية والحساب خاصة للصفوف الأولى في المدارس التي عمل فيها.
يتحدث السيد "مسعود  طليا" عن والده الراحل مستذكرا  ايضا الرعيل الذين عاشوا في ذلك الزمان، بأن "المربي هرمز" كان من اوائل المعلمين في تلكيف الى جانب المربي ميخائيل شمعون، ويحكى ايضا انه اشترى (حمارا) بالشراكة مع المربي "سليم كثاوا" وكانا يتقاسماه في الذهاب الى بلدة (باطنايا) للتدريس هناك، وذلك لشحة وسائط النقل آنذاك.
اما ذكرياته عن الراحل كمعلم فيقول: كان حريصا على مصلحة التلاميذ، ويدعوهم للعمل بأخلاص، وهذا ما دفعه احيانا لأن يكون شديدا معهم، علما ان صفه كان يضم ما بين ٤٥ـ٥٠ تلميذ في الشعبة الواحدة. وفي كل مرة كان يجري نقله ، كانت كل العائلة تنتقل معه، وكانت البساطة آنذاك سمة حياتنا، ومازلت اتذكر قوله بأن (الموظف مثل الملك) وهذه اشارة الى العمل المضمون والمتواصل.كان كل المعلمين يحبوه ويقولون عنه (إن الجلسة لا تكتمل إلا بوجوده) ولم لا، فقد كان أريحياً وصاحب نكتة، وذو صوت جميل في الغناء بين اصدقائه.

أما كأب فيتذكره السيد "مسعود" بالقول: كان المرحوم عصامياً في تعامله معنا، شديداً في معظم الأحيان، وكنّا نهابه كثيراً، ومن الجانب الآخر، فقد كان يبرر ذلك بحرصه علينا، ورغبته بأن نكون متفوقين ومتقدمين في حياتنا، لابل انه كان يشجعنا على الزواج المبكر وأنجاب الأطفال بأعتبارهم مكملين لجمالية الحياة الزوجية. كان والدي متديناً وملتزماً في هذا المجال، ودفعنا نحن ابنائه لأن نحذو حذوه، فقد اصبحت شمّاسا في الكنيسة مقتفيا خطواته، كذلك علمّنا لغتنا الكلدانية كتابة، بعد ان كانت متداولة بشكل يومي في بيتنا من خلال الأحاديث.  وكم انا سعيد بأنه شهد وداعب ابنائنا ، ولعلي هنا استذكر عظمة تلك الأستمرارية الحياتية بين الأب والأبن والأحفاد، هذا الشريط الرائع من التواصل اللامتناهي. اما والدتي الغالية (فهيمة)  فأنها كانت تدعونا دائما لأقتفاء اثره في الحياة والعمل، فقد كان انساناً مستقيماً اضافة لكونه  تقياً و (يخاف الله) كما يقولون. كان يوظف الكثير من وقته في العطلة الصيفية لنقل وإعادة كتابة الكثير من القصص (الكلدانية)  بالخط الآرامي ـ السرياني الأصيل، ويشرفني أن اقول بأن الكثير منها قد وجد طريقه الى (السمنير) في منطقة الدورة ببغداد، كذلك الى احدى المكتبات التابعة لأحدى كنائس محافظة أربيل.
الذكر الطيب له ولكل الجيل الرائع الذي خدمنا في تلك الأزمنة الصعبة.
****       ******       ******       ******      ******

المدرّس الراحل ميخائيل يوسف صنا
من مواليد مدينة ألقوش التابعة لمحافظة نينوى عام ١٩١٧ في محلة (قاشا) وقد وافاه الأجل عام ٢٠٠٤ ، وكان متزوجا من السيدة فضيلة كَوُريا أودو، ولهما سبعة بنين و خمسة بنات، ولو قدر له أن يحيا لليوم لكان قد شهد (١٧) حفيدا و (٣٣) من ابناء وبنات الأحفاد.
درس الأبتدائية أول الأمر في مدرسة مار ميخا (النوهدري) الأهلية بمدينة ألقوش، ثم اكملها بعد الصف الرابع في مدينة الموصل، كما أنهى دراسته المتوسطة هناك ايضا ليدخل بعدها (مدرسة الصنائع العسكرية في الموصل) ويتخرج منها  عام ١٩٣٨.
ـ عام ١٩٤١ عيّن معلما في (مدرسة الصنائع العسكرية ـ بغداد) والتابعة لمعسكر الرشيد
ـ عام ١٩٤٥ أكمل الدراسة الأعدادية ـ الفرع العلمي، في الثانوية الجعفرية المسائية
ـ عام ١٩٤٥ عيّن مدّرسا في (مدرسة الصنائع العسكرية) بمعسكر الرشيد حتى عام ١٩٥٠.
في  أحد تلك الأيام، يدخل مشرفا من الجيش البريطاني الى أحدى حصص الأستاذ ميخائيل، فيُعجب بتدريسه وبإسلوبه وبفصاحة لغته الأنكليزية، فيقوم بتشجيع إدارة معسكر الرشيد الى إرساله بإحدى البعثات الدراسية الى خارج العراق، ويتم ذلك عام ١٩٥٢  حينما قبل في إحدى جامعات ولاية كاليفورنيا، حيث درس فيها وتخرج في "هندسة المكائن الزراعية".
ـ عام ١٩٥٥ يعود الى العراق، ويعين مديرا للمعامل الأنتاجية التابعة لوزارة التربية في محافظة السليمانية، ثم مديرا ل (ثانوية الصناعة في السليمانية).
ـ عام ١٩٥٧، نُقل مدرسا الى (إعدادية زراعة كركوك)
ـ عام ١٩٥٨ نُقل الى محافظة السماوة حيث أشرف على تأسيس (ثانوية الزراعة في السماوة) وبقي مديرا لها
ـ عام ١٩٦٣ نُقل الى محافظة الديوانية و أشرف على تأسيس (ثانوية الزراعة في الديوانية) وأصبح مديرا لها حتى عام ١٩٧٠
ـ نُقل بعدها الى (إعدادية زراعة زاخو) حتى إحالته على التقاعد عام ١٩٧٩.
لم يكن من السهل الكتابة عن شخصية رائعة مثل الأستاذ "ميخائيل" لولا  المساعدة والمعلومات القيمة التي قدمها إبنه المدرس واستاذ اللغة العربية "مسعود" ويكمل القول: بعد إحالته على التقاعد، يختار والدي العودة الى مدينته الجميلة ألقوش ليكمل حياته هناك، فينصرف الى هواياته المتعددة ومنها القرأة وباللغات العربية والكلدانية والأنكليزية، كذلك في خدمة الكنيسة وطقوسها، إذ انه كان (شماسا)، كما إن شخصيته وسعة ثقافته ومعلوماته العامة جعلت منه شخصية محبوبة محترمة وذات شأن، إذ كان بيتنا يحظى بتلك الزيارات والجلسات من علّي القوم في مدينتنا الغالية القوش، اما الكنز الآخر الذي تركه لنا فكانت (ألبومات الطوابع) التي جمعها عبر السنين ، فقد كان مسحورا بها وبألوانها وأشكالها.
اكاديميا، كان والدي متميزا بدراسته وبعطائه، فقد حاز على عشرات كتب الشكر لمثابرته وعمله، ولعل  بدايتها كانت مع كتاب الشكر والتقدير الذي حاز عليه نتيجة تصنيفه الثاني على الدورة التي انخرط فيها بدراسته الجامعية في الولايات المتحدة، وقد سلمه الشكر  الأستاذ "ناصر الحاني ـ سفير المملكة العراقية لدى الولايات المتحدة"، ناهيك عن العديد من (الملازم والمحاضرات) الخاصة بعمله، هذا اذا اردنا ان نضيف عليها براعته الأدارية التي مكنته من أن يتبوأ تلك المنزلة الأكاديمية الرفيعة في "تأسيس وإدارة" تلك الصروح العلمية في الكثير من المحافظات العراقية، وغالبا ما نصادف اناسا ممن عملوا او تخرجوا منها فيظهروا لنا مدى محبتهم وأحترامهم لسيرة الوالد.
لقد عاش والدي، مثله مثل المئات من العوائل في تلك القرى والمدن والبلدات المنسية، حياة صعبة لكنه أيقن مبكرا بأن الأستكانة والأمتثال للأمر الواقع لن يوصل الأنسان الى اهدافه، لذا فقد شمّر عن ساعديه وقدّم ما قدم في تلك السيرة المباركة، ولعلنا نحن ابنائه وبناته، من المحظوظين بأن نحضى بصحبته كأب أو كتربوي، وكم كنّا مبهورين بشخصيته وبتلك الرحلة (السندباتية) التي أخذته للولايات المتحدة وأرجعته الينا!
 لقد جمع الروح العصامية المقدامة والجدية في العمل، والشدة (نوعا ما) معنا في التربية البيتية، وكان دائما يدفعنا للتعلم وإختيار الطريق السوي والقويم، وإحترام الآخر، ومشاركة ابناء المجتمع في افراحهم وأتراحهم، ولعلي مازلت أتذكر كيف انه كان يدفعنا للقرأة أو لتعلم لغة جديدة كلما حلّت علينا العطلة الصيفية، لقناعته بفائدة العلم في سيرة الأنسان، وطالما تحدثت عن والدي، فأني لا أنسى الظلال الوارفة لوالدتي،  هذه الأنسانة  الغالية التي كانت حاضرة على الدوام ، بحنانها ومحبتها وطيبة قلبها.
وقبل أن يختم الأستاذ "مسعود" كلامه في سيرة وحياة الأستاذ الراحل ميخائيل صنا فيقول: هناك مثل أمريكي ظريف يقول : "إن التفاح لايسقط من الشجرة بعيدا عنها" وهذا ينطبق علينا نحن ابنائه ، إذ اننا سلكنا (بفخر وأعتزاز) في ذلك الطريق الذي قطعه قبلنا، وحاولنا أن نضع اللبنات الطيبة في مجتمعنا العراقي بالتعليم وإضاءة الدروب للطلاب.  فقد تخرجنا من سلك التدريس ( مسـعود، فرنسيس، جوني ، أختي لميعة ، وأخواتي  سوريّة وإبتسام  كنّ في سلك التعليم  ايضاً، فيما تخرج اخوتي فاضل من معهد الزراعة، مؤيد من معهد السياحة  و ممتاز من معهد النفط) .
يبقى شئ  أخير طالما نحن نتحدث عن سيرة كبرى، بأن يكون لمجتمعنا ودولتنا (العراق) نظاما يكّرم فيه المخلصين والمبدعين ويرفع اسمائهم عاليا بالتقدير.  هناك العديد من المدارس  والشوارع والساحات العامة اطلقت عليها اسماء لم تقدم للعراق ولا لمحافظاته او ناسه المنسيين أي شئ، فيما انسانا رائعا مثل "الأستاذ ميخائيل" لم يحظ ولو حتى بزاوية صغيرة في احدى تلك المعاهد والمدارس التي اسسها وساهم بإدارتها لسنين، إن الوقت ليس متأخراً لذلك ،  طالما كانت الأرادة متوفرة.
الذكر الطيب له ولسيرته كل الفخر.
****       ******       ******       ******      ******

المربي الراحل عبد الفتاح جنّب بندر الزهيري
تولد في العام ١٩١٩ في ناحية المشّرح (الحلفاية) بمدينة العمارة، ورحل عام ٢٠٠٩ في سوريا. كان متزوجا من الراحلة شـكرية باحور . له أربعة بنين وبنتان، ولو كان على قيد الحياة لشهد (١٢) حفيدا و (١١) من ابناء وبنات الأحفاد.
درس الأبتدائية في مدارس مدينته (الحلفاية) وبعدها انتسب الى (دار المعلمين) وتخرج معلما، وصدر تعينه الأول في منطقة (المشّرح)، انتقلت بعدها العائلة الى مركز مدينة العمارة بحدود العام ١٩٥١ ـ ٥٢، ثم انتقلنا ، يُكمل الحديث ابنه العزيز الأستاذ "زهير" القول:الى بغداد عام ١٩٥٩، ومارس التعليم في عدة مدارس حتى إحالته على التقاعد عام ١٩٦٨، لكنه وأمام الحاجة الأقتصادية أستمر بالتعليم ولكن هذه المرة في المدارس الأهلية. غادر العراق أول مرة عام ١٩٩٤ قاصدا الولايات المتحدة وأستقر بها لمدة ستة أشهر  ولم يطق الغربة فعاد ثانية للعراق، ليغادره مرة ثانية بعد عام ٢٠٠٣ أثر اشتداد العمليات الأرهابية في استهداف ابناء المكون المندائي والمكونات الأخرى من المسيحيين والأيزيدية، فقصد سوريا حتى توفاه الأجل عام ٢٠٠٩.
يكمل المهندس "زهير" الحديث عن والده بأعتباره شهد أهم تلك المحطات ولكونه ثاني الأبناء بعد شقيقته "زاهرة"  فيقول: لعلي اليوم ، وكلما أُمعن النظر  بتلك السنين والصعوبات التي تمكن والدي من عبورها، فأنظر اليه كشخصية عظيمة، وكأنسان مكافح بطل!
 لقد كان راتبه يبلغ (٨) دنانير في الوقت الذي  كان يعيل فيه عائلة كبيرة، ولم يكتف بنا فقط، فقد كان لقلبه الكبير أمرا عليه بمساعدة العديد من المقربين  والأهل كلما تمكن من ذلك، وعلمتُ من بعض الأصدقاء ، يكمل الأستاذ زهير : بأنه  كان يستدين (بالفائدة) من بعض الأشخاص حتى لا يشعرنا بالعوز او يتركنا دون الحاجات التي نحتاجها. ولعل ألما كبيرا يعتصر قلبي وأنا أقلب تلك الصفحات من حياة هذا الأنسان، فأتذكر بأننا وعندما دخلنا مرحلة الشباب فقد كان حريصا على مظهرنا الخارجي وأن يكون بأحلى ما يمكن، فكان يشتري لنا أجمل البدلات ، ويملء جيوبنا بالنقود، فيما يذهب هو الى (البالة ـ اللنكات) ليشتري له الملابس ودون علمنا! ، نعم هكذا كان هذا الأنسان الرائع الذي خرج من تحت جنحيه  أربعة اخوة مهندسين وشقيقة انهت كلية التربية مدرسّة لمادة الكيمياء، أما شقيقتي الصغرى (سارة) فأمامها حياة طويلة آمل ان تكون مطرزة بالنجاح والأمل.
عمل والدي في سلك التعليم الأبتدائي، يكمل الأستاذ "زهير": وتميز بفيض حنانه، وبصحبته الدائمة لنا،  فقد كان معنا عندما كنّا في المرحلة الأبتدائية ، وظل هكذا حتى انهينا جامعاتنا. اما في الوقت المتبقي من النهار وبعد انتهاء دوامه فكان يقضيه مع بعض اصدقائه في لعبته المفضلة (الشطرنج).
كان والدي دائم التفاخر بالمنجز الثقافي الذي قدمه لطائفتنا المندائية الكريمة، وللثقافة العراقية بصورة عامة، فقد توّج سنين طويلة من البحث والقرأة في المكتبات والكتب والصحف بإصدار  كتاب:
 (( ألموجز في تأريخ الصابئة المندائيين العرب البائدة ))، اذ اغنى المكتبة المندائية به، كما بيعت منه نسخ كثيرة، فيما اقتنته المكتبات العامة في العراق، وهو الآن منشور على صفحات الأنترنيت لمن  يرغب  بالأستزادة منه عبر تنزيله والأحتفاظ به عن طريق الربط:
http://mandaeannetwork.com/Mandaean/mandaean_almugaz_in_sabia_tarek.html?i1
ولعل المنجز الثاني كان  في ((وضع تصميم شـــعار الطائفة المندائية ـ الدرفش)) وإعتماده من قبل المرجعية الدينية، إذ جسد فيه رؤياه الفلسفية والروحية لكل ما يتعلق بالديانة المندائية، تأريخاً وحاضراً ومستقبلاً، وبالمعنى التأملي الروحي .
لقد كان حقاً من المبدعين، ومن حسن حظي، يكمل السيد "زهير" القول: بأني التقيت والدي في ايطاليا اثناء مكوثي هناك، إذ جلب معه الرسوم التصميمية التي وضعها، وقمت بتصويرها بشكل فني، وعرضها بعد ذلك على احد الفنانين الذي ساهم بوضع لمساته البارعة، فأخرج الشعار ـ التصميم ، بهذه الحلة الرائعة والمعتبرة من قبل كل ابناء الطائفة الكريمة.
أشعر انا وأخوتي وأخواتي بالفخر لسيرة هذا الأب والمربي الرائع، ويكفينا كلمات الثناء والتقدير التي نسمعها ممن مّر من بين يديه كتلميذ.  ومع كل الظروف التي رافقت مغادرته العراق، وإضطرار الآلاف المؤلفة على المغادرة القسرية من وطنها الأصلي، يبقى عندنا أمل عظيم بالأنسان العراقي الخيّر في أن يعيد الميزان الى وضعه الصحيح، ويعيد المسار نحو التقدم وتحقيق الأمن والأمان لأهلنا وناسنا، من اجل ان يعم الخير والسلام والمحبة، والمستقبل الزاهر للكل .
الذكر الطيب للمربي الرائع والأنسان، عبد الفتاح جنّب الزهيري.

كمال يلدو
نيسان ٢٠١٥

297
كمال يلدو:
صفحات مجيدة من تأريخ اتحاد الطلبة العام في الديوانية

يتندر البعض احيانا بالقول إن شيئا ما كان في الهواء أو في الماء، وأنا أقول نعم حدث هذا معي. هذا ما يقوله الزميل "سـعد زغيّر كاظم" في حديثه عن تلك الأيام من عام ١٩٧٠ والتي ترافقت مع اعادة تنظيم (هيئات) اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية بمحافظة الديوانية: نعم كان لهواء المدينة ومائها وأجواء البيت، لابل الأجواء اليسارية لمحلتنا الرائعة (الجديدة) والتي كانت تلقب ب (موسكو الصغرى) فعلها الساحر علينا نحن الشباب المندفع بالروح الوطنية الوثابة، متأثرين بعوائلنا وتأريخهم الوطني ، و مسيرة  الشعب العراقي. ويبدو ان حالة النضج السياسي  (كنتُ قد بلغتُ سن السادسة عشر) كانت من العوامل التي ساعدت ان التقي ومجموعة طيبة ونعقد العديد من الأجتماعات بغية تنضيج فكرة اعادة عمل اتحاد الطلبة العام في مدارس الديوانية، خاصة بعد أن تفرد (الأتحاد الوطني لطلبة العراق) بالساحة الطلابية، وعدم رغبة العديد من ابناء العوائل الوطنية الأنخراط في منظمة طلابية هي رديف لحزب البعث الحاكم، ويعود الفضل الى أخي الكبير (د.فريد) الذي كان طالبا في الكلية الطبية آنذاك، وزميله كريم جاسم حمادي،  إذ اوجدا  لنا تلك الصلة مع زملائنا في بغداد.
كانت الأنطلاقة من (اعدادية الديوانية) وأتذكر منهم ، يكمل الزميل "سعد": مؤيد كريم، عماد كريم، يوسف محمد طه، بدر كاظم الجبوري، اسامة عبد الكريم وزملاء آخرين، حيث انصبت نشاطاتنا آنذاك على استقطاب الطلبة ذوي التوجهات الوطنية والديمقراطية. وأبرز ما كنا نقوم به كان اعادة استنساخ جريد الأتحاد (كفاح الطلبة) بأستخدام أوراق الكاربون وبخط اليد وتوزيعها على اوسع قطاع ممكن، وكانت ذكرى ١٤ نيسان عام ١٩٧١ اولى نشاطاتنا الكبرى، إذ قمنا بكتابة وتعليق نشرة حائطية في الأعدادية اضافة الى توزيع الحلوى (الجكليت) الذي كان يحتوي على الشعارات الوطنية للأتحاد، وكان هذا تقليداً درج عليه الزملاء الذين حرموا من النشاطات العلنية والأحتفال بذكرى مناسبة اجتماع ساحة السباع في ١٤ نيسان ١٩٤٨.
لم تمض تلك الفعاليات دون التفاتة اعضاء(الأتحاد الوطني) الذين حاولوا استدعاء وأستفزاز العديد من الزملاء، لكن ظروف البلد والحوارات السياسية التي كانت جارية هي التي (ربما) حالت دون القيام بحملات قمعية ضدنا.
استمرت نشاطات هيئاتنا الأتحادية، وإزداد عدد اعضائها وشاركتنا اعدادية زراعة الديوانية وأعداديات اخرى، حيث كانت نشاطاتنا مستمرة في الفصل الدراسي و حتى في العطلة الصيفية، إذ كنا غالبا ما نقوم بعمل الحفلات والسفرات الشبابية ، ونعيد اكتشاف الطاقات الشابة، ونعزز العلاقات الأنسانية بين الشابات والشباب، هذا اضافة الى التثقيف بالمثل الوطنية والمواقف الأنسانية، والدعوة للتفوق الدراسي وأحترام الأنظمة.
على إن عملنا  المهني الآخر كان ينصب في اثناء اجتماعات الهيئة التدريسية مع الطلبة، أو بالعلاقة مع إدارة المدرسة في التخفيف من اي احتقان بين الطلاب والمدرسين، او لرفع مستوى التعليم في الأعدادية، والضغط لملء الشواغر في الدروس والمدرسين، وكانت النتائج مشجعة معظم الأحيان.
قبل انهائي الأعدادية، يكمل الزميل "سعد زغير كاظم" حديثه: انتقلت العائلة الى بغداد وتحولت دراستي الى (اعدادية الأمين) وعملت آنذاك في الهيئة الطلابية القيادية لثانويات الكرخ ومعاهد بغداد، وكانت تلك واحدة من أثمن الفرص في التعرف على خيرة الكوادر الطلابية التي كان لي شرف العمل معها وأذكر منهم: الشهداء (خالد متي ـ منعم ثاني ـ باسم ـ لطيف كاظم) سعدي، حسن أبوذر. لقد كان عملنا كبيرا وإلتزاماتنا عالية في تغطية هذا العدد الكبير من المدارس والمعاهد، لكن وللأسف مضت الأيام لتصبح المنظمات الديمقراطية (اتحاد الطلبة، اتحاد الشبيبة ورابطة المرأة) ورقة ضغط ومساومة لما كان حزب البعث يضمره من نيات سوداء انطلت على الكثيرين، فدفعنا ثمنها غاليا. فكان قرار (تجميد) العمل في المنظمات الديمقراطية واحدا من أسوأ  القرارات التي مرت ومررت على تلك الجموع الطلابية والشبابية والنسوية المتطلعة للدولة المدنية الديمقراطية الجديدة. نعم لقد خسرنا الكثير في تلك الأيام، وكانت خسارتنا أكبر حينما فرغت الساحة لمنظمات حزب البعث،  الطلبة والشباب والمرأة، وباقي القصة معروفة لدى الكثيرين.
إن الوقوف امام تلك التجارب والخروج بالدروس منها، آمل ان يمنحنا  الحصانة والرؤيا لتجنب تكرارها ، ودفع اثمانها غاليا،  ولعل غياب القوانين المنظمة للعمل السياسي، وحرية الأحزاب والصحافة، وقوانين انشاء الأندية والتنظيمات المهنية هي التي أدت الى تلك الكوارث، إذ جعلت تلك التنظيمات رديفة للأحزاب، وهذا ما استغله البعث  حينما حوّل منظماته (المهنية) الى اوكار تجسس ومراكز تحقيق وأعتقال وأرهاب للطلبة والمدرسين . إن الدرس واضح للعيان، فالبلد الذي ينشد التطور، يحتاج الى تنظيم اعماله بقوانين مدروسة لا بسلطة الميليشيات او التخويف والتخوين.
امنياتي للحركة الطلابية والشبابية خاصة ونحن على ابواب الأحتفال بالذكرى ـ ٦٧ ـ لأجتماع "ساحة السباع":  أن تثبت هذه الحركة حضورها حتى في ظل هذه الفوضى السياسية والوضع المعقد. فالشباب والطلبة بحاجة الى المنظمات التي تحمل لهم الأمل والمستقبل، المنظمات التي تساوي بين كل العراقيين وتتطلع لدولة العدالة والفرص المتساوية، وتؤسس لأرضية مواجهة تلك العقليات التي تؤمن بالعنف وتفريق الصف الوطني، او في تغليب القيم والأفكار الغيبية التي تدعو الى الغاء العقل والعلم. ويقينا إن املنا يتجدد من خلال طلبتنا وشبيبتنا بالدولة المدنية العلمانية، وبالقيادات الوطنية المخلصة لشعبها قبل اي شئ آخر.
الزميل سعد زغيّر كاظم من مواليد الديوانية عام ١٩٥٤، منطقة (الجديدة) درس الأبتدائية في مدرسة التهذيب، المتوسطة في العروبة والثانوية في اعدادية الديوانية والأمين في بغداد.تخرج من كلية الزراعة عام ١٩٧٨، غادر العراق الى الكويت بعد اشتداد الهجمة البعثية على الوطنيين والديمقراطيين عام ١٩٧٩، ثم هاجر الى كندا عام ١٩٨٦، وبعدها الى الولايات المتحدة عام ١٩٩٩  ومنذ تلك الفترة مقيم في مدينة ديترويت. له ولدان نورس ونبراس، وبنت واحدة ساندرا. في كل محطات الهجرة كان نشطا في العمل الوطني، وكان له حضوره في الدفاع عن الشعب العراقي وفي محاربة النظام الدكتاتوري، او نظام المحاصصة الطائفية ويعمل من اجل اقامة الدولة المدنية العلمانية، أمل العراق والعراقيين للخروج من هذا النفق المظلم، نحو الأمل والحياة والمستقبل.
كمال يلدو
نيسان ٢٠١٥

298
شكرا لمقالتك استاذ لطيف، وشكرا لوفائك، وتحية الى الفنانة (أحلام عرب) ...وطالما كنت انت قريب منها، كنت اتمنى ان تنشر ولو صورة واحدة لها، حتى يتعرف عليها من يجهل شكلها. تحية لك ولها ولكل مبدعينا في يومهم ، يوم المسرح العالمي.
كمال يلدو/ ديترويت

299
هذا عمل رائع وجهد متميز ، ومشكوريين كل الذين قاموا عليه، سيدات وسادة ،تلميذات وتلاميذ. انتم تنبتون اشجار المحبة والمعرفة في هذا الزمن الصعب. اعدكم ان جهدكم لن يذهب هباء . دمتم للعمل الطيب والخير للعراق وللشعب المسيحي.

300
شكرا لكتابتك استاذ بطرس نباتي. لقد كان تشخيصك سليما في رصد نبض واقعنا المؤلم، وربما العتب الأكبر تتحمله النخب المثقفة والسياسية والباحثة في شؤون هذا الشعب. مازالت الكثير من الطروحات اما فوقية او متطرفة وتفتقر الى ابسط المقومات وهي : توحيد الكلمة والصف. فمازال  بعض (الكتاب) مشغولون  بأمور ثانوية فيما شعبنا مدمر ووطننا يحترق.
كمال يلدو/ ديترويت

301
شكرا جزيلا لك أخي العزيز نبيل دمان على مرورك الكريم وتعليقك الجميل. نعم إن معظم من تحدثتُ معهم عن الشهيد كانوا يقولون عنه ما تفضلت انت به، وللأمانة اقول: إن جيلا كبيرا من ابناء مدينة القوش الرائعة يتذكروه جيدا كمناضل ومقاتل شجاع، فيما الكثير من ابناء بلدته الأصلية تلكيف يجهلوه، وهذا محزن بحد ذاته، وهي ايضا نتيجة السياسات الأنتقامية التي اتبعتها الأنظمة مع عوائل هؤلاء المناضلين أو حتى  مع من عرفهم. إن الشهيد موفق والمئات مثله، من الذين  بذلوا الغالي من اجل الوطن، أشعر بحقهم علينا في الكتابة والتغني بمواقفهم الشجاعة والتعلم من مبدئيتهم ايضا. شكرا لمرورك عزيزي.

302
كمال يلدو: متى يُنصف الشهيد موفق الياس زوما؟

تفخر الشعوب بشهدائها، وتكبّر فيهم تضحياتهم وصبر أهاليهم، فتجعل منهم نبراساً طيباً للبشرية ورفعتها.  يحدث هذا في جزء العالم الذي يقيم وزناً وأحتراماً للأنسان وتضحياته. أما  في وطننا الغالي،  فقد سارت الأمور غالباً حسب مزاج الحاكم ، ولهذا  سخّر  المؤسسات القمعية  للأنتقام من أيّ شخص يحمل فكراً مخالفاً، ناهيك بأن يكون معارضاً،  و لم يكتفوا بهذا بل سـحبوا  عقابهم على أهله وعائلته وذويه، وأذاقوهم المر في الملاحقة والمضايقة وحرمانهم من الراحة والمساواة في التعامل مع بقية افراد الشعب.  كان لهذا الأمر انعكاساته السلبية على الكثير من العوائل المسالمة التي قدمت ابنائها قرابين من اجل حرية الوطن وأستقلاله وسعادة شعبه، لدرجة دفعت البعض منهم (يكفر) بالعمل السياسي، وبالشهادة  من أجل الوطن رغم قدسيتها، فيما عاش اغلبهم على هامش الحياة ، لا لذنب او جرم اقترفوه، سوى ان تلك كانت سياسة العقاب الجماعي التي سلطتها الأنظمة الدكتاتورية، وفي المقدمة منهم، نظام البعث الأجرامي ، ولعل حكاية الشهيد ( موفق الياس زوما) تبقى شـــاهداً حياً على تلك الجرائم والسياسات المدمرة .
 ولد الراحل موفق في العاصمة بغداد ،  وحينما  بلغ العاشرة  كانت عائلته قد عادت الى مدينتها الأصلية تلكيف، حيث  قام والدهُ بأفتتاح مطحنة للحبوب ومعملاً لصناعة الثلج في البلدة،  ومع انتشار الأفكار الوطنية  التي تزامنت مع انتصار ثورة ١٤ تموز و ارتفاع وتائر التآمر عليها ، وجد طريقهُ للعمل في الشبيبة الديمقراطية ، والنشاط من اجل العدالة والحرية بحدود العام ١٩٦٢. هذا الأمر الذي لم يرق للسلطات التي قابلت تلك المطالب بالملاحقة والأعتقال لمن يحملها وينشرها، وتفاديا للوقوع بقبضتهم، اختار الشهيد الألتحاق بصفوف المقاتلين الذين صعدوا للجبل (الأنصار ـ البيشمركة) منذ اواسط الستينات، وعمل في فصيل القائد الوطني الراحل توما توماس (ابو جوزيف). بعد انقلاب  عام ١٩٦٨، عاد البعثيين الى سياستهم الرعناء في محاربة حملة الأفكار الوطنية وسخروا لذلك عملائهم ووكلائهم في القرى والأرياف، اذ قام  مدير الناحية  وكان لقبه (الخفاجي) بأستدعاء والد الشهيد (السيد الياس زوما) وهدده بالحرف الواحد: اما ان تجلب ابنك  ، أو ان ترحل من هذه المدينة!   فما كان من الأب إلا ان يستسلم لتهديد السلطات، فتوسط  للوصول الى ابنه الذي التقاه (سرا) في مدينة القوش  وطلب منه  العودة والتوقف عن العمل في صفوف المقاتلين، مقابل وعود (الخفاجي) بعدم الملاحقة. هذه المواجهة وضعت مصلحة الأسرة بين فكي الرحا،  فإما الأستقرار أو  الحرمان من العمل والحياة الآمنة. كان الخيار صعبا عليه،  لكنه في النهاية قرر الذهاب مع والده والتسليم للسلطات، التي غضت الطرف عنه آنذاك، وصادف أن نودي على مواليده  فالتحق بالخدمة العسكرية الألزامية.
الا ان حادثا وقع في محافظة البصرة قلب كل الأمور رأسا على عقب، إذ  القت سلطات الحدود القبض على السيد ( ف ـ ب )، إبن بلدة الراحل وصديقه منذ الصغر،  وهو يقوم بعملية تهريب  من و الى ايران عن طريق البصرة.  فخضع الى التعذيب بغية سحب الأعتراف منه والكشف عن الأشخاص المتعاونين معه، فما كان من (ف ـ ب )  وللتخفيف عن مصيبته  إلا ان  يذكر لهم  اسم الشهيد موفق، لعلمه بأنه ملتحق بالقوات (في الجبل) وسيكون من الصعوبة  على الحكومة القبض عليه، حيث انه  كان يجهل قصة (نزول) موفق والتحاقه بالخدمة الألزامية.  لم يمض وقت طويل حتى  أتوا بالراحل، وأخضعوه  لشـتى انواع التعذيب من اجل سحب الأعترافات منه، لكنه كان بريئا من كل ما نسب اليه، على ان انكاره لتلك التهم لم يشفعه، خاصة وإن ملفه الشخصي يحمل تهمة  حمله لأفكار مخالفة لفكر حزب البعث، فكان صيدا ثمينا  وقع بيدهم.
جرت تلك الأحداث في بدايات حكم البعث (ثانية) والذي كان يسعى  لتثبيت اركانه بكل الوسائل، بما فيها الأرهاب والقتل، فأبتدع قصة الشبكات الجاسوسية، ومارس سياسة الخداع والتضليل والمحاكم الصورية ، ثم عمد الى اظهار انيابه السوداء عبر الفتك بخصومه وأنزال اقصى العقوبات بهم لابل وتعليق جثثهم في العلن  وبأهم المراكز (بغداد والبصرة)  في ممارسة تنبئ بمرحلة خطيرة، اتت على الأخضر واليابس في فترة حكمهم الأسود لاحقا.

 وهكذا البست تهمة الجاسوسية   بالشهيد موفق الياس زوما، وأُعدم  شنقا في آب  بسجن الرضوانية١٩٦٩.  وكانت تلك الحادثة من أسوء ما يمكن ان تكون على عائلته بآثارها المدمرة، حيث توفي والده (الياس) أثر انفجار في الدماغ حدث له بعد فترة قصيرة من اعدام ابنه ، وتقوقعت العائلة على نفسها بعد أن حوربت من القريب والبعيد.  ولا أظن ان احدا يستطيع قياس  فعلها وتأثيرها على الشهيد، إذ كيف يمكن المقارنة بين حمل الأفكار الوطنية وبين الجاسوسية؟
 معادلة لا تستوي الا في سجلات البعثيين!
ولعل الوفاء لذكراه هي التي كانت تدفع  زميله السيد جميل سلمو، بالحديث عنه كلما جرى استذكار شهداء الحركة الوطنية فيقول :  "انعقدت صداقة طيبة بيني وبين الراحل، وعملنا سوية في الشبيبة، ولقد كان محبا وطيبا وشجاعا ومناضلا جسورا، ومؤمنا بالأفكار الوطنية،  وأشعر بالألم العميق  للثمن الذي دفعه هو وعائلته  على يد البعث الفاشست".
اما السيد جوزيف توماس، ابن القائد الراحل توما توماس، فيقول عن الراحل موفق: " نعم اني اتذكره جيدا رغم مرور أكثر من ٤٥ عاما ، حيث تعرفت عليه حينما كنا نذهب لمدينة تلكيف ونشتري الثلج منهم ، وتعمقت العلاقة بعد التحاقه بصفوف المقاتلين. وأتذكر جيدا حينما أتى والده  للقائه عندنا، وكان والدي من المعارضين لنزوله وتسليمه للسلطات لعدم ثقته بهم، وحزنت انا وعائلتي ووالدي على نهايته المأساوية. لقد كان ذكيا جدا وماهرا ، ومن المؤكد اننا  فقدنا انسانا  بطلا وشجاعا".

تمضي السنين، لكن ذكرى الذين رحلوا عنّا بغير اوانهم ظلما، تأبى ان تغيب عن البال وتصر على ان تحضر باستمرار، شاهدا على الأنظمة القمعية والدموية التي ثبتت اركان حكمها بالقتل والدمار والكذب وخداع المواطن.
تبقى في القلب غصـّة عالقة بإنتظار ان يتقدم احداً ممن شاركوا بكرنفالات الموت تلك، ان يأتي للأمام  ويعلن للملئ عمّا اقترفته تلك العصابات بحق الأبرياء. نحن لن ننسى شهدائنا،  فهل ستستفيق الضمائر يوما.....ومتى؟

**المواساة لمن تبقى من عائلة الشهيد
**الراحة لوالديه، الياس وماري الذين قضوا بالحزن والألم
**المواساة لأهله وأقربائه وأحبابه وكل من عرفه انساناً طيباً
**والذكر الطيب للشهيد موفق الياس زوما، الأنسان الذي يبقى اسمهُ انظف من جلاديه، اولئك الذين انتهى مصيرهم الى مزبلة التأريخ.

كمال يلدو
آذار ٢٠١٥

303
أنوار المسرح الأمريكي في رحلة المخرج علاء يحى فائق
 
"لمناسبة الأحتفال بيوم المسرح العالمي"
كان عوده يافعا حينما عرضت عليه فكرة الدراسة في الخارج، و لقد خاضها بكل ألق ونجاح، وهو الحالم والحامل معه ارثاً كبيرا من التجربة الفنية، وما اكتنزه من اساتذته في اكاديمية الفنون أو من التجربة الرائدة لوالده المرحوم يحى فائق، ولعل الصدفة هي التي حرمته من أن يكون أول عراقي أصغر عمراً يحمل شهادة الدكتوراه في الإخراج المسرحي وهو تحت الثلاثين عاماً. ينظر الى تلك السنين بحنين، وها قد مرّت سريعة لكن طراوتها وحلاوتها مازالت حاضرة دوما.
 
بعد حصوله على المرتبة الأولى لدفعة قسم المسرح لخريجي اكاديمية الفنون الجميلة عام ١٩٧٣،  والمركز الثاني على عموم الأكاديمية فقد كرّمته دائرة البعثات  لدراسة الدكتوراه في الولايات المتحدة، وهكذا بدأت رحلته مع المسرح الأمريكي.
يقول د. علاء عن المسرح الأمريكي: بأن المسرح الأمريكي يتميز بسمات خلاقة فريدة ومهمة، خاصة امتلاكه للطاقة الكامنة والمتجددة في التطور. خاصية الديناميكية هذه هي في توضيب كل الطاقات نحو تقديم الجديد  بكل موسم، ومواجهة  التحديات  والتألق والتطور المستمر.
 وإذا القينا نظرة  سريعة على طبيعة المسرح الأمريكي 
١ـ المركز المسرح التجاري للمحترفين هو في نيويورك ـ برودواي، وتتغلب عليه المسرحيات الإستعراضية، وبعض المسرحيات الجادة،  بالإضافة هناك الفرق المحترفة في المدن الرئيسية الأخرى مثلما في (شيكاغو، لوس انجيلوس، ، واشنطن، سياتل).
٢ـ مسارح الفرق المحترفة الصغيرة، و مسارح فرق الهواة والتي تجمع عادة ما بين المحترفين والهواة.
٣- المسرح الجامعي له دور مهم كأرضية للتجريب ولتدريب مبدعين جدّد يرفدون المسرح الأمريكي بدماء جديدة.
هذه الهيكلية تكشف عن مدى التطور الذي مرّ على المسرح الأمريكي وعلى الفرص المتاحة للممثل والفني  في التدرج والحصول على افضل الحظوظ من اجل البروز الفني والمتألق.
ولعل الوقوف امام ديناميكية تهيئة فناني المسرح تعطي نموذجا مهما لما سيكون عليه لاحقا، فالبداية عادة ما تكون في البيت، ومن ثم المدرسة، بعدها تأتي مرحلة الصقل في المسرح الجامعي، حيث التجريب وإبراز الطاقات والقدرات  وتربية وتطوير الممثل والعناصر الفنية التي ترفد المسرح الأمريكي، وبالبحث عن اسرار نجاح وتفوق المسرح الأمريكي يمكن رصد اهم الظواهر بـ:
١ـ إن مهمة المسرح هي للمتعة والفرح والثقافة
٢ـ المسرح الأمريكي هو مسرح ممثل بالدرجة الأولى
٣ـ يعتمد  الأنفتاح على التجارب العالمية والبحث الدؤوب عن كل ما هو جديد  في التقنيات أو أساليب الإخراج وأستعمال المؤثرات الديناميكية الحديثة.
٤- حرية الفنان المسرحي بالتعبير الفني و النقد السياسي و الاجتماعي.
٥- يعُتمد على التمويل الذاتي وليس على المنح الحكومية والتي تؤهله لتقديم الجديد.
ثم يعرج  د.علاء للحديث في تجربته الشخصية مبتدءاً بدراسته للماجستير في جامعة (ميزوري) حيث كانت اولى خطواته لفهم المسرح الأمريكي وتعمقت خلال دراسته للدكتوراه في جامعة مشيكًان إذ يقول: يجري التركيز كثيرا على حرفية الممثل، لا بل حتى إن فكرة استخدام التكنولجيا الحديثة فهي لخدمة الممثل وليس للتغطية عليه.
 
إن التوليفة مابين أهمية الممثل والجمهور تبقى عامل أساسي للعرض المسرحي، وهي من اهم عناصر نجاحه. كانت مهمتي كمخرج أن افجّر الطاقة الإبداعية عند الممثلين، وأبتعدت كليا عن الأسلوب أو الدور المطلق الذي كان يُمنح للمخرج، وبطريقة ذكية جعلتني اصل لما اريد،  مازجا فيها الذكاء مع الصبر. ان خبرتي كمخرج علمتني أن احترم الإنسان وأفهمه، ابتداءا   بالممثلين ومرورا بكل العاملين في المسرح وصولا  للمشاهد، هذه النظرة هي التي تحبب العمل وتجعل منه مهمة انسانية اكثر مما ان يكون حملا ثقيلا ، يمكن ان يسقط ويهوي على الكل. لقد تمكنت من زج الجمهور وجعله جزء من العرض المسرحي وأحداثه في اكثر من عمل، ابتداءا   بمسرحية "فويزك" لبوخنر(١٩٧٧) و مسرحية "المتنبؤن" للكاتب چيم لينورد (١٩٨٤) والتي فازت بجائزة أفضل عرض مسرحي في تلك السنة.
لقد تضمنت تجربتي ما بين المسرح الجامعي والتجريبي والمحترف على عدة أعمال مسرحية مثل مسرحية "هبوط اورفيوس" للمؤلف  الأمريكي تنسي وليامز (١٩٨٦) ومسرحية "أمديوس" لبيتر شيفر، بالإضافة لعملي المباشر مع الكتاب الشباب، حيث عملت مع كتّاب النص من مراحله الاولى الى أنتاج العرض المسرحي، والمنتجين والفرق المسرحية وصولا للعروض المسرحية، كمسرحية "غرباء و محتالين" لآلن پروسر (١٩٨٧) التي أستخدمت فيها الدمى و الكريكاتير في العرض المسرحي.

لم يكتب لحلمي الصغير أن يكبر ويستمر، اذ تعرضت صحتي الى انتكاسات ،بعد إخراجي لمسرحية "مسبحة كهرمان"  ايقن الأطباء بعدها بأن الأجهاد الناتج من (العمل في المسرح) هو السبب الأساسي وكان ذاك اواخر عام ١٩٩٢، بعدها توجهت للكتابة والتدريس والأعمال الحرّ ة والعمل بمنظمات المجتمع المدني الأمريكية.
د.علاء يحى فائق، ولد في (حمام العليل ـ الموصل) عام ١٩٥٢،وعاش بعدها في بغداد، اذ درس الأبتدائية ما بين مدرسة القدوة، ومدرسة الأبرار، والمتوسطة في البتاوين، اما الثانوية فكانت في النضال بمنطقة السنك.
دخل اكاديمية الفنون عام ١٩٦٩ وتخرج عام ١٩٧٣ و كان الأول على دفعته في قسم المسرح . عمل في التلفزيون العراقي و درّس كمعيد في الأكاديمية  قبل إلتحاقه بالبعثة للدراسات العليا الى الولايات المتحدة، اذ اكمل الماجستير في جامعة ميزوري وبعدها حصل على شهادة الدكتوراه  بالأخراج المسرحي في جامعة مشيگن-في آن آربر والتي يقيم فيها للآن. متزوج من زميلته في الأكاديمية  الفنانة خيرية العطار والحائزة على الماجستير في التصميم، ولهما ثلاث اولاد وحفيدان.
ينهي د.علاء يحى فايق كلامه بالقول: ثلاث غصات تعتصر قلبي، الأولى لأن مسيرتي الأكاديمية في الإخراج المسرحي انتهت بعد فترة قصيرة، والثانية لما آل اليه حال المسرح العراقي بعد ســني الإبداع والتضحيات، والثالثة لحال الوطن والمواطن، وأمنية بأن يجتاز العراق وناسه الطيبين هذا النفق المظلم، نحو غد افضل وأن ينعم اهله بالأماني السعيدة والأمن والأفراح.
 
كمال يلدو
آذار ٢٠١٥


304
الأستاذ العزيز بطرس نباتي
شكرا جزيلا لمقالتك الجميلة، والشكر موصول للأحبة في موقع (عنكاوة) الغالية لأتاحتهم الفرصة لأبراز الكتاب، ورعاية الحوارات.
شخصيا، لا ارى اية ضرورة للتهجم على الشيوعيين، الموجودين في العراق او خارجه، هذا تجني على الواقع وضوء اخضر للبعثيين وكل المجرمين الذين تسببوا بهجرة خيرة ابناء الشعب العراقي.  لماذا الشيوعيين، ولماذا الآن؟؟؟؟
اقول للسيد انطوان الصنا، بأن البعثيين في ديترويت وحينما كنا نتظاهر ضد الحرب وضد دكتاتورية صدام في عقد الثمانينات والتسعينات، كانوا يقولون لوسائل الأعلام  الأمريكية (اقبضوا عليهم، انهم شيوعيون هاربون من العراق، انهم عملاء للخميني)، تذكرت هذه العبارات وأنا اقرأ  تعجب وأستفهام السيد انطوان على اختيار (الشيوعيين) للولايات المتحدة كملجئ او موطن بعد أن حوربوا وقتلوا وسجنوا من قبل البعث الفاشست !!!  فهو لم يلق اللوم على الذي تسبب في كوارث العراق، بل لحق هؤلاء المساكين الذين ارادوا اية زاوية في هذه الكرة الأرضية تحميهم وتمنحهم الهدوء والأمان، ولماذا لا تكون الولايات المتحدة؟ لماذا حلال على انطوان الصنا والكثير من (المرتزقة والعملاء وكتاب التقارير) فيما يحرم منها الآخرين؟؟
 اما قوانين الهجرة للدول الأشتراكية، فالمفروض به انه يعرفها، فأين يذهب هؤلاء الناس؟؟؟؟
كنت اتمنى ان يسأل نفســـه ، لماذا بقى الأكراد في اوربا وأمريكا رغم أن كردستان تتمتع بحكم جيد منذ العام ١٩٩١ ولحد الآن ؟؟؟
ولماذا غفل وجود البعثيين هنا  ورفعهم لصور صدام حسين فيما حزبهم وحبيبهم صدام كان يحكم العراق؟؟؟
لماذا تلوم الآخرين يا انطوان....الست انت ضحية؟؟؟ام انك موجود هنا للنزهة.
اتمنى عليك ان تفكر بكسب صديق جديد، خير من ان تفجر الأمور وتخلق لك اعداء .... (نحن) لا ننافسك بأي شئ!!
وبدل من ان تلعن الظلام، سأقترح عليك أن تنير شمعة، ان الوطن يحترق وأهلنا مشردون، وأثارنا دمرت وقبورنا جرفت وأنت تتحدث عن اسباب اختيار الشيوعيين العراقيين للهجرة الى الدول الرأسمالية.....يا لعظمة السياسة.
استاذ بطرس، احيي فيك روحك الطيبة وتأريخك النقي النظيف. شكرا مرة أخرى على المقالة ودمت.
كمال يلدو/ من مدينة ديترويت التي قارعت البعثيين في أوج عظمتهم وسحقتهم...اما الآن ....فلا اظن ان الوقت متأخر!

305

كمال يلدو: ضجيج يستبيح "مقبرة تلكيف"

  سيذكر التأريخ  الجريمة التي اقترفت يوم الثاني من آذار  ٢٠١٥
  على انها نقطة ستحتاج الى أجيال كي تطوي آلامها،  فيما ستبقى  تفاصيلها عالقة  بذاكرة الآلاف، في إشارة لعقلية جسدت اعلى درجات الأستهتار بمشاعر الناس، وأظهرت حقدا دفينا  تكشّف في تسيير الشفلات والتراكتورات  بمقبرة (مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى ١٠ كم) ليتم تخريب قبورها وتجريفها بالكامل ومسح أي معلم من معالمها.
لايمكن للأنسان العاقل أن يصف حجم الألم الذي ضرب عوائل الموتى،  عميقا في افئدتها وتأريخها ومشاعرها، حينما يجري استهداف من لا شأن لهم بمشاكل العراق وما يجري فيه الآن، اولئك هم الناس الذين خدموا وطنهم وأهلهم يوما،  وحانت ساعة رحيلهم فأودعوا في مقبرتها الواقعة على تلّة تطل على باقي المدينة،  وخلف كنيستها، منذ عشرات السنين.
لقد تعددت الجهات والأساليب التي تستهدف ابناء المكونات الصغيرة، من المسيحيين (الكلدان والسريان والآشوريين) وأبناء الديانتين الأيزيدية والمندائية، خاصة بعد التغيير عام ٢٠٠٣، ان كان بالعصابات  أو الميليشيات أو ببقايا البعث المقبور أو في تنظيم القاعدة وأخيرا بما يسمى الدولة الأسلامية (داعش). ولعل الهدف يصب في مجرى واحد ، محزن ومؤلم ويمثل خسارة للوطن والمواطن، الا وهو تضييق الخناق عليهم، وبأتباع كل الأساليب، اما بأنهائهم قتلا أو بدفعهم للرحيل عن العراق. يحدث هذا تارة بهدوء وبلا ضجيج، وتارة أخرى بدوي عال ومرعب، لكن الفاعل في كل  مرة معلوم  لكنه غير منظور، موجود لكن غير ممسوك به، في توليفة حبكت بأيادي ماهرة تريد الوصول الى هدفها دون أن تترك اية بصمات في مسرح الجريمة.
فمن هي الميليشيات ومن راعيها؟
ومن هي العصابات وما هي اماكنها؟
ومن هي القاعدة وأين مقراتها؟
ومن يقف خلف بقايا النظام المقبور وأين هم؟
ومن هي داعش وأين مكاتبها؟
هذه هي الجهات التي كانت ومازالت تستبيح وتستهدف ابناء وبنات المكونات الصغيرة، لكن وللأسف  بقت ردات فعل الدولة وأجهزتها الأمنية  قاصرة خجولة  ودون فائدة تذكر.
 ورغم اصوات الأدانة والأستنكار من العديد من المثقفين والأحزاب الوطنية والمنظمات المدنية ورجال الدين من كل المذاهب وحتى من المواطنين  بكل اطيافهم ، الا ان حملة الأستهداف تتصاعد تصاعدا منذرا بقرب المعركة الحاسمة لأنهاء وجودهم في العراق كليا. هذا المسلسل الذي بدأ بالعديد من المحافظات الجنوبية (البصرة نموذجا) ثم في بغداد وبعدها في الموصل وصولا الى احتلال بلداتهم ومدنهم وقراهم في سهل نينوى، وامتدادا الى تدمير آثار أسلافهم الآشوريين في متحف الموصل ونمرود والحضر ، وأنتهاءا (على الأقل الآن) بتجريف مقابر آبائهم وأجدادهم، قاصدين دون ادنى شك، قطع أي جذر يمكن أن يجعلهم يحنّو أو يفكروا في بلد أسمه العراق أو وطنا كانت سماؤه يوما خيمتهم لآلاف السنين!
ان بقاء ملف استهداف المكونات الصغيرة الأصيلة مفتوحا على مصراعيه نحو مجهول غامض يثير الريبة والشكوك في الجهات المستفيدة منه، في الطريقة التي تجري تنفيذها  والتصفيات التي لم تشهدها  المجتمعات المتحضرة منذ قرون، لابل ان عدم تداول الأمر بجدية معقولة، وبنتائج ملموسة يجعل الأنسان يطرح استنتاجات كثيرة ولعل اقلها ، هو اشتراك (جهات) محسوبة على العملية السياسية في هذه الجرائم، فيما يجري التستر عليها  وألقاء التهم على جهات اخرى مجهولة وغير معروفة أو طارئة على اقل تقدير، من اجل التهّرب من مواجهة المسؤولية الحقيقية في توفير الأمن والأمان وحماية المواطن وممتلكاته.
ليس سـرا بأن نتائج  الحرب الشعواء على هذه المكونات، سـتُفقد العراق ، وقواه الوطنية المخلصة حليفاً هي بأمس الحاجة اليه في مواجهة التحديات، وسـتُفقد الوطن قدرات وكفاءات كبيرة ، إذ انها  في النهاية ستضطر يوما الى اختيار طريقة اخرى للحياة، بديلا عن حياة الذّل والقهر والأهانة والقتل والتدمير  في وطنها الأصلي وأمام انظار شركائها .
مع إن الكثير من ابناء الوطن المخلصين يشعرون بحجم هذه الخسارة التي يعبرون عنها بأحاسيس وطنية دافئة ومخلصة،  لكنها وللأسف عجزت على وقف تدحرج كرة اللهب التي تضرب بنيرانها اولئك الناس المسالمين.  و لا يبدو أن هناك في الأفق  وقفة مع الضمير أوالأخلاق لوقف هذا الأنحدار المريع في القيم والأعراف ، ودونما أن نتملك من ناصية الحصانة ضد هذه الأفكار والممارسات الهمجية المتكررة.  ربما لن تنفع تلك الحسرات، لأنها ستكون على شاكلة الحنين الى اليهود، والى الأكراد الفيلية، واليوم للمسيحين والأيزيدية والمندائيين.....فمن سيكون القادم؟

يقف اليوم موتى (مقبرة تلكيف) في أحد أطرافها، بعد ان تم تجريف قبورهم وتخريب معالمها، متجمعين والحيرة تأخذهم على ما جرى لهم، فيما ابصارهم تتجه نحو المدينة الفارغة من ناسها، والسوق الذي امتلئ بالغرباء، وناقوس الكنيسة الذي لم يدق منذ أشهر، والى مراعيها وأراضيها الزراعية وقد فرغت من غلاتها الذهبية،  يقف شيبها وشبابها والأطفال، رجالا ونساء،  صفوفا بأنتظار انجلاء الأمور.  فقد مّر زمن غير قصير منذ ان زارها الناس، ومنذ ان مروا بمباخرهم على احبابهم وأهاليهم فيها، ومنذ أن افترشتها عوائلهم في مشهد أُريد له ان يكون امتدادا للبيت الذي رحل عنه هؤلاء الأحبة، وفي رسالة معنوية  انسانية تؤكد للأب والأم والحبيبة او الحبيب، للزوجة أو الزوج للأبن أو البنت الغائبين، بأنكم معنا ونحن معكم، نأكل سوية ونضحك ونبكي، ونشارككم حكاياتنا كما لو كنتم لم تغادرونا!
  لقد تُركوا وحدهم في هذا المشهد، فلا اهاليهم موجودين حتى يعيدوهم الى قبورهم، ولا هم قادرين على العودة اليها لأنها خُربّت، ولا أحد يريهم النور في نهاية هذا النفق!
الى متى سينتظرون؟

كمال يلدو
آذار ٢٠١٥




306
عزيزي الاخ هرمز حنا، انا ممتن لمرورك الكريم ومداخلتك القيمة. وكم كنت اتمنى لو تفضلت بنشر (ترجمتك) في موضوع منفصل، بالأضافة لنشره مع مقالي، حتى يتسنى لعدد اكبر من القراء الأطلاع عليه، وتثمين جهدك الطيب.
اشكرك مجددا، ومقالتك اضافت ألقا لكتابتي.
كمال يلدو

307
كمال يلدو: عن صديق شارع المتنبي، الشاعر وبائع الكتب “ بوسوليل”



لم يكن يوم الأثنين، 5 آذار 2007 متميزا بضحاياه ومآسـيه على بغداد وأهلها، ان كان ما يتعلق بالأنفجارات او القتل والدمار وحالة الفوضى العارمة، إلا فيما حمله من خبر كانت له دلالات مازالت لليوم عالقة وتبحث عن السبب والتفسير.  في ذلك اليوم، جرى استهداف "شارع المتنبي" – شارع المكتبات والكتب والناس  بسيارة مفخخة، اتت على الكثير من محلاته وبناياته الغارقة بالقدم،  فيما خلّفت 30 شهيدا وما لا يقل عن 100 جريح، ونار مستعرت التهمت  الكتب والمجلات والقرطاسية، ولشدتها، فأن مسؤولوا الأطفاء ظلوا يكافحوها ليومين متتاليين.
اذن، استُهدف شـارع الفكر والمعرفة، استُهدفت الكتب، استُهدف الناس الذين يزوروه، وأستُهدف الباعة المتجولون، وحتى ممن  ذهب لهناك حاملا بعضا من كتبه، علّه يبيعها ويشتري شيئا ما  بثمنها.

من هنا يبدأ شــــارع المتنبي




ومثل باقي الأخبار التي تتناولها وكالات الأنباء:
 ((انفجار يســتهدف شارع المكتبات والكتب في العاصمة العراقية بغداد))
 فمر الخبر من أمام السيد “ بو بوسوليلBeau Beausoleil" الشاعر  وصاحب مكتبة لبيع الكتب والمجلات  وهو يتصفح جريدة الصباح في مدينته،  سان فرانسيسكو الأمريكية.  أثارهُ الخبر، فبدأ البحث عن هذا الشارع وتأريخه، ولم يتوانَ من سؤال بعضا ممن  يعرفهم، وعلم  عن الضحايا ، ناهيك عن احتراق عشرات المحلات و (البسطيات) ،  فدبت النار به، تماما مثلما تقرب عود الثقاب من كومة قش، فأخذتهُ مخيلتهُ بعيدا الى حيث النار تلتهم أنفس ما انتجهُ العقل البشري ، وتخيل اوراقاً تتطاير، وأوراقاً إبتلّت بماء الأطفاء، وأوراقاً غُمست بدماء الأبرياء، وأشلاء هنا وهناك، وسخام يلف الأعمدة وواجهات المحلات، ورائحة نار مشبعة بالتأريخ والمعرفة....اوراق ....اوراق .....ونار، أيُّ معادلة قاتلة !
Al-Mutanabbi Street Starts Here

قام السيد "بوسوليل" بعدها بأيام بأطلاق (١٣٠)  دعوة الى مجموعة من الكتاب والشعراء والفنانين، طالبا منهم مساعدته في اعلان التضامن مع الثقافة  والقراء وبائعي الكتب العراقيين، وسمى حركته ( من هنا يبدأ شارع المتنبي)  وقد أدهشته ردة الفعل التي اتت بأكبر مما توقعه، إذ لاقت الدعوة تجاوبا كبيرا، وتبنت العديد من الجامعات والمؤسسات الثقافية  استضافة المعارض المقامة على شرف (شارع المتنبي)،  حيث تضمنت اشعارا، وكولاج مركبا مع الشعر وأعمالا توحي للحريق ، وصورا فوتوغرافية  ولوحات فنية للشارع، لابل ان هذه الحركة قد تمكنت منذ ذلك اليوم ولليوم أن تفرض نفسها كطرف أمين في الدفاع عن الثقافة، وجلب انتباه المواطن اينما كان عن  الواقع والآلام التي تعيشها  شعوب الشرق الأوسط.

لا يخفي "بوسوليل" مشاعره تجاه هذا الحدث إذ يقول: ((  إن الهجوم على باعة الكتب في بغداد هو هجوم علينا جميعا ،  وهذا الهجوم يعبّر عن تفاهة اولئك الذين يحاولون أن يدمروا الفكر.  ويضيف قائلا: لو كنت عراقيا، فهذا الشارع سيكون شارعي، وفيه مكتبتي، وهو يمثل الرئة الثالثة لأهالي بغداد حيث يقصده الطلبة والمتعلمون، وهو يضم العراقيين من كل الألوان وفيه يشعرون بالأمان وهم محاطون بالكتب)).
جدير بالذكر ان معارضا كثيرة شهدتها العشرات من مدن وعواصم وجامعات العالم منذ العام ٢٠٠٧ وصولا للعام ٢٠١٤، إذ تقام أغلب النشاطات حول يوم الأنفجار ـ ٥ آذار ـ من كل عام.
 وقد أقام ( منتدى الرافدين للثقافة والفنون في ولاية مشيكًان) أمسية ومعرضا يوم ٥ آذار ٢٠١٤ تضامنا مع الثقافة والأنسان العراقي، ومتزامنة مع عشرات الفعاليات المشابهة في الولايات الأمريكية وأوربا والعالم. ويعود (المنتدى) هذا العام  ليقيم نشاطا تضامنيا مع (المتنبي) في مدينة  ديترويت يوم ١٣ آذار ٢٠١٥ كجزء من نشاطه السنوي لدعم الكتاب والكتّاب العراقيين ، إذ سيتم عرض وبيع الكتب للعديد من الكتاب ومن بينهم للسيد نشأت المندوي ، والراحل فاروق اوهان وأخرين، كما سيتخلل الحفل عرض افلام عن شارع المتنبي.

امأ للتواصل مع "بوسوليل" فيمكن عبر صفحته  على الفيس بوك، إذ سيجد المتصفح الكثير من الصور والنشاطات والتعليقات:
https://www.facebook.com/beau.beausoleil?hc_location=friend_browser&fref=pymk

لاشك بأن الموقف التضامني النبيل لبائع الكتب "بوسوليل" قد جلب الأنتباه لمحنة الثقافة والفكر في العراق ، وحالة العنف التي تضربه ، وهو يطرق بعمله هذا ناقوس الخطر معلنا عن حاجة الأنسان اينما كان للتضامن، حينما تهاجمه قوى  التخلف والظلام والقتل. ويقع على عاتق النخب والمثقفين العراقيين، من صحفيين وكتاب وفنانين وأدباء وشعراء، ومن كل المعنين بحاضر ومستقبل الأنسان العراقي ، الى توحيد كلمتهم دفاعا عن الوجود.

كمال يلدو
شباط ٢٠١٥

308
كمال يلدو: مربون في الذاكرة الحلقة (٢١)

لاتكتمل جمالية السماء عندما ننظر اليها ليلا، إلا حينما تتطرز بالنجوم التي تملئها لئلئة وضياء،  فتكسر عتمتها وجمودها  وتزّينها فرحا وحبورا،  كذلك هي حياتنا في تعاملها مع البشر الذين يظللون سـنيّها تاركين بصمات تلازمنا طوال الوقت،  فيأخذنا قسم نحو الأعلى، فيما البعض يجرّنا ويوقفنا في مكاننا. فكم من معلمة أو معلم أخذوا بيدنا، وأرادوا لنا شيئا عظيما، تارة بالنصيحة وتارة بالعقاب، فتمضي الأيام، هم يكبروا ونحن نكبر، ونلتقيهم معلمون، فيما تلاميذهم قد شقوا طرق الحياة في شتى الأتجاهات . وتبقى غصة عالقة في الروح: كيف نكرّمهم، وكيف نشعرهم بأمتناننا لهم، رغم إن  الأمل كان معقودا على المؤسسات الرسمية للقيام بهذا الواجب وتكريمهم أكبر تكريم. لكن في غياب تلك الأحلام وتبخرها أمام "انشغال" المسؤولين بأمور  "أكبر" و "أهم" يبقى الواجب الأدبي والأخلاقي ملقى على عاتقنا، وقد تقبلناه بكل رحابة صدر، فنحن الذين سنقول لكم شكرا لعملكم، شكرا لصبركم معنا، شكرا لتحملكم كل شقاوتنا، ونحن نأمل أن تعيشوا بقية عمركم سعداء وبأتم الصحة. ان بذرتكم فينا قيد اينعت، فشكرا لكم مرة أخرى.
****      *****       *******       ******
رحلة مع بناة الأنســـان العراقي

الراهبة المربية (ماسير) بنينيا هرمز منصور شكوانا

من مواليد مدينة ألقوش التابعة لمحافظة نينوى عام ١٩٤٠ وفي محلة (قاشا).
في طفولتها دخلت الأبتدائية في،
ـ (مدرسة راهبات الدومنيكان) في مدينة ألقوش وحتى الصف الرابع بعدها انتقلت الى
ـ (مدرسة الدير) في بغداد والواقعة في (عكَد النصارى) حيث اكملت الصفين الخامس والسادس ثم انتقلت الى
ـ (متوسطة راهبات الأرمن) وبعد ثلاث سنوات دخلت
ـ (دار المعلمات الأبتدائية) في بنايتها التي كانت بمنطقة "الحيدرخانة" لتتخرج منها بعد ثلاث سنوات عام ١٩٦٠.
حينما حل وقت استلامها مهامها الوظيفية، يبدو ان تفاهما كان قائما بين "الكنيسة ـ الراهبات " ووزارة التربية في اتباع سياسة مرنة في التعينات ولهذا كان أول عملها في
ـ (مدرسة الراهبات في دهوك)  للعامين ١٩٦١ ـ ١٩٦٢ ثم
ـ مديرة (مدرسة الفيحاء الأهلية) في البصرة  عام ١٩٦٣ ولعدة  سنوات، ثم
ـ مديرة (مدرسة المنصورة الأهلية ـ الأمل) في دولة الكويت ولعدة  سنوات ايضا،
 بعدها تُكمل  "ماسير بنينيا" الحديث:
ـ إفتتحتُ مدرسة  في إمارة دبي وأصبحتُ مديرة لها، وسمّيت (مدرسة الراشد الصالح الأهلية) بعد استحصال موافقة الشيخ زايد شخصيا على هذا الأفتتاح، ثم عدتُ الى بغداد وتعينتُ  مديرة في
ـ (مدرسة مار يوحنا الحبيب الأهلية) في شارع فلسطين، والتي افتتحت عام ١٩٧١، وعندما أممت المدارس الأهلية في العراق فأن وزارة التربية ارتأت إبقائي في منصبي والأستفادة من امكانياتي و إخلاصي في العمل، وقد سـميت المدرسة بعد التأميم (مدرسة الأبتكار).  ومن الضروري الأشارة الى موقف وزارة التربية التي  كانت تفتخر بالمستوى التدريسي والنتائج الراقية لمدرستنا،  حيث اضيفت الدراسة المتوسطة المتوسطة للبنات فيما بقت الأبتدائية مختلطة  منذ العام ١٩٩٤.  لقـد استبشرنا خيرا عندما اعيدت المدارس الأهلية الى مالكيها الأصليين بعد عام ٢٠٠٦، فعدت لوظيفتي وأستمريتُ في العمل حتى العام ٢٠١٣، العام الذي قررت فيه الأستراحة من العمل نهائيا بعد رحلة في التعليم والادارة استمرت (٥٣) عاما متواصلة.
تتذكر (ماسير بنينيا) مسيرتها التربوية وتقول:
لاشك بأن التعليم الأهلي، وبالذات (مدارس الراهبات) في العراق  كان لها أثرا عظيما على العملية التربوية والتدريسية، وعلى تطوير مستوى التعليم ونوعيته، وأني أشعر بالفخر والغبطة والسعادة وأنا انظر الى تلك السنين وحجم المنجز الذي حققناه أنا وأخواتي الراهبات  مع المعلمات والموظفات اللواتي شاركنني العمل. ولعل من المفارقات أن اذكر بأن عدد التلاميذ في السنة الأولى لأفتتاحنا "مدرسة يوحنا الحبيب"  بلغ (٧٢٠ طالب وطالبة)  وعشية احالتي على التقاعد عام ٢٠١٣  كان قد بلغ عددهم (٣١٦٠ طالب وطالبة) ولعلهم لم يخطأوا حينما كانوا يسمون مدرستنا ب (جامعة) نظرا لعدد طلابها ومنتسبيها، فيما وصلت عدد صفوف الدراسة الأبتدائية الى (٤٦) صفا ، اما كادرنا التدريسي فقد وصل الى (٩٠) معلمة للفصل الدراسي.
اما عن عملها الوظيفي فتقول  "ماسير بنينيا" :
مع مهامي الأدارية في التعامل مع الكادر التدريسي، والوزارة والمؤسسات الحكومية المعنية  والعوائل  وأحتياجات الطلاب، فأني كنت اقدم (١٠ دروس) باللغة العربية، وتدريس مادة (الديانة المسيحية) للصفوف العليا، وعندما اضافوا لنا (الدراسة المتوسطة) فأن مدير الأشراف العام على المدارس قال في الأجتماع : ( انتي  تبقين مديرة المدرسة الأبتدائية، ومديرة المدرسة المتوسطة ايضا) وهذا زادني فخرا، لأنه تكريم عال لمجهوداتي، مع كل الثقل الذي تحمله هذه المهام.
وتكمل حديثها بالقول: ان هذه المسؤوليات لم تحرمني من أداء واجباتي الروحية مع اخواتي الراهبات الأخريات، ولا حتى هواياتي  في القرأت الشعرية  ونظمه ايضا، خاصة ذاك المتعلق بالأمور الروحية والدينية.  لقد كنت املك مكتبة كانت تضم ما لايقل عن (٣٠٠٠ آلاف) كتاب، وكانت ومازالت عندي هواية (التطريز) التي اعتز بها ، خاصة في (الشارات) التي يعلقها الأولاد والبنات عند تقبلهم اسرار التناول الأول، ومن جماليتها بأن الأهالي غالبا ما يحتفظون بها للذكرى، وهم دائما يقول لي: ان لمسات يديك مازالت عالقة بها !
اما عن مستوى تكريم الوزارة فتقول (ماسير بنينيا) :  لست مبالغة في الأشارة لعشرات  ـ كتب الشكر ـ التي حصلت عليها مدرستنا، وطبعا هذا لم يكن بجهدي فقط، بل شاركتني به بكل فخر وأعتزاز أخواتي الراهبات والملاك التدريسي والموظفين وتلاميذي النجباء، الذي صاروا مع الأيام سفراء لمدرستنا، وهم من يرفع اسمها عاليا .  ومن المفارقات التي حدثت أن كان هناك اجتماعا مهما في الوزارة، وأثناء الحديث عن مدرستنا نهض المسؤول وقال: (ان ماسير بنينيا، ومدرستها هي تاج الوزارة) وهذا اعتراف كبير بحقنا جميعا. لقد كانت كتب الشكر على مستوى التعليم، والأنضباط  والدوام  والنظافة والمعارض والمسابقات التي كنّا نشترك فيها.  اما نسبة النجاح عندنا فقد كانت ( امتياز ـ نموذجية) وربما أذكر بأنها كانت ١٠٠٪ في اللغة العربية والرياضيات ومادة الدين. لقد ضمت مدرستنا تلاميذا من كل القوميات والديانات، بناتا وبنينا، وكم انا سعيدة حينما تصلني أخبار البعض والمستوى الراقي الذي وصلوا اليه، وغالبا ما اصادف تلاميذي في الأماكن العامة فينادوني بأعلى الصوت : (هذي  ماسير بنينيا مديرتنا) ويطبعون قبلاتهم على رأسي، ويقولون لي (انتي سويتينه اوادم، انشالله عمرج ١٠٠ سنة) وكنت دائما أشعر بأنهم مثل أولادي.  ومن الطريف أن أسمعهم يقولون لي : ماسير وين البوق؟   في أشارة الى البوق الذي كنت احمله للمناداة على التلاميذ بعد انتهاء الفرص بين الدروس. انها ذكريات جميلة تعيد الفرحة لقلبي، وتزيح عني الكثير من اتعاب السنين والهموم.
رغم ان عقودا كثيرة مرّت (تقول ماسير بنينيا) على بعض الوجوه والأسماء، لكني والحمد لله ، هناك بعضا منها يقاوم العمر والصدأ كما يقولون، وكوني سأذكر بعضهم ممن تسعفني الذاكرة بهم، فأتمنى الرحمة للذين غادرونا بسلام والصحة لمن مازال بمشوار الحياة معنا: في الأبتدائية الست مادلين عجو معلمة الرياضيات، في دار المعلمات الشاعرة الرائعة والكبيرة لميعة عباس عمارة والست فاطمة الحسني. اما من الأخوات اللواتي شاركنني في الملاك التدريسي: زهور ابراهيم / الرياضيات، أزهار زيا إيليا كانت معاونة المديرة ومعلمة مادة الأجتماعيات،  الست فتحية والتي عملت معاونة  ودرسّت مادة الأجتماعيات أيضا، الست جانيت جبري.  اما في دولة الكويت فأذكر الست سهام الغريافي، وفي امارة دبي الست سـعاد الخوري، وتحياتي ومحبتي لكل من عملت معهم أو عملوا معي في سلك إنارة الدروب امام بناتنا وأولادنا حتى يشقون طريقهم في سلم المجد والتقدم وخدمة الأنسان.
ولعلي هنا، وأنا أتكلم عن الأنسان ومسيرته في هذه الحياة، فإني مع أخواتي (الراهبات):  "نرفع صلواتنا صباح مساء، حتى يحفظ الله العراق وأهله، وعندي أمل ، بأن الأمن والأستقرار سيعود لهذه البلد، لأن أرضه قد سقيت بدماء الشهداء ومشت عليها أقدام القديسين. نعم ، لقد دفعنا ثمنا غاليا للفرقة والتدخلات والتخلف والعنصرية، لكن يقيني بالأنسان وبقدرته على تجاوز المحن والأنطلاق نحو المحبة والتسامح والتآخي كبيرة. أصلي من كل قلبي وأتمنى لهذه الشعب الرائع وأرضه ان يكونوا بمأمن، وأن تعود البسمة الى وجوه الأطفال والنساء والشباب وكل الناس".

حينما أقف متأملا في سيرة " ماسير بنينيا" الرائعة والمباركة، ونذرها النفس والروح لخدمة الأنسان، وتساميها على  مغريات البهرجة والمال، وحياتها البسيطة مع اخواتها الراهبات وتقديمها كل ما تملك لهذا السلك الرائع، وحتى في مجيئها الذي تسميه (مؤقت) للولايات المتحدة لغرض الراحة والمعالجة في دير راهبات الكلدان في احدى ضواحي مدينة ديترويت ، يترأى أمامي مشهد تتداخل فيه الحقيقة والخيال :  ماذا كانت سـتخسـر وزارة التربية لو أسمت احدى المدارس أو المكتبات العامة أو احد الشوارع أو الساحات العامة بأسم "ماسير بنينيا"؟
 ألا تستحق  ذلك بعد مسيرة عمرها (٥٣) عاما في الخدمة العامة، خدمة الأنسان و الجيل الجديد؟
***  *****      ******      *******     ******     ****

المدرس بيتر جرجيس بطرس عبرو
ولد عام ١٩٤٣ في مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى وفي (محلة عبرو)  وهو متزوج من السيدة فايليت الكسندر يوسف، ولهما أربع بنين و ثلاث بنات، وينعمون مع ١٢ حفيد لحد الآن.
منذ نعومة اظفاره أخذه والده الى بيت العلم، فدرس الأبتدائية والمتوسطة في مدارس مدينة تلكيف، وأكمل الثانوية في ( الأعدادية الشرقية ـ الموصل) وبعد تخرجه منها ، تقدم الى كلية التربية التابعة لجامعة بغداد وأختار فيها فرع الرياضيات حتى تخرج منه عام ١٩٦٤.
لقد كان حبّه لمهنة التعليم، ومن قبلها اعجابه بالمدرسين الذين مروا على حياته، وأسلوبهم الجميل في التدريس وشخصيتهم الجذابة عوامل مهمة لأنخراطه في هذا الحقل (المتعب ايضا).
 كان تعينه الأول قد صدر في،
١ـ (ثانوية الشرقاط) في الموصل ، ولمدة عامين حتى سنة ١٩٦٦ ثم الى
٢ـ (متوسطة الضواحي) في الموصل  ولسنتين ايضا، بعدها عاد الى الثانوية التي تخرج منها،
٣ـ (الأعدادية الشرقية ـ الموصل) ولمدة ٣ سنوات حتى العام ١٩٧١ اعقبها تنسيب الى،
٤ـ (متوسطة الثورة) في مدينة الثورة ـ جوادر/ بالعاصمة بغداد ولمدة سنتين، ثم جرى نقله عام ١٩٧٣ الى
٥ـ (ثانوية عقبة بن نافع) في شارع فلسطين ولمدة عشر سنوات حتى العام ١٩٨٣، بعدها انتقل الى،
٦ـ (الأعدادية الجمهورية) في منطقة حي المعلمين ببغداد بين الأعوام ١٩٨٣ ـ ١٩٩٥، إذ استحق التقاعد بأمتياز بعد أن خدم (٢٩ سنة) بكل تفاني وأخلاص.
عمل في التدريس الخصوصي لعدد من السنين حتى قرر مغادرة البلد والهجرة ، إذ وصل الولايات المتحدة عام ١٩٩٨. اشتغل في شركة لصناعة الأدوات الأحتياطية لمدة ٦ أعوام ، وتفرغ نهائيا للتقاعد عام ٢٠٠٨.
لقد قمت بتدريس مادة الرياضيات يقول الأستاذ (بيتر) كمادة أساسية ، اضافة لمادة الفيزياء في حالات نقص المدرسين، اما الصفوف فكانت للرابع والخامس والسادس ثانوي، وفي أحيان كنت ادرس الثالث متوسط وبذلك أكون مع التلاميذ في امتحانين مهمين للبكلوريا، الثالث والسادس. إن حرصي الشديد في العمل، والنتائج الطيبة التي كنت احققها دفعت الوزارة الى تكليفي في تصليح نتائج البكلوريا، ناهيك عن مشاركتي في لجان الأمتحانات النهائية في المدارس التي كنت اعمل بها.
أعود أحيانا الى ايام دراستي المتوسطة وأتذكر إثنين من الأساتذة الأفذاذ الذين تأثرت بهم كثيرا:  نزار يحى نزهت ، استاذي لمادتي الأحياء والكيمياء، ويعقوب سعيد، استاذي  لمادة الرياضيات. و لعل تلك الذكريات وأندفاعي الذاتي  وأخلاصي لعملي، قد انعكس على علاقاتي الطيبة بالطلاب والهيئات التدريسية . فقد كنت أبذل جهدا استثنائيا  في التدريس، ولا اغادر الصف قبل أن اكمل دروسي، وكان المسؤولون يقولون لي ( إن تلاميذك لا يحتاجون الى تدريس خصوصي، فما تقوم به كاف  لنجاحهم)، هذا الشعور بالمسؤولية وعشقي للرياضيات ومحبتي للطلبة دفعني لتدريس الطلبة المكملين في مدينتي (تلكيف) في شهر آب أثناء العطلة الصيفية منذ عام ١٩٦٠ ـ ١٩٧١ مجانا.
بعد انتقالي الى بغداد، ورغم انتظامي في التدريس فقد كنت اقدم المحاضرات ولعدة سنوات في
١ـ اعدادية النضال المسائية في السنك
٢ـ متوسطة المثنى المسائية
٣ـ دار المعلمات في شارع فلسطين
٤ـ اعدادية صناعة النسيج في مدينة الضباط
٥ـ احدى متوسطات البنات في مدينة الحبيبية
٦ـ ثانوية ام النعم الأهلية للبنات
هذا اضافة الى قيامي بالتدريس الخصوصي للكثير من الطلاب.
ومن الطرائف يتذكر الأستاذ (بيتر) تلك الحادثة في عقد السبعينات حينما كان مدرسا في (متوسطة الثورة) وكان على علاقة طيبة بمعاونها الأستاذ (موسى الكناني). وعندما نقل الأستاذ الكناني الى (ثانوية عقبة بن نافع) لم يغادرها قبل أن يتأكد بأنه ينقلني معه ، وهذا ما تم فعلا، إذ خدمت فيها ١٠ سنوات حلوة.
يؤكد الأستاذ (بيتر) بأن تدريس مادة الرياضيات بحاجة ماسة الى عاملين، الأول هو حب الطالب لها، والثاني هو تطوير المهارات والمناهج وطرق التعليم، وهنا يتذكر بأنه أُدخل في دورة للرياضيا ت  المعاصرة عام ١٩٧٢ عشية إدخالها في المنهج التدريسي، ودورة أخرى في الحاسوب ابان عقد الثمانينات، فيما يعلق على تدريس مادة الرياضيات في مدارس ديترويت بالقول: (انها ضعيفة) رغم كل الأمكانيات والصفوف والمدارس والمناهج، و هذا الأستنتاج يؤكده الوقائع ، إذ أن الولايات المتحدة تأتي في المرتبة ٤٨ بالتصنيف العالمي لمستوى الرياضيات عند تلاميذها .
في ختام هذه الرحلة مع الأستاذ بيتر يقول:  أمل أن يعم السلام وطننا الغالي، وأن ينهض من هذا الوضع، وأن يتحقق الأمن والأستقرار، وأن يعيش الناس في حرية ورفاهية. وتؤلمني كثيرا الجرائم التي تقترفها عصابات داعش بحق ابناء بلدي وخاصة في بلداتنا المسيحية واليزيدية. إني أتمنى الخير لبلدنا ولكل العالم، ولعل حبي هذا هو الذي يجعل كل أحلامي اثناء النوم تدور في العراق: (سبعة أيام في الأسبوع وأنا أحلم بأني أدرّس في مدارس العراق).

كمال يلدو
شباط ٢٠١٥

309
كمال يلدو:  مصمم الديكور رياض جمال نوري و دمعة على "شارع ٤٠"

ليس للأبداع وقت او موسم معين، فهو ينبت ويفرض نفسه عليك حتى في أكثر الأماكن غرابة، فقد يكون في المدرسة أو الجامعة او حتى في زاوية الشارع الملاصقة لذلك المحل الذي كنا نلعب امامه في طفولتنا. تلك الحكايات والمشاهد تتكرر وتعيد انتاج نفسها مع فنان رائع وقدير، فرض عليه عمله ان يكون في (الظل) الا ان ضياء عمله كان ينير كل زوايا المكان. لقد اختار (اكاديمية الفنون) في زمن لم يكن للفنان قدر مهم في المجتمع. أما  لقبه بعد التخرج فلم يتعدَ أكثر من (معلم مادة الرسم أو الفنية) لكنه أصر ومضى بعيدا في مشواره، وأصبح اسمه من بين القلائل الذي يذكر بحجم ونوع الأبداع الذي تركه، لابل إن بصمته جعلته من أبرز من خاض غمار هذا الأختصاص .

******
ولد الفنان التشكيلي ومهندس الديكور التلفزيوني  "رياض جمال نوري"  عام ١٩٤٤ في العاصمة بغداد بمدينة الأعظمية، وتحديدا في محلة (النصّة) أو كما يسميها ابناؤها للطرفة "النزيزة". متزوج من السيدة ميسـون الحمطاني، وهي فنانة تشكيلية وتخرجت من أكاديمية الفنون، ولهما إثنان من البنين، وحفيدان للآن.
أكمل دراسته في مدارس الأعظمية مابين "المدرسة المنذرية الأبتدائية" ثم "متوسطة النعمان" وبعدها الى "إعدادية الأعظمية" حيث تخرج فيها  وتقدم بالدراسة الى (اكاديمية الفنون الجميلة) وتخرج  عام ١٩٧٠.
ولم يكتب لفرحته أن تتم بالحصول على احدى الوظائف، إذ كان البلد يمر بمرحلة التقشف، وكان هناك تجميد لمعظم التعيينات،  فقصد المملكة العربية السعودية مدرسا لمادة الرسم في (متوسطة حطين ـ في العاصمة الرياض) ولمدة عامين، عاد بعدها الى بغداد عام ١٩٧٢، وتعرض في ذات السنة الى حادثة  كادت ان تنهي كل احلامه في العمل والفن والرسم، حيث تعرضت الأوتار في (يده اليمنى) الى القطع، مما استدعى الجراحة والراحة والتمارين حتى تستعيد اليد عافيتها، وقدّم اوراقه للتعين في مؤسسة الأذاعة والتلفزيون  كرسام، وحدث أن استدعي للفحص قبل ان تتعافى يده اليمنى من الأصابة، فأضطر الى تأدية امتحان الرسم باليد اليسرى!  وكانت النتائج باهرة، وهنا كانت المفاجأة، إذ  لم يرق لذلك الأستاذ  قضية استعاضة اليد اليسرى بديلا عن اليد اليمنى، فأعاد الأمتحان مرة ثانية وثالثة  وفي كل مرة كان الرسم اجمل وأفضل ، حتى اقتنع الأستاذ ومنحه سمة الدخول والقبول في الوظيفة عام ١٩٧٣.
 يتذكر الأستاذ "رياض"  تلك الأيام ويقول : حينما قصدنا التلفزيون نحن مجموعة  الشباب ، وكنّا قد تخرجنا للتو ويملأ عقولنا كل ما هو جديد من الأفكار  وبأحلام تفوق التخيلات.   في ذاك الزمن كان التلفزيون يحمل صفتين، الأولى انه كان في مراحله الأولى من ناحية استخدام التقنيات، وكان البث مباشرا، حتى ان الأستديو فيه كان يسمى (ستوديو البنكلة) ،  ومن جهة ثانية فنحن اتينا لنكمل مشوار اناس كانوا (وما زالوا) في نظرنا عمالقة في الأخراج والتصميم والديكور، وكانوا قد كنزوا الكثير من معارفهم عبر الدراسة في الخارج.  وعشية دخولنا المؤسسة، ادخلونا بدورة (للتصميم والأخراج والتصوير) وكانت الأولى من نوعها في التلفزيون ، وأنهيناها بسرعة فائقة وقد كان من بين اساتذتنا في الدورة فنانون وتشكيليون من ألمانيا . صارت مهنتي الرئيسية هي (الديكور) فعملت بها في المؤسسة منذ العام ١٩٧٣ وحتى العام ٢٠٠٣.   لكن الكارثة وقعت بعد أن تعرضت المؤسسة للقصف الصاروخي،   حيث  هجمت العصابات والجهلة على بناية التلفزيون وعبثوا بمواده وآرشيفه ما بين السرقة والتخريب والحرق (للأسف) ، وقد أثبتوا بانهم يجهلون أهمية الحفاظ على هذا الأرث الذي هو ملك ألوطن والمواطن، وليس للحاكم او السلطة المعنية.   بعد التغيير ساهمت  في شبكة الأعلام العراقي  من خلال مشروع تبنته منظمة (اليونسيف) ، وعملت بعدها  بفترة مصمم ديكور في (قناة الحرة عراق).  مضت عدة سنين، فتتعرض العائلة الى حادث مؤسف، آثرت بعده مغادرة البلاد عام ٢٠٠٧ وتوجهت الى سوريا، عملت هناك لبعض الوقت ومع العديد من المخرجين العراقيين، ولم ألمس أيَّ مستقبل لي ولعائلتي هناك،  فأضطررت للهجرة الى دولة (كندا) التي وصلتها عام ٢٠١١ ومنذ تلك الفترة وأنا مقيم في مقاطعة اونتاريو، وأولادي يعملون، فيما اقضي معظم أوقاتي بين القرأة او متابعة التلفزيون والزيارات الصداقية والعائلية، اضافة الى الأهتمام بالصحة بعد هذه المسيرة الطويلة واستحقاقات العمر.

رحلة الرسم معي
 يقول الأستاذ "رياض" عن رحلته مع الرسم، بأنه نشأ في جو عائلي محافظ نوعا ما، ولم يكن قريبا من الفن والفنون، لكنه يستدرك الكلام قائلا:  بأن إثنين من أخواله كانا كذلك.  المرحوم إبراهيم رمزي، وهذا كان آمراً لفرقة موسيقى الجيش، والمرحوم يوسف رمزي الذي كان رساماً.  اعتقد بأن جذورهما كانت حاضرة فيّ. اما حكاية المدرسة فتلك كانت قصة لذيذة كلما مرّت في خاطري: ففي مدرسة المنذرية الأبتدائية، حظيت بواحد  من أروع معلمي الرسم (الأستاذ حميد المحل) والذي كان  يعمل في التمثيل ايضا، وتشاء الصدف وتجمعني معه الحياة في أكاديمية الفنون إذ درسني مادة (رسم ألوان)، فقد كنت أرسم مثل باقي التلاميذ، وصادف أن كان على أحد الجدران في صفنا، صورة تعود لدرس (أشياء وصحة) عن غسل اليدين ، وتفريش الأسنان وما الى ذلك، فقمت بإعادة رسمها على شكل مربعات، وأعطيتها للمعلم (استاذي حميد) فتعجب بها وبأسلوبي، ومنحتُ عنها أول جائزة في حياتي والتي كانت عبارة عن : ( بنطلون خام أسود ـ شورت ، قميص أبيض و علبة ألوان خشبية). من هنا أستطيع أن أقول بأنه كان هناك مكان للرسم في حياتي.   بعد أن انهيت الثانوية كان حلمي أن أدخل الأكاديمية، رغم أن الجو العام لم يكن يشجع هذا التوجه قياسا بمهنة التدريس أو كلية الطب أوالهندسة، لكني  لم أتمكن من رؤية أي حقل وقتها غير اكاديمة الفنون، وللطرفة فأني مازلت أتذكر ردة فعل جدي ـ رحمة الله عليه ـ حينما سمع ذلك  فقال : ( تقدم للأكاديمية ؟؟) بينما كان موقف خالي : ( عفية بالسبع!)،  اما المساند الأكبر والفضل فيعود لجدي الآخر (والد والدتي) فقد حسم الأمر آنذاك  بالموافقة على  دخولي الأكاديمية.

رسام أم مصمم ديكور؟
عالم الفن  واسع وجميل وبلا نهايات ، يقول الأستاذ "رياض"،  فهو مليء بالفنطازيا والأحلام والواقع ايضا، و في الحقيقية حينما تقدمت للعمل في المؤسسة العامة للتلفزيون كان بإفتراض أن اكون  "رساما" وفعلا جرى قبولي على هذا الأساس، لكن بعد مرور فترة وجيزة طلبوني في دورة للديكور، وأحرزت المركز الأول، وكانت تلك هي البداية التي ستطبع حياتي للعقود  القادمة.
لقد كنّا مجموعة من الشباب حينما دخلنا التلفزيون وكلنا طموح، وننظر بعين الأحترام  والتقدير لجيل الرواد الذي سبقنا ومنهم : الاستاذة الرائعة شميم رسام (اطال الله بعمرها) وألأستاذ رافع جاسم والمرحوم سامي البازي ـ أحد أفضل مصممي الديكور في التلفزيون ـ  وقد أُلقيت علينا محاضرات قدمتها الست شميم والأستاذ  المصري الرائع (إبراهيم عبد الجليل)، وبعد ذلك جرى توزيعنا، انت مع .....، وأنت مع ....، ومن حسن حظي ان أُكون مع  الست شميم، مسؤولة الديكور آنذاك، فهي التي احتضنتني .

العمل مع العمالقة
لقد اتيحت لي الفرصة ان اعمل  وأتتلمذ وأتعامل مع خيرة المخرجين والممثلين وكل من كان له صلة بالأنتاج في التلفزيون، وتحضرني بعض أبرز الأسماء لذاك الجيل الرائع ومنهم:
 ١ـ  الأستاذ  إبراهيم عبد الجليل ـ مصري الجنسية ـ  إذ شاركته في أكثر من ٩٠٪ من أعماله، وقد تعاملت معه في الكثير من الأعمال ومنها، المسلسل الشعبي (ناس من طرفنا)، ومسلسل عن حياة المتنبي وتراثيات وتأريخيات أخرى، وأستطيع أن أقول بأنه مختص في العمل التلفزيوني، ولعلي أتذكر جيدا حرصه الشديد على العمل وأنعكاساته عليه بحالة لم يتمكن أن يخفيها عنّا نحن العاملين معه، وهي حالة (التوتر) ، وكان يبررها بالقول بأنه يشعر : (وكأنني أشتغل لأول مرة في التلفزيون!) . وهناك حدثا مازال طريا في البال، فقد كنت شابا حينما بدأت العمل مع هذا العملاق، ولم اسمع منه اية ملاحظة سلبية مباشرة، بل كان يملك اسلوبا فذا في ايصال الملاحظة : ( هذا عظيم ....بس لو كذا وكذا....) وكان يحصل على ما يريد بكل رحابة صدر.  وبالحقيقة أن (مصر)  تعرف كيف تحتفي بطاقاتها، فمدرسته في الأخراج مشهورة  وهي  مخلدة بإسمه.
 ٢ـ مع  الأستاذ كارلو هاريتون، وأبرز ما يتميز به أنه (تربية سينمائية) في كل حركاته وتعاملاته ، لابل حتى في طريقة تحريكه للكاميرا، وربما تكون دراسته قد خلقت منه هذه الشخصية الحلوة. وأشتركت معه في الكثير من الأعمال ومنها مسلسل (أيام ضائعة) وفلم سينمائي، وآخر مسلسل عملته في بغداد (شارع ٤٠) .
 ٣ـ الأستاذ عمانؤيل رسام ( ع . ن . ر .) ، هذا الأنسان الرائع يتميز بهدوء قلما تجده عند انسان بمستوى مسؤلياته في العمل، وكأن قانون التوتر لا ينطبق عليه، وحينما تعمل معه فأن كل ما تتمنى أن  تحصل عليه هو ابتسامة لطيفة وكلمة (جيد)، فأذا قالها، فمعنى ذلك أنك في قمّة السيطرة على العمل والأبداع.
 ٤ـ  الأستاذ  والمخرج السينمائي محمد شكري جميل، فبالرغم من أني لم اعمل معه كثيرا، لكني أتذكر جيدا بأن العمل معه لم يكن سهلا، وله أسلوب خاص في العمل، وتمكنا سوية من تقديم اعمال لقيت استحسان المختصين والجمهور.
ومن الجدير بالذكر أن اشير الى واحد من أشهر مصممي الديكور للأعمال المسرحية وهو الأستاذ (نجم حيدر) ، شقيق استاذنا في الأكاديمية (كاظم حيدر) إذ كنت انظر لأعماله بشئ من الأنبهار والتعجب.
لو لم أصف عملي بالأخلاص، فأن النتائج هي التي ستقولها ، ويكمل الأستاذ "رياض" : كانت هناك  ايام  ادير فيها ٤ ـ ٦ أعمال  في آن واحد، متنقلا بين ستوديو ٦٠٠ و ستوديو ٨٠٠ و ستوديو بلاتو ، ستوديو٢٠٠ وستوديو ٥٠٠.  لقد كانت عندنا خمسة ستوديوهات للدراما، ومع كل هذا فلم أكن اشعر بالوقت او التعب.  لقد كان عملنا (راحة للبدن) كما يقول مثلنا الشعبي.

ثلاثة عقود من التميّز
لابد وأن يخطر على بال اي متابع أن يسأل عن سـّر التميز في اعمال الأستاذ "رياض" فيجيب على التساؤلات:  لامفر هنا  إلا بالعودة  الى أيامي الأولى في  ألأكاديمية  وإعادة تجسيدها من جديد .   فقد كانت ملاحظات اساتذتي عن رسومي : (انك ترسم بشكل معماري)، وأستاذي الكبير محمد غني حكمت كان يريدني ان اصبح نحاتا،  وفعلا حققت  درجة ٨٧٪ في درس النحت و ٩٤٪ في الرسم/ ظل الألوان،  ومجمل تجربتي قادتني للتأثر وتبني (المدرسة الأنطباعية) في الرسم، والأمر الآخر الذي ساعدني كان امتلاكي ( مخيلة وذاكرة مصورة)  هذان الأمران بالأضافة للقراءة والمتابعة المستمرة ساعداني على التفرد في عملي وأحترام كل المرؤوسين لي.  وكان لابد للأستاذ "رياض" من أن يسوق مثلا، فيقول : خضعت اعمال التلفزيون ل (التقشف) مثل باقي المؤسسات، وكنتُ مضطراً للعمل بالحد الأدنى، ورغم هذا فأني بدأت بداية طيبة (ماشيا بدرب الأساتذة الرواد الذين سبقوني) فكنت استخدم مواد جديدة لصناعة الديكور في استوديوهاتنا، وبأمكان اي من المشاهدين ان يلمس (الواقعية) في تصاميمي، وكان المسؤلون (غير بخلاء) معي ، إذ دائما ما كانوا يلبون طلباتي، حتى أفي لهم بعملي، ورغم كل الظروف فأني كنت أتأقلم مع الميزانية وأقدم أفضل ما يمكن تقديمه إن كانت الميزانية ألف، أو عشرة آلاف أو مئة ألف! وكل ما سمعته من المسؤلين :  عاشت ايدك، بس دير بالك على الميزانية!

حصاد
يقف اليوم الأستاذ "رياض" عابرا ببصره القارات والبحور ليصل الى منطقة الصالحية وبالذات مبنى الأذاعة والتلفزيون، تلك المؤسسة التي اصبحت توأما لحياته وذكرياته وأبداعاته. فهناك أودع منذ سنين دموعا ساخنة لتراث تعرض للعبث والتخريب، وأصبحت الذاكرة هي كل ما تبقى له حتى يتذكر اعماله ، ورغم ذلك، فهي تفرض وجودها  بكل فخر ويقول:
 في جعبتي ما لايقل عن (١٠٠) مسلسل قمت بتصميم ديكوراتها، وعشرات الأغاني والبرامج، وبحدود (أربعة أفلام) ، اما بالنسبة للمسرح فقد كان يجري ذلك بالتنسيق مع الوزارة، على أن العديد من الأساتذة (معظمهم أصدقاؤنا) كانوا يأتون ويراقبون عملي ، وكنت أجيب على اسئلتهم ايضا ، خاصة في ظروف الأزمات المالية، وانحسار الصرفيات.
أما ابرز الأعمال التي مازلت أتذكرها:
١ـ مسلسل "أشهى الموائد في مدينة القواعد" مؤلف  من  ١٥٠ حلقة ،وهو بالمناسبة آخر أعمالي الدرامية.
٢ـ مسلسل " قيس ولبنى"
٣ـ مسلسل "شارع ٤٠" مع الأستاذ كارلو هاريتون
٤ـ المدير الفني لفلم "الحدود الملتهبة"

ذكريات
كانت من المفارقات الطريفة بأن يكون د.علاء يحى فائق ( تخرج من اكاديمية الفنون عام ٧٣، لكنه عمل في التلفزيون بين ٧٠ ـ ١٩٧٥) هو دليلي للوصول الى الفنان التشكيلي "رياض" ، ولم تكن تلك المناسبة لتمر قبل أن يسرد لي "د.علاء"  بعضا من حكاياته وذكرياته فيقول:
 تعرفت على المبدع "رياض " في بداية مشواري بالتلفزيون، وأتذكر بأني أخرجت إحدى حلقات (كَهوة عزاوي)  ومعلوم لكل متابع بأن هذا العمل يحتاج الى مناخ وجو شعبي ، فأقترحت عليه وضع أجواء ـ محلة بغدادية ـ ضمن المشهد، وقد فاجأني الأستاذ "رياض" بما قام به بعد ذلك، إذ خلق  وأوجد محلة بغدادية بكل تفاصيلها داخل الأستوديو، مستخدما كل الأمكانيات المتاحة مع  (الحيل ـ الأبداع) والضوء والظل، وكانت  حقاً رائعة بكل المقاييس.  تجربتي تلك معه جعلتني اتحين الفرصة من جديد وطلبه للعمل معي  في تمثيلية (الجبل المهزوم)  التي قام بإعدادها  الأستاذ بدري حسون فريد عن قصة للكاتب الروسي مكسيم غوركي، وكانت قد كتبت عام عام ١٩٦٩ وأجيزت للعمل،  لكن لم يتقدم لها أيّ من المخرجين خوفا من عدم امكانية  وصعوبة  خلق الأجواء المتعلقة بالعمل وخاصة ( مشهد الحفر في جبل) ، لكن قناعتي بقدرات المصمم المبدع "رياض"  منحتني الجرأة  للخوض فيها، وفعلا قدم شيئا مرموقا ، وأثبت قدرة ابداعية نادرة. لا أخفي بأن بعض مشاهد التمثيلية كانت صعبة ومعقدة، وأمكانيات التلفزيون آنذاك كانت بسيطة ايضا، لكن ابداعات "رياض" تجلت في استخدام كل الممكنات في خلق الأجواء وبنجاح فائق، فمثلا: كان المشهد يتطلب خلق (شلال من الماء) والأستفادة من خرير الماء، فقد نفذها ببساطة ونجاح، وذات الشئ مع مشهد (الحفر في الجبل) وهكذا حتى مع تطويع الأضاءة وأستخدامها كجزء من الديكور حينما استوجب المشهد السير نحو الشمس. ان ابداعه في هذه الأستخدامات ميزّه على اقرانه. وبالحقيقة إن كل ما كنت أريد في الديكور وجدته عنده !   اني اتألم كثيرا لتبديد كل تلك الطاقات وعدم الأفادة منها أو وضعها في المكان الصحيح، وأعني تعيينهم كأساتذة في الأكاديمية حتى نتمكن من تخريج عشرات المبدعين مستفيدين من تجربتهم.
 يمكن لي ان اختصر عمل الأستاذ "رياض" بجملة واحدة :  فهو متميز بخلق الجو العام في المشهد الدرامي، ويستخدم الظل والضوء بشكل ذكي، ولهذا فإن كل مخرجي الدراما كانوا يرغبونه!   كان التزامي ب (الجبل المهزوم) قد أتى في الوقت الذي كنت أتهيأ للسفر الى الولايات المتحدة بغية إكمال دراستي لنيل شهادة الدكتوراه، ومن الطريف أن أقول بأنني قد تأخرت شهرين عن الموعد بسبب هذا الألتزام  في العام ١٩٧٥.
 
اخلاص في العمل
من اهم الملاحظات، يقول الفنان "رياض" التي رافقت عملنا هي طريقة التعاقد مع الفنان، وتقييم عمله الفني. فكوننا كنّا موظفين في المؤسسة، وهذا جعل (الكل) تحت خيمة سلم الرواتب، ولم يجر  وضع اسس للتعاقد مع الفنانين، مع ضمان وظيفتهم،  كما يجري في الكثير من الدول او شركات الأنتاج. فهي تمنح الفنان الحد الأدنى وبعد ذلك تزيدها على شكل (عقود) وحسب حجم العمل أو المسلسل أو الفلم، ناهيك عن قضية الأيفادات أو الدورات التي تصقل وتزيد من خبرة الفنان. وللحق أقول، فأن أول دورة لنا كانت حينما أختارونا لقسم الديكور والتصميم  في أول عهدنا مع المؤسسة، ثم دورة (إطلاع) ولفترة وجيزة للعاصمة الروسية موسكو،  وإيفاد لفترة قصيرة الى الكويت حيث اشتركت في مسلسل (افتح يا سمسم) ، وصادف أن عرض عليّ أحد المصممين الأمريكان الذهاب معه الى امريكا ، بعد ان اعجب بعملي، ووعدني بكل التسهيلات ، وبراتب جيد جدا، وذلك لحاجتهم الى مصمم ديكور بذائقة شرقية، فرفضت هذا العرض، وذات الشئ عملت مع عرض آخر وصلني من (دولة قطر)، لقناعتي بأن المؤسسة لها فضل علي وهي أحوج من الآخرين لنتاجاتي!

 الخاتمة
سأعود الى أوليات دراستي الأكاديمية يقول الأستاذ "رياض": بأن الحياة لو بخلت علينا بالأمل، فتصبح حينذاك مهمة الفنان بخلقها وتقريبها للناس، إن كان بالرسم أو الديكور أو الأضاءة أو الغناء أوالأيقاع أو الموسيقى ، لابل وكل ما يتعلق بالمسرح.
إني أحلم  وأتمنى لوطني الغالي وناسه،  الفرح والأمن والأمان، وأن يمتلكوا  ناصية العلم والثقافة،  فتلك هي مفاتيح اي تقدم . وآمل ان يحافظوا على اعمال وتراث الذين سبقوهم ويكونوا امناء في ايصالها للجيل القادم، من أجل ان تستمر الحياة متواصلة وجميلة مثل جريان النهر.

كمال يلدو
شباط ٢٠١٥

310
شكرا لمرورك الكريم استاذ ناصر وملاحظاتك التي تنم عن قلب طيب مفعم بالمحبة والصدق. نعم، نحتفل بهم وبمسيرتهم، لأنهم اضحوا مثل القناديل تنير دروبنا. وإن كان الوطن اليوم يغرق في محن ومصائب كبيرة، لكني مؤمن بأنها ستزول يوما، وتزول كل هذه (الخراجات) ونأمل ان ينعم ناسنا وأهلنا بالأمن والأمان وأن يتحقق حلم "وليم" وكل الشهدا في (وطن حر وشعب سعيد) . شكرا لموقع عنكاوة الغالي الذي يجمعنا بمحبته.

311
كمال يلدو: في ذكرى عيدهم،  مرثية للشهيد  "وليم شمعون شعيا"



من الناصرية قدموا الى البصرة بحثا عن فرصة عمل افضل. عائلة طيبة ومكافحة، إنغمر ابنها في العمل الوطني، فساندته حتى تحول بيتها بيتا للكل، وعلاقاتها علاقات مع الكل.  ومع نمو مخالب الذئب وأستشراسه، تبدء فصول الضريبة تطبق على هذه العائلة المسالمة، بدأت بإبنها الأصغر الذي يفصل من جامعة البصرة، ثم اعتقال الأبن الأكبر، بعدها وفاة الوالد، ثم المحاربة والتهديدات، ثم ترك البصرة الى بغداد، ثم تركها نحو (تلسقف) القرية الأم، وهاجرت الأخت، والآن  يعيش ما تبقى من العائلةـ لجوءاً موقتاً ـ في القوش.
أيّة لوحة هذه، وأيّة تراجيديا، ولماذا كل هذا الثمن الغالي؟
******
في احتفالية (يوم الشهيد) التي دأب على اقامتها جمع من الوطنيين العراقيين في مدينة ديترويت، تعيد الناس المخلصة استذكار وأستحضار تلك القامات الشامخة التي وهبت اغلى ما عندها من أجل قضية الناس والوطن.  ومع مرور الزمن تصبح الأسماء مألوفة، وعوائلهم معروفة، و يظلُ شريط هؤلاء القناديل يكبر مع السنين، بأستحضار من كان منسيا او بإضافة من صعد نجمه حديثا في السماء. لقد كان هناك إسماً حرص على استذكاره بكل شغف ولهفة إثنان من أحبة البصرة (عامر ونجيب) عن أحد الأبطال الذين مضى ألقهُ عاليا في صفحات الفخر والفرح، ذلك كان الشهيد "وليم شمعون شـعيا".

من مواليد عام ١٩٤٩ ولعائلة تنحدر من قرية (تلسـقف)، قصدت البصرة قادمة من الناصرية عام ١٩٦٧ بحثا عن فرصة عمل جيدة. لم يكن قوام العائلة كبيرا، أب وأُم مع أخت واحدة وثلاثة أخوة.
يتحدث عنه زميله السيد "عامر دادو" قائلا: لقد جمعتنا البصرة الجميلة انا و "وليم" منذ العام ١٩٦٧ حين نزلت عائلته في منزل يقابل بيتنا في منطقة (البريهة) ومنذ يومها صرنا أصدقاء، وتقاربت افكارنا  حتى كان لي الشرف ان أدله لطريق العمل الوطني عام ١٩٦٩ وحمل يومها اسم (سعيد) تيمنا بالمناضل الشهيد أبو سعيد. وقد جمعتنا النشاطات بالأعزاء  الشاعر فوزي قاسم السعد والسيد خزعل  الملقب أبو عادل وهو شقيق فالح الطائي وآخرين غيرهم.
توجهت عائلته نحو العمل الأنتاجي ففتحوا معملا لخياطة القمصان والبيجامات في سوق حنا الشيخ الجديد. كان هادئ الطباع محباً ومحبوباً من الكثيرين، ولكثرة تعلقه بالحركة الوطنية فقد جعل بيته متوفرا لمعظم الفعاليات والنشاطات، وكانت امهُ تفيض علينا بمحبتها وكرمها  غير المتناهي، ولازلت اذكر تلك الحادثة التي جرت لي بعد اعتقالي لمدة عام بين ٧٥ ـ ٧٦ إذ توجهت لدارهم حال اطلاق سراحي، فأخذتني تلك الأم الغالية في الأحضان. لقد تعرض "وليم" للكثير من المضايقات بعد أن ساءت الأوضاع في البصرة، خاصة وأنه كان معروفا عبر (مقر البصرة) . بعد مغادرتي العراق عام ١٩٧٧، قلّت اخباره، إلا النادر منها عبر بعض الأصدقاء، على ان الصدمة كانت عندما علمت انه استشهد على يد البعثيين هو ومجموعة طيبة ومنهم فالح الطائي و فوزي قاسم السعد.

لقد قادني بحثي عن "الشهيد وليم" الى الرسو عند شقيقه العزيز (رستم) لكن ذلك لم يكن إلا بعد ان مرت المحاولة بالكثير من الناس والدول وحتى القارات، لكني بالنهاية توصلت.

تعود الأيام به الى سني البصرة وناسها والنظام البائد فيقول الشقيق رستم: مع اننا كنا اناساً نحب الوطن والناس، الا ان النظام الأجرامي الذي كان قائما جعلنا ندفع ثمنا غاليا جدا جدا، قياسا الى الأفكار التي لاتتلائم وأفكارهم.
بدأت المضايقات معي حينما فصلتُ من كلية العلوم بجامعة البصرة ـ قسم الفيزياء عام ١٩٧٦ لأسباب سياسية وأنا في الصف الرابع، تقدمتُ بعدها ودرست في معهد التكنلوجيا / قسم البناء وفي البصرة ايضا وتمكنت من الحصول على المركز الأول على عموم المعهد، لكن مع هذا فلم امنح حق اكمال الدراسة او السفر بالبعثات. أعتُقل اخي الشهيد "وليم" في تشرين أول ١٩٨١ عندما  قدم للبصرة في الأجازة  الدورية من الخدمة العسكرية ، ولم نسمع عنه اي خبر الا في العام ١٩٨٣ عندما أتت المخابرات الى بيت والدي مطالبة بالكشف عن (ممتلكات وليم) من اجل اجراء الحجز على امواله المنقولة وغير المنقولة!  ولم يكن يملك شيئا آنذاك، فخابت زيارتهم  وقد توفي والدي عام ١٩٨٥ متأثرا بما جرى للعائلة. في العام ٨٢  انتقلتُ الى بغداد هربا من عيونهم، إذ اني كنت مطاردا ومطلوبا (ولا ادري لماذا) لكن هذه الحالة التي عشتها لسنين طوال جعلتني افقد اية لذة في هذه الحياة. بعد سقوط صدام، توجهتُ الى بغداد بحثاً عن مصير (وليم) وفعلا وصلت لوثائق الأمن والمخابرات التي ذكرت بأن حكم الأعدام قد نفذ به منذ العام ١٩٨٣، وليس عندنا لليوم حتى شهادة وفاة رسمية له. عدت  بعدها الى بلدة (تلسقف) وعملت في قطاع الأنشاءات وبنجاح كبير، وهذه المرة ايضا لم تدم فرحتنا طويلا، فجائتنا جحافل القتل والدمار والتخلف (داعش) فأضطررنا الى النزوح للقرى والبلدات المجاورة، وها اني الآن نازح (في وطني)  وفي بلدة القوش العزيزة.
لقد اصبح واجباً عليّ نقل والدتي وشقيقي المُقعد معي الى ألقوش خشية من جرائم داعش، وبالحديث عنها فإن وضعها يمزق قلبي كل ساعة وكل يوم. هذه الأنسانة التي احبت الناس وفتحت بيتها لكل الطيبين والخيرين وكانت تعاملهم مثل ابنائها، لا تُصدق (لغاية هذا اليوم) بأنهم قد اعدموا ابنها، لابل اني لم أقل لها وبصريح العبارة من انهم قتلوه، حيث لا اتمكن من ذلك.   لكنها تعيش عالماً آخر، فهي مازالت لليوم تعتقد "إنه على قيد الحياة"  و "انه متزوج" لابل حتى وصل بها الأمر " منح  الأسماء لزوجته وأبنائه" وغالبا ما تذهب لمقر الحزب في القوش وتطلب من الرفاق أن يتصلوا ب "وليم ويطلبوه للمقر حتى تراه"، وفي أحد الأيام استقلت سيارة التكسي وتوجهت الى مقر الحزب في أربيل لتسأل عنه هناك إذ إدعت "إن إبني وليم موجود في مقر أربيل وأريد لقاءه".  اما الأغرب من ذلك فأنها عادة ما تذهب للسوق وتقصد أحد الأخوة الخياطين وتخاطبه بإسم وليم وتقول له : "لما لا ترد عليّ، انا امك، وأنا أحبك؟" .

كم مرة سيدفع الشعب وأبنائه المخلصون ثمنا باهضا لمبادئهم، ولماذ؟
ومتى تتعض القوى السياسية والنخب والمثقفين؟
متى يستفيق هذا الشعب ويرفض سياسة الحكام هذه؟
متى يعيش الناس في وطن آمن يحترم ابنائه ويجعلهم مشروعه الوحيد للتقدم والرقي، تماما كما كان يحلم به "وليم" وآلاف الشهيدات والشهداء من قبله أو من بعده.
*الذكر الطيب للشهيد وليم شمعون وكل شهداء العراق.
* شكرا لكل من ساعدني  على إكمال هذا اللقاء ابتداءا من : السيدين عامر دادو ونجيب عجو، الأحبة الغاليين في موقع (تلسقف) وخاصة الأخ باسم روفائيل  والرفيقين  سمير توماس و راسم بوكا في مقر ألقوش.

كمال يلدو/ شباط ٢٠١٥




312
شكرا لمرورك عزيزي نبيل. ردا على بعض تساؤلاتك: وضوح الصورة من عدمها يعتمد على الأصلية، وهي بهذا الحال (لاتنسى عمرها اكثر من ٤٠ سنة)، اما بالنسبة لذكر الأسماء، فأن عملية النشر تسمح لسطر واحد فقط كما ترى اسفل الصورة، اضافة ان هناك اناسا لا اعرفهم، ولا حتى ضيفي (ابن الراحل ثامر) يتذكرهم. المهم ما قمت به هو الصحيح. شكرا لك

313
كمال يلدو: مربون في الذاكرة  الحلقة (٢٠)

رغم ان سنين طوال تفصلنا عن هذا الجيل، وعالم آخر نعيشـه دونهم، لكن الحديث عنهم يكتسب أهمية خاصة لأبنائهم وعوائلهم الكريمة، ولكل من يقرأ ويدرس هذه السير المباركة والمفعمة بالتجربة والحياة.
مهما تغيرت الظروف والمستجدات، يبقى الأنسان هو سيد الموقف وحامل كل مفاتيح التغيير، يسـمو  و يضئ ظلمة هذا الكون،  ويمنحه طعمه الزكي الحلو.
إن تجربة هؤلاء المربين  مفعمة بالأمل والعمل والصبر، على إن أروع درس هو ذاك الذي تشي به تجربتهم الجميلة والمتلخصة ب : إن العمل المبدع لا يأتي إلا من عقل وروح مبدعة،  إلا من إنسان عاشق للحياة ويقدسها،  إنسان يفرح لتقدم الناس وتطورهم.
تحية لذكراهم الطيبة، بأمل ان نأخذ من رحلتهم تلك وقودا لرحلتنا في هذه الحياة ، من أجل البناء وخير الأنسان.
آمل أن تروق لكم هذه الرحلة مع المربين.

****     *****       *****

رحلة مع بناة الأنسان العراقي
الراحل الأستاذ المساعد د.نعيم يوسف الشماس ججو صرافة

ولد في مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى  عام ١٩٠٦ في (محلة سامونا)  وتوفي في مدينة ديترويت الأمريكية عام ٢٠٠٣ .  كان متزوجا من السيدة كرجية بتو سالم ولهم ستة  أولاد وبنتان، ولو كان قد قدّر له الحياة لليوم لكان قد شهد ٢٦ حفيدا و ٣٨ من ابناء الأحفاد.
درس أول الأمر في مدرسة الكنيسة بمدينته، وبعد ان انهى الرابع الأبتدائي أخذه والده الى العاصمة بغداد حيث درس الخامس ابتدائي في (مدرسة الكلدان) الواقعة جوار  (كنيسة ام الأحزان) في عكَد النصارى.
 في تلك الفترة (يقول الأستاذ نعيم في مذكراته) افتتحت دورة  ـ دار المعلمين ـ لمدة سنتين، فتقدمت لها من ضمن ٢٠٠ مُرشـح ، وبعد فرز الناجحين   كنت ضمن ال ٤٠ المقبولين. وعندما  انهيتها كانت السنة ١٩٢٤ قد أزفت،  فعيُنتُ براتب قدره (١٢٠ روبية) ونسبتُ:
١) معلما في مدرسة تلكيف الأبتدائية ،
٢)  ثم مديرا ل (مدرسة ألقوش) الأبتدائية بين الأعوام ١٩٣١ـ١٩٣٤، وقد افتتحتُ فيها الصفوف الخامس والسادس الأبتدائي ثم نقلت :
٣) مديرا ل (مدرسة تلكيف الأبتدائية) للأعوام ١٩٣٤ـ١٩٣٦  ،
٤)  بعدها دخلت (دار المعلمين العالية) وتخرجت عام ١٩٤٠ .
٥)   ثم  دخلتُ (دورة للضباط الأحتياط) لمدة سنة (٤٠ ـ ١٩٤١) نسبتُ  بعدها ،
٦) مدرس في (ثانوية كركوك)  للأعوام ١٩٤١ـ١٩٤٤ ثم جرى نقلي،
٧) الى (دار المعلمين في الرستمية) ولمدة  ثلاث  سنوات بين الأعوام ١٩٤٤ـ١٩٤٧  . نقلتُ بعد ان ضربت مياه الفيضان تلك المنطقة ،
٨) الى (دار المعلمين في الأعظمية) ولمدة ٤ سنوات بين الأعوام ١٩٤٧ ـ ١٩٥١ إذ قمت بالأشراف على (مدرسة تطبيقات دار المعلمين)  . 
٩)  بعدها اصبحت معيدا في (كلية التربية) بين الأعوام ١٩٥١ـ١٩٥٤ ثم
١٠) مديرا ل (اعداد المعلمين) في ديوان الوزارة بين عامي ١٩٥٤ـ١٩٥٦ ثم ،
١١) معيدا في كلية التربية بين عامي ٥٦ـ١٩٥٧.
١٢) دراسة الماجستير:
١٣) في العام ١٩٥٩ تقرر ارسالي للدراسة الى الولايات المتحدة الأمريكية  وفي (جامعة وين ستيت يونيفيرستي / ديترويت) لمدة سنة واحدة وذلك لغرض الحصول على  ـ درجة الشرف ـ وبعد انقضائها، كتبت رئاسة الجامعة الى الوزارة كتابا رسميا تطلب فيه تمديد ايفادي لمدة عام آخر لغرض اكمال متطلبات الحصول على شهادة الدكتوراه.
١٤)  درستُ طوال العطلة الصيفية، اضافة الىى مدة ـ سنة ـ المقرر وتمكنتُ أخيرا من الحصول على الدكتوراه عام ١٩٦١
١٥) عدت الى بغداد فورا، وبعد مضي حوالي ٤ أشهر جرى تعيني (مديرا للتعليم الثانوي)  .
١٦) اثناء غياب السيد مدير التعليم، جرى تكليفي ب ( مدير التعليم العام) وكالة ولحين عودة المدير الأصلي.
١٧) في العام ١٩٦٣ جرى ترفيعي الى درجة (استاذ مساعد) في كلية التربية/ جامعة بغداد .
١٨)  وفي عام ١٩٦٩  جرت احالتي على التقاعد بعد وصولي السن القانوني (٦٥ عاما) .
١٩) في عام ١٩٧٠ عملت لمدة سنة واحدة استاذا في الجامعة المستنصرية وبمادة (الأرشاد والتوجيه) .

جمع الأستاذ د. نعيم صرافة خصال  فريدة في شخصيته ميزتهُ ومنحتهُ المكانة التي وصل اليها، بالجد والعمل والتخطيط والتضحية والذكاء.  فبنظرة فاحصة الى السّلم الذي سلكه الأستاذ ابتداءا من معلم ابتدائية وصولا الى مساعد استاذ ومديرا للتعليم الثانوي و التعليم العام وكالة ، فإن هذه المنزلة لم يحصل عليها الا بعد أن اثبت كفاءة وجدارة قلّ مثيلها، ولعلي هنا، ورغم مرور كل تلك السنين  على  رحيله، استطيع الجزم، بأن النظام كان مقصرا معه، إذ لو اُخذت امكانياته بنظر الأعتبار فربما كان يستحق منصب الوزير ان لم أقل أكثر!
ان عشقه للتعليم لم يجد تطبيقه فيما حققه هو شخصيا بل  تمثل بالجهد الذي بذله في رفع مستوى المدارس الموجودة في بلدات سهل نينوى والتي عمل بها (تلكيف و ألقوش) اذ ساهم بأضافة الصفوف لها، ثم العمل على افتتاح المدارس المتوسطة من اجل تسهيل مهمة التلاميذ بدل ذهابهم للموصل او انقطاعهم عن الدارسة.   ومما ذكره في مذكراته بأنه قـد أسس (فرقة للكشافة) في مدينة تلكيف ابان عقد الأربعينات، وقد جلب خياطا من مدينة الموصل، و تفرغ للعمل  مدة ١٥ يوما ، أنجز خلالها  ملابس فرقة الكشافة ،  وأصبحت حاضرة وكاملة ل ٦٠ كشافا، وقد كانت تجربة رائدة وجميلة وجديدة على البلدة.
في العام ١٩٥٠ قدم طلبا ل (الجمعية الخيرية الكلدانية) في بغداد طالبا منها تأسيس (ثانوية أهلية مسائية) على حساب الجمعية، وفعلا تأسست (ثانوية المشرق المسائية) وكان قد سبقها بتأسيس متوسطة وبأشراف ذات الجمعية في منطقة السنك، بالقرب من كنيسة (باتري بيير).
مع عمله الوظيفي وألتزاماته العائلية والشخصية الكثيرة، فقد وجد الوقت للعمل في (متحف التأريخ الطبيعي) والذي كان كائنا  في الباب المعظم، حينما كان بإشراف الأستاذ  ـ بشير اللوس ـ حيث كان يقوم بتحنيط الطيور، ومن باب المصادفات التي لم ينسها، هي زيارة (الملك)  للمتحف حينما كان هو متواجد هناك،  حيث طلب منهُ  تحنيط احد الطيور ليشهد  مراحل تلك العملية التي لم تكن معروفة بعد في الوسط العلمي كثيرا.
برز وتفرد د. نعيم صرافة في كتاباته ومؤلفاته (المنفردة او المشتركة) بقضية التعليم وأساليبه . ولعل الوقوف امام افكاره ستكون اطلالة على الأبتكار والأبداع عند هذا الأنسان، فهو يقول :  "إن معاهد اعداد المعلمين والمعلمات ودور المعلمين تعلم مدرسينا طريقة (التدريس الصوتي)، فيما الطريقة الجديدة تستند على تدرج الطفل ونضوج قدراته وأتساع دائرة خبراته وإدراكه، وذلك بإتباع طريقة (من الكل الى الجزء) أو ما يصطلح عليها بطريقة ـ الكلية الجملية ـ والتي تتلخص بأستخدام المفردات المعروفة للطفل بغية تقريب المادة الى ذهنه ".

مؤلفات د.نعيم صرافة:
١) مبادئ  التربية وتطور التعليم في العراق لدور المعلمين والمعلمات ـ ١٩٥٦
٢) اصول تدريس التأريخ والتربية الوطنية لدور المعلمين والمعلمات ـ ١٩٥٦
٣)  طرق تدريس الحساب والقياسات لدور المعلمين والمعلمات والدورات التربوية.
٤)  عام ١٩٦٨ قامت كلية التربية/ جامعة بغداد، بطبع أبحاث د. صرافة على شكل ملازم  بمادة ( أحدث أساليب الأرشاد والتوجيه للأبناء)، وقُدمت على شكل محاضرات للصف الثاني ، قسم الماجستير / كلية التربية.
مؤلفات شارك بها سوية مع بعض الأساتذة والكهنة:
١) القراءة الحديثة للأميين والمبتدئين، ٤ أجزاء  عام ١٩٥٢
٢)  اصول تدريس الجغرافيا لدور المعلمين والمعلمات والدورات التربوية بالأشتراك مع الأستاذ محمد حسين آل ياسين ـ عام ١٩٥٩
٣) القراءة السريانية للصف الأول ـ رئيس اللجنة ـ بالأشتراك مع مجموعة من الآباء والكهنة بضمنهم المطران سرهد جمو
٤) القراءة السريانية للصف الثاني ـ رئيس اللجنة ـ بالأشتراك مع مجموعة من الآباء والكهنة.

 وحتى بعد احالته على التقاعد، كان قريبا من صنّاع القرار فيما يتعلق بالتعليم والتربية، وعشية صدور قانون (التعليم الألزامي حتى سن الأربعين) الذي أصدره  ـ مجلس قيادة الثورة عام ١٩٧٦ـ فأنه قدم رسالة للمجلس وضع فيها خبرته وتجربته وضمنها خطة عمل لأنجاح هذا المشروع الحيوي والأنساني المهم في تقدم ورقي العراق.  مع حلول العام ١٩٧٨، وبعد أن اصبح الجزء الأكبر من عائلته في الولايات المتحدة، قرر الرحيل والتفرغ  للعناية بصحته ايضا.

 لقد كانت من المناسبات الفريدة التي جمعتني بالدكتور نزار صرافة (أحد ابناء الراحل)  إذ سلّمني  (كتابين ـ ملفين) كان قد وضعهما الراحل د.نعيم صرافة  والتي كانت عبارة عن (مذكراته) وأهم محطات حياته، المهنية والشخصية، وضمنها كمّاً كبيرا من الصور العائلية والشخصية والتي كانت توثق مراحل حياته وعائلته وأبنائه وبناته بالتواريخ والسنين، كذلك ضمنها (كل) وأعني كلمة (كل) الكتب الرسمية التي مرّت على حياته ابتداءا من صدور أول قرار تعينه عام ١٩٢٤ ومرورا بالكتب اللاحقة والترفيعات وكتب الشكر والترقيات والأيفادات والرسائل المتبادلة بينه  وبين  الجامعات  وصولا لآخر رساله وهو في العقد الأخير من عمره، ليثبت لمن يأتي من بعده بأنه كان انسانا غاية في التنظيم والدقة والمحافظة على كل ما هو مهم وثمين.  إن هذه المذكرات وفرّت فرصة ذهبية للدخول الى عالمه  (المثالي) والرائع، مما سهل مهمة الكتابة عنه بيسر ودقة وشمولية.  وحتى تكتمل الصورة عنه كان لابد من التحدث الى أحد افراد عائلته ، فكان الدكتور نزار صرافة الذي  قال:  كان أبا حنوناً، منظماً وصارماً ايضاً.  وبالرغم من جدول عمله وألتزامته المزدحمة، فقد كان يجد الفرصة دائما للأستماع الينا، ويعمل بكل جهده حتى يقضي أكبر وقت معنا حينما كنّا نكبر ، اما والدتي العزيزة، فقد كانت (منطقة الرحمة) التي نحتمي بها من غضب الوالد حينما كنّا نقوم ببعض الأعمال (الصبيانية) والتي لا تلائم شريعته بالتربية الصارمة.
والحقيقة، يكّمل (د. نزار):  لقد بذر فينا بذور حب العمل والطموح غير المحدود. وكان دائما ما يؤكد على إن (التصميم هو الذي يدفع الأنسان لأنجاز طموحاته، ويجب أن تكون لكم اهداف معينة، مهما صغرت، فالأنسان بلا اهداف خامل، لكن الأهداف هي التي تمنحكم الطاقة والديمومة حتى تصلوها).
ويضيف د.نزار: وصل والدي الى ديترويت وقد تجاوز منتصف عقد السبعينات من عمره، وكان تعبا ايضا، لكنه لم  يختر العزلة او الأنطواء بل كان دائم الحركة والتواصل مع الناس، وخاصة في خدمة الكنيسة ومجالس الخورنة اضافة لكتاباته في المجلات والصحف المحلية الصادرة  في ديترويت، وكانت اسعد اللحظات تلك التي يلتقي فيها بطلبته، فيغدقون محبتهم وأحترامهم له ولمسيرته التربوية والمهنية المشرفة، و كانوا يقولون لي دائما : ( لولا والدك، لكنّا غادرنا المدرسة منذ سنين!). كلام يبعث في قلبي كثيرا من الفرح والحب والأحترام للوالد العزيز، نعيم صرافة.
الذكر الطيب له ولوالدتي الغالية كرجية.

******     ******       *****

المربية الراحلة روز ناصر رومايا
ولدت في العاصمة بغداد عام ١٩١٧ وفي منطقة (العوينة)، وتوفيت عام ٢٠٠٠ في مدينة ديترويت. كانت متزوجة من الراحل الياس رومايا، ورزقا ببنتين إلهام وسلافة، وولد واحد (نبيل) ،  ولو قدّر لها ان تحيا  لليوم فسيكون عندها ٨ أحفاد و ١٢ من ابناء الأحفاد.
درست في مدارس بغداد ودخلت بعدها الى (معهد اعداد المعلمات) إذ تخرجت منه في العام ١٩٣٧ وصدر تعيينها الأول في مدارس (أبي الخصيب) بمحافظة البصرة. انتقلت الى بغداد بعد زواجها من السيد الياس رومايا، حيث لعبت الصدف دورها. فقد صادف اثناء دراستها في معهد اعداد المعلمات ان تعرفت على مدرسة كان اسمها (روز رومايا) ايضا ومن خلالها تعرفت على شقيق روز الذي اصبح لاحقا زوجها.
بعد عودتها الى بغداد مارست التعليم في (مدرسة المشاهدة الأبتدائية) في منطقة الكرخ، وظلت فيها لحين تقاعدها والذي ترافق مع هجرتها للولايات المتحدة الأمريكية.  كان هناك من انتبه الى اخلاص (ست روز) وتفانيها بعملها، فعيّنت ـ معاونة المديرة ـ في مدرستها.  لقد تنقلت بسكنها في مناطق عدة ومنها، الحاج فتحي، السعدون وعرصات الهندية، لكن ذلك لم يكن عائقا في التزامها بالدوام بشكل منتظم وملفت ، اذ انها كانت تستخدم با صات النقل الحكومي أو حتى التكسي في الحالات الأضطرارية.
وتعود الذكريات بالسيد نبيل (ابنها) ولأيام الطفولة، حينما كانت تصطحبه معها لمدرستها ، فتجلسه مع تلاميذها في الصفوف ويستمع الى دروسها، على ان اروع الصور هي تلك التي تركتها في احفادها بعدما عاشت معهم، فقد كانت تجلسهم وتعلمهم الأناشيد والأغاني التي كانت تعلمها للتلاميذ في (مدرسة المشاهدة)، ولعل تلك التجربة هي التي جعلت السيدة عفاف رومايا زوجة  السيد نبيل، أن تترك اختصاصها في الهندسة الكيميائية وتتوجه لتعليم مادة الرياضيات في المدارس الثانوية بديترويت.
وكم كنا نشعر نحن (ابناءها) بالفخر والأعتزاز كلما مرّ بنا تلميذ او تلميذة من مدرستها  فيظهرون  محبتهم وأعتزازهم لنا، ويتذكرون مآثرها  وصفاتها الحميدة.
الذكر الطيب لها دائما.

***   ****     *****

المربي الراحل عابد بتي حنا صفار
من مواليد مدينة (القوش) التابعة لمحافظة نينوى في العام ١٩٢٩ وفي (محلة قاشا). كان متزوجا من السيدة حياة سليمان حنو، ولهما ٤ بنين و ٤ بنات مع ٢٣ حفيداً و ٥ من ابناء الأحفاد.
كان أول عهده  بالتلمذة والتعلم في،
١) مدرسة (شيشا) الأبتدائية في مدينة ألقوش.  بعدها انتسـب الى :
٢)  "المدرسة الريفية في دهوك"  حيث تخرج منها معلما عام ١٩٥٢، عاد بعدها الى مدينته  وليصبح معلما  ويمارس وظيفته في ذات المدرسة التي تعلم فيها، وليبداء مشواره المهني الجديد:
١) معلم في مدرسة (شيشا) الأبتدائية  عام ١٩٥٢ .
٢)  وبعد فترة معلم في مدرسة (النصيرية) ـ قرية النصيرية ـ والتابعة الى ألقوش .
ولم تتردد تلك الحكومات الرجعية من انزال اقسى العقوبات، وإظهار حقدها وكراهيتها لحملة الأفكار اليسارية (في مسيرتهم السلمية بالحياة) فعمدت معه ومع الكثير من زملائه الى:
٣) نفيه الى منطقة (برواري بالا) و (كاني ماسـي) حيث اتهم بالنشاطات السياسية اليسارية، وسجن بعدها في سجن رقم (١) بالموصل ولمدة ٦ أشهر  وتعرض خلالها  لشتى انواع التعذيب والأهانات ، ثم فصل من عمله، فأضطر الأنتقال الى بغداد  باحثا عن فرصة للعمل من أجل إعالة العائلة  فعمل ،
٤) معلماً في مدرسة (القديس يوسف) عام ١٩٦٤ .
٥)  بعدها معلماً في مدرسة (با عذرا ـ الشيخان) إثر إعادته  للوظيفة وأستمر لمدة سنتين .
٦) ومعلماً في مدرسة (عزّة) في مدينة ألقوش بين عامي ٦٧ـ٦٨ ، فيما كان حينها  شقيقه (الأستاذ حنا بتي الصفار) مديرا للمدرسة، علما إن اول من تقلد منصب مدير مدرسة في بلدة القوش كان الأستاذ (منصور اوده).
استمر الراحل في التدريس بمدرسة (عزّة) حتى العام ١٩٨٢، وهي سنة رحيله ايضا.

يقول السيد ثامر الصفار ابن الراحل البكر: كان والدي وطنيا مخلصا بأمتياز، ويحزنني ان اقول، بأن الحكومات الرجعية كافأت هؤلاء الناس بالسجن والمضايقة والنقل المستمر، علما بأنهم كانوا يؤدون رسالة انسانية في التعليم.   لكنه لم يتنازل عما كان مؤمنا به، ونحن نحترم ذلك فيه. لقد كان طيب القلب، بسيط ومحب ومثالا يحتذى بـه في الأخلاص، محبوب ويحترم الجميع، وقد حظي بعلاقات طيبة مع نخبة  من المربين ومنهم (حبيب صادق شـدّة، زرقا يوسف عبّو، ميخا صادق مكسابو، حبيب ساكو و جرجيس بولا).
تقول  زوجته السيدة حياة وهي تتذكره:   مع اني فارقته منذ اكثر من ٣٠ عاما، لكنه حاضر بيننا يوميا ، وكلما يجتمع اولادي وبناتي، نتذكره بصفاته الحميدة وأخلاقه الطيبة، وأسمه الجميل، وأدعوهم ان يحتذوا به وبسيرته، حتى يحبكم الناس ويحترمونكم مثلما يحبونه ويحترمونه.
ويعود  السيد ثامر ـ ابنه ـ  فيقول: قد يكون أخي الأصغر (ظافر)  اوفرنا حظاً بالسير على خطى الوالد.  فهو مثله يقرأ ، وعاطفي وهادئ، ومع اننا أخذنا الكثير من صفات الراحل لكن  (ظافر)  اخذها كلها!   لقد كان  والدي يوصينا بأستمرار، ان نحترم انفسنا والناس ايضا، وأن لا نكون مؤذين للآخرين، وأن نكون مثل الجسم الواحد في تلبية حاجات بعضنا البعض وأقولها وأنا فرح، بأن كل أخوتي وأخواتي يسيرون على نهجه الطيب.
أما عن رحيله فيقول إبنه ثامر:  في الحقيقة كانت مفاجأة للكل، فهو لم يشتك من شئ ولم تكن تبدو عليه أية علامات للمرض، لكن صادف ان التحقتُ بالخدمة العسكرية عام ١٩٨٢ وكان عمري آنذاك ٢٢ عاما، وكانت الحرب العراقية الأيرانية مستعرة النيران، ويبدو انه صار يخشى عليّ من مصير الحرب المحتوم ، وضحاياها  الذين كانوا يتقاطرون على القرى والأرياف والبلدات ومن ضمنها القوش، فعصفت به ازمة قلبية حادة قضت عليه للأسف.
الذكر الطيب له دائما، والرحمة عليه وعلى كل الآباء والأمهات العزيزات.

كمال يلدو
كانون ثاني ٢٠١٥
 



314
كمال يلدو: وفاءاً لذكرى شهيد الصحافة بديترويت "نابليون بشـي"

  ها هي الحياة تطوي إثنين وثلاثين عاما منذ ان استفاقت ديترويت على تلك الجريمة النكراء في إغتيال الصحفي الوطني ـ القومي نابليون بشي ، ساعة بعد منتصف ليلة الحادي عشر من كانون ثاني ١٩٨٣. في تلك الليلة الباردة، سقط دم الشهيد الحار على الأرض مسجلا تأريخا جديدا في مواجهة الطغيان ومقارعته، والأستبسال بالتحدي ونذر الروح من اجل عدالة القضية الأنسانية التي ناضل لها، وليعلن مرة أخرى بأن كل مساحيق التجميل لم تنفع في تغطية جرائم البعث وصدام حسين منذ عقد الخمسينات من القرن المنصرم وصولا لذلك العام، ولعلهم ارادوا الأنتقام من كل من يعارضهم او ينتقد سياستهم ويفضح الاعيبهم، مرة بالدولارات وتارة بالتهديد والقتل. نعم لقد قتلوا "نابليون" لكنهم فشلوا في اذلال الجالية وتجييرها لهم، الا من بعض الأنتهازيين،  الذين باعوا ضمائرهم وقيمهم خوفا وخنوعا من البعث، او طمعاً بدولارات ملطخة بالدماء، لقد فشلوا ايما فشل!
تمت الجريمة في (المحل التجاري) الذي كانت تملكه العائلة، وليس في بناية جريدته (المشرق) او امامها، في محاولة يائسة لخلط الأوراق وجعلها تبدو وكأنها (سطو مسلح وسرقة Hold up).
****       ******       ******
البداية:
ولد نابليون حنا بشـي عام ١٩٣٧ في مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى، وتوفي شهيدا في كانون ثاني عام ١٩٨٣ بمدينة ديترويت الأمريكية، كان متزوجا من السيدة نجاة حسينو ـ بشي، ولهما ثلاثة أولاد وبنت واحدة، وبحساب الزمن يكون له الآن ٧ أحفاد.كان والده يعمل  (مدير محطة في السكك) ونتيجة لذلك فقد كانت العائلة تنتقل معه حيثما ينتقل عمله، وحينما بلغ نابليون الخامسة من عمره، انتقل والده من الموصل الى بغداد، فدخل مدارسها آنذاك  حتى  الثانوية في معهد اعداد المعلمين . أقبل على الزواج بعمر مبكر (١٩ عاما) وترك ذلك عليه مسؤولية ادارة العائلة، عمل رئيس قسم في وزارة الصحة، وساعدته تلك المهنة   اثناء خدمته الألزامية حيث لم يُنقل الى جبهات القتال بل بقي في بغداد، وبعد ان تسرح منها توجه للعمل في التصوير الفوتوغرافي وأفتتح (ستوديو المعرفة) في منطقة  الباب الشرقي ـ السعدون، ومع هذه المسؤوليات فأنه دائما ما كان يجد الوقت للقرأة والكتابة، لابل حتى الذهاب الى معهد تعليم اللغة الأنكليزية اسبوعيا، إذ انه كان يعشق العلم والمعرفة. إن ولعه بالكتابة دفعه منذ ايامه الأولى نحو التأليف، فطبع اربعة كتيبات صغيرة ضمنها الكثير من مشاعره الأنسانية ومشاهداته وكانت عناوينها كالآتي: (اليتيم، كسرة الخبز، الأعمى و الأرملة الدؤوب). بعدما ضاقت سبل العيش والتقدم امامه، عزم على مغادرة البلد والتوجه للولايات المتحدة التي وصلها في العام ١٩٧٣.  بدء يعمل مثل اي قادم جديد من اجل مؤازرة العائلة. في تلك الأثناء كانت تصدر في ديترويت جريدة اسبوعية اسمها (جريدة المشرق) لصاحبها السيد حنا يتوما، فصار يكتب بها حتى انتهى به الأمر الى شرائها، وفي هذه الحادثة يتذكر الصحفي الأستاذ فؤاد منا تلك الواقعة ويقول: " كنت في بناية (مجلة الهدف) حينما اتصل بي (المطران كوركيس كَرمو) وقال لي بالحرف الواحد : أبشرك يا فؤاد، بأن السيد نابليون قد اشترى جريدة المشرق، وهو يستحق كل المساعدة والمؤازرة من كل من لديه خبرة ودراية في الصحافة والعمل الصحفي". وهذا ما تم فعلا، يقول الأستاذ فؤاد، اذ عملت على مساعدته قدر الأمكان، رغم معرفتي بالعديد من الأخوة الذي آزروه بشكل جيد وأذكر منهم: (جورج جبوري، سليم صرافه، أفرام الريس، يوسف ناظر، د.نوري منصور، د.يعكوب منصور والمحامي بطرس منصور) وآخرين غيرهم.

حينما توجه الراحل نحو العمل الصحفي،  لم يخف موقفه المناهض  للحرب العراقية الأيرانية، ومن سياسة البعث وصدام حسين في قمع القوى اليسارية، وزادها أكثر حينما اقدم على تأميم ممتلكات ومدارس الكنيسة.  لقد كان خطه يساريا ومنحازا للناس وزاوجه بخط قومي (كلداني آشوري) معتدل حظي آنذاك بتقدير وعطف الكثيرين من ابناء الجالية الذين حرموا من التمتع بهويتهم القومية في وطنهم الأم العراق، وقد ادى ذلك الى اصطدامه مع بعض الأنتهازيين والمنتفعين من النظام البعثي (اشخاصا أو من المحسوبين على السلك الكنسي) فقام بفضحهم و كشف الاعيبهم .  انه لم يحمل السلاح او يدعو للقتل بل كان يأمل ان تقود العراق نخبة وطنية طيبة تأخذ البلد وناسه نحو التقدم والرقي. كان يكتب ويحتضن الكتاب الوطنيين، وهذه بعرفه (وعرف الكثيرين) هي اروع نعمة يحصل عليها المهاجر القادم من دول الحكومات الدكتاتورية، حينما يتمتع بقدر من حرية الكلام، وحماية القانون لها، وقد سمعها منه الكثيرون : (اني في بلد الحرية، ولي الحق أن اقول ما اريد)، والأكثر من ذلك كان إصراره حينما يسمع تهديداتهم: (اني لا أخافهم، وإن متُّ، فسأكون شهيدا للأمة الكلدانية وهذا اكبر فخر لي).
مع انشغالاته في جريدة المشرق (تصميم، تنضيد، استنساخ، كتابة، تنظيم المراسلة والبريد، وجمع الأعلانات) لكنه كان يجد الوقت ايضا للعمل الأجتماعي وخاصة في (مجالس الخورنة الكنسية)، والمشاركة في النشاطات الوطنية و القومية التي كانت تجري في ديترويت. ولعل العديد من ابناء الجالية يتذكرون مؤازرته لنشاطات نادي الشبيبة الكلداني  وإذاعتهم ، وموقفه الذي لا ينسى في طباعة جريدة الشبيبة ـ شمس الكلدان ـ بأجور رمزية تعبيرا عن تضامنه ومحبته لهم.

تقرير الشرطة:
نشرت صحيفة ( الديلي تربيون ـ مدينة هيزل بارك) تصريحا صحفيا للفتاننت ـ جيمس مك كاوـ من شرطة المدينة  سلط فيه الأضواء على الحادثة وقال:" لقد وجدنا الضحية (نابليون بشي ـ ٤٤ عاما) وقد فارق الحياة نتيجة تلقيه اطلاقة واحدة في منطقة الصدر ادت الى قتله في الحال، وذلك بعد منتصف ليلة الثلاثاء ،  في محله التجاري (نوبيل ماركيت) الواقع على شارع جان آر شمال الميل الثامن، وقد أدلى اثنان من الشهود بأقوالهم قائلين:  بأنهم شاهدوا شخصا ذا لحية حمراء وكان يعتمر قبعة في الرأس، وبعد مغادرتهما المحل، سمعا صوت طلقة واحدة، ثم خرج الجاني مسرعا اذ كانت هناك سيارة  شوفرليت موديل ١٩٧٧ زرقاء اللون بأنتظاره، ومضت في الشارع بأتجاه الشرق".
وفي نفس الوقت، فأن  اللفتاننت (مك كاو) كان قد التقى بأثنين من شخصيات الجالية المهمين والذين كانا على علاقة بالضحية وهما السيدان  أفرام الريس وعادل عقراوي، حيث أكدا بأن هذا الحادث لم يكن سطوا مسلحا، بل كان عملية اغتيال سياسي مدفوع من نظام صدام حسين في بغداد، وقد نفذ بأيادي مرتزقة بعثيين في الجالية، وذات الشئ أكده ابن الراحل (سام بشي ـ ٢٢ عاما)  اذ قال للشرطة بأن والده كان قد تلقى العديد من رسائل التهديد اما عبر التلفون او بشكل غير مباشر عبر أشخاص محسوبين على البعث، وذلك نتيجة مقالاته ومواقفه المناهضة لحكم البعث وسياسته.
على إن الأهم من كل ذلك كان ما صرح به أحد مسؤولي المخابرات  ـ السيد  Rice، والذي كان يتولى التجسس على الجالية من قبل ال FBI للمرحوم  أفرام الريس، من أن الخارجية الأمريكية تعلم بالأمر ، وتعرف هوية القاتل، لكنهم ليسوا الذين بمقام التضحية بعلاقاتهم مع صدام لأجل المرحوم نابليون بشي!
وذهبت صحيفة (ديترويت فري بريس في عددها ليوم ١٢ كانون ثاني ١٩٨٣) بالقول : ان هناك شكوكا كبيرة بكون الجريمة كانت سياسية وليست  جنائية صرفة، وذلك نتيجة لأستطلاع آراء  بعض أفراد العائلة وبعض زعامات الجالية وحتى من عامة الناس.

موقف الجالية من الجريمة:
مع ان الجالية العراقية / الكلدانية في ديترويت قد فقدت العديد من ابنائها نتيجة السطو المسلح على المحلات التجارية التي يملكونها أونتيجة للعنف  المستشري في المجتمع الأمريكي، الا ان جريمة اغتيال الراحل الصحفي  نابليون بشي،  قد نزلت عليهم مثل الصاعقة، وذكرّتهم مرة اخرى بمعنى الأرهاب بأبشع صوره، وهم الذين (على الأقل جزءا منهم) قد تركوا العراق للخلاص من تسلط البعث والحكومات الرجعية التي توالت على حكم العراق، وكانت الطامة الكبرى ان تحوم الشكوك حول (نفر) من المحسوبين على الجالية بولائهم الأعمى لصدام حسين او البعث، مع انهم تركوا العراق بأمل الخلاص منهم، لكن انتهازيتهم هي التي وضعتهم بهذا المقام. نعم لقد كانت صدمة كبيرة بقت آثارها لفترة غير قصيرة، على ان، الأهم من كل ذلك كان الموقف التضامني التي ابدته الجالية تجاه عائلة الفقيد وتجاه الحدث بصورة عامة، ان كان بحضور قداس الجنّاز او الذهاب للمقبرة او حضور مراسم الصلوات التي تلت ذلك، لابل انها لم تستكن او تخف من تهديداتهم، ومحاولاتهم في ارهاب الجالية وتركيعها بغية الأستفراد بها كما كانوا يفعلون مع الشعب العراقي، بالترغيب والترهيب. ولعل استمرار صدور صحافة المعارضة (صوت الأتحاد ـ جريدة الأتحاد الديمقراطي في ديترويت) وغيرها من النشريات، وأستمرار الفعاليات والمظاهرات والبيانات المناوئة لسياسة البعث  والحرب والأرهاب، ومصادرة حقوق الأقليات العراقية وخاصة منها (المسيحية) كان الرد المناسب على تلك الجريمة النكراء.
منظمات الجالية:
** بعد الحادث صدر بيان سياسي مهم لمعظم التنظيمات بديترويت استنكرت فيه هذه الفعلة الجبانة وأدانت نظام صدام، وطالبت بالكشف عن القتلة وتقديمهم للمحاكمة، وقد وقعه  كل من :
١) الأتحاد الآشوري العالمي ٢) الأتحاد الديمقراطي العراقي في أمريكا وكندا ٣) الرابطة الكلدوآشورية ٤) الجمعية الآشورية الكلدانية ٥) الحزب الديمقراطي الكردستاني فرع أمريكا وكندا ٦) رابطة الطلبة العراقيين في أمريكا وكندا ٧) حزب بيت نهرين الديمقراطي ٨) جمعية الطلبة الكردستانيين ٩) نادي المشرق الكلداني ١٠) النادي الآشوري الأمريكي ١١) مجموعة من المستقلين. كما أصدر نادي الشبيبة الكلداني بيانا أدان فيه الجريمة ايضا.
الأتحاد الديمقراطي العراقي:
احتفظ الأتحاد بعلاقات طيبة ومتميزة مع الراحل، وعبّر في كل المناسبات عن تضامنه مع (جريدة المشرق) ضد تهديدات المرتزقة، كما كان يدعو اعضاءه الى الكتابة في الجريدة والمساهمة بدعمها، ورغم ان جرائم البعث (العابرة للقارات) كانت معروفة لكل من كان منغمرا بالعمل المعارض، الا ان وصولها للولايات المتحدة كان أمرا مستغربا، خاصة بوجود المخابرات والأمن وحماية  القانون الأمريكي للمواطن وحريته. ومن المفارقات ان تحدث الجريمة في المخزن التجاري للراحل فيما (مركز) الأتحاد الديمقراطي لم يكن يبعد أكثر من مئتي ياردة من الموقع، وأن اعضاء الأتحاد كانوا موجودين في المكتب في تلك الساعة المتأخرة، وأنهم توجهوا للمحل بعد سماعهم صافرات سيارات الشرطة، ولم تمض تلك الليلة قبل ان يكون قد صدر بيان سياسي يندد بهذه الجريمة جرى توزيعه بكثافة في مركز تجمع الجالية العراقية، وعُقد العزم على تحويل ذلك الجناز، الى مظاهرة وطنية متضامنة مع العائلة ومستنكرة للجريمة، وجرى تهيئة كل المستلزمات بما فيها ضمان  (أمن) المشاركين إذ كان عليهم قطع ما لايقل عن (٣) كيلومترات ـ  بين بناية (كنيسة أم الله) ومقبرة (الضريح المقدس) في جو قارص بلغت فيه البرودة تحت الصفر بدرجات كثيرة. لقد كانت الحماسة كبيرة، وسار موكب النعش اولا، ومن ثم التضاهرة الراجلة وبعدها شريط السيارات للمعزين الذي وصلت بدايته للمقبرة، فيما نهايته كانت مازالت في ساحة الكنيسة بأنتظار الأنطلاق. تقدم حشد التظاهرة قادة الأتحاد الديمقراطي  ومن بينهم (المرحوم عادل عقراوي، جميل سلمو، صلاح كوري، عامر دادو، عامر جميل،أمير كساب، بدري معروف)  والعشرات من اعضاء ومؤازري الأتحاد مع عوائلهم اضافة للعديد من ابناء الجالية الذين وجدوها فرصة للتعبير عن نقمتهم على جرائم البعث وصدام. لقد عبر الأتحاد الديمقراطي عن احترامه وتقديره لمشاعر العائلة الكريمة التي اصيبت بهذا المصاب، ولم يكن ليرغب أن يحملها أكثر من طاقتها، لكن المواقف تأتي مرة واحدة، ولم يكن من السليم ترك الأمور  وجعل الجاني يهنأ بجريمته وفعلته الخسيسة، ولعل التأريخ اللاحق كشف زيف  من كان يرفع صور صدام او يعلن مبايعته، فقد لفظتهم الجالية مرة بعد مرة حتى انتهوا وأنتهى معهم صدام الى مزبلة التأريخ، حينما كشفت الوقائع عن حجم ما اقترفته ايدي الأجرام بحق الشعب العراقي على مدى ٣٥ عاما من حكمهم الأسود، وكان الأسوء منه ما شهدته البلاد بعد انهيار دولة البعث ليستفيق العراق على اكبر الكوارث التي لعبت فيها بقايا البعث والقاعدة وكل ارهابيي العالم تدميرا وقتلا وتخريبا .
ولعل لمن يستعيد صور تلك الأيام وبعض تفاصيلها يذكر بعض الأنتهازيين  من امثال (جمعية ابناء الوطن الواحد)  الذين لعبوا دور حصان طروادة البعثي ،  أوالمرتزقة امثال القائم بالأعمال ـ حاتم حطاب ـ الذي هدد الجالية يوما وقال : (ان يد الثورة طويلة وتستطيع الوصول الى ديترويت)، فما كان من  الأتحاد الديمقراطي العراقي في ديترويت إلا رده بالقول : "إن يد الثورة إن وصلت الى ديترويت فسنقطعها"، وما من شك بأن مرتزقة ذلك الزمان قد عرفوا المعنى وأستلموا الرسالة جيدا، اقوالا مقرونة بالأفعال!
 
قالوا في نابليون:
مما لا شك فيه بأن شخصية اجتماعية محبوبة كشخصية الراحل، حتما  سيكون لها الكثير من الأصدقاء، ناهيك عن العائلة والأهل، لابل ان عمله الصحفي فتح له ابوابا كبيرة للأطلال على كل جوانب نشاطات الجالية  وأقامة افضل الصلات مع  كل الشرائح الأجتماعية والثقافية والسياسية والدينية، ولو اراد احد ان يستطلع عامة الجالية فهناك العشرات ان لم اقل المئات، لكني سأكتفي بهذه النخبة الطيبة، عسى ان تكون مرآة لأراء الآخرين ايضا:
١) السيدة نجاة حسينوـ بشي، زوجته تقول: كان انساناً ملئ بالمحبة والطيبة، يساعد الناس دوما، لابل انه كان يفضل المحتاجين حتى على أهله، لقد كان نعم الرجل، ولم أكن في حياته الا كالأميرات، هكذا كان يعاملني. أحب العلم والقرأة، وقد طبع (٤ كتيبات) ضمنها خواطر انسانية وهو ما زال شابا، اما في البيت فقد كان دائما ما يأخذ قصاصة من الورق، ويكتب بها ثم يدسها في جيبه، ويضحك ويقول مجيبا على استغرابي: انها افكار للجريدة!
أن اكثر اللحظات التي اشتاق لوجوده هي تلك التي يختلط فيها الفرح مع الحزن، فكم كنت اتمنى ان يكون معي  في حفل زفاف ابنائنا، او عشية ولادة أحد الأحفاد، فلقد عمل كثيرا حتى يكبر الأبناء، لكنه للأسف لم يعش حتى يفرح معهم!
٢) السيدة نوال بشي ـ هندو، ابنته: كيف تُلخص مأثرة الأب الجميل في سطور؟  بذكرياتها وسنيها العطرة، رغم مرور اكثر من ثلاثة عقود  منذ ذاك الرحيل، انها تعيش معنا ونتلمسها كل يوم بأخوتي والأحفاد، وبأبناء الجالية الكلدانية الذين يعتزون بك ويظهرونها لنا كلما عرفوا ان والدنا هو "نابليون" ، المدافع الأمين عن الكلدان. لقد كنت روحاً جميلة محبة للحياة والعطاء، ولو حاول قاتلك ان يُحدثك لدقائق لعدل عن فعلته وندم، اما لو كانت فعلته  بدافع العوز، لسامحتهُ!
قبلاتي لروحك يا أبي، فالروح الجميلة لا تموت.
٣) السيد وسام بشي، إبنه: كان "نابليون" رجلا عظيما، وأباً رائعاً، لقد علمّنا ونحن صغار كثيرا من القيم، ومازلنا أُمناء على وصاياه.  لقد كانت كل كتاباته  مليئة بالحرص على مصالح الجالية، ولم يضع يوما الربح  بديلا عن عمله، بل كان عمله الصحفي عبارة عن تجسيد لرسالته الأنسانية، وبالحقيقة فأني اتلمس روعة شخصيته وطيبتها في الناس الذين التقيهم، إذ ما أن عرفوا إني ابن نابليون حتى يحضنوني ويغرقوني بمحبتهم.
٤)السيد صباح بشـي، شقيقه: إني أعجز عن الحديث والتعبير عن حياة أخي الراحل "نابليون" الذي نال بحق لقب ـ شهيد الجالية ـ وهذا الصنف من البشر بالتأكيد ليسوا عاديين ابداً.  لقد نذر  ذاته  وقلمه وحياته من أجل الآخرين، ليس طمعا بالمال أو الجاه، وزادها،  قوة ايمانه بمبادئه التي  منحته صلابة لا متناهية في مواجهة تهديدات المجرم صدام حسين وعصابته. كان انسانا يشعر بعظمة المسؤولية الأخلاقية تجاه عائلته وناسه، وأستحق ان تكون مراسيم الجناز واحدة لم يكن لها مثيلا قبله او بعده . أخيرا أقول: إن أخي المرحوم  هو حي في نفوس العائلة والأصدقاء والمعارف.
٥) السيدة برناديت بشي، شقيقته: كان ثمن قول كلمة الحق غاليا علينا حينما قدمنا "نابليون" قربانا لمذبح الشهداء، لقد كان مزهرية المحبة للعائلة، ومفتاح الحب والسعادة والأحترام، للصغار والكبار. كان سلاحه الأمضى هو الأيمان والتسامح ومساعدة البعيد والقريب، ولم يمانع ان يقدم نفسه من أجل الآخرين. عرفناه وطنيا مخلصا، وشجاعا في قول كلمته حينما يحتاج الموقف الى وضع النقاط على الحروف. نحبك للأبد!
٦) السيدة حمام بشي ـ بقال، شقيقته: إن ذكرى رحيله في كل عام تعني لي الكثير من التأمل في هذه الحياة. كان فارق العمر بيننا هو الذي منعنا ان نتعارف اكثر في طفولتي، لكن بعدما التقينا في ديترويت، صرت قريبة منه وعرفته اكثر، كان أخاً عظيما وشخصاً رائعاً، فبقدر ما احب عائلته، فقد أحب اخواته الصغيرات ايضا. لقد كانت حادثة فقدانه صدمة كبيرة لنا، إذ لم نتخيل ان يصل اجرام البعث وصدام الى هذه المدينة الآمنة، لكنه وبالرغم من ذلك فقد مات من اجل هدف سام، من اجل الناس، وقد كان رجلا بمعنى الكلمة إذ كان دائما ما يردد: (أنا لست خائفا منهم).
٧) الصحفي فؤاد منا: لقد كان الراحل انسانا مسالما، وطيب المعشر، ربطتني به أواصر المهنة الصحفية، اضافة للعلاقات الأجتماعية والصداقية آنذاك. ولم أدخر جهدا في تقديم اي نوع من المساعدة (المهنية) التي كان يحتاجها، وساهمت بالكتابة في جريدته الغراء، لابل كنت ادعو  كتاب الجالية للكتابة عنده ومؤازرته. وفي ساعات الشدة، كنت اقدم له الدعم المعنوي في الصمود تجاه تهديدات المرتزقة.
٨) د.نوري منصور: لاشك إن هذه الذكرى تعني التذكير بشخصية صحفية وطنية كلدانية عراقية،  إنضم الى قافلة شهداء الكلمة الحرة، لمواقفه الوطنية والقومية، ودفاعا عن حقوق المواطنين المشروعة، فأغتاله عملاء الطاغية صدام حسين، بغية إسكات صوته في المهجر الأمريكي. لقد كان المرحوم صديقا وفيا ومحبوبا، ويشرفنا أن نكون قد زاملناه وساهمنا معه في تحرير بعض المواضيع في جريدته الغراء (المشرق) ولمدة طويلة.
الذكر الطيب للشخصية الوطنية المرحوم نابليون بشي.
٩)السيد جيكوب بقال، صهر الراحل:  كان "نابليون" انسانا وطنيا بإمتياز، وغيورا على ابناء بلده  وقوميته ، شجاعا لا يهاب الموت، ومؤمنا بما يكتبه، ومخلصا لرسالته  في وحدة كلمة (الكلدان والآشوريين والسريان). وطالما قال ، بأن أمريكا اصبحت وطنه الثاني، وأنه صار يتنفس الحرية هنا (بعد ان كانت مكبوتة في العراق)، لهذا أحب هذه البلاد التي منحته تلك الحرية.
١٠) كمال يلدو: كانت محاسن الصدف تلك التي جمعت محل سكني وبناية مطبعة (جريدة المشرق) في شارع (رووبن  هود ـ في منطقة الميل السابع) وكنت أكنّ كل الأحترام لشخصية الراحل ، وحجم المسؤولية  التي يتحملها في الكتابة والنشر، والجرأة  والصلابة المبدئية عنده، الا ان اروع اللحظات كانت تلك التي  جمعتني به عن طريق الأعزاء د.نوري منصور و د. يعكوب منصور وبعد ان تم التعارف، اقترحتُ ان اقدم له بعض اخبار الحركة الطلابية العراقية للنشر، فزادها بالكلام قائلا: "سأمنحكم صفحة في  الجريدة وما عليكم الا تزويدي بالمواد" وهكذا ظهرت ـ صوت الطلبة ـ بأسم رابطة الطلبة العراقيين فرع اتحاد الطلبة العام. لقد كان موقفا مشرفا  منه.
١١)  أفرد د.فائق بطي  عدة صفحات من كتابه الموسوم "الصحافة العراقية في المنفى" ليتحدث فيها عن سيرة الراحل  ونهج جريدة المشرق مع نبذة من تأريخها مابين  الصفحة ٣٠٣ ـ ٣٠٧ ،  وليضمها الى جانب كل الصحف والمجلات التي اصدرها العراقيون خارج وطنهم في السنين التي خلت، وأُعاد نشر  آخر مقالة كتبها الراحل  والمؤرخة  في ٦/ كانون ثان ١٩٨٣ إذ جاء فيها: "... من جديد راحت الرجعية وأعداء شعبنا يعيدون خططهم وكلها موجهة تهدف الى ضرب وحدة الجالية ....تسميات بالجملة خلقها المرتزقة وخدام البعث...هذا تلكيفي...وذاك آثوري.. والآخر ألقوشي أو ارادلي ...افكار مسمومة يشيعها بعض النفر الضال لزرع بذور الفتنة والتفرقة بين ابناء الجالية الواحدة.
وقد يسألني القارئ الكريم، من المسؤول عن تعبئة هذه النفوس المريضة؟  الجواب، إن ما حدث بعد فشل مظاهرة البيعة والولاء الصدامية قد أدى الى تحرك جديد مشلول لعبيد النظام القائم في العراق، هذا التحرك غذته الدائرة الحزبية من ناحية، وباركه بعض المرتزقة من خونة شعبنا من ناحية أخرى. ولعل أكثر ما يزيد من قلق أسرة المشرق، إن بعض هؤلاء الأفراد الذين ابتلت بهم الجالية وصلوا في تحركهم المشبوه هذا الى دور العبادة ومراكز تجمع منظماتنا وجمعياتنا المتواجدة على ساحة العمل ....".

الخاتمة:
هي ذي الأيام تمضي سريعة،  ونشهد فيها الحسن والردئ.  انظمة كثيرة تغيرت، وقادة وزعماء كثر قد ازيحوا، الا ان جرح العراق الكبير مازال ينزف دما وجرائم وضحايا  رغم مرور كل تلك السنين، بين عنجهية من كان يسير في فلك الدكتاتور صدام، او من خلفوه في الحكم، وكانوا خير نتاج لنظامه البائس، فأتوا بالفساد والسرقة والتزوير والطائفية البغيضة، وصولا لحكم الميليشيات ، وقادة الجريمة الكبرى( داعش). نعم ان المشهد مؤلم، والوحيدون الذين يدفعون الفاتورة هم الناس الأبرياء، وليس ابناء الحكام والسلاطين وعوائلهم!  لكن  يبقى هناك أمر بحاجة الى حل: إن من قام بالجريمة إما يكون واحدا (من الجالية) او غريبا  وقد ساعده بجريمته احد من الجالية، فهل ستستفيق الضمائر يوما وتكشف المجرم الحقيقي ؟ وهل في الأفق  من ينظر الى غسل الضمائر والعفو، ام إن الأمر بعيد عن الرغبة والأمل؟
ولعلي هنا اطرح فكرة ان تضيف جاليتنا قدرا جديدا لطيبتها حينما تكّرم ابناءها وبناتها المتميزات، وفي الحديث عن الراحل نابليون، فما المانع ان تســمى واحدة من غرف او قاعات انديتنا الأجتماعية بأسمه، او غرفة من غرف الصحف والمجلات الكثيرة الموجودة عندنا. أرفعه لكم ايها الأحبة، لأن حكوماتنا الرشيدة مشغولة كثيرا ونحن أولى من يحتفل بمبدعيه!
** أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساعدني في اتمام هذه المقالة، وأخص منهم السيد جيكوب بقال (أيوب بقال) الذي فتح خزائن الذاكرة والوثائق والصحف والصور القديمة.

** الذكر الطيب لأول شهيد للصحافة المهجرية الراحل نابليون بشي
** المواساة لعائلته الكريمة، زوجة وأبناء وأخوة وأخوات وأهل وأقرباء
** الذكر الطيب لكل شهداء العراق وفي المقدمة منهم شهداء الكلمة والفكر الوطني الحر
** الخزي والعار للمجرمين القتلة، ولكل من يتستر عليهم.

كمال يلدو
كانون ثان ٢٠١٥


 شرح الصور فهو كلآتي حسب تسلسلها من جهة اليسار:
١)الآباء سرهد جمو و كَوركَيس كَرمو يتوسطهم الراحل
٢)الراحل واقفا بين الباطريارك شيخو والمطران كَرمو
٣)أحد اعداد جريدة المشرق الصادرة بديترويت
٤)أكاليل الزهور التي رافقت النعش
٥) الشهيد نابليون بشـي ـ بورتريه
٦)العدد الفخري بعد اغتيال نابليون بشي
٧)صورة افتراضية للقاتل كما نشرتها الشرطة والصحافة المحلية
٨)جانب من التظاهرة المترجلة خلف النعش
٩)جانب من الحشد داخل المقبرة
١٠)عدد صوت الأتحاد الخاص حول الجريمة
١١)المرحومان حنا يتوما ونابليون بشي مالكي جريدة المشرق



315
رحلة  الناشطة  "هيريات تبمان"  للخلاص من العبودية

كمال يلدو

رغم انها ولدت من أبوين (رق) وفي عصر كان بيع وشراء العبيد وأستغلالهم وأضطهادم شيئاً رائجاً في  ارض الأحلام (الولايات المتحدة)، الا انها تمردت على تلك القوانين  وتحدتها، لابل انها تمكنت منها في آخر المطاف، فخلدها تأريخ الولايات المتحدة بأنها واحدة من الباسلات االواتي ناضلن لقبر نظام العبودية اللاانساني، وتهيئة الطريق لقيام نظام العدالة والمساوات والحقوق المشتركة للكل. انها هي التي كانت تردد دائما: ( إن كل حلم عظيم يبدأ بإنسان حالم، فأرجوك ان تتذكر، بأنك تحمل في داخلك عناصر القوة والصبر والرغبة الجامحة التي تمكنك من بلوغ النجوم في السماء أو في تغيير العالم!)، تلك كانت رائدة الدفاع عن حقوق الزنوج وتحريرهم، هيريات تبمان.

الولادة والنشأة

لاتُعرف سنة ولادتها بالضبط  لأنها من فصيلة العبيد، لكن اكثر الشواهد تشير الى الأعوام 1820 ـ-1822 على افضل تقدير , وذلك  بولاية ميريلاند في مزرعة مالكة عائلتها “ ميري باتسون بروتس ومن ثم ابنها إدورد”  الا ان تأريخ وفاتها مثبت في العام 1913 في ولاية نيويورك . ويعتقد أن اصل والديها كانا من  دولة غانا  الأفريقية. كان إسمها  وقت الولادة ( آرافتا روس مارج) وعرفت ايضا بأسمين آخرين (منتي و موسى)، وقد كانت امها  تعمل طباخة لعائلة بروتس،  بينما والدها كان حرفيا في الأعمال الخشبية، وخاصة في الأشجار التي كانت  موجودة  في مزرعة  العائلة المالكة.  تذكر بعض الوثائق بأن والدها قد تزوج عام ١٨٠٨، وكانت من ضمن ٩ أبناء وبنات، وفي فترة ما قام المالك ببيع ٣ من اخوتها لمالك آخر ولم تعرف أي شئ عنهم بعد ذلك التأريخ.  إثر تلك الحادثة اراد المالك بيع اخا آخرا صغيرا لأحد المالكين، فثارت ثائرة الأم  وصرخت بوجههم قائلة: (ان الذي يتقدم منكما سأشق رأسـه نصفان!) فعدلا عن ذلك الأمر. حدث هذا الأمر امام (الفتاة الصغيرة أرافتا)، وكان له أثرا كبيرا سيظهر لاحقا في شخصيتها وتصرفاتها،  علما انها كانت وبسبب من  كبر عمرها نسبيا تقوم  بالعناية  باخوانها الصغار. لم تنجو هذه الفتاة حتى في طفولتها من بطش مالكي العبيد، فتذكر والدتها إنها وعندما كانت بعمر٥ـ٦ سنوات كلفها مالكها مرة بمراقبة ابنة سيدة اخرى، وحدث أن بكت تلك الطفلة، فما كان من المالك الا أن جلدها (خمسة جلدات) وقيل في الصباح الباكر قبل تناولها للفطور، فصارت لاحقا تلبس ملابس كثيرة، من اجل تفادي آثار تلك الجلدات على جسمها النحيف الطري.اما عندما كبرت اكثر، فصارت تعمل في الخشب، وتنظف اسطبل الحيوانات وتنظيف الثلوج بعد سقوطها في الشتاء.

شـق في رأسها

حينما كانت صبية، تعرضت لضربة في الرأس  من قبل أحد السادة، ادت الى مضاعفات صحية كبيرة كان أبرزها الصداع الدائم، عدم انتظام النوم، الأغماء المفاجئ، ضعف في النظر اضافة الى كوابيس ليلية اثناء النوم.
وكانت الحادثة (التي لم تكن طرفا فيها) قد وقعت  حينما أرسلها مالكها في أحد الأيام الى السوق لشراء بعض المؤون من أحد المحلات، وبينما هي تتبضع، التقت بأحد العبيد الذي يعمل لسيد آخر، وهذا الأخير كان قد غادر حقل سيده دون أذن! وصادف ان لمحهما المالك وهما يتحدثان، فأتهمها بأنها هي التي شجعته على الهروب، فرفضت تلك التهمة الجائرة، وحدث ذلك بالتزامن مع هروب (العبد) من هذا المشهد، فأشتاط السيد غضبا، فرمى قطعة حديد بوزن كيلو غرام واحد بأتجاههما، فأصاب (آرفتا) بالرأس اصابة مباشرة، وكما تصفها فأنها : (شـقت رأسي نصفان).
فقدت الكثير من الدماء، وعندما أُغمي عليها أُعيدت الى دار سيدها،  فبقت برعاية امها ليومان ودون ان يقدم لها ايُّ علاج، وفي اليوم الثالث أُرسلت للحقل، وتتذكر كيف كان العرق يتصبب من رأسها ممزوجا بالدم! وبعد تلك الحادثة اعيدت الى مالكها الأصلي لأن مالكها الحالي قال : ( انها لا تساوي ثمن العلاج)! جرت الحادثة في فترة بدأت بالتوجه للصلاة والتعبد أكثر من السابق ، وكانت أمها تقص عليها القصص المنصوصة في "العهد القديم" إذ انها كانت اميّة في تلك الفترة.

العائلة والزواج
بحلول العام ١٨٤٠ يكون عمر والدها قد وصل الى ـ ٥٥ عاما ـ  واستحق (الحرية) حسب قانون العبيد، لكنه بقى يعمل بالأخشاب عند ذات العائلة. لم يهدأ بال (آرافتا) حتى قصدت مكتب أحد المحامين البيض ودفعت له (٥ دولارات جمعتها بالكاد) وطلبت منه التحقق في واقع والدتها فقال لها: ان الوصية تقول، انه بمجرد وصول العبيد لعمر ٤٥ عاما  فيحق لهم ان يكونوا أحرار هم وأبنائهم!    إلا ان مالكهم تجاهل هذا العرف أو القانون، ولم يكن هناك اية فرصة للعبيد كي يعترضوا عليه.
بحدود العام ١٨٤٤ تزوجت (آرافتا) من احد (العبيد الأحرار) وأسمه  "جان تبمان"، لكن عملية الزواج تلك تعرضت لتعقيدات كثيرة كونها مازالت مملوكة كعبدة، وعلى هذا فأن ابنائها سيكونون (عبيدا) ايضا، في وقت وصل نسبة العبيد الأحرار الى حوالي نصف عددهم في البلاد.
تمضي عملية الزواج قدما، وتُبدل اسمها من (آرفتا ـ الى ـ هيريات تبمان)  مستغلة وضعها الجديد.

الهروب من العبودية

في العام ١٨٤٩ مرضت من جديد وصار جسمها هزيلا، وأصبحت قيمتها ك (رق) لا تساوي كثيرا، وعبثا حاول مالكها بيعها دون فائدة، فيحدث ان يموت المالك، فيضطر الورثة لتصفية التركة، ومن ضمنهم العبيد!  في تلك اللحظات رفعت شعار ( إما الحرية أو الموت)،  فقررت "هيريات" الهرب مع اثنين من اشقائها في ايلول ١٨٤٩، فوضعت العائلة (جائزة) لكل من يقبض عليهم ويعيدهم، فيسود التردد بينهم خاصة وأن احد اخوتها كان يتوقع ولادة طفلة في تلك الأيام، فيعودوا خائبين. لم يهدأ لها بالا،  فتقرر مرة اخرى الهرب، لكنها في هذه المرة تطلب لقاء امها سرا كي تودعها، وتبدأ رحلتها من (مشغل العبيد) بمحاذاة  (نهر جوب تانك) مرورا بولاية  ـ ديلوير ـ ثم الى ولاية بنسلفانيا في رحلة تمتد لحوالي (٩٠ ميلا = ١٤٥ كم) قاسية، وهذه الرحلة قد تنجز ب (٥ أيام  تمتد أحيانا الى ٣ أسابيع) ، وكانت تسافر ليلا مستخدمة "نجمة الشمال" من أجل تفادي الحرس الذين يبحثون عن العبيد الهاربين.
تقول هيريات : "عندما عبرت الحدود الى بنسلفانيا (التي كانت تحّرم النظام العبودي) نظرت الى يداي حتى أتأكد من انها لي!     لقد كان حدثا عظيما، لقد أشرقت الشمس يومها وكانت ترسل شعاعا ذهبيا عبر الأشجار وعلى الحقول، وشعرت بأني في الفردوس".

موســى!
بعد مكوثها في مدينة فيلادليفيا، بدأت احاسيس الغربة تهاجمها، فصارت تشتاق الى والديها وأخوتها وأخواتها وأصدقائها، الذين كانوا خاضعين لنظام العبيد في أرض العبودية كما تسميها ـ ميريلاند ـ  فعملت بشتى الأشغال، وبدأت بتجميع النقود وكانت دائما تقول : (انا حرّة، ويجب أن يصبحوا أحراراً).
في العام ١٨٥٠ وقّع الكونغرس الأمريكي قانون (يحّرم) منح الحرية للعبيد الهاربين حتى الى الولايات التي تحّرم العبودية، هذا القانون جعل من يفكر بالهرب بموقف المتردد، ولهذا فقد فضّل البعض الهروب الى ولاية (اونتاريو ـ في كندا حاليا) والتي كانت جزءاً من الأمبراطورية البريطانية، اما في  مدينة فيلادليفيا، فقد ازدادت التوترات بين العمال الآيرلندين الفقراء والقادمين الجدد مع شريحة العبيد المحررين نتيجة التزاحم على استغلال فرص العمل الشحيحة.     ان كل هذه التطورات والمخاطر لم تثنها من هدفها القادم في مساعدة اهلها للخلاص من نير العبودية، فعادت في الربيع التالي الى (ميريلاند) وساعدت شقيقها وإثنان من اصدقائه بالهرب، وبعد هذه الحادثة ازدادت ثقتها بنفسها أكثر. ولقد قامت بعدها بالعديد من الرحلات التي نتج عنها تحرير عدد كبير من العبيد حتى صار اقرانها يلقبوها (موسى – نسبة الى الرواية المنسوبة للنبي موسى بأنه انقذ اليهود من عبودية الفراعنة) .  ومما قاله عنها كاتب السير الذاتية والعبد سابقا، والناشط في الحركة المناهضة للعبودية ( دوكلاص) :  لقد عملت انا في النهار، اما انت فقد كان الليل والنجوم الصماء شهودا على عملك العظيم في تحرير ابناء شعبك من العبودية، ولا اعرف اي انسان عمل على تحرير العبيد مثلك!
لقد شهدت ال ١١ عاما اللاحقة عملا دؤبا ومخاطرا كبيرة تمخضت عن (١٣ رحلة الى  الضفاف الشرقية لميريلاند)
منقذة العشرات من ابناء قومها، ومن ضمنهم ثلاثة من اخوتها الكبار، اضافة الى مساعدة العشرات الذين آثروا القيام برحلة الهروب من دون رفقتها لهم. ان هذا العمل كان يتطلب دقة متناهية، ودهاء كبير، لهذا كانت تقوم به في الشتاء حيث الليالي أطول والناس تذهب لبيوتها مبكرا، كذلك كانت تختار ايام السبت مساءا، لأن الصحف لو ارادت نشر خبر الهروب لن يكون قبل صباح الأثنين. لقد اكسبتها رحلاتها المتكررة تلك شهرة كبيرة، وأصبحت واحدة من اكثر المطلوبات للعدالة، ووضعت جائزة قيمتها (٥٠٠٠ آلاف دولار) ثمنا لمن يقبض عليها، لهذا كانت شديدة الحذر والفطنة في كل تحركاتها، وغالبا ما كانت تقول : أني اعمل الخير، ولابد ان هناك من يراني ويسهر على سلامتي!
لقد دفعتها الحاجة ليس لأستكشاف محيطها فحسب، بل والأستفادة منه في التنكر والأختباء لحين توفر الفرصة، فقد تمكنت من تسخير الأنفاق  وحفريات بناء طرق السكك الحديد لغرض التخفي والمبيت والمناورة، كذلك فعلت مع العديد من بيوت (الأصدقاء) التي وزعتها على طول الطريق، وأصبحت كمحطات اختباء وأستراحة وتخفي من عيون الشرطة. ان شجاعتها كانت مشهودا لها، ولم تخف او ترتعب ابدا، لابل انها كانت تحمل مسدسا معها في رحلاتها وتقول: انني لم اخشى من استعماله ابدا، لو تطلبت الحاجة ذلك.   
 ومن الجميل ذكر احدى مقولاتها : " لقد كنت أول من (اخترع) استخدام انفاق القطارات تحت الأرض لتهريب العبيد نحو الحرية لعدة سنوات، وأستطيع ان أقول بفخر، بأن قاطرتي لم تخطأ السكة ولا مرة، وما فقدت راكبا واحدا!"..

في الحرب الأهلية

تمكنت (هيريات تبمان) من شراء قطعة أرض في مدينة نيويورك عام ١٨٥٩ لغرض بناء بيتها وجلب والديها وبقية العائلة عندها، وما ان حل العام ١٨٦٠ حتى كانت آخر رحلة من رحلاتها في عملية تهريب العبيد نحو الحرية والأنعتاق.
اندلعت الحرب الأهلية عام ١٨٦١، وأصطفت مع (الأتحاديين) لأنهم كانوا يمثلون الناس الأقرب الى تفكيرها ومبادئها، خاصة وعودهم بتحرير العبيد في حال انتصارهم على (الكونفيدراليين)،  وزاد ذلك من مساندة العبيد لهم ايضا. ومع كل خدماتها  في تلك الحرب، فأنها قامت بعمليات التمريض ايضا مستخدمة الأعشاب في معالجة الجرحى والمرضى، وفي العام ١٨٦٣، أصبحت أول إمرأة تقود فرقة مسلحة في الحرب الأهلية، وتمكنت من تدبير (غارة مستخدمة الزوارق المائية) والهجوم على منطقة مكتظة بالعبيد، وتمكنت من قيادة نحو (٧٥٠) منهم نحو الحرية  وذلك في منطقة (نهر كومباهي)، وتمضي بقية سني الحرب الأهلية تعمل مع  الأتحاديين،  حتى يستسلم آخر الكونفيدراليين، ويعلن عن انتهاء الحرب  عام ١٨٦٥.

رحلتها اللاحقة

في العام ١٨٦٩ قامت احدى الكاتبات المعجبات بها "ساره هوبكنس برادفورد"  بأصدار كتاب عن حياة (تبمان) وكان يقع ب ١٣٢ صفحة، تمكنت من تجميع بعض الواردات لمساعدتها ماليا جراء بيعه للقراء. وعادت مرة أخرى وأصدرت كتابا آخرا عام ١٨٨٦، وضمنته قصصها في تحرير العبيد وسيرتها الذاتية، وجلب لها بعض المال، ونتيجة لدورها في مساعدة والديها وعائلتها، وعملها على تحرير المزيد من العبيد وضيافتهم والصرف عليهم،  فقد عانت من شظف العيش، والتمييز الذي عانته من الحكومة رغم مشاركتها الفعالة في الحرب الأهلية، الا ان احدا لم يعر لتلك المشاركة اي اهتمام حتى العام ١٨٩٩ حينما منحت بعض المساعدات.
مع اطلالة القرن العشرين، وأستقرارها نسبيا في بيتها بمدينة (اوبرن ـ نيويورك) فأنها وجهت اهتمامها نحو قضية معاناة المرأة، ومنح الحقوق كاملة للمراة في المشاركة بالأنتخابات، وقد حضرت الكثير من النشاطات والندوات اما كمتحدثة او كضيفة شرف، وقد جلبت انظار الكثير من الكتاب والصحف التي صارت تكتب عنها وعن سيرتها الذاتية.
في العام ١٩٠٣ قررت اهداء جزءا من أرضها للكنيسة التي كانت تتبعها لغرض بناء (دارا للعجزة من الفقراء السود) وفعلا تم افتتاحه عام ١٩٠٨، وأستمر لعدة سنوات، وفي السنين الأخيرة اعيد فتحه بعد اجراء الترميمات عليه، لكنه اصبح الآن متحفا لأعمالها وذكراها.وفي احدى المرات قالت للصحفيين : (لقد حررت ألفاً من العبيد، وكان بإمكاني تحرير ألف آخر لو انهم  فهموا بأنهم عبيد ويجب أن يتحرروا).
لم تكن السنين الأخيرة من حياتها سهلة من الناحية الصحية ، فقد اشتدت اعراض آلام الرأس عليها، وصارت تعاني من حالات الأغماء كثيرا، وتوفيت عام ١٩١٣ في بيتها بولاية نيويورك، وأجريت لها مراسم تشيع (شبه عسكرية)  مهيبة. ومنذ تلك السنة وحتى العام الماضي ٢٠١٤، فأن عشرات المدارس قد سميّت بأسمها، وأن سيرتها ترد دائما من ضمن ابرز ١٠٠ شخصية سوداء  او ١٠٠ شخصية نسوية مهمة،  كما اقيمت لها عدة نصب و الواح تذكارية، ناهيك عن اصدار طابع بريدي بأسمها، وفي العام ٢٠١٠ اطلق اسمها على احد المذنبات الذي مر بالقرب من الأرض (مذنب تبمان) تيمنا بأسمها، كما قامت كندا بأقامة التكريم للراحلة (تبمان) وفي مناسبات عديدة.

تبقى مأثرتها كبيرة في رحلات التحرر والأنعتاق من العبودية والظلم والقهر.  اما  اليوم وبعد مرور كل تلك العقود التي قطعتها البشرية في النضال والكفاح والتحرر، تعود النساء العراقيات، وبخاصة منهن ، بنات الطائفتين اليزيدية والمسيحية، لتبدأ مشوارها الصعب والطويل والملئ بالآلام  بمقاومة أشرس العصابات الأجرامية في العصر الحديث، هذه المجاميع التي تحلل اغتصاب النساء وبيعهن والمتاجرة بهن وقتلهن، في زمن ينشغل فيه العالم ودول المنطقة والسياسين العراقين،  بترتيب اوراقهم  والبحث عن مصالحهم وضمانها، لهم ولأولادهم ولعوائلهم وحتى لأصدقائهم، بينما اكثر من مليون ونصف مليون لاجئ يعيشون ظروفا قاسية وقد طرق الشتاء  الأبواب، ومئات النساء والفتيات لا يعرف عن مصيرهن اي شئ،   بعد ان وقعن أسيرات في يد عصابات داعش اثر هروب قادة الجيش والبيشمركة  وخيانتهم لبلدات سهل نينوى وناسها المسالمين،  مما اوقعهم  فريسة سهلة بيد المجرمين.
كم (هيريات تبمان) يحتاج العراق حتى يصل الى بر الأمان ويحقق الديمقراطية؟

كمال يلدو
كانون ثان ٢٠١٥


316
شكرا جزيلا لمروركم الكريم أحبتيakoza  وHermiz Hanna والشكر موصول للأحبة في (عنكاوة دوت كوم) لأنها خيمتنا التي تجمعنا سوية. وبالحقيقة أسعى كل ما بوسعي الى القاء الضوء على كل ما هو طيب ومنير في جاليتنا الغالية ومن ابناء وبنات شعبنا العراقي. ولا يخفي عليكم، فأن معظم الناس الذين أكتب عليهم هم في (ديترويت) مدينتي العزيزة، مع علمي بأن هناك الكثير من الكوادر والشخصيات التي تستحق الكتابة في الكثير من المدن، وآمل ان يقوم بها اعزاء آخرون حتى نحتفل بكل هذه الشموع التي انارت ايامنا يوما ما. مع التقدير لكم

317
شوق الفن والأنسان لدى  د. ليلى وجيه عبد الغني



د.ليلى وجيه عبد الغني - بورتريه

كمال يلدو

حينما تنظر اليها من بعيد، او تجالسها، فإن عالماً من الماضي الجميل يحضرك دائما، مصارعا عوامل الزمن في الاهمال والصدء وبُعد المسافات، فتعود تلك  (الشاشة الفضية) منتصبة أمامك، وتحضر الشخوص والوجوه والأسماء التي تعلقت بطفولتنا ولم تغادرها،  لابل انها لا تريد مغادرتها لأنها غالية وعزيزة وأصيلة.
أدعوكم لهذه الرحلة القصيرة مع د.ليلى وجيه عبد الغني، الفنانة المسرحية ومقدمة البرامج التلفزيونية في بغداد، والموظفة في الأدارة والخبيرة في حل المشاكل الأجتماعية، الزوجة والأم، عسى ان تروق لكم.
*******
ولدت في مدينة بغداد وبالذات في بيت جدها الذي كان واقعا على شارع (ابي نؤاس)، متزوجة من السيد فاروق علي سـلّوم ولهما بنتان و ولدان وحفيدة واحدة.
درست الأبتدائية في (مدرسة الحكمة الأهلية) ، وأكملتها في (مدرسة السعدون النموذجية) ، بعدها في المتوسطة والأعدادية الشرقية للبنات في الكرادة.
وعلى العكس من توقعات الكثيرين، فقد دخلت كلية الآداب / قسم الأجتماع، عوضا عن اكاديمية الفنون، وتخرجت في العام ١٩٨٢. ولأنها كانت من (العشرة الأوائل) على نطاق خريجي جامعة بغداد، فقد حصلت على بعثة دراسية في (جامعة ويسترن مشيكَان  بمدينة كالامازو/ ولاية مشيكان الأمريكية) لدراسة الماجستير، وفعلا حققت ذلك عام ١٩٨٥ وكان في حقل ( الأشراف الأجتماعي ـ Social Work)، ثم درست للحصول على شهادة الماجستير الثانية وأنجزتها عام ١٩٩٢ في حقل ( الأدارة التربوية ـ  Educational Leadership)، ولم تكتفي بذلك بل اكملت لاحقا رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها عام ٢٠١٠ في حقل ( إدارة الحالة ـ Case Mangment) والأختصاص الأخير ساعدها بالحصول على مركز مرموق في شركة  ( Bluecross Blueshield ) للتأمين الصحي، على ان اهتمامها الأكبر في حقل العمل الأجتماعي مازال قائما، فبعد ان كان يمثل كل عملها سابقا، يحتل اليوم المرتبة الثانية، اذ انها تعمل (مشرفة اجتماعية ـ Social Worker) بصفة عمل جانبي ثاني في مستشفى (اووك وود) في مدينة ديربورن بضواحي مدينة ديترويت الكبرى.

ذاك البيت

تختزن في ذاكرتنا الكثير من (الدالات) اللواتي يبحن بعوالم المكان وأرتباطاته وتشعباته، ولطالما تحدثتُ للسيدة (د.ليلى) عن دالتها حينما كنا شبابا ويأخذنا عبير الكلام ونحن نقيس شارع الاحلام الجميلة، شارع أبي نؤاس لتنتهي بنا الجغرافية عند حدوده الملاصقة للكرادة داخل، ولكن ليس قبل ان نقطع ذلك البيت المركون في زاوية الشارع الذي يربط  أبي نؤاس بساحة الجندي المجهول، انه بيت (وجيه عبد الغني) هكذا  بشكل مباشر، حتى اصبح من كثرة شهرته ، دالةً لسواق التكسي وللعابرة، فمثلا تسمعهم يقولون : ( قبل بيت وجيه عبد الغني أو بعد بيت وجيه عبد الغني أو مقابل بيت وجيه عبد الغني وهكذا) فأردت أن أعرف منها عن ســّر هذا البيت فقالت: إنكَ تقّلب واحدة من اجمل صفحات حياتي حينما تتحدث عن هذا البيت، فهذا بالأصل كان بيت جدي الذي ولدت فيه، وهو بيتنا بعد ذلك، وفيه كانت الحياة مثل "كورة الزنابير" مليئة بالحركة والحيوية، فقد كان مفتوحا لكل الوسط الفني في عقد الستينات على الأقل، وفيه كان الكل عندي (عمـّو)، وسريعا يمر شريط الوجوه العزيزة ومنها الفنانين والأدباء، حقي الشبلي، أسعد عبد الرزاق، عزيز شلال، قائد النعماني، سمير القاضي، راسم الجميلي وحسام الجلبي الذي كتب المقدمة الموسيقية لفرقة ١٤ تموز المسرحية.
نعم فيه تفتحت كل تلك الأحلام والأيام الجميلة التي افتقدها كثيرا الآن، لقد كان (بنظري) الرديف للتلفزيون، حيث يلتقي الكل ويتحدث ويتمرن ويقدم ويمثل ويغني ويحلم.

وماذاعن البداية
تقول : ربما لأني كنت بينهم دائما، فيبدو اني كنت في مرمى بصرهم في حالة حاجتهم للطفلة في اي دراما او مسرحية، وهكذا كانت. فقد اشتركت في أول تمثيلية تلفزيونية ولم يكن عمري قد تجاوز الأربعة سنوات، مع الأساتذة العمالقة (  سليم البصري (حجي راضي)، حمودي الحارثي، عمانؤيل رسام و روميو يوسف) وكانت كل التمثيليات،  وعموم البث آنذاك مباشرا.  ويبدو بعد (نجاحي على ما اعتقد)  فقد اختاروني معهم في مسلسل (ألف ليلة وليلة) الذي كان يعرض اسبوعيا في ليلة كل يوم جمعة، حينها كانت فرقة ١٤ تموز التي يعمل بها والدي، وجيه عبد الغني، هي الفرقة المفضلة لدى مؤسسة الأذاعة والتلفزيون، ولعلي هنا وأنا أستعرض تلك الاحداث والأيام اتذكر وجوها جميلة ورائعة طبعت احلى الذكريات في مخيلتي: مائدة نزهت، ناظم الغزالي، سليمة باشا مراد  وآخرين غيرهم، يطبعون قبلاتهم على خدودي الطرية او جبهتي الفتية، انها ايام وأسماء وذكريات لا تنسى!
وأذكر في تلك الفترة أني أشتركت في الكثير من المسلسلات ومنها: "رمضانيات" و  "مع الخالدين"  وتقاسمت دور البطولة في  "عيش وشوف"  لكن من الطريف أن اذكر حادثة مرّت عليّ حينما كنّا نمثل حلقات ( تمثيلية يتيمة) وكان على أبي الراحل  وجيه عبد الغني، وضمن أحد المشاهد أن يصفعني على وجهي ـ يضربني بعجل ـ وقد كان من القوة أن  أدى ذلك الى ارتباكي ونسياني لدوري والحوار المفروض أن اؤديه!   فما كان من باقي الممثلين، وأثناء البث الذي كان مباشرا، الا ان يبتدعوا طريقة لأخراجي من المشهد من اجل انقاذ المسلسل، لكن القضية لم تنته عند ذلك، بل كانت حينما انتهى التمثيل والتصوير، فأنبرى المرحوم الفنان نوري الراوي الذي كان حاضرا وقال لوالدي ـ مازحا ـ عبارته الشهيرة: (( هذا الخـّـد ما ينضرب، هذا الخد ينباس!)) ، الرحمة على روحيهما الطاهرة الطيبة.

ليلى في التلفزيون

ربما تكون د.ليلى قد عرفت لدى البعض في ادوارها بالتمثيليات التلفزيونية وفرقة (١٤ تموز) المسرحية ، لكنها كانت ايضا تمثل أهم محطات الأنتظار عند الأطفال (طبعا بعد افلام الكارتون) عبر برنامج الأطفال، فماذا كانت قصته، تقول ست ليلى: يبدو ان تكرار مجيئي لبناية التلفزيون، وكونه كان حديث العهد ايضا، قد اوجد فكرة مشاركتي في برنامج للأطفال، إذ كانت السيدة (راحيل ثابت) تعد برنامج الأطفال الذي اشتركت فيه سوية مع الأستاذ جاسم الصافي، حيث كنّا نقدم قصة قصيرة  وفلم للأطفال وبعض التجارب العلمية، وأفكارا متجددة كثيرة، وكان يقال لي بأنه من انجح البرامج، وبعد فترة وجيزة تركني الأستاذ (جاسم الصافي) فأصبحت أقدمه لوحدي، هذا اضافة الى برنامج (تحية المساء)، حتى اني مازلت اتذكر حادثة جرت في احد الأيام حينما بلغنا السيد (محمد سعيد الصحاف) بأن رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر قد عبّر عن اعجابه بالبرنامج وطلب اضافة بعض الشخصيات التأريخية له.  ومع تقدمي بالدراسة، صار الحمل ثقيلا عليّ، وكانت والدتي تنصحني بتخفيف هذا الحمل، فأنقطعت عن التمثيل (نوعا ما) وتفرغت للدراسة اثناء المتوسطة والثانوية، وصادف حينما كنت في كلية الآداب أن طلب مني السيد  ـ عبد الحميد السامرائي ـ ان اقدم برنامج (تحية المساء) مجددا  ولمدة محددة، وفعلا قمت بتسجيل ( ١٠ ) حلقات منه قبيل سفري للدراسة عام ١٩٨٢.

التلفزيون والمدنية
توجهت بالسؤال للست "ليلى" عن وجهة نظرها بالتلفزيون والأذاعة ومجمل الحركة الفنية آنذاك فقالت:  ربما لو قلت للقارئ بأن تجربتي الحياتية قد اغنت تصوراتي وآرائي كثيرا مع الوقت، ففي هذه الأيام، وعندما أقف متأملة تلك الحقبة الزمنية، والحركة والنشاط الدؤوبان اللذان كانا يتسابقان في حياتنا، أعي جيدا أهمية الثقافة والفنون والأداب ، لتهذيب الذوق العام وتطويره ورفعه نحو أرقى المديات الأنسانية. نعم، كان التلفزيون وكل وسائل الأعلام والمكتبات والمدارس والمسارح والسينمات والأذاعة والصحف والمجلات والجمعيات والنوادي والحلقات الفكرية، كلها أدوات أخذت بالأنسان العراقي من مكان الى آخر، أرقى وأرفع وفتحت الأفق كبيرا لبناء المجتمع المدني المأخوذ بتعدد الأفكار والثقافات، لكن للأسف الشديد فأن أخطاء الحكام ومواقفهم المغالية في الأنتقام من الخصوم قد أدت الى ما أدت من حروب وكوارث، وها نحن نعيش أسوء كارثة ثقافية وحضارية حلت على العراق . انظر الى المسرح والسينما والثقافة والغناء والموسيقى، انظر الى فنانينا الكبار وعمالقة التلفزيون أين صار مصيرهم، انها الكارثة بأمتياز.

بين الكاميرا وعلم الأجتماع
لقد كان دخولك لكلية الآداب مفاجئاً للكثيرين حيث كانوا يتوقعون توجهك لأكاديمة الفنون لأكمال مشوارك الفني، فما الذي جرى ، تقول السيدة ليلى: لم يكن القرار سهلا ، فمع اني نشأت وترعرعت في بيت ملئ بالفن والفنانين، وحصلت على كل اشكال الدعم، لكن هاجسا ما في داخلي كان يهمس بي: (ماذا لو فشلت في الفن؟) وبالحقيقة أخترت حقلا كان ومايزال واحدا من (القرارات) الصائبة بالنسبة لي، حيث اني أجسد نفسي وشخصيتي وأنسانيتي فيه ومن خلاله، ومع تقديري للفن، فها انت ترى ما جرى للبلد والفن والفنانين، وما هو مصيرهم، وأين الدولة أو الوزارة التي ترعاهم!
فسألتها ان توضح ذلك  للقارئ  فقالت: لقد مضى على ممارستي لهذا العمل كخبيرة في علم النفس والأجتماع اكثر من          ( ٢٥ )عاما، ومرّت عليّ حالات وأشخاص كثر، وأحسـب اني سعيدة  نظرا لنجاح  الكثير من الحالات. فهذا الحقل فيه تفاعل مباشر مع الأنسان،  فهو يعالج حالات (الأدمان على الكحول والمخدرات)، ولك ان تتخيل حجم فرحتي حينما اتمكن من انقاذ الأنسان من براثن هذا المرض وأعيده الى المجتمع انسانا منتجا متعافيا،  لقد جرى ذلك عندما كنت أعمل في مستشفى الأمراض النفسية، اما في الوقت الراهن فقد انتقلت وبذات الحقل الى (غرفة الطوارئ ـ Room Emergency)، حيث اتعامل مع الأشخاص لعلاجهم من آثار المخدرات والكحول، وقد اكون مأخوذة  بهاجس يقول لي بأستمرار:  إن هناك أُناس ينحرفون عن هدفهم، وهم بحاجة الى أحد يدلهم الى الطريق السليم!
اما عملي الرئيسي الآن فهو في مجال البرمجة والذي حصلت على شهادة الدكتوراه به، وأنا سعيدة ايضا للعمل بين الأرقام والجداول الكثيرة.

التواصل مع ناسي وأهلي

بعد رحلة التعارف تلك، والوقوف امام كل الألتزامات المهنية والعائلية كيف تتواصل د.ليلى مع  وسطها الفني وعلاقاتها بالناس فقالت: انه السحر بعينه! بالحقيقة هذا الأمر لا يخلو من الأشكالات، لكني اعمل المستحيل للموازنة في ذلك وللأمانة أقول لكل أحبتي الغاليين (اعذروني إن كنت مقصرّة معكم!).  بين العمل والعائلة أحاول قدر الأمكان المشاركة في بعض الفعاليات الثقافية والمعرفية ، ومؤخرا شاركت بالكثير من نشاطات (منتدي الرافدين للثقافة والفنون) في ولاية مشيكَان، وقدمت أكثر من مساهمة، وقد فتح ذلك لي  بابا  لأعادة التواصل مع أحبة غالين من ابناء الفنانين  الكبار ومنهم (د.علاء يحى فايق و الفنان رائد نوري الراوي) ومخرجين وممثلين وفنانين كثر.  اما عبر شبكات التواصل الأجتماعي والهاتف والأيميل فمازلت على تواصل مع الأساتذة  قاسم الملاك و حمودي الحارثي ومع بنات الراحل أسعد عبد الرزاق.  وبالعموم أشعر بالفرح حينما التقي بأبناء وبنات الجالية العزيزة وخاصة في النشاطات، وتغمرني الفرحة في حجم المحبة التي يمنحوني اياها، وأعدهم بأن اكون أهلا لها.
وماذا عن العائلة، تقول الست ليلى: أحاول قدر الأمكان أن اجد بعض الوقت لمتابعة هواياتي الشخصية ومنها قرأة الشعر (العربي والأمريكي)، متابعة الأخبار السياسية وأخبار العراق،   على اني أقرأ قليلا في المسرح بعد ان كانت معظمها به.   مع زوجي (فاروق) اتحدث بأمور السياسة، فنتفق على الكثير ونختلف على القليل!  اما بالنسبة للأبناء، فأني سعيدة بهم بالدرجة الأولى، وسعيدة أكثر بما وصلوا اليه من مستوى علمي احسبه مفخرة: ابني (علي)  يبدو انه الوحيد الذي ورث (جينات الفن) حيث تحول من دراسة القانون الى الأخراج والتصوير، ابني (عمّار)  حصل على شهادة الماجستير في البايولوجي،  ابنتي(عُلا)  تعمل طبيبة مقيمة في مستشفى هنري فورد بديترويت،  وإبنتي (تمارا)  انهت الدراسة الأولية وتتهيأ الآن لدراسة القانون.

وماذا تتمنين للعراق
في الحديث مع د. ليلى وجيه عبد الغني، كان الغائب الحاضر، والضمير غير المستتر ، والضيف الذي صرنا نتحدث عنه طوال الوقت هو العراق، فماذا تقولين عنه اليوم:  ها انك تجرني مرة أخرى لعالم الجمال والأحلام اللامتناهي مع العراق، وبالحقيقة، ترك العراق صورته الجميلة عندي ليس عندما غادرته للدراسة فقط ، ولكن منذ طفولتي وعملي في التلفزيون، تلك الناس والصور التي عاكسها الزمن والحكومات الجائرة والحروب والحصار ، وجاءت اليوم عقليات المحاصصة الطائفية وحرب داعش لتقضي على احلام الأطفال التي انتظرناها طويلا. ماذا اتمنى لوطني، هو ما اتمناه لنفسي، أو لعائلتي أو لأطفالي: الأمن والأمان والتقدم والرفاهية، وأن يقدموا ما بوسعهم لأسعاد الطفولة ورعايتها، ورعاية الأمهات والنساء من العنف وألألم والغبن، وأن يرعوا الفن والفنانين والأدباء والمثقفين، اولئك  الذين يمثلون جواهر العراق الوضائة،  و أن يعود العراق أجمل مما كان.
 ولي يقين بأن ابنائه وبناته المخلصين قادرون على ذلك.

كمال يلدو
كانون ثان ٢٠١٥





318
كمال يلدو: مربون في الذاكرة الحلقة (١٩)

رغم ان سنينا طوال تفصل لحظات الزمن، وأميالا اكثر تبعدهم عن تلك الروابي والبلدات والمدارس، لكن يبقى للحنين والوجوه والناس والذكريات أريجها وطعمها المتميز، خاصة تلك التي اقترنت بأولى ايام شبابهم وإنطلاقتهم للعمل والحياة وزرع الأمل  في نفوس التلاميذ والطلبة. ان أحلى اللحظات تبقى تلك التي تأتيهم فيها صدى الكلمات من احدهم او احداهن :  ( مرحبه استاذ.أو مرحبه ست) هذه العبارات التي تعيد عالما جميلا الى الحياة بعد ان يكون النسيان والتقاعد قد طواه طويلا.
ادعوكم لرحلة جميلة مع مربين جدد، آمل ان تروق لكم.
****      ****      ******
رحلة مع بناة الأنســان العراقي

المربي خوشـو حنا شـميّكا

ولد عام ١٩٤١ في مدينة (مانكيش)، في المحلة العليا (محلة اليثا). متزوج من السيدة تيريزا هرمز ميخـو، ولهما ٣ بنين و بنتان مع ٦ أحفاد للآن.
منذ نعومة اظفاره أخذته العائلة للمدرسة، من اجل ان يكون له مستقبلا يختلف عن حياة الفلاحين، وأولى خطواته كانت في،
١ـ (مدرسة مانكيش الأبتدائية) ثم اكمل المتوسطة في
٢ـ (ثانوية دهوك) تلاها الأنتقال الى بغداد وأكمل في
٣ـ (ثانوية المعهد العلمي) حيث انهى الصف الخامس ثانوي، وتخرج عام ١٩٦٢ وقُبل بعدها في
٤ـ (كلية الحقوق / جامعة بغداد) ولم ينهي سنته الأولى حتى حدث انقلاب ٨ شباط، إذ فُصلَ من الجامعة وتعرض للأعتقالوالتعذيب لمدة ٦ أشهر لنشاطاته ولأنه من حملة الأفكار اليسارية ، فأنقلبت حياته رأسا على عقب. أُفرج عنه لاحقا فأنظم الى
٥ـ (الدورة التربوية) ذات السنة الواحدة لأعداد المعلمين، وذلك في بنايتها بمدينة الأعظمية وتخرج معلما عام ١٩٦٤.
تقدم للعمل في اختصاصه الجديد وكان أول تعين له،
١ـ (إبتدائية المعارف) في مدينة الزعفرانية/ بغداد ، وأستمر بها لمدة ستة سنوات، طلب بعدها نقله الى،
٢ـ (مدرسة ديره كَشنكَ) في ناحية مانكيش والتي كانت تابعة اصلا الى مدينة دهوك، وأستمر بها سنة واحدة ثم الى،
٣ـ (إبتدائية مانكيش للبنين) وأستمر بها سنتان حتى العام ١٩٧٤ حيث نقل الى،
٤ـ (مدرسة إبتدائية..) في مركز مدينة دهوك ونقل بعدها الى،
٥ـ (إبتدائية ١١ آذار) في منطقة سـميل ولمدة سنة ثم الى،
٦ـ (إبتدائية بروشكي / سعدون) والتابعة لقضاء مانكيش ولمدة سنةحتى العام ١٩٧٧ ثم نقل الى،
٧ـ (مدرسة دوليا) والتي كانت فتح جديد، وهي تابعة ايضا لقضاء مانكيش ولمدة سنة ثم الى
٨ـ (إبتدائية مانكيش) حتى العام ١٩٨٦ وبعدها نقل الى،
٩ـ (مدرسة إبتدائية المظفرية) في مركز مدينة أربيل ، قرب القلعة ولمدة سنة واحدة  بعدها نقل الى،
١٠ـ (مدرسة الثورة العراقية) في مدينة أربيل ايضا ولمدة سنة واحدة، حيث إستحق التقاعد في العام ١٩٩٠.-
لم تكن السنين التي تلت التقاعد سني راحة واستجمام، بل كانت سني عمل متواصل من اجل توفير المال اللازم لأعالة العائلة، وبقيت في اقليم كردستان إذ عملت مع منظمة (Care) الأنسانية لثلاثة سنوات ثم في منظمة النفط مقابل الغذاء (WFP) والتي كانت تهتم بتوزيع المواد الغذائية على المواطنين. ونظرا لتدهور اوضاع العراق آنذاك ، فلم يعد البقاء ممكنا طالما فقدنا الأمل، فأضطررت للهجرة، وقصدت الولايات المتحدة اذ سكنت في شيكاغو اول الأمر ثم انتقلت الى ديترويت حيث الأهل والأصدقاء، وطوال سنين (حتى شباط ٢٠١٤) عملت في شركات السيارات.

ومن الأسماء التي صارعت النسيان وبقت شاخصة في الذاكرة اناسا كان لهم الأثر الطيب في تعليمي، او بصحبتهم ايام التدريس وأذكر من تسعفني الذاكرة بهم،  وأترحم على الراحلين وأتمنى السعادة دائما لمن ما زال في مشوار الحياة معنا:     ( في الأبتدائية نبي سليم، عبد الرحمن ، إيشو شابو، يوسف جركَو و إبراهيم ججو. اما الذين شاركتهم مهنة التعليم: بولص ميّا، اندراوس ميخو، مرقس إيشو شيلّي، توما هرمز، زيا شيبا ، إسبنيا، حنا رحيم ، بولا  و سعيد متي).
ان اخلاصي لمهنتي ولعملية التربية والتعليم والأخذ بيد الطلاب الصغار نحو عالم العلم والمعرفة كانت في مقدمة اهتماماتي، اضافة لقناعاتي السياسية والوطنية، ورغم اني كنت ادرس اللغة العربية بأستمرار، الا اني درست العلوم والأنكليزية حيثما كانت الحاجة مطلوبة، وقد حصلت على كتب تثمين وشكر من تربية بغداد نتيجة لأخلاصي، وما زالت اتذكر كيف كنت اقدم الدروس الأضافة للتلاميذ كلما اقترب موعد امتحانات البكلوريا من اجل ان يحصلوا على اعلى الدرجات، وكنا نتيجة لذلك نحوز على احترام وتقدير أهالي الطلبة. ان هذا الأخلاص بالعمل ، قابلته الجهات (الرسمية والحزبية البعثية) بموقف معاكس تماما، وهو النقل من مدرسة الى اخرى، في كل عام او عامان، مما عرّض حياتي الخاصة للصعوبات، وحرم ابنائي من الأستمرار مع اقرانهم لفترات أطول، وكنت دائما أشعر، بأن عملية النقل هي (انتقام) لمواقفي ومعتقداتي السياسية، وهي لم تكن بتلك الخطورة عليهم خاصة وأنهم يملكون الدولة والجيش والشرطة وكل شئ، الا ان رعبهم كان سيد الموقف في محاربتهم لأي انسان لم يدين لهم بالطاعة والولاء!
بالحقيقة (يقول المربي خوشو)، بأن تربية البيت وحرص الوالدين كانا مهمين لي، لكن أكبر التأثيرات  اتت من أخي الكبير (شمعون حنا) الذي كان لي بمثابة الأب والأخ الكبير والصديق والمربي الذي زرع في الأفكار الأنسانية والوطنية التي اعتز بها لليوم، وهي ايضا التي تمنحني الطاقة لكي اقرأ وأتابع في كتب التأريخ والعلم والفلسفة، إذ تكشف كل الأحداث صحة ما ذهبت اليه النظرية العلمية.
أما امنياتي للعراق العزيز، بأن يعود وطناً لكل العراقيين ودون تفرقة، وأن يحل به السلام والأمن والطمأنينة، والأجواء المناسبة لعودة من يريد العودة.  وأملي بأن تحكم البلد حكومة غير طائفية، تضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبارمن اجل خير الناس وإعلاء شأنهم ومستوى حياتهم.
****      ****      ******

المربية غنيمة زيّا عتيشـا ـ دكّي
في العام ١٩٤٢ ولدت في مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى، وفي (محلة عبرو). متزوجة من السيد كَوركَيس توما دكّي، ولهما ٤ بنات وولد واحد مع ١٠ أحفاد للآن.
مثلها مثل الكثير من البنات في عمرها، كان اهاليهم حريصين على ادخالهم المدارس ودفعهم للعلم والمعرفة فكانت أول خطوة
١ـ (مدرسة الراهبات الأبتدائية في تلكيف) إذ أكملت الصفوف الثلاث الأولى ثم انتقلت بعدها الى،
٢ـ (مدرسة الفيحاء لراهبات الكلدان في العشار) والتي كانت تابعة لكنيسة العشار حيث انهت الأبتدائية وأنتقلت بعدها الى،
٣ـ (مدرسة متوسطة في مدينة البريهة) في البصرة ودرست ٣ سنوات ثم تقدمت الى،
٤ـ (دار المعلمات الأبتدائية في البريهة) حيث اكملت السنة الأولى، وأقترنت تلك الفترة بزوجها، فأنتقلت الى بغداد وأكملت،
٥ـ (دار المعلمات في بغداد) في بنايتها الكائنة بشارع الكفاح، وتخرجت في العام ١٩٦٤.
بعد حصولها على شهادة التعليم تقدمت للعمل فكان توظيفها الأول في:
١ـ (مدرسة الأعتدال) في منطقة الدورة/ بغداد ، والتي كانت مجاورة ل (السمنير) ولمدة ٣ سنوات، ودرسّت فيها مادة اللغة الأنكليزية للصفوف الخامس والسادس إبتدائي، اعقبها الأنتقال الى مدرسة تقع بالقرب من مسكنها فكانت،
٢ـ (مدرسـة المسّرة) في منطقة حي دراغ، مجاور مدينة المنصور، وأستمرت هناك لمدة (٢٠) سنة وقد أختصّت بتدريس (الصف الأول) وهذا جعلها أن تكون أول من يتعلق الطفل به عند دخوله عالم الدراسة والمدارس والتعليم.
مع حلول العام ١٩٨٧ تقدمت للأحالة على التقاعد من التدريس، وعملت في بعض الأعمال الحرة، وتوجهت للعيش  في الولايات المتحدة عام ١٩٩٤، وعملت سنتان في احدى دور حضانة الأطفال، ثم انتقلت للأعمال الحرة، ومنذ العام ٢٠٠٩ توقفت عن العمل  وأنصرفت للمساعدة في تربية الأحفاد.

وعندما ارادت الست غنيمة ان تتحدث عن حبها للتدريس قالت: لقد احببتها منذ طفولتي، وعندما تقدم زوجي (كَوركَيس) للزواج، كان شرطي وشرط عائلتي أن اكمل تعليمي وأحصل على الشهادة وهذا ما تم فعلا، ولعل الفضل  يعود لأخي الأكبر (صبري عتيشا) الذي كان مثلنا الأكبر في الألتزام بالمدرسة والتعلم، ووضع شرط الزواج ايضا!
وبالعودة لمدرسة (المسّرة)، فهناك صور لا تنسى عن تلك الأيام الحلوة، فقد كانت مديرتنا (فرحانة) بعملي، وكنت اقدم دروسا نموذجية للتلاميذ، وصار اختصاصي الصف الأول، وكانت غرفة المديرة تزدحم بالأهالي الذين كانوا يطلبون أن يكون أبنائهم (في صف الست غنيمة) حتى وصلت صفوفي لحد التخمة (حوالي ٦٠ طالب) في الشعبة الواحدة، ورافق عملي الكثير من كتب الشكر والتقدير من المشرفات ومن الوزارة ايضا، وبالحقيقة أشعر براحة الضمير لعملي التدريسي، إذ اني أقمتُ افضل العلاقات مع عوائل التلاميذ، وكنت أتحدث اليهم بإستمرار، وأطلبُ منهم ان يأتوا للصفوف ويجلسوا ويشاهدوا ابنائهم، على أن المؤلم هو عدم وجود الوعي الكافي لدى الأهل في اهمية دورهم في حياة التلاميذ، ولهذا كان اهتمامهم ضعيف جدا في اجتماعات مجالس الآباء والأمهات. اما طعم تلك الأيام فلايمكن له ان يكتمل الا بتذكّر تلك الوجوه الطيبة التي عملتُ معها: ( مديرتنا العزيزة ست خيرية ، ست زاهدة الربيعي، ست سهيلة، ست آنجيل حنا، ست ابتهاج، ست ســمر، ست أميرة فروجي وست أديبة بطي) إذ لازلت اتواصل مع بعضهن بالتلفون، ودائما ما نعيد ذكرياتنا عن تلك الأيام التي لم نسأل عن دين المعلمات او قومايتهن او طوائفهن، فقد كنا مثل الأخوات، نتزاور عائليا فيما بيننا ونقوم بالسفرات والجلسات الجميلة. وأرتباطا بتلك الأسماء لا يفوتني ان اذكر بعض الأسماء التي كانت اعلاما في ايام دراستي الأولى: (الأبتدائية، استاذ عبد ججو ختاري للرياضيات، القس ابلحد حجار، والمطران كَوكَي لمادة درس الدين. اما في المتوسطة فأتذكر المدرسات تماضر بركات وكميلة طوبيا حكيم).

وللطرفة اذكر واحدة من الحوادث التي حصلت لي اثناء طفولتي (تلميذة في الصف الثاني) وكما روتها لي شقيقتي الكبرى "ماركريت" ولا انساها أبدا، فقد حدث في يوم ١ نيسان ١٩٤٩ ان كانت والدتي مريضة، وحينما عدت من الدوام الصباحي للمدرسة، لم أرغب للذهاب للدوام الثاني ، بينما هي كانت تلّح علي بالذهاب، فتدخلت أختي الكبيرة وأقنعت والدتي ببقائي في البيت وعدم الذهاب وخاصة ان ذلك اليوم  أقترن بسماء  ملبدة بالغيوم وتعد  بمطرا غزيرا، وهكذا جرى إذ كتب لي في ذلك اليوم عمرا جديدا، حيث تعرضت طالبات( مدرسة تلكيف) لتلك الحادثة المفجعة التي جرت نتيجة مرور سيل الماء الجارف في المدينة فحصد معه ارواح ٤٩ طالبة مع بعض الشباب، وكان من الممكن ان اكون واحدة منهن!
مع ان الحياة تسير سريعة للأمام، لكني اتألم كثيرا لحال مدارسنا في العراق وتلاميذنا من باب المقارنة (على الأقل في الفترة التي كنت فيها معلمة) فقد كانت صفوفنا مزدحمة بالطلاب كثيرا مما يحرم المعلم من فرص التواصل الشخصي مع التلاميذ، أضف لذلك قلة وسائل الأيضاح والملاعب والمراسم والألعاب لهذه الأعمار اليافعة، إذ ان هذه الأمور هي التي تحبب المدرسىة الى قلب الطفل، لكن مع هذا اتمنى ان يستفيد المسؤلون  هناك من تجارب الشعوب الأخرى وينقلوها للعراق، فأن اهله يستحقون!
وفي الختام، أمنيتي للوطن، لاتحتلف كثيرا عن امنيات كل الناس، وهو أن يرجع العراق كما كان، وطنا للكل، ولا تفرقة بين ابنائه وأن يعم الامن والأمان ربوعه وناسه.
****      ****      ******

المدرس فاروق داود سـامونا
تولد مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى في العام ١٩٤٧ وفي محلة (سامونا). متزوج من السيدة بتول إيليا عطالله، ولهم ٤ ابناء وحفيدان إثنان.
لقد اثبتت الحياة صحة تلك الحكمة التي سار عليها آبائنا، بأن العلم والمعرفة هما افضل وأقصر السبل لتقدم الأنسان، على الرغم من ان نسبة كبيرة منهم حرموا من تلك النعمة، لكنهم وبفطرتهم عرفوها، ولهذا ارادوها لأبنائهم وبناتهم، وهكذا كان الأمر مع (فاروق) حينما اخذه اهله الى (بيت العلم والمعرفة) فكانت اولى خطواته،
١ـ (مدرسة العرفان الأبتدائية) في مدينة تلكيف وحتى الصف الخامس، ثم اكل السادس في
٢ـ (مدرسة الطاهرة / بغداد) إذ انجز فيها الأمتحان الوزاري للمرحلة الأبتدائية، بعدها  عاد الى
٣ـ (ثانوية تلكيف) حيث درس الصف الأول متوسط ثم رجع وأنتقل من جديد الى بغداد ودخل
٤ـ (المتوسطة النظامية) فدرس الثاني والثالث متوسطة بعدها انتقل الى
٥ـ (الأعدادية الشرقية للبنين) في منطقة الكرادة حيث انهى دراسته الثانوية عام ١٩٦٥ ثم انتسب الى
٦ـ (جامعة بغداد ـ كلية التربية / قسم الرياضيات) وحصل على شهادة التخرج عام ١٩٧٠.
كما لكل الخريجين، كان طموحه كبيرا بالتعيين وتحويل العلوم التي اكتسبها الى واقع عملي مع التلاميذ فكان أول تعينه في
١ـ (متوسطة القادسية) في حي جميلة ـ مدينة الثورة، إذ درّس هناك لسنة واحدة ونقل بعدها الى
٢ـ (ثانوية العزيزية) في منطقة العزيزية، ودرّس فيها سنتان ايضا،  وكان هذا آخر مشواره في التدريس بمدارس العراق، إذ قررت العائلة الرحيل الى الولايات المتحدة والأستقرار هناك.
منذ وصوله مدينة ديترويت عام ١٩٧٣ عمل في الأعمال الحرة لأعالة العائلة، لكن طموحه لم يتوقف، فقرر في العام ١٩٧٦ معادلة شهادته (التدريسية) فتم له ذلك، لكنه استمر في الأعمال الحرة حتى العام ١٩٩٤، إذ قرر العودة الى التدريس، ولكن هذه المرة في مدارس ديترويت الحكومية، فعمل مدرسا لمادة الرياضيات في ثانوياتها:
١ـ اولد ريد فورد هاي سكول   ٢ـ ساوث ايسترن هاي سكول   ٣ـ ساوث ويسترن هاي سكول
٤ـ آز بورن هاي سكول      ٥ـ سي إم آي هاي سكول
ومنذ العام ٢٠٠٤ صار يقدم المحاضرات في مادة (الرياضيات ـ الجبر بمراحل متعددة ـ الرياضيات التجارية) في كلية (اوكلاند كوميونتي كوولج) ولعدة عدة فروع دراسية.  وما ان حل العام ٢٠١٢ حتى حل معه التقاعد الرسمي من مهنة التعليم، لكنه مازال يعمل (استاذا محاضرا في جامعة اوكلاند يونيفيرستي) هذه المرة ولمادة الرياضيات ايضا.ومع كل ما تعني له شهادة جامعة بغداد من فخر في الرياضيات الا انه اضاف لها شهادة الماجستير في الرياضيات ايضا ومن (جامعة ديترويت اليسوعية) عام ٢٠٠٠ بالأضافة الى شهادة ماجستير في المحاسبة قبلها بسنتين، عام ١٩٩٨ من كلية (ولش كولدج).

لايخفي المدرس (فاروق) شكره وتقديره للعديد من المربين والمدرسين الذين مروا بحياته وتركوا بصمات طيبة كان لها الأثر فيما نشأ عليه لاحقا حينما اصبح مدرسا. ولأنهم ثمينين، فقد احتفظت بهم الذاكرة، وهو دائم الدعاء بالرحمة للذين رحلوا وبالصحة للذين مازالوا احياء: (في مدارس تلكيف ، هرمز طليا، شـمّو كاتي، ميخائيل شينا، بهنام عفاص وحكمت زوما، وفي مدارس بغداد، يوسف ميري ، فضيل نقاش، كارنيك، طاهر البياتي، سعيد ألبير، انور عبد السادة، انطوان القس، نجيب خضر اما في الجامعة فكان الأستاذ المصري العطروني والمدرسة رينه سرسم). اما تربيتي البيتية فقد كانت الجزء المكمل لشخصيتي وعلاقاتي، إذ نشأت في وسط ابوين اعتادا طريق التقوى والصلاة ومساعدة الآخرين وهكذا علمونا لعمل الخير، ولأن اجواء البيت كانت هكذا فقد اندفعت للخدمة في الكنيسة، وأتقنت الصلوات جيدا، وصرت أخدم كشماس في القداديس، حتى اصبحت شماسا بشكل رسمي، وهذا بالحقيقة يبعث في نفسي الكثير من الفرح والراحة.
عن تعلقه بالتدريس يقول المدرس فاروق سامونا: إن حبي لمادة الرياضيات كان الدافع الكبير لأختيار سلك التدريس، وهذا الحب والفهم للمادة منحني امكانية جيدة لأبتكار طرقا جديدة في التدريس، فأتبعت مثلا (الطريقة الأستنتاجية، والطريقة الأستقرائية) وهي طرق تدفع الطالب للتفكير والأستنتاج في البداية مما يسهل امر فهم اعقد المعادلات لاحقا. ومن الطريف ان اذكر بأني وأثناء تدريسي في (ثانوية العزيزية) فقد كنت مدرس الرياضيات الوحيد، فقمت بتدريس كل المراحل، ومن ضمنها صفوف الثالث متوسط والسادس ثانوي اللذان كان خاضعين للأمتحانات الوزارية، وحصلت على نتائج جيدة جدا، رغم اني كنت حديث العهد بالتدريس. وللمقارنة أقول بأن منهج تدريس مادة الرياضيات في العراق اعتبره راقيا جدا، قياسا بالمنهج المعمول في ولاية مشيكان على الأقل، لكن يبقى الفرق كبير في طرق التدريس والصفوف والمدارس وأستخدام التكنلوجيا التي يتفوقون فيها على العراق بأشواط كثيرة. ويمكن لي القول بأن تنوع هواياتي وأهتماماتي قد ساعداني في فهم التلاميذ اكثر والتقرب منهم،  إذ اني اهتم الآن بقرأة تأريخ العراق القديم، وخاصة ما يتعلق بالكلدان، كما اقرأ الروايات العالمية والقصص والشعر، كما اتابع الأحداث  والمسابقات الرياضية.

امنيتي لوطني الغالي، ان يعود السلام الى ربوعه وينعم اهله بالرفاهية، وبالأخص ابناء الشعب المسيحي، ابناء الوطن الأصليين.  وأتمنى ايضا ان ينتهي عهد الأرهاب، وتعود الناس المهجّرة الى بيوتها ومدنها وقراها، ويجري تعويضهم ، من اجل ان يبنوا حياتهم من جديد، وأن يتحقق الأمن والأمان وأن يُعامل كل العراقيين على قدم المساوات والعدالة، وأتمنى ان يعود العراق ويحتل مكانه الصحيح بين الأمم المتقدمة.

كمال يلدو
كانون ثان ٢٠١٥

319
شكري وتقديري لك استاذي العزيز (لطيف نعمان)...ان ما اقوم به هو اقل من الواجب تجاه اهلي، وهو وفاءا وتسديدا للدين. الشجرة الطيبة تعطي ثمارا طيبة، وأنت تعرف من اي شجرة انا اتيت. عيد مبارك لك وللعائلة ولأهلنا اينما كانوا.

320
كمال يلدو: لن تكونوا وحدكم في هذا العيد!

  كثير من نازحـي الموصل وبلدات سهل نينوى سيجدون صعوبة في عقد صداقات وألفة مع مكانهم الجديد، ان كان في الخيم او  في الكرافانات أو الأماكن المؤقتة لأيوائهم، بعيدا عن تلك البيوت والأزقة والمرابي التي تآلفوا معها لمئات السنين. بعيدا عن جدران تلك البيوت والكنائس التي تعتمر  حجارتها مخزونا هائلا من  الترانيم والصلوات ورائحة البخور (بسما). عليهم اليوم ان يحتفلوا بعيد الميلاد وكأنهم لم يبرحوا عقود السبي والأضطهاد، وكأن الحضارة مازارتهم ولا اطلت عليهم بنورها. هكذا ينظر الكبار الى ملامح الأيام والليالي، اما الأطفال، فلا اظن ان احدا سيتمكن من الأجابة على تساؤلاتهم او استفساراتهم، لماذا؟

  قبل ايام قلائل، رفعت سماعة التلفون لألقي بالتحية على اخي الغالي ، الفنان والمخرج المسرحي (لطيف نعمان) الذي يسكن وعائلته مدينة(عنكاوة) الجميلة، وبعد حديث قصير، تمنيت له وللعائلة عيد ميلاد سعيد وسنة مباركة. ساد الصمت للحظات ثم أجابني: ايُّ  عيد هذا الذي تتحدث عنه يا كمال؟ ايُّ عيد والعوائل المهجرّة تفترش الأرصفة والبيوت الفارغة والساحات العامة؟ ايُّ عيد؟      ولبرهة من الزمن احسست بأن غضبا وألما عظيمين يعتمران صدر هذا الأنسان، في وقت جعل منه الزمن شاهدا على واحدة من اسوء ما مرّ على مسيحيي العراق ( ومن ابناء المكونات الدينية الأخرى، أيزيديون وصابئة مندائيون) دونما ان يتملك ادوات التغير او ان يوقف هذا المشهد الملئ بالأحزان والآلام.
ولبرهة من الزمن أردتُ ان اقول لأستاذي (لطيف) بأن الأنسان ما كان له ان يبقى لليوم ( ويسلم من الكوارث) لولا تملكه لأهم ميزة  فيما بين المخلوقات وهو العقل،   ولعلي أجزم بأن كوارثَ ونكبات مثل هذه وربما أشد منها قد مرّت على  المكون المسيحي، ورويت اراضيهم بدماء الأبرياء قوافل تلو القوافل، فمضى المحتلون والغرباء والأعداء وبقوا  هم، معلنين انتصار ارادة الأنسان في الحياة، وليس في الموت!
في العيد يجدد الأنسان تشبثه بالحياة، بالولادة وبالخير، بالبناء واللون الأخضر، رغم الحزن  والألم والموت، الا ان الحياة تمضي، وساعات الخوف ستمضي، والذي يبقى حتما هو الأنسان، ولو خسر العقار او الأرض او الكنيسة او المعبد، فالمهم ان لا نخسره هو. انه هو الذي عمّر الأراضي وزرعها وحولها الى كنوز الخيرات، وهو الذي بني الكنائس والمعابد،  وأحتفال اليوم  واضح المعالم ولا لبس فيه، فالذي انتصر في هذه المعركة هو الأنسان ، والذي انهزم هم ابناء الظلام والتخلف. فقد تمكنوا من بيوت المسيحيين، لكنهم لم يتمكنوا منهم او من ايمانهم، وأيمّا معادلة هذه! 
ما كان من صورة اروع من تلك التي سطرها الخيرون من ابناء الرافدين، وأشقاؤهم من كنائس المشرق والعالم، في حملات التضامن  والتعاضد امام هذه المحنة الكبيرة. كانت ومازالت تلك الصور  تتشكل وتسمو بأنسانيتها  وثقافتها العالية، في حملات التبرع بالأموال، والمواد العينية، بالمواد الطبية وألعاب الأطفال، بالأقلام والدفاتر، بالأغاني والمحبة، بالدعاء والصلوات، وبفتح القلوب والبيوت لأستقبال النازحين، ولا اظن ان صورة انسانية أروع كانت ستتجلى أرقى من هذه الصورة، وهي الأنتصار للأنسان.

لن يكتمل العيد دون ان يحتفل هؤلاء اللاجؤون به، ودون ان يرفعوا أدعيتهم وصلواتهم عالية، ودون ان ينذروا للغد أمانيهم  في العودة لمدنهم وبلداتهم ومدارسهم وأعمالهم وكنائسهم ومعابدهم. لن تكتمل مصابيح العيد وألوان شجرة الميلاد دون ان يقفوا امامها معلنين تمسكهم بالحياة وأنتصارهم على جحافل الظلام والتخلف والحقد والكراهية. ولن يكون عيدا حقيقيا لباقي ابناء الشعب العراقي بكل مكوناته الطيبة والمؤمنة بالأنسانية، الا حينما نتيقن بأنكم منتصرون في عقولكم وإرادتكم، منتصرون في تفكيركم وثقتكم بالغد، حينها سيكون العيد عيداً، ولعلي هنا  اعيد رسم ملامح ذلك المشهد الذي نتخذه دائما نموذجا للحياة ، فالمسيح ولد في مغارة  بسيطة، بلا انوار ولا تدفئة، ولد نعم……. وأنتصر.
لكم أحبتي ارفع كل التهاني والأمنيات، لعوائلكم الكريمة، لنسائكم الصبورات، للشباب والشابات الحالمين بالغد الطيب، لأطفالكم الحلوين، لكبار السن والمرضى والمقعدين، للحوامل والأيتام والأرامل، ولكل من فقد عزيزا في هذه الظروف الصعبة ،  لقلوبكم المليئة بالمحبة رغم سيئات الزمن، أرفعُ التهاني و أشارككم الأمنيات بوطن خال من الأحقاد والكراهية، وطن يحترم ابناءه كلهم ويوفر لهم العيش الكريم والأمن والأمان، وطن لا مكان فيه لأعداء الأنسان والأنسانية، ويقيني بأنه قادم رغم كل الصعاب، فالأنسان أثبت انه الأقوى مهما اشتدت عليه المحن.

لن نترككم وحدكم في هذه الأيام.  وفي هذه الأعياد، نحن معكم !

كمال يلدو
كانون أول ٢٠١٤

321
إسقاطات الأحداث والوجوه في رحلة التشكيلي "رائد نوري الراوي"


التشكيلي الراحل نوري الراوي - بورتريه شخصي
حتى وإن غادروا تلك الأرض، أو اختاروا “عشاً ” آخرا ووطناً جديداً، فإن رائحة العراق تبقى فوّاحة وتشـي عن نفسها فيهم، فتتلمسها في احاديثهم وامنياتهم وحتي في احلامهم ومجمل تأملاتهم، اولئك هم الأبناء النبلاء للعراق، اولئك هم النجوم التي زيّنت ومازالت، سـماء ثقافتنا الوطنية، ومابرحت تمدها بالضياء والمحبة الدائمة.
ادعوكم لرحلة في عالم الفنان التشكيلي رائد نوري الراوي، آمل ان تروق لكم.
** ** ** ** ** **
من مواليد مدينة الأعظمية في العاصمة بغداد عام 1955، متزوج من سيدة أمريكية، ولهما ولدان.
درس الأبتدائية في (مدرسة الحارثية) ثم انتقل الى (متوسطة المنصور) وأكمل الثانوية في (الأعدادية العربية) وهي احدى مدارس الكرخ وتقع بالقرب من (جسر الشهداء). درس “التربية وعلم النفس” في الجامعة المستنصرية، وحاز على شهادة البكالوريوس عام 1977. خدم بعدها المدة المقررة للعسكرية وتسّرح منها . عمل قبل هذه المرحلة رساما في مجلة (مجلتي والمزمار) ثم رساما للكاريكاتير لمدة سنتان في “جريدة التآخي” وذات الشئ في “جريدة الجمهورية”. في العام 1980 قرر ان يزور احد اصدقائه الدارسين في الولايات المتحدة الأمريكية بولاية (نورث كارولاينا) . شاءت الظروف ان تندلع الحرب العراقية الأيرانية، وترافق ذلك مع تلبد سماء الوطن بالغيوم أثر صعود صدام الى سدة الرئاسة،  فأمتثل الى نصائح الأهل وألاصدقاء في التريث بالعودة للعراق لحين ما ما تتكشف الصورة. تمضي نيران الحرب عميقا في الجسد العراقي، وتبدأ بحصاد خيرة الشباب، فيصبح أمل العودة ابعد وأبعد حتى وصل الى يومنا هذا، فتلك الرحلة التي بدأت كزيارة، تواصلت لتصبح اقامة دائمة. لقد اضطر للعمل (نتيجة تبدل خطط العودة)، فوجد طريقه لأحدى دور الطباعة والنشر فعمل معهم في قسم التصميم، ودام ذاك حوالي 16 سنة، اما في السنين الأخيرة فهو منغمر في الرسم عند “التكليف” وعلى اساس القطعة، ويقوم بعمل بعض التصاميم، كما انه عمل في محل لبيع “الأدوات والمستلزمات الفنية” وفي الآونة الأخيرة يقوم بتدريس مادتي (الرسم - أكرلك) و (الكاريكاتير) في احد المعاهد بولاية - نورث كارولاينا - اضافة الى استمراره في الرسم على اساس “القطعة” .

كانت مناسبة حلوة تلك التي اطّل بها الفنان التشكيلي (رائد الراوي) على الجمهور بمدينة ديترويت اثر تلبيته لدعوة ( منتدى الرافدين للثقافة والفنون) عبر الأستاذ المسرحي د. علاء يحى فايق، للمشاركة في امسية لأستذكار الفنانان الراحلان (نوري الراوي و مكي البدري ـ يوم الجمعة 6 حزيران) . يدور الحديث عن شريط الذكريات وبغداد و (الراحل) وولايته (نورث كارولاينا)، فكانت النتيجة ( سـجادة) عراقية جميلة بكل الوانها ورسومها.
بدأت كلامي معه بالسؤال: كيف رسـت مراسيك على شواطئ الولايات المتحدة، وكان جوابه: بالحقيقة انها كانت اعتباطية وصارت بالنهاية تحصيل حاصل. ففي البداية قصدت امريكا لزيارة صديق كان يعيش فيها ، ومع حلول وقت عودتي، اندلعت الحرب مع ايران، وأعلن عن غلق المطارات، وفات موعد بطاقتي للعودة، فصابني التوجس والخوف، و كنت قد انهيت خدمتي العسكرية للتو، فطلبت مني العائلة والعديد من الأصدقاء التريث قبل العودة، حدث هذا  مترافقا مع تصاعد حملة (المطاردة والمضايقة) لكل الذين لم ينتموا رسميا للبعث، ونظرا لعملي في جريدة الجمهورية، وطبيعة رسوم الكاريكاتير النقدية التي كنت اقدمها، فقد كنت (في مرمامهم) إن صح التعبير ولم أرغب ان اكون (صيد رخيص او لقمة سائغة) لدهاليز غرفهم المظلمة،  يومها لم اكن أملك سوى (300 دولار) مصرف جيب لتغطية رحلة العودة، امّا صاحبي الذي زرته فلم يكن ميسور الحال ، فأضطررت للعمل كي اتدبر أمري، وهكذا مرت الأيام والسنين، فمن حرب الى حرب، ومن نظام الى نظام، وصرت احسب الوقت ليس بالأيام والشهور، بل بعشرات السنين!
وكيف عاملتك الغربة، يقول: انها لم تكن اختيارية، بل كنت مضطرا لهذا القرار اولا، وثانيا صُدمتُ بمقتل صديقي (منعم الزهاوي) في الحرب، فأصابني الرعب منها ، وعانيت كثيرا بين أهلي الذين يقولون لي إرجع (ربما نتيجة الضغوط) وواقع يقول لي لا ترجع، فوقعت حينها تحت وطئة اليأس والكآبة، وبين مطرقة الحنين للأهل و سندان الشوق لبغداد والأصدقاء، فلقد كانت تلك الأيام ايام صعبة حقا، ساهمت في ان أتجلد أكثر مع مشاعري وحنيني.
وكيف فرّغت تلك الشحنات: بالحقيقة كنت أرسم، كنت ارسم السكيتشات، كنت ارسم اي شئ، المهم ان ارسم حتى اهدأ وترتاح روحي. فقد احسنت توظيف (عقوبة) الكبت والكآبة، الى الأنتاج الأبداعي. اما حينما اتذكر تلك الأيام، فكم اتمنى لو كنت امتلك (عقلية اليوم، بروح الماضي) لكان تعاملي مع الحدث بشكل افضل، وبالحقيقة ، فقد طوّعتني الأيام وصقلتني التجربة، وتجلّت الكثير من مشاعرنا النقية والصافية لابل قل، اننا كبرنا. اما تحويل المعاناة الى رسم، فلم اجد تفسيرا لها إلا كوننا اناس قادرين على تحويل أكبر الكوارث الى حالات ابداعية فذّة!
ولأن الحديث يدور مع شخصية تنحدر من أب كان له حضوره البارز في الساحة الفنية والثقافية التشكيلية العراقية، فما كان ان نختصر ذاك البيت الذي ترعرع فيه رائد لهذا فهو يقول: ربما اكون من (الأولاد) المحظوظين في نشأتي مع هذه العائلة، فقد كان بيتنا (في الحارثية) مليئ بالكتب واللوحات الفنية، ومرسم بكامل عدّه وعديده! كما كنّا نمتلك (كرامافون) يسمعنا أبي من خلاله اروع المعزوفات الموسيقية الكلاسيكية كل يوم جمعة، فقد كنت شاهدا على والد كان يقضي جلّ وقته في البيت بين ثلاث محاور، اما الكتابة أو القرأة او الرسم! فكيف تريدني ان أنشأ؟ ولعلي هنا اذكر شيئا حسنا عن (أُمي) الغالية، فهي التي لم تُدخر جهدا في محبتنا وتربيتنا ودفعنا لما هو جيد وخيّر لحياتنا.
وهل شـجعك الرسام “نوري الراوي” على الرسم، يقول رائد: ابدا لم يشجعني في البداية، وللحق ايضا، فهو لم يشجعني على القرأة أو الكتابة (ولليوم لا ادري لماذا، فربما لتجربة سلبية مرّت عليه)، وكان همّه ان أحصل على درجات جيدة في المدرسة. في صغري، كنت (اتجسس) أتفرّج عليه وهو يرسم، وللحقيقة أقول، انه اول من اعطاني (أقلام ألوان) وكنت لما أزل (5) سنوات من العمر فقط، اذ كنت أرسمُ آنذاك خطوطا لا اتذكر معناها أو مغزاها!
لقد كان بيتنا عبارة عن (كورة) يجتمع فيها خيرة الرسامين والفنانين والسياسين والشعراء والأدباء العراقيين، وإذ تسعفني الذاكرة، فإني اتذكر من تلك الأسماء والوجوه: الراحل منير بشير، حافظ الدروبي، راكان دبدوب، خالد الرحال وأسماء كثيرة، لكن (وللمزحة فقط) فأن والدتي كانت (تدوخ) من هذه العزائم وكثرة الضيوف (جيبي جاي، و ودي جاي) لكنها كانت تعمل كل هذا وأكثر عن طيبة قلب وخاطر، الذكر الطيب دائما للوالدة الغالية بهيجة صالح سليمان. وتمر الأيام، فبدأ يحثّني على الرسم، وكنت (نادرا) ما اسمع منه تعليقات كانت بسيطة في محتواها ، على ان اروع اللحظات كانت تلك التي تكون بحضور اصدقائه الفنانين او الشخصيات الكبيرة (رائد: جيب اعمالك وراويها للفنانين) وبالحقيقة لم تكن في العالم نشوة كتلك التي كانت تتملك روحي الصغيرة آنذاك.
اوقفت الأستاذ رائد الراوي لأسئله عن رسوماته في البداية فقال: اتذكر وأنا حدثا، فمع وفرة الكتب والمجلات الفنية الكثيرة في بيتنا، أحببت رسوم (مايكل انجيلوا) كثيرا، وبدأت مسيرتي بعمل تخطيطات للوجوه (معظمهم اصدقائي) ، ومع الأيام، تملكت نوعا من الفكاهة انعكست على الرسوم، وفعلا صرت اعمل مجلات صغيرة لأبناء الطرف وأسميتها (الصباح) ولابد من القول بأن أخي (أحمد - يعيش الآن في فرنسا) والذي كان متعدد المواهب في الرسم والخط والتصوير وكتابة الشعر، ساعدني كثيرا بأخراج مجلة (الصباح). ومع نهاية عقد الستينات صرت ارسم الكاريكاتير، ونشر اول رسم لي بشكل رسمي في الصفحة الأخيرة من مجلة (الف باء العراقية - العدد 19 - كانون أول 1971) تحت باب الهواة.
لماذا درست علم النفس ولم تدرس في الأكاديمية، يقول الفنان رائد: بالحقيقة إن هذا الأمر مازال لليوم يترك مرارة في نفسي، فقد كانت امنيتي ان ادخل الأكاديمية، لشغفي بالرسم، ولأن معظم اصحابي دخلوها، لكن كان لوالدي المرحوم موقفا آخرا فقال لي يوما: انت تعرف الرسم، فلا حاجة للأكاديمية، إذهب وأدرس فرعا آخرا! وهكذا كان.أما للذين يتذكروا تلك المرحلة، وشروط الدخول للأكاديمية، فسيعرفوا بأن أهم شرط لم يكن متوفرا فيّ آنذاك!
وبالفعل قدمت اوراقي للجامعة المستنصرية ودرست فرع (علم النفس) .
يبقى السؤال عالقا في الفضاء، بمن تأثرت من رسامي الكاريكاتير، وكان جوابه: في المقدمة منهم تأتي رسوم الأستاذ “بسام فرج” ، وبعدها رسوم وموضوعات الأستاذ “مؤيد نعمة”، ثم جاءت التأثيرات الأخرى عبر مشاركتنا في (معرض كَابروفو) الدولي للكاريكاتير العالمي في بلغاريا عام 1975، فأنفتحت على عالم رائع من الرسوم لفنانين من (الأتحاد السوفيتي، جيكوسلوفاكيا، بلغاريا وبولندا) والتي كانت تتميز بالبساطة والبساطة فقط!
عدت ودرست الأمر مع نفسي، وأخترت منذ تلك الفترة فلسفة و(طريقا) للرسم مازلت لليوم مطيعا له، الا وهو: الرسم البسيط والأبتعاد قدر الأمكان عن التعليق، متعمدا ان اترك الرسم يتحدث عن نفسه، وأن أمنح فرصة للقارئ (المشاهد) لكي يخرج بالحصيلة.
وسألت الفنان رائد إن كانت الذاكرة تسعفه ببعض الذكريات عن نشاطات تلك الأيام فقال: طوبى لتلك الأيام كم كانت حافلة وجميلة، وأصاب من سمى ذلك الزمان ب “عصر المبدعات والمبدعين”. فبين العمل في ثلاث صحف، والدراسة الجامعية والألتزامات الشخصية والعلاقات والصداقات، فقد كان مايزال عندنا متسع من الوقت للنشاطات العامة، تصور! تسألني إن كنت اتذّكر، نعم اتذكرها:
1) معرض كل العاملين في (مجلتي والمزمار) عام 1974، وقد اقيم في الهواء الطلق وتحت نصب الحرية العظيم.
2) المشاركة في معرض (كَابروفو) في بلغاريا عام 1975
3) تأسيس (جماعة رسـامي الكاريكاتير العراقيين) عام 1976 والتي تشكلت من الأساتذة نزاز سليم، مؤيد نعمة، بسام فرج، عبد الرحيم ياسر، ضياء الحجار ، موسى الخميسي ومن شخصي أنا.
4)أقمنا معرضا تشكيليا لرسوم الكاريكاتير عام 1976 في (قاعة كولبنكيان) بالقرب من ساحة الطيران، وقد ساعدنا بأقامته الراحل نوري الراوي.
5) في العام 1979 شاركت (جماعة رسامي الكاريكاتير العراقيين) بمعرض في بلجيكا، ومثّلنا هناك كل من الفنانين مؤيد نعمة، عبد الرحيم ياسر وشـخصي أنا.
بعد تلك الرحلة أردتُ أن أعرف منه عن نشاطاته في الولايات المتحدة فقال: مثل أي نبته حينما تقتلعها من أرضها وتزرعها في أرض اخرى، فإن كتب لها الحياة سـتخضّر ولو بعد حين! هكذا قصتي مع الرسم. وكان الهم العراقي مركز وجعي وسبب غربتي حاضر مع كل ضربة فرشاة او رسم قلم!  فبعد أن قررت البقاء في هذه البلاد، انصرفت للعمل والأعتماد على نفسـي، فعملتُ كثيرا ورسمتُ كثيرا، لكن في هذه المرة كانت رســـوماتي لي وليس للنشر (على الأقل لفترة مؤقتة وحتى تنجلي الغيوم)، فرسمت الكثير من السكيتشات، والرسوم الطبيعية والفكاهة الممزوجة بالسريالية والخيال، وراسلت بعض المجلات الأمريكية، واشتركت في عدة معارض أيضا. ومع الوقت عملت على نسج خيوط شبكة من العلاقات بالفنانين الأمريكان في ولايتي، وصرت اقدم أعمالي في (المعارض المشتركة) وأصبحت عضوا عارضا بشكل دائمي في المركز الفني لكل الرسامين الأمريكان والعالميين بمدينة (شارلوت - نورث كورولالينا) وأحمل دعوة دائمة معهم. وقبل سنوات شاركت ضمن (جمعية فناني شارلوت) بمعرض في - مقدونيا - ، علما ان هناك عدة (كاليريات) منتشرة بعدة مدن ، أنشرُ فيها لوحاتي ورسـومي، وهذه بالحقيقة تساعدني بطريقتين، الأولى معنوية وهي تلك التي تعيد الحياة لصلاتي بالناس، والثانية مادية، إذ انها توفر لي مصدرا ماليا اضافيا يساعدني كثيرا في مشاريعي المستقبلية.
وهل خدمتك التكنلوجيا الرقمية بشــئ ، فضحك وقال: إنها أروع شـئ ، انها أروع ابتكار وإكتشاف، نعم لقد خدمتني كثيرا، فقد ساعدتني على إعادة التواصل مع الكثير من الأحبة الذين افتقدتهم نتيجة الغربة وظروف الوطن الصعبة، وشكرا ل (الفيس بوك) إذ صرت اتواصل مع اصدقائي الكثيرين ومنهم الفنانين ( فيصل لعيبي، حسـن رضا و منصور من - مجلتي والمزمار) كذلك مع (رضا رضا - المانيا/ كفاح محمود - هولندا/ أمير تقي - الأمارات)، كما تفاجأت مؤخرا حينما علمت بأن الأخ (علي إبراهيم الدليمي) قد أخذ أحد أعمالي ونشرها في مجلة “الف باء” البغدادية.
ويضيف الأستاذ رائد قائلا: يوما بعد يوم أشعر بالتقارب أكثر مع أهلي وأصدقائي الذين فارقتهم منذ سنين، والفضل كل الفضل يعود لهذا (اللعين) الفيسبوك!    فقمت بنشر بعض رسوماتي عبر صفحتي، وصارت تأتيني التعليقات من العراق و اوربا، وهي بالحقيقة تمنحني طاقة وشحنات تشجيعية كبيرة، لكن أدّل الكلام يبقى طلبهم لي : ( نحن نحتاجك، لا تنسانا، لا تبخل علينا) وبالحقيقة، فإني عندما أقرأ هذه الكلمات “تطفر الدمعة من عيني” وأعود طفلا صغيرا يحن اليهم وإلى عشرتهم الجميلة. وما يزيدني فخرا، فأن الكثيرين مازالوا يتذكرون (جماعة الكاريكاتير)، ومن الطريف ان أذكر بأني وبعد كل هذه السنين، استلمت دعوة من (امانة بغداد) يطلبون فيها معلومات عن “سيرتي الذاتية” وذلك بغية ضمها الى كتاب ينوون اصداره عن مجموعة المفكرين والرسامين، والأطرف من ذلك، بأن الكتاب يشير اليّ وليس الى استاذي نوري الراوي!
امّا عن علاقة الفنان بالعائلة و والده بالذات فقال: بالحقيقة ان قرار الغربة كان مـرّ المذاق على كلانا، أنا والعائلة، وضاعت عندي المقاييس في التفريق بين الضحية والجلاد. فالجلاد الذي جعل منّي ضحية، حولني الى جلاد لوالدتي وبقية عائلتي، وعشت مرارة كبيرة وحنين عظيم للعائلة، لكن وللأسف دون جدوى. لكني من الجهة الأخرى، فقد أقمتُ معهم جسورا للتواصل حرصت عليها كثيرا. اما أول لقائي بهم من جديد فقد كان عام 2004، اي بعد 24 عاما من الغربة، ثم التقيتهم مرة أخرى في أربيل عام 2007، اما آخر لقائي مع الوالد فكان عام 2010، حينما أقمنا معرضا تشكيليا مشتركا أنا وهو على “قاعة الأورفلي” في العاصمة الأردنية عمّان ، وكان تحت عنوان (معرض الثمانين عاما) وتشرفت بعمل دليل المعرض آنذاك.
وحينما سألته عن مصير (إرث الوالد) من أعمال ورسوم وكتب ومقتنيات شخصية قال: لقد ترك الراحل الكثير الكثير ، إذ كان شديد المحافظة على الصغيرة والكبيرة، وتقوم الغالية شقيقتي (ســـحر) الآن بتصفية تلك التركة وبما يليق بمسيرة الوالد، علما انها كانت قد تبرعت بقسم من الرسوم الى (جمعية الفنانين التشكيلين) وقسم آخر الى (وزارة الثقافة العراقية) والقسم الأخير مازالت تحافظ عليه رغم ظروف البلد الأمنية الصعبة.
ولطاما كان الحديث عن الراحل نوري الراوي، اردت أن اعرف شيئا عن آخر ايامه فرد الأستاذ رائد بالقول: لقد كانت صعبة! عليه وعلى عائلتي وعلـيّ ايضا. إذ تدهورت صحته كثيرا وعانى من ذلك حتى وافته المنية يوم 15 آيار 2014 في مستشفى اليرموك ببغداد. لكني احسـب نفسي من القلائل المحظوظين في هذا الزمان. فقد تمكنت من تأمين اتصال ( الكتروني) معه عبر شبكة الأنترنيت بأسبوع واحد قبيل رحيله. حيث تمكنّا من التواصل عبر شبكة (السكايب - صورة وصوت)، فشاهد اولادي وشاهدوه ايضا، وســمعت ضحكته من بعيد! وفرحت لذلك حقا، ولا انساها أبدا. وعلى ذكر الوالد، ففي بداية حياتي التشكيلية، كان هناك (البعض) ممن شكك في قدراتي الفنية، فصار ينشر الأشاعات على إنّ (والده يساعده!) وكان هذا الأمر يضايقني كثيرا، لابل إنّ مسألة السير في (ظّل الكبار) عملية متعبة جدا، وتحتاج الى جهد اضافي لأثبات شخصيتك! ولم أكن من السعداء (آنذاك) لورود اسمي مقرونا بإسم والدي، إذ كنت اسعى لأثبات شخصيتي والتحليق عاليا بإنفراد، فصرت أكتب إسمي (رائد الراوي) فقط، لكن وبعد مضي كل هذه العقود والسنين والجراح وما جنيناه من سنوات الغربة، صرت أحن لذلك الأسم، وله بالذات، وكم أشعر بالفخر بأني قد ورثت عنه طريق الفن التشكيلي الصعب. لقد رحل عنّا، وترك إرثاً و أثراً كبيرين، وهو يستحق الذكر الطيب مني دوما.
وبالعودة الى سيرة الأستاذ رائد، حاولت أن أتعرف على آخر اهتماماته فقال: لقد كان الأنسان دائما مركز اهتمامي ، وها انت ترى الدمار الذي حل بالوطن ، وسيل الجراد الذي يحرق  كل شئ بما فيها الثقافة والأنسان وكأن أرض هذه البلاد لم ترتوي من الدماء بما فيه الكفاية ، فأني لم اتمكن من مغادرة هموم الأنسان العراقي التي تراها  في كل الخطوط والرسوم ، وأحاول تقديمها ليس للمشاهد العربي فقط بل للقارئ الأمريكي، اذ رسمت ضد الطائفية والفساد والظلم والفقر والجوع ومازلت  ، أما لمشاريعي الشخصية فبالحقيقة كانت عندي أحلام كثيرة في الماضي، ومع مرور الوقت، حاولت الأمساك ببعضها والحفاظ عليها من الضياع! وهي عبارة عن (احلام) منها:
** طبع كتاب رسوم كاريكاتيرية عن مضار التدخين - بالأنكليزية.
** مذكرات طفولتي في بغداد - باللغتين العربية والأنكليزية.
** كتاب يتضمن رسوم كايكاتيرية عن الأقدام البشرية! وهذا كان حصيلة تجربة مريرة عشتها مع (قدماي) حينما خضعتا لعملية جراحية أجريت لهما وأقعدتني البيت لمدة ثلاثة أشهر، وكان من حصيلتها هذا الكم الهائل من رسوم الأقدام.

اما عن اولادي، فأني سعيد بكلاهما، لكن احدهم يبدي اهتماما أكبر بالرسم والفن، رغم اني امنحهما ذات الأهتمام والتشجيع على الفنون والرسم، لكن الآخر يبدي جدية أكبر. وفيما يخص مشاريعي الشخصية، فإني منكب الآن لأخراج بعض الأفلام (الكاريكاتيرية) مستخدما رسومي وبالأستفادة من برنامج يوفره - تلفون الآي فون - وشركة محلية للأفلام المتحركة، وقد انتجت للآن 3 منها.

أُمنيتي للعراق: بس السـلام والأمان، وأن يبقى البلد متوحد، وأُريد الوطن أن يكون مثلما كان أيام طفولتي، ومثلما يخطر على بالي هســّة، حلو وجميل و يتســّع لكل ابنائـه.

كمال يلدو
كانون أول 2014

322
الأستاذ العزيز حبيب تومي، شكرا جزيلا لمرورك الكريم على هذه المقالة ووضعك للمستك الطيبة والفواحة. اتمنى يوما ان تحضى بهذا الكتاب، فهو بالحقيقة (رغم صغره نسبيا) الا انه جامع بشكل جيد بين تأريخ الكلدان بنبذة جيدة، وأغلب صفحات الكتاب المتبقية تتحدث عن (ســـفر) هؤلاء الكلدان في هذه البلاد وكفاحهم وعملهم ، ووقفة مع الجيل الجديد وطموحاته المستقبلية. هذه الجالية العزيزة (في ديترويت) والجاليات الغالية الأخرى والمنتشرة في عدة ولايات (شيكاغو، ترلوك، سان فرانسيسكو ، ساندياكو، اريزونا او اية مدينة فيها تواجد نسبي كبير)، تستحق التوقف والتسجيل والأرشفة وطرحها للقارئ الأمريكي أو ابناء الجاليات بما يليق بها . انه استحقاق ، وقد وضع اولى لبناته الغالي (جيكوب بقال) .
تحية ومحبة لك، وأعتزاز كبير بأهالي القوش الرائعين، اتمنى لو تنقلها لهم طالما انت بين ظهرانين  ابناء تلك المدينة الرائعة، مدينة الغالي الراحل (ابو جوزيف) ، فكم نحتاجه في مثل هذه الأيام العصيبة؟

323
شكرا لمرورك الكريم أخي الغالي فوزي دلّي، ولكلامك الطيب الذي ينم عن روح زاخرة بالمحبة والأمل. نعم ان الصديق العزيز (جيكوب بقال) يستحق الثناء على العمل الذي قام به، وبقناعتي، فهي تمثل اللبنة الأولى لأعمال مستقبلية مثل هذا الكتاب أو اكبر او اصغر، المهم ان تتحرك الأقلام وتسطّر شيئا يليق بنا وبتأريخا. وبهذه المناسبة، لابد من الحديث عن تجربتكم الرائدة انتم أخي الغالي فوزي في (اذاعة صوت الكلدان من ديترويت) الغراء والتي كانت رائدة بلا منازع في عالم الأثير لثلاثة عقود وأكثر، فقد نثرتم في عملكم ورود المحبة وزرعتم بذورا طيبة لتقدم ورفاهية هذه الجالية الكريمة، ومن حقنا حينما نحتفل بالأنجاز، يجب ان لا ننسى الظهير الذي كان حاضرا في كل المناسبات، ومنها مناسبة عرض الكتاب. اخلاقكم الرفيعة وشخصياتكم المتميزة (كل الأخوات والأخوة الغاليين في الأذاعة) تستحق كل التقدير والمحبة، مثلما يستحقها حبيبنا الغالي جيكوب بقال.

324
حفل توقيع كتاب (الكلدان في ديترويت) في نادي شانوندوا



IMAGES of America  CHALDEANS IN DETROIT

شهدت إحدى صالات نادي (شانوندوا العائلي) في ضواحي مدينة ديترويت، مساء الثلاثاء ١٦ كانون أول ٢٠١٤ حفل توقيع كتاب (الكلدان في ديترويت) باللغة الأنكليزية لمؤلفه السيد جيكوب بقال. وشارك في الحفل نخبة كبيرة من بنات وأبناء الجالية وممثلي الجمعيات ووسائل الأعلام المحلية، وكان في مقدمتهم سيادة المطران مار إبراهيم إبراهيم الجزيل الأحترام.
بدأ الحفل بكلمة استعراضية القاها السيد (مارتن منّا - رئيس غرفة التجارة الكلدانية الأمريكية) تطرق فيها الى أهمية هذا الكتاب، كونه يؤرخ لجيل وضع اولى خطواته في هذه المدينة منذ أكثر من ١٠٠ عام خلت، وعن أهميته للجيل الجديد التواق لمعرفة المزيد عن تأريخ آبائه وأجداده، ليس في بلاد المهجر فقط بل وفي الوطن الأم ايضا.
إعتلى المنصة بعد ذلك السيد (مايك صرافا - مدير إدارة بنك مشيكان) والذي أثنى بدوره على الجهود الكبيرة التي بذلها المؤلف والوقت والمال الذي تحمله بغية إخراج شئ يليق بتأريخ الجالية وواقعها، وكونه يأتي في وقت تخلو المكتبات من مطبوع يتحدث بهذه التفصيلات عن الجالية الكلدانية في ديترويت وتأريخها وعاداتها.
بعد ذلك جاء دور السيد “جيكوب بقال “  ليرحب بالحضور الذي ابهره حجمه ومدى اهتمامه بهذا الكتاب، إذ غصّت القاعة بهم رجالا ونساءا وشبابا وشابات. كما رحب بالضيوف الكرام وعلى رأسهم سيادة المطران الذي لبّى الدعوة مشكورا.  ثم شكر كل من سـاعده على إتمام هذا المشروع وبالأخص ابنته التي تفرغت من عملها لمدة سنة ونصف للمساعدة في الطباعة والترتيب والتنقيح والتصحيح، وأثنى على عوائل الجالية الكرام الذين فتحوا خزائن ذكرياتهم وأمدوه بالمعلومات والصور التي كوّنت مادة الكتاب لاحقا.
اما عن  قصـة هذا الكتاب ودوافعه فقال : بالحقيقة كانت الصدفة وحدها هي التي اهدتني قبل حوالي العامين لهذا الأنجاز. فقد كنت في زيارة الى مكتبة (بارنز آند نوبيل) لاستلام كتابين كنت قد طلبتهما قبلا، ونتيجة لطول صف الأنتظار، انتهزت الفرصة لألقي نظرة على آخر إصدارات الكتب، وإذا بي انتهي امام طاولة  يبدو انها وضعت حديثا ضمّت سلسلة من الكتب ذات القطع المتوسط تحت عنوان (صـور من أمريكا)، فألتقطت كتابان، كان واحدا منهم عن الجالية البولونية والآخر عن الجالية المالطية في ديترويت، ولم اتركهما قبل ان تؤشر الساعة الثالثة صباحا حينما انهيت قرأتهما بالكامل، ومع انبلاج اولى خيوط الصباح لليوم التالي حتى كنت بإتصال مع الشركة المنتجة لهذه الموسوعة المعرفية من الكتب، والباقي اصبح تأريخا، وكما تروني أقف امامكم حاملا كتاب ( صور من أمريكا - الكلدان في ديترويت)! وبالحقيقة انها فرحة كبيرة لي ولعائلتي ولكل من عاضدني بهذه الولادة السعيدة.
  لابد لي من القول بأني: لسـت كاتبا ولا مؤلفا ولا ناشرا، الا ان غيرتي على ابناء شعبي الكلداني وجاليتي العزيزة وتأريخنا المشرّف، كانت هي التي دفعتني للدخول في هذا المضمار الطويل والصعب والممتع ايضا، ناهيك عن احساسي بضرورة ان اروي  لكل القراء الكرام قصّة النجاح والعمل والكفاح الذي سطرته سواعد بنات وأبناء الجالية الكلدانية الكرام في ديترويت طوال عقود من الزمن، متحدين تلك العقليات المتخلفة والأقصائية التي طغت على أدمغة حكام العراق، الذين ما برحوا ضحايا للعقلية المتخلفة والعنصرية الضيقة في التمييز بين ابناء الوطن الواحد، وحرمان المكون الكلداني - المسيحي من الفرص الحقيقية للمشاركة في بناء وأعلاء شأن الوطن الغالي، وطنهم الأصلي قبل ان يكون وطن غيرهم من اللذين كانوا لزمن قريب، غرباء!
 ثم أكمل قوله : ولا يخفي على اي أحد منّا، بأن مشروعا كبيرا كهذا يحتاج الى جهد مؤسساتي و جماعي كبير، ورصد مالي وبشري غير قليل، لكني توجهت نحو العمل مأخوذا بالحماسة وتحمل المسؤلية لتقديم هذا الكتاب التعريفي المهم، نظرا لخلو المكتبات الأمريكية من منشور عن الجالية بهذا الحجم اولا،  وليكون اللبنة الأولى لمشاريع أخرى تغطي  نواحي حياة الجالية وتأريخها وحاضرها وحتى افق مستقبلها بقدر اكثر تفصيلي ومدعوم بالأرقام والأحصائيات التي تساعد الباحث أو الجيل الجديد من تكوين فكرة جيدة عن هذه الجالية المعطائة ثانيا،   ولعلي هنا أقول لكل الذين لهم رغبة مشابهة لرغبتي بأن “ الطريق سالكة امامكم”   وهناك من سيدعمكم ، وفي المقدمة منهم (انا)، وإن جاليتنا ستكون ظهيرا طيبا لكم ولن تخيّب آمالكم.
ثم استعرض بعد ذلك ابواب الكتاب مع شرح بسيط لبعض الصور  التي تضمنها، وتوقف امام ابرز القصص التي رافقت هذه الجالية طوال عمرها الذي ناهز ال ١١٠ سنوات حسب ما مثبّت عن أول كلداني وصل الولايات المتحدة، ومدينة ديترويت بالذات عام ١٩٠٤!   ولم يفته التنبيه بأن ريع هذا الكتاب مخصص بالكامل  لدعم (جمعية تبني عائلة لاجئة عراقية) الذي يقوم اليوم بدور انساني متميز ليس لمساعدة العوائل العراقية اللاجئة في دول الجوار، بل ليتمدد الى النازحين وضحايا ارهاب (داعش) من ابناء نينوى وبلدات سهلها  والمحافظات المنكوبة الأخرى.
فُتح بعد ذلك المجال امام الحضور لتوجيه بعض الأسئلة والأستفسارات، وفعلا كان هناك العديد منهم الذين قدموا آراءا وأفكارا تصلح للعمل القادم الأكثر شمولية،  والذين أثنوا بشكل لافت على الكتاب وجمالية صوره وأناقته وأهميته في الوقت الحاضر، كونه يسد فراغا  معرفيا مهما لدى ابنائنا الناشئين في هذه البلاد، ولأصدقائهم من الأمريكان او الشعوب الأخرى المكونة لهذا المجتمع.  ومع هذه الأجواء الأحتفالية، ما كان من الزملاء في (الأذاعة الكلدانية  ساهر يلدو، فوزي دلّي و شوقي قونجا) إلا ان يكونوا المبادرين في اظهار محبتهم و تقديرهم  واحترامهم  لمثل هذه المبادرات،   فقدموا  للسيد “جيكوب بقال”   لوحا تقديرا بإسم الأذاعة ومستمعيها، تقديرا لجهوده، وللتعبير عن شكرهم لهذه المبادرة والكتاب، ولأرسال رسالة محبة الى كل المبدعين في جاليتنا، بأن هناك من ينظر الى العمل الطيب ويقدره ويقيمّه!
 استمر الحفل بعد ذلك لفترة قصيرة قام خلالها السيد المؤلف بتوقيع عشرات الكتب ووضع بصمته وشكره عليها مثمنا الموقف الودي للحاضرين.

يقع الكتاب ب ١٢٨ صفحة، طبع غلافه بالألوان اما متحتوياته والصور فكانت باللونين الأبيض والأسود، والكتاب من القطع المتوسط ، وضم ما يقارب ال ٢٠٠  صورة قديمة وحديثة.
 حمل عنوان (( صور من أمريكا - الكلدان في ديترويت)) بواقع ٩  فصول كانت على التوالي:   ١) تعريف بالكلدان ٢)اللغة والديانة ٣)المجئ الى أمريكا ٤)ديترويت مدينة السيارات ٥)العادات الجديدة ٦)الحياة الأجتماعية ٧)الأعمال والأعلام ٨)المنظمات والأندية ٩)الكلدان الجدد في الولايات المتحدة.

IMAGES of America  CHALDEANS IN DETROIT
الكتاب من اصدار مؤسسة (آركيديا للنشر والتوزيع)، وموجود في معظم المكتبات الأمريكية سوية مع سلسلة اصدارات (صور من أمريكا)، كما يمكن طلبه عبر شبكة الأنترنيت أو من شركة (آمازون دوت كوم).
المؤلف في سطور:
جيكوب بقال (أيوب جميل بقال) ، من مواليد مدينة تلكيف / محافظة نينوى عام ١٩٥٥، انهى دراسته الأبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس العراق، وتابع دراسته بالهندسة التكنلوجية في بريطانيا. متزوج من السيدة حمام بشـّي، ولهما ولدان وبنتان و٥ أحفاد. ومن هواياته المفضلة القرأة ومتابعة الأخبار والمشاركة في جميع  النشاطات، وخاصة في حقول مساعدة اللاجئين العراقيين  وكل ذي حاجة، أو ما يتعلق بتطوير الجالية ورفع شأنها وشأن ابنائها خاصة في مجال تبوء المناصب والمراكز السياسية والوظيفية المهمة في الولاية. من رجال الأعمال الناجحين في ديترويت في حقل العقارات والأعمار والبناء  ودور رعاية المسنين والفنادق، على انه سيرته تتضمن شغله للمراكز القيادية في العديد من جمعيات ومؤسسات الجالية المهمة.

كمال يلدو
كانون أول ٢٠١٤


325

هل الجاليات العراقية بحاجة الى أرشـفة تأريخها و أوضاعها؟

كمال يلدو

لا تكاد الساعة الأخيرة من العام تنقضي، ويتهيأ الكل لأستقبال اولى دقائق العام الجديد، إلا وتكون  صورة العراق وحلم العراق  واحدة من الأماني التي يضمرها معظم العراقيين، اولئك الذين صارت دولا اخرى (كثيرة جدا) وطنهم الجديد، مع احتفاظهم بذاك الحبل السري بموطنهم الجليل، العراق.
ففي زمن ليس بعيدا، ربما قبل ٤٠ او ٥٠ عاما، لم يعرف العراقيين الغربة الا جزءا يسيرا منهم  ركب البحار وقصد العالم الجديد (الولايات المتحدة، كندا و استراليا) بحثا عن فرصا جديدة للحياة، او هربا من واقع مؤلم، سياسي او طائفي او حتى عنصري ديني.   فنشأت  الجاليات الصغيرة في تلك البلدان، ورافقتها جالية في طور التكوين (ايضا) في المملكة المتحدة.  لم تعرف دول اوربا في تلك السنين مسألة (اللجوء الأنساني - الأقتصادي - الديني - العنصري ) بل عرفت اللجوء السياسي، وهذا كان واردا للبعض وخاصة من المعروفين في الأوساط السياسية والأعلامية.  لكن الصورة تغيرت  في اواخر الثمانينات و مطلع التسعينات (بالنسبة للعراق حصرا)  مترافقة  مع إزدياد الأرهاب، وحرب الكويت، وفشل الأنتفاضة . إذ  فتحت بعض الدول الأوربية منفذا انسانيا لأستيعاب ضحايا النظام وتقلبات الأوضاع والحروب،  فأستفاد منها البعض،  وأغتنى منها البعض الآخر (المهربون ) وبدأت اعداد اللاجئين بالأزياد سنويا، مترافقة مع ازدياد اعداد (المهاجرين) الى دول العالم الجديد، وصرنا اليوم (في العام ٢٠١٤) وبفضل الحكومات الطائفية،  والميليشيات الأجرامية المسلحة، وأرهاب الدولة الأسلامية (داعش) نتحدث عن ملايين العراقيين الذين لم يتركوا زاوية من هذه الكرة الأرضية الا وقصدوها، بحثا عن الأمن والأمان والمستقبل (الذي افتقدوه في وطنهم).

في مشهد كهذا، تكبر عوائلنا ويزداد افرادها وتفرض على الكثيرين عملية التأقلم والتطبع مع المجتمعات والشعوب والدول التي فتحت ابوابها ومنحت الأمن والأمان والكرامة لهذه العوائل.  ويبقى امر التعايش والمعرفة المتبادلة  خاضعا لنوعية الناس في كلا جانبي المعادلة. فالمواطن (المهاجر او اللاجئ) يريد ان يعرف المزيد عن البلد المضيّف، فيما المضيفون يريدون ان يعرفوا المزيد ايضا عن (جارهم الجديد). وكما قلت فأن الأمر يخضع لمعايير كثيرة اهمها هي ثقافة الأنسان وسعة معرفته،  على ان (ناسنا وأهلنا) لم يدخروا جهدا في شرح صورة بلدهم  وتقاليدهم وتأريخهم  وكل حسب مقدرته ولغته وفهمه، وهنا تأتي مهمة الجمعيات والمنظمات ومؤسسات الجالية في أخذ دورها وأيصال الصورة الى اكبر قطاع ممكن وخاصة للمدارس ووسائل الأعلام والصحافة في الأحداث الكبيرة كما شهدنا ذلك قبلا.
وأذا اردنا وضع هذا الأمر تحت المجهر، فأن تلك الجهود (الفردية) كانت لها ثمارا في حينها، وتتطلب المرحلة الآن اعادة النظر بتلك الصورة كاملة. فمن جهة،  هناك جيل وصل لبلدان المهجر وأقام فيها منذ عشرات السنين، وهذا الجيل وبحكم قوانين الحياة آيل للتناقص وربما للزوال مستقبلا، وهناك جيلا ولد في تلك البلدان وصار يتوالد، فيما يعتبر تلك البلدان وطنه ، لأنه لا يعرف وطنا آخرا غيرها،  وفي الجهة الثانية، فأن لا احدا يضمن مستقبل ما سيجري في العراق ولهذا ارى من الضروري وبغية  الحفاظ على تلك الصلات الأنسانية بين (ابناء الجالية الواحدة) أو (ابناء المحافظة الواحدة) أو (ابناء العراق عموما) ان يجري العمل لأستحداث (بنك معلومات) يقوم بمهمتين اساسيتين:

الأولى: في جمع كل ما متوفر من معلومات، وباللغتين، عن العراق، او المدينة أو المحافظة او حتى القرية او القومية وما الى ذلك من تشعبات تساعد المتصفح على معرفة المزيد، وجعلها سهلة التداول . وهذه ربما تشمل الدراسات، الأبحاث، الكتابات، الأفلام  والصور …الخ
ثانيا:معلومات عن الجالية العراقية في ذلك البلد او تلك المدينة، والغرض من تلك المعلومات يجب ان يكون واضحا وهو: لخدمة ابناء الجالية من الجيل الجديد ومساعدتهم على معرفة تأريخهم وتأريخ عوائلهم، وثانيا، لتسهيل مهمة الباحثين في شؤون الجالية وتسهيل مهمة التعايش والتعامل معهم.  ان هذا الأمر يتطلب اعداد دراسات وأستشارات وأتفاق لتحديد الجوانب المهمة في تلك المعلومات التي ستوضع بتصرف (العامة) ودون المساس بالخصوصية الشخصية لعوائل الجالية، او استفزازها ببعض المعلومات (غير الضرورية في اغلب الأحيان) مما يخلق اجواء غير ايجابية للتواصل مع مجاميع كبيرة مازالت لليوم تعاني من (رهبة انظمة القمع) رغم مرور عشرات السنين، ويمكن هنا اعطاء صورة عن بعض تلك الأفكار:
1.   عدد افراد الجالية وتقسيماتها من الذكور والأناث، ومن الفئات العمرية، وقد تكون فكرة أخذ عيّنة محددة أكثر واقعية.
2.   المستويات العلمية، ان كان في العراق او في البلد المضيف
3.   الواقع المهني لأفراد الجالية، في العراق وفي البلد المضيّف.
4.   التنوعات القومية والعرقية
5.   المدن العراقية التي انحدرت منها اقسام الجالية، وأبرز مدن تجمعاتها في البلد المضيّف
6.   قصصا عن الرعيل الأول الذي وصل للمهاجر وأعمالهم وطرق تواصلهم فيما بينهم او مع اهاليهم في الوطن
7.   افكارا اخرى ربما تضاف من قبل المختصين في هذه البحوث.

ان عملا بهذا الحجم يحتاج  الى التفكير والتأني والأستئناس بآراء ابرز وجوه الجالية والمختصين بعلم الأحصاء، وبالتالي  اخضاعه لمنطق (الفائدة العامة) من اجل ان يستوفي معظم الأفكار ، والتي حتما ستكتمل مع الوقت ودخول هذه التجربة حيز العمل، لكن هذا المشروع يحتاج الى مرتكزات ربما تكون بعضها:
1.   تشكيل لجنة اساسية لهذا العمل، ويستحسن ان تكون من ذوي الأختصاص وأن  ينظم  عملهم برواتب
2.   تضع خطة عمل  وبرنامج ربما لسنة او سنتين او خمسة، وحسب حجم المشروع والجالية والأهداف المرجوة منه
3.   يجري تبني هذا المشروع من مجموعة من منظمات الجالية، او جهة رسمية  من البلد المضيف مع المنظمات، او اية مؤسسة تكون ذات مصداقية في الجالية، كون المشروع كبير  وبحاجة الى رصد مالي كاف.
4.   يستحسن ان ينطلق هذا المشروع بالترافق مع انطلاق موقع الكتروني له، وتظهر فيه المعلومات بالتتابع ومع توفرها، مما سيعطي انطباع لدى باقي الجالية، بأن اللجنة جادة وتستحق التعاون معها.
5.   الأستفادة من شابات وشباب الجالية في المساعدة عبر نظام (العمل الطوعي) من اجل الأسراع بتحقيق اهداف الخطة المرسومة.

لا أظن ان طرح هذا الأمر هو مسألة (كمالية) أو من باب (البطر) بقدر ما هو واجب وطني وأخلاقي تفرضه التجربة، خاصة بالنسبة لقطاع غير قليل من ابناء الجيل الثاني والثالث وحتى الرابع والمنحدرين من عوائل عراقية (كلدانية في الغالب)، نسمعهم يعتزون ايما اعتزاز بوطن آبائهم و اجدادهم، لكن تنقصهم الكثير من المعلومات المكمّلة.  وما يزيد الطين بلّة، هي الحالة  المأساوية التي يمر بها (كل العراق) وخاصة الموصل وبلدات سهل نينوى،  والتي ينحدر منها نسبة كبيرة من الأبناء المشار اليهم . فهم ينظرون بعيون مليئة بالألم لما آلت اليه اوضاع (أبناء و بنات عمومتهم) الذين فضلوا البقاء في وطنهم، ولم يبادروا للهجرة او في البحث عن موطن جديد. وبقناعتي، فأن هذا المشروع يحتمل الكثير والكثير من الأضافات والتطوير، وربما ستساعد (مستقبلا) ، دولة العراق بذلك، وربما الكثير من معاهد الدراسات والأبحاث، ناهيك عن الكم الهائل من المواقع الألكترونية التي تنشر للعراق وأهله. وتبقى هناك قضية اود لفت النظر اليها متمنيا ان تؤخذ بنظر الأعتبار وهي: ان يجري طرح المشروع بحجم وسقف قابل للتحقيق، لكن بطموح كبير، حتى لا تخيب الظنون  ويموت العمل قبل ان يرى النور. ان تشخيص الهدف الرئيسي، وإقرانه بالأمكانيات المتوفرة (الآن) مهم جدا لضمان نجاح هذا المشروع.

كمـال يلدو
كانون أول ٢٠١٤

326
لا اظن ان هناك شعبا راقيا ورائعا شبيها بالشعب (الهندوسي)  فهؤلاء لا يأكلوا - كما يعرف الناس - لحوم البقر الحمراء، لكنك لا تسمع منهم (استغفر الله) و (هذا كافر) أو (هذا نجس) بل بالحقيقة هم يذهبون الى كل مطاعم العالم ولم نسمع يوما بأنهم طلبوا أو (اجبروا) صاحب المطعم من (عدم بيع اللحوم الحمراء)، يدخلون الى المطعم (ايا كان) ويطلبوا صحن من الخضار ويأكلوا ، ويشبعوا ، ويشكروا (ام الهند) ويمضوا في طريقهم...لهذا هم وصلوا للفضاء، بينما مازال القوم الذي يحكم بلداننا حائرا ان كان شرب (بول البعير) لغرض الشفاء، مرة في اليوم ام ثلاث مرات....وعلى اية وجهة يجب ان يكون الأنسان!

327
شكرا لك عزيزي يوسف ابو الفوز على هذا الأستخدام الذكي في استعراض ثقافات الشعوب، علما ان هذه الشعوب هي (حديثة العهد) نسبيا بتأريخ وقدم شعوب الشرق الأوسط وخاصة الشعب العراقي....اين وصلت تلك الشعوب وأين وصلت شعوبنا؟ لاشك انها عرفت منذ فترة غير قصيرة بأن الدولة المدنية وفصل الدين عن السياسة هي مفاتيح التقدم.....وليس الأرتهان الى مجموعة من (تجار الدين) من المتسترين على اسوء فساد وتزوير في تأريخ البشرية يجري اليوم في بلد اسمه (العراق) وتحكمه شلة من الأحزاب التي تدعي (الدين) .....شكرا

328
شكرا لمرورك الكريم أخي nahroo ، وما قيل في الأعلام بالحقيقة يكفي وخاصة من قبل الناس المخلصين والحريصين على هذا المجتمع ومن الذين يحملون في رؤسهم عقولا صالحة للأستعمال.لا اظني سأضيف شيئا لما يعيشه ويشاهده المواطن الأمريكي وإن كان بصيرا،  من قبل (فئة) من الشقاة والمجرمين بغض النظر عن لون جلدهم! لكن المشكلة الكبيرة هي في بعض (التجار) الذين يكيلون الشتائم لأمريكا ويصفونها بالعنصرية لأنها تميز في سياساتها ضد السود، واليوم اضافوا مفردة جديدة((ضد المسلمين الأمريكان)) ...وكما يقول الأخوة المصرين...يا عيني ...ويا الف عيني ...الآن صرتوا ضحية ...لكن من الذي دللاكم على هذه البلاد التي تضطهدكم، لماذا لا تعودوا لبلادكم العظيمة التي تقدركم وتحترمكم، وحتى بوليس المرور هناك في عواصكم الجليلة سيقرأ عليكم النقاط الخمسة لحقوقكم قبل ان يعطيكم بطاقة المخالفة...اليس افضل ان تعودوا لجناتكم، وتتركوا الشعب الأمريكي يعيش في جحيم النميز والتفرقة العنصرية!! للأسف ان الكثير من الذين يكتبون عن امريكا مصابون بداء الأنفصام، فهم يسبون امريكا ليل نهار، وأغلبهم يملك استمارات او  معاملات هجرة او لجوء الى هذه البلاد، وفي اسوء الأحوال فأنه يتمنى ان يعيش هنا. انا لا املك مفاتيح هذه البلاد، لكني اعتقد انه من الأنصاف لأنسان ان ينتقد نظاما، على الأقل يكون قد عاش به او شاهده عن قرب، وبعدها له الحق حتى لو لعنه الف لعنة. الف شكر لتعليقك وكلامك الطيب.

329
شكر وأمتنان لكم أحبتي العاملين بصمت وإخلاص، وهذا ليس جديدا عليكم، فالسنين الماضية والأزمات اثبتت نقاء معدنكم. آمل ان يكون عملكم ونشاطكم نموذجا للمخلصين من ابناء وبنات جاليتنا اما للسير معكم او للتعلم منكم. وللصديق العزيز (زيد) كل التقدير على هذا الريبورتاج الرائع.
كمال يلدو

330
كمال يلدو: مشاهدات حية لمعاناة النازحين بعيون السيد "رافد يلدو" أحد نشطاء الجالية في ديترويت

  منذ سنين طويلة، يعمل السيد (رافد يلدو) بصمت ، ناشطا في العمل الخيري والأنساني الذي تقوم به بعض مؤسسات الجالية في ديترويت، وخاصة مشروع (تبني عائلة لاجئة)، اضافة لخدماته في الهيئات الكنسية.  وقلما يوجد عملا انسانيا إلا وستراه هناك، مع الشبية والطلبة، مع الكبار والصغار، وكثيرا ما يطبق الليل بالنهار بين التزامه بعمله الخاص وعمله التطوعي الخيري.
يقول السيد "رافد": دأبت منذ سنين على متابعة احوال اللاجئين، وخاصة الموجودين في سوريا والأردن وتركيا عبر الأخبار التي ترد لجمعيتنا، وبقدر ما كانت مأساوية، الا ان الأمل يبقى قائما  وبأن باباً  ما  سينفتح امام هؤلاء الناس لتعويض مآسيهم ومعاناتهم.  لكن ما جرى بعد 10 حزيران حينما احتلت (داعش) الموصل وصارت بلدات سهل نينوى بمرمى نيرانهم، فقد  تشابك المشهد كثيرا، ووصل حالة لا تطاق حينما  فرّت آلاف العوائل نحو المجهول هربا من سكاكين وسيوف داعش.  فصرت اعمل بهمة اكبر وساعات اطول من اجل جمع المعونات و اي شئ يمكن ان نساعد به هؤلاء المساكين، اما في قرارة نفسي فقد  تولدت عندي قناعة ملحة  بأن ازور المنطقة شخصيا، وأقف على احوالهم، حتى اكون شاهد عيان  تساعدني  لمزيد من العمل حينما اعود لمدينة ديترويت لاحقا.
ويضيف السيد "رافد يلدو": عقدت العزم، ورتبت اموري مع احد المعارف في مدينة (عنكاوة العزيزة) وغادرت يوم 7 نوفمبر، وعدت لديترويت يوم 19 نوفمبر ايضا، في رحلة تكفلت (انا) شخصيا بكل مصاريفها ومتعلقاتها. وبالحقيقة، كانت الصور الكالحة لهؤلاء النازحين، والأطفال والنساء، وسيوف داعش وقطع الرؤوس تلاحقني طوال مدة الرحلة، ولم ارتح الا حينما وطئت قدماي ارض العراق في مطار اربيل، عند ذلك شعرت بأن حملا كبيرا قد زال عنّي، وبدأت للحال تجوالي بين الخيم والتجمعات.
ويوّضح السيد "رافد" بالقول: ان رحلتي لم تكن رسمية، انه مشروع شخصي لأرواء ضمأي بمشاهدة هؤلاء الناس والوقوف على معاناتهم عن قرب، وفعلا هذا ماتم. وقد تمكنت من زيارة كل من ( أربيل – عنكاوة/ دهوك/ ألقوش و شقلاوة)، وفي كل محطة كنت اتفقد نواقصهم من اجل ايجاد أسرع الحلول لهم، وكنت اخبر زملائي في ديترويت أول بأول (عبر الفيس بوك والتلفون) عن تلك المشاهدات. وبالحقيقة كان أروع ما تمكنت من تقديمه هو اطلاق حملة (شخصية) في صفحتي على الفيس بوك لجمع تبرعات لشراء (حليب الأطفال)  لبعض المخيمات التي زرتها، وكان التجاوب شيئا يرفع الرأس، اذ جمعت (19.000 ألف دولار) اشتريت بها مباشرة حليب الأطفال ووزعناه على العوائل المحتاجة وكانت فرحتهم كبيرة.
أما عن اوضاع هؤلاء النازحين بصورة عامة فينقل السيد "رافد يلدو" مشاهداته:  بالحقيقة استطيع ان أقول (بنظرة مراقب)، بأن اوضاع (اغلبهم) الآن افضل بكثير مما كانت عليه في الأيام الأولى، رغم وجود أعداد لابأس بها مازالت تعيش في الخيم قياسا للمجموع العام،  وذلك بفضل جهود المنظمات الدولية والكنيسة والأمم المتحدة وتبرعات الجاليات الكريمة وبضمنها جاليتناالعزيزة في ديترويت، وهناك مشاريعا استطيع ذكر بعضها على سبيل المثال:
1- اعادة اعمار فندق قديم بعد ان صُرفت له المبالغ، وصار يأوي الآن حوالي 100عائلة  لا يدفعون اي ايجار
2- هناك (جملون) في عنكاوة يأوي الآن 37 عائلة
3- تم استئجار  46 شـقة وتسكن بها الآن 140 عائلة
وهناك مشاريع اخرى قيد العمل والأنجاز لأسكان هذه العوائل او بتقديم المساعدات لهم، وعلى سبيل المثال
** تم شراء 81 (أفرشة ثنائية للأطفال)
** كما تم شراء (سخانات للماء الحار و مكائن غسل وتنشيف الملابس) لأحد المخيمات الكبيرة الذي يفترش أحدى ممتلكات الكنيسة إذ يضم 140 خيمة.
** كما شهدت عملية شراء بعض الأغذية والمؤنة (غير القابلة للتلف) للعديد من العوائل.

وفي الحديث عن زياراته للمناطق الثانية بالأضافة الى (اربيل – عنكاوة) قال السيد "رافد يلدو":  لقد توفرت لي فرصة طيبة لزيارة بلدة (القوش العزيزة)  وسررت بهمة الشباب هناك،  لكن ما احزنني ان هذه البلدة لاتستلم مساعدات (كافية) بدعوى انها بعيدة!   كما زرت مدينة دهوك التي تضم عوائل لاجئة كثيرة، وزرت مكانا كان يضم حوالي (130) عائلة، والحمد لله فقد وجدتهم  بمعنويات عالية . ويضيف قائلا: ان المحزن هو احوال الناس بصورة عامة، فهؤلاء ليس لهم اي عمل ولا اية  اماكن للتسلية او قضاء الوقت ناهيك عن عدم وجود فرص للعمل او حتى مدارس كافية للأطفال او الشباب، ويمكن للأنسان ان يتخيل حجم المعاناة جراء هذه الأوضاع الصعبة، ومن حواري مع الكثير منهم تبين لي بأن هناك مجموعة مصّرة على العودة بعد استتباب الأوضاع، لكن هناك نسبة غير قليلة قد ملّت هذه الأوضاع وتفكر جديا بمغادرة العراق.

بعد هذا العرض وددت ان اعرف منه عن مدى تجاوب الجهات الرسمية المحلية والعالمية مع هذه الكارثة فقال: مع اني لا اريد الحديث في مجال السياسة، فأنا انسان اقدم وقتي في العمل الأنساني الطوعي، وهذه السفرة هي جزء من هذا المشوار، لكني لمست  ضعفا في دور (حكومة بغداد المركزية) في التعامل مع هذه المحنة، لابل اني سمعت عن سرقات وفساد مالي في اللجنة المكلفة، اما حكومة الأقليم (مشكورة جهودها)  فهي تحاول تسهيل مهمة اللجان وهيئات المساعدة ولا اعلم ان كانت لها ميزانية للمساعدات، لأني سمعت ايضا ان هناك مشاكل حول الميزانية مع بغداد ايضا، ولكم ان تتخيلوا حجم المعاناة المترتبة على ذلك ايضا.  بالنسبة لكنيسة روما وكنائس المشرق فقد كان لهم موقفا مشرفا في الدعم المعنوي والسياسي والمادي على الأرض ايضا، فقد قاموا بزيارات كثيرة لشد أزر النازحين والتضامن معهم،  وأقيمت القداديس على ارواح شهدائهم.   كما ان هناك مشاريع بعينها،  صَرف ويصرفُ عليها (الفاتيكان) او في دعم الكنيسة في العراق (بكل تسمياتها)، وبالنسبة لرجال الدين والكهنة  وسيادة البطرك والمطران (وردة) فأني بالحقيقة انحني لهم اكبارا على العمل الأنساني الكبير الذي يقومون به لمساعدة  النازحين والتخفيف من معاناتهم، ولابد لي من الأشارة  بأمتياز الى عمل الأب الفاضل والغالي (دوكلص بزي) الذي صار لحضوره   دورا رائعا مع العوائل وفي عمله لتشكيل مدارس للأطفال رغم كل الظروف الصعبة، وفي هذا السياق، فقد قامت الكنيسة مؤخرا بأفتتاح  4( مدارس في عنكاوة) و4 ( مدارس في دهوك)  يديرها الآباء الكهنة  وتستوعب 150 تلميذ ويتم فيها دوامان، صباحي وظهري حتى يتمكنوا من استيعاب اكبر عدد من الطلاب. اما بالنسبة  للأمم المتحدة وهيئات الأغاثة الأنسانية العالمية فهي تحاول ان تقدم كل ما بأمكانها لأسعاف ومساعدة هؤلاء النازحين.

بعد ذلك اردت ان اسمع من السيد "رافد يلدو" ان كانت هناك اية جهات من الجالية العراقية/الكلدانية في ديترويت من التي قدمت المساعدات فقال: بالحقيقة ان ما يشرفني قوله، بأن جاليتنا كانت السباقة في تقديم التبرعات المالية ومن تجمعات كثيرة ( اذكر ما نشر في موقع ساعد العراق بأن جمعية فرسان كولومبس الكاثوليكية قد تبرعت ب 2،2 مليون دولا لدعم المسيحين  في سوريا والعراق) واتحفظ عن ذكر الأرقام  لباقي المؤسسات لأني لست على اطلاع عليها لكن الأرقام مشرّفة بلا شك. الا اني استطيع الحديث عن  الجمعية التي انشط بها وهي (ساعد العراق دوت اورغ – والمكونة من أبريشية ديترويت وجمعية تبني عائلة لاجئة) والتي وصلت تبرعاتها حسب علمي الى (1،1 مليون دولار) مقدمة للنازحين داخل العراق، ناهيك عن العمل الثاني الذي تقوم بها (جمعية تبني عائلة لاجئة لمساعدة اللاجئين في دول الجوار ايضا سوريا والأردن ولبنان وتركيا). وفي هذا الصدد اود ان الفت النظر للعمل الكبير الذي تقوم به لجان تشكلت حديثا لمساعدة هؤلاء النازحين:
1)- مساعدات طبية تقدمها (جمعية العاملين في الحقل الطبي) اذ انهم قدموا ويقدمون الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة، كما قاموا بشراء (كرافانات) لأستخدامها مثل المستشفيات المتنقلة اذ تم نصب: 3- في أربيل، 1- في كركوك،1- في القوش،1- في شقلاوة و 1- في دهوك.
2)- لجنة من المعلمات لدعم النازحين قامت بأرسال (حاويتان بسعة 40*40 قدم) مليئة بالمستلزمات المدرسية وبعض الأحتياجات الطبية للنساء والبنات.
وهناك حسب علمي الكثير من الجهود الشخصية والجماعية التي تعمل بصمت من اجل تخفيف ازمة هؤلاء النازحين ان كان على شكل دعم مالي او عيني او حتى تضامني سياسي وديني، وكل هذا يصب في مجرى تعزيز اواصر هذا الشعب بأمل خلاصه من هذه المحنة والأوقات الصعبة.

وفي النهاية وددت ان اعرف من السيد "رافد يلدو" ان كان يملك تصورا حول الحل او الحلول لمشكلة النازحين فقال: ان حجم هذه المشكلة كبير جدا، وأكبر من امكانيات الحكومة المركزية او حكومة الأقليم، استطيع القول ان جهدا عالميا يجب ان يبذل وبتظافر كل الجهات. انا شخصيا ارى في هذه المرحلة ان يصار الى ايجاد (منطقة آمنة)  او تخصيص  جزء جغرافي يكون تحت الحماية الدولية من اجل ان تشعر الناس بالأمان وتعود اليه، وهذا لا يعفي مسؤلية الحكومة المركزية اصلا، والتي هي المعنية اولا وأخيرا بسلامة ابناء الشعب العراقي وتوفير الأمن والأمان لهم، لكني من الجهة الثانية متشائم ايضا، لأن هذه الأوضاع، وأستمرارها لفترة زمنية طويلة تخلق حالات التشاؤم عند الأنسان مما تدفعه للتفكير بالهجرة او البحث عن ملاذ آمن غير هذا الموجود الآن.
في نهاية كلامه يقول السيد رافد: غادرت العراق وأنا شابا يافعا منذ 36 عاما، ولم تتوفر لي الفرصة لزيارته  طوال تلك السنين، وقد اتت الفرصة الآن، لكن للأسف أقول، ان حلمي بزيارة بغداد (مسقط رأسي) او (تلكيف – مسقط رأس والدي ووالدتي) قد تبدى مع هذه الأوضاع الصعبة ووجود هؤلاء القتلة. كنت اتمنى ان ازور تلكيف وأعتلي سطح الكنيسة وأضع فوقه صليبا، تعبيرا عن تضامني مع ما قام به هؤلاء الأوباش من تحطيم الصليب فوق كنيسة تلكيف، لكن من يدري، فربما يأتي يوما ونزور العراق وبلداتنا بظروف افضل.
 على ان اروع درس تعلمته من هذه الرحلة، هو تعلق الناس بمعتقداتهم وأيمانهم. فقد فضلوا ان يتركوا بيوتهم وأراضيهم وكل ما يملكون، على ان يتركوا دينهم، وبالحقيقة ان هذا درس عظيم في الأيمان وفي التضحية ايضا.وللمزيد من المعلومات عن نشاط وحملات التبرعات التي تتبناها مؤسسة (ساعد العراق) يمكن زيارة:
www.helpiraq.org

**السيد "رافـد دانيال يلـدو" من مواليد العاصمة بغداد في العام 1965، غادر العراق مع عائلته الى الولايات المتحدة عام 1978، وهو مقيم في ديترويت منذ ذلك التأريخ. يعمل رئيسا لشركة تقدم الخدمات الطبية للمرضى في بيوتهم.

كمال يلدو
كانون أول 2014
 

331
كمال يلدو: "فيرغســـون" .... وحُقن العلاج الخاطئة

وأخيرا حصل ما توقعته اوساطا كثيرة،  إذ باتت ليالي مدينة "فيرغسون" الأمريكية ضاوية من جراء الحراق ، اما نهاراتها فتحسبها بلدة تتقاسمها جموع منفلتة تبحث عن اي طريقة لبث العبث، وقوى أمنية متأهبة لفرض الأمن حتى ولو كان بالقوة. كل هذا المشهد جرى التحشيد له عشية توصل فريق المحلفين المكلفين في البت بقضية  رجل الشرطة (ديرن ولسن -28عاما) الذي اطلق النار على الشاب (مايكل براون الأبن – 18 عاما) والذي قام بسرقة احد المحال التجارية والأعتداء على عامل المخزن ، ولم يمتثل لأوامر تسليم نفسه، لابل انه حاول مقاومة  رجل الشرطة، ومن يدري ما كانت ستكون النتيجة، لولا قيام رجل الشرطة بأطلاق الأعيرة النارية علية مما اردته صريعا.

ما جرى نهار السبت 9 ايلول
تقع مدينة "فيرغسون ذات الغالبية السوداء -21 ألف نسمة" في ضواحي ولاية ميزوري الأمريكية. يتلقى احد مراكز شرطتها مكالمة عن حادثة سرقة (علبة سيكار بسعر  48.00 دولار) في احد مخازن البقالة مع أعتداء على العامل،  فتصدر الأوامر لأقرب سيارة شرطة   للوقوف على الحادث.  يرصد رجل الشرطة (ديرن ولسن – يبلغ وزنه 210 باوند = 95 كغم) اثنين من الشباب وهم يمشون في وسط الشارع،  فيطلب منهم التنحي جانبا نحو الرصيف ، يلقي نظرة أخرى عبر المرأة بعد ان اجتازهما،  فيتبين له بأن احدهم تنطبق عليه مواصفات الجاني في حادثة السرقة، يرجع اليه ويطلب منه الوقوف جانبا للأستجواب، فتجري ملاســنة بين الأثنين، تتطور لعراك بين الشاب (مايكل براون – يبلغ وزنه 293 باوند = 132 كغم) والشرطي الذي كان مازال في سيارته وعبر الشباك المفتوح، وهنا يحاول (الشاب) الوصول لمسدس الشرطي، والشرطي مازال في سيارته ، فيضطر الى اطلاق رصاصتان تصيب احداها الشاب بذراعه، بعد ذلك يفترق  الشابان هروبا، فيرتجل الشرطي من سيارته  ويأمر (مايكل) بالتوقف والأمتثال للقانون، فيرفض الأخير،   فيغّير مسيره ويتوجه نحو الشرطي وهو يردد كلمة (اوكي ، اوكي)، الا ان الشرطي يبدء بالتراجع والأستمرار بأطلاق النار حتى تصيب طلقته الأخيرة الشاب وترديه قتيلا بعد ثواني، وتبين بأن عدد الطلقات التي اصابته كانت 6، فيما كان عدد الطلقات المطلقة بأتجاهه 12 اطلاقة.
جرت السرقة يوم السبت 9 أيلول 2014 بدقائق قبل انتصاف النهار، اما حادثة اطلاق النار ووفاة الشاب ، فتفصلها عن الحادثة حوالي15 دقيقة فقط. عاشت المدينة اوقاتا عصيبة،  بين مظاهرات سلمية تطالب بتحقيق العدالة ومحاكمة الشرطي الذي قتل مواطنا اعزل!  وبين مواطنين متضامنين مع الشرطي الذي كان يؤدي واجبه في الحفاظ على الأمن، وفريق ثالث كان يهيئ الأرضية لأعمال الشغب في المدينة، وتتطور الأمور بدخول عناصر الشغب الى المشهد وإشعالهم الحراق وعمليات التخريب والسطو،  اما قانونيا ، فتحال القضية الى لجنة من (المحلفين) الذين تستغرق مشاوراتهم اياما وأيام، تنتهي  بعدم ادانة رجل الشرطة نظرا لقلة الأدلة التي تدينه، ولأنه كان يطبق القانون مع (سارق) بغض النظر ان كان مسلحا ام لا، وثالثا، لأن حياته اصبحت بخطر من هذا المواطن، وهنا تثور ثائرة البعض الذي يعتبر القرار عنصريا، والذين لا يريدون النظر في الجريمة من بابها الجنائي بل من بابها العنصري فقط،  بالرغم من وجود العديد من ابناء الجالية السوداء من ضمن المحلفين.

المشهد مكرر
ليست هي المرة الأولى التي تجري فيها حوادث شغب مشابهة لما جرى في مدينة "فيرغسون" ولربما لن تكون الأخيرة، وهذا على الأقل ما يجري عادة حينما تكون هناك مصادمة ما بين شخص (اسود) ورجل شرطة  وخاصة اذا كان (ابيضاً) فتقوم الدنيا ولا تقعد، وتطلق الأتهامات والتصريحات منددة بالعنصرية وأستهداف السود وما الى ذلك من تبريرات، قبل ان يجري السؤال عن اسباب الحادثة،  وما اذا كان (المجرم) او (الضحية) سببا في وصول الأمر الى حد استخدام السلاح من قبل الشرطة.  ورغم ان المجتمع الأمريكي مكون من جاليات وشعوب متنوعة، وعادة ما تجري فيها مثل هذه الحوادث، الا ان مجتمع الجالية السوداء ينفرد بردود الأفعال العنيفة التي تغذيها اسبابا كثيرة لعل اهمها هو حجم البطالة والفاقة والفقر الذي يضرب هذا المجتمع، اضافة الى التخلف والأمية والجهل، مربوطا بتغذية عنصرية مقيتة (ضد البيض ايا كانوا) مع نمو حركات متشددة دينية متطرفة تتغذى على تلك الظواهر (لويس فرحان، وأمة الأسلام) وتمترس  في كنائس وتيارات دينية مسيحية متنوعة ومن شهود يهوا، والتي تساهم كثيرا في ابعاد الشباب الأسود ومثقفيه عن توحيد نضالاتهم ومطالباتهم لتصب الى جانب نضالات كل المحتاجين والمظلومين في المجتمع الأمريكي، بدلا من تأطيرها بأطار (الفصل العنصري) الذي يبدو مضحكا احيانا، حيال حجم الجرائم ونسبتها المؤية التي تقترف داخل المجتمع الأسود اصلا او من خلال الكثير من (ابنائه) الخارجين عن القانون.

غياب القيادة الوطنية
لايمكن النظر الى الحركات الجماهيرية الكبرى وتقيمها دون تقيم برامجها وقادتها وأهدافها المعلنة، ولهذا فأن التشتت الحاصل في عموم الحركات المدنية في الولايات المتحدة، وبضمنها الحركات العمالية والنقابات، يلقي بظلاله المعتمة على نوعية مثل هذه الأعمال. فإن النضالات السلمية التي كانت قائمة قبل ستة عقود وأكثر  قد اصبحت من الماضي، اما قادتها،  فإما غادروا الساحة السياسية او لم يعد لصوتهم المعتدل اي مفعول، وحتى التعاليم الرائعة التي سعى رائد وقائد الحملات المدنية السلمية القس (مارتن لوثر كنك) الى نشرها بين جميع السكان وخاصة ابناء الشعب الأسود، فأنها لم تعد فاعلة  ولاتجد صدى كبير لها الا في الخطب والأحتفالات، اما في واقع الحال فهناك ضعف كبير وواضح في توجيه تلك القوى الكامنة في هذا المكون (الشعب الأسود) وعدم بروز قيادة وطنية ميدانية ذات تأثير ملموس على حركة الجماهير.  وأمام هذه الصورة، تقفز دائما الحلول السريعة التي تعتمد على اثارة المشاعر والتي عادة ما تنتهي نهايات عنفية تكون ضحيتها (مجموعة من الشباب الهائج) وأصحاب اعمال وممتلكات لا تمت للحدث بأي صلة. وهذه الأعمال لا تسجّل فقط في الحالات التي  تحصل بين مواطن وشرطي، بل حتى في حالة فوز فريق الولاية الفلانية الرياضي بالكأس، فأن هناك مجموعة من الشقاة والمجرمين والخارجين على القانون من الذين ينتهزون هذه الفرض، فيقومون بأعمال التخريب وأشعال الحراق وسرقة المحلات التجارية، وينظر البعض الى ذلك على انه انتقام من (البيض) او اعادة اموالهم التي سلبها هؤلاء المستثمرون!
 ولكن بأية طريقة يا ترى؟

الهدوء....الهدوء
لم تلق مناشدات والد الضحية (مايكل براون الأب) الذي طالب اهالي مدينة "فيرغسون" الغاضبين بالهدوء والسكينة وأتباع الوسائل السلمية في الأعتراض على  اساليب الشرطة ،( التي تجنح احيانا الى العنف المفرط)، لأن العنف لن يؤدي الا الى تفاقم المشكلة والمزيد من الخراب والضحايا، لكن كلامه هذا لا يساوي شيئا امام مجموعة صغيرة  من السراق  الذين انتهزوا هذه الفرصة لأحراق السيارات والمحال التجارية ونهبها بالكامل، وكأنهم في مهمة لعمل ذلك، متناسين بأن مثل هذه الأعمال ستضر اصلا بأقتصاد مدينتهم، وناسها وأبنائها الذين يعتاش قسم كبير منهم على هذه المحال التي احرقت، ناهيك عن خسارة حليف اساسي وكبير، وهو المواطن الأمريكي  المتفرج، والذي يرفع آلاف علامات التعجب على هذه الأعمال العدوانية، في ظل دولة توفر لأبنائها كل فرص التعبير السلمي عن آرائهم، ووجود ممثلين لهم في مجلسي النواب والكونغرس على صعيد الولاية او الوطن، ووجود الصحافة والراديو والتلفزين.

اما للذي يعيش في هذه البلاد ويتمع بقدر متوسط من المنطق فأنه يعي جيدا طبيعة الصراع الجاري ما بين (رجال الشرطة) بالعموم، وما بين (الذين يخرقون القانون)، ولعلي استطيع ان اقول بأن هناك اعشارا من الثانية تفصل قرار رجل الشرطة أو الطرف الثاني اذا كان حاملا للسلاح، وهذه الأعشار هي التي تقرر نتائج المواجهة في حال حصولها، والتي يمكن ان تسمى (عملية فرض القانون على الخارجين عليه) أو ( عملية اعتداء على اناس ابرياء!!)، لكن لا احدا يسأل عن نوع ردود الأفعال التي تتخذها الجاليات الأخرى او رجال الشرطة تجاه (الشعب الأسود) حيال الجرائم التي تجري على ايدي مجرمين من (ابنائه) ولعل في  الجالية العراقية/الكلدانية والعربية في ديترويت امثلة صارخة.   فلم تقم الدنيا، ولم تحرق بيوت السود ولم يجري الهجوم على مدارسهم او محلاتهم، حينما يسقط ابناء هذه الجاليات الذين يخدمون المجتمع في محلاتهم ، ويقعون ضحايا  لهذه العصابات، وفي احيانا كثيرة يدفعون ارواحهم ثمنا لعمليات السطو او التسليب،  فكيف يمكن تبرير الأعمال الأجرامية بالحرق والسرقة، اذا كانت المطالب مشروعة حقا!
وفي هذا السياق، يذهب بعض المناهضين لسياسة الولايات المتحدة الخارجية بعيدا جدا، خاصة في مثل هذه المناسبات،  حينما يبدأون بوصف الشرطة الأمريكية بالعنصرية، وأنها تستهدف السود دون غيرهم ،  متناسين بأن الشرطة لا تأتمر بأمر رئيس الجمهورية (رغم انه اسود) كما في بلدانهم، وأن هناك نظاما صارما للتدريب والتأهيل والمحاسبة مفروض على رجال الشرطة  قلما يوجد مثيل له في العالم، لكن المشهد في الولايات المتحدة يختلف بكون رجال الشرطة يتبعون البلديات، وهذه لها واقعها وأوضاعها المختلفة، وأن كثرة السلاح المرخص وغير المرخص وأنتشار الجريمة  والعصابات تفرض اجواءا اخرى، هذا  ناهيك عن التطور الكبير الذي ساد المجتمع الأمريكي منذ تحقيق حركة (الحقوق المدنية) لمعظم شعاراتها، ومضي المجتمع في اصلاح ما ينتج من اخطاء بالطرق السلمية الحضارية.

الحلول
مامن شك بأن ما جرى كان له خلفيات مسبقة، ولعل اهمها هي فرص العمل الشحيحة المتوفرة لمعظم الشباب الأمريكي، وخاصة في المناطق ذات الغالبية السوداء، اضافة الى قلة المدارس وفرص السكن المريح وما يترتب عليها من انتشار الفقر والعيش بالحد الأدنى وصولا في الأعتماد على المساعدات الحكومية، مضافا لذلك ضعف التوعية الأجتماعية الذي غالبا ما يؤدي الى (الحمل المبكر) والزيادة العالية في نسبة السكان لدى الجالية السوداء على الرغم من تردي اوضاعهم الأقتصادية، ولست مبالغا حينما اذكر رقما قد يستغرب البعض منه وهو ان ما نسبته 75% من الأولاد السود قد ولدوا لأمهات غير متزوجات، وما يترتب على ذلك من عواقب اجتماعية لاحقة على سلوكيات وأخلاق هؤلاء الأطفال قياسا للذين يولدون في ظروف عائلية مستقرة.
ان حل مثل هذه المشاكل يكمن في توفير فرص عمل اكثر وخاصة في الأماكن التي تقطنها نسب عالية من الجاليات الصغيرة، وفي دعم الطبقة الوسطى لأقامة المشاريع الصغيرة،  وتأتي مهمة تطوير التعليم وتطوير الخطاب الوطني والأنساني داخل هذه التجمعات والأبتعاد عن الخطابات المتوترة والعنفية او الداعية للتمرد والأنغلاق، والبحث في الأساليب العصرية في الأعتراض على التجاوزات والأخطاء وتحصين المجتمع من (المجرمين) او الخارجين عن القانون، ودعم ممثلي الشعب ( من النواب) في المجالس البلدية والوطنية المعروفين بنزاهتهم ودفاعهم عن الحقوق المشروعة للطبقات الدنيا، وتعزيز العلاقات بين مراكز الشرطة ووجهاء المدينة، عبر اللقاءات المستمرة،  والتركيز على اتباع رجال الشرطة اساليب اكثر حذرة في التعامل، والتقيد بصيانة الأنسان وحقوقه.
ان الأزمة الأقتصادية الكبرى التي يمر بها النظام الرأسمالي عموما، والولايات المتحدة خصوصا تلقي بظلالها على الطبقات الفقيرة والوسطى، وتدفع بالمزيد نحو هاوية الفاقة والحاجة والأعتماد على المساعدات الحكومية الشحيحة، لابل وحتى الى طرق الجريمة والمخدرات، وهذه بحد ذاتها هي خسارة  لقوى وطاقات بشرية قادرة للعطاء أكثر. وبالحقيقة لا يوجد حل سحري لهذه الأزمة ، لكن يقينا، ان حرق المتاجر والمدن وسرقة  محتوياتها لن يحل مشاكل هذا البلد، بل سيزيدها تفاقما، وربما يؤدي الى فتح المزيد من السجون والى فرض المزيد من القيود والصرامة في تطبيق القوانين، وذلك لتجنيب المجتمع المزيد من التدهور وأنعدام الأمن وسيادة التهور بدل القانون.

كمال يلدو
تشرين ثان 2014


332
أحبتي الغاليين....شكرا لمروركم العطر، وشكرا لكل من ترك طيفا من كلامه الطيب الذي يبعث الأمل دائما. أمنيتي في كل كتاباتي هي ان ابعث الأمل والفرح والخير، وأن اكتشف الوان قوس وقزح وأضيفها لحياتنا، آمل ان اكون قد وفقت مع هذه (الفاتنات) الرائعات من بنات وطني.
1-شكرا للأخت الغالية ري
2-شكرا جزيلا أجونة
3-بسما كيانوخ رابي منشو ابراهيم نيروا
والشكر دائما للغالي أمير المالح وكل الأحبة العاملين(نساءا ورجالا) ..عملكم لا يقدر بثمن، لكن اسمحو لي ان اقبلكم على جباهكم الطيبة، وأقول لكم ......شكرا لجهودكم

333
كمال يلدو: ألق عراقي في مكوك  وكالة "ناسـا" الفضائية الأمريكية

   على خطى العلماء العراقيين الذين لمعوا بنتاجاتهم أمثال عالم الفلك الراحل عبدالجبار عبدلله و عبد العظيم السبتي وقمم أخرى معهم، تسـير كوكبة من 4 شـابات عراقيات في طريق العلم والأكتشاف.  إذ أنجزن اختراعا فريداً من نوعه، نال استحسان وكالة (ناسـا) الفضائية الأمريكية، فأختارته ضمن رحلتها القادمة الى محطة الأبحاث العالمية العائمة في الفضاء، لغرض اخضاعه للتجربة النهائية وأعتماده.

البداية
تنتمي نخبة –المخترعات- الى  (متوسطة ويلكنسون ميدل سكول- الواقعة في مدينة – ماديسون هايتس – احدى ضواحي مدينة ديترويت) وكانت المدرسة قد دخلت هذا العام (شباط 2014) في مسابقات المدارس على عموم أمريكا وكندا ب (64) تجربة وتصميم (مشروع)، كانوا ضمن (1800) لعموم المسابقة. بعد اجراء التصفيات نجحت (18) تجربة وتصميم (مشروع) وكان حصة متوسطة ويلكنسون 3 منها. فقامت الجهات المختصة بأرسال  الأختراعات الثلاثة الى وكالة (ناسا) الفضائية،  ففاز اختراع (فتيات الفضاء) بالمركز الأول. جدير بالذكر، ان الصاروخ الذي أطلقته وكالة ناسا (في بداية نوفمبر 2014) كان قد حمل هذا المشروع من ضمن حمولاته، لكنه وللأسف لم يصل غايته بسبب انفجاره عقب اطلاقه، الا ان الوكالة عادت وأوصت بفريق العمل على انجاز نسخة ثانية من المشروع حتى يجدري ارساله ضمن الشحنة القادمة  بديسمبر 2014، وعسى ان يكون النجاح حليفه هذه المرة.
وقد تكوّن فريق العمل من الطالبات (إسراء الفظلي:13 سنة) و (ريجينا الصباغ:14 سنة) و (فرح صباح: 14 سنة) و (مريم كافره:13 سنة) وبأشرا ف المدرس (اينجل عبد الأحد) ومدير المدرسة السيد (راندي سـبيك).

الأختراع
تركزت فكرة هذا العمل على اكتشاف طريقة جديدة لتنقية المياه المستخدمة من قبل رواد الفضاء في (مكوك الفضاء) أو (المحطة الفضائية العالمية) أو المركبات الفضائية طويلة المدى، وذلك في ظروف انعدام الجاذبية الأرضية، وبالتعامل مع أنواع البكتريا المتكونة  وبكتريا (الأيكولاي) على وجه التحديد، وذلك بأستخدام تقنيات عملية وموادا معقمة لا تترك آثارا سلبية، مما يوفر فرصة لأعادة استخدام هذا الماء من جديد بعد ان جرت اعادة تهيئته وبمواصفات ممتازة وملائمة للأستخدام البشري في الشرب أو التنظيف.
ويشير الأستاذ (اينجل عبد الأحد) لهذه الفكرة بأنها رائعة وعظيمة، وهي (أكبر) بكثير من أعمار هؤلاء الشابات، او حتى من تجربتهم العلمية والدراسية، لكن دعم المدرسة و (مديرها) والمشرفين وذكائهن وأصرارهن على النجاح، وتوفير الأجهزة  قد جعلت من ( حلمهنّ) حقيقة واقعة. علما ان اختراعات وبحوث اخرى في مدرستنا والمدارس الأخرى بخصوص تنقية مياه الشرب، لم تتجرأ على اقتحام هذا الجانب وبهذه الطريقة.
وعند توجيه السؤال لهن عن الدوافع خلف هذا الأهتمام بتنقية الماء، كانت ماثلة امامهن تجربة حياتهن في العراق او في (دول الأنتظار) مع المياه غير المصفاة بالكامل أو غير الصحية للتداول البشري، وما تركته من آثار سلبية وأمراض خاصة على الأطفال بعمرهن او أصغر.

ســير ذاتية
لايمكن الحديث عن سيرة حياتية وتأريخ مع فتيات بعمر الورود، ولدنَ في العراق، وشاءت ظروف البلد غير الجيدة وأستهداف العوائل المسالمة الى مغادرته نحو المجهول، نحو  دول الجوار، بأمل ايجاد مأوى يوفر الأمن والأمان ويضمن المستقبل لهن ولعوائلهن.
1-إسراء الفظلي، مواليد بغداد العام 2001 (زيونة)، قضت عائلتها سنة انتظار كلاجئين في تركيا، ووصلوا الولايات المتحدة عام 2012.
2-ريجينا الصباغ، مواليد بغداد العام 2000، قضت عائلتها سنة ونصف انتظار في تركيا كلاجئين، ووصلوا الولايات المتحدة عام 2013.
3-فرح صباح، مواليد بغداد العام 2000، قضت عائلتها 4 سنوات في تركيا كلاجئين، ووصلوا الولايات المتحدة عام2014.
4-مريم كافره، من مواليد كركوك للعام 2001، قضت عائلتها عامان ونصف لاجئين في لبنان قبل وصولهم للولايات المتحدة عام .2013
5-المدرس اينجل عبد الأحد، من مواليد محافظة البصرة العام 1982، يعمل في سلك التدرس منذ 14 عاما، وساهم في تدريس قسما من (البنات) العام الماضي لمادة اللغة الأنكليزية كلغة ثانية، ويقوم بتدريس كل المواد لكنه متفرغ لأختصاص يدعى (اغناء الطالب بالدروس).

كان جو اللقاء مع (المخترعات) وديا وحميميا، وأروع ما فيه كان منظرهن مع المدرس الرائع اينجل عبد الأحد، ومدير المدرسة السيد (راندي سبيك) الذي قال عنهن، بأنهم احبابه وبمثابة بناته وهو فخور بهن وبعملهن!
في زاوية من الصف الذي جرى فيه اللقاء، كانت هناك طاولة وعليها (سيارة) صغيرة شبيهة بألعاب الأطفال، فلم يتركني المدرس (اينجل) صريع الأفكار، بل قال لي: هذا هو المشروع القادم للطالبة (فرح صباح)  والذي هو ، تصميم للعربات التي ترسل في المركبات الفضائية لغرض السير على سطوح  الكواكب وأستكشافها.   ومن يدري، ربما ستكون لنا انامل عراقية تتطلع لوضع بصماتها على سطح القمر او المريخ مستقبلا!
لم يبخلن، وهنّ في  هذا العمر، عمر الورود،  من التمني لأطفال العراق بالسلم والأمن وضمان فرص التعليم والتقدم  لهم  بالتساوي كما لباقي الأطفال، حتى لكأن الأنسان يقع في حيرة من أمره، فهل يعاملهن ك (فتيات) في مقتبل العمر، ينشدن العلم والتقدم، ام (فتيات) بعمر وقلب الزهور، مازلن يعشن احلام الطفولة التي سرقتها حالة عدم الأستقرار والظلم الذي وقع على العراقيين....سؤال محيّر!
آمل لهذه النجوم، والأقمار والشموس ان يكون لهن مستقبلا زاهرا، ولعوائلهن وكل اصدقائهم، ومن يدري، فربما تحمل لنا قادمات الأيام ، أخباراً سارة ، عن مخترعات أو مخترعين عراقيين، سنرفع رأسنا ورأس الوطن بهم عاليا.

**شكرا جزيلا للسيد (نبيل نونا) على تسهيله أمر اللقاء بهذا الفريق الرائع من (المخترعات)، وقيامه اصلا بعقد لقاءا إذاعيا معهن، وللسيد (هيثم السنوي) صاحب برنامج – صوت الحرية- الأذاعي، الذي بث اللقاء مع السيد نبيل نونا، والى الأحبة في مجلة (كلدان تايمز) والتي تصدر باللغة الأنكليزية في مدينة ديترويت، لمبادرتهم باللقاء ب (البنات) والكتابة عنهن مرتان وتحت عنوان (فتيات الفضاء) ، وهذا بحد ذاته فخر ، وحدث يبعث على الفرح والأعتزاز.

كمال يلدو
تشرين ثان 2014



1) مدير المدرسة السيد راندي سبيك والمدرس إينجل عبد الأحد يتوسطون بنات الفضاء من اليمين مريم كافره، فرح صباح، أسراء الفضلي و ريجينا الصباغ


2)أماني أسراء الفظلي لأطفال العراق و أهله


3)أما ني ريجينا الصباغ للعراق وأطفاله


4)أماني فرح صباح لأطفال العراق وناسه


5)أماني مريم كافره للعراق وأهله


6) بناية (ويلكنسون ميدل سكول) من الخارج


334
اكتب هذه الأضافة بالنيابة عن الأستاذ والمخرج المسرحي (زهير كَرمو) :
1)هناك تصحيح لعدد الفتيات اللواتي غرقن في الحادث، فكن 42 وليس 41
2)في الحديث عن تلك الفاجعة، فقد كانت هناك مبادرة كبيرة كانت حصيلتها توثيق تلك الحادثة كما يلي:
-جرى انتاج فلم سينمائي عن الحادثة عام 2000
انتاج: زهير كرمو/ حنا شينا
شارك في التمثيل:زهير كرمو، حنا شينا، خالد يونو (من ديترويت)
اخراج:ريكاردوس
كتابة السيناريو: مرشد كرمو/ نوري عموري
مدة الفلم:ساعتان
عنوان الفلم: ((الطوفان)) وباللغة السريانية ((طوبانه د عفرياثه د نيسان))
تصوير الفلم: جرى ذلك في نفس المكان الذي شهد الحادثة في مدينة تلكيف، وأكملت بعض المشاهد في مدينة بغديدا ايضا.
مكان العرض: عرض الفلم في معظم المدن الأمريكية التي تتواجد فيها الجالية الكلدانية، وفي مدن وعواصم عالمية كثيرة . وقد نال على اعجاب ونجاح كثيرين، لمصداقيته، ولتوثيقه واحدة من الحوادث المؤلمة في تأريخ تلكيف.

335
شكرا جزيلا لك أخي انطوان على هذه الألتفاتة. نعم، بعدما حل الظلام في ثلاث ارباع العراق، يبدو ان الوقت حان لأكمال المشروع الظلامي، وبعث (الحملة الأيمانية) مجددا ، ولكن بثوب ولباس و (كالك) كردي. يا للأسف، ان تفهم وتختصر حرية الناس وثقافتهم وتأريخهم وتراثهم، عبر كأس من الخمر اوالشراب....تماما كما فهم البعض بأن خير العلاجات لأوجاع الناس والعصر هو (بول البعير) . لعنة الله على تلك الثقافات البالية، ولتكن الهزيمة والعار ملاصقة لأصحاب هذه القرارات (الفنطازية) المضحكة والهزيلة في زمن يحتاج فيه الناس الى الأمن والأمان وضمان حياتهم ومستقبلهم. ربما ترى بعض احزاب كردستان الطارئة، بأن  - بول البعير - اولى من الخمور المعتقة او قناني الكحول التي ترقص حولها الشياطين .ربما....من يدري؟

336
لأبناء وبنات هذا الطيف العراقي الأصيل، المسالم والمحب، كل الخير والسلامة والأمان ، وعسى ان تتعطر ايامهم بعطر (الياس) وتغســل صباحاتهم مياه دجلة والفرات الجارية الصافية. وللذي يعرفكم ايها الأحبة، يعلم جيدا اية خسارة قد خسر العراق بفقدانكم، وأي الم يعتصر قلب هذا الوطن حينما يستهدف ابنائكم او بناتكم. لكني على يقين...بأن الذي تحمل لآلاف السنين ونجا....حتما قادر على عبور عارض الألم والحزن هذا. عسى ان تكون هذه المناسبة الطيبة، بلسما لجراحاتكم ، وأملا بوحدتكم ومحبتكم ايضا.           
كمال يلدو/ من ديترويت الحبيبة

337
كمـال يلـدو:مـربّون في الذاكرة الحلقة (18)

رحلة مع بناة الأنسان العراقي
لا أظن من ان الشجرة الجيدة  إلا  وتعطي ثمارا طيبة، او ان الخبز الشهي، إلا  ويأتي من (خميرة) جيدة. هكذا تثبت لنا الحياة يوما بعد يوم، وعلى الأقل بالنسبة للجالية العراقية/ الكلدانية في ديترويت، فالذي يدقق النظر في اعداد الطلبة المنتسبين للمدارس والجامعات، او من الخريجين وأصحاب الأختصاصات والشهادات العليا التي يتقلدها ابناء وبنات الجالية ، سـوف يتملكه  شعورا غامرا بالفرح  والأعتزاز، اما بالنسبة لي، فأن تفسيري لهذه الظاهرة الرائعة،  بسيط جدا،  فإن هذه  الثمرة اتت من بذرة طيبة ، وهذا الخبز الرائع اتي من خميرة اروع، ولعلها تلك القامات الشامخة العالية التي زرعت العلم والمعرفة والثقافة وحب الوطن والناس عند التلاميذ  منذ ذلك الزمان البعيد، ولولاهم فما كان سيكون عندنا هذا الحصاد الطيب!
ان الأحتفال بهذه الرموز البديعة، رغم غيابها منذ سنين طوال، هو شهادة على العمل الرائع الذي قدموه، ومازلنا نشهده لليوم في ابنائهم وبناتهم وأحفادهم وأبناء بلداتهم، من الذين ارتقوا سـّلم العلم والتقدم ليكتبوا مشوارا نفخر به جميعا. الذكر الطيب لهم دائما، والشكر موصول لعوائلهم الكريمة.
************                        ****************                  ***************      ****
المربي الراحل فرنسيس بطرس كَرمـو (مسـتر)
أول معلم للغة الأنكليزية بتأريخ تلكيف

من مواليد مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى في العام 1887 وفي محلة (أسـمر) وتوفي في بغداد عام 1962. متزوج من السيدة شوشـي حنا قينايا   ورزقوا بأربعة بنين وبنت واحدة. وبحساب اليوم فسيكون له  30 حفيد و 12 من ابناء الأحفاد.
كانت الصدفة الطيبة هي التي دلتني على هذه العائلة الكريمة بعد ان طرح الأستاذ (مسعود بريخو) اسم هذا المربي علّي، فكان اللقاء عبر العزيز (كمال كَرمو) مع والده  السيد (صبري كَرمو) وجرى هذا الحوار الشيق حول ذكريات تمتد لأكثر من 100 سنة، عاش قسم منها، وسمع عن الآخر. وبالحقيقة فأني ممتن لهم، وللسيد صباح كرمو (ابن الراحل ايضا) الذين فتحوا خزائن الذاكرة وساعدوني بتحقيق هذا الريبورتاج الذي اعتبره مهما جدا، لأنه يتطرق الى الأيام الأولى لتأسيس التعليم في القرى والبلدات النائية في العراق وأعني (تلكيف وشقيقاتها) كما سيتضح من الحوار.

 بدء السيد (صبري كَرمو) حديثه عن والده بالقول:  في ذلك الزمان السحيق، كانت فرص العمل محدودة للناس في تلك القرى النائية، فقد عمل جدي (والد المربي فرنسيس) في حقلي الزراعة ومكائن الطحن التي كانت تملكها العائلة.  ففي موسم الزراعة كان مزارعا، وبدون الزراعة كان  يشرف على (الرحا) مكائن طحن الحبوب  (صيفا) وعمل الراشي (شتاءا) وهكذا كانت اجواء الحياة عشية ولادة والدي المرحوم فرنسيس كَرمو.  ولم تمض سـوى سنين قلائل حتى قرر جـّدي مغادرة  بلدة (تلكيف) والتوجه الى (بغداد) بحثا عن فرص عمل افضل، وقام حينها  بمساعدة من بعض الأقارب  في بغداد بفتح مطحنة للحبوب، استغلت صيفا لسحق الحبوب  وعمل الطحين وفي الشتاء لعمل الراشي، وكان قد شاع في بغداد اواخر القرن التاسع عشر عمل المبشرين الأمريكان، وافتتاحهم لمدرسة  أهلية في المنطقة المناصفة بين السنك والمربعة (كانت تسمى بالمدرسة الأمريكية)، فقام جـّدي بتسجيل والدي بها من اجل التعليم. وتمض سنين قلائل وأذا به يأخذ ابنائه ويتجه للبصرة ويقوم بنفس العمل في افتتاح  مطحنة للحبوب صيفا ولعمل الراشي شتاءا، وتشاء الصدف ان تكون في البصرة مدرسة (امريكية ايضا) فيكمل والدي دراسته فيها حتى الصف السادس ابتدائي وكان عمره آنذاك حوالي 16 عاما (كما سمعت) ويكمل بعدها الدراسة حتى الصف التاسع، ويبدو انه اتقن اللغة الأنكليزية اضافة الى الدروس النظامية الأخرى. يقرر جـّدي (يكمل الأستاذ صبري كرمو حديثه) العودة الى الموصل وقضاء تلكيف، وقد بلغ والدي حينها 21 عاما، فلم يرغب كثيرا العمل في الحقول من جديد وفضّل العمل كمعلم، ولأن المكان الوحيد آنذاك كان (كنيسة البلدة) فيُقبل هناك ويعمل الى جانب الأب الفاضل اسطيفان قلابات والشماس الفاضل توما جولاغ، ويقال انهم كانوا ينون اضافة ثلاث معلمين الى ملاكهم حتى يكتمل النصاب. تمض الأيام والسنين ويحدث ان تتوقف في البلدة سيارة قرب الكنيسة ،  كانت تحمل مجموعة من الخبراء الأنكليز (رجالا ونساء) يبدو انهم توقفوا هناك وبدافع الفضول للتعرف على البلدة وسكانها وتأريخ كنيستها، فيتحلق حولهم الأهالي ويدور بينهم حديث (الخرسان) فلا الأنكليز يتكلمون (الآرامية – السريانية – السورث) ولا الأهالي يتحدثون الأنكليزية، حتى برز من بينهم من انقذ الموقف، وكان ذلك هو السيد (فرنسيس كرمو)، فتحدث معهم باللغة الأنكليزية، وصاح به احدهم (لقد اتى بك الله) حيث توفرت آنذاك فرصة للتفاهم ومعرفة مايجري، وتبين لاحقا بأنهم مجموعة من الخبراء الأنكليز وعندهم قاعدة في الموصل (كان ذلك عشية انتهاء الحرب العالمية الأولى بحدود 1918)، ونظرا لمعرفته باللغة طرحوا عليه فكرة العمل معهم في القاعدة، فأجابهم في الحين (لقد اتى بكم الله) وهكذا عمل معهم لمدة ثلاث سنوات حتى العام 1921 اذا كان يستلم راتبا جيدا (75 روبية هندية في الشهر، وكانت 13 روبية = 1 دينار)، وبزّة عسكرية  ومؤنة غذائية كانت تسمى (دراي راشن)، وفي حينها كان لوالدي ولدان وبلغ من العمر حوالي 31 سنة. الطريف في الأمر، ان مجموعة الخبراء الذين زاروا تلكيف وألتقوه اول الأمر، وما ان علموا انه يتحدث الأنكليزية حتى صاروا ينادوه (مستر فرانسيس) اي (السيد فرنسيس) في تعاملهم معه ذلك اليوم. ولما كان الكثير من ابناء البلدة قد تجمعوا حولهم ليعرفوا المزيد في ذلك اليوم، فقد تعلقت في ذهنهم كلمة (مستر) وصاروا يلقبوه ب (مستر) كما فعل الأنكليز، ويمضي هذا اللقب، ويذهب سكان البلدة لتسمية ابناء السيد فرنسيس ب (ابناء أو بنات مستر) ويمضي اللقب، ويعبر المحيطات الى ديترويت  ومرورا  بالعاصمة  بغداد، اذ درج العديد من الأهالي او المعارف على تمييز هذه العائلة ب (اولاد مستر أو من بيت مستر فقط) رغم ان عائلة كَرمو من بين عوائل تلكيف  الكبيرة نسبيا، لكن  وللتشخيص الصحيح والدقيق، لم يعد كافيا ان تقول انهم من عائلة (كَرمو) بل يجب ان تردفها بكلمة (مستر) .
بحلول العام 1921 عاد والدي (فرنسيس كَرمو) الى تلكيف وكان قد ازداد خبرة وعلما ، فوجد ان الأجواء صارت ملائمة لأفتتاح مدرسة ابتدائية رسمية في البلدة، بعد ان كانت الكنيسية تقوم بعملية التعليم لرعاياها، وهكذا عقد العمل على ذلك، فعُيّن الأب  إسطيفان قلابات مديرا لها ، وحصل والدي على مركز (المسؤل – المعاون) وبذلك كان اول شخص يتبوأ صفة (معلم)  في تأريخ تلكيف  ودرّس مادتي (اللغة الأنكليزية) و مادة (أخلاق ومدنية). خدم هناك لعدة سنوات، ثم نقل الى بلدة (باطنيا) التي كانت تفتقد للمدرسة، فقام بأفتتاح واحدة لهم  وخدم فيها لمدة خمسة سنوات ( وكانت تبعد عن تلكيف حوالي 5 كلم، وكان يستخدم الحمار لتنقلاته آنذاك يوميا) ويقول السيد صبري: في تلك السنين ولدت عام 1928 ، ثم نقل ال مدينة (العمادية) التي مكث فيها مع العائلة لمدة 4 سنوات وخدم في مدرستها، عدنا بعدها الى بلدة (تلكيف) ، ولم يمض وقت طويل حتى نقل والدي الى (القوش)، وهناك درستُ الصفوف الأول والثاني والثالث في مدارسها، بعدها (للعمادية) ودرستُ الصف الرابع، وأستمر مسلسل النقل، الى (مانكيش) ثم الى (كاني ماصي) ثم  الى منطقة في (شمال زاخو) ، وعدنا بعدها الى (تلكيف) حتى العام 1947 حيث استحق التقاعد. قصدت العائلة العاصمة بغداد ، ومضت السنين، اذ رحل والدنا (مستر) عام 1962 بعمر (75) سنة.

ثم ينضم لهذا الحوار السيد (صباح  كَرمو) ابن الراحل ويسرد بعض الذكريات بالقول: لايكاد يمر اسبوع الا وأصادف شخصا ويثني على سيرة والدي، وهذا يزيدني فخرا به، فيقولون لي: كان يجعل من درسه سهلا (كالماء) للطلاب، ولايترك التلاميذ الا عندما يتأكد انهم فهموه ، و كثيرا ما يسوق لنا الأمثال والعبر، اما زملائه المعلمين فيقولون عنه، انه كان اجتماعيا ومتواضعا، وغير متكبر، وعن علاقته بالطلاب فيذكرون:  كان كثير التأكيد على ان مهمته هي (تدريس) الطلاب وليس (عقابهم). امّا كأب (يواصل السيد صباح الحديث): كان أكثر من أخ لنا نحن الأبناء،  و لم يصرخ او يضرب اي منّا ابدا، وفي مسألة التدبير المنزلي، فقد برع في العمل فيما برعت والدتي في ادارة البيت على افضل وجه.

يعود السيد (صبري كَرمو) لأكمال الحديث ويقول: كان لوالدي هواية في كتابة الشعر، وفعلا كانت له (ملحمة) كتبها عن جرائم الجيش العثماني بحق الأرمن والمسيحين في قرى شمال العراق، لكن ما لايمكن نسيانه هو قيامه بتأليف أول وأهم  كتاب عن (فاجعة تلكيف العظيمة) والذي نشره كشاهد عيان على حادثة الغرق المشهورة، اذ انه كان يملك محلا صغيرا للبقالة في سوق تلكيف، حينما هجم السيل  - يوم 1 نيسان 1949 - وكنتُ آنذاك (صبيا) وأقف معه في المخزن، وأذا بالسيل الجارف يمر من امامنا  ونحن مرعوبون، وقد كان من ضحاياه (41 بنت صغيرة، وطفل واحد وشاب واحد) من البلدة، ومازال ذلك اليوم شاخصا بسمائه السوداء الملبدة وذكراه المؤلمة حتى هذه اللحظة.
ويقينا ان ابينا الفاضل الذي جاهد مع والدتي في تربيتنا ورعايتنا بأفضل وجه، كان سعيدا بأن يكون أحد اخوتي (كَوركَيس) قد اختار سلك الكهنوت، وربما كان سيكون اكثر سعادة لو شاهده وهو يعتمر الطاقية الحمراء ويكون (المطران كَوركَيس كَرمو ابن المربي الفاضل مستر). الرحمة على اراواحهم الطاهرة والذكر الطيب لهم دائما.

لا أظن ان فكرة اطلاق اسم المربي الراحل (فرنسيس أو مستر ) على احدى مدارس مدينة تلكيف، او رفعه في احدى قاعاتها او صفوفها، كان سيكلف الدولة او المسؤلين أكثر من قيمة (الحبر/ الطلاء) المستخدم، وذلك تكريما له ولجهوده ودوره التربوي وحتى تبقى مأثرته حاضرة للأجيال اللاحقة، لكن وللأسف ، فأن مدارسنا ومدننا وشوارعنا وساحاتنا العامة تعج بأسماء وشخصيات، لم يكن لها يوما اية علاقة بالعراق او تأريخه او شعبه، سوى انها كانت رغبة الحاكم ليس الا!
************                        ****************                  ***************      ****
المربي الراحل جورج جبوري ججو خوشـو
من مواليد العاصمة بغداد في العام 1920 وتوفي في مدينة ديترويت الأمريكية عام 2003. كان متزوجا من السيدة ماري حكيم، ورزقوا بثلاث بنات وأبن واحد، ولهم الآن خمسة احفاد.
تسعفنا الحياة احيانا  بسطورا وأوراق وأيام نسخت وسجلت احداثاً ورسمت وجوهاً ، عاشت ومن ثم رحلت ، لكنها تركت بصماتها الجميلة لنا، ترويها ذاكرة وذكريات من عاصرهم  وشـّم عبيرهم، وفي حالنا هذا، كانت السعادة كبيرة بلقاء الأستاذ (أكرم جبوري) شـقيق الراحل جورج جبوري.  الشخصية الوطنية المخلصة والمتميزة بثقافتها ومواقفها الأنسانية، ناهيك عن امتلاكه قابلية رائعة في التذكر لا يملكها حتى الشباب في هذه الأيام! ففتح بيته وقلبه لهذا اللقاء، بأمل ان يوصل أحلى مايتذكره عن الراحل، ويبدأ الأستاذ أكرم الحديث: إسـتهل  الراحل اول خطواته  بالمعرفة في،
- (مدرسة الطاهرة الأبتدائية) والتي كانت كائنة  في (عكَد النصارى) خلف كنيسة "ام الأحزان" وبعدها اكمل في
- (المتوسطة والثانوية المركزية للبنين) ، وبعد تخرجه منها عيّن
- معلما في مدرسة (القديس يوسف اللاتينية) والملقبة بمدرسة اللاتين في منطقة "سوق الغزل" مع بداية العام 1940، وبعد مضي حوالي (4-5 سنوات) اصبح مديرا لها.
لقد كانت عنده طموحات كبيرة في مجال العلم والمعرفة، فدخل (معهد الفنون الجميلة/ قسم التمثيل) والذي كان بأدارة الفنان المرحوم (حقي الشبلي) مع بقائه معلما في مدرسة اللاتين، لكنه وللأسف لم يكمله. ثم حاول بعد سنين ، وعندما كان مديرا للمدرسة دخل (كلية الحقوق) ولم يكملها هي الأخرى. وبحلول العام 1952 قدّم استقالته من المدرسة ورحل الى الولايات المتحدة. وأعاد الكرة في هذه البلاد فتقدم للدراسة في (جامعة وين ستيت / قسم التربية والتعليم)  ولم يكملها هي الأخرى، فأنصرف للأعمال الحرة من اجل اعالة العائلة. ولمن يعرفه فأنه كان متعدد الهوايات، ولعل عشقه للغة العربية (التي برع في تدريسها عندما كان معلما) دفعه لنظم الشعر وللبروز كخطيب بارع، وهو ذو الصوت المؤثر، اما في مجالسه التي أحبها كل من زامله في هذه البلاد، فقد كان يحب الغناء العراقي الأصيل وخاصة (البستات)، وبالعودة لهوايته اللغوية، فقد جمع في بيته مكتبة عامرة بنفائس الكتب، وخاصة  في حقلي الأدب والشعر، وحينما هاجر فأنه تركها في عهدة شقيقه عمانؤيل، لكنها لم تنجو  من مخالب (الحرس القومي في انقلاب شباط 1963) فأستولوا على اغلب كتبها، وما تبقى منها ، شـحن لديترويت آنذاك، ومن ضمنها (6) مجلدات من (جريدة الزوراء العراقية – اول جريدة عراقية) وكانت بتوقيع المرحوم العلامة (انستاس الكرملي) . ظلّ وفيا  لأفكاره الوطنية ولعلاقاته الأجتماعية  طوال حياته في مدينة ديترويت، فأنظم الى نخبة المثقفين في جلساتهم، وساهم بالكتابة في المجلات والجرائد المحلية الصادرة، وخاصة (مجلة الهدف)، كما برز في التجمعات المحلية التي كانت تضمهم اولى كنائس الجالية في  (شارع هاملتون) ابان عقدي الخمسينات والستينات.

يكتب المربي الراحل جورج جبوري في مقالته (خزائن كتبي) المنشورة في (مجلة المنتدى) التي كان يشرف عليها الأستاذ (فؤاد منّا) بعدد آذار 1995 : "منذ ان كنت فتى في الرابعة من عمري كنت مولعاً بالخطابة، وكنت استخدم صندوقاً (يخزن والدي فيه الكتب) كمنصة اعتليها لألقي بخطاباتي، وبعد دخولي مدرسة الطاهرة شجعني استاذ العربية آنذاك (سعيد شابو) على الخطابة ايضا، ومن المصادفات الجميلة ان يزور مدرستنا وفدا من طلاب (دار المعلمين الأبتدائية) كمطبقين ، وكان من ضمنهم الطالب (نعيم صرافا – الذي حصل على الدكتوراه لاحقا) ، فطلب مني ان ألقي قصيدة قومية في حشد الطلبة، نالت اعجاب كل من سمعها.   كان شقيقي الأكبر (الياس جبوري) مولعاً بالكتب العربية، وبضمنها كان هناك كتاب للأديب والشاعر الكبير "جبران خليل جبران" وأسمه (الأجنحة المتكسرة)، فأولعتُ به كثيرا، وقرأتهُ مرار وتكرارا وبلا ملل، لكن الكتاب كان لأخي وكنت اقرأهُ خلسة. تدور الأيام وتجمعني الصدفة  بالسيد (موسى ساوا ابونا) الذي قدم الى بغداد من مدينة (القوش) طلبا للعمل، فنزل في بيتنا لبعض الوقت حتى تدبير أموره، اذ عمل طباخا  في مستشفى السكك حتى اصبح رئيسا للطهاة،  وبعد هذا التطور في عمله، وتبدل قيافته بالكامل، تقدم لي بطلبا (رائعا) وأنا الطفل الصغير بأن (ادرسـّهُ) اللغة العربية مقابل اجرة  قدرها (بيزة هندية = فلسا واحدا) فقبلت العرض، وسـُعدتُ كثيرا، وجمعتُ من عملي هذا (20 بيزة) اخذتها الى (سوق السراي) وأشتريت نسختي من (الأجنحة المتكسرة) وصرت اقرأها لأصدقائي، وآخذ نسختي للمدرسة وأينما ذهبت، لدرجة ان زملائي صاروا يلقبوني ب (ابو جبران) لكثرة تعلقي بالأديب (جبران خليل جبران)، وتشاء الأقدار وأهاجر الى امريكا وأتزوج، وحينما رُزقنا بالأبن، فقد كان اسمه حاضرا (منذ عشرات السنين) وفعلا اسميناه (جبران) وصرت الآن أُكنّى ب (أبو جبران) بحق وحقيقة".

اما  الأعلامي الأستاذ "فؤاد منا" صاحب (مجلة الهدف)، ومن ثم (مجلة المنتدى) فيتذكره بالقول: " لقد تميّز بصفات قلما تجدها عند الآخرين، وحصل  في نفسي على منزلة خاصة كانت مزيجا بين الأب والمرشد والأخ  والصديق والزميل. كان وفيا في تعامله مع الآخرين وصادقا في كلامه، وأنسانا يقدّس الوقت والألتزام بالمواعيد أيا كانت! ومن النادر ان تصادف اناسا   يفرضون احترامهم على الآخرين، ليس بالعنجهية بل بقوة الشخصية  وكلامه الموزون، وكم كنت اكّبر فيه فكره التقدمي وأهتمامه بأخبار الحركة الوطنية العراقية التي كان يؤازرها قلبا وموقفا. ومن الطرائف التي تقال عنه، بأنه كان متعصبا ضد سـرّاق الكتب، الأشخاص الذين يستعيرون الكتاب ولا يعيدوه، ويبدو انه قد ضاق ذرعا بهم، فرفع شعارا فوق مكتبته هنا يقول (لا تطلب مني كتاب، لأني لن اعيره لك!)
لقد بدأت علاقتي بالراحل جورج جبوري منذ ان قدمتُ لهذا البلد في عقد الستينات وكان قد سبقني الى هنا، ويومها كان يملك مخزنا (في منطقة هاملتون / ديترويت) لبيع البقالة العربية، وأستمرت علاقتنا حتى رحيله. وأتذكّر أني في اوائل 1970 استشرته حول رأيه  في اقبالي على اصدار مجلة (الهدف) الأسبوعية، فقال لي بالحرف الواحد: سأفرح من كل قلبي، وأعملوا بجد من اجل ان يكون المطبوع نظيف، وصادق حتى يكون مفخرة لنا جميعا.ومن المشاهد المؤثرة التي اتذكرها، بأنه أصّر على حضور الحفل التأبيني الذي أقيم للقائد الوطني (توما توماس)  في ديتروت ، رغم اعتلال صحته وأستخدامه  ( عصا الأسناد) لكنه أصر على الصعود للمسرح وألقاء مساهمته. اما قبل رحيله فقد كتب مقالة بعنوان(ايها الصحفيون التقدميون، الى الأمام) يعلن فيها صراحة موقفه من الوطن والوطنيين ومن المتربصين بالعراق. لقد كان دائم الحضور الى منتديات (المنتدى)، ويمكن ان اذكر من سجاياه، بأنه كان مستمع جيد وقليل الكلام، وقبيل رحيله قام بأهداء معظم كتبه الى مكتبة ديترويت العامة/ القسم العربي، من اجل فائدة اكبر للقراء، وحتى تكون بمأمن من التلف والضياع.
الذكر الطيب والدائم للراحل الكبير، الأستاذ جورج جبوري، ابو جبران.
************                        ****************                  ***************      ****
المدرسـة الراحلة ديزي داود عجو – عجو
ولدت في العاصمة بغداد عام 1928 وبالتحديد في منطقة صبابيغ الآل (سوق الغزل – عكَد النصارى) وتوفيت عام 1985 في مدينة ديترويت. تزوجت من المرحوم الشماس عزيز طوبيا عجو، ورزقا ببنتان وولدان، وبحساب الزمن لهما الآن 4 أحفاد و 4 من ابناء الأحفاد.
- درست الأبتدائية في مدرسة الراهبات التي كانت قائمة في (عكَد الراهبات) وأكملت المتوسطة والثانوية  في مدارس الراهبات ايضا. بعد تخرجها من الثانوية انتسبت الى
- كلية التربية / جامعة بغداد – قسم الكيمياء، وكان ذلك عام 1948، ثم تخرجت في العام 1952.
حضيت (الست ديزي) بأحترام ومنزلة كبيرين بين اقرانها المدرسين والمدرسات بدأت ملامحه منذ التعيين الأول و الأخير في
- (اعدادية الكرخ للبنات) في منطقة  - الجعيفر – اذ خدمت لمدة 30 سنة،  مدرسة لمادة الكيمياء وللصفوف الخامس ولاحقا للسادس ايضا، وهذه الصفوف هي التي يشملها نظام الأمتحانات الوزارية (البكلوريا) وكانت ايضا
- مديرة (اعدادية الحارثية للبنات) في السنين الأخيرة من خدمتها، اضافة لمهمة التدريس في اعدادية الكرخ للبنات.

جمعت الراحلة في شخصيتها خصائلا كانت مثار تقدير زميلاتها التدريسيات والمسؤلين في الوزرارة،  وأعجاب من لدن افراد اسرتها.  ولعل اصرار (مديرتها في اعدادية الكرخ) على ابقائها ضمن السلك التدريسي واحدا من ابرز الشواهد على كفائتها ، ناهيك عن نسب النجاح العالية التي حققتها لتلميذاتها في امتحانات البكلوريا، وثقة الوزارة العالية بها، مما ادى الى اختيارها ضمن الكادر الذي يضع (اسئلة الأمتحانات الوزارية) و المشاركة في (تصليح دفاتر الطلبة للأمتحانات الوزارية)، وهذه الأخيرة بقت لعدة سنوات حتى بعد احالتها على التقاعد عام 1974، اضافة الى تطوعها للتدريس في حملة (محو الأمية) للصفوف المسائية – بعد الدوام – وتقديمها الكثير من الدروس الأضافية  المجانية عند اقتراب موسم الأمتحانات النهائية.

تتحدث ابنتها السيدة (ندى عجو - عبرو) عنها بود وأفتخار وتتذكرها  الأم ( ست ديزي) وتقول: لقد كانت مثلي الأعلى منذ طفولتي، وكم انا سعيدة بأني اقتفيتُ أثر خطواتها في حياتي العملية، اذ اني اعمل كمدرسة ايضا، وحينما تأخذني الذكريات لتلك الأيام الحلوة، كم كنت (وكنّا) سعيدة حينما تصطحبنا معها الى المعارض المدرسية التي كانت تشترك فيها، وكانت سعادتنا تكبر أكثر حينما تفوز مدرستها ويجري تكريمها  من قبل تربية الكرخ او الوزارة، ان كان بالهدايا او بكتب الشكر، ذكريات جميلة وصور لا تمحى!
اما صورتها الأم (ماما ديزي) فتقول عنها الست ندى: لقد كان البيت عندها  عبارة عن امتداد للمدرسة، اذ يجب ان تسير الأمور بأنتظام، والترتيب الذي يرضيها، وكانت تخاطبنا بنظراتها، ونفهم حينها ماذا تريد! وبالحقيقة ان هذه الخصال الفريدة دفعتنا لأن نكون اكثر جديين في حياتنا، لابل ان نكون قدوة لزميلاتنا اللواتي كنّ يكنّ حبا وأحتراما كبيرين ل (الست ديزي)، وبالمقابل، فقد كان المرحوم والدي صديقنا الصدوق والحنون امام (صرامة وجدية) الوالدة!
اما ابنتها (شـذى سـلمو) فهي تتفق  مع ما ذهبت اليه  شقيقتها ندى لكنها تضيف: لقد كان طبخها لذيذ جدا جدا، وفيما يخص دراستي، فقد كنت دائما احصل على درجة امتياز في مادة الكيماء، وأستحق الأعفاء من الأمتحانات النهائية، فيما كانت صديقاتي يعلقن على هذا الأمر بالقول: ((انتي امـّج اتدرســج)).
ويذهب السيد (عماد عبرو) زوج ابنتها ندى بالقول: لقد جمعتنا صلة القرابة بالراحلة (ست ديزي) اضافة الى الجيرة في السكن بمنطقة (سوق الغزل / صبابيغ الآل/ العكَد العريض)، فقد كانت سيدة رائعة، ولم تعرف الكذب في حياتها، وكانت دائما تقول لنا (احبو للناس ما تحبون لأنفسكم). لقد جمعت احلى الصفات في شخصيتها، البساطة والأمانة والأخلاص في العمل وحب الناس وأبنائها وعائلتها، ومازلت اتذكر ايام زواجي الأولى فقد كانت تخاطبنا بالقول: ( انتوا جيبو اولاد ..وروحوا اشتغلوا ..وآني اربيهم الكم طالما آني على حيلي) وهذه اجمل ذكرى احملها عن هذه الأنسانة الرائعة. وتختم  السيدة (ندى) بالقول:  إن ما ذكره  (عماد) عنها كان صحيحا، فقد ذهبتُ الى بيتها بعد خروجي من مستشفى الولادة بديترويت، وكم كنت سعيدة وأنا اراها تداعب ابنتي، ولم تمض سوى 9 أيام فقط حتى دنت ساعتها، ورحلت فجأة ودون سابق انذار!
 وبالحقيقة اني افتقدها كثيرا، وأصلي لها ان تكون سعيدة في المكان الذي هي به.

كمـال يلـدو
تشرين ثان 2014



المربي جورج جبوري خطيبا ما بين الأعوام 1927 - 1950

صورة للمربي (مستر) مع زوجته وأبنائه مطلع الخمسينات

المربي الراحل جورج جبوري - بورتريه

المربي الراحل فرنسيس كَرمو - بورتريه

المربي جورج جبوري في صدر مجلة المنتدى عام 1995

المدرسة ديزي عجو في حفل التخرج من كلية التربية

السيد أكرم جبوري شقيق المربي جورج جبوري

المدرسة الراحلة ديزي عجو في بدلة التخرج الجامعية

المدرسة الراحلة ديزي عجو مع مجموعة من طلبة الكلية

المدرسة  الراحلة ديزي عجو - بورتريه

المدرسة ندى عجو - عبرو ابنة المدرسة الراحلة ديزي عجو

السيدان صبري وصباح اولاد المربي الراحل فرنسيس كَرمو


صورة من آرشيف جورج جبوري بعد وبة كانون 1948


المربي فرنسيس كَرمو مع اشقائه عبد المسيح و داود الملقب (حوكة)


المربي الراحل جورج جبوري يقلد اوسمة فخرية لعمله التطوعي

338

ما أصعب أن تكون - قيثارة اور- غريبة في وطنها!

ثلاثة يستحقون الشكر والثناء لمعرفتنا وأطلاعنا على واحدة من جماليات كنوز الحضارة السومرية، وأعني بها (قيثارة اور) الأول هو عالم الآثار "السر ووللي" الذي ادت حفرياته الى هذا الأكتشاف الرائع، والشكر الثاني للملكة السومرية ( بو آبي شبعاد ) التي قامت بدفن القيثارة معها كجزء من مراسم الدفن الملوكية آنذاك، اما الشكر الثالث فيعود الى ( تربة) وادي الرافدين التي حفظت هذا الأثر وغيره لآلاف السنين، من عقاب الطبيعة وعبث السراق وحوافر خيول المحتلين الذين توافدوا على هذه البلاد.

كنوز تحت التراب
لعل من اجمل ما يتصف به علم التنقيب عن الآثار (الآركيولوجي) هو الغور في المجهول وتوقع المفاجئات في اغلب الأحيان. وبالعودة للسنين الأولى التي بدء علماء الآثار والمنقبين عملهم في بلاد الرافدين، وانعدام المصادر الأولية والأجهزة الحديثة في التنقيب والحفر هو ما ساعد على تلك الرغبة الجنونية لدى البعض في كشف السر العظيم!
ويقينا ، ان لا احد منّا يعلم اليوم عما كان يدور في ذهن (عالم الآثار البريطاني ليونارد ووللي) حينما كان ينقب في المقابر الملكية المُكتـَشَفَة في مدينتي كيش وأور ، فقد ُعثِرَ في تلك المقابر على حوالي 1850 قبر من النوع البسيط، المخصَّص لموتى عامة الشعب. أما في الموقع السفلي فتمَّ اكتشاف ست عشرة مقبرة على عمق عشرة أمتار من سطح الأرض. تبيَّن من النفائس الكثيرة التي لا تُحصى والنقوش والأختام الأسطوانية التي كانت بين الهدايا الجنائزية، أنها كانت مقابر لملوك سلالة أور الأولى وزوجاتهم. أهم هذه المدافن هو القبر رقم 789 الذي خُصِّصَ للملك (أباركي) وقبر رقم 800 لزوجته الملكة ( بو آبي شبعاد) ، وقد فسر وولي هذه الظاهرة بأن الملكة بدافع حبها لزوجها الملك (أباركي) اوصت ان تدفن بالقرب منه بعد موتها، ولهذا السبب نشاهد القبرين (789) و(800) متلاصقين.
من الجدير ذكره ان اسم الملكة شبعاد اقترن بالذوق الفني الرفيع باختيار أدوات مائدتها وزينتها الذهبية الدقيقة الصنع والمرصعة بالأحجار الكريمة ، ان هذه المكتشفات ستعني الكثير للعراقين ولكل المهتمين بالسومريات، وألأكتشافات الأثرية عموما. حيث ضم القبران 74 جثة من أتباع الملك وزوجته، رافقوهم إلى الموت طوعاً بواسطة مشروب مسمم أدى إلى تخديرهم ومن ثم إلى موتهم بينهم أربع عازفات وثلاث قيثارات ، كانت يد العازفات ما تزال على أوتارهما حتى وقت الاكتشاف، الأمر الذي يدل على أن العزف استمر حتى آخر لحظة من حياة الملكة. ولعل اكتشاف هذه الآلة الموسيقية (مثار كتابتنا) سيفتح الباب على مصراعاه في مجال تطور الآلات الموسيقية الوترية، ابتداءا بالجوزة والربابة والسنطور والقانون والعود والكمان وصولا الى البيانو والأورغن، اللذان يعتمدان على الأوتار ايضا. وتبين بعد تدقيق العديد من (الأختام) والألواح الصورية من الآثار السومرية بأن هذه الآلة كانت تستخدم في الأحتفالات عامة، وقد قام العديد من الموسيقيين السومريين بكتابة النوتات الموسيقية وأرفقوها بأغاني تَعزف على الحان (القيثارة). جدير بالذكر ان حصيلة كلا القبران كانت (3) قيثارات توزعت، الأولى وأكبرها حجما في المتحف العراقي – قبل سرقة رأس الثور الذهبي، والثانية (الفضية) في المتحف البريطاني بلندن، اما الثالثة والأخيرة فموجودة في متحف جامعة بنسلفانيا التي أشرفت على هذه الحفريات آنذاك.
يبقى أمرا غريبا عالقا في هذا الأمر وهو: عدم اكتشاف اية قيثارة أخرى (بعد هذا الأكتشاف) لا قبل هذا التأريخ ولا بعده ، وفي شتى الأماكن، والحضارات اللاحقة ( الأكدية والبابلية والكلدانية والآشورية)، علما ان آلة أخرى قريبة الشبه بالقيثارة اكتشفت في المقبرة الملكية، يمكن ان تكون (ام) آلة الهارب التي انتشرت لاحقا في الحضارات التي تلت في وادي الرافدين.

العبقرية السومرية
في وقفة متأنية وفاحصة لهذه الآلة الموسيقية، ومقارنتها بمثيلاتها في القرون الأخيرة (اي بفارق حوالي 5000 سنة) لايمكن لنا الا ان نسجل اعجابنا بنباهة مخترعها وعمق فهمه للموسيقى وتردد الأوتار والصدى والتحكم بالنغم وفي كل ما يتعلق بأرقى آلات اليوم، وبهذا فهو (او هم) يستحق لقب (العبقري السومري – العراقي) دون منازع وعلى مدى تأريخ الآلات الموسيقية قاطبة. فما صنعه هذا الأنسان، كان الأساس لما قامت عليه معظم ان لم اقل كل الآلات الوترية الموسيقية تقليدا كان ام توارد للخواطر والمصادفات، اما آلتنا فتتكون من:
1- الشكل العام: وهو يتكون من ضلعان قائمان غير متوازيان ويعلوهـما ضلع قائم عليهما (مجوّف وعلى شكل انبوب) تتدلى منه الأوتار (9 – 11) وهذا الضلع العلوي يوازي القاعدة المكونة على شكل صندوق خشبي مجوّف وتنتهي فيه الأوتار. وعادة ما تكون القاعدة مزينة من الخارج بالرسومات والزخارف فيما يتقدم رأس ( ثور) آلة القيثارة، وقد تفنن الحرفيين في تزينها بالذهب أو الفضة والأحجار الكريمة.
2- المفاتيح:كان من الممكن ان تمر فكرة ربط الأوتار بالضلع الموازي للصندوق، الا ان استخدام (فكرة – عبقرية) المفاتيح لشد وتضبيط الأوتار، تعبر عن فهم وأدراك عال للصوت وتردداته.
3- الصندوق: ان هذا الأستخدام يعزز مرة اخرى فكرة (الدهاء) والفهم لمبدأ الصوت وتردداته وأبتكار اسلوب ما لتضخيمه، اذ يندر ان تخلو اية آلة وترية من هذا الصندوق ، لكن يمكن الأستنتاج بأن مخترع هذه الآلة ربما استفاد من آلة ( الطبل) التي يعتقد انها كانت موجودة آنذاك وقيد الأستخدام، وهي ما يشير لها العديد من البحاثة عند دراستهم ل (ملحمة كلكامش).
4- الأوتار: وهذه تثبت مرة اخرى سعة العقل الذي صممها او ابتكر استعمالها، وقد لا نكون مبالغين لو قلنا بأن (امعاءالأغنام) هي اكثر المواد التي كانت تستخدم في صناعة الأوتار للآلات الموسيقية حتى وقت قصير ، طبعا بعد معاملتها بالأملاح والمواد الحافظة وأستخدام اساليب التنشيف التي تقاوم التفسخ، فيما جرى أستبدالها بالأسلاك المعدنية او المصنوعة من البلاستيك في الوقت الحاضر.

الفرق بين القيثارة و الهارب
لعل واحدا من ابرز الأخطاء الشائعة أن ترجمة كلمة (القيثارة) من اللغة العربية الى الأنكليزية تعطي عبارة (هـارب) والتي تمزج ما بين آلتين وتريتين لا يجمعهما إلا التشابه في المظهر الخارجي، حدث ذلك ولم تعترض اي من الجهات الرسمية العراقية عليه! اذ كان ممكنا ان تترجم الى ال (كيثارة أو قيثارة) بالأحرف الأنكليزية، ومن اجل تميزها عن الهارب. اما فرقها عن (الهارب) فهو كبير جدا، ولو بدأنا بالشكل فهو يعتمد على وتد واحد بنهايتان مقوستان، ويتدلى من نهايته اوتارا عدة نحو اسفل الوتد، ولا يدخل (صندوق الرنين) ضمن البناء العام للهارب، بل ان النغمة اساسا تعتمد على قوة سحب الأوتار، او في استخدام الريشة، ولهذا السبب نرى آلات الهارب وقد بنيت بأحجام كبيرة نسبيا من اجل الغرض السماعي، فيما برع المصممين في تنوّع اشكالها ايضا. ويمكن الأستدلال من بعض الحفريات التي جرت في بلاد فارس و (فلسطين – اسرائيل) ومصر واليونان، بأنها انتشرت في الألف الثاني قبل الميلاد، اي بما يقارب (500 – 1000 سنة) بعد آلة القيثارة المكتشفة في اور، وهذا الرقم كبير جدا في عمر الحضارات آنذاك، خاصة وأن تواصلا ما، كان قائما بين تلك الحضارات والشعوب. ومن الجدير بالذكر ، ان عدة رسوم سومرية قد كشــفت عن آلة شبيهة ب(الهارب) كانت موجودة في بلاد سومر ولا يستبعد بأن جرى تقليدها وأستخدامها من الحضارات المجاورة، ومن المفيد التذكير بأن بعض الباحثين في الآثار ينسبون آلة الهارب الى حضارة مصر القديمة، وبالذات الى الأسرة الفرعونية الأولى وتسمياتها هي (الكنارة: فرعونية/ الجنك: فارسية/ الصنج: عربية/ الهارب: انكليزية). اما المفارقة الأكبر فهي عن القيثارة التي لم تكشف الحفريات (لحد الآن) عن مثيلاتها سوى التي اكتشفها المنقب (وولي) في القبور المرقمة 789 و 800، فقد زُيِّنَتْ واجهةُ هذه الآلة الوترية أيضًا بعدد من المَشاهد المرصعة الموضوعة بعضها فوق بعض. في الحقل الأول نجد نسرًا برأس أسد يقبض بمخالبه على عنزتين؛ وفي الحقل الثاني شجرةً يشبُّ عن يمينها ويسارها ثوران؛ وفي الثالث بطلاً في هيئة هي مزيج من إنسان وثور يقهر نمرين؛ وفي الرابع صراعًا بين أسد وثور. لكن يبقى هناك شئ محيّر للغاية، فأذا كان فـن صناعة هذه الآلة قد وصل الى هذا الرقي وأستخدامها قد وصل الى القصور الملكية، وأن احفاد السومريين ما برحوا يستخدمون الموسيقى بأدواتها وآلاتها المعروفة آنذاك ( الطبل، الدف، الأيقاع والمزمار ) فأين موقع القيثارة اذن عند الأكديين والبابلين والكلدان والآشوريين؟

القيثارة في العراق
قد يعتقد او يتصور البعض منّا بأن اكتشافا راقيا مثل هذا كان سيدفع المسؤلين في العراق، السياسين او المهتمين بشؤون الفنون والموسيقى، الى اعادة انتاجها من جديد، واعادة قرأة الألحان او الأغاني لتلك الفترة والتي اكتشفت لاحقا، او الى اعداد الدراسات عنها وأضافتها لمنهاج (المعهد النغمي او المناهج الدراسية الأعتيادية) او في المناسبات الوطنية، او التباهي بها بين فرق العالم الموسيقية الأخرى، لأنها الوحيدة من بين قريناتها في كل ما توصل اليه ابداع الأنسان في كل الحضارات التي تلت السومرية، لكن اي من هذا لم يجري وللأسف ، وفي (اضعف الأيمان) بتكليف احدى شركات صناعة لعب الأطفال لصناعتها وطرحها في الأسواق أسوة ب (الهارمونيكا، والكمان والبيانو والزايلفون والناي والمزمار والطبل!) التي كانت ومازالت تتواجد في السوق العراقية. ومن المؤلم حقا ان أقول بأن كل ما موجود عن القيثار هي عبارة عن صور على واجهات بعض المحلات والمطاعم والمعامل، او علب الدخان وصناديق حفظ القمصان والأحذية او بعض الفرق الموسيقية والأذاعات، لكن من النادر ان نسمع ان اناسا قد سمعوا او شاهدوا عزفا على هذه الآلة في العراق! وهذا معيب بحق ابناء الرافدين الذين يفتخرون بما انجزه اجدادهم، مثلما يذكروا بأستمرار الكتابة والعجلة والنظام الستيني وغيرها من المنجزات التي اغنت الأنسانية وما تزال!
ويسجل لنا الآرشيف حادثة فريدة و وحيدة تلك لتي جرت فى أمسية جميلة قدمها (الأستاذ سالم حسين) وهو واحد من الموسيقيين الرواد (ملحن وعازف قدير على آلة القانون وأستاذ فى معهد الفنون الجميلة وله كتب مهمة فى تاريخ الموسيقى العراقية وسلالمها وكتاب عن آلة القانون وهو المرافق للفنان القدير المرحوم ناظم الغزالى فى اغلب حفلاته وتسجيلاته كعازف على آلة القانون ) وكان مكان الأمسية فى جناح من أجنحة متحف الآثار العراقية فى بغداد ( قبل الغزو الأمريكي البربري ) قدم فيها شرحا مفصلا لآلة القيثارة ، وقام بالعزف عليها مع فرقة مكونة من طلاب وأساتذة المعهد وكانت بيده قيثارة مصنوعة على غرار القيثارة القديمة صنعها أحد أنجال (صانع العود الشهير محمد فاضل العواد) ثم قدم تسجيلاً صوتى للباحثة (آن كلمو) وهى تغنى على آلة القيثارة المنفردة ترتيلة دينية سومرية قديمة . وكان من بين الحضور (الأستاذ عبد الرحمن جبقجى) الباحث الموسيقى السورى المعروف والأكاديمى العراقى (الدكتور طارق حسون فريد) اللذان قدما مداخلات مهمة وإليكم مختصرلبعض المداخلات :
1- ان القيثارة لا يمكن سماع صوتها اذا عزف عليها بالأصابع المجردة حتى باستخدام “ريشة القانون” كما فعل الأستاذ المحاضر ، الا باستخدام ميكرفون حساس لكن عندما استخدم مضرب تمكنا من سماع صوتها بوضوح .
2- انها عاجزة تماما على الاستمرار فى العزف مع الفرقة الموسيقية الشرقية التى تتسم بكثرة انتقالاتها النغمية ، لعدم وجود “عرب” فى القيثارة ( كعرب آلة القانون ) فكانت الفرقة تتوقف مع كل تغيير فى النغم ليتسنى لعازف القيثارة تسوية أوتارها على وفق النغم الجدبد وهذا لا يمكن من الناحية العملية والموسيقية ، كما حدث أثناء الأمسية . ويحق التساؤل ، كيف كان الفنان العراقى القديم يقدم فعالياته الموسيغنائية حين تشارك القيثارة فى العزف؟
يبدو أن هذه المشكلة لم تكن وليدة اليوم بل هى موجودة منذ القدم ، وربما منذ صناعة القيثارة ، ففى العراق اكتشف لوح طينى مدون عليه بالخط المسمارى تعليمات مهمة عن كيفية الغناء بمصاحبة القيثارة حيث وضع المدون - الذى كان يدرك جيدا نواحيها الفنية - جدولا ذكر فيه التغيرات الواجب إجراءها على أوتار القيثارة للحصول على أى نغم أو مقام مطلوب ، فهو يقول مثلا : اذا كانت القيثارة منصوبة على (الكابليتو) ولكن البعد الموسيقى نيش كابارى لم يكن واضحا ، فانك تعيد تسوية الوتر الأمامى والوتر الثانى من الخلف ، فيصبح البعد الموسيقى (نيش كابارى) واضحا . (الكابليتو، ونيش كاباري، أنغام موسيقية) . وهكذا يستمر المدون بتقديم توضيح واف ومتكامل لكيفية حصول العازف او المغنى على المقام المطلوب الذى يريد ان يشتغل عليه الفنان الموسيغنائى القديم، وهو دليل واف على وجود هذه المشكلة منذ القدم (– عن موقع التراث العراقي – القيثارة السومرية).
وتبقى هنك علامة اعجاب وتقدير ل (فرقة النوبان البصراوية) التي تستخدم القيثارة في العزف، وهي تجربة جديرة بالأنتباه، وربما تقليدها في الفرق الغنائية والموسيقية الأخرى.

اصدائها في لندن
تذكر الأخبار بأن الفنان البريطاني (آندي لوينغز) وبعد ان شاهد اخبار سرقة معظم مقتنيات المتحف العراقي، والتخريب الذي جرى على (آلة القيثارة الذهبية الوحيدة التي يملكها المتحف العراقي) حينما سُرق رأسها الذهبي وتكسّرت اضلاعها ، بدء العمل عام 2003 بأعادة تصميم وبناء (القيثارة) وبحجم اكبر، بمساعدة عدة جهات وكانت الحصيلة ( 70 كغم من شجر الأرز من العراق، اللؤلوء من دبي، اللازورد من افغانستان، الذهب عيار 24 من جنوب افريقيا، القار هبة من متحف بغداد، الكلس الأحمر من جبال كردستان والأوتار هدية من شركة بريطانية – عبارة عن امعاء الأغنام – وكانت هذه بمثابة اعادة بناء النسخة الأصلية بكل مكوناتها ) وأكتمل المشروع عام 2006، اما اولى انطلاقات (فرقة القيثارة الذهبية) فكانت عام 2007 في العديد من دول الشرق الأوسط والعالم، وتبقى لحفل العاصمة لندن مذاقها اذ ابدعت كلتا السيدتان ((الباليرينا ليغا مينا بالإشتراك مع كلارا ليفينغستون في الرقص والغناء وبأشراف آلن سينور وهو مدرس لرقص الباليه في جامعة آيوا بالولايات المتحدة الأميركية ))، وأستمر عروضها في الكثير من الدول ، كما احيت الفرقة العام الماضي (2013) حفلا برعاية المركز الثقافي العراقي في لندن، فغنت (ستيف كونر) بصوتها السومري او كما نتصور صوت الهة الحب والخصب وهي تتلو تراتيلها او تغني ضمن طقوس التعبد. (ستيف) الشابة التي غنت باللغة السومرية بطلاقة ، اذ يقع هذا ضمن تخصصها في خلق الموسيقى من اللغة. ومعلوم انها حاصلة على الدكتوراة في الموسيقى وساهمت في العديد من المهرجانات الغنائية الموسيقية في مختلف دول العالم. فهي تدرس الموسيقى وتقود فرقة للغناء الفولكوري. ويمكن القول بألم، بأن تجربة جميلة وجريئة مثل هذه لم تتكرر على الأقل من قبل احفاد السومريين هذه المرة.

أخيراً
ربما تكون فكرة (قيثارة أور) الحجر الذي القي في بركة حالتنا العراقية الراكدة، بأمل ان تتحرك عقولنا ومشاعرنا ونعيد حساباتنا في الذي نريده من هذه الحياة. فهل سننشد للموت والدمار والتخلف والعيش في الماضي كما يريدنا البعض، ام ان لنا مشروعا للحياة والأمل يبداء بأحتضان الأطفال وتهيئة المدارس والمناهج الملائمة لهم، ونعيد البسمة لوجوههم وللبنات والنساء ولجموع الناس، منشدين بأغاني الفرح والأنسان والمحبة. هل يمكن لمبدعينا الموسيقيين او الفنانين ان يضعوا في حساباتهم مشروع اعادة انتاج هذه الآلة والأحتفال والتعريف بها في المهرجانات الموسيقية المحلية والعالمية. وهل يمكن للمؤسسات المعنية بالموسيقى ان تتبنى هذه الفكرة وأن تكون هذه الألة شعارا لهم، مثلما تتفاخر الشعوب التي صنعت الكيتار والدرمز والبيانو والأورغـن؟

** الشكر موصول للعديد من الكتاب والكاتبات الذين تناولوا (القيثارة) في كتاباتهم: موقع التراث العراقي، القيثارة السومرية/ قيثارة اور الذهبية تنبعث من المقابر الملكية لتلد طفلة في بريطانيا، بقلم الباحثة العراقية المغتربة ليلى كَوركَيس/ قيثارة اور الذهبية تعزف في لندن بقلم الست إبتسام يوسف الطاهر/ حيدر محمد الوائلي، آثار ذي قار المهملة، الجرح النازف/ وأخيرا من المعلومات المنشورة (مشكورين) في موقع ويكيبيديا.

كمـال يلدو
تشرين ثان 2014



339
شكرا جزيلا لك أخي الفاضل Odisho Youkhana وبالحقيقة اشاركك الألم والحزن لما آل اليه حال الوطن، احيائه وأمواته، ويتعجب الأنسان عن حجم هذه الأحقاد والتخلف ويسأل: اين كانت مختبئة كل هذه الكراهية؟ مرة اخرى وللألف اقولها ان لا بديل لحالنا الا بأقامة الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة وتقديم هؤلاء المجرمين للمحاكم. سيبقى الوطن ينزف دما طالما كانت المصالح فوق البشر وفوق الوطن. شكرا لمحبتكم

340

لو كنت عراقيا ومت، اين ترغب ان تُدفن!
   

دعونا نتفق اولا بأن فكرة الدفن، او مواراة الثرى، هي فكرة اخلاقية تقوم بها بعض الشعوب لأبنائها وبناتها الذين ينتهي دورهم في الحياة اي يموتون، تيمنا بالفكرة القائلة "من التراب اتيتم وإليه تعودون"، علماً إن هناك اقواما اخرى تقوم بترك جثة الميت في الهواء الطلق غذاءاً للطيور الجارحة، وهذا ليس موضوعنا الآن على الأقل. ولنتفق ثانية بأن الأنسان لا يقوم بعملية الدفن لجثته الا ما ندر، وفي الأعم فأن اناسا آخرين يقومون بذلك، بأستثناء الطوارئ في اثناء الغرق  بالمحيطات (وما اكثرها) او الموت هائما في الصحاري (وما اكثرها ايضا) او في الفضاء الخارجي او اية طريقة (غريبة) تخطر على بالكم!
وحتى لا نتيه سوية بين فرضيات وأحتمالات لا أول لها ولا آخر، دعونا نبحر سـوية في قارب عراقي !

منذ ايام قليلة كنت في زيارة أحد زملائي الأعزاء في مدينتنا العزيزة ديترويت (فريد طوانا)، وكعادتنا كلما التقينا  نسأل احدنا الآخر عن الأوضاع وآخر المستجدات وما الى ذلك من تفصيلات، ثم  تنهد قليلا وأطرق بصره على الأرض وقال: في هذه الأيام ، تصادف ذكرى رحيل والدتي منذ ثلاث سنوات! ولا ادري ما حال قبرها اليوم!

في لوحة درامية ، كالحة الألوان والأضواء ، كيف للعاقل ان يتصرف، وبأي تبرير نخرج ونقنع هذا الأنسان.  حينما رحلت والدته، كان ذلك عام   2011 يومها كانت قد تعافت من ازمة صحية ألمت بها وهي بمحل اقامتها في ديترويت، وطلبت من ابنها ان يهئ لها سفرة تزور بلدتها (تلسـقف) وبالرغم من المحاذير، ونصائح المقربين، قالت وقد بدى عليها الأصرار الأبدي، بانها عازمة على الزيارة هذه المرة، اذ لا احد يضمن سـير الأمور مستقبلا، فكان لها ما ارادت.   لم يمض وقتا طويلا حتى فاجئنا صديقنا بنبأ رحيل والدته اثناء زيارتها بلدتها إثر نوبة قلبية، وبأنها وريت الثرى هناك.  وما كان منّا نحن معشر الأصدقاء، الا ان نستغل تلك الحادثة لنخفف من لوعة زميلنا بالقول:  انها محظوظة لأنها دفنت في العراق، ارض آبائها وأجدادها، ارضنا المقدسة! وكم كان لطيفا معنا وأنسانيا حينما أظهر اعتزازه بهذا الموقف، لكن لاشئ عنده يساوي رحيل امه، آخر ما تبقى له من الوالدين، لا الأرض ولا القرية ولا الوطن ولا اي شئ، هذه امي وفقدتها للأبد! حتما هذا ما كان يقول في سره، لكن اخلاقه ومبادئه كانت تفرض عليه ، اللياقة والكياسة في التعامل ومجاملة الناس.
وكنّا في ازمنة مضت، نحسد الناس التي تصرف آلاف الدولارات لنقل (جثامين) احبائها من اجل دفنها في العراق! وربما في بعض الأماكن (المحددة جدا) اعتمادا على (الطائفة، المذهب ، الدين أو القومية، تصورا حتى مع الموتى!) وكنا نحتار في رغباتنا او امانينا، وهل سيلبي (ناسنا) تلك الرغبات الغريبة جدا ، في تحقيق عملية الدفن حيثما ولدنا  ، او حيثما وري جثمان آبائنا او اجدادنا، انها بالحقيقة امنية رومانسية اكثر مما هي واقعية، فالجسم الميت، ميت، اينما وري الثرى، هذا اذا كان محظوظا و وري الثرى!

اما صدمة زميلنا فكان مردّها، ان البلدة التي وري الثرى على جثمان والدته (تلسـقف) قد سقطت بيد (داعش) وأن المدينة قد فرغت من اهلها الذين اضطروا لتركها بعد ان خذلتهم قوات (الأقليم) وقوات (الدولة)، وأن داعش قد دخل القرية وخرب (الصلبان) وربما دخل المقبرة وقام بنفس العمل، وربما قام بتخريب القبور، فمن يعرف؟  مع ان احدهم قد أوصل (خبرا له) بأن الحشائش البرية قد ارتفعت كثيرا في مقبرة القرية، لأن لا احد يعتني بها او ينظفها، وربما ستغيب معالم المقبرة مع الوقت، وقد تضيع  العلامة الفارقة لقبر والدته، وهذا يعني في نهاية المطاف، ان قبر امه سيكون مجهولا رغم انه كائن في نفس القرية التي ولدت وترعرعت بها، وهذا امر صعب التصديق. فكيف لك ان تضيّع معالمك وأنت في قريتك، مدينتك أو وطنك! هذا انتهاك فظ لحرمة الأنسان ولحقوقه – الميت على الأقل -.

لا ادري ان كنّا نرجسيون، او ان رومانسياتنا وأحلامنا الوردية كانت تقودنا لأفكار ومواقف، صارت اليوم تصرخ في وجوهنا بما يجري لهذا الوطن وأهله.   فكم  انسان عزيز فقدنا في التفجيرات الأرهابية وصرنا نجمعهم قطع قطع ( رجل من هذا ويد من ذاك ورأس من....؟) . وفيما وطننا مستباح بأرضه وناسه، نسمع عن سياسين يتحدثون عن نجاح التجربة العراقية! وعن ضرورة  استفادة الدول منها، وعن الأنجازات التي حقـقها سياسيوا الصدفة الذين اتت بهم دبابات الأمريكي، وجاراتنا الشقيقتان – الشرقية والغربية- هذه المعادلة التي دفعنا وندفع ثمنها غاليا  نحن، وأهلنا، وأحبتنا، إن كان  تارة بالمفخخات او اللاصقات او السيارات الملغومة، او اقبية التعذيب والقتل والأرهاب على يد احزاب "العراق الجديد" أو على يد (دمية العالم المتحضر ودول الجوار) داعش ، ودولتها الأسلامية المتهرئة!
الرحمة على تلك الأنسانة الرائعة، التي كانت تضيفنا وتعاملنا كأبنائها كلما زرنا بيتها الجميل في ضواحي ديترويت ، والأمل بأن لا يمس قبرها بسوء او أذى، رغم ان الوطن وناسه قد انتهكوا، وأن النساء الأزيديات والمسيحيات يباعون كسبايا في سوق النخاسة (الأسلامية) على مسمع ومرأى من العالم العربي والأسلامي وكل اعضاء هيئة الأمم المتحدة ، ودون ان يرف جفن حكام بلدنا ومنطقتنا الخائبين والمفلسين والمهزومين،
 فما بال قبور ناسنا وأهلنا!

كمال يلدو
تشرين أول 2014
 

341
كمـال يلـدو:مـربّون في الذاكرة الحلقة (17)

رحلة مع بناة الأنسان العراقي
في لجّة الحياة وتداعياتها يحاول (البعض) التصيد في الماء العكر كلما توفرت له الفرصة، وهذه المرة عبر توجيه اللوم (لي) بأني أكتب كثيرا عن المربين من  ابناء (تلكيف و ألقوش) وأتجاهل باقي المكونات  الأخرى، ولعلي أشم رائحة نتنة في كلام هذا (النفر) حينما يتحدثوا عن المكون المسيحي ويشخصوه بهذه الطريقة. ولست قاصرا في مكان ان اردهم الى جحورهم كما يقول المثل، بل كنت اتمنى على من حمل او يحمل مثل هذه الفكرة المخطوئة ان يعي اولا غاية رسالتي ويفهم معانيها ثم ان يحكم عليها.  هذه المقابلات آثرت تقديمها لجيل المربيات والمربين الذين خدموا في العراق وأنتهى بهم المطاف مهاجرين للولايات المتحدة وبالذات في مدينة ديترويت، هذا أولا، اما للذي يعرف تركيبة هذه المدينة فسيفهم لماذا هذا العدد الكبير منهم، وثانيا، الم يكونوا هؤلاء المربين خريجوا  المؤسسات العراقية، و ألم يدرسوا في مدارس العراق ولكل طلاب العراق دون تمييز (طائفي او ديني مقيت) ، فلماذا نسميهم هم بالذات ولا نسمي غيرهم؟ الرسالة الأخرى هي، موقفي انا شخصيا ومن خلال أخواتي وأخوتي القراء، في توجيه الشكر والمحبة والثناء لكل من خدم الوطن وخاصة من ابناء  تلكيف وألقوش وكل مدن وقرى وقصبات (سهل نينوى) المباركة ، والمحتلة والمغتصبة اليوم من مجرمي داعش امام فشل وعجز الحكومة في حمايتها وتوفير الأمن لأهلها، اقول، هناك من يحبكم ويعرف  وزنكم في هذه الحياة. انتم الذهب الصافي في بلاد الرافدين، قدمتم ومعكم الكثير من المخلصين من ابناء الطائفة المندائية واليزيدية والتركمان والأكراد والعرب، انتم ابناء العراق النجباء ونحن نعرف قيمتكم اكثر من الحكومات أو من حملة الأفكار العنصرية المهزومة!
******        ***********        **********       ******

المربي وديع بحـو باكوس

من مواليد العام 1940 في مدينة قرقوش (الحمدانية) في المحلة الواقعة قرب كنيسة الطاهرة. متزوج من السيدة أميرة عازر الطوني، ولهم 4 بنين و 3 بنات و 15 حفيد لحد الآن.
كانت اولى خطواته برحلة التعلم والمعرفة في،
1- (مدرسة قرقوش الأبتدائية) وبعد ان انهاها انتقل الى
2- (ثانوية المشرق المسائية الأهلية) بمنطقة رأس القرية في العاصمة بغداد، ثم انتقلت العائلة الى الموصل وأكمل في
3- (كلية الموصل الأهلية) وهي ثانوية تابعة للآباء اليسوعيين، بعدها عاد الى بغداد وأكمل في ،
4- (ثانوية النضال المسـائية) بمنطقة السنك في بغداد. وبعدها انتسـب الى،
5- (دار المعلمين الأبتدائية) التي كانت كائنة في منطقة أبو غريب، ولم يمض وقت طويل حتى اكمل الدراسة في
6- (دار المعلمين الأبتدائية) في منطقة الأعظمية، حيث تخرج منها عام 1962.

بعد رحلة الدراسة تلك، حان الآن وقت التوظيف فكانت اولى المحطات،
1) معلم  في (مدرسة الأمل)  بمنطقة سـيد دخيل – محافظة الناصرية -  ولمدة سنة واحدة ثم،
2) مدير في (مدرسة الأمل) ولمدة سنة واحدة، بعدها نقل الى
3) (مدرسـة المستنطق) في محافظة نينوى وبمنطقة الجزيرة ولمدة سنتين، ثم
4) (مدرسة الأبوير البو حمد) في منطقة حمام العليل ولمدة سنة، بعدها الى
5) (مدرسة العباس والنجفية) في منطقة تابعة لقضاء الحمدانية ولمدة خمسة سنوات، ثم
6) معلم في (مدرسة العزة) في مركز مدينة كركوك، بعدها انتسـب الى
7) (دورة الأشغال اليدوية) التي اقيمت في محافظة نينوى، وعقب تخرجه منها اصبح،
8) المشرف الفني في (مركز الأشغال اليدوية في كركوك) وبعد فترة من ذلك اصبح
9) المشرف الفني  في (مركز الأشغال اليدوية في نينوى) ، وتمضي عدة سنوات على التعين الأخير حتى يحل العام 1995، ويحل معه كتاب التقاعد، بعد خدمة في السلك التعليمي استمرت ل (33) سنة. انصرفت بعدها (يقول الأستاذ وديع)  للأعمال الحرة  في مدينت (قرقوش) مابين الأعوام 1995 – 2005، وهي السنة التي غادرت فيها العراق انا وعائلتي للهجرة الى أمريكا والأستقرار في مدينة ديترويت.

لقد اجتمعت صفتان في اختياري سلك التعليم كمهنة، اولهما تأثير من خلال عائلتنا التي كان فيها عدد جيد من المعلمين، وثانيهما  رغبتي  الملحة في نشر العلم والمعرفة والثقافة بين الناس وبخاصة ، جيل التلاميذ الناشئ،علما ان امنيتي اول الأمر كانت دخول (كلية القانون والسياسة) لكن ظروف عائلتي المادية المتواضعة دفعتني لأختيار اقصر الطرق لتوفير المصدر المالي لأعالتهم.  ان اخلاصي وأجتهادي في عملي الوظيفي دفع المسؤلين في مديرية التربية  لترشيحي  الى  (دورة فنية) لمدة 3 أشهر في (محافظة كركوك) بمواد  أشغال السيراميك/ المعادن/ الحياكة والسجاد/ الأشغال الجلدية والنجارة. وبعد انجازي لها ونجاحي بها جرى  نقل ملاكي من سلك التعليم الأبتدائي الى الثانوي والتي تضمنت  مخصصات مالية اضافية ايضا. وقد بليت بلاءا حسنا   بالمسابقات التي كانت تجري في (مهرجان الربيع، مسابقات على صعيد مدارس محافظة نينوى وفي معرض بغداد الدولي ايضا) وليس سرا اذيعه لو قلت بأن نسبة 40% من ارباح مبيعاتنا كانت تذهب للعاملين مما كان عاملا مشجعا للعمل والعطاء اكثر.  علما ان المواد التي كنت أدرسها لصفوف مرحلتي (الخامس والسادس ابتدائي) كانتا اللغة الأنكليزية والرياضيات ويسعدني القول بأني حققت نسبا عالية ومشرفة عكستها كتب الشكر والتقدير (اكثر من 10) التي تلقيتها في مسيرتي. لقد دفعتني هوايتي في المتابعة والقرأة السياسية الى النشاط في (حركة تجمع السريان – تأسست في بغديدا) والتي احتل فيها اليوم منصب الرئيس، اذ تنشط في ازالة الفوارق بين كل مكونات الشعب والتأكيد على حقوقهم  المشروعة،  اما في هذه البلاد فنعمل على مساعدة الوافدين الجدد وتقديم الخدمات لهم في متابعة معاملاتهم او انجازها وما يرتبط بذلك ايضا.
امنيتي للعراق اختصرها بشئ صار اقرب للحلم منه للواقع: ان يعم السلام والخير ، ويعود الأصلاء  ويحتلوا مكانهم الصحيح ، من اجل ان يتكاتفوا في خدمة الشعب وتحقيق امانية في الحياة الكريمة، وأن يعش العراقيون اخوة  في العمل والوظيفة والطموح المشترك.
******        ***********        **********       ******

المدرسـة سـهى يوسف منصور ميري – عتو

ولادة مدينة الموصل في العام 1945. متزوجة من د.أمير عتـو ولهم 3 اولاد وبنت واحدة مع 7 أحفاد.
أرسلتها العائلة أول الأمر لتبدء رحلتها المدرسية الى
1- مدرسة راهبات اللاتين في منطقة رأس القرية في بغداد لدراسة الأبتدائية ثم،
2- المتوسطة والأعدادية الشرقية في منطقة الكرادة حيث انهت الثانوية في العام 1962، دخلت بعدها الى
3- كلية التربية/ جامعة بغداد – قسم البايولوجي وتخرجت في العام 1968.

كان حصولها على الشهادة الجامعية مفتاح تملكها لوظيفة التدريس في مادتي (النبات والحيوان) وكان تعينها الأول في
1- (ثانوية أربيل للبنات) في محافظة أربيل ولمدة عام واحد، اعقبها طلبها النقل الى البصرة والتعين في
2- (ثانوية العشـار للبنات) في منطقة العشار بمحافظة البصرة  بين الأعوام 69-1981 ثم الى
3- (ثانوية النهضة للبنات) في منطقة الدورة بمحافظة بغداد ولمدة عام، بعدها الى
4- (ثانوية دمشق للبنين) وفي منطقة الدورة ايضا – محلة الآثوريين لغاية العام 1983 حيث أحيلت على التقاعد وتفرغت بعدها لتربية الأبناء الذين صاروا يكبروا وبحاجة الى رعاية  وخاصة من قبل الأم.

كان لبيئتها المنزلية الأثر في ولوجها سلك التعليم والبداية مع والدها المرحوم  المعلم (يوسف ميري)، ثم شقيقها الأكبر (مالك)  وشقيقتها الراحلة (أمل) الذين سبقوها لهذا الدرب، هذا اضافة لطموحها الشخصي  في التوظيف اولا وثانيا في التقرب من (الطلبة) ومساعدتهم لأستكشاف آفاق الحياة ودروب العلم والمعرفة، على ان تأثيرا آخرا يضاف الى شخصيتها (كما تقول ست سهى) وهو دور  - حكيمة البيت – والدتها الراحلة (حياة ناظر) التي اسهمت مواصفاتها  في ترك بصمات كبيرة في شخصيتها ، ومنها الطبع الهادئ والمسالم والصبر والتأني، هذه الوداعة وجدت صداها في علاقاتها الطيبة مع كل المدرسات اللواتي تقاسمن معها سني التدريس  في اربيل والبصرة وبغداد، اذ تطورت علاقاتنا  وتخللتها الزيارات والسفرات العائلية، ودخلت معها علاقات دافئة مع عوائل التلميذات ايضا، حيث ساهم ذلك في تطوير دور التلميذات والعوائل في مجمل العملية التدريسية وخاصة في النشاطات  المهمة.   ان اروع ما يضئ ايامها هي تلك اللحظات التي تجمعها بطالباتها اللواتي يغدقـن عليها كلمات المحبة والترحيب ، وهنّ كثيرات،  فيما  تصدرت العديد منهن رتبا ومناصبا ومنزلة راقية في المجتمع، وهذا لم يكن بعيدا عن الجهد المتميز الذي بذلته (ست سهى) مع طالباتها ، ان كان بالشرح الوافي وتقريب مادتي (الحيوان والنبات) من ذهنهن، او بأستخدام كل وسائل الأيضاح المتوفرة، وخاصة المختبرات  بغية منح الطالب فرصة افضل للتعلم والفهم وهذا ما ساعد الكثير في حياتهم العملية او الجامعية اللاحقة، وكانت النتائج التي كنت احصل عليها في نهاية السنة ، ارفع وسام اتقلده  وأكبر تثمين لجهودي وأسلوبي الخاص  في التدريس.
 وتخطف من الذاكرة شريطا  صغيرا  يعود بها للعشار وشوارعها وأهلها، وكيف كانوا يحيوها كلما مرت بينهم!.
بعد  تلك الرحلة وسنوات العمل، تقضي  الست (سهى) وقتها في خدمة (الأبناء) والأحفاد ، اضافة للقرأة ، وبخاصة الكتب الروحية والدينية، مضافا لها السفر كلما توفرت الفرصة، هذا اضافة للهواية رقم واحد في الطبخ وفنونه!
للوطن الحبيب تتمنى: السلام لبلدي الغالي العراق، وادي الرافدين، ولكل اطيافه وقومياته وأديانه، وأرفع يدي متضرعة ان يحمي الله اهلنا في الشمال، وخاصة المسيحين واليزيدية لما يعانوه  من ظلم مزدوج هذه الأيام، وأتوق ان اشهد (انا وعائلتي) وقد عادت الأمور الى طبيعتها في وطني.
******        ***********        **********       *******

المدرس صباح توما مراد كسـاب

من مواليد مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى وفي محلة (كيزي) في العام 1945، متزوج من السيدة رجاء منصور شكوانا ولهم 4 أبناء وبنتان مع 5 أحفاد.
درس الأبتدائية في (مدرسة العرفان)  بنفس مدينته، ثم اكمل المتوسطة والثانوية فيها ايضا  عام 1964، وبعدها تقدم للتسجيل في كلية التربية، جامعة بغداد  وانتسب الى قسـم الرياضيات وتخرج منها مدرسا في العام 1968.
لم ينتظر طويلا كي يحث السير في العمل والأنتاج ووضع ما تعلمه في الكلية موضع التطبيق فكان اول تعينه في
1- (متوسطة التحرير) في محافظة الديوانية، مركز المدينة حتى العام 1971، ثم نقل الى
2- (ثانوية طارق بن زياد) في مدينة الضباط بالعاصمة بغداد، وبعد فترة قصيرة الى
3- (ثانوية سلمان باك) في مدينة سلمان باك، ولفترة قصيرة الى
4- (مدرسة متوسطة في منطقة بغداد الجديدة) ثم نقل الى
5- (اعدادية الجمهورية) في منطقة المشتل الواقعة على اطراف مدينة بغداد الجديدة مابين الأعوام 1972-1993 اي لمدى (21)عام بعدها طلب الأحالة على التقاعد.

أشـعر بالرضى وبراحة الضمير، يقول الأستاذ (صباح كساب) واصفا ســني خدمته تلك ورحتله مع التلاميذ والهيئات التدريسية، اذ لم تكن حياتنا سهلة، لكني كنت موفقا في تحقيق نسبة نجاح تصل ال 95% لمراحل الرابع والخامس والسادس ثانوي / القسم العلمي، و 80% لمراحل الفرع الأدبي، وهذه نسب مشرفة وقد حصلت أثرها على كتب تثمين وشرف من الأدارة ومن مديرية التربية، ومن تلاميذي ايضا.ويكمل الأستاذ (صباح) قائلا: ان تدريس مادة الرياضيات لم تكن سهلة، خاصة في ظل انعدام وسائل الأيضاح المطلوبة، فكان علينا ابتداع الوسائل والطرق لتقريبها الى ذهنية الطالب، وأخص منها مادة (الهندسة المجسمة) تلك المادة الخيالية، التي اصبحت اليوم بفضل التطور التقني ووفرة الكومبيوتر اسهل من (الماء) على عقول التلاميذ!
وعلى ذكر تلك الأيام، لاينسى ابدا المربين والأساتذة الذين اخذوا بيده ، او الذين تقاسم معهم العمل المهني لأنها ارتبطت بأجمل الأيام والذكريات (كما يقول)  اذ وجدت الألفة طريقها الى قلوبنا وعلاقاتنا نحن معشر الأساتذة، فقد تطورت علاقاتنا لتصبح عائلية، وصرنا (نتزاور) ونقوم بالسفرات والرحلات والزيارات العائلية، وكنا على درجة طيبة من التفاهم، اما ان كان هناك همّ يجمعنا ، فقد كان همنّا، انهاء المنهج والخروج بنتائج طيبة مع التلاميذ

يقول الأستاذ (صباح كساب): ان الظروف الصعبة التي عشناها لم تفقدنا انسانيتنا. فبعد العام 1993 وأحالتي على التقاعد، كانت الحياة الأقتصادية صعبة لسكنة بغداد، وهذه يتذكرها جيدا كل من عاش تلك المرحلة، ولم يعد الراتب التقاعدي الشهري يكفي (7000 دينار = 3 دولارات ونصف آنذاك)، على اننا كنا نعتاش على ما نحققه نتيجة التدريس الخصوصي. وحتى بالعودة لسني التدريس، فقد قمت بتدريس مادة الرياضيات في مدرسة كانت ذات دوامين، وبملاك حوالي 3000 آلاف طالب وبطاقم تدريس من حوالي 65 مدرس، ب 24 شعبة، وفي كل شعبة حوالي 60 طالب، ولكم ان تتخيلوا عقل المدرس بعد انتهاء الدوام في ذلك اليوم!! ان كل ذلك لم يمنعني من ان اكون (انا ونخبة طيبة من زملائي التدريسين)حريصون ومخلصون في عملنا، وكنا نبذل قصارى جهنا للتلاميذ، ولم نبخل عليهم بأوقاتنا حتى بعد انتهاء الدوام وبتقديم المشورة والنصيحة او بالتدريس الأضافي  للطلاب الضعفاء (مجانا) خاصة عند اقتراب السنة الدراسية من نهايتها.
بعد العام 1993 انصرفت للأعمال الحرة بغية اعالة عائلتي التي كانت تكبر يوما بعد يوم حتى العام 2002 حينما قررنا انا وزوجتي الهجرة من العراق والألتحاق بباقي الأهل والأقرباء في الولايات المتحدة، اذ عملت لفترة قصيرة بعد وصولي، لكني متفرغ عن العمل الآن وأستمتع بحياتي مع الأبناء والأحفاد والزوجة، ناهيك عن ممارسة هواياتي الشخصية في اقرأة ، وخاصة الروايات العربية والعالمية، اضافة لمتابعة الأخبار، التي يبدو انني قد ورثتها من العائلة،  اذ ما زلت اذكر المرحوم عمي  الذي كان يملك كشكا لبيع  والصحف  اليومية في منطقة السنك،  حيث كنت اقصده يوميا بعد ان اغادر الكلية لقرأة ابرز المجلات والجرائد مجانا (مال بلاش) قبل عودتي للبيت، وهذه ساهمت كثيرا في بناء القاعدة الفكرية والمعرفية عندي للسنين القادمة.

يبقى لبعض الأسماء عند الأستاذ (صباح) عطرا وأريجا لم يتمكن الدهر من محوه او التأثير عليه، وتأتي في المقدمة من هذه الأسماء شـقيقتي الغالية (ماسـير باعوث) والتي اعتبرها، اضافة كأخت، فهي النبراس والقنديل الذي يضيئ كل زوايا روحي العاشقة للحياة والخير والمحبة، فهي التي اخذت بيدي دائما، وبها تأثرت حينما اخترت سلك التعليم، وهي التي ساهمت على تعريفي بالكثير من الوجوه الأجتماعية والتعليمية البارزة في بغداد آنذاك، ولا انسى (فضلها ) عليّ ابدا، اما الثانية فيحتلها ابن عمي الغالي (هرمز كساب) الذي ساعدني هو وعائلته الكريمة حينما قدمت الى بغداد لأكمال تعليمي الجامعي، فهو لم يكن ابن عم فقط، بل اخا وحبيبا وصديق كريما، فيما الشخصية الثالثة، اقف امامها بمحبة و وداد، وأترحم عليها ان كانت قد غادرتنا بسلام، واطلب لها الصحة ان كانت حاضرة، وللعائلة الكريمة كل الخير والمحبة والتقدم، انها شخصية الدكتور الرائع (د.خالد القصاب) الذي عاملني معاملة انسانية متميزة، ولم يكن طامعا بالمال معي بقدر ما كان يرغب بمساعدتي في علاجي من (مرض نادر اصابني، ويصيب حوالي 100 شخص في كل العالم)، فقد وجهني ونصحني وساعدني وشد من ازري وعزمي، فكيف انساه، وكيف للحر ان ينسى مثل هؤلاء الأبطال!
اما لوطني الغالي وأهله فأتمنى: ان ينعموا بالسلام والأمان، وأن يعيشوا بفرح.

كمال يلدو
تشرين اول 2014

***للذي يرغب بمتابعة الحلقات الماضية يمكن له  وذلك بالعودة الى آرشيف  (صورة وخبر) وبالنقر على العنوان.


342
كمـال يلـدو: مـربّون في الذاكرة الحلقة (16)

رحلة مع بناة الأنسان العراقي
لأنهم جبلوا بالمحبة، فأن قلوبهم اتسـعت لأحلام تلاميذهم، صغيرة كانت ام كبيرة. وإذ تسير السنين، ويكبر الطلاب، ويمضوا في مشوار العلم والمعرفة، فأن نبضات تلك اللبنة الأولى تبقى حاضرة عند الكثيرين. لقد تقلد معظم من مّر علينا من تربويين منزلة لا تقل عن منزلة الأب او الأخ الكبير، فظّل ذاك (الحبل السـري) حاضرا كلما التقينا بأحدهم يطمئن احدنا على الآخر. ولأنهم قاموا بواجبهم على احسن وجه، فقد جاء يومنا ان نرد لهم قليلا من  مما قدموه لنا ممزوجا  بالمحبة والتقدير والأعتزاز، وأمنيات بالصحة ورحمات لمن غادرونا. ان لم يكن موقفنا منهم واجبا، فأنه يبقى تعبيرا عن ثقافتنا وأنسانيتا، خاصة مع الذين منحونا الكثير، وفي مثل هذه الأيام التعسة التي تمر على الوطن الغالي، يبقى تكريمنا وذكرنا لهم وساما نفتخر نحن فيه قبلهم.
هذه رحلة جديدة مع قناديل اخرى، آمل ان تروق لكم

***************        ***************       *************       ***********


المدرس جورج انطون حنا يلدو
من مواليد مدينة ( دهوك) في العام 1938، وتحديدا في (محلة النصارى)، متزوج من السيدة سـلوى يوسف منصور كتولا، ولهم ثلاثة بنين و ثلاثة احفاد.
درس الأبتدائية والمتوسـطة والثانوية في (دهوك) وتخرج عام 1956، ثم تقدم بالطلب لكلية الزراعة، بمدينة (ابو غريب) في العاصمة بغداد، وتخصص في فرع (علوم نباتية) وتخرج منها عام 1961. أدى خدمته العسكرية برتبة ظابط احتياط (آلي) وخدم في الدورة 16 ونال تسـريحه عام 1964. حصل على توظيفه الأول في،
1- (ثانوية دهوك) ولمدة 3 سنوات مدرسـا لكلتا المرحلتين، المتوسطة والأعدادية ثم انتقل الى،
2- (ثانوية تلكيف) لمدة سـنة واحدة مدرسـا لمادتي الكيمياء والبايولوجي، بعدها نقل الى
3- (متوسطة المأمون) في محافظة البصرة، ومنطقة 5 ميل، ثم نقل الى
4- (اعدادية المعقل)  بمحافظة البصرة / منطقة المعقل حيث خدم لمدة 3 سنوات ثم انتقل الى العاصمة في،
5- (اعدادية الجمهورية) الكائنة في بغداد الجديدة / حي المعلمين حيث خدم ما بين 1979 – 1993 اي  لمدة (14) عاما متواصلة حتى استحق التقاعد. بعدها انغمر في الأعمال الحرة حتى مغادرته العراق مهاجرا نهاية 1994 ووصوله مدينة ديترويت، ملتحقا بباقي اعضاء عائلته وجمع كبير من المعارف والأصدقاء. ومنذ وصوله الولايات المتحدة انصب معظم اهتمامه على دعم الأسرة وخدمتها، وأيصال ابنائه الى المستويات اللائقة في المجتمع من اجل خدمة الجالية، لابل وخدمة كل الناس في هذه المدينة.

تعود السنين وذكرياتهاها الحلوة (التي ربما لن تتكرر) بالأستاذ جورج يلدو الى ايام الجامعة والأستاذ د. سليم جابرو  في (كلية الزراعة) والذي كان يضطلع بمسؤلية الأشراف على مهرجانات الكلية ، اضافة الى تقلده منصب (رئيس قسم المحاصيل الزراعية) ويصفه بأنه كان  استاذا طيبا ومحترما وذو حضور بهي ومؤثر عند الطلبة، اما بعد توظيفه وأستلامه مسؤلية التدريس يقول (المدرس جورج) بأنه  مازال يحمل ذكريات حلوة لصحبته مع بقية المدرسين في ثانوية تلكيف ومنهم، المدرس كَوركَيس كَسـّو، المرحوم جرجيس زورا – مدرس الرياضيات -  حنا كُمـّةَ، حبيب نجار، صليوا حمـّو، اما في البصرة فأتذكر الأخوة والمدرسين صباح يلدو، و جرجيس (ابو عمار) مدرس مادة الأجتماعيات، وغانم بجي. وتبقى (اعدادية الجمهورية – في بغداد)  اكثر تلك المحطات تأثيرا  بي وبصداقاتي  مع الهيئات التدريسية، والتي حرصت على ان تكون طيبة وعابرة للأنانية والمصالح، وهكذا نشأت فيما بيننا العلاقات الطيبة، ولعلي أذكر بعضها: (أكرم عزيزة – الكيمياء/ صباح كساب/ جرجيس شـيخو/ حميد كجو/ منذر بطرس) كلهم وغيرهم أخوة وأحبة اعزاء على قلبي، وأتمنى دائما ان يرفلوا بالصحة والعافية لمن هم أحياء، وأن ينعموا بالرحمات لمن غادرونا بسـلام.

ان تعلقي بمادة (الكيمياء – اضافة للدروس العلمية الأخرى) يقول الأستاذ جورج كان شيئا متميزا وترك بصماته منذ ان كنت طالبا في الثانوية، ووجد انعكاساته في الكلية وأثناء تأديتي مهنتي كمدرس. فحبي لها جعلني متميزا في الثانوية، وفي كلية الزراعة يشرفني ان اكون من ضمن العشرة الأوائل الذي تخرجوا ونلت مرتبة (شرف) اذ جاء ترتيبي 8/78 في عدد طلاب دورتنا المتخرجين. وبالحقيقة (يكمل المدرس جورج) ان مادة الكيمياء يمكن ان تكون (أسهل مادة  أو أصعب مادة ايضا)  وبالعموم تعتمد على اساس تدريسها في المتوسطة، فأن كان سليما، فأن ذلك يسهّل مهمة الأستاذ والطالب لاحقا. ورغم تنقلاتي الكثيرة وعدم توفر الفرصة الكاملة لي لكي اضع اساسا صلبا عند كل الطلبة الذين درستهم، لكني عملت بجد وأخلاص في كل المدارس، ومع كل التلاميذ، ووضعت منهاجا  منحني الفرصة لكي  آخذهم الى (المختبر) على الأقل مرة في الأسبوع، لأن ذلك يقربهم من الواقع العملي لدراسة مادة الكيمياء، وقد عملت (ملازم توضيحية) لتسهيل الشروحات لهم،  ولم اترك فرصة او مجالا الا وكنت مع الطلبة اشرح لهم وأقدم النصح والتوجيهات ولعلني اذكر بأن نسبة النجاح في صفوفي لأمتحانات البكلوريا قد كانت 84% - 94% اما بالنسبة للصفوف الأخرى فمعدلها لم يقل عن 80%، ونتيجة لجهدي المتميز فقد حصلت على كتب شكر كثيرة من وزارة التربية، تثمينا وتقديرا للنتائج التي حصل عليها تلاميذي، وخدماتي ونشاطاتي في المدرسة، وخاصة في مجال المعارض العلمية التي كنا نشارك بها على مستوى المحافظة.

اقضي معظم اوقاتي الآن مع زوجتي والأحفاد، وبين متابعة الأخبار ومطالعة الكتب  السياسية والعلمية، كما وأني امنح وقتا جيدا لتقديم الخدمات في كنيستنا الكلدانية، هذا اضافة للتواصل الأجتماعي مع زملائي الأساتذة والكثير من الذين درسوني ايضا حيث احضى بمشاهدتهم والسلام عليهم كلما حانت الفرصة لذلك.
اما للوطن الغالي، فأني اتمنى ان يعود اهله كما كانوا على عهدهم بالمحبة والأخاء والتعاون، وأن تمحى الى الأبد هذه العقلية الأقصائية السوداء التي جاء ت  لتفرق بين ابناء البلد بأديانهم وطوائفهم وقومايتهم، وأن يحكم البلد حاكم نزيه ومخلص وكفوء ووطني، اذ ان مانراه الآن يدمي القلب، فكيف بالناس التي تعيش هناك؟

***************        ***************       *************       ***********

المدرســة ســعاد نعمـو بطـي

ولدت في مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى في العام 1940 وفي محلة (مار تشموني).
كانت اولى خطواتها في عالم المعرفة بالدخول الى،
1- (مدرسة الراهبات الأبتدائية) في مدينة تلكيف،  وقد قامت  العائلة بأرسالها الى بغداد عند بيت عمها  فسجلت في ،
2- (متوسطة البتاوين) ولمدة سنة واحدة، وكانت معفية في كل الدروس، ثم عادت الى مدينة تلكيف، فأكملت الثاني والثالث متوسط في،
3- (متوسطة تلكيف للبنات) بعدها دخلت الثانوية في،
4- (ثانوية تلكيف المختلطة) اذ كنّ 7 بنات في الفرع العلمي، و 7 بنات في الفرع الأدبي، وتتذكر جيدا كيف كانت المدرسة تجلســهم في الكراسي الخلفية في الصف ، فيما الأولاد يحتلون الكراسي الأمامية، وكيف ان بعضهم كان كبير الجسم مما يحجب حتى الرؤيا السليمة للتلميذات، لكن الأصرار على العلم والدراسة كان سيد الموقف آنذاك!
انهت الثانوية عام 1965، والتحقت في ذات العام ب
5- (كلية التربية/ جامعة بغداد – قســـم الكيمياء) حيث تخرجت عام 1969.

لأن ظروف البلد والتعينات لم تكن طبيعية آنذاك - تقول الست سعاد -  اضطررت  للبقاء سنتين دون عمل عن ان اتقاضى مبلغ (3 دنانير و 750 فلسا في الشهر) المرتب الشهري للمعلمين والمدرسين والجنود آنذاك، وهذا لعمري لم يكن يكفي حتى للمواصلات! وبعد ان تبدلت الأوضاع قليلا، تقدمت للتوظيف وظهر اسمي عام 1971 في،
1- (متوسطة 11 آذار ) في مدينة خانقين ولمدة  3 سنوات، مدرسة لمادة الكيمياء للصفوف الأول والثاني والثالث متوسط، وأضافة  لهذه المدرسة فقد نسبت ايضا الى،
2- (ثانوية خانقين) ولمدة 6 أشهر لحين ملء الشاغر بمدرس جديد، بعدها نقلت الى
3- (متوسطة الهويدر للبنات) في منطقة الهويدر بمحافظة ديالى ولمدة 3 سنوات ايضا.
في ذلك العام قررت عائلتي الهجرة الى الولايات المتحدة والألتحاق بباقي الأسرة والأهل (مع حزني الكبير لهذا القرار وشعوري بالألم لبعض تلميذاتي اللواتي كن مكملات وينتظرن الدور الثاني! لكن للضرورات احكام كما يقول المثل). بعد وصولي ولاية مشيكان، ذهبت مباشرة الى مؤسسة معادلة الشهادات وحصلت على ما اردت، ورافقها ايضا التحاقي بجامعة (وين ستيت يونيفيرستي) وحصولي على شهادتي ماجستير (ماستر ديكري) الأولى في (دراسة اللغة لغرض التربية والتعليم) والثانية في (التعليم لذوي الأحتياجات الخاصة والصعوبات) وهاتان الشهادتان كانتا عامل مساعد لأكمال مهنتي التعليمية في هذا البلد. تقدمت بعد ذلك للتدريس وكانت اولى خطواتي في،
1- (متوسطة نولين – نولين ميدل سكول) في مدينة ديترويت ابتداءا منذ العام 1982 ولمدة 11 عاما وفي مادة الرياضيات واللغة الأنكليزية كلغة ثانية، ثم  اصبحت مدرسة (عائمة) لمدة عامان،
2- ( 1993-1995) مدرسة في 7 مدارس ابتدائية ومدرسة ثانوية حتى طلبت تثبيت ملاكي فكان في
3- (متوسطة كليفلاند – كليفلاند ميدل سكول) في مدينة ديترويت بين الأعوام 1995 – 2001 وأستحققت التقاعد بعد ان امضيت (6 سنوات خدمة في مدارس العراق و 24 سنة خدمة في مدارس ديترويت).
بعد التقاعد، قمت بتخصيص جزء من وقتي للعمل الطوعي في تعليم (اللغة السريانية – الآرامية) للمبتدئين في الصفوف التي هيئتها الكنيسة الكلدانية هنا (لمدة عامان)، كما توجهت للدراسات الدينية اشباعا لرغبتي في المعرفة ، قمت بدراسة اللاهوت المسيحي لمدة عامان عبر مؤسسة (اي سي آر سي) وسنة واحدة في دراسة تأريخ العهد القديم من الكتاب المقدس، هذا اضافة بالطبع الى هواياتي في القرأة والمتابعة والسفر (خاصة للمواقع المقدسة). وفي باب الهوايات فأني اهوى كتابة (الشعر) والخواطر وكلمات الرثاء بحق الأعزاء الذين يرحلون، وقد مر ت علّي تجربة جميلة تركت آثاراها ، اذ كنت في زيارة للعراق في العام 1988، وكنت قد شاهدت (رؤيا) بأن الحرب ستتوقف في اليوم والشهر المحددين، وفعلا شهدت ذلك وأنا في العراق مساء الثامن من آب 1988، حينما اعلن عن وقف الحرب، فاشتعلت سماء العراق بالعيارات النارية والألعاب الضوئية ابتهاجا بذلك الحدث، وأتذكر بأني كتبت حينها (مئات الأبيات الشعرية) عن الحرب وتلك اللحظات الجميلة أسميتها (ملحمة الحرب العراقية الأيرانية).

قد يمر الأنسان احيانا بحوادث من الممكن ان تغير كل نهج حياته، وما جرى لي لم يكن اقل من ذلك، ففي البدء كانت هناك  رغبة جامحة تمتلكني للذهاب الى سلك التعليم، رغم ان معدلي العام في امتحانات البكلوريا كان يؤهلني للجامعات الأعلى الأخرى، لكني آثرت سلك التدريس، وقد تكون لمدرساتي دورا في ذلك، اضافة لطموحاتنا (نحن الفتيات) بأن نظهر بملابس جميلة وأنيقة، وأن تكون لنا منزلة متميزة في المجتمع (استاذة!)، وما جرى بعد الصف الأول  في كلية التربية والذي كان (عاماً) بكل الفروع، فاني اخترت (قسم الرياضيات) مع بداية الصف الثاني، ولم تمض سوى ايام قلائل حتى امطرت صفي مجموعة من صديقاتي اللواتي كن قد سجلن في (قسم الكيمياء) وقالو لي بالحرف الواحد: ماذا تفعلين هنا في قسم الرياضيات، انت مكانك معنا في قسم الكيمياء!  وهكذا اصبحت الكيمياء وتدريسها جزء من حياتي للسنين التي تلت، ولو صدقت بعض الأحلام، فأني اتمنى ان يصل سلامي هذا للبعض الذي مازلت اتذكر اسمائهن ( عطية العباسي، هيفاء العاني و لمى البياتي).
ولأننا بشر، نعيش متأثرين ومؤثرين بناسنا ومحيطنا، فأن مجموعة من الأسماء بقت عالقة ومحط محبة وأعجاب دائم، اتذكرهم بأستمرار، وأترحم على الذين غادرونا بسلام وأتمنى للذين مازالوا على قيد الحياة كل الصحة والسلامة والسعادة، ففي  مدرسة الراهبات الأبتدائية في تلكيف : (ماسـير بيّا – الأنكليزية/ ماسير أغنيسي – العلوم والأحياء/ ماسـير هيا سنت – العربية/ ومديرتنا الغالية  ماسير ماري انج)، اما في المتوسطة  فكانت (ست أميرة مطلوب – الرياضيات/  ست عالية مطلوب – العلوم والأحياء والكيمياء/ ومديرتنا ومدرستنا للغة العربية ست مقبولة) وفي كلية التربية كانت الصورة تكرر نفسها في المدرسات والمدرسين الرائعين ومنهم: ( ست نورية – الكيمياء التحليلية/ سـت حسيبة – الكيمياء العضوية/ و استاذ فوزي – الكيمياء الفيزياوية).
وقد تكون  فترة التدريس واحدة من المحطات الجميلة جدا والتي تركت اثرا ونكهة مازال طعمها الحلو لليوم. ففي (مدينة خانقين) كان عندنا بيت المدرسات، وكنّا 7، وقامت بيننا علاقات جميلة (لم نسأل عن الديانة او القومية او المذهب او الطائفة!) كنّا مدرسات عراقيات، وهذا اكبر شئ! وقد أجمعن كلهن على الموقف التالي : (( كلشـي انسـوي بالبيت الج، بس انتي اطبخي النه!)) لأنهم كانوا معجبات بطبخي، وأتذكر بعضهن (  ست ســهاد عبد الحسين/ سـت رسـمية الجلبي/ ست وسن عبدالرزاق أسود/ ست ربيعة الهنداوي/ وست مريم فخر الدين – البصراوية) وتتكرر الصداقات في (مدرسة الهويدر) ايضا وأضم الى قائمتي اسماء صديقات جدد اتذكر منهن: (ست وديعة بهنام/ ست فائقة الجبوري/ وسـت مكارم ومديرتنا طيبة الذكر ست منتهى محمود شكر). وطالما كان الحديث عن (بعقوبة) فتحضرني مشاركات مدرستنا في (المهرجانات المدرسية) التي كانت تقام والنتائج الطيبة التي كانت تحققها مدرستنا، والفرح الذي كان يلازمنا ونحن نشارك في هذه المسابقات التي كانت فرصة حلوة لأبراز طاقات المبدعين والفرح بعد الحصول على النتائج الجيدة.

لم يكن عجيبا ان يكون (طبخي) لذيذا على مذاق زميلاتي المدرسات، فقد نشأت في بيت كنا 11 أخا وأختا وكنت اساعد والدتي كثيرا في تمشية امور البيت، والمحافظة في نفس الوقت على الدرجات العالية في المدرسة، ويشرفني القول بأني عملت جاهدة على بناء شخصيتي وتدعيمها بالثقافة والمعرفة والعلم، وأنا فخورة بمسيرتي، وتكبر فرحتي كلما اصادف تلميذاتي، في المناسبات او الأماكن العامة، وهن يلقين التحية الحارة الممزوجة بالمحبة (هاي مسسز بطي!) فقد عملت جاهدة على مساعدة التلاميذ والتلميذات، وكنت لهم مثل الأخت الكبير أو الأم احيانا، ولأني كنت اسعى بكل امكانياتي الى تقريب (مادتي الكيمياء والأحياء في مدارس العراق/ والرياضيات والأنكليزية في مدارس ديترويت) وتطبيقاتها من حياتهم، ويبدو اني كنت موفقة بذلك، فقد بلغت نسبة النجاح عندي بحدود 80 – 85% وهذه نسبة مشرفة. اما بالمقارنة بين مدارس العراق ومدارس ديترويت، فأن المستوى التطبيقي والمناهج والمختبرات هنا افضل بكثير، لكن ما ينقصهم في هذا البلد هو انضباط الطلبة وأحترامهم للهيئات التدريسية ولمجمل العملية، التي تبدو احيانا سائبة وغير منضبطة، لا كما كانت في عهدنا بالعراق، ولا اعلم كيف هي الآن  ايضا!
للوطن الغالي اتمنى: ان يعود كما كان، وأحلم ان يأتي يوم وأزوره، وألتقي بصديقاتي ومدرساتي اللواتي تقاسمنا ايام الكلية والتدريس سوية. اتمنى ان يسود السلم وتزدهر ايامهم من جديد، وبالحقيقة اني  (وكل جاليتنا) متأثرين بما يجري، ونرفع يدنا بالدعاء ونصلي ان تمضي هذه الأيام ويعيش اهلنا بالخير والسلام، وحتما ستفرج عليهم، ويعيشوا حياة كريمة وبحرية كاملة، حياة مزدهرة تليق بهم. 
 
***************        ***************       *************       **********

المدرس مســعود عبو يوسف القس بريخو

من مواليد مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى في العام 1950 وفي محلة (يلدا)، متزوج من السيدة إنعام انطون أسـمر ولهم ثلاثة بنين .
لم يختلف كثيرا عن اقرانه حينما اخذه والداه عبو بريخو و مريم نعمو عطار وأدخلاه الى دار العلم في،
1- (مدرسة العرفان الأبتدائية) في تلكيف وكان من التلاميذ المتفوقين دخل بعدها الى،
2- (ثانوية تلكيف) والتي تخرج منها في العام 1966 حاصلا على الترتيب الثاني  في النتائج النهائية، ورغم ان معدله العام كان يسمح له ان يدخل  كلية الطب او الهندسة، الا انه آثر ان يدرس علم الفيزياء من منابعه الأصيلة، فتقدم الى
3- (كلية التربية – قسم الفيزياء/ جامعة بغداد)، ومن المفارقات ان يكون تسلسله بالقبول الثالث من أصل 1000 طالب. تخرج من كلية التربية في العام 1971، وفي دورته كان ترتيبه السابع على الدورة، والفضل يعود الى اجتهاده وحبه الكبير للفيزياء، اضافة لما يتصف به الأنسان من ذكاء وجدية. كان أول تنسيب له في،
1- (متوسطة تلسقف) مدرسا لمادتي الفيزياء والرياضيات، ولم تمض سنة على ذلك، حتى استدعي لخدمة العالم، اذ نسب مدرسا للفيزياء في الكلية العسكرية /قسم الكهرباء، للدورات 55، 56 و 57 وبعدما سرح من الخدمة الألزامية عاد الى وظيفته مجددا وفي
2- (متوسطة تلسقف) ايضا، وفي العام 1977 طلب نقله، فتم ذلك الى
3- (ثانوية تلكيف) اذ كلف بتدريس مادة الفيزياء لكل المراحل، وفي العام 1979 طلب نقله الى بغداد فنسب الى
4- (متوسطة العرفان) بمنطقة الكرادة، ولم تمض 6 شهور حتى قرر المشرف التربوي (السيد سليم زويلف) نقله الى
5- (اعدادية ابن حيان)، تثمينا لكفائته وأمكانياته العالية في التدريس، وفي عام 1985 طلب نقله الى
6- (اعدادية النضال للبنين) والتي تعتبر ثاني افضل اعدادية بعد المركزية وخدم فيها حتى العام 1993 حيث استحق التقاعد. ولم يكن ليجلس في البيت، او يقضي اوقاته بالراحة بعد التقاعد، بل انغمر في الأعمال الحرة من اجل اعالة أسرته  وأفراد عائلته ايضا.
لم تمض الأحوال كما كان يتمناها ويحلم بها  مثله مثل باقي العراقيين، لكن حدث العكس تماما،  اذ تعرض (عمله) الى تفجير ارهابي اتى على كل محتوياته، وسقط فيه قتلى وجرحى، بعد تلك الحادثة، كان عليه ان يفكر مليا بسلامته وسلامة أسرته، فأضطر الى مغادرة الوطن  وركوب الغربة عام 2004، حتى أستقر به الحال في الولايات المتحدة، وبالذات مدينة ديترويت، التي تضم نخبة طيبة من أهله وأقربائه وأصدقائه ايضا.

عن ولعه بالفيزياء وبالعملية التدريسية يقول الأستاذ "مسعود بريخو": لم يكن لي ان أعرف حجم فهمي للمادة وتعلقي بها قبل ان ادخل المعترك الحقيقي في المنافسة، ايام الدراسة الجامعية، وما حصولي على المركز السابع من بين الخريجين الا وساما وتقديرا لذلك، على ان هذا الشغف اردت ان اترجمه في حياتي القادمة للتلاميذ، وأن اجعل من (الفيزياء) مادة حلوة ومقبولة يقدم عليها الطلبة دون تردد، ولعلي اقول اني كنت موفقا بذلك، وأنا (فرحان) ايما فرح، ويمكن الأستدلال من رأي المشرفين التربوين بي وبأسلوبي وأختياري "افضل مدرس فيزياء في العاصمة بغداد عام 1985" ومنحي جائزة لذلك وجوائز تقديرية أخرى في مناسبات مختلفة، أو من خلال النتائج التي كنت احصل عليها في الأمتحانات النهائية والتي لم تنخفض عن 90%، هذا اضافة الى تشجيعي التلاميذ في مسابقة (معرض الأجهزة العلمية) وحصولنا على المرتبة الأولى ببغداد اثناء تدريسي في اعدادية النضال بالسنك! ومنحنا جوائز عديدة من قبل دائرة الأشراف التربوي ومديرية تربية بغداد، ومن المهم ان اذكر، بأنه واثناء دوامي مدرسا في ثانوية تلكيف ولمدة سنة واحدة، أشعر بالفخر بأني تمكنت من ( بناء وتأثيث) أول مختبر للفيزياء في ثانوية المدينة عام 1979، لكن يعتريني الألم حينما اتذكر، بأني عدت وزرته عام 2012 اثناء  رحلتي للعراق، فوجدته كما كان قبل أكثر من 30 عاما، لكن بفارق وحيد، حيث ان التراب قد اعتلى  وغطى كل الأجهزة (اي ان احدا لم يقم بأستخدامه اصلا)، ولا ادري اليوم ان كان قد سلم هذا المختبر ام لا بعد سقوط مدينتنا الجميلة (تلكيف) بيد الأرهابيين الداعشيين وأعوانهم من خونة الجيرة  والعيش المشترك،  من بعض (العرب) الذين قاسمونا المعيشة لعشرات السنين، وأنقلبوا الى ذئاب، حالما هاجم مدينتنا ذئاب داعش الأصليين!

لا يخفي المدرس مسعود بريخو عن(الم) عاش معه وعايشه لعشرات السنين يتجلى في حرمانه من فرصة (او فرص) للتقدم العلمي والصعود في سلم الأبداع من خلال الأيفادات او التأهيل للدراسات العليا،  فيما كان شاهدا عن مجموعة من الفاشلين، الذين حصلوا على الترقيات او الأيفادات او الدراسات العليا، ليس لمعرفتهم او شغفهم بالفيزياء، بل فقط لأنهم انتهازيين بأمتياز  وكونهم كانوا (بعثيين)، وهذه للأسف كانت سمة سائدة لمرحلة، اتتنا أسوء منها الآن ايضا، لكنه (يؤكد القول) ان للحياة قوانينها ومكافئاتها لكل مخلص ومبدع وغيور على ناسه وشعبه، فما حرمتني منه الأنظمة السابقة، عاد لي بالفرح اطنانا وأطنان من خلال المسيرة  الدراسية المظفرة لأبنائي، الذين ارتقوا سلما عاليا في الحقل العلمي لخدمة عامة الناس، ومن يدري مستقبلا، ربما لخدمة البشرية!
للسيد (مسعود بريخو) اهتمامات متنوعة، سياسية وثقافية وقومية وحتى خدمية، تجلت منذ ان كان شابا في الجامعة، حيث كان عضوا نشطا في جمعية الفيزياء والرياضيات، وجمعية الفضاء العراقية التي كان يرأسها د. عبدالعظيم السبتي، وفي اثناء سني خدمته التدريسية وخاصة حينما خدم في مدينته (تلكيف) ، فأنه نشط في تأسيس (جمعية اسكان تلكيف) وبالتعاون مع الأخوة من القوش، أسسوا (جمعية اسكان القوش) وذلك لتشجيع ابناء  تلك المدن وخاصة  من (الموظفين) على شراء الأراضي التي توفرها الجمعية، بغية تشجيع الناس للتعلق أكثر بمدنها، ولسد الطريق امام مشاريع (السلطة) التي كانت تخطط للتغيرات الديموغرافية في مدن سهل نينوى تحديدا، لكن للأسف، فأن المشروع لم ينجح! اما على الصعيد السياسي والقومي، فانه نشط في هذا الحقل ومنذ العام 2004، وبعد وصوله ديترويت، فقد سخر الكثير من وقته وخبرته لخدمة الحقوق العادلة للشعب (الكلداني السرياني الآشوري) في موطن وأرض آبائه وأجداده، ومنذ العام 2013 فأنه يشغل مركز نائب رئيس (اتحاد سورايا القومي) الذي انبثق من رحم المجلس الكلدوآشوري السرياني، هذا اضافة الى شغله منصب سكرتير تحرير (مجلة حمورابي – تصدر منذ عام 2006 في ديترويت) وتعني بشؤون الثقافة والتراث وتأريخ  الشعب (الكلداني السرياني الآشوري – سورايا).

رغم مضي وقت طويل، وحوادث كثيرة حالت وتحول دون تواصل الناس، ونهجها طريقا تصاعديا ، لكن لبعض الأسماء بريقا لم تتمكن كل تلك الظروف من تغييبها او محوها من سجل الناس العراقية الطيبة، ذات المعادن الثمينة، وأتذكر (القليل) منهم، وأبعث بسلامي لهم ان كانوا احياءا يرزقون، وبصلواتي وأبتهالاتي لمن رحل عنّا مشفوعة بالتعازي لعوائلهم الكريمة. الأساتذة الكرام: ((جورج أسمر، مدرس الأنكليزية في ثانوية تلكيف، بديع الدباغ، مدرس الفيزياء في ثانوية تلكيف/  د. رحيم عبد الكتل، استاذ الذرة في كلية التربية، ورئيس لجنة الطاقة الذرية العراقية/ د, خضر عبد العباس، استاذ الذرة في كلية التربية، وأصبح رئيسا ل (لجنة الطاقة الذرية العراقية) بعد إحالة د.رحيم على التقاعد)).
امنياتي للوطن الغالي الخصها بدءاً بأن يحل السلم والأمان على العراقيين، وفيما بينهم، وأن يعود التآخي كما كان ، صادقا ، ومن القلب، وطاردا لكل المنافقين  و أعداء العراق المتآخي الموحد، اما لأبناء شعبي، فأتمنى ان تتظافر الجهود (على الأقل في ديترويت) وأن يجري تأسيس مدرسة خاصة لأولادنا، يُدرس فيها نفس المنهج الأمريكي، مضافا اليه دروساٌ  باللغة (الكلدانية – السورث – السريانية و الآرامية الحديثة) من اجل الحفاظ عليها وتوارثها بين اجيالنا القادمة .
كمال يلدو
تشرين أول 2014


343
مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (15)
هناك تحت سماء الوطن، فتحوا ابوابا، ورسـموا احلاما لأجيال كثيرة. وأضحى التعليم مع الوقت، ظلّهم الذي يلازمهم ويصاحبهم، فمنحوا هذه المهنة قلوبهم،  واجمل سنيّهم. ورغم مضي زمنا غير قليل منذ ان تركوا المهنة، او تقاعدوا منها، الا ان كلمة (سـت) أو (استاذ) مازالت حاضرة في وجدانهم، ومازالت قادرة على حملهم الى العالم الجميل الذي كان سائدا.
لست مبالغا لو قلت، ان الطريقة التي يمكن قياس رقي اي بلد، او مجتمع، هي من خلال الحكم على  سياسته التربوية، على اساليب التعليم، على المناهج والبنايات ومرافقها المهمة، على الفعاليات التي ينغمر فيها التلاميذ، وربما الأهم من كل هذا وذاك، هو الكادر التدريسي، ان كان  بواقعهم الأقتصادي أوحقوقهم ودور المؤسسات المعنية في رفع شأنهم ومستواهم. ورغم اننا نعيش في بلاد جديدة ، الا ان هذا لا يمنع ابدا من تكريم جيل المعلمين والتدريسيين الذين قدموا الكثير، فمسيرتهم  تلك تستحق منّا، نحن ابناء العراق الأوفياء، ان نشكرهم ونقدم لهم الأمتنان،  اينما كانوا منتشرين في بلاد الغربة، ان كان بالكتابة عنهم أو بنشر قصصهم وذكرياتهم، وآمل ان نقوم سوية بتكريس واقع جديد فيما بيننا، في الأحتفال والأفتخار والأعتزاز بكل مبدع، خدم بصدق وتفان، حتى وأن تجاهلت المؤسسات المعنية دورها في القيام بذلك!
وفي هذه المناسبة، ادعوكم  لرحلة قصيرة مع بعض الوجوه العراقية التي خدمت في سلك التدريس في عهود مختلفة. ويقينا ان في جعبة كل واحدا منهم قصصا كثيرة وحكايات وذكريات، وستسمعوهم سوية وهم يصبوها في مجرى واحد كبير، هو حب الأنسان ورفعته
************            ***************            ***************        *************


المدرسـة فريال حنا بطي – كَرمو
ولدت في العاصمة بغداد في العام 1939 وفي منطقة (السنك)، متزوجة من السيد روفائيل الياس كامل كَرمو، ولهم ولدان وبنتان و 8 أحفاد.
درسـت الأبتدائية  في،
1- (مدرسة راهبات الكلدان) التي كانت ملاصقة ل(كنيسة ام الأحزان) في عكَد النصارى ثم انتقلت الى،
2- (متوسطة البتاوين) وبعد ان انهتها انتظرت 9 سنوات حتى دخلت،
3- (نقابة المعلمين المسائية) لأكمال دراستها الثانوية وتخرجت منها في العام 1966 ثم انتسبت الى،
4- (جامعة بغداد – كلية التربية /فرع اللغة الأنكليزية)، وبعد تخرجها من هذا الفرع انتظرت سنتان لغرض التعيين حيث كان البلد يمر بمرحلة (التقشف) وكانت رواتب المعلمين والمدرسين غير مجزية (3 دنانير و 750 فلس شهريا)، تقدمت بعدها للتوظيف في حقل البنوك، وفعلا عملت لمدة 8 سنوات حتى جرى استدعائهم من قبل الحكومة بقرار عام 1982 اذ الزم جميع الدوائر الرسمية بفك العقود مع الموظفين  الذين درسوا لغرض التعليم. فأنتقلت الى
(ثانوية تجارة المنصور للبنات) والواقعة في مدينة المنصور، ودرسّت مادة اللغة الأنكليزية  والمراسلات، للصفوف المتقدمة ومن ضمنها مرحلة (البكلوريا) ولمدة 8 سنوات، حتى تقدمت للتقاعد عام 1990.

ويبقى لتلك السنين رغم قصرها وبعدها الزماني عطرها الخاص والمتميز تقول (ست فريال): كانت مصادفة جميلة حينما تقدمت بالطلب للتدريس في (ثانوية تجارة المنصور) اذ اتصلت بي المديرة (ست سالمة) مساء ذات اليوم وقالت (انك مقبولة للتدريس عندنا) وكنت سعيدة جدا لقرب المدرسة من بيتنا ايضا. اما المفاجأة الثانية فقد كانت، حينما اتصلت بي المديرة في احد المساءات بعد انتهاء الأمتحانات الوزارية، وقد ترددت كثيرا من تلك المكالمة، لكنها قالت لي: ( اني ازف لك خبرا طيبا، فقد بلغت نسبة النجاح في درسك للأمتحانات العامة 100%) وكان الخبر حقا مفرحا لي، وتتويجا لجهدي في التدريس، وربما اضيف ايضا، بأني كنت من ضمن الكادر التدريسي الذي كان يشرف على تصليح امتحانات البكلوريا في الدورين الأول والثاني. وفي رحلة الذكريات هذه تأخذني صفحات الأيام الى المربيات والمدرسات اللواتي مررن علّي وتعلمت منهن و (من المدرسين ايضا) دروسا كثيرة في المعرفة والعلم وطرق التدريس المتحضرة، والتي عملت جاهدة على وضعها موضع التطبيق مع تلميذاتي. ففي مدرسة الراهبات الأبتدائية تأثرت كثيرا  ب (ماسير فلومينا)، اما في متوسطة البتاوين فأذكر (ست رمزة – اللغة الأنكليزية) و (ست نورية عسكر – الرياضة) و مديرتنا العزيزة (ست فخرية ابو قلام)، ويستمر مسلسل الذكريات  الجميلة وأسماء التربوين اللامعة  في كلية التربية ومنهم: (استاذ نعيم صرافة –التعليم الثانوي/ استاذ طه الحاج الياس – طرق التدريس/ د.سلمان الواسطي – الرواية/ استاذ مالك ميري – النثر/ عبد المطلب عبد الرحمن – المسرحية/ ست ساجدة الجلبي – نثر/ سـت سـاهرة – استيعاب/ ست ايفلين حسيب كلّو – رواية، والأنكليزية مسـسز رحمة الله – الأنكليزي). وبعد رحلة الدراسة، جاءت الساعة لتوظيف كل تلك المعلومات وتقديمها للطالبات اللواتي كن يخطن السير للحياة القادمة، ومن المفرح ان أسرد  بعض ذكرياتي عن المدرسات اللواتي تقاسمت وأياهن السنين في (ثانوية تجارة المنصور)، اذ ربطتنا علاقات صداقية جميلة جدا، وكنا نلتقي عائليا بأستمرار، ونذهب للتسوق سوية ايضا وأذكر منهن: (مديرتنا ست سالمة، التي كانت "حقانية" بالتعامل مع الكادر التدريسي/ وداد العطار – العربية/ آمال العطار – اقتصاد/ هيفاء الدّرة – رياضيات/ سـعاد الدّرة – اقتصاد و إدارة/ و ست رجاء جورج – طابعة).

ان أحلى هدية اتلقاها تكون حينما اصادف واحدة من تلميذاتي وتناديني (ست فريال) وقد وجدت طريقها في سلم العلم والتقدم، وفي حقيقة الأمر فأن اخلاصي لمهنتي ولطالباتي كان منبعه التربية البيتية الصالحة وجملة المربين الذين مروا بحياتي، خاصة اولئك الذين تركوا أثرا وعطرا طيبا عندي. في سيرتي المهنية عملت ان لا اترك اي من الطالبات قبل ان اتأكد 100% من استيعابهن للدرس، وقد استخدمت طرقا كثيرة ووسائل ايضاح متنوعة للوصل الى هدفي، علما اني كنت اقوم بتدريس 7 شعب ، بينما المفروض ان ادرس 5 شعب فقط، وغالبا ما كنت استخدم الفرصة مابين درسين، لتقديم النصح او الأجابة على اسئلة التلميذات، ومن الطريف ان اذكر، بأن صفي قد خضع مرة  ل (الأشراف) والذي غالبا ما يكون مفاجأ لنا، وكان المتبع ان يدوم 15 دقيقة، الا ان وقت الدرس انتهى، وعقب المشرف حول ذلك بالقول: (لقد نسيت الوقت، فقد كنت مستمتعا بالدرس) وهذا يكفيني فخرا.
غادرنا العراق عام 1992 وتوجهنا للعيش في ولاية (كاليفورنيا) الأمريكية، وبقينا هناك 7 سنوات امضيتها في العمل الطوعي لمساعدة الجالية في ملء الأستمارات، وتعليم اللغة الأنكليزية للقادمين الجدد اضافة لتطوعي للعمل في احدى الروضات. انتقلنا بعدها  للعيش في مدينة (ديترويت)  العام 1999، ومنذ بداية وصولي تقدمت للعمل في السلك التعليمي في قاطع (مدينة ساوثفيلد – مساعدة مدرس) اذ عملت في الروضة والتمهيدي ومراحل الأبتدائية والمتوسطة حتى العام 2009، حيث تقدمت بعدها للتقاعد النهائي،  تفرغت بعدها للعمل البيتي والعناية بالأولاد وألاحفاد الذين نقضي معهم انا وزوجي اجمل الأوقات. لقد حاولت جاهدة اثناء تدريسي برنامج (اللغة الأنكليزية كلغة ثانية) حيث نلتقي بأناس من مختلف الشعوب، ان اعرّفهم وأتحدث اليهم عن بلادي الغالية (العراق) وعن تأريخها . وبالمقارنة بين التدريس في هذه البلاد والعراق، فبالحقيقة لا توجد اية نسبة  لذلك، لكني اتصور بأن افضل طريقة لتعليم الأنكليزية في مدارس العراق هو اتباع مناهج دراسية متطورة وحديثة، مع وسائل ايضاح عصرية، والحديث فقط باللغة الأنكليزية اثناء الدرس.
امنيتي للوطن الغالي، ان يعيش اهله بالسلام والمحبة، التي هي اساس كل شئ بالحياة، ومتى ما اتبعنا هذه القيم الأنسانية، فأن كل الطرق تنفتح امام الشعب، ولن تكون هناك اية مشاكل، داخلية كانت ام مع الدول. أصلي وأبتهل ان يعم السلام وأن يعود العراق كما عهدناه، وطنا للجميع بلا تفرقة ولا عنصرية، وأحن لليوم الذي ازوره وأستمتع برؤية مرابع صباي والمدارس التي درست بها وكليتي العزيزة، وجميع الطالبات والمدرسات وجاراتي اللواتي تقاسمت معهن احلى الأيام.
************            ***************            ***************        *************

المدرس ابلحـد خضر القس يوحنان
في العام 1946 ولد بمدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى وفي (محلة شنكَو)، متزوج من السيدة عامرة زيّا كثاوا، ولهم 3بنين وبنت واحدة مع 7 أحفاد.
درس الأبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس مدينة تلكيف منهيا تلك المرحلة عام 1964، ثم التحق ب (كلية الآداب – قسم التأريخ/ جامعة بغداد) ليتخرج منها عام 1968. وعقب خدمة العلم صدر تعينه الأول  مدرسا لمادة (التأريخ) في،
1- (متوسطة منصورية الجبل) التابعة لمحافظة ديالى ولمدة سنتان ثم الى،
2- (متوسطة الحساوية)  في المنطقة الواقعة بالقرب من مدينة شهربان ولمدة عام واحد اعقبها الى،
3- (ثانوية بعقوبة للبنين) ولمدة سنة واحدة ثم الى،
4- (اعدادية بعقوبة للبنين) ولمدة 3 سنوات، بعدها نقل الى
5- (متوسطة الرافدين) في مدينة الثورة ببغداد ولمدة سنتان حتى العام 1979
لم تمض تلك السنين بيسر على الكثير من المدرسين او التربوين، خاصة ممن لم ينتسب الى (حزب السلطة) ان كان مستقلا او يحمل فكرا ثانيا، فقد رافقت تلك الأيام سلكويات وسياسات من الصعب نسيانها خاصة بالملاحقة او التهديد بالنقل او حتى بالمصير المجهول، ولم يعد بالأمكان التركيز على التدريس والعناية بالتلاميذ ومستقبلهم، بقدر ما كان البحث عن اية وسيلة تقي شرور الجهات الأمنية المعروفة بسمعتها السيئة آنذاك.  كل هذه الأجواء الملبدة دفعتني، مثلما دفعت الكثيرين للبحث عن ملاذ آمن، فكانت الوجهة الى الولايات المتحدة، وكنّا موفقين بالوصول الى مدينة ديترويت حيث الكثير من الأهل والأصدقاء وذلك عام 1980.

لقد كان للتربية البيتية، والبيئة الثقافية التي احاطتني في سني شبابي الأولى، اضافة الى ثقافتي الوطنية والسياسية والأدبية دورا في صياغة شخصيتي لاحقا، لابل حتى في تميزي بأسلوب طرح المادة التدريسية، فكانت معينا لي في ايصال المعلومة الجيدة والجديدة للتلاميذ، من اجل ان يكون لهم اعتزاز بماضيهم مثلما لديهم اعتزاز بحاضرهم. ولقد استمرت اهتمامتي الثقافية  في السياسة والفلسفة والأقتصاد، والتأريخ طبعا حتى الآن ، اذ الجأ للكتاب كلما كان عندي وقتا اضافيا  احاول فيه الخروج من روتين الحياة والعمل والأخبار المشؤمة من العراق. ورغم مرور سنين طويلة منذ تركي مهنة التدريس ومغادرة العراق، الا ان صلاتي بالمدرسين والمعلمين الذين رافقوا تلك المرحلة ما زالت قائمة وأعتز بها، لكن هذه العلاقات تبقى مكملة لمرحلة الأعجاب والتقدير بالمربين والأساتذة الذين أخذوا بيدي وأشرفوا على منحي (بوصلة) الحياة، وأذكر منهم في الثانوية (استاذ كوركيس شمامي – اللغة الأنكليزية/ استاذ طالب – مدرس مادة التأريخ) اما في كلية الآداب فكان( الأستاذ جعفر خصباك – مادة الشرق الأوسط والدولة العثمانية/ الأستاذ محمود أمين – مادة التأريخ القديم)، على ان ذكريات العلاقة ببعض المدرسين اثناء فترة التدريس تبقى طرية وذات معاني لم تتمكن تقلبات الحياة ان تمحيها او تعطل نفحاتها ومنهم : (الأستاذ صلاح، مدير متوسطة الرافدين في مدينة الثورة، والأستاذ كليانا متي، وكذلك مدير مدرسة منصورية الجبل. وفي ثانوية  بعقوبة ومتوسطة الرافدين ايضا الأستاذ يوسف السندي المقيم الآن في استراليا).

يحزنني كثيرا المآل الذي وصل اليه الوطن، ومستوى ثقافة الناس ، والعلاقات بين مكونات البلد المختلفة، ورحلة العلم والمعرفة، اذ اني أشعر بأن أهم مقومات المواطنة وبناء الأوطان تتعرض الى خطر كبير نتيجة الجهل وأنتشار الأمية والأفكار التي تشجع على الأحقاد والأنتقام.  اني اتمنى من اعماق قلبي ان يرجع العراق الى سابق عهده، في تقلد صفات المحبة والتعاون والأخاء، في الأنفتاح على ثقافة الآخر وقبوله دون ان تكون العوامل الثانوية اساسا للحكم ، بل ان تكون المواطنة وخدمة ورفعة الأنسان العراقي هي الأساس الذي تقوم عليه عملية التقييم. اتطلع لمستقبل مدني زاهر لهذا الوطن وللشعب الذي يستحق كل خير . 
************            ***************            ***************        *************

الأستاذ حبيب شـمعـون عوديش كينا
 من مواليد العام 1951 في مدينة باطنايا التابعة لمحافظة نينوى وفي منطقة (المحلة التحتانية). متزوج من السيدة رويدا بولص توما ولهم 3 بنين وبنت واحدة مع 5 احفاد لحد الآن.
في طفولتي ادخلوني  اهلي في العام 1957 اول الأمر الى،
1- (مدرسة باطنايا الأبتدائية المختلطة) وبعد مضي 4 سنوات، انتقلت العائلة الى بغداد وأكملت في،
2- (مدرسة الرشيد الأبتدائية للبنين) والتي كانت تقع في منطقة السنك، وبعد ان انهيتها انتقلت عام 1964 الى،
3- (متوسطة الرصافة للبنين) والتي كانت تقع قرب كنيسة (باتري بيير) في السنك ايضا، بعدها اكملت في،
4- (اعدادية النضال للبنين) والتي لم تكن تبتعد عن (متوسطة الرصافة) الا امتارا قليلة، وتخرجت منها في العام 1970،  وقبلت مباشرة  في،
5- (كلية العلوم – جامعة الموصل)، وأخترت بعد انهائي الصف الأول - كلية الزراعة والغابات / قسم تربية وتحسين الحيوان. وأنهيت هذه الكلية في العام 1976 حيث نلت تعيني الأول بدرجة (مدرس مساعد)  عن طريق  مؤسسة المعاهد الفنية اذ تم تنسيبي الى،
** (المعهد الزراعي الفني / مدينة كميت، محافظة ميسان)  وما زلت اتذكر ذلك اليوم الذي كان  16/10/1976
**  في العام 1978 تم ترشيحي للدراسات العليا في جامعة الموصل، وفي العام 1981 نلت شهادة الماجستير، وبعدها عدت والتحقت  بالمعهد الزراعي في (كميت) .
** في عام 1985 تم الغاء المعهد،وجرى نقل خدماتي الى وزارة الزراعة/ دائرة البحوث التطبيقية في محافظة ميسان
** في عام 1986 تم انتخابي رئيسا لنقابة المهندسين الزراعين في محافظة ميسان
** في عام 1991 احلت على التقاعد، وأنتقل محل سكناي من ميسان الى بغداد.

لقد كان تعلقي بالقسم الذي اخترته (قسم تربية وتحسين الحيوان) كبيرا لدرجة اني قمت وبمساعدة بعض الطلاب عندما كنّا  طلابا في الصف الرابع بمشروع انتاجي استطعنا اشراك المدرسين فيه ايضا  عبر شراء الأسهم (دينارا واحدا للسهم) اذ قمنا بتربية (10 عجول ابقار، 15 خروف و 1000 فروج لحم) وقمنا بتسمينهم لمدة 90 يوم ، فكانت الحصيلة ان حققنا (نحن الطلبة) ارباحا تساوي  500% وجلب السهم الواحد 5 دنانير .  مع تنسيبي للمعهد الزراعي في "كميت" عام 1976 لم يكن هناك سوى ارض جرداء،  قمنا  نحن الطلبة وبمساعدة التدريسين بتهيئتها كحقول نموذجية، فيما قام المقاول ببناء العمادة والأقسام العلمية والمختبرات والأقسام الداخلية للطلاب والطالبات، ودورا للمتزوجين ومخزن كبير بالأضافة  لتبليط الشوارع الداخلية للمعهد، وحقول الأنتاج الحيواني – ابقار اغنام ودواجن -. ان دوري لم يتوقف عند هذا الحد بل كلفت من قبل العمادة بترأس لجنة الأستيراد حيث أشرفت على استيراد: (مستلزمات نادي للطلبة، جهاز 35 ملم للعرض السينمائي،  حوالي 7000 كتاب علمي ومجلات في الأختصاصات الزراعية، 106 دور سكنية جاهزة،  و (اسالة للماء) جرى نصبها على نهر دجلة تغذي كل اقسام المعهد بالماء الصافي، حقول دواجن من هولندا لغرض البحث والأنتاج، استيراد كافة الأجهزة العلمية والزجاجات للمختبرات، بيت زجاجي لغرض الزراعة في الشتاء، وأخيرا تم استيراد كافة معدات الورش الميكانيكية والزراعية) . وأضافة لكل ذلك جرى انشاء منحل على شاطئ دجلة قدم انتاجا جيدا من العسل، وتم ايضا انشاء احواض لتربية الأسماك بمساحة 5 دونم.
لم تكن مهمتي في المعهد سهلة، لكني تقبلت كل المسؤليات التي عهدت اليّ رغم كثرتها، فقد قمت بتدريس المواد : (تربية وتحسين الحيوان/ تغذية الحيوان/ مادة وراثة الدواجن/ مادة التلقيح الأصطناعي) هذا اضافة للكثير من الألتزامات الأدارية ومنها رئيس قسم الأنتاج الحيواني، معاون العميد لشؤن الطلبة ومعاون العميد للشؤون المالية والأدارية، ولمدة 9 سنوات كلفت بأدراة ورئاسة الكثير من اللجان ومنها : (لجنة المشتريات/ لجنة الأستيراد/ انضباط الطلبة/ اللجنة التحقيقية/ اللجنة العلمية/ اسكان التدريسين/ مكتب التدريب الصيفي) ، فلقد اصبح المعهد كل شئ في حياتي تقريبا!
يحزنني ان أقول بأن ما بنيناه وعملنا له في المعهد قد ذهب ادراج الريح حينما تم الغاء المعهد عام 1985، وتم نقل خدماتي لوزارة الزراعة، وعملت في دائرة البحوث التطبيقية في محافظة ميسان، والتي كانت تشرف على العديد من الحقول ، وهذه الأخيرة بيعت ايضا الى (كلية الزراعة التابعة لجامعة البصرة). لكن واحدة من اجمل محطات عملي هناك كانت انتخابي رئيس نقابة المهندسين الزراعيين في محافظة ميسان عام 1986، اذ تمكنت من ضم حوالي 160 مهندس زراعي اليها ، وعملت على تحقيق الكثير من المكتسبات للمنتسبين لفترة 6 سنوات، وخاصة حصولهم على قطعة ارض للسكن وبناء نادي وجمعية تسويقية.لقد أستمر عملي هناك حتى  استحقاقي للتقاعد الذي حصلت عليه في ايلول 1991، وأنتقلنا بعد ذلك لبغداد، ولم يمض شهر حتى كان لي مشروعي الخاص للدواجن، اذ استأجرت مزرعة، وكنت قد تعاقدت مع الدولة بتجهيزها ثلاث وجبات سنويا، استمر الحال لغاية عام 2000، ومن بعد ذلك تركت العمل نهائيا، على ان الأمور لم تمض بشكل جيد بعد العام 2003، فقد مضت حياتنا من سئ الى اسوء للأسف، مما دفعني انا وعائلتي لمغادرة البلاد وطلب اللجوء للولايات المتحدة التي اسكنها منذ العام 2010.

لابد لي من التوقف قليلا امام بعض الأسماء التي أثرت حياتي ونورتها، وكانت حقا نبراسا  لم تتمكن زحمة الأحداث من الأتيان عليها او نسيانها ومنهم:  في مدرسة باطنايا الأبتدائية (المعلم قرياقوس)  والذي رسم كاهنا بعد فترة، وفي مدرسة الرشيد (استاذ نجيب)  معلم اللغة الأنكليزية، اما في متوسطة الرصافة فكان (الأستاذ حازم) مدرس مادتي الرياضيات والفيزياء، وأستاذ (عاكف حمودي) مدرس مادة التأريخ الشهير، وفي اعدادية النضال كان الأستاذ (سامي سفر) مدرس مادة علم الحيوان. ومن المشرفين في البكالوريوس والماجستير الأستاذ (اسماعيل السنجري)، وعميد الكلية الأستاذ (حسن فهمي جمعة)، مدير قسم الزراعة والغابات  والذي استوزر لاحقا، ولابد لي من ذكر الأستاذ (هاشم محمد سعيد) – رئيس مؤسسة المعاهد الفنية، وكان مهندسا كهربائيا، اذ كان يرفع شعارا مع كل الموظفين والعاملين مازال يرن صداه في اذني يقول فيه : ((اغلط ....بس لا تبوك!)).
ليس سهلا علي اليوم وأنا اقف ناظرا الى سني العطاء والعمل والخدمة والأخلاص للوطن والأنسان ان يصبح مصيرنا العيش في بلاد الغربة بعيدين عن الوطن، ليس لذنب اقترفناه، الا لأن معالم هذه المرحلة تؤشر الى صعود نجوم الحكام الجهلة، غير المخلصين، والذين سمحوا لأصحاب الشهادات المزورة ان يكونوا اسيادا للوطن، فأي وطن سيبنون وأي أمن سيحققون؟
لكن، مهما تكن الأحزان ، فأني اتمنى على ابناء بلدي ان يتوحدوا من اجل ازالة هذه الغمة، من اجل الخلاص من انظمة التفرقة والعنصرية والشعوذة، و من مجرمي (داعش) وأعوانهم.

كمـال يلـدو
تشرين أول 2014



344

مسرحية "البخيل" تبصر نورا خافتا بعد عرضها الأول بديترويت!

مع ان كماشة الأحداث الدرامية التي تجري فصولها في العراق ، خاصة جرائم تنظيم الدولة الأسلامية (داعش) تجاه سكان محافظة نينوى وبلدات ومدن سهلها، لم تترك احدا دون ان تناله بهذا القدر او ذاك من الألم والضياع  في عالم الأفتراضات ، الا ان "امنيات" مؤلف مسرحية (البخيل) ومخرجها، وطاقم التمثيل والعمل،  قد (انتصرت) بتقديمها في الوقت المقرر فيما يبدو (تحديا) لأيديولجية القهر والألغاء الفكري والثقافي التي تحاول فرضه عقليات القرون الحجرية على الناس، فقد ارادوا حقا ان يقولوا لكل طلاب الظلام والتخلف، نحن هنا وأحسبوا حسابنا  ايضا! وهكذا بقلوب مضرجة بالألم ، ومفعمة بالأمل استمروا بتدريباتهم وأحلامهم في تقديم الأفضل والأجود لعشاق الفن والثقافة المسرحية.  فقـد  انير مسرح ثانوية (سـيهولم هاي سكول) مساء يومي  الجمعة  والسبت ( السادس والسابع  والعشرون من شهر ايلول 2014)  بخلية من الطاقات والجهود الكبيرة لتقديم ما هو الأفضل بنظرهم لأبناء وبنات الجالية الكرام في مدينة ديترويت، فكانت "البخيل" !
تناقش المسرحية ممارسة شخصية، ينفرد  بها اناسـا قليلون عدديا في مجتمعنا، لكنهم ذو سمعة أكبر من عددهم، ويختصون ب (عبادة المال والدولار - البخل) وتبعاته من (الطمع، الجشع، الحسد) وصولا الى حالة التلذذ في (الأنتقام  واذلال أو استغلال الآخر)   كنتيجة حتمية  لمجمل سياستهم وممارساتهم.  وبالرغم من ان صفات (البخيل) هي شخصية بحتة  وربما تختلف من بخيل لآخر، الا ان المؤلف آثر  وضعها تحت العدسة المكبرة  ليطرح من خلالها رؤياه  ومواقفه من فكرة (الأستغلال والجشع) الذي يمارسه البعض تجاه الآخرين،  مبتدئين بأقرب الناس اليهم ان كانوا من اهاليهم او اقربائهم أو اصدقائهم ناهيك عن الغريب! هذه الدراما  المتعشعشة بيننا ،حاول المؤلف كشفها على حقيقتها وتفنيد ادعائاتها  نازعا عنها ثوب الأنسانية التي كانت تدعّي بأرتدائه زيفا وبهتانا،  وقد اصاب في الكثير من المواقف اذكر بعضها (علاقته بشقيقه، علاقته بخطيبته او علاقته بأهلها ..الخ) ولم يكتف بعرضها وأستعراض آثارها السلبية، بل اراد ان يطرح مخرجا انسانيا لها، كي تعود الى آدميتها ورشدها، فألتجأ الى عنصر (الصدمة الكبرى – الكي بالكهرباء) الى استحضار  آخر ما يمكن ان يفكر فيه البخيل، الا وهو الموت و مواجهة الخالق عبر شخصية الملاك، وبالتالي فأن المؤلف اختار عنصرا  واقعيا، لكنه صعب التحقيق ان لم يكن مستحيلا، في اقناع البخيل بأنه في يوم ما سيواجه هذا المصير وهو المؤمن بأن  الحياة هي اليوم، ولا يهمه الغد طالما كان جيبه عامرا!
ان هذه الرؤية وحتى المعالجات المطروحة، ليست بعيدة ابدا عن جملة ممارساتنا او علاقاتنا او حتى ثقافتنا العامة في التعامل مع مثل هذه الظاهرة (الفردية) في مجتمعنا، او اي مجتمع انساني آخر ايا كان موطنه، فهذه ليست ماركة مسجلة عراقيا، ولهذا فأن موضوعة (البخيل) تظل عائمة في ظلال الثقافات الأنسانية عامة، ولا تحتاج الا الى الترجمة وتغيير الأسماء والأماكن لتكتسب الطابع المحلي!
شخصيا، اعتبر ان  الفكرة من هذا العمل ممكن ان تؤدي غرضا انسانيا فيما لو (مـرّت على) البخيل او تناهت الى مسامعه، لكنها من الجهة الأخرى ، ستظل (امنيات) و (احلام) انسان  - كمؤلف او مخرج أو ممثلين وأداريين- يسعون بأخلاص الى تأسيس او وضع الأساس للمجتمع الأنساني المثالي المبني على القيم المثلى! وهذا لعمري بعيد المنال في عالم المال  والمنافسة والبحث عن الربح المشروع او غير المشروع، الا انها تبقى كمحاولة انسانية بريئة من كل اشكال التلوثات التي اصابت النفس البشرية نتيجة (الأستغلال والطمع) الفاحشين.

أتصور ان المخرج (د. عصام بتو) عمل جاهدا لترجمة افكار المؤلف (المحامي مرشد كرمو) وقد كان موفقا و (محظوظا) ايضا من خلال اختيار الكادر التمثيلي، خاصة بطل المسرحية (السيد باسم الأمين) الذي اجاد دوره بكل المعاني، وهكذا فعل بقية الممثلين والممثلات في المشاهد المتواصلة وصولا  للحظات الأخيرة في التجلي الأنساني، وأكتشاف البطل (كريم) لذاته ووضعها على السكة القويمة.   لقد كشفت (البخيل) عن طاقات وقابليات واعدة في جاليتنا، كما انها سلطت الأضواء على الخبرات الموجودة ابتداءا بنخبة من الممثلين ذوي الخبرة  والتجربة  وكذلك من ذوي التجربة المتوسطة او ممن اعتلى خشبة المسرح وتجربته الرائعة للمرة الأولى، وأذكرهم بالترتيب:   ( باسـم الأمين، تيريز الكاتب، حميـد دلي، هويدا حيدر، يحى المهندس، ناصر الحمداني وجيهان شـمعون)  إذ  اتمنى لهم (الكل) الموفقية والتقدم في رسالتهم الثقافية والفنية الأنسانية.  ومع اجادة الممثلين،  فأني اود الثناء على  مسؤل الأدارة ( ثائر العطار)  ومصمم الديكور، والأكسسوار والأنارة  ،  فقد أثمرت جهودهم وساهمت بأنجاح العمل.

 وقبل ان ابدي بعض الملاحظات حول العمل، اود التوجه  بالعتاب للكثير من المهتمين بالثقافة او الفن والأدب ، وأسأل ان كانت تعنيهم النشاطات الثقافية في الجالية، او  ان كان احدا سيجرؤ على القيام بنشاط ثقافي مستقبلا، فيما يكون الدعم والتقييم فقيرا بهذا الشكل.  يقينا اني أشعر بأننا بحاجة الى مؤازرة بعضنا البعض من اجل البقاء! ومن اجل استمرار شمعة الثقافة وهاجة، رغم مآسينا  وما يدور حولنا من ظروف تجعل اكثر الناس تفائلا، يسقط في شباك الكآبة والتشائم، اذ لا يليق بنا ان نكافئ من يريد ان يخدمنا بطريقة لا حضارية، وأترك التفاصيل  لكل من يهمه الأمر!
 وفي هذا المقام يسعدني ان أشير الى بعض الملاحظات عسى ان تكون فاتحة لتطوير العروض القادمة:
1)  آمل ان يجري معالجة وضوح الصوت في الأغنية التي يبتدأ بها العرض، اذ لم تكن مفهومة، والموسيقى كانت اعلى من الكلام
2)  ان يكون هناك تنسيق في شخصية الملاك، اذ ظهر الملاك بجسـد (فتاة) بينما صوته كان (مذكرا)
3)  ان يتم ضبط ايقاع التمثيل في المشهد الأخير عند اعتلاء (الحاكم) منصة المحكمة،  وظهور (كريم) المفاجئ من جديد بعد كشـفه لوجهه وأخذه المبادرة  في تلخيص تجربته بين البخل وما جرى له لاحقا والذي كان متميزا جدا بالمشاعر والألقاء والتمثيل والأندماج بالمشهد، لكن جرى كل ذلك دونما تنسيق ، وكان على حساب وجود طاقم التمثيل الكامل في قاعة المحكمة.

ولو كان لي الحق في تقييم  هذا العمل، فأن العلامة الوحيدة التي يستحقها هي (+) لأنه  يأتي ترجمة لعمل جاد ولأشهر طويلة، ويجئ  في زمن صعب يمر به العراق وأهلنا هناك، ناهيك عن صدمة الأحداث في الموصل وبلداتها الملحقة، اضافة الى انه العمل الثقافي (الأبرز) اليوم في  واقع جاليتنا الكريمة، وأنه يحاول معالجة موضوعة تثقل كاهل مجموعة غير قليلة من ابناء جاليتنا ايضا،  لكن بطريقة انسانية لا عنفية ولا انتقامية،  ناهيك عن ان غاية العمل في هذه المسرحية  ابتداءا  بالمؤلف والمخرج  والممثلين والمشرفين وأصحاب الشأن والأختصاص، لم  تكن الثراء التجاري، بقدر ما كان يحدوهم املا  كبيرا  في رفع مستوى الشعور الأنساني فيما بيننا،  ودعم الثقافة العامة  والمسرحية خاصة في وسط الجالية،  من اجل ان يرتقي المسرح ويصبح  مسرحا حقيقيا يناقش صور الحياة المنوعة ويطرح دونها البديل الأنساني المعقول،  وحقا سوف لن يتمكن اي منا  من تقييم او انتقاد هذا العمل قبل ان يشاهده (حيا) ومن على خشبات المسرح، حينها سيمتلك الحق بالكلام والتقييم.    أما اذا كان لي او (لنا) كلام وموقف، فاتمنى ان يكون في خانة التشجيع والدعم من اجل تقديم الأفضل، وأتمنى على مثقفي جاليتنا، وعلى عامة ابنائها وبناتها ان يدعموا اي عمل هادف يصب في مجرى رفع الوعي  وتعظيم الأنسان ودوره وتعزيز الثقافة عند اجيالنا (باللغتين الأنكليزية أو العربية)، في العمل الخيّر والطيب، لخدمة محيطه القريب و أهله وناسه وأبناء شعبه، وبالنهاية وطنه الغالي.
الدعوة مفتوحة لكم ابناء الجالية الكرام للمشاركة في حضور العروض القادمة ايام ((( الخميس والجمعة والسبت المصادف 2، 3، 4  اكتوبر 2014 )))  على مســرح ثانوية  (( سترلينك هايتس سكول في مدينة سترلينك هايتس )) بأمل دعم اي جهد ثقافي متميز بيننا!
 
    كمال يلدو
تشرين أول 2014


     


345

مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (14)

صحيح انهم في الملفات الرسمية (رحلوا) لكن في سجلات الناس وضمائرهم مازالوا موجودين، اولئك هم  اعضاء المجموعة المتميزة والتي نطلق عليها اسم (مربين أو مربيات) ، فيما ينسى الكثير من الذين يحتفلون بالأختصاصات الكبيرة، بأن أيّ منهم كان عليه ان يجتاز الباب قبل انطلاقته نحو الفضاء  الواسع للحياة ، اي ان يمر من تحت يد المعلم، وصولا لأكبر احلام الأنسان بالتقدم والعطاء. ان الرحلة الكبيرة والمفعمة بالتضحية   والمحبة كان لابد ان تترك بصماتها في الأبناء والأحفاد وهكذا، لكن بمنطق الناس الخيرة ، فأن لهذه النخبة الطيبة والمضحية منزلة خاصة لدى ابناء الشعب ايضا، نتشارك بها مع  أبنائهم وعوائلهم، وهذا يحق لنا ولو قليلا ، نحن الذين عرفانهم وأحببناهم!
فالذكر الطيب والدائم لهم، والشكر ابدا لعوائهم الكريمة  لما تحملوا  من اجل اثبات انسانيتهم.
*******        ********        ***********         ***********         ***********

المدرس الراحل عابد بتي عبدو
من مواليد مدينة القوش التابعة لمحافظة نينوى عام 1928 في (المحلة التحتانية) وقد اقترن بالسيدة حياة هرمز توما ولهم 3 بنات وإبنان، وما مجموعه 13 حفيد لحد الآن. وافته المنية  في مدينة ديترويت عام 1994، عن عمر ناهز ال 66 عاما.
درس الأستاذ عابد بتي  في مدارس (القوش)  ثم دخل (المدرسة الريفية لأعداد المعلمين) ، بعدها انتقل الى بغداد وأنهى  الدراسة الأعدادية وألتحق مباشرة ب (كلية الآداب / جامعة بغداد – قسـم اللغة العربية) وقد اثبت جدارة كبيرة وتفوقا في هذا الحقل، ســيجد انعكاسه لاحقا على مجمل حياة المرحوم، اذ نال شهادة البكالوريوس عام 1958 بدرجـة شــرف.
كانت  مسيرة الأستاذ  الراحل حافلة بالنشاطات الأجتماعية والثقافية والعمل الدؤوب وخدمة الكلمة، اضافة لعمله المهني الوظيفي كمدرسـا في (المتوسطة النظامية) ولاحقا ، معاونا للمدير  في (الأعدادية النظامية)،  وبنظرة فاحصة الى عمله، سيتوقف الأنسان ليسأل: كم ساعة كان يوم الأستاذ عابد بتي؟ ومن جملة ما يمكن تذكره كان:
- عضوا في المجمع العلمي العراقي
- رئيس نادي بابل الكلداني لعدة دورات
- عضو جمعية الثقافة السريانية
- رئيس تحرير مجلة (الثقافة المسيحية) لعدة سنين
- عمل طويلا في مجلة (قالا سوريايا)
- وقد برع في نظم القصائد الشعرية في اللغتين، العربية والسريانية وله منهم الكثير.
اما مسيرته المهنية والوظيفية في العراق فكانت جديرة بشخصية (لغوية) فذة في زمانه، فقد كان العديد من اللغوين وأصحاب الأختصاص يعتبره من (فطاحلة) اللغة، وقد تكون ظروف العراق السيئة هي الوحيدة التي حالت دون ان يتربع على عرش كبار اللغوين أمثال انستاس الكرملي أو مصطفي جواد وغيرهم ، وأختير كأفضل مدرس للغة العربية لسنين كثر، اما وزارة التربية فقد استثمرت طاقاته  وسخرتها في اقامة  الدورات اللغوية للكثير من منتسبي الوزارات والمعنيين بالمراسلات، من اجل ترصين لغتهم وجعلها بأعلى مستوى، هذا اضافة الى التعويل عليه (ومعه بعض الأساتذة الآخرين)  من قبل (وزارة المعارف – التربية) في وضع أسئلة الأمتحانات الوزارية للغة العربية.

كان لأندلاع الحرب العراقية – الأيرانية وما آلت اليه اوضاع العراق آنذاك من انحدار نحو الأسفل سببا لدفعه للمغادرة والهجرة في العام 1982، فقصد الولايات المتحدة ، وأستقر بمدينة ديترويت، وهو لما يزل في قمة عطائه وطاقاته الأبداعية، التي صاغتها مشاركاته في العراق، وقد برع في لغة آبائه وأجداده (السريانية) كتابة ونثرا وشعرا اضافة الى اللغة المحببة عنده، العربية.ولكونه انسانا معطائا فقد نشط في ديترويت ايضا وكان،
- رئيس تحرير (مجلة الثقافة المسيحية) في المهجر لفترة غير قصيرة
- رئيس (جمعية التراث) في الأتحاد الكلداني لفترة من الزمن
- أحد اعضاء هيئة التحرير في (مجلة القيثارة) التي يصدرها السيد سلام رومايا
- كاتبا ومشاركا في معظم الصحف والمجلات التي تصدر محليا في مدينة ديترويت آنذاك، اذ كتب عن التربية، العائلة والشباب، وعن الحياة الأجتماعية في المهجر.
- محاضرا في (المجلس العربي الكلداني الأمريكي) في مواضيع تخص تهيئة الأجيال لمستقبل افضل
- مشاركا نشـطا في معظم فعاليات ونشاطات الجالية في مدينة ديترويت.
- عضوا نشطا في (جمعية فرسان كولومبس) الكاثوليكية الخيرية.

في الكتابة عن شخصية  أكاديمية وثقافية وأجتماعية مثل المرحوم عابد بتي، ستجد المئات من المستعدين للحديث عن سيرته وسجاياه وأعماله الأنسانية، ناهيك عن ابناءه وأفراد اسرته وعائلته، وحتى بلدته الغالية (القوش) ووطنه الأغلى العراق، ولكن بعض الشهادات قد تفي بالغرض السامي، اذ يقول الأستاذ نجيب سليمان جلّو:
((كان المرحوم الأستاذ عابد بتي شخصية متميزة  بهدوئها الأجتماعي وبسيرتها المستقيمة الحسنة ،المليئة بالأخلاص والمحبة للوطن والشعب ، ولمهنته التربوية التي احبها ايما حب تجلى من خلال ما كان يقدمه لطلابه والذي تجسـد بحرصه الشديد واللامتناهي، بأمل ضمان  نجاحهم ومسقبلهم. كان (ابو عامر) احد النجوم الساطعة  بعالم اللغة العربية في العراق،  وذو مواهب وقدرات عالية في اختصاصه واسلوبه في العملية التدريسية  .
نُمْ قرير العين يا استاذنا ابو عامر فقلما انجبت ْ قرانا مثلكَ نظيرا وكنت لقومكَ وطلابكَ دوماً معلماً وحكيما.))

والشهادة الأخرى من الأستاذ (المحامي مرشد كَرمو) الذي ربطته  بالراحل علاقة ثقافية ووجدانية حميمية كبيرة، اذ يروي فصلا حزينا من تجربته  ، قد لا اكون مبالغا لو قلت انه شبيه بفلم سينمائي  فيقول:
((كانت قساوة الحياة هي التي أجبرت طاقة كبيرة مثل الأستاذ عابد بتي لمغادرة العراق، ورغم بعده عنه، فقد كان حاضرا في كل نشاطاته، اما بالنسبة لأولاده الذي كان شديد التعلق بهم، فقد ظل أسير الشوق للقاء ابنه البكر عامر ،الذي بقى في العراق، وكان يرسم مشاهد الفرح في اللقاء المزعوم، ويصادف ان يشارك المرحوم في احدى حفلات الأعراس التي كان مدعوا لها هو و زوجته، وعند خروجه من البوابة، يصادف مجموعة من الشقاة (المجرمين) الذين تمكنوا من سـرقة (شنطة) زوجته، لكنه والحال هذا آثر الدفاع عنها ومقاومتهم، وكانت حصيلة ذلك ان تلقى (دفعة) قوية اسقطته على الأرض الكونكريتية، ودخل مذ حينها حالة الغيبوبة (الكوما) ولم يعد قادرا على الكلام والتمييز، ويحدث في تلك الفترة ان يقترب موعد وصول ابنه (عامر) للألتحاق بباقي افراد الأسرة، لكن ساعة اللقاء كانت أصعب ساعة على الأبن البكر الذي تأمل ان يحضن والده ويقدم له قبلة اللقاء الحارة، اذ تبدد ذلك الحلم الجميل، ووصل (عامر) الى ديترويت، وزار والده في المستشفى، وعاش تلك الساعات الحاسمة قبل ان يلفظ الراحل عابد بتي ساعاته الأخيرة، في تجلي ما بعده من تجلي لثمن الغربة الذي دفعته آلاف العوائل العراقية الأصيلة نتيجة سياسات الأنظمة الفاشلة والحكام الأكثر فشلا من انظمتهم، فقد مر ذلك المشهد ولا أحد يعلم ان كان (أبو عامر) قد علم بوصول ابنه الى بر الأمان ام لا؟)).
وقد تكون محاسن الصدف هي وحدها التي خدمت في خروج هذا الموضوع الى حيز النور، اذ ساعدني الأستاذ الفاضل نجيب جلّو في اللقاء مع السيد ( ثامر عابد بتي) ابن الراحل، الذي كان كريما في تزويدي بالمعلومات وبعض الصور الفوتوغرافية الجميلة عن سيرة (ابو عامر) العامرة ايضا!  لكن وبالحديث عن شخصية والده المرحوم، فأن في جعبة ثامر الكثير للقول : (( ان فكرة هجرة العراق كانت آخر ما يفكر به والدي، فقد كان معارضا لها، وسمعته كثيرا وهو يجادل بعض المعارف ، لكن ظروف العراق القاهرة والسياسات الطائشة والحرب العراقية الأيرانية وضحاياها ، جعلته يعيد النظر بتلك المفاهيم، فصار يفكر كثيرا بأبنائه وسلامتهم، وكان يخاف ان يكون مصيرهم مثل مصير ابناء جيلهم الذين سيقوا لهذه الحرب.  كان والدي شديد الصرامة معنا خاصة حينما كان الأمر متعلقا بالدراسة، فقد كان يقول بأستمرار:  ((ان التنظيم والأدارة هما اساس المستقبل في رفاهية وتقدم الأنسان))، ويحزنني ان أقول بأن لا احد من ابنائه قد اقتفى أثره او تمكن حتى من اللحاق به اصلا، فقد كان متفوقا على أقران جيله، ان كان بثقافته او حبه وأخلاصه لناسه وللوطن. لقد بقى العراق عزيزا عنده حتى الرمق الأخير!)).
*******        ********        ***********         ***********         ***********

المدرسة الراحلة أمل يوسـف ميري – قينايا
ولدت في محافظة الموصل وفي (محلة مسـكنتة) حيث تقع كنيسة مسكنتة الكلدانية، بالقرب من منطقة الساعة في شارع  نينوى عام 1939 ورحلت عن الدنيا عام 1996 في مدينة ديترويت بالولايات المتحدة، وكانت قد اقترنت بالسيد  ميخائيل قينايا، ورزقا بالسيد  بسام الذي تخرج طبيب اسنان، والسيدة بان التي تخرجت طبيبة، ولو كانت على قيد الحياة فكان سيكون لها خمسة احفاد لحد اليوم.
كانت اولى خطواتها  بعالم المعرفة في،
1- (مدرسة الراهبات الأبتدائية) في الموصل حتى العام 1947 اذ انتقلت العائلة لبغداد وأكملت مدرستها في،
2- (مدرسة الراهبات – راهبات التقدمة المركزية) في منطقة (عكد الراهبات – عكد النصارى) حيث اكملت الأبتدائية والمتوسطة فيها، وكان من نتائج دراستها ان اتقنت اللغة الفرنسية بشكل رائع، انتقلت بعدها الى،
3- (الأعدادية المركزية للبنات) حتى تخرجها وتقديمها للدراسة الجامعية في ،
4- كلية التربية / جامعة بغداد – قسـم اللغة الأنكليزية حتى تخرجها عام 1960.
لم تمض الا سنتان بعد تخرجها حتى دخلت الحياة الزوجية، لكن تعينها الأول جاء عام 1960 في،
1- (مدرسة) في مدينة بعقوبة ولمدة سنتين ثم انتقلت الى،
2- ( ثانوية القناة للبنات) في منطقة شارع فلسطين ببغداد لحوالي 10 سنوات، بعدها اضطرت للتقديم الى التقاعد     المبكر نتيجة اشتداد المرض عليها.
لقد عاصرت الراحلة (ست أمل) خيرة الأساتذة والمختصين  الذين منحوها (كما غيرها) عصارة قلبهم وخبرتهم في التعليم والتدريس ومنهم: الأساتذة القادمين من المملكة المتحدة، مسـتر زبدي، مســتر ســبور، مـس إدليفر و مـس هريك، اضافة الى نخبة رائعة من العراقيين امثال: صفاء خلوصي (ترجمة)، نوري الحافظ (تربية) و عبد العزيز البسـّام (علم نفس).   كانت الصدف الجميلة هي التي جمعت الشقيق الأكبر (مالك) مع الشقيقة الأصغر منه (أمل)، في رحلة المدرس والطالب في ذات القسم الذي تخرجت منه لاحقا لتصبح مدرسة –  اللغة الأنكليزية-  ويورد الأستاذ مالك ميري بعضا من ذكرياته عن الراحلة نقلا عمن شاركوها الحياة الجامعية فيقول: (انها كانت محط انظار الطلبة والأساتذة  نظرا لجمالها الأخاذ ونصاعة بشـرتها البيضاء. وتحدثت عنها مرة استاذتها في (دار المعلمين العالية – سـاجدة الجلبي) قائلة: (كانت طالبة  ذكية فاتنة). ويحدث ان يلتحق العديد من زملائها  في دراساتهم العليا بجامعة بغداد، وتجمعهم الصدف مع (الأستاذ مالك) ليتقاسموا معه الكثير من ذكرياتهم عنها، ومن الطريف ان يذكر: (( ان طلبته كانوا يشيرون اليه ويقولون: هذا أخـو السـت أمـل! كفــوء مثلها ولكنه ليس بجمالها!!)).
إن كل من عرف (الست أمل) أجمع بأنها كانت ربـة بيت متميزة، وتمكنت بجهودها المتواصلة وبثقافتها العالية، ان توصل (ابنها وبنتها) الى بـّر واسع الأفق في حقل خدمة الأنسان والمجتمع، وضمان المستوى المعاشي الجيد، حيث تخرج كلاهما  من الحقل الطبي.
وإضافة لجمالها الأخاذ والفتان، فقد تميزت ببرائتها ونهجها الخلقي الرفيع، وعرفت ايضا بأسلوبها التعليمي الدقيق – اذ درسّت مادة اللغة الأنكليزية للصفوف الثانوية  المنتهية والمتهيئة لأمتحانات البكلوريا- وهذا ما تذكره تلميذاتها وزميلاتها من المدرسات، على ان صفاتها الشخصية لم تبتعد كثيرا من جو العائلة المفعم بالمحبة والملئ بالثقافة والعلم، خاصة  لوالدها (المعلم والشماس) يوسف ميري، ولابد من الأشارة بمكان لدور (الراهبات) في حياتها وتميزها بالمحبة، فقد كـنّ بتضحياتهـّن قدوة لها في الصبر والتقديم وخدمة الناس، ومعهن ارتبطت، ومعها بالكنيسة الكاثوليكية ارتباطا وثيقا، اذا كانت تقوم في اوقات فراغها، بتدريس مادة اللغة الأنكليزية للراهبات، على خطى والدها الذي كان يدرس الراهبات مبادي اللغة الكلدانية – السريانية ايضا.
وكما للحياة مشاويرها الحلوة مع الناس، لكن احيانا ما يكون قسما منها محزنا وبحاجة لمقاومة شــرسة ، وتشــبث عال بالحياة  والفرح، حتى يحقق الأنسان نصره (ولو بشكل مؤقت) وهذه ربما تكون القصة المختصرة لصراع الأنسانة – الراحلة – أمل من أجل البقاء! وتعود الذكريات لأحد ايام عام 1958 حينما كانت طالبة / السنة الثانية في قسم اللغة الأنكليزية، عندما داهمت الشرطة بناية المعهد، ودخلت للصفوف بحثا عن مطلوبين سياسين، وكان صفها من بين تلك الصفوف، فراعها وأرعبها منظر الشرطة المدججين بالسلاح، فلم يتمكن جسمها، او نفسيتها الرقيقة من تحمل شـدة الصدمة، فكان من نتائجها ان تصاب ب (داء السكري) الذي رافقها منذ ايام شبابها الأولى عام 1958 ولغاية ما  أتى عليها عام 1996 رغم العلاجات والتداوي والحرص الشديد لكن (38) عاما مع المرض كانت كافية لأذابة الحديد، فكيفما بالست أمل!

رغم مرور سنين طويلة منذ ان فارقتنا، تقول إبنتها الدكتورة بان قينايا - قاشات الا انها حاضرة دائما في حياتنا، تضئ ايامنا وتشاركنا افراحنا، مع انها لم تدرسني الا ان صديقاتي في ثانوية القناة كانوا يذكروها  بالخير دائما، ويقولون عنها بأنها متمكنة جدا من مادة اللغة الأنكليزية وأنها منحت تلميذاتها قواعد في اللغة جعلت تعلمها وأتقانها سهلا جدا، اما كأم لي، تقول ابنتها بان، فأنها كانت حنونة ومسامحة، وكانت تعطينا كثيرا ولم تجرح شعور اي منا، لكن تبقى غصة في صدري كلما تذكرتها، فقد اضطررت لمغادرة العراق انا وزوجي وقصدنا اليونان، بينما ظلت هي في العراق تتعالج من (داء السكري المزمن) ويبدو ان المرض قد اطبق عليها كثيرا، فنصح الأطباء والدي بأخذها للخارج بغية العلاج، وفعلا هذا ما تم ، اذ غادروا العراق وقصدوا ديترويت، وعلمت بأنهم ادخلوها المستشفى في اليوم الثاني لوصولها، ولم تمض 10 أيام حتى غادرتنا، يومها كان عمر ابنتي 10 أشهر ، وكم كنت اتمنى لو كانت قد حملتها بيدها ولو لمرة واحدة!
اما شقيقها الأستاذ  د.عضـيد ميري فيقول عنها: ((أملي ...أختي...ومعلمتي..." أمل " كانت شمس ألدار وألكوكب ألنوّار في سماء عائلتنا و هي من أنار لنا أبجديات كلمة "أخت" وكل ما تحمله حروفها ألثلاثة الصغيرة من أجمل وأصفى وأحلى ألمعاني ألأنسانية ، إذ كانت ألأخت ألوسطى في بيتنا ( لأختي سعاد وسهى) إنسانة رقيقة ألمشاعر رهيفة ألخواطر كثيرة ألمأثر ، على ألرغم من صراعها أليومي مع مرض ألسكري أللعين ألذي أبتليت به وعلى غير توقع في مطلع شبابها ودراستها الجامعية . و من اجمل إضافات أمل لأجواء بيتنا المتواضع كانت صفات ألمحبة والحنان وألصبر وألجدية وألصوت ألعالي ألواضح ألذي خدمها جيدا عند تدريسها اللغة الأنكليزية في مدارس ألبنات في بغداد . وأذكر  بألأخص عندها عواطف الاخوة ، وألأمومة وألقرابة التي تتعدى صلة الدم وتدعم الشعور بأنها في بحور عأئلة مؤمنة تستمد محبة يومية متدفقة مصدرها امي الحنونة ألتي أحبتها حياة ناظر ورافدها أبي ألذي أحبها أكثرا يوسف ميرى إذ كانت أمل عندهم ألنجمة ألمفضلة وألمستشارة ألمدللة وألشجيرة ألمضللة ولكنها  غابت في عمر مبكر وبدون إستئذان في مسيرة حياة لم تدم طويلا تاركة ذكريات لامعة وبصمات ناصعة في إبنها ألدكتور بسام قينايا وإبنتها ألدكتورة بان قاشات ورغم ألرحيل فهي مازالت في أفكارنا وأحلامنا وآمالنا نراها عند ألفجر ونذكرها مع ألأصيل وتبقى لنا ذكرى لاتعوض لكل التفاصيل الصغيرة ألمحببة ولكل ماهو جميل من آمال مرت في حياتنا وأصداء ترددت في دارنا )).
اما ابن خالتها الأستاذ فاروق سامونا فيتذكرها بقوله: ((كانت لي بمنزلة أختي الكبيرة، وعندما كنّا نزور بغداد قادمين من مدينة تلكيف، كان بيت خالتي أهم محطة آنذاك. اما عندما كبرت، فكانت تقوم بتدريسنا مادة اللغة الأنكليزية لغرض تقويتنا وتهيئتنا لأحراز اعلى الدرجات في الأمتحانات النهائية ، اذ  غالبا ما كنّا انا وشقيقها د. عضيد وأبن عمها هلال ميري. ولو اردت الحكم عليها بلا مجاملات، فقد كانت مدرسة رائعة وممتازة ، ولها الفضل بأحرازي اعلى الدرجات في درس اللغة الأنكليزية.  لقد كانت سـت أمل بأختصار شديد: جميلة الخلق والأخلاق، اطلب من الله ان ينعم عليها برحماته الواسعة)).
*******        ********        ***********         ***********         ***********

المدرس الراحل صباح يوحنان جواد
ولد في مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى عام 1944 وفي (محلة شمامي)، وقد وافته المنية عام 2014 بعد صراع مع المرض لم يمهله كثيرا. في العام 1973 اقترن بالسيدة رفاء يوسـف يلدو، وقد انجبت له بنتان وولدان، ولهم الآن 9 أحفاد.
درس الأبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس مدينته العزيزة تلكيف، وعندما تخرج من الثانوية عام 1963، توجه الى بغداد  ليلتحق ب (معهد التعليم العالي) اذ تخرج منه عام 1966  مدرسا مختصا بفرع الرياضيات. عقب هذه المرحلة تقدم لغرض التعيين والتوظيف، فكانت اولى محطاته ،
1- مدرسا في احدى مدارس أربيل لمدة سنة ثم،
2- مدرسا في احدى مدارس (كويسنجق) لمدة سنتان ثم،
3- مدرسا في احدى مدارس الموصل لمدة عامان وبعدها،
4- انتدب الى (جمهورية الجزائر) مدرسا لمدة عامان حتى نهاية 1972 وبعدها،
5- مدرسا في (الموصل) من جديد ولمدة عام واحد ثم،
6- مدرسا في (ثانوية تلكيف) لمدة ثلاث سنوات حتى 1977 ثم انتقل ،
7- مدرسا في (ثانوية النضال) في بغداد لمدة عام بعدها ،
8- مدرسا في (ثانوية الزوراء) في حي الضباط ببغداد ولمدة 16 عاما، اي حتى وصوله سن التقاعد عام 1994. بعد هذه السنين الطوال، لم يرغب ان يجلس في البيت، بل عمل بالأعمال الحرة اضافة الى قيامه ب (التدريس الخصوصي) من اجل توفير وارد مالي مجزي للعائلة التي كانت تكبر وتكبر معها مستلزماتها. في العام 1998 غادر الأستاذ (صباح جواد) مدينته العزيزة، ووطنه الغالي، بحثا عن مكان أكثر وسعا  يستطيع ان يوفر فيه سقفا آمنا ولقمة هنية لعائلته الكريمة، فوصل للولايات المتحدة وتحديدا مدينة ديترويت التي ضمت جمعا طيبا من زملائه وأصدقائه ان كان من مدينة تلكيف او من منتسبي السلك التعليمي.

بعد 41 عاما من تقاسم الحياة سوية، بحلوها ومرها، بأفراحها وأنكساراتها، كان لابد من التوقف مع ذكريات السيدة  رفاء يلدو لتدلي بشئ عن الراحل (صباح جواد) زوجها وشريك حياتها طوال الأربعة عقود التي خلت فقالت: (( لم يكن سهلا عليّ ان اعقد الفة مع مفردات حياتي بعد رحيله،  وحاولت كثيرا  ان لا اصدق ماجرى، لكن الحقيقة كانت اقوى من امنياتي وأمنيات ابنائنا، ولهذا نذرت ما تبقى من عمري لأكون الأم وأب لأولادنا وبناتنا، تماما كما قام هو بهذا الدور ولما يزل شابا في مقتبل العمر حينما تحمل مسؤلية عائلته بعدما رحل والده عن هذه الدنيا. لقد كان (صباح) زوجا مثاليا رائعا ، مخلصا للعائلة وحريصا عليها، وكان محبا لنا بذات القدر الذي منحه لأهله وأصدقائه وكل من عرفه، لقد كان فياضا بالمحبة، اما اكاديميا، فأن كل ما سمعت عنه كان محط احترام وأعجاب ، اذ نقل لي العديد من زملائه التدريسين بأنه كان متميزا في تدريس مادته، وكانت نسب النجاح عنده عالية جدا، خاصة في امتحانات البكلوريا، ورغم ما كان يقال عنه من انه (شديد) مع بعض الطلاب، لكن النتائج كانت خير دليل على نجاحه، لابل ان الوزارة كانت تكرمه بطريقتها الخاصة حينما كانت (تثق) به  في وضع اسئلة البكلوريا لعدة سنوات، ناهيك عن علاقاته المتميزة مع الأساتذة الذين شاركوه التدريس، والذين مازلت اصادف بعضهم هنا في المهجر، وكانوا دائمي السؤال والأستفسار عنه. لقد كانت فترة مرضه صعبة علينا، وأستنزفتنا كثيرا، مثلما استنزفته لحوالي عامين، وكم كنت آمل ان يجتازها، لكن يبدو ان المرض قد اخذ ما تبقى عنده من طاقة، فرحل عنا،  لكني اقولها بقلب نصفه حزن ونصفه فرح، بأنه كان محاطا بمحبتنا حتى اللحظات الأخيرة، وربما هذا هو اكبر تكريم له كأب وزوج وصديق لنا جميعا)).
ولآنه كان بقلب كبير، فقد احبه من كان قريبا منه، ولم يخفوا تلك المحبة حتى بعد رحيله، فكتب عنه السيد (جونير) ابن شقيقه عصام جواد قطعة نثرية حاول فيها ترجمة مشاعره النبيلة تجاه عمه الراحل (صباح)  ويذكر فيها: ( لقد تخرج على يده  في رحلته التدريسية، آلاف الطلبة من مسيحين ومسلمين ومندائين وأيزيدين، من عرب وأكراد ومن كل القوميات، وبعد وصوله الولايات المتحدة، عمل بكل جد  وفي محال عديدة من اجل ضمان (اللقمة الشريفة) لعائلته  كما يقولون، ورغم معرفته في العام 2012 بأنه مصاب بمرض السرطان، الا انه لم يتشكى يوما، ولم يبدي انزعاجه ابدا، وتمضي الأيام سريعة، وتنقضي حوالي السنة والنصف وكان يجابهه بالصبر والقوة، وليس ادل من ذلك حضوره حفل زفاف ابنة شقيقه عصام (آشلي) والتي سبقت رحيله بعشرة ايام فقط، الا انه آثر ان يكمل الحفل حتى نهايته تقريبا، لأنه لم يكن يرغب ان يفسد فرحة ابنة شقيقه، والتي هي بمثابة ابنته ايضا).
يرحل الأستاذ (صباح جواد) ويترك عند الكثيرين لوعة، لا تقل (حقا) عن لوعة المحبين، فكل الذين عرفوه أحبوه، وماذا ينتظر الأنسان أكثر من ذلك، يقول عنه الأستاذ (صباح دلي) صديق طفولته وزميله : (( جمعتنا مدارس مدينتنا الغالية تلكيف الأبتدائية والمتوسطة، لكن لم يكن في وقتنا (عام 1963) مدرسة ثانوية، فقدمنا طلبا  لفتح ثانوية في مدينتنا، وجاء الجواب ايجابي وبشرط، اما أن يكون  الفرع (الأدبي أو العلمي) وتركت القضية لتصويت خريجي المتوسطة الذين بلغ عددهم حوالي 61، فأجتمعنا نحن التلاميذ وقررنا الأمتثال للتصويت، وفاز يومها (الفرع العلمي) وهكذا انهينا دراستنا الثانوية دون الحاجة لتحمل اعباء السفر الى الموصل أو بغداد. لقد كان صوت صباح الى جانب توجهنا العلمي! التقيته ثانية في (معهد التعليم العالي) وصرنا اقرب من الأخوة  لبعض. تخرجنا، ومضت السنون، وأفترقنا، وهاجرنا ، وعدنا وألتقينا في ديترويت أحبة على نفس العهد. كان انسانا من طراز آخر، وأنا حقيقة  افتقده كثيرا، وأشد على يد أختي العزيزة رفاء، واولاده وبناته،  وأتمنى لهم ان يحافظوا على ارث صباح في الثقافة والمحبة والمعرفة)).

كمـال يلـدو
أيلول 2014


346

مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (13)

على خطى أجداهم السومريون والبابليون والآشوريون مشوا، وولجوا دروب التعليم والمدارس  رغم وعورتها، لأنهم ايقنوا بأن طريق الأنسان للتقدم والتطور يحتاج الى اللبنة الأولى، الا وهي التعليم، فتحملوا ظروفا صعبة، وأضطروا لمسايرة عددا من (الأميين) الذين فرضتهم الأنظمة عليهم، فآثروا ان يضحوا بالكثير من اجل ان لا يفقدوا الفرصة في زرع القيم الطيبة والمحبة والأمل عند اجيالا كثيرة، مازال بعضها يتذكرهم  ويجللهم كلما تتصادف اللحظات ويكون هناك اللقاء المباشر، لكن يبقى هؤلاء النوارس، والقناديل بتجاربهم  وقصصهم وحياتهم  مثار اعجاب وأحترام  وتقدير، ولن يمنعنا حتى وأن عشنا بعيدا عن المدن والقرى والقصبات التي زرعوا فيها الآمال والبسمات والمعرفة، لن يمنعنا من شكرهم، وتقديرهم وأظهار محبتنا لهم، طالما كانت الأنظمة مشغولة ، سنقول لهم ، ولعوائلهم وأهاليهم، شكرا لهم ولكم، كانوا جيلا رائعا ، سنرفعه عاليا اينما كنا وأينما حل بنا الزمان.
*********              ***********              **********              ***************

المدرسـة أميرة داود بطرس سـامونا – ميري
ولدت في مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى عام 1943 بمحلة (سامونا)، متزوجة من الأستاذ مالك يوسـف ميري، ولهم 3 بنات وولد واحد مع 6 أحفاد. كانت أولى خطواتها في عالم العلم والمعرفة في،
1- (مدرسة الراهبات الأبتدائية) في مدينة تلكيف والتي كانت تديرها (ماسير ماري آنج) ومعاونتها (ماسير أغنيس السمعاني)، ثم انتقلت عائلتها الى بغداد، فنقلت مدرستها الى،
2- (متوسطة المنصور للبنات) في منطقة السنك الشعبية، وكانت بأدارة (المدرّسة زاهدة  الدبوني) ومعاونتها (السيدة ماجدة) ثم انتقلت الى،
3- (اعدادية المنصور للبنات) والتي كانت تابعة الى ذات المتوسطة. وبعد ان انهت امتحان البكلوريا، صادف ان انتقلت ماسير (اغنيسيا السمعاني) الى بغداد وأعطيت لها مسؤلية ادارة (مدرسة السريان الكاثوليك الأبتدائية) في منطقة العلوية، وعاونها في المهمة الأستاذ (سعيد روفائيل جاني)، فعملت معهم لمدة سنتان في هذه المدرسة.  بعد فترة وجيزة تزوجت من الأستاذ مالك ميري، ولم تمض فترة طويلة (تقول الست أميرة): قبل ان نتوصل الى اتفاق يلبي طموحاتنا نحن الأثنان، في عدم الأكتفاء بالشهادة الثانوية، بل بالأستفادة من قابلياتي في التقدم نحو الدراسة الجامعية، وفعلا تم ذلك  حينما انتسبت  عام 1965 الى،
- كلية البنات التابعة لجامعة بغداد، وأخترت حينها قســم (الأقتصاد المنزلي) وكانت بنايتها على ما اذكر تقع في منطقة الباب المعظم، ولا اعرف اين تقع الآن، او ان كانت موجودة ام لا! وتخرجت من هذا القسم في العام 1969، ولكن للأسف فأن فرحتي بالتخرج والنجاح لم تدم طويلا حينما اكتشفت بأن التعينات كانت متوقفة تماما لمدة عامان بسبب التقشف، وحتى عندما صدر تعيني الأول عام 1971 فقد بلغ راتبي الشهري آنذاك (3.750) اي ثلاثة دنانير وسبعمائة وخمسون فلسا، وهو ذات الراتب الذي كان يتقاضاه الجندي المكلف، ويا لعدالة القوانين!
 صدر تعيني الأول في،
1- ( ثانوية مندلي للبنات) – محافظة ديالى، ولمدة سنة واحدة،  بعدها إنتقلت وحسب القاعدة الزوجية الى،
2- (متوسطة النهضة للبنات) في منطقة الدورة – الكرخ، وكانت فتح جديد ، اما مديرتها فكانت  (الست بلقيس) ومعاونتها (الست حسيبة)، وبقيت فيها 3 سنوات،  انتقلت بعدها الى منطقة الرصافة حيث سكني وتعينت في،
3- ( ثانوية المروج للبنات) في  مدينة الزعفرانية وبقيت فيها 10 سنوات مدرّسة لمادة (الأقتصاد المنزلي) بعدها وبسبب النقص في الكادر التدريسي  نظرا لشمول الكثير من (المدرسين)  بالخدمة الألزامية  أوالجيش الشعبي فقد تم   تنسـيبي الى،
4- (المتوسـطة النظامية للبنين) حيث درّسـت مواد (التربية الفنية، التربية الوطنية ومادة الديانة المسيحية) اذ ان نســبة الطلبة المسيحين فيها كان يتجاوز ال 50% وهنا كان يحق (حسب قوانين ذالك الزمن) ان تدرس مادة الدين  الخاصة بهم، وبعد 3 سنوات من الخدمة فيها، ونظرا لأستمرار ذات الظروف الأستثنائية فنقلت الى،
5- (المتوسطة الشرقية للبنين) وخدمت فيها 3 سنوات حتى استحقاقي لسن التقاعد وأكمالي للخدمة عام 1990.

تظل لذكريات تلك السنين عبيرها الخاص، بكل ناسها وتجاربها، وجميع المربين والمربيات  الذين أخذوا بيدنا  وهيئونا للحياة القادمة، وتحضر في ذاكرتي بعض تلك  الشخصيات ، إذ اترحم على الراحلين منهم ، وأبعث بأمنياتي  لمن ما يزال يقاسمنا نور الشمس وأذكر منهم و منهن:
في مرحلة الأبتدائية (مدرسة الراهبات) بمدينة تلكيف، (ماسير ماري آنج) و (ماسير مباركة)  و (ماسير  وردية) اللواتي كنّ نموذجا للوداعة والطيبة مع التلميذات، وفي (متوسطة المنصور – بغداد) كانت (الست فيرجين) مدرسة الرياضيات المتميزة بأسلوبها، اما في (ثانوية المنصور – بغداد) فكانت (الست خالدة مرزا) مدرسة مادة الفنية، اما في الحياة الجامعية  فكانت (الست نادية الصايغ) والمعيدة في الجامعة الأخت (شمس) التي كانت تساعدنا كثيرا.
بعد دخولي سلك التدريس نشأت الفة حميمية مع الأسر التعليمية تقاسمنا فيها همومنا وأحلامنا وصرنا مثل العائلة الواحدة، وعلاقاتنا كانت تسودها مبادئ المحبة والأحترام وأذكر  بعضا منهم: السيد (منصور) مديرنا في المتوسطة الشرقية، اما في المتوسطة النظامية فكانت مدرسة مادة اللغة العربية الست (نزهت سعيد شابو)، والست (أمل فاضل) مدرسة مادة الكيمياء، وفي ثانوية المروج  (نجلة كَمشـو) والست (رسمية) مديرة الثانوية.

غادرنا العراق بعد تقاعدي بفترة قصيرة وألتحقنا ببقية العائلة بمدينة ديترويت في الولايات المتحدة، ومنذ العام 1992 عملت لمدة 4 سنوات في (دار لرعاية الأطفال)، وكنت اقارن بين هذه البيئة والظروف المهيئة للطفل وأجواء تنمية مواهبهم وأبداعاتهم ، وبين ظروف اطفال العراق والحال البائس لهم، رغم امتلاك البلد لثروات هائلة ....ولكن! انتقلت بعدها للعمل في احدى محلات بيع الملابس المشهورة عندنا (تي جي ماكس) وعملت لمدة 16 سنة، حتى سن التقاعد القانوني اذ انصرفت بعدها للراحة والمنزل والمساعدة في تربية الأحفاد اثناء ذهاب بناتي للعمل، وأنا سعيدة جدا بما اقوم به، هذا اضافة الى التمتع بممارسة  بعض هواياتي الخاصة في القرأة ، حيث اقرأ الشعر والأدب والقصص الأجتماعية، كتب التراتيل الدينية والكتاب المقدس، الأنجيل.

لقد كان للجيل الذي قام بتنشئتنا وتربيتنا في البيت مع الذين  تتلمذنا على ايديهم، أثرا بالغا في نفسي وجد طريقه لاحقا في حياتي وأنا اقوم بالتدريس، اذ كانت المادة  الرئيسية (اختصاصي) هي – الأقتصاد المنزلي – وهذه كانت توفر لي فرصة الحديث للبنات، وتقديم الأرشادات لهن، خاصة وأنهم في اعمار ستؤهلهم لاحقا لكي يصبحن ربات بيوت، فكنت لهن مثل الأم او الأخت الكبيرة، وكنت فرحة جدا بهذا الدور، اما انجازي الثاني فكان حصولي على رخصة ادخال حصة تدريس مادة (الديانة المسيحية) الى المنهج في المتوسطة النظامية لأول مرة، وقيامي بالتدريس بمساعدة من (الأب يوسف شليطا) اضافة لكل التزاماتي التدريسية الأخرى، لابل اني فخورة بأن آخذ بيد هؤلاء الأولاد  لتقبل احد الأسرار المسيحية المهمة (سر التناول المقدس) رغم ان اعمارهم كانت قد تجاوزت، لكني كنت افهم الأسباب من ذلك والتي كانت بسبب الحرب، او فقدانهم لآبائهم في الحرب او انفراط عقد عوائلهم لكثير من الأسباب، كنت حقا سعيدة بأن ادخل الى حياتهم الأمان وراحة النفس وعسى ان اكون قد وفقت بذلك. اعود لأتذكر  الشخصيات الذين أثروا طفولتي ومنهن والدتي (جميلة ناظر)،  وخالتي  ووالدة زوجي السيدة (حياة ناظر) وجدتي الغالية (لوسـيّا عربو)، هذه القناديل لم تضئ بيتنا فحسب، بل انارة حياتي بكل ما هو طيب، وفي هذا المقام يأتي ذكر (ماسير سان بول – كساب) معلمتنا في مدرسة الراهبات بمدينة تلكيف، حيث كانت تجمعنا (نحن البنات) وتلقي الموعظات الطيبة علينا، اما لغير المتعلمات، فقد كانت تجمعهن كل يوم أحد، وتقدم لهن النصائح وتزرع فيهن المحبة والطيبة.

لوطني الغالي العراق، اتمنى ان يعود البلد كما كان، معمراً وأبنائه فرحين، وأصلي ان يعود اليه  السلام ، وأن تسود بين ابنائه روح المحبة والألفة والأخوة والتعاون، وأن لاتكون هناك اية تفرقة على اساس الدين، وأن تحترم منزلة آبائنا الكهنة ولا يتعرضوا للمضايقات او القتل، وأن يقود البلد اناسا مخلصين، وأن يبعدوا الأشرار وغير المخلصين من مسيرته. لا يوجد كنز في العالم اكبر من كنز المحبة، وهذه بالحقيقة كانت آخر وصايا سيدنا المسيح (احبوا بعضكم بعضا، كما احببتكم) وبهذا نبرهن اننا ابناء المسيح، وأمنياتي هذه ابعثها لكل العالم الذي اتمنى ان يسوده السلام وتحكم  المحبة علاقات بعضهم البعض.

*********              ***********              **********              ***************

المدرس سـامي داود أسـمر (سـالم أسمر)
من مواليد مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى في العام 1947 وفي (محلة أسمر)، متزوج من السيدة سـميرة حنا يونو، ولهم 4 بنين، وعندهم الآن 6 أحفاد.
كعادة معظم عوائل بلدته، كان الأهل يشجعون ابنائهم للدراسة، وهكذا كانت معه حيث بدء طريقه في،
1- (ابتدائية العرفان) وبعد ان اكملها انتقل الى،
2- (ثانوية تلكيف) حيث تخرج منها في العام 1967، وهو ذات العام الذي قبل في،
3- كلية التربية/ جامعة بغداد –  قسـم الرياضيات، وقد تخرج منها بنجاح عام 1971.
أثر التخرج، جاء موعد التقديم للعمل والتدريس، فكان أول تعيين له،
1- (متوسطة 17 تموز) في مدينة عين زالة  لمدة سنة ثم،
2- (ثانوية عين سفني) – منطقة الشيخان التابعة لمحافظة نينوى، ولمدة سنة ايضا بعدها الى،
3- (متوسطة 17 تموز المختلطة) في مدينة تلسقف، مع التوظيف كمدير لمدة عام، وبعد 5 سنوات الى،
4- (ثانوية تلكيف للبنين) ما بين الأعوام 1978- 1995 اي (15عاما)، وبضمنها عاما كاملا كمعاون للمدير،
**(ثانوية الميثاق المسائية) في الموصل درسّت فيها 3 سنوات
**(ثانوية عبد الرحمن الغافقي) في الموصل لمدة سنة واحدة، وهذه كانت اضافة لألتزاماتي التدريسية الأخرى ، ورغم ان تخصصي كان في مادة (الرياضيات) الا اني كنت حاضرا عند الحاجة لملء اي فراغ يحصل في الفصل الدراسي، وقد قمت بتدريس مادتي الفيزياء والكيمياء حينما املت الحاجة لذلك ، ناهيك عن تدريس مادة (الديانة المسيحية) حينما كان هناك نقص في الكادر التدريسي  بالثانوية.
  استحققت بعد كل هذه الخدمات والسنين التقاعد. ولكون الراتب التقاعدي لم يكن ليكفي مصاريف العائلة فأضطررت للعمل في مجال الأعمال الحرة بغية ضمان وارد جيد للعائلة التي كانت تكبر وتكبر معها احتياجاتها،  اذ عملت في الموصل، هذا  اضافة الى قيامي بتقديم بعض الدروس الخصوصية في مادة الرياضيات، اما في الفترة 2001-2003 فقد عملت في حقول الدواجن، لكن بعد العام 2003 و ما صاحب التغيير من فوضى وأوضاع غير مستقرة، دفعتني للرحيل انا وعائلتي عام 2004، وقدمنا الى ديترويت حيث اغلبية الأهل وقد استقروا في هذه المدينة، عملت هنا ايضا  لعدة سنين في الأعمال الحرة، حتى وصلت الى مرحلة التقاعد بحق وحقيقة!

قد أكون من الناس المحضوظين وأنا اسكن مدينة ديترويت، اولا بسبب النسبة العالية من العراقيين وخاصة من سكنة مدينتي العزيزة (تلكيف) اذ أصادف بأستمرار تلاميذي وأصدقائي من زملائي المدرسين، لابل اني أكثر سعادة حينما التقي بالعديد من المعلمين والمدرسين الذين أخذوا بأيادينا حينما كنا اطفالا أو احداثا ، والرحمة على من غادرونا بسلام، ومزيدا من الصحة للذين مازالوا يقاسموننا هذه الحياة و منهم: (المربي داود قوزا – الأنكليزية) و (المربي كوركيس شمامي- الأنكليزية) والمدرس المرحوم (جورج أسمر – الأنكليزية) والأساتذة (حازم قاسم و أحمد أمين – الرياضيات)، اما في الجامعة  فكانوا:  (عريبي الزوبعي – الأحصاء) و (عادل غسان) و (نورية انطوان شكوري – الهندسة التحليلية) و (سـهى الصدر – الرياضيات الحديثة). ومن أجل ان تكتمل صورة علاقاتي بالمدرسين والمدرسات حيث تقاسمنا الدروس والصفوف وسني التدريس بحلوها ومرها، تعلو عاليا بعض الأسماء (وعذرا ان لم اتذكر بعضها فكلهم كانوا احبة وجزء من عائلتي الكبيرة) المرحومان (موما إسحق) و (طاهر يوسف حميد الحيدري) وكلاهما كانا بمركز المدير في ثانوية تلكيف، (محمد رشيد عارف حسن) مدرس التأريخ، (طلال عبد العزيز زكريا) و (بدرية صليوا يونو) وكلاهما مدرسي اللغة الأنكليزية، (ثائرة يلدا باجوا) الرياضيات، (مسعود بريخو) الفيزياء. لقد ارتقت علاقاتنا الى مستوى عائلي طيب، وكنا غالبا ما نلتقي في (نادي الموظفين)،  اما في الحديث عن علاقاتي مع الطلبة، فبالحقيقة كنت اعاملهم مثل أخوتي ، مراعاة لأعمارهم وأفق مستقبلهم اللاحق، ومن درجة حرصي على بعضهم، فقد كنت اقوم بتدريسهم دروسا اضافية في بيتي ايضا أيام الأحاد والجمعة، ويمكن لي القول بأن ما تعلمته في الجامعة حاولت تسخيره في اسلوب تدريسي الذي كان متميزا، خاصة والحديث يجري عن (مادة الرياضيات) التي كان الكثير من الطلبة ينظر اليها بعين الخوف والريبة، اذ استخدمت اساليب تدريس كان لها نتائج طيبة، ولا ادل من ذلك نتائج امتحانات البكلوريا التي تجاوزت 80%، وأضافة لكل ذلك فقد عملت على اعداد ملازم خاصة بالأمتحانات الوزارية احتوت على مجموعة الأسئلة والأجوبة لتسهيل فهم المادة. لم يمر عملي هذا دون التفات الأدارة والمسؤلين في وزارة التربية حيث حصلت على الكثير من كتب التقدير والشكر، لابل ان وزارة التربية  قد اختارتني لكي اكون (النموذج) في تطبيق ثلاثة طرق لتدريس الصف الثاني متوسط، اذ كان اساس اطروحة وبحث شهادة الماجستير للأستاذ (حربي رمضان هلال) من جامعة الموصل.   ومن الطريف ان اذكر بأني تلقيت مكالمة هاتفية  في أحد الأيام من( د. حميد صالح) استاذ مادة التأريخ في جامعة الموصل اذ قال لي: (انت أول من اريد ان ابشره بحصولي على شهادة الدكتوراه) وهذا تقدير كبير لي يجعلني أشعر بالفخر لما قدمته لتلاميذي.

مع ان طموحات الأنسان لاحدود لها وتبقى عائمة في الفضاء حتى يقرر الأنسان ويختار الطريق الفاصل لمستقبله المهني، فبالحقيقية وحينما يتعلق الأمر بي شخصيا، فان الفضل في اختياري سـلك التعليم يعود اصلا الى تأثري الكبير بشخصية شـقيقتي الأكبر مني (الست لبيبة) التي سبقتني لهذا السك الرائع، ووجدت حينها الطريق اكثر سهولة نتيجة لنصائحا وأرشاداتها لي كأخ، هذا اولا، والشئ الثاني هو شعوري بالمسؤلية تجاه ابناء بلدي وضرورة ان اكون عنصر ايجابي في تطوير مجتمعنا العراقي. 
ورغم ان الأيام اخذتنا بعيدا، لكني لن انسى ولعي وتشجيعي الكبيرين ل (فريق تلكيف لكرة القدم)، والأنسان الرائع الذي غرس فينا حب الرياضة المرحوم (الأستاذ ضياء يونس) كلها ذكريات لا تنسى ابدا، على اني ما زلت احتفظ ببعضا من هواياتي وخاصة في حقل القرأة، اذ ما زلت اهوى الأدب بصورة عامة، والشعر خاصة، اضافة الى قرأة الكتب المهتمة بالتأريخ.
ومع اقتراب هذا اللقاء من نهايته، فأني اتمنى لوطني الغالي الكثير الكثير، وربما تأتي في مقدمتها امنية الأمن والأمان والعيش بأخاء بين كل مكونات البلد، اما لأبناء شعبي المسيحي، فأني اتضرع وأصلي ان يعيشوا بأمان في بلدهم، وأن يكونوا متكافئين مع غيرهم من المكونات، وأن يحق لهم ما يحق لغيرهم، فهم اصلا ابناء هذا الوطن وملحـه الذي يحفظه من الخراب والتسوس.أحبك يا وطني الغالي.
*********              ***********              **********              ***************

المدرس أنور جورج يوسف بوغوص
من مواليد قضاء حديثة التابع لمحافظة الأنبار في العام 1956، متزوج من السيدة منى صبيح حنا ولهم ولد وبنت .
لم تمض فترة طويلة حتى انتقلت العائلة الى بغداد، وهناك اخذوني لدراسة الأبتدائية الى،
1- (مدرسة الطفل الأهلية) في منطقة الدورة وبعدها الى،
2- متوسطة (ثانوية الفادي الأهلية) في منطقة الدورة ايضا ، وبعد ان اكملتها انتقلت الى،
3- (اعدادية النهضة) في مدينة بغداد، وعندما اتممت امتحانات ابكالوريا قبلت في،
4- الجامعة التكنلوجية/ قسـم المدرسين الصناعيين – فرع الكهرباء – حيث انهيتها في العام 1982، وبعدها جرى تسويقنا للخدمة الألزامية حتى العام 1986، ونظرا لخضوعنا للتعين المركزي فقد وضعت في  قسم (التعليم المهني) اذ جرى تنسيبي أول الأمر الى،
1- (اعدادية بغداد المهنية) والتي كانت تقع في منطقة (بزازيز الفضيلية – طريق بعقوبة القديم) بين الأعوام 86 – 1990 بعدها نقلت الى،
2- (اعدادية 17 تموز الصناعية) والتي كانت تقع في نفس المنطقة حتى العام 1996، ثم جرى اعادتي مجددا الى،
3- (اعدادية بغداد المهنية) للأعوام 96-2005، جرى بعدها منحي مسؤلية اضافية ونقلي الى،
4- مديرا في (اعدادية المثنى الصناعية) في منطقة زيونة للأعوام 2005- 2010 ، اذ غادرت بعدها العراق نظرا لتردي الأوضاع الأمنية والأقتصادية ولحرصي على سلامة عائلتي.

مازلت ذاكرتي طرية وتحمل العديد من اسماء التربوين والمدرسين الذين اخذوا بيدي وتعلمت منهم الكثير من الذي صرت اطبقه لاحقا وأنا اقوم بالدور الذي قاموا به معي، التدريس. ويحضرني في (مدرسة الطفل الأهلية الأبتدائية) المربي (سالم ميخائيل) الذي درسنا مادة العلوم، والمربي (سامي يوسف )الذي درسنا مادة الأجتماعيات. اما في المتوسطة فكان الأستاذ (سليم كثير الصكَر) مدرس مادة اللغة الأنكليزية، وفي الأعدادية كان طريقة تدريس الأستاذ (حسين رزق – مصري الجنسية) رائعة جدا وتأثرت بها كثيرا.
على اني اقمت علاقات طيبة مع العديد من الأساتذة الذين تشرفت  بمزاملتهم في الهيئات التدريسية التي مررت بها وأذكر منهم الأستاذ (احمد عبد الحسين) مدرس الرياضيات الذي كان من سكنة مدينة بعقوبة، و مدرس مادة الرياضيات السيد (سمير بطرس كجو)، وأخيرا  تحضرني بألم ذكرى الأستاذ (رياض يونس علي) مدرس مادة الكهرباء الذي استشهد بأنفجار . وبالعودة الى فكرة سلك التدريس، فبالحقيقة لم تكن تلك رغبتي، لكن ظروف البلد هي التي دفعتني لذلك، لكن بعد مرور قليلا من الوقت صرت أحب هذه المهنة وتعلقت بها وبالطلاب والهيئات التدريسية ايضا، وقد تكون لنصائح (خالتي) وتأثري بها دورا كبيرا ، اضافة الى تأثري وتشجيع خالي (المهندس آكوب يوسف مالو)، مما سـهّل مهمتي لاحقا.
لاشك بأن غصّة كبيرة تخنقني كلما اتابع اخبار البلد والأنفجارات والخراب الذي حل بالبنى التحية والناس، الا اني انظر لنفسي ايضا وأشعر براحة الضمير للطريقة التي اديت بها مهمتي كمدرس او كمدير لاحقا، اذ مازلت اتذكر جيدا بأني استمريت بالدوام في السنوات السبع الأولى بلا (اجازة مرضية) وكنت مواضبا، كما اني عملت بكل جهدي لأفهام تلاميذي مادة (العلوم الصناعية) الصعبة، وتقريبها الى ذهنهم للدرجة التي وصل الحد الأدنى من نسبة النجاح بين طلابي 75%، ويسعدني كثيرا حينما كنت اصادف بعضا منهم وقد اصبحوا عمالاً فنيين أو قد اكملوا المعاهد الصناعية او حتى انتسـبوا  للكليات او حصلوا على الدراسات العليا. ووقد كان من نتائج حرصي في عملي أن تم  ترشيحي لدورة (استخدام وسائل الأيضاح الألكتروني) في جمهورية مصر العربية لمدة 15 يوما ، اذ اعتبرتها تثمينا لأخلاصي في العمل، كما انها فتحت امامي ابوابا جديدة في استخدام وسائل الأيضاح الحديثة، وهذه اتصورها واحدة من اساليب تطوير طرقنا التدريسية اضافة الى تطوير المناهج وأدخال المختبرات والتطبيقات العملية بشكل اكبر في المناهج.

لم يكن قرار مغادرة العراق سهلا عليّ ابدا، انا الذي لم اعرف بلدا غيره، ولا ناسا غير ناسه، وكان الأصعب هو فترة انتظاري لمدة عامان في الأردن بلا عمل انا وعائلتي ، بأنتظار مصير غير واضح المعالم، وحتى بعد وصولي للولايات المتحدة، وشعوري بالأمان النسبي انا والعائلة، لكن مازالت مهمة التجانس وتعلم اللغة الجديدة وأيجاد فرصة للعمل من المهام غير اليسيرة، آمل ان اتجاوزها لأنطلق وبروحية متفائلة للأيام القادمة. وبالحقيقة، ان الأنسان يفقد الكثير حينما يبدل الأوطان، ان كان في الناس او الأماكن او العادات، لكني خسرت ايضا احلى هواياتي الا وهي متابعة كرة القدم وفريقي المفضل (نادي الطلبة) ومدربهم يحى علوان، وذكرى المشاهير دوكلص عزيز  وباسل مهدي، كما افتقد هوايتي المحببة ايضا في الرسم، حتى ولو كان بسيطا. وهناك حقيقة لاحظتها في هذا البلد وهي المستوى الراقي لمدارسهم وبنايتها ومناهجهم وأسلوب التدريس الذي يعتمد على المختبرات والتطبيقات العملية لدرجة تقرّب المادة من ذهن التلميذ وتجعله يتعلق بها أكثر ، وبالحقيقة كانت بالنسبة لي صدمة كبيرة وأنا اصحب ابنتي الى مدرستها المتوسطة!
لوطني الغالي أتمنى ان يعود كما كان، موحدا ، بلا فوارق بين الناس والأديان والقوميات، بل ان يكون العراق هو خيمة الجميع التي يتفيأ بها .

كمـال يلـدو
أيلول 2014



الأستاذ انور جورج امام بوابة القسم 1980


الأستاذ أنور جورج في نادي الطلبة بالتكنلوجية


الأستاذ أنور جورج مع مجموعة من طلبة التكنلوجيا


الأستاذ أنور مع الكادر التدريسي في اعدادية المثنى الصناعية 2010


المدرسّة أميرة في ثانوية المروج - الزعفرانية 1983


المدرسة أميرة ميري- صف ثاني ابتدائي - مدرسة السريان 1964


أميرة ميري - سنة اخيرة كلية البنات مع زميلات 1969


أميرة ميري 1964 سفرة للحبانية مع ماسير فيرجين و ماسير سيمون


أميرة ميري-مدرسة السريان عيد السعانين 63 مع ماسير اغنيسا السمعاني

347
مسرحية (البخيل):
قريبا على مسارح ديترويت

رغم ان شخصية (البخيل) أزلية ومتلاصقة مع الأنسان وكتب عنها قبلا، الا ان ذلك لم يرهب المؤلف (مرشد كرمو) ولا المخرج (د. عصام بتّو) من الخوض بها مجددا، وأسقاطهاعلى واقع جاليتنا في ديترويت،لا بل انهم تحدوا الأفكار السائدة والمشاعة والتي تبرر مثل هذه الأفعال، بطرح بديل انساني ، بفكرة لم يتملكها اليأس من عقد المقارنات وتبيان اوجه التناقض في النفس البشرية، وأستعان كلاهما (المؤلف والمخرج) مع ابداعات الممثلين، بأدوات وتقنيات ستبهر المشاهد والمتابع للفن والثقافة المسرحية.
ويمكن القول بكل ثقة، بأن مستوى التدريبات قد وصلت الى مداها  مع اقتراب موعد العرض الأول في  اواخر شهر ايلول / سبتمبر الحالي.
تأليف: المحامي مرشـد كَرمو
اخراج: د.عصام بتّو
الأدارة المسرحية: ثائر العطار
بطولة: باسـم الأمين، تيريز الكاتب، حميد دلي، هويدا حيدر، يحى المهندس، جيهان شمعون و ناصر الحمداني.
العرض الأول:26 – 27 أيلول /سبتمبر الجاري على مسرح ثانوية (سي هولم  هاي سكول) في مدينة برمنكهام.
العرض الثاني:2-3-4 تشرين أول/اكتوبر القادم على مسرح ثانوية (ستيرلنك هايتس هاي سكول) في مدينة ستيرلنك هايتس.

يبدأ المشهد الأول بخروج مجموعة  الناس من الكنيسة بعيد احتفالهم بقداس ليلة العيد، ويتجمهروا امام بوابتها منتهزين فرصة وجود العدد الكبير منهم  ليهنئوا بعضهم البعض وليتبادلوا اطراف الحديث، الا شخصا واحدا كان يعيش عالمه الخاص خارج  منظومة الأحتفالات والقداس والأعياد، ذلك الأنسان  كان (البخيل) الذي كان يتفرس الوجوه الخارجة من بوابة الكنيسة لكي يلاحق ويطارد اولئك المتخلفين عن ديونه او المتهربين من دفوعاتهم. كانت التعاسة ملازمة  لمنظره الخارجي وحركاته، ولم يكن ليشارك احدا فرحة العيد، وقد وصل بخله لدرجة كانت صادمة ل (خطيبته) ، حيث كان يتهرب من زيارة اهلها له في البيت متعذرا بوجود ضيوفا عنده!

يبحر مخرج المسرحية (د.عصام بتّو) بالمشاهدين في رحلة المشهد الثاني عبر مفاهيم وعوالم كاتب النص (الأستاذ مرشد كَرمو)، ومستفيدا من خبرة الكادر التمثيلي، والتقنيات الحديثة ليزاوج بين عالم الواقع والفنطازيا (الخيال – اللاواقعي) بأستعارة احداث (ممكن ان تحدث) او من (عالم الأرواح – الملاك) ليشرك المشاهد في حالة  صراع الخير والشر، ومستعرضا  مفهو (البخل) كحالة مرضية، تعرّض صاحبها الى الروح الأنهزامية في الحياة، والى مخلوقا فاقدا لأهم ميزات الجنس البشري، الطيبة والأنسانية،  لا بل لتوصله  الى حالة التعاسة وفقدان قيمه الروحية، فيما يشعر (البخيل) بأنه مطارد من قبل الأخرين الطامعين بثرواته  في تبادل ذكي للأدوار، بين بحثه عن الدائنين المتخلفين، وخوفه من الناس!

تشعل مشاهد وأحداث المسرحية لهفة المشاهد ليعرف  حقيقة الصراعات الجارية في المسرحية، ففي حين يعمد المخرج الى اتباع  حالة (الصدمة الروحانية)  في رصد التحول بالشخصيات وظهور الملاك، فأنه يهئ الأجواء ليقوم الشخص (ايا كان) بمحاكمة ذاته، وعبرها تجري عميلة تطهير الذات وغسلها، وصولا الى تحرر الأنسان من عقده المكبوتة، هذه الأنتقالات الدراماتيكية تساهم بنقل الأنسان الى عالم الأنوار  والروح المضيئة المزروعة بالخير والقوة الأيجابية، كما لو ان المخرج يريد ان يقول من على لسان المؤلف: (هكذا يجب ان يكون الأنسان ، هكذا يجب ان تكون الحياة!).

كتب الأستاذ مرشد كَرمو مسرحية (البخيل) بلغة درامية عالية، فيما يبدو انه اكثر عمل (من بين اعماله الكثيرة) التي استخدم فيها لغة فنطازية متميزة، واضعا شخصياته في صراع يبدو احيانا مكشوف للعيان، وأحيانا مغمور، على انه كان ناجعا في منح كل شخصية، معنىً فلسفيا مرتبطا بالحياة ومتفاعلا معها، لا بل انه تمكن بذكاء متميز ان يطرح من على خشبة المسرح (الصغيرة) نموذجا للحياة التي نعيشها في المهجر، وبحجم مصغر ومساوي (نسبيا) للحجم الأفتراضي لخشبة المسرح!

يقول د.عصام بتّو، مخرج مسرحية (البخيل) بأن عمله هذا ينتمي بأمتياز الى مدرسة (الكوميديا السوداء)، تلك التي تستكشف جوانبا كثيرة منها، البعد الأستعراضي الذي يستخدم الموسيقى والرقصات والغناء في جانب، فيما يعتمد الجانب اللآخر على الدراما، متنقلا بذكاء كبير بين مواقف جادة تقود احيانا للأندماج  الحاد وصولا للبكاء، ومواقف قد تأخذ المشاهد الى نوبات من الكوميديا والضحك. ان هذا التلون الدرامي ، يكشف عن فسيفساء جمالية وغنى في التنوع  داخل هذا العمل، فضلا عن استخدام الفضاءات  بطريقة فنطازية من خلال  التزاوج الذكي بين عناصر الأنارة والديكور والموسيقى، ناهيك عن المجال الحيوي للشخصيات.  ان هذا الخلفيات وفرّت ارضية خصبة لأسقاط الجدار الوهمي بين الجمهور والممثل، مسجلة لحظة تفاعلية فريدة من نوعها بين المسرح والمتفرج لساعتين متواصلتين.
ويضيف الأستاذ عصام، مخرج هذا العمل قائلا: لقد عملت في  عدة مسرحيات ، وأخرجت اعمالا درامية جادة كثيرة، لكن ايا منها لم يكن  بحجم وعمق القوة الفكرية لهذا العمل، ولم اصادف ايضا (ومن حسن حظي هذه المرة)  احترافية عند الممثلين وتنوع  في الألقاء والموسيقى التي ترافق الحوار، مثلما عندي اليوم، فضلا عن الأستخدام الخلاق للعناصر الدرامية المحيطة بالممثل على مستوى الجانب التقني و تسخير التكنيك في الفضاء المسرحي، بحيث يشعر الممثل بأنه ليس على خشبة المسرح، بل انه يتحرك في مجال حيوي مثير، ومستفز للجانب العقلي والوجداني عند المتفرج، مما يؤدي حتما الى خلق وأيجاد جســر سايكولوجي غير مكشوف تتكوّن عناصره  وتتفاعل بين المسرح والصالة.
مســرحية (البخيل) ومساهمات الكاتب والمخرج ومدير المسرح والممثلين وكل العاملين في الأنارة والصوت والديكور، ستمنح الأجواء الثقافية في مدينة ديترويت زخما طيبا، وستوقظ احاسيسا وأفكارا ونقاشات نحن بأمس الحاجة لها، من اجل شحذ ثقافتنا  وزج الكثير من  (المسلمات) في دائرة النقاش الهادئ  نحو حالة التسامي الأنساني ، للوصول الى الغاية النبيلة للمسرح،  في رفعة الأنسان وتقدمه!
   
ســـير ذاتية:
المحامي مرشد كرمو: مؤلف المسرحية ومنتجها. كذلك أقوم بدور فريد شقيق كريم. علاقتي بكريم يشوبها الفتور. فهو يحاول أن يتجنبي على الدوام خشية أن أطلب نقودا منه. وهذا النفور الذي يبديه نحوي يجعلني أعيش حزينا لأنه أخي الوحيد.
المحامي مرشد كرمو حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة ديترويت وشهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة وين ستيت. وهو محاضر لمادة العلوم السياسية في جامعة ناشنل يونفرستي وشغل مناصب حكومية في مشغان منها، قاضي التحقيق في محكمة رقم 48 في أوكلند كاونتي لمدة سبعة سنوات.
وفي المجال الأدبي كتب أكثر من ستين قصة قصيرة ورواية ومسرحية ونصوص سينمائية في اللغتين العربية والانكليزية. وفي المجال الفني شارك في مسرحيات عديدة في المهجر وكان آخرها مسرحية "زواج خالد وخلود" باللغة الإنكليزية حيت قام بتأليفها وإخراجها.

الدكتور عصام بتّو: مخرج المسرحية،  وكذلك يقوم بدور طبيب الولادة في الفيديو الأول الذي يريه الملاك للبخيل. الدكتور عصام حاصل على شهادة الدكتوراه في الإخراج المسرحي، فلسفة الفن من جامعة بغداد. ونال شهادة الماجستير في المسرح. وقد عمل أستاذا للمسرح في أكاديمية الفنون الجميلة في جامعة بغداد وهو عضو اتحاد الكتاب والادباء العراقيين ورئيس نقابة الفنانين السريان. وهو أيضا ناقد مسرحي.
وقد أخرج الدكتور عصام أكثر من ثلاثين مسرحية  باللغتين السريانية  والعربية  في العراق  باطار المسرح الواقعي والمسرح التعبيري. وفي المهجر الأمريكي أخرج عدد من المسرحيات منها "وطن وأحزان" و"الانسان يولد مرتين" و"اوبريت عيد الميلاد". والدكتور عصام الآن في صدد اكمال مشروع فني كبير ينطوي على بانوراما جمالية وحلم يحلّق في فضاء المسرح.


ثائر العطار: مدير المسرح والمسؤول الإعلامي للجمعية العراقية الامريكية للسينما والمسرح. والى جانب ذلك يقوم ثائر بدور عماد الميكانيكي الذي يرغمه البخيل على دفع مئة دولار لان دفعته الشهرية كان ينقصها سبعة سنتات. كذلك يؤدي ثائر بجدارة دور القس في الفيديو الثالث الذي يريه الملاك لكريم يوم مماته.
السيد ثائر العطار خريج اكاديمية الشرطة وهو يعمل مع مديرية شرطة (ماكومب كاونتي قسم الاحتياط). وقد اضطلع بمهمة مدير المسرح في أعمال سابقة،  وهي مهمة تتطلب عملا دؤوبا ومتابعة مستمرة. وقام بأدوار متعددة لفرقة مسرح اليوم وفرقة بابل الكلدانية مثل مسرحية "حب في سوبر ماركت" و"ساعة السودة إجيت لأمريكا" و"حب في البيادر". ويعتبر ثائر بحق،  لولب هذه الجمعية  فهو يعمل على قدم وساق لإنجاح هذا العمل عن طريق تواصله مع الممثلين والمؤلف والمخرج  ومسؤول الطبع  والمدارس حيث تعرض المسرحية الى جانب الدوائر الإعلامية.

باسم الأمين: أقوم بدور كريم، الرجل البخيل والجشع الذي يستمد سعادته من تعذيب الأخرين وتعاستهم. فهو يؤجر لهم بيوتا دون الالتزام بالقوانين المرعية  ويتقاضى من دائنيه فوائد باهضة. وفي أحد المشاهد يفتخر بانه حين يرى الخوف في عيون زبائنه يشعر بانه سوبرمان. كريم، على عكس اسمه، شديد البخل أناني وكل جملة ينطقها تنطوي على أكاذيب،  وبخله يشمل أقرب الناس اليه مثل خطيبته  نوال ووكيله الشخصي جورج. لكن سرعان ما ينقلب عليه الدهر فيتخلى الكل عنه ويظهر له ملاك يريه لحظات مؤثرة في حياته. ويختفي بظروف غامضة؟
الفنان باسم الأمين حاصل على شهادة البكالوريوس من أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد ودبلوم مسرح من انكلترا. واشترك في مسرحيات وبرامج متنوعة في دول عدة منها العراق والامارات العربية وقطر وسورية والأردن والبحرين. وفي المهجر قام بأعمال البطولة في أعمال مسرحية عديدة منها مسرحية جورج بوش وماما عندها فيس بوك ووريث ولكن.

يحيى المهندس: أقوم بدور سليم، الرجل الذي اقترض نقودا من كريم بفوائد باهضه كي يشتري الورد لحبيبته موناليزا التي تختفي وتظهر في حياته. سليم، بفعل معاشرته لجاك يتأرجح بين أعمال الخير والشر لقلة خبرته وتأثير جاك عليه. فتارة تجده يشترك مع جاك في محاولة خطف نوال لابتزاز خطيبها وتارة تراه ينقذ ابنة فريد من جاك ويخبره عن علاقتهما. لكن الشيء المهم لديه هي علاقته بحبيبته. فهل تتكلل تلك العلاقة بالنجاح؟   
الفنان يحيى المهندس حاصل على شهادة البكالوريوس من أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد. وهو عضو اتحاد الفنانين العراقيين وعضو اتحاد المسرحيين العراقيين واشترك في مسرحيات وبرامج عديدة في بغداد مع الفنان باسم الأمين. كذلك له نشاطات فنية في دول عديدة منها الامارات وقطر وسورية والأردن والبحرين. وأشترك في عدة أفلام منها "حفر الباطن" و"الشوارع الخلفية" في الخليج الى جانب مسلسل "مملكة الملح" في اليمن. وفي المهجر قام بأعمال البطولة في اعمال مسرحية عديدة منها "ماما عندها فيس بوك" و"وريث ولكن".

تيريز الكاتب: أقوم بدور نوال، الفتاة الفقيرة التي تحب كريم رغم بخله وأنانيته. تتحمل نوال الكثير من كريم من سوء المعاملة والنفاق لكنها لاتريد أن تتخلى عنه. فهي تلاحظ ذكاء خاص في سلوكه وبريقا في عينيه توحي بانه رجل من طراز خاص. نوال تصلي وتحلم أن يتحرر كريم من مرض البخل والأنانية وأن يتغير نحو الأحسن. فهل يتحقق حلمها؟ وهل تتزوج من كريم؟
الفنانة والشاعرة تيريزالكاتب لها تاريخ حافل بالأعمال الفنية وخاصة في الأردن حيث حصلت على تقدير خاص من جلالة الملك عبداللة ملك الأردن، البلد الذي استضافها وأبدعت فيه بأعمال مسرحية ومسلسلات مثل برنامج (الحكي إلنا) ومسرحية (إمبراطورية الرئيس). كذلك شاركت بأعمال فنية في المهجر منها (مهرجان تكساس)  و"ماما عندها فيس بوك" في ضواحي ديترويت.  والفنانة والشاعرة تيريز لها مجموعة من القصائد العربية الجميلة.

حميد دلي: أقوم بدور جاك، الشاب المشاكس. جاك لا يتوانى عن القيام بأي عمل قانوني أو غير قانوني في سبيل بلوع غايته وتحقيق أهدافه. يضيق ذرعا بوضعه المادي وخاصة انه يريد الزواج من فتاة من عائلة غنية فيلجأ الى التعاطي بالمخدرات على أمل الثراء السريع. فأين سيصل به المطاف. سنرى قريبا.
الفنان حميد دلي، الى جانب كونه رجل أعمال ناجح، فهو أبدع في مسرحيات وبرامج عديدة في مشغان. وقام بأعمال البطولة في اعمال  شتى ومنها مسرحية "جورج بوش" و"ماما عندها فيس بوك" و"وريث ولكن" و"كلشي بيد مرتي" و "مسرحية الغريب" و"الغفران" الى جانب ستة حلقات قصص البنفسج  والانسان يولد مرتين و وطن وأحزان.

هويدة حيدر: أقوم بدور موناليزا، المرأة الغامضة المشتتة الأفكار. موناليزا لا تستطيع أن تحدد أولوياتها بين عملها في جهاز الشرطة كمخبرة وبين امها التي لا تريدها أن تتزوج كي لا تبقى وحدها وبين سليم التي تحبه. فهل تستطيع أن تختار الطريق الذي ترغب أن تسلكه رغم العواطف التي تتنازعها.
هويدة حاصلة على شهادة البكالوريوس من جامعة فيريس ستيت في العلوم الجنائية. وهي تعمل مساعدة قاضي في المحكمة الجنائية في وين كاونتي. ورغم ان هويدة تظهر على خشبة المسرح للمرة الأولى الا انها اشتركت في برامج تلفزيونية واذاعية عديدة في المهجر ومنها برنامج أكثر من سؤال الاسبوعي.

جيهان شمعون: أقوم بدور أنجي المقامرة المهووسة بالقمار. وفلسفة أنجي هي: يقول الفيلسوف ديكارت: أنا أفكر فأنا موجود. أما أنجي فتقول أنا ألعب القمار فأنا موجودة.  تتمادى أنجي في لعب القمار فتخسر كل شيء حتى توشك أن تخسر زوجها فهل تستطيع أن تتخلص من هذه العادة السيئة وتعود الى رشدها؟
الفنانة جيهان شمعون حاصلة على شهادة أعمال الى جانب اجازة كمساعدة طبية. واشتركت في مسرحيات عديدة في المهجر مع الفنانين حميد دلي وباسم الأمين ويحيى المهندس ومنها "الغفران" و"وريث ولكن". كذلك اشتركت في برنامج عرض أزياء.

اعداد: كمال يلدو
ايلول 2014


348

مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (12)

     تحت سماء الوطن، فتحوا ابوابا، ورسـموا احلاما لأجيال كثيرة، ومع الوقت اضحت هذه المهنة، ظلّهم الذي يلازمهم ويصاحبهم، فمنحوها قلوبهم،  واجمل سنيهم. ورغم مضي زمن غير قصير منذ ان غادروها، او تقاعدوا منها، الا ان كلمة (سـت) أو (استاذ) مازالت حاضرة في وجدانهم، و قادرة على حملهم الى العالم الجميل الذي كان سائدا.
فبالرغم  من اننا نعيش في بلاد جديدة ، الا ان هذا لا يمنع ابدا من تكريم جيل المعلمين والتدريسيين الذين قدموا الكثير، فمسيرتهم  تلك تستحق منّا، نحن ابناء العراق الأوفياء، ان نشكرهم اينما كانوا منتشرين في بلاد الغربة، ان كان بالكتابة عنهم أو بنشر قصصهم وذكرياتهم وصورهم.  دعونا  نقوم سوية برسم واقع جديد فيما بيننا، واقع الأحتفال والأفتخار والأعتزاز بكل مبدع، خدم بصدق وتفان، حتى وأن تجاهلت المؤسسات المعنية دورها في القيام بذلك!
وفي هذه المناسبة، ادعوكم  لرحلة قصيرة مع بعض الوجوه العراقية التي خدمت في سلك التدريس في عهود مختلفة. ويقينا ان في جعبة كل واحدا منهم قصصا كثيرة وحكايات وذكريات، وستسمعوهم سوية وهم يصبوها في مجرى واحد كبير، هو حب الأنسان ورفعته.

*************        **********     *************

المربي ســليم منصـور كثاوا
     ولد في مدينة تلكيف وفي محلة (شعيوتا) في العام 1919، متزوج من السيدة بـدرية عزيز عيسـو، ولهم 5 بنين و 4 بنات و 18 حفيد و 4 من ابناء الأحفاد.
اكمل الأستاذ سليم الأبتدائية في مدينة تلكيف بمدرستها الوحيدة، ثم انتقل الى الموصل ليدرس المتوسطة في منطقة (شهر السوق)، ثم اكمل الثانوية في ( ثانوية الخضراء) ، انتقل بعدها الى بغداد لغرض ايجاد فرص أفضل لأستقبال الحياة بعد انجاز الثانوية، لكن ظروفا قاهرة جعلته يختار التعليم أخيرا، فدخل دورة لمدة 3 شهور  كانت مخصصة لتخريج المعلمين (بسرعة فائقة) لتلبية حاجات البلد في هذا السلك، وكان اول توظيف له في،
- مدرسة ابتدائية في (سوق الشــيوخ) ثم نقل الى،
- مدرسة ابتدائية في مدينة (الناصرية)، ثم طلب نقله ، فخيّر ما بين المنطقة الشرقية اي (كركوك) او مدينة  (جمجمال) فأختار الأخيرة  للتدريس، بعدها نقل الى ،
- مدرسة في مدينة (باطنايا) التابعة الى لواء الموصل آنذاك، ثم انتقل الى ،
- مدينة تلكيف، التابعة لمحافظة  نينوى ايضا وفي مدرسة تلكيف الثانية (العرفان) وبعدها الى،
- مدرسة في ( لواء كركوك) اعقبها نقل اداري الى،
- مدرسة في مدينة (جمجمال) التي كان قد درّس فيها سابقا،  وبعد عدة سنوات نقل الى،
- مدرسة في العاصمة بغداد، اما آخر محطاته التدريسية فكانت في،
- مدرسة (المتوكل) في مدينة بغداد، وفي جانب الرصافة، حتى استحقاق التقاعد في نيسان عام 1970.
لم يمض وقت كثير بعد التقاعد حتى غادر العراق مهاجرا الى الولايات المتحدة ملتحقا بشقيقه الذي وصلها قبله بسنين طويلة والكثير من الأهل والأقرباء،  في العام 1971.  وعندما حط به الرحال في مدينة ديترويت، لم تستهويه كثيرا فكرة ســن (التقاعد) أو الجلوس في البيت، فأنخرط في الأعمال التجارية التي افتتحها ابنائه، وأنصرف  الى مسك الحسابات ، ومتابعة معاملات وسجلات البنوك، والعلاقات التجارية، وبرع بها حتى اواخر الثمانيات، حيث طلب منه الأبناء الأنصراف للراحة والأستمتاع  بالحياة  وبالأحفاد الذين ما برحوا يملؤن بيته  بالفرح والسعادة، على ان جزءا من وقته كان يصرفه في الكتابة والنشر في مجلات الجالية بديترويت اضافة للمشاركة بالنشاطات العامة، مع قضاء وقتا جيدا في مطالعة كتب الأدب والتأريخ  وباللغتين العربية والأنكليزية.

 يقول الأستاذ سليم: لقد كان لمنزلة والدي في مدينة تلكيف وهو (المعلم والشماس) أثرا كبيرا في المسؤلية التي ورثتها عنه بالتعامل مع ابناء وعوائل المدينة، فقد كانوا يشيرون لي ب (إبن المعلم) نسبة الى ابي كما قلت، لكن تربية والديَّ لي وجدت صداها في نوع العلاقات والحب والتقدير المتبادل الذي رافق مسيرتي ان كان مع التلاميذ او الهيئات التدريسية المختلفة، وهذا ما اعتز به لليوم، وكثيرا ما يصادفني او يصادف ابنائي وبناتي اناس (تلاميذ) او (معلمين) درســـتهم او عملت معهم وهم يكيلون المديح او كلمات الثناء، وأنا بالحقيقة اشكرهم على عمق هذه المحبة التي لم ينســاها الكثيرون رغم تقادم السنين. لقد احتفظت بعلاقات طيبة مع مدير الناحية آنذاك وجميع الموظفين، اضافة للمعلمين الذين تطورت العلاقات لتصل مداها في السفرات الترفيهية او في الزيارات العائلية، وكذا مع الجلسات في (نادي الموظفين) الذي افتتح لينهي معاناتنا في الألتقاء بالمقاهي التي كانت تضج بالضوضاء . اما للتلاميذ ذوي الدخل المحدود، فما جعلتهم يوما يشعرون بذلك خاصة عشية ايام الأعياد، فقد كنت اقدم لهم (هدية العيد) متعللا بأنها من المدرسة، في الوقت الذي كنت اصرفها من جيبي الخاص، انها ايام كانت مليئة بالطيبة والمحبة والنظر للأنسان كأنسان.
يبقى للأستاذ ســليم كثاوا (كثاوا – من كاتب او عارف بالكتابة) ذكريات مع جيل كبير استقر به الأمر في مدينة ديترويت وخاصة، جيل التدريسيين الذين اما تتلمذوا على يده او شاركوه المهنة، ويأتي في مقدمتهم المربي الأستاذ يـلدا قلا، الذي خص الأستاذ (سليم) بأحدى مقالاته في كتابه الموسوم (نعمة الذاكرة – صفحة43) وتحت عنوان –المربي الفاضل – اذ يقول (( وجدته شخصية محبة الى جميع الذين عاشروه وتعاملوا معه في مجال التعليم او في المجالات الأخرى. وجدته منفتح العقل والقلب على كل الأفكار الجديدة، لايعاند ولا يتعصب. وهذه صفة الأنسان المتحرر والمثقف. وجدته عادلا متوازنا في قوله وفي عمله يعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات. لايخاصم ولا يعادي. وجدته بهذه الصفات الكريمة يسـتحق منّي على الأقل كل التقدير والأحترام والذكر الحسن. وما انا في موقفي هذا اتجاوز حدود الوفاء لرجل أنصفني في كثير من المواقف فأنصفته بكلام قصير.  وفي مجال التعليم أقول عنه: إن كان في المدرسة معلم يهتم بهندامه ومظهره فهو سليم كثاوا. وإن كان في المدرسة معلم يتجاوب مع الأدارة تجاوبا  تاما  دون معارضة او ضجيج  فهو سليم كثاوا.  ثم أقول: إن كان في المدرسة معلم يرتقي الى مستوى الآباء في حنانهم  وفي صرامتهم فهو سليم كثاوا. وإن كان  في المدرسة معلم يتشوق التلاميذ الى درسه  فهو سليم كثاوا. وأقول ايضا في قناعة تامة: إن كان في المدرسة معلم يحظى بأحترام جميع ابناء بلدته فهو سليم كثاوا......الخ)).

ينهي الأستاذ سليم كثاوا كلامه بالقول: أقف اليوم وأنا على اعتاب عامي  الخامس والتسعين، 95،  وأرقب المشاهد التي ينقلها التلفزيون عن بلادي وعن مدينتي الغالية ( تلكيف) بقلب مدمى يعتصره الم ما بعده الم لما آلت اليه اوضاع هذا البلد، وكيف ان  أعتى المجرمين والقتلة قد هجموا على مدينتي الجميلة ، مركز ولادتي ومرتع شبابي، بعدما اجبروا اهاليها على الهجرة او القتل، وبعدما ســرقوا ما تمكن لهم سرقته من آثاث او مؤون، ليس هم وحدهم، بل اناس عشنا معهم وتقاسمنا وأياهم الحلوة والمرة في السنين، وضنناهم  جيران اوفياء، ولم نعلم بأنهم انما اكثر مكرا من الحرباء  وأكثر سما من  لدغات العقارب، هؤلاء الذين غدروا بأهالي تلكيف ودلوا المجرمين على بيوتها  وعلى عنابرها، تبا لهم وتبا  لثقافتهم البائســة. وأكرر القول، بأن البناء والمؤون والممتلكات والنقود كلها قابلة  للتعويض بجهد الأنسان العظيم، لكن من سيعيد ثقتنا بجارنا  الذي خاننا  في وضح  النهار؟

لوطني الغالي، وأبنائه وبناته، للأحياء فيه او للذين ناموا قريري العين في تربته، للنساء والفتيات والأطفال والتلاميذ الذين يشقون طريقهم بأمل نحو حياة أفضل، لكم مني محبتي وأمنياتي بالأمن والأمان وأن ينتهي هذا الليل المظلم وتشرق عليكم شمسا لها اول وليس لها نهاية.

صور المربي سليم كثاوا:
1- افتتاح طريق تلكيف – الموصل من قبل مدير الناحية بحضور بعض المعلمين وموظفي الناحية 14 تموز .1962
2- موظفي الناحية يحتفلون بيوم 14 تموز في نادي الموظفين .1960
3- سفرة الى آثار نمرود 1961 مع مدير الناحية وموظفين ومعلمين.
4- سـفرة الى (دير السيدة) في القوش عام 1962.
5- الأستعراض الرياضي العام في نيسان 1960 وفي الوسط يظهر شـمّو كاتي، سليم كثاوا، دانيال وصبري جـّدو وبعض اولياء الطلاب.
6- في الوسط يظهر مدير الناحية، والقس روفائيل كانونا، معه معلمي المدرستين والموظفين 14 تموز 1962.
7- سليم كثاوا مع كاتب الناحية عبد الكريم عيسى، وكاتب النفوس غانم الحصّان، كاتب البلدية الياس الصادق، شـمّو كاتي و حبيب كتولا.
8- من اليمين سليم كثاوا، هرمز طليا، حبيب كتولا وكاتب النفوس غانم الحصّان في نادي الموظفين 14 تموز .1962
*************        **********     *************

المربي ســلمان داود قونجا
        من مواليد مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى في العام 1941 وفي محلة (مار تشموني)، متزوج من السيدة  ريجينة يوسـف بوجي، ولهم 4 بنات وولد واحد، وعندهم 6 أحفاد.
وكعادة معظم العوائل في دفع ابنائها وبناتها نحو العلم والمعرفة، فقد سجلته عائلته في ،
1- (مدرســة العرفان الأبتدائية) وبعد ان اكملها بنجاح انتقل الى،
2- (متوسطة تلكيف) ثم التحق  عقب ذلك ب
3- (دار المعلمين الأبتدائية – المجموعة الثقافية) في مدينة الموصل لدورة استمرت 3 سنوات وتخرج منها في العام 1959، وهو ذات العام الذي شــهد التعيين الأول له في ســلك التعليم وكان في ،
1- (مدرسـة قصر سـيريج) التابعة لقرية بذات الأسـم قرب منطقة عين زالة لمدة 4 سنوات، ونقل بعدها الى،
2- (مدرسـة تلكيف الأولى) متخصصا بتدريس مادة الرياضيات، في العام 1968 استبدل مع المربي كوركيس شلال
3- (مدرسة ابو غريب) في منطقة ابو غريب ولمدة 10 سنوات، اي حتى العام 1978، وهو عام مغادرته العراق وقدومه  للولايات المتحدة، وبالذات الى مدينة ديترويت التي يحتفظ فيها بعلاقات قربى وصداقات كثيرة.  ويقول الأستاذ سلمان قونجا :بعد وصولي  لهذه البلاد، كان علـّي العمل الجاد لأعانة العائلة ، فأشتريت مخزنا للبقالة أمضيت فيه حوالي 7 سنوات، بعدها انتقلت الى عمل اكبر وذلك بتأسيس شركة لتوزيع المواد الغذائية واللوازم لمحلات السوبرماركت  ومخازن البقالة  ومحال (الدولار الواحد)، وبعد رحلة طويلة من العمل الناجح دامت حوالي 30 سنة، فقد حانت  سـاعة  الراحة والتقاعد، وأنا الآن اقضي معظم وقتي في زيارة اصدقائي و أفراد عائلتي والأحفاد، كما وأمارس  الرياضة للحفاظ على الصحة واللياقة البدنية الجيدة، اضافة الى ممارسة أجمل هواياتي، الا وهي السـفر وأكتشاف العالم والمناطق الجميلة فيه.

يقول المربي (سلمان قونجا) بأن جيلا من المعلمين والمدرسين الذين مروا على حياته قد تركوا بصمات جميلة لاحقا، وجدت طريقها اليه في حرصة  ومتابعته لتلاميذه، ويذكر منهم مثلا: ميخائيل شـينا ،  ناظـم دلـّو، المعلم شـّمو كاتي و (يونس) في العرفان، اما في المتوسطة فيذكر منهم، المدرس (يوسف – اللغة العربية) و (استاذ صائب – الأنكليزية) و (د. ألبرت رسام) و (الأب هرمز – مادة الدين)، فقد كانت علاقتي بهم مبنية على المحبة والأحترام، ولا  أخفي بأني كنت من الطلبة المتميزين. اما بعد التعيين  فقد كان لي الشرف  المشاركة مع نخبة كنت تلميذا عندها قبل سنين، وصرنا اليوم زملاء في العمل (ارجو الرحمة على ارواح من غادرونا بسلام، وموفور الصحة لمن مازال يرافقنا في هذه الحياة) وأتذكر منهم: المعلم جميل عكام، معلم أسـود، المعلم يلدا قلا والمدرس حنا كلشــو.
لقد كان توجهي لسلك التعليم لسببين، الأول هو الرغبة بذلك،  اما الثاني فقد كان الحاجة، وبعد تخرجي وحصولي على التعيين، فقد عملت ما في وسـعي لمساعدة تلاميذي على النجاح والتقدم في تدريسي  لمادة (الرياضيات)، وقد ينظر البعض الى اتباعي اسلوبا (خشنا) مع بعض التلاميذ على انه لم يكن تربويا او مبررا، وبالحقيقة، انا لم اقم بذلك (كرها) بهؤلاء الأولاد، وبالحقيقة ان جلهم ان لم  يكن كلهم هم من ابناء مدينتي، وأعرف اهاليهم جيدا، لكن المشكلة هي ان بعض التلاميذ كان بحاجة للشدة حتى تستقيم تصرفاته، ويحدث للطرفة ان التقي ببعضا منهم هنا (ديترويت) وقد اصبح ذو شأن في العلم او في المصالح والأعمال، ويقولون عني بأني كنت (شديدا) وأقول لهم، لولا تلك الشدة لكان مصيركم ربما غير هذا الذي انتم به الآن! لكن تبقى المحبة والأحترام هي سيدة الموقف في علاقاتي مع الكثير من تلامذتي الذين التقيهم بين فترة وأخرى.
 كان لتعلقي بمادة الرياضيات وعشقي للتعليم دوره في المستوى العالي الذي وصلت  اليه صفوفي، فقد كانت نسبة النجاح العام عندي خاصة في الأمتحان الوزاري اكثر من 90%، وهذه الأرقام ترجمها الواقع في كتب التثمين والشكر التي تلقيتها من الوزارة، وكذلك في  اختياري لأداء (الدروس النموذجية)  في مادة الرياضيات  امام مجموعة كبيرة من المعلمين والمعلمات والراهبات اللواتي كن في سلك التعليم. ومن الطريف ان اقول، بأن تفوقي في دار المعلمين، وأعفائي في ثلاثة دروس بالسنة الأخيرة  قد رافقه ضعف كبير في ادائي لمادة (الرسم) التي ربما كانت ستتسبب في تأخيري،  لولا حصولي على درجة (55) والتي كانت كافية للنجاح!
لقد انعكس تعلقي بمهنة التعليم على طبيعة العلاقات التي نشأت مع الهيئات التدريسية والمربين في آن معا، فقد كنّا مثل العائلة الواحدة (خاصة في مدينة تلكيف) نلتقي يوميا  في (نادي الموظفين) بعد الدوام ونتجاذب اطراف الحوار والحديث، والحقيقة ان الحياة كانت رؤوفة معنا ايضا في هذه البلاد، فقد وصل اليها عدد طيب من هؤلاء المربين، إذ دأبنا منذ  اكثر من 30 عاما على الألتقاء شهريا وتذكّر العراق وأيام زمان ومازلنا لليوم ومن الأخوة (ياســر شـمامي، فاضـل بوتا، ســلام بطـي وبعض الآباء الكهنة)، ويسعدني ان  اشارك  القراء الكرام هذه الحكاية التي جرت في هذا العام، اذ ســمعت ان معلما كنّا ندرس سوية  في دار المعلمين وأســمه (نؤيل عبدالأحد عوديش) قد وصل الى مدينة ســاندياغو بولاية  كاليفورنيا، فما كان منّي الا ان اركب الطائرة وأذهب للسلام عليه بعد انقطاع دام اكثر من 55 عاما!! هكذا كانت حياتنا وهكذا تعلمنا من قيمها السمحة.
عندما اقف وأسترجع تلك الأيام بحلاوتها ومرارتها يراودني شــعورا جياشا بأن ما قدمته للتلاميذ قد أثمر طيبا مع الكثيرين منهم، وأتلمسها من عبارات الود والمحبة التي يلقونها على مسامعي كلما تصادفنا سوية، اما بالنسبة لعائلتي، فبالحقيقة أشعر بالفرح والفخر كأب ان ارى اولادي فرحين في هذه المرحلة من حياتهم، وأفتخر اكثر فيما حققوا من منزلة علمية او اقتصادية او اجتماعية، ويسري فـيّ مزيجا  من الفرح يمنحني شعورا في منتهى الألق الأنساني، وأقول بأن اتعابي وأتعاب الغالية زوجتي لم تذهب هدرا معهم، بل انها اثمرت واينعت طيبا وخيرا لهم وللكل.
اما لوطني الغالي، للعراق الحبيب، فأتمنى ان يعود كما كان وأن ارى ناسه فرحانين، وأن ارى فيه رجال الدين المسيحيين محترمون ومعتبرون وفرحين مع ابناء شعبهم، وبالحقيقة لا يمر يوم الا وأسأل عن اخبار العراق وأخبار تلكيف الغالية على نفسي. اتمنى لهم الأمن والأمان وكل الخير.
*************        **********     *************

المربي نيسـان جرجيس جينا خومورو
     عام 1941 ولد في مدينة تلكيف وفي محلة (قاشات) ، متزوج من السـيدة مناهل كريم شــمّو زيتونة، ولهم 3 بنين و 3 بنات و 5 أحفاد.
درسي الأبتدائية والمتوسطة في مدارس تلكيف، وأنتقل بعدها الى العاصمة بغداد، فأكمل دراسته في ( ثانوية المعهد العلمي المسائي) والذي كان كائنا في منطقة البتاوين، وتخرج منه عام 1960. عمل بعدها في الأعمال الحرة حتى العام 1963 اذ انضم الى (الدورة التربوية ذات السنة الواحدة) والتي كانت بنايتها قائمة في  مدينة الأعظمية حيث تخرج منها معلما في العام 1964،  اما تعينه الأول فكان في،
1- (مدرسـة الحميرية) بمنطقة اليوسـفية، وقد كانت مدرسة من طين وبقى فيها 3 سنوات ثم انتقل الى،
2- (مدرسـة البديع) في مدينة الشعلة لمدة سنة واحدة وتبعها،
3- نقل متبادل الى (مدرسة في شارع الكفاح) ومقابل جامع الشيخ عبدالقادر كيلاني لمدة 3 سنوات ثم الى،
4- (مدرسـة الرشـيد) في منطقة السـنك ببغداد حتى العام 1990 وبلوغ سن التقاعد وتحقيق خدمة 25 عاما.
يقول المربي (نيسان خومورو) بأنه انصرف للأعمال الحرة بعد التقاعد حتى العام 2001 حين غادر العراق ملتحقا بباقي افراد العائلة، وسكن مدينة ديترويت، وقد عمل في احدى شركات السيارات لعدة سنوات، ثم ترك العمل وأنصرف للراحة والتقاعد بعد الحاح العائلة، ويقضي معظم الأوقات في متابعة اخبار العراق، والعمل في حديقة البيت وممارسة الرياضة بغية الحفاظ على مستوى صحي جيد.

لايســاورني الشك  (يقول الأستاذ نيسان) حول صحة المقولة التي طبعت حياتنا منذ الطفولة  بأن (التعليم في الصغر،  مثل النقش على الحجر) وهذه تلمستها  حينما عملت في سلك التعليم، اما جذورها فتعود اولا للبيت، اذ كان والدي انسانا هادئا بطباعه، وتعلمت منه هذه الميزة الجميلة، لكني تعلمت الكثير من المعلمين الأوائل الذين مازلت اذكر بعضا منهم، ففي الصف الأول  كان معلمي الأستاذ (صليوا جـدّو) معلم القرأة والكتابة، وفي  المتوسطة المدرس (صائب أمين أحمد) مدرس الأنكليزية، والأستاذ (نزار) مدرس مادة الأحياء، وفي الدورة التربوية ( الشاعر زكي جابر) ، فقد اثروا  كياني بأسلوب تدريسهم البسيط والرائع، وبشخصيتهم الفذة، وبطيبتهم وتفهمهم لمطالب التلاميذ، حيث وضعت هذه المفاهيم في حياتي ايضا،  وقد يكون اسلوبي في التدريس لمادة (اللغة الأنكليزية) وأستخدامي لوسائل الأيضاح والصور المنوعة فضلا كبيرا في وصول نسبة النجاح بصفوفي الى حوالي 80 – 90% وخاصة في امتحانت البكلوريا للسادس ابتدائي. ولكي تكتمل الصورة ايضا، فقد قامت بيننا نحن المعلمين اثناء سني الخدمة، علاقات صداقية رفيعة خاصة في (مدرسة الرشيد الأبتدائية) في السنك، وتحضرني ذكرى المعلم (حبيب قـرّا)، ومديرنا  الأستاذ (خالد) الذي كان من اهالي ديالى، اضافة للأستاذ (زهير محمد عبود) الذي كان مشرفا تربويا، سادت بيننا علاقات زمالية ومهنية طيبة.
في الختام، يحدوني الأمل وأنا اشاهد مناظر الوطن الغالي التي غلب عليها طابع العنف والدمار والتخلف،  ان ارفع يدّي عاليا وأتمنى ان يعود مثلما كان زاهيا، وأن  ينبذ ابناء بلدي كل اشكال التفرقة  في الأديان او بين الناس، وأن يعيشـوا بالأمن ويرفلوا بالسلام والمحبة.

كمال يلدو
ايلول 2014



349
الكابتن الراحل عبد كاظم، حاضر بين محبيه
   
رغم ان تسعة اعوام ونيف قد انقضت  (كانون ثان 2005) منذ ان غاب الكابتن والشخصية الرياضية والوطنية المرموقة عبد كاظم عن عائلته ومحبيه والوسط الرياضي، الا ان جمهرة كبيرة تصّر على الأيفاء لذكراه بطريقتها الخاصة، بما يليق به، و لذات اللعبة  التي كان يعشقها وبذل عصارة قلبه لها، كرة القدم، ساحرة الناس ، ومَن تكون غيرها؟
ففي يوم الأحد المصادف 24/8/2014 اقام (اصدقاء ومحبي اللاعب عبد كاظم) دورة كروية مصغرة على ملاعب (ثانوية كَريسـم) في مدينة  - ماديسون هايتس – في ضواحي ديترويت، اشتركت فيها اربعة فرق هي:
1)  فريق  هواة من مدينة ماديسون هايتس
2)  فريق هواة من مدينة بلوم فيلد
3)  فريق من لاعبي فوق ال 50 عام
4)  فريق هواة مشترك من مدينتي  ديترويت وونسـور الكندية.
ابتداءت الفعالية بالوقوف دقيقة استذكار وحداد على راحة المرحوم اللاعب (عبد كاظم) وكل شهداء العراق الأبرار، ثم توالت المباريات بين الفرق بروح أخوية وصداقية عالية، انتهت بنيل فريق (ماديسون هايتس) الكأس الفخري للدورة المصغرة، وقد استمرت الفعالية حوالي الستة ساعات، تخللتها وقفات بين المباريات، كانت فرصة للعديد من وجوه المدينة لتبادل الحوارات والأحاديث والذكريات عن الفقيد عبد كاظم.
ولم تكن لهذه المناسبة الغالية ان تمضي دون ان يترك جيلا رائعا من الرياضيين او المدربين والمدرسين الذين عاصروا (الكابتن عبد كاظم) او تتلمذوا معه او احبوا كرته الجميلة، الا وأن يسجلوا حضورهم البهي، ويضفوا للقاء رونقا وجمالية رياضية عراقية اصيلة بمعناها ومحتواها ورسالتها الأنسانية الكبيرة: نحن مع تكريم الرواد، مع تكريم كل من قدّم ولم يبخل، مع كل من خدم العراق وأهله بكل محبة وصدق، ايا كان لونه او دينه او قوميته، نحن مع الكرة، حاضنة الجميع، وحبيبة الكل!
   بهذه القلوب الجياشة بالمحبة تكلموا، وشاهدوا المباريات، وقضوا اوقاتا جميلة تحت سماء المدينة (التي رحمت المحتفلين رغم انها كانت ملبدة بالغيوم) لكنها  رافقت نشاطهم  و ودعتهم بصحبة شمس جميلة كانت تطل بنورها  بين برهة وأخرى وباعثة برسالتها الجميلة: العبوا وأفرحوا وأحتفلوا ...انا معكم!
اما من ابرز وجوه المهرجان الجميل فكانت:
 اللاعب الدولي الأستاذ ثامر يوسـف*  اللاعب الدولي الأستاذ فلاح حسـن * مناضل داود لاعب منتخب الشباب * الأستاذ عامر يوسف  لاعب منتخب آليات الشرطة
 *  الأستاذ عماد جاسم لاعب منتخب القوة الجوية والوطني *  الأستاذ مقداد جرجيس ســتو لاعب منتخب السكك / الزوراء *  اللاعب عصام جابرو عضو نادي منتخب الديوانية ونادي الأمة ببغداد *  الأستاذ صباح مرقس لاعب نادي الأمانة في بغداد، هذا اضافة الى نخبة طيبة من الأكاديميين والمهتمين بالشأن الرياضي ولاعبين قدامى في منتخبات الجالية ( الفريق العراقي، فريق الشبيبة الكلدانية، فريق الشبيبة العراقي وفريق الرافدين).
** ومن وسائل الأعلام،  فقد حظر وغطى النشاط  ممثل عن (فضائية هنا بغداد) و (فضائية عشتار)  ومجلة (القيثارة) الغراء.
اما عن عائلة الراحل الأستاذ والكابتن (عبد كاظم) فقد حضر الصديق المحب (فراس عبد كاظم) والذي يحظى بمنزلة طيبة، ليس بين محبي الراحل فقط، بل بين كل من عرفه عن قرب وتلمس رقـي اخلاقه، التي لم تختلف عن اخلاق والده الراحل عبد كاظم، وهو بحق وريث صادق لها.
لقد أجمع كل من حضر هذا النشاط، وشارك في انجاحه، بغض النظر عن عمره، من الذين عرفوا الفقيد ام ســمعوا عنه،  بأنهم انما يشاركوا احتفالا بقامة رياضية كبيرة اولا، وتضامنا مع الرياضين العراقيين في الظرف الأستثنائي الذي يمر به البلد، وثالثا للتعبير عن صدقية مشاعر ابناء  وبنات هذه الجالية المرتبطة روحيا بجذورها العميقة في وطن اجدادها الخالد – وادي الرافدين – وبأن رسالتهم هي المحبة والتضامن، اما آخر  الكلام فيمكن اختصاره بمفردات بسيطة: فإذا عجزت الدولة ومؤسساتها الكثيرة عن الوفاء للمبدعين  بكل عطائاتهم وكفائاتهم، فهناك جيل من المخلصين الأوفياء لهؤلاء الناس، سيقومون بالمهمة، ويرسموا علامات الفرح على وجوه الناس، بأمل ان تستفيق الجهات المسؤلة وتعي اهمية تقييم الأبداع والمبدعين، وأن لا يهملوهم، لأن ذلك بالنهاية يعبر عن ثقافة ومعارف المسؤلين، وليس ثقافة الذين قدموا وأعطوا بقلب صاف وطيب ونظيف!
ان تكريم المبدعين، لاعبين كانوا، ام من الفنيين  والأكاديميين والأداريين أوالمعلقين وذلك برفع اسمائهم وتعليقها على الصفوف أوالقاعات في كلية التربية الرياضية ومعاهدها، او في النوادي والمؤسسات والملاعب أوالمرافق الرياضية المعتمدة (على اقل تقدير)، ان ذلك سوف لن ينقص من قيمتها، بل سيزيدها ، ويدعم جهود كل المخلصين لهذا البلد،الذين كبروا وتساموا، ووحدوا ابناء البلد بطريقة ارفع من غيرهم!

كمال يلدو
ديترويت / آب 2014

 
جانب من الحضور


جانب من ضيوف الدورة  الكروية المصغرة


فريق مدينة بلوم فيلد


فريق مدينة ستيرلنك هايتس


وقفة الحداد لروح الراحل وشهداء العراق


350
مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (11)

لأن بعضا من قصصهم هي قصصنا، وقسـم من حكاياتهم هي حكاياتنا، ولولاهم ما كنّا كما نحن الآن، وربما لم يكونوا هم ما صـاروا!  اولئك هم جيل المربين والمربيات الذين كتبوا اسمائهم وأسماء مدارسهم في سـجل ذكرياتنا، ولهذا نشـعر بالدّين الكبير لهم، وهذه  الكتابة هي جزء من الوفاء  لهم ولعملهم وتضحياتهم من اجل بناء جيل قادر على مجاراة الحياة والتقدم في طرقها.  ادعوكم لرحلة مع المربين آمل ان تروق لكم.
******      *************      ***********     *************       ***************

الصيدلي سـليم زيا عبـّو
من مواليد مدينة تلكيف ، محلة (كيزي) في العام 1922، متزوج من السيدة ماركريت زيّا قوزا، ولهم 5 بنين وأثنتان من البنات مع 20 حفيدا يملئون حياتهم بالفرح.
درس الأبتدائية في مدرسة تلكيف التي كانت تسمى (المكتب) اما المتوسطة والثانوية فأكملها في الموصل لعدم وجود رديفاتها في مدينته. بعد تخرجه من الثانوية وحصوله على معدل جيد، قبل في كلية الصيدلة، وتخرج منها  عام 1945،  فعاد للموصل وفتح (صيدلية الشفاء) في شــارع نينوى، بعدها نقل صيدليته لمدينة (تلكيف) وبقي هناك 5 سنوات، توجه بعدها الى بغداد وعمل في احدى صيدليات الكرخ (قرب جسر الشهداء)، ثم  فتح صيدلية خاصة به في منطقة الشـّواكة وكان اسمها (صيدلية الكرخ) وعمل فيها لمدة 18 عاما حتى مغادرته البلد قاصدا الولايات المتحدة عام 1978،  ورغم سني خدماته وتعبه من هذه المهنة، لكن كانت له رغبة جامحة  في ممارستها حتى في هذه البلاد، فواجهته صعوبة معادلة الشهادة لكي تتلائم مع  القوانين الأمريكية، ولم ترهبه ابدا، فتوجه للدراسة ودخل الأمتحان ونجح فيه، وحصل على اجازة (صيدلي) ومارس المهنة لمدة سنة واحدة، انتقل بعدها لمساعدة ابنائه في اعمالهم التجارية ولمدة 22 عاما، ومنذ فترة  (أجبر) على التقاعد من قبل ابنائه بعد ان خدم لعشرات السنين، وهو الآن يستمتع بوقته مع العائلة والأحفاد ومتابعة نشرات الأخبار والقرأة، اذ انه يملك مكتبة ضخمة تضم كتبا من كل الأشكال والأنواع، على ان اهم قراءاته الآن هي كتب الصلوات والتراتيل والأنجيل الذي يمنحه راحة نفسية كبيرة.

كانت الصدفة الحلوة وحدها هي التي قادتني للتعرف على هذه الشخصية المتميزة (الأستاذ سليم عبو)، ففي مساء الجمعة المصادف (8 آب 2014) كنت على موعدا في - نادي شانون دوّا الأجتماعي - وبالقرب من الباب، وجدت مجموعة من الأخوة  وقد تحلقوا حول شخص آخر يبدو اكبر منهم سنا، ويأخذون صورا جماعية وفرادى معه، ويبدو انها كانت ساعة انتهاء جلستهم قبل العودة لدورهم، وحدث ان سألت (العزيزان ســامي بوتا و فكتور  كتولا بدافع الفضول)  لمعرفة خصوصية هذا الحدث والشخصية المحتفى بها،  فقصوا  لي قصة قصيرة،  كتبت إثرها اسم الشخص وتلفونه، وكان اللقاء معه وتفاصيل هذه المناسبة، التي صارت سببا لي ان اتشرف بالتعرف عليه وعلى سيرته وبالكتابة عنه ايضا.
 يقول الأستاذ سليم عبوّ: هذه المناسبة كانت وفاءا من تلاميذ  الدورة الأولى ل (متوسطة تلكيف) التي افتتحت قبل 65 عاما، اذ كنت أول مديرا لها ولمدة 5 سنوات، وتدور السنين وتجمعنا مدينة ديترويت الجميلة بناسها، ويبادر العديد من تلاميذي الى احياء الأتصالات والعلاقات، حتى وصلنا لهذا اليوم، وأنا ممتن لهم، لوفائهم ولغيرتهم ومحبتهم، ليس لشخصي فقط، بل لفكرة المدرسة، ولبلدتهم ولذكرى كل اصدقائهم، الأحياء منهم او الذين رحلوا، تغمدهم الله بنعمته ورحمته. كانت ليلة مشهودة وجميلة، ولم اتوقعها ان تحدث ابدا، خاصة بعد مرور 65 عاما! وأردت من الأستاذ سليم بعض التفصيلات فقال: بعد تخرجي من الكلية قصدت مدينة الموصل وأفتتحت (صيدلية الشفاء) في شارع نينوى، ويصادف الى يمر مجموعة من الأشخاص  والذين اعرفهم من بلدتي ( حنا طوبيا، بيتر جوجا والشماس ابراهيم يلدو – كنونا-  اعضاء من الجمعية الخيرية الكلدانية، ومن الطريف بأني مازلت  اتذكر بأن  اليوم كان يوم ثلاثاء  في شهر تشرين اول عام 1949 وكنت في تلك اللحظات اقرأ في كتاب لراعي استقلال الولايات المتحدة  بنيامين فرانكلين)، فسألتهم عمّا يفعلوا في الموصل، فقالوا اننا اتينا لمدينة تلكيف بطلب من اهاليها لأفتتاح مدرسة متوسطة هناك، وأمضينا 15 يوما بحثا عن أداري مناسب يضطلع بمهام مدير المدرسة ولم نوفق بذلك ، علما اننا أستطعنا  التنسيق مع (كنيسة مار يوسف) لأفتتاح (مدرسة المشرق المتوسطة الأهلية) ضمن بنايتها، وتمكنا من ايجاد الكادر التدريسي
، فأذ لم نتمكن من اختيار احدا للآن، فهذا يمكن ان يتسبب بتأجيل المشروع، ونحن نتوجه لك بالطلب ان تتحمل هذه المسؤلية!
في هذه اللحظة، توقفت عجلات الزمن من الحركة امام هذا الطلب الغريب وقلت لهم، اولا انا لا احمل  اية مؤهلات للأدارة، وثانيا انا املك هذه الصيدلية التي وضعت فيها كل ما عندي، فلا استطيع تلبية طلبكم، اما هم فلم يقتنعوا بجوابي بل كان لهم ردا آخرا: نحن على ثقة بأن لك كل المؤهلات لأدارة المدرسة اولا، اما بالنسبة للصيدلية، فنحن نقترح عليك نقلها الى مدينة تلكيف، وهنا اعترضت عليهم وذكرّتهم  بأن لا وجود لطبيب فيها، فقالوا: نجلب لك طبيبا (وكان هو الدكتور جورج آوسـي)، فطلبت بعض الوقت، وطرحت الفكرة على عائلتي، فشـجعوني وأيدوا فكرة الوفد القادم،  وفعلا قمت بنقل (صيدلية الشفاء) الى مدينة تلكيف، وأفتتح الطبيب عيادته، وصرت اعمل بمعدل 15 ساعة يوميا، اقوم صباحا بأدارة المدرسة والأشراف على امورها والعلاقة مع المدرسين والتلاميذ وعوائلهم، وبعدها اتوجه للصيدلية لأداء واجباتي بتحضير العقارات والأدوية، وهكذا مضت 5 سنوات حتى تبنت الحكومة هذه المدرسة التي اصبحت لاحقا  (ثانوية تلكيف) والتي درس فيها وتخرج منها آلاف الطلبة، وما زالت لليوم قائمة وتؤدي واجبها في رعاية جيل التلاميذ الراغبين بالعلم والمعرفة، على ان السنوات الخمس التي قمت بأدارتها حققت نتائجا باهرة، وكانت حجر اساس متين للسنين القادمة، ومع تقادم العمر ونسياني للعديد من الأسماء والوجوه التي عملت معي وقدمت الكثير، فلا زلت أتذكر  السيدان (بولص بطرس كنو، مدرس مادة الأجتماعيات في متوسطة  تلكيف، وجميل عكام).  بعد تلك  السنوات الخمس ، عدت الى بغداد وعملت في احدى صيدليات  منطقة الكرخ قرب جسر الشهداء، ثم فتحت صيدليتي الخاصة في منطقة الشواكة (صيدلية الكرخ) حتى العام 1978.

بالحقيقة ان ما جرى لي من تكريم وتقدير في تلك الليلة يزيدني فرحا وفخرا في الشئ الطيب والمفيد الذي قدمته لمدينتي، لابل أشعر بحجم الأعتزاز والعرفان الذي يكنه الكثيرين لي، وخاصة هذا الجيل الذي عاصر تلك المرحلة، والذين مازالوا معتزين بتلك السنوات الخمس من خدمتي كمدير! ومازلت لليوم التقي بالكثير من الوجوه والشخصيات  التي تخرجت من تلك الأبواب حينما كنت مديرها وينادوني استاذ! (7 كهنة، 5 أطباء، ومهندسين ورجال اعمال ناجحين في كل الحقول) في الوقت الذي قضيت اضعاف اضعاف هذا الوقت في حقل الصيدلة ولا اصادف ما تصادفه عيني  للسلك المدرسي الا ما ندر. ومع تثميني وتثمين عائلتي لهذا التكريم، يخطر على بالي حجم الأهمال واللاابالية التي تجتاح وطننا، فكم من مبدع ومسؤل قاموا بأدوارا خلاقة في حياتهم، ومضوا دون ان (يرف جفن) المسؤلين، بتكريمهم، او اطلاق اسمائهم على المدارس او الصفوف او الشوارع او الساحات العامة!

انا مدان للعراق بأفكاري وعظامي وجلدي وروحي، فكلها اتت منه، وهو الذي اعطاني شخصيتي التي أتميز بها وأفتخر بها . إني اطلب له ولأهله الخير والبركة. احن الى بلدي كثيرا، وأحبه وأعبده!
 ******      *************      ***********     *************       ***************

الأستاذ مالك يوسف منصور ميري
من مواليد العاصمة بغداد في العام 1931 وفي محلة (سيد سلطان علي). متزوج من السيدة أميرة داود بطرس سـامونا ولهم 3 بنات وولد واحد مع 6 احفاد.
في صغره انتقلت العائلة الى الموصل وهناك دخل مدارسها مبتدءا ب،
-(مدرسة شــمعون الصفا) الأهلية الأبتدائية والتي كانت تقع في منطقة الساعة ثم الى،
-(المتوسطة الشرقية) في الموصل ايضا، وعادت العائلة الى بغداد فأكملها في ،
-(متوسطة الرصافة للبنين) والكائنة في منطقة السنك بالقرب من كنيسة (باتري بيير) ثم الى ،
-(الأعدادية المركزية) في الباب المعظم، اذ تخرج منها عام 1948، قصد بعدها ،
-دار المعلمين العالية / قسـم اللغة الأنكليزية – ذات الأربع سنوات دراسية – وحاز المركز الأول على دورته في السنوات الثلاث الأولى، اما السنة الرابعة  فقد كوفئ وأرسل الى انكلترا وأكملها في (كلية بوكنهر ريجس للمعلمين) وعاد الى العراق عام 1954. وكان اول تنسيب له ،
1-مدرس في (المتوسطة الغربية) في الموصل، ومديرا للقسم الداخلي لمدة 4 سنوات بعدها تدخّل الأستاذ (عبد الستار الجواري – مدير التعليم الثانوي) ونقله الى،
2-(متوسطة العرفان) في منطقة الكرادة الشرقية بالعاصمة بغداد، وبالأضافة للعرفان قام بالتدريس في،
3-(الأعدادية الجعفرية المسائية) في بغداد قرب شارع الوثبة ولمدة سنتان، ثم حصل على،
4-بعثة الى (جامعة نوتنك هام ) في انكلترا عام 1961، وبعد دراسة لمدة عام كامل حصل على (دبلوم بالأدب واللغة الأنكليزية) من تلك الجامعة، اعقبها مباشرة حصوله على بعثة ثانية الى،
5-(جامعة اوهايو ستيت) في ولاية اوهايو الأمريكية – مدينة كولومبس، اذ حصل على (شهادة الماجستير في اللغة والأدب الأنكليزي) وعاد للعراق عام 1964 فكان تعينه،
6-اسـتاذ معيد في (كلية التربية – قسم اللغة الأنكليزية) ومدرسا للصفوف الأولى بقسم الأنكليزية ، وصفوف السنة الأولى للفروع الأخرى بمادة اللغة الأنكليزية ما بين الأعوام 1964 – 1967، جرى بعدها ترقيته الى (مدرّس جامعي) وبعد مضي 3 سنوات على ذلك  اصبح،
7-(استاذ مساعد) في كلية التربية / قسم اللغة الأنكليزية ، ونقل بعدها من جامعة بغداد الى  الجامعة المستنصرية حتى العام 1991، سنة الأحالة على التقاعد.
بعدها بوقت قصير غادر الى الولايات المتحدة الأمريكية مهاجرا مع العائلة، وفي عام 1993 عمل،
8-مدرسا لمادة اللغة الأنكليزية في (معهد الجالية الثقافي) في مدينة ديترويت، والذي كان يديره السيد أســعد يوسف كلشــو، حيث درّس الأنكليزية للمهاجرين الجدد (الأنكليزية كلغة ثانية)  وهو ما يعتبر  - تدريس ابتدائي بسيط – يساعد القادمين الجدد على امتلاك الحدود الدنيا من اللغة وصولا الى المستويات الأفضل لاحقا. وخدم في هذا المعهد مابين 1993 – 2007 وعندها احال نفسه على التقاعد نهائيا،  رغم انه كان يعشق عمله، ويقوم به بكل طيبة خاطر اذ يعتبر ان تعليم ألانسان والأخذ بيده  هي اجمل هدية يمكن ان يقدمها التربوي لأخيه او اخته الأنسانة، وهذا ما دفعه للأستمرار في هذه المهنة رغم كل متاعبها.
قناديل انارت لي الدرب
عندما سئلت الأستاذ مالك ميري عن اسباب اختياره  لسلك التعليم قال:  ان هذه لم تكن رغبتي، فأنا كنت اود  ان ادرس في كلية الهندسة، لكن  ربما تكون اجواء بيتنا هي التي دفعت الأمور بهذا الأتجاه، فقد كان والدي (يوسف ميري) معلما وتربويا  وكاتبا  ومؤلفا مشهورا خاصة للكتب الدينية المسيحية، وقد بدء مسيرته التعليمية في (مدرسة دكتور ستاوت) وهي ثانوية امريكية كانت تقع  في منطقة المربعة / السنك ، مقابل كنيسة باتري بيير، وقد مهّد عمل والدي هذا للأحتاك  بالذوات وشخصيات الدولة الكبار الذين كانوا يرسلون ابنائهم للتعلم في هذه المدرسة ، وهذه بدورها فتحت آفاق للمستقبل.  اما العامل الثاني فقد يكون تأثري (وتأثرنا) كأخوة  بخالنا (المرحوم يوسف ناظر) والذي كان قد تخرج من (الثانوية الأمريكية – دكتور ستاوت)، حيث كان مثقفا ، رغم انه لم يدرس في الجامعة، ومن اكثر ما لفت انظارنا ونحن صغار هو امتلاكه لمكتبة كبيرة عامرة بالكتب، ومع ولعه بالقرأة والثقافة فقد كان رياضيا ايضا، وكنا نعتبره قدوة لنا، ومن هنا تأتي معظم هواياتي الشخصية  في المطالعات الأدبية، وكرة القدم في ايام الشباب، والتنس عندما سافرت الى انكلترا، علما ان والدي هو الذي علمني السباحة منذ كنت صبيا،  في نهر دجلة قرب منطقة سيد سلطان علي، لكن سماع الموسيقى، وثقافتها الحلوة هي اكبر كنز لي رغم ان ثقافتنا العامة (كشعب او مجتمع) بعيدة عنها، لكنهم لا يعرفون لليوم جماليتها!   اما العامل الثالث فأستطيع القول هو تأثري بالمعلمين والمدرسين الذين اخذوا بيدي وأوصلوني لهذا المستوى الرفيع، وبقدر ما تسمح به الذاكرة، سأذكر بعضهم، ومسبقا اقول (الذكر الطيب والرحمة على كل من غادرنا بأمان، والعمر المديد والصحة لكل من مايزال يقاسمنا هذه الحياة الحلوة):
-في مدرسة (شمعون الصفا) بالموصل، معلم الحساب (صاموئيل كساب) فقد كرّس هذا الأنسان كل جهوده للتعليم، ومن المفارقات بأني التقيته عندما تعينت مدرسا في الموصل بعد سنين طوال، ورحب بي ترحيبا كبيرا، وكان بالمناسبة يقاسم والدي مهنة التعليم سوية ايضا، وأذكر انه قال لي مرة:" تعرف يا مالك، انا عندي حلم أشوف بنتي (نادرة) دكتورة، وأنا حالي ضعيف". لكن الأقدار جمعتني مع بعض المعارف الذين قالوا لي بأن ابنته (نادرة) قد تخرجت دكتورة بعدما انهت دراستها في لبنان،  وفي شمعون الصفا ايضا (المربي بشير بدرية) ومدرس مادة الديانة (المطران عمانؤيل ددي)، ولا انسى مديرنا (شكري عبد الأحد) والذي وري جثمانه الثرى في (كنيسة ام الأحزان – عكد النصارى – بغداد)، كذلك مديرنا (سعيد ججاوي). اما في المتوسطة فأتذكر نخبة طيبة من الأساتذة الذين أثروا حياتي ومنهم: (سـعيد حاوا – مدرس الرياضيات) في المتوسطة الشرقية بالموصل، و (مكي الياور – مدرس الرياضيات) و (يونس الأحمر – مدرس الجغرافيا) وكان مدرسا ناجحا جدا، ولقب بالأحمر نسبة الى لون شعره، والأستاذ (جرجيس سارا – مدرس اللغة الأنكليزية) وأخيرا مدرسنا لمادة الرياضيات في الصف الثالث (ناصر طقطق). اما في الأعدادية المركزية ببغداد فتعود بي الذاكرة الى: احد اساتذتنا المصريين وأسمه (محمد سرور) ، وأحد مدرسينا القادمين من المملكة المتحدة (مســتر هيدلي)، و أستاذ الرياضيات (سليم نعش)، وأستاذ مادة الكيمياء (أنور كيسو) وأخيرا مدرس مادة اللغة الأنكليزية (يرفانت ارستاكيس)،  ويستمر مســلســل الذكريات والأسماء التي تقاوم عوامل الزمن في النسيان، فأتذكر في دار المعلمين، اذ كان من ضمن الملاك التدريسي نخبة جيدة جدا من الأساتذة الأنكليز ومنهم رئيس القسم (مستر زبدي) و (مستر سبور) و (مس هرك) و (مس اوليفر)،  اما في التربية وعلم النفس فأتذكر (الدكتور عبد العزيز البسام) و الأستاذ (نوري الحافظ) مدرّس التربية، ولأني تحدثت عن مجموعة من المدرسين الذين تأثرت بهم، وبأساليبهم التربوية او بشخصياتهم الطيبة، فأود ايضا ان اذكر بعضا من الأستاذة الذين درسّت معهم وتركت صحبتهم عندي ارثا طيبا من الذكريات والأيام الحلوة التي لاتنسى ابدا ومنهم: د.عصام الخطيب، زميلي في كلية التربية، وزميلي في البعثة الى انكلترا و أمريكا/ حازم عمر  الذي اصبح مفتشا  لمادة اللغة الأنكليزية في الموصل / يعقوب عيسكو الذي درّس اللغة العربية معي في المتوسطة الغربية بالموصل/ الياس عسكر، مدرس الرياضيات، وأخيرا في بغداد السيد ألياس رومايا، مدرس مادة الرياضيات  بمتوسطة العرفان في الكرادة.
مدارسنا ومدارسهم!
سألت الأستاذ مالك ميري، وهو الذي درس في مدارس العراق، وسافر في البعثات، ثم عاد ودرّس هناك، وكانت له حصته في التدريس بهذه البلاد ايضا، عن رأيه بمناهج اللغة الأنكليزية في العراق وطرق تدريسها فقال: بلا مجاملة لأحد، ان مناهجنا بدائية جدا، وكذا مع طرق التدريس التي لم يطرء عليها اي تغيير، وذات الشئ ينطبق على المدرسة كمؤسسة (بناية، صفوف، مرافق،برنامج  وهيئة تدريسية) فأن اغلب الباحثين ومنهم الأمريكي (مستر دوي) يؤكدون (بأن المدرسة يجب ان تكون كالبيت، يشعر التلميذ فيها بالراحة والسعادة، ويتمنى لو يقضي كل اوقاته بها، خاصة فيما يتعلق بالبناية، النظافة، الكافتريا او المطعم المحترم، ملعب او ملاعب، رسم ، مسرح ، سينما وأخيرا الموسيقى) وبالحديث عن الموسيقى، هذه المادة المغيبة (عن عمد) في مدارسنا وحتى جامعاتنا، وينظر لها بأستخفاف وأستهجان، بينما  هي مادة لتهذيب الروح وأسعادها، او كما يقول عنها الأديب الأنكليزي شكسبير: " النفوس التي تخلو من الموسيقى، يكون ميلها دائما نحو الحدة والجريمة والبغضاء وكل ما هو سلبي!". وبالعودة لطرق تدريس الأنكليزية، فبالحقيقة انا لا اقول هذا الكلام لأن تخصصي هو (اللغة والأدب الأنكليزي) لكني اضع تجربة 60 عاما وأكثر في الحقل الأكاديمي امامكم وأقول، ان اهم لغة (تجارية وأدبية وسياسية) في العالم هي اللغة الأنكليزية، ومتى ما كان عندنا كادر يتحدث بها ويمارسها بأصولها فأن امورا كثيرا ستكون سهلة، ولنأخذ المنهاج ان كان في الأبتدائية او المتوسطة أوالثانوية، هو هو منذ سنين، وكأن العالم متوقف، وذات الشئ في الجامعة، وحتى في قسم اللغة الأنكليزية الذي يفترض ان تجد رياح اي تطور او تقدم صداها في صفوفه او بين جدران كليته، لكن للأسف اقول، ان (الناس مشغولة بأمورا اخرى) غير تطوير الدراسة. وسأسوق لكم مثالا من الدولة الخليجية سلطنة عمان، ففي هذه الدولة يتحدث ابنائها اللغة الأنكليزية (التلاميذ وليس كل الشعب) بلهجة وأمكانية وأسلوب يضاهي المملكة المتحدة، وحتى لا تتعجبوا، فأني سأكشف لكم السر (يعرفه كل المختصين بهذا الشأن ومنهم المسؤلين العراقيين ايضا) بأن تعليم اللغة الثانية في اي بلد (الأنكليزية مثلا) يجب ان يبدء بعمر مبكر – 6 سنوات – وأن يكون  المعلم او المدرس ، من نفس منشأ او بلاد اللغة، حتى يتمكن التلاميذ من اتقان اللفظ والنطق السليم، ناهيك عن معرفة عوالم اللغة وجمالياتها، فهناك حقيقة علمية تقول، ان الأنسان ببلوغه سن الثانية عشر 12 تتجه عنده الأحبال الصوتية نحو التكامل وتأخذ  قالبا ثابتا وينتج عنها  فقدان مرونتها . يا ترى كم من هذه الحقائق غابت عن ناظر المسؤل، وكم منها كان ممكنا تحقيقها بالأستفادة من التبادل الثقافي مع الدول أو بتسخير الخبرات التي اوفدت الى دولا كثيرة وعادت بأمل خدمة البلد وأهله!
في التأليف والكتابة
لقد كان للكتب والمصادرالكثيرة التي قرأتها في الأدب واللغة الأنكليزية، والبعثات التي حصلت عليها دورا كبيرا في توفير المادة والأرضية الخصبة للعمل الأبداعي الكتابي، ولم ابخل براحتي او وقتي في سبيل خدمة العملية التربوية بما كان يمليه عليّ ضميري المهني، وأخلاصي لعملي، فقد قمت ب،
1)تأليف كتاب باللغة الأنكليزية بعنوان (إستيعاب انكليزي) في العام 1975، مخصص لطلاب قسـم اللغة الأنكليزية في كلية التربية/ جامعة بغداد، وربما مازال معتمدا في المنهج لغاية اليوم.
2)تأليف وتجميع كتاب باللغة الأنكليزية بعنوان (صفاة وبناة) عام 1976 مخصص لطلاب اقسام التربية وعلم النفس، وقامت جامعة بغداد بطباعته، وكان معتمدا في المنهج التدريسي.
3)ترجمة كتاب الى اللغة العربية بعنوان (الصورة الشعرية) وهو كتاب أدبي من تأليف انكليزي،  فيه دراسات ونماذج في الشعر العالمي، قامت وزارة الثقافة والأعلام بطباعته.
4)مجموعة مقالات ادبية ولغوية في الأدب والقصة والمسرح الأنكليزي نشرتها في المجلات الدورية لكل من جامعتي بغداد والمستنصرية.
5)مجموعة مقالات  في المواضيع الثقافية والأجتماعية والأدبية نشرتها في المجلات والدوريات التي تصدر باللغة العربية في مدينة ديترويت، ومنها (حمورابي)، (السنبلة) و (المعرفة – الصادرة عن معهد الجالية الثقافي).
أماني و أحلام
في رحلة الشباب، وحتى بعد زواجي ، كانت مخيلتي تكتظ بالأحلام والأمنيات التي كان بعضها يعوم في عالم المستحيلات، لكن جمالية الحياة  والعمل الدؤوب والصبر والتأني والمحبة والمسامحة واللطف مع الناس كانت كفيلة بأن تضع معظم تلك الأماني موضع التطبيق، فأنا سعيد بمسيرتي الوظيفية والأكاديمية وخدماتي، وسعيد بأهلي وناسي، وسعيد اكثر بعائلتي الكريمة ابتداءا من زوجتي الغالية والمستوى العلمي والأجتماعي والأكاديمي الذي وصل اليه ابنائي وبناتي، انا لست سعيدا فقط، بل فخور بذلك. اما لوطني الغالي، العراق الجريح، فرغم اني انئى بنفسي عن الروح السلبية، لكن مسيرة الأحداث والوقائع تفصح عن نفسها حتى ان اردنا غض الطرف عنها، فما جرى  للمسيحيين مؤخرا ينذر بخسارة كبيرة  للوطن، وسوف لن تعوّض بأغلى الأثمان، وحتى عندما اقارن وأقول بأن عظمة اميركا هو بنسيجها القومي والأنساني المنوّع، اذ يضفي على جمالها جمالا، وكان يمكن للعراق ان يكون بذات المصاف لو عرف (المسؤلون) اسلوب التعامل مع التنوع العراقي وأعتباره مصدر قوة وليس (مصدر تفرقة وضعف)، فما خسره البلد الآن سيكون صعبا ان لم اقل مستحيل تعويضه، لكن مع كل المشهد الدرامي المؤلم والحزين، اقول وأتمنى لأبناء وطني الغالي والغاليين، كل الخير ، وآمل ان يتجاوزوا  محنة الأنقسام على بعضهم، ويعودوا الى طبيعتهم الأنسانية  في التعايش وقبول الآخر، ايا كان دينه او قوميته او طائفته،  طالما يريد خدمة هذا البلد الجميل.

كمال يلدو
آب 2014 
 

 


351
مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (10)

تأخذنا الحياة احيانا بتفاصيلها، فتنسينا عبق تلك اللحظات الجميلة التي مرت علينا، ثم تتناهى الى ذاكرتنا حينما نتوقف قليلا ونتفحص الأحداث والوجوه والأسماء، فنتذكر تلك الأيام، ونستعيد بريق ذلك الفصيل من المربيات والمربين، الذين (تحملونا) وتحملوا (شقاوتنا) كأطفال، فأخذوا بيدنا من صف لصف ومن مرحلة الى أخرى، حتى كبرنا وكبروا هم معنا. وكي ما نكون اوفياء لهم، ادعوكم لهذه الرحلة مع مجموعة طيبة منهم، اولئك الذين منحونا الكثير، ولم يطلبوا منّا أو لنا سوى التقدم والصعود في سـلّم الحياة نحو الأفضل، آمل ان تروق لكم.
*******        *****       ******        ******       *******      *****      *****     *****

المربي نجيب انطوان حنا يلدو
من مواليد  محافظة دهوك (محلة النصارى) في العام 1937، متزوج من السيدة حياة بطرس يتوما ، ولهم 3 بنات و 3 بنين و 15 حفيدا.
كما معظم العوائل، فقد اخذته العائلة للمدرسة وكانت اولى خطواته في،
- مدرسة  كانت تابعة للكنيسة في مدينة (دهوك)، ثم اكملها في ،
- مدرسة (دهوك الأبتدائية) بعدها الى،
- (متوسطة دهوك المختلطة)، وبعد ان تخرج منها التحق ب،
- (دار المعلمين) في مدينة – بعقوبة – وتخرج منها عام 1958 بعد دراسة دامت 3 سنوات. اما اول تعيين له فكان،
1- (مدرسة زاويتة) في قرية زاويتة التابعة الى مدينة دهوك بعدها الى،
2- (مدرسة سيوش الأبتدائية) وهذه القرية كانت تقع قرب (سميّل) لمدة 3 سنوات، ثم نقل بعدها الى،
3- (مدرسة ابتدائية دهوك الثانية) والكائنة في المدينة بين الأعوام 1963-1967، انتقل بعدها الى،
4- (مدرسة العرفان) في مدينة تلكيف، وخدم هناك معلما لمادة الرياضيات بين الأعوام 1967-1987 حيث حصل على التقاعد في العام 1988. انتقل أثرها الى مدينة بغداد حيث كانت فرص العمل اكثر، اذ ان الراتب التقاعدي لم يكن كافيا لأعالة العائلة، فعمل في (الأعمال الحرة) حتى العام 1992، آثر بعدها مغادرة العراق والهجرة الى الولايات المتحدة، بالدرجة الأولى لخشيته على سلامة العائلة والأبناء من الحروب، وثانيا للألتحاق بباقي افراد العائلة الذي سكنوا مدينة ديترويت. بعد وصوله ، لم يرق له الجلوس في البيت، بل توجه  للعمل من اجل اعانة العائلة وليكون مثلا طيبا لأبنائه في العمل وبناء القاعدة المادية الجيدة للأسرة، فقضى 10 سنوات عاملا في شركة الأطعمة السريعة (بك بوي) حتى استحق التقاعد، ولكن هذه المرة كان جادا في ذلك.

ساعدني الأهل في تحديد اختيار سلك التعليم (يقول المربي نجيب)، فمع تعلقي به الا انه كان مصدرا ثابتا للوظيفة.  لقد ترك الكثيرون من المربين بصماتهم على نهجي اللاحق  في التعليم، وأذكر منهم (المعلم يوسف خيدو) في مدرسة دهوك الأبتدائية الأولى، فقد كان انسانا طيبا، و (المعلم يونان) في المدرسة التابعة للكنيسة بدهوك ايضا. كنت طالبا مجدا ومجتهدا، ووجدت هذه المواصفات صداها لاحقا في دار المعلمين، فقد كنت (ثانيا) في نتيجة النجاح والتطبيق، على اني كنت (معفيا) بأستمرار في مادة التربية وعلم النفس، لابل ان هناك طرفة اود مشاركة القراء فيها، فقد كان عندنا مدرس لمادة التأريخ في معهد المعلمين وأسمه (استاذ فخري) وكان شديدا جدا في منح الدرجات، ويفتخر بالقول بأن اعلى درجة منحها للطلاب كانت (65)، وفي احدى الحصص نادى في الصف: من هو نجيب انطوان؟ تقدمت نحوه – مع شئ من الخوف والرهبة – فقال: صفقوا له! فقد حاز على درجة (92) وطوال حياتي لم امنح تلميذا هذه الدرجة.

في مرحلة التدريس نشأت علاقات وصداقات، اتمنى الرحمة لمن غادرونا والصحة لمن بقى منهم على قيد الحياة.وفي هذا المقام اتذكر صحبتي مع المرحوم عكَيد السندي المعلم في مدرسة دهوك الثانية،  والمرحوم أسود بهورا، والأخ سليمان عبد الأحد في مدرسة تلكيف الثانية. لقد تشرفت بتدريس مادة الرياضيات لصفوف الخامس والسادس ابتدائي، ويزيدني فرحا نسبة النجاح العالية  التي حققتها وخاصة لأمتحانات البكالوريا، كما وأزدانت سيرتي بالكثير من كتب الشكر التي حصلت عليها من الوزارة  ومفتشيها نتيجة عملي ومثابرتي، لابل اني كنت  دائم البحث عن اية  طريقة او ابداع لتقريب مادة الرياضيات الى ذهن الطالب، عبر النشرات المدرسية، أوالمسابقات، أو وسائل الأيضاح المتاحة آنذاك. ولم ابخل بوقتي في تعليم الطلبة المحتاجين (تعليم اضافي مجاني) لرفع مستواهم، او بالمشاركة في حملات محو الأمية الطوعية.
في حياتي الخاصة كانت لي هوايات كثيرة، في المقدمة منها ممارسة رياضتي السباحة والساحة والميدان، اضافة الى حبي الكبير للرقص الشعبي (الدبكة) مع ممارسة القراءات المختلفة السياسية والأدبية، ومتابعة آخر التطورات في العراق والعالم.
من امنياتي الشخصية ان احيى حياتي برفقة اولادي وهم متفوقين في حياتهم، وسعيدين مع عوائلهم، وهذا سيدخل السرور لقلبي ويجعلني أشعر بأن تضحياتي لهم وأسلوب تربيتي لم يذهب هدرا. اما للعراق الغالي: اتمنى ان اراه كما كان  دوما، مزدهرا وناسه فرحين، وأن يرحل هذا الكابوس، وأصلي وأبتهل لله ان يحميهم وينقذهم من هذا الظلم والنار التي اتت عليهم.
*******        *****       ******        ******       *******      *****      *****     *****

المدرس كَوركَيس طوبيا بطرس كَســّو
في العام 1943 ولد في (محلة شعيوتا) بمدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى، متزوج من السيدة درّة زيا شـعو كَـُمـّه ولهم 6 بنات وولد واحد، وعندهم الآن 13 حفيدا.
حينما دخل المدرسة ، كانت المدرسة الوحيدة في بلدته هي:
- (مدرسة تلكيف الأبتدائية)، ومن المفارقات ان يكون مديرها آنذاك المرحوم الأستاذ (ميخائيل شينا) والذي صادف أن اقترن بشقيقتي، وبعد ان انهيتها (يقول) انتقلت الى،
- (متوسطة تلكيف للبنين) والتي كانت تشغل  بناية (كنيسة مار يوسف)، ويصادف ان يكون مديرها (الأستاذ بهنام عفّاص)، وبعد ان انهيتها كان عليّ (مع مجموعة من الأصحاب) ان نؤجر سيارة بشكل يومي وطوال العام للذهاب الى مدينة الموصل بغية اكمال الدراسة الثانوية حيث بدأت في،
- (الأعدادية المركزية للبنين)، وقد اكملت فيها الصف الرابع فقط،  اذ داهمتنا ظروف طارئة اضطرتني للسفر الى بغداد حتى اكملت الصف الخامس علمي في،
- (اعدادية النضال للبنين) والكائنة في منطقة السنك ببغداد. قُبلت بعدها في،
- معهد المدرسين العالي التابع لجامعة بغداد – قسم الرياضيات – اذ انني كنت ارغب بتحقيق حلم الطفولة في الدخول لعالم التدريس، وتحققت الخطوة الأولى بقبولي فيه، اما الخطوة الثانية فقد تكللت بنجاحي  وتفوقي في التخرج للعام الدراسي 64-1965  حيث تمكنت من الحصول على المركز الثالث في دورتي لخريجي فرع الرياضيات لذلك العام، وبذلك نلت اللقب التشريفي (من العشرة الأوائل)، ولحسن الحظ فأن هذا الأمر قد ساعدني في اختيار المدرسة التي اريدها، استنادا الى أمر وزاري سابق، وفعلا تقدمت للتعيين في،
-  (ثانوية تلكيف) نظرا لسكن عائلتي فيها وكنت انا الأبن الوحيد لها ، وصدر أمر تعيني يوم 12/10/1965، وألتحقت في اليوم التالي مباشرة، وبعد دخولي غرفة الأدارة، فوجئت بمديرها السيد (بهنام عفّاص) والذي كان مديري في ذات المتوسطة حيث رحب بي كثيرا، وسلمني منهاجا  كان بأمس الحاجة لملئه في تلك الفترة (الحساب والكيماء للثاني متوسط/ الجبر والهندسة للثالث/ المثلثات للصف الرابع) وقمت بالمسؤلية بأحس صورة، وحصلت على اعلى النتائج في عامي الأول من التدريس، وربما تكون نسبة 95% في امتحان البكالوريا للصف الثالث شاهدا على كلامي.
حمل يومي الأول مفاجئتان جميلتان، الأولى كانت لقائي بأساتذة احبة من بلدتي (المرحومان كَوركَيس شمامي، وجورج أسمر) والأستاذ حبيب فاضل النجار اذ رحبوا بي كثيرا، والثانية كانت  في تشكيلة الصفوف،  كونها كانت مختلطة، وضمت الطالبات والطلاب، وهذا شيئ طيب لأنعدام وجود ثانوية للبنات آنذاك. بقيت في ثانوية تلكيف 8 سنوات، ثم طلبت نقلي الى بغداد، وكان تنسيبي الى،
- (متوسطة الفداء للبنين) في منطقة الحارثية، بغداد – الكرخ، وبعد عامان، طلبت نقلي الى الرصافة  وكان في،
- (متوسطة دار السلام للبنين) في منطقة بغداد الجديدة، وخدمت فيها لمدة سنة واحدة، ثم نقلت الى ،
- (ثانوية المسعودي للبنين) في منطقة كمب سارة،  والتي افتتحت للتخفيف من الضغط على متوسطة دار السلام، لكن هذه الأخيرة امتلأت بالطلاب ايضا، اذ وصل عددهم الى حوالي (1200) تلميذ، اما عدد صفوف مرحلة الثالث متوسط فقد بلغت حينها (20 صفا) وهذا عدد هائل بكل المقاييس! وحدث ذلك في العام 1975، وقد استمر عملي فيها حتى العام 1991، اذ اتممت خدمتي المطلوبة وتقدمت بطلب أحالتي للتقاعد بعد ان جمعت 26 عاما في سلك التدريس.
ومن الطرائف التي رافقت عملي في – ثانوية المسعودي – انه وفي العام 1980 قد عيّنت معاونا للمدير في انجاز المهام الأدارية والمكتبية وما يتعلق بالوزارة  في الثانوية، علما ان ملاكنا التدريسي كان (40) مدرسا، اما مديرنا الأستاذ العزيز والمربي المتميز (احمد طاهر حمدي) فكان دائما ما يردد:( لولا كَوركَيس....لغرق احمد!!). ومما افتخر به ايضا في (المسعودي) بأني قد انتبهت الى التركيبة الأثنية لطلبتها والتي وصلت فيها نسبة المسيحين الى حوالي70% فتقدمت بطلبا الى وزارة التربية لتنسيب مدرسا لمادة (الديانة المسيحية) وتم بذلك بعد استشارة الجهات الكنسية ونسّب لها القس المرحوم (باسل مروكي القس شمعون).

بعد تقاعدي بعام، قررت الأسرة  مغادرة العراق والألتحاق بباقي العائلة التي سكن معظمها الولايات المتحدة وبالذات مدينة ديترويت، ومنذ ذلك الحين وأنا انشط في اداء الكثير من الأعمال الخيرية والأنسانية والثقافية، وربما تكون المهمة التي شـّرفني بها الأب (مانوئيل بوجي) في ادارة مدرسة تعليم (اللغة الآرامية – الكلدانية)عام 2005 ابرز تلك العطاءات، فقد ورثت هذه المدرسة الملحقة بكنيسة (ام الله) من استاذي (المرحوم رحيم شعيوتا) الذي اشرف عليها منذ تأسيسها عام 1996، وتخرج منها العشرات من الشمامسة والطلاب، والذين سيصبح بعضهم مدرسين فيها لاحقا. وقد وصل عدد منتسبيها الى حوالي (250) طالبا وطالبة موزعين على (7) مراحل دراسية وبملاك ممتاز، اذكر منهم بمحبة (استاذي المرحوم رحيم شعيوتا، فيليب القس ميخا، وديعة القس ميخا، روكسي جربوع، ماري يلدو،جمهورية القس كَوركَيس، نجومة دلّو، نبيل كرومي).
انا سعيد جدا بكلمات المحبة التي اسمعها بأستمرار من تلامذتي (حين اصادفهم في المناسبات التي تزدحم بها المدينة) والذين صار للكثير منهم مراكزا ثقافية ومهنية مرموقة اعتبرها ذخرا للعراق وللجالية، مثلما هي انجازا للطالب وعائلته، ويحز في نفسي كثيرا المآل الذي وصلت اليه البلاد ومدننا (المسيحية) في سهل نينوى، وأشعر بخيبة أمل كبيرة من ضياع (جهدنا وتعبنا) لسنين طوال في تربية جيل قادر على بناء البلد بصورة صحيحة! وآمل من الله ان يزيل هذه الغيوم السوداء عن سماء بلدي، وأن يعيش اهله وساكنيه جميعا بسلام، وأن تعود الألفة لعلاقاتهم بعد ان ينبذوا كل اشكال التفرقة التي شقت صفوفهم،  ويتخلصوا من كل من تسبب بهذه الآلام لهذا الشعب الذي يستحق كل الخير.
*******        *****       ******        ******       *******      *****      *****     *****

المربي عوني سلمان ناصر الخشـن
ولدت في مدينة (الديوانية) عام 1949، ومتزوج من السيدة آمال اسماعيل رابع، ولنا 3 بنات وولد واحد، مع 6 احفاد طرزوا حياتنا بالفرح والأمل.
مثل باقي الأولاد، شجعتنا عوائلنا على الدخول للمدارس والتعلم  لضمان مستقبل افضل، فكانت الخطوة الأولى،
- مدرسة (الأبتدائية الهاشمية) في مركز الديوانية ثم انتقلت الى،
- مدرسة (ابتدائية الثقافة) والكائنة في مركز المدينة ايضا ثم الى،
- مدرسة (العزيزية الأبتدائية) والواقعة في قضاء الحمزة الشرقي، بعدها
- (متوسطة الديوانية) والواقعة في مركز المدينة وانهيتها عام 1964 متفوقا في موهبة (الرسم والأعمال اليدوية) آثرت بعدها وبدفع من العائلة ايضا على الألتحاق ب،
- (دار المعلمين الأبتدائية) في الديوانية والتي تخرجت منها عام 1967.
بعد هذه الرحلة مع المدارس ودار المعلمين، حان الآن وقت العمل والتوظيف، فكان التنسيب الأول عام 1968 الى،
1- (مدرسة جليحة)  في قرية تحمل نفس الأسم، وتبعد عن مركز الديوانية حوالي 50 كم لمدة 3 سنوات ثم الى،
2- (مدرسة الأخلاص) في الديوانية ولمدة سنة واحدة،  ثم جرى تسويقي للخدمة الألزامية ولمدة عامان ثم عينت في،
3- (مدرسة 17 تموز) في – قرية النورية – والواقعة بين الديوانية والشامية لمدة سنتان ثم الى،
4- (ثانوية الشامية) لمدة عام واحد كمدرس لمادة الرسم بعدها الى،
5- (مدرسة المجاهد العربي) في مركز الديوانية لمدة 3 سنوات بعدها الى،
6- (مدرسة الرسول) في مركز الديوانية ايضا ولمدة سنة واحدة ثم الى،
7- (مدرسة الديوانية الأبتدائية للبنين) ولمدة 8 سنوات، حتى العام 1988 بعدها نقلت الى،
8- (مدرسة الحجاج) في مركز مدينة كركوك ولمدة سنتان ثم الى ،
9- (مدرسة الفسطاط)  والكائنة في مركز مدينة كركوك ايضا بعدها الى،
10- مدرسة في قضاء  المقدادية التابعة لمحافظة ديالى وأخيرا الى،
11- (مدرسة 14 تموز) في – قرية الجزيرة- ولمدة سنة واحدة حتى حققت سني الخدمة المطلوبة وأحلت الى التقاعد عام 1994. وبسبب الأوضاع الأقتصادية الصعبة التي كانت سائدة في البلد، وكون الراتب التقاعدي كان محدودا امام  استشراء الغلاء، فتقدمت للأعمال الحرة من اجل اعالة الأسرة، لكن بعدما ساءت الأوضاع الأمنية وصار ابناء (المكون المندائي المسالم) هدفا للعصابات والميليشيات في السرقة والأبتزاز، قررت العائلة مغادرة البلاد عام 2006 والبحث عن ملجاء يحفظ ويحمي كرامتنا وآدميتنا، وبعد انتظار متعب ومكلف دام 4 سنوات وصلنا أخيرا الى الولايات المتحدة، وأخترت العيش في ولاية (أريزونا) الآن،  وأساعد في تأدية الواجبات البيتية ومساعدة الأسرة في احتياجاتها.

ليس لكوني حزين أو بسبب بعد الوطن عني حتى اتذكرهم، بل لأنهم مثل المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، صعبي التكرار فأتذكرهم، اولئك هم من تركوا بصمتهم الجميلة في حياتي منذ صباي ولليوم:  المربي (سيـد نور غربال – ابو رياض) كان أول من درسنا القرأة الخلدونية والرياضيات، فأحببته وأحببت  طريقته، فأتخذتها اسلوبا ناجحا  في  سـني تدريسي اللاحقة ، المربي والمرشد (غازي جاسم السماوي ) معلمنا لمادة الرياضيات في (مدرسة الثقافة في الديوانية) فقد كان يظهر توددا كبيرا لي بسبب تميزي في درسه، ولا  أنسى انه في أحد الأيام وضع في (النشرة الحائطية) المدرسية،  مسألة حسابية على شكل حزورة مشفوعة بجائزة لمن يتمكن من حلها، ومن بين كل الطلاب تمكنا نحن، انا و (جبار حجي شاكر البغدادي – يعمل الآن طبيبا) من حلها، اما في المتوسطة، فقد كنا محظوظين ان يرعانا مدرس الرياضيات (فطحل) المعروف على صعيد كل العراق المدرس (ابراهيم مالك الشعلان) من شيوخ محافظة الديوانية، والذي كان لا يخفي محبته لي لتفوقي في درسه، والآخر الذي اكن له كل المحبة والأحترام كان مدرسـنا الأرمني لمادة اللغة الأنكليزية (كيورك داود) الذي كان له فضلا في تحبيب اللغة الأنكليزية بأسلوب جميل وسلس، (صدقوني، لغاية هذا اليوم وعندما الفظ بعض الكلمات، فهي تلك التي تعلمتها منه، وألفظها بطريقته، وأتذكره كلما استخدمتها!) اما في دار المعلمين فهناك اسمان لم تنطبق عليهما قوانين النسيان هما،الأستاذ (يوسف نمر ذياب) مديرنا والأديب المعروف،  ومدرس اللغة الكردية المحبوب والودود (فخـري البشدري) والذي حصل على شهادة الحقوق ومارس المحاماة لاحقا، هؤلاء لا انسى شخصياتهم المتميزة ولا (فضلهم) على صقل شخصيتي لاحقا. اما للكادر الذي تقاسمنا الأيام والصفوف وهموم الدراسة والأوضاع والتلاميذ سوية لأكثر من 25 عاما، فبالحقيقة (كلهم احباب) وأفتقد عشرتهم وصداقاتهم وأتواصل مع الكثير منهم عبر شبكة الأنترنيت، لكن تبقى هناك غصـّة في قلبي عن احد المعلمين الأكراد (محمد نوري توفيق – ابو كرمانج) والذي كان احد ضحايا السياسة العنصرية للنظام البائد حينما ابعد الكثير منهم نحو المحافظات الجنوبية، لقد كان عضوا في اتحاد الأدباء الأكراد، وكان شخصية محترمة وموزونة، من اهالي السليمانية، وكنا في زمن ما نتواصل ونتراسل، لكن اخباره انقطعت بالمرة منذ الحرب العراقية آمل ان يكون بخير.

حينما اردت الأقتراب قليلا من عالم الأستاذ (عوني) الشخصي قال: انا انحدر من عائلة ملتزمة بالعادات ومتدينة، ولوالدتي الفضل الكبير علـى صقل شخصيتي، فقد علمتني ان اراجع نفسي كثيرا حتى لا يكون مردود عملي سلبيا، وكان كل توجه اهلنا نحو عمل الخير للناس، هكذا كانت تربيتنا، ولهذا عندما توجهت للتعليم شعرت بثقل الأمانة، فعملت بأخلاص  وأندفاع شديدين، وما كنت انهي الموضوع الا بعدما اتأكد من ان (كل) التلاميذ قد استوعبوه. في احدى المدارس كان موقعها يقع في الجهة الثانية من الشارع وسكن التلاميذ، فكنت ارافقهم للشارع بعد نهاية الدوام حتى اتأكد من ان آخر تلميذ قد اجتاز الشارع بأمان، عند ذاك اغادر المكان، وفي سنة اخرى كان عليّ ان ارافق التلاميذ في امتحانات البكالوريا والتي جرت في المدينة بعيدا عن قريتهم، فكنت اقاسمهم النوم في احدى المدارس، وكنت اقوم ب (الطبخ) لهم بعد ان أشتري كل متطلبات الطعام، بسبب عدم وجود (مالية كافية)، فقد كانوا لي اخوة صغار ، اعتني بهم، مثلما اعتني بأولادي اليوم! ان مصداقيتي في التعليم اجد صداها دائما من خلال تلاميذي الذين التقيهم (بالمصادفة) وقد كــبروا وصار للكثير منهم شــأنا ما، فتسعدني كلمات الأطراء، وكلمة (مرحبة اســتاذ، عرفتني؟).
 لقد ساعدت الحرف التي اشتهر بها ابناء طائفتي الكرام (المندائية) في المهن والأعمال الدقيقة وخاصة الصياغة، على منحي تميزا اضافيا في كل المدارس التي عملت بها، الا وهي – الأعمال اليدوية – التي كنت أشرف عليها وأرعاها اينما انتقلت للتدريس، ولي الفخر ان أقول بأن المدارس التي عملت بها كانت تنال الجوائز الأولى في مسابقات المدارس بالأعمال اليدوية على اشكالها وتنوعها ، لابل فقد تعدتها على مستوى العراق ككل، وفي المسابقات الدولية ايضا،  وخاصة في (معرض شــانكر – الهند) حيث كان يحصد تلاميذي الجوائز للمراكز المتقدمة في المنافسات، وهذا ما يفسر تسابق العديد من الأدارات لضمي الى صفوف ملاكهم التدريسي.  ان هذا التميز لم يكن بعيدا عن هواياتي الشخصية التي كنت امارسها كلما تسنت لي الفرصة او توفر لي الوقت، فقد كنت اشارك في معارض (نقابة المعلمين) في الرسم، خاصة (الكلاسيكي) اضافة للأعمال اليدوية مثل الضغط على المعادن أو الرسم عليها، وكانت  فرحتي كبيرة حينما اجد من التلاميذ من يرغب بذلك، ومن كان ممكنا ان يكون له مستقبل باهر بها، ان الفضل الكبير كما قلت، يعود الى موروثنا  المندائي في الأعمال الحرفية الدقيقة وخاصة في الصياغة.

لأن الوطن مسكون فينا اينما ذهبنا وحللنا، ففي كل مكان او مشاهدة، كنت وما زلت اتمنى لو يتمكن هذا الوطن الغالي ان يعبر على جروحه ويلحق بالدول الأخرى، اذ يعز على نفسي كثيرا ان اقارن بين المدارس في هذه البلاد (الولايات المتحدة) ومدارسنا المتهالكة والخالية من اية شروط انسانية او تربوية، وذات الشئ ، حينما اقف مشدوها اما اساليب التدريس الحديثة ووسائل الأيضاح المتاحة للتلاميذ ناهيك عن السوح الرياضية والمراسم والمختبرات والمسابح والمكتبات وغرف تعليم الموسيقى وصالات العروض المسرحية (في المدارس)، وأسأل نفسي حائرا: لماذا لا توجد مثلها في بلادي؟
قبل ايام حل علينا عيد (الفطر) وكعادتي السنوية، اذ اقوم بتحرير رسائل الكترونية لأصدقائي وزملائي التدريسيين متمنيا لهم عاما جديدا مليئا بالأفراح، لكني في هذه السنة ترددت كثيرا، فسماء بلادي لا تبدو انها مهيئة لأستقبال العيد ( عيد بأي حال عدت يا عيد!) لكني على يقين، بأن الفرح سينتصر يوما على الحزن، مثلما ستنتصر المدنية على التخلف، ومثلما سينتصر العلم على الجهل والأمية، فكتبت لهم وتمنيت لهم وللوطن الغالي بدعاء لله العلي القدير، ان يستجيب للناس التي ظلمت، والتي تركت بيوتها، وتركت ارثها وقبور موتاها، عسى ان يكون الوطن وأهله بخير!

كمال يلدو
آب 2014 

352
مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (9)

تحت سماء الوطن، شــقوا طرقا  ورسـموا احلاما لأجيال كثيرة، وأضحت مهنتهم مع الوقت ظلّهم الذي يلازمهم ويصاحبهم، فمنحوها قلوبهم  واجمل سنيّهم. فبالرغم  من مضي زمنا طويلا منذ ان تركوها، او تقاعدوا منها، الا ان كلمة (سـت) أو (استاذ) مازالت حاضرة في وجدانهم، وقادرة للطوف بهم الى العالم الجميل الذي كان سائدا.
لست مبالغا لو قلت ان المعيار الذي يمكن  من خلاله قياس رقي اي بلد، او مجتمع، هو  بالحكم على  سياسته التربوية، على اساليب التعليم، على المناهج  والبنايات ومرافقها المهمة، على الفعاليات التي ينغمر فيها التلاميذ، وربما الأهم من كل هذا وذاك، هو الكادر التدريسي، ان كان  بواقعهم الأقتصادي أوحقوقهم  ودور المؤسسات المعنية في رفع شأنهم  ومستواهم. ورغم اننا نعيش في بلاد جديدة ، الا ان هذا لا يمنع ابدا من تكريم جيل المعلمين والتدريسيين الذين قدموا الكثير، فمسيرتهم  تلك تستحق منّا، نحن ابناء العراق الأوفياء، ان نشكرهم ونقدم لهم الأمتنان،  اينما كانوا منتشرين في بلاد الغربة، ان كان بالكتابة عنهم، بنشر قصصهم وذكرياتهم وصورهم،  والأحتفال والأفتخار والأعتزاز بكل مبدع، خدم بصدق وتفان.
وفي هذه المناسبة، ادعوكم  لرحلة قصيرة مع بعض الوجوه العراقية التي خدمت في سلك التدريس في عهود مختلفة. ويقينا ان في جعبة كل واحدا منهم قصصا كثيرة وحكايات وذكريات، وستسمعوهم سوية وهم يصبوها في مجرى واحد كبير، هو حب الأنسان ورفعته.
******        ******        ******        ******         *******       ******      *****

المربية جوليت ورد شـجر السـبتي
من مواليد مدينة العمارة/محافظة ميسان، محلة "السـريّة" في مركز المدينة عام 1941، كانت متزوجة من الراحل رحيم كشكول حاجم، ولهم 3 بنات وولدان مع 11 حفيد لحد الآن.
اولى خطواتها للتعلم كانت ،
- المرحلة الأبتدائية في "مدرسة حليمة"  بمدينة سـوق الشيوخ، ثم اكملتها في،
- "مدرسة الزهراء"  بمركز محافظة الناصرية، بعدها في
- "متوسطة الناصرية للبنات"، وبعد ان انتهيت منها التحقت ب،
- "دار المعلمات الأبتدائية" في الناصرية، وتخرجت منها معلمة في العام 1962
ولم تمض فترة طويلة بعد التخرج، اذ حل موسم التعيين عند كانون ثان 1963 في،
1-"مدرسة بثينة" في ناحية الدوّاية – الناصرية – على الحدود مع محافظة ميسان، ثم نقلت الى،
2-"مدرسة البطحاء" في ناحية البطحاء- الناصرية، تلى ذلك الأنتقال الى العاصمة والتنسيب الى،
3-"مدرسة الخلد" في منطقة الوشاش – بغداد – حتى العام 1974، ثم الى
4-"مدرسة الرجاء" – حي القادسية – في جانب الكرخ من بغداد ، حتى استحقاق التقاعد عام 1991.

لم تكن العملية (التعليمية) بعيدة عن مناخ بيتنا، فقد كان المرحوم والدي (ورد شجر السبتي) معلما مرموقا لمادة الرياضيات ولمدة لا تقل عن 30 عاما، لكنها لم تكن من اولى اختياراتي وأنا صبيّة يافعة، لكن حينما كبرت قليلا، فقد دفعتني العائلة لهذا المضمار (وهو بالحقيقة حقل ملائم للمرأة وفق معايير مجتمعاتنا المحافظة)، وبعدما دخلته من اوسع ابوابه، احببت هذه المهنة (بجنون)، خاصة في السنين التي سبقت زواجي، فكنت اقدم للتلاميذ الدروس الأضافية (المجانية) وأقوم بتدريس ما لايقل عن 5 مواد وبضمنها اللغة الأنكليزية والرسم حينما يكون نقص في الملاك التعليمي، وأندفاعي هذا لم يكن بمعزل ايضا من تأثري بمعلماتي ومدرساتي في المراحل المختلفة ومنهن: (روز خليل – من اهالي الموصل) ودرستني مادة الكيمياء، و (برتقالة سوكاوي – من اهالي الناصرية)  ودرستني الرياضيات في الصف الرابع، وأذكر زوجها السيد (د.موحان – مدرس في كلية الهندسة ومن خريجي موسكو)، فقد تأثرت بها كثيرا  وبطريقتها في التدريس، كما وتطرق سماء ذاكرتي السيدة (مليحة الأطرقجي) ايضا، اما في ذكر المربيات اللواتي تقاسمن معي العمل التدريسي فمازالت بعض الأسماء شاخصة ومضيئة لعالم الذكريات الحلوة وأذكر منهن في (مدرسة الخلد – منطقة الوشاش)، الأخت (سلوى نعوم كساب – من اهالي الموصل) والمعلمة (أمل سعيد ججاوي) و الأخت (سالمة عبد المجيد رسام)، وغيرهن من المربيات اللواتي اكن لهن كل المحبة والأحترام.

كانت الفرحة تزورنا مرتان في السنة، الأولى عند نهاية العام الدراسي وظهور نتائج الأمتحانات والتي كانت بحدود 90%، اما الفرحة الثانية فكانت بمحبة الطلبة الذين نستقبلهم وهم اطفالا بعمر الورود، فقد كنت لهم اكثر من مربية، بل اما حنونة، وقد شاركت بزرع بذورا طيبة عندهم وعلمتهم طرقا سهلة وجميلة لمادة الرياضيات لن ينسوها ابدا، وبالحقيقة هناك مشاهد  جميلة تبث في روحي رعشة منعشة كلما تناهت الى وجداني، ففي احدى المرات  وكنت حينها اسكن  مدينة البياع وقد نزلت للتو من (الفورت) وكانت هناك جمهرة من الناس بأنتظار النزول الى بغداد، وأذا بشاب وسيم من بينهم يتقدم للأمام ويأخذ من يدي (علاليك المسواك) ويوصلها معي حتى باب الدار، وعندما استفسرت منه قال:( ست آني ما انساج، انتي درستيني رياضيات، وآني هســّة مهندس!).
اما الصورة الثانية فحدثت لي عندما كنت ذاهبة لوزارة التربية من اجل تقديم جردا بالحسابات، لأني كنت بمنصب معاونة المدير، فبعد صعودي في باص – التاتا – كنت واقفة بسبب الزحام، وأذا بصوت يأتي عاليا من اعماق الباص ( ست جوليت، ست جوليت لتدفعين، وتعالي مكاني هنا اكعدي، انتي علمتيني رياضيات، وآني اخذت بيها 100% بالبكلوريا)، ولا ادري في تلك اللحظة كم مرة تبدلت الوان وجهي بين الفرح والخجل، لكن هذا هو الثمر الطيب! وطالمنا تحدثنا عن (الثمر الطيب) فأنه لمن دواعي الشرف ان اقول اني منحدرة من عائلة  متعلمة  ومثقفة، خاصة والدي العزيز، الذي كان معلما  للرياضيات وفنانا رساما جعل الوطن والعلم مادتان يوميتان في منزلنا، وهو الذي شجعني لأكون انسانة وطنية بأمتياز، وفعلا ، فقد كنت نشطة في (اتحاد الطلبة العام) و (رابطة المرأة العراقية) ابان العهد الجمهوري والأنطلاقة الجماهيرية، وقد نال والدي(من جراء مواقفه الوطنية) قسطه من التوقيف والسجن والتعذيب، لكنه لم يساوم على مبادئه او قيمه التي كان مؤمنا بها.

كان للمدرسة والمعلم (ايام زمان) منزلة كبيرة في حياة الأنسان والمجتمع، فقد كان التلاميذ يقطعون مسافات طويلة احيانا للوصول الى دار العلم – المدرسة – اما اليوم فهناك حالات العصيان على المعلم وتهديده، وربما هذا ناشئ من المشاكل التي مرت على المجتمع من الحروب والحصار، اضافة الى عدم وجود تكافئ بين الأهل والمدرسة، وأنحراف بعض العوائل. اما بالنسبة للمناهج، فأقولها وللأسف، فانها قد تغيرت نحو الأسوء، وخاصة في هذا الزمن، حيث رفعت بعض المواد وأضيفت اخرى، دون دراسات حقيقية، وبمزاجية من بعضهم احيانا.
لم تكن نيتنا مغادرة الوطن، لكن ارتفاع وتيرة الأعتداءات علينا (نحن ابناء الطائفة المندائية الأصيلة والمسالمة) ووضعنا في فوهة الأستهداف من قبل الميليشيات والعصابات،  فغدت  حياتنا في خطر، ليس من العدو، بل من ابناء بلدك، وأحيانا من جارك الذي جاورك لسنين طويلة، للأسف!
غادرنا في آب 2008، ووصلنا الولايات المتحدة بعد حوالي سنة، وأنا بالحقيقة سعيدة على الأقل بأني اعامل كأنسانة، بأحترام وتقدير وأدب، وأتقاسم وقتي مع الأبناء والأحفاد اضافة الى ممارسة بعضا من هواياتي المفضلة في متابعة الأخبار السياسية والنقاش فيها، اضافة الى الحياكة، والطبخ والقرأة  بللغتان العربية والأنكليزية، وأميل كثيرا للروايات التأريخية والعالمية.  وأتمنى دائما ان ارى الأبناء وهم سعداء، وأن يكون باقي افراد عائلتي بصحة جيدة ايضا، وأن تستمر الحياة بحلاوتها، ليس لي فقط ، بل لكل البشر، الذين اعرفهم او لا اعرفهم، اما للعراق الغالي (اووف)، أحلم ان يرجع كما كان، موحدا، وأن تسود مجتمعه الألفة والمحبة تماما كما بين افراد العائلة العراقية الواحدة، وتزال الخلافات الدخيلة علينا، ويمحى الجهل والروح العدائية، ونكون انسيابيين مثل دجلة والفرات حينما يتعانقا في شط العرب، وأتمنى ان يرفرف علمنا عاليا بين اعلام دول العالم بمنجزاتنا العلمية  وعطاء علمائنا ومبدعينا.
******        ******        ******        ******         *******       ******      *****

المدرّس فـاضل هرمز بوتا
ولد عام 1944 في مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى، وفي محلة (عبرو). متزوج من السـيدة درّة دابش، ولهم 4 بنين وبنتان، و 13 حفيد لحد الآن.
تلقى تعليمه الأول في،
- "مدرسـة تلكيف " الأبتدائية –العليا- ثم اكمل دراسته للمرحلة المتوسطة والثانوية  في ذات المدينة وتخرج في العام 1963. بعد انتظار قصير وتردد في الأختيار بين اكمال التعليم او التوجه للأعمال الحرة، وقع اختياره النهائي على مواصلة التعليم  وكان قبوله في كلية التربية/ جامعة بغداد، والتخصص في علم الرياضيات، على الرغم من ان معدله العام لأمتحان البكالوريا كان عاليا، لكنه رغب بهذا الفرع، وحصل فعلا على بكالوريوس علوم فرع الرياضيات عام 1968. كان اول عهده في المهنة الجديدة في،
1-  "ثانوية دهوك" مدرس رياضيات، ومعاون المدير حتى العام 1971،  ثم نقل الى
2-  "متوسطة سـميّل" لمدة سنة واحدة، ولتدريس جميع المواد المقررة اضافة الى الرياضيات، بعدها الى
3-  "ثانوية الحكمة" في منطقة المنصور، بمدينة الموصل / محافظة نينوى، حتى صيف 1976، اذ قررت العائلة الهجرة الى الولايات المتحدة، والألتحاق ببعض افراد العائلة والبحث عن فرص افضل للعمل والمعيشة والأستقرار! ومنذ ذلك التأريخ وأنا اسكن ضواحي مدينة "ديترويت" وأمارس الأعمال الحرة (يقول الأستاذ فاضل).

تفصح بعض تفصيلات الطفولة وحتى في فترة المراهقة عن نفسها لاحقا بجملة من المواقف والتصرفات والأفكار التي تحدد شخصية الأنسان، هذا الترابط العضوي له امتداد آخر يصنعه وينحته الأنسان عبر الخط الثقافي  الذي يرسمه لنفسه  من خلال منظومة فكرية ومعرفية تكمـّل اللبناة الأولى لعملية صيرورته الشخصية، لكن بالعودة للبدايات، كان لابد من التوقف امام بعض القناديل (الأسماء) التي انارة دروبي اللاحقة ابتداءا من مدير مدرستنا في تلكيف الأستاذ (خضوري)  والأستاذ (جميل)  والأستاذ (سليم كرّيم) في الأول ابتدائي، والأستاذ (صليوا جدّو) في الخامس، اما في الثانوية  فكان مديرنا (بهنام عفاص) ، ومدرس الفيزياء (جورج عبد النور) والمرحوم الأستاذ (كوركيس شمامي) ، اما في المرحلة الجامعية فمازال عطر بعضهم عالقا في مخيلتي ومنهم: د. معين، مدرسنا لمادة الكيمياء، و د.علم الدين فرغلي – مصري الجنسية - لمادة الفيزياء، و د.عريبي الزوبعي، مدرسنا لمادة الرياضيات. على ان فترة التوظيف والتدريس تركت بصمات طيبة ايضا  من خلال ملاحظات مدير "ثانوية الحكمة" في الموصل والذي كان يقف مشدوها امام النتائج الباهرة لتلاميذي في  مادة (الرياضيات)، باحثا عن السبب في ذلك، وكان جوابي له بأختصار: الأمانة في اداء المهمة  والوظيفة، اذ كنت آنذاك آتي للموصل بعد ان اركب 3 وسائط نقل يوم الجمعة، الذي هو عطلة رسمية، وأقدم اسبوعيا ما معدله 6 ساعات تدريس اضافي (بالمجان) من اجل رفع مستوى تلاميذي. وحدث يوما ان واجهني مديرنا السيد (طليع الوتّار) مع ملاك المدرسة الذي كان مؤلفا من 34 مدرسا وقال لهم: (( دحقو بينو، يركب 3 باصات كل يوم ده ايجي للمدرسة، ولا يوم اجا متأخر))، هكذا قضيت عملي  التدريسي، وأشعر براحة الضمير حينما تخطر على بالي تلك الأيام، فقد كنت امنح تلاميذي عصارة قلبي، وغالبا ما كنت استعين بمقولة العالم اينشتاين القائلة: (مستحيل ان تقولوا اني شـاطر، بل بالعكس، فأني افكر بطريقة مغايرة) – ما معناه -.

لم تكن ايامنا تمضي بسهولة في تلك السنين (بعد مجيئ البعث للسلطة ثانية)، فقد زج بالطلبة وبعض المدرسين في مهمات مخابراتية للتجسس وكتابة التقارير بعضهم على بعض، وكان (قسما من) الأخوة يوصلوا لي معلومات حول ما يكتب عني، ومنها بأني اما يساري أو موالي للأكراد، وبالحقيقة لم اكن لا هذا ولا ذاك، لكني كنت حرا في تفكيري، وفي احيان كثيرة كنت اصرّح بآرائي بصوت عالي: ان كل الشعوب لها الحق في حقوقها، ليس الأكراد فقط، بل اي شعب كان، انا ضد اضطهاد الشعوب. وكانت تلك الكلمات مترافقة مع الحرب الظالمة التي كانت تقودها الدولة على الشعب الكردي آنذاك!
ان سعة معلوماتي ورصانة شخصيتي لم تكن بمعزل من التأثير الكبير لأعز اثنان على نفسي وهما: شقيقي الأكبر ســامي بوتا، وأبن خالتي الصديق شبيب ننوشي، واللذان كان لكل منهما دورا في تطور حياتي نحو الأفضل، وأن كان هناك من مقام، فأني في هذا المقام اقدم محبتي وشكري لكلاهما!  وأرتباطا بنشأتي ايضا، فقد ترعرعت على هواية (الصيد) والتي كانت منتشرة بين الشباب، خاصة للطيور(المساكين) التي غالبا ما كانت تأتي لقرانا ومدننا في منطقة (سهل نينوى) ، مضافا اليها ولعي الكبير بالقرأة، وهذه لم تنقطع لليوم، اذ مازلت أتابعها  عبر الأنترنيت يوميا ولعدة ساعات، كما استمتع كثيرا بالكتب الكنسية والدينية، هذا اضافة الى هواية معظم (المتقاعدين من امثالي) في صرف ساعات من النهار في الحديقة المنزلية وزراعة الورود والخضار.

لي امنية شخصية احاول دائما ايصالها الى اقرب ناسي وأصدقائي، وهي في اتباع المثل والأفكار الأنسانية والأبتعاد عن البغضاء والكراهية، اما تمنياتي للعراق فهي: ان تقود البلد حكومة تمثل كل العراقيين، وأن لا تفرق بينهم على اساس المذهب او الدين او القومية، وأن تراعي وتستفيد من الكفاءات التي يزخر بها الوطن، وعند ذاك سيصبحوا بشرا محترمون!
******        ******        ******        ******         *******       ******      *****


المدرّس كامل حنا عبّو
في الجهة اليسرى ومحلة "حوش الخان" في مدينة الموصل بمحافظة نينوى ولد عام 1944، متزوج من السيدة بشرى الياس  جعدان، ولهما ولدان وبنت واحدة وأثنان من الأحفاد.
مشواره مع المدرسة انطلق من مدينة الموصل، اذ درس،
- الأبتدائية في "مدرسة الطاهرة" والتي كانت واقعة في (سوق الشعارين) بالموصل ثم في،
- "متوسطة المثنى" بمدينة الموصل، وبعدها انتقل الى الى بغداد وأكمل الدراسة  في،
- "متوسطة البتاوين" والتي كانت تقع بمحاذاة  شارع "ابي نؤاس" تلى ذلك،
- "ثانوية النضال" والواقعة في منطقة (السنك) ببغداد، اعقبها التقديم للكلية وكان  اختياره الدخول الى،
- كلية التربية/ جامعة بغداد – قســم اللغة العربية، اذ تخرج منها في العام 1969، وكان اول توظيفه في
1- "ثانوية الصويرة للبنين" والتي كانت تقع في قضاء الصويرة، بمحافظة الكوت وحتى العام 1976، ثم نقل الى،
2- احدى الثانويات في مدينة الثورة، وأستمر فيها لعدة أشهر، غادر بعدها العراق أثر اشتداد  حملات (التبعيث) و ملاحقة حملة  (الفكر اليساري)، وبعد رحلة قصيرة بين بيروت وأثينا، وصلت العائلة الى مدينة ديترويت في الولايات المتحدة منذ العام 1976.

لم يكن امامي وأمام زوجتي ونحن جدد في هذه المدينة  (يقول الأستاذ كامل) الا ان نعمل من اجل تهيئة مستلزمات الحياة لنا ولأبنائنا الصغار، فعملت في حقل (الأعمال الحرة)  وأمتلاك احد محلات بيع المواد الأستهلاكية وللحد الذي تمكنت من توطيد اساس اقتصادي جيد مكننا من ايصال ابنائنا الى مستوى اكاديمي طيب، وأنا الآن استمتع بسني التقاعد، والفرح مع احفادي.  وعلى الرغم من ساعات عملي الطويلة، لكني كنت اجد الوقت للمشاركة في جميع الفعاليات والنشاطات الوطنية التي جرت في هذه المدينة، ان كان في دعم الدولة المدنية في العراق ضد الحرب ومن اجل السلم او من اجل الغاء نظام المحاصصة، وأشعر ان هناك شوطا طويلا امام العراقيين عليهم قطعه للحاق بركب الأمم، يبدء اولا بألغاء نظام المحاصصة وقبول الأخر وأعتبار معيار المواطنة  وخدمة الشعب الأساس في تقييم البشر، ودون ذلك فأن البلد ذاهب نحو المجهول السئ.

عندما تعود بي الذكريات الى ايام التدريس (على قصرها) فأنها تبدو – رغم ما شابها من منغصات – مثل نهار مشمس رائع، فقد كانت علاقاتي مع الهيئة التدريسية جيدة،  وتمكنت من مد جسور طيبة مع الطلبة بتقديم نموذج الأخلاص في العمل، وفي حقل اختصاصي (اللغة العربية) فقد كنت ملتزما بالمنهج، وأضفت عليه الكثير من نماذج الشعراء ومن كل العصور، زائدا الكثير من المعلومات  التي كانت تفتقر اليها مناهجنا، مما حفزهم اكثر، وبكل اعتزاز استطيع القول ان نسبة النجاح عندي كانت عالية جدا، وفي احدى امتحانات البكلوريا للثالث متوسط كانت 100%. لكن وللأسف، فأن هذا الأخلاص جوبه بعقلية (اقصائية) مقيتة بددت طاقات كثيرة على مر الوقت، فقد حاول بعض منتسبي الأتحاد الوطني لطلبة العراق و - مكتب المدرسين – زج القضايا الحزبية في العملية التدريسية، ولم يمانعـوا من لعب دور (الشقاوة) لمن كان يعارض ذلك، مما جعل اداء الواجب المهني، مقرونا بالخشية والتردد لما يضمره هؤلاء الأشخاص للآخرين. وفعلا جرت عدة تجاذبات، ان كان حول زج (اقوال الحزب او الثورة او القائد) في المنهج التعليمي، او في محاسبة من كانوا بموقع المسؤلية الحزبية التي استخدمها البعض لتغطية فشله الدراسي، وأنتهت كلها عندما قررت مغادرة البلد وأختيار العيش في مكان يحفظ لي كرامتي وأنسانيتي.

يمر شريطا سريعا يحمل صور بعض الأشخاص الذين كانت لهم بصمة جميلة في حياتي (اترحم عليهم ان كانوا قد رحلوا، وأتمنى السعادة والصحة لهم ان كانوا على قيد الحياة) وأذكر منهم  استاذي (عبد الكريم العطار – في متوسطة البتاوين) الذي كان متميزا بوقاره وثقافته التي كانت تتعدى مستوى تعليمه، وكان معروفا بأحترامه وتقديره للطلاب، والذي للأسف اقتيد يوما  ب (سيارة خاصة) من الصف ولم نسمع عنه! اما في الجامعة، فيصعب عليّ نسيان واحدا من اروع وأشهر اساتذتنا وهو (د.جواد علي) الذي درسـّنا مادة (تأريخ العرب قبل الأسلام)، فلقد كان على درجة كبيرة من الأطلاع، وباحث دقيق وموضوعي ولم يكن منحازا او اسيرا للتأريخ!

لقد علمتني الحياة من تجاربها الحلوة والمرة درسا بليغا  وجدته في حكمة اطلقها مرة الفيلسوف اليوناني- سقراط - حينما قال (اعرف نفسك)، وهذه اعتبرها قمة في الثقافة والأدب والتواضع ، وفي هذا السياق ، فأن بحثي عن الحقيقة والعلم كان دائما ما يقودني للتشرب من عيون الأدب العراقي والعربي والعالمي، وفي المقدمة منهم للراحل محمد مهدي الجواهري، الذي اسميه دائما ب – جوهرة الشعر العربي – اضافة الى قراءات في السياسة والأجتماع وحتى قصص المغامرات البوليسية التي استلذ بها وبعالمها الخرافي الساحر! اما نصفي الثاني فأنه يميل الى الرسم، بأختلاف ادواته (الزيتي ، الأكرلك، الألوان المائية والفحم) ففي لوحاتي احاول ان اترجم احلى ما تجود فيه روحي.

لي امنية شخصية أسعى لتحقيقها دائما وهي ان اعيش حياتي بسعادة وهدوء، وأن اكون بصحة جيدة، انا وزوجتي والأبناء والأحفاد وكل الناس ايضا،  اما للوطن الغالي، فألخصها بأمنية كبيرة  وهي ان يعيش بأمن وأمان وسلام،  وأن يحسن الشعب اختيار قادته المخلصين، وأن يحقق الحرية والديمقراطية ويعرف كيف يحافظ عليها ، وأن يسعى لبناء الدولة المدنية العلمانية، ودون ذلك، انتم وأنا نشهد المأزق والمنزلق الخطير الذي اخذوا اليه الناس والبلد!

كمال يلدو
آب 2014



الأستاذ فاضل بوتا في سفرة جامعية الى بعقوبة


 الأستاذ فاضل بوتا مع زملائه بقسم الرياضيات


المربية جوليت السبتي تقف امام لوحة زيتية للبصرة


فاضل بوتا مع العزيزان صباح كساب وباسم دخو


353
مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (8)

    حملوا احلامهم للقرى والقصبات القصية عن مدنهم، يحدوهم الأمل بأن يأخذوا بأيدي التلاميذ ، ليفتحوا امامهم افقا لا نهاية له، في العلم والتقدم وحب الوطن،  تماما  كما الأشجار حينما تحمل بين ثنايا اغصانها آلاف  البذور ثم تطلقها مع الريح، ومتى ما وجدت البذرة ارضا صالحة ومناخا ملائما، نبتت وتأصلت في الأرض، هكذا هم التلاميذ!  لكن كل هذا كان مرهونا بوضع البلد وعقلية حكامه، فشهدنا سـوية ارهاب الأنظمة وحروبها المدمرة والحصار القاس، والجهل الذي كان مطبقا على عقلية (الحزب الحاكم) وشراسته في التعامل مع خصومه، مما ادى الى نزيف  لطاقات البلد البشرية والمادية، نعيش نتائجها الكارثية لليوم.  جهودا كثيرة بددت وطاقات عظيمة احترقت في الحروب والدمار والهجرة.
لكن، مع تلك  الصورة الرمادية بألوانها والقاتمة بواقعها، يبقى الأمل معقودا في البذور التي نثرها جهد المربين والمربيات وبشتلاتهم التي نأمل ان تثمر خيرا وطيب، وأن تبقى عبارة (مرحبا ست أو مرحبا استاذ) تلك التي تطلقها احدى التلميذات او احد التلاميذ حين يصادفون مربيهم، عربون وفاء  للجهد التعليمي ممزوجا بقيم المحبة والأنسانية التي اشترك الجميع فيها. ادعوكم لرحلة وســفر جديد مع بناة الأنسان العراقي، عسى ان تروق لكم.
******       ************         ***********        ************        ********     ****

المربي حبيب يونس سـاكو
من مواليد مدينة القوش، التا
بعة لمحافظة نينوى في العام 1933، وفي منطقة التحتاني (محلة ختيثة) ومتزوج من السيدة غربت القس يونان، ولهما خمسة بنين وبنت واحدة مع اربعة احفاد.
درس الأبتدائية في القوش، والمتوسطة في دهوك، اما الثانوية فقد اكملها في "الثانوية الجعفرية" /بغداد، عند منطقة (العبخانة/ شارع سيد سلطان علي). دخل اثرها دورة تربوية لمدة سنة واحدة، وتخرج معلما عام 1955، ولأنهم هكذا، فلم يحملوا اي اختصاصات بل قاموا بتدريس كل المواد، وحتى التي كانت (لملء الفراغ او اكمال عدد الحصص المطلوبة). وقد صدر اول تعين له، 
- معلم في احدى مدارس محافظة الناصرية ولمدة سنتان، ثم
- معلما في "مدرسة جرحية" التي كانت تابعة لناحية القوش، بعدها
- معلما في "مدرسة بيبان" والتي كانت تقع شرق القوش، وتابعة لها،  اعقبها السجن لمدة سنة ونصف عقب انقلاب الحرس القومي الأسود في شباط عام 1963، ضد ثورة 14 تموز والقوى الوطنية ذاق خلالها شتى اشكال التعذيب والأهانات والحرمان من عائلته، ثم (يقول): كان ذلك عقابا على وطنيتي وحملي للأفكار اليسارية. بعد اطلاق سراحي، عدت الى وظيفة التعليم مجددا، وصدر امر تعيني،
- معلما في "مدرسة مريبا" التابعة لقضاء الشيخان/محافظة الموصل. تلاها نقل الى العاصمة بغداد في،
- "مدرسة النجاح"  بمنطقة الشورجة ولمدة 7 سنوات.
تركت هذه المهنة، بعد تزايد المضايقات والتهديدات اليومية، لمن لم يكن (رفيقا بعثيا)، وآثرت انا والعائلة الرحيل وترك العراق ، فوصلنا اليونان عام 1982، وبعد ان مكثنا هناك أقل من عامين، وصلنا الى مدينة ديترويت الأمريكية منذ العام 1984، وأنا مقيم هنا منذ ذلك التأريخ مع عائلتي.

بالرغم من كل ما مر على جيلنا من مصائب ومشاكل، الا ان صفحات ملونه بعطر الأشخاص والأسماء تبقى ماثلة في الذاكرة وفي حياتنا،  لاتتوانى عن الظهور خاصة في المنعطفات الحادة التي تحاول ان تسلب انسانيتنا.  لقد عملت كثيرا على ترسيخ المبادئ الوطنية والأنسانية في نفسي اولا وفي عائلتي والمجتمع، وقد تكون بعض الظروف وبعض الشخصيات قد لعبت دورا كبيرا في ذلك، لكن تبقى قناعات الأنسان هي الفيصل فيما سيكون عليه موقفه القادم رغم تبدل الحياة والظروف،  وفي هذا المقام، فقد كان لبيئة مدينتي، ومعلميها  دورا مهما مازالت ذكرى بعضهم ماثلة لليوم (والرحمة لمن غابوا عن ذاكرتي)،  معلم الحساب (سليمان بوكا) الذي كان يظهر حبا كبيرا للتلاميذ، معلم اللغة العربية (عبد كعكلا)، ومعلم مادة الأجتماعيات (حبيب عبيّة) والمقيم في كندا الآن، اما في المرحلة التدريسية فتسعفني ذاكرتي بشخصين عزيزين عليّ هما: المعلم حسين علي عبد (من اهالي بغداد)، والمعلم صابر عوين (من اهالي تكريت) وكلاهما تقاسما معي التدريس في (مدرسة النجاح) قرب الشورجة، تحياتي لهم جميعا، اما لمن غادرنا، فله الذكر الطيب دائما.
لقد كانت تربيتنا المنزلية حجر الأساس في اخلاقنا ومواقفنا الأنسانية والوطنية، وعلى هذا كانت علاقتي بالتلاميذ تنطلق من اشاعة المفاهيم  والأخلاق وحب التعاون، وأن اكون انا مثلهم الأعلى في حب البلد والشعب، لكن الأنظمة الرجعية والدكتاتورية كافئتنا بالسجون والملاحقات والأهانات، تلك التي ادت الى خسارة كبيرة لخيرة الكوادر التي جمعت الأخلاص للوطن مع الأبداع في المهنة، فكان ان يدار البلد بيد مجموعة من الأنتهازيين والوصوليين، فأخدوه نحو الدمار والهاوية، ولتأتي بعده جحافل العقول المتحجرة والسوداء (عقب الأحتلال) وتجهز عليه بالمرة، في الفساد الأداري والطائفية والتقسيم. ولطالما تحدثنا عن وضع الأنسان المناسب في المكان المناسب، تحضرني مناهجنا الدراسية وحتى دورات اعداد وتأهيل المعلمين، التي لم يطرء عليها التطور، وكأننا نعيش في مجرّة خارج المنظومة الشمسية، فيما العالم يتقدم عبر تطوير مناهجه الدراسية وأساليبها والعناية بالكادر التدريسي.

ان اوضاع العراق الصعبة تؤكد اصراري على ضرورة التغيير وأن تقود البلد نخبة طيبة تؤمن به وبشعبه، لهذا كنت حريصا دائما على المشاركة وحضور جميع المناسبات والفعاليات الوطنية، لأني اعتبر ذلك موقفا انسانيا من اهلنا، كما وأتابع اخبار البلد من خلال اجهزة الأعلام وما تنشره صحافة المهجر، على اني ايضا اقرأ كتب التأريخ لأنها مادة جميلة وغير مملة.
آمل لأولادي ان يكونوا موفقين في هذا البلد الذي انهى معاناتنا من الأرهابيين ويوفر فرص الحماية والتقدم لنا، اما لوطني الغالي، فآمل ان يعيش اهله بهدوء وســـلام!
******       ************         ***********        ************        ********     ****

المدرّسـة بشـرى الياس طوبيا جعدان – عبـّـو
ولدت في مدينة تلكيف، التابعة لمحافظة نينوى عام 1943، وبمحلة (كيزي) ومتزوجة من السيد كامل عبّو، ولهما ولدان وبنت واحدة وأثنان من الأحفاد. تلقت اول تعليمها في،
- الأبتدائية "مدرسة الراهبات" بمدينة تلكيف، وثم
- المتوسطة في ذات المدينة ايضا،  بعدها انتقلت الى بغداد وأكملت دراستها في ،
- "الثانوية الشـرقية للبنات" ، وتخرجت منها عام 1964. و اختارت ســـلك التعليم، فأنتســبت الى كلية التربية/ جامعة بغداد/  قســم اللغة العربية.
بعد رحلة طويلة في الدراسة الجامعية، جاءت الساعة التي ينتظرها ايّ خريج، الا وهي ساعة التوظيف، فكانت  محطتها الأولى في،
- "دار المعلمات" في مدينة الكوت، ودرسّـت بها لمدة سنة واحدة، ثم انتقلت الى:
- "ثانوية الكوت"، حيث استمر تدريسها هناك لمدة 3 سنوات، بعدها انتقلت الى بغداد وداومت في،
- "ثانوية المروج" والكائنة في مدينة الزعفرانية، حتى العام 1976 حيث قررت هي وزوجها مغادرة العراق، نتيجة تزايد حملات المضايقات  الموجهة للسلك التعليمي  والتدريسي في عموم العراق من قبل حزب البعث آنذاك!

عقب قرارنا بالمغادرة (تقول السيدة بشرى)، كان علينا ان نمر بمحطتين قبل الوصول الى الولايات المتحدة، الأولى هي لبنان، ثم اثينا في اليونان.   عقب وصولنا  مدينة ديترويت عملت على موازنة  وقتي بين مهمة  رعاية ابنائنا الثلاثة ، والعمل في الأعمال الحرة ومحلات بيع الملابس  من اجل اعانة العائلة،  دون ان اخسر ممارسة دوري كأم وأمرأة وعضو في الأسرة. اما عندما تعود بي الأحداث الى ايام العراق والدراسة، فأن اسماءا كبيرة مازالت عالقة في مخيلتي، تلك التي اثرتني وأثرّت علّي ايضا وأذكر منهن: في الأبتدائية كانت – الراهبة – "ماسيرماري آن"، اما في المتوسطة فكن عالية و أميرة مطلوب واللواتي كن يأتين الينا في تلكيف من مدينة الموصل. وطالما كان الحديث عن تلك الأيام، فلابد من التوقف امام دوري كمدرسّة مع (البنات)  اللواتي قمت بتدريسهن آنذاك، واللائي ربما يكونون الآن سيدات اعمال اوسياسيات او ربات عوائل او اي شئ مفيد للمجتمع،  فقد اجتهدت معهن في ابتداع كل ما هو سهل او ممكن لتقريب مادة (اللغة العربية وقواعدها) الى اذهانهن، ولم اكن لهن مدرسّة فقط، بل كنت صديقة وأم ـ ولهذا نلت احترامهن، ويمكنني القول ايضا بأني كنت (حقانية) في منح الدرجات او في تقييم الطالبات.  ومن بعض الأسماء التي مازالت عالقة في الذاكرة، اتذكر بنات السيد أمين يتوما، كل من شــذى وعواصف، وبنت السيد سليم يتوما ايضا، والسيدة منقذة يعقوب دخو.

عندما انظر حولي وأحاول المقارنة بين مدارس ديترويت ومدارسنا، اصاب بالدوار! فمناهجهم هنا متنوعة ومتطورة، ويهتمون بالأطفال كثيرا،  وذات الشئ ينطبق على الهيئات التدريسية ، وبالحقيقة لا مجال للمقارنة!  في مدينتنا هذه (ضواحي ديترويت) تسير الحياة مسرعة، حتى لو كان  الأنسان متقاعدا، بين التزامات الأسرة والعائلة والأبناء والأهل والأقرباء ناهيك عن الأهتمات الشخصية،  وعن هواياتي فأن ابرزها، المطالعة بصورة عامة، والشعر بصورة خاصة، المقفى  والحر، وأنسجم كثيرا  مع شعر نزار قباني، هذا اضافة الى التفنن في الطبخ والمطبخ.
من امنياتي الشخصية، ان احيا بقية عمري، حياة هادئة مع اولادي وزوجي، وأن يكون السلام ضيفا محبوبا ومرغوبا في بيتنا دائما، وأن انعم وأشهد المستقبل الجيد والسعيد لأبنائي وبناتي، اما للعراق الغالي فأني اتمنى، ان يعيش اهله بسلام وأن يعود كما كان، رغم صعوبة الأمنية، لكن لا شئ محال في الحياة، وفي هذا المقام، اتمنى ايضا ان اســـعد بزيارته من جديد وتفقد كل المدن والأماكن المحببة لقلبي.
******       ************         ***********        ************        ********     ****

المدرّس مسـعود ميخائيل يوسـف صنـا
من مواليد العاصمة بغداد عام 1951 وفي منطقة عكد النصارى، كان متزوجا من الراحلة  السيدة دليلة بطرس قيتا، ولهما بنتان وولدان و ثلاثة احفاد.
انهى الأبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس مدينة اجداده "القوش" في العام 1968، قبل بعدها في كلية التربية/ جامعة بغداد، وفي قسم اللغة العربية، وتخرج عام 1972 التحق أثرها بالخدمة العسكرية لمدة عام، ثم عيـّن،
- مدرسا في "ثانوية مانكيش" التابعة لمحافظة دهوك عام 1973،
- مدرسا في "متوسطة كارا" في دهوك ايضا، ثم
- تنسيب الى "اعدادية تجارة القوش" ومن بعدها،
- مديرا ل "متوسطة باختمة"، بعدها
- مدرسا في "ثانوية ســميل"، بعدها
- مدرسا في "ثانوية تلكيف" ولمدة عام واحد ما بين 1979 – 19890، ثم
- مدرس في "متوسطة تلسقف" عام 1981، ثم
- مدرسا في "ثانوية القوش" وللأعوام 1982-1992، وبعد اتمامه 20 سنة خدمة، احيل على التقاعد.

لم يساعد (التقاعد) في اعانتي ماديا، لكنه ساعدني على الأستقرار النفسي والتخلص من فكرة (النقل والتنسيب) التي كانت تفرض علينا نحن المدرسين، لدرجة كنت أشعر معها بأنه اما انتقام او عقوبة لي او (لنا) نحن مجموعة الأساتذة الذين كانت لنا عقولا (مستقلة) نوعا ما عن ماكنة الدولة وحزبها القائد! وبالفعل قمت بأفتتاح (ستوديو القوش) للفديو والفوتوغراف، وذلك لضمان مورد مالي مجزي، وهذا الأستقرار ساعدني على منح جزء من طاقتي ووقتي للشباب و لأبناء بلدتي العزيزة، ووضع خبرتي الأدارية في خدمتهم، وكان عشقي الكبير هو في النشر والأعلام، وقد ساعدت في اعدادي (الدورات الصحفية) التي شاركت فيها في اقليم كردستان، ونلت أثرها  عضوية (نقابة صحفي كردستان/فرع الموصل)، وقد أهلتني كل تلك الأمور على،
* المساهمة بتأسيس "نادي القوش العائلي" في العام 2004، وأصبحت  رئيسا له لفترة من الزمن، ثم
* كنت صاحب امتياز جريدة "صوت القوش" ثم،
* رئيس تحرير "مجلة اور" مضافا لكل ذلك،
* سكرتير "مجلس خورنة القوش"،  ناهيك عن النشاطات الشخصية والعامة التي كانت تعج بها مدينتنا العزيزة.

عندما تعود بي الذكريات الى الأيام الأول، لا استطيع ان اتجاوز حقيقة تعلقي باللغة العربية اولا، وثانيا، تلك (الملكة) والموهبة في تسخير هذه اللغة الجميلة (عبر شتى الوسائل) لخدمة الأنسان ورفعته ورفاهيته، وفي هذا المقام، تعلن بعض الحقائق عن نفسها، وقد تكون اولها، هي تأثري بأساتذتي، في الأبتدائية: استاذ (ميخا بجوري) والد الدكتور نزيه بجوري، والذي قدم بأسلوبه الرائع  اسلوبا جميلا في فن التدريس ، اما في الثانوية فكان لأستاذي الفاضل (منصور عـودا سورو) مدرس الرياضيات والمدير ايضا، صاحب العقل الناضج، والأسلوب ألأمثل في معالجة المشاكل، اضافة الى استاذ اللغة العربية (عابد عقراوي)، والذي كان يمتلك مقدرة ثقافية عالية ومتميزة، اقول، ان هؤلاء الناس لم يثروا حياتي فحسب، بل  وضعوا اساسا قويا للبناء القادم في كلية التربية عبر مجموعة المدرسات والمدرسين الذين أشرفوا على دراستي، وأذكر منهم: د.عاتكة الخزرجي، الشاعرة (المرحومة) نازك الملائكة،  الأستاذة نجلاء رومايا مدرسة اللغة الأنكليزية، والأستاذ عناد غزوان. ان هذه الجمهرة العزيزة (وغيرهم) كانت هي من شاركت ايجابيا في تثبيت كياني الثقافي، اضافة الى جهودي الشخصية ومنذ المرحلة المتوسطة، حينما فتحت عيناي على عيون الأدب العربي والعالمي في الشعر والفنون والثقافة العامة. ولا انسى ابدا جهود استاذتي الغالية (نازك)  في ارشادي اثناء وبعد انتهاء (كلية التربية)  للتشرب من ينابيع الأدب والمسرح العالمي، وشجعتني لدراسة نتاجات الأستاذ (سامي خشـبة).

حينما كنت تلميذا ، وطالبا من بعدها، اذكر جيدا بأن علاقتنا مع جيل الأساتذة كانت مثل علاقتنا ب (الشرطة) وأقصد من ذلك(الخوف) والأنضباط، لكني طورت هذه العلاقة بعدما اصبحت مدرّسا الى علاقة فيها انضباط لكنها مرنة ايضا، وبالحقيقة فأن اساليب التدريس كانت تعتمد كثيرا على ثقافة المعلم او المدرس، وهذه متباينة للأسف، ولم يكن للجهات التربوية المختصة دورا بارزا في تعضيد شخصية المربي في هذا الحقل، لهذا كانت  سلوكية بعض المربين  تعتمد على اجتهاداتهم، وفي كثير من الأحيان كانت (مخالفة لفكرة التعليم اصلا) في استخدام  اسلوب الزجر أوالضرب او الأهانة، او على العكس منهم لدى البعض في اتباع الأساليب الأنسانية والتربوية. لقد سعيت بأستمرار الى تعزيز شخصية تلاميذي وذلك بتقريب اللغة العربية الى حياتهم وكنت استخدم طرقا وأساليب  تسهّل هذه المهمة، علاوة على اصطحابي التلاميذ مرة واحدة اسبوعيا الى مكتبة المدرسة، وكنت اطلب منهم استعارة كتاب للمطالعة (اي كتاب) من اجل تعزيز ثقافتهم. ان اخلاصي في العمل لم يشفع لي ، او ينقذني من (ملاحقات) المنظمة الحزبية، او افراد الأتحاد الوطني لطلبة العراق، والذين كان شغلهم الشاغل (مراقبتنا) وتهديدنا بالنقل او الحرمان او حتى بالسجن، وهذا ما حصل لي بالضبط عقب التقاعد حينما اودعت (التوقيف) لمدة سنة وشهرين، بتهمة لا اعلم ما هي لليوم، وتشاء الصدف ان التقي بالسيد (جلال جرمكا – صاحب موقع مجلة الكاردينيا الألكتروني الغراء) في  "سجن الحاكمية " ببغداد، وربما كتب لي عمرا جديدا حينما برئت ساحتي وأطلق سراحي وعدت الى مدينتي القوش.

لم تكن حياتنا سهلة، وكانت كل العيون تراقبنا، وتبحث عن اي مستمسك، للأسف من اجل الأيقاع بنا. كانت كلها مضيعة للوقت وحرمان البلد من فرص التقدم. اما في العالم المتحضر، فلا تعتبر حيازة (الأفكار) جريمة يعاقب عليها الأنسان لعقوبة قد تصل الأعدام. فأنا مدرس، وحصلت على هذه الوظيفة بعد جهد ودراسة جامعية، وأستحق الأحترام، ان كان لوظيفتي او لأفكاري التي احملها، ما العيب في ذلك؟
اعود مرة اخرى الى بداياتي، حينما كنت (شابا)فقد كانت رياضة السباحة تستهويني بشكل كبير، اضافة الى القرأة، وبالحقيقة كنت منفتحا على ثقافات كثيرة ، لأني اعتبرها نتاجات العقل الأنساني وأبداعاته، فقد تأثرت بجان جاك روسو وتولستوي، وبيكاسو ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ولوركا ، وبشجاعة جيفارا!
لم تعد اوضاع العراق تحتمل، وفرص التقدم اصبحت اكثر من المحدودة، وأماكن تواجد المسيحين صارت تعد بعدد اصابع اليد، ولم يبق من امل عندي سوى مغادرة البلد، وربما اكون من السعداء الذين وصلوا لهذه البلاد(عام 2011)، ومدينة (ديترويت) بالذات حيث الجالية الكريمة وتنوعاتها وحجمها وأمكانياتها الملفتة. لكن فرحتنا لم تكتمل بعد ان رحلت بصورة مفاجأة زوجتي الغالية (دليلة) وأتحمل منذ ذلك التأريخ مسؤلية البيت ورعاية الأبناء، وأحاول جاهدا على خلق الموازنة بين  التزاماتي العائلية، والعمل، والنشاط في جمعيتنا العزيزة (جمعية مار ميخا الخيرية) ويشرفني ان اكون رئيس تحرير مجلتها (السنبلة)  اضافة الى المشاركة او حضور النشاطات الوطنية والقومية التي تشهدها ديترويت، او حتى تأدية الألتزامات العائلية في الزيارات او حضور مراسم الأفراح والأتراح، لكن اكثر ما يفرحني، هو التقائي بأحد تلامذتي من مدينة القوش او المدن الأخرى التي درسّت بها،  اذ يتكلل شعوري بالفرح والغبطة وأنا اسمع تلك الكلمة الساحرة (مرحبا استاذ مسعود)، فهذا يكفيني ويغنيني عن كل ما (استحقه بجدارة ) من حقوق، لم يعد لها اية قيمة قياسا بما يمر به البلد الآن، وما نزل على سكان الموصل المسيحين من ظلم وحيف، فأنا قنوع بمحبة الناس وأهلي وتلامذتي.
احلم لوطني الغالي (العراق) ان يعود اليه الأمن والأستقرار، وخاصة للشعب المسيحي، المضطهد في ارضه وأرض آبائه وأجداده!

كمال يلدو
تموز 2014
 


الأستاذ مسعود ميخائيل  مع الطلبة والأساتذة-ثانوية سميل 1979


الأستاذ مسعود ميخائيل سفرة الى بابل مع طلبة جامعة بغداد 1970



الشهادة المدرسية للأستاذ مســعود ميخائيل


المدرسة بشرى الياس طوبيا في بدلة التخرج


بوابة مدرسة مار ميخا - القوش الأولى


في ثانوية الكوت للبنات ولقاء مع التلميذات والمدرسات والعوائل- المدرّ


مع لجنة تحكيم احدى المهرجانات الشعرية والخطابية في الكوت- المدرّسة بش

354
هذا ابحار رائع يا نشأت. سلمت يداك ودام ظل الناس على هذه الأرض فبدونهم وبدون الأشجار كيف لنا بالظلال نتفيأ بها ساعة الحر.

355
مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (7)

أكتب اليوم عن نخبة من المربين الذين رحلوا عن هذه الحياة، كالأشجار الباسقة التي تظلل وتزهر وتثمر، اما ان ماتت، فأنها تكون قد تركت خلفها آلاف البذور، حتى تستمر الحياة ، تماما مثل المعلمات والمعلمين، بذورهم في تلاميذهم الذين توزعوا في اركان العالم، وتقدموا في كل دروب الحياة، لتروي قصصهم وحكايات المربين الأوائل الذين خطوا بحروفا مذهّبة  اجمل الأشياء في حياتنا. نعم، وأن كانوا غائبين اليوم ، لكن هذا لن يمنع ابدا من الأحتفاء بهم، من ذكرهم بالطيبات، من شكر زوجاتهم وعوائلهم، ومن اتخاذهم نماذج ناجحة في حياتنا. ومع ان الجهات الرسمية التربوية العراقية (مقصّرة) تجاههم، احياءا كانوا ام راحلين، في تكريمهم، وتعليق صورهم في مدارسهم، او تسمية الصفوف بأسمائهم على اقل تقدير، لكن والحال هذا، لن يمنعنا نحن الذين تتلمذنا على ايديهم، ورشفنا شيئا من محبتهم لنا، ان نقف اليوم ونشكرهم، ونعيد ذكراهم العطرة، ونترحم عليهم، بأمل ان يكون هذا تقليدا لدى جالياتنا العزيزة التي شاءت الأقدار والأيام وظروف العراق الصعبة ، وسياسات الحكومات الفاشلة، ان نختار اوطانا أخرى غير العراق، حتى نعيش بأمان.

المربي الراحل ميخائيل يوسـف شـينا
من مواليد مدينة "تلكيف" التابعة لمحافظة نينوى في العام 1919، ورحل عن الدنيا في العام 2010. متزوج من السيدة كرجية كسـّو، ولهم اربعة بنات وأربعة بنين، 31 حفيد و 28 ابناء الأحفاد.
درس الأبتدائية والمتوسطة في مدارس تلكيف آنذاك، اما الثانوية فأكملها في الموصل، لعدم وجود مثيلتها في بلدة تلكيف. بعدها انتقل الى بغداد، وتخرج معلما في العام 1939، اي بعمر 20 عاما.
كان تعينه الأول،
- معلما في "مدرسة تلعفر" لمدة سنة واحدة،ثم
- معلما ومديرا للمدرسة في بلدة "كرمليس" ولمدة 4 سنوات، ثم انتقل
- معلما ومديرا في مدارس "تلكيف" لمدة 25 عاما.
في نهاية العام 1959 نقلت خدماته الى بغداد، وصار مديرا في "مدرسة الطاهرة للبنين" والتي كانت تقع في منطقة (سوق الغزل) في مقابل "جامع الخلفاء" حتى العام 1966، وهو عام انتهاء خدماته ورحيله من العراق. وعقب وصوله الى الولايات المتحدة مع عائلته، انصرف للأعمال الحرة وأعالة الأسرة الكبيرة.

ولأن آخر ما يتبقى للأنسان بعد رحيله هو الذكر والذكريات، فأن السيدة كرجية، عقيلته تقول:( لقد كان انسانا حريصا، وحنونا، ودفع الأبناء نحو التعليم، اما بالنسبة لي (تقول) فقد عاملني مثل الملكات ان لم يكن اكثر، ولم يبقي عليّ اي قصور او نقص، ان كان في حياتنا بمدينة تلكيف او في بغداد، او حتى بعد وصولنا الولايات المتحدة). وتستطرد بحديثها:( لقد كان شخصية محبوبة، وتترك اثرا اينما حلت، وكم من مرة التقي بتلاميذه من تلكيف او الموصل او كرمليس، وهم يصطفون افواجا لألقاء التحية والسلام عليه بعد ان كبروا وأصبحوا آباءا او ذو شأن كبير). وكان من حسن الحظ ان يكون في بيت السيدة كرجية ابن الراحل (احسان) مع شقيقته (رجاء) وزوجها الدكتور (بيتر قلابات) والذين اجمعوا بأن  الراحل  - ميخائيل شينا – كان انسانا ذو مهابة كبيرة، وكثيرا ما كان البعض يخشاه نتيجة قوة شخصيته ومقدرته الفائقة على اقامة العلاقات وكسب الأحترام، الا ان  (احسان) يتذكر حادثة طريفة وقعت له في مدينة – تلكيف – حينما كان في الصف الذي يدرسّه والده، ويقول: انه كان يعامله مثل ما كان يعامل باقي التلاميذ، لا بل انه حدث في احد الأيام ان عاقبه بالضرب على يده امام الكل، لأن اضافيره كانت طويلة!
وبالحديث عن الأستاذ – المدير ميخائيل شينا، فأن الكل يجمع على انه كان انسانا ذا خصال سامية، وبقدرة ادارية كبيرة منحته ثقة مرؤسيه، ونتج  عنها تسليمه مهمة ادارة المدارس، وأخص منها (مدرسة الطاهرة) في بغداد، والتي كانت تعد واحدة من اكبر المدارس  بعدد طلابها من ابناء (الطيف المسيحي). ورغم انشغاله بالعمل بعد وصوله الولايات المتحدة، الا انه كان دائم الحضور في المناسبات المهمة، وقد منح بعض الوقت للكتابة وأبداء الرأي  عبر عدد من المقالات التي نشرت له في جريدتي (المشرق – للأستاذ حنا يتوما) و (الهدف – للأستاذ فؤاد منّا) والصادرة في مدينة ديترويت. اما الأستاذ "يلدا قلاّ" فقد ذكر مقطعا جميلا ارتأيت نقله للقارئ الكريم، من كتابه (نعمة الذاكرة – صفحة 3) ويقول: "وشاءت الصدف ان التقي بعد غياب طويل بزميل قديم، كان يوما يشغل ادارة مدرسة تلكيف التي انهيت فيها دراستي الأبتدائية. فأثارت تلك الملاقاة شعوري فكتبت كلاما موجزا عمـّا  كنت احمل نحوه من الأعجاب والأحترام والتقدير. ذلك الزميل هو الأستاذ ميخائيل شينا صاحب المقدرة الفائقة في التعرف على كبار المسؤلين الحكوميين في منطقة عمله. يصادقهم ويكسب حبهم وأحترامهم بقوّة شخصيته على نحو يجلب الأنتباه".

ربما تكون من محاسن الصدف ان اكون تلميذا في "مدرسة الطاهرة" للسنة الدراسية 1962 – 1963 وكنت حينها في الصف الثاني الأبتدائي، وتشاء الصدف (عرفتها مؤخرا) بأن يكون مديرنا المرحوم الأستاذ ميخائيل شينا. وقد تركت تلك المدرسة حادثتان كبيرتان في ذاكرتي، الأولى كانت حرق الكتب امام باب المدرسة الخارجي، وعرفت لاحقا بأن من قام بها هم (عصابات الحرس القومي) لأنها كانت تحوي على صور الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم عقب انقلابهم في شباط 1963، اما الحادثة الثانية فكانت ، ان نودي علينا نحن التلاميذ، للأصطفاف اما باب الأدارة والدخول فردا فردا وأستلام "هدية العيد"، اذ صادف عيد الميلاد المجيد، والتي كانت عبارة عن (قطعة قماش ملونة) تصلح لأن تكون قميصا او بيجاما او دشداشة! وقد حرص المدير على تسليمها بنفسه الى التلاميذ واحدا واحدا،  ومن سيكون يا ترى ان لم يكن المرحوم ميخائيل شينا؟
الذكر الطيب لهذا المربي الكبير، والشكر والتقدير والمحبة لزوجته الغالية وجميع افراد عائلته الكرام، وقديما قالوا ((اللي خلّف ، ما مات)).
********        **********          ********           **********          **********     ****

المربي الراحل حنا روفا شـعيوتا (رحيم شـعيوتا)
من مواليد مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى في العام 1930 ، وفي محلة (شعيوتا)، وتوفاه الأجل في مدينة ديترويت في العام 2013. كان متزوجا من السيدة فريال داود سـامونا، ولهم 4 بنين، و3 بنات، و14 حفيد.

اكمل الأبتدائية والمتوسطة في مدارس تلكيف، اما الثانوية فكانت في "كلية الموصل" الأهلية التابعة للآباء الدومنيكان، بعدها انتسب ل (الدورة التربوية) ذات السنة الواحدة، ليتخرج منها معلما وكان ذلك في العام الدراسي 51-1952. صدر تعينه الأول،
- معلما في مركز مدينة الكوت، بعدها
- تنسيب لمدة 40 يوما في مركز قضاء زاخو (آنذاك)، تلى ذلك
- معلما في مدرسة بقرية (بيرسفي)، من بعد ذلك تم نقله
- معلما في (تلسقف) في بداية العام 1959، وبعد مرور عام على ذلك، تم نقله مجددا الى
- مدينة تلكيف للتعليم في مدرستها الأبتدائية عام 1960، وبعد مرور 5 سنوات تم نقله الى بغداد بناءا على طلبه، لكن النقل في هذه المرة لم يساعده  نفسيا ولا صحيا، فعاد الى مدينة تلكيف ، ونسبت هذه المرة الى،
- متوسطة وثانوية تلكيف، لتعليم مادة (الديانة المسيحية)، وتم ذلك للأعوام 71 – 1977 بعدها نقل الى،
- مدرسة تلكيف الأبتدائية (الأولى) لمدة سنة، ومن ثم استحق التقاعد في العام 1978.

هاجر الى الولايات المتحدة مع عائلته في العام 1980 وقبيل انطلاق الحرب العراقية الأيرانية المدمرة. ويذكر الراحل (استاذ رحيم) في بعض الأوراق التي تركها قبل رحيله(كتبها في العام 2006)، بأنه كان من القلة المحظوظة في حياتها، ويسوق لذلك العديد من الأمثلة ومنها، زوجته العزيزة (السيدة فريال) وروح التفاهم الرائعة بينهما، وتشجيعها له في اداء مهامه الأنسانية، وثانيا،  فقد ساعدت جميع تنقلاته (المدرسية) على الأتصال بالعوائل المسيحية، وتعضيد ايمانها بالصلاة، وعلى تنظيم اوقات التلاميذ والشباب للعمل بدورات او صفوف (التعليم المسيحي)، لتقوية اواصرهم  وتعزيز مفاهيمهم عن الديانة. وحتى تكتمل  الصورة، فقد توفرت للأستاذ الرحل (حنا شعيوتا) فرصة ذهبية في كنيسة (ام الله) وبرعاية خاصة من الأب (عمانؤيل بوجي) لأفتتاح الصفوف من اجل تعليم (اللغة الكلدانية – السورث – السريانية) للمبتدئين، ومن ثم للمتقدمين،والمتقدمات، وخاصة للشمامسة، لما لها من اهمية في اجادة التراتيل والحفاظ عليها من الأندثار، وقد تطور هذا المشروع ليصبح (مدرسة كاملة) بصفوفها وتلاميذها ومعلميها ومعلماتها، ويضيف الراحل (استاذ رحيم) بأن الشماس (حنا شيشا كولا) ساعده لمدة سنة 96-1997، ثم رافقه الشماس (فيليب القس ميخا) والتحقت بهم السيدة (وديعة القس ميخا – زوجة الشماس فيليب)، ثم انضم الينا الأستاذ (كوركيس طوبيا كسّو)  لأدارة المدرسة وبمساعدة اثنان من  خريجوا هذه المدرسة هما (نبيل كرومي و روكسي جربوع)، فيما انصرفت الى التعليم فقط،  نتيجة وضعي الصحي.ٍ

لا يختلف اثنان من الذين عرفوا او زاملوا المربي (رحيم) بأنه كان مثالا للتواضع وعدم اظهار نفسه امام الآخرين، ويصفه الكثيرون بأنه كان مثل (الآباء الكهنة) بتصرفاته وأيمانه وإن لم يرتدي الزي الكهنوتي. على أنه كان انسانيا مخلصا في مجمل حياته، وحتى عندما كان معلما، ويسوق لذلك مثالا حينما كان في (تلسقف) حيث انه كان يقدم للتلاميذ دروسا اضافية من اجل رفع مستواهم العلمي، وكان يقوم بذلك في اعلى (سطح) المدرسة، لأن الصفوف كانت مشغولة بالتعليم الثنائي، مما جعل اهالي التلاميذ يتعجبون لهذا الأخلاص ويشكروه لجهوده الأستثنائية مع ابنائهم. ومن جملة من كتب عن الراحل، كان الأستاذ (يلدا قلاّ) في كتابه – نعمة الذاكرة ص 14- " لقد رأيت في شخصه الكريم كل الصفات الحميدة التي حببته الى جميع ابناء بلدته مثل الوداعة والتواضع والأمانة والأخلاص ومحبة القريب، وقلما تجتمع هذه الصفات في شخص واحد،  وأن من هواياته المفضلة كان الرسم والمطالعة وحفظ مواعظ الكهنة البارزين التي يكتبها في سجّل خاص يعود اليه بأستمرار".
لقد كان لي شـرف التلمذة على يده في صف  تعليم المبادئ الأساسية (اللغة الكلدانية)، وكنت معجبا بأسلوب تدريسه وحرصه الشديد على نقل خبرته وتجربته التعلمية لكل الحاضرين، صغيرهم وكبيرهم، وفعلا كان لي ما رغبت ، بأني تمكنت من كتابة اسمي بلغة اجدادي!
الذكر الطيب للمعلم الرائع حنا شعيوتا (رحيم)- والشكر والتقدير لزوجته العزيزة وأفراد عائلته الكرام، وقديما قالوا، حتى وأن ذبل الورد فأن رائحته الزكية لا تغيب، وألوانه الزاهية تبقى عالقة في الذاكرة.
********        **********          ********           **********          **********     ****

الراحل الأستاذ  جورج يوسـف أسـمر
ولد في مدينة "تلكيف" التابعة لمحافظة نينوى في العام 1939، وبالتحديد في محلة (أسمر). توفي في بغداد أثر نوبة قلبية مفاجأة في العام 1995،  متزوج من السيدة حسـينة رزو زيّا، ولهم اثنان من البنين وثلاث بنات، وعندهم للآن 11 حفيد.
أنجز تعليمه الأبتدائي والمتوسط والثانوي في مدارس مدينته العزيزة "تلكيف"، ثم انتقل الى بغداد  وتخرج في العام 1961 مدرسا للغة الأنكليزية . صدر تعينه الأول،
- مدرسـا في "ثانوية تلكيف"  ما بين الأعوام 1961 -1968 ثم نقل الى العاصمة بغداد،
- مدرسـا للغة الأنكليزية في  "ثانوية عقبة بن نافع" الواقعة في شارع فلسطين/حي المهندسين،  ما بين الأعوام 1968 – 1983 ، حيث نقل بعدها الى،
- "ثانوية الرافدين" والتي كانت تقع بالقرب من مدينة الثورة ما بين الأعوام 1983 – 1987 حيث استحق التقاعد بعد ان اتم خدمته والسنين المطلوبة. وأثر كل تلك السنين، اضطر للعمل في الأعمال الحرة من اجل اعالة العائلة حيث لم يكن (راتب التقاعد) مجزيا او كافيا للعائلة التي كانت تكبر كل يوم.

تصف السيدة "حسينة" عقيلة الراحل "جورج" ايامها معه بأنها كانت (من اجمل الأيام) لأنه ( انسان محب و ودود وخدوم ايضا)، وتزيد في القول: (انه كان يعاملني كالأميرات وهذا نابع من طيب روحه وحسن تربيته وأخلاقة)، وتضيف ( اني افتقده، وأفتقد عشرته الطيبة وأنسانيته، كان زوجا وأبا رائعا، وقد رحل عنّا مبكرا)، ثم تعود بها الذاكرة للوراء:( لقد قضينا 30 من اجمل سني حياتي معه، ولست مبالغة بالقول، بأني لم ارى زوجا  يعامل زوجته مثلما عاملني استاذ جورج، فقد كان مسامحا، ومثقفا وذو رأي عاقل وسديد)، اما عن تلاميذه فتذكر: (السرور الذي كان ينتابني بعد لقائي بالعديد منهم خاصة اولئك  الذين  يعرفون بأني زوجته، فيغدقون محبتهم وتقديرهم وأحترامهم لي، وكأنهم  يبعثوها له بالنيابة، وكم من مرة كانوا يقدمون خدماتهم او مساعدتهم  ويعيدون القول: انت زوجة استاذنا العزيز جورج، وأعتبرينا مثل ابنائك! كانت هذه الكلمات تنزل على صدري مثل قدح ماء بارد لتطفئ لهيب  حرارة فراقه).
اما ابنه (هيثم) فيتذكره بالقول:(كان انسانا طيبا بالفطرة حتى في معاملته لنا كأب،  ولم نراه عصبي المزاج الا ما ندر، وقد اكون من التلاميذ المحظوظين الذين تتلمذوا على يده لسنة واحدة في "ثانوية الرافدين"، ومع تبادل المحبة والأحترام بينه وبين التلاميذ، فقد تمكن من اقامة احلى الصداقات مع كل الكادر التدريسي، اينما حل وأينما مارس مهنة التعليم).

وقد اكون انا ايضا من المحظوظين الذين تشرفوا بالجلوس في صف الأستاذ "جورج أسمر"، اذ كنت تلميذه في الصف الثالث متوسط، وفي "ثانوية عقبة بن نافع" للعام الدراسي 1971- 1972 ، وكانت حصيلتي بدرسه للغة الأنكليزية في امتحان البكلوريا 84%، وله يعود الفضل الكبير، في طريقة تدريسه ولشخصيته السلسة والودودة والمحبة.
الذكر الطيب لهذا الأستاذ النبيل، والشكر والمحبة والتقدير موصول  للسيدة الغالية زوجته وبناته وأولاده جميعا.

كمال يلدو
تموز 2014



الأستاذ جورج أسمر في سفرة جامعية الى حدائق الحلة - 1960


صورة الأستاذ ميخائيل شينا مع العائلة  في تلكيف 1951


الأستاذ جورج أسمر مع الهيئة التدريسية في ثانوية تلكيف


الأستاذ جورج أسمرمع طلاب ثانوية عقبة بن نافع - بغداد - شارع فلسطين


الراحل رحيم شعيوتا مع بعض المعلمين والتلاميذ في مدرسة في الستينات


المرحوم ميخائيل شينا مع  مدير ناحية تلكيف


صورة الأستاذ ميخائيل شينا مع العائلة  في تلكيف 1951


356
وهذه قائمة بأسماء الأحبة الذين شاركوا صفحتي في الفيس بوك بعلامات الثناء، وأنا ممتن لهم اصلا:
1-أثير يلدو  2-سعاد منصور  3-سـعيد شابو  4-موفق داود  5-الأخت طريق علي  6-ماهر هندي  7-سعد ملاخا  8-خالد الصكر  9-ابتسام حداد  10-خيون التميمي 11-فريد البطي  12-ماجدة زنكلو..........................الف شكر لمحبتكم جميعا

357
هذا التعليق على لسان زميلي الكاتب - يوسف ابو الفوز /فنلندا- كما نشره في صفحتي على الفيس بوك:
تحية عزيزي كمال،  مرة اخرى تحية لهذا الجهد الرائع.

358
هذا التعليق على لسان أخي وزميلي  - مازن يوسف - كما نشره في صفحتي على الفيس بوك:
عزيزي كمال تحية لك وللاساتذة في  هذه الحلقة، تحية خاصة لأستاذي "جورج اليشاع"  الذي تتلمذنا على يده في ثانوية النصر أواسط السبعينات، وتحية إجلال وتقدير لروح أستاذي "علي" ، مدرس الكيمياء وكذلك الاستاذ "صفر" الذين دفعا حياتهما الغالية ثمنا لمبادئهم.

359
مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (6)

هناك تحت سماء الوطن، فتحوا ابوابا، ورسـموا احلاما لأجيال كثيرة. وأضحى التعليم مع الوقت، ظلّهم الذي يلازمهم ويصاحبهم، فمنحوا هذه المهنة قلوبهم،  واجمل سنيّهم. ورغم مضي زمنا غير قليل منذ ان تركوا المهنة، او تقاعدوا منها، الا ان كلمة (سـت) و (استاذ) مازالت حاضرة في وجدانهم، ومازالت قادرة على حملهم الى العالم الجميل الذي كان سائدا.
لست مبالغا لو قلت، ان الطريقة التي يمكن قياس رقي اي بلد، او مجتمع، هي من خلال الحكم على  سياسته التربوية، على اساليب التعليم، على المناهج والبنايات ومرافقها المهمة، على الفعاليات التي ينغمر فيها التلاميذ، وربما الأهم من كل هذا وذاك، هو الكادر التدريسي، ان كان  بواقعهم الأقتصادي أوحقوقهم ودور المؤسسات المعنية في رفع شأنهم ومستواهم. ورغم اننا نعيش في بلاد جديدة ، الا ان هذا لا يمنع ابدا من تكريم جيل المعلمين والتدريسيين الذين قدموا الكثير، فمسيرتهم  تلك تستحق منّا، نحن ابناء العراق الأوفياء، ان نشكرهم ونقدم لهم الأمتنان،  اينما كانوا منتشرين في بلاد الغربة، ان كان بالكتابة عنهم أو بنشر قصصهم وذكرياتهم، وآمل ان نقوم سوية بتكريس واقع جديد فيما بيننا، في الأحتفال والأفتخار والأعتزاز بكل مبدع، خدم بصدق وتفان، حتى وأن تجاهلت المؤسسات المعنية دورها في القيام بذلك!
وفي هذه المناسبة، ادعوكم  لرحلة قصيرة مع بعض الوجوه العراقية التي خدمت في سلك التدريس في عهود مختلفة. ويقينا ان في جعبة كل واحدا منهم قصصا كثيرة وحكايات وذكريات، وستسمعوهم سوية وهم يصبوها في مجرى واحد كبير، هو حب الأنسان ورفعته.

المدرّس صباح دخّـو دلّي
من مواليد مدينة "تلكيف" التابعة لمحافظة نينوى، في العام 1944 ومن محلة (يلدا)،  متزوج من السيدة خالدة داود جولاغ، ولهما اثنان من البنين وأثنتان من البنات، مع 10 احفاد.
درس الأبتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس (تلكيف) وأنتسب الى معهد المدرسين العالي (في الباب المعظم) والتابع لجامعة بغداد في العام1963 وأختار قسم الرياضيات ، وتخرج منه عام 1966. ولم يكتف بذلك، بل درس علوم الرياضيات مجددا وحاز على شهادة (ليسانس) من جامعة بغداد  مابين الأعوام 69-1971.
- كان أول تعين له في "ثانوية زاخو" في العام 1966-1968 ، ثم نقل الى
- "متوسطة الحرية" في الموصل (باب سنجار) في العام 1969، حيث درّس كل من مادة الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء والجبر، نقل بعدها الى
- "متوسطة الكرامة" في محافظة بغداد/ جانب الكرخ – والذي يسمى ايضا بالحي العربي 1970، بعدها الى
- "ثانوية 30 تموز" في منطقة اسكان غربي بغداد، اضافة الى  القائه المحاضرات في "ثانوية نجمة الصبح" الأهلية للبنات في مدينة المنصور، حتى العام 1973، وهي سنة مغادرته العراق الى الولايات المتحدة.

 بعد وصولي لهذه البلاد كان طموحي ان اكمّل دراستي لكن الظروف العائلية لم تساعدني، خاصة بعد رحيل والدي، فنهضت بمسؤلية العائلة وتمكنا من تجاوز صعوبات الحياة اذ انغمرت في الأعمال التجارية، نتيجة لخبرتي  في هذا الحقل، حيث كنت اساعد والدي الذي كان يملك محلا لبيع  الحاجات المنزلية في مدينة تلكيف، وقد انتظمت (كطالب خارجي) في دراسة النظام المالي والضريبي في احد معاهد التعليم (اج – آر) اذ تطورت قدراتي في آلة الكومبيوتر التي لا غنى عنها اليوم في العمل او الحياة العامة. ورغم تنقلي بين عدة ولايات لكني مقيم الآن في مدينة ديترويت وأعمل في حقل الأعمال الحرة، ويبدو ان عدوى الأرقام والرياضيات لم تتركني، ولم يروي ظمأي تحصيلي العلمي في العراق، فآثرت اكمال دراستي الجامعية (متواصل للآن في الدراسة الخارجية) في جامعة (وين ستيت يونيفيرستي) الكائنة في مدينة ديترويت بأمل نيل "شهادة الماجستير" في (نظرية الأحتمالات).

بعد تخرجي في العراق وتعيني مدرسا يقول الأستاذ صباح: فقد اجتمع اثنان فيّ آنذاك، اولهما كان حبي الكبير لمهنة التدريس ورغبتي في ايصال المعلومة للجيل الناشئ، وثانيهما كان عشقي اللامتناهي للأرقام ولمادة الرياضيات مما دفعني لأبتكار اساليب وطرق مستحدثة لتدريسها، وعلى سبيل المثال سأذكر هنا طرفة حدثت معي في احدى السنين، اذ صادف  ان زار مدرستنا مفتشا من الوزارة، وسأل عن صفي من ضمن اسئلته عن باقي الصفوف، فقال له المدير انه في (المختبر) مع التلاميذ، فتعجب المفتش وقال: في المختبر، مع مادة الرياضيات او الهندسة؟ وفعلا كنت اصطحب التلاميذ مرة او اكثر في الأسبوع للمختبر، بغية تقريب الصورة لذهنهم، لأن هذه المواد هي موادا جافة، وتحتاج الى ديناميكية وطرق مبتكرة  لتقريبها الى عقلية وذهن الطالب، ومتى ما تلمس طريقه فيها، فتكون الأنطلاقة عظيمة، وطالما كانت المختبرات موجودة، فلماذا لا نستفيد منها! وعلى سبيل الكلام، فقد كنت اقوم  بعمل الكثير من الأشكال الهندسية في الدار، ثم اجلبها معي في صندوق للمدرسة، وأطلب من التلاميذ (مجاميع من 3 طلاب) وضعها مع بعضها، او ايجاد الأشكال المتشابهة والمترادفة، وهكذا كنت معهم، وقد انعكس ذلك ايضا (رغم قصر مدة تدريسي) على نسب النجاح العالية التي حققتها مع التلاميذ، ولعلي اذكر للقراء الكرام  قناعة الفيلسوف اليوناني المشهور "اقليدس" عن مادة الرياضيات ومدرسيها نظرا لأمتلاكهم ناصية المنطق والتفكير العميق، حينما قال: لو اردتم ان توكلوا محاميا ناجحا لي، فأرجو ان يكون مدرس رياضيات!

دائما ما اصاب بالألم (يقول الأستاذ صباح دلّي) حينما اعقد المقارنة بين الدراسة وأساليبها ومناهجها في هذه البلاد بالمقارنة مع مثيلاتها في  بلادنا، وأسأل بحسرة: لماذا؟ في الوقت الذي نملك الأمكانات البشرية والخيرات والأموال والطموح، لكن يبدو ان عقلية التخلف المترسخة لدى الطغم الحاكمة، ورغبتها في وضع الناس في زوايا البؤس والظلام، هي التي تجعلهم ان لا يولوا اهمية لتطوير مدارسنا ومناهجنا التعليمية، والا لماذا؟ وبماذا نفسر تطور المدارس والجامعات في كل دول الجوار وبلا استثناء، الا بلادنا؟
شئ مازلت انتقده في نظامنا التعليمي، هو اتباع مبدء (الحشو) للمعلومات، مما يجعلها سطحية وقابلة للنسيان بسرعة فائقة، فيما الأساليب الحديثة تعتمد على الشرح والتبسيط وأقران المادة العلمية بالحياة والتطبيقات العامة والعملية.

كان مثلي الأعلى، والأيقونة التي اتذكرها بأستمرار، وتزيدني عزما على المضي وتجاوز صعوبات الحياة، هو "والدي". فقد كان نموذجا  في حبه للبيت والعائلة، وكان يستعمل جميع الطرق معنا من اجل ان نذهب للمدرسة ونكمل مسيرتنا وله مقولة تحضرني بأستمرار:" لا يكفي كل مال العالم مع الأبناء غير الجيدين، اما لو كان عندك رصيدا جيدا من الثقافة، فحتى لو كنت معدما، فستتمكن من النجاح والتقدم والأزدهار".
امنيتي الشخصية، ان اكون مرتاح الضمير حينما أشعر بأني قدمت شيئا طيبا لعائلتي، والناس المحيطين بي، اما للعراق، فرغم الجراح، وما يمر به من ازمات، فأني اتمنى ان يعود كما كان، وأن يعيش كل الناس سوية، وأن يشعروا بأن هذا البلد هو بلدهم، وبلد الكل، وأن تمنع وتحرّم العقليات التي تهدف الى اقصاء الآخرين تحت اية ذريعة كانت، فالبشر سواسية، وقيمة الأنسان تكمن فيما يقدمة لناسه وأهله ومجتمعه وللحياة!
 *******        **********        *********       *********      ********     ******

المدرّس جورج اليشاع كاكوز
ولد في العاصمة بغداد وفي منطقة "العوينة" في العام 1949. متزوج من السيدة أميرة ميخا كومو، ولهم بنت واحدة وولدان، مع حفيدان.
درس الأبتدائية في "مدرسة الناشئة" والواقعة في منطقة المربعة، وكانت معروفة بأنها ملحقة ب "كنيسة باتري بيير"، اكمل المتوسطة في "كلية بغداد" التابعة للآباء اليسوعيين في منطقة الصليخ/ ثم انهى دراسته الثانوية في "الأعدادية الشرقية" الواقعة في الكرادة، وتخرج في العام 1966.
دخل كلية العلوم/ جامعة بغداد/ قسم الفيزياء، وحصل على البكالوريوس عام 1970.
وحالما تخرج، اوفد الى الجزائر للتدريس بين الأعوام 1970-1972. وعندما عاد كان تعينه الأول،
- "ثانوية الرواد المختلطة" في منطقة (العبايجي) والواقعة بين أبي غريب والدجيل للأعوام 72-76 ثم نقل الى،
- "اعدادية النصر" والتي كانت تقع  في شارع 52، مقابل مديرية الجوازات، بعدها نقل الى،
- "الأعدادية النظامية للبنين" بين الأعوام 89-1992، ثم نقل الى،
- "ثانوية المقدام" والواقعة في منطقة (البلديات) حتى العام 1993، اذ اضطر لقبول التقاعد، نتيجة سـوء وضعه الصحي. وفي السنين التي تلت، مارس التدريس الخصوصي، حتى مغادرته العراق عام 2001، ووصوله للولايات المتحدة في ذات العام، ورغم وضعه الصحي، فأنه توجه للعمل  في هذه المدينة (ديترويت)، أملا بدعم العائلة ماديا، وكي يكون قدوة لأبنائه في حب العمل وتحمل الصعاب.
وعندما يعود شريط الذكريات ماسا تلك الأيام الجميلة، فأن الأستاذ "جورج اليشاع" يتذكر جيدا نخبة من التدريسيين من الذين اثروا حياته، وبقت ذكراهم عطرة رغم تقادم الأيام والسنين، وفي المقدمة منهم ، مدير "مدرسة الناشئة" الأبتدائية، الأستاذ ( ايليا حنا مرجانا) ويصفه، بأنه كان مخلصا لمهنته وشريفا في مواقفه، ومازالت مبادراته  في توزيع الملابس على الطلبة المعففين (معونة الشتاء) عالقة لليوم في ذهنه، وتخاطب وجدانه في المقارنة بين اوضاع ذلك الزمان، وهذا الزمان! ويذكر انه كان يتابع الطلاب فردا فردا، ويسأل عن احوالهم، ويقدم لهم النصائح الأبوية، ومما يذكره، بأنه لم يكن شديدا مع التلاميذ فقط، بل ومع الهيئة التدريسية ايضا، فهو يبقى بالنسبة له رمزا في الأخلاص والعمل والحفاظ على شرف المهنة. ولأن شريط الذكريات طويل، فهو يضيف اليه استاذ الرياضيات "جورج دومنيك" و استاذ الفيزياء " كمال ناصر مراد" والموجودان في الولايات المتحدة، والاستاذ مدرس مادة الأحياء "هايك صاموئيل" شقيق  الممثلة المسرحية "آزادوهي صاموئيل" وللطرفة يذكر، بأنه هو الذي أطلق اسم (رافي) على ابنه، وهو اسم ارمني يعتز به كثيرا، لأنه يحمل عطر نخبة التدريسين الرائعين وعبير الأيام الجميلة. ولأننا نحن العراقيين جبلنا على الحزن والألم، فيبدو ان الأستاذ (جورج) لم يدع الفرصة تفوته لكي يتوقف امام حادثة هزت وجدانه منذ وقوعها ولليوم، الا وهي اعدام ثلاثة من زملائه المدرسين على يد حكم البعث الفاشي، ويذكرهم بالأسماء (علي حسون – مدرس الكيمياء، وضياء – مدرس الكيمياء –و كانا متهمين بالأنتماء لحزب الدعوة، والأستاذ (صفر- مدرس مادة اللغة العربية) وكان متهما بالانتماء للحزب الشيوعي).
يعود الأستاذ جورج ليقول: ان الدولة التي كانت حريصة على الملاحقة، ولم تتوانى بتنفيذ حكم الأعدام، كانت تصرف من ميزانيتها ما مقداره 3% فقط للتعليم، في بلد كان بأمس الحاجة للمدارس والجامعات والأساتذة اكثر من حاجته ل "المدفع العملاق" او "ام المعارك"، لكن والحال كان كما قلت، فأن المناهج وأساليب التدريس، لم تتغير او يطرء عليها اي شئ يذكر، بل بقت كما هي ، متخلفة عن الركب وروتينية، لا بل ان الأمور زادت سوءا حينما تدخل البعثيون  و زمر "الأتحاد الوطني لطلبة العراق" في شؤون المعلمين والمدرسين، فصار الأستاذ يخاف سطوة (بعض) التلاميذ، لكي لا يكون مصيره كمصير (الأستاذ علي حسون وصفر)!
اما حينما يستذكر الأستاذ (جورج) سيرته التعلمية فأنه لا يخشى القول من انه كان استاذا (عصبيا) لكنها كانت كذلك بسبب كونه يدرّس بأخلاص و (من كل قلبي) كما يقول، ولأنه كان جيدا في ادائه، فأن طلابا كثيرين كانوا يأتوه حتى من المدارس الأخرى لغرض تلقي التدريس الخصوصي. ومن جملة ما يتذكر، وهو التلميذ الذي درس في "كلية بغداد" وتعلم الأساليب العلمية في التدريس، فقد  كان يقوم (مرة في الأسبوع على الأقل) بتقديم دروسه في الفيزياء، بمختبر المدرسة، لغرض تقريب المادة من ذهنية الطالب، ووضعهم امام المشهد العملي، وكان لها تأثيرها الأيجابي الكبير، لأن معظم المدارس كانت تفتقر للمختبرات اولا، او لأن الوقت لم يكن يتسع لأفراد حصص كاملة في المختبرات!
يقول الأستاذ (جورج) بأن ابرز من كان نبراسا في حياته كانت " والدته – المرحومة ليّة كوكيز" حيث كانت شديدة الحرص على دراسته، وعلى نوع الأصدقاء الذين يقضي اوقاته معهم، ولا تتوانى عن ردهم او (طردهم) ان اتوا اليّ في وقت  القراءة  او عند التهيأ للأمتحان!
يتذكر الأستاذ (جورج) عبير ايام الشباب بالقول، كانت  الملاكمة والسباحة احدى اركان اكتمال شخصيتي آنذاك ، وكنت امارسها وأنا عضوا في "نادي الجزيرة الرياضي – وهذا ليس له علاقة بقناة الجزيرة!!!" ومن هواياتي الأخرى كانت، القرأة، وخاصة  تأريخ الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأضيف اليها متابعة اهم الأفلام العالمية التي كانت تعرضها دور السينما في بغداد، وكذلك ولعي العميق في الجغرافيا وتفاصيلها الجميلة.
اما في هذه المدينة، فأني احاول جاهدا ان اتواصل مع الدوريات الصحفية والأعلامية، من مجلات وصحف محلية لأبناء جاليتنا الكريمة، فأحاول المشاركة بما تجود به خبرتي وقريحتي، ولعلني اقول وأنا على اعتاب هذه المرحلة من حياتي، بأني سعيد بما وصل اليه ابنائي، ودائما ما اذكّرهم، بأني (حاضر لهم و لأي مساعدة يطلبوها منّي).
اما امنيتي لبلدي الغالي العراق، فأني بالحقيقة اختصرها بموقف اختبرته، وتعلمته  في اقسى الظروف: "آمل ان يخرج كل المسيحيين من العراق، وأن يجدو لهم ملاذا يحميهم كبشر، ويحفظ كرامتهم، فلا يبدو ان في الأفق مستقبلا لهم في وطنهم الأم العراق، كما لا احمل اية تخيلات، و بأن البلد سيتعافى قريبا من آهاته وآلامه"! اما الحل الأمثل بتصوري:  أن الأمور لن تهدء ، ولن يتقدم البلد، الا حينما تسوده الديمقراطية، ويسود فيه القانون، والحكمة، ومبادئ حقوق الأنسان وفصل الدين عن الدولة، ودونها ، فأننا نتحدث عن ركام  طائفي مقيت، ناهيك عن القتل والسلب والنهب.
*******        **********        *********       *********      ********     ******

المدرّسة أحلام سـلمان يوسف يلدو
من مواليد العاصمة بغداد في العام 1960، وفي منطقة البتاوين. متزوجة من السـيد سلام  لويس يلدو.
درسـت الأبتدائية في "مدرسة المفاخر" في البتاوين،  بعدها في "متوسطة البتاوين للبنات" تلتها  في "اعدادية  التجارة الشرقية للبنات" والتي كانت كائنة في ساحة الأندلس، وحازت في امتحان البكالوريا على "المرتبة الخامسة" في عموم العراق. انتسبت الى كلية الأدارة والأقتصاد/ جامعة بغداد/ قسـم اعداد المدرسين  التجاريين، وأنهت دراستها وتخرجت في العام 1983، اما اول فرصة للتعين فكانت في العام 1985في :
- "اعدادية تجارة العزيزية للبنات" وكانت تدّرس مادتي المحاسبة والمراسلات التجارية للصف السادس تجاري. وفي العام 1987 نقلت الى:
- "اعدادية التجارة الشرقية للبنات" لتلتحق كمدرسّة في ذات الأعدادية التي تخرجت منها، حتى العام 1999، اذ نســـبت الى:
- "اعدادية تجارة بور سعيد للبنات" والكائنة في منطقة شــارع 52 حتى العام 2010 اذ اتمت خدماتها وأستحقت التقاعد.
عندما ارادت "الست احلام سلمان" ان تعيد عقارب الساعة وترسم المشهد الذي أثر بها، وزرع فيها الرغبة في دراسة (علم التجارة) ومن ثم التخصص به  والقيام بتدريسه، فأنها تتذكر كل تفاصيله على فصلين، فكان الأول تأثرها ب "الست مارسيل" مدرستها لمادة اللغة الأنكليزية في اعدادية التجارة، والأستاذ " حكمت شكوري" المدرس والمؤلف لمادة المراسلات التجارية، اما الفصل الثاني  فكان ذلك الذي اكتملت ملامحه في (اعداية التجارة الشرقية للبنات) كطالبة اولا، ومن ثم ككادر تدريسي ، تقاسمت الساعات والعمل والأحلام وحتى الصعوبات مع السيدات اللواتي حرصت (ست احلام) على تذكّر اغلبهن ان لم يكن كلهن: بشرى الساقي، مديرة المدرسة/ سـت أرب/ أمل حسين/ سهيلة العاني/ عواطف الجبوري/ محاسن جمعة/ جنان خالد/ عروبة نايف (مديرة المدرسة)/ اخلاص  عبد الحسن، والتي اصبحت لاحقا مديرة مدرسة "تجارة بور سعيد".
ولأنها اصيلة، وكما يتندر العراقيين (يغزّر بيها الخبز والملح) فأنها آثرت ان تذكر ، معظم اعضاء الهيئات التدريسية الذين عملت معهم، والذين أثروا مسيرتها ان كان بصحبتهم الطيبة، او ملاحظاتهم ، وتوجيهاتهم التي كانت معينا لأي كادر تدريسي يتلمس للتو طريقه في هذا الحقل الكبير.  ففي "اعدادية تجارة العزيزية" تتذكر: استاذ رافع غزال، الموجود الآن في السويد/ لؤي حداد، الموجود في كندا/ طلال/ محمد، من سكنة الصويرة/ عبد الواحد، من زراعة  العزيزية، والموجود في الولايات المتحدة(انتداب). اما في "اعدادية تجارة بور سعيد" فأن ذاكرتها ترشدها الى : ست آنوش بغداسار/ بشــرى المفتي/ غينيا ايليا/ لمّى عسال والموجودة في لندن/ سعاد عبد الحسين/ نضال/ اسماء/ ســندس/ وجنان حسين.
حرصت كثيرا في مسيرتي التعليمية (تقول الست احلام) ان انقل الى تلميذاتي خبرتي المتواضعة ، من اجل تطوير اوضاعهن، حتى يصلن الى اعلى درجات الرقي الأنساني، وبالحقيقة وبعيدا عن الغرور فأني أشعر بسعادة بالغة للأثر الطيب الذي تركته لدى الكثيرات، والذي اتلمسه من خلال  (حرارة) السلام والتحية عندما اصادفهم في الأماكن العامة، او حتى بالمراسلة او في السؤال عني، ان هذا يسعدني  ويؤكد صحة ما ذهبت اليه في مسيرتي التعليمة، والقيم التي سرت عليها، في الصدق والأمانة والأخلاص في العمل، وقد فزت (3) مرات بأعلى النتائج في امتحانات البكلوريا (كنسب معيارية)، ورافقتها منحي هدايا مالية لذلك، وتكريم من قبل وزير التربية، ولو كان هذا هو احد اوجه تقيم عملي، فكم كنت اتمنى لو تم توفير  الفرصة لي او لأمثالي (من المتفوقات) من اجل اكمال الدراسات العليا او في  الأطلاع على تجارب دول وجامعات اخرى، او حتى الترقية في السلم الوظيفي، لكن للأسف اقول ان بعض المسؤلين كانوا يكيلون  الأمور بمكيالين، لهذا وجدنا الكثير ممن ليسوا مؤهلين، وهم يعتلون اعلى المناصب، بينما المخلصين وأصحاب الكفاءة، في اسفل السلم، وهذا ربما ما جنيناه وما نجنيه في هذا الزمن ايضا. وطالما تحدثنا عن الترقية وتثمين الكفاءة، فربما يكون مفيدا ان اشير الى مناهجنا التعليمية وطرق التدريس التي ظلت كما هي على مدى (25) سنة من خدمتي التدريسية،  لابل حتى ان فكرة استعمال (الطباشير – التباشير) قد صارت من ايام "العصر الحجري" لكن وللأسف مازالت مستعملة في بلادنا، ناهيك عن مخاطرها على التدريسين وآثارها السلبية على  نظرهم او جهازهم التنفسي.

غادرت العراق في العام 2010، ووصلت مع زوجي الى الولايات المتحدة عام 2012، وأعمل الآن (مدققة حسابات) في احدى الشركات الأهلية المملوكة من احدى ابناء جاليتنا، وأعمل ايضا على تطوير قابلياتي وخاصة في حقل الحسابات، وأفكر بالعودة للدراسة والألتحاق بأحدى الجامعات. اقضي حياتي بشكل طبيعي، وأمارس هواياتي في القرأة و الرياضة، ولا اتوانى عن تقديم المساعدة لأي انسان يطلبها مني، وهذا هو مبدئي في الحياة، اما لوطني الغالي فأتمنى ان يعود السلم والأمان الى ربوعه، وأن يعيش الناس متحابون، وأن يحسن الناس اختيار قادتهم، وأن ينتبه المسؤلين الى المؤسسات التعليمية والمدارس والأساتذة والتلاميذ ويضعوا البرامج المفيدة، فلا تقدم للبلد ان لم يكن هناك تطوير للعملية التربوية والأخذ بآراء وتجارب وخبرة المربين والمربيات.

كمـال يلـدو
تموز 2014


معرض مدرسي في ثانوية زاخو -1966-صباح دلي


مدرسة نجمة الصبح - سفرة الى بابل 1971 - صباح دلي


تخرج الصف 3  ثانوية نجمة الصبح - صباح دلي1971.


تخرج الصف 3  ثانوية نجمة الصبح - صباح دلي1971.


في متوسطة الحرية - الموصل - سفرة للحضر -صباح دلي 1969.jpg

360
مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (5)



على خطى أجداهم السومريون والبابلويون والآشوريون مشوا، وولجوا دروب التعليم والمدارس  رغم وعورتها، لأنهم ايقنوا بأن طريق الأنسان للتقدم والتطور يحتاج الى اللبنة الأولى، الا وهي التعليم، فتحملوا ظروفا صعبة، وأضطروا لمسايرة عددا من (الأميين) الذين فرضتهم الأنظمة والحزب الحاكم عليهم، فآثروا ان يضحوا بالكثير من اجل ان لا يفقدوا الفرصة في زرع القيم الطيبة والمحبة والأمل عند اجيالا كثيرة، مازال بعضها يتذكرهم  ويجللهم كلما تتصادف اللحظات ويكون هناك اللقاء المباشر، لكن يبقى هؤلاء النوارس، والقناديل بتجاربهم وقصصهم وحياتهم  مثار اعجاب وأحترام وتقدير، ولن يمنعنا حتى وأن عشنا بعيدا عن المدن والقرى والقصبات التي زرعوا فيها الآمال والبسمات والمعرفة، لن يمنعنا من شكرهم، وتقديرهم وأظهار محبتنا لهم، طالما كانت الأنظمة مشغولة بالسرقة والنهب والطائفية وتوزيع حصص الكعكعة العراقية، سنقول لهم ، ولعوائلهم وأهاليهم، شكرا لهم ولكم، كانوا جيلا رائعا ، سنرفعه عاليا اينما كنا وأينما حل بنا الزمان.

المربي يلـدا قرياقوس كوركيس قلاّ
ولادة مدينة تلكيف/ محافظة نينوى، في العام 1930، وفي محلة (أسمر). متزوج من السيدة سـعاد عبد حنا كجل، ولهم 5 بنات و 4 بنين و 23 حفيدا.
درس وأنهى الأبتدائية في "مدرسة تلكيف" والتي كانت تسمى (مكتب) ايضا في العام 1947، ودخل "دار المعلمين الريفية ذات الخمس سنوات" في محافظة بغداد/ منطقة الكرادة الشرقية، وسكن في القسم الداخلي التابع لها. تخرج منها (معلما) في العام 1952، وتبعها مباشرة ب (الدراسة الخارجية) للحصول على شهادة الدراسة الثانوية، وتم ذلك في العام 1953.
تم اول تعين له في:
- معلما في "مدرسة اتروش"- التابعة لمحافظة نينوى حتى العام 1956، ثم عيّن
- مديرا في " مدرسة الجرحية" القريبة من مدينة القوش، اعقبها
- معلما في "مدرسة العرفان" في مدينة تلكيف، ثم
- معلما في مدرسة "الصلاحية" في محافظة اربيل، بالقرب من منطقة (الكيارة) لمدة سنتان، ثم
- معلما في "مدرسة ابتدائية" في منطقة (زمّار) التابعة لمحافظة نينوى لمدة سنة واحدة، ثم
- معلما في "مدرسة باطنايا الأبتدائية" ولمدة سنة واحدة،وأخيرا
- معلما في "مدرسة تلكيف الثانية" والتي تسمى ايضا (العرفان) حتى سنة الأحالة على التقاعد عان 1978، وعين
- مدرسا منتدبا في "ثانوية تلكيف" لتدريس اللغة العربية، لمدة 4 سنوات حتى العام 1982.
بعد هذه الرحلة مع التعليم والتلاميذ، انتقلنا الى بغداد بحثا عن عمل يساعد في اعالة العائلة التي كبرت كثيرا، وفعلا عملت مديرا لفندق السراب في منطقة شارع السعدون، وعدت الى تلكيف وعملت  ملاحظا للعمال في الجمعية الأستهلاكية عام 1989. في العام 1991 قررت العائلة مغادرة العراق والألتحاق ببقية الأهل والأقارب وتم ذلك، ونحن نسكن مدينة ديترويت منذ ذلك الزمان.
عندما وصلنا امريكا كان عمري (61) عاما، والبعض يعتبره كبيرا، والقسم يعتبره متوسطا، اما انا فأعتبره (عمر الشباب)،  فقد اقدمت على الألتحاق بالمدرسة الخارجية هنا للحصول على شهادة (جي اي دي) وهي مساوية للشهادة الثانوية الأمريكية، ولا يحصل عليها الشخص الا بعد اجتيازه اختبار اللغة، وهذا ساعدني على تعلم اللغة الأنكليزية، بعدها دخلت دورة لتعلم "اوليات الكومبيوتر" ونجحت، ثم اعقبتها بدروس لتعلم وأتقان كتابة  "اللغة الآرامية"، لغتنا الأم، وتم ذلك ايضا.

كان تعلقي باللغة العربية شديدا لدرجة العشق، ولم اكتفي بتدريسها فقط، بل كنت قارئا نهما للكتب، واتمتع بقابلية جيدة جدا للحفظ، وهذا ساعدني كثيرا في حفظ مئات الأبيات الشعرية، علما اني قمت بتدريس نفسي "علم العروض" لشدة تعلقي بالشعر، وتمرنت عليه كثيرا بطريقة القرأة المقارنة، حتى تمكنت منه جيدا. ان هذه الرغبة ترجمت نفسها على شكل نتاجات كتابية بدأت منذ السنين الأولى لممارستي مهنة التعليم، اذ كنت اشجع التلاميذ على تحرير (النشرات الحائطية) وكانت فرصة لي لمساعدتهم ومشاركتهم تلك النشرات، تطور الأمر الى الكتابة النظامية المدروسة بحجم الكتاب، ومنذ ان كنت في العراق،  حيث انجزت كتابان الأول عام 1969 بعنوان "ايام الرحيل" وهي عبارة عن مجموعة قصصية اجتماعية من واقعنا، والثاني عام 1970 بعنوان "تجاربي في تدريس الأنشاء" وهو مجموعة مقالات تلخص تجاربي مع التلاميذ، وما يزيدني فخرا، ونحن في العام 2014 ان يصل عدد الكتب التي كتبتها في هذه البلاد الى (17) كتابا منوعة، ما بين كتابات عن سير ذاتية لأناس عاصروني، بعض الأشعار، حكايات بلدية وقصص من واقعنا، معالجات اجتماعية، وأشعار مستوحاة من الكتاب المقدس (الأنجيل)، وقد ساعدتني  دراستي للكومبيوتر على اتقان فن الطباعة، فأنا الذي اقوم بالكتابة، والطباعة، والتنضيد ، والبحث عن الصور والرسوم المناسبة للموضوع (مع مساعدة بعض الأصدقاء والفنانين ايضا) ثم اقوم بتجليده ، تماما كما كنا نجلد كتبنا في العراق، اما اختيار العناوين فأني اتبع قاعدة (الكل بأسم الجزء)، وها انت ترى مجموعتي التي اعتز بها كثيرا. اما فكرة طباعتها بشكل تجاري في المطابع، فهذا المشروع مكلف ماديا وغير عملي، اذ ان حجم  قرّاء وأقتناء الكتاب محدود جدا، مع وفرة الأنترنيت والصحافة المجانية، لهذا اقوم بما اقوم ، لهوايتي الشخصية، ولمحبتي للكتاب والكلمة.
لقد سعيت في مسيرتي التدريسية ان اكون امينا للمعلمين الذين اخذوا بيدي منذ صباي ان كان بمثلهم السامية او بطرقهم التربوية الجيدة، ومنهم مدير مدرستنا الأبتدائية (خضوري) والذي علمنا درس اللغة العربية ايضا، وفي الصف الرابع ابن خالتي (ميخائيل القس شمعون)  وفي دار المعلمين الريفية كلا من الأساتذة (كمال الراوي، و يحى العزاوي) مدرسي اللغة العربية ايضا، وحاولت ان انقل عنهم ماتعلمته، بعلاقاتي الحميمية مع التلاميذ والهيئة التدريسية، وتحضرني بعض المشاهد التي ترسخت في ذهني، وأشعر بالفرح حينما تمر على خاطري. فعندما عينت بمرتبة مديرا لمدرسة "الجرحية" قرب القوش، ساعدت على بناء تلك المدرسة، وأستقدام المعلمين، وتشجيع الأهالي على ارسال ابنائهم، وقمت بتعين مستخدمين للمدرسة وبرواتب ثابتة، فكان هذا مدعاة فرح وأعتزاز، ولازلت اذكر (آغا سـيدو)  والذي كان بمرتبة (شيخ) في تلك القرية، وكيف قام بتقديم الفطور لي لمدة شهر كامل، اذ كنا نأكله سوية قبل الدوام، وذات الشئ مع العشاء، حيث نتاوله مع اهالي القرية. وقد نقل لي احد الأخوة ، بعد عدة سنين، بأن الأهالي مازالوا يتذكروك جيدا، وأنهم زرعوا شجرة في القرية اسموها (شجرة المعلم يلدا)، ان هذه القصة كفيلة بأن تزيح عني كل اتعاب النهار،وتمدني بطاقة  وتفاؤل لا متناهيان. عندما استذكر تلك المشاهد الطيبة من الناس، تعيدني الى حيث كانت البدايات، اذ لعبت الصدفة وحدها دورا طيبا في دخولي (دار المعلمين الريفية) بعد ان رفض طلبي في محافظة الموصل، وضاعت مني سنة كاملة، فذهبت لبغداد بحثاعن الفرصة، وكان من شروطها ان يكون للمتقدم (كفيل) وصادف من حسن حظي ان يكون لي قريبة في بغداد تعمل بالوظيفة، فوافقت على كفالتي وتم ذلك، اذ اني انحدر من عائلة ، كانت متوسطة الدخل، لذلك لم تكن امكانياتنا كبيرة جدا، الا ان الحياة والنيات الصافية احيانا تلتقيان.
كانت تربيتي العائلية، ومنزلة وتأثير والدي الكبيرين عليّى كفيلان بخلق شخصية محبة للآخرين، وقد وجدت تلك الخصال طريقها للتطبيق في حياتي الخاصة والعامة. كنت محب بأستمرار للآخرين، وأعمل وأضحي لخيرهم، وحتى عندما وصلت لهذه البلاد ، فأني لم انسى او اتوانى عن مهمتي التربوية، فأنغمرت في الكتابة ، وتأليف (الكتب) ، ولأن هذا لم يكن كافيا، فقمت بالكتابة للمجلات والجرائد المحلية الصادرة في ديترويت، ولكي يرتاح ضميري، فقد استفدت من الفرصة التي وفرها لي (ابنائي وتلامذتي وأحبابي) في " الأذاعة الكلدانية" حيث اقدم ومنذ اكثر من 3 سنوات برنامجا اذاعيا اسبوعيا، يطرح على الغالب مواضيعا او عقدا اجتماعية احاول بخبرتي، وسعة معرفتي ان اتشارك بحلها او معالجتها مع جاليتي الغالية.

لو سالني احدهم عن تعريفي للتعليم فسأقول له او لهم بصراحة: ان التدريس، او التعليم ، فن وعلم وتجارب. وطرق التدريس وتنوعها تعتمد على ثقافة وتجارب الأنسان، لكن هذه يجب ان لا تكون سائبة، وأن تكون خاضعة لجملة من الأعتبارات مثلما ما هو معمول به في هذه البلاد، حيث يشترط على المعلم او المدرس الحصول على الشهادات الأضافية في مجالات علوم النفس والأجتماع وغيرها من الحقول، حينما يتعلق الأمر بالتدريس، وأقولها صراحة، انا مع فكرة ان تقوم المدرسة بدور (التربية والتعليم) وليس التربية (وأستعمال كل الممنوعات والمحرملات مع التلاميذ) كما كان يحصل عندنا في العراق، من ضرب التلاميذ او اهانتهم، ولست ايضا مع فكرة (التعليم الصرف) المتبع في هذه البلاد، حيث بعض التلاميذ يستهترون ، ولا يقيمون احتراما للأساتذة والتعليمين، هذه هي نظرتي.
امنيتي الشخصية ان اخدم المجتمع بما اعرف وما املكه من معرفة، كما اتمنى مواصلة الكتابة، والمشاركة في الحياة الأجتماعية العامة بفاعلية ايجابية.  اما امنياتي للعراق، فأني اقولها صراحة، بأن ما من احد على وجه الأرض لا يحب وطنه، وأنا منهم، لكني تعلمت بأن  "كل مجتمع يأتيه حكام على مستواه"!، وقناعاتي الخاصة تقول، بأني عملت بأخلاص وتفاني له اكثر من 40 عاما، اما عندما غادرته (مرغما ومجبرا لا راغبا) فشعرت بأن صلة الوصل تلك قد تعرضت للأهتزاز! فما الذي كسبته، ان كنت قد غادرته، وليس لي فيه او منه ولا حتى راتبا تقاعديا عن عمل وتفاني وأخلاص لسنين طوال به وله!
   
*****     ******      ********         *******             *********      *******      *******

المربي داود زيّا انطوان قوزا
من مواليد العام 1934، في مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى/ (محلة عبرو) .
أكمل دراسته الأبتدائية في  مدرسة تلكيف الأولى، اما المتوسطة فكانت (متوسطة المثنى – الغربية)، وفي (الحدباء المسائية –المثنى) في الموصل. وأنهى الأعدادية في (الشرقية) بالموصل ايضا.
انتســب الى "دورة تربوية" والتي كانت عادة ما تقام لمدة سنة واحدة، وتخرج منها معلما في العام 1956.
اول تعين له كان في العام 1957 في "مدرسة الشوش المختلطة" شمال مدينة عقرة،  ثم نقل الى (قرية ترمه) التابعة لقضاء "تلعفر" بصفة مدير مدرسة ولمدة 3 سنوات.
ما بين الأعوام 1963 – 1985 خدم في مدرسة تلكيف الأولى، وكان يدرس مادتي (العربية والأنكليزية) للصف السادس،  لكن هذا لم يمنع ان تكلفه الجهات المختصة بالتدريس  في "مدرسة العرفان الأبتدائية" مواد (اللغة العربية ومادتي العلوم والرياضيات) وذات الشئ في "ثانوية تلكيف المختلطة" مادة اللغة الأنكليزية .اما في السنين التي تلت التقاعد، فقد كان يقوم بالتدريس البيتي الخاص، وفي اغلب الأحيان كان مجانا.
يستذكر المربي داود قوزا، عبير تلك الأيام بالقول: كانوا دائما ما يقولون ان التعليم في الصغر، مثل النقش على الحجر، وللحقيقة اقول، ان واحدا من اكثر الشخصيات العالقة بطفولتي كان مديرنا في "مدرسة تلكيف الأولى" الأستاذ (خضوري فرجو) فقد كان اداريا جيدا بأمتياز، وللأمانة اقول بأني تعلمت اللغة العربية الصحيحة منه، فقد كان يدرسنا تلك المادة بالأضافة لعمله الوظيفي. وذات الذكريات تطوف لتلتقي  بوجوه وأسماء عزيزة علـيّ خاصة بعدما  عدت لمدارس "تلكيف" كمربي، فأذكر منهم : حبيب كتولا، دانيال جـدّو، صبري جـدّو، قرياقوس فاضل النجار وحبيب فاضل النجار، وآخرون ربما لا تسعفني ذاكرتي اليوم ان استحضر اسمائهم، لكني وفي هذا المقام، فأني اترحم على ارواح من غادرونا بسلام، وأتمنى للأحياء منهم مزيدا من الصحة والعافية.
لقد تميزت حياتنا في المدرسة مع التلاميذ بالكثير من الفعاليات والنشاطات، والتي كانت تعزز من قدراتهم وترفع من مستوى المدارس ، خاصة في السباقات الرياضية، والتي غالبا ما كانت تبرز العديد من المواهب الرياضية التي صارت تتنافس على مستوى المحافظة او المحافظات. وللحق اقول، فأن شيئا ما قد جرى حتى تتدنى علاقة التلميذ بالأستاذ، ففي سابق العهد، كان التلاميذ يتراكضون من امام المدرس حينما يشاهدوه في السوق او الحي، اما اليوم فأنهم لا يكترثون ، ومن المخجل ان اقول، بأنهم يدخون السكائر امامه ودون اكتراث!
اعود وأقول، ان هبوط مستوى هذه العلاقات، كان مؤشرا سلبيا لهبوط مستوى العملية التربوية برمتها، مع دخول عوامل خارجية مثل المحسوبية والمنسوبية ، هذا اضافة الى ان جيلا كبيرا لم يكن يكترث بالتعليم او المدرسة، اما لحاجة عائلته له في الحقل، او لأنه (يائس) من الوضع ويفكر بالسفر مع عائلته اصلا.

مع ان امكانياتنا كانت محدودة، لكن جهدنا الفردي كان له التأثير ايضا، يستطرد الأستاذ داود قوزا بالقول: كنت محبا للكتاب والقرأة، وهذا ما وفّر لي مادة خصبة، كنت دائما ما اعكس قرأتي على تلاميذي على شكل قصص هادفة او عبر جميلة لحياتهم، ولآننا من مجتمع محافظ وبقيم عالية، فكنت احثهم دائما على العمل النافع، وعلى الأخلاق الحميدة، وتكبر سعادتي حينما يصادفني في مناسبات الجالية العديد من (الشبان او الرجال) وهم يتوجهون لي بالتحية والأحترام والتقدير، هذا الأمر يثلج صدري، ويبعث الفرح في نفوس افراد عائلتي ايضا.
عن امنياتي الشخصية فأني بالحقيقة اتمنى اولا ان يرتقي ابنائي الى ارفع المستويات، وأن يكونوا نبراسا في خدمة المجتمع، وأن يكونوا سعداء بحياتهم الشخصية والعائلية، وأنا بالحقيقة سعيد جدا بهم، وهم يحيطوني بمحبتهم وتقديرهم، ولا توجد في الحياة ثروة اكبر من المحبة، ابدا. كما وأتمنى ان اكون بصحة جيدة حتى اواكبهم وأواكب مسيرة ابنائهم ايضا(احفادي)، ورغم اني لا اعمل ، اي متقاعد، ويفترض ان يكون لي وقتا فائضا كبيرا، فبالحقيقة ان هذا الوقت يتبخر بين متابعة الأخبار، والقرأة او التواصل مع الأهل.
ولأننا تحدثنا عن الأخبار وعلاقتها بوطننا الغالي العراق، فأني اتمنى ان يعود كما كان في السابق، وطنا جميلا لكل ابنائه، وأن تتوفر الفرصة لنا او لأبنائنا او حتى احفادنا من زيارته والتمتع به، فهو وطننا الأم، وأرض آبائنا وأجدادنا مهما اختلف الزمن. وأتمنى من قلب مؤمن ومحب، ان يعم السلام ارجائه وفي كل بيت من بيوته.
*****     ******      ********         *******             *********      *******      *******

المربية نديمة حنا هـرمز حنا كجل
ولدت في مدينة تلكيف، التابعة لمحافظة نينوى  وفي  محلة (شنكو) في العام 1953.
درست الأبتدائية في "مدرسة الراهبات "بمدينة تلكيف، ثم اكملت "متوسطة تلكيف للبنات"، وبعدها تخرجت من "ثانوية تلكيف المختلطة". درست اللغة الأنكليزية في كلية الآداب التابعة للجامعة المستنصرية بين اعوام 1972-1976. بعد تخرجها من هذا الفرع، ظهر اول تعين لها في :
1- ثانوية ديبكة للبنين، في ناحية ديبكة التابعة لمحافظة اربيل، بعدها نقلت الى
2- ثانوية الكفاح في الموصل، ثم نقلت الى
3- ثانوية تلكيف للبنات، منذ نهاية 1979 حتى العام 2004، ســنة اتمام الخدمة والأحالة على التقاعد.

لم تكن مهمة اكمال الدراسة الجامعية والأنتقال الى بغداد بالمهمة السهلة، ولم يكن طريقها معبدا بالورود كما يقولون، ان كان نتيجة لبعض التحفظات والحرص من قبل الأهل، او حتى بمستوى العطاء (الراتب) الذي يتقاضاه المدرس، ومنزلته بعد التخرج، ويعلم العراقيين الى اي مستوى وصل راتبنا (حوالي 3 آلاف دينار) ناهيك عن عدم مراعات الجهات المسؤلة وضعنا الأجتماعي بالتناسب مع رواتبنا – البائسة – فكانت تعيناتنا تظهر خارج مدننا ، وبعيدة، مما كانت تشكل عبئا اضافيا ان كان في التنقل، او في ايجاد السكن حيث الوظيفة التدريسية، لكن تلك المعوقات لم توقفني، او تجهض احلامي ، فبالحقيقة  كان التدريس طموحي، وعندما مارسته، صرت احبه حد العشق، وكنت فرحة جدا، فقد كانت فرصة رائعة لي ان اجد نفسي، وأطور من قابلياتي، وأقيم اجمل العلاقات مع التدريسيات والمربيات اللواتي قاسمنني المهنة، وذات الشئ مع الطالبات اللواتي كنت لهن بمنزلة الأخت الكبيرة والصديقة والأم ، في النصيحة والمحبة وتقاسم الهموم.
اما عندما تعود بي الذكريات حيث المربين والمدرسين اللذين نوروا حياتي، وحياة  المئات مثلي بعلومهم وآدابهم ومعارفهم، فتأتي في المقدمة منهم الراهبة "جيروم" في مدرسة الراهبات (ماسير جيروم) والتي درسّتنا اللغة العربية في الأبتدائية، فقد كانت كالملاك بلطفها وطلتها وأنسانيتها، وحتى بمظهرها الخارجي، كذلك مع معلمتي التي رحلت للأمجاد السماوية (جميلة صنديحة) والتي درستني في الأول ابتدائي ايضا. اما في الجامعة، فيحضرني اسم الأستاذ "عباس" مدرس قواعد اللغة، والذي كان متميزا بطريقته وأنسانيته في التدريس.  وطالما تحدثنا عن المدرسين والمعلمين الذين تأثرت بهم، كان لابد ان اعرج على المدرسات الرائعات اللواتي جمعتنا  تلك المهنة معهن سوية، وأعتذر مسبقا ان كان احد الأسماء قد سقط سهوا او لم اتذكره في هذه اللحظة، لكني اتذكر بكل اعتزاز المدرسة "فلورنسا كوريال سيسي" حيث كنا نتناوب احيانا من اجل تغطية جميع الحصص المطلوبة، والأخوات "مسعودة صليوا يونو"، "جميلة توما" و "رمزية دانيال كساب".  لقد تطورت علاقاتنا الصداقية لدرجة راقية فيما بيننا، فقد كنا نتبادل الزيارات المنزلية، ونلتقي في اوقات الغروب (العصريات)، وفي ايام الأمتحانات كنا نتفق على اقامة مائدة مشتركة لكل التدريسيات وحتى الموظفين والمستخدمين، نتشارك بالطعام  ان كان طهيا او تقديما و (تناولا )ايضا.  لقد كنت سعيدة في مهنتي، وآمل ان اكون قد اديت رسالتي بأمانة وصدق، وربما تكون نتائج الأمتحانات وخاصة الوزارية، هي اكبر محطة وشهادة لي، فقد كانت تصل النسب الى حوالي 90% وهذه نتيجة  طيبة جدا.  ولأني احببت التعليم، فقد سعيت دائما نحو تطوير قابلياتي بالقرأة  وفي شتى الحقول – فلسفة – اجتماع – سياسة – ادب، وكذلك مع الأستمتاع  بالغناء والموسيقى العربية والتراثية العراقية،  وهذا ساعدني الى طرح ما هو متميز في اساليب التدريس، وجعل المادة قريبة ومحببة ،  وكنت غالبا ما ادعوا تلاميذي الى التحلي بالمثل العليا (تماما كما تربيت وتعلمت) في اتقان التصرف السليم والأبتعاد عن التهور، في احترام الكبير والشعور العالي بالمسؤلية تجاه نفسك، عائلتك، مدرستك، مجتمعك وبلدك.   على ان اكثر موقف افتخر به غالبا ما يقع في الأماكن او المناسبات العامة، فتجمعني الصدفة بالكثير من تلميذاتي، وأستمع منهن لكلمات المديح والثناء والمحبة، فأشعر حقا بالفخر والأعتزاز وأقول في ســــرّي: ان تعبنا لم ولن يذهب سدى، طالما عندنا اناس بهذه الروحية الطيبة وهذه الشاكلة. وبعد السلام والتحية، اكتشف ان العديد منهن قد تسلق سلم العلوم والوظيفة ، بين الطبيبة او المهندسة او الباحثة في الدراسات العليا ، ومن الطريف ان اقول ان بعض شقيقاتي صـرن يلقبنني ب (المختارة أو مختارة الطرف) نسبة الى كثرة معارفي، او الناس التي تتعرف عليّ وتتذكرني من مدارس العراق اثناء تجوالي في الأماكن العامة أو اسواق التبضع.

بعد ان اكملت مدة الخدمة والأحالة على التقاعد، غادرت العراق الى الولايات المتحدة للألتحاق بباقي اسرتي التي انتهى بها الزمن في هذه المدينة (ديترويت)، ومنذ وصولي وأنا اعمل في سلك التعليم ايضا، لكني اخترت هذه المرة التعليم في الروضة، اذ اؤدي مهمة (مساعدة معلم) في احدى الروضات القريبة من سكني، فهو دوام ثابت طوال العام الدراسي، وممتع جدا مع هذه الورود وعالمهم الساحر والصافي، وعندي في الصف حوالي 18 تلميذ، نعلمهم القرأة والكتابة، الأرقام والحروف مستخدمين ارقى وسائل الأيضاح، كما ونقيم لهم الكثير من الفعاليات والسفرات بغية تعزيز شخصياتهم وتعزيز العلاقات الجماعية والأبتعاد عن الروتين والرتابة في الروضة. وكم اتمنى لو تكون مؤسساتنا التعليمة في العراق بهذا المستوى، ولكم ان تتصوروا بأن هذه هي روضة للأطفال،  بينما للأسف ان مدارس العراق تفتقر الى ابسط  مقومات المدارس الحديثة، ناهيك عن الأساليب والمناهج التي لم يطرأ عليها التحديث لسنوات طويلة. وفي هذا المقام، والظرف الصعب الذي يمر به العراق، فأني اتمنى من اعماقي ان يعود الهدوء، وأن يشعر الناس بالأمان والسلام، وأن تسود روح التعايش بين كل مكوناته وقومياته وأديانه، انها امنية اعتقد بأمكانية تحقيقها لو عرف الناس حسن اختيار قادتهم الذين يأخذوهم لبر الأمان، وليس لسوح الحروب والقتل والدمار.
*****************
ملحوظة: اعتذر للأحبة، عشاق اللغة العربية والضليعين بقواعدها، عن عديد الأخطاء الأملائية والقواعدية التي تحفل بها كتاباتي، اعتذر لهم لأن ليس قصدي الأسائة الى هذه اللغة الجميلة او قواعدها، بل ان امكنياتي هي هذه، وغالبا ما اكتب، لنصرة وأعلاء الأنسان وليس لأي شئ آخر، وهذا ما يجعلني ان ابرر لنفسي تلك الأخطاء عملا بمقولة (الغاية المشروعة، تبررها الوسيلة المشروعة).

كمال يلدو
تموز 2014


361
نقلا عن الزميل ســعد كاظم/ ابو نورس ....خريج كلية الزراعة - جامعة بغداد 1978
شكرًا كمال الدكتور عبد الكريم توما احد أعمدة كلية الزراعة ، الكتابة عنه وما قدم هو عرفانا منا لجيل اصبح مثله كمثل العملة النادرة في عراق اليوم بعدما  نخر النظام السابق الأركان الذي يرتكز عليها التعليم وقضت سنوات الحصار على البقية الباقية ، تحية للدكتور توما وتحيه لك لهذا  التوثيق

362
د.عبد الكريم توما: الشـجرة الوارفة بعطائها العلمي

مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (4)
   قصدوها من كل انحاء البلاد، وكانت جلّ آمالهم ان يجعلوها تزهو وتكبر، فيكبروا معها، تلك كانت بغداد الجميلة، وحكاية المثقفين والأدباء والشعراء والفنانين والكوادر العلمية الرصينة معها. اما اليوم ، سنسير سوية في رحلة مع رجل العلم الكبير د.عبدالكريم توما، ونزور اهم محطاته، ونستذكرها قليلا عللها تبث قليلا من شعاعها في نفوس اليافعين، ويجدوا ظالتهم في سلوك نفس الجادة التي سلكها استاذنا الفاضل، في العلم وخدمة الأنسان من اجل ان يرتقي به وبمدينته. وهي محطة لتقديم الشكر والأمتنان للجيل الذي خدم الوطن والطلبة منّا نحن ابناء العراق الأوفياء، بأمل ان نزيّن ايامهم وأيامنا بالمحبة والتقدير ، لكل من وضع الأوطان وأهلها نصب عينه، وفاض عليهما بمشاعره النبيلة.
 
البداية
   د.عبدالكريم توما هرمز شـعوكا، من مواليد العام 1925 في قرية "تلسـقف" التابعة لمحافظة نينوى. بدء الأبتدائية في مدرسة "تلسقف" لغاية الخامس، وأنتقل الى مدرسة  "تلكيف" الأبتدائية لأنهاء الصف السادس. ثم انتقل للموصل وأكمل "المتوسطة الغربية" هناك، بعدها التحق ب "ثانوية الزراعة" في مدينة  ابي غريب في بغداد، وتخرج منها في العام 1945.  مقترن بالسيدة هناء يعقوب اليوسف، ولهما بنتان وولد ، كما ولهما حفيد واحد.
كان اول مشواره مع التوظيف بعنوان "ملاحظ  زراعي" في مدينة "زاخو" للعامين 1945- 1946،  ثم  نقل الى مدينة "شقلاوة" بنفس العنوان الوظيفي للعامين 1946 – 1948. ويبدو ان هذه السنوات الأربع كانت كفيلة بأن تقنع مرؤسيه بجديته وجدارته.
 
رحلة الألف ميل
 نتيجة لأدائه الوظيفي المتميز، فقد أختير في البعثة العلمية لدراسة موضوع "الغابات والموارد الطبيعية" لدورة تدوم (5) سنوات في الولايات المتحدة، على ان يقضي السنة الأولى في الجامعة الأمريكية ببيروت.  وبعد ان انجزها بنجاح باهر، اوفد الى جامعة (ايست لانسـنك) في ولاية مشيكان الأمريكية، والتي تعد من اشهر الجامعات في حقول الغابات والدراسات  الزراعية، وبحلول العام 1953 كان يحمل شهادة "بكالوريوس علوم" من الجامعة المذكورة. عاد للعراق، وبعنوان وظيفي  وأختصاصي جديد في مديرية الغابات العامة،  بوزارة الزراعة في العاصمة بغداد. وما ان حل العام 1955 حتى رشــحت مجددا (يقول د. عبد الكريم)  لدراسة موضوع "المساحة المستوية والطوبوغرافيا" وذلك في المعهد العالي في مدينة "لاهاي" في المملكة الهولندية والتابع  للأمم المتحدة ولمدة سنة واحدة، وبعد انجازي تلك الدراسة  منحت  "درجة ماجستير علوم" في ذلك الأختصاص المهم. عدت بعدها الى وظيفتي في مديرية الغابات  ببغداد، وبادرت الى تدريب المسـّاحين العاملين في تلك المديرية.

صناعة الكادر المختص
كانت تلك البعثات العلمية والدراسية، وجديته وأخلاصه في العمل، تمثل منتصف  المهمة التي يجب ان تصل مداها الصحيح، فقامت مديرية البعثات العامة بوزارة التربية  في العام 1957على ترشيح الأستاذ "عبد الكريم توما" لنيل شهادتين، الأولى ماجستير في الموارد الطبيعية، والثانية الدكتوراه في الفلسفة العلمية وببحث كان عنوانه " دراسة مقارنة للأشجار المنتجة للعصائر الحلوة" ويضيف قائلا:  بعد ان انجزت دراستي ، ونلت كلتا الشهادتين بتفوق وأمتياز، عدت الى بغداد في العام 1961، ورجعت الى عملي الأصلي في المديرية العامة للغابات، لكن عاملا جديدا فرضته حالة حصولي على الشهادات العليا ومنها الدكتوراه، فدخلت وزارة التعليم العالي على الخط وفاتحت وزارة الزراعة ذلك للأستعانة بخبراتي وشهاداتي  للتدريس في "كلية الزراعة"  لمادتي "الموارد الطبيعية" و "المساحة" وهما مجال بحوثي وأختصاصي في آخر دراساتي، وصادف ايضا ان تنتهي مهمة الأستاذ السويسرى الذي كان يدرّس هذه المواد، وقرر العودة لبلاده، فلم يكن لدى الوزارة خيارا افضلا من اختياري لهذه المهمة، وأنا الكفاءة العراقية والوطنية (واطئة الكلفة على الميزانية) فتم ذلك.

حكايتي مع "جزيرة بغداد"
بتكليف من جامعة بغداد في العام 1964، انيطت بي مهمة الأشراف على تأسيس "حديقة نباتية علمية" للأغراض العلمية والبحثية، وتهيئة الموقع للأغراض السياحية، وكان ذلك المكان هو جزيرة بغداد السياحية، والتي كانت تسمى "جزيرة ام الخنازير" اذ تقع في نهر دجلة مقابل جامعة بغداد في الجادرية. ارتأت الجامعة الأستفادة من خبرات (الجمهورية العربية المتحدة) في هكذا انواع من الحدائق، فطلبت منها ارسال احد خبرائها في هذا المجال، وفعلا كان ذاك هو (د.سليمان مصطفى)، اذ رافقته عدة مرات حيث الجزيرة البغدادية، لكي يطلع على خصائصها الجغرافية والطوبوغرافية، ونوع تربتها.  وبعد ان أنهى د.سليمان مهمته، قدمت تقريرا بمقترحاته وآرائه بغية الأخذ بها وتطبيقها، وكان من ضمنها  ايفاد مسؤول الحديقة المزمع انشائها الى (مصر) للأطلاع على مختلف الحدائق العلمية والترفيهية، وتم بالفعل ترشيحي لهذه المهمة حيث اوفدت في تموز من العام 1965، وأطلعت على الحديقة (الأوزبكية) والحديقة (اليابانية)، بعدها الى مدينة الأسكندرية وألأطلاع على حدائق القصور الملكية والجمهورية. عند عودتي للبلد، قدمت مخططات عديدة بما شاهدته بأمل تطبيق ما توصلت اليه من معلومات مهمة ومفيدة.
لكن، وبمزيد من الحزن والأسى، فقد جرى قتل هذا المشروع في المهد، وأهدرت الأموال والجهود والبحوث، حينما  طلبت (متصرفية لواء بغداد حينها)  امتلاك الجزيرة ، بغية انشاء المرافق السياحية وتحويلها الى منتجع !

عودة للتدريس
عدت بعد هذه التجربة للتدريس في كلية الزراعة، وأرتأى احد زملائي التدريسين ان اقوم بتأليف او ترجمة كتاب في موضوع الغابات. وقد رحبت بمقترحه هذا، وتوجهت صوب الترجمة، اذ ان التأليف سيأخذ وقتا وبحثا طويلين، والحاجة كانت ماسة لوجود هذا الكتاب، وأخترت لذلك  كتابا مهما  أشرفت عليه نخبة اختصاصية تابعة للأمم المتحدة وبعنوان (ممارسات التشجير في المناطق القاحلة)، وبالفعل اكملت ترجمته وقدمته للجامعة التي طبعته وأعتبرته كتابا منهجيا آنذاك. وصادف في ذات العام، 1968 ان طلبت حكومة المملكة العربية السعودية ترشيح من تراه جامعة بغداد مناسبا لتدريس مواضيع (الموارد الطبيعية والمساحة) في جامعة الرياض، وبالفعل ترشحت لهذه المهمة التي اديتها حتى العام 1970.
في العام 1975 اقدمت على تأليف كتاب (المساحة المستوية والطوبوغرافيا) مع الدخول في المساحة الجوية، نتيجة لحاجة مكتبتنا العربية وطلبتنا الى مصدر يساعدهم كثيرا في دراساتهم، وقد تبنته جامعة بغداد وقامت بطباعته مرتان، بعد ان نفذت الطبعة الأولى وبعدد يقارب 4000 نسخة ، ووزع ايضا على جميع اقسام الهندسة (التكنلوجية، المدنية والمعمارية) وكذلك اقسام الجيولوجيا والآثار في جميع جامعات العراق، وضم ايضا الى عائلة الكتب المنهجية والتدريسية منذ ذلك التأريخ (وربما لليوم).
اما في العام 1979 ، فقد طلب مني تدريس موضوع المساحة الأرضية في كلية الهندسة/جامعة بغداد، اضافة الى مهامي التدريسية الكثيرة في كلية الزراعة، وفعلا انجزت المهمة بنجاح. وما ان اذن العام 1980، حتى شعرت بالحاجة الى التقاعد بعد خدمة تجاوزت 35 سنة ، ومازلت اذكر كيف ان كلا من عميد كلية الزراعة د.مهدي، والذي كان زميلا لي، ورئيس جامعة بغداد قد وافقا عليها، فتم الأنفكاك يوم 15/6/1980.

استشاري لدى المنظمة الدولية
لم تمض فترة طويلة على بدء زمن التقاعد، حتى اتصل بي احد زملائي  والذي كان يعمل رئيسا للهيئة العلمية والأجتماعيىة لمنظمة الأمم المتحدة في بغداد (اسكوا) وطلب مني العمل كأستشاري في تلك المؤسسة وبموجب عقد يصدر من منظمة الأغذية والزراعة الدولية في روما. امتد عملي معهم مابين الأعوام 1983-1994، وكنت اقدم الدراسات التي تهتم بتحليل الأمور الزراعية في منطقة غرب آسيا (العراق، سوريا، الأردن، لبنان وأقطار الخليج العربي) بغية وضع الحلول اللازمة للنهوض بأساليب تطوير الزراعة على اختلاف انواعها، مع التأكيد على حصر العوامل المؤدية الى ظاهرة التصحر، وأيجاد الحلول الناجعة لمقاومتها. ومن باب الأمانة ، فقد توفرت لي الفرصة لدراسة التقارير المتوفرة حول تلك المواضيع والمقدمة من قبل نخبة من الأختصاصين العاملين في منظمة الأغذية والزراعة الدولية آنذاك، وكانت معينا جيدا لي.

الفرص الضائعة
لم تكن مسيرتي المهنية بالرحلة السهلة، بل رافقتها الكثير من الصعوبات والمشقات، والأبتعاد عن الأسرة ايضا،  وأكرر امتناني للأستاذة والمسؤلين الذين منحوني ثقتهم في الأيفادات، على اني كنت استحقها بجدارة، وحققت اعلى الدرجات والنتائج ايضا، وكانت محطة مهمة في حياتي، كنت اتمنى لو ان الدولة عرفت كيفية استثمار هذه الطاقات على اتم وجه، ورغم ان وقتا طويلا قد مضى منذ ان احلت نفسي على التقاعد (حوالي 34 سنة) الا ان دولا وجامعات ومؤسسات كبرى، لاتترك اصحاب الأختصاصات والشهادات دون ان تستثمر خبرتهم ومعلوماتهم حتى بعد فترة من التقاعد (طبعا بموافقة الطرفين)، وتحضرني حادثة  مازالت مرارتها في فمي لليوم، ففي العام 1979، قررت ان ازور جامعتي التي حصلت منها على شهادة الدكتوراه (جامعة ايست لانسنك في ولاية مشيكان)، وعند زيارتي قسم الموارد الطبيعية، كان استقبالهم لي جميلا، اما المفاجأة كانت عندما شاهدني رئيس القسم ، فنهض من مكانه وقصدني ، ورحب بي بحرارة، ومازالت كلماته ترن في اذني كلما مرت تلك الذكريات وقال: (السيد توما، انت هنا من جديد، لكن هذه المرة لن ادعك تذهب مني، وســوف تدرّس عندنا في الجامعة)، فقلت له اني مازلت اعمل في الجامعة ببغداد، فبادرني القول:(سأعطيك مدة سنة كاملة حتى تصفي امورك، وتأتي الينا انت وعائلتك، وسنمنحك الأقامة الدائمية ، وراتبا يساوي ما يتقاضاه الأستاذ الجامعي الآن)! هذه الحادثة جرت وكان عمري (54) عاما، ولك ان تتصور الفرق في استثمار الكفأت والطاقات المبدعة، ولكن للأسف لم تمض الأمور كما كنت اتمنى، فبعد ان احلت نفسي للتقاعد عام 1980،  اردت ان التحق بهذه الجامعة، الا ان قانونا كان قد صدر بعدم  منح رخص مغادرة العراق لذوي الشهادات العليا الا بعد مرور سنة على تقاعدهم، فضاعت تلك الفرصة التي كان من المكن ان تغير حياتي كثيرا.

السيرة العلمية والأكاديمية في سطور
1- التحصيل العلمي
      - بكالوريوس من جامعة ولاية مشيكان – ايست لانسنك، 1953
   - ماجستير في المساحة الجوية، هولندا 1955
   - ماجستير من جامعة ولاية مشيكان – ايست لانسنك، 1958
   - دكتوراه من جامعة ولاية مشيكان – ايست لانسنك، 1961
2 – الأعمال الوظيفية والمهنية
   - موظف في مديرية الغابات العامة – وزارة الزراعة – جامعة بغداد 1945 – 1957 بعناوين: ملاحظ، معاون         اخصائي، مدير شعبة ورئيس قسم. 
   - محاضر ثم استاذ مساعد في كلية الزراعة، جامعة بغداد 1962- 1980، استاذ، كلية الهندسة جامعة بغداد 1980
    -عميد معهد الغابات العالي – جامعة بغداد 1963 – 1964
   - محاضر في كلية الزراعة – جامعة الرياض – السعودية 1968 – 1970
   - خبير المياه والأراضي والمراعي والغابات – وزارة الزراعة – بغداد، 1980 – 1982
   - استشاري لدى الوكالات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة بموجب عقود 1983 – 1996
UNEP, UNDP , ESCWA , FAO     
3 – التأليف والترجمة
   - ترجمة كتاب من الأنكليزية الى العربية بعنوان" طرق التشجير في المناطق القاحلة، 296 صفحة بدعم من جامعة      بغداد.
   - تأليف كتاب بالعربية لتدريس طلبة الجامعة بعنوان: المساحة المستوية والطوبوغرافية ومدخل في المساحة              الجوية، 377 صفحة في العام 1975، وطبع ثانية في العام 1977
   - ترجمة كتاب من الأنكليزية الى العربية بعنوان: علاج التهاب المفاصل بدون استعمال الأدوية 1999.
   - تأليف كتاب بعنوان: شافيا الأمراض والآلام – الثوم والخل، باللغة العربية (تحت الطبع).
   - تأليف كتاب بعنوان: امراض التهاب المفاصل والروماتزم- الوقاية والعلاج (جاهز للطبع).
   - تأليف كتاب بعنوان: مذكرات ابن الريف من سهل نينوى (جاهز للطبع).
4 – البحوث والدراسات والمقالات العلمية
   - اعداد  8 بحوث باللغة الأنكليزية حول مختلف المواضيع المتعلقة بالغابات تم نشرها  في مجلات علمية عراقية         وأجنبية.   
   - اعداد 16 دراسة ووثيقة علمية لحساب الوكالات المتخصصة لمنظمة الأمم المتحدة وتم نشرها من قبلها، كان 12      منها باللغة الأنكليزية ودارت حول تطوير القطاع الزراعي وتحسين وأدارة الموارد الطبيعية، وأجراءات منع          التصحر في عدة دول عربية بالشرق الأوسط والجزيرة العربية.

مدارات
كانت لتربيتنا المنزلية والتعاليم التي نشأنا عليها،  دورا مهما في صياغة شخصيتنا ومواقفنا،  ان كان في العلاقات العامة او في الصدق والتعامل والتعاطي مع الوظيفة. ومن المواقف النبيلة التي لا انساها للمرحوم والدي، ان حدث في الفترة التي اضحت الآثار الأقتصادية المدمرة  للحرب العالمية الثانية  تضرب وتصيب العوائل الفقيرة وذات الدخل المحدود، وكنت حينها شابا يافعا، فتقدمت منه بطلب ان اترك دراستي وألتحق بالعمل لكي اعيل العائلة، فرفض ايما رفض وطلب مني (أمرني) ان اكمل مشواري مع الدراسة، لأنها  وحسب قوله، مفتاح السعادة الشخصية وسر خدمة الأخرين والبلد. وحينما استذكر تلك الكلمات، فأني والحق يقال، مرتاح الضمير لسيرتي المهنية وخدمتي للبلد، وعلاقاتي الأنسانية مع الهيئات التدريسية او الطلاب، لكن ما يحزنني  كثيرا، وأنا انظر لتلك السنوات التي مضت ، والطاقات الكبرى ، والأموال التي صرفتها الدولة على المشاريع الزراعية والدراسات والجامعات، وأقارن حال البلد اليوم، وما آلت اليه الأراضي الصالحة للزراعة وأنخفاض مناسيب المياه ومشاكل شط العرب ، لا استطيع ان اتمالك مشاعري، وفي زمن كان في العراق 3 جامعات فقط، واليوم عندنا 28 جامعة، لكن كم هو معيب ان يقبل اناس في جامعاتنا الكبيرة وهم يحملون شهادات مزورة! كم هو مهين ومخجل هذا الحال، وكم هو معيب ايضا، ان يرتضي المسؤلون بهذا الأمر ويعتبروه امرا واقعا.
اما الأمر المحزن الثاني فهو، الطريقة التي يجري فيها تقييم وتثمين عملنا نحن التدريسين من خلال الراتب التقاعدي، وبرغم كل واردات البلد العملاقة، فأني لا افهم كيف يمكن لأستاذ جامعي يحمل شهادة الدكتوراه، وله خدمة 35 سنة ان يكون راتبه التقاعدي مساويا لراتب، مستخدم وذو خدمة لا تتجاوز 12 سنة. هذا شئ غير مقبول، ليس بأعتراض المبلغ المالي (الرمزي) وانما هذا يمثل الموقف من جيلنا ومن خدماتنا وحاجاتنا الأساسية.

امنيات
رغم كل ما شهده العراق من حروب  وحصار وكوارث ومآسي، لكن كان للوطن مذاقه ومنزلته الخاصة ، اما وبعد ان اخذ العمر منّا نصيبه، فقد وصلت الحالة ان لا اجد في السوق الدواء الخاص لمعالجة حالتي المرضية، فأضطررت للمغادرة انا والعائلة في شهر ايلول من العام 1998، بحثا عن سقف يسعنا، وسماء نستطيع ان ننام تحتها ونحن نشعر بالأمان، فكانت مدينة ديترويت الأمريكية التي وصلناها  في حزيران 2001، الأرض التي جمعتنا مع العائلة والأقارب والأهل وكثير من الأصدقاء وحتى بعض تلامذتي. وبالحقيقة، فأني ومنذ وصولي ، انا في حركة دؤوبة ومستمرة في الكتابة ومراسلة المجلات والجرائد المحلية الصادرة هنا ومنها (مجلة القيثارة) التي يشرف على اصدارها السيد سلام رومايا، احد تلامذتي في كلية الزراعة، كما وأعمل على اكمال العديد من البحوث والتي اتمنى ان يكون لي متسعا من الوقت حتى اضعها بخدمة وبين ايدي من يستطيع الأستفادة منها.
وحينما يسألني احدهم عن امنياتي الشخصية، فأني وبلا انتباه، اقفز الى امنيتي الكبرى للعراق، حيث اعرف ما مدى تأثير الأمن والسلم والأستقرار على اهله وناسه، كما وأرنو لليوم  الذي تقود دفة بلدنا فئة متســمة بروح التسامح والمحبة والوفاق والأخلاص، لكي يتمكن الشعب العراقي من العيش،  وهو الذي جرّب الحرمان والمآسـي لسنين طويلة وما يزال، للأسف.

**قبل ان انهي لقائي مع د.عبد الكريم توما، طلبت منه بعضا من الصور الفوتوغرافية من حياته الجامعية او المهنية، فأجابني بحسرة واهنة (هو وأفراد اسرته): لا توجد عندنا صور، لقد تركناها في العراق، لقد تركنا كل ذكرياتنا، وصورنا والمجلات، ولا نعرف مصيرها الآن، نحن هنا بلا صور، بلا ذكريات!!
وبالحقية فأن هذا الكلام اثار عندي حزنا ممزوجا بالغضب، على حالة التناقض التي يعيشها المواطن، وعلاقته بالأنظمة. فالحاكم  له حرية التصرف والتنقل، لابل حتى اخذ (شوايات اللحم) معه عند السفر، وكذا مع طاقم لعمل (السمك المسكوف)، لكن المواطن الذي خدم البلد بأخلاص، يخشى من حمل صوره الشخصية، من حمل ذكرياته عند السفر! يالها من مفارقة عجيبة.
اما الصور المرفقة، فهي مشاركة من الصديق (سعد كاظم) خريج كلية الزراعة/بغداد في العام 1978،  شكرا له.وللأمانة اقول، ان الكتابة عن سير المربيات والمربين الذين خدموا في العراق ليست الا مبادرة آمل منها شيئان: الأول ، ان نقول لهم شكرا وألف شكر على جهودكم وصبركم وتضحياتكم من اجل بناء الأجيال، والثاني، ان نعزز بيننا، نحن سكنة بلاد الغربة ، تقليدا حضاريا في الأحتفال والأحتفاء بكل من خدم  في العراق او خارجه، خاصة اذا كان على قيد الحياة. ان نشكره، ونشكر عائلته، وأن نزيده قدرا وأحتراما على ما هو عليه، ان نرفعه عاليا لمصاف النجوم. انهم ابناء شعبنا ويستحقون منّا كل المحبة والتقدير، ومنهم د. عبد الكريم توما.

كمال يلدو
حزيران 2014
 

363
ديترويت تـودع "الأب الروحي" و إبنها البار، مايـك جـورج

  في يوم الثلاثاء 24 حزيران 2014، طوى عميد رجال الأعمال الكلداني/ العراقي مايك جورج، عن عمر ناهز ال 81 عاما ،  صفحة مهمة في تأريخ الجالية، تاركا ارثا كبيرا وذكريات لاتعد ولا تحصى في اهم مفاصل وحياة الجالية، منذ ان كان سكانها (من المهاجرين الكلدان) يعدون بالعشرات، ليومنا هذا،  حيث  يعدون بعشرات الآلاف، وبوزن اقتصادي وأجتماعي وسياسي وثقافي كبير ومؤثر.

 البداية
ولد الراحل مايك جورج (ميخائيل – مايكل – مايك) في مدينة ديترويت، من ابوين كانا قد هاجرا من  بلدة تلكيف العراقية في 20 كانون اول 1932، وكعادة كل اليافعين فقد آثر العمل  لمساعدة عائلته، لدرجة انه كاد ان يترك دراسته ليتفرغ للعمل، لولا اصرار والده بأن يكمل الدراسة لأنها طريقه نحو التقدم والعطاء. وبعد ان حصل على شهادة الدراسة الثانوية من " المدرسة المركزية العالية للكاثوليك في ديترويت" عام 1950، انضم للعمل مع والده وشقيقه في شركة الألبان التي كان اسمها (جورج وأولاده). وعقب التحاقه بالخدمة الأزامية في (الحرب الكورية) وتسريحه منها،  عاد للعمل من جديد. كان عمله مع والده وشقيقة (شاركي ) عبارة عن المختبر والمدرسة التي رسـخت عنده وأختزلت تجربة كبيرة ليس في حب العمل فحسب، بل في تملك ناصية الجرأة والأقدام بيد، وحب الناس ومساعدتهم في اليد الأخرى. فعائلة والديه تنحدر من القرية وحياة الفلاحين البسيطة، وعشية ولادته كانت الولايات المتحدة تمر بأسوء ازمة اقتصادية، فكان لهذه الخلفية اثرها الكبير الذي سيلازمه طوال حياته، حتى حينما بلغ ما لم يبلغه احدا من اقرانه او ابناء جيله، من المكانة والنجاح على كل الأصعدة.   اقترن بالسيدة (نجاة دخـو) وأنجبا 6 اولاد، ولهم الآن 10 احفاد.

استغرقت مسيرته  ما لايقل عن ثلاثون عاما (عقود الخمسينات والستينات والسبعينات) حتى وصل الى مصاف رجال الأعمال المتميزين في ولاية مشكان، ولتكون شركة الحليب ومنتجات الألبان (ميلودي فارم) حجر الأساس  لمشروعه الأقتصادي العملاق والذي وصل مدياته بحوالي 19 مشروعا، موزعة بين العقارات والفنادق وشتى الأعمال التجارية والغذائية،  وكان امينا على نصيحة ابيه  في ان لايحصر نفسه في المجال (الخدمي) بل ان يفتح الأبواب واسعة امام الدخول والأبداع في المجال الأنتاجي، ولهذا فقد  طوّر كثيرا مزارع شركة الألبان وأضاف اليها عدة فروع لتصبح واحدة من (عمالقة)  منتجات الحليب والألبان، في المنطقة والبلد.  ان هذا الأساس منحه فرصة ذهبية عرف كيف يستثمرها، ليس لغناه فقط (وهو الذي وصل الى ما وصل اليه) بل ليكون نموذجا فذا للقادمين الجدد الذين تزايدت اعدادهم بشكل ملفت مع دخول عقد السبعينات، وليشاركهم بخبرته في ايصالهم الى احلامهم بالرفاه والتقدم الأقتصادي.
 لقد تمكن (مايك جورج) من ان يتبؤ مركزا تجاريا مرموقا في مدينة ديترويت، نتيجة لتعاملاته، ولتملكه  شخصية فريدة في صدقها، وفذة في طموحاتها،  فقد صار طريقه معبدا لنيل تقدير وأحترام وثقة البنوك والمصارف الأمريكية، والتي تعتبر العمود الأساسي لأي تقدم في المشاريع الأقتصادية، اذ لم يتوانى ابدا في تسخير هذه الأمكانيات الجديدة  لدعم  ابناء الجالية الذين كانوا عطاشى للعمل والتقدم، وبالفعل، قام بأستثمار امكانياته في (شركة الألبان) بتوفير القروض التجارية ، التي ساعدت المئات ان لم اقل الألوف لفتح المحلات التجارية، والأسواق، او في التوجه نحو العمل العقاري الخلاق، تلك الفرص التي كانت صعبة جدا على جيل كبير لم يملك ناصية العلاقات مع البنوك او لينال ثقتها وضماناتها (الكفالات)، ناهيك عن قلة الخبرة في التعاملات التجارية في السوق الذي كان جديدا على الكثيرين، لكن للذي تعامل مع (مايك جورج) ، فقد كان قد وضع كل خبرته ومعارفه  ومعلوماته الأقتصادية في خدمة ابناء الجالية، من اجل تقدمهم ورفعتهم، حتى اطلقوا عيله كلمة ( العم مايك – آنكل مايك) لمحبتهم  وتقديرهم ، كما ستحسـب له الجالية والأيام، دوره الكبير في تأسيس اول بنك بحدود العام 2005، يدار برؤوس اموال من الجالية الكلدانية بديترويت ، وهو "مصرف مشيكان" الذي يؤمل ان يلعب دورا كبيرا في العملية التجارية والأقتصادية والأستثمارية المحلية.

قوة الأنسان
لطالما ردد (مايك جورج) عبارته المشهورة مع المحيطين به (( قوة الأنسان وعظمته تكمن في خدمته للآخرين))، هذه الكلمات التي وضعها موضع التنفيذ، ولازمته في كل مراحل حياته، وأقترنت معه في  (الحلوة والمرة)، ولهذا فقد عرف عنه اكثر من صورة رجل الأعمال الناجح. عمل طوال مسيرته على مساعدة الآخرين، وعرف عنه بأنه كان يرعى الكثير من الأرامل، وقدم المساعدات السخية لمنظمات الجالية الخيرية، وساهم في تأسيس  اول صرح للجالية (الجمعية العراقية – الكلدانية الأمريكية)، ولاحقا كان له الدور الكبير في بنائها (جنبا لجنب مع نخبة طيبة من ابناء وبناة الجالية)، ومن ثم في انتقالها الى مقرها وبنايتها الجديدة والتي تحمل اليوم اسم (نادي شانون دوّا)  والذي يضم ، ملعبا كبير للعبة الكولف، وناديا اجتماعيا  وقاعات للرياضة،  حيث يعتبر احد اهم المراكز الترفيهية، والأجتماعية والثقافية . وفي السنين الأخيرة  اضاف لسجله الأنساني، دعمه الكبير لمساعدة اللاجئين العراقين في دول الجوار، اذ انه رعى بشكل متميز مشروع (تبني عائلة لاجئة) وفتح مكتبه ، بكل امكانياته لمساعدة اللجنة القائمة على هذا العمل .

احلامه مع الجالية
في رحلته الطويلة، لم يقبل ان يكون متواريا عن الأنظار، او واقفا في الظل، كان هدفه السامي اعلاء شأن الجالية وأبنائها، وربما  (للأنصاف) يمكن القول، بأنه لعب دورا بارزا (مع طيف خلاق من الجالية) في وضع اسم "الكلدان" بدائرة الأهتمام عند المسؤلين الأمريكان، المحلين او على صعيد الدولة. فقد تميز بعلاقاته  مع ابرز وأهم رجالات مجلسي النواب  والشيوخ في الولاية او في واشنطن العاصمة، ومع المسؤلين الكبار وصولا الى رؤساء الجمهوية الذين تطرز صورهم التذكارية سوية معه، جدران مكتبه او منزله، وهو لم يحتفظ بهذه العلاقات له فقط، بل سخرها بكل ما اوتي من قدرة لكي تكون في مصلحة ابناء الجالية العراقية هنا، فكان حريصا على دعوتهم الى مركز الجالية في (ساوثفيلد مانور او شانون دوّا لاحقا)، ويمهد للعلاقة مع ابرز الوجوه الأجتماعية والكنسية والثقافية والسياسية وحتى للجيل الجديد، من اجل ان يكون لهم التواصل والتأثير المتبادل لاحقا. ويستدل من كلمات الثناء التي  كانت تقال بحق (مايك جورج) من هؤلاء المسؤلين ابان الأحتفالات واللقاءات او في الحملات الأنتخابية التي كانت تجري، وليس غريبا ان يلقبوه ب (الأب الروحي – كاد فاذر) للجالية في ديترويت.
حينما كان منغمرا في المساعدة بتقديم (القروض المالية) لأصحاب المصالح او المبتدئين الجدد، لم يخشى يوما ان يكبروا ويصبحوا منافسين له!  بل بالعكس،  فقد كانت الفرحة تعتمره وهو يرى هذا الجيل يكبر وينمو ويزداد تأثيره في السوق، وتترادف  كلمة السوق او التجارة او المحلات او الكفاءات مع كلمة (كلداني – كالديان) تلك التسمية المحببة، ايما حب لقلبه الودود. وكم من مناسبة كان يتقدم اليه احدهم، ويشكره على دوره في مساعدتهم للوصول الى ما وصلوا اليه نتيجة قروضه لهم، او مساعدته  بنصائحة ومشورته، اما حينما كان يدخل قاعة احتفالات الجالية او الأعراس، فليس  من باب المبالغة ان اقول، بأنه كان نجم تلك الأماسي بلا منازع، ومن جانبه، فأنه لم يتوانى عن اخذ السماعة ومخاطبة الجموع، بطرفة او نكتة او حكاية جميلة، وباللغة المحببة الى قلبه ( السورث – الكلدانية) التي كان يجيدها ، رغم ولادته في هذه البلاد.
اما اجمل اللحظات التي كانت تمر على خاطره، فكانت تلك التي يكون فيها شاهدا في احد احتفالات الجالية  بتخرّج الجيل الجديد من الثانويات او من الجامعات،وهم يقفون صفوفا صفوفا ، بأمل ان يدخلوا معترك الحياة من اوسع ابوابه المعرفية. كان دائم القول في تلك المناسبات بأنهم : " مستقبلنا،  وهم من سيرفعوا شأن الجالية وأسم الكلدان عاليا"، وكم كانت كلماته صادقة ونحن نشهد اليوم هذا الجيل ، وبأعداد كبيرة ، من اصحاب الشهادات والأختصاصات ، متوزعين  ومتداخلين في كل زوايا الحياة، ليس في ولاية مشيكان فقط، بل في معظم الولايات الأمريكية، يجمعهم القاسم المشترك الأعظم، في حبهم  لجاليتهم الكلدانية، ولوطن آبائهم وأجدادهم ، العراق.
اما في السنوات الأخيرة، فأن اكثر ما كان يؤلمه حال العراق والعراقيين، خاصة  حينما يسمع عن قصصا مريعة مرت على الكثير من اللذين وصلوا لهذه الديار، او من مشاهداته ومتابعاته للأخبار، ولهذا فقد كان سخيا في دعم برنامج مساعدة (تبني عائلة لاجئة) او حتى في مساعدتهم هنا، والمنظمات الأنسانية القائمة عليهم.

كلمات اخيرة
برحيل هذا الأنسان، لي يقين كبير بأن ارثه وسيرته وأنجازاته ستبقى محط اعجاب وتداول لسنين كثيرة قادمة، اما جرأته وثقته العالية بنفسه، وحبه  (الغير طبيعي) لجاليته ولمساعدة الناس بكل مشاربهم، فأنها حتما تبقى نبراسا  ينير دروب الكثيرين. اما دوره في ابراز الجالية الكلدانية  وأعلاء شأنها وتعزيز مكانتها، فهذا الأمر لن ينتهي برحيله عنّا، اذ اننا نفخر بجيل كبير من (ابناء وبنات) الجالية الذين لا يبخلوا بوقتهم او مالهم او عطائهم وعلمهم، لأكمال مسيرة الأنسان الطيب (مايك جورج)، وقد تأتي الأيام ونشهد، بأن الطريق الذي ولج به  الراحل، سالكة ولها الكثيرين ممن هم مستعدين لأكمال ما بدئه  (مايك) او ممن سبقوه أو عاصروه ، على الصعيد التجاري والأقتصادي وبروز  رجال اعمال ناجحين وكبار من الجالية، او في الجوانب العلمية والثقافية ومجال الأختصاصات الطبية والهندسية وفي الأعمال، او في المجالات الأجتماعية والتضامن بين ابناء الجالية والسمو بالعلاقات، او حتى بنشاط منظماتها الأنسانية والثقافية وبراعتها في منجزاتها، كل هذه النجاحات لم تكن لتزهو بهذا الحجم، لولا وجود عمل ومثابرة وسهر وتضامن اناس خيرين من الجالية مثل (مايك جورج)  وجيل كبير معه، كان ومايزال.

الذكر الطيب للأنسان الرائع، مايك جورج
العزاء والمواساة لزوجته الغالية (نجاة) وأبنائه  (أنتوني ، روبرت ، رودني ، ليني ، سكوت ومايكل جورج الثاني) وأحفاده وكل اصدقائه ومحبيه،
 فمن المؤكد اننا سنفتقده في مناسباتنا وأحتفالاتنا.

** شكرا  لمجلة (اخبار الكلدان – كالديان نيوز) لموضوعها القيّم عن الراحل، والصور الجميلة المنشورة، والشكر موصول للغالي عادل بقال الذي  كان صاحب المبادرة لعمل اللقاء الصحفي معه، لكن يد القدر كانت اسرع بعدة ايام،  فكانت هذه المقالة بديلا عن اللقاء، عسى ان تكون وافية بحق هذا الأنسان المبدع والرائع.

كمال يلدو
حزيران 2014
 


الأستاذ مايك جورج


مع السيدة نجاة دخو ليلة الزفاف


العدد الخاص لمناسبة ميلاده ال 80


بالزي العسكري عشية التحاقه


مايك  ونجاة والأولاد الستة


مايك جورج وزوجته نجاة


مع عقيلته السيدة نجاة بعد 50 سنة زواج


مع كيكة عيد ميلاده ال 80 السنة الماضية

364
الف شكر لموقع عينكاوة المتميز على هذا النشر الرائع، وبالحقيقة ان هناك العديد من الأخوة والأخوات الذين اتصلوا  وهم فرحين بهذه السلسلة من اللقاءات مع المربيات والمربين الذين خدموا اجيالا وأجيال. مع الود والتقدير لكل من زار الموقع .
كمال يلدو/ ديترويت

365
مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (3)


الأستاذ ابراهيم حميد حكيم  اثناء الدروس الخصوصية


في مسيرة تأريخ التعليم التي إبتدأت منذ  تأسيس الدولة العراقية، قصصا وحكايات كثيرة ربما تكشف الأيام عن بعضا من ابطالها وتفاصيلها.  منها من تحدثت عن التضحية  والذهاب الى اقاصي القرى والأرياف، ومنها من  تحمل (النفي) الطوعي بعيدا عن المدينة، ومنها  ما كان هدرا ومضيعة لكفاءات كبيرة خسرناها بسبب الأنظمة الفاسدة  و وضعت في غير مكانها.  لكن، ومن بين ركام تلك الذكريات والظروف، تسمو قصصا جميلة لحياة نخبة من الوطنيين واليساريين (معلمات ومعلمين) من الذين منحوا مهنة التعليم بعـدا انسانيا ووطنيا عاليا، استحقوا الثناء والمحبة من بعض تلامذتهم، والسجون والملاحقة من قبل الأنظمة القمعية التي تسلطت على رقاب الناس والتي اوصلت العراق لما نعيشه اليوم من حروب ومآسي وتخلف. هذه بعضا من اسفار هذا الجيل، الذي تحّمل الصعاب وقبلها بقلب مفعم بحب الأنسان ورفعته، تلك القيم التي ترسخت عنده من ايمانه العميق بقيمة الأنسان، وبأنه الغاية التي يجب ان تصبو لها كل الحركات والتغييرات، ليس هذا فحسب، بل لتصل الى رفعة الوطن وأستقلاله وكرامته ، والدفاع عنه ضد العدو الخارجي والأستعمار. هذه السطور المختصرة معهم، ليست الا  الصفحات الأولى من كتاب حياتهم، وربما يساهم القراء (والشهود) على اكمال تلك الفصول، والأحتفال بجيل المربين الذين منحوا تلامذتهم مزيجا رائعا من حب المعرفة والتعلم، وحب الوطن والأنسان والحياة.

المربيـة عليـّة حسـين سـالم المـّراني
من مواليد مدينة العمارة، منطقة السـّرية في العالم 1937.
درست الأبتدائية في مدرستين، الأولى كانت "مدرسة الماجدية" في العمارة، محلة الماجدية (عبر الجسر)  ويصادف ان تكون عمتها السيدة (ناجية المّراني) مديرة المدرسة، والثانية في مدرسة بقرية السلام، منطقة الطوّيل، اذ ان والدها كان مديرا للمدرسة هناك ايضا. المتوسطة والثانوية كانت في "ثانوية العمارة للبنات"،  وانقطعت في الرابع ثانوي بعد قبولها في (دار المعلمات للبنات)  ببغداد/ منطقة شارع الرشيد على ما تتذكر. امضت 3 سنوات بها وتخرجت في العام 1955.
كان اول تعيّن لي بعد تخرجي معلمة في اللغة الأنكليزية (تقول الست عليّة) في قضاء علي الغربي بالعمارة و "مدرسة علي الغربي"  اذ درّسـت الأنكليزية للصفين الخامس والسادس، ومن الصدف ان تكون ابنة قائمقام المنطقة (ميسون الحكيم) من تلميذاتي، وقد حققت نسبة عالية جدا في النجاح، وبالحقيقة لم تنخفض عن 80% في اسوء الأحوال. ومع نقل والدي للعمل في بغداد، انتقلنا معه وعينّت في العام 59 في مدرسة للبنات بمنطقة (الجعيفر)، وكنت من النساء الناشطات في العمل الوطني، وألقي الكلمات في اصطفاف الطالبات. في هذا العام (1959) نلت الشرف في تمثيل الشبيبة العراقية ضمن وفد العراق الذي اشترك في "مهرجان الشبيبة العالمي، " في العاصمة النمساوية  فيـنّا.
بعدها انتقلت الى "مدرسة الزهراء الأبتدائية" في منطقة الصالحية. بعد ايام من انقلاب 8 شباط الأسود عام 1963، تعرضت للأعتقال يوم 4/4 /63 وكنت آنذاك حاملا في الشهر السابع بأبني البكر، ولم يطلق سراحي الا بعد ان امضيت سنة كاملة ويومان، اي يوم 6/4/1964، ورافقها فصل من الوظيفة،  ومراجعة مركز شرطة البياع ثلاث مرات يوميا.
عدت للتدريس في العام 1965 ب "مدرسة سارة" في الوشاش. وأنتقلت اخيرا للتدريس في احدى مدارس البياع حتى العام 1987 حينما احلت للتقاعد. في السنين التي تلت، كنت اهتم بالأسرة وتربية الأبناء، ومع هذه المشاغل ، كنت اجد الوقت لممارسة هوايتي المفضلة في القرأة، حيث اتجول مبحرة في عالم الكتاب والمفكرين ونتاجاتهم في الفكر الأنساني والروايات والقصص.
تحضرني بعض الأسماء (رغم مرور سنين طوال ونسيان البعض منها) من المعلمات والمدرسات اللواتي كان لهّن الفضل في تعليمي ومنهم، الست "مآرب علي" مدرستنا للغة العربية، والشاعرة الرائعة "لميعة عباس عمارة" التي درستني مرتان، الأولى في الثاني متوسط، والثانية في دار المعلمات وفي مادة اللغة العربية ايضا. ولا انسى عمتي الرائعة "ناجية المرّاني" مديرتنا في الماجدية، و "بلقيس خضير المّراني" في الماجدية ايضا، وكل من " نظيرة عبد وست نورية" زميلاتي  في منطقة علي الغربي، و "نورية عامر" في الزهراء بمنطقة الصالحية.
لم تكن مهمة التدريس لي مهنة  أو وظيفة  مجردة، بل كانت منهجا للحياة، وكنت اعامل تلميذاتي وكأنهن  بناتي ومن افراد أسرتي، افرح لفرحهن وأحزن لهن ايضا. ومن الطريف ان اذكر، انه في العام 1975، وكنت حاملا بشهري الرابع بأبني فراس، وكنت قد طلبت اجازة صحية نتيجة صعوبات الحمل، ولم تكن السنة الدراسية قد انتهت، وكنت اشعر بمسؤلية كبيرة تجاه تلميذاتي، خاصة اولئك اللواتي كنّ على ابواب امتحان البكلوريا للسادس ابتدائي، فطلبت من المديرة ان تبعث لي ب (سبورة وطباشير) للبيت مع مجموعة طالبات الصف السادس من اجل اكمال المنهج، وفعلا قمت بذلك لشهرين، حتى انتهت الأمتحانات وكانت نسبة النجاح 100% لذلك الصف! وفي مرات كثيرة كنت اقوم بتغطية عمل المربيات الأخريات في الحالات الطارئة ، كما حدث مرة مع معلمة اللغة العربية، فقمت بأكمال منهجها، وذات الشئ في تدريس مادتي الرسم والرياضة. اما ساعات الدوام، فلم اكن لأبخل بها، اذ كنت ابدء بساعة قبل الدوام، وهكذا بعد انتهائه، لأني حريصة على عملي وعلى سمعتي الوطنية، ونتيجة لذلك فقد منحتني الوزارة العديد من كتب التقدير والشكر في عملي التدريسي.
لايساورني ادنى شك، وأنا في هذا العمر وبعد هذه التجربة، حينما استرجع تلك الأيام السوداء التي قضيتها على يد البعث والحرس القومي ، بأن الزمن  سيكون بيننا حكما، وسيثبت من كان يحب الوطن ومن كان يتاجر به، وبالفعل تدور الأيام لتكشف  وتثبت لي، قبل اي شخص آخر، بأن مصير هذه الشلة كان وسيكون (لمن يقتفي اثرها ايضا) هو مزبلة التأريخ لا اقل، لكن بثمن باهض للناس، وأضاعة لفرص تقدم الوطن.
لم يكن سهلا علي وأنا المتعلمة، وأنا المعلمة ايضا، ان القى في السجن مع سجينات من كل الأشكال، ولم احترم حتى وأنا حامل في أشهري الأخيرة، لماذا؟ لأني مختلفة معهم في الفكر والرأي، فلم اكن ارهابية ولا جهادية كما يقولون اليوم، كنت سياسية وأنشط بين النساء من اجل توعيتهم وغرس روح محبة الوطن والعمل بينهم، ولأني كنت من ناشطات رابطة المرأة العراقية، فقد قمت بحملات للتوعية بحكم مسؤليتي في ( صرايف مدينة الثورة) آنذاك، هذا العمل الذي كان الكثيرون يتهربون منه، كنت اتشرف به، لكن للأسف كان جزائى بالسجن والمراقبة والأهانة !
 يا لها من مفارقات لازالت تطاردني كشبح قبيح.  مازلت اتذكر كيف نقلوني للمستشفى حينما دنت ساعة الولادة وكنت وحدي، مع حارس في باب الغرفة، ومنعوا عائلتي (امي على الأقل) من مرافقتي، ناهيك عن زوجي (همام المراني) الذي كان محكوما بالأعدام غيابيا، والذي لم يخف ويزورني في السجن اكثر من مرة، مدعيا انه قريبي او شقيقي! هكذا تجرعنا كأس المرارة من اجل شعبنا وناسنا وأهلنا، ولست في وارد ان اطالب احدا برد الجميل لي، فقد قمت بما املاه علّي ضميري الوطني، لكني اتألم لحال البلد والجيل الذي منحناه حبنا وحياتنا في التعليم، وأتسائل، اين ذهبت القيم والأخلاق والمبادئ التي عملنا سنينا وسنين على غرسها في نفوس الأجيال؟

امنياتي للعراق، رغم اني شاهدة على اننا نعود للوراء اسرع مما نتقدم للأمام، امنياتي ان يتحسن الوضع، وأن يستتب الأمن، وأن تحصل الناس على حقوقها، وأن تتوفر الخدمات العامة في كل البلد. وكم أشعر بالأسى وأنا ارى كيف ان البلد تحطم على يد العصابات والميليشيات والسراق،  لكني أراهن على الخيرين من ابناء شعبي على دحر الأرهاب والطائفيين، من اجل تشكيل حكومة تهتم بالأنسان اجتماعيا وثقافيا وأقتصاديا، وأن يكون للعناصر الخيرة دورا في بناء وطنهم، وليس ابعادهم ومحاربتهم لأسباب تافهة. كما اتمنى ان ارى مدارسنا وقد لحقت بمدارس العالم المتقدم، وأن تمنح الفرص لطلابنا وأن يعاملوا معاملة انسانية وتوفر لهم البنايات والصفوف والبرامج التعليمية اللائقة، حتى يكون مستقبلهم، ومستقبل الوطن بأيدي أمينة.
***********            **************             **************    *****************

المربي كامل صـادق كجّــو
أنا من مواليد مدينة القوش التابعة لمحافظة نينوى في – المحلة التحتانية بالعام 1937.
انهيت الأبتداية في مدرسة "مار ميخا" في القوش، اما المتوسطة فقد انجزتها في مدرسة "ام الربيعين" في الأعظمية بعد ان تحولت العائلة للسكن في بغداد،  وفي الثانوية انتسبت الى "ثانوية المشرق المسائية" التي كانت تقع في منطقة عكد النصارى، حيث كانت تتقاسم البناية مع مدرسة الطاهرة الصباحية. في العام الدراسي 58-59 انهيت ثانوية التجارة، ودخلت دورة تربوية مركزة في منطقة باب المعظم، تخرجت بعدها معلم ابتدائية.
كان اول تعيين لي في محافظة الديوانية/ قضاء الشامية، وكانت المدرسة عبارة عن (صريفة)،  وفي العام 1962 نقلت الى  محافظة الناصرية، سوق الشيوخ – كرمة بني سعيد، في "مدرسة القبس الأبتدائية" بقرية ام نخلة. وبعد دوامي هناك لمدة 3 شهور، تعرضت للأعتقال وأنا في المدرسة  بدعوى حملي للأفكار اليسارية، ولم تنفع توسطات مدير المدرسة آنذاك، فنقلت لسجن في الناصرية، ثم سجن بغداد، وبعدها الى الأمن العامة في 19 كانون ثان 1963، وعندما حل 8 شباط الأسود كنت في السجن،  فنقلت الى الموقف العام (وصادف معنا  السيد أمير حامد شقيق المرحوم الزعيم)، ثم الى محكمة الشعب، التي تحولت الى سجن قسري،  وقد امضيت  9 شهور في المعتقل، صاحبتها كل انواع الأهانات والتعذيب، والحرمان من العائلة، او حتى معاملة السجين كأنسان له قيمة في هذه الحياة.
بعد ان افرجوا عني، عملت بالتعليم الخصوصي بمساعدة الأستاذ (سعيد شامايا) في تدريس البنين والبنات بمدينة الضباط  لمادتي الرياضيات والأنكليزية ، وللمراحل الأبتدائية ولحد الصف الثالث متوسط. ولم تتغير الأحوال الا بعد ان صدر قرارا حكوميا بعد العام 1968، بأعادة المفصولين السياسين، وأعفاء المحكومين غيابيا وحضوريا، عندها تشجعت وعدت للخدمة، ولكن هذه المرة في مدرسة "المحاويل" ولمدة سنة واحدة، نقلت بعدها في العام 69 الى "مدرسة بن غازي" في مدينة الثورة – منطقة الجوادر، منذ العام 1969 وحتى سنة التقاعد عام 1982، اي ما يساوي (15) سنة متواصلة.  غادرت العراق مع عائلتي في ذات العام، نتيجة تصاعد  المناخ العام في محاربة اليسارين والأقتصاص منهم، وقيام الحرب مع ايران وخراب البلد. قصدت اليونان، اذ مكثنا فيها حوالي 4 سنوات، ثم سنحت لنا فرصة القدوم للولايات المتحدة، وأنا مقيم في مدينة ديترويت منذ العام 1985. وقد مارست بعض الأعمال الحرة لفترة قصيرة، ثم احلت نفسي للتقاعد، وأقضي اوقاتي الآن بمتابعة العديد من النشاطات الوطنية والمشاركة فيها ان كانت ندوة او امسية او لقاء مع احدى الشخصيات الزائرة ،  بالأضافة الى القرأة ومتابعة اخبار العراق، ناهيك عن التواصل مع العائلة والأهل والأصدقاء.
مع يقيني الذي لايتزحزح بالأفكار الأنسانية واليسارية، مازلت اعتقد، بأن بعض الحركات التي نشطت في العراق والدول العربية، تحت مسميات قومية او دينية، لم يكن هدفها اكثر من عرقلة عملية بناء الأنسان والأوطان، فلجأت الى القمع والدمار والحروب، وها اننا نشهد الحصاد المر لسيطرة تلك الحركات، وكيف حرمت شعوبها من طاقات خيرة ابنائها وبناتها الذين توزعوا في ارجاء الدنيا الأربع.  في العراق، وفي ديترويت، لم ابخل شخصيا ولا حتى عائلتي في خدمة العراق والعراقيين، وفي خدمة ابناء (قوميتي و مدينتي)، فقد تشرفت في بغداد بتقلد منصب سكرتير نادي بابل الكلداني عام 1977، وفي ديترويت تقلدت  رئاسة وسكرتارية نادي الأسرة العائلي لعدة سنين. وكم يؤلمني النظر للوراء ، الى تلك الأيام التي كان من الممكن ان تكون سني عطاء وبناء، لا ســني سجون وملاحقات، ويحضرني اسمان اعتز بهما كثيرا كانا معي في "مدرسة بن غازي" وهما السيدان (كامل ثامر جلاب) و (عبد الرحمن – ابو عوف) اللذان ساعداني كثيرا  ووفرا لي الحماية من جلاوزة البعث ، ومن تقاريرهم المكروهة.

شخصيا، لم ابخل على تلامذتي في تعليمهم المواد العلمية حتى ينجحوا ويتفوقوا بدراستهم، بل كنت اشعر بمسؤلية تجاههم ايضا في مجال التربية الوطنية الحقة، وربما من الطريف ان اذكر، بأني كنت القي على تلاميذي (نشيد موطني) المعمول به اليوم، في تلك السنين لما يحويه من مفاهيم وقيم وطنية سامية.  وفي عملي،  بعد تلك المسيرة القصيرة (والمليئة بالعذابات)، اشعر براحة الضمير،  فبالأضافة لوظيفتي كمعلم ، فقد قدمت الدروس الخصوصية للتلاميذ في مدينة الضباط ولمدة 18 سنة متواصلة، ويفرحني اني حصلت على كتب الشكر والتقدير طوال مسيرتي كمعلم ايضا .
قد يكون لأساتذتي الذين قدموا لي العلم منذ طفولتي أثرا بالغا في بناء شخصيتي اللاحقة، وعشقي لمهنة التدريس وللتلاميذ، وأذكر منهم : مدير مدرستنا الياس مدالو،  معلم الأنكليزية عبد الرحيم كتـوّ، والفنية جرجيس زرا، والعربية حبيب عبـيّة، والرياضة سليمان بوكا والعلوم عابد كعكلا، اتمنى الصحة لمن مازالوا بيننا، والذكر الطيب لمن فارقونا.
امنياتي للعراق كثيرة وتبدأ بالتخلص من العنف، وتحقيق ديمقراطية حقيقية في البلاد، وبناء نظام يمثل كل الشعب وأطيافه، ومع يقيني بأن هذه الوجوه الموجودة اليوم – سبب مأساتنا- علينا تبديلها بأسرع وقت، فأني مؤمـن بأن هذه البلاد لن تتقدم الا حينما نعي كشعب، بأن يعود رجل الدين لموقعه في الجامع، ويترك السياسة لذوي الأختصاص، وأن يقوم في بلدنا نظام فصل الدين عن الدولة، ودون ذلك، ربما سننتظر قرونا وقرونا قبل ان يشهد اطفال العراق رياضا يلعبون فيها بأمن وأمان.
**********       ************       **************            *********          *********

الأستاذ ابراهيم حميد ياقو حكيم (موفق حكيم)
من مواليد مدينة القوش التابعة لمحافظة نينوى العام 1945، وفي محلة "قاشا".
درس الأبتدائية في مدرسة القوش الثانية (مدرسة الشيشا)، المتوسطة والثانوية في ، ثانوية القوش. بعدها دخل كلية التربية، التابعة لجامعة بغداد/ فرع الكيمياء. بعد تخرجه، شــمله التعيين المركزي، فكانت  "المتوسطة المركزية" في الموصل، والواقعة قرب "جامع النبي شيت" اولى محطاته في سلك التعليم، وأمضى فيها الفترة مابين 1969-1977 حيث نقل أثرها الى العاصمة بغداد  و "اعدادية ابن رشــد" الواقعة في منطقة بغداد الجديدة للأعوام 1977-1997، حيث أذن وقت الأحالة على التقاعد.  على الرغم من  دوامه في "اعدادية ابن رشد" الا ان حاجة الوزارة كانت تدعوه لعمل الأنتداب احيانا، فقام بذلك في  ثانويتي "ســومر" و "المعالي"  للبنات والواقعتان  في منطقة  الغدير ومحيطها .

قد يكون "حب الناس" المتبادل هو اكبر رأسمالي في هذه الحياة (يقول الأستاذ ابراهيم)،  ففي عملي الوظيفي، عملت بكل صدق مع التلاميذ، ولم ابخل عليهم بالمعلومة او الوقت او حتى بالنصيحة، هذه هي اخلاقي وهذا هو مبدئي الوطني. كنت اقوم  بتدريس ما بين 6-8 شعب دراسية للصف السادس وبمادة الكيمياء، اي بمعدل 300-400 طالب سنويا، ويضاف لها ما لا يقل عن 100 طالب في التدريس الخصوصي، كانت حياتنا منهكة ومتعبة، وما يزيدها طينا وبلة، كانت سياسة البعث وجلاوزته المنتشرين في المدارس او في المناطق السكنية، والذين لم يكن لهم هما آخرا سوى ملاحقة الناس وكتابة التقارير عنهم، وشهدنا  الدرجة  التي وصل اليها البلد على يدهم لاحقا!
لا انسى ابدا نهج التعليم، والقيم الوطنية العالية التي غرسها بنا اساتذتنا الأوائل، وأذكر منهم استاذنا ومدير ثانوية القوش (منصور اوده سـورو)، ومدرس مادة الفيزياء الأستاذ (جرجيس ابراهيم حميكا)، انحني لهم ولكل من رباني وعلمني الف باء الحياة، اجلالا لذكراهم الطيبة، وترحما عليهم ان كانوا قد غادرونا. وطالما تحدثنا عن الأساتذة فلا بد لي ان اشيد بموقف بعضهم  والذين لم يكونوا يسارين لكنهم كانوا اشرافا ولم يرضوا بالظلم،  ومنهم  المرحومين (نوري حبيب سورو)، (يونس كوريال اودو)،  و (اندراوس حنا قيّا)، و(الأستاذ نجيب يوسف اسطيفانا). اما في "مدرسة ابن رشد"  فقد كان لي الشرف ان اتقاسم مهنة التدريس مع الأنسان الراقي والرائع (فاض ثامر – رئيس اتحاد ادباء العراق الحالي) اذ تحضرني دائما مواقفه الوطنية المشرفة في تلك السنين العجاف.
لم نكن نحن مجموعة المدرسين اليساريين او غير المنتمين لحزب البعث، بالناس السيئين،  فلقد ادينا واجبنا المهني على اتم وجه، وتشهد على ذلك نسب النجاح العالية وكتب التقدير والشكر، لكن سياسة الأحتواء والأجبار الرعناء للبعث، هي التي حرمتنا من اية دورات  تأهيلية، او انتداب للخارج، او منح الفرص للدخول في التعليم العالي والحصول على شهاداته، لكن بالمقابل كنّا نواجه بالأستدعاءات للأمن والمخابرات، او بالمراقبة والوشاية من قبل  بعض التلاميذ او الأساتذة الذين يفترض ان تجمعنا معهم الزمالة، لكن حساباتنا وحساباتهم اختلفت، فجمعتنا تقاريرهم ووشاياتهم .  لكن ما يزيدني فخرا، اني انا (والعديد من زملائي التدريسين) لم نجامل السلطة على حساب مبادئنا، او نسترزق رضاها. لقد كنّا حملة شهادات ولنا رسالة مهنية، فأرتضينا التنازل عن حقوقنا (الكثيرة) مقابل المساومة معهم!
بعد تقاعدي في العام 1997 كنت اعيل العائلة ايضا بالتدريس الخصوصي، ومعلوم للكل كم كان راتبنا آنذاك (3 آلاف دينار، وهذا ما كان يساوي قيمة  طبقة  ونصف الطبقة من بيض المصلحة كما يقولون، اذ  كان سعر الطبقة يصل الى الفي دينار)، كما اني مارست وشاركت في العمل الطوعي والخيري وخاصة في مجال التدريس، فقد درست مجموعة الطلبة المنحدرين من عوائل فقيرة وبدون مقابل، ذلك في بناية كنيسة "مار كوركيس" الواقعة في نهاية منطقة الغدير، وشاركتني في العمل الخيري "الأستاذة سعيدة رمـو" على ان  الدورات كانت بتكليف من "الأب نظير" راعي الكنيسة. في العام 2009 غادرت العراق بعد تردي الأوضاع الأمنية وتلاشي فرص الأمان والتقدم، فقصدت الأردن التي بقيت فيها حوالي 3 اعوام قبل ان اصل للولايات المتحدة في الشهر العاشر من العام 2012، وقد ساعدت اثناء مكوثي في عمان اللاجئين العراقيين ، وساهمت في توزيع وأيصال (الحصة التموينية) المقدمة من الأمم المتحدة للعوائل العراقية المعففة،  كما ساعدت الكثيرين  في متابعة قضاياهم  أو بملء الأستمارات او في تمشية معاملاتهم، وبلا مقابل. ومنذ ان وصلت ديترويت، لم امارس العمل، بل امارس دورا ايجابيا في الحقل الثقافي، حيث اكتب للعديد من المجلات المحلية، والصحف  الصادرة هنا في مدينة ديترويت وأشارك في معظم الندوات الثقافية المقامة هنا، كما امارس هوايتي المفضلة في القرأة، وخاصة تلك  المتعلقة بتأريخ العراق القديم، فهو مادة ممتعة بحق.
شخصيا، اعيش حياتي بالتناصف مع الناس، الذين هم سر فرحي وسعادتي، ايا كانوا، ويمكن ان اقول ان اروع اللحظات كانت ومازالت تلك التي التقي فيها بأحد طلبتي، الذي يبادرني بالسلام ويقول كلمة شكر حلوة، هكذا تربيت ومن هذا الفكر الأنساني ارتويت، محبة الناس ومن اجل خلق مجتمعات سعيدة للبشر. كما وأشيد بتوجهات الجيل الجديد في هذا البلد من ابناء جاليتنا، الذين اخذوا يشقون الطريق نحو الدخول في المؤسسات الرسمية والحكومية حتى الوصول الى مركز صنع القرار، فهو حقهم المشروع وعليهم الأستفادة منه.

اما امنيتي للعراق، فأنها غالية وربما صعبة المنال. لكن  من خلال معاينتي الوضع فأني اشعر بحجم الكارثة الثقافية والأنسانية التي يمر بها عامة الناس والتي اشبهها بحالة اللاوعي الثقافي، وبنتائجها الكارثية ومنها ما افرزته الأنتخابات التي اتت بذات الوجوه التي ادخلتنا في هذا النفق الطائفي المظلم، وعودة الظلم ومصادرة الحريات على شحتها ، اقول مع هذا فأن قناعتي بالتغيير وبحجمه وبناسه لا تتبدل ابدا، فهو آت شئنا ام ابينا، وسأكون سعيدا حينما تقوم في العراق حكومات ليبرالية وديمقراطية، ويصبح النظام مدنيا علمانيا، ففي هذا الوطن خيرات تكفينا وتزيد، وسيكون معيبا ان نرى انسانا فقيرا او مهمشا، او نرى طفلا بلا مدرسة او رياض اطفال.

كمــال يلـدو
حزيران 2014
 


الأستاذ ابراهيم حميد حكيم  - بورتريه



الأستاذ ابراهيم حميد حكيم  بسفرة جامعية الى سدة الهندية 1967



الأستاذ ابراهيم حميد حكيم  في المختبر - الصف الرابع كيمياء



الأستاذ ابراهيم حميد حكيم في سفرة الى منصورية الجبل والزميل عزيز الشي



الأستاذ كامل صادق كجـو - بورتريه



السيدة عليّة حسين المرّاني - بورتريه

366
مـربّون في الذاكرة: رحلة مع بناة الأنسان العراقي (2)


لأستاذ صباح طوبيا يلدو - بورتريه

تحت سماء الوطن، فتحوا ابوابا، ورسـموا احلاما لأجيال كثيرة، ومع الوقت اضحت هذه المهنة، ظلهم الذي يلازمهم ويصاحبهم، فمنحوها قلوبهم،  واجمل سنيهم. ورغم مضي زمن غير قصير منذ ان غادروا المهنة، او تقاعدوا منها، الا ان كلمة (سـت) و (استاذ) مازالت حاضرة في وجدانهم، ومازالت قادرىة على حملهم الى العالم الجميل الذي كان سائدا.
يكتب السيد ابو حبيب في موقع "العلم اليوم" هذه الخاطرة: ((سُئل إمبراطور اليابان ذات يوم، عن أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير، فأجاب: «بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلم حصانة الدبلوماسي وراتب الوزير)).
 وبهذه البلاغة يحق لنا ان نقف قليلا ونتذكر مسيرة ذاك الجيل ومعاناته وصولا الى ايامه هذه وسكنه في بلاد الغربة، ونسأل: هل انصف العراق وناسه  هؤلاء الجنود المجهولين؟
 فعلى الرغم  من اننا نعيش في بلاد جديدة ، الا ان هذا لا يمنع ابدا من تكريم جيل المعلمين والتدريسيين الذين قدموا الكثير، فمسيرتهم  تلك تستحق منّا، نحن ابناء العراق الأوفياء، ان نشكرهم ونقدم لهم الأمتنان،  اينما كانوا منتشرين في بلاد الغربة، ان كان بالكتابة عنهم، بنشر قصصهم وذكرياتهم وصورهم.  فدعونا  نقوم سوية بتكريس واقع جديد فيما بيننا، واقع الأحتفال والأفتخار والأعتزاز بكل مبدع، خدم بصدق وتفان، حتى وأن تجاهلت المؤسسات المعنية دورها في القيام بذلك!
وفي هذه المناسبة، ادعوكم  لرحلة قصيرة مع بعض الوجوه العراقية التي خدمت في سلك التدريس في عهود مختلفة. ويقينا ان في جعبة كل واحدا منهم قصصا كثيرة وحكايات وذكريات، وستسمعوهم سوية وهم يصبوها في مجرى واحد كبير، هو حب الأنسان ورفعته.

 المربية جنفياف دانيال ججو القس يلدا – كرمو
من مواليد مدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى، وقد لعبت الصدفة وحدها في مكان الولادة، اذ كانت العائلة تسكن مدينة (شهربان)  حيث كان والدها يعمل في الحدادة (تورنجي)، ومع اقتراب ايام الولادة، قصدت امها مدينة تلكيف لوجود الأهل والأقارب هناك، فولدت "جنفياف". لكن سرعان ما رحلت عائلتها الى مدينة الموصل (المركز) وعندما كبرت قليلا وأدخلوها المدرسة، امضت الصفوف الثلاث الأبتدائية في الموصل (مدرسة الكلدان الأبتدائية)، وأنتقلت ثانية الى تلكيف، فأكملت الأبتدائية في (مدرسة الراهبات). في المتوسطة درست في (متوسطة المعرفة للبنات في الموصل)، بعدها انتسبت الى (دار المعلمات ) في الموصل، وكان المعهد قد افتتح للتو، وتخرجت معلمة – انكليزي – في العام 1959.
عندما كنا مجموعة من التلميذات، كنا مبهورات بمعلماتنا، بجمالهن وأزيائهن وطلتهن، فأخذنا بســحر هذه المهنة، وفعلا توجهنا مجموعة من الصديقات نحو هذا الفرع . كان اول تعيين لي في مدينة (الحبانية) في ايلول 1960، وللطرفة اقول، فأن راتبنا الأسمي آذناك كان 19 دينار، وتضاف له 12 دينار علاوات ومخصصات، وفي نيسان من العام 1961، جرى تعديل راتبنا الأسمي من 19 الى 20 دينار.
كانت مدرسة (الهدى الأبتدائية للبنات) اولى خطواتي في هذا العالم الذي سيأخذني معه لحوالي 35 سنة قادمة. ودرسّت حينها مادة اللغة الأنكليزية للصفوف الخامس والسادس. بعد 5 سنوات ، نقلت الى بغداد ومدرسة (جسر ديالى الأبتدائية للبنات) والتي كانت تقع بالقرب من مدينة الزعفرانية. بعدها عينت في مدرسة (الشقائق) في منطقة كمب سارة ولفترة قصيرة، ثم الى مدرسة (الخلد الأبتدائية) في منطقة النعيرية والكيارة، في اطراف بغداد الجديدة. عملت مدة 34 سنة و 10 شهور ما بين مهمة التعليم، و منصب معاونة المدير،لكن وعلى الرغم من التزاماتي في التدريس فقد حاولت ان اكمل دراستي الجامعية في كلية الآداب، وبعد فترة قصيرة من الدوام، انقطعت وذلك لصعوبة التوفيق بين الأثنين، ولبعدها الكبير عن مركز عملي وسكني، فقد كنت حقا آمل ان احصل على شهادة من كلية الآداب! وحينما انظر مرة اخرى الى سني الخدمة تلك، أشعر بالفخر والأعتزاز، بأني قد اديت واجبي بكل صدق وأمانة، ويشهد على ذلك ، استمراري في العمل رغم كل الظروف، وكتب التقدير والثناء والشكر التي نلتها. لقد كانت حياتنا كمربيات، او مع التلاميذ، حياة مفعمة بالنشاطات والمحبة والتعاون. وكم كنا نفخر حينما تحقق مدرستنا مركزا متقدما في سباقات وزارة التربية الرياضية، ان كان في كرة المنضدة، السلة، الطائرة او حتى في الأستعراضات بموسم الربيع التي عادة ما كانت تقام في (الرمادي) حينما كنت ادرّس في (الحبانية).
لقد تركت ســني التدريس ذكريات عطرة مع نخبة طيبة من المربيات والتي تصفهن ست جنفياف بأنهن (نوم بالعين) ومنهم: في مدرسة جسر ديالى: المديرة فريحة السامرائي، بروين قزاز، باسمة انطوان، سعاد جبوري، أميرة قاجي ونهاد داوود. اما في مدرسة الخلد: أمل حميد، فاطمة ليلو، احلام حسـن، فائزة صاموئيل، سـاهرة ساندو وكثيرات غيرهن ، موجودات في القلب دائما.
غادرنا العراق، انا وزوجي في اواخر العام 1994، ووصلنا مدينة ديترويت الأمريكية في اوائل العام 1995، بعد اقامة قصير في الأردن. عملنا سوية  لمدة 7 سنوات،  في شركة لصنع الأدوات الأحتياطية للسيارات حتى وصلنا الى سن التقاعد القانوني، وها انك تراني، سعيدة في وقتي الذي احاول ان استثمره بالعلاقات العائلية الطيبة والزيارات والقرأة ومتابعة التلفزيون والأنترنيت.
من امنياتي الشخصية، ان اكون بصحة جيدة، وبلا مشاكل بدنية ، وهذه ليست لي فقط، بل لزوجي ، ولكل الناس الذين اعرفهم او لا اعرفهم، اريدهم ان يكونوا اصحاء وسعداء.
اما للعراق (اويلي على العراق – قالتها بألم وحسرة)  أتمنى ان يسمو نجما في السماء، وأن يكون منارا للبشرية، وأن يتحول الى واحة راحة وسعادة وسلام وطمأنينة لأبنائه وبناته، وأن ينعموا به........وأن تراه عيوني من جديد!
*********          ************           ************         *********
****************           *****************      **************
المربـي صـباح طوبيا بطرس يلـدو
من موالد مدينة (تلكيف) التابعة لمحافظة نينوى في العام 1940. درست الأبتدائية في "مدرسة تلكيف" الواقعة قرب مركز الشرطة، وأكملت المتوسطة ايضا في متوسطة المدينة. في الثانوية ، انتقلنا  الى البصرة، فدرست في "اعدادية العشار".
في سني ثورة 14 تموز ، جرى توجه (غير طبيعي) لتطوير التعليم وأفتتاح المدارس، وهذا احتاج الى معلمين ومدرسين جدد، لم تكن الدولة قد احتاطت لذلك، فلجأوا الى الدورات المركزة لتخريج المعلمين، وهكذا كان نصيبي ان انتسب لدورة تربوية في العام 1962 لمدة سنة واحدة في مدينة البصرة، لأتخرج منها معلما.
كان اول تعيين لي في مدرسـة "النخيلة" في قضاء الزبير في العام 1963،  ثم خدمت في "مدرسة الشهباء"،  في – هور الحمّار – التابع لمحافظة البصرة. بعدها الى "مدرسـة القبلة" في محلة القبلة بالبصرة حتى العام 1984،  ومع انتقالنا الى بغداد، اثر اندلاع الحرب مع ايران،  أنتسبت  الى " مدرسة الرصافي" الواقعة في منطقة بغداد الجديدة/ محلة الألف دار، ما بين الأعوام  1984-1990 حيث اكملت سني الخدمة وأحلت على التقاعد.
لم يكن  حجم الراتب التقاعدي ليساير الوضع الأقتصادي، والعائلة الكبيرة ولهذا توجهت للتدريس الخصوصي، و للعمل الخاص مجددا، فعملت  مشرفا في استعلامات (فندق  دار السلام) ببغداد، ثم مشرفا في مطعم (نقابة السواق) في منطقة علاوي الحلة. وفي العام 2001 قدمنا للعيش في الولايات المتحدة، لكني عدت للعراق عام 2004، وغادرته نهائيا في العام 2009 اثر استشهاد ابني بأحدى العمليات الأرهابية، وقد عملت في بعض الأعمال الخفيفة، لكني الآن متقاعد وأجمع في وقتي بين متابعة اخبار العراق، والتواصل مع العائلة والأهل والأقرباء.

اقف في بعض الأيام متأملا مسيرتي منذ دخولي المدرسة ، وأنخراطي في سلك التعليم، ثم وصولي لمرحلة التقاعد، ولحد هذا اليوم، وأشعر احيانا بالفرح والأفتخار، فقد مارست مهنة التعليم بكل اخلاص، وعملت كل ما كان جهدي ان انقل التلاميذ الى مستوى راق، فقد درسّت مادة الرياضيات (الجافة) لتلاميذ الصفين الخامس والسادس الأبتدائي، وأحيانا كنت ادرس مادتي الرياضة والرسم (الفنية) بغية تحقيق المعدل  والوصول الى 24 حصة اسبوعيا. ولقد حققت معدلات نجاح باهرة كانت تصل (92-93-94 %) وهذا ممتاز قياسا بالمناطق الريفية النائية التي كنت اعمل فيها. لقد كان اساتذتي الأوائل في مدينة تلكيف هم النموذج الذي احتذيت به وأنا اعمل في التدريس، وكنت احاول بكل اخلاص ان اقلدهم بعملهم المتفاني معنا في الأبتدائية، وأذكر منهم الأستاذان (دانيال جـّدو معلم الرياضة، ويلدا قللا معلم اللغة العربية) ادام الله في اعمارهم وأعمار كل اساتذتي، وموفور الرحمة والذكر الطيب على من فارقنا.
في عملي بسلك التعليم بالبصرة، لا انسى المواقف المشرفة للسيد (سلمان خالد الفريج) مديرنا في مدرسة "القبلة" اذ انه كان يدافع دفاعا كبيرا عن المعلمين وعن حقوقهم، وهنا يخطرني زميلي في التعليم بالبصرة السيد "غانم هـدّو" في مدرسة القبلة ايضا. مع كل الصعاب التي كنا نعاني منها بالعمل في الريف، وانعدام وسائل الراحة وبعدنا عن عوائلنا والمدنية، لكننا تمكنا نحن ، الهيئة التدريسية، من خلق اجواء صداقية رائعة كانت تصل لمستوى ان نغدو كالعائلة الواحدة، اذ كنا نمارس بعض الهوايات ومنها صيد السمك، فقد كنا نذهب بالسيارة كل يوم جمعة الى منطقة "الأثل" في الزبير، والبحر، وأحيانا الى منطقة ابو الخصيب، ونصيد السمك،  علما ان من من احب الأصناف لي  كان، الشــانك. وذات الشئ حصل مع الأهالي الذين عقدنا معهم الصداقات، ولا انكر محبة شيخ العشيرة في تلك المنطقة حين اهداني (مشحوفا) ليسهل عملية تنقلي، وبندقية  من اجل حمايتي الشخصية. لكني أشعر  بالمرارة مرات اخرى، فمناهجنا لم تتطور طوال السنين، وبقت اساليبنا متخلفة قياسا بالتطور الهائل الذي طرء على اساليب التعليم في العالم.  لقد حرمنا من الدورات الأضافية لتطوير مهاراتنا، وذات الشئ اقوله عن المدارس وبناياتها ومرافقها المتهالكة، وعن حال التلاميذ ايضا، وعندما توفرت لي الفرصة لأزور بعض المدارس الأبتدائية في مدينة (ديترويت) مع احفادي، لم اتمكن من السيطرة على مشاعري وكنت اقول (لماذا لا يكون هذا عندنا؟) ، على ان الغصة الكبيرة كانت في خسارتي لأبني الغالي والأثر الذي تركه عندي وعند العائلة، رحمة الله على روحه الطاهرة.

امنياتي للوطن الغالي، ان تتوفر الفرصة للناس كي تعيش، وأن تفتح مصالح جديدة، وأن ترجع المعامل الى سابق عهدها، ان كان معمل السكر،معمل الورق أوالحديد والصلب. ان العمل يوفر فرصة للشباب للأنخراط بالبناء، اذ مازال هذا الجيل يعاني كثيرا من البطالة والأهمال. وأتمنى ان تحكم العراق نخبة من القادة الجيدين.  فالعراق بلد معطاء وبه خيرات كثيرة وشعبه رائع، فهو يستحق كل ما هو جيد ايضا.
*********          ************           ************         *******
****************           *****************      **************
المربـي حمـيد مجـيد ســوّير المباركي
ولد في العام 1943 بمدينة "خانقين"، ثم انتقلت عائلته للعمارة، فدرس الأبتدائية في  "مدرسة السلام" بمركز العمارة، اما المتوسطة فأكملها بين "المركزية" و "التحرير" بمركز العمارة ايضا. انهى الأعدادية في "ثانوية العمارة". كان طموحه في الدراسة الجامعية، الا ان ظروف المعيشة الصعبة، والأحداث التي تلت (انقلاب شباط الأسود) اجبرته على ترك الجامعة والعودة للعمارة لأعالة العائلة. يقول المربي (حميد):  لقد حرمت من الأنتساب للدورات التربوية التأهيلية بسبب عدم حصولي على (تزكية) من الحرس القومي، وذات الشئ حدث  في اي تقديم للوظيفة، وأخيرا نجحت (وبمساعدة) بعض الأهل والأصدقاء في الدخول بدورة تربوية لمدة سنة في العمارة، وبالذات في "دار المعلمين الأبتدائية"، وكانت بأشراف السيد (كامل خيرو التكريتي) مدير تربية العمارة. انهيتها بنجاح، وعينت في سلك التعليم يوم 13/1/ 1965 ، اذ ما مازلت اتذكره جيدا.
كان اول تعيين لي في "مدرسة المفاخر"في قرية ابو شبيبة، ناحية السلام – قضاء الميمونة، بعدها في "مدرسة الفلاح الريفية"، في منطقة الكيّة – ام البطوط –ناحية المشّرح، بعدها في  "مدرسة سومر" في قرية المحـّدر- قلعة صالح، ثم صدر أمر اداري بنقلي الى "مدرسة الجمهورية" في قضاء المجر الكبير، ثم "مدرسة القنيطرة" بنفس القضاء. بعدها درسـت في "مدرسة المنهل الريفية" في قرية البيجع، بقضاء الميمونة، وأنتقلت الى  "مدرسة الأحرار" بالقرب من سدة المجر، قرية حجي محمد الضعيف، ثم الى " مدرسة المستنصرية" في قرية الجاثة بقضاء الكحلاء، وبعد هذه الرحلات في مدارس الريف والقرى، انتقلت الى "مدرسة الثرثار" في حي الحضر – بغداد – الدورة،  بعدها الى     " مدرسة بيروت" في محلة الطعمة – بغداد - الدورة،  ومن هذه المحطة  اذن وقت الأحالة على التقاعد الذي استحققته بتأريخ 1/7/1990 اي بعد 35 سنة من الخدمة والتفاني.
في رحلتي مع التلاميذ،  قمت بتدريس القرأة والحساب لصفوف المرحلة الثالثة، مادة العربي والأجتماعيات لصفوف الخامس والسادس، مادة العلوم للصف السادس، والأنكليزية للصف الخامس، وهكذا يرى القارئ الكريم حجم ما مررنا به طوال هذه السنين، ولو كانت هذه المعاناة فقط فأنها (هينة) كما يقولون، لكن كانت تصادفني احيانا عقليات  عنصرية وطائفية مقيتة، كانت تمارس التمييز الوقح في وضح النهار ودونما رادع يردعها للأسف، لأن النظام والتخلف الموجود كان يشجع على هذا التمييز. وربما بعد كل هذه السنين، اتمنى على اللذين لبسوا هذا الرداء القبيح ان تكون ضمائرهم  قد استفاقت لترى حجم الخراب الذي حل بالبلد  على يد من ادعوا التدين كذبا وبهتانا، متناسين بأننا شركاء أرض  العراق  بكل طيبته!
رغم اصابتي بعاهة بدنية، لكن ذلك لم يمنعني من ان اشق طريقي في الحياة وأعيش بكرامة، وفوق ذلك، فقد ابدعت في مهنتي، وتحضرني حادثة طريفة حدثت في احدى القرى حينما تسلمت مهمة تدريس الصف الثالث، وكان مستواهم للأسف ضعيف جدا، خاصة في مادتي القرأة والأملاء، فقمت بأستدعائهم لبيتي وتقديم دروس خاصة لهم، بعد انتهاء الدوام،  (دروس الصف الأول) وفي خلال شهر كامل، تمكنت من رفع مستواهم ، وأستحققت  لقب (معلم متميز) ، وهذا يشرفني كثيرا .اما بالنسبة للأهالي، فقد كانوا يظهروا الود والمحبة لي،  وقمت في كثير من الأحيان على كتابة محاضر (محكمة المضيف)، وتدوين شجرة (اشجار) عوائلهم ايضا، وهذا الأمر دفعني لأقوم بذات العملية لعائلتي التي كتبت شجرتها وأرجعتها الى حدود 800 ميلادي ولحد هذا اليوم!
كان نهارنا في الريف ينقسم ما بين التدريس ثم البيت، وبعد تناول الغداء، يستلقي كل منا على اريكتة، وساعدتني تلك الأيام على القرأة كثيرا، وكنت كلما قصدت مركز المدينة او بغداد،  اجلب معي كما جيدا من الكتب، اعيرها احيانا لزملائي المعلمين ايضا. كنت دائم السؤال عن الهدف الذي يدفع هذه العوائل الفقيرة وفي هذه المناطق المقطوعة من العالم لدفع ابنائهم نحو الدراسة، وبالحقيقة تمكنت من حل هذا اللغز، فهو من جانب يعتبر مدعاة للفخر والأمتياز للعائلة كون احد ابنائها يعرف القرأة والكتابة وثانيا، كان هذا ردهم على تسلط الشيوخ والأقطاع، الذي بسط سيطرته عليهم بفعل انتشار الجهل والأمية.

لقد تركت ايام الدراسة طعما جميلا مازال مذاقه لليوم، وأذكر من اساتذتي (ادام الله بأعمار الباقون، ورحم الله من رحل عنا) في الصف الأول: اسماعيل السامرائي، الثاني: محمد علي الهاشمي، الثالث: صالح مهدي الدهلة، الرابع: جاسم العرص، والأساتذة حسين سالم المراني، ومدحت عبدلله المراني، وأبراهيم نعمة، وعواد كطان. اما زملائي في الهيئات التدريسية فأذكر منهم، عبد الحسين مجيد تايه،  المرحومين خالد حازم السعدون وحميد زرزور، الأستاذ عبد علي جبر، رومي رحيمة وهو  موجود في استراليا الآن، وعبد الأله سعيد، وقائمة طويلة  - اعتذر من اللذين لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم.
لقد عملت ما بوسعي على غرس روح المحبة والتسامح الأنساني عند تلاميذي وعند اهاليهم ايضا، الا ان اسوء ما كان يواجهنا هم بعض المنتفعين من (الدين) او تجاره كما يقولون. هؤلاء كانوا يحاربون العلم والتعليم ويريدون للناس ان تبقى امية ومؤمنة بالخرافات والخزعبلات، لكني قمت بواجبي على ما يرضي ضميري. وعندما يسألني البعض عن احلامي او آمالي اقول، لقد ضاقت كثيرا مساحة احلامنا بعد ان اجبرتنا الظروف السيئة على ترك وطننا،  ولست مبالغا لو قلت، ان عمرا جديدا كتب لي بعد وصولي هذه البلاد منذ العام 2010، وهذه الحكاية لها ارتباط،  فقد قمت قبل ان اكمل الخدمة،  بأفتتاح محل صياغة في مدينة (الدورة) من اجل ان تكون العائلة مسنودة اقتصاديا، وتمضي الأيام ، وأذا بعصابة تقوم بتسليب المحل وسرقة محتوياته وأختطاف ابني من هناك، وعشنا اياما عصيبة (7) ايام نترقب التلفون ، ونموت ونحيا كل يوم عشرات المرات، حتى اطلق سراحه بعد فدية بمبلغ 2000 دولار (دفترين) كما يقول البعض، لكن الأمر من كل هذا كان، ان اتصل بي احد الخاطفين وقال لي ان كنت اتذكره، فقلت لا (انا بيا حال وأنته بيا حال) فقال لي: انا هو الطالب الذي سألته في الحساب ناتج ضرب الرقمي 6 و 7 ولم اعرف الأجابة فضربتني بالمسطرة، وأنتظرت ان اردها لك، وعندما سنحت الفرصة قمت بأختطاف ابنك!
شعور عارم بالحزن والأسى يتملكني وأنا اعيد تفاصيل هذا الحوار للسنين التي خلت، وأنظر الى يدي التي اتعبها طباشير السبورة، او اقدامي المثقلة من جراء الوقوف، وأقول، ياللعار ان يوجد بيننا من الناس من يقوم بمثل هذه الأعمال ويدعي انه من صنف البشر! ناهيك عن حادثة وفاة ابنتي في المستشفى نتيجه الأهمال من قبل الفريق الطبي.
لكن مع هذا، فأني اتمنى كل الخير للناس، وسأعمل لنشر الكلمة الطيبة ولخدمة عائلتي وأبناء الطائفة الكرام، من اجل ان اكون عامل خير  في حل المشاكل وأصلاح ذات البين، وضـد كل عمل باطل.

كمــال يلـدو
حزيران 2014







الأستاذ حميد مجيد ســوّير - بورتريه


الأستاذ حميد مجيد ســوّير في مدرسة سومر -قلعة صالح 1974


الأستاذ حميد مجيد ســوّير في منطقة - ابو شبيبة بالعمارة


الأستاذ حميد مجيد ســوّير مدرسة المفاخر - العمارة 1967


الأستاذ حميد مجيد ســوّير مع التلاميذ بمدرسة بيروت - الدورة 1984


الأستاذ صباح طوبيا يلدو مع التلاميذ - مدرسة الشهباء -هور الحمار 1964


الأستاذ صباح طوبيا يلدو مع الخامس ابتدائي - مدرسة الرصافي- 1986


الأستاذ صباح طوبيا يلدو مع المدرسين - مدرسة الشهباء -هور الحمار 1964


الأستاذ صباح طوبيا يلدو مع الهيئة التدريسية - مدرسة الرصافي 1986


المربية جنفياف دانيال - بورتريه


المربية جنفياف دانيال  في مدرسة الخلد الأبتدائية 1986


المربية جنفياف دانيال مع الكادر التدريس في مدرسة الخلد - 1985

367


التشكيلي اسامة عبد الكريم ختلان: أرى العالم من حولي...... أبتسامة!


اسامة عبد الكريم - بورتريه

يصف الرسام العالمي بابلو بيكاسو الفنان بأنه:   " كتلة من المشاعر والأحاسيس التي تأتيه من كل مكان، ومن اي مكان.  ممكن  من السماء، أو من الأرض، وربما من قطعة ورق تطير امامه، أو حتى من جسم هندسي يمضي من امامه، او قد يجدها في شبكة عنكبوت بزاوية المكان المهملة" .   اذن هذا هو الفنان، المرهف بحواسه ونظراته، وحتى بطريقة مسكه للفرشاة او كأس الماء، هو انسان مثلنا، يضحك ويفرح ويتألم، يأكل وينام، ويركب التكسي، لكن لولا ما يملكه من مميزات، لما احتفلنا بآثار نينوى والثور المجنح، ولما استمتعنا ب "كلكامش" أو "الألياذة" ولما ابهرتنا فكرة "الجنائن المعلقة"  او  "برج ايفل"،   ولما نسبنا ثقافتنا ومشاعرنا الى "نصب الحرية"  او مسرحية "النخلة والجيران"،   ولما طربنا  ل "طالعة من بيت ابوها"  او "مقامات الكبانجي ويوسف عمر"  ولما اثارتنا تصميمات المعمارية   زها حديد، أو رسوم الفنان اسامة عبد الكريم.  فكل منهم  يستذوق الماء ويصفه بطريقته الخاصة، لكن الكل يجمع على ان "الماء" يروي غليل العطشان!
 هكذا هو الفن، والأنسان والثقافة والحياة ، توائم لا احد أو قوة تمكنت لليوم من تفريقهم.

المناسبة
يرجع الأنسان بصيرورته وكيانه الى جملة من العلاقات الانسانية التي تنسج خيوطها وتجعله على ما هو من كيان. كانت فرصة اللقاء بالفنان "اسامة عبد الكريم ختلان" مقرونة بفرصتين، الأولى هي دعوته من قبل الزميل سعد كاظم (ابو نورس) وعقيلته نسرين،  وأستضافتهم للفنان و زوجته لزيارة ديترويت والتعرف على عوالمها الجميلة وأستعادة ذكريات  لم يشأ الزمن ان يصيبها بالصدء،  والثانية، لحضور حفل "العيد الثمانين"  لميلاد ربيع الحركة الوطنية العراقية والتي دأب انصارها على احيائه في ديترويت منذ 34 عاما خلت، مقرونة بأقامة معرضا لرسوم الكاريكاتير بعنوان " مو ملّينا" ، مناسبتان جميلتان لا تقترنان ببعض الا ما ندر.

البداية
انا من مواليد محافظة الديوانية، يقول الفنان اسامة عبد الكريم، في العام 1954.  درست الأبتدائية في مدرسة "الأرشاد"، والمتوسطة في "التحرير"، اما الثانوية فأنهيتها من "اعدادية الديوانية". كانت شروط "البعث" مهينة للتقديم الى اكاديمية الفنون، او معهد الفنون الجميلة،  فرفضتها،  وهذا ما كلفني حرماني من القبول.
 لكن  ولعي بالفن كان منذ صغري،  وقد تكون بيئتي  في المنزل  احد اهم العوامل التي ساعدت،  ومع ان والدي كان  مديرا  في "مدرسة الأرشاد الأبتدائية" لكنه (وهذه من اوجه روعته)  كان هو من يهئ الطاولة الفنية (كل يوم جمعة) ويضع عليها الأوراق والألوان (الباستيل) ويدعوني للرسم ، هذا اضافة الى تأثير اخوتي، وأخص بالذكر منهم (هشام) والذي كان يرسم، ويعزف الموسيقى، وأضف لذلك هواياتي  الأخرى في لعب كرة القدم، والسلة، السباحة  ولعبة الشطرنج. لم اكتف بذلك فقط، فقد كان عليّ ان اروي عطش خيالي من الأمور (الفنتازية)، اذ كنت اتردد على مكتبةفنان الكاريكاتير الرائع "خضير عباس الحميري" -  كان يفترش الرصيف بمبيعاته-   وأشتري منه آخر ما صدر من اعداد (سوبرمان، الوطواط، علاء الدين وســمير) بعدها تطور ذوقي ليشمل مجلتي الفكاهة وحبزبوز.  وبينما انت تستكشف (مكتبة – رصيف) السيد خضير، كانت تهاجمك واحدة من اجمل روائح الزمان، الا وهي معجنات السيدة الفاضلة "ام خضير" والتي كانت تضاهي ان لم اقل تتجاوز،  افضل المعجنات الفرنسية والأيطالية، مثل "الكليجة" و "الخفيفي" و "الخبز الحار"، فقد كان عطر الهيل، والحبة حلوة والتمر، مثل شباك الصياد التي لا تفلت منه حتى امهر الاسماك دهاءا، فكنا نستسلم للرائحة ونجالس السيدة الرائعة "ام خضير" .
   لقد ساهمت فعاليات (النشاط المدرسي) و -النشرة الحائطية-  في صقل مواهبي،  ناهيك عن بعض المدرسين (الكواكب) الذين كان لنورهم البهي مكانا ، ومازال، يشع في طريقي، ذلك لتأثري بهم  وتعلمي منهم، وأخص بالذكر الاستاذ (عـرّاك الحديثي) الذي كان يخـرّم  رسوما طبيعية على قماش أحمر. وأذا كان الحديث حول تلك البدايات، فلا بد  لي من الأشارة والأشادة بدور زملائي في (اتحاد الطلبة العام) و (اتحاد الشبيبة الديمقراطي) الذين رعوني منذ نعومة اضفاري وشجعوني على الرسم والفن، كذلك للفرصة التي اتيحت بنشر نتاجاتي في رسوم الكاريكاتير ورسوم الاطفال  بين عامي 76-1977 بعد مشاركة في معرض " نقد الظواهر الأنتاجية" الذي اقيم  على قاعة (كولبنكيان) ، ثم بدأت تجربتي   في جريدة "طريق الشعب" الغراء التي كانت بالنسبة لي مدرسة  لصقل موهبتي في فن الكاريكاتير  ورسوم الأطفال  والأطلاع على تجارب العاملين ايضا، وأخص بالذكر الفنان الراحل "مؤيد نعمة" وكذلك الفنانين نبيل يعقوب  والمصور حسين سلمان  وغيرهم من الأصدقاء.

في بغداد
انتقلت العائلة في العام 1971 الى بغداد، وسكنّا في منطقة (راغبة خاتون) التي لم تكن بعيدة عن تلك الصروح الفنية الراقية (الأكاديمية والمعهد) ، لكن والحال كان حرماني منها،  فتوجهت الى مراكز الشباب والنشاطات المدرسية في بغداد  وأصدقائي في مدينة  الديوانية، والمشاركة  بأقامة المعارض في الهواء الطلق، وقد ساعدتني علاقاتي الجديدة مع الفنانين ان ادخل مبنى الأكاديمة (زائرا) بصحبتهم ناهيك عن زيارة قاعات العروض الفنية والمراكز الثقافية والنوادي الأجتماعية التي ساعدتني كثيرا ، وهذا ما فتح ذهني وروحي على عمالقة الفن العراقي وأعمالهم الكبيرة التي كانت تثري تجربتي وخيالي. وربما اتمنى ان يأتي اليوم ونتخلص  من (عقدة) التزكيات الحزبية او الشخصية وأن يؤخذ المواطن بكفائته الحقيقية،   وربما (من يعلم) سيأتي جيل ويحاسب المسؤلين الذين تسببت سياساتهم الهوجاء في حرمان العراق من عطاء ابنائه النجباء و"أسامة" واحدا منهم.......من يدري؟

مقاومة الغربة بالرسم والكتابة
كنت احلم ان ادرس الفن ومن اهم منابعه العالمية، فكانت ايطاليا هي الامل . وقد سعيت اثناء مدة التوظيف التي كانت في محافظة اربيل كموظف صحي، الى هذا الهدف، ولا يسعني الا ان اشكر بعض الأخوة في اربيل، والذين سهلوا مهمة السفر، وجعلي خطوة اقرب الى احلامي عام 1980، وترافق  ذلك مع تصاعد الهجمة على اليساريين والوطنيين.  بعد وصولي ايطاليا،  تعرفت خلالها على اناس صاروا ملازمين لي طوال السنين التي مضت، ومنهم طيب الذكر الشهيد (فؤاد يلدا). لم تمض فترة طويلة، حتى لبيت النداء  والتحقت ب (قوات الأنصار) التي حاربت النظام الدكتاتوري ما بين الأعوام 82 - 1988   وخدمت في قاطع السليمانية و أربيل.
لقد صقلت تلك السنين، تجربتي السياسية والفنية، وعلى الرغم من ظروف الطبيعة القاسية، والحالة النفسية الصعبة وهجمات النظام، فقد كان للعمل الفني حضوره، وأذكر اني اقمت معرضا شخصيا في قاطع اربيل كان اسمه "اشجار عارية" كما ساهمت في بالكتابة والرسم في المجلات الأنصارية الصادرة. عدت بعد هجمات النظام بالكيمياوي ، في الحملة سيئة الصيت "الأنفال" لأنجو بجلدي وأعود الى ايطاليا، والتي بدورها كانت قد تغيرت ايضا، بالترافق مع صعود (اليمين المتطرف –الفورنتيني) وأزدياد الملاحقات والمضايقات تجاه الأجانب، فقررت بعدها الرحيل للولايات المتحدة.

الى مدينة الأضواء
كانت ومازالت مدينة "نيويورك" واحدة من اكثر مدن العالم عصية على الفهم! بصخبها وأهلها، بجمالها وببناياتها، بأطلالتها على المحيط ومهرجاناتها وبكل ما يشكل منها مدينة مثالية للفن والثقافة. قصدتها في العام 1990 عشية غزو العراق للكويت، ومازلت مقيما فيها. اعمل وأنشط هناك بعد ان اكملت دراسىة فن الكرافيك على الحاسوب ، حيث جعلت التصوير الضوئي يمتزج مع الألوان المائية والأكريليك ، فشرعت بأقامة المعارض الفنية.  ومما يفرحني ان العديد من النقاد قد تناولوا اعمالي في  الفن ،  وأخص بالذكر منهم الناقد  والشاعر الأمريكي ( جوناثن كودمان )، كما لا اخفي لمن يسأل بأن اكثر المدارس الفنية التي تأثرت بها، كانت المدرسة الأمريكية في  التجريد .

لا وقت للكسل
انا ارسم بأستمرار مثل مشاهدة فلم سينمائي او معرض تشكيلي، ففي الشتاء أكون داخل مشغلي  في البيت  والأستوديو متفرغا لأعمالي الفنية والكتابة،  امافي الصيف، فأني ارسم الوجوه والناس، ارسم الفرح ايا كان.  اخرج الى الهواء  فتجدني في الحدائق العامة، خاصة تلك المخصصة للفنانين، سارحا بتلك الفرشاة  والقلم والوجوه.   اكتب للعديد من المواقع الأكترونية ومنها موقع (الناس)، وبقدر الأمكان احاول المشاركة في بعض المعارض (التي تعرض علي) وأذكر منها مشاركاتي   في "كاليري الكوفة" بالعاصمة البريطانية لندن في نهاية التسعينات. وفي العام 2012 رسمت معرضا تشكيليا مصحوبا بمقاطع  من الشعر الكردي، والآن اتطلع للجزء الثاني. وفي العام 2013 كان لي بأربيل ، وفي (قاعة ميديا) معرض كاريكاتير لمناسبة احتفالات نوروز، للأسف لم تتسنى الفرصة لي ان اكون مع المعرض، على اني مواضب المشاركة في المعارض والمسابقات منذ اكثر من 20 عاما، وفي رصيدي عشرات المشاركات التي اعتز بها.

اسامة بعيون النقاد
لايبدو ان النقاد يشغلون بالهم وأقلامهم في ظواهر مالوفة او متكررة، فهم دائموا  البحث عن المختلف والجديد، وفي هذا السياق ، وبالحديث عن تجربة الفنان  اسامة، المعطأة والمتمردة على المألوف، فقد جلبت اليها انظار العديد من النقاد الذين تناولوها كل من زاوية اهتمامه الخاصة،  ناهيك عن الحقيقة القائلة بأن للقارئ ايضا رؤياه تجاه الفنان وتجربته في عالم الأبداع:
يكتب الأستاذ : علي المندلاوي في صحيفة "الشرق الأوسط " اللندنية:
"وفي معرضه الذي اقيم اخيرا على قاعة الكوفة بوسط لندن تحت عنوان «اشعار فوق الجدران» جعل ختلان الشعر مصدر الهامه لانجاز اعماله الفنية. ويلخص الشاعر، والناقد الاميركي جوناثان كودمان الذي يكتب لمجلات متخصصة Art in America، و Art World عمل الفنان بقوله «هناك تقليد قديم يصاحب فيه الشعر التصوير في الفنون»، ويستخدم ختلان هذا التقليد للتعبير عن افكاره، وعواطفه على سطح تجريدي تقريبا.ولتنفيذ ذلك يستخدم منهجا مباشرا لرسم تخيلاته يتمثل في رسم فوتوغرافي يطبع على ورق الالوان المائية، مع استخدام صبغة الاكريليك في تلوين النصف الآخر من التكوين. ويبدأ الفنان عمله بالتقاط صورة فوتوغرافية كبيرة، ويلجأ احيانا الى استخدام الصورة السالبة لها، فيقوم كمرحلة ثانية بخربشة الصورة او الرسم فوقها، ثم ينقل الصورة الى كومبيوتر بواسطة Scanner ليقوم، ومن خلال استخدامه لبرمجيات illustrator و Photoshop بالمزيد من الرسم على الصورة.وعندما يشعر بالارتياح لما انجزه يطبع الصورة في شكلها النهائي على الورق الخاص بالالوان المائية تاركا جانبا كبيرا من مساحة الورقة المتاحة خالية ليضمنها مقتطفا من احدى قصائد الشاعر العراقي الراحل عزيز السماوي الى جانب رسم مستوحى من الكتابة، وفي العادة يحتل الرسم الاصلي النصف العلوي للمجال التكويني، ويظهر النص المقتطف دائما بين الصورة المنقولة الى الكومبيوتر، والرسم الذي يعلوها.وبهذا تصبح اللوحة الواحدة من لوحات ختلان لوحتين، وفي احيان كثيرة ثلاثة، هذا بالاضافة الى نص شعري له استقلاله الشكلي، والمضموني، وان كانت له ـ باعتقادي ـ وظيفة ربط باهتة للوحات المختلفة تقنية واسلوبا، وهو ما وجده كودمان «استمرارية عاطفية اخاذة بين بهجة الصورة الصريحة، والبهجة الضمنية لبيت الشعر». ويضيف «فهو ـ ختلان ـ يبقي على حيوية الانسجام القديم بين الصورة والاغنية، ويجد حيويته الفنية تتناسب جيدا مع هذه الجهود».ومن جانبي أرى في لوحة ختلان حقولا.. حقل تجريد، وحقل كلام، وحقل تصوير من واقع مضى. وفي لوحته حالات.. حالة تجريدية تلعب حركة وحرية الفرشاة، وكذلك حساسية الفنان المرهفة في اختيار الالوان، وتوزيعها الدور الاساسي في خلق ايقاع اللوحة المتقلب، والخارج على المناخ اللوني والشكلي المتعارف عليه لدى الفنانين العرب عموما. وحالة تحيل الى الواقع عبر صورة فوتوغرافية عالجها مرة باضافة طبقة لونية من صبغة الاكريل البلاستيكية وفي المرة الثانية لجأ الى الخربشة على الفيلم السالب بازاحة اجزاء منها بآلة حادة، وفي مرة ثالثة زاوج ختلان بين التقنيتين في اللوحة الواحدة. اعاد ختلان في الحالة الثالثة خيال المشاهد المحلق في فضاء حقله التجريدي، ومن ثم في اغوار صورته الواقعية المغلفة بضباب لوني الى واقع شعري فرض النص مدلوله، ومغزاه"
.
اما الأستاذ " أحمد مرسي" فيكتب في "المستقبل" اللبنانية:

" أنه يبدأ رحلته بالصورة السالبة، غالباً بالكشط بأداة حادة دقيقة من خطوط محمومة أقرب الى ضربات فرشاة هارتونج محدثاً في بعض الحالات ما يشبه الانفجارات الشمسية في مدار تتحرك فيه أفلاك أو رغبات مطفأة ومحبطة. ومن أحيان أخرى لا تعدو هذه الخربشات العفوية أن تكون مجرد إفراغ لطاقة تريد الإنطلاق، وعلى المشاهد إما أن يحاول، كعادة جمهور المعارض، وكما عوده بعض النقاد والأكاديميين الذين يرون في كل عمل فني قصة يمكن أن تروى أو حتى تفسر، أن ينسب هذه الطاقة الى دوافع ومكنونات لا علم للفنان نفسه به.
ويبدو أن أسامة ختلان قد طور تجربته بالانتقال بها الى مرحلة أخرى. وتشهد أعمال المعرض بأن الفنان قد احتفظ بتكنيكه في تناول الصورة الفوتوغرافية، ولكنها لم تعد أداة التعبير الرئيسية، أو بالأحرى الوحيدة. فقد أسند اليها، حسب اعتقادي الشخصي، مجرد دور لا أقول ثانوياً ولكنه تحريضي. وبذلك تحول العمل من مكون مفرد ـ صورة مطبوعة في معمل تجاري ـ الى صورة فوتوغرافية معالجة بالاستعانة ببرمجيات الكمبيوتر المتخصصة، علاوة على تحويرها في مرحلة أولية بتجريح أو الرسم على الصورة السالبة ـ النيكاتيف ـ وطباعة المنتج النهائي بالكمبيوتر."

عن الوضع العراقي
كوني رساما، اهتم بالوجوه وأرسمها، فهذا لم يمنعني ابدا ان ترسم فرشاتي واقعنا العراقي، وتظهر تلك العيوب التي يجهد اصحابها على اغراقها بمساحيق التجميل، التي تضيف الى قباحتها قبحا. ان الوضع غير مستقر، وهؤلاء الساسة اخذوا البلد الى مكان مظلم ومعتم بسياسة المحاصصة الطائفية والفساد الأداري والمالي، وحرمان البلد والشعب من فرص التقدم، كذا مع ترسيخ المفاهيم والقيم الغيبية وتشجيع الخرافات ومحاربة العلم، والمعرض الذي اشارك فيه بهذا الحفل الكبير، ((مو ملّينا)) هو صرختي ضد الجهل والتخلف والمحاصصة والتزوير والسرقة والفساد الأداري والطائفية.

امنيات
لست خياليا، مع ما تحتمله الكلمة من معاني خاصة فيما يتعلق بالفنانين. انا ارسم، وغالبا ما ازرع البسمة على وجوه الناس، حتى وأن لم تكن موجودة، فهذه هي مهمتي، فكيف يكون الأمر مع اهلي وناسي اذن. نعم ، انا اتمنى وأحلم وأرجو وأنتظر وأتطلع لليوم الذي تستقر فيه اوضاع العراق، ويعيش اهله بالأمان، وتنعم فيه الطفولة والمرأة بالسعادة والرقي. وأن تحكم البلد حكومة تكنوقراط بعيدة عن هذه العقليات الحزبية المسيطرة، وأن ينفتح لنا "ثقبا من الضوء" في دهليز السياسة المظلم، وأتطلع ان تحقق النخب السياسية الوطنية الناضجة صفحة جديدة من المصالحة الوطنية، وأن ينبذوا الخلافات ، والمصالح الشخصية، وأن يصبوا جل عملهم في خدمة الشعب.

كمـال يلدو
حزيران 2014


اسامة ختلان - تشكيل - تنفس 2014


اسامة ختلان - اكرلك على كانفس - حبيبك 2012


اسامة عبد الكريم-تشكيل - لن ننسى حلبجة انها غابة من نجوم


بروشور المعرض الفني ل أسامة عبد الكريم بديترويت


كاريكاتير اسامة عبد الكريم - 1


كاريكاتير اسامة عبد الكريم - 3


كاريكاتير اسامة عبد الكريم - 12



368
ما زرعه هذا الانسان النبيل سيبقى طويلا مع الناس، وفي ذاكرتهم. عمله كان نموذجا لعطاء الأنسان المحب .
عزائي لعائلة الفقيد وأهله ومحبيه
والذكر الطيب له دائما
كمال يلدو/ ديترويت

369
هذا منجز آخر يضاف الى سجلك الأبداعي استاذ فائق بطي. ابحاثك وكتاباتك تؤطر لطريقة سليمة وأكاديمية في البحث والتقصي. شكرا لك وأمنية بدوام الصحة والألق.
كمال يلدو/ ديترويت

370
ارتأيت اعادة نشر تعليق الزميل الغالي سعد كاظم/ ابو نورس  وتعليقات اخرى وصلتني عبر الفيس بوك لأهميتها الأدبية والأخلاقية:

عزيزي كمال كالعادة لقد أجدت في إبراز إمكانيات ونجاحات الأخ فؤاد منا وبمقابلة قصيرة غطت اغلب الفضاءات التي مر بها ابو جبران .
فؤاد منا ابو جبران من رتل الصحفين الأوائل تعرفت علية لأول مرة في ١٩٩٠ وبقدر ما عجبني تاريخية المشرف سحرني ببساطة وطيبة أخلاقه ، مثل هؤلاء من رموز المهجر الامريكي يستحقون الاهتمام و المتابعة وأقدر لصديقي وزميلي العزيز كمال على البحث في هذه الرموز الذين اثرو المهجر الامريكي ، وبمقابلة قصيرة و ممتعة استطاع كمال ان يبرز المحطات التي مر بها الصحفي فؤاد منا ، وقد أنصفه.
فؤاد منا واحد من الجنود المجهولين الذين ساهموا بتنوير الجالية وكما أشار ابو جبران في معرض حديثه عن أمسياته تجد فيها كل الموزائيك العراقي تجد السياسي والمثقف الشاعر والفنان وبمختلف القوميات والطوائف .. تحياتي الى العزيز ابو جبران لما أثرى بجهده الفردي جوانب مهمة كانت مهمة للجالية العراقية
اما مجلته المنتدى فقد ذاع سرها ليس في أمريكا بل في أماكن اخرى
انني مثمن جهور زميلناكمال في مثابرته وبحثة الدؤوب عن رموز المهجر المبدعين بالرغم من مشاغلة الكثيرة .. وهذا الجهد محط تقدر الكثير .. شكرًا كمال

من المسرحي د.علاء يحى فائق
أحسنت اخي كمال فهذه مقالة لرجل آكن له كل المحبة و الاحترام و يستحق كل التقدير و التكريم على جهوده التي بذلها لتطوير الصحافة و الثقافة العراقية في المهجر الامريكي

من الحبيب مازن يوسف قلو
العزيز كمال، تحايا وامتنان لمشروعك المكرس لإضاءة حيوات من كرسوا حياتهم للآخرين ، والأستاذ منا بالتأكيد احدهم

من الزميل  النصير والكاتب يوسف ابو الفوز في فنلندا
تحية لك صديقي كمال في نشر تاريخ جنود مجهولين ندين لهم بالكثير ! احترامي وتحية للجميع

من العزيز Farid Alpatty
الاخ كمال مبادره رائعه لتذكيرنا باولئك الرواد من ذلك الزمن الجميل وانها سيره لهذ الانسان المناضل وهي رائعه ومفعمه بالنشاط والحيويه اتمنئ للسيد فواد العمر المديد مع خالص تحياتي

كما عبرت مجموة اخرى عن تقديرها للأستاذ فؤاد منا:
ابتسام حداد - ام نصار -/ طريق علي/ سعيد شابو/ د.موفق داوود / ماجدة زنكلو/جورجيت القس يونان/ كامل عبو/ خيون التميمي - ابو احمد/


371
ألف شكر أخي الغالي طلعت...ومن يعرفه اكثر منك؟  قامة وطنية وثقافية شامخة، نعتز بها . اشكر كلماتك الحلوة ، وهذه دعوة اخرى الى كل محبي القلم، للكتابة والأحتفاء بكنوز جاليتنا العزيزة، فالكثيرين مازالوا ينتظرون  ان ننيرهم بالأنوار والمحبة. شكر لموقع (عنكاوة) والحبيب أمير.

372

الأستاذ فؤاد منـّا: نصـف قرن بين الطباعة والصحافة
((بين عشق الحرف وعشـق الكلمة))




فؤاد منا، بورتريه شخصي

لم يدر في خلده يوما، بأن دخوله مبنى "جريدة الشعب – لصاحبها يحى قاسم" في بغداد عام 1957 لغرض العمل، سيكون مثل ولوج رائد الفضاء للمجرة، عالم بلا حدود وبلا نهاية.  لم يتخيل بأن مهنة (الطباعة) ستقوده الى عالم الصحافة، والسياسة، والأنظمة، والتوقيفات، والملاحقة، الى عالم الأدب، والقادة، والأبداع. لم يعلم بأنه سيحملها معه الى بلد المهجر، وأنها ستكون لصيقته، كما العازف مع قيثارته، وكما العاشق مع حبيبته.  لم يحسب بأن يوما ما سيأتي عليه، وسيكون بمواجهة عمر التقاعد والراحة، لكنه يأبى ان يستسلم ، فيشترى ماكنة طباعة أصغر، ويضعها في (قبو) البيت مع كل مستلزمات الطباعة، ليعلن وجهة نظره بكل وضوح، كما في الحكمة التي يقولها: " الحياة اشبه بلعبة الملاكمة، فالمباراة لا تعتبر منتهية حينما يسقط الملاكم على الأرض، بل انها تنتهي حينما يرفض هذا الملاكم النهوض !"، وكما ترى ....فأني واقف على قدماي!! هذا ما يقوله الأستاذ فؤاد منّا، الصحفي المخضرم، حامل تجربة عدة عهود مرّت على العراق، و في المهجر الأمريكي بديترويت.

اول عهدي بالحرف
سألت الأستاذ فؤاد منّا عن اولى بداياته في عالم الطباعة، والصحافة فقال: انك تسـحبني الى عالم آخر، عالم صار يبدو امام المشهد الحالي، مثاليا ونموذجيا، عن ايام صرنا نطاردها ونرجوها العودة والبقاء حتى ولو في لأحلام. كان ذلك عام 1957 حينما دخلت عالم المطابع والصحف لأول مرة – عاملا في تنضيد الحروف- وذلك في "جريدة الشعب" وكنت قد انتسبت حينها الى دورة  في العمل على مكائن (انتر تايب)، وكان يوجد منها في كل العراق 5 مكائن فقط، اما ثمنها فكان آنذاك حوالي 20 ألف دينار! تعرفت عن طريق العمل على خيرة الصحفين والأدباء والسياسين، ومن الطريف ان أقول بأن المرحوم الشاعر بدر شاكر السياب كان المسؤول عن الملحق الثقافي الأسبوعي في الجريدة، وأن انامله  لامست قصتي (سحابة من الدموع – قصة واقعية عن باقوفا) فأستحقت الموافقة ونشرت في الملحق قبيل اسبوع من ثورة 14 تموز، ولا انسى انه  كتب لي قائمة بالكتب بغية دعم  مستواي الثقافي والأدبي.

بعد ثورة تموز عام 1958، صدر من "جريدة الشعب" عددان، وفي اليوم الثالث شنت مجموعة من (البعثيين) هجوما عليها وأحتلوها،  فنهبوها، وسرقوا حتى السجادات (الزوالي)،  وأودع صاحبها السيد يحى قاسم السجن. بقينا نحن العمال ثلاثة ايام ولم نغادر البناية. بقوا هناك 6 شهور، وبعد صدور امرا من الزعيم قاسم، جرى ارجاع المطبعة الى صاحبها (يحى قاسم) ، وبالتزامن مع احتلال (جريدة الشعب)  قام (البعثيين) بعد ثلاثة ايام من الثورة بأحتلال (جريدة الأخبار)، وكان صاحبها السيد جبران ملكون، وهو أرمني عراقي، اذ كان قد جلب احدث المكائن، ومنها اول ماكنة (رول)، فيما كانت بناية المطبعة تقع مقابل (القصر الأبيض)، وصدرت عنها آنذاك (جريدة الثورة) وملحق الثورة الأسبوعي.  ومن الطريف ان اذكر، بأن اول عدد من "الثورة" صدر وكانت صفحته الأولى ملونة، ولم تكن مهمة ضبط الألوان بالسهلة، فجاءت الخطوط غير متناسقة، وكانت صورة للزعيم جمال عبد الناصر، وما زلت اذكر  كيف انهالوا بالضرب على الطباع (صباح) لأنه لم يضبط الألوان!
اعيدت المطبعة لصاحبها بعد مدة من الزمن، فعملنا بنصف الراتب لحين تم شراء الجريدة من قبل الشخصية الوطنية كامل الجادرجي، وصدرت جريدة (الأهالي) الناطقة بأسم الحزب الوطني الديمقراطي. استقدم المالك الجديد، محررين جدد، وقد تشجعت لنشر بعض كتاباتي الأدبية في الصفحة الأدبية، وأذكر ان واحدة منها كانت عن الكاتبة اللبنانية (مـّي زيّادة). وبعد تقاعد الأستاذ الجادرجي، استلم الجريدة الأستاذ مظهر العزاوي وأصدر جريدة (البيان).

 في فترة صدورها العلني عملت ولفترة قصيرة سوية مع السيد أدور ابونا، والأخوة احمد وضياء عيّاش، وجنان مديادي في جريدة (اتحاد الشعب) ، وكنا نهئ  الصفحات الأولى والأخيرة والمحليات، وكانت هناك سيارة تنقلنا من والى المسكن، بسبب ان عملنا ينتهي بعد منتصف الليل، وكانت المواصلات مستحيلة في تلك الساعات، وكانت المؤسسة الوحيدة التي تقدم مثل هذه الخدمات لمنتسبيها. عملت وتنقلت ايضا في (مطبعة فريد الأحمر) حيث كانت تصدر منها معظم الجرائد الأسبوعية ومن ضمنها (الحضارة)، وعملت فترة وجيزة في جريدة (المستقبل) التي توقفت بعد شباط 63.
 اما عشية الثامن من شباط عام 1963، فقد  كنت حينها اعمل في جريدة (الزمان)، لصاحبها السيد توفيق السمعاني.
و فترة قصيرة ايضا في جريدة (صوت العرب) لصاحبها فوزي عبد الواحد، ثم في (مطبعة الزمان)، وفي مطبعة (الجاحظ) التي كان يملكها السيد رسـمي العامل من حزب الأستقلال . بعد العام 1965 عملت في جريدة (التآخي) ومن ضمن التزاماتي كنت انضد الملحق الأسبوعي 8 صفحات وباللغة الكردية، وكان يرافقني في عملي مترجم، لجهلي باللغة الكردية، وقد كان رئيس تحريرها آنذاك الأستاذ صالح اليوسفي، بقيت حتى انقلاب البعثيين الثاني،  وبعد نجاحه بأيام، استدعي الأستاذ صالح اليوسفي للقصر الجمهوري، وأغلقت الجريدة. ولم يمض كثيرا من الوقت، قررت بعدها مغادرة العراق الى الولايات المتحدة في كانون ثان 1969


في العالم الجديد
كان ضجيج المكائن، ورائحة الأحبار وفرحة (ولادة) عدد جديد من الجريدة اثناء عمله في بغداد  تحضره ومنذ ان وطئت قداماه العالم الجديد، لكن التزاماته كانت كبيرة تجاه العائلة  ايضا (زوجة وخمسة ابناء صغار). عمل  السيد فؤاد منا  في معمل  - كوكا كولا- الى جانب حوالي 20 عاملا عراقيا تحت سقف تلك الشركة، ويبدو ان تلك البداية عجلت في مشاريعه القادمة. يقول الأستاذ فؤاد منا: لم استطع ان احلق بعيدا عن الصحافة، خاصة بعد ان عرفت عن قرب، واقع الصحافة داخل الجالية العراقية، فقد كانت تصدر في العام 1970، صحيفتان، الأولى هي "المشرق" للأستاذ (حنا يتوما) وكانت تهتم بالأمور الأجتماعية للجالية، وكنت اراسلهم من بغداد وأكتب لهم بعض المواضيع، اما الثانية فكانت "العالم الجديد" للسيد (يوسف انطون).  تملكتني رغبة جامحة،  من اجل ان اؤسس لجريدة جديدة في المهجر، اكون انا مالكها ورئيس تحريرها، بعيدا عن التأثيرات الخارجية ايا كانت، وفعلا تمت الخطوة بصدور:
**جريدة "الهدف" الأسبوعية في ديترويت في ايلول 1970، وكانت  تهتم بالجوانب الثقافية والأجتماعية والسياسية، صدر منها 8 اعداد طبعت عند السيد محمد خروب الذي كان يملك مطبعة (لاينو تايب)، بعدها عزمت العزم على امتلاك مطبعتي، وكان ذلك في نفس العام، وأشتريت مكائن الطباعة، وبقت المشكلة مع (الحرف العربي)،  وقد حالفني الحظ ان اجد تلك الحروف ( خشن وناعم) في مدينة نيويورك عبر جريدتين، الأصلاح لصاحبها الفونس شوريس، والهدى، ولم تكن تلك الحروف رخيصة، لكنها كانت مهمة لأكمال العمل.
أستمر العمل الأسبوعي في جريدة الهدف  حتى العام 1976.
**في العام 1978 رئيس تحرير جريدة "الرابطة" مع نخبة من مثقفي الجالية، وكانت تصـف نفسها بأنها (جريدة سياسية ثقافية جامعة)، وأستمرت لثمانية اعداد فقط.
** في العام 1980، شاركت كل من الأخوة عادل عقراوي، عامر دادو وصلاح كوري في اصدار (جريدة صوت الأحرار) الناطقة بأسم رابطة التقدميين الديمقراطيين العراقين، وصدر منها 8 اعداد، وكانت مناهضة للبعث وصدام حسينومرتزقتهم في ديترويت.
**في العام 1986 صدرت 4 اعداد  من جريدة (الرواد) بالأشتراك مع الأستاذ يوسف ناظر.
**في العام 1987 عاودت جريدة (الهدف) للصدور، لكن لفترة قصيرة.
**في العام 1994، صدرت مجلة (المنتدى) والتي كانت تعنى بالحقول الأدبية والثقافية والأجتماعية والسياسية، وتشجع الكتاب الجدد ومن كلا الجنسين للمشاركة، وللأمانة اذكر، بأن المرحوم عادل عقراوي لعب دورا مهما في اصدارها، اذ انه موّل من جيبه الخاص الأعداد الثلاث الأولى، كما انه ساهم بدفع الأقساط الأولى من جهاز الكومبيوتر الذي استخدمناه للتنضيد.  أستمرت حتى العام 2009، حيث  توقفت عن الصدور بعد ان  سيطرت القرأة الألكترونية على القرأة المطبوعة.
ولقد التفت الباحث الدكتور فائق بطي الى السيرة الصحفية للأستاذ فؤاد منا في المهجر الأمريكي، فضمنها في كتابه الموسوم (الصحافة العراقية في المنفى، من اصدار دار المدى ، عام 2006)، فأشار الى تجاربه الصحفية وأستعرض العديد من الأعداد، وأشاد بالدور الكبير الذي لعبته هذه الصحافة في نشر الوعي والثقافة، وتشجيع الأقلام الشابة على الكتابة والنشر، وفي تغطية الأحداث المهمة التي تجري في  ديترويت، او وسط الجالية، اضافة الى فضح السياسات الدكتاتورية للنظام البائد عند الجالية العراقية  في المهجر الأمريكي، ويعد هذا الكتاب، ادق مطبوع يتناول بالتأريخ والشرح اسماء وتواريخ ونبذ عن صحافة المهجر، بما فيها المهجر الأمريكي الذي لم يكن احدا قد التفت اليه او عمل لأرشفته بطريقة حيادية اكاديمية.


منتدى ال "المنتدى"
للذي يعرف الأستاذ فؤاد منّا عن قرب، يعرف انه جليس طيب، ومناقش عميق وأنسان اجتماعي ومحب  بشكل لافت، فكيف وازن ما بين العمل والعلاقات العامة، وما حكاية "صالوناته" السياسية – الثقافية التي ارتبطت بعمل المطبعة والجريدة، يقول الأستاذ منّا عن تلك التجربة:
 الأنسان بطبيعته مخلوق اجتماعي، اما حينما تكون لك هوايات مثل القرأة والكتابة والشعر والثقافة بصورة عامة، فأن مجالسة الآخرين تصبح أمرا لامناص منه. ان وجود بناية مستقلة للمطبعة، ووجود الجريدة والكادر الصحفي، والعلاقات الأجتماعية العامة، وفرت الأرضية الخصبة لزيارة العديد من المثقفين وترددهم على بناية المطبعة، ناهيك بأن (مقاهي) الجالية، لم تكن لتوفر مناخا مناسبا للحوارات والأحاديث والمناقشات ، لهذا اصبح هذا المكان بديلا ومركزا للعديد من المثقفين والمهتمين، والحقيقة ان باكورة بداياته كانت مع انطلاقة (مجلة الهدف) عام 1970، اذ بدأنا (كادر المجلة) باللقاء مساء كل سبت للحوار والحديث العام، وأذكر منهم: يوسف ناظر، جميل سولاقا، الشماس يوسف نجار، غازي شفو (ابو شروق)، مؤيد جورج، ولسن كساب ، جورجيت سيسي و رزوق كساب. ويمضي الأستاذ منّا بالحديث:
بالحقيقة كان ومازال طعم تلك الجلسات عالقا في فمي لليوم. ولم يزعجني ابدا ضجيج النقاشات او ارتفاع درجة حدتها، فقد كنت افرح حينما يجتمع خيرة مثقفي الجالية تحت سقف  مجلة "المنتدى"، وللحق اقول، فأن جلسات السبت هذه قد تطورت كثيرا بعد العام 1994، ودخلت عليها السياسة من اوسع ابوابها، وأنفتحت نوافذها  للعديد من الشخصيات العراقية التي كانت تزور ديترويت، اذ كانت (تشرفنا) وتحل ضيوفا اعزاء على لقاءاتنا . وسألته ان يذكر بعض الأسماء فقال:
بما تسعفني الذاكرة، فقد وصل عددهم للعشرات، وقسم منهم اصبح اليوم في الواجهة بالمشهد العراقي ومنهم: د.فالح عبد الجبار، د.فائق بطي، الأستاذ حميد مجيد موسى، د. برهم صالح و الدكتور فؤاد معصوم. ان فكرة لقائنا الأسبوعي في المنتدى ذاع صيتها كثيرا، وقد كانت (الوحيدة والمميزة) من بين كل الفعاليات والنشاطات الكثيرة التي تجري في ديترويت. لقد اجتمع فيها وناقش، حملة الأفكار بكل اتجاهاتها، اصحاب الأختصاصات، الكتاب والفنانين والمثقفين وحتى العاطلين عن العمل. كانت بحق فرصة للكثيرين لتعلم اسلوب الحوار والنقاش (ولو على الطريقة العراقية) لكن ما يميزها، بأن الأخوة كانوا يعودون في السبت القادم للمجئ وفتح الحوارات بروح اخوية من جديد.  كانت الممنوعات عندي اثنتان في هذه الجلسات، ان لا يتم التجاوز الشخصي، وأن تكون النقاشات بأحترام، وأن لا يدخل بابي (بعثي) مهما كانت درجته او امتيازاته، فقد كان محرما بالمرة، اما المسموحات فحدث ولا حرج، ولم اكن اتكاسل بتهيئة المكان  وحتى (الطبخ) لكل هؤلاء الأحبة، مع ما كان العديد منهم يجلبه من البيت من طعام او شراب. كانت الأجواء صداقية وحميمية لدرجة انا صرنا مدمنين عليها، وأذا غاب احدا منهم لأسبوع او اسبوعين، كنا نجهد حتى نعرف الأسباب، فالذي يجمعنا كان كبيرا، وربما يكون حبنا للعراق، للثقافة، للحرية والأبداع، وكرهنا للقيود والدكتاتورية والتخلف، اوسع  ما جمعنا.
ولقد تأثر السيد ابراهيم الزبيدي بتجربة المنتدى، فذكرها في كتابه الموسوم (بلا مكان،29 سنة خارج العراق، والصادر عن دار نارة للطباعة والنشر في عمان، عام 2006) حينما  أشار في الصفحة111 من الكتاب الى تجربة المنتدى بالقول:
".......الى ان يطرح احدهم قضية للنقاش، فيتم اختيار مديرا للجلسة، وتطول النقاشات وتنتقل بينهم بجدية وصراحة لا تخلو من الحدة والصياح في بعض الأحيان. وطيلة تلك السنين، لم يمنعهم ثلج ولا حر ولا اية ظروف اخرى من مواصلة اللقاء، فيهم الكلداني والآشوري والمسيحي، والمسلم الشيعي والسني، العربي والكردي، المتدين واليساري العلماني، الطبيب والصحفي والعامل والمهندس والتاجر والفقير. يرمي كل منهم خصوصياته خارجا ويدخل بروح نقية بعيدة عن العصبية العنصرية والطائفية والدينية"


علاقتك باليسار واليسارية
اوقفته قليلا لأعرف منه بعض الحقائق، خاصة من خلال الأطلاع على الصحافة التي اشرف على اصدارها، او الحوارات العامة في (المنتدى) ، ونشرته عبر السنين مجلة المنتدى والموقف من النظامين السابق والحالي، وسألته ان كان قد انتمى لليسار يوما،  فأجاب: لقد سمعت باليسار منذ صباي، اذ نشأت في محيط اجتماعي ضم في صفوفه الكثير من المناضلين، منهم من استشهد ومنهم من اعتقل ومنهم من توفى، اما عندما دخلت (عاملا) في عالم الصحافة، فقد قربتني هذه المهنة من خيرة المثقفين، والسياسين، وكنت (وكنا نحن عمال المطابع) في وضع لا نحسد عليه عشية اي تغيير سياسي. هكذا تعرفت على اليسار العراقي، وأقولها بأخلاص، اني اكن لهم احتراما شديدا، فمن هذه الحركة   خرج خيرة المناضلين الذين ضحوا من اجل الوطن، وخيرة السياسين والفنانين والأدباء، ومازالت الحالة هكذا لليوم، فأينما تواجد اليسار العراقي، تواجد المثقفون والشعراء والأدباء والسياسيون.
ولأن هذا الجواب كان دبلوماسيا، فأردت ان اعرف المزيد منه فقال: في التصنيف العام، فأني منحاز للفكر اليساري العام، وأعتقد انه خير فكر انتج للبشرية، فهو يدعو على الأقل للمساواة والعدالة الأجتماعية والحرية هذا اولا، اما ثانيا، فهو انحيازي للمثل العظيمة التي اتت بها (ثورة 14 تموز المجيدة)، ناهيك عن الأخطاء التي ارتكبت آنذاك، ونزعة قاسم الأنفرادية والنهاية المأساوية لها، فقد اثبت التأريخ انها انظف ثورة حدثت، وقادتها كانوا من انبل العراقين، ولو اراد العراق يوما ان يسير في ركب البشرية، فعلى قادته الجدد ان يعودوا ويطبقوا  افكار ومفاهيم تلك الثورة المجيدة، فلقد عشت نجاحاتها وأخفاقاتها، بالعمل اليومي الصحفي، ولم تأت مواقفي نتيجة سماعي عنها!


الوضع في العراق
بعد ان طفنا مع عوالم الأستاذ فؤاد منا، وأهتماماته السياسية، كان لابد ان نتوقف قليلا امام ليل العراق، الذي لاتبدو في الأفق ملامح انجلائه قريبا، فقال:
لا اخفي القارئ حجم الفرحة التي انتابتني وأنا اشهد السقوط المريع لأعتى دكاتوريات القرن العشرين، كانت لحظات وساعات لا تنسى والعالم يشهد معنا كيف لاذ البعثيون كالجرذان في جحورهم، وفي حينها أملت النفس، بأن الطريق قد انفتح امام العراق والعراقيين للبناء الديمقراطي والأنطلاق حيث الشعوب المتقدمة، لكن واه حسرتاه على احلامي الوردية، فقد كانت مع الأسف اقرب للخيال مما هي للواقع. انظر ما حصل بعد 11 سنة من التغيير، فالشعب تفتت، والمذابح والتفجيرات مستمرة،  ومن يقود البلاد اليوم (جوكة حرامية) مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق، والشعب انقسم على ذاته، وتنتابني  الصدمة وخيبة الآمال حينما لا اجد اي مبررر لصبر الشعب وقبوله هذه الحياة والأوضاع المهينة والمزرية التي يعيشها.  وشـئ آخر اود ان اضيفه، فقد قرأت التأريخ القديم والمعاصر، وكوني من ابناء الشعب الأصيل (الكلداني السرياني الآشوري)، فيحزنني كثيرا ان اكتشف بأن العهود السوداء الذي عاشها هذا المكون على يد العثمانين العنصرين، قد عادت، بقوة وبعنف ودموية اكبر. فلقد اصبح العراق سجنا كبيرا للمخلصين من ابنائه الأصلاء، وصار بعضا من هذا النفر الضال، ينظر اليهم ويعاملهم وكأنهم ليسوا ابناء هذا الوطن، لابل الأنكى من هذا ان العمل جار على قدم وساق لطمس هوية العراق التعددية والثقافية. بالحقيقة اشعر بحزن كبير، لكني مازلت متشبثا بالأمل، الذي لولاه لأنتهت نصف البشرية!  اتوق لليوم الذي يفيق هذا الشعب من سباته ويعرف بأن طريق المستقبل هو بالخلاص من كل هؤلاء الطفيلين والطائفين والسراق وسياسي الصدفة، وأن لا محال من قيام الدولة المدنية والأرتكان الى الفكر الخلاق الذي اتت به ثورة 14 تموز العظيمة، في الحرية والعدالة والأستقلال والمساواة والأبتعاد عن الأحلاف، ووقف تدخل القوى الخارجية  والأنظمة الرجعية، هذا ليس خيال، بل امنية وأمل ، لأنه حقا يعبر عن مدى حبي لهذا الشعب الرائع وطلائعه المثقفة ومبدعيه ومناضليه وكادحيه، لابل حتى عمال المطابع فيه!


سيرة ذاتية
من مواليد قرية (باقوفا) التابعة لمحافظة نينوى في العام 1936، يقول الأستاذ فؤاد كرابيت منا. اكملت دراسة الأبتدائية في قرية (تلسقف) لأن قريتنا كانت صغيرة، وكنا نسير حوالي كيلومتر للوصول للمدرسة. وكان المطر عدونا اللدود، فأذا نزل  كان ذلك معناه تحول الطريق الذي نسلكه الى بحيرة، فنحرم من المدرسة، وكان العقاب بأنتظارنا في اليوم اللاحق، حتى حلّت الرحمة بنا بعد ان اقترح المدير على اهالينا، استخدام  (الدواب) لنقل التلاميذ ايام الأمطار! في العام 1951 انتقلت الى بغداد وسكنت في (شارع اصفر) بمنطقة الكرادة، ودرست في متوسطة (المشرق الأهلية)، ثم كلية الموصل للآباء الدومنيكان، بعدها عدت لأعدادية المشرق، وأخترت الفرع الأدبي. تزوجت من السيدة هناء يوسف يتوما،  ورزقنا بخمسة اطفال قبيل ترك العراق اوائل عام 1969  والهجرة للولايات المتحدة، والتي رزقنا فيها ب ثلاثة اولاد، ومنذ هذا التأريخ وانا مقيم مع عائلتي  في هذه المدينة العزيزة.

اهتمامات ومواقف
لا اخفي القارئ يقول السيد ابو جبران، بأن القرأة تمثل الشريان الذي يمدني بالأوكسجين لأدامة الحياة وتطورها  وتحليقها عاليا، كانت منذ صباي، وكبرت معي، وكلما مر الوقت، كلما شعرت بعظمة الفكر والأبداع الأنساني، كلما عرفت ما معنى الثقافة والقرأة، وما معنى محاربة الرجعيين لأنصار الثقافة والمثقفين. وفي هذا الأثناء، تدخل العزيزة "ام جبران" على الخط لتقول: ان ولع  "ابو جبران" بالقرأة والثقافة والشعر والأدب شئ كبير،  وكبير جدا، ولكي ادعم كلامي لك، فقد كنّى اولاده الخمسة الذين ولدو في العراق بأسماء شعراء ومثقفين عرب (جبران، مـيّ، علاء، فينوس وقيس)، فيما كنّى الثلاثة الذين ولدو في الولايات المتحدة بأسماء اروع الناس في التأريخ الأمريكي المعاصر (روبرت، ليلى ومارتن)، ولا يفوتها ان تشير بعين الفخر والأعتزاز الى المنزلة التي وصل اليها الأولاد والبنات، فبعد 55 سنة من الحياة الزوجية، و 26 حفيدا وحفيدة، أشعر بالفرحة وأنا اراهم يتقدمون في هذه الحياة، يخدمون عوائلهم والمجتمع، اما الذي يعرف السيدة هناء يتوما، فأنه يقدّر منزلتها ان كانت  الأم أوالمرأة، فقد جمعت وبكفأة عالية بين مهمة تربية  ورعاية الأبناء الثمانية، ادارة المنزل، خدمة لمدة 33 عاما بالتدريس في مدارس مدينتي ديترويت  واوك بارك، ثم الألتحاق بالجامعة، ضاربة بذلك اروع مثال لأبنائها في مواكبة التعلم عبرالدراسة الجامعية.
 
 اما من الحوادث التي لا ينساها الأستاذ فؤاد منا، فهي قيام بعض (مرتزقة) البعث في ديترويت اوائل السبعينات بالأتصال به وعرض مبلغ من المساعدات المالية لدعم مجلته، مقابل دعمه لسياسة البعث في العراق، فأبى ان يحني رأسه لهم، بل انه عمل عكس ذلك في فضح سياساتهم وعملائهم ودولاراتهم التي كانوا يوزعوها هنا وهناك . وفي هذا المجال يقول: صدقا، لولا وجود "الأتحاد الديمقراطي العراقي" في ديترويت ، وموقفه المشرف اوائل الثمانينات من البعث، وبعد ان لقنه الدروس والهزائم امام الجالية، لكان البعثيون ولليوم وكلاء على جاليتنا العراقية في ديترويت.
     وحتى اكون صادقا مع القارئ، ومع نفسي فأني أقول، انا سعيد وفخور بما قدمته (وما قدمه زملائي الأخرون) من عطاء للجالية الكريمة، بما جادت به اقلامنا او صحفنا او منابرنا الثقافية، يقينا كانت تجربة لا ادري ان كانت ستتكرر، لكني مرتاح الضمير، لأن الحياة علمتني على الحركة والعمل ، ولم تعلمني الكسل. اتمنى من الأعماق للجيل القادم ان يرتوي من الثقافة الأنسانية ومن عطاء مبدعيها لما ينير دروبهم ويقربهم من اخوتهم في الأنسانية.


امنيات للعراق، ولجريدة "طريق الشعب"
اتمنى ان يعبر العراق خطوط العنصرية والطائفية ويلقيها في سلة المهملات، وأن يكون مصير البلد بيد ابنائه النجباء وليس بيد عملاء امريكا والسعودية وأيران. اتمنى ان ينعم اهله بالأمن والأمان. اما للزملاء في "طريق الشعب" ، فلعل حلمنا قريب من بعضنا البعض، والأيادي التي تبدع في اخراج الجريدة للنور، هي ذات الأيادي، وبذات نبضات القلب  حتى وأن كانت في ديترويت، التي تفرح حينما ترى الجريدة وقد لامست نور الصباح، واقتناها العمال والقراء. الف شكر لهم، وألف شكر لكل من يساهم بدعم  الكلمة الحرة وينشرها.


كمال يلدو
آيار 2014



 


ابو جبران وأم جبران


احد اعداد مجلة المنتدى


الأستاذ فؤاد منا مع ماكنات الطباعة


الجرائد والمجلات عرض


الصحافة في العراق اليوم


صحيفة الأستقلال


صحيفة العرب


صحيفة الزمان عام 1959


عدد آخر من المنتدى



في المشغل بقبو البيت


373
انتخاباتنا.......الجمهور عاوز كدة!

قد لا يختلف اثنان، بأن الأنتماء الحزبي ثقافة، والعلاقة مع الجماهير ثقافة، والمشاركة في الأنتخابات ثقافة، وممكن أن  يحسدنا (نحن الموجودين في الولايات المتحدة) الكثير من الناس، نتيجة  للظروف التي نعيشها،  والواقع الخدمي والأقتصادي والحياتي،  وجانب الخبرة في الأنتخابات الأمريكيةايضا، ان كان لأختيار رئيس الجمهورية او اعضاء المجالس او البلديات.
يحق لهم ذلك....أو لا يحق ايضا!
فلقد كشفت الأنتخابات الأخيرة (وحتى تلك التي سبقتها) عن حقائق تثير العجب والسخط في آن واحد، كان ابطالها منتسبي الكثير من الكيانات والأحزاب، صغيرها وكبيرها، في التراكض والتهافت على اقتناص الفرصة عند الناخبين للحصول على اصواتهم، شريفة كانت تلك الطرق ام لا،  حتى وأن اعتمدت تخوين الأخر، تسقيط الأخر او حتى بألغاء الآخر او بالتزوير ان سنحت الفرصة، ولا ادري ان كانت هذه الخبرات قد اكتسبها هذا (البعض) من انتخابات هذه البلاد، ام انها بضاعة مستوردة بأمتياز من دولة العراق ومؤسساته، وتجربته الرائدة!
حدث هذا على اقل تقدير في ولايتين ، مشيكان ومركزها ديترويت، اللينوي ومركزها شيكاغو، ويبتدأ  (الفلم) من التعينات والتوظيفات، الى حجم التواجد في مراكز الأنتخابات (بحجة المراقبين) الى المكالمات الهاتفية قبل وأثناء الأنتخابات، الى القفز على معظم توجيهات وقواعد عمل الهيئة (المستقلة) للأنتخابات، في استقلالية العمل والدعاية .

  اما المواطن الذي سيرقب المشهد عن بعد، فبماذا سيفكر يا ترى؟ بأية صورة ومصداقية سيكون المرشح الذي يدعون له هؤلاء (الأدعياء)؟ فأذا كانت اساليبهم للحصول على الوظيفة هي الواسطة  وتفضيل القريب على البعيد، وأذا كانت دعايتهم تعتمد على تسقيط (الآخر) وليس ابراز برنامج الجهة التي يدعون انهم يقومون بالترويج لها، فما قيمة النائب (الجديد أو المعاد انتخابه) الذي سيفوز بالأنتخابات بهذه الطرق .  اما لو كانت الأمور عكس ما ادعي، لكنا قد رأينا تغيرا قد حدث او جرى في البرلمان المنتهية اعماله، لابل ان هذه البرلمان سيسجل في التأريخ العراقي المعاصر بأنه اكثر  البرلمانات (المنتخبة) فشلا،  فيما يتقاضى نوابه رواتبا ومخصصات خيالية ، وكل ما قدموا للعراقيين كان دولة فاشلة، وحكم فاشل، ودورة فاشلة بكل معاني الكلمة.
لايملك الحاكم المستبد آلاف الأيادي لتنفيذ المهمات، بل انه يعتمد على اناس من شاكلته، و أقل شأنا منه، بأمل ان يستفيدوا من مركزه، وهم من اجل ذلك على اتم الأستعداد لتقديم خدماتهم. في زمن النظام المقبور، كانت "التقارير" التي يرفعها جلاوزة البعث، والأتحاد الوطني لطلبة العراق كفيلة بقتل الأنسان او تغييبه او اعتقاله او حتى تشريده، وكان غالبا ما يأتي التثمين على ذلك ترقية حزبية، و "عفية عليك"!
اما في هذا الزمن، فالمشهد يعود مجددا، لكن ممهورا ببعض (الدراهم)، و "عفية عليك" ايضا، من اجل الأستفادة من خدمة هذا البعض، لأيصالهم للكرسي. وبحد معلوماتي، فأن قسما منهم  يبرر (يحلل) فعلته وعمله بأنه يؤدي واجبا حزبيا، او يقوم بخدمة وطنية.
كانت تلك الحجج في زمن البعث وصدام وشهدنا نتائجها الكارثية، وها هو المشهد بكل تناقضاته يعود مجددا، بوجوه وعقليات وأجندات وأساليب لا تختلف عن البعث الا بالتسمية!
لقد ابتدع العقل البشري فكرة "الأنتخابات" و "الديمقراطية" بعد تجارب ومخاضات قاسية، وحروب كثيرة.  فقد كانت ومازالت من اجل منح الفرصة لكل الناس بالتساوي حتى تختار افضل من يحكمها، اما اذا كانت اساليب انتخاباتنا، وعقلية بعض الكتل والأحزاب بهذا المستوى، فما فائدة الأنتخابات اذن؟
هل هي لتبرير فوز السراق والفاشلين، ام للضحك على عقول الناس والأدعاء بان الجماهير "عايزاهم" و "عايزة كدة"!
اتمنى ان تكون هذه دعوة مفتوحة لجاليتنا الكريمة، ولمثقفيها والمعنيين بها، ولكل الأخوات والأخوة الذين ارادوا ان يكون دورهم نزيها في المشاركة او في مراقبة الأنتخابات، ان يفضحوا ويقاطعوا هذه النماذج (الأنتهازية) التي كلفت العراق 11 عاما من التخلف والقتل والدمار والسرقة والنهب والفساد والتزوير، يكفينا ويكفي شعبنا ما مر عليه من ويلات، وآمل ان نكون بمستوى المسؤلية، قبل ان تمضي علينا 35 سنة أخرى ، تكون نفوس العراق قد وصلت الى......؟

كمال يلدو
آيار 2014
 

 

374
النقابي سـعد ملاخا: في 1 آيار، اوزّع "الجكليت" على العمال


النقابي ســعد ملاخا

  لا يوجد مشهدا هنا في الولايات المتحدة، اغرب من مشهد الأحتفال بعيد العمال العالمي (1 آيار) ، وخاصة في صفوف العمال والشغيلة. فهذا العيد الذي يرمز الى وحدة نضال كل عمال العالم وتضامنهم من اجل الحقوق والأجور العادلة والسلامة في العمل والضمان الصحي والأجتماعي، وحيث كانت الولايات المتحدة وبالذات مدينة شيكاغو، نقطة مولده في العام 1886 عشية اضراب عمال معمل (ماكورمك) ومن ثم الهجوم عليهم واعدام قياداتهم النقابية في محاكم صورية وبتهم ملفقة، هذا العيد، يقول عنه النقابي السيد سعد ملاخا، انه يمر كأي يوم عادي  في اروقة المعمل، وللأمانة فربما هناك ما نسبته 1 أو 2% من العمال الذين يعرفون معناه الأممي والطبقي، لكني، وبهذه المناسبة فقد نقلت تجربتي (العراقية) لهم، حيث اقوم بتوزيع "الجكليت" عليهم، وأقدم لهم التهنئة تعبيرا عن فرحي وأعتزازي بهذه المناسبة، ولا اتثاقل من شرح المناسبة ولو بشكل سريع لمن يستغرب من تصرفي هذا!

بداية العمل النقابي
لمناسبة احتفالات الأول من آيار، عيد العمال والشغيلة الأممي كان لنا هذا الحوار مع النقابي سـعد ملاخا ليطلعنا عن اولى خطواته في هذا الحقل فقال:
 أستطيع القول ان مجموع عمر عملي النقابي يصل الآن الى حوالي 20 سنة، ولم اقضها في معمل واحد، بل في عدة معامل، وأطولها كان في معمل كنّا نطلي  فيه قطع غيار السيارات  بمادة (النيكل)، اما هذا المعمل الذي اعمل به الآن، فقد مضى على عملي حوالي 3 سنوات، ونقوم بتصنيع قطع الغيار للسيارات، والشركة كندية بالأصل وتتعامل مع كل شركات السيارات، وعملي هناك هو (ســائق رافعة – هاي لو). وعندما اردت المزيد من التفاصيل حول نقابتهم في المعمل ودوره هناك قال: نقابتنا تابعة الى نقابة عمال السيارات الرئيسية (يو أي دبليو)، وهي اكبر نقابة عمالية في الولايات المتحدة، وأسمنا الرسمي وموقعنا هو:
UAW local 174- Region 1 A
يبلغ عدد منتسـبي النقابة حوالي 300 عامل، وقد تمكنت رغم فترتي القصيرة معهم ان احصل على مركز طيب حيث اتحمل (مسـؤل الشفت للسلامة الصناعية – سيفتي جامبيون). وفي هذه النقطة طرحت عليه استفسارا فيما تقدمه النقابة من امتيازات للعمال، فقال:
 ان وجود النقابة هو صمام الأمان للكثير من حقوقنا، ولولاها لكانت معظم حقوقنا في خبر كان، ويمكن ان اعدد بعضها مثلا: ضمان السلامة الصناعية في كل فروع الشركة، ضمان استمرار عمل العامل وعدم تعرضه للفصل الكيفي، ضمان عدالة في الأجور والزيادات السنوية والأجازات الممنوحة والمستحقة، الضمانات الصحية والتقاعد، ضمان حقوق الأقدمية، ومحاربة التمييز العنصري والحد من الأفضلية في تقلد المهام او ادائها. ان هذه الحقوق وربما غيرها، هي التي تجعل عملنا اكثر انتاجا وابداعا وتقلل من حجم الضغوط النفسية التي يوضع فيها العمال الآن في المعامل الأخرى التي لا تخضع للتنظيم النقابي.
وبعد حديثنا عن اهمية النقابة، اردت ان اسمع منه عن آفاق هذا العمل ، فقال:
بالحقيقة ان الوضع النقابي يتدهور، والهجمة على المكتسبات التي حققها العمال ونقاباتهم تتعاظم، من قبل الحكومة الفيدرالية او من قبل الحكومات المحلية، وهذا بالحقيقة يرتبط كثيرا بميزان القوى بين الجمهوريين – الذين يناصبون العداء لنا – وبين الديمقراطيين – الذين نعتبرهم مناصرين لنا – وربما يكون اقرار (قانون حق العمل) في بعض الولايات، واحدا من اسوء الأمثلة على ذلك، اذ انه يشرعن وبصورة رسمية عملية الغاء دور النقابة في العملية الأنتاجية. اما الأزمة الأقتصادية وأغلاق المعامل او نقل بعضها خارج الحدود للدول الفقيرة فأنه يضاعف من معاناتنا، وخذ على سبيل المثال، فأن معملنا توقف منذ فترة غير قليلة عن تعيين العمال بعقود ثابتة، ولجأ الى (لعبة) العقود المؤقتة – 89 يوما- قابلة للتجديد، حتى يفلتوا من تقديم الحقوق للعمال، وبالتالي يكونوا  عرضة للأبتزاز والدفع القليل والقبول بالأمر الواقع، ومعروف ان من ابرز  مظاهر الأزمة الأقتصادية ان يخضع سوق العمل الى قاعدة العرض اكثر من الطلب، ولهذا السبب فعندنا ما لا يقل عن (100) عامل مؤقت، لا يمكننا تنظيمهم في النقابة او اشراكهم بأي عمل نقابي رسمي. لكن لو نظرنا الى الصورة بشكلها وحجمها الأشمل، فأني متفائل بأن العمل النقابي سوف لن يموت، بل ربما تأتي الظروف والأيام ليتطور اكثر، فأنت ترى ان التصنيع يتطور، والآلة تتطور، ومعها العامل يتطور، وآمل ان يتطور معها الوعي النقابي بالحقوق والواجبات ايضا. وربما سيكون من الطرافة ان اقول لك، بأن شركة (فولكس فاكن) الألمانية لصناعة السيارات كانت قد منحت الحق لعمل النقابة في مصنعها الجديد (غرب الولايات المتحدة)، وحينما حان موعد التصويت النهائي لأقرار شرعية النقابة، تدخلت الحكومة المحلية وضغطت بكل الأتجاهات لأفشال هذا المشروع، وفعلا فاز الآخرون بفارق ضئيل، ولم تقر شرعية النقابة.

البداية
ولد السيد ســعد اوراها بولص ملاخا في مدينة القوش التابعة لمحافظة نينوى في العام 1955( في المحلة التحتاني – محلة ختيثـة)، وزرع المناخ الثوري التي عرفت به القوش، الروح الوطنية عنده منذ صباه، وفعلا فقد عرف دروب النضال السري عبر القائد توما توماس وهو لما يزل شابا يافعا، بعد قدومه الى بغداد، تعرض كغيره من الوطنيين لحملات المضايقة حتى وصلت الهجمة الفاشستية مداها، فقرر مغادرة العراق عام 1980 وتوجه الى ايطاليا حيث اقام فيهاعاما ونصف العام، وأستقر به الأمر في ديتروت مذ ذاك التأريخ. وكغيره من الوافدين الجدد فقد عمل في محلات البقالة والشركات التي يملكها ابناء الجالية، لكنه وجد فرصة افضل للعمل في الشركات الكبرى حيث الضمانات اكثر والدفع افضل. منذ وصوله لهذه البلاد نشط في الأتحاد الديمقراطي العراقي، وكان دائما في الصفوف الأولى حينما تكون الحاجة ومازال لليوم، يحضر النشاطات ويؤازر الحركة الوطنية العراقية هو وأفراد عائلته الكريمة.

امنيات بالمناسبة
طلبت منه ونحن على ابواب عيد الأول من آيار ان يذكر لي امنياته للطبقة العاملة العراقية فقال:
 اولا اتوجه لكل شغيلة اليد والفكر والوطنيين بالتهاني في هذا العيد الجميل، وثانيا ادعو الى الغاء قانون (صدام حسين) السئ بأعتبار العمال موظفين، فهذه مهزلة، كيف يرضاها هؤلاء الحكام الجدد. اما لأخوتي العمال فأني اتوجه لهم بأعتبارهم بناة هذا الوطن ان يتعلموا، وأن يطوروا من معارفهم ويطالبوا بحماية صناعاتنا الوطنية ، ويعززوا من تنظيمهم النقابي العتيد ويحفظوه من اي نوع من التدخلات والأملاءات، كما اتمنى عليهم ان يعززوا من علاقاتهم الطبقية  والأممية مع النقابات الوطنية في كل العالم، حتى تزداد تجاربهم، وحتى يكونوا ظهيرا لنضالاتهم في مواجهة القوانين الرجعية وقوى الأرهاب بكل اشكالها.
اما للعراق الحبيب، فأمنياتي له لا تعد ولا تحصى، فأنا اتنمى  الأمن والأمان لأبنائه وبناته، تعزيز الديمقراطية في مسيرته القادمة، ان يكون العراق وطنا للكل دون ان تفرقنا المذاهب والقوميات والأديان، فقد احتضننا لآلاف السنين، فلماذا لا يحتضننا اللآن. كما اتمنى ان تتكحل عيوني وأن اشهد نصرا ملموسا يحققه التيار الديمقراطي المدني ومرشحيه ، وذات الشئ للمناضلة شميران مروكل وقائمتها العتيدة (الوركاء)....في الختام اتمنى ان يتكلل العمل الطيب والخيّر، بالنتائج الطيبة لمصلحة كل العراقيين.

كمال يلدو
 آيار 2014



المقاطعة 1 في نقابة عمال السيارات



شعار نقابة عمال السيارات


جانب من احد اضرابات عمال السيارات


داخل احد معامل جـي ام


سعد ملاخا 34A


نعم للتنظيم النقابي


نقابات العمال ساندت حركة  كنك من اجل الحقوق المدنية


وحدة مصير العمال الأمريكان والكنديين


375

جمعية النساء الكلدانية الأمريكية الخيرية: 53 عاما من العمل الأنسـاني
للجالية العراقية بديترويت




من كان يتصور بأننا سنجلس يوما ونستذكر تلك البداية التي مضى عليها الآن 53 عاما، بين سيدات رحلن وأخريات مازلن مستمرات، ودماء جديدة تغذي نشاطاتنا بأستمرار.  سعيدة انا بتـاريخ جمعيتنا، وسعيدة اكثر بما تقدمه من خدمات للناس المحتاجة، هذا ما تقوله السيدة  "جين شلال" رئيسة الدورة الحالية  ل (جمعية النساء الكلدانية الأمريكية الخيرية) التي تنشط في مدينة ديترويت وضواحيها، ولعلني اتذكر عبرة جميلة سـمعتها مرة، ومازال صداها يرن في اذني حتى اليوم:" ان العطر الزكي يبقى عالقا دوما في اليد التي تمنح الزهور للآخرين".

البداية
في مسيرة كبيرة كهذه التي قطعتها جمعيتكم، سألت السيدة جين شلال، سيكون جيدا لو تحدثتي عن البدايات، فقالت: كان ذلك في العام 1961 حينما اجتمعت 10 سيدات كلدانيات في بيسمنت (قبو) احد البيوت وقررن البدء بعمل خيري يهدف الى مساعدة العوائل  الكلدانية (لم يكن غيرهم آنذاك) القادمين للعيش في الولايات المتحدة، وبالذات في مدينة ديترويت، والأخذ بيدهم وتقديم المشورة والمعونة لهم حتى يتدبرون امورهم  ويعتمدون على جهودهم. هذه كانت الفكرة الأساسية، وبالحقيقة ، فقد كنّ هؤلاء السيدات متأثرات كثيرا بروح العمل الطوعي والمساعدة المنتشرة في هذه البلاد وخاصة مؤسسة (سانت فينسنت دي بول)، ناهيك عن عدم وجود اية مؤسسة عراقية او كلدانية آنذاك تقوم  بتقديم المساعدة للوافدين الجدد، مع وجود بعض الجمعيات الأمريكية، الا ان حاجز اللغة كان يحول دون انجاح المهمة، فبادرت تلك السيدات بأقتحام هذا الميدان، وذاع صيتهن بين الجالية ، وها انت ترى، فنحن لليوم نسير في ذات الدرب وعلى نفس الخطى التي سبقتنا اليها اقدام الرعيل الأول من سيداتنا.

نوع الخدمات
 لأن مفهوم المساعدات، وخاصة للوافدين الجدد، واسع وكبير، اردت  ان اعرف، بشكل ادق نوع الخدمات المقدمة، فقالت السيدة جين شلال: في السنين الأولى، كنا نقدم بعض المساعدات العينية، اذ يتصل بنا بعض ابناء الجالية ممن يمتلكون بعض الحاجات المنزلية الزائدة عن حاجتهم، فننظم العملية ونقوم بنقلها للوافدين الجدد، كأن تكون ثلاجة او غسالة او غرفة نوم او آثاث وحتى بعض اللوازم من الصحون او ادوات الطبخ ناهيك عن الملابس، هذا اضافة لخدمات الترجمة، والذهاب معهم للمراجعات الحكومية بغية انجاز معاملاتهم، وهذه الأشياء مازلنا نقوم بها لليوم، ويمكنني ان اعلن بكل فخر وأعتزاز بأن جمعيتنا الخبرية تملك الآن مخزنها ومكاتبها الخاصة عبر بناية كبيرة وواسعة ومستقلة تقع على العنوان:
CALC
Chaldean American Ladies of Charity

2033 Austin Drive
Troy, MI 48083
248-528-0130 

وهذا ساهم وسيساهم بتطوير وتسهيل مهمتنا كثيرا مع المتبرعين او مع المتلقين. ودعني الآن (والكلام للسيدة جين شلال) اشرح اكثر طالما فتحنا الحديث حول بنايتنا الجديدة، فهذا المكان سيتيح لنا استقبال تبرعات المواطنين من المواد والملابس وحتى الأغذية طوال السنة، وتوفيرها للمحتاجين ايضا، وسيسهل لنا عملنا المكتبي في ان تكون كل مكاتبنا في بناية واحدة، ناهيك عن الخدمات الجديدة التي استحدثناها والتي تتطلب مكاتب جديدة ايضا.

سباقون في خدمة الجالية
ربما سيكون من الأسهل على القارئ الكريم لو تفضلتي بشرح جوانب نشاطكم، فاجابت السيدة جين شلال بالقول: نعم، انا اوافقك الرأي بذلك، فقد كان شائعا  على جمعيتنا انها تقدم الملابس والأثاث للمحتاجين، وهذا شرف كبير، لكن مع مرور الوقت وأزدياد حجم الجالية وحاجاتها، ازدادت مهماتنا ومسؤلياتنا ايضا وسأوجزها حسب السنين وربما ستتطور بعد 5 او 10 سنوات ايضا:
1961: وهو عام انطلاق جمعيتنا، وضعنا امامنا تحقيق هذه المهام، العمل على مساعدة العوائل المهاجرة الجديدة               بالمواد العينية، خدمات مجانية في النقل والترجمة، تقديم مساعدات مالية (محدودة) للمحتاجين، المشاركة في             برامج مدينة ديترويت والبلديات والخاص ب(الأثنيات) المختلفة في المدينة، بغية فهمها اكثر وتقريبها من               بعضها ايضا، برامج لمساعدة كبار السن، ابتكار نظام التطوع للعمل الخيري بين الجالية العراقية.
1990: البدء ببرنامج تقديم المنح الدراسية للمتفوقين من ابناء وبنات الجالية، وخاصة اللاجئين او المحتاجين.
2002:استحداث برنامج تقديم النصائح للمتزوجين الجدد، وبرنامج  لمســاعدة الأمهات الجديدات (الأمهات حديثات            العهد بالأمومة والولادة الخ)، وبرنامج آخر  يعني بالمساعدة للتخلص من حالات الأدمان على المخدرات.   
2007: استحداث خدمة مساعدة الوافدين في البحث عن فرصة عمل، وتهيئة الأستمارات المتعلقة او المساعدة في               كتابتها ايضا، والأتصال بأصحاب المصالح من ابناء الجاليىة لتسهيل التعيين. 
2008:استحداث آليات للتواصل مع من قدموا  بصفة لاجئين وتقديم الخدمات لهم، استحداث خدمة تقديم المساعدات
         في مجال الصحة وذلك بالتنسيق مع اطبائنا من ابناء الجالية وتوفير الفحوصات المطلوبة دون اية تكاليف او            الذهاب الى مراكز تجمع المسنين والكبار وتقديم الفحوصات المجانية لهم،  كذلك التنسيق مع الصيدليات التي           يملكها ابناء الجالية لتقديم الأدوية مجانا او بكلف زهيدة جدا.
2010: في هذا العام بدئنا برنامجا لمساعدة العوائل للحصول على الضمان الصحي للعوائل او للأطفال والأمهات              على اقل تقدير من الجهات الحكومية في الولاية.
2012: بدءنا ببرنامج تقديم المساعدات الغذائية للعوائل المحتاجة، بعد ان كنا في السابق نتعامل مع المواد غير القابلة           للتلف، لكن الحاجة دفعتنا (مع وجود الكثير من المتبرعين ذوي القلوب الطيبة) لأستحداث هذه الخدمة اذ نقوم           بتخزين وتوزيع الأغذية التي لا تحتاج للتبريد، كما ونتجه الآن وبالتنسيق مع واحدة من كبريات شركات                 الصمون ( فوركاتن هارفيست)، وشركة توزيع الخضروات، لتوفير منتوجاتهم للمحتاجين الذين يقصدون               مركزنا.     
يلاحظ القارئ حجم التوسع الذي طرء على عملنا عبر السنين، وهذه الخدمات هي ليست موسمية ، بل خدمات متواصلة على طول السنة، وهي تتطلب الكثير من الجهد والعمل والتنسيق، ويعود الفضل الكبير في ذلك الى المتطوعات الرائعات، والى دقة وحسن تنظيم عملنا.

نشاطات خاصة في المواسم
تقول السيدة جين شلال بأن جمعيتنا، ديناميكية وحيوية وتستمع للملاحظات والمقترحات، ولهذا فهي تتفاعل مع الأوضاع والمستجدات. ويمكن ان اورد بعض الأمثلة على ذلك:
 نقيم حفلات خاصة في مناسبات الأعياد مثل الكرسمس ونقدم الهدايا للأطفال والمحتاجين، وعندنا عوائل تقوم بتبني عوائل (لاجئة) لتقديم المساعدات والهدايا بهذه المناسبة.  نقيم الحفلات (المجانية) في المناسبات والعطل الرسمية وندعو لها الكثير من العوائل التي لا تمتلك الأمكانيات المادية، عندنا برنامج مرة في كل شهر مخصص للشباب والشابات، يشرف عليه العديد من خريجي الجامعات لشرح آفاق الحياة لهم في هذه البلاد، تنتظم العديد من الشابات في مجموعة اطلقنا عليها (الملائكة – انجيلز) للتعامل مع الشابات القادمات،  تنظيم العديد من الألعاب ومنها لعبة (البنكو) في العمارات السكنية للمسنين من ابناء الجالية، وأحيانا نأخذ معنا بعض (الطبخات – الأكلات) الشعبية التي نهيئها في المنزل لتقديمها لهم،  اقامة العديد من المحاضرات في الصحة العامة من قبل اطبائنا، وعلى صعيد محدود نقوم بتقديم المساعدات المالية في دفع استحقاقات الأيجارات لبعض العوائل المعدمة  والتي لا تكفيها المعونات الحكومية، او ممن ليس لهم اي معيل.  كما نقوم دوريا بحملات لجمع المواد العينية من العوائل، مثل الأثات والملابس ولعب الأطفال وكل ما يمكن ان تستفاد منه العائلة المحتاجة، وذات الشئ  يجري مع الشركات التي تتبرع لنا بالأغذية المحفوظة او اي شئ يفيد الآخرين، ولا بد لي هنا من تقديم الشكر والتقدير للأخوة الذين يوفرون لنا مركبات النقل الكبيرة (لوريات) والسواق الذين يقدمون هذه الخدمات دون اية تكاليف ، والى جميع المؤسسات الأعلامية التي تدعمنا عبر الدعاية والأعلان، وألى ابريشيتنا الجليلة وكل الكهنة، الذين لا يبخلون في دعوة المصلين لدعم مشروعنا الأنساني عبر منابر الكنيسة او محاضراتهم الدينية ، فهم حقا ابناء اوفياء لمبادئهم الأنسانية وللجالية الكريمة.
  اننا نهدف ايضا من نشاطاتنا ان نحافظ على التقاليد الطيبة للعائلة الكلدانية في المحبة والتعاون وحتى في الحفاظ على اللغة الكلدانية،  وهنا سأسوق مثلا جميلا قمنا به، اذ بادرت العديد من نسوتنا الى التعاون  في كتابة الوصفات لأكثر الموائد الكلدانية شهرة في مطبخنا الشرقي، وطبعنا الكتاب، وفي يوم الأفتتاح وبيع الكتاب، قامت النسوة بتحضير اطباق من كل الأطعمة الموجودة في الكتاب،  وكانت الحصيلة ان بعنا في تلك الليلة (2000) كتاب لحوالي 800 شخص حضروا الحفل، وقد اسمينا الكتاب ( ما بسيما – ما اطيبه)، وخصص ريعه لدعم جمعيتنا، وقد كانت حقا تجربة جميلة.
                 
من اين لكم لكل هذه الأموال
شكرا جزيلا على هذا السؤال قالت السيد جين شلال، والأبتسامة الكبيرة مرسومة على محياها: ان جمعية النساء الكلدانية الأمريكية الخيرية، جمعية انسانية غير ربحية وهي معفية من الضرائب الحكومية، ومصادر تمويلها متعددة ومنها من اشتراكات العضوات واللائي يبلغن الآن 600 عضوة، ومن واردات الحفلات الخيرية السنوية، ومن تبرعات عامة ابناء الجالية، ومن اناس معينين يقدمون لنا تبرعات كبيرة جدا (وفي اغلب الأحيان) لا يرغبون بالأعلان عن اسمائهم، لأنه عمل خيري لا يريدون الدعاية من ورائه، وأن كل العاملين (باستثناء 5 موظفين) يعملون بلا مقابل، لا بل انهم في كثير من الأحيان يصرفون من جيوبهم اذا اقتضى الأمر انجاح النشاط، اي نشاط، وهذا يعني الآلاف من ساعات العمل من اجل خدمة ابناء جاليتنا العزيزة.

ما الفرق بين اللاجئ والمهاجر 
 يبدو ان للزمن دوراته ايضا، فرغم اننا بعيدين كل هذه المسافات عن العراق، الا ان ما حدث وما يحدث فيه صار يلقي بظلاله  على جاليتنا، وعلى عملنا ايضا. لقد أصبح معلوما للكل بأن حجم الجالية قد تضاعف مرات ومرات، واسباب الهجرة لهذه البلاد قد تنوعت ايضا. ففي السابق كنا نتعامل مع عوائل مهاجرة، وفي الغالب يكون لها اقارب او معارف في هذه المدينة ويقومون في معظم الأحيان بمد يد المساعدة للوافدين الجدد، اما اليوم فأضافة للمهاجرين اصبحنا نتعامل مع  مجموعة كبيرة جدا من اللاجئين،  ممن لهم معارف او ليس لهم احد ابدا، وحتى لو كان لهم معارف فأن امكانياتهم محدودة، وقسم كبير خسر كل ما يملك اما نتيجة اعمال العنف في العراق او في السنين التي قضاها في دول الجوار بأنتظار مصيرهم للقدوم لهذه البلاد،  مما يستوجب مساعدتنا بغض النظر. ولأننا نتحدث عن اللاجئين، دعني اشير (والكلام مازال للسيدة جين شلال): ان بعض من اهم صفات هذا الجيل انه حامل للكثير من الأمراض والعقد النفسية، متألم كثيرا من الثمن الذي دفعه نتيجة سوء الأوضاع، حزين جدا للفرص التي ضاعت منه اثناء بقائه في دول الجوار، وللكثير منهم يعيشون حالة من الأنفصام والذكريات المؤلمة التي تلقي بأنعكاساتها عليهم، فعندنا شباب لا يرغب بالعمل، وآخر بلا امل، وآخر مستاء من طبيعة حياته قياسا بما كانت عليه في العراق من استقرار قبل الحوادث المؤلمة، الا ان هناك مجموعة تعاني آلاما كبيرة، وتكتمها بصمت!
 أستوقفتها قليلا وسألتها ان كانت تعّرف ببعض تلك القصص فقالت: التقيت بأحدى السيدات التي فتحت قلبها وسردت لي ما مـّر عليها في العراق قبل هروبها، فذكرت بأنها تعرضت للأختطاف، وحجزت في بيت لمدة شهر مع فتاتين اخرتين، وتعرضت الى شتى انواع المهانات والتعذيب وحتى للأعتداء الجنسي والأغتصاب، وبعد شهر اخلي سبيلهم، فماتت المرأة الأولى والتي كانت دكتورة، وأنتحرت الشابة الثانية والتي كانت تبلغ حوالي 16 عاما، وبقيت انا ، وها انك تريني امامك اعيش آلام تلك التجربة المريرة التي تدمرني يوميا!

من هم نساء جمعيتكم
ســوف  ابوح لك، وللقراء الكرام بالسر، انها ((المرأة)) بكل معانيها، الأم والزوجة والأخت والحبيبة والخطيبة، العالمة والعاملة، الموظفة والفلاحة، الطبيبة والمريضة، الفنانة والأديبة، عاملة المخزن او ربة البيت،  التي تهتم بالمنزل والأبناء والزوج، تطبخ وتنظف وتتسوق وتعمل وتسهر على راحة الكل، التي تضحك وتبكي، التي تفيض يدها بالحب والحنان، التي تفرح من القلب لأبسط النجاحات، وتحزن من القلب لأبسط الأخفاقات، تلك هي المرأة، وتلكم هن عضوات جمعيتنا. فمع كل مسؤلياتهن، فقد وجدن الوقت لخدمة الأخرين، للعمل والسهر والتنقل والأتصال وجمع التبرعات والحديث للناس، كلها مجتمعة وربما اكثر تقوم به نسائنا الفاضلات، سيدات متزوجات او آنسات، من كبار السن ومتوسطاته او من الشابات، من الخريجات وحاملات الشهادات العليا او من العاملات  او ربات المنزل، من الأغنياء ومن غيرهن، كلهن نذرن وقتهن لهذا العمل الأنساني . فهل يكفي ذلك ام ترغب بالمزيد؟

كيف تقيمكم الجالية، والمجتمع
في عمل امتد لكل هذه السنين، وتفرع كثيرا، كان لابد ان نعرف موقع جمعيتكم في الجالية، وبين الجمعيات والمنظمات الأخرى، قالت السيدة جين شلال: نعم، في عمل كهذا صادفتنا قليلا من الأخفاقات، وكثيرا من النجاحات، وقد صقلت تجربتنا السنين، وكلام المهتمين ايضا، الا اني اطمأن القارئ الكريم وأقول له، ان 53 عاما من الخدمة العامة التي مصدر تمويلها هم ابناء جايتنا الكريمة، وتوسعنا بهذا الشكل كفيل بأن يمنحنا تلك الراحة النفسية والأعتقاد بأن عملنا ونشاطنا وتعبنا هو محط احترام وتقدير من الجالية، ومن الذين تصلهم مساعداتنا ايضا. وهنا لابد لي من الأشارة، بأننا لسنا دولة، ولانملك آبارا للنفط! نحن مجموعة من السيدات، لنا عوائلنا وأهتماماتنا ومشاغلنا، لكننا نقوم بهذا العمل الخيري (ونطمح بالمزيد) بما تمليه علينا عقيدتنا المسيحية السمحة، وتقاليدنا العراقية الكلدانية، ووجداننا الأنساني، هذا العمل الذي عجزت عن تقديمه الحكومات المعنية اصلا تجاه ابناء شعبها الأصيل.
 اما  مجنمع الجالية والمجتمع الأمريكي المحلي، فقد كرمنا في اكثر من مناسبة، استطيع ان اسرد بعضها:
1)في العام 2001 جرى تكريم جمعيتنا من قبل ولاية مشيكان لعملنا الخيري ولمناسبة مرور 40 سنة على تأسيسها
2)في العام 2006 اختيرت جمعيتنا بأعتبارها الجمعية الأولى في العمل الأنساني بولاية مشيكان
3)في العام 2011 كرمتنا عضوة الكونغرس الأمريكي، الديمقراطية (ديبي ستابنو) لمناسبة مرور 50 عاما على تأسيس الجمعية. وهناك في ملفاتنا عشرات الجوائز من الكنائس، والأبريشية، والجمعيات العراقية والأمريكية في هذه الولاية، وهذا يزيدنا فخرا، وجوابا على سؤالك، انا سعيدة بمنزلتنا وسط الجالية، وخاصة للمحتاجين منها، وأشعر بالفرح، لأن عملنا لم يذهب هباءا مع من يستحق او مع من  يتلقى مساعداتنا.
ومن الطريف ان اذكر ان عملنا هذا قد استأثر بأهتمام بعض سيدات مجتمعنا الكلداني في كل من ولايتي كاليفورنيا و أريزونا، فبادرن الى تأسيس تجمعاتهم النسائية للقيام بذات العمل الأنساني الذي نقوم به، وهذا بحد ذاته نعتبره وسام تقدير وأستحقاق لتجربتنا.


بعض الأرقام
مع كل ما تقدم، ارتأت السيدة جين شلال ان تضيف بعض الأرقام، والتي تقف خلفها جهود جبارة من اجل اظهارها للعلن وبعث الروح بها ، وخاصة للعام 2013 ومنها:
**ابتداء عملنا ب 10 سيدات واليوم عدد العضوات يبلغ 600،  هذا من غير المتطوعات  الآنيات
**عدد الأشخاص الذين خدمناهم بلغ 1446
** المبالغ التي صرفت لدعم العوائل، وخاصة في دفع الأيجارات بلغ 24،000 الف دولار
**قمنا بتوزيع ما مجموعه 25،000 الف باوند من الأغذية غير المعرضة للتلف (رز، دهن، شكر ...الخ)
**اكثر من 150 شخص نقدم لهم الطعام الجاهز على مدار السنة
**اكثر من 250 شخص نتكفل بالخدمات الصحية لهم على مدار السنة
**اكثر من 180 شخص نقوم بخدمتهم في اعياد الكرسمس
**نتكفل ب 11 طالب سنويا في تقديم المنح الدراسية لهم لأكمال تعليمهم
**اكثر من 250 شخص من المسنين نقدم لهم الخدمات (غير الحكومية) في مراكز معيشتهم، من خلال الفعاليات والنشاطات والعلاقات العامة.
**تقديم الخدمات لأكثر من 200 شاب، في التجارب الحية والنموذج الأيجابي في الحياة.
**يبلغ عدد عضوات الهيئة الأدارية التي تشرف على العمل اليومي للجمعية (9) عضوات، بينها الرئيسة، ونائبتها، والسكرتيرة ومسؤلة المالية، وخمسة عضوات.
**لدينا هيئة استشارية مؤلفة من (30) عضوة تجتمع مرة كل شهرين، يعملون في شتى حقول الجمعية ونشاطاتها.

كيف يمكن  تقديم المساعدة لكم
بالحقيقة، لاتوجد حدود للعمل الأنساني تقول السيدة جين شلال، ولمن يرغب بمساعدتنا، فنحن ممتنون مقدما لهم، ونحتاج ذلك دائما ، ويمكن ان الخصها ببعض النقاط:
1)الأنتساب للجمعية بتقديم الأشتراك السنوي والبالغ (50) دولارا.
2)تقديم التبرعات المالية او العينية وتسهيل مهمة ايصالها للمركز
3)التسجيل في حملات العمل الطوعي والبرامج المقدمة، وتشجيع الآخرين على ذلك
4)المساعدة في انجاح حملات التبرع التي تقوم بها الجمعية
ويمكن لكل من يرغب ان يتصل بنا عبر البريد الألكتروني على عنواننا:
info@calconline.org

جين شــلال
لايملك الأنسان وهو يقف ويستمع الى اناس بهذا الحجم من العطاء، الا ان ينحني لتلك القامات الباسقة، المعروفة وغير المعروفة، والتي تعمل ليل نهار لمساعدة الآخرين، والشعور بهم والسهر على راحتهم، هذا هو الألق الأنساني بأرقى تجلياته. لقد سـهّلت السيدة شلال مهمة اللقاء، رغم انتهاء الدوام الرسمي بساعتين، وكانت منفتحة لأي سؤال او لأصغر معلومة طلبتها منها، لكنها تحفظت كثيرا حينما طلبت منها بعض المعلومات للتعريف بشخصها الكريم، اولا لتواضعها الجم، وثانيا لقناعتها بأن من يقوم ويسهر على نجاح هذا العمل الكبير ليس شخصها فقط، بل كل العاملات والمتطوعات الرائعات، لكني افلحت اخيرا حينما اقنعتها بأن هذا هو بروتوكول معمول به في اللقاءات الصفحية، ابتسمت وقالت: انا من مواليد بغداد، غادرت عائلتي العراق وكان عمري 5 سنوات، والمرة الوحيدة التي زرت العراق كانت في العام 1979، وقد انبهرت به وأحببته اكثر، فلقد وجدته بلدا جميلا. اكملت دراستي الثانوية في مدرسة (ميرسي) الأهلية الكاثوليكية، انهيت الدراسة الجامعية في جامعة (وين ستيت) بديترويت، وأكملت دراسة المحاماة في جامعة (مشيكان ستيت)، وحصلت على شهادة الماستر من (يونيفيرستي اوف ديترويت) للآباء اليسوعيين. مارســت المحاماة لمدة 25 سنة، وانا الآن متقاعدة. تقلدت رئاسة – جمعية توزيع الأغذية – لمدة 5 سنوات، وعملت لمدة 18 عاما في الهيئة الأستشارية لجمعية النساء الكلدانية الأمريكية الخيرية ، و3 سنوات بمهمات  رئيس غير منتخب، و4 سنوات رئيسة للجمعية. متزوجة وعندي ولد وبنت. كنت قبل تقاعدي اعمل بحدود 20 ساعة اسبوعيا في عمل ونشاط الجمعية، اما بعد تقاعدي فأن ساعات عملي (التطوعي) تصل لحوالي 40 ساعة اسبوعيا!
استوقفتها قليلا وسألتها عن امنيتها الشخصية فقالت: ان احصل على وقت اكثر لأقضيه مع ولدي وبنتي، وبالحقيقة انا فرحة بهم كثيرا، وأعتقد بأن مستقبلا باهرا ينتظرهم، كما وأني مؤمنة بالمقولة الشائعة: ((استمتع بأجمل ما في هذه الحياة)). اما امنيتها على الصعيد المهني (عمل الجمعية) فتقول:ان يتطور اكثر، وأن نكون موفقين في ايجاد وبناء الجيل الجديد الذي سيقوم بأتمام عملنا وعمل الذين سبقونا منذ سنين، فهذه فرحتي التي لا توصف.
ولم يفتها وطن والديها العراق حينما قالت: انا اتمنى لهذا البلد الجميل، ان يعيش اهله بالأمان، وأن يتمع مواطنيه  بالحرية والأستقرار والسيادة. انه بلد رائع وبتأريخ متألق، فكيف يمكن ان يتشتت ابنائه ويتعذبون بهذه الطريقة؟

كمال يلدو
آيار 2014


 


احتفالات الكرسمس مع الأطفال


الأحتفال العائلي بعيد الكرسمس


السيدة جين شلال رئيسة الدورة الحالية


برامج الجمعية لذوي الأحتياجات الخاصة


بعض البرامج المخصصة للمسنين في دور الرعاية


بناية الجمعية من الخارج بمكاتبها ومخزنها


جزء من قسم الملابس في المخزن


جزء من قسم المواد الغذائية


سفرة عائلية لمناسبة اليوم العالمي للأجئين


صور من برامج تأهيل الشباب


قسم لعب الأطفال


كتاب الطبخ للأكلات الكلدانية - ما بسيما





376
نــك نجــّار: أمانتي وصدقي همـا كنــز نجاحـي


السيد نـك نجّار

قليل من سكنة ديترويت وضواحيها، لم يسمع بالعقاري المعروف نك نجار، فهو حاضر منذ عشرين عاما، في الراديو والتلفزيون المحليان، في الأعلانات التجارية او في اللقاءات التي تجريها بعض بلديات ضواحي ديترويت. نشط في الجمعيات الخيرية والكنسية، في المنظمات الأمريكية وحتى العربية، وقلما يمر حدث في الجالية الا وتصادفه زائرا او مشاركا.  ورغم كل ما يأخذه العمل العقاري منه ، وقتا وطاقة، الا انه وجد وقتا اضافيا لينغمر في العمل الدعائي  في ترشحه لمجلس نواب ولاية مشيكان، حتى وأن لم يوفق في رحلته تلك، الا انه يقول، لقد تعلمت منها الكثير، وصقلت شخصيتي وجعلتني اقوى من ذي قبل، لابل انك ستعرفني  وتميزني من العبرة التي اطلقها مرة لاعب البيسبول المشهور ســام ايونك: " العمل الشاق والصبور يعطيك فكرة عن الناس،  فمنهم من يرفع كـم قميصه للأعلى، وقسم يرفعون انوفهم، وآخرون لا هذا ولا ذاك"، ومن هذا يمكنك ان تقيس بأية خانة يقع نك نجار!

البداية
ولد السيد نك نجار (ناصر سـامي شـابا النجار) في العام 1960 بمنطقة (عكد النصارى) الشعبية، في قلب مدينة بغداد. وترعرع في تلك الأحياء التي تحمل عبق التأريخ وذكريات الناس التي مرت يوما من هناك. درس اول الأمر في "مدرسة الطاهرة"، وبعد انتقال عائلته، دخل مدرسة "الجزائر" في منطقة بارك السعدون، ثم اكمل في "الأعدادية النظامية" التي كانت في منطقة شارع 52. مع بداية عقد الثمانينات، قررت عائلته الهجرة، وكانت محطتها الأخيرة هي الولايات المتحدة، وتحديدا مدينة ديترويت حيث تكثر العوائل العراقية من الأهل والأصدقاء، مما يسهّل امر الوافدين الجدد. عمل اول الأمر في محلات البقالة المملوكة لأبناء الجالية، وبعد فترة من العمل الجاد، تمكن من امتلاك محله الخاص. يمثل العام 1995، عاما مفصليا في حياته  ومستقبله التجاري لاحقا، اذ دخل عالم العقارات، اثر التجربة التي اكتسبها، ودراسته هذا الحقل الحيوي والمهم في الولايات المتحدة.

عالم العقار
يقول السيد نك نجار، ان عالم العقار، عالم كبير، وبحر عميق. فيمكن له ان يأخذك للأعلى، ويمكن له ان يحطمك للسنين القادمة، كونه يتعامل بالآلاف والملاين من الدولارات، لهذا فهو خطر وحساس. ان هذه الأعتبارات تضع عبئا اضافيا على المتعامل في حقل العقارات، وبالنسبة لي (يقول نك نجار) فأني اخترت طريقا صعبا وطويلا، هو طريق الصدق والأمانة في التعامل مع العملاء والزبائن، ولهذا السبب اقول، اني مازلت في هذه المهنة بعد كل هذه السنين، فالسمعة الطيبة لا تقاس ولا حتى بالذهب. ومن هذا المنطلق فقد تعاملت مع المئات، معظمهم من ابناء الجالية العراقية، وقسم من الجالية العربية وحتى الأجانب والأمريكان، ويسعدني كثيرا حينما يبعث زبائني، اناسا جدد حتى اتعامل معهم، مما يعزز ثقتي بنفسي  ويؤكد لي بأني ســائر في النهج السليم.
ومما لا شكك فيه، فأن العقارات مرتبطة بشكل اساسي بمجمل حركة الأقتصاد، لابل انها المؤشر الرئيسي للركود او النمو او الرخاء، وقد شاهدنا ذلك بوضوح ابان حالة الركود الأقتصادي (والتي مازالت مستمرة ولو بحد اقل من السنين الماضية)، حينما انخفضت عملية  بناء المساكن الجديدة، وكيف ان قيمة العقارات  قد انخفضت بنسبة النصف، لابل ان آلافا من العوائل فقدت بيوتها ، وفقدت كل ما وضعته فيها من مقدمات او حتى ترميمات وأضافات. لكن الحال لا يمكن له ان يبقى على هذا المنوال، فتسعى الحكومة الفدرالية، والبنوك الى تقديم الضمانات والتسهيلات للتعجيل بحركة السوق، وهكذا نشهد الآن حالة (صحية) من النشاط، ربما ستأخذ سنينا اضافية حتى يتعافى سوق البناء والعقارات مجددا.

الأول في مشيكان، والسادس امريكيا
في ضوء هذا الكلام، اردت ان اعرف موطئ قدم السيد نك نجار في سوق العقارات، كبائع امين ومتمرس، فقال: لا اخفيك سـرا لو قلت لك، بأن عالمنا غامض، واحيانا غير قابل للتنبؤ، لكننا نبحر به لأنه مصدر معيشتنا.  ومع السنين تراكمت الخبرة عندي، وتنامت ثقة الزبائن بي، وقد تلائم الوضع الأقتصادي مع حجم مبيعاتي، اذ اني سجلت ارقاما مشــّرفة في هذا المضمار، اذكر منها:
في العام 2002 وصلت مبيعاتي الى 13 مليون دولار
في العام 2003 وصلت مبيعاتي  الى 21 مليون دولار
وفي العام 2004  فقد وصلت مبيعاتي الى 37 مليون دولار، لأحتل المرتبة الأولى ليس  في ولاية مشيكان فقط، بل في منطقة البحيرات العظمى (والمؤلفة من 5 ولايات)، وأتشرف بأني نلت المرتبة السادسة في عموم الولايات المتحدة، وحصلت في ذلك العام على العديد من الجوائز التقديرية ومن جهات عقارية كثيرة، وربما كانت سعادة الزبائن وفرحهم من تعاملي، اكبر تلك الهدايا.

اساس تعاملاتك
انت  تعلم استاذ نك نجار، بأن حقل العقارات هو من اكثر الحقول قابلية للخداع ، وأيهام الزبون، فما الذي يضمن نزاهة عملك، اجابني والأبتسامة على وجهه: اشكرك على هذا السؤال، وانا لست منزعجا بالمرة حينما توضع اولوياتي ومبادئي موضع الأمتحان. انا شخصيا لا اتحدث عن غيري، ولا بأسم غيري، ولا اشير الى غيري، انا اتحدث عن نك نجار، عن سيرتي وحياتي وعملي، ومستقبلي ومستقبل اولادي. ان هذا العمل بالنسبة لي هو كل شــئ، وأقول للقارئ الكريم، بأني فخور ايما فخر بما يسمعه ابنائي من الكثير من الناس (الذين كانو زبائني او يعرفوا زبائني) عن صدقي وأمانتي وأخلاصي للمستهلك، للشاري والبائع. فأنا شخصيا اعاملهم وكأني اعامل افراد اسرتي، وأذهب الى ابعد من ذلك معهم، وأبحث كثيرا  في العقار ومواصفاته، مستقبله وآفاق بيعه لاحقا.
اوقفته قليلا لأستفسر منه عن مواصفات العقارات، والمسموحات والممنوعات، فأجابني:  اولا يجب التمييز بين العقارات السكنية والعقارات التجارية، وعقارات الأستثمار بعيدة  المدى (الأراضي) ، اذ بالتأكيد هناك مشتركات بين هذه العقارات، لكن هناك مواصفات لايمكن اغفالها، اما التغاضي عنها فيعني الكارثة للمستثمر. ففي حالة عقارات السكن، نبحث عن فاعلية النظام التعليمي (المدارس)، عن خدمات المدينة، خاصة الشرطة والتنظيف وإدامة الشوارع والأنارة، عن الضرائب، وعن عمل البلدية مع سكان المنطقة وغيرها من التفصيلات التي تتعلق بعمر البناء، التصليحات، الأندثار، العلاقة بين سكان الحي الواحد وغيرها من الأعتبارات، اما بالنسبة للتجاري فننظر الى المنطقة، البناية، آفاقها ، علاقة البلدية بالسكان، وبالتأكيد تأتي موضوعة الخدمات العامة والشرطة، ومدى قدم المنطقة وقدم او حداثة البنى التحتية، مضافا اليها الضرائب، وذات الشئ ننظر للأراضي، وفيما اذا كانت ستحافظ على قيمتها، ام تتراجع ام تتقدم. وهكذا يمكنك ان تميز بين رجل العقار المتمرس وصاحب الخبرة، وبين من يريد ان يبيعك العقار ثم يذوب مثل فص الملح في الماء!

العمل الأنساني
بعد ان تحدثنا عن سيرته التجارية وعمله ، اردت ان اعرف جانبا مكملا لشخصية السيد نك نجار، وهي المتعلقة بالعمل الخيري والطوعي فأجابني بالقول: بالحقيقة انا سعيد بأن اقول لك وللقراء الكرام، بان عائلتي وتربيتي المنزلية كانت تدعوا بأستمرار للمساعدة ولتقديم الجيد للناس وللمحتاجين، وبعد مجيئي لهذه البلاد، وتعلمي الكثير عنها، ســــعدت كثيرا بنظام العمل الطوعي (فولنتير) المترسخ عميقا في وجدان الشعب الأمريكي، ووجدته مترجما لآمالي  الأنسانية، لهذا ولجته مبكرا، وكلما سنحت لي الفرصة، ولا ابالغ لو قلت لك بأني كنت احيانا انسى نفسي وأنسى عملي وأنا منغمر في هذا العمل الأنساني الممتع. وأذكر لك بعض الأمثلة: عضو في منظمة ( ان اس او) وهي منظمة سوداء وتعني بشؤون الفقراء، حيث اتطوع في الأعياد والمناسبات  للعمل معهم في المطبخ وتقديم وجبات الطعام للفقراء،  منظمة  (فنسنت دي بول) وهي جمعية خيرية تعني بمساعدة الفقراء، ولها بعض المعارض التي تبيع فيها ما يردها من تبرعات عينية لتحويلها الى اموال وتقديمها للفقراء، (سالفيشن آرمي – جيش الخلاص) وهي جمعية شبيهة بالتي سبقتها في العمل الخيري، كذلك في جمعية "مار ميخا الخيرية" ويشرفني اني كنت من المؤسسين لها، ونحن نساعد من خلالها ابناء شعبنا في مدينة القوش في العراق. كذلك حصلت على مركز "سفير للسلام" ، وعملت عضوا في "الهيئة الأدارية للأتحاد الكلداني" ، و "رئيس مجلس خورنة كنيسة مار يوسف" في مدينة تروي لعدة سنين،  كما وحصلت من عملي الطوعي على عدة جوائز تقديرية ومنها ، من  "اللجنة الأعلامية للسود الأمريكان" .

العمل مع الأدارات المحلية
وكأن كل هذا لم يكن كافيا ليأخذ ساعات النهار والعطل الرسمية وعطل نهاية الأسبوع، فأن السيد نك نجار اضاف لقائمته اعمالا طوعية اخرى، يتشرف بها كثيرا، ولكن هذه المرة ضمن اطار مجالس البلدية ويذكر منها: منذ العام 2000 اعمل متطوعا في بلدية "ستيرلنك هايتس"، في مجال تخطيط المدينة، وكذلك في لجنة رعاية الأقليات والأثنيات، عضو في لجنة اعمار مركز مدينة "تروي"، كما كنت اعمل مستشارا سابقا  لعمدة المدينة ولسنوات طويلة. بعد هذا السرد الطويل عن الجهات والمسؤلين الذين عمل معهم، اردت ان اعرف ان كان لها  اية فائدة؟

جســـر التواصل
بالتأكيد، بالتأكيد لها فائدة. فنحن اصبحنا مواطنون في هذه المدينة، ولسنا زوار مؤقتين، وما يهم سكنتها يهمنا ايضا، ومن هذا المنطلق عملت بأستمرار لكي اكون جسر التواصل بين المسؤلين وبين جاليتنا، ولم اهتم  ان كان عملي منظورا ام غير منظور، طالما كانت النتائج طيبة.  وهنا اوقفته وطلبت منه المزيد من التوضيح فأجاب:
تعلم انت ان وجودنا في هذه المناطق لم يمض عليه كثيرا (آخر 30 سنة أو اكثر) وأن هناك مجالسا بلدية قبل ذلك، وفيها ممثلين لسـكنة المنطقة من الأمريكان او الأثنيات الأخرى، وعندما يشاهدون احدا من (بنات او ابناء) جاليتنا فأنهم يعربون عن شكرهم، وهي ايضا فرصة مهمة للجاليات الأخرى ان تتعرف علينا عن قرب. وأذكر للقارئ الكريم بعض الأمثلة: فعندما عملت في تخطيط المدينة (زوننك) ، كانت تعرض علّيّ بعض المعاملات المرفوعة من ابناء جاليتنا، وكنت اقدم لهم النصائح بما يساعد عملية الأسراع بأنجاز معاملاتهم، وذات الشئ بالنسبة للممنوعات أو المسموحات، في البناء وغيره. وقضية مهمة اخرى تعني اعضاء البلدية، وهو تفاعلهم الأيجابي مع الجالية حينما يشعرون انها ايجابية معهم ومتعاونة، وهذه العملية بحاجة لمن ينظمها ويضعها في مكانها الصحيح، ورغم كل ما تستهلكه من وقت وجهد وطاقة، الا اني كنت موجود دائما، وأشعر بالسعادة حينما يشاركني الآخرون، فهذا العمل ليس مؤقتا، ويجب علينا ان نتواصل به طالما نحن  وأبنائنا وأحفادنا نســكن في هذه المدينة (المدن).

الجيل الجديد
سألت السيد نك نجار ان كان يثق بالجيل الجديد ام انه يعتبره جيلا فارغا ودون مسؤليات فأجابني منتفضا: كلا وألف كلا، ان الجيل الجديد هو اروع جيل، وهو افضل من جيلنا بكثير، ودون مبالغة. هذا الجيل متعلم، وغير ممزق المشاعر مثلنا، وهذا مخلص لهذا الوطن، وهم يعرفون فنون التعامل، خاصة للمتعلمين منهم وأصحاب الشهادات والكفاءات. وأنا سعيد جدا ان اراهم يتسابقون في العمل الطوعي، وفي التقديم للمراكز الأدارية في الكثير من البلديات، وسعيد بأنتخاب ابن جاليتنا الأخ " كلين قسطو" الى مجلس النواب في ولاية مشيكان، اقول هذا الكلام لأن جزء من المسؤلية تقع عليّ كأب، اذ ان اولادي صاروا شبابا، واطمح لليوم الذي اراهم وهم يكملوا ما بدئته من عمل.

السباق من جديد
وطالما تحدثنا عن الجيل الجديد، اردت ان اعرف ان كان سـيخوض تجربة الترشح من جديد، فقال: نعم وبالتأكيد، وأنا مستعد لها، اذ اني اعد العدة للترشح وخوض السباق ضمن مجلس بلدية مدينة "ستيرلنك هايتس" التي تغص بأبناء جاليتنا بشكل كبير جدا، وأتمنى منهم  دعم مشروع ترشحي، وهنا استعير بعضا من الكلام الذي قاله السناتور العراقي  في ولاية كاليفورنيا الأستاذ وديع دده اثناء مقابلتك له:
" وهنا سألته عن افضل الأحزاب (الديمقراطيين ام الجمهوريين) والتي يشجع ابناء الجالية عليها فقال: انا  ديمقراطي ومنحاز الى حزبي بشكل كبير، لكني اقولها لك بصراحة، فأني سأضع كل اعتباراتي الحزبية جانبا في اليوم الذي اسمع بأن احد ابناء جاليتنا يخوض السباق للترشح، وهذا املي بالجالية في ديترويت او شيكاغو او اي مكان تتواجد فيه بكثرة،  نحن بحاجة الى التمثيل السياسي في ادارات الولايات وحتى في الكونغرس، وأنا اتمنى ان نضع (مرة وللأبد جانبا) فكرة العنصرية والمناطقية والقروية، فالمهم بنظري ان يكون عراقيا، والأهم ان يكون كلدانيا (لكثرة عددهم ومصالحهم) وعلينا ان نضع كل قوتنا خلفهم، ان كان واحدا او اثنين . اما ان كان السباق فيه 8 – 10 منافسين عراقيين، عند ذاك يمكن ان نفكر في الأجندات الخاصة، فيما اذا كان جمهوريا ام ديمقراطيا، اما غيرها من الأسباب، فهي لا ترقى الى سبب حقيقي ومقنع، وهذه العقلية هي التي تحرم شبابنا وشاباتنا من النجاح، او ولوج هذا الطريق الطويل (والصعب) ايضا."
وبالحقيقة، لم اجد كلاما راقيا ودقيقا مثل هذا الكلام، وأتمنى حقا ان نكون (كلنا) بمستوى المسؤلية، وأن نكون قلبا واحدا.

امنياتك
للذي يعرف السيد نك نجار، يعلم علم اليقين مدى تواضعه، و وداعة شخصيته ، والضحكة التي لا تفارق وجهه ابدا. وقد يكون خلفها قلق او حزن، وهذا أمر مشروع عند الأنسان وهو دائم الترديد للمثل ( لايشعر بالألم الا صاحبه)، لكن مع هذا  فهو يطمح ان يتقدم ابنائه في حياتهم ويكونوا ناجحين. وللجالية الغالية،يأمل ان تكون متعاونة، ويدا واحدة، خاصة عنما يتعلق الأمر بدعم ابنائها للمناصب الأدارية، وأن يضعوا خلفهم تلك العقليات الرجعية الموروثة ، علينا الأنطلاق بكل ثقة وحماس.
للعراق الحبيب، اتمنى ان يحل  السلام فيه ، وفي باقي الدول العربية، وأحلم باليوم الذي آخذ فيه ابنائي لزيارتـه، واريهم كيف كان بلدي، ومنطقة ولادتي والأماكن التي قضيت اجمل ايام صباي فيها، وأن اريهم ايضا الأماكن التي يرقد فيها اجدادهم. اتمنى السعادة لأهله وأطفاله ونسائه وأرامله ولكل العراقيين.

كمال يلدو
نيسان 2014
 
 

داخل المكتب


شهادة اكبر رجل مبيعات في مشيغان للعام 2004


شهادة فخرية  كسفير للسلام


شهادة فخرية من نقابة الصحفيين السود


في مكتبه مع بعض الشهادات التقديرية


مزيدا من الشهادات التقديرية والجوائز


377

إيمان القس شـمعون:  قلب حنون، وآخر من حديد


السيدة ايمان القس شمعون مديرة دار العزاء

مازال البعض يظن، بان هناك مهنا او اعمالا لايمكن للمرأة ولوجها، وأنها خلقت خصيصا للرجل. ويوما بعد يوم تثبت الحياة، خاصة عندما تتوفر الظروف الملائمة، وفي ظل الأنظمة والدول المدنية، بأن المرأة قادرة على اداء العمل ايا كانت طبيعته، وأن ادائها لا يقل كفاءة عن الرجل، ان لم يكن افضل منه في بعض الحقول! ويمكن ان تكون تجربة السيدة ايمان القس شمعون، مديرة دار"الرحمة"  للعزاء بالأشتراك مع زوجها الصديق مظفر القس شمعون، واحدة من الأمثلة الباهرة على الحقول التي كانت عصية على النساء ولفترة غير قصيرة.  ومهمتها لا تقتصر على ادارة العمل في دار العزاء فقط، بل تتعداه لتقوم بما يلزم  في التعامل مع (المتوفي) وتهيئته لعملية الدفن، ناهيك عن متابعة كل الأجراءات الأصولية والأوراق، والتعامل مع عائلة المتوفي، وتهيئة افضل الظروف النفسية والأنسانية لتخفيف حدة الصدمة عليهم، وتسوق لعملها حكمة اطلقها يوما زعيم جنوب افريقيا الراحل نيلسون مانديلا عندما قال:" الشخص الشجاع، لا يعني انه لا يخاف. ابدا، بل هو الذي ينتصر على الخوف"، وهكذا تدير عملها وتتعامل مع اصعب اللحظات الأنسانية.
النشأة الأولى
لكي نعرفها عن قرب، اردت ان ابدء معها في مشوارها الأول، فقالت: انا اسـمي الأصلي هو إيمان خضـر الياس الريحاني، ولدت في منطقة الباب الشرقي، ثم انتقلت العائلة الى العلوية، وهناك درست الأبتدائية في "مدرسة العلوية" اما المتوسطة والأعدادية فكانت في "الجمهورية للبنات والسـت مكارم" والتي كانت تقع مابين شارعي الصناعة و 52. وبعد تخرجي التحقت ب "معهد الأدارة والأقتصاد"، ولم تمض فترة طويلة على تخرجي حتى قررت عائلتي الرحيل، فقصدنا "القاهرة" حيث مكثنا فيها حوالي السنة ونصف، ثم كانت رحلتنا للولايات المتحدة، والتي وصلتها في العام 1980. التحقت بجامعة "وين ستيت" في ديترويت، ودرست علم النفس وعلم الأجتماع من اجل ان اصبح   " موظفة اجتماعية – سوشال ووركر" اذ مارست هذه المهنة  حتى العام 2005.  كان زوجي يحمل شهادة بكالوريوس من  بغداد في "الصيدلة الكيمائية - الطبية "  لكنه آثر لاحقا، بعد وصوله الولايات المتحدة ان يغير اختصاصه، فتوجه للحصول على شهادة في "علوم ما وراء الحياة" وحصل على اجازة العمل في "دور العزاء"، فأقترح علـّي ان ادرس ذات الحقل ايضا، بغية التهيئة  لأدارة "دار عزاء " خاص بنا. وهكذا تمت دراستي للبكالوريوس لأربعة اعوام  وتخرجت في العام 2007، اذ اني على قناعة تأمة بأن يكون للمرأة دورا انتاجيا  في دورة المجتمع، ولا بأس ان تساعد زوجها والعائلة، وبذلك تضرب هي الأخرى مثلا طيبا لأبنائها في العمل الجاد والمنتج.
الحقل الجديد، جديد
سألت السيدة ايمان القس شمعون عن هذا التغيير الكبير بين دراستها وعملها الأجتماعي، وبين دراستها الجديدة فقالت: بالحقيقة، انا كنت اتابع "مظفر" بدراسته، ولم يخطر على بالي يوما ان ادخل هذا الحقل، لكن متطلبات الحياة احيانا هي التي تتحكم بالأنسان، وفعلا فأن هذا ما جرى، اذ شجعني على الدراسة والحصول على اجازة ممارسة العمل. وهنا اردت ان اعرف منها عن طبيعة وماهية هذه الدراسة، فقالت: ان هذه الدراسة تستغرق 4 سنوات للحصول على شهادة البكلوريوس، ثم امتحانا خاصا للحصول على اجازة العمل، اما الدروس فهي تتوزع ما بين، علم الأجتماع، علم النفس، تعامل الأديان المختلفة مع الوفاة وتقاليدهم، علم التشريح، الصحة العامة، قوانين الولاية، قوانين التعامل مع المتوفي، اضافة الى اتقان كل الأجراءات الأدارية اللازمة، بين المستشفى والمقابر والشرطة في  حالات الجريمة، مع معرفة ادق التفاصيل في تعامل المؤسسات الدينية المختلفة مع شعائر الوفاة والتشييع، ودروسا اخرى مكملة لهذا العلم الذي يسمى "علم ما وراء الحياة". وهنا كان لابد ان اعرف منها، متى كانت المرة الأولى التي تعاملت مع (الميت) فقالت: كيف يمكن لي ان انسى ذلك التأريخ، لقد كان في العام 2003 وفي درس التشريح اول الأمر، فقد كان المشهد رهيبا، وتلاشت رهبته مع مرور الوقت حتى اصبح عاديا!
ما هو عملكم بالضبط
من اجل ان نفهم عمل "دار العزاء"وجدت من المفيد ان اوجه السؤال للسيدة ايمان القس شمعون لكي تســهّل على القارئ مهمة معرفة عملها بالضبط فقالت: انا مسرورة جدا ان اقوم بتبسيط الأمر. اولا، ان تقاليد الولايات المتحدة تختلف كليا عن تقاليد العراق، ففي حالة الوفاة نبداء من الخطوة الأولى، فأذا كانت هناك جريمة فأننا ننتظر تقرير الطب العدلي ومن ثم الشرطة  بعدها نبدأ عملنا، اما في حالة الوفاة الطبيعية، فالأجراءات تبداء بأتصال العائلة بنا، ثم نقوم بالأتصال بالمستشفى او طبيب (المتوفي) للحصول على التقرير الطبي، ثم نجلبه الى مقر عملنا، اذ تبدأ عملية تهيئة جسم المتوفي ، ثم نقوم بالتنسيق مع العائلة بالأتصال مع (المدافن – المقبرات) الخاصة بالجماعة او الطائفة، وأيضا يجري التنسيق مع المؤسسة الدينية التي تتبعها العائلة، كما وأن هناك عرفا لم يكن مشاعا في العراق، الا وهو عرض "جثمان" المتوفي امام انظار الزوار، لساعات او يوم او يومان فيما يسمى (الصندوق المفتوح) اذ يقوم زوار العائلة في "بيت العزاء" بألقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، وتقديم التعازي لعائلته، وبعد يوم او يومين، يؤخذ الى (الكنيسة او اية مؤسسة اخرى يتبعها المتوفي) حيث تجري مراسيم الجناز والصلاة الأخيرة، تتبعها بعد ذلك، المراسيم النهائية في (المقبرة) اذ تجري الصلوات، وبعد ان يوارى الثرى ، يقدم المعزون تعازيهم ومواساتهم لعائلة الفقيد. وفي هذه الأثناء، يكون احدنا (انا او مظفر) بأعداد الأوراق النهائية لملكية (الأرض – القبر) والتسجيل وجميع الألتزامات المتعلقة بالمكان النهائي (للمتوفي).
ما معنى اعداد المتوفي
في سياق كلامك، وردت (سريعا) كلمة اعداد جسم المتوفي، فهل تعنين بذلك (افراغ احشائه) كما يشاع، ومن ثم تهيئته للدفن ام ماذا، فقالت: انا اشكرك ايما شكر على هذه الألتفاتة، اذ يبدو ان هناك تصورا (لا اعرف مصدره) من ان المتوفي في الولايات المتحدة يجري افراغ احشائه (ورميها في المزابل)، وبالحقيقة هذا الكلام مغلوط جملة وتفصيلا. اذ ان ما نقوم به (وما اقوم به انا كخبيرة) هو: افراغ جسم المتوفي من كل السوائل البدنية الموجودة، ذلك عبر  خمسة مواقع معروفة للعاملين في هذا الحقل، وزرق جسمه بالمادة الحافظة (فورمالين – فورمالديهايد)  حفظا على البيئة والصحة العامة، وبغية  المحافظة على شكل الجسم ايضا، وبعد ان يوضع في الصندوق، يحكم اغلاقه،  حيث يمكن للجسم ان يبقى على وضعه دون تحلل لأكثر من 20  عاما،  لكنه يبدأ بالتحلل بمرو الزمن، دون ان يترك روائحا ، او ان يجلب اليه الحيوانات الجارحة. اما بالنسبة للأعضاء الداخلية، فنحن ليس لنا اي حق للمساس بها بتاتا، الا ان هناك حالات خاصة تتعلق بالطب العدلي حينما يريدون تشخيص حالة الوفاة، فيأخذون او يكشفون على بعض الأعضاء لكنهم  يعيدوها الى مكانها  في جسم المتوفى، او هناك حالات خاصة تتعلق برغبة المتوفي (المكتوبة مسبقا) او برغبة عائلته، في التبرع ببعض اجهزة الجسم وذلك لغرض الدراسة  او للتبرع الى (مصرف الأعضاء) وهنا يجب ان نكون على علم مسبق به. اما قانون الولاية، والقانون الأخلاقي العام  في الولايات المتحدة او في مهنتنا، فأنه يحرم بتاتا المس ب (قدسية) جسم المتوفي ايا كان، وأحترامه كما هو دون  اي شئ يعرض كرامته للأهانة او الهدر.
قانون المقابر
سألت السيدة ايمان عن عبارة (ان للمقابر قانون) فأجابت: نعم، ان للمقابر قوانين، وهذه القوانين تفرض احترامها على كل الأطراف، ولنبدأ اولا بالأرض، اذ انها مقسمة (حجما) حسب قانون الولاية، ويمكن للعائلة ان تكتفي بقطعة واحدة، ويمكن ان تشتري قطعتين او اكثر، ثانيا، ان من حق العائلة زيارة الضريح حسب الدوام الرسمي للمقابر والمثبت ، ثالثا، ان اي خراب او  تلف يجري للقبر، وأرضه، فأنها من مسؤلية المقبرة ان ترعاه وتصلحه وتعيده الى سابق عهده. اما الشئ الملفت للنظر في هذه المقابر، فهو تصميمها ونوع الرعاية والعناية بها، فمعروف بالنسبة لجاليتنا بأن هناك مقبرتان رئيسيتان (للجالية المسيحية العراقية) – ضمن مقابر الأمريكان -  وهي بالحقيقة عبارة عن مساحات كبيرة وشاسعة، مليئة كلها بالأشجار والخضرة  والورود، اضافة الى بحيرة او بحيرات اصطناعية، مع ممرات معبدة ونظيفة، وتهيئة مستلزمات وضع الزهور امام الأضرحة، ومجازا فهي ليست مقابر كما الفناها في العراق، بل عبارة عن (باركات – متنزهات) تحوي رفات الناس الأعزاء الذين توفوا.  كل هذا يجري احتراما لقدسية الميت، وأحتراما لعائلته وتضامنا معها في توفير افضل الأجواء التي تساعد على الحد من الصدمة النفسية بفقدان الأنسان.
عن العادات والتقاليد
ذكرتي بأن عاداتنا تختلف، كيف ذلك، توجهت بالسؤال للسيدة ايمان فقالت: بالحقيقة ان فكرة عرض المتوفي هي جديدة على جاليتنا،  لكنها طبيعية بالنسبة للأمريكان، وغالبا ما تكون بالصندوق المغلق، فتأتي عائلة المتوفي ويتجمهورن في القاعة، وقوفا في العادة، ويبدأ افراد العائلة بالحديث للآخرين عن حسنات المتوفي، والذكريات والأمنيات وما الى ذلك، ونادرا ما نسمعهم يبكون او ينوحون، اما ان يكونوا حزانى، فهذا ما لا شك فيه، الا ان تعاملهم مع الوفاة والمتوفي وفعل الموت يختلف كثيرا عن ابناء جاليتنا، الذين يقضون معظم الوقت بالبكاء والنحيب، ويلجاء قسما منهم الى جلب (العدادة)، والتي تضيف جوا عارما من الحزن والبكاء، ويبدو ان تعامل العراقيين مع الموت والحزن والبكاء يكاد يكون ازليا وعلى الأقل مع جيلنا، اما الأجيال الجديدة من ابناء الجالية، فأن تعاملهم مع مراسيم وتقاليد الوفاة يمكن تسميتها او وصفها بأنها اكثر حضارية وهم يبتعدون عما  يمارسه عامة الناس
 
دوركم فيما يجري

وبالحديث عن العادات والتقاليد والبكاء، سألت السيدة ايمان عن دورها في هذا الأمر، وما اذا كانت متفرجة ام لا، فقالت: شكرا مرة اخر لهذا السؤال المهم، نعم اننا نحترم عادات وتقاليد شعبنا، او قل حتى معتقدات بعض العوائل، لكن هذا لا يمنع ان امارس دوري كمرشدة اجتماعية (عزائية) تربوية،  وكان هذا جزء من دراستي  لعلم النفس وآثاره على افراد عائلة الفقيد. وبالدرجة الأولى اود الأشارة الى ان بعض العادات بدأت تخف وهي في طريقها ربما للزوال، فمثلا، كانوا يعرضون الميت في صالة العرض قبلا لمدة ثلاثة ايام، ثم صارت يومان، ومن ثم ليوم واحد، اما الآن فأن عوائلا كثيرة اصبحت لا تعرضه. وثانيا، قضية البكاء والنواح وجلب (العدادات)، وهذا الأمر بدء يخف ايضا، رغم ان جرح الموت يبقى عصيا على الأنسان في تجاوزه، لكننا نعمل جاهدين مع العائلة قبل مراسيم العرض وأثنائها وبعدها في تقديم كل انواع الأسناد المعنوي والروحي للعائلة، ونحاول ان نبسط الأمور لهم من اجل تحويل هذا المصاب، من نكبة الى امل لمن هم على قيد الحياة، ومن بؤس وشقاء،  الى عطاء وأحسان حتى لا تقع العائلة وأفرادها بمصائب يكون من الصعب الخروج منها سالمين، وقد قمنا بأعادة طباعة العديد من الكراريس المخصصة لهذا العمل، ونوزعها مجانا على العوائل، اضافة الى تقديم العون النفسي وبلا مقابل. وبالمختصر فأني اطمئنك بأننا في (مرسـي فيونرل هوم – دار الرحمة للعزاء) لا نتعامل مع زبائننا كزابئن تجاريين، بل نعاملهم كأهل وأصدقاء، وجز من نسيج هذه الجالية الرائعة، وأكثر ما يفرحني هو كلمات الثناء التي يطلقها الكثيرون على خدماتنا او على شخصياتنا، انا ومظفر، وأود هنا ان الفت نظر القراء الكرام الى وجود عنوان الكتروني – ويب سايت – لدار "الرحمة" للعزاء، ويمكن لكل من يرغب ان يزورنا او ان يتصل بنا وهو:
www.mercyfunerals.com

المساعدة
على ضوء كلامك، وذكرك لكلمة "مساعدة" فهل تقدمون اية مساعدات لذوي الدخل المحدود، فأجابت السيدة ايمان: صحيح ان عملنا تجاري، لكنه لا يخلو من الجانب الأنساني، علما ان علينا التزامات في امور كثيرة مثل،  الأيجار والكهرباء والتأمين وما الى ذلك، لكن هذا لا يمنع ابدا ان نتعامل مع الناس كأناس، ومن هذا المنطلق فأننا ، ومنذ اللحظة الأولى لأتصال العائلة بنان نحاول ان نقدم لهم افضل النصائح (القانونية) والمتعلقة بأفضل وأنسب الطرق لأجراء مراسيم العزاء والدفن اللائقة، مستفيدين مما تقدمه (الولاية) وقوانينها، او من خلال اتباع افضل الطرق وأكثرها اقتصادية، بعيدا عن المظاهر غير الضرورية والمكلفة ايضا. نعم نحن نعمل كل جهدنا  في مساعدة ابناء جاليتنا الكرام، ان كان ماديا او معنويا او انسانيا، وهذا على اقل تقدير يبرر تسمية دار العزاء ب (الرحمة – مرســـي فيونرال هوم)، وهنا اود ان أشير الى نوع آخر من المساعدة الذي نقدمة، وهي الأرشادات النفسية.  فقد بينت العديد من الدراسات التي اجريت على عوائل امريكية بعد فترة من فقدانها لأحد اعزائها، وأرتبط ذلك بعدم اللجوء للنصائح والأرشادات النفسية، فتبين بأن نسبة عالية من افراد العائلة او المقربين، قد سقط ضحية للأدمان على الكحول او المخدرات، نتيجة للضوط النفسية وما يترتب على فقدان احد افراد العائلة او احد ربابنتها.
ماذا عن ايمان القس شمعون
قلت للسيدة ايمان، بان الموت والموتى سحبونا بعيدا في الحديث، لكني اود لو تقولي للقراء الكرام المزيد عن ايمان فقالت: أني متزوجة من السيد مظفر القس شمعون، ونحن سعداء ببنتين وولد،  وقد كنت سابقا اكتب الشعر وبعض المواضيع الأجتماعية وانشرها اما في جريدة المشرق عند المرحوم نابليون بشي او مع الأستاذ عبد الخالق الفلاح في مجلة الرافدين،  وأعتبر نفسي من محبي القرأة خاصة الشعر والقصة، وأضافة لعملي الوظيفي،  فأني اهتم طبعا بالبيت، والطبخ، ومتابعة التلفزيون والأخبار، والذهاب للكنيسة والصلاة، كما وأن لي هوايات اخرى امارسها قدر ما يسمح به الوقت ومنها الحياكة، علما اني  اتطلع لليوم الذي ينهي ابنائي به تفوقهم الدراسي، ويصبحوا مؤهلين لتأسيس عوائلهم، وأسعد بأحتضان ابنائهم، فبالحقيقة، انا اتطلع لذلك اليوم الجميل.
موقف لا ينسـى
في مهنة مثل هذه المهنة، لابد وأن تكون هناك مواقف لا تنسى، او حوادث لا تتكرر فقالت السيدة ايمان: بالتأكيد كانت هناك مواقف اذكر منها، اليوم الذي جلبوا  جثمان شقيقي من كاليفورنيا الى ديترويت،  وكان على ان اعامل جثته، وأهيئها للدفن! فما اصعب هذه الكلمة، وما اصعب هذا الحدث! اما الحادثة الثانية فكانت مع (اب) هندى اصيب بنكسة مزدوجة، اذ فارقت زوجته الحياة اثناء عملية التوليد، فماتت هي ومات الوليد الجديد، وقد قمت بعمل مازلت اذكره لليوم، حيث قمت بتهيئة الأم لعرض جثمانها في قاعة العرض، وقد صممتها وكأنها ممددة، ووضعت وليدها الجديد في وضع وكأنها ترضعه الحليب، في اروع صورة انسانية اثنى عليها كل الذين حضروا لمواساة ذلك العزاء، اما المشهد الأخير فكان حينما تطوعت لكتابة رثاء لبنت جميلة توفيت وعمرها لم يتجاوز 9 سنوات. مازلت اذكره، وأذكر كل تفاصيله لليوم. ٍ
كلمة اخيرة
طلبت من السيدة ايمان ونحن نقترب من نهاية الحوار ان تقول كلمتها الأخيرة :  قد لايصدقني البعض لو قلت بأني سعيدة جدا في عملي، حتى وأن كان بالتعامل مع الموت والموتى، نعم، انه يمنحني اروع فرصة لأقدم اغلى ما عندي من محبة وأمل للناس التي تحتاجها، للعوائل التي اصيبت ، للزوجة او البنت او الولد الصغير، للأم او الأب في مصابهم، لأشرح لهم بأن الموت لا يعني النهاية دائما، ومن الممكن ان يعني البداية، لابل انه البداية للكثيرين وحسب طقوسهم ودياناتهم، لهذا اعمل كل ما في وسعي لتخفيف الم العوائل، وأجعلهم يشعرون بأن مصابهم مصابي.

ولوطني الغالي العراق، اتمنى ان ينعم اهله بالأمن والأمان، بالسعادةة والرفاهية.
اما للأخوات والأخوة في جريدة "طريق الشعب" والموقع (اكثر الناس انصافا مع المرأة وأيمانا بدورها)، فلهـم اتمنى الموفقية والنجاح في عملهم الأنساني الكبير.

نيســان 2014

 

اثناء اللقاء الصحفي في احدى غرف الأجتماعات


السيدة ايمان والسيد مظفر القس شمعون


المدخل الرئيسي لدار الرحمة للعزاء


بعض المطبوعات لمساعدة عائلة المتوفي


دار العزاء كما يظهر على الميل التاسع


صالة العرض من الداخل


في صالة العرض امام الصندوق المفتوح


قاعة  الأستقبال والأنتظار  للضيوف والزوار

378
على شرف العيد الثمانين:
شـذرات من حياة المؤسس "فهد"


فهد صورة في السجن

لا توجد كلمة واحدة توجز الحالة السياسية العراقية في العصر الراهن اقل من انها (حادة) في مسيرها وانعطافاتها، و(مدمرة) في نتائجها، تماما مثل فيضان دجلة او الفرات، يأتيان على الأخضر واليابس. هكذا عاش العراقيون  في الخمسين والستين سنة الأخيرة.  لقد جاء العهد الجمهوري وثورة 14 تموز، لتنسف من الجذور فترة العهد الملكي وآرشيفها ووثائقها وممتلكاتها، ثم جاء انقلاب شباط، لتلتهم النيران فيه اجمل ما يمكن من صور وذكريات وتحفيات، وهكذا عهد العارفين، حتى زمان (الجبهة) والأرسترخاء النسبي، فتليها حقبة الثمانينات والأرهاب والحرب، فتحرق كل ما تم جمعه من كتب وصور وذكريات. هكذا يبدو المشهد العام لمن يبحث فيه، اذ لا يوجد آرشيف وطني حقيقي (غير منحاز)، رسـمي كان  او حزبي او حتى شعبي، يحفظ  ســير القادة بصورة مهنية بعيدا عن المواقف المسبقة من الأشخاص او الأنظمة،  ورغم ان لكل قاعدة استثناء، فأن الارهاب جعل من هذا الأستثناء استثناءا ايضا.

وجدت هذه "الشذرات" في بعض الوريقات التي تركها  السيد (خليل جموعة) قبل فترة وجيزة من رحيله، وقد تكرمت ابنته الغالية (طليعة جموعة) بتقديمها خدمة لما فيها من فائدة معنوية عن مرحلة، ربما تكون مهمة للبعض الذي يرغب بالغوص في الماضي، خاصة ونحن نترقب اطفاء الشمعة الثمانين من عمر هذا الحزب النضالي المجيد، فكيف اذا كانت بعض الشذرات عن مؤسسه، الشهيد فهد.
ولد السيد خليل منصور جموعة في العام 1917 في منطقة (صبابيغ الآل) الواقعة قرب منطقة (سوق الغزل ) والمدرسة الجعفرية، بمحاذاة شارع الجمهورية حاليا. نشأ وترعرع في تلك الأحياء، وأكثر ما اشتهر فيه (هو وأخوته الأربعة) كان معمل العطور والروائح ، وذاع صيتهم منذ الأربعينان ب (جموعة اخوان)، وكان محلهم ، والمعمل  يقع في عكد النصارى بالقرب من الكنيسة الكبيرة (كنيسة ام الأحزان).
تمر السنين، ويعتزل العمل بعد بلوغه سن التقاعد، تفترق عائلته بحكم الزيجات وأحوال العراق، ثم يضطر لمغادرته الى الولايات المتحدة والألتحاق بهم هو وزوجته (لطيفة ميـّو) في العام 1995. قضى عدة سنوات سعيدا بأعادة لم شمل العائلة، ومداعبا لأحفاده الذين كبروا. ومع تقادم العمر، تبداء علامات التعب والأرهاق تأخذ طريقها ليس الى الجسد فقط، بل وتغزو روحه وعقله، فتقترح عليه حفيدته (مونا) ان يبداء بكتابة بعضا من ذكرياته، تعليلا للنفس ، فيمتثل لذلك، ويبداء فعلا بالمشروع، لكن سرعة انقضاض المرض لم تمهله ليصل النهاية. يرحل الأستاذ جموعة في العانم 2009.

يذكر السيد خليل جموعة عن اول لقائه بيوسف سلمان يوسف:" كان ذلك في اواسط الثلاثينات في بغداد حيث كنت عاملا اتدرب  في كراج لتصليح السيارات، فدار بيننا الكلام وتعارفنا، ولم اعلم ان كان قد جاء للعمل ام بزيارة لصاحب الورشة، لم التقه بعدها، عرفت  لاحقا بأنه التحق بمدرسة الكومنترن في الأتحاد السوفيتي، ثم عاد للبصرة . وتمر السنين، ويأتي يوما الى معملنا ، والذي صار في اوائل الأربعينات ملتقى للكثير من المثقفين (الأفندية)، اضافة الى خليط من الباعة والتجار. التقيته هناك وتذكرته جيدا".
ويسترسل بالقول:" في بداية الأربعينات، كان محلنا مركز جذب الشخصيات الوطنية، خاصة تلك القريبة من جريدة "الأهالي"، كان من بينهم الأستاذ حسين جميل، والأستاذ كامل الجادرجي وبعض المقربين اليهم من ذوي الآتجاه اليساري امثال عبد الفتاح ابراهيم وعبدلله اسماعيل والذي صاروا لاحقا الخميرة والبذرة الأولى لتشكيل الحزب الوطني الديمقراطي.  وبكملة مختصرة فأن محلنا  صار مشهورا بميوله اليسارية والديمقراطية، لهذا صار مهما مراقبته من قبل مديرية التحقيقات الجنائية، لكن ما ساعدنا كان، تنوع زبائننا، من تجار الشورجة الى باعة جوالين، الى زوار من المحافظات، فساهمت  في تخفيف حدة المراقبة لاحقا.

"التقينا مع يوسف سلمان يوسف في اوائل الأربعينات، اثناء انتقاله  لبغداد، وكانت حينذاك (حسب علمي) خالية من نشاط الحزب الشيوعي، ربما  بعد الضربة التي تعرض لها أثر اعتقال وتشريد اهم قادته، وأعتزال بعضهم للعمل الحزبي، لكن كانت هناك بعض التكتلات التي ظهرت اواخر الثلاثينات، وكانت نشطة في تثقيف افرادها ضمن حلقات ، او اللقاء لتبادل الآراء او حتى جمع بعض المعونات للمساعدة فيما بينهم، وللحق اقول بأني كنت نشطا في احداها، وأقوم بأدارتها، وكانت تضم اعضاء لهم وزنهم الثقافي والمبدئي، وكانت رغبتهم تنصب على دراسة الفكر الماركسي ودعم حركته، وكان من بين اعضائها، عبدلله اسماعيل البستاني، عبدالملك عبد اللطيف، نوري وفريد ضياء محمود، فاضل حسين وغريب القروي، حيث كانت نشطة في جمع الكتب والمجلات والنشرات الماركسية، وكنا نقوم بترجمة بعضها، فيما كان غريب القروي يقوم بطباعتها لتسهيل نشرها فيما بين الأعضاء".
" لقد كانت نقاشات الصالونات الثقافية، والحفلات، سائدة بين افراد تلك الفئة المثقفة، هذا اضافة الى بعض الأشخاص المتحمسين لتشكيل تكتل  أوحزب شيوعي، وربما يكون اسم السيد – نوري روفائيل – اكثر الشخصيات نشاطا في أخذ المبادرة آنذاك، وعلمت بأنه كان على اتصال مباشر بالسيد يوسف اسماعيل، المتبحر بالعلوم الماركسية اللينينية، والمرتبط بالحزب الشيوعي الفرنسي".
"اعتقد، ان ظهوره (فهد) في بغداد كان  رغبة منه للوقوف على ما يجري فيها من تحركات، وصار مهما له ان يقترب من هذه الحلقات الثقافية ودون ان يترك مجالا للشك او الريبة. في تلك الفترة  ظهرت انشطة اخرى تزعمها السيد عبدلله مسعود القرني، ولقد كانت له قدرة عظيمة في النشاط والكلام، كانت تمكنه من السيطرة على مشاعر المستمعين، جراء ثقافته وحسن تعامله مع الناس. ارتبطا سوية (هو وفهد) وتمكنا من تشكيل الحزب رسميا، وأصدروا بعئذ جريدة (الشرارة)".
"اقتربنا كثيرا انا و (فهد) لابل اني تأثرت  بأسلوبه في النقاش والمحاججة لدرجة اني صرت اقلده دون ان ادري، هذا التقارب ساعدني لمعرفته اكثر، فقد فسّر لي الكثير من المصاعب والمطبات السياسية التي مرت عليه وعالجها، وشرح لي كيف انه وفي بداية حياته السياسية كان متأثرا بالزعيم الوطني جعفر ابو التمن ويقيم احتراما كبيرا لحزبه، فقد كان فهد مشبعا بالروح الوطنية".

"ان مجيئ (فهد) اليومي الى محل "جموعة اخوان" تحول بمرور الوقت الى عمل، فقد اسدى لنا خدمة كبيرة، اذ كان حضوره يمتد من الصباح وحتى المساء، وكان يعمل بجد. اذكر انه ساعدنا بشكل كبير  آنذاك في عمل اصباغ الطائرات، الذي طلبته منا السلطات البريطانية، ذلك لطلاء طائراتها اثناء الحرب العظمى، فقد اتقن هذه العملية الكيمائية (البدائية) الصعبة وبرع فيها. كل هذا كان يقدمه، ورفض ان يتقبل محلها اية اجور تذكر".
"بعد انتهاء عملنا، كنا نذهب سـوية الى دارنا في منطقة "صبابيغ الآل".  لقد كان ليوسف سلمان منزلة خاصة عند المرحومة أمي (شـيرين كوتاني) ، والتي لم تكن تعرف ماهية الشيوعية، ولم ترغب بالسياسين اصلا، لكنه كان يتقن ارضاء كبار السن، والتودد اليهم، لدرجة انها كانت تسأل عليه اذا لم يأت يوما ويزورها بعد العمل. لقد كانت ترتاح كثيرا لحضوره، وتعد له افخر انواع الشاي، فقد كان يشربه باستمرار، ليل نهار، وكان نادرا ما يأكل معنا، على ان غذائه كان الشاي فقط!".
"ليوسف سلمان شـخصية بسيطة وغير معقدة، اما ملامح وجهه فهي صلبة ولا تتغير بسرعة. لا تشعر عند التحدث معه بأنه راض ام ممتعض، او غير موافق على الكلام، بسبب من تركيبة  تقاطيع ومسامات وجهه، التي توهــم الآخرين، فيكون من الصعب حقا معرفة ردود افعاله الحقيقية. وأرتبط ذلك بعيونه التي كانت غائرة، وبأهداب عيونه غير الواضحة، لذلك لم يكن سهلا للمتكلم معه ان يلم في معرفة علائم وجهه الا اذا هو اراد ذلك. فأذا اراد ان يشعرك بسروره، فأن ابتسامته كانت منشرحة ومفرحة بشكل يسـّر المقابل كثيرا، اما  اذا اراد ان يتجهم فلا يمكنك معرفة ذلك، لأن ملامح وجهه لا تتبدل.  لم تكن ملامحه تتبدل كثيرا في نقاش اكثر المواضيع اختلافا او سخونة، ولم يكن عصبي المزاج في النقاش، بل كان هادئا، الا ان صوته احيانا كان (يثخن) ويتحول الى صوت جهوري، وبرفـّة قوية. اما حججه في النقاش فقد كانت مقنعة ومرضية نتيجة لما كان يملكه من معرفة وثقافة وقصص كانت تعينه كثيرا في تقبل نقاشه وأفكاره من الآخرين. لقد كان جادا في مجمل تفاصيل حياته، اما جل اهتمامه  فكان منصبا على الشأن العام، وكان اذا فتح النقاش فأنه يعمل كل جهده لتوجيهه نحو المصلحة العامة، حتى نكاته وأحاديثنا حول مائدة الطعام كانت تنصب على الشأن العام".

ينهي المرحوم – خليل جموعة – كتاباته وأسطره عن "فهد" بالأسطر التالية:
"تفرقنا الأيام، ويذهب كل منا الى صوبه والى مفردات وتفصيلات حياته. انقطعت اخباره بالمرة. وحينما كنت ادرس في الصف الثاني بكلية التجارة، سمعت بأن (فهد) قد اعدم، تألمت لهذا الخبر المحزن، فقد كنت قد عرفته وتعاملت معه، وكان انسانا وطنيا طيبا ولا يستحق هذا المصير".

كمال يلدو
نيسـان 2014




المرحوم خليل جموعة وعقيلته  لطيفة ميو

379
لمناسبة العيد الثمانين:
صلاح كوري، مناضل من معدن خاص
قليلون من النشطاء العراقيين أو العرب، من الذين مروا بمدينة "ديترويت" في بداية عقد الثمانينات، ولم يتعرفوا شخصيا، او سـمعوا بأسم السيد (صلاح كوري)، هذا العراقي الأصيل الذي وضع نفسه – في فوهة المدفع – بمواجهة المخابرات العراقية والأمريكية سوية، عشية تشكيل تجمع للعراقيين الوطنيين المناوئين لنظام صدام والبعث. يومها كانت الحاجة تدعو لشخص ذو مواصفات مهمة، منها ان يكون حاملا للجنسية الأمريكية، عارفا بالقانون الأمريكي وخفاياه، متحدث لبق باللغة الأنكليزية، عارفا بصغائر الأمور في وقت الشدة ، وألاهم من كل هذا وذاك، ان يكون شجاعا، فكان "صلاح" رجل الساعة والمهمة الصعبة، وقد اداها بنجاح وألق.

ولد صلاح كوري (كمـال نعمـو القس كوركيس)، في منطقة  "العوينة" ببغداد، ودرس في مدرسة "الطاهرة" التي كانت واقعة في "عكد النصارى"، ثم التحق ب "اعدادية النضال" في منطقة السنك. كان نشطا في "اتحاد الطلبة العام" فلفت اليه الأنظار، مما دفع بالسلطة الى التربص به بغية القاء القبض عليه في العام 1961، اثر تنامي الهجمة الرجعية على الشيوعيين وأصدقائهم، مما دفع بعائلته، وهو الشاب اليافع، الى ابعاده خارج العراق ومن ثم ترتيب اوراق هجرته للولايات المتحدة.
منذ العام 1961 وهو يسكن في مدينة ديترويت  أو ضواحيها.عمل في المحال التجارية المنتشرة  والمملوكة  من قبل العراقيين، وحينما حانت ساعة التحاقة بالخدمة الألزامية في الجيش الأمريكي، قبلها، لكنه رفض الألتحاق بالحرب الدائرة آنذاك في فيتنام، في موقف وطني يحسب له، لأنه كان يعي ان هذه الحرب غير عادلة. التحق في صفوف "الحزب الشيوعي الأمريكي" و "مجلس السلم الأمريكي" منذ اواخر السبعينات، وظل نشطا ومدافعا أمينا عن الحقوق المدنية للسود والأقليات الأخرى، عن العمال ونقاباتهم الوطنية، وضد القوانين الرجعية التي يسنها (الكونغرس) للدفاع عن مصالح الرأسماليين، كما وتحسب له مشاركاته الكثيرة في حملات التبرعات للأغراض الأنسانية، او في تأدية العمل الطوعي  في المناسبات الكثيرة.
حينما بدأت اعداد العراقيين الوافدين لمدينة "ديترويت" والهاربين من جحيم البعث، بالتزايد اواخر السبعينات، فقد ساهم مع مجموعة طيبة في تجميعهم في "رابطة التقدميين الديمقراطيين العراقيين" والتي تحولت لاحقا الى "الأتحاد الديمقراطي العراقي"، وصار آيار 1980 هو الموعد الرسمي لأنطلاقة العمل الوطني العراقي في هذه المدينة. وفي واحدة من المواقف المشرفة الكثيرة التي تحسب ل "صلاح"، فقد اصدر تجمع العراقيين آنذاك صحيفة يسارية تقدمية ناقدة لنظام صدام والبعث بأسم "صوت الأحرار"، ثم تلاها بصحيفة حملت اسم "صوت الأتحاد" وصار شعارها (من اجل جالية حرة كريمة)، وكانت الصحف توزع باليد في مراكز تجمع الجالية، كما وترسل للعوائل بالبريد، وكانت توزع على عدة ولايات  وبعض العواصم العالمية، لكن بالعودة لقوانين الولايات المتحدة في عملية النشر، فيشترط القانون ان يكون هناك مالكا، يضع اسمه  وينشر عنوان الصحيفة، لكن نتيجة الظروف الجديدة للعديد من الوافدين، فقد بادر السيد صلاح كوري الى وضع اسمه وعنوانه في صدر الصحيفة، وأملا بالوصول لمزيد من العراقيين، وتحديا لعصابت البعث، فقد وضع  رقم تلفونه الشخصي ايضا. اما فيما يتعلق بالأعلام الأمريكي، فقد كان السباق (سوية مع المرحوم صائب شونية) في فضح سياسات البعث وصدام، وقمعهم للقوى اليسارية، او بطلان اكاذيبهم عن الحرب، او بكشف الجناة الحقيقين لقصف حلبجة بالكيمياوي، ان كان في مظاهرات  ديترويت او واشنطن ونيويورك.
ان هذه المواقف الشجاعة كان لها ثمنها ايضا، فلم يكف تلفون البيت من الرنين، وكان بعض الشقاة في الطرف الثاني يهدده او يكيلون له الشتائم والوعيد، في تعبير حقيقي عن انحطاطهم الخلقي، وأخلاق اسيادهم في العراق، وذات الشئ جرى مع (اف بي آي – هيئة التحقيق الفيدرالية) اذ لم يكفوا عن طرق بابه وفي اوقات مختلفة، او تفتيش الدار اثناء غيابه، لا بل مضايقة الزوار الذين يزورونه، لكن ذلك لم يزده الا عزما وأصرارا على العمل  في توسيع قواعد "الأتحاد الديمقراطي" داخل مشيكان وخارجها، لابل انه فتح باب بيته واسعا لعقد الأجتماعات واللقاءات التي كانت تدوم لساعات طويلة، وأحيانا لما بعد منتصف الليل، مع تقديم كل ما يستلزم من الشاي والقهوة، وفي حالات كثيرة، كان مبيتا للعديد من الزملاء الضيوف الآتين من الأماكن البعيدة.

اقترن السيد صلاح كوري بالزميلة (سميرة ســامي زنكلو)، والتي تنحدر هي ايضا من عائلة وطنية، وتنشط في مجال حقوق الأنسان، وأنجبت له  أميرتان جميلتان هما "ســلفيا" و "ساندرا".
لم تكن عملية الحفاظ على التوازن فيما بين متطلبات العمل الوطني (العراقي والأمريكي) سهلة ، خاصة حينما يتعلق الأمر بالعمل ايضا ولساعات طويلة، ومن ثم الأيفاء بالألتزامات العائلية ضمن الأسرة، او مع الأشقاء والشقيقات والأهل والأقارب، وكانت الغلبة حتما للألتزامات السياسية على حساب الأمور الأخرى، لكن ما انقذه من فخ النقد هو مصداقيته، وسلاسة كلامه وأيمانه الكبير بدوره في محاربة الأنظمة القمعية من اجل تحقيق مجتمعات العدالة الأنسانية، هذه هي التي شفعت له كثيرا بين اهله وأصدقائه. لكنه من الجهة الأخرى عاش ويعيش حياة بسيطة وبقناعة كبيرة، بلا انسياق خلف المظاهر المزيفة والبراقه، حياة زاهدة بأمتياز، كما وأنه يرفض ان تسلط عليه الأضواء، وهو مقتنع كليا بأن ما يقوم به، وتضحياته، هي جزء من قناعاته بالعمل الوطني، وهو واجب.

رغم سعادته الغامرة عشية الأطاحة بالنظام الدكتاتوري في بغداد عام 2003، الا  ان فرحته لم تكتمل خاصة وأن التغيير حدث بأيادي استعمارية، وأن وطنه  الغالي يحترق، وناسه الطيبين تقتل يوميا وعلى مدى اكثر من 35 سنة، ابتداءا بحروب النظام البائد ضد القوى الوطنية والأكراد والحرب مع ايران وأحتلال الكويت والحرب مع امريكا وصولا للأحتلال الأمريكي  الى قيام الحكومات الطائفية المدعومة بالميليشيات والعصابات المسلحة.
"صلاح كوري" مازال يشارك في النشاطات الوطنية العراقية والأمريكية لليوم، بلا كلل او ملل، وما لبثت الحياة تثبت صحة معتقداته  بحتمية انتصار الفكر المدني الديمقراطي اليساري الأشتراكي، ليس في العراق فحسب، بل في كل العالم، اذ انه الضامن للأنسانية وتحقيق مجتمعات العدالة والأممية.
انه يتطلع بشوق عارم (بعد 53 عاما) لليوم الذي يستطيع فيه  ان يزور العراق بصحبة زوجته وبناته، وتفقد اماكن صباه وشبابه، رغم كل ما شابها من خراب وتغيير، لكنها تبقى دائما في القلب، ويبقى اهلها الطيبون، اساس نضالنا الوطني، من اجل وضع نهاية للحقبة الطائفية التي فرقت المواطن والبلد، من اجل ان تعود البسمة لوجوه الأطفال والبنات الحلوات، وكل الناس، حتى تشرق شمس الحرية من جديد، ويرفل الناس ب "وطن حر وشعب سعيد".

كمال يلدو
آذار 2014

380
لمناسبة العيد الثمانين:
مســعود "فلسفة"، حنين لمدينة البرتقال وأهلها

لقبوه اصدقائه بمسعود "فلسفة" لأنه كان كثير الفهم  والكلام في الأمور الفلسفية، ولأن عقله تفتق في زمن كان هناك سلم أهلي نوعا ما في اواسط السبعينات، فقد نشط بشكل لافت وجلب اليه الأنظار، فبيت له  جلاوزة
الأمن العامة سببا لأعتقاله، وجرى ذلك في العام 76 فأودع السجن لليلة واحدة، بعد ذلك اجبرته العائلة على مغادرة البلد، سافر لليونان، وعاش فيها فترة، وعاد لنشاطه الثوري، وقاد اضرابا عماليا في احد المصانع الذي كان يعج بالعمال العراقيين لمطالبتهم بأرجاع احد العمال المفصولين، فما كان من ادارة المعمل الا ان اتصلت بالسفارة العراقية والشرطة اليونانية، فأعيد مسعود مخفورا الى بغداد، وتعرض خلال التحقيق الى شتى صنوف التعذيب والأهانات. خدم الخدمة الأزامية بعد اخلاء سبيله، غادر بعدها مجددا ، ثم وصل الى الولايات المتحدة منذ العام 1991.

ولد مســعود خضرالقس يوحنان (ويلقبه اصدقائه روبرتو) بمدينة تلكيف التابعة لمحافظة نينوى، وبعمر 9 سنوات سكنت عائلته مدينة بعقوبة نتيجة تعين كلا شـقيقيه الكبار (بحـي و كوركيس) في سلك التدريس، فأقاموا في دارا بالقرب من مبنى المحافظة، بينما قام شقيقه الآخر (المرحوم جوري) بأفتتاح مطعما ســّماه (مطعم الشباب). نشأ "مسعود" في اجواء عائلة كانت متشربة بالوعي والفكر اليساري والشيوعي، فتتلمذ على يدهم، ونمى عنده الوعي وهو بسن مبكرة (11 سنة)، وفي ذلك العصر الذي يسميه البعض بالعصر الذهبي، اواسط السبعينات، تفتقت طموحات هذا الشاب، فقرأ الشعر والقصة، وأستذوق الأدب والفن، فيما عائلته تفخر بأن لديها اكبرمكتبة كانت تغص بما لايقل عن (3600) كتاب. بعد 3 سنوات من القرأة المتواصلة، تراكمت عنده الثقافة والمعلومة، فكان نشطا، ومحاورا جسورا، وعنيدا في معتقده الذي آمن به (وما يزال لليوم)، فتربص به بعض رجال الأمن بغية ارهابه او ارهاب عائلته، فلفقوا له تهمة ، بينما كان يقود الدراجة الهوائية ذات الصندوق والمخصصة للعمل، فأخذوه لمركزهم، وبعد الأهانات والضرب والوعيد والواسطة،  اطلق سراحه في اليوم التالي، الا ان الرسالة وصلت!
بعدها تعرض لمحاولة خطف ثانية، فقررت العائلة ابعاده عن هذا المشهد، فسافر لليونان، اقام هناك وعمل، وعاد لنشاطه الثوري، اذ كانت اليونان قلعة في ذلك الزمان ايضا. كان معمل "السا" في العاصمة اثينا، يضم اكبر تجمع للعراقين الهاربين من جحيم النظام او الحالمين بغد افضل، وكان مختصا بصناعة علب الألمنيوم المستخدمة في تعبئة الأغذية، للأستخدام داخل اليونان وخارجه، وكان العراق من ضمن البلدان التي تستلم العلب وخاصة معمل التعليب في كربلاء، فصار بعض العمال يكتبون الشعارات المناهضة للبعث ويضعوها في تلك الصناديق، وهكذا حتى تقدمت الحكومة العراقية بالشكوى لصاحب المعمل على هذا العمل، فبادر الى فصل احد العمال الذين اتهموا  بكتابة الشعارات، قاد بعدها "مسعود" اضرابا عماليا مطالبا ادارة المعمل بأعادة العامل المفصول، فما كان من الأدارة الا ان  اخبرت الشرطة والسفارة العراقية التي اتت على عجل، وقامت بتسفير "مسعود" الى بغداد. تعرض بعدها للأعتقال والأهانات، الا ان  (وساطة) الأهل هي التي انقذت رقبته من حبل المشنقة. خدم بعدها في الجيش، بعدها آثر الخروج، ولكن هذه المرة كان خروجه اصعب بكثير، اذ مر عبر الجبال، والكمائن، وكل انواع الظروف المناخية، لكنه في النهاية وصل الى محطة اوصلته للولايات المتحدة التي يقيم فيها منذ العام 1990.
اقترن بالسيدة (ماجدة  سـامي زنكلو) والتي تنحدر من عائلة لها ارثها الوطني ونصيبها من السجون والمطاردات ايضا، وهي ذاتها نشطة في مجال حقوق الأنسان والحزب الديمقراطي الكردستاني، وأنجبت له أميرة و أمير (  نهرين (ماكسين) و ماريو)، مارس الأعمال الحرة، ويعمل الآن مشرفا في احد المحال التجارية.
في حياة "مسعود" محطات حفرت خطوطها، وأخذت مكانها عبر السنين، فهود يتذكر الدور الذي اسـند اليه كطفل في مسرحية "النخلة والجيران" وتجربته مع العمالقة الفنانين الكباروهو لمّا يزل طفلا، وفي اليونان عام 1978 حينما امضى 40 يوما في المعتقل،  في تركيا  والموقف النبيل للسيد "سـهاد بابان وزوجته"، في علاقاته مع اللاجئين العراقيين القادمين لليونان ومساعدتهم بكل الأمكانيات، اما في مدينة البرتقال الغالية، فمازالت تلك الأسماء ترن وترسل صداها بعيدا في المدى الأنساني الذي يلامس الروح التائهة بين حنين الوطن، والعصابة التي تقبض عليه، وتحضره بعض الأسماء التي مازالت شاخصة بوجوهها الباسمة الواعدة والجميلة، الشاعر خليل المعاضيدي،الكاتب والمناضل ابراهيم الخياط، عبد العظيم الكرادي، جمال محمد سـفر، هشام مطر وشقيقه الراحل عامر مطر، ناظم متي  ومصطفى كلاز في المانيا والعشرات الذين لا تحضرني اسمائهم، رغم ان وجوههم الباسمة مائلة امامي مثلما يمثل البرتقال في عبير بعقوبة الجميلة. 
رغم السنين العجاف والرحلات الصعبة طوال 40 سنة، الا انه مازال  راسخا بوطنيته وأنتمائه الفكري الأيديولوجي، وهو متابع جيد للشأن العراقي والعالمي وملما به، كما وأنه يحرص ان يحضر معظم الفعاليات والنشاطات الوطنية التي تجري في ديترويت، وما زال يحتفظ بأحلى العلاقات مع اناس ارتبط بمحبتهم في بعقوبة او أثينا او محطات السفر الأخرى. قرأته للمشهد ليست متفائلة جدا خاصة مع تصاعد المد الديني الذي لا يعني الا مزيدا من التراجع وهدر الوقت والناس، لكن حينما ينظر للمستقبل فلا يرى امامه ســوى حصيلة واحدة جمعها من تجارب شعوب كثيرة مرت بما مر به العراق والمنطقة العربية، يحقق اليسار انتصار، فتهجم الرجعية بمؤازرة من اسيادها الأمريكان، يخسر الوطن، وتدمر الدول، يندحر المشروع الرجعي، فتتراجع قوى الظلام، فتترك الساحة بعدما دمرت البلد، وعلى الشرفاء والوطنيين اعادة بناء هذه الأوطان المحطمة.
يوجز السيد مسـعود "فلسفة" امنياته عن الذكرى العطرة للمسيرة الطويلة المكللة بالنجاح والفشل، بالبطولة والشهادة، بالفداء للوطن والحرمان والغربة، بأستذكار مآثر كل الأبطال ومرورا بكل الشهيدات والشهداء، بأن يضع الحزب نصب اعينه تحقيق اعلى النصاب للمشاركة بالسلطة من اجل تحقيق اماني العراقيين، وعدم تركها للآخرين، فما لم يكن هذا الحزب المكافح في السلطة، سيكون صعبا تحقيق شعاراته التي استشهد من اجلها الكثيرين.

كمـال يلـدو
آذار 2014
 

381

حبيب حنونا: يد في الهندسة والرسم والشعر، والأخرى في التأريخ




بورتريت شخصي  حبيب متى بطرس حنونا

  منذ طفولته، كان مسحورا بالتلال المنتشرة في مدينته الجميلة  "كرمليس أو كرمليش" وظل يسأل، وهو يلتقط قطع الفخار المبعثرة هنا وهناك: يا ترى لمن تعود هذه، ومن كان يسكن هنا؟
اسئلة بريئة لا تخلو من  عالم السحر والخيال، وتأخذ الحياة مجراها، وينغمر الأنسان بالدراسة والعائلة والأهتمام بمصادر المعيشة، لكن الهاجس بقى عالقا هناك...عميقا داخل الروح، التي تبحث عن اجابات تريحها من القلق.

البداية
ولد الأستاذ حبيب حنونا في بلدة كرمليس  - محافظة نينوى عام 1943. أنهى الدراسة الأبتدائية في "مدرسة كرمليس"، ثم متوسطة "ام الربيعين" في الموصل  والثانوية في "الجعفرية المسائية" ببغداد عام 1960. بعدها إلتحق بمعهد اللغات العالي لدراسة اللغة الأنكليزية والألمانية، وبعد انقضاء سنتين في المعهد سافر الى ألمانيا الغربية لدراسة الهندسة المعمارية ولظروف قاهرة رجع الى العراق عام 1964.  إلتحق بجامعة الحكمة ببغداد لدراسة الهندسة المدنية. في الجامعة ، برزت العديد من مواهبه ووجدت لها مناخا طيبا للأنطلاق مثل الرسـم، الأدب، الشعر و المسرح ،إضافة الى البحث العلمي . كما أقام عدة معارض شخصية للوحاته الفنية على مدى ثلاث سنوات ( 1965 – 1967 ).
  في عام 1967 حصل على عمل في إحدى الشركات الهندسية العاملة في كركوك، فأجل دراسته لمدة سنتين. في عام 1968 وبعد تأميم جامعة الحكمة ،ألتحق بجامعة بغداد والتي أكمل الدراسة فيها وتخرج منها مهندسا عام 1971. وبعد تخرجه عمل مع بعض الشركات لمدة 3 سنوات، ثم أسس شركة هندسية للمقاولات العامة خاصة به في البصرة، حيث نفذت العديد من المشاريع المهمة في عموم العراق ( 1974– 1984 ) و الكويت ( 1985 – 1990 ) حيث كان مقيما فيها منذ العام 1984 ولغاية دخول العراق الى الكويت، وفي عام 1991 غادر العراق مع عائلته الى الولايات المتحدة الأمريكية، ومكث في ساندياكو لغاية العام 1995 ثم إنتقل الى مدينة ديترويت في ولاية مشيكان. متزوج منذ عام 1972، وسعيد ب 4 أولاد و 7 أحفاد.

المواهب والمغامرات
بعد هذه السيرة المزدحمة والمليئة، سألت الأستاذ حبيب عن مواهبه، وكيفية تبسيطها لمن لا يعرفه عن قرب، فقال :ارغب ان ابدأ بالحديث عن الرسم، فقد بدأت منذ كنت في الصف الخامس الأبتدائي، قدمت حينها رسومات كانت بسيطة وبدائية،  إلا إنها لاقت إهتماما كبيرا من مدرس الفنية الذي شجعني كثيرا (استاذ حازم)، ونمت هذه الموهبة معي وتطورت عبر عدة سنوات من الممارسة، وكان أول إنجاز فني هو رسم لوحة زيتية كبيرة تمثل "مارجرجيس" بناءا على طلب من - خورنة مار أدي – كرمليس عام .1961  وكان عمري آنذاك  18 عاما. لقد أنجزت خلال مسيرتي الفنية أكثر من خمسين لوحة زيتية وعشرات اللوحات التخطيطية والمائية والرسم على الزجاج ، أهم لوحاتي الزيتية هي لوحة " الأم " و لوحة " على الجلجلة " وهذه الأخيرة، هي لوحة كبيرة أنجزتها خلال وجودي في جامعة الحكمة وأهديتها الى كنيسة الجامعة، وعند تأميم الجامعة 1968 م سرقت ، ولازالت مفقودة. وبعد هذه الأطلالة على مسيرته في الفن، سألته ان كان قد درسه او تتلمذ على يد اساتذة، وما ان كان يمارس الرسم لليوم، فقال: بالحقيقة انا لم ادرس الفن، لكني استفدت من نصائح العديد من المتذوقين الذين كانوا يشاهدون اعمالي، ويمكن ان اقول، ان موهبتي، مصحوبة بزياراتي للمعارض الفنية في العراق وخارجه، اضافة للمتاحف، قد ساعدتني في انماء ذائقتي الفنية، والتعرف على المدارس الفنية الكبرى في العالم. اما عن الرسم الآن، فأنا مازلت مواضبا على (هذا الأدمان)، وأشعر بالراحة النفسية الكبيرة وأنا اخط بفرشاتي على اللوحة، وتتعطر اجواء المرسم بالروائح الزكية للأصباغ، انه عالم جميل جدا، ملون وباسم وملئ بالأمل والفرح، اما آخر اللوحات – التي لم تكتمل – فهي ، بورتريت لي ولزوجتي العزيزة، آمل ان يروق للقارئ مشاهدة الصورة المرفقة.

اردت معرفة المزيد عنه فقال:لقد كانت عندي محاولات شعرية اعتز بها كثيرا، اذ بدأت هوايتي منذ اوائل الستينات من القرن الماضي، وقد جمعت معظم قصائدي في ديوان أسميته " أنين الجراح " لكنه للأسف لم يطبع، وبقي مخطوطا،  إلا أن قصائده نشرت في العديد من المجلات (منها  مجلة ألف باء ) والجرائد العراقية أنذاك وبثت قسم منها من إذاعة لندن العربية. اما عن السفر فقال: زرت معظم بلدان اوروبا الشرقية و الغربية ولمرات عديدة، من أجل السياحة والأطلاع وزيارة متاحفها والبحث عن المصادرالتاريخية، وفي عام 1984 قمت في جولة حول العالم إستغرقت ثمانين يوما " حول العالم في 80 يوما " سافرت من الكويت غربا و أتيتها شرقا ، ولا زال السفر مشروعا قائما الج اليه كلما سنحت ظروفي، فهو مشروع لا يمل منه ابدا.

قصتي مع التأريخ، وبلدتي
بعد هذه الرحلة الممتعة مع الأستاذ حبيب حنونا، اردت ان اتوقف امام منجزه الثقافي في مجال كتابة التأريخ، عن ابحاثه ودراساته، لكون هذا الموضوع صار موضع اهتمام الكثيرين، خاصة مع ما مر ويمر به العراق، وأضطرار آلاف العوائل (المسيحية) لمغادرة وطنها تحت ظروف التميز والتهديد والقتل، فتكون مسألة قرأة التأريخ، محطة تبعث احيانا بالأمل والطمأنينة عند الأنسان، فقال:
محبتي للتاريخ نابع من محبتي للوطن ، فهو مثوى الأباء والأجداد، وهو المكان الذي إذا فارقناه يبقى قلبنا فيه نابضا،  اما التاريخ فهو مدرسة إنسانية عظيمة، نستقي منها الدروس والعبر، وهنيئا لمن يتعلم في رحابها.
 "كرمليس" مسقط رأسي، هي  بلدة تاريخية عريقة في القدم. ومنذ أن كنت صغيرا كنت أجوب حقولها وأرتقي تلالها القريبة، فيدهشني أن تكون تلك التلال والكثبان المحيطة بالبلدة مليئة ببقايا الأواني الفخارية، والقطع الأثرية، فنشأت لدي رغبة شديدة في البحث عن خبايا هذه التلال الأثرية، ومن هنا بدأت مسيرتي مع التاريخ وأنا عمري لم يتجاوز العقد الثاني. 
 وعندما إنتقلت الى بغداد لدراسة الثانوية ( 1959)، تشاء الصدف أن أسكن في منطقة قريبة من المتحف العراقي في جانب الكرخ، فواضبت على زيارته إسبوعيا وكلما سنحت لي الفرصة. كنت اتصفح كتب الآثاريين والمؤرخين و المخطوطات ذات العلاقة بتاريخ العراق عموما و بلداتنا في سهل نينوى خصوصا، وأدون وأسجل المعلومات التاريخية، وخلال ترددي المستمر للمتحف منذ أواخر خمسينات وستينات  القرن الماضي تعرفت على العديد من الآثاريين و البحاثة أمثال "الدكتور فؤاد سفر" و "البحاثة المؤرخ كوركيس عواد" الذي شجعني كثيرا للقيام في البحوث التاريخية ودراسة اللغة المسمارية الأكدية. وعندما قررت البحث عن تاريخ بلدتي كرمليس، فقد جعلني هذا جعلني زائرا دائميا لمكتبة المتحف العراقي ولفترة طويلة.  ومن دواعي الفخر ان يكون أول مؤلفاتي  هوكتاب  "تاريخ كرمليس" الذي طبعته عام 1988 ،   وقد نال هذا الكتاب إستحسان كل من طالعه أو إقتناه.  ان ما يسعدني أكثر ان يصبح هذا الكتاب، مرجعا قيما للعديد من الباحثين والمؤرخين العراقيين والأجانب، أمثال المؤرخ الأمريكي "والتر كايكي" ، وهذا ما لاحظته في عشرات الكتب التي صدرت لاحقا من قبل الباحثين الذين ذكروا  كتابي  "تاريخ كرمليس" كمصدر من مصادر البحث .
ان ما يشرفني اكثر هو وصف المؤرخ والبحاثة الكبير "كوركيس عواد" لكتابي – تأريخ كرمليس - في رسالة أرسلها لي بأنه ((تحفة تاريخية نفيسة لبلدة عراقية جميلة ))، كما علقت عليه العديد من الصحف والمجلات المحلية آنذاك. لقد كان الكتاب النافذة المفتوحة التي أطل من خلالها المهتمون بتاريخ وتراث ما بين النهرين الى بلدة عراقية لها تاريخ حافل، وأصبح لها حضور متميز على صفحات الكتب والمجلات والمحافل الأكاديمية، ولقد ساهمت اهتماماتي تلك الى دفع مديرية الآثار العامة، ومديرية آثار الموصل الى البحث والتنقيب في إحدى التلال الأثرية في كرمليس ( تل غنم ) عام 1971، علما ان التنقيب في البلدة كان قد بدئه العديد من البحاثة الأجانب منذ القرن التاسع عشر. ولم تقتصر جهودي في البحث على مدى 30 عاما على تاريخ بلدتي فقط ، بل الى تاريخ بلدات سهل نينوى ( تلكيف ، ألقوش ، باقوفا ، بطنايا ، برطلة ، بغديدا ، بعشيقة ، بحزاني ، و غيرها )، تاريخ كلدو و آثور.
 ان عشقي للتأريخ دفعني ان ابحث في اللغة ايضا، فدرست اللغة المسمارية - الأكدية ومفرداتها الموروثة في "لغة السورث" لدرجة إستهوتني كثيرا، فألفت فيها كتابا أسميته " السورث و الأكدية " وقد إستغرق البحث فيه قرابة العشر سنوات ( 1977– 1987)، ثم قدمته الى الأب "الدكتور يوسف حبي" عميد كلية بابل، عام 1987 لمراجعته وإبداء رأيه فيه،  وبعد أن إطلع عليه، أعجبه كثيرا وإقترح عليّ التوسيع فيه وتقديمه الى جهة أكاديمية، ككلية الآداب العراقية، من اجل نيل شهادة الماجستيرأوالدكتوراه، وفعلا بدأت بتوسيع البحث مستعينا بمصادر أخرى كان من أهمها " القاموس الآشوري " الصادر عن المعهد الشرقي لجامعة شيكاغو، والمكون من (21) مجلد ضخم تتجاوز صفحاته العشرين ألف صفحة، فأنهيت البحث في السنوات الثلاث  اللاحقة ( 1987– 1990)  وقدمته الى الأب يوسف حبي في حزيران 1991 الذي فرح به كثيرا، الا ان تردي الظروف في العراق، أثرت علـّي كثيرا  فقررت الهجرة ،  على ان الدكتور حبي  تأسف كثيرا عندما علم برغبتي للهجرة، وعدم تحقيق ما إقترحه عليّ لتقديمه الى كلية الآداب، وفعلا هاجرت أنا وعائلتي في تموز 1991 وفي عشية عيد الميلاد من ذات العام، وصلنا الولايات المتحدة.

مبدع، منتج ومتواضع
في اثناء حواري معه، وردت كلمة (كتب) و (قرأت) و (مكتبة) عدة مرات، وبالحقيقة فأن شخصا مهتما مثله كان لابد ان يبحر بعالم المعرفة فأردت رقما محددا فقال: لا ابالغ ان قلت لك بأني قرأت طوال حياتي مئات لا بل آلاف من الكتب، وبشتى اللغات، ولا ادعّي بأني استوعبت جميعها، الا ان نسبة كبيرة منها صنعـوا (حبيب حنونا) الجالس معك، وانا مدين  للكتّاب والمؤلفين العظام الذين اناروا دورب الملايين مثلما اناروا دروب المعرفة عندي، وحتى ازيدك علما – والحديث مازال له - فمن أكثر الهوايات  التي لازلت أمارسها هي إقتناء الكتب، وتعليلا للنفس اردد دائما المثل القائل: (أن تزخر بيتك بالكتب خير من أن تمتلئ محفظتك بالنقود)،  اما المثل الأنكليزي فيقول: "الكتاب الجيد هو صديق حميم"  ولهذا، فقد جمعت من الأصدقاء الحميمين عددا كبيرا، تبرعت بقسم منها قبل مغادرتي العراق الى كلية بابل، بما فيها (22) مخطوطة، بالخط الأرامي الشرقي، يرجع تاريخ بعضها الى ثلاثمائة عام أو يزيد، والقسم الآخر الى مكتبة مار أدي في كرمليس. أنا لست جاهلا و لا عالما ولكني أتروى كثيرا في حكمي على الأمور التي أراها او أقرأ عنها.
بعد هذا وددت ان اعرف نتاجاجاته الثقافية بالأسم والعدد، فقال: لأني مؤمن بالحقيقة القائلة، ان عرفت او تعلمت شيئا طيبا، فلا تبقيه لنفسك، بل قدمه وشارك به الآخرين، كي ينعموا مثلك، ولهذا فأني عملت وبكل صبر وتأني وتواضع على اغناء المكتبة ببعض النتاجات، وعندي مشاريع أخرى آمل ان ترى النور هي الأخرى.

محصلة مؤلفاتي لحد يومنا هذا هي التالية :
1.   " تاريخ كرمليس " بغداد 1988 ساعد في إعداده و كتابة فصوله الأجتماعية الأستاذ بهنام سليمان متي
2.   " كنيسة المشرق في سهل نينوى " – ساندياكو 1992
3.   " لمحات من تاريخ كلدو وآثور " – ساندياكو 1994
4.   " الكلدان و المسألة القومية " ديترويت 2004
5.   " سفر الخروج الكلداني " ديترويت 2013 وهو بحث أكاديمي مطروح للمناقشة لمنحه شهادة أكايدمية في الدراسات العليا
الكتب المخطوطة :
1.   " السورث و الأكدية "  بغداد 1990
2.   " سهل نينوى " ديترويت 2003
3.   " ديموغرافية الكلدان "  2004 منشور على حلقات في كرملش نت

 انا على موعد دائم مع القراء

قبل ان انتهي من اللقاء مع الأستاذ حبيب حنونا، اردت ان اعرف ان كان ينشر اعماله ام ينتظر انتظامها بكتاب ثم ينشره فقال: من حسن حظي ان اكون الآن (متقاعدا) وأملك وقتا جيدا احاول توزيعه بالعدالة بين زوجتي والعائلة والأحفاد، وبين ممارسة هواياتي ونشاطاتي الأخرى التي تمدني بالحيوية الدائمة.  فأنا شخصيا اعـّد نفسي كاتب وباحث في تاريخ بلاد ما بين النهرين، ولي العديد من الكتب المطبوعة والمخطوطة و عشرات المقالات التاريخية منشورة في العديد من المجلات  ( صوت الأمة ، الكلمة ، فينوس ، المنتدى ، كلدان ديترويت تايمس ، و غيرها ..) والمواقع الألكترونية  ( عنكاوة ، كرملش نت ، باقوفا ، عين نوني ، ويكيبيديا ، ... ) كما وأني متواصل جيد مع الكثيرين عبرموقع (كرملش نت) والذي اديره  منذ تأسيسه عام 2010 . ولمن يرغب تصفح الموقع، يستطيع عبر :
http://www.karemlash.net/

اما عن فلسفته في الحياة فيقول: الأستقامة في العمل والأمانة والصدق في التعامل مع الغير والأستمتاع في الحياة، لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، كن متفائل دائما، لا تنظرالى نفسك في القمة فيراك الناس صغيرا، كن متواضعا فتكبر في عيون الناس، لا تجادل الجاهل فيغلبك ، كلنا تلاميذ في مدرسة الحياة  لم ولم نبلغ الكمال أبدا

الوعي في الجالية
اردت ان اعرف مدى تقييم الأستاذ حبيب حنونا لمستوى الوعي القومي و الوطني عند ابناء الجالية فقال: لا يخفي على أحد مدى الظلم و الأضطهاد الذي مارسه حكام العراق  ضد أبناء أمتنا في العصر الحديث ، وما مجزرة  سميل ( 1933 ) والإعدامات التي حدثت عام 1949  إلا مثالا للظلم،  أما في فترة حكم البعث ( 1968 – 2003 ) فقد عانت أمتنا الكثير من التصفيات والقتل ( مجزرة صوريا 1969 )،  والأعدامات (1985 )  ، ونكران حقوقنا القومية  بقرارهم سيئ الصيت الذي ألغوا  فيه قومية  مسيحيي العراق من الكلدان و الآشوريين والسريان  وإعتبروهم عربا – رغم إحترامي الشديد لأخوتنا العرب -  وهذه جريمة  بحق شعب أصيل ترتقي إلى جريمة إلغاء شعب و أمة عاشت على أرض الرافدين قبل أي مكون آخر، لا بل "غسلوا عقول الناس" بمفاهيم خاطئة وحرموهم  من التعلم بحرية، وطاردوا كل ذوي العقول المتفتحة والنيرة. ان هذا ترك اثره على جيل كبير، غيبت عنه ابسط مقومات المعرفة فصار يعتبر نفسه (عربي) لأنهم هكذا لقنوه، وفي الجهة المقابلة فأني اعيب على بعض الأخوة الذين تأخذهم الحماسة احيانا الى موقع التطرف والكلام غير الموزون عندما يكون الحديث عن القومية وعن العراق. انا اؤمن بالثقافة والعلم، وأعتبرهما اكبر اداة لتطور اي مجتمع او قوم، وحتى تزدهر قوميتنا او شعبنا او جاليتنا، انا ادعوهم للقرأة والثقافة والعلم، عند ذاك سيتوصلون الى حقيقة الأمور دون تشنج. ان الفرص موجودة، والحرية موجودة، وكل ما تحتاجه الناس هو الأندفاع والثقة بالنفس، وهذه المسؤلية يجب ان تكون تضامنية بين ابناء الجالية ومؤسساتها وأحزابها وجمعياتها، من اجل ان تكون حقا في خدمة الجالية.

ماذا تعرف عن كرمليس
اذا كان الأستاذ حبيب حنونا قد ألف كتابا عن بلدة "كرمليس" فبالتأكيد هناك الكثير مما يجب ان يقال او يحكى عنها، لكني ارتأيت ان اذكر بعض المعلومات العامة لغرض افادة القارئ الكريم، وأستقيت معظمها من  موقع (ويكابيديا – الموسوعة المعرفية) ومن كتاب " تاريخ كرمليس "
كرمليس أو كرملش، (بالسريانية: ܟܪܡܠܫ) - وقد حملت كرمليس أسماء متعددة عبر التاريخ،
أن اقدم تسمية اطلقت على كرمليس هي " كار- مليسي  Kar – Mulissi " فهي تسمية اكدية اطلقت عليها ابان سيطرة الاكديين على البلاد الاشورية خلال حكم ملكهم سرجون الاكدي (2371- 2316 ق.م) وعندما خضعت الدولة الاشورية للسومريين ابان حكم سلالة اور الثالثة في نهاية الالف الثالث قبل الميلاد اطلقت  على كرمليس تسمية (كار- دنكير – نين – ليل) اي مدينة الالهة ننليل زوجة الاله انليل ووالدة  ننيورتا وهي الهة سومرية كانت لها معابد في معظم مدن العراق القديم . ويقول السيد بوستكيت بان تسمية كار- نين- ليل مطابقة للتسمية الاكدية "كار- مليسي"  استنادا للالواح المكتشفة في (سلطان- تبه) (تركيا) التي وردت تحت اسم "اورو- كار- مليس" والتي توافق التسمية الاشورية (كار- مليسو) او (كار- مليلتو) ، كما تسمت كرمليس بإسم ( إير – إيلو – بانو ) في العهود الأشورية القديمة ، وكذلك تسمت بإسم ( كوكاميلا ) في القرن الرابع قبل الميلاد ، و( كماليسك كاور قوي ) في العهد العثماني ، إلا أن إسم ( كرمليس ) بقي مرادفا لمعظم تسمياتها الآخرى .


من مقالة كتبها السيد بهنام سليمان متى عن كرمليس (مشكورا) أقتبس ما يلي -  هي بلدة عراقية تقع في سهل نينوى.( كرمليس الحالية، بلدة كلدانية من بلدات محافظة نينوى، ترتبط اداريا بناحية برطلة، ضمن قضاء الحمدانية ومركزه (قره قوش-بغديدا). تقع جنوب شرق مدينة الموصل على بعد 28 كيلومترا، يمكن الوصول اليها عن طريق الموصل – أربيل مرورا ببرطلة، ثم بعد بضعة أميال تنحرف نحو اليمين لتصلها بعد بضعة دقائق، وهي على رأس ضلعي مثلث، طرفه الأيسر بلدة برطلة، والأيمن بلدة بغديدا (قره قوش). وتجثم كرمليس (كرملش) على هضبة تاريخية مساحتها حوالي (3 كم مربع) تحيط بها تلال أثرية كانت فيما مضى مدينة واحدة يحيط بها سهل فسيح يمتد من نهري الخازر والزاب من الشرق وحتى نهر دجلة غربا، يخترق هذا السهل جدول واحد يجري فيه منذ الأزل، مصدره نبعان كريمان، أحدهما عذب الماء والثاني كبريتي، يجريان من مرتفعات قرية (ترجلة) شمال شرقي القرية على مبعدة 6 كم، وهذا الجدول المائي يروي أراضي البلدة السيحية المحاطة بها ربيعا وصيفا، وينحدر شتاء نحو الغرب ليصب في نهر دجلة. ولعل الطبيعة حبت كرمليس وحدها بهذه النعمة الأزلية، نعمة الماء والخضراء وسط قرى كثيرة متعددة، تفتقر الى المياه الطبيعية، لذلك فأنت ترى أشجارها الباسقة وبساتينها ومزارعها الخضراء قبل الوصول اليها، وكانت الزراعة هي الحرفة الرئيسية الأولى التي زاولها أهلها أباً عن جد لسنين طويلة، وأعتزوا بها ولا زالوا أيم اعتزاز.
 غالبية سكان البلدة هم من المسيحيين أتباع الكنيسة الكلدانية مع وجود أقلية تتبع الكنيسة السريانية الكاثوليكية وبالإضافة إلى أقلية من الشبك. تاريخ البلدة يمتد إلى أكثر من خمسة آلاف سنة مضت وتشتهر بالكثير من الأحداث التاريخية وأشهرها المعركة الكبيرة التي دارت بين الأسكندر المقدوني وداريوش الثالث ، كما عثرت فرق الحفريات على بقايا "قصر شلمنصر الثالث/ وسرجون الثاني 721 – 705"، فيما كانت العاصمة الأنتقالية للملك سرجون الثاني قبل ان يتحول الى (خرسباد) في اطراف نينوى،أصبحت البلدة مركزاً تجارياً ودينياً هاماً في المنطقة خلال القرون الوسطى، فمنذ عام 1332 نقل البطريرك دنحا الثاني بطريرك كنيسة المشرق   كرسيه إليها وأستمر إلى نهاية القرن الرابع عشر حتى مجيء تيمورلنك إلى المنطقة بين عامي (1393-1403)، ففي هذه السنوات تعرضت بلاد ما بين النهرين إلى مذابح قضي فيها على غالبية أتباع كنيسة المشرق ودمرت أبرشياتها.
من ابرزالكنائس والأديرة: دير مار گورگيس/ دير مار يونان/ دير مار يوخنا/ دير بنات مريم/ كنيسة الأربعين شهيداً/ كنيسة القديسة بربارة/ كنيسة مريم العذراء/كنيسة مار أدٌي الرسول .ظهر اسم البلدة في إحصاء 1957 م وكان عدد سكانها في تلك العام 1876 نسمة. بالرغم من وجود أكثر من أربعة آلاف نسمة يقطنون البلدة الآن لكنه يوجد ما يقارب الثلاثة آلاف نسمة ممن هاجروا إلى خارج العراق. كما شهدت البلدة نزوح الآلاف من المسيحيين إليها بعد حرب العراق الأخيرة.

قبل الختام، عن الأستاذ حبيب حنونا
منذ ان استقر الحال بالأستاذ حبيب حنونا وعائلته في الأقامة  بمدينة ديترويت، فقد تبوء منزلة طيبة بين اقرانه من المثقفين والكتاب، ويشار اليه بالبنان خاصة في حقل البحوث التأريخية، وهو الذي لم يدرسها دراسة اكاديمية جامعية، بل اجتهد لعشرات السنين بالبحث، بلا كلل وملل، من اجل ان يقدم خلاصة عمله الى كل متابعي ومحبي تأريخ العراق القديم. ان ثقافته  المتنوعة والمتميزة، وشخصيته الهادئة والرصينة تدعوني لمناشدة منظمات الجالية وأجهزتها الأعلامية للأستفادة من هذا الموسوعي، في اغناء الوعي والمعرفة عند ابناء جاليتنا الكريمة، بكل مشاربها وأنتمائاتها، طالما كانت تعتز بعراقيتها وأصالتها. انه لمن دواعي الفخر ان تكون بين ظهرانينا قامات باسقة، خضراء ومعطاءة مثل الأستاذ حبيب حنونا.

اماني للوطن
في الختام يأمل الأستاذ حبيب حنونا ان ينجلي هذا الليل المظلم الذي خيّم على الوطن، وأن يرفل ابنائه النجباء بالأمن والسعادة والتقدم والرفاه، حالهم كحال كل الشعوب التواقة للأستقرار، وأن يحّرم التميز بين العراقيين، وأن يحصل ابنائه الأصلاء على قيمتهم الحقيقية في الأبداع والمواطنة وليس العكس. وأن يسود القانون محل الأجتهادات ايا كانت وأن يعامل المواطن ويقاس بعراقيته ووطنيته وليس بأي مقاس آخر، وأن يقبر العراقيين نظام المحاصصة والقائمين عليه في انتخابات نيسان، وذلك بأختيار الناس الشرفاء الرافضين للفساد الأداري والعابرين للطوائف.

كمال يلدو
آذار 2014




حبيب حنونا يرسم عام 1961


الأم 1986


بورتريت بائع القهوة بريشة الأستاذ حبيب حانونا


حبيب حنونا يرسم عام 2014


غلاف كتاب الكلدان والمسألة القومية


غلاف كتاب سفر الخروج الكلداني


غلاف كتاب كرمليس


غلاف كتاب كنيسة المشرق في سهل نينوى


في ظلال بوابة النصر- باريس


كرمليس منظر عام


لوحة زيتية بورتريت قيد الأنجاز مع الزوجة العزيزة


هذه لوحتي المفقودة ( على الجلجلة - 250 سم . 150 سم  ) وهي أكبر لوحة زيتية  رسم

382

السناتور وديع دده: قصـة النجاح العراقي والألق في ولاية كاليفورنيا



السيناتور العراقي وديع دده

في ذلك اليوم، رن جرس الهاتف، وأذا بالبيت الأبيض في الطرف الثاني،  حيث جرى الأتفاق على تكليفي بأستقبال سيادة الرئيس عندما تحل طائرته في ساندياغو/كاليفورنيا، وافقت، لكني اردفت لهم بأني لا املك اي حجز للطيران، قالوا: توجه للمطار وستجد كل الأوراق بأنتظارك. فذهبت للمطار المحلي في مدينة (مونتريه)، وأخذت الطائرة لمطار ساندياغو، هناك اخذني أمن المطار الى شرفة الأستقبال الرسمي للرؤساء، نزلت الطائرة، وأستقبلت الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر" في رحلته للدعاية الأنتخابية للدورة الثانية، وبعد ترحيبي به، قال اننا اخترناك لأن لك شعبية طيبة بين الناخبين، شكرته على هذه الثقة. في الطريق وأنا جالسا الى جنبه في المركبة الرئاسية، ســـرقت لحظة من الزمن، ونظرت من خلال الشباك الى السماء، وقلت: اين انت يا أبي الآن، لترى ابنك وهو جالس الى جانب رئيس اكبر دولة في العالم، ودونما ادري سقطت دمعة، فقد توفي والدي في الأهواز وكان عمري 12 عاما فقط، لنبقى انا وأمي وثلاثة اخوة وأختان.
هكذا يتذكر السناتور العراقي – الكلداني الأستاذ وديع دده بعضا من الصور الأنسانية العالقة في الذاكرة في رحلته بالعمل السياسي في ولاية كاليفورنيا لأكثر من ربع قرن.

الولادة
هناك قصصا لا تخلوا من الطرافة او الغرابة في حياة هذا الأنسان الرائع، فهو يقول عن ولادته، بأن والده كان قد التحق بأبناء عمومته في "الأهواز" هربا من التجنيد في الجندرمة التركية، وكان يأتي الى تلكيف خلسة بين فترة وأخرى، وصادف ان اقتربت ايام الوضع، فقصدت أمي مدينة بغداد في طريقها الى الأهواز، لكني ولدت في بغداد في نيسان من العام 1920، وربما في منطقة "عكد النصارى" لأن سجل عماذي موجود في كنيسة "ام الأحزان" أو  الكنيسة الكبيرة كما يلقبوها.  بعد شهرين، اخذتني أمي حيث ابي (عند الشيخ خزعل كما كانت تسمى الأهواز آنذاك) وعشنا هناك حتى وفاته، حيث انتقلنا لبغداد وكان عمري لم يتجاوز 12 سنة. بعدها اخذني السيد "يعكوب مراد الشيخ" – اول نائب كلداني في البرلمان العراقي، اخذني بيدي، وهو من اولاد عم والدي، وقصد بي  الى (مدرسة اليسوعيين) التي كانت قد افتتحت للتو في منطقة المربعة، درست فيها ثلاث سنوات ، وتفوقت باللغة الأنكليزية، وعشقت من خلال الأساتذة الحياة في امريكا، الا ان حاجة العائلة، دفعتني لتركها والعمل صباحا، والتحقت بالمدرسة المسائية (ربما الثانوية الجعفرية، فأنا لا اتذكرها جيدا) فتخرجت منها بدرجات عالية.
الموقف الذي لا انساه
قدمت اوراقي الى مديرية المعارف للقبول في (كلية الحقوق) حيث كنت ارغب بدراسة المحاماة وممارستها كمهنة ايضا.  وبعد فترة جاء الجواب ب (الرفض) بدعوى ان هناك نظام للكوتا ، اذ ان عدد المقبولين للدورة الواحدة هو: 100 طالب، مخصصة 4 مقاعد لليهود، و 4 مقاعد للمسيحيين، و92 مقعدا للمسلمين بكل مللهم وطوائفهم، مما ولد عندي ردة فعل سلبية وغاضبة جدا من اعتبار هذه المعايير بعيدا عن المعايير المهنية او الذكاء عند المتقدمين،  ولم ينفع اعتراضي، ولا حتى تدخل قريبنا عضو البرلمان السيد يعكوب مراد الشيخ. قررت الجلوس لمدة سنة، ثم قبلت بالأمر الواقع ودرست (الأنكليزية) في دار المعلمين العالية ، لأن لغتي كانت بالأساس جيدة نتيجة دراستي في مدرسة اليسوعيين. لم تكن حياتنا سهلة، فقد كنت مسؤلا عن اعالة والدتي والعائلة، فكنت ادرس صباحا وأعمل في الترجمة ليلا.
رحلتي الى امريكا
في العام 1947 قررت الهجرة الى الولايات المتحدة، حيث كان الباب مفتوحا آنذاك، وفعلا وصلت الى نيويورك، قصدت بعدها مدينة  "ديترويت" لوجود ابنة عمتي فيها، التي احتضنتني وقدمت لي غرفة للسكن مع عائلتها. في اثناء اقامتي بديترويت انتسبت الى "جامعة ديترويت للآباء اليسوعين" وحصلت منها على شهادة الماجستير في (العلوم السياسية والقانون الدولي والدستور الأمريكي)، فكنت  وللحق، ومازلت اعشق السياسة، وفي تلك الأيام ، عملت مثل  معظم (الكلدان) الوافدين لهذه البلاد في المحلات التجارية(البقالة والسوبر ماركت)، خاصة تلك المملوكة من ابناء جاليتنا. ونتيجة بحثي لفرص جيدة في التوظيف فقد قبلت في معهد اللغات، مدبنة مونتري  بولاية كاليفورنيا، فغادرت ديترويت اليها في العام 1951.

اول عهدي بالسياسة
بالحقيقة، يقول السناتور وديع دده: ان اعجابي الشديد بشخصية السناتور (جون كندي)، جعلتني اتعلق به بشكل عجيب ، فجندت كل قواي – ضمن الحزب الديمقراطي الذي انتسبت لصفوفه في العام 1959 – من اجل نشر الدعاية الأنتخابية، وتشجيع الناخب للتصويت الى مرشحنا، وفعلا، فقد كانت ومازالت ، ولاية كاليفورنيا تعتبر حجر القبان في الأنتخابات الأمريكية، لأنها الأكبر مساحة وسكانا ومالا، وبعدد القوة التصويتية.  ولم تكن في حياتي نشوة تساوي نشوة فوز الرئيس كندي بولاية كاليفورنيا وبالتالي فوزه بالرئاسة الأمريكية. ان هذه التجربة قربتني كثيرا من ساسة الولاية ومن صناع القرار فيها، ودفعتني ايضا للتفكير بولوج هذا الحقل.

دخول معترك الأنتخابات
في العام 1966 قررت خوض الأنتخابات البلدية عن مقاطعة (امبريال بييج/ساندياغو) بولاية كاليفورنيا من الحزب الديمقراطي، وبعد فوزي بها، اذ تفوقت على ثلاث مرشحين ايضا، ترشحت للأنتخابات النهائية في المنافسة مع مرشح الحزب الجمهوري. جاءت النتائج مكللة للعمل الكبير وبالفوز المستحق. لا انسى تلك الليلة التي اجتمع بنا رئيس الحملة الأنتخابية للحزب الديمقراطي، حيث كنت انا من ضمن 30 سنتورا جديدا ندخل عالم السياسة، كان قد اختارنا الناخبين، فترك كل النواب الجدد وتوجه لي بالكلام: انت لا تعرف ماذا فعلت اليوم، انت عملت معجزة، فقد اخذت مقعدا من الحزب الجمهوري بقى عصيا علينا لأكثر من 40 عاما، ليس هذا فحسب، بل لتكون مفخرة لنا بأنك اول عراقي – كلداني يفوز بهذا المنصب في ولاية كاليفورنيا، علما ان فارق الأصوات بلغ (1050) لصالحي. كان لتلك الكلمات  وقعها الكبير في نفسي  ولليوم.
وقبل ان استرسل بأسئلتي له، استوقفني وقال: بالحقيقة ان لزوجتي الغالية "مارلين" فضل كبير في فوزي هذا، فمنذ ان عرفتها، وتزوجتها في العام 1951 ونحن نعمل سوية في سلك التدريس، وعندما قررت خوض الأنتخابات، كنا نخرج من المدرسة سوية، انا آخذ شارع، وهي تأخذ شارع، ونزور البيوت، بيتا بيتا، ونوزع لهم اوراق الدعاية الأنتخابية او نتحدث اليهم، حدث هذا لشهور، اضافة الى ما كان ينقله تلاميذنا الى اهاليهم، فكانت حقا النجمة التي انارت حياتي ولليوم، ليس بفوزي بالأنتخابات، بل لأنها منحتني ابننا الرائع (بيتر) والذي منحنا بدوره ولد وبنتان، صاروا قناديلا في سمائنا.

مسيرة  ظافرة

يقول السناتور وديع دده عن رحلته مع السياسة، اولا، لا تنسى ان عمري الآن سيصل الى 94 عاما، ومضى على تقاعدي من العمل الوظيفي حوالي 21 سـنة، وقبلها كنت قد قضيت 27 عاما في الخدمة العامة ضمن مجلس  ولاية كاليفورنيا، منها 16 عاما في مجلس النواب، و 11 عاما في مجلس الأعيان. وحتى ازيدك علما، فأن هذه الولاية اضافة الى ثقلها الأنتخابي، فهي الأكبر مساحة في امريكا، وأقتصادها لا يقارن بأية ولاية أخرى، بل بالدول العظمى مثل المانيا وفرنسا وروسيا وأنكلترا، هذه هي كاليفورنيا، ومن يخدم في مجالسها عليه حقا ان يكون اهلا لتلك المسؤلية، اما حينما يعيد الناس انتخابي لمرات ومرات، فهذا شرف كبير ووسام  يعبر عن ثقتهم بي، وعن قيامي بدوري المفترض ايضا. وفي تلك المسيرة مرت من امامنا مئات القرارات والتشريعات التي تخص المواطن والولاية، الا اني افخر بكوني اول سناتور يدفع بأتجاه تشكيل (هيئة) كاملة ومستقلة للطرق والجسور والصيانة في الولاية، وبعد سنين من العمل والدعاية وجمع المؤيدين تكلل هذا العمل بالنجاح وفعلا تشكلت هيئة تســمى ( كال ترانس – وهي مشتقة من كلمتا كاليفورنيا وترانسبورتيشن) والتي تعني بالطرق، والجسور والسكك والترام والأنفاق تحت الأرض، وتعني بصيانة الطرق وبناء الجديد منها، وبميزانية منفصلة ومستقلة. ومازال بعض الأعضاء يلقبوني ( ابو كال ترانس) نسبة الى جهدي وعملي في المشروع.

من هنا يمر احفادي
كان ل (هيئة الطرق) بناية ملحقة بأحدى مؤسسات الولاية، ومع مرور الوقت، تم رصد مبلغا ماليا لبناء بناية مستقلة لهذه الهيئة المهمة، وفعلا تم ذلك، والبناية جميلة جدا وكبيرة وتضم كل االمكاتب التابعة لها. في يوم 5 آبريل 2006     دعيت لحفل افتتاح العمارة وقص الشريط (كنت حينها متقاعدا، والمبادرة كانت من المحافظ التابع للحزب الجمهوري وأنا ديمقراطي)، وبعد وصولي، كانت واجهة البانية مغطاة بالقماش، فأعطاني المقص وأذن لي بقص الشريط، ومن ثم سحب قطعة القماش  عن الواجهة، وأذا بي افاجأ بأنهم وضعوا اســـمي (عمارة وديع دده) على واجهة البناية، وامام حالة الذهول، قال لي ، لقد كنت انت صاحب الفكرة، وأنت اكثر من عمل لها لجعلها حقيقة، فأنت من يستاهل ان يكون اسمه عليها!
 شعور عظيم بالغبطة والفرح والسرور وأنا اشارك زوجتي العزيزة وأبني وأحفادي  هذا الأنجاز الكبير. هذه البناية يمر من امامها عشرات الآلاف يوميا، اذ انها تقع في منطقة مزدحمة، والطريف في الأمر ان احفادي، يمرون من امامها كل صباح في الطريق للمدرسة، فيلقون عليها النظر ويقولون (هذه بناية  كراند با- اي الجد).
كما لا يفوتني ان اذكر بعض تفصيلات اليوم الأخير في مجلس النواب بولاية كاليفورنيا،  اذ تقدم الى المنصة معظم النواب الذين كان لهم حق الكلام، وتحدثوا كثيرا عن سيرتي وكان البكاء والدموع ترافقهم وهم يقولون تلك العبارات والجمل، وللحق اقول، فأن الجمهوريين بكوني مثلما بكاني الديمقراطيين، وقال احدهم: نادرا ما نلتقي بأعضاء يعرفون بالقانون والدستور الأمريكي وهم بلا خلفية اكاديمية في حقل المحاماة، فأنا اتحداكم ان كان احدا منكم قد تجرأ يوما وجادل السناتور وديع دده في امر قانوني او دستوري، علما انه ليس محاميا!

ديترويت وأهلها في القلب
في اثناء حديثي للسناتور وديع دده، كان دائم الترديد لكلمة ديترويت وناسها، وأردت ان اعرف منه ســّر هذا التعلق، فقال: لمدينة ديترويت منزلة خاصة في وجداني، فهي اول مدينة استوطنتها في عالمي الجديد، ومنها حصلت على شهادتي العليا، اما ناسها، الكلدان الأصلاء، فهم سعادتي وسـّـر نجاحي، وهنا استوفته وقلت، ان كنت قد ترشحت في كاليفورنيا، فما دخل ديترويت في انتخاباتكم، فقال: هذا صحيح، لكن دعني اوضح الصورة للقارئ الكريم، اولا: في العام 1947 عندما اتيت لهذه المدينة، فقد احتظنتني ابنة عمتي الغالية، وأعطتني غرفة كاملة في منزلها، كما وأن ابنائها الكلدان  لم يبخلوا عليّ في فرص العمل ولكي تتلائم مع منهاج دراستي ايضا، علما، ان العشرات من الكلدان الذين اتوا المدينة في تلك السنين، لم يكونوا يقرأوا او يكتبوا، لابل ان قسما منهم لم يشاهد الموصل او بغداد في حياته، لكنه اتى الى امريكا للعمل  وبحثا عن فرص حياة افضل له ولعائلته، وكانت بيوت الكلدان (ومازالت لليوم) مفتوحة للمساعدة وتقديم كل ما تطلبه الحاجة  من اجل تسهيل مهمة الوافدين الجدد حتى يتأقلموا مع حياتهم الجديدة.

وماذا بعد
توقف قليلا، وكأنه يريد ان يسترجع الق تلك اللحظات السامية في حياته، فقال: في العام 1965 وعندما عزمت على الدخول للأنتخابات الأولية، توجهت لديترويت لأخذ المشورة والنصيحة من بعض الأحبة هنا، وفعلا ، كنا في جلسة ما بين 10-12 شخص، فبادرني السيد (الياس قينايا) بالسؤال: هل ستحمل ورقة الأنتخاب اسمك انت وديع دده؟ فقلت له نعم، اردف مرة اخرى وقال، وديع دده ، الكلداني ابن بلدي؟ فقلت نعم، فما كان منه الا ان وقف،  وسحب مبلغا (500 دولار آنذاك) ووضعها على الطاولة وقال هذا المبلغ لدعم حملتك الأنتخابية، امام ذهولي، قام الآخرون بنفس العمل بعد ان اخذتهم الشيمة والحمية، وانتهت تلك اللية  بان جمعت مبلغ (8000 دولار) لحملتي الأنتخابية التي ساعدتني كثيرا في التحرك والنشاط وتوزيع المطبوعات. اما عند نزولي للأنتخابات النهائية (امام المرشح الجمهوري) فقد دعاني السيد (سليم صرافة) والأصدقاء لزيارة ديترويت، وبعد ان هنأوني بالفوز الأبتدائي قالوا ماذا تريد منـّا الآن؟ (كان العدد ما بين 20 – 25)  فقلت لهم:  ان من حق حملتي الأنتخابية ان يكون لي 6 يافطات كبيرة تعلق في المدينة، وكل واحدة تكلف 1500 دولار، فأرجو منكم مساعدتي قدر الأمكان. وعندما انتهت الجلسة
كانوا قد جمعوا (20 ألف دولار)اي اكثر بقليل من حق اللافتات! فكيف تريدني ان انســـى فضل هؤلاء الناس الأصلاء والأشراف والطيبين. كما وهناك قصصا اخرى عن ديترويت سأحاول ان اجمعها في كتابي (السيرة الذاتية) ان سامحتنا الظروف والصحة العامة.

عن والدتي
بعد ان اسـتقر بي الحال، قمت بجلب والدتي للعيش معنا في الولايات المتحدة، ومن الطرائف التي اتذكرها، ان المجلس طلب مني استضافة بعض اعضاء العائلة لجلسة الأفتتاح والقسم وما الى ذلك، وفعلا ، فقد جاءت زوجتي بصحبة والدتي المسنة، وجلسوا في المكان المخصص لضيوف الشرف،  وكم كنت سعيدا وفخورا وأنا اشاهد أمي (الغالية) وهي تستمع لأسمي وصوتي مدويا بالسماعة، او لتراني امامها وأنا اتقلد هذا المنصب الرسمي الرفيع! اي فخر للأم ـ وأي فخر لأبنها، بعد مسيرة شـــاقة بين تلكيف وبغداد والأهواز والولايات المتحدة، وحياة طويلة بلا معيل! وكم من ام عراقية تستحق التكريم، مثل هذا او اكثر، في وطنها وليس خارجه، ولكن .....!

زياراتي للعراق
سألت السناتور وديع دده ان كان قد زار العراق بصفة رسمية فقال: نعم، وكان ذلك في اواخر عهد الرئيس (جيمي كارتر)، فبادرني بالقول: لقد علمت بأنك من أصل عراقي، فقلت له نعم، فقال: هل تذهب بمهمة للعراق لو طلبت منك ذلك، اجبته، هذه خدمة وطنية لهذا البلد العزيز، فسألني ان كنت اعرف بعض المسؤلين، قلت له، لقد سبق وأن التقيت الدكتور سعدون حمادي ، والسيد طارق عزيز، فكلفني الرئيس بالذهاب وحمل رسالة للرئيس العراقي، التقيت المسؤلان ، لكني لم التق بالرئيس، وللأسف لم تتكلل زيارتي بالنجاح . لكن تلك لم تكن الأولى، بل سبقتها واحدة في العام 1968، وأخرى في العام 79 وربما زيارات اخرى، شخصية او رســمية.

كيف تقضي وقتك الآن
ضحك السناتور وديع دده عاليا عندما سألته عن وقته وقال: انت ترى، اني بعمر 94 عاما، ولله الحمد، فأن صحتي جيدة وأعيش مع رفيقة حياتي، أقضي معظم وقتي في مكتبي هذا ( والذي يحوي على صورا تذكارية كثيرة مع الرؤساء والمسؤلين الأمريكان) مع الشهادات التقديرية والكثير من الهدايا والتحفيات، ومكتبة كبيرة عامرة بالكتب. اقرأ بأستمرار وأتابع الأخبار (فالسياسة تجري في عروقنا)، وأحضر العديد من النشاطات السياسية والأجتماعية، ولا ابخل على اي شخص يتصل بي تلفونيا او يزورني، فأن الجزء المكمل لشخصيتي هي مساعدة الآخرين والوقوف الى جنبهم، وأزيدك علما، ففي العام الماضي، حدثت امور في مدينة ساندياغو، حيث القت الشرطة القبض على عصابة سرقة للسيارات وتهريبها  للخارج ومنها للعراق، وصادف ان كان من ضمن العصابة (4 من ابناء الجالية الكلدانية) فما كان من بعض (العنصريين) الا ان يصبوا جام حقدهم وغضبهم على الجالية الكلدانية في ساندياغو، فأنبريت لهم، وذهبت الى مجلس البلدية وتحدثت للمسؤلين، وطالبت بوقف هذا التهجم والأعتذار، اذ ان هذا النفر الضال لا يمثل كل الجالية، التي فيها العمال، ورجل الأعمال، والمهندسين والأطباء والفنانين والمحامين وأناس من جميع ما خلق الله من اختصاصات، فكيف لكم مساوات هذا بذاك. وفي مناسبة اخرى (عن قريب) قدمت محاضرة عن شريعة حمورابي وأبوابها القانونية.
ومن باب الطرفة سألته عن سرعة تحركاته وتنقلاته فقال: بالحقيقة انا لست مثل قبل، فأيام زمان، كنت اذا رميت  (العانة) في الهواء، فقبل وصولها الأرض كنت ستراني في ديترويت، اما اليوم فحركتي ابطء.
خبر من وكالة اسوشيتد بريس عن هذا الموضوع:
 http://news.yahoo.com/photos/retired-california-state-senator-wadie-p-deddeh-defends-photo-220716495.html


غصــّة
سألت السناتور وديع دده ان كان نـادما لأنه غادر العراق وأستوطن امريكا، فقال:لا! وبالحقيقة انا ســعيد جدا لأني اتخذت ذلك القرار، وأقولها لك صراحة (رغم اني لا اضمر اي حقد على اي انسان) لكني لم ولن انسى تلك اللحظة التي حرمت فيها من دخول كلية الحقوق والتخرج كمحامي! كان هذا مضيعة لجهود الشباب، وتميز طائفي وعنصري مقيت. فأية دولة متقدمة تعتمد تلك المعايير في القبول، وهل يرضاها الحاكم على نفسه؟ والشئ الآخر، وانت عرفت جزءا من حياتي، فهل كان سيكون لي في العراق ما حققته في امريكا، اقول لك، ان عدم قبولي في كلية الحقوق مازال لليوم طعمه مرا في فمي! وشئ آخر اقوله للقراء الكرام، ونحن اليوم نعيش هذه الثورة التكنلوجية، فألى اي استنتاج ســـيصل القارئ حينما يقارن بين الدول، ولماذا هناك دولا ناجحة ودولا فاشــلة، وأنا سأقولها لك بصراحة: ان مختصرها هي في التعامل مع الأنسان، وقيمته. هناك دولا ترعى العقول وتطلقها للأبداع، وهناك دولا، تقفل على العقول وتضطهدها وتدمرها وتحرم البشرية من نتاجاتها الأنسانية. ان اكثر ما يحزنني اليوم، هو بقاء هذه العقليات الأقصائية المتخلفة وسيادتها في الكثير من المجتمعات الشرقية، وخاصة في العراق وسوريا ومصر. اما ما جرى ويجري للمسيحين والمكونات الصغيرة الأخرى فحدث ولا حرج ، اذ ما زال البعض يعاملهم وينظر اليهم بالنظرة الدونية، بينما تعميهم الحقائق فيما  وصلت اليه هذه  (الجماعات) من نجاحات وألق في كل دول العالم وأينما حلوا، وفي كل حقول الحياة، التجارية والصناعية والعلمية والثقافية، فمن يا ترى كان على حق، ومن يا ترى كان الفاشل في نظرته ومعاملته للآخر؟
 
عن الجيل الجديد
بالحقيقة، ان كثيرا من المقالات كتبت عنه، ومقابلات جرت له على مدار السنين، وصدر كتاب  حمل عنوان (رحلة الأسـد) تيمنا بأسد بابل، رمز حضارة العراق والكلدان.  الا ان تجربته الشخصية ، ونجاحه في حقل السياسة تظل ملهمة للكثير من بنات وأبناء الجالية العراقية، والكلدانية خاصة، من الذين يرون النجاح ممكنا، طالما تمكن منه السناتور دده، وطالما اقترن ذلك بالعمل الجاد والرغبة الصادقة والدعم، وعلى ذكر كلمة "الدعم" سألته عن رأيه ببعض التجارب التي تكررت للترشح الى المناصب الأدارية في العديد من الولايات فقال: ان هذا يشرفني، ويفرحني كثيرا. فرغم اني كنت اول سناتور عراقي – كلداني، يجري انتخابه لهذا المنصب ولمدة 27 سنة متواصلة، فأن المسيرة يجب ان تستمر وتتواصل وتتطور، وأتمنى ان تكون البذور التي زرعتها سترى النور يوما بصعود بعض ابناء جاليتنا الغالية، ولا يفوتني هنا ان احيي النائب "كلين قسطو" – ابن الكلدان المولود من ابوين عراقيين – وأشد على يده وأحييه على طول صبره وعمله الدؤوب، وأتمنى له كل الموفقية والنجاح في مهمته بمجلس النواب في ولاية مشيكان العزيزة علينا.

وهنا سألته عن افضل الأحزاب (الديمقراطيين ام الجمهوريين) والتي يشجع ابناء الجالية عليها فقال: انا  ديمقراطي ومنحاز الى حزبي بشكل كبير، لكني اقولها لك بصراحة، فأني سأضع كل اعتباراتي الحزبية جانبا في اليوم الذي اسمع بأن احد ابناء جاليتنا يخوض السباق للترشح، وهذا املي بالجالية في ديترويت او شيكاغو او اي مكان تتواجد فيه بكثرة،  نحن بحاجة الى التمثيل السياسي في ادارات الولايات وحتى في الكونغرس، وأنا اتمنى ان نضع (مرة وللأبد جانبا) فكرة العنصرية والمناطقية والقروية، فالمهم بنظري ان يكون عراقيا، والأهم ان يكون كلدانيا (لكثرة عددهم ومصالحهم) وعلينا ان نضع كل قوتنا خلفهم، ان كان واحدا او اثنين . اما ان كان السباق فيه 8 – 10 منافسين عراقيين، عند ذاك يمكن ان نفكر في الأجندات الخاصة، فيما اذا كان جمهوريا ام ديمقراطيا، اما غيرها من الأسباب، فهي لا ترقى الى سبب حقيقي ومقنع، وهذه العقلية هي التي تحرم شبابنا وشاباتنا من النجاح، او ولوج هذا الطريق الطويل (والصعب) ايضا.

العراق، العراق
يقول السناتور وديع دده: لم يكن من حق الولايات المتحدة ضرب العراق وشن الحرب عليه، وأنظر للنتائج الكارثية اليوم، فالبلد محطم، وناسه متعبون ومشردون، فيما الأمريكان دفعوا ثمنا كبيرا ايضا (5 آلاف قتيل من الجيش وما لا يقل عن 36 الف جريح) ناهيك عن الكلفة  التي تقدر بترليون دولار! اني اعلم علم اليقين، بأن هناك صراعا كبيرا يجري بين دول المنطقة على ارض العراق، وكل يدافع عن مصالحه، لكن للأسف، فأن المسيحيين وباقي المكونات الصغيرة سقطوا في الوسط وصاروا يدفعون الثمن الغالي من القتل والتشريد والتغرب، ناهيك عن باقي المكونات ، كل هذا لم يكن ضروريا، ورغم ان الوقت متأخر للأمنيات، لكني اطلب ان يكون هناك سلام وحب وأخـوّة، فالعراق بلد آبائنا وأجدادنا، وهو كبير جدا ويتسع لمحبتنا .

** ولمن يرغب بمشاهدة بعض الأفلام الوثائقية عن السناتور، فيمكنه عن طريق الرابط:
http://www.ankawa.org/vshare/view/4749/dada/

أو من خلال الرابط الثاني:
http://www.ankawa.org/vshare/view/4750/wadie-deddeh/

** اتقدم بشكري الجزيل للصديق الأستاذ عادل بقال ، لأنه كان صاحب الفكرة وعمل على تسهيل المهمة، وللسيد كامل كلشــو، جارنا وأبن محلتنا في عكد النصارى في حقبة الخمسينات.

** شكر خاص للصحفية (امل شموني) لتقريرها الوافي عن السناتور لصالح اذاعة سوا، ولكل من وضع موادا مفيدة في شبكة الويكابيديا – الأنسكلوبيديا الحرة للمعلومات –

** حقيقة انقلها للقراء، فأن للسناتور دده صوتا لا يعكس عمره بالمرة، فهو حماسي ونشط، وذو ديناميكية لا تجدها الا عند الشباب، كما انه فخور ايما فخر بنسبه العراقي – الكلداني، ويرددها بأستمرار( آنه ايون عيراقايا كلدنايا اصلايا)، علما اني اجريت المقابلة معه بللغة الكلدانية (السورث) وقليلا من العربية والأنكليزية. ومن الحديث معه ومع ذكرياته سيترك انطباع عندك، بانه غادر العراق للتو،  وليس قبل 66 عاما.


كمال يلدو
آذار 2014

  


بناية المواصلات  في كاليفورنيا تحمل اسمه


صورة الطرق الخارجية في مدينة ساندياغو بكاليفورنيا


وديع دده صورة حديثة


غلاف السيرة الذاتية رحلة الأسد


غلاف الكتاب  رحلة الأســـد


في لقطة تذكارية مع الملاكم جورج فورمان


مع الرئيس ريغان عنما كان حاكما لولاية كاليفورنيا


مع الرئيس ريغان وزوجته نانسي


مع السناتور ادور كنيدي


مقر بناية هيئة النقل في كاليفورنيا




383
هذه بادرة جميلة من العزيزات في (رابطة المرأة)  بتكريم جهود الأعلاميين  الذين ما بخلوا بوقتهم او قوتهم من اجل نصرة قضايا الشعب العراقي العادلة، و (عنكاوة دوت كوم) وكادرها الأعلامي المتميز يقفون في الصفوف الأمامية من هذه الجموع الطيبة والصافية بمنبعها. تحية للمرأة العراقية الصبورة والمكافحة، وتحية لكل جهد اعلامي مخلص.
كمال يلدو/ ديترويت

384

وعـد صنا:
 أفخر ان اكون اول عراقي يحصل على اعلى شهادة تدريب لكرة القدم في أمريكا


المدرب المتألق الأستاذ وعـد صنـا
    لأنه عشـق كرة القدم الى ابعد الحدود، فلم يروي غليله اللعب في المنتخبات المحلية للجالية العراقية بديترويت، بل دفعه حبّه للكرة نحو تدريب الناشئين والهواة، وقادته هذه المهمة لما سيكون لاحقا نقطة التغير في حياته.  فقد انتهى الى تأسيس مخزنا لكل مستلزمات لعبة "كرة القدم" ابتداءا بالأحذية الخاصة (لابجينات) والملابس (دريسات) والشباك، وأعمدتها والكرات والصفارات وملابس الحكام، ليصبح بعد عدة سنين  بثلاثة فروع تجارية موزعة في اطراف المدينة، ويتربع على عرش "اكبر" موزع للوازم كرة القدم  في ولاية مشيكان الأمريكية، وضمن "خمسة" عمالقة في منطقة  وسط غرب الولايات المتحدة، متذكرا مقولة رائد التجديد والكاتب الأمريكي نابليون هل:"الرغبة هي نقطة البداية في كل الأنجازات، فلا الأمنية ولا الأمل، بل الرغبة الجامحة المليئة بالحرص النابض، هي وحدها القادرة على تغيير كل شئ وجعله ممكنا".

البدايات ومفتاح السر
يصف السيد وعد صنا تلك البدايات بالقول: بعد وصول العائلة للولايات المتحدة اوائل الثمانينات، توجهت للعمل، وفي نفس الوقت سجلت للدراسة في "جامعة اوكلاند يونفيرستي"، اما كرويا فلعبت مع فريق "نادي الشبيبة الكلداني" ثم مع فريق "النادي العراقي"، وبعد فترة قصيرة تقدمت لمهنة التدريب، وفعلا حالفني الحظ بالتعيين لتدريب فريق كرة القدم في "اعدادية نوتردام".  بدأت حينها بالبحث وتهيئة المستلزمات والأدوات الرياضية المرافقة لمهنة التدريب الكروي، فصادفتني بعض العقبات، اذ ان المواد موجودة لكنها موزعة في عدة محلات وهذا بحد ذاته يستغرق وقتا طويلا لوضع الطلبيات ومن ثم استلامها، فلمع في ذهني السؤال القاتل: لماذا لا يوجد محل واحد لكل مستلزمات كرة القدم؟ فكان هذا السؤال مفتاح الســر لما ستكون عليه حياتي لاحقا ولليوم!
بدأت بحثي عن الشركات التي تهتم بمستلزمات كرة القدم – وبالمناسبة فهي ليست اللعبة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة في الولايات المتحدة بل استطيع القول انها الخامسة – وبعد جهد كبير وبحث متواصل توصلت لأهم الشركات الموردة وبدأت حينها بتأسيس محل خاص لبيع مستلزمات كرة القدم سميته ( ساكر وورلد – عالم كرة القدم)، وجرى الأفتتاح في العام 1986، واندفعت اكثر في العمل وأفتتحت الثاني ، ثم الفرع الثالث وأنا سعيد الآن بما توصلت اليه . في هذه الأثناء سألته عن ادارة هذه المحلات وعن حجمها والمناشئ التي يتعامل معها، فرد السيد وعد صنا بالقول: انا سعيد لأن لي عائلة تتفهم طموحاتي وتقف معي، وأذكر هنا زوجتي الغالية (تغريد - تيري) التي تدير احد المحلات، بينما يتفرغ اخي العزيز (رعد) لأدارة المحل الثاني وأنا اعمل في المحل الثالث، وبهذا فأننا نضمن ان تكون الأدارة (عائلية) كما يقولون!

من اهم المناشئ العالمية
اما حجم المحلات ، فهو بالحقيقة يتلائم وحجم المستلزمات الرياضية المتعلقة بكرة القدم وضرورة عرضها وعرض كل ما هو جديد من احذية وكرات وملابس وما الى ذلك، لكنها بالعموم متوسطة الحجم الى كبيرة. اما المناشئ، وهذا ردا على سؤالك: ان الذي يدخل في مضمار التجارة والعمل عليه ان يعمل الشئ الصحيح او ان لا يبدأ به، هذه هي فلسفتي في الحياة. كوني لاعب كروي ومنغمر في التدريب فأني على علم بأهم الشركات التي  تهتم باللوازم الكروية وهي شركة "نايكي" الأمريكية، وشركتا "اديداس" و "بوما" الألمانيتان، ويسعدني ان اقول اني وكيلهم المعتمد في ولاية مشيكان الأمريكية. ولا يدخل محلاتي اي منتوج آخر، لأن الكفأة والمتانة والصدق في عملي هو اساس نجاحي. وطالما كان الحديث عن المناشئ فأود ان اشارك القراء الكرام هذه المعلومة (والكلام مازال للسيد وعد صنا)، ففي احدى المدن الألمانية هناك نهر صغير يشقها، وعلى احد الأطراف تقع شركة "اديداس"، وبالجهة الثانية  تقع شركة "بوما"، وهذان العملاقان يسيطران على بيع المستلزمات الرياضية الكروية في العالم(بأستثناء سوق الولايات المتحدة التي تسيطر علية شركة نايكي)، الطريف في الأمر ، ان "ادي" و " بوما" هما شقيقان كانا قد بدءا مشوارهما التسويقي سوية وثم انفصلا، ورغم ذلك فهما يسيطران على السوق. اما مصدر كلمة "ادي داس" فقد جاءت من الأسم الأول لصاحب المصنع "ادي" و كلمة "داس" هي لقب العائلة، فصار اسم شركته "ادي داس".

الأول في ولاية مشيكان
منذ ان بدأنا العمل في بيع وتسويق كل مستلزمات لعبة كرة القدم من :العوارض، الشباك، الملابس، تخطيط الملاعب، ماكنات طبع الأسماء،الأرقام، اسماء اللاعبين وأسماء الفرق وأنواع الأحذية وأخر موديلاتها، فقد وجدنا الدعم من هذه الشركات وهذا ساعدنا على نيل ثقة المستهلك ، ونتيجة لذلك صرنا نعقد عقود التوريد مع الفرق المحلية، والأندية والمدارس والجامعات وحتى الأشخاص الذين لهم هواية كرة القدم، هذا العمل وفر لنا ارضية زيادة المبيعات، وزيادة ثقة الشركات مما منحنا مركزا كبيرا في سوق المبيعات فصرنا الرقم (1) في بيع مستلزمات لعبة كرة القدم في ولاية مشيكان، وضمن الخمسة الأوائل بالمبيعات في منطقة – وسط غرب – الولايات المتحدة الأمريكية، هذا الأمر يشرفني كعراقي!

وماذا عن التدريب
بعد ان عرفت الكثير عن عمله التجاري اردت ان افهم سـّـر حبه للتدريب ورحلته مع هذه المهنة المتعبة فقال: كما ذكرت فأن اول عمل تدريبي لي كان في العام 1982، بعدها دخلت عدة دورات في التدريب وأستطعت ان احصل على (4) شهادات عليا ، لكن اهم منجز حققته كان في العام 2000، عندما دخلت مسابقة اختيار افضل مدرب، وفعلا فزت بالمرتبة الأولى للمقاطعة الثانية من امريكا (الولايات المتحدة مقسمة في لعبة كرة القدم الى 4 مقاطعات) ثم ترشحت للمسابقة النهائية التي جرت في العاصمة واشنطن، وكنت انا و 3 متسابقين يمثلون المقاطعات الأخرى، وفعلا حققت حلمي بالفوز بالمرتبة الأولى في التحكيم الكروي على عموم الولايات المتحدة في العام 2000 الذي لا انساه، وأصبحت اول عراقي،كلداني يتشرف بهذا المركز، وجرى احتفال رسمي  لتوزيع الجوائز والشهادات التقديرية،  وانهالت علـّي آنذاك عقود العمل مع الفرق، الا اني آثرت البقاء في مدينتي ومع محلاتي التجارية، اذ ان العقود  الكروية كانت ستعني مغادرتي والألتحاق بمدن اخرى. ان احرازي لهذا المركز، وتعلقي الشديد بالتدريب وفر لي فرصة تدريب نادي (ديترويت ارسنال) الأمريكي لكرة القدم ، وهو نادي درجة اولى ويصنف - شبه المحترفين – بين الأعوام 2003 – 2007 ويسعدني ان اقول بأن الفريق حاز على بطولة امريكا (3) مرات خلال الفترة، كما قدم الفريق لاعبين اثنين ضمن تشكيلة المنتخب الوطني الأمريكي لكرة القدم هما (آلكس لالس) و (براين ميزنوف) والذين لعبوا في نهائيات كأس العالم. وسألته بعدها عن اولوياته و فلسفته في التدريب فقال: انا من اشد المعجبين بالمدرسة الكروية الهولندية، والتي تعتمد على اللعب الجماعي اولا، وتركز على التكتيك في لعب الفريق، والتكنيك في اداء اللاعب الفردي ولي في فريق (اياكس) الهولندي خير مثال. اما عن تدريباته الأخرى للفرق فقال: ان مشواري مع التدريب بلغ (25) عاما دربت خلالها فرقا من المدارس الثانوية، ومن الكليات، ومن الأشبال والشباب وشبه المحترفين، ومعهم كان عندي مدربين مختصين باللياقة البدنية، وآخرين للمطاولة والركض، الطبابة والعلاج، رفع الأثقال ومدربين في التغذية ايضا، وكانوا يشكلون وحدة تدريبية متجانسة لكل احتياجات الفريق، وأنا سعيد جدا بما حققته في هذا المشوار.

زوار "عالم كرة القدم"
سألت السيد وعد عن طبيعة الزبائن والزوار وما ان كان بينهم نجوم استطاع التعرف عليهم فقال: يدخل محلاتي هواة ومحترفي اللعبة من كل الأعمار والأجناس، شبابا وشابات، وأحيانا التقي بنجوم رياضية يأتون مع اولادهم وبناتهم او حتى مع كبار رجال الأعمال، انه عالم ساحر، ولا ادري من سيعتلي منصات التتويج يوما، لكني سأكون سعيدا لأنهم كانوا يوما زبائنا لي! ولا يفوتني ان اذكر، بأن من هذه الأبواب كان لي يوما الشرف للألتقاء بالمدرب الرائع المرحوم عمو بابا اثناء مرافقته الوفد العراقي لبطولة كأس العالم وبصحبة حامي الهدف رعد حمودي، ويزورني ايضا اللواعيب العراقين الساكنين في ديترويت ومنهم الأساتذة فلاح حسن، ضرغام الحيدري، ثامر يوسف وآخرين غيرهم ، اعتبرهم اخوة وزملاء اعزاء علي جميعا، وهنا لابد ان اشير الى الأنسان الرائع الذي افتقدناه، اللاعب الدولي الراحل عبد كاظم.

سيرة ذاتية
ينحدر وعد صنا من عائلة ذات ارث وطني كبير، نالت جراء مواقفهاالأنسانية الكثير من الأعتقالات والملاحقة والتوقيف ابان العهود الدكتاتورية، حتى انتهى بهم الحال الى ركوب الهجرة بحثا عن الأمان والأستقرار. لوعد شقيق هو الأخ رعد وشقيقتان هما سلام و وفاء، والدهم السيد جبرائيل صنا رحل منذ اعوام، وتنعم والدتهم الغالية ماكي ربان برفقة العوائل والأحفاد. ولد وعد في بغداد، ودرس الأبتدائية في مدرسة المحاسن، والمتوسطة في ثانوية بغداد وبعدها انتقل الى اعدادية الصناعة. يعمل كثيرا في مساعدة الفرق الناشئة ويقدم التبرعات من احتياجاتهم للمستلزمات الكروية، وبخاصة للفرق الأمريكية وللجاليات الأيطالية والألبانية وللعراقين من الوافدين الجدد، ويقدم للأطفال (الدريسات) لأشهر لاعبي كرة القدم العالميين.
هواياته لكرة القدم دفعته لمشاهدة عدة مباريات لبطولتي كأس العالم التي اقيمتا في المكسيك عام 1986، وفي الولايات المتحدة عام 1994.
من اقرب الفرق العراقية الى قلبه فريق "الطلبة"، اما المدرب الذي أثر على شخصيته وشجعه في هذا المضمار فقد كان الأستاذ "مقداد جرجيس ستو" اللاعب السابق في نادي الزوراء، ومن الفرق العالمية "الأرسنال"، اما المنتخبات الوطنية، "الهولندي"، وأحب لاعبين الى قلبه هما "دياكو مارادونا" و "ميســي".

امنيات
للكرة العراقية، اتمنى ان يهتموا بأجيال الناشئين، والنوادي الرياضية، وتوفير اللوازم الرياضية والساحات بأعلى المواصفات. اتمنى ان يبنى جيل رياضي بعيد عن مشاكل التفرقة والدين، وأن نرجع للعبارة العظيمة مبتدئين بالأطفال:" الرياضة، طاعة وحب وأحترام".
وللعراق: اتمنى ان يسوده السلام، وأن نبتعد عن التفرقة، فكلنا عراقين، وأتمنى ان يقوم جيل يدفن الطائفية للأبد، والعراقي يعيش في بلده مرفوع الراس، وأتمنى ان ارى العراق مرة اخرى، وأن امشي في شوارع بغداد الجميلة بلا رعب او خوف.

كمـال يلدو
 آذار 2014

 

امام منصة البيع داخل المحل


خبر اختيار مدرب العام 2000 كما ظهر في صدر صحيفة هواة كرة القدم الأمريكية


داخل محل التجهيزات الرياضية وفي الخلفية تظهر انواع الأحذية الخاصة بكØ


احد فروع  عالم كرة القدم  للسيد وعد صنـا


الشهادة الفخرية لمدرب العام 2000 بكرة القدم للسيد وعد صنا


الصفحة الأولى من صحيفة هواة كرة القدم وفيها خبر اختيار مدرب العام 2000

385
شكرا لك أخي طلعت على هذا البحث الجميل والممتع. لا اتصور ان هناك نزهة للروح والعقل مثل القرأة، وأنا اشكرك على مجهودك لأنك تجعل منها مهمة اسهل للكثير من القراء الذين لا يملكون ما تملك (( الموهبة - الروح المرحة - النقد - سرعة البديهية - ربط المواضيع - ثم الوقت الوقت الوقت)). اود ان اضيف، بأن  مجمع الآلهة  وخاصة (انليل)كانت قد اتخذت قرارات  سلبية من البشر (بسبب ارتفاع ضوضائها مما يحرم الآلهة وأنليل من نعمة النوم الهادئ) ابتدأت، بتوجيه الرياح والعواصف مرة،  ثم الجفاف مرة اخرى ، وكان الأله (ايا - آلهة  تحب البشر عكس انليل) هي التي تفشل هذه القرارات من اجل بقاء الجنس البشري، لكن ضوضاء البشر تستمر، فيقرر انليل  اغراق البشرية (اضربهم بالكيمياوي - مثل ابو عداي) وهنا يأتي دور الأله (أيا) مرة ثانية ليفشي بالسر الى (اوتونابشتم) . بالحقيقة  ان قصة الطوفان والأساليب المتنوعة التي تناولها الباحثون، ربما تكون حجر الزاوية في فهم العلاقات الأنسانية، و من اهم  الأمور لدراسة (اديان) الشرق الأوسط .  لاشئ أخي طلعت كما تعلم اهم من المعرفة والقرأة والقرأة المستمرة والنقاش الحلو المبني على اساس التعلم والفهم . اهنيك عزيزي ....انت تغني مكتبتنا الألكترونية ..شكرا لك يا محب

386
أدب / رد: ماهي عاصمة بغداد ؟!!
« في: 16:47 06/03/2014  »
كل الأجوبة صحيحة وجميلة....ببساطة، لأنها نابعة من قلب محب ونظيف  غير ملوث بالطائفية والسرقات والمال الحرام....لكني أميل كثيرا لأعتبار المتنبي العاصمة .

387
الأحبة الأعزاء ....الف شكر على هذا النشر والتوثيق. ان فكرة المنحة الدراسية فكرة راقية وتتلائم 100% مع رسالة كل انسان واع ويدرك معنى البحث العلمي والوصول للحقائق. شكرا لكم لأنكم تقومون بعمل عجزت عنه حكومات . آمل ان تساندكم الجالية او مؤسساتها .

388
خواطر على شـرف الذكرى 80: من ينقذ  أغاني الوطن والناس من الضياع؟


الشاعر رياض النعملني


ثلاثون عاما على كراس "اغانـي الطـريق"

حينما يزف نهار الأثنين، الحادي والثلاثين من آذار لهذا العام، تكون قد انقضت 30 عاما منذ ان صدر في مدينة ديترويت الأمريكية كراسا حمل عنوان "اغاني الطريق"، جمعت فيه مجموعة من الأغاني الوطنية والسياسية والتضامنية (بلغت 157 اغنية) والتي كانت متداولة في عهود مختلفة، منها الملكي، والجمهوري، وأخرى في اواسط السبيعنات، ومجموعة مخصصة لمقارعة البعث وأخرى عن حركة الأنصار، اضافة للعديد من الأغاني الأممية المترجمة للعربية. اشرف على الأصدار كل من الأتحاد الديمقراطي العراقي و رابطة الطلبة العراقين، وطبعت منه كمية جيدة جرى توزيعها في المدن الأمريكية والكندية، وأرسلت كميات جيدة للتجمعات الطلابية والشبابية العراقية  في (معظم الدول الأشتراكية) وأنكلترا وأستراليا واليمن ولبنان وسوريا. عبـّر العديد ممن تصفحوه عن تقدير الجهود المبذولة بجمع هذا القدر من الأغاني، فيما قدم الملحنان الكبيران  طالب غالي وحميد البصري ملاحظاتهما عنه. ومازال العديد من الفنانين والموسيقين في بلاد الأغتراب يعتبروه كنزا ثمينا ، يسهّل عليهم مهمة تداول الأغاني الوطنية العراقية.

لماذا الكراس

كانت مدينة ديترويت (والعديد من المدن الأمريكية) تغلي نشاطا مع بداية عقد الثمانينات، اولا بسبب وجود تجمع وطني تقدمي للعراقين، هو الأتحاد الديمقراطي، وثانيا بسبب وجود المنظمات الوطنية الفلسطينية واللبنانية واليمنية ، وثالثا بسبب ارتفاع درجات التحدي لمرتزقة البعث  في بعض المدن الأمريكية، وأمعان البعث بجرائمه تجاه الشعب وقواه الوطنية في العراق. كانت هذه العوامل كافية  لجعل نشاطاتنا تغلي بالروح الوطنية والثورية الوثابة (ومازالت لليوم) ، فكانت تتعالى هتافات وأصوات زملائنا المناضلين من عقود الخمسينات ، فيما كانت مجاميع اخرى تطلق العنان لحناجرها بالغناء لنضالات الوطنين العراقين، مضافا اليها مجموعة الأغاني التضامنية الأممية ان كان مع الشعب الفلسطيني او مع الشعوب المكافحة الأخرى. ســاعدنا بذلك تأسيس فرق موسيقية من فنانين  ينحدرون من عوائل كان لها رصيد نضالي كبير في مقارعة انظمة الأستبداد والبعث من امثال، الفنان ماجد ككا وفرقة بيلز، الفنان عميد اسمرو وفرقة الشمس، الفنان ماجد زنكلو ، والفنانين (توماس) وفرقة الأخوان، اضافة الى فنانين وفنانات كانوا يشاركون في احياء المناسبات الوطنية واللأممية الكثيرة التي كانت تجري العادة على الأحتفال بها مثل (8 آذار عيد المرأة العالمي، 31 آذار تأسيس ربيع الحركة الوطنية، 1 آيار عيد العمال العالمي و 14 تموز ذكرى ثورة الشعب العراقي) ناهيك عن المناسبات الأجتماعية وحتي في زيجات الزملاء ، كانت هذه الأغاني تجد لها مساحة كبيرة من المستمعين،  ففرضت الحاجة نفسها لتسهيل مهمة المستمع (المشارك) والفرق المؤدية لهذا الفن الذي لم يكن منتشرا بكثرة، فجاء الكراس معينا كبيرا لفهم الأغاني وحفظها وتوسيع رقعة تداولها، والحق يقال انه ادى مهمته بنجاح، ورغم  كل هذه السنين التي مضت، فأن العديد من فناني الجالية مازالوا يحتفظون بنسخا منه، وأحيانا يطلبون نسخا جديدة.

تأريخ مجيد
نتيجة لأوضاع العراق السياسية المتقلبة، فأن تأريخ الأغنية السياسية لم تثبت له مرحلة محددة، لكن يمكن افتراض فترة الخمسينات وبالتحديد في السجون التي كانت تغص بالشيوعين واليسارين والوطنين، فنبتت اولى اللبنات لهذا الفن الجديد، اذ ان العراقيين تعودوا على القصائد ، او الهتافات او الأهازيج كما تذكر كتب التأريخ. ومع انبلاج فجر ثورة 14 تموز وظهور المنظمات المهنية للعمل العلني، وأنتشار الأحتفالات الوطنية والشعبية، وتبني الدولة للخط الوطني، فأن اغان جديدة ظهرت في الأذاعة العراقية، وفي اوساط المثقفين والأوساط الشعبية، وصار لهذا  الفن رواده ومردديبه. ومع تبدل الأنظمة، وتباين درجات القمع ، تباينت هذه الأغاني في اسلوب محاكاتها للواقع، على ان اروع ما يسجل للشعراء العمالقة، اتباعهم اسلوب (الرمز) او (الألتفاف بحجة الحبيبة) لمناغاة الشعب او الحزب، فظهرت عشرات الأغاني التي كان حاضرها الحبيب والحبيبة بينما باطنها كان الحزب الشيوعي والشعب، ويمكن ايراد بعض الأمثلة (ليل البنفسج للشاعر مظفر النواب، هوى الناس للشاعر زهير الدجيلي، حاسبينك للشاعر زامل سعيد فتاح،  وأغاني كثيرة غنت من كلمات الشعراء ابو سرحان، كاظم السعدي، عريان السيد خلف، جمعة الحلفي، اسماعيل محمد اسماعيل، زاهد محمد،  رياض النعماني، علي العضب، كريم العراقي والقائمة تطول كثيرا)، ومثلما كانت مهمة الشاعر صعبة، كذلك كانت مهمة الملحنين من امثال (حميد البصري، كوكب حمزة، طارق الشبلي – الذي نتمنى لها المعافاة من مرضه-  طالب غالي، جعفر حسن، كمال السيد، سامي كمال، احمد الخليل وأخرين غيرهم) ، اما مهمة المغني الذي كان يواجه الجمهور والمؤسسات الحكومية  فقد كانت اصعب بكثير نتيجة  تأديتة مثل هذه الأغاني، ويمكن ذكر بعضهم ( فؤاد سالم، شوقية، كوكب حمزة، كمال السيد وسهام حسن وآخرين غيرهم).  لقد سمعنا عن الكثير من الأغاني التي منعت من البث، او المغنين الذين حرموا من الأذاعة والتلفزيون وحوربوا ايضا  بسبب اغانيهم الوطنية او مواقفهم الرافضة لسياسة البعث او الأنظمة الفاسدة، فتحملوا الظروف الصعبة والحرمان على المساومة. لكن يبقى التأريخ شاهدا، بأن ما من حركة سياسية عراقية استطاعت استقطاب، الفنانين والشعراء، والملحنين ، مثلما كانت (ومازالت) متمثلة بالحزب الشيوعي العراقي، او من خلال اصدقائه او حتى من مؤيديه، الذين يعتبرون امناء على الثقافة والفكر الوطني الخلاق.

العصر الذهبي
مازالت فترة السبعينات تشكل اكبر انعطافة في صعود نجم الأغنية (الوطنية) العراقية متمثلة بأوبريت (المطرقة) و (بيادر خير- الحان طالب غالي)، والحان كوكب حمزة، وبروز فرقة جعفر حسن (الرواد) ثم (بيلز في السبعينات) ، وأقامة المهرجان الأول للأغنية السياسية، ناهيك عن المد الجماهيري الكبير وحملات التضامن الأممية والعربية، مع تزايد نشاط المنظمات المهنية الوطنية (اتحاد الطلبة، اتحاد الشبيبة و رابطة المرأة) التي كانت مدارسا نضالية ومختبرات لصقل مواهب الشبيبة من خلال الأماسي البيتية او السفرات.
ولأن ظاهرة مثل هذه تمكنت من استقطاب الشباب والشابات، لم ترق للنظام البائد، فقد حوربت وحورب الفنانين والملحنين والشعراء، ومنعوا من دخول الأذاعة والتلفزيون، حتى توج الأرهاب مداه في الأعوام 78-79-1980، مما دفع العديد من الفنانين والملحنين والشعراء لمغادرة الوطن بحثا عن الأمان، على ان الروح الوطنية الوثابة والظروف الجديدة  دفعت بالعديد الى اعادة تكوين تلك الفرق من جديد. فنشطت فرقة "الطريق" في اليمن، فيما كانت دمشق وبيروت مسرحا للعديد من المحاولات الجادة اما لتشكيل الفرق، او طرح الأغاني الجادة من جديد، وأستمر هذا المد وصولا للألتحاق بحركة الأنصار، والتغني بتضحياتهم وكفاحهم.
لكن بأنتهاء عقد الثمانينات، خفتت جذوة الغناء السياسي، ودخلت مرحلة سبات طويلة امتدت حتى اليوم، الا فيما ندر من محاولات فردية غنت للوطن، والتي لم تجد لها مناخا صحيا للأنتشار، اما بسبب بساطة الآلات الموسيقية، او رداءة التسجيل والتصوير، او بسبب القصور في فهم دور (التسويق) والنشر عبر المواقع الألكترونية وشبكات التواصل الأجتماعي، فبقت حبيسة تلك المناسبات فقط.

حتى نسد الطريق على اعداء الفرح
يقف العراق اليوم، ونقف نحن  معه على اعتاب واحدة من اخطر مراحله السياسية والثقافية والفكرية والأجتماعية متمثلة  في الخراب الذي حل بالبلد نتيجة استبداد واستهتار النظام البائد، وتخبط المسؤلين في النظام الجديد، وموقفهم السلبي،ان لم يكن المعادي – للثقافة الوطنية العابرة للطائفية او ضيق الأفق القومي، فجاءت مشاريعهم الثقافية عبر الوزارة، او عبر شبكة الأعلام لعراقي، هزيلة وناقصة وموسمية وبلا اي افق وطني.
ففي هذا المشهد البائس، والمخيب للآمال، والباعث على التشائم، تبرز الحاجة لتوجيه النداء الى المثقفين، والمعنين، والى "الحزب الشيوعي العراقي"، خاصة وأن التحضيرات قائمة على قدم وساق للأحتفال بالذكرى اليوبيلية الثمانين لتأسيسه ، ليتحمل مسؤلياته التأريخية في الحفاظ على هذا النوع من الغناء (السياسي – الوطني) مثلما كان حاضنا للمثقفين والشعراء والكتاب والموسيقين والرسامين والمسرحين والملحنين ، على مر تأريخه المجيد، برغم كل جراحه، ومحاربة الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة له.

هذه مسؤليتكم، آمل ان ترتقوا بها

ان هناك مسؤلية تأريخية تطرح نفسها اليوم في ظل (انعدام ) الدعم الحكومي الرسمي، وتفشـي حالة الفوضى الثقافية، خاصة في مجال الغناء، الذي انحدر مستواه درجات كبيرة. هذه المسؤلية تتحتم في حماية الثروة الثقافية العراقية من التبعثر، وفي حماية النتاجات الأنسانية للشعراء ، والملحنين، والفنانين الذين ينيرون ظلمات هذا العالم بأبداعاتهم الباعثة على الأمل . ولأن هناك تقصيرا صار واضحا وجليا للكل،  يصبح الوقوف منه موقف المتفرج ، لا يقل ضررا عن موقف المسؤلين والمعنين، من هنا لابد من طرح خطة بديلة،  ترتكز على عمل  نظامي ومهني وبصبر دؤوب وخطة عمل مدروسة ولفترة طويلة قد تمتد لسنة او سنتان او اكثر، وحتى لا تكون مثل هذه المشاريع ناتجة عن ردة فعل عاطفية طارئة او ان تكون بصيغة مبادرة او تكليف شخصي، فأن الحاجة (والتجربة) تدعو لتشكيل لجنة، توضع لها خطة ويرصد لها المال الكافي ويزج فيها كادر متخصص تكون مهمتها  على مراحل تبدأ بجمع الأغاني الوطنية العراقية على مدى 50 او 60 سنة خلت او حتى اكثر، وأرشفة شعرائها وكلماتها، وكتابة الحانها وتثبيت اسماء الملحنين، تهيئة الظروف لأعادة غنائها وتصويرها تصويرا محترفا، وطرحا للسوق اضافة الى نشرها في شبكات التواصل الأجتماعي واليوتوب، ويترافق ذلك مع اطلاق موقع الكتروني يضم كل هذه النتاجات الغنائية والألحان والكلمات من اجل تسهيل ايصالها الى كل اركان العالم، وحيث يتواجد عشاق هذا الفن الأنساني. ويمكن الأستدلال بتجربة الأخوة في (المقام العراقي)  حيث طرحوا خير نموذج وأفضل مثال في العمل الكبير الذي قاموا به، من خلال ارشفة المقام والمغنين والكلمات والألحان ومزجها بنماذج من الغناء.
  هذا العمل هو وحده الذي سيساهم بعدم ضياع هذا الأرث الثقافي المهم. وبغية تفادي اية اشكلات آمل ان يؤخذ بنظر الأعتبار، في حالة اختيار المكان ، سهولة توفر الأجهزة الألكترونية  وسهولة صيانتها، توفر الكادر والطاقة الكهربائية والأمان وسهولة التحرك ، اما بالنسبة للتواصل، فأن شبكة الأنترنيت كفيلة بربط الناس ببعضها البعض ايا كانت المسافات . وعندما ينطلق هذا المشروع ويرى النور، يمكن توجيه الدعوة والأستعانة بالكثير من الوجوه المعروفة في شبكة (اليوتوب) والتي تقوم بعمل وطني كبير في المحافظة على الغناء والتراث العراقي من الضياع، اضافة للموقع المتميز – حسام العراق- الذي يملك آرشيفا كبيرا بالفنانين العراقين.

من هم الأجدر منكم
نعم، هناك اغاني فذة، وشعراء رائعين وملحنين ابدعوا وفنانين كبار غنوا للوطن، للأنسان وللعراق والأرض، غنوا للسلام والتعايش والمحبة. غنوا اغانيهم بالعربية والكردية والسريانية والتركمانية، فهذه امانة وعلينا ان نجازيهم بالوفاء، فمثلما استمتعنا بنتاجاتهم الحلوة على مدى عقود من السنين، آمل ان نكون بمستوى المسؤلية لأنجاح هذه المبادرة، التي اتصور انها ستكون ملهما حتى لجيل الفنانين  والشعراء والملحنين الشباب، الذين حرمتهم انظمة التخلف والقهر من الأغتراف من منهل الغناء الوطني الصافي.
 فاذا كان المشهد كما ترونه  وتعيشونه  كل يوم، وإن لم يتحمل الوطنيون  والشيوعيون وأصدقائهم هذه المسؤلية.......فمن يا ترى جدير بتحملها!

العيد على الأبواب، وسيكون جميلا لو وضعنا  الأساس لمشروع  وطني كبير ومسؤل مثل هذا، ولابأس ان يكون كراس "اغاني الطريق" لبنتة الأولى.
** ملاحظة: قد اكون عن طريق الخطأ، قد نسيت اسما او اسماءا من الشعراء او الملحنين او المغنين، او قد اكون قدمت احدهم على الآخر، اعذروني ايها الأحبة، فهذا ليس قصدي ابدا ابدا. ان قصدي هو الدعوة للحفاظ على غنائنا الوطني، وعند ذاك، وعند ذاك فقط، سوف لن ننسى ايا من القامات والناس الرائعين الذين اطربونا بشعرهم، او بلحنهم ام بغنائهم طوال هذه السنين – الجميلة- والعجاف.

كمال يلدو
شباط 2014




اغاني الطريق الغلاف الأول


اغاني الوطن والناس


الشاعر زامل سعيد فتاح


الراحل الفنان فؤاد سالم


الفنان الملحن سامي كمال


الشاعر علي العضب


الفنان الملحن كمال السيد


الموسيقار حميد البصري والفنانة شوقية


الملحن الفنان جعفر حسن


الملحن الفنان كوكب حمزة


الملحن طالب غالي

389
الف شكر لك اخي الكريم انطوان،اولا على متابعاتك المتواصلة وثانيا على تشجيعك مثل هذا العمل الذي يخدم جاليتنا الكريمة دون شك. وطالما كنت من المتابعين لنشاطات الجالية فحتما ستعرف بأن للدكتور يعكوب بصمته المتميزة، ولهذا فهو يستحق الشكر والتقدير والتثمين، وصدقني ان كل كلمة طيبة تقال من ابناء جاليتنا تعادل الف كلمة (مزورة) تخرج من فم مسؤل حكومي تلطخت اياديه بالمال الحرام والتزوير وتفتيت العراق الى طوائف. مثقفينا ومبدعينا يستحقون التكريم، وآمل ان ترتقي مؤسسات الجالية لتصل المستوى الذي يليق بنا,مع المحبة لك ولكل الأعزاء والعزيزات الذين يقرأون الموضوع.

390

د. يعكوب منصور: بصمـة متميزة في المهرجان العربي الكلداني بديترويت


الطبل والزرنا كان حاضرا للفرح


  " في العام 1981 كلفت من قبل الأتحاد الديمقراطي العراقي لأكون ممثلا له في الهيئة الأدارية للمهرجان العربي بمدينة ديترويت، ثم رئيسا للأعوام 89، 94 ،95 و1996" يقول د. يعكوب منصور "ولم احسب ابدا بأن هذا الأنتداب قد يطول لكل هذه السنين ولغاية اليوم".  يقام المهرجان سنويا في منطقة (الهارت بلازا) بمركز مدينة ديترويت ومطلا على نهرها الجميل ومحاطا بعماراتها الشاهقة، وقد سمي منذ العام 2000 بالمهرجان العربي الكلداني ، ويستقطب الآف الزوار الذين يأتون من كل اطراف المدينة للمشاركة او لمشاهدة عروض الأزياء والحفلات الغنائية والرقص الفلكلوري او لتناول الأطعمة الشرقية على مدى يومين عادة ما تكون في اواخر شهر تموز من كل عام.

كيف كانت البداية
سألت د. يعكوب الذي يتبوء مركز رئيس الهيئة الأدارية، عن بدايات هذا المهرجان فقال: دأبت بلدية ديترويت الى تشجيع ممثلي المكونات القومية التي تحتفي ديترويت بهم، لأقامة مهرجانات فلكلورية وشعبية في هذه المنطقة السياحية من ديترويت، مستثمرين واجهة النهر وأشهر الصيف الثلاث لتعزيز الأواصر بين ثقافات الشعوب، وقد تقدم في العام 1972 مجموعة من الطلبة العرب الدارسين هنا بطلب القيام ب "المهرجان العربي" وقد جرت الموافقة علىالطلب. ويواصل د.يعكوب قائلا: في تلك السنين لم يكن لجاليتنا العراقية/الكلدانية  حجما كبيرا ولا حتى تمثيلا ملموسا في المنظمات، بل التمثيل اكثر كان للمنظمات الفلسطينية واللبنانية واليمنية، وأبتداءا منذ العام 1980 عام تأسيس الأتحاد الديمقراطي العراقي، صار لنا وللكثير من المؤسسات العراقية حضورا كبيرافي المهرجان وفعالياته المختلفة.

ماذا تقدمون في المهرجان
تشترك في المهرجان على صعيد التهيئة حوالي 20-30 جمعية ومنظمة وهيئة، تقدم كل منها مساهماتها ومشاركاتها لأنجاح فعاليات المهرجان التي تبداء عادة بحفل الأفتتاح الخطابي والذي تشترك فيه كبار الشخصيات الرسمية المهمة في بلدية ديترويت ومن مؤازري المهرجان وممثلي الجمعيات، ثم يليه انطلاقة الفعاليات والأغاني ليومين كاملين وتتضمن عادة الغناء الذي يقدمه اما فنانون منفردون او فرق جماعية، مع فرق للرقصات الشعبية والدبكات، معرضا فنيا للوحات تصور الحياة في الدول العربية، ومعرضا للتحفيات والملابس الفلكورية هذا اضافة الى العديد من الأكشاك التي تقدم الأطعمة العربية والكلدانية او تبيع التحفيات والهدايا.

بماذا يتميز هذا المهرجان
لاشك بأن مهرجانا كبيرا يقام في مركز مدينة ديترويت يشكل حدثا سياحيا وأقتصاديا مهما للمدينة يقول د.يعكوب، فمن الناحية السياسية يزوره رئيس بلدية ديترويت وبعض المسؤلين فيها، وقادة الشرطة والحكام، كما يحضر حفل الأفتتاح ممثلي القنصليات العربية في المدينة، العراقي والأردني واللبناني والسوري واليمني، ومسؤلي المنظمات العربية  وممثلي الشركات الراعية للمهرجان، كما نقوم سنويا بأستضافة احد كبار الفنانين، من امثال المرحوم فؤاد سالم، جعفر حسن، سعدون جابر، محمود انور، اسماعيل الفروجي وحسام الرسام، كما ساهم مسرح المهرجان بأستضافة  وأبرازعشرات الفرق والفنانين العراقين والعرب (المحلين) الذين صاروا نجوما بمرور الأيام من امثال، ماجد ككا، عميد أسمرو، ماجد زنكلو، جوليانا جندو، رعد بركات، رعد كيزي، كريم البياتي، الياس حداد، خيري بوداغ، علي بردى، رنا ونعيم، محمد الأتات، سوسن نيجر، عمر جربوع، وفرق فرسان العرب وليالينا للرقص الشعبي وأسماء كثيرة لامعىة. ان مجمل عملنا يهدف  للحفاظ على الهوية الثقافية التي تتميز بها الشعوب العربية، مع ابناء المكون الكلداني في هذه المدينة، وأبراز المواهب، وخلق فرص للتواصل الأجتماعي والأنساني وقضاء اجمل الأوقات وأستكشاف مدينة ديترويت.

الكلف والأرباح
تعتبر الهيئة المشرفة على المهرجان هيئة غير ربحية وأساس العمل بها  طوعي، وتقدم كل جهة مشاركة او مستأجرة مبلغا من المال يستخدم لتغطية (ايجار) الموقع من بلدية ديترويت، ولدفع اجور الحمايات والسهر على سلامة وأمان الزوار، وفي نهاية المهرجان توزع بعض الأرباح (ان كانت موجودة) على المشاركين فيما يبقى جزء آخر بعهدة الهيئة المشرفة لتغطية النفقات للأعوام القادمة. تبلغ تكاليف المهرجان السنوية حوالي (80 الف دولار) تأتي معظمها من الشركات والمؤسسات الكبرى الراعية للمهرجان، والتي تستفيد من فرص الدعاية .

هل تؤثر المهرجانات الأخرى عليكم
توجهت بهذا السؤال الى د.يعكوب للأستفسار منه عقب انخفاض مستوى المشاركة في المهرجان العربي الكلداني فقال: قبل الأجابة عليك اود ان اعود بالقارئ الكريم قليلا الى الوراء حينما كانت الجالية متمركزة في منطقتان رئيسيتان عشية دخول عقد السبعينات من القرن المنصرم، ديترويت ومنطقة ديكس، اما اليوم فقد تضاعف عدد ابناء الجالية اضعافا وأضعاف، فتوسعت رقعة سكنها، وتعددت مدنها غربا وشرقا وشمالا، وصار مركز المدينة بعيدا نسبيا عليها، لهذا لجأت العديد من التجمعات الى اقامت مهرجاناتها الخاصة بها، ومن جانبي فأني سعيد لهذه النشاطات، فهي تساهم بأذكاء الديناميكية في جاليالتنا وتبرز العديد من المواهب والقابليات، لكن تبقى هذه المهرجانات ((محلية)) بكل ما للتسمية من معنى، ويبقى مهرجان (ديترويت) العربي الكلداني حاملا لأرث كبير ووزن سياسي اكبر. وأنا ادعو ابناء  وبنات جاليتنا الغالية الى المساهمة بالكل، ودعم مهرجاننا الكبير لما فيه من دعاية مهمة لتعزيز وزن جاليتنا وسط المكونات القومية والأثنية الأخرى التي تزدان بها مدينتنا الحلوة. لقد تجاوز مجموع الحضور في عقود السبعينات والثمانينات ال 100 ألف زائر آنذاك، اما اليوم فأنهم يعدون بالآلاف، ونعمل كل ما بوسعنا لتسهيل وتشجيع المشاركة، وقد يلعب الطقس احيانا دورا اساسيا بذلك، ناهيك عن نجوم المهرجان!

سيرة ذاتية
ولد د.يعكوب منصور في مدينة (باقوفا) التابعة لمحافظة نينوى، انتقلت عائلته لبغداد عند طفولته، ودرس الأبتدائية في مدرسة العوينة ، ثم متوسطة الرصافة وبعدها الى اعدادية النضال التي لم يكملها، حيث فصل في العام 63 من قبل زمرة الحرس القومي، مما اضطره للألتحاق بالحركة المسلحة في شمال العراق برفقة القادة الميامين توما توماس  وملك جركو، حتى العام 65 حينما استفاد من العفو وعاد لبغداد حيث اكمل الدراسة في ثانوية المأمون. سافر بعدها الى جيكوسلوفاكيا للدراسة، فأختار كلية الطب في مدينة "براتسلافا" عاصمة سلوفاكيا الآن. بعد تخرجه ،عمل لفترة قصيرة ثم هاجر الى الولايات المتحدة العام 76، اذ عمل مع مجموعة من الجراحين في اختصاص جراحة التجميل، وقد وصل اخيرا الى مرحلة التقاعد. في اوربا كان نشطا في "جمعية الطلبة العراقين" وفي الولايات المتحدة عمل في الكثير من المنظمات والجمعيات  التقدمية العربية، وكان من مؤسسي الأتحاد الديمقراطي العراقي ومازال نشطا ويحضرفعالياته لليوم. يهوى كرة القدم، ويمارسها بين الحين والحين، ترأس مؤسسة "الأتحاد الكلداني" للأعوام 96-2000 ويفخر ان في فترته كان الأتحاد الآشوري العالمي قد نظم سفرة الى ايران، وشارك في الوفد، اذ التقوا الرئيس الأيراني، وقدموا له طلبا رسميا بأطلاق سراح العديد من الأسرى العراقين (الذين وردت اسمائهم من عوائلهم الساكنة  بديترويت) ومن حسن الحظ، فقد اطلق سراح (22) اسيرا بعد حوالي اسبوعين من انتهاء السفرة.

أخيرا
لمن يعرف د.يعكوب، او لمن عمل معه، يعلم جيدا بأنه انسان جاد ويرغب دائما بأكمال المهام الموكلة له، وهو يصف عمله في المهرجان العربي الكلداني "بالمفخرة" رغم متاعبه الكثيرة، لكن يبقى بالنسبة له مهمة "وطنية نبيلة" تهدف الى شئ انساني كبير للثلاثين سنة التي خلت. ويضيف د.يعكوب: ان حجم العمل الذي نقدمه ودقة تنظيمه وحرصنا الشديد على انجاحه، دفع بلدية ديترويت والشركات الراعية والكثير من المؤسسات المعنية بتراث الشعوب والصحافة والأعلام الى تكريمنا بالألواح التقديرية سنويا، وهذا بقدر ما نعتز به فأنه يدفعنا للعمل اكثر وتقديم الأفضل.
 اما عندما سألته عن العراق اليوم، قال بعد تنهيدة عميقة: كنا نتمنى الخير للعراق بعد سقوط الدكتاتورية، لكن الأحتلال اساء له،  وساهم بتمزيق العراق عبر الطائفية والحكومات والقادة الفاسدين والمحاصصة، كما قال: "ما يهمني بصفتي  انسان علماني، ان احيّ اي جهد ينصب في اتجاه توحيد شعبنا العراقي، وقواه المدنية الوطنية، حيث آمل ان يتحقق الأنجاز والنجاح في القريب العاجل".

كمال يلدو
شباط 20014
 


الفنان ماجد زنكلو في احد المهرجانات


الهارت بلازا ترحب بكم


بعض المعروضات الفلكلورية من سوريا والفسيفساء


جانب من احد العروض في المهرجان العربي (2)


جانب من حضور المهرجان


جانب من عرض الأزياء الفلكلورية العراقية (1)


جانب من عرض الأزياء الفلكلورية العراقية (2)


جانب من عرض الزي الشعبي


صورة من الجو لموقع المهرجان عام 1981


في كاليري المهرجان مع احد الضيوف


بعض من الجوائز التقديرية


بورتريت د_edited-1


بوستر المهرجان للعام 2001


بوستر المهرجان من العام 1995


جانب من الهارت بلازا والنافورة المشهورة


دليل المهرجان للعام 2013

391
تحية طيبة
اكتب هــذا الأيميل بالنيابة، وبأسم الأستاذ باسل بقال المحترم:
لقد كانت مناسبة جميلة، وفرصة اجمل ، ان اطل على القراء الكرام، بمشروعي الأنساني "تبني عائلة لاجئة" من خلال موقع عينكاوة الرائع، وأن تكون لي الفرصة للوصول الى مئات القارئات والقراء الكرام، وأن اقراء كلماتهم وملاحظاتهم وتعليقاتهم، التي تهمني وتهم اللجنة الطوعية العاملة في البرنامج. انا فخور بكم، وأشكركم ، وأشكر محبتكم، وكل الكلام الطيب الذي قلتوه بحق هذا البرنامج الأنساني. وبهذه المناسبة العزيزة، ادعوكم لدعم البرنامج، ادعوكم لمساعدة عوائلنا التي تقطعت بها السبل وصارت حياتها اصعب مع تعقد الأوضاع في سوريا، اتمنى ان تقوموا انتم بتبني عائلة لاجئة من خلال تقديم مبلغ (100 دولار شهريا) اما ان كان ذلك صعبا عليكم، اتمنى ايصال هذا النداء للأحبة المتمكنين. وتذكروا دائما روعة العطاء والتقديم للمحتاج. اتقدم بشكري انا، وكل الأخوات والأخوة العاملين معنا في انجاح برنامج تبني عائلة لاجئة، بالحب والتقدير الى:
1) الأخوات والأخوة الأعزاء في موقع عينكاوة دوت كوم
2)السيد ميخائيل
3)السيد منصور صادق يوسف عجمايا- ملبورن ،استراليا
4)الياس متي منصور
5)خالد توما - كاليفورنيا
6)حبيب حنونا -مشيكان
7)بطرس آدم - تورنتو / كندا
8) طلعت ميشو
9)زيد ميشو
10) فوزي دلي

392
شكرا جزيلا أخي الغالي فوزي دلي على كلامك الرصين والجميل. ومثلما تفضلت، فأن مبادرة الأخ باسل بقال الأنسانية تضاف الى الرصيد الأنساني العالي لجاليتنا العزيزة التي يضرب بها المثل في تضامنها وتآلفها ومساعداتها رغم الظروف الأقتصادية الصعبة التي عصفت بالكثيرين، لكن  كما ذكر الأخ باسل "المعطي مسرور". ومثلما يخدم باسل ابناء شعبنا العراقي بكل اطيافه وأديانه، فأنتم عزيزي فوزي في (الأذاعة الكلدانية) لا تدخرون جهدا في عمل الخير للعراقين وللكلدان ولكل الجالية الكريمة. اني اتصور ان سمة الأنسانية سترتفع عاليا بمبدأ "البقاء للأفضل" وأتمنى ان يتسابق كل ابناء وبنات الجالية ومنظماتها ومؤسساتها في عمل الخير، وبهذا يمكن ان نحقق جزء من انسانيتنا وآدميتنا التي  حرم الكثيرين منها ومن تطبيقها في ظل الأنظمة القمعية والطائفية التي حرقت الأخضر واليابس في وطننا الغالي، وليس المسيحين او الكلدان فقط. محبتي لك وألف شكر لجهودك الشخصية النبيلة، واخص منهم زملائي وأخوتي وأخواتي في اذاعتكم المؤقرة.

393
الف شكر لك صديقي العزيز زيد ميشو، وكلامك الجميل يضيف الوانا جميلة للمقال ولسيرة السيد باسل بقال.  لقد وعدتك بالمزيد، وسأفي بوعدي، فجاليتنا الجميلة مليئة بالجواهر التي تنتظر منا ان نفخر  ونزهو بها.

394
شكر وأمتنان لك عزيزي طلعت، نعم اصبت بالقول انهم (الأخوة بقال) اناس طيبون ميالون للمساعدة، ولأننا بصدد الحديث عن المساعدات ترن في اذني دائما الكلمة الشائعة بيننا (بأن اليهود يساعدون بعضهم بعضا) وعندمل ندقق بالأمر نلتمس حجم الطائفة اليهودية السياسي والأقتصادي لأنهم يقفون مع بعضهم البعض. هذه ليست امنية طوباوية بل امنيةاتلمس بذور تحقيقها على يد ابنائنا وبناتنا من الجيل الجديد، الجيل (النظيف) والخالي من العقد التأريخية والأمراض الفكرية والعقائدية التي اتت معنا او اتينا بها من العراق. مازال بعض الأخوة يتجادلون ان كانت البيضة من الدجاجة ام الدجاجة من البيضة، وأنا اصيح، انتبهوا للمبدعين في جاليتنا، احتضنوهم وأحتفوا بهم، وألآخر ينادي لا البيضة من الدجاجة! تحية لكلماتك الجميلة

395
شكرا اساتذتي الأعزاء، خالد توما، حبيب حنونا و بطرس آدم. مروركم الكريم، وعبق زهوركم في الموضوع وتعليقاتكم تضفي القا على المقالة وتشيع المحبة فـّي. اشكركم، وأشكر الأستاذ الفاضل باسل بقال الذي منحني فرصة تقديمه للناس. هو وكل العاملين والعاملات معه يستحقون الأحترام والمحبة، مضافا عليهم كل ابناء جاليتنا الغالية الذين لم يبخلوا في مساعدة الآخرين، حتى وأن لم يعرفوهم، لكن المهم هي انسانيتهم. شكري الفائق لكم،ولعينكاوة الحبيبة التي تلمنا

396
الف شكر لمتابعاتك الدائمة وتعليقاتك الجميلة أخي برديصان ، انها محبتكم هي التي تزيد الألق القا...وهي التي تمنحنا الأمل بأن اناسا طيبين وأخيار موجودين بيننا نأمل ان نحتفي بهم دائما.

397
الأخوة الكرام MIKHAEL  وناصر عجمايا و الياس منصور، الف شكر لمروركم الكريم على الموضوع وترككم هذا العبق من طيبكم. نعم كما قال احدهم ((اذا خليت قلبت)) لكن تجربة السيد باسل بقال تعيد للأذهان الطاقة الكامنة لدى ناسنا الطيبين وحجمها، الذي يفوق حجم -دولا- ان صح التعبير . عمل الخير والعمل الأنساني مطلوب، وكل  منا قادر ان يصنع التغيير . شكرا لمحبتكم وللأحبة في (عينكاوة دوت كوم) .

398


السيد باسل بقّال: برنامجنا قـّدم 3,3 مليون دولار مساعدات للاجئين العراقين



  كانت الصدفة وحدها هي التي قادت السيد "باسل بقّال" للشروع بدعوة ابناء وبنات الجالية العراقية في ديترويت، لمساعدة اللاجئين العراقين الذين فروا  الى دول الجوار، نتيجة الحرب الطائفية وأستهداف المكونات الدينية الصغيرة، وتردد السلطات المعنية بتوفير الأمن والأمان للمواطنين. الدعوة كانت لتأسيس صندوف اعانة، او مشروع اعانة بأسم "تبني عائلة لاجئة"، ومنذ ذلك الحين والمشروع مستمر ومتواصل ويلقى دعما طيبا من ابناء الجالية العراقية، فيما اليد الأخرى تمتد لتساعد المحتاجين الذين تقطعت بهم السبل عقب فرارهم من العراق.

الشرارة
يقول السيد بقال في معرض ذكرياته: في احدى ليالي شتاء 2006 وبينما كنت اتابع الأخبار في  احدى المحطات الأمريكية الرئيسية وأذا بهم يقدموا تقريرا مصورا عن حال (بعض) اللاجئات العراقيات في سوريا، وكيف ان الحاجة والعوز وعصابات الأتجار بالبشر قد دفعتهم لتأدية اعمال لا تليق بكرامة الأنسان. بالحقيقة، راعني هذا الفلم، وفجّر بداخلي بركان غضب على ما آلت اليه اوضاع وطني الغالي وناسه الطيبين بعد الأحتلال البغيض، والسياسين الفاشلين. قررت بعدها بفترة قصيرة التوجه للشرق الأوسط  حيث يتواجد هؤلاء اللاجئين (سوريا والأردن) والوقوف على حقيقة الأمور وحجمها.  ساعدتني في تسهيل مهمة الأتصال بالناس مشكورة كنيستنا الكلدانية والآباء اليسوعين في كلا البلدان. زرت العوائل، والتقيت بالكثير منهم، وأستمعت الى قصصا مروعة عن معاناتهم خاصة وأن اغلبهم قد غادر البلاد دون ان تمنح له اية فرصة للملمة اوضاعه، ناهيك عن انه لا يسمح لهم بالعمل  في تلك الدول، والدولة العراقية لاتتدخل ولا تريد المساعدة، فما العمل؟

البدايات
عدت للولايات المتحدة، وأتصلت ببعض الأصدقاء، بعد ان تولدت عندي قناعة تامة بضرورة عمل شئ ما، اي شئ، لمساعدة هؤلاء الناس قبل ان ينحدروا اكثر نحو العمل اللاانساني. نضجت الفكرة في مشروع "تبني عائلة لاجئة" والذي يقوم على اساس مرن وبسيط وشفاف: تقوم عائلة في المهجر ، بتبني (اسميا) عائلة لاجئة في سوريا او الأردن، عبر ارسال مبلغ مالي محدد شهريا(ما بين 100-125 دولار). وكان من حسن حظي، وحظهم ايضا، ان وجد النداء آذانا صاغية لدى الجالية ، فأندفع الكثيرين للتبرع وتبني اكثر من عائلة، وكذا الأمر في العمل الطوعي وطرق الأبواب والحديث المباشر للناس او فتح طاولات للتعريف بالبرنامج حيثما كانت هناك نشاطات لمؤسسات الجالية.

كيف يجري اختيار العوائل
سألت السيد باسل بقّال عن آلية اختيار العوائل، خاصة ونحن نتحدث عن آلاف العوائل التي اضطرت للهرب من العراق فقال: بالحقيقة هذا الأمر كان غاية في الصعوبة، خاصة وكوننا نحن نعيش هنا في الولايات المتحدة، والمصيبة قائمة في الشرق الأوسط، وليس لنا اية علاقة او تنسيق مع الجهات الحكومية العراقية او الأممية. لكن والحق اقول، ان هناك اشخاص وأسماء سأظل اتذكرها ما حييت، نتيجة لعملها الكبير ووفائها وصدقها وجهاديتها، تلك المجموعة من الشابات والشبان والكهنة الذين ساعدونا بفرز العوائل وترتيب وسائل توصيل الأموال لهم. وأقترحنا ان تكون اكثر العوائل تعففا، اما من حيث كثرة عدد الأطفال، او كثرة عدد كبار السن  او النساء، وأخيرا ان كانت عندهم حالات مرضية. وفعلا كان جرد هذه العوائل اكثر بكثير مما استطعنا توفيره،  فقمنا بالعمل أكثر بأمل ان تزداد اعداد المتبرعين تباعا.

ايصال المعونات
عن هذا الأمر المهم والحساس يشرح السيد بقال: من جهتنا هنا،  فتحنا حسابا مصرفيا بالمشروع، وحصلنا على اذن رسمي وأسم  تجاري وعنوان. اما في تلك الدول (سوريا والأردن) فقد تمكن اصدقائنا من وضع العديد من البيانات بالعوائل وأسمائها وأعمارهم وما الى ذلك، فجرى بعدها اشعار المتبرع هنا بأسم العائلة التي سيتبناها مع تقديم البيانات له (لغرض الطمأنة الشخصية) وذات الشئ مع العائلة هناك، لابل ذهبنا ابعد وأوجدنا صلات للتواصل الألكتروني او التلفوني او حتى البريدي مابين العائلتين، مما ساعدنا كثيرا في توطيد اواصر الصلات مع اناس لم يكونوا يعرفوا احدهم الآخروالآن صاروا شركاء في الأنسانية. وكانت المعونات تصل للعوائل شهريا، وتسلم باليد مصحوبة بأمضاء على وصل الأستلام الذي يصل الينا هنا والى الشخص المتبرع.

كم كنتم تستقطعون
اشكرك على هذا السؤال المهم، يجيب السيد باسل بقال ويقول: لا توجد دولة في العالم يمارس فيها العمل الأنساني او التبرعات او جمع الأموال للعمل الخيري مثل الولايات المتحدة، ولا يوجد ايضا حجم في "الحيل" والضحك على الناس مثل ما موجود هنا، لهذا كان طريقنا صعبا في البداية وتطّلب (ومايزال) تضحيات كبيرة لأثبات مصداقيتنا  للمتبرعين، والمستلمين ولعموم جاليتنا،  وأن نثبت لهم بأن (الدنيا ما زالت بخير) كما يقولون. ان نظام الوصولات، والتواصل عبر الأيميل والمراسلة واضح جدا، فالشخص الذي يتبرع هنا ب 100 دولار، هناك عائلة في الأردن او سوريا، لهم تلفون وعنوان وأسماء يستلمون 100 دولار بالتمام والكمال، ويوقعون على الوصل. وقد يسأل سائل، ماذا عن مصاريف التحويل او اجور النقل في تلك الدول وما الى ذلك، وهنا لابد من التوضيح بأن كل المصاريف المتعلقة خارج مبالغ التبرعات نتحملها نحن اعضاء هذه الجمعية بشكل شخصي، وأعتبرناها جزء من عطائنا للناس، وهي ليست مفروضة بل بشكل طوعي، اما في تلك الدول، فأقول ، وأكرر شكري لتلك النخبة الطيبة التي ساعـدتنا على مدى السنين في القيام بهذا العمل الأنساني الكبير وبلا مقابل، وأكررها ،بلا مقابل.

دع الأرقام تتحدث
وبغية وضع النقاط على الحروف يضيف السيد باسل بقّال:  ان فكرة المشروع بدأت في العام 2006، اما الأنطلاقة الحقيقية فكانت مطلع 2007، وكان مشروعنا في البداية يساعد العوائل في سوريا والأردن، واليوم تصل مساعداتنا الى لبنان ايضا.  يصل عدد العوائل اليوم الى (850) عائلة تستلم المساعدات بشكل شهري ومنتظم، وأملنا في هذا العام والقادم ان تصل مساعداتنا  الى 1000 عائلة.اما لمن يرغب بالمزيد من المعلومات والتفصيلات فيمكنه زيارة موقعنا الأكتروني وألاطلاع مباشرة عبر عنوان  مؤسستنا "تبني عائلة لاجئة" :
http://www.adoptarefugeefamily.org/
 
 منذ ذلك الوقت ولليوم وصلت المبالغ المستلمة من المتبرعين، والمسلمة للعوائل 3,3 مليون دولار، مثبتة في حسابنا المصرفي وفي التحويلات المصرفية لتلك الدول وفي الوصولات التي ترسلها العوائل عند الأستلام اما مجموع الناس الذين استفادو من برنامجنا الأنساني فيبلغ (000،175)شخص ضمن عوائلهم، اذ ان التبرعات تصل للعائلة وليس للأشخاص. وللتوضيح اود ان اورد تبرعاتنا لشهر كانون ثان 2014 والتي كانت كلآتي: عدد المنتفعين لهذا الشهر بلغ 1080 شخص، المبلغ المرسل للعوائل في (سوريا، الأردن ولبنان) بلغ  51,006 دولار، اما المبلغ الكلي منذ بدء البرنامج فبلغ لحد اليوم:3,331,042 دولار.  ورب سائل يقول، ما التغير الذي سيحدثه مبلغ متواضع بمقدار 100 دولار للعائلة خلال الشهر، وبالحقيقة انا اتفق بأن المبلغ بسيط، لكن هذه هي الأمكانيات، فنحن لسنا دولة نفطية نمتلك المليارات، نحن اناس لنا عوائلنا وألتزاماتنا، لكننا شعرنا بالمسؤلية وقمنا بذلك، فيما المفروض ان تقوم الحكومة العراقية او وزاراتها او الأمم المتحدة بأغاثة هؤلاء المساكين، بدلا من ان ترميهم اسباب الحاجة للأنزلاق في دروب لا تليق بالأنسان.

شئ عن المتطوعين
ان من محاسن الحياة في هذا البلد هو نظام التطوع الذي يلقن به التلاميذ منذ طفولتهم، وقد كنت من المحضوضين بالعمل مع نخبة رائعة من الشبان والشابات، والذين لهم عوائلهم وألتزاماتهم لكنهم مصرين لحضور الأجتماعات او الفعاليات التي نقيمها بغية زيادة عدد المتبرعين، حتى نتمكن من مساعدة عوائل اكثر. ولا يفوتني هنا ان اشكر كل من عمل معنا (يبلغون الآن 20 متطوعا، لكن المجموع منذ البداية فأنه يصل لحوالي 50 متطوع ومتطوعة)، وأشكر االكهنة وراعي كنيستنا المطرار ابراهيم ابراهيم الجزيل الأحترام، وكل اصحاب المحلات التجارية ووسائل الأعلام المرئية والمقروئة والمسموعة التي احتضنتنا وساهمت بالدعاية والأعلان لمشروعنا الأنساني.

الصعوبات
بالحقيقة ان اكبر ما يقلقنا هذه الأيام هي حالة عدم الأستقرار السياسي في العراق او المنطقة، فهناك عوائل تنزح من العراق بأستمرار، وهناك الأوضاع الدموية في سوريا والحالات الصعبة في الأردن ولبنان، ان كل ذلك يؤثر سلبا على سلاسة عملنا. ان العقوبات المالية على سوريا قد اعاقت عملنا ، فنحن لا نرغب باللجوء للحيل والطرق الملتوية في ايصال الأموال للمحتاجين، كما لا نريد ان نخضع للمسائلة من السلطات الأمريكية في حالة تصرفنا بشكل غير سليم، انها قضية شائكة ومؤلمة، فهناك ناس بأمس الحاجة للمساعدة، وهنا اناس مستعدين للمساعدة وهناك اوضاع تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، لكني اطمأن القراء الكرام بأننا نعمل المستحيل لأيصال المساعدات وحتى بالحصول على الرخص الخاصة من الجهات الأمريكية المسؤلة. اما الصعوبات الثانية فكانت من جراء استمرار وتعمق الأزمة الأقتصادية في هذه البلاد وأثرها على الناس وخاصة ممن يشاركوا في تبرعاتهم ببرنامجنا، لكن الأمور تسير بشكل حسن، وعندنا متبرعين جدد في كل شهر. وأرغب ان اذكر بعض الصور التي يتسامى بها الأنسان فوق جراحاته  حينما يتعلق الأمر بمساعدة الآخرين، فقد كنت على صلة صداقة مع احدهم والذي كان قد تبنى 5 عوائل وأستمر بذلك، وعلمت ان وضعه الأقتصادي في تدهور وربما يخسر بيته لحساب البنك، فألتقيته مرة  في احدى المناسبات وحاولت افهامه بأن  لا مشكلة لو اراد تأجيل الأشتراكات لعدة اشهر ولحين استقرار وضعه الأقتصادي، نظر الـّي والدمعة مخنوقة فيها وقال: انا لو خسرت بيتي، لي عشرات الأهل والأقرباء استطيع الذهاب عندهم، لكن هؤلاء المساكين، لو لايمتلكوا  شيئا للصرف، فمن الذي سيمنحها لهم، وهل نقبل ان تبيع العراقيات اجسادهن العفيفة!

سيرة ذاتية
ولد السيد باسل بقّال في العام 1964  بمدينة تلعفر، وأنتقل الى بغداد مع عائلته التي سكنت مدينة الطوبجي/حي السلام، وهو لم يبلغ السنتان. انهى الأبتدائية من مدرسة الفرسان، اما المتوسطة والثانوية فأكملها في اعدادية العروبة حتى الصف الخامس علمي، حينما قررت العائلة الهجرة للولايات المتحدة. اكمل الثانوية وحصل على بكالورويوس في العلوم، انتقل بعدها لدراسة الطيران المدني، وحصل على 6 شهادات منها في ميكانيك الطيرات، وأخرى في القيادة، والطيران التجاري والطيران المدني. لقد اصبح وفي عمر 31 عاما، أصغر طيار مدني من اصل عراقي/ كلداني يحلق بشكل مجاز في سماء الولايات المتحدة، كما يحمل ايضا شهادة متقدمة في دراسة اللاهوت من المعهد الكاثوليكي الشرقي. بعد رحلته مع الطيران والعلوم، انتقل للأعمال الحرة وهذه المرة في  مشاريع الأعمار والتنمية، ثم تحول بعدها لعمل الفنادق، وهو اليوم بمعايير السوق من رجال الأعمال الناجحين، وذوي الأفق الكبير في التطور.

المعطي مسرور!
في مسيرة كبيرة كهذه، وألتزامات مهنية وعائلية، وعمل انساني ، كان لابد ان يكون لها دافعا او وازعا كبيرا لتستمر كل هذه السنين بلا كلل او ملل، فيجيب بالقول: ان مثلي الأعلى في الحياة هو شخصية يسوع المسيح، فهو الذي دعا لمساعدة الفقراء، وهو الذي قال "ان تعطي، يعطى لك" و " المعطي مسرور"، لهذا أقول لك صراحة بأني اسعد انسان،ولا تتعجب من ذلك، فزوجتي (ماجدة) انسانة رائعة، وأولادي الثلاثة (بيير، بليك و راين) اصبحوا شبابا وينتظرهم مستقبل باهر، وكنت انا وماجدة ننتظر ان تنير حياتنا  ابنة جميلة، ورزقنا اخيرا بالأميرة (ميري كريس –نعمة مريم) التي اضفت اجمل بهجة في حياتي، حالي الأقتصادي جيد، ولن ابالغ ان قلت لك، اني سعيد وفرحان، وأشعر باللذة في عملي الوظيفي او الأنساني، فهو الذي يعطيني فرصة اظهار المحبة للآخرين.  وكان جوابه الأخير مثار دهشتي فبادرته بالسؤال عن علاقة ذلك باللاجئين العراقين في دول الجوار فقال:
سأل الناس مرّة القديس اوغسطين عن شكل الحب، فأجاب:
ان له يدان تمتدان لمساعدة الآخرين
وله اقدام تحث الخطى لمساعدة الفقراء والمحتاجين
وله عيون يبصر  فيها المحتاجون والبؤســاء
وأخيرا، له آذان يسـمع فيها أنّات وآلام الأنسان.
ان كنت تسأل، فهذا هو شـــكل الحب!

كمــال يلـدو
شــباط 2014
















399


مناضل داود: يشـّرفني ان أحمل ارفع وسام كروي شبابي!

    "ما زالت تلك الدقائق تقف شاخصة في حياتي، ورنين  كلمات المدرب، واللاعبين، وأصوات المشجعين العراقين في ملعب "دكا" او في الوطن، مازال صداها يـصدح عاليا، كلما وضعت هذا الوسام قريبا من اذني او قلبي، مازلت اسمع الصوت القادم عالي جدا، عراق عراق عراق. ايّ انجاز كان، وأيّ حلم تحقق."
بهذه الكلمات يبدأ اللاعب الدولي الشبابي السابق "مناضل داود" حديثه عن رحلته الرياضية، والتي كانت رغم قصرها حافلة بالكثير، لابل انها تمثل اروع ما يمكن له ان يتذكر.
الصدفة وحدها
مثلي مثل الكثيرين، كنا نلعب في المدرسة والمنطقة. وبسبب من كون والدي كان على ملاك السكك، فقد سكنّا شارع فلسطين (دور السكك)، وقد قادتني الصدفة والحظ  مرة، عبر احد الرياضين للتقديم الى فريق "اشبال الزوراء لكرة القدم" في العام 74. في العام 75 ترشحت لفريق اشبال الزوراء، وقد أشرف علينا المدرب المرحوم وهاب خلف، وحجي رشـيد راضي و مقداد جرجيس ستو. هؤلاء الناس كنت ومازلت وسأبقى احتفظ لذكراهم احلى الأيام ، ودائما ما اتمنى الرحمة لموتاهم، والصحة والسعادة لمن بقى منهم على قيد الحياة.
وفي العام 1975 وأثناء مشاركتي في الفريق،  دخلنا دورة اشبال في السويد (بطولة كوتيا) وحصلنا على المركز الثالث من بين 98 فريق مشارك في الدورة، وأتذكر ان الأساتذة مظفر نوري و ممتاز يلدو كانوا  مدربينا آنذاك. في العام 1976 شاركنا في الدورة العربية المدرسية في الصومال، وكان لي شرف حمل شارة (كابتن الفريق)، وحققنا المركز الأول بعد فوزنا على فريق الصومال 2-1، في بلده وبين مشجعيه، وكنّا حينها  تحت اشراف المدرب الأستاذ عامر جميل.

"دكا" والحلم
لم تكن حماسة الشباب او ارتقاء ســلّم المجد ما ميـّز العام 1979 فقط. يقول السيد مناضل داود، في هذا العام شاركنا في "دورة شباب آسيا" التي اقيمت في "دكـا" عاصمة بنغلاديش، وأذكر جيدا العديد من الوجوه الكروية التي صارت نجوما في السنين اللاحقة ومنهم، عدنان درجال، حارس محمد، كريم محمد علاوي و عماد جاسم وآخرين تحضرني صورهم في قلبي ولا تحضرني اسمائهم!
 قدم الفريق اروع ما يمتلك، ووصلنا للمباراة النهائية مع منتخب كوريا الجنوبية. تحدث الينا المدرب اليوغسلافي (كاكا) ومساعده الأستاذ عبد الوهاب عبد القادر وأعطونا التعليمات. لعبنا تلك المبارة وكان امامنا هدفا واحدا فقط، الفوز لاغير. استمات اللاعبين، وساندنا الجمهور الذي حضر الملعب، ووصل الي مسامعنا  صدى الملاعب العراقية وصيحات الجمهور ولحظات انتظاره القلقة، حضرت امامنا كل مظاهر الفرح والفرق الموسيقية الشعبية، ومنبهات السيارات، والمتفرجين امام اجهزة التلفزيون في مقاهي العراق، حضر الألق والأستبسال، فكانت النتيجة ان فاز فريقنا بالقرعة بعد انتهاء وقت المباراة الأصلي بالتعادل، وأعتبرت النتيجة 2-1 لصاح شباب العراق.  امام تلك الثواني، مازلت اجد صعوبة بالغة في توصيف  مشاعرنا،  بين البكاء والضحك، بين التقبيل وحمل احدنا للآخر، بين التهاني وتحية الجمهور، كل هذه التنهدات الأنسانية ترجمها صعودنا الى منصة الفوز  وأرتفاع علم البلاد عاليا وعزف السلام الجمهوري العراقي وتألق الميداليات الذهبية على صدور لاعبي منتخب شباب العراق. شعور ما بعده  شعور، لازال يرهبني لليوم، ويبعث في جســدي تلك الشحنة الكهربائية الجذابة.
استمرار اللعب
عقب تلك الدورة المشهودة، لعبت حوالي 7 مباريات ضمن تشكيلة منتخب الزوراء، بعدها قررت عائلتي في مطلع الثمانينات الهجرة للولايات المتحدة. لعبت في فرق الجالية العراقية الموجودة آنذاك، فريق نادي الشبيبة الكلدانية حيث كان يشرف  على تدريبنا الأستاذ مقداد ستو لاعب الزوراء السابق، والنادي العراقي الأمريكي  الذي كان يشرف على تدريبنا السيد طلال مختار. وفي العام 1981 انتسبت ل "جامعة اوكلاند" في ديترويت ولعبت ضمن تشكيلة فريقها الكروي، وحصلنا في ذات السنة على المركز الرابع  على عموم امريكا لفرق الهواة!
 ويسعدني ان اقول ايضا، اني وبعد ان لعبت اول 7 مباريات مع فريق "جامعة اوكلاند"، اخترت ضمن تشكيلة منتخب الشباب الذي يمثل كل الولايات الأمريكية، وكان هذا الأنجاز يحسب للجامعة،ولي ايضا.
مســـيرة قصيرة
لم تسر الأمور كما كنت آمل لها، فللغربة ثمنها، وواقع الحال ، والظروف المعيشية فرضت علّي ضريبتها، مما اضطرتني لترك الجامعة (وترك فريق الجامعة) والتوجه للعمل من اجل توفير مستلزمات الحياة، ومن ثم الأنخراط في الأعمال الحرة، مما قيد حركتي ونشاطي الذي اقتصر فيما بعد على اللعب بشكل ودّي، بغية الحفاظ على اللياقة البدنية مع صحبة جميلة جدا اذكر منهم، عماد جاسم، فراس عبد كاظم  وثامر يوسف.
تواصــل
وعندما سألت اللاعب "مناضل داود" عن تواصله مع اللاعبين العراقين  الأقدم منه جيلا قال: ربما يكون من حسن حظي تواجدي في هذه المدينة العزيزة (ديترويت) لما حوته من اناس كان لبصماتهم اثر على حياة العراقين  ومنهم من في الوسط الرياضي. كنت قريب جدا من المرحوم النجم عبد كاظم، واليوم احتفظ بعلاقة جميلة مع نجله فراس، كما اتواصل مع الجيل الرائع متمثلا بالأساتذة فلاح حسن، ثامر يوسف وضرغام الحيدري. نتدرب احيانا، ونلعب احيانا اخرى. نتسامر ، ونتناقش، ونتأمل مستقبل الكرة العراقية في احيان كثيرة.
حول الكرة العراقية
طالما كان الحديث حول الكرة في العراق سألته ان كان متواصلا، فقال: انا اتواصل مع الكرة العراقية عبر عدة قنوات منها، الأخبار التي تحملها الصحف والمواقع الكروية والرياضية العراقية، وثانيا عن طريق  نادي الزوراء – أبي و أمي – كما يحب البعض اصطلاحه، ومن خلال بعض النجوم  من جيلي، والذين مازلت احرص على احلى العلاقة معهم، وأذكر بأعتزاز اللاعب سعد عبد الحميد والأستاذ فلاح حسن، عضو الهيئة الأدارية للنادي.فأنا بأختصار مدمن على اخبار نادي الزوراء الغالي على نفسي،والشباب، والمنتخب الوطني، هذا الفايروس الذي لا اتمنى الشفاء منه!
من له الحق بالحديث
وبالحديث عن الكرة العراقية سألته، وهو خير المتابعين عن موقفه من نتائج المنتخب، او مما يجري هناك قال:  ليس من السهل التعامل معهم،  فعقليتهم ليست كعقليتنا، ولو ضربت لك "قطر" و "الأمارات" نموذجا فيما وصل اليها مستوى الكرة، والملاعب والمدربين والأهتمام باللاعبين، ستفهم حجم خيبة الأمل. وثانيا، ان هناك امورا لا تسير على ما يفترض ان تسير عليه مثلا:  اني لست مقتنع بالمدربين العراقين، فهم (مع احترامي لهم) ذوي  امكانيات محدودة، وفرص تطورهم محدودة جدا، كما اني لا المس ذاك الشوق العارم، والروح الوثابة لدى اللاعبين  للعب من اجل الفوز، بالحقيقة وجدت العكس، كذلك، راعني حجم الفساد الأداري في الوسط الرياضي، فكيف يمكن ان يعقل بأن لاعبا ما  يدفع رشـوة للنزول مع الفريق، انا لم اسمع بأي شئ من هذا.
 قاطعت اللاعب "مناضل داود" بالقول: انت بعيد عن العراق، فكيف لك ان تحكم بمثل هذه الأحكام، فردني بالقول: هذا الكلام مردود، من قال اني بعيد عن العراق، ودونما اية مبالغة اقول، ان العراق يعيش بي مثلما اعيش بالعراق، وللطرفة اقول، لو كان كلام البعض صحيح عن المسافات وبعدها، فهل يحق لرواد الفضاء الأنتساب للأرض!! لكني ازيدك علما ببعض المشاكل التي يأخذ الفساد الأداري طوره  بها على سبيل المثال: ان اتحاد الكرة العراقي مؤلف من 72 عضو في الهيئة العامة،  وأن 64 عضوا منهم ليسوا رياضين اصلا  ولايحملوا  اية شهادة رياضية! ماذا تسمي ذلك؟ وشئ آخر، لقد تعودنا على السياقات الرياضية التصاعدية في حياتنا التي كانت تبتدأ ب الأشبال، الناشئين،  الشباب، الرديف ثم الفريق الأساسي. اين الوضع الراهن من هذا؟  في زمن المدرب المرحوم عمو بابا كانت الأمور افضل، وحتى مدرسته ساهمت بشكل جيد، لكن المشكلة هي في العقليات المسيطرة والمتحكمة بالقرار. ان الأتحاد الموجود "غير شرعي" لأن ولاء الموظف او اللاعب او الأداري يجب ان يكون للوطن اولا  وأخيرا، وليس لأية جهة اخرى.
محطـات
مناضل داود من مواليد محافظة البصرة ، مدينة المعقل في العام 1960، عمل والده موظفا في السكك برتبة "مدير محطة"، فكانت العائلة عرضة للترحال حيثما حل الوالد بوظيفته.  انتقلوا بعد ذلك الى بغداد،  ودرس مناضل الأبتدائية في مدرسة راهبات التقدمة، ثم في ثانوية عقبة بن نافع بشارع فلسطين وأخيرا في اعدادية النضال بمنطقة السنك. له علاقات حميمية وحضور طيب في الوسط الرياضي العراقي بولاية مشيكان، وقد مارس التدريب لفترة قصيرة لأحدى فرق الأشبال، الا ان ظروف العمل ومتطلبات المعيشة تقف عائقا معظم الوقت.
وقبل ان انهي رحلتي معه في هذا اللقاء مسك بالميدالية الذهبية المعلة في صدره ونظر اليها وأستذكر مقولة مأثورة للاعب نادي  شيكاغو للهوكي جانثن تويوز "اعلم ان جميع الناس التي اتت وأظهرت تشجيعها وأعتزازها بأنجازاتك، اعتقد انها تــذّكّرك دوما،  بأنك دون هؤلاء الناس لا يمكنك تحقيق حلمك. ان اللعب في دوري الهوكي شـئ، والفوز  ب "كأس ستانلي" ومشاركته مع الجمهور، شئ آخر بالمرة".
 وفي ختام حديثه يتمنى الموفقية والتألق للكرة العراقية واللاعبين والمدربين وكل الكادر المنغمر بهذا العمل، وهو يكرر اللازمة التي شاعت بين الناس، لا شئ تحت السماء يوحد العراقين مثل الكرة، فأن كان المسؤلين حريصين حقا على وحدة العراق، عليهم الأهتمام بالكرة من الفها الى يائها.

كمـال يلدو
كانون ثان 2014
 



احد اعداد جريدة الرياضي


الشهادة الفخرية من جامعة اوكلاند بولاية مشيكان


المباراة شبه النهائية على بطولة امريكا للهواة عام 1984  بين فريقي مشيكاÙ


غلاف مجلة نادي الزوراء


في باص نادي الزوراء متوجهين لمباراة في ملعب الشعب


من مجلة نادي الزوراء


الميدالية الذهبية للدورة 20 لكأس شباب آسيا في بنغلاديش


الميدالية الذهبية متلئلئة على صدر مناضل داود


عدد آخر من جريدة الرياضي


في صحيفة ديترويت فري بريس 20 اكتوبر 1983 وتقرير عن جامعة اوكلاند واللاعب


مع فريق نادي الزوراء

400
أخي العزيز زيد ميشو، اشكر مرورك وتعليقك الجميل...وما كتبته ينم عن نبل روحك الطيبة. شكرا  ولنعمل اكثر من اجل اعلاء شأن هذه الجالية العزيزة

401
للأستاذ الفاضل ناصر عجمايا الشكر والتقدير على مرورك الكريم وكلامك الدافئ.انا معك في اعلاء شأن مبدعاتنا ومبدعينا من اجل ان نحتفل بهم ويشاركنا الكل بذلك، ومن اجل ان نضرب المثل الطيب للجيل الجديد. في حياتنا الكثير من النماذج التي تبعث على الأمل والفرح.....لا ادري لما (البعض) مصر على البحث وعمل المستحيل لأيجاد نقاط الخلاف....لا افهمها.

402
لأخت الغالية سها بطرس والأحبة الأعزاء، طلعت ميشو، د.بولص، السيد عبد قلو، السيد سام، الأستاذ حبيب حنوناوالأخ بطرس غانم....انا ممتن على مروركم البهي على هذا الموضوع، وترككم لعبق من رائحتكم الزكية مع الموضوع. الأحبة في الأذاعة الكلدانية يستحقون الثناء والمحبة منكم ومن كل ابناء وبناة جاليتنا الغالية. اتمنى ان يكون هناك جيلا رديفا لهم، ان كان يتحدث العربية او السورث او حتى الأنكليزية. هذه الأذاعة بحاجة الى (خلق) الكادر المستقبلي، وتبقى مهمتنا في دعمهم ماليا، ومعنويا .
للأستاذ عبد قلو: فأن برنامج "الأذاعة الكلدانية" يبث كل يوم سبت من الساعة 12 ظهر وحتى الخامسة على الموجة 690 am
شكرا لكل من قرأ الموضوع، او قرأه وعلق عليه، انا سعيد بكم وبملاحظاتكم. سعيد بأننا لا نختلف على الطيب  او الذي يخدم الجالية. وآمل من الآخرين ان تكون بوصلنهم سليمة. يكفي التشرذم والغربة لهذا الشعب، واليوم هو يوم التعاون والعمل المشترك.
الف شكر ومحبة لكم وللغالين في (عينكاوة دوت كوم)

403

اذاعة "صوت الكلدان" في ديترويت: 33 عاما من العمل الطوعي والألق




   لم تكن تلك الأنطلاقة قبل 33 عاما الا "مغامرة" لم يعي اي منهم حجمها الا بعد  ان اينعت وتفرعت اغصانها وثبتت جذورها عميقا في وجدان الجالية العراقية بديترويت، وفي مدارها الأعلامي. تلك بأختصار هي قصة مجموعة من الشباب الكلدان العراقيين الذين جمعتهم الغربة وظروف العراق اوائل الثمانينات لتنطلق في مشروع "الأذاعة الكلدانية" في ديترويت. كان يحذوهم املا بتقديم افضل النتاجات والحقائق للناس، مدفوعين بأهداف انسانية وقومية مشروعة ، وقد تكون مقولة (ميردث مونك)* خير توصيف لأنطلاقتهم الأذاعية آنذاك ولليوم: "ذاك الصوت الداخلي المنبعث، والممتلئ بالرقة والدماثة والوضوح، وحتى تحافظ على اصالته، عليك الذهاب بعيدا  في البحث عن الحقائق، حتى تصل لعمقها، للعظم، من اجل الحقيقة وحتمية الأشياء".

"صوت الكلدان" عبر الأثير
    يقول السيد "فوزي دلّي" عن تلك البداية كونه احد مؤسسيها مع زملائه ( شوقي قونجا وضياء ببي ) الذين لا زالوا مواكبين بالمسيرة لحد اليوم , واخرين تركوا العمل ولكنهم بقوا متواصلين .
تأسست إذاعة صوت الكـلدان سنة 1980 من قِـبل نخـبة شبابـية كـلدانية واعِـدة كانت تنشط في (نادي الشبـيـبة الكلداني الأميركي) اكثر الأندية نشاطا بتقديم الفعاليات المختلفة ومنها المطبوع الجميل، مجلة بأسم ( شمس الكلدان ) والتي توقف اصدارها  بعد التوجه  والتفرغ  للبث الأذاعي، حـيث بَـدأتْ الأذاعة حـينذاك بمعـدّل ساعة واحـدة في الأسبوع وكانت بأسم ( أذاعة صوت الشبيبة الكلدانية )  وتبث مباشرة كل يوم سبت الساعة الواحدة ظهرا، بعد اذاعة الكنيسة الكلدانية.   في سنة 1982 وبعد توقف اذاعة الكنيسة وبطلب من سيادة المطران ابراهيم ابراهيم الجزيل الأحترام، اخذنا على عاتقنا ساعة الكنيسة، ليصبح بث اذاعتنا ساعتان،  بعدها وبفترة قصيرة  تطورت توجهات اذاعتنا،  من اذاعة للشبيبة الكلدانية الى الأتجاه العام والأوسع الذي يهتم بكل الجالية والوطن وشعبنا وقوميتنا الكلدانية، ورافقها تبديل الأسم من "اذاعة صوت الشيبية الكلدانية" الى "اذاعة صوت الكلدان" وأستمر تـطـوّرها حـتى باتت اليوم تبث (خـمس ساعات نهار كل يوم سبت) خـدمة لجاليتـنا الكـلدانية في ولاية مشيـﮔان الأميـركـية وكل الكـلدان في العالم، وهي ملتـزمة وهادفة بـبرامجها الدينية والإجـتماعـية والثـقافـية والفـكـرية والقـومية وهكـذا السياسية أيضاً والأدبية والفـنية مع الفـقـرات الترفـيهـية. هذا اضافة  للنشاطات الخاصة،  كـتـقـديم المحاضرات  وأقامة المهرجانات القـومية الكـلدانية (عاصرتا كـلديثا) التي يقـدَّم فـيها كل ما هـو جـديد في الساحة الغـنائية والموسيقية وعروض للأزياء التراثية وتشـجيع تعلّم الدبكات الشعـبـية مع الشـعـر والمسرح وكـل ذلك بلغـتـنا الكـلدانية الجـميلة .
كما تـبث (إذاعة صوت الكـلـدان) أخـبار شعـبنا الكـلداني المنـتـشر في بقاع العالم، فـتـتواصل مع الجـميع وتربطهم بتأريخهم وحـضارتهم ووطـنهم الأم العـراق، وفي ذات الوقـت تـتـصدى وتدافع بقـوة لكل مَن يحاول النيل من خـصوصيتـنا القومية والتأريخـية من خلال تعـريتهم وفـضح أساليـبهم بصورة مباشرة،  ويسعدني القول (والحديث مازال للسيد فوزي دلّي): بأن اذاعتنا تمتلك ارقى الأجهزة والتكنلوجيا،  ونضيف لها سنويا، كل ما هو جديد من الأجهزة الحديثة لتضاهي بذلك ارقى المحطات، لا بل هي احدث وارقى حتى من المحطة الرئيسية التي تبث منها برامجنا.  كما اننا ادخلنا  التقنية الرقمية منذ  10 سنين، عبر موقع الأذاعة الألكتروني الذي من خلاله يستطيع اي شخص ومن اي مكان في العالم متابعة برامجنا، او الدخول الى آرشيف الأذاعة للعشر سنوات الماضية ، وفي موقعنا ارشيف للصور عن نشاطات اذاعتنا ونشاطات الجالية الدينية والكنسية ولمنظمات الجالية بعدسة الأخ ساهر يلدو، واخبار الأحتفالات، والأمسيات، والندوات ...الخ
عبرعنوان الموقع:
www.chaldeanvoice.com

كلفة باهضة
وبالتوقف امام كلفة البث، ناهيك عن مصاريف الأجهزة والمراسلين، فمن اين للأذاعة كل هذه الأموال، يجيب السيد فوزي دلي:
 الإذاعة مؤازَرة ومدعـومة من قِـبل الجالية بكل مؤسساتها الدينية والأجتماعية والقومية، ونخـص بالذكـر الدعـم المتـواصل واللامحـدود من مطرانية الكـلدان وعـلى رأسها سيادة المطران إبراهيم إبراهيم راعي أبرشية مار توما الرسول الكـلدانية في أميركا،  ويعـمل في الإذاعة متـطـوعـون منـذ أكـثر من33عاماً بـدون كـلل أو ملل،  بل بفـرح دائم  وعـزيمة مستمرة، ويحـظون بتـقـدير وإحـترام وإعـتـزاز من قبل أبناء الجالية، وهـذا بحـدّ ذاته فـخـر للكادر العامل بالإذاعة، وفرحنا وسرورنا أكبر بما نسمعه من كلمات الأطراء التي يطلقها الكثيرون والذين يشيرون إلى مستوى الإذاعة الرفـيع في تهـيئة وتـقـديم البرامج ، اما كلفة الساعة،  فقد كانت في بداية عهدنا بالبث بحدود 50 الى 60 دولار، واليوم تكلف بحدود 300 دولار، اي ان البرنامج  الواحد يكلف 1500 دولار. اما تكلفة الأذاعة للبث وامور الصيانة وتحديث الأجهزة  فتصل  لحوالي 80 الف دولار سنويا.


ماهو مشروعكم للجالية
ولكون مشروع الأذاعة مشروعا كبيرا، وعندما نقول انه مضى عليه 33 عاما، فهناك الكثير من الحكومات لم تدم لهذه السنين، كيف عملتم وماهي برامجكم، يجيب السيد فوزي دلي:
اذاعتنا ليست اذاعة تجارية وهدفها ليس الربح المادي بقدر ما هو تقديم البرنامج المتكامل الهادف والموجهة الى كل الجالية ( ديني – قومي – سياسي – اجتماعي – فكري – لقاءات – اغاني – ثقافة) لذلك نفخر ان نقول بأن اذاعتنا هي اذاعة الجالية الكلدانية العراقية الأمريكية كما يسميها ابناء الجالية،  ومستمعينا هم الداعمين الرئيسيين للأذاعة بالأضافة الى المعلنين.  ولنا مؤازرين يتبرعون بمبلغ الف دولار او اكثر دعما للأذاعة لأنهم يعتبرون الأذاعة اذاعتهم وتخدم تطلعاتهم.  ولا ننسى ابدا الدعم الغير محدود لراعي الأبرشية المطران مار ابراهيم ابراهيم لأذاعتنا. وبهذه المناسبة اود ان اشكروبأسم كادر الأذاعة الجميع لدعمهم ومؤازرتهم وأحييهم بالمحبة والتقدير والأحترام.

هل المحطة مستقلة
برامجكم ونشاطاتكم تدفع المتتبع للسؤال ان كانت المحطة مستقلةام لا، وأن كانت هناك جهات قد حاولت شرائكم او التأثير عليكم، فيجيب السيد فوزي دلي:
الأذاعة مستقلة ويعمل كادر الأذاعة ومعدّي البرامج بأستقلالية تامة بعيدا عن اي تأثيرات من اي كان،  وهذا هو واحد من  اسباب استمرار الأذاعة واعتزاز متابعيها بهذا المنجز الذي يعتبره الجميع ملكا له. نحن دائمي  القول،  بأن اذاعة صوت الكلدان هي اذاعة الجالية بكنيستها وجمعياتها ومنظماتها وكل فرد يستمع اليها،  ومنهم نستمد قوتنا ويزداد عطاؤنا. علاقتنا بالكنيسة هي علاقة متينة، وبالذات مع المطرانية الكلدانية، فهم يدعمون الأذاعة ويساندونها ونتواصل معهم بما يخدم الجميع. وتأكيدا لأستقلالية موقفنا، فيسعدني ان اذكر، بأننا وطوال سنوات، استضفنا الكثير من السياسين ورجال الدولة او قادة الأحزاب (خاصة القومية منها) عبر اذاعتنا ووفرنا لهم الفرصة للتواصل مع ابناء جاليتنا العزيزة،  وأخص بالذكر من تشرف بزيارة مدينة ديترويت للألتقاء بالجالية او حتى بأهله، وهكذا الكتاب والأدباء والشعراء واصحاب الأختصاص الأخرين .
اما بشأن التأثير علينا من قبل البعض فأقولها صراحة، نعم كانت هناك محاولات عديدة  ايام النظام السابق، من خلال بعض المأجورين، وذلك بتقديم  العروض والسفرات المجانية،  لكن محاولاتهم  فشلت امام وحدة العمل والفكر بين اعضاء كادر الأذاعة،  والمؤازرة القوية من مستمعينا الذين منحونا مشكورين اكثر مما نطلب، ونشكر الله على هذه العلاقة الحميمة المبنية على الثقة والمحبة المتبادلة .

كيف توفقون
واستكمالا لموضوع الأستقلالية سألت السيد فوزي دلي عن آلية التوفيق بين الأستقلالية والموقف من الأنظمة المتعاقبة فقال:
الأستقلالية لا تعني ابدا عدم الأنتقاد او كشف الظالم،  ومؤازرة المظلوم، وفضح القاتل والمرتشي والسارق والمغتصب. ولا تعني الأستقلالية،  السكوت عن الذي يقتل شعبنا ويحرق كنائسنا ويهجّرشعبنا.  ان اذاعتنا تتفاعل مع هموم الوطن،  وشعبنا المسيحي وهموم ابناء الجالية وقوميتنا الكلدانية،  لأن الكلدان هم اصل العراق وتأريخه وحاضره وجزء لا يتجزأ منه. ان سياستنا لم تتبدل منذ ايام النظام السابق، فقد كنّا ننتقد ونفضح،  وهكذا نحن اليوم،  سنبقى ننتقدهم ونفضح كل من يشارك في الجريمة ضد ابناء شعبنا العراقي عموما، وشعبنا المسيحي بالخصوص، حتى يقوم نظام يكفل الحقوق للجميع ويحميهم  بدون تفرقة .

مرة اخرى عن البداية
بالعودة للبدايات، سألت الأخ  فوزي دلي عن كادر الأذاعة  ومحطاته وأيام البث الأولى والصعوبات التي واجهوها، والطاقم الموجود الآن، فأجاب:
الصعوبات دائما تجابه اي عمل،  ومهما كان صغيرا او كبيرا، وتجربة اذاعتنا الكلدانية كانت صعبة جدا وخاصة عند تقديم اكثر البرامج باللغة المحكية "الكلدانية" بالأضافة الى اللغتين العربية والأنكليزية. هذه التجربة نالت استحسان جمهرة المستمعين،  والكثير يثني عليها، اذا ما عرفنا بأن بعض العقليات المتعصبة حرمت اكثرية هذا الشعب من تداول  لغته الكلدانية الجميلة في موطنه الأصلي.  يبقى البث الذاعي، تجربة تحضى بأحترام مستمعينا،  بدليل دعمهم وتواصلهم معنا لأكثر من 33 عاما. حقا  أقول، ان البدايات كانت صعبة جدا، اذا ما علمنا  بأن الجميع لم يكونوا اعلاميين بالمعني الحرفي والمهني،  بل كانوا هواة،  هدفهم هو خدمة الجالية من خلال ايصال الكلمة والخبر الجميل.  اما قضايا التدريب على التقديم والأخراج  وصياغة الخبر وجمع المعلومات وكل الأمور الأخرى،  فقد أثمرت ونمت من خلال جهودنا الذاتية. ومما زاد من صعوبات عملنا آنذاك، عدم وجود الأجهزة المتقدمة ، ناهيك عن ان الملومة كانت تصلنا بصعوبة (بكطع النفس) نتيجة  لعدم وجود شبكة الأنترنيت، وشحة المواد او الصعوبة في الحصول عليها او ترجمتها.
   كان – بيت - اذاعتنا (في الأيام الأولى)  بالطابق الاسفل  من قاعة كنيسة ام الله الكلدانية في ساوثفيلد،  اذ كانت القاعة العليا  مسـخّرة لعمل  أكثر  اندية الجالية نشاطا آنذاك ( نادي الشبية الكلداني الأمريكي) ، ومن الطريف ان اذكر بأن سعة غرفة التسجيل  كانت ضيقة جدا لدرجة انها تتسع لشخصين او ثلاث اشخاص فقط ( المخرج والمذيع وشخص اخر )  اما اذا زاد العدد فتكون النتيجة وقوفا.

الذين حملوا المشعل
قد احتاج الى صفحات كاملة لأكتب اسماء الأخوات والأخوة الذين عملوا معنا بتفان ومحبة منذ الأيام الأولى، ومع الأعتزاز بهم  جميعا ، لابد لي من الأشارة الى من حمل وزر الأذاعة وشعلتها منذ بداية تأسيسها  قبل 33 عاما ولحد اليوم،  هم الزملاء شوقي قونجا  وضياء ببي  وفوزي دلي، وفي نهاية الثمانينات التحقت بنا المرحومة انتصار يونو التي غادرتنا الى الأمجاد السماوية عام 2013 , كما التحق في بداية التسعينات الأخ ساهر يلدو والأخت جنان سناوي وفي بداية الألفية الثانية التحق معنا الأخ ماهر كانونا  وفي 2012 كانت الأخت وسن وارتان وبعدها الأخت سوسن كيزي , وطبعا نقدم شكرنا للكثير من الأخوات والأخوه الذين عملوا معنا وساعدونا كمتطوعين لفترات قصيرة  أوطويلة،  معتذرا عن عدم استطاعتي ذكر كل الأسماء لكثرتها. ولابد لي في هذا المقام  الأشارة الى دور الكنيسة الكلدانية، وبصماتها في البرنامج الديني،  وبالأخص راعي الأبرشية سيادة المطران مار ابراهيم ابراهيم الجزيل الأحترام  والأب الفاضل مانوئيل بوجي وبقية الكهنة , لهم الشكر والأمتنان .
 
كم عدد العاملين اليوم
نظرا لكون برنامج الأذاعة منوع ( ديني – سياسي – اجتماعي – ثقافي – اخبار – لقاءات) فأنه يحتاج الى كادر كبير، خاصة  اذا علمنا بأن  كل العاملين هم  متطوعين لخدمة الجالية،  لكن يمكنني حصر عدد العاملين الآن بما  لا يقل عن 15 شخص،  يعملون  بين مذيع ومخرج ومعد ومقدم برامج وعقد اللقاءات وتهيئة الموسيقى والأغاني ومتابعة الأخبار وامور فنية وتقنية اخرى متعلقة بالبرنامج.  ان هذه التهيئة  تستغرق ساعات عديدة، ناهيك عن وقت التسجيل الذي يمتد احيانا حتى ثمانية ساعات أو اكثر لكل برنامج .

لو غابت اذاعتكم عن المستمعين
 عن ذائقة الجمهور وشعبية الأذاعة، وعما  سيحدث لو توقفت الأذاعة عن البث من باب الأفتراض، يجيب السيد فوزي دلي:
كل برنامج له جمهوره ومستمعيه ومتذوقيه،  فمنهم من يستمع ويستمتع بكل البرنامج ولكنه يميل اكثر للبرنامج الديني، واخر يستمتع باللقاءات، او من صفحات الأنترنيت او الأغاني والأشعار والأخبار الدينية والعالمية، وأخبار الجالية الأجتماعية في الأفراح والأتراح، أوبرنامج مشاهد من الحياة للأستاذ العزيز يلدا قلا و( بيثا وكنشا وترجمته الى العربية يعني البيت والمجتمع ) للأستاذة  بتي دويشا وفكرة اليوم للأب العزيز مانوئيل بوجي الذي يشرف على البرنامج الديني في الأذاعة،  ولا ننسى البرنامج الناقد المهم والمسموع لأكثر من 25 عاما اغصان والوان وبرامج كثيرة اخرى قدمت وتقدم  للآن، ولا يسعني الا ان اشكر من كان سببا بأستمرارها ونجاحها وأشكر الجميع على جهودهم  ومثابرتهم.   اما جوابا على استفسارك فيما لو توقفت الأذاعة عن البث فيمكنني القول:
ان كل عمل اعلامي يغيب عن اداء مهمته،  يشكل خسارة فادحة لمتابعيه وللمستمعين،  خاصة اذا كانت الأذاعة مرتبطة بأهداف وتطلعات جماعة معينة،  وكما تعلم، ان الجالية بحاجة الى سماع الخبر والأغنية والقصيدة والتعليق،  فأن غاب الأعلام الأذاعي عنها،  فهذا معناه دخول المستمعين في عتمة الأحداث الداخلية والعالمية،  لكني اطمأنك ولله الحمد، اذ يوجد العديد من الأخوة والأخوات ممن انخرطوا في العمل الأعلامي المحلي،  ولهم برامجهم  الاذاعية،  وكل يخدم من موقعه وبطريقته التي يقيّمها المستمع.
 
اضافة للأذاعة ، ماذا قدمتم للجالية
صحيح ان العمل الأعلامي ممتع،  لكنه صعب وفيه مسؤليات كثيرة ، فبالأضافة للأذاعة، سألت السيد فوزي دلّي عمـّا قدمته مؤسستكم للجالية:
مع الخدمة التي يقدمها البرنامج الأذاعي،  يقوم اعضاء وكادر الأذاعة بالعمل مع الكثير من منظمات الجالية،  ويتابعون  بأهتمام القضايا التراثية والقومية والفنية والأدبية،  حيث قدمّنا العديد من الكفاءات،  ومن ذوي الأختصاص،  في محاضرات مفتوحة مع الجالية، ناهيك عن رعاية وتنظيم أو المشاركة في  المهرجانات القومية المحلية،  التي تعرض كل ما هو جديد في حقل  الاغنية والموسيقى والقصيدة شعرية،  من اجل ابراز الفن والتراث القومي الكلداني والأرتقاء به،  وهكذا العمل  والتعاون مع الفنانين والمطربين وتشجيعهم للغناء والأداء  بلغتنا الكلدانية الجميلة،  ولأذاعتنا مساهمات عديدة في حقل العمل الأنساني، اذ قمنا  بحملات  لمساعدة المحتاجين،  وخاصة في العراق ايام الحصار، أو في الفترة  ما قبل سقوط النظام وما  تلت سقوطه،  عن طريق جمع المساعدات المالية  من ابناء جاليتنا ، من خلال برامج خاصة تبنتها  الأذاعة، ثم جرى ايصالها لأهلنا  في العراق  عن طريق القنوات الكنسية .
 ويبقى من باب اولى  التذكير،  بأن العديد من كادر الأذاعة،  هم اعضاء في "فضائية نورسات" الدينية،  وكان لأسرة  اذاعة "صوت الكلدان"،  وبأسم المطرانية الكلدانية  واطراف اخرى،  الدور الكبير في اقامة  اول مؤتمر ل "مسيحي الشرق"  في ولاية مشيكان الأمريكية،  حضرته وفود من كل انحاء العالم،  هذا اضافة لمشاركتنا بالحضور في معظم النشاطات التي تقوم بها منظمات الجالية،  مع تغطيتها  والأعلان عنها في صفحات برنامجنا .

وماذا كسبتم
لو اخذنا بحساب الحقل والبيدر كما يقال،  فقد كسبنا الكثير، وطبعا ليس بمفهوم المادة  بل معنويا،  ويمكنني القول  بكل فخر: أن لأذاعتنا وكادرها العامل،  مكانة ومنزلة وحضور عند الجالية، يتجلـى في الترحيب والأحترام،  وهذا اكبر واجمل مكسب لنا نعتز به ونحترمه.  وأقولها صراحة،  بأننا كسبنا هذه المحبة والأحترام،  من خلال الأخلاص في عملنا (الطوعي) والعلاقة الأخوية المتبادلة بيننا وبين الجالية،  بكل مؤسساتها التي نحن جزء صغير منها،  وربما يساورني الشك بوجود  مؤسسة يعمل طاقمها لمدة 33 عاما وبشكل طوعي ومتواصل! وقد يكون احد اسرار ذلك هو اننا نشعر  كعائلة واحدة والأذاعة هي وليدتنا.  اما عن طموحاتنا،  وما يعتري عملنا من صعوبات ونواقص فأقول: نعم توجد بعض النواقص، وحتما فأن قسما من  طموحاتنا  لم تكتمل بعد.  فمن طموحاتنا مثلا، تطوير ساعات البث،  وجعله  يومي وبساعات متواصلة،  وفتح  فضائية كلدانية  تصل الى كل العالم.  ان هذه الأحلام والطموحات تحتاج حتما الى متطوعين جدد،  ممن لهم الخبرة والأمكانية بغية مزاوجتها مع الخبرة الموجودة، هذا اضافة الى تأمين مصادر مالية ثابتة ودائمة.  
 وأقول لكل من يطلع على سيرتنا المهنية في العمل الأذاعي، فان لكل واحد منا التزاماته الخاصة في العمل، والعائلة والأولاد  والأهتمامات الشخصية الأخرى،  لكن رغم كل ذلك  أقول،  اننا نعمل  ما بوسعنا واكثر،  لتقديم الأفضل.
 
 وطنيون ام عنصريون
هل تسميتكم للأذاعة ب (الكلدانية) خلقت لكم صعوبات، او اتهمكم البعض بأنكم عنصريون ومتعصبون، ام ماذا، يجيب السيد فوزي دلي:
نحن الكلدان شعب لنا تأريخنا ولغتنا وحضارتنا وقوميتنا التي تمتد جذورها الى ألاف السنين نفتخر بها كما يفتخر الأخرين بهويتهم،  ودفاعنا عن المسيحين وعن كلدانيتنا ليس بالمخجل،  لأن ذلك حق من حقوقنا، فنحن لسنا عنصريين او طائفيين، لا بل اننا نرفض هذه الكلمات،  لكن من حقنا كما للأخرين، الدفاع والأرتقاء بخصوصيتنا القومية والثقافية والتأريخية . ندافع عن الأنسان العراقي،  والأنسان في كل المعمورة،  حين يتعرض للظلم والأضطهاد،  ولأننا  نحترم الخصوصية القومية والدينية للآخرين، فأننا نتوقع من الآخر المقابل،  احترام خصوصيتنا القومية والدينية،  و أود ان  اؤكد لك وللقراء الكرام، بأننا نحن العراقيون، ورغم حجمنا العددي (صغير)،  فنحن قومية اصيلة في بلاد النهرين وتأريخنا وحضارتنا هناك.  اما عن  الأسماء التي تطلق على الفضائيات في العراق وخارجه ( منها الطائفية والمذهبية والقومية ) فليس لنا موقف ضدها،  لكن اسم "الكلدان"  و "صوت الكلدان" هو الأجمل،  ليس لنا نحن الكلدان فقط، بل لكل العراقيين،  خاصة اذا علمنا بان بعض الأخوة المسلمين،  وخاصة من محافظات جنوب العراق،  يؤكدون  بأن تأريخهم وحضارتهم  وقوميتهم هي الكلدانية، وهي الحقيقة.

طرائف
لا يخلو عملا كبيرا مثل العمل الأذاعي من المواقف المحرجة او الطريفة، خاصة حينما يكون البث بشكل مباشر،  ويذكر لنا ضيفنا السيد فوزي دلّي هاتان الحادثتان ويقول:
في زيارتنا الى العراق عام 2003 بعد سقوط النظام، وفي وقت المساء،  كنا نقوم بالبث المباشر، عن طريق التلفون (شبكة الثريا ) من على سطح الفندق الذي كنا فيه،  واثناء البث،  جرى رمي كثيف بالأسلحة النارية حول الفندق وبأتجاهه،  تسبب في انقطاعنا عن  البث بعدما  تمددنا على الأرض، حفاظا على ارواحنا من طلقة طائشة!!  لكن هذا القطع الأذاعي ولـّد خوفا كبيرا لدى عوائلنا وأبناء الجالية،  لحين اتصالنا بهم مجددا، وتبليغهم بسلامتنا.  اما الحادثة الطريفة الثانية،  فقد جرت عندما كنا نبث مباشرة الى الأذاعة  في ديترويت،  من حاضرة الفاتيكان بروما،  لمناسبة الأحتفال بتنصيب غبطة الباطريرك عمانوئيل الثالث دلي ( كاردينالا )، وكنا قبل ذاك،  قد اذعنا الخبر،  واعلمنا مستمعينا قبل البدء بنقل الأحتفال عدة مرات،  بأننا سنكون على البث المباشر من الفاتيكان،  وكان النقل آنذاك يجري عبر التلفون، وحدث  بعد دقائق،  ونحن في غمرة  نقلنا  لوقائع الحفل،  واذا باحد الأخوة المعلنين من بائعي اللحوم،  يطلب ان نذيع له تنزيلات  ملحمته عن لحوم البقر والغنم والباجة والمعلاك ،  فيما الأخ  شوقي قونجا (الذي يقوم بنقل وقائع الحفل)  يقول له نحن في الفاتيكان،  وهو يرد عليه قائلا: ( شكو بيهة ) هههههه.
 
عملنا طوعي، جماعي وبروح تضامنية
نعم، يقول السيد فوزي دلّي:الجميع في الأذاعة يعملون  بشكل طوعي وبلا مقابل،  لابل انهم  يأخذون من وقت راحتهم والوقت المفترض قضائه مع عوائلهم الكثير، و كل واحد منهم،  يعتبر الأذاعة ابنه او ابنته،  يغضب لخطأ صغير يحدث اثناء البث،  ويتسارع الكل،  وكل  من جهته،لأصلاحه  وتكملة الواجب،  حتى أن  لم يكن  هو المعني به.  الأجمل من كل ذلك،  ان كل واحد،  يتكلم بأسم المجموع،  وكلمة ال (انا) غير موجودة ومرفوضة  في قاموس العاملين.  كل  هذا نقوم به،  خدمة لجاليتنا العزيزة، وخدمة لشعبنا، من اجل  الحفاظ على هويته القومية والوطنية.
لقد عملنا دائما على اقامة افضل العلاقات مع الجميع، ونتواصل معهم بأحترام،  ويسعدنا تقدير الجالية لنا، او تكريم المؤسسات لعملنا، وقد حصدنا  الكثير من الجوائز وكتب التقدير، ربما كان ابرزها عشية تفجيرات 11 سبتمبر عام 2001، عندما قمنا مع الأتحاد الكلداني بجمع التبرعات العينية وأوصلناها الى نيويورك في تلك الأيام العصيبة،  وقد اثنى العاملون في الأغاثة على مبادرتنا، اضافة الى التكريم من هيئات الأذاعة والبث وجمعيات عراقية كثيرة ( كنسية – ومنظمات اجتماعية وقومية  وحتى سياسية ) اخرها التكريم الكبير من قبل ( كالدين جيمبراوف كومرس – غرفة تجارة رجال الأعمال الكلدان)  وكلها  نعتز بها . و لاننسى الجهات والصحف والمواقع الألكترونية التي تنشر نشاطاتنا وتسلط الأضواء على عملنا، لها منّا، بأسم مستمعينا كل الشكر والتقدير.

خاتمة اللقاء والسيد فوزي دلّي
قد يكون قليل جدا، عدد اولئك الناس الذين لم يتعرفوا على السيد فوزي دلي عن قرب او بعد. فصوته متميز بالعمق والحنان، وشخصيته تشي بمحبة غامرة  لكل من يمر بها. دمث بأخلاقه، لطيف بمعشره، مؤدب وملتزم، وهذه الصفات الحميدة يشترك بها مع الأحبة العاملين في  "اذاعة صوت الكلدان".   وللأمانة اقول، ان ادبه وثقافته جعلت مهمتى في هذا اللقاء يسيرة، وحينها رفض ان يكون اللقاء شخصي وأصر ان يكون اللقاء باسم كل العاملين في الأذاعة. بين افكاره وأفكاري تم اللقاء. ومع اني التقيته هو،  فهذا لا يمنع ابدا ان اتقدم بتقديري ومحبتي  للعزيزات جنان سناوي، وسن وارتان  والفنانة سوسن كيزي، وللأعزاء شوقي قونجا  وضياء ببي، ساهر يلدو والأخ ماهر كانونا،  لدورهم الأعلامي الريادي وسط جاليتنا الغالية، والذين  اثبتوا بأخلاقهم الرفيعة وعملهم المهني الصافي، انهم مدرسة اعلامية بكل معاني الكلمة، ينهل الكثيرين منها (ومنهم انا) للرصانة، والمهنية العالية، شكرا لهم كلهم.

ولد السيد فوزي دلّي في مدينة "تلكيف" التابعة لمحافظة نينوى، درس الأبتدائية في مدرسة "العرفان" وبعد ان انتقلت عائلته للعيش في بغداد، اكمل دراسته في متوسطة البتاوين / النظامية.  كان مع عائلته حينما قررت الهجرة للولايات المتحدة اواخر السبعينات.  يحتفظ بذكريات غالية عن بغداد والوطن،  مخزونة في خزان من الفولاذ لا تصله الأحقاد الطائفية  الرخيصة اليوم،  ولا سياسات الفاشلين.  لايساورك سوى الشعور بالأعتزاز امام مبدأيته وأصراره ، وقد تخطأ  لو تصورته متفرغا للعمل الأذاعي، فهو صاحب عائلة (لطيفة جدا)، وله اهتمامات شخصية، يحرص  هو وزملائه في الأذاعة الكلدانية على حضور اغلب، ان لم اقل كل، نشاطات  منظمات الجالية وجمعياتها، بندواتهم  وحفلاتهم ، مع كل هذا فهو صاحب عمل تجاري منذ اكثر من 25 سنة، يعمل به يوميا ، دونما  ان يؤثر على حياته الخاصه او نشاطاته الوطنية الأخرى. وحبنما اراد ان يعبر عن ببعض مما يعتمر في صدره استعار مقولة مشهورة للممثل الراحل مايكل كريشتون:"انت ان لم تعرف تأريخك، فكأنك لا تعرف ايّ شـئ. بالضبط، مثل ورقة شجر سقطت، لا تعرف انها اتت من شجرة!".
ســتقف امامه يوما، وأمام زملائه في الأذاعة وتقول، طالما عندنا اناس مثلهم، بالجهادية والعمل والأخلاق، فأن جاليتنا العراقية، بخير!
 
*ميردث مونك:ممثلة امريكية، مغنية ومخرجة وفنانة ومنتجة افلام.

كمـال يلـدو
كانون ثان 2014




لقطة قديمة لكادر الأذاعة


لوح تقديري لمناسبة مرور 20 عاما


لوح تقديري من موسسة الأحصاء الأمريكية لمشاركة الأذاعة في التوعية


لوح تقديري من وزارة النقل العراقية


لوغو وشعار الأذاعة


يظهر السيدان ساهر يلدو و شوقي قونجافي الأستديو قبل سنين11


السيد فوزي دلي وبعضا من آرشيف الأذاعة


السيد فوزي دلّي


العزيزان ماهر كانونا  وضياء ببي في الأستوديو


المايكرفون الذي كانت تستعمله الراحلة انتصار يونو


في الأستديو2


في ذكرى الراحلة المذيعة الغالية انتصار يونو

404
شكرا لألتفاتتك اخي زيد، قد تكون للغربة وآثار الوضع العراقي والشعور  بفكرة الأنقراض مستقبلا وهواجس اخرى هي من العوامل التي سارعت بنمو هذه الظاهرة في المهاجر. فرغم ان هذه القبولات و ((الشيرا)) كان معمولا به في قرانا الجميلة، وكل قرية كانت تأخذ افتخارا بأحيائها مناسبة قديسيها، لكن الأمور هنا خرجت عن (القداسة) ودخلت مرحلة التحزب (القروي) . بتصوري، لا توجد اية نية سوداء عند القائمين على هذه الأحتفالات....هم يشعرون بنشوة الأنتماء لتلك البلدات والقرى...فلندعهم يفرحون ويهللون طالما كانوا اناسا طيبون( لأن الكثيرين منهم حرموا من ذلك في وطنهم الأم) آمل ان لا نجد  سببا آخرا يجعلنا اكثر فرقة . ان الذي يجمعنا كبير.......لكن عدونا وعدو العراق...كبير ايضا ...ووحش كاسر ....ومجرم وقاتل ......فأيهما  سنصطف مع ، وأيهما سنحارب ، وأيهما سنأتلف مع ...وأيهما وأيهما...اخي زيد ....ان ان الغربان تنهش في جسم الوطن ...آمل ان نكون بحجم المسؤلية!

405
ألف شكر عزيزي لوسيان على مرورك الكريم وتعليقك. الموروث العراقي غني بأنواعه وأشكاله وصوره وتناقضاته، لكن للشعراء مدارسهم وبحورهم وأساليبهم، وهناك المجاز وهناك (المعنى في قلب الشاعر) وهناك طرق كثيرة للتعبير او التخفي خلف الكلمات من اجل ايصال الرسائل الغرامية اوحتى السياسية. انت تعرف جيدا تقاليد المجتمعات الشرقية (المتناقضة) تجاه الحب والغرام والعشق، والحبيبة بالذات، هذا الأمر ترك (العشاق) في بحر من العذابات والآلام التي ربما لا يتمنوها، لكنها ضريبة الحب. وبالمناسبة فأن هذه (الآهات) ان صح التعبير عنها موجودة في الموروث والمجتمعات الشرقية، العربية والآسوية (ايران وتركيا والهند..الخ) . قد اتفق معك في قدسية الحب (الأنساني) وأن يكون حقا مجرد من العذابات، لكن الحب في بلادنا، ملازم للشوق والآهات والعذابات ....بهذا  وصلت عواطفنا احيانا الى درجة من الخلط والتشابك حتى  ضاعت المقاييس، اذ يجب ان يكون الحب اجمل استراحات الأنسان (الفتى أو الفتاة) لكن ....احيانا يكون ، اكثر محطاته عذابا. اما بالنسبة للبيت الشعري الذي اقتطعته للشهادة على كلامك.....فبالحقيقة، انا اجيبك بالنيابة عن الشاعر،(ان سمح لي) فهذا تعبير مجازي ، لأنه يعني فعلا مبني للمجهول، (العشك عذبنا) وهذا تعبير شائع اكثر مما هو وصف لحالة عاطفية محددة. اشكر لك مداخلتك، وآمل ان اكون موفقا في اجابتي ، وأنا اقول لك (( احته العشك عذبنا)) ايضا . ودمت سالما

406
قليلون هم الذين سيبكوك يا فؤاد


الفنان فؤاد سالم يحضر المهرجان العربي في ديترويت اوائل الثمانينات ومÙ

  ما من احد منّا، ان كان بكامل وعيه  انتظر ان تحصل المعجزة مع الفنان فؤاد سالم، الكل توقع النهاية.  فقد تعب جسمه من المرض، وتعبت نفسيته مما عانته وشاهدته، خاصة في الأعوام الأخيرة.  لكن يظل العجب سيد الموقف من سلوك السلطات الرسمية، والمعنيين بالثقافة تجاه محنة الفنان فؤاد سالم (ناهيك عن محن باقي الفنانين والرياضيين والأدباء)، فرغم المناشدات الكثيرة ، والمقالات التي كتبت اثناء مرضه، فقد تفننت الحكومة في الأفلات من مسؤلياتها، ورحل فؤاد!
  ان ما جادت به اقلام العديد من الكتاب والكاتبات هو شئ طيب، ولأنسان وفنان يستحق حقا، لكني وجدت فيها ايضا، صرخة غضب على النظام ومؤسساته المعنية في التعامل مع (محن) فنانيه وأدبائه ورموزه الثقافية التي افنت شبابها في خدمة العام، واليوم تنتظر ان يقدم لها شئ يحفظ كرامتها.
كان من الممكن لي ان افهم موقف النظام البائد (لو جرت الحادثة في زمانه)  تجاه الذين لم يمتثلوا لسياسته لتي اغرقت البلاد في بحور التخلف والموت، لكن ماهو تبرير (روبوتات) العهد الحالي، وميزانياتهم الخيالية. هل كان  فؤاد من ابطال القادسية، ام من مداحي القائد الضرورة، ام من فناني القصور الرئاسية؟ ما هو تبريرهم؟ الم يعتلي فرس المعارضة العراقية وهو في اوج عظمته وتألقه الفني، ودفع لذلك ثمنا غاليا، يعز علـّي اليوم ان ارى سياسي المدرعات الأمريكية والأيرانية ان كانوا قد دفعوه، في الغربة والمرض والحرمان والتهديد والترحال! من منهم دفع  ثمنا بهذا الحجم ؟
انا شخصيا لست معاتبا لهم، ولا لمن اتت بهم غيوم الصيف وصاروا في قمة الهرم الثقافي، ابدا، فقد كشفوا مرة اخرى عن عقليتهم وثقافتهم، كشفوا عن موقفهم من الوطن والمواطن، نزعوا قناع التقوى (المزيف) وبانت اسنانهم السوداء في مشهد رحيل البطل! واليوم، تركن الكرة في ملعب الناس، في ملعب المثقفين والوطنيين العراقيين حتى يعيدوا ترتيب الأوراق. ان هذه الجماعات ليست منّا وليست لنـّاـ وآمل ان يكون موسم الحصاد قريب.

فؤاد الذي زرع فينا حب البصرة

مامن مغن عراقي غنى لمدينته مثل فؤاد، وما من احد بذر حبها بين الناس مثله، يشاركه مجموعة الشعراء والملحنين الكبار الذين ساهموا في سمفونية المحبة البصرية. لكن ،يحز بالنفس الحصيلة التي خرج فيها فؤاد عقب زيارته للبصرة، حينما قال: ان حمل الرشاش اسهل من حمل العود في شوارع البصرة، هذه البصرة الجميلة...
"بصرتنا ما عذبت محب ....وأحنه العشك عذبنا...يابو بلم شط العرب ...يعرفنا وموالفنا" تكون فيها ادوات الموت مرخصة ومرحبا بها، بينما ادواة الفرح والحياة، تصبح مثارا للريبة والشك!

في ديترويت
ربما تكون ديترويت من المدن القليلة التي نالها نصيب استراحة الأنسان، فؤاد سالم، بعدما اخذ منه الزمن والترحال وملاحقة السلطات البعثية له قسطا كبيرا. كان منظرا يبعث على الأعتزاز حينما تقف الى جنب عملاق في الفن والثقافة العراقية وهو يحمل معك ذات المشعل، من اجل عراق الخير ، من اجل وقف الحرب، ومن اجل ازاحة الدكتاتورية. لم يكن سهلا عليه، لكنه تحمل الكأس بكل مرارته. لقد كان في مرمى فوهاتهم، وأمام مرتزقتهم، ولم يخافهم او يهابهم، ليس كما فعل البعض وباعوا الغالي بسعر رخيص!
في هذه المدينة غنى اجمل الأغاني التراثية، وأروع الأغاني الوطنية والتضامنية السياسية، من كلماته او من كلمات وألحان الفنانين الآخرين. وقف عاليا في احتفالات 31 آذار و 14 تموزونشاطات الأتحاد الديمقراطي العراقي، في ديترويت وشيكاغو وساندياكو/ كاليفورنيا.  كان دائم الفخر بالطريق الذي اختاره والذي لم يحد عنه، وأستحق احترام الكثيرين، حتى من خصومه السياسيين.

وفؤاد الذي زرع فينا حب العراق

يا لتلك الليالي كم كانت طويلة، لكن الذي  انارها وزينّها، كانت
اشرطة فؤاد سالم وأغانيه التي تحكي حب الأرض والأنسان والعراق. كانت بلسما لغربتنا ومناجاة لرحلتنا نحو المجهول والعدم. كانت اشرطته توزع مثلما يوزع الخبز الحار، رغم عمل السلطات الدؤوب في نزعه من ذاكرة الغناء، لكنه كان اكثر حضورا من خطابات صدام، وأكثر منها ترحيبا عند الناس! كانت كلماته تدخل الروح وتدلها على الأمل، ومازالت لليوم رغم الريح الصفراء التي تجتاح الوطن.

في الوداع
لا اظن ان وداعا كوداعك كان سيكون اروع مما جرى، انت كنت تبحث عن الطيب وعن الذي "جرفه صافي" وها هم رفاقك وأحبتك وناسك، المثقفين والفقراء والوطنيين، معك من بيروت  حتى النجف "وقد شارك في التشييع نقابة الفنانين العراقيين المركز العام وفرع النجف واتحاد الادباء والكتاب العراقيين فرع النجف وجمع من الأدباء والفنانين في المحافظة وبعض من المنظمات الجماهيرية ومحلية الحزب الشيوعي العراقي في النجف وبابل ... والملاحظ غياب تمثيل وزارة الثقافة وكذلك الحكومة المحلية في النجف عن المشاركة في التشييع"** هم الذين  حملوا نعشك في آخر رحلة لك مع الوطن، هل كنت ترغب بأن تشيعك الدولة التي تنكرت لك؟ ام كنت تريد من بين مشيعيك اشباه المثقفين والفنانين، او مخبروا النظام البائد؟
اعرف جوابك ايها الأنسان الطيب، اعرفه حق المعرفة،  فمنذ ان تفتحت عقولنا وأستمعنا  لأغنية "يا عشكنا"  فقد كانت اشارة كافية لمعرفة من اية طينة انت ومن اي نبع قد سقيت!  نعم، حزنت لرحيلك،  مع ان امنيتي كانت ان تتجاوز محنة المرض  و تعيش دهرا اطول ، لكني لم اعارض رحيلك ايضا، وقلت ، يكفي عذاب هذا الأنسان، يكفي ان يرى بصرته الجميلة وعراقه الحبيب بهذا البؤس وهذا التخلف، يكفي.
  
"العطر يبقى فواحا في اليد التي تعطي الورود للآخرين" .
الممثلة الأمريكية هيدا بيجار
** الخبر كما نشر في موقع الحزب الشيوعي العراقي
كمال يلدو
كانون ثان 2014


407
شكر وتقدير الى (لوسيان)لمروركم الكريم وكلماتكم الحلوة. آمل بالحقيقة ان يكون الموضوع بلسما لمن يعانون من المرض وأن يمنحهم نسمة امل في رحلة العلاج. السيدة نزهت مثال كبير في التحمل والصبر والمقاومة والشجاعة.

408
شكرا لك عزيزي برديصان وعلى مرورك الكريم .لقد كتبت اكثر من مرة عن شارع الرشيد وعن ساحة الوثبة، ومع الرد تجد هذا الرابط عن برنامج تلفزيوني خاص قدمته عن شارع الرشيد آمل ان يروق لك
https://www.youtube.com/watch?v=aCuxuJl6Bts

409
السيدة نزهت سـتّو، قاهـرة السرطان: آمل ان اعيش 100 عام!



مقطع تشريحي للرأس

يقول الروائي الأمريكي والباحث في الأساطير جوزيف كامبيل: "حاول ان تبحث في دواخلك عن المكان الذي يشع منه الفرح، هذا الفرح هو الذي سـيقضي على الألم". بهذه الرؤيا ومن هذه الأسطر رسـمت السيدة نزهت سـتو مسيرة حياتها اللاحقة بعد ان شــخّص الأطباء بما لالبس فيه مرضها، والذي كان ســـرطان منتشر في الطبقة العليا من الدماغ وبتشكيلة تشــبه اطراف العنكبوت وقد استقرت بين اخاديد الدماغ الكثيرة ، لتؤثر على مجمل حركات الأنسان ووظائفه الطبيعية، في السمع والنطق والتذوق والتوازن وغيرها.

1988 العام الفاصل

مازلت اتذكر جيدا هذا العام، وكيف جرت التغيرات في جسـمي، فقد تحولت كثيرا ولم اعد كما كنت سابقا، صـرت اتعـرّق بشدة، ورافقني شــحوب، وحالات متقطعة من اختلال التوزان او مشاكل في التذوق والسمع. كان التوجه للطبيب هو الحل الوحيد بيدنا. فبعد طبيب العائلة، احالوا نزهت الى ( مستشفى بروفيدنس) في ديترويت، وقد اجريت لها العديد من الفحوصات والأشعات وانتهى الأطباء الى طمئنة العائلة بأن لها (منطقة رمادية) في الدماغ بمساحة 2سنتم ونصف وهي لا تشكل اي خطر ويمكنها الذهاب للبيت. هذه النيجة بعثت ببعض الطمأنينة داخل نزهت والعائلة. لكن وضعها لم يتحسن بل ازداد سـؤا، فراجعت الأطباء ولكن هذه المرة في مستشفى (هنري فورد) بديترويت، والذين بدورهم احالوا قضيتها الى المستشفى التعليمي التابع لجامعة  "آن آربر" حيث يوجد فريق طبي اختصاصي بهذا المرض. وكان لابد لمحاسن الصدف ان تلعب دورها هذه المرة، فقد تمكنت اللجنة من حجز موعد مع (د. كريكوري تومسن) المتخصص بالحجيرة تحت الدماغ والتي تلتقي بها كل الأعصاب الحسية. عقد الأطباء عدة اجتماعات، ليصلوا الى النتيجة بأن علاج هذه الحالة سيكون بالأشعاع وليس بالسكين!
هذه النتائج، وكلمات الأطباء ووعودهم شجعت نزهت والعائلة للخطوة اللاحقة، وفعلا بداءت  اولى جلسات العلاج بالأشعة بعد ان عملوا (قالبا) للرأس والكتف مزورد بالأسلاك لتسهيل المهمة.

القلق سيد الموقف
ولأن حالتها لم تكن سهلة، وصبرنا صار ضيقا، اصبح القلق يساورنا في اية حركة او (أنـّة) تصدر من نزهت، فقد آثرنا استشارة الأطباء في مستشفى "مايو كلينك" المشهورة عســـى ان نجد من يعيننا في هذا المصاب، لكنهم وبعد الأطلاع على التقارير الطبية ، طمأنونا بالقول: ان ما يقوم به الأطباء في مستشفى "آن آربر" هو الأتجاه الصحيح، عند ذاك ارتحنا قليلا. مع اطلالة العام 1989 انجز الأطباء كل عمليات العلاج بالأشعاع، ثم اجروا آخر الفحوصات، وكانت قلوبنا قد توقفت للحظة،  وعيوننا مسمّرة نحو الباب بأنتظار خروج احدهم، وفعلا تم ذلك، وصافحونا وهنؤها  وقالوا لنزهت: ان ما جرى  لك في العلاج هو معجزة طبية، فقد بينت النتائج بأن السرطان الذي كان منتشرا  في دماغها قد جرى ايقاف نشاطه بالكامل، وأن الأمر يستلزم لمراجعة سنوية مستمرة وانتباه لأي تطور صحي.

اين يكمن الـســر؟
عندما سألت السيدة نزهـت عـن ســر صمودها ونجاح علاجها قالت: في البداية لابد لي من ان
اشكر زوجي وشريك حياتي نوري ستو، الذي رافقني في كل هذه الرحلات المتعبة وأمدني بالصبر والحنان، وأشكر عائلتي التي غمرتني بالمحبة، ثم اتوجه بالشكر الى لجان الأطباء المختلفة الذين اشرفوا على علاجي، وحسن الطالع في التشخيص السليم الذي ساعد في انقاذ حياتي. استدركت القول وسألتها مرة اخرى ، ولكن معظم الناس  هنا يتوفر لهم ما توفر لك، هناك شئ آخر، ما هو؟ قالت نزهت، وكأني اريد ان انتزع منها اعترافا بالقوة، لا اخفيك سرا، انا اعشق الحياة، واحب اسرتي وقد سعدت كثيرا لولادة حفيدتي الأولى (كريستينا)، وخلفيتي الأكاديمية والمهنية في علم الأجتماع ساعداني على التعامل مع المرض بشكل طبيعي. صحيح ان في جاليتنا اناس ترفض حتى لفظ اسم مرض السرطان وتقول (هذا اللذي لا نسميه) أو (هذا الخبيث) أو (ذاك المرض) في اشارات تدل على الرعب حتى من تداول اسم المرض. انا شخصيا لم اذعن للمخاوف ، وقبلت الأمر، وكنت اجيب الناس عندما تسألني، وكنت امارس حياتي بشكل طبيعي، رغم اني كنت متعبة نفسيا وجسديا. اعتقد ان جزء من السر يكمن في طريقة تعامل الأنسان مع المرض ونتائجه اللاحقة. شخصيا، خسرت العديد من الصديقات والأصدقاء لهذا المرض، وكانت الهواجس تهاجمني مرارا بأني سأكون الضحية اللاحقة للمرض، وكنت أمنّي نفسي بالقول: اهلا وسهلا به متى ما جاء!

النشأة الأولى
ولدت السيدة نزهت ستو  في العام 1944 من السيد عزيز القروي والسيدة مريم اوراها عكاش في منطقة سوق الغزل/ صبابيغ الآل. ادخلوها مدرسة الراهبات القريبة من سكنها، وبعد ان انهت الأعدادية دخلت كلية الآداب وأختارت قسم علم الأجتماع والذي كان قد افتتح للتو. اقترنت من السيد نوري ستو عام  1968 وهي لما تزل طالبة جامعية
، وتخرجت عام 1970، وعملت في مدينة الطب بصفة باحثة اجتماعية، ثم  مشرفة على مدارس التمريض بذات الأختصاص. رزقت بهيثم، ثم يوسف وايفا في نهاية العنقود كما يقولون! هاجرت مع عائلتها الى الولايات المتحدة في العام 1976، ورغم التزاماتها الكبيرة في تنشئة ورعاية ابنائها الثلاثة، الا ان ذلك لم يمنعها من مزاولة  الأعمال الحرة، حتى اقعدها المرض عام 1988.
السيدة نزهت ستو نشطة في مجال الدفاع عن حقوق الشعب العراقي والمرأة ابان الحكم الدكتاتوري ولليوم، وقد عملت لسنين في صفوف الأتحاد الديمقراطي العراقي ومازالت تحضر نشاطاته وأماسيه، على الرغم مما يبدو عليها احيانا من تعب او ارهاق.

الصراع لم ينتهي
في العام 2010، وفي اليوم التالي لزيارة طبيب العائلة، انتبهت نزهت الى نتوء كبير في احد الأثداء، مما بعث مجددا بكل صفارات الأنذار، وعادة ظلال القلق والخوف مرة اخرى لتخيم على الوضع. ولأن طريق الأطباء والفحوصات صار مألوفا لنا، فبعد مراجعة  "د.ايرك براون" في مستشفى "بومانت" بديترويت والمتخصص بالغدد اللمفاوية، اذ جرى التشخيص بأن هناك التهابا  بالجهاز اللمفاوي، والذي يعمل بصفة (فلتر) للدم في كل الجسم، وأصابته معناها اصابة كل الجسم.  بعد ذلك  اتصلت بالدكتورة العراقية المتخصصة بالأورام السرطانية (مها الصراف) في مدينة آن آربر والتي قالت لنا: ان نزهت محضوظة، وسأدلكم على" د.كيمنسكي" من المستشفى التعليمي التابع ل "جامعة آن آربر"  وهو مرشح لنيل جائزة "نوبل"  في الطب لأبحاثه المتقدمة في علاج السرطان اللمفاوي. عندها ارتحنا قليلا، وفعلا تمت الأجراءات ، وعولجت نزهت من هذا المرض الجديد  بجرعات من (كيمو ثيربي) و بالأشعة ايضا، وتعافت نهائيا من المرض الثاني.

ما اقوم به اليوم
قلت للسيدة نزهت ستو بأنك انسانة رائعة بصبرك ومقاومتك للمرض، فردتني مضيفة بالقول:اشكرك، مثلما اشكر كل من اسمعني كلمة تشجيع حلوة، واليوم انا احاول ان ارد الجميل للعديد من النساء اللواتي يعالجن من هذا المرض او من الرجال، وأعمل لأكون مثلا حيا  لهم بالأنتصار على مرض السرطان. ازور البعض، واتحدث للآخرين بالتلفون، وكلما ساعدتني صحتي او صحة زوجي الذي يتعافى من المرض ايضا. قد اقول لك بأني الأسعد في هذا العالم، فقد عشت الأسوء  وأجتزته، واليوم انا اتمتع بســني التقاعد مع زوجي، ومع احفادي الستة، ثلاثة من ابني هيثم، وثلاثة من ابنتي ايفا، وأتطلع لليوم الذي احضر عرس ابني  يوسف وألاعب ابنائه، اوقفتها قليلا وقلت، ان هذا سيستغرق وقتا طويلا، فكم ستعيشين، ضحكت نزهت وقالت: 100 عام ، وأشارة الى زوجها وأومأت الى صورة  (عمتها) السيدة  مريم جـجو كنّو والدة نوري ستو والتي كانت  تعيش معهم في البيت، فقد عـمّرت حوالي ال 100 عام!

كمال يلدو
كانون ثان 2014




موضع بعض الأورام السرطانية في الدماغ


بورتريت  في دارها ديسمبر 2013


صورة التخرج من كلية الآداب بجامعة بغداد عام 1970


صورة الزفاف عام 1968 في بغداد


في احدى المناسبات العائلية مع زوجها السيد نوري ستو

410
شكرا جزيلا للأستاذ يوسف شكوانا و akara_51  لمروركم الكريم على الموضوع، وقد شرفني ذلك كثيرا، ليس فقط تعليقاتكم التي اسعدتني كثيرا، بل اهتمامكم بأخبار ابناء وبنات شعبنا، المبدعين او غيرهم. ان هذا الحرص يعززنا ويمنحنا قوة اضافية. الكثير من الأقوام يحسدون جاليتنا في ديترويت لأنها متضامنة فيما بينها وتمنح المساعدة لأبنائها وتقف معهم في الأيام الصعبة، وكم كنت اتمنى لو يتعلموا من ذلك بدل ان يمارسوا فن (الشعوذة او الحسد) .انا بالحقيقة اشكر د.موفق لأنه منحني هذه الفرصة الطيبة كي اعرضه للقراء في العراق عن طريق موقع (الحزب الشيوعي العراقي) وللعالم عن طريق (موقع عينكاوة دوت كوم ) الحبيبة .وأمنيتي ان يتوجه اعلامنا في المهجر والمعنين الى البحث عن هذه الطاقات والأمكانيات والأحتفال بها وتكريمها والأعتزاز بها وأعلاء شأنها، لما قدمته او لتكون درسا بليغا لأبنائنا وبناتنا اللذين ينشأون في هذا المجتمع وهذه الدولة الرائعة. محبتي لكم ولكل من شرفني بزيارة هذه الصفحة، وأعدكم بالمزيد من شموس جاليتنا الغالية .....فترقبوها رجاءا. الف شكر للغالين الأحبة في (عينكاوة دوت كوم) ...لهم منزلة خاصة في القلب

411
شكرا لك اختي الكريمة جولييت. ان بين ابناء شعبنا الكثيرين ممن يجب ان نفتخر ونتفاخر بهم، نساءا ورجال، وطالما ان الدولة اهملت هذا القطاع المهم من الشعب، اما لدواعي فشلهم السياسي في العراق او من باب الحقد الديني والطائفي، وكل هذا اصبح لا يهم كثيرا، فالمهمة اصبحت مهمة المثقفين والنخب والأحزاب الوطنية. اعتزازي بتعليقك الجميل وآمل لك سنة سعيدة وبالتوفيق للكل

412
شكـرا للأعزاء د.عبد الأحد متي، لوسيان، زيد ميشو و داني برخو. مروركم الكريم على المقالة وترككم هذه الرائحة الزكية تزيدني شجاعة للبحث والكتابة عن المزيد من مبدعينا. اشكركم لأنكم انتم المعنين بهذه الكتابة وأنتم من تشجعوني. وألف شكر لواحتنا الغالية عينكاوة دوت كوم والغالي أمير المالح.

413
أحبتي برديصان  و حنا شمعون. ألف شكر لمروركم الطيب على الموضوع وكتابتكم البهية. انا على يقين بأن هناك الكثيرين وآمل ان  يتوجه مثقفينا نحو هذا المنحى. ان لم نفتخر نحن بهم، فمن سيفتخر؟ ان الجد والمثابرة لابد لها ان تنتج الثمار الطيبة.محبتي لكم وشكرا لعينكاوة كوم الغالية

414
الف شكر لكلماتك الطيبة أخي صباح برخو. انا شخصيا اعتبر ان اي واحد حينما يرفع من شأن ابناء وطنه او جاليته انما هو واجب وطني. ان الجواهر التي تمتلكها جاليتنا الغالية ينبغي لها ان تشع بنورها للكل. انا سعيد جدا ان الموضوع راق لك. اما بالنسبة للكتب القديمة فقد كان اسم المكتبة (دار الكتب القديمة) وكانت مقابل سينما الشعب في المربعة والتي كان اسمها الزوراء سابقا. وأعدك بأني في الأسابيع القادمة سأقدم شيئا يليق ب (جموعة اخوان) وأرثهم الطيب. اما من الجهة المقابلة ل سينما الوطني فقد كان اوروزدي باك.....لقد امسينا نتحدث عن اماكن بغداد التي انتهت وكأننا نتحدث عن بلد آخر او مدينة مضى على دمارها آلاف الأعوام ...الف حيف، بلد جميل ورائع يقع بيد الحرامية والمزورين

415
د.موفق داود، انا واحد من ابرز خمسة مخترعين في العالم بمجال اختصاصي!

د. موفق داود:لا تسير  سيارة من سيارات "جـي ام" الا وفيها شـــئ منــّي!


حـاز على اعلى لقب هندسي في مجال الهندسة التقنية وهو "مهندس زميل" وذلك من خلال عمله في مختبر البحوث لشركة (جنرال موتورز) الأمريكية لصناعة السيارات، وفي جعبته (30) براءة اختراع  و (50) اختراع ينتظر المناظرة عليها من اجل اقرارها لتدخل في ســـجلات حصاده العلمي المتميز،  وفي العام 2012 وحده، حصـــد على  (13) براءة اختراع في اجزاء مهمة تابعة لماكنة السيارات وأدواتها ومازال يقول: ان مشواره مع العلم والأختراعات  يبقـى مفتوحا على كل الأحتمالات!

النشأة
ولد في بغداد عام 1946 في واحدة من اجمل مناطق بغداد وأكثرها شـــعبية، وهي منطقة (عكد النصارى) وأدخلته عائلته الى مدرســة اللاتين هناك حتى الصف الثاني، وبسبب من طبيعة عمل والده الذي كان  يشغل مرتبة  "مدير محطة" في السكك الحديدية،  فقد تنقل بين عدة مدن وخاصة  في جنوب العراق،  مثل  البصرة  والرميثة والسماوة  و الناصرية.  أكمل دراسته وتخرج من ثانوية المعقل بالبصرة،  و كان الاول بالدرجات في امتحانات البكلوريا للعام 1963. وبسبب من تفوقه ذاك حصل على زمالة دراسية الى يوغسلافيا في علوم الهندسة الميكانيكية، و كان اختصاصه في مجالات تصميم أجهزة المكائن الحرارية.  عاد الى العراق وعمـل  عدة سنوات في مجال ادامة و تصميم أجهزة التبريد المركزية في " شركة الالبان العراقية"  و مؤسسات أخرى. ألف كتاب عن أجهزة التبريد و التكييف آنذاك. غادر الى أنكلترا عام 1975 لدراسة الدكتوراه في مجال فيزياء المعادن في جامعة " شيفيلد"، وكان اختصاصه في مجال معادن الطاقه النووية.  تخرج عام 1980 وسافر بعدها الى الولايات المتحدة للتدريس في جامعة Michigan Technological University
منذ عام 1983 يعمل في مختبرات  البحوث في شركة جينرال موتورز
General Motors Research Lab

سيرة ذاتية
موفق داود حنا القس شـمعون، هو مهندس زميل
 Technical Fellow
وهي أعلى رتبه تمنح  في علم الهندسة التقنية، يعمل بمختبر البحوث في شركة  "جينرال موتورز"  في مجال البحوث الهندسية و فيزياء المعادن لأكثر من 30 عاما. حصل على الدكتوراه  في الصناعات المعدنية من جامعة "شـيفيلد" في المملكة المتحدة ، والهندسة الميكانيكية من جامعة  "زغرب"  في كرواتيا. نشرت له الكثير من الابحاث في مجالات مكونات المعادن  و تصنيع المحركات ، و الفرامل والاهتزاز و تخميد الصوت  و علم الاحتكاك في المفاصل لمواد المغنيسيوم و الألمنيوم وغيرها.
حاز على عشرات الجوائز من الشركة  ومن مؤسسات وجمعيات أمريكية اخرى. أهم انجازاته هو أكتشافه سبيكة معدنية ACuZinc جديدة لها خواص محسنة و مميزة تفوق قدرات المعادن، اذ انها  تكبس بدقة عالية وبدون أجراء عمليات مكلفة, حيث كان لها تاثير كبير في مجال صنع الكثير من القطع التي تدخل في تصنيع السيارات و غير السيارات، وقد كتبت مقالات كثيره عنه وعن اختراعه هذا.
منح شهادة تقديرية كبرى من قبل
National Association of Die Casting.
تثمينا لمساهماته الاستثنائية  بأكتشافه السبيكة الجديدة،
وهو حاليا عضو في الهيئة الهندسية والفنية المشرفة على تصنيع المحركات الكهربائية و تطويرها بخصائص متفوقة.

حكايتي مع معدن الزنك

في حديثي مع د. موفق عن عدد الأختراعات وتنوعها ، وما ان كانت (جنرال موتورز) هي التي كلفته بذلك قال: لقد بدأت قصتي مع الشركة منذ حوالي 30 عاما لليوم، وعملت في البداية بمركز البحوث، وأنصرفت لهذا الأمر،  وقد ساعدتني  خبرتي السابقة والأمكانيات المتاحة لي الآن، مكنتني من مزج المبادئ النظرية بالتطبيق. يعمل في مركز البحوث حوالي (500) موظف ومن شتى الأختصاصات، اما حملة شهادة الدكتوراه منهم فتبلغ نسبتهم حوالي 70%،  وحينما بدأت بالبحث ودراسة المعادن  فـلقـد رافقني بها عـددا من  المهندسين والأستشارين والتقنين، علما اني ومنذ 23 عاما احمل لقب (مهندس زميل) وهو يعادل البروفيسور، ويعد اعلى درجة تقنية يمكن ان يحصل عليها المهندس، وجوابا على سـؤالك، فأن الأختراعات هـي من امهـات افكاري أنا.
لمعدن الزنك خواص فريدة بين اقرانه، فهو ينصهر بدرجة حرارة منخفضة قياسا بالمعادن الأخرى، وعند تعاملنا معه في عملية الصب، فأنه لا يترك اية زيادات، اي انه يمتاز بالنظافة وهذا يساعد في تقليل عملية التنعيم او كما نسميها باللهجة العامية (الجرخ)، هذه المواصفات تساعد على انتاج اشكال معقدة يصعب انتاجها مع المعادن الأخرى، لكن المصيبة هي ان الزنك معدن ضعيف!
اما الحل فقد كان في اختراعنا للسبيكة الجديدة ACuZinc
والتي يدخل فيها معدن الزنك كمادة رئيسية، وهذا المعدن الجديد يضاهي الحديد بقوته، ويمكن اذابته بدرجات حرارة اقل من الحديد وصار بالأمكان (صب) اشكال كان من الصعب جدا في السابق صبّها نتيجة لدرجات الحرارة العالية او لشكلها المعقد. وقداستغرق بحثي في معدن الزنك وسبيكته الجديدة حوالي (6) سنوات، وأصبح الأختراع مدونا في مركز (الستاندرد الأمريكي)، ويمكنني القول بأن المعدن الجديد قد دخل في عشرات الأجزاء المهمة من السيارة او الماكنة ويعمل بنجاح فائق، ومنها السكة التي يمشي عليها الكرسي، مقود السيارة (الستيرنك)، مفتاح السيارة، اجزاء في الماكنة، اجزاء في البريكات وربما الأهم من ذلك هي صناعة القوالب التي تصنع هيكل السيارة والتي كانت تصنع من معدن يتآكل بسرعة قياسا للمعدن الجديد مما وفر اموالا هائلة للشركة. على ان استعمال هذا المعدن ( الذي وصل استخدامه في ملايين القطع) لم يقتصر على الشركة فقط بل انها (جنرال موتورز) تقوم بتأجير استعماله للشركات العظمى الأخرى داخل الولايات المتحدة وخارجها بأجور لا يعلم احد بها، وبهذا فهو معدن ناجح جدا وبأستعمالات كبيرة  وربما تتعدى صناعة السيارات في القريب العاجل، اذ قامت شركات عملاقة مثل شركة (جان دين) لصناعة التراكتورات، وشركة  (شـالكـي) لصناعة الأقفال،  قد بدأت فعلا بأستخدامه  وذلك في عمل الأدوات التي تحتاج الى تقنية عالية.


رحلة الأختراعات
بدأت مسيرتي مع الأختراعات منذ العام 1991 ولحد الآن، وقد تمكنت من تثبيت (30) برأة اختراع مسجلة عند الجهات المختصة، وأنتظر الدفاع عن (50) برأة اختراع اخرى اتوقع ان يكتب النجاح لها جميعا. ومن الطريف القول بأني كنت قد شاركت قبل فترة قصيرة في حفل تكريم خاص اقامته الشركة،  حيث تسلمت شهادات تقديرية  ل (13) برأة اختراع قدمتها في العام 2012. لقد حصلت في مسيرتي على (6) جوائز مهمة  وكانت اعلاها جائزة (كيترنك اوورد) التي تمنح في المجال التقني، كما نشرت لي (30) دراسة معتمدة ، وأشتركت في عدد لا يحصى من الندوات والكونفرنسات المحلية والعالمية للحديث عن اختراعاتي، ولا يفوتني القول بأنه ونتيجة للصفات الخاصة التي يحملها المعدن الجديد،
لقد عملت بعد معدن الزنك في البحث بمعدن الألمنيوم لمدة 8 سنوات، وتمكنت من تشكيل الألمنيوم في درجات حرارة عالية، وحصلت على برأة اختراع بذلك وهو الآن يستعمل بصورة كبيرة في الطائرات. ومنذ فترة  اصبح تركيزي اكثر على القطع المكونة للماكنة الكهربائية في السيارات، اذ اني ابحث في تطوير بعض الأجزاء التي يمكن ان تدوم لفترة اطول، هذا اضافة طبعا الى عملي في اجزاء البريكات ايضا.
في رحلة الأبداع هذه سألت د. موفق عن موقعه في عالم المخترعين والأختراعات قال: لأن حقل الأختراعات حقل هائل وكبير، ولأن العقل البشري المبدع ليس له حدود، ولأن الحاجة موجودة فأن سلسلة الأختراعات ستتواصل وسيبدع الأنسان والبشرية بأمور وأختراعات لاتعد ولا تحصى وربما لاتخطر على البال. لقد كنت مأخوذا بالفكرة القائلة: هناك البعض الذين ينظرون للأشياء كما هي ويتسائلون:لماذا؟ لكني دائما ما احلم بأشياء غير موجودة ابدا وأتسائل: لمـا لا؟ علمت لاحقا بأن السنتور روبرت كندي يشاطرني الفكرة ايضا.
 ويمكنني القول بفرح وتواضع وأفتخار، بأني اصـنّف من ضمن (5) علماء في العالم بعـدد ونوع برائة الأختراعات ضمن حقلي الخاص، وهذا يمنحني طاقة لا توصف ليس للعمل والتفكير فقط، بل لدعوة الآخرين، وخاصة ابناء وبنات جاليتنا الغالية للأنطلاق نحو العمل والعلم وخدمة البشرية طالما كانت الفرص متاحة.

البحث في مجال الأختراعات
تصرف شركة (جنرال موتورز) ملايين الدولارات سنويا لتطوير البحوث والأختراعات من اجل تعزيز انتاجها ولحيازة اليد الطولى في هذا الحقل، ويمكنني القول بأن نسبة النجاح في البحوث تصل احيانا الى 6% فقط! اما بالنسبة لي فأن اغلبية البحوث التي اجريتها نجحت ورأت النور.
وللمقارنة فقط اذكر هذه المعلومة، فأذا افترضنا ان هناك بحثا ما على الماكنة (الماطور) وأستغرق سنة كاملة، فأنه يحتاج بعد ذلك الى (5) سنوات لكي يحصل على الضوء الأخضر ويأخذ طريقه للنجاح والأنتاج، وهذه المسيرة تحتاج الى الصبر والتأني والدقة في العمل. امـا عملية تسجيل الأختراع والأجراءات القضائية وأجور المحامين، فأنها لا تقل عن (50-60) ألف دولار تدفعها الشركة، ناهيك عن المصاريف التي انفقت على البحث اصلا مضافا اليها رواتب المهندسين والموظفين العاملين بالمشروع.

النشاطات المدنية
لمن يقرأ او يطلع على سيرة د. موفق المهنية لابد له من الاستنتاج بأستحالة ان يتوفر له الوقت حتى لتناول الطعام، او كما يقول العراقيون "ما عنده وكت حتى يحك رأســه" لكن كونه على هذه الدرجة العلمية، فقد تمكن من تنظيم وقته ليتلائم والكثير من نشاطاته وأهتماماته وهواياته ومنها:
كان عضوا في  أتحاد الطلبة العام  واشترك  بعدة  فعاليات تضامنية وأحتجاجية  في أوربا، عقدي الستينات و السبعينات، كما شارك وساهم في تنظيم العديد من النشاطات المتعلقة بحقوق الأنسان في العراق اثناء عقد الثمانينات في الولايات المتحدة، كما عقد عدة ندوات ولقاءات مع السياسيين العراقيين والأمريكان، وشارك في اصدار ملحق باللغة الانكليزية لجريدة "صوت الأتحاد" التي كانت تصدر في ولاية مشيكان الأمريكية. وعمل ايضا كمسؤل لجمعية الامل الخيرية العراقية،  وأشترك بعدة فعاليات تضامنية انسانية لمساعدة الشعب العراقي في محنته خلال الحكم الدكتاتوري. كما كان له دور في عدة نشاطات انسانية، من جملتها أخراج مسلسل عن القبور الجماعية في العراق بعد أكتشافها عام 2003 ، وأشرف على تنظيم Exhibit عن الطب العربي القديم، ولمن يعتقد بأن هذا غير كاف، فأن الدكتور موفق انغمر مؤخرا في تأسيس  جمعية تراثية بأسم "أحفاد رابي رابا" التي تعني بالتراث و التاريخ، كما انه يكرس اهتمام خاص في البحث بفهرسة وأرشفة و بحث عملهم القيم فيما يصب في الغاية النبيلة لإعادة بناء تاريخ اســرته الكبيرة (العشيرة)، وتثقيف وإشراك أحفادها وأبناء الحاليةالكريمة بذلك.

العائلة
لاشـــئ اقل من الدفء ينتابك وأنت تدخل بيت د.موفق ذو الأهتمامات الكثيرة والمتنوعة، ان كان  في الفن والرسم وتأطير اللوحات، في التصوير وعمل المونتاج أو حتى في تنظيم المحاضرات  مستخدما آخر مبتكرات الأجهزة الأيضاحية، اما زوجته الغالية  "طليعة خليل جموعة"، فهي الأن مدرسة متقاعـدة، وسليلة عائلة معروفة بدورها الثقافي والأقتصادي في بغداد، ان كان بشخص والدها المرحوم خليل، او أعمامها الذين سرى عليهم لقب (جموعة اخوان) نسبة لعملهم المشترك أيام الزمن الجميل للعاصمة.  اما لمساتها العراقية، فأنها تكشف عن نفسها في التصميم والديكور الداخلي للمنزل الذي يعج بالتحفيات والصور واللوحات والسـجادات،  ذات المناشئ المنوعة والزاهية بأحلى الألوان. ولهذه العائلة ابن شاب (مؤكد) مارك، الذي يمتهن المحاماة، وله مكتب مرموق في العاصمة الأمريكية واشنطن، وينشط في قضايا الدفاع عن حقوق العمال والنقابات امام الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال، وبنت طبيبة شــابة اسمها (مونا)  تمكنت خلال فترة قصيرة من البروز في عملها حتى تقلدت مركز رئاسة قسم الأطباء المقيمين في مستشفى مدينة فلنت، حيث تقوم بالأشراف على عملهم وتدريبهم وتهيئتهم لعملهم اللاحق كأطباء.
اما د.موفق وزوجته طليعة قيقولوا: اننا ســعداء بالأولاد وبمراكزهم العلمية المتقدمة، لكن سعادتنا اكبر بأحفادنا الأربعة، ونتوق لقضاء اكثر الأوقات معهم، لابل اننا نتطلع لســـني التقاعد كي تقترب اكثر، حتى نتفرغ كليا للأستمتاع بالحياة مع اولادنا وأحفادنا ســوية.

كلمة أخيرة
يقول د.موفق: حينما اتابع اخبار العراق، تلازمني حالة من الحزن واليأس لما آل اليه حال الناس والوطن، وأتطلع لليوم الذي تزول عنه هذه الغمامة الطائفية السوداء، ومسلسل العنف الذي ابتلى به الناس، وأعتقد ان البديل الحقيقي لبناء العراق سيكون بيد ابنائه النجباء، الحريصين كل الحرص على تراثه وأهله وخيراته، وأتطلع ان يحقق التيار الديمقراطي العراقي النجاح في الأنتخابات القادمة بأمل ان يكون حافزا للتغير المنشود، نحو بناء مجتمع مدني حقيقي ينعم فيه كل العراقيين بالأمن والأمان والسعادة والطمـأنينة على مستقبلهم.

كمال يلدو
كانون ثان 2013


المزيد من قطع السيارة التي تستخدم المعدن الجديد


خبر اكتشاف المعدن الجديد كما ورد في احدى الصحف العلمية والتقنية الكند


د. موفق مع زوجته طليعة وأحفادهم


د. موفق يمارس هواياته في اعادة تصوير الوثائق التأريخية


صورة تجمع د موفق مع زوجته الغالية طليعة جموعة


مع العديد من قطع الماكنة التي تستخدم المعدن الجديد


مع قطعة رئيسية من ماكنة السيارة التي ادخل فيها المعدن الجديد


مواصفات وأفضليات المعدن الجديد


احدى الجوائز التقديرية



 

416

خيمة "طريق الشعب" في مهرجان اللومانتيه 2013: أريج الآس والذكرى




تصف الروائية الأمريكية (ايملي كيفن) الذكريات بالقول:" الأغاني وعطر المكان، سـتعود بك الى لحظات من الزمن، أكثر من اي شئ آخر بالحياة. انه لمن المدهش، كيف يمكن لهاذان الشيئان ان يفعلا فعلهما في الناس. تلك الأغنية التي لم تعرها اهتماما في زمن ما، وذلك المكان الذي لم تشعر ابدا بأن له رائحة متميزة".
نعم، في كل عام تورق الأشجاروتثمر وتزهو، ثم تلقي بما حملته متهيأة للشتاء، ثم الفصول الأخرى، هكذا تبدو الحياة احيانا، حزمة من الذكريات تترك الوانها وبصماتها على حياتنا، تزهـر مرة، وتغفو مرة!

قبل 40 قمرا

تبدأ الرحلة في خريف العام 1973، حيث لم يمض وقت طويل على صدور جريدة "طريق الشعب" بشكلها العلني، وأفتتاح مقرها  في شارع السعدون، على مرمى البصر من سينمتا بابل والنصر. كنّا مانزال شبابا يافعين، تطوعنا للعمل في الجريدة، وعملت حينها في "قسم الآرشيف" حديث العهد، حيث كانت المهمة تبدو شبه مستحيلة في الأنتقال من الصحافة السرية (حيث تنعدم المستمسكات) الى الصحافة العلنية والحاجة لكل شيئ. مع الوقت تعلمنا اهمية  تنظيم وحيازة الأرشيف، خاصة للأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية. كان في القسم اناس يبدو انهم كانوا موظفين، اذكر منهم رفيقة ربما كان اسمها (سهام الظاهر) ورفيق  ربما اسمه (امير او عبد الأمير)، اخذوا  بيدنا وعلمـونا  فـن الأرشفة  وتقطيع الأخبار  والمواد المؤشرة، ووضع الأسم والمصدر والتأريخ، وكانت تأخذنا الحماسة لساعات في هذا العمل، الذي يبدو للبعض جافا وجامدا، لكن بالنسبة لي كان غاية في السحر والأستمتاع، خاصة بالعمل في الجريدة المركزية، ومع رفاق يكبروننا سنا، وأمام اعين المخابرات! ليس هذا فحسب، فقد كانت هذه اولى تجاربي  على هذا النحو، ولأول  مرة نأكل في مطعم الجريدة، الكل، من نفس القدر (الجدر) وبنفس الصحون وفي ذات المكان ، ومن تلك اليد الحنونة، يد سيدة كان يبدو من ملابسها انها جنوبية وربما كان اسمها (ام علي). في تلك الأيام القليلة تعلمت  معنى العمل الرفاقي، والطوعي، وعلمت ايضا ان طريقنا فيه الكثير من الناس الطيبين،  من كل الأعمار والأشكال والأجناس والأقوام، خليط عجيب غريب، لكنه جميل، شيوعي.

المرة الأولى
كانت المواد المتراكمة على الطاولات عبارة عن صحف ومجلات وجرائد وقصاصات لا تعد ولا تحصى، كانت بحاجة للتنظيم كي تعين اي باحث او كاتب وتقدم المصادر المطلوبة.  قليلا قليلا صارت الصحف العالمية تحت ايدينا، ولأول مرة تقع عيني على جريدة الحزب الشيوعي الكوبي "الغرانما" والأمريكي"ديلي وورلد" والفرنسي "اللومانتيه"، ولا ادري ما الذي شـدني لأسم اللومانتيه، هل هي موسيقية الكلمة، ام معناها ام الأبحار في عالم الخيال ، وقد يكون الكل مجتمعا.  ففي لحظة مسروقة من الزمن يمكننك ان تتخيل بأنك تمسك جريدة، كتبها وطبعها ووزعها اناس فرنسيون، انت تجلس في شارع السعدون وآخرون في الحي اللاتيني او معمل فرنسي يتطلعون على ذات الجريدة، عالم بلا حدود من الفنطازيا الشبابية بقى عالقا دونما امل! تمر السنين بعد تلك التجربة القصيرة في الجريدة، وهذه المرة نسمع عن مهرجان جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي "اللومانتيه" وخيمة جريدتنا هناك، وتجمّع العراقيين ، وأهازيجهم وزوارهم ومعها تكبر الأحلام.
تطبق الدكتاتورية على انفاس الناس، ويكبر مشهد اللومانتيه بالتحدي للطغمة وعملاء السلطة، تزاح الدكتاتورية عن صدر الناس، وتبقى "الخيمة" و "اللومانتيه" شاخصة في سماء السنين والأحداث. لا شئ اكثر من قرأة الخبر وأستحضار الذكرى، اما التوقيت والزمن فبقى رهين صدفة ستأتي يوما ما!

تبتدي منين الحكاية
حذفتنا امواج الغربة لشواطئ عدة، وأستقرينا في ديترويت، المدينة الأكثر شهرة في الولايات المتحدة بعدد عراقييها! جمعتنا ايضا بصحبة جميلة من ايام الجامعة "كلية العلوم/جامعة بغداد" عـامل  و نشأت، وكلما شاءت الصدف، جلسنا وتسامرنا وتحدثنا عن العلوم. وللحق  اقول، فأن زميلا علوميا غاليا (خضر العميدي) من كربلاء كان له الفضل في ايقاض الكثير من الأحاسيس التي دخلت عهد الموت السريري نتيجة الغربة وأوضاع العراق المزرية.  فقد كان لأتصاله (الغير متوقع بالمرة) بعد سقوط صدام،  ان يعيد الحياة لشريط من الذكريات العلومية الجميلة، قررت بعدها البحث عمن تسعـفني الذاكرة بهم، وأعلم انهم من ذات المنبع الطيب الذي ســقينا منه في الكلية. كبرت الدائرة وتوسعت، وعادة الأواصر من جديد وبعد فترة  تجاوز عددنا العشرين، موزعين في اركان الدنيا وقاراته، وشكرا للتلفون والأنترنيت الذي يساعدنا. ويمضي طموحنا حتى حققنا صفحة متواضعة في الفيس بوك لزملاء العلوم نتواصل من خلالها باستمرار.  لم تخلو هذه الصلات من الزيارات الثنائية على مدى السنين، خاصة للذين يسكنون خارج العراق، وبقى امل اللقاء الجماعي امنية لا نعرف حجم نجاحها، حتى تقدمت بها الغالية انتصار وأقترحت، ان نلتقي  كمجموعة علومية  (ولو مرة في العمر) ولكن هذه المرة في باريس، وفي ايام اللومانتيه.

الحلم يجد ملاذه
كان هذا المقترح مثل نيزكا انار سماءا ظلت لفترة طويلة دون نور. فكم عصفورا يمكن ان يصيب هذا الحجر،  زيارة اوربا، المشاركة في الخيمة والمهرجان، زيارة باريس واللوفر، شريعة حمورابي والموناليزا ثم الألتقاء بصفوة جميلة من المثقفين والوطنين العراقيين في المهرجان،  هذا اضافة ل "اللمة العلومية" ولمن سـيتمكن من المجئ. في الحقيقة كان العرض مغريا وغير قابل للتأجيل. عملنا سوية نحن معشر العلوم على تشجيع الكل للحضور، ورغم المعوقات  واختلاف ظروف وألتزامات الآخرين، فقد تحقق حلم (6) من طلبة كلية العلوم للقاء  تحت سماء باريس بعد اكثر من 35 عاما من الصحبة والزمالة  في الكلية التي تقاسم فيها الكثير، من احلام وأماني وذكريات، وربما مازال بعضها  شاخصا  لليوم.

تحت سماء باريس
وليس بعيدا عن فضاء الكون، تلتقي  مجموعة صغيرة من طالبات وطلبة كلية العلوم لدورات مختلفة في اعوام السبعينات، من اركان مختلفة من الكرة الأرضية ( ليلى وأنتصار من السويد، عدنان من الدنمارك، ممتاز من استراليا،  كمال ونشأت من الولايات المتحدة) كانت تجمعهم لازمة واحدة هي تجسيد لكلمات الشاعر الغنائي الرائع زهير الدجيلي:
عشاك هاي الكاع لو شحوا نظل عشاك
نتبادل وياها العمر واشواك وي اشواك
تعطش ايلمنه الليل عطشانين
تخضر ايلمنه الصبح فرحانين
عشاك ياخذنا العمر عشاك
وأحباب علمنه الوطن شنحب
تدرون، تدرون، تدرون ليش انحب؟

نلتقي كلنا بهذا الحجم لأول مرة، نجتمع، نتسامر ونغني. نفرح ونحزن، نتذكر ونستذكر. تعود العلوم بكل تداعياتها شــاخصة، قوية وثابتة،  بقصصها الأنسانية، بناسها ، برفاقها وشهدائها، بغرامياتها واحداثها الجميلة. نعود كما كنا، بقلوب صافية كقلوب الأطفال، وروح مرحة وثابة ومتطلعة، نستذكر ما علق في الذاكرة، نعيدها للحياة من جديد وكأننا في سفر يأبى ان يستسلم للزمن وسنيه، للحياة ومصاعبها. يجزم الكل بأننا في تلك الأيام المعدودات (خمسة) كنّا خارج المنظومة الشمسية بحساب الزمن، ولم تنطبق علينا قوانين الرياضيات والفيزياء، وتحدينا بالروح الكيمياوية كل قوانين البايولوجي، وحتى الجيولجيا، وقفت بعيدا مترصدة للموقف، ومترددة من النتائج! هكذا عدنا في اقسامها، وعند ساحة التنس او بالقرب من (النبكة)، في النادي او في الكافيتريا المجاورة لها، مع اساتذتها وطلابها، ذكريات لأيام جميلة،  وجد بعض مرضى العقل انها كبيرة على ذاك الجيل، فعملوا جاهدين على قتلها، ولم يعلموا بأنهم يقتلون كل العراق، ويقتلون انفسهم ايضا، غباء بعثي بأمتياز.

في المهرجان وبخيمة "الطريق"
رغم ان ليالي باريس لم تسعفنا لتلك الأيام القلية، فأمطرتها علينا، لكن خيمتنا كانت عامرة بالمحبة والدفء بمن حضرها من زملائنا في فرنسا او الدول الأوربية الأخرى، وربما اخص بالذكر من السويد التي شاركت بحجم متميز. لا يمكن ان توصف الخيمة بأقل من عرس عراقي بكل المقايس، في العمل الطوعي والرفقة، الأعتزاز، التعارف، الألحان والغناء، الذكريات والناس. بأختصار، كل ما يمكن ان يمنح هذه المناسبة  طعمها الحلو ومذاقها الخاص. المشاركة الفنية للفرقتين القادمتين من الحلة ومن السويد اضافتا بهجة متميزة.الشاي المهيّل، الأكلات ، وروح التعاون بتهيئتها وتقديمها، طاولة الكتب والتحفيات، الأزياء والغناء والرقص الفلكلوري، كلها عناصر اضفت بهجة متميزة لعمل الخيمة. اما وفد "كلية العلوم" فكان لهم صولتهم في المهرجان، حيث علقوا صورة كبيرة من احدى صور التخرج على احد جدران الخيمة والتقطوا معها صورا تذكارية، تعيد ترتيب خارطة الزمان والمكان وتختزل الأعوام والأميال ، لتعود الى احياء الأعظمية الجميلة وساحة عنتر وعالم "كلية العلوم" الجميل.

فرحة تمنيناها للكل
في عالم اليوم، لم يعد التواصل مشكلة ولا حتى السفر، وقد يستغرب البعض بأن هناك اناسا مازالوا مصرين على التمسك بعلاقات جميلة، انسانية وبريئة، صادقة ومحبة، جمعتهم مع اناس قبل اكثر من 30 عاما، لماذا كتب لها البقاء؟ اليس لسبب معقول. نعم، قد نقف امام الكثير من الأحداث متسائلين، وربما نجد الأجوبة. الا ان حدثا بهذا المستوى سيظل عالقا لسنين قادمة، بأن مجموعة من الأصدقاء، التقت في الكلية لعدة سنين،  وافترقت لعشرات السنين، تلتقي من جديد ، وتعيد رسم الصورة الجميلة دون تردد، انه امتحان الزمن للود والعلاقات الصادقة. كانت جميلة تلك الليالي في الخيمة وناسها، وألاجمل كانت في زياراتنا الجماعية لمتحف اللوفر والتصوير مع الآثار العراقية والموناليزا، في زيارة البرج وكاتدرائية نوتدردام، في استخدام جميع وسائط النقل الباريسية من القطار الى الترام الى الباص الى التكسي والى المشي على الأقدام، كانت حقا ايام جميلة تمنيناها لكل مجموعتنا الجميلة والمتميزة.

للعام القادم
لا اعرف في اية سنة بدأت مشاركتنا في المهرجان ، الا اني متيقن انها كانت مشاركة تضامنية مع نضال الجريدة والحزب الشيوعي والشعب العراقي. حتما ان شعارات المهرجان ونشاطاته كانت تختلف بأختلاف الأزمنة والأوضاع، واليوم تقف شاخصة حاجتنا للتضامن الأممي. قد نكون اليوم بأمس الحاجة لتضامن الشغيلة الفرنسية والأوربية مع نضال "طريق الشعب" والقوى الديمقراطية العراقية ، في دفاعها عن الحقوق المدنية للمواطنين، عن حقوق العمال  والصحفين والنساء، عن الطفولة ، ضد الأرهاب  والتزوير والحقن الطائفي وأستهداف المكونات الصغيرة للشعب العراقي. في المهرجان امكانيات كبيرة وهائلة للتضامن، الذي نحن بأمس الحاجة له. آمل ان تكون مشاركة خيمتنا الغالية "خيمة طريق الشعب" وأحبتنا في فرنسا لمهرجان العام القادم مثل توصيف  قائد الثورة البلشفية فلاديمير لينين لصحيفة الأيسكرا: "مثل منفاخ حدادة هائل، ينفخ في كل اركان المجتمع". هكذا نأمل ان تكون مشاركتنا للعام القادم، نشطاء مثل منفاخ حدادة هائل في كل ارجاء المهرجان، وأن نستثمر كل طاقات المتطوعين والمشاركين والوفود وحتى زوار الخيمة العراقيين، وأن يكون هناك كاتلوك للخيم في القرية الأممية والأولوية في الزيارات او حتى جمع التواقيع التضامنية ان اقتضت الضرورة.
تحية للجهود الطيبة، للمتطوعين والعاملين خلف الستار، ولكل من ساهم حتى تبقى خيمتنا زاهية بناسها وعلمها وشعارها العتيد: وطن حر وشعب سعيد.

كمال يلدو
كانون اول 2013

 





داخل الخيمة وبصحبة  رائحة العلوم











417
شكرا جزيلا لك أخي حنا شمعون، ومحبة خالصة لأهل شيكاغو. لقد ضمنت موضوعي نداءا الى جهات الجالية ومؤسساتها المختصة برعاية وتكريم اللذين يخدمون الجالية ومنهم السيد سلام رومايا، ولو لم يتحقق ذلك، فلابأس...فالتكريم والمحبة موجودين عند بنات وأبناء جاليتنا.شكرا لتعليقك الجميل. ولعينكاوة العزيزة التي تجمعنا

418


الأعلامي سلام رومايا ولـد في الأعدادية الشرقية


سلام رومايا في مكتب القيثارة1

لأنـه أصيل، فقد بقى امينا لتلك الأرض التي روته من حنانها، ولناسها الخيرين ولكل ارثها الفني والثقافي، ولأنه هكذا فقد اختار  لمجلته والتي ستصبح لاحقا توأم روحه، اسما من تأريخ وادي الرافدين العميق، الحضارة التي اخترعت اولى الآلات الموسيقية وقدمتها للبشرية على طبق من ذهب، العود، الطبلةـ الدف ، الطبل والقيثارة. فمنذ 28 عاما وضع السيد سلام رومايا قدمه وخطى اولى الخطوات في طريق الأعلام والنشر، هذا الحقل الممتع والمتعب مستشهدا بعبرة قالها يوما الملاكم محمد عي كلاي:"هذا الذي لايملك الشجاعة الكافية لمواجهة التحديات والمخاطر، لن يقوى على تحقيق اي شئ في الحياة". كانت هذه رؤيته وهو يتلمس طريقه في بلاد الغربة التي قدم لها حديثا، بعد معاناة في الأنتظار، و والدا لأبناء مازالوا يافعين، وربما تسمى هذه الخطوة بالعرف العام – مغامرة – اكثر مما هي مشروع عمل.
البدايــة
لايخلو بيتا  من بيوت الجالية في مدينة ديترويت الا ودخلته مجلة "القيثارة" هذه المجلة الراقية والتي تحتفل بمرور 28 عاما على ابصارها النور. بدأت بداية متواضعة لكنها رصينة، الطباعة كانت ابيض وأسود وبغلاف ملون، فيما تولى السيد سلام الأشراف في كل ما يتعلق بمرافقها من تجميع المواد والأخبار والأعلانات والطباعة والتصفيف والتوزيع والبيع، حيث  كان يقوم بها وحيدا، مع بعض المساعدات الموسمية. بدأت فكرة  المشروع بعدما استفسر من بعض المقربين عن الطريقة لشراء ماكنة الطباعة، فكان له ذلك، فوضعها  في (سرداب) البيت، وبعد مدة من الزمن نقلها ومكتبه الى بناية مطلة على الشارع الرئيسي في ديترويت (وود ورد) ما بين الميلين السادس والسابع حيث مركز سكن الجالية آنذاك، استمر هناك حتى العام 2000 حيث انتقلت المطبعة ومكتبها الى مدينة سترلنك هايتس وهو متواصل بالعمل من هناك.
لم يكن مشروع اصدار وبيع مجلة ثقافية عامة تعني بالفن والأدب والرياضة والأخبار الطريفة والغريبة بالأمر السهل، ربما لأنشغال الناس بحياتها وأعمالها، وربما لعدم اهتمامها اول الأمر ، لكن استمرار المجلة بالصدور، والزيادة التي طرأت على عدد المعلنين اوجد لها شعبية صارت تكبر وتتنامى لتصل الآلاف، ليس في ديترويت فقط بل تجاوزت  سمعتها للولايات الأمريكية الأخرى وحتى بلدان مهجرية كثيرة حول العالم ترسل لهم بالبريد.

"القيثارة" تفتح صفحاتها
على مر السنين، وقبل ظهور  الأنترنيت والمواقع الألكترونية وماكينة البحث –كوكل-، فتحت "القيثارة" اذرعها لكل الطاقات الكتابية، الفتية والمتمرسة، وبداءت بنشر نتاجاتهم وتشجيعهم على الكتابة، وذات الشئ حصل مع الفنانين والمطربين والعازفين الذين وجدوا في "القيثارة" ملاذا آمنا لهم، نظرا لأنعدام اية مؤسسة تعني بالفنانين العراقين او الأدباء او حتى الطاقات الشابة الواعدة، فكانت "القيثارة"، وحسب ما اثبتت تجربة السنين، انها بارعة  في مهمتها تلك. صدرت اول الأمر عام 1985 باللونين الأبيض والأسود، ثم كبرت مع ازدياد القراء والأعلانات، وتطبع اليوم في ارقى ماكينات الأوفسيت الملون ، ويصل عدد  صفحات النسخة الى 280 صفحة معظمها بالورق الصقيل الملون، فيما يعدها الكثيرون مصدرا ومعينا ومرجعا للأخبار والحكايات والطرائف والمعلومات الثقافية والفنية والطبية والتأريخية والجغرافية، وبأختصار فهي حقا مجلة جامعة لا يمل من تصفحها، اما قرأها فهم من جميع الفئات والأعمار والأجناس  والقوميات (متحدثي العربية)، فهي تعني بأخبار الجالية واخبار العراق والعالم العربي وحتى الأخبار العلمية والثقافية العالمية.
وعندما يتأمل السيد سلام رومايا الصعاب التي واجهها وهو يخطو اولى الخطوات يتناهى الى مسامعه مقولة الأعلامي الراحل السيد ديفد برنكلي، الذي يعد من اشهر مقدمي البرامج السياسية في قناة ام بي سي: "الأنسان الناجح، هو القادر على بناء اساس قاعدته من الحجر الذي يلقيه الآخرون عليه"ـ ويقول ، ان هذه اروع حكمة علمتنى الصبر وتحدي الصعاب والنظر للمستقبل كما احلم به.

بين خانقين وبغداد وديترويت
عن طفولته وشبابه يقول السيد سلام رومايا، انه من مواليد خانقين التي عاش فيها حتى مرحلة الثالث متوسط، بسبب عمل والده هناك، ثم انتقلوا الى بغداد، فواصل دراسته في الأعدادية الشرقية التي تخرج منها العام 1963، التحق بعدها بكلية الزراعة وتخرج منها في العام 1968، سافر بعدها للسعودية حيث درّس في مدارسها لمدة سنتين، اضطرته ظروف عائلية قاهرة للعودة للعراق حيث اصيب والده بالعمى الكلي، فتوظف كمهندس زراعي ويتذكر احد المشاريع التي كان قد عمل بها وهو  " مشروع الوحدة" بالقرب من الصويرة. مع بدء الحرب العراقية الأيرانية، وتحول البلد الى ثكنة عسكرية كبرى، تطبـق على صدور وعقول الناس، قررت الرحيل مع عائلتي وكانت وجهتنا الولايات المتحدة التي كنّا قد زرناها للسياحة عام 1978 وقد اقمت في القاهرة لفترة انجاز معاملات الهجرة، وحينما اتذكر تلك الأيام لا يغيب عن بالي مشهد الكنز الثمين الذي كنت احتفظ به وأحمله معي من بغداد، وأعني بذلك مكتبتي الموسيقية، وبلا مبالغة فقد كنت مستعدا للدخول بحرب مع اية جهة كانت من اجل سلامتها، فهذي روحي وحبي وأحلامي بأختصار! اما حينما ذكر خانقين في اطراف حديثه، فقد صاحبها بحسرة عميقة ، مصاحبة لألم  لما آلت اليه اوضاع المدينة وأهلها وما حل بنهر (الونــد) من انخفاض بمستوى المياه فيه وجفافه احيانا.

طريق الألف خطوة  من الشرقية
وتأخذه الذكريات مرة اخرى الى بغداد، حيث اولى الخطوات في الطريق الذي ترك بصمته على كل كيانه لاحقا فيقول:عندما كنت في الأعدادية الشرقية وفي الصف الرابع ثانوي، تعرفت على احد الطلبة والذي كان  خطاطا  واسمه سيسـاك خاجيك، ورسام كاريكاتير اسمه عبد الرزاق احمد وجمعتنا آنذاك الشعبة (ب) فأصدرت مجلة اطلقت عليها اسم (اسبوعيات) وكانت من 40 صفحة وكلها كتابة باليد! وأستمر هذا المشروع حتى نهاية عهدي مع الأعدادية الشرقية، وكنت حينها متأثرا  بمجلة (قرندل) العراقية، و(روزليوسف والصباح) المصريتان، اسلوبا ونهجا.
عندما انتقلت لكلية الزراعة تقلدت منصب رئيس نادي قسم الثروة الحيوانية ومسؤل الحفلات فيه، حيث اشرفت وشاركت في العديد من الحفلات الناجحة والتي استقدمنا فيها اشهر مطربي ذلك الزمان من امثال عفيفة اسكندر، رضا علي، لميعة توفيق، عباس جميل  وآخرين لاتسعفني اللحظة لتذكرهم. لكن ومع هذه الأهتمامات الفنية  لم يغب عن بالي جانب النشر والصحافة، فبعد اخذ موافقة  رئيس القسم د.حسن فهمي اصدرت نشرة حائطية شهرية اسميتها (صدى الطلبة) مواصلا مسيرتي الأعلامية التي بدأتها في الأعدادية الشرقية قبلا.

في البيت تفتحت عيوني
لقد استوقفتني كل هذه الأهتمامات والهوايات والقابليات فسألت السيد سلام عن خلفية ما يحمله ، وما ان كان للعاائلة اي اثر بذلك، قال: انا مدين للمناخ والبيئة المنزلية الطيبة التي ترعرت بها، فوالدي الشماس فرج رومايا،  وفي اثناء خدمته اصدر كتاب صلوات اسمه (باقة ورود) في عقد الأربيعينات مخصص لكل الآباء، اما اختي فهي شـــاعرة، وأخي حاصل على شهادة الصيدلة ، وهو كاتب ويمارس هواية الغناء، لهذا كنت ومنذ الطفولة اتابع الشعر والفن والأدب. وربما يكون من حسن حظي اني نشأت في هكذا بيئة وفرّت لي الوعي الصحفي المبكر، وأنعكس هذا في عملي مع القيثارة، حيث أقوم بأعدادا (العجينة) كما يقال، من ترتيب المحتويات، الى الأسلوب للولوج لقلب القارئ، الى العناوين وأختيار المواضيع وحتى اختيار اسماء المشاركين او اختيار الأسماء المستعارة.

طموحي لم يتوقف عند  المجلة
لأني انسان طموح، وأسعى للوصول الى اذن الأنسان ربما قبل عقله وقلبه آثرت الخوض في تجربة العمل الأذاعي، وبالأستفادة مما توفره هذه البلاد من فرص للأبداع ، فقد افتتحت برنامجا اذاعيا للجالية العراقية القاطنة في مدينة ديترويت وكل ضواحيها في العام 1999 استمر لمدة 6 سنوات وأسميته (صوت القيثارة) قدمت من خلاله خيرة ما انتجه الفن العراقي وثقافته، حيث استضفت من خلاله عشرات الفنانين والمطربين وتحدثت عن كل جوانب الحياة الفنية العراقية، وكان حقا محط محبة وأعتزاز من قبل الجالية وأخص بالذكر منها، نخبها الثقافية التي وجدت في هذا البرنامج منبرا صافيا يدعو للحفاظ على الهوية العراقية عبر نشـر الموروث الفني والثقافي والأدبي العراقي. استمرت ستة سنوات، قررت بعدها الأنصراف  وتركيز جهدي اكثر على عمل المجلة، اذ ان عمل الأذاعة كان يستنزفني  من ناحية الوقت والتحضيرات، وكذلك  في الجانب المادي، حيث كنت آخذ مما زاد من ارباح المجلة لأضعه في خدمة استمرار البث الأذاعي.

مع الفن والفنانين
يتذكر السيد سلام رومايا حكايته مع الفن بألم بالغ فيقول: ان طموحي منذ ان انهيت دراستي الثانوية لم يكن في الحقل العلمي، بل كان ادبيا، الا اني ذهبت لكلية الزراعة تلبية لرغبة عائلتي وليس لرغبتي، اذ كنت اتمنى دخول كلية الفنون الجميلة. ورغم ما احاطني من ظروف غير مؤاتية، الا ان الفرصة قـد توفرت امامي مرة اخرى بالعودة للفن عبر التقديم لأختبار  معهد الدراسات النغمية، ولست مبالغا حينما اقول انني قبلت من ضمن مجموعة من 6 اشخاص نافس عليها 800 متقدم آنذاك، ومازلت اتذكر ان السيد (عبد الرزاق عبد الواحد) كان هو المشرف على الأمتحان حيث فزت في المرتبة الأولى من بين المتقدمين بالعزف على آلة العود، لم تمض على فرحتي هذه فترة طويلة، فبعد 3 أشهر اخترت ضمن بعثة زراعية الى دولة هنكاريا، وما كان مني الا ان اترك (هوايتي) الموسيقية والتحق بعملي الوظيفي، ليكون ذلك آخر فرصة لي لتحقيق احلامي في الموسيقى والغناء.

عشقي للفن
يسـتطرد السيد سلام رومايا قائلا:  كما ذكرت قبلا، فأن عشقي للفن قد لازمني طوال حياتي، وأنعكس ذلك في ما انشره عبر مجلة "القيثارة" او ما قدمته من خلال الأذاعة، ورغم ذلك كنت اشعر ان هناك مجالا آخرا يمكن تقديم الأفضل لأبناء الجالية فقررت تنظيم وأقامة " امسيات القيثارة الطربية" منذ العام 1999  بشكل موسمي او شهري وحسب الظروف ولحد الآن، آملا بتحقيق عدة امور ومنها، تجميع الطاقات الفنية والغنائية والموسيقية واطلاق  الشابة الواعدة منها للجمهور، تنمية الذوق والحس الموسيقي لدى ابناء الجالية بعيدا عن صخب وفوضى الحفلات العامة التي تقام، وثالثا، هي مصدر آخر تساعدني في ادامة عمر مجلة "القيثارة" الغالية علـّي. ان هذه الأمسيات قربتني اكثر من جمهوري ومن الجالية، لابل اني أشعر بسعادة غامرة وأنا ابصر الفرح والأعتزاز من قبل الجمهور والفنانين وهم  يقومون بدور عظيم، رغم بعد المسافات عن الوطن، في الحفاظ على اصالة الفن والموروث الغنائي العراقي والعربي

ومن امنياته
حينما سألت السيد سلام عـّما يعتمر قلبه من درس تعلمه بعد هذه المسيرة  يقول: انا اؤمن بأن بعد كل فشل لابد من النجاح ان كانت الأرادة موجودة، ويمضي بالقول، حاولت جهدي ان لا احني قامتي للآخرين وأن اعمل بجد واخلاص، وأشعر بالسعادة وأنا انظر الى ابنائي الذين سقيتهم بكل ما احمل من قيم وأخلاق وأرادة وثقافة ، والباقي يتحملوه هم في مسيرتهم. فقد تمكنت من عبور هذا "المحيط" المتلاطم الأمواج وأسهر على ان يكون ابنائي جيلا صالحا منتجا. اما امنيتي للجالية، فبالحقيقة لا تخرج كثيرا عن مجال عملي، اذ أتمنى ان يرتفع مستوى الوعي الأعلامي والفني عندها وفي اوساط مثقفيها والأعلاميين. احيانا اشعر بالأسى لأن مستوى اعلامنا دون المستوى المطلوب، رغم كل ما توفره هذه البلاد من فرص عظيمة، لكن تنقصنا الشجاعة وروح المجازفة، وأتمنى ان لا تبقى احلامي هذه ،مجـرد احلام.
وعندما سألته عن امنيته الشخصية، فقد لخصها بعبارة واحدة: ان تبقى "القيثارة" متألقة في قلوب الجالية، طالما ينبض قلبي بالروح وجسدي بالحركة، فهذه اروع هدية اعتز بها.

آخر الكـلام
قليل من الناس ربما لم يتعرف على السيد سلام رومايا شخصيا، فقد يمر من امامك عشرات المرات، الا ان ظلله الخفيف يجعلني اتصـور احيانا بأن الأرض لا تشعر به وهو يمشي عليها، اما ما يتركه في محيطه فليس اقل من عطر عراقي فواح ملئ بالأعتزاز والكياسة والأدب والتواضع. هذا الأنسان شفاف ورقيق الى درجة يصعب معها تصور كيفية المزاوجة بين حجم عمله ومصاعب المجلة وأستمراريتها مع عالمه الغنائي والموسيقي الشفاف، ناهيك عن كونـه موسوعة فنية وغنائية عراقية وعربية نادرة التكرار. لا اتصور ان احدا لم يستمتع  بما يخرج من بين انامل السيد سلام رومايا عبر مجلة "القيثارة" من مواد او مواضيع او اخبار،  والأجمل ربما يكون حينما تقوم مؤسسة او اكثر من مؤسسات جاليتنا بتكريم امثال هؤلاء الذين يسهرون ويتعبون للحفاظ على الهوية الوطنية والثقافية والأنسانية للجاليتين العراقية والعربية.

كمال يلدو
كانون اول 2013

 



شهادة تقديرية من القيثارة للأستاذ مؤيد البدري اثناء زيارته ديترويت


غلاف مجلة القيثارة


مع الفنان كاظم الساهر  امام مبنى القيثارة في ديترويت عام 1992


من حفل استقبال الأستاذ مؤيد البدري، الجالسين من اليسار عبد القادر زين


المطربة الراحلة عفيفة اسكندر في حفلة كلية الزراعة عام 1965 ويبدو سلام رÙ


المطربة سهام محمد تحي احدى امسيات القيثارة عام 2004


سلام رومايا  وبعض الشهادات التقديرية


سلام رومايا في احدى الأمسيات وهو يطرب الحضور1

419
شكرا لك صديقي الغالي طلعت ميشو، وعيد سعيد وعام جديد حافل بالنجاح والصحة لك.نعم لكل منا احبة فقدناهم، وربما يكون في حالتي أبي وأمي الغاليين ، لكن والحق اقول لك، لم اكتب عنهم مثلما اكتب بلوعة عن زملائي في الكلية او منطقة بغداد الجديدة، فما ذنب هؤلاء الشباب (20-21-22) سنة ان يسقيهم النظام من كأس الموت، لا لشئ الا لأنهم لم ينتموا لحزب البعث او خالفوا صدام بآرائه...هل يستحقون الموت وبأي اعراف هذه؟ نعم اتذكرهم بمرارة، وأتذكر عوائلهم النبيلة الذين كانوا يستقبلوننا بالمحبة كلما دلفنا دورهم  او التقيناهم في النشاطات. كيف يمكن للعشرة ان تذهب هباء؟ نعم ، نحن جيل قد (غـّزر) بنا الخبز والملح والمحبة والألفة، ونضربها مثلا للكل . لم تفرقنا الأديان او الطوائف. كانت الدكتاتورية  والفكر الأقصائي الأنتهازي، وكتبة التقارير، هي وحدها الحدود الفاصلة بيننا. لقد رحل زملائنا ونتذكرهم بالخير دائما، ورحل النظام  الدكتاتوري وتتذكره الناس باللعنات. وجوابا على سؤالك، ان رحيلهم كان خسارة للوطن، نعم، ولو لم يرحلوا ، او ان يهاجر رفاقهم، لما جائتنا هذه العصابات وحكمتنا اليوم، لما اصبح مسؤلينا من كبار المرتشين والفاسدين ومزوري الشهادات. دقق في كلامي وستجده معقولا. محبتي لك ولعينكاوة التي تمنحنا هذه المساحة الحلوة للتواصل

420

في 23/12 من كل عام: قتلوكم، ليس لأنكم مذنبون،بل لأنهم مجرمون!



الشهيدة نادية كوركيس من الجامعة التكنولوجية

   " تتعاقب السنين، وتتكرر الذكريات والأحداث في كل عام، ونوجه انظارنا نحو الباب، وحتى مسامعنا، أملا بشئ قادم ملازما لرفيف الهواء، علله أو عللها تطرق الباب، ولي يقين بأنهم لن  يضيّعوا العنوان، مالم يكونوا حقا، قد غيبتهم قوى الظلام، قوى التخلف  وقوى العداء للأنسان والحرية، عند ذاك سيكون انتظارنا بلا فائدة، وعلينا البحث عنهم في الأعالي، بين النجوم، فوق مساحة كبيرة جدا تسمى في الجغرافيا المعاصرة، ســــماء العراق!"

ربما تكون هذه واحدة من هواجس عوائل الشهداء الذين ازهقت ارواحهم قوى الظلام والدكتاتورية يوم 23/12/1982 كما ذكرت تقارير الأمن العامة والمخابرات، وكما نشرت في موقع الحزب الشيوعي العراقي في تموز 2003.
تعود بنا الأيام الى اواخر عام 2002 حينما اعلن نظام صدام المقبور عن افراغ السجون وأطلاق سراح جميع المساجين، يومها ، حبسنا انفاسنا وأنتظرنا بصبر ثقيل، ان يكون من بين من يشملهم هذا القرار، رفاقنا او زملائنا الذين غيبتهم اجهزة المخابرات سيئة الصيت، انتظرنا طويلا، ولم نلق احدا منهم، وقلنا ان النظام يتحفظ عليهم في سجونه السرية، وهكذا عدنا مرة اخرى الى لعبة الأنتظار المتعبة، ودخل الأمريكان، وسقطت المدن، وقلنا انهم سيكشفون سجونه السرية، وأنتظرنا ، وطال الأنتظار، وسقطت بغداد ، وقلنا سيظهرون امام كاميرات العالم ، اليوم او غدا وسيتحدثون لنا عن بطش النظام الدكتاتوري وأجهزته الأجراميىة، انتظرنا وأنتظرنا ولم نسمع ، لا عن سجون سرية ولا عن رفيقاتنا او رفاقنا الذين لم يروا الضوء منذ سنين، نعم لم نسمع شيئا حتى خرجت للعلن عبر موقع الحزب الشوعي أولى قوائم الشهدا في تموز 2003، لتقتل اي حلم او امنية عنهم، كانت الحقيقة مدمرة وأقوى من الخيال. لقد اصبحوا شهداء ، ومنهم من عرف قبره ومنهم من ظل غير معروف. الا ان حقيقة واحدة لم  ولن افهمها، وهي عن اليد التي شاركت في القتل. نعم قد يقولون انهم كانوا ينفذوا الأوامر، نعم نعم ، لكن النظام سقط منذ عشر سنوات ، فمتى ستصحوا هذه الضمائر (التعسة) والتعبانة لتظهر للخلق وتكشف المستور، متى يا وطن ، متى يا عراق؟
اعرف بعض الشهداء  حق المعرفة، وأجهل الأكثرية، رغم اني التقي معهم في المبدأ  والشعار الذي ناضلوا من اجله. اما في هذا الزمن التعس الذي يعيشه الوطن، فيعمد البعض الى المساومة بين تضحيات الشهداء والراتب التقاعدي او قطعة الأرض، وأنا اقول "تعسا " لكم ايها المرائون السذج، ان احدا من الشهداء لم يساوم على مبدئه مع سفلة النظام البائد، وقبل بالشهادة امام  حزمة الوعود التي تنقصها الكرامة، كيف تعتقدون ان راتبا تقاعديا حقيرا وقطعة ارض بائسة كانت ستكون مرضاة للشهيد! هل ناضل الشهيد من اجل مساوات البصل بفاكهة الشلغم؟؟؟ ام انه ناضل وصمد وأستبسل وأستشهد من اجل " وطن حر وشعب سعيد"! هذه هي الحقيقة احبتيي  ودونها زيف ورياء. اما "تجار" الحكم الجديد،  من الذين يبيحون المساومة،  فنقول لهم، اتركوا شهدائنا وشأنهم،  و "طز" براتبكم التقاعدي وأرضكم البور، هؤلاء الشهداء انتصروا لقضية شعب وليس لقضية شلة من الحرامية والمزورين وتجار الدين اصحاب العمامات الخائبة.
نعم، اننا فخورين بشهدائنا الفقراء، ولا نريد رواتبا او اموالا حرام، اما ان كنتم اشراف حقا، فأعملوا بما استشهدت من اجله هذه الكوكبة البطلة، وبس!

تحية لكم احبتي، رفيقاتي ورفاقي الغاليين، فريال عباس السامرائي، انتصار الآلوسي، عبد حبيب، نادية كوركيس، خالد وتماضر يوسف، لطيف فاخر، سعد فاضل الدليمي، ابو عزيز ، منير والكثيرين غيرهم، من الذين احببناهم وأحببنا عوائلهم، ونقول لهم لا تحزنوا على شهادتهم، نعم انها خسارة لكم وللوطن، لكنهم دافعوا عن الفكرة الشريفة ، رغم ان  الأرذال والعملاء والسراق والمزورين حاولوا تجيير شهاداتهم لهم، لكن وكما يقول المثل:" حينما يسقط الأسد، ترقص على جثته الكلاب، لكن الأسد يبقى اسدا ، والكلب يبقى كلبا" .
محبتي لكم ايتها العوائل الشريفة، ايتها العوائل النظيفة، ايتها العوائل التي لم ترضى ان تتاجر بدماء شهدائها كما يفعل بعض الرخيصين. كنت اتمنى دائما، وسأبقى امد يدي لكم بالمحبة والوفاء والصدق. انتم وأبنائكم لبنة العراق الشريفة والحرة، اما هؤلاء ، فهم سفلة كما قال عنهم الرائع النواب.

و أود ان اذكر مقولة جميلة  للكاتب البريطاني اج جي ويلز: "الوطنية الحقيقية هي في الحفاظ على الروح الأنسانية".
عزائي لكم ايتها العوائل الصبورة المباركة، بأن بنتاتكم وأبنائكم الغالين لم يضحوا بأرواحهم من اجل راتب تقاعدي او قطعة ارض، او حتى يحكم العراق نفر من الحرامية والمزورين العملاء، ابدا. لقد استشهدوا من اجل قضية انسانية لكل الشعب العراقي، ولهذا يحتفل بهم الكل، ويتنكر لهم هذا النفر الضال. وأعلم جيدا بأن ارواحهم الطاهرة لن تستريح حتى تتحقق امانيهم الأنسانية النبيلة في " وطن حر وشعب سعيد" .
عزائي لرفيقاتي ورفاقي الغاليين.

كمال يلدو
كانون اول 2013




خالد يوسف متي ومنعم ثاني


صورة تجمع الشهيدتان فريال السامرائي وانتصار الآلوسي مع كاتب المقال 197


عبد حبيب 2


لطيف فاخر صورة الشهيد من بغداد الجديدة

421
الأستاذ العزيز حبيب تومي، اكرر لك ايضا شكري لمرورك البهي على الصفحة. كلماتك الدافئة تبعث بي ، وآمل بغيري، الأمل لكي نعمل اكثر على اعلاء شأن جاليتنا الغالية، وأنتمائنا العراقي الأصيل بأطاره الوطني الديمقراطي الذي لا يوجد اي بديل عنه اليوم امام غيوم وسحب الطائفية البغيضة والحقد الأسود الذي فجره ايتام القبور والكهوف. نعم صباح وغيره من المبدعين يستحقون منا الأهتمام والدعم وأعلاء الشأن، والوقت اليوم بصالحنا، ليس كما كان سابقا، حيث لم تتوفر لنا الفرص للأحتفاء بمبدعينا بتعدد الأسباب وظروف العراق والغربة التعسة. اشكرك كثيرا  ودعوة من محب لأحتضان كل المبدعين الذين يشكلون خيمتنا  وافرة الظلال

422
الأستاذ العزيز صباح ميخائيل برخو، شكرا لمرورك العطر على الموضوع وللزهرة الحلوة التي تركتها. صحح اننا نقاوم الظلم والحيف الذي مر ويمر على اهلنا بأستعادة الذكريات الحلوة، وحتى لا تبقى  الذكريات، ذكريات حبيسة زمن ومكان محدد...ادعوكم ان تطلقوها للفضاء الواسع حتى ترعب المتخلفين والجهلة. فخورون لأننا نحمل مشروعا انسانيا للحياة وليس للكراهية . شكرا

423
تحية طيبة لك أخي الغالي زيد ميشو....أشعر بالواجب تجاه مبدعي ومثقفي الجالية، ليس اليوم وليس أمس بل من زمان. اي تغيير في المجتمع يكون المثقف والمبدع هو الداينمو له، واليوم ان كنا ننشد التقدم لجاليتنا علينا الأرتقاء بمستوى النخب، وأن كنا ننشد التغيير في العراق للخلاص من الشراذم الطائفية والعصابات علينا دعم النخب المثقفىة والوطنية. هؤلاء الذين يقدرون الأنسان ويحكموا عليه بمقدار خدمته لشعبه ووطنه...وليس لأعتبارات اخرى. اشكر لك متابعتك اللطيفة والدقيقة، وأعدك ان اكون (عند يمناك) مع كل انسان طيب  ونجم يسطع في سمائنا. اتطلع ان تقترح علّي بعض الأسماء وأن سأكون ممتنا  لتقديم ما يجب ان اقدمه لأبناء وبنات جاليتنا الغالية. الشكر موصول للغالية (عينكاوة كوم) ومحبتها للكل.

424

الفنان التشكيلي صباح وزّي: جبلت من الدمار والصعوبات وموانئ الغربة

  كان مشهد تدمير وسرقة محتويات المتحف العراقي يوم 9 نيسان 2003 كافيا لأن يفجـّر بركان غضب لم تهدء اواره لليوم. كيف وقد مس العابثون اجمل ما نملكه من تراث وتأريخ، احلى مكان لتنمية الوعي الفني والثقافي في طفولتي وصباي وأروع الكنوز التي بقيت سنينا طويلة أتأملها واحاول ان استوعب الدقة المتناهية في العقل واليد التي صنعتها، كانت صدمة  وفاجعة كبرى منيت بها( وأنا متأكد ان الكثيرين يشاطروني الرأي)، لكنها ايقضت عندي مرحلة وأنارت لي دربا، أشعر (مع حزني الكبير) بسعادة لا تحدها حدود، وبمدى من الأحلام تلامس حافات الغيوم وأطراف المجرة! وكما قال الشاعر والفيلسوف الهندي/البنغالي طاغـور:" الغيوم تتعاقب على ايام حياتي، ليس لأنها تحمل المطر وتنذر بالعواصف، بل لكي تضفي الوانا جميلة على سـمائي وقت الشروق".
من ألقوش الى بغــداد
كانت هذه هي بداية الحديث مع الفنان العراقي صباح وزّي الذي يسكن في مدينة فلنت بولاية مشيكان الأمريكية والتي وصلها منذ العام 1979. وعند سؤالي له عن البدايات قال: ولدت في مدينة القوش ذات الأرث الوطني والنضالي الكبير في العام 1954، وكما هو معروف فأن مدينتنا كانت تعتمد على الزراعة بشكل كبير وكان افق التطور للعوائل محدود بحكم هذا الواقع، فقررت عائلتي الأنتقال للعاصمة بغداد وأنا لم ابلغ الثمان سنوات، وسكنت في اكثر المناطق شعبية. لقد ابهرتني بغداد مع مرور السنين بكل ماتحويه من بناء وحضارة وبشر وعلاقات، تطور تعلقي بها كلما كبرت وكلما أزداد الوعي عندي، لكن حبي ل (القوش) بقى بلا مساومة طوال الزمن. منذ طفولتي عملت (صانع) في محل للنجارة، وفي هذا المشغل تفتقت اولى مواهبي بالرسم على قطع الخشب الزائدة، او بالنحت البدائي او بالتخريم على خشب (المعاكس) بالمنشار. كنت سعيد جدا بما اقوم به، وكان (استاذي) يشجعني، ويتعجب كثيرا ان كنت انا من يقوم بذلك ام شخص آخر، وقد صادف ان كان لصاحب المشغل صديقا (فنانا) عندما شاهد ما اقوم به تمنى لي مستقبلا في عالم الرسم والنحت!
رحلة الغربة
بعد ان انهيت الدراسة المتوسطة، كنت آمل ان التحق بمعهد الفنون الجميلة، الا ان الشروط (البعثية) التعجيزية قد حرمتني من هذه الفرصة، فتوجهت لأنهاء خدمتي الألزامية، وبعد انتهائها وتسريحي من الجيش عام 1976 فتحت ورشـة للنجارة في مدينة الدورة، لكن سوء الأوضاع السياسية والمحاربة حرمتني مرة اخرى من التقدم، عندها قررت مغادرة العراق وكانت وجهتي اليونان. اقمت في أثينا التي عشقتها وعشقت تراثها ومتاحفها وأطلالها التي كانت تسحرني وتعيدني مئات السنين الى عهود عظمة اثينا وشعب اثينا. اضطرتني الحاجة المالية لركوب عالم المغامرات بالعمل في السفن التجارية التي كانت تمخر البحار وتزور الموانئ المتنوعة في امريكا اللاتينية وأوربا وأفريقيا وآسيا وعبر المحيطات. وبعد سنتين تعبت من البحر وعدت الى أثينا التي غادرتها الى الولايات المتحدة في العام 1979، وما زلت فيها!
رسـمت  بعد الأستقرار
بعد هذه الرحلات والتعرجات اردت ان اعرف البدايات الفعلية للرسم والفن عنده فقال: لم يغب الرسم عنّي طوال فترات الترحال، الا انها كانت محاولات انعكس عدم الأستقرار عليها، الا ان التغيير الكبير حدث بعد ان استقر بي الحال في الولايات المتحدة، وحاولت رويدا رويدا ان انمي قابلياتي الفنية، وقد توفرت لي فرصة الألتحاق بأحد المعاهد في مديني ودرست العديد من الدروس التي لها علاقة بالرسم والفن وحتى النحت. وأستطيع اليوم ان اقول بأني امضيت آخر 30 سنة من عمري،  في العالم الذي كنت احلم به، عالم الفن بكل معانيه وتجلياته.
رسمت الكثير من البورتريهات، والمناظر الطبيعية، الا ان احب مدرسة لقلبي هي التجريدية والتكعيبية، اما عن التقنية الرقمية، فرغم ان العديد من زملائي الفنانين  صاروا يزاوجوا فن الرسم بالفن الرقمي، الا ان قناعتي تقول: لا يحل اي فن محل الرسم باليد والفرشاة والألوان ورائحتها الزكية!
وعندما سألته عن طرق تواصله مع الجمهور ومع باقي الفنانين قال:منذ اوائل الثمانينات، وأوائل عهدي بالرسم النظامي بعد الأستقرار، وجدت طريقي الى تجمع "فناني مدينة فلنت" وشاركت معهم في معارض كثيرة ولغاية اليوم، وكم كنت سعيدا حينما اختارت رئاسة الجامعة التي كنت ادرس فيها احدى لوحاتي لتعلق في الجامعة لمدة سنة كاملة، وذات الشئ حصل مع الفرقة السمفونية بمدينة فلنت التي وضعت احدى منحوتاتي الخشبية والتي كانت عبارة عن قيثارة اور في مقدمة صالة الأستقبال بدار الفرقة. وكان لي شرف المشاركة في الكتاب الذي اصدرته نقابة عمال السيارات تخليدا لقادة الأنتفاضة العمالية في الثلاثينات عبر رسوم لقادتها وصدر الكتاب عام 1999 والذي كان بعنوان (الشهود والمحاربين)، اما نشاطي الأكبر فهو ضمن مجموعة "جمعية الفنانين التشكيلين الكلدان" التي تغص بالحيوية والنشاط وأقامة المعارض، وأمتلاك سمعة فنية تليق بالفنانين  والفنانات المشتركين بها. ومن خلالها اتواصل مع الجمهور العراقي والأمريكي، لكني وجدت اكبر التشجيع (المعنوي والمالي بشراء نتاجاتي) من المهتمين الأمريكان اكثر مما يبديه ابناء جاليتنا العزيزة، وهذا ينطبق ايضا حتى على زيارة المعارض الفنية ومتابعتها.
وكأنك في قصر الأيسكيلا
في معرض حديثي مع الفنان العراقي صباح وزي عن الجديد في مرسمه وعالمه الفني قال: كما ذكرت في بداية حديثي عن مأساة سرقة آثارنا من المتحف العراقي، فقد ايقضت عندي (طوطما) كان في سبات عميق، قمت بعدها بأعادة دراسة فنون ورسوم ومنحوتات بلاد الرافدين، بمراحلها المختلفة، السومرية والأكدية والبابلية والآشورية، ووجدتني اسير عشق جديد هو النحت، فعلى الرغم من ان اصابعي تعلمت وتمرست على الفرشاة، الا ان اناملي ما كان لها ان ترتاح لولا مداعبتها للطين و البورك والخشب والحديد والبرونز، هكذا وجدت نفسي ارد على الجهلة الذين عبثوا بتأريخ وتراث عمره آلاف السنين، اردت ان اقول لهم، بأننا نحن ابناء الرافدين الأصلاء، نستطيع اعادة انتاج تأريخ اجدادنا، ونشره في كل ارجاء الكون، وأن كنتم بجهلكم وأجرامكم تستطيعون تخريب بعض القرب والأواني الفخارية، الا انكم لا تتمكنون من الوصول الى اعماق مشاعرنا المتدفقة بالحب لهذا الوطن الغالي. نعم منذ سنين وأنا اعكف على عمل (ريبلكا) للكثير من التماثيل والرموز التي اشتهرت بها حضارتنا، ويسعدني كثيرا ان استمع الى كلمات الثناء والأعجاب التي يبديها العديد من زوار المعارض، ويسعدني اكثر ان اقول بأن اكثر الناس اقتناءا لهذه المنحوتات هم من ابناء الشعب الأمريكي، وهذا فتح لي بابا جديدا في تعريفهم اكثر بهذه اللوحات ووضعهم في المشهد التأريخي ايضا. وكما يقول الفيلسوف اليوناني العظيم ارسطوطاليس: مهمة الفن والفنان ليست فيما يمكن ان يظهره او يرسـمه، بل فيما يمكن ان يصـّور عظمة مكنوناته.
عصامي وبقلب دافئ
كلمة قبل الأخيرة: لمن يخالط الفنان صباح وزّي، يعرف انه فنان عصامي من الطراز الأول، وهو مستعد ان يضحي بالكثير، ويصرف الكثير، ويحرم نفسه من الكثير من اجل ديمومة ألق فرشاته ومداعبتها للقماش، ويعرف الكثيرين بأنه كان قليل الأهتمام بعمله (مصدر معيشته) طالما كان الأمر متعلقا بالفن والرسم او احد المعارض. ولابد من الأشارة من ان احتفالات وطنية كثيرة جرت في مدينة ديترويت لم تخل من لوحات ورسوم الفنان صباح وزّي خاصة لشهداء الحركة الوطنية. واليوم ، فقد حول بيته الى متحف عراقي كبير، بين الرسوم التي تعد بالعشرات والتحفيات والمنحوتات، بين السكيجات والأقلام والأوراق التي تلون مرسمه الذي اعاد تكبيره مرات ومرات من اجل ان يتســـع للمحبة الغامرة التي يعتمر بها قلبه، للعراق وللفن.
يبقى العراق أملنا
يبقى هناك شيئا اخيرا لابد من قوله، فأذا كان للعراق كل هذا العشق والمحبة عند الفنان صباح وزّي، فمتى ياترى يرتوي حقا بها ، ومتى ينعم الناس المغتربون وغير المغتربون بمشاهد عن وطنهم الغالي، يعيش فيه ابناء وأطفال العراق بأمن وأمان، وتنعم فيه المرأة بالعدل والمساوات، ويعيش كل الناس، كل المواطنين محكومين بقانون مدني عادل بعيدا عن الحقد والكراهية وأقصاء الآخر، متى؟

كمــال يلـدو
كانون اول 2013

 

احد اعماله3


احد اعماله2


احد اعماله1


أشرفت على اختيار لوحات المعرض


المرسم وقاعة العمل


ايام الشباب في بغداد


بعض منحوتاتي . وهي منقولة من فن حضارة وادي الرافدين العظيمة


حمورابي


حواء والخطيئة


في احد المعارض الفنية


في المرسم 2


في المرسم


لذكرى شهداء كنيسه ام النجاه


من اعمالي الاخيره زيت على الكانفس


من اعمالي السريالية

425
جميل جدا ..وألف شكر للكاتب  عبد الكريم سليم وألف تحية للفنان التشكيلي  سعد نجم وأتمنى له دائم الموفقية

426
تهانينا للغالية جيهان ولعائلتها الكريمة. املنا  كبير بالجيل الناشئ اليوم بأن يكون ناجحين وموفقين وفي كل مناخي الحياة . محبتي

427
شكرا لك اخي العزيز طلعت ميشو على هذا الموضوع الشيق، وأختيار الكتابة عن (طيور دجلة) اختيار موفق وفي محله، فهم حقا يستحقون الشكر والثناء، وتجربتهم الفريدة تبهر اي انسان. انا اشعر انه رد على ما وصل اليه الغناء العراقي، لابل الثقافة والفنون والآداب في العراق، فقد وصلت للحضيض، وعندما نسمع بأية بادرة فأننا نعيد سحب انفاسنا من جديد ونقول (بيها أمل). رغم ان تجربة المهجر الأمريكي لا تقل  عن مثيلتها في السويد من عدد الفرق الغنائية العراقية التي تطرب الجالية وتحي حفلاتها، لكن للأسف لم تركز على الموروث الغنائي العراقي والبغدادي الأصيل وأنصرفت (الى هذا الحد او ذاك) للمنحى التجاري، مع وجود تجارب  تستحق الأحترام والأعتبار ومنها تجربة العزيز سلام رومايا وأمسيات القيثارة وتجربة الفنان الرائع رعد بركات والموسيقين المصاحبين له. لايسعني الا ان ارفع قبعتي تحية للطيور الجميلة وأتمنى لهم الموفقية الدائمة (وربما تستضيفهم) احد المؤسسات العراقية في ديترويت...شكرا لك طلعت، والشكر موصول للعزيزة عينكاوة دوت كوم لأنها تجمعنا سوية.

428
شكرا جزيلا لك اخي (برديصان) ولملاحظاتك الجميلة. بتصوري نحن نشهد ان هناك صراعا، فأما ان نكون به او خارجه.ما مر على بلادنا مأساوي، وما ذاقه الناس كان اسوء بكثير. امنياتي بأن يتحمل المثقفون مسؤلياتهم بشكل جاد، ان يتركوا الأمور الثانوية جانبا وأن ينظروا للصورة الأكبر، ان البلد يحترق ويدمر  وناسه يهاجرون والجراد والتخلف وتجار الدين والسراق والمزورين هم الذين يحكمون، هل نرضى بذلك؟ هل نرضى بهذا القدر السئ؟ انا اتصور ان البقاء دائما سيكون للأفضل، لكن على هذا الأفضل ان يتحرك وأن لا يكون متجاهلا او كسولا. احترامي لقلمك

429
شكرا لكم احبتي زيد ميشو، الياس منصور وأستاذي الغالي المسرحي الرائع لطيف نعمان. هذه المقالة هي طريقتي بلقول كلمة ((شكرا)) لهذه الأنسانة ولكل انسان يعمل خيرا ويقدم لأهله ولأبناء شعبه. نحن بحاجة ان نتعلم من الصغير ومن الكبير. من العالم ومن العامل، كل هؤلاء يضربون امثلة وعلى الأنسان الفطن ان يتعلم منها.
محبتي لكم وللغالية (عينكاوة كوم) لأنها تمنحنا هذا الفضاء الرائع من التواصل مع ناسنا الغاللين.

430

الشاعر فوزي كريم ضيف ديترويت: لا أسأل إلا عن وطن يسأل عنّي




في تلك الليلة، اخذنا الضيف سوية معه الى  جلســـة تعارف في "المقهى البرازيلية" بشارع الرشيد، بعدها ذهب بنا الى امسية الأربعاء في "اتحاد الأدباء" ونقاشاتها وأسئلتها ، ثم اكمل بنا المشوار حتى "الكاردينيا" على اطراف شارع ابي نواس ونسيمه العليل، لنعيد تشكيل اللوحة ونجمع مفرداتها، بعد ان حكم عليها، ملوك التخلف، بالأعدام، حيث غدت ليالي بغداد وأماسيها بطعم باهت، فيما تفرق احبابها بعيدا، بعيدا في هذا الكوكب المترامي الأطراف.
 في تلك الليلة ايضا - يوم الثلاثاء 19 تشرين2 2013 في ولاية مشيكان الامريكية، وبدعوة من منتدى الرافدين للثقافة والفنون- كنّا سعيدين ان تتسـع لنا الفرصة للقاء شخصية تملكت ناصية الشعر والنقد والموسيقى لأكثر من ثلاثة عقود، فكانت حقا امسية عراقية ثقافية بأمتياز مع الشاعر فوزي كريم، الذي يزور الولايات المتحدة بدعوة من المركز الثقافي العراقي في واشنطن لألقاء عدد من المحاضرات الأدبية في العاصمة واشنطن. 
قـّدم الدكتور عزيز التميمي الضيف مع لمحات من سيرته الثقافية والفنية مشيرا الى تقسيم الأمسية الى ثلاث محطات، الأولى من تجربته الشعرية والفترة الستينية، النقد الأدبي ثم الموسيقى. واستهل حديثه بتوجيه الشكر ل"منتدى الرافدين" والى الجمهور وحجمه اللافت.
هـدوء نســـبي
في حديثه عن الجيل الستيني، وحتى السبعيني، قال: ان الذي ساعد، كانت الحرية النسبية المشوبة بالفوضى.ولقد رصد بعض العوامل التي كانت تقف خلف ظاهرة "الستينية" العراقية والتي فجرتها وأطلقت شرارتها الحركة الستينية العالمية، وسعي العديد من المثقفين العراقين لمحاكاة ما كان يجري في الغرب، كذلك الهدوء السياسي الذي صاحب حكم (العارفين)، والذي كان يعد امرا غير مألوفا في المشهد العراقي، للدرجة التي يبدو بأن الـتاريخ قد وضع رأسه على وسادة وأرتارح! بحيث يمكن القول أن الدولة (السلطة) غائبة.
كان الشارع الثقافي يعج بالحركة والديناميكية، اما التنوع الفكري والأيدلوجي فقد وجد صداه في صور وأشكال منوعة، ويمكن القول بأن زبائن المقهى البرازيلية كانوا قريبين من الحداثة، فيما البعيدين عنها كانوا يرتادون مقهى الزهاوي على سبيل المثال. لكن من سماتها الحزينة ايضا، الحزبية الضيقة، رغم ان  الأبداع لايمكن له ان يرى النور دون شائبة، غير ان فكر الأبداع يحتاج الى ذهن طليق وحر، وأن "الفكرة" لا تتقد ولا تتطور اذا تقدست!
الأنتســاب العقائدي
بعد هذه المقدمات يشرح الكاتب كيف ان هذا الجيل كان يعتمد كليا على انتسابه العقائدي، وكيف ان الأنكسارات ادت الى خيبة امل، لابل الى انكسار عقائدي ايضا. ويضرب مثلا عن جيل الرواد ومعاصرتهم للنظام الملكي الذي كان يتطور تطورا طبيعيا، فقد كان هناك برلمان رغم ما يشوب عمله من شوائب، وهناك رئيس وزراء يتغير، لكن بعض التيارات السياسية كانت متحمسة للقفزة، ولدرجة انهم كانوا يعتقدون بأنه عبر "الفكرة" يمكن تغيير الحضارة، لدرجة ان بعضهم تصور بأن "شاعرا" ما قادر على ان يغير العالم.
العقـل المعـتقل
قدم الشاعر فوزي كريم سردا ممتعا للعديد من المفاهيم التي تشكل اليوم جزءا مهما من شخصيته ومنها: ان نتاج الشاعر او الفنان يمكن ان يكون وهما لو انه استند كليا الى العقيدة! فيما الواقعية (ريالتي) تعطي فنا عظيما. ان الأيهام يعطي شيئا ما ثم ينطفء! وأن قصائدا كثيرة كتبت بفعل العقل "المعتقل" بالفكرة اليقينية العظمى، بينما اثبتت تجربتي بأن طريق الحداثة هو الذي يغير العالم. وفي هذا السياق رصد مشهدا ربما انتبه اليه البعض وهو: ان احدا من شعراء العراق لم يكتب قصيدة حب للعراق  وهو داخل العراق، بينما يكتبون عن حب العراق حينما يغادروه! كما انه اشار بالبنان الى "دعوات الضغينة" التي يعج بها الشعر العراقي، للدرجة التي "ربينا" الجمهور على القصيدة التي تؤلب جانب الضغينة، لابل اننا نحفظها ونرددها في مشهد يجسد تربية الذهن "المعتقل" بفعل العقيدة والفكرة الكبرى، ان قصيدتنا تبحث عن اعداء، فأن لم يكونوا موجودين، نوجدهم! وفي سياق متصل يورد امثلة من شعر (مظفر النواب) يرصد بها مشاهدا تتمتع بتعذيب الآخر، لابل حتي بتبنيها للقسوة العارمة مثلما جاء على لسان الأم في قصيدة البرأة.ويعزو الشاعر فوزي كريم ذلك الى التكوين المرتبك لغرائزنا ويقول: ان وضيفة الشاعر ان يوقظ الحاسة النبيلة ، محبة الأنسان، التسامح واعطاء الحق للبشرية ان تختلف! ويقول ايضا: لم اسمع بشاعر شتم العراق وهو داخل العراق!
مصـادرة الوطن
اما في فلسفة الوطن والموقف منه او حب الوطن، فقد استدرك الشاعر الأمر في رده على احد الأخوة المستمعين حينما شكك بوطنية الشاعر فوزي كريم اذ قال له، لا داعي ان نزايد بالوطنية احدنا على الآخر، جاء ذلك اثر طرح الضيف لجملة من المفاهيم، ربما صعب على البعض فهمها او تقبلها ومنها:
ان كلمة الوطن تجريدية، والوطن اصبح مفردة رمزية يستخدمها الحاكم وتستخدمها السلطة، وأن العلم (قطعة القماش) هو رمز ترفعه السلطة وتستخدمه لأرعاب الناس وخصومها، لابل ان مفردة الوطن صار الحكام يستخدموها وصارت تمثلهم اكثر مما تمثل الناس والمواطن العادي. وفي هذا الفاصل قرأ بعضا من قصائده الجميلة وأستهلها بقصيدة اسمها"وطن" اقتطع منها بيتان : "لم اجد بلدا نكـّل بأبنائه مثل العراق" و "لا اسأل الا عن وطن يسأل عنّي".
النقد والعسـكر
بعد هذه الرحلة مع الأفكار وصراع الأراء انتقل الشاعر الى بحث قصيدة النثر، وذكر بأنها ظهرت لأول مرة في القرن التاسع عشر في باريس بالذات، وهي وليدة عوامل سلبية ومنها ما يتعلق باللغة الفرنسية اصلا، لكن في الحديث عن كتّاب هذه القصيدة من العراقيين او حتى العرب فأنما يكتبوها لأنهم لا يحسنون الأيقاع الموسيقي والأوزان في اللغة العربية، ويخلص للنتيجة العظمى بأن، لا وجود لأي شعر في العالم الا وقد كتب على وزن ما، وأن الأوزان هي ظابطة الأيقاع للشعر وفلسفته.
انتقل للحديث بعد هذه الجولة الى مناقشة النقد، وعصره الذهبي الذي تمثل في اوربا بعصر النهضة، لكن النكبة كانت في الفترة التي تلت عصر الثورات، هذه التي اشّرت الى بدء الأنهيار. قال: ان مجموعة من العسكرين والضباط قرروا بعد نجاح حركتهم ان يلغوا السلطة، ويلغوا الدستور. في هذا المجال اشار الى ان بعض الشعراء ربطوا مصيرهم بالسلطة بدعوى انها مسؤلة عن كل شئ، بينما هم يستبدلون استقلاليتهم بالتبعية للنظام.
القصيدة والضغينـة
ويتوقف الشاعر فوزي كريم امام تجربته الموسيقية ويبدئها بالقول: ثلاث على الشاعر ان يتملكهم، التربية التشكيلية والتربية الموسيقية والتربية اللغوية، اما تأثيرها الحقيقي عليّ فقد كان داخليا، كان روحيا، وأستشهد  باحدى الناقدات البريطانيات التي قالت: كل الفنون تطمح ان تكون موسيقى!
يردف فوزي كريم ويقول: اسمع موسيقى كشاعر اكثر مما اقرأ الشعر كوني شاعر، فالموسيقى لا تحتمل الضغينة، وأن ســّر سمو قصيدتي هو بفضل الموسيقى. ويعود مرة اخرى ليثير التساؤل: فأذا كانت القصيدة تحمل هذا الحس المرهف، كيف يمكن ان توّلد لها اعداء، وكيف يمكن ان تزدحم بالضغائن؟ لابل اننا مسؤلون عن شحن القارئ وتأليبه بالقصيدة ذات النزعة العدائية الملئى بالضغينة. ويقول على سبيل المقارنة، ان شعر السياب صاف ونقي. اما عن المنزلة التي يحتلها الشعراء عند القراء والناس فيمكن تلخيصها بالقول: ان الشاعر الكبير هو شاعر التساؤلات الكبيرة، والشاعر هو الذي يشجع للبحث عن الحقيقة، فيما الشعر لا يحتمل البغضاء.
وفي معرض حديثه عن تجربته الشعرية الخاصة يقول: ان القصيدة التي اكتبها ،تكتب تحت ظلال آلاف القصائد التي قرأتها، وأن النمط الجديد يخرج عادة من الموروث، اذ لا يوجد شئ بكوري يخلق من العدم او من اللاشئ.
وفي النقد يذكر: ان الشاعر الناضج ينمو وفي داخله ينمو الناقد الناضج، ويؤكد بأنه لا ينتظر ان تذهب قصيدته للناقد. وفي صدد النقد يؤكد بأن الموقف النقدي يحتاج الى حضارة، فيما شعرنا يخرج من البداوة، لهذا كان هناك غياب الفكر النقدي، وأنتقد توجه بعض النقاد لأنتقاد الغرب وقال: اطبائنا يستفادون من التطور العلمي والتقني في الغرب، لماذا لا يستفاد من هذا التقدم الأدباء والشعراء ايضا؟ - انتهى-
وللجمهـور حصـته
كان لافتا حماسة الجمهور للمشاركة في الأسئلة او محاورة الضيف،خاصة وانه تطرق الى عوالم وأفكار متنوعة، فقد رحب بها وأجاب عليها  بهدوئه ودماثة خلقه المعهودة. دارت الأسئلة حول محورين مهمين اثارهما الشاعر فوزي كريم، الأولى حول مفهوم ومبدأ المواطنة والوطن، والثانية  في الأنتماء السياسي وارتباطه بقصيدة البرأة للشاعر النواب، اضافة لأسئلة اخرى متنوعة.
حول الوطن قال: اتمنى على البعض ان يفهم ما قصدت بالوطن، الوطن الذي سرقه الحاكم، وجيّره له وصار يتاجر به، هذا هو الوطن الذي انتقدته، هذا الوطن الذي يقتل ابنائه ويشردهم  فيضطرون للهجرة وركوب المجهول، لكن الوطن الساكن في وجداننا، متمثلا بالناس والشجر والنهر والذكريات، هذا الوطن صاف وبرئ من صورة الوطن الذي يطرد ويطارد ويقتل ابنائه كل يوم. وبخصوص قصيدة - البرأة- فأني حددت موقفي  من الفعل القاسي داخل القصيدة وليس في فكرة القصيدة وتأريخ البرأة السلبي السئ الصيت، انا قصدت فيما ذهب اليه الشاعر على لسان الأم حينما خاطبت الشعب "هذا التشوفه موش ابنّه"، ان هذه قساوة ووحشية من الأم حينما تتبرأ من ابنها، بينما مشــهد الأم في جدارية "نصب الحرية" وقد احتضنت ابنها الشهيد في مشهد انساني راق. لقد آن الأوان ان نراجع بعض المفاهيم التي كنا نتعامل معها بقدسية.
همـوم وأحلام
 ليس عيبا ان تحمل الفكر او الفكرة، لكن ما جدواها ان لم تستغلها كأداة للتغير، وما جدوى دفاعك المستميت عنها. ان تعدد الأفكار حالة صحية، اما صراعها والمنافسة بينها فهو الوضع الأكثر صحة لرقي الفكر وأبداعه . الكثير منّا يعتبروجوده في الغربة كضحية، نتيجة لقمع الحكومات وأستبدادها، نعم هذا صحيح، لكن الم تنطلق تلك الحكومات والأحزاب من فكرة "المقدس" وعدم المساس به؟ اليس المشهد متكررا اليوم ايضا؟ فأن كنا حقا نأمل او نعمل لبناء الدولة المدنية الحقة وتخليص العراق من هذا النفق المظلم، علينا مراجعة العقل، ووضع ما نعتقده مقدس موضع الفحص، ليس للتشكيك بل للتأكد من صلاحيته لهذا الزمان ايضا، فليس صحيحا ان نرفض "مقدس" الآخرين، فيما نرفض ان يمس "مقدســـنا". ولنتذكر حجم ما تحملته النخب السياسية والثقافية الفرنسية حينما تجرأت ورفضت سطوة الكنيسة على مقاليد البلد حتى تمكنت من  وضعها في مكانها الحقيقي، وسحبت الدولة منهم وكان ما كان في اوربا والعالم المتحضر اليوم.  يقول الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون: لاشئ في هذا العالم يستطيع ايقاف الأنسان الذي يحمل الفكرة او الأرادة الصحيحة، لكن لاشئ في هذا العالم يستطيع مساعدة الأنسان الذي يحمل الفكرة الخاطئة.
لقد كانت امسية جميلة بأمتياز، تنوعت فيها الآراء والأفكار والطروحات، وتشابكت فيها الهموم والأحلام مع مشاكل الوطن، الا انها وفرت فرصة نادرة  - ومطلوبة – للمراجعة وأيقاظ العقل من غفوة عابرة او اطلالة في عالم ضبابي، اما من كان بنيانه مرتكزا فلا خوف عليه، ومن اصابه الضعف فالفرصة مواتية دائما .
شكرا للأخوة والأخوات في منتدى الرافدين، شكرا للجمهور الرائع، وشكرا للضيف العزيز الشاعر فوزي كريم.

كمال يلدو
تشرين ثان 2013

 

431
الصيدلانية نضال كرمو:
باعت إثنتان من صيدلياتها
لتزرع البسمة على شفاه أطفال العراق
يسمونها "ملاك الرحمة"! تقول إعلاناتها في الراديو والتلفزيون بأنها مستعدة لمساعدة اللاجئين العراقين بتقديم التخفيضات لهم وايصال الأدوية لمنازلهم، كذلك الحال مع اصحاب الدخل المحدود او مع المواطنين الذين لا يملكون التأمين الصحي بسبب ارتفاع تكاليفه.
قصتها مع العراق لم تنته يوم هاجرت مع عائلتها أواخر السبعينات الى الولايات المتحدة، بل بدأت حين رأت في الحصار الذي تعرض له العراق في عقد التسعينات "كابوسا"، لابد من إن تقوم بعمل ما للتخفيف من آثاره على الناس، فبدأ المشروع الخيري الكبير للصيدلانية العراقية المقيمة في الولايات المتحدة نضال كرمو، حين أرسلت وبمبادرات فردية عدة شحنات من الأدوية، عسى أن تخفف من متاعب العراقيين، متمسكة بمقولة رائعة للفنان الأمريكي جيمي دين:" ربما لا استطيع تغير اتجاه الريح، لكني سـأضّبط أشــرعتي من اجل الوصول لغايتي المنشودة".
ولدت نضال في بغداد، وانهت دراستها الثانوية هناك وقبلت في الجامعة التكنلوجية اواخر السبعينات، وفي السنة الأولى قررت عائلتها الرحيل للولايات المتحدة. وهناك ورغم ما يواجهه المهاجرون الجدد من صعوبات مالية او لغوية، أكملت نضال كلية الصيدلة، وعملت في كبريات الصيدليات المنتشرة في مدينة ديترويت، قبل أن تفتح بنفسها أول صيدلية خاصة عام 1995، متحدية بمثابرتها وعملها الجاد والمضني ومساندة الناس لها، المنافسة الشديدة مع كبريات الصيدليات، حتى صار اسمها شائعا ومتداولا بين اوساط الجالية والأطباء.
ورغم الإنشغالات الكثيرة، لم تنس الوطن الغالي، وأرعبتها ما كانت تسمعه عن الظروف الصعبة التي تعيشها بعض القطاعات الشعبية، فهرعت للبحث عن المنظمات والجمعيات الخيرية الأنسانية الأمريكية التي يمكن ان تساعدها في توفير الأدوية وبعض المستلزمات الطبية مجانا، ونجحت في مساعيها وراحت ترسل الأدوية للعراق. لكن مع كل كمية ترسل كانت تأتي طلبات أكبر، في ظل خراب القطاع الصحي، وانعكاسات الحصار على توفر الأدوية الجديدة وغير المزورة.
في العام 2003، إستبشرت نضال خيرا، وتمكنت من الحصول على "شاحنتين كبيريتين" من الأدوية والمعدات الطبية من إحدى كبريات المؤسسات الخيرية، وأرسلتها فرحة للوطن. عن تلك اللحظات تقول نضال:
   انتابني شــــعور انفعالي طفولي، لا ادري، صرت ابكي  ثم اضحك. ان هذه الشحنة تعني وصول الأدوية لآلاف الناس المحتاجة، لكن بقت المشكلة قائمة في كيفية ايصالها للعراق، وللجهة الصحيحة والمسؤلة، خاصة وقد أصرت الجهات الرسمية على استلام الشحنات إذا ما صرفت عليها اجور الشحن، ولم يكن هناك ضمان أن تصل تلك الأدوية لمستحقيها في بعض القرى والمحافظات المنسية. فتوجهت لأبناء الجالية وإستقطعت من وارداتي لتغطية إجور الشحن.
كان شرط الجهة المانحة ان تقوم نضال بمرافقة الشحنة حتى تتم عملية التوزيع من اجل ضمان التبرعات في المستقبل. وهذا ما تم بالفعل. وتمضي السنين وتتكرر التبرعات وتتكرر زيارات نضال للوطن حتى وصلت الى (12) رحلة. وحين شحت الواردات، لم تتردد في بيع صيدليتين من صيدلياتها الثلاث لتغطية تكاليف نشاطها الخيري هذا.
عند سؤالي لها عن غايتها من هذا العمل، الذي هو عمل انساني صرف أجابت:
   عاهدت نفسي منذ البداية على مساعدة الفقراء العراقيين، بعيدا عن السياسة ومشاكلها، لقد نفذت كل ما وعدت به فاكثر ما يهمني هم اطفال العراق، لقد شاهدت معاناتهم بعيني اثناء زياراتي المتكررة..أحلم ان ابني في العراق مستشفى لعلاج امراض السرطان عند الأطفال. ولا اخفي ســرا ان قلت، اني واثقة من قدرتي على زرع السلام والتآخي في العراق. لقد تعاملت مع كل مناطقه بذات المحبة.
المشاريع الأنسانية التي اشتركت بها السيدة نضال كرمو لم تقتصر على العراق فقط بل قامت مؤخرا بزيارات مع شحنات من الأدوية لمخيمات اللاجئين السورين في الأردن، وترعى مشروعا صحيا كبيرا للاجئين السورين في كردستان العراق، كما كانت لها مساهمات خيرية في دولة الهندوراس.
-   وماذا بعد؟
-   أطمح لمشروع انساني في الناصرية، فأن لي صداقات وعلاقات كثيرة في مدينة ديترويت مع ابناء الجالية بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم.
لقد جلب نشاط الصيدلانية نضال كرمو انظار العديد من المسؤولين والمنظات الخيرية الأمريكية فكوفئت بالعديد من الجوائز والأوسمة التقديرية، تقديرا لجهودها وعملها الأنساني الكبير، وصلت الى (14) جائزة، وهي تعتبر من الوجوه البارزة ليس على صعيد منظمات الجالية فقط، بل حتى على صعيد المؤسسات الأمريكية المعنية في ولاية مشيكان او في العاصمة واشنطن.
وعند سؤالي لها عن دعم الجالية قالت:
-    لا ابيح ســرا بالقول من ان الجالية فخورة بما اقوم به من جهد، وهم يشدون على يدي كلما اصادفهم في المناسبات والتجمعات، لكن هذا لا يكفي، فأن الشاحنات تكلف اموالا كثيرة من اجل ايصالها للجهات والناس المحتاجين لها. وللأسف لم اجد الجهة العراقية التي تستطيع مساعدتي ويبقى السؤال: من الذي سيدفع لأيصال المساعدات الى العراق؟ بالحقيقة هذا هو الأمر الذي يؤرقني ليل نهار.
   ولكن هل جعلتك هذه التكاليف الباهضة تندمين؟
   انا اسعد انسانة في العالم، رغم اني تعبانة، لكني سعيدة جدا، ويكفيني "دعاء" العراقيين والعراقيات لي ولعائلتي بالخير والبركة. إن فرحهم وضحكتهم والأمل الذي اقرأه في عيونهم يزيل عني كل الهموم وكل مشاكل الحياة والعمل. أتمنى أن ينال الكثير من العراقيين ذات السعادة بأن يستثمروا وجودهم في هذا البلد (الولايات المتحدة) لمساعدة اقرانهم في العراق او حتى في دول "الأنتظار" مثل سوريا والأردن وتركيا ولبنان ومصر، فهناك الكثيرون ممن انقطعت بهم الطرق، فلم يعودوا يتمكنوا من الرجوع للعراق والعيش به، ولا تسير معاملاتهم بالسرعة التي تزيل عنهم ازدواجية العذاب بالغربة ومشاكلها.
كمال يلدو
تشرين ثان 2013










432
الزميل العزيز انطوان صنا، تحية وأحترام وشكر جزيل على قرأتك موضوعي وتسجيل ملاحظاتك القيمة عنه، وهنا اود ان اضيف لما تفضلت به:
ان موضوعة الندوة فعلا كان واسعا وشاملا، مع الأخذ بنظر الأعتبار ان الدكتور سيار الجميل هو باحث في الشأن العراقي العام وليس في الخاص، مع ما ذكرت ويعلم القراء الكرام بأنه كتب مواضيعا شتى في شأن الشعب المسيحي، اضف لذلك بأنه ليس مسؤلا او رجل دولة، حيث يكون حينها الأمر مختلف تماما، لأن مصيبتنا تكمن مع رجال السياسة والدولة الذين يملكون سلطة القرار والدستور والتشريعات.
أخي العزيز: ينظر البعض لمحنة شعبنا (الكلداني السرياني الآشوري - المسيحي) بأعتبارها جزء من محنة كل العراق، وأن حل مشاكله تتم من خلال حل مشاكل الشعب، رغم ان ذلك لايمنع ابدا ان يقوم ذوي الأهتمام والشأن والأختصاص بطرح الدراسات  عن واقع هذا الشعب سابقا والآن وحتى مستقبلا، اما الشئ الثاني وهذا يتعلق بطبيعة الدعوة والأخوة في المنبر، فرغم ان المنبر يحمل صفة قومية في تسميته ونشاطاته، لكن هذا لا يمنع ابدا ان يستضيفوا شخصيات عراقية او عربية او كردية للحديث حول مواضيع معينة تهم الرأي العام في الجالية. ومن جانبي فأني قلتها لهم ،بأني سعيد جدا بهذه المبادرة لأنها تساعد في تحريك الجو الثقافي  والحوارات في اوساط الجالية، وأتمنى على باقي جمعياتنا ومنظماتنا ان تبادر هي الأخرى (رغم انها موجودة لكنها قليلة) لعمل الندوات والأستضافات لأغناء ساحتنا الثقافية والفنية والفكرية.
ولي عليك عتاب اخوي اتمنى ان تحققه في المناسبات القادمة وهو المشاركة في مثل هذه الأماسي وأثارة المواضيع التي تفضلت بها (ان كان موضوع المحاضرة يسمح) وبالتالي تساهم في اغناء الحوار والنقاش بدلا من السجال. والشئ المهم الذي اتمناه هو ان يتقارب او يتوحد الخطاب القومي والوطني لدرء الخطر عن العراق والعمل حثيثا من اجل الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة وتعديل الدستور قبل فوات الأوان وغرق القارب بمن فيه. فأنت تشاهد وتتابع حجم مأساة العراق بكل مكوناته (العربية السنية والشيعية، الكردية ، المسيحية والمندائية واليزيدية) انه كابوس قاتل لا نعرف اين تأخذنا هذه القوى المتحكمة بالقرار. تقبل الود مني والشكر موصول لموقع عينكاوة دوت كوم المتميز

433
د.ســـــّيار الجميل من ديترويت: ان املنا بالوطن يكمن في الشباب العراقي

   لايمكن للأفكار ان تتطور الا حينما تخضع للنقاش والمحاججة، الا حينما تطرح النقائض، عندها يحتكم البحاثة والمثقفون الى تجربتهم الخاصة وثقافتهم والى معطيات الواقع ليرسـموا الأفكار والنظريات الجديدة. وفي حقل الفكر، لم تعد فكرة "المقدس" أو "الثابت" تتلائم مع تطور عقل الأنسان وحياته. لهذا تطرح النظريات الجديدة، وتتصارع مع القديم فتنتج الحديث، فأما ان يكون تعديلا وأضافة لما كان سائدا، أو جديدا بالمرة. وهذا ايضا سيخضع لاحقا للنقاش والتمحيص، من اجل التأييد او الدحض. هكذا تنمو الأفكار وتتسامى، وهكذا يكتب للعقل البشري ومسيرته التطور وتلمس افق الحياة الجديدة. ومرة قال العالم توماس اديسون:" ان اكبر نقاط ضعفنا هي حينما نكف نهائيا عن عمل ما قبل انجازه، لكن الطريق المؤكـد للنجاح يكمن في منح انفســـنا فرصة واحدة اخــرى".

ديترويت تحتفي بضيفها
  في مدينة ديترويت، استضاف المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد يوم 25/10/2013 الدكتور والباحث ســيّار الجميل، في ندوة عامة حملت عنوان "تحولات المجتمع العراقي في القرن العشرين"، حضرتها نخبة طيبة من مثقفي الجالية وأصحاب الأهتمام من النساء والرجال ومن كل الأطياف وكانت حقا زاهية بهذا التنوع والتلون. دار الأمسية السيد فوزي دلّي، فيما قدم السيد سالم جــّدو رحلة في انجازات وأعمال الدكتور سـيـّار الجميل.
ولـد في العام 1952 بمدينة الموصل التي اكمل فيها دراسته الأبتدائية والثانوية والجامعية في كلية الآداب /قسم التأريخ في العام 1974. اكمل الماجستير في بريطانيا. حصل على الكثير من الجوائز التقديرية منذ العام 1991 تثيما لنتاجه الفكري، وهو محاضر في الكثير من الجامعات العالمية ومراكزالدراسات والبحوث، نشر العديد من الكتب وله الكثير من الأصدارات، وهو مواضب على الكتابة والنشر منذ اكثر من 30 عاما خلت.

تحولات المجتمع العراقي
بدء د. سيـــار الأمسية بتوجيه الشكر للمنبر الديمقراطي الكلداني الذي نظم هذه الأمسية، وللسيد عادل بقال صاحب الدعوة والضيافة، والى الجمهور الذي ابهره بمحبته وحسن متابعته لنتاجاته وللوضع العراقي عموما. كان اول ملاحظة سجلها الضيف ان " العراقيين ابتعدوا عن القيم التي تجمعهم كأبناء شعب"، ثم عرج على التحولات التي مرت على المجتمع العراقي، والتي وصف بعضها بأنها جسيمة، فيما شخص بأن الكثير منها كان يتطلب وقتا انتقاليا، لكن للأسف لم نعشه كمثقفين، ولم يعشه مجتمعنا العراقي. ثم قال: بدء المجتمع يفقد القيم التي نشأ عليها الجيل الأول، ورغم ان سفك الدماء كان موجودا الا انه ازداد في الفترة الأخيرة. ولاحظ بأن : اي حكم جديد يأتي، يلعن الحكم الذي سبقه، وذكر بأن العراق قدم في القرن العشرين اكبر عدد من الشهداء، ويتســـائل: لماذا هذه الدماء؟ لماذا غزونا الكويت؟ لماذا حاربنا قوى عظمى بدون غطاء جوي؟ ويبقى السؤال عصيا على الجواب: من صنع القرار الأستراتيجي، او القرار التكتيكي؟ ويخلص للقول: ان ما جنيناه نحن العراقيين كان بأيدينا!

ماذا كشف لنا التغيير
بعد التغيير الكبير عام 2003كان من المفروض ان نمر بمرحلة انتقالية، على الأقل حفاظا على المنجز الذي تحقق. بالمقابل، اكاد اجد شعبا بملاينه الكثيرة ولكن بأسماء شتى! كان العراق ولسنوات طويلة، جالبا  للناس، من الجيران او من بعيد، لكنه وللأسف كان طاردا لأبنائه في عين الوقت. ان التقاطع يصنعه التأريخ، لكن القطيعة تصنعها الثقافة. ويلحظ الكاتب سـّيار الجميل بأن العراقيين ليسوا منصفين حينما يدونوا او يكتبوا التأريخ، فيلحظ ان الكتابة تستغرق مجلدات، لكنها للأسف قد غيـّبت اقوام وناس وأديان ومذاهب وقرى وبلدات، فكيف يمكن ان اكون عراقي وأن احصر نفسي في دائرة بغداد! العراقي  هو من يـدّعي بالبلد من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ، ومن اقصى الشرق الى اقاصي الغرب. وفي معرض استعراضه للتحولات التي طرأت على المجتمع العراقي يقول: ان التحولات لم تكن سهلة، وكانت صعبة آخذين بنظر الأعتبار بأنه مجتمع متنوع ومتعدد، وقد شهد فترة حالة من الصراع الطبقي، فيما غزته  فترات اخرى الطبقات الطفيلية، وأن الصراع الأساسي هو صراع مستويات. التميز كان موجودا منذ القرون 17، 18، 20،19، كان واضحا بين المدن والأطراف، وأشترك فيه السياسين والمهنين ورجال الدين، وعلى الطرف الآخر كانت تقف الطبقة المسحوقة، اي الجماهير الكادحة والفقراء والأيتام. وهؤلاء منحتهم ثورة 14 تموز فسحة من الأمل والموقع في الخارطة.

جيل جديد كل 30 عام
يقســم الأستاذ سيار الجميل عملية التحولات بالأستناد الى الرقم (30 سنة) وهو يوجز التحولات التي جرت وحسب مراحلها، الأولى مابين الحربين الأولى والثانية، اما الثانية فهي مابين نهاية الحرب العالمية الثانية والعام 79، والثالثة ما بين العام 79 والعام 2009 وبأعتقاده ان العام 79 يعتبر الأخطر لأنه شهد سيطرة صدام على السلطة ، وسيطرة الخميني على ايران والأحتلال السوفيتي لأفغانستان. وفي هذا العام (79) شهد بداية انهيار القيم الأجتماعية التي تربينا عليها، رافقها الحصار والحرب والغزو والدكتاتورية، فأنجبت هذا الجيل اليوم من حكام ومحكومين!

دستور سريع وناقص
لقد ساهم تراكم الأخطاء في المرحلة الحالية على انتاج دولة فاشلة، لم تتمكن حتى من زرع القيم الوطنية بين الناس بينما انتجت الشرذمة. لقد قلنا اتركوا الوضع حتى ينضج بهدوء قبل ان تقروا الدستور،وحتى تتم التحولات بسلاسة، من اجل تثبيت الحريات على احسن ما يرام، فماذا تعني الديمقراطية بلا حريات! هذه ليست ديمقراطية، والمفروض ان يشعر الأنسان بحريته الشخصية وحرية الرأي والحرية الأجتماعية وصولا للحريات السياسية. لقد اقر الدستور بسرعة قياسية وبمقاسات غير ملائمة.
ماهي المشكلة اذن: بالحقيقة ان مجتمعنا العراقي غير متجانس والآسباب متعددة ولنكن صريحين! فنحن نلتقي في المدارس او المؤسسات او الثكنات العسكرية او محطات القطار وفي كل مرافق الدولة، وبعد انهيار النظام البائد ظهر المجتمع على حقيقته، ولم يعد يقال ان هذا الشخص من المدينة وذاك من الريف، بل تعداه لوصف آخر، اما الفسيفساء العراقية التي كان يفترض بها ان تكون نعمة على العراق، فقد اصبحت وبالا على العراقيين لأنهم غير منسجمين. واحدة من الأسباب قد تكون الموقف من الدولة، فقد كانت العملية تجري على اساس ان المجتمع في خدمة الدولة! ولهذا كان الناس يهانون حينما يساقون للخدمة العسكرية ويعاملون اسوء معاملة. لقد مارس الحاكم استبدادا مع منتقديه، فاذا زاد غضبه فأنه ينفـي الآخر، او يسحب منه الجنسية، وبالحقيقة فأن الوطن ملك ابنائه وليس ملك الفئة الحاكمة.

ثقافتين ام ثلاث ام اربع
في الحديث عن الثقافة، يمكن القول اننا نمتلك ثقافة واحدة، لكنها منوعة ومتنوعة.
في فترة ما كان تقسيم القيم يجري على اساس قيم المدينة وقيم البداوة، ونتيجة الصراعات التي جرت فقد انتصرت قيم البداوة على القيم المدنية ( قيم المدينة)، اما اليوم فقد طغت على السطح ثلاث قيم، قيم المدينة  والريف والبادية، ولو توقفنا قليلا وقلنا من الذي بسط ثقافته على المجتمع الآن؟  لقلنا ثقافة الريف، ليس بأيجابياته بل بسلبياته. فقد اصبح معلوما للجميع حجم التردي الذي اصاب الريف وما رافقه من اضمحلال للزراعة، وهناك زراعات عراقية ماتت نهائيا، واصبح العراق يستورد معظم المنتوجات الزراعية.
كان لابد ان تحدث ثورة زراعية في العراق، وأن يرافقها كهربة الريف، والأعتناء بالريف وليس سحب الريف للمدينة. كما اني تمكنت من رصد اربع ثقافات في العراق اوجزها بالشكل التالي:شـــرق دجلة، ثقافة مرتبطة بالزراعة والأنهار، ورغم ان الزراعة فيها ماتت الا انها تمثل بلدات قديمة وتأريخ، لقد كان الناس فيها منتجين ويحترمون مهنتهم وعلاقاتهم الأقتصادية، ثقافة غرب الفرات، ثقافة منطقة ما بين النهرين ومنطقة الجزيرة والسواد، وهي ثقافة جامعة، اما الأخيرة فهي ثقافة شط العرب، البصرة والبحر والأنفتاح على العالم، ومن لايتذكر تسمية شط العرب في القرن 17 ب "فينيسيا الشرق".

مشكلتنا تكمن في الوعي
اقف احيانا مندهشا امام قدرة الشعب العراقي على تجاوز الصعاب، لقد قصفنا(من قبل الولايات المتحدة) لمدة 43 يوم في العام 1991، وفي اليوم 44 بعد ان توقف القصف كنت اشاهد التلاميذ يذهبون افواجا للمدارس!
كيف لنا ان نساعد هذا الشعب اليوم لكي يرجع الى حيويته الأولى، ولكي ينسى آلام السنين الماضية.
يزعم بعض الأخوة بأن شعبنا "متخلف" او " ميؤس منه" لكن السؤال يطرح نفسه: هل يبقى هذا الوضع هناك؟ اليس العراق بلدنا، وأرضه ارضنا وأهله اهلنا. ان المشكلة الاساسية تكمن في الوعــي. كيف يمكن لنا ان نعيد الوعي للعراقي من جديد، ، ان المواطن يعيش مأساة في كل يوم، فكيف لهذه الكوارث والقتل الجماعي ان تفعل فعلها فيه!
ماذا يمكن ان نفعل حتى نخلصه من هذه المعاناة، وما هو دور النخب؟
ليس صحيحا ان نقول ان كل العراقيين ســراق او فاسدين، رغم اني احيانا احتار بالسؤال عن غياب قيم النزاهة التي تربينا عليها،علينا ان نفكر بالطرق من اجل اعادتها للمجتمع، للجيل الجديد، مهما كانت افكاره او تطلعاته او اتجاهاته السياسية. علينا مهمة توعيتهم لتجنب الحديث بمنطق الأكثرية والأقلية، بل بمنطق العراقي والعراقية، وأن نعيد للمواطنة روحها، ويمكن لنا ان نتحدث عن اغلبية سياسية لكن ليست اغلبية اجتماعية او طائفية. ان اخطر ما يواجه النخب المثقفة هو "الموت التأريخي"، حينما يصل الأحباط الى درجة العدم. ان بقاء القوى الحاكمة في الدولة الفاشلة مرهون بالأحداث، وبالعقد الأجتماعي ما بين الدولة والمجتمع. العراق بحاجة الى برلمان يمثله بشكل صادق ولو نسبيا، لكنه بحاجة الى تشريعات مدنية ، وأن يكون التنوع مصدر قوة وليس مصدر تفكيك على اساس الطائفية.

اهمية وحتمية الفترة الأنتقالية
ان التحولات التي جرت في المجتمع العراقي كانت صعبة، وأكثرها تعقيدا  تلك التي نعيشها الآن. لقد كان المفروض ان نعيش فترة انتقالية اسوة بالعديد من الدول التي نشترك معها بالأوضاع او التنوع او التي حدثت فيها انقلابات مثل: (الهند، جيكيا وجنوب افريقيا)، فقد عملت على ترسيخ القيم، وبدأت بمشروعها الوطني قبل السياسي.
ان العراق بحاجة الى "عملية وطنية" وليس "عملية سياسية".نأمل من النخب والسياسين ان يفكروا في بناء وترسيخ رؤيا للمستقبل من اجل ان يكون هناك عراقا، والأهم ايضا للمجتمع ان تحكمه دولة تسّيرها قواها الذاتية، مبنية على النظافة من الفساد والأرادة الحرة. املي اليوم اكثر من اي وقت هو بالشباب العراقي، النظيف الصافي غير الملوث بالفساد والطائفية، هؤلاء سيعيدون العراق كما عرفناه وشكرا.

وللحضور دورهم
ما كان لهذه الأمسية ان تكنمل لولا فتح باب النقاش والحوار مع جمهرة الحضور، خاصة بعد ان وضع على طاولة البحث مفاهيم ونظريات واستنتاجات غاية في الأهمية والحساسية.  ويبدو ان الحظ قد حالف البعض ممن كان الوقت في صالحهم اذ كانت قائمة الذين يرغبون بالحديث طويلة وقد تقدم بالأسئلة كل من: نشأت المندوي، عامر جميل، زيد ميشو، الدكتور صبري شكر، سالم تولا، موفق حكيم ، طلعت ميشو، الدكتور علاء فائق والأخ عبد الأحد مرقس. ودارت بمعظمها حول المواد والمواقف التي طرحها الدكتور سيار الجميل ومنها:عن علم الأجتماع ورواده في العراق وعن شعبيته ايضا، عن بعض مظاهر التخلف وما كان يجري في مدارسنا وفي مناهج التعليم في الأنتقاص من الآخر ان كان (اقلية)، عن المقارنة بين نظرية الدكتور علي الوردي ونظرية الدكتور سيار الجميل، عن تأثير التطرف الديني على تأخر الحضارة في بلدنا، عن التجاوزات التي جرت في العراق ضد الآشورين او اليهود وغيرهم من المكونات، وعن احزاب الاسلام السياسي وقيادتهم للدولة، وعن مفاهيم الدولة المدنية وفصل الدين عن الدولة، عن التدخلات الخارجية وخاصة الأمريكية وألأسرائيلية وموضوعة "نظرية المؤامرة"، هذه كانت ابرز المحاور التي طرحها المشاركون (اعتذر ان كنت قد نسيت بعضها) وكانت اجابة الدكتور سيار موسومة بالشكر لكل من تقدم بالسؤال، فالعبرة تبقى في اثارة النقاش والحوار والبحث من اجل الوصول للأفضل.

دورنا فيما يجري
 كانت الأجابات كالتالي:علم الأجتماع علم حديث في العراق، لكن مهم ان نتذكر بأن اول قسم لعلم الأجتماع في الشرق الأوسط تأسس في العراق مطلع الستينات على يد الأستاذ متي عقراوي وكان رئيس اول قسم، اما نظرية الدكتور علي الوردي فهي نظرية قديمة، كانت جيدة في وقتها، فالعلوم تتقدم والأفكار تتجدد، ولا يوجد نص مقدس. اما عن مدارسنا فأن امورا سيئة كانت تحدث ليس بعيدا عما كان يجري في المجتمع اصلا.وعن تأثير التطرف الديني قال:ان كل ما يحدث في العراق والشرق الأوسط تقف خلفه وتحركه اجندات خارجية، سواء بشكل مباشر او غير مباشر، وربما سيأتي اليوم وتكشف الحقائق التي ستصدم الكثيرين. علينا ان نميز بين الدين وبين تسـيـس
 الدين، كان الدين موجودا ولم يكن هناك الغاء للآخر، لكن بعد ان ولد الأسلام السياسي انعكست الآية. اما عن التجاوزات، فقد كانت تحدث في المجتمع مشاكل لكنها لم تصل الى حد القتل (التصفية)،لكن ما نشهده اليوم ان هناك تصفيات حتى بين ابناء الملة الواحدة، ويمكنني القول، برغم سلبيات الماضي فقد كان افضل بكثير مما نعيشه اليوم، فقد كانت المواطنة موجودة.اما عن الدولة المدنية فقال: ان ما يحدث اليوم يشبه كثيرا ما حدث في اوربا في القرون الوسطى، فقد كان الذبح على الأسم، ولكن اوربا لم تصل لما وصلت اليه اليوم الا حينما قامت بكل جرأة في فصل الدين عن الدولة.
في الختام قال الدكتور سيار الجميل: اننا نعيش خلف جدار كبير، نحن بعيدين عن العراق وتأثيرنا قليل، وربما لن نشهد التغيرات التي كنا نحلم بها، لكن علينا ان نقدم شئ، اي شئ، كبرنامج او كفكرة. علينا ان نكتب وننشر، فهناك من يقرأ ونأمل ان تساعده كتاباتنا، ويبقى أملنا كبير بجيل الشباب الخالي من عيوب الفساد والطائفية والحزبية الضيقة، فالعراق في النهاية مزروع في انفسنا.
انتهت الأمسية التي دامت اكثر من ثلاث ساعات، لكن محاورها لم تنته ، وحتما انها ساعدت وتساعد على تحريك الأجواء الثقافية وحلقات النقاش بين مثقفي الجالية والمعنين، بأمل ان تتكرر مثل هذه الأماسي من اجل انعاش الأجواء الثقافية والمعرفية.
كمال يلدو
تشرين ثان 2013
 





434

أحزان كنيســـة "أم الأحزان" في بغداد



الأب فيليب هيلاي

تظهر الطيور تصرفا مكررا في كل عام فيما يصطلح عليه  ب "هجرة الطيور" وذلك بالعودة الى مكان ولادتها، فتضع بيوضها للجيل الجديد في مسيرة لا تتغير الا بالتغيرات البيئية العاصفة والعظيمة، ويعزي العلماء تلك التصرفات الى الوازع – الغريزي- غير المخطط له من قبل الطيور، لكن هذه الغريزة عند الأنسان تأخذ شكلا وطورا آخرا تمتزج فيه الخلجات والأرهاصات وعوامل نفسية وعاطفية وأنسانية متشابكة ومنوعة. فتصّرف الأنسان بالحنين او العودة الى مكان الولادة، مرابع الصبا، المدينة أو الوطن، ليس غريزيا فقط! فهذا التصرف هو التعبير الحقيقي لأنتماء الأنسان الى ارقى المخلوقات الموجودة على سطح هذا الكوكب، انه تعبير عن كل الأبعاد الأنسانية التي تكون وتشكل شخصيّة الأنسان.وكما يكتب المدعي الأمريكي العام والكاتب –اوليفر ويندل هولمز-:"المكان الذي نحبه هو البيت،لكن بالرغم من ان اقدامنا قد تغادر البيت، الا ان قلوبنا تبقى ساكنة فيه!".وربما تكون هذه العبارات ابلغ وصف لأنتماء الأنسان –الواعي- الى جذوره، مكان ولادته و الى وطنه.

كنيسة "ام الأحزان"
تعتبر الكنيسة من اقدم كنائس بغداد الموجودة لحد هذا اليوم، فقد انشأت عام 1843، ثم جرى توسيعها لتأخذ شكلها الموجود الآن ابتداءا من العام 1887وانتهى العمل بها عام 1898. تعتبر الكنيسة من الناحية المعمارية آية في الفن من ناحية  المزج ما بين فن العمارة البيزنطية (الغربية) والبناء العربي. فهي تمتاز بالأعمدة الرخامية داخل الكنيسة وبالقبة الكبيرة والقبب الصغيرة، اما في الفناء الخارجي فقد بدى واضحا وجليا النظام العباسي في الأقواس والأعمدة التي ترتكز عليها. وربما تكون لها مثيلات في منطقة الشرق الأوسط، لكن الأقرب لها عمرانيا هي كنيسة المهد في بيت لحم بالقدس. وبسبب من قدمها، فقد عانت الكنيسة كثيرا من طفح المياه الجوفية نتيجة انخفاضها وارتفاع نسب مياه دجلة، وبسبب من عدم وجود نظام عصري لتصريف المياه الجوفية، وقد جرت الأعمال الهندسية والترميمات مؤخرا لغرض تفادي هذه المشكلة المزمنة.

أين تقع الكنيسة؟
ان موقع الكنيسة وتأريخها يمنحنا فرصة للتعرف على حال المدينة آنذاك، وما آلت اليه اوضاعها ؟ تقع الكنيسة في مدينة بغداد (القديمة)، اي في قلب العاصمة، وبجغرافية اليوم فموقعها كائن ما بين شــارعي الجمهورية والرشيد وهما اهم شارعان في العاصمة، وما بين سوق الشورجة –سابقا- السوق العربي لاحقا ، وشارع – عكد النصارى. ولأن للأسماء مسبباتهاـ فقد ســـمي الشارع – الدربونة باللهجة البغدادية- بعكد –عقد- النصارى نسبة الى التمركز العالي للعوائل المسيحية التي كانت تسكن المنطقة وتحيط بالكنيسة، وكذلك ايضا لوجود( 4) كنائس مهمة جدا بجوار كنيسة "ام الأحزان" وفي نفس المنطقة،ومنها: كنيسة اللاتين  (بنيت عام 1871)، التي استأجرت للأخوة الأقباط  عندما كانوا في العراق في عقد التسعينات، والآن متروكة بلا رعاية ، وفيها الكثير من المراقد ومنهم مرقد الكاهن والعلامة انستاس الكرملي. كنيسة السريان الكاثوليك( بنيت عام 1862)، وهي تعاني من الأهمال الشديد،  وكنيسة صغيرة كانت قد وقعت وسط العقار المخصص للسوق العربي من جهة سوق الشورجة، وقد جرى تهديمها،اما الكنيسة الأخيرة فكانت في عكد النصارى وكانت للطائفة الأرمنية( كانت تسمى كنيسة الدولمة)، وقد هدمت وقامت مكانها عمارة تجارية ومحلات و (يزعم البعض ان اسمها الآن "سوق الأرمن"). ان وجود (5) كنائس ، ثلاثة منها بحجوم كبيرة يعطي اي متفحص او باحث صورة، عما كان عليه وضع ونوعية السكان في تلك الأحياء البغدادية الشعبية للسنين التي خلت.فقد كانت المنطقة مليئة بالعوائل المسيحية، والتي سكنت هذه البيوت المتلاصقة والمزدحمةحتى عقد الخمسينات، عندما بدء زحف المعامل والورش والمحلات التجارية والأنتشار مثل الأخطبوط في تلك الأحياء الشعبية مما اثر لاحقا على نوعية السكان، وعلى مستقبل الكنائس ايضا.
 
"نافكيشـــن" الوصول للكنيسة
هناك قاعدة غير قابلة للنقاش تتبادل النسب فيها، فأحيانا ان وجود الرعية في مكان ما وتمركزها  هو الذي يجلب الكنيسة لتلك المنطقة، والعكس صحيح ايضا. لكن مما لاشك فيه ان وجود هذا العدد الكبير من الكنائس رافقه بالتأكيد عدد اكبر من الرعية.  فزوار الكنيسة كانوا يأتون من المناطق الملاصقة والقريبة وحتى البعيدة. ولتوضيح المشهد فأن رحلتنا تبدأ من منطقة عكد النصارى وعكد الراهبات وسوق الغزل وصبابيغ الآل والفضل وشارع الكفاح وسوق الصدرية والعوينة والسنك والباب الشرقي وكمب الأرمن وأحيانا من البتاوين.
كانوا يأتوها سكنة شارع الرشيد والصالحية والكريمات، والعبخانة ومن العكد العريض والعمّار ورأس القرية، ومن منطقة الميدان وشارع الجمهورية  والباب المعظم وصولا حتى الأعظمية.كانت زيارة كنيسة ام الأحزان "البعية الكبيغرة" باللهجة الموصلية ،تمثل طقسا عزيزا عند ابناء الطائفة الكلدانية من سكنة بغداد او حتى من زوارها الذين كانوا يأتون من المحافظات الأخرى. ان الوصول للكنيسة كان يمكن من اربعة اتجاهات : من شارع الرشيد عبر عكد النصارى ومدخله عند صيدلية رمزي، ومن جهة شارع الجمهورية وخلف عمارة الكهرباء، اي ببداية عكد النصارى – سوق الكهربائيات-  ومن منطقة سوق الشورجة والسوق العربي الآن وعبر بوابتها الجانبية المطلة على السوق، وأخيرا عبرالطرقات القادمة من سوق الغزل، والعّمار وعكد الراهبات  حيث تلتقي بالقرب من محل (هادي ابو العنبة) ثم عبر الدربونة من – تحت الطاق – وصولا لعكد النصارى ، فالكنيسة هناك،  بعد الألتفاف مرة يسارا ومرة يمينا.

فعاليات الكنيسة وملحقاتها
تنوعت الألقاب التي تقلدتها كنيسة "ام الأحزان" ما بين كنيسة، الى ابريشية، الى كاتدرائية  وحسب المهمة التي تقوم بها وبتوجيه من (الباطريارك) الذي هو راعي الكنيسة ورأسها . فقد انتقل المركز الكنسي ولسنين طويلة اليها، مما جعلها في واجهة الأحداث فيما يخص احوال الشعب والرعية الكلدانية آنذاك.  فبلأضافة الى عقار الكنيسة وبنائها، فقد كان ملحقا بها  بيت الكهنة، وخلفه كان يوجد منزلا تابع للكنيسة ايضا سكنه لفترة البطريارك –غنيمة- كما  كانت تتبعها ايضا مدرسة راهبات الكلدان وهي ملاصقة لها قبالة بيت الكهنة، اما في باحة الكنيسة فقد كانت تطل العديد من الصفوف الدراسية حيث (الروضة والتمهيدي والصف الأول)، هذا اضافة الى مكاتب وغرف ملحقة ايضا للأعمال الكتابية والتمارين الموسيقية، جدير بالذكر ان مدرسة (الطاهرة) كانت تحاذي الكنيسة ايضا ومن جهة الفرع الذي كان فيه (مكوي) الأخ حكمت، شقيق فريد الأسكافي.. كانت الكنيسة تؤدي مراسيمها  - كباقي الكنائس- في تقديم القداديس والذبائح الألهية اليومية، وقداديس أيام الأحد، والأعياد ، ودرب الصليب والصلوات الخاصة المتعلقة بالقديسين والقديسات، مراسيم العماذ للولادات الجديدة والتناول الأول، مراسيم الزواج وطقوس الصلات على الموتى، اضافة الى أقامة المراسيم الدينية و الحفلات الرسمية كرسامة الاساقفة و الكهنة و الشمامسة. كانت الكنيسة تمتلء الى آخرها في قداديس الأحد والأعياد للدرجة التي يجري فيها فتح (التختبنت) وهو ، موقع الجلوس والكراسي الأضافية في نهاية الكنيسة وعلى علو من الأرضية.

كهنتها والأبوان موسيس وفيليب
في كنيسة بهذا الحجم و في منطقة بهذه الكثافة فأن اعداد الكهنة والخدام فيها كان كبيرا ويذكرالأب (نظير دكــو) انه وصل في فترة  ما الى (18) كاهن مقيم فيها. وقد شهدت سني الخمسينات والستينات بروز كاهنان تركا بصمتهما على الرعية وتأريخ الكنيسة حتى يومنا هذا. كان الأول، الأب قرياقوس موسيس، ولقبه ابناء الكنيسة والمنطقة (ابونا عنتر)، بسبب من وقاره الكبير ودفاعه الصلب عن المعتقد المسيحي تجاه الرياح الصفراء التي جاءت بالرئيس (عبد السلام عارف) واستهدافه للمسيحين، ومن بعض ضعاف النفوس الذين كانو يقومون بمضايقة اتباع الكنيسة اثناء مسيرهم للوصول للكنيسة.  لقد كان كاهنا متواضعا خدم الكنيسة بكل روحه ووجدانه وقلبه ، لكن من مهازل القدر ان  يرحل الأب الفاضل بعد فترة وجيزة من ترقيته الى مرتبة المطران، ونقله الى العماديبة، رحل وهو بعمر (46) عاما فقط . اما الثاني فكان الموسيقار والفنان الرائع الأب (فيليب هيلاي)، هذا الأنسان المتميز بشخصيته الفريدة وعطائها الكبير، للرعية والفن والثقافة العراقية.  فقد تخرجت من تحت يده وبأدارته عشرات الفرق التي كانت ترنم في كل كنائس بغداد، وقد نمّى الذائقة الموسيقية لدى المئات، كما كتب موسيقى وألحان معظم المدائح والترانيم الكنسية التي ما كان لها ان تتناقلها الأجيال لولا توثيقها من قبله (وبجهود آخرين ربما لا  نعرفهم او لم نسمع بهم ايضا)، كذلك اشتهر بكتابة عشرات المقدمات الموسيقية للمسلسلات والتمثيليات التي كانت تعرض في التلفزيون او تبث من اذاعة بغداد. مع كل هذا السجل، فقد كان خادما متواضعا في كنيسة ام الأحزان، كنيسته المحببة جدا. رحل الأب فيلب في العام 2002 أثر جريمة بشعة ارتكبها (جناة مأجورين)،  قاموا بقتله خنقا بالأسلاك الكهربائية وهو في كنيسته التي يخدم  بها في منطقة المشتل على اطراف بغداد.

شاهد من اهلها
لقد مـّر على الكنيسة اناس كثر، مابين الرعية والخدام والآباء الكهنة والشمامسة والمرنمين، وقد شاءت الصدف ان التقي بأحد هؤلاء الذين خدموا الكنيسة  لسنين كثيرة ابتدأت منذ اوائل الستينات وحتى ايام قليلة قبل ان يغادر العراق الى الغربة، انه السيد "آزاد ايليا حنا"  الذي كان يشغل منصب المسؤل الأداري في كنيسة "ام الأحزان". وهو من مواليد رأس القرية، وعاش طويلا في ازقتها ومنها "دربونة الجنابين" التي كانت تطل على شارع الرشيد من الجهة المقابلة لمكتبة مكنزي وبيت اللنج وستوديو ارشاك، وبين نهاية "العكد العريض" من الجهة الثانية. ويتذكر انه شارك في حملة العمل الطوعي التي جرت لترميم الكنيسة في عقد الستينات من القرن الماضي، ويقول حول تلك الأيام، ان حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم كانت قد خصصت مبلغا سنويا لدعم الكنيسة من اجل ترميمها عند الحاجة، لكن بمجئ عبد السلام عارف، فقد قطعت حكومته تلك المساعدات، فقام الأب موسيس بدق ناقوس الكنيسة لمدة نصف ساعة متواصلة، وكان هذا شيئا ملفتا للنظر، فأقبل تجار عكد النصارى والمنطقة المحيطة بالكنيسة لأستيضاح الأمر، فشرح لهم ما جرى، فما كان منهم الا ان تكاتفوا وجمعوا المال اللازم وقدموه للكنيسة بغية القيام بالترميمات اللازمة من اصلاح الجدران وسحب المياه المتراكمة (النزيز) حيث ارتفع منسوبها الى مستوى صار يهدد اساسها من الأنهيار. جدير بالذكر ان الناقوس كان يقرع  يوميا عند ابتداء القداس ، اما المرة الأخرى  فكان يقرع عند وجود قداس الجناز للموتى، وهذا كان بمثابة اشعار لسكنة المنطقة للتوجه والمشاركة بالصلوات، اما أشهر من قرع الناقوس وخدم في الكنيسة بأخلاص في تلك الفترة فقد كان (الساعور هرمز) او  كما نسميه – ســعورا هورمز – فقد استبسل هذا الأنسان في التفاني والعمل وخدمة الكنيسة والكهنة والرعية، خاصة في الأيام العصيبة لسحب مياه (النزيز) الآسنة.  ويتذكر السيد (آزاد) ايضا، بيت الكهنة الملحق بالكنيسة ويسمى (قونغ) والبيت الملحق خلفه والذي سكنه البطرك "غنيمة" ومدرسة "راهبات الكلدان" التي اغلقت منذ مدة طويلة وأنتهى الأمر بها الى تأجيرها (بالمساطحة) مع تجار المنطقة. كما يتذكر الكيفية التي تغير فيها سكان تلك المناطق، وزحف الورش الصناعية والمعامل والمحال التجارية ، وأنتقال الناس الى مناطق بعيدة عن الكنيسة،لا بل هجرة الكثيرين نتيجة الحروب والحصار والأزمة التي حلت بالبلد خاصة بعد العام 2003، كما لا يخفي ألمه من المحاولات المستمرة للعديد من التجار الطامعين بعقار الكنيسة، خاصة وأنه يقع الآن وسط منطقة صناعية وتجارية حيوية جدا، ان كان من جهة عكد النصارى الذي صار اكبر سوق للكهربائيات في بغداد او من جهة السوق العربي وحاجة التجار للمساحات الزائدة لغرض الخزن.
ويمضي السيد (آزاد) بالقول، ان الرعية لم تعد تأتي  للكنيسة كما كان عهدها سابقا، بل تقتصر زياراتهم في المناسبات، اذ اصبحت مثل المزار، فيما يقام فيها قداس شهري. تعود الكنيسة وملحقاتها  بالملكية الى الكنيسة الكلدانية، وهي المسؤلة عنها وعن الحفاظ عليها وترميمها،  يذكر ان حملة كبيرة جرت في العام 2005، حيث جرى اصلاح بعض الدعامات(الدنك) داخلها وأعيد طلاء الكثير منها، كما جددت وحسنت منظمة الأنوار الكهربائية،و نصب لها نظام التكييف المركزي.  اما  في ترتيب الكنائس فأنها تعتبر كاتدرائية، نسبة الى تأريخها وحجمها وموقع الباطريارك فيها.   ومما تتميز به هذه (البيعة)  ان العديد من جدرانها الداخلية وحتى الأعمدة الخارجية في الرواق قد ضمــّت رفات العديد من رجالات الكنيسة المهمين ومنهم الباطريارك "غنيمة"، و الباطريارك  "بولص شيخو" والوزير عبد الجبار خياط وكهنة وشخصيات كثر. وفي تأريخها الطويل زارتها شخصيات عديدة يذكر منها الرئيسان اللبنانيان بشارة الخوري عام 1947 ، وشارل الحلو عام 1967 ووزير فرنسي في زمن الحصار على العراق. ومن  الطرائف التي يذكرها السيد (آزاد) عن تأريخها، ان  الكنيسة بنيت بحجم صغير عام 1843، وبعدها بسنين وجراء زيادة رعيتها وزوارها فقد اقدمت القيادة الكنيسة على التوجيه لشراء الدور المجاورة والمحاذية لها، فجرى توسيعها ابتداءا من العام 1888 حتى العام 1898 حيث جرى افتتاحها من جديد وبحجمها الحالي. ويذكر ان الحجر والمرمر الذي استعمل في بنائها وبناء دعاماتها والأعمدة كان قد نقل من الموصل مستخدمين(الكلك)، وسيلة النقل المشهورة عبر الأنهر آنذاك.

هل تبوح الجدران بأسرارها؟
ليس من باب الخيال بمكان، لكنها تبقى امنية بأن يتمكن الأنسان يوما ما، أن يتمكن بمجرد ان تلامس اذنيه جدران هذه الكنيسة او أعمدتها ، ان  تشي وتبوح  له بما مر عليها من بشر وذكريات. بين لعب الأطفال  وركاضهم فيما اهاليهم يتبادلون الكلام والأحاديث بعد قداس الأحد حيث كانت الكنيسة تغص بالناس حد التخمة، وبين هلاهل اهالي العرسان الجدد او الأطفال حديثي الولادة حيث يقتبلون ســّر العماذ، او بين آهات وبكاء وصراخ الأمهات والزوجات والأخوات لرحيل عزيز عليهم بعد قداس الجناز وبدء رحلة النهاية نحو مقبرة الكلدان التي كانت قائمة  قرب ساحة الطيران ، في الجهة المقابلة ل "تانكي اسالة الماء" ، ومن ثم في المقبرة الجديدة على "طريق بعقوبة". لا اظن ان مسيحيا سكن بغداد، او كلدانيا بالتحديد لم يزر كنيسة  "ام الأحزان"  ان كان لحضور احد القداديس المهمة  في الأعياد، او في درب الصليب او اعتمذ هو بها، او كان والداه قد تزوجا هناك وكتبت اسمائهم في سجلات الكنيسة. لا اتصور ان احدا لم يسمع يوما بالأب الراحل (موسيس) او كما يحلو تسميته "ابونا عنتر"  او الموسيقار فيليب ، او حتى الأب توما مركو الذي بقى يخدم فيها حتى وفاته. اجيال كثيرة مرّت عبر بوابة الكنيسة الغالية، التي تبقى الآن موصدة اغلب ايام السنة، فيما السكون القاتل يلف جدرانها التي كانت تصدح بالترانيم والموسيقى الكنسية الرائعة او بالأدعية من اجل الخير والسلام والمحبة بين البشر.
تفـّرق ناسها بين مناطق بغداد الكثيرة، ومحافظات العراق وحتى دول العالم بقاراته المنوعة، تفرقوا ولا يعرفون ان كانت الحياة ستجمعهم يوما مع حبيبتهم الغالية، كنيسة "ام الأحزان" ام  ان قساوة الزمن قد حكمت بأن نبقى بعيدين عن اعـّز ما يمكن ان يمتلكه الأنسان ويكنزه في مسيرة حياته الطويلة، الذكريات والناس والأماكن التي تشكل العمود الفقري والحبل السري لتواصل الأنسان بين ماضيه وحاضره ومستقبله.
بالأمكان استبدال الكثير من الأماكن والبيوت والشوارع، لابل حتى الأوطان، بالأمكان استبدالها، لكن ان تستبدل حارات وطرقات و "درابين" طفولتك وصباك وشبابك، فهذا أمر مستحيل، ويستحيل هذا المنع الى مرارة وغصّة عميقة عند الأنسان حينما يشعر ان الزمن والظروف تسير عكس احلامه وتوقعاته.

"ام الأحزان"
هذه التسمية المختصرة هي احدى تجليات البتول مريم العذراء، ام المسيح، نسبة الى ما عانته من آلام وأحزان جراء العذاب الذي تحمله المسيح في مسيرته للصلب، او عملية صلبه بحد ذاتها، فالتسمية الكاملة للكنيسة هي (( كنيسة مريم العذراء "ام الأحزان" للكلدان الكاثوليك)) ، فيما هناك تجليات أخرى لها مثل، العذراء "سيدة النجاة" والعذراء "ام النعم" والعذراء "ام الهدايا" وغيرها من التجليات.
هل كانت تعلم   "ام الأحزان"   بحجم الألم والدمار والخوف الذي سيضرب الوطن يوما ما؟
 هل تصورت ما سيؤل اليه حال ابنائها وبناتها على يد الجهلة ، وأن رحلة مليئة بالصعاب ستغير حياتهم في الأنتظار والحرمان والغربة؟

ملكة المحبة
ليس صعبا او مستحيلا ان نطلب الأمن لوطننا، ان نطلب السلم لأهله، ان نطلب الخير والبركة والنعم لناسه الطيبين،  هذا ليس صعبا ابدا!  انه بمتناول الناس، وكل ما يحتاجوه الى ارادة خيرة، الى اناس اوفياء لثقة الجمهور بهم. فمثلما بنــوا الصرح والبنايات والعتبات المقدسة، يقينا يستطيعون بناء الفرح للناس حتى يستمتعوا حقا بالكنوز الروحية التي يضمها العراق بكل محافظاته ومدنه.   فما قيمة البناء ان لم يفد الأنسان،  انه  هو من يجب أن  يستمتع به  وان يكون هو الهدف من ورائه.   ما قيمة اكبر المزارات والمراقد ان كانت مدننا خالية من البشر، هؤلاء المعنيون بغنى كل الموروث الديني للعراقيين، من مسلمين ومسيحين وصابئة مندائيين ويزيدية ويهود  وزرادشتية،  ومن اتباع كل الملل والديانت المعروفة لنا او غير المعروفة.   يبقى الأنسان هو المعني بكل الخيرات، ويجب ان يبقى الهدف من اي عمل نبيل يقدم عليه كل رجالات العلم والثقافة والسياسة والأدب.
هذه دعوة لكنيستنا الفاضلة، ودعوة لوزارة الثقافة  ولكل الجهات المعنية بالثقافة العراقية والموروث الشعبي والوطني ، ان كنيسة "ام الأحزان" وغيرها من الصرح، هي مكون من مكونات شخصيتنا العراقية المتميزة.  هي ركن، مثلها مثل المعبد اليهودي والجامع والمندي والحسينية و معبد لالش عند الأخوة اليزيدية، مخزن الذكريات والأرتباط الروحي بالأرض والوطن، هي اوطان مصغرة، تكبر عندما نرعاها، وتولد الأحزان حينما تهمل.  هكذا هي الروح البشرية، جملة من المشاعر والأحاسيس والذكريات المترابطة.
اليس من حقنا ان نقول كفاية حروب، وفساد وحرمان وتفجيرات وأحقاد بيننا نحن ابناء هذا البلد المعطـــأء؟
يحق لنا، مثلما يحق لكل شعوب الأرض ان تفرح  بما عندها من تراث وتأريخ، فهل يكون مسؤلينا بمستوى الحدث؟
هــذا ما نتمناه، منهم ومن شعبنا التواق للأمن والأستقرار والسلام والرفاه.

** فديو عن الكنيسة نشرته (الحرة – عراق) مهدى من السيد آزاد ايليا
http://www.youtube.com/watch?v=EtYi0WhvKQI

**تسجيل صوتي لقداس بصوت المطران الراحل (موسيس) منشور من قبل الأخ فادي موسى
http://www.youtube.com/watch?v=HseqEYdYgsA



هذه بعض المعلومات التي وردت في موضوعة الأب ((نظير دكو)) والمنشورة في موقع (عينكاوة دوت كوم)  بتأريخ 1/5/2008


فعلا ان هذة المنطقة تحوي اقدم المؤسسات المسيحية من ( كنائس و اديرة و مدارس ) و لكن اكثرها اما هدمت او تركت و هي كالتالي :
1.   كاتدرائية القديس يوسف للاتين ( مأهولة حاليا من قبل الأخوة الأقباط الأرثوذكس ) .
2.   كاتدرائية سيدة النجاة للسريان الأرثوذكس ( مغلقة و بحالة يرثى لها ).
3.   كاتدرائية ام الأحزان الكلدانية ( لازالت قائمة و هي اليوم بأبها صورها بعد الترميمات التي طالت كل مرافقها ) .
4.   كنيسة الروم الكاثوليك ( هدمت حالياً و شيد عوضا عنها عمارة تجارية / و كانت تسمى كنيسة الدولمة )
5.   كنيسة الأرمن ( هدمت و شيد عوضاً عنها عمارة تجارية كبيرة تعرق بسوق الأرمن ) .
6.   دير الراهبات الكلدانيات ( هدم و حول الى محال تجارية )
7.   دير راهبات الدومنيكانيات ( هدم و حول الى محال تجارية ) ا البلد المعطاء؟
يحق لنا، مثلما يحق لكل شعوب الأرض ان تفرح  بما عندها من تراث وتأريخ، فهل يكون مسؤلينا بمستوى الحدث؟
هذا ما نتمناه، منهم ومن شعبنا التواق للأمن والأستقرار والسلام والرفاه.

و من اشهر الكهنة الذين خدموا فيها :**

# مثلث الرحمات الاب ( المطران ) قرياقوس موسيس ( المعروف بالقس عنتر )
# الأب ( المرحوم ) فيليب هيلاي .
# الأب ( المرحوم ) يوسف كادو .
# الأب ( المرحوم ) وحيد توما عسكر العنكاوي .
# الأب ( المرحوم ) عمانوئيل موسى الراهب .
# الاب ( المرحوم ) توما مركو .
# الأب صلاح هادي خدور / الأب نضير دكو ( عين عام 1997 و نقل الأب صلاح بعدها بثلاث اشهر الى كنيسة مار ماري )

الكنيسة كانت تحوي في جرد عام 1997 على 850 عائلة كلدانية في مناطق مختلفة توزعت بين :
1.   عقد النصارى    200 عائلة .
2.   السنك             200 عائلة .
3.   المربعة           350 عائلة ( سريان كاثوليك )
4.   الصالحية          65 ( عائلة )
5.   مجمع السلام      400( عائلة كلدان )
6.   أظافة الى عوائل اخرى متناثرة في مناطق باب المعظم و شارع حيفا ...

هناك مؤسسات كنسية لابناء شعبنا في المنطقة ما احوال هذة المؤسسات اليوم , و التي تعتبر احدى اهم الشواهد التاريخية لوجود ابناء شعبنا على هذة الأرض ؟؟؟

فعلا ان هذة المنطقة تحوي اقدم المؤسسات المسيحية من ( كنائس و اديرة و مدارس ) و لكن اكثرها اما هدمت او تركت و هي كالتالي :
1.   كاتدرائية القديس يوسف للاتين ( مأهولة حاليا من قبل الأخوة الأقباط الأرثوذكس ) .
2.   كاتدرائية سيدة النجاة للسريان الأرثوذكس ( مغلقة و بحالة يرثى لها ).
3.   كاتدرائية ام الأحزان الكلدانية ( لازالت قائمة و هي اليوم بأبها صورها بعد الترميمات التي طالت كل مرافقها ) .
4.   كنيسة الروم الكاثوليك ( هدمت حالياً و شيد عوضا عنها عمارة تجارية / و كانت تسمى كنيسة الدولمة )
5.   كنيسة الأرمن ( هدمت و شيد عوضاً عنها عمارة تجارية كبيرة تعرق بسوق الأرمن ) .
6.   دير الراهبات الكلدانيات ( هدم و حول الى محال تجارية )
7.   دير راهبات الدومنيكانيات ( هدم و حول الى محال تجارية )


** اتقدم بالشكر الجزيل لأخي الغالي (رحمن) وأبنه المصور (آراس) الذين اهدوا معظم صور الكنيسة المنشورة اليوم والتي ايقضت الكثير من الذكريات
** كما اتقدم بالشكر والأمتنان، لأبن طرفي السيد آزاد ايليا حنا، الذي اكرم علّي بمعلومات غنية عن الكنيسة، وأهداني شريط الفديو المرفق مع الحلقة من قناة – الحرة عراق-
**كما لا يسعني الا ان اشكر (عينكاوة دوت كوم) معيننا الذي لا ينضب في المعلومات والمواضيع وقد استعرت بعضا من الصورة في الموضوع المنشور عام 2008 بعنوان :
 عقد النصارى و أم الأحزان وجهان لعملة.

كمال يلدو
ايلول 2013
 


دورة التناول الأول عام 1965 في ام الأحزان


المطران قرياقوس موسيس


ام الأحزان43


بوابة الكنيسة من جانب السوق العربي


رواق الكنيسة


صورة من الخارج وتظهر القبب


اشعة الشمس والأريكات الغارغة


السيد آزاد ايليا


شموع النذور والطلبات


صورة من داخل بيت الكهنة


كابينة جلوس القس لأجل الأعتراف


كان رواقها مرقدا للكثيرين


مذبح الصليب


مغارة السيدة العذراء


من داخل الكنيسة


من داخل الكنيسة2


 منظر المذبح الرئيسي


 

435


50 عاما على خطابه الشهير"عندي حلم"
مارتن لوثر كنج، قائد في الوقت المناسب!


طابع تذكاري صدر للمناسبة

  ما كان لحركة "الحقوق المدنية" التي انتشرت في الولايات المتحدة منذ مطلع القرن العشرين، متمثلة بالحركات الأشتراكية و النقابية العمالية وحركات السود والملونين من القوميات الأخرى، والتي تأثرت كثيرا  بأنتصار ثورة اكتوبر الروسية والحركات العمالية في اوربا، ووصول المهاجرين الجدد من تلك الدول، ما كان لها ان تنتصر في مسعاها لولا وجود القيادة المناسبة في الوقت المناسب.

الطابع السلمي
فمنذ ايام شبابه الأولى، انخرط في الحركة المدنية للزنوج، وكان اول ظهور رسمي له كقائد منظم عا م1955 الى جانب المناضلة المدنية السوداء- روزا باركس- التي رفضت اخلاء كرسيها في الباص للرجل الأبيض كما كانت تقتضية قوانين الفصل العنصري. وكان لدراسته اللاهوت المسيحي ورسامته قسا، ومن ثم تتويج دراسته بدرجة الدكتوراه، أثره البالغ في بناء شخصيته التي طغى عليها الطابع السلمي البعيد عن العنف، اذ كانت بصماته واضحة فيما لحق. وقد ادى ذلك  الى ازدياد شعبية الحركات الأحتجاجية على سياسة الفصل العنصري ضد السود، وأنخراط قطاعات جديدة من الشعب الأمريكي وخاصة من البيض ومن العمال، متحدين القرارات والأحكام التعسفية للعديد من الولايات الجنوبية – الزراعية – والتي ينتشر فيها السود بكثافة، وازدياد نشاط المنظمات العنصرية البيضاء وخاصة عصابات – الكو كلاس كلان – وجرائمها المنظمة ضد النشطاء من السود، او بحرق منازلهم، وحتى بسياسة الشرطة الرعناء ومواجهة المتظاهرين بالكلاب البوليسة وخراطيم الماء والعصي، لكن عدم انجرار القيادات الواعية للعنف المتبادل، وأصرارهم على السلمية، فوّت الفرصة لضربهم اكثر.  اما أشتراك النساء والأطفال في الأحتجاجات، فقد جعلها ذات بعد اكبر وبمحتوى انساني وأجتماعي متجدد.

مارتن لوثر وغاندي
   لم يخفي القس مارتن لوثر كنج اعجابه الشديد بالزعيم الوطني الهندي(غاندي) و بحركته السلمية ، وتحقق حلمه بزيارة الهند عام 1959 ليقف على تجربة هذا الشعب عن قرب، كما كان يضمر اعجابا شديدا  بالكاتب الروسي العملاق-ليون تولستوي- ورائعته الأدبية"الحرب والسلم"، تماما مثل الزعيم الهندي الراحل غاندي. اما ملهمه الأكبر فقد كانت شخصية(يسوع المسيح)، الذي كان يدعو للتسامح والسلم والتعامل الأنساني حتى مع الأعداء  أو الخصوم، كما شدد على عدم اتباع الأساليب العنفية للوصول الى الهدف بل عن طريق الصبر وتحمل الألم، رغم وحشية خصومه آنذاك واليوم! هذه الأرهاصات ســاهمت بتعمق شخصية القس، القائد مارتن لوثر كنج وعمقت مسار خطه السلمي لاحقا، والتي منحته ثقة اكثرية الجماهير السوداء المضطهدة، على الرغم من وجود تنافس مع حركات سوداء كان لا تمانع من استعمال العنف للأنتقام من البيض بغية الوصول للحرية والأنعتاق.

من مدينة اطلانطا
ولد مارتن لوثر كنج يوم 15 كانون ثان عام 1929في مدينة اطلانطا/جورجيا، وكان الأبن الأوسط لشقيقيه في العائلة. بعد ان انهى دراسته الأبتدائية، اختزل دراسته الثانوية وعبر الصفين التاسع وألثاني عشر، وبعمر 15 عاما دخل كلية( مور هاوس كولج) عام 1948، وتخرج بمعدل جيد جدا/ممتاز في مادة علم الأجتماع. اقترن مارتن لوثر كنج من السيدة –كوريتا سكوت- عام 1953، وأنجب منها 4 ابناء، بنتان وولدان.تقلد مارتن لوثر سلك الكهنوت بعمر 25 عاما، وفي عام 1954 بدء دراسته للدكتوراه التي انجزها في حزيران من عام 1955في مادة –علوم الدين- من جامعة بوسطن.
كان المسيح، وسيرة المسيح، حاضرة في معظم خطبه وكتاباته ، اما مثله الأعلى من سيرة يسوع فكان  (احب جارك كما تحب نفسك).

ابداع في اساليب النضال
كان اول من ابتدع اسلوب (الجلوس السلمي) كنوع من انواع الأحتجاجات، اما تمرينه النضالي الأول فكان في العام 1955، عندما نظم المظاهرات السلمية ، ومقاطعة شركة الباصات احتجاجا على القوانين العنصرية التي كانت تستهدف السود،  والتي ادت الى توقيف السيدة(روزا باركس) في حادثة الباص الشهيرة، وأدت مشاركته تلك الى تعرضه للأعتقال بعد هذه الحادثة، وقدساهمت المقاطعة والمحاكمات في الغاء الفصل العنصري في باصات (مونتغمري) والذي كان يعتبر انتصارا باهرا للحركة المدنية للشعب الأسود، وسطوع نجم مارتن لوثر كنج كزعيم وطني على عموم الولايات المتحدة.  وعقب هذا النصر وأستمرار التظاهرات الكثيرة، تمكنت الحركة المدنية السلمية للشعب الأسود، وبدعم من الحركة اليسارية والمواطنين البيض، وتضامن الشعوب من ان يتكلل هذا النضال بأنتصارات باهرة سنت على أثرها قوانين مهمة في عامي 1964 و 1965 مثل حقل الأنتخاب للسود، منع سياسة الفصل العنصري، تساوي الحقوق في العمل، الأمر الذي تطور مع السنين حتى اصبح التمييز على اساس العرق او اللون جريمة يحاكم فيها المتورطون، اشخاصا كانوا او مؤسسات او حتى جهات رسمية، وهذا ما يستفيد منه ليس الشعب الأسود فحسب، بل كل الأديان والقوميات والأجناس الموجودة في الولايات المتحدة.

قيادة متميزة
لم ينجر مارتن لوثر كنج يوما للخطاب العنصري، ولم يدعوا ابدا لأعمال العنف او الأنتقام من البيض، رغم انه أسود ويعمل في منظمات وجمعيات للشعب الأسود. لقد كان خطابه وطنيا بأمتياز، وعرف حق المعرفة من ان عدم مساوات الزنوج مع البيض انما هي خسارة للوطن الأمريكي ككل، وأن الطريق الأمثل لتحقيق احلام كل الأمريكان، هي  في الغاء قوانين الفصل العنصري وتحقيق العدالة والمساوات، ولهذا فقد حازت نضالاته على دعم وأسناد فئات كبيرة وكثيرة من الشعب الأمريكي حتي من ذوي الأصول البيضاء. هذا الأمر ، وخشية الجهات الأمنية من صعود نجم القائد مارتن لوثر، دفع السنتور روبرت كندي في خريف عام 1963 وعندما كان يشغل منصب المدعي العام الى توجيه الأمر للمخابرات و (اف بي آي) للتنصت على مكالماته الهاتفية، والى زرع السماعات والكاميرات في غرف الأجتماعات التي كان يرتادها كنج في مســـعى للأيقاع به وتلفيق تهمة انتمائه للحزب الشيوعي(المحظور)، او بدعوى صلاته مع الشيوعيين. وقد فشلوا في هذا المسعى، فالسيد مارتن لوثر لم يكن شيوعيا، لكن افكاره وشعاراته ونضالته كان تحظى بدعم وتأييد الحركات اليسارية والأشتراكية ليس في امريكا فحسب، بل في دول كثيرة من العالم المتحضر، وعندما فشلوا في هذا المسعى، حاولوا تلفيق تهم (الأنحراف الجنسي) وأقامة علاقات مشبوهة مع نساء أخريات دون علم زوجته، من اجل تحطيم عائلته وتحطيمه نفسيا، وفشلوا في ذلك ايضا.

نضال بلا كلل او ملل
لم تكن الأعتصامات والمسيرات والأضرابات التي دعى اليها مارتن لوثر ومعظم الجمعيات والحركات التي كانت تنشط وسط الشعب الأسود موسمية او خاضعة لمزاج هذا القائد او ذاك، لقد كانت حاجة ماسة لأيصال صوت الناس المظلومة الى اسماع المسؤلين، وكانت هذه الفعاليات تجري في معظم الأحيان في الولايات(الجنوبية) التي يكثر فيها السود، وربما تكون المسيرة السلمية  الأحتجاجية التي جرت عام 1962 في مدينة برمنغهام/آلاباما، واحدة من المحطات المهمة نتيجة لأستخدام الشرطة الأساليب القمعية لمواجهة التظاهرة وأطلاق يد الكلاب البوليسية التي فتكت بالمتظاهرات والمتظاهرين، هذه التظاهرة حازت على تضامن من كل اطراف البلاد لأنها نشرت في محطات التلفزة لعموم امريكا. ان هذا الخزين الكبير من العمل النضالي الذي كان يجري على المستوى المحلي، دفع مجموعة (الستةالكبار) وهي اكبر 6 منظمات للأمريكان السود لنقل نضالاتها هذه المرة الى العاصمة الأمريكية واشنطن. فبالرغم من ان الرئيس الأمريكي – جون كندي- كان متضامنا مع مطالب الشعب الأسود الا انه لم يشجع القادة السود على القيام بالتظاهرة المزمع انطلاقها في آب 1963، وكان يتحجج بأن الجماهير لن تشارك وأن العدد القليل سيؤثر على شعبية اهدافكم، والخشية ايضا من اعمال الشغب والعنف او الأعتداء من قبل العنصرين البيض. الا ان احدا من قادة التظاهرة لم تشارك الرئيس كندي رأيه ، ومضى المنظمون في خططهم، فما كان من الرئيس الا ان يدفع بأعداد اضافية من الشرطة لحماية التظاهرة والمتظاهرين، كما اوصى على النقابات العمالية للمشاركة الفعالة  في انجاحها ايضا.  جاء اليوم الموعود، 28 آب 1963 وأنطلقت التظاهرة، وحضرها بحدود 250 ألف مواطن، من كل الألوان والأجناس، من النساء والرجال، وأوصلت الرسالة واضحة الى صانعي القرار في البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي، ان كان بالشعارات المرفوعة او بالحناجر او بالخطاب التأريخي الذي القاه مارتن لوثر كنج، فقد كانت اكبر تظاهرة احتجاجية في تأريخ الولايات المتحدة، وأفترشت المنطقة ابتداءا من عند عتبات النصب التذكاري للزعيم الراحل – ابراهام لنكولن- مرورا بالبحيرة قبالة النصب ووصولا حتى السوق الوطني في قلب العاصمة واشنطن، مطالبة بأنهاء الفصل العنصري في الحياة العامة والمدارس، ومنع التمييز في العمل، ضمان حقوق السود عندما يكونون بعهدة الشرطة، وتحديد الحد الأدنى لاجر ساعة العمل ب 2 دولار.

حدثهم عن "حلمك"!
نظرا لأزدياد شعبية مارتن لوثر وبروزه كقائد وطني، وتصاعد المد في الحركة السلمية لتحقيق الحقوق المدنية، فأن مسؤلياته قد تضاعفت، وتمثلت  في الدقة بأنتقاء الكلمات والعبارات أو الجمل. تلك التي كان من الممكن ان تلقيه في السجن او ان تكون سببا في ارتكاب الشرطة لمجازر بحق المتظاهرين، خاصة وأن الأجواء كانت مشحونة، والخصوم من كلا الطرفين متربصين احدهم بالآخر. لقد كانت مواقفه قمة في الرقي والأنسانية حتى عندما كانت الشرطة تسحبه الى سياراتها وتلقيه في السجن، فقد كان يعاملهم بأحترام وأدب!
عندما قررت القيادات الوطنية نقل التظاهرة الى واشنطن، فأن مسؤلية اكبر كانت عليه في كتابته لهذا الخطاب (كما في خطاباته السابقة)، فالدقة والحكمة مطلوبة اكثر من اي وقت. ولمن يراقب الخطاب، فأن مارتن لوثر كان يقرأ من الخطاب  الموضوع على منصة الخطابة، ولمن ينتبه اكثر فأن اصواتا كانت تأتي من خلفه، تشجعه وتبعث به الأمل، وكان احد هذه الأصوات صوتا نسائيا ايضا،  تبين لاحقا بأنها كانت "ماهاليا جاكسون" اشهر المرنمات الكنسيات في الولايات المتحدة بلا منازع آنذاك  والملقبة ب – ملكة الترنيم - وكانت تقف بكل شجاعة خلفه على منصة الخطابة. بعد الدقيقة 12 يهمس هذا الصوت النسائي عاليا فيه (حدثهم عن حلمك، حدثهم عن حلمك، حدثهم عن حلمك)، وفي خضم الخطاب الناري الذي كان يلقيه، يبدا بالنظر عاليا، بأتجاه السماء وبأتجاه البيت الأبيض، ودون النظر الى الخطاب ويبدأ بالقول: عندي حلم ، ويكررها 11 مرة في هذا الخطاب، ولتأخذ هذه العبارة  الصدارة في التعريف بهذا الخطاب الذي يعتبر لليوم، من اعظم الخطابات السياسية على الأطلاق، اداءا وصياغة . ان ترديده عبارة "عندي حلم" عبرت ومازالت لليوم عن آمال الملايين في العالم من الذين مازالوا يرزخون تحت انظمة قمعية او عنصرية، عبرت آنذاك عن احلام الملايين من السود والبيض، وكانت ادانة لسياسة التميز العنصري، وصارت جسرا للعبور نحو عصر العدالة والمساوات. استغرق الخطاب حوالي 17 دقيقة، ولليوم يعتبر قطعة نفيسة في العمل والنضال الأنساني لشعوب الأرض التواقة للحرية، ويمكن تلمس ذلك في ابلغ الصور عن نضال الشعب الأسود في جنوب افريقيا وأنعتاقه من نظام التميز العنصري (الأبارتايد) والشعوب الأخرى التي كانت تنشد التحرر والأستقلال، وأنتشرت  صور مارتن لوثر في كل العالم مثلما انتشرت صور جيفارا الثائر.
نسخة الخطاب كما منشورة في شبكة اليوتوب:
http://www.youtube.com/watch?v=1UV1fs8lAbg


منح مركز كينغ وزارة الخارجية الأميركية حقوق إعادة طبع وتوزيع الخطاب التالي إلى السفارات والقنصليات الأميركية والمؤسسات التابعة للوزارة حتى 31 كانون الأول/ديسمبر 2013. حقوق الترجمة تُمنح بالإذن فقط. يجب تضمين إشعار حقوق النشر في جميع المواد.
"لديّ حلم"، الدكتور مارتن لوثر كينغ الإبن
خطاب ألقاه خلال المسيرة إلى واشنطن ودعا فيه إلى توفير فرص العمل والحرية
واشنطن العاصمة، 28 آب/أغسطس، 1963
يسرني أن أنضم إليكم في هذا اليوم في ما سيسجله التاريخ على أنه أعظم مظاهرة في سبيل الحرية في تاريخ بلادنا. (تصفيق).
قبل مئة عام خلت، وقّع أميركي عظيم، نقف في ظله الرمزي اليوم، إعلان تحرير العبيد. وهذا المرسوم الجليل برز كنبراس عظيم من الأمل بالنسبة للملايين من العبيد الزنوج الذين اكتووا بلهيب الظلم المهلك. وجاء ذلك اليوم بمثابة فجر يوم بهيج لإنهاء الليل الطويل لنير عبوديتهم.
غير أنه بعد مرور مئة سنة، لا يزال الزنجي غير حر (الجمهور: يا إلهي) بعد مرور مئة سنة لا تزال حياة الزنوج مشلولة بقيود الفصل العنصري وأغلال التمييز. بعد مرور مئة سنة، لا يزال الزنجي يعيش وحيدًا على جزيرة معزولة من الفقر في وسط محيط شاسع من الازدهار المادي. بعد مرور مئة سنة (يا إلهي) (تصفيق)، لا يزال الزنجي يرزح في زوايا المجتمع الأميركي ويجد نفسه منفيًا على أرضه بالذات. ولذا فقد جئنا اليوم إلى هنا لنبيّن ونصور لكم وضعا مروعا وحالة مزرية.
لقد جئنا بمعنىً ما إلى عاصمة بلادنا لنقبض فاتورة الحساب. عندما كتب بناة جمهوريتنا الكلمات الرائعة للدستور وإعلان الاستقلال (نعم) فإنهم كانوا يوقعون على سند للتسديد سيغدو كل أميركي وريثا له. كان هذا السند وعدًا بأن جميع الرجال، نعم، الرجال السود وكذلك الرجال البيض، ستضمن لهم "حقوق غير قابلة للتصرف في الحياة، والحرية، والسعي لتحقيق السعادة". من الواضح اليوم أن أميركا قد تخلفت عن تسديد هذا السند فيما يتعلق الأمر بمواطنيها الملونين. فبدلاً من احترام هذا الالتزام المقدس، أعطت أميركا الشعب الزنجي شيكاً بدون رصيد، شيكاً أعيد إلى صاحبه مذيلاً بعبارة "ليس هناك رصيد كافٍ".(تصفيق متواصل).
لكننا نرفض أن نصدق بأن بنك العدالة قد بات مفلسًا. (يا إلهي) [ضحك]. (بالتأكيد) نحن نرفض أن نصدق أن الأرصدة غير كافية في الخزائن العظيمة للفرص في هذه الدولة. ولذا فإننا جئنا لنقبض هذا الشيك نقدًا (نعم) شيكًا سيعطينا نزولا عند طلب ثروة الحرية (نعم) وأمن العدالة.
(تصفيق).
لقد جئنا أيضًا إلى هذه البقعة المبجلة لتذكير أميركا بالإلحاح الشديد لهذه اللحظة الآن. هذا ليس وقتًا للانخراط في ترف تهدئة الأعصاب أو تناول الدواء المهدئ الداعي إلى الإنجاز التدرجي. (تصفيق). لقد حان الوقت الآن لجعل وعد الديمقراطية حقيقة واقعة. (يا إلهي). الآن هو الوقت (المناسب) للصعود من وادي التمييز العنصري المظلم والمقفر إلى المسار المضيء بنور الشمس للعدالة العِرْقية. الآن هو الوقت المناسب (تصفيق) لانتشال دولتنا من الرمال المتحركة للظلم العنصري إلى الصخرة الصلبة لرباط الأخوة. الآن هو الوقت (تصفيق) لجعل العدالة حقيقة ملموسة لجميع مخلوقات الله.
وقد يكون أمرًا قاتلاً لدولتنا أن تتجاهل الحاجة الملحة لهذه اللحظة. هذا الصيف القائظ من السخط المشروع للزنجي لن يمر قبل قيام فصل خريف منعش تسوده الحرية والمساواة. إن سنة 1963 ليست نهاية، إنما بداية. وأولئك الذين يأملون بأن الزنجي يحتاج لأن يروّح عن غضبه وسيصبح الآن راضيًا سوف يستفيقون على حقيقة صادمة إذا استأنفت البلاد عملها كالمعتاد. (تصفيق)
لن تكون هناك راحة ولا هدوء في أميركا إلى أن يُمنح الزنجي حقوق مواطنيته. سوف تستمر زوابع الثورة في زعزعة أسس دولتنا إلى أن يلوح بالأفق اليوم المشرق للعدالة.
غير أن هناك شيئًا يتعين عليّ أن أقوله لشعبي، أولئك الذين ينتظرون على أحر من الجمر، شيئًا يقودهم إلى قصر العدالة: خلال عملية اكتساب مكاننا الشرعي، ينبغي علينا الامتناع عن ارتكاب الأعمال الخاطئة. دعونا لا نسعى إلى إرواء عطشنا للحرية بالشرب من كأس المرارة والكراهية. (يا إلهي). (تصفيق) علينا أن نقوم بكفاحنا إلى الأبد على أعلى مستوى من الكرامة والانضباط. علينا ألا نسمح لجهودنا الإبداعية أن تتحول إلى عنف جسدي. ومرة أخرى تلو المرة، علينا أن نرتقي إلى المرتفعات المهيبة في مواجهة القوة المادية بالقوة الروحية. فالروح المكافحة الجديدة الرائعة، التي اجتاحت المجتمع الزنجي يجب ألا تفضي بنا إلى عدم الثقة في جميع الناس البيض. فالعديد من إخواننا البيض، كما يتجلى في وجودهم هنا اليوم، قد توصلوا إلى الإدراك بأن مصيرهم (تصفيق) مرتبط بمصيرنا (تصفيق) وقد توصلوا إلى الإدراك بأن حريتهم مرتبطة ارتباطًا لا ينفصم بحريتنا. ونحن لا يمكننا أن نسير وحدنا. وخلال مسيرتنا، ينبغي علينا أن نتعهد بأننا سنسير دائمًا الى الأمام. ولا يمكننا التراجع أبدًا.
هناك أولئك الذين يتساءلون من بين أشد المناصرين للحقوق المدنية، متى ستشعرون بالرضا؟ لا يمكننا أبدًا أن نشعر بالرضا طالما أن الزنجي هو نفسه الضحية للأهوال التي لا توصف لوحشية رجال الشرطة. ولا يمكننا أبدًا أن نكون راضين (تصفيق) طالما بقيت أجسادنا، المثقلة بمشقة السفر، لا يمكنها الحصول على إقامة في الموتيلات المنتشرة على الطرق السريعة وفي فنادق المدن. (تصفيق).
لا يمكننا أن نكون راضين طالما بقيت إمكانية الحركة الأساسية للزنجي تنتقل من حّي "غيتو" صغير إلى حي "غيتو" أكبر منه. لا يمكن أبدا أن نكون راضين طالما يُجرد أطفالنا من ذاتهم وتسلب كرامتهم بلافتات كتب عليها "للبيض فقط" (تصفيق).
لا يمكن أن نكون راضين طالما بقي الزنجي في الميسيسيبي لا يمكنه التصويت، وطالما بقي الزنجي في نيويورك يعتقد بأن ليس لديه ما يصوّت من أجله. (نعم). (تصفيق). كلا، وألف كلا، لسنا راضين ولن نكون راضين قبل أن "تتدفق العدالة كالمياه الجارية ويتدفق الحق والصواب كجدول قوي وعظيم. (تصفيق).
إنني لست بغافلٍ عن أن البعض منكم جاء إلى هنا قادمًا من محن واضطرابات عظيمة (يا إلهي) وأن بعضكم جاء من زنزانات السجون الضيقة. إن بعضكم جاء من مناطق حيث جعلكم سعيكم للحرية محطمين بسبب عواصف الاضطهاد (نعم) وقد رنحتكم رياح وحشية رجال الشرطة. لقد كنتم الجنود القدامى للعذاب الخلاق. واصلوا العمل مع إيمانكم بأن المعاناة غير المكتسبة تخلّص الروح. عودوا إلى الميسيسيبي. (نعم). عودوا إلى ألاباما، عودوا إلى ساوث كارولاينا، عودوا إلى جورجيا، عودوا إلى لويزيانا، عودوا إلى الأحياء الفقيرة وأحياء"غيتو" الزنوج في مدننا الشمالية، وانتم تدركون بطريقة ما أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر وسوف يتغير. (نعم). دعونا لا نبقى متخبطين في وادي اليأس.
أقول لكم اليوم، يا أصدقائي (تصفيق)، إنه على الرغم من أننا نواجه صعوبات اليوم وغدًا، فلا يزال لدّي حلم. (نعم). إنه حلم مترسخ في الحلم الأميركي.
لدي حلم بأنه في أحد الأيام (نعم) سوف تنهض هذه الأمة وتعيش المعنى الحقيقي لإيمانها: إننا "نعتبر هذه الحقائق بديهية بأن جميع الناس خُلقوا متساوين". (نعم) (تصفيق). لدّي حلم بأنه في أحد الأيام على التلال الحمراء في جورجيا سوف يتمكن أبناء العبيد السابقين وأبناء مالكي العبيد السابقين من الجلوس سوية على طاولة الأخوة.
لدّي حلم بأنه في أحد الأيام حتى في ولاية ميسيسيبي، الولاية التي تتصبب عرقًا من شدة حرارة الظلم (حسنًا)، تتصبب عرقًا بفعل حرارة الاضطهاد، ستتحول إلى واحة من الحرية والعدالة.
لدّي حلم (حسنًا) (تصفيق) أن أطفالي الأربعة سوف يعيشون في أحد الأيام في بلاد لن يُحكم عليهم فيها من خلال لون بشرتهم، إنما بمكنون شخصياتهم. (يا إلهي). لدّي حلم اليوم. (تصفيق).
لدّي حلم بأنه في أحد الأيام في ألاباما، وبعنصرييها الأشرار، وبحاكمها الذي تقطر شفتاه بكلمتي "الفصل" و"الإلغاء" (نعم)، في أحد الأيام هناك في الأباما سوف يتمكن الفتيان والفتيات السود الصغار من الجلوس متشابكي الأيدي مع الفتيات والفتيان الصغار البيض كشقيقات وأشقاء. لديّ حلم اليوم. (تصفيق).
لدّي حلم بأنه في أحد الأيام بأن كل وادٍ سيسمو. (نعم)، وكل تلة وجبل سينخفضان، وبأن الأماكن الوعرة ستغدو ممهدة، وأن الأماكن الملتوية ستصير مستقيمة. (نعم)، وأن مجد الرب سيظهر، وأن كل من هم من لحم ودم سيشاهدون ذلك سوية. (نعم).
هذا هو أملنا. وهذا هو إيماننا الذي سأعود به إلى الجنوب. (نعم). وبهذا الإيمان سنستطيع أن نستخرج من جبل اليأس صخرة الأمل. (نعم)، وسنستطيع أن نحوّل الانشقاقات الباقية في دولتنا إلى سيمفونية رائعة من الأخوة .(أحسنت)، وبهذا الإيمان (يا إلهي) سنغدو قادرين على العمل معًا، أن نصلي معًا، أن نكافح معًا، أن ندخل السجن معًا، (نعم) أن نقف في سبيل الحرية معًا، مدركين بأننا سنكون أحرارًا في أحد الأيام. (تصفيق). وسيكون هذا هو اليوم (التصفيق يتواصل)، وسيكون هذا هو اليوم الذي يتمكن فيه جميع مخلوقات الله (نعم) من الغناء بمعنى جديد:
يا بلادي، من أجلك (نعم) هذه الأرض الحلوة التي تنعم بالحرية، من أجلك أغني.
هذه الأرض التي تضم رفات والدي، الأرض التي يعتز بها الحجاج (نعم)
ومن كل سفح جبل، فلتقرع أجراس الحرية!
وإذا كان لأميركا أن تكون أمة عظيمة، فينبغي أن يصبح ذلك حقيقة واقعة.
فلتقرع أجراس الحرية (نعم) من قمم التلال المبهرة لنيو هامبشير.
فلتقرع أجراس الحرية من الجبال الشامخة لنيويورك.
فلتقرع أجراس الحرية من جبال أليغي الشمّاء في بنسلفانيا. (نعم، هذا صحيح).
فلتقرع أجراس الحرية من جبال الروكي المكللة بالثلوج في ولاية كولورادو.(أحسنت).
فلتقرع أجراس الحرية من المنحدرات الميّاسة لولاية كاليفورنيا. (نعم).
ولكن ليس ذلك فحسب: فلتقرع أجراس الحرية من جبل الصوّان في جورجيا (نعم).
فلتقرع أجراس الحرية من جبل لوك آوت في تينيسي (نعم).
فلتقرع أجراس الحرية على كل تلٍ عالٍ وتلة صغيرة في ميسيسيبي (نعم).
ومن كل سفح جبل، فلتقرع أجراس الحرية. (تصفيق).
وعندما يتحقق ذلك (يستمر التصفيق)، عندما نسمح لأجراس الحرية بأن تقرع، عندما نسمح لها بأن تقرع من كل بلدة وقرية، من كل ولاية ومن كل مدينة (نعم)، سوف نتمكن من تسريع وصول ذلك اليوم حينما يتمكن جميع مخلوقات الله، السود والبيض، اليهود وغير اليهود، البروتستانت والكاثوليك، سوف نتمكن من أن نتكاتف وننشد الترنيمة الدينية العريقة:
أحرارًا أخيرًا! (نعم) أحرارًا أخيرًا!
شكرًا لك يا الله، لقد بتنا أحرارًا أخيرًا! (تصفيق)

حقوق الطبع والنشر محفوظة للكتور مارتن لوثر كينغ الإبن- 1963. مرخّص من مركز كينغ، أتلانتا، جورجيا. لمزيد من المعلومات حول بناء مجتمع الدكتور كينغ المحبوب، يرجى الرجوع إلى الموقع الإلكتروني التالي
 www.thekingcenter.org
خطاب مارتن لوثر كنج "انا عندي حلم" في 28 آب 1963
http://www.youtube.com/watch?v=smEqnnklfYs

مازلنا في بداية الطريق
رغم الأنتصارات (الكبيرة أو الصغيرة) التي حققتها الحركة السلمية من خلال تشريع بعض القوانين لتحقيق المساوات، فأن عملا كبيرا كان ينتظرهم، على ان  اهمهم  كان تحقيق العدالة الأجتماعية على ارض الواقع، ومناهضة الحرب على فيتنام. هذه الحرب التي كان وقودها المواطنين في كلا البلدين،بينما تجار السلاح يرفلون بالنوم الهادئ! قاد وشارك في عشرات المظاهرات، وصار حضوره ملفتا للأنظار ولكل وسائل الأعلام، وصارت العديد من الجهات(التي مازالت غارقة في عنصريتها) تخشاه وتخشى شعبيته، مع الطروحات الليبرالية التي كان يطلقها.
منحت لجنة جائزة نوبل الدكتور مارتن لوثر كنج يوم 14 اكتوبر عام 1964 وسام وجائزة نوبل للسلام تثمينا لدوره الكبير في النضال السلمي للشعب الأمريكي الأسود ومن اجل تحقيق العدالة والمساوات. هذه الجائزة منحته حصانة جيدة وحشرت خصومه (وخصوم اهدافه الأنسانيبة) في زاوية حرجة، ورغم ذلك فقد تعرض للمضايقات والأعتقال من قبل الشرطة والمخابرات (اف بي آي) اثناء مشاركاته في النضالات السلمية لاحقا.

الرحلة الأخيرة
في يوم 29آذار من عام 1968 توجه كنج بصحبة مجموعة من القيادات الوطنية الى مدينة ممفيس في ولاية تنسي الجنوبية، للتضامن مع عمال (تنظيف المرافق) السود، والذين كانوا قد دخلوا في اضرابا عماليا منذ 12 آذار، مطالبين بتحسين ظروف العمل ورفع الأجور ومعاملة افضل من قبل الأدارة تجاههم. تعـّود مارتن لوثر النزول في ذات الفندق كلما اتى الى هذه المدينة، ووقتها كان صاحب الفندق قد خصص جناحا كاملا للوفد في الطابق الثاني. وفي يوم 4 نيسان وفي الساعة 6,01 وبينما كان مارتن لوثر واقفا في البلكونة، انطلقت رصاصة نحوه مخترقة خده الأيمن والفك ومارة خلال الحبل الشوكي لتستقر في كتفه، ولم تمهله كثيرا حيث فارق الحياة.
ادى هذا الأغتيال الى اعمال عنف كبيرة في كل ارجاء الولايات المتحدة، والى خيبة امل كبرى في صفوف الحركة المدنية للحقوق ومناهضة الحرب الفيتنامية، بينما اعلن الرئيس الأمريكي –لندن جونسون- يوم السابع من نيسان عام 1968 يوم حداد وطني فيما اناب (نائبه) لحضور مراسم التشيع الرسمي للراحل الدكتور مارتن لوثر كنج.


ماذا يقولون عنك؟
ســئل مارتن لوثر كنج مرة اثناء تواجده عام 1968 في الكنيسة المعمدانية ب اتلانتا عن الكيفية التي يرغب ان تتذكره الأجيال بعد رحيله فقال: بأن مارتن لوثر كنج قد حاول منح كل امكانياته للآخرين، وأنه حاول ان يحب الناس. وأتمنى ان يتذكر الناس بأن موقفي الرافض للحرب كان صائبا، وأني حاولت اطعام الجوعى، وحاولت اكساء العريانين، كما اتمنى ان يقال عني ايضا بأني كنت ازور المسجونين وبأني منحت حبي للأنسانية. نعم، ان اردتم القول بأني كنت قارعا للطبول فلابأس من ذلك، كنت قارعا للطبول من اجل العدالة والسلام وما تبقى سيكون ثانويا امام هذا الأمر العظيم

مسيرة مستمرة
نال مارتن لوثر جائزة نوبل للسلام بأمتياز وكانت نقطة تحول عالمي مهمة ان ينال شخص(اسود) هذه الجائزة المهمة وكان اصغر شخصا يحصل عليها آنذاك، وبعد اغتياله المريع، فقد فرضت شخصيته نفسها على كل من جلس في البيت الأبيض. ففي يوم 2 نوفمبر من عام 1983 سن الرئيس الأمريكي رونالد ريغن مرسوما بأعتبار (عيد ميلاد) مارتن لوثر  عطلة رسمية، وفي العام 1986، اعتبر (ثالث) أثنين من شهر كانون ثان من كل عام، عيدا وطنيا للأحتفال بميلاد القائد الوطني مارتن لوثر. كما ان مؤسسات وجمعيات كثيرة تتنافس في هذا اليوم للأحتفال بميلاد رمز الحركة المدنية السلمية للتحرر، والتي تلقي شعبية كبيرة سنة بعد سنة.سميت مئات الشوارع بأسمه، وافتتح  النصب الرمزي له، ويأم قبره زوارا كثر ومن كل العالم احتراما لمسيرته الأنسانية وأثرها البالغ في حياة الشعب الأمريكي وشعوب العالم. وفي سجله (القصير) ما لا يقل عن 50 شهادة تقديرية، محلية وعالمية تقديرا وتثمينا لدوره في النضال السلمي.

ليست مصادفة
حينما اطلق مارتن لوثر كنج عبارته الشهيرة "لدي حلم" يوم 28آب من عام 1963، لم يكن واهما. بل اطلقها بعقلية وقلب قائد ميداني محنك، ينظر ويستشرق المستقبل الذي لم يتمكن عامة الناس من مشاهدته او التنبؤ به، هذا الحس المرهف والثقة العظيمة بقدرة الشعب الأمريكي، وبمفكريه  ومثقفيه وشعرائه وأبنائه المخلصين من وعيهم لحقيقة، ان هذا الوطن لن يبنى الا بجهود الكل، وأن لا عدالة حقيقية دون ان تكون العدالة حقا للكل. ويقينا ان الزمن لم يتأخر كثيرا حتى يجســـد "حلم" الراحل مارتن لوثر كنج، فعلى بعد عشرات الأمتار فقط في العاصمة واشنطن، يفصل الزمن حدثان مهمان في تأريخ الولايات المتحدة.   ففي العاصمة واشنطن ومن امام نصب الزعيم ابراهام لنكولن اطلق القائد الأسود مارتن لوثر كنج ندائه الشهير"لدي حلم"يوم 28 آب عام 1963، وفي يوم 23 كانون ثان عام 2008 وعلى بعد امتار من منصة الراحل مارتن لوثر، اقسم السيد باراك اوباما، الرئيس 44 للولايات المتحدة، اول رئيس من اصول سوداء في سابقة تأريخية قلما تتكرر في حياة الشعوب! هذا هو ثمن التضحية والنضال، وهذا هو ثمن الأستمرار بهذه التضحية وهذا النضال.

لمن تقرع الأجراس؟
قد يدعي البعض بأن التجارب يصعب نسخها او تكرارها، وبقدر ما يحمل هذا الرأي من صحة وصواب لكنه يفتقر الى اهم المعطيات، الثقة بقدرة الأنسان، صانع المعجزات!   فالسيد مارتن لوثر كنج لم يكن مثل (كلكامش) ثلثه بشر وثلثاه آله’! لقد كان انسانا نشأ في بيئة كانت تمزقها القوانين العنصرية والظلم والحيف والقهر، لم يستكين، ولم يتطرف بل ايقن بحقيقة النضال المشترك للشعب وبسلمية هذا النضال. وبنظرة فاحصة وثاقبة للشأن العراقي، لن يحتاج المتصفح لهذا الملف طويلا ليعي حاجة العراق الى شخصية وطنية بمواصفات القائد "مارتن لوثر كنج" ليأخذ بالمركب العراقي من امواج الطائفية والحقد والسرقات، نحو بر الأمن وألأمان والتقدم والسعادة لأبناء الوطن.

 انا ادعو الأخوات والأخوة في البرلمان العراقي وبرلمان كردستان، في الوزارات وفي الأحزاب الدينية والسياسية العراقية، ادعو النخب العراقية والمثقفين والشباب الطموح والمتوثب لبناء الحياة الجديدة في العراق،  الى قرأة خطاب مارتن لوثر، الى التأمل فيه، الى دراسته والتعمق فيه، فأني على يقين من ان بعضهم سيعي ان الطائفية والتخندق القومي والتعصب لن يقودا البلد الا الى الخراب، وأن العراق اليوم بأمس الحاجة الى قائد انساني، عابر للقوميات والديانات والطوائف، قائد لا يعرف الا حقيقة واحدة في حياته، حب وخدمة هذا الشعب من اجل الأفضل. ويقينا سنعلم لاحقا بأن استعمال القوة او التهديدات او الحلول العسكرية لا يمكن ان تكون بديلا، لأنها فشلت قبلا وستفشل لاحقا، ولأن هذا الوطن متعدد القوميات والأثنيات والديانات، فلا قومية افضل من اخرى ولا دين افضل من آخر، فأذا كان العراق قد جمعنا لآلاف السنين ، فليكن خيمتنا التي نحتمي بظلالها. اما الطارئين الذي اتت بهم الصدف ودبابات المحتل الأمريكي، فهي دعوة للعراقيين للتيقن من ان هذه النماذج لن تقدم الا البديل الفاشل، وهذا ما كشفته العشر سنوات الأخيرة من حكم قادة (الصدفة) .
يستحق العراق حكاما اوفياء ومخلصين وعادلين، يستحق ان يعيش بالأمن والأمان وأن ينعم ابنائه وبناته بخيرات وطنهم التي تذهب سدى بعقود وسرقات صارت معروفة للكل، بينما اكثر من ربع السكان يعيشون تحت خط الفقر.
اتمنى ان تكون ذكرى الزعيم الراحل "مارتن لوثر كنج"ومأثرته في خطابه الشهير "عندي حلم" فرصة للحالمين العراقين، فرصة لأنتقاء الأفضل والتخلص من النفايات التي دمرت البلد وتستمر في تدميره!

المصادر:ويكابيديا: الأنسكلوبيديا الحرة، مركز كنج للمعلومات، وزارة الخارجية الأمريكية.
http://en.wikipedia.org/wiki/Martin_Luther_King,_Jr.

كمـــال يلـدو
آب 2013
 


الجماهير وقد تجمعت ما بين نصب لنكولن والبحيرة


الجموع وقد ملئت المكان المخصص للخطاب


جانب آخر من المظاهرة-بالألوان


روزا باركس فرهن التوقيف 1955


روزا باركس ومارتن لوثر سوية في دروب النضال


سوية نتظاهر كاثوليك ويهود وبروتستانت



كانت تقف خلف مارتن لوثر اثناء الخطاب


لقطة نادرة للتظاهرة من داخل  منصة ابراهام لنكولن


مارتن لوثر خلف منصة الخطابة


مارتن لوثر رهن التوقيف 1955


مارتن لوثر وهو يحي الجموع التي حضرت


مراسيم تنصيب الرئيس اوباما


موقع تنصيب الرئيس على بعد خطوات من منصة اراهام لنكولن


هنا نصب ابراهام لنكولن في العاصمة واشنطن

436
الجالية العراقية تصارع الأفكار في التعامل مع ابنائها "اصحاب الأحتياجات الخاصة"


طفل مقعد 2

لاشـــك بأن الزيادة الكبيرة التي طرأت على اعداد العراقين المهاجرين أو اللاجئين (او حتى الوافدين بالزيارة) الى الولايات المتحدة قد حمل معه هموما جديدة، او حلولا ممكنة لبعض العوائل التي  تتقاسم مع افرادها حالة او اكثر من حالات "ذوي الأحتياجات الخاصة"، هذه القضية التي تسبب الأحراج للبعض أو ربماالخجل او العصبية او حتى الأعتكاف في المنزل وعدم مواجة الناس، او ربما فرض حصار على العائلة خشية ان يعلم الاخرون بوجود مثل هذه الحالة، والتي يذهب البعض بعيدا ليعتبرها (انتقام) الآلهة، او (عقوبة) السماء عليها!

"اصحاب الأحتياجات الخاصة": تسمية تستعمل في الأوساط النفسية والأكاديمية والصحية والحكومية في الولايات المتحدة، للدلالة على الأشخاص الذين لا يعينهم جسمهم او عقلهم ليؤدوا وظائفهم بذات الفاعلية التي يؤديها الأنسان السليم. وقد اختيرت هذه التسمية بعد تجارب وأختبارات كبيرة مـّر بها المجتمع الأمريكي، وقوانين كثيرة ناضل من اجلها المثقفون والأطباء والأنسانيون من اجل انصاف هذه الشريحة التي (لا حول لها ولا قوة) وبغية تسميتهم التسمية الأنسانية التي لا تقلل من قيمتهم ولا تمتهنهم كفصيل بشري، يحق له ليس الحياة والتمتع بها فقط ، بل ايضا توفر كل العوامل (من المجتمع والدولة) لتحقيق ذلك،
 ويجدر ان اذكر بعضا منها:
1)ولادات مشوهة نتيجة اختلافات وراثية بين الأبوين
2)ولادات مشوهة نتيجة زواج الأقارب
3)ولادات مشوهة نتيجة تعاطي المخدرات او الكحوليات – من قبل المرأة الحامل-او الأدوية غير المرخصة للحامل
4)ولادات مشوهة نتيجة عدم مراعاة التغذية الصحية اثناء الحمل
5)ولادات مشوهة نتيجة اتباع اساليب غير علمية في الولادة(الولادة المنزلية –القابلة)
6)ولادات مشوهة نتيجة ما تمر به الحامل من ازمات صحية او نفسيةاو جسديةاو امراض قبل الحمل
7)ولادات مشوهة نتيجة الحروب او استعمال الأسلحة المحرمة او الأشعاعات
8)تشوهات تصيب الأطفال نتيجة الحوادث او قلة التغذية او الأساءات الطبية
9)تشوهات تصيب الأنسان البالغ نتيجة الحوادث او الحروب
10)النتائج المترتبة على الشيخوخة، والأمراض الملازمة  لذلك، جسمية كانت او نفسية
11)التشوهات الناتجة عن الأزمات او الأمراض النفسية للصغار او الكبار
هذه الظواهر وربما اخرى غيرها لا يتدخل الأنسان بها مباشرة، بل تفرض عليه (كأحد الوالدين او احد اعضاء الأسرة)، وكما اثبت العلم بأن العوامل المتحكمة بها خارجية.

تمتاز المجتمعات وتختلف تبعا لقوانينها ولمسيرتها وتجربتها التأريخية ومدى تسخير العلوم والثقافة لخدمة ذلك الشعب او تلك المجموعة. ان الرقي الذي وصلت اليه بعض الشعوب يجعل بعضنا في حيرة من أمره،  وخاصة اولئك القادمين من (الشرق)، الذي امتاز بغنى تأريخه وحضارته وحتى اديانه، بينما بقى اسير ذلك الماضي حتى عبرته باقي الشعوب بأطوار كبيرة. وللوقوف مباشرة امام بعض القوانين التي سنت، والتي تدور حول هذه الشريحة، وأحدها هو: منح عائلة الشخص المعني راتبا شهريا يراد منه الصرف عليه من الملابس وكل الأحتياجات، مع متابعة من قبل المسؤل الأجتماعي وفي حالة التقصير فأن صاحب العاهة تأخذه المؤسسة الحكومية وتخسر العائلة راتبه الشهري. ومن الضروري الأشارة الى قانون (تجريم) التمييز على اساس العاهات البدنية، وخاصة بالنسبة للمقعدين في التعينات الوظيفية او الدراسة او التسوق والتعاملات العامة، فهم بشر! وأرتبط ذلك بأصدار قانون جعل سعة الأبواب في الولايات المتحدة ب 36 انج كحد ادني وذلك ليلائم دورة الكرسي النقال المستعمل من قبل المقعدين، كما روعي في ذلك وضع ممرات خاصة في الدوائر الرسمية والمدارس لتسهيل مهمة هذا الكرسي وحتى ارتفاع الطاولات ليلائم ارتفاع الكرسي النقال ، وذات الشئ يقال في دورات المياه والحمامات التي زودت بمقابض خاصة تسهل على (المقعدين) استعمالها حتى لو كان لوحده، ناهيك عن الموقف الأخلاقي للمجتمع والشرطة من ناحية التمييز او الأعتداء او حتى الأستخفاف بهذه الشريحة، اذ تصل العقوبات احيانا الى سجن طويل الأمد لمن يؤذي او يضر بأحد هؤلاء.

وبالعودة لتفصيلات القائمة التي ذكرتها قبلا، فأن في جاليتنا حالات كثيرة، يضطر المسؤلون الأمريكان في الرعاية الأجتماعية للتدخل بغية افهام العائلة شروط التعامل حتى تصل الأمور احيانا الى سحب الأبناء من هذه العوائل (نتيجة سوء في التعامل او الجهل) ووضعهم في بيوت خاصة مع اقرانهم. اما الجهات الرسمية فأنها توفر بيوت ومصحات ومستشفيات خاصة ل "ذوي الأحتياجات الخاصة"، اذ يحاطون برعاية خاصة ويرافقهم أشخاص يمتلكون الأختصاص في هذا التعامل، اضافة الى وضع برامج تعليمية وترفيهية ونظام لزيارة الأماكن العامة والمتنزهات والمعامل وحديقة الحيوان، مع العناية الطبية المتعلقة بوضعهم. وهذا التعامل يجعل من هذه الشريحة تشعر بالأنسجام مع بقية المجتمع  الذي يقابلهم بالأحترام والأبتسامة والترحاب وفسح المجال امامهم في الأماكن العامة، مما يزيد من هذا الحنين والشعور الأنساني المتبادل.جدير بالذكر ان فكرة (الحنين عليهم من باب الضعف) مرفوضة رفضا باتا من قبل المجتمع، اذ يصر ان يعاملهم معاملة انسان كامل!

نقف احيانا مذهولين في الطريقة الأنسانية التي يتعامل معها المرشد النفسي، قياسا بنا نحن عائلة الشخص المعني ونسأل انفسنا من جديد: من اين اتوا بهذه الأخلاق ، ومن اين اتينا بأخلاقنا؟ وحتى أشير الى بعض الممارسات بشكل واضح وصريح، سأوجز بعض المفاهيم والمواقف المنتشرة في مجتمعنا، حتى نستطيع سوية ان نحدد ما اذا كانت حضارية ام لا؟
*اذا صادفنا شخصا غير مكتمل العقل، فأن اول تصرف لنا تجاهه هو اما الأبتعاد عنه او النظر اليه بأزدراء او الصراخ بوجهه ونعته بالمجنون او (مخبل) كما نقولها بالعامية.
*شخص بعاهة بدنية، لابد للبعض منا ان يجعله يشعر بهذا النقص، كأن يكون سيره غير مستقيم نقول عنه (اعرج)، وشخص بعين واحد (اعور) وشخص ضرير او فاقد السمع او بأذنين طويلة او بيدين قصيرة، او حتى اذا كانت عنده 6 اصابع بدلا من 5 أصابع.
*هناك ظواهر بدنية طبيعية عند البشر، يحلو للبعض ان يجعلها سبة او شتيمة، مثلا: شخص طويل القامة (سقيع)، شخص قصير القامة(قزم) ، شخص بدين (دبة) او ضعيف(مسلول) وما الى ذلك.
*موقفنا من اصحاب العاهات امثال (داون سندروم – المنغولي)،والمريض بمرض جلدي او بدني واضح، او ممن لا يستطيعون النطق بشكل سليم او ممن يصيبهم الأرتباك اثناء الحديث فتأتي الكلمات متقطعة، كم منا يتملكنا الضحك والأستهزاء او حتى الأستخفاف بهؤلاء الناس دونما ادنى حرص على عدم احراجهم اكثر او اشعارهم بهذا النقص.
*الموقف السلبي والمتشنج من الشيوخ الكبار بعد ان يداهمهم العمر ويصابون بمرض النسيان(الزايمر)، فأن تصرفات البعض تصل لحدود غير معقولة، وعادة ما نطلق على حالتهم ب (الخرف) ، بينما يطلق عليهم الأمريكان (انهم يتصرفون كلاطفال!!) فرق كبير ليس بالتصرف فقط بل حتى في التسميات.

ان ماتوصلت اليه المجتمعات والشعوب من رقي في التعامل مع هذه الشريحة يدعونا، نحن ابناء الشرق، والعراقيين بالذات، كمثقفين ومعنين، كبشــــر الى اعادة النظر في المنظومة الأخلاقية التي تتحكم في نظرتنا للأنسان المقابل، خاصة اذا كان ذو عاهة بدنية او نفسية. يدعونا للأستفادة من خبرة مؤسسات هذه الدول والضغط على المعنين في جاليتنا، والحكومة العراقية للأخذ بها وتطبيقها في بلدنا الغني بثرواته والفقير في تعامله الأنساني. يدعونا الى تعزيز الدراسات النفسية والأجتماعية في الجامعات، وفسح الفرص امام الخريجين للعمل في هذا الحقل، تماما كما يدعونا الى اعتبار الطب النفسي والأجتماعي ، حقلا مهما لمعاجة الأنسان المحتاج اليه اكثر من اعتباره علما وبحثا معيبا كما يحلو للبعض تسميته (علم المجانين او علم التعامل مع المجانين).
يدعونا للبحث في اساس هذه النظرة السلبية والمتعالية في النظر للآخر، والسؤال دائما:لمـــاذا؟
هل نبداء من العائلة، من المدرسة، من وسائل الأعلام ام من اين؟

ان امام جاليتنا العزيزة في الولايات المتحة (والى حد كبير في اوربا وكندا وأستراليا)، فرص كبيرة لتطوير معارفهم الأنسانية ونظرتهم ايضا، الى التعلم بأسلوب اكثر حضاري في كيفية التعامل مع "ذوي الأحتياجات الخاصة"، هذه الشريحة التي تكشف حقا التسامي الأنساني عند البشر، ليس عند القريبين فقط، بل حتى عند الغرباء. وأسأل هذا السؤال: هل يقبل احدكم ممن في عائلته او محيطه حالة مشابهة لذلك، ان يقوم شخص غريب بمعاملة  ذوي الأحتياجات الخاصة بنفس طريقة تعاملكم معهم، وماذا سيكون ردة فعلكم؟

كمـال يلدو
آب 2013



اشارة المقعدين


اطفال من ذوي الأحتاجات الخاصة


التسهيلات تشمل ايضا دورات المياه


داون سيندروم (منغولي)في الكلام العام


وسائط النقل عند المقعدين

437
في ذكرى عيد الصحافة الشيوعية العراقية:
يبقى القلم الحر حليف الكادحين، وخصم المستبدين


مجلة الثقافة الجديدة
  تقول الناشطة الأمريكية- السوداء هيريات تبمان*:" كل حلم عظيم يبداء بحالم، وأتمنى ان تتذكر دائما انك تملك الشجاعة والصبر والرغبة، وحتى لو تطلب الأمر الذهاب الى النجوم  من اجل تغير العالم نحو الأفضل، فأنك قادر على ذلك!"، فرغم ان هذه الناشطة التي كانت من الناحية الرسمية (من العبيد) قد قالته بما لا يقل عن خمسون عاما من صدور اول صحيفة شيوعية عراقية يوم 31/7/1935، الا انه يحمل في دلالاته صلب الحقيقة التي تمثلت في تبوء شعار " وطن حر وشعب سعيد" اولى المنشورات والمطبوعات الشيوعية العراقية، ومنذ ايام التأسيس الأولى.

عقودا طويلة تفصلنا عن تلك الأيام التي لم نعد قادرين على وصفها نسبة الى ما وصل اليه حال العراق اليوم ونحن ندلب العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرون، وطن تتبارى فيه الوحوش البشرية على تبوء اكثر المناصب التي تمكن اصحابها من السرقات الكبيرة، وطن ينوء ابنائه وبناته تحت  خطوط ادنى من خطوط الفقر العالمية، وتنخر الأمية جسده، فيما آثار الحروب والتفجيرات اليومية ما عادت بذات اهمية لعين الناظر الذي لا يأمل ولا يترجى سوى ان يعود سالما لبيته، لأنه لم يتذكر ان يودع عائلته هذا الصباح حينما غادر المنزل بقصد العمل او الوظيفة او الدراسة او حتى التسول في الشوارع العامة، في بلد البترول والميزانيات الترليونية الخيالية.

عملت الصحافة الشيوعية ومنذ خروجها للنور، "كمنفاخ حداد هائل" كما يصفها لينين، في بث وتعزيز الروح الوطنية والأستقلال، في الدفاع الأمين عن حقوق اكثر شرائح المجتمعة حاجة للتغير، الكادحين والمثقفين الثورين، في تأصيل الحركة التنويرية للمجتمع بالأنفتاح على مكنونات الثقافة العراقية ومثقفيها، وبالتنوع العالمي الأممي. حرصت على محو الأمية وتعزيز انسانية الأنسان. نشرت الشعر والقصة والبحث العلمي، مشاكل المعلمين والعمال والفلاحين، ونقلت صورة حية للأحياء التي مازالت تصرخ لليوم طالبة حصتها من التبليط والكهرباء والمجاري. كانت ومازالت الصحافة الشيوعية العراقية اكبر مؤسسة (جامعة) لتخريج ليس الكوادر الصحافية فحســب، بل الكتاب والفنانين والأدباء والشعراء والمسرحيين وحتى العلماء والأطباء، ليس هذا فقط من الناحية الأكاديمية، بل ومناضلين اشداء من الطراز الفريد. تدربوا وتعلموا وتمرسوا على مهنة المتاعب في خضم الصراعات التي لم تهدأ لليوم في تقديم الحقيقة للجماهير، بيضاء ناصعة دون زيف او افتراء. عمل جيل المناضلين في شتى الظروف، تارة في السراديب او الكهوف ، ومرة في البيوت او في المطابع العلنية، مرة بالرونيو ومرة يستنسخوها بأياديهم وبورق الكاربون، طريق طويل، كان قاسيا معظم الوقت وكان يكلف ســالكه حياته اكثر الأحيان. كان من الممكن ان ترتقي حبل المشنقة ليس لأنك تعمل محررا في جريدة(طريق الشعب) فقط، بل يمكن ان تحظى بذلك لأنك تقرأها او كنت تحملها في زمن ما! اما اليوم، وحينما نحصي اسماء الكتاب والصحفين والمثقفين الذين تخرجوا من تلك المدرسة الوطنية، فلا يتملكنا الا الفخر والأعتزاز، فهكذاكان ديدن هذه الصحافة وهذا الحزب، مدرسة نموذجية في الوطنية والأخلاص والثقافة والعلوم والأنسانية، تكبر كلما يكبر تلاميذها وتزهو كلما يغترف منها احبتها.

لانختلف كثيرا ونحن نشهد ما طرأ من تطور على الصحافة، طباعة وأنتشارا وأخراجا وتوزيعا في العشرين سنة الأخيرة، ومنذ ان صار الكومبيوتر يحل محل "عامل الطباعة" في اداء الكثير من ترتيب الحروف والصور وأخراج الصحيفة! لابل ان الأمور  تنبئ بمفاجأت كثيرة على صعيد الصحافة الورقية المطبوعة التي صار المجهول  مصيرها للسنين القادمة. ومما لاشك فيه ان عواملا تتجدد كل فترة يحسن بالمراقب ملاحظتها وملاحقتها ايضا ومنها على سبيل المثال: تنوع المصادر الأعلامية  في هذا الوقت من خلال الأنترنيت  والفضائيات والتلفونات الذكية – الموبايل- ووسائط التواصل الأجتماعي الأخرى، مما يجعل اخبار الجرائد قديمة (نسبيا) لما موجود عبر الأثير، والشئ الآخر هو دراسة وضع ونفسية المواطن ايضا. فأنسان اليوم متعب ومهموم  والحياة تجري معه سريعة في معظم الأحيان، ويمكن للأمية ان تكون عاملا يحد من شراء الجريدة، او حتى انتشار الناس في رقع جغرافية كبيرة تحول دون وصول المطبوع في وقته المحدد، ناهيك عن ارتفاع تكاليف الطباعة والورق والعمل والنقل مما يضيف  عبئا آخرا على كاهل اصحاب الدخل المحدود في الوقت الذي يستطيع فيه ان يسمع الأخبار ويشاهدها ومن اكثر من مصدر ولحظة بلحظة عبر الفضائيات .....مجانا!

في الوقت المنظور ممكن للصحافة الورقية ان تستمر لكن بتكلفة مالية اكبر، وممكن لقرأها ان يتناقصوا ايضا، لكنها باقية، وستعتمد  كثيرا على الشئ المتميز بنتاجاتها ان كان في التحقيقات الصحفية او النشر الثقافي والأدبي او في ملاحقة الملفات التي تخص شرائح مهمة في المجتمع، الصحافة ستتنازل عن تربعها على عرش الخبر المقروء لتكون جزءا من كل، بعد ان كانت الكل، جزءا من الأنترنيت والفضائيات واليوتوب والتويتر والموبايل  وربما لأدوات تواصل جديدة قادمة.

وحتى لانكون في آخر الركب، فأن المعنين في الشأن الصحفي (طالما نحتفل اليوم في ذكرى صدور او صحيفة شيوعية عراقية عام 1935) مدعوين اليوم وأكثر من اي وقت مضى للنظر في شأن الصحافة نظرة ممزوجة  بأستكشاف آفاق المستقبل والتنبؤ بمتطلبات العمل الأعلامي (وليس الصحفي فقط)، من اجل التواصل الحقيقي مع الثورات التكنلوجية العارمة التي دخلت عالم النشر والأعلام، ومن اجل  استيعاب الدور التي تقوم به الأدوات الأعلامية المستحدثة. فأذا كان الهدف من "الجريدة" هو نقل الخبر، وايصاله مع تثبيت الموقف منه  وأعطاء البديل والتواصل مع البشر، فأن  الفضائيات والمواقع الألكترونية في الأنترنيت والتلفونات الخلوية وأدوات التواصل الأجتماعي تقوم بذلك وبأحسن صور، وبسرعة فائقة وبتكلفة زهيدة جدا ان لم اقل مجانية.  ان هذا الموقف المسؤل هو الذي سيضع الصحافة الشيوعة العراقية في مصاف باقي وسائل الأعلام المتوافرة اليوم، وحتى وأن كانت الأمكانيات المالية محدودة، فعلينا ان لا نسقط الأبداع، والفكرة الجديدة والجريئة، وعلينا ان نفكر دائما بأن احداثا تأريخية كبيرة جرت لكن بداياتها كانت بسيطة، وحينما نتحدث عن ثورات الربيع العربي وأهتزاز انظمة قاومت شعوبها لعشرات السنين، فأننا نتذكر جيدا، (الفيس بوك) و ( التويتر) و ( اليوتوب) و (الخلوي) ، ولا نتحدث عن الصحافة الورقية، وهذا بحد ذاته هو بارومتر ومؤشر  ربما يساعد اصحاب القرار على التوقف قليلا وأعادة النظر في طريقة ادارة ملف الأعلام كاملا وليس الصحافة الشيوعية فقط.

ومن اجل ان يكون للذكرى طعمها الزكي، سيكون من اللائق ان ننحني اجلالا وأكبارا لشهدائها، من محررين وطباعين وشغيلة ، من العمال الذين كانوا ينقلوها او يبيعوها،  والى اصحاب القضية الرئيسية، القراء ايضا، والى كل من كحل عيونه بأحرف حملتها له صحف ( كفاح الشعب، الشرارة، القاعدة، اتحاد الشعب وطريق الشعب)، اليهم في هذا اليوم وكل يوم، نؤكد لهم صدق نوايانا وأصرارنا على ايصال الحقيقة ايا كان ثمنها للكل، بأمل ان يعي المواطن والمثقف والمسؤل بأن  القتل والأرهاب والتغييب وأستعمال القوة لن يثني الناس عن اكمال مشروعها، بل بتبني  مشروع البناء السلمي للوطن وأحترام حقوق الأنسان وأطلاق طاقات منظمات المجتمع المدني، هي الكفيلة في نقل هذا الوطن للضفة الأخرى الآمنة.

هذي امانينا المتواضعة نؤكد عليها مرة اخرى في ضرورة مراجعة كل المنظومة الأعلامية بغية الحفاظ على افضل اواصر التواصل مع المواطن، في الدفاع عن مصالحه او في ايصال ارقى نتاج البشرية اليه، وربما يكون اليوم او في العام القادم او بعده مناسبا، لو بادرت ادارة طريق الشعب او دار الرواد المزدهرة،  بتهيئة نصب تذكاري او جدارية تذكارية لشهداء الصحافة الشيوعية العراقية، ممن لم تشملهم قوانين (السلطان) في الرواتب والأمتيازات! وليكن امتيازهم الأكبر هو هذا الأستكار وهذا التكريم.

تحية للقلم الحر الذي لم تثنه الصعاب ولا اغرته الوان الدولارات، بل بقى امينا على قضيته السامية.

*هيريات تبمان: سيدة أمريكية سوداء 1820-1913، ولدت في ولاية ميريلاند و كانت محسوبة على ملاك العبيد حتى تمكنت من الهرب الى ولاية اخرى لايوجد فيها نظام العبيد.بعد سنين عادت لمدينتها الأصلية لتقوم ب 19 عملية تهريب لأكثر من 300 من العبيد الذين صاروا احرارا بعد ذلك. رغم كل المحاولات التي جرت بغية القاء القبض عليها فقد ظلت طليقة وعصية على السلطات، صارت رمزا من رموز الدفاع عن الحرية والعدالة وحقوق الأنسان، وقد لقبها ابناء جيلها ب (موسى) نسبة الى قصة تحرير موسى لليهود من قبضة الفرعون. رحلت وهي في العقد التاسع  في نيويورك.
كمـال يلدو
آب 2013



جريدة طريق الشعب

الناشطة هيريات تبمان




الأشارة الرسمية لشركة فيس بووك

438

ومضـة:
خلل في البوصلة مابين موتين!


الشهيد محمد البراهمي

في تموز 2013 اغتال الظلاميون المناضل التونسي محمد البراهمي، فأنتفضت  تونس ليس للمطالبة بالأقتصاص من القتلة وتقديمهم للمحاكم، بل للأقتصاص من الحكومة والذي يقف خلفها، تلك التي اوصلت البلاد الى اعتاب الأنهيار والأغتيالات السياسية. فدماء الشهيد شكري بالعيد الذي اغتيل  قبل البراهمي بحوالي خمسة شهور ما كادت تجف، وحينها طالب المتظاهرون، ومازالوا لليوم ، عبر التظاهرات والأحتجاجات والوقفات، بكشف القتلة، وتصحيح مسار البلد بغية سد الأبواب على التطرف والفساد ووضع تونس على طريق اهداف ثورتها.
 اذن انتفضت تونس، ومازالت لليوم تجرب العصيان والأعتصامات ، رغم المقاومة التي تلقاها من حكومة حزب النهضة الأسلامية (الحاكم) وحلفائه، فبدأت تتوالى الأستقالات من البرلمان ولجانه، وربما مؤسسات حكومية اخرى. المطالبة صارت واضحة.  فبعد عام على تولي حكومة الترويكا قيادة البلد،  فشلت في تلبية اهداف الثورة التونسية الأصلية المتمثلة في القضاء على الفساد الأداري ومعالجة البطالة وتطوير التنمية الأقتصادية وحماية الحريات الشخصية للمواطن.

اغتيال المناضلين المعارضين شكري بالعيد ومحمد البراهمي، اعادا للأذهان مأثرة الأنسان، الشهيد( محمد البو عزيزي) الذي اشـــعل بموته فتيل الربيع العربي،  حيث بقت نيرانه مستعرة ، وأن هدأت هنا او هناك، فمازالت تحت الرماد متوقدة ومتأهبة للأنفلات مرة اخرى لتصحيح المسارات، كما حدث مع محمد مرسي في مصر، ومرشـــح ان تحصل في عواصم اخرى لتحصد المفسدين ، وأعداء الحريات المدنية والديمقراطية المعشعشين في هذه البلدان.

مثل بالعيد والبراهمي، قتل الشخصية الوطنية العراقية كامل شياع على طريق الخط السريع بالأسلحة الكاتمة للصوت وهو في طريقه لزيارة امه، في وضح النهار يوم 23/8/2008، وبعده قتل الناشط والأعلامي البارز هادي المهدي في شقته وبمسدس كاتم للصوت يوم  8/9/2011وفي وضح النهار ايضا. قتل هاذان المناضلان، وجرت لهما مراسيم تشيع لائقة بهم من قبل رفاقهم وأحبتهم وأهاليهم، فيما تعهدت الدولة بالبحث عن الجناة وتقديمهم للعدالة ، وما زالت لليوم تبحث.

في تونس، يؤرخ الزمن لهذا الشعب مأثرته التي ستبقى درسا لشعوب كثيرة.  فالموت بالنسبة لهم يعني البحث عن مسببات الحياة، الموت يعني اجتثات العصابات والقتلة والمفسدين، الموت يعني، التأسيس لحكومة مدنية تعالج مشاكل المجتمع وتقضي على التطرف والأنفلات والعصابات الأجرامية. هذا هو الموت بنظر التوانسة، الذين هبوا لمواجهته بصدور عارية غير مبالين لتهديدات العصابات والأرهابيين ايا كان لونهم او دينهم، فهؤلاء سيهزمون مثلما هزم (بن علي) قبلهم!

في العراق، يقتل كامل شياع وهادي المهدي، ويقتل الآلاف قبلهم، والآلاف بعدهم ، لابل يقتل العراقيون كل يوم، ويبقى هذا الشعب يمارس طقوسـه في التشييع وأقامة سرادق العزاء وأستقبال المعزين. في العراق، يقتل الناس ليس على الهوية فحسب، بل انهم مستهدفون كونهم اجسام متحركة في هذه الرقعة الجغرافية من العالم.  يقتلون، ويرفع العراقيون اياديهم للسماء، تماما كما كانوا يرفعوها ايام حروب صدام وبطش عصاباته، ولكن ، ما من مجيب!
 في العراق يذبح الناس يوميا، ومازالوا يقولون (حسبي الله ونعم الوكيل)، ويستمر الذبح، ويستمر الدعاء!
 في العراق يخرج علينا الحاكم ويلومنا لأننا تواجدنا في مناطق يقوم الأرهابيون بعملياتهم فيها، ويحذرنا من التمرد والتململ، لأن التفجيرات لم تحصد الآلاف، بل فقط العشرات، وأن الأنتحارين قد قتلوا في هذه التفجيرات ايضا.
 في العراق، لاتوجد استقالات للمسؤلين احتجاجا على سوء الأوضاع، بل بالحقيقة هناك سلة من القوانين يراد الموافقة عليها تخص  حقوق اعضاء وعضوات مجلس النواب، كما يجري التأكيد على عطلهم وأستراحاتهم وأجازاتهم السنوية من اجل الحج او حضور مراسيم العزاء التي تقام سنويا في كربلاء.

في العراق، قتل كامل شياع وقتل هادي المهدي ويقتل الآلاف، ومازال الحاكم مطمئنا على كرسيه هو وحاشيته وكل حلفائه، فقد تمكن لهذه السنوات من حمايتنا من سيطرة القاعدة او عودة البعث، هاتان القوتان التي ما عاد شهدائنا يهتمون بها كثيرا، فقد ماتوا وأرتاحوا من كل هذا الضجيج الأعلامي حول القاعدة والبعث الصدامي والموت المجاني.وبعد كل تفجير ، وكل اهتزاز للبنايات والمدن المتهالكة، يسأل البعض عن شعب العراق، ويقظته ، وسباته، ونومه ومماته، يسأل الناس ويلحون بالسؤال!

في العراق يموت الناس حتى يدفنون، اما في تونس فيموت الناس حتى يحيا الآخرون ويتحررون من الخوف والآرهاب والفساد.

كمال يلدو
آب 2013


المعارض التونسي الشهيد شكري بالعيد


كامل شياع


هادي المهدي

439

حينما يفتح الوطن أذرعه للشبيبة




تقول الممثلة الأيطالية صوفيا لورين في احدى كلماتها:
" في كل واحد منّا ينبوع "نافورة" الشباب، انها عقلك، ذكائك والأبداع الذي تحققه لحياتك وحياة الناس الذين تحبهم. وعندما تتقن هذه الأمور، تكون قد تجاوزت فكرة العمر، والتقدم في العمر، والتمتع بالشباب الدائم".
هكذا اذن وربما اكثر، هي مرحلة الشباب. ولمن عاشها بشكل مستقر سيعي حقا معناها بالمقارنة مع شقيقاتها في وطننا العراق.
لأكثر من ثلاثون عاما، لم تعرف فصيلة الشباب شيئا عن مرحلتها سوى اللعنات والموت والدمار، من حروب وكوارث ، وعمل بسـن مبكر ، وحرمان من الدراسة او التعليم العالي، حرمان من بناء العائلة في ظروف أمنية مستقرة، ناهيك عن مستقبل ضبابي لا يعلم به حتى اكثر العارفين في علم التنجيم. هذا هو حال شبيبتنا اليوم كما عاشوها اقرانهم منذ عشرات السنين، ويبقى الهدف بالبحث عن المنفذ، بالحث عن الجواب المقنع، وبالبحث عن الأمل!

لأكثر من ستون عاما، عرف فصيل الشبيبة الديمقراطي العمل العلني، المهني، وسط الجماهير أقل من 4 سنوات وعلى مرحلتان، الأولى كانت في العام الأول من ثورة 14 تموز والثانية في اول ايام الجبهة الوطنية عام 1973 وقبل تجميد المنظمات الديمقراطية عام 75،هذا السجل الذي يومئ نظرة النخب السياسية والأحزاب والحكومة والدولة الى حركة مهمة تدعى – حركة الشبيبة-لأن دون تلك الأعوام، كانت حركة الشبيبة قائمة، لكنها سرية وملاحقة من قبل السلطات الأمنية، وباتت بعيدة عن عملها المهني، لأن بيئتها اختلفت، فأختلفت شعاراتها وأختلفت مهامها، ورغم ان تنظيم الشبيبة لم يطرح شعار"اسقاط الحكم"، الا ان كوادرها لوحقت وقتلت داخل العراق وحتى خارجه!

قـد توفر احوال العراق الجديدة اليوم، وبشكل نسبي، وضعا افضل من السابق لو جرى حقا تعميقه بالقانون والحماية والدفاع عن المؤسسات المدنية أو ما صار يصطلح عليه ب" مؤسسات المجتمع المدني"، والتي تقع المنظمات الشبابية ضمنه. لو جرى حقا فسح المجال رحبا امام هذه التجمعات لتجد مداها رحبا للشعارات الأنسانية والشبابية، بعيدا عن الحزبيات أو الأثنيات او الأنغلاق القومي الذي تطبخه الكثير من الأحزاب لتوريط الشباب به.
الشباب مرحلة، مثلها مثل الطفولة والحداثة، فأن لم يعشها بكل تفاعلاتها وتأملاتها وأحلامها، بكل نجاحاتها وأخفاقاتها، فأن نقصا (ما) سيطبق على سلوكيته المستقبيلية شخصيا، او متمثلة بأسلوب ادارته لعائلة المستقبل، او حتى بالتعامل مع مشاريع الحياة وصعوباتها او احلامها. هكذا هي قوانين الحياة، فأن لم تطبق في العراق سابقا، هذا لا يعني ابدا بأنها لم تكن ضرورية، ويمكن بكل بساطة مراجعة نتائجها السلبية اليوم على الجيل الذي كان شبيبة قبل 20 أو 30 عاما، يمكن تفحصه، ومعرفة ثقافته وألتصاقه بالمدنية والقوانين والأخلاق والعائلة وغيرها من الأمور الحياتية، بالرشوة والتزوير والفساد الأداري، ومع ان الكلام هذا هو عمومي ولا يختص بفئة  سكانية او مذهبية محددة، لكنه واقع حال، والعراق متورط فيه اليوم.

كانت تجربة "اتحاد الشبيبة" في مطلع السبعينات، واحدة من اجمل التجارب التي اقترنت مع تفتح الوعي الوطني لجيل كبير، نعلم جيدا ان المئات منه مازالوا لليوم يحملون فيه  لواء الدفاع عن القيم الديمقراطية والوطنية. لقد علمتنا الأحترام والألتزام، علمتنا  تقدير  وحب المرأة، والثقافة والأنسانية. علمتنا قرأة الأدب  والتفوق العلمي، علمتنا التضامن مع الشعوب والأممية، منحتنا قوة فرز الأشياء والتميز بين حقوقنا وواجباتنا، علمتنا الشجاعة والتفافني للوطن اما الجلاد والحاكم الظالم رغم حاثة عهدنا وصغر اعمارنا،علمتنا احترام العمال وشغيلة اليد والفكر، علمتنا الغناء وألقاء الشعر والتمتع بالحياة عبر السفرات الشبابية والحفلات التي كانت تحتضنها عوائلنا الكريمة وتوفر لها كل مقومات الراحة والأطمئنان، وعلمتنا اكثر الألفة مع الناس وحبهم، وحب الوطن اكثر والعمل لرفعته وتقدمه. لكنها وبسبب طبيعة النظام القائم آنذاك، دفعتنا لتجاوز عملنا المهني، لابل للتجني عليه، لأنه ظل محاصرا ومخنوقا من قبل النظام البعثي ومنظمته الشبابية. ظلت (نوادي الشباب) والفعاليات الشبابية، من فرق مسرحية ورياضية وفنية وأدبية حكرا عليهم، يغدقون الأموال عليها، حتى حولوها الى منظمات رديفة للمخابرات والأمن، بينما قتلت تجربة الشبيبة الديمقراطية،  بعد ان اصبحت ورقة بين الشيوعين والبعثين، فكان التجميد نزولا عند ضغوط ورغبة البعث، وتفاديا للأعتقالات والملاحقات. هكذا كانت صورة التنظيمات المهنية الديمقراطية المستقلة، هذه التنظيمات التي كان يفترض ان ترعى الشباب، تفتح الآفاق امامهم لعالم جديد، ترعى مواهبهم الفنية والرياضية والأدبية وتصقلها، وتحمي طموحاتهم  وتصونها بالضغط على المؤسسات الحكومية لصياغة وسن القوانين الضرورية، فماذا كانت النتيجة التي جاءت في السنين اللاحقة:
 تحويل الشبيبة العراقية الى وقود دائم ومدمر لحروب النظام العبثية والتشريد والهروب والملاحقة والغربة والتهجير والهجرة، الى فصيل لا يحمل اية آمال ولا احلام، سوى العيش ليوم آخر فوق سطح هذه الأرض وليس تحت ترابها.

رغـم كل ما يمر على الوطن من مآسي وعالم مجهول، ستبقى للشبيبة العراقية مهمة  يصعب تجاوزها او الحياد عنها. فهذا الوطن والنهوض به، ووضعه على سكة الصواب، هي من اولى مهماتها، القضاء على المحسوبية والفساد والأداري والطائفية هي صمام امان نهضة الشبيبة العراقية، القضاء على الأمية وأفتتاح مدارس جديدة وتوسيع الجامعات وتنظيف المناهج الدراسية من الخرافات والطروحات العنصرية والطائفية، وتطوير البحوث العلمية ستكون لبنة العمل المستقبلي للجيل الناشئ. ينتظر شبيبتنا الكثير، لكن قبل كل شئ، هم بحاجة الى الحماية القانونية  كمنظات مهنية غير حزبية، غير طائفية ولا قومية شوفينية، بحاجة لدعم ورعاية من المثقفين والأدباء والفنانين، من الأعلام الحر والصحافة، بحاجة لتوفير المظلة الوطنية الصادقة من الأحزاب الوطنية والتيار الديمقراطي، دون املاءات ولا تدخل، هم بحاجة للرعاية والحماية وهم قادرون على صناعة المعجزات، حالهم كحال اقرانهم من شبيبة العالم المتحضر.
نحن ننظر بفخر وأعتزاز الى العديد من المبادرات الشجاعة والطموحة من قطاعات شبابية متنوعة، يحسن بنا رعايتها نحو غايتها المنشودة، مبادرة  "انا عراقي، انا اقرأ" ، مبادرة زراعة العديد من المناطق، مبادرة الدفاع عن الثروة المائية، مبادرة درء الفتنة الطائفية، مبادرة السلم الأهلي، مبادرة تقديم الموسيقى في الساحات العامة.  وينتظر شبيبتنا مهام انسانية رائعة كثيرة، اتمنى ان تعي كيفية التفريق بين ما هو من مهام الحكومة، والأحزاب وبين ماهو من مهامها، حتى لا تختلط علينا الأمور من جديد، فمهمات الشباب يجب ان تكون مهنية بأمتياز وتخص شريحة الشبيبة العراقية، امل العراق ومستقبله، وهي جديرة بها.

*التحية لمؤتمر اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي
*المجد لشهداء العراق

كمال يلدو
تموز 2013




440
تجليات البطل الوطني في شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم



  تتزاحم الصور والمشاهد كلما اقتربت ذكرى ثورة 14تموز او انقلاب 8 شباط الأسود. لوحات تمتزج فيها الطفولة بالشباب، بالمكان وأرهاصاته والحنين الى ازقة ومحال  نقشت على طابوقها اغاني وكلمات، في وجوه عاشت الذكرى ثم تشتت  في فوضى الأحتراب وصخب الحياة وما عاد بالأمكان تجميعها. هكذا يفشـي شارع الرشيد ومنطقة رأس القرية بحنينه وطيبته للزعيم عبد الكريم، يوم  اعادوا لهذا الأنسان جزءا من الوفاء، فأقاموا له ( ومن مالهم الخاص) تمثالا ، واقفا، شامخا ينظر نحو تلك الرقعة التي ارادها الأنقلابيون قبرا له، ثم صارت مزارا لعشاق الثورة عقب التغيير عام 2003، بعد ان كانت منصة تمجد القاتل.

يعيش في ثنايا عقل الأنسان في معظم الأحيان، عنصر يسحبه لمديات اعلى وآفاق ارحب، شئ يأخذ بيده، نســميه احيانا القدوة، وأحيانا اخرى الدالة، ومرات ندعوه بالملهم. هذا الشئ يتحول في الوجدان ، على صعيد الفرد او المجموع الى شــخصية ذات مزايا متفردة، وخصال نادرة، وربما قوة خارقة او حتى جســـد لايمسه الموت او المرض، ذلك هو الأله في موروثنا الرافديني، والبطل الأسطورة ايضا، ذلك هو البطل الوطني، الذي طالما بحثنا عنه ، وقلدناه كل ما نملك من مواصفات، واقعية كانت ام خيالية او ممزوجة من كلاهما. ليس نقصا في الطبيعة البشرية حينما تبحث عن البطل، انما هو التسامي بعينه والأعتراف بحقيقة تقترب من الواقع. اما تأريخنا ( القديم والوسيط) فيزخر بمثل هذه الشخصيات، على ان ما مر على العراق من حروب وأحتلالات وسيطرة العثمانين، جعلت هذا (الرمز) مركونا  جانبا، حتى تفتح زمن جديد وأفق ارحب مع بدايات القرن العشرين، وبزوغ العراق دولة مستقلة تسعى لأحتلال مكانها بين الأمم والشعوب، ولو ببطء!

تحدثنا كتب التأريخ عن العائلة المالكة، والحكم الملكي ورجالاته، عن انطلاقة العراق الصعبة، ورحلة المليون ميل في تأسيس الدولة العراقية، ووضع العراقيين على سكة المدنية والعمل المنتج المثمر والصناعة والعلم والتقدم، والأهم من ذلك كان في بناء مفاصل الدولة وانطلاقتها. هذه العملية لم تخلو من ابطال، او اناس متميزون، من مضحين ومن انتهازيين، من وطنين ومن قادة  سايروا الأجنبي ايضا. لكن عاملا مهما كان يوحد معظم هؤلاء القادة والسياسين، هو الطبقة الأرستقراطية التي كانو ينتمون لها، حقيقية كانت ام مزيفة. كانت هذه الشروط حاضرة في الأصل او المنزلة او الملبس او حتى بالتصرف العام، وما كان هذا غريبا اذا علمنا بأن العائلة  المالكة يفترض انها تعود بالنسب الى النبي (محمد)، وبالتالي فهي معصومة، وهكذا كان على الوزراء  ورجالات البرلمان ان يكونوا بمستوى هذه العائلة الأرستقراطية التي كانت تقلد الأنكليز بكل صغيرة وكبيرة، وحتى بالملابس الملوكية، وبأطقم الخدم والحشم والعربات الفارهة والقصور العامرة، والسفرات الملوكية المترفة.

بين تلك الصور، وبين صبيحة الرابع عشر من تموز1958، ترتفع صورة انسان، ليس من النسب الملوكي، ولا من الطبقات الأرستقراطية او الملاكين والأقطاع الكبار.  كان من منحدر فقير ، وأبن عائلة متواضعة.  تبرز شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم، والذي كان يقول عن نفسه (بأنه ابن الفقراء، ولم يأت لمحاربة الأغنياء ، بل ليرفع من مستوى الفقراء الى مستوى اعلى). كانت هذه سابقة خطيرة  في العراق الذي عرفه الأنكليز منذ ذلك الحين بغناه البترولي وبالمعادن والزراعة والمياه والموقع الأستراتيجي والطاقة البشرية. من رحم الفقراء بزغ نجم الزعيم، الذي لم يتنكر لأصله ولا ليوم واحد، بل بقى امينا على كل الخصال الطيبة التي تربى عليها، ولم يترفع على ابناء شعبه. بقى طعامه بسيطا، ومسكنه بسيطا، وملبسه بسيطا ...لابل ان مجمل سيرة حياته كانت هكذا.

  لم تكمل ثورة 14 تموز الخمسة سنوات من عمرها، فقد اغتيلت وهي لما تزل في المهد ان صح التعبير، وها قد مـّر 50 عاما على انقلاب شباط ، و55 عاما على انطلاقتها. ولست مبالغا حينما اقول بأن 40 عاما مضت ، لم يتمكن العراقيون من الحديث عنها او عن زعاماتها التأريخية، لم يسمعوا عن قاسم الا كلام البعثين (قتلة الثورة)، ومن اعداء اليسار والشيوعية ، او ممن لبس (عقال) العائلة المالكة ليذرف الدموع دررا على الحكم الملكي وعلى انجازاته التي اخذت 37 عاما، منذ تأسيس الدولةالعراقية. لقد استبسل البعث في دفن الثورة وأنجازاتها، وأزالوا ما استطاعوا اي شاهد عليها، لابل حتى قادتها الميامين لم يحضوا بقبور  كما باقي البشر، ازيلت الأسماء  والشعارات، وصار محرما الحديث عن قاسم الا بالسوء. هذا "الشعوبي الدكتاتوري الأرعن"، كما كانوا يصفوه في احاديثهم وأدبياتهم، او حتى في بعض الكتب التي سمحوا بأصدارها اواخر عهدهم، محاولين ذر الرماد في العيون، وقلب الحقائق عن تلك الثورة الشعبية الوطنية الباسلة، الثورة التي لم تدخل فيها الأيادي الأجنبية ولا سايرتهم، حتى صارت ضحية لهم على ايدي عملائها لاحقا.

كيـف بقي عبد الكريم قاسم حيا لليوم!
كنّا اطفالا، حينما سمعنا للمرة الأولى بأن بعض العراقيين شاهدوا صورة قاسم على القمر،  وتكرر الأدعاء حينما هبطت ابولو 11 على سطح القمر، فقال البعض ان الأمريكان شاهدوا قاسم هناك، لابل ان بعضهم قال ان (الخميني) هو ذاته قاسم، بعد ان هرب وتخفى في ايران، وقسم كبير ظل حتى آخر سني حياته يثق بأن قاسم مازال على قيد الحياة وأنه فلت من ايادي المجرمين، لابل حتى المشهد الدموي الذي اقامه البعثيون وأعداء 14تموز في مبنى الأذاعة، لم ينجوا من التكذيب عند البعض،والسبب كما اظن، هو المنزلة والمرتبة التي رفع فيها الناس عبد الكريم قاسم، منزلة الآلهة البطلة التي لاتقهر ولاتموت.
لم ينل الزعيم هذا الحب والتقدير بالرشاوي او بالكذب والخداع، لم ينله بالتهديد او الوعيد او القتل، ناله بسبب انه كان انسانا حقيقيا غير مزيف، وصادق مع نفسه مثلما كان صادقا مع الناس.
ربما بسبب صغر سني، فأني لم اسمع قصص الزعيم حينما كان حاكما، بل سمعتها بعد مماته بسنين كثيرة، خلســة ، وفي الأحاديث – همسا- او من اناس عاشوها ، ولي يقين بأن بعضها معروف، وربما البعض غير معروف، لكن طبيعة القصص لاتخرج عن مواصفات وشخصية الزعيم، ليس فيها الخارق ولا العجائبي.
*ظل الزعيم امينا لمنبعه الفقير، فأنعكس ذلك في حبه لهم، وفي منحه اراضي للفقراء للمرة الأولى في تأريخ العراق، لابل المنطقة العربية كلها.
*آمن بتطوير العراق والقضاء على البطالة، فكان رائدا في افتتاح المشاريع الصناعية والأنتاجية التي ضربت ارقاما قياسية ، نسبة الى عمر الثورة القصير، والى سعة المناطق التي وزعت عليها تلك المشاريع.
*لم يكن غريبا ان نسمع بأنه كان يقوم ليلا بزيارة احد باعة الشاي الشعبيين(الجايجي) او زيارة معمل الصمون، او حتى ركوب باص المصلحة مع الركاب.
*لم يكن مبالغا فيه حينما كانت شقيقته او احد افراد عائلته يجلب له الطعام من البيت ب (السفرطاس) – اواني المنيوم صغيرة لحفظ ونقل الطعام من مكان لآخر-
*كانت قصة الحماية امام منزله حقيقية – مكونة من شرطين- وكان يسكن في دار مملوكة للحكومة وبأجار شهري، وفي منطقة شعبية، ســمي ذلك الشارع حتي تهديمه اواخر السبعينات ب شارع الزعيم، قرب ساحة الأندلس.او حتى في حراسته الشخصية المرافقة له، او اثناء تجواله في سيارته في الشوارع والأماكن العامة.
*نزاهته فاقت الوصف، ان كان في ممتلكات بيته او حسابه المصرفي او حتى في المبلغ الذي وجد في حوزته عشية اغتياله، ناهيك عن صدق نواياه تجاه الفقراء، يوم طالبته شقيقته بقطعة ارض، مثل باقي العراقين الذين حصلوا على قطع اراض آنذاك، فأخذها الى منطقة (الصرائف) وقال لها: حتى يأخذ كل واحد منهم قطعة ارض، عند ذاك ستكون لك ايضا.
*في حياته الأجتماعية كان صوفيا بمعنى الكلمة، بقى بلا زواج، وحينما واجهته شقيقته بالزواج بعد نجاح الثورة، وبأنها ستكون سعيدة جدا في عرسه (نيابة عن امه التي توفاها الأجل)، قال لها:ان عرسي وسعادتي هي من سعادة هذا الشعب.
*في ملبسه كان متواضعا، ولم يظهر بأية بدلة مدنية، بل كان يلتحف بالبدلة العسكرية طوال مشواره، الا في المستشفى بعد فشل حادثة الأغتيال، او في صورة له في مكتبه في وزارة الدفاع وهو يهم بالنوم على (مندر) على الأرض وقد لبس البيجاما.
*في خطاباته، وفي المهرجانات والمناسبات التي كان يحضرها، كان بسيطا، يسّلم على الكل، ويومئ للكل، مبتسما وضاحكا، فرحا بهذا الشعب، ولم تمنع حمايته الناس من الوصول له،او كان يخشى المصافحة مع الناس.
*كان محبا لكل القوميات والأديان والطوائف، لابل  ان احدا لم يلحظه وهو يؤدي الصلاة، حتى لا يعطي اي انطباع حول مذهبه الأسلامي، ويسجل له موقفه العراقي النبيل من تعين الدكتور عبد الجبار عبد الله رئيسا لجامعة بغداد حينما اختلف مع السيد الربيعي في الأختيار بين عبد العزيز الدوري وعبد الجبار عبدلله، فأصر على الأخير رغم اعتراض البعض بكونه من الطائفة المندائية فقال لهم :"انا اريد رئيس جامعة وليس امام جامع". لقد كان عدوا لدودا للطائفية وللشوفينية القومية.
*لم تعلو اية قوة في احاديثه عن الشعب والوطن. كان وطنيا بأمتياز، وكان مناصرا لحركات التحرر التي تشهد  بحجم الدعم المادي والمعنوي الذي قدمه لها.
*تعامله الأنساني مع الخصوم، وحتى مع من اراد قتله، كان موضع ألم دفع العراق ثمنه لاحقا، لابل  انه كان يوصف بالسذاجة بسبب كونه رئيسا، اما انسانيته فقد فاقت التصور البشري حينما يرأف على القتلع ةيعفو عنهم، لكن بالمقابل رأينا كيف تعاملوا معه.
*احد الأمثال المتداولة تقول:"قل لي من هم اصدقائك، فأقول لك من انت!" ولو عكسنا هذا القول، فمن السهل جدا معرفة اصالة وأخلاص ووطنية الناس، بمقياس بسيط اسمه: الموقف من قاسم وثورة 14 تموز.
*الطريقة الدراماتيكية التي جرى فيها قتل الزعيم، ثم السادية التي رافقت عرض صوره صريعا والتمثيل بها ، ولاحقا تغييب المكان الذي ضم رفاته، قد جعل منه نموذجا انسانيا في مقابل النموذج السادي المريض.

اما حينما نتحدث عن الحقبة التي سبقته،37 عاما، والحقبة التي تلته، 50 عاما، فقد شهد العراق قادة وحكام ومسؤلين، كان معظمهم يتصرف مع الشعب وكأنه قطيع من الأغنام او الماشية، متعاليا ومتغطرسا. كان الشعب يخاف هؤلاء الحكام الذين تحولوا الى حيوانات كاسرة حينما وصلوا السلطة. حكام بسيارات سوداء، كانت تسير مسرعة وبأطقم كثيرة حتى لا يعرفها المتربصون! بدلات فرنسية واوربية وسباق في جمع انواع القبعات والأربطة والسيارات والحيوانات الأليفة وغير الأليفة. سجون من كل الأشكال، ودورات في التعذيب والأرهاب من كل العالم،  حروب ودماء وتهاون في السيادة الوطنية والتنازل عن الأرض مقابل البقاء في الكرسي. جوع وفقر وملايين المهجرين والمهاجرين، انتشار الأمية ومحاربة العلم والعلماء وسيادة الجهل. تدمير للصناعة الوطنية وهدر النفط عبر التهريب والسرقات وتلويث الأراضي الزراعية، هدر لمياه العراق وتصحر نسبة عالية من اراضيه، تفشي الفساد الأداري وسرقة المال العام والمحسوبية والمنسوبية، وتراجع الدولة المدنية والقانون امام دولة المافيات والعصابات والميليشيات وحكم العشائر والقبيلة.
هذه صورة العراق اليوم، عشية الأحتفال بالذكرى 55 لثورة 14 تموز المجيدة، الثورة التي لا يعترف الحكام والمسؤلون بها عيدا وطنيا، ولا يقيمون الأحترام والتقدير لرجالاتها وشهدائها. هذه صورة العراق اليوم، هذا الذي ضحى الزعيم عبد الكريم قاسم ورفاقه الأماجد دمائهم من اجله.

يقول "بوذا" في احدى عظاته:" آلاف الشموع تستطيع ان تشعلها من خلال شمعة واحدة، هذه الشمعة التي سوف لن يقل عمرها. هكذا هي السعادة، لاتنقص حينما تتقاسمها مع الآخرين".

من المؤكد ان اسم الزعيم عبد الكريم قاسم وسيرته الذاتية وخصاله الشخصية وأخلاقه السامية، هو ورفاقه الميامين، ستبقى تؤرق نوم الحكام الفاشلين، امس واليوم وغدا، وحتما سيكون الميزان العادل الذي يقيس به المواطن حكام اليوم، حتى بعد مرور 50 عاما على رحيله، سيبقى شامخا برمزيته الفذة، ابنا بارا للفقراء، ابنا بارا لكل العراقيين، او لأغلبهم، حتى تنجب هذه الأمة  زعيما مثله، او افضل منه، وهي امنية ليست صعبة المنال ابدا. فمثلما  لم نعرف عنه الكثير عشية الثورة، ها نحن نحتفل بسيرته الطيبة بعد كل هذه السنين، لأنه ببساطة كان وفيا للعراقين، ويستحق ان نكون اوفياء لذكراه.

كمـال يلـدو
تموز 2013



اعتزازا بمواليد 14 تموز 1958


الزعيم مع الشعب


تمثال الزعيم في ساحة الزعيم


خاصة 034


سفرطاس الزعيم


شامخا في منطقة رأس القرية وساحة الزعيم


طوابع قاسم


عبد الكريم قاسم مع ابنة الجواهري


عرس الدم في الأذاعة عام 1963


في المستشفى بعد محاولة لرغتيال


في مكتبه بوزارة الدفاع


قاسم


مواطنون في بغداد يدعون للأقتداء بنزاهة الزعيم


موكب الزعيم في شارع الرشيد


وضع الحجر الأساس لمدينة الطب

441
بعد 50 عاما على الجريمة:
انصافا لشهداء "تلكيف" وعوائلهم

  تمر الأيام والأعوام، وتخضّر اشجارا  بينما تشيخ اخرى، تنمو مدنا وتختفي مدنا، ويسلك الماء في مجراه ناحتا ورائه رموزا وحكايات عن اراض قطعها ومدنا زارها. هكذا هي دورة الحياة وذكرياتها، حدث مار وحدث باق، جرح يندمل وجرح نازف، وقد لاتكون للحكاية ضجيجا عارما ان كانت قد اتت على دارا او مدرسة او قرية او شارع عام، فكثيرا منها قابل للتعويض، الا الأنسان! هذا الذي قال عنه كارل ماركس يوما انه" أثمن رأسمال". وفي تقويمنا الحالي، وبمرور الثاني من تموز للعام 2013 يكون قد انقضى 50 عاما بالتمام والكمال على ذللك الثلاثاء الكئيب من عام 1963 وبالذات في مدينة "تلكيف" التابعة للواء الموصل( محافظة نينوى) حاليا.
في تلك الصبيحة، كان على سكان البلدة، رجالا ونساءا، شيبا وشبابا، من كل الأعمار، ان يحضروا احد اعراس (الحرس القومي) الأكثر دموية في تأريخها، الا وهو اعدام 6 من خيرة شبابها، في ساحة المدينة الرئيسية وأمام انظار اهاليهم، لابل ان المشهد، وبغية اشباع سادية القائمين عليه كان يجب على اهالي الضحايا ان يصفقوا ويلعنوا الشهداء، هكذا وهم احياء يقادون للمشانق امام انظار الكل، مشهد يصعب على الذاكرة اركانه جانبا، لأنه سيؤرخ لاحقا لمسيرة شاقة كان على اهالي (تلكيف) دفع فاتورتها من خلال الأهانات او الأذلال او القمع والأعتقالات وحتى التشريد ولاحقا اختيار الغربة ملاذا من تلك اللعنة.

كوركيس داوود
تعود بنا الأحداث الى آذار من العام 1959 حين قاد العقيد عبد الوهاب الشواف مؤامرة للأطاحة بحكم الزعيم عبد الكريم قاسم منطلقا من محافظة الموصل كبداية. وحينما توجه قاسم وقادة الثورة معه ووسائل الأعلام للجماهير في حماية الثورة والأنقضاض على الأنقلابيين، فقد كان لمدينة "تلكيف"، والوطنين من ابنائها – سوية مع مدنا ومحافظات اخرى- دورا كبيرا في تحشيد المواطنين وضرب طوق امني حول الموصل، ليحصلوا بعد ذلك على وسام الكره والحقد من اعداء ثورة 14 تموز والبعثيين والقومين والأقطاع الذين تضرروا من قوانين الثورة. هذا الغليان الشعبي، وفشل حركة الشواف كان بمثابة بركان صعب السيطرة عليه، ليعيد تكرار اخطاءا تحملها الوطنين الشرفاء وقادة ثورة تموز ايضا، تمثلت اما بالعفوية وترك زمام المبادرة بيد العامة (الأغلبية)، او من خلال اندساس اعداء الثورة وقيامهم بجرائم احتسبت على الثورة لاحقا.

(حنا قديشا) حنا مايس
في يوم 9 آذار من عام 1959، كان راديو الجمهورية العراقية يبث بيانات تشجيعية للمواطنين يطالبهم بدحر حركة الشواف التي شارفت على نهايتها، ويطالب بالأقتصاص من اللذين ايدوا المؤامرة، من اشخاص وعسكرين وقادة عشائر، صادف ان مر في مدينة تلكيف الحاكم امجد المفتي ومرافقه عمر الشعار، وهم من اهل الموصل وكانوا افتراضا محسوبين على ملاك حركة الشواف، وتنفيسا عن احتقان قديم لأهالي تلكيف مع السيد المفتي، فقد حاصر العديد من شبان البلدة سيارتهم، مما اضطره للجوء الى مركز شرطة المدينة وطلب حمايتهم من الجموع الغاضبة. ولم تنفع دعوات التهدئة، بل على عاليا صوت الأنتقام والثأر، فما كان من مدير المركز الا ان دبّر عملية تهريبهم خلسة عبر الطريق الترابي الذي يربط "تلكيف" بالموصل، وهنا حدث ما لم يكن في البال، الرواية الأولى تقول: ان سيارتهم تعطلت في الطريق الترابي، فوصل اليهم بعض المحتجين، والرواية الثانية تقول: انهم اوقفوا من قبل سيارة اخرى ترجل منها بعض الشبان الذين انقضوا على المفتي والشاعر وقتلوهم ومثلو بجثثهم ثم احرقوا السيارة ولاذوا بالفرار. هكذا تمت الجريمة.
 لكن السلطات الرسمية كانت مطالبة بالكشف وألقاء القبض على (الجناة) أو (القتلة)، فجاءت عملية الأنتقام من ابرز القادة السياسين والوطنين وحتى المستقلين في المدينة،  والذين القي القبض عليهم في ايلول من العام 59، فقدموا للمحاكمة وصدرت بحقهم احكاما بالأعدام شنقا حتى الموت بتهمة قتل  السيدان المفتي والشعار وهم كل من :1)) ابراهيم داوود – معلم - من مواليد 1930 2)) كوركيس داوود-سائق سيارة- من مواليد 1928 3)) بحـي دويا جربوع- قصاب- من مواليد 1940 4)) بطرس زيا بـزي-عامل في مقالع الحجر- من مواليد 1930 5)) حنا مايس –قديشا- فــلاح-من مواليد 1925 6)) ميخائيل ججو شنكو-معلم- من مواليد 1937. اما الأثنان الآخران فكانا كل من : بحـي بـزّي، وسالم جميل شقيق الشهيدان ابراهيم وكوركيس ، حيث كانت اعمارهما اقل من سن 18 اذ خففت محكوميتهما الى 15 عاما، ثم افرج عنهما بعد سنتين وأكثر في المعتقل.

ابراهيم داوود
منذ الأيام الأولى للحادثة وما تلاها من تداعيات، اختلف اهالي "تلكيف" حولها اختلافا عموديا يصل احيانا الى حد التعصب. فقوم يقول انهم ضحايا وآخر يقول انهم شقاة، بعضا يحملهم تبعات تطرفهم السياسي والآخر  يحمّل الطرف الآخر (المفتي والشعار) تبعات الأهانات الدائمة لأبناء تلكيف، قسم يعتز بهم كأناس وطنيون قضوا في قضية لفقت لهم تلفيقا، والقسم الآخر يعتقد انهم استحقوا ما جنته اياديهم، فهم عرضوا تلكيف لأخطار الأهانات والأستباحة والتمييز العنصري، مما حدى بمعظم اهاليها الى هجرتها والنزوح للمحافظات العراقية الأخرى، لابل حتى لمغادرة العراق وسكن الغربة. لكن ومهما تكن وجهات النظر تلك (مع اوضد)، فأنها تبقى محترمة حينما تجتمع في فضاء عادل ومنصف ويعطي كل ذي حق حقه. فلا (امجد المفتي وعمر الشعار) كانا يستحقان هذا القتل الشنيع على يد مجموعة من المتهورين، ولا تلبيس الجريمة لهذه المجموعة وتعريضهم لشتى انواع التعذيب والبطش على مدى 4 سنين ومن ثم تنفيذ حكم الأعدام بهم والأنتقام من اهاليهم ومن ثم الأنتقام  من اهالي القضاء لاحقا كان منصفا، ان لم أقل انه كان تطبيقا للأنتقام الجماعي لجريمة قتل المفتي ومساعده. اما الأمر الآخر فيما يتعلق بهذه الحادثة وتبعاتها وهي عملية الخوض في السياسة، فمازالت بعض الأصوات تداعي بالتخلي عنها وتركها للسياسين، نازعين عنهم حق مشروع كفلته القوانين والدساتير، حتى وأن لم يكن موجودا اليوم، فسيأتي اليوم الذي يمارسه كل ابناء الوطن، اذ لابد من بداية، ولو اردت الغور اكثر في هذا الموضوع فيطرح السؤال نفسه بألحاح: ماهي مقومات الآخر  حتى اتنازل بالسياسية له؟ ها هي الخارطة السياسية امام الكل، ولتكشف الأوراق وليعلم الجميع، عن من خان الوطن او باعه للغريب او ورطه في حروب كارثية، عن من يسرق الوطن في النهار او يريد تقسيمه الى قطع وكانتونات، هل هؤلاء هم من نأتمن لهم، ام من حقنا، نحن كما لغيرنا ان نمارس السياسية  ونبقي ايادينا نظيفة !

بحي دوبا جربوع
لقد عرفت "تلكيف" العمل الوطني مبكرا، كما كان باع ابنائها وبناتها طويلا في حركة التحرر العراقية، والحركة الثقافية والفكرية والأدبية والأنسانية والمعرفية، ولعل الأسماء كثيرة  لمن يريد الخوض فيها، وربما كان الأستاذ ( سيار الجميل) وغيره،  واحدا من الرواد الذين ارخوا لهذه المرحلة وهذه الأسماء،  لكن ومما لاشك فيه، وأمر لاجدال حوله، بأن هذه الحادثة قد وضعت اسم "تلكيف" على خارطة السياسة العراقية المتقلبة سيما وأن هناك عواملا كثيرة تظافرت لذلك، ولعل ابرزها: ان تلكيف قضائا ذو اغلبية مسيحية يعود اداريا الى لواء الموصل ذو الأغلبية السنية، وذات التوجه (على العموم) القومي والذي لم يتفق مع ثورة قاسم او نشاط وجماهيرية الحزب الشيوعي، وثانيا كانت "تلكيف" من المدن المفاجأة للكثيرين في مستوى تنظيمها الحزبي او المهني وتأيدها الحار لثورة تموز وقاسم وللشيوعيين، مما مهد لها ان تكون في طليعة القرى والقصبات الشمالية ذات الغالبية المسيحية ونموذجا قياديا لها، لابل ان هذا الأمر انعكس (سلبا او ايجابا) لاحقا في تسمية كل المسيحين ، ومن شتى القرى والقصبات ب "التلكيفي"، اما تيمنا بما امتلكته هذه المدينة من شهرة، او تسهيلا لعملية الأقتصاص او الأهانة المتعمدة. لقد تقلدت مدنا عراقية كثيرة شهرتها بالعمل السياسي الوطني او الرجعي، في مقاومة المحتل او الأنقضاض على الثوار والوطنين، في تخريج القتلة والمجرمين او  المناضلين والأبطال، لكن عواملا تأريخية ومذهبية وقفت بالمرصاد في تقلد "تلكيف" سمعتها الوطنية في حماية الثورة او محاربة قوى الردة في الموصل. اما لمن تسعفهم الذاكرة فلعل التذكير بالثمن الباهض الذي دفعته المدينة وأهاليها قد ينفع لمن يهمهم انصاف الناس الوطنين، تأتي في المقدمة منها: حالة الترقب والهلع بعد جريمة اغتيال المفتي والشعار، وتعرض الكثيرين للأعتقال او الضرب، والمشهد الثاني كان عرس الدم البعثي  في 2 تموز 1963، وثالثا كانت حملة التشهير والأنتقام اثر قيام السيد (منير روفا) باللجوء الى اسرائيل مع طائرته، ورابعا كان عرس الدم البعثي بصيغته المستحدثة عام 1969 بأعدام مجموعة من ابناء تلكيف والقرى الأخرى فيما سمي آنذاك ب (شبكات التجسس لأسرائيل).

بطرس زيا يزي
كان من الممكن لهذه الذاكرة ان تستريح وتنسى وأن تجعل من الماضي ماضيا، لكن استحقاقات الحياة تطالب بالأنصاف، تطالب بكشف الحقائق للناس، وأن يعي المواطن – ايا كان – بأن ثمن الموقف السياسي الوطني يجب ان لا يكون قتلا وذبحا وأرهابا، وأن لا يكون تهميشا وتجريحا وأهانة ، وأن ترتقي ذاكرة العراقين الى مستوى احترام الرأي والرأي الآخر وأن يأخذ القضاء مجراه في العدالة وأن تجـّرم اعمال الأنتقام الجماعي او الأقصاء الجماعي تمهيدا لعقد الصلح فيما بين العراقيين انفسهم، حينما يعرفون بأن ما من قوة تستطيع اعادة الحياة لموتاهم اكثر من قوة التآخي ومحبة الوطن! تلك القوة التي يخافها تجار الدين والقومية الشوفينية، تجار القتل والسلب والنهب والحروب.
خمسون عاما، وكأنها مرت بسرعة البرق، ولعل من المصادفات ان  يتزامن يوم الثاني من تموز عام 2013 يوم ثلاثاء، تماما مثل ثلاثاء  2 تموز عام 1963، فيا لها من مفارقة. ان الكتابة عن هذه المناسبة ربما يمثل عرفانا للشهداء الأبرياء الذين قضوا ولم تسمح السنين نتيجة تبوء الأنظمة الرجعية سدة الحكم على مدى النصف قرن الماضية لكشف الحقائق، وهو ايضا تضامنا مع اهاليهم، مع عوائلهم وأبنائهم وبناتهم، ودعوة لمجتمعنا ان يتملك تلك الروح السامية في احترام مبدء الشهادة وتقدير رواده ، لابل ان يتحلى بالشجاعة ويطالب بأعـادة الحق لمستحقيه حتى وأن كان في فتح ملف اغتيال الضحيتين (المفتي والشعار) مجددا، ليس ترفا بل انصافا للضحايا. ولعل من نافلة القول، ان قاعدة انسانية قد جرى تجاوزها في هذه الحادثة او غيرها، حينما يصر البعض على معاقبة الضحية مرة،او مرتان اوثلاث، فيما يمنح الجاني شـــيك البرأة بدعاوي واهية ، وكأن ابناء هذا الشعب يجب ان يكونوا خارج دائرة العمل السياسي او الوطني، المسجل (حسب رأي البعض) بأسم الطرف الآخر، الأقوى او الأكثر قابلية على القتل والتدمير!

اما اللقاء ببعضا من اهالي الشهداء، واعادة تقليب الأوراق والذكريات والحوادث، فمن المؤكد انه سيمنح رحلتنا هذه طعما آخرا، رغم ما لها من مرارة  في حديث وذكريات الشهود.

السيدة "أميرة"

زوجة الشــهيد بحـــي جربوع


الشهيد بحي جربوع كان بطلا في الساحة والميدان - يقف على اليمن
"كيف لا اتذكر اليوم؟" تقول اميرة وهي كانت عروسا لعامين فقط، وأما لفتاتين جميليتين، يوم اخذت الشرطة منها حبيبها وزوجها مرة وللأبد في ايلول 1959. لم تكن رحلة ال 54 عاما سهلة ابدا، اقولها صراحة. لقد نلت قسطا صغيرا من التضامن  لكن معاناتنا كانت اكبر، ان كان داخل العائلة الكبرى (العشيرة) او حتى من المجتمع بصورة عامة، فقد كانوا ينظرون اليهم على اساس مجرمين قتلة، بينما هم مناضلون سياسيون، وعلاوة على ذلك، فقد كان زوجي الشهيد "بحي" بطلا من ابطال الساحة والميدان ويشار له بالبنان. تنوعت زياراتنا له في السجون، انا وألمرحومة امه وأحيانا كنت اصطحب بناتنا ايضا. لقد فرحنا كثيرا بتخفيض حكم الأعدام الى مؤبد ، ثم الى 15 عاما، وقيل لنا بأنهم سينالوا حريتهم في يوم 14 تموز 63، اليوم الذي لم يأت ابدا!

اضبارة الشهيد بحي جربوع بعد تخفيف حكم الأعدام الى 15 سنة
في يوم الأثنين 1 تموز 63 كنا في بغداد لغرض الزيارة (المواجهة) فقالوا لنا انهم رحلوا الى الموصل،  فعدنا في اليوم التالي، ولما كانت سيارة النقل تقترب من "تلكيف" شاهدت افواجا من الناس، ومن بعيد لمحت ايضا مقاصل الشنق، لم استطع ربط المشهد، فتوجهت للجموع ، وأذا الجريمة كانت قد انتهت فصولها، وأعدموا ودفنوا!
ولأني لم الحق بهم وهم يساقون للموت، فقد ظل الشهيد يبحث عني بين الجموع، ثم نادى على شقيقه وطلب منه اعطاء (حلقة الزواج) لــي وأن يقبل ابنتي ( وفاء وكفاح) بدلا عنه. تصور، هذا المشهد الحزين والمربك حتى في ممات هذا المناضل الصلب. لم يكتف البعثيون بهذه الجريمة الصلفـة بل عاقبوا اهالي القرية الذين شيعوهم الى مثواهم الأخير،  وحين أقام الأبوان (سليمان دنحا  وروفائيل كنو) مراسيم  وصلاة الموتى، تعرضوا للضرب والأهانة ، فيما اعتقل بعضا من المواطنين عقب ذلك ايضا.

الشهيد بحي جربوع يتسلم كأسا في احدى مسابقات الساحة والميدان
لم تكن رحلتنا اللاحقة سهلة، لكن اشكر موقف عائلتي التي احتضنتني وبناتي وساعدتني في تربيتهما. وبعد ســنين في الغربة، تيسرت لي الفرصة من جديد ان ازور العراق، و"تلكيف" بالذات. وقفت على قبره، حيث رفاته الزكية، وجددت له حبي وأحترامي ، وأخذت من تلك التربة حفنة (صـّم تراب) وجلبتها لبناتي، ففيها شيئا من ابيهم ووطنه الذي ضحى من اجله. لقد لازمتني صورته وصوته وذكرياته طوال حياتي، ولم يغب يوما. كنت ومازلت دائمة الحديث له، في مشهد يصعب على احد تخيله، انه دائم الحضور ، وأستعين به كثيرا في مواجهة صعوبات الحياة.
أشعر بالفخر ان زوجي مات وطنيا مناضلا بطلا، نظيف اليدين والسيرة والسمعة، وأدعوا السياسين اليوم الى انصاف هذا الفصيل من الشهداء، شهداء انقلاب البعث عام 63 ورفع الغبن عنهم وأعادة الألق الى اسمائهم وعوائلهم، كما لا يسعني الا ان اشكر الوطنين والشرفاء الذين يشاركونني كل عام في الأحتفال بيوم الشهيد، فرغم مرارتها، لكنها تبقى حلوة بعيوني.

السيد ســالم جميل
الشقيق الأصغر للشهيدان ابراهيم وكوركيس داوود


السيد سالم جميل عام 2013 افلت من حكم الأعدام قبل 54 عاما
"ان واحدة من اهم المآخذ على حكم الزعيم كانت في تعطيل الحياة الدستورية ووضع البلاد تحت سلطة المجالس العرفية، هذه التي كان يلجأ اليها الحكم الملكي ولفترة وجيزة جدا. هذه المجالس وعلاوة على شكلها وأحكامها الصورية، الا ان اعداء الثورة والشيوعية عرفوا كيف يتسلقوها  وينتقموا عبرها من اخلص الناس المدافعين عن ثورة 14 تموز".
"لم تكن اوضاع تلكيف طبيعية عقب مقتل السيدان "امجد المفتي وعمر الشعار" وكان مدير المركز مطالب بتحديد هوية المتهمين أو الجناة. وهكذا تم تشخيص اهم القيادات الحزبية والمهنية في المدينة وألقي القبض عليهم وسيقوا للتحقيق في ايلول من العام 1959، وبين التعذيب والأستجواب صدرت الأحكام يوم 1/1/1960  بالحكم شنقا بحق 6 من ابناء تلكيف، بينما خففت الأحكام علـّي وعلى السيد بحي بزي بسبب عمرنا الذي كان يبلغ ال 16 عاما".
"جرت حملات غير قليلة لأطلاق سراحنا، تكللت بأطلاق سراحي بعد ان احتسبت فترة التوقيف والمراحم، الأ ان الشهداء كان بالأمكان ان يفلتوا من مصيرهم لو ان القاضي كان قد احتسب فترة التوقيف، اذ بقوا في السجن لفترة أطول ثم حدث انقلاب 8 شباط وكانت اعادة المحاكمة ومن ثم الأعدام.
لقد سمعت بأعدام اشقائي ورفاقهم بينما كنت في السجن بعبادان، بعد ان هربت من العراق ووقعت بيد الأيرانين، فكان الخبر من مذياع في صالة السجن".

الشهيد ابراهيم في حفل زواج شقيقه الشهيد كوركيس الذي يقف مع زوجته جليل
"في حادثة فريدة، زار تلكيف عضو لجنة العدالة السيد ابراهيم الطويل، سوية مع السيد شمس الدين عبدلله رئيس المحكمة، وطلب منه الصعود الى سطح المركز، وألقاء نظرة من هناك على موقع الجريمة وسأله: هل ترى مكان حصول الجريمة؟ اجاب شمس الدين:لا، قال له اذن، كيف تمكن مدير المركز ان يشهد على كل هؤلاء ويقول انهم هم الجناة! ان هذه الحادثة وغيرها تثبت بأن التهم جرى الصاقها بالمتهمين، كلهم او بعضا منهم، ولم يكن هناك شاهد اثبات، بل هي انتقام من المناخ السياسي الذي ساد المدينة وأنحيازها لجانب ثورة 14 تموز ، ونشاط المنظمات المهنية فيها، حتى وصلت نسبة مكافحة الأمية فيها الى 95% بفضل جهودالطلبة والشبيبة ورابطة المرأة والجمعيات الفلاحية."
" اني اعلم بأن هناك ناسا تضامنوا معنا ومع عوائلنا، بينما هناك ناس كانت مواقفهم العكس. أفهم ان قسما كان بسبب انتمائهم للبعث، ولكن نسبة غير قليلة ساقها الخوف الى هذه المواقف. لم يألف البعض ان تنتفض مدنا صغيرة، وبأغلبية غير مسلمة وتأخذ زمام المبادرة في بلد مثل العراق."

في الوسط يجلس الشهيد ابراهيم اثناء عمله كمعلم في قرية سيد حمد 1955
"وبالعودة الى سني التوقيف والسجن وصدور احكام الأعدام، فقد سئلت مرات ومرات، انا والشهداء عن القاتل الحقيقي، وكنت ارد عليهم، بأننا لسنا نحن القتلة. وهكذا توصلت الى قناعة بأن محاكمتهم كانت محاكمة بسبب انتمائهم السياسي وليس بسبب الجرم الذي اتهموا به"
"في العراق، وفي بلاد الغربة، لم تكن هذه التجربة بالسهلة عليّ او على عائلتي. فقد دفعنا ثمنا كبيرا، ومن جانبي فأني اسعى وكلما اوتيت لي الفرصة بالحديث عن تلك الحادثة والأشادة بالشهداء وبسيرتهم وسمعتهم الوطنية النظيفة. كتبت بعض القصائد الشعرية عنهم، وظهرت في برامج محلية اذاعية وتلفزيونية في ذكرى استشهادهم، ولابد لي من تقديم الشكر لكل من تضامن معنا او من ترحم على الشهداء، الذين قضوا على يد عصابة اثبت التأريخ بأنها كانت معادية لمصالح العراق والعراقيين."
"اليوم، وأنا على اعتاب السبعين من عمري، وبعد تلك التجربة والتجارب المرة والحلوة، اعتز بهذا الرعيل الوطني، ومنهم اشقائي. لقد ضحوا بحياتهم من اجل غيرهم، ولم يكن لهم اية مصالح شخصية من عملهم الوطني، لم يكونوا يبحثوا عن المال او السلطة. اني اعدهم ابطال، عظماء، مثقفين، شجعان وشهداء من اجل الوطن."

لقطة تذكارية للشهيد كوركيس مع بعض العوائل عام 1955
يقول الكاتب البريطاني جورج أليوت:" ان موتانا لن يعودوا موتانا ابدا، حتى اللحظة التي ننساهم بها!"

كلمة لابد منها: اتقدم بالشكر للسيدة(م،آ) والسيد (ك،ك) لتشجيعهم وأرشادي في الموضوع، وللسيد داود برنو على مقالته المنشورة في عينكاوة دوت كوم والمعلومات الغنية فيها، ولكل من فتح قلبه لي ، كون هذا الموضوع كبير وشائك ومحزن، وبحاجة الى دقة وأمانة.
اعداد:كمـال يلدو
تموز 2013






 

442
ســـؤال المليون: أين تقع ســـاحة الوثبة؟


سـاحة الوثبة نهاية الخمسينات                                               ساحة الوثبة عام 2013


تســتوقفنا  صورا كثيرة، عادة ما تصلنا عبر الأنترنيت اومن الأصدقاء او مما اختزنتها ذاكرتنا وتهبط علينا كما الأحلام والخيالات ، وتشترك معظم تلك الصور بعبارة صارت تتوارد كثيرا في الكتابات وحتى الأحاديث التلفزيونية والأذاعية ومعنونـة ب :  " صور من الزمن الجميل" ، "اغاني من الزمن الجميل" ، " حكايات من الزمن الجميل" ، وأشارات كثيرة الى ذلك الزمن لدرجة تجعلنا نشك حتى بذاكرتنا، فعن اي زمن يتحـدثون:
 هل كان بناته عراقيون؟
هل كانوا بشرا مثلنا؟
 هل جاءونا من كوكب آخر وبنوا ما بنوا وأختفوا من الوجود؟

بالحقيقة، لا هذا ولا ذاك، انما  نقول هذا فقط لنبرر خيبة أملنا وفشـــلنا في مواجهة استحقاقات الحياة  بالتجديد وسقوط احلامنا على جادة الزمن المزيف.  لكن بالعودة لخمسين او ستين سنة للوراء، فقد  كانت عاصمتنا الحبيبة بغداد، مدينة في طور البناء والعمران، ورويدا رويدا بناها اهلها وأضافوا لها المحلات والألوان والفرحة والحدائق والسينمات والبارات والكازينوهات والمكتبات، وصارت تكبر وتزدهر. لكن دارت الدوائر عليها من كل حدب ومن كل صوب، وخربت نفسيات الناس قبل ان يخرب عمرانها، وصار الغرباء هم اسياد القرار، وهم من يحملون معاول (الهدم أو البناء) في تأريخها الحاضر.

اين تقع ســــاحة الوثبة؟
تقع في الثلث الأول من شارع الرشيد مبتدءا من الباب الشرقي، بمواجهة جسر الأحرار من جانب الرصافة. كانت المســاحة الخضراء( العامة) الوحيدة في كل شارع الرشيد. تتزين بأشكال الزهور عبر مواسمها المختلفة على الأسيجة، ممزوجة مع شتلات الآس  الفواحة ونخلتين من النوع القصير. أما ما ميزها طوال تأريخها، فهي  مظلتها المركونة على حافتها الملاصقة لشارع الرشيد لحماية شرطي المرور من حر الشمس، فيما تعلوها ســـاعة تعلن التوقيت المحلي  للمدينة.  لم تحتوي طوال تأريخها على اية ارايك للجلوس او ملاعب للأطفال، لكنها كانت تمثل الرئة التي تنقي هــواء الشارع،  مازجة  عبق الريح الآتية من دجلة الجميل ، برائحة ياسها وورودها الحلوة.
لايعرف لها تأريخا محددا، لكنها بالتأكيد مرتبطة بشارع الرشيد وجسر الأحرار معا، ولهذا حكاية . فلقد بنى الأنكليز جسرا يربط منطقة  الصالحية(الكرخ) بمنطقة رأس القرية(الرصافة)  من الحديد وحمّلوه على مراكب في عرض النهر، وذلك في العام 1918  وسمي الجسر بجسر "الجنرال مود"،  اذ كان يطل عليه من جهة الكرخ، تمثال القائد "مود" وساحته التي حملت نفس الأسم. في العام 1941 افتتح الجسر الذي مازال قائما لليوم، وســمي بجسر "الملك فيصل الأول"، والساحة التي تقابله من جهة الرصافة، بساحة الملك فيصل الأول. بعد قيام ثورة 14 تموز عام 1958 وأعلان الجمهورية، استبدل اسم الجسر ب " جســـر الأحرار" ، وحملت السـاحة اسما جديدا، وصارت تســـمى "ساحة الوثبة" منذ ذلك الزمان، على ان البعض يسميها "ساحة حافظ القاضي" نسبة للمحلات المشهورة والمطلة على الساحة.

تتوسط "ساحة الوثبة" منطقة،  تحولت الى مركز تجاري مهم، وهي ايضا وجهة القادم من جهة الصالحية والكرخ،  و نقطة التقاء قريبة بشارع الجمهورية،  وأستراحة الناظر الذي لايلبث ان تلهيــه البنايات والعمارات العالية بعيدا عن افق التحليق مع الطيور والسماء.

ولمن يقصدها مشيا من صوب الكرخ وحال انتهاء الجسر: على اليمين كان هناك  نادي نواب الضباط، ،  ومدخل احد  البارات، ثم محل خياطة ابراهيم القزاز ، ثم فـرع ضيق يفضي لسوق شط العرب، تليها عدة محلات صغيرة، وعند استدارة الرصيف بأتجاه سيد سلطان علي،  كان هناك محل "شربت ابو محمد" المشهور بعصير البرتقال والليمون، ومتراصا معه كانت هناك صيدلية، ثم مطعم النصر المشهور برائحة الكص والدجاج المشوي، وملاصقا لفندق النصر وفندق شط العرب المشهور ببالكوناته المطلة على الساحة والشارع، بعدها مدخل سوق "شط العرب"، ثم محلين صغيرين او ثلاثة احدها كان مختصا ببيع انواع (معاجين الأسنان) المستوردة من الخارج،  حتى تأتي واجهات محلات "اوروزدي باك" احد اهم مولات ذلك العصر،  ثم  تنتهي البناية بشارع فرعي يوصل لموقف سيارات الأوروزدي باك، والجامع الموجود في ذلك الفرع.  وفي الجهة الثانية من شارع الرشيد، كان هناك شارعا عريضا  نسبة للقياسات المعروفة،  يمثل بداية منطقة "سيد سلطان علي" حيث كان احد المحلات يبيع انواع التمور المحشوة باللوز، وبجنبه محل لقلي الأسماك، وصيفا كانوا يبيعون الرقي الذي كانت تقص اشيافه بالمنشار!  ثم تأتي في الجهة الثانية،  عدة محلات للخياطة والآيس كريم والحلوى ومحل الفلافل والعمبة العراقية ومعرض أحذية "صادق محقق"،  ثم بوابة "سينما الوطني" وملاصقا لها احد محلات بيع السكائر الأجنبية والكرزات والنستلات ، تليها بوابة "سينما الرشيد".  بعدها بأتجاه ساحة الوثبة، كان هناك معرضا كبيرا تابعا للشركة العامة للخياطة، بعده محلات " نعيم نعمو"  للكماليات،  ثم يأتي "صالون حلاقة الجابى"، ومن بعده يأتي "مطعم النهر". وعند استدارة الرصيف، كانت بوابة "سينما الرشيد" لفئة ال 40 فلسا،  والى جانب شباك التذاكر كان يجلس "المصور الشمسي" المشهور بكاميرته،  ثم محلات صغيرة ومنها مطعم صغير مشهور بالفطور، وأحد الأفرع المغلقة الذي ينتهي بفندق حمورابي، ثم "مصرف الرافدين" فرع الوثبة ، والذي كان ملاصقا لمركز شرطة العبخانة الكبير والواسع بمرآبه وبناياته.  اما في الجهة المقابلة للمركز فكان هناك بار "السمان"،  ثم محلات بيع التبوغ (التتن) ثم محلات "ججاوي" لتأجير الكراسي، ثم مدخل محلة "العاجلين" ومعمل سكائر تركي، وبائع الكفتة الشهيرجرجيس ، ثم محل بيع الثلج، ثم دربونة "الجلبة" ، تليها صيدلية "الأثير" وبعدها تأتي محلات "نوفيكس" التي كانت تضاهي محلات اوروزدي باك، وعند ركن الشارع وقبل استدارة الرصيف بأتجاه منطقة رأس القرية كانت تأتي شركة "حافظ القاضي" والتي تحول اسمها لاحقا الى شركة "كتانة" حيث كانت مختصة ببيع الطباخات الأمريكية، وفي شارع الرشيد كان هناك محل بيع احذية، ثم محل نظارات آسيا ودربونة مغلقة فيها معمل "الزنكوغراف"  ثم دربونة "ابراهيم ابو الجبن" بالجنب من معمل "سيد حسين" للألبسة الجاهزة، بعدها صيدلية ثم محل اختصاص ببيع  "لمبات التلفزيونات" لصاحبه السيد وديع الحريري،  بعدها محل "حمودي نعمان" لبيع السندويجات، ثم مطعم نادر في بداية هذا الفرع. وبالعبور الى الجهة الثانية من شارع الرشيد وبأتجاه الجسر، كانت هناك " عمارة البدوي " و " مقام  أبو شيبة" ثم مجموعة محلات لبيع الملابس والأحذية ومن بينها مخزن "ليدو" المشهور ببيع قمصان (نينو) احد أشهر قمصان معمل "الفا" العراقي ، حتى تأتيك عمارة "التأمين" وملاصقا لها كان هناك فرعا صغيرا  يقع فيه مصرف الرافدين - فرع شارع النهر- بعدها "ستوديو أرشاك" وصور الزهاوي المشهورة في واجهة المعرض وصورة نجاة الصغيرة وقد كتب عليهما (الخريف والربيع)، وعندما ينحني الرصيف بأتجاه الجسر كانت هناك محلات "كيك وزبادي السماوي" وتعلو المحل كازينو صيفي مطلة على الرشيد والساحة والجسر، وبجنبها بار "شــريف وحداد" وملاصقا له كان هناك محلات بيع الثريات والمصابيح الضوئية،  مقابل فندق "جبهة النهر" ومعمل "خياطة قريش" والملاصق لمحل بيع المشروبات وعربة بيع وشوي الكباب العراقي،  ونقطة الأمن المكلفة بحراسة الجسر وكما يقولون عند "رقبة الجسر" . وبالعودة الى الساحة، فأن  شارعا وسطيا كان  يقع خلفها  مباشرة  وفي واجهته يرتفع "فندق الميناء"، فيما تقوم خلفه عشرات المكاتب المختصة بالنقل البري مثل نقليات الأقتصاد ونقليات حداد  ونقليات السعيد والتي كانت  تنظم السفريات للمحافظات وللخارج.
في عقد التسعينات، تفتق عقل بعض "حلالي المشاكل"، وبغية تخفيف الأختناقات المرورية،  دعوا للتخلص من الساحات العامة،  وكانت ساحة الوثبة من ضمن البعض الذين حكم عليهم بالأعدام (ساحة ميسلون في الغدير، والساحة المقابلة للشورجة والسوق العربي من جهة شارع الجمهورية) ، وهكذا تحولت هذه الساحة الخضراء والجميلة الى منطقة جرداء،  بأرض اسفلتية تتصاعد منها الأبخرة السامة في موسم الصيف اللاهب. وعقب العام 2003 وفي ظل حالة الفوضى والفلتان، تحولت الساحة ، مثلها مثل مناطق كثيرة في شارع الرشيد وشارع النهر (شارع العرائس) الى موقف لعربات التحميل والتي يســحبها البشر هذه المرة، في منظر يعبر حقا عن المستوى الذي وصل اليه الأنسان العراقي ومستوى التطور الأنتاجي والخدمي .

•   ان نظرة متأنية الى تناقضات ساحة الوثبة، تكشف حقيقة العقلية السائدة اليوم، ان كان في محافظة بغداد ، وأمانة العاصمة ومجلسي الوزراء والنواب وصولا الى تشكيلات رئاسة الجمهورية!  ليس لأنها فريدة عصرها، ومنها انطلق "نيل آرمسترونك" لغزو الفضاء والنزول على القمر، ابدا لا . لأنها تمثل حالة عراقية وبغدادية تطوف من خلالها على العـقليات والغرباء الذين تحكموا بمصير ومستقبل بغداد الجميلة.  فطوال سنين كنا نسمع عن وفود تسافر للخارج وأتفاقيات لتوئمة بغداد مع غيرها من المدن والعواصم، لكننا لم نشـــهد وفي حياتنا هذه ان مدينة عراقية بعراقة بغداد، ومزدانة  بدجلة الخير  وبكل ارثها الفني والحضاري والبشري والأنساني تسير من سئ الى اسوء يوما بعد يوم، حتى صرنا اذا ما تذكرنا "مبولة" سيد سلطان علي،   فأننا ننعي الأيام الذهبية الغارقة في التأريخ الغابر،   حيث تخلو العاصمة العراقية وأهم شوارعها من اية دورات عامة  للمياه .  تصوروا اهمية الوفود العراقية التي كانت تزور اوربا...فقط تصوروا ماذا كانت تفعل؟

الخبر الأكثر غرابة من "الغاء" ساحة الوثبة، هو قرار محافظة بغداد عام 2005 بتسمية ساحة الوثبة،  الملغاة اصلا ، بساحة "شهداء الأكراد الفيلية"، ليقضوا نهائيا على واحدة من علامات بغداد الجميلة،  ورأس القرية بالتحديد. أما المفارقة الكبيرة في هذا الأمر فأنها تكمن في ان هذه المنطقة - رأس القرية-  لم يسكنها الأكراد الفيلية ، اذ ان مناطقهم معروفة للجميع ، خاصة في شارع الكفاح ، وأبو سيفين،  وباب الشيخ وعكد الأكراد، وثانيا، ان تسمية "الوثبة"  ترمز الى وثبة الشعب وأحزابه الوطنية عام 1948 ضد معاهدة – بورت سموث – الأستعمارية، والتي تم اسقاطها، بعد ان قدم الشعب شهداء كثر،  خاصة اولئك الذين قضوا في  معركة الجسر ( ولهذا يسمى جسرها ب " جسر الشــهداء")، وبالتالي فهي تحمل دلالاتها الوطنية والتأريخية ولا تمت للنظام البائد بصلة، فلماذا الغائها من ذاكرة شارع الرشيد وأهله اذن؟  ولماذا زج الأكراد الفيلين وشهدائهم في هذا الأمر؟ الا يكفينا خلافات وأحتراب ومآسي، لتضيف لها أمانة بغداد سببا آخرا للأختلاف!  ثم هل خلت بغداد او ساحاتها او شوارعها  من اي مكان لوضع نصب لهؤلاء الشهداء،  حتى يستولون على(ساحة غير موجودة اصلا)، بغية وضع النصب فيها ؟ وكيف قبل مصمم النصب هذا الأقتراح، وتبريراته الواهية؟

هذا ما آل اليه مصير "ساحة الوثبة" الجميلة اليوم،  وبعد 10 سنوات على التغيير، وميزانيات بمليارات الدولارات، لتصبح مرآبا لوقوف عربات النقل التي يســحبها البشر، فيما كانت تشــتـغل بقوة الحمير والدواب في زمن اجدادنا السومرين، بدلا من ان يكون هؤلاء الشباب خلف الآلات العملاقة او في المؤسسات او في مقاعد الدراسة والجامعات.

لقد أخفق المسؤلون، وللمرة الألف  في الحفاظ على تراث بغداد ، ناهيك عن اعادة اعمار اهم مرتكزاتها الحضارية والأقتصادية والأجتماعية والأثرية، شـــارع الرشيد وشارع النهر - شارع العرائس- .   ولكل من يتجول  هناك، سوف لن تستغرقه كثيرا ان يلحظ فوضى المحلات وفوضى يافطاتهم، فوضى النفايات والأزبال الملقاة في كل مكان، فوضى تقادم البنايات والبالكونات الخربة، فوضى الأماكن والمحلات والشقق المهجورة ، فوضى الأسلاك الكهربائية المنتشرة بشكل عشوائي مقرف لا يدل على اية درجة من الجمالية او الذوق.
ادعوكم، وأدعو سكنة شارع الرشيد وساحة الوثبة وكل مناطق بغداد الجميلة، ادعوكم ان تقارنوا مدينتكم بمدن العالم ( بأستثناء  مقديشو)، ادعوكم الى محاسبة المسؤلين الذين يسرقونكم في وضح النهار، ويحرمون شبابكم من فرص تعليم وفرص حياة كريمة، بل انهم يدفعوهم في هذا العصر للقيام بأعمال بدنية كانت الحيوانات تقوم بها منذ آلاف السنين.

ذات مـرّة قالت الناشطة السياسية الأمريكية ( هيلين كيلير 1880 – 1968) : "ان أروع وأجمل الأشياء في العالم، تلك  التي ليس بالضرورة ان نراها أو نلمسها، بل هي التي  تشـــعر بها قلوبنا"، فكم كانت مصيبة! علمــا ان هذه السيدة كانت اول امرأة في تأريخ الولايات المتحدة، التي  حـصلت على شهادة البكالوريوس في الفنون  وهي - صماء، عمياء- وهذا يعني فيما يعنيه، انها كانت تشاهد العالم عبر نافذة قلبها.

اعــود وأكرر سؤالي: اين تقع ســـاحة الوثبة؟

تقع "ساحة الوثبة" بعيدا عن المسؤلين الغرباء، بعيدا عن السراق والحرامية، بعيدا عن المسؤلين الذين اتت بهم المحاصصة الطائفية والمحسوبية والمنسوبية ورشــوة الناخبين ، بعيدا عن الذين لا يحبون بغداد ولا ينتسبون لها،  قلبا ومشاعرا وذكريات وتأريخ.

أين تقع ســـاحة الوثبة؟
انها تقع في قلوب وأفئدة وعيون وعقول اهل بغداد الأصلاء، احبابها. اولئك الذين ارتبطت بوجدانهم وأحاسيسهم ومشاعرهم وذكرياتهم، اولئك الذين تدمع عيونهم اذا ذكر اسمها امامهم،  ويبكون اذا سمعوا الجالغي البغدادي او المقامات العراقية، اولئك المسكونين بعشقها، وجمالها، وكل حي وطرف ودربونة وبناية ومحل وبيت منها ....هذه بغداد التي ستغســل يوما نفسها من التراب والأوساخ التي علقت بها على يد الغرباء،  في العهد البائد، وهذا الأسوء الذي تلاه.

** استميح القراء، وأبناء محلتي الجميلة (رأس القرية – راس الكرّية) عذرا، ان لم اذكر بعض المحلات او الأماكن، فهذه اللوحة حاولت ان اقدمها مختزلة ومختصرة وفي فترة زمنية محددة ،  ويحق لأي منكم ان يطوف بالذكريات، وجمالياتها، وحلاوتها، ويضع الألوان والناس والتواريخ. اذ  لا اتصور ان احدا منـّا كان سيتخيل ان يصيب مدينتا الجملية ما اصابها على يد قطعان التخلف.
** لقد استعنت بصور "ساحة الوثبة" المنشورة في الشبكة العنكبوتية، وأشكر كل من انزلها ونشرها، وأستميحه عذرا بأعادة نشرها للفائدة العامة.هذه الصور التي اوقدت نارا في قلبي لا اعرف كيف اطفيها!

كمال يلدو
آيار 2013
 
 


الوثبة وحافظ القاضي وبداية الرشيد بأتجاه الميدان


بالكونات فندق  شط العرب وساحة الوثبة في الأفق


ساحة الوثبة  يظهر حافظ القاضي وشارع الرشيد5


ساحة الوثبة صورة قديمة4


ساحة الوثبة عام 1937 جديدة


ساحة الوثبة وبداية الرشيد جنب مطعم النصر وسوق شط العرب


ساحة الوثبة وتظهر محلات حافظ القاضي وبداية الرشيد


ساحة الوثبة وفندق الميناء وحافظ القاضي والرشيد


ساحة الوثبة ويظهر جسر الأحرار في الأفق


ساحة الوثبة  والشارع الوسطي ومكاتب ومواقف النيرنات


في ساحة الوثبة  زائر


لقطة روعة لساحو الوثبة  وفي الأفق  العبخانة و شارع الجمهورية وجسر الأح


مدخل شارع الرشيد عند ساحة الوثبة بأتجاه الباب المعظم

443

بشار رشــيد، الدالّة في طريق العراق الجديد


كمال يلدو
  قال مارتن لوثر يوما في الجموع:" حتى لو اني علمت بأن العالم سيهشم  ويتناثر الى قطع صغيرة غدا، فأني عازم على ان ازرع شـجرتي اليوم". ها نحن نلتق في هذه الأيام، بينما يفصلنا دهر عمره 35 عاما على ذلك الصباح الدموي الذي دفع فيه بشار رشيد ورفاقه الميامين حياتهم ثمنا للعقلية الأقصائية الدموية المتأصلة في قيادات حزب البعث والتي مالبثت ان اصبحت سياسة عامة في السنوات اللاحقة ادخلت العراق في متاهات، انجبت ومازالت تتناسل في اثرها آلات الأستبداد في زيجات غير شرعية  عبر ادوات الدولة القمعية وملاحقها الأعلامية.

  في سني السبعينات، كانت "الساحرة المدورة" معشوقتنا، وكنا حينها من مشــجعي الفرقة المدرعة الثالثة، ثم الجيش، ولم يفتنا هذا النجم ان سطع او ذاك، حتى لو كان من فرق الخصم. ربما تكون الدورة التي اقيمت في استراليا الشاهد الكبير على نجومية اللاعب الدولي بشار، فقد تابعناها بشغف وفرح. لم تمض اياما كثيرة حتى شــاع بين متابعي الكرة خبرا مفاده:" ان اتحاد الكرة اوقف اللاعبين بشار رشيد وستار خلف عقب وشاية من احدهم، الذي شهد بأنهما كان في وضع اخلاقي شاذ". وما بالكم ان تنطلق مثل هذه الدعاية على لاعب دولي، وفي مجتمع محاصر ومحافظ مثل مجتمعنا العراقي. حتما ستكون النهاية، وهو الأنتحار بكل معانيه. ويبدو ان من خطط لهذا الخبر، قد اتقن اللعبة جيدا ، وحاز على ما اراد اخيرا. ان فكرة القاء تهمة بهذا الحجم على اللاعب بشار كان يراد منها ارسال رسالة  له اولا، وللآخرين مفادها بأننا قادرون على فعل اي شئ "دفاعا عن الحزب والثورة". يومها كانت وسائل الأعلام محصورة بالسلطة، ومعرفتنا  بالاعب بشار لم تتعد ما شاهدناه في الملاعب، ولم نكن نعرف شيئا عن انتمائه او ميوله السياسية، رغم ان ذلك كان اختياره الشخصي، لكن لمن سمع بتهمة" الأساءة الخلقية"، كيف له ان يتضامن مع بشار، وكيف له ان يذكر سجاياه او انتمائه الوطني؟ كانت هذه بحق اللعبة القذرة التي انتجتها عقول البعث والمخابرات الغارقة حتى النخاع بالفساد وكل انواع السقوط الأخلاقي والسياسي.
في آيار 1973 صدر قرار حرمان بشار رشيد من الملاعب مدى الحياة، ثم نقض القرار من قبل منتخب الشرطة الذي اثبت بعد التحقيق بأن لا صحة لهذه التهمة، ثم عاد للملاعب نجما (ربما لا احد منّا يعرف حجم الألم الداخلي الذي كان يعانيه)، حتى  يوم 15 ايلول من العام 1975 حينما اقتاده مخبروا الأمن العامة من غرفة تبديل الملابس قبيل مبارات الشرطة مع الجامعة! اما الأعدام فتم يوم 17 آيار 1978 وقيل بعد التاسعة صباحا، وقيل ايضا بأنه رفض شـّد عينيه لأنه اراد ان ينظر الى قاتله!

  يجمعنا اليوم هاجس الذكرى الأليمة، لكنه غير كاف. اذ تطرح ذات الأسئلة نفسها مرة اخرى مســتفســرة: اين عامة الناس، ونخبنا الثقافية والأدبية والعلمية، اين احزابنا الوطنية مما جرى وما يجري؟
كيف يمكن لجريمة ( وجرائم) مثلها ان تمر دون حساب؟ كيف يمكن ان يفلت منها الجلاد وأن لا يشعر بأي حرج من اقترافها؟ وكم مرة علينا ان نحتفي بذكرى الشهداء، فيما القتلة مازالوا احرار؟

كنت دائما اتساءل قبيل سقوط النظام وأمني النفس، بأن يوما جميلا جديدا سيشرق على العراق، سيخرج القتلة ويدانون، ويخرج المغرر بهم ويعتذرون للشعب العراقي، وسننهي فصول الدم والقهر، وسنتعلم دروسا جديدة في الحياة وليس في القتل والدمار، وها انتم معي تشهدون على هذه الأحلام، فأين يكمن الخلل؟
في بحثي عن الشهيد بشار رشيد وقعت يدي على العديد من المقالات، اذكر بعض كتابها بالمحبة والشكر لما قدموه في ذكرى رحيل اللاعب الدولي بشار رشيد ( ابو مسار)، وأخص بعضهم مع امتناني للذي لم اذكره، منذر العذاري، جليل صبيح، رحيم العراقي، عبدالرحمن فليفل، جواد الخرسان وكاظم عبود. وأضم صوتي لصوتهم بأن يعاد تكريم اللاعب بشار رشيد ويرفع عنه الغبن وتعوض عائلته وأن تقام دورات رياضية بأسمه وأسماء رفاقه الذين استشهدوا معه، وأن يسمى احد الملاعب في ذكراهم العطرة، وأن يقام نصب تذكاري له او  لهم. هؤلاء الأبطال الرياضين الذين ارتعب البعث منهم، وخاف يوما ان يقوموا بأنقلاب رياضي على حزب الأمة العربية، خافوا لأنهم كانوا نتاج المؤامرات والعمالة للأستخبارات الأجنبية، التهمة التي لم يتمكنوا من الصاقها بالشهداء الرياضيين.

الذكر الطيب للشهيد اللاعب بشار رشيد، ورفاقه الميامين
ودعوة مخلصة لكل من يحب العراق، بأن لا يدعوا اظافر الجلاد تكبر من جديد، حتى لاتمر مثل هذه الجرائم دون حساب، حتى لا نخسر كامل شياع وهادي المهدي وغيرهم ، مثلما خسرنا بشار رشيد، وننشغل بأقامة الأماسي التذكارية لهم. اننا حقا بحاجة لتحصين انفسنا وشعبنا من الولادات القسرية التي مالبثت تخرج رأسها هنا وهناك، والتي تدعي بأننا شعب غير مؤهل للديمقراطية، وبأننا لا نقاد الا بحاكم قوي! هذه العقليات هي التي انتجت قتلة بشار رشيد، هي التي انتجت الأجرام الذي قاده صدام وجلاوزته.
 لقد شبعنا موت، وشبعت ارضنا من الدماء.

http://www.ankawa.org/vshare/view/3902/kahtan/

444
لمدوني اليوتوب: وردة، وألف مرة شكر


  في العالم هناك 2 مليار انسان يستعملون الكومبيوتر اليوم، وقليل منهم لم يسمع او يستخدم خدمة (اليوتوب)، يحدث هذا في زمن صارت الفضائيات والأنترنيت والتلفون النقال الذكي، ادوات تواصل ومعرفة لايستطيع معظم الناس الأستغناء عنها. وفي الزمن الذي لم تكن كل هذه الأدوات متوفرة، ويوم حمل الكثير متاعه وولى وجهه لبلاد الغربة، كانت زوادته تحوي بعض الملابس وبعض الصور وأشرطة كاسيت وربما كتاب او اي شئ يذكره بالوطن او بناسه. في تلك السنين الغابرات، كان الكاسيت بلسم الجلسات والغربة، كان الحبل السري الذي يعيد الأنسان الى حيث الخطوة الأولى ، والضحكة الأولى والفرحة الأولى. مع تزايد اعداد المغتربين وأستقرارهم  في العديد من الحواضر العالمية، انتشرت محلات بيع الأشرطة، وأستنساخها، لكن هذه المهنة ضعفت تدريجيا مع ظهور الأنترنيت وسهولة استخدامه، رافقه تأسيس العديد من المواقع العراقية والعربية والتي صارت تطرح الأغاني بنظام (الريل – سماعي)، ثم حلت الفضائيات، ونظام  التسجيل على الأقراص المدمجة(دي في دي)، لينتقل عالم الأستماع الى مديات كبيرة. وفي الحديث عن المواقع التي اشتهرت بتقديم الغناء العراقي على مدى سنين طويلة، يأتي بمقدمتها موقع الأخ العزيز(حسام العراق)، الذي قدم( ومازال لليوم) اكبر آرشيف للأغنية العراقية المسموعة، ويعمل بجهد اكبر لتقديمها مع الصورة، وموقع المقام العراقي ايضا. هذا الأنسان وغيره  يستحقون الشكر والتقدير على العمل العظيم الذي قاموا به، بعد تهاون الدولة العراقية في تبني فضائية او محطة اذاعية او مواقع الكترونية تعني بالفن والثقافة والأدب العراقي الأصيل.

    مع ظهور خدمة ال "يوتوب"، دخل عالم الكوميوتر الساحر حيزا، وولج  افقا لا يعرف احد منا مداه ! انه عالم اللانهاية في تبادل المعارف  ونشر الثقافة والفنون وجعلها بمتناول كل مستخدمي الكومبيوتر. هكذا وجدت مجموعة من العراقيين (فتية وفتيات) ظالتهم في التواصل مع ابناء وطنهم، في كل محيط الكرة الأرضية، وهذه المرة عن طريق نشر الأغاني العراقية ، اعادة ارشفتها، الحفاظ عليها، ازاحة ما علق بها من اهمال ومن غبار السنين، اعادة اكتشاف الهوية الثقافية والأنسانية للفن العراقي الأصيل.عملت هذه المجموعة في ظروف غير سهلة وبأمكانيات  تقنية محدودة  وبآرشيف مشتت ومنهوب ، عملت بلا أجر ولا راتب، وكل ما تتمناه ربما كان، ارواء روحها العطشى ، ومعها ارواح العراقيين المغمورين بحب هذه البلاد، لم تدعمها سلطة او دولة او حزب حاكم، انهم مواطنون مثلنا تماما، ويحمل البعض في آرشيفه مئات افلام اليوتوب التي نشرها في الشبكة العنكبوتية، ويحمل البعض العشرات، ولأثبات مصداقيتهم، فقد فضل الكثير منهم البقاء مجهولا او غير معروفا مكتفين بما يقدموه من عطاء وأثراء للفن العراقي الأصيل وديموته، ومكتفين ب "شكرا" عراقية حلوة نابعة من القلب ومزكاة بماء الورد!

نشكر شعرائنا الرائعين، وملحنينا وكل الموسيقين، نشكر الفنانين من مطربات ومطربين، نشكر المسرحيين والرسامين والنحاتين والأدباء وكل شغيلة الفكر الخلاق الذين زينوا سني حياتنا وجعلوها ذات لون وطعم ورائحة طيبة، نشكرهم على نتاجاتهم، لكن ما قيمة كل هذا العطاء ان لم يصل للجمهور، ما قيمته ان كانت فضائية الدولة والفضائيات الأخرى، عراقية او عربية، بخيلة فيما تقدمه عن الفنانين والأدباء والمبدعين العراقين؟  هنا تكمن روعة وأصالة  "مدوني اليوتوب" الذين يعملون ليل نهار، هنا يكمن سر العشق السومري والبابلي والآشوري الذي يربط ابناء وبنات الرافدين ببعضهم. لم يعد المكان او الدولة بذات اهمية، ولم تعد حاجتنا للمؤسات التي لا تقّدر تأريخ وتراث وحضارة البلد بذات قيمة، اليوم وبفضلهم يمكن لأي منا ان يكتب اسم الفنان او المغني او المسرحية او الفلم او الشاعر وفي لحظات قلال يكون الطلب حاضرا، اليوم يحققون لنا حلما جميلا،  كان قبلا اسير مزاج ورغبات  القائمين على الأعلام.

وطالما كنا نتحدث عن "اليوتوب"، فأن هذه الخدمة اطلقت في يوم 14 شباط من العام 2005، من قبل ثلاثة اشخاص هم (المصمم جاد هرلي، وخريجي علوم الكومبيوتر السيدان ستيف جين و جاويد كريم واللذين كانوا موظفين سابقين في شركة"بي بال" للدفوعات النقدية عبر الأنترنيت) وكانوا مولعين بالكومبيوتر وأمكاناته، اطلقوها من مقرهم الذي كان عبارة عن شقة صغيرة  فوق  مطعم صيني ومخبز لعمل البيتزا وبرأسمال بملغ 3,5 مليون دولار استثمرتها شركة "سيكيويا كابيتول" عام 2005، اعقبها استثمار آخر في العام 2006 بمبلغ 8 مليون دولار.  استندت فكرتهم ومشروعهم الى  مبدأ يقوم على تسهيل مهمة المواطن في نشر  فلم فديو من صناعته او من صناعة اخرى، بنظام نشر بسيط وأن يكون بمتناول متصفحي هذه الخدمة ببساطة وبلا تكلفة. هذه كانت البداية. بعد مرور عام واحد، اي في العام 2006، وصل عدد التحميل في اليوم الواحد الى 65 ألف فديو، وفي هذا العام  أشترت شركة (كوكل) خدمة اليوتوب من اصحابها بمبلغ 1.65 بليون دولار، واليوم تساوي الشركة (36) بليون دولار. كان اول يوتوب نشره الموقع  بعنوان "أنا في حديقة الحيوان" صوره - ياكوف لابتسكي  - ورفعه للموقع  جاويد كريم،  يوم 23 نيسان 2005 وفي الساعة 8,27 مساءا، وهو مازال موجودا لليوم وقد شاهده ما لايقل عن 11 مليون شخص. لقد قـّدرت شركة "كوكل" حجم هذا الموقع مبكرا ولهذا دفعت المبلغ المذكور، الا ان مؤسسات اعلامية كبرى من (سي بي اس و فاكس) صارت تنشر مقاطع من فديواتها عبر الموقع، كما ان الموقع صار مركزا تسويقا ودعائيا للشركات الكبرى والصغرى. في العام 2010ـ رفع لموقع اليوتوب 14 بليون فديو، ويقدر الخبراء اليوم بأن (60) ساعة تسجيل تضاف في كل دقيقة، ثلاثة ارباعها تأتي من خارج الولايات المتحدة. وصل عدد مشاهدي اليوتوب في شهر آذار 2013 الى( 1 بليون) مشاهد في الشهر، وهو عدد خرافي ويمثل نصف عدد الذين يستخدمون الأنترنيت في العالم،  فيما تقدر الأحصائيات اليوم بأن خزين شبكة اليوتوب قد وصل الى حوالي (600 بليون فديو)، بعد ان ابتدأ بمشاهد في حديقة حيوان ساندياكو/ كاليفورنيا ، امام الفيل!
لقد اصبحت شركة "اليوتوب"  ثالث شركة معنية بالأعلام والتواصل بعد شركتي "كوكل" و " فيس بوك"، وقد افتتحت مؤخرا مقرها الجديد في مدينة – سانت برونو بولاية كاليفورنيا - فيما تحتفظ بالعديد من المواقع والبنايات التي تستخدمها لخزن الأفلام والأرشيف، في امريكا ومناطق اخرى من العالم.

من الأسئلة التي تثيرها الوقائع: كيف يمكن لنا ان نحســـّن من استخدام اليوتوب؟ كيف لنا ان نحافظ على جهد شاباتنا وشبابنا اللذين يدفعهم حبهم للعراق والعراقيين ان يقدموا جزءا كبير من وقتهم ومالهم، في مســـعى انساني لأستعادة احلى ما في ذكرياتنا من لحظات استلبتها حكومات القمع والجهل ؟ انا نستحق ان نعيش تلك السنين بذكرياتها الحلوة، لابل ان نبني عليها ماهو اجمل وأحلى. ان كل يوتوب ينبض بالمحبة، هو حقا وردة في طريق اعادة العراق الى اهله، اعادة الثقافة والفنون والآداب الى ابنائها وبناتها الأوفياء. اتمنى لو كان هؤلاء المدونين الرائعين معروفين لنا، نحن المتصفحين، وعلى الرغم من ان الكثير منهم اختار اسماء وكنى جميلة ومعبرة، لكنها  لا تغني عن معرفة اسم الشخص وصورته. اني لست مبالغا حينما ادعوكم انتم ، "مدوني اليوتوب" الرائعين، ان تختاروا يوما من ايام السنة تمنحونا الفرصة فيه لكي نقول لكم الكلمات الحلوة تعبيرا عن تقديرنا لما تقومون به، ولابأس ان يكون 14 شباط من كل عام موعد انطلاق شبكة اليوتوب، او ان يكون 23 نيسان، موعد تحميل أول فديو في شبكة اليوتوب!

شـــكرا لكم من الأعماق، وهذه وردة جنبد أو جوري أو قرنفل أو شبوي أو رازقي أو قداح ، لكم اينما كنتم، انتم تستحقون كل هذا وأكثر،  لعملكم ورسالتكم الرائعة .

كمال يلدو
آيار 2013


السومري مدون عراقي في اليوتوب


الشقة التي استخموها كأول مقر لهم فوق مطعم البيزا


العراق حبي مدونة عراقية في اليوتوب


المقر الحالي لشركة اليوتوب


سعد هاشم العبودي


شـــعار خدمة اليوتوب


مؤسسوا شركة اليوتوب من اليسار جاد هارلي و ستيف جين وجاويد كريم

445


الشهادة من اجل الوطن لا تعـّوض بالمال



   ثلاث مرات خلال 34  عاما ، التقيت الشـــهيد  "عبد حبيب"  ، طالب قسم البايولوجي في كلية العلوم ، جامعة بغداد . الأولى كانت في كانون ثان 1979 ، في شارع الجمهورية قرب بداية نفق التحرير عشـــية ركوبي رحلة الغربة ، والثانية حينما قرأت إســـمه من بين شهداء الحزب الشيوعي العراقي  في القائمة التي ظهرت  بتموز 2003 ، اما الأخيرة فكانت عام 2012 عندما نشــر الزميل طالب الداوود صورة جمعتهما في نادي كلية العلوم .
لا يختلف اثنان بالحديث عن الراحل ، في وداعته او بساطته ، في الفته او احلامه ، في صبره او اصراره . ولأنه  هكذا كان ، ربما عجـّل في مشروع شهادته . لم نسمع الكثير عنه بعد الأعتقال ، ولا حتى وضعه هناك. كلمتان ربما تختصر آخر مشوار مسيرته : ( اعتقل ، اعدم) اما العالم الواسع والشاسع الذي يفصل هاتان الكلمتان ، بقى ، وربما سيبقى مجهولا  للأبد ، فأنى للشهداء ان يعودوا ثانية ويحكوا لنا القصة منذ البداية؟
لم يكن مغاليا بأحلامه ، فكل من عرفه عن قرب ، كان يتلمس البيئة الفقيرة التي انحدر منها ، والمدينة البائسة بخدماتها التي كان يسافر منها صباح كل يوم دراسي ، مدينة الثورة، كل ما كان يتمناه ان يعيش اقرانه العراقيين حياة حرة نزيهة وهانئة ( بعد كل تلك السنين ...مازالت الناس تحلم بتلك الأحلام البسيطة التي كانت تعرض حاملها للأعدام) . لم يرفع السلاح او يحمل الأحزمة الناسفة . كان يتأبط كتبا وجريدة .
دار الزمن دورته الطويلة والقاسية ، وصعد الى دفة السفينة اناس جدد!
رغم صدور بعض القوانين لتكريم الشهداء ، الا انها بقت قاصرة عن النظر الى " الشهادة" كفعل انساني مجرد كل التجريد ومرتفع اعلى من الطائفية او التحزب ، جاءت قاصرة ببعض بنودها في التمييز  في فعل " الشهادة " مع ان الفعل حدث بيـد ذات الجلاد ! ثم جاء ليستبدل الموقف الوطني بحفنة من ( الدولارات) او بقطعة ارض ! وكأن كـل من شبع ضربا وتعذيبا  وأهانة ، كان يوما ينظر لهذه "المكرمات" على انها الثمن المقابل . هذا القصور في الفعل هو الذي يقتل فكرة " الشهادة" من اجل الوطن او المبادئ ، ليستعيض عنها بالمال ، او بمزايا زائلة ، غير ذات قيمة او هدف .
 في عراق اليوم ،  هناك جهات ومنظمات وجمعيات ، تستطيع ان تجعل من فكرة " الشهادة" كفعل انساني ، اداة تثقيفية لهذه الأجيال ، وفكرة تبجل وتحترم من ولج هذا الطريق ، وحرمت عائلته وأهله من الأحتفاء بها  طوال سني حكم الدكتاتورية ، هناك طرقا ، ربما يكون المال احدها وليس كلها ، منها تكريم الأفكار التي ضحى من اجلها هؤلاء ،كوضع نصب تذكارية ، او الواح نحاسية تعريفية  أو حتى وضع اسمائهم كعلامات في الأماكن العامة او الشوارع او المؤسسات  .  ماذا لو حملت  بعض صفوف الثانويات  او القاعات الجامعية ، او اماكن عملهم . ماذا لو قامت  الثانوية التي تخرج منها  الراحل " عبد حبيب" بذلك ، او عمادة كلية العلوم في جامعة بغداد  ...ماذا لو ؟   اذ لطاما تحججنا اما العالم بأننا اصحاب اقدم الحضارات وأننا اعطينا للأنسانية الكثير ، تعالوا اذن نكون قدوة للآخرين!
يقينا ، ان مجتمعنا ، ونخبه الوطنية والمثقفة بحاجة للتصالح مع نفسها ، بحاجة للأقرار ، بأن هذه المسيرة التي قطعها هذا الشعب ، بكل تعرجاتها وأخفاقاتها ، وحتى " نجاحاتها" النسبية ، لم تكن سهلة . فقد كانت مخضبة بالدماء والتضحيات ، ليس فقط من الشهيد الذي دفع اغلى الأثمان ، بل حتى ممن اعتقلوا أو طوردوا او لوحقوا او حوربوا أو حتى من اضطرتهم الحياة لأن يتركوا ويهاجروا ، او حتى اهاليهم التي احيلت حياتهم الى جحيم بجريرة ابنائهم وبناتهم .
ان الأحتفاء بالشهداء ، وبما يليق بهم ، بعيدا عن العنصرية والتخندق والتحزب الضيق الأفق ، ليس كثيرا على هذا الوطن الذي يريد ان ينهض ليبني دولة تقوم على اساس العدالة الأنسانية والمواطنة والمساوات والعيش المشترك.
يحق لنا ، ونحن  ( بعض) من الشهود على جرائم النظام المقبور ، ان نطالب بأنصاف الشهداء ، كل الشهداء ، ومنهم شهداء كلية العلوم  ، فريال عباس السامرائي ، انتصار جميل عاكف الآلوسي ، نصير الصباغ ، صـبّار نعيم ، اكرام عـواد ســعدون ، وطيب الذكر ، الغالي ، عبد حبيب ، طالب البايولوجي في كلية العلوم ، جامعة بغداد ، من مدينة الثورة .
 
كمال يلدو
كانون ثان 2013

446


مدارس ديترويت ، تحت الحصار



شعار الشرطة الخاصة بحماية المدارس


مدير شرطة ديترويت في محاضرة بأحدى مدارس ديترويت


   شكلت حادثة اطلاق النار في  مدرسة – نيو تاون – الأبتدائية بولاية ( كوناتيكت) يوم الجمعة 14 كانون أول 2012 / ، والتي راح ضحيتها  20 تلميذ ابتدائية و6 مدرسين ، نقطة فاصلة جديدة في حالة الأمن  والأستقرار التي تعيشها  المدارس ، ان كان في ديترويت او في الولايات الأخرى . وتقف اداراتها حائرة  في ايجاد الحلول الناجحة ، امام تزايد حالات الأجرام  التي تحدث في المدارس عموما ، والتي تبدأ عادة بأدخال قطع السلاح او السكاكين .
تختلف الحالات تبعا لأختلاف المناطق السكنية وأوضاعها الأقتصادية ، فالمدارس التي تقع في مدينة ديترويت وضواحيها الفقيرة ، يسهل الحصول على قطع السلاح ( الغير مرخص) ، بينما تنتشر فيها بعض عصابات التلاميذ
(Gangs)
والتي عادة ما تكون  مافيات صغيرة لبيع المخدرات  ، أو  مجاميع  الأبتزاز
(Bullies)
والتي تبتز التلاميذ وأحيانا الأساتذة  في أخذ الرشى المالية او فرض ( البهلوة) في ساحات المدارس وصفوفها ، وخاصة تجاه التلاميذ البسطاء والمساكين . وتقل هذه الحالات  في مدارس الأطراف ، والتي يكون وضعها الأقتصادي افضل من مثيلاتها في ديترويت ، فهي موجودة الا انها ليست مفضوحة  .
لقد قامت العديد من المدارس ( خاصة الثانوية) وأقل منها المتوسطة والأبتدائية ، بوضع أجهزة كشف السلاح على بوابات المدارس ، بغية كشفها قبل ادخالها للصفوف  ، فيما قامت مدارس اخرى بتعيين حراس  يقومون بعملية ضبط النظام ومساعدة الأدارة بذلك .
لكن ، وفي كل مرة يتعرض فيها المجتمع  الى هزة من هذا النوع ، تنعكس الأجراءات الأمنية لتتخذ طابعا اكثر بوليسية .أذ وضعت الشرطة المحلية ، وحتى شرطة الولاية  وبالأتفاق مع ادارات المدارس ، في منهاج عملها مهمة  القيام بغارات مفاجئة  على المدارس ( ودون سابق انذار) ، حيث يجري  حصر التلاميذ كل في صفه ، وتبدأ عمليات التفتيش  الدقيق والفردي عن قطع السلاح أو ( المخدرات) ، وبقدر ما تساعد هذه العملية  في كشف المخالفين وردعهم ، الا انها من الجهة الثانية ، تدخل الرعب الى قلوب الأطفال الذين ينئون بنفسهم عن المشاكل  ناهيك عن الأساتذة الذين يقفون لا حول ولا قوة  في مواجهة العصابات ذات النفوذ الكبير .
لقد افرز تكرار حالات اطلاق النار والقتل والأعتداء داخل المدارس نتائج  كارثية على سلوك التلاميذ ، خاصة اليافعين منهم ، وليس لأبناء وبنات جاليتنا اي استثناء مما يجري في هذه المدارس ، ان كان في الولايات الأخرى اوفي ولاية مشيكان حيث أكبر تجمع للجالية العراقية ، اذ ينتظم عشرات الألوف  ( بنات وبنين) في كل مراحلها الدراسية ، الأبتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية ، فيما تســمع ( قصصا) هنا وهناك عن بعض الحوادث الفردية او انعكاساتها على التلامذة اليافعين ، امام (ضعف) اي توجه من قبل مؤسسات الجالية  وجمعياتها او منظماتها في التعامل مع هذه الظواهر اليومية في المجتمع الأمريكي ، اما لأنعدام الأختصاصين او لعدم الأهتمام اصلا .
  ومن جانبها ، فأن السلطات الأمنية صارت تشجع ادارات المدارس ، والتلاميذ على الأخبار عن اية  تهديدات ، او رسائل   تعلن عن هجوم مسلح على المدرسة ، او انتقام من الأساتذة ، او التهديد بوجود قنبلة ( حتى ان كانت من باب المزاح) ، ناهيك عن مراقبة حسابات بعض الطلبة ( ذوي السلوك الخطر)  في شبكة الأنترنيت او التلفون الخلوي ، بغية الوقوف اول بأول على اي اعتداء محتمل . ان  اقدام بعض  الطلبة  على هذه التصرفات ، تعرضهم اولا للعقوبات الدراسية التي تفضي احيانا للطرد ، ناهيك عن المتاعب التي تتحملها أســرهم مع ادارات المدارس او الجهات الرسمية والقضائية .
لم تترك هذه الحوادث لتمر مرور الكرام من قبل المختصين  بالسلوك البشري او اساتذة الأجتماع  والصحفين ومقدمي الأخبار ، بل اولوها اهتماما كبيرا  ، الا ان النتائج المرجوة لا يمكن تحقيقها دونما تظافر لجهود المجتمع مع الدولة والمختصين .
قد تساعد عملية تشخيص ابرز العوامل التي تدفع التلاميذ للتصرف بهذا السلوك العدواني بأمل تخفيف  حالات الأحتقان والشد  التي تسود المؤسسات التعليمية  :

1-   ارتفاع عدد عصابات التلاميذ ( كانكس) دونما وجود رادع حقيقي من قبل رجال الشرطة ، والذي يشاع بأنهم شركاء لهم او يخافونهم .
2-   ازدياد حالات الأبتزاز ( بوليينك) من قبل بعض التلاميذ تجاه التلاميذ الأضعف والتي تؤدي احيانا الى العقد النفسية لدى الضحية او الأنفجار  على شكل الأنتحار او الأنتقام
3-   الأنعكاسات السلبية للمشاكل العائلية ، خاصة حالات الطلاق او الضرب والشتم داخل البيت، او الحياة داخل اسر وحيدة الوالدين  في بعض الأحيان
4-   انعكاسات الأزمة الأقتصادية على بعض العوائل التي فقدت وظائفها او مصدر معيشتها وبالتالي تركت تعيش على الحافة
ان مشاكل بهذا الحجم تحتاج بالتأكيد الى تضامن الكل لمعالجتها ، ولا يمكن للبديل الأمني ان يقدم الحلول السحرية لها ، لكن مع استمرار هذه الحالات ، تضطر المؤسسات التربوية والمدارس في دراسة التأثيرات النفسية لهذه الحوادث على التلاميذ ومحاولة تخفيف وقعها عليهم وذلك عبر زيادة الوعي النفسي ، وتقريب العوائل مع بعضها ، وتخصيص مكتب دائم للطبيب النفسي لكل مدرسة بغية توفير النصح والأرشادات وحتى الدعم المعنوي لمن هم بحاجة اليه .

كمال يلدو/
كانون ثان 2012


447

رحمـــة بالذائقة العامــة من فوضى  ال " دي جـي"

ارتبطت الموسيقى بالبشرية منذ ان قام الإنسان الأول بتقليد اصوات الطيور ، ثم اصوات الطبيعة وصولا للغناء أو العويل ، وأكتشاف  ادوات ترافق ادائه حتى اختراع الآلات الموسيقية البسيطة وتطورها في مسيرة  الأنسانية ، فنشأ الغناء الفردي والجماعي ، تطورت الآلات وتعددت ، وتبادلت الشعوب  ثقافاتها الفنية والأدبية  حتى عصرنا الحالي ، عصر العلوم والتكنلوجيا . ذات الصورة  شهدتها الساحة الفنية العراقية ، ان كان في الوطن او في المهاجر . فقد اشتهرت فرق الجالغي ، والفرق الموسيقية  في احياء مناسبات الأفراح ، وبرز مجموعة من الفنانين الذين ذاع صيتهم لاحقا ، ثم دخل الطراز الغربي ( الفرق الغربية) الى الساحة الفنية ووجدت لها مساحة  ، وبدأ جيل جديد من الشباب يلج مدارس الموسيقى ومعاهد تعلم العزف، وازدادت عدد الفرق وعدد فنانيها ، وصارت الفرق تسمى  معظم الأحيان بأسماء قادتها ، رغم وجود اسماء فنية لتلك الفرق . ومع ازدياد الطلب عليها ، برزت الحاجة للرديف  الذي يلبي حاجة المواطن ، ان كان في سرعة تحقيق الهدف او حتى في الأجور المتقاضات لأداء المهمة . هكذا انتشرت فكرة ال ( دي جي ) بعد ان شهدت امريكا و اوربا ولادة هذا النمط من الأداء الموسيقي.
و " الدي جي " ببساطة ، يعتمد على ثلاثة عناصر اساسية ، اولا : مجموعة جيدة من اقراص الأغاني ، حديثة وقديمة ، لمطربين هواة او مشهورين ، ثانيا : اجهزة الكترونية وسماعات مناسبة لحجم القاعات  ، ثالثا : وهو الأهم ، العنصر البشري ، اي الشخص او الفنان الذي يقوم بأختيار الأغاني ، وتقديمها ـ مزجها - او الأضافة عليها وتحريك الجموع بأتجاه الوصول نحو الهدف من تلك المناسبة . اي ان تكون الجموع قد رضت على اداء ال " دي جي " ، لأن دوره محدود بالأختيار وحسن التوزيع .
واليوم ، وبعد التوسع الكبير الذي شهدته جاليتنا العراقية ( في مدينة ديترويت على الأقل)  ، فأن عدد فرق   ال " دي جي " صار اكبر بكثير من عدد الفرق الموسيقية ، وكما قلت ، لأن الجالية كبرت  وكبرت معها مناسباتها وبالتالي فقد فرضت الحاجة وجود اعداد متزايدة من لاعبي ال " دي جي" .
كنا قد تعودنا على فناني الجالية  المعروفين والمحدودين بعددهم ايضا ، وبالتالي نشأت علاقات وتعارف ، لكن هذا الشئ صار معدوما مع الوجوه الجديدة التي دخلت الى هذا ( البزنز) . الكثير من فرق الجالية وفنانيها ، درسوا الموسيقى وتخرجوا من ابرز جامعاتها ومعاهدها ، او ممن تتلمذ على يد امهر الفنانين العراقيين والعرب ، وقد خبرتهم التجربة والحياة لسنين طويلة قدموها بالعمل الجاد والتمرينات الصعبة  والمتعبة والتي كانت تقترن دائما  مع العمل في مجال آخر اضافة للموسيقى من اجل تلبية الحاجات المادية للفنان او لعائلته لأن ما يتقاضاه من الغناء كان محدودا ، وهو لحفلة واحدة او اثنتين في الأسبوع .
لأكثر من مناسبة اجتماعية احضرها ، ويكون فيها  ال " دي جي " هو سيد الفن والثقافة . فبأمكان أي من القراء الكرام ، ان يعرف حجم ثقافة هذا الأنسان من خلال نوع  اختياراته الغنائية  وطريقة تقديمها . ولأن الآداب العامة لا تليق بي ان اذكر بعض التسميات ، لكني اكتشفت ان هناك جيلا ( غير قليل) ممن تربوا على ثقافة " الله يخللي الريس"  ، ثقافة اغاني ميلاد القائد والقادسية ، وثقافة الحصار والتغيير والحواسم ، قد وجدت طريقها لمهنة ال " دي جي " وصارت تطرح اعلاناتها في السوق التجارية ، وتتنافس في الأسعار وبالتالي ستصادفها  في العديد من هذه المناسبات الأجتماعية .
ما هي ثقافتها الفنية ، او الموسيقية ؟
ما هي ثقافتها العامة ؟
ما هي خلفيتها في الذائقة العامة ، وتأريخ الثقافة والفنون العراقية ؟
ما هي معرفتها بالفنانين ، وأجيالهم المنوعة ؟
كيف يمكن ارضاء اذواق اكثر من جيل يحضر المناسبات الأجتماعية ؟

كل هذه الأسئلة اضعها اما انظار الأخوة والأخوات العاملين في حقل ال " دي جي " ، وأضعها امام مثقفي جاليتنا ، وأمام عامة الناس . امام اصحاب الحفلات والمناسبات ، امام اصحاب القاعات التي تؤجر لهذا الغرض .
هل المهم هو الرقص وهز الأرداف ، والصراخ عاليا ، ام معرفة ما يذاع على مسامعكم من كلمات تافهة وحتى نابية ؟
ومن المسؤول عن انتشار هذه الأغاني الهابطة ، ووصولها الى الحفلات الأجتماعية للجالية ؟
ومن المفروض ان يقرر للذائقة العامة مداها ؟

صحيح ، ان هناك حفلات خاصة ، ولمناسبات محددة ، ولفئة عمرية معينة ، يمكن ان يقدم نوع او نمط  من الغناء يجري الأتفاق عليه مسبقا مع ال " دي جي " وبالتالي فلا سوء فهم يذكر حينها .
 لكن ، حينما تكون المناسبة عامة ، فمثلما هناك واجب اخلاقي بتلبية الدعوة التي يوجهها  صاحب المناسبة  ، فهناك واجب اخلاقي في المقابل بأحترام مشاعر الحضور وأحترام ثقافتهم ، من قبل صاحب المناسبة  ومن قبل ال " دي جي " والذي يفترض به ان يكون فنانا ، متذوقا ، عارفا بأمزجة الناس ومراعيا  لها ، عارفا بتأريخ الموسيقى العراقية وفنانيها ، عارفا بأهم مراحل الغناء العراقي ، وناظرا جيدا ليقدر نوع الفئات العمرية  الحاضرة وأي من الموسيقى تتلائم وذائقتهم او ثقافتهم .

يتحجج معظم لاعبي فرق " الي جي"  بقضيتين حينما تفتح معهم الحوار حول اختياراتهم الموسيقية في الحفلة : اولا : يقولون ان صاحب الحفلة هو من له الحق ان يقرر او هو من وجههم بهذا الأتجاه ، وثانيا : ان " الجمهور عايز كده" وبالتالي ، فلا ارضية لغناء آخر . وللطرفة ، عندما طلبت من احد الأخوة الذين يديرون  " الدي جي "  في مناسبة اجتماعية – خطوبة – ان يقدم اغاني استطيع على الأقل فهم معانيها او كلماتها ، ســـخر مني وقال : شتريد احطلك ام كلثوم؟
شبكت عشري على رأسي ......!!! تصوروا ، جواب هذا الفنان الذي يتحكم بذائقة اكثر من (250) شخص كان حاضرا تلك المناسبة .

هذه دعوة اخوية مخلصة  لأحبائنا العاملين في حقل  ال " دي جي " ، نعم لكم الحق ان تعملوا وتوفروا المال لعوائلكم ، لكن ليس على حساب الذوق والأدب العام ، ليس لأن اغـانينا قليلة . ليس على حساب مجموعة من الفنانين التافهين ، الذين يغنون في الخمارات والأماكن الساقطة ، هذا ليس فن وادي الرافدين ولا ثقافته . هذا الفن الهابط الذي نشره الجيش الشعبي البغيض  ومنظمات البعث المكروهة .
 في ثقافتنا  الغنائية ، عشرات الأسماء الرائعة  ومئات الأغاني والألحان  الشجية  ولكل المناسبات ، من  التي تدعو للفرح والأمل وتمجد الحب والأنسان .لست مغاليا حينما اورد لكم أمثلة من مناسبات كثيرة ، يشارك معظم الحاضرين بالطرب والغناء وحتى بالرقص حينما تغنى واحدة من اغاني الجالغي ، او ناظم الغزالي ،او القبنجي ولميعة توفيق او  عفيفة اسكندر او أمل خضير او رضا علي والعشرات من مبدعينا الذين صاروا شارات ثقافية للأجيال .
 دعوة اخوية للقرأة والثقافـــــة والنهوض بواقع جاليتنا المعرفي  وليس دفعه للمزيد من الأنحطاط . دعوة لمثقفينا ان لا يسكتوا على هذه الظاهرة السلبية التي صارت تنتشر كالسرطان ، دون ان يكون هناك من رادع لها ، دعـــوة للأخوة والأخوات ، اصحاب المناسبات  ان يوجهوا  فرق ال " دي جي " بأتجاه تقديم  افضل ما موجود من موسيقى عراقية راقية ....ودعوتي الأخيرة الى الأخوات والأخوة ، حضور المناسبات الأجتماعية ، ان لا تتركوا  لبعض الجهلة ان يديروا عجلة الفن والثقافة كما يشتهون  ، ان توقفوهم عند حدهم ، وأن يعلموا بأن لهذه الجالية اصالة عراقية عمرها آلاف السنين ، اكبر بكثير من اصالة حانات الشام وبارات الخليج  وتفاهات جيل الحواسم .

كمال يلدو
كانون أول 2012

448


الجمعية المندائية في مشيكان:
رحلة عطاء مستمر عمرها 16 عاما



" طوبى لمن عمل خيرا" ، بهذه العبارة المؤثرة افتتح السيد اســـعد السيفي الحفل التكريمي الخاص الذي احيته الجمعية المندائية في مشيكان يوم السبت 15/12/2012 احتفاءا بأعضاء الهيئات الأدارية التي ادارت  وبنجاح شؤون الجمعية في السنين ال 16 من عمر هذه المؤسسة الفتي .كانت اجواء القاعة تنبئ بالسعادة والسرور ، والأفتخار ليس فقط بالمنجز من عمر الجمعية وصمودها امام الكثير من الصعوبات المالية والأدارية ، انما لهذه الألتفاتة التي تعبر عن عمق الفهم للعمل الطوعي ، والشكر لكل من ضحى بوقته وماله الخاص من اجل انجاح مشروع اجتماعي وثقافي في بلد الغربة ، مشروع سيساهم مستقبلا في  ايجاد خيمة ، أو فئ لأبناء الطائفة المندائية التي اضطرتها ظروف العراق الصعبة لركوب موجة الهجرات والوصول الى هذه البقاع البعيدة عن موطن الآباء والأجداد .
رحب السيد اٍسـعد بالحضور الكريم ، مبتدأ برجال الدين الأفاضل ، الكنزبرا فوزي – رئيس الطائفة في الولايات المتحدة وكندا – والشيخ  خلف عبد ربه ،  ثم الحضور  ، والمحتفى بهم على حد سواء  ، شاكرا  وممتنا  لهذه الطليعة  التي كانت قدوة للآخرين  في تضحياتها  وعملها لتأسيس هذا الوطن الصغير  الذي جمع ابناء الطائفة في افراحها وأتراحها  ، مؤكدا ، ان هذا اليوم هو يوم متميز لأننا نتذكر كل الذين عملوا وأثمر عملهم هذه الشجرة  الوارفة بظلالها وناسها .ثم طلب من الشيخ "فوزي" ان يلقي كلمته والتي استهلها بالشكر لكل من ضحى بوقته وماله الخاص من اجل ان ترتفع راية       " الدرفش" عالية ، في اشارة الى الراية التي يقدسها ابناء الطائفة المندائية .ثم قال: رغم اننا في بلاد بعيدة ، الا اننا ومن خلال هذه البناية ، وهذه المؤسسة ، نقطف ثمار كل الذين عملوا للسنين المنصرمة ، بعدد اعضائها المزدهرة  ونشاطاتها والمناسبات المتميزة ، بجهود الهيئات الأدارية السابقة ، وبجهود المؤسسين الأولين .ثم قال :" أحتموا ببعضكم ، كما العيون بالأقدام" ، واردف قائلا: ان قوتنا بوحدتنا ، وأننا ثمار حقل واحد . ثم دعاهم الى مزيد من المحبة والأنسجام والتكاتف والتآزر والتعاطي بأيجابية ، ثم انهى كلمته بالأشارة الى الشجرة المثمرة وضرورة رعايتها!
عقب ذلك القى السيد هيثم عبد الكاظم رســن ، رئيس الهيئة الأدارية كلمة " وفاء"  لمنجز الهيئات الأدارية السابقة ، مشيدا بما ارسوه  من اساس في النشاطات الثقافية  والأجتماعية ، والدينية ، وتقوية اللحمة الأجتماعية وصولا  لما  تتمتع به هذه المؤسسة ليس في حال ابناء الطائفة في مشيكان ، بل لما تحمله من دلالة رمزية لكل الصابئة المندائين في الولايات المتحدة وكندا .تلتها كلمة طيبة القيت بالنيابة عن المحتفى بهم ، ثم  بدء حفل التكريم بقرأة الأسماء ( 54) اسما ، ووزعت على الحاضرين منهم شهادة الشكر والأمتنان والتقدير .
بعد هذه المراسيم التقديرية ، استمر الحضور في الأستمتاع بالجو الأجتماعي والحضور العائلي المتميز حتى وقت متأخر من المساء .
تأسـت الجمعية في العام 1996 ، نتيجة لشعور ابناء الطائفة الموجودين في مشيكان  بالحاجة  لمؤسسة يستطيعون من خلالها التواصل الأجتماعي والثقافي وأحياء المناسبات الدينية ، رغم ان  عددهم آنذاك  كان يعد بالعشرات . لكن مع استمرار تدهور اوضاع العراق ، انعكس ذلك على زيادة الهجرة ، مما جعل اعداد الطائفة في ولاية مشيكان  تصل حوالي (750) مندائيا لحد هذه السنة  ، ناهيك عن مئات ، وربما الوف اخرى متوزعة في ولايات امريكية وكندية اخرى .
ساهمت هذه الجمعية بتعزيز اللحمة الأجتماعية عبر اللقاءات والنشاطات ، والتواصل  بصلات القربى ، والحفاظ على الهوية الوطنية والدينية ، كما كان لها  دورا كبيرا في تعزيز التعارف  والتقارب العائلي ، لانها  قربت  بين المندائين الذين كانوا موزعين في محافظات العراق الكثيرة والأهواز ، ليجتمع معظمهم في بناية تتميز بالمحبة والسلام .
بعد ازدياد شعبية الجمعية ، وتكاثر نشاطها ، خصص مكان منها لتأسيس  ال " مندي" وهو دار العبادة لأبناء الطائفة ، حيث يساهم  بتعزيز النشاطات الدينية ومنها ، صلاة الأحد ، والمواعظ ، والأجابة عن الأسئلة والأستفسارات المتعلقة بالعقيدة ، وكذلك في تعليم  اللغة المندائية ، وأجراء الطقوس المندائية ومنها  طقوس التعميذ  .
لم يكن في حساب احد منّا ان تأخذنا الغربة بعيدا هكذا ، لكنها والحق اخذتنا ، ورغم صعوباتها ومراراتها ، الا ان الأصالة والوطنية تبقى البوصلة التي تهدي ابناء الطائفة للتكاتف والتعاضد والتعبير عن حب الوطن عبر اية وسيلة ممكنة ومتوفرة .
16 عاما تبدو للبعض قصيرة ، لكنها طويلة جدا حينما تكون مكتنزة بالعمل الطوعي ، رغم كل ما يعتري حياتنا من ظروف اقتصادية صعبة . لكن كل شئ يهون حينما يتعلق الأمر بالمجموع .

كمال يلدو
كانون اول 2012




السيد أسعد السيفي داخل مكتب المندي


السيد هيثم عبد الكاظم رسن


الكنزبرا فوزي رئيس الطائفة المندائية في امريكا وكندا


داخل المندي في مشيكان 2


داخل المندي في مشيكان 3


داخل المندي في مشيكان1


449

القدر الأحمر  ....قدر مساعدة الفقراء
Salvation Army Red Kettle





   يقترن موسم الأعياد في الولايات المتحدة  ، الذي يبتدأ بعطلة " عيد الشكر " وينتهي بعيد " الكرسمس" ( نهاية تشرين ثان حتى نهاية كانون اول) ، بأكبر الحملات ذات الطابع الأنساني للتذكير بمساعدة الفقراء ، المعوزين ، المقعدين ، الأيتام  ، العوائل المعنفة ، المشردين  ، وأخيرا ضحايا الكوارث الطبيعية . وتتخذ الحملات اشكالا منوعة تشترك فيها المدارس والكنائس والمحلات التجارية ، دوائر البريد وصولا الى مراكز الشرطة ودور الأطفائية ، ناهيك عن فاعلي الخير الذين  يقدمون التبرعات المالية والعينية  . وتتزعم هذه الحملات جهتين كبيرتين ، هما جمعية " الصليب الأحمر – Red Cross “
 و جيش الخلاص " Salvation Army”
ان فكرة هذا العمل الأنساني تعتمد على مبدأ التمويل من تبرعات الناس ، وعلى العمل الطوعي .  وقد تكون الصدفة ، او الفكرة العابرة هي اساس كل هذا العمل الكبير .
تعود الحادثة للعام 1891 وبالذات في مدينة سان فرانسيسكو ، حيث وقف قبطان " جيش الخلاص " السيد ( جوزيف مكفيي) محبطا وهو يشاهد طوابير الناس الجائعة عشية حلول عيد الميلاد . رسـم ساعتها في مخيلته مشروعا لأطعام (1000) من اكثر فقراء المدينة جوعا ، لكنه اصطدم بحقيقة الأمر والسؤال الصعب : من اين سيجد التمويل المالي لذلك ؟ قضى ليلته تلك متأملا ، وعادت به الذكريات الى مدينة ليفربول – بريطانيا ، حينما كان بحارا ، وكيف ان  جماعة كانت قد وضعت قدرا حديديا  كان يسمى " قدر سمسون"   عند رصيف الميناء ، كان المارة يلقون به ما تيسر عندهم من نقود معدنية صغيرة ، ثم يجري جمعها وتقدم بعد ذلك لمساعدة الفقراء .
في صباح اليوم التالي قام السيد ( جوزيف مكفيي) بوضع قدر مشابه  قرب منصة احد مراكب النقل ( اوكلاند فيري)  ، وعلى مقربة من احد الأسواق الكبيرة ( ماركيت سكوير) ، وقد زين القدر بعبارة مؤثرة " حافظوا على غليان القدر!" ، لم يمض وقت كثير حتى تمكن من جمع المببلغ المطلوب لأطعام 1000 من جائعي المدينة في يوم عيد الكرسميس ، كهدية لهم  ، وتعبيرا انسانيا عن مشاركتهم افراح هذا العيد .
أستمر العمل بهذا المشروع ، ولم تمض اكثر من 6 سنوات حتى توسع ليبدأ بالساحل الغربي للولايات المتحدة وليصل الى الساحل الشرقي . وفي مطلع العام 1901 وصل عدد من تشملهم وجبة العيد  المجانية والمقدمة من قبل " جيش الخلاص – سالفيشن آرمي " الى اكثر من (150.000) شخص في مناطق مختلفة من الولايات المتحدة .
ليس غريبا ان يشاهد المرء بالقرب من المراكز التجارية او المحال الكبير ، رجالا او نساءا وقد ارتدوا ملابس سانتا كلوز التنكرية  وهم يحملون بيدهم ناقوسا صغيرا يقرعوه بالقرب من  منصة يتأرجح منها  - القدر الأحمر – المشهور بعلامة جيش الخلاص  - داعيا المواطنين للتبرع بما يمكنهم لمساعدة الفقراء والمعوزين ، ولا يعد  من باب المبالغة ان تكون اعداد المتطوعين لهذا العمل النساني بالآلاف  ، يؤدون هذه المهمة بفرح غامر ، وبشكر وأمتنان من المارة  ، رغم تباين الأجواء المناخية في اكثر المدن الأمريكية ، لكنك تشاهدهم منذ الصباح الباكر وحتى ىساعة متأخرة من النهار ، يتحملون كل اتعاب المناخ من اجل رسم بسمة في وجوه الجائعين ، وقليلي الحظوة في المجتمع. بعد ان بدء المشروع بقدر صغير في احدى ضواحي سان فرانسيسكو ، توسع هذا المشروع الأنساني ليصـل جميع الولايات والمدن الأمريكية الرئيسية ، بل يمكن مشاهدته في العديد من العواصم العالمية ومنها طوكيو ، سيوول، ساندياكو في شيلي وعدة دول اوربية .
تشمل خدمات " جيش الخلاص " حوال ( 4،5) مليون شخص سنويا  ، ليس فقط في موسم الأعياد ، بل على طول السنة وعرضها . ورغم ان برنامجهم الرئيسي يعتمد على " القدر الأحمر" في موسم الأعياد ، والذي يقدم الخدمة اصلا لحوالي ( 1،5) مليون شخص خلال مدة شهر من عمر موسم الأعياد ، الا انهم يعملون – طوعيا – طوال ايام السنة لمساعدة الفقراء والمعوزين والمعنفين والأيتام  وضحايا حوادث الطبيعة من زلازل وبراكين وفيضانات او اي شكل من اشكال الكوارث ، وهذا التوسع  فرض عليهم ايجاد مراكز مفتوحة طوال السنة . فمن السهل ان تشاهد محال بيع المواد والملابس المستعملة والتابعة ل " سالفيشن آرمي" وهي ما تجود به العوائل الأمريكية ، فيباع وتحول نقوده للمشروع الأنساني ، وذات الشئ  يحدث مع  المطاعم الشعبية والملاجئ ، حيث تملك هذه المؤسسة الكثير من المطاعم التي تقدم  ( 1 أو 2 أو 3 ) وجبات طعام في اليوم للمعوزين والفقراء في معظم المدن الأمريكية وخاصة المراكز الفقيرة ، وتعج هذه المطابخ بالمتطوعين الذين يفدونها ومن كل الأعمار والمستويات الأجتماعية لتقديم خدماتهم للمحرومين .
ان حلم القبطان " جوزيف مكفيي" في اطعام 1000 جائع  من فقراء سان فرانسيسكو ، قد تحول الى مشروع انساني يلامس حياة الملايين ، من مستفيدين منه ، او مشاركين في انجاحه .
كم من هذه الأحلام تحتاجها البشرية ، وكم منها يجد طريقه للنور ؟

كمال يلدو
كانون اول ، 2012
 

450
رحلة الذهب من شارع النهر الى ديترويت




   لا أظن ان هناك قوما ارتبط اسمهم بمهنة محددة مثلما  ارتبط اسم الصابئة المندائين بصياغة الذهب في العراق . ولمن يتتبع خيوط هذا الأرتباط سيكتشف انه يمتد الى عمق الزمان السحيق ، الى الأجداد السومريين والأكدين والبابلين ، ولما لا ! فموطن الأجداد كان جنوب العراق ، وهو ذاته موطن الصابئة المندائين ، وحتى ليخال لك وأنت تتجول  في اروقة المتحف العراقي وتتفحص  كابينات عرض اللقى الذهبية الزجاجية ، لتتأكد بنفسك من انك لست  فقط تنظر الى تأريخ عمره آلاف السنين ، بل يبدو انها اوتيت للتو من احدى محلات الصاغة المندائيون في شارع النهر !
كانوا منتشرين  في اغلب مراكز المدن ( ومازال البعض منهم ايضا) ، ولعل بغداد العاصمة ، بتعداد نفوسها الكبير ، ومركزها التجاري وطابعها المدني كانت قبلة للهواة والمحترفين من المداعبين لهذا المعدن الثمين ، وبهذا يكون شارع النهر ، او شارع العرائس ، او شارع الجميلات أهم موقع يحلم به كل من اراد الولوج في عالم الأناقة والذهب والفن . رغم ان  الحاجة التي فرضها التوسع الميداني وأزدياد السكان وتنامي الدخول بأفتتاح مراكز تجارية في اغلب مناطق بغداد ، والتي احتوت على محال للصياغة مثل الكاظمية والأعظمية والعامل واليرموك والمنصور والدورة وبغداد الجديدة والمشتل  والضباط والباب الشرقي والسعدون والكرادة والثورة والشعلة والشعب  والعديد من الأحياء البغدادية القديمة والحديثة ، لكن ، بقى شارع النهر وتفرعاته ( خان الذهب – خان الشاهبندر ، ســوق دلّة ، سوق ازهار)  قبلة كل من يبحث عن الأنيق والجديد . محلات عامرة وبواجهات جميلة وأخاذة ، حلي ذهبية ، قلادات ، محابس ، أقراط ، خواتم ، زناجيل ، ادعية ، موروثات شعبية وأخرى طقسية ،  وصور لرموز دينية  وتحف فنية غاية في الروعة مصنوعة من الذهب والفضة ومطعمة بالمينا . اسماء كثيرة مازالت ترن في الأذن مثل  :  خليل مالله كان مختصا بالذهب ، ياسر صكر الحيدر وأولاده (ذهب) ، غريب وأولاده ( فضة –ذهب) ، عباس عمارة – والد الشاعرة لميعة عباس ،  كل اولاد وأحفاد زهرون ملا خضر  ( فضة) ، والسيد زهرون بالمناسبة ، كانت الباحثة الأنكليزية في الشؤون المندائية " الليدي درور" قد افردت له عدة مقالات  تضمنت الأساطير والحكايات الشعبية المندائية التي نقلها لها ، علما انه كان من المع لاعبي الشطرنج في العراق ويتقن عدة لغات ، وأخرون غيرهم .
    ولمن كان يلج احدى هذه المحلات ، كان لابد ان يلفت نظره  وجود شخص او اشخاص ، بلحية كثة وبزي شعبي ( الدشداشة البيضاء)  وبنظارات خاصة للعمل  . اما من يعرف قصة هؤلاء الناس ، فسيعلم ، انهم جزء مهم من الطائفة ، توحي لحاهم وملابسهم الى درجة دينية او اجتماعية في الطائفة ، يتوجها اللون الأبيض ، الذي يلازمهم  ليس في طقوسهم فحسب ، وبل وحتى في البستهم العادية ، رمزا للطهارة والنقاء والأمانة . ولهذا ، كان الكثير من الزبائن يتعامل معهم ، وهم واثقون بالرغم من كل ما تحمله هذه المهنة من متاعب وأحتمالات !
     ولآنهم جزء اصيل من الشعب العراقي ، فقد اصابهم ما اصابه ، وهكذا كان مصير الكثيرين منهم ان يختاروا الغربة ملاذا للنجاة بأرواحهم وعوائلهم ، وقد حط الكثيرين منهم في  الولايات المتحدة ، ناهيك عن اوربا وكندا  وأستراليا ، وكان لولاية مشيكان حصة طيبة من هذا الطيف المسالم . رغـم تنوع  التخصصات في الجيل او الأجيال الجديدة ، وتخرج الكثيرين منهم من فروع الجامعات المتعددة وكثرة الأختصاصات العلمية والحرفية ، الا ان مهنة الذهب مازالت ســـاحرة ! وهي حقا كذلك اذ يقول السيد نذير المندوي صاحب "مجوهرات دجلة" : انها المهنة التي تتعامل مع اغلى المعادن – الذهب – ومع ارق انواع البشر – النساء . اما السيد عصام النشمي  صاحب مجوهرات "ادي" فيقول : ان الذهب حلو ، لقد توارثنا المهنة ابا عن جــد ، ولا احب اية مهنة اخرى  ، فيما يؤكـد شـــقيقه السيد مؤيد النشــمي صاحب مجوهرات " رام" : بأن الذهب  زينة وخزينة ، والذهب ملك الأناقة والجمال .وتنتشر محلات اخرى مثل مجوهرات " حواء" للسيد طلعت مندوي وشـريكه ، مجوهرات " يردنا "  للسيد انيس عبد الصاحب ، مجوهرات " بابل"  للسيد عليم السبتي وورش  كثيرة تتنوع بأحجامها  يعمل بها ابناء الطائفة اما كشغيلة او كأصحاب عمل .

ومثلما اشتهروا بمحلاتهم في بغداد ، فهم لا يقلوا شهرة في هذه المدينة ( ومدن امريكية كثيرة) ،  فبرغم ان  الحاجة تفرض امتلاك  رأسمال كبير ، وما تحمله هذه المهنة من مفارقات تقلبات سوق الذهب العالمي  اضافة الى  المنافسة الشديدة من سوق الذهب الأمريكي الهائل ، والذي يحوي موديلات وأذواق وتصاميم من كل انحاء العالم ، الا ان  ابناء هذه الطائفة كانوا جديرين  في تملك ثقة الزبائن العراقيين والعرب وحتى من الأقوام الأخرى  ! وكم كانت تلك المرأة العراقية محقة في كلامها  حينما اشترت ذهبا من احد الصاغة الذي لم يكن مندائيا ، ويبدو انها لم تكن سعيدة بهذا الأختيار  فقالت له : " صحيح الذهب تيزاب ، بس الصايغ مو صـــبّي" !؟

كمال يلدو / ديترويت
تشرين ثان 2012
 



451

الغاء " الحصة التموينية" ورطة لم يحسب حسابها

  لم يبدو على السيد نوري المالكي ، اثناء اللقاء الصحفي  (( الرابط موجود اسفل الصفحة)) بأن  بعض وزرائه قد ورطوه في استصدار قرار " الغاء الحصة التموينية" وأستبدالها بمبلغ مالي قدره 15 ألف دينار عراقي ، أو ان هناك نية مبيتة لدى الكتل السياسية المتنافسة للأيقاع بـــه، بل ذهب بكل شجاعة ليشرح قناعاته بالقرار ، وأفضلياته على المواطن ، لابل ، انه المح الى ان الراتب الممنوح هو اكثر من قيمة الحصة وأفضل له  حيث سيكون " حرا في شراء ما يريد!!" . هذا على الأقل هو  الرد الأول على السادة ممثلي دولة القانون في البرلمان ـ وعلى رأسهم السيد حيدر  العبادي ، الذي حاول تدارك الأمر  من اجل امتصاص   حالة الغليان والرفض الشعبي للقرار المذكور  في  اثناء المؤتمر الصحفي عقب  اعلان القرار رسميا . ويبدو ان ركوب موجة الرفض قد شملت الكتل (دون وزرائها) من اجل حفظ ماء وجهها امام المواطن المسكين . لكن جمهرة كبيرة من المثقفين  ومن عامة الناس ومن التيارات الوطنية واليسارية العراقية  قالت كلمتها بكل وضوح وبلا مواربة ، من ان هذا القرار خاطئ ، وغير مدروس وبحاجة للنقض ، وأن معالجة مشاكل الحصة التموينية لا تجري بهذا الشكل ، بل بتفعيل الرقابة ومحاسبة المفسدين وتقديمهم للعدل وعدم التستر عليهم ،  وقد ظهرت عشرات المقالات في الصحف وعلى صفحات الأنترنيت ، وفي البرامج الأذاعية والتلفزيونية التي رفضت هذا الأجراء ، فيما توعدت الكثير من الفعاليات بأنها ستلجأ الى  التظاهر ان لم تعدل الحكومة عن هذا الأجراء.
    فقد جاء المؤتمر الصحفي لكتلة القانون  ليطرح لنا ، وكأن السيد رئيس الوزراء قد أخذ على حين غـّرة من هذا القرار ، وأنه لا يتحمل المسؤلية لوحدة ، بل ايده في القرار كل الوزراء ، وهذا يعني كل الكتل السياسية ، لأنهم ممثلون في الوزارة ، فـلماذا اذن استهداف  رئيس الوزراء  منفردا؟
نعم ، ان الكل مشترك مع رئيس الوزراء ، ليس اليوم وفي هذا القرار فقط ، بل منذ اتفاقية اربيل ، وبعدها في تشكيل الوزارة ،  والهيئة المشرفة على الأنتخابات ، وفي قانون انتخاب مجالس المحافظات ، نعم الكل مشترك ، ولكن الفرق يبقى  بين  راكب العربة وسائقها ! اي ان المالكي يتحمل المسؤلية مضاعفة قياسـا  بوزرائه ، وألا  من حقي ان اسأل  عن ماهية دوره في رئاسة الوزراء ؟
وبما ان هذا الحديث يستند على الشواهد ، فأني سأرجع الى شهادة الوزير ( نصار الربيعي – وزير العمل والشؤون الأجتماعية ) عن التيار الصدري ، والذي انتقد نفسه – بسبب موافقته  -  امام الشعب ، وأمام رئيسة السيد مقتدى الصدر ، وذكر بعض التفاصيل عن توقيت هذا القرار والكيفية التي اشرف فيها رئيس الوزراء عليه  وطرحه للتصويت قبيل نهاية اجتماع الوزراء !، وثانيا تصريحات النائب  المستقل صباح الساعدي حول الموضوع في غرفة البرلمان الأخبارية ، واصفا ما جرى بأنه زوبعة في فنجان لألهاء العراقيين عن الفساد في صفقة السلاح الروسي ، وللتمويه عن الأنتخابات المقبلة  ، ثم الفـديو المرفق ، والذي يثبت بالدليل القاطع ، ان السيد نوري المالكي ، رئيس الوزراء للدورة السابقة ، ورئيس الوزراء لهذه الدورة ، كان قد اعد العدة لألغاء الحصة التموينية ( او ابدالها) منذ ثلاث سنوات او اكثر ( الدقيقة 7:30 من الفديو المرفق) ، وأنه لم يؤخذ على حين غــــرّة كما ادعى المدافعون عنه !

ان قول المسؤل الكبير في الدولة بأن هذا الأجراء  سيقضي على الفساد الأداري الذي رافق عملية الحصة التموينية ، وتوزيع مفرداتها ، وكل ما يتعلق بها لسنين طويلة  ، هو قول يفتقد للدقة والمهنية ولمراعاة مصلحة الطبقات الأكثر تضررا في المجتمع ، وهي الطبقات المسحوقة . وبالحقيقة ، فأن ما جرى يعد فشلا ذريعا  للحكومة العراقية  ونكوصا  عن تعهداتها للناخبين وللشعب العراقي بتوفير مواد الحصة التموينية  وبأنتظامها  ، لابل بتحسينها وأضافة مواد اخرى  للقائمة ، فماذا كان البديل : الغائـها و استبدالها بمبلغ من المال  الآن ، وربما حتى هذا سيلغى ان تراجعت اسعار النفط ، او مرت على البلاد ازمة مالية لا سامح الله !!
 ان الفساد الذي ينخر  في كل اركان الحكومة ، لن يترك المبلغ المالي يمر دون استقطاع ، بهذا الشكل او ذاك ، فماكنة الفساد بحاجة الى وقود ، والتوعد بأمكانية الحكومة من السيطرة على اسعار السوق وضبطها هو ادعاء لا صحة له بالمرة . فلو كانت هذه الحكومة جادة ، لكانت قد ضربت على ايادي السراق والمفسدين منذ زمن مضى ، لكن الأمور تبدو بأن هناك حلفا مقدسا بين الفساد والدولة ، وتبادل ادوار  من اجل الأدامة  .

ان اخطر مفصل يواجه العملية السياسية ، والأحزاب التي تتصدرها هي ، فقدان المواطن للثقة بهم وبكل عملية التغيير . فهذا الأنسان  الذي كان يتأمل تحسن اوضاعه  قياسا بما عاشه في ظل النظام البائد ، ساءت احواله وتدنت الى مستويات مريعة ، فيما ميزانيات العراق وأنتاجه النفطي في تصاعد خيالي . فماذا تعني ان تكون ميزانية الدولة بحدود ( 110 – 120 ) بليون دولار  ويعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر ؟  ومعدل دخل الفرد السنوي لا يتجاوز 4000 دولار ، وأن البطالة منتشرة والبنى التحتية مدمرة ، والأمية تضرب اطنابها  ناهيك عن ظواهر اجتماعية مريعة تهدد كيان هذا المجتمع ؟
 نعم ، ان استمرار هذا النهج ، وتفشي الفساد اكثر سيدفع المواطن في النهاية اما الى اليأس والقنوط او الى الثورة والتخريب ، وكلاهما مدمر وخطر . وأعتقد ان الأحزاب تفهم هذاه المعادلة بفطرتها ، لأنها يوما كانت ضحية حكم فاسد ، والآن يبدو انها تعيد المشهد لكن بأدوار وأبطال جدد!
كان على المسؤل الأول ان يواجه الجمهور بكل صدق وأن يطرح عليهم السبب الرئيسي من هذا القرار ، وهو ضغوط وشروط البنك الدولي ، والتجارة العالمية من اجل ضم العراق اليهما وأخضاعه الى شروطهم المجحفة ، لكن يبدو انه آثر القائها على المفسدين ( المساكين) وتحميلهم وزر فشل الحكومة في توفير مفردات الحصة وتحسينها! فيما مازال الغموض والألتباس يلف الأسباب الحقيقية التي تجعل من دولة نفطية غنية كالعراق ، تلجأ  للقرض من البنك الدولي ( القرض لم يتجاوز 5 بليون دولار) وتدخل العراق في متاهات شروط  البنك الدولي المجحفة بحق الفقراء ، وأولى تلك الشروط هي ، قيام الدولة برفع دعمها وألغائه عن المواد المعيشية الأساسية ( وفي مثال العراق) تكون مفردات الحصة التموينية . فمن يتحمل المسؤلية السياسية والأخلاقية لهذا التنازل ، وهذه القيود التي ستكبل العراق مستقبلا؟

  وبالعودة للحصة التموينية وبطاقاتها ، اذ يكمن الخلل الكبير في آلية اصدارها ، وآلية متابعتها وتجديدها ، والتخلص من حملتها المتوفين او الذين غادروا البلد وهم بمئات الألوف منذ 2003 ولحد اليوم ، وهذا يرتبط ايضا بعدم اتمام ( والتسويف) في انجاز الأحصاء العام ، لمعرفة عدد السكان وأوضاعهم الأقتصادية ، ومكننة دوائر الدولة وأدخال كل المعلومات في الحاسبات الألكترونية ، اضافة الى الجهل الحقيقي بمستوى السكان  الأقتصادي ( عموما) لمعرفة من يحتاجها حقا ومن لا يحتاجها ، وكما ذكرت الأخبار ومن باب التندر ، بأن هناك وزراء  ونواب ، يتقاضون رواتب بمئات الألوف والملايين ، ومازالوا يواضبون على اقتناء مفردات الحصة التموينية ، تواضعا منهم ، ومشاركة للشعب العراقي في احزانه ومصائبه !؟

  المصيبة الأكبر في مشهد الغاء " الحصة التموينية" او ابدالها  يكمن في مصير الأنتخابات القادمة ( المحافظات او البرلمان ) ، فمع ان الحكومات المتعاقبة لم تنجز الأحصاء السكاني ، فقد بقت هوية " الحصة التموينية" هي الهوية الأساسية التي يحق لحاملها ( مع بلوغ سن ال 18) للتصويت في هذه الأنتخابات ، وبالتالي ستكون هذه الهوية اما بلا قيمة ويسهل تزويرها ، او  أن يحرم جزء كبير من الشباب العراقي الذين سيبلغون سن ال (18) من التصويت ، بسبب عدم امتلاكهم لهوية  نظامية تساوي في قوتها هوية الحصة .وينبغي ان لا تفوتنا المفارقة  حينما رفضت الجهات الرسمية  ، مقترح وزارة التخطيط في  تحديد النسب السكانية او المشاركة في الأنتخابات وفق بياناتها ، والأعتماد  على الأقل في الوقت الحاضر على بطاقة  الحصة التموينية . ترى ، من سيحل هذا اللغز  ...ام ان في الأمر عبرة  لا يفهما الا الضالعون في تأزيم الأوضاع ، او الذين يبيتون شيئا آخرا لصناديق الأقتراع الشفافة ؟؟

ومن باب الطرفة ، فقد اخذني خيالي بعيدا وأنا اشاهد الفديو ( المرفق) ، الى الحملات الأعلامية  للأنتخابات الأخيرة ، والخطب النارية ، والبوسترات المضحكة والمحزنة ، واللقاءات التلفزيونية  ، وقلت في نفسي : يا ترى كم كانت ستكون اصوات " دولة القانون"  لو كانت قد فاتحت الشعب العراقي بمشروعها ، والذي يمس افتراضا ( اكثر من 30 مليون عراقي ) اي انه مشروع جبار ومهم ، وقالت لهم حينها ، بأن القائمة لو فازت بالأنتخابات ، وحالفها الحظ بأن ترأس رئاسة الوزراء ، وبأنها بعد ذلك ستقوم بأبدال مفردات الحصة التموينية بمبلغ 15 الف دينار، من اجل راحة المواطن ولمحاربة المفسدين ..كم ياترى سيبلغ عدد المصوتين للقائمة ، وكم مقعد برلماني سيكون لها...مجرد خيال ؟؟؟

  ليس معلوما للآن الى اية كفة سيستقر  المشهد ، هل مع الغاء قرار الحكومة وأبقاء الحصة التموينية وبالتالي ، تبرير السرقات الكبرى ، والتسامح اكثر مع المفسدين وأصحاب العقود المزيفة ( بدعوى ، قلت لكم !) وبالتالي تعتبر ضربة للمسؤل الأول  ؟  ام ستكون الغلبة لتمرير عملية الألغاء وأستبدالها بالمبلغ المالي ، رغم تصريحات الكتل الأخرى وأستعراضات اعضائها التلفزيونية المثيرة . بالحقيقة ، ميزان القوى مازال هلاميا ، وربما ستكشف الأيام ان كانت هناك اية صفقات ستجري على اساسها تمرير هذا القرار المجحف والغير مدروس . وهنا يأتي موقف القوى اليسارية والديمقراطية العراقية وكل المثقفين  ومنظمات المجتمع المدني ، في فضح  هذه السياسة ونواياها المبيتة ضد المحتاجين والفقراء ، هنا  تأتي مهمة طرح البديل لهذه المؤسسات والعقليات الفاسدة ، هناك تأتي مهمة اسماع اصوات الأحتجاجات عالية ،  اذ يبدو لشركاء العملية السياسية ان الملعب قد  فـّرغ لهم ، وهم بأنتظار صافرة الحكم .
فهل ستكون لأستمرار اللعب ....ام بنهاية اللعب؟
 
** فديو اللقاء مع السيد نوري المالكي وهو يبرر عملية الغاء ( استبدال) مواد  الحصة التموينية  بمبلغ 15 الف دينار عراقي :
http://www.youtube.com/watch?v=xtM3siJhJfU

كمــال يلــدو
تشرين ثان 2012
 

452
"عيد الشــكر" في الولايات المتحدة
Thanksgiving Day in USA




        يحل "عيد الشكر"  في الولايات المتحدة في رابع خميس من شهر تشرين ثان من كل عام ، وهو يمثل بداية موســم العطاء ، ولحمة العوائل ـ والنظر للفقير والمحتاج ، وصولا الى موسم اعياد الميلاد ورأس السنة.
يعود تقليد هذا الأحتفال الى بريطانيا ، اذ كانت الكنيسة تحّي احتفالات تقديم الشكر ( ثانكس كيفنك) في شهر نوفمبر ولمدة ثلاثة ايام ، مباشرة  بعد انتهاء موسم الجني ، مقرونة  بالتعبد والصلاة  ، وكل حسب معتقده وديانته  والطلب بأن يكون الموسم القادم موسما جيدا ووفيرا . رحل هذا التقليد مع المستوطنين الجدد الذي وصلوا ( امريكا) يوم كانت مستعمرة بريطانية ، ويؤرخ كتاب التأريخ عن اول احتفال  ادارته الكنيسة في  العالم الجديد الى العام 1621 ، اذ  شارك فيه سوية ، المستوطنون الجدد جنبا  لجنب مع السكان الأصليون -  ما يسمون بالهنود الحمر –  في ولاية  " نيو انكلاند -  انكلترا الجديدة –" يومها اكل الجميع حيوانات بحرية وبرية ، وقدموا الشكر بمناسبة انتهاء موسم الجني . أعلن اول رئيس لأمريكا جورج واشنطن يوم 62 نوفمبر من العام 1789 يوما وعيدا وطنيا  للأحتفال بعيد الشكر ووصفه :" يوم عام لتقديم الشكر والصلاة بقلوب مملؤة بالنعم والشكر لله" . في اثناء الحرب الأهلية ، وبالضبط في العام 1863 ، اعلن الرئيس الأمريكي "ابراهام لنكولن " ان يكون رابع خميس من شهر تشرين ثان – نوفمبر – من كل عام ،  يوما وطنيا وعطلة حكومية وأهلية للأحتفال بعيد الشكر ، ويجري هـــذا التقليد منذ ذلك الوقت ولليوم .

      يعتبر عيد الشكر – ثانكس كيفنك – واحدا من اهم الأعياد الوطنية الأمريكية اجتماعيا  . فعلى الرغم من الأحتفال به في الولايات المتحدة – ارضا – فأن الأحتفالات تمتد لتشمل  ، القوات الأمريكية اينما تواجدت  ، ان كان في ايام السلم او في ايام الحروب ، البعثات الدبلوماسية اينما تواجدت ، والمواطنون الأمريكان وأينما تواجدوا . فأختيار ان يكون العيد يوم الخميس ، انما يمنح الفرصة للأحتفال به طوال عطلة نهاية الأسبوع ( الخميس – الجمعة – السبت – والأحد ) وبذلك يكون اطول  عطلة  في الولايات المتحدة . في هذا اليوم تجتمع العوائل ، ويعود الأبناء من مناطقهم البعيدة ، وحتى من خارج الولايات المتحدة ، ليجتمعوا من جديد في بيت " الأم " او  في بيت " العائلة " ـ معيدن الى الأذهان نقطة انطلاقتهم الأولى ، من رحم هذه الأسرة التي ربتهم  . لـقد بنيت العديد من التقاليد على التقاء اكثر من عائلة ، او ربما عوائل متقاربة من ناحية النسب للأحتفال بهذه المناسبة التي يحرص ( كل الأمريكان) على الأحتفال بها بغض النظر عن اختلاف قومياتهم او دياناتهم ، فهذا الأحتفال هو مناسبة وطنية  ، يليه في الأهمية  عيد الأم ، ثم عيد الحب ( الفالنتاين) ، لأن هذه المناسبات لا تحتاج الى انتماء ديني او طائفي ، انما هي احتفالات عامة  ، الغاية الأساسية منها تعزيز العائلة والأواصر الأجتماعية . اما عيد الكرسمس والقيامة  ، فكونها اعياد دينية ، ربما لا تمتلك ذات الشعبية التي يمتلكها  عيد الشكر .
     تجتمع العوائل ، بأبنائها وبناتها والأزواج والأطفال والأقرباء  لتناول وجبة غذائية تعد في اغلب الأحيان  في بيت ( المضيّف)  ، وتشترك في اعدادها  ايضا بقية افراد الأسرة ، بأطباق المقبلات او الحلوى او اي مشاركة اخرى ، حتى يكون الكل مشترك في مائدة – عيد الشكر - ، وقد درجت العادة ان تكون الوجبة الرئيسية  مكونة من  - الديك الرومي  أو التركي – كما يسمى باللغة الأنكليزية ، اما بالنسبة للجالية العراقية ، فلابد ان تضاف عليها النكهة المميزة ، حيث تقدم الأطباق العراقية الى جانب الديك الرومي ، مثل الدولمة ، والكبة الموصلية ، والباجة العراقية  . كل  العوائل تفتتح المائدة بتقديم الشكر ، طالبة ان يعم الخير والسلام البشرية ، وطالبة من الله ان ينعم بنعمه على الفقراء والجياع والمحرومين في العالم ، وأن يشملهم برعايته ومحبته ، كلمات وأدعية تتداخل فيها المشاعر الأنسانية وتتسامي لتمني المحبة والخير لكل البشر ! من الطريف بمكان القول ، ان آخر الأحصائيات حول عدد الديك الرومي الذي يؤكل في يوم عيد الشكر – ثانكس كيفنك – وفي الأعوام الأخيرة قد بلغ حوالي ( 45) مليون ديك رومي في يوم عيد الشكر ! ناهيك عن ان العديد من العوائل ، والتي تحتفل بالعيد ايضا ، لكن ربما تتناول طعاما او وجبلة أخرى مغايرة .
    مثلما تحتفل العوائل الأمريكية بعيد الشكر كل عام وتعد  له  العدة ، تشاركهم العوائل العراقية بذلك ايضا ، لابل ان جاليتنا قـد اضافت نكهة انسانية لهذا العيد . فالعديد من الكنائس ، والجمعيات الأهلية ، وأصحاب الأعمال التجارية والمتمكنين من ابناء الجالية ينظمون حملات لتوزيع  الديك الرومي ، ومستلزمات الأحتفال ، من حلوى او صحون ولوازم اخرى للعوائل الفقيرة والمعففة ، ليس العراقية فحـسب ، بل والأمريكية ايضا . اذ ان هذا العيد يوحد الكل في العطاء والنظر للمحتاجين . وعلى صعيد آخر ، تقوم مؤسسات امريكية اخرى مثل دوائر البريد  ورجال  الأطفاء ومراكز الشرطة ، بتوفير  الأماكن للمواطنين المتمكنين كي يتبرعوا بالأغذية المعلبة ، بغية تقديمها في سوق مجاني ومفتوح لكل من هو محتاج ، دون سؤال او جواب ، تعال وخذ حاجتك ! اما المدارس ، فأن لها اسلوبها المتميز في تربية مبداء " حب مساعدة المحتاجين " عند التلاميذ ، وذلك بالطلب لهم بتقديم التبرعات العينية او المالية ، او القيام بعمل ما  ، بغية تجميع الأغذية او الأموال لتغطية مصاريف مساعدة الأطفال والعوائل المعففة والمحرومة ، في عيد انساني مهم ، كعيد الشكر . وهكذا تبدأ زراعة البذور الأولى عند الأطفال ، في النظر الى المحتاج وتقديم المساعدة لهم ، بغض النظر عن لونهم او دياناتهم او معتقداتهم ، المهم هو اشتراكهم في الأنسانية .  العديد من منظات الجالية ، والكنيسة ، وبعض افرادها الميسورين ، تفخر بأنها تقدم ما يمكن ان يزرع البسمة على وجوه الناس ، الذين لا يعرفوهم ، لكنهم يلتقون معهم في الأنسانية ، وبتقديم الشكر ، لهذه الأرض ولهذا الشعب ...الولايات المتحدة الأمريكية !
•   سيصادف  " عيد الشكر " لهذا العام ، يوم الخميس المصادف  22 تشرين ثان 2012
كمال يلدو
تشرين ثان / الولايات المتحدة
 





453
المرحومة "شيماء العوادي" ومحنة العقل!


الضحية شيماء العوادي وصورة المتهم الأول زوجها

 إحتلت حادثة القتل الشنيع الذي تعرضت له مواطنة من أصل عراقي في ولاية كاليفورنيا في آذار 2012 حيزا كبيرا في الأعلام العربي ، والعراقي خاصة . لأن الحادثة كما نقلتها وسائل الأعلام آنذاك  كانت مغلفة بالحقد والكراهية . وحسب الرواية الأولية،  فأن الضحية قضت  بضربة من قضيب حديدي على رأسها  اسقطها قتيلة ، وأن ملاحظة تركت قرب المنزل تقول " ارجعي الى بلادك يا ارهابية" ، وقد كان الزوج حينها يوصل 4 من ابنائه للمدرسة ، بينما الخامسة كانت في البيت نائمة . وكانت الجهات القضائية قد بدأت التحقيق في هذه القضية التي درجت تحت باب " جرائم الكراهية" والتي يعار  لها اهتمام أكثر .  وربما تسعف الذاكرة بعض القراء بأن الرئيس الأمريكي ومسؤولين قد بعثوا بمواساتهم لهذا العمل الشنيع ، وأن عشرات الكتاب قد نشروا نتاجاتهم في الصحف ووسائل الأعلام حول الحادثة ، وأن رئاسة الوزراء العراقية قد أمرت بنقل رفات الضحية الى العراق على نفقتها وتم دفنها في مقبرة السلام بالنجف ، لابل ان احدى النائبات العراقيات  قد طالبت بحملة دولية سميت " حملة المليون حجاب" ، ردا على هذا القاتل الذي وصف الضحية ( وهي محجبة)  بالأرهابية !
هكذا مرت ايام ، ومواقع الأنترنيت تتسابق في نشر الكتابات  عن " الحقد الموجود لدى الغرب على الأسلام " و " مساعي الصهيونية لمحاربة الأسلام " و " التمييز العنصري المتفشي في امريكا " و " الحقد على الأسلام وعلى المحجبات " وعشرات العناوين ، والتي طالب بعضها بالأقتصاص من الغرب، وضرب مصالحه ومقاطعة منتجاته .

   لم تكن قضية الخروج بالنتيجة من هذه الجريمة بالمهمة السهلة ، خاصة وأن التحقيق مستمر وهو طي الكتمان . لكن بالعودة الى ردود الأفعال، والشتائم والتهم  والمواقف المتشجنة، ربما  تدعو الأنسان للبحث عن ســــر هذه الأحقاد والخلفية الثقافية التي تغذيها . فهذه البلاد ( امريكا) و دول اوربا وكندا وأستراليا تعيش فيها مئات الآلاف من العوائل العراقية والعربية، و في اوضاع جيدة ومتوسطة ، وعلى الأقل افضل مما كانت تعيشه في بلادها ( نسبيا) فيما ما زال الكثير من العرب يرغبون بالهجرة لهذه البلدان بالطرق الشرعية او بالتهريب ، وأثبت الواقع ان نسبا غير قليلة يحاولون ((فرض)) ارادتهم  - الدينية خاصة – على المجتمع الذي اختاروه طواعية وبلا ضغط او قسر او اجبار!!! وإلا لكنا – نحن الذين نسكن الولايات المتحدة  على الأقل -  قد سمعنا عن مجازر قتل او عمليات ترحيل جماعية لمواطني تلك البلدان ، تماما كما فعلتها بعض العقليات العربية  ( صدام في طرده للأكراد الفيلية  و للمصرين بعد توقيع الأتفاقية ، والقذافي في طرده للمصريين والفلسطينيين وألقائهم على الحدود ) ، وهذه امثلة قليلة  مما يجري في اوطاننا .
وبالحقيقة ، فأن وجود هذه النسب الكبيرة من اللاجئين العراقيين أو العرب في هذه البلدان لم يأت من فراغ بل جاء نتيجة ممارسات قمعية وعقليات متهرئة  ما زالت تحكم الدول العربية ومعظم الدول الأسلامية ، والتي كان من نتيجتها هذا الفيض الهائل من اللاجئين ـ والذين لا يرغبون بالعودة لبلدانهم رغم كل المناشدات " بالعودة " لا بل انهم يسعون بكل جهدهم لجلب اهاليهم وأقاربهم الى دول اللجوء ايضا !! هذه حقائق نعرفها ويعرفها الجميع ، الا ان القضية المهمة مازالت في الأسلوب الذي يتعامل به بعض الكتاب ووسائل الأعلام في التغطية على فشل تلك الدول وتعليقه على الغرب ، فيما ما زالت نظرية المؤامرة ، اكثر النظريات رواجا في  وسائل اعلام بعضهم او في نهج تفكيرهم وأن كل ما يحصل ،  انما هو مدبر ومخطط له من قبل ؟ ! ويصرفون الأموال والوقت في هذه الأحاديث الفارغة وهم متغافلون عن مكافحة الأمية وتوفير فرص عمل جديدة وسن قوانين انسانية تطور مجتمعاتهم ، كما الشعوب والأقوام الأخرى .

   لقد كشفت التحقيقات التي اجراها جهاز ( اف بي آي) بأن القاتل الحقيقي كان زوج الضحية ، السيد " قاسم الحميدي" ، وقد وجهت له التهمة رسميا قبل ايام وأودع الحبس بقضية جريمة من الطراز الأول . وذكر ايضا ، بأن القتل جاء كرد فعل على قيام الضحية بتقديم اوراق للمحكمة برغبة الأنفصال – الطلاق – بعد تزايد الخلافات بينهما ، ورغبتها ايضا بمغادرة ولايتها الى ولاية اخرى بالقرب من عائلتها وأقربائها ، وأنه قتلها بعد لحظات من ادخاله ابنائه في السيارة لأيصالهم للمدرسة ، اذ دخل البيت وضربها على رأسها ، وأصطنع كسر زجاج احد الشبابيك ، ثم اوصل ابنائه للمدرسة وعاد وأخبر الشرطة ! هذا ما ذكرته الأخبار ، وموقع " العربية" كما ورد على الرابط التالي :
http://www.alarabiya.net/articles/2012/11/10/248675.html
والطريف في الأمر هو عدد التعليقات على الخبر والذي وصل الى (369) تعليق ، بينها الجاد وبينها الضعيف لكنها تكشف ايضا المستوى الثقافي للمتصفحين وللعقلية السائدة .

اما للقارئ العربي ، فأني ادعوه لتصفح المحرك ( كوكل ) وأن يضع اسم الضحية ليشاهد بأم عينه حجم وعدد المقالات التي نشرت آنذاك بحق المتهم المفترض ( الغرب العنصري الكافر) ليكتشـــف ضحالة تفكير البعض ، وقصر نظرهم ، لابل حتى تهربهم من اداء مهماتهم الوطنية ، وإلا بماذا تسمي تغطية رئاسة الوزراء العراقية  لنفقات نقل جثمانها ، وعمل تشييع شعبي  ودفنها في النجف ، بينما لم تفكر بأن تخصص هذه النفقات لأعالة اولادها او ارسالهم للجامعات ، كما ان هذا الأجراء كشف عن موقفا عنصريا طائفيا بأمتياز ، اذ يحق لأي عراقي ان يتسائل ان كانت رئاسة الوزراء العراقية قد اقدمت على عمل مشابه مع عراقي آخر تعرض للأضطهاد او القتل  خارج العراق او ممن التهمتهم حيتان البحار وهم يبحثون عن ملجأ جديد بعد ان لفظهم الوطن الغالي ؟؟ او حتى ممن قتلوا او شردوا داخل العراق ، خاصة من ابناء القوميات والديانات العراقية الصغيرة والأصيلة ؟

النسخة النهائية من شيماءالنهائية

السؤال يبقى : من سيعتذر للقارئ العربي عن المواقف والأستنتاجات والحكايات والشعارات والوعود والتهم التي حملتها المقالات قبل القبض على القاتل الحقيقي.....من ؟؟؟

وبالعودة الى ماكنة البحث كوكل ، فتوجد ما لا يقل عن (490) مقالة او خبر او يوتوب تناول قضيتها ، ارفق لكم بعض  عناوين تلك المقالات لغرض المقارنة مع نتائج التحقيق :
عراقية هشَّمت الكراهية رأسها بالحديد في أميركا
عائلة شيماء العوادي تشعر بأنها مستهدفة في أمريكا
النجف تشيّع شيماء العوادي قتيلة كاليفورنيا
ذكرى اربعينية استشهاد السيده شيماء العوادي 4/28/2012
الشهيدة شيماء العوادي ضحية الارهاب والفكر التكفيري
زوج القتيلة شيماء العوادي يطالب بمعرفة دوافع قتلها
قصيدة شهيدة الحجاب(شيماء العوادي)
البيضاء تطالب الحكومة بمخاطبة الخارجية الأمريكية بشان مقتل شيماء العوادي
الشهيدة شيماء العوادي ضحية الارهاب والفكر التكفيري

القبض على قاتل العلوية شيماء العوادي (( يقتل القتيـل ويمشي بجنازته)) في امريكا

كمــال يلدو
تشرين ثان / الولايات المتحدة



454
باقـة ورد  " للطيور الطايرة"



   يزور الولايات المتحدة ، وولاية مشيكان بالتحديد ، هذه الأيام الشاعر  والكاتب الرائع الأستاذ زهير الدجيلي بغرض اجراء بعض الفحوصات الطبية ، بأمل معالجة بعض الآلام التي ألمت به مؤخرا  . وحتى حينما تكون اوقات الأنسان صعبة بلقاء من يحبــه ، وهم كثيرون ، سيكون اصعب على الكلمات ان تحمل الدفء والود لصاحب القصائد الجميلة ، لصاحب القلب الكبير . الم يكن هو من صــرخ : " نحبكم والله نحبكم ، متعودين نحبكم ، متعلمين انحبكم ..." . ألم تســـمو كلماته المحناة بالعشق للوطن الغالي لسنين طويلة " ياطيور الطايرة روحي الهلي ، وياشمسنا الدايرة بفرحة هلي ، سلميلي الشوك يكبر بالسلام وبالمحبة ...سلميلي ، سلميلي  كليبي طير تايه عرف دربــه ..."
قد لاتكون كافية الكلمات ، ولا حتى كل باقات الزهور ان وضعت بين يديه او نثرت في طريقه  . فقلبه الذي اوحى للقلم بكلمات  ومشاهد ، يحق للغة العربية ان تفخر بأن انسانا مثل " ابو علي" قد عجــن هذه المفردات وقدمها ، لتكون اريجا للذائقة والذاكرة العراقية ( سوية مع الملحنين والفنانين الرائعين الذي ادوا قصائده الغنائية) ، هذا القلب الذي يرنو بالحب ابدا ، رغم المحن والتعب والعمر والغربة وحتى خيبات الأمل التي تحاصر حسه الأنساني المرهف ، فقد كان في كل مرة ينتفض في قصيدة جديدة ، معلنا تمرده على الواقع السئ ، ومناديا للفجر الجديد ان يدنو من عراقه الجميل ، صارخا بالخيرين ان يحثوا السير نحو الغد الذي بناه في شعره ، والذي صار خبزا للعراقيين ، وملاذا دافئا في الغربة .
يصرخ الفنان الرائع كوكب حمزة :( حتى لا فديوم الدنية تراوينه فراك ، حتى لا فد يوم العاشك ما يلكه احباب ...نحبكم والله نحبكم ، متعودين نحبكم  - من قصيدة الشاعر زهير الدجيلي "نحبكم ") .
للكاتب المبدع زهير الدجيلي، معك في وجعك من احببتهم ، معك في آلامك من نذرت روحك لهم ...وسوف لن تريك الدنيه فراك! وسوف لن يغادرك الأحباب !
اماني طيبة معطرة بالياس ، ان تستعيد عافيتك وتعود لأحضان عائلتك ومحبيك ورفاقك .

كمال يلدو
تشرين ثان 2012


455
بعـد عامين، ايّ منجـز تحقق؟




  ربما تكون مناسبة مرور عامين على الجريمة النكراء التي اقترفت في " كنيسة سيدة النجاة " في بغداد ـ مناسبة -  جيدة لمراجعة  " وعود" الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية لأبناء الطائفة المسيحية وللأمم المتحدة والجهات الدولية ،  حيث ما زالت تلك الوعود ترن في الآذان عالية ، في توفير الأمان – النسبي – لهم ، وحماية دور عبادتهم ، والأقتصاص من القتلة الذين يستهدفوهم .
مـّر عامان ولم يتغير شئ يذكر في صورة المشهد ،اذ مازال الوضع الأمني هشا ، ومازال العراق والعراقيون يدفعون فاتورة العنف غاليا، ومازالت المنظمات الأرهابية والعصابات تصول وتجول دونما نهاية ملموسة لأجرامها . اسباب كثيرة تلف بالمشهد ، لعل ابرزها يكمن في ضعف الأجهزة الأمنية وأختراقها ، والصراعات السياسية المستفحلة بين القوى الرئيسية الحاكمة، لابل ان الفساد الأداري قد امتد ليصل  السجون العراقية ، وما عمليات هروب او تهريب اعتى المجرمين الا برهانا ســاطعا على حجمه في اهم المؤسسات .
لايخامر الناس شــكا بأن حل مشكلة المسيحيين في العراق ، ومشاكل اخوتهم في القوميات والديانات الأصيلة والصغيرة من ابناء الطائفة المندائية او الأزيدية ، هي مرتبطة اصلا بحل مشاكل العراق والتي يأتي في المقدمة منها ، استتباب الوضع الأمني ، وتوفير فرص العمل للعاطلين ، والنهوض بمستلزمات حاجات الأنسان الأساسية ، وهذه  بلا ادنى شــك ، ستجد انعكاساتها على اوضاع المسيحين ايضا .
لكن اي من هذه الأماني لم تجد طريقها للنور ، او يلامسها المواطن على ارض الواقع ، والدليل على ذلك ، وفيما يخص ابناء هذا الطيف . فهجرة المسيحين داخل العراق وخارجه  لم تتوقف ، والتهديدات بحقهم ومصادرة اراضيهم ، وتغيير الطبيعة الديموغرافية لمناطق تجمعاتهم  لم تتوقف ، ومحاربتهم بأرزاقهم والأستخفاف برموزهم الدينية لم تتوقف ، مهاجمة كنائسهم  ومقابرهم وأنديتهم الأجتماعية لم تتوقف ، والأغتيالات الفردية  والأختطاف ورسائل التهديد وكواتم الصوت لم تتوقف !!
اذن ، ما الذي تبقـــى امامهم ؟
دولة ضعيفة ، وقتل مجاني ، وحياة مليئة بالخوف والقلق والمصير المجهول .هذه هي الصورة الحقيقية للوضع ، على الرغم من "مســـاحيق التجميل" التي يحاول بعض السياسيون ، وأبواقهم الأعلامية من لصقها بالنظام الجديد . ومن الطرافة المحزنة – المضحكة ، ان تدور الأيام عكس مشتهى الناس ، وكأن ما جرى لهم في العراق لم يكن كافيا ، حين وجد البعض في الملجأ السوري فسحة للأمان ، ها هي  مخالب الأرهاب ، وطلقات الأطراف المتحاربة تحصد بعضهم او تجبرهم لأختيار ســماء أخرى عللهم يجدون شيئا من الأمان تحتها ، لكن حيتان البحار ، وتجار التهريب والعصابات ، قد وقفت لهم بالمرصاد لتفتك بمن لم تطاله يد الأرهاب في وطنه!

يبقى هناك املا لدى من يعمل لمستقبل هذا الوطن وأهله ، الأمل في ان تتوحد القوى الخيرة ، الديمقراطية والقومية واليسارية ، صاحبة المصلحة الأكبر في استقرار العراق ، وأن تتحالف تحت خيمة كبيرة تفشل مشاريع الكتل الطائفية والعنصرية ، الكتل الأنانية في سياساتها ومطامعها  والتي لم ولن تهتم لأزمات المواطن ومعاناته ، طالما كانت سرقاتها ومصالحها الضيقة مضمونة ، طالما بقت الفوضى سيدة الموقف . الأمل يكمن في الذين لم تتلوث اياديهم بالعقود المزيفة او الشهادات المزورة ، بالقوى التي رفضت سياسة الميليشيات او العمل تحت خيم دول الجوار او الأقليم ! هذا هو الأمل ، وهؤلاء هم من سيأخذ بقارب الوطن نحو بر الأمان . فهل تســتفيق النخب الوطنية ، والقومية ( خاصة ممثلي الشعب المسيحي) ، وتعي مصالح الشعب العراقي الآن ، وقبل ان يغرق  القارب بمن فيه !
الم تحن الساعة بعد ؟

كمال يلدو
تشرين أول / 2012  

456

في العراق الجديد: محنة المسيحيين.. محنة وطن

  يصعب على المواطن العراقي المسيحي ، او من الديانات غير الأسلامية  ان يجد نفســه في مواجهة دولة وقوانين  تقنن هويته الوطنية  ، وتدخلها من ثقب ابرة  اسمها – الخمرة ، أو الخمر .
فكلما ضاقت الأمور  برجال السياسة ، وأستعصى حل معضلات البلاد  الكثيرة ، والرقي بمستوى شعبها ، يلجأون الى رفع شعار ( محاربة الخمر والخمارين) ، ووضع المسيحين في خانة المتهم  ، وتحميلهم المسؤلية عن  "الرذيلة" و " التسكع " و " العربدة"  ان جاز التعبير ، في المجتمع العراقي . في الوقت الذي يتغاضى هذا البعض عن حقيقة الأرقام التي تفصح  عن ماهية شراب ( الراح) في العراق . فأستنادا الى اكثر الأحصائيات تواضعا ، فأن نسبة ابناء الديانات غير الأسلامية في العراق لا تتجاوز 3% ، وأن معظمهم يعمل في مجال الخدمات ، اذن ،  من الذي يرتاد البارا ت، ومن يحتسي الخمر في العراق؟ ناهيك بأن علاقة العراقي بالخمر ، هي اقدم بكثير مما يتصور البعض ، وحتى قبل تأسيس كل الأحزاب العلمانية والقومية والأسلامية ،  فلم هذه المزايدات اليوم ؟  الخمر كانت موجودة ، وكانت الناس تحتسيها  منذ ايام السومريين والبابليين وصولا للدولة الأموية والعباسية وحتى العثمانية والى يومنا هذا ، فكان هناك من يستمتع بها ، وكان هناك  من يناطح الحيطان !
لكن ، ايا من تلك الدول او الحضارات والأنظمة ، لم تتحطم او تنهار  ( كما يقول كتاب التأريخ) بســبب الخمر! بل انها  انهارت وتحطمت وتلاشت ، بســـبب الفساد الأداري  ، وعدم الأيفاء بوعودها تجاه شعبها ، وأزدياد الفوارق الأجتماعية ، وخيانة المصلحة الوطنية ، وتغليب مصالح الأجنبي على مصلحة الوطن ، اي بمعناه الحديث ، العمالة للأجنبي ، اقليميا كان او من دول الجوار!!
يغفل العديد من ساسة اليوم وتجار الدين ، حقيقة تأريخ بلادهم والدور المشرف لكل مكوناته ، وخاصة ابناء الطائفة المسيحية ، وأنهم سليلو ارقى الحضارات الأنسانية في المنطقة ،و شاركوا ابنائه في السراء والضراء ، وكان لهم مثلما لغيرهم دور في العلوم والأقتصاد واللغة والطب والتعليم والسياسة، في العمل والبناء ، وانهم شاركوا العراقيين في محاربة الدكتاتورية، وأقتسموا معهم القبور الجماعية ، وأختلطت دماء وأجساد شهدائهم سوية ، رغما على كل من يريد تزوير الحقائق ووضعها بغير نصابها ، وتنسيب القبور الجماعية الى طائفة بعينها زورا وبهتانا .

ان وقفة متأنية امام السياسة التي اتبعها ويتبعها قادة  معظم احزاب الأسلام السياسي في العراق تجاه المسيحين  وأبناء الديانات الصغيرة الأخرى من المندائيين والأزيدية ، تكشف حقيقة خيبة الأمل التي اصابت هذه المكونات بعد التغيير  ، واليأس الذي يضرب اطنابه في صفوفها ، من جراء تكرار الأعتداءات ، وتدمير دور العبادة والمضايقات اليومية وعلى كل الأصعدة ، ومحاربتهم بأرزاقهم وحرمانهم من العيش الكريم . ان هذه السياسات لا يمكن ان ينظر اليها بأعتبارها احداثا منفردة او طارئة ، بل هي سلسلة مترابطة  لها غايات صارت معروفة  لمعظم العراقيين ، بقصد اخلاء العراق من هذه المكونات ، تنفيذا لمشروع  ظلامي حاقد ومعاد للعراق تشترك فيه جهات عراقية وبأسناد ودعم من دول الجوار ،جنبا لجنب مع الميليشيات المنفلته ،  وتجار العقارات العطاشى  للأستيلاء على املاك وعقارات المسيحيين بأرخص الأثمان .
تجري هذه الأحداث ، التي لا يبدو ان لها نهاية قريبة ، في ظل اوضاع عراقية صعبة ، يحتاج فيها الوطن الى قدرات وأختصاصات كل ابنائه ، وليس الى تشتيتهم ودفعهم للهجرة ومغادرة العراق . فيما تؤسس هذه الثقافة – الفاشلة – لعلاقة غير متوازنة بين الحاكم والمحكوم ، وتعيد المشهد مرة تلو الأخرى ، لصورة النظام الدكتاتوري الذي كان يرفع الشعارات القومية والوطنية بينما يقتل ويهجر ابنائه باليد الأخرى .

قد تكون المصائب التي تضرب العراق ، وتهدد كيانه السياسي والأجتماعي ، دافعا للقوى الوطنية ، اليسارية والعلمانية والقومية وممثلي الطوائف والأديان الصغيرة ،  للتأكيد على أن تحالفها حتمية تأريخية لتجاوز هذه المرحلة ، عبر البديل الوطني الديمقراطي الداعي لبناء الدولة المدنية  ، وفصل الدين عن الدولة  ، قبل ان يكتب النجاح للمشروع التدميري القائم اليوم .ان الموقف من حقوق وحرية هذه المكونات ، وخاصة المكون المسيحي، اضحى الميزان الذي يمكن من خلاله الحكم على طبيعة هذا النظام او ذاك . فالأغلبية لا تتكامل حقوقها بأستعداء الأقلية ، بل العكس ، اذ ان الأغلبية تتكامل حقوقها حينما تتمكن الأقليات من ممارسة حقوقها وواجباتها كأغلبية في وطنها .
اما للسادة الذين تهمهم التقوى ، ومحاربة الرذيلة ، فربما  محاربة الفساد الأداري ، وكشف السراق وأصحاب الشهادات المزورة  ، وتوفير مواد الحصة التموينية ، والعيش الكريم للفقراء ، ومحاربة البطالة ، وحماية الطفولة ، والحفاظ على حقوق الأرامل والأيتام ، ربما ترضي الخالق  اكثر من محاربة " الخمر" ! اما التظاهر بالتعبد والتدين على حساب حياة ودماء ودموع المسيحين وغيرهم  ، فلن يجلب لصاحبه الا اقذع الأوصاف .

في النهاية ، لقد مـرّت على هذا الوطن جيوش وأحتلالات ومآس وفيضانات وحروب وأوبئة وأمراض ، لكنه عاد وتعافى ، وأملي بأن يجتاز هذا الوطن الغالي ، حملة الطاعون والجراد ، التي تنهش به اليوم ، ويعود لأبنائه نظيفا ومتعافيا وخاليا من هذه الأمراض الفتاكة !

كمال يلدو
الولايات المتحدة

457
ما حاجتنا للقوانين!



نشرت وسائل اعلام محلية عراقية في آب 2012 ، خبرا يتلخص بقيام مسـؤول أمني "كبير" في مدينة الكاظمية ، بأصدار تعليمات تم بموجبها منع السافرات من دخول المدينة ، لا بل تطبيقهم للتعليمات مباشرة ، مما ادى الى عدة احتكاكات ادت في واحدة منها الى توقيف زوج احدى السيدات لساعات . وروي ايضا عن ذات المسؤول الأمني "الكبير" ، بأنه هدد بأنزال ( شرطة الآداب) الى شوارع المدينة لفرض القانون ، لكن هذه المرة ليس على السافرات فقط بل على الشباب ايضا الذين لا يلتزمون باللبس المحتشم على حد ما ورد في الخبر .
وبغية توضيح الأمر للقارئ الكريم ، فأن القرار او المرسوم او الفرمان الذي اصدره هذا المسؤول الأمني "الكبير" لم يمنع السافرات من زيارة الضريح ، ولا المدينة القديمة ، بل كل مدينة الكاظمية .

لم تكن ردود الأفعال مرحبة بهذا التشدد ، ولا بالطريقة التي اتبعت لتفعيله ، وتنوعت المواقف بين الرفض من قبل اصحاب المحال التجارية خاصة وتأثيراتها السلبية على زوار اسواق المدينة للتبضع ، وبالأستهجان من قبل المواطنين على هذه العقليات ، وبالتشكيك في توقيتها من قبل جمهرة المثقفين والمواطنين والتي نشرتها الصحف المحلية ومواقع الأنترنيت خاصة وأنه يتزامن مع تصاعد ازمات المواطن.
وأثر ارتفاع موجة ردود الأفعال ، انبرى متحدث بأسم وزارة الداخلية ( نشرت شفق نيوز نص تصريحه) اوضح فيه : بأن الوزارة غير مسؤولة عن هذا التصريح ، وهذا ليس من واجباتها ، او من حق اي مسؤول فيها حتى وأن كان " كبير" ، كما ان الداخلية ليس لديها تشكيل اسمه " شرطة الآداب" حسبما تضمن الخبر الأصلي ، وأنها (اي الوزارة) لا تنوي تطبيق مثل هذه القرارات – ان صدرت – بالقوة ، بل بأسلوب الأقناع والتثقيف .

وبقرأة هذا الرد ، الذي يبدو معقولا ، ومنطقيا، خاصة اذاعلمنا بأن الوزارة تدار من قبل السيد ( عدنان الأسدي) بصفة الوكيل الأقدم ، ويرأسها رسميا السيد نوري المالكي ، رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس حزب الدعوة ورئيس قائمة ( دولة القانون) ، وهذا يعني ان للقانون منزلته ومكانته ، وهذه الدولة ليست دولة من هب ودب ، حتى وأن كان مسؤول أمني "كبير" .

المفاجأة كانت بعد يوم او يومان بظهور لافتات كبيرة وزعت على اطراف الكاظمية كتب فيها العبارة التالية (( نشكر قرار الحكومة بمنع دخول السافرات والمتبرجات وكذلك الرجال الذين لم يلتزموا بمظهرهم الخارجي ( من قصات الشعر والملابس) الى مدينة الكاظمية المقدسة ومن لم يلتزم بهذا القرار فسوف يحاسب حساب قانوني – التوقيع أهالي الكاظمية المقدسـة -)) .
الملفت للنظر , ان اليافطة حملت عبارة ( قرار الحكومة) وبتوقيع ( اهالي الكاظمية) !
ترى ، اين هذا القرار , وما هو ، ومن اصدره ؟
ثم ، من هم هؤلاء الأهالي ، ما اسمهم ، وماذا يمثلون ؟
وهل لهم علاقة بمجلس محافظة بغداد ، او مجلس بلدية الكاظمية ، او مجالس العشائر ، او الميليشيات ام منظمات " الحزب القائد" والشعبة الخامسة؟؟
يا ترى ، من اعطاهم هذه الصلاحية ، ثم من سيحاسب رافعي اليافطات ، وهل سيمنحون مستقبلا صلاحيات رسم سياسات البلد ؟
وأخيرا ...هل توافق الجهات الرسمية الحكومية والمحلية على هذا الأجراء ؟

وبغية قطع دابر الشك ، فقد انبرى السيد علي العلاق بأصدار هذا التوضيح :
وقال رئيس لجنة الاوقاف النيابية علي العلاق إن "الحكومة المحلية لمحافظة بغداد اتخذت قرارا طبقا للصلاحيات المعطاة لها بمنع دخول السافرات إلى المنطقة المحيطة بالامام موسى الكاظم". وبين أن "هذا القرار ينسجم مع طبيعة المدينة كونها مقدسة اسوة بالمدن الاخرى كالنجف وكربلاء". وأوضح العلاق أن "الدستور في المادة 10 والمادة 43 اعتبر ان المدن المقدسة هي كيانات مقدسة دينيا تحترم وتراعى وعلى الدولة أن تراعي حرمتها". وتنص المادة 10 من الدستور العراقي على أن "العتبات المقدسة، والمقامات الدينية في العراق، كياناتٌ دينيةٌ وحضارية، وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها". ا

ان اكثر ما يقلق المواطن اليوم هو تعدد مصادر التشريع ، ووصولها لمرحلة ان تصدر القرارات بناءا على أمزجة او آراء جهات محددة دون ان يكون هناك رادع لها ، مستغلة بذات الوقت عباءة الدين كغطاء لتمشية تلك القرارات في معظم الأحيان .وبالحقيقة فأن الخطر الذي يتهدد الحياة المدنية في العراق آخذ في التصاعد مع فتح عشرات الجبهات ( وبشكل متعمد) من قبل احزاب السلطة الدينية، ووضع المواطن في حالة الدفاع ، ومن موقع الضعف ، حتى بات لا يعرف على اية جبهة يقاوم ، هل في مجال الخدمات ام البحث عن فرصة عمل ام التعليم والمدارس ام الصحة والسكن ام الحر اللاهب والعواصف الترابية ام غلاء المعيشة ام منع السافرات من دخول الكاظمية؟؟؟
هل نتصور ان القانون سيأخذ مجراه ، ام ان الدور في هذه المسرحية انيط هذه المرة ب ( اهالي الكاظمية) ، حتى ينجو من ينجو بجلده اذا كان هناك تسائل او اعتراض!

الولايات المتحدة


458
ما كشفته دعوة قناة " الفيحاء" الغراء ؟



         

كمال يلدو

   اطلقت قناة  " الفيحاء" الغراء ، وعلى لسان رئيسها الدكتور محمد الطائي ، دعوة  يوم 28 نيسان 2012 ، تطالب فيها الجهات الرسمية العراقية، ببث وقائع المؤتمر الوطني المزمع عقده  علانية ، وبكل فصوله ، بغية وقوف الشعب العراقي، على جدية هذه الكتل والأحزاب  ، ولقطع الطريق امام اية اتفاقيات سرية بينها ،  ردا كما  يبدوعلى ما  حصل في مؤتمر ( اربيل) ، وبخلاف ذلك ، فأنها اي القناة ، ستدعو الى اعتصامات ومظاهرات جماهيرية في يوم انعقااد المؤتمر ، وتطالب القنوات الأخرى بمقاطعته ، ومقاطعة المتحدثين بأسم المؤتمر  في البرامج الخبرية والتلفزيونية .                                           
  ورغم عدم مرور شهر على هذه الدعوة ، فأن الزخم الذي اوجدته ، وردود الأفعال  فاقت كل التصورات ، من منظمات مجتمع مدني ، ورؤساء عشائر ، وشخصيات  من كل اركان المجتمع العراقي ، ادباء وفنانين ومثقفين ومن عامة الناس ، كما تنشره الفضائية في برامجها اليومية ، ناهيك عن تخصيص حلقات تلفزيونية تغطي الحدث  ، وكان للدعوة صدى جماهيريا كبيرا من خلال الأتصالات والردود . وأثمرت  عن صدور ( مذكرة) بأسم الموقعين وجهت الى الرئاسات الثلاث ، والقوى الرئيسية المدعوة للأجتماع الوطني  المزمع عقده .             

  ان متابعة بسيطة لبعض برامج " الفيحاء" الغراء ، وخاصة فيما يتعلق بدعوتها هذه، تكشـــف حجم  " التململ" ، و " انعدام الثقة" ، و " السخط" ، الذي يوليه عامة المواطنين  ( والذين يتحدثون باللغة الصحيحة الخالية من المجاملات والتزلف)، للنخب السياسية التي يفترض انها تدير دفة البلاد نحو الخلاص من ازماته ، لا بل ان الكثير من التعليقات ، خاصة تلك التي ترتفع وتيرة نبراتها ، قد اســقطت آخر اوراق التوت ، التي يحتمي بها الساسة والمسؤولين في الحكومة العراقية ، ولم تعد كلمات اســئ استعمالها كثيرا ،  مثل ( الوطنية) ، ( الشراكة الوطنية) ، ( حكومة الوحدة الوطنية) ، تنطلي عليهم ، بعد ان اكتشفوا ، نوعية الساسة الذين يتقاتلون على المناصب والوزارات ومراكز صنع القرار ، فيما أن محن المواطن في تزايد مستمر، ومعاناته تفوق معاناة اكثر دول العالم فقرا ،امام  تباهي المسؤولين بأنهم صادقوا على اكبر ميزانية في تأريخ العراق ، لا بل في تأريخ المنطقة .                                                                         

لقد كشفت ردود الفعل الجماهيرية عن حقائق كثيرة ، اكتفي بتناول بعضها :                                                                           
اولا: ان احدا  من بين الآلاف الذين استُطلِعت آرائهم، لم ينبرِ ليدافع عن الأتفاقيات السابقة ، او ليقول كلام مديح واحد بحق الحكومة او منجزاتها ، أو  ليفند دعوة الفيحاء للمطالبة  بعلنية  الجلسات  او بالتظاهر  في حالة عدم الموافقة ، لا بل ان  بعض النواب عرضوا موافقتهم ( الخجولة) على الدعوة ، فيما السؤال القائم  يبقى : اين موقعكم وموقع كتلتكم وحزبكم  من موقف الشارع اليوم ؟               
ثانيا: ان الشارع العراقي يغلي من الداخل ، وليس ببعيد ان ينفجر ، ويمكن للمراقب ان يتلمس ذلك من طبيعة الردود عند المواطن ، الذي لم يذهب بعيداً حينما ينادي بالأعتصمات والمظاهرات ضد  .............!!                                                                     
ثالثا : بينت الوقائع ، حجم البون الشاسع بين المسؤول والمواطن ، وأيضاً بين الكتل  الحاكمة، التي تقتسم كعكعة العراق ( بالســر والعلن ) فيما معاناة المواطن لا نهاية منظورة لها. وأن هذه المواطن ( على الأقل بعضهم) صار يتوعد السياسيين بالأنتخابات القادمة! خصوصاً وهو ينصت لمطالبة رئيس البرلمان بتخصيص اراضي سكنية لاعضاء البرلمان الحالي ، اضافة الى التقاعد المرتفع  والمخصصات والحماية والسيارة رباعية الدفع والجواز الدبلوماسي ، تماما كما يحصل في العالم المتحضر!!                                     
رابعا: كشفت الأزمة الحالية ، ان المشكلة بين السياسيين، هي في الجوهر تتلخص في الحفاظ على مكتسباتهم ومصالحهم، التي لا علاقة لها البتة بمستقبل العراق أو بحاجات المواطن العراقي ، فهذا المؤتمر المنتظر هو للمصالحة بين الكتل المتخاصمة ....بينما قضية المواطن العراقي وتلبية حاجاته، فقد ظلت غائبة في كل هذه الأجتماعات والأتفاقيات والأوراق التي قدمت أو الزيارات ، واللقاءات الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية وووو .                                       
خامسـا : ان تبني فكرة بث وقائع المؤتمر بشكل علني، ستكشف حقيقة اللاعبين السياسيين ، وستفضح الكثير من المواقف والأجندات التي يعملون بها . كما ستميط اللثام عن حقيقة هؤلاء الساسة الذين يخرجون علينا مبتسمين في اجتماعاتهم السياسية دائما  .                             
ســادسا: كنت اتمنى ان اكون في غرف اجتماعات قادة الكتل وبرلمانييهم  وهم يستمعون الى آراء الناس بهم ، نفس الناس الذين انتخبوهم وأوصلوهم الى هذه المراكز ، وكنت سأسأل نفسي : هل تخجلون مما يقوله المواطن عنكم ...ام ماذا ؟                               


ربما سيكون من السابق لأوانه القول بنجاح او فشل هذا الأجتماع ، لكن المعطيات المتوفرة ، وأستنادا الى ارادة هذه الكتل والأحزاب تكشف حقيقة مرة ، وهي ان لا جدية في عقد هذا الأجتماع اساســا ، ناهيك عن فكرة بث (( كامل )) وقائعه علنية ، وأمام الملأ!! فهذه مغامرة لن يقدم عليها حتى اكثر العقلاء من بين ساستنا ، وأن فكرة الأعتصامات  والتظاهر ، ستواجه  مواجهة لن تكون سهلة ، وربما تكون هناك طبخة لمنعها من الأنطلاق اصلا ، بدعوى ( الخوف) على المتظاهرين من الأعتداءات الأرهابية ، او من الخشية لأستغلال ( البعث) لهذه التظاهرات وتجييرها لهم!! هذا ان لم يدعي المسؤولون ، بأن هناك بيانات  اصدرها حزب البعث المنحل تدعو الناس للتظاهر ضد حكومة الوحدة والشراكة الوطنية، وبالتالي فهي تستهدف مجمل منجزات العملية السياسية ....كذا !!                                           

   ان الأحداث تكشف دون لبس ، بأن طريق المحاصصة الطائفية والأثنية ، وسياسة الصفقات السرية  ، لن تدوم كثيرا ، وقريبا سينقلب السحر على الساحر ، وكما قال احد ضيوف برنامج " فضاء الحرية " ، فأن الكل متورط ، لأن الكل وقع على " وثيقة اربيل التأريخية " ، لكنهم اختلفوا في التطبيق !! اذن لا احد افضل من احد ، ولا داعي للمزايدات  .                                                                     

اخيرا ...ان مشاكل العراق ليست في قضية عقد الأجتماع الوطني من عدمه  ، فهذه الأجتماعات تهدف لأخفاء تجاعيد العملية السياسية ، وطمس معالم سرقات وتجاوزات الكتل الحاكمة .                         
 ومعاناة شعبنا تكمن في نوعية القادة والوزراء والبرلمانيين والساسة الذين يتحكمون بمصير اكثر من 30 مليون عراقي ، هؤلاء الذين اثبتت الأيام فشلهم الذريع في انقاذ سفينة الوطن ، لا بل ان  السفينة صارت تعاني من التعب والإجهاد الشديد ، والخشـــية من انها ستغرق بمن فيها ، اذا تعرضت للأمواج العاتية او الرياح العاصفة ، وما اكثرها!                                                                           
الحل يكمن الآن في اصدار قانون عصري للأحزاب ، وتعديل قانون الأنتخابات ، ثم الدعوة لأنتخابات مبكرة ، بأمل ان يكون الشعب العراقي قد استوعب دروســه من الأحزاب المهيمنة على العملية السياسية وأن يحسن الأدلاء بصوته لمن يضع العراق والعراقيين نصب اعينه وليس اي شئ آخر .
 

459

الأعلام العراقي وتفرده في صناعة " القائد الضرورة "
لماذا يتحول عمل الدولة لهبات ومكرمات شخصية !؟   
     

كمال يلدو

   لم يعد خافيا على أحد حجم الخراب الذي تركه النظام البائد على كل مناحي الحياة ، والأهم منها ، على الأنسان العراقي . ولن نغالي  حينما نلقي باللائمة على الماكنة الأعلامية والملايين التي صرفها البعث وصدام في شراء الأقلام والصحفيين والأعلاميين والشعراء والأدباء، الذين تحولوا بمرور الوقت الى جيش من المداحين والمزوقين  ، تملقا وتزلفا لنزوات " الأب القائد" ، حتى يؤمئ باصبعـه الى احد حماياته ويقول : " اعطوه الف درهم" !!
هكذا كان المشهد البائس ، حينما كان العراقيون يكتوون بالحروب العبثية ، وأرهاب المخابرات ، ومنظمات البعث ، والجيش الشعبي سئ الصيت ، كان " طارق عزيز " و " مالك سيف " و " بيتر يوسف" و "صباح سلمان" وغيرهم من المداحين ، يؤلهون صدام حسين حتى اوصلوه لمنزلة الأنبياء والأولياء . نعم مازالت ذاكرتنا مثقلة بتلك الأيام السوداء . وربما يستذكر البعض ، كيف بدأت رحلة " السيد النائب " نحو الطريق الذي اوصله الى " بطل القادسية " و مجرم " المقابر الجماعية" . كانت اهم رافعة استعملها البعث هي الأعلام ، الذي وصفه احدهم ، بأنه " الفيلق الثامن" ، مكملاً به فيالق العراق العسكرية السبع .

بعد زلزال التاسع من نيسان ، خرج الأعلام من عباءة البعث وسلطة الحزب القائد ، ومن عطايا النظام ، وأنطلق في الفضاء محلقا . فأزدانت اسطح المنازل  والبنايات بالأطباق ، ودخلت الفضائيات والكومبيوترات والصحف كل بيت ، وأزدحم أثير العراق بالكم الهائل من ذبذبات التلفزيونات والأذاعات ، ومن  كل حدب وصوب . وكان لزاما على ايتام النظام البائد ، وأعلامييه ، ان يلبسوا ثوبا جديدا ليواكبوا التغيير ، حتى وأن تطلب منهم ذلك، شتم الأب القائد وعلى الأثير مباشرة ، وكأن ذاكرة العراقيين التعبة ، قد اصابها داء الألزايمر المزمن!
لا احسد العراقيين الذين تطل عليهم اليوم بعض وجوه الأمس ، وبما تمليه ضرورات المهنة . الا ان الأصعب من ذلك هي العقلية التي ترسخت في اولى دروس الأعلام البعثي ، وأعني به ، البحث عن " البطل " وكيفية ابرازه على المسرح ، بأسرع وأفضل صورة ممكنة ، وبأستعمال كل ما متوفر من مساحيق التجميل . هذه الآلية  التي صنعت من اناس جهلة ، قادة عسكريين ، وأبطال ميدانيين ، ومفكرين سياسيين ، لا بل وصل الأمر الى تصويرهم بأنهم الرجال الذين سينقذون الأمة من هزيمتها ، ويوقظوها من سباتها ، ويرفعوها من كبوتها ، وهكذا كانت الشعارات " باجر بالقدس يخطب ابو هيثم " و " صدام اسمك هـز امريكا" ، وغيرها من المرثيات .

  أغلب  الفضائيات تبحث ، عن القصص المثيرة ، والغريبة ، لأنها تمثل مادة دسمة لحديث الناس ، وبالتالي تزداد شعبيتها ، فيرتفع اجر الأعلان التجاري فيها تبعا لذلك . وقد وجد بعض الأعلاميين ضالتهم في معاناة الناس ، اغلب الناس ، وخاصة شريحة الفقراء والمعدمين  والمحرومين ، سكنة الأحياء الشعبية المنسية ، وبيوت الطين ، وأكواخ الحواسم والتجاوز ، قصور الصفيح وبيوت الشعر في قلب العاصمة والمدن العراقية التي مـّر على تحضرها عشرات السنين . وأكثر تلك الحالات اثارة ، هي بعض العوائل المعففة ، والتي ضربها الدهر مـرتين ـ الأولى بالفقر والعوز ، والثانية بالمرض أو الشيخوخة او بالأمراض الخبيثة التي عجز الطب العراقي عن علاجها ، بعد ان فرغت جيوبهم من كل ما جمعوه ووصل الأمر بهم الى طرح معاناتهم على الهواء ،لابل وتوجيه النداء والأستغاثة والترجي الى قمة الهرم ، رئيس الجمهورية ، رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان .

  تفضح هذه المناشـــدات حجم الغبن الذي لحق ويلحق بالشرائح الفقيرة ، التي لا حول لها ولا قوة ، وعدم قيام المؤسسات المعنية بواجباتها تجاههم، وتكشف ايضا عن حجم  جهل المواطن بحقوقه المنصوص عليها في الدستور ، وعدم محاولته تحدي  " الخطأ " الشائع والروتين والفساد الأداري ، والقرب من الأحزاب الحاكمة او المسؤولين الكبار ، ويكشف  في الجانب الآخر جهل  ( بعض) المؤسسات الأعلامية بدورها التوجيهي في المجتمع ، والأكتفاء بولوج الطرق السهلة و (الرخيصة) في طرح المشاكل ، وأختزالها ب " الترجي" و " عطف"  رئيس الوزراء " ابو اسراء" او رئيس الجمهورية " مام جلال" او رئيس البرلمان! دون محاولة توجيه تلك النداءات الوجهة الصحيحة التي تحفظ كرامة المواطن ( وما اكثرهم في العراق الجديد) ، ووفق السياقات الحكومية الصحيحة وعلى اساس حقوق المواطنة المكفولة بالدستور .

 لايخامرني ادنى شك ، من ان معظم السياسيين ، والمسؤولين الحكوميين  ، يبحثون عن الدعاية المجانية ، خاصة ان كانت موثقة ومنشورة في شبكات التلفزيون والفضائيات الكثيرة ، والتي تتسابق عليها ارضاءا للمسؤول ، ومن ثم يقوم ذات المسؤول بواجبه تجاهها  ويرد الجميل لاحقا ، وهكذا تصاغ الأخبار  في برامج خاصة ابتكرت لمثل هذه الحملات الدعائية الرخيصة :
 " تلبية للنداء الأنساني الذي قدمته عائلة ....... والمنشور في محطتنا ، اوعز السيد ..........بأرسال المريض للعلاج في الخارج وعلى نفقته الخاصة" .  طبعا ، من المضحك المبكي ، ان لا توجد ولا حالة واحدة قامت مسؤولة حكومية ، او احدى البرلمانيات او القياديات بمثل هذا العمل ، وبقى ذلك مقتصرا على الذكور من سياسيينا الأشاوس .

هكذا اذن يكتب السيناريو ، مظلمة ، وتلفزيون ، وأيعاز من المسؤول الفلاني ، ثم الحل ، ثم الثمن! تماما  على خطى تلفزيون بغداد ونهج حزب البعث وصدام : احدى النساء تشكي لصدام حسين مشكلتها ، ثم يأمر بحلها ، ثم تنتهي التمثيلية بالرقص والهلاهل والهتاف " الله يخللي الريس " .... " الله يطول عمره " ، وهكذا صدق الريس وزبانيته ، وأرتفع رصيدهم ، وأرتفعت معه سقوف ارهابهم وجرائمهم .

  ان قيام ( بعض ) وسائل الأعلام العراقية ، بالبحث ، والترويج لمثل هذه الحالات المؤلمة ، والتي تدمع لها العيون ، وتصيب المشاهد بحالة الحزن المطبق لما آل اليه حال العديد من العوائل العراقية ، فيما اجتماعات الأحزاب والوزراء والمسؤولين لا تجري الا  وبحضور الورود ، والمياه المعلبة والفواكه والكراسي والأرائك المذهبة والمستوردة من كل اصقاع العالم  ، انما تساهم حقا بالتغطية على الأهمال المستشري في مؤسسات الدولة والحكومة ، وأزدراءها بحقوق المواطن ، الذي كان اساس من اتى بهؤلاء المسؤولين الى هذه الكراسي الوفيرة والمذهبة  ، وهو اســـلوب رخيص في اعادة انتاج ظاهرة  " الأب القائد " و " القائد الضرورة" ، متناسين عن عمد ، او جهل ، بأن مهمة المؤسسات هي خدمة المواطن والأخذ بيده نحو الجهة الرسمية المسؤولة عن ذلك ، حالنا كحال باقي الدول المتحضرة ، التي لا نسمع ابنائها او حتى اللاجئين العراقيين الذين يعيشون فيها ، وهم يوجهون نداءاتهم للرئيس الفلاني او لرئيس الوزراء العلاني .

وأمام كثرة هذه المناشدات ، والمشاهد المؤلمة والحزينة ، ينبري الكثير من ابناء شعبنا مدفوعين بغيرتهم الوطنية ، لتبني هذه الحالات والصرف عليها ، وتذيّل تلك الوقفات الأنسانية عادة  بعبارة " فاعل خير " ، ترى لماذا لا يقوم المسؤول المعني بذات الشئ ويكتفي ب " فاعل خير " ان كانت من مصروفه الشخصي ؟  او ان يوعز لمستشاريه ( وما اكثرهم) بملاحقة ومتابعة هذه القضايا وأيصالها للجهات المسؤولة ، والذين يفترض بهم ان يتابعـوا وسائل الأعلام المختلفة للوقوف على مثل هذه الحالات او المناشدات .

  ان اســوأ ما يمكن ان تقدمه بعض الفضائيات ، ووسائل الأعلام اليوم ، هي اعادة انتاج الدكتاتورية من حيث ندري او لاندري ، بأضفاء صفات أوجدها المركز الأداري ، والميزانيات التريليونية ، والحاجة الماسة للدعاية  الأنتخابية . واتمنى على هذا الأعلام ، لكي يبقى حـرا ومستقلا ومهنيا ، ان ينأى بنفســه عن القبول بـدور  المســـّوق " للمسؤول"  ، وأن يتم  توجيه هذه المطالبات الى الجهات الرسمية المسؤولة ، وأن يجري متابعتها ، بكل صدق وأخلاص وحيادية ، وأن يمتنع  الأعلامي عن اتباع الأساليب الرخيصة في عرض مشاكل هذه الشريحة المعدمة ، وأن يكون جادا في فضح حجم الفساد والسرقات ، التي يذهب ضحيتها هؤلاء المساكين . اذ لولا هؤلاء المفسدين ـ لكان العراق وأبناء العراق بأفضل حال ، ولما احتاجت بعض العوائل المثقلة بالمشاكل والأمراض ان تظهر بكل بؤسها وفقرها على شاشات التلفزيون وأمام الملايين ، لتستعرض شكواها بأنتظار رحمة احدهم ، بأنتظار شـــفقة " الأب القائد " ، وعطف "الريس" .
أمثلة للذاكرة : السيد أياد علاوي  * تبرع بما مجموعه (191) مليون دينار  ، من رواتبه ومخصصاته الى ذوي ضحايا جسر الأئمة عام 2005 .
* رئيس الوزراء السيد ابراهيم الجعفري يوصي بتعويض أسـر ضحايا جسر الأئمة عام 2005 .
* الرئيس جلال طلباني يوعز بتعويض أسر ضحايا تفجيرات القرى اليزيدية في سنجار عام 2007.
* المالكي يتكفل بعلاج اللاعب كاظم عبود ، والفنان فؤاد سالم ، 2011 .
* السيد نجيرفان بارزاني يتكفل بعلاج طفل يعاني من امراض نفسية 2012 .
* النجيفي يوصـي بمساعدة المشجع الكروي " قدوري " لغرض العلاج  ، العام 2012 ...والقائمة تطول وتطول .

آيار 2012
 


460


تعقيبا على مقترح فضائية " الفيحاء " الغراء
حان وقت التغيير، قبل أن تغرق السفينة بمن فيها !
               

كمال يلدو


   طرح الدكتور محمد الطائي ، صاحب فضائية الفيحاء الغراء ، في يوم 30/ نيسان/ 2012 ، وضمن برنامج " فضاء الحرية " ، مشـــروع نقل وقائع المؤتمر الوطني المزمع عقده ، مباشرة على الهواء وبحضور الفضائيات ، وإن رفضت الكتل السياسية هذا المقترح ، فأنه يدعو الى الأعتصامات والأحتجاجات ، ومقاطعة اعمال هذا المؤتمر !
ويبدو ان هذا المقترح قد لاقى الترحيب الكبير من المواطنين ، والعديد من منظمات المجتمع المدني وممثلي العشائر، التي عبرت عن تقديرها لهذا المقترح، خاصة بعد ان طفح الكيل عند المواطن العراقي مما يجري على الساحة السياسية والعلاقة بين الكتل وقادتها . لكن فات على الأعلامي المخضرم ، د. محمد الطائي الدخول في الأسباب التي ادت بالوضع العراقي للوصول الى هذه النهاية المستعصية والمغلقة،  والبحث في مسبباتها ، فيما سلط الأضواء على نتائجها وتفصيلاتها فقط.

إن المشكلة ليست في المؤتمر الوطني ، الذي اضحى الشماعة التي تعلق عليها اخفاقات الحكومة العراقية ورئيس وزرائها ، المشكلة الحقيقية تكمن في ايفاء هذه الوزارة بألتزاماتها للمواطن بعد سنتين ونيف  على الانتخابات ، في توفير الخدمات وتخفيف معاناة المواطن ، ان كان بتوفير مفردات البطاقة التموينية، او تلبية حاجاته في الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصحة ، او في التخفيف من نسب البطالة وأيجاد فرص عمل لائقة للخريجين الجدد، وفي الملف الأكثر اثارة للجدل ، ملف محاربة الفساد الأداري ، ومزوري الشهادات وتقديمهم للعدالة، وأعادة الأموال المنهوبة لميزانية الدولة .

 هـذه هـي القضية والملفات الأسـاسية التي تهم المواطن، اما الدعوة لنقل  وقائع المؤتمر علنا من عدمها .... فمــاذا تعني المواطن؟
وإن لم يـوافقوا على نقله مباشــرة فســنلجأ الى المقاطعة والأعتصام ....وأسأل مـــاذا سيؤثر ذلك على المؤتمرين ؟

اليس الأحرى بالأحزاب والكتل ( الفائزة) ، والتي ائتمنها الشعب العراقي عندما منحها أصواته، ان تقدم البديل ؟
أليس من اولى واجبات البرلمان ، وهو الرقيب على اداء الدولة والحكومة ان يقدم البدائل ؟؟

إن طرح فكرة الأعتصامات دون وجود هدف محدد وواضح لهذه الأعتصامات ، ســوف لن يكون الا تشـتيتا للجهد الجمعي العراقي في احداث التغيير المنشود  والحقيقي، والمتمثل بقيام حكومة عراقية  فاعلة  تؤدي واجباتها وفق برنامج واضح .
 أن مبادرة قناة  " الفيحاء " ، وهي القناة العراقية المستقلة ، هي مبادرة جيدة  ، وتحاكي مشاعر الشارع العراقي ، وربما تلتقي مع احاسيس المواطن العراقي ،لكن المواطن مـّل انصاف الحلول وبات على مقربة من الأنفجــار !

 وبالعودة لفكرة الأحتجاجات ( على افتراض ان القوى السياسية سـوف لن تغامر بسمعتها امام المواطن وبشكل علني ) ، فأني  على يقين تام  من ان الشرطة والجيش والمخابرات والأمن الوطني ستكون على اهبة الأستعداد للتصدي لها وأفشالها ، وأن تطلبت الحاجة الى استعمال القوة في تفتيتها قبل ان تأخذ مداها ، خشية على العروش من ان تتساقط ، اما التهمة فهــي جاهزة منــذ اليوم الأول  : بعثيون ، ويريدون استهداف العملية السياسية في العراق الجديد ، وهم معادون لحكم الأغلبية ، التي تمثل المظلومية!!!

  انا لست من الطارئين في متابعة المشهد السياسي العراقي ، خاصة بعد استيزار حزب الدعوة ورئاسة المالكي للوزارة ، وأعتقد جازما ، بأن حل المشكلة العراقية ليس في المؤتمر الوطني ، الذي هو استمرار للأزمات التي خلقتها الأحزاب الفائزة في الأنتخابات ، لأنها بنت العملية السياسية وفق معايير المصالح الحزبية والطائفية والقومية الضيقة ، على حساب المصلحة الوطنية .  فلا هذا المؤتمر ، ولا العشرات من امثاله ستحل مشكلة العراق . الحل يكمن في ادانة النهج الطائفي المقيت ، والتهيئة لأنتخابات مبكرة يسبقها تشريع قانون عصري للأحزاب  ، وتعديل قانون الأنتخاب  بأعتماد الدائرة الواحدة والتمثيل النسبي ، ثم في اقرار مبدا فصل الدين عن الدولة ، وتحريم عمل اي حزب على اساس طائفي او ديني ، بل ان تكون القاعدة ، الوطن ثم الوطن ثم الوطن ، ودون ذلك الى المزبلة .

بودي تذكير الدكتور محمد الطائي بالسؤال الذي طرحه قبل اكثر من ســنتين ، حول الآلية التي يجب اتباعها في محاسبة عضو البرلمان ، أو الوزير المقصر ،...وأنا اعيد السؤال عليه وأقول : ماذا اكتشـــفت بعد هذه السنوات ؟ هل هناك آلية لمحاسبة عضو البرلمان ، او الوزير المقصّر ؟ وأين حدث ذلك ؟
الحقيقة أننا امام جماعة من ، عتاة الساسة الذين تسلقوا العملية السياسية بخداع الناخب العراقي ، ولسنا مجبرين على تحملهم طوال الدورة الأنتخابية . فالعراق يســتحق اكثر ، العراق يستحق قادة وسياسيين مخلصين ، العراق لا يستحق مزورين وسراق وراهني مصالحه للأجنبي ، وقد حان الوقت للتغيير ، حان الوقت للمخلصين ان يقدموا المسيئين للعدالة ، وأن يكونوا هم من يديروا دفة هذه السفينة ، قبل ان تغرق بمن فيها !



461
قصـة الأول من أيار ، أمس واليوم    


الأحتجاج لحظة وقوع الأنفجار - رسم
                                   

يجهل الأغلبية من ابناء الشعب الأمريكي القيمة الحقيقية لما حدث في مدينة شــيكاغو عام 1886 ، وأثرها على مجمل الحركة النقابية العمالية العالمية ، وعلى ظروف عمل العمال والأجور والأمتيازات التي حصلوا عليها لاحقا نتيجة تضحياتهم ونضالاتهم المستمرة .
                                                                                              
البـدايـة
والقصـة بدأت يوم 4 آيار 1886 ، حيث كان هناك تجمعا  عماليا سلميا  في ســاحة ( هـي ماركيت) للمطالبة ب 8 ســاعات يوم عمل ، وحدث ان جاءت الشرطة لتفريق هذا التجمع ، لكن ( احدا) لم يعرف من هـو ، القى بقنبلة ديناميت على تجمع الشرطة ، مما أدى الى مقتل احد رجال الشرطة  ( ماثياس ديكن ) ، وأثر ذلك ، قامت الشرطة بأطلاق النار عشوائيا مما أدى الى سقوط (7) قتلى من الشرطة ( معظمهم بالنيران الصديقة للشرطة)   و (4) من السابلة المدنيين وعشـــرات الجرحى ، لمـا ســـمّي لاحقا ب ( مجزرة هـــي ماركيت ) .                                                                    
وفي ضـوء هذه التطورات ، أدين (8) من قادة التجمع العمالي بالحادث ، رغم ان الأدعاء العام برأهم من تهمة القاء القنبلة ، الا ان (7) منهم حكموا بالشــنق ، والثامن بالسجن 15 عاما . اثنان منهم خففت محكوميتهم الى المؤبد ، وأحدهم انتحر في السجن ، والأربعة الباقون شــنقوا حتى الموت ، و نفذ الحكم  يوم 11 نوفمبر1886.              
تعتبر مجزرة (هـي ماركيت) ، وما تلاها من محاكمة جائرة، وشنق(4)من قادة الأضراب العمالي ( الأبرياء) ، الشرارة التي اوجدت فكرة ( 1 آيار) ، عيد العمال العالمي ، ويوم التضامن مع العمال في كل العالم .وأعتبر موقع الحادثة مكانا تأريخيا يوم 25 آذار 1992 ، فيما ضمت بلدية شيكاغو النصب التذكاري لشهداء المجزرة  والذي وضع في ( فورست بارك)  ، وضـم هذا البارك الى المعالم التأريخية ، وربما يكون هذا التقدير نتيجة اعتلاء احد القادة (الليبراليين) رئاســة بلدية شـــيكاغو آنذاك .                                                                                                  

خلفيات الحدث
يذكر انه وعقب حالة الكساد التي سادت امريكا بين الأعوام ( 1873 -1879) ، بدأت حركة صناعية كبرى ، كانت شــيكاغو تعتبر احد اهم مراكزها ، وترافق ذلك مع تزايد اعداد العمال المهاجرين وخاصة من اوربا والذين طالبوا ايضا بزيادة اجور العمال التي كانت تبلغ ( دولار ونصف) في اليوم الواحد، لكن اصحاب الأعمال كانوا يعارضون هذه المطالب بشتى الأساليب ومنها العنفية وبأستخدام الشرطة ايضا .وقد كان في شيكاغو من بين العمال المهاجرين الجدد من المانيا من أسس جمعيات عمالية ثورية ، وكان بعضها مسلحا ، لأعتقادهم ، بأن مواجهة الشرطة بالسلاح سيوفر الظروف لقيام انتفاضة شعبية تؤسس لقيام نظام اشتراكي .                


القادة الثمانية المتهمون بالحادثة




بداية الحدث
في شــهر اكتوبر عام 1884، أتفقت النقابات العمالية الأمريكية ان يكون  يوم 1 آيار 1886 بداية التحركات والأضرابات العمالية الشاملة لتحديد يوم العمل ب 8 سـاعات ، ومع حلول يوم الأحد 1 آيار 1886 ، كانت هناك اضرابات عمالية في العديد من المدن والمراكز الصناعية الأمريكية ، قدر عدد المشاركين فيها ما بين ( 300 ألف – 500 ألف) عامل . وكانت ردود أفعال اصحاب المعامل والشركات والرأسماليين هـي الأتفاق مع عمال جدد ( غير منتظمين بالنقابات) للعمل محل العمال المضربين ، وبمساندة الشرطة ، بغية كسر الأضرابات . في هذه الأيام العصيبة ، كان القادة النقابيون يتوجهون الى العمال المضربين مناشديهم بضرورة الألتفاف حول نقاباتهم من اجل تحقيق مطالبهم ، وبسلمية اعتصاماتهم  وبعدم الأنجرار نحو استفزازت الشرطة التي كانت تريد جرهم الى معارك جانبية . ومع قدوم اليوم الثالث( 3 آيار) ، كان تجمع العمال امام معمل ( ماكورمك – شيكاغو) ، فخرج العمال (المؤقتين) ، وصاروا وجها لوجه مع العمال المضربين ، وهنا بادرت الشرطة الى اطلاق النار بشكل استفزازي ، فأدت الى قتل (6) من العمال المضربين ، حينها دعت النقابات العمالية الى اكبر تجمع عمالي  لكن هذه المرة  في سـاحة ( هـي ماركيت سكوير) ، والتي كانت تتوسط قلب المركز التجاري بشيكاغو ، ووزعت المناشير الداعية للتجمع ، مطالبة العمال وأبناء شيكاغو بدعم مطالب العمال من اجل (8) ساعات عمل في اليوم ، وأبتدأ الأعتصام سلميا ، في هذا اليوم الذي شهد مطرا خفيفا ، فيما كان القائد النقابي ( سـبايس) ، محرر جريدة – زمن العمال، وركرز تايمس – يعتلي احدى السيارات المكشوفة  ، مخاطبا الجموع العمالية التي قدرت بحوالي (3000) عامل ، مؤكدا بأن العمال المضربين هم ليسوا ضد العمل ، بل  مطالبين بحقوقهم العادلة ب (8) ساعات عمل في اليوم . وتوالت الخطابات الحماسية بعده من قبل العديد من القادة ، وبحلول المساء ، ازدادت اعداد الشرطة الموجودة في المكان ، ثم وصلت مجموعة كبرى منهم ، وطالبت القادة النقابيين بفك الأعتصام ، وتزامن ذلك  ( حوالي العاشرة والربع مساءا) ، بألقاء قنبلة محلية الصنع  من احد الأشخاص ( ظل مجهولا) على مقربة من تجمع الشرطة ، ادى انفجارها الى مقتل احد رجال الشرطة ، وعلى اثرها قامت الشرطة بأطلاق النار عشوائيا، فكانت  مجزرة ( هي ماركت سكوير) . وتزامنا مع اطلاق النار ، القت الشرطة القبض على (8) من ابرز قادة الأضراب ، ووضعتهم رهن الأعتقال ، فيما باشــر المحققون بجمع الأدلة لتوجيه التهمة لهم .
                                              
المحاكمــة
 بدأت المحاكمة يوم 21 حزيران 1886 ، في ظل اجواء من الرعب خلقتها الماكنة الأعلامية الرأسمالية  لتخويف المواطنين من ( الخطر الأحمر)  و ( المد الأحمر) ، دلالة الى الحركات الجماهيرية والعمالية التي كانت شــائعة في اوربا  . اودعت هذه القضية  لدى (لجنة المحلفين) ، فيما اجهدت المحكمة نفسها  عبر المدعي (شــاك)  في تقديم القرائن والدلائل  ( الملفقة) ، ورفض اية شهادة قدمتها عوائل المتهمين ، او شهادة اي  مواطن يشك في انتمائه للنقابات او تضامنه مع العمال . أنتهت  المحاكمة يوم 11 آب من نفس العام  بأصدار  الحكم بحق القادة النقابيين ( 4 شنقا حتى الموت ، 1 مؤبد  و 2 بالحكم 15 عاما ، فيما قام الثامن بالأنتحار) . وأثر صدور الحكم  ، تقدم محامي الدفاع بطلب الأستئناف ، الا ان المحكمة رفضته ، وأيدت الحكم مجددا ، فأنطلقت حملة  اعلامية عاصفة في العديد من الصحف الأمريكية متهمة  الصحافة الكبرى المملوكة للشركات الأحتكارية ، بأنها تتحمل دماء هؤلاء الأبرياء ، ومحملة المحقق ( شاك) ذات الذنب ، والذي ثبت لاحقا بأنه زور الشواهد فأستحق الطرد من سلك القضاء ، وتزامن ذلك ايضا مع العديد من المظاهرات العمالية والأضرابات في المدن الأمريكية الرئيسة ، مترافقا مع تحركات عارمة في الضفة الأخرى من الأطلسي ( اوربا) ، والعديد من عواصم العالم ، مستنكرين هذه المحاكمة الصورية ، والأحكام الجائرة بحق القادة النقابيين .
 


صورة المناشير التي كانت تدعو للأجتماع عشية المجزرة


                                                                      
تنفيذ الحكم
نـفذ حكم الشنق بعد مرور يوم واحد فقط على رفض محكمة التمييز قرار الطعن ، واقتيد الأربعة فجر يوم (11  تشرين ثان 1886) ، وبحضور بعض  افراد اسرهم ( الذين تعرضوا للأهانة والتفتيش والتوقيف) ، وكانوا مشدودي العزيمة ويرددون ســـوية نشــيد الأممية ، والهتافات الثورية . وفي هذه اللحظات التأريخة قال القائد النقابي " سبايس " : ان الأيام ســتثبت لكم ، بأن صمتنا هـــو اقوى تأثيرا من اعواد مشانقكم !                                                                                      
في الأعوام التي تلت المحاكمة ، انكشفت الكثير من الحقائق ، وحتى بالنسبة للمحلفين الذين  وضعوا بالمشهد على اساس كتابات هؤلاء القادة اكثر من التثبت من حقيقة الأدلة  المادية المتعلقة بالقنبلة والتفجير ، اما  ( الشخص) الذي القى القنبلة ، فقد بقى مجهولا ، رغم ان الشكوك كانت تدور حول ثمانية  اشخاص ، الا ان احدهم لم يكن من بين القادة المدانين .                                                                          
لقد تركت هذه المحاكمة ،وما رافقها من هستريا ، وما نتج عنها من احكام مجحفة ، أثره السلبي على مجمل الحركة النقابية آنذاك ، وعلى حملة الأفكار الثورية والأشتراكية ، وخاصة من القادمين الجدد الى امريكا .



صورة حديثة امام النصب

                             
استمرار النضالات العمالية
 لم تتوقف النضالات من اجل تحديد يوم العمل ب (8) ساعات، حتى بعد ما جرى في شيكاغو ،                                                                  
اذ  انطلقت المظاهرات مجددا في العام التالي  لتحيي  هذه الذكرى وشارك فيها حوالي ( 40) الف عامل ، في تحد واضح وصريح لسلطة رأس المال وحماتهم من الشرطة . في العام 1888، قرر ( اتحاد العمل الأمريكي) مواصلة النضال ، وأختاروا يوم 1 آيار 1890 ، يوما للأضرابات الشاملة من اجل هذا الهدف ، وصادف ان عقد مؤتمر الأشتراكية الدولية في باريس عام 1889 ، فكتب لهم رئيس  النقابات الأمريكية ( ســامويل كومبيرز) وأعلمهم بالنية لتجديد الأضرابات يوم 1 آيار 1890 ، فأقرت الأشتراكية الدولية هذا التأريخ ، كيوم للتضامن مع العمال  لتحديد يوم العمل  ، وهكذا دخل الأول من آيار التأريخ ، كيوم للتضامن مع العمال لتحقيق مطالبهم العادلة ، فيما جعلته العديد من الدول والشعوب لاحقا ، عيدا للأحتفال بأنجازات الطبقة العاملة .
  
تخليد الحادثة والشهداء
دفن ســبعة  من القادة الشهداء في المقبرة الألمانية بشيكاغو ( والد هايم)  ، والتي الحقت بعد سنين بمقبرة ( فوريست هوم) ، وفي العام 1993 ارتفع نصب ( الشهداء) ملاصقا لقبورهم ، وفي السنين اللاحقة اعتبرت المقبرة من الأماكن التأريخية .                                                                                              
في العام 1992 ، قام رئيس بلدية شيكاغو ( ريجارد دالي) ، بنصب لوحة برونزية كبيرة في المكان الذي اعتلى الشهيد "سبايس" العربة المكشوفة والقى خطابه  ، تضمنت اللوحة كلمات الثناء على الحركة النقابية والشهداء وما اثمر من تلك الحادثة من اعتبار يوم الأول من آيار عيدا للطبقة العاملة في كل العالم . وفي يوم 14 /9/ 2004 ، شــارك عمدة شيكاغو وبصحبة مدير شرطتها بأزاحة الستار عن النصب البرونزي ، بأرتفاع 15 قدما ، والذي  صــّور العربة المكشوفة للقائد النقابي "سبايس" ، من اعمال النحات -  ميري بروكير – لتعيد ذكرى الواقعة الكبيرة التي حدثت في ( هي ماركيت سكوير) ، يوم 4 آيار 1886 ، مذكرة بأحقية نضالات العمال ، والتأكيد على حرية التعبير . ومن المفترض  ان يكون هذا النصب الى جانب العديد من الأعمال المتعلقة بالحادثة ، مجتمعة في  " بارك العمل " ، والذي يمثل حلقة وصل التضامن العمالي العالمي .



نصب شهداء مجزرة هاي ماركيت سكوير

                                                                                     
يوم العمل بدلا من عيد العمال
وفي الوقت الذي تحتفل كل شـــعوب العالم، بالأول من آيار ، عيدا عالميا للتضامن مع الحقوق المشروعة للطبقة العاملة ، وتذهب الكثير منها الى اعتباره عيدا وطنيا يزدان بالمهرجانات والمسيرات الشعبية ، فأن الولايات المتحدة ( رسميا) ، لا تعترف به ، لابل انها استبدلته بيوم آخر هو ( ليبر دي – يوم العمل) ، وهو يحمل ايضا دلالة عمالية ، اذ أختير في اليوم  الذي قتل فيه (30) عاملا بيد الجيش في اضراب ( بول مان ســترايك) عام 1894 .وهذا اليوم بالرغم من دلالاته ، الا انه فــّرغ من محتواه النضالي العمالي ، فهو يصادف ( ثان يوم أثنين من شهر أيلول من كل عام ) ، وهو اليوم الذي تنطلق فيه العديد من  دوري الكرة ، ويصادف آخر يوم في  موسم بلاجات السباحة ، ويرتبط بداية العام الدراسي باليوم الذي يليه .                              
اما الأحتفال ب 1 آيار  ، عيد العمال العالمي ، وذكرى مجزرة ( هي ماركيت سكوير) في الولايات المتحدة ، فهو يقتصر على ، النقابات العمالية اليسارية ،  الحزب الشيوعي الأمريكي ، والأحزاب اليسارية والأشتراكية الموجودة في امريكا  ، اذ تقام مسيرات صغيرة واحتفالات عمالية متواضعة ، بسبب عدم دعم الأعلام، وجهل الناس بهذه المأثرة العظمى التي ادت لاحقا الى ان يكون ، يوم العمل رســميا ، ب 8 ســـاعات ، تماما كما نادى به المضربون في شيكاغو قبل 126 عامــا .                    

المقالة مترجنة ومعدة عن الموضوعة الأصلية : http://en.wikipedia.org/wiki/Haymarket_affair

كمــال يلدو 2012

 



462

شـــارع الرشــيد أم شـــارع المطار؟

حاولت جاهدا ان اجد مقالة واحدة لأحد سكنة بغداد وهو يغازل شــارع المطار ، او يكتب عنه ذكرياته  التي طبعها فيه ، او ان يذكر حادثة او محل تجاري او سينماأو مقهى ، احتضنها شــارع المطار وتركت عنده تلك الصور المفعمة بالطراوة ، لم اجد شيئا مما ذكرت ، لابل ان شــوارع المطارات في كل العالم ، تعتبر واحدة من اكثر الشوارع تجردا من الحركة والحياة .فالذين يلجـون شارع المطار هم القلة القليلة التي تسلكه وصولا للمطار ، وهو شارع غير مخصص للسابلة ، ولا ينبض بالحياة او بالحركة ، فهو شـــارع  لايحتل اية أهمية تذكر ، ســـوى ان يكون بمنظر حسن ، وبكســاء جيد ، يجنب السيارات مطبات الطرق العامة ومشاكلها . هذه هي شوارع المطارات في العالم ، وهذا هو شارع المطار في بغداد .
فما الذي حـدى بمحافظة بغداد ، ومن خلفها وزارة الخارجية لتخصيص مبلغ مالي ضخم ( 196) مليون دولار لأعادة تهيئة شــارع المطار ( الموجود اصـلا) ، وأناطته الى شـــركة ( غاب ) التركية وبطول (22) كيلومتر ، ســوى المنظر المزيف امام الوفود العربية ، فيما احياء العاصمة تنام لياليها بكهرباء المولدات ،وشوارعها مهملة ، وسوحها العامة  مكبات للنفايات، ومعظم بيوتها قديمة ،ان لم نقل ان الآلاف منها مشيدة بالطين وتفتقر الى المجاري وأبسط مقومات السكن اللائق ؟
بالحقيقة ، لم اجـد جوابا شــافيا لهذا الأختيار ســوى ما نضح  من استجوابات ، وصدور (7) مذكرات اعتقال بحق مسؤولين أشرفوا على المشروع الذي تبين لاحقا ، حجم الفساد الأداري الذي رافقة من عدم مطابقة المواصفات في المواد الأنشائية ،  الى سرقة الكثير من العدد الكهربائية ، ناهيك عن البذخ والتبذير في قضية الأكساء بالمساحات الخضراء ، وتوفير مياه الري والبزل ، وتشجير الشارع بأشجار النخيل ( قيل انها مستوردة من الأمارات!!)  ، وفي النهاية ، فأنه لم يكن كما اراد أمين بغداد السيد صابر العيساوي الذي صرح في احدى زياراته الميدانية لموقع العمل اذ قال: " سوف نحول مشروع طريق مطار بغداد الدولي الى أسطورة ليس لها سابق في العاصمة وسيكون أفضل من شارع الشيخ زايد في الأمارات" .ٍ

  وضعت هذه المقدمة المتواضعة امام القارئ الكريم لأنقله الى قلب بغداد " المتوفي سريريا" ، وأعني بـــه شـــارع الرشــيد ، هذا الشــارع الذي يبلغ طوله ( 3 كيلومتر فقط وليس 22 كيلومتر) ، وعمره من عمر مدينة بغداد ( حديثا) ، اذ تجاوز المئة عام ، وهو شـــارع لا يوجد مثيل له في كل مدن وعواصم العالم المهمة  ، مما يحويه من محال تجارية متنوعة ، ومهن ، كنائس وجوامع، ومكتبات ، وسينمات ، ومقاهي ، ومطاعم، فنادق ، بارات ، أطباء، صيدليات ، معامل  للخياطة ولصناعة الأحذية ، شركات، محال بيع الحلويات والمعجنات والمرطبات والألبان، عمارات سكنية وأخرى للأعمال التجارية ،صالونات حلاقة ومعارض الملابس والمكائن والأحذية  ، وطراز معماري فريد ، وشوارع فرعية ( درابين) ملئى بالذكريات والحياة والعذوبة ، ناهيك عن ارتباطه بشبكة عنكبوتية من الطرق الفرعية التي تأخذك الى معظم انحاء بغداد القديمة ابتداءا بسوق الهرج ، الميدان ،شارع الجمهورية ، شارع الكفاح ، وشارع الشيخ عمر، والمناطق الكثيرة المطلة عليها ، الى سوق السراي وشارع النهر ،عبورا الى اهم خمسـة جسور (باب المعظم ، الشهداء ، الأحرار ـ السنك والجمهورية) ، المتحف الحربي و البغدادي ، سوق الصفافير ، عكد الجام ، باب الأغا ، سوق دانيال للأقمشة،  البنك المركزي ومصرف الرافدين ،الشورجة ، السوق العربي ، عكد النصارى ، سيد سلطان علي ، المربعة والسنك، دوائر حكومية  والكثير الكثير حتى الباب الشرقي .لا ادعي ذلك مبالغا ، حينما اجزم بأن لا شـــارع في كل هذا العالم يشاركه هذا الغنى  . اما عن مكانه في الذاكرة البغدادية ،فهذا امر آخر لا يمكن لأي مخلوق ان ينكره أو يتناساه ، وحتى لأبناء المحافظات العراقية الأخرى الذين زاروا او يزوروا بغداد ، فأن لم تكن قبلتهم شـارع الرشيد ، فكأنهم لم يزوروا بغداد .

  أقول ، امام الأهمية التجارية الكبيرة لهذا الشارع ، ومعانيه الحضارية والروحية عند ( البغادلة) ، وأرتباطاته التأريخية بأهم الأحداث السياسية والوطنية على مدى عقود من الزمن ، يحق للمواطن ان يتســائل عن ســـب عدم شـــموله بالرعاية والعناية الحقيقية والصادقة من قبل مجلس محافظة بغداد ، منذ التغيير ولحد الآن ؟
لماذا يهمل بهذه الطريقة ، ويترك ، كالفرس المريض ينتظر طلقة الرحمة عليه ؟
لاتســـاعدني تخيلاتي ، أو ضربي للأخماس بالأسداس الا التوصل الى نتيجة مؤلمة ، استشعرها من سياسة الحكومة المحلية لمحافظة بغداد ، بأن هناك مشــروعا معدا لقتل هذا الشارع وأنهاء صلة ابنائه به ، عبر الأستمرار بأهماله وأيصاله الى مرحلة ( اللا تعمير ) ، مما سيستوجب لاحقا ، تهديمـه ، وأقامة شـــارع عصري حديث محله ( لا سامح الله) .
فالذي يزوره ، ويعاين عن قرب ما آلت اليه بناياته ، وبالكوناته الجميلة ، وبوابات محلاته التجارية ، وأعمدته المشهورة ،  لا يلحظ الا خرابا مقرفا ، يجرح ذاكرة كل من احبه وتعلق به على مدى حياة اجيال كثيرة ، شارع تحول الى سوق للباعة المتجولين ، يستعملوه نهارا ويحولوه الى مكب لنفاياتهم ليلا ، شارع تئمه الآلاف وكأن احدا لايسمع انينه او يلتفت الى جروحه الغائرة والنازفة في كل زاوية من زواياه ، بعد ان غابت عنه اهم محلاته التجارية ،ليكون البديل عنها عربات يجرها الفقراء او الحيوانات .والعجب الأكبر هو من موقف السياسين ، والوزراء أو اعضاء البرلمان ، رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء ، لا ادري ان خطر ببالهم يوما ان يمشــوا ، نعم ان يمشـــوا راجلين ، في هذا الشارع بعيدا عن حماياتهم وسياراتهم المصفحة رباعية الدفع ! ، وأن يشــاهدوا حقا مصير الذاكرة البغدادية ، وكيف فتك بها الأهمال والفساد الأداري . هذه النخب التي ائتمنها العراقيون ، وسكنة بغداد ، ليعيدوا المجد لهذه المدينة الجميلة ، بشوارعها وأحيائها وحدائقها وكل معالمها التراثية والتأريخية .
أتمنى لو تصل عدوى المطالبة ، عند الآلاف من زواره ، وتجاره ، وكل من جعله مصدر رزقه ، من اجل اعادة الحياة الى هذا الشريان الأقتصادي والحضاري والأنساني الكبير ، قبل فوات الأوان ، وقبل ان تعمل به معاول أمانة العاصمة ، كما عملت مع الكثير من الصرح الثقافية والتأريخية البغدادية وحولتها الى ركام من الحجر .
196 مليون دولار ، كانت ستكون اكثر من كافية ، لأعادة الحياة وتأهيل شـــارع الرشيد .شارع الذاكرة البغدادية والتراث والارث الحضاري ، ومصدر معيشة وحياة الآلاف ....مفخرة البغادلة على مر الأيام .
اتمنى ان لايفوتنا الوقت ، وقبل ان ينعقد مؤتمر قمة جديد ، وتصرف الأموال على اعادة تأهيل شارع المطار مجددا ، حتى يكون افضل من شارع الشيخ زايد في الأمارات هذه المرة !
ختاما ..يا اهالي شارع الرشيد ، وكل المرتزقين منه ، هل هؤلاء مخلصين له ، ولكم ....ام ماذا ؟؟؟
مرفق : صور حديثة لشارع الرشيد التقطت في نيسان 2012
وبعض الصور القديمة عللها توقض بعض الضمائر ......ان كانت موجودة !
كمال يلدو
نيسان 2012


الرشيد قرب البنك المركزي

 
ساحة الوثبة في الستينات

 
شارع الرشيد 1960

 
شارع الرشيد ايام زمان

 
شركة جقماقجي وشارع الرشيد


 

 

 

 

 

 

 



 

 

 

463
محاربة الافكار التقدمية والعلمانية  ليســت وسـام مشــّرف


في حفل اقيم بمدينة النجف، وأمام حشد من أنصار "حزب الدعوة الأسلامية" ، وبمناسبة الذكرى 32 لأستشهاد السيد محمد باقر الصدر وشقيقته الشهيدة بنت الهدى ، القى السيد رئيس الوزراء نوري المالكي خطابا جاء في سياقه الفقرة التالية : (( .....اننا هزمنا النظريات المنحرفة ......كنـّا قد نشأنا على فكر الشهيد الصـدر ، وتسـلحنا بـه ، يوم كانت التحديات الألحادية و الماركسية والعلمانية ، فهزمناهم بكل ثقة بفضل الصدر وفكره .....قال لي شباب من تونس ، لقد هزمنا الألحاد والماركسية في الجامعات التونسية بفعل فكـر الصـدر ....الخ)) .يمكن مشاهدة الرابط  للخطاب اسفل المقالة .

بادئ ذي بدء ، ان الحديث بسيرة الراحلين لا يستحق الا الرحمة عليهم اولا ، أما ما استشهد به من كلام منسوب للسيد محمد باقر الصدر ، فهـي وجهة نظر ، تســتحق الأحترام من باب حرية الرأي ، وهـي ، اي ( الآراء) ليست من باب المقدس ، بل هي قابلة للنقد ايضا ، ولحجة الرأي الآخر ، حالها كحال اية فكرة او وجهة نظر ، بعيدا عن التسقيط السياسي أو التخوين .فأذا كانت طروحات السيد المالكي ضمن هذا السياق كونه زعيم لحزب ديني يسير وفق نهج الراحل ، فهـو حـر بها ، ويجب ان يتحمل صدره للنقد من الطرف الآخر .أما ان تصدر هذه التصريحات و ( الأستعارات) على لسـان رئيس الوزراء العراقي ، والذي يحمل صفة زعيم لحزب اساسي في العملية السياسية ، ورئيس قائمة اطلقت على نفسها ( دولة القانون)  التي يفترض ان احد اهم اهدافها هي سيادة القانون والدستور، لا نعت المخالفين لرأيه بالمنحرفين ، وكونها تتزامن مع ظرف بالغ الحساسية في تأريخ العراق الذي يلج الخطى  في بناء الدولة الجديدة على انقاض ومخلفات واحدا من اعتى الأنظمة الدكتاتورية ، فأن اختياره لهذا ( الكلام) ، ليس دعابة  ولا من باب ذكر مناقب الراحل  ، خاصة وأنه استشهد على يد نظام وطغمة ناصبت أيضا العداء الدموي الشرس لحملة الأفكار الماركسية والعلمانية ، بل انـه يفتح الباب على مصراعيه لحملة تهدد ما تبقى من الســلم الأهلي الحرج ، وتضر اشد الضرر بالعملية السياسية الناشئة بالبلد ، وهـو خرق واضح للدستور ، لأنها ( اي التصريحات) تصدر من شخصية حكومية تجاوزت على قـوى سياسية ، لهـا كامل الحق ، مثل غيرها ، في التعبير عن وجهة نظرها وتبني البرامج السياسية والفكرية والمنهاج الذي يتواصل مع اعضائها ومؤازريها ومؤيديها ، طالما لم تخرق الدستور!

ان السيد المالكي ، وبهذا التصريح ، انما يتحمل المسؤولية كاملة عن تشريع محاربة وقتل حملة الافكار الماركسية والعلمانية والحداثوية وعن سلامة الأحزاب والأشخاص من سطوة قوى الظلام والميليشات المنفلتة وبقايا جهاز المخابرات الصدامي  المتسربة للأجهزة الأمنية، والتي تتربص بها ، منتهزة اية فرصـة للأنقضاض على هذه القوى التي تؤمن بالنضال السلمي لتحقيق اهدافها وشعاراتها ، لأنها وبكل بســاطة ستعتبر هذه التصريحات ، (فتوى دينية) ، وتوجيها رئاسيا ، وضوءا اخضرا يصدر من اعلى جهة تنفيذية في البلد ، رئيس الوزراء العراقي المنتخب! اما ما التبس على المالكي ، ربما بسبب كثرة انشغالاته، فهو التأريخ العميق والمشرف للأشخاص والأحزاب من حملة الأفكار الماركسية والعلمانية ، والذي يمتد الى عشرات السنين قبل ولادته وقبل ولادة اي من القوى الأسلامية والقومية العربية والكردية وغيرها ، والتي تصدت في  كل هذا التأريخ ، ومازالت ، لأنظمة الأستبداد والقمع ، ورفعت الشعارات الوطنية التي تدافع عن مصالح كل الفئات العراقية المتنوعة بقومياتها وأديانها وطوائفها، وكانت السباقة بمناصرة مطالبها العادلة ، وكانت لهذه الجماعات بصماتها الواضحة على الثقافة الوطنية العراقية ، والآداب والعلوم والفنون والمسرح والسينما، هذا التأريخ الوطني والسجل الذي عمدّته اجيال وأجيال من الشهداء وضحايا الحكومات القمعية من السجناء والمبعدين والمغتربين ، فمن الســذاجة بمكان الغائـه تحت اي مســمى كان ، او بالغرور من توازن قوى هش ، جلبه الأحتلال والصدفة وخداع الناخبين ، موجود اليوم وغير مضمون غدا!
وحتى بالعودة لذكرى استشهاد السيد الصدر وشقيقته بنت الهدى ، والذين قضوا على يــد الدكتاتورية ، والتي هـي  ذاتها التي  حاربت حملة الأفكار الماركسية والعلمانية  ، وزجت بهم في غياهب السجون  والمعتقلات ، وقتلت منهم الآلاف، من  الذين دفنوا في المقابر الجماعية، لتمتزج دمائهم الزكية مع دماء انصار الأحزاب الأسلامية والحركة الكردية وكل الحركات التحررية التي ناهضت الدكتاتورية . فبأي حق تكون المقارنة ، حينما يكون الجلاد جلادا مع انصار حزب الدعوة ، ولا يكون جلادا حينما يتعلق الأمر بحملة الأفكار الماركسية والعلمانية؟ ايـة مقارنة هذه ، وأية برأة ذمـة يقدمها المالكي لجلاوزة البعث الصدامي ، عشـــية الأحتفال بسقوط هذا النظام القمعي ؟
يقينا ان السيد نوري المالكي، ليس من السذاجة بمكان  ان يضع نفسه موضع القتلة الذين اطاح بهم 9 نيسان 2003 ، لكنه اخطأ كثيرا ، بعد ان اجاد بتحويل الكتلة العراقية والكردستانية الى خصوم، فأن اختياره لمخاصمة الماركسيين والعلمانيين انما هو اختيار غير موفق وفاشل بالمرة ، ان كان بالأستفادة من دروس الجلاوزة الذين تصدروا محاربة ومكافحة حملة هذه الأفكار وكيف انتهى بهم الدهر، او من مسيرتهم ومواقفهم المشرفة بعد التغيير عام 2003 . وهو يعلم قبل غيره ، بأن اسهل طريقة لمعرفة طبيعة الأنظمة ، هو من حجم الديمقراطية والحرية الممنوحة للأحزاب من حملة هذه الأفكار ، وكلما ضـيّقت تلك الأنظمة على هذه القوى ، كلما انحدرت نحو الدكتاتورية والنهج الدموي ، تماما كما حصل في عهد جرذ الحفرة ! اما ان لم تســـعفه ذاكرته من احداث العراق المعاصر ، فأذكره بحادثتين ، لا أتمنى ان يكون لهما ثالث: الأولى على ايدي عصابات الحرس القومي عملاء الأستعمار عام 1963، والثانية على يد نظام البعث في 68 و بيد الجلاد صدام حسين ابتداءا من 1978 ، فهل هــي مأثرة يفتخر بها المالكي ، هذا الذي يفترض ان يأتمن له العراقيون في قيادة دفة الدولة لهذه الدورة الأنتخابية ، وهو الذي ادعى انه يمثل ( دولة القانون) ، بأن يطلق مثل هذه التصريحات؟
وهل لهذه التصريحات من دلالات على مرحلة قادمة ، اطلق نذيرها هذه البالونات على رؤوس الأشهاد ، وفي مناســبة تزامنت مع الذكرة 78 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي ، حامل الفكر الماركسي والداعي للدولة العلمانية ، والمتزامنة ايضا مع عيد العراقيين بالخلاص من الصنم وأسقاط تماثيله، الذي استباح قتل الأسلاميين مثلما استباح قتل الشيوعيين ؟

أشــعر ان العراق بغنـى عن مثل هذه التصريحات والخطب غير المسؤولة ، خاصة وأن امام المالكي الكثير من الملفات والوعود  التي مازال الشعب بانتظار تحقيقها رغم مرور ستة سنوات على رئاسته للوزراء ، وفي ظل ميزانيات لم يألفها العراق ولا اية دولة من دول المنطقة ، ملفات تتعلق بتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين وتحسين مواد البطاقة التموينية، ملفات تتعلق بالبطالة ومحاربة الفساد الأداري وسرقة المال العام ومحاربة اصحاب الشهادات المزورة ، ملفات تتعلق بالمياه  وترسيم الحدود مع الجيران ، ملفات تتعلق بمكافحة الأرهاب وتحقيق المصالحة الوطنية وأعادة الحياة لفكرةالأستفادة من كل القوى الوطنية ، ملف الخلاص من المحاصصة الطائفية البغيضة  وملف المهاجرين والمهجرين العراقيين ، اما المتاجرة بالمنجز ( الديمقراطي) في العراق والأنتخابات والدستور ، فكلها يمكن ان تذهب ادراج الريح ، اذا استمر نهج مناهضة ومحاربة حملة افكار الرأي  والمعتقد الآخر،  التي نص الدستور العراقي على حق ممارستها واعتناقها .
حــذار من مسـاواة الضحية بالجلاد ، وحذار من ارتداء بدلة الجلاد ، فذاكرتنا مازالت طرية ، وذكرى 9 نيسان لم تمض عليها قرون حتى ننساها ، ونتذكر جيدا الى اية مزبلة ذهب صدام حســين ، عــدو الماركسية والليبرالية والعلمانية والشيوعية !

استيضاح : لم اعرف في اية صــولة حقق فيها المالكي انتصاراته الباهرة على الماركسيين والعلمانيين وحتى الملحدين؟
اما استشهاده بالطلبة التونسيين وحديثه بأنهم وأستنادا الى أفكار  السيد " الصدر" قد هزموا الماركسيين والعلمانيين ، فأقول له : ان مساعديك خذلوك ، او أنك لا تقرأ جيدا ، او ان هؤلاء الطلبة كذابين وأرادوا خداعك للمزيد من الدولارات ، فقد اجريت قبل فترة وجيزة  الأنتخابات الطلابية في تونس ، وفاز فيها الأسلاميون ب 34 مقعد من اصل 284 مقعد،  بفارق قدره 250 مقعد فقط لليساريين  والعلمانيين!!! ويمكنك  العودة لهذا الموقع للتأكد بنفسك من نتائج الأنتخابات :
http://www.babnet.net/cadredetail-47143.asp

ولمشاهدة مقاطع من خطاب المالكي من موقع محطة " آفاق" :
http://www.youtube.com/watch?v=6ssOamjCdGQ&feature=share

كمال يلدو
نيسان 2012


 


464
إقحـام الدين في الجامعات العراقية ، البصرة نموذجا



لــم تكتمل فرحة الطلبة الجامعيين عشية انهيار النظام الدكتاتوري في 2003  والخلاص من سيطرة حزب البعث والمخابرات وجلاوزة الأتحاد الوطني لطلبة العراق ، والتحرر من قيود الشعارات القومية العربية الزائفة والمتاجرة بالوحدة العربية والقضية الفلسطينية على حد سواء ، حتى بانت في الأفق  قوى الأسلام السياسي التي سيطرت على الساحة السياسية  لتفرض نفسها هي الأخرى على الحياة الطلابية الجامعية لتحقيق اجندتها ، تارة بتهديد المدرسين  او فصلهم ، وتارة بتهديد الطلبة او بالوعيد منهم ، وبالتالي استبدل العراقيون الأستبداد القومي بالأستبداد الديني الطائفي الضيق الأفق . وتحولت سوح الجامعات في احيان كثيرة الى ساحات تصفية حسابات بين هذا التيار او ذاك ، وكان الفيصل لمن يملك سلاحا اكثر او ميليشيا أقوى، فيما لم تنجو الجامعات من استهداف الأرهاب بالتفجيرات او بقتل الأساتذة  والطلبة احيانا كثيرة .
وقبل ايام قليلة نشر موقع ( وكالة نون الخبرية) وموقع ( العتبة الحسنية المقدسة) والعديد من المواقع ، خبر احتفال جامعة البصرة بالذكرى 48 لتأسيسها ، اذ اقيم حفل جرى فيه توزيع الجوائز على الأساتذة والطلبة المتميزين ،ونشاط آخر جانبي ل " العتبة الحسينية" تمثل في معرض للكتاب ، والصور ومحاضرات وزيارات لطلبة المدارس ووفود من كل الأطياف والأديان .......، اقتطعت منه للقارئ الكريم هذا المقطع ، اما الرابط فموجود في نهاية المقال:
(اختتمت اليوم الخميس، فعاليات معرض جامعة البصرة الذي أقيم بمناسبة مرور 48 عاماً على تأسيسها، والذي استمرّ من المدة (1-5) نيسان، بالتعاون مع العتبة الحسينية المقدسة والتي شاركت بمختلف النتاجات والأنشطة الثقافية الخاصة بأقسام وشعب العتبة المقدسة والتي عملت على إيصال رسالة الإمام الحسين (عليه السلام).)** جزء من الخبر كما اوردته وكالة نون .
الملفت للنظر في هذا الأحتفال ، ان جامعة البصرة  وبعد هذا السفر الكبير في المجال الأكاديمي ، وحاجات العراق الآنية ، ومحافظة البصرة بالذات ، ان التقرير لم يشـــر لا من قريب ولا من بعيد الى ملفات كثيرة تصورت انها تقع ضمن صلب مهمة الجامعة التربوية والأكاديمية ، والتي تجد في مناسبات ، كمناسبة تأسيسها فرصة ذهبية لأستعراضها ، او طرحها او حتى اثارتها ، وأذكر منها على سبيل المثال :
1) الآثار السلبية لمياه البزل الأيرانية على واقع الزراعة والتربة  في البصرة
2) شـــحة مياه شــط العرب ، وأرتفاع نسبة الملوحة فيه ، ومستقبله  في ضوء الترسبات وأتفاقية 1975 الجائرة .
3)المراكب الغارقة في شــط العرب وأثرها على الملاحة ورســو الناقلات الكبيرة .
4) مشـــكلة ترسيم الحدود المائية العراقية مع الدول المتشاطئة ( الكويت وأيران) وانعكاساتها على الصيادين العراقيين .
5) محنة صــيادي الفاو ، وأنحسار هذه المهنة امام تصاعد المشاكل مع دول الجوار
6) مســتقبل ميناء الفاو ، وأثر ميناء مبارك على البصرة والملاحة  .
7)البطالة ، الخدمات  والمشاريع الوهمية في البصرة  .
8) مشكلة التصحر ، في ضوء انخفاص مناسيب المياه ، والتجفيف المتعمد للعديد من الأهوار .


هذه الملفات وغيرها الكثير مما يقع ضمن اختصاص ومهام جامعة البصرة وفروعها الأكاديمية الأخرى ، ناهيك عن مشاكل العراق عامة والتي لا تعفي جامعة البصرة من الخوض بها وتقديم الدراسات والعلاجات الناجعة لها .
الم يكن من باب اولى ان تخصص هذه المناسبة القيمة  لعمل تقييم لمنجز هذه الجامعة خلال هذه السنين  الطويلة ؟ الم يكن اجدى ، لو قامت الجهات الجامعية المسؤلة بطرح العديد من الآراء والأفكار ، وأثارة المواضيع ضمن خطتها للعام القادم او للمستقبل ؟
لكن السؤال الأكبر يكمن في العبرة من اقامة ( معرض العتبة الحسينية) ضمن فعاليات الجامعة ، والغاية  المبتغاة منه الآن ؟  خاصة وأنه لايتزامن مع اية مناسبة دينية تذكر، و هي
ليسـت بالجامعة الدينية ، او بالجامعة الأهلية ، او بالجامعة التابعة الى مؤسسة دينية ذات لون محدد؟
اليست جامعة البصرة ، هيئة اكاديمية حكومية يجب عليها الأبتعاد عن اي تخندق ديني او طائفي ، لأنها تخدم جموع الطلبة ، من كل الألوان وألأطياف ؟ وأذا فسحت المجال  ل " العتبة الحسينية" ان تقيم نشاطها ، ولمدة خمسة ايام ! فهل ياترى في نشاطاتها القادمة ، مهرجانات ومعارض وفعاليات لباقي الطوائف والأديان ؟
هذه الأسئلة ، وأخرى كثيرة غيرها لا تحتاج الى اجوبة لأنها اضحت من المسلمات ، او هكذا اريد لها ان تكون!
ولو عدنا قليلا بالذاكرة الى اواسط السبعينات ، وبعد ان بسط البعث سيطرته النهائية على كل مؤسسات ووزارات الدولة ، وعلى الجيش وقوى الشرطة والأمن ، والمؤسسات الأعلامية ، كانت قد تبقت ساحة واحدة بقت عصية عليه لفترة ، تلك كانت المدارس والجامعات ، وكانت خطته لمن مازالت ذاكرته تسعفه ان حصر القبول في  معهد المعلمين والتربية الرياضية وأكاديمية الفنون بمنتسبي حزب البعث فقط ، وحرم اي تجمع طلابي من النشاط في الوسط الجامعي الا لجلاوزة الأتحاد الوطني ، وأناط وزارة التربية ، ووزارة التعليم بأكثر الناس جهلا وتفاهة وحقدا على كل ما هو خير ....كان ذلك في اواسط السبيعنات، فما فرق صورة الأمس عن اليوم ؟
اليست سياسة الأسلام السياسي اليوم ، ترتكز على ذات النهج ، وبأستبدال الزيتوني بالعمامة؟ اليس من خططهم تبديل المناهج وجعلها طائفية بأمتياز ؟ اليس من سياستهم حرمان اي تنظيم طلابي من العمل في الوسط الجامعي سوى تنظيماتهم الدينية ؟اليس في صلب سياستهم عزل الجنسين ، ومضايقة الطلبة في الجامعات المختلطة ؟الم يكن من سياستهم محاربة الفنون والغناء والسينما والمسرح وأقسام النحت ، والأستخفاف بعقول الطلبة ، وتخريج مجاميع تبني علومها على اساس الخرافة والقصص الخيالية بعيدا عن العلوم والأختراعات؟
ان اصرار الأسلام السياسي على السيطرة على المؤسسات المدرسية والأكاديمية يأتي ضمن خطتها الأستراتيجية الهادفة الى اسلمة الدولة شيئا فشئ ، ولو نظرنا حتى الى الوزراء المعنيين وعلاقتهم بالثقافة او التعليم او التعليم العالي ، فأن الخيبة ترافقنا ، في حجم الفساد الذي ينخر هاتان المؤسستان المهمتان ، والمعنية بالنشئ الجديد او في توفير الطاقم العلمي المسؤل عن تمشية امور البلد لاحقا ، فالطلبة الخريجون يشكون شـحة فرص العمل والأستفادة من شهاداتهم ، ورائحة العقود المزيفة لبناء المدارس صارت تزكم الأنوف ، اما مستوى التعليم وحالات المدارس الموجودة ( الطينية منها او الحجرية) فحدث ولا حرج .
اما كيف سيساهم ( معرض العتبة الحسينية المقام لمدة 5 ايام ، في جامعة البصرة ولمناسبة مرور 48 سنة على تأسيسها ) اقول كيف سيساهم ذلك في حل مشاكل البصرة ، ومشاكل العراق ، او في تطوير مستواها العلمي والأكاديمي ؟ فأنا انتظر من احدهم ان يجيني على ذلك .
ثم الا تكفي ايام عاشوراء ، وزيارة الأربعين ، وكل المناسبات الدينية ، والندوات والقنوات التلفزيونية ومحطات الراديو والصحف والمجلات الدينية وغيرها من الفعاليات  وصرفياتها الفلكية في ايصال فكر ( العتبة الحسينية) للمواطن العراقي ، والذي يبلغ نسبة المتدينين بالأسلام فيه اكثر من 98 بالمئة!!! اذن ما الفائدة  المرجوة من هذا النشاط؟
في الحقيقة انه صراع الأحزاب الدينية المتنفذة ، ومنها صراع حزب الدعوة مع منافسيه .فحالة التفرغ الكبيرة للسيد نوري المالكي وعلي الأديب تثبت انهما  يضعان ثقلهما خلف تحويل هذا الصرح الى ساحة خلفية لهم موازية لنفوذ الأحزاب الدينية في الجامعات العراقية الأخرى ، ولهذا نرى وبوضوح ( موكب جامعة البصرة في زيارة عاشوراء ، وزيارة الأربعين وحتى في مسيرات استشهاد الزهراء  - كما نشرته قناة الفيحاء قبل ايام ..وأنشطة اخرى غيرها) .
ان زج الجامعات العراقية في الأنشطة الدينية هو تجاوز على الدستور العراقي وعلى قانون الجامعات اصلا ، اذ يجب ان تبقى الجامعات بعيدة كل البعد عن النشاطات الدينية او التجاذبات السياسية  ، وتركها وشأنها الأكاديمي ، لابل توفير افضل الظروف والمناخات للطلبة من اجل انجاز تحصيلهم العلمي .
ان الدعوة مطروحة للأكاديميين ، والمثقفين وللنخب الوطنية الحريصة على مستقبل العراق في التوقف عند هذه الظاهرة  وعدم تركها تمر دون حساب ...اذ يكفينا ان تتحول الوزارات والمؤسسات الى كانتونات حزبية وطائفية وحتى عشائرية ، واليوم يجري التعدي وفي وضح النهار على المؤسسات العلمية وأقتيادها بالقوة نحو مصالح حزبية وطائفية ضيقة ، ولا تمت للهوية الوطنية العراقية بأية صلة تذكر ، فيما ذات القوى تصرخ ليل نهار ، بأنها ضد الطائفية وتريد التخلص من هذا السرطان الذي ابتلت به . فأين افعالهم من اقوالهم ؟

وللذكرى اســوق هذا المثل : يتذكر الكل حجم ما كان يقوم به البعث وصدام من تجارة بالقومية العربية ، والوحدة  ، والقضية الفلسطينية . وكيف انهم قرعوا بهذه الشعارات عقول العراقيين حتى ملوّها ، وأصابهم الصداع النصفي منها ، ( رغم تبجح البعث بتظاهراته المليونية) ، لكن حينما سقط صدام ، وتبخر "الرفاق" البعثيون ، وأختبأ بطلهم في الحفرة ، حدث ما حدث للاجئين الفلسطينيين في العراق ، وصارت القضية الفلسطينية ، لابل حتى فكرة المنظمة العربية او الوحدة العربية مثار التندر.....اني اخــشـى ان يتكرر هذا المشهد الدراماتيكي ، ويغدو  ابناء الطائفة الشيعية – المكتوين  بشحة الخدمات وفرص الحياة اللائقة وندرة مواد الحصة التموينية ، والقساد الأدري والمالي – اخشـــى ان يدفعوا الفاتورة من جديد بســبب سياسة هذه القياداتى ( التي تتحدث بأسم الطائفة وتدعي تمثيلها) فيما توغل في تجاهل تحقيق ابسط مطالب الجماهير الحياتية  وتصر على المضي في طريق لا يشـــبع الجياع ، ولا يكســـي ابناء الطبقات المسحوقة في  التجاوزات ، ولا توفر فرص عمل مشـــرفة للعاطلين او لخريجي المعاهد والجامعات العراقية .
** اما تســـلسل جامعة البصرة عالميا فقد كان حسب احصاء نشر عام 2011
جامعة البصـــرة – 11406 كما جاء في موقـــع " منتديات عراق اون لاين " على الرابط :
http://www.3raq-online.com/vb/t37897.html


الخبر كما ورد في موقع  " العتبة الحسينية المقدسة"
http://www.imamhussain.org/file1925.html

الخبر كما ورد في موقع " وكالة  الأنباء القرآنية العالمية"
http://www.iqna.ir/ar/news_detail.php?ProdID=979428

كمـــال يلــدو
نيســـان 2012

465

مغزى الأحتفال ب 31 آذار في الغربة

لم يكن حساب الملاجئ التي سيتوجه اليها العراقيين واردا ، حينما اطبق الأرهاب فكيه على كل وطني  أو يساري او شيوعي بداية عام 1979 وما تلاها . بل اضحت الغاية تبرر الوسيلة في الوصول الى بـر بعيد عن سطوة البعث ومخابراته . وحينما حط البعض في ارض الولايات المتحدة ، كانت مهمة البحث عن اناس يشاركوه الرأي  والفكر واحدة من المهمات الصعبة والمعقدة ،  وربما بدافع احترازي ، في الخشية من ازلام النظام وانعدام الثقة ( ولو مؤقتا) ، كانت تلك الأرهاصات تضفي بعدا آخرا لهذه التراجيديا التي تزيد من محنة الملاجئ بادئ الأمر . أما مدينة ( ديترويت)، فمن محاسن الصدف ان تكون واحدة من الأستثناءات التي حملت كلا المتناقضين ، جالية كبيرة ، وشبكة عنكبوتية  من منتفعي النظام وبعثاته الدراسية ، وجمع وطني  غير قليل قذفته احداث 1963 الدموية وما تلاها في انقلاب 68 ، وساعد اكثر انهم من طائفة واحدة ، لابل من مدينة بغداد أو منحدرون من أقضية محافظة نينوى ، وطنيون او من عوائل وطنية وبعضهم كان لهم شهداء في طريق التحرر أو ممن ذاقوا مرارة السجون  . هذه المواصفات اوجدت مساحة مشتركة التقى حولها – اعداء البعث وصدام – يومها ، وانهم  كانوا ، ولم يزلوا  أصدقاء او مناصرين لنضالات الحزب الشسيوعي العراقي .    مع تصاعد الهجمة ، تزايدت الحاجة للأقتراب ، والقيام بعمل ما!
صدرت بعض البيانات السياسية التي وزعت على ابناء الجالية في مدينة ديترويت ، وتوج العمل بتأسيس " رابطة التقدمين الديمقراطين العراقين في امريكا" ، ورافقها  صدور صحيفة شهرية سميّت ( صوت الأحرار) ، وصار التصدي لنظام صدام  حسين  يدور بشكل اكثر علانية في مقاهي الجالية ، المكان الأكثر تواجدا  وشعبية . امـا في لقاءات الرعيل المؤسس ، فقـد كانت الذكريات  حاضرة ، منها ما كان غارقا في القدم ، ومنها ما تناول ثورة 14 تموز،  ومنها ما كان حديث العهد . يحل آذار عام 1981 ، وتحل الحاجة لأحتفال بمناسبة 31 آذار ، عيد ربيع الحركة الوطنية. ولأنها المرة الأولى ويحمل بطياته كل ســمات التحدي  ،فأقيم علنيا  في قاعة (الرابطة) ، تماما في مركز تجمع الجالية العراقية  بديترويت ، حضره المئات ، رجالا ونساءا ، شيبا وشبابا، ، وعلت الشعارات جدران القاعة ، فيما توسطت  صورة للشهيدان  فهد وسلام عادل  منصة الحفل ، بينما أزدان المكان بزينة العيد والفرح والشعارات التي تمجد المسيرة والشهداء وتناهض الدكتاتورية . القيت كلمة  الحفل ، والعديد من الكلمات والتحايا بالمناســبة ، وتليت القصائد الوطنية ، واعتلت منصة الحفل فرقة موسيقية  حيث  أشترك الكل في ترديد الأغاني السياسية الوطنية حتى بعد منتصف الليل .
 هتافات  واغاني كثيرة ملئت فضاء المكان ، كان احلاها وأكثرها ترديدا من الحضور
 ( سالم حزبنه ، سالم حزبنه، حزبنه حي ما مات ، سالم حزبنه ، يخسه اللي يضدنه ، والشعب حي ما مات ، سالم حزبنه) .وفي الأعوام التالية درج  "انصار الحركة الوطنية العراقية "  بالحفاظ على هذا التقليد في اقامة الحفلات وفي قاعات عامة  كبيرة  حتى هذا اليوم .
    على مدى (32) عاما ، حضر هذه الحفلات جمهور يعــّد  بالآلاف ، قسم جاء مرة واحدة ، وقسم مرات ، وقســـم بقى ملازما طوال السنين ، وجوه يمكن لو رجعنا للصور وأفلام الحفلات سنقرا عليها  صورة هذا الزمن المتسارع ، بعيدا عن الوطن. لا شك ان بعضا حضر الأحتفالات نكاية وتحدي للبعث ( آنذاك) ، وقسم كان لصيقا او عاملا في الحركة بالعراق، قسم لهم شهداء او كان اقربائهم او اصدقائهم من الشهداء ، ويعتبر حضور الأحتفال مناسبة لرد الجميل لذلك الشهيد او المعذب من قبل الأنظمة ، وقسم كان يرى ان حضور الأحتفال واجب وطني يمليه  عليه سيرة الحزب النضالية ، وهكذا كانت الحالة ايضا مع ضيوف الحفل من فنانين عراقيين وعرب او شخصيات سياسية مرموقة ، او ممثلي الأحزاب الوطنية العراقية والمنظمات والأحزاب العربية ( من فلسطينين ولبنانين ويمانين ومن بعض دول الخليج وحتى من شمال افريقيا) ، كانت الحفلات تمثل اعراسا وطنية عراقية تمتزج فيها الدموع بالفرح ، وتختلط الذكريات  بالأماني ، ومصاعب الهجرة بحلم العودة .اغان وموسيقى  ورقصات عراقية اصيلة تمثل كل الوان الفنون ولكل اطياف الوطن ودياناته وقومياته ، وكانت عادة الحفلات ان تزين الجدران بشعارات تلك المرحلة ، وصور الشهداء الميامين .
ولأن هذا الحفل ، كان متميزا بشعاراته السياسية ، فالحاضرون لايمكن ان يكونوا طارئين! الكل يعرف الى اي حفل ذاهب ، ويعي حجم التحدي من ذلك، لكن السؤال الذي يبقى : لماذا كان هذا الجمهور يصـّر على الحضور؟  هل لقضاء الوقت ؟ او للمجاملة ؟ ام لأن هناك موقفا مبدئيا  يريد المشاركة في تثبيته بغض النظر عن حجم ما يمكن ان تضيفه مشاركته؟  اذن ، وعــى الكثيرون ، من مثقفين او غير متعلمين ، من عوائل الشهداء  او مناصري الحركة الوطنية ، بأن حضورهم الأحتفالات انما هو تأكيد على الحاجة لوجود حزب شيوعي معافي في حياة العراق السياسية ، رغم كل ما شاب مسيرة الحزب من صعوبات ومآسي طوال ال 32 سنة التي خلت .
يعي الكثيرون ان وجود حزب الشيوعين هو حاجة للبلد ، حاجة للتنوع الفكري  والسياسي ، ولأغناء الثقافة الوطنية ، حاجة للأصالة الوطنية والدفاع بلا هوادة عن مصالح الشعب ، من مثقفين او نساء او من الطبقات المحرومة والمسحوقة ،للشبيبة والطلبة ، وجوده حاجة ماسة لكشف اقنعة احزاب كثيرة رفعت شعارات الوطنية باطلا ، وجوده اماط اللثام عمـّن تقبل ان يساوم على وطنه مقابل المال او المنصب ، رضـى بسـرقة المال العام ، او صـار متكأ لمشاريع دول الأقليم والقوى العظمى على حساب أمن وأمان العراقيين ...حسابات كثيرة كانت تختمر في عقول العديد من رواد حفلات 31 آذار في ديترويت ، تقرأ اســـطع سطورها في شفاه اقل الناس تعلما ، وأكثرهم وطنية ...منهم من رحل ومنهم من يضرب لنا مثالا بالصبر والثقة بعدالة  قضية الحزب الشيوعي العراقي.
شــابات وشباب ـ متوسطي الأعمار وكبار السن ، وقسم منهم امضى حاملا بين جوارح قلبه العلم الأحمر لأكثر من ستين عاما ...كم نحن مدانين لأخلاصهم ووفائهم !
حينما نحتفل بالجمهور الذي شارك في احتفالات ربيع الحركة الوطنية ، فالتحية موصولة لكل من جاد بوقته وماله وسهر لأنجاح الأحتفالات ، في توزيع البطاقات والدعاية للحفل ، وأبوا ان يكونوا العين الساهرة والمتوارية خلف الستار وبعيدا عن الأضواء ،  ممن تبرعوا  بسخاء لدعم نضالات الداخل، ممن دفعتهم غيرتهم الوطنية ان يخرجوا حفل 31 آذار بما يليق حقا بنضالات وأمجاد حزب الشهداء الأبطال ، حزب العمال والفلاحين والمثقفين والكسبة وكل كادحي العراق بقومياته ودياناته المتنوعة .

حينما تجد هذه السطور طريقها للنور ، تكون جموع المحتفلين في ديترويت ، وآلاف اخرى في كل المنافي والملاجئ ، تصبوا بأنظارها نحو الوطن الغالي ، نحو العراق ، منشـــــدة  شعار الأجيال " ســـنمضي ســنمضي الى ما نريد ، وطن حـــر وشــــعب ســــعيد " !
عيدا سعيدا لكل من يحتفي بهذا اليوم ، ويعتبره تأريخا  لحزبا وطنيا يستحق الحياة والتقدم بقدر ما يستحق الأحتفال به .
كمــال يـلدو
31/آذار / 2012

466
تحت ســماء ديترويت:
احتفال بالأعلام الحمراء والناس والشهداء والتأريخ المشرف

   في ليلة السبت، الحادي والثلاثين من آذار ، أحيا " انصار الحركة الوطنية العراقية" الذكرى 78 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي في حفل اجتماعي وطني كبير ، احتفت به ايضا سماء ديترويت بصفائها ليمتد حتى ساعات الفجر الأولى ، مجددين حبهم لهذا الحزب ونضالاته ورفاقه وكل مؤازريه للسنة الثانية والثلاثين .
ابتدأ الحفل بالوقوف دقيقة حداد على شهداء الحزب والحركة الوطنية والشعب العراقي ، ثم تلاه وبمشاركة الحضور نشيد " موطني" ، نشيد الاجيال . دقائق قلال مضت ، وتشعل الفرقة الموسيقية الحفل بأغاني الذكرى، فيثب المحتفلون الى باحة القاعة يهتفون ويزمرون رافعين الأعلام الحمر ، ثم تعلو الحناجر " يا حزب الأبطال ، يا صوت الأجيال ...عيدك للوطن افراح وآمال ، عيدك للشعب افراح وآمال" ، ثم تمضي الحناجر مرددة اغاني  " سالم حزبنه " و " ســنمضي سنمضي الى ما نريد ، وطن حر وشعب سعيد " . وتتوالى فقرات الحفل حتى تســتضيف الرفيق حميد مجيد موسى " أبو داوود" ، ليطل على الحفل في كلمة رائعة بالمناسبة ، انصت لها الحضور باعتزاز وحب وتقدير .
في هذا العام، تميز الحضور بالوجوه الجديدة، والوجوه التي اعتادت المشاركة لسنين طويلة. عوائل ، شيبا وشبابا ، فتية وفتيات ، من عوائل الشهداء أو من أبنائهم وبناتهم ، من عوائل المناضلين ، الأحياء منهم او الذين رحلوا، من الناجين من سجون الأنظمة المستبدة او الفارين من ارهاب الدكتاتورية ، جموع اختلطت مشاربها وتنوعت ، لكن ما وحـدها كان حبهم واعتزازهم بالحزب الشيوعي ونضالاته الوطنية .وربما ما ميـّز احتفال هذا العام  كان الاعتداء على مقرات الحزب وجريدته ، هذان الحدثان اللذان أيقظا روح التحدي لدى هذه الجمهرة التي تعي بأدراكها الفطري بأن الوطن في خطر ، حينما يكون الحزب بخطر ، وأن ضمائرهم ليسـت في سبات ، بل هي تنبض حنينا صادقا لتأريخ ومسيرة يتشرفون بها .
دعــي لهذا الحفل ضيوف كثر،  كان في مقدمتهم الرفيق الخالد فهد ورفاقه الميامين ، سلام عادل وأبطال اللجنة المركزية ، حسن سريع وانتفاضة 3 تموز ، ابطال السجون والمعتقلات ، طلبة وعمال وفلاحين ،نساء وشابات ، انصار ونصيرات ، مثقفين وأدباء وعلماء وشعراء وكتاب وفنانين ، جمع غفير ازدانت بهم أكبر زوايا قاعة الحفل في عمل فنـــي رائع مثـّل جدارية صـارت مزارا لكل المحتفلين، توســطتها شجرة باســقة علت حتى السقف وحملت في اغصانها صور وأسماء من كان لهم نصيب رص الطريق الوطني لمسيرة الحزب النضالية الطويلة .
ولتوثيق الصورة أكثر، فقد دعا عريف الحفل ، نخبة من شعراء العراق الرائعين ، اذ  حضر الجواهري الكبير والنواب الرائع وعريان  السيد خلف وآخرين غيرهم ، حضروا بأشعارهم الوهاجة التي اضفت على جو الحفل حماسة وطنية منقطعة النظير .ولأن ذكرى 31 آذار تمثل عيدا وطنيا عراقيا ، كان لابد للحفل ان يزدان بأبنائه الرائعين . من جنوب العراق وشماله ، من شرقه ومن غربه ، ومن بغداد الحلوة، بمسيحييه وأسلامه ، بصابئته وأكراده ، بالكلدان والآشوريين والسريان والأرمن. بكل الألسنة كانت تغني ، بالعربية والكردية والسريانية، بالدبكة و " الخكة " والهيوة ، بالزي المدني والزي الشعبي ، لابل ان البعض اصّر ان يحتفل بـزّي الانصار ( البيشمركة) .
وكعادتهم في  كل عام، ، تصطف بعض المجاميع لتعلن تضامنها ومؤازرتها لنضالات الحزب ، مرة على شرف الذكرى ، وأخرى على شرف الشهداء ، وأخرى على شرف المناضلين  ، وأخرى على شرف شعار الحزب العظيم في " وطن حر وشعب سعيد" ، هكذا كانت ، وهكذا هي اليوم ، غــيرة عراقية وطنية تهب وتستقيم عالية في الأيام الصعبة ، ايام الشدة .
كان الحفل رائعا ومتميزا ، كان الحضور رائعا وفرحا رغم ما يخالجهم من الم وغصـّة عميقة لما آلت اليه اوضاع الوطن ، لكن للحزن ســـاعات ، ولعيد الحزب ســـاعات ، وهكذا كانت حينما القى السيد همام المراني قصيدة  وطنية بالمناسبة .
حضر الحفل جمهرة رائعة من انصار الحركة الوطنية العراقية ، تمثل كل مشارب الحياة في الجالية العراقية ، من عمال وكسبة ، من لاجئين جدد ومقيمين ، من فنانين وأدباء وكتاب وأصحاب اختصاصات ، ممن وفدوا لهذه البلاد او ممن ولدو هنا ، كلهم يحدوهم الأمل بأن ترتفع في سماء بغداد والعراق الرايات الحمراء ، رايات الاستقلال والسعادة للوطن . تقدم عريف الحفل بالشــكر لكل المنظمات العراقية التي شاركت الحفل ، لوسائل الأعلام المحلية والإعلاميين ، ولكل الشخصيات الثقافية والأكاديمية المستقلة ، للمحتفلين الذين شاركوا من مدينة ديترويت وضواحيها ، ومن الولايات القريبة ومن المدن الكندية المحاذية لديترويت.

ومضات:
* يسري الشكر والتقدير لأبناء وبنات الجالية التي احتضنت وتحتضن هذا الاحتفال الوطني ســنويا
* لفرقة " الشمس" الموسيقية وفنانها الرائع عميد أســـمرو.
*لعريف الحفل ،المبدع عادل أسمرو الذي ادار منصة الحفل بتميــز رغم وضعه الصحي  .
*لكل العاملين في القاعة ، والذين قدموا كل ما بإمكانهم لإرضاء المحتفلين وتقديم افضل الخدمات لهم .
* وأخيرا ، للجنة التي اشرفت على التهيئة والتنظيم وإدارة الحفل بما يليق بهذه الذكرى ، وبما يتناسب وهيبة الحفل ، للساعات الكثيرة التي قدموها من اجل تقديم أروع عمل فني  - جدارية الشهداء والمبدعين وشجره الذكرى – والذين أصروا ان لا تذكر اسمائهم ، انما الاكتفاء بتقديم ما يفي بوعودهم لذكرى الحزب العظيمة .

كمـــال يلــدو

   

467
المادة الثانية من الدستورالعراقي، موضع التطبيق!

لا اظن ، ولو للحظة واحدة ، بأن المشرع القانوني العراقي قد غاب عن وعيه حقيقة ان الشعب العراقي ، شعب مسلم ، ملتزم بالقيم والأعراف العراقية والعربية والأسلامية ، خاصة وانه يمثل الأغلبية المطلقة في هذا البلد متعدد الأعراق والأديان ( لحد الآن!) .لكن ، لماذا اصـّر هذا المشـّرع على ادراج  فقرة :
المادة (2):
أولا: الأسلام دين الدولة الرســمي، وهو مصدر اسـاس للتشريع .
أ:لا يجوز ســن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الأسلام.
ولماذا اصــّرت القوى السياسية المتحكمة بالعملية السياسية ، على ادراج هذه الفقرة الدستورية ، كثاني فقرة في الدستور ، ولماذا اصرت ايضا على وجود العديد من رجالاتها في لجنة صياغة الدستور ، رغم انهم لا يحملون  اية صفة قانونية للدخول بلجان متخصصة ، كلجنة صياغة الدستور ؟
وللجواب على هذا التساؤل المشروع ، لا نحتاج للبحث كثيرا ســوى ان نرى تطبيقات هذه الفقرة على ارض الواقع .
فالقوى السياسية المتنفذة اليوم ، والتي في معظمها احزاب دينية، ســنية أو شـــيعية  ، كانت بحاجة الى مـادة  ( دســتورية ! ) تستطيع من خلالها التحكم بواقع اية حركة مجتمعية ، تتوجس منها الخطر على مصالحها ، أو على مكتسباتها ، ولهذا فأن هذه المادة حاضرة متى ما شعر السياسي بالخطر من احتجاج الجماهير، او تذمر من سوء الخدمات،  او  حينما تعلوا الأصوات في محاسبة المفسدين والسراق ، هذا اولا ، اما ثانيا ، فأن هذه المادة تمنح حصانة لقوى الأسلام السياسي تشهره متى ما ارادت بوجه اية حركة شبابية تنبثق من رحم معاناة العراقيين ، لأنهم الشريحة الأكبر والأكثر تضررا  من سياسات الحكومات الطائفية التي تعاقبت على حكم العراق منذ التغيير والأحتلال عام 2003 .وهذه المادة ، وطبيعة القوى التي تطبقها ، تمثل ورقة ارهاب بأمتيازات خاصة ، تضعها موضع التنفيذ متى ما شاءت، وكيفما ارادت ، فيما تركت الدولة عملية التطبيق على مئات  المفتين وآلاف رجال الدين ، الذين اطلق العنان لفتواهم ، وأجتهاداتهم لتجد طريقها للتنفيذ كقوانين مرعية في بلد يتشــدق بالديمقراطية وتطبيق القوانين الدولية ، بينما المؤسسات التشريعية والتنفيذية وقوى الأمن تقف متفرجة، خشية المساس بالمادة الثانية من الدستور، فيما تستمر هذه اللعبة بتناوب الأدوار بين احزاب الأسلام السياسي وأذرعها من الميليشيات او من مسؤلي الدولة التابعين لها .
ظواهر لا تعد ولا تحصى صارت تطبق في العراق، وكأن البلد والمجتمع تحول الى مختبر  افكار وأيديولوجيات هذه الأحزاب الدينية، بينما العراق غارق في أزمات لا اول لها ولا آخر .ولأستعراض بعض هذه المظاهر اذكر مثلا ، محاولات السعي لفصل الجنسين في الجامعات ، وحتى المدارس الأبتدائية  ، فرض الحجاب أو زي  محدد في العديد من المؤسسات والمدارس الأبتدائية ، محاربة السينما والفنون والغناء ، الغاء المشاركات الغنائية والفنية في مهرجاني المربد وبابل ،  ناهيك عن تجييش العشرات من الحزبيين ورجال الأعلام والبرلمان  في صولات (( ايمانية)) للحفاظ على القيم الأسلامية والعربية والعراقية من الغرب الكافر! ، هذا الغرب الذي هو ذاته من اتى بهم الى هذه المناصب والكراسي والأمتيازات التي لم يكونوا ليحلموا بها يوما ، حينما كانوا لاجئين في دول الجوار!
واليوم، تطل علينا حملة ايمانية جديدة وجدت لها عدة عناوين منها " الأيمو" و " عبدة الشياطين " و " مصاصي الدماء" ، في محاولة جديدة من الأحزاب الدينية الحاكمة ، وبالأستناد الى المادة الثانية من الدستور ، في اطلاق حملاتها القمعية ، في محاربة الشباب وبث الرعب والخوف في صفوفهم ، خوفا وتفاديا من تنامي حركاتهم الأحتجاجية ضد الواقع العراقي البائس الذي ينعكس عليهم بأسوء حالاته.
والسؤال الذي يتبادر للذهن هو : موقف الدولة ، ومؤسساتها الأمنية والبرلمان من اسلوب وطرق معالجة ازمات الشباب العراقي المستفحلة والآخذة بالأزدياد يوما بعد يوم ، من جراء انعدام فرص العمل امامهم ، وضعف الخدمات ، والمستقبل المجهول الذي يواجههم جراء تلكوء العملية السياسية وحالة الصراع المقيت بين القوى المتنفذة، وسيطرة نظام المحاصصة الطائفية والولاءات الحزبية على كل مفاصل الدولة والحكومة العراقية .
هل يعقل ان تكون تسريحة الشعر ، او لبس بعض الألوان،  مهددة للأمن والسلم والقيم والثقافة والمبادئ العراقية والعربية والأسلامية ، بينما السراق ، ورجالات المشاريع الوهمية ، والعقود الكاذبة وأصحاب الشهادات المزورة ، يتحكمون بمصير اكثر من 30 مليون عراقي ؟ هل صفات هؤلاء السياسيين تنطبق مع القيم الأسلامية ؟ ام ان تطبيق المادة الثانية من الدستور تشمل كل من يعترض على الفساد والمحاصصة الطائفية وحماية السراق ؟ هل حقا من اجل هذا وضعت المادة الثانية ، ام لماذا لا تطبق بالشكل الذي يجعل المواطن العراقي يحترم هذه الفقرة؟ ولماذا يكون في بلدنا اطلاق اللحى حقا مشروعا ، وصفة من صفات التورع والتدين ، بينما يدان الشاب اذا رغب بتسريح شعره بطريقة لا تبدو للآخرين مرضية ؟ وهل هذا يعني بأن ما قام به خير الله طلفاح ( خال صدام حسين) كان صحيحا في محاربة الخنافس في بداية السبعينات ؟ وهل ان اطلاق اللحية وحمل القرآن هو مظهر كاف  على الأيمان والتورع؟  كما فعل صدام حسين ، في أواخر أيامه؟.

  تقع اليوم مسؤلية كبرى على النخب الوطنية العراقية ، السياسية والثقافية ، على الأحزاب الكردية التي لها تأريخ نضالي تحرري  ، والشخصيات السياسياسية ذات الأتجاه الوطني المتواجدة في الأحزاب الأسلامية ، مسؤلية جسيمة في كشف القناع عن كل من يتستر بالمادة الثانية من الدستور العراقي ، في فرض الأرهاب ، ومحاربة اية مظاهر احتجاج على تقصير هذه الأحزاب بالوفاء للمواطن العراقي الذي انتخبها بعد ان وعدته ببرامج معسولة ، تقع عليها مهمة قطع الطريق امام تجار الدين ، ورثة حملات صدام حسين الأيمانية ، وتقع عليها مهمة الدفاع عن الدولة المدنية ، عن دولة الدستور والقانون ، لا دولة الملالي  وتجار الزيارات!
العراق بين مفترق طرق ، فأما ان نرضخ  لآيديولوجيات ، برهن التأريخ والتجربة فشلها الذريع ، ان كان في السعودية او السودان او باكستان او ايران ، او ان نسعى لبناء العراق الجديد ، العراق الذي يشعر فيه المواطن بالأمن والأمان ، العراق الذي يكون فيه القانون هو سيد الموقف ، وليس اجتهاد  أو فلسفة أو فتوى من هذا او ذاك!
كمال يلدو
آذار 2012

468

رجـاءا ..اتركوا شـهداءنا وشـــأنهم!



   
ربما تكون من المصادفات  اللعينة ان يقترن شهر شــباط بذكريتين  أليمتين في تأريخ الحزب الشيوعي العراقي ، اولهما اعدام قيادته التأريخية في 14 شباط 1949 والثانية في انقلاب 8 شباط الأسود عام 1963 ، والذي دفع فيه الشيوعيون والديمقراطيون وحتى عامة الناس ثمنا باهضا لحرية انتمائهم او معتقداتهم السياسية. رغم ان مسيرة التضحيات لم تتوقف امام هذين الحدثين وأستمرت لتتوج بالحملة الشرسة التي قادها صدام حسين ابتداءا منذ 1978 حتى سقوط نظام البعث ، وأستمرارها لليوم في  اساليب مستجدة اما بالتفجير او الدهس او استعمال كواتم الصوت ، لكن الشيوعيين اختاروا ان يكون يوم 14 شباط من كل عام ذكرى استذكار كل شهداء الحزب ، ابتداءا بقيادتهم التأريخية وصولا الى أي صديق او صديقة وهبا حياتهما  في سبيل الأفكار التي اعتنقوها او حفاظا على اسرار التنظيم كما هو معروف.  وبقدر ما تساهم هذه الذكرى  في شحذ الهمم الثورية لدى الشيوعيين ، وتدعوا الى احترام الشهداء والأعتزاز بعوائلهم وزيارتهم  ، فأنها تفتح قرائح البعض الذي يحاول التصيد بالماء العكر، في التقليل من شأن الشهداء تارة او بالأنقضاض على قيادات الحزب على مر المسيرة التي شهدت سقوط آلاف الشهيدات والشهداء ، وينحـو هذا البعض الى توجيه اللوم بقصد التشكيك ، مرة بدفع اعضاء الحزب نحو العمل العلني وكشف التنظيمات للحكومة وأجهزة الأمن القمعية ، او بالقول ان قيادات الحزب هربت وتركت الأعضاء الصغار، او حتى بالقول ان الجبهة مع البعث كانت خطأ ولم يكن من المفروض ان نثق بالبعثيين ..الخ من الكلام ، او حتى في النيل من تجربة الأنصار البواسل في كردستان العراق .
   يتعمد هذا البعض في خلط الأوراق والأحداث حتى يصل الى مآربه ، التي لا تنم عن خير للحزب بأي حال من الأحوال ، وهم عمدا يتناسون بأن الأنضمام للحزب هي عملية اختيارية والخروج منه كذلك ، وأن الحزب لم يضع في سياسته ومنذ تأسيسه فكرة الأنقلاب للسيطرة على السلطة ، بل سعى دائما الى التحالفات وكان من اشد المدافعين عن الحقوق المدنية والدستور والأنتخابات ، وهو بهذا ليس حزبا متطرفا ، يوجه اعضائه للأعمال الأنتحارية او المتطرفة ، وعلى هذا الأساس وغيره اختلف مع السيد عزيز الحاج والقيادة المركزية في اسلوب العمل . وأنهم اي ( الشيوعيون) هم اكثر الناس عشقا للحياة وحبا لها ، وللثقافة والفنون والآداب والعلوم وكل ما يجعل الحياة ذات معنى لائق بها، وهم اكثر الناس كرها للفقر والمرض والأمية والجوع  او الموت، وهم ايضا ليسوا من دعاة العمل السري ، او النضال في السراديب الا لأن الأنظمة لم تفسح المجال للعمل السياسي الحر.
 اما الحقيقة المرة التي يتغافل عنها  هذا البعض ، فهي تبرئة الجلاد بالنيـل من الضحية .  فالشيوعيون الذين اعتقلوا ، في كل الأزمنة  - مستثنى منهم العسكريون وقوات الأنصار – كانوا اناسا مدنيين ، تدلل سجلاتهم  على انهم اما عمالا او فلاحين او طلبة او موظفين وكسبة او حتى ربات بيوت ، كان عملهم سلميا بالمرة ، لكن الأنظمة ، وابتداءا بالعهد الملكي وحتى اليوم ، اختاروا اقصر الطرق للأنتقام من خصومهم  ، بالتسقيط السياسي مرة ، وبالتعذيب والسجن والقتل او الأعدام تارات اخرى . وللذين مازالت ذاكرتهم بخير، نتذكر البراءة في عهد الحرس القومي، والتعهد في عهد صدام. وكانت كل هذه الخيارات مفتوحة، قسم اختارها، وقسم رفضها، والذي رفضها دفع ثمن الشهادة. فهل كان من المفروض ان يوقع الكل على هذه الصكوك؟
وحتى بالعودة لهذه الجزئية، فقد عاد للعمل السياسي اعدادا كبيرة من الذين اجبروا ، وتحت شتى الظروف، للتوقيع على ( التعهد) سـئ الصيت ، عادوا للعمل او ركنوا جانبا وأحترموا ماضيهم ، وذات الشئ يقال عن نسبة غير قليلة من الذين فلتوا من حكم الأعدام اما بمراسيم العفو ، او ب ( التفاتات الريس الأنسانية) او بطريق الصدفة المحضة ، وكثير منهم اليوم يتقدمون الصفوف في العمل ، وهم ايضا شهودا احياء يرزقون على صمود الشيوعيين وتضحياتهم .

  لا احــد منـّا يحق له ان يتحدث بأسم الشهداء، لكن الحقيقة يجب ان تقال ، تلك التي وصلتنا من السجون عبر رسائل قصيرة او كلمات نقلها زوار السجناء وأهاليهم ، او تلك التي رواها السجناء الآخرين الذين عاصروا الشهداء ، او حتى على لسان الجلادين انفسهم والتي قالوها لمرات ومرات  : " ان اصلب الناس الذين ارتقوا المشانق او وقفوا بوجه الرصاص كانوا الشيوعيون ، الذين كانوا يودعون هذه الحياة وهم يهتفون لشعبهم ووطنهم وحزبهم " ، اذن  ، اين الخطأ في هذه الصورة ؟ ومن الذي يجب ان يلام ويحاكم ويقدم للعدالة ؟ الحزب ، ام قيادة الحزب ، ام الجلادين ؟
لاشــك عندي من ان هؤلاء المناضلين ( رجالا ونساء) ، هم عزيزون على عوائلهم وأهاليهم ، وكانوا من الممكن ان يكونوا مشاريعا لبناء هذا الوطن ، لابل والتنعم بالحياة وجماليتها ، لكن عقلية الأرهاب ، وأقصاء الآخر ، وأنزال اقســـى العقوبات ( القتل) بحق الخصم هي من عجلت بخســارتنا لهذه الجموع التي ابت ان تســاوم الجلاد على مبادئها او وطنيتها ، لتتشكل بعدها بانوروما ذات جاذبية خاصة ، ان يكرم الشهيد وتبقى ذكراه عطرة وعالقة عند الناس ، بينما الجلادون ، يكون مصيرهم مزبلة التأريخ .
قـد يحق للبعض نقد سياسة الحزب الشيوعي ، وربما انتقاد بعض قياداته ، فهم بشر مثل باقي البشر، يصيبون ويخطئون ، لكن يجب ان لاننسى تلك الجهة التي وجهت الرصاص الى صدور الشهداء ، او من علق حبل المشنقة في رقابهم ، هم الجلادون والقتلة ...ليس غير ، وهؤلاء هم من يجب محاكمتهم ، اما من يريد تبرير مواقفه ايا كانت ، او ان يجد منفذا للتهجم على حزب الشيوعيين او قياداتهم ، فطريق الأنتقاص من الشهداء هـو اتعس طريق يسلكه هذا البعض .
نحن فخورين بهم ، من قضى في السجون او المعتقلات ، من استشهد في الأهوار او الجبال او المدن ، وحتى من بذل دماءه في ســوح نضالية اخرى ..كلهم شهدائنا ، وكلهم في ذاكرتنا ، اما سيرهم وقصصهم وبطولاتهم فهي دروس وعبر لأجيال الشيوعيين الجدد ، من اجل ان لا تتكر المجازر والقتل بحق الشيوعيين او اي من السياسين الذين يؤمنون بالوطن والشعب والديمقراطية والدستور والتبادل السلمي للسلطة.

مجدا للذين وهبوا ولم يبخلوا!

كمال يلدو
شباط 2012



469
" الضحـية " بين مخالب مخابرات العراق الجديد!



طاف في فضاء الأنترنيت قبل ايام فديو حمل عنوان ( سيد معمم ينتهك شرف فتاة من الكوت) ، يظهر فيه فتاة عراقية -الأستدلال من لهجتها - قيل انها كانت على علاقة مع شخص ( سيد ) ، ويبدو انه نكل بوعوده لها بالزواج  بعدما مارس معها الجنس، فقامت بقتله . ظهرت الفتاة معصوبة العينين، وتجلس على كرسي ، وقد تحلق حولها مجموعة من ( الذكور) وبالزي المدني ، أسمعوها شـتى انواع الأهانات ، وانهال بعضهم ضربا على رأسـها ، فيما كان يمارس احدهم دور المحقق ، بســؤالها حول الحادثة ، ثم اردف بســادية مريضـة ، مصحوبة بلهجة الأستهزاء والتشـفي عن الأوضاع الجنسية التي مارسها ( المجني عليه) ، ثم ينهي كلامه لها بالقول : ماذا تتمنين الآن ؟ فتقول : الموت! وبهستيرية  المعاقين  يقول لها : خذي هذا المسدس وأقتلي نفسك!  فترد عليه مذعورة : اني خائفة ، فيمطرها بمزيد من الكلمات النابية .....هنا ينتهي الفديو.

   لا أظن ان انسانا ســويا، سيكون على وضعه الطبيعي بعد ان يشاهد هذا الفديو القصير، والذي يختصر وبلحظات معدودات ما يجري خلف الجدران الموصدة ، وكيف تطبق القوانين، وما هو مصير حقوق الأنسان في عراق اليوم. وربما تدفعه الريبة للشك من ان هذا الفديو هو من زمن العهد البائد وزنازين اقبية الأمن والمخابرات سـيئة الصيت حينما كانت تنفرد بضحيتها وتشـبعها اغتصابا وضربا وتعذيبا كان يمتد حـد الموت  . أم  نحن في ظل نظام جديد ، اريد لـه ان يكون مثالا للعراقيين اولا، وللمنطقة ثانيا ، حينما تتمكن المظلومية من كرســـي الحكم بعد تغييب امتد لعقود من الزمن توارثت الحكم عليه انظمة حرمت الفقير والمحروم من فرصة المشاركة في صنع القرار!

  اســئلة كثيرة يطرحها هذا الفديو ، ربما نبدأ بالأساسيات منها :
هـل قتلته بمفردها ، ام بمساعدة شخص آخر ، ومن يكون ، وأين هـو الآن ؟
مــاذا عن عائلتها وأهلها ، اين هم ، وماهو موقفهم وأبنتهم في حضرة هؤلاء المحققين ؟
اليس في عرف القضاء ، ونحن نتحدث عن بناء دولة القانون ، ان يكون بصحبتها محاميا ، وأن تكون هناك جلسة رســمية لتســجيل اقوالها؟
وأليس في عرف القانون ايضا ،مبدأ  " ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته"؟
و أليس من عرف القانون مبداء عدم ضرب المتهم أو اهانته مهما كانت الجريمة وتحت اي ظروف كانت ؟
وهل في عرف القضاء العراقي ، لو اعتبرنا ان ما كان يجري مع هذه ( المتهمة)  هو تحقيق ، هل يجوز عصب العينين ، وأستجواب ( المتهم) بهذا الأسلوب الســوقي الذي اورده الفديو ؟
يقينا ، ان ما حمله هذا الفديو القصير بوقته والكبير بمحتواه ، يمثل شـــريحة الدجالين واللصوص والمجرمين الذين تربوا في صفوف حزب البعث وتشربوا من مفاهيمه وأفكاره الجهنمية حينما كانوا يتعاملون مع المعتقلين من المعارضة ، لكنهم وجدوا اليوم، وفي العراق الجديد ، فرصتهم في تصريف تعقيداتهم وســاديتهم ونرجسيتهم الجنسية المريضة ، بتبديل بزة الزيتوني ، ببزة الولاء لأحزاب الأسلام السياسي ( بسنته وشيعته ) ، وركوب الموجة ، ليصل بهم المقام الى ذات الموقع الذي كانوا يحتلوه في زمن ( الانتصارات) ، وزمن حكم ( المظلومية) .

  اتوجه بســـؤالي الى القضاء العراقي ( النزيه) وأنا في حيرة من امري ان كان ســـينتخي لهذه المرأة ( المتهمة) ، ويعالج القضية وفق الأعراف القضائية ، التي تحفظ كرامته  وتجعله مفخرة للمواطن؟
وهل ســـيقوم القضاء ، او اية جهة رسمية اخرى ، بالكشـــف عن الأشــخاص الذين قاموا بأستجواب ( المتهمة) ، وضربها  وأشباعها كل انواع الشتائم ؟
وهل ننتظر محاكمة عادلة لهذه المرأة ( المتهمة) ، يفسح فيها القضاء المجال واسعا لتدلي بشهادتها ، والدفاع ، وأن يعرف العراقيين خلفيات الحدث وتبعاته – ان كانت ما زالت على قيد الحياة ؟





اما الســؤال الأهم فهو : هل هذه هـي الأساليب العصرية والحديثة في التعامل  مع المتهمين والذين هم على ذمة التحقيق ، خاصة في ظل المادة الثانية من الدستور ، وحكم الأسلام السياسي – السمح والمتسامح -  في العراق الجديد ، العراق الفيدرالي الديمقراطي الموحد؟
ام اننا مطالبون بأستنســأخ تجربة الذين ســـبقوا الطبقة السياسية الحاكمة الآن ، والتي يمكن الأستدلال عنها من سؤال السجناء السياسين الذين نجوا من مقصلة الأعدام او آلة القتل البعثية ، رجالا او نساءا ، وبالأخص ، الضحايا من الأحزاب الأسلامية الحاكمة ؟

وأخيرا ، لابد لي من توجيه الشكر للشخص الذي قدم هذا التسجيل الفريد ، لأنه وثق هذه الحادثة ( ليس لندرتها أو اهميتها الأستثنائية فقط ) ، بل ليكشف لنا عن حقيقة ما يجري ، ونحن مازلنا نتسائل ان كانت هذه المجموعة تنتمي للداخلية ، أو الدفاع ، أو الأمن الوطني ، او أمن الأحزاب الحاكمة ، او أمن المحافظة المعنية ؟
ملاحظة أخيرة : كنت اتمنى لو وضعت لكم رابط هذا الفديو ، لكني اعتذر لسبيبن، أولها، هو احترامي لهذه الأنسانة وخوفي عليها من بطش الذكور في عائلتها او محيطها ، والثاني ، هو احترامي لمسامعكم ، بسبب الكلمات النابية والصور المخلة بالشرف الذي احتوته هذه القصة .

الحل ...ما هو الحل ؟ اتطلع لليوم الذي يعامل به الأنسان العراقي ، مثلما تعامل بقية الدول المتحضرة شعوبها .
 والحل ...ما هو الحل ، فأني اتطلع لليوم الذي تتمكن فيه الضحية العراقية ( ذكرا كان ام انثى) من الدفاع عن نفسها دون خوف او اهانة او ضرب ، وأن ينال الجناة عقابهم العادل في ظل " العراق الجديد" ، تحت ســماء القانون ، وليس تحت عبائة " دولة القانون" المليئة  بالشقوق والثقوب .
** دعوة لذوي الأختصاص الى ترجمة الفديو الى لغات العالم المتحضر ، حتى يرى ويتعلم وربما يستنســـخ تجربة العراق الفريدة من نوعها.

كمال يلدو
تشرين ثان 2011




470
المناضلة اليمنية توكل عبد السلام كرمان للعراقيين :

ابنوا العراق العظيم..بلد الأمن والسلام والرفاه والديمقراطية وحقوق الأنسان!

عقد نشطاء الجالية اليمنية في ولاية مشيكان الأمريكية يوم الأحد 13 نوفمبر 2011  مؤتمرا اعلاميا وصحفيا للناشطة اليمنية  " توكل عبد السلام كرمان" ، القيادية في الثورة الشبابية والحائزة ( مشاركة مع سيدتان من ليبيريا) على جائزة  "نوبل" للسلام للعام 2011 .  تحدثت فيه لوسائل الأعلام المحلية عن زيارتها ، وعن مصير الثورة الشبابية وأزمة حكم علي عبد الله صالح  ،وقـد كانت فرصــة ان يكون ترحيبنا وأمتنانا لدورها الوطني  بأهدائها ا باقة من الزهور
بأسم " رابطة المرأة العراقية "  وبأسم " جريدة طريق الشعب " ، تقبلتها بسعادة ، اما حينما طلبت منها ان تكتب على ورقة صغيرة امنياتها للمرأة العراقية فكانت هذه الكلمات الرائعة النابعة من قلب مناضلة عنيدة صلبة، خبرت  مقاومة الجلادين والطغاة :

التحية للشعب العراقي العظيم ، التحية للمرأة العراقية الصبورة والمصابرة ...انا متأكدة من ان ارادة الشعوب لا تقهر، وأن الشعوب اذا هبت تنتصر . موعدكم مع النصر قريب ...فثقوا بالله وأنفسكم ..وأجعلوها سلمية ، وأبنوا العراق العظيم ..بلد الأمن والسلام والرفاه والديمقراطية وحقوق الأنسان ، وعيشوا مع بعض اخوة متحابين ... توكل عبد الســلام كرمان ، مشيكان  ، 13 – 11 – 2011
( نشـرت في جريدة  " طريق الشـعب" العدد 69 ، الأربعاء 16 تشرين ثان 2011 )

كمال يلدو
تشرين ثان 2011



471
الناشطة اليمنية توكل عبد السلام كرمان من ديترويت :
" نحـن لن نختار طريق آخر غير طريق الحرية"






في ســـوح النضال كانت ، وأفترشت منذ اشهر خيمة في ساحة التغيير وسط صنعاء ، وعلى بعد امتار من جامعة صنعاء التي انطلقت منها شرارة الثورة اليمنية . عرفناها ناشطة وطنية صلبة لا تلين ، عرفناها متحدثة لبقة وتنقل رسالة المنتفضين بأفضل ما يكون ، كانت حميمية مع الأعلام والأعلاميين ، لم ترهبها التهديدات ولا المساومات ، ولم يخيفها مشهد دماء اليمنين وهم يسقطون صرعى او جرحى بأيدي عساكر على عبد الله صالح ، منحتها الثورة اليمنية شرف ان تكون من ابرز قادتها ، وحينما حانت الساعة ، كانت على موعد مع ارقى تثمين عالمي لها، يوم منحتها لجنة نوبل العالمية ، جائزة نوبل للسلام للعام 2011 مشاركة مع  الين جونسون سيراليف رئيسة ليبريا ، والين جبوي ، وذلك لدورها في مواجهة العنف ضد المرأة والدفاع عن حقوقها في ظل الاهتمام بمجتمع مدني يعيش في سلام.  ، وحينما تلقت " توكـل" الخبر قالت : هذه الجائزة هي للثوار ، للشهداء والجرحى ، للصامدين في ســوح التغيير ، لكل الشباب العربي الذي انتفض ضد الدكتاتوريات والحكومات القمعية .
نعم،هي ذاتها توكل كرمان، تزور ديترويت بدعوة من الجالية اليمنية ونشطائها ، ومؤيدي انتفاضة الشباب ، في لقاء يفيض بروح الثقة بالنصر والأمل بمستقبل زاهر لشباب اليمن ، بموعد قادم لا محال لمحاكمة الجلادين  وتحقيق العدالة المغيبة عن اوطاننا .
كان جدولها لهذه الزيارة القصيرة جدا مزدحم بالمواعيد واللقاءات ، وعصر هذا اليوم الأحد 13 نوفمبر 2011 ، منحت جزءا من وقتها للقاء الصحفين والأعلاميين فرصة الحديث معها عن قرب ،فدارت الأسئلة حول اهم محاور الوضع اليمني وكانت :
1) الى متى سيستمر الرئيس صالح في المماطلة بالتوقيع على الأتفاقية ونقل السلطات ، وحتى متى يبقى المفسدون يحكمون في البلد؟
2) لماذا انت هنا ، وما الغرض من زيارتك ؟
3) كيف يمكن لك شرح قضية الترابط ما بين مشاركة قوى اسلامية في الأنتفاضة ، وما بين رفع شعار الديمقراطية ؟
4) كيف تقيمون موقف الأعلام ( المحلي والعربي والعالمي) من ثورتكم؟
5) هل سترفعون من وتيرة نضالكم ، وتطرحون قضيكم على الصعيد العالمي عبر الوفود ؟ وهل حان الوقت لكي تطرحون برنامجكم للمرحلة القادمة بشكل واضح ، حتى يطمئن العالم للتعامل معكم؟
6) كيف تقيمين زيارتك لحد الآن؟
7) مرة اخرى حول المخاوف من سيطرة التيارات الأسلامية على الوضع ؟

بدأت الناشطة توكل كرمان اجوبتها بالقول: اننا نعرف ان علي عبدلله صالح يماطل بالتوقيع على الأتفاقية بغية تسويفها ،ونعلم ان المفسدين مازالوا يحكمون ويعبثون ببلادنا، ولهذا ندعو الرأي العام العالمي الى تقديمه للمحاكمة بتهمة جرائم القتل ضد المتظاهرين السلميين ، نحن " لم نمل من ثورتنا ، وسنستمر بها حتى نهايتها المظفرة" .حتى نبني الدولة المدنية الديمقراطية التي نريد . وزيارتي هذه تندرج ضمن الحملة التي نقوم بها لفضحه عالميا ، وتحميل الرأي العام العالمي المسؤولية لشعارات قيم العدالة والحرية  التي ينادي بها . ان العدالة تتطلب وقف نظام صالح من قتل المتظاهرين ، وأن يتعاملوا مع ثورتنا مثلما تعاملوا مع الثورات في تونس ومصر وسوريا . سمعناهم يجمدوا ارصدة الطغاة ،و يضعوا عقوبات خاصة عليهم . ان ثورتنا السلمية تمكنت  ( حتى الآن ) من اسقاط صالح في الداخل. فهو فاقد السيطرة على معظم المحافظات ، وما تبقى له هـو مربع بسيط في صنعاء ، وهو يمتلك الأسلحة داخل المربع ، مع بعض الوحدات العسكرية التي يرأسها اولاده . وحول دور بعض القوى الأسلامية في الثورة قالت : ان هذه الثورة لم يتبناها تيار محدد ، وفي ثورتنا الشبابية لا نسأل عن الخلفية الدينية او السياسية او المناطقية او المذهبية ، هذه ثورة شعبنا، وهي ثورة قيم وأخلاق. ان شعاراتنا باتت واضحة بعد هذه الأشهر والتضحيات ، نحن ندعو الى الحرية والعدالة والديمقراطية ، الى التساوي بين المواطنين  في ظل دولة مدنية. ان اي تيار يأتي بعد الثورة يمينيا كان او يساريا ، ولا يلتزم بهذه المبادئ ، ستقول له الثورة الشبابية ، ارحل. اما بخصوص الأعلام فقالت: اعلام اليوم ليس مثل الأمس ، قديما كان الأعلام ملك للدكتاتوريات ، اليوم يجد الشباب فسحتهم في الأعلام ، ولابد من القول ان الأعلام العالمي تطور ، فهناك من ينقل مظاهراتنا ، وبياناتنا ونحن ممتنون لهم  ، الأعلام لم يعد بيد السلطات القمعية فقط . اما عن البديل فقالت : نحن لدينا البديل عن علي صالح ، لدينا مجلس انتقالي انطلق منذ 16 تموز ، وأعقبه مجلس وطني يمثل البرلمان الأنتقالي .ان مشروع الدولة الأنتقالية موجود، وكذلك الرئاسة ، ولدينا خطة للسير بالبلد  حتى صياغة دستور جديد يضمن الحقوق والحريات، ويحقق الشراكة السياسية، ويؤكد على التساوي بين المواطنين في ظل الدولة المدنية الحديثة .وبخصوص زيارتها للولايات المتحدة قالت : لقد اسعدني ان التقي بالطلبة العرب في جامعة ( آن آربر – مشكان) ، وقبلها في جامعة هارفرد ، وسعادتي اكبر بلقاء الجالية العربية ومنظماتها ، ويمكن لهذه الجاليات ان تفعل الكثير في مجال التضامن ، اما الشعوب ، فقد قررت الثورة وهي تستطيع اكمال مشوارها . الشباب اليمني قرر الثورة ، ودفعنا الدماء الغالية ، وفي سجلنا لحد اليوم بحدود 21 الف ما بين شهيد وجريح ( أمرأة ، رجل وطفل) .
في الختام شكرت كل من قام على زيارتها هذه ، وسهل عليها مهمة اللقاء بالمسؤولين والجاليات ، وأكدت مرة اخرى على عدم الخوف من الثورة اليمنية ، وعدم الخوف من التيار المتطرف ، الذي سيخضع لقانون الحياة ويتغير ، وذكرت ان التعدد مطلوب ، والتنوع ايضا ، وأختتمت كلامها بالقول : " التطرف ينمو مع الأستبداد والدكتاتوريات، اما مع العدالة والديمقراطية فأنه يخف" .
( نشـرت في جريدة  " طريق الشـعب" العدد 69 ، الأربعاء 16 تشرين ثان 2011 )


كمـال يلـدو
تشرين ثان 2011



472

احذروا ما يؤسس دكتاتورية جديدة


صباح الساعدي

كشــفت السلطتان التنفيذية والتشريعة عن قابليات خارقة في تقديمها الدعاوى واصدار الأوامر القضائية  على عكس ما الفه المواطن العراقي في السنين التي خلت حيث تأخذ القوانين والتشريعات شهورا وسنينا قبل ان تجد طريقها للنور ، بينما في هذه المرة  لم تستغرق الا اياما معدودات . وهذا ما جرى  عقب التصريح  المثير الذي ادلى به النائب ( المستقل) صباح الساعدي       في القاعة الأعلامية للبرلمان  وعلى مرأى ومسمع من اجهزة الاعلام  ، حيث اتهم فيه رئيس الوزراء بأنه يتحمل مسؤلية اغتيال الصحفي هادي المهدي ، وأنه  يتستر على الوزراء والمسؤلين المفسدين ، وأنه وراء استقالة السيد  رحيم العكيلي – رئيس هيئة النزاهة – نتيجة الضغوط التي مورست عليه ، وأنه يمارس التفرد في القرارات مما يؤسس الى دكتاتورية جديدة ، مما حدا برئيس الوزراء الى تقديم شكوى على النائب ، تتطلب قرارا يقدم للبرلمان لرفع الحصانة عنه ، ومن ثم تقديمه للقضاء بتهمة " القذف" و " تعريض الأمن الوطني للخطر" !
هكذا تجري الأمور حينما يرغب الحاكم بها ! اما دونها ، فهي ليست الا ملفات مركونة في زاوية ما من مكاتبهم الفخمة ، بانتظار الفرج القادم .

  لم يكن النائب " صباح الساعدي" بالشخصية البعيدة عن دائرة المعرفة والأطلاع على ملفات الفساد ، والجهات التي تتستر عليها ، فقد كان رئيسا لهيئة النزاهة البرلمانية للدورة السابقة، وخرج كثيرا عن المألوف في المطالبة بمكافحة الفساد وتقديم المتورطين بـه  للعدالة ، لكن طلباته  قوبلت بالأهمال والتلكؤ حتى طفح الكيل كما يبدو ، اذ ان الحديث المستمر عن الفساد ، ودون نتيجة ملموسة  دفعـه آخر الأمر ليعلنها بصوت عال وأمام الملء ، بأن هناك "رأس" كبير يتستر على الســـّراق ويمنع القضاء من اداء واجبه تجاههم .لا بل ان هذا "الرأس"  لا يمانع بأن يطيح كل من يعترض طريقه ، تماما كما حدث مع الشخصية المرموقة  السيد " رحيم العكيلي" رئيس هيئة النزاهة المستقلة ، الذي واجه صعوبات جمة في تأدية مهامه ، اما بتهديده مباشرة ، او بأصدار  قرارات من جهات رسمية " عليا" تمنع استجواب الوزراء  والمسؤلين الكبار  ، وهذا بحد ذاته يعتبر تدخلا في شؤون القضاء  ، ناهيك عن منع  الهيئة من تأدية مهامها ، وبالتالي فسح الطريق واسعا امام السراق ودون حساب .


اعتداء الشبيحة على المتظاهرين في ساحة التحرير

  لقد قالها النائب " صباح الساعدي" بصوت عال ، ان رأس الحكومة  ، ومن من حوله في قيادات حزبه ، يترصدون لكل من ينتقد سياسة الحكومة ، وتلكئها في الخدمات  أو اهدارها للمال العام ، ان كان بالعقود الوهمية  أو السرقة في وضح النهار ، وأن  هذا " المسؤول"  لا يمانع  اتباع كل الوسائل بغية اسكات الأصوات التي تنتقده .ومن اللافت ان تجري عملية رفع الدعوى ، واصدار القرار، ووصوله الى مجلس النواب بهذه السرعة ( رغم استناده الى مادة ملغية من قانون العقوبات) ، بينما ملفات الفساد الكبرى  ، والسرقات العملاقة ، والشهادات المزورة ، والمشمول بها العديد من الوزراء وأعضاء في البرلمان  - سابقين وحاليين -  بقت هذه الملفات دون تفعيل ، مما ادى الى استفحال هذه الظاهرة التي وضعت العراق ضمن اسوأ اربع دول ، وأقربها لنا  ، الصومال!

  جدير بنا ، وبالساسة والمثقفين وكل الحريصين على ما تبقى من العراق ان ينتبهوا الى اسلوب الحكومة والقادة السياسيين في التجاوب مع منتقديهم ، فهي تبداء بأمور صغيرة ، وربما مع شخص او مجموعة صغيرة ، وما ان تجد ردود الافعال هذه طريقها للمرور دون حساب ، فأنها حين ذاك تتحول الى ظاهرة . ومن المفيد جدا ان نتذكر طريقة صدام حسين في الصعود نحو قمة الهرم الذي امتشقه لحوالي ربع قرن ، الم يكن على حساب منافسيه ومنتقديه؟ اذن ما المانع ان تستنسخ تجربة صدام مع القادة الجدد ؟ الم يلجأوا الى نفس اساليب التخوين ، والعمالة ، والأندساس  ، ومحاربة " تجربة" العراق الجديد ، والتهيئة لعودة البعث ، والهويات المزورة ، واليوم تأتينا التهمة الجديدة  في " تعريض أمن الوطن للخطر"!! – رغم وجود قوات المحتل وكل انواع المليشيات - .


الشرطة والجيش في خدمة الشعب
 

ان كان التهديد قد سيق للنائب صباح الساعدي ، وقبلها نفذ التهيد بالأعلامي هادي المهدي ، وربما يكون آخرون على الخط ، فأن ملامح التبرم من النقد والتطير تجاه المنتقدين ، والمتظاهرين ، تعني فيما تعنيه ، بأن هذه القوى التي قفزت لمركز القرار عبر " صناديق الأقتراع " تهيئ لأمر خطير ، وأنها لا تأبه ، لا بالأنتخابات ولا بصناديق الاقتراع ولا بمبدأ التداول السلمي للسلطة ، وأنما تتخذ منه شـــعارا لأمرار مخطاطاتها ، وقوانينها التي تتيح لها البقاء في السلطة لأطول فترة ، ان كان بأقصاء الخصوم ، او تكميم الأفواه او التخوين ..وأن لم تنفع فهناك " كواتم" الاصوات مستعدة لأنهاء جولات الصراع .
لا بد لي ان اشير اعجابا بموقف السيد مقتدى الصدر من هذه القضية وأصداره بيانا يستنكر فيه أمر " نزع الحصانة" عن الساعدي ، وهو بهذا انما اجهض مشروع المالكي وحزبه ، اما موقف " العراقية" فيبدو انه مكملا لموقف الصدريين ، حينما صرح السيد حيدر الملا  قائلا : ان القائمة العراقية سوف لن تصوت لصالح رفع الحصانة عن النائب ، هذان الموقفان المهمان الآن ، ومواقف بعض الساسة ، والعديد من الكتابات ربما تساعد على التوقف بجدية امام هذه العقليات ، والتصرفات البعيدة كثيرا عن الممارسات الديمقراطية ، وتقبل الآراء المخالفة ، دون الحاجة الى الاستعانة بقوانين العصرين الحجري والصدامي ، في الانتقام من الخصوم  ، وأنهاء وجودهم ، أو مسحهم من الأرض اذا اقتضت الحاجة .
تحية للنائب ، الشيخ صباح الساعدي في موقفه الشجاع ، وتحية لكل من دافع عن حق المواطنين في نقد المظاهر السلبية بأداء الحكومة ، او للمطالبة بتقديم السراق للعدالة ، لكي يقتص القضاء منهم ، ومن الذين يتسترون عليهم  .

** وللمزيد يمكن مشاهدة تصريح النائب الساعدي عبر الرابط :
http://www.youtube.com/watch?v=WXOcfhgpsVo

كمال يلدو
أيلول 2011

473

اســبوع على غياب " هادي المهدي"




   هـا قـد مـّر اســـبوع على غيابك! وربما انت مشتاق لســماع ما جرى منـذ تلك اللحظة ، وسـأحاول ان الخصها لك .
ابـدأ بعائلتك الصغيرة ، فزوجتك ظهرت  عبر التلفاز عاجزة عن وصف هـول الخبر وهـي تتأبط ابنتك المرعوبة من  هذا الموقف ، والناس  وعدسات التصوير والوجوه  ، كان حزنا عراقيا بأمتياز ، وألم على خسارة  ورحيل مبكر لم يكن في الحسبان ، وغصـة تجاه من كانوا قد هددوك، ونفـذوا وعدهم !
اما عائلتك الكبيرة ، شباب سـاحة التحرير.  فقـد مضوا في تظاهرتهم يوم 9/9 ، وبذات الشعارات التي اتفقوا عليها، لمحاربة الفساد والمفسدين ، وتقديمهم للعدالة ، بتوفير الكهرباء والخدمات وفرص العيش الكريم  للعاطلين عن العمل ، بينما رفضت القوى الأمنية السـماح لمسيرة انطلقت من امام بيتك وهـي تحمل نعشـا رمزيا  لــّف بالعلم  وتصدرته صورتك وكانت غايتها الوصول راجلة الى حديقة الأمـة  ، حيث كان سيكون مكانك الطبيعي وسـط المظاهرات . وبالحديث عن المظاهرات، فقد قامت ذات القوات بسـد كل الطرق المؤدية الى ســاحة التحرير  ومنعت المركبات من المرور،  فيما منعت السيارات من عبور  ثلاثة جسور من جهة الكرخ الى الرصافة (التحرير، السنك والأحرار) وضربت طوقا امنيا اشتركت فيــه كل صنوف القوات – يذكرني بالمحاولات الانقلابية المزعومة ايام زمان -  من الجيش والشرطة  والمخابرات  والقوات الخاصة ( المنقبون) وقوات مكافحة "الشغب"  وحتى المخابرات باللباس المدني اضافة الى القناصة على اسطح البنايات!!!
ومنعت ايضا، سيارات النقل التلفزيوني للفضائيات من الوصول للساحة ، والأكثر من هذا ، فأنهم ( اي الجماعة) قـد  زجــوا بجماعات اخرى في ســاحة التحرير في محاولة – جديدة قديمة – لحرف شعارات تظاهرة الشباب ، لكنهم فشلوا هذه المرة لأن اعدادهم كانت قليلة!
امـا الأمر المهم عزيزي هادي ، فقد كان تصريح الجهات الأمنية بأنها شكلت لجنة مختصة للبحث في ملابسات الحادث والكشف عن القائمين عليه  وحتى كشـــف الجهات التي تقف وراءهم ! وهذا الأمر اعاد الى ذاكرتي  نفس التصريح الذي تلا اغتيال ( كامل شــياع)  بكاتم الصوت ايضا ، قبل حوالي ثلاث سنوات فقط ، وغيرها من اللجان التي مازالت تعمل بكل جدية ومهنية لليوم ، في البحث عن الخيوط والأرتباطات .


الطريف في الأمر ، ان روايات كثيرة طفحت للسطح عقب الحادث وجرى تداولها في الصحافة وشبكة الانترنيت وعلى الألسن ، اذ قالت احداها ، ان الحادثة ســببها خلاف عشــائري معك ! واخرى ، ان اناســـا استقبلتهم في بيتك – اي معارف – هـم الذين قاموا بالعمل ، وآخـرون اتهموا جريدة " المدى" في تدبيرها الحادث لأحراج دولة القانون والسيد المالكي ، ودليلهم كان ســـرعة طبعهم لصورك ، والمظاهرة التي انطلقت حال نشر الخبر ! فيما ذهب آخرون للقول ، بأنك دبرت هذه هذه العملية ســـعيا وراء الشهرة ، ومن اجل ان تصبح رمزا ربما تتمتع به في اليوم الآخرة!
لكن مع هذا ، فأن اخوتك وزملاءك ، من شباب التظاهرات ، والمثقفين والصحفيين والفنانين والعديد من السياسيين الذين عرفوك عن قرب ، لم تنطل عليهم هذه الدعاوي ، وعلى العكس ، فقد قالوها بملء الفم ، ان عمل  " كاتم الصوت" ليس غريبا في استهداف الأصوات الخيرة والغيورة ، لابل انهم تذكروا جيدا ما صرحت به  عشية اطلاق سراحك نهاية شباط ، وحتى ما نشرته على " الفيس بوك" ليلة الحادث ، من ان هناك جهات تتصل بك ، وتتوعدك ، وحتى تهددك بالقتل! وأقولها شـهـادة مني للتأريخ ، ان منظمات دولية كثيرة ، اضافة للمحلية منها ، استنكرت الجريمة وحملت القائمين على الدولة مسؤولية حماية المواطن وأمنه . بينما تحفظت جهات " مسؤولة" في الحكم التعليق ، او استنكار الحادث ، ربما لأنها لا تعتقد بخصوصيته ، لأنه متكرر في المشهد العراقي ، فلماذا خصوصية هادي!

الا ان الأهم في الموضوع انك تعرف هؤلاء الناس! لابل انك كنت قد شـــخصتهم في كتاباتك واحاديثك الصحفية ، ورحت ابعد من ذلك حين ســميتهم بالأســماء .
لـقد ســّرب عن المحققين قولهم : ان الاستهداف لم يكن وجها لوجه ، فيما ذكر بعض الأهالي من المنطقة بأن شــخصا كان يتردد عليهم ويسأل كثيرا عنك ، وعن عدد افراد العائلة ، وعن زوارك ، وأوقات تواجدهم ومغادرتهم، وأن هذا الشخص ذاته شــاهدوه يوم الحادث  وهو يعتلي عمودا قرب بيتك كانت مثبتة عليه كاميرا للمراقبة ، وحينما احرجه احد الفضوليين رده بالقول  : " اني معجب بها ، وأردت معرفة ماركتها ، حتى اشتري واحدة منها"!والأكثر غرابة في الأمر ، ان الجهات الأمنية في المنطقة ، كانت اول من عثر عليك بعد الحادث ، اي قبل عائلتك أو احد اصدقائك أو احد معارفك الكثيرون  ، غريبة حقا!
اقســـم لك ، بأنك الآن تعرف من قام بهذا العمل ...اكيد ! لكن السؤال الأكبر يبقى : هل ســيعي المواطن العراقي ذلك؟ هـذا الذي نذرت شـــبابك لـه ، وقدمت كل ما تســتطيع  للدفاع عنه وعن مصالحه  وعن مستقبله ،والأكثر من ذلك ، عن مستقبل العراق؟
اخشـــى ياعزيزي هـادي ان يكون عامة الناس في غفلــة، ويمـر الفاعل دون حســاب ، ليجـهـز على هـادي آخـر وآخـر وآخـر .
أخشــــى كثيرا من ذلك ، لأنهم وحسب قولهم ، لم يعلنوا لليوم عن قتلة " كامل شـياع" وغيره من المثقفين والفنانين والأدباء والنخب العسكرية والطبية والعلمية.
أخشـــى اكثر ، من اننا لا نواجـه "كاتما" واحدا  ، بل كواتــم كثيرة  ...هذه التي صـــارت تفرخ ســـريعا .....  ببســاطة، لأن البيئـة تســـاعدها ، ولا احـد جـــاد في ايقافها !

كمـــال يلدو
أيلول 2011


474

ايمانويل ، الأم كيلي والعراق!




طاف قبل ايام في فضاء الانترنيت الساحر ، فديو كليب لشاب من اصل عراقي تقدم لمسابقة اختيار الاصوات الجديدة بأستراليا . اما المسألة المثيرة تفجرت حينما سئل الشاب ( ايمانويل) عن عمره ، فأنطلق برحلة ممزوجة بالحزن والأمل ، تبين بعدها بأنه وشقيقه قد ولدا في بغداد في عقد التسعينات ، بلا اطراف كاملة ، وان الجهات الرسمية عثرت عليهما ملقيان في صندوق احذية في احدى الساحات العامة ، فأخذوا الى دار الايتام ، وصادف ان كانت السيدة الاسترالية ( مورري كيلي) التي تدير ملجأ للأطفال ، بزيارة الى بغداد ، فسارعت الى اخذهما ، وقدمت لهما الرعاية الصحية ، وبعد تماثلهما للشفاء، تبنتهما واصبحت لهما اما .
المشهد برمته كان دراميا بأمتياز، فلجنة التحكيم لم تكن في بادئ الامر متحمسة للشاب ( ايمانويل) ، وهو الذي يمشي بصعوبة وليست لديه اطراف علوية كاملة، مضافا اليها سحنته السمراء وملامحه غير الاسترالية . لكن ، بعد ان استمعوا لمقدمة عن حياته ، سأله احد الحكام عن الأغنية التي سيشارك بها في المسابقة ، فأجابهم ، ( اماجن – تخيل) للمغني جان لينون عضو فرقة البيتلز الأنكليزية .
وما ان انطلقت حنجرته بالغناء، وتفاعلت تقاطيع وجهه مع اللحن والكلمات ، لم تهدأ القاعة من التصفيق والهتاف ، فيما ذرف كل فريق التحكيم ( المعروفون بتشددهم مع المتسابقين) دموعا سـاخنة لم تتوقف حتى بعد انتهاء الوصلة الغنائية والتي اجتازها ( ايمانويل) بتفوق منقطع النظير، وغمرت الفرحة امه وشقيقه وبعض اعضاء العائلة الذين قفزوا ابتهاجا وقبل احدهم الآخر فرحا بالنتيجة المشرفة في المسابقة وانتقاله للمرحلة اللاحقة .
هذه باختصار كانت قصة هذا الفديو وبطله بأمتياز ( ايمانويل) ، لكن ، كيف استقبل الجمهور العراقي هذا الحدث والذي عد لحد الآن بمئات الألوف ، وماذا كانت تعليقاتهم ؟
كان هناك مشهدان تقاسما تعليقات القراء ، الأولى كانت لهذا الشاب الذي حرم من الكثير لكنه وجد الأمل بأمه وشقيقه وحياته اللاحقة ، والثانية ، هي عن مدى قدرة الانسان للعطاء فيما لو توفر الظرف الصحيح ومنح الفرصة ، حتى لو كان مصابا بعاهة بدنية !
اما ردة الفعل عند كل من شاهد الفديو فهي تلخص مدى تشبث العراقيين بالأمل برغم كل ما يمر به وطنهم وناســه من مآسي وآهات ، تماما كما ذرفت دموع الفرح وانطلقت الحناجر حينما توج العراق بطلا لآسيا عام 2007 ، او حينما فازت شذى حسون بمسابقة الغناء ، او بالمعمارية زها حديد او بأحد الفنانين والشعراء والادباء او المبدعين العراقيين الذين تنطلق صورهم وأسماؤهم عبر قارات العالم المختلفة . ان ردة الفعل هذه تشي بحقيقة ربما لايختلف عليها اثنان ، وهي ، ان سفينة العراق وركابها تواقون للوصول الى بر الأمان ، وهم بحاجة الى ربان يأتمون له ويثقون به ، وعندها سيعلم العالم ، اي شعب معطاء نحن ، وماذا يمكن ان نقدم للبشرية ....لكن ؟
اكثر التعليقات اثارة كانت بصيغة سؤال عما كان سيكون مصير ( ايمانويل) لو انه كان قد بقى في العراق لحد الآن ؟؟؟
وأنا بدوري احوله الى القراء الكرام ، والى السياسين ورجال الدولة ، من اعضاء الرئاسات الثلاث والبرلمان والوزراء وقادة الاحزاب والكتل . الا يختصر السؤال عن مصير ( ايمانويل) ، المشهد العراقي ؟
اليس الشعب العراقي اليوم ( ايمانويل) في دار الايتام ، بلا افق ولا مستقبل ولا حتى أمل ؟
الطريف في الأمر ، ان الأغنية التي اختارها ايمانويل ( ايماجن – تخيل) تعتبر واحدة من روائع الغناء العالمي لما تحمله من معان انسانية فريدة . فهي تدعو لعالم خال من الحقد والكراهية ، خال من الحروب ، عالم مليء بالمحبة والعدالة والســــلام ، هكذا كان يريده الفنان ( جان لينون) ، وربما لو كان حيا يرزق لليوم ، وســـمع بالمشهد العراقي ، ربما كان سيضيف على الاغنية ..... ( ايماجن – تخيل ) ....عراق خال من المحاصصة الطائفية ، خال من الفساد الأداري والسراق ، خال من الميليشيات وأصحاب الشهادات المزورة
ايماجــن ....تخيل ....وتخيلوا معي
فهل يصبح ايمانويل – البو عزيزي العراق ، ويشرع المتظاهرون برفع صوره في المظاهرات للمطالبة بمنح العراقيين فرصة الحياة والتقدم ، كما منحته السيدة كيلي ذلك ؟
لمشاهدة الفديو :
http://www.youtube.com/watch?v=W86jlvrG54o&feature=related
كمال يلدو
ايلول 2011


475
مـاذا لو صــح الخبر !

كمال يلدو

نشــرت جريدة " الشرق الأوسط" في عددها 11935  والصادر يوم الثلاثاء 2 آب 2011 ، خبرا مفاده  :" ان نظام ولي الفقيه قد طلب من المالكي تقديم 10 مليارات دولار  لنظام بشار الاسد ، لدعمه في هذه المرحلة ، نقلا عن مصدر بارز في التحالف الوطني العراقي المؤتلف مع كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي....." ، كما تضمن الخبر، نفـي  عضو البرلمان من حزب الدعوة خالد الاسدي * صحة هذا الخبر جملة وتفصيىلا .
وأخذا بنفي عضو البرلمان الاسـدي ، فأن خبرا مثل هذا ســيجنب السياسة العراقية مطبات كثيرة اقلها، قولة القائلين بأن السياسة العراقية صارت تابعة لما تمليه عليها ايران وبشخص خامنئي ، وقائد فيلق القدس سليماني ، والذي يجري تداول اســمه كثيرا في اروقة السياسيين وتدخلاته الفظة في الشأن العراقي  ، اضافة الى ما يصرح به قادة الجيش الامريكي منذ سنين من ان " سليماني" يشرف على تدريب وتسليح ميليشيات شيعية تستهدف القوات الامريكية ، لابل ان " مولن" قال ، ان اكثر من نصف ضحايا الجيش الامريكي سقط بأيدي هذه الميليشيات التي يشرف على عملها سليماني .وبالمعنى الآخر للكلمة ، فأن نفي هذا الخبر ، سيمنح السياسة العراقية نوعا من الاستقلالية تجاه ما يجري  في الجارة سوريا على اقل تقدير .
لكن مـاذا لو صــح هذا الخبر :
اولا: انـه ســـيعني فيما يعنيه ، ان السياسة العراقية اضحت ودون لبس ، رهنا بالسياسة الايرانية وأستراتيجيتها في المنطقة ، وهذا ما سيجر العراق لاحقا الى حروب ودمار لايحمد عقباه ، والى عداء من بعض دول الجوار ، لايحتمله المشهد العراقي ، وأن العراق لاحقا سيصبح مستعمرة ايرانية تقودها حيث تكون مصالحها .
ثانيا: ان هذا الامر يعتبر خرقا فاضحا للعقوبات التي اطلقتها الولايات المتحدة والعديد من الدول الاوربية ضد نظام الاسد عقابا على اساليبه الدموية في قمع المتظاهرين .
ثالثا: ان هذا الامر يضع حكومة المالكي في موقع الشريك غير الموثوق به ، عندما يتعلق الامر بموقف عالمي او اقليمي تجاه أمر ما ، اضافة الى امكانية اعتبارتقديم هذا المبلغ عملية تبييض للأموال ، وتعامل مع بنوك ومؤسسات محظور التعامل معها ، على صعيد البنوك العالمية التي يرتبط العراق معها بأتفاقيات .
رابعا: ان هذا الامر يعتبر تنازلا فاضحا من النظام العراقي تجاه نظام بشار الاسد الذي ناصب الحكومات التي اعقبت زلزال 2003 العداء ، واحتضن ولا يزال معظم القيادات البعثية الصدامية ( المطلوبة عراقيا) ورعاها، وقدم لها التسهيلات في اقامة مؤتمراتها ، وغرف عملياتها، ناهيك عن اموال العراق التي هربها هؤلاء المسؤولون عشية سقوط الطاغية .
خامسا: ان هذا يعتبر تنازلا عن دماء آلاف العراقيين الذين سقطوا بأيدي الارهابيين الانتحاريين الذين قصدوا العراق عبر الاراضي السورية ، بعد ان اقيمت لهم معسكرات استقطاب وتدريب وبرعاية الجهات الامنية السورية .
سادسا: ان هذا الموقف يعتبر تنازلا لنظام يعمل ويخطط لتجفيف مياه نهر الفرات الواصلة للعراق ، عبر اقامة السدود ( الضرورية وغير الضرورية) في عملية صارت تكلف الاقتصاد والمواطن العراقي حياته ومستقلبه ، وممكن ان يحول نهر الفرات الى ارض جافة خلال العشرين سنة القادمة .
سـابعا: ان هذا الموقف يكشف حقيقة بعض الساسة العراقيين، الدائرين في فلك السياسة الايرانية العنصرية الطائفية.  فهذا الموقف هو للحفاظ على حكم العلويين في سوريا ، في مواجهة الثورة الشعبية العارمة ، تماما كما انتخى بعض القادة الطائفيين في الدفاع عن المظاهرات في البحرين ، والتي بينت الاحداث بأن هذه المواقف لاتمت لمطالب الشعب البحريني بصلة ، بقدر ما هي ارادة الحكام في طهران  بغية سيطرة القوى الشيعية على الوضع في البحرين وأقامة دولة شيعية على غرار ما جرى مع حزب الله في لبنان ، والميليشيات  الشيعية في العراق .
ثامنا: ان هذا الموقف يعبر عن جهل متعمد لهؤلاء الساسة  بتجربتهم مع حزب البعث  العراقي ، والذي لا يختلف  قيد شعرة عن نظيره السوري ، في القمع والقتل  والمراوغة والديماغوجية .
تاســعا : ان هذا الموقف يعتبر ضـربة لأنتفاضة الشعب السوري، الثائر  ضد طغمة حزب البعث وقواه الامنية وشــبيحته وآلة القتل اليومي التي تفتك بالمواطنين الداعين لآسقاطه ،وسوف تعني فيما تعنيه ( حقنة المورفين هذه) ، المزيد من الضحايا والآلام للشعب السوري ، فيما دول العالم تعرب عن استيائها وشجبها للنظام .
أخيرا: ان صــح هذا الخبر ، فأنه يكشـــف مدى البؤس الذي وصل لـه حال السياسيين في العراق ، والذين صاروا يراهنون على انظمة فاســـدة ، وطغم دموية لا تعرف طريقا للتعامل مع الجماهير سوى الارهاب والقتل ، تماما كما فعل صدام حسين ( ابان انتفاضة آذار 1991) مع المعارضين الذين يحكمون العراق اليوم ، وكأنهم نســوا أو تناســوا البعث وسياساته ، بوجهيها  السوري والعراقي .

  لا أظن بأن الشعب السوري المنتفض ، وثواره الابطال ، سيغفرون يوما  ، لكل من دافع أو مـوّل نظام القتلة في دمشــــق! فنظام الاســد آيل للزوال مهما طال الزمن وكبرت التضحيات ، والشعب هو الباقي ، فكيف ســـيجيبون على اسئلة السوريين يومها ؟
هل سيقولون انهم قدموا هذه الاموال لمحاربة اسرائيل وتحرير الجولان؟ ام لقتل الثورة السورية ؟
اني على يقين بأن هذه السياسة سترتد على اصحابها ، ان كانوا في قم او طهران او بغداد أو بيروت ، فالشعب السوري انتفض، وســوف لن تنقذ نظام البعث في سوريا لا الدولارات ولا الشبيحة ولا فيلق القدس ، فشعوب المنطقة اقسمت ان تجعل من هذا الربيع بطول ايام السنة ، وربما تكون  هذه الاحداث فرصة ذهبية للحركة الوطنية العراقية ، في ان تعلن موقفها المتضامن مع انتفاضة الشعب السوري ،  تماما كما تستوجب الاعراف النضالية في التضامن مع الشعوب المنتفضة من اجل انعتاقها ، وحتى تسقط كل اوراق التوت عن الحكام والحكومات الدكتاتورية ، من اجل قيام حكومات وطنية ديمقراطية تحترم الانسان  وتطلعاته .

___________________
 *خالد الاسدي: قيادي في حزب الدعوة تنظيم العراق ، من مواليد بغداد للعام 1974 ، دارت حوله شائعات بأن شهادته الصادرة من ايران مزورة ، لكن وبتدخل من السفارة العراقية في طهران وبالمراسلة مع الخارجية جرى معادلة شهادته لتكون مماثلة لخريج الثانوية – الفرع الادبي . يقول موقع حزب الدعوة بأن الاسدي حصل على ماجستير في العلوم الاسلامية ومحاضر في الحوزة العلمية . مؤخرا دخل البرلمان كبديل عن خضير الخزاعي الذي اصبح النائب الثالث لرئيس الجمهورية العراقية.

آب 2011

476
البحث عن الاصـالة في الغناء السرياني الحديث

   يسترجع الكثيرون منـّا ، تلك  النقلة النوعية  التي حصلت في المشهد الموسيقي التحديثي ابان السبعينات ، وذلك من خلال بروز العديد من الفرق الشابة ، والتي جاءت متزامنة مع عدة ظواهر كان  منها ، افتتاح العديد من النوادي الاجتماعية العائلية ،  وكثرة الحفلات الخاصة ، ثم تأثير بروز فرق ( الروك ان رول ) في اميركا و أوربا  ، والظاهرة الاهم هي مطاوعة الفنان  الهام المدفعي لآلة  الكيتار  واستخدامها لأداء  المعزوفات والغناء العراقي الفلكلوري ، مع ما رافق المشهد السياسي من انفتاح نسبي لم يدم طويلا . كانت هذه الظواهر وربما اخرى غيرها،  هي ما شـــجع جمع كبير من الشباب والشابات للتوجه نحو تعلم العزف على الآلات الغربية وتشكيل الفرق الناشئة ، وانتشار الغناء الغربي  ومزجه مع الغناء  - العراقي – بأستخدام هذه الآلات . وكان للغناء السرياني نصيب في هذه النقلة النوعية ،  اذ برزت فعلا  طاقات وأمكانيات شكلة اللبنة الأساسية التي نعيش امتداداتها لحد هذا اليوم . وفي العموم ، عندما نقف ونقـيم تلك المرحلة ، سيكون من المنصف ان نقول ، انها كانت مرحلة مهمة في نقل الغناء والموسيقى السريانية الى مديات كبيرة  مما ساعد على انتشارها  وتقبل الجيل الجديد لها اكثر .
لكن، حينما ننظر لتلك المرحلة ونقيس ما جرى بعدها من تأثيرات ، قد يحمل استنتاجنا مآخذ كثيرة على ذاك ( التطور ) الذي حصل منذ حوالي اربعة عقود .

  لا شك ان الغناء السرياني ( الكلداني ، الآشوري ، السرياني) ، كان قد نمى وترعرع في المدن والقصبات والقرى التي يكثر فيها ابناء هذا الشعب ، وربما كانت الالحان الكنسية  والألحان المتوافرة في المنطقة ( العربية ، الكردية ، التركية والايرانية) معينا لا ينضب لتلك الاغاني التي مازال جيل كبير  وبضمنهم الشباب ايضا ، يستمتع فيها لأنها تحاكي ماض يطلق عليه البعض ( الزمن الجميل) .ومما لا شـك فيه من ان الآلات المستخدمة كانت تلقي بظلالها الوافرة على جودة اللحن وعذوبته ، وارتباطا بالمنطقة ( الارض) ، وطبيعة المناسبات ان كانت افراح او احزان  ، ومن هنا اخذت اغاني ذلك العهد اصالتها واستمراريتها في وجدان الاجيال اللاحقة .

لم تمر العقود الاربعة على العراق والعراقيين بسلام ، واذا تحدثنا عن الموسيقى والغناء السرياني فأنه هو الآخر تأثر بما شهدته الساحة السياسية من عنف ، ودخول النظام  العراقي بالحروب الكارثية وصولا للحصار ومن ثم الاحتلال ، وأرتباطا بما رافق التغير عام 2003 ،  من استهداف للمكونات القومية الصغيرة ، وصل حد التصفية الجسدية ،  مضافا لها ما شهده ابناء هذا الشعب نتيجة لذلك ، من اكبر موجة  - هجرة او لجوء  – للخارج ، مما سـاهم في تشتيت التراث والفن والفنانين وابتعادهم عن الارض التي تشكل عاملا مهما وجوهريا ، في تقدم ورقي الفنون ذات الطابع القومي . كان لابد لهذه المقدمة ، لكي اصل ايضا الى ما افرزته الفرق الفنية الجديدة ، واستخدامها للآلات الغربية الحديثة  وخاصة ( الكي بورد)  بأفراط ، في طرح الوان جديدة من الغناء ، وباللغة السريانية ( الكلدانية ، الآشورية) ، ولكن بروح غربية لاتمت للغناء السرياني  ( في معظمها) بأية صلة ، الا لكون المفردات المستخدمة هي من اللغة  السريانية . وبقدر ما يتحمل هؤلاء الفنانين ( فرادى او فرقا) من مسؤولية في حالة التشرذم التي اصابت وتصيب هذه الحلقة الهامة من الهوية القومية لأبناء هذا الشعب ، فأن مسؤولية اكبر يتحملها الملحنون والشعراء اضافة الى النخب الثقافية التي لم تتعاطى مع هذا الامر بالجدية اللازمة .

كيف يمكن تخيل الغناء السرياني دون الآلات  الفلكلورية المعروفة في المنطقة ( الطنبور ، العود ، الناي ، الكمان  ، الدف  والايقاع ، الزرنة والطبل واحيانا القانون) ؟  وهل يقوم الكيتار او الجاز او الكي بورد مقام هذه الآلات ، حتى لو كانت بأيدي امهر العازفين ؟ هل يمكن على سبيل المثال تصور الغناء العربي الاصيل دون العود ، أو الجالغي البغدادي دون الجوزة  والسنطور ، اوالموسيقى الآيرلندية دون " المزماري"،  أو الموسيقى الهندية دون " السيتار" ؟
ان نظرة متأنية للغناء السرياني  الدارج في الحفلات  والمناسبات ســـيكشف للمتابع حجم الابتعاد ( الكارثي) لهذا الفن الاصيل عن قواعده الحقيقية في الألحان ،  وتفضيله  الالحان الدخيلة على اللحن العراقي والسرياني المتميز ، لابل حتى ان الكثير منها مسروق ، و الكلمات جاءت في معظمها باهتة ، وكأنها حشرت حشرا لأكمال النص الغنائي او تفصيلها على مقاس اللحن ، ناهيك عن مواضيعها المملة والرتيبة والتي غالبا ما تدور في محور  واحد هو "الحب" ! على  الرغم  من اهميته ، الا ان العديد من   هذه الاغاني ، صـارت تطرحـه  بشكل ممجوج ،  وكأن لا مواضيع اخرى تشغل بال الشعراء والملحنين والمغنين غير هذا الامر . ويحق لي ان اتسـائل :  اين اضحى الانسان  والوطن والارض والقرية والمسـتقبل  والطموح  والمعاناة ، في اهتمام الغناء السرياني ؟
قد يحمل كلامي عموميات كثيرة ،  رغم اني لا أدعي بالتخصص في الالحان والغناء السرياني ،  لكني اكتب ملاحظاتي هذه ، بقلم مستمع ومتذوق للغناء العراقي الاصيل ، ومنـه الغناء السرياني . ويهمني كثيرا،  ان يتحمل الفنانون  الذين يؤدون غنائهم باللغة السريانية ، مسؤلياتهم  كاملة ، وان يكونوا امناء على الموروث الثقافي والفني لهذا الشعب ، كـون  هذا اللون  ، هو جزء مكمل واساسي للهوية القومية ومظهرا من مظاهر الاعتزاز بها ،  خاصة في  ظل ظرف عصيب يمر به ابناء هذا الشعب في ارض اجداده  ، ان كان بالتهميش  والمحاربة ، او حتـى بالترهيب ونتائجه الكارثية التي انعكست  على آلاف العوائل  التي اضطرتها  هذه الظروف العصيبة ، الى ترك وطنها واللجوء الى دول الجوار ، او ممن اختاروا اوطان الغربة ملاذا اخيرا لهم بعد ان ضاق العراق على ابنائه الاصلاء .

دعوة مخلصة الى المؤسسات المعنية بالغناء والفنون السريانية ، الى التوقف امام هذا الامر بجدية ، والدعـوة موصولة للشعراء والملحنين والفنانين الذين يقدمون نتاجاتهم باللغة السريانية ، ان يعيروا الغناء السرياني اهتمامهم الصحيح ،  وأن لا يشاركوا في تشويه الهوية القومية الصادقة لهذا الفن . من اجل ان لا تكون الدعوة متأخرة ،  لأن اجيالا تنشـأ  اليوم وتتكاثر ،  وهي بعيدة عن الاصالة ، ولا يحق لنا  ان نلوم ظروف العراق والغربة دائما ، بل ان نسعى بما نملكه ونتمكن منه ،  في اداء هذا الواجب الوطني والقومي ايضا .

كمـال يلـدو
تموز 2011




العزف بآلتي الزرنة والطبل

 
رقصة فلكلورية

 
عازف على آلة الطنبور

 
نوطة سريانية

477
د.ســـعدي المالح من ديترويت:
لغتنا السريانية توحد كل اطياف شعبنا ، ومديريتنا ليست  مســيسة!




اســتضاف الاتحاد الديمقراطي العراقي في مدينة ديترويت يوم السابع من تموز 2011 الدكتور سعدي المالح في امسية ثقافية تحدث فيها عن مديرية الثقافة والفنون السريانية التي تتبع حكومة اقليم كردستان والتي يرأسها منذ العام 2005 .
قـدمت السيدة  طليعة اليس كوهاري  ضيف الاتحاد  ، واستهلتها  بقائمة طويلة من سيرته الذاتية ابتدأت منذ العام 1976 حينما غادر العراق الى الاتحاد السوفيتي للدراسة حتى العام 2005 حينما  غادر منفاه في مدينة مونتريال الكندية و  قرر العودة لمدينته " عينكاوة" حيث تقلد هذا المنصب الاداري ، مرورا بمحطات كثيرة توجها بالنتاجات الادبية والثقافية من الشعر والقصة القصيرة والترجمات والبحوث والنشر في عدد كبير من المجلات والصحف ، ســــفر يحق لكل من عرف سعدي المالح ان يفخر به لأنه اتى بعد جهد كبير ونأمل ان تكون ثماره بقدر عطائه ، للشعب العراقي ولأبناء قوميته التي يعتز بها ايما اعتزاز .
بعد التعريف ، اخذ الضيف المايكرفون وجال بالحضور مبتداءا بالحديث عن مهمته الحالية وقال : لقد دفعني فهمي لحجم المعاناة التي عانى منها الشعب ( الكلداني السرياني الآشوري) على مدى عقود من القمع والاضطهاد والقهر لأن اعمل جاهد في هذه المؤسسة التي لم اكن انا مؤسسها بل انها تبلورت اولا في اقرار اقليم كردستان عقب انتفاضة 1991 بالحقوق الثقافية لأبناء هذا الشعب وأقرت ايضا فكرة التدريس باللغة السريانية في المناطق التي يكثر فيها التلاميذ الناطقين بها ، واستحدثت  مديرية الثقافة الآشورية عام 1996 ، مترافقة بصدور بعض الصحف والمجلات في اواسط التسعينات .
اما فهمي لأهمية اللغة بكونها عاملا اســاسيا ليس للتعريف بالهوية القومية لأي شـــعب فحسـب ، بل هـي اهم اداة للحفاظ على تأريخه وتراثه وفنونه وثقافته ، ولهذا تأتي اهمية هذه المؤسسة التي تعني في هذه الحقول . اما اللغة وتدريسها فهذا شأن مديرية التربية التابعة لحكومة الاقليم ، والتي اقرت كما اسلفت مع بداية التسعينات .  وتجدر الاشارة الى وجود بعض المحاولات ابان النظام البائد عقب اتفاقية آذار عام 1971 ، تمثل في صدور بعض النشريات باللغة السريانية والعديد من النشاطات الا ان التجربة انتهت مع الهجمة التي قادها النظام ضد القوى السياسية وعودة الحرب لكردستان واندلاع الحرب مع ايران .
لم تخل عملية تسمية المؤسسة من الحساسيات من هذا الطرف او ذاك ( للأسف) ، لكن سلطة الاقليم اجمعت على تسمية " السرياني" والتي هي جامعة لكل تسميات هذا الشعب ( الكلداني السرياني الآشوري) ، امـا تسمية اللغة السريانية فهي  تسمية رديفة للغة الأم ( الآرامية) ، ويمكنني القول انه  ولحـد وقت قريب كان عدد الذين يعرفون اللغة السريانية قرأة وكتابة لا يتجاوز المئة او اكثر وجلهم من الكهنة والشماسة ورجال الدين ، اما اليوم  فعندنا ما لا يقل عن (15000) خمسة عشر الف على اقل تقدير ( في الاقليم)  يتحدثون
 بها قرأة وكتابة وفي جميع الحقول الثقافية والعلمية والادبية وحتى في الرياضيات والفيزياء ، فيما يمكن اجمال العدد النهائي بأضافة قرى سهل نينوى وبعض المدن العراقية والمهاجر الى ما لايقل عن (40000) عارف باللغة قرأة وكتابة ، وهذا بحد ذاته انجاز كبير ومؤشــر على حيوية هذا الشعب ورغبته بالنهوض وتعبيرا عن الاعتزاز بفنه وتراثه .
تنتمي مؤسستنا التي تحولت الى مديرية عامة الى وزارة الثقافة في الاقليم وهي جزء من  5 مديريات ، ثلاثة كردية وواحدة تركمانية والاخيرة سريانية .والمديرية مقرها عينكاوة نسبة للكثافة السكانية ولها ثلاث مديريات متفرعة في  دهوك ، السليمانية وأربيل ، ويتبع لها ايضا المتحف السرياني .
تصدر المديرية مجلة (بانيبال) منذ العام 1998 بحجم كبير ومن 180 صفحة وبأربعة لغات ، كما تصدر جريدة شهرية بأسم ( مردوثا) – الثقافة – من 16 صفحة ملونة والتي تتضمن الاخبار والنشاطات وبثلاث لغات ، وتطبع المؤسسة حوالي (10) كتب سنويا للأدباء والمثقفين السريان و باللغة السريانية، كما تقدم سنويا ثلاث حلقات دراسية  تشمل اللغة ، دور السريان في الثقافة العراقية وعن الاعلام السرياني اضافة للمؤتمرات الادبية . كما ترعى المؤسسة سنويا " اسبوع الثقافة السريانية" والذي يتضمن المحاضرات ، المسرحيات ، معارض للفنون التشكيلية  والفنون المنزلية ، اليوم التراثي والملابس والاطعمة المقدمة في البيت السرياني  وكلها باللغة السريانية ، هذا اضافة الى انطلاقة المؤسسة مؤخرا نحو القرى والبلدات ذات الغالبية من الشعب (السرياني) ، اضافة الى الاهتمام بثقافة الطفل  ، والتعاون مع المدارس في العديد من الفعاليات ومن ضمنها عروض الازياء ، اذ بلغ عدد الازياء التي يتقلدها ابناء هذا الشعب ومن مختلف المدن والقصبات حوالي (40) زيا .
كما اشار الضيف الى المتحف الذي افتتح في نيسان الماضي والذي يضم ثلاثة قاعات وفيه ما لايقل عن (3000) آلاف مادة  ، اضافة الى آرشفة رواد النهضة الفكرية والثقافية لأبرز مشاهير الشعب ، ناهيك عن  قيام المتحف بتجميع التراث الشفهي من القرى والارياف خشية ضياعه مع تقادم الاجيال وتسارع مستويات الهجرة الى خارج العراق .كما تطرق الضيف الى دور الاعلام في كل هذه العملية الثقافية وتوقف قليلا امام ما هـو متوفر الآن في اقليم كرستان ، اذ أشــار الى تواجد العديد من الفضائيات ومحطات الراديو والصحف والمجلات التي تتحدث السريانية ، هذا اضافة للتنسيق والمشاركة في العديد من الفعاليات العامة  والمشاركة مع الجامعات  في نشاطاتها ...ومع كل هذا العمل فأن الامل معقود للمزيد  ، اذ ان الامكانيات موجودة وهي بحاجة للتوضيب .
بعد هذا الحديث الشيق والمطول ، تقدم الحضور بأسئلة عديدة اجاب عليها بكل صراحة وبدون تشــنج وكانت:
1) من يقوم بالصرف على مديريتكم؟
2) من يصرف على نشاطاتكم ؟
3) كيف تقيـّمون ( ماليا) المشاركات الفردية في نشاطاتكم ؟
4) هل ان مديريتكم مسيسة ؟ وهل تخدم مشروع سياسي  يدفع به الاكراد حاليا ؟
5) انت متهم بأنك تميل لجهة على حساب جهات اخرى ؟
6) هل عملكم يكرس العنصرية " السريانية" وهل انتم منفتحون على الثقافات الأخرى في العراق؟
7) سؤال شخصي حول نتاجات الدكتور سعدي المالح ، ومتى تحول من الشعر الى القصة ؟
8) انتم لا تتعاونون مع اتحاد الادباء الكلدان ...لماذا ؟
في معرض اجابة الدكتور سعدي المالح على اسئلة الحضور قال :
ان  مؤسستنا  جزء من وزارة الثقافة التابعة لأقليم كردستان ، ونحصل على حوالي (2) مليون دولار سنويا من ميزانية الاقليم لتغطية نشاطاتنا والرواتب وكل ما يتعلق بعملنا ، ونمنح العديد من المشاركين في فعالياتنا مبلغا ماليا متواضعا ، وأما المشاركين  القادمين من الخارج فنحن نقول لهم ، عليكم تأمين اجور السفر ونحن نؤمن لكم الاقامة ، وهذا ما نستطيع تقديمه الآن . وفيما اذا كانت المديرية مسيسة ، فأقولها صراحة ، ربما كانت مديريتنا الوحيدة غير المسيســة ، وهذا ما دفع بالعديد من مديريات الاقليم للحذو حذو مديريتنا ، لكن لدينا موظفون ينتمون لأحزاب ، وهذا طبيعي ، لكن لا احد يملي سياسة حزبه على المديرية ، وبالنسبة لي فأني اقف على مسافة واحدة من كل الجهات ، ونتيجة لذلك فقد  حرمت نفسي من المشاركة في النشاطات السياسية حتى لا يتهمني البعض بالتقرب من هذا والابتعاد من ذاك ، اما ان تكون مديريتنا  رافعة لخدمة  مشروع سياسي معيـن ، فهذا غير موجود ابدا ، فنحن نقدم خدمة لأبناء هذا الشعب وهم يستحقوها ضمن استحقاقات المواطنة ، وكنا نتأمل ان تكون الاوضاع في باق اطراف العراق مشابهة للوضع في الاقليم فربما كانت النتائج اكبر واعظم مما تمكنا من تحقيقه للآن .
عملنا لايكرس العنصرية ابدا ، فنحن شعب منفتح على كل الثقافات ، ومؤسستنا تترجم نتاجاتها وتنشره باللغات الثلاث المتداولة في الاقليم ( العربية والكردية والتركمانية)  ، ولنا علاقات مع خيرة المثقفين في الاقليم ونشاركهم ويشاركونا النشاطات ، اما اقتصار نشرنا ونشاطاتنا علىى اللغة السريانية ، فهذه هي مهمة مديريتنا اساسا ونحن لا نتجاوز على حقوق اية جهة اخرى .اما بخصوص تحولي من شاعر الى كاتب قصة ، فالحقيقة اني لم اكتب الشعر الا قليلا وكانت بدايات ، لكن جل عملي ونتاجي الادبي هو في مجال الفـن القصصي والترجمة ايضا . وبخصوص اتحاد الادباء الكلدان ، فمؤسستنا ليس لها اي موقف من اية جهة ، وقلناها ونقولهـا  لكل الاخوة ، نحن اقلية ولا يتحمل وضعنا ان تكون لنا اتحادات كلدانية وسريانية وآشورية وهذا يأخذنا بهذا الاتجاه والآخر بذاك الاتجاه ، كنت اتمنى على المثقفين والادباء والكتاب ان يعطوا مثالا حسنا لوحدة هذا الشعب ، ونحن سنكون اول الداعمين لهـم، لكننا لا نفضل الاتحادات الفرعية وانما نريد ان نعمل تحت واجهة شعب واحد.
بعض الارقام والأحصائيات :
*التعليم السرياني ابتدأ في الاقليم منذ 18 ســنة بعد اقراره في البرلمان
* هناك 57 مدرسة تدرس بالسريانية موزعة ما بين ابتدائية ومتوسطة وثانوية .
* اكثر من نصف هذه المدارس تدرس بالسريانية مئة بالمئة ، والباقي يدرسون ( الابتدائي ستة ساعات يوميا، المتوسطة 4 ساعات ،والثانوية2 ساعة يوميا) .
* انهى اكثر من (5,000) آلاف طالب دراستهم كاملة  من هذه المدارس (الاول ابتدائي وحتى السادس ثانوي) .
* حسب احصائيات وزارة التربية هناك 8,600 طالب في هذه المدارس ، وملاك تدريس يقدر ب (1,070)  معلم ومدرس .
* تضم مديريتنا اكثر من (170) موظف وموظفة ، اكثر من نصفهم خريجوا جامعات ومعاهد عليا ، فيما  يبلغ حملة الشهادات دون المتوسطة اقل من 15 بالمئة.
* في مديريتنا ملاك يمثل كل المدن والقرى والقصبات التابعة لشعبنا ، وكذلك تتمثل فيها كل الانتماءات الكنسية والحزبية المنوعة .
بعد ان قاربت الساعة منتصف الليل ، شارفت الامسية على النهاية فيما تحلق البعض حول طاولة الضيف لأكمال اسئلتهم . جدير بالذكر ان العديد من الشخصيات الثقافية وممثلي بعض الجمعيات والاحزاب في الجالية ووسائل الاعلام كانت موجودة في النشاط الذي يضاف الى العديد من النشاطات الثقافية التي يرعاها الاتحاد الديمقراطي العراقي في ولاية مشيكان .

كمال يلدو
تموز 2011



478
يكفينا مزايدات ياسيادة الوزير!

اشـــار تصريح للسيد لواء ســميســم ( طبيب اســنان) ، وزير  السياحة والآثار في حكومة المالكي نشــر يوم 13 تموز 2011 في العديد من المواقع عن نيــة وزارته في استعادة جميع الآثار العراقية التي نهبت بعد عام 2003 ومن ضمنها  الآرشــيف اليهودي العراقي ، وذكر ايضا " ان الوزارة شكلت لجاناً لجرد هذه المقتنيات الا انها تتطلب امكانيات كبيرة ومتابعة دقيقة كونها تنتشر في مختلف بلدان العالم الى جانب سعيها لاعادة جميع الاثار والتحف التي تمت سرقتها من المتاحف والمواقع الاثارية العراقية."
فيما نشــر موقع قناة " الفيحاء " الفضائية تقريرا لمراسلة القناة من الديوانية  يوم الاحد 17 تموز 2011 اقدمه للقارئ توخيا للأمانة الصحفية :
اختصاصيون في الاثار :مواقع اثرية في الديوانية بلا حراسة ولا بعثات تنقيب


 
اكد اختصاصيون في الاثار من محافظة الديوانية ان قلة البعثات التنقيبية والنقص في حرس الاثار يتسبب بتشجيع السراق على التنقيب العشوائي على الاثار بغية تهريبها مناشدين الحكومة للتدخل لانقاذ قرابة ثمانمئة وخمسين موقعا مشخصا منها ثلاثمئة وخمسون بلا حماية     
تقرير: اسماء الاوسي
ثابت كصالد/ مدير مفتشية اثار الديوانية
سماح عبد الله/ تدريسية بقسم الاثار في كلية الاداب
عباس الخزاعي/ رئيس لجنة الاثار والسياحة في مجلس المحافظة
http://www.alfayhaa.tv/news/arts_and_heritage/62051.html

متحف اللوفر في باريس

وأمام تصريح السيد الوزير ، وتقرير قناة الفيحاء ، نقف نحن العراقيين ( المساكين) حيارى بين نفاق الساسة والواقع الحقيقي . فهذا الوزير وغيره من المسؤولين لم يتوانوا طوال سنين من الأدلاء بالتصريحات النارية والوعود بينما واقع الحال يشير الى اهمال متعمد بآثار العراق ( غير الاسلامية) وفتح المواقع الأثرية امام السراق ومافيات الآثار العالمية للعبث بهذا الارث الحضاري  العالمي الهام ، اما بعدم تقديم الموازنات الكافية او بعدم تخصيص الحراس الكافين للمواقع الآثارية او حتى بعدم فتح هذه المواقع امام البعثات العالمية للتنقيب فيها طالما ان العراق خسر ويخسر مئات الكوادر المدربة في البحث والتنقيب عن آثارنا الغالية . وللتأكيد على هذا الكلام اقتبس هذا المقطع الذي ورد على لسان الوزير سميسم ( طبيب اسنان) في تصريحه  المنشور في موقع وكالة الكوفة للأنباء  ليوم الأحد 26/12/2010   " واشار سميسم في ختام تصريحه الى وجود تسريبات تشير الى عدم وجود موازنة مالية خاصة بالوزارة للعام المقبل 2011 لتنفيذ مشاريعها ،الا ان هذه المشكلة ستحل عاجلا في مجلس النواب" .
اذن ياسيادة الوزير : انت تقول في تصريحك بأن وزارتكم ستشـــكل لجان للبحث عن آثار العراق المسروقة وأسترجاعها ، وتقول ايضا بأن لا ميزانية مخصصة لوزارتكم ، والأختصاصيون يســتصرخون ضمائركم لحماية آثارنا ، فأيهما افضل ياسيادة الوزير :
حماية آثارنا التي تتعرض للسلب والنهب ولعوامل التعرية ، أم لآثارنا الموجودة في ارقى المتاحف العالمية ، والمعروضة بأفضل الاشكال التي تعبر عن احترام هذه الشعوب لتراث العراقيين الأوائل والتي يشاهدها الملايين من كل الأجناس  والقارات ....بينما وزيرنا المبجل يريد ارجاعها !!!
لا ادري ان كانت طرفة من وزير السياحة والآثار ( طبيب اسنان) ، ام انه قدر العراقيين ان لا يكون الانسان المناسب في المكان المناسب .
دعوة للنخب الثقافية ، ولوسائل الأعلام النزيهة والحرة الى كشـــف هذه الاقنعة التي تزايد على جروح العراقيين وآلامهم ..التي تزيد من معاناتهم  في وزارة لم تف بوعودها للمواطن ، في وزراء ورئيس صاروا يتقنون لعبة مسك العصى من الوسط والرقص على الحبال والضحك على ذقون المواطنين .


كمال يلدو
تموز 2011

479
على شــرف ثورة 14 تموز:
الشباب يعيدون مجد ساحة التحرير !
[



/center]

 

كمال يلدو
   كان ذلك في  الثالث عشر من شهر كانون الثاني للعام 1961 حين اكمل المهندس  رفعت الجادرجي  الاشراف على بناء الجدارية التي ستكون لاحقا واحدة من علائم بغداد المميزة ، ان لم تكن الابرز . يومها صعد الفنان النحات  جواد سليم على الســـلم ووضع  بيده اولى قطع  نصب الحرية – الشمس – لتتوســط هذه الملحمة العراقية الخالدة ، لكن الاقدار واعتلال صحته كانت اســـرع من ان يشهد النصب كاملا ، فوافته المنية في المستشفى الجمهوري يوم 23/ 1/1961م  اثر نوبة قلبية، وافتتح النصب الزعيم عبد الكريم قاسم في السادس عشر من شهر تموز لنفس العام .
كان نصب الحرية واحدا من اربعة مكونات توسطت هذه الســاحة المهمة التي ســـميت " حديقة الامـة" ، والتسمية هي اســتعارة  من تمثال الام الذي انجزه الفنان خالد الرحال ، وجدارية ثورة 14 تموز من الجهة الاخرى لنصب الحرية بالقرب من ساحة الطيران التي صممها الفنان فايق حســن ، والحديقة ذاتها ، اي حديقة الامة التي كانت تتوسطها بحيرة فيها نافورة  ويســبح بها البط، وطاولات  مزودة بمظلات   وكافيتريا تخدم العوائل البغدادية التي كانت تقصد هذه الحديقة المتميزة ، ناهيك عن المقاعد الخشبية والزرع والازهار في طول الحديقة وعرضها .
للكثيرين ، من الاصدقاء والاعداء  كانت تمثل واحدا من رموز ثورة  تموز. فمن احب الثورة كان يسترجع ايامها الزاهرة ، اما الآخرين فقد ناصبوها العداء، وما لا يتذكره البعض  ان احد عناصر الحرس القومي قام برشـــق نصب الحرية بالرصاص عقب انقلاب شباط 63 ومازالت آثارها ماثلة لليوم ( في الثلث الأخير من الجدارية – تحت) ، وذات الشيء فعلـوا  مع جدارية 14 تموز حينما طلوا حمامة السلام باللون الاسود بقصد اخفائها من المشهد . وتمر السنوات وتمعن السلطات في اهمالها لهذا الصرح الحضاري ، حيث فقدت الحديقة جمهورها وتحولت لمرفق يأمـه السكارى ، وصارت فندقا ليليا للمشردين، وعلت الروائح الكريهة جدرانها وخربت مقاعدها الخشبية، ومن اجل ان لا تكون مقصدا لأبناء بغداد ، فقد خنقت  بنفق ســاحة التحرير ، وزادوا عليها بأن اقاموا في باحتها الامامية مجموعة من النافورات ، بينما كان الانضباط العسكري ايام السبعينات يعتبرها خير مصيدة للقبض على ما يسمون بـ " الفارين " من الخدمة او ممن تخلفوا عن الالتحاق بوحداتهم  العسكرية، وكانت تشهد انوارها الليلية على الأسـاليب الاجرامية في التعامل مع الناس ، بالضرب والشتم والاقتياد بالعربات العسكرية . وكأن هذا لم يكن كافيا ، فقد اقدم النظام البائد على رفع  تمثال " الام" ، رمز حديقة الامة  ونقله الى حديقة الزوراء ، فيما صارت جوانب هذه الحديقة مركزا للباصات ولسيارات النقل العمومية . وباختصار شـــديد ، ارادوا قتلها ببطء ، وهم بهذا انما يجهزون على آخر ما تبقى من صروح تذكر الناس بثورة تموز  وعبد الكريم قاسم، بعد ان هدموا نصب الجندي المجهول ، وأهملوا وزارة الدفاع في الباب المعظم ، وهدموا نقوش شعار الجمهورية الذي كانت تزدان به اعمدة  "متنزه الوحدة " عند مفرق شـارعي السعدون والنضال .
لكن يبدوا ان الزمن الدوار عاد ليبعـث الروح مجددا بهذه الساحة ورمزيتها الوطنية ، فرغم ان ارصفتها الخارجية اســتضافت لسنين طويلة الباعة المتجـولين منذ سـاعات الفجر الأولى لتطعم العمال والشغيلة  والطلبة وكل من كان يمر من هناك بوجبة الفطور صباحا أو بالعشاء مساءا ، واحتضانها لعمال " المسطر"  في الجهة القريبة من ساحة الطيران ، لكن هذا لم يكن كافيا لأعاده مجدها ، فكان لقاء الســـاحة التأريخي مع الشباب المنتفض  ضد الخراب والفساد والاداري والمحاصصة والحرمان  منذ عقود الدكتاتورية وحتى اليوم ... وبالضبط تحت نصب الحرية ، وكأنهم يقولون للعالم ، ها اننا نســتحضر كل تأريخ العراق منذ ان خطه السومريون مرورا بالبابليين والآشوريين  ومرورا بثورة 14 تموز وحتى يومنا هذا ، وأن يجعلوا جواد ســـليم  وعمله الخلاق في نصب الحرية شـــاهدا على هذه الانتفاضات الشبابية التي تريد انهاء التخلف  والفقر والظلم ، ليكتبوا صفحة عراقية جديدة في ســــفر الوطن والوطنيين .
لقد اعادوا للســـاحة مجدها  ، وتحت نصبها المشهود ، تنتشر صورهم وأخبارهم في كل العالم ، اعادوا لبغداد جزءا من القها الوطني  بعد ان علاها الصدأ والخراب والتخلف على يد الميليشيات  والعصابات والطائفيين .
حقا ان الزمن دوّار ، وأن العراق  في طريقه لكتابة صفحة جديدة من تأريخه المجيد وبيد شـــباب  " نصب الحرية " و " شــباب شباط " وكل القوى والتحالفات الخيرة التي تريد ان تعيد للعراقيين بسمتهم وكرامتهم وحريتهم المهدورة منذ عقود ، منذ انقلاب شباط الأسود وحتى اليوم .



480
حاضرنا حينما يتعثر بالماضي، علي الأديب نموذجا!

نقلت بعض وســائل الاعلام مؤخرا خبرا يتعلق بالسيد علي الاديب وزير التعليم  انقل الجزء الاساسي منه  للقارئ الكريم  بقصد الامانة الصحفية كما ورد :
((الثلاثاء 28-06-2011 08:52 مساء:شبكة هذا اليوم للأخبار: خصصت وزارة التعليم  والبحث العلمي، اربعين مقعدا لأداء مناسك الحج ، للخريجين الأوائل من الدور الأول من طلبة الجامعات، وهيئة التعليم التقني،للعام الدراسي الحالي . وقال وزير التعليم العالي والبحث العلمي علي اللأديب ان تخصيص هذه الفرص للحج يأتي انسجاما مع توجهات الوزارة الرامية الى مكافأة المتميزين والمتفوقين من طلبتها الأوائل، وتشجيعهم في مراحلهم الدراسية وحياتهم المهنية اللاحقة خدمة لبلدنا العزيز ...............)) .
وبعد تأملي في الخبر، تداعت لذهني حادثتان مرتا من عهد ليس بعيدا ومازالا يلقيان بظلالهما الثقيلة على مشهدنا السياسي والعقلية التي تدير دفة الامور في بلادنا .

الأولى:كانت حينما زار صدام حسين ذات مرة منطقة الاهوار وألتقى حينها بالأهالي وأطلع على اوضاعهم البائسة، فما كان منه الا ان اشار الى احد مرافقيه  بأن يمنح "ثلاجة كهربائية" لسيدة مسنة كانت تشكو له ضنك عيشها والفاقة التي تمر بها ومنطقتها ، وطبعا كانت الابتسامة الكبيرة مرتسمة على وجهه ، متوسما انه وجد الحل لمشاكلها ، وأنه ، اي صدام سيحيل حياتها الى نعيم " مبرد" بهذه الثلاجة .كانت كاميرا التلفزيون تســجل كل هذه الاحاديث و " المكرمات" فيما تجول العدسة بين الوجوه التعبة والمضنية ، وبيوت القصب المتهالكة، وكان لابد من تقريب  المايكرفون من وجه هذه المرأة العجوز لتنقل للعراقيين شكرها وتقديرها لهذه المكرمة فقالت للرئيس : " بس ما عدنه  كهرباء!" .

الثانية: في زمن صدام حسين ايضا، وأثناء زيارته لبعض الاطراف النائية، نزل بطائرة الهليوكوبتر، فتحلق حوله مجموعة من الصبية الذين دفعم الفضول للتقرب من هذا النازل عليهم من السماء ، بعيونهم الشاردة وملابسهم الرثة ، وفيما كانت كاميرا التلفزيون تسجل هذا الحدث التأريخي وهو يقدم مواعظه لهؤلاء الأطفال، مسك بيد احدهم  وقال كلاما موجها للعراقيين عبر التلفزيون وبشهادة هؤلاء الاطفال : " اريدكم اتعرفون ان صدام حسين هـو الذي البس العراقيين اللباس والفانيلة !

هاتان الحادثتان وأخريات غيرها كانت تشكل جزءا من الدراما العراقية في طريقة اختزال الحاكم للواقع المعاش ، وتفاعله مع مهمته كمسـؤل حكومي عليه واجب يؤديه مقابل ما يتقاضاه من راتب!
ويبدو ان السيد علي الاديب يقرأ التأريخ جيدا ويعرف احتياجات العراقيين  افضل من غيره ، وهو ربما يســـعى من هذه المكرمة التي وصفها :(( فلا يجب ان نكون ناقلي أو مستنسخي تجارب الدول المتقدمة)) أن تكون بادرة يمكن ان يتخذها الوزراء الآخرون اسوة حسنة ومثلا يحتذى به ، لابل ربما ســتسهل الطريق على السيد رئيس الوزراء  ( بالمناسبة الاثنين من نفس الحزب – الدعوة)  بأن يقدم مثل هذه المكرمات ، للوزراء  والمسـؤولين المبدعين في عملهم ، والذين لم تثبت  عليهم تهمة الفساد الأداري أو الرشوة او تزوير الشهادات ( وما اكثرهم) .

   ألم يكن حريا بهذا الوزير المقدام ان يقدم لهؤلاء المتفوقين مكرمة من نوع آخر  كأن تكون ، قطعة ارض  تضمن لهم بيتا للمستقبل ، او شـــقة من الشقق المتعاقد عليها مع كوريا الجنوبية ، أو ان تتكفل وزارته بأعادة طباعة رسائلهم وتوزعها على الجهات المسؤولة مجانا ، أو ان يقوم بصرف  هذه المبالغ على   بناء مدرسة في احد ارياف العراق البائسة ، و من اربعين صفا (( نعم من 40 صفا)) ويوضع اســـم كل متفوق على احد الصفوف وتســمى (( مدرسة المتفوقين للعام كذا ....بنيت على شرفهم ، وصرفت الأموال من ميزانية وزارة العليم العالي ....الخ)) ..اليس هذا افضل يا سيادة الوزير ، ام انك تريد اليوم ان تعلم العراقيين الحج والدين والتقوى ؟؟؟

لم تشــــفع صدام حسين زياراته للعتبات المقدسة ( متقلدا مسدسه طبعا وبرفقة الحراسات!!) ، ولا حتى زيارة العمرة ، ولم تنفعه ايضا وضع كلمة " الله أكبر" بخط يده على العلم ..لم تنفعه حمله للقران في المحكمة او قراءته في السجن ، فقد كان مقصرا بحق شـــعبه الذي اذله ودمره بالارهاب والقتل ،  ومن اجل الكرسي لم يبال بأن يفتح وطنه للمحتل ولأنياب دول الجوار ...لم تنفعه ...ولن تنفع غيره  ان لم ينتبهوا الى خدمة الرعية الذين اولوهم الثقة في الانتخابات! 

كمــال يلـدو
تموز/ 2011بالعراق


481
الشاعر عبد الكريم كاصد، بعيدا عن الوطن ، قريبا من الناس




   حينما ولج القاعة ولمحه الحضور ، تحلقوا حوله ، قسم يعرفه وقسم سمع وآخر لم يره ولم يسمع به .تجاذبوا الحديث معه ، وانهالت عليه الاسئلة ، والصور التذكارية ، كل يريد صورة ..هذا  الضيف عراقي ،  لكن الكل عراقيون ، اذن ماهو السر ؟ هكذا هو حالهم  في ديترويت مع الضيف ...هل لآنه قادم من خلف الحدود ؟ ام لأنه مجبول بالطيبة ؟ ام  انه يحمل لهم اخبارا اخرى عن العراق ؟ ...ام انهم وجدوا فيه الامل ؟

" يسـعدنا ان نقدم لكم هذا المساء، نخلة عراقية اصيلة ، ويشرفنا  ان نضيف نحن في الاتحاد الديمقراطي العراقي نجما الى سماء المثقفين والادباء والفنانين والساسة العراقيين الذين استضافهم الاتحاد عبر مسيرته الطويلة لأكثر من ثلاثين عاما ... حميد مجيد موسى ، مظفر النواب ، فؤاد سالم، ناهدة الرماح ، زهير الجزائري ، حسان عاكف ، المرحوم توما توماس ، كوكب حمزة ، انوار عبد الوهاب ، جعفر حسن ، يوسف ابو الفوز ، حمودي الحارثي وآخرين غيرهم كثر . يسعدنا اليوم ان نرحب سوية معكم بضيفنا الغالي ، الشاعر والكاتب الاستاذ عبد الكريم كاصد" .
بهذه الكلمات ابتدأت الامسية الثقافية  يوم الخميس 30 حزيران 2011 والتي جمعت الشاعر مع نخبة من ابناء الجالية العراقية في ولاية مشيكان الامريكية ( ديترويت) والتي رعاها الاتحاد الديمقراطي العراقي ، حيث ضم الحشد العديد من متابعي الشأن الثقافي والادبي ، وبعض وسائل الاعلام ( قناة عشتار الفضائية ، قناة  - آي اي اي  المحلية ، مجلة نينوى) وممثلي بعض الجمعيات والاندية المحلية .
 تقدم الضيف بالشكر للأتحاد على هذه الدعوة ، وشكر الحضور على الحفاوة والمحبة التي غمروه بها اثناء زيارته القصيرة للمدينة . قدمت بعدها نبذة عن نتاجات عبد الكريم كاصد  في الشعر والقصة القصيرة والمسرح والترجمة ، مرورا بالسيرة الذاتية كما هي موثقة في المراجع .
طلب من الضيف الحديث عن كاصد الانسان والشاعر ، فتحدث قليلا عن البصرة  والعائلة والعلاقات العامة ، وأوجزها بعبارة " ان عالمي هو عالمكم" .
وعن محنة العراقيين بعد قصيدة " الحقائب" والتي صارت حقيقة رغم انها كتبت منذ اواسط السبعينات قال :
انا لي الثقة الكاملة  بالشخصية العراقية ، وأشــعر بقدرته على تجاوز مثل هذه الاحداث والمآســي ، ويقيني كبير بأن ما يجري هو الاستثناء الذي لن يدوم ...ثم القى قصيدة  " عراقيون" التي تنطبق على واقعنا رغم مرور سنين طويلة على كتابتها :


عراقيّون....
هل أبقوا على شئٍ تكسّرَ في الطريق؟
أخلّفوا أمواتهم يبكون
وانتظروا مجئ الله؟
هل أغفوا على طرْقٍ خفيفٍ مثل وخزِ النار؟
هل عادوا على آثارهم يمشون؟
عراقيّون
عراقيّون
لغْطٌ كالحصى ينداح ..
تذكرُ صرخةَ الأطفال في خانٍ تهدّمَ للهنود؟
قوافلَ الأغراب في البصرة؟
أكفانَ النساء البيض؟
والأشباح تمضي بالسروايل الطويلة واللحى البيضاء
أغرابٌ
عراقيّون


يفترشون أضرحةَ الأئمة والأقارب ثمّ ينتشرون، ينسون البكاء، كأنما قدرُ العراقيّ المقابرُ والرحيل مجنّحَ القدمين، يحمل سعفَهُ ونذورَه ويؤوبُ مخذولاً يجرّ دموعَهُ، ويحطّم الألواح، يوقدُ في الهجيرةِ نارَهُ، ويغيب في ليلٍ من الأشباح .... ( مقطع من القصيدة)


مقدم الامسية توجه من الشاعر ببعض الاسئلة ومنها : عن رعاية الدولة للمثقفين العراقيين الذين تقادم بهم العمر  وباعدتهم الغربة احيانا ، وعن واقع الاحتجاجات في العراق والمنطقة العربية ... اجاب : من المؤلم ان نشهد هذا الاهمال للمثقف العراقي ، ففي الوقت الذي ترعى فيه الامم الاخرى مثقفيها ومبدعيها نرى العكس ( تجاه البعض) في وطننا . بعض الدول تمنح اجازات سنوية للمبدعين وتقيم المهرجانات لتكريمهم، ناهيك عن رعايتهم للثقافة بصورة عامة عبر بناء المكتبات العامة و تسهيل توفير المنتوج الثقافي بكل الوسائل ( كتب ، سي دي ، افلام  وفديو ..الخ)
اما عن حركة الاحتجاجات ، فمن البديهي ان تكون هناك ردات فعل عن الواقع الفاسد ، واحد وجوه هذا الاعتراض هي الاحتجاجات ...ثم القى على الحضور  هذه القصيدة :
أسد بابل


على بعد أمتارٍ من النهر
يجلسُ أسدُ بابل
لا مصاطبَ تحيط به ولا أطفال
لا جنائنَ ولا أبراج
وحين يمرّ به الناس
ولا يلتفتون
يهزّ رأسَهُ أسفاً
مردّداً جملةً واحدةً
لا يسمعها أحدٌ
وإن سمعها لا يعيرها انتباهاً:
"أنا أسدُ بابل
أنا أسدُ بابل"


احد الحاضرين سأل الشاعر عبد الكريم عن  خصوصية تجربته الشعرية ، عن الحداثة وعن الشعر العمودي ...قال : الشعر العمودي لن يموت ، هناك من يكتب ، مثله مثل الشعر في كل بلدان العالم ، هناك تحديث ، والاصيل لن يموت . اما عن الابداع في استخدام الموروث فقد جربت مطاوعة  ( الزهيري) الذي يستخدم في الشعر والغناء العراقي ، وتمكنت اخيرا من تقديمه باللغة الفصحى ، ونال اعجاب العديد من النقاد والشعراء .

زهيريات
يا صاح حالي شكتْ في غربتي حالكْ
نجمي ضريرٌ ونــجمُ الناس أوحى لكْ
والدربُ ما ضــــــــرّني لكنّ أوحالكْ
حيران أبكي على همٍّ مضـى أو عادْ
ما عدتُ أدري صديقٌ عادني أم عادْ
في كلّ يومٍ لــــــــنا عرسٌ وناعٍ عادْ
هل أشتكي حالتي أم أشتكي حالكْ


أمضيتُ عمري أسمّي منْ تعالى سما
أبغي مُحالاً وأرنو هازئاً بالســــــــما
ما همّني أبداً طيرٌ بدا أو ســـــــــــما
حتّى إذا امتدّ بي عمري وشـــاء القضا
أن يجمعَ الناسَ من صلّى بهم أو قضى
في غربةٍ ليلها من وحشــــةٍ ما انقضى
ألفيتُني قابعاً ترنو إليّ الســــــــــما
( مقاطع)


ســئل الضيف عن المربد ، وماذا يعني ان يسمى مربد العام 2006 بأســمه ...قال : انا ممتن لهذا التكريم ، ومدين به لآتحاد الادباء ، وحسنا انه جاء من الوسط الادبي وليس الحكومي ، انا اكره السلطات وأتوجس منها! وعن تجربتي في المربد الاخير (2011) ، فأني متألم لما آل اليه حال الثقافة ، والمربد بالذات ، الذي يريد البعض له ان يكون صورة للمشهد السياسي والطائفي في العراق ، كذا شاعر من حزب .... ، وكذا من الحزب الفلاني وهكذا حسب نسبتهم في الدولة او  مجلس المحافظة! وقد شاركت بقصيدة  " طائفية" التي استحسنها البعض ...ونقم  البعض الآخر منها ايضا ....

عبر تاريخنا الطويل
تقاسَمْنا أربعة من الصحابة
ثلاثة لكم
وواحدٌ لنا
(وقد يكون العكس)
ثلاثة لنا
وواحدٌ لكم
من الثلاثة لم ينجُ سوى واحد
وواحدنا قُتل
صاحبكم لم يورث
(سأضع لم يورث-عفواً- بين هلالين)
وصاحبُنا أورثَ
- كمْ؟-
آخرهم
أغلق بابَ السرداب
ونامْ
لم توقظهُ خطواتُ المارّة في سامراء
أو خطواتُ الجند
وقد توقظه أحياناً
أصواتٌ نائية
تهتفُ لخليفةِ مَنْ "لم يُورث" بين هلالين
ثمّ يعودُ إلى إغفاءتهِ
مبتسماً في النوم
(هل أبصرتمْ ظلاّ .. رجلاً مبتسماً في النوم؟)
هذا المختبئ النائمُ صاحبنا
(إن كنّا نحن صحابَهُ)
ما أكثرَ أقواسَ قصيدتيَ اليوم؟
أمّا من لم يُورثْ
فقد أورث طابورَ ظلالٍ تمتدّ إلى مجلسنا هذا
(إن شئتم أن لا تعتذروا عنّي)
لكني
اسألكم:
والقصعة واحدةٌ
ورغيفٌ واحد
يجمعنا الآن
ترى من يرغب منا
أن يغمسَ نصفَ رغيفهِ في الدم؟




احد الحاضرين توجه للشاعر بالسؤال : في الغربة ، من الذي خسر اكثر الشعر ام الشاعر؟ ...قال : لم تعد هناك غربة مطلقة ، فأنا اذهب للعراق كل سنة وأقضي فترة هناك ، فهناك تواصل ، وحتى للذي يعيش في مكان بعيد فهناك ادوات للتواصل ، لكن للغربة ثمن ، فقد خسرت في الغربة  احبة ، واصدقاء ...وزوجتي .
واستدرك قائلا : احيان اواجه مواجع الغربة  وما يشهده العراق بالســـخرية ، وقد كتبت العديد من القصائد الساخرة ، وهذه واحدة منها :
الحذاء والملك
-1-
خرج حذاء الملك للنزهة يوما
ولما عاد قال للملك :
خشيت على سلامتك يا مولاي
فآثرت التنزه وحدي
حتى ظنني الحرس النائم
سنجابا او قنفذا يمر
كانت الشوارع تهبط كأنها تنحني لي
والمنازل تنهض كأنها تأتمر بي
والقمر كأنه حارس
ثم وقف ذليلا بين قدمي الملك
قال الملك :
لا تثريب عليك
ولكن حذار !
من بطش العامة
وكيد الدهماء
فانا اخشى عليك في الليل
مثلما تخشى علي في النهار
فازداد الحذاء لمعانا حتى كاد يصيح بالملك
انا الشمس
ومنذ ذلك اليوم
والحذاء يخرج في الليل
وينام في النهار
عارفا اسرار العباد كلها
كبيرها وصغيرها
شاردها وواردها
حتى حان موعد تنصيبه تاجا للملك
قال الملك :
يا حذائي
ويا تاج راسي
قال الملك :
لا تثريب عليك
ولكن حذار !
من بطش العامة
وكيد الدهماء
فانا اخشى عليك في الليل
مثلما تخشى علي في النهار
فازداد الحذاء لمعانا حتى كاد يصيح بالملك
انا الشمس
ومنذ ذلك اليوم
والحذاء يخرج في الليل
وينام في النهار
عارفا اسرار العباد كلها
كبيرها وصغيرها
شاردها وواردها
حتى حان موعد تنصيبه تاجا للملك
قال الملك :
يا حذائي
ويا تاج راسي

وامتنعوا عن ارتداء الاحذية
حتى حسبوا كل شئ حذاء
قال كبيرهم :
ماذا نفعل ؟
قال صغيرهم :
ماذا نفعل
وقد داهمنا البرد ؟
كان الحذاء
يلمع في الصور والآنية
كأنه شارة حرب
او علامة استفهام
قال الحذاء : يا شعبي
ثم هوى كالمطرقة على رأس الملك
- 3 -
حكم الحذاء سنين عددا
بالعدل
راغبا عن رؤية رعاياه
وقد تساووا في الجوع
كان الناس يحدقون فيه
- مثلما كان يحدق فيهم -
حفاة , مهمومين
حتى بدا خاويا
باهتا
دون رأس
كأنه حذاء من شمع
كأنه شمس تنسحب من المملكة
فلا بريق
ولا بهاء
بل حذاء
محض حذاء


قبل ان تنتهي الامسية تقدمت احدى الحاضرات من الشاعر بعتاب اذ قالت له : اين الشعر عن المرأة ؟
لم يبد الاحراج على الشاعر ، فشعره عن العراق والعراقيين ، وأستدرك الموقف والقى لها قصيدة جميلة عن الحب والمرأة ...وقبل ان تنتهي رحلة المساء مع المبدع الشاعر عبد الكريم كاصد في ديترويت  ...القى فيها عدة قصائد من دواوينه المختلفة  استقبلها الحضور بالتصفيق والاستحسان ...انتهت الامسية ولم ينته اللقاء ...وتوادع الاحبة مثل كل مرة،  بالقبل والامل بعراق مزدهر ، يرفل ابنائه بالامن والسلام والمحبة والوئام ...أمل بأن تعود الطيور الى اعشاشها يوما ...حتى ولو للزيارة فقط!

كمال يلدو
حزيران 2011

482
دفاعا عن الحرية تحت " نصب الحرية"




لايســـاورني شــك من ان السيد نوري المالكـي، وقيادات حزب الدعوة يعرفون حق المعرفة الهـوية  الوطنية للمتظاهرين الذين دأبـوا على التجمع  تحت نصب الحرية مطالبين بالأصلاح والقضاء على الفساد الاداري وتقديم الســراق الى العدالة ، وهذا ما بدا في رد فعل المالكي  في الاسبوع الأول للتظاهرات حينما صرح  " بأحقية التظاهر المكفولة في الدستور " وأن  " مطالبهم عادلة" ، لكن يبدو ان حقنة التخدير التي ارادها لم تدم طويلا حينما اكتشـــف ان نفس هؤلاء المتظاهرين ليس قصيرا  ، وأنهم مصـرون على مطاليبهم ، لا بل ان حركة الاحتجاجات في بغداد وجدت لها صدى كبيرا في كل المحافظات العراقية ، ولهذا تبدلت نغمة الحكومة تجاههم  .
لقد تصور السيد نوري المالكي بأن مســك العصـا من الوسط  ســيعفيه من المحاســـبة ومواجهة المواطنين الذين اكتوا  جراء نقص الخدمات وضياع فرص تقدم وطنهم  نتيجة الفساد الاداري وسرقة المال العام ، فيما العالم من حولهم يتقدم وهم يتراجعون القهقري يوما بعد يوم .
   وبينما  لجأت القيادة السياسية متمثلة برئيس الوزراء وبعض الوزراء والمسؤولين الى كيل الاتهامات  والشتائم للمتظاهرين ، ووصفهم بأنهم ارهابيون وبعثيون ، أو انهم يريدون عودة البعث، لكن واقع الحال يدحض هذه الافتراءات ، وهي  مردودة على اصحابها  وكل من يطلقها . فلو كان المسؤولون حقا لا يريدون عودة البعث ( افتراضا) ، فعليهم اولا اراحة هذا الشعب من تركة نظام البعث البغيض ، عليهم توفير الخدمات ، وفرص العمل والشروع بنهضة العراق ، عليهم محاسبة السراق  ، ايا كانوا ، وتقديمهم للعدالة  ،  عليهم محاربة الارهاب والميليشيات والقضاء على نظام المحاصصة  ، بهذا فقط نســـد الطريق على البعثيين وغير البعثيين – ممن لا يريدون خيرا للعراق – للعودة من جديد ، اما الحقيقة المرة  التي يتلمسها الشارع العراقي اليوم هي : ان هؤلاء السياسيين ، بأفعالهم  وما قاموا ويقومون به ، انما اســـدوا خير خدمة للأرها ب والبعث  ولكل القوى الغاشمة التي دمرت العراق في عقود حكمها البائد .




   ان حركة الشـــباب التي انطلقت ، والدعم التي لقته وتلاقيه من شتى القطاعات الشعبية والمثقفين _ المتضررين الحقيقيين  من الفساد الاداري – هي ظاهرة وطنية تعبر عن اروع صور الحرص والمسؤولية على مقدرات وآمال وأحلام المواطنين ، وهي التي ستكون صمام امان الشعب العراقي ، وليس البرلمان الطائفي ، في المراقبة والمحاســـبة  . ان هذه الساحة المباركة ، وكل الساحات العراقية التي تشهد موجة الاعتراضات والاحتجات لهي ارقى تعبير عن وعي المواطن لمسؤلياته بعد ان خاب ظنه بنوابه  في البرلمان ، الذين يقضون جل اواقاتهم اما في السكوت  او في الوفود والاجازات او في النقاشات العقيمة بينما ازمات المواطن تتفاقم ومعانتهم اليومية في ازدياد مضطرد .



لا اظن ان القاء كرة اللهب هذه في ملعب المحتجين  سيحل المشاكل ، او يعيد الامور الى ما يفترض ان تكون ، بل بالعكس ، انها ستزيد الامور ســوءا ، وستخســر هذه الحكومة ، بكل اطيافها، ستخسر جمهرة كبيرة كانت اكبر نصير لهم في الانتخابات  وبذلك تكون سياسة حماية السراق والمفسدين والمسؤولين غير الكفوئين  قد خلقت شرخا كبيرا بين الطبقة الحاكمة ، وجمهرة المواطنين ( المكويين) ، ناقضين بذلك عهودهم ووعوهم الانتخابية بتوفير الخدمات  والقضاء على البطالة  واطلاق حملة اعادة بناء العراق .
ان اكبر الاخطاء التي ترتكبها هذه النخب السياسية اليوم هي في مناصبتها العداء لهؤلاء الشباب الحريصين اشد الحرص على وطنهم ، وليس المالكي ووزراؤه والمسؤولون هم وحدهم من يتحمل وزر هذا التفريط بهذه النخبة من المواطنين ، بل كل الاحزاب المشتركة في العملية السياسية والبرلمان ،  والذين كنت اتأمل يوما ( من بعضهم على الاقل)
ان يترجموا  تصريحاتهم  وأقوالهم ضد الفساد ، بالنزول الى ساحة  التحرير او ســـاحات الاحتجاجات العراقية الاخرى ، ليكونوا حقا على تماس مع الجماهير التي اوصلتهم الى هذه الكراسي الوفيرة والرواتب والمخصصات الدسمة!
اما ما جرى في "جمعة الغضب" والجمعة التي تلتها في بغداد ، ونزول شـــلة من " الشقاوات " و " البلطجية"  وتعديهم بالضرب والسب والشتم على المتظاهرين تحت اعين وحماية القوات الامنية  فهو دلالة لاتقبل الشك عن العقلية الاستبدادية  - المرعوبة – تجاه اي تحرك جماهيري حقيقي ، وعجز تام في تحقيق مطالب الجماهير التي لم تعد تثق بالوعود والخطابات الرنانة .
دعوة لكل القوى الخيرة ،للنخب الثقافية ولكل قطاعات الجماهير من اجل  حماية هؤلاء الشباب ، لحماية الديمقراطية من الاستبداد وعودة البعث بوجوه جديدة ، وهي دعوة مخلصة لحكم الشعب  الذي غاب  بين حيطان البرلمان المشغول بالمحاصصة  وتوزيع الوزارات وحماية المفسدين والسراق  واصحاب الشهادات المزورة!

كمال يلدو
حزيران 2011


483
بلطجية  بطعم "العراق الجديد" !



لا يختلف اثنان في التقليل من شأن المخاطر التي تعصف بالعراق ككيان أو دولة او حتى كمجتمع بشري، وتأتي في المقدمة قضية الملف الامني وطرق التعامل معه ، بالإستفادة من المقومات الموجودة على الارض ميدانيا كانت أو بمؤازرة وتعاون المواطن . هذا الملف يتلازم بالضرورة مع الملف الأخطر  ، ملف الفساد الاداري وأهدار المال العام  الذي حرم ويحرم العراقيين فرص التقدم وبالتالي يزيد من معاناة المواطن والتي تنعكس بشـــكل ازمات تتفجر  بأشكال لا يستبعد أن تأخذ منحا عنفيا  أو حتى تخريبيا تجاه بعض المسؤولين او ضـد مؤسسات الدولة .

وكحال الشعوب الاخرى ، وبعد ان مل العراقيون من وعود القادة ورؤساء الكتل والبرلمانيين والوزراء  وانقضاء  ثمان سنوات على التغيير  وثلاثة انتخابات،  فيما الأحوال تسير من سييء الى اسوء ، فكان لهم موعد مع التظاهر لإيصال صوتهم  عاليا الى المسؤولين . وتعاملت الدولة والقوى الأمنية بطريقة دلت عكس ما كانت تروج له من انها تدربت لأحترام وحماية حقوق الانسان وســقط العديد من الشهداء والجرحى وجرى اعتقال وتعذيب قيادات كثيرة ، ثم اكتشف رأس الحكومة السيد نوري المالكي طريقة لإمتصاص نقمة الشارع فكانت فكرة المئة يوم . ورحب بها الشارع رغم توجسه من انها حقن للتخدير او لتدبير امر السراق  ليس الا . وبأنقضاء فترة المئة يوم شهدنا مسرحية جلسة مجلس الوزراء ، وشهدنا انجازاتهم ؟ وهكذا يريد المالكي ان يوهم العراقيين بأنه قد انجز مهمته ، والحقيقة انه لم يبدأ بها فكيف ينجزها .
لقد طالب الشارع صراحة بمحاسبة المفسدين وسراق المال العام وتقديمهم للعدالة  وهذا لم يتم ، وطالب بعزل الوزراء والمسؤولين المقصرين ، وهذا لم يتم ، وطالب بالتعجيل في توفير الخدمات الاساسية وهذا لم يتم  ...اذن ماذا  تحقق للشعب العراقي بعد المئة يوم؟
انا اقول لكم .....ما حدث بعد المئة يوم ، كانت اســوأ مسرحية مخزية خرجت لنا بها عقلية استمدت جل خيالاتها من أفكار حزب البعث  والانظمة الشمولية المتفسخة التي امتلئت بها البركة الآسنة وصار مصيرها الى مزبلة التأريخ . فلقد شهدت ساحة التحرير ، هذه الساحة المباركة التي كانت  منذ شباط ومازالت تقض مضاجع المفسدين والمزورين وسراق المال العام وتطالب بمحاسبتهم ، لقد شهدت  معركة الجمل المصرية ، والبلطجية ، والشبيحة والبلاطجة  والكتائب ، واصحاب الزي المدني ، واصحاب النظارات السوداء ، وذوو اللباس المدني ...نعم شهدت  هجوما  منظما من قبل الدولة ، وحزب الدعوة القائد ، وبمباركة المتحدث الرسمي بأسم الحكومة ، وقائد عمليات بغداد ، والسيد وزير حقوق الانسان ، هؤلاء اشتركوا بأخراج اسوء مسرحية  فاشية حينما رعوا جمعا من البلطجية والعصابات والمرتزقة المدفوعين ، اتوا بهم من مناطق ومحافظات اخرى ، بباصات مريحة وبلا تفتيش ، ليفتكوا ويضربوا بالعصي والهراوات والقناني الفارغة  متظاهرين سلمين كانوا ينادوا بالأصلاح وبمحاربة الفساد الاداري .

سيكون عارا حقا على القضاء العراقي ، ونخبة المثقفين والصحفيين ان يجعلوا من هذه المهزلة ان تمر ودون عقاب او محاسبة ، فهذه الحادثة وجملة تعامل حكومة المالكي والوزارات الامنية  والأجهزة التي يشرف عليها شخصيا مع الحركة الاحتجاجية السلمية ووصفهم بالارهابيين والبعثيين  وتسخير اجهزة الدولة لضربهم او مضايقتهم انما هو تمهيد لدكتاتورية جديدة لا يجب ان تنمو في هذه الارض التي ارتوت وشبعت بالدماء والارهاب.

ان السؤال الذي يحتاج الى اجابات كبيرة  موجه للحكومة الحالية ورئيس وزرائها الذين باركوا صلحا  قبل ايام مع  التنظيمات المسلحة الارهابية التي انغمست اعمالهم الاجرامية فتكا بالمواطنين وتهديما لبنى الدولة بينما لا تستطيع ان تجد اي مشترك مع حركة احتجاجية سلمية تطالب بأصلاع الاوضاع ومحاسبة المقصرين  ؟ والسؤال  هذا ينسـحب ايضا  على السادة في حزب الدعوة ، قواعدا  ورئيسا ، والذين كانوا قد اكتوا بأرهاب الدكتاتورية وقدموا قوافل الشهداء والمنفين والمعتقلين ، ادعوهم ان يدقـقوا النظر  في المشهد الذي  يتكرر وبذات الاسلوب والادوات في التعامل مع المحتجين الذين لم يطالبوا بأسقاط النظام ولا بأقامة دولة على طراز ما كان ينادي به حزب الدعوة ايام حكم الدكتاتورية ، بل كما قالوا وشهدنا وسمعنا وقرأنا ، بمحاربة الفساد  وتقديم السراق للعدالة ؟
 
ان استعمال الضرب والتشهير والاعتقال والقتل  مع المتظاهرين السلميين لن تحل المشاكل المستعصية اولا ، ولن تطيل من عمر النظام ثانيا والأمثلة على ذلك بينة وكثيرة  وكنت اتمنى على المالكي  وطاقمه الامني وقياداته الحزبية  ان يعوا حقيقة ماجرى  في العراق قبل التغيير وما يجري في المنطقة فيما اصطلح عليه بالربيع العربي . فلقد  بدأت كل الاحتجاجات  بالمطالبة بالأصلاح ، وأرتفعت ســـقوف المطالب حينما جوبهت  بالعنف والقتل  والدماء ، ولم تلتفت الانظمة لهذه المطالب المشروعة وكانت النتيجة ســـقوط مدوي وهروب الزعماء  ومحاسبة من تمكنت الشعوب الثائرة منهم !

ما من شك لدي ، او لدى العديد من المراقبين بأن المالكي وحزبه يتحمل الجزء الأكبر  في دفع الامور  اما بأتجاه تصحيح المسار والإلتفات الى مطالب الجماهير،  او الى انهياره بالتمام . وهذا  لايعفي القوى الاساسية الاخرى – المنتفعة – من العملية السياسية  ان كانت بالتشكيلات المنضوية تحت لواء التحالف الوطني ،  والقائمة العراقية، والتحالف الكردستاني من ان يكون لهم  موقفا واضحا وأجوبة صريحة لكل من صوت لهم ووضعهم في هذا الموقع، وهي دعوة ايضا وقبل فوات الاوان  بأن يحترموا مطالب الشعب ، ان كانت بصيغ مطالب عبر المظاهرات الاحتجاجية ، او بالأعتصمات او بالكتابات في الصحف والحديث في اجهزة الاعلام المختلفة ، وأن يكونوا حقا امناء لشعاراتهم  ، وانهم كما يدعون  بأنهم يعملون  لترسيخ – دولة القانون ، وأن يكونوا مثلا يحتذى به في تطبيق الدستور  وتحقيق الديمقراطية  وتأكيد مبدأ الانتقال السلمي للسلطة  والأكثر من ذلك ان تكون حكومة وبرلمان  تلبي مطالب الجماهير  وليس حكومة ملء جيوب وزرائها ونوابها والمسؤولين .

يقينا ان صيف العراق لاهب ، والايام القادمة ربما لن ترحم ....لكن الكل يعلم بأن، الظلم لا يدوم ، والظالم ايامه معدودات . وكما قال المفكر الجيكي دوبتشيك : تستطيع ان تدوس على الزهور، لكنك  لن تمنع الربيع .
** مرفق هذا الفديو القصير عن شهادات بعض ضحايا البلطجة في مظاهرة يوم الجمعة.
http://www.youtube.com/watch?v=w4CtTw46VoE&feature=related


كمال يلدو
حزيران /2011


484
اين القانون يا دولة القانون؟

لم تخرج عملية اعتقال شباب سـاحة التحرير ( والذي وصل عددهم الى 11 معتقلا) عن سياق اداء الحكومة ورأسها  في غمرة الاحتجاجات التي اجتاحت الشارع العراقي منذ اكثر من ثلاثة شهور . فالمضايقات التي تعرض لها المتظاهرون والمعتصمون ، واستعمال العنف معهم تارة وتهديدهم تارة اخرى ، وغلق المنافذ المؤدية الى ساحة التحرير لمنع المواطنين من الالتحاق  بالمظاهرات ، واعلان منع التجول في الليالي السابقة ليوم الجمعة ( المقدس) ، ومنع الصحفيين و وكالات الانباء والفضائيات من تغطية هذه الاعتصمات والاحتجات،  كلها تندرج ضمن خطة واحدة تديرها وتنفذها عقلية لم تتمكن لحد الآن من التخلص من رواسب النظم الدكتاتورية التي توالت على العراق والمنطقة ( ايران وسوريا مثلا)  .
فبدلا من ان تلجأ الحكومة ، ورأسها بالذات الى التصدي للأشكالات الحقيقية التي تعتري العملية السياسية وحياة المواطن ، نراها اليوم توجه رشاشاتها ومدافعها واجهزتها الاعلامية ( الابواق) الى محاربة هؤلاء الشباب  - ليس في بغداد وحسب بل في كل المحافظات العراقية ومن ضمنها كردستان العراق – لتستعمل معهم سياسة التنكيل والتضييق والترهيب والاعتقال وحتى القتل  ناهيك عن توصيفهم بشتى التسميات التي لا تنطبق الا على الساسة الذين يديرون العملية اساسا ، متناسية  ان هذه الاساليب وأن نجحت لفترة ، الا انها تساهم في المزيد من الشروخ وانعدام الثقة بين المواطن والساسة الذين انتخبهم ذات المواطن وأمنهم على مستقبله ومقدراته للفترة القادمة .
ان قراءة  لتعقيدات الواقع ، واصرار رئيس الوزراء  على تجميع الاجهزة والوزرات الامنية تحت سيطرته يؤكد بما لا يقبل الشك بأن طبخة ما يراد بها  ان تكون بديلا عن الديمقراطية والحرية التي وعدوا بها العراقيين ، والتي ناضل من اجلها هذا الشعب وقدم لها الكثير .وربما يتغاضى هؤلاء الحكام عما يجري حولهم من انتفاضات وثورات  كان دافعها الأساسي الحرية والعيش الكريم ، وهذا ما ينادي به شباب ساحة التحرير والساحات العراقية الاخرى في المحافظات ، وهم انما يحاولون ارجاع عقارب الزمن للوراء عبر الايغال في القمع والتهديد والاعتقالات الكيفية انما يساهمون عن قصد او دون قصد في ادخال العراق في نفق جديد احلى خياراته مـرة .

   من حقنا نحن المواطنين، نحن من ذهبنا الى صناديق الاقتراع وأرتضينا العملية السياسية ومبدأ التبادل السلمي للسلطة ان نطالب بالتحقيق الفوري في مجريات هذه العمليات التي تجري تجاه المعتصمين والمتظاهرين وأن نعرف الجهات الحقيقية التي تقف خلفها وتديرها ، وتحت اي بند من بنود الدستور تجري هذه الانتهاكات؟
ان التشابك المقصود في الواجهات الامنية ( الداخلية ، الدفاع ، الدفاع الوطني ، امن بغداد ، قوات المالكي ....ولا ندري التشكيلات الاخرى)  وتعدد المرجعيات في ذلك،  يراد منه خلق حالة من الفوضى المتعمدة  واليأس عند المواطن  الذي يكتوي من جراء حرمانه من ابسط مقومات العيش الكريم ، فيما  السراق ومزورو الشهادات ينعمون بخيرات وظائفهم والعقود المزورة والرشاوي  ، وهذا السيناريو لا يمكن له ان يستمر الى ما لا نهاية .
   ان ما يلفت النظر هو تداعي العديد من المسؤلين وبما فيهم ( وزارة حقوق الانسان) الى تبرير هذه الاعتقالات الكيفية التي جرت خارج السياقات القانوية واعطاء الحق للجهات المختصة فيما قامت به،  انما يعتبر انتكاسة حقيقية لمبدأ فصل السلطات وأعادة العراق الى مربع الارهاب والاعتقالات الكيفية على اساس الشبهات ، تماما كما كان يفعل صدام حسين واجهزته ، وتماما كما فعل مع الشيوعيين واعضاء حزب الدعوة ، تماما  ، لكل من مازالت ذاكرته بخير.
 لهذا نرفضها ، ولهذا ندينها ، ولهذا سنحاربها وسنكشف كل المتورطين بها ،. لقد سئمنا الدكتاتورية ولا نريدها  ولن نسمح لها بأن تستنشق الهواء مجددا ، فلقد دفع العراقيون ثمنا غاليا لحريتهم،  وليس من حق احد ان يسلبهم هذه الحرية تحت مسميات باطلة وكاذبة.
دعوة لأعضاء دولة القانون ورئيسهم ، ان يطبقوا شعاراتهم التي رفعوها في الانتخابت وأن يكونوا امناء على ما أتمنهم عليه الناخب العراقي ، ودون ذلك فأن اكثر الشعارات براقة ستنتهي في حالة عدم تطبيقها الى تحت اقدام المتظاهرين ...تماما كما انتهت صور صدام وشعاراته البراقة.
الحرية لضحايا القمع ، ضحايا حرية الرأي والكلام ..ضحايا مناوئتهم للفساد الاداري والمحاصصة الطائفية وسراق قوت الشعب في وضح النهار !

كمال يلدو
آيار 2011


485
بيان هام من شباب الفيسبوك :
صحفيون يلتزمون الصمت تجاه مقتل متظاهرين عراقيين وينظمون زيارة للمالكي

يبدي (شباب الفيسبوك) استغرابهم وأسفهم الكبيرين من زيارة نقيب الصحفيين مؤيد اللامي و الوفد المرافق له الى رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، ويصف (شباب الفيسبوك) بأن هذه الزيارة ببداية للاعلام الموجه والتأسيس لدكتاتورية جديدة.
وبثت قناة العراقية لقطات متلفزة ظهر فيها المالكي وهو يلقى محاضرات ونصائح على الصحفيين الجالسين على يمينه و يساره ، وكأنهم تلاميذ وليس قادة رأي، فيما حجبت مداخلات الصحفيين، وأكد صحفي كا قد حضر الاجتماع بأن الصحفيين الذين حضروا اللقاء جميعاً لم يبدوا اي اعتراض على سياسة وخطاب الحكومة تجاه المحتجين والمتظاهرين العراقيين الذي يطالبون "بأصلاحات ، خدمات،انهاء الفساد الاداري و المالي"، بل انهم قد تملقوا الحكومة و رئيسها بكلمات خطابية مطالبين الحكومة بدعم الصحفيين و منحهم قطع اراضي.
احد صحفيي الوفد الاعلامي الذي قاده نقيب الصحفيين مؤيد اللامي لزيارة نوري المالكي قال ، ان المالكي كان يركز في حديثه على احترام القانون و الحفاظ على النظام العام في اشارات واضحة منه عن رفضه للاحتجاجات و التظاهرات التي تجتاح البلاد.
اذن نحن (شباب الفيسبوك ) نعرب عن استنكارنا الكبير لخيانة الصحفيين لاصوات المجتمع و توجههم للقاء رئيس الحكومة بدلاً من تفقد المحتجين و المتظاهرين في بغداد و باقي مدن العراق، ونعلن للرأي العام المحلي و الدولي من أننا كمدونين عراقيين نرفض توجهات بعض الصحفيين الذين يحاولون صناعة دكتاتوريات جديدة بتملقهم للحكومة من اجل الحصول على مكتسبات مالية و قطع اراضي.
ويتسأل (شباب الفيسبوك) عن اسباب صمت نقيب الصحفيين مؤيد اللامي و صحفيين اخرين عن الجرائم التي ارتكبتها الاجهزة الامنية بحق الشعب العراقي في تظاهراته و احتجاجاته المستمرة، ولكن هذا يفند ادعاءات سابقة لهم بأن يمثلون الشعب ويصفون انفسهم بحماة الديمقراطية وقادة السلطة الرابعة المزعومة.
لذلك ندعو الاصوات الوطنية الحرة من الصحفيين و الاعلاميين على اتخاذ موقف مشرف من هذه الزيارة و من اعضاء وفدها الذين ارادوا بها اعطاء شرعية لحكومة قتلت شباب متظاهرين في مدنتي الكوت و السليمانية وحمزة الشرقي ، والطلب من جميع اعضاء الوفد تقديم اعتذارها لعوائل (شهداء المظاهرات).
شباب الفيسبوك يؤكدون على انهم سوف يستمرون بمواصلة عملهم للتصدي للفساد الاداري و المالي لحين توفير الخدمات و الحياة الكريمة للشعب العراقي ، و يقسمون بأنهم سوف يضغطون بكل قوة من أجل نيل المجتمع لحقوقه و حرياته و مواجهه كافة اشكال الدكتاتوريات و الطغيان، كما ويتوعد شباب الفيسبوك (أبواق الحكومة) بنشر اسمائهم و صورهم على مجموعاتنا الالكترونية وسنطلق عليهم اسم (رجال الصحافة المتخاذلين) عن اداء مهامهم المهنية تجاه الشعب العراقي.



لقاء المالكي
http://www.pmo.iq/ArticleShow.aspx?ID=104

486
في ديترويت رحلة مع عالم الكاتب والصحفي المبدع " يوسف ابو الفوز"


   لأيام معدودة حل الكاتب  يوسف ابو الفوز ضيفا عزيزا على زملاء واعضاء الاتحاد الديمقراطي العراقي في مدينة ديترويت ، التي التقته  بحفاوة من مثقفيها وضيوفها مساء الجمعة 27/آب/ 2010  في امســـية قدم فيها الشاعر اسماعيل محمد اسماعيل نبذة عن الكاتب والمناضل " يوسف ابو الفوز" ومن ثم دعاه للحديث عن تجربته الأدبية  والصحفية وعن هموم الثقافة العراقية الآن  .
   ابتداء الضيف العزيز كلامه بتوجيه الشكر لزملاء الاتحاد والحضور الكريم على الحفاوة والمحبة التي قوبل فيها والتي اشعرته انه بين اهله واصدقائه، واشاد بنشاطات الاتحاد الديمقراطي ، واستذكر موقف الاتحاد في التضامن مع السجناء العراقيين في استونيا عام 1993 ، حيث كان الكاتب واحدا منهم ، ثم عرج للحديث عن اهم المراحل في حياته ابتداءا بالبيت الذي نشأ فيه ، في مدينة السماوة ، اذ سمع وتعلم الف باء الوطن والوطنية ، وعرف عن السجون والملاحقات وهو لمـّا يزل يافعا ، وعن وفرة الكتب والحوارات الجادة في البيت وموقف والده وأخوته الاكبر سنا مرورا بموقف والدته التضامني مع الابن الشقي "يوسف"، ثم مـر على المدرسة المتوسطة وكيف ان مدرس اللغة العربية  الاستاذ "عبدالامير عبد الوهاب" كان له الفضل في اكتشاف موهبة  الطالب " يوسف" ، ذي الثلاثة عشر عاما، في كتابة القصة القصيرة في درس الانشـــاء وما ترتب عليها من التزامات لاحقة في كتابة المقالات والقصص والنشرات المدرسية ، واشاد بالمدرسين والاصدقاء من مثقفي المدينة الذين قدموا له التوجيهات وارشدوه بشكل مبكر لدراسة التراث وكلاسيكيات الادب العربي والعالمي  . في منتصف السبعينات ، من القرن المنصرم ، وفي جامعة البصرة /كلية الادارة والاقتصاد ، بدأت تجربة  "يوسف " تتركز في الكتابة ، والصحافة والعمل السياسي وصولا حتى بدء  النظام بحملة التنكيل بالشيوعيين والوطنيين اوائل عام 1978 مما اضطره لترك الكلية والاختفاء لفترة سنة ونصف  بين عدة محافظات عراقية ، حتى انتهى الامر به الى السفر الى الكويت عبر الصحراء السعودية مشيا على الاقدام ، وممارسة العمل الصحفي هناك لفترة في الصحافة الكويتية والكتابة باسماء مستعارة ، ومن ثم الانتقال الى اليمن الديمقراطي والعمل في سلك التدريس لمادة التأريخ ، وبعدها الالتحاق بحركة الانصار في كردستان العراق لفترة ثمان ســنوات ، حيث هناك تجذرت اكثر اهتماماته بكتابة القصة ، ومنحته تجربة الانصار بصعوباتها وغنى مفرداتها ، ابعادا جديدة في الكتابة ، ومن ثم بدأت مرحلة البحث عن ملجأ آمن عبر المرور بروسيا ، ثم السجن لمدة عام في استونيا ، حيث اختاره السجناء من العراق ليكون ممثلا لهم ، ليساهم في تنظيم حياتهم والعمل لاطلاق سراحهم ، حتى اســتقر فيه المقام مطلع 1995 في " فنلندا" التي قبلته  ضمن مجموعة من اللاجئين الذين كانوا ضحايا مافيات تهريب اللاجئين .
لم تثنه كل هذه المحطات الصعبة من الكتابة عن تجربته وتدوين ملاحظاته ، ولا عن تحريره لعشرات المقالات الصحفية ، والتي اسست لأســـمه المستعار " يوسف ابو الفوز" الذي كان له حكاية طريفة ، انتهت بتبنيه لهذه الكنية التي صارت له اسما حملته اصداراته وكتاباته ونشاطاته .


في بداية مشواره الاعلامي والثقافي ، اشار الى انه كان مشتتا شيئا ما ، أذ كتب الشعر والقصة وكتب للمسرح والمقالات السياسية ، وعمل مراسلا لصحيفة " طريق الشعب" ، لكنه في خضم ذلك اهتدى الى الاستقرار في كتابة القصة وقرر دراسة والبحث في هذا اللون من الكتابة ، ليكون مبدعا فيه لاحقا .
ويقول "ابو الفوز" ان هذا المحطات المتنوعة والمتقلبة قد وفرت له ايضا فرصة التعرف على ثقافات متنوعة ويخص منها ثقافة الشعب الكردي ، والروســي والشعب الفنلندي ، وهو لهذا قرأ آدابهم وثقافاتهم بلغات تلك البلدان الاصلية ، وعن منفاه الاخير "فنلندا" ،فقد وفـّر له حالة من الاستقرار النسبي ، ومجال واسع من الحرية  بعيدا عن الاملاءات .
اما فيما يخص هموم الثقافة العراقية، فابي الفوز يشير الى أنها محكومة بتطورات الوضع السياسي في العراق ، وان حالة البؤس الذي وصلت اليه ابتدات منذ ايام النظام الديكتاتوري البائد حينما انقض على الثقافة والمثقفين ، ثم جاء الاحتلال وما تسبب عنه ، ثم أكملت حكومات المحاصصة الاجهاض عليها ، بعدم توفير المؤسسات والاطر الصحيحة التي تستوعبهم ، ناهيك عن نظرة الريبة والشك الى هذه الجمهرة من المثقفين ، اذ ان هدف الحاكم ، والكثير من السياسين هو تحويل المثقف الى بوق دعاية تابع لهم . اما المصيبة الاكبر فتتمثل بهجرة آلاف المثقفين وانحسار عطائهم ناهيك عن عملهم بشكل غير جماعي مما يؤثر سلبا على حجم تأثيرهم على مجمل الاحداث . وأشار الضيف "يوسف" الى ظاهرتين خطرتين ، الاولى كانت في قيام العديد من رموز النظام البائد بخلع  "الزيتوني" وارتداء عباءة الدين والديمقراطية ، والثانية كانت في عدم جرأة الكثير ممن اجبرهم النظام على تلطيخ ســـمعتهم ، من الاعتذار للشعب عما قاموا به من اساءات للثقافة العراقية ، واليوم صار بعضهم في واجهة العمل والنشاط الثقافي  !


وقبل ان يفتح باب النقاش والاسئلة مع الجمهور ، ختم الكاتب "ابو الفوز" مداخلته بالقول : اننا بحاجة الى رفع شـــعار " دور المثقف في اعادة اعمار العراق" ، فالطرق والبنايات والمعامل ، تستطيع كبريات الشركات اعادة بنائها ، لكن مهمتنا الاهم والاصعب ، هي اعادة بناء الانسان العراقي المحطم من سنوات الديكتاتورية والاحتلال والعنف الطائفي ، واعادة الثقة له .
تلــى ذلك توجيه الحضور لبعض الاســـئلة والتي تنوعت كما يلي :
1) كيف يمكن للمثقف ان يكون له دور ، وكيف يمكن ان نواجه الثقافة السائدة؟
2) تجربتك في الغربة ، هل اثر الادب العالمي على ادبك ،وهل تعتقد ان العراقيين الذين يعيشون الماضي السحيق هو مشروع تدميري للحاضر والمستقبل؟
3) كيف تنظر لما يحصل في عراق اليوم ، مقارنة بما كان يحصل في حكم صدام حسين ؟
4) كيف نعالج النهوض الثقافي التنويري في ظل تراجع شعبية الفكر الديمقراطي  وسيادة الفكر الديني المتشدد؟
5) في مجمل حديثك عن الثقافة والمثقفين ، فقد تناولت الجانب الموضوعي ، لكنك لم تتطرق الى الجانب الذاتي ، وأعني به وضع المثقفين في الخارج ، التنافر والقطيعة بينهم ، عملهم الفردي ، رغم ان الخارج وفر لهم فرصة العمل بلا قيود ؟
6) لو توفرت لك الفرصة ، ماذا تقول للمسؤلين العراقيين بشأن الثقافة ؟
7) كيف تقيـّم ثقافة المثقف العراقي الآن ، وكيف تنظر لعلاقته بالسلطة ؟
8) كيف يوازن المثقف بين التزامه السياسي وأبداعه الثقافي ، وهل انصفت الاحزاب منتسبيها من المثقفين والمبدعين ؟
9) مـاذا تجســـد المرأة في كتاباتك ؟
10) هل تجد في ظاهرة كثرة  النشر بصفحات الانترنيت ، شئ سلبي ام ايجابي؟



  وفي معرض رد الكاتب " يوسف ابو الفوز" على اسئلة ومداخلات الحضور ، شــكرهم واثنى عليهم اهتمامهم بالشأن العراقي والذي بدى واضحا من نوعية الأسئلة  ثم قال : ان الموت من اجل الوطن عظيم ، والأعظم منه ان نحيا ونعيش من اجل الوطن  !
بهذه الكلمات بداء اجوبته، مشيرا الى ان حجم الصعوبات والدمار الذي لحق بالعراق هائل ، لكن الامور لايمكن ان تبقى كما هي، والوضع السياسي لا يمكن ان يبقى كما هو عليه الآن . ان عمل  المثقفين العراقيين اليوم هو كمن "ينقش في الحجر" لكنه مهم ، وهم انما يعملون اليوم ليؤسـسوا لوطن المستقبل ، للأجيال التي حرمت من الحياة الهانئة والعيش بكرامة .
ان المثقف الذي يعيش في العراق او خارجه يواجه كما المواطن التزامات كثيرة ، اقلها توفير "لقمة العيش الكريم " في ظل اوضاع لم توفر ولا ضمنت له الدولة اية وسائل او مؤسسات تحفظ فيه كرامته.
هناك ظواهر ايجابية لابد من التوقف امامها ، اولها ان النظام الدكتاتوري قد ولـى ، وانطلق هذا الشعب ولا بد ان يصل لمبتغاه ، رغم ان الامل كان يحدونا بأن نصل مبكرين ، لكن الصعوبات كثيرة .اما قضية كثرة الكتاب في الصحافة والانترنيت ، فهذه الظاهرة ستأخذ مداها مع الوقت ، والذي سيبقى هو الجيد والنافع ، لكن على الاقل هناك مساهمات ومحاولات  وطاقات واعدة للمستقبل . اما عن المرأة فاشار الى أنه ينتصر لقضاياها من خلال شخوصها في اعمالي ، واحاول ان اعوض لها الحيف والظلم الذي لحق ويلحق بها فيرسم لها شخصيات تقاوم الظلم وتمتاز بقوة الشخصية . وفيما يخص مستوى ثقافة المثقف العراقي، فهي تتنوع بحسب انتمائه او اهدافه او مصالحه ، والحقيقة في ظل هذه الاوضاع فقد برز العديد من الصحفين وما يسمى بأنصاف المثقفين في حالة تستحق السخرية منها بتعبير " مثقف نص ردن" لأنهم ينتجون ثقافة بائسة وتعبر عن بؤس وافكار اصحابها . وعن التزام المثقف بمواقف سياسية محددة ، او تأثير الاحزاب عليهم ،اشار الضيف " يوسف" الى نقطتين مهمتين الأولى : ان عنصر الموازنة بين الابداع الثقافي والعمل الحزبي مرهون بشخصية المثقف  اما القضية الثانية والأهم ، هي اخفاق معظم الاحزاب السياسية في ايجاد افضل الآليات في التعامل مع المثقفين مما ادى الى خسارتهم او خسارة العلاقة بهم وتحولهم احيانا الى خصوم ، وهذه بحاجة الى اعادة دراسة وتقييم لمعرفة عوامل الفشل والبدائل .
في ختام الحديث شــكر السيد اسماعيل محمد اسماعيل الضيف العزيز الكاتب يوسف ابو الفوز ، وأثني على الجمهور لحرصه  في انجاح هذه اللقاءات الثقافية ، والاحتفال بالمبدعين العراقين ان كانوا ادباء او مثقفين او تشكليين او فننانين ، فهم اســـاس الحفاظ على الهوية العراقية ، وهم من يرســـم الغد الذي ننشده ، باسما ومشرقا  .




 ** للكاتب يوسف ابو الفوز العديد من الانجازات والاصدارات الابداعية :
1 .عراقيون ـ مجموعة قصصية (عن تجربة وحياة الانصارالشيوعيين والكفاح المسلح في كوردستان العراق) إصدار رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين ـ الأنصار/1985 في كوردستان العراق .
2. في انتظار يوم أخر ـ سيناريو تسجيلي ( عن معاناة اللاجئين العراقيين في روسيا خلال بحثهم عن سقف آمن) السويد عام 1993 .
3. انشودة الوطن والمنفى ـ قصص ( مشترك مع مجموعة من الكتاب العراقيين) عام 1997 توزيع دار الكنوز الادبية ـ بيروت
4. طائر الدهشة ـ قصص ( عن المنفى واللجوء العراقي) دمشق ـ دار المدى 1999.
5. الطائر السحري ـ ( مجموعة "طائر الدهشة" باللغة الفنلندية ترجمة الدكتور ماركو يونتونين ) هلسنكي عن دار LIKE عام 2000 .
6. تضاريس الأيام في دفاتر نصير ـ مذكرات ونصوص (عن تجربة وحياة الانصار الشيوعيين والكفاح المسلح في كوردستان العراق) دمشق ـ دار المدى 2002
7. شقائق النعمان . خواطر وشهادات (مشترك مع كتاب عراقيين عن شهداء الحزب الشيوعي العراقي في الذكرى السبعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي) منشورات طريق الشعب ـ بغداد 2003
8. لدي اسئلة كثيرة او اطفال الانفال. ( شهادة نصير مقاتل عن احداث الانفال من زاوية ما تعرض له الاطفال الاكراد ) السليمانية ـ وزارة الثقافة الكوردية 2004 .
9. تلك القرى ... تلك البنادق ـ قصص (عن تجربة وحياة الانصارالشيوعيين والكفاح المسلح في كوردستان العراق ) اربيل ـ وزارة الثقافة في كوردستان العراق 2007 .
10 . تحت سماء القطب . رواية (عن حياة العراقيين في اوربا وموضوع حوار الحضارات ) أربيل ـ مؤسسة موكرياني 2010.
ـ تم ترشيح هذه الرواية من قبل ناشرها ، مؤسسة موكرياني ، لجائزة البوكر للرواية العربية للعام 2011 .
11. رحلة السندباد ـ فلم تلفزيوني وثائقي. سيناريو واخراج . 30 دقيقة. (عن المنفى واللجوء العراقي) انتاج التلفزيون الفنلندي عام 2000.
12. عند بقايا الذاكرة. فلم تلفزيوني وثائقي . سيناريو واخراج . 30 دقيقة (انطباعات الكاتب عند زيارته العراق اثر سقوط نظام الديكتاتور صدام حسين ، من بعد غياب 27 عاما ) انتاج التلفزيون الفنلندي 2006 .
ـ أختير هذا الفيلم لتمثيل فنلندا عام 2007 في مهرجان تربوي في مدينة بازل في سويسرا .
13. للكاتب كتب ادبية مخطوطة تنتظر فرصة الطبع ، ومشاريع أدبية قيد الانجاز.

كمال يلدو
 

487
رحمة بنا وبآثارنا يا سيادة الوزير!

  نشرت العديد من المواقع الالكترونية يوم 9 آب 2010  خبرا على لسان السيد وزير السياحة والآثار قحطان الجبوري بأن دائرة الآثار تمكنت من اكتشاف 12 الف موقع أثري خلال عملها لمدة ثلاث سنوات  وبطاقم متكون من 30 فرقة اكتشافية .
والحق يقال ان انجازا بهذا الحجم كان يســتحق تغطية اعلامية اكبر وربما حتى منح جوائز للوزير ولطاقم العمل ، لكن بوضع هذا الخبر تحت المجهر ربما نتوصل الى واقع آخر .
فمافتئت مجالس البلديات في المحافظات ومسؤولي الآثار من الصراخ والاستنجاد بالدولة  لتوفير الحمايات لمواقع الآثار الموجودة من  سطوة السراق ومافيات الآثار ، ناهيك عن تعرض العديد من المواقع والصرح الى خطر الانهيار ( قلعة كركوك ، قصر سرجون ، ضريح النبي حزقيال، البوابة التأريخية لمدينة واسط ، الآثار المكتشفة قرب مطار النجف ،التجاوزات على المواقع الأثرية في محافظة المثنى وغيرها) نتيجة تسرب المياه الجوفية  والاهمال او الاستحواذ على الاراضي واستخدام الطابوق الموجود في اعادة البناء للسكان المحليين ، هذا اضافت الى ما  تتناقله  وكالات الانباء عن قيام الجهات المختصة اما بالقاء القبض  على عصابات تهريب الآثار ، او ان تقوم باسترداد قسم من اللقى ، او ان يقوم المواطنين (مشكورين) بأعادة قسم من الآثار التي خلفها السراق خلفهم ، هذا اولا .
وثانيا ، استنجاد مؤسسة الآثار بالدولة التي بخلت عليهم ليس بالميزانية الشحيحة انما حتى بالشرطة والحرس الخاص بالمواقع الآثارية  ، اذ كان من المقرر تخصيص ما لا يقل عن 1200 شــرطي لحماية الآثار لم يتم توفير الا النزر اليسير  منهم ، وأسوق هذا المثل  عن جريدة الحياة اللندنية :
    ((أوعز رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى وزارة الداخلية بتشكيل سرية خاصة من قيادة الشرطة في ذي قار لحماية موقع اثري ، بعدما اعلنت اللجنة المشكلة للتحقيق في سرقة موقع تل جوخا أن قلة الحرس وعدم وجود سور حول الموقع كان سبب السرقة.وقال مدير الآثار في ذي قار عامر عبد الرزاق ان «قيادة الشرطة اكدت أنها سوف ترسل سرية خاصة للمرابطة وحماية موقع تل جوخا الأثري بعد تلقيها اوامر عليا». ولفت الى ان «موقع جوخا يقع غرب مدينة الرفاعي، وتعرض لسرقات متواصلة وهو من دون حماية»..وكان موقع تل جوخا تعرض لعمليات نهب وسرقة متكررة آخرها قبل شهرين، ما استدعى تشكيل لجنة للتحقيق في عمليات السرقة. وأعلن نائب رئيس اللجنة جميل يوسف شبيب ان «التحقيقات الأولية بينت وجود حارس واحد يتولى الاهتمام بمساحة محيطها 9 كيلومترات، علماً ان عدد حراس الآثار في المحافظة 98 حارساً فقط يتوزعون على اكثر من 1200 موقع ، فضلاً عن ‏ضعف امكانات المراقبة «.‏وأضاف «شكلنا مع مفتشية الآثار في ذي قار لجنة تحقيق في ‏عملية النهب المتتالية لتل جوخا ( 80 كم شمال الناصرية) بعد ان تعرض ‏لعملية نهب مبرمجة».‏وأوضح انه «خلال عام 2003 أنهت القوات البريطانية تدريب اكثر من200 عنصر لحماية الآثاروتقديم الدعم ‏لهم إذ تمكنوا من كشف اكثر من 73حالة نهب الا ان قلة الدعم ادت الى تحويلهم الى مهمات ‏اخرى ما فتح المجال امام المهربين ولصوص الآثار».‏ 2010/07/03 الجيران - ذي قار - الحياة - فاضل رشاد))

فالســؤال الذي يرد على البال والحال الأمني كما نعرفه ، هل هذا الاعلان هو دعوة لمافيات الآثار وعصابات التهريب  لترتيب امورها  ودعوتها  بسـبب وجود مواقع أثرية جديدة ام مــاذا ؟
ثالثا: لقد حمل الخبر بين طياته معلومة تقول بوجود 21 الف موقع أثري في العراق ، ومن ضمنها ال 12 الف موقع اثري التي اكتشـــفت في عهد الوزير قحطان الجبوري ، وتعليقي ،ان هذه المعلومة منقوصة ويراد بها الاستيلاء على اتعاب الآخرين والمتاجرة بها  ، اذ ان  الباحث "علي النشــمي" كان قد ذكر ومن منبر الفضائية العراقية في العام 2009 بأن العراق يملك ما لا يقل عن 50 الف موقع اثري جرى التنقيب في 5 آلاف موقع فقط ، وكل ما نشاهده في المتاحف العراقية والعالمية هو من هذه المواقع ، فياترى ماذا سيكون الحال لو جرى التنقيب في المواقع الأخرى ؟
ناهيك عن ان دائرة الآثار قد تأسست عام 1920  (اي قبل تأسيس الدولة العراقية عام 1921) وتحت  اسم الدائرة الآريكيولوجية ، ومنذ ذلك الحين خرجت  مئات العراقيين الذين عملو بالتنقيب وبالآثار واصدروا الدراسات والكتب والبحوث  ، ولقسم كبير منهم ســـمعة دولية راقية ، وأن عملهم لأكثر من ثمانين عاما قد انتج  وضع خارطة مفصلة بأغلب المواقع الأثرية في عموم العراق ، فمن اين اتى السيد الوزير بهذه الارقام عن المواقع الموجودة والمكتشـفة ؟
رابعا: لو كان الرقم (12 الف موقع جديد) حقيقة ، فما هي ، وما قيمتها التأريخية ، وما هي الآثار المكتشـــفة؟ ومتى عرضـت مقتناياتها؟
خامســا : بالعودة الى لغة الارقام ، ذكر الوزير بأن دائرة الآثار اكتشــفت 12 الف موقع بغضون 3 سنوات ، اي بمعدل 4 آلاف موقع في السنة ،  وبوجود 30 فرقة استكشــافية ، تكون كل فرقة قد اكتشــفت 134 موقع في الســـنة ، وبأعتبار ان ايام العمل ( وفق كل الظروف المناخية والحياتية وبمعدل 365 يوم في السنة )  فأن كل  فرقة استطاعت اكتشــلف موقعا أثريا كل 3 ايام!!!

   دعوة مخلصة للسيد الوزير ، ان يرحم الثقافة العراقية ويحافظ على ما موجود منها  من ايادي السراق والعابثين ، ومن الاهمال المتعمد وغير المتعمد ، وان يسعى جاهدا لأستحصال الاموال اللازمة للحفاظ على هذا الموروث الذي تحســـدنا عليه الشـــعوب ، وأن يرحمنا اكثر بأن يترك هذه الآثار تحت التراب ، الذي يبدو انه ارحم  من هذه الاجيال ، فقد حافظ عليها لآلاف الســـنين ، واليوم ، ما ان ترى النور حتى يكون مصيرها اما السرقة او العبث او التخريب .
الخبر كما ورد في المواقع :
http://www.alseyasa-iq.com/news.php?action=view&id=1977
http://www.alfayhaa.tv/news/arts_and_heritage/37153.html
http://www.aknews.com/ar/aknews/1/171586/
http://www.babnews.com/inp/view_printer.asp?ID=25903&AUTHOR=

كمـال يـلدو
آب 2010/ الولايات المتحدة



488


موضوع للمناقشـــة

مـن يوقـظ عصر السـبعينات الذهبي من ســـباته؟

   لم يكن هذا العنوان ما افكر به لوحدي بل وجدت  صـداه يتردد كثيرا من خلال متابعتي للكثير من النقاشات و الكتابات التي تهتم بالثقافة العراقية ، اذ يجنح معظم المعنيين بوصـف ســني السبيعنات علـى أنها كانت تمثل "العصر الذهبي"  للثقافة العراقية ، ان كان في الفن التشكيلي ،  المسرح ،  النشـــر ، القصة بأشكالها والرواية،  الشـــعر بأنواعـه ، الموســـيقى بألوانها المتعددة،  والغناء  الوجداني والسياسي .
و قـديعود الســـبب بذلك الى المقارنة بين المراحل والمنعطفات التي مرت على العراق الحديث . فمنذ افـول ضوء الثقافة العراقية مطلع الثمانينات وحتى يومنا هذا ،  اذ ان المرحلة الاولى تمثلت بأستيلاء صدام على الحكم ، وشنه حربا دموية على الشيوعيين والديمقراطيين والحركة الكردية وكل المعارضة وكان من نتائجها هجرة آلاف المثقفين ، ثم دخوله بالحرب مع ايران ، فأحتلاله للكويت ، وحرب الولايات المتحدة والحصار وصولا الى سقوط النظام في 9/4/2003 ، اما المرحلة الثانية فهي  مرحلة ما بعد الاحتلال وصعود التيارات الدينية  وتملكها القرار السياسي وقيادتها للدولة  في ظل اوضاعا استثنائية عاشها العراق  ابتداءا بعدم استقرار العملية السياسية ومرورا بلأرهاب  وصولا الى حالة اليأس التي يعيشها المواطن جراء تفاقم الاوضاع المعيشية والخدمات وانتشار الفساد الاداري .

بلا شــك ان جملة من العوامل الذاتية والموضوعية  وتراكماتها هي التي ســـاهمت بتلك النتيجة ، ويمكن الاستنتاج موضوعيا بأن الانفراج السياسي( النسبي)  الذي شهدته الساحة العراقية مع مطلع السبعينات ، وثقل الحزب الشيوعي ومثقفيه وأصدقائه والمتأثرين بالأفكار اليسارية والعلمانية كانت العوامل الحاســـمة في ذلك الصعود، والذي كان ثمرة لأحتضان الشيوعيين للحلقات والمنتديات الثقافية ودعمهم اللامحدود للثقافة الوطنية في عقدي الخمسينات والستينات ، رغم عدم امتلاك الحزب (آنذاك) لمحطة فضائية او تلفزيونية او اذاعية او حتى دارا للنشر ، بل  ان  معظم الادبيات كانت  تطبع بآلة الرونيو ، وان اغلب  الكوادر اما كانت مـتخفية او ملاحقة ، لكن مع هذا كانت الحياة التشكيلية والأدبية والفنية والثقافية عموما تنبئ بولادة جديدة انطلقت حالما توفرت  لها فســـحة بسيطة من الحرية ، وهذا بالضبط ما شهدته فترة السبعينات .
وربما يكون سرد بعض تلك الانطلاقات فرصـة لتوفير الارضية المناسبة للمقارنة ، بدءا بالنشاطات الثقافية في الاعداديات والجامعات ، اكاديمية ومعهد الفنون الجميلة ، الفرق المسرحية ( الفني الحديث، الشعبي، الستين كرسي، اليوم ومسرح الصداقة) ، جلسات اتحاد الادباء ، انطلاقة النوادي الاجتماعية والمهرجانات الثقافية التي شهدتها ، معارض الصور والبوسترات ورسوم الاطفال في الهواء الطلق ،المعارض الفنية في  قاعة مركز كولبنكيان والقاعات الاخرى، الفرقة السمفونية ومدرسة الباليه والمعهد النغمي ، برامج تلفزيونية  ثقافية متميزة  مثل – السينما والناس - وحواراته الراقية ، صالات سينما عائلية وافلام من الطراز الاول مصحوبة  بنقد سينمائي متقدم ، صعود نجوم من المغنين  الشباب الذين صاروا رواد الاغنية العراقية الحديثة لاحقا ، ازدهار في الصحافة والمجلات الثقافية  وتنوعها – طريق الشعب ، الثقافة الجديدة ومجلة الاذاعة والتلفزيون مثلا- ازدهار بالأندية الثقافية في المحافظات  وضخها العاصمة بغداد  بمئات المثقفين – البصرة، الناصرية ،العمارة،النجف، كربلاء، الحلة ، الديوانية ، اربيل وديالى -   اضـافة الى  ظواهر اخرى كثيرة قـد يذكرها المتابعون لهذا الموضوع .

اذن الســؤال الذي يطرح نفســه الآن : اين تقف الثقافة العراقية  والمثقف العراقي في ظل الظروف الحالية ؟ والى اين تمضي هذه الثقافة وما هو مستقبلها ؟
هذه الاسئلة لا تعفينا من تذكر المراحل التي تلت السبعينات ونتائجها الكارثية التي نتعامل معها اليوم ، لابل يجب ان تكون هي الدافع للخوف والقلق على الثقافة العراقية ، لأن التغيير الذي حصل ، لم يوفر اية ارضية تذكر لأعادة البناء الصحيح للأنسان العراقي ، ناهيك عن اعادة بناء الوطن !  فقـد عمل النظام البائد بكل جدية  على تدمير الثقافة العراقية بغية تجهيل المواطن كي تكون عملية قيادته اسهل ، وهذا ما كرست له سلطة البعث مليارات الدولارات اولا عبر شراء ذمم العديد من رموز الثقافة العراقة من  كتاب ، فنانين ، رسامين ، شعراء  ومغنيين ...الخ ، اذ ابتدات بتسويق الخطاب القومي العروبي البعثي  ثم جاءت مرحلة الحرب ، اعقبتها مرحلة تأليه القائد، ثم مرحلة ما يسمى – الحملة الايمانية – التي ارست للتطرف الديني والاحقاد الطائفية ،  وصولا الى سنوات الحصار حتى مرحلة الانحطاط التام وغزو الثقافة المنحلة لمعظم جوانب الحياة.

 لا يختلف اثنان من القول بأن هذه الغمامة السوداء التي تلف الوطن ، و الانحدار الثقافي الذي لم يتوقف منذ حوالي 30 عاما ، هو حالة شـاذة ناتجة عن ظرف استثنائي قد يطول او يقصر بحسب توازن القوى الفاعلة ودور الناس في التغيير  ، وأن طائر العنقاء سينهض من كـبوته مجددا ليشـــّرع  للثقافة الوطنية ويعيد اليها امجادها وعصورها الذهبية ، لكن  وبالرغم من هذه النظرة التفاؤلية ، الا ان  استمرار الاوضاع على ما هي عليه ينذر بخطر كبير ، ليس على مستوى الثقافة فحسب ، انما على الهوية الوطنية العراقية بصورة عامة . فبعض العقليات المتنفذة والمتحكمة بالقرار السياسي تعمل على نسف الهوية العراقية واستبدالها بالهوية الطائفية ، وهي لذلك تغيّر القوانين والانظمة ، وتستبدل المناهج الدراسية ، وتســد الطريق على الثقافة والمثقفين العراقيين ، عبر تنشيط العصابات الارهابية والميليشات مرة ، او عبر الميزانيات والصرف الضعيف للمشاريع الثقافية مرة اخرى ، فيما تصرف مليارات الدولارات لأعادة وترميم بعض العتبات المقدســة (شكلية او جوهرية) وتهيئتها على افـضل وجـه بغية جني الارباح الطائلة من الزوار ، ومن تكرار المناسبات الدينية والترويج لها وتسـخير  اجهزة الدولة  الامنية لحمايتها .

 وبالعودة مرة اخرى لمحور النقاش الرئيسي ، من صنع ذلك  التأريخ ؟ ومن ســـيصنع للمســتقبل ؟ وما هي خطط المثقفين  لذلك ؟

  ان المهمة التي تنتظر الحل اليوم ليست هينة اذا اخذنا بنظر الاعتبار الظواهر السلبية التي انغرست في المجتمع العراقي على مدى ثلاثة عقود رافقها بذلك هجرة آلاف المثقفين وحرمانهم لليوم من المشاركة الفعلية والحقيقية بأعادة الحياة لجسد الثقافة العراقية المتهاوي ، ومن هنا تتأتى  ضرورة تحمل الوســط الثقافي لمسؤلياته التأريخية في مواجهة الانحدار الجاري ، هذا الوسط المتمثل بكل قوى التيار اليساري والعلمانـــي والوطني والتحرري الكردي  والشـــيوعي على وجه الخصوص ، لوضع البرامج الرديفة والبديلة  للبرامج الحكومـية ( ان وجدت) بغية  النهوض بواقع الثقافة العراقية في كل جوانبها ، والتهيئة حتى تعود بعد  سنين،  مزدهرة وضّاءة ، تنشــد للخير والعطاء ، لغد افضل للأنســـان العراقي ، وهذه تحتاج الى آليات ورؤى يمكن ان تبدأ  من  خلال تفعيل اللقاءات والتجمعات الفنية والادبية ، والعودة للأماســـي الشعرية ، والنقدية ، والدعوة لأحتضان المسرح العراقي المعاصر  والفرق المسرحية الشابة ، عبر المساهمة بدعم الفنانين الجدد ومساعدتهم بعرض نتاجاتهم ، عبر المطالبات الجماهيرية الواســـعة بتخصيص مبالغ مالية منصفة للمشاريع الثقافية وحماية الآثار العراقية من العصابات ، واعادة تهيئة المتاحف وغرس روح حب الوطن والمواطنة عند الاجيال الناشئة ، وتشكيل لجان مستقلة لأعادة النظر بالمناهج الدراسية والأساليب التربوية والمدارس ،  واعتماد معيار الوطنية اساسا في التعامل ، بعيدا عن التصنيفات الطائفية والدينية أو القومية التي ابتلى بها العراق ، ليس في بغداد فحسب ، بل بمشاركة كل المحافظات العراقية والتي لاتقل بمعاناتها عن العاصمة .
ورغـم الجهود الطيبة التي تبذل هنا وهناك لأنتشال هذا الواقع المحزن ، الا  ان ما يواخذ عليه والحديث عن المثقفين العراقيين في داخل العراق او خارجه ، ان عملهم لم يرتق الى حجم المأساة ، ومازالت الكثير من هذه الجهود مبعثرة وتخضع احيانا لنرجسية المثقف او ذاتيته، وهذه بحد ذاتها مصيبة لا تقل عن المصيبة الام! فيما الحاجة تدعونا حقا للتفكير  بالعمل الجماعي ووجود ســـقف مشترك حتى يعطي هذا العمل  ثماره، وعند ذاك نســتطيع ان نراكم هذه النتاجات والجهود ، مهما كانت متواضعة، لانها ستكون قادرة على احداث التغيير النوعي المنشود .

دعوة للنقاش وفتح هذا الملف المثخن بالجراح والآلام بغية  نفخ الروح به  مجددا ، ودعوة لنقل الحوار الى الصحافة العراقية والفضائيات بأمل الوصول لصيغ ترسي اللبنات  لأعادة الحياة لثقافتنا الوطنية ، وأعادة البسمة للأنســان العراقي المغلوب على امره ، من السياسة والسياسين الجدد .

فهل يمكن اعادة الروح للثقافة الانسانية العراقية  التقدمية من جديد؟

كمـال يلـدو
آب 2010




489
المنبر الحر / بين 8 آب 1988 و 2010
« في: 18:01 08/08/2010  »
بين 8 آب 1988 و 2010

   اليوم هو الأحد الثامن من آب 2010 ، لاجديد في الوضع العراقي ، فيوم امس هزت ثلاث انفجارات وسط العشار وراح ضحيتها العشرات ، واليوم ، حصد انفجار في وسط الرمادي ارواح الابرياء  وهكذا تسير الاحداث . ما من جديد في قضية تشكيل الحكومة ، والصراع  في أوجـه على الكرسي و لا احد يعرف النتيجة !
الا ان هذا اليوم قبل سنين شــكل  منعطفا  و فرحة كبيرة لملايين العراقيين الذين اضنتهم الحرب وما جلبته لهم من دمار وارهاب وخراب ، ففي مثل هذا اليوم قبل 22 عاما ، تنفس الشعب الصعداء ، وانتظرت العوائل عودة ابنائها من الجبهات . انتظرت اطلالة الاحباب الذين تقطعت سبل الاتصال بهم ، فمن العوائل من فرحت ، ومنهم من حزنت ومنهم من  مازالت عيونهم على الباب عســـى ان تطرق يوما من الغائب الحاضر .

   ملفات كثيرة  تخص الحرب  العراقية – الايرانية مازالت عالقة ولم تحل ،سأكتفي بواحد منها وهو ملف المفقودين ، والأســـرى.  وقـد قيل في اكثر من مناسبة بأن عددهم بحدود (55) ألف حالة .ولا يعلم المواطن العراقي ، أو عوائل الضحايا عن اية آلية ستتبعها الحكومة العراقية والجهات المسؤلة في حل هذا الملف الشــائك ، رغم وجود امكانيات محلية ودولية في المساعدة بذلك ، تبداء اولها بتشكيل لجنة من الطرفين لتعيين المقابر الجماعية التي لجأ اليها كلا الطرفين ( وهذا حق للعوائل الايرانية ان تعرف مصير ابنائها ايضا) اثناء المعارك ، ثم تأسيس بنك للمعلومات وشهادات الشهود ، ونماذج من الحمض النووي ، وتعيين فرق استكشاف حتى تتوضح الحقيقة ويغلق هذا الملف للأبد .

الا ان جهات عراقية معروفة  تخشــى فتح ملفات المفقودين وخاصة الاسرى العراقيين لدى الجانب الايراني وذلك لضلوعها  بتصفية اعدادا كبيرة منهم ودفنهم في مقابر مجهولة  وذلك اثناء التحقيق معهم ، او لمعرفتهم بأنهم بعثيين أو لرفضهم الاشتراك مع قوات "بدر" وجماعة " التوابيين" التي ظهرت  ، وهذا بحد ذاته يعتبر جريمة مركبة تتحملها الاطراف العراقية المنغمسة اياديها بدماء الابرياء ويتحملها الجانب الايراني الذي سـمح لمثل هذه الممارسات على ارضه وبحق اســرى حرب  ، يفترض ان يعاملوا وفق المواثيق والاعراف الدولية .(المعلومات وردت على لسان الكثير من الاسرى الذين افرج عنهم) .

ومع التعقيدات التي تحيط بهذا الملف ، وارتباك المشهد السياسي العراقي ، ووجود ملفات كثيرة من ضحايا النظام البائد أو ضحايا مع بعد 2003 ، لكن هذا لا يسقط البتة الحق في ملاحقة ومتابعة قضية مفقودي الحرب التي تمس جمهرة كبيرة ظلت تعاني منذ ان وضعت الحرب اوزارها قبل 22 عاما . فالقضية لها ابعادها الانسانية  والوطنية والاخلاقية في آن واحد . وكم العراق بحاجة الى ذلك . فمن من المعنيين يقبل ان يشاهد في نشرات الاخبار وحتى تحت قبة البرلمان شـــخوصا كانوا لغاية الامس القريب عبارة عن جلادين وسماسرة حرب وقتلة ايضا ، تلطخت اياديهم بدماء اناس ابرياء ســـيقوا للحرب ، وما كان امامهم من خيار ، فأما الموت بيد النظام الصدامي او المشاركة بالحرب حتى وأن لم يؤمنوا بها !

  قد لا تبدوا الحلول الآن واضحة المعالم ، لكن السكوت عن هذا الملف انما يبعث برسالة مغلوطة للمسؤلين العراقيين والايرانين ، ولابد  من الاصرار على المضي قدما واتباع اساليب جديدة  لأبقاء هذا الملف حاضرا  في الدوائر المعنية ( وزارة حقوق الانسان ووزارة الدفاع  وجمعيات السجناء والاسرى والمفقودين ) ، ان كان في الكتابة عن هذا الموضوع في الصحافة والأنترنيت ، ومطالبة مجلس النواب وأعضأئه الجدد ،  او حتى بتنظيم الاعتصامات السلمية . فالدولة معنية قبل اية جهة اخرى بوضع نهاية معقولة لقضية الأسرى ومفقودي الحرب العراقية – الايرانية  ان كان ببذل الجهود الحقيقية لكشف الحقيقة او بأنصاف العوائل  وتكريم ضحاياها حتى تضع حدا لمعاناتهم  وحتى يلقى المجرمون والقتلة جزائهم العادل ايضا .
فأن كنـّا نطالب بأنصاف ضحايا انقلاب 8 شباط الاسود ، او جرائم النظام البعثي منذ العام 1968 ، فلماذا يكون ملف المفقودين والاســرى  بعيدا عن هذه المطالبات ، خاصة وأن شــهودا كثر مازالوا موجودين وعلى قيد الحياة ؟
ليس لـي الا ان اعلن عن تضامني مع هذه العوائل المنكوبة ، بأمل الوصول لنهاية مشـــرّفة لهذا الملف ، حتى يعود المغيبون، او حتى نترحم على اللذين غادرونا .

كمـال يلدو
آب 2010 

490

زيارة  "للزعيـم" في عيد الثورة


  لاتخلـو رمزيـة  "المكان" من الطرافـة في عملية توثيق  تأريخ ثورة 14 تموز المجيدة وابطالها الذين قضـى معظمهم بظروف دراماتيكية سـادها جـّو الانتقام . فالأنظمة التي توالت على الحكم وخاصة النظام البعثي لم تدخر جهدا في تغيير وتغييب اية معالم ترمز للثورة ، ان كان اســما أو  شــاهدا او حتى  ذكرى ، وقد ابلوا كذلك في المناهج الدراسية والكتب التي صدرت في تلك العهود ، لابل حتى ان وزارة الدفاع التي كانت ابرز ذكرى  للثورة ، جرى  تغيـر مـكانها ، واصبح مصير  البناية الاصلية الاهمال والنسيان، تلك  التي ارتبطت  بذاكرة البغدادين  كمقـر للزعيم عبد الكريم قاسم ، والموقع الأكثر اهميـة في عمر الثورة القصير الذي لم يتجاوز خمســة سـنوات.
  الا ان معلما من معالم بغداد ضل يختزن حادثـة امسـت شــاهدا على ما كان يضمره البعثيون تجاه الثورة حينها  ، والعراق لاحقا ، الا وهي  " محاولة الاغتيال " التي تعرض لها الزعــيم في وضح النهار  بشــارع الرشـــيد وبالضبط في المنطقة المسماة " رأس القرية" والمحصورة بين  "عكد النصارى  وحافظ القاضي" . فـفي تلك الفسحة الصغيرة كان من بين ما كان عمارة بطابقين يملكها  ( شبلي السعدون)  تطل على شارع الرشيد ، استأجرفيها  كل من  - عبد الوهاب الغريري و كريم محمود شنتاف  - شـقة في الطابق الأول عشـــية المحاولة ، واستخدموهـا  فعلا في اطلاق الرصاص على الموكب  اضافة الى  العصابة التي كانت موجودة بالقرب من السيارة والتي شاركت  بنيران مسدساتها ورشاشاتها. وانتهت هذه العملية بالفشل ، وقتل فيها (الغريري)  فيمـا فـّر الآخرون ومن  بينهم صدام حسين .
امـا الذاكرة التي يصيبها الاحباط احيانا بالكسل أو النسيان ، ســرعان ما تعاود نشــاطها في الهزات الكبيرة فتسـتعيد جزء من حيويتها ، وتتذكر! وهـذا ما حدث بالضبط حيـن نهـض  ابناء تلك المنطقة الغالية والعزيزة   ( شارع الرشيد -  رأس القرية) وأعلنـوا  للعراقيين جميعا  من ان ذاكرتهم ما زالت بخير ، ونبلهم وطيبة اخلاقهم قائمة  رغـم ما مـّر بها من وهـن .  فـقـد  قامت   الجماهير قد بتحطيم وأزالة تمثال (الغريري) غداة اسقاط النظام البعثي في التاسع من نيسان 2003 ، ربما بعملية انتقام  من ذكراه التعيســة  أو كـرد  فعل لأعادة الاعتبار لهذه الساحة ، او ربما  طمعا بمكـونات التمثال المعدنية  التي بيعت لاحقا في ســوق الخردة!
لقد كانت مبادرة الاهالي  تعبيرا راقيا للوعـي الجمعي بالأحداث ، اذ ســبقت القرارالحكومي بأكثر من خمســة سنوات (2005 – 2010 ) ولم تنتظر الحاكم حتى يصدر مرسومه بأقامة النصب التذكاري بل كان لها  اسلوبها الخاص في تكريم الزعيم!. وبالعودة للنصب الذي  يتوسط واحدا من اهم شوارع بغداد ، فلابد من الاشــارة الى  امكانية تطوير هذا الصرح  المهم على الاقل من الجانب  الفني   وذلك بتعزيز  قـاعدته التي يستند عليها واضافة جداريات  تجســد حادثة الاغتيال اصلا ، وابراز علم الجمهورية وشــعارها اللذين بقيا رمزا لرقي العراقي وابداعات  فنانيه ، ويمكن ايضا وضــع حقلا من الزهور الدائمة حول المنصة ، وان يقوم بعض اصحاب المحال التجارية في الموقع  بتوفيرالتحفيات التي ترمز للمناسبة  لكي يحتفظ بها الزوار،  من قبيل اعلام الثورة وشعارها  ونسخة مصغرة من التمثال وحتى بعض الصور والكتب . فهذا المكان  الفريد  والوحيد في العراق يمكن له ، ويجب ان يكون قبلة  لمحبي الثورة وشهدائها الابرار، يزوره العراقيون طوال السـنة.

  اما ســـلســلة الاحداث التي  توالت على هذا الموقع  فقد  اخذت منحى هوليودي ان صح التعبير .   فمن مجموعة بيوت قديمة ســرعان ما  هــدمت  وتركت  كأرض جرداء  لبعض الوقت في  ( عملية اولى لمحـو الذاكرة)،  ثـم تعــّدل الارضية  وتحـوّل  الى ساحة لوقوف السيارات  بدون اسم او معلم (عملية ثانية لمحـو الذاكرة) ، بعدها يتم  اعـادة بناؤها وتهيئتها لتصبح سوقـا تجارية  يتوسطها نصب وتمثال – الجاني -  الذي قضـى في  محاولة الاغتيال ( امعان آخـر  في تغييب الذاكرة واستفزاز للمشاعـر) ، لكن بعـد اعوام كثيرة ع ،  ينتهي المشهد بقيام  الجماهير- ابناء المنطقة -  بتحطيم التمثال وتستبدله بآخــر للزعيم ومن اموالها الخاصة  ، فتســتعيد الذكرى معانيها التي اختزنت في وجدان الاهالي  لأكثر من اربعين ســـنة .
  ان اسقاطات الحدث  على المكان ببعده الزماني لايمكن ان يكون تجريدا لواقعة ما بقدر ما يعـّد استنســاخا للحدث ، واسترجاعا لكل محاوره  رغم تغيّر الظرف الزماني . فهـذا التجلي الوجداني  يتكرر  ويســتنســخ في الاحتفالات الشخصية بأعياد الميلاد او الزواج او ذكريات كثيرة اخرى قد يمر عليها الزمن او تتغير الشخوص ويتغير المكان الا  ان انعكاسات الصورة تبقى تسترجع نفسها وتولـّد ذاتها تباعا وبالتفاعل مع المخزون المتراكم عـبر مجموعة الاحداث وترابطاتها . وهذا ما اثبته التأريخ اللاحق الذي اسس له  مجموعة من (الشقاوات) الذين هاجموا الموكب بأمل قتل الرئيس والقفز على السلطة  ليس من منطلق الثورة الشعبية بل بروح انقلابية صرفة  من معرفة حجم الجماهير التي كانت تمثلها هذا اجماعة ، بـل لارتباطهم  بالمخطط الاقليمي والاستعماري الذي كان العبـّارة  لتحقيق مآربهم لاحقا في الانقضاض على الثورة وتبديد معظم مكتسباتها .
   لقـد اقترنت هذه منطقة منذ طفولتي  بمحل الولادة ، وبقـى ( 9 أ / 186 رأس القرية)  أكبر عنوان دخل الذاكرة ولم يغادرها ، وأرتبطت معظم البدايات الأولـى  بتلك (الدربونة) ، والتي تعـددت  تسمياتها حسب  الـسامع ،  فتارة -  رأس القرية ، بدايـة العـمـّار ، مدام منكرسيان ، شاكر ابو الكبة ، عمارة الطب ، ابو ذنون -  او العنوان الأكبر الذي سيطر فـيّ على مستوى تشــكل الاحداث ، فقـد كانت  بدايتها المطلة على شارع الرشيد هي التي  شــهدت  " محاولة الاغتيال اللئيمة، وسـال دمه الطاهـر على ارضها!"  ، فهنـا يكمن عمـق الحدث ،  وأمتزاج السياسة بالطفولة ، ســـّر ارتباط البراءة بمشــاريع البعث الدموية ، هناك تكمن تقاطعات الصورة التي تتحول لاحقا الى المطالبة بتقديم الجلاد للقضاء وانصاف الضحية .
  ان  تجليات وضعنا الحالي وما آل اليه الحال ، من ضعف الامن والامان و الخدمات ، وتفاقـم مشاكل الكهرباء والماء والبطالة والفقر ، والانتشار الجنوني للفساد الاداري وسرقة وتبديد المال العام ، وأرتفاع اعداد الارامل والايتام.  يعيد الكـرّة  مجددا في المعايير  المطلوبة عنـد اختيار وتأييد الجماهير  للحاكم ، وللقوى التي تقود التغيير ومصداقية شـــخوصها و حقيقة شــعاراتها وبرامجهـا ومدى ارتباطها بالمشاريع  الاقليمية والدولية . يعيد للأذهان الحق الذي تملكه الجماهير تجاه الدولة والمسؤليين والذي لايجب ولا تحت اية ظروف التنازل عنه للحاكم ، فالحاكم في خـدمة الشعب والعكس ليس صحيحا . فـقـد ولــى ، ويجب ان لا يفسـح المجال ابدا لعودة  الشعار البائس (( بالروح بالدم نفديك يا فلان ...)) هذا الذي دفعنا ثمنه دمـا ، وحروبا ، وشبابا ، وخرابا ، وأيتاما  وغربــة واحزان . وهذه التجربة بذاتها تـؤكد مجددا بأن القوى التي تريد بناء الوطن يجب ان تنظر ابعد من انفها وان تلم المشهد بكل زواياه وثناياه وأن تشرك كل المخلصين ، بعيدا عن المحاصصة الطائفية والحزبية ، في برنامج وطني طموح للنهوض بهذا الواقع ، ووضع العراق والعراقيين على جـادة التقدم والتطور .
  لا اظن ان الكتابة عن ثورة 14 تموز او قادتها الأماجد  وزعيمها الشهيد قاسم تأتي من باب الترف  او تأليه القائد بقدر ما تنبئ عن الولوج للذات والبحث عن منفذ للخلاص من محـن العراق .فهذه المقاربات التي تجرى ، وتردد اسم الزعيم والثورة لا يمكن  ان يكون عملا اعتباطيا بقدر ما هو ترجمة  للتجربة المخزونة ، وها هي الحياة  تفرز سياسين ومسؤولين  لم يرقى ادائهم واخلاصهم  الى مستوى الحدث . فمتى ما تنازلوا عن عروشهم العاجية ، وعن القصور التي استولوا عليها ، وتخلصوا من حماياتهم  وسياراتهم المصفحة ، وزهـدوا برواتبهم ومخصصاتهم ومنحهم ، عند ذاك ســوف لن تضيق ذاكرة العراقيين عليهم وســتتسع لتحملهم رموزا وطنية مخلصة  ودون ذاك ، لن تســـعفهم الالقاب ولا الرتب ولا المراكز. فقد شهدنا حاكما لم يترك لقب الا والصق به ، لكنه انتهى بأبشـــع صورة حينما ارتبط آخرفصـل من مسرحيته بمشــهد " جـرذ الحفرة!" .

في صبيحة هذا اليوم التموزي الجميل ، ســــيقبل اهالي رأس القرية ، وشــارع الرشيد ، وكل المناطق المحيطة بها ، قسم منهم محمـّل بذكرياته ، و آخر بأحلامه ، و آخر يعتمر قلبه بالغـضب على الوضع القائم .  سيتحلقون حول التمثال ، وربما ينظفـون المدرجات ، وقد يقوم قسم منهم بتوجيـه الحديث لــه : " دتشـــوف شـــديصير بينـه؟"  و " وينـك يا زعيم الفقراء؟" .
 ســيناريوهات لاعـّد لها ولا حصـــر ، لكن شـــئيا اكبر يبوح به المكان  ، هــو وفاء الذاكرة العراقية لواحد من ابرز الحكام اخلاصـا وأمانـة للعهـد الذي قـطعه عشـــية تســـلمه الحكم ، وحتما ســتروى الحكايات والقصص ، وسيكبر الزعيم في عيون الجيل الذي لم يسـعفه الحظ  ان يره  ، وســتتوالد  الاحداث التي شهدتها المنطقة ، وشارع الرشيد اصلا ، وسـينـفض الغبار عن الذاكرة الشــائخة لتستعيد احتفالات ومسيرات العهد الجمهوري ، والفرح الغامر الذي عاشته كل طبقات الشــعب ، الا اعدائــه  وخصومـه ، هذا المشهد الذي يتكرر ويتوالد كما لو اننا لم نتعض من التجربــة المـّرة السابقة .
   ليس كثيرا علينا ان نقف ونتأمل ، فاليوم عيـد ، و نحن في حضـرة الزعيم ، نحمل لـه ورودا وأغاني وعهـدا ان تظـل احلامـه للفقراء شــاخصة وماثلة ، من اجل ان  يرفـل  كل العراقيين بالخيـر، وان يتقدم هذا الوطن ، وتعيش المرأة والاطفال والايتام فيـه  بكرامة ، و يكون كل ابنائه متســاوين بالحقوق والواجبات .
لقـد اختصر محبوه  المشهد برقعة ذهبية  استقرت وســط النصب:
 ((الزعيم عبد الكريم قاســم ، ولـد في 21/2/1914 ، فجـّر ثورة 14 تموز 1958 ، اسـتشـهد في 9/2/1963)).
كمــال يلدو
الولايات المتحدة/ 14 تموز 2010   

 


 

491
ظـلال الزعيم "عبد الكريم" فـي المشهد العراقي


تمثال الزعيم في ساحة الزعيم


  لا يختلف اثنان من ان زلزال 2003 قد فتح الابواب مشرعة على العديد من الملفات والقضايا  التي كانت الانظمة السابقة قد اطبقت  عليها وحولتها الى " محرمات" ، ومنها تحليلات وقصص  تروى عن ثورة 14 تموز  وشخصياتها  ورمـزها المركزي الشهيد " عبد الكريم قاســم" .
وشــهدت الفترة الماضية  كتابات كثيرة ونشـــرت صـور فريدة وقصص تكاد أن تكـون ضربا من الخيال في زماننا الحاضر عن شــخصية الزعيم ، فيما خصص البعض جزءا من كتاباتهم لتقييم الثورة وقياداتها وسياساتها التي لست بصددها اليوم ، لكن ما يهمني هو شخصية قاسم بالذات .
وأن اختلف النقاد في تقييم الثورة ، فأن احـدا لا يختلف ربما حول المزايا الانسانية للزعيم عبد الكريم وتواضـعه واخلاصـه لقضية العراق والشعب وخاصة الكادحين والمحرومين منهم ، كما جاء في خطابه الاول او في خطابه الاخير بســاعات قبيل اغتياله. فقد كان يؤكد   انه "ابن الفقراء "  وأنـه لايحارب الاغنياء بل " سيرفع من مستوى الكادحين المعيشـــي". ان صـفات الزهـد ، والبســاطة، والصدق والاخـلاص التي لازمت شــخصيته قبل الثورة وأثناءها قـد منحتــه ميزة لم ينلها اي من الحكام في العراق في طول تأريخـه السياسي المعاصـر ، واصبحت الميزان الذي يكيل بـه المواطن مصداقية الحاكم وجديتـه ، وصــارت هذه المقارنات تطرح اكثر في الصحافة  ووســـائل الاعلام خاصة من قبل  الجيل الذي عايش الثورة وزعيمها .
فالشهيد قاسم عاش بعد الثورة في دار مؤجرة كانت تابعة لدائرة الاوقاف ، وكان له حارسان اثنان فقط امام بيته، وسيارتـه لم تكن مصفحة حتى يوم محاولة اغتياله اللئيمة ،اما راتبه الشهري فقد كان على اساس انه وزيرا للدفاع ، ولم يتقاضى راتبا لكونه رئيس الوزراء او القائد العام للقوات المسلحة، وقيل ايضا انه كا قد استلف  قرضا بمبلغ 750 دينار قد بقى بذمته ، ولما استشهد كان  لايملك سـوى  750 فلسا او دينار وربع على اكثر تقدير .
 ترى الا يحق للعراقيين ان يقارنوا بين شـــخصية الزعيم والحكام الجدد؟

اليس من حقهم والحال يـتدهـور يوما بعد يوم ، والازمات تشتد ، من الكهرباء الى الماء الى شبكات الصرف الصحي الى البطالة والفساد الاداري وسـرقة المال العام ، الى المحسوبية والمنسوبية التي  فاضت رائحتها الكريهة في كل زوايا الحياة العراقية ، ناهيك عن الارهاب والميليشيات  والامان ، بينما سياسيونا البواسل مازالوا مختلفيـن في تفســير ( القائمة الاكبر والقائمة الاصغر) ، ويعـدون العـدة ويعقدون الاجتماع تلو الاجتماع  لاقتســام الكعكعة ، وتوزيع المناصب والوزارات ، وحال الناس ترويه السنتهم عبر بعض القنوات التلفزيونية غير المنحازة .

ان مأثرة اخلاق الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم الســامية تلقي بظلالها قوية في المشهد السياسي  المرتبك  والمعقد ، فالمواطن يــريد ان يصل الى بـر الامان ، فيـما السياسيون يجعلون هذه المهمة مستحيلة ، ونـداء المواطن يصـل للسماء مؤكدا  لهم بأن تجربة العراق  فيها الكثير من الدروس فلماذا لا يتعلمون ؟ على ان هذا بالضبط ما يجنح اليـــه العديد من الساســة في دول العالم المختلفة ، حينما يتخذون من ابطالهم القوميين او الوطنيين ، او قادتهم التأريخيين نماذج يحاولون التقرب منها  في الاداء والعطاء ، الا في عراقنا الجديد الذي يأبى فيه سياسيونا من هذه المقارنة ، تارة لجهلهم بالثورة وأبطالها ، او كراهية بها ، او حتى عمـدا ، وهـذا ما يفســر سياسـة التعتيم  والتغييب لتجربة  الزعيم قاســم رغم قصـر مدتها. بينما الحقيقة  تثبت يوما بعد يوم بأن اغلبية السياسيين  لم يأتوا لخدمة هذا الشـــعب اصـلا ، بل ان رياح الصدفة قد قذفتهم والامواج ليجدوا أنفســهم  بين ليلة وضحاها متربعين  الكراسي الوفيرة  ويحصـدون الرواتب العالية والامتيازات  وينعمون بالحمايات الكبيرة !
وبكل يقين اقول ان احدا من الساسة الجدد لم ولن يجروء يوما على تقريب صورته من نزاهة وطيبة واخلاص قاســـم، لأنهم ببساطة  قـد انغمروا في حزبيتهم الضيقة ، او مصالحهم الشخصية ، بعيدا كل البعد عن الشعارات والخطب الرنانة الطنانة  التي كانوا يطلقونها ايام المعارضة او عشية الانتخابات ، ولهذا فأن المواطن العراقي حينما يســتخدم " الزعيم قاسم" كأداة للمقارنة ، انما يريد بــها رجــم السياسي  أو حتى ( ســــبّه) لانه عرف حق المعرفة اي نوع من البشر صار يتصـدر المشهد السياسي العراقي .

ان السمات الشخصية الانسانية الفريدة التي جمعها " الزعيم" ، لم تكن طارئـة ولا  مستوردة من الخارج! بل خرجت من رحـم  الاصـالة العراقية المشـــهود لها بالنبل والاخلاص لقضية المواطن العراقي ، هـذا الذي عانـى وضــحى وكابد الجوع والحرمان والحروب والحصار والارهاب ، وذهب لصناديق الانتخابات من اجل غـد جديد  ، لا من اجل زيادة معاناته على يد من ائتمن لهم صــوته .
ان الســيماء الشــخصية للزعيم الراحل عبد الكريم قابلة لأن تتكرر مرات ومرات في السياسيين والقادة في وقتنا الراهن،  ذلك لأن  العراق  وطن معطاء وملئ بالمخلصين والشرفاء اللذين ينتظرون حســـن اختيار الناخب لهــم حينما يضــع بصمته امام اســمائهم ، وحتى اللذين فازوا اليوم ، فالوقت لم يفتهـم بعـد في ان يبرهنوا انهم يحترمون هذا الشعب الذي اختارهم ، وعليهـم ان يفـوا بألتزاماتهم ، على الاقل كما وعـدوا ! حتـى يحوزوا على مكانـة مرموقة في وجدانـه ، وأن تكتب اسمائهم ناصعة في صـدر تأريخـه السياسي المعاصر.

فهـل من عـارف لهـذا الدرس ؟

كمـال يلـدو
حزيران 2010
الولايات المتحدة


الزعيم في مكتبه




 
في المستشفى بعد محاولة لرغتيال



 

موكب الزعيم في شارع الرشيد

492
 
هـل الآرشــيف العبري العراقي ....عـراقـي؟


    ما أن سقط نظام صدام حسين وتبخرت الدولة العراقية عشية التاسع من نيسان عام 2003،  حتى وضعت القوات الامريكية يدها على كميات هائلة من الوثائق العراقية ذكـر انها كانت مخبئة في دائرة الامن العامة ، ولأهميتها  فقد نقلتها الى الولايات المتحدة، وبرروا هذا العمل حينها بأنه  لغاية الترميم ، او حفظ الوثائق من التلف والسرقات ، او التعرف اكثر على خبايا هذا النظام الغامض . واذ يعمل العراقيون جاهدين على اعادة العافية لأوضاعهم ، توالت المطالبات والدعاوي لأرجاع الآرشـــيف العراقي الى موطنه الاصلي . وهناك فعلا  بوادر ايجابية لذلك نأمل ان تتكلل بالنجاح ذلك لأهمية هذه الوثائق للباحث العراقي ، ولأنها تسلط الأضواء على مراحل مهمة من تأريخ العراق الحديث وحتى التأريخ الموغل في القدم  مثل  " الآرشـــيف العبري اليهودي" ، كما ذكر ذلك السيد طاهر ناصر الحمود وكيل وزارة الثقافة ، واعاد تأكيده الدكتور  سعد محمد من ان هناك تصميما عراقيا لأعادة هذه الوثائق ( قناة الفيحاء – الاخبار 13-5-2010)
  وعلى حين غـرّة صـار الآرشـــيف اليهودي العراقي محط اهتمام المعنين والمسؤولين في الحكومة ، و (لكي لا ينسى العراقيون بأنهم شعب متعدد الثقافات) كما ذكر السيد سعد اسكندر ، مدير الأرشيف الوطني المسؤول عن المكتبة الوطنية العراقية ( قناة الجزيرة–الاخبار– 26/1/2010) .
الا ان ملف اليهود العراقيين يحمل بين طياتـه العديد من الصور المتناقضة ، والتي تفند ما اتى عليه معظم المسؤلون  العراقيون من    
( اعتزازهم بهذا الارث لأنه يعبر عن تعدد الثقافات) ، لأسباب سأطرح بعضا منها للتذكير فقط :

اولا) لقد لحق بأبناء هذه الطائفة حيف وتمييز كبيران تـوّج بأسقاط الجنسية  العراقية عنهم ، مـما اضطر اغلبيتهم لمغادرة العراق بين الاعوام 48 – 51 ومن ثم استيلاء الدولة  على املاكهم ووضعها تحت تصرف الوزارة العراقية فيما اصطلح عليها ب (الاموال المجمدة) في حين  طافت العديد من احياء بغداد والعراق عصابات من الجهلة والمجرمين استهدفت بيوت ومحلات اليهود بسرقتها وحرقها لاحقا في وضح النهار وتحت انظار الشرطة ، والذي وصف آنذاك ب (الفرهود)،  وصولا الى اعتقال واعدام العديد منهم  بحجـة ( التجسس لصالح اسرائيل – زمن البعث عام 1969) ، واستثنائهم من  التوظيف او القبول في الجيش و المناصب الحكومية العالية ، أضف لذلك النهج العنصري  ومضايقات الاجهزة الامنية  على يد  معظم الانظمة المتوالية ، الا في فترة وجيزة بعد ثورة 14 تموز(على حد ذكر الاحياء منهم)، عندما اصدرت حكومة المرحوم  قاسم قانونا يلغي فقرة اسقاط الجنسية عن اليهود العراقيين عام 1959 وشــعروا في تلك السنين بأنهم عراقيون متســاوون مع اخوتهم من الديانات الاخرى، بينما  لم تقدّم أي من الحكومات المتعاقبة الاعتذار لأبناء هذه الطائفة او التعويض عما لحقها من اضرار او حيف وتمييز .

ثانيا) الموقف اللامبالي  للحكومات التي شــكلت عقب التغيير منذ  العام 2003 بشأن ملف اليهود  ، وأصـرار لجنة صياغة الدستور بضغط من الأحزاب الاسلامية  على  الغاء  الديانة اليهودية من ســجل الديانات الموجودة في العراق، (الدستور العراقي الدائم ، المادة الثانية ، ثانيا- 30/1/2005) ، وفي ضـوء هذه الفقرة فقد اسقط عنهم حق المطالبة بأعادة الجنسية العراقية ، لأنها اسقطت اصلا لكونهم يهودا، واليوم هم غير موجودين عمليا ،(الدستور العراقي الدائم ، المادة 18 ، ثالثا ، الفقرة أ) ، ناهيك عن رفض المسؤوليين العراقيين مناقشة قضية اليهود امام وســائل الاعلام اذ تحول الأمر الى شكل من اشكال المحرمات في المشهد السياسي، ولـم يبالوا حتى  بالرد على مناشدات العديد من الكتاب اليهود أوغيرهم من المثقفين والشعراء والأدباء والسياسين  بضرورة انصاف هذه الشريحة ، ان كان  بدفع التعويضات عن املاكهم المحجوزة منذ عشرات السنين ، او بأعادة حقوقهم المدنية التي حرموا منها وخاصة الجنســـية العراقية.

  ان اتكـاء المسؤولين في دعواهم لأرجاع الآرشيف العبري لليهود العراقيين ب "الأعتزاز  بالتنوع الثقافي" ، لايرقـى الى واقع الحال المرير الذي صـار يتكشـــف اليوم  اثر سـيطرة مجموعة الاحزاب الدينية على معظم مقاليد الامور في الحياة السياسية العراقية والعمل على صياغة التشريعات والقوانين على مقاسها وبما يخدم مصالحها وأجنداتها،  ويمكن لي ان اسوق مثالين عمـّا يجري حاليا :



اولا) : قامت فضائية (بي بي سي ) البريطانية بأعداد حلقة خاصة عن مقبرة اليهود في محافظة البصرة نشرت بين شهري آذار – نيسان 2010 ، تبين منها ان هذه المقبرة جرى السيطرة عليها من قبل مواطنين قاموا بأزالة العديد من رموز القبور وأشــادوا عليها بيوتا ، و ان العمل جرى منذ فترة غير قصيرة لدرجة ان احد الدور  كتبت عليه لافتة ( الدار للبيع) ، ويعرف سكان المقبرة انهم متجاوزون ليس على حرمة اليهود فقط ، بل على قدسية موتاهم ايضا ! وحينما توجه معد الحلقة لمبنى المحافظة وطرح القضية على احد المسؤليين هناك بحثا عن الحـل من اجل رفع التجاوزات وحماية المقبرة اجابه بالقول :( ان هذه المقبرة هي ملك خاص للطائفة اليهودية ، والمحافظة ليست معنية بالحفاظ عليها ! واذا ارادوا ذلك (اي اليهود) عليهم ان يقوموا بذلك شخصيا!!) ، ولقد فات هذا المسؤول النابه من ان اليهود العراقيين الذين غادروا العراق او اجبروا على المغادرة ، فاته ان يتذكر بأن ليس من حقهم العودة ، ولا حتى الزيارة التي  يتوجس منها بعض المسؤولين بدعوى (انها  امتداد للتوســـع الصهيوني خاصة اذا كان الامر يتعلق بشراء عقار او اراضي)، وبالتالي أوصـلوا القضية  الـى حالة اللا حل.

ثانيا) : ما حملته الاخبار عن الترميمات الجارية على  ضريح النبي " حزقيال – ذو الكفل – الذي لحق  بابناء جلدته عقب  قيام الملك البابلي نبوخذنصر عام 589 ق. م.  بأصطحاب الأسرى اليهود الى بابل ، ومات بعدها ودفن في بابل".  واذ  اكتفي بأيراد مقطع من الخبر الذي  نشر في موقع (جريدة الحياة – الجمعة 2/4/2010 بقلم السيد فاضل رشاد – محافظة بابل)، حيث  ذكر في معرض تقريره :
وأكد رئيس ديوان الوقف الشيعي السيد صالح الحيدري «عائدية مرقد نبي الله ذي الكفل الواقع في محافظة بابل الى ديوان الوقف الشيعي». واوضح ان «عمليات تأهيل وترميم جارية في مئذنة المسجد الخاص بالمرقد. ونفى الحيدري عائدية المرقد لليهود، وأضاف «اننا كديوان وقف شيعي لا نتقدم بأي عمل الا بعد أن نتأكد من ان المرقد تابع لأتباع اهل البيت او لأحد ائمة اهل البيت او من ابنائهم. اما مراقد الأنبياء الموجودة في العراق فعائديتها ادارياً حسب المناطق وأوضح «اذا كان المرقد الخاص بأحد الأنبياء يقع ضمن الرقعة الجغرافية ذات الوجود الشيعي فيتبع إدارياً لديوان الوقف الشيعي، واما اذا كان المرقد واقع ضمن الرقعة الجغرافية ذات الوجود السني فتتبع إدارياً لديوان الوقف السني». وتقول مديرة آثار بابل مريم عمران لـ «الحياة» ان «اليهود العراقيّون كانوا يؤدّون في المرقد طقوسهم الدينية قبل هجرتهم من العراق منتصف القرن الماضي»، وأوضحت ان «القبر يُعتقد أنه للنبي ذو الكفل وأصحابه، حيث تعلو في الصحن الخارجي للمرقد منصّة بمتر واحد». وذكرت انه «تنتشر حول المرقد الخانات التاريخية، التي أُهملت إهمالاً واسعاً في السابق». وأشارت الى ان «ازالة كتابات ونقوش عبرية من المرقد يعد جزءاً من عملية «تطهير لذاكرة الاقليات الدينية التي ظهرت اصلا في العراق ومناطق اخرى من الشرق الاوسط». واضافت عمران ان «سلطات التراث القديم العراقية، وبضغط من اسلاميين، محت الكلمات العبرية، وهي مستمرة في ازالة الزخارف العبرية، وتخطط لبناء مسجد فوق مرقد حزقيال»، مشيرة الى ان «المرقد يتضمن نقوشاً بالعبرية وتابوت العهد الذي عرضت فيه نسخة من التوراة على مدى قرون».
للأطلاع على المقال كاملا يمكن الذهاب
http://international.daralhayat.com/internationalarticle/125838

 ان قرأة متأنية لتصريحات السيد الحيدري تؤكد ما ذهب اليه العديد من المراقبين ، والوقائع، بأن الاحزاب الأسـلامية قد قسمت العراق الى كانتونات طائفية ، واضعة باقي المكونات الاخرى من المجتمع تحت رحمتها  ورهن تصوراتها دون مراقبة تذكر من الجهات الرســمية او حماية من الدولة والقانون ، وهذا بحد ذاته يعتبر انتهاكا صارخا لحقوق المواطن وللمساواة التي نادى بها الدستور ، فضلا عن الاســائة للموروث الوطني والثقافي العراقي الذي بنــي بمدى قـرون من التعايش المشترك .
امام الوقائع والحقائق المريرة هذه تســقط  ادعاءات العديد من القادة حول التنوع الثقافي  والفسيفسـاء العراقية  ، لابل ان اكثر التجارب تؤكد ، بأن المسؤولين الذين يتشدقون بهذه الشعارات في كثير من الاحيان انما هم من  يعمل  لأمرار مشـاريع طائفية او محاولات عزل ابناء الطوائف والاديان الصغيرة واستلاب حقوقهم ، وحتى المساهمة  بتهيئة  الارضية لأفـراغ العراق منهم.

  لقد استبشر اغلب العراقيين خيرا بالتغيير الذي جرى عقب التاسع من نيسان 2003، وعقدوا آمالا كثيرة خاصة في مجال الحقوق التي سلبت منهم ابان العهد البعثي المباد ، الا ان تحقيق المواد التي نصت عليها ابواب عديدة من الدستور( الباب الثاني /الحقوق والحريات/ الفصل الأول / المواد تباعا ، 14، 15، 16 ،17  ) لم ترق الى مستوى الطموح لأسباب كثيرة، يمكن ان يكون اهمها انشغال النخب السياسية وكتلهم الحزبية و الدينية منها خاصة في تقسيم مصالحهم والانتفاع من الوضع الجديد بتوزيع الغنائم فيما اصطلح عليه بمبداء المحاصصة الطائفية .
وبالعودة لقضية  اليهود العراقيين والمواضيع الكثيرة التي تناولت حبهم واخلاصهم للعراق  مثل الكاتب شموئيل موريه المولود في بغداد عام 1933 والمنشورة في موقع "ايلاف" ، او كتابات السيد حســقيل قوجمان المنشورة في موقع "الحوار المتمدن" وكتاب عراقيين كثـر ، او الحلقات الخاصة التي بثت من الفضائيات وكان منها ماقدمته "العربية" حول اليهود العراقيين في بريطانيا يوم 16/4/2010 http://www.alarabiya.net/programs/2010/04/16/106030.html
 ، وفضائية ال "بي بي سي" حول اليهود العرب ومنهم اليهود العراقيين – آيار 2010- ، ناهيك عن عشــرات الفديوات المنشورة في موقع " اليوتوب" ، والتي تؤكد اخلاصهم للعراق ولتراثه وحتى اللهجة العامية الدارجة  ،اضافة لأعتزازهم  بمثلهم الانسانية ومواقفهم الوطنية وانخراط مجموعة كبيرة منهم في الحركات اليسارية في اسرائيل او خارجها ، واصطفاف عدد كبير منهم مع عدالة مطالب الشعب الفلسطيني في حقوقه المشروعة بأقامة دولته المستقلة .ان هذه المواقف لم تشــفع لهم امام المشرع العراقي وقادة الاحزاب والكتل الكبيرة او مســؤولي الدولة في اعادة النظر بالحيف الذي لحق بهم من قبل  الانظمة  الاستبداية الســـابقة ، وربما لا يعدو الســبب اكثر من  تســـليط العقوبات الجماعية  عليهم لكونهم "يهود" وانهم يدفعون ثمن الصراع الجاري بين اسرائيل والفلسطينين ، تماما كما صـوّر النظام الصدامي من ان كل شــيعي هو " عميل لأيران " او حينما هجـّر الاكراد الفيلية بدعوى كونهم " فرس مجوس" !



 امام هذه الحقائق، من حقي ان اتســـائل ان كانت دعوى الحكومة العراقية بأسترجاع  " الآرشـــيف العبري – اليهودي" واردة ، او واقعية ، خاصة وأن الدولة لا تعترف بعراقيتهم ، ولا تعترف بحقهم بأسترداد جنســـيتهم ، اذن لماذا المطالبة بأسترجاع  آرشـــيفهم ؟
فلو كان آرشيفهم ذا اهمية حقا ، اليسوا الأجدر برد الاعتبار لهم اولا ؟ الم يكن آباؤهم واجدادهم هم من كتب هذا الآرشـــيف ؟

ان الحقيقة المرة تدعوني لتوجيه الدعوة لليهود العراقيين ومؤسـساتهم  ، اينما كانوا ، بمطالبة الحكومة الامريكية بعدم تســـليم "آرشـــيفهم" لهذه الحكومة على الاقل في الوقت الراهن والاحتفاظ به ريثما تكون هناك حكومة عراقية تســـاوي بين ابناء الوطن الواحد  وتعيد حقوق اليهود  ، او ان يتم  تســـليمه لهم "رغم تحفظي الشديد على هذا الرأي"  بأعتبارهم الورثة الشـــرعيين لهذا  الآرشـــيف كي يستفادوا منه هم وابنائهم ، بدلا من يحفظ في مكان ما بالعراق ولا يحق لهم (اي اليهود) من مراجعته او  الافتخار به او البحث فيــه . وخشــية  ان يكون مصيره الحرق أو التدمير أو السرقة ، مثله مثل الكثير من الوثائق العراقية الهامة التي التهمتها نيران التخلف والفوضـــى والجهل في العراق الجديد !

اتمنى ان يكون الدرس المستخلص من معاناة اليهود العراقيين  في صميم  اهتمام  مثقفينا بغية تكثيف  العمل من اجل تعديل الدستور الحالي ، وتفعيل ما بــه من مواد تتعلق بالحقوق المدنية، خاصـة تلك التي تهتم  بالمكونات الصغيرة (قومية كانت ام دينية) والتي تتعرض الى التهميش وربما الانقراض بسبب الارهاب والميليشيات والتعصب الأعمى، وامام  فوضى فهم الديمقراطية من لدن بعض السياسيين والتي يترجمونها على انها ضمـان حقوق الأكثرية ، بينما الديمقراطية تعني فيما تعنيه وبأبســـط معايرها ، ضمان حقوق " الاقليات"
 ضمان حقوق العراقيين ...كل العراقيين .

(( العراقيون متســاوون امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الأصـل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي أو الوضع الاجتماعي . الدستور العراقي ، المادة 14 من الباب الثاني / الفصل الأول / الحقوق / الفرع الأول / الحقوق المدنية والسياسية))

وما اكبرها من ديباجـــة!

كمال يلدو
الولايات المتحدة/ آيار 2010

493
قرأة في تفجيرات الموصل الأخيرة:
لا بديـل عن الحماية والمحكمـة الدوليتين

   في الحادث الاجرامي الذي استهدف  حافلتين تقللان  طلبة من مدينة الحمدانية  كانوا متوجهين لجامعة الموصل يوم الاحد الثاني من آيار2010، اكثر من رســالة يقوم  الفاعلين  بتوجيهها  للجهات المسؤلة حتى وان كانت النتائج ضحايا ودماء بريئة .
 لكن السؤال الأول الذي يتبادر للذهن هـو عن فاعلية وجاهزية وجـدية  الجهات الامنية  والمخابراتية في الموصل في ترصد وتعقب هذه العصابات الاجرامية، وثانيا عن سـبب  بقاء ملفات الأعتداءات الســـابقة مفتوحة  دون الوصل بشــكل جدي للفاعلين والجهات التي تقف خلفهم وتقديمهم للعدالة . والحادثة آنفـة الذكر تعيد للأذهان الاجواء الارهابية المســـلطة على المســـيحيين في مدينة الموصل والقرى والمدن والقصبات المحيطة بها والتي يغلب على سكانها انتمائهم للطائفة المسيحية ، بالرغم من  الوعود الكثيرة (مرارا وتكرارا) والتي قطعها المسؤلون على انفسهم علنا وامام وسائل الاعلام ، من مجلس المحافظة اومن الجهات الحكومية  في توفير الضمانات  والامن لعودة العوائل المهجرة قســرا او توفير حمايات اكبر للتجمعات المسيحية ودور عبادتهم .
تأتي هذه الاحداث  في ظل اجواء الاحتقان السياسي التي يعيشها الشارع العراقي عقب نتائج الانتخابات التي تركت كل اللاعبين السياسين غاضب لما آلت اليها النتائج وفشــل القوى لحد الآن بالوصول لصيغة توافقية كانت او ائتلافية لتشكيل الحكومة القادمة في ظل اجواء من التشكيك  والتســـقيط  والتصريحات النارية  بينما يعيش المواطن العراقي حالة التهميش والاقصاء  من مجمل مايحدث والذي يلخصـه عامة الناس على انه بحث عن المناصب والتقاتل عليها .

لا ادري كيف يمكن لمجلس محافظة الموصل او المحافظ  والقادة الامنيين ان يبرروا استمرار هذه الاعمال الاجرامية في محافظتهم  واستهدافها ابناء المكون المسيحي بالذات؟
وحتى لو اســلمنا بتصريحات القادة الامنينين والقاء تبعات  هذه العمليات الاجرامية على فلول القاعدة  وبقايا النظام المقبور ، فهل هذا يكفي لبعث الطمأنينة عند المواطنين او اعادة الموتى  وتضميد جروح الضحايا؟
الـم تعد شــماعة القاعدة وبقايا البعث اســطوانة مشـــروخة يتكأ عليها كل الفاشـــلون في توفير ابســـط مقومات الحياة الحرة الكريمة ، الامـــن ، في هذه المحافظة المهمة . هــذه الجهات التي فشــــلت مرة تلو المرة  في كل شـــئ الا بتقديم التبريرات .
والأكثر طرافـة هي ردة فعل بعض المسؤلين العراقين حينما تثار قضية تدويل ملف المسيحيين  وباقي الاقليات المستهدفة نظر لفشل الحكومة الذريع بالوفاء بوعودها السابقة في حماية هذه المكونات فيأتي الرد  على الضد من التدويل بل بتقديم الحلول العراقية! والتي هـــي بأختصار  (( عيشـــوا حتى تحين ســــاعة قتلكم على يد الارهابيين والعصابات)) .

ان عدم تدخل الحكومة المركزية في وقف هذا النزيف الدام ، وحال البرلمان المعطل ، وصـورة الانتخابات التي لم يرض عليها اي من الجهات الفائزة ، لايمنح اية فرصـة للتأمل في المستقبل الواعد للعراق ، بل على العكس من ذلك ، فهــو مؤشـــر لايحتمل  التفسيرات الكثيرة من ان اســتهداف المسيحيين في اضعف نقاط العراق – الموصل – انما هي لعبة سياسية قذرة تقطف ثمارها ذات القوى التي تستنكرها في النهار بينما تخطط لها في الظلام ليلا . وهي بمدلولاتها الثانية عبارة عن عملية تصفية حسابات سياسية  بين قوى صارت معروفة  وتعمل كل منها على التستر على الجهة الداعمة ناهيك عن الفاعلين الاساسين.

وفي قرأة متأنية للأحداث التي اشـرت وتؤشـر  لفشـــل الجهات الامنية في المحافظة وقوات وزارتي الدفاع والداخلية والاجهزة الامنية  في منع العمليات الاجرامية التي تستهداف المسيحيين  وخاصة في الموصل لابل تصل الامور احيانا الى التواطؤ والتستر على الجناة ناهيك عن التراخي المتعمد ، ادعـوا السياسين العراقيين  وأعضاء البرلمان  المنصرف او القادم  وخاصة من المكون المسيحي والمكونات الصغيرة الاخرى  والقوى الوطنية العراقية الحريصة على وحدة وسلامة ارض العراق وشعبه ،  الى  الألتجاء للأمم المتحدة  والجهات الدولية والمطالبة بحماية هذا المكون الهام  وفقا للقانون الدولي خاصة بوجود القوات الامريكية وخضوع العراق  للبند السابع ، والمطالبة العاجلة  بأقامة محكمة دولية تباشـر  بالتحقيق مع الجهات الرســـمية العراقية بغية معرفة حقيقة ما جرى ويجري للمسيحيين ( والاقليات الاخرى من صابئة مندائيين ويزيدية) من عمليات استهداف بغرض التصفية  الجسدية او التهجير القســري وصولا الى افراغ العراق منهم والتي تقع ضمن سياسة التطهير العرقي ، طمعا بأموالهم وممتلكاتهم  وايضا لتحقيق النوازع الطائفية المريضة لـدى بعض القوى في افراغ العراق من المكونات غير المســـلمة . وهناك بالتأكيد ملفات لايعد ولا تحصى تدعم  هذه الحجج وللأعوام الســبعة التي خلت .

المطلوب تحقيق دولي فيما يجري وتقديم المقصرين والجناة للعدالة، ودون ذاك ســـنعود مرة اخرى الى نقطة البداية من وعود فارغة وهجرة متزايدة ومعاناة مكررة وخســارة متواصـلة  للوطن وللمواطن العراقي.

كمال يلدو
آيار 2010



494
حـول انتخابات الخارج
احتفظوا  " بعراقيتكم"  للذكرى فقط!

  لـم تبق اي من القوى السياسية العراقية  الكبرى الا وأدلت بدلوها حول " اهـمية " و " ضـرورة " و " حتمية" اشتراك اهلنا في الخارج بالأنتخابات ، وانها جزء مهم من حقوقهم الوطنية (كـذا) التي ضمنها الدســـتور ، وان  العراقيين انما يجترحون (ارقى) تجربـة ديمقراطية في المنطقة بممارستهم  الفريدة في اشراك عراقيي المهجر  في الأنتخابات ، وانهم (اي الحكومة) مســتعدة لصرف ملايين الدولارات ، وتجييش الموظفين ، وطلب مســاعدة الدول المضيفة لهم من اجل انجاح هذه التجربة الديمقراطية الوليدة!
هكذا كانت الصورة عشية انتخابات 2005 ، وانتخابات 2010.
لكن مـا الذي جــرى حقـا ؟
كثير من التفصيلات سأتركها لحنكة القارئ ومدى متابعته للحدث ، الا ان امرا مريبا  وجدت من الضروري التوقف امامه الا وهو  ، توجيهات  المفوضية المستقلة للأنتخابات قبل ، وأثناء وبعد انتخابات الخارج ، هــذه اللعبة التي اديرت بحنكــة  لا يمتلكها الا من تمرس حقا في عـلم (المافيات ) وهي  اســـلوب المخادعة  والالتفاف على هذه الجموع  الغفيرة من العراقيين  القاطنين في الخارج . ففي الوقت الذي طلب من عراقيي المهجر في انتخابات 2005 ان يجلبوا ((اية وثيقة)) تثبت عراقيتهم حتى وان كانت من الدول المضيفة ، طلب  في هذه الانتخابات تقديم احدى الوثائق العراقية الاربع اضافة لوثيقة الدول المضيفة ، وعلت اصوات الاحتجاج في اليوم الاول بعدما رفضت مشاركة المئات ، فعادت المفوضية  و عدلت شــروطها عشية اليوم الثاني لتقول ( بأمكانية ) اعتماد وثيقة الدول المضيفة التي تذكر عراقية حاملها فقط  ، وهكذا اتى الكثير من هذه  الجموع للمشاركة في الانتخابات ، لكن ما جرى بعد ذلك كان حقا في  ادنـى مستويات الاستخفاف بأصوات عشـــرات الالوف التي  القيت في ( القمامة) لأنها لم تستوف شـــروط المفوضية آنفة الذكر  في ابراز ولو وثيقة عراقية واحدة ، مع علم المفوضية  "المستقلة" ، بأن اعدادا غفيرة لا تملك وثائق عراقية لأسباب كثيرة ليس اقلها ان كثيرا من العراقيين تركوا كل شئ وراءهم عندما غادروا العراق ، او انهم فقدوها ، او قد مضى على وجودهم في الخارج عشرات السنين ، الا انهم لا يريدوا ان يتنازلوا عن حقهم في مشاركة ابناء وطنهم في بناء الدولة الجديدة ، و التمسك بحقهم في ممارسة هذا التقليد الديمقراطي كخطوة اولى ربما تمهد لعودتهم للعراق في المستقبل.

   لـقد حققت المفوضية – المستقلة – للأنتخابات ، والقوى السياسية المتنفذة في هذه المفوضية أهدافها  من اشراك عراقيي الخارج بهذه الانتخابات،  وبذلك تكون قد ارضت الامم المتحدة والمجتمع الدولي المتحضر، الا انها فشـــلت  وايما فشـــل ، في خداع العراقيين عبر الاستخفاف بأصوات من ذهب الى صناديق الاقتراع فرحـا ، وفخورا ليكتشـــفوا لاحقا وبعد فوات الأوان بأن اصواتهم الغالية جدا قد القيت في القمامة. والسؤال المشروع هنا هو، هل فعلا تحقق هذا الهدف الذي صرفت من أجله ملايين الدولارات، وشاب آلية تنفيذه  مآخذ عدة منها  توظيف الاقارب والمعارف والموالين في الاجهزة التنفيذية لهذه الادارة خارج العراق؟
كيف تفســر المفوضية هذا العدد الهائل من الاصوات الملغية ، فمثلا في مركز مشيكان الثاني  الغيت 1850 ورقة من اصل حوالي 6000 مقترع؟ هل هذا معقول ؟ ثلث الاصوات ؟ الم يكونوا عراقيين ومن ابناء جاليتنا؟ الم تجتهد الكثير من القوى في الدعاية لهذه الانتخابات وحث ابناء الجالية للمشاركة فيها وانجاحها؟ الم يصرف الوقت وتصرف الاموال في الدعاية والاعلان؟ كيف نقبل ان تذهب جهودنا واصوات جاليتنا هباءا؟

  من المؤلم حقا ان تصبح قضية عراقيي الخارج مادة للمناورات السياسية كما شهدنا في نقض السيد نائب رئيس الجمهورية الذي لم نسمع منه اي تعليق ، او في خطابات الكتل الكبيرة ، او في المتاجرات التي كانت تجري قبل سقوط النظام  وحتى بعد ذلك في مظلومية   ( اربعة او خمسـة ملايين ) عراقي موجودين في الخارج ضحية النظام الدكتاتوري ، وبعد ان استنفذوا مادتها الاعلامية في التظاهر  خارج العراق او في التضامن مع العراقيين ضد الارهاب.

مـاهو المطلوب الآن؟
ان ماجرى هـو خســارة للعراق وللعملية السياسية برمتها، وهو امعان في ابعاد هذه الجموع الغفيرة وقتل اي امل لها في مصداقية العملية السياسية والقوى النافذة والفاعلة فيها، وهو تأكيد في مدى الفساد الاداري الذي يضرب اطنابه في مفاصل أجهزة  الدولة التنفيذية ، لكن  يبقى الامـل في المخلصين والوطنيين في اعادة العجلة لمجراها الصحيح  والعمل الحثيث في  تعيين مفوضية تشرف على الانتخابات القادمة تكون بأعلى مستويات المهنية والاستقلالية، كذلك تعديل قانون الانتخابات  بما يضمن جعل العراق دائرة واحدة  واتباع آلية منح الاصوات للخاسر الاكبر وليس العكس وتشريع قانون الاحزاب وقانون تحديد صرف الحملات الانتخابية ، وبدون ذلك نكون حقا  نلعب في الوقت الضائع  في ما يسمى " العملية الديمقراطية" ،وأملي  من ابناء الجاليات العراقية وهم يحضرون مناسبات  للقاء المسؤلين العراقيين الذي يزورون هذه الدول في رفع شــعارات اثناء هذه اللقاءات تطالب بمعرفة  مصير اصواتهم المغدورة ، وماذا فعل المسؤول المعني لقضيتهم هذه .
" وبعـد ان القوه في البئر، قالوا لأبيهم ان  يوسـف اكله الذئب!"

كمـال يلدو
الولايات المتحدة
آذار 2010


495
بعـض الفـرق الموسيقية للجالية العراقية في ديترويت  ... " الجمهور عاوز كـده! "


  تزخر جاليتنا العراقية في ديترويت بالعديد من المواهب الفنية والتي اسست على مر السنين  فرقا موسيقية ، صــقلت التجربة مواهبها وأزدادت  شــعبيتها لتنطلق بفنها وأدائها  متجاوزة حدود ديترويت احيانا  الى العديد من الولايات الامريكية . ومع النمو المطرد لأعداد الجالية ، ازدادت معها مناسباتها  والتي لاتخلو  من الفرق الموسيقية او ال (( دي جي )) على اقل تقدير، مضيفة اجواء الفرح عليها ، ان كانت زواج ، خطوبة ، الشـــاور ، التناول الاول  والعماذ ، لابل شملت  الحفلات الاجتماعية ، وبعض اللقاءات العائلية الكبيرة وحتى الســـفرات الى شواطئ البحيرات في موسم  الصيف .
   لقد اســهمت هذه الفرق ( الحالية منها او التي انتهت) وعلى مـدى الثلاثين ســـنة اخيرة  بشــكل كبير في الحفاظ على النكهة  الوطنية  لكل المكونات العراقية  من كلدانية و آشــورية وكردية وعربية ، بل انها تفننت  في تقديم الألوان المنوعة لجميع محافظات العراق العزيزة .
    الا ان  تغيرا كبيرا طرأ على نوعية الأغاني المؤدات في الحفلات للسنين العشر الأخيرة ، خاصة مع انتشــار الفضائيات العراقية والعربية ، وبروز جيل عراقي وعربي جـديد من المغنين فرض ســـيطرته على الســاحة الفنية . فعـلى الرغم من  تنوع مواهبه وامكاناته ، الا ان  معظم اغانيه افتقدت الى المفاهيم الانسانية والعاطفية ، لابل ان قسما منها يروج لأفكار ســوقية  ومفاهيم تحط من قدر المرأة ( الحبيبة) في المجتمع ، فيما  اعتمدت على الفديو كليب  والفرق الراقصة  اساسا في شهرتها وهذه ايضا  تطرح مستويات متردية تعتمد على الاثارة  ودغـدغة مشــاعر المشـــاهد الذي  تدخله في قفص من الاحلام  الخلابة غير الواقعية .
 انعكس هذا في اداء فرقنا الموسيقية المحلية وطغيان اغان تعتمد على اللحن الســـريع وهــز الابدان في ســابقة خطيرة  تؤشـر على تدني  مستوى الذوق العام ( رغم رواجها لدى فئة غير قليلة من الشباب) .  فعلى الصعيد العراقي اختفت الحان عظماء الاغنية العراقية لتحل محلها الحان (الكاولية ورقصهم - الردح) اما على المستوى العربي فبرزت اغاني (هيفاء وهبي ونانسي عجرم وأليسا ) وغيرهم من المغنيات  والمغنين اللذين  لم يضيفوا الى  واقع الفن العربي شـــيئا ســـوى تنوع الكليبات وتشابك الرقصات  والمسابقة في ابراز مفاتن المرأة .
وبالعودة الى موضوعنا بشـأن الفرق المحلية   وانصافا  للحقيقة ، فأن حفلات الجالية تتنوع كما قلت لا في تقديم الاغاني الراقصة         ( حســـب رغبة الجمهور) فقط ،  بل وتقديم اغانـــي الدبكات الفلكلورية  التي تتمتع بشــعبية  كبيرة وتشـــارك فيها معظم الفئات العمرية ، علــى ان القضية التي اصابها الاضمحلال  هـــي ترديد  الأغاني الفلكلورية العراقية و اغاني الجالغي البغدادي او المقامات  واغاني المجموعة والفرق التراثية ، اغاني  رواد الفن العراقي على مدى اربعة عقود امتدت من الاربعينات وحتى الثمانينات من امثال  (( الكبانجي، يوسف عمر، صديقة الملاية، الغزالي، رضا علي ، عفيفة اسكندر ، لميعة توفيق ، احلام وهبي ، زهور حسين ،  فؤاد سالم ، فاضل عواد ، ياس خضر ، حسين نعمة ، سيتا هاكوبيان ، انوار عبد الوهاب ، أمل خضير، رياض احمد ، رضا الخياط ، الهام المدفعي  وكثيرين غيرهم )) ، مــذكرا بأن جيلا عريضـا من ابناء الجالية  تــربى على تذوق  الفن العراقي من الاداء الرائع لهذه  النخب الفنية.

   ان مهمة فناني الجالية وخاصة ممن اسـسوا فرقا فنية تحـي الحفلات التي يحضرها مئات المحتفلين في الحفلة الواحدة ، تتعدى فكرة ارضـاء الجمهور ، رغم كونها واجبا يتلائم مع نوع المناســـبة ، الا ان هناك دورا اخلاقيا وأدبيا يقع على عاتق فنانينا في تربية الذوق العام والحفاظ على ما هــو جدير بالفن ، والابعد من ذلك هو الحفاظ على الهوية الثقافية الوطنية العراقية ، وبكل منابعها الفنية  من الاندثار امام موجات نانسي عجرم وهيفاء وهبي او حتى الفن الهابط الذي قدمه ويقدمه بعض الدخلاء على الفن العراقي الراقي ، من امثال البرتقالة  والعكربة وما الى ذلك من تفاهات .
 ان الخزين الهائل من الالحان والكلمات الرائعة للأغاني العراقية لا تطرب المواطن فقط ، بل تعيده الى حيث طفولته وشبابه ، تعيده الى حيث وطنه الغالي وذكرياته الحلوة  ناهيك عن المفاهيم الراقية التي غرســتها عن الحب والمرأة والمجتمع، اما تجربة الرائد  الهام المدفعي في طرح الغناء العراقي الفلكلوري بأســلوب  حديث ،  فهي محط اعجاب (كانت ومازالت) من فئات شــعبية  كثيرة . ولي ان اتوقف بأحترام امام ما يقدمه الفنان  كاظم الســاهر من الحان عراقية تبعث على الفخر والاعتزاز .

 مرة قال لي احد الاصدقاء الاعزاء ونقلا عن الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب قوله " ان كل  الفن العربي يدور في فلك الاغنية المصرية ، اما الفن العراقي فهو مدرســة قائمة بذاتها " ، وهذه الشهادة يجب ان تدعونا للأعتزاز بما ورثناه نحن العراقيين ، ابناء الرافدين من الحان  كنســـية ، او من المقام العراقي ترقى  بجذورها  لأكثر من ســـبعة آلاف ســنة خلت ، فيما تأخذني الحيرة في مستوى   الثقافة  او الحضارة التي ســـتضيفها  لنا اغاني جيل الفضائيات والفديو كليبات حينما يجري ادائها في الحفلات العامة .

   اعتز شـــخصيا بعلاقات حميمة مع معظم فناني جاليتنا ، ولـم ادخر جهدا في  تثمين دورهم  والاعتزاز  برســالتهم  الفنية الرائعة ، وتأكيد  دورهم  بالحفاظ على الثقافة الوطنية العراقية والأغاني البغدادية واغاني الدبكات الاصيلة ، والغناء ليس فقط بالعربية بل بالكردية  والسريانية  (السورث) ايضا ، كواجب اخلاقي و وطني .
 وبقدر ما اتحدث بذلك الى الفانين فأني اتوجه بالدعـوة الى ابناء جاليتنا العزيزة وهم يخططون لحفلاتهم ومناسباتهم العزيزة ، ان  يكون لهم  اعتزاز اكثر بتراثهم العريق والراقي ، وبكلمات اغانيهم المفعمة و بالحب والامل والاحترام  وأن لايســـقطوها من برامج  الحفل  لغرض ارضاء جزء من الحضور .

     جدير بالذكر أن  معـظم فنانينا كان  لهم دورهم   في الأداء المتميز للأغاني الوطنية العراقية التي تنشـد للحياة والسعادة والأمل ، وتشــهد بذلك تجربة  حفلات الاتحاد الديمقراطي العراقي لثلاثين سنة، كذلك لابد لي من الاشــادة بالتجربة الرائدة لفرقة (الجالغـي البغدادي) المشكلة حديثا  والتي تقدم الأغاني الفلكلورية العراقية ، اداءا وموسيقى وأدوات ، وبعض التجارب الفردية في تقديم الفن العراقي (سـماعي). واستدراكا اود التذكير بأن معظم فناني الجالية قد درســوا الموسيقى وتعلموا  اصول الغـناء بالتمرين المتواصل والجهد والمثابرة وعبر السنين ، لابل ان بعضـا  منهم له تجارب تلحين ناجحة ، الا ان ما يؤسف لـه ان لاتتوفر الفرصـة لهذه الطاقات الخلاقة في تفجير امكانياتها بحدود جاليتنا العزيزة ولا ان تجد تجاربهم الرائدة طريقا لفضاء اوســـع ، الفضاء العراقي ، الذي يبدو انه  مغلق امامهم،  مما كان  ســيســاهـم  في ارضـاء طموحات هؤلاء الفنانين ويدفعهم لمزيد من العطاء . ان اهمية هذا الموضوع  تقودني الى دعوة مثقفينا و فنانينا لمناقشة  هذه الظواهــر  بأمل الوصــول الى قناعات مشتركة تســـهم في رفـع شــأن  وعطاء فناني جاليتنا الاعزاء  وتقديم كل ما هو جدير  بالفن الراقي .

تحيتي لكل المبدعين وهم يحملون عبأ واتعاب هذه المهنة ، وعســـى ان تختفي من قاموســـنا  كلمة " الجمهور عايز كــدة" ، حتى يتســنى  لنا الأستمتاع بالتراث العراقي الانســـاني الراقي الذي حمل لوائه فنانين رائعين وملحنين افذاذ وشعراء مبدعين الى اصقاع بعيدة في العالم ،اذكر منهم الفنان الراحل منير بشير ، بينما يتواصل التألق اليوم مع  الفنان كاظم الساهر والموسيقار نصير شـــمّة  والعزيزة "فريدة " وآخرون غيرهم في الكثير من المنتديات العالمية ..

كمــال يلدو / كانون ثان 2010  

496
شـــموع عراقية في المهاجـر
البروفيسور ادور يوحنا اوديشو *



حوار: كمال يلدو

في هذا العالم المترامي الاطراف، درج العراقيون وعلى مر العصور والازمان على الترحال والسفر والهجرة (اختيارية كانت ام قسـرية) واشــتدت ظاهرة تسـرب الكوادر العلمية مع تدهور الاوضاع السياسية والامنية حتى غدت ظاهرة مهددة للثقافة الوطنية العراقية. وتعـج اليوم مدن كثيرة في العالم بهذه الكوادر، فمنها من اسـعفتها الظروف ومارست اختصاصها، ومنها من لم تســتطع، وكانت الخسارة مزدوجة في ذلك، على ان من تمكن من مزاولة اختصاصه، فقد غـدا شــمعة عراقية منيرة لمواطني البلد المسـتضيف وللعالم. ويســعدنا اليوم ان نقدم واحدا من رموز الثقافة التي عبرت دراسـاته الحدود وتملكت صفـة العالمية، ولنســير ســـوية

في رحلة التعرف على البروفيسـور أدور يوحنا اوديشـــو :
* لنتعرف على البطاقة الشخصية لادور اوديشو؟
 - ولدت في كركوك في سنة 1938 واكملت دراستي الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها. انتقلت في سنة 1956 الى بغداد والتحقت بجامعة بغداد/كلية التربية/قسم اللغة الانكليزية حيث انهيت دراسة البكالوريوس بدرجة الشرف في 1960. عينت بعدها مدرسا للغة الانكليزية في ثانوية السليمانية حيث مكثت فيها مدة خمس سنوات انتقلت بعدها الى البصرة وقضيت فيها ثلاث سنوات مدرسا في ثانوية البصرة ومعهد اعداد المعلمين العالي. اختتمت التدريس الثانوي في بغداد في ثانوية البتاويين بين اعوام 1968-1971. بعد الكثير من التعنت والمعارضة لاسباب سياسية من لدن وزارة التربية لمنحي اجازة دراسية لاكمال دراستي العليا وافقت الوزارة اخيراً على منحي اجازة دراسية للاختصاص في علم الاصوات اللغوية في جامعة ليدز/انكلترة. سافرت في سنة 1971 وعدت في 1975.
* كيف قررت اختيار الحقل الجامعي؟
 - اعددت نفسي للاختصاص في علم الصوت بنفسي من دون اي ارشاد من قبل غيري لانني كنت مولعا بهذا الحقل العلمي الاكاديمي لربما بسبب المامي الجيد بالارامية والعربية والتركمانية والكردية الى جانب الانكليزية واوليات الالمانية. عهدي بالمطالعة والمتابعة والكتابة طويل حيث نشر اول مقال لي في 1958. في غضون الفترة ما بين 1965 و1971 نشرت عشرات المقالات والدراسات اللغوية العامة والصوتية بالاخص في العديد من الجرائد والمجلات والدوريات العراقية من ضمنها: التاخي , الجمهورية , النور , بغداد اوبزرفر, العاملون في النفط , الف باء , التراث الشعبي , الاقلام , ودورية اتحاد الادباء الخ.... كما نشرت وزارة الثقافة والاعلام في 1971 اول كتاب لي بعنوان: اصوات واشارات: دراسة في علم اللغة وهو كتاب مترجم لكاتب سوفييتي. لقد لقي هذا الكتاب صدى كبيرا في الاوساط الادبية والثقافية واصبحت بعد هذا الكتاب اُعرف بـ "ابو اصوات واشارات".
* بماذا كانت رسـائلك في الماجستير، ثم الدكتوراه؟
 - بعد هذه الجهود الشخصية كنت اظن بانني مستعدٌ للاختصاص في علم الصوت في جامعة ليدز التي كانت الجامعة الوحيدة في انكلترة انذاك التي تملك فرعا مستقلا في هذا الاختصاص. غير انني صـُعقت عندما وصلت الى القسم حيث ان التخصص في هذا الحقل الاكاديمي يعتمد على دراسات مركزة في الفيزياء والفسلجة والتشريح اضافة الى اللغويات علما ان خلفيتي الدراسية كانت ادبية صرفة. هكذا كانت الطفرة كبيرة بين ما كنت وما اردت ان اكون. كانت الخيبة تنتابني بين الحين والاخر غير انني صمدت وبذلت المستحيل من الجهود للنجاح. وبعد السنة الاولى لم انجح فحسب بل نجحت ايضا في اجراء العديد من التجارب العلمية المختبرية الرائدة والخطرة لمراقبة ذبذبة الاوتار الصوتية وانماطها وحركات اعضاء النطق وقياس الضغوط في الرئتين ومجرى النطق التي لم يحققها اي طالب من قبلي في انكلترة. كانت هذه التجارب سر نجاحي الباهر وحصولي على شهادات الدبلوم العالي والماجستيرالعليا M.Phil.)) والدكتوراه في اقل من اربع سنوات.
* اذا انت حققت ســبقا علميا وأكاديميا؟
  - في معرض تناولي لموضوع الاطروحات التي انجزتها, اريد ان أؤكد على ان كلتا الاطروحتين مبنية على التجارب المختبرية الفيزيائية acoustic) والفسلجية physiological) )والهوائية الديناميكية aerodynamic). )ان اطروحة الماجستير ركزت على دور الاصوات اللهوية والحلقية والحنجرية في النظام الصوتي للهجة بغداد العربية. والجدير بالذكر انني كنت دوما على اتصال مع العلامة المرحوم الشيخ جلال الحنفي البغدادي وهو حجة في ميدان اللهجة البغدادية.  * رحلة الغربة، متى بدأت، وكيف وصلت الى الولايات المتحدة؟ - قضيت معظم حياتي في العراق قريبا من الحركات الوطنية التقدمية لذا لم تكن علاقتي مع البعثيين على ما يرام خاصة بعد اعتقالي اثر الانقلاب الفاشي في شباط 1963. وبعد عودتي من انكلترة ضمن قرار الكفاءات والتحاقي بالجامعة المستنصرية بدأ الحكم الصدامي بالضغط على الاساتذة للانضمام لحزب البعث. ولدى رفضي ذلك شعرت بملاحقة الامن والمخابرات لي واشتدت هذه الملاحقة الى ان انتهت بالصاق تهمة التبعية الايرانية بي في سنة 1979 وفرض المنع على سفري خارج العراق بحجة ان والدتي من مواليد اورمية في ايران علما بانني اشوري والاشوريون والكلدان من سكان بلاد الرافدين الاصليين قبل ان يكون العراق عراقا. عند هذا كان همي الاول رفع المنع ومغادرة الوطن مرغما. تركت الوطن في 16 تموز 1980 وبقيت لاجئا في انكلترة اولا وايطاليا بعدئذ لمدة تسعة اشهرحيث منحت حق اللجوء الى الولايات المتحدة حيث لا زلت مقيما.

* لنتوقف قليلا امام مسـاهماتك الاكاديمية واصداراتك؟
 - انا شخصيا مغرم بالبحث. والبحث الاصيل في مفهومي هو اكتشاف او بناء حقيقة او حل لمشكلة او معادلة او صياغة تركيب جديد ودون ذلك لا تتعدى الكتابة مفهوم المقال السردي لاكتشافات ولحقائق وحلول ومعادلات تم التوصل اليها سابقا من قبل الغير. نشرت الكثير من المقالات عندما كنت مدرسا في ثانويات العراق وهي التي خولتني الحصول علي عضوية اتحاد الادباء العراقيين وعضوية نقابة الصحفيين العراقيين. وفي غضون السنوات 1976-1978 كنت عضوا في الهيئة الادارية لمجمع اللغة السريانية العراقي. وبعد نيل الدكتوراه في 1975 كان تركيزي على البحث الاصيل. نشرت عشرات البحوث في ارقى الدوريات العالمية في انكلترة وهولندا والمانيا وبولندة والولايات المتحدة التي اقتبس منها المئات من الباحثين في شتى ارجاء العالم لانجاز بحوثهم. كما اسهـمت بكتابة فصول مستقلة في كتب تكريما لبعض العلماء من اصدقائي.
* اضافة للبحوث، كم من الكتب انجزت وما هي اهميتها؟
  - انجزت نشر ثمانية كتب اثنان منها بالعربية والستة الاخرى بالانكليزية. انه مبعث للاعتزاز ان تكون خمسة من هذه الكتب الستة من مقتنيات "مكتبة الكونغرس الامريكي" والسادس في طريقه اليها. وما يسعدني ايضا ان كتبي من مقتنيات المئات من المكتبات العامة والجامعية في شتى ارجاء العالم ابتداءً من امريكا الى استراليا ونيوزيلندة والصين والعديد من الدول الاوربية والشرق اوسطية من ضمنها مكتبات بعض الدول العربية مثل مصر والكويت وقطر...الخ وحبذا ان تصل العراق قريبا. شاركت ببحوث اصيلة في المئات من المؤتمرات المحلية والاقليمية والعالمية في انكلترة وتونس ولبنان والدانمارك والمانيا واستراليا واسبانيا و كندا وايطاليا وعشرات الولايات في امريكا. في الحقيقة انا لا اشارك في مؤتمر دون ان القي بحثا.

س: حدثنا عن خصوصية اختصاصك..وما  اهميته في علم اللغات؟
 ج:ان اختصاصي في علم الصوت نادر جدا ليس فقط في الشرق الاوسط بل حتى في الدول المتقدمة. وعندما عدت الى العراق في 1975 كنت اول حامل لشهادة الدكتوراه في علم الصوت الصرف وليس اللسانيات العامة او علم اللغة. وفي سنة 1978 اسست لاول مرة في تاريخ الجامعات العراقية النواة لمختبر صوتي في الجامعة المستنصرية باستيراد جهاز التحليل الطيفي الفيزيائي لصوت الانسان.
* كيف تقـيـّم العملية التدريسية في العراق؟
 - ان الدراسة الجامعية وما قبل الجامعية في العراق كانت رصينة للغاية خصوصا بالمقارنة مع دول الشرق الاوسط وحتى بعض الدول الاوربية. مع مزيد الاسف ان الحكم الصدامي الفاشي لم يدمـر اقتصاد العراق فحسب بل دمـر التعليم في الوطن العراقي واجتث جذور الفكر الثقافي والعلمي. وتم التمادي في هذا الاجتثاث بعد الغزو بفرض القيم الطائفية والعشائرية وكبت حرية المراة في العمل المبدع. لقد تخلف التعليم في العراق بما لا يقل عن جيل اوجيلين.
* كيف ترى واقع العراق اليوم؟
 - ان التراجيديا التي مر بها الشعب العراقي تحت الحكم البعثي الصدامي لا تتمثل فقط في موت الالاف المؤلفة من الشباب في حرب العراق وايران وحرب الخليج وانطفاء شمعة حياة الالاف المؤلفة من الاطفال بسبب الحصار الاقتصادي وازهاق ارواح الشيب والشباب والنساء والاطفال بعد الغزو , بل ان التراجيديا تتمثل بقتل وتشريد الطبقة المثقفة العراقية وخنق الفكرالديمقراطي التقدمي ودفع العراق باتجاه التخلف بعد ان عرف بمهد الحضارات السومرية والاشورية والبابلية والارامية وثم العربية. فبعد ان كنا نحصل على شهاداتنا من انكلترة وامريكا وغيرها من الدول الاوربية وخيرة الجامعات العراقية في الخمسينات وعبر السبعينات بدأ انتهازيو العلم والادب والثقافة بتزوير الشهادات. واسفاه لك يا عراق يا بلد الثقافة والحضارة والاصالة.
* امنيات البروفيسور وكلمة اخيرة للقراء؟
 - اتمنى النجاح لكافة القوى الوطنية والقومية التقدمية ومن ضمنها الحركة الديمقراطية الاشورية التي اساندها منذ بروزها في 1979 لانها حركة قومية تقدمية وتهتم بشعب بلاد الرافدين الاصيل. وختاما تحياتي لقراء " طريق الشعب" الجريدة الوطنية المعروفة.
*استاذ فخري جامعة نورث ايسترن الينوي/شيكاغو



497

أتمنى ان تكون "زلـّـة لســـان" غير مقصـودة!


  فـي معرض نشــرة أخبار  فضائية "الفيحاء" الغـراء ليوم الثلاثاء الخامس من كانون ثان 2010،  عـرض مراسل القناة من محافظة النجف خبرا عـن قيام احـد مواطني المحـافظة (مشــــكورا) بتســليم المسـؤلين  مجموعة كبيرة من الآثار التي عثر عليها مصادفة، وقـد ابلى المراسـل بلاءا حســنا في تقديمه الخبر وعـرضه للآثار ، الا ان شـــخصا – لم يذكر التقرير اســمه او مركزه – تحدث عن اللقى المسـّلمة ووصفها بأنها "آثار اســلامية  وآثار ما قبل الاســـلام" ، وقـد اســتوقـفني هـذا الوصـف كثيرا ، لأني والحقيقة لم اســمع بـه من قبل ، خاصـة من ذوي الاختصاص او من المسؤليين الرســـميين .
فمن المعروف ان الآثار العراقية توصـف دائما بمراحلها التأريخية ، كأن نقول آثار سـومرية ، أكدية، بابلية ، آشــورية، بيزنطية ، رومانية ، ســلجوقية ، فارســية ،آثار من العصـر الأموي أو العصر العباســي وهكـذا ، اما اختزال كل هـذا التأريخ المجيــد بأنه " ما قبل الاسـلام او بعده" فأن هـذا يبعـث على الاســـتغراب .
  فـلو كان (الشـخص) المتحدث عـارفا بتأريخ العراق، فقد كان المفروض فيـه ان يـذكر العبارة الوصـفية السـليـمة وضـمن ســـياق الآثار التأريخية، امــا اذا كان جـاهـلا بهـذا التأريــخ  فـلا لــوم عليــه بالمـرة !
ان  خشـــيتي تزداد من ان تغـدو هـذه الاوصـاف القاعدة العامة في التداول  متجاهلة الصفة التأريخية والحضارية لآثـار وصلت درجـة شــهرتها لملايين البشــر ، وملايين اكثر تتوق لرؤيتها والتمتع بأخبارها ومعرفة درجــة التمدن والرقي التي وصـل اليها العراقيون القدماء ، بعلومهم وفنونهم وآدابهم ناهيك عن اكتشــافاتهم العبقـرية في اللغة وقوانين الفلك والرياضيات  والتجارة والابحار وعشــرات غيرها.
ان هـذا الطرح يعيد الى الاذهان حادثة اســتقالة السيد (دوني جورج) مدير المتحف العراقي الســابق ومغادرته العراق في ليلة ظلماء ! بعد تلقيه تهديدات بالقتل من جهات مجهولة قيل في حينها لأنـه كان يولي اهتماما متميزا بحضـارة العراق القديمة ! وعسـى ان تكون هذه التهمة مفهومة للقارئ الكريم .
وهذا فعـلا  يقودنا للتســائل عمـا يجري اليوم  على صـعيد  الاهتمام بحواضر العراق التأريخية وأهمال الســلطات الحكومية للعديد من المواقع الأثرية التي تركت مكشوفة  وعرضة لعبث الســراق ومافيات الآثار ، بينما تذكر الاخبار معاناة  المؤسـسـة المسؤلة عن الآثار من قلـة المخصصات المالية ، واختلال الوضع الامني ، وآثار الاحتلال بعد ســرقة معظم محتويات المتحف العراقي والمتاحف المحلية في عدد من المحافظات ، وتحويل مركز بابل الأثري الى  ثكنة عســكرية امريكية ، هذا يجري  بينما الجهات الرسـمية وغير الرســمية تولي اهتماما  فائقا بالعتبات الدينية ( رغم ان ذلك هو واجب اخلاقي وانســاني) لكن ليس من المفروض ان يكون على حســاب الحضارات العراقية التي ســـبقت مجئ الاسلام للعراق بأكثر من خمســـة آلاف ســــنة .
اعود مـرة اخرى لأتمنــى ان يكون الشــخص المعني قـد قال كـلامه ووصفه للآثار  ســـهوا، لأن الخطأ ممكن تصليحـه ، امـا اذا كان هـذا نهجـا فنحـن امام  مرحـلة صــعبة تتعلـق بأحترام وتقديـر تأريخ وحضــارة اجـدانا ......العراقيون القدماء ابناء  وادي الرافدين.

   كـان من الطريف ان يلي نشــرة الاخبار هذه برنامج خاص قدمته الفيحاء ومراســلها في محافظة ذي قار عـن مهرجان الحبوبي الرابع الذي احتضنته مدينة الناصرية، مدينة الشعراء والفنانين، بمشــاركة من مبدعيها والعديد من مثقفي العراق في رحـلة استذكارية رائعة لأمجـاد اور وكلكامش وعشــتار وشـــبعاد  وكل ما انجـــزه اجدادهـم (اجـدادنا) العظمـــاء .

كمــال يـلـدو
الولايات المتحدة
كانون ثان 2010

498
هدية عيد الميلاد لمسـيحيي العراق!

  لايحتاج هذا العنوان الكثير من التفصيلات خاصة لذوي الحكمة والفطناء ، وللساسة العراقيين  وللارهابيين ايضا . تتوالى الاحداث ليصبح شهر كانون اول من عام 2009 من اكثر شهور السنة سخونة بالنسبة لمسيحيي العراق وخاصة في الموصل . كانت حصيلة الشهر ثلاث تفجيرات منفصلة  وكل منها استهدف اكثر من كنيسـة او دير ، واغتيالات  في الشوارع وخطف ينتهي دائما بالقتل ، ورغم ان الشهر لم ينته بعد فقد هدد ( البعض) من عدم استخدام معالم الزينة لعيد الميلاد ، ويبدو ان هذا " البعض" قد  نفذ  وعوده  على الاقل في مدينة (برطلة) يوم 25 – 12 والذي يحمل الكثير من الدلالات للمسيحيين ومشـاعرهم .
  يعود هذا الموضوع ليحتل خبرا منزويا في اخبار العراق المحلية، ولا يهم الضحايا، طالما كانت الدولة العراقية مشــغولة بتوفير الامن والامان لمجموعة عراقية اخرى في طرف البلاد الثاني ، حتى وان كانت قوات بلد اجنبي تحتل بقعة عراقية ، لا يهم فالدولة تؤدي واجبها هناك .
يا لها من مهزلة!
في تموز من هذا العام ، وضعت الحكومة العراقية مرة اخرى امام المحك والاحراج بخصوص سياستها الامنية بحماية ابناء القوميات والاديان الصغيرة ، مما دفع برئيسها للتصريح بأنه سيضع حراس  امام الكنائس ، فماذا كانت النتائج ؟ المزيد  من التفجيرات والمزيد من القتل . وطرحت القضية من جديد في هذا الشهر بأعتباره شهر الاحتـفالات  بعيد الميلاد ، فصرح رئيس الوزراء  مرة اخرى بأنه ســيوفر  لهم حمايات خاصة لأداء مراسيم الاحتفالات ، فماذا كانت الحصيلة ؟ مزيدا من التفجيرات  والقتل في الموصل . اما في البصرة المسكينة فحالها يرثى لها واترك تفاصيل القصـة للفطناء !

  لايعقـل ان تجري كل هذه التفجيرات ، والتهديدات وعمليات القتل والخطف في وضح النهار دون ان تقدم الحكومة العراقية تبريرا لما يجري ، ودون ان يجري القاء القبض على مجرم واحد او مجموعة اجرامية ، امام هذا الحشــد الكبير من :
قوى وزارة الدفاع ، وزارة الداخلية ، الامن الداخلي ، القوات الامنية التابعة لمحافظة نينوى ، الحمايات الخاصة بالأحزاب في نينوى ، الميليشيات في نينوى ، قوات البيشمركة في نينوى ، منتســبي الاحزاب في نينوى، تــرى كيف يمكن  امام كل هذا الحشــد الهائل أن تفجـر الكنائس ويقتل المسيحين في نينوى  من دون حســـاب ؟

  الدم المسيحي ليس اغلى من دم اي عراقي ، بأي لون او دين او قومية كان ، لكـــنه يجـب ان لايكون الارخص بين مكونات العراقيين ، وحتى تضمن العدالة والمســاوات ، يجب على الحكومة العراقية ان تتحمل مســؤليتها كاملة ، وعلى مجلس المحافظة المنتخب ان يتحمل مســؤليته في حماية امن ابناء نينوى ايا كان دينهم ، وأن يقدم المجرمين والجناة وكل من يتجاوز على حرمـة المواطنيين الآمنين الى العدالة ، لا بل ان يقـدم المســؤلين المقصرين للحســاب ايضا  خشـــية ان يكون لهم دور  فيما يجري .
 قـد يجهل البعض قرأة التأريخ القديم ، لكني اعيب عليهم كثيرا لو جهلوا دروس التأريخ القريب جدا جدا ، فما من ظالم دام ، ولا من ظـلم اســتمر  ، ليس لقدرة قادر بل لأنـه منطق الحياة وحركة التأريخ ، فربما تســود (لحين) بعض القيم والافكار وحتى قوى شـاذة عن حركة التطور ، وســـرعان ما  تجرفها قيم الحضارة والتجديد والبحث نحو الافضـل .
يقينا ان العراق الجديد ســوف لن يبنى بالقتل والدمار ولا بالعقليات الجاهلة والمتخلفة التي تريد العودة بـه الى عصور الظلام والعنف والاحقاد . العراق بحاجة الى اناس يؤمنون بأبنائه كلهم ، ويضعون مصلحة الوطن والمواطن فوق الدين والطائفة والقومية ..

يمر هذا العيد ، وتمر اعيادا اخرى ، البعض يفرح ، فيما الكثيرين حزانى على هذا الوطن الغالي ، وعســـى ان يستيقظ السياسيون العراقيون ، ورجال الدولة ، والوزراء والبرلمانيون من كبوتهم ويلتفتوا الى حال العراق ..فحـل مشـــكلة العراق ســـتعني بالنهاية حل مشــكلة المسيحين وكل اقوام العراق الاخرى .
وفي كل عيد ميلاد ، وفي كل عام جديد ...اتمنى ان يكون العراق والعراقيين بألف ألف خير .

كمال يلدو
25-12-2009

499
مسلسـل تفجير كنائس الموصل:
ام الربيعـين تقتل ابناءهــــا!




    لــم تحظ محافظة عراقية من تنوع  كما حظت به محافظة نينوى ، فهي تكاد تكون المتفردة في جمعها للعراقيين بكل اطيافهم ودياناتهم وقومياتهم، ناهيك عن انها  الوريثة للحضارة الآشــورية العريقة ، الذراع الشــمالية للحضارة الرافدينية  الرائعة . هذه المحافظة التي رفدت العراق خيرة ابنائها من مثقفين وفنانين وادباء وسياسيين ورجال علم ورجال دين و حفرت اســماءهم في الذاكرة العراقية القديمة والمعاصرة .
"ام الربيعيين"، كما يحلوا لأبنائها ان يصفوها ، تعيش مخاضا عسيرا عســـى ان تجتازه وتخرج منه معافاة .ففي تاريخها المعاصر لم تشـــهد حالة التمزق والاقتتال مثلما تشهده اليوم خاصة تجاه ابناء القوميات والديانات الصغيرة  من ( المسيحيين  وألازدية والشـــبك) هذه المكونات التي تـزين لوحة نينوى .
في "ام الربيعين" اقترفـت وتقترف ابشـــع الجرائم ضـد اناس مســـالمين (بأعتراف الكل)، إن كان في قراهم الآمنة، او دور عباداتهم او بيوتهم وحتى محلاتهم التجارية ، مصادر رزقهم .وعانـي ابناء الطائفة المســيحية الجزء الأكبر من هذا الاســتهداف  الذي أساءلأبناء نينوى و لباقي العراقيين .مسـلسل الاجرام هذا الذي انفتح على مصراعيه منذ ســقوط الدكتاتورية وحتى اليوم قـد كلف ابناء الطائفة دماءا غالية  لا بأس ان تســترخص للوطن ، لكنها وللأســــف  صـارت عنوانا للكراهية والأحقاد والجهل ، ومن تابع ويتابع احداث الموصل ســوف لن يخلص الى نتيجة مغايرة . ففي استهداف السكان الآمنين وقتلهم (على الهوية) ، وحرق بيوتهم ومحلاتهم ، واستهداف كهنتهم والتمثيل بهم بعد قتلهم ، اغتصاب وتعد وتهديد ادى لمرات عديدة الى هجرات جماعية ، يا ترى مـاذا في جعبة اعداء العراق من مخطط ؟



قبل اربعة شــهور فجرت في بغداد والموصل وكركوك 7 كنائس ، بعدها ثلاث كنائس في كركوك وفي يوم 26/ 11/2009 فجرت كنيسة مار افرام  ودير القديسة كاترينا في الموصل في احـدث فصل من المسلسل الارهابي الذي يستهدف ابناء الطائفة المسيحية في الموصل ، وربما  العراق !
جرائم كثيرة اقترفــت ، وضحايا كثيرون ســـقطوا ، امام انظار المسؤلين وقيادات القوى السياسية ، لكن بقى الفاعل مجهول . كيف بقى مجهولا ؟ لا احـد يعرف .  والى متى ســـيبقى مجهولا ؟ فلا احد يعرف .
بعد كل عمل ارهابي كانت الاصوات تتعالى ، ومع تكرار الاعتداءات ، بدأت الاصوات تخــف ، حتى وصلت الامور الى درجــة (الطبيعية) وكأنها من ســـمات المرحلة . الخطأ كل الخطأ هـو في التهاون ، وفي غض الطرف عن المجرمين ، والاكثر من ذلك عن المسؤليين الحكوميين الذين يفترض ان يكونوا اول المدافعين وليس آخرهم كما تبين الاحداث وتثبتها الوقائع .
من حقنا ان نسأل  عن دور الحكومة المركزية ، حتى ولو ببيان استنكار ، والحكومات المحلية  والمؤسـسـات الامنية من شرطة وجيش ، وكذلك القوى السياسية العراقية الفاعلة في محافظة نينوى ، والتي تسيئ هذه التفجيرات اليها مثلما تسيئ للمســـيحيين ايضا . فبأي شئ يتفاخــر هؤلاء الســاســة وابناء مدينتهم يهـددون بمكبرات الصوت ، ويشردون من ديارهم الآمنة او تفجـر كنائسـهـم وأديرتهم ؟

 

   لم تعـد الاســتنكارات ( على قلتها) كافية ، بل ان المطالبة بكشــــف الفاعلين صار اليوم اكثر الحاحا ، واي تهاون بــه يجعل الشــكوك تدور حول القوى المتنفذة في الموصل ( دولة او احزاب او عصابات مسلحة) ، وليس  من باب المستحيلات ان تقوم مجموعة من المحامين بأقامة الدعوى القضائية على  محافظة نينوى بدعوى فشـــلها بتوفير الأمن لشريحة من ابنائها  والحفاظ على ممتلكاتهم ودور عباداتهم ، وأن فشــلوا في ذلك فيمكن رفع الدعوى على الحكومة العراقية التي يلزمها الدســتور بحماية المواطن وتوفير الامن له ولممتلكاته . ليس ذلك ببعيد ، وليس ببعيد ايضا تقديم الشـــكوى الى منظمات حقوق الانسان الدولية ، بدعوى فشل الحكومة العراقية ( والتي ما تزال تحت الفصل السابع!) في حماية المواطنين واتهام قوى متنفذة في المحافظة بالتستر على القتلة والجناة !

لابد ان يأتي اليوم  الذي يعرف فيه ابناء محافظة نينوى حجـم الدمار والخراب الانســاني الذي ســـببته المحاصصة الطائفية والقومية ، واي ثمن دفعه ابناؤها الآمنين ، ولا اتصــور ان ابنا حـــرا لنينوى ســـيتشــرف بما جرى او ما يجري ...لكن كشـــف الجناة وتقديمهم للعدالة هـو اقل ما يمكن تقديمه لكي نثبت ، ليس فقط تميزنا كعراقيين ، لكن كوننا بشـــرا وننتمي الى الحضيرة الانســـانية .

كمال يلدو
كانون اول 2009




 

500
تضـامنا مع جريدة " المدى" وكاتبها المبدع " وارد بدر الســالم"
مـن يجـب ان يحاســب مـن ؟

  " اتخاذ الاجراأت اللازمة" هـذا ما طلبه السـيد خالد العطية بحق جريدة المدى وبحق الكاتب  القاص  وارد بدر الســالم لنشـره موضوعا في جريدة المدى بعنوان  "برلمانيون تحت الصفر" ، بعـد ان اعترضت  عضوة من  البرلمان العراقي وأعتبرت هذه المقالة اهانة للبرلمان واعضـائه وذلك اثناء جلسة يوم السبت 7/11/2009.
  في حقيقة الامـر ، ان  لكلمة " الاجرأات اللازمة" معـان كثيرة ، حســب القادة التي يطلقونها ، وحســب قوانين البلد المعني ، ولما كنا نتحدث في  "العراق الجديد" فأنها تحمل كل المعاني ، وحتى لا اتعب القارئ معي ، وهــو الادرى بما يجري في السطح وتحت السطح . فالعراق يحتل المرتبة الاولى في العالم  وبأمتياز في قتل الصحفيين او مضايقتهم او تهديدهم ، وهو الذي يتذكـر الحادثة  (الطريفة) التي جرت للكاتب العراقي  المرموق  " أحمـد عبد الحســين" حينما نشــر مقالة في جريدة الصباح  اســتخف بها من بعض الاحزاب السياسية  وخاصة على ابواب الانتخابات  في  توزيع " البطانيات" ، فما كان من عضو البرلمان ، ورجل الدين المعروف جلال الدين الصغير الا ان طالب بمحاسبته في خطبة الجمعة من جامع براثا ، وقام اثرها هذا الكاتب المسكين بالأختفاء عن الانظار وترك عمله وعائلته ولا نعرف شــيئا عنه حتى الســاعة . هاتان الحقيقتان اوردهما ، واورد معهما مثالا من ايام النظام البائد ، حينما كان يتعرض المواطن العراقي الى " قطع اللسان " اذا تعـرض او تهكـم على  رأس النظام او النظام بذاتــه .
ســـأترك الاســتنتاج لفطنة القارئ الكريم ، اما للنائبة المصون ، فأقول لها ، ليس بأموالها ولا بســمعتها ، ولا بشــهادتها تجلس على هذا الكرســـي ، بل بأصــوات اناس متعبين ومســاكين ، ومحرومين، وهي تتنعم بالماء والكهرباء والحمايات والسيارات (رباعية الدفع – مهم جدا - ) والراتب التقاعدي ، واجازات الحج والزيارات ، واخيرا الجواز الدبلوماســـي ، ناهيك عن المقابلات الصحفية والتلفزيونية والفضائية .وفـي الوقـت الضائع المتبقي من عمر هذا البرلمان يحـّز في النفس حقا ان لا تجـري جلســـة علنيـة يقيـّم بها البرلمان والبرلمانيون اداءهم امام المواطنين الذين ربما سينتخبوهم من جديد بعدما اخفقوا على الاقل في تناول المادة 140 قانونا او تشـــريعا مســتحقا لكنها رحلت للدورة القادمة !  ويحـّز بالنفس ايضا ان لا تتوافر اية آلية لمحاسـبة الكتل السياسية ونوابها  المقصرين وكثيري الغيابات او المتهمين بقضايا الارهاب والرشـوة والتزوير او الفساد الاداري.
 
  في العرف العام، ان من يتبوأ منصبا عاما او مســؤلية حكومية يكون عرضـة للنقد ومن على المنابر الاعلامية .ولهذا ســمي الاعلام ب " السلطة الرابعة" اي انه يأتي مكملا للسلطات الثلاث . ومن صلب واجبات الصحفي هي الوقوف على الظواهر السلبية ، وتعريتها وطرح البدائل لها، وليس مداهنة الحاكم او الترزق على موائده ، ومن هنا نشأت فئة الصحفيين المناضلين وفئة المداحين او رواد الموائد الحكومية .شــــئ واحد محــرّم على الاعلامي والصحفـي في الانظمة الديمقراطية هــو المطالبة بالقتل او التحريض عليه او ســـياق تهمة بدون حجــة ، وعند ذاك يتعرض للمسائلة والتقديم للقضاء .
اما في حالتنا العراقية ، فأن القاص السيد  وارد بدر السالم لم يقذف البرلمان ولا طالب بأعدامهم ولا مس بأعراضهم ، لكن كل الذي قاله هــو نقلا عما يشتكيه المواطنون ، ومن مهنة الصحفي فعل ذلك ، فلماذا تقوم القيامة ولا تقعد .
هـل شــعر البرلمانيون حقا بالحرج امام معاناة المواطنين  ، بينما هم يناقشون علاواتهم قبل نهاية دورتهم ؟
وهل حقا يشــعرون بالفخر والوطن مدمــى ومحاصر من الارهابيين والقتلة بينما هم يتنعمون بأجازتهم الصيفة ولا يقطعوها ؟
وهل حقا عندنا برلمانيون ، يعقدون 11 جلسـة  من اجل اقرار تعديل على قانون الانتخابات؟

ان ما قاله الكاتب كان قليلا بحق هذا البرلمان ، وربما التزم الكياسة الادبية  وراعـى حرية النشــر ، لكني اتمنى على الكثير من هؤلاء النواب ان ينزلوا للشــارع ( وبدون حمايات) ويســمعوا رأي المواطنين بهم ، عند ذاك ســيترحمون على مقالة الكاتب .

تحية للكاتب القاص  وارد بدر الســالم ، ولجريدة المدى الغراء ، ودعوة مخلصة لمرصــد الحريات الصحفية ، ونقابة الصحفيين وكل الصحافة واجهزة الاعلام  التي تؤمن بالكلمة الحرة وتعـز عليها الديمقراطية الحقـة ، ان لا تــدع ممارســات كهذه تمـر دون حســاب ، وان يكون للكل الحق في الدفاع عن نفســه ، ولكن بالطرق المشــروعة.

**استدراك : يمكن للمتابع الدخول في هذا  الرابط  لقرأة موقف البرلمان:
http://almadapaper.net/news.php?action=view&id=4202
، اما لمن يريد الاطلاع على مقالة الكاتب  وارد بدر الســالم فيمكن قرأتها على الرابط التالي :
http://www.almadapaper.net/news.php?action=view&id=3998
 

كمــال يلـدو
تشـرين ثان 2009


صفحات: [1] 2