عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - رواء الجصاني

صفحات: [1]
1
في الذكرى السنوية 76 لمؤتمر السباع، وتأسيس اتحاد الطلبة العراقي العام
وقائع وشهادات في السيـرة والمسيـرة
* رواء الجصاني
-------------------------------------------------------------------------
    بمناسبة الذكرى السادسة والسبعين لانعقاد مؤتمر "السباع" التاريخي الخالد ببغداد في 1948.4.14  وحيث اعلن عن تأسيس اتحاد الطلبة العراقي العام، تنهمر الذكريات تعبق برغم مرور تلك العقود المديدة، خاصة وانك – ايها الطالب المتقاعد!- ممن انتظموا وعملوا ونشطوا لعشرين عاما بالتمام والكمال، في صفوف ذلك الاتحاد العريق وهيئاته القيادية المختلفة... فلا تبخـلْ بما عندك من شهادات ووقائع ومواقف - ولو بايجاز – عن تلك المسيرة العابقة بكل عطاء وتضحيات وشهداء ومناضلين بواسل يستحقون كل التمجيد.. 
  - ولا تخفِ سراً بأن فرحة غامرة تعتريك وانت تقرأ، وتتابع، اخبارا هنا، واخرى هناك، عن فتية وشباب رواد - ورائدات طبعا- وهم يواصلون اليوم، ينيرون في رحاب النضال الطلابي والوطني، تحت راية وخيمة الاتحاد..
-  وأشهدْ اولاً، بأن لا منظمة عراقية، نقابية – مهنية – ديمقراطية، عريقة اخرى، نافست اتحاد الطلبة العام (ولتسمهِ"الاتحاد لاحقا") لا عمراً ولا مواصلة، وتضحياتٍ، وميزات عديدة اخرى، وتحملْ مسؤولية تلك الشهادة، وأسـعّ لأن تثبتّ ذلك في السطور التاليات ...
  -  وأنطلقْ– ايها الرجل- من البدايات، واوائل عام 1966 حين كنت طالبا في الاعدادية المركزية ببغداد، فرحـتَّ في علاقة تنظيمية مع صديق في كلية العلوم، وكان نشطاء الاتحاد قد بدأوا لملمة الصفوف، بعد ان تشتت، بسبب عسف وقمع الانقلاب البعثي الاول في العراق في الثامن من الشباط المشؤوم عام 1963. وكم وكمْ فقـد الاتحاد – الى جانب ابناء الشعب الاخرين-  اصدقاء واعضاء وكوادر، شهداء باسلين، او في السجون والمعتقلات، بسبب تلكم الكارثة السوداء، ولكن الجهود تثابرت، لتعود النشاطات بهذا الشكل او ذلك، وفق الاوضاع السياسية العامة ..
 -  ثم تذكرْ – ايها الطالب المتقاعد- بدء انتظام وتزايد نشاطك الاتحادي عامي 1967/1968 وانت في معهد الهندسة العالي بجامعة بغداد، ومشاركاتك في مختلف الفعاليات الاتحادية، وابرزها التظاهرات امام مقر جامعة بغداد، عام 1967 وحداث الاضراب الطلابي الذي قمعته السلطة بالرصاص، في كلية التربية، وغيرها، فأصيب من اصيـب واعتقل من اعتقل، وطُورد من طورد.. ولكن العمل تواصل وأشتدَّ برغم كل ذلك، وحتى الانتصار التاريخي في الانتخابات الطلابية، وفوز الاتحاد الكاسح، مما دفع السلطة لالغاء النتائج، وحظر العمل النقابي الطلابي كله..
- وتوقفْ ايها الرجل عند حال الانشقاق الذي حدث في الاتحاد بسبب تأثيرات سياسية متقابلة، وقد انحزت الى احد الجانبين، بروحية الحماسة الشبابية، وليس بقناعات فكرية او غيرها... وأشـرْ هنا بالمناسبة الى حالات عديدة مشابهة، متعبة، حين يتدخل السياسيون والحزبيون بشكل حاد ومباشر، فيأثرون سلباً على فاعلية ودور المنظمات النقابية / الديمقراطية   ...
   - ولا تنسَ – ايها الموثق - فتذكر في هذا السياق بأن زميلك في الدراسة حينها، والشهيد الباسل في الثمانينات، صالح محسن الجزائري، هو الذي اعادك الى جادة الصواب (!!!) فعدتَ الى الاتحاد الام، بعيدا عن التشدد (اليساري) وواصلت العمل - وقـلْ النضال ولا تخف– وفي هيئاته المسؤولة لنحو عقدين ..
 - وفي تراتب الاحداث والوقائع، زمنياً، تحدث عن خوض الانتخابات الطلابية عام 1969 وكيف كُلفـت ان "تتزعم" قائمة الاتحاد في معهد الهندسة العالي، بجامعة بغداد، وكيف حصلتم على اكثر من مئة وسبعين صوتاً، مقابل قائمة البعث، والسلطة (الاتحاد الوطني) التي فازت بفارق محدود، برغم المغريات والتهديدات والضغوط، خاصة وان الجلاد الشهير، ومدير الامن العام السابق، ناظم كزار كان "طالبا" معكم في الدراسة، وقد مارس حقه(!) في التصويت في ذات القاعة الانتخابية التي كنت موجودا داخلها...(1)
   - وتتخرج من الدراسة ايها الطالب العتيق والمزمن، وتلتحق بالخدمة العسكرية لعام كامل، ولكنك  تستمر خلالها - وفي مغامرة غير مطلوبة - في مهماتك الاتحادية، مسؤولا للعلاقات المركزية مع فروع اتحادات الطلبة العرب في جامعة بغداد، ومنها اتحاد طلبة فلسطين، واتحاد الطلبة اليمني، المغربي، التونسي والاردني... وغيرها..
  - وفي ذات الفترة، او بعدها بقليل، تذكـرْ بأنك تكلفت ايضا، بمسؤولية العلاقات مع اتحاد طلبة كردستان العراق، وكان بشقيين، وكذلك مع طلبة نشطاء اخرين يمثلون واجهات طلابية لحركة القوميين العرب، وبشقيها ايضا، وكل ذلك بهدف التقريب والتقارب للدفاع، جهد المستطاع، عن المصالح الطلابية، الدراسية والاجتماعية والنقابية وغيرها، و"اعترف!" من جديد ان من بين بين ابرز المشرفين والمسؤولين المباشرين عن تلك النشاطات: حميد مجيد موسى، فخري كريم، والشهيد على حسن، والفقيد مهند البراك  ..
   - ثم يحل موعد الرحيل الى موسكو، عام 1972 وكان السفر ممنوعاً آنذاك، فخرجتَ من البلاد بهوية مزورة الى دمشق، ومنها الى موسكو "الحب والحلم" آنذاك وقد أنتخبت بعد وصولك بأسابيع عضوا في اللجنة التنفيذية لجمعية الطلبة العراقيين (اي فرع الاتحاد) في الاتحاد السوفياتي السابق، ولتنشط مع نخبة من الاحباء والاعزاء في فعاليات طلابية علنية هذه المرة، وقد توليّتَ خلال تلك الفترة مهام الاعلام والنشر ... ثم لتترك الدراسة، متذمرا اولاً، ومتشوقاً للعودة الى الوطن، لاسباب مختلفة يطول الحديث عنها هنا، وانت تبتغي الايجاز والتوقف عند المؤشرات وحسب ..
 - وحال وصولكَ البلاد، وثـقْ - ايها النقابي المتقاعد - أنك عدت للعمل الاتحادي والطلابي، وفي سكرتارية الاتحاد ايضا، مسؤولا تنظيميا، وسياسيا عن تشكيلاته وهيئاته ومنها في اكاديمية الفنون الجميلة وكليات الاداب والزراعة، والقانون والسياسة، والادارة والاقتصاد، والجامعة التكنولوجية، وهيئة المعاهد الفنية وغيرها..   
- وضفْ - وانت توثق ايها الطالب العتيق - انك كلفتَ ايضاً بشؤون العلاقات والاعلام في الاتحاد، فرحت مشرفاً على صفحة اسبوعية للطلبة والشباب خصصتها جريدة "طريق الشعب" الغراء، خاصة باتحاد الطلبة العام، وشقيقه اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي، وذلك منذ صدورها العلني في ايلول 1973 وحتى اضطرارها للتوقف عمليا منذ اواخر 1978 بعد اشتداد غدر الحزب اليعثي الحاكم، وتفشي ارهابه.. ولتوثق هنا ان تلك الصفحة - وبمساهمة حيوية من متطوعين نشطاء- راحت منظماً جماعياً لاعضاء وهيئات الاتحاد، في بغداد، وعموم ارجاء البلاد العراقية، وخارجها، تتابع وتغطي شؤونهم الطلابية، والاجتماعية والنقابية، وكذلك التضامنية مع اشقائهم العرب، والاقران، طلبة المعمورة ..
 - وللتوثيق ايضا، عليك ان تعترف(!) من جديد ايها الرجل الموثق، بأن المنظمة الطلابية للحزب الشيوعي العراقي كانت سنداً متيناً لتعضيد عمل الاتحاد، ودعم نشاطاته، وبهدف توحيد القوى، وتعزيزها، من اجل الديمقراطية للعراق، وبنائه وتقدمه.. وكنت – وهذه المرة سياسيا- عضوا في قيادة تلك المنظمة الحزبية، وحيوياً، كما كان يقول لك ذلك مسؤولوك على الاقل !!!. - ثم، لتتذكـرْ وإن بمرارة هنا، الاضطرار عام 1975 الى تجميد عمل اتحاد الطلبة العام، اسوة بالمنظمات الديمقراطية الاخرى الشقيقة ( رابطة المرأة، واتحاد الشبيبة الديمقرطي) طموحاً وأملا في ان يخدم ذلك القرار – اي تجميد العمـل- المصلحة الوطنية، وقد خابت تلكم الطموحات والآمال بعد ان أستذأب متنفذو حزب البعث الحاكم واجهزته القمعية، ولتبدأ مواسم الهجرة الى المنافي مع اواخر العام 1978..   
- وتكون براغ حصتك من المنافي – المؤقتة كما كنا نمني النفس!- .. وحالما تصلها، تُعهـدُ اليك من جديد مهمات طلابية، نقابية وسياسية، وفي فترة معقدة وصعبة، بالتزامن مع قرار الغاء تجميد عمل الاتحادي، في الداخل، وكردستان، حيثما سمحت الظروف، وفي الخارج حيث الجمعيات والروابط الطلابية العراقية، وهي فروع اتحاد الطلبة العام..
 - وهكذا يبدأ التحضير والعمل وتكون رايات التضامن مع طلبة وشعب العراق هي الخفاقة الاعلى في اولويات فروع الخارج، وعلى مدى الاعوام القادمة، وكم كانت النشاطات حيوية وفعالة ومؤثرة، ونابعة من الضمير اولا وقبل كل شئ، وباشراف لجنة التنسيق المركزية للجمعيات والروابط الطلابية التي تم انتخابك  سكرتيرا عاماً لها في الكونفرنس التاسع الذي احتضنته ضواحي براغ، خلال ايلول  1980 وبقيّتَ في تلكم المسؤولية لخمسة اعوام متعاقبة (2) ..
   - وعلى طريق التوثيق ايضا، سجلْ هنا انك قد تكلفتَ، وتكفلتَ بمهمة تمثيل قيادة اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، لدى سكرتارية اتحاد الطلاب العالمي، ومقرها براغ، ولنحو سبعة اعوام تقريبا (1979- 1986) وكانت مهمة شاقة امامك، بهدف اعلاء صوت التضامن مع نضالات طلبة وشعب العراق ضد حكم الارهاب، والحرب، ومن اجل الديمقراطية والحقوق الانسانية. وأكـدْ– ايها الرجل- ان الصعوبة الاكبر تلك المهمة كانت بسبب انقسام الموقف،  وحتى ممن كان يعرف بالبلدان الاشتراكية، من نظام صدام حسين الارهابي الدموي، اذ كان سائرا على طريق التوجه الاشتراكي، بحسب قناعات وتعابير البعض في تلك الايام (3)..
 - وفي مسار هذه التوثيقات، وما أوحت وتوحي اليه، فلتؤكد - ايها الطالب المزمن، وربما الى اليوم، في المشاعر على الاقل - ان العشرات من اعضاء الاتحاد ونشطائه، بذلوا ما بذلوا، وتحملوا ما تحملوا، ولحد الاستشهاد في سبيل الشعب والوطن، سواء كان ذلك خلال فترات دراستهم، او بعد ذلك في ساحات النضال الوطني، والتضامني ..
 - كما عليك ان توثق ايضا، ان المئات من اعضاء الاتحاد، وممن تخرج من مدرسته، انطلقوا حيويين، ثم راحوا نشطاء، بل وقادة في صفوف الحركة الوطنية، وكذلك في منابر ومرافق ومؤسسات علمية ورسمية عديدة، داخل العراق وخارجه.. 
- ثم عرجْ ايضا لتلفتَ الانتباه الى كيف كانت الهيئات الاتحادية، ومنها – مثلا على الاقل - في اواخر الستينات، واوائل السبعينات تموج بالتضامن الصداقي، والانساني وتدعو له، وتتبنى قيمه، وأنت شاهد عيان، ومعنيّ بتلك الفترة وعنها ...
 - ولا تنسَ – وهل يجوز لك ان تنسى اصلاً ؟!- عطاءات اعضاء الجمعيات والروابط الطلابية خارج الوطن (فروع الاتحاد) الذين ما انفكوا، كما تعلم، وكما عشتَ ذلك، في التضامن مع طلبتهم وشبعهم، ضد الدكتوريات والارهاب والقمع... بل لتوثق ايضا بأن العشرات منهم قد تركوا دراستهم ليلتحقوا بمعمعان النضال الوطني السري والعلني، كما المسلح منه في كردستان العراق، خلال الثمانينات الماضية، وكم من شهيد وشهيد باسل، توج تلك التضحيات الجلى ..
 - كما لتذكّـر من يريد المزيد، او تستهوية المتابعة الاكثر، وكذلك للتاريخ والسائرين على طريق العمل النقابي والطلابي والوطني، ان لكَ شهادات عديدة اخرى ذات صلة ببعض تاريخ وتراث الاتحاد العريق، وكله موثق في الاحالة المرفقة بهذا التوثيق (4) ... 
- ثم جدد مرة اخرى، بل ودائما، التمجيد لشهداء الاتحاد البواسل، والتحية لمناضليه ونشطائه وكوداره القدامى ( من قطعوا ومن رحلوا ومن وصلوا ).. كما فلتؤكد - على الاقل-  بشكل خاص، الاعتزاز بنشيطات الاتحاد، اللواتي تميزنْ في عطائهنّ وتحديهنّ، والكثير الكثير منهن اليوم سيدات مجتمع، باهرات، ومبدعات واختصاصيات بارزات .. 
- كما واعتذر ان فاتتكَ – ايها الشاب المخضرم! – لقطات (مهمة) اخرى هنا وهناك. ثم ثنّي الاعتذار، ولكن هذه المرة عن الاسهاب – ربما- في الحديث عن الدور الشخصي، وبررْ ذلك بالقول: انها شهادات وسيرة ومسيرة، كما جاء في عنوان هذه الكتابة التوثيقية ..
- ختاما فلتوجز مشاعرك - ايها الطالب / الشاب، وان كنت بعيدا عنهما اليوم!! – وانت تكتبُ بمناسبة هذه الذكرى السنوية المجيدة لمؤتمر "السباع" الخالد، واستعـرْ من الجواهري الخالد – مثلما استعرتَ في كتابات سابقة - ما قاله في المؤتمر الثاني لاتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ببـغداد عام 1959:
أزِفَ الموعدُ والوعدُ يعِـنُّ، والغدُ الحلوُ لأهليه يَحِـنُ ..
والغـدُ الحـلوُ بنـوه أنتمُ، فإذا كان لكم صُلْبٌ فنحنُ..
 فخرُنا أنّـا كشفناه لكمْ، واكتشافُ الغدِ للأجيالِ فـنّ..
 يا شـبابَ الغـدِ إنـا فتيةٌ، مثلكُم فرّقنا فـي العُمـر سـنُّ..
 لـم يزلْ في جانِحَيْنا خافقٌ، لصُروفِ الدّهر ثَبتٌ مطمئنُّ
-------------------------------------------------------------------------------------
***** احالات وهوامش:
 * الصورتان المرفقتان: الاولى مع مندوبات ومندوبي مؤتمر مركزي للاتحاد، في ضواحي براغ، عام 1982 .. والثانية للمشاركين العراقيين، الديمقراطيين في مهرجان الطلبة والشبيبة العالمي /بيونغ يانغ 1989..
1/ للمزيد ثمة موضوع بعنوان "في معركة انتخابية قبل أربعة عقود" لنسرين وصفي طاهر، نُشر في الحوار المتمدن بتاريخ 2009.1.15 ..
2/ لتفاصيل اكثر هناك تأرخة للكاتب، ذات صلة، منشورة على الانترنيت بتاريخ 2011.4.14  موسومةٌ بعنوان: "جمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن 1978-2003/ ربع قرن ضد الدكتاتورية والارهاب" ..
 3/  موضوع بعنوان "شهادات عراقية في تاريخ اتحاد الطلاب العالمي 1979 – 1989" نشر للكاتب في العديد من وسائل الاعلام الالكترونية، وغيرها، اواخر شباط 2018 ..
4/ للمزيد، توثيق للكاتب بعنوان" شهادات وأسماء ومشاركات في حركة طلابية عراقية مجيدة/ بمناسبة الذكرى الستين لمؤتمر السباع"  نُشر في مواقع اعلامية عديدة ..


2
عن بعض شؤون وشجون الجاليات العراقية، ومتطلبات الاهتمام الرسمي والمدني بها
* رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------------------
   ترددت، وتتردد، في الفترة الاخيرة انباء عن نيّة طيبة، وتوجه رسمي عراقي، برعاية رفيعة، لعقـد لقاء/ اجتماع ببغداد يحضره ممثلون عن الجاليات العراقية، ولا سيما الكبيرة منها، وكذلك من ذوي الاصول العراقية، العاملة والمقيمة في مختلف ارجاء العالم، وبهدف التحاور، والتداول في جوانب مختلفة تعنى بالظروف العامة والخاصة، الوطنية والثقافية والاجتماعية، وعداها .. ولا شك بان التهيئة المناسبة، والوقت الملائم، وتبيان الاوليات الرئيسة، وكذلك اختيار المندوبين، وبرنامج العمل، وغيرها من شؤون ذات صلة، ستسهم في تحقيق الاهداف المرتجاة، ولكي لا تكون الفعالية اعلامية وحسب، بعيدا عن المتابعة الحريصة، وديمومة الضروريات، ومن ابرزها التقريب والتقارب بين بنات وابناء الجاليات وبلادهم وتطوراتها ..
  وفي فترة سابقة، وعام 2018  تحديدا، وضمن مساهمة مماثلة او تكاد، اعددت ملاحظات وخطوطا عامة شملت اراء ورؤى، تم ارسالها في حينها لعدد من الجهات المسؤولة والمعنية العراقية الرسمية للاطلاع وتبني ما هو مفيد، وضروري.. كما تم لاحقا نشرها في عدد من الصحف والمواقع الاعلامية. ولأن الحال ما برح على حاله، او قريب منه بصور مختلفة، وكأنه بنت اليوم، اعيد في التالي نشر الاغلب الاعم مما جاءت به تلك المساهمة، مع بعض طفيف من التعديلات والاضافات التوضيحية:
* تقديم
  بعد الازدياد الجامح لأعداد العراقيين المغتربين، والمهاجرين، واللاجئين الى بلدان العالم المختلفة، الاوربية والعربية وغيرها مثل الولايات المتحدة وكندا واستراليا، ونيوزيلندا، وخاصة منذ اواخر السبعينات الماضية، حين أوغل نظام النخبة البعثية الحاكمة في عسفه وارهابه الشموليين، وكذلك بعد سقوط ذلك النظام عام 2003 .. نقول بعدَ ذلك الازدياد المتعاقب والمتضاعف بالوف والوف العراقيين، حتمت الظروف الذاتية والموضوعية تشكيل العديد من الأطر والمنتديات الاجتماعية والسياسية والثقافية وسواها، وبتسميات وعناوين شتى، ولأهداف شتى، لاستيعاب بنات وابناء الجالية العراقية، وعوائلهم في بلدان الاغتراب/ اللجوء،.. وفي التالي بعض الخلاصات، والمتابعات، والاجتهادات حول عدد من الشؤون والشجون ذات الصلة:

1/  لعــلّ من المناسب ان نشير اولاً الى ان أطرا وجمعيات ومنتديات عراقية كانت قد تأسست منذ عقود مديدة، ومنذ منتصف القرن الماضي على الاقــل.. ومن الابرز في هذا المجال جمعيات وروابط الطلبة العراقيين في الخارج، وفي نحو ثلاثين بلدا، حيثما تواجد طلبة عراقيون دارسـون. ومن أعرق تلك الجمعيات والروابط كما نزعم في القاهرة وموسكو ولندن وباريس    دعوا عنكم وجود نوادٍ ومنتديات هنا وتشكيلات ثقافية هناك، الى جانب منظمات سياسية وديمقراطية عديدة اخرى. (*)

2/ وفي سياق ما جاء في الفقرة السابقة تجدر الاشارة ان المئات - بل والالوف ربما- من العراقيات والعراقيين في الخارج، من الاكاديميين والمبدعين والاطباء والمهندسين، وغيرهم، قد اثبتوا وجودهم وكفاءاتهم، وبرعوا في نشاطاتهم وابدعاتهم في بلدان الاغتراب، ليحتلوا مواقع علمية ووظيفية، واجتماعية، وبمستويات رفيعة، وليتكاملوا مع مجتمعاتـ "هـم" الجديدة، بل ونجحوا في دخول عدد من الموسسات البرلمانية المحلية والعامة. وهنا نذكرّ ايضا بان الكثير من اولئكم الذوات ما انفكوا يرتبطون – معنويا على الاقل- مع بلادهم العراقية، واهلهم وعوائلهم، وابناء شعبهم.. كما ان الكثير الكثير منهم تواقون للمشاركة في بنائه ديمقراطيا آمنا مستقرا ومزدهرا " لــو" توفرت المناخات والظروف المناسبة..

3/ وفي راهننا اليوم، وبعد ان تضاعفت اعداد العراقيين، كما سبقت الاشارة – لاجئين ومغتربين ومقيمين وغيرهم - ازدادت – وتزداد – أطرهم وتشكيلاتهم، ولأسباب موضوعية احياناً، وذاتية احيانا اخرى، وقد راح التنافس على أشده في مواقع معينة اذ يجد المتابع اكثر من أطار وتشكيل ونادٍ، لبنات وابناء الجالية العراقية، برغم تقارب الاهداف والمتبنيات المعلنة على الاقل، ولربما ثمة مبررات مقبولة لمثل تلك الحال بسبب التمايز القومي والسياسي والديني والطائفي، وغيره. كما من الخطوات الايجابية في مثل هذا الوضع ان تشكلت – في بعض البلدان- لجان تنسيق لعدد من تلك الاطر، وحيثما توفرت القناعات، وتضاءلت المواقف المتخالفة، وتحجّمت الطموحات الشخصية، ولا نقول اكثــر..

4/ ان ما ساد – و يسود - البلاد العراقية ومنذ عقود وعقود، من اوضاع غير طبيعية على اقل وصف، ولأسباب معروفة: داخلية وخارجية. سياسية واقتصادية . اجتماعية وثقافية .. قد وجدت لها انعكاسات وتداعيات بهذا الشكل والثقل أو ذلك، عند بنات وابناء جالياتنا: تحزباً او قناعةً او سوء تقدير، او مصالح ذاتية، وسواها . وقد أدى كل ذلك للتشتت والتباعد والتنافس، وتراجع "الوطنية العراقوية" لمديات عميقة، ولحد التنافر والتنابز في حالات عديدة . ولعل من المناسب ان نشير هنا الى دور المبالغات و"المزايدات" التي يتبناها ويدعو لها بعض النشطاء العراقيين "المخضرمين" في الخارج، وكأن ابناء وبنات الجالية يقيمون في بغداد، وليس بعيدين عنها منذ عقود، وتفصلهم عن البلاد الاف الكيلومترات.. كما انهم يغفلون باننا بتنا في القرن الحادي والعشرين..


5/ ولعلّ من ألاوضح لما يمكننا التثبيت حوله ، سلبيا، هو ملاحظة محدودية مشاركات بنات وابناء الجاليات العراقية في بلدان اللجوء والمغتربات، بل والضئيلة بتعبير ادق، وحتى في الفعاليات الوطنية العامة، والمهمة، ومنها – مثلا- ضعف المشاركة في الاقتراع لمرشحي الانتخابات البرلمانية الاخيرة عام 2018.. دعوا عنكم غيرها من الاحتفالات والنشاطات العراقية، الرسمية والاجتماعية والوطنية، والثقافية..

6/  ولربما من المعروف ان ثمة تسميات وعناوين شتى، لأطر ومنظمات جالياتنا في الخارج، تراوحت بين فروع لاحزاب سياسية، أو امتدادات لتيارات واتحادات وطنية، ثقافية واجتماعية وقومية ودينيىة ومذهبية وغيرها كثير. وقد تغيرت تلكم التسميّات والعناوين بهدف الانسجام مع المتطلبات القانونية في البلدان المضيفة، او بسبب الانقسامات والتضادات والخلافات الذاتية والشخصانية وما الى ذلك .. ولا يجوز ان ننسى هنا ما عُرف - ويعرف- بالتشكيلات غير الحكومية مثل منظمات المجتمع المدني، والمراكز البحثية، الحقيقية أو المدعاة، والتي تحتمل الكثير من الاجتهادات عنها، وبشأنها..

7/ وبحسب العديد من المتابعين، والقواعد الرسمية، فان المساعدات التي تقدمها الجهات المعنية في العديد من بلدان الاغتراب، والمغريّة احياناً - لمختلف النوايا والمصالح والاهداف - شجع على حدوث الكثير من الانقسامات، والتشتت، بل والتنافس غير المنضبط، وتغليب القضايا الذاتية على العامة، ولو بدت التصريحات والنشاطات المعلنة تقول بخلاف ذلــك..

8/ أما بشأن الاهداف الـ (شتى) للأطر العراقية التي أشرنا اليها فقد تنوعت وتباينت هي الاخرى مثل فعاليات التضامن الوطنية، وتوطيد العلاقات الاجتماعية، ومركزة الانشطة الثقافية والفنية، وتأطير – أو السعي لتأطير- النخب العلمية والثقافية، وغيرها.. الى جانب ما تبنته - وتتبناه - امتدادات الحركات السياسية، والحزبية، من اهداف مراكزها داخل البلاد، وبهذا الشكل أو خلافه، وبدون تقدير احيانا لأختلافات الازمنة والامكنة، والمدارك والمعارف..

9/  ووفق المتوفر من المعلومات والمتابعات فأن اعداد اعضاء وقوام أطرنا العراقية في الخارج بقيّت محدودة، بل وقليلة وتتناقص يوما بعد آخر. اذ لم تتمكن، بمختلف تسمياتها، من التمدد بين جموع بنات وابناء الجالية. كما بقيّت امكانيات وسبل وطرائق استيعابها محجمة لحدود بعيدة. ونعيد القول مرة جديدة : لأسباب ذاتية وموضوعية، وفي مقدمتها تشخيص وتحديد الاولويات لمثل تلكم الاطر والتنظيمات ..

10/ ولربما نجتهد فنصيب في القول بأن هناك تصورات محددة، اساسية وبارزة، لمعالجة مثل ذلك الانكفاء، والابتعاد عن النشاطات التي تقيمها المنتديات والتشكيلات المدنية، فضلا عن الانتماء اليها، ونعني بتلك التصورات ان يجري التوجه للتركيز على المشتركات الاجتماعية والثقافية، بعيدا عن الاراء والمواقف والفعاليات السياسية، المباشرة، التي يمكن ان تنهض بها – لو ارادت – التشكيلات والتنظمات الحزبية بشكل مباشر..

11/ ومما نظنه واضحاً ان كل ما تقدم، وما سيلي، لا يعني هنا ما بات يعرف بالجيل الثاني او الثالث، بل والرابع حتى، من العراقيين في الخارج، إذ لأولئك كما هو معروف - أو لابدّ ان يُعرف- ثقافاتهم المختلفة في التعليم وطرائق التفكير، والاندماج والتكامل مع اقرانهم ابناء المواطن والبلدان التي يعيشون فيها...

12/ وارتباطا بالفقرة السابقة تستمر التجاذبات، وبحسن نوايا احيانا كثيرة، بين الاجيال المختلفة: اجيال الجدود والاباء، من جهة، واجيال الابناء والاحفاد من جهة مقابلة. وفي غمار تلك التجاذبات يروح نسيان الواقع الحياتي أذ كل يرى ويفسر الاحوال، ويدركها بحسب تقاليده وما يحمله – او اكتسبه - من مفاهيـم وقناعات وطرق للعيش، الى جانب الفروق العمريــة، ومدى القدرة على التفاعل بعيدا عن التشدد والغلو..

13/ وفي ظل ما تمت الاشارة اليه، تبرز اهمية دور السفارات، والمؤسسات العراقية الرسمية الاخرى (مراكز ثقافية، ملحقيات علمية...) باتجاه لمّ شمل ببنات وابناء جالياتنا واطرنا العراقية في الخارج، والمساعدة المناسبة في دعم منظماتها وتشكيلاتها، ذات الاهداف الوطنية العامة. ونظن هنا بضرورة الاشارة الى اهمية تثبيت قناعات واسس التعامل مع هذه الاحوال والشؤون، لا ان تترك للأجتهادات الآنية، وطبيعة ومشاعر وعواطف الدبلوماسيين والمسؤولين عن تلكم الشؤون والقضايا..، في المركز (بغداد) وبلدان الشتات..

14/  وقد يجد المتابعون ثمة نشاطات ملموسة على طريق ما اشارت اليه الفقرة السابقة، في بعض بلدان العالم، مثل رعاية فعاليات ثقافية واجتماعية، واستضافة بعض شخصيات عراقية الى بغداد، او العكس.. ولكن كل ذلك يأتي كحالات اسثنائية محدودة، وليس كتوجهات ذات طبيعة ثابتة، وقواعد دائمة، واسس رصينة، دعوا عنكم المجاملات والدوافع والمنافع الشخصية والخاصة ..

15/  وايضا، بالارتباط مع الفقرتين السابقتين، نشير الى ما ضمّنته وزارة الهجرة والمهجرين العراقية في برنامجها قبل سنوات قليلة بشأن الجاليات العراقية في الخارج، وشدّهم – جهد الامكان – لوطنهم وقضاياه العامة. ولكن ما تمت ملاحظته ان الاجراءات التنفيذية التي قامت بها – او سعت اليها- الوزارة لم تكن موفقة بحسب الكثير من المعنيين انفسهم، وخاصة الاجراء الذي اتخذ في حينها بتعيين "رؤساء" للجاليات العراقية في بعض البلدان، ودون التشاور مع ممثلي او منتسبي تلك الجاليات، ولا حتى مع البعثات الدبلوماسية في البلدان المعنية. ومن الجيد كما نرى انه تم ايقاف / الغاء / تجميد تلك التعيينات، بعد جملة الانتقادات والاحتجاجات التي جرت بشأنها.(**)

اخيرا ... ندري بأن كل ما تقدم ليس سوى ايجازات سريعة تستحق الكثير من التداول، والتوضيح، والتفاصيل، وما اكثرها.. ولكي نروج لها (!!) نشير الىى انها مستقاة من تجارب شخصية، ووقائع ملموسة، واهتمامات مديدة بها (***).. كما ننوه ايضا الى ان تحديد الاشكاليات - وفقاً للمنطق- هو خطوة اولى على طريق تقدير المعالجات، وتشخيص الاسس للتهوض بواقع ما نعتقد بأن هناك اجماعا – او شبه اجماع – بشأنه، ونعني به الاهتمام بشؤون وشجون العراقيين في الخارج، والسعي لتوثيق ارتباطهم ببلادهم، ولو طالت الفترات الزمنية، وتغيرت الاماكن والمواقع، والاحوال والظروف، خاصة وان اعداد اولئك المهاجرين واللاجئين والمغتربين تتجاوز مئات الالوف، وقد توصلها بعض التقديرات الى عدة ملاييـن، وكم حريا بالجهات الرسمية المعنية السعي لحصر اعداد تلك الجموع الغفيرة، وليصار بعد ذلك الى اتخاذ الاجراءات الممكنة، ولا نقول الطموحة ..

- هوامش واحالات :  --------------------------------------------------------------------
(*) للمزيد حول هذا الموضوع، نشرنا خلال نيسان 2011 وعبر وسائل اعلامية عديدة، وما تزال على الانترنيت، متابعة تحت عنوان" جمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن 1978-2003.. ربع قرن ضد الدكتاتورية والارهاب"..
 (**) امر وزارة الهجرة والمهجرين المرقم 301 والمؤرخ في 2019.4.21 ..
 (***) كاتب هذه المتابعة مشارك في العمل الجماهيري والنقابي والمهني لنحو ستة عقود، وفي مواقع مسؤولية مختلفة، كُلــفَ، أوتكلـفَ بها، داخل البلاد العراقية وخارجها... وما زال.

 

3
وقفـات سريعـة عند بعـض شؤون، وشجون، الحــرب الشرق – اوسطية، الراهنــة (13)
•   رواء الجصاني
--------------------------------------------------------------------------------
   كما سبق القول في الحلقات الماضيات من هذه الوقفات، نجدد التأكيد – احترازا- بان ما نوثق لها في السطور التاليات ليس  تحليلا، او تبيان موقف محدد، او وجهة نظر بعينها، وانما – بشكل رئيس - مسعى لاثارة نقاشات يؤيدها او يقترب منها البعض، او يرفضها ويشينها بعض اخـر. وفي ذلك – كما نعتقد - شأنا اكثر مباشرة، وفائدة وملموسية، بعيدا عن الاسهاب والاطناب والتمنطق او الاطالة، حيث شبع الناس منها ومن تكرار مثيلاتها من مضامين واساليب واشكال، اشترك – ويشترك - فيها القاصي والداني، واختلطت – وتختلط - عندها الجدية الرصينة بالهتافات و"الشعاراتية" وما بينها .. وفي التالى وقفات اخرى، ووجهات نظر، على ذات الاتجاه الذي اشرنا اليه:
61/ ثلاثة اشهر تمرعلى انطلاقة الحرب الشرق اوسطية الراهنة، وما زال جحيمها يستعر، ثم يستمر، وعسى ان لايكون القادم أشد وأقسى كما يتمنى اصحاب رأي وموقف وتحليل، وحتى لو كانت هنالك تراجعات وتهدءات قاسية، ومؤلمة.. مقابل اقرانهم الذين يعتقدون بأن تلك الديمومة، بل والتصعيد، امر مفروض، ومطلوب، اذ ليس مقبولا بعد كل التضحيات والدمار تجميد الاوضاع والعودة الى ما كانت عليه الامور.  وثمة ما بين الموقفين كيل اوصاف واتهامات وتنمر يواجه به كل فريق مقابله..
62/ وفي ظل ما تضمنته الفقرة السابقة، وترافقا معها، يستمر صمت "طرف" ثالث لهذا السبب او ذلك. وينقسم المتخالفون بشأن اصحاب ذلك الموقف. وخلاصته: انه ليس "كل الصمت أثـمٌ" وان جاء بعضه مُراءاة ولدوافع خاصة وشخصية. كما انه ليس كل البعيدين عن الصمت  موضوعين، او انهم افضل من غيرهم، بل فيهم من فيهم من المبالغين، والمجاملين، والعاطفيين..
63/ واذا ما يكرر الكثيرون  في ما يكتبون وينشرون عموميات معروفة، باستثناء التحليلات الرصينة: ان الحرب الشرق اوسطية الراهنة افرزت العدو من الصديق، والمدعي عن الصادق.. يردّ مقابلون بأن ذلك ليس اكتشافا جديدا، وان المتابعين المواكبين يعلمون ذلك بكل تأكيد، وبانه ليس هنالك من داع لكل هذه التضحيات، والدمار لكي يجري اثبات مثل ذلك الفرز ..
64/ ومن الجدالات والاراء عن تداعيات الحرب المأساوية الراهنة ما يجري طرحه بشكل مكثف حاليا وهو: ماهي الافاق لما بعد الحرب التي لا بـد وان تنتهي ؟. وفي حين يعتقد – جازما- قسم بأن ذلك الحال ستفرضه التطورات في الميدان.. يتشدد اخرون فيؤكدون بان لمجريات المواجهات، وللميدان، تأثيرات كبيرة وبالغة الاهمية، ولكن للعوامل والاوضاع الاقليمية والدولية، وتوازن القوى تأثيراتها الكبيرة ايضا، ولربما الحاسمة بهذا الشأن..
65/ وفي حين يرى سياسيون ومحللون بأن من الضروري تأجيل الحديث عن كل ما يحبط من تاريخ ووقائع وخلافات شخصية وعامة، ووجهات نظر، الى فترات زمنية انسب.. يقول مخالفون بأن ما يعزز من عدم الاحباط، هو المصارحة وكشف الاوراق، بل وحتى تعرية اصحابها ..   
***** ملاحظة: من المؤكد ان يحدث تكرار في الفقرات الخمس والستين السابقات، لأن الوقائع تتكرر في حد ذاتها، والشؤون التي نقـف عندها تتداخل مع بعضها البعض بشكل متشابك..   
---------------------------------------------------------------------* يتبع

4
وقفـات سريعـة عند بعـض شؤون الحــرب الشرق – اوسطية، الراهنة (10)
•   رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------------
   كما سبق القول في الحلقات الماضيات من هذه الوقفات، نجدد التأكيد – احترازا- بان ما نوثق لها في السطور التاليات ليس  تحليلا، او تبيان موقف محدد، او وجهة نظر بعينها، وانما – بشكل رئيس - مسعى لاثارة نقاشات يؤيدها او يقترب منها البعض، او يرفضها ويشينها بعض اخـر. وفي ذلك – كما نعتقد - شأنا اكثر مباشرة، وفائدة وملموسية، بعيدا عن الاسهاب والاطناب والتمنطق او الاطالة، حيث شبع الناس منها ومن تكرار مثيلاتها من مضامين واساليب واشكال، اشترك – ويشترك - فيها القاصي والداني، واختلطت – وتختلط - عندها الجدية الرصينة بالهتافات و"الشعاراتية" وما بينها .. وفي التالى وقفات اخرى، ووجهات نظر، على ذات الاتجاه الذي اشرنا اليه:
45/ مع استمرار الحرب الشرق اوسطية الراهنة، يتابع مراقبون موضوعيون بشكل مكثف تداعيات امتداد الساحات الملتهبة الى اليمـن. وكما انقسمت الاراء والمواقف حول شؤون ومشابهات اخرى، يجد البعض ان ساحة اليمن  حال ضرورية، وضغط مطلوب، ومشاركة حريصة.. بينما يرى مقابلون ان الامر اكثر تعقيدا، وان المخاطر توجب العودة للتأكيد مجددا  على ضرورة تدارس تكافؤ القوى، والموازنات الدولية، والظروف الذاتية والموضوعية، قبل اتخاذ المواقف بالتأييد او خلافه..
46/ وفي سياق المراجعات لتطور الاحداث منذ 2023.10.7 عاد  كثير ممن كتبوا وانحازوا ودعوا، الى تغليب العقل على العواطف .. بينما يتصدى المعارضون لهم فيرون بان في ذلك تكوصا، وقصر نفس ونظر، وان استمرار الحرب، والمواجهة لا بـدّ ان يثمر ويوصل – او يقرب على الاقل – من مديات الوصول الى الاهداف المرجوة والمبتغاة..
47/ وفي خضم التداعيات ايضا تتزايد العلانية في ظهور، او اظهار، الخلافات الداخلية بين اصحاب الشأن اولا، واخيرا . وبينما يدافع فريق عن اهمية ذلك لكشف المزيد من الحقائق، ورفض تأجيل طرح تلك الخلافات، بل ووجوب كشفها وتصعيدها.. يؤكد فريق آخر بأن مثل ذلك الوضع سيزيد من الخسائر، الداخلية والخارجية، ويعمق التعقيدات القائمة اصلا، ولربما باتجاهات اخطر مما هو سائد اصلا..
48/ وفي تداخل بهذا القدر او ذلك مع الفقرة السابقة، يلاحظ متابعون تزايد الاتهامات للمخالفين في الرأي والاستنتاج والتحليل، وتصعيد القسوة ضدهم. وبينما هناك من يرى بأن ذلك يفيد القضية، ويفضح المترددين، ويحول دون اشاعة المهادنة، والمساومة.. يقف في الجانب الآخر من يعيب مثل تلك الاراء، ويعتقد بأن من الاهمية بمكان الاستماع لمختلف الاراء، بل وحتى التمعن فيها، بعيدا عن التشنجات واستخدام اساليب الماضي، غير الحضاري، في استسهال الشجب والتخوين، وما الى ذلك من مشابهات..
49/ كما تعود التساؤلات من جديد، هنا وهناك، حول احقية ان يتخذ فريق او اكثر، في هذا البلد او ذلك، قراراته منفردا، باتجاه معين او غيره، ودون الاخذ بعين الاعتبار قناعات شركاء الوطن، الأخرين قلّو أو كثروا، خاصة وان الاحتمالات تبقى قائمة بأن الخسائر ستطال الجميع اذا ما تطورت الاحداث، وان الدم والدمار مشتركان بين، وعلى، الجميع..
*** ملاحظة: من المؤكد ان هناك تكرار في الفقرات التسع والاربعين السابقات، لأن الوقائع تتكرر في حد ذاتها، والشؤون التي نقف عندها تتداخل مع بعضها البعض..   
-------------------------------------------------------------* يتبع


5
وقفـات سريعة عند بعـض شؤون الحــرب الشرق – اوسطية، الراهنة (6)
•   رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------------
   كما سبق القول في الحلقات الخمس الماضيات من هذه الوقفات، نجدد التأكيد – احترازا- بان ما نوثق لها في السطور التاليات ليس  تحليلا، او تبيان موقف محدد، او وجهة نظر بعينها، وانما – بشكل رئيس - مسعى لاثارة نقاشات يؤيدها او يقترب منها البعض، او يرفضها ويشينها بعض اخـر. وفي ذلك – كما نعتقد- شأنا اكثر مباشرة، وفائدة وملموسية، بعيدا عن الاسهاب والاطناب والتمنطق او الاطالة، حيث شبع الناس منها ومن تكرار مثيلاتها من مضامين واساليب واشكال، اشترك – ويشترك - فيها القاصي والداني، واختلطت – وتختلط - عندها الجدية الرصينة بالهتافات و"الشعاراتية" وما بينها .. وفي التالى وقفات اخرى على ذات الطريق الذي اشرنا اليه:
24/ برزت تمنيات متباينة توضحت في موقفين جليين.. اولهما تمثل باستمرار التمديد لهدن انسانية في حرب غــزة المدمرة، بل وتعديها لوقف دائم لاطلاق النار تحجيماً - على الاقل -  لاعداد الضحايا المهولة، وخاصة المدنيين، والاطفال والنساء بشكل أخص.. بينما يأتي الموقف الثاني، المضاد للأول، ليقول – علانية او خفاءً – بعدم جدوى اي هدن لأنها حلول ترقيعية، ولذلك فمن الضروري السير بالاتجاه الاخر، وان غليّت التضحيات ..
25/ ولأن التمنيات حال، والواقع حال آخر، يتشدد قسم من الرائين في وصف المخالفين بالتخاذل على ابسط وصف، دعوكم من الاسهاب في المزيد والمزيد من التوصيفات .. بينما يدافع راؤون آخرون حول ما يعتقدونه بأن حساب البيدر يختلف عن حساب الحقل بالتأكيد، بل ويجاوزون ذلك الى القول بان من تصيبه الكوارث والمآسي ليس كمن يسمع بها او يكتب عنها ..
26/  وإذا ما يؤكد كثيرون بأن ما جرى – ويجري- مفروض، ولا سبيل لتجاوزه بعد  عقود مديدة من المراهنات والتجارب والتعويل، والخسائر الغالية، وسيول الدماء.. يحاجج مقابلون بأن القادم لا بـدّ ان يكون أقسى واشد مرارة مما حصل ويحصل، حيث هناك  نتائج سترسخ القسوة والعنف، والثأر للضحايا، والخسائر المهولة، دماء وخرابا ومآسي..
27/  كما هناك موقفان على الاقل ييجري تبنيهما في مفهوم الانتصار – حتى الان – ويتجادلان بشأن كلف تلك الانتصارات، المهولة، البشرية والمادية.. فثمة من يعتقد – واقعا او كتابة - بأن الطريق باهض طبعا لتحقيق المرجو والمؤمل من الحقوق المشروعة.. بينما يخالف آخرون – وايضا واقعا او كتابة- ذلك الموقف، ويرون بأن التضحيات الغالية بالارواح، خاصة، يجب ألا تكون غير محسوبة، وبأعداد لا تعوض .. 
28/ وحول ثقافة قبول الاخر بهذا السياق، تأكد لدى الكثيرين بأنها – تلك الثقافة – احلام يقظة ليس إلا، خاصة وان العديد من الاراء والمواقف يجري التعبير عنها باللامباشرة، خوفا او تخفياً او مجاراة او عواطف.. بينما يتشارك البعض في الرأي بان الحرب النفسية، والاعلامية تتيح وقوع مثل تلكم الحالات، "وان الضرورات تبيح المحظورات"..
* ملاحظة: من المؤكد ان هناك تكرار في الفقرات الخمس والعشرين السابقات، لأن الوقائع تتكرر في حد ذاتها، والشؤون التي نقف عندها تتداخل مع بعضها البعض..   
-------------------------------------------------------------* يتبع


6
وقفـات سريعة عند بعـض شؤون الحــرب الشرق – اوسطية، الراهنة (4)
•   رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------------
   كما اسلفنا في الحلقات الثلاث الماضية من هذه الوقفات، نجدد القول – احترازا- بان ما نوثق لها في السطور التاليات ليس  تحليلا، او تبيان موقف محدد، او وجهة نظر بعينها، وانما – بشكل رئيس - مسعى لاثارة نقاشات يؤيدها او يقترب منها البعض، او يرفضها ويشينها بعض اخـر. وفي ذلك – كما نعتقد- شأنا اكثر مباشرة، وفائدة وملموسية، بعيدا عن الاسهاب والاطناب والتمنطق او الاطالة، حيث شبع الناس منها ومن تكرار مثيلاتها من مضامين واساليب واشكال، اشترك – ويشترك - فيها القاصي والداني، واختلطت – وتختلط - عندها الجدية الرصينة بالهتافات و"الشعاراتية" وما بينها .. وفي التالى وقفات اخرى على ذات الطريق الذي اشرنا اليه:
15/ بينما يستمر التفاؤل عند المؤمنين باهمية، بل وباولوية، وقف الحرب بالغة المأساوية في غــزة، حتى وان كانت هناك تنازلات ومساومات، لتحجيم سيول الدماء الغوالي، وكوارث التدميـر.. تستمر مواقف ورؤى آخرى تعتقد بضرورة عدم التراجع بل وخوض المعارك لتحقيق كامل الاهداف، وخاصة بعد حجوم التضحيات والخسائر المؤلفة التى راحت بسبب الحرب..
16/ ومقابل الدعوة الى ضرورة توحيد الصوت الموضوعي، وترجيح الواقعية في التحليل، ووقف استباق التداعيات، وتأجيل ما يمكن من أطروحات حول الرواهن والمستقبل .. يرى اخرون ان الوقائع افرزت – وتفرز – الصواب من الخطأ، واوضحت الافضل من بين المواقف المتخذة، بعد ان امتحنتها الحياة ..
17/ وفي حين يتسع التضامن الانساني ضد كوارث ومآسي الحرب في غزة، هناك اصوات تدعو الى اهمية توطيد وتوسيع ذلك التضامن عبر مخاطبة المتضامنين  بثقافاتهم هم، اساسا.. بينما تستمر هنا وهناك – بالمقابل-  تشددات في الرؤى، بل وبطرح شعارات "عاطفية" بابسط وصف، وبنتائج قاطعة..
18/ وبالترابط مع الفقرة السابقة، هناك دعوات تسعى لفرض اشكال وصيغ التضامن على الاخريـن، بل والتشكيك، وحتى التحريض ضد من لا يستجيب لهذه الصيغة التضامية او تلك.. تقابلها دعوات واراء تقـول بـ "أن شيئا احسن من لاشئ" وان التضامن الحقيقي لا يفرض بالقوة، والا حُسب عسفا، وهتافات ليس إلا ..
19/ وفيما يقتنع فريق من المدونين والناشرين - بهدف التحريض واعلاء الدعم - باسلوبية عرض وترديد الاخبار المبالغ فيها، وتناقل الروايات وان كانت غير موثقة.. يقف اخرون ليردّوا بأن الاستمرار بذلك النهج يبعد الناس عن الهدف المرجو، مما يؤدي الى ذهابهم للتشكيك حتى بالوقائع الحقيقية التي تتحدث عن نفسها بوضوح، ولست بحاجة الى تهويل او تأويل ..
-------------------------------------------------------------* يتبع


7
وقفـات عند بعض شؤون الحــرب الشرق – اوسطية، الراهنة (2)
•   رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------------
   كما اسلفنا في القسم الاول من هذه الوقفات، المنشور يوم امس، نجدد القول بانها -  الوقفات-  التي نوثق لها في السطور التاليات ليست تحليلا، او تبيان موقف محدد، او وجهة نظر بعينها، وانما – بشكل رئيس- تسعى الى اثارة نقاشات يؤيدها او يقترب منها البعض، او يرفضها ويشينها بعض اخـر. وفي ذلك – كما نعتقد- شأنا اكثر مباشرة، وفائدة وملموسية، بعيدا عن الاسهاب والاطناب والتمنطق او الاطالة، حيث شبع الناس منها ومن تكرار مثيلاتها من مضامين واساليب واشكال، اشترك – ويشترك -  فيها القاصي والداني، واختلطت – وتختلط - عندها الجدية الرصينة بالهتافات و"الشعاراتية" وما بينها .. وفي التالى وقفات خمس اخرى على ذات الطريق الذي اشرنا اليه:
5/ برغم التداعيات المعروفة، بالغة الخطورة والدمار، اذا ما توسعت الحرب لبلدان ومواقع واماكن اخرى، بحسب ما يرى بعض المتابعين... يواجههم – بالمقابل – من يقول بان ذلك ضرورة لا بـدّ منها لاحقاق الحق، ومنع التمادي، ووقف العدوان، وان تضاعفت الضحايا..
6/ وفيما يشير مراقبون الى تغيير سريع عند بعض الكتاب والسياسيين والمدونين، من مواقفهم السلبية المديدة ضد ايران، يعلق البعض ان ذلك التغيير ينسجم مع مقولة "عدو عدوي، صديقي" ولو لفترة مؤقتة ..
7/ وبشأن استمرار الحرب بكل ما تحمله من كوارث ومأسي، ثمة من يظهر علنا حينا، او بباطنية حينا أخر، ميّلاً لضرورة ذلك.. في حين يردّ آخرون بأن العاطفة حال انسانية ولكنها مدمرة حين تتغلب على المنطق والعقل، وان وقف الدمار ونزيف الدماء يجب ان يكون مطلبا اول .. 
8/ وفي حين هناك من يؤكد تضاخم الدعم والتضامن الشعبي، في العديد من ارجاء العالم، مع فلسطين والشعب الفلسطيني.. يؤكد متابعون في الجهة الاخرى بأن تزايد ذلك التضامن واقع فعلا ولكن يجب عدم غـظ النظر بان البوصلة ما زالت تؤشر لواقع مقابل، وهو ثقل التضامن مع اسرائيل .. 
9/ وبينما ينتقد متابعون ما تستمر به وسائل اعلام عربية، وغيرها، وهي تنقل اخبار الحرب المدمرة، باضافات وتحليلات تناسب توجهاتها، لاستقطاب متلقين اكثر، والتأثير عليهم، وبدون النظر الى ما يؤدي اليه ذلك من تشويش، او احباط، او تأجيج.. يدافع متابعون اخرون بأن ذلك الامر اكثر من مطلوب، بهدف الدعم والاسناد، والتعاطف، بـ "اوسط الايمان" على الاقل..
-------------------------------------------------------------* يتبع


8
وقفـات عند بعـض شؤون الحــرب الشرق – اوسطية، الراهنة (3)
•   رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------------
   كما اسلفنا في القسمين السابقين من هذه الوقفات، نجدد القول، احترازا، بان ما نوثق لها في السطور التاليات ليس  تحليلا، او تبيان موقف محدد، او وجهة نظر بعينها، وانما – بشكل رئيس - مسعى لاثارة نقاشات يؤيدها او يقترب منها البعض، او يرفضها ويشينها بعض اخـر. وفي ذلك – كما نعتقد- شأنا اكثر مباشرة، وفائدة وملموسية، بعيدا عن الاسهاب والاطناب والتمنطق او الاطالة، حيث شبع الناس منها ومن تكرار مثيلاتها من مضامين واساليب واشكال، اشترك – ويشترك - فيها القاصي والداني، واختلطت – وتختلط - عندها الجدية الرصينة بالهتافات و"الشعاراتية" وما بينها .. وفي التالى وقفات اخرى على ذات الطريق الذي اشرنا اليه:
10/ يوثق مراقبون اجابات وردود تؤكد بأن لا انتصارات بلا خسائر، وان غليّت بالدماء والشهداء، كما هي عليه الحال الراهنة في الحرب المدمرة على غــزة الفلسطينية. مشيرين في ذلك الامر الى حرب التحرير الجزائرية والفيتنامية – مثلا- في العقود القريبة الماضية .. بينما يتبنى مقابلون مفاهيم اخرى من بينها ان الظروف الدولية قد تغيرت، وكذلك موازيـن القوى، والعوامل والتداعيات الكثيرة المترتبة على ذلك، رؤى وقناعات واحداث ..
11/ وبينما يرى مدونون واهل شآن، وغيرهم، بأن العودة، بل وتوثيق، الحكايا، والوقائع التاريخية، و"الدينية" تغـلي النفوس، وتراكم الاحقاد، غير القليلة اصلا، وتعقّد الآتي من الحلول غير العنفية .. يتصدى آخرون  بأن مثل تلك الاثارة وذلك التوثيق مطلوب لضرورة التنوير من اجل احلال الحقوق المشروعة، وترسيخ الحقائق التاريخية، والتبصير..
12/ ومقابل التحليلات الرصينة، والجدالات الحضارات الهادفة.. ينبري آخرون يعيبون، بل ويقذفون كل من يخالفهم الرأي، وان كان ذلكم الرأي عاطفيا، وبراقا ليس الا ..
13/ وإذ يثير متابعون، ويبرزون، ارقاما ومعطيات عن النتائج التي طالت الالاف من العاملين والعمال الفلسطينين، الدائميين والمؤقتين، في اسرائيل.. يسفه مقابلون تلك الطروحات، ويرونها تبسيطا امام الاف شهداء وضحايا الحرب الذميمة ووحشيتها..
14/ وامام تصورات كثيرين، وارائهم بان المناشدات والفعاليات التضامنية يتوجب ان تركز اولا على وقف الحرب، لتحجيم المآسي الواقعة، والمستمرة.. يدافع كثيرون غيرهم، علانية، او بشكل غير مباشر، عن قدسية الحرب والمواجهات المسلحة، بل وضرورة تنشيطها وتوسيعها، بما في ذلك تبني الشعار الذي انطلق قبل ازيّد من نصف قرن، ونصه "ما أخذ بالقوة لا يستردّ الا بالقوة".. 
-------------------------------------------------------------* يتبع


9
شهادات مراجعات ثقافية وسياسية، حول ذكريات وسيرة الكاتب مجيد الراضي
•   رواء الجصاني
-----------------------------------------------------------------------
    صدر قبل فترة وجيزة كتاب بستمئة صفحة من القطع الكبير، للكاتب العراقي مجيد الراضي، المقيم في براغ منذ عام 1970، اي منذ اكثر من ثلاثة وخمسين عاما، ضمنه بعض سيرته الذاتية (الطفولة والشباب) ثم تفاصيل عن نشاطاته الثقافية والسياسية، ومقالات وكتابات منشورة، وغير منشورة، وغير ذلك . وقد وجدت من المهم، ولمزيد من الفائدة له، اذ ربما لم يستطع ان يتذكر وهو في سن التسعين (اطال الله من عمره) عددا من الاحداث والوقائع، او انه لم يقدر اهميتها، فلم يتوقف عندها، او مــر عليها بشكل عجول. ومن الطبيعي ان تلك الاضافات والتصحيحات ستفيد القارئ والمتلقي ايضا، بهدف ان تكون الامور اكثر وضوحا ومنفعة، للجميع، وخاصة للذين لا يعرفون الكاتب عن قرب، وكذلك عن بعد ، ولافرق ..

   ولا بد قبل الخوض بنقاط محددة ان اقول باهتمامي – حقا- بالكاتب والمكتوب، خاصة وان بيننا معرفة وتواصل لنحو 43 عاما، باشكال واسباب ومواقع عديدة، كما سيرد ذلك في سياق هذه القراءة وهوامشها. واضيف: اننا اليوم قادرون على الادلاء بمراجعات ربما مهمة في تأرخة بعض الشؤون الوطنية والثقافية العامة، ومن يدري ما ستأتي به الايام والسنون، فتذهب الشهادات طي الكتمان، مأسوفا – او غير مأسوف- عليها ..  وهكذا نسجل في السطور التاليات شهادات ووقائع وبعض تفاصيل احببت – لتسهيل مراجعتها على القارئ والمتابع – ان ادرجها على شكل نقاط، محاولا الايجاز، والتوثيق الادق جهد ما استطعت، ساعيا للموضوعية، وللغة الحوار الحضاري، بعيدا عن الاثارة واشاعة البغضاء، في ظروف ما أشد الحاجة فيها للتسامح والمحبة، ونبذ الفرقة والاتهامات، بل والافتراءات، والتشنج الشخصي والذاتي، وبذلك الهدف سأسعى لان تكون الشهادات والمراجعات بابسط لغة ممكنة: 

1/ لم اكن اعرف السيد مجيد، ولم اسمع عنه في بغداد حتى خروجي منها، اضطرارا الى براغ، اواخر عام 1978 بعد ان كشرت السلطة البعثية الحاكمة عن انيابها.. ولربما كان  عدم المعرفة، او السماع بالكاتب قصورا، عذرنا فيه  انغمارنا لاكثر من عشرة اعوام قبل ذلك، على الاقل، في مهام ونشاطات سياسية وجماهيرية واعلامية، ميدانية، بينما اتيحت للسيد مجيد  ظروف الاختفاء، والاختباء منذ الانقلاب الدموي في شباط 1963 ولنحو خمسة اعوام بعد ذلك - بحسب ما جاءت به  السيرة في كتابه المعني- ثم ارتحـل بطمأنينة بعدها الى براغ، حاصلا على منحة دراسية، وعمل واقامة فيها، وفرها له الحزب الشيوعي العراقي عام 1970 (1) .

2/ ولكي نعطي للقاريء لمحة سريعة، بهدف التوثيق، اضيف هنا بان اول التعارف بيننا حصل في براغ اوائل عام 1979 في لقاء عام، وكان سلامه عابرا، ثم عاد بعد دقائق مرحباً بحرارة بعد ان اعلمه المسؤولون والاصدقاء بأني قادم تــوا من بغداد، ومكلف في براغ بمهمات ومسؤوليات سياسية وتنظيمية عديدة . ثم وطد العلاقة اكثر فأكثر حين عرف بأني ابن اخت الجواهري الكبير..
 
3/ اما اول العلاقة الرسمية – التنظيمية مع السيد مجيد فكانت مهمتي في متابعة الجانب الاعلامي(المركزي) للحزب الشيوعي العراقي في الخارج، والتنسيق في شؤونه الاجرائية، باشراف المسؤول السياسي الشيوعي ثابت حبيب العاني، ولنحو عام ونصف، والى حين انتقال تلك المهمات الى بيروت، فدمشق.. ويبدو ان السيد مجيد قد نسي- وهو يتحدث عن تلكم الشؤون- انه كان ضمن فريق كفء- وليس لوحده كما جاء في كتابه - ضم: فالح عبد الجبار وشمران الياسري وسعاد خيري، ثم عبد الاله النعيمي لاحقا، بينما كنت – كما سبقت الاشارة - منسقا لذلك الفريق، تنظيميا واجرائيا ..

4/ وحول عمله الوظيفي في المجلة النظرية للاحزاب الشيوعية في العالم، ومقرها براغ، المعروفة باسم  "قضايا السلم والاشتراكية" والتي تم تصفيتها، ثم اغلقت عام 1991،  اؤكد ومن خلال مشاهداتي وعنايتي بشؤون ذات صلة، انه – السيد مجيد - كان خلال فترة عمله التي دامت لأكثر من 20 عاما  شخصا ودوداً مع مسؤوليه السياسيين والاداريين، والمشرفين على عمله من العراقيين والعرب والاجانب، والسوفيت خصوصا.. مع بعض المناكفات الاضطرارية، المحسوبة او المطلوبة طبعا. وبالمناسبة تجدر الاشارة الى ان نظام العمل في المجلة وفرّ ضمانات معاشية ومعيشية متميزة، للموظفين والفنيين، بشرط التزامهم بالتوجيهات، والضوابط المطلوبة منهم بجميع الاتجاهات. ولا يشمل ذلك الوضع،  المندوبين السياسيين الممثلين لقيادات احزابهم، ولا مساعديهم، والسيد مجيد لم يكن من ضمنهم، قطعا.. واضيف هنا ان الامور - لــو – كانت كما جاء في صفحات الكتاب الذي نعنى به، اي تعرضه – مجيــد- لضغوطات وصعوبات ومتاعب، لما كان قد أبقيّ في العمل، خاصة وان هناك مستعدين كثيرين، قديرين، كانوا جاهزين للعمل – بل وطموحين- للحلول، او الاحلال، مكانه .. 
 
5/ وفي سياق الفقرة اعلاه، كان مما سيعزز قيمة الكتاب اكثر فأكثر "لــــو" تحدث االسيد المؤلف ليس فقط عن خلافات هنا وهناك مع المسؤلين السياسيين العراقيين عنه، في براغ – دعوا عنكم في العراق- فتحدث بتفاصيل اكثرعن تقدير اولئك المسؤولين لمطاولته والتزاماته الصحفية امامهم، وتنفيذه لهم ما يحتاجونه من كتابات، وتنفيذ ما يكلفونه به. وهنا تجدر الاشاره الى ان السيد مجيد قد تطرق فعلا في صفحات كتابه بشكل غير قليل عن ذلك. بل كان جريئا حين نشر ووثق بالنص مايلي، على الصفحة (501)  فكتب ما نصه " لم أعد الى التقاء الأصدقاء في إتحاد الادباء ونقابة الصحفيين (ببغداد) الا بعد غلق الجريدة ( جريدة "اتحاد الشعب" التي صدرت بعد ثورة تموز 1958 - ر.ج) ومن الطريف أنني دخلت غرفة سكرتير التحرير عدنان البراك ذات مرة واذا بالراحل زكي خيري (المشرف الحزبي على الجريدة - ر.ج) يقول بلهجة قاطعة: لا نريد أحدا للعمل في الجريدة وفق الشروط المألوفة. نريد من يعمل مثل "الزمال"، كما يعمل مجيد. وعندما انتبه الى وجودي قال لي: "أرجو المعذرة يا رفيق على هذا التعبير البغدادي، فقد كنت امتدحك، وأضرب المثل بصبرك على العمل". قلت لا بأس عليك يا رفيق فقد وصفوا مروان الثاني آخر خلفاء بني أمية، بالحمار لصبره على المكاره وجلده فقالوا "مروان الحمار".. انتهى النص.
6/ واذ يتحدث السيد مجيد في كتابه عن سيرة وذكريات، حول بعض اشتغالاته السياسية، في صفوف بعض الاحزاب الوطنية، ولبضعة سنوات، اشهد باني ومن خلال مسؤوليتي ضمن لجنة تنظيم الخارج للحزب الشيوعي العراقي، خلال الثمانينات الماضية، بان الموضوع يتطلب تفاصيل اوضح، وادق عن التزاماته التنظيمية التي تفيد القاريء والمتابع، وكل من يهتم بهذه الشؤون. ومن بين ذلك "لـو" توقف عند التزاماته ما بعد انقلاب شباط الدموي عام 1963 اذ  لم يكن في الكتاب وضوح كاف- بتقديري على الاقل- واعني تركه العمل ( استقالته / اقالته) في، ومن، صفوف الحزب الشيوعي العراقي، وكيف ولماذا؟ ومتى؟، وغيرها، وحتى خروجه من بغداد الى براغ عام 1970 للدراسة والعمل .. كما اظن بان المفيد ايضا لو تحدث الكاتب – وبوضوح اوسع – عن تلك العلاقه الحزبية، وصفته التنظيمية (في براغ) حتى اوائل الثمانينات، ولحين ظهوره كأحد القياديين الابرز في تنظيم "التجمع الديمقراطي العراقي" المعارض، ثم استقالته منه بعد سنوات بسبب خلافات شخصية كما اعرف، ويعرف المعنيون. وهنا اشهد ان التساؤلات التي كنا نبحث عن اجابة لها – تنظيميا – بهذا الخصوص لم تكن واضحة من المسؤولين، بل ان الامر تطلب السكوت، للمصلحة العامة، والحركة الوطنية.

7/ كما لا بد لي كشاهد ومعني، ان انبه الى ان الكتاب حوى العديد من لمحات وحكايات السيد مجيد وتأشيره، ولقطاته  لعدد غير قليل من علاقاته مع المثقفين الذين عمل وتعامل معهم خلال عقود،  معهم، وانتقاداته لهم صراحة او تورية، ومن بينها خصوصا المبالغة بدوره في تاسيس ونشاطات رابطة الكتاب والصحفين والفنانين العراقيين في الخارج، ولكنه تغافل عن التشنجات، والتعقيدات التي اثارها خلال نشاطاته في تلك الرابطة .
  وهنا اظن انه كان من المناسب لو اشار ايضا الى عدد من مواقف المثقفين والادباء والشعراء منه، وتقيماتهم له، لكي تتكامل الصورة، الواقعية،  لدى القاريء والمتلقي. وربما كان يكفي – ايجازا – الحديث عما كتبه عنه الشاعر والكاتب المعروف  فاضل العزاوي في دراسة ضمتها خمس عشرة صفحة في العدد 26 (الرابع لعام 1992) من مجلة "المدى" الفصلية / دمشق . اقول باهمية ذلك لأن دراسة العزاوي جاءت فيها توصيفات عديدة – وما علينا هنا بتقييمها - ومن بينها وصفه (مجيدا) بالتعالم، والمبالغة، والتبجح والادعاء، وعدم المصداقية، وما الى ذلك..  كما كم كان مفيدا ايضا لو تصدى السيد مجيد لما كتبه ونشرة المثقف والاكاديمي العراقي يوسف  عز الدين، في صحيفة الشرق الاوسط بتاريخ 15/7/1998 (2) .

8/ اما عن علاقته مع الجواهري الكبير، التي توقف عندها الكاتب في مؤلفه – ايجابا- مرات ومرات، فقد فاته او نسى، او تعمد ان لا يتطرق الى ان الجواهري رفض ان يلتقيه ولا على فنجان قهوة منذ اواخر الثمانينات الماضية، لا في براغ ولا في دمشق، لدسه السموم في العسل، بحسب الجواهري نفسه، اضافة لكثرة مزاعمه، وتبجحاته. ونتساءل هنا عن صحة ما راح يطلقه الجواهري على الراضي، تندرا، لقب  "الرازي" تورية عن الطبيب والكيميائي والفيلسوف والرياضاتي الشهير، ابو بكر الرازي. كما ارى بأن ثمة شؤون اخرى تحتاج لمزيد من التفاصيل، أعـد ان اكتب بصددها في فترة لاحقة، توضح المزيد بهذا الشأن..

9/ وبرغم اني كنت من "النخبة المتنفذة" بحسب توصيف السيد مجيد في صفحات كتابه - وكان الاصح ان يقول من المسؤولين عن شؤون سياسية وثقافية وتنظيمية - وقد عنيّت بمتابعة زمالات وبعثات الطلبة والدارسين العراقيين (الديمقراطيين) اقول بهذا الشأن اني لا اتذكر تفاصيل حصوله على الـ "دكتوراه" في براغ – وربما هذا قصور مني، او انها جرت قبل تكليفي بتلك المهام– ويا حبذا لو يذكرنا، والقراء - بعنوان اطروحته، وتاريخ نيله تلك الشهادة، وهل هي بعد تحصيله الجامعي، الاولي، بشهور ام سنوات، لان النظام التعليمي في براغ يمكن ان يمنح لقبا مهنيا باسم "دكتوراه" " وليس "شهادة" وذلك لمن يقدم بحثا موجزا، خلال اشهر قليلة بعد تخرجه من الجامعة.. وعلى اية حال فالموضوع ليس مهما لان الكثيرين من القادرين المشهود لهم لا يحملون مثل تلكم الشهادة، مثل زكي خيري وحسين جميل ومحمود صبري وهادي العلوي، وعديد اخر، كبير، من السياسيين والمثقفين المعروفين، يطول تعدادهم، مع الاعتذار هنا عن المقارنة... 

10/ لقد حوى كتاب مجيد الراضي ذي الصلة فصلا خاصا ضمته بنحو عشر صفحات (بدءا من ص 268) خصصه للحديث عن خلافـــه مع مؤسسة بابيلون للاعلام والثقافة في براغ، واورد – وبـ "ميانة !"– اسم صاحبها، كاتب هذه السطور – رواء الجصاني- وشمل انتقادات واتهامات وغيرها، وتلك هي قناعات او اجتهادات توصل لها السيد مجيد، وطال وفصل في الموضوع، بكتابات لا علاقة لها بجوهر الامر.. وما يهمنا لكي لا تتحول القضية الى شؤون شخصية، نوجز فقط  فنقول بأسئلة محددة: اذا ما كانت "بابيلون" وصاحبها بذلك الحال فلم عمل عندها لنحو عامين (1997-1998) باجر يومي، مترجما ومنقحا، ولم ينقلب عليها الا بعد انتهاء التعاون معه، فراح يسئ ويقذف، مما استوجب بدء ملاحقة قضائية ضده.. والاهم قبل هذا وذلك، كيف يقبل المعتدى عليه، اي السيد مجيد - المظلوم والمشتوم، وفق ادعائه - ان يتعهد امام جمع من الاصدقاء الذي توسط عندهم، بعدم تكرار تنمره، وان يقوم بالاعتذار؟ وذلك ما قام به فعلا، وقد اورده نصا في كتابه، ونكتفي بذلك ونترك للقاريء الحكم..

11/ وبخصوص الجزء الثاني من السيرة الذاتية للكاتب – السيد مجيد – الذي نوه الى قرب اصداره – لو تمكن من ذلك فعلا-  نتمنى ان يضيف ويصحح ما قد يفيد الحقيقة، ويمنع ارباك القاريء، ويفتح الابواب امام الاخرين لمزيد من الاسئلة والنقاشات التي تضعف ولا تفيد، وتحرض، وتؤزم . وان سمح لنا ان نقترح عنوانا لذلك الجزء الثاني، فلعلّ الانسب ان يكون عنوانه " نصف قرن في براغ، من النضال الثقافي والسياسي، العراقي"  وليضم ذلك الجزء توضيحات حول شهاداتنا اعلاه، وتفنيدها ان تطلب الامر.. وكذلك سرد الكثير مما لم يشمله الجزء الاول من مواقف انتقادية، واراء مختلفة تحدث – ويتحدث- بها السيد مجيد في مجالسه الخاصة، سرا. ومن المؤكد ان توثيقها، كتابة، سيزيد من الموضوعية ومنع الارتياب، والشكوك والدوافع..   

12/ وبخصوص الجزء الاول ايضا من سيرة السيد مجيد الراضي نود الاشارة الى ان هناك توضيحا من قيادة الحزب الشيوعي العراقي بتاريخ 2023.4.15  ونشر في صحيفة الحزب " طريق الشعب" بتاريخ 2023.4.17  وجاء بما يشبه التبرؤ من مضامين الكتاب، والتجاوزات السياسية والشخصية التي وردت فيه ضد الكثير من الوجوه والشخصيات العامة المعروفة .. ونضيف هنا الى ان ملاحظاتنا وتنقيطاتنا اعلاه قد تقصدت في ترك تلك الاتهامات والمزاعم والافتراءات والتجاوزات السياسية (وبعضها يستحق الملاحقة القانونية) لكي لا نساهم في نشرها، رائين بأن من الانسب ان يجري الرد عليها بتمحيص وتوثيق ادق واشمل من المعنيين، والجهات والاطر ذات العلاقة..

13/ لقد ضم الكتاب ذو الصفحات الستمئة - موضوع هذه الشهادات والاضواء والتنقيطات – الكثير من التفاصيل التي اضعفت – بزعمنا – العديد من الشؤون والتأرخة الثقافية والسياسية الواردة في الكتاب. وكم كان مفيدا ايضا - احترازا من التأويلات، وتؤكد التقولات – لو خفف السيد مجيد مما "قــد" يراه البعض من مبالغات وتعالم وتضخيم لـ "لانا". ومن بين ذلك نشير على سبيل المثال لا الحصر:
- تكرار الحديث عن ادواره في الصحافة " اليسارية " بعد بدء العهد الجمهوري الول في العراق بعد 1958.7.14 ..
- اعجاب الفقيد كامل الجادرجي بكفاءات السيد مجيد، واقتراح زجه فورا في قيادة حزبه الوطني الديمقراطي مطلع الستينات..
- طلب الجواهري لكي يعمل – مجيد - محررا في صحيفته "الرأي العام" عام 1959.. وان الشاعر الكبير نفسه – لا غيره- نشر له – لمجيد- وكان عمره حينئذ سبعة عشر عاما – قصيدة وضعها داخل اطار لجودتها وتميزها..
- المبالغة لحد بعيد – بحسب المتابعين - لدوره في تأسيس اتحاد الادباء العراقيين بعد قيام الجمهورية الاولى في 1958.7.14 والنشاط فيه..
- الحديث عن الحاح  سفير العراق منذر المطلك في الثمانينات الماضية  للقاء مع مجيد، وقد وافق على ذلك بعدئذ بشروط فرضها، ثم لـ "يبهذل"السفير في عقر داره . بينما روى شهود عيان كانوا حاضرين اللقاء ذاته بانه – السيد مجيد – كان مرتبكا وودودا، وفوق العادة، مع المطلك..
- كما يعلمنا السيد مجيد في كتابه بانه اكد للمسؤولين السوفيت عن عمله  في براغ، رفضه الطلق للانتقال الى موسكو عند انهاء عمله، وانه سيذهب الى بغداد بدلا عن ذلك "لمقارعة نظام صدام حسين" بحسب النص الوارد في الكتاب، وهو امر لا يمكن تصديقه بسهولة من قبل المتابعين والعارفين بشخصية السيد مجيد .
- كما ينقل السيد مجيد انه كان هناك اعجاب وتقدير بالغ بدوره الرقابي في انتخابات اقليم كردستان العراق عام 1992 ولحد انه تم العرض عليه بالزواج من امراة كردية، تحفيزا له للبقاء في كردستان .

 14/ وبالارتباط مع الفقرة السابقة خصص السيد مجيد فصلا في كتابه عن النادى ( المنتدى) العراقي الذي بدأ نشاطه في براغ عام 1991 ويستمر الى اليوم. وتظهر صفحات ذلك الفصل ولأكثر من مرة، صراحة وتلميحا، وكأنه – مجيد- هو صاحب الفكرة والتحضير والتأسيس وادارة العمل وما الى ذلك .. وللحقيقة والتاريخ، وهنا كشاهد عيان ايضا (3) اقول بأن كل دوره في التاسيس كان المساعدة في اكمال صياغة النظام الداخلي، ليس الا. ثم شارك في الفترات اللاحقة بعدد من الفعاليات السياسية والثقافية بهذا القدر اوذاك. كما اشهد ان ثمة تشنجات وتعقيدات اثارها السيد مجيد لارباك العمل ومنها، وهي برغم صغرها الا انها تؤشر الكثير،  :
- استقالته من عضوية  النادي اواسط التسعينات الماضية بسبب انتقاده من عضو اخر في النادي..
- اثارته ضجة، ورفضه دخول  مجلس تأبيني اقيم اواسط التسعينات للفقيد عبد الحليم جعفر، اول رئيس للمنتدى العراقي ، والسبب ان هناك شعائر دينية ضمن مجلس التأبين ..
- احتجاجه لعدم اشراكه في احتفال كبير بمناسبة مئوية الجواهري عام 2000 ..
- اضطرار المنظمين لاحتفال بمناسبة الذكرى السنوية  لثورة الرابع عشر من تموز، نظم ببراغ عام 2017  لسحب المايكرفون من السيد مجيد، بعد استمراه في الخطابة الثورية  لازيد من نصف ساعة عن الوقت المخصص له بالحديث، وقد خرج من القاعة احتجاجا، مصحوبا بتصفيق الحاضرين لذلك الخروج...
- اما اخر ما نريد الاشارة اليه في مثل هذه الوقائع، النادرة، فهو اشاعته خلافا وضجة لان قائمة ضمت اسماء رؤساء المنتدى العراقي في تشيكيا سقط منها  بلا اي قصد – اسماً يهم السيد مجيد .. 
   اخيرا ثمة دعوة اخرى، ومن جديد، للسيد مجيد، وغيره من المعنيين،  لتجنب لغة الاثارة والشتم والقسوة في لغة الحوار، والاستذكار، وحسبنا ان نردد هنا بيتا، واحدا،  معبرا من شعر الجواهري الكبير، يؤشر لمثل ذلك، حين قال "وكان أجلّ من قارعت خصمٌ، بنبل يراعه ربح القتالا"..------------------------- رواء الجصاني 2023.5.1
* هوامش واحالات --------------------------------------------------------------------------
1/  لمزيد من التوثيق،عمدت الى محرك "غوغل" على شبكة الانترتيت، فلم اجد لا مادة ولا موضوعا لاسم السيد مجيد الراضي، برغم ما جاء في كتابه من انه كان لامعا، وشهيرا في اوساط الصحافة والثقافة والادب. كما لم يوثق كتابه ذو الصلة انه نشر او كتب اية مادة للفترة (1963-1979)..
2/ تناول يوسف عز الدين- وان بشكل موجز – بعض شخصية السيد مجيد الراضي ما نصه:  "لقد ولج الساحة الادبية جماعة فقدت اهم ركائز الادب وجهلت مفاهيمه الفنية والفصاحة اللغوية والاناة الفكرية، لانهم لم يجدوا من يردعهم ويقوّم اغلاطهم ويصلح اخطاءهم في المعرفة واسلوب البحث العلمي وتحري الصواب والدقة في المعلومات التي عرضوها".
3/ اطلق وتابع تأسيس النادي عام 1992 ثلاثة نشطاء هم: خالد العلي، الفقيد عبد الحليم جعفر، وكاتب هذه السطور – رواء الجصاني، وبمساعدة الفقيد حسين العامل.



10
محنةُ الذات، في مسارٍ مضطرب


    رواء الجصاني
   ---------------------------------------------------------------------------
   تُوقع مسارات البحث عن الذات، وطرق اشاعتها واثبات وجودها، الكثيرين في مسالك مضطربة – بحسب ما علمتنا الحياة - وتقودهم في الاخير الى متاهات لا اول لها ولاخر .. ولكي نقرن القول والرأي بواقع ومدلولات، ادرج خلاصات عن كتاب قرأته، مضطرا قبل، ايام، لمؤلف سنرمز له بـ (سين) احترازا من فهم الامر وكأنه ذو اهتمام شخصي، خلافا لما احاول ان تكون الخلاصات مساهمة في تجنيب القارئ والمتلقي المزيد من الانشغالات غير الضرورية، وترويج غير المهم .. وارتباطا بذلك ايضا سأهمل عامدا عنوان الكتاب برغم قناعة تامة بأنه – الكتاب – لم، ولن يلقي صدى مثلما اراد صاحبه حين خلط الامور واعاد نشر مواضيع ومقالات له في عقود سالفة، ومقولات واراء سابقة عديدة عفا عليها الدهـر.. ظنا منه بان تلك الكتابات الخطابية الموجهة لا يزال لها صدى، وانها على قيد لم تمت بعد (1).
   وابتغاء الموضوعية لا بد من الاشارة الى هناك فعلا ان لـلسيد (سين)  قدرات ادبية ولغوية غير بسيطة، معترف بها عند العديد من مجاييله على الاقل، وقد تمتع بأسم وموقع ما في عالم الثقافة والسياسة "اليسارية" سنوات طويلة، قبل ان ينكفئ ليروح مغاضبا، ونباشا، باحثا عن موطئ قدم في عالم يتقدم كل يوم بل وكل ساعة: ثورة معلومات وفكرا وعلوما وثقافة وتطورا تقنيا، ومجالات اخرى عديدة لسنا بصدد الاطالة بتعدادها .. وكم كان الافضل – بأدعائي - لو ابقى على ما له، وهو غير قليل، لكي لا يثير ما كان عليه، وهو كثير ايضا ..
  وكما اشرت سأعيد مرارا، بأن هذا التوثيق والعرض يسعى لان يكون مثالاً وحسب عن حالات باتت وكانها ظاهرة لحد ما، واعني بشكل رئيس "الانـا" المضخمة الذميمة في مؤلفات السير والذكريات والمذكرات، وقد نشرتُ عن ذلك عام 2021 متابعة ورؤى تحت عنوان "ذكريات واستذكارات تعوزها الموضوعية.. تشوهها الـ -أنا- المقيتة"  وأظن انها كانت مساهمة مناسبة للتنويه الى ما صدر – ويصدر- من كتب بذلك الاتجاه.. اي حين يريد اصحابها، ترحيل الانكفاء والتعب، ويخجلون من التصريح بالعجز، ولربما الخلاف الفكري(!) فيدعوون ما يدعون، لاجئين الى تبريرات هنا واخر هناك، واخطرهن محاولة النيل من الاخرين الذين سعوا – ويسعون – بما استطاعوا في المثابرة بالنشاط الوطني، وأمتُحنوا في ظروف بالغة الشدة والتعقيد لسنوات وعقود (2).
   لقد سعى السيد (سين) في كتابه الاخير والذي يحمل تاريخ عام 2019 ولم ينتشر الا بمساحة محدودة في الفترة القريبة الماضية، سعى لان يثبت بأنه ما زال في موقع " مهم" برغم انقطاعه عن النشاط السياسي والثقافي، وعن النشر، او ابتعاد الناشرين عنه، منذ اكثر من عقدين على الاقل، وهو الذي كان يكتب في صحافة المعارضة العراقية بشكل متتابع، وحتى عام  2003.. وبزعمي فأنه اذ راح جديبا، جهد باحثا عن الاثارة في نحو ستمئة صفحة من القطع الكبير، بتكرار وحشو واطالات، مستعرضا نشاطاته الخاصة (البدايات وسيرة ذاتية ..) والعامة لنحو نصف قرن في السياسة والثقافة.. مبرزا بطولات ومواقف مثيرة!، ومستعينا في ذلك بوقائع غير مثبتة، وبذكـر اسماء اصدقاء وزملاء عمل، وسياسة، وثقافة، غالبيتهم قد رحلوا عن دنيانا، مما يحول من امكانية التحقق من ذلك، او مما نسبه الكاتب لهم، وعنهم ..
   كما امتلأ الكتاب الذي نعنيه بانتقادات واعابة، بل وانتقاصات، واتهامات لا توثيق لها، لشخصيات وطنية وسياسية معروفة بعطاءاتها، كانت له صلة ما بهم، وبالغ – كالعادة – في مديات تلكم العلاقات، ومتانتها، واغلبهم ايضا فارقوا دنيانا. واجزم بانه لم يكن – السيد سين-  قادرا وجريئا على كتابة ما كتبه عنهم لو انهم معنا احياءً.. اقول ذلك وقد كنت ضمن شهود عيان لاربعين عاما على بعض كثير مما تطرق اليه الكتاب.. واضيف ان المؤلف ذاته لا غيره كان اكثر من ودود ومطيع لتلكم الشخصيات السياسية والوطنية، لاسباب متباينة ومنها رغبته الجامحة في ان يثبت ذاته، في النشر خاصة، او لاشغال موقع ما في"قيادات" معارضة، سياسية او ثقافية، كما لمداراة لوضعه الوظيفي الذي استقر فيه لعقدين كاملين، في اجمل عواصم البلدان الاوربية، وما برح مقيما فيها الى اليوم . واستدرك هنا لاقول ان له فعلا بعض "المشاكسات" المحسوبة بدقة منه، او من آخرين لغايات اخر، لا نريد الخوض فيها، اذ للمجالس أمانات كما هو شائع وسائد.
  لقد اوحى الكاتب – سين- وسعى لأن يوهم القراء، وخصوصا ممن لا يعرفونه عن كثب، خلال مجمل صفحات كتابه، وانه قد تحمل ما تحمل (ولا احد يدري متى وكيف؟) بسبب نشاطه السياسي، والثقافي، ناسيا او متناسيا انه خرج من العراق بحفاوة منذ ازيد من نصف قرن، الى تلك العاصمة الاوربية الفاتنة، بتوصية ومساعدة حزب وطني عريق، تكفل بان يكمل دراسته الجامعية، ويعمل مصححا- مدققا لغويا – محررا اسلوبيا، في مركز اعلامي دولي، كان ضامنا لموظفيه والعاملين فيه (وعوائلهم) كل سبل الراحة والترفيه، من معاش محترم وسكن لائق وضمان صحي واجتماعي وغيرها .. ومن المؤسف ان يكون هدف السيد سين في كتابه: الاساءة المتعمدة والمختلقة في الكثير من الاحيان، للعديد من قيادات ذلك الحزب العريق الذي وفر له كل تلك الامتيازات. متلبسا لبوس الحرص والاخلاص، وكلاهما جاءا لضرورات تجميل القبيح من اساءاته بل اقول شتائمه، ولا اتردد  ..
     ان من حق الجميع كما هو معروف ان ينتقد ويخاصم ويختلف، ولكن بالاسلوب الحضاري، وخاصة عند المثقفين.. اما ان يتعب الانسان، او تتغير اراؤه، او يفشل في اثبات وجوده، فيحمل الاخرين وزر ذلك، فتلك هي المأساة التي تبرز لدى السيد (سين) . وهذه الحال باتت شائعة – للأسف- عند جمع كثير من ناشطين سياسيين ومناضلين سنوات مديدة في صفوف قوى واحزاب الحركة الوطنية العراقية، ودفعت بهم بعض الاندفاعات الى مواقف الشتم والتحريض المباشر وغير المباشر للذين استمروا وواصلوا – بقدر ما استطاعوا، او أجتهدوا – للنشاط والعطاء وفي داخل البلاد خاصة..
    وفي وقفة، موجزة، ذات صلة عند مقولة ومصطلح المثقف العضوي لــ "غرامشي" نفهم ان من ابسط اوليات ذلك عند المعنيين ان يكونوا مع الناس لا فوقهم، وان يكونوا في صميم الاحداث، وليس بعيدا عنها الاف الكيلومترات، وفي رفاه يحسدون عليه.. ثم يقوموا من علياء ظروفهم بالنقد المسئ، والتوجيه كاوصياء على اصحاب "الأنة" والمكتوين بنيرانها. ونظن – وليس كل الظن أثم- ان السيد سين واحد من الذين نعنينهم، وكثيرة هي شهادات المعايشين له، والعارفين بشؤونه، والمتابعين لظروفه ونشاطاته عقودا مديدة، ومن بينها "العصابية" و"العدوانية" ما استطاع اليهما سبيلا، وخاصة عندما يأتمن جانب من يحاول ان يطالهم، ويراهن على صفاتهم الانسانية، والتزاماتهم الاخلاقية..
   وفي حالة – مثالا- على ما نشهد، ان حزبا عريقا قام ممثلون عنه بتقليد السيد (سين) عام 2018 بوسام مميّز، في اعلان وجلسة رسمية، تكريما لنشاطاته "السابقة" في صفوف الحركتين الثقافية والسياسية الوطنية.. ثم ليقوم – سين-  بعد ذلك التاريخ بفترة وجيزة بشتم اولئك المانحين، وحزبهم، وبتطاول ذميم،  وذلك في الكتاب الصادرعام 2019  كما اسلفنا.. ولا ندري كيف يمكن تفسير الحالتين، واعني حالة الوفاء من الجهة المانحة، والعداء والغلّ من قبل الممنوح !. (3)
    لقد كان هناك بعض التردد في كتابة محاولة "التفكيك" هذه لكتاب السيد سين، بعد ملاحظات اصدقاء متابعين للأمر، ومن منطلق ان الرجل في سن متقدمة، اطال الله في عمره  .. ولكن ما رجحً واستقر، بان من المنطقي ان يكون الانسان وهو بمثل تلكم الحال، ازخر تجربة وموضوعية، واكثر توازنا وتسامحا، وأوفر محبة.. غير ان الواقع يؤشر العكس تماما. ذلكم اضافة الى ان هناك، في الكتاب، تجاوز على التاريخ، وعلى الحقيقة. واذا ما كنا حتى اليوم شهودا في هذه المرحلة، فان السنين اللاحقات تحول دون التمكن من الادلاء بشهادات وتوثيقات ضرورية، تهدف لكشف التظليل، خاصة وان الموضوع يعني العام وليس الخاص، وهذه مسؤولية تشمل جمعا واسعا من المعنيين الذين لم يتصدوا بعد، والى الان على الاقل، لمثل تلك الحالات. ولا نشترك في الاعتقاد بأن من المصلحة العامة السكوت عن الاساءات والتشويهات، مما قد يساعد على تمادي اصحابها ..
   ومما يزيد الطين بلّة، كما يقال، ان كتاب السيد (سين) صدر عن دار نشر عريقة، غير تجارية بالمعنى الحرفي، بل دار تساهم في التنوير، واشاعة المفاهيم الانسانية.. دعونا من فضيلة التصدي وكشف محاولات التزوير، والانتقاص من مناضلين تشهد لهم زنازين السجون وقساوة ظروف العمل الوطني والسياسي، بكل اشكاله، الملئ بالمخاطر والتضحيات.. وما برحنا نتساءل عن ظروف نشر هذا الكتاب الذي يهدف الى ابراز "البطولات" الشخصية، واعلاء "الأنـا" بشكل رئيس.. خاصة وان الكثير من الشباب والمتلقين الاخرين ممن لا يعرفون الكاتب، قد يعجبــون بـ " ثوريته" و"نضاله" وكتاباته، ونشاطاته "الفكرية"..  ومن هنا تأتي خطورة – ودعوني اقول خطيئة- ان يصدر الكتاب عن مثل تلك  الدار الرصينة، اذ قد يفهم البعض ذلك بانه تزكية امام القراء والمتلقين..
     ختاما وقد أطلنا وما كانت تلك رغبتنا، ولكن السياق اضطرنا لذلك، لا سيما، ومرة اخرى واخرى، ان هذه الكتابة عنيّت بالامر من جانبه العام، بعيدا عن الشخصنة التي جاء الكتاب المعني "زاخرا" بها، كما عند المتابعين كم "زاخر" ايضا للرد عليها، و"تفكيك" المقصود منها.. واوجز ذلك  بتساؤلات عجول، ولكنها بصوت عال، ومن بينها : لمن تخدم مثل هذه المؤلفات والكتابات؟!. ومن له مصلحة في اثارة المزيد من الاحقاد والمنابزات، والتهامات المتهافتة ؟!. وكذلك، ماهو مصير مثيلاتها من اصدارات، واصحابها"؟ّ. أو هكذا يتمثل "الوعي" الوطني" الحقيقي؟! .. ام انها محنة الذات في مسار ووعي مضطرب على ابسط تفسير؟!.
-----------------------------------------------------------------
1/ لمزيد من التوثيق،عمدت الى محرك "غوغل" على شبكة الانترتيت، فلم اجد لا مادة ولا موضوعا، لاسم السيد "سين" الصريح، برغم ما جاء في كتابه من انه كان لامعا، وشهيرا في اوساط الصحافة والثقافة والادب..
2/ كتبت تحت عنوان "ذكريات واستذكارات تعوزها الموضوعية.. تشوهها الـ -أنا- المقيتة"  مادة عامة اوجزتها بتسع نقاط، نشرت عنها صحيفة المدى بتاريخ  2021.5.31 . وهي مثبتة الى اليوم في مواقع اعلامية عديدة على الانترنيت، مؤرخة في  حزيران 2021 ..
3/ برزت في حينها تحفظات عديدة، لمنح السيد "سين" ذلك الوسام، احترازا من توقعات مساعيه لاستغلال ذلك الحدث، وذاك ما وقع  فعلا في كتابه موضع هذه القراءة والخلاصات..


11

استذكار الجواهــري الخالد: اهتمام باهـر ، وصمت مريب..
وبينهما سقطة دبلوماسية !!
* رواء الجصاني
-----------------------------------------------------------
    صدر عن مركز الجواهري الثقافي، قبل ايام، ووزع في بغداد وبــراغ، كراس/ كتيب اوجز، ووثق خلاصات عن الاستذكار الوطني والثقاقي للسنوية الخامسة والعشرين لرحيل الجواهري الخالد، التي صادفت بتاريخ 2022.7.27 .. ومن جملة ما احتواه الكراس وقفاتٌ عند ابرز الفعاليات والكتابات، والاصدارات، وغيرها. وجاء في المقدمة:
"... إذا ما كانت ملحمة - اسطورة كلكامش، السومرية الغارقة في العراقة، وحتى اربعة - خمسة الاف عام، قد تحدثت عن الخلود والموت، ذلكم هو الجواهري يجسد الامر حداثياً، وواقعياً، فراح يَخلـدُ، بعد إن رحلَ، عبر فضاءات الفكر والشعر والابداع..  أما هو الذي صدحَ - ويصدحُ شعره - كل يوم في قلوب وأذهان المتنورين، العارفين دروبهم ومسالك حياتهم ؟!"... " الم تبرح الاطاريح الاكاديمية، فضلا عن الدراسات والكتابات، والفعاليــات الثقافية والفكرية تترى للغـور في عوالم شاعر الامتين، ومنجزه الثري؟!. اما الظلاميون، ومن يحابيهم، فلا عتاب عليهم، ولا شكوى منهم، فلهم كل الحق في ما يفعلون،  فالضدان لا يجتمعان: تنويـر ومواقف شاعر خالد، ودواكـن الافكار والمفاهيم"..
   ثم تلا المقدمة نداء مركز الجواهري بالمناسبة تحت عنوان"استذكـار الجواهري، تبــاهٍ بالشعر والوطن والتنوير" لتتبعه خلاصات عن حياة ومواقف الشاعر الخالد طوال "ثمانية عقود من الشعروالفكـــر والصحافة والسياسة"  وبعدها توثيق كتبه د. عدنان الاعسم عن "بعض فعاليات الاستذكار الوطني، والثقافي، لسنوية رحيل الجواهــري الخامسة والعشرين" شملت محطات موجزة ومنها برامج تلفزيونية وندوات وكتابات واستذكارات ومقالات لمثقفين واعلاميين من عارفي تمّيز ارث وتراث الجواهري، وطنيا وفكرا وشعرا..
** طابع تذكاري ومهرجان واحتفالية وندوات وكتابات 
 ومن الفعاليات الابرز التي حفل بها الاستذكار مهرجان نظمه في مقره: الاتحاد العام للكتاب والادباء بتاريخ 2022.7.26 ومن بين فقراته تحايا ومداخلات ومعرض للصور، وآخر للكتب وندوة بالمناسبة. اعقبته في اليوم التالي 2022.7.27 فعالية وزارة الثقافة على مسرح الرشيد ببغداد شهدت توزيع طبعة جديدة من مؤلف الجواهري، المهم، الموسوم بـ " ذكرياتي" ذي الجزأين، الصادر في دمشق عامي 1989 و 1990 ومداخلات وفيلم قصير، وفعاليات اخرى، علما بانه سبق للوزارة ان نشرت العام الماضي طبعة جديدة، وكاملة من ديوانه بستة اجزاء... الى جانب استذكارية "بيت المدى" بتاريخ 2022.7.28 وكذلك ندوة المقهى الثقافي في لندن كما شمل التوثيق الاشارة الى اصدار مؤسسة البريد العراقية طابع تذكاري حمل صورة الجواهري، وتأرخة لمناسبة السنوية الخامسة والعشرين لرحيله..
** بيت الجواهري: متحف ومركز ثقافي 
   اما مسك الختام لتلكم الفعاليات الاستذكارية الوطنية والثقافية فكان قيام رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بافتتاح "بيت الجواهري" رسميا، بتاريخ 2022.8.13 والذي انجزت "امانة بغداد" بفترة قياسية اكماله وتأهيله، بمشاركة الامانة العامة لمجلس الوزراء، وممثليها، لينطلق نواة مركزٍ ثقافي ومتحف يضم مقتنيات عديدة للجواهري الخالد، واصداراته، واكثر من مئـة صورة، وصورة له، يعود تاريخ بعضها لنحو مئة عام، وجمعا عديدا من الكتب، واطروحات الدكتوراه، ورسائل الماجستير، وغيرها عن شاعر الامتين.. وقد تعزز ذلك المنجز بقيام الامانة – امانة العاصمة – باطلاق اسم "الجواهري" على الشارع الرئيس الذي يوصل الى بيته – متحفه، القائم في منطقة القادسية، ببغداد..
** رسائل شكر لشخصيات رسمية، وثقافية
   هذا وقد ضم الكراس ايضا متابعة لرسالة مشتركة الى دولة رئيس الوزراء العراقي، الاستاذ مصطفى الكاظمي، اعرب فيها كل من د. كفاح الجواهري، ممثلا عن عائلة الشاعر الخالد، ورواء الجصاني، رئيس مركز الجواهري للثقافة والتوثيق، عن بالغ التقدير لمبادرته المتميزة باعتبار الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل شاعر العراق والعرب الأكبر إلى الخلود مناسبة وطنية لاستذكاره.. كما تم توجيه رسائل شكر وتقدير مشابهة اخرى لمعالي وزير الثقافة، حسن ناظم، ولمعالي امين بغداد عمار موسى كاظم، وكذلك للذوات الافاضل، مع حفظ الالقاب والمكانات: المهندسة المعمارية شذى العامري، ومستشار رئيس الحكومة، صباح عبد اللطيف مشتت، ومديرعام الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة، عارف الساعدي، وعلي الفواز، رئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب، وعمر السراي، امين عام الاتحاد، والمدير العام لشركة البريد، ادريس خالد عبد الرحمن ورئيس شبكة الاعلام العراقية، نبيل جاسم، ونائبه صادق الصحن، ونوفل ابو رغيف، الوكيل الاقدم لوزير الثقافة، ومحمد الربيعي مدير عام العلاقات في امانة بغداد، ومعاونه، عبد المنعم العيساوي، وممثل مركز الجواهري في بغداد، ظافر الجناحي..
** مشاركات وكتابات مميزة
   ومن مواضيع الكراس / الكتيب الذي نعرض له، توثيق لمشاركات مهمة: قصائد ومقالات ومداخلات، وغيرها، وخاصة في فعاليات اتحاد الادباء والكتاب واحتفائية وزارة الثقافة واستذكارية "بيت المدى" و ندوة المقهى الثقافي في لندن.. ونشر العديد من الصحف ومواقع الاعلام العراقية والعربية، مقالات وبحوثا وكتابات تناولت شؤونا ومحطات عن الشاعر العظيم، عبرت جميعها عن التقدير والاعتزاز بقصيده، وعطائه والوطني، والعربي والانساني الرحيب.. ومن بين من تم التوثيق لمشاركاتهم ، الافاضل المكرمون، مع حفظ الالقاب والمهام والمواقع، الدكاترة والاساتذة والذوات:
غادة السمان، بشرى العامري، نادية هناوي، حازم التميمي، حسام السراي، حسين القاصد، حميد الخاقاني، سعيد عدنـان، ستار شبيب، رفعت عبد الرزاق، رواء الجصاني، زهير الجزائري، ضياء نافع، عدنان الاعسم، عبد الحسين شعبان، عبد الحميد برتو، عقيل مهدي، علي حداد، على حسن الفواز، علي حسين، عمر السراي، عادل العرداوي، غزاي درع الطائي، كفاح الجواهري، مالك المطلبي، مأمون الخالدي، محمد حسين الياسين، مضاد الاسدي، معن غالب سياح، مهدي النهيري، نوفل ابو رغيف، هزبر محمود.. ووسام العبيدي ..
واذ شمل التوثيق اعلاه ، ما تيسر الى الان، ثمة سعي لأستكماله، وتوسيعه بحيث يشمل ابرز القصائد والبحوث والمداخلات، والكتابات، والافلام التوثيقية، اومواجيز عنها في الاقل، الى جانب تواريخ وامكنة المنابر التي شهدتها، وكذلك وسائل الاعلام التي نشرتها، وسواء كان ذلك في بغداد او خارج البلاد العراقية..
** تحايا وبعض وفاء 
  لقد ضمت صفحات الكراس / الكتيب ذي الصلة مادة كتبها  د. كفاح محمد مهدي الجواهري، باسم عائلة الشاعر الخالد تحت عنوان "تحايا وبعض وفـاء" .. تلتها مادة ارشيفية عن" بيت الجواهري"الاول والاخير في العراق" ثم توثيق عن احدى وعشرين اطروحة دكتوراه، وثلاث عشرة رسالة ماجستير عن الشاعر العظيم اعدها للنشر ظافــر الجناحـي. وبعدها استعراض سلوان الناشئ لمادة عن الذكرى العشرين لانطلاق مركز الجواهري للثقافة والتوثيق، التي صادفت بتاريخ 2022.4.17 .. كما ثمة في الكراس / الكتيّب صفحات ضمت صورا لعدد من الفعاليات التي اشرنا لها، ولجمع من لافاضل المشاركين ..
** موقفان لسفارتي العراق في بـراغ وباريس
  حملت خاتمة المطبوع التي كتبها سامر علي احمد " شكرا موصولا بالمحبة والتقدير لما سعت - وحاولت ان تسعى اليه - سفارتا العراق الموقرتان في براغ وباريـس، في المشاركة بفعاليات الاحتفاء الوطني، والثقافي بمناسبة الذكرى 25 لرحيل الجواهري الخالد"..واضافت "واذ حالت ظروف فنية وغيرها دون احراز المنشود، فلعل العوض في قادمات الايام، ما دام حسن النوايا قائم، والقناعة بما يمثله الاستذكار، ويعنيه، سائد وراسخ"..
** صمت مريب لنقابة الصحفيين ..
  ومما جاء في خاتمة الكراس / المطبوع ايضا توثيق  حول "تميّـز" موقف قيادة نقابة الصحفيين العراقيين في المشاركة بالاحتفاءات الوطنية والثقافية الواسعة التي كرست لاستذكار الجواهري، خاصة وانه اول نقيب لصحفيي العراق، وابرز مؤسسيها عام 1959.. وقد تمثل ذلك "التميّـز"  في صمت مريب " ولا حتى ببيان قصير لدفع البلاء والقضاء، برغم اتصالات ومراسلات مباشرة مع النقيب السيد مؤيد اللامي، وامين عام النقابة السيد حسن العبودي. وما زلنا - مع كل المستغربين والمتابعين- نبحث عما يكمن وراء ذلك "التمّيز" وعسانا نجده عند المعنيين انفسهم، بعيدا عن "التكهنات" و"الاشاعات" !!.
**عتاب "ساخن" على سفارتنا لدى القاهرة..
  اخيرا ضمت خاتمة الخاتمة وقفة عتاب ساخنة جاء نصها كالتالي: " لقد  استبشرنا خيرا في اول رد فعل ايجابي من سفارة العراق لدى مصر، بشأن تنظيم فعالية استذكارية للجواهري الخالد، في القاهرة، حيث مقر جامعة الدول العربية، وحيث سفارتنا هناك معنية بتمثيل العراق فيها.. قلنا استبشرنا خيرا، وتمت اتصالات ومراسلات مع السفارة الموقرة عبر السيد مستشارها الثقافي الذي اكد تكليفه بمهام متابعة الشؤون ذات الصلة.. ولكن يبدو ان "استبشارنا" لم يكن في محله، اذ اختفت "الشاشة" فلا سلام ولا كلام، ولا جواب ولا سؤال، وتلك مواقف لانرى انها تنم عن الدبلوماسية المتوخاة، ولا نقول اكثر.. ودفع الله ما كان أعظم"..

12
عن مآثـر ومبادئ الامام الحسين،
 في بعض قصيد الجواهري، ونثره
رواء الجصاني
----------------------------------------------------
  * لم يقتصر ما بين الجواهـري والإمام الحسيـن على ما فاضت به الفريدتان الشعريتان: (عاشوراء) و(آمنت بالحسين) وغيرهما، بل تعداها إلى نثــر رصين بيّن في معناه ومبناه، وفي ما اراد التأشير اليه وحوله من مغازٍ جلى، علانية مع سبق الاصرار..
* وقصيدة “عاشوراء” المنظومة والمنشورة عام 1935 كانت بثمانية وستين بيتاً، استعرض في الجواهري، ووثق خلالها العديد من الاحداث التاريخية، الثورية والماساوية في ان واحد ، وبالاسماء المقرونة بالاوصاف التي تليق – بحسب رؤاه- بالمضحين من اجل المبادئ، من جهة، وبمعارضيهم، بل ومحاربيهم وقتلتهم، من جهة ثانية…

هيَ النفسُ تأبى أن تُذَلّ وتُقهَرا… ترَى الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا
وتخـتارُ محموداً من الذِكرِ خالداً…على العيش مذمومَ المَغَـبّـة مُنكَرا…

* واذ جاءت “عاشوراء” في زمانها، والجواهري انذاك في عقده الثالث وحسب، مباشِرة في المعاني والتصريح، واقرب للتوثيق التاريخي، هدر الشاعر الخالد بعد ذلك باثني عشر عاماً، بعصماء “امنت بالحسين” التى فاضت بالتعبير عن المواقف والمفاهيم الطافحة بالإباء والشموخ، والممجدة للفداء والتضحيات، كما هي الحال في الخوالد الجواهرية العديدة، وان اختلفت في الصور والاستعارة:

فـداء لمثـواك من مضـجـعِ … تـنـوّر بـالابلــج الأروعِ
ورعياً ليومـك يوم “الطفـوف” … وسـقياً لأرضك من مصرع
تعـاليت من مُفـزع للحتـوف … وبـورك قبـرك مـن مَفزع

* لقد سبق ان أرخنا للقصيدتين في كتابات سابقة، نشرناها في فترات زمنية متفاوتة، وفي وسائل اعلام عديدة .. ثم، وفي مسارات بحثنا في اصدارات ونثريات الجواهري، وصحفه، راحت امامنا مادة جديدة تعنى بذات الموضوع، ونعني به مآثر الامام الحسين، واستلهامات الجواهري الخالد منها وعنها… ومن ذلك ما نشرته جريدته "الجهاد" في عددها 128 بتاريخ 30/ أيلول/1952 مقالا افتتاحيا بتوقيع الجواهري تحت عنوان: “تضحيات الحسين صورة لم يخلق إطارها بعد”… ومما جاء فيه:
ومع هذا كله فستظل تضحية البطل الحسين بن علي، سيدة التضحيات، وسيظل هو بحق وجدارة سيد الشهداء. نقول ذلك غير مغالين. ونقول – ولا نغالي أيضاً- أن تضحية الحسين دوت بذكراها في كل بقاع الدنيا أياً كان جنسها ودينها… وإنها لكانت اليوم كذلك، لو أردنا لها نحن المسلمين أن تتحرر من هذا الإطار الديني الضيق، الذي يراد حصرها فيه، بل لو كتب لهذا الدين الاسلامي نفسه على الأقل أن يتحرر هو من بدعه وشوائبه ومن زيغ فئة غير قليلة من المتظاهرين باحتضانه، والمتزيين بزي النافحين عنه، وأن نتخلص من سوس التفرقة والتعصب والتضليل مما أضاع له كل رونق وكل أثر ومما أفقد ما يصطبغ به من التضحيات الجسام رونقها…”

* اخيرا، وفي سياق تأرخاتنا لقصائد الجواهري، وعنها، نوثق بان مآثر الامام الحسين، وجلال مواقفه ومبادئه، تكرر في عديد اخر من قصائد الشاعر العظيم ومنها:
- في قصيدة “تحية الوزير” عام 1927 وجاء فيها :حبّ “الحسين” الذي لاقاه مغترباً، من الشآم، وما لاقاه محتربا
 - وكذلك في قصيدة “ناغيت لبنانا” عام 1947 حين قال: وحنت عليك ذؤابة رعت "الحسين" و”جعفراً” و”عقيلا
- وايضا في قصيدة “يا آبن الهواشم” تحية للملك حسين،عام 1992 وقد ضُمنتا بضعة ابيات من قصيدة “ناغيت لبنانا”عام 1947المشار لها قبل سطور، ومن بينها :
شدت عروقك من كرائم هاشم ٍ، بيضٌ نميّنَ “خديجة” وبتولا
وحنت عليك من الجدود ذؤابةٌ، رعت “الحسين” و” جعفراً” و “عقيلا”..
------------------------------------------------------
مع تحيات مركز الجواهري
 www.jawahiri.net



13
ربـع قرن على رحيل الجواهري العظيم ...
يموتُ الخالدونَ بكل فــجٍ، ويستعصي على الموتِ الخلودُ
-   رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------------
قبل خمسة وعشرين عاماُ، وفي صبيحة الأحد، السابع والعشرين من تموز عام الفٍ وتسعمئة وسبعة وتسعين، تحديداً، استنفرت وكالات أنباء ومراسلون وقنوات فضائية وغيرها من وسائل اعلام، لتبث خبراً هادراً، مؤسياً، هزّ مشاعر، ليس النخب الثقافية والسياسية فحسب، بل والألوف الألوف من الناس في شتى الارجاء :
"الجواهري يرحل إلى الخلود في احـد مشافي العاصمة السورية - دمشق، عن عمر يناهز المئة عام"..
    وهكذا يطبق "الموت اللئيم" اذن على ذلك المتفرد الذي شغل القرن العشرين، على الأقل، ابداعاً ومواهب، ثم لتروح الأحاديث والكتابات تترى بعد الخبر المفجع، عن عظمة ومجد الراحل العظيم :
-   المتميز بعبقريته التي يتهيّب أن يجادل حولها أحد..
- السياسي الذي لم ينتم ِ لحزب، بل كان "حزباً" بذاته، يخوض المعارك شعراً وفكراً ومواقف رائدة...
- الرمز الوطني الذي أرخ للبلاد وأحداثها بأتراحها وأفراحها من داخل الحلبة، بل ووسطها، مقتحماً ومتباهياً:
أنا العراقُ لساني قلبه ودمي فراته وكياني منه اشطارُ
- وذلك الراحل الخالد، نفسه: حامل القلم الجريء والمتحدي الذي "لو يوهب الدنيا بأجمعها، ما باع عزاً بذل المترف البطر".. ناشر صحف "الرأي العام" و"الجهـــاد" و"الثبات" .. ورفيقاتهن الأخريات...
- منوّرٌ متميزٌ من أجل الارتقــاء، صدح مؤمناً على مدى عقـود حياته المديدة :
لثورة الفكر تاريخٌ يحدثنا، بأن ألفَ مسيح دونها صلبا..
- صـاحب "يوم الشـهيد" و"آمنت بالحسين" و"قلبي لكردستان" و"الغضب الخلاق" و"الفداء
والدم"... شامخ، يطأ الطغاة بشسع نعل ٍ عازبا..
- والجواهـري ايضا وايضا: متمرد عنيد ظـلّ طـوال حياتـه باحثاً عن "وشـك معترك أو قرب
مشتجر".. كيّ "يطعم النيران باللهب"!..
- مبدعٌ بلا حـدود في فرائـد "المقصورة" و"زوربـا" و"المعـري" و"سـجا البحـر"و"أفروديـت" و"أنيتـا" و"لغة الثياب" و"أيها الأرق" وأخواتهن الكثار ... وهو قبل كل هذا وذاك "أحب الناس كل الناس، من أظلم كالفحمِ، ومن أشرقَ كالماسْ"". كما انه "الفتى الممراح فراج الكروب" الذي "لم يخل من البهجة دارا" ..

-  رائدٌ في حب وتقديس من "زُنَّ الحياة" فراح يصوغ الشعر "قلائداً لعقودهنَّ" ... و"يقتبس من وليدهن نغم القصيد" ..
- وديع كالحمامة طبعاً لا تطبعا، ومنتفض كالنسر، حين يستثيره "ميتونَ على ما استفرغوا جمدوا.."
-  وهو لا غيره الذي قال ما قال، وما صلى " لغير الشعر من وثـنِ " ... فبات الشعراء يقيسون
قاماتهم على عمود قامته الشامخ...
- انه وباختصار: ذلك الطموح الوثاب الذي كان، ومنذ فتوته "يخشى أن يروح ولم يبقِ ذكرا" ... فهل راحت قصائده - حقا - "ملؤ فم الزمان"!! وهل ثبتت مزاعمه بأن قصيــده "سيبقى ويفنى نيزك وشهاب" وهو القائل:
وها هو عنده فلكٌ يدوي..... وعندَ منعمٍ قصرٌ مشيدُ
يموتً الخالدونَ بكل فـج ٍ .. ويستعصي على الموت ِ الخلود
ترى هل صدق بما زعم ؟؟!!... التاريخ وحده من انبأنا، وينبئنا عن الامر،
ويا له من شاهد حق ٍ عزوفٍ عن الرياء!!
-------------------------------------------------------* رواء الجصاني 2022.7.27


14

بمناسبة الاعلان عن قرب افتتاحه متحفا، ومركزا ثقافيا...
هذا هـــو "بيـت الجواهــري" الأول والأخير في العراق
رواء الجصاني*
-----------------------------------------------------------------------
    * من بين ابرز الفعاليات المتميزة لاحياء الذكرى 25 لرحيل الجواهري، التي تصادف في 2022.7.27 اعلنت امانة العاصمة العراقية - بغداد مؤخرا (حزيران 2022) التوجه لافتتاح بيت الشاعر الخالد، نواة متحفٍ لاثاره، وتراثه، ومركزا ثقافيا وطنيا، وعسى ان يكون الامر جدياً هذه المرة، اذ سبق ان قامت الامانة، بل واعلنت، مرات سابقات عن"وعود" و"مواعيد" عديدة عن ذلك الشأن، ولكن لم يتم الالتزام بالمواعيد والوعود، لاسباب تنسجم مع الحال العراقية، المعروفة، ولا نزيد !!..   
  *  وهذا والموعد الجديد يأتي  بعد نحو احد عشر عاما مرت على  اطلاق كتابات ومطالبات وحملات اعلامية داخل البلاد وخارجها، بادر اليها مركز "الجواهري" في براغ، وتابعها، ليعلن بعدها أمين العاصمة الاسبق، صابر العيساوي، عام 2011  قراراً باستملاك بيت الشاعر العظيم في بغــداد، الواقع في منطقة القادسية / حي الصحفيين، بهدف منع بيعه تجارياَ، ودثره.. وعوض ذلك العمل على تحويله ارثاً ثقافياً ووطنياً، وتحويله إلى متحف يضم ما تبقى من مقتنيات وآثار شاعر الأمتين، العراقية والعربية، التي تناهبتها الأحداث، والمغتربات، وآخرهما تعترابه في العاصمتين التشيكية والسوريـة: براغ ودمشق...
    *  وبعيداً عما نشر بهذا السياق، في وسائل الاعلام العراقية، والعربية، من مقالات وتصريحات واستكتابات متنوعة ومتباينة، لنا عنها، وحولها، كثير من التساؤلات والتوضيحات المؤجلة لحين قريب كما نتمنى ... نقول بعيداً عن ذلك: ان البيت المعني هو الوحيد، ولنقل: الأول والأخير، الذى تملكه الجواهري في العراق، عبارة عن مبنى اعتيادي تبلغ مساحته مع حديقته:  540 متراً مربعاً، ، شيّــد على قطعة من الأراضي التي وزعتها الدولة، ذات زمان، على الصحفيين ... وقد انجزت اعمال بنائه أواخر العام 1971 بشكل متواضع، وغُطيت نفقاته بين تمويل ذاتي، وقرض من البنك العقاري، وديون شخصية... وقد سكنه الجواهري وهو رئيس اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين آنذاك، منتقلاً إليه من الدار التي استأجرها له نجله "فلاح" أواخر العام 1968 في حيّ الداوودي، عند عودة شاعر البلاد العراقية إليها، بعد "سبع عجاف" قضاها اضطراراً في اغترابه الأول إلى بـراغ، بدءاً من عام 1961 حين "لم تكفل له الأوطان دارا"...
  *  وبيت "ابن الفراتين" الذي نتحدث عنه ليس سوى بناء تقليدي كما اسلفنا، يضم ثلاث غرف نوم، وواحدة للاستقبال، وأخرى للجلوس، مع المرافق الضرورية... وقد شهد طوال عقد السبعينات الماضية أحداثاً ووقائع وتفاصيل متشابكة لمديات بعيدة في الشؤون والشجون الوطنية والثقافية والشعرية وما إليها، وما بينها...
* وذلكم البيت، ونكرر انه الأول والأخير، والوحيد، على ما ندري ونؤكد بيقين، تملّكه الجواهري، بعد ترحال وإقامة واغتراب، وتغرب، وهو لا يحمل معه غير "منقار وأجنحة" على مدى نصف قرن ... وفي ليالي ذلك البيت، ونهاراته، أينعت العبقرية الشعرية قصائد ومطولات عديدة،  فيها ومنها الانساني، والوطني والاجتماعي والوجداني، ولافكاك بينها من التداخل والتلازم مع الهموم والانشغالات الفكرية والسياسية والاجتماعية وما إليها...
   * وعلى مدى السنوات العشر – تقريباً – وللفترة (1971-1980) تحديدا، التي عاشها الرمز العراقي في بيته الذي نعني، عصفت بالبلاد وأهلها محنٌ هنا، ومآسٍ هناك، تحت سلطة الحزب الواحد فالعشيرة، فالعائلة فالفرد... وقد كان الجواهري يعيش تلك الأجواء الأليمة، بكل صبر، وان تغلفت أحياناً ببراقع، وترقيع، تفاءلَ بها البعض، غير القليل، بآمال وتمنيات ولحد المبالغة في أحايين عديدة...
* وبهذه الحال كان ذلك البيت ذاته – لا غير – مزار أطياف ونخب سياسية متباينة الرؤى والمسؤوليات، وحتى الوفاء احياناً، فبعضها صادق أمين، وآخر متزلف متدثر بألف زيٍ وزيّ، ولكنها كانت جميعاً، في حضرة الجواهري – على ما نشهد - دعاة تآلف ومحبة، وان راحت احياناً في الأقوال وحسب...
* كما ان البيت الذي نعنى، بات ملتقى للنخب الفكرية والثقافية والشعرية، من كل النحل والرتب، تؤم مقام الجواهري: مودة وتلمذة وتباهياً، دعوا عنكمو الآخرين الذين كانوا يريدون صكوك الغفران. وكم يطول التعداد، ويعرض، ويعلو، لمن زار، وأحـبَّ، وتبارك بزيارة أو لقاء أو حديث مع الشاعر الرمز...
* وإضافة لكل ما تقدم، شهد ذلك "البيت" التاريخي منح الجواهري جائزة "لوتس" عام 1975 وولادة أول جمع وتدوين لتراثه الشعري في مجموعة هي الاولى من نوعها حتى اواخر السبعينات، ونعني بها الأجزاء السبعة (1973-1980) التي أشرف عليها، مع حفظ الالقاب: مهدي المخزومي وعلي جواد الطاهر وابراهيم السامرائي ورشيد بكتاش... كما راحت تترى من البيت ذاته مختارات الجواهري لعيون الشعر العربي، أواسط السبعينات لتنشرها صحيفة الجمهورية البغدادية بمتابعة محمد حسين الأعرجي ... ذلكم إلى جانب ما شهده – البيت- من مقابلات وحوارات تاريخية مع الجواهري ومن أهمها على ما نزعم الحواران التي انجزهما محمد الجزائري عام 1975 وحسن العلوي عام 1979...
* ومن ذلك البيت الذي نوثق له، وعنه، كانت انطلاقات الجواهري لعواصم عربية وعالمية عديدة: رئيساً لوفود أدباء العراق في مؤتمرات ومشاركات رسمية، أو ضيفاً أول على فعاليات ومهرجانات عديدة: شعرية وثقافية وغيرها، ومنها في دمشق وتونس وصوفيا وموسكو والدوحة والكويت وابي ظبي وعديد سواها، اضافة الى براغ التي بقيّت "جنة الخلـد" عنده ... ذلك الى جانب " فراره " من البلاد لفترات متفاوتة الى القاهرة والرباط واثينا،... مخاصماً وغاضباً ومغاضباً، مسؤولين وحساد وحاقدين، بل وحتى محبين "علهّم كانوا حيارى في مفترق الطرق" ..
   * وفي ذلك البيت الذي نعني، اينعت روائع جواهرية، ومقطوعــــات وجدانيـــة ووطنية واجتماعية عديدة، نحصر منها : مطولة "حبيبتي" عن زوجته آمنة... مناجاة "يا فرحة العمر" عن شقيقتـــه نبيهة ... مقطوعة "ابا مهند" إلى نديمه مهدي المخزومي ...  بائية "إلى وفود المشرقين" في تجمع عالمي ببغداد...  دالية "أزح عن صدرك الزبدا" المجلجلة في احتفاء اقيم له في النجف...  " فتى الفتيان" عن صديقه "المتنبي" في مهرجان مهيب ببغداد ... ولامية  "أم الربيعين" خلال احتفال تكريمي خاص به في جامعة الموصل ...
   * كما، في ذلك "البيت " ايضاً لا غيره " نُظمت " قصائد مجاملة، كان بعضها استجابة لمناشدات – كنا شهود عيان على بعضها – وذلك من شخصيات وطنية، لكي يلقي شاعر البلاد، ورمزها العظيم، بثقله، ويحاول تأخير انقضاض سلطات البعث - ولو لبعض الوقت - على الأحزاب والقوى الوطنية "المتحالفة" معها أو "المعارضة"... ومعلوم طبعاً ما جرى خلال عقد السبعينات الماضية من عسف وقمع وارهاب شمل الالاف، ومن بينهم ً نجل الجواهري "كفاح" اعتقالاً وتعذيباً، وكذلك ابنته الوسطى "خيال" احتجازاً وتخويفاً... ثم، ومن ذلك البيت الذي نؤرخ له، لجأ الجواهري إلى الاغتراب مجدداً، غضباً، وموقفاً من سياسات وتوجهات السلطات الحاكمة، فغادر إلى براغ أولاً مطلع العام 1980 ثم ليتناصف الاقامة بينها ودمشق منذ عام 1983 وحتى رحيله عام 1997…
* ثم دعونا نوثق بايجاز مما توفر لنا سريعا بهذا السياق، فننقل عن " أميرة " ابنة الجواهري الكبرى في حديث خاص معنا في دمشق (آيار / مايو 2000) : ان والدها لم يفكر يوماً بتملك بيت، طيلة أربعين عاماً تقريباً وحتى عام 1971... وكان التنقل في بيوت الايجار ( في الحيدرخانه، الجعيفر، الاعظمية، الكرادة ... وغيرها من مناطق بغداد) سمة مميزة تنسجم ومزاجه المتمرد والكاره للرتابة.... وقد توفرت له فرص للتملك إلا انه "ضيعها" غير آسف عليها"..
* وفي الموضوع ذاته يقول حسن العلوي في كتابه "الجواهري رؤية غير سياسية" الصادر عام 1995: في العام 1979 اصطحبت معي الى بيت الجواهري بعثة صحفية لقضاء يوم كامل على غير موعد معه فسجلت عدسة المصور الفنان الراحل "محمد علي حسن" زوايا لم تكن مخفية على عيون زائريه... ودخل حتى غرفتي النوم والمطبخ ... ولم يجد مكتبة، لكنه وجد رفوفاً. ولم يجد مطبخاً ولكنه وجد قدرين من الألمنيوم القديم... كما ولم تكن للجواهري غرفة نوم مستقلة، وكان يضع ملابس الشتاء في حقيبة تحت سريره، ويعلق على الحائط ملابس الصيف. ويفعل العكس في الشتاء....
* كما نشير بهذا الصدد لما نشره فوزي كريم (الشرق الأوسط اللندنية 4/11/1991) في موضوع مسهب عن الجواهري في السبعينات، نقتطع منه: "كان بيت الجواهري متواضعاً، كنا نقتحمه احياناً آخر الليل، أنا وسعدي يوسف، مدفوعين بأكثر من هاجس شيطاني، قراءة لبيت مثلاً: "الحمد للتاريخ حين تحولت …تلك المرافه فاستحلن متاعبا" او عبارة واحدة "با نبتة البلوى" يخاطب بها جياع الشعب. أو كلمة "تقحم" او "خسئوا".. وكان الجواهري يستقبلنا دون ترحاب معظم الأحيان قائلاً : "الساعة الواحدة يا جماعة. ويتأمل ساعته ونحن نبصبص تحت الطاولة. لا تخلو طاولة الشاعر في الليل. كنا نعرف ولكن من يجرؤ في ساعة كهذه أن يسأل. ونسترضي ابا فرات، نقول: "أنت تعرف محبتنا " ونغني له طربين من شعره... فيستجيب ..."
* اخيرا نختتم الحديث متمنين، وطامحين - مثلما هي حال كل المتنورين- فنقول: ان اكتمال المرام  ليس بوضع لبنته الاولى، اي حفل  افتتاح "بيت الجواهري" وحسب، ولكن في انجاز الهدف الطموح، من خلال توفير المتطلبات الناقصة، وتهيئة الاجواء المطلوبة لمثل هذا الاثر الوطني، ثم - ولعل ذلك يأتي اولاً- : حسن التنظيم والادارة، وحرص المعنيين من الذين يتحملون المسؤولية عن هذا المنجز، المميز، وصيانته وادامته، في عاصمة لعراق جديد، اؤمل ومرتجى !!-------  رواء الجصاني رئيس مركز "الجواهري" للثقافة والتوثيق
---------------------------------------------------------------------------------
•   الصورتان المرفقتان: الاولى لبيت الجواهري في السبعينات، والثانية عشية افتتاح البيت أثرا وطنيا، ممقرر ان يكون بتاريخ 2022.7.27



15
الجواهــري يغضب من  بغــداد، ويغاضب بعض أهلها !!!
-  رواء الجصاني
------------------------------------------------------------
... وهذه هي عصماء أخرى من قصائد الجواهري الوجدانية، الثائرة على النفس والمجتمع، والمقاييس السائدة في البلاد، نظمها خريف عام 1962... وقد ضمها، كاملة ولأول مرة، ديوان "بريد الغربة" الصادر في براغ، بدعم من اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي الذي ترأسها الشاعر العظيم فور تشكيلها بعد انقلاب شباط الدموي عام 1963... وقد جاء مطلعها جواهرياً كالعادة في فيضه الجامح، مما جعل الكتاب يقرأ من عنوانه ، موسوما "يـا غـريـب الــدار":

من لِهَمٍّ لا يُجارى ، ولآهاتٍ حَيارى
ولمطويٍّ على الجمرِ سِراراً وجِهارا...
مَنْ لناءٍ عاف أهلاً وصِحاباً ، وديارا
تَخِذَ الغربة دارا إذ رأى الذلَّ إسارا
إذ رأى العيشَ مداراةَ زنيمٍ لا يُدارى

... وفي مختلف مقاطع القصيدة التي تجاوزت أبياتها المئة والعشرين، يهدر الجواهري متباهياً بمواقفه التنويرية، مبرزاً سمات وقيماً تبناها، ولم يخشَ ما يترتب عليها من أذى المعوزين والظلاميين، بل وراح يكررها في عديد كثير من شعره... إلا انه هنا شدد على الشموخ والاصرار، ولعله أراد بذلك مقدمة لما سيلي من مواقف وحقائق:

ياغريبَ الدار لم يُخْلِ من البهجةِ دارا...
تأخذ النشوةَ منه ثم تنساهُ السُكارى
يا أخا الفطرةِ مجبولا على الخيرِ انفطارا...
يا سَبوحاً عانق الموجةَ مَدّاً وآنحسارا
لم يُغازلْ ساحلاً منها ولا خافَ القرارا
يا دجيَّ العيشِ إن يَخْبُ دجى الناس ِ ، أنارا...

ثم يعود الشاعر الكبير ليكتب ما يظنهُ يروض النفس، لتجاوز "الهضيمة" التي يشعر بها وحتى من الأقربين، خاصة وهو صاحب المآثر والمنابر، محملاً الذات جزءاً مما يعاني منه، بعد أن اختار نهج الثورة والتجديد، معيباً المهادنة والمساومة:

يا غريبَ الدارِ وجهاً ولساناً ، واقتدارا...
لا تُشِعْ في النفسِ خُذلاناً وحَوِّلهُ انتصارا...
أنتَ شِئتَ البؤسَ نُعمى ورُبى الجنَّاتِ نارا
شئتَ كيما تمنحَ الثورةَ رُوحاً أنْ تثارا...
عبَّدوا دربَك نَهْجاً فتعمَّدْتَ العِثارا
وتصوَّرت الرجولاتِ على الضُرِّ اقتصارا...
يا غريبَ الدار مَنسياً وقد شعَّ ادِّكارا
ذنبهُ أنْ كان لا يُلقي على النفسِ سِتارا
إنَّه عاش ابتكارا ويعيشون اجترارا

ولكي يعزز بالوقائع ما يشكو ويتهضم منه، وما يعيبه على أصحاب القرار وغيرهم، يبدأ الجواهري المباشرة في التصريح، غير مبالغ... فبعد كل عطائه الوطني والابداعي على مدى عقود، يعيش الرمز الوطني، المغترب بكل صعوباته وأرقه، صاباً جام الغضب على بلاد لم يستطع أن يمتلك فيها حتى "حويشة" بينما يتنعم الرائبون، والمنحنون..
ثم يعود الشاعر لينوّه إلى حكم التاريخ اللاحق، وعلى الآتي من الأحداث، بل ومتنبئاً بها... نقول متنبئاً، وقد صدق بما قال وأوحى، وذلك هو أمامنا، العراق وما عاشه من مآس ٍ حد التميز:

يا غريبَ الدارِ لم تَكْفَلْ له الأوطانُ دارا
يا "لبغدادَ" من التاريخِ هُزءاً واحتقارا
عندما يرفع عن ضيمٍ أنالتهُ السِتارا
حلأَّتْهُ ومَرَت للوغدِ أخلافاً غِزارا
واصطفت بُوماً وأجْلَتْ عن ضِفافَيها كَنارا...
يا لأجنادِ السفالاتِ انحطاطاً وانحدارا
وجدت فرصتَها في ضَيْعةِ القَوم الغَيارى

... ولكي يهدأ من ذلك الغضب العارم، يروح الجواهري في الأبيات التالية حانقاً، محملاً زعامات ثقافية وسياسية، مسؤولية ما أحاق به من ظلم واجحاف... وهو يمثل هنا بالتأكيد نموذجاً للعشرات، بل المئات من المبدعين والمناضلين وغيرهم، ممن اضطروا للاغتراب، أو اختيار المنفى اضطراراً... ثم يتطوع بعدها الشاعر الرمز ليوزع صفات ٍ يعتقدها بحق الذين تسببوا في تلك الأوضاع وما آلت إليه، بل وليبقي من ميسمه في جباههم وشماً "خالداً" يعيرون به جيلاً بعد جيل:

يا غريبَ الدارِ يا من ضَرَبَ البِيدَ قِمارا...
ليس عاراً أنْ تَوَلِّي من مسفّينَ فِرارا
دَعْ مَباءاتٍ وأجلافاً وبيئينَ تِجارا
جافِهِمْ كالنَسرِ إذ يأنَفُ دِيداناً صِغارا
خلقةٌ صُبَّتْ على الفَجرةِ دعها والفِجارا
ونفوس جُبلت طينتُها خِزياً وعارا
خَلِّها يستلُّ منها الحقدُ صُلْباً وفَقارا...
أنت لا تقدر أن تزرعَ في العُور احورارا...

... وأخيراً، وإذ يحين "مسك" الختام والايجاز لكل ما سبق وأشير إليه من وقائع ورؤى، يكتب الجواهري "معاتباً" "أصدقاء" ظنهم، و"أدباء" و"مثقفين" أحبهم ولكنهم تجافوا، خوفاً أو تنصلاً... أو لأنهم "حيارى" حتى في أمورهم ذاتها، مما جعله يسعى حتى لأن يختلق الأعذار لهم:

يا غريبَ الدارِ في قافلةٍ سارت وسارا
لمصيرٍ واحدٍ ثم تناست أين صارا
سامحِ القومَ انتصافاً واختلِق منك اعتذارا
علّهم مِثلَكَ في مُفتَرقِ الدربِ حَيارى
سِرْ واياهم على دربِ المشقاتِ سِفارا
فاذا ما عاصفُ الدهرِ بكم ألوَى وجارا
فكن الأوثقَ عهداً وكُن الأوفى ذِمارا
--------------------------------
•   مع تحيات مركز الجواهري
 للثقافة والتوثيق/ أيار 2022...
     www.jawahiri.net



16
الجــواهري .. في مواقف ومحطات سياسية
* رواء الجصاني
------------------------------------------------------------
 جهد كثير من الباحثين والمعنيين بتاريخ محمد مهدي الجواهري (1898-1997) وحياته، للوقوف عند توثيقاته لأحداث العراق، والأمة، والانسانية شعراً، دون تركيز واسع في هذا السياق على مشاركاته المباشرة في الفعاليات والأنشطة السياسية، برغم تأكيدنا بأن لا يمكن فصل قصيد الشاعر الخالد عن تلك المواقف والرؤى والاراء السياسية، التي تواترت طوال ثمانية عقود ..
  ... وتعود أولى مشاركات الجواهري الوطنية حين قام وهو فتى، في لصق وتوزيع المنشورات على جدران وأبواب مرقد الامام علي ابن ابي طالب في النجف اثناء حصارها عام 1917. ومن ثم في قصائده المباشرة عن الثورة العربية ضد العثمانيين، وبعدها في ثورة العشرين، وعنها، وحتى انتقاله إلى بغداد وانضمامه فترة من الوقت لديوان ملك العراق، الأول، فيصل بن الحسين، وذلك أواخر عشرينات القرن الماضي، وهي عشرينات الجواهري في آن..
   ثم يترك الجواهري البلاط الملكي منتقلاً للصحافة، ليمارس عبرها التنوير والتثوير والدخول في المعترك السياسي المباشر دون حدود. وهكذا راحت مقالاته في صحفه الخاصة (الفرات، الجهاد، الرأي العام..) او في الصحف الاخرى، دعوا عنكم قصائده، تاتي أُكلها في احداث البلاد السياسية والوطنية وأطرها المختلفة، ومنها انحيازه لانقلاب بكر صدقي، ثم انقلابه عليه أواسط الثلاثينات، وفي معمعان احداث آيار/ مايس 1941  التي اضطر بسببها للخروج من العراق فترة قصيرة. ليعود بعدها فيشارك بفاعلية وحماس في تأسيس حزب الاتحاد الوطني عام 1946 مع عبد الفتاح ابراهيم وناظم الزهاوي، ونخبة من مثقفي ذلكم الزمان، وليستقيل منه بعد فترة وجيزة بسبب اختلاف الرؤى والمواقف..
   وفي هذا السياق يهـمّ الجواهري ان يدخل في مضمار النشاط البرلماني فيترشح في الانتخابات التشريعية عام 1946 ويفشل فيها، ثم يترشح ثانية ليدخل مجلس النواب مرة أولى، وأخيرة، عام 1947 وليستقيل منه بعيّـد ما اصطلح عليه "وثبة كانون" عام 1948 منحازاً للجماهير، ورحاب التنوير، وقد تحمل ما تحمل جراء ذلك..
    وبعد فترة انكفاء سياسية قصيرة، بحسب ما وثقه الجواهري ذلك، للتاريخ، عام 1953 استنهض الشاعر الرمز، النفس تالياً ليخوض غمار السياسية المباشرة مجدداً، وليضطر لطلب اللجوء السياسي في سوريا عام 1956 ويعود منها عشية حركة/ ثورة الرابع عشر من تموز 1958 فيشارك في أحداثها، ليس شعراً وحسب، بل وفي خضم نجاحاتها وتداعياتها، ومنها رئاسته لأبرز موقعيّن ثقافيين في البلاد في آن واحد، ونعني بهما اتحاد الأدباء، ونقابة الصحفيين. ولم يكتف بذلك بل دخل ضمن أبرز طالبي تأسيس الحزب الجمهوري عام 1960 والذي لم تجــزه الحكومة..
   وبسبب مواقفه السياسية ومقالاته، فضلا عن قصائده- طبعا- تعرّض الجواهري من جديد لمضايقات السلطة الجمهورية، وزعيمها عبد الكريم قاسم مباشرة، وصلت التحريض عليه، وتهديد حياته، ولحد اعتقاله، ولو لساعات... فقرر من جديد ، بعد مصر وايران وسوريا، الابتعاد من البلاد، إلى مغترب جديد، في براغ عام 1961..
   وهناك، لم يكف الجواهري عن دأبه الوطني، وليس بالشعر فقط .. فكان بيته ومقامه في العاصمة التشيكية، مزار الزعماء والمسؤولين السياسيين العراقيين بشكل رئيس : لقاءات واستشارات وتبادل آراء، بل واستشفاف نبوءات بحسب أحاديثه الخاصة للمقربين. ثم، وإلى المعترك مباشرة حين ترأس اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي بعيّـد الانقلاب الدموي البعثي في شباط 1963 والتي ضمت جمعا متميزا من مثقفين وسياسيين وطنيين، وشيوعيين، من بينهم: نزيهة الدلمي  وفيصل السامر وجلال الطالباني وذو النون ايوب ومحمود صبري.. 
   وفي خريف عام 1968 يعود الجواهري للبلاد متفائلاً، كما هي حال الكثير من الأحزاب والقوى السياسية والزعماء والأفراد... وجُددت له رئاسة اتحاد الأدباء، وعضوية الهيئة العليا لمجلس السلم والتضامن العراقيين، ومعروف ما ترتب على ذلك من انشغالات ثقافية وسياسية وغيرها، مثل المشاركات العديدة في ندوات ومؤتمرات واحتفالات عقدت ونظمت في الكثير من العواصم والمدن العربية والاجنبية..
   وإذ تتأزم الأوضاع في أواخر السبعينات الماضية الى مديات بلا حدود، في البلاد العراقية، فتشمل الاعتقالات والعسف حتى بعض افراد عائلته، يشدّ الجواهري الرحال، وإلى براغ مرة أخرى، وكذلك دمشق الشام،  حيث واصل اهتماماته الوطنية والتي تراوحت في صمت مدوي رأى فيه موقفا، او في قصائد واحاديث واراء مباشرة من أحداث البلاد وتداعيات سياسات النظام الدكتاتوري الذي كشف كل أوراقه، وممارساته المدمرة، ومن أشدها الحرب مع ايران، وغزوه دولة الكويت... ولعل أبرز مواقف الجواهري المناهضة بهذا الشأن مشاركته في مؤتمر المعارضة العراقية في بيروت عام 1991 فكان، بحسب مشاركين يعّتـد بهم: فصيلاً وطنيا سابعاً، بمفرده، إلى جانب الفصائل القومية والاسلامية والديمقراطية الستة التي شاركت في ذلك المؤتمر. وهكذا دامت المواقف والقصائد والمشاركات، دون حدود، وحتى لفترة قصيرة قبيل رحيله الى الخلود، عام 1997.
    أخيراً لابد من الاشارة أيضاً في هذه التأرخة السريعة، الموجزة والمحدودة كما هو واضح،  إلى أن الجواهري لم يحصر مواقفه ومشاركاته السياسية في بلاده وحسب، بل انشغل ووثق – بالشعر على الأقل – للاحداث والشؤون العربية، بأتراحها وأفراحها،  في قصائد متفردة تتحدث بنفسها عن نفسها، وكذلك للكثير من المناسبات والمنعطفات الانسانية والدولية.. وكل ذلك يتطلب دراسات وتأرخات اضافية اخرى، الى جانب ما جاء به العديد من البحوث الاكاديمية، والمتابعات، والمنشورة في كثيـر من وسائل الاعلام، المقرؤة والمرأية والمسموعة..
-----------------------------------* رواء الجصاني: براغ اوائل آيار/ مايو 2022
*هوامش ومصادر:
1/ ديوان الجواهري، طبعة بغداد عام 2021 بستة اجزاء
2/ جزأا مؤلف " ذكرياتي" للجواهري عامي 1989-1990
3/ كتاب " الجواهري.. بعيون حميمة" لـرواء الجصاني / بغداد براغ عام 2016
4/ شهادات ووثائق خاصة


17
عشرون عاما على اطلاق مركز الجواهــري للثقافة والتوثيق
- رواء الجصاني(*)
--------------------------------------------------------------------------------
    في هذه الايام، نحتفي مع المحبين والمتابعين والاصدقاء بالذكرى السنوية العشرين لتأسيس مركز الجواهــري، للثقافة والتوثيق، الذي اطلقه رسميا في براغ بتاريخ 2002.4.17  الدكتور الاديب محمد حسين الاعرجي، والمستعرب التشيكي البارز، يارومير هايسكي، ورئيس تحرير "بابيلون" للاعلام، رواء الجصاني..
    لقد جاء اطلاق المركز، منظمة مدنية، في براغ تحديدا، وذلك لدواع عديدة من اهمها ان الشاعر الخالد عاش في هذه المدينة الزاهية نحو ثلاثين منها (1961-1991) وقد كتب – من جملة ماكتب، وابدع فيها-  نحو 15 قصيدة حول براغ وعنها وعن طبيعتها واهلها وسحرها وثقافتها.. وهي التي اطالت الشوط من عمره، بحسب قصيده..
  واذ لسنا هنا - في هذه السطور المعدودات- بصدد حصر النشاطات التي نهض  بها المركز، متنوعة الاشكال والمضامين،  دعونا نشير سريعا الى ان من بينها العشرات من الفعاليات الثقافية والاصدارات، والمشاركات المختلفة، وضمن الامكانيات المتاحة للعصبة التي تطوعت، والى اليوم، بادارة المركز والنهوض - بقدر ما استطاعت - في اتمام ما تحقق.. كما دعونا نتوقف - وسريعا ايضا- عند الابرز من تلك الفعاليات، وأولها السعي لتوثيق تراث الشاعر الخالد، واصداراته واوراقه الخاصة، وصوره، وما كتب عنه وحوله من مؤلفات وبحوث ودراسات وسوى ذلك من مشابهات..  كما لا يفوتنا هنا الا ان نشير الى حالتين آخريتين، وعلى سبيل المثال، لا الحصر، ونعني بهما: 
اولا/  تقديم مشروع النشيد الوطني العراقي الجديد، عام 2009 من ابيات الشاعر الخالد، الذي استقطب اهتماما كبيرا من الاوساط المعنية، الثقافية والسياسية وغيرها، ومطلعه: "سلامٌ على هضباتِ العراقٍ وشطيّهِ والجرفِ والمنحنى".. والذي تطوعت لتلحينه وتوزيعه، موسيقيا، نخبة من الفنانين المميزين..
ثانيا/ اطلاق حملة اعلامية واسعة عام 2011 لمنع البيع التجاري لبيت الجواهري الاول والاخير في العراق، اثمرت عن قيام امانة العاصمة - بغداد باستملاك البيت، وبهدف تحويله الى معلم تاريخي، وقد انجزت خطوات كثيرة بذلك الاتجاه، وعسى ان لا تطول المدة اكثر مما مضى لاتمام المطلوب..
  لقد أطلق مركز الجواهري، وأ نطلق، وما برح الى اليوم، معتمدا على مجهودات فردية وحسب، ولعل ذلك ما يمكن التفاخر به، بحق، في لجة "مراكز" و"منظمات مدنية" عديدة، لها ما لها من امكانيات مادية ومالية واسعة.. ومن هنا يأتي التفاخر الاضافي بما حققه المركز من نشاطات وفعاليات نوعية مميزة كما نزعم، ويزعم معنا العشرات من المواكبين الذين اطلعوا عن قرب وعن بعد، بل وزاروا المركز، او شاركوا وتابعوا فعالياته بهذا القدر او ذلك ..
  اخيرا، لا بــد لنا بهذه المناسبة من تجديد الشكر والتقدير لكل من عاضد مركز الجواهري، معنويا، وكل الاصدقاء والمتابعين والاحباء الذين قدروا هذه "المغامرة" التي خضناها منذ عشرين عاما بالتمام والكمال، وعسى ان نتمكن من المواصلة على طريق التنوير، واشاعة الثقافة الانسانية ..
------------------------------------------------------------
(*) رئيس مركز الجواهري للثقافة والتوثيق



18
من وصايا الجواهري الكبير لطلبـــة وشبـــاب العــــــراق
* رواء الجصاني
-----------------------------------------------------------
*حتى قبل قصيدته الميمية الشهيرة في المؤتمر التأسيسي لاتحاد الطلبة العام، مؤتمر "السباع" عام 1948(1) كان للطلبة والشبيبة موقعهم الزاهي، والأثير، في العديد من قصائد الجواهري الكبير ... وهكذا استمرت الحال، وعلى مدى عقود شعره الثمانية المعطاء...
*وفي التالي، وبمناسبة الذكرى الرابعة والسبعين لتأسيس اتحاد الطلبة العراقي العام، التي تصادف في الرابع عشر من نيسان الجاري، نقتبس مقتطفات موجزة من قصيدة متفردة، ألقاها الشاعر الخالد بتاريخ السادس عشر من شباط 1959 في قاعة سينما الخيام، ببغداد،، خلال المهرجان الطلابي الذي حضرته وفود من مختلف أنحاء العالم، بمناسبة انعقاد المؤتمر "الثاني" للاتحاد، وقد نشرت كاملة في جريدة "الرأي العام"، العدد 91 (17 شباط 1959) وضمتها بعد ذلك بطون دواوينه بطبعاتها المتعددة:

أز ِف َ الموعدُ والوعدُ يعـِـنُّ/ والغدُ الحلوُ لأهليه يَـحـِـنُّ
والغدُ الحلوُ بكم يُشرق وجهٌ/ من لدنـْـه، وبكم تضحك ُ سـِـنّ
والغدُ الحلوُ بنوه أنتمُ/ فاذا كان لكم صُلْبٌ فنحن
فخرُنا أنـّـا كشفناه لكمْ/ واكتشافُ الغد ِ للأجيال ِ فنّ
***
يا شبابَ الغد ِ إنـّـا فتية ٌ/ مثلكُم فرَّقنا في العُمـْـر سنّ
لم يزلْ في جانـِـحيْـنا خافق ٌ/ لصُروف ِ الدَّهر ثَبت ٌ مطمئنّ
لا تلومونا لأنـَّـنا لم نكنْ/ مثلـَـكمْ فيما تـُـجَـنـّـون نـُـجـَـنّ...
عبقرٌ واد ٍ نزلنا سفحـَـهُ/ شـَـتوة ً فهو أصم ُّ لا يـَـر ِنّ (2)
ونزلتم ْ فتلقـَّـاكـُـمْ به/ الربيع ُ الغض ُّ والروض ُ الأغنّ..
البديعُ البدعُ أن يلحـَـقـَـكُمْ
في مضامير ِ الصِّبا عـَـوْدٌ مُسـِـنّ (3)
* * *
يا شباب َ الغد ِ: هذا وطن ٌ/ كـُـلـُّـه ُ فضل ٌ وألطاف ٌ ومَنّ
ليس ندري من خفايا سـِـحْره ِ/ غيرَ أطياف ٍ وأحلام ٍ تـُـظنّ
عجب ٌ هذا الثـَّـرى تألفـُـه ُ/ وإلى أتفه ِ ما فيه تـَـحـِـنّ
تصطلي العـُـمـْـرَ جحيماً عندَه/ وهو فيما تعـِـدُ الجنـَّـة ُ عدْن..
فاستمنـّـوه بما تـُـعطونه/ من دم ٍ ... إنَّ الحمى لا يـُـسـْـتـَـمـَـنّ
* * *
يا شبابَ الغد ِ أنتم فكرة ٌ/ يـَـعذُبُ اللفظُ بها إمـّـا تـَـعـِـنّ..
كُلـُّـكمْ يا فتية َ الحيّ يدٌ/ واليدُ اليُسرى إلى اليُمنى تـَـحـِـنّ
كنياطِ القلبِ أنتم بعضُها/ إذ يَئنُّ البعضُ يشكو ويئنّ..
* * *
يا شبابَ الغد ٍ كونوا شـِـرعةً/ للعلا والبأس ِ واللطف ِ تـُـسـَـنّ
سالموا ما اسطعتمُ حتى إذا/ شنـَّـها حرباً أخو بغي ٍ فشـُـنـّوا
وآبدأوا الخيرَ سباقاً بينكم/ فاذا بُودئتمُ الشرَّ فثـنـّـوا
* * *
إجمـِـعوا أمرَكُمُ فالدهرُ جمرٌ/ ودمٌ لا خمرةٌ تجبى ودَنّ
يعمل الجيلُ لجيل ٍ بعده/ ولقرن بعده يتعب قرن..
ريثما ينتظمُ الكونَ غـدٌ/ يطرُدُ الفجرُ به ليلاً يعنّ
يطرُدُ البؤسَ به رفقٌ وعدل/ والحزازات ِ مصافاةٌ وأمن
ـــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
(1) ومطلعها: يوم الشهيد تحيةٌ وسلامُ/ بك والنضال تؤرخ الاعوام
(2) عبقر: واد جميل..
(3) العَود: الجمل المسن. ويراد به هنا الشيخوخة..
** الصورة للجواهري في احدى المناسبات الوطنية، ببغداد في زمن الجمهورية الاولى 1963/1958



19
بادية هاني فحص تتذكر: محمد حسن الامين، ولمحات عن الجواهري
•   رواء الجصاني
------------------------------------------------------------
بمناسبة الذكرى الأولى على وفاة العلامة السيد محمد حسن الأمين، كتبت الصحافية بادية (هاني) فحص عبر حسابها على فيسبوك مادة استذكارية، في التالي مقتطفات منها:
“على شرفة بيتنا الواسعة في كيفون، كانت شمس المغيب ضيفة مجالسنا، كنا ننتظر انحدارها التدريجي نحو البحر، لنستدرج بعضنا بعضا إلى مجلس الشعر... ولا يكتمل المشهد، إلا بوصول السيد (محمد حسن الأمين) كان السيد كما الشعر، زين مجلسنا، ننتظر مجيئه في نهاية الأسبوع، لنقرأ عليه ما حفظناه من قصائد لشعراء يفضلهم كأبي، ننهي نوبتنا الشعرية بسرعة، ثم نجلس متلهفين، لنصغي إليه، كيف تنقلب القصيدة أكثر مهابة وجلالا، بصوته...
  … كان السيد شاعرا، كتب أعذب الشعر، وكان شاعرا أكثر، بطريقة تفاعله مع القصيدة، كان يلقيها بيديه وقلبه وعينيه، بنبرة تضفي عليها بعدا حسيا، تزدحم فيه الإشارات، وتتسع الرؤية، وتعلو وتهبط موجات الصوت كأنها تتنقل فوق سلم موسيقي، وتنتشر رائحة الفصاحة، فيغمغم الجالسون: الله الله... في الأسفل، تلمع بيروت الغارقة في وحول الحرب الأهلية، مثل قصيدة يتيمة، والبحر يضحك لها ولنا، وفوق، على الشرفة الجبلية، تتوهج عينا السيد، مع قصيدة للمتنبي على البحر الطويل، وأخرى بالعامية لسعيد عقل، وثالثة من جواهر الجواهري..
  ... كنت أنا الطفلة الدانية من الثماني سنوات من عمرها، على خصام مع الجواهري – شيء غارق في السوريالية - كان أبي مصرا أن يحببني به، وأنا كنت صغيرة جدا على تذوق شعره، فأدخلني إصراره في خصام معه أيضا، وكان السيد محامي الصلحة… في ذلك اليوم، تجهزنا لإلقاء قصائدنا، كان عليّ أن ألقي قصيدة “فلسطين الدامية” لخصمي (الجواهري)… كنت قد أوهمت أبي بأني حفظتها، لكنني لم أفعل، وحفظت قصيدة أخرى، لشاعر مجهول، لم أعد أذكر اسمه، عثرت عليها في بريد القراء، في واحدة من المجلات الكثيرة المنتشرة في بيتنا… وقفت وكلي ثقة باختياري وألقيتها، وما زلت أغيبها حتى اليوم…
   ...أنهيت القصيدة، والصمت مخيم على الجالسين، لا ثناء، لا أحسنت، الكلمة المرافقة دوما لمجلس الشعر، ثم، انفجر الجميع بالضحك، حتى هطلت دموعهم. إلا السيد، لمحت عينيه تبتسمان لي، وأنا أوشك أن أبكي، فهدأ روعي، ثم أدناني منه وربت على كتفي وقال لي: “أحسنت يا حلوتي…أعجبني اختيارك، أريد منك في المرة القادمة، أن تحفظي “يا دجلة الخير” وهي لخصمك أيضا - الجواهري” ثم ألقاها أمامي بطريقته السحرية، فأدمعت وأدمع… مولاي الحلو، كما لاذ الشاعر بدجلة، ألوذ بهذه الذكرى، من ظمأ الشوق وقسوة الفراق. مولاي، يا جميل الصوت والروح والقلب والمحيا، تحية لك في ذكرى رحيلك الأولى، خسارتك لا يعوضها شعر ولا عمر…”



20

الجواهـــري في البصرة،
ومع اهلها ومثقفيها
-   رواء الجصاني
-----------------------------------------------------------
    خلال مراجعة موضوع توثيقي نشرته مؤخرا، موسوم "مع الجواهري في حواضر ومدن العراق" فاضت الذاكرة عجولا  ببعض صور ولقطات واسماء عن محطات في "مقامة" الشاعر الكبير في البصرة وعنها وحولها، تصلح لموضوع توثيقي منفصل، يؤرخ لعدد من الشؤون، ويؤشر دلالات معبرة، وبأتجاهات مختلفة..
   والمبتدأ انه كان يصف فيحاء العراق في مجالسه الخاصة والعامة بأنها " البصرة وكفى" .. وفي هذا الاطار ننقل عن الباحث  الاردني المميز. د. يوسف بكار:  "أن الجواهري الذي زار محافظات العراق زيارات «خطف» – كما يقول – بدأت منذ أيام التدريس فيها وأيام الصحف التي أصدرها، وكانت تربطه علاقة قويّة بها. وقد استهوته من بين مدن العراق اثنتان: البصرة والحلّة. وكان يقول في منفاه الدمشقي: ( لو قدّر لي أن أعود إلى العراق لما اخترت غير البصرة أسكن فيها… بعدها الحِلّة، لأن البصرة «كلّ شيء فيها، ما يوجد فيها لا يوجد في غيرها، إنّها تختلف عن العراق كلّه، إن أهلها معروفون بشيمتهم وكرمهم وطيبتهم… وباختصار " أموت على البصرة") ..أما الحلّة، فلأن «موقعها جميل. قريبة من بغداد، وناسها منفتحون، بل إنها قريبة من النجف، وقد  درّست فيها بين عام 1930 وحتّى عام 1932" (1)

* اصدقاء مميزون
     تحدّثنا "ذكريات" الجواهري، وديوانه ومجالسه عن علاقات شخصية عديدة كانت تربطه مع "البصراويين" مثقفين وشخصيات عامة وغيرهم، ومنهم اصدقاء ومعارف مميّزون، وقد اورد او اشار لاسماء بعضهم في قصائده، وكتاباته واحاديثه ومن اقدمهم الكاتب والشخصية المرموقة عبد الرزاق الناصرى، الذي توطدت علاقتهما الشخصية بشكل وثيق اواخر عشرينات واوائل ثلاثينات القرن الماضي في بغداد، واستمرت حين انتقل – الناصري- للاقامة والعمل في البصرة، ليزوره الجواهري هناك.. ثم تتحقق زيارات اخرى لتلك المدينة الفيحاء، بعد ان اصبح السيد جواد الجصاني، النجفي، صديقه، ثم صهره لاحقا(2) مديرا لمعارف اللواء (محافظة) البصرة، في الفترة 1951-1952. 
    وبعد اغتراب - لجوء الجواهري الى براغ عام 1961 راح الاديب، والسياسي والشخصية البصرية المعروفة، موسى اسد الكريم ( ابو عمران) من اقرب اصدقاء وندماء الشاعر الكبير، ولعل ابياته الاربعة على صفحة ديوانه الذي اهداه اليه توضح بعض تلكم العلاقة، ومطلعها: يا أبا عمران والدنيا ضباب وسرابُ (3) .
   وفي حقبة براغ ايضا توطدت العلاقات الصداقية والشخصية، والعائلية، مع ابن البصرة البارز، المؤرخ والوزير والسفير، فيصل السامر، الذي اقام في براغ لاجئا وناشطا سياسيا بعد انقلاب البعث الدموي في شباط 1963. وقد اشار له الجواهري في قصيدته الشهيرة"بائعة السمك" المنظومة عام 1965 ومطلعها: "وذات غداة وقد أوغلت بنا شهوة الجائع الحائر" ..
     وفي عودة لمؤلفه "ذكرياتي" يوثق الجواهري انه انتقل من بغداد مدرساً في ثانوية البصرة في النصف الاول من ثلاثينات القرن الماضي، وسكن في مركز المدينة، لعدة اشهر فقط، لينقل منها الى الحلة، جزاء نظمه قصيدة أعتبرت سياسية/ مناهضة، وهو في دائرة حكومية، ثم ليستقيل من التعليم كله، ويتفرغ للشعر اولا، وللصحافة التي عشقها، موردا لتغطية متطلبات الحياة .. كما شهدت البصرة مطلع الاربعينات محطة جواهرية اخرى، وهي عودته عبرها الى العراق من ايران، عن طريق الاهواز، حيث كان قد استقر في طهران مع عائلته أشهر قليلة، بعد احداث مايس عام 1941 احترازا من تداعيات ما عرف – ويعرف-  بحركة رشيد عالي الكيلاني..
 
* مواقف وقصائد لشعراء بصريين مميزين
   بحسب المتنبي العظيم فأن "عداوة الشعراء بئـس المقتنى" ولكن الحال تلك لم تنطبق على مواقف ورؤى شعراء بصريين متألقين من الجواهري.. ومؤكد ان المطلوب الان ان نوثق بشواهد ملموسة على ما نزعم به. ومن بين ما متوفر عندنا : ما كان يكنّه بدر شاكر السياب للجواهري، ووصفه بــ " أعظم شاعر في ختام النهج التفعيلي للشعر العربي" (4) .. مع الاشارة الى ان (بدراً) تعاون في تحرير بعض صحف الجواهري مطالع الخمسينات الماضية (5).
   اما الشاعر سعدي يوسف فكانت علاقته أطول زمنــا، واوثق، مع الجواهري، ليس ثقافيا وحسب، بل واجتماعيا ايضا، وقد رثاه بقصيـــدة وكتابات عديدة بعد رحيله عام 1997. الى جانب اصداره مؤلَفــاً حمل عنوان "محمد مهدي الجواهري" ضم قراءات مختارة من ديوان الشاعر الخالد (6). 
   وكذلك كانت الحال مع الشاعر عبد الكريم كاصد، اذ ثمة علاقة اليفة بينه والجواهري وخاصة في دمشق الشام خلال عقــد الثمانينات الفائت، وقد ساعد في مراجعة مؤلفه "ذكرياتي" الصادر في جزأين عامي 1988-1990 . وثمة كتابة اخرى بعنوان "الجواهري .. بين المعري وعبد الكريم كاصد" تؤشر لبعض تلكم العلاقة (7).
    كما من بين ما تجدر الاشارة له ايضا بهذا التوثيق التاريخي موقف معبر للشاعر البصري المعروف، جواد الحطاب في قصيدة " نص في رثاء الجواهري"  افتتح بها دورة مهرجان "المربــــد"  عام 2019 وكان قد نظمها بعد رحيل االشاعر الخالد عام 1997 ونشرتها عدة صحف عربية في حينها (8) .
    اما الشاعر والفنان محمد سعيد الصكار، بصري العيش والهوى،  فله اكثر من موقف وشعر وذكريات مع الجواهري وعنه، منشور بعضها في كتابه "اخوانيات الصكار" الصادر عن دار المدى في دمشق عام 2001 وكلها محبة وتبجيل للعبقرية والعطاء.. دعوا عنكم لوحته ذائعة الصيت، وبأكثر من شكل ابداعي، حين  خط فيها ورسم وأوحى من، ولبيت الجواهري الشهير "أنا العراقُ لساني قلبه ودمي فراتهُ وكياني منه أشطارُ"..
   
كتابات وبحوث ودراسات
   لقد كان من المفترض، بل والمهم ايضا، ان نوثق في سياق هذه "المقامة"  بشكل اوسع، مواقف وكتابات المثقفين البصريين – وما اكثرهم وأجلهم- عن الجواهري، تأرخة وبحوثا ودراسات وغيرها، ولكن البعد عن الذوات المعنيين، وعن المصادر ذات الصلة، حال دون التمكن من اتمام الأمر بالشكل المطلوب.. وبرغم ذلك  دعونا نشير على سبيل المثال لا الحصر الى آثار الاديبين، والناقدين البصريين النافذين، ياسين النصيّر، ومحمد الجزائري عن الجواهري الخالد، وهي عديدة وعلى امتداد سنوات، بل وعقود.. ومن بينها – على سبيل المثال-  مساهمة النصيّـر المتميزة بمناسبة الذكرى العشرين لرحيل الجواهري (تموز 2017) ومما جاء فيها أنه أول من اطلق عليه وصف " النهر العراقي الثالث" .. اما لمحمد الجزائري فنوثق لحواره الثري مع الجواهري، عام 1975 الذي نشرته صحيفة "الجمهورية" البغدادية بشكل بارز ..
  ... ونوثق ايضا لاطروحة دكتوراه موسومة بـ "لغة شعر الجواهري" أتممها الباحث على ناصر غالب في جامعة البصرة عام  1995. ودراسة د. صدام فهد الاسدي الموسومة "الغربة والحنين الى الوطن في شعر الجواهري" . كما نشير لما ادلى به الشاعر كاظم الحجاج في تصريح خاص بأنه يحفظ نصف شعر الجواهرى (9) . وكذلك الى ما كتبه الاستاذ جاسم المطير في الذكرى العشرين لرحيل الجواهري .. وللبحث الموسوم " دلالات الرثاء في شعر الجواهــــري" للباحث اسماعـــيل عوض رشيد المنشور في مجلة اداب البصرة عام 2013 . و" بنية الأفعال في قصيدة (أزح عن صدرك الزبد) الجواهري، للباحث صيوان خضير خلف، المنشور مجلة أبحاث البصرة للعلوم الإنسانية، بتاريخ 2011.6.30.

* وللفنانين البصريين شواهدهم وشهاداتهم..
   والبداية التي ننطلق منها بهذا المحور، هي للفنان التشكيلي فيصل لعيبي، صاحب التخطيطات الباهرة للجواهري، بالاسود والابيض، في الثمانينات الماضية،  وكذلك "البورتريه" المجود والمعبر للشاعر العظيم، بالالوان عام 1996 .. كما نعرج من التشكيل الى الموسيقى والغناء فنوثق لما انجزه الفنان حميد البصري من لحن جميل لبعض مقاطع قصيدة الجواهري الشهيرة "يا دجلة الخير" .. وكذلك لأداء المطرب المميز فؤاد سالم وهو ينشــد للجواهري، ومن ابيات "دجلة الخير" ايضا .. كما لا يمكن ان ننسى دور الفنان عبد الستار البصري في تجسيد شخصية الجواهري في مسلسل "كبرياء العراق" ذي السبع حلقات من اخراج انور الحمداني وانتاج قناة السومرية عام 2011.
   
* ابن الفراتين في " مربد البصرة "
اما الحدث الابرز بين البصرة والجواهري، فذلك الذي حدث عام 1969 خلال الدورة الاولى مهرجان "المربد" الشعري، حين هرعت جموع بصرية حاشدة، الى محطة "المعقل"  لأستقبال شاعر الوطن القادم اليهم من بغداد بالقطار. وقد تكرر الحشد الجماهير الكثيف حين كان يلقي قصيدة جديدة - ذاع صيتها بشكل كبير لاحقا-  امام حضور المهرجان والمشاركين فيه (10) وجاء مطلعها: ..
يا "ابن الفراتين" قد أصغى لك البلدُ، زَعْماً بأنك فيه الصادحُ الغَرِدُ..
ما بين جنبيكَ نبعٌ لا قَرارَ له، من المطامح يستسقي ويَرتفد..
كأن نفسَك بُقيا أنفسٍ شَقيت، وكلّ ذنبِ ذويها أنهم وُجِدوا
وأنهم حلبوا الأيام أضرعها، حتى إذا محضتهم دَرّها زَهَدوا

* الابن على سر ابيـه
   والابن هنا نجل الجواهري الثاني، الكاتب والفنان التشكيلي، الدكتور "فلاح" الذي عشق البصرة فأنتقل اليها طبيبا متخصصاً بالأشعة في مستشفاها المركزي، اواخر الستينات الماضية، ولنحو سبعة اعوام، ويتزوج من بصرية جليلة (11) وليتميز هناك بصلاته الاجتماعية، والثقافية الوطيدة، وبمحبته لاهل المدينة الفيحاء، ومحبتهم له، وليكتب عنها الكثير من الذكريات الجميلة قسم  منها منشور وموثق في كتبه، كما في موقع "ايلاف" الالكتروني، ومنذ اعوام ..
    كما نوثق هنا ايضا بشكل سريع  لعلاقات الجواهري الصداقية والاجتماعية مع وجوه وشخصيات، رسمية وعامة في البصرة خلال تواجده فيها، او خارجها، ومن بينها التي وردت في احاديثه الخاصة، ومجالسه وجزأي ذكرياتـه، وهم من بيوتات وعوائل وعشائر كريمة مثل : النقيب، أل باش عيان، أل زينل (12)  وكذلك السعدون، والذكير، وبركات، والسعد (13)  .

* أخيـرا...
    نؤكد مرة اخرى- كما هي عادتنا في توثيقات عديدة عن الجواهري - بأن المادة هذه ليست سوى محاولة تأشير وحسب، وعناوين، قد تسهل امام الباحثين، مشاريع تفيد وتوسع محطات عن الشاعر الخالد، ليس في جوانبها الشخصية والذاتية فقط،  بل لأحداث ووقائع ثقافية وسياسية، عراقية بشكل رئيس، وعسى ان يكون زعمنا هذا في محله، معتذرين سلفا اذا ما فاتتنا سهوا الاشارة الى اسماء وشخصيات عامة ذات صلة بـ "الجواهري والبصرة" وعسى ان يصحح لنا، ويضيف المتابعون والباحثون ما عندهم لاستكمال هذه الكتابة التوثيقية ...
------------------------------------------------------------------------------------------
** هوامش واحالات:
1/ بغداد في ذاكرة الجواهري - صحيفة الرأي http://alrai.com/article/567106.html
2/ وهو زوج (نبيهة) شقيقة الجواهرى، وانجبا" كاظم ورجاء ولواء ونداء وصفاء.. ورواء، كاتب هذا التوثيق.
3/ والابيات منشورة في كتاب د. محمد حسين الاعرجي (دار المدى – دمشق 2002) ونصها:
"يا أبا عمران والدنيا ضبابٌ وسرابُ / وأحاديث كذابٌ، واباطيلُ سحابُ / واحدٌ منهنّ ما ضُمّنهُ هذا الكتابُ / لكَ يُهدى، وكلانا في الأباطيل سَحابُ"
4/ بدر شاكر السياب : دراسة فنية وفكرية / حسن توفيق / اصدار  المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت 1979.
5/ "الجزء الاول من "ذكرياتي" للجواهري/ دمشق 1988 - ص 485.
6/ دار المدى – دمشق 2001 .
7/ صفحة 126 من  كتاب" الجواهري.. بعيــــون حميمة" لرواء الجصاني ، اصدار بابيلون – براغ / بغداد عام 2016.
8/ ومما جاء فيها: "لم اربّ من قبل حماما، لا اشعل ؛ لا ابيض ؛ لا اصفر ؛ لا رماديا..
من اجلك – انت فقط – ذهبت لسوق الغزل، واشتريت مائة طير زاجل، (بعدد سنواتك يا نَسرَ لُبَد) واطلقتها ؛ باتجاه مقبرة الغرباء".
9/ في حديث شخصي مع الشاعر نقله لنا د. محمد معارج الحجاج (حزيران 2021) والذي زودنا ايضا بعناوين بعض البحوث والدراسات المنشورة في اصدارات جامعة البصرة.
10/ اضافة للمنشور في اصدارات عديدة حول الامر، وثق لنا عن الأمر السيد خالد العلي (تموز2021) نقلا عن شهود عيان كانوا من ضمن الذين عايشوا ذلك الحدث.
11/  وهي التدريسية " ولدان " من اسرة احمد حقي ال ابراهيم الكريمة، وانجبا ثلاثة ابناء هم: زهراء وفرزدق وعمار .
12/ ومنهم المحامي المعروف يوسف زينل (ابا القاسم) الذي جاء ذكره في بيت قصيدة الجواهري الموسومة "ابا زيدون" عام 1962 ونصه" ألا ابلغ أبا القاسم انا نعصر الخمرا/ وانا نقرأ الغيّب، وانا ننفثُ السحرا".
13/ ومن عشيرة  "السعد" الكريمة، الشخصية العسكرية الوطنية غضبان مردان، الذي تزوج أخوه "سامي" من ابنة الجواهري "خيال" اواسط الستينات، وانجبا أبنتين : آمال وميادة.


ملاحظة: الصورتان المرفقتان:
-  الاولى للجواهري في القرنة، ضمن احدى فعاليات مهرجان المربد عام 1969.. والثانية - - - للجواهري في الثلاثينات



21
عراقيون من هذا الزمان (*)
27/ كفـاح الجواهــري
رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------------------
     وصاحبنا الذي نوثق له، دكتوراه في هندسة النفط،  وعمره اليوم ثمانون عاما بالتمام والكمال، وهو النجل الرابع للجواهري الخالد. غادر العراق عام 1959  بعد ان امضى سنة دراسية كاملة في كلية العلوم ببغداد، ليلتحق بزمالة دراسية الى الاتحاد السوفياتي، وفي باكو تحديدا، عاصمة اذربيجان، واكمل فيها على مدى عشرة اعوام الدراسة الجامعية والعليا..، وليتزوج هناك من زميلة دراسته (آنيــا)  وليعودا بعدها سوية الى العراق مع ابنتهما (ناديا) (1) الى العراق عام 1970..
       كان من الطبيعي ان ينخرط  - كفاح-  في العمل الوطني والسياسي، منذ فتوته وشبابه، وهو ابن ذلكم الرمز العراقي الكبير. وهكذا بدأ النشاط في صفوف اتحاد الطلبة العام داخل العراق، وواصله في الخارج، من خلال رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفياتي .. وكذلك ضمن مهام وأطـر الحزب الشيوعي العراقي، ولعقــود..
    وفي بغداد التي عاد اليها عام 1970 كما اسلفنا، مارس التدريس الجامعي، والنشاط بحيوية حزبيا وسياسيا ، كما في هيئات نقابتي المهندسين، والمعلمين، الاختصاصية، ثم ليلاحق ويعتقل ويعذب في اقبية السلطات الامنية عام 1980 اثناء حملات الارهاب والعسف التي شنها النظام  الدكتاتوري، مما اضطره  للخروج من العراق، الى الجزائر اولا، ثم سوريا، وحتى قيام العهد الجديد عام 2003 ..
   تعيّن صاحبنا في العاصمة الجزائرية في مجال اختصاصه، واستقر هناك لنحو 5 اعوام مواصلا نشاطه السياسي المعارض، وبارزا في تقديم ما استطاع من مساعدات للعراقيين اللائذين بالجزائر والغربة بديلاً، ولو مؤقتا، بعد  الملاحقات االارهابية في بلادهم لكل المعارضين – بل وكل غير المنتمين، او الصفقين – للحزب البعثي الحاكم..
     ومنذ اواسط الثمانينات استقر كفاح في سوريا، بين حمص، استاذا في كلية الهندسة بجامعتها(2) وبين دمشق حيث الاقامة شبه الدائمة.. ومستمرا في النهج الذي اختطه سياسيا معارضا للدكتاتورية والقمع، ومتطلعا لعراق ديمقراطي مزهر. وعلى تلكم الطريق قدم ما استطاع دون كلل، وسواء كالتزامات تنظيمية عليه، او بتطــوع ذاتي، خاصة وقد كانت سوريا محطة ومستقرا لمئات بل الاف العراقيين، ومن مختلف النحل والملل السياسية والفكرية وغيرها..
   وفي دمشق الشام ايضا تكلف وتكفل صاحبنا بشؤون الوالد العظيم، وعلى مدى سنوات، وحتى حيان الرحيل في تموز 1997.. ومن بين مانوثق له هنا على سبيل المثال لا الحصر، مرافقته  للجواهري، خلال النصف الاول من التسعينات الماضية  في زياراته الرسمية الى ابي ظبي، والقاهرة، وعمّان، والسعودية، وكذلك بيروت حيث انعقاد مؤتمر المعارضة العراقية الجامع عام 1991 ..
   اما بعد الرحيل فقد نهض صاحبنا، ومنفردا في الغالب الاعم، بمهام العناية، ودعم مساعي حفظ التاريخ الثري للوالد العظيم، ومن ابرزها - كما نشهد- متابعة انجاز  الطبعة، الانيقة، شبه الكاملة للديوان الشعري العامر في بيروت، عام 2000 بخمسة اجزاء، التي اخرجها الفنان النافذ عباس الكاظم. وكذلك مشاركته – اي كفاح -  المتميزة في فعاليتي مئوية الجواهري، الحافلتين، في كل من اربيل والسليمانية، عام 2000 التي نسقها الاستاذ فخري كريم، وعداهما كثير كثيـر(3)..
     وبعد عام 2003 وانهيار النظام الدموي في العراق، عاد كفاح الى بغداد مواصلا نشاطاته والتزاماته السياسية، وكذلك المدنية، ومن ابرزها مهامه في  "منظمة أمل" الانسانية، التي كان من مؤسيسها في دمشق مطلع التسعينات.... دعوا عنكم استمراره وانشغالاته بشؤون الحفاظ على تراث الشاعر الخالد، واشاعته، بالتنسيق والتعاون مع محبيه وعارفي عبقريته ومناراته العراقية والعربية والانسانية.. ومن بينها اعداده واصداره موسوعة "الجواهري صحفيا" بثلاثة اجزاء عام 2015. اما آخرها فكانت مساهمته في متابعة اصدار طبعة مزيدة ومنقحة بستة اجزاء، لديوان الجواهري في بغداد قبل اسابيع قليلة، والتي اشرف على اتمامها وزير الثقافة  د. ناظم حسن، وعملت عليها شخصيات اكاديمية، قديرة، وجليلة. ذلكم  فضلا عن شؤون – وشجون – تحويل بيت الجواهري  في بغداد لمتحف ومركز ثقافي عام، والذي لا يعرف احد ســرّ - ولربما اسرار- تأخر اتمامه  لأكثر عقد من الزمان، ومنذ عام 2011 تحديدا، حين اطلق كاتب هذه السطور، الدعوة لتلك المبادرة..
    هكذا اذن وصلنا الى نهاية التوثيق عن كفاح محمد مهدي الجواهري، ولربما سائل يسأل عن كيفية توفر كل هذه المعلومات والمحطات والوقائع، ودون العودة لصاحب الشأن ذاته، فنقول: انها بعض شهادات عيان، ومشاركة مباشرة في قسم من الاحداث التي تم التطرق اليها في السابق من الفقرات، وبعض آخر انجازات ثنائية، لعل من اهمه اصدارنا سوية  مؤلف "الجواهري.. قصائد وتاريخ ومواقف" عام 2013 .. ذلكم فضلا عن صداقة تمتد لعقود، وخاصة في بغداد وبراغ ودمشق.. كما صلة عائلية وثيقة بين أبن خال، وأبن عمة !!. (4)
   ------------------------------ * رواء الجصاني/ براغ- اواخر تموز 2021
  (*)  تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، منذ ثلاثة اعوام ، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت لسنوات، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، والحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي، والثالثة عشرة عن محمد عنوز، والرابعة عشرة عن هادي رجب الحافظ،، والخامسة عشرة عن صادق الصايغ، والسادسة عشرة عن صلاح زنكنه، والسابعة عشرة عن عباس الكاظم، والثامنة عشرة عن هادي راضي، والتاسعة عشرة عن ناظم الجواهري، والعشرون عن ليث الحمداني، والحادية والعشرون عن مهند البراك، والثانية والعشرون عن عبد الرزاق الصافي، والثالثة والعشرون عن كمال شاكر، والرابعة والعشرون عن حسون قاسم زنكنة، والخامسة والعشرون عن قيس الصراف، والسادسة والعشرون عن محمد الاسدي... وجميعها  كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل، وقد نشرت كلها في العديد من وسائل الاعلام..
* احالات وتفاصيل:
1/ تزوجت ناديا من جمال محمد علي الجواهري عام 1989 وانجبا: ديانا وسمير.
2/ الفّ المُوثقُ له، خلال عمله الجامعي كتبا وبحوثا في مجال اختصاصه، اتم اعتماد  بعضها ضمن المناهج الدراسية، والتطبيقية..
3/ تابع – كفاح-  اتمام تمثال الجواهري الخالد بنسختين، للفنان الباهر سليم عبد الله، ونقلهما من ايطاليا الى كل من اربيل والسليمانية، ، وقد أزيح الستار عنهما هناك خلال الفعاليتين آنفتي الذكر.
4/ للجواهري شقيقة وحيدة، اسمها نبيهة، وهي مدللته، والاسرة كلها، تزوجت من السيد جواد الجصاني، النجفي، في النصف الاول من الثلاثينات الماضية، ولهما  ستة ابناء... آخرهم كاتب هذا التوثيق.


22

ذكريات واستذكارات تعوزها الموضوعية..
 وتعيبها الـ "أنـا"
رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------------
   ما برحت المؤلفات، والمنشورات التى تهتم بشؤون السير الذاتية والتأرخة تحظى باقبال متزايد عند جمهور القراء.. وقد تصدى – ويتصدى - العشرات من المعنيين العراقيين، بأشكال مختلفة، لمتطلبات ومسؤوليات التوثيق للشأن الوطني العام، واحداثه ووقائعه، وكتب عشرات منهم، والسياسيين الفاعلين خاصة، سيّـراً ومذكرات وذكريات، الى جانب احاديث وحوارات  تلفزيونية وسواها. وقد اصبح  ذلك – او سيصبح - مصادر تاريخية يلجأ اليها أكاديميون وباحثون يستفيدون منها بجدية وحرص. فيما يقتبس منها مناكفون، ومترصدون، دون أمانة احيانا، اعتمادا على الثقة العفوية من جهة، وضعف الاهتمام بالدقة، وأختصارا للوقت أوالجهد، وربما كلاهما، من جهة اخرى.. 
  لقد  تباينت – وتتباين-  مؤلفات السيرة والذكريات في اسلوبها، وفي لغتها، وسياقاتها، فكان بعضها يرقى الى شكل من اشكال الكتابة الادبية، فيما راح قسم آخر أشبه بيوميات مغرقة بتفاصيل ليست مهمة لغير من يعرف عنها، او مشمول بها.. وفي كلا الحالين، وما بينهما، نزعم بأن ثمة طموح يرجوه الكثيرون لأن يكون القادم من تلك الكتابات  اكثر اهتماما بالشأن العام، ومحاولة الأبتعاد عن "الأنـا" إلا في مكانها وزمانها الطبيعيين، لكي لا تكون مقيتة، بل وذميمة.. وحسناً ان نستبق من "قـد" يفهم بأننا ندعو الى الابتعاد عن الجدال والتوثيق، فنقول، على العكس، ان ذلك الجدال والحوار أكثر من مرجوٍ ومطلوب، ولكن على أسس حضارية، وبعيدا عن النرجسية، وعن التزمت والتدليس واثارة البغضاء..
   ان ثمة قاسم مشترك بين جميع تلك المؤلفات، وهو تأكيد اصحابها المبرز، بأن ما يكتبونه يأتي " لخدمة الحقيقة والتاريخ" وكأن في الامر احيانا، محاولة استباق لمنع "التشكيك" واحترازا  من "تهمة" الذاتوية  في تسجيل وتوثيق الاحداث والسيّر والادوار. وأزعم بأن ذلك التوكيد المبالغ به قد يقود المتفحصين الى استنتاج العكس تماما.. خاصة وقد يجري أعتماد بعض الوثائق المنتقاة، او اجتزاء فقرات ومضامين، مكتوبة أو منقولة شفاهاً،  تدعم وتفيد ما يُـبتغى منها، ويُـرادُ لها..
    كما من السهل ايضا الوصول الى قناعة بأن كثيراً غالباً من تلكم الذكريات والسيّر يتوخى جمهرة محددة من الناس، ويتوجه بشكل رئيس الى القراء والمتابعين الذين عملوا او تشاركوا في العمل السياسي او الوطني مع كتاب السيرة، ومؤلفي الذكريات، ويعلمون بما أجترحوه من مواقف مشرفة، كما خاطئة، أو عليها ما عليها من خلافات وتفاسير جاءت مصحوبة بتوضيحات أو أعترافات خجولة بالاخطاء، والخطايا حتى، وترحيلها بصراحة أو توريةٍ الى آخرين، مع بعض الاستثناء هنا وهناك ..
    ومن خلال المتابعة الحريصة، يمكن القول ان العديد من اصحاب السيّـر والمذكرات، التي شملت العقود الستة الماضية، خاصة، يبالغون بالانتقاص والقاء اللوم على من تخالف أو أختلف معهم في الرؤى والمواقف، وفي التاريخ السياسي والنضالي المشترك، برغم ان مسيرة ذلك التاريخ، والصحبة المشتركة امتدتا عقودا بعض الاحيان، تعرضوا خلالها لشتى اشكال القسوة والعنف من اجهزة الانظمة القمعية.. وقد تحملوا ذلك العسف، منفردين ومجتمعين، بصلابة وتضحيات تسجل للكثير منهم بأمتياز. غير انهم لم يستطيعوا، في ذات الوقت، تجاوز التنافس الشخصي، وردود الافعال الذاتية، وقبول تبايّن القناعات، واهمية الجدال.. ولا نقلّـل هنا مطلقاً من مشروعية الدفاع عن الذات، والحقيقة،  واهمية تأرخة الاحداث، وضرورات تبيّان المواقف وتحديد المسؤوليات، والتصدي للتجاوزات والاتهامات.
      وبالارتباط مع الفقرة السابقة، لعل من المهم ان نشير هنا ايضا الى خطالة السعي لمحاكاة الحاضر بالمفاهيم والقيم السابقة، والاستناد عليها في الكتابة "للتاريخ" بعيون الماضي، دون الالتفات لجملة مؤشرات من اهمها الظروف السياسية والاجتماعية والمعرفية التي كانت تسود في حينها، ومتانة ورسوخ التجربة، ومستويات الأدراك والوعي، وشيوع التزمّت بأحتسابه "ثباتاً مبدئيا" .. دعوا عنكم التقديس الايديولوجي، والثورية - الحقيقية او المدعاة - ومزاعم امتلاك الحقيقة..
     لقد كان حرياً بنا طبعا أن نشير لأمثلة ملموسة، ولأسماء بعينها، لتأكيد ما ندعيه من أراء ورؤى. ولكن من دوافع الابتعاد عن ذلك – برغم توفر الكثير منه- تأتي قناعتنا بأن طرح ذلك، الآن، سيثير المزيد من الغلّـو والأحن، والعصبيّات، خاصة والبلاد العراقية وشعبها تحتاج لتضامن مجتمعي، وترفّع أنساني عن الخصوصيات والصغائر، في ظل الأزمة – بل الأزمات- الطبيعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي ما برحت تشيــع المزيد من الأحباط السائد، والمتراكم أصلا، من السياسة والسياسيين .. كما من الدوافع الاخرى لأقتصار كتابتنا هذه على العموميات، وليس الملموسيات، ثمة "خوف" من اقلام وألسن تنتظر أيّما سبب ورأي، أوموقف مخالف، لتبيح لنفسها الدفوعات المتشددة، أو الانفعالات  في الردود والتحاور والجدال.. فالوسطية باتت بعيدة - كما نرى- في زحام الاتهامات المتبادلة، وتصيّد الأخطاء، والتشنجات وتلك من أشد العلل، وأقساها كما نظن..
   ان ما يؤلم اكثر في هذه الحال الذي نتوقف عندها، هو قيام أعلاميين ومتابعين وغيرهم بقراءات مسبقة التقييم، لما تحتوية الذكريات والسيّر والشهادات ذات الصلة، وعرض بعضها بعيون "تبدي المساويا" ولدوافع مختلفة قد يكون من بينها حب الأثارة، وحسابات واصطفافات شخصية، او مواقف مختلف عليها في أحداث هنا ووقائع هناك، وخاصة حين يجري الانتقاء والاجتزاء، بل وحتى تشويه الحقائق، ولحد تزييفها احيانا. والأكثر ايلاما ان يكون بعض المقصودين هنا،  مشاركين بهذا القدر او ذلك في قضايا وتعقيدات الأمس التي يتبرأون منها اليوم..
    ان الهوامش والملاحظات التي سترد في الفقرات اللاحقة لا تعنى – كما اسلفنا القول بشأنها- بالاسلوبية، ولا شكلية الكتابة، ولغتها، فلتلك احاديث اخرى تطول وتتسع، وهي من اختصاص النقاد والمنتقدين ذوي الباع بفنون الكتابات والسرد، ولسنا من بينهم.. وبمعنى ان ما سيجري التطرق اليه، وحوله يركز على المضامين والمعلومات الواردة في الكتب والمؤلفات المعنية بالمذكرات السياسية والسير الشخصية، والذكريات والتأرخة العامة، ومن بين ما نزعم عنه:
1- قيام بعض كتاب و"كتبة" سيرهم الشخصية، او عن الاخرين – اللجوء - ولربما بهدف "تضخيم" صفحات المنجز –  الى خلط الأمور، وبتداخل مفضوح احيانا، في الحديث عن تفاصيل بديهية أو معروفة بشكل كبير، وبلا اية ضرورة، ثم يذهب (المؤلفون!) بعد الاسهاب الممل فيشيرون عبورا ومرورا بـ"سيرتهم" أو علاقتهم بالحدث المعني، بكلمات او جمل قصيرة طارئة.
2- طفوح ظاهرة الـ ( نا) واشاعة الايجابيات، مقابل إغفال المعاكس، وحتى ان تطلب الامر القفز على احداث معروفة، أو شبه موثقة، مما يضع الكاتب/ المؤلف في حرج معيب احيانا. وهنا لا نقصد باية حال غمط مشروعية  المؤلفين والكتاب في الحديث عن أدوارهم ومواقفهم، والتوثيق لها، في شؤون الحياة العامة خصوصا  ..
3- اجتزاء الوقائع، ومحاولة استغفال المتلقي غير المتابع، بل وحتى تزوير المعلومة كاملة، بهدف تمرير ما يدور في ذهن الكاتب من مشاعر او رغبات، أو مساع لتصفية حسابات شخصية، ثقافية مرةً، وسياسية مرة، وحتى اجتماعية في حالات أخرى.. وكم جرى "التدرع" بان تقوم شخصية معروفة بكتابة تقديم للمؤلف المعني، وسواء جاء ذلكم التقديم إقتناعاً أو مجاملة، أو تلاقي النيّات والاراء.
4- شيوع المجاملات الصداقية والوجدانية، والعلاقات الشخصية في اختيار التوثيق او الحدث في الكتابة.. وفي غمار ذلك يسود، أو يجري نسيان أو تناسي مواقف سابقة للكاتب نفسه، مخالفة وربما متشددة حول، وضد، نفس الشخصية التي يجري مجاملتها لاحقا لهذا السبب أو ذاك..   
5- اسناد مواقف وتقييمات لراحلين، او عاجزين عن الرد والتوضيح لما يُنسب اليهم، مما يضعف من صدقية الحدث او الواقع المؤرخ له.. وكل ذلك  لكي يمرر الكاتب او "المؤرخ" غاياتٍ ما، يعتقد بيسر مرورها ما دام الذين يُسند اليهم غير متمكنين من الدفاع أو الرد، كما سبق القول.
6- مراعاة بعض الكتاب (والكتبة) لأمزجة الناشرين، وأصحاب المراكز الاعلامية، ومواقفهم من الاحداث والسيّر الذاتية، والوقائع التاريخية. ومن دوافع ذلك: الرغبة في النشر والانتشار وحتى لو كان على حساب الضمير والامانة والمسؤولية الشخصية . ولا يفوتنا هنا الاشارة الى حالات اللجوء طواعيةً، لا اضطرارا، لمراعاة أولي الامر من سياسيين  ورسميين ومسؤولين وظيفيين وعداهم، وما أبشع ما ساد في العقود والسنوات الأخيرة في عراقنا العجيب، من مثل هكذا أوضاع وظروف.
7- ولعل ما يزيد الطين بلّة كما يقال، مساهمة العديد من "النقاد" والاعلاميين في الترويج لمؤلفات اصدقاء ومعارف، وذوي علاقات، على اساس تبادل "الفائدة" احيانا، أوالتعامل بالمثل احيانا اخرى، وفي كلتا الحالتين يكون الأمر على حساب التاريخ والمسؤولية المهنية ... فكم أهملت مؤلفات قيّمة بشهادة المعنيين، بينما راحت كتابات اخرى " تُـلمع" لحـدّ انها تفقد بريقها، خلافاً لما يُراد !.
8- أهمال التحقق المعلوماتي، وتجاوز التدقيق والبحث، اما عجزاً، أو بهدف العجالة لأصدار المؤلف والكتاب.. ولا موقع هنا للنوعية، حين يكون الكمُّ هو الهدف وإن كان غير معلن، ولكن الكتاب يعرف من عنوانه كما هو شائع ومعروف .. وهنا نشير ايضا الى رهان عدد من "المؤلفين" و "الكتاب" على اخلاق القراء والمتلقين - وربما كسلهم احيانا -  في عدم التكذيب، أو توضيح الملتبس، المقصود وغيره، مما شجع ويشجع في مثل ذلك الغـيّ، والتمادى فيه دون حساب.. 
9- ووفق الفقرة السابقة ايضا، يراهن البعض ممن تشملهم هذه الملاحظات - كتابا ومؤلفين- على أن المقصودين في التشويه أو التزوير، وحتى التطاول عليهم،  يترفعون، قيماُ وقناعات، في الرد على الاسفاف والادعاءات، ولربما ايضا رغبة في عدم إعلاء شأن المتجاوزين والذين يتمنى العديد منهم - كما نزعم مجددا – ان يَسمع أو يقرأ حتى تكذيب أفتراءاته، ودحرها،  ليزداد الكتاب، واسم صاحبه، انتشارا وهو المقصود والمطلوب عند البعض..
10- ان ما تم الحديث عنه من هوامش وملاحظات على كتب السير الشخصية، والتأرخات، يشمل ولحدود بعيدة: الحوارات التلفزيونية والاذاعية – والصحفية طبعا-  في أطر التساؤلات والحوارات المباشرة، وبعدها الاجابات المجتزأة والمرسلة على عواهنها بلا حسيب أو رقيب. مع مساع عدد من "رجال" العراق و"مثقفيه" لاستغفال المحاورين الشباب، أو غير المهيئين لمثل تلكم الحوارات التاريخية، وغير القادرين على توثيق الاحداث، بل وغير العارفين بها اصلا بعض الاحيان..
  اخيرا .. نعيد التوكيد بأن هنالك - حول ما تحدثت عنه الفقرات اعلاه- أمثلة عديدة ووقائع كنا شهود عيان على بعضها بهذا القدر او ذلك، أو مطلعين بشكل وثيق على العديد من تفاصيلها.. ولكن عدم الأتيان بها – كما سبق القول - جاء محاولة  في منع المزيد من الاحباط، وأبتعادا عن المناكفات السياسية الضيقة. وحاشى بالطبع ان يكون ما تقدم من ملاحظات يهدف للأنتقاص من تاريخ شخصيات بارزة في تاريخ العراق الحديث، وساسة ميامين، ومناضلين وطنيين، اصابوا، أو أخطأوا دون عمد،  وكان الكثير منهم يحملون أرواحهم على أكفهم، لغايات نبيلة، وطوال عقود مديدة، عارضوا فيها السلطات والانظمة الجائرة التي حكمت البلاد العراقية. وكم نتمنى ان يُتاح الوقت وتسمح الظروف ان نتداول، وبالتوثيق المحدد، مؤلفات سيّر شخصية، و"شهادات" وكتابات تأريخية، مع معرفتنا مسبقا بما سيتسبب به ذلك من خسارة صداقات، وإثارة بغضاء، وسجالات وما الى ذلك، ولا ندري هل سنكون شجعاناً في خوض ذلك الغمار، أم لا ؟!!.. 

   

23

مع الجـواهري في عواصم ومدن العالم
- رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
   لا يبدو ان هناك منتهى للكتابة والتوثيق عن الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري (1899-1997) منجزا، وحياةً، برغم احدى وعشرين اطروحة دكتوراه، وثلاث عشرة رسالة ماجستير، أجيزت عنه، ونحو ستين كتابا ومؤلفا رصينا، ومئات من الدراسات والمقالات والاستذكارات، دعوا عنكم اللوحات والصور والتخطيطات الفنية .. وكل تلك الارقام هي في الحدود الدنيا، ونعني ما هو مرصود وموثق لدينا الى الان.
    نشير الى ذلك في بدء هذه التأرخة، واضحة العنوان على ما نتوقع، والتي تأتي بعد ما نشرناه في محور مشابه، على النطاق (الجغرافي) العربي، واستقطب اهتماما ملحوظا، مما شجعنا لنستمر في تثنية الامر ليكون على النطاق العالمي هذه المرة (1).. 
   وانطلاقة الجواهري العالمية - الانسانية، شعرا واغترابا، واحاسيس واعجابا، أومشاركة  في مؤتمرات وفعاليات ومناسبات ثقافية وغيرها، بدأت وهو في مطلع عشريناته، واستمرت لنحو سبعة عقود، واخرها - كما سنرى في الاستطرادات اللاحقة - عام 1995 وهو السادسة والتسعين من العمر، اي قبل رحيله الى الخلود بنحو عامين ليس إلا.. وجميع تلكم المشاركات كانت، أو كادت، بـ"أخف ما لــمّ من زاد أخو سفرِ" على حــدّ تعبيره، صدقاً، بعيدا عن البهرجات أو المبالغات. اما الغايات من وراء تلكم الأسفار، المعلن منها أو غير المعلن، فكانت الاضطرار والاغتراب القسري، والتمرد احيانا، وعشق التغيير وشغف الاطلاع واستشفاف الافاق، احيانا اخرى.. وبأختصار: حب الحياة والجمال والتنور، والتنوير. وهكذا وبهدف التوثيق الأوضح سنلاحق ونرصد "سياحة" الجواهري، واشعاره، في العديد من مدن وعواصم الدنيا، بحسب تسلسلها الزمني، برغم ان هناك اسبقيات واهميات تختلف في بعضها عن البعض الآخر:

1/ في طهـران عام 1924
    كانت الزيارة الاولى للجواهري الى ايران عام 1924 وهي ايضا  اولى سفرياته الى خارج العراق .. ثم اضطر للذهاب اليها  ثانية عام 1941 احترازا من تطورات الاوضاع السياسية في البلاد العراقية بعــد احداث ما كان - وما زال- يعرف بحركة مايس.. اما الزيارة الاخيرة الى ايران فكانت عام 1992 تلبية لدعوة رسمية رفيعة، استقبله خلالها المرشد الاعلى في الجمهورية السيد على خامنئي.  ولم تقتصر تلك الزيارات على العاصمة طهران، بل شملت مدنا ومناطق عديدة في البلاد الايرانية..
   ومما يرصد عن شعر الجواهري في ايران او عنها، بعض وصفياته، وحنينه، خلال زيارته الاولى، ومنها في قصيدة "الاحاديث شجون" :
جَدّدي ريـحَ الصّبـا عهد الصّبـا، وأعيدي فالأحاديث شُجُونُ..
جدّدي كيف اطّراحي فارساً، ولمرأى وَطَني كيفَ الحنينُ...
جددي ذكر بلادي إنني، بهواها أبـدَ الدهر رهيـــــنُ
انا لي دينان: دين جامعٌ،وعراقي وغرامي فيه دينُ
 
 2/ وفي باريس عام 1946
    يصل الشاعر الكبير العاصمة الفرنسية باريس في طريقه الى بولندا عام 1946 للمشاركة في مؤتمر حاشد، اول من نوعه لمثقفي العالم، كما ستبيّنه الفقرات اللاحقة .. ثم يعود لها عام 1948 ليقيم في رحابها فترة امتدت بضعة اشهر، يكتب خلالها  بانوراما "أنيتا" ذائعة الصيت، بأربعة فصول، أثـر واقعة حب عنيفة.
   كما يحدث ان يزور باريس من جديد عام 1963 قادما اليها من مغتربه في براغ، رئيسا لوفد "اللجنة العليا لحركة الدفاع عن الشعب العراقي" ضد الارهاب والقمع التي تأسست بعد الانقلاب البعثي، الدموي، الاول في شباط 1963.. اما آخرعهده في باريس فكان عام 1984 حيث  اجرى فيها – قادما اليها من مغتربه في دمشق- عملية جراحية دقيقة لعينيه، برعاية رسمية سورية..(2).
  اما ما نوثقه هنا عن شعـره " الفرنسي" او عن فرنسا، فهو من قصيدته "باريس" المنشورة مقتطفات منها عام  1948:
تعاليتِ " باريسُ" أمَّ النضالْ، وأمَ الجمال، وأمَّ النغـمْ
تَذوَّبَ فوقَ الشِفاهِ الألَم، وسال الفؤادُ على كلِّ فــم
تَضيعُ الحرارةُ بينَ الوصالْ، وبين التّنائي وبين الملالْ
كأنّكِ شمسُك بينَ الجبال، تغازلُ حينت لوحُ القِمَمْ

3/ وفي وارسو عام 1946
  كان اول " المقامة" الجواهرية في بولندا بعيّد انتهاء حرب القرن الماضي، العالمية الثانية، حين دُعي الشاعر الكبير للمشاركة في مؤتمر عالمي للمثقفين من اجل السلام عقد عام 1946 بمدينة " فروتسواف" غرب بولندا، وقد كان العربي الوحيد فيه، الى جانب شخصيات عالمية لامعة من ابرزها، الرسام الفرنسي الشهير بابلو بيكاسو. وقد جاءت الدعوة للجواهري باعتباره ناشطا وطنيا مميّزا، وداعية للسلام والحرية، كما تؤكد ذلك قصائده وكتاباته، ومواقفه خلال وبعد حرب القرن الماضي، العالمية الثانية... (3).
   وبحسب الجزء الثاني من ذكريات الشاعر الخالد، فأنه زار "فرصوفيا- وارسو" ثانية عام 1963 اي بعد 15 عاما من اول زيارة لها. ويؤرخ ديوانه العامرعن الامر، شعراً، حين القى هناك رائعته متعددة القافية، امام مؤتمر للطلبة العراقيين، وجاء في مفتتحها:
(فـرصـوفيـا): يـا نجمـةً تَـلالا،
تُـغـازلُ السُـهـوبَ والتّـلالا
                                  و تَسـكُب الرقّـةَ والـدّلالا
فوقَ الشفاهِ الظامئاتِ، الحامياتِ الحانيه..
  اما الزيارة الثالثة للجواهري فكانت عام 1985 حين لبّى دعوة رسمية  للمشاركة في احتفال نظم في العاصمة البولندية – وارسو، بمناسبة الذكرى اليوبيلية الاربعين لمؤتمر المثقفين العالمي، سابق الذكر .

4/ في لندن عام 1947
  وردت (بريطانيا) ولندنها  في شعر الجواهري، في عدد من قصائده قبل ان يزورها بسنوات عديدة، وشملت، من بين ما شملت، انتقادات لسياساتها في العراق  خلال العهد الملكي. اما زيارته الاولى لها فكانت عام 1947 ضمن وفد صحفي، وثمة الكثير من التفاصيل عن ذلك وردت في الجزء الثاني من ذكرياته، واهمها اللقاء هناك مع الضابط العسكري عبد الكريم قاسم، والذي تزعم لاحقا كما هو معروف حركة 14 تموز 1958 التي اسست الجمهورية العراقية الاولى .. وقد كتب من وحي تلك الزيارة مقاطع شعرية قصيرة ومن بينها :
مَلِلتُ مُقاميَ في لندنا، مُقامَ العَذارى بدور الزِنـا
مُقام المسيح بدارِ اليَهودِ، مُقام العذابِ، مُقام الضَنى
وفي موقف مناقض للبيتين السابقين اعلاه، ولأنه أُعجب خلال الزيارة بـحسناء "لندنية" كما يبدو، راح يكتب عنها بضعة ابيات غزل، ومنها: 
يا " جينُ " لطفُ الخمر، أنّكِ كنتِ ماثلةً حِيالي..
ما شاءَ فليكتبْ عليَّ، الدهرُ، إنّي لا أُبالي
إذ كان خَصْرُكِ في اليمينِ، وكان كأسي في الشِّمال
    كما يزور لندن بضعة ايام عام 1963 ضمن نشاطات تضامنية – سياسية،  بوصفه رئيسا للجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي، التي تأسست في براغ بعد انقلاب شباط الاسود عام 1963.. كما  نزلها – لندن-  منتصف السبعينات الماضية، فترة قصيرة، لتطبيب عينيه، ليزورها بعد ذلك للمرة الاخيرة عام 1991 ويقضي فيها بضعة اسابيع بدعوة شخصية، فُجـع خلالها بوفاة زوجته (آمنة) هناك مطلع عام 1992 ..

5/ وفي موسكو عام 1959
  انحاز الجواهري منذ وقت مبكر من حياته الى جانب القيّم والسياسات والمبادئ التى تتحدث وتؤمن بالتحرر والعدالة الاجتماعية والمساواة، ومناهضة الاستعمار بمختلف اشكاله.. وهكذا راح منتصرا الى الحلفاء ضد المانيا الهتلرية خلال الحرب العالمية الثانية، في القرن الماضي، وقد ابرز ذلك شعرا، ومنه في تمجيد انتصارات وتضحيات الاتحاد السوفياتي السابق. ومن  ذلك ما جاء في قصيدتيه: عن معركة "سواستبول" عام 1942.. وعن معركة "ستالينغراد" الشهيرة عام 1943 ومن ابياتها:
نضّــتْ الروحَ وهزته لواءا، وكسته وأكتستْ منه الدماءا
واستمدت من الهِ الحقل والبيت والمصنع عزما ومضاءا..
يا (تولستوي) ولم تذهب سدى، ثورة الفكر ولم تذهب هباءا
هكذا الفكرة تزكو ثمرا، ان زكت غرسا وان طابت نماءا
   اما زيارته الاولى للأتحاد السوفياتي  فكانت لعاصمته - موسكو عام 1959 رئيسا لوفد من الادباء العراقيين .. تلتها مشاركات في فعاليات ومؤتمرات اخرى، ومنها ما وثق لها  شعرا بقصيدة (اطفالي واطفال العالم) التي القاها خلال مشاركته في فعالية دولية من اجل السلام ونزع السلاح عام 1962..  ووفق ما توفر من توثيقات نسجل ان زيارات الجواهري  "السوفياتية" لم تكن للعاصمة موسكو وحسب، بل شملت مدنا عديدة  مثل لنينغراد (بطرسبورغ حاليا) وسمرقند، وغيرهما ..

6/ وفي بــراغ منذ عام 1960
 .. والحديث عن علاقة  الجواهري ببراغ لا يشبه باية حال الحديث عن زياراته، وقصائده عن عواصم ومدن العالم.  فقد اقام في تلك المدينة التي اطلق عليها وصف "مزهر الخلد"  ثلاثة عقود، بشكل دائم او متقطع (1961-1991) لاجئا ومغتربا وعاشقا و"مستوطنا" وكتب فيها وعنها العديد من القصائد والمقطوعات.  كما نظم وهو في ربوعها فرائد كثيرة ليس مجال حصرها كاملا في هذا التوثيق، ومن بينها مثلا: "دجلة الخير" و"لغة الثياب" و"فتى الفتيان" و" يا آبن الثمانين" وسوى ذلك كثير ومتنوع ..(4)
  أما عن براغ تحديدا، واهلها وطبيعتها ومجتمعها، فلعلنا نستطيع ان نوجزعن ذلك فنشير الى قصيدته المعنونة "براغ" عام 1968 ومن مطلعها :
أطلتِ الشوطَ من عمري، أطـــالَ اللهُ مـــن عُــمـركْ
ولا بُــلــغــتُ بــــالــشــرِّ، ولا بــالسوءِ مــــن خَبرك
حـسوتُ الخمرَ من نهَرك، وذُقـــت الحلو مــن ثَمرك
وغنت لـــي صوادحُــــك النشاوى من ندى سحرك
الا يــــا مــزهـــــر الخلد، تــغـنــى الدهرُ في وتَركْ
 
7/ وفي ميونيخ عام 1963
   يحضر الجواهري بناء على دعوة رسمية، الجلسة الافتتاحية  لمؤتمر الطلبة الاكراد في اوربا، الذي انعقد في مدينة (ميونيخ) الالمانية، صيف عام 1963 ليلقي هناك مطولة جديدة، سياسية في اطارها العام، مع التصريح بمواقفه الصميمية في دعم نضالات الشعب الكردي من اجل نيل حقوقه المشروعة.. وقوبل حضور الشاعر الكبير، وقصيدته، بأحتفاء مهيب من المجتمعين، والمشاركين، وأولهم المسؤول الكردي البارز جلال الطالباني، الذي تسنم  كما هو معروف رئاسة جمهورية العراق بعد فترة من سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 .. وجاء مفتتح قصيدته خلال المؤتمر، والموسومة " كردستان... موطن الابطال": 
قلبي لكردستان يُهدى والفـمُ، ولقد يجود بأصغريه المعدمُ...
تلكم هدية مستميت مغرمٍ، انا بالضحية والمضحي مغرم..
سلّم على الجبل الأشم وأهله، ولأنتَ تعرف عن بنيه من هـمُ..
سلّم على الجبل الأشم وعنده من أبجديات الضحايا معجمُ

8/ في صوفيا عام 1968 .. وفارنا عام 1973
   وفي "مقامة" الجواهري البلغارية ثمة مدينتان، الاولى هي العاصمة صوفيا، التي احتضنت المهرجان التاسع لشبيبة وطلبة العالم، صيف عام 1968 وكان الشاعر الكبير ضيفا رسميا لحضور افتتاح المهرجان، وفعالياته البارزة، من بين نخبة الوجوه والشخصيات العربية والعالمية الرائدة والشهيرة في مجالاتها..
  اما المدينة الثانية فهي "فارنا" التي زارها  عام 1973 وكان مدعوا  لزيارة ثقافية رسمية الى بلغاريا، شمل برنامجها زيارة تلك المدينة السياحية الشهيرة، للراحة والاستجمام، وكان حينها رئيساً لاتحاد الادباء والكتاب في العراق، وقد نظم عن تلك الزيارة، وعن بعض "ملهماتها"  قصيدة عنوانها (يومان على فارنا) جاءت بثلاثة وستين بيتا، ومنها: 
أشرقَ الفجر فوق "فـرنا" فأضفت فوقه سحرها الجميل فأضفى
وأستطاب الرمل الندي بساطاً، فمشى ناعم الخطى يتكفا
معجبا يمسح الدجى منه عطفا، ويهز الصبح المنوّر عِطفا

9/ في اثينــا خلال السبعينات
  حطّ الجواهري ركابه في النصف الثاني من السبعينات الماضية، في أثينا، مستأجراً شقيّقةً متواضعة، وكان من أهم ما فيها من مغريات محاذاتها لساحل البحر المتوسط مباشرة، وذلك هو الأحب لدى الشاعر العظيم، التوّاق والطامح لمزيد من الإيحاء...
  ... ومن يعرف الجواهري عن قرب، يعرف انه عاشق أبدي للأنهر والبحار، سواحل وتدفقاً وضفافاً، مثل "رافدي" العراق، و"نيل" القاهرة، و"بردى" دمشق، و"فلتافا" براغ.. وغيرها من السواحل والضفاف، اللواتي كتب عنها ووثق لها في ديوانه العامر، روائع وصفت واستلهمت وأوحت بما لا يُزاحم على ما نظن...
  وفي "مَقامة" الجواهري، اليونانية،  وفي اثينا تحديدا،  نؤشر إلى ان اقامته هناك لم تكن إلا لفترات قصيرة ومتقطعة، اغتراباً عن الأحداث، وركوناً إلى النفس، وتمعناً في ما يزخر به فكر الشاعر الكبير: فلسفة في الحياة والمشاغل الانسانية العامة.. وهناك في اثينا، وعلى ساحلها، ولدت قصيدته الباهرة "سجا البحر" عام 1977 وجاء مطلعها:
سجا البحر وانداحت ضفافٌ ندية ولوّح رضراض الحصى والجنادلِ
وفكت عرى عن موجةٍ لصق موجة تماسك فيما بينها كالسلاسل
وسدت كوىً ظلت تسدّ خصاصها عيون ضباء أو عيون مطافل ِ

10/ عواصم ومدن اخرى .. وخلاصات
   ثمة مدن وعواصم في بلدان اخرى، خارج ما اسلفت له السطور السابقات، زارها الشاعر الخالد لأغراض شتى، سياحية أو شخصية. وفي بعضها حط الركاب لأكثر من مرة، ومنها:  برلين الالمانية في الستينات، والعاصمة الاسبانية - مدريد عام 1974 ليومين او ثلاثة، ونيويورك مطلع الثمانينات، والعاصمة النمساوية- فيينا في ثمانينات القرن الماضي، والعاصمة المجرية – بودابست، وخاصة بين اواخر عام 1990 ومطالع عام 1991...
    ولم يوثق الشاعر الكبير عن  المدن والعواصم المسماة في الفقرة السابقة،  لا شعرا ولا نثرا.. مع استذكارات جميلة عن بعضها في مجالس خاصة. وقد كانت زياراته لها  لفترات قصيرة، بل لبضعة ايام وليالي احيانا، وقد أثرنا – مع ذلك - التوثيق لها بايجاز في سعي لأستكمال هذا البحث الموجز .. ونقول موجزا ونعني ذلك تماما اذ هناك الكثير من الدلالات، والمؤشرات التي يمكن التطرق اليها، مستقاة من قصائد وزيارات الجواهري، وما رافقها من شؤون وتفاصيل واحداث مهمة بهذا القدر او الشكل اوذلك ..
   كما من المناسب ان نشير ايضا الى ان الكثير من زيارات الجواهري، ومشاركاته في الفعاليات والمؤتمرات الثقافية والسياسية العالمية، الرسمية والمدنية، شهد احتفاءات ولقاءات خاصة وعامة من المحبين والاصدقاء، عراقيين وعربا واجانب، ممن كانوا يحرصون على ان يلتقوا شاعرهم الذي تعدى حدود المعهود، على أبسط وصف، وان يتعرفوا عليه عن قرب، فخرا واعتزازا وتباهيا.. وبالمقابل كان يحرص من جانبه ان لا يبخل - جهد ما استطاع - في اتمام تلك اللقاءات، بل والاهتمام بها، وفرحه لها، وهو المؤمن، روحا وشخصا ومنهجا، بما قاله عام 1965: "حببت الناس كل الناسْ. من أظلم كالفحــمِ ومن أشرقَ كالماس" !!..
**رواء الجصاني / براغ في نيسان2021 .
--- هوامش وإحالات ---------------------------------------------------------------------
 ** المصادر: ديوان الجواهري، كتاب "ذكرياتي" للشاعر الخالد، بجزأين.. اضافة الى وثائق ومعلومات خاصة وشخصية.
1/ لمزيد من التفاصيل:  مادة منشورة لنا في مواقع اعلامية عديدة، على الانترنيت بعنوان الجــواهري" شعـرٌ وزيارات، واحتفاءات حميمة، في أربعة عشـر  بلـدا عربيا".
2/ لمزيد من التفاصيل عن "المقامة" الفرنسية:  كتابنا " الجواهري .. بعيون حميمة" الصادرعام 2016 في بغداد وبراغ.
3/ لمزيد من التفاصيل:  مادة منشورة لنا على الانترنيت، ومواقع اعلامية عديدة، بعنوان "الجواهري: قصيدة… وثلاث زيارات لبولندا " .
4/ لمزيد من التفاصيل: كتابنا "الجواهري .. اصداء وظلال السبعينات" الصادر عام 2001 .. وتأرخات اخرى ذات صلة منشورة لنا على الانترنيت.

24
هؤلاء المبدعون، والمثقفون، نشروا في مجلة "البديــل" وكتبوا اليها
•   رواء الجصاني
------------------------------------------------------------
  بات من المتفــق عليه، وبالاجماع على ما نعتقد، بأن  من اهم وابرز ما يميّز الاصدارات الدورية  هو اسماء كتابها، والناشرين فيها.. وهكذا نقيس الأمر على مجلة "البديـل" التي صدرت منبرا نابضا لـ "رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين العراقيين الديمقراطيين" (الرابطة، لاحقا) التي عقدت مؤتمرها التأسيسي في بيروت اوخر كانون الثاني 1980 وضمت في صفوفها عشرات من المبدعيــن، من مختلف الاختصاصات والاهتمامات، الذين أضطرتهم اعتقالات وملاحقة السلطة البعثية الحاكمة في العراق، وارهابها للفرار – المؤقت على الاقل-  بسبب مواقفهم وآرائهم، ونشاطاتهم الهادفة للتنوير، والرافضة للقمع الممنهج، وأمتهان الحقوق والحريات الانسانية في بلادهم (1)..
    استمر مركز "الرابطة" وتشيكلاتها  باصدار مجلة "البديل"  التي راحت وعلى مدى سنوات 1980-1991 صوتاً ثقافيا تنويرياً هادفا،  ليس عراقيا وحسب، بل وعربياً، كما سيتبيّن ذلك من الأستعراض اللاحق للأسماء اللامعة التي نشرت في لمجلة مساهمات متنوعة: مواقف سياسية، وكتابات فكرية، وبحوثاً ودراسات قصيرة، عنتْ بالعديد من الرواهن الملحة آنذاك ..
    لقد جاءت اعداد "البديل" غنية متطلعة، مع التفاوت طبعا، بين محتويات الاعداد الاولى، والاخيرة، ليس في عدد الصفحات والمشاركات وحسب، ولكن ايضا في نوعيات المواد المنشورة، مما يؤشر – بهذا القدر او ذلك-  لبعض تراجع في الحماسة لـ"البديل" وبدءا من اواخر الثمانينات، لاسباب موضوعية من بينها توزع الكتاب والفنانين والصحفيين العراقيين في المزيد من المنافي، واستمرار تعقّـد الاوضاع في البلاد، والتغيرات العالمية بعد انهيار الانظمة "الاشتراكية" في بلدان شرق اوربا، وانحسار فعاليات التضامن العربي والانساني .. اما الاسباب الذاتية فمن اهمها – كما نظن-  اختلاف وارتباك الاراء والرؤى، والقنوط والتماحك والمناكدات والتشابكات في مواقف الاعضاء من هيكلية "الرابطة" عموما، ومن مسيرتها، والتجاذبات بشأنها ..
   وفي عودة لثلاثة عشر عددا متوفر عندنا من مجلة "البديل" من اصل سبعة عشر(2) يمكن توثيق مساهمات سياسية وثقافية وابداعية لجمع كبير نسبيا من المبدعين والمثقفين، منهم العراقيون، بحسب حروف الهجاء، مع حفظ المكانات والمواقع: ابراهيم احمد، ابراهيم الحريري، برهان شاوي، ثابت المشاهدي، جبار ياسين، جمشيد الحيدري، جنان جاسم حلاوي، جواد بشارة، خالد بابان، زهير الجزائري، زهير ياسيـــن شلبية، سالمة صالح، سعدي المالح، سعود الناصري، سلام ابراهيم، سمير سالم داود، شاكر الانباري، شاكر لعيبي، شمران الياسري، صالح كاظم، صلاح الحمداني، ضياء مجيد، عادل العامل، عارف ولي، عامر بدر حسون، عرفان عبدي، على احمد محمود، على كامل، غائب طعمة فرمان، فاضل الربيعي، فاضل السلطاني، فاطمة المحسن، فاضل سوداني، فالح عبد الجبار، فيصل لعيبي، قاسم الساعدي، قاسم حول، كاظم حبيب، كامل شيــاع، كريم دحام، كريم عبد، مجيد الراضي، محمد حسين هيثم، محمود البياتي، محمود صبري، مصطفى عبود، مفيد الجزائري، ممتاز كريدي، منعم الفقير، موسى السيد، نائل الحيالي، نجم والي، هـــادي العلوي..
     اما الشعراء الذين نَشروا في اعداد مجلة "البديل" موضع هذا التوثيق فهم: أنور الغساني، حميد الخاقاني، حميد العقابي، جليل حيدر، سعدي يوسف، شوقي عبد الامير، شيركو بي كه س، صادق الصائغ، رعد مشتت، رفيق صابر، عبد الكريم كاصد، عواد ناصر، فائز الزبيدى، فائز العراقي، فاضل العزاوي، كامل الركابي، كريم عبــد، محمد سعيد الصكار، مخلص خليل، مصطفى عبد الله، مهدي محمد علي،  نبيل ياسين، هاشم شفيق.
    كما كان هناك جمع كبير اخر من المبدعين والمثقفين العرب (او من البلدان العربية) الذين كتبوا، للبديل، وفيها، وهم، وايضا بحسب حروف الهجاء، مع حفظ الالقاب والمكانات:  ادونيس، اسماعيل حسن حسو، الياس خوري، براء الخطيب، حميد المازن، حيدر حيدر، حيان السمان، جورج ابراهيم،  خلدون زيبو، خيري الذهبي، زكريا شريفي، سعد الله ونوس، سعيد حوراني، شوقي بغدادي، صالح علماني، صبحي دسوقي، عبد الله طاهر، عبد الرحمن بسيسو، عبد الرحمن منيف، عبد المعين الملوحي، على الجندي، علي عبد العال، غالب هلسا، غالية قباني، غسان زقطان، فواز طرابلسي، فيصل دراج، محمد بنيس، محمد دكروب، محمد عزيز ظاظا، ممدوح عدوان مها بكر، نيروز مالك،  يمني العيد..
    لقد تنوعت المشاركات المنشورة في اعداد مجلة البديل، وتداخلت بين الشأن السياسي والثقافي، والمواضيع الفكرية، والتوثيقات التاريخية، والمقابلات، والنصوص والكتابات الابداعية، والتخطيطات التشكيلية، والترجمات  وسواها. (3)  الى جانب تغطية وتوثيق نشاطات الفروع في مختلف المدن والعواصم العربية والاوربية وغيرها، وحيثما كان هناك مبدعون ومثقفون وكتاب وفنانـــون وصحفيون عراقيون، ديمقراطيـــون، يقيمون او يعملون أو يــدرسون.. 
     ان التوقف عند اسماء المشاركين في الكتابة لمجلة "البديل" والنشر فيها، المشار لهم في ما سبق من سطور - وجمعٌ منهم له اكثر من مساهمة بل ومساهمات -  نقول: ان لذلك التوقف والتوثيق اكثر من مؤشر ومغزى، ولا سيما حين يتبيّن التنوع، وما يحمله اصحابه  من آراء  ومواقف ومفاهيم محتلفة، وربما متقاطعة حتى، حول مهمات المثقفين، وادوارهم التنويرية والسياسية، والاطر التي يجب على منظماتهم تبنيها، وسبل متابعتها، وشفافيتها وما الى ذلك. وقد حملت بعض اعداد "البديل"  مناقشات وتصورات جدية، وملموسة، حول تلكم الشؤون..   
    وبرغم الاعلان والتوجه والسعي بأن تكون "البديل" مجلة فصلية الصدور، الا ان واقع المنفى، وظروف التحرير، واسباب اخرى حالت عدة مرات دون التمكن من الالتزام بمواعيد صدورها، الفصلي كما هو مقرر.. وهكذا لم يصدر منها غير 15 عددا في 10 اعوام. مع تباعد الفترة الزمنية بين عدد وآخر لعدة شهور احيانا، برغم الجهود المبذولة..
   ان كل الحديث اعلاه عن "البديل" ليس بأحتسابها مجلة فقط، بل انه يؤشر ويشير الى  جملة مجطات في تاريخ ومسيرة  تلك "الرابطة" الثقافية العراقية في المنفى وبلدان الأغتراب الأضطراري، وغيره، والتي لعبت دورها المناسب والممكن في ما هدفت اليه (4).. ومن الطبيعي انه كان من الافضل لو جاءت هذه التأرخة بشمولية اكبر، وتفاصيل اكثر، مثل  تبويب المواد المنشورة بحسب محاورها، وتسلسلها الزمني، واماكن اقامة الكتاب والمساهمين، بل وحتى فهرسة المواد المنشورة وتبوبيبها. وعسى ان يسمح الوقت، وتتوفر الظروف لأتمام ذلك في فترة قريبة قادمة،الا اذا سبقنا الأنشطون في ذلك المنحى، والمسعى ..
   ختاما وبرغم التصور بأن موادا عديدة  ضمتها صفحات "البديل" قد أعيد نشرها في العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 ولكن بقيّت هناك في ذات الوقت مساهمات وكتابات ذات اهمية تاريخية، وجدلية، من المهم ان تتصدى لأعادة نشرها مؤسسات معنية، ولربما أولها الاتحاد العام للادباء والكتّاب في العراق، لأنه الاقرب واقعا للرابطة، ولمجلتها "البديل" . ومع كل التقدير للانشغالات برواهن أخرى، غير ان في التراث - كما هو معروف-  تجارب لا غنى عنها، وذلك ما يدفع للتأكيد على اهمية اعادة النشر، وعلى الاقل للمساهمات الأكثر تميزا، وما أكثرها في المجلة التي نعني: "البديل" .. 
* هوامش واحالات: ----------------------------------------------------------------
1/ أطلقت الرابطة بأسم  "رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديقراطيين العراقيين" في مؤتمرها التأسيسي ببيروت عام 1980 وبعد عشرة اعوام، وفي المؤتمر العام الثالث للرابطة (برلين 1990) تم تغيير الاسم الى "رابطة المثقفين العراقيين الديمقراطيين"..
2/ ثمة عددان ناقصان في هذا الاستعراض، هما : السادس والحادي عشر. كما ان العدد الاخير  جاء مزدوجا وحمل الرقمين ( 16- 17) وصدر عام 1991 دون تثبيت شهر الاصدار. اما العدد الرابع فهو عدد مفترض، كان جاهزا للصدور صيف عام 1982 وقد أحتسب شهيدا بعد احتراقه خلال الغزو الاسرائيلي للبنان في ذات الفترة ..
3/ غالبية اعداد المجلة كانت بنحو 180 صفحة، من القطع المتوسط، وبحروف صغيرة في الاعداد الاولى خاصة،  بينما  صدرت اعداد اخرى بحدود 140 صفحة..
4/ وهنا دعوة اضافية للرواد والمؤسسين، خاصة،  بأتجاه السعي لتوثيق محطات عن مسيرة "الرابطة" ونشاطاتها، والادوار التى لعبتها في التأطير والتحريك، ونشر الثقافة الوطنية المضادة للـ"ثقافة" البعثية..


25
شعــر الجواهــــري،
 في اربعٍ وثلاثين اطروحة دكتوراه، ورسالة ماجستيـــر
- رواء الجصاني
------------------------------------------------------------
   تفوق اهمية التوثيق والارشفة، كما الفهرسة، حدود المتلقين والمتابعين لتبرز حالاً ضرورية امام الباحثين والاكاديميين، لا غنى عنها بالنسبة لهم وهم يتجهون لأتمام دراساتهم وبحوثهم ذات الصلة.. وقد عنينا منذ سنوات للتركيز على هذا المجال في ما يخص شاعر العربية الكبير، محمد مهدي الجواهري (1899-1997) وسواء ما يخص شؤونه الحياتية، او منجزه الشعري، والوطني والعربي والانساني، وغير ذلك من محاور ومجالات عاشها، وأبدع فيها على مدى ثمانية عقود. (1)
    وعلى تلك الطريق، نتابع في هذا التوثيق الجديد مهمةً انجزنا منها مسودتها الاولى قبل اعوام، بقدر ما توفر في حينها من معلومات ومصادر. ثم ظهرت لاحقا اضافات عديدة تطلب اعتمادها في مسعى لأكمال هذه المهمة، توثيقا من جهة، واستخلاصا لبعض الموشرات من جهة ثانية. مع اليقين بأن ما سيرد ليس رصداً  كاملا، وان ثمة جهدا آخر يجب ان يبذل لأستكمال المطلوب.
   وفي ضوء عنوان هذه الكتابة، وقبل ان ندرج حصرا لما توفر من معطيات عن اطروحات الدكتوراه، ورسائل الماجستير، عن الجواهري،  دعونا نتوقف عند بعض الخلاصات التي يمكن الاشارة العجول لها، والمستقاة من بحثنا المعني .. ومنها ان هناك تنوعاً وتعددية  في الجامعات التي منحت تلكم الشهادات الاكاديمية، اذ توزعت على عشر جامعات في تسعة  بلدان عربية هي، وباعتماد ترتيب الأقدمية الزمنية لمنح الشهادات : مصر، سوريا، اليمن، فلسطين، السودان، الجزائر، ليبيا، لبنان.. والاردن، اضافة الى ايران.
    اما في العراق، وطن الشاعر، وموئله، فثمة تسع جامعات اجازت تلك الدرجات العلمية، توزعت، اضافة الى العاصمة بغــداد، على سبع محافظات، وهي - بحسب ترتيب الاقدمية الزمنية في منح تلك الشهادات- كل من جامعات: البصرة، الكوفة، بابل، القادسية، اربيل، الانبار.. وواسط.
   ومن  الاشارات والخلاصات العجول الاخرى التي يمكن ايرادها في هذا التوثيق هي ملاحظة التنوع في محاور اطروحات الدكتوراه ورسائل الماجستير، وعناوينها، اذ توزعت على مناح واتجاهات لغوية، واسلوبية، وفنون ادبية، وصور فنية، وجوانب ابداعية، وشعرية، ومواقف وطنية وقومية.. وغيرها، في منجزه الشعري الثري والحافل، وفي نحو 450 قصيدة ومقطوعة شعرية، يصل تعداد ابياتها الى ما يقرب من 25 الف بيت وبيت. (2)
  اما الحصر والتعداد والفهرسة لما سبقت الاشارة اليه فهي على الحال التالية، موزعة على قسمين: 

الاول/ أطروحــات الدكتـــوراه
1/ الاتجاهات الموضوعية والفنية في شعر الجواهري، اطروحة  دكتوراه اتممها: جميل عبد الغني محمد (جامعة الأزهــر/ مصر- 1994).
2/ لغة شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه  اتممها: على ناصر غالب (جامعة البصرة / العراق – 1995).
3/ الصورة الفنية في شعر الجواهـــــري، اطروحة  دكتوراه اتممها: طارق عمـر عريفي (جامعة دمشـق- 2004).
4/ خصائص الاسلوب في شعر الجـــواهري- المطولات انموذجا، اطروحة دكتوراه اتممتها:  ساهرة عدنان وهيب العنبكي (الجامعة المستنصرية/ بغداد – 2007).
5/ شعريــــة النص عنـد الجواهـــري اطروحة دكتـوراه اتممها: علي عزيـز الزهيـــــري (جامعة بغــداد - 2007).
6/ الصــورة الشعرية عند الجواهـــري، اطروحــة دكتوراه اتممتها: رفـــل حسن الطائي (الجامعة المستنصرية/ بغداد - 2007).
7/ خصائص الأسلوب في شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه  اتممها: فوزي علي صويلح (جامعة صنعــاء - 2007).
8/ البنيـــة الايقاعية في شعــر الجواهـــري، اطروحة دكتــوراه اتممها: عبد نور عمران (جامعة الكوفــة / العراق - 2008).
9/ جدليات الجواهري، اطروحة دكتوراه اتممتهــا: وسام على الخالدي (جامعة الكوفة/ العراق - 2008)
10/ خصائص الاسلوب في شعر الجواهري 1920-1980، اطروحة دكتوراه، اتممها:  فارس عزيز مسلم (جامعة الكوفة/ العراق 2008) .
11/ دراسة نحوية دلالية في شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه اتممها: صالح عبد العظيم (جامعة القاهـرة - 2009).
12/ حروف المعاني المختصة بالأسماء في شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه، اتممها: حسين الفتلي (جامعة بابل/ العراق- 2009) .
13/ صورة العــــراق في شعــر الجواهــــري، اطروحة دكتوراه، اتممها: احمد الذهــــب (جامعة السودان العالمية - 2010).
14/ التوليد الدلالي في ديوان الشاعر محمد مهدي الجواهري، اطروحة دكتوراه اتممتها: مليكة خـذيري (جامعة باتنه / الجزائر 2012).
15/ الغربة والحنين في شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه، اتممتها نجلاء محسن رضا (الاكاديمية الليبية مدرسة اللغات - 2012).
16/ الحقول المعجمية ودلالاتها في شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه اتممها: ميلود قناني (جامعة تلمسان/ الجزائر – 2014).
17/  مصادر ثقافة الجواهـــري من خلال شعره، اطروحة دكتوراه اتممتها: جوان عبد القادر (جامعة القاهـرة - 2015).
18/ الجهود النقدية حول شعر الجــــواهري، اطروحة دكتوراه اتممتها: وجــدان يحيى الكفائي ( جامعة القادسية/ العراق – 2015 ).
19/ شعرية التناص في شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه اتممها: الطيب بوترعه ( جامعة وهران / الجزائر- 2017).
20/  صدى القضية الفلسطينية في شعر الجواهــري، اطروحة دكتوراه اتممها: عبد الرسول الهايي (جامعة طهـران – 2017).
21/ الملوكيــات في شعـر الجواهــري، اطروحة دكتوراه  اتممهـــا: ستار جبـــر حسيــن (جامعة الكوفة - 2017).

ثانيا/ رسائل الماجستير
1/ الرثاء في شعــر الجواهــــــري، رسالـــة ماجستيــــر اتممها: سلمان صبــار باني (جامعة الكوفة/ العراق - 1997).
2/ التمرد والخضــوع في شعر الجواهري، رسالة ماجستير اتممها: نواف قاسم سنجاري (جامعة صلاح الدين في اربيل/ العراق - 2001)  .
3/ خصائــص الأسلوب في شعر الجواهــــري، رسالة ماجستير اتممتها: سهام قنبر علي (جامعة دمشــق- 2002).
4/ محمد مهدي الجواهري ودوره السياسي في العراق حتى 1997، رسالة ماجستير اتممها: عباس غلام حسين (الجامعة المستنصرية/ العراق 2006).
5/ ملامح الحس القومــي في شعر الجواهري، رسالة ماجستير، اتممها: سعد صابر الدليمي (جامعة الانبـار/ العراق - 2009).
6/ البُعد النقدي في منجز الجواهري، رسالة ماجستير، اتممها: وسام حسين العبيدي
(جامعة بابل/ العراق- 2010 ).
7/  البنية الإيقاعية في شعر الجواهري، رسالة ماجستير اتممها: مقداد محمد شكر قاسم (جامعة اربيـل/ العراق - 2011).
8/ هجائيـــات الجـــواهـــري، رسالــة ماجستـــيــر اتممهــا: عــــادل ناجــح البصيصــي (جامعة الكوفـة/ العراق - 2011).
9/ المفارقة في الادب العربـــي الحديث: محمد مهدي الجواهري أنموذجا، رسالة ماجستير        اتممتها: منتهى حسن محمد علي (جامعة بغداد - 2013).
10/ روابط الجملة الاسمية في شعر الوصف والمديح عند الجواهري، رسالة ماجستير اتممها: جهاد عزات حسين زكارتة ( جامعة النجاح الوطنية في نابلس - فلسطين 2015).
11/ شخصيـــة الجواهــــــري من شعره، رسالة ماجستيــــر اتممتها: عتاب مطيــر خضر (جامعة واسـط/ العراق - 2015).
12/ الغربة والحنين في شعر الجواهـــري، رسالة ماجستير، اتممتها: هبة محمد مصطفى (الجامعة اللبنانية - 2017).
13/ البنية الصوتية ودلالتها في ديوان "بريد الغربة" للجواهري، رسالة ماجستير، اتممها الباحث: صفاء راشد خليفة (جامعة "فيلادلفيا" / الاردن – 2020).
---------------------------------------
  ختاما نقول بأن ثمة قناعة  تسودنا بأن كل ما تقدم الحديث عنه يبقى في طــــور الاستكمال، بحساب ان هنالك اطروحات ورسائل ماجستيــر لم نتمكن من الوصول اليها، اما بسبب عدم اعادة طباعتها ككتب ومؤلفات، او عدم النشر عنها في مواقع الجامعات والمؤسسات ذات الصلة. ونأمل، بل ونعمل، بذلك التوجه لأستكشاف وتوثيق المتبقي. (3)     
    اما الشأن الاخر الذي نوده في ختام هذا البحث فهو الاعتراف بأنه كان من المحبذ لو جرى ايضا توثيق اسماء الاساتذة المشرفين على تلك الاطروحات والرسائل الجامعية، واسماء رؤساء واعضاء اللجان التي تولت مهام المناقشة والاجازة.. كما نظن ايضا بأنه كان من المفيد - لمزيد من التوثيق - تحديد الدرجة العلمية التقييمية لذلك العمل الاكاديمي، ونعني به ثبتٌ بالدرجة التي تم منحها ( الامتياز، او الجيد جدا، او الجيد، او المقبول) وذلك بالتأكيد تقييم اضافي للجهد البحثي والدراسي للذوات منجزي اطروحات الدكتوراه ورسائل الماجستير سابقة الذكر ..
* هوامش واحالات :------------------------------------------------------------------
1/ اول قصيدة منشورة للجواهري كانت عام 1921 والاخيرة عام 1994
2/ الارقام بالاعتماد على ديوان الجواهري (خمسة اجزاء) طبعة بيسان/ بيروت 2000 .
3/ نغتنم فرصة نشر هذا التوثيق لندعو كل المعنيين الافاضل لتقديم اية معطيات اضافية مفيدة.

26

الجــواهري.. شعـرٌ وزيارات، واحتفاءات حميمة
 في أربعة عشـر  بلـدا عربيا
•   رواء الجصاني
------------------------------------

       لماذا ساد ذلك الاهتمام العربي الرسمي والثقافي، الاستثنائي على ما نحسب، بالشاعر محمد مهدي الجواهري، على مدى ستة عقود، وللفترة من اواسط ثلاثينيات القرن الماضي، وحتى اواسط العقد التاسع منه تحديدا؟!.. وفي  بلدان جمهورية الانظمة، وكذلك ملكيــة، وغيرهما..
   سؤالٌ نعرف أن الاجابة عليه معروفة، ولكننا نريد ان نوثق من خلال ذلك  بعض محطات ومؤشرات، كما خلاصات عن ذلك الشاعر، الذي أستضيف وحلّ واقام في اربعة عشر بلدا عربيا هي، بحسب الترتيب الزمني لاول زيارة: سوريا، لبنان، فلسطين، مصر، الكويت، تونس، المغرب، الامارات، قطـر، الجزائر، اليمن، ليبيـا، الاردن.. والسعودية..
    يقيناً ان ثمة الكثير من التفاصيل والوقائع التي رافقت زيارات الجواهري، لتلكم البلدان الاربعة عشر، وسواء كانت استضافة رسمية، او مشاركة في هذه الفعالية أو تلك المناسبة، وغيرها.. ولكن هدف هذا التوثيق ليس سوى مؤشرات، ورؤوس اقلام ، وحسب، مع الاستدراك للتنويه الى اننا وثقنا في فترات سابقة لتفاصيل بعض "مقامات" الجواهري ذات العلاقة (1) وسنؤكد على بعضها مجددا في تناولنا التالي:

1/ في سوريا
    تعود اولى زيارات الجواهري لسوريا الى منتصف الثلاثينات الماضية في رحلات سياحة واصطياف.. وحتى عام 1944 حين شارك ممثلا للعراق في مهرجان ذكرى "ابي العلاء المعري" والقى خلاله رائيته الشهيرة.  ثم لاجئا سياسيا خلال عامي 1956-1957 ثم مشاركا في مؤتمر الادباء العرب الثامن عام 1971 وبعدها مقيما، بضيافة الرئيس حافظ الاسد لنحو خمسة عشر عاما ولحين رحيله الى الخلود عام 1997 حين وُريّ الثرى في متربة السيدة "زينب" عند ضواحي العاصمة دمشق.. وكان قد منح اواسط عام 1995 وسام الاستقلال  السوري الرفيع..   
   اما قصائده التي كتبها عن دمشق وسوريا، فكثيرة ومتعددة، وأولاها عام 1921 .. كما  من ابرزها تلك التي نظمها عام 1979 والقاها في حفل تكريمي أقيم على شرفه، مخاطبا دمشق، ومن ابياتهــا :
دمشقُ عشتك ريعاناً وخافقة، ولمةً والعيــــون السود، والأرقا
وأنتِ لم تبرحي في النفسِ عالقة، دمي ولحميّ والأنفاس والرمقا


2/ وفي لبنان ..
   وعلى غرار سوريا، كان لبنان من اوائل البلدان العربية التي زارها الجواهري، مصطافا، اواسط الثلاثينات الماضية، ومن ثم تتالت لاحقا  المشاركات والزيارات الرسمية، ومنها عام 1950 في تأبين رئيس الوزراء اللبناني عبد الحميد كرامي، ثم في تكريم الاخطل الصغير عام 1961 .. ومن قصائده في حب لبنان واهله، جاء في لاميته المطولة عام 1947 :
ناغيـّــت لبناناً بشعريّ جيلا، وضفرتـــه لجبينه اكليلا..
وحسان لبنان منحتُ، قصائدى، فسحبنهنَ كدلّهن ذيولا

3/ وفلسطين
   في عام 1945 يزور الجواهري مدينة (يافـا) الفلسطينية تلبية لدعوة ثقافية رسمية،  ويلقي هناك خلال احتفال احتفائي اقيم له بالمناسبة قصيدة جديدة، ومن ابياتها:
بيافا يومَ حـط بها الركابُ، تمطر عارضٌ ودجا سحاب
"فلسطينٌ" ونعــمَ الأم هذي، بناتكِ كلها خودٌ كعــابُ
     وبهدف المزيد من التوثيق نشير الى ان للشاعر الكبير، ومنذ عشرينات القرن الماضي،  قصائد ومواقف ثرة حول فلسطين، وقضية الصراع العربي –الاسرائلي. وهناك اكثر من دراسة وتوثيق وتأرخة لكتاب ومثقفين عراقيين وعرب عن "فلسطينيات" الجواهري، منشور العديد منها على شبكة الانترنيت ..
   
4/ في مصـر
 كانت اول زيارة للجواهري الى مصر عام 1951 للمشاركة في مؤتمر ثقافي نظمته جامعة الدول العربية في القاهرة، وقد أعلن د. طه حسين، وزير التعليم في حينها، بأن الجواهري هو ضيف رسمي على البلاد... وجاء مطلع قصيدته  الرائية الشهيرة، خلال المؤتمر ذي الصلة:
يا مصرُ تستبقُ الدهورُ، وتعثرٌ، والنيل يزخر والمسلة تزهــرُ
وبنوكِ والتاريخ في قصبيهما، يتسابقان فيصهرونَ، ويصهرُ
     ثم تبيّن لنا الوقائع ايضا ان الجواهري قد دعيّ رسميا عام 1971 للمشاركة في الاحتفال التأبيني المهيب للزعيم جمال عبد الناصر في الذكرى السنوية الاولى لرحيله. وقد القى هناك فريدة جديدة تليق بالراحل الكبير.. اما الزيارة الرسمية الاخرى للجواهري فكانت للمشاركة في مئوية مجلة"الهلال" عام 1992 وقد القى خلالها ايضا قصيدة بالمناسبة.

5/ وفي الكويـت
  زار الجواهري الكويت عام 1959 للمشاركة في مؤتمر الادباء العرب، مترئسا وفد العراق الى المؤتمر... وفي كانون الاول 1979 يتوجه الجواهري مرة جديدة  لزيارة الكويت، وبرفقته زوجته آمنة، تلبية لدعوة ثقافية، شمل برنامجها امسية حاشدة القى فيها مختارات من شعره القديم / الجديد، مع تحية شعرية، من ابياتها:
يميناً ان لي نفساً تغنى، بكم حباً وتستهوى وتصبــى
سأحفظُ عهدكم لأجدّ عهدا، وأرهن عندكم لأعودَ قلبا
 
6/ وتونــس
شارك الجواهري، رئيسا لوفد العراق الى المؤتمر التاسع لاتحاد الأدباء والكتاب العرب عام  1973  في العاصمة التونسية. ولقد كان من "رصيده" الشعري اللافت هناك قصيدته عام 1943 وجاء فيها:
سقى تونساً ما يدفــعُ الخطب انها، بخضرتها تكفي الذي يدفعُ الجدبــــا
وحيّا القبابَ البيض روحٌ كأهلها، رقيق الحواشي يمسحُ الماء والعشبا

7/ وفي المغــرب
لبى الجواهري عام 1974 دعوة رسمية رفيعة الى المغرب، ثم قبل بعدها  استضافة ملكية رفيعة في مدينة "طنجة " الساحلية لعدة اشهر، وكتب عنها مقطوعة شعرية جميلة، ومنها:
 لله دركِّ "طنــجُ" من وطــــنٍ، وقفَ الدلالُ عليه والغنـــجُ..
مرجٌ من "البحرين" فوقهما، ضوءُ النجوم يرفّ والسرجُ
    كما كتب الجواهري هناك والقى لامية غاضبة، الى جانب مقطوعات اخرى. وقد شهد برنامج الزيارة تكريمه بوشاح (الكفاية الفكرية) الرفيع، برسم العاهل المغربي الملك الحسن الثاني.

8/ والامارات
  كانت الزيارة الاولى لدولة الامارات العربية عام 1979 تلبية لدعوة رسمية من وزارة الثقافة والاعلام، وقد القى خلال  حفل مهيب أقيم على شرفه في العاصمة (أبي ظبي) دالية جديدة، سياسية بارعة، ومما جاء فيها، مخاطبا الحضور الحاشد في الامسية:
أ فتيّانَ الخليـــجِ وربّ ذكرى، تعــــادُ ولا يمـــلّ المستعيدُ
بكم والصفـوة الواعين تاهت، بأجمل واحة قفراء بيــــــدُ
  ثم تلت تلك الزيارة زيارة ثانية الى الامارات، ودبي تحديدا عام 1992 ليتسلم  هناك ( جائزة "سلطان العويس" للأنجاز الثقافي والأدبي) في اجواء احتفائية فخمة.

9/ وفي قطــر
في اوائل عام 1980 قام الجواهري بزيارة الى  العاصمة  القطــرية – الدوحة،  تلبية لدعوة من وزارة الاعلام، استغرقت عدة ايام، وكان من ابرز برنامج الزيارة تنظيم حفل مهيب احتفاء بالشاعر الكبير القى خلاله مقاطع مختارة من قصائده، الاجتماعية والوجدانية والسياسية..

10/  والجزائـر
    وفي خواتم العام 1980 يقوم الجواهري بزيارة شخصية الى الجزائر، حيث كان نجله الاصغر، كفــاح يعمل هناك . وخلال اقامته في الجزائر نظمت له عدة امسيات مع نخب اكاديمة وثقافية:  جزائرية، وعراقية، ومن ابرز الذين وقفوا على شؤونه خلال الزيارة محمد حسين الاعرجي الذي كان استاذا في كلية الاداب بالعاصمة..
... ونظن بأن من المناسب في هذا المقام ان نشير  الى ان  الجواهري نظم قصيدة عام 1956 تأييدا لنضال الجزائر، وجاء فيها:
جزائــرُ يا كوكبَ المشرقين، دجا الشرقُ من كربةٍ، فأطلعي
ويا عقـبَ العربِ المغربين، اعيدى صدى "عقبةٍ" تسمعي..

11/ واليمــن
   يلبي الجواهري عام 1982 دعوة رسمية الى  عدن- عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية، في حينها، ومن ضمن برنامج الزيارة تنظيم حفل جماهيري حاشد  أقيم على شرف الشاعر الكبير القى فيه، إلى جانب مختارات من قصائده، عصماء جديدة، بعنوان "الغضب الخلاق"  نظمها بالمناسبة، ولم ينس أن يوثق في مطلعها، انطلاق رحلته الى اليمن، من براغ- موطن الثلج، كما أسماها فقال:
من موطنِ الثلج زحافــــاً الى عدنِ، تسري بي الريــحُ في مهــــرٍ بلا رســنِ ..
من موطن الثلج من خضرِ العيون به، لموطن السحر، من سمـراء "ذي يزنِ"

12/ وفي ليبيـــا
    وفي عام 1987  يلبي الجواهري دعوة رسمية لزيارة ليبيا،  قضى خلالها أياماً في طرابلس، ومثلها  في مدن ليبية أخرى، بضيافة زعامات ثقافية وحكومية آثرت الاحتفاء بالشاعر العظيم، ومنجزه الشعري والادبي الفخم.. وقد منح خلال الزيارة وساما رسمياً رفيعا، كما نظمت له امسيات ولقاءات عديدة، خاصة وعامة، استقبله في احداها زعيم البلاد حينئذ: معمر القذافي.. ومما يذكر في هذا السياق ان الجواهري كان قد نظم قصيدة عن ليبيا، ليلة القصف الامريكي على طرابلس الغرب عام 1986 ومن ابياتها:
يا امتي يا عصبةَ الأممِ، لا تغضبي- يا ثلجُ- من ضرمي ..
                         في ليبيا حمـــمٌ، وعندهـــمُ، ما شاءت الشهواتُ من حممِ

13/ والاردن
   يقوم الجواهري في النصف الثاني من عام 1992 بتلبية دعوة رسمية رفيعة من الاردن، بضيافة عاهله الملك الحسين بن طلال، الذي رسمَ بتقليده وسام الاستحقاق من الدرجة الاولى .. وقد القى هناك في حفل مهيب اقيم في عمان، لامية فريدة، تـمّ لاحقاً تلحينها وغنائها في سيمفونية باهرة، ومن ابياتها:
يا ابنَ الهواشمِ من قريشٍ أسلفوا، جيلاً بمدرجة الفخار، فجيلا..
يُدني البعيد من القريب سماحةً،  ويؤلفُ الميئـــوس والمأمولا...

 14/ والسعوديـة
  يلبي الجواهري دعوة رسمية الى الرياض،  بمناسبة الدورة السنوية لمهرجان "الجنادرية" الثقافي عام 1995 برعاية الأمير، ولي العهد السعودي آنذاك  (ثم الملك لاحقا) عبد الله بن عبد العزيز، الذي أبرز أهتمامه الاسثنائي بالشاعر الكبير، وأستقبله بشكل منفرد، مع نجله كفاح،. الى جانب الاهتمام اللافت به من نخب ومجالس ادبية، في الرياض وكذلك في جــدّة.

خلاصات ومؤشرات ..
1/ هكذا كانت اذن بعض محطات الجواهري في اربعة عشر بلدا عربيا. اما البلدان الاخرى التي لم تسنح الفرصة لزيارتها، فهناك العديد من الوقائع والاحداث التي (قد) تعوض عن ذلك، مثل لقاءاته مع نخبة شعراء وكتاب وشخصيات عامة اخرى من تلك البلدان، في المؤتمرات والفعاليات التي ضمتهم والجواهري. ويدور الحديث هنا عن  عمان والبحرين وموريتانيا.. والسودان بشكل خاص. ونذكر هنا للتوثيق ان اطروحة دكتوراه موسومة " صورة العراق في شعر الجواهري"  اتممها: الباحث احمد الذهب في الخرطوم/ جامعة السودان العالمية في عام 2010..
2/ وعلى ذكر اطروحات الدكتوراه، ورسائل الماجستير، التي منحتها جامعات عربية مرموقة لباحثين ودارسين عن شعر ومنجز الجواهري، وحياته، نشير الى ان هناك، على الاقل: تسع اطروحات دكتوراه، وثماني رسائل ماجستير. (2)
3/ ومما لا شك فيه فان استضافات البلدان العربية للجواهري، ومشاركاته في ندواتها ومناسباتها المتنوعة، حتمت ان تتكون، وتتوطد، علاقات احترام وتقدير، وصداقات مميزة مع مثقفي تلك البلدان وشخصياتها العامة، ومن بينهم على سبيل المثال لا للحصر، الاساتذة  والذوات الافاضل – مع حفظ الالقاب والمواقع: بدوي الجبـل وعمر ابو ريشة، ونجاح العطار، ونبيه رشيدات، وصابر فلحوط، في سوريا. بشارة الخوري -الاخطل الصغير،  والياس ابو شبكة، وسعيد عقل وحسين مروة وكريم مروة، في لبنان. طه حسين ويوسف ادريس ومحمود امين العالم، في مصر. والحاج محمد أبا حنيني، في المغرب. واحمد السقاف في الكويت.. وكل ذلك على سبيل المثال لا الحصر كما اشرنا.
4/ ان من المهم الاشارة في هذا التوثيق التنويه الى انه قد ترافق - الى جانب ما سبق التطرق اليه اعلاه-  الكثير من الاهتمامات الثقافية والسياسية، الرسمية والخاصة، بالشاعر الخالد، كالندوات والمقابلات التفزيونية والحوارات وغيرها، هي موثقة في العشرات من الاصدارات والصحف والمجلات، ووسائل الاعلام الاخرى..
5/ كما ينبغي التوثيق ايضا الى وقوع  بعض "منغصات" و" تداعيات" خلال عدد من الزيارات  الجواهرية سابقة الذكر في هذه التأرخة، وهي بحد ذاتها تحتاج لمادة، أومتابعة، أخرى عسى ان نتمكن من انجازها في فترة لاحقة.. 
     
اخيــرا ..
     لا نزيد كثيرا فنجهد القراء والمتابعين، ونكتفي بالقول ان ما تم حصره، وتوثيقه، يسند ويعمق ما جاءت به دراسات ومقالات وبحوث عربية  عن الجواهري تناولت  جمعاً من مواقف وثوابت  الشاعر العظيم، ورؤاه لكثير من قضايا وشؤون- كما شجون- البلدان العربية وشعوبها، على طريق التنوير والتوعية والدفاع المشروع، مثل القضية الفلسطينية، والتطلع الى الوحدة والتحرر، والارتقاء والنهوض الاجتماعي .. وفي الديوان العامــر ثمة جمع كبير من قصائد الشاعر الكبير عن تلكم الشؤون والشجـــون وما ترتب بسببهما، وعليهما، فضلا عن منجـــزه الثقافي والادبي والصحفي ذي الصلة.. وما من غرابة هناك في كل ما تقــدم من ايجازات، وبحسب ما يؤكده مختصون وباحثون أجلاء، أن الجواهري تعدى عراقيته الى فضاءات أمته، بل والأنسانية: ولعاً وقناعة "بكل الناس من أشرق كالشمسِ، ومن اظلم كالماسْ" ودفاعاً عنهم وتنويراً لهم على امتداد ثمانية عقود من العطاء ... * رواء الجصاني شباط/ 2021..
** احالات وهوامش -----------------------------------------------------------------
* المصادر : من ديوان الجواهري/ طبعة بيروت عام 2000 ومن جزأي ذكرياته/ دمشق 1989-1990.. ومن ارشيف ووثائق الجواهري الخاصة..
1/ ثمة تفاصيل عن شؤون و"مقامات" الجواهري في عدد من البلدان العربية مثل سوريا، لبنان، اليمن، مصر المغرب... احتواها كتابنا "الجواهري .. بعيون حميمة" الصادر في بغداد وبراغ عام 2016.. وقسم منها مازال منشورا في مواقع عديدة على  شبكة الانترنيت . 
2/ للمزيد ثمة مادة بعنوان "الجواهـري في تسع اطروحات دكتوراه، وثماني رسائل ماجستير" منشورة على شبكة الانترنيت منذ عام 2019 ..


27
*مابين السيـرة والذكريــات*
الجواهــري في سنوات التسعين
(1990-1997)
-   رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------
     على تخوم تسعينات القرن الماضي، وفي خضمها، حفلت محطات الشاعر الخالد، محمد مهدي الجواهري (1899-1997) بالكثير والجديد من الشعر والرؤى والمواقف، مثلما كانت الحال عليه في عقود حياته الثمانية السالفة، خاصة وان البلاد العراقية كانت تشهد أوضاعا مأساوية وشجونا لا تحصى، في ظل سلطة انهكت البلاد، وانهكتها: الحروب الخارجية والقمع الداخلي، والحصار الاقتصادي، كما هو معروف.
     لقد كانت بدايات التسعينات الماضية، وعشيّتها، اواخر الثمانينات، سنوات مثقلة بالهموم الشخصية، اضافة الى العامة، عند الجواهري، خاصة وهو في التسعين من عمره. وهكذا راح يزداد مفرطاً بالقلق والمشاعر والتصورات والتشابكات من التداعيات ذات الصلة، وانعكس كل ذلك في كثرة تنقلاته بين دمشق وبراغ، وكذلك بودابست لفترات قليلة، ثم لعواصم عربية اخرى عديدة، كما سنرى في الفقرات والمحطات التالية في هذه التأرخة ..
1/  في بــراغ
   كما جاء في السابق من التوثيقات، دامت اقامة الجواهري في براغ منذ عام 1983 حتى صيف 1991 بالتناصف مع دمشق. وقد شهد في  براغ  ما عاشته البلاد التشيكية من احداث بالغة التميّز ونعني بذلك انهيار النظام الشمولي الحاكم، كما في بلدان شرق اوربا عموما، اواخر عام 1989 وبدايات عام 1990 وكان من الطبيعي ان ينشغل ذلكم الشاعر الانساني بما حدث من تداعيات لأنظمة كان يرى فيها أمثلة للأرتقاء، وتوفير الأمن والازدهار لشعوبها، وذلك ما سجله قصيداً ومواقف وقناعات على مدى عقود مديدة..(1)   
    وفي العموم لم تكن هناك احداث او وقائع غير تقليدية، خلال اقامة الشاعر الكبير ببراغ في تلك الفترة. بينما زاد  قلقه المتعاظم من تطورات الاحداث في بلاده، وخاصة بعد غزو النظام العراقي  للكويت في آب 1990.. وقد راح الشيخ الجليل  يقلل من زياراته واقامته في براغ، لصالح مستقره الآخر، اي دمشق الشام، وللعمر هنا دوره وتأثيره في ذلك كما بدا واقعيا..
2/ بودابست على الطريق
  بدأ  الجواهري عام 1990 يتردد على العاصمة المجرية – بودابست، باهتمام صاحب دار"صحارى" للنشر، د. عبد الحميــد برتو، وعنايته، مع عصبة محبة، كان الأولان فيهـا: الشاعر نبيل ياسين، والسينمائي أنتشال هادي..
     وطوال ذلك التردد على بودابست الذي استمر حتى اوائل 1991 وبرغم وصفه  للمدينة بأنها  جميلة، ومشرقة وتنبض بالحياة، ألا ان الجواهري لم يكتب عنها ولا بيت شعر واحد، خلافا للعديد من العواصم والمدن التي زارها او اقام فيها خلال العقود السابقة مثل باريس ووارشو وفارنا وأثينا، على سبيل المثال...  ولعل ابرز حدث ثقافي للجواهري في بودابست، انه وافق هناك على المشروع الذي عرضه الفنان العراقي القدير، المقيم في لندن، ضياء العزاوي، وقد نُــفّذ لاحقا، ونعني بذلك أصدار ألبوم أنيق، محدود التوزيع، وبحجم كبير، وورق ممتاز، واخراج متميز، شمل لوحات فنية أُستوحيت من بعض قصائد الشاعر العظيم ...
3/ مشاركة في مؤتمر للمعارضة العراقية ببيروت
    في ربيع 1991 يشارك الجواهري في مؤتمر عام انعقد في بيروت، لقوى وشخصيات عراقية، من جميع الاطياف السياسية الديمقراطية والقومية والدينية، المعارضة - بأشكال ومواقف وطرق مختلفة- نظام بغداد،. وقد سجل حضور الشاعر العظيم  تلك الفعالية التاريخية – بحسب شهود ومشاركين- أكثر من مؤشر مهم  وبارز، استمرارا للمواقف الجواهرية الوطنية والسياسية المعهودة، طوال حياته المديدة.. ومن المهم الاشارة هنا - بحسب متابعين ثقاة - الى ان الشاعر الكبير كان له دور مهم في دمشق، خلال الايام القليلة التي سبقت انعقاد ذلك  المؤتمر، بهدف  تقريب وجهات النظر، بين ممثلي عدد من اطراف المعارضة، الكردية خصوصا، لنبذ التناحر، والاحتراب الداخلي، وتخفيف التأزم في العلاقات بينها، والتركيز على المهام الوطنية للخلاص من الحال العراقية المأساوية التي تسببت بها دكتاتورية النظام، وحروبه الداخلية والخارجية.
4/  "أمونة" ترحــل في لنـدن..
  يلبي  الجواهري اواخر عام 1991  دعوة من "ديوان الكوفة" الثقافي الفكري، في لندن، ويشارك هناك في عدد من الفعاليات التي نظمت بالمناسبة، وكذلك في احتفاءات اخرى عديدة من لدن مثقفين ونخب عراقية وعربية بارزة .. وبعد تلك الدعوة قبلَ الشيخ الجليل استضافةً شخصية من رجل الاعمال العراقي، حمدي نجيب، استمرت فترة وجيزة، وحتى مطلع عام 1992 لقضاء اسابيع  من الراحة والاستجمام. وفي تلك الاثناء تعرضت عقيلته "امونة – آمنة"  التي كانت تزوره لبضعة ايام  في لندن، لحالة صحية طارئة  تسببت بوفاتها بتاريخ 1992.1.8. وقد بعثت الرئاسة السورية طائرة خاصة لنقل الجواهري، وجثمان فقيدته، وعدد من ابنائهما، والمرافقين والاصدقاء، الى دمشق..
   ووفق مطلعين من أهل البيت فأن تشييعـــاُ لافتاً نُظـم لفقيدة الاسرة الجواهرية، وكان في مقدمته زوجها- الجواهري- الذي كان وقعُ الحادث عليه مؤلما جدا، وهو بذلك العمر. وقد القى بتاريخ 1992.1.11عند مواراة عقيلته الثرى بمتربة السيدة "زينب"  ضواحي دمشق ابيات شعر مؤثرة، وبدايتها:
ها نحنُ" امونة " ننأى ونفترقٌ، والليّـــلُ يمكــثُ والتسهيد والحــرقُ ..
       ما أروحَ المــوتَ، بل ما كان أبغَضَه، لديّ إذ أنتِ مني الروح والرمقُ
   ومثلما كان التشييع لافتا، كانت مراسم ووقائع المواساة لافتة ايضا، ومن ابرزها  قيام الرئيس السوري حافظ الاسد، شخصيا، بزيارة خاصة الى دارة الشاعر الكبير في دمشق لمواساته، والعائلة، بذلك المصاب، ولنحو ساعة ونصف ..
5/ جائزة "العويـس" تمنح للجواهـري
    بأقتراح الهيئة المشرفة على جائزة (سلطان العويس) الاماراتية، الشهيرة، تَرشح الجواهري لنسخة استثنائية منها سميّت ( جائزة "سلطان العويس" للأنجاز الثقافي والأدبي) تم استحداثها وفق معايير خاصة، لتُعنى بالشاعر العظيم، ومنجزه الثري . وبعد امتناع وتمنع، وافق الشاعر الخالد على الترشيح، وهكذا منحت عام 1991 وليتسلمها في (دبـيّ) ربيع عام 1992 وبرفقته نجله كفاح (2). وكان صاحب الجائزة، سلطان العويس، في مقدمة الحاضرين للأحتفاء بالجواهري الكبير، في اجتماع مهيب، تتقدمه نخب ثقافية ورسمية وجمهور كبير من المحبين والضيوف. وقد شكر الجواهري صاحب الجائزة بابيات شعر بالمناسبة، كان مطلعها:
من الاماراتِ عن شطآن (شارقةٍ) على الخليج تعالى صاعدا قمــرُ
يدور في فلك الآدابِ محورهُ، فتى "عويسٍ" وأخدانٌ له غـــــررُ
 اما مبلغ الجائزة وقدره مئة الف دولار فقد كان الجواهري قد قرر في وقت سابق توزيعه، بأجمعه، مباشرة على بناته وابنائه، وعلى الفور، وذلك ما حصل..
6/ زيارة الى ايـــران
 في سعي لتغيير الاجواء، ومحاولة التهرب من الارق والقلق المتزايدين، وبخاصة بعد رحيل زوجته"أمونة" يُستضاف الجواهري خلال النصف الاول من عام 1992 في الجمهورية الايرانية، بدعوة رسمية من اعلى المقامات فيها، ولفترة مفتوحة. وهكذا يغادر الى طهران، ويقيم هناك، مع بعض زيارات قصيرة، لمدن ايرانية اخرى من اهمها (شيراز) . ويبدو ان ذلكم التغيير المكاني والجغرافي، في طهران، لم يكن ليخفف من تعـب، وارهاق الشيخ الجليل، وأرقه، فعاد من ايران، بعد اسابيع قليلة الى مستقره الدمشقي..
   ومن ابرز ما شهده  برنامج  الزيارة، الرسمي، لقاء شخصي حميم مع السيد علي خامنئي، المرشد الاعلى للجمهورية الايرانية، الحافظ  للكثير من قصيد الجواهري.. وقد  كتب له  الشاعر الكبير ابيات شكر، سجلها على الصفحة الأولى من كتابه ( ذكرياتي) واهداها له ومن بينها:
لَكَ في السّلم مِنبَرٌ لايُجارى، لكَ في الحرب مِضرَب لا يُفلّ
لــكَ أهــلٌ فَوقَ الذّرى وَمَحَلُ، لـــكَ بَعـدَ المكرُمات، وَقَبلُ
   وينقل السيد نجاح، النجل الثالث للجواهري، والذي بقي معه في ايران،  لمدة شهرين،  ان والده كان متعبا خلال الزيارة، ولم يكن برنامجه حيوياً، وكان يقضي اغلب وقته  مستقراً في دار الضيافة التي خصصت له، ولم يلتق سوى عدد قليل، ومحدود، من الكثيرين الذين كانوا يودون اللقاء مع الشيخ الجليل، أو زيارته..
7/  في القاهرة، بمناسبة مئوية "الهلال"
     قد يكون عام 1992 استثنائيا للجواهري، وهو في عامه الرابع والتسعين، في تلبية الدعوات التي وجهت اليه في في بلدان عديدة كما سبق ان وثقنا، وسنوثق.. ومنها هذه المرة الى القاهرة  للمشاركة في الاحتفائية المئوية  لمجلة "الهلال" الشهيرة، التي شهدت فعاليات عديدة متميزة، ومن بينها استقبال الرئيس المصري محمد حسني مبارك لعدد محدود من ابرز  الضيوف والمشاركين، وأولهم الجواهري الكبير، الذي كان قد نظم قصيدة بالمناسبة، والقاها في دار الاوبرا بالقاهرة بتاريخ 1992.9.18 ومن ابياتها:
يا "هـــلالَ" الفكرِ في العيـــدِ السعيدِ، هكذا ظـــل مضيئاُ الف عيــدِ
"مئـة" منكَ، ولي "تسعــــــون" منها، داعيات لكَ بالعمر المديــدِ
   وبعد انتهاء ايام الدعوة الرسمية الى القاهرة، يبقى الشيخ الجليل فيها اياماَ اخرى وبشكل شخصي، عُـنيّ  به خلالها واحد من شباب الاسرة المقربين، هو السيد  نصير محمد علي الجواهري، الذي قَـدمَ الى هناك من دمشق لهذا الغرض. وقد كان في بال الشاعر الكبير ان يستقر في مصر فترة اطول، ولكنه تردد بشأن الفكرة، ثم عافها، ليعود الى دمشق..
8/  دعـوة الى الاردن
يقوم الجواهري في النصف الثاني من عام 1992 بتلبية دعوة رسمية رفيعة من الاردن، بضيافة عاهله الملك الحسين بن طلال، الذي رسمَ بتقليده وسام الاستحقاق من الدرجة الاولى .. وقد القى هناك في حفل تكريمي اقيم في عمان، لامية فريدة، تـمّ لاحقاً تلحينها وغنائها في سيمفونية باهرة، ومن ابياتها:
يا ابن الهواشمِ من قريشٍ أسلفوا، جيلاً بمدرجة الفخار، فجيلا..
يُدني البعيد من القريب سماحةً،  ويؤلف الميئـــوس والمأمولا...
   ومن جملة الاحتفاءات بتلك اللامية الجواهرية تجدر الاشارة الى ان عشرات من الشعراء الاردنيين، عارضوها، واشادوا  بها، وتم حصر ذلك وتوثيقه، ثم طباعته في كتاب صدر عام 1993 بعنوان (الجواهري في عمان "اللامية ومعارضاتها") للاستاذ حمودة زلـوم ..
9/  مشاركة في مهرجان "الجنادرية" السعودي
   يلبي الجواهري دعوة الى الرياض،  بمناسبة الدورة السنوية لمهرجان "الجنادرية" الثقافي عام 1995 برعاية الأمير، ولي العهد السعودي آنذاك  (ثم الملك لاحقا) عبد الله بن عبد العزيز، الذي أبرز أهتمامه الاسثنائي بالشاعر الكبير، وأستقبله بشكل منفرد، مع نجله كفاح (3). الى جانب الاهتمام اللافت والمتميز به من نخب ومجالس ادبية، في الرياض وكذلك جدة. وقد رافقه في الزيارة ايضا: ابنته السيدة خيـال، وزوجها السيد صباح المندلاوي.
    وبحسب متابعتنا فأن زيارة الجواهري الى السعودية  جاءت لاول مرة، وقد استكمل بها ضيافات وزيارات 14 بلدا عربيا، من المحيط الى الخليج : سوريا ولبنان والاردن وفلسطين  والسعودية والكويت والامارات وقطر واليمن ومصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب..
10/ ضغط وترغيـب لـ "أسترداد" الجواهـري الى بغــداد
   بالتزامن مع زيارة السعودية - التي كان النظام العراقي على خلاف شديد معها منذ غزوه الكويت عام 1990 - نشر المسؤول السابق في وزارة الاعلام العراقية، نوري المرسومي، مقالة ببغداد  طالب فيها بسحب الجنسية العراقية عن الجواهري لمشاركته في مهرجان "الجنادرية" السعودي مما اثار عاصفة ادانة واسعة لتلك المطالبة، من السياسيين والمثقفين العراقيين المعارضين في الخارج، وجمع من المثقفين والكتاب العرب، ليضطر بعدها  ممثلون عن النظام ان ينشروا ما يعني ان تلك المطالبة بسحب الجنسية عن الجواهري لا تمثل موقفا رسميا، وان ما حدث جاء ضمن حرية التعبير الشخصي!. وكان ذلك تبريرا لا يمكن تصديقه، بحكم ان السلطة العراقية كانت معروفة للجميع بأستبدادها، وهيمنتها على كل الحريات العامة والخاصة.  وقد ترفّع الشاعر الكبيـر عن ان يرد على مثل تلك الحالة، أسوة بمواقفه في العديد من الحالات المشابهة، التي لا تستحق- واصحابها، والواقفين وراءها – المنازلة، بحسب تعبيره..(4)   
     وارتباطا بما حملته الفقرة السابقة من مؤشرات، ينبغي التوقف بهذا السياق الى ان بقاء الجواهري خارج العراق، مقيما في براغ ودمشق، منذ 1980  وحتلى رحيله الى الخلود عام 1997  كان يمثل موقفاً واضحا تجاه سياسات وممارسات نظام البعث الحاكم في العراق، الداخلية والخارجية. وقد فشلت محاولات عديدة، سياسية ودبلوماسية، وغيرها، وخاصة في الاعوام الاولى من التسعينات الماضية، لكي يعود الشاعر الكبير الى بغداد. ومن بين اوضح تلكم المحاولات، سعي النظام العراقي - عبر عدد من سياسييه ودبلوماسييه - أنتهاز نكبة الجواهري برحيل زوجته (آمنة) في لندن عام 1992 لأعلان استعداد بغداد للتكفل بنقـل، واستقبال الشاعر الخالد، وجثمان عقيلته، وترتيب تشييعها ومواراتها الثرى بشكل رسمي في العراق، بدلا عن سوريــا ..
     ومن المحاولات المباشرة  الاخرى ان الشاعر رعد بندر، رئيس الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، الذي كانت السلطة البعثيـة الحاكمة قد هيّمنت عليه تماما، ،قد قام مع عدد من زملائه، الموالين،  بزيارة الجواهري في دمشق، عام 1993 لينقلوا  له رغبة مسؤولين فاعلين  في النظام باطلاق  جائزة  ثقافية وادبية، كبرى، بأسم "الجواهري".. وقد كانت تلك المحاولة مساومة واضحة، لأن  من بين متطلبات اعلان واطلاق تلك "الجائزة" وجوب ان يكون الجواهري في بغداد، ومنحها له اولا..!
11/  وفي دمشــق
   لقد بقيت العاصمة السورية - دمشق، في الفترة التي نوثق لها (1990-1997) المستقر الاول للجواهري، الذي لم تكلّ الشخصيات السياسية والثقافية العراقية والسورية والعربية من زيارته، واللقاء به، والتداول معه. كما كانت – دمشق-  منطلقه الى البلدان التي تم الحديث عنها في السطور السابقات، وليعود اليها، وحتى تاريخ رحيله.. ولقد اتمم فيها الشاعر العظيم  خلال تلك الفترة، توثيقا تاريخيا فريدا، و طوال ساعتين تقريبا، مسجلاً بالصوت والصورة، مختارات من قصائده الوجدانية  والسياسية وعداها.. وقد سبق ذلك صدور الجزء الثاني من "الجمهرة" في العيون من الشعر العربي، بقسمين، العهد الاسلامي والاموي، والذي اشرف عليه وحققه د. عدنان درويش، مع مقدمة كتبها الجواهري بنحو عشرين صفحة شملت تقييمات وتوضيحات وغيرها، وفي نهايتها شكـرٌ للباحث " السيد الهادي العلوي" على ما قدمه من جهد في اتمام العمل، و"للشاب اللبيب النابه، جمال محمد على الجواهري" لما بذله  من مساع فنية وطباعية بذلك الشأن.. (5)
    وضمن توثيق اهم المحطات التسعينية للشاعر الكبير، من المهم  ان نشير هنا ايضا الى اقامة حفل مهيب في دمشق اواسط عام 1995 بمناسبة منح الجواهري وسام الاستقلال  السوري الرفيع، بحضور ومشاركة جمع من المثقفين والسياسيين المميزين، وحشد جماهيري كبيــر لم تتسع له  قاعة "مكتبة الاسد" وسط دمشق، حيث اقيم فيها الاحتفاء.. كما نوثق ايضا بان تلك السنوات التسعينية شهدت الكثير من الحوارات التلفزيونية، والمقابلات الصحفية تناول محطات عن حياة الشاعر الكبير، وبعض آرائه  في الشعر والادب والسياسة وغيرها ..
 12/ لماذ لم يصدر الجزء الثالث من ذكريات الجواهري؟!
    في اوائل عام 1991  صدر في دمشق الجزء الثاني من مذكرات الجواهري، التي ينتهى الى عام 1969 وعلى ان يليه جزء ثالث واخير ليغطي السنوات التاليات، كما سبق القول. ولكن ذلك لم يحدث لاسباب يحددها الشاعر الكبير في اجابة على سؤال للسيدة  فادية الزعبي مندوبة صحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 24/6/1993 فيقول:
     "الجزء الثالث من مذكراتي ربما يكون اهم الاجزاء، وذلك من جراء تابع الاحداث وأهميتها بالنسبة لي على الأقل. اضافة الى تراكم السنين عليّ أكثر فأكثر. وأعتقد ان هذين السببين هما العائق والمبرر لتأخر صدور هذا الجزء". ويواصل "وعندما قلت "تتابع الأحداث" أقصد في المقدمة موقفي منها كمسؤول عما يقول، وبخاصة الأحداث التي تهم العراق، والتي يفترض ان أنطلق منها. ومع هذا فقد تحين الساعة التي تفرض عليّ أن أقول ما يجب قوله. وبهذا أكون قد ارحت ضميري".
    اما عن استعداده لذلك الجزء فيجيب الجواهري "أنا بعيد عن العراق، وبعيد عن كثير من الوسائل والمواد المعينة كالمراجع والمعلومات. ولكن ذاكرتي القوية والعجيبة تكاد تكون كافية، وأقول العجيبة وأنا غير متناس انني في التسعينات من عمري. ولكن – كما قلت – ان تأخر اصدار الجزء الثالث مردّه التهيّب والتردد، لأن عندي من أسباب التعب ما فيه الكفاية، وأعتقد انني في غنى عن متاعب أخرى قد تتأتى من مواجهة الكثير من الناس بما لا يحبون من هذا الموقف أو ذاك وهذا التشخيص أو غيره.
    ويضيف حول الموضوع ذاته:"... ان بواعث ترددي في اصدار الجزء الثالث يعود لذكرياتي عن الأحداث والوقائع المتعلقة بالدور والشخصيات المعنية. وهذا لا يعني ألا يصل الجزء الثالث الى أيدي الناس، بل على العكس، فبطبيعتي، ومزاجي الخاص، وكوني من الذين يكونون أكثر رضى عن أنفسهم، وعن ضميرهم عندما يكونون أكثر تحدياً، وتشخيصاً، بل دفعاً لثمن باهظ عما يقولون ويوثقون، يجعلني أتلهف الى اليوم الذي يتيح لي الحظ أن أقول ما أريد قوله، خاصة في هذه المواقف الحاسمة التي يراد منها – وعلى أساليب عديدة وبغيضة في أكثرها – ان يكون هناك عراق جديد، وأنا قبل كل شيء عراقي، وحصتي من العراق، وفي العراق، وعن العراق، حصة كبيرة يعرفها كل عراقي، بل وكل عربي".
13/ ويحيــن الرحيل ..
   بعد مسيرة دامت أزيّد من سبعة عقود من الشعر والعطاء الانساني، وعن عمر الثامنة والتسعين، وأثــر معاناة صحية استمرت عدة اشهر، يحين موعد رحيل الجواهري الى الخلود، في دمشق فجر الاحد 1997.7.27 وينتشر الخبر المؤسي عراقيا وعربيا بأوسع ما يكون، ويقام تشييع مهيب ، سيّارا وراجلاً،  للفقيد الجليل، رسميا وشعبيا، وليستقر في راحته الابدية عند متربة السيدة "زينــب" في ضواحي العاصمة السورية، مكتوبة على ضريحه ابيات جواهرية ومنها:
"أنا العراق لساني قلبهُ، ودمي، فراتهُ، وكياني منه أشطارُ"
و " حييتُ سفحكِ عن بعدٍ فحييني، يا دجلةَ الخير يا ام البساتينِ"
 14/ خاتمـة وخلاصات ...
    برغم ان الامر واضح على ما ندرك، ولكن دعونا نؤكد – مع ذلك – الى ان ما تقدم من توثيق جاء مواجيز وحسب، وفي الثنايا العديد من التفاصيل والوقائع والشروح، قـد يسجل عنها ولها معنيون ومتابعون وشهود عيان، بهدف استكمال ما فاتنا، او ما لم ننتبه اليه.. كما ان لنا بالذات آراء وتفاسير، ورؤى، بشأن العديد من الوقائع والاحداث، ولكن تجنبنا الخوض فيها، وذلك توخياً لأن يكون التوثيق، أقرب للسيرة والتأرخة منها للتحليل..
   وفي هذا السياق لا بدّ من الاشارة الى ان السيد  كفاح، النجل الرابع للجواهري، واصغر ابنائه، قد ساعد بملاحظاته، ومعلوماته، في انجاز هذه التأرخة، لا سيما وانه كان المعتمد الاول للشاعر الكبير، ومقيما معه في نفس الدار الدمشقية، في سنوات التسعين خاصة، وقد رافقه في مشاركاته وزياراته الى لبنان والامارات ومصر والاردن والسعودية. كما يتوجب الشكر ايضا للسيد نجاح، الابن الثالث للجواهري، لما وثقه  لنا من تواريخ ومعلومات، وخاصة عن زيارة والده الى ايران ..
       وبالمناسبة نجد ضرورة التنبيه مجددا بانه يستمر بين حين وآخر نشـر كتابات مختلفة عن الجواهري، مرة على شكل ذكريات معه، واخرى تفسيرات واجتهادات، وغير ذلك.. وقد لاحظنا – وما نزال – ان قسماً من تلك الكتابات لا تمت للواقع بصلة، واخـر مجتزأ دون صدق، أو انه مليئ بالمبالغات التي يريد اصحابها تمرير موقف هنا، وآخر هناك، شخصي أو عام، مجافٍ للحقيقة، وبدون اية مسؤولية، او مصادر توثــق، او تؤرخ، او تشير.. ومما يؤسف اليه بهذا السياق ان يعيد البعض نشر تلك "الذكريات" او "الاقاصيص" او "الكتابات" - عن قصد أو جهل، او محاول نيّل – ولتصبح لاحقا وبكل أسف - وكأنها واقع وتاريخ وحقائق، يجري تداولها بكل تبسيط، واستغفال.......* رواء الجصاني / كانون الثاني 2021
---- هوامش واحالات -------------------------------------------------
** من المهم التوضيح بأن جميع التفاصيل والوقائع الوارده في هذه التأرخة، والتي لم يُشــر الى مصادرها، هي من يوميات وشهادات عيان للكاتب، ومعلومات موثقة من الشاعر العظيم، واوراقه المحفوظة في مركز الجواهري في براغ..
1/ القصائد ذات العلاقة تضمها الطبعات الكاملة لديوان الجواهري العامر..
2/ ثمة مادة تعنى بهذا الموضوع كتبها الصحفي والكاتب عدنان حسين بعنوان "موقف مشهود للجواهري"  وذلك في ملحق "عراقيون" الذي اصدرته مؤسسة "المدى" للثقافة والفنون بمناسبة الذكرى العشرين لرحيل الشاعر الكبير بتاريخ 2017.7.27..
3/ نشر الاعلامي والكاتب محمد رضا نصر الله، على موقع (صبرة) الالكتروني بتاريخ 2021.1.22 مادة بعنوان "ماهي علاقتي بإسقاط الجنسية العراقية عن الجواهري..؟" وجاء فيها ان الشاعر الخالد حظي خلال زيارته الرياض " بتقدير خاص من الملك عبد الله بن عبد العزيز - ولي العهد في حينها- الذي أعتنى به من بين كل المدعوين العرب... " وبشكل استثنائي، وحتى ان الملك كسر البروتكول، في ذلك الاهتمام .. ونرى من الضرورة  ان نثبت هنا الى ان هناك العديد من التفاصيل والتواريخ الغير الدقيقة قد جاءت بها مادة الاستاذ نصر الله، ذات الصلة، ومنها حول قضية "اسقاط" الجنسية عن الجواهري، وسنوات خروجه الاولى الى براغ، وتسميته الدكتور كفاح، الذي رافق والده في الزيارة الى السعودية، بأسم فرات..
4/ قال  الجواهري في جواب على سؤال ذي صلة، في حوار اجراه معه الكاتب والصحفي، عامر بدر حسون نشرته صحيفة الشرق الاوسط اللندنية عام 1995: "اجد نفسي مترفعا بمعنى الكلمة عن منازلة هؤلاء لانهم اقل شأنا من ان اذكرهم بالاسم.. لقد وقفت امام نوري السعيد وقلت له بغضب: ياغدار! .. فماذا تظن انه فعل؟ لقد زمّ شفتيه ولم ينبس ببنت شفة وركب سيارته ومضى! .. اما هؤلاء فهم اقل شانا، ولا اجد فيهم من يستحق المنازلة!
5/ هكذا جاء الشكر لـ (هادي العلوي) ولـ (جمال محمد علي الجواهري) في السطور الاخيرة من  مقدمة الشاعر الخالد للجزء الثاني من كتابه  "الجمهرة" الصادر في دمشق 1990 عن وزارة الثقافة السورية.

28

"بابــيلــون" ثلاثــون عامــاً على طريـق الثقافة والاعلام
* رواء الجصاني
--------------------------------------------------------
  في مثل هذه الأيام من أواخر عام 1990 أي قبل ثلاثين عاماً تحديداً، انطلقت "بابيلون" منبراً متفرداً في العاصمة التشيكية- براغ، لتعنى بشؤون تبادل الثقافات والمعلومات العربية- التشيكية، عبر اصدارات وفعاليات متنوعة، هدفت جميعها للسيّر والتميز بذلك الاتجاه، وبموضوعية وحرص على الحقيقة، وإشاعتها..  كما أصبحت "بابيلون" خلال العقود الثلاثة الماضية، الى جانب مهامها الاعلامية والثقافية، ملتقى اجتماعياً لبنات وأبناء الجالية العربية، وتمكنت – جهد ما استطاعت – من تكثيف الصلات والعلاقات بينهم، وعلى أكثر من صعيد.
لقد كان من المخطط له ان يكون ثمة احتفاء يليق بهذه الذكرى السنوية اليوبيلية، ولكن الظروف العامة، والخاصة، ونعني بها الاحترازات التقييدية بسبب الأزمة الصحية الراهنة، حالت دون تحقيق ما كنا نطمح اليه، وعسى ان تكون هناك فرصة قريبة لاحقة على تلكم الطريق..
  ان الواجب يستدعي بهذه المناسبة تجديد الاعراب عن فائق التقدير والاعتزاز لجميع من قــدّر لـ"بابيلون" جهودها، وتميّزهــا، في اطار ما سعــت اليه كمؤسســة "غير ربحية" بكل ما يعنيه ذلك الوصف... وكم نأمل ان نوثق في المستقبل مواقف ومحطات تاريخية عن بضعة وقائع تؤشر لذلك بالايجاب والسلب، في آن واحد.. شاكرين جميع الذوات الافاضل الذين بادروا للتهنئة وأعربوا عن تمنياتهم الطيبة، التي نردّ عليهـا هنا مضاعفة، وأكثر، وأطيب، ودام الجميع بصحة وخير وسؤدد...



29
*مابين السيـرة والذكريــات*
الجواهــري في سنوات الثمانين
 (1980-1989)
-   رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------
   بقيّت ثمانينات شاعر العرب الأكبر، محمد مهدي الجواهري (1899-1997) دون توثيق ملموس، باستثناء بعض اللقطات المتناثرة، هنا وهناك.. وقد كان قد أصدر في دمشق مجلدا بجزأين، عامي 1989 و1990 وبعنوان (ذكرياتي) شمل  تأرخة مواجيز ومحطات عن بعض سيرته وحياته المديدة: الشعرية والسياسية والاجتماعية والانسانية، من الولادة وحتى عام 1969 وعلى اساس ان يليهما جزء ثالث ليغطى السنوات اللاحقة. ولكن ذلك لم يحدث وحتى رحيله في دمشق بتاريخ 1997.7.27  بل انه لم يركن لذلك اصلا، لاسباب ودوافع يطول ويعرض التكهن والتوثيق بشأنها.
    ولأن الحال هكذا، شئنا في هذا التوثيق والبحث ان نساهم في المسعى على طريق تارخة تلك الفترة (1969-1997)  بخلاصات ومحطات موجزة كما نظن، اذ ثمة في ما يقارب ثلاثة عقود، الكثير الكثير الذي يتطلب  التوقف عنده، وخاصة انها شهدت احداثا ووقائع، بل وعواصف، عراقية وعربية ودولية، عاشها الجواهرى، وعايشها عن قرب، بل وفي صميمها،  بالموقف او الشعر او الرؤى، ما طفح منها، وما خفي وربما كان أعظم.. وذلك ما نأمل ان يتوقف عنده  توثيقنا هذا للفترة من 1980 الى 1989  الى جانب سابقه المنشور قبل فترة وجيزة، الذي خـصّ الاعوام 1970-1979 .(1)
أن أهمية هذا التوثيق لبعض سجل الجواهري تتعاظم لسبب تزامن ثمانيناته مع ثمانينات القرن العشرين تماماً، حين شهدت البلاد العراقية أحداثاً وشؤوناً وشجوناً بالغة الاستثناء كما يثبت المؤرخون، وخاصة حرب النظام الدكتاتوري مع إيران في مطلع العقد، وغزوه الكويت في نهايته، وما ترتب على ذلك من مآسٍ ودمار وكوارث، جنبا لجنب مع سياسة الاضطهاد والعسف الحرب الداخلية ..   

اولاً:  شؤون وشجون سياسية 
   لقد أرخت وقائع تلكم الفترة  (1980-1989) شيوع الارهاب، ولمديات قصوى في العراق، ليطال حتى بيت الشاعر، وشمل احتجاز ابنته الوسطى (خيال) ساعات في احدى دوائر الامن، واعتقال وتعذيب أصغر أبنائه (كفاح) لعدة أيام، إضافة لايذاء وتهجير العديد من أفراد الأسرة الجواهرية. وقد أكد ذلك قناعات جديدة بشأن الطريق التي صممت على انتهاجها قيادات حزب البعث الحاكم آنذاك، باصرار، كما أكدت السنوات اللاحقة.  ومع ازدياد أوضاع البلاد العراقية تدهوراً في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وسقوط الأوهام والمراهنات على امكانية ابعاد النظام الحاكم من اعتماد الارهاب والقمع طريقاً وحيداً لبسط الهيمنة والنفوذ، عند ذلك تأصل قرار الجواهري في اتخاذ الغربة موقفاً احتجاجياً ذا أكثر من مغزى.
    وفي خلاصات عن رواهن تلكم الفترة، تبيّـن نونية الجواهري الغاضبة الى الزعيم الكردي – العراقي، جلال طالباني، عام 1980 آراء ورؤى معبرة تجاه العراق نظاماً ومعارضة، ومجتمعا.. كانت القصيدة بعنوان "ماذا أغني؟ "وقد راح مستهلها، بصيغة اخوانية ومن ثم انطلقت بما عـنّ للشاعر في حينها، وجاش في حناياه ووجدانه، ولربما كان توصيفه للواقع، وتنبؤاته عن المستقبل، بمثابة "برنامج"عمل سياسي ووطني جامع. كما ان هناك  قصائد عديدة اخرى، في سنوات العقد الثمانيني، تصبّ جميعها في تقييم الاوضاع في العراق، ومنها قصيدة "بغــداد“  الرائية عام 1980 وبائيّة  "برئت من الزحوف" المنظومة عام 1985 ..

ثانيا:  في براغ.. اقامةً وشعرا
    الى براغ، مغتربه القديم – الجديد، يعود الجواهري ربيع عام  ليقيم في "شقيّقة" مؤجرة لا تتعدى مساحتها الستين متراً مربعاً أو تكاد، منشغلاً بالشعر والوطن وما بينهما، باحثاً عن استقرار ما، عارفاً سلفاً أن ذلك وهماً بعيد المنال لمن مثله.  وهكذا تعود تلك "الشُقيّقة" في ثمانينات القرن الماضي، كعهدها  في ستيناته وسبعيناته، مزاراً وملتقىً لشخصيات وطنية وسياسية معارضة، ولنخب وشخصيات عراقية وعربية، تستمع لآراء الجواهري، واستشرافاته..
    كما تشهد تلك "الشقيّقة" ولادة العديد  من القصائد الوجدانية والسياسية، وغيرها، جاء أغلبها موثقاً لنظرته وآرائه في رواهن الأحداث والوقائع العراقية والعربية السائدة آنذاك، وان اتخذت الحوارات والمخاطبة الذاتية إطاراً لها، ومن بين جديده في تلك الفترة، وكان غالباً ما يعبر بهذا الصدد "ان جلَّ قديمي جديد أيضاً"  قصيدته الشــهيرة "يا ابن الثمانين" ليبث فيها هموماً وشجوناً وبعض غضب ومرارة من الوطن و"أصحاب" و"زعاماتٍ من كثرِ ما اعتلفتْ بها مسٌ من الحبلِ" على حد وصفه. كما نوّه فيها لتجاوزات "متطاولين" حاولوا هزّ دوحه، وحذّر أن يسيّر فيهم "الأمثال" خالدات! وقد نشرت تلك القصيدة لأول مرة صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 19/2/1982.
   ومن الطبيعي، والبلدان العربية شهدت ما شهدته، في تلك الفترة التي نوثق لها، ان يشارك الجواهري بالرأي والكلمة والحرف، متابعا ومحرضا ومنورا، ومنه ما جاءت به ميميته بتاريخ 1983.7.5  ومطلعها: أأبا مهند والجراح فـمً، وعلى الشفاه من الجراحِ دمُ. وفي ختامها: أأبا مهند شرّ من حكموا، ما كان لولا ذلّ من حُكموا/ ماذا على الراعي اذا أغتصبت عنـزٌ، ولم تتمرد الغنــمُ.  وهي رد على رسالة في  قصيدة  بعث بها اليه نقيب الصحفيين السوريين، صابر فلحوط، وكنّاه فيها بـ "أبي مهند"  فظن الكثيرون بأن المقصود هو العلامة مهدي المخزومي، أوضحنا ذلكم اللبس  في كتابة سابقة. (2)
وللتوثيق ايضا، نشير الى ان للجواهري، نظم في الأعوام الخمسة الأخيرة من ثمانينات القرن الماضي قصائد أخرى عديدة  اختلفت محاورها، كما ورؤاها، وتنوعت بين دالية "عهد المروءة" في مناجاة براغ عام 1985 وميمية " عشرون بلفور في عشرين عاصمة" السياسية عام 1986 ورثائــية حزينة مؤثرة لشقيقته الوحيدة "نبيهة"  التي  ألقاها وهو ينتحبُ في دمشق خلال تشييع ومراسم مواراتها  الثرى هناك عام 1987..

ثالثا: في دمشق الشام
    في مطالع الثمانينات تجدد الجهات الرسمية السورية، وعلى ارفع المستويات دعوتها للجواهري، باستضافة مؤقتة أو دائمة، وبالشكل الذي يراه مناسباً، والصورة التي يريد. وهكذا يقرر الشاعر الكبير قبول الدعوة، بكل ما يترتب عليها من تداعيات سياسية، فيسري إلى دمشق مع عقيلته، عام 1983 وحتى تاريخ رحيله الى الخلود في 1997.7.27 وموراته الثرى في تربتها، حتى اليوم. وقد ابقى براغ "مستقراً" آخــر، يتقاسمه مع "مستقره" الجديد...
     لقد كان هناك احتفاء واسع ورفيع من القيادات السورية، والرئيس حافظ الاسد شخصيا، بالجواهري طوال  اقامته في دمشق.. كما راح مستقره محط زيارات ولقاءات للنخب والشخصيات السياسية والثقافية السورية والعربية، فضلاً عن العراقية الوطنية والديمقراطية. كما كان يحضر – ولو قليلا - بعض الفعاليات العامة  التي اقيم بعضها على شرفه، ومن ابرزها في مدينة  اللاذقية عام 1983 وفي اسبوع الثقافة العراقية (دمشق- 1986) الى جانب فعاليات محدودة اخرى. (3)

رابعا:  لواعج ومواجهات ..
  امتدادا لطبيعته الثائرة، وتمرده الجامح، خاض الجواهري مواجهات " ادبية" وسياسية، مع مثقفين ورسميين حكوميين ومعارضين، وغيرهم، خلال عقد الثمانينات.. وقد حملت تفاعلات، وانفعالات في قصائد وردود غاضبة، لم يبقِ في عدد منها ولم يــذرْ، ومن بينها:-
* مواجهة د. عبد الله الجبوري، ردا على مؤلفه المعنون " الجواهري ونقد جوهرته" الذي اعيد نشره وتوزيعه مطلع الثمانينات، وكان تقييم الجواهري له بأنه كتاب موغل في الادعاء والأساءة واللاموضوعية، فكتـب حول الامر بائية هجائية، عنوانها "عبدةُ .. " ومطلعها:
 " أ عبدةُ يا آبنة الطربِ، ويا معسولة الشنبِ/ ويا معزولة النصفين مبتعدٍ ومقتربِ" ..
* ردُ نثري عنيف للجواهري على ما نشرته صحيفة " تشرين" الرسمية السورية بتاريخ  1987.7.18 حين تطاول فيها، وبأسفاف،  محرر جهول كما بدا، فتحملت الصحيفة وزر ما كتب، ولتنشر اعتذارا بالغا، في مقدمة للــرد الجواهري الجامح، وقد أقتنع بقبول الاعتذار، فألغى شبه قرار اتخذه  بأن يترك دمشق ومضيّفيه، غاضبا.  (4)
* تصدٍ غضوب لما نشره محرر الصفحات الثقافية في مجلة "فلسطين الثورة" الفلسطينية، السيد سليم بركات، ضد الجواهري، في النصف الثاني من الثمانينات،  فما كان من الشاعر الا ان  يكتب رداً على ذلك في عتاب ساخن الى  الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، نشرته صحيفة (السفير) اللبنانية، في موقع بارز، ثم حصل التصالح بعد توضيحات واعتذار مسؤولين فلسطينيين بارزين بشأن ذلك..(5)

خامسا / سفرات وزيارات ..
     ربما يكون عقد الثمانين الأكثر بين عقود حياة الجواهري سفراتٍ وزيارات، رسمية وخاصة، وما بينهما.. وفي مختلف عواصم ومدن العالم: من امريكا الى اسيا الى اوربا الى افريقيا، كما تبين الخلاصات التي ستأتي في السطور اللاحقة.
1/ في الدوحة والجزائر ونيويورك
   في ربيع عام 1980 يزور الجواهري العاصمة القطرية – الدوحة، لبضعة ايام، بدعوة ثقافية رسمية كان من ابرز فقرات برنامجها حفل ترحيبي القى خلاله الشاعر الضيف مقاطع مختلفة من قصائده، الاجتماعية والوجدانية والسياسية ..
      وفي اواخر العام ذاته، اي 1980 يزور الجواهري الجزائر العاصمة لفترة قصيرة حيث كان نجله كفاح يعمل هناك استاذا جامعيا في اختصاصه، بعد اضطر الى ترك العراق أثر اعتقاله وتعرضه للتعذيب لاسباب سياسية عام 1979 واستمرار ملاحقته امنيا..
    كما يقوم الجواهري صيف عام 1981 بزيارة شخصية، قصيرة، وبرفقته زوجته آمنة، الى نيويورك، حيث تقيم ابنتهما الصغرى – ظلال مع عائلتها. مع اهمية الأشارة هنا الى انه سبق وتغاضى عن دعوة رسمية وجهت له اواخر السبعينات من مكتبة (الكونغرس) ولم يقم بتلبيتها..
2/ وفــي عــدن
   يقوم الجواهري عام 1982 بزيارة رسمية الى  عدن- عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية في حينها، وليُحتفى به هناك بصورة بالغة  بحسب شهود عيان. ومن ضمن برنامج الزيارة حفل جماهيري حاشد  أقيم على شرف الشاعر الكبير القى فيه، إلى جانب مختارات من قصائده، نونية عصماء، بعنوان "الغضب الخلاق"  نظمها بالمناسبة، ولم ينس أن يوثق في مطلعها، انطلاق رحلته الى اليمن، من براغ، موطن الثلج كما أسماها فقال:
من موطن الثلج زحافاً الى عدنِ/ تسري بي الريح في مهر بلا رسنِ ..
من موطن الثلج من خضر العيون به/ لموطن السحر، من سمراء ذي يزنِ
   ولعل من المناسب ان نسجل هنا، ولمزيد من التأرخة والتوثيق ان الرئيس اليمني الجنوبي حينذاك، علي ناصر محمد، ادام علاقات وطيدة مع الجواهري، وعلى مدى أكثر من ربع قرن، ومن بينها لقاء في براغ اواسط الثمانينات، وبعدها  في دمشق الشام، حين كان الرجلان يستقران هناك، ضيفين سياسيين مكرمين، ولسنوات عديدة...(6)
3/ ووارسو
    تلقى الجواهري عام 1986 دعوة رسمية لزيارة بولنـدا، وحضور مؤتمر عالمي، جديد، للمثقفين، من اجل السلام، في  وارسو، بمشاركة نحو 200 كاتب وعالم ومفكر وأديب اجنبي، من نحو 50 بلدا، اضافة لزهاء 200 آخرين من اقرانهم البولنديين، وقد لبى الشاعر تلك الدعوة بعد تمنع وتردد، وكان - في تلك المشاركة الجديدة في المؤتمر الجديد- واحدا من قلة سبق ان شاركت في المؤتمر العالمي، الاول، للمثقفين دفاعا عن السلم في العالم، الذي انعقد عام 1948 في مدينة (فروتسواف) البولندية. (7)
4/ وليبيـــا
     وفي عام 1987  يلبي الجواهري دعوة رسمية لزيارة ليبيا،  قضى خلالها أياماً في طرابلس، ومثلها  في مدن ليبية أخرى، بضيافة زعامات ثقافية وحكومية آثرت الاحتفاء بالشاعر العظيم، ومنجزه الشعري والادبي الفخم.. وقد منح خلال الزيارة وساما رسميا رفيعا، كما نظمت له امسيات ولقاءات عديدة، خاصة وعامة، استقبله في احدها الزعيم الليبي حينئذ معمر القذافي. وقد ابدى الشاعر الكبير خلال الزيارة موافقته على اعادة طباعة ديوانه هناك، ولكن ذلك لم يحصل، ولم تجــرِ متابعة الامر..
5/ في باريس وبودابست
     لكي تكتمل الصورة التوثيقية عن زيارات الجواهري وسفراته خلال العقد الثمانيني الفائت، نشير الى انه اقام في باريس، مع زوجته آمنة،  لفترة وجيزة عام 1984 لعلاج نظره الذي تضرر بسبب الجهد الفائق الذي بذله منكباً على اتمام منجزه الفخم  "الجمهرة" وقد اجريت له  عملية دقيقة لعينيه، نجحت في ترميم بعض الأضرار، ولكن النتائج النهائية كانت أن يفقد قدرته على القراءة والكتابة بنسبة كبيرة، وبشكل دائم... كما قام الجواهري اواخر الثمانينات بزيارة شخصية الى العاصمة المجرية – بودابست، حيث اعتنى به هناك العديد من المحبين والاصدقاء، وليقضي اياما معهم، ويعود منها الى براغ..

سادسا: نشــرٌ واصــدارات
   شهد عقد الثمانينات اصدارات عديدة للجواهري، وعنه، ومنها الجزء السابع – الاخير- من طبعة بغداد التي ابتدأت عام  1973. وقد ضم ذلك الجزء  بضعة قصائد او مقطوعات لم تنشر، وكذلك ما فات نشره في الاجزاء السابقة ..
  كما صدرت في النصف الاول من الثمانينات طبعة جديدة من ديوان الجواهري العامر، وذلك عن ( دار العودة- بيروت)  بأربعة اجزاء، اساسها طبعة بغداد سابقة الذكر.. ثم غضب الجواهري على مسؤولي تلك "الدار" لإخلالها  بالاتفاق المبرم معها، فتتصرف بدون وجه حق بالحقوق والالتزامات ..
    وفي مطلع عام 1986 صدر عن (دار طلاس- دمشق)  مؤلف  "مختارات الجواهري في العيون من أشعاره" بنحو سبعمئة صفحة من القطع الكبير، اشرف على اصداره د. عبد الحسين شعبان، بتمهيد من  الشاعر الكبير، تلته مقدمة وزيرة الثقافة والارشاد القومي السورية، نجاح العطار، تحت عنوان "في رحاب الشعر" .. 
   وفي مجالات النشر عن الجواهري في الثمانينات، والتي تعددت في وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، نوثق  الى تسع حلقات متتابعة  تحدث فيها الشاعر عن ذكرياته الى مندوبة مجلة (المجلة)  اللندنية، الكاتبة اللبنانية هدى المّــر، عام 1982..  كما نشير كذلك الى كتاب الاستاذ حسن العلوي عام 1986  الموسوم "الجواهري .. ديوان العصر" ذلك  فضلا عما  نشره الصحفي البريطاني البارز (ديفيد هيرست) في صحيفة (هيرالد تربيون) الشهيرة  اوائل الثمانينات الماضية، وترشيحـه الجواهري كأنسب رئيس بديل لجمهورية العراق.. (8)
    وما دمنا نتحدث عن الاصدارات والنشر، لا يفوتنا هنا التنويه الى ان الشاعر الكبير قد ولعَ لأن يشرف على تأسيس دار جديدة للنشر والطباعة في دمشق، عام 1988، تتخصص بدواوينه ومؤلفاته  بشكل رئيس، وتمت اجازتها بأسم"الرافدين" وتكلف بمتابعتها نجله (كفاح) الذي كان مقيما في العاصمة السورية.  وقد عرض الامر على صاحب هذه التأرخة لأدارتها، ولكن ظروف اقامته في براغ، والتزاماته السياسية حينئذ، لم توفر له امكانية تحمل تلك المسؤولية التي رغبَ بها كثيرا.. وقد كانت باكورة اصدارات دار الرافدين، عام 1989 الجزء الاول من "ذكرياتي" للجواهري ..

سابعا / طبعة متميزة من الديوان
صدر في عام 1984 عن وزارة الثقافة السورية الجزء الخامس- الجزء ، من ديوان الجواهري، وقد كان جزؤه الاول قد اصدرته عام 1979 .. وهي طبعة  فريدة ، واولى من نوعها كما ندري،  لأنها اعتمدت نشر القصائد وترتيب تسلسلها  ليس زمنيا كما هو معتاد، ولكن وفق احرف المعجم (الابجدية العربية) التي جائت بها القوافي.. وبلغ عدد صفحات الاجزاء الخمس ثلاثة  الاف صفحة من القطع الكبير، وبالحرف الصغير، نسبيا. اما اساسها فهي طبعة بغداد في السبعينات الماضية، ذات السبعة اجزاء، مع اضافات لبعض قصائد، وشروح لأخرى، وتشكيل وتدقيق وتصحيح.. وقد عني بالاشراف على اصدار الديوان وفهارسه: د. عدنان درويش (9).

ثامنا: الجمهرة ..
     حرص الجواهري وهو في منتصف تسعيناته، أن يجهد بكل مثابرة لأغناء المكتبة العربية بمنجز ثقافي وشعري نادر بفخامة محتواه، وذلكم هو موسوعة "الجمهرة" التي بعشرة اجزاء، يضم مختارات لمئات الشعراء العرب، ومن مختلف العصور، تتولى اصدارها وزارة الثقافة السورية. وقد انشغل بها الشيخ الجليل عامي 1983-1984 في دمشق الشام، وليشرف على تنقيحها وفهرستها وترتيبها لاحقاً د. عدنان درويش، ليصدر الجزء الأول منها عام 1986 مكرسا  للعصر الجاهلي بنحو تسعمئة صفحة من القطع الكبير...
   وفي جمهرته، لم يكتف الجواهري  باختيارات "العيون الشعرية" وحسب، بل وأوجز سطوراً عن حياة أصحابها الذين ضمتهم الموسوعة، وقد كان للفحول من الشعراء حصتهم الأميز في هذا المجال. وقد سبق كل ذلك ليكتب في المقدمة  مناقشة مهمة تنتصر للشعر الجاهلي، وفي حوالي  40 صفحة وصفحة، اثارت اهتماما بالغا عند المختصين والمتلقين على حد سواء، وقد نشرها الاستاذ فخري كريم، منفردةً في اصدارات مؤسسته - دار المدى. اما مصادر"جمهرة" الجواهـري فكانت من بينها  "الأغاني" و"العقد الفريد" و"خزانة الأدب" و"الفضليات" و"حماسة ابي تمام" ومختارات "البحتري" و"البارودي" و"ادونيس" و"هادي العلوي" وغيرها، فضلاً عن دواوين العشرات من الشعراء المعنيين، ثم لتتم الاستذكارات، فالاقتباسات فالتصحيح فالتنقيح والترتيب، فالطبع.. (10)

تاسعا:  "ذكرياتي"
   صدر في عام 1989 الجزء الأول من "ذكرياتي" للجواهري، وأعقبه الجزء الثاني عام 1990 وتجاوز عدد صفحات الجزأين  ألف صفحة من القطع الكبير. وقد كان  الشاعر قد بدأ  في أوائل الثمانينات الماضية كتابة رؤوس أقلام ومواجيز وخلاصات استهلك فيها عشرات الصفحات.  وبعد فترة لم تطل، استعاض الجواهري عن ذلك الخيار بآخر، وهو توثيق الذكريات بأشرطة فيديو، بلغ عددها أكثر من عشرين شريطاً، سُرق بعضها، وتلف قسم آخر بسبب سوء الحفظ...
 لقد ترافق مع تسجيل الذكريات على أشرطة الفيديو اياها، تسجيل أشرطة كاسيت صوتية في نفس الآن والمكان، ببراغ أعوام 1984-1986... ثم قامت بعدها نخبة شبابية من متطوعين عراقيين في دمشق عام 1988 بتفريغ تلك الأشرطة التي بلغت نحو ثمانين ساعة، على الورق، ثم لتقرأ المسودات بشكل أولي، وتدقق ثانية، بمشاركة مباشرة من كاتب هذه التأرخة... ثم لتطبع من جديد، وليعمل عليها بجهود بارزة، وغيرها، أكثر من باحث وكاتب واعلامي، ولا سيما الافاضل: هادي العلوي وفالح عبد الجبار وعبد الكريم كاصد وزهير الجزائري. وكذلك خلدون جاويد وهاني الخيّـر، لفترة قصيرة، ولتوضع بعدها أمام الجواهري، فيعيد، ويصحح ويحذف ويوجز، ويوسع، وبالاعتماد على ذاكرته وحسب، وهو ابن تسعين عاما. ثم ليصدر بعد ذلك جزءا "ذكرياتي" على الشكل الذي صدرا به...
لقد كان مبدأ كتابة "الذكريات" موضع تردد كبير، أصلاً، لدى الجواهري. فمثل ذلك الأمر قد يعني، من جملة ما يعني، ان المرء قد وصل الى نهاية المطاف في العطاء. ولاشك فان مثل هذه الحال لم تكن لتخطر في بال الشاعر العظيم، وان كان على أعتاب التسعين... وذلك ما كان بالفعل، إذ ثمة قصائد ومواقف عديدة قد تجلى بها، وتجلت عنده، ولنحو سبع سنوات تاليات...
وبمثلما افصحت عنه مقدمتا جزأي " ذكرياتي " راحت التفاصيل والايجازات واستعراض المواقف، بصراحة ومباشرة لمديات بعيدة. واشهد هنا أيضاً كم كان الجواهري معجباً باسلوب ومضامين ذكريات للأدباء البارزين مثل:  البرتو مورافيا، وارنست همنغواي، وسلفادور الليندي، وميله للاستفاده منها اسلوباً، لولا الاختلاف في وعيّ وثقافة متلقي اولئك المشاهير، ومجتمعاتهم، عن متلقي ومجتمعات "ذكريات" الجواهري. (11)

عاشراً: خاتمــة
    يقينا بان ما جاء في هذه الكتابة لا يغطي سوى لمحات ومحطات عن  الشاعر العظيم في عقد الثمانينات- وهي ثمانينياته العمرية في آن واحد-  وذلــك في رحاب الشعر والسياسة الثقافة والحياة، وهي تفتح - كما نظن - ابوابا وآفاقا ومسارات للباحثين والنقاد الذين يريدون  تناول هذه الفترة دراسة واستشرافا وتوثيقا. كما انها توفر خلاصات ومؤشرات للقراء عموما، وخاصة الشغوفين بحب الجواهري ومتابعة آثاره. ذلك فضلا عن كونها – اي هذه التأرخة- تسجل جوانب من مسيرة البلاد العراقية وتطوراتها، وتداعياتها السياسية والثقافية والاجتماعية، في عقد زمني ملئ بالاحداث والشؤون التي انعكست على الاوضاع العامة في حينها، وكذلك على الوقائع والتطورات اللاحقة. ولا شك بان كل ذلك سيتوضح ويُبان أكثر فأكثر في تفاصيـــل الجزء القادم لما نتوجه اليه تأرخة وتوثيقا، وهـو "تسعينات الجواهري"  ثم، ما بعد الرحيـــل......  * رواء الجصاني / كانون الاول 2020
   إحالات وهوامش وتوضيحات ------------------------------------------
* من المهم كما نرى التوضيح بأن جميع التفاصيل والوقائع الوارده في هذه التأرخة، والتي لم يُشــر الى مصادرها، هي شهادات عيان للكاتب، ومعلومات موثقة من الشاعر العظيم.
1/ للمزيد من التفاصيل كتابتنا المنشورة على الانترنيت عام 2020 بعنوان: " الجواهـري في سنوات السبعين (1970-1979).. مابين السيـرة والذكريـات" .
2/ للمزيد من التفاصيل كتابتنا المنشورة على الانترنيت عام 2020 بعنوان: من هو “أبا مهند" الذي خاطبه الجـواهـري  في ميميّـته الغاضبة عام 1983 ؟!.
3/ للمزيد من التفاصيل كتابتنا المنشورة على الانترنيت عام 2013 بعنوان: "مع الجواهري في دمشق" .
4/ للمزيد من الشؤون ذات الصلة عن هذا الموضوع،  كتابتنا المنشورة على الانترنيت عام 2018  بعنوان: "الجواهري: لكي لا نعيّر باننا قوم ينكرون الجميل، ويكفرون بالنعم".
5/ للمزيد من الشؤون ذات الصلة عن هذا الموضوع،  كتابتنا المنشورة على الانترنيت عام 2014  بعنوان: "مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب !! الحلقة 3".
6/ المزيد من التفاصيل عن زيارة اليمن،  في الفصل السادس من كتابنا " الجواهري بعيون حميمة" بغداد 2016.
7 / للمزيد من التفاصيل كتابتنا المنشورة على الانترنيت عام 2016 بعنوان: "الجواهري في عواصم ومدن الدنيا.. قصيدة وثلاث زيارات لبولندا" .
8/ المزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع،  منشورعلى الانترنيت عام 2017  لعبد الاله النعيمي تحت عنوان: "الجواهري.. وفي الليلة الظلماء يُفتقد البـدر" .
9/ للمزيد من التفاصيل كتابتنا المنشورة على الانترنيت عام 2020 بعنوان: " طبعة فريدة لديوان الجـواهري، بحسب أحرف الابجدية العربية" .
10/ المزيد حول "الجمهرة" على الصفحة 696 من كتاب " الجواهري.. قصائد وتاريخ ورؤى" لكفاح الجواهري، ورواء الجصاني (دمشق- بغداد) 2012.
11/  للمزيد من التفاصيل كتابتنا المنشورة على الانترنيت عام 2011 بعنوان: " ذكريات وشهادات حول ذكريات الجواهري" .


30
بهاء الديــن نوري، مواقف  واجتهادات..
لها ما لها، وعليها ما عليها !!
- رواء الجصاني
------------------------------------------------------------------
 رحل قبل ايام قليلة، بهاء الدين نوري، الشخصية السياسية العراقية البارزة، وهو في سنّ الثالثة والتسعين من العمر الذي شهد عقودا مديدة  في تبني مواقف وقناعات فكرية آمن بها وتحمل بسببها الكثير من المشاق والجهود: سجنا وملاحقات، وتضحيات، في مختلف العهود التي مرّت بها البلاد العراقية، الملكية منها والجمهورية.  كما  شهدت سنوات النضال التي عاشها الفقيد ضمن  حزبه الشيوعي، وقياداته لفترات زمنية طويلة،  خلافات وصراعات ساخنة، ليس مع السلطات وحسب، ولكن ايضا  مع رفاق دربه ومجايليه، بسبب مواقفه واجتهاداته المختلف عليها في عدد من القضايا الفكرية والعملية، وما ترتب عليها، أو بسببها، من مسارات وتوجهات، واجراءات، ضمن الازمنة والمواقع المختلفة ..
   ان ما تتوخاه هذه السطور ليس تأرخة أو ايجازات عن سيرة ذاتية للفقيد، ولا تخطئة أو تصويب، ولا  تأييد أو خلاف، لمحطاته التاريخية، ولدوره السياسي، بل تأتي تأشيرات توثيقية لما كتب، بشكل أو آخر عنه، قبل وبعد رحيله، من معاصرين ورفاق درب ومعارف ومتابعين، سواء المباشرة منها حول  دوره ومواقفه، او في  استعراض بعض محطات مواقفه السياسية، والتنظيمية من احداث عاصرها، بل وكان في الصميم منها سنوات وسنوات(1) ..
     قلت "تأشيرات" وأعني ذلك تماما،  لأن هذه الكتابة ليست تأرخةً، او مناقشة لسياسة حزب عريق، هو الحزب الشيوعي العراقي، خاصة وان عشرات المؤلفات قد ناقشت ووثقت وقيّمت تلك الشؤون، ويندر في الكثير منها ان لا يأتي ذكر بهاء الدين نوري: تعريفا به، او توثيقا له، وسواء بمعرض المديح او النقد  لشخصيته، او الأتفاق والاختلاف مع اجتهاداته السياسية..   
     ان هناك شبه اجماع على اهمية دور ومكانة  بهاء الدين نوري في مسيرة حزبه الشيوعي، وبالتالي في الحركتين: الوطنية العراقية، والقومية الكردية.  وكذلك  استذكارات لجرأته وشجاعته التنظيمية، ومثابرته في طرح الاراء والافكار، وبشكل خاص خلال فترة عمله السري في العهدين الملكي والجمهوري، أوفي نشاطه ودوره في فترة اعتماد الشيوعيين لنهج الكفاح المسلح طريقا لمعارضة  النظام الدكتاتوري،  لطغمة حزب البعث الحاكمة، في عهد رئيسه  صدام حسين، بعد عام 1978 تحديدا..
   وفي ذات الوقت، هناك تساؤلات وانتقادات، بل وأعابة،  لجوانب عديدة من مواقف واجتهادات بهاء الدين نوري، ومسؤلياته  التنظيمية حين تكلّفه، او تكليفه بمهام قيادية في تنظيمات حزبه الشيوعي، وهيئاته العليا بوجه خاص. وكل ذلك يحتاج لمراجعات ضافية، وتقييمات  موضوعية بعيدة عن الذاتوية،  والهوى الشخصي، او النكاية والشماتة، وانتهاز الفرص للطعون، والنواح . ولربما نجتهد فنصيب حين ندرج في التالي عددا من تلك المحطات المقصودة التي تتطلب المراجعة التي تأخذ بالحسبان الظروف الزمانية والمكانية طبعا، ومن ابرزهــا بحسب ظننا:
1/   اعتماد بهاء الدين نوري الصرامة والتشدد في العلاقات التنظيمية، والمغالاة في تنفيذ الضوابط الاجرائية، والتفرد بالقرارات، والطموحات المبالغ بها..
2/  اجتهاداته في الافكار والشعارات التي طرحها، وتبنيها، حين توليه المسؤولية الاولى في الحزب الشيوعي العراقي، اواخر الاربعينات -  اوائل الخمسينات، الماضية، ومنها اسقاط العرش الملكي وأقامة نظام جمهوري شعبي..
3/ دوره مع رفاقه: زكي خيري وعامر عبد لله ومحمد حسين ابو العيس، لازاحة سلام عادل (حسين الرضي) من مهام سكرتير اللجنة المركزية للحزب عام 1959  بسبب الاختلاف في التقييم بشأن التعامل مع نهــج وحكم الزعيم عبد الكريم قاسم..
4/ قناعته، وحماسته  الفكرية عام 1964 لما يعرف "خـط آب"  والتوجهات المرنة  لحد  امكانية التخلي عن الدور القيادي للحزب الشيوعي، لصالح أحزاب "التوجه الأشتركي"  ضمن ما كان قد طرح من الحزب الشيوعي السوفيتي عن نظرية "التطور اللارأسمالي" في بلدان  اسيوية وافريقية وامريكية لاتينية، والتحالفات مع القوى "الثورية" الحاكمة فيها.. 
5/ دوره ونشاطاته في مواجهة ما قبل، وبعد، انشقاق الحزب الشيوعي العراقي عام 1967 الذي ادى الى تشكيل " قيادة مركزية" وتنظيم  موازٍ، للحزب الاساسي الذي تقوده اللجنة المركزية..
6/ اجتهاده – اي بهاء الدين نوري-  بخطأ  وخطل تحالف الشيوعيين مع حزب البعث عام 1973 ومعارضته لذلك علانية  خلال  مؤتمر الحزب الثالث الذي انعقد ببغداد عام 1976..
7/ الاعلان عن تشكيله ، مع أرا خاجودور، وصالح دكله، ما عرف بـ "حزب العمل" اواخر عام 1978 في محاولة للضغط على حزب اليعث الحاكم في العراق، ومحاولة لتدارك ما يمكن تداركه بعد اشتداد الارهاب ضد الشيوعيين والوطنيين العراقيين..
8/ اجتهاده في موضوع التحالفات، والمواجهات، مع احزاب الحركة القومية الكردية ، وخاصة الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة جلال الطالباني، اوائل الثمانينات الماضية، خلافا للآراء والمواقف والتوجهات المركزية لحزبه الشيوعي العراقي..
9/ العمل بأشكال مختلفة على  تشكيل هيئات وتنظيم  موازٍ  للحزب الشيوعي العراقي،  عشية، وخلال عام 1984 الذي تم فيه  ابلاغه بسحب عضويته، واعتباره خارج الحزب، وما بعد ذلك..
10/ اجتهاده بالتعاون مع، او الاستفادة  من،  قوى خارجية، غربية، لأسقاط  نظام صدام حسين الارهابي الدموي، ولغاية 2003 الذي شهد انهيار ذلك النظام، بدعم امريكي ..
    وبلا اي تردد  نشير الى ان جميع النقاط العشر السابقة تحتاج الى تقييمات واقعية، وتحليلات موضوعية، مع التذكير بأن بهاء الدين نوري قد كتب وأوضح حول تلك الشؤون التي تتباين الرؤى حولها، في حينهـــا، وكذلــك بعد حدوثها، عبر المقالات والحوارات والكراريس وغيرها (2).. كما تطرقت مؤلفات  سيــرٍ عديدة، وكتب ذكريات لمسؤولين سياسيين عاشوا وعاصروا تلكم الاحداث ذات الصلة، وبتوسع حينا وايجاز احيانا اخرى، وجميعها تثير تساؤلات جديرة بالأهتمام، وان كان بعضها متشددا بهذا القدر او غيره (3) .  ومن المؤكد في نفس الوقت ان جميع النقاشات المتشددة، أو المرنة، تأتي تعبيرا عن اهمية  دور بهاء الدين نوري وموقعه في مسيرة حزبه الشيوعي، ومن ثم في مسيرة ومسار الحركة الوطنية العراقية عموما..
      اخيرا بودي الأشارة  الى انني قد شهدت وعايشت، وأطلعت على جملة تفاصيل حول  التساؤلات العشرة اعلاه وبصور متعددة، بحكم مشاركتي في العمل السياسي، والتنظيمي التي ابتدأ عام 1965 وفي مواقع مختلفة ومنها  عضوية  لجنة تنظيم الخارج للحزب الشيوعي العراقي، في النصف الاول من الثمانينات الماضية، وذلك ما ساعد - بالنتيجة – في التعرف على الكثير من الوقائع موضع الحديث. وقد تعمدت ان تكون كتابتي هذه عامة، بهدفٍ  اول، ألا  وهو إشاعة التساؤلات والمراجعات، والنقاشات، مؤجلا ابداء الرأي الشخصي  الان، ولحين آخر، اتمنى ان يكون قريبا، للمشاركة في تلك التقييمات، بل والحديث ايضا عن بعض شؤون خاصة في العلاقة مع الفقيد بهاء الدين نوري، ومنها خلال النشاطات السياسية والتنظيمية ببغداد اواسط السبعينات، وفي دورة ثقافية - سياسية دامت 21 يوما في  صوفيا- بلغاريا ، صيّف عام 1978، وفي لقاءات ببراغ اواخر الثمانينات الماضية ...
----- هوامش وإحالات --------------------------------------------------------------
1/ اصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي  نعياً برحيل بهاء الدين نوري، ونشر بتاريخ 2020.12.2
2/ كتاب "مذكرات بهاء الدين نوري" عن دار الحكمة/ لندن 2001.
3/ ومن بين تلك الكتب والسيّــر والمذكرات: 
- كتاب  "صدى السنين في ذاكرة شيوعي عراقي مخضرم" تأليف زكي خيري، الصادر في السويد دون الاشارة الى الناشر، قدمت له سعاد خيري في 1995.9.20 .
- كتاب "مذكرات باقر ابراهيم" اصدار دار الطليعة – بيروت 2002 .
- كتاب "صفحات من السيرة الذاتية" لثابت حبيب العاني الصادر عن دار الرواد المزدهرة  -بغداد عام 2014.
- كتاب "من الذاكرة- سيرة حياة، صالح دكله" اصدار دار المدى- دمشق 2000 .

31
من هو "أبا مهند" الذي خاطبه الجـواهـري
 في ميميّـته الغاضبة عام 1983 ؟!
* رواء الجصاني
--------------------------------------------------------------------
     منذ فترة، وثمة التباس يحصل عند موثقين، وباحثين، ومن بعدهم، عند متابعين وقراء،  بشأن أسم وشخصية المخاطب في قصيدة الجواهري عام 1983 االتي حملت عنوان "أأبا مهند" (1) ..  فيشارُ الى ان المقصود  فيها، هو صديق الجواهري الحميم، العلامة مهدي المخزومي، المكنى بـ "أبي نوال"  ابنته الكبرى، ثم جاءه بعدها صبيّ فسميّ بـ "مهند".
     ويبدو ان الالتباس  قد حصل لأن الجواهري كان قد نظم- حين تعرض المخزومي  لأزمة صحية شديدة - عام 1974  اخوانية رقيقة بعنوان "أبا مهند"  اي انه "كنّـاه" فيها  بــ"أبي مهند" وليس بـ "أبي نوال" لضرووة التفاعيل، والايقاعات، الشعرية كما هو واضح.(2)
    والصحيح والثابت ان "أبا مهند" المخاطب، المقصود، في ميمية الجواهري عام 1983  هو الشاعر ونقيب الصحفيين السوريين خلال السبعينات والثمانينات الماضية: د. صابر فلحوط، الذي كان قد كتب للجواهري تحية في قصيدة،  فردّ عليها الشاعر العظيم،  او أتخذ منها مدخلاً  لما كان يعـنّ عنده، وفي حناياه  من غضب شامل على واقع البلدان العربية ومجتمعاتها وانظمتها.. وخلال تلك القصيدة، بل وفي عنوانها ومطلعها، "منحَ" الجواهري كنيةً جديدة لصابر فلحوط، باسم ابنه الثاني "مهند" وايضا بسبب متطلبات التفاعيل الشعرية، وايقاعاتها، ولم يعتمد كنيّـته الحقيقية وهي "أبـو عمـر".
     لقد لاحظنا ذلك الالتباس بشكل بارز في الصفحة 229 من كتاب  د. محمد جواد الغبان، الموسوم "الجواهري .. فارس حلبة الأدب" والصادر ببغداد عام 2006..  وقد زاد ذلك الالتباس شيوعاً ما نشرته  مؤسسة "المدى" بتاريخ 2019.10.23  ضمن ملحقها "عراقيون" المكرس لمئوية العلامة المخزومي، إذ  حملت صفحته الأخيرة ابيات من  "ميمية"  الجواهري، الثمانينية،  بأحتساب انه المخاطب فيها..
     ان  الجزء الخامس من ديوان الجواهري، طبعة بيروت عام 2000 يوضح  ما نحن بصدده، اذ بيّـنت مقدمة القصيدة، الميمية، تلك الشخصية المكناة بـ "أبي مهند"  .. كما جاء ذلك موثقاً ايضا على الصفحة 622 من كتاب "الجواهري.. قصائد وتاريخ ومواقف". (3)
** هوامش واحالات ---------------------------------------------------------
1/ نُشرت القصيدة الميمية،  لأول مرة في مجلة "المجلة" اللندنية عام 1985 وجاء بيتها الاول: "أأبا مهندَ والجراحُ فـمُ/ وعلى الشفاه من الجراحِ دمً ".
2/ والبيت الاول في القصيدة المعنية هو: " أبا مهنّـدَ لا آذتكَ نازلةٌ/ ولا تخطتْ الى عليائكَ العٍلـلُ" .
3/  "الجواهري قصائد وتاريخ ومواقف" اختيارات وتوثيق: كفاح الجواهري ورواء الجصاني، بغداد 2012 .

32

من السّيرَة الذاتَيّة  للشاعر والكاتب المسرحي، العراقي الراحل: مصطفى عبدالله (1947-1989)
-   خالد عبد الله العلي
--------------------------------------------------------------------------
•   ولد مصطفى عبدالله حسين العلي، في قضاء أبي الخصيب، محلة "باب ميدان" بتاريخ العاشر من تموز عام 1947، لأبوين كادحيـن.
•   أكمل تعليمه الإبتدائي والمرحلة المتوسطة في قضاء أبي الخصيب: (1953 ـ 1959 - مدرسة المحمودية) ثــم  (1961 ـ 1963 ثانوية أبي الخصيب للبنين). وأنجز المرحلة الإعدادية في مدينة البصرة (1963 - 1965  الإعدادية المركزية)
•   تخرج في  جامعة البصرة عام 1971، كلية التربية، حاصلا على شهادة بكالوريوس علوم في علم الحياة، ثم عمل مدرساً في ثانويات البصرة بمادة الأحياء.
•   غادر مصطفى عبد الله آواخر عام 1978 العراق متخفياً بسبب حملة النظام البعثي - الدكتاتوري ضد القوى التقدمية والديمقراطية، وبعد رحلة مضنية، وتشرد مؤلم،  استقر في المغرب.
•   عمل في المغرب مدرساً للعلوم الطبيعية، مما ساهم في إستقراره النسبي، والعمل على معاودة نشاطه الثقافي - الإبداعي المتنوع هناك.
•   نشر قصائده في الصحف المغربية والعربية، وكتب بعض الدراسات الانثروبولوجية، ثم عمل مدرساً في (مدينة القنيطرة - ثانوية التقدم).
•    ألف كتاباً في العلوم الطبيعية، وأنشأ مختبراً خاصاً يخدم تلك العلوم أيضاً، و بعد رحيله أُطلق على ذلك  المختبر إسم (مختبر مصطفى عبداللة) وفاءً لجهود في ميدان عمله.
•   تعرض الفقيد بتاريخ  الأربعاء الموافق 1/11/1989 لحادث مرور غادر، ومفجع على طريق مدينة القنيطرة – الرباط،  أودى بحياته في غربته، ودفن بمقبرة مدينة القنيطرة في المغرب.
** بدايات وانطلاقات:
    بدأ مصطفى عبدالله نشاطه الأدبي في (قضاء أبي الخصيب ـ محافظة البصرة) كاتباً للمسرحية والقصة القصيرة والشعر، كما ظهرت لديه هوايات مبكرة في الفن السينمائي والرسم. كما مُثلت بعض مسرحياته الأولى في مدينة أبي الخصيب، وهو لم يزل طالباً في  المرحلة المتوسطة. 
     إنتقل في العام الدراسي 1963 - 1964 الى مركز مدينة البصرة لمواصلة دراسته الإعدادية، ونشر بعض قصصه في أواسط الستينيات في الصحف والمجلات التي كانت تصدر في تلك الفترة. وكشفت تلك القصص عن قاص واعد ، ثم أستمكن الشعر منه.
    نشر بعضاً من قصائدة خلال  السبعينات الماضية،  في الصحف والمجلات العراقية والعربية، وبقيت إهتماماته بالقصة مستمرة، متابعاً بدقة وشغف ما يصدر من قصص في الكتب والمجلات والصحف. وقد أقام علاقات وثيقة في السبعينيات مع أصدقائه القصصيين  والمهتمين بهذا المجال، ليعرض عليهم ما يكتب ويدخل معهم في حوارات، حول قصصهم وموضوعاتها وأشكالها الفنية، وفق رؤى ومعايير نقدية - فنية، تعتبر حداثية في تلك المرحلة.
     بدأ اهتمام مصطفى  بكتابة (سيناريو الأوبريت)  وإتفق مع الشاعر الراحل ذياب كزار (أبو سرحان) على كتابة أغاني الأوبريت، ووافق على ذلك، ولكن لم تتعامل الجهات الرسمية - الثقافية في البصرة معهما بجدية بسبب توجسات (أيديولوجية - سياسية)، وأنسحب ذلك على أطراف أخرى، مدنية، لصرامة القياسات المعتمدة في تلك المرحلة.
    واصل الفقيد  إهتمامه بالأوبريت، فكتب أوبريت (الطريق) لمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1974، الذي قدم لمرة واحدة في بغداد، وكتبت عنه جريدتا: طريق الشعب والفكر الجديد، ومجلة الثقافة الجديدة.. وقد كان من المؤمل أن يقدم الأوبريت في مدن عراقية أخرى إلّا أن ذلك لم يحصل في حينه لأسباب باتت معروفة. وقد فقد نص الأوبريت للاسف والى الان.. 
** بين العراق والمغرب:
    يمكن توزيع إبداع الشاعر الى مرحلتين: الأولى وتمثلت بالفترة التي عاشها في العراق حتى عام 1978.. وإضطر بعدها الى الرحيل ليستقر مدرساً في المغرب. وهناك بدأت المرحلة الثانية، التي إنتهت بوفاته بسبب حادث سير مؤسف نهاية عام  1989.
   عَمد الفقيد مصطفى خلال الفترة الأولى على نشر قصائدة في بعض الصحف والمجلات العراقية والعربية، وللاسف لا توجد لدينا تفاصيل  كاملة عن هذا الموضوع، وما استطعنا رصده هو بعض قصائدة التي نشرت  في صحيفة "طريق الشعب" ومجلة "الثقافة الجديدة" واسبوعية "الفكرالجديد".
  وفي المغرب عاود الفقيد نشاطه الثقافي - الإبداعي المتنوع، حيث نشر قصائده في الصحف المغربية والعراقية وبعض الصحف العربية الأخرى، وكتب بعض الدراسات الانثروبولوجية عن أزياء الطوارق، وخاصة لثام الوجه الصحراوي...
** محطات واصدارات
•   كان الشاعر قد أعد مجموعة شعرية بعنوان (بَيـن الكُــــــــــلّ)  قدمها إلى اتحاد الكتاب العرب في دمشق عام 1984. وقد أجيزت المجموعة فعلاً بيّد أنها لم تنشر، وأسباب ذلك لا تزال مجهولة . وقد توزعت قصائد هذه المجموعة على اعوام 1970- 1984.
•   بعد وفاته وبتـــاريخ 2/3/1990 اصدرت (رابطة الكتاب والصحفيين والفنانيين الديمقراطيين العراقيين) كراساً عن مصطفى عبد الله  بعنوان (الأجنبيّ الجميل - رحل عنا .. وعدنا باللقاء) ضم مختارات من قصائده وكلمات واشعار في رثائه كتبها عدد من الكتاب العراقيين والعرب.
•   في عام 1993 وبمبادرة مشكورة من دار صحارى للصحافة والنشر في بودابست، قامت الدار ضمن مشروعها لنشر سلسلتها الشعرية بطباعة ثمانية دواويين شعرية، احداها ديوان للفقيد مصطفى  موسوم (ديوان الخارطة). تم تصميم الأغلفة والتنضيد، ونشرت 6 منها، وبقيَّ ديوانان لم ينجزا بسبب توقف عمل الدار. الأشراف الفني: انتشال هادي. وخطوط الاغلفة: الفنان الشاعر صادق الصائغ. وكان من بين الشعراء الذين نُشرت دواوينهم: كريم كاصد، هاشم شفيق، مخلص خليل، عواد ناصر.
•   في عام 1999 اصدرت دار المدى- دمشق مجموعة مختارة من قصائده بعنوان (مكاشفات ما بعد الرحيل)، أعدها  وقدم لها الدكتور مجيد الراضي، ولوحة الغلاف للفنان جبر علوان.
•   في عام 2004 طبعت دار الشؤون الثقافية - وزارة الثقافة العراقية، مجموعة شعرية تحت عنوان "الأجنبي الجميل" أعدها وقدم لها الشاعر عبدالكريم كاصد، وكان الغلاف واللوحات الداخلية للفنان فيصل لعيبي، تضمنت هذه المجموعة ستة أقسام: الأول ـ الأجنبي الجميل كتبت خلال الفترة (1988 - 1989)، الثاني ـ مكاشفات (1978 - 1989)، الثالث ـ  صورةالعاشق: (1978 - 1979)، الرابع: بين الكل (1970 - 1980)، الخامس: الخارطة (1978 - 1979)، السادس: البدايات (السبعينات عدا قصيدة "الحجر الذي رأى" وكتبت عام 1987).
•   في عام 2017 تم طباعة مجموعة الأجنبيّ الجميل مرة ثانية، واعتمدت هذه المجموعة على ما اعده الشاعر عبد الكريم كاصد مشكوراً في الطبعة الأولى، وأجريت بعض الإضافات والتعديلات، شملت  بعض القصائد غير المنشورة سابقاً.
•   لا زال هناك عدد من القصائد غير المنشورة، وقسم منها، عبارة عن مسودات تركها الفقيد ولم يستكمل تدقيقها وبنائها بشكلها النهائي.

4/ افلام ومسرحيات:
1.   فيلم العمارة الاسلامية - وثائقي: أعداد وسيناريو مصطفى عبدالله وأخراج كاظم الصبر، مدة عرض الفلم 45 دقيقة، انتجته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو)، بالتعاون مع التلفزة المغربية عام 1988. يبدأ الفيلم بالمسجد، باعتباره مصدراً مهما للعمارة الإسلامية، التي أكتملت معالمها الأولى في العصر الأموي، مؤكداً على القيمة الروحية التي يمثلها المسجد بعد إنتشار الإسلام، مستعرضاً بذات الروح الشعرية عدداً من أهم المساجد التي تظهر أنماط العمارة الإسلامية، مثل جامع القيروان بتونس، وجامع الكتبية والقرويين في المغرب. ويتحدث الفلم عن مصادر العمارة الإسلامية.
2.   فيلم (العلوم عند المسلمين) وثائقي: إعداد وسيناريو مصطفى عبدالله وأخراج كاظم الصبر، مدة عرض الفلم 45 دقيقة، أنتجته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو) بالتعاون مع التلفزة المغربية عام 1988. ويتناول هذا الفلم مظاهر الحضارة الإسلامية، والتعريف بأهم المنجزات العلمية التي تمت على أيدي العلماء المسلمين كالرازي وابن حيان ، والخوارزمي، مستعرضاً أهم المؤلفات العلمية والترجمات من الفكر اليوناني، والإضافات والتصصحيحات العلمية المهمة التي اجريت على تلك العلوم.
3.   فيلم عن المخدرات ـ وثائقي: أعداد وسيناريو مصطفى عبدالله وأخراج كاظم الصبر، انتجته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو)،  عام 8/1989-7/2/1990. ومدة عرضة 40 دقيقة.
4.    سيناريو (زيدان الصياد) : قصة وسيناريو مصطفى عبدالله. تم الشروع بانتاجه في الشهر السابع من عام  1989 وذلك  من قبل معمل العين في المغرب .وهو شريط بالرسوم المتحركة بحجم 35 ملم، ومدة العرض 90 دقيقة، وقد اشترك الكاتب المغربي الاستاذ ادريس الصغير في السيناريو والحوار واخراج الفنان المغربي  حميد السملالي، ولاسباب نجهلها لم يتم إنتاج هذا الشريط. عدد صفحات السيناريو 110 صفحة تقريباً، حجم (اي - 4) عدد المشاهد (125 مشهداً). وأصل السيناريو موجود بخط الراحل، وتم طبعة بصيغة الوورد.
5.   كتابُ الآس في حبّ فاس: سيناريو لفلم وثائقي اعده  مصطفى عبدالل عامه  1988.. ولم ينجز  وأصل السيناريو موجود بخط الراحل وتم طبعة بصيغة الوورد.  وتدور فكرة الفلم عن سفينة تحمل من كل بلدٍ وجهةٍ وقبيلةٍ عائلة. وهي أيضاً توثيق ما يزال باقياً لمدنٍ إسلامية إندثرت ولم يبقَ شيءٌ منها. فهي إذن حقيقة تاريخية ِلنَسِبنا جميعاً، وهذه السفينة تُوشكُ الآنَ على الغرق .. ولذا يجب أن يكون الحوار عنها ومعها في آن واحد.. مسرحية (أمسِ الإثنين والثلاثاء غداً) اتممها الفقيد عام 1988. عدد الصفحات 110 حجم (اي4)  وتتكون المسرحية من ثلاث فصول و118 مشهداً، وهي غير منشورة.
6.   تمثيلية (هواء وماء وجدران ) قصة وسيناريو وحوار وشعر مصطفى عبدالله - 1988. عدد الصفحات 171 حجم اي - 4، غير منشورة.
7.   تمثيلية (الخيط والسمكة) منجزة في الشهر السادس من عام 1988 تتكون  من ثلاثة فصول و213 مشهداً وعدد الصفحات 137 حجم اي - 4، وهي غير منشورة.
8.   العالي، مسرحية شعرية:- مصطفى عبدالله -1971، مستوحاة من قصيدة ناظم حكمت (قصة شجرة الجوز ويونس الأعرج ). غير منشورة.
9.   الكلام - مسرحية شعرية: - 1972. غير منشورة.
10.   الطريق - سيناريو أوبريت: - 1973. غير منشور.
11.   الجرداغ -  سيناريو أوبريت: -  1974. غير منشور. وتدور فكرة الأوبريت حول  العمل الموسمي لعمال الجراديغ - مكابس التمور الأهلية المنتشرة سابقاً في البصرة، من الذين يحضرون مع عوائلهم للعمل في مواسم جني التمور كعمال أجراء،  يعمد مالك المكبس تسليفهم مبلغاً من المال لإدامة حياتهم اليومية، وخلال أيام العمل يقوم بحساب مصاريفهم بشكل يومي من غذاء وأمور أخرى وتجري تسوية الحسابات المالية بعد انتهاء الموسم وفي الغالب يكون العمال مدينين لصاحب المكبس وتُدور الديون للسنة القادمة..
12.   ثمة للفقيد مسرحيتان بدون عنوان وتدقيق، ومسرحية ثالثة غير كاملة تحت عنوان (البنت أمينة).


33
طبعة فريدة لديوان الجـواهري،
 بحسب أحرف الابجدية العربية
- رواء الجصاني
--------------------------------------------------
    اتممت وزارة الثقافة السورية اصدارالجزء الأخير- الجزء الخامس، من ديوان الجواهري، عام 1984 وقد كان جزؤه الاول قد اصدرته عام 1979 ..  وهي طبعة  فريدة ، واولى من نوعها كما ندري،  لأنها اعتمدت نشر القصائد وترتيب تسلسلها  ليس زمنيا كما هو معتاد، ولكن وفق احرف المعجم (الابجدية العربية) التي جائت بها القوافي..
     شمل الجزء الاول: مداخلة - دراسة عن الجواهري بعنوان "في رحاب الشعر" لوزيرة الثقافة د. نجاح العطــار، ثم مقدمة بسبعين  صفحة  لتوثيق- سرد تاريخي، كتبه  د. على جواد الطاهر، عن صديقه، الشاعر العظيم، اواسط السبعينات الماضية، موسوم بـ " من المولد حتى  النشر في الجرائد". وبعده تعريف موجز عن الطبعة، ونثرية الشاعر الشهيرة" على قارعة الطريق" توالت القصائد تترى.  وفي الاجزاء الثلاثة اللاحقة: الثاني وصدر عام 1980 والثالث عام 1981 واالرابع عام 1982 استمر حصر جميع القصائد وترتبيها، منذ  عام 1921 وحتى عام 1980.
     اما الجزء الخامس- الأخير، فقد شمل، وفق للمنشور على  صفحة الغلاف:  (الرباعيات- المرسلات- الملحقات- الفهارس) .. وجاءت الفهارس المشار لها اربعة: اولها ثبتٌ اضافي، بحسب التسلسل الزمني لقصائد الديوان العامر. وثانيها: فهرس الاعلام الواردة اسماؤهم في القصائد ، والثالث للأماكن التي تم ذكرها في الديوان.اما الفهرس الرابع، والاخير، فهو حصر وتوثيق بأسماء "الاقوام والجماعات والأسر" التي اشار لها الجواهري، وعنها، في اشعاره..
    لقد جاءت الطبعة الفريدة التي نعنى بها في هذه الكتابة بـثلاثة الاف صفحة من القطع المتوسط، وبالحرف الصغير(نسبيا) وتوزعت على خمسة اجزاء كما سبق القول. اما اساسها فهي طبعة بغداد في السبعينات الماضية، ذات السبعة اجزاء، مع اضافات لبعض قصائد وشروح لأخرى، وتشكيل وتدقيق وتصحيح.
    أخيرا وفي ختام هذا التعريف الموجز تجدر الاشارة ايضا الى ان ما يزيد من اهمية هذه الطبعة الدمشقية الفريدة، فضلا عن تميّزها بالتسلسل الابجدي، هو ان الجواهري اطلع على مسودات ما قبل النشر، وتدخل هنا وهناك مضيفا وموضحا، وربما حاذفا ايضا !! . وقد عني بالاشراف على اصدار الديوان، بأجزائه الخمسة، وفهرساته: د. عدنان درويش. وهي طبعة نافذة من الاسواق منذ اكثرمن ثلاثة عقود على ما تابعنا ذلك، وكانت بخمسة الاف نسخة وفقا للمثبت على الصفحة الاخيرة من المجموعة.
------------------------------------------------* رواء الجصاني- تشرين الثاني 2020

34
سفيرة العراق لدى تشيكيـا في حديث عن مؤتمر
حوار الثقافات والاديان، واهميته في إثراء مجتمعات المستقبل
* د. عدنان الاعسـم - براغ
----------------------------------------------------------------
 برعاية وزارة الخارجية التشيكية أنتظم في براغ مؤتمر "حوار الثقافات والاديان" بنسخته السنوية الخامسة، وكان هذه المرة عبر الانترنيت بسبب الظروف الصحية والتقييدية المعروفة، التي حتمتها أزمة فايروس كورونا ( COVID-19) .. ولمزيد من القاء الضوء على هذه الفعالية التي شهدت اهتماما واسعا من جهة الرأي العام، ووسائل الاعلام، وعموم المعنيين بهذا الشأن الذي أثبت تعاظم دوره عالميا، لكبح جماح التطرف والتشدد وتبادل الاتهامات التي تؤلب، وتحرض وتقود الى احداث مأساوية في مدن وعواصم مختلفة، ومنها خلال الايام القليلة الماضية ما وقع في كل من نيس الفرنسية، والعاصمة النمساوية – فيينا .. في التالي حوار شمل تساؤلات وأسئلة، واجابات حول المؤتمر مع سفيرة العراق لدى تشيكيا، سندس عمر علي البيرقدار، والتي تشغل في ذات الوقت مهمة رئاسة مجموعة سفراء الدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي المعتمدين لدى براغ( OICPG) التي شاركت في الاعداد والتهيئة لهذا لمؤتمر الحواري الدولي : 

1- عن اهمية انعقاد المؤتمر في
 هذا التوقيت، قالت سفيرة العراق:
     منذ ستينيات القرن الماضي وحوار الثقافات والاديان تزداد اهميته في المجتمع. واليوم جميع دول العالم تواجه ازمة تتمثل في تفشي وباء COVID-19 الذي أثر على جميع الشعوب والثقافات والاديان. وفي اوقات الازمات والشدة يلجــــأ الناس الى الدين الذي يهتم بالانسانية ورفاهيتها. نحن نعيش في قرية عالمية متعــــددة الاديان والثقافات، وعلينا ان نقــف معاً في تكاتـــف وتضامن لمواجهة تفشي  الوباء.... ويمكن أن يكون حوار الثقافات والأديان عاملا في التماسك الاجتماعي في مواجهة المعركة ضد الفايروس، كانسانية واحدة في مجتمع عالمي واحد. كما اثارت الازمة دفع حقوق الانسان الى صلب الجائحة وضرورة العيش في كرامة والحصول على خدمات الرعاية الصحية واللقاحات للجميع وبدون تمييز.
 
2- وفي تقييمها للمشاركات عموما ..
والعربية والعراقية خصوصاً، اجابت السفيرة البيرقدار بالقول:
   نحن فخورون بمشاركة العراق وفلسطين لأول مرة في المؤتمر، حيث شارك سفير دولة فلسطين لدى المملكة المتحدة حسام زملط، وكان من المفروض ايضاً مشاركة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتورة حنان عشراوي في الجلسة الافتتاحية، ولكن - و لسوء الحظ - لم تتمكن من ذلك بسبب أصابتها بوباء  COVID-19 وقد قمت بالقاء كلمتها نيابةً عنها... كما  شارك الأكاديمي والباحث السيد حيدر الخوئي، مدير العلاقات الخارجية لـ (معهد الخوئي) في محافظة النجف الاشرف، بالاضافة الى ذلك مشاركة السيدة عزة كرم من منظمة الأديان من أجل السلام الدولية، وكذلك مركز الملك عبد الله العالمي للحوار في فيينا (KAICIID).
     وتابعت البيرقدار : اننا محظوظون هذه السنة بمشاركة مجموعة واسعة من المختصين والاكاديميين من الجامعات والمؤسسات الرائدة في العالم، ومنظمات المجتمع المدني، ومن دول منظمة التعاون الإسلامي )العراق وفلسطين وتركيا( ومن مقر منظمة التعاون الإسلامي في جدة. وكان لنا الشرف بدعوة الأمين العام التاسع لمنظمة المؤتمر الإسلامي البروفيسور إحسان أوغلو. كما كان هناك موسيقى من العالم الإسلامي ادتها "فرقة الحضارات" التركية المتكونة من أشخاص ذي خلفيات وديانات مختلفة، في فقرة تضامن للتخفيف من التأثير السلبي للوباء على روح ومعنويات المشاركين..  وقد استمعنا ايضا  الى اناشيد بلغات متعددة، ومن أجملها في مدح الرسول محمد (ص). وقد كانت تلك المشاركة بمبادرة واهتمام السفير التركي لدى تشيكيا، اكيرمن باغيس ..

3- وللمزيد من التفاصيل عن المؤتمر،
 ورأيها بنتائجه أوضحت السفيرة العراقية:
   في الايام القادمة سيتوفر لدينا تسجيل فديو للمؤتمر وسينشر على مواقع عديدة للاطلاع على النقاشات التي دارت فيه ومتابعتها، والعمل على تطبيقها على ارض الواقع وتحقيق الهدف المنشود... واضافت : ان الاعتقاد السائد بان الدين هو علاقة بين الشخص وربه، ولكنه ايضا علاقة بين الناس داخل المجتمع وارتباطهم مع بعض. ان الترابط بين هذه المعتقدات من خلال الحوار والاحترام، يمكننا من توسيع هذا المجتمع ليشمل جميع الناس من جميع المعتقدات. وما أجمل ماشبهته الدكتورة حنان عشراوي في كلمتها "ان النسيج البشري الملون من المعتقدات والثقافات والخلفيات المتعددة هي مصدر إلهام، وهذه التعددية والتنوع هي قوة". ويجب ان يلعب التعليم والاعلام دوراً مهماً في احترام الاديان وتفهم الثقافات والتنوع الذي هو مصدر ثراء للمجتمع.

4- اما عن  الاهتمام التشيكي، باعتبار براغ هي
التي استضافت المؤتمر، قالت السفيرة البيرقدار: 
      ان هذه السنة الخامسة التي يعقد فيها المؤتمر، وهذا يدل على اهتمام الحكومة التشيكية وحرصها على تنظيم مؤتمر حوار الثقافات والاديان (والذي عقد لأول مرة في 2016) . ويفتتح المؤتمر تقليديا من قبل وزير الخارجية التشيكي. كما ان مجموعة سفراء الدول الاعضاء في منظمة التعاون الاسلامي المعتمدين لدى براغ OICPG  والتي أترأسها حالياً للسنة الثانية، هي شريك استراتيجي لوزارة الخارجية في تنظيم هذه الفعالية، بالاضافة الى معهد العلاقات الخارجية، ومؤسسة( Anna Lindh).. وقد  لقيت الفعالية  اهتماماً واسعاً من قبل الاوساط الحكومية والاكاديمية والدبلوماسية والإعلامية.

5- اخيرا، وعن التصورات بالحاجة لمزيد من مثل
هذه الندوات والمؤتمرات، اكدت سفيرة العراق:
   ان الحوار شيء اساسي في حياتنا، وان لغة الحوار اثبتت نجاحها واهميتها في مختلف المجالات. وهناك حاجة دائمة للمزيد منها  بين المجتمعات والشعوب والثقافات المختلفة والاديان المتعددة، لنتفهم بعضنا البعض ونعيش باستقرار وانسجام ووئام... ولقد اثبتت التجارب، انه لا يوجد دين او شعب لوحده يمكنه التغلب على الازمات التي يواجهها العالم، ويجب التضامن والوقوف معاً، خصوصاً في ظل الظروف الحالية المتمثلة بتحديات COVID-19.
  وتابعت السفيرة اجابتها : ان الاحترام هو "المفتاح".. نحن بحاجة إلى تعلم احترام الاختلافات، وإنها ليست منافسة. يجب التسامح واحترام ديانات الآخرين، والعمل على معالجة ظاهرة الاصوليين والمتعصبين، من أجل بناء مجتمع أوسع وأكثر شمولاً ثري بالديانات والثقافات المتعددة. إن الايذاء المتعمد والاستفزاز لشعور مجموعة من الناس هو خطاب يحض على الكراهية، وليس حرية التعبير. إن تأثير خطاب الكراهية خطير وبعيد المدى في المجتمع، ولهذا يجب أن يلعب التعليم والإعلام دورًا مهمًا في معالجة هذه الامور والتثقيف حول الفارق بين حرية التعبير وخطاب الكراهية والتركيز على احترام الاديان.

-------------------- مع تحيات بابيلون للثقافة والاعلام / براغ --------------------



35
الجواهــري  في سنوات السبعين
 (1970-1979)
مابين السيـرة والذكريــات (2/2)
-   رواء الجصاني
-----------------------------------------------
    في مؤلف اسماه (ذكرياتي) وصدر في دمشق الشام بجزأين، عامي 1989 و1990 ، وثــق محمد مهدي الجواهري المعروف، والمعرف، بشاعر العرب الاكبر (1899-1997) مواجيز ومحطات عن بعض سيرة حياته المديدة: الشعرية والسياسية والاجتماعية والانسانية، من الولادة وحتى عام 1969 وعلى اساس ان يصدر لاحقا جزء ثالث ليغطى السنوات اللاحقة.. ولكن ذلك لم يحدث وحتى رحيله في دمشق بتاريخ 1997.7.27 . بل ولم يعمل – الجواهري- بذلك الاتجاه اصلا، لاسباب ودوافع يطول ويعرض التكهن والتوثيق بشأنها.
  ولأن الحال هكذا، شئنا في هذا التوثيق والبحث ان نساهم في المسعى على طريق تارخة الفترة من 1969 حين توقف الجواهري عن سرد ذكرياته ذات الجزأين المشار لهما اعلاه، وحتى تاريخ الرحيل في تموز / يوليو 1997 وبخلاصات ومحطات موجزة كما نظن، اذ ثمة في تلك الفترة المعنية، اي ما يقارب ثلاثة عقود، الكثير الكثير الذي يتطلب  التوقف عنده وخاصة انها – اي العقود الثلاثة- شهدت احداثا ووقائع، بل وعواصف، عراقية وعربية ودولية، عاشها الجواهرى، وعايشها عن قرب، بل وفي صميم الصميم، ولا نبالغ. وسواء كان ذلك بالموقف او الشعر او الرؤى، ما طفح منها، وما خفي وربما كان أعظــم..
   ---------------------------------------------  وفي التالي القسم الثاني والاخير :
 
7/ جائزة اللوتس.. وقصيدة !
     من قصائد الجواهري السبعينية المتميزة  دالية " أرحْ عن صدركَ الزبدا" التي القى قسما منها بمدينة النجف العراقية، عام 1975 في حفل مهيب اقامته له هناك الرابطة الادبية، بمناسبة منحه جائزة( لوتس) من اتحاد كتاب اسيا- افريقيا، ومقره القاهرة آنذاك (*) . وقد كان حضور الاحتفاء بالشاعر لافتاً، لم تشهد له مثيلا، لسنوات وسنوات، بحسب مشاركين  ومتابعين.. وفي فترة لاحقة، اضاف الشاعر  لقصيدته أبيات أخريات ، ليتجاوز العدد مئة بيت وبيت، وتكتمل فتنشرها مجلة "الديار" اللبنانية في آذار/ مارس 1976  وقدمت لها: " في هذه القصيدة نرى الشاعر ينتقد عصره المليء بالزيف والخداع، وهو يسمو متعالياً بكبرياء الشاعر. ناهيك عن كبرياء محمد مهدي الجواهري. انها ضرب من الطموح الى تجاوز النفس والآخرين، في محاولة اختراق للمستحيل..".
   ولعل أول ما تجدر الاشارة اليه ان الجواهري القى القصيدة المعنية في مدينته – النجف، التي يزورها لأول مرة بعد أزيد من اربعة عشر عاماً، على الاقل. فقد رحل الى المغترب البراغي منذ العام 1961 ولم يعد الى بلاده حتى اواخر العام 1968.  وكما يظهر من من ابيات القصيدة ، فأن كل الحوار والمخاطبة فيها كان مع الذات، وهي طريقة طالما لجأ اليها الجواهري في قصائد عديدة، ليوصل الفكرة وبـيت القصيد، بل لنقل ابياته.. وجاء المطلع:
أزحْ عن صدرك الزبدا ، ودعه يبث ما وَجدا ...
ولا تكبت فمن حقب ذممتَ الصبر والجلدا
أأنت تخاف من أحدٍ، أأنت مصانعٌ أحدا ؟!
أتخشى الناس، أشجعهم يخافك مغضباً حردا
ولا يعلوك خيرهم ، ولست بخيرهم أبدا
ولكن كاشف نفساً ، تقيمُ بنفسها الأودا ...
  وفي اطار استعراضه لبعض سيرته ومساره الوطني والشعري، يوحي ويشي الجواهري لغير العارفين به، الى ما كان متاحاً امامه، من فرص ومجالات، عافها اختيارا، ليستبدلها بالتمرد، والثورة: الشخصية والاجتماعية والثقافية والسياسية، جمعاً متشابكــاً يصعب التمييــز فيه، مؤكداً " تركتَ وراءك الدنيا، وزخرفها وما وعدا / ورحت وانت ذو سعة ، تجيع الآهل والولدا".
   وعن رؤاه وفلسفته ونهجه في الحياة، يوثق الجواهري شعرا: قيماً ومفاهيم راسخة، معتزاً بها، ثابتاً عليها، عزوفاً عن تغييرها برغم ما أودت به، وما تأذى بسببها .. كما يوضح في ذات الآن، وبكل صراحة وأقتناع، تناقضاته التي" تميّـز" بها:
ظللتَ تصارع الأسدا، تريد المجد والصفدا
وتطمعُ تجمع القمرين فخرهما اذا أنفردا...
عجيبٌ أمرك الرجراج لا جنفاً ولا صددا
تضيق بعيشة رغدٍ، وتهوى العيشة الرغدا..
وتخشى الزهدَ تعشقهُ، وتعشق كل من زهدا
ولا تقوى مصامدةً، وتعبدُ كل من صمدا
ويدنو مطمحٌ عجبٌ، فتطلب مطمحاً بَعدا
     ثم يعود الشاعر تالياً، وفي مقطع أو ابيات لاحقة، فيشير ويصف الذين عانى منهم، متصديا لتطاولهم، وخاصة في سنوات ما بعد عودته من مغتربه، براغ، ذي الاعوام السبعة. وهو – اي الجواهري هنا – يستكمل ما عاناه منهم، ومن عناهم في قصائد سابقة، وخاصة قصيدته الشهيرة ( ياآبن الفراتين) عام 1969:
أزحْ عن صدرك الزبدا، وهلهل مشرقا غردا
وخلْ "البومَ" ناعبة ، تقيء الحقد والحسدا
مخنثةً فان ولدت ، على "سقط" فلن تلدا…
ألا انبيكَ عن نكد ٍ، تُهوّن عنده النكدا
بمجتمع تثير به، ذئاب الغابة الأسدا…
خفافيش تبص دجىً، وتشكو السحرة الرمدا
ويعمي الضوء مقلتها، فتضرب حوله رصدا…
  وبعد ذلكم التمهيد تحـلّ المواجهة، ويروح الشاعر يشخص تحديدا، واحدا أو أكثر، وإن اراد التعميم، وثمة تكهنات – بل وربما معلومات مؤكدة- عن أولئك، ولكن لن نشير لهم هنا، مسايرةً لترفع الجواهري عن ذكـر الاسماء المهجوين، وتلك هي حالة ثابتة عامة عنده، في كل قصائده مع أستثنائين أو ثلاثة .
وصلف ٍ مبرق ختلاً ، فان يـرَ نُهزةَ رعدا
يزورك جنح داجية ، يُزير الشوق والكمدا
فان آدتك جانحة، اعان عليك واطردا ..
وآخر يشتم الجمهور، لفَّ عليك واحتشدا...
يعدُّ الشعر أعذبه، اذا لم يجتذب احدا..
  وعلى طريق توثيق سيرته الذاتية ايضا، ترميزاً وشعرا، يروح الشاعر مفتخراً بمحطات من مواقفه الوطنية، ومواقفه أثناء التحركات الجماهيرية عام 1948 التي أصطلحَ عليها بـ"وثبة كانون" واستشهد فيها شقيقه الاصغر، جعفر الجواهري . كما يستطرد ليشيع مفاهيمه في تجاوز الصغار، فيخاطب نفسه، ويستثيرها: ..
أبا "الوثبات" ما تركتْ ، بجرد الخيل مطردا
يضجُ الرافدان ، بها، ويحكي "النيلُ" عن "بردى"
ويهتف مشرق الدنيا، بمغربها اذا قصدا:
ترفعْ فوق هامهمُ، وطـرْ عن ارضهم صعدا
ودع فرسان "مطحنة" خواء تفرغ الصددا...
   ويعود الجواهري في مقطع تالٍ، فيذكر من جديد بانتقاده، بل وغضبه العارم،  على تلك الجهة المقصودة، ومنها – كما اسلفنا- اشخاص محددون من الشعراء والادباء والنقاد، فيشكو منهم، معتمراَ الصراحة والوضوح، ويكشف عنهم، ويحرض ضد مواقفهم ودروبهم، وابتعادهم عن الانتصار للحقوق والواجبات، ويقيس ذلك على نفسه، فاللغة العربية أنتهكت، وهي أم الضاد، وكذلك "ربّ الضاد" زاعما بأنه يمثله (**)..
وغافين ابتنوا طنباً، ثووا في ظله عمدا
رضوا بالعلم مرتفقاً ، وبالاداب متسدا…
يرون الحق مهتضَماً، وقول الحق مضطهدا
وام "الضاد" قد هتكتْ، وربُّ "الضاد" قد جُلدا
ولا يعنون - ما سلموا - بأية طعنة نفدا
بهم عوزٌ إلى مددٍ ، وانت تريدهم مددا…
 
8/ في المَقامة اليونانيــة
   ما بين براغ التي أطالت الشوط من عمره... وبغداد "دجلة الخير" والأزمات والمرارة في آن، حطّ الجواهري ركابه في النصف الثاني من السبعينات الماضية، في أثينا، مستأجراً "شقيّقةً" متواضعة دون حدود، ولكن أهم ما عندها من مغريات وقوعها على ساحل البحر مباشرة، وذلك الأحب عنده، وهو التوّاق والطامح لمزيد من الإيحاء، كما في لاميته عام 1977 وجاء مطلعها:
سجا البحر وانداحت ضفافٌ ندية ولوح رضراض الحصى والجنادلِ
وفكت عرى عن موجة لصق موجة تماسك فيما بينها كالسلاسل...
وما حمل "الاصباح" شرقاً إلى الضحى من الورق النَديان أشهى الرسائل
  وفي "مَقامة" الجواهري اليونانية نؤشر إلى ان وجوده  في أثينا لم يكن إلا لفترات قصيرة ومتقطعة، اغتراباً عن الأحداث، وركوناً إلى النفس، وتمعناً في ما يمتليء به فكر الشاعر: فلسفة في الحياة ووقائعها، والمشاغل الانسانية العامة . ثم انقطع أمـد تلك الإقامة لأسباب مالية، ليس إلا، إذ لم يستطع شاعر الأمة العراقية أن يوفر إيجار الشقة الزهيد، بينما كانت البلاد تتراكم فيها ثروات الفورة النفطية آنذاك، والبقية معروفة على ما نظن...

 9/ اول طبعة "شبه" كاملة للديوان

  شهدت سنوات السبعين الماضية، ولأول، صدور المجموعة "شبه" الكاملة لديوانه، بسبعة أجزاء تعدت (2650) صفحة من القطع الكبير، وبإشراف نخبة مـن رجـالات الأدب واللغة: د. مهدي المخزومي، ود. علي جواد الطاهر، ود. ابراهيم السامرائي، وأ. رشيد بكتاش. وكان حريصا على مراجعة مسوداتها بشكل دؤوب، وحريص كما تشهد بذلك مراسلاته الى اللجنة المشرفة على الديوان الذي صدر الجزء السابع، والاخير منه عام 1980  وقد اصبحت تلك الطبعة مرجعا لاحقا لطبعة دمشق ذات الاجزاء الخمسة، في الثمانينات، وطبعة بيروت، الاكثر شمولية عام 2000... ولعل من المفيد ان نشير الى ان  الفترة (1969-1979) صدرت للجواهري عدة مجاميع شعرية من أهمها:
1-  الجزء الثاني من المجموعة الشعرية الكاملة – دار الطليعة / بيروت- 1969 وكان الجزء الأول من تلك الطبعة قد صدر عن الدار ذاتها عام 1968.
2- بريد العــودة – مجموعة من قصائد الجواهري- مطبعة دار المعارف / بغداد 1969.
3- ايها الأرق: - قصيدة طويلــة نشرتها وزارة الاعلام العراقية- مطبعة الأديب / بغداد- 1971.
4- خلجـات: مجموعة من أشعار الجواهري عن وزارة الاعلام- مطبعة الأديب بغداد – 1971.

10/ زيارتان الى الكويت والامارات
    في كانون الاول/ يناير 1979 يتوجه الجواهري لزيارة الكويت، وبرفقته زوجته آمنة،   تلبية لدعوة ثقافية، شمل برنامجها امسية حاشدة القى فيها مختارات من شعره القديم / الجديد، وافتتحه بابيات تحية للمضيفين. كما غطى الزيارة تلفزيون الكويت والعديد من وسائل الاعلام الاخرى، ومن بينها صحيفة القبس التي كتبت  في العدد 2409 الصادر في 1 شباط/ فبراير 1979 عن الأمسية تقول: "قبل حضور الجواهري الى الكويت كنا نتساءل: هل فقد الشعر جمهوره؟ وبعد أمسية ابن الفرات وأبي فرات" تبين ان الجمهور كان موجوداً.. لكن الشعر كان غائباً". وأضافت "القبس": "قاعة رابطة الأدباء التي قلما تمتليء مقاعدها، اكتظت أمس حتى البهو الخارجي، وكان عدد الواقفين يتعادل مع عدد الجالسين"  ترفرف فوق رؤوسهم جميعاً هيبة الشعر الأصيل، التي تجسدها شاعرية فذة أعادت أجواء عظمة الشعر العباسي في العهد الذهبي للحرف المنغم".
    وقدم الجواهري في الامسية، رئيس "رابطة الأدباء" أحمد السقاف بكلمة جاء  فيها: "لعلكم توافقونني الرأي أن الشاعر العربي الكبير "محمد مهدي الجواهري" غني عن التعريف، فشهرته العربية والعالمية قد فاقت الآفاق، وجهاده الصلب في سبيل أمته العربية جعله يحتل مكانة خاصة في قلوب الملايين من أبناء هذه الأمة". وأضاف: "لقد عرف الجواهري شاعراً ثائراً على الاستعمار وعلى الظلم والاضطهاد، ولقد وقف بصدق الى جانب الشعوب المناضلة في سبيل الحرية والعدالة، فكان، بذلك، صوتاً حراً جريئاً ترتجف له قلوب المستعمرين. لقد حفظ الشباب قصائد الجواهري، وتغنوا بها في مسيراتهم الوطنية، لكونها شعراً أصيلاً يمجد التضحية والفداء في سبيل الوطن، ويرفض الخنوع والذل والاستسلام. ان الجواهري زوبعة في دنيا الشعر، لا تضاهيها إلا زوبعة الشعر العباسي".
     وفي عام 1979 ايضا  يلبي الجواهري دعوة الى (ابو ظبي) من وزارة الاعلام والثقافة في دولة الامارات، ورافقه فيها نجله البكر: فرات، ليلقى هناك وامام حضور كثيف، نوعا وكما، مقاطع عديدة من اشعاره، وافتتحها بقصيدة جديدة  عنوانها "أفتيان الخليــج"  شملـت الكثير من المواقف والرؤى السياسية حول العديد من القضايا الساخنة التي كانت تسود المنطقة العربية في ذلكم الوقت. وكان مطلعها : أعيذك ان يعاصيك القصيدُ، وان ينبو على فمك النشيــد.. وان تعرو لسانكَ تمتماتٌ وان يتفرط العقد الفريــدُ".
   
11/ عشيّة العودة للأغتراب عن العراق
      في اواخر عقد السبعينات الماضية تزداد الاوضاع الداخلية في العراق ضراوة في ظل النظام الشمولي لحزب البعث، وينتشر العنف والارهاب ليطال الالاف (ومن بينهم بنت الجواهري – خيال، التي احتجزت لعدة ساعات في مقر أمني، ونجلـه – كفاح، الذى اعتقل وعذب على مدى اسابيع، في النصف الاول من عام 1979) . ويتنبئ الشاعر بأن القادم اسوأ، وذلك ما حصل بالفعل في السنوات اللاحقة ... وهكذا يقرر الجواهري الاغتراب، موقفَ غضب  ولو صامتا، ولم يكن مطلع العام 1980 يحلّ حتى يشد الرحال الى  براغ مجددا، وهو الاخير عن العراق، وحتى رحيله الى الخلود في دمشق الشام بتاريخ 1997.7.27..
(انتهى هذا التوثيق لبعض محطات الجواهري في السبعينات، ويليه: في الثمانينات والتسعينات)
* المصادر والاحالات ----------------------------------------------------
1/ اجزاء ديوان الجواهري / بيروت 2000 عن دار بيسان .
2/ كتاب (اصداء وظلال السبعينات ) لرواء الجصاني/ براغ 2001 عن دار بابيلون .
3/ كتاب ( الجواهري .. قصائــد وتاريخ ومواقف) لكفاح الجواهري  ورواء الجصاني/ دمشق عام 2012 عن دار سندبـــاد .
4/ كتاب ( الجواهري بعيون حميمة) لرواء الجصاني/ عام 2016 عن مركز الجواهري- براغ.
5/ معايشات واحاديث، وشهادات شخصية للكاتب في بغداد وبراغ ودمشق .
(*) جائزة "لوتس" السنوية الدولية للآداب، اطلقها اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا عام 1969 وممن مُنحت لهم ايضا، من العرب: الكاتب المصري: يوسف السباعي، والروائي الفلسطيني: غسان كنفاني.
(**) لربما كان الجواهري يريد ان يشير هنا الى ما أطلقه عليه الشاعر العراقي البارز، معروف الرصافي، من لقب أفخـم، حين كتب له عام 1941: "أقولُ لربّ الشعرِ (مهدي الجواهري) .. الى كم تناغي بالقوافي السواحرِ".

36
الجواهــري  في سنوات السبعين
 (1970-1979)
مابين السيـرة والذكريــات (1/2)
-   رواء الجصاني
-------------------------------------------------------
    في مؤلف صدر في دمشق بجزأين، عامي 1989 و1990  وبعنوان (ذكرياتي) وثــق محمد مهدي الجواهري المعروف، والمعرف، بشاعر العرب الاكبر (1899-1997) مواجيز ومحطات عن بعض سيرة حياته المديدة: الشعرية والسياسية والاجتماعية والانسانية، من الولادة وحتى عام 1969 وعلى اساس ان يصدر لاحقا جزء ثالث ليغطى السنوات اللاحقة.. ولكن ذلك لم يحدث وحتى رحيله في دمشق بتاريخ 1997.7.27 .. بل ولم يعمل – الجواهري- بذلك الاتجاه اصلا، لاسباب ودوافع يطول ويعرض التكهن والتوثيق بشأنها.
  ولأن الحال هكذا، شئنا في هذا التوثيق والبحث ان نساهم في المسعى على طريق تارخة الفترة من 1969 حين توقف الجواهري عن سرد ذكرياته ذات الجزأين المشار لهما اعلاه، وحتى تاريخ الرحيل في تموز / يوليو 1997 وبخلاصات ومحطات موجزة كما نظن، اذ ثمة في تلك الفترة المعنية، اي ما يقارب ثلاثة عقود، الكثير الكثير الذي يتطلب  التوقف عنده وخاصة انها – اي العقود الثلاثة-  شهدت احداثا ووقائع، بل وعواصف، عراقية وعربية ودولية، عاشها الجواهرى، وعايشها عن قرب، بل وفي صميم الصميم، ولا نبالغ. وسواء كان ذلك بالموقف او الشعر او الرؤى، ما طفح منها، وما خفي وربما كان أعظم..
   وقبيل الدخول في الحقبة السبعينية، ثمة ما يجب التوثيق له عن الجواهري في عام 1969 ما بين السياسة والشعر، وبحسب الديوان العامر، قصيدته الدالية، ومطلعها "ياآبن الفراتيّن قد أصغى لك البلدُ، زعما بأنك فيه الصادح الغردُ" التي القى قسما منها في مهرجان الشعر ببغداد في نيسان/ ابريل، وهو اول فعالية مهمة يشارك فيها بعد عودته الى بغداد من مغتربه البراغي، اواخر عام 1968 . وقد جاءت  "أبيات القصيد"  لتتداول وتوثق، وتصول وتجول،  حول شؤون عديدة مثل الموقف من الشعر العمودي، والرد بقسوة على شخصيات حاولت ان تطال من قمته آنذاك – اي الجواهري- بحسب رأيه. كما شملت ابياتها مواقف ورؤى سياسية عامة، فضلا عن تأرخة لبعض المحطات التاريخية .. 
   
1/ شؤون وطنية وسياسية
تميّزت سبعينات القرن العشرين ، وهي سبعينات الجواهري في آن، بأحداث جمة ذات صلة مباشرة بالشاعر والوطن... فقبيل ابتداء ذلك العقد "التاريخي" بفترة وجيزة، كانت العودة إلى البلاد بعد سبعة أعوام من الغربة... وبعيّد انتهاء العقد ذاته، وبأسابيع قليلة، عاد الجواهري إلى الاغتراب مرة تالية وأخيرة.. وقد استمر الشاعر في تلك السنوات العشر، كما في عقود حياته السابقة في تبني الانحياز الى الناس في تطلعاتهم وعطاءاتهم من اجل العيش الكريم والحرية والارتقاء، ضد التخلف والعسف والظلم الاجتماعي والسياسي.. 
ومثلما تفاءل كثير من أبناء البلاد وشخصياتها الثقافية والسياسية، وغيرها، في السبعينات الماضية، ومطلعها، ونصفها الاول خصوصاً، تفاءل الجواهري بأن يشهد العراق استقراراً ونهوضاً، يريح  فيه الركاب "من أين ومن عثر" بعد "جيلين" من المتاعب والأخطار والتضحيات... ولكن ذلك التفاؤل سرعان ما خبت جذوته، فأخذ الشاعر ينبه من بوادر انهيار البلاد وسيادة الظلام والحروب والعنف، واستمر محذراً دون أن ينجح في أن يسمع حيا .
  أن التأرخة للجواهري، وعنه، في تلك السنوات السبعينية ذات تفاصيل واسعة، ومتشابكة شعريا ووطنيا وما بينهما لحدود كبيرة، ولا شك بأن انجاز ذلك  يتطلب المزيد من الدقة والتوثيق، وسواء لما ورد في قصيده، او ما عبر عنه في اللقاءات والحوارات، الى جانب مايمكن ان يدلي به معاصرون أمينون، وبعض أهل بيته الذين واكبوا وعايشوا تلك الفترة. ومن هنا سنتمهل في التوثيق لهذه الجوانب - حاليا على الاقل- مع بعض اشارات موجزة تبين ولو بحدود ما، شيئا عما قد  يفيد في القاء الضوء عن مواقف الشاعر الخالد، عن العراق السياسي في السبعينينات. ولعل من ابرز ما يؤرخ لذلك قصائد الشاعر ذاتها، ومنها:
1/ قصيدة "طيف تحدر .. يوم الشمال.. يوم السلام" في آذار / مارس 1970 بمناسبة  الاعلان على " احلال السلام في ربوع كردستان، واقرار الحقوق القومية للشعب الكردي في العراق، وفي المقدمة منها الحكم الذاتي" بحسب ديوان الجواهري..
2/ قصيدة "تحية الى وفود المشرقين" والقاها نهاية اذار/ مارس 1974 بمناسبة انعقاد مؤتمر عالمي ببغداد، رعته منظمة تضامن الشعوب الافرو- اسيوية.
2/ قصيدة "يوم التأميم" التي نظمها الجواهري بمناسبة تأميم النفط في العراق خلال حزيران/ يونيو 1972.
3/ قصيدة "أبا الشعر.. تغنّ بتموز " السياسية الداعية الى وحدة الصفوف، وتجاوز الخلافات من اجل بناء الوطن وسعادة ابنائه، ونشرت بتاريخ 1978.7.22.
4/ قصيدة "دمشق.. جبهة المجد"  القاها خلال زيارته دمشق اواخر العام 1978 دمشق وكان قد صدر في تلك الفترة اعلان الميثاق الوحدوي العراقي- السوري.

2/ بــراغ تنافس بغداد 
لم يرح الجواهري ركابه، كما وعد في قصيـدة العودة الى العراق عام 1969 وبقي حتى سنوات عشر تالية يروح لبغداد  ويعود الى منها براغ  حيث شقته – او شقيّقته كما كان يصطلح عليها – والى اجوائه الخاصة التي تعود عليها وألفها منذ عام 1961. وفي ضوء تلك الاقامة في العاصمتين العراقية والتشيكية، كان الجواهري مطمئناً ومسروراً، حيث البديل قائم وان تعددت واختلفت الظروف. وبقيّ يحسب الحساب لهذا الواقع بكل جدية. وقد بذل منتهى الحرص لتجاوز أي اجراء او قصور قد يؤدي لفقدانه مثل ذلك الامتياز، أي حق الاقامة الدائمة في براغ.
كان البرنامج اليومي لحياة الجواهري في مستقره البراغي خلال عقد السبعينات تقليدياً الى حدود بعيدة. ومن بعضه اعداد طعامه بشكل شخصي والتمشي، وسماع الاخبار من الاذاعات المختلفة، دون التلفزيون الذي لم يكن على ود ٍ معه، على أقل وصف، وطيلة حياته. فضلاً عن القراءة طبعاً، وارتياد مقاه ٍ محددة من أبرزها "سلافيا" المطل على نهر الفلتافا البراغي و"سلوفنسكي دوم"  الذي كتب فيه مملحة "الميني جوب" ومقهى "اوبسني دوم" الذي كان يسميه بـ "الحضرة". وكذلك صالونا فندقي "يالطا" و"الكــرون" الشهيرين في مركز العاصمة. اما وجبات الطعام، وخاصة في فترة الغداء، فكان يتناولها في البيت بشكل عام، وعند الضرورة في المطاعم والحانات الشعبية والبسيطة، ووقوفاً بعض الأحيان... كما كان يشارك حضوراً أو شعراً في عدد من الأمسيات والفعاليات الرسمية أو الاحتفائية العربية والعراقية التي تقام بهذه المناسبة الوطنية او الاجتماعية أو تلك.
ويشير نجاح، النجل الثالث للجواهري، والمقيم في براغ منذ عام 1960 الى ان معارف والده وأصدقاءه المقربين في براغ خلال السبعينات، بعد ان عاد من عاد منهم الى العراق، كانوا محدودين جداً، وفي مقدمتهم الراحل موسى اسد، الذي كان عاشقاً للجواهري شاعراً وانساناً وصديقاً، وعدد من الممثلين السياسيين العراقيين والعرب في مجلة قضايا السلم والاشتراكية واتحاد النقابات العالمي واتحاد الطلاب العالمي والذين كانوا يتغيّرون بين فترة وأخرى وأولهم آرا خاجودور وعادل حبة ونوري عبد الرزاق ومهدي الحافظ. ويضيـــف نجاح: " لقد كان الوالد يميل الى مداراة نفسه بنفسه، ويركن في الغالب الى اصدقاء محدودين، وحتى الى واحد فقط، في بعض الاحيان، وبما ينسجم ومزاجه. وكان يعتمد في تلك الفترة عليّ، وعلى ابن اخته رجاء الجصاني، في انجاز ما لا يستطيع انجازه منفرداً، كمعاملات السفر والترحال ومتطلبات الاقامة وغيرها من الشؤون الشخصية".
واستناداً لاستذكارات الجواهري، فان زيارات وسفرات المثقفين والشعراء والسياسيين العراقيين والعرب، الشخصية والرسمية الى براغ لا تكتمل ما لم "يداهمونني في البيت او المقهى سواء شئت ذلك أم كرهت" حسب تصريحاته. وفي عودة لبعض الارشيف المتوفر نجد العديد مما يوثق اشارات الجواهري بهذا الخصوص، وثمة رسائل وقصائد وشهادات تؤرخ لبعض ذلك. وعلى سبيل المثال تقول الشاعرة لميعة عباس عمارة في ذكريات لها منشورة في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 4/9/1996 " كان آخر لقاء لي مع الجواهري في براغ خلال السبعينات. لم يتغيّر الجواهري، ظل ذلك الرشيق، الأنيق، الوسيم، الظريف، الصعب. وبقيت أنا تلك المعجبة السعيدة لأنها تنفست من هواء غرفة ضمته، وجلست يوماً مجلسه".
ولربما من المناسب هنا، رداً على تقولات البعض من جهة، ولتوثيق الاحداث والوقائع، وذلك هو الأهم، ان نشير الى ان مستقر الجواهري البراغي خلال السبعينات لم يكن سوى شقة اعتيادية الموقع والبناء والأثاث، في منطقة براغ السادسة، حيّ (بيترشيني)  تتكون من غرفتي نوم، وصالون استقبال متواضع، ومطبخ ومرافق صحية، وتقع في عمارة تقليدية، وأثاثها أكثر من بسيط ... ولكن تلك الشقة التي قضى فيها الجواهري زهاء ثلاثة عقود، نظم فيها العديد من قصائده البارزة وحدد فيها مواقفه الأهم. كما ان تلك الشقة الصغيرة المتواضعة – لا غيرها – شهدت لقاءات واستضافات الجواهري لعشرات المفكرين الأدباء والمثقفين والمسؤولين السياسيين والرسميين العراقيين والعرب، وحتى بعض الأجانب.

3/ في رثاء عبد الناصر
في رحاب الشعر شهدت سبعينات القرن العشرين ولادة أزيد من خمسين قصيدة ومقطوعة نظمها الشاعر الكبير في السياسة والفكر والحياة، ومن بين المهم منها،بمناسبة  الذكرى السنوية الاولى لرحيل الزعيم العربي والمصري جمال عبد الناصر التي صادفت عام 1971 ومطلعها: "أكبرت يومك ان يكون رثاءَ / الخالدون عرفتهم احياءَ" القاها في القاهرة ضمن فعالية الاستذكار الخاص بالمناسبة، وهي الزيارة الجواهرية الاولى الى مصر بعد عشرين عاما تماما، شهدت العديد من الخلافات والاختلافات، ومواقف تقييمية، وتضامنية، وغيرها سواء في قصائد شعرية او كتابات ولقاءات وغيرها.. وشملت "ابيات" القصيد في هذه المطولة الجواهرية التي بلغت 132 بيتاً شؤونا عامة وخاصة، ومواقف وأراء عن تاريخ ورواهن سياسية وثقافية، فضلا عما يليق بالمناسبة طبعا..

4/ رئاسة جديدة لاتحاد الادباء.. وخصومات !!
اعيد تشكيل اتحاد الأدباء في العراق عام 1970  وانتخب الجواهري رئيسا للهيئة الادارية التي ضمت الى جانبه شفيق الكمالي وحميد سعيد والفريد سمعان وغانم الدباغ..وكانت رئاسته للاتحاد هذه المرة  بشكل رمزي، مقارنة برئاسته الأولى عام 1959... وقد ترأس  وفود العراق في أكثر من فعالية ثقافية عربية وعالمية ومنها مؤتمر الأدباء والكتاب العرب الثامن (دمشق 1971) والمؤتمر التاسع (تونس 1973) فضلاً عن بعض فعاليات مجلس السلم العالمي الذي كان الجواهري ضمن مؤسسيه في أربعينات القرن العشرين..
ويبدو ان  هذه الوقائع، والمكانة المرموقة اثارت غيظ  عدد من الشعراء  وألادباء العرب والعراقيين، وقد نوه الشاعر الكبير الى تلك المواقف المناوئة، وردّ عليها،  في قصائد ومطولات  ومنها داليته "أزح عن صدرك الزبدا، ودعه يبث ما وجدا" عام 1974 ... ورائيته  "آليت ابرد حر جمري، واديل من أمرٍ بخمرِ" " عام 1975.. وسيرد المزيد عن تينك  القصيدتين لاحقا في هذا التوثيق..
   واذا ما كانت اعلاه ردود الجواهري شعريا على ما رأى بأنه خصام مفتعل، واثارات هنا وهناك، وخاصة حول الحداثة في الشعر، وانتهاء عصر القصيدة الكلاسيكية، فثمة كثير من رؤى ومواقف ثبتها حول الامر من خلال مقابلات ولقاءات اجريت معه، ومنها  حوار اجراه معه سامي مهدي، منشور في العدد الثاني من مجلة المثقف العربي ( حزيران/يونيو لعام 1971) قال فيه – الجواهري- ردا  على سؤال " حول رأيه بواقع الحركة الشعرية في الوطن العربي”:  "يمرّ الشعر العربي في مرحلة حرجة، ذلك ان فراغاً مخيفاً يحدث اليوم، وقد بات من الصعب ان يُملأ الفراغ الذي يتركه الشعراء الذين يشغلون الناس. ومع انني لا أنكر ان هناك أجيالاً تتمخض وتبحث لها عن طريق، الا ان الذي يذهب لا يعوض بسهولة، بخاصة وان العصر يتطور كثيراً وبأسرع مما نلحق به حتى على مستوى الشعر. على ان هذا الفراغ يبدو أكبر في العراق مع انه بلد الشعر، ذلك لأن العبقريات نادرة ويصعب تعويضها بحكم طبيعة الحياة”.
   كما يضيف الجواهري الى اجابته السابقة " وبرغم ما قلته فانني لست متشائماً، ولكنني متألم فحسب، فثمة في العراق من يركض قبل ان يتعلم المشي، وثمة حوارات يضيع فيها الوقت ولا يعلم الناس عم تدور. اما بالنسبة لي فاني ان ذهبت سأترك فراغاً كبيراً لن يعوض الى أمد طويل جدا. أقول هذا وأنا زاهد في الدنيا. وأما بالنسبة لحركة الشعر الحر فانها وبدون ظلم للحقيقة، لن تسدّ الفراغ، وذلك لعدم تبلورها. ان الموجود والمستمر من هذه الحركة أثبت انه لا يسد فراغاً. ومقياسنا في ذلك ان الشعر الحـر لم يدخل البيوت بعد ولم يُستشهد به. بمعنى انه لم يتخذ له بعد مكانة الشعر. واما بالنسبة للحركة التالية فهي أقل تبلوراً من سابقتها ولا يصح الحكم عليها منذ الآن".

5/ اول بيت غـير مؤجــر !
وعلى الصعيد الشخصي، يمكن أن نشير الى  أن شاعر الوطن قد امتلك – لأول مرة في حياته - وهو في سبعينات العمر داراً بناها بالاقتراض في حي القادسية بكرخ بغداد، حصل على ارضها من نقابة الصحفيين العراقيين أسوة بعديد اخر من منتسبي النقابة.. وقد انجز بشكل متواضع تشييد البيت أواخر العام 1971 وغُطيت نفقات البناء بين تمويل ذاتي، وقروض، وديون شخصية. وهو  بيت تقليدي يضم ثلاث غرف نوم، وغرفة استقبال وأخرى للجلوس، مع المرافق الضرورية... وقد شهد – اليت ذاته- طوال عقد السبعينات الماضية أحداثاً ووقائع وتفاصيل متشابكة لمديات بعيدة في الشؤون والشجون الوطنية والثقافية والشعرية وما إليها، وما بينها.
    وبحسب ما ندري بيقين، فأن ذلكم البيت، هو الأول والأخير، والوحيد الذي  تملّكه الجواهري، ملكاً صرفاً بعد ترحال وإقامة واغتراب، وتغرب، وهو لا يحمل معه غير "منقار وأجنحة" على مدى نصف قرن... وفي ليالي ذلك البيت، ونهاراته، أينعت عبقريته قصائد ومطولات عديدة،  ومنها الانساني، والوطني والاجتماعي والعائلي، ولافكاك بينها من التداخل والتلازم مع الهموم والانشغالات الفكرية والسياسية والاجتماعية وما إليها.. وبهذه الحال كان ذلك البيت ذاته – لا غير – مزار أطياف ونخب سياسية متباينة الرؤى والمسؤوليات، وحتى الوفاء احياناً !.. ويواصل الجواهري: بعضها صادق أمين، وآخر متزلف متدثر بألف زيٍ وزيّ، ولكنها كانت جميعاً دعاة تآلف ومحبة، وان راحت احياناً في الأقوال وحسب...
     كما كان البيت الذي نعنى ، ملتقى للنخب الفكرية والثقافية والشعرية، من كل النحل والرتب، تؤم مقام الجواهري: مودة وتلمذة وتباهياً، دعوا عنكمو الآخرين الذين كانوا يريدون صكوك الغفران. وكم يطول التعداد، ويعرض، ويعلو، لمن زار، وأحبَّ، وتبارك بزيارة أو لقاء أو حديث مع الشاعر الرمز... وفي الموضوع ذاته يقول حسن العلوي في كتابه "الجواهري رؤية غير سياسية" الصادر عام 1995في دمشق : اصطحبت معي الى بيت الجواهري عام 1979  بعثة صحفية لقضاء يوم كامل على غير موعد معه فسجلت عدسة المصور الفنان الراحل "محمد علي حسن" زوايا لم تكن مخفية على عيون زائريه... ودخل حتى غرفتي النوم والمطبخ ... ولم يجد مكتبة، لكنه وجد رفوفاً. ولم يجد مطبخاً ولكنه وجد قدرين من الألمنيوم القديم... كما ولم تكن للجواهري غرفة نوم مستقلة ، وكان يضع ملابس الشتاء في حقيبة تحت سريره، ويعلق على الحائط ملابس الصيف. ويفعل العكس في الشتاء....
     كما  نشير بهذا الصدد لما نشره فوزي كريم (الشرق الأوسط اللندنية- 4/11/1991) في موضوع مسهب نقتطع منه: "كان بيت الجواهري متواضعاً، كنا نقتحمه احياناً آخر الليل، أنا وسعدي يوسف مدفوعين بأكثر من هاجس شيطاني ، قراءة لبيت مثلاً: الحمد للتاريخ حين تحولت …تلك المرافه فاستحلن متاعبا او عبارة واحدة "با نبتة البلوى" يخاطب بها جياع الشعب. أو كلمة "تقحم" او "خسئوا". وكان الجواهري يستقبلنا دون ترحاب معظم الأحيان قائلاً : "الساعة الواحدة يا جماعة. ويتأمل ساعته ونحن نبصبص تحت الطاولة. لا تخلو طاولة الشاعر في الليل. كنا نعرف ولكن من يجرؤ في ساعة كهذه أن يسأل. ونسترضي ابا فرات، نقول: "أنت تعرف محبتنا " ونغني له طربين من شعره... فيستجيب ..."

6/ دعــوة مغربيـــة.. وتحامل، وردود
    يُدعى الجواهري الى المغرب اواسط العام 1974 ويحظى بحفاوة ورعاية بالغتين، بما في ذلك ضيافة ملكية متعددة الأوجه، فضلاً عن منحه وسام الكفاية الفكرية الاعلى في البلاد. ويردّ الجواهري على ذلك بقصيدة شكر للعاهل المغربي حينئذ، الحسن الثاني، تعبيراً عن الثناء للاهتمام والتقدير غير المسبوق الذي لقيه، ككبير للشعراء العرب. ويثير ذلكم الأمر عدداً من والكتاب والسياسيين العراقيين والعرب. تارة تحت حجة مواقف الحكم المغربي من القضايا العربية آنذاك، ومرة عن موضوعة العلاقة بين السياسة والثقافة، وتارة في اثارة نعرات الخلاف بين الكلاسيكية والحداثة، وما شابه ذلك. ولعل ما يفيد الاشارة بهذا السياق الى مقال كتبه الناقد المصري غالي شكري حول الجواهري بعنوان "سقوط آخر العمالقة"... والمقال يقرأ من عنوانه كما يقال!..
وبحسب الجواهري فقد تسوّقَ من تلك القضية مثقف، وقيل شاعر، وسياسي عراقي تخبأ تحــت اسم "حمدان القرمطي"  فــأرعد وأزبد في محافله "الثوريــة" الحقيقيــة او المدعاة، وكذلك في الصحافة "ذات العلاقة!" حول ابيات تحية وشكر للمُكرمين  المغاربة. وقد مرت اعوام واعوام ولم يمتلك ذلك "الثوري" الجرأة لأن يكشف اسمه، مع اجتهادات هنا وهناك حوله... وقد كال ما عنده من السباب الرخيص، البعيد عن السياسة والثقافة اللتين تلبس لباسهما، وعلى مرأى حتى من المحبين الذين لم يفتحوا فاها.. 
  وفي " تحية... ونفثة غاضبة..." وهو عنوان قصيدة الجواهري التي القاها في الحفلة التكريمية التي اقامتها على شرفه وزارة الدولة المغربية للشؤون الثقافية، برعاية وزيرها الحاج محمد باحنين، على مسرح محمد الخامس في الرباط، مساء اليوم العشرين من ايلول / سبتمبر عام 1974 يبتدئ الشاعر الردّ على "دعاة ذلك الاستغلال والانتهاز تحت شعارات مزيفة" بحسب ما يوثقه الديوان العامر. ويجيء مطلع القصيدة التي تقارب ابياتها التسعين:
سماحاً إن شكا قلمي كلالا، وإن لم يُحسنِ الشعرُ المقالا
وإن راحت تُعاصيني القوافـي بحيثُ الفضلُ يُرْتَجَلُ ارتجالا
وتتواصل القصيدة في اداء اكثر من غرض: التحية المطلوبة رداً لجميل المكرمين، واعجاباً بجمال البلد، ومحبة لمواطنيه، وبثاً للشكوى وتأرخة لبعض المعاناة، ثم لتصل بعد ذلك الى "بيت القصيد" وهو اكثر من بيت كما سنرى:
وقلتُ لحاقدينَ عليّ غيظاً لأني لا أُحبّ الاحتيالا
هَبُوا كلّ القوافِلِ فـي حِماكُمْ فلا تَهْزَوا بمن يَحْدُو الجِمالا
ولا تَدَعُوا الخصامَ يجوزُ حدّاً بحيثُ يعودُ رُخْصاً وابتِذالا
وما أنا طالبٌ مالاً لأني هنالِكَ تاركٌ مالاً وآلا
ولا جاهاً، فعندي منه إرثٌ تليدٌ لا كجاهِهِمُ انتِحالا
     وفي سياق التأرخة ذاتها نثبت هنا ان الجواهري قد خيّب "ظنون" وربما "تمنيّات" حاسديه ومتربصيه، فلم يُقـم في المغرب سوى بضعة اشهر، رغم كل الامتيازات التي قدمت له، وأبرزها ضيافة رسمية لفترة غير محدودة.. كما  تجدر الاشارة أيضاً الى ان العراق الرسمي، وقد كان آنذاك مناقضاً للسياسة المغربية، قد "زَعَلَ" على الجواهري، وان بدون ضجة، أو اعلان صريح.
   وحتى بعد سنوات عدة، لم يتردد الجواهري في الدفاع عن موقفه من هذه القضية،  ازاء النهازين كما يحب ان يسميهم. ومن ذلك  في حوار مسجل للكاتبة والصحفية اللبنانية، اعتدال رافع، في دمشق خلال الثمانينات الماضية فقال "اما القصيدة التي انشدتها في المغرب فقد كانت رداً على الحفاوة والتكريم الذي لقيته اثناء وجودي هناك... وعندما طلبوا مني ان تغنى تلك الابيات اعتذرت... لست نادماً على هذه القصيـــدة لانني شاعر، واذا كنت قد ألقيت كلمة بدلاً منها، معنى هذا انني استخف وأهين من كرموني، لأنني كنـــت دائماً وأبداً منسجماً مع نفسي، ولا احسن الكذب والنفـــاق. كان ذلك موقفاً مني ورداً على التكريم والوسام الذي خصوني به".. وجاء في موقع آخر من الحوار "لقد استغل العاوون هذه القصائد ليشهروا بنباحهم... في الماضي كانوا يقولون الجواهري شيوعي، وأيضاً مداح؟ كيف يجتمع النقيضان، ويلتقي الضد بالضد؟ هل لكي يفترسوا رمزاً... أنا حصتي ارذل ما في اليمين انني شيوعي، وأقصى ما في اليسار بأنني مداح.. المُسف يجب الا يُسف عندما يتعرض للنقد. يكتب الذي ليّ، والذي عليّ".
     وهنا، لعل من المناسب ان نضيف اشارة اخيرة بخصوص الفترة المغربية – ان جازت الاستعارة – في حياة الجواهري فنقول : ان الحاج محمد باحنين وزير الدولة المكلف بالشؤون الثقافية بعث بتاريخ 21/1/1975 رسالة شخصية، لا ارق منها، الى الشاعر العظيم - محفوظة لدى مركز الجواهري في براغ - يؤكد فيها دعوة رسمية للمشاركة في مهرجان تخليد الذكرى الألفية لولادة شاعر الاندلس، ابي الوليد احمد بن زيدون.. ويقرر الجواهري الاعتذار عن تلبية الدعوة ، ولربما لكي لا يعطي فرصة جديدة للمتربصين... وقبيل ارسال جواب الاعتذار بأيام ألغي الاحتفال لأسباب سياسية مغربية، و"كفى الله المؤمنين شر القتال"...
*يتبع القسم الثاني والاخير.
* المصادر: -------------------------------------------------------
1/ اجزاء ديوان الجواهري / بيروت 2000 عن دار بيسان .
2/ كتاب (اصداء وظلال السبعينات ) لرواء الجصاني/ براغ 2001 عن دار بابيلون .
3/ كتاب ( الجواهري .. قصائــد وتاريخ ومواقف) لكفاح الجواهري  ورواء الجصاني/ دمشق عام 2012 عن دار سندبـــاد .
3/ كتاب ( الجواهري بعيون حميمة) لرواء الجصاني/ عام 2012 عن مركز الجواهري- براغ.
4/ معايشات واحاديث، وشهادات شخصية للكاتب في بغداد وبراغ ودمشق .

37
عراقيون من هذا الزمان (*)
26/ محمد الاسدي (ابو زينب)
رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------------------
  منذ أزيد من  ستة عقود وأسم محمد الأسـدي "يلعلع" في جوانب انسانية هنا، وسياسية هناك، وما بينهما نشاطات طلابية واكاديمية واجتماعية وغيرها .. وها هي الحال نفسها اليوم مع الفارق طبعا بسبب تغير الازمان والمواقع والظروف..
     ويتباهى الرجل - وعنده حق كما اعتقد- بأنه ولد وترعرع في كاظمية بغداد، تلك المدينة المليئة بالحيوية الدينية والاجتماعية والسياسية، ونشـــط ديمقراطيا وسياسيا منذ فتوته، برغم ان والده، وربَ العائلة، شيخ جليل ووجيه من تجار المدينة المعروفين، هو : جواد تقي أسد الله  (الاسدي) .. ومن طرائف - بل مآسي- الطائفية اللئيمة والبغيضة ان تستدعى الاجهزة الامنية البعثية في السبعينات الماضية ذلكم الشيخ، أبن الاصول، لتتهمه بالأيرانية – الفارسية، وعلى طريق تسفيره من موطن آبائه واجداده، وذريعة اولئك الشذاذ، واسيادهم:  لقب العائلة اي (أسد الله) !! فأحرجهم الشيخ الوجيه بسؤال عميق يدل على جهلهم بألاصول، قائلا: وأين تتمثل الفارسية- الايرانية في ذلك؟ هل بلفظ (الله) ام كلمة (ألاسد) ؟!.. وهكذا فشلوا في تهمتهم، وخابوا في النيّل منه..
   ونعود الى صاحبنا  (محمد) الذي انضم  منذ اوائل الستينات الماضية لتشكيلات الحركة الطلابية العراقية واتحادها العام، وتنظيمات  الحركة الوطنية، والحزب الشيوعي بالذات، في مختلف الفعاليات والنشاطات..  ثم ليجرح بأطلاقة نار امام وزارة الدفاع بباب المعظم  حين كان مع الجماهير العريضة وهي تتصدى جهد امكانها لأنقلاب 8 شباط الدموي. ثم يعتقل عدة اشهر، ويعود بعدها - في منتصف الستينات-  الى مواصلة ما اختطه من مسار ديمقراطي وطني، وطلابي بشكل رئيس، ويتبوأ مسؤوليات بارزة في تنظيمات اتحاد الطلبة العراقي العام، السرية، وفي تشكيلات ثانويات بغداد بشكل محدد، وبعدها في عدد من قيادات الاتحاد المركزية، وخاصة في فترة ما قبل وما بعد المؤتمر الرابع للاتحاد عام 1968 الذي كان حدثا محوريا في تاريخ الحركة الطلابية الديمقراطية في العراق .. كما شارك على تلك الطريق في توطيد تشكيلات الاتحاد، وأعلاء صوته وصيته.. كما في نشاطات اخرى متنوعة ومنها  المشاركة في  وفد يمثل قيادة الاتحاد خلال فعالية طلالبية عالمية، آواخر الستينات، في القاهرة وبراغ ..
    وفي مطلع السبعينات، او قبلها بقليل،  يصل محمد الاسدي الى براغ ليكمل دراسته الجامعية، وحتى اواسط السبعينات،  حين حصل على شهادة الماجستير في العلوم الزراعية، وقد كان خلال تلك الفترة وجها نشيطا في  جمعية الطلبة العراقيين، وتشكيلاتها القيادية.. ثم يعود الى العراق ليعمل مدرسا في المعهد الزراعي بمدينة (اسكي كلك) وكانت معه لفترة من الوقت زوجته التشيكية (يارميلا) وطفلته (زينب)  الذي راح يكنى باسمها لاحقا، وقد رزق بعدها بوليد آخر أسماه زيّادا ..
  ومع اشتداد حملات الارهاب والقمع من سلطات البعث واجهزتها على الوطنيين والديمقراطيين، اواخر السبعينات، يضطر محمد – مثله مثل الالاف من العراقيين- للاغتراب عن البلاد عائدا الى براغ ليكمل دراسته العليا، وليغادر بعدها في النصف الاول من الثمانينات الى الجزائر فيعمل استاذا في  جامعة (ام البواقي) لعدة سنوات، ثم  منها  مجددا الى براغ، ناشطا مدنيا، وسياسيا، ورجل عمال..
   وبعد سقوط نظام الارهاب والعسف في العراق عام 2003 يعود الرجل الى بلاده، ليجدد الذكريات، ويلتقي الاهل والاحبة، حالما بغد مشرق آمن سعيد، ثم ليتوظف مجددا بأختصاصه في جامعة كربلاء سنوات قليلة، آثر بعدها  الاغتراب مجددا من العراق- موطن الاباء والاجداد-  الى بلاد التشيك، حيث الابناء والاحفاد.. وكل من جايّل (الأسدى) يعرف انه بقي، وطوال تلك المحطات التاريخية والجغرافية، ثابتا  لم يتخلَ عن قناعاته  والتزاماته السياسية والديمقراطية، سواء في صفوف حزبه الشيوعي، او التشكيلات الطلابية والاجتماعية مثل المنتدى العراقي في براغ، وهيئته الادارية لعدة سنوات، بدءا من عام 1991....
    لقد  توطدت العلاقة مع محمد الاسدي في براغ، حين وصلتها اواخر السبعينات الماضية: صداقة اولا، كما في العديد من النشاطات السياسية والديمقراطية والمهنية .. ومنها في قيادة لجنة الخارج لفروع اتحاد الطلبة العام التي انضم اليها لسنوات، وكذلك في تعاونه مع مؤسسة بابيلون للثقافة والاعلام، وغيرها كثير كثير.. وطوال تلك العلاقة التاريخية الحميمة، تكشفت اكثر فأكثر مزايا (ابو زينب) الانسانية والمفاهيم التىي آمن بها وسار على دربها، ولم يزل.. دعو عنكم الخصال الاخرى في حب الحياة والجمال، وفي اجواء المجالس الرحيبة، والعلاقات الاجتماعية، ولربما كان ذلك تفردا مميزا للرجل، إذ من النادر ان يستطيع المرء ان يجمع مثل تلك الشؤون في آن واحد، بل ويبرز فيها حتى !!.
    ان الحديث يطول ويطول، وكل ما تقدم شذرات وحسب، ولربما جاء بعضها منقوصا، وعلّ الاسدي يضيف بما عنده – وهو كثير كما ندري!- عن محطات تاريخية  عاشها، وشخصيات عايشها.. وعسى ان يصحح ايضا عبر  ما يختزنه – ومايبوح به احيانا!- من تفاصيل توضح وتؤرخ، للأجيال ..
   ------------------------------------------- * رواء الجصاني/ براغ- اواخر ايلول 2020

  (*)  تحاول هذه التوثيقات التي جاءت في حلقات متتابعة، ، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى، والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، والحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي، والثالثة عشرة عن محمد عنوز، والرابعة عشرة عن هادي رجب الحافظ،، والخامسة عشرة عن صادق الصايغ، والسادسة عشرة عن صلاح زنكنه، والسابعة عشرة عن عباس الكاظم، والثامنة عشرة عن هادي راضي، والتاسعة عشرة عن ناظم الجواهري، والعشرون عن ليث الحمداني، والحادية والعشرون عن مهند البراك، والثانية والعشرون عن عبد الرزاق الصافي، والثالثة والعشرون عن كمال شاكر، والرابعة والعشرون عن حسون قاسم زنكنة، والخامسة والعشرون عن قيس الصراف... وجميعها  كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل، وقد نشرت كلها في العديد من وسائل الاعلام..



38
من بينهم : ابو تمام، طرفة ابن العبـد.. وشكسبير
شعراء في قصيـد الجواهري العامر(3/3)
* رواء الجصاني
--------------------------------------------------------------------------
    تعددت وتنوعت شؤون التوثيق، والتقصي، والدراسات حول المنجز الشعري لمحمد مهدي الجواهري (1899-1997) في مجالات اللغة والاسلوب، والاغراض والمناسبات، دعوا عنكم شؤون حياته الشخصية والعامة ومفاهيمه ورؤاه، ومنابعه الفكرية والثقافية، وتطورها،  وسوى ذلك كثير كثير، غطته وناقشته وقيّمته اطاريح دكتوراه ورسائل الماجستير، عديدة، ومئات المؤلفات والكتب والمقالات (1)
   ومن التوثيقات والبحوث الغير المطروقة على ما ندعي، هذه الكتابة  التي  تعنى بما حواه ديوانه الثري ذو الخمسة والعشرين الف بيت تقريبا، من قصائد، وقطع شعرية تتطرق، وتشير  الى، وتتحدث عن  نحو اربعين شاعرا عراقيا وعربيا واجنبيا، بمناسبات مختلفة، بين تكريم  استشهاد واستعارة هنا،  وتخليد ورثاء، وأشارة هناك،  وعلى مدى أزيد من سبعة عقود امتدت للفترة (1921-1994) تحديدا (2) .
  ولأن الهدف الذى نتوخاه في هذه الكتابة هو التوثيق والتقصي وحسب، وليس للتأرخة المفصلة، فسنكتفي ببعض التواريخ والدلالات الموجزة، مما يسهل على المهتمين الوصول الى كامل القصيدة او القطعة الشعرية، او الابيات – بل وربما البيت الواحد – التى  تشمل شعراء مميزين كما نجتهد، تطرقت اليهم قصائد الجواهري، مرتبة  أولاها زمنيا، مع حفظ المكانات والالقاب.. ذلك بالاضافة الى اشارات عجول لاسماء كريمة اخرى، علّها  تفيد من يرغب بمزيد من المعلومات..
   واستدراكا لما سبقت اليه الفقرة الآنفة، وبعيدا عن الأسهاب والتفاصيل، لربما من المفيد ان نؤشر في هذا السياق الى ان الكثير والمتنوع من المدلولات يمكن استنباطها من اشارات الجواهري، ومخاطباته، لذلك الجمع من الشعراء، وتبجيله لبعضهم، ورثائه لبعض آخر، وغير ذلك من اشكال واغراض. ونظن بأن من المهم في هذا الشأن حسبان الزمان والمكان التي قيلت فيه القصيدة او تطرقت له الابيات، ومكانة ذلكم الشاعر وغيره عند الجواهري، والبواطن في مثل تلكم الاشارة أو الاستشهاد او الاستذكار...
   كما تجدر الاشارة ايضا الى ان الجواهري، وكعادته،  قد خلط  قصائده أو ابياته الشعرية التى نعنى بها في هذا الاستقصاء: الخاص بالعام في عدد منها، وربط ماضيا بحاضر، وراهناً  بمستقبل، وفلسفة بواقع في عدد آخر. فضلا عن لجوئه في الى اتخاذه في بعض  تلكم القصائد او الابيات منافذ للوصول الى غايات بعينها ارتضاها الشاعر او اراد أشاعتها..
     أخيرا، وقبيل الدخول الى صلب التوثيق نشير الى هذا الجزء ، الثالث- الاخير، يشمل ثلاثة  عشر  شاعرا من المعنيين الذي نوثق لهم، وعنهم، ووفق التسلسل الزمني لنشر القصائد الجواهرية ذات العلاقة، وهم: 1- عروة ابن الورد.  2- لبيد ابن ربيعة. 3-  امرؤ القيس.  4- صابر فلحوط. 5- مصطفى طلاس.  6- سلطان العويس. 7- يوهان غوته. 8- الفونس دو لامرتين. 9- فرانسوا ماري-فولتير.. الى جانب الموثق عنهم ادناه:   

1/ ابو تمام،  حبيب ابن أوس الطائي (الحبيب) في قصيدة "لبنان يا خمري وطيبي" التكريمية – السياسية عام 1961:
جئت العراق فعاش فيك عهود "احمد" و"الحبيبِ"
- وايضاً في قصيدة "أبا الفرسان" الوجدانية عام 1967:
"أبا الفرسان" ان عُقت ديارٌ، عقدتُ بها شبابي بالمشيب ِ
فلا عجبٌ فقبلي ضقنَ ذرعا ، بخير الناس ِ "أحمد" و"الحبيب"

2/ طرفة ابن العبد، الشاعر الجاهلي، في قصيدة "رسالة مملحة" عام 1969:
آهٍ على "آبن العبد ِ" اذ يتبرضَ اللهوَ اشتفافا..
لو عاد لأختصر المسافا، لدنا وحيّا وأستضافا
لرأى له وسط الجبال الخُضر من ثلــج قطافا

3/ ابن زريق البغدادي، الشاعر العباسي في قصيدة "آهات" الوجدانية،
 عام 1973:
قف على براها وجب ارباضها، وسل المصطاف، والمرتبعا
أعلى الحسنِ إزداهاءً وقعت، أم عليّها الحسن زهواً وقعا..
رحمتا لـ "ابن زريق" لو رَأى، فلك الازرار ماذا اطلعـــا

4/ شكسبير، وليم، المبدع الانجليزي، في قصيدة "المحرقة" عام 1931:
وكان "شكسبير" خويّدم شعره، وكانت لُغى الاكوان تخدمه نثـرا
---------------------------------- * رواء الجصاني / براغ – ايلول 2020
1/  وثقنا بعض تلك الاطاريح ورسائل الماجستر في توثيقنا الموسوم " الجواهـري في تسع اطروحات دكتوراه، وثماني رسائل ماجستير" والمنشور بذلك العنوان عام 2019 على شبكة الانترنيت وصحف ووسائل اعلام اخرى عديدة .
2/  لمزيد من التفاصيل، ثمة استقصاء وبحث موسع، للكاتب،  موسوم بـ " مشاهير وشخصيات وأسماء في شعر الجواهري" منشور بذلك العنوان عام 2017 على شبكة الانترنيت وصحف ووسائل اعلام اخرى عديدة .

39
من بينهم احمد شوقي، البحتري، ابو نؤاس
شعراء في قصيـد الجواهري العامر(2/3)
* رواء الجصاني
--------------------------------------------------------------------------
    تعددت وتنوعت شؤون التوثيق، والتقصي، والدراسات حول المنجز الشعري لمحمد مهدي الجواهري (1899-1997) في مجالات اللغة والاسلوب، والاغراض والمناسبات، دعوا عنكم شؤون حياته الشخصية والعامة ومفاهيمه ورؤاه، ومنابعه الفكرية والثقافية، وتطورها،  وسوى ذلك كثير كثير، غطته وناقشته وقيّمته اطاريح دكتوراه ورسائل الماجستير، عديدة، ومئات المؤلفات والكتب والمقالات (1)
   ومن التوثيقات والبحوث الغير المطروقة على ما ندعي، هذه الكتابة  التي  تعنى بما حواه ديوانه الثري ذو الخمسة والعشرين الف بيت تقريبا، من قصائد، وقطع شعرية تتطرق، وتشير  الى، وتتحدث عن  نحو اربعين شاعرا عراقيا وعربيا واجنبيا، بمناسبات مختلفة، بين تكريم  استشهاد واستعارة هنا،  وتخليد ورثاء، وأشارة هناك،  وعلى مدى أزيد من سبعة عقود امتدت للفترة (1921-1994) تحديدا (2) .
  ولأن الهدف الذى نتوخاه في هذه الكتابة هو التوثيق والتقصي وحسب، وليس للتأرخة المفصلة، فسنكتفي ببعض التواريخ والدلالات الموجزة، مما يسهل على المهتمين الوصول الى كامل القصيدة او القطعة الشعرية، او الابيات – بل وربما البيت الواحد – التى  تشمل شعراء مميزين كما نجتهد، تطرقت اليهم قصائد الجواهري، مرتبة  أولاها زمنيا، مع حفظ المكانات والالقاب.. ذلك بالاضافة الى اشارات عجول لاسماء كريمة اخرى، علّها  تفيد من يرغب بمزيد من المعلومات..
   واستدراكا لما سبقت اليه الفقرة الآنفة، وبعيدا عن الأسهاب والتفاصيل، لربما من المفيد ان نؤشر في هذا السياق الى ان الكثير والمتنوع من المدلولات يمكن استنباطها من اشارات الجواهري، ومخاطباته، لذلك الجمع من الشعراء، وتبجيله لبعضهم، ورثائه لبعض آخر، وغير ذلك من اشكال واغراض. ونظن بأن من المهم في هذا الشأن حسبان الزمان والمكان التي قيلت فيه القصيدة او تطرقت له الابيات، ومكانة ذلكم الشاعر وغيره عند الجواهري، والبواطن في مثل تلكم الاشارة أو الاستشهاد او الاستذكار...
   كما تجدر الاشارة ايضا الى ان الجواهري، وكعادته،  قد خلط  قصائده أو ابياته الشعرية التى نعنى بها في هذا الاستقصاء: الخاص بالعام في عدد منها، وربط ماضيا بحاضر، وراهناً  بمستقبل، وفلسفة بواقع في عدد آخر. فضلا عن لجوئه في الى اتخاذه في بعض  تلكم القصائد او الابيات منافذ للوصول الى غايات بعينها ارتضاها الشاعر او اراد أشاعتها..
     أخيرا، وقبيل الدخول الى صلب التوثيق نشير الى هذا الجزء ، الثاني ، يشمل ثلاثة  عشر  شاعرا من المعنيين الذي نوثق لهم، وعنهم، ووفق التسلسل الزمني لنشر القصائد الجواهرية ذات العلاقة، وهم: 1- حافظ ابراهيم.  2- سيف الدولة. 3-  الياس ابو شبكة.  4- علقمة الفحل. 5- الشمخرى.  6- حسان ابن ثابت. 7- شوقي بغدادي. 8- الاعشى. 9- الاخطل.. الى جانب الموثق عنهم ادناه:   

1/ البحتري، الوليد – ابو عبادة في"ساعة مع البحتري في سامراء" عام 1929:
ووقفت حيث "البحتري" ترفرفت، انفاسه، فشفعتهنّ دموعُ
- وكذلك في قصيدة "سامراء" عام 1932:
فَضت مجالسهُ به وخلّون من ، شعر "الوليد" بها، ومن ترتيلهِ
- وايضا في قصيدة "اطياف بغداد" التنويرية عام 1953:
بأبن المعرة، ترتمي جمراتهُ، بأمض من عنتِ ازمان، وأحقدِ
بالبحتري، أبي السلاسل لمّعـاً، بالعبقري "ابي محسد" أحمدِ
- وايضا في قصيدة "في ذكرى المالكي" الرثائية – السياسية عام 1957:
والعيشُ في "داريا" يرنّ به "للبحتري" بما غناه مزمارُ
- وكذلك في قصيدة "لبنان يا خمري وطيبي" التكريمية – السياسية عام 1961:
"كالبحتري" يُقرب الابعاد باللفظ القريبِ
- وايضا في قصيدة "أبا الفرسان" الوجدانية عام 1967:
وسيمَ "البحتري" الهونَ فيها، وغصّ بحسرة ِ التَرب ِ الحريب ِ
- وكذلك في قصيدة "يا نديمي" عام 1971:
كذب "البحتريّ" اذ قالَ امس ِ .. "صنتُ نفسي عما يُدنسُ نفسي"
دنسُ النفس ِ حلـّةٌ من دمقس ِ، لن تغطى ..ولو بمليون عرسِ

2/  احمد شوقي في قصيدة "شوقي وحافظ "عام 1925 :
"شوقي وحافظ" لا يَجسّ سواكما، نبض القريض وماله من واقِ
- وكذلك في قصيدة "الى البعثة المصرية" عام 1931 :
او ان "شوقي" من حراجة عيشه كالمحتضرْ
- وايضا في قصيدة "احمد شوقي" الرثائية عام 1932:
طوى الموت ربّ القوافي الغررْ، واصبح "شوقي" رهينَ الحُفرْ

3/ ابو نؤاس، في قصيدة "النزعة.. او ليلة من ليالي الشباب" عام  1929 :
لا "الحسين الخليع" يبلغ شأوينا، ولا "مسلم" ولا "ذو النواسه"
- وفي قصيدة "اطياف بغداد" التنويرية عام 1953:
فأعدْ على بغداد ظِلّ غمامة، باللطف تنضحُ والندى والسؤددِ..
تتمازج الألوان فيها عن سنا، شفق بكل صيغة ٍ، متورد ِ
عن بأس "هارون" ورقة "معبدِ" وهو "الخليعُ" بها، ونسك "المهتدي"
بالأريحي" ابي نؤاسَ" وصحبه، من شاربٍ نخبَ الحياة معربدِ
- وكذلك في قصيدة "لبنان يا خمري وطيبي" التكريمية – الوجدانية عام 1961:
من عطر خمر "ابي نؤاسٍ" بين أرباض الكئيبِ
- وايضا في قصيدة "دجلة الخير" الوطنية، مخاطباُ النهر الخالد، عام 1962:
يا مستجمً "النؤاسي" الذي لبست به الحضارة ثوباً وشي "هارونِ"

4/  بشارة الخوري، (الاخطل الصغير) في مقطوعة "الثائر والغد" عام 1951:
يبكى على امس ٍ له "أخطـل" لم يستثرهُ غدهُ القادمُ
ان غداً يعرفهُ ثائـر، لا المستكين السادرُ الناعمُ
ـ وكذلك في قصيدة "لبنان يا خمري وطيبي" التكريمية – السياسية عام 1961:
ايه "بشارةُ" والليالي مثقلاتٌ بالعجيبِ ..
صناجة الكلم الرقيق، ومزهرُ النغمِ الرتيبِ
----------------------------------------------------* يتبع القسم الثالث والاخير
1/  وثقنا بعض تلك الاطاريح ورسائل الماجستر في توثيقنا الموسوم " الجواهـري في تسع اطروحات دكتوراه، وثماني رسائل ماجستير" والمنشور بذلك العنوان عام 2019 على شبكة الانترنيت وصحف ووسائل اعلام اخرى عديدة .
2/  لمزيد من التفاصيل، ثمة استقصاء وبحث موسع، للكاتب،  موسوم بـ " مشاهير وشخصيات وأسماء في شعر الجواهري" منشور بذلك العنوان عام 2017 على شبكة الانترنيت وصحف ووسائل اعلام اخرى عديدة .






40
من بينهم الزهاوي المتنبـي والمعــري والرصافي ...
شعراء في قصيـد الجواهري العامر(1/3)
* رواء الجصاني
--------------------------------------------------------------------------
    تعددت وتنوعت شؤون التوثيق، والتقصي، والدراسات حول المنجز الشعري لمحمد مهدي الجواهري (1899-1997) في مجالات اللغة والاسلوب، والاغراض والمناسبات، دعوا عنكم شؤون حياته الشخصية والعامة ومفاهيمه ورؤاه، ومنابعه الفكرية والثقافية، وسوى ذلك كثير كثير، غطته وناقشته وقيّمته اطاريح دكتوراه ورسائل الماجستير، عديدة، ومئات المؤلفات والكتب والمقالات (1)
   ومن التوثيقات والبحوث الغير المطروقة على ما ندعي، هذه الكتابة  التي  تعنى بما حواه ديوانه الثري ذو الخمسة والعشرين الف بيت تقريبا، من قصائد، وقطع شعرية تتطرق، وتشير  الى، وتتحدث عن  نحو اربعين شاعرا عراقيا وعربيا واجنبيا، بمناسبات مختلفة، بين تكريم  استشهاد واستعارة هنا،  وتخليد ورثاء، وأشارة هناك،  وعلى مدى أزيد من سبعة عقود امتدت للفترة (1921-1994) تحديدا (2) .
  ولأن الهدف الذى نتوخاه في هذه الكتابة هو التوثيق والتقصي وحسب، وليس للتأرخة المفصلة، فسنكتفي ببعض التواريخ والدلالات الموجزة، مما يسهل على المهتمين الوصول الى كامل القصيدة او القطعة الشعرية، او الابيات – بل وربما البيت الواحد – التى  تشمل شعراء مميزين كما نجتهد، تطرقت اليهم قصائد الجواهري، مرتبة  أولاها زمنيا، مع حفظ المكانات والالقاب.. ذلك بالاضافة الى اشارات عجول لاسماء كريمة اخرى، علّها  تفيد من يرغب بمزيد من المعلومات..
   واستدراكا لما سبقت اليه الفقرة الآنفة، وبعيدا عن الأسهاب والتفاصيل، لربما من المفيد ان نؤشر في هذا السياق الى ان الكثير والمتنوع من المدلولات يمكن استنباطها من اشارات الجواهري، ومخاطباته، لذلك الجمع من الشعراء، وتبجيله لبعضهم، ورثائه لبعض آخر، وغير ذلك من اشكال واغراض. ونظن بأن من المهم في هذا الشأن حسبان الزمان والمكان التي قيلت فيه القصيدة او تطرقت له الابيات، ومكانة ذلكم الشاعر وغيره عند الجواهري، والبواطن في مثل تلكم الاشارة أو الاستشهاد او الاستذكار...
   كما تجدر الاشارة ايضا الى ان الجواهري، وكعادته،  قد خلط  قصائده أو ابياته الشعرية التى نعنى بها في هذا الاستقصاء: الخاص بالعام في عدد منها، وربط ماضيا بحاضر، وراهناً  بمستقبل، وفلسفة بواقع في عدد آخر. فضلا عن لجوئه في قسم آخر الى اتخاذ تلكم القصائد او الابيات منافذ للوصول الى غايات بعينها ارتضاها الشاعر او اراد أشاعتها..
     أخيرا، وقبيل الدخول الى صلب التوثيق ، نرى اهمية في التوكيد هنا بأن هذا الجزء الاول، الذي سيليه جزءان آخران، يشمل ثلاثة  شاعرا من المعنيين الذي نوثق لهم، وعنهم، ووفق التسلسل الزمني لنشر القصائد الجواهرية ذات العلاقة، وهم: 1- فائق بيكس. 2- محمد صالح بحر العلوم. 3- بشار آبن برد. 4- موسى الجنابي.  5- مظفر النواب . 6- شاذل طاقة . 7-جبران خليل جبران. 8- النابغة الذبياني. 9- عمر الخيام. الى جانب الموثق عنهم ادناه:   

1/ جميل صدقي الزهاوي: في قصيدة "جائزة الشعور" عام 1927:
قمْ يا "جميلُ" فحامني، يا حامي الادب العراقي
- وكذلك في قصيدة"جربيني" عام 1929:
عن يساري اعمى المعرة، و"الشيخ الزهاوي" عن يميني
- وايضا في قصيدة "الزهاوي" عام 1936:
على رغم انف الموت ذكرك خالدُ، ترن بسمع الدهر منك القصائدُ

2/ المتنبي، احمد، ابو الطيب – ابو محسد، في قصيدة "المحرّقة" عام 1931:
او "المتنبي" حين قال تذمراً، افيقا خُمارُ الهمّ بغضيّ الخمرا
- وايضا في قصيدة "احمد شوقي" عام 1932:
قرون مضت لم يَسدّ العراقُ، من "المتنبي" مكاناً شغـرْ
ـ وكذلك في قصيدة "الشاعر الجبار" عام 1935:
وُلد الالمعي فالنجم واحمْ، باهت من سُطوع هذا المزاحمْ
ـ وفي "المقصورة" الشهيرة مخاطبا نفسه، عام 1947:
وبـ"المتنبي" ان البلاء، اذا جــدّ  يعلم اني الفتى
- وكذلك في قصيدة "اطياف بغداد" التنويرية عام 1953:
فأعدْ على بغداد ظِلّ غمامة، باللطف تنضحُ والندى والسؤددِ..
تتمازج الألوان فيها عن سنا، شفقٌ بكل صبيغة ٍ، متورد ِ..
بالبحتري، أبي السلاسل لمّعـاً، بالعبقري "ابي محسد" أحمدِ
بمذل "كافورٍ" عجيبة دهرهِ، ومعز آل الأرمني، و"مخلّدِ"
- وايضاً في قصيدة "كما يستكلبُ الذيبُ" الوجدانية – السياسية عام 1953:
تسعون كلباً عوى خلفي وفوقهمُ ، ضوء القمر المنبوح ِ، مسكوبُ...
وقبلَ الف ٍ عوى الفٌ فما انتقصت "ابا محسد" بالشَتم الاعاريبُ
ـ وكذلك قصيدة "في ذكرى المالكي" الرثائية السياسية عام 1957:
وإذ "ابو الطيّبُ" الشرّيد في حلب ٍ، نجم تُضاء به الافلاك سيّـارُ
ـ وايضا في "رباعيات" - مقطوعة "حكم التاريخ" عام 1960:
سيسبُ الدهر والتاريخ من أغرى بسبي ..
يا لويل المجتلي كلباً لسبّ المتنبي
ـ وكذلك في قصيدة "لبنان يا خمري وطيبي" التكريمية – السياسية عام 1961
والمخاطب في البيت، الشاعر اللبناني بشارة الخوري:
جئتَ العراق فعاش فيك عهود "احمد" و"الحبيبِ"
- وايضاً في قصيدة "أبا الفرسان" الوجدانية عام 1967:
"أبا الفرسان" ان عُقت ديارٌ ، عقدتُ بها شبابي بالمشيب ِ
فلا عجبٌ فقبلي ضقنَ ذرعاً ، بخير الناس ِ "أحمد" و"الحبيب"
ـ وكذلك في قصيدة "يا ابن الفراتين" الوجدانية- التنويرية عام 1969:
"أبا محسد" دنيا رحت تمخضها، فما تلقفُ إلا ما نفى الزبّدُ
ـ وقصيدة "آليت" عام 1975:
أكبرتني ان اختشي وغداً، وان أُعنى بغـِرّ
وضربت لي امثولة ً، بـ"أبي محسد" و"المعري"
ـ وايضا في قصيدة "فتى الفتيان" التنويرية عام 1977:
تحدى الموتَ وأختزل الزمانا، فتى لوى من الدهر ِ العنانا
- وفي قصيدة "بغداد" السياسية، عام 1980:
لا درّ درك من ربوع ديار، قرب المزار بها كبعد مزارِ...
هوت الحضارة فوقها عربية، وتفردت "آشور" بالآثار
عشرون قرناً وهي تسحب خلفها، بدمٍ، ذيول مواكب الاحرارِ
بـ"ابن المقفع" و"آبن قدوسٍ" وبـ"الحلاج" والموحى له "بشار"
بـ"ابي محسد" وهي تقطع صلبه، لم يُدرَ عار مثل هذا العارِ

  3/ معروف الرصافي: في قصيدة "الى الرصافي" عام 1944:
تمرستَ بـ"الاولى" فكنتَ المغامرا، وفكرتَ بـ"الاخرى" فكنت المجاهرا
- وفي قصيدة "معروف الرصافي" الرثائية - التنويرية عام 1951:
لاقيتُ ربكَ بالضمير ِ ، وانرت واجبة القبور ِ
"معروفُ" نمْ فوق التراب، فلستَ من اهل الحرير ِ
ـ وكذلك في قصيدة "الرصافي" الاستذكارية عام 1959:
لغزُ الحياة وحيّرة الالباب ِ ان يستحيل الفكرُ محض ترابِ

4/ المعــري، احمد- ابو العلاء، في قصيدة "بين قطرين" عام 1924:
الا مبلغ عني "المعري" احمداً، ليسمعه والشعرُ كالريح جوالُ
- وكذلك في قصيدة "جربيني" عام 1929:
عن يساري اعمى المعرة و"الشيخ" الزهاوي عن يميني
- وايضا في قصيدة "ابو العلاء" عام 1944:
قف بالمعرة وامسحْ خدها التربا، واستوحْ من طوق الدنيا بما وهبا
- وكذلك في قصيدة "احييك طه" عام 1944:
وجدد لنا عهد "المعري" انه، قضى، وهوى بغداد يُلذعه لذعا
- وفي قصيدة "اطياف بغداد" التنويرية عام 1953:
فأعـدْ على بغداد ظِلّ غمامة، باللطف تنضحُ والندى والسؤددِ..
تتمازج الألوان فيها عن سنا، شفق بكل صيغة ٍ، متورد ِ..
بأبن المعرة، ترتمي جمراتهُ، بأمض من عنتِ الزمان، وأحقدِ
- وفي قصيدة "لبنان يا خمري وطيبي" التكريمية – السياسية عام 1961:
و"ابو العلاء" على بناتِ الماء تُحدى بالخبوبِ
- وايضا في قصيدة "آليّت" الوجدانية التنويرية عام 1975:
اكبرتني ان اختشي، وغْـداً، وأن أُعنى بغّــرّ
وضربت لي امثولةً، بـ"أبي محسد" و"المعري"
-------------------------------------------------------------------* يتبع القسم الثاني
1/  وثقنا بعض تلك الاطاريح ورسائل الماجستر في توثيقنا الموسوم " الجواهـري في تسع اطروحات دكتوراه، وثماني رسائل ماجستير" والمنشور عام 2019 بذلك العنوان على شبكة الانترنيت وصحف ووسائل اعلام اخرى عديدة .
2/  لمزيد من التفاصيل، ثمة استقصاء وبحث موسع، للكاتب،  موسوم بـ " مشاهير وشخصيات وأسماء في شعر الجواهري" منشور عام 2017 بذلك العنوان على شبكة الانترنيت وصحف ووسائل اعلام اخرى عديدة .






41
الجواهري والامام الحسين،
بعيداً عن "طلاء القرون" و"ستر الخداع"
- رواء الجصاني
-----------------------------------------------------------
* ها نحن نستعيد مرة اخرى في قراءة قديمة – جديدة، عينية الجواهري، الجدلية- الفريدة، في شموخ واباء الامام الحسين، وثورته وتضحياته، مستذكرين في هذا المنحى ما كان الشاعر الخالد يقوله في مجالس وحوارات كثيرة، عن قصائده،: ان كل قديمه جديد، وما احرى بتلكم العينية ان تكون مثالا على ما نشير اليه…
* وكما نوهنا، فقديم الجواهري، الجديد، الذي نوثق عنه في السطور التاليات: عصماء"امنت بالحسين"التى هدر بها الشاعر الخالد عام 1947 وفاضت بالتعبير عن المواقف والمفاهيم الطافحة بالإباء والشموخ، والممجدة للفداء والتضحيات، كما هي الحال في الفرائد الجواهرية العديدة، وان اختلفت في الصور والاستعارة:
فـداء لمثـواك من مضـجـعِ … تـنـوّر بـالابلــج الأروعِ
ورعياً ليومـك يوم"الطفـوف"… وسـقياً لأرضك من مصرع
تعـاليتَ من مُفـزع للحتـوفِ … وبـورك قبـرك مـن مَفزع
* وفي مقابل ذلك تماماً، لم يجامل الجواهرى أو يتهاون في هجو الخنوع والانحناء، وأولئك المقيمين على الذل، بل وحتى من يتوسط"كاللبن الخاثر"وغيرهم من اللاجئين"لأدبار الحلول فسميت وسطاً، وسميّ أهلها، وسطاءَ”...
* ولربما نجتهد، ونصيب، فنرى في"آمنت بالحسين"مجمعاً للشواهد والأدلة الأبرز على الرؤى الجواهرية المتميزة، وبمقاييس بالغة الرفعة في تبجيل “الواهبين النفس"فداءً للمبادىء التي يؤمنون بها، وتلكم بلا شك هي التضحية الأضخم للدفاع عن القيم والذود عنها، كما يرى صاحب"آمنت بالحسين" ..
* وفي مقاطع تالية من تلكم العصماء، القديمة – الجديدة، يستمر الجواهري في الاتجاه الذي يريد اعلانه عن تضحيات الحسين الثائر و”نهجه النير"الذي بات"عظة الطامحين العظام "لاولئك"اللاهين عن غدهم"والقنوعين دون احتجاج وتمرد أو ثورة.. كما يفيض عديد آخر من أبيات القصيدة بعواطف ومشاعر انسانية فائقة التعبير في تقديس الثبات والصمود لرجل يوم"الطفوف"و”الملهم المبدع"الثابت أمام"سنابك خيل الطغاة"دون خوف أو رهبة… وبهدف أن يُبدل"جديب الضمير بآخر معشوشب ممرع”…
شممتُ ثـراك فهب النسيم … نسيم الكرامـة من بَلقـعٍ
وطفت بقبرك طوفَ الخيال … بصومعـة المُلهـم المبدع
تعـاليت من صاعق يلتظي … فـان تـدجُ داجية يلمـعِ
* ثم يروح الجواهري ليتمثل مأثرة الحسين التاريخية، و”يمحص"الأمر دون أن يرتهب من"الرواة"أو يخدع بما ينقلون، ويمضي هادفاً للحقيقة لا غيرها، وبدون"تزويق"أو مبالغات… وبعد ذلك فقط، يجد الشاعر أن في فداء الحسين دفاعاً عن مبادئه، وقائع لا أعظم منها، وهو"أن يطعم الموت خير البنين، من الاكهلين الى الرضع"…
تعاليتَ من"فَلَك"قُطْرهُ… يدورُ على المِحوَرِ الأوسعِ
فيا ابنَ"البتولِ"وحَسْبي بها…. ضَماناً على كل ما أدّعي
ويا ابنَ التي لم يَضَعْ مِثلُها … كمِثلِكَ حَملاً ولم تُرْضِع
ويا ابنَ البطينِ بلا بِطنةٍ ….. ويا بنَ الفتى الحاسرِ الأنْزَع
* ثم يحل مسك الختام، فتجدد القصيدة تقديس ذلك الصمود والعطاء الذي"نوّر"من ايمان الجواهري، وفلسفته في الإباء والفداء، والتي تجسدت، كما سبق القول، في الكثير من قصائده ومن بينها:"سلام على مثقل بالحديد – 1951"و”بور سعيد – 1956″ و”كردستان – موطن الأبطال- 1962″ والى"اطياف الشهداء الخالدين- 1963″ و”فلسطين الفداء والدم – 1970"فضلاً عن قصــائد الوثبـة، الشـهيـرة، عــام 1948…
تمثلـتُ يومـك في خاطـري … ورددت"صـوتك"في مسـمعي
ومحصـت أمـرك لم"ارتهب"… بنقـل"الرواة"ولـم أخــدع
ولما ازحـت طـلاء"القرون"… وسـتر الخـداع عن المخـدع
وجدتـك في صـورة لـم أُرعْ … بـأعـظــمَ منهـا ولا أروعِ
* وللاستزادة، نقول أن قصيدة"امنت بالحسين"المتفردة في المبنى والمعنى، والرؤى، نشرت في جميع طبعات ديوان الجواهري، ومنذ العام 1951 وقد خُط خمسة عشر بيتاً منها بماء الذهب على الباب الرئيس للرواق الحسيني في كربلاء، كما أُنشدت، وتُنشد، في مختلف المجالس والمناسبات الاحيائية لواقعة ومأثرة "الطــف”.
------------------------------------------------------رواء الجصاني/ اب- اوغسطس2020


42
رأيٌ في بعــض مؤلفات السيرة، والذكريات،
 السياسية.. وعنها

رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------------
    تصدى ويتصدى-  الاف من العراقيين، بمستويات مختلفة، للشأن الوطني العام، وكتب العشرات منهم، والسياسيين الفاعلين خاصة، سيّـراً ومذكرات عديدة  الى جانب احاديث وحوارات  تلفزيونية وغيرها، وقد بات كل ذلك مصادر تاريخية يلجأ اليها باحثون ومتابعون، كما مناكفون،  فينتقون منها، ودون تمحيص احيانا، اعتمادا على الثقة العفوية من جهة، وضعف الاهتمام بالدقة، وأختصارا للوقت أوالجهد، وربما كلاهما ..
   وفضلا عن الاهتمام الشخصي بما كتب – ويكتب – في هذا المجال، وفرتْ ليّ الاسابيع القليلة الماضية، وبسبب التقييدات التي فرضتها جائحة "كورونا" الوبائية، فرصاً زمنية اكبر لقراءة - أو أعادة قراءة- الكثير مما يتوفر من كتب وسير ومذكرات، وكذلك مشاهدة - أو اعادة مشاهدة – العديد من اللقاءات والحوارات التوثيقية، التلفزيونية ذات الصلة، بسياسيين، معارضين بارزين  لأنظمة الاستبداد.. وبوطنيين مشهود لهم، وسواهم، من مختلف المشارب، والاتجاهات.. أقول ذلك لأصل الى تأكيد القناعة بما كتبته مطلع عام 2019  بأن ثمة الكثير من الملاحظات الانتقادية التي يمكن ان تسجل على ما يُكتب من"تاريخ" ويوثق من "أحداث" تطغي عليها الشخصنة، والـ "أنـا" المضخمة، لحدود بعيـدة، وفي غير سياقاتها أصلا.. (*)
    واذا ما كان هناك قاسم مشترك بين جميع تلك المؤلفات، فهو تأكيد اصحابها المبرز، بأن ما يأتون به هو " يخدم الحقيقة والتاريخ" وكأن في الأمر محاولة استباق لمنع "التشكيك" واحتراز من "تهمة" الذاتوية  في تسجيل وتوثيق الاحداث والسيّر والادوار. وأزعم بأن ذلك التوكيد المبالغ به قد يقود المتفحصين الى استنتاج العكس تماما. خاصة وقد تم أعتماد بعض الوثائق المنتقاة، او اجتزاء فقرات ومضامين، مكتوبة أو منقولة شفاهاً،  تدعم وتفيد ما يُـبتغى منها، ويُـرادُ لها..
    كما من السهل ايضا الوصول الى قناعة بأن كثيراً غالباً من تلكم الذكريات والسيّر توخت جمهرة محددة من الناس، وتتوجه بشكل رئيس الى القراء والمتابعين الذين عملوا او تشاركوا في العمل السياسي او الوطني مع كتاب السيرة، ومؤلفي الذكريات، ويعلمون بما أجترحوه من مواقف مشرفة، كما خاطئة، أو عليها ما عليها من خلافات وتفاسير جاءت مصحوبة بتوضيحات أو أعترافات خجولة بالاخطاء، والخطايا حتى، وترحيلها بصراحة أو توريةٍ الى آخرين، مع بعض الاستثناء هنا وهناك .
    لقد بالغ العديد من اصحاب السيّـر والمذكرات، التي شملت العقود الستة الماضية، خاصة، بالانتقاص والقاء اللوم على من تخالف أو أختلف معهم في الرؤى والمواقف، وفي التاريخ السياسي والنضالي المشترك، برغم ان مسيرة ذلك التاريخ، والصحبة النضالية امتدتا عقودا بعض الاحيان، تعرضوا خلالها لشتى اشكال القسوة والعنف والسجون من اجهزة الانظمة الارهابية. وقد تحملوا ذلك، منفردين ومجتمعين، بصلابة وتضحيات تسجل للكثير منهم بأمتياز.. غير انهم لم يستطيعوا، في ذات الوقت، تجاوز التنافس الشخصي، وردود الافعال الذاتية، وقبول تبايّن القناعات، واهمية الجدال.. ولا نقلّـل هنا مطلقاً من شؤون الدفاع عن النفس، وتأرخة الاحداث، وتبيان المواقف وتحديد المسؤوليات، والتصدي للتجاوزات والاتهامات.
      ووبالارتباط مع الفقرة السابقة، لعل من المهم ان نشير هنا ايضا الى خطالة لى العمل محاكاة الحاضر بالمفاهيم والقيم السابقة، والاستناد عليها في الكتابة "للتاريخ" دون الالتفات لجملة مؤشرات من اهمها الظروف السياسية والاجتماعية والمعرفية التي كانت تسود في حينها، ومتانة ورسوخ التجربة، ومستويات الأدراك والوعي، وشيوع التزمت بأحتسابه "ثباتاً مبدئيا" .. دعوا عنكم التقديس الايديولوجي، والثورية الحقيقية او المدعاة، ومزاعم امتلاك الحقيقة..
     لقد كان حرياً بنا طبعا أن نشير لأمثلة ملموسة، ولأسماء بعينها، لتأكيد ما ندعيه من أراء ورؤى. ولكن من دوافع الابتعاد عن ذلك – برغم توفر الكثير الكثير منه- تأتي قناعتنا بأن طرح ذلك، الآن، سيثير المزيد من الغلّـو والأحن، والعصبيّات، خاصة والبلاد العراقية وشعبها تحتاج لتضامن مجتمعي، وترفّع أنساني عن الخصوصيات والصغائر، في ظل الأزمة – بل الأزمات- الطبيعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي ما برحت تشيــع المزيد من الأحباط السائد، والمتراكم أصلا، من السياسة والسياسيين .. كما من الدوافع الاخرى لأقتصار كتابتنا هذه على العموميات، وليس الملموسيات، ثمة "خوف" من اقلام وألسن تنتظر أيّما سبب ورأي، أوموقف مخالف، لتبيح لنفسها الدفوعات المتشددة، أو الانفعالات  في الردود والتحاور والجدال.. فالوسطية باتت بعيدة - كما نرى- في زحام الاتهامات المتبادلة، وتصيّد الأخطاء، والتشنجات وتلك من أشد العلل، وأقساها على الاصعدة السياسية والثقافية والاجتماعية..
   ان ما يؤلم اكثر في هذه الحال الذي نتوقف عندها، هو قيام أعلاميين ومتابعين وغيرهم بقراءات مسبقة التقييم، لما تحتوية الذكريات والسيّر والشهادات ذات الصلة، وعرض بعضها بعيون "تبدي المساويا" ولدوافع مختلفة قد يكون من بينها حب الأثارة، وحسابات واصطفافات شخصية، او مواقف مختلف عليها في أحداث هنا ووقائع هناك، وخاصة حين يجري الانتقاء والاجتزاء، بل وحتى تشويه الحقائق، ولحد تزييفها احيانا. والأكثر ايلاما ان يكون بعض المقصودين هنا،  مشاركين بهذا القدر او ذلك في قضايا وتعقيدات الأمس التي يتبرأون منها اليوم..
      كما من الجدير بالأشارة اليه ايضا، هو ان مؤلفات السيرة والذكريات ، تباينت في اسلوبها، وفي لغتها، وسياقاتها، فكان بعضها يرقى الى شكل من اشكال الكتابة الادبية، فيما راح بعض آخر أشبه بيوميات مغرقة بتفاصيل ليست مهمة لغير من يعرف عنها، او مشمول بها.. وفي كلا الحالتين، وما بينهما، نزعم بأن ثمة طموح يرجوه الكثيرون لأن يكون القادم من تلك الكتابات  اكثر اهتماما بالشأن العام، ومحاولة الأبتعاد عن "الأنـا" إلا في مكانها وزمانها الطبيعيين، لكي لا تكون مقيتة، بل ومذمومة حتى .. وحسناً ان نستبق الغيـر ممن قد يفهم بأننا ندعو الى الابتعاد عن الجدال والتوثيق، فنقول، على العكس، ان ذلك الجدال والحوار أكثر من مرجوٍ ومطلوب، ولكن على أسس حضارية، وبعيدا عن التزمت والتدليس واثارة البغضاء..
    وفي الأخير نعيد التوكيد بأن هنالك - حول ما تحدثت عنه الفقرات اعلاه- أمثلة عديدة ووقائع كنا شهود عيان على بعضها بهذا القدر او ذلك، أو مطلعين بشكل وثيق على العديد من تفاصيلها.. ولكن عدم الأتيان بها – كما سبق القول - جاء محاولة  في منع المزيد من الاحباط، وأبتعادا عن المناكفات السياسية الضيقة. وحاشى بالطبع ان يكون ما تقدم من ملاحظات يهدف للأنتقاص من تاريخ شخصيات بارزة في تاريخ العراق الحديث، وساسة ميامين، ومناضلين وطنيين، اصابوا، أو أخطأوا دون عمد،  وكان الكثير منهم يحملون أرواحهم على أكفهم، لغايات نبيلة، وطوال عقود مديدة، عارضوا فيها السلطات والانظمة الجائرة التي حكمت البلاد العراقية.
-------------------------------------- رواء الجصاني: 12/ 8/ 2020
(*) الموضوع المشار له موجود على مواقع عديدة في شبكة الأنترنيت بعنوان "هوامش وملاحظات عن بعض مؤلفات السيـرات الشخصية، والمذكرات.. وعن بعض كتابها، وكتبتها!".


43
الجواهري في لبنان، وعنه:
إفتتـانٌ وشعـرٌ.. ومصاهرة!
رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------
تناقل العديد من وسائل الاعلام، في الايام الثلاثة الماضية، ابياتَ شعـرٍ عن المأساة اللبنانية الاخيرة، تم نسبها للجواهري، وهي ليست كذلك، مطلقا، مع الاحترام للناظم والناشر والناقل، والمتداول..
ولمزيد من الأحاطة والتعريف، ببعض محطات الجواهري في لبنان، وقصائده عنه، ننشر ادناه مقتطفات ضافية من نصٍ ضمه الفصل السادس في كتابنا " الجواهري... بعيون حميمة"  الصادر في براغ وبغداد وبيروت عام 2016:
--------------------------
* قد يحق لنا أن نجتهد، فنصيب، حين نقول ان الجواهري قد أوجز حبه للبنان وبيروته وجمال طبيعته، وحسانه اللواتي يفضن رقةً ودلالاً وغنجاً، وذلك في آخر قصائده ذات الصلة، عام 1961 حين قال:
لبنانُ يا خمري وطيبي، لا لامستكَ يدُ الخطوب ِ
لبنانُ يا غرفَ الجنان ِ الناضحات ِ بكل طيب ِ
لبنانُ يا وطني اذا حُلئتُ عن وطني الحبيبِ
*.. وتعود اولى قصائد الجواهري عن تلك البلاد التي عشقها بكل عنف، إلى مطالع الشباب، وإلى عام 1922 تحديداً حينما نظم نونيته "لبنان في العراق" لتليها كثيرات أخريات ومن بينها في الثلاثينات الماضية: "وادي العرائش" و"شاغور حمانا"... وفي الأربعينات "بنت بيروت" و"اخي الياس"...
 * ومن بين قصائد الحصة اللبنانية في ديوان الجواهري، تبرز بائية "ناغيت لبناناً" التي نظمت عام 1947 بمناسبة الزيارة التي قام بها الرئيس بشارة الخوري إلى العراق... وقد تشابكت فيها، وكما هي الحال شبه الدائمة في خوالد الشاعر الكبير، شؤونٌ وشجون عديدة، خاصة وعامة، ومطلعها:
ناغيتُ لبناناً بشعري جيلا، وظفرته لجبينه اكليلا..
* ثم يعود الشاعر في القصيدة ذاتها، ليجول في محاور متداخلة ومنها، وطنية هذه المرة، فراح يخاطب الضيف المحتفى، الرئيس بشارة الخوري:
يا شيخ لبنانَ الاشم فوارعاً، وشمائلاً، ومناعة ً، وقبيلا
مثلته في كلهنَّ فلم يرد، بسواك عنكَ، ولن يريد بديلا
ان العراق وقد نزلت ربوعه، ليعد ساكنه لديك نزيلا
*  وعلى الرغم من هذه العجالة في الكتابة عن لبنانيات الجواهري، لا يمكن الا ان نتوقف، ولو سريعا، عند رائيته الشهيرة عام 1950 والتي القيت في بيروت خلال حفل تأبيني مهيب وحاشد للشخصية الوطنية البارزة عبد الحميد كرامي، وقد كان من عواقب القصيدة، وتداعياتها، ان طلبت السلطات اللبنانية الرسمية من الشاعر الكبير، الخروج من البلاد خلال ثمان ٍ وأربعين ساعة لخطورته "الشعرية" على أمن البلاد!! ومن أبيات تلكم القصيدة الباهرة:
باق ٍ وأعمارُ الطغاة ِ قصارُ، من سفر ِ مجدكِ عاطرٌ موارُ
عبدَ الحميد ِ وكلُ مجد ٍ كاذب، ان لم يُصن للشعب فيه ذمارُ
المجد ان يحميكَ مجدك وحده في الناس، لا شُرَط ٌ ولا انصارُ
* وما دمنا في اروقة مقامة الجواهري اللبنانية واصدائها، نوثق بأننا حملنا اوائل العام 2011 "منقاراً وأجنحة" أخف ما لمَّ من زاد ٍ اخو سفر، لنعبر الحدود إلى بيروت، راحلين إليها من دمشق التي ودعتنا فيها "ناديا"، حفيدة الشاعر العظيم، وقد راحت – شاءت أم أبت – اخر ركيزة للعائلة الجواهرية المستقرة في بلاد الشام، حينئذٍ على الأقل... وهي التى حظيت – ولربما وحدها من الأحفاد - على ما نعلم – بقصيدة نادرة، ومعبرة من الشاعر العظيم عام 1988، ومن ابياتها:
يا ناديا الزهر الندي... يا قطعة ً من كبدي
*  واذ نتجاوز الحدود السورية بمسافة قصيرة، مع احباء واصدقاء تلوح امامنا فضاءات لبنان، وصورة جنانه التي رسمها، ولونها الجواهري بأكثر من قصيدة، ومنذ العشرينات: سهولاً وجبالاً وبحراً ومجتمعاً وناسا، دعوا عنكم الوقائع الثقافية والسياسية وما إليها، وبينها... ومن الشواهد على ما نقول فرائده التي جاءت في سطور سابقات من هذه الكتابة.
* ثم نستريح قليلاً في محطة أولى عند "الروشة" وسط بيروت، والتي طالما حدثنا الجواهري عن حبه لها، ولمقاهيها التى تداعبها بافتتان وتغازلها بعشق، موجات البحر المتوسط، الساحر والهادر في آن، وهو ذاته البحر الذي ناجاه الشاعر الخالد، وان من موقع آخر، حين كان على سواحله في أثينا عام 1977:
سجا البحر وانداحت رمالٌ ندية ولوح رضراض الحصى والجنادلِ
وفكت عرى عن موجة لصق موجة تماسك فيما بينها كالسلاسل
 *  وفي وسط بيروت عاشقة الفرح والمزدانة به برغم كل الآلام، نستذكر، ونحن بين اللبنانيات الساحرات جمالاً وغنجاً، ما كتبه عنهن الجواهري، عام 1947:
ناغيتُ لبناناً بشعري جيلا، وظفرته لجبينه اكليلا
وحسان لبنان منحت قصائدي، فسحبنهنّ كدلهنَّ ذيولا
أهديتهن عيونهنّ نوافذاً، كعيونهن اذا رميّن قتيلا
ورجعت ادراجي اجر غنيمة من بنت بيروت جوى وغليلا
*  ولعلّ واحدة ممن عناهن القصيد السابق عن الفاتنات، تلكم السيدة التي تزوجها الجواهري أواسط الأربعينات، من عائلة "بيضون" اللبنانية - السورية الكريمة... وقد كتب نجل الشاعر، فلاح، في بعض ذكرياته المنشورة عام 2009 عن علاقة ابيه، الخمسيني، او يكاد انذاك، بعروسته الشابة:
"لم أرَ والدي، ولا في أي يوم في بيتنا بمثل هذا المرح والانطلاق، فوجهه اما ضاحك أو مبتسم أو على الأقل ينضح بالرضى... مليء بالحيوية والنشاط... يعبث كثيراً مداعباً أو ممازحاً... ولم يترك تلك "الحورية " وحدها إلا ما ندر..."
* اخيرا نوثق ان اخر زيارة للجواهري الى بيروت كانت عام 1991 للمشاركة في مؤتمر تاريخي عقدته ستة فصائل عراقية معارضة للدكتاتورية والحرب والارهاب، وقد كان الشاعر العظيم، ووحده، فصيلا اضافيا، سابعا، بين المجتمعين، بحسب رموز سياسية بارزة شاركت في ذلكم المؤتمر...ثم، عاد الشاعر الخالد لعاصمة السحر والجمال مرات ومرات، منذ رحيله عام 1997 والى اليوم: حفلا تابينيا، وقل احتفائيا، وكتابات وبحوثا وذكريات، من شعراء وادباء ومبدعين ومؤرخين، وكذلك ديوانا كاملا بخمسة اجزاء اخرجه الفنان عباس الكاظم عام 2000....
* ولأن الشيء بالشيء يذكر كما يقال، نشير هنا الى ان ثمة ثلاث طبعات لديوان الجواهري قد صدرت في لبنان خلال الأعوام 1967 و1982 و2000 على التوالي... كما ونضيف ان حفلاً تأبينياً مهيباً قد احتضنته بيروت خريف العام 1997 في اربعينية الشاعر الخالد، وشارك فيه جمع بارز من شعراء ومفكري وأدباء البلاد، وفي مقدمتهم: سعيد عقل ومحمد دكروب ومحمد حسن الامين وجوزيف حرب وحبيب صادق إلى جانب مبدعين عراقيين وعرب آخرين عديدين..
-------------------------------------------------* رواء الجصاني

44

الجـواهــري :
فيّا لكِ امةً قُسِمتْ ثلاثاً وعشريناً، وتسأل هل مَزيدُ؟
* رواء الجصاني
-----------------------------------------------------------------
... والعنوان اعلاه واحد من "أبيات قصيد" دالية مطواع، نظمها الجواهري، والقاها في حفل مهيب بمناسبة زيارة رسمية وثقافية قام بها الى (أبوظبي) في النصف الاول من عام 1979 وكانت ضمن أواخر سفراته الخارجية من بلاده – العراق، الذي أغترب منه، وعنه، اوائل عام 1980 وحتى رحيله في دمشق الشام عام 1997 حيث وريّ الثرى هناك ..
وأجواء القصيدة واضحة ومباشرة  في المقاصد والمدلولات التي هدف اليها الجواهري، سياسية بأمتياز، مع بعض إفاضة لمكنونات نفسية ومشاعر وجدانية، ولوعات انسانية  من الاجواء العراقية والعربية السائدة حينئذٍ، في الانكفاء والتمزق، والأحـن، وشيوع العسف والارهاب..   
1/  يأتي المطلع جواهرياً، في "ديالوغ"  ذاتي - يوشر في ما يؤشر-  الى بعض عنفوان الشاعر، وتفاخره بمحطات ومواقف من حياته، وثراء منجزه الابداعي على مدى أزيد من نصف قرن..  كما يشي المطلع بما سيليه من مقاطع وأبيات لاهبة، تتوقف عند حال، وتثبت ثاني، وتتنبأ في آخــر.. فتقرر وتحكم، ثم تستنج فتحذر وتبشر في آن واحد:
 
أعيذكُ أن يعاصيكَ القصيدُ / وأن ينبو على فمك النشيدُ
وأن تعلو لسانك تمتماتٌ / وأن يتفرطَ العقد الفريدُ
أعيذك أن تتوهَ بكل وادٍ/ وأنت لكلّ سامعةٍ بريـدُ
فكن كالعهد منتفضاً شباباً / و جَوّد أيها اليفنُ المجيدُ
فقد آلى وريدك أن يغني / بحب الناس ما بقيَ الوريدُ
وقائلةٍ أما لكَ من جديدٍ / أقول لها القديمُ هو الجديد
كشفتَ بأمسِ وجهَ غدٍ رهيبٍ / أماطت عنه قافيةٌ شرودُ
كزرقاءِ اليمامةِ حين جَلّتْ / مصائرَ قومها بصرٌ حديد
وما كنت النبيّ بها ولكن/ نبيّ الشعـرِ شيطانُ مريدُ ..
ومن لم يتعظ لغـد بأمسٍ / وإن كان الذكيّ هو البليدُ

2/ وفي الابيات التاليات من القصيدة التي عنونها الجواهري بـ"أفتيانَ الخليج" ثمة وقفات وصف، وشكر على حسن وجميل الاهتمام الرسمي والثقافي والشعبي بزيارته لأبي ظبي، والحفاوة التي أستقبل بها، والتي لم يتوقع لها ان تكون بذلك الشكل، بحسب ما صرح به وفي أكثر من مناسبة..
وبعد ذلك يبدأ الشاعر ببث ما يعتريه من خواطر وانفعالات وشجون، وقراءات للواقع الذي تعيشه الامة، زعامات ومجتمعات وشعوبا، فراح يخاطب المحتفين به، وعبرهم المتلقين و"الصفوة" القادرين على فهم الاحداث، واستلهام العبر.. مستنهضا الهمم، و"الفتيّان" بشكل رئيس، ومحذرا من الأتي "الأعظم" والذي راح واقعاً  بعد فترات زمنية وجيزة، وتكررعلى شكل مآسي أستمرت – وتستمر- تداعياتها بصور واشكال وعناوين شتى: اضطهادا  وطغياناً وحروبا وأحترابات داخلية، وسوى ذلك من آلام وكوارث :

أفتيان الخليج وليس تألوا / دروبُ المجد تعمرها الوفودُ..
أهيبُ بكم وقد رجفَ الصعيدُ / وماتَ الوعدُ وانتفضَ الوعيدُ..
وباتت أرضنا كرةً تنزّى/ على الفرقاء تركنُ أو تميدُ
وأضحتْ ساحةُ الألعاب فيها / كأقصر ما ترسّمت الحدود
تَخَطفُها على نسقٍ بروقٌ / وترعبها سواسية رعودُ
ويوشك فرط ما دُحيّت بناها / على الرمضاء ينتشر الجليد
حذار بني الخليج فثـمّ وحشٌ / حديدُ الناب مفترسٌ حقودُ
خبيث الكيد في شرك خفي / يصيدُ عوالماً فيما يصيد
يغازلكـمْ مراودةً و يغـزي/ سواحلكم أساطيلاً ترودُ

3/  وبعد أن وثق الجواهري واقع الحال، في الابيات السابقة، حان الوقت لأن تأتي "ابيات" قصيد أخرى، وأعني بها رؤية الشاعر الخالد لبعض الوصايا، والتنبؤات التي أثبتت قوادم الاعوام صواب الكثير منها، كما سبق القول.. ولم يترك الأمر هكذا وحسب، بل انتفضت القصيدة تلتهب، وتهيب، وبقساوة مخلص حميم، تهدف للتحريض، وفق قناعات الجواهري التي باح بها مستندا الى تجاريبه في ميادين الحياة، وجهاده التنويري في ادانة العسف والتخلف، واشاعة العدالة والارتقاء:

أفتيان الخليج ولا خيـارٌ / وأن زعم الدعاةُ ولا محيدُ
وليس هناك إلا من يطاطي/ إلى المستعمرين ومن يذودُ
وما لضياعنا أمل يرجى / سوى أن يُجمعَ الشملُ البديد
فيالك أمة قسمت ثلاثاً / وعشريناً وتسأل هل مزيد؟
تعدّ لكل واحدة طبولٌ / وحراسٌ وترتفع البنودُ
وعند الهند ربعُ الكون عـدّاً / وفي شطريّن تنقسم الهنودُ

4/ ولمزيد من التأرخة والاستشهادات، لم يفوّت الجواهري الفرصة للتنبيه الى المزاعم التي كانت تسود فترة ولادة القصيدة – اي في آواخر السبعينات الماضية- صابّا جام الغضب على كل المعنيين، الرسميين والسياسيين، وغيرهم، المتاجرين – وما زالوا-  بقضايا الوطن والأمة، والقضية الفلسطينية في المقدمة طبعا...مقارناً ذلكم الحال الراهن لأولئك الزاعمين، مع احداث تاريخية ذات أكثر من مؤشر على ما ارادت القصيدة وصاحبها البوح به، موقفا وتوثيقا: 

ودجالين يصطنعون سحراً / وترياقاً بما صنع الجدودُ
تَعِلّاتٌ تشوق وهم صحاةٌ / وأطيافٌ تروقُ وهم هجودُ
ولم يُعـطِ الجدودُ (القدس) يوماً / ولا احتلتْ فلسطيناً يهودُ ..
(صلاح الدين) كان يَفّـتُ خبزاً / وكان ينامُ أرضاً والجنودُ
وكان يمدّ زنداً للمنايا / فتتبعــهُ مطاوعــةً زنــودُ
وها هو عنده فلكٌ يدوي/ وعند منعمٍ قصرٌ مشيــُد
يموتُ الخالدون بكل فـجٍ / ويستعصي على الموت الخلودُ

5/ وفي ختام داليته ذات السبعين بيتاً يعود الجواهري ليوجز، ويكرر مجددا خلاصات وآراء متعمقٍ في السياسة والفكر، ووصايا محنــكٍ في تجاريب الحياة، وتمنيّات متفائل بقدرات الشعوب والمكافحين من اجل النهوض والمستقبل "فإن تكُ أطبقتْ جدرُ الليالي/ فسوفَ يُشقُ من فجرٍ عمود" بحسب قناعات الشاعر الخالد.. 
--------------------------------------------* رواء الجصاني/ براغ- تموز 2020



45
ايضا .. عن اسماء ورواد في الهيئات العليا
 لأتحاد الطلبة العام في العراق
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------------
  نشرتُ قبل ايام،  وبمناسبة الذكرى السنوية الثانية والسبعين لمؤتمر ساحة السباع ببغداد، بتاريخ 1948.4.14  حيث أعلن عن تأسيس اتحاد الطلبة العراقي العام، نشرت توثيقاً ضم اسماء العديد من الرواد في هيئات الاتحاد القيادية، موزعة على اربع مراحل زمنية..
   وأتماماً للفائدة، والتأرخة الطلابية والوطنية العراقية، أعود هنا لأضافة خلاصات مما جاد به اصدقاء ومتابعون محترمون حول الموضوع، ممن شاركوا في بعض المحطات التاريخية لذلك الاتحاد الطلابي العريق، أو عايشوا عددا من نشاطاته على مدى عقوده السبعة الماضية، بهذا الشكل أو ذلك، وبهذا القدر او غيره، وبهدف أن تتكامل الصورة، ويتعزز التوثيق ..  مع التنويه الى ان  تسلسل الخلاصات قد ثُبتّ بحسب وروده زمنيا، وبالاسماء مباشرة مع حفظ واحترام الالقاب والمكانات:
* مالك حسن علي: لقد نسبت الى سكرتارية الاتحاد نهاية عام 1968 وحتى نهاية عام 1969 وذلك بعد سفر محمد الاسدي وفائزة الجواهري للدراسة خارج العراق .. وكان مكتب الجامعة يضم حينئذ يحيى علوان ومحمد السلامي ولؤي ابو التمن وسهابة الزهاوي .. كما كان في مكتب الثانويات الشهيد شيروان بالطة والفقيد علاء ابو العيس..  ..
   واضاف مالك حسن علي:  ومما يمكن استذكاره على هذا الصعيد  انه عقد في بيت لؤي ابو التمن عام 1969  اجتماع موسع لمكتب السكرتارية، ومكتب الجامعة،  لمتابعة خوض الاتحاد للأنتخابات الطلابية، والتسيق مع الاطراف الطلابية الأخرى .. ومما يمكن التوثيق له ايضا ان محمد النهر انتخب  في الكونفرنس الرابع للاتحاد الذي انعقد عام 1969 سكرتيرا للاتحاد خلفاً  لحميد برتو الذي غادر للدراسة في الخارج.. كما اتذكر اني ذهبت الى بغداد عام 1971 مندوبا عن فرع كردستان لحضور اجتماع اللجنة التنفيذية للأتحاد، الذي كان سكرتيره حينئذٍ مهند البراك..
* عادل حبة: من المهم الاشارة ايضا الى مشاركة جعفر اللبان وحافظ التكمجي وشامل النهر  في نشاطات ومسؤوليات مهمة للاتحاد ما بعد عام 1958..
* فائز الحيدر: هناك اسماء اخرى من المهم توثيقها ومنها: راجحة الحيدر وكاظم عوفي،  وكذلك صبحي مبارك الذي حضر الكونفرنس الاخير قبل المؤتمر الرابع عام 1967 .
*محمد جواد فارس: كنت عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد عن الفرات الاوسط للفترة 1968-1970 وقد حضرت المؤتمر الرابع للاتحاد، وكذلك عدنان الاعسم ممثلا عن النجف ..
* سعــد الطائي: كان من ابرز قيادة الاتحاد عام 1965 ولحين انعقاد المؤتمر الرابع عام 1967 : حسن الشمري وجميل الحديثي وعبد الرحمن ابو عوف وضياء الشكرجي..
* لؤي ابو التمن: من البارزات في هيئات الاتحاد القيادية: رقية الخطيب وهناء ادور وفارعة.... ( من كلية الحقوق) ..
*حميد الظاهر: هناك اسماء عديدة اخرى من المهم عدم نسيانها، وسأقوم بتسجيل ذلك بهدف التوثيق لتاريخ الاتحاد..
* مهند البراك: خلال تكليفي بسكرتارية الاتحاد للفترة 1971-1975 اسجل ان الظروف القمعية والعمل السري ادت الى ان تكون الصلات بين اعضاء السكرتارية فردية ومتقطعة، ومتغيرة التركيب، ولغاية 1972-1973 .. واضافة للاسماء التي اوردتها المتابعة  كانت هناك شخصيات اخرى منها: جنين النعيسي وصبيحة ..... ( من كلية الصيدلة) وكفاح الصائغ ويسار على شكر.. وعن الثانويات: خالد عبد علي، وعلي عزيزية ..
  واضاف مهند البراك : في ظروف بالغة السرية بسبب الارهاب الفاشي كانت هناك نيّة اوائل عام 1979 لاعادة تشكيل الاتحاد، وقد برز خلالها القادة الطلابيون منعم راضي ثاني (كلية الجامعة التكنولوجية) وخالد يوسف متي (كلية الادارة والاقتصاد)  وعلي ( الشهير باسم علي بوتو - كلية الاداب) وقد اسشهد ثلاثتهم  لاحقا. وكذلك سعدي عبد الرحيم السعداوي (الجامعة المستنصرية).
* د. ب.ع: وهو مسؤول اتحادي مخضرم، لم يرغب بذكر اسمه، اكد ان هناك اشخاصاً اخرين  كانوا  في مراكز مسؤولة في الاتحاد اواخر الستينات ومنهم: نعيم الناشئ وحماد الخطيب ورضا عبد ولفتـة بنيان..
* جاسم المطيـر: انعقد المؤتمر الثاني للأتحاد في شباط 1959 وكنت عضوا في لجنته التحضيرية، ثم انتخبت في اللجنة التنفيذية للأتحاد مع مهدي عبد الكريم وماجد عبد الرضا وسعود الناصري. كما أنتخبت رئيسا لفرع الاتحاد في البصرة بعد المؤتمر ..

... وهكذا، وبعد تعقيبات وتعليقات وايضاحات الذوات المحترمين في السطور السابقة، مع حفظ القابهم ومكاناتهم كما أسلفت، تتوضح الصورة اكثر ويتوثق المزيد من المعلومات والاسماء، كما في السجل ادناه، المصحح وفقا لما ورد من اضافات، ومن المؤكد انه سيتكامل أكثر فأكثر من خلال الاضافات  القادمة كما اتمنى:

* اولاً / اثناء الفترة 1948- 1958: 1/ عدنان البراك 2/ جعفر اللبان 3/ قتيبة الشيخ نوري  4/ ثابت حبيب العاني 5/ عبد الرزاق الصافي ..

* ثانياً / اثناء الفترة 1958- 1963: 1/ صاحب المرزا  2/ حافظ التكمجي  3/ جاسم المطير 4/ سعود الناصري 5/ شامل النهر 6/ عادل حبـة  7/ مهدي عبد الكريم 8/ مهدي الحافـظ  9/ ماجد عبد الرضا 10/  موفق الطائي 11/  نوري عبد الرزاق حسين ...

* ثالثا / اثناء الفترة 1965- 1969: 1/ رقية الخطيب 2/ عطية الخطيب 3/ راجحة الحيــدر 4/ بخشان زنكنة  5/  فائزة الجواهري 6/ سهابة الزهاوي 7/ هناء ادور  8/ حسن الشمري 9/ حماد الخطيــب   10/  حميد برتو 11/  جمال أسد  12/ جميل الحديثي  13/ رضا عبد  14 / صلاح زنكنة  15/ عادل وصفي  16/ عبد الحسين شعبان  17/ عبد الحسين رمضان  18/ عزت ابو التمن  19/على العاني 20/  فائز الحيدر  21/ فارعة... ( من كلية الحقوق)  22/ كاظم عوفي  23/  لؤي ابو التمن 24/ سعدي السعيد  25/ لفتة بنيّان  26/ مالك حسن علي  27/ محمد الاسدي 28/ محمد جواد فارس  29/ محمد السلامي  30/ محمد النهر 31/ مهدي السعيد 32/ نعيم الناشئ 33/ نوروز شاويس  34/ يحيـى علـوان ..
 
* رابعا /  اثناء الفترة 1969-1975 : 1/ رمزية جــدوع  1/ جنين النعيسي  2/ صبيحة ..... ( من كلية الصيدلة)    2/ أبراهيم عدوان 3/ ابراهيم المشهداني  4/ حسان عاكف حمودي  5/ خالد عبد علي  6/ رعد ستار  7/ رواء الجصاني  8/ صبار نعيم 9/ عبد الخالق أحمد  10/عصام الناصري 11/ علي عزيزية 12/ فيصل عبد الغفار العاني  13/ لؤي حسام الدين الالوسي 14/ كفاح الصائغ  15/ مهند البراك 16/ ناظم الجواهري 17/  ياسين ... (من الجامعة المستنصرية)  18/ يسار على شكـر..

*** أخيـــرا ..
وفي ضوء ما سبق من سطور وفقرات، ثمة ملاحظات اظن بأن من الفائدة ان اوجزها في التالي، وعلى ذات الطريق، اي بهدف محاولة التوثيق الادق، والاشمل، ومنها:
- وردت في عدد من التعليقات والتعقيبات اسماء كريمة لنشطاء متميزين في هيئات الاتحاد المختلفة، ولم تُدرج في القائمة اعلاه لأنها عَنـتْ، خاصة، بالهيئات المركزية(العليا) في الاتحاد..
- كما من المهم الاشارة ايضا الى ان مهام ومسؤوليات الذوات الذين وردت اسماؤهم كانت في بعض الاحيان لفترات قصيرة، أو مؤقتة، ولا شك بأن انجاز التأريخ الموسع  لنشاطات الاتحاد، سيوضح بشكل ادق مسؤوليات النشطاء واالقادة الطلابيين، ومواقعم ومهامهم وفترات عملهم.. 
- ومما يجدر التنويه اليه في السياق  هو  ان هذه المتابعة التوثيقة لم تؤرخ لنشطاء وكوادر ومسؤولي الاتحاد في الخارج، سواء ممثليه في سكرتارية اتحاد الطلاب العالمي، أو في لجنة التنسيق بين فروع الاتحاد في الخارج (الجمعيات والروابط الطلابية العراقية في نحو 25 بلدا، عربيا واجنبيا (**)..   
- كما تجدر الاشارة الى ان هناك مرحلتين زمنيتين اخريتين  تستحقان التوثيق:  الأولى لسنوات  1979-2003 والثانية لفترة ما بعد 2003 وذلك بهدف المزيد من التأرخة لاتحاد الطلبة العام في العراق، وسواء داخل البلاد او خارجها، وعن مسؤوليه وكوادره، ومن بينهم راحوا  شهداء بواسل، ومناضلين أشداء، وشخصيات باتت لاحقا تشغل العديد من المواقع  والميّزات الاجتماعية او الاكاديمية او السياسية الوطنية..
-----------------------------------------------
(*) لغرض التوضيح، ليس إلا، حول كيفية استقاء الكثير من المعلومات اعلاه، نوثق بأن كاتب هذه المادة (رواء الجصاني) كان مكلفاً  بالعمل في سكرتارية الاتحاد للفترة 1971-1974 معنياً بشؤون الاعلام والعلاقات، الى جانب متابعة التشكيلات الاتحادية التنظيمية لعدد من الكليات والمعاهد ببغداد .  كما انه  - اي الكاتب – قد مثلّ اتحاد الطلبة العراقي العام لدى مقر سكرتارية اتحاد الطلاب العالمي ببراغ  للسنوات 1979-1986 . وقد أُنتخب خلال الفترة ذاتها سكرتيرا عاما للجنة التنسيق، المسؤولة عن متابعة فروع اتحاد الطلبة العـام في الخارج .
(**) للكاتب متابعات توثيقية عديدة حول تاريخ الاتحاد منشورة على شبكة الانترنيت، ومنها:
1/ في عام 2011 مادة بعنوان " جمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن 1978-2003.. ربـع قرن ضد الدكتاتورية والارهاب ".
2/ في عام 2016 مادة بعنوان "ربـع قرن في حركة طلابية مجيدة"..
3/ في عام 2018 مادة بعنوان "شهادات عراقية في تاريخ اتحاد الطلاب العالمي 1979-1989"..




 


46
اسماء ورواد في الهيئات العليا
 لأتحاد الطلبة العراقي العام
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
  لا بــدّ من الاشارة اولا الى ان هذه الكتابة، ليست سوى مادة خام، جاءت في الخاطر سريعا، وها أنشرها سريعا ايضا  بالاعتماد على الذاكرة وحسب، بمناسبة الذكرى الثانية والسبعين لتأسيس اول اتحاد طلابي عام في العراق بتاريخ 1948.4.14 وهي تحاول ان توثق لاسماء ورواد في الهيئات المركزية الاولى في الاتحاد، ومكاتب سكرتارياته، في فترات فاصلة من تاريخ البلاد العراقية ..
  ويقينا ان اضافات المعنيين انفسهم، والمتابعين ستوثق المزيد من الاسماء، وتصحح ما قد يجئ سهوا في السطور التاليات.. مع الاعتذار مسبقا لأي نسيان تسبب في عدم تسجيل رواد ومناضلين آخرين، وعسى ان أعود لاحقا لمزيد من التوسع والعناية بهذا الشأن المهم في تاريخ الحركة الوطنية العراقية عموما، والطلابية خاصة .. 
  وقبل البدء بتسجيل الاسماء أظن بأن من الضرورة الاشارة العجول الى ان عددا ممن ستأتي بهم التأرخة، راحوا شهداء بواسل، كما مناضلين اجلاء في خضم نضالات شعب العراق من اجل التحرر والتقدم والارتقاء. وكانت ادوارهم ومسؤولياتهم  تختلف من أحد لآخر، وكذلك طول فترة تلك المهام..
* اولاً / اثناء الفترة 1948- 1958: 1/ عدنان البراك 2/ جعفر اللبان 3/ قتيبة الشيخ نوري  4/ ثابت حبيب العاني 5/ عبد الرزاق الصافي ..
* ثانياً / اثناء الفترة 1958- 1963: 1/ صاحب المرزة 2/ مهدي عبد الكريم 3/ نوري عبد الرزاق حسين  4/ مهدي الحافـظ  4/ ماجد عبد الرضا 5/ عادل حبـة 6/ شامل النهر 7/ موفق الطائي...
* ثالثا / اثناء الفترة 1965- 1969: 1/ رقية الخطيب 2/ راجحة الحيــدر 3/ بخشان زنكنة 4/ حسن الشمري 5/  حميد برتو 6/  جمال أسد 7/ جميل الحديثي  8/ صلاح زنكنة  9/ عادل وصفي  10/ عبد الحسين شعبان  11/ عبد الحسين رمضان  12/ عزت ابو التمن 13/ على العاني 14/  فائز الحيدر 15/ كاظم عوفي 16/  لؤي ابو التمن 17/ سعدي السعيد  18/ محمد الاسدي 19/ محمد النهر 20/ نوروز شاويس  21/ يحيى علـوان ..
* رابعا /  اثناء الفترة 1969-1975 : 1/ رمزية جدوع   2/ أبراهيم عدوان 3/ ابراهيم المشهداني  4/ رعد ستار 5/ رواء الجصاني  6/ صبار نعيم 7/ عصام الناصري 8/ فيصل عبد الغفار العاني  9/ لؤي الالوسي 8/ مهند البراك 9/ ناظم الجواهري..
    أخيرا، وعلى عجالة ايضا، فالسطور اعلاه دعوة لكل الاعزاء الذين وردت اسماؤهم لكي يضيفوا ما يستطيعون، وعلى ان يتحمل الباحثون النجباء متابعة التفاصيل والمؤشرات التي تغني وتفيد للأجيال المعاصرة، والقادمة، من طلاب العراق الجهودين من اجل الحياة الحرة الكريمة والمستقبل الافضل..


47
هوامش وتساؤلات من مفكرة الاحداث - 7
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
باتت ثورة الاتصالات، وتنوع اشكالها، واتساع مدياتها، تتطلب، بحسب الواقع العملي، مواجيــزَ وبرقيات ربما يعتقد العديد بسهولتها مقارنة مع المقالات والتحليلات المسهبة،
ولكن الحال تقول شيئاً آخر كما أزعم.. فثمة صعوبــة بالغة في القدرة على التعبير بكلمات لا سطور، وبجمل عجول، وليس بفقرات مطولة.. أدناه محاولات على تلكم الطريق، وقد
تكون جديرة بالاهتمام، خاصة وهي تأتي على شكـــل يوميات وآراء:
+ 2020.3.20 : أما آن الأوان لتأجيل التنابز والتناحر السياسي – ولو مؤقتاً- وتركيز الجهود على التوعية الصحية، والسعي المشترك لدحر مآسي "كورونـا" ؟!.
+ 2020.3.22 : 50-40 مليوناً قتلتهم الحرب العالمية الثانية، ولكن الحياة لم تنته، بل وعادت ارقى.. اليس كذلك؟!.
+ 2020.3.23 : هل يصلح ما قاله الجواهري عام 1969، على راهننا العراقي اليوم: "وما بـرحَ العراقُ محـكَ صبــرٍ، يطاقُ بأرضهِ، غيـرُ المُطـاقِ" ؟!.ِ
+ 2020.3.27 : لا نعرف ما الغاية من نشر السوداوية والكآبة واخبار وصور الحزن، والبكاء، ومشاعر الخوف والهلع، الحقيقية،او المبالغ فيها؟!.
+ 2020.3.29 : عدد من السياسيين "العقائديين" عجولٌ في تحليل عهود ما بعد وباء (كورونا).. منهم "صينيو" الهوى، ومنهم "غربيو" القناعة والرؤى؟!.
+ 2020.4.1: انهال الشتم والتشكيك فور الاعلان عن عدنان الزرفي، مكلفاً بتشيكل الحكومة الجديدة.. وبعض المشاركين في الحملات ضده  لا يعرفون حتى اسمه الصحيح، فأحدهم اسماه "قحطان" والثاني "نعمان" والثالث "لقمان" !.
+ 2020.4.2  : لكلٍ قلقه وهواجسه ومزاجه .. فلماذا يصر البعض على ان يعرف الآخرون  بهمومه، بل وكآبته حتى!؟.
 + 2020.4.3: برغــم الأزمة الوبائية الهائلة، وما حتمته من مشاعر وهواجس، يستمر البعض في انتحال البطولات والانجازات "السياسية" والأجتماعية" والعلمية" علناً، مع سبق الأصرار!!.
+ 2020.4.5: التضامن الاجتماعي لا يعني نشر القنوط والكآبات والاخبار المحبطة غير الدقيقة، على العامة!.. أما يكفي ما عندهم من قلق وهواجس؟!.
+ 2020.4.7 : ما الضرر في أن يشير الكاتب أو المعلق- ولو سريعا- الى مصدر المعلومة او الخبر الذي ينشره، فنكون قادرين أكثر على الفهم والمعرفة ؟!.
+ 2020.4.8: ومن التساؤلات: هل يحق أن "يتصدى" وأن  "يحكم" غير المختصين على ابداع النبغاء، والعظماء المتفق عليهم؟!.
 

48
*من بينهم نوري السعيد وعبد الكريم قاسم وصدام حسين*
حكام العراق وسياسيوه بين الهجاء والمديح
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
   كما هي المغالاة العراقية في شؤون عديدة "حفل" قاموس الهجاء والشتائم التى اطلقها العراقيون – وما برحوا – على العديد من سياسييهم وحكامهم بنصوص غاضبة  "متفردة" في مفرداتها واساليب واشكال الافصاح عنها كما أحسب، وكذلك هي الحال  في مدائحهم، ايضا .. ووفق الذاكرة وما تخزنه، لربما تفيد التوثيقات ادناه  لبحث اجتماعي - نفسي ، مثلا، بغية ان يتوقف عنده المعنيون لمزيد من الدراسات عن الحدة، والغلو، والعنف، والتناقض عند مواطني البلاد، وتشكيلاتهم السياسية (1).
    لقد جاء بعض ذلك الهجاء  والشتائم على اوجه عدة، ومنها بشكل سخرية واهازيج  لاذعة، وثقيلة احيانا،  لتعبر عن الحال السياسية، والاجتماعية والنفسية ومديات الوعي، والتمزق الداخلي، بأشكال متنوعة، كما سنرى. مع التوكيد بأن جميع الامثلة التي نوثق عنها تُعنى بالعراق الحديث بحسب التعبير السائد، اي ما بعد الحكم (الوطني) عام 1921... وقد اهملنا، عن عمد، النماذج بالغة البذاءة، والحدة، برغم ان ما سيلي ليس خاليا من بعض قسوة ومباشرة، وندونه بهدف التأرخة واستخلاص اتجاهات ووقائع ملموسة .
   اما المديح ونصوصه واهازيجه، بأشكاله المختلفة فقد توقفنا عنده ايضا، ولو بشكل عجول،  لتبيان المبالغات العراقية، والتقلبات في المواقف والاراء،  وسواء كانت من الاوساط الشعبية او السياسية، دعوا عنكم البطانات والاجهزة الاعلامية الرسمية، وكذلك المديح المدفوع الثمن للكثير ممن يعيشون او يعتاشون عليه ..
   وفي هذا السياق  لا بد من الاشارة ايضا الى اهمية دور القوى والاحزاب والتيارات السياسية المتناحرة، في اشاعة – بل واطلاق - شتائم ومفردات شعبوية قاسية، وعبر "بستات" واهازيج مثلا، وبطرق متباينة اعلامية وتحريضية و(تنويرية!) وفقاً لقناعات ذوي العلاقة والامر منهم. كما  يبيّن – التوثيق-  لحدود معيّنة كيف كانت المدارك والمفاهيم  في حينها ..
   ولمزيد من الدقة نوضح ايضا ان هذا  التوثيق قد اعتمد – جهد الممكن- الاسبقية الزمنية، في العهد الملكي والجمهوري سواء بسواء، مبعدين التوصيفات والشتائم "السياسية" والاتهامات الشخصية مثل العمالة والدكتاتورية والماسونية والرجعية وسواها ..
1-   الملك فيصل الاول (بن الحسين) الذي أختير ونصّب اول ملك للعراق الحديث (الوطني) ومما كتبه عنه، هجاءً،  الشاعر  معروف الرصافي " لنا ملك تأبى عصابة رأسه / لها غير سيّف "التيمسيين" عاصبا / وليس لنا من أمره غير أنّهُ / يعدّد أياما ويقبض راتبا وكلمة او صفة "التيمسيين" الواردة في النص تعني البريطانيين، وعاصمتهم لندن التي تقع على ضفاف نهر "تايمس/ تايمز" الشهير .. اما موالو الملك ومؤيدوه فقد كالوا له المديح وأيات الشكر العظيمة، كتاباتٍ وشعرا واهازيج وغيرها،  بأعتباره العربي الاصيل، الهاشمي البـر، المصلح والساعي لبناء الدولة العراقية ..
2-   نوري السعيد، رئيس الوزراء المديد في العهد الملكي، حتى عام 1956 وقد قيل ماقيل عنه من قدح وذم لا يباريّان، ومن بينها هذه الاهزوجة الشعبيـة التي راجت  في حينها  "نوري السعيد القندرة، صالح جبر قيطانه" (2).. وقد رد محبوه وانصاره  بأهزوجة مقابلة ونصها" نوري السعيد شدّة ورد، وصالح جبر ريحانه"  لانهم والعديد  من السياسيين والعامة ايضا، يرون بأنه الرجل المناسب في الزمان المناسب، المخلص لاجتهاداته وقناعاته وما يترتب عليها، وفي اهمية ارتباط العراق مع بريطانيا بشكل وثيق..
   اما المقصود الاخر في الاهزوجة - اي صالح جبر- فهو سياسي عراقي مهم في العهد الملكي، وتُؤرخُ اشهر لا وطنيته ، وفق معارضيه، كونه كان متحمسا لعقد معاهدة "بورتسموث" مع بريطانيا عام 1948 والتي اثارت حفيظة قطاعات سياسية وشعبية واسعة في البلاد، واشعلت  ما يعرف بـ "وثبة كانون الثاني" التي ووجهت برصاص  الشرطة وخلفت قتلى  وجرحى عديدين،  ثم ادت الى الغاء المعاهدة وسقوط الحكومة .. وقد كان – جبــر-  رئيسا لمجلس وزراء العراق في حينها. كما كان حليفا ومناصرا وثيقا لنوري السعيد..
- ومن الاهازيج / الشعارات الشعبية – السياسية  ايضا ضد نوري السعيد، تلك الشهيرة التي أطلقت بعد قيام الجمهورية الاولى في العراق عام 1958  وهي " يا بغداد ثورى ثوري، خلي (فلان) يلحك نوري".. واما "فلان" فهو اي اسم لسياسي او لحاكم  يستحق البطش به بحسب مطلقي الاهزوجة، لأن نوري السعيد كما هو معروف قد قتل وسحلت جثته في شوارع بغداد بعيّد سقوط النظام الملكي، وقيام الجمهورية الاولى .
3-   عبد الاله بن علي بن الحسين، الوصي على عرش العراق منذ عام 1939 وحتى عام 1953، اي الى حين ان بلغ الملك فيصل الثاني ( بن الملك غازي بن فيصل الاول)  سن الرشد ليتولى العرش. وقد شمله – اي عبد الاله-  الهجاء العراقي القاسي لما عرف به سياسيا: من مولاة لبريطانيا، واجتماعيا:  بحب النساء والكحول بحسب معارضوه . وبلغت القسوة منتهاها عليه حين قتل مع بدء حركة الرابع عشر من تموز 1958 التي اسقطت النظام الملكي، وقد سحلت جثته في الشوارع حتى تآكلت ... بينما كيلت له بالمقابل من الموالين والمناصرين، المدائح لانه كان من السلالة الهاشمية، ومارس مهامه بحنكة ومسؤولية، وقدم خدمات جليلة خلال فترة وصايته على العرش العراقي لمدة اربعة عشر عاما ...
4-   فاضل الجمالي، السياسي العراقي الشهير، وتولى العديد من المسؤوليات الرفيعة حتى نهاية الحكم الملكي عام 1958 ومنها رئيس لمجلس الوزراء عام 1954. وقد نددت به العديد من القوى السياسية بسبب قناعاته بضرورات التحالف مع بريطانيا. ومن اشهر اما قيل ضده من هجاء الاهزوجة الشعبية (مشروع "الجمالي" بالراديو حجالي/ ويريد يربطنه بحلف ما اله تالي) (3).  لقناعاته بأهمية  قيام حلف بغداد بين العراق وايران وباكستان، والمملكة المتحدة، عام  1957 وترحيبه به عبر وسائل الاعلام، ومنها الاذاعة عام 1955 . اما مؤيدو الجمالي فيرونه رجل دولة، ومفكرا وشخصية قديرة ودبلوماسيا بارعا..
5-   عبد الكريم قاسم، مؤسس الجمهورية الاولى في العراق عام 1958 وندد به معارضون عديدون، احزابا وشخصيات وفئات سياسية، باتهام فرديته وتسلطه وانه "قاسم العراق" وساذج ولا يصلح رئيس دولة .. وفي المقابل كان له انصار كثيرون سياسيا وشعبيا لانه باعتقادهم: عبقري وابو الفقراء، ومؤسس الجمهورية الاولى. وبعد قتله بتاريخ 1958.2.9 من قيادات حركة شباط البعثيية حزنت عليه اوساط شعبية لحد كبير حتى انها نكرت انه مات فعلا "وان وجهه انعكس على الارض من القمر".
6-   عبد السلام عارف، العقيد العسكري المشارك بفاعلية في اسقط الحكم الملكي عام 1958.. ثم رئيس العراق في الستينات، ولقي معاداة كبيرة من المعارضين لقناعاته القومية، ودوره في التنكيل بانصار القوى السياسية "اليسارية".  وقد نال منه الشاعر محمد مهدي الجواهري بشكل شبه صريح في ميمية مطولة بعد انقلاب 8 شباط 1963 وما حدث فيه من مآسي راح ضحيتها الالوف من القتلى والجرحى والمعتقلين، وكان لعبد السلام عارف دور  كبير فيها، ومما جاء في تلك القصيدة ( يا عبدَ حربٍ وعدو السلامْ/ يا خزيّ من صلى وزكى وصامْ/ يابن الخنا ان دماء الكرام/ نار تلظى في عروق اللئامْ) .
ووفق متابعين  فقد ابتهج مواطنون كثيرون بمصرع عبد السلام عارف في حادث سقوط طائرته المروحية وهو رئيس للبلاد عام1966 وان ما حدث هو  انتقام من الله. ومما يوثق ذلك انتشار الاهزوجة الشعبية (صعد لحم / نزل فحم) (4). بينما كان له محبون ومؤيدون عديدون لانه بتقديرهم مخلص لوطنه وامته العربية وانه (ابو الثورات الثلاث في العراق)(5)  وغير ذلك من انجازات وفق تقديراتهم.
7-   احمد حسن البكر، العسكري والسياسي ورئيس الجهمورية العراقية الاسبق(1968-1979) وقبلها رئيس حكومة انقلاب شباط 1963 سابق الذكر. ويصفه معارضوه بأنه مسؤول مباشر وغير مباشر عما تعرض الوف العراقيين من عسف وقتل. اما شعبيا فقد كان يوصف بانه بسيط وريفي وعشائري (يصلح للزراعة ورعي البقر). وبالمقابل كان مؤيدوه، البعثيون خاصة، يصفونه بانه مؤمن يخاف الله ومحب الناس، ومخلص للبلاد .
8-   طاهر يحيى، عسكري عراقي معروف، شغل  مهمات عديدة ومنها رئيس للحكومة اواسط الستينات الماضية، ويحمله معارضوه مسؤليات مباشرة عما وقع من قمع وتنكيل بالمواطنين بعد حركة شباط البعثية عام 1963 التي كان مشاركا فيها بمسؤولية ونشاط. وقد قيل ضده الكثير خلال اشغاله منصب رئيس الوزراء في مجالات التسلط والوساطات والمناطقية، وكذلك تهم الرشاوى والسرقات له واقاربه ومواليه، وأطلق عليه لقب  (ابو فرهود) (6) وقد ثبت لاحقا بحسب الموثقين بان ما أشيع عنه بشأن الفساد المالي أقل بكثير جدا عن الواقع.  فيما يتحدث عنه بالمقابل مؤيدون وانصار بكثير من التقديـر.
9-   صدام حسين، السياسي البعثي، والرئيس العراقي للفترة 1979-2003 يدينه معارضوه من مختلف القوى السياسية بأن عهده كان الاقسى على البلاد، اضطهادا وعسفا وحروبا داخلية وخارجية، وقد لقي من الاحزاب والقوى المعارضة له، كما قطاعات شعبية واسعة جدا، الادانة البالغة، والهجاء والقدح بمديات كبيرة، واطلاق التسميات والاوصاف المشينة ومنها الفاشي والارهابي و(هدام العراق)  والدكتاتور الدموي.  ولكن بالمقابل كان بنظر اليه  الكثير من البعثيين وغيرهم، بطلا وطنيا وقوميا، وحاكما مخلصا لمبادئه. ولا نحسب الحساب هنا لـتأليه صدام من الاجهزة الحكومية، والاتباع.
* اخيــرا ..
  وفي اطار ما تستهدفه هذه الكتابة، والتوثيقات، تجدر الاشارة على ما نعتقد بأن شدة الهجاء والقدح، والتسميات والاوصاف كان تستعر وفق ما تشهده الحال السياسية في البلاد، ومع مستوى ادوار المسؤولين والزعامات الحاكمة، بقناعات حينا، أوعلى طريق التحريض والتعبئة السياسية احيانا اخرى ..
 ويقينا ان هناك العديد من السياسيين والمسؤولين العراقيين الذين طالهم الهجاء والشتم، وفي مختلف العهود، ولكننا اكتفيّنا بالشخصيات السابقة كنماذج ليس الا، ولأنها كانت الاكثر استدلالا - بحسب اجتهادنا- لما اردنا التوثيق عنه وله.
  كما نشير كذلك الى انه كانت لأهازيج الهجاء، والتسميات والاوصاف، التي  جرى الوقوف عندها في الفقرات السابقة، مكانة واستخدامات مؤثرة عند المعارضة الشعبية، وخاصة حين تقف وراءها القوى والحركات والشخصيات السياسية ، مع التنويه بهذا السياق الى اننا لم نشمل بهذه الكتابة الفترة ما بعد 2003 وبدء الجمهورية الخامسة (او السادسة) في العراق.
   ونضيف للتوثيق ايضا الى ان هناك تقلبات عديدة في اطلاق الاوصاف والهجاء، بما ينسجم مع المواقف العامة والخاصة من هذه الشخصية والحاكم او غيره، ما بين الادانة القاسية مرات، والمديح المبالغ به مرات اخرى، بحسب تقييمات المعنيين، مشيرين بشكل ملموس، الى التقلبات بشأن الموقف من بعض رجالات العهد الملكي، ومن مؤسس الجمهورية الاولى، عبد الكريم قاسم، ومن الرئيس الاسبق صدام حسين. وللموضوع الكثير الكثير من التفاصيل والاسباب والوقائع، تحتاج لوحدها كتابة او توثيقات اخرى.   
* هوامش واحالات ------------------------------------------------------
1/ نشرنا مادة مطولة بعنوان "وقفات عند اسباب ودوافع ووقائع: العنف السلطوي والمجتمعي في العراق الحديث" موثقة على شبكة الانترنيت بتاريخ 2020.2.20.
2/ اي ان نوري السعيد هو ا"حذاء" قدم، وصالح جبر، هو قيطان ذلك الحذاء.
3/ وبالعربية الفصحى: ان مشروع حلف بغداد كان من الجمالي، وروج له عبر الاذاعة، ويريد منه ان يربط به العراق، ولأجل غير محـدد، أو لا فائدة منه  .
4/ اي انه ركب الطائرة الى السماء، وكان حياً، ونزل الى الارض متفحماً بعد احتراقها.
5/ المقصود بـ"ابو الثورات الثلاث" أنه - بحسب مواليه وانصاره ومحبيه- قائد ما يعرف ويسمى: "ثورة تموز 1958 وثورة 14 رمضان 1963 وثورة 18 تشرين 1963".
6/ كلمة "فـرهود" ارتبطت بأذهان العراقيين، بعد ما  شهدته العاصمة العراقية - بغداد من نهب وسلب لاموال سكانها اليهود وممتلكاتهم عام 1941. وباتت حال تضرب بها الأمثال لاتساعها وقسوتها.


49
هوامش من مفكرة الاحداث الراهنة في العراق - 6
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
باتت ثورة الاتصالات، وتنوع اشكالها، واتساع مدياتها، تتطلب، بحسب الواقع العملي، مواجيــزَ وبرقيات ربما يعتقد العديد بسهولتها مقارنة مع المقالات والتحليلات المسهبة،
ولكن الحال تقول شيئاً آخر كما أزعم.. فثمة صعوبــة بالغة في القدرة على التعبير بكلمات لا سطور، وبجمل عجول، وليس بفقرات مطولة.. أدناه محاولات على تلكم الطريق، وقد
تكون جديرة بالاهتمام، خاصة وهي تأتي على شكـــل يوميات في مسارات الاحداث الراهنة في عراق اليـــوم، وربمــا اللاحق!:الناس واحترم!
 + 2020.3.1 : وتؤكد الايام ان اختلاف الراي افسد - ويفسد وسيفسد- في الود قضايا، لا قضية واحدة! وخاصة عند الذين يتشدقون بحب الناس واحترامهم!.
+ 2020.3.2 : ومن بؤس ثقافة الحقد والتاجيج  المجتعي ان يفرح   البعض، سرا وعلانية، حين  يصيب فيروس (كورونا) القاتل، الاعداء، وغيرهم.. !
+ 2020.3.4 :  في محاولة لرصد الامور الراهنة شعراً، كتبت:
.. متنعميــن يُؤججـــون مآسياً، ويخالطون السـمَّ بالارطابِ
بِئسَ النٌفوسُ إذا نَأتْ عنْ رفعةٍ، وتَحــدرتْ لتَنـابــز الألقــابِ
+ 2020.3.6 : في الازمات الوطنية الخطيرة يتكاتف الناس، ويتساهلون في ما بينهم... فما هي الحال عندنا؟!.
+ 2020.3.9 : وتساؤلات تتلو آخرى، ومنها:  لو جرت انتخابات "نزيهة" فعلا في العراق، فمن سيفوز في المرتبة الاولى ؟!.
+ 2020.3.11 : التضامن الاهلي الان اهم من كل التناحر والتنابز الفكري والسياسي، أم لا؟!.
+ 2020.3.13 : هل من الصحيح ان يتوقع المرء ان تخلّف ماسي فايروس (كورونا) اللعين، حالات وقيماً اجتماعية وانسانية ارقى، للبشر النزهاء وذوي العقول طبعا؟!.
+ 2020.3.15 : وبالترابط مع التساؤل الراهن عند الكثيرين، لنستعر من شعر الجواهري عام 1938 هذه المقولة، او الحكمة:
أعيّـا الفلاسفــةَ الأحرارَ جَهلُهـمُ، ماذا يُخبـي لهمْ في دفتيّــهِ غَــدُ
+ 2020.3.16 : وبمناسبة تفشي الفايروس اللئيم، وعلى ذمة الجواهـري ايضا، قبل حوالي مئة عام:
شَـرٌّ من الشـرِّ خـوفٌ منه أن يقَعا .. ان تحمِلَ الهـمَّ والتأميـلَ والهَلَعَا
+ 2020.3.17 : بعد الاعلان عن اسم المكلف الجديد لتشيكل الحكومة الجديدة، الموعودة، دعونا نتمهل ونخفف من كيّل الشتائم والرفض، ولو لأيام قليلة، ونرى !.
+ 2020.3.18 : ربما (!) سيكّفـر الائمة النجباء، والأطهار،  كل الذين يقومون بزياراتهم اليوم، في ظل تداعيات الفايروس اللعيـن، على المواطنين والبلاد..

50
هوامش من مفكرة الاحداث في العراق في العراق - 5
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
باتت ثورة الاتصالات، وتنوع اشكالها، واتساع مدياتها، تتطلب، بحسب الواقع العملي، مواجيــزَ وبرقيات ربما يعتقد العديد بسهولتها مقارنة مع المقالات والتحليلات المسهبة،
ولكن الحال تقول شيئاً آخر كما أزعم.. فثمة صعوبــة بالغة في القدرة على التعبير بكلمات لا سطور، وبجمل عجول، وليس بفقرات مطولة.. أدناه محاولات على تلكم الطريق، وقد
تكون جديرة بالاهتمام، خاصة وهي تأتي على شكـــل يوميات في مسارات الاحتجاجات الراهنة في عراق اليـــوم، وربمــا اللاحق!:
+  2020.2.10 : لنتخيّل معا، كيف ستكون نتائج  الاحتجاجات العراقية "لـو" انضمت اليها قطاعات عمالية، وجماهير من المحافظات الغربية، واقليم كردستان؟!.
+ 2020.2.11 : كما "لا اجتهادَ في النّص".. فلا أجتهادَ في ادانة القتل والعنفِ والتخريب، والفوضى، مهما كانت الدوافع والاسباب!.
+ 2020.2.13 ما اجمل مسيرة النساء  العراقيات اليوم، ضد العنف والفساد والتخلف، ومن اجل الغد المشرق.. وبعيدا عن المؤججين والمتربصين!.
+ 2020.2.14 : كم هو صحيح ما ينقل عن "ريجيس دوبريه" بأن خيانة المثقف لدوره الأخلاقي، يتحقق حين يتحول إلى مروج وقوّال !.
+ 2020.2.15 : "ربما" .. ساهمت مواقـف بعض المتشددين، في التأثير السلبي على ما يطالب به المتظاهرون النبلاء، ضد الفساد والقتل، ومن اجل العيش الكريم !.
+ 2020.2.16 : بعيداً عن التشفي المَقيت، والانفعالات العاطفية، دعونا نراجع واقعياً بعضَ مساراتِ الاحتجاجات الشعبيةِ المشروعة، وتداعياتها..
+ 2020.2.18 : .. وعلى ذمة الجواهري هذه المرة:"وما لضياعنا أملٌ يُرجى، سوى ان يُجمعَ الشملُ البديدُ.. فيا لكِ أمة قُسمتْ ثلاثاً، وعشريناُ، وتسأل هل مزيــــدُ" ؟! .
+ 2020.2.19 : لا يختلف اثنان نزيهان على مطالب المحتجين النبلاء.. ولكنه الخوف عليهم، وعلى البلاد، من قوى، وجهات، القتل والفساد وغيرها !.
+ 2020.2.20 : حيّرة الاحزاب المهيمنة  تزداد تفاقماً بين الرغبات والاماني، والواقع المتأزم في شورع وساحات الاحتجاجات المشروعة..
+ 2020.2.21 : هل يعرف المتظاهرون النبلاء ان هناك الكثير ممن يصطنعون الحديث عنهم، بل وباسمهم... وحتى يزايدون عليهم، وذلكم هو  بلاء آخر؟!.
+ 2020.2.23 : دعـوات متقابلة في بغداد لـتظاهرتيّـن "مليونيتيّن" مـع، وضد، تنصيب الحكومة .. وعسى أن لا يكون القادم أظلـم !.
+ 2020.2.24 : لا احد يدري من اعطى الحق لـ"بعض" الاعلاميين والمدونين كيّ ينصّبوا انفسهم حكاماً ومقيّمين على أراء الناس، بشأن الموقف من التظاهرات الشعبية، المؤيدة او المتحفظة لهذه الاسباب او تلك؟!.
+ 2020.2.25 : دعونا نتساءل مجددا: هل صحيح ما  كتبه "ج. اورويل" بان كل التطبيل والدعايات للحرب، وكل الصراخ والكذب والكراهية، تأتي دائمًا ممن لن يذهبوا إلى الحرب؟!.
+ 2020.2.27 : استباق الاحداث والحكم عليها دون ادلة، أوقعت – وتُوقِع- حتى "النبهاء" في مطبات جلبت - و تجلب- الويلات.. وما علينا بالهتافين!..
--------------------------------------------------------------------------------
لنتلنتخيّل معا، كيف ستكون نتائج  الاحتجاجات العراقية "


51
وقفات عند بعض الجوانب السياسية للعنف السلطوي، والمجتمعي، في العراق الحديث
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
    ... والعراق الحديث المقصود في العنوان هي الفترة الممتدة مابين ما يعرف بالحكم الوطني بعد تنصيب فيصل الاول ملكا على العراق عام  1921 والى زمننا الحاضر.. وبدءا  يهم  التوضيح بأن هذه الكتابة ليست بحثا مفصلاً، ولا دراسة شاملة، وانما وقفات وتوثيقات سريعة ربما تصلح مقدماتٍ لتوثيق بعض تاريخ ووقائع هذا السلوك السياسي، السلطوي، والمجتمعي، والنوازع والدوافع والمسببات التي ترتبت – وتترتب-  في ضوئها مصائر الناس والاوطان بكل وقائعها المؤلمة المؤسية، او المبهجة الجميلة، وبحسب تلك القناعات والتفاسيـر او سواها .
    .. ويأخذنا الحديث عن العنف "الانساني" الممارس عند السلطة وفي المجتمع، المعنوي والجسدي، وأبشعه التعذيب والقتل،  الى عصور مديدة سالفة، ومع بدء التاريخ المكتوب للخليقة والموثق لها على الاقل.. وذلك امامنا ما حدث عند بدء الخليقة، وهو قيام (قابيل) بقتل أخيه (هابيل) ولديّ آدم (ابي البشرية) من امهما حواء، بحسب ماجاءت به الروايات الدينية.  وهكذا استمر-  ويستمر- العنف بمختلف اشكاله، ومبرراته، ودوافعه الى اليوم، آخذاً مديات قسوة وعنف متباينة بحكم التشكيلات المجتمعية السائدة، وقوام الزعامات والسلطات وتركيبها، اضافة لظروف المناخ الطبيعية والجغرافية، والبيئة وغير ذلك من جوانب اخرى عديدة .. وفي هذا السياق لا يجوز العبور دون  الاشارة الى التراكمات السلبية المؤثرة للهيمنة والاحتلال  بالغة القسوة والعنف التي مرت على العراق  في ظل التنازع، وحروب السيطرة عليه، من الجارتين تركيا وايران على مدى قرون..
* بحــوث ودراســات
    ان ثمة الكثير من المؤلفات، لمختصين قديرين قد تناولت وتوقفت، وأرخت لهذا الواقع والسلوك البشري، الجماعي والفردي، كتبا وبحوثا ودراسات توثيقية وسايكولوجية واجتماعية واقتصادية وفلسفية وعداها.. وفي بطونها توصيفات وتفاصيل  ومعالجات ومن منطلقات فكرية ورؤيوية متابينة. وهي متوفرة للباحث المتخصص، وكذلك للمتابع المهتم بهذه الحال (1) . اما السياسيون (والمؤدلجون منهم خاصة)  فهم ليسوا بحريصين على الالمام التفصيلي ذي الصلة، بل ينصب اهتمامهم  بشكل رئيس على تفسير المجريات ووضعها في نصابها ( نصابهم) كما يعتقدون  او يرون، ليدافعوا عن متبنياتهم النظرية التي تدعو للعنف، أو تبرره وتتبناه علناً او باطناً، بقناعات ورؤى تُعنى بتفسير التاريخ ومراحل تطوره، والضرورات الملازمة ..
* تداخل العنف السياسي، السلطوي والمجتمعي
   وما نعنيه بهذا الصدد، اي تداخل العنف السلطوي والمجتمعي،  محاولة تبيان التداخل بين ذينك الجانبين بشكل متشابك، وتداعيات الاول على الثاني، او العكس. اما التأثير والمسؤولية الاكبر عن اعتماد العنف بكل اشكاله، البسيطة واللفظية والدموية،  المجتمعية والسلطوية،  فتختلف المقاييس والمواقف بشأنها، بالاستناد على مفاهيم وتحليلات مدعمةٌ كلها، من اصحابها، بأمثلة حسية أو عملية ميدانية. وهنا ثمة وقفة ذات اهمية كما نرى وهي ما يجادل به المختصون حول الموضوع، وهي ان السلوك المجتعي المستند الى الجذور التاريخية، ومعايير الوعي السائد، ومستوى التعليم ومجالات المعرفة، والتربية العائلية، والظروف والتأثيرات المحيطة.. تفرض قيام تلك السطة  أوهذه، بشكلها المدني - الديمقراطي، او الدكتاتوري الشمولي. وكل هذا  نتابع عنه في حالنا العراقية الراهنة وحسب، وليس متابعة سلطات ورئاسات وزعامات وأنظمة القرون السالفة. 
   وفي استطراد عجول آخر عن دوافع العنف السياسي، وخاصة الدموي، واسبابه " العراقية" ندعي مرة اخرى بانها، اضافة للمعايير العامة (السايكولوجية – الدينية- السياسية..) تتعلق بالقيـم والاعراف التي سادت- أو تسود-  ووفي مقدمتها الظروف المجتمعية والتقاليد  العشائرية والقبلية، والتربية البيتية، والتخلف التعليمي والمعرفي، والظروف الطبيعية، والموقع الجغرافي، والطائفية المذهبية، والانقسام القومي، والتنوع الديني، والهيمنة والتدخلات الاقليمية والدولية. ولا شك فأن لكل واحد من تلك  الاسباب (العراقية) تفاصيل واوليات ووقائع تطلبت – وتتطلب-  لوحدها بحثا / بحوثا خاصة ومسهبة..
* أحداث ووقائع تاريخية وراهنة
  ان الشواهد على العنف السياسي السلطوي منه (المقنن وغيره)  والمجتمعي (الفردي والعام) في العراق الحديث: عديدة ومتعددة في مختلف العهود الملكية منها والجمهورية، ومن البارز منها على ما يعلمنا به التاريخ، ووفق التسميات الشائعة التي اطلقت عليها، أو عُرفت بها : انقلاب 1936 العسكري، ابادة الاشوريين عام 1933، حركة رشيد عالي عام 1941، وثبة كانون 1948 انتفاضة تشرين عام 1952 ، ثورة  14 تموز 1958 حركة العقيد عبد الوهاب الشواف في الموصل عام 1959 ، احداث كركوك عام 1959، الثورة الكردية منذ عام 1961 وحتى 1991(2) انقلاب البعث الاول في شباط 1963، النظام الحاكم منذ اواخر السبعينات وحتى سقوطه عام 2003 (3) الحرب مع ايران- 1980- 1988، غزو الكويت 1990، انتفاضة عام 1991... ثم ما بعد انهيار النظام والتدخل الخارجي عام 2003 وما تلى ذلك الى اليوم : الحرب الاهلية – الطائفية، مقاومة الاحتلال، ارهاب "القاعدة" وبعدها "داعش" واخيرا ما أنطلق في البلاد منذ تشرين الاول 2019 من احتجاجات شعبية، ومواجهتها من السلطات واجهزتها.. 
     وارتباطا مع الفقرة اعلاه تذكرنا الاحداث والوقائع بان العنف السلطوي قد قام وأشتد  بصور شتى، من خلال الدعم  المجتمعي الشعبي في احيان عديدة، حين انساقت مع ذلك العنف، وتبنته،  تيارات وقوى واحزاب سياسية، بل وشكلت مجاميع وهياكل داعمة له، ولو بأهداف "وطنية" في اهدافها المعلنة، مثل "كتائب الشباب" مطلع  الاربعينات و"المقاومة الشعبية" اواخر  الخمسينات و"الحرس القومي" عام 1963  و"الجيش الشعبي" في السبعينات والثمانينات والتسعينات،  و"الحشد الشعبي والعشائري" بعد عام 2003.. الى جانب "بيشمركة" الاحزاب الكردية، و"قوات الانصار" الشيوعية  في كردستان العراق وشماله.. وتتباين الرؤى والمواقف والتقييمات لتلك التشكيلات بين الاتهام والادانة، وبين التأييد والدعم، من قبل جماهير غفيرة، تبنتها وانضمت اليها، او ساندتها ودافعت عنها..   
    ومن المؤكد ان ما تشير اليه هذه المتابعة من مصطلحات قد لا تعجب البعض، ويستنكرها عديدون آخرون، ناسين بأن الهدف هنا ليس التقييم او التحليل حول "مشروعية" و"حقانية" ذلك العنف والمسؤولين عنه والمشاركين فيه. وان التعابير الواردة في هذه الكتابة مثل الحركة والانقلاب، والتمرد، او الانتفاضة او الثورة، والحرب المشروعة، وغيرها، هي تسميات شائعة كا اسلفنا، يتبناها قسم من المجتمع، بينما يعارضها قسم آخر، ويستبدلها بمصطلحات مقابلة .. ولكن ما هو متفق عليه - بحسب ما نزعم-  ان كل الذي صاحب الاحداث السياسية المشار لها: مواجهات مسلحة وعنف واقتتال وضحايا ودماء وعسف وقتل تتحمل ثقله الاساس السطات الحاكمة اولا -  بالطبع-  باعتبارها صاحبة الالة العسكرية والقوات الامنية وغيرها من اجهزة ومؤسسات ..
* دفوعــات وإدانــات
   وبالارتباط مع ما تقدم، بل واستنادا اليه،  فأن من الطبيعي، والحال كذلك، ان يجد "الظالمون" و"المظلومون" وعلى سبيل التعميم لا الحصر، تفاسير متعددة ودفاعات عن مشروعية العنف الذي رافق تلك الاحداث، ومن بينها - على سبيل المثال لا الحصر، ايضا: المصالح الوطنية، المشروعية الثورية، الصراع الطبقي والاجتماعي، النضال من اجل التقدم، الحرص على مصالح البلاد، حق الدفاع عن النفس، حماية الاستقلال الوطني، رفض الهيمنة الاجنبية، الكفاح ضد الجوروالظلم ... وهكذا. 
      أن لكل  من الجانبين "الظالمين" و"المظلومين" اي ممارسي العنف، والـ المُعنفين" تفاسيرهم وما يستندون  عليه من ركائز واسس وافكار، ونظريات، مركزية عامة، وتفصيلات عملية ملموسة، ووقائع يستشهدون بها على مبررات استخدام المواجهة والعنف. ولهم ايضا جموع من السياسيين والمفكرين والمنظرين وكتابهم (كما كتبتهم) وجماهيرهم ومؤيدوهم وأعلامهم ونشرياتهم .. كما لهم شعراء وفنانون، ومبدوعون، مؤمنون بما انتجوا ثقافيا ، ولو ان عددا غير قليل منهم قد تراجع لاحقا، وفسر الاحداث والمواقف من جديد . والشاهد الموثق حول ما نقول هو العشرات، بل والمئات، ممن مجدّوا العنف والحروب والدماء، بكتابات وقصائد ونثريات ولوحات وتشكيلات فنية وغيرها. وكان اصحابها يرون بأن  ما قدموه جاء  دفاعا عن الحق والمشروعية والضرورة، والمبادئ والقناعات.. وما علينا هنا بجموع اخرى من الموظفين أو الذين يعملون وينتجون لغرض المعيشة، الحلال او الحرام !.
  ويقيناً ان هناك الكثير من الخصوصيات والواقع التي تفرض على المتابع الموضوعي،  والباحث الحريص ان لا يساوي بين مستويات العنف السياسي الدموي، السلطوي والمجتمعي، او ان يضعها في كفتين متقابلتين.  فلا يجوز منطقياً، وضميرياً، احتساب  اعمال العنف والجرائم الفردية، أو الطارئة، بموازاة سياسة دولة، وسلطات وقوى حاكمة اعتمدت نظريا وعمليا، سياسات العنف والاضطهاد،  والابادة، وجماعية القتل، واستخدام الاسلحة الفتاكة و"التفنـن" في اشكال وممارسات ذلك العنف الدموي.
   كما يقينا ايضا ان كل ما تقدم يجب ان لايدعو للظن بأن المطلوب هو الدعوة للخضوع والاستكانة للاحوال القائمة، المليئة بالظلم الانساني، والهيمنة والعسف، والاستبداد.. فلا بدّ مقابل كل ذلك من النضال الانساني، الديمقراطي الحضاري، والاحتجاج والتظاهر والتمرد، ووالاضرابات السلمية، رفض كتم الافواه.. ولا قبول الارتهان لقوى الشر والطغيان السياسي والاجتماعي، تحت اية لافتات كانت.. ولكن الهدف هو ادانة استخدام العنـــف، بكل اشكاله وصوره وجهاته،والسعي الى اعتماد نضالية بسبل اخرى تقلل الخسائر – وخاصة بالارواح - فالحياة كما يؤمن الكثيرون  اغلى من كل شئ، وان الوطن - بلا ناس آمنين طموحين للحياة -، ليس مهماً ان يكون جميلاً او غيره، وبخاصة حين تصل اعداد ضحايا الحروب والعنف والطغيان أرقاما تصل لمئات الالوف، ولعقود طويلة ..
* أوليات على طريق تحجيم العنف
    أن كل الحديث يأتي عن كيفية تحجيم العنف، ولا نقول انهاءه،  فتلكم حال قد لا تتوفر سوى في الخيال، وندعي  ان ذلكم التحجيم يتحقق او يكاد عبر التنوير بأهمية الوعي والمعرفة، وكبح جماح الجهل المتفشي، والتركيز على ما يساهم في اقامة دولة الديمقراطية والقانون، وتعزيز التكافل الاجتماعي، والسعي لوقف الصراعات والتداعيات الدينية الطائفية، والعمل على تشريع القوانين العقابية المشددة، ضد ممارسي العنف والترويج له، والتحريض عليه، اسوة بما هو جارٍ عند  دول العالم والمجتمعات الحضارية، ولا شك بأن تلك المتطلبات لا يمكن توقع أنجازها سريعا بمثل واقع الظروف الاسثنائية المريرة  التي تعيشها البلاد العراقية اليوم والمستمرةمنذ عقود وعقود ..
    ان من الطبيعي والمعروف كون السيّر بأتجاه تحقيق المتطلبات السابقة لتحجيم العنف يقع اولاً على كاهل الدولة بكل مؤسساتها،  واداراتها الامنية والتربوية والاجتماعية ، وكذلك الاحزاب والقوى الوطنية، الوطنية،  ومنظمات المجتمع المدني، الحقيقية. فضلا عن الادوار البارزة لرجال السياسة والمثقفين الحقيقيين، والتشكيلات النقابية والمهنية الجماهرية..
    اخيرا ، وكما ورد في عدة مواضع من هذه الكتابة، نجدد القول بان لكل فقرة مما تقدم من ايجازات – ولنقل رؤوس اسطر وحسب-  تفاصيل تحتاج لوقفات مسهبة، وبحوث ودراسات وجهود حثيثة.... كما نود التنويه ايضا بأنا حاولنا ان نبتعد عن القناعات الشخصية، والتقييمات الذاتية للأحداث والوقائع التاريخية التي مـرّ ذكرها، في محاولة للتركيز على العام الشامل بشكل رئيس، بعيدا عن القناعات الشخصية، وجهد الامكان بالطبع!..
------------------------------------------------------------------------------------
** هوامــش واحــالات :
1/ ومن اهمها:  "تاريخ العنف الدموي في العراق " لباقر ياسين، وكتابات ومؤلفات د. على الوردي ذات الصلة .
2/ استمرت المواجهات بين السلطات العراقية المتعاقبة، مع الثورة / الحركة الكردية المسلحة، بأشكال واساليب عديدة خلال الفترة (1961-1991) .
3/ عُرفت السلطة البعثية الحاكمة طوال تلك العقود بعنفها ودمويتها ضد مختلف القوى السياسية، والمعارضين، وبمستويات  قسوة لا نظير لها بحسب المؤرخين والمتابعين.


52
هوامش من مفكرة الاحداث في العراق في العراق -4
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
باتت ثورة الاتصالات، وتنوع اشكالها، واتساع مدياتها، تتطلب، بحسب الواقع العملي، مواجيــزَ وبرقيات ربما يعتقد العديد بسهولتها مقارنة مع المقالات والتحليلات المسهبة،
ولكن الحال تقول شيئاً آخر كما أزعم.. فثمة صعوبــة بالغة في القدرة على التعبير بكلمات لا سطور، وبجمل عجول، وليس بفقرات مطولة.. أدناه محاولات على تلكم الطريق، وقد
تكون جديرة بالاهتمام، خاصة وهي تأتي على شكـــل يوميات في مسارات الاحتجاجات الراهنة في عراق اليـــوم، وربمــا اللاحق!:
+ 2020.1.14 : ما احلى ان يكون الشعار الشعبي الاول : نريد وطناً خال من العنف والترويع والقتل والفساد والفوضى والاحتراب الاهلي!.
+ 2020.1.15: مكافحة الدوام و"فرض" الاضرابات القسرية والتخريب وقطع الطرق، ليست من شيَم المحتجين النبلاء!.
+2020.1.16 : هل حقا ان الأمور بخواتمها، لا بالتمنيات  ولا بالتفاؤل المفرط ، ولا بالتشاؤم، والشماتة المقرفة؟!..
+ 2020.1.17 : مع تداعيات الاحداث تذكرت بيتا لجواهري يقول "يعيا الجحيمُ بأن يسعّـر أمةً، فأذا هي اختلفتْ فعود ثقابِ".
+ 2020.1.18 هل خلا العراق من نبلاء يستطيعون ان يساهموا بما يقدرون عليه  بهدف اجل كبح جماح القتـل والعنف والفوضى ؟!.
+ 20201.21 : مع ألاعلان عما يعرف "صفقة القرن" سيعمق التأثيرات الاقليمية والدولية على حال الاوضاع المؤلمة في العراق .
+2020.1.22 : المقدرة على تحديد ( اختيار) متحدث بأسم المحتجين النبلاء، يحجّم ويمنع التكهنات والافتراضات.
+ 2020.1.23 : هل تبقتْ هناك "رؤوس" عند  العراقيين الذين يتهم بعضهم البعض الأخر بـ "الذيـول"؟!.
+ 2020.1.24: لندقق قليلا  في حقيقة اخبار السلطة، والمناهضين لها، ونتأنى في تداولها.. احترازا من الفتنة وتحريض المدعين والمتربصين، واقرانهم!!!.
+ 2020.1.25 : .. وأتساءل مع آخرين أذا ما كان "لينين" قد كتب فعلا أو قال "المثقفون هم أقدر الناس على الخيانة، لأنهم اقدر الناس على تبريرها" ؟!.
+ 2020.1.27 : الجميع قادرون بهذا الشكل او ذلك " لـو" حكّموا  الضمير ان يساهموا في تحجيم العنف، والقتل الدنيء واستباحة الدماء الغوالي..
+ 2020.1.28 : ما أعظم ما قاله فيكتور هيغـو "تبدأ الحرية حين ينتهي الجهل.. فمنح الحرية لجاهل كمن يمنح المجنون سلاحا".
+2020.1.30 : برقيات: * تبادل الشتم مؤشر اخلاقي!  .. * اختلط الامر وبات الكل يدعي تمثيله الشعب!.. *التضامن مع المحتجين يتطلب ايضا: الحرص على ارواحهم!.
+ 2020.2.1 : لخصت ببيت شعر عجول جانب من تداعيات واقعة اخيرة " نُبـلُ المَقاصدِ تُرتَجى مِنْ مُخلـصٍ مُترفعِ .. لا مِنْ دعـيٍ، بارعٍ باللغـوِ، أو مُتنطـعِ".
+2020.21.2: بمناسبة تكليف رئيس وزراء جديد، ربما يصلح ما قاله الشاعر العتيق،  "طرفةُ آبنُ العبد" على راهننا اليوم "ستُبدي لكَ الأيامُ ما كنـتَ جاهلاً، ويَأتيـكَ بالأخبارِ منْ لمْ تزوّدِ"...
+ 2020.2.4: مابيّن الاخبار المؤكدة، او الملفقة والمحوّرة، الى جانب الاتهامات والشتائم.. ضاعت - وتضيع - الحقائق على الناس، فهل ذلك هو المطلوب؟!.
+ 2020.2.6: مجزرة النجف دليل اخر على عدم تكافؤ القوى.. فليحرص المخلصون  على منع القتلة من الاستمرار في  اراقة المزيد من الدماء الغالية!.
+2020.2.7: كتبت بيتي شعر حاولت ان يكونا موجزا لخلاصة مريرة نعيشها جميعا "أن المُروءةَ أن تخوضَ غِمارَهـا، لا أنْ تقـولَ وتَستعيـرَ وتدعـي/ بئس الشجاعة ان تكون لشلةٍ، من زاعمين وغافلين، وتبـّعِ"..
+ 2020.2.8 : مرت اليوم ذكرى شباط الاسود عام 1963 مع ملاحظة ان الكثيرين قد تجنبوا ادانتها.. اتمنى ان لا يكون ذلك  مجاملة، أو لـ "دوافع" أخرى، لها صلة بما يجري في البلاد العراقية من وقائع مريرة !.

+ 2020.10 ّ احلى شعار "نريد
اليوم؟!

53
عـودٌ على بـدء.. حول الاحتجاجات في العراق
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
    الى جانب ما جاءت به  المتابعات والرؤى الاثنتي عشرة الاخيرة التي بدأت بنشرها مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية في العراق بتاريخ 2019.10.1  في التالي اضافات، كما اعادات وتكرار، لبعض خلاصات اخرى سبق النشر عنها.. فلندقق معا التوالي من البرقبات، فلربما هناك جديد مفيد (+) ..
1/ لقد هدأت العواطف لحدود ما، مما يبعد التشدد والغلو، ويستعاض عنها بالتمعن والواقعية لما حدث ويحدث، و" لربما" سيحدث.. وما علينا بالشعارات العاطفية، والتمنيات الطيبة.. 
2/ ومن التساؤلات الاولى التي يتطلب اعادة الالتفات اليها هي: هل جاءت النتائج بما يعادل التضحيات الجمة في الارواح الغالية والدماء العزيزة؟.. اما كان بالمقدور تجاوز ذلك؟!..
3/ كما من الاهمية بمكان القول بان الاحتجاجات قد اكدت أهمية حسبان القناعات الدينية، على الوعي الجمعي، والشعبي، وضرورة منع النيّـل من الحال القائمة التي تعني ملايين العراقيين..
4/ ان المبالغة في اعداد المحتجين النبلاء قاد الى التأليب والتحريض السلبي بعض الاحيان، والابتعاد عن التعاطي مع الواقع الممكن ان يتحقق، دون مزايدات وأستهانة بالظروف الذاتية والموضوعية، الحقيقية وليس المدعاة ..
5/ ومما تجدر الاشارة اليه ايضا، ولو بعجالة، اهمية التوكيد على ادانة ما صحبَ الاحتجاجات من اعمال عنف، وتجاوز وحرق.. وتبني ذلك يمنع التساؤلات، ويعزز نهج السلمية شعاراً، وكذلك ميدانيا..
6/ ان من المهم ايضا مراجعة الجوانب التي تسببت بها الاحتجاجات، أوتداعياتها المؤلمة، ومدى صواب تحميلها  لتعميق  الطائفية والانقسام المجتمعي، والمناطقي، لاكثر مما كان عليه من قبل. ومدى  تأثيرات ذلك السلبية القادمة، وعسى ان تحجم الى أقل ما هو ممكن..
7/ ان التضامن مع المحتجين النبلاء من اجل الحقوق المشروعة، وضد سلطات العنف والقتل والفساد، تطلب – ويتطلب - من جملة ما يتطلب: المزيد من الحثّ والتنوير للاستفادة من حكمة الشيوخ، وخبراتهم، ومن التراث الوطني عموما.. ويقيناً ان ذلك يجنب بعض التخبطات والاندفاعات التي تقود لنتائج معاكسة..
8/ لقد كان – وما برح-  جمع من المثقفين ينحون نحو العواطف أكثر من الواقعية وبعد النظر.. بينما آثر جمع آخر الابتعاد والصمت لأسباب عديدة، من المهم التدقيق فيها ..
------------------------------------------------------------------------
(+ ) االتساؤلات واللقطات اعلاه هي بالأصل مساهمة قدمها الكاتب خلال ندوة نظمها المنتدى العراقي في براغ، للدكتور عبد الحسين شعبان، عصر السبت 2020.2.1 بمناسبة زيارته للعاصمة التشيكية، وشملت وقفات فكرية، وتقييمات شخصية حول الاحتجاجات ..

54
ايضا .. عن بعض رواهن الحراك الشعبي في العراق(*)
* رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------------
  مع استمرا ر الحراك الشعبي الراهن اليوم في البلاد العراقية، تستجد، وتتأكد بعض التساؤلات، حول وقائع  عديدة لعلَّ من ابرزها آنيةً، ما يلي، بايجاز شديد، ولكنه مدلُ لحدود ما بحسب ظنّنا على الأقـل:
+ ان اهل (مكة) أدرى بشعابها طبعاً، ولكنّ لكثير من عراقيي الخارج تصورات وآراء يمكن ان تكون مفيدة، خاصة وأن ثورة الأتصالات مكّنتهم – بشكل أو آخر - من التعرف على الاحداث ومجريات الأمور، بل وحتى معايشتها:-
+  ملاحظة  ان الحراك، ذا المطالب المشروعة، بقيّ في بغداد، عاصمة العراق ومحافظاته الوسطى والجنوبية وحسب، ولم تنتشر امتداداته للمحافظات الغربية، ومحافظات أقليم كردستان.. مع التنويه الى تشتت المطالب المعلنة، وعدم وجود هيئة / لجنة موحِدة تدير/ تنظم الأحتجاجات، ومعروف مهي تداعيات ذلك السلبية ..
+ كما من المهم للمراقب ايضا ان ينتبه الى ان الكثير من المؤثرات في الحراك الشعبي، المشروع، باتت الآن أوضح من ذي قبل، بل وشبه علنية، ونعني الخلافات، والتجاذبات  بين الأحزاب النافذة، والشيعية – الشيعيــة خاصة...
+ ان التشظي المجتمعي قد زاد وترسخ أكثر وأكثر اليوم، خلافا لما قيل بأن الحراك قد ساهم في تجاوز حالات الانقسام السائدة اصلا.. وذلك ما يزيد من مخاطر الاحتراب الداخلي، البيني والعام..
+ كما برزت بشكل أشد التأثيرات الخارجية في الشأن العراقي الداخلي، مما قد يقود الى نتائج مؤلمة ومؤسية فوق ما كان سائدا، وبخاصة بعد ما حصل خلال الايام القليلة الماضية ..
+ كما وَضحَ أكثر الرأي الذي يقول بأن حل المشكل العراقي المنشود من كل النبلاء ليس من السهل تحقيقه في اجواء التهاب المنطقة عموما بالحروب الاهلية وغيرها، كما هي الحال في سوريا وليبيا واليمن، مثلا، دعوا عنكم الصراع الاسرائيلي العربي- الفلسطيني ..
+ أخيرا، وفي ضوء كل ما تقدم، بات دور المثقفين الوطنيين، الوطنيين، أكثر ضرورة بهدف التنوير والتوعية، بعيدا عن التأجيج و"التثوير" .. والدعوة من القادم الاسوأ، والتحذير من ذلك، والسعي الجَهود لتدارك ما يمكن تداركه.. 
-------------------------------------------------------------------------
(*) اساس الملاحظات اعلاه تحدث بها  الكاتب خلال ندوة تحوارية  مع الاستاذ مفيد الجزائري، نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، نظمها في براغ "اتحاد من أجل الانسان"  وذلك عصر السبت 2020.1.4  بحضور دبلومسيين  من السفارة العراقية، وجمع من ابناء الجالية العراقية، وعدد من السياسيين والضيوف العرب والتشيك، وشهدت مداخلات ونقاشات حيوية عديدة..

55
هوامش من مفكرة الحراك الشعبي في العراق -2
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
باتت ثورة الاتصالات، وتنوع اشكالها، واتساع مدياتها، تتطلب، بحسب الواقع العملي، مواجيــزَ وبرقيات ربما يعتقد العديد بسهولتها مقارنة مع المقالات والتحليلات المسهبة، ولكن الحال تقول شيئاً آخر كما أزعم.. فثمة صعوبــة بالغة في القدرة على التعبير بكلمات لا سطور، وبجمل عجول، وليس بفقرات مطولة.. أدناه محاولات على تلكم الطريق، وقد تكون جديرة بالاهتمام، خاصة وهي تأتي على شكـــل يوميات في مسارات الاحتجاجات الراهنة في عراق اليـــوم، وربمــا اللاحق!:
+ 2019.12.18 : : وربما في الأعادة إفادة: الاعلان عن الجهة/ الجهات المسؤولة عن تنظيم/ادارة/ تنسيق التظاهرات الاحتجاجية، يمنع التكهنات/ التقولات/ الاتهامات حولها..
+ 2019.12.19 : الانحياز العاطفي، المطلق، مع الاحتجاجات الراهنة، بدون تبصّـر،  ولا تَبصيـر "قــد" يودى الى  نتائج غير مرجوة، بل ومحزنة، بل ويؤدي الى خلاف المرجو والمؤمل ...
+ 2019.12.20 : .. ومما اثبتته تداعيات الحراك الشعبي، ووجهات النظر بشأنه، أكذوبة "وخلاف الرأي لا يُفسد في الود قضية" التي طالما زعم بها الكثير من الناس، وخاصة المثقفين منهم!..
 + 2019.12.21 : أليس اجدى للشعبِ والبلادِ أن يعلو هتافُ: "بالحبِّ والعطاءِ، نبنيـكَ ياعراقْ".. بدلا من ذلك الشعار السائد: "بالروحِ والدماء...."؟!.
+ 2019.12.22 : الاضراب العام، واحد من اساليب الاحتجاجات المشروعة.. ولكن الانجح ان يكون طوعياً، لا بالأجبـار!.
+ 2019.12.23 : .. وقد أتضح ان هناك من لا يفرق بين انهاء/ اسقاط سلطات القتل والفساد المجرمة، وبين سقوط "اسقاط" الدولة كلها، واشاعة الدماء، والدمار الشامل..
+ 2019.12.24 : بين التخوين والشتم والاتهامات والادعاءات، ضاعت- وتضيع- الحقيقة، ويتفاقم التهريج والشقاق والفساد والدمار!!.
+ 2019.12.25 : الكثير من المثقفين الوطنيين لم ينتبهوا بعد الى ما يقع عليهم من مسؤوليات امام البلاد والعباد، وما برحوا لا يفرقون بين التوعية والتنوير، والتأليب والتاجيج ..
+ 2019.12.26: بعيدا عن التفاؤل المفرط، أو التشاؤم المظلم، هل تصلح مقولـة: الامور بنتائجها (عواقبها) في الحكـمِ على الحالة العراقية اليوم؟!..
+ 2019.12.27 : حين لا تكون التضحيات في مكانها وزمانها فتلكم حال تتوجب مراجعتها والتنبه لها، وليس تأجيجها، والتفاعل العاطفي معها..
+ 2019.12.28 : .. وذكّر عسى أن تنفع الذكرى: كثيرون جدا من يرفضون ويتشددون ويزايدون. ولكن قليل جدا ايضا هم القادرون على ان يطرحوا البديل الواقعي، المقبول، بلا شتم ولا ادعاء!؟..
 + 2019.12.29 : تمكّـنُ- وتمكينُ- حركة الاحتجاج من اقتراح اسماء لرئاسة الحكومة، قد يُسرع من تحقيق المطالب المشروعة، ويقلّل من التضحيات والخسائـر..
+ 2019.12.30 : برغمِ اتضاح الأمور، ما زال البعضُ يُكابـر فلا يرى التداعيات التي قـد تودي للمزيد من الشهداء والضحايا والدمار والانقسام المجتمعي ..
+ 2019.12.31 : أذا كان من غير الممكن الدعوة والعمل لتجنيب العراق المزيد من الشهداء والضحايا، فليكن السعي –على الأقل-  لمنع التأجيج المذموم..
-------------------------------------------- رواء الجصاني: 2019.12.31
برغمِ اتضاح الأمور، ما زال البعضُ يُكابـر فلا يرى التداعيات التي قـد تودي للمزيد من الشهداء والضحايا والدمار والانقسام المجتمعي
برغمِ اتضاح الأمور، ما زال البعضُ يُكابـر فلا يرى التداعيات التي قـد تودي للمزيد من الشهداء والضحايا والدمار والانقسام المجتمعي

تمكّـنُ-وتمكينُ- حركة الاحتجاج من اقتراح اسماء لرئاسة الحكومة، قد يُسرع من تحقيق المطالب المشروعة، ويقلّل من التضحيات والخسائـر..
تمكّـنُ-وتمكينُ- حركة الاحتجاج من اقتراسماء لرئاسة الحكومة، قد يُسرع من تحقيق المطالب المشروعة، ويقلّل من التضحيات

علّهمْ مثلكَ فير20
2019.12.2

بعيدا عن التفاؤل المفرط، أو التشاؤم المظلم، هل تصلح مقولـة:
الامور بنتائجها (عواقبها) في
الحكـمِ على الحالة العراقية اليوم؟!222 بعيدا عن التفاؤل المفرط، أو التشاؤم المظلم، هل تصلح مقولـة:
 الامور بنتائجها (عواقبها) في
 الحكـمِ على الحالة العراقية اليوم؟!

56
حول بعض مسؤوليات المثقفين الوطنيين
* رواء الجصانــي
----------------------------------------------------------------------
  ان يكون المرء مثقفاً (اكاديميا - شاعرا- باحثا- اديبا- رساما - اعلاميا ...) فسيعني ذلك موضوعيا انه من النخبة  المؤثرة في مسارات الفعل والحراك المجتمعي - الوطني، بهذا القدر او ذلك، من خلال كتاباته او لوحاته او ارائه. يتفاعل عبرها مع قضايا الناس، ويتفاعلون معه، يفكر معهم، او حتى نيابة عنهم، بما استطاع او يستطيع.. اما درجة ذلك التأثير، وحجمه، فمعلقٌ بحسب ظروف عدة ومنها مساحات النشر العام او الخاص، وغير ذلك من طرق الوصول الى المتلقي/ المتلقين، والتواصل معهم، الى جانب موقعه الشخصي والعام، ووفق ما يستطيع ان يقنع به الناس طبعا ..
    وفي ضوء الواقع اعلاه، تترتب على المثقف الوطني، سواء المعارض او الموالي- الموضوعي طبعا - التزامات ثقيلة ومجهدة، لا يقدر على التصدي لها سوى القليلين ممن يستطيعون المواكبة، وتحمل عناء المجاهرة بالرأي والموقف، والدفاع عنهما، وحتى في سبـلٍ قلّ سالكوها، بذلك الشأن او غيره، وكذلك التوقعات حوله، واستقراء  افاقه وتداعياته .. كما انهم -المثقفون-  اولئك الذين يدركون مسؤلياتهم وعواقب ما يدعون اليه، وينشرون حوله والذي "قـد" يقود لمزيد من الاستكانة او الهوان والخنوع، او من العنف والاحتراب والتشظي المجتمعي لأضعاف ماهو سائد ويسود، بل ويتفاقم يوما بعد آخـر، برغم ما قيل ويقال من اختلاف حول ذلك.
  وفي حالنا التي نعيش، وبرغم كل ما شهدته فترة التغييرات السياسية، منذ سقوط/ اسقاط النظام الدكتاتوري، الى اليوم، من دماء وعسف، وفساد وتعقيدات مؤلمة ومؤسية، لا اظن ان بالمقدور تجاهل ما تحقق بعد عام 2003 من حريات تعبير، مطلقة او محددة،  وظروف ديمقراطية، كبرت او قلت.. ومن هنا توفرت للمثقفين عامة  فرص ومجالات واسعة  للادلاء بالاراء والمواقف والكتابات الصريحة، مؤيدة  كانت او معارضة.. وذلك ما أظهر – ويظهر- الكثير والكثير من الجدالات الحيوية، والفاعلة، وبصور تتجاوز احيانا الكثير من الاساليب المعهودة التي تعامل معها، ويعتمدها المنتمون لتلك النخبة المثقفة.
   ان من الطبيعي ان يبرز أكثر فأكثر دور المثقفين، المعنيين بالشأن العام بشكل رئيس، خلال الازمات الوطنية – دعوا عنكم السياسية- وان تتوالى الاراء والمواقف وتتباين، بل وتتصارع، وتتنوع بين التوعية والحث والتنوير من جهة، والتحريض والتأليب، وحتى التأجيج، من جهة ثانية.. وما هي عليه البلاد اليوم اوضح شاهد على ما نحن بصدد التوقف عنده. وكل ذلك اوقع على كاهل المثقفين مهاماً اكبر وأخطر، لا بـدّ وان يسجلها التاريخ ايجابا او سلبا، بالثناء أو الانتقاد، على المعنيين، وبالاخص القادرين والجريئين الذين لا يكتفون بالمعارضة والشتم، بل وبطرح البدائل واقتراح الحلول والمعالجات، واساليب واشكال اعتمادها..
  لقد نشرت قبل ايام على صفحات التواصل الاجتماعي همسة، او لقطة، علّها توجز بعض حال الواقع الثقافي وأصدائه، وانعكاساته الاعلامية وغيرها. وها هي تلكم الهمسة بنصها المنشور: ".. ومما افرزته الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد والتسلط : انها كشفت بمزيد من الوضوح،  مستوى الوعي والادراك الفردي والجمعي الراهن، وحاله، المنطقي، او العاطفي!".. وكم كان مناسبا لو كنتُ قد ثَبـتُّ مع تلك الهمسة / اللقطة بضعة نماذج من الكتابات المتداولة اليوم في وسائل الاعلام المختلفة، مع اسماء ناشريها، وخاصة المثقفين منهم.. ولكن أعترف بأنني أحترزتُ من ذلك "الرصد" والاضافة خشية من ملاحقة اقلام واصوات ذوي الصلة !.
    وهنا، ولربما من المفيد ايضا في هذه الكتابة التوكيد هنا بأن المثقفين هم المعنيون الاوائل بتوضيح الوقائع، وتوثيق الاحداث، للجماهير، والرأي العام، مع الملاحظات والتقييمات، والاراء المناوئة او الموالية. ولكن الملاحظ  عملياً ان الجماهير والرأي العام هو الذي باتَ "يقود" المثقفين، ويشدهم للكتابة، ويفرض عليهم، كرهاً او طواعية، ان  يتناولوا ويكتبوا حول الشؤون والتداعيات ذات الصلة. موثقةً كانت، ام اشاعات واقاويل وما الى ذلك. وبمزايدات عاطفية، انفعالية في احيان كثيرة، بدلا عن التعقل والموضوعية..
   يقينا بأن المقصود في كل ما سبق من فقرات لا تعني بأية حال،  ولا تشمل، اولئك المنتفعين من الكتابة حقا او باطلا، ولا "وعاظ السلاطين" طبعا، فتلكم "واجبات" وظيفية، والتزامات مطلوبة امام ارباب العمل، داخل وخارج البلاد!.. ولكن من  الأدهى هنا ان كتابا ومثقفين وناشرين كثيرين، مؤهلين، ومعروفين بالحرص والدقة، والموضوعية والاتزان، قد اندفعوا – أو دُفعوا- لعكس ذلك تماما، وذلك هو الأدهى كما ذكرت، ولو تعددت الاسباب، وتشابكت المسببات..
  وفي سياق الفقرة السابقة، اشير الى ان ما يلفت الانتباه الأكثر هو ان ثمة مرادفات عديدة يمكن لها أن تحلّ مكان تعابير السباب والقدح، وخاصة ان سجل سلطات الفساد والعسف والطائفية ملئ " والحمد لله!!" بالوقائع والشواهد والحقائق التي تتحدث عن نفسها بنفسها، مما لا يتطلب االمبالغات والافتعال والتلفيقات، التي تضعف من مصداقية المثقفين المعنيين امام متلقيهم، سيّما أن الثورة المعلوماتية مكّنت الجميع، وسهلت امامهم القدرة على توثيق الاحداث والوقائع، ومقارنتها والتدقيق فيها.. ولكن الحال – كما تبدو- بعيدة عن هذا المسار،  بالمراهنة على انتشار اللاوعي، والحماسة العاطفية، وسهولة استغفال الاخريـن...
  اخيرا .. نعرف مسبقا بأن هناك من سيردّ على ما سبق التطرق اليه، فيقول بأن "الاعلام معركة ساخنة ايضا" و"ساحة للصراع".. ولكنهم ينسون او يتناسون  التداعيات المؤسية، والأليمة التي قد تتسبب بها الكتابات والمتابعات غير الموثقة "الشعبوية" او القريبة منها، والبعيدة كل البعد عن المسؤولية الشخصية والعامة تجاه البلاد التي تحترق، والعباد الذين ينزفون شهداء وضحايا بالمئات، وبجرحى تجاوزت اعدادهم الالاف..
------------------------------------------------- رواء الجصاني: 2019.12.26

57
هوامش من مفكرة الحراك الشعبي الراهن في العراق
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
باتت ثورة الاتصالات، وتنوع اشكالها، واتساع مدياتها، تتطلب، بحسب الواقع العملي، مواجيزَ وبرقيات ربما يعتقد العديد بسهولتها مقارنة مع المقالات والتحليلات المسهبة، ولكن الحال تقول شيئاً آخر كما أزعم.. فثمة صعوبة بالغة في القدرة على التعبير بكلمات لا سطور، وبجمل عجول، وليس بفقرات مطولة.. أدناه محاولات على تلكم الطريق، وقد تكون جديرة بالاهتمام، خاصة وهي تأتي على شكل يوميات في مسارات الاحتجاجات الراهنة في عراق اليوم، وربما اللاحق!:
+ 2019.11.27: هناك الكثيرون ممن يقولون: ما دامت السلطة لم تنفذ مطالب المحتجين المشروعة، فاذن، ليحترق العراق وأهله! .
+ 2019.11.28: التحقق من الاخبار قبل نشرها ليس امرا عسيرا، ولكن ذلك "قــد" يخفف من كوارث اضافية تحيق بالبلاد.. و"قـد" يُسهم الأمر بتحجيم بعض البلاء!.
+ 2019.11.29: من تنبؤات الجواهري عام 1948: أرى أفقاً بنجيعِ الدماءِ تنوّرَ وأختفتْ الأنجمُ/ وجيلاً يجيءُ وجيلاً يروحُ، وناراً ازاءَهما تُضرمُ .
+ 2019.11.29: دعم المطالب المشروعة للمتظاهرين، والتضامن معهم ضد جهات وقوى الفساد والعسف، لا يتحقق بالبكاء وشتم الفاسدين وادانتهم، فقط.. بل وايضا بالتوعية لانقاذ الارواح والممتلكات، وتلك مهمة كل من استطاع اليها سبيلا!.
+ 2019.12.30: .. وهناك من لا يفرق بين انهاء- اسقاط،  سلطات القتل والفساد المدانة، وبين سقوط "اسقاط" الدولة كلها، واشاعة الدماء، والدمار الشامل ..
+ 2019.12.1:  الانحياز العاطفي، المطلق، مع الاحتجاجات الراهنة، ضد التسلط والفساد، بدون تبصّر، ولا تَبصير "ربما" يودي الى نتائج غير مرجوة، بل ومحزنة أكثر مما هي عليه الحال المؤلمة والأليمة..
+ 2019.12.3 : استذكار آخر لما قاله الجواهري قبلَ عقود، وكأنه يتحدث اليوم: لهفي على أمة غاضَ الضميرُ بها، من مُدعي العلمِ والآدابِ والدينِ.
+ 2019.12.6 : هل حقاً ان "الطرف الثالث" المتوحش، لم يعد معروفاً الى الان، وهو يقتل المحتجين السلميين، ويشيع القتل والعنف والاحراق والفوضى؟!.
+ 2019.12.8 : الشجب والنحيب لن يعيدا اكثر من 400 روح عزيزة الى الحياة.. تعالوا نبحث عن طريق اخرى لوقف شلالات الدماء الغالية، والدمار، ولعلّنا ننجـح!..
+ 2019.12.9 : فلنتابع الاخبار، وندققها قبل نشرها.. البلاد تلتهب ولا تتحمل المزيد..التضامن لا يعني التأجيج، مطلقا.. حياةُ الناس مسؤولية النبلاء!.
+ 2019.12.10 : في معمعانِ الشتائمِ والاتهامات "الشعبية" الراهنة، تقدح الذاكرة بيت قديم للجواهري، يقول: وكان أجـلُّ منْ قارعتُ خصمٌ، بنبلِ يراعه رِبحَ القتالا .
+ 2019.12.12 : تعددت وتنوعت المطالب المشروعة لحركة الاحتجاج الشعبية..اما حان وقت توحيدها وترتيب اسبقياتها؟..ذلكم "قـد" ييسر النجاح ويقلل الخسارات!.
+2019.12.13 :الاعلان عن الجهة- الجهات المسؤولة عن تنظيم (ادارة/ تنسيق) التظاهرات الاحتجاجية، يمنع استمرار التكهنات (التقولات- الاتهامات) القديمة والجديدة حولها..!
+2019.12.14 : كثيرون جدا من يرفضون ويتشددون ويزايدون.. ولكن قليل جدا ايضا هم القادرون على ان يطرحوا البديل الواقعي، المقبول، بلا شتم ولا ادعاء !.
+2019.12.15 : .. ومما افرزته الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد والتسلط: انها كشفت مستوى الوعي والادراك الفردي والجمعي الراهن، وحالتيّه: المنطقية، او العاطفية!.
+ 2019.11.17: استذكارآخـر لما قال به الجواهري قبل نصف قرن: وما برحَ العراق محكّ صبرٍ ، يُطاقُ بأرضهِ غير المطاق/ كأنَّ غرائبَ الدنيا تنادتْ، على وعد ٍ لديهِ بالتلاقي.
-------------------------------------------------- * رواء الجصاني



58
عن الشباب والشيوخ، في مسار الحركة
 الاحتجاجية الراهنة في العـراق
* رواء الجصانــي
----------------------------------------------------------------------

يتشكل الوعي الوطني لدى الفرد، ويتشذب ويترسخ، متأثرا بجملة عوامل ومن اهمها على ما أزعم، النشأة الاولى والحال البيتية والاجتماعية، والظروف الثقافية السياسية التي يعيش في فترتها، محليا واقليميا وعالميا، دعوا عنكم التجربة الشخصية، والحياتية، وسعة المدارك والثقافة التي تتوفر امامه – اي ذلك الفرد المعني- وما يبذله من اهتمام ذاتي على تلكم الطريق..
   وفي الحال العراقية، تكونّ، ويتكونّ،  ذلك الوعي – ولنسمه الهمّ والشجن - الوطني في ظروف ووقائع استثنائية عديدة، وتراكم الاحداث، بمرّها الكثير، وحلوها العسير،  بسبب ما مرت به الاحوال السياسية والاجتماعية من تعقيدات ومآسٍ طوال عقود وعقود، امتدت وأتسعت بلا حدود، وحتى يومنا الذي نعيش، مع بعض الفترات الزمنية الاستثنائية.. وقد شابَ ذلك الوعي ما شابه من تأثيرات وتداعيات نفسية، قاسية ومريرة ربما ليس من المجازفة القول بأنها لم تكن سائدة الا في العراق، بل وفقط في العراق.. 
   ومناسبة هذه الكتابة/ الشهادة تأتي بعد انتشار ما قيل ويقال حول الاحتجاجات والتظاهرات الراهنة، وخاصة عن دور الشباب الحيوي فيها، و"عفويتهم" ورفضهم لأي "قديـم" في السياسة والمجتمع، والعزوف عن التيارات والتنظيمات الحزبية  "التقليدية" وما شابه ذلك من تصريحات وتعابير وآراء.. والأشد سلباً في ذلك - كما ازعم ثانية - ان يشترك مثقفون وسياسيون عريقون (او شيوخ !) وغيرهم في مثل تلك الموجات والترويج لها، بقناعات حقيقية أو بعواطف جياشة، وردود افعال . وما علينا بذوي النوايا والمنافع والدوافع غير النزيهة ...
    ومن بين ما تم طرحه، بثقل في البدايات، ويطرح الآن بهذا القدر او ذلك، التأييد المطلق، ودون تبصّر أو تبصير، الدعوات لأن يُترك الشباب في حالهم و"نهضتهم" الجديدة، بل وتحريم التدخل بالنصح والارشاد والمشورة.. كما قيل، ويقال الى اليوم، بأن لاحاجة لأولئك المنتفضين، الغاضبين حتى الى تنسيقيات موحدة، أو تأطير مناسب، ولحين ان تتبلور لديهم قياداتهم !! (1). ومن مبررات تلك الاراء المعلنة، صراحة أو ايماءً، ان الماضي ملئ بالانتكاسات والعجز والترهل، والتجاريب غير الناجحة وسوى ذلك من مشابهات، وشيوع اليأس لدى متبني مثل تلك الاقوال والمفاهيم. وفي ضوئه فليس هناك، ولا حاجة لقيادة او ادارة او مفاوضين!! .
   ولعل ما قد يبرر انحياز عدد من السياسيين والمثقفيـن "القدامى- الشيوخ" لمثل تلك الرؤى والاراء، الحالات الشخصية التي عاش بها اصحابها، او التي سمعوا عنها فصدقوها دون تروي وتمحيص، أو مشاهدات ومعايشات تبقى محدودة بالمقارنة مع ذلك الكم الغزير من الوقائع المقابلة، وكذلك النجاحات وأن لم تكتمل لاسباب وظروف ذاتية منها وموضوعية.. ونرى بأن حتى الانكسارات والهزائم هي تجارب "غنية" لمن يريد ان يتعظ منها، ويراها بعيّن العقل والمنطق.. وألا فهل يجوز ان تبدأ وتستمر، تلك الاحتجاجات - السلمية كما هو مطلوب ومرتجى-  وتدوم بشكل ناجح وناجع، بعيدا عن العنف والتدمير، دون تأطير وتنظيم، ودون تحديد الاولويات، والاستفادة من وقائع واحداث الماضي والراهن؟ . وخلاف ذلك هاتوا باية تجربة في العالــم المتمدن خلت من مثل تلك الضرورات والحقائق عن اهمية الادارة والتنظيم والتأطير ؟!..
   وفي ضوء ما تقدم لا أحد يستطيع ان يجزم بكيفية امتلاك الشباب، ذي الاعمار القصيرة نسبيا، لكل ذلك الفهم والوعي والادراك المطلوب، وتمكّنهم من اختيار الانسب، وهم – اي الشباب - لم   يمروا بتجربة شخصية وحياتية كافية، ولا مشاركة عامة في نضالات ومسارات الحركة الوطنية، الوطنية، واحزابها وقواها النزيهة، وما قدمته من تضحيات جلى: استشهادا وعسفا وتنكيلا وسجنا ونفيا، وعلى مدى عقود وعقود في تاريخ البلاد الحديث على الاقل؟!.. بل وكيف يصحّ ان تتصادم تمردات وانتفاضات المحتجين، وحيويتهم، مع تجربة وحكمة الشيوخ النبلاء، وثقلهم التاريخي والمعنوي، خاصة وان  كلا الجانبين يطمحان للتغيير الممكن، والتطلع الحريص للبناء، وللوطن ألآمن ؟! ..
  وبظني - وليس كل الظنون، ممقوتة- ان التشبث بمثل تلكم الرؤى والاراء، الهادفة لفك التشابك المنطقي بين "الشباب" والشيوخ" في حالتنا العراقية الراهنة، قد اودى ويودي، بل وسيودي، الى فقدان فوائد الحكمة والتجارب الغزيرة، بمرّها وحلوها، مما يحتاج اليها الشباب اليافع، الحريص حقاً،  أشد الاحتياج، ليكمل بها ما عنده من طموح مشروع وتوثب وعطاءات حيوية... 
    وبقناعة كاملة اقول بأن تلك الدعوات التي التي تصاعدت للتفريق بين الشباب والشيوخ، وأختلاق جدار فاصل بينهم، قد ساهمت بتحقق خسائر غالية – اضافية-  في الارواح، وبسيّل دماء – اضافية-  بريئة، تواقة للعدالة والوطن المزدهر، وقد كان بالمقدور - والى الآن- تحجيم تلكم الخسائر، على الاقل، بدلا من اشعال نيران الأثارة و"التثوير" والتأجيج غير الضرورية، والاندفاعات العجول، والعواطف الجياشة، وردود الافعال غير المسيطر عليها..  كما لا أستطيع إلا ان أشك بأن القادم سيكون أزيد عسراً ما لم يستمع الشباب لآراء وتجارب الشيوخ، واكرر النزهاء، لا بهدف الهيمنة والاستئثار،  ولا  بتبني اجتهاداتهم  بشكل مطلق، ولكن للأستفادة منها وهم في طريقهم ينشدون الرقي، والحرص على اقامة – وادامة - مجتمع العدل والرفاه، كما يُفترض ..
  يقينا ان الموضوع الذي نتناوله في هذه الكتابة بحاجة للمزيد والمزيد من التوعية به، منعا لوقوع ما لا يريده المخلصون، والحد من صيحات وتأجيج "المترفين" ومبالغاتهم، التي ساهمت – وتساهم - بهذا القدر او ذلك بأضافة خسائر عزيزة لا حاجة جدية لها ..  وكم هو جميل ان تُشاع وتترسخ مقولة "بالسلم والبناء – بدلا من بالروح والدماء - نفديك يا عراق" ..
  اخيرا ربما توجز ابياتٌ معدودات للجواهري الخالد، وتعوضّ عن كل ما اردت التعبير عنه في السطور السابقات، حين قال مخاطبا الشباب قبل ستين عاما: (2)
أزفَ الموعدُ والوعدُ يعـِـنُّ.. والغدُ الحلـوُ لأهليه يَـحـِـنُّ ..
والغدُ الحلوُ بنوه أنتـمُ .. فاذا كانَ لكم صُلْـبٌ فنحنٌ
فخرُنا أنـّـا كشفناه لكمْ .. واكتشافُ الغد ِ للأجيال فـنّ
يا شبابَ الغـدِ إنـّـا فتية ٌ.. مثلكُم فرَّقنا في العُمـْـر سِـنّ
لم يزلْ في جانـِـحيْـنا خافقٌ .. لصُروف الدَّهر ثَبـتٌ مطمئنّ
لا تلومونا لأنـَّـا لم نكنْ .. مثلـَـكمْ في ما تـُـجَـنـّـون نـُـجـَـنّ
ولأنـّـا إذ ترُدّون الأذى .. بالأذى، نجزَعُ منه، ونـَـئنّ..
---------------------------------------------------* رواء الجصاني 2019.12.4
1/ من غير المعقول ان هناك من يعتقد الى اليوم، بأقتناع أو بأدعاء، بأن لا قيادة أو ادارة للتظاهرات، وانها بدأت حتى دون اتفاق على موعد محدد، مثلاً، وبتوجيه من الجـنّ !!!
2/ من قصيدة الجواهري القاها امام  المؤتمر الثاني لاتحاد الطلبة العراقي العام، الذي انعقد ببغداد عام 1959..














59
حول بعض ضرورات التضامن المنتج، والحريص،
 مع الحراك الشعبي في العراق
* رواء الجصانــي
----------------------------------------------------------------------
   ليست منّةً، ولا هو فضلُ من احدٍ ان يتضامن النبلاء مع مطاليب الناس في العيش الكريم والمساواة، وعدم التمييز، ويقدمون الدعم – بما يستطيعون- لتلك الاهداف السامية.. وان كانت تلك هي الحال العامة، فكيف بالعراقي الذي يرى مواطناته ومواطنيه يتظاهرون منذ نحو شهرين مطالبين برفع الحيّف، ومن اجل بلد خال من العنف والفساد، طموحٍ للأمن والازدهار..
    وبذلك المنحى راح الكثير من العراقيين داخل بلادهم وخارجها يشاركون- وبأوسط الايمان على الاقل- في اعلاء روح التضامن الحريص، والواعي، مع الحراك الشعبي المشروع، وخاصة بعد استشهاد  اكثر من ثلاثمئة وخمسين من الضحايا الابرياء، والالاف من الجرحى والمصابين، بسبب مواجهة بعض الاجهزة الامنية، وغيرها، للمتظاهرين والمحتجين، وخاصة السلميين..
  ولا شك فأن أشكال التضامن والدعم  تتعدد وتتنوع بحسب الظروف والمواقع ، وكذلك الدوافع والقناعات التي تتباين بحسب المدارك والقدرة على الفهم الاستيعاب، وغير ذلك من اهداف معلنة وغيرها .. ولكن تبقى الحقيقة قائمة بأن اختلاف اشكال التعبير، عبر ذلك الدعم والفعل التضامني، لا تتيح لوحدها ترتيب من هو الأكثر تضامناً وحرصاً من غيره.. وهكذا يعبّر شاعر هنا، وفنان وكاتب هناك، وغيرهم، بقصيدة او لوحة او كتابة او رأي، او بمساعدات ما او تجمعات وسواها كثير ومتنوع ..
   وبمثل سابقاتها السبع، بشأن الحراك الشعبي (الهبة/ الانتفاضة/ الحركة الاحتجاجية...) تأتي هذه المساهمة لتتحدث عن تصورات ورؤى تظنّ بأن مما تشمله  متطلبات الدعم والتضامن المنتج، والحريص: التوعية والتنوير والتحذير والتوجيه والمشورة، وخاصة المستقاة من تجارب ووقائع حياتية، ومن سعة أفق ونظر، ودوافع انسانية، ووضعها امام ذوي الشأن، ولا سيما طلائعهم، ونشطائهم ومنها:
1- التأكيد على اهمية الحفاظ على سلمية التظاهرات، ومنع محاولات تصعيدها، وبهدف الحفاظ بكل ما هو متاح، على حياة المحتجين السلميين، ومنع وقوع المزيد من الضحايا العزيزة والدماء الغالية، وخاصة ان هناك من يريد "تـثويـر" الاحداث بسبب قناعات ما، أو لأسباب ودوافع أخرى ..
2- دعم المحتجين عبر دعوتهم لمزيد من الانتباه الى موازين القوى، عددا وعدة، وفي ضوء ذلك الوصول للاختيار الانجح والانجع، لأشكال التظاهر ومواقعها، وسبل ديمومتها الايجابية وكيفية ذلك..
3- تقديم المشورة لأصحاب الأمر بضرورة اختيار المطالب وترتيبها، وتحديد سقوفها، بعيدا عن العاطفة، وبعيدا عن المؤججين، وخاصة المترفين منهم، ممن لم يذقْ المرارات الحقيقية .. كما بعيدا عن وسائل الاعلام غير المهنية، والجهات ذات المصلحة في اشاعة الفوضى والدمار في البلاد العراقية. وهنا يجدر الحديث ايضا عن اهمية التنبيه الى  ما يُراد من وقوع الدولة كلها – وليس السلطة فقط – في فراغ دستوري، مما "قـد" يودي الى مزيد من الانقسام والتشظي المجتمعي، وحتى الاقتتال الداخلي/ الاهلي، وتلكم هي حالات سوريا وليبيا واليمن أمام أعين الجميع..
4- ولا شك فأن النقطة السالفة تحتاج من المتضامنين، والداعمين للحراك الشعبي السلمي، المشروع، تأكيد الدعوة للمعنيين للأسراع بأعلان اداراتهم / تنسيقياتهم/ قياداتهم للتظاهرات، لكي تتولى من جهتها  تحديد اولويات الاهداف، والتفاوض حولها، خاصة وقد باتت المقولات والمبررات بشأن ذلك مثل  "عفوية التظاهرات" غير منطقية ولا مقبولة بأية حال من الأحوال..
5- كما ان على الداعمين والمتضامنين، المخلصين، التنبيه الى ان كل الاحتمالات قائمة، والتحذير من اولئك الذين تحيّنوا – ويتحينون – الفرص، لدفع الاحتجاجات الى نوايا واهداف اخرى بعيدة كل البعد عما خرجت به الالوف المؤلفة من المتظاهرين، وخاصة الفقراء والمهمشين، وذوي المطالب المشروعة في الحياة الحرة الكريمة..
6- وهنا وارتباطا بالفقرة اعلاه، يظهر كم هو مهم بأن يسعى المتضامنون النجباء لبذل جهود اكبر في مجال التوعية بأهمية الظروف الاقليمية والدولية التي تحيط بالبلاد، والتي تؤثر بشكل مهم جدا على ما تطمح اليه الجماهير الشعبية – اولاً- من أصلاحات وتغيير في مجالات النظام السياسي والاجتماعي والمعيشي، وضد المحاصصة غير المشروعة، والفساد المتجذر، والممارسات العنفية من كل الاطراف.. 
7- ومما هو مهمٌ التوكيد عليه هنا، ضرورة  التشاور مع الشخصيات والاحزاب والقوى والتيارات الوطنية، الوطنية، النزهاء، والاستفادة من تجاربهم، وخاصة ان لهم قوى وجماهير، وتأثيرا في الواقع الشعبي، سواء رضيّنا بذلك أم لم نرضَ به..
8- كما من المهم ايضا تنوير المتظاهرين بأن لا ينقادوا أويتأثروا بما يطرحه الطائفيون والعنصريون وذوو المصالح الخاصة السياسية وغيرها، ولو تزيّوا بلبوسات الحرص، ومن بين ذلك نسيان أو تناسي النظام الدكتاتوري البعثي، حتى عام 2003 وحروبه الداخلية والخارجية، والمقابر الجماعية، وعسفه وأضطهاده الذي شمل مختلف فئات المجتمع ...
 9-  ومن المفيد ايضا، بل والضروري، ان يسعى الداعمون والمتضامنون مع الحراك الشعبي المشروع، والسلمي، ان يواصلوا الدعوة والتنوير بأهمية عدم الانجرار وراء اولئك الذي يسعون بالقول والفعل، لاشاعة المزيد من الدمار والدموية، والانشقاقات الداخلية، مثل  محاولات  التجاوز بالانتقادات والتحريض والتضليل، على المرجعية الشيعية العليا، ناسين عمدا الالاف، بل والملايين الموالين والمؤيدين لتلك المؤسسة الجليلة، بحسب قناعاتهم ومداركههم ورؤاهم، وواقع الحال عموما..
10- وارتباطا بما تقدم ايضا، تبرز اهمية الدعوة والتوجيه  الى ان منتسبي القوات المسلحة والحشد الشعبي والتشكيلات الامنية الاخرى، هم من ابناء الشعب، وقد قدموا ما قدموا من تضحيات جلى للحفاظ على الاستقرار وخاصة في سنين سيطرة (داعش) وما قبلها ضد مجموعات الارهاب والعنف والتي كادت ان تقود لحرب داخلية شاملة..
11- وعلى ذلك النهج، تظهر اهمية التنبيه الى تدارس  ومعرفة الاسباب والدوافع التي حالت – وتحول الى اليوم- في امتناع عدد من محافظات البلاد، وحتى عدد من مناطق العاصمة بغداد، دعوا عنكم محافظات ومدن اقليم كردستان، من المشاركة في التظاهرات الاحتجاجية المشروعة، ضد الهيمنة والتمييز والفساد..
12- وفي اطار كل هذا وذلك من متطلبات الدعم والتضامن الحريص والمنتج للحراك الشعبي الكبير، تبرز اهمية استثنائية للتأكيد مراتٍ ومرات، على الامتناع– بل ومنع- القيام بأعمال حرق البيوت والمقرات والمؤسسات الرسمية وغيرها، وكلك قطع الجسور والشوارع، و"فرض" الاضراب هنا وهناك، بالقوة، والعنف والتهديد، مما أفقد – ويفقد - المتظاهرين السلميين مصداقيتهم واهدافهم النبيلة للعيش في وطن آمن مستقر يحقق المساواة المشروعة للجميع بالرفاه والاستقرار..
... أخيرا  لا أجد خيرا من خاتمة تقول بأن المخلص الحقيقي هو من "صدقكَ" القول، لا من "صدّقك وتعاطف معك، أو ناحَ عليك" حقا وباطلاً.. وأضيف ان من ابرز دوافع هذه الكتابة  القناعة بأن ارواح الناس هي الاغلى دائما، مما ينبغي ان يستمر الحرص عليها، ودون خسائر مضاعفة، خاصة وقد عاشت البلاد وطوال عقود طويلة  مآسي مريرة: حروبا وعنفا وارهابا ودمارا ..
-------------------------------* رواء الجصاني 2019.11.27















60
هكذا فهمتُ الانتفاضة الشعبية... وتعلمت منها!
* رواء الجصانــي
----------------------------------------------------------------------
   هذه متابعة جديدة، سابعة، حول الاحتجاجات الشعبية الساخنة في بغداد العراق، ومدنه الفراتية والجنوبية تحديدا، من اجل العيش الكريم، وعلى طريق دولة المواطنة والعدالة، والمساواة، وضد الفساد، والمحاصصة الجائرة.. والتي راحت ضحيتها نفوس بريئة غالية، تجاوزت الثلاثمئة والعشرين الى اليوم، الى جانب الاف الجرحى والمصابين بسبب العنف المدان من كل ذي ضمير انساني، والذي تسبب به  منتسبو العديد من  الاجهزة والسلطات الامنية، وغيرها، دعوا عنكم اعمال العنف المجتمعي والحرق والتخريب..
   وبرغم ما يقالُ بأن الامور بعواقبها ونتائجها، ولكن لا بأس من استباق بعض المسارات المتوقعة، المأمولة أو الشائكة، لأصرحُ ببعض لواعج وتساؤلات بشأن الحال العراقية، وكثير منها ورد  في كتاباتي السابقة، وخاصةً منذ مطلع تشرين الاول 2019 والى الان .. وأتوقع أن تكون هذه الكتابة – وكالعادة - موضع رضا هنا، أو انتقاد هناك، وغيرهما كثير، وبحسب قناعات ومدارك ووعي المقابل، ورغبته في الفهم بالعقل والضمير، وليس بالعواطف الجياشة، والعراقية منها بشكل أخص ..
  لقد قلتُ في العنوان " هكذا فهمت وتعلمت من  الانتفاضة.." الحاشدة والمستمرة الى اليوم، وأعني ذلك تماماً، وأقصدهُ وأعيه.. فالحياة تجارب وعبـرٌ تُستقى كل يوم، ومنها يتعلم المرء الكثير، لو اراد طبعاً .. وهكذا اكدت لي الانتفاضة أمورا وأمورا جديدة، وأخرى قديمة، ومنها:
- ان للصبر عند الشعوب حدوداُ، وأن بَعدُت بعض الوقت، وأن الخنوع،  والركون للمهادنة لابدّ وان يتوقف، فيفيض ذلكم الصبر بهذا الشكل أو غيره، وبأنفجار عارم، وربما ليس محسوبا، وبمديات متعددة، تشوبها الثغرات والاخطاء والنواقص، قلّت أو كبرت ..
- كما تأكدتُ من "الانتفاضة" بأن السير على طريق الحق سالكٌ، و يسود حتى  ولو قلّ سالكوه..  وها هي الوقائع تثبت ذلك، فالالوف والالوف يشاركون في الاحتجاجات، ومن حرقتهم، وآلامهم انهم لم يبالوا حتى بالتفكير حول البديل القادم، ولربما لم ينتبهوا الى ان المقبل قد يكون اكثر بلاء، وعسفا وشدة..
- وان التراكم الكمي- واعني هنا الحياة القاسية، والشعور بالجور– يتحول الى تغيرات نوعية، كما يقول الجدليون.. ولعلّ مما جناه – وسيجنيه- المتظاهرون الناهضون يؤكد بأن لا عودة لما قبل تشرين 2019 ومؤكدٌ – او هكذا ينبغي – ان تكون قيادات الاحزاب النافذة، والمسؤولة قد أستوعبت الدروس،، مما يبعدها شاءت أم أبت عن نهجها السابق، وتغيّر من سلوكياتها المدانة، والاعتراف بكل الاخطاء والخطايا، وما يترتب على ذلك من محاسبات وفقا للقوانين.. 
- ومما فهمتُ من مسارات الانتفاضة، ان ثمة حراك – الى الامام -  ولو ببطء في مستوى الوعي الجمعي، وتوسعٌ في المدارك والتقديرات الموضوعية، ولكنها تحتاج للمزيز والمزيد من المعرفة والتعلم، وخاصة بما يتعلق ليس بالتنظير وحسب، بل – وأولاً- بالسلوكيات، واستشراف القادم، بأستيعاب تجارب الماضي الأليم ...
- كما تعلمتُ بان حماسة الشباب، لا تكفي وحدها  للسير بالأتجاه السليم، دون الاستعانة بالحكماء، كهولاً أو شيوخا، وخبراتهم وتجاربهم المتراكمة، وخاصة من اولئك الوطنيين النزهاء، من أصحاب الضمائر الانسانية، سياسيين ومثقفين كانوا، ام مجربين أو غيرهم...
- وبالأرتباط مع النقطة السالفة، او اكمالاً لها، اقولُ بأن مسألة تجاوز القوى والاحزاب السياسية، الوطنية، الوطنية، ليست واقعا ممكنا، ولا جديرة بالترويج لها، ولا يعود من تلك المسألة ألا المزيد من التعقيدات، والعثرات وربما الخسائر وحتى الفادحة احيانا .. ولربما كانت الضحايا الغالية أقلّ بكثير "لــو" تمت الانتباهة لما سلف من رأي..
- ولقد اكدت الانتفاضة ايضا بأن ما جرى – ويجري - من حديث بأن لا "تنسيق" ولا "قيادة" ولا محرك للأحداث التي نشهدها، ما هو الا حديث لا يُعتدُّ به، وغير قابل للتصديق، حتى وأن برره آخرون بمقولة ان المتظاهرين سيفرزون قياداتهم لاحقا!!.. ولا احد يدرى متى وكيف، خاصة وان الخسائر العزيزة ما برحت تزداد يوما بعد آخر .. وثمة تشاؤم بغيض بأن تؤول الحال حتى الى دمار شامل، وتقسيم للبلاد..
- كما تأكدتُ بأن حكمة "اذا اردتَ ان تطاع، فأمر بما هو مستطاع"  المنسوبة للأمام علي أبن أبي طالب، حكمة جديرة بالأعتماد.. وأضيف بأن سقوف المطالب الشعبية يجب ان يأخذ بعين الاعتبار – وبلا عواطف او ردود افعال- مختلفَ الوقائع ومنها توازن القوى، عددا وعدة وقدرات، ومستوى الوعي الاجتماعي، وامكانيات الديمومة وغيرها..
- وهكذا  تأكدتُ ايضا بان توحيد المطاليب وبلورتها، ومنع تشتتها، هو الاصلح والاجدى، ويجمّع اكبر حالة من الامكانيات .. وعسى ان لا  "تثور" المطالب الى حد اجترار اخطاء الماضي ومآسيه، بعد نيسان 2003 ومنها مثلا  وقائع "الاجتثاث" السياسي، سيئة الصيت - بتقديري على الاقل- التي طالت الافراد عامة، وليس القيادات المسؤولة الطاغية والفاسدة..
- وان الانقسام الذي ساد ويسود المجتمع العراقي آخذٌ بالأزدياد والتشتت طولا وعرضاً .. وكم هي أمنية نبيلة  ان يبقى الأمر في حدود الاتهامات والتخوين والشتائم، برغم بغضها، ولا يتعداه الى العنف والدماء الذي عانى ما عانى منه الشعب والوطن، طوال نحو ستة عقود  ..
- كما ترسخت عندي صحة المقولة بان "اهل مكة" ادرى بشعابها وسهولها، وكم هو حسنٌ أن يدرك ذلك ممن هم بعيدون عن اللهيب ولا يعرفونه – مهما حاولوا – مثلما تعرفه الجماهير المهمشة والمسحوقة من مضطهديها والذين راح بعضهم اليوم ملكياً اكثر من الملك نفسه، في "تبني" تلك المطالب الشعبية، والمزايدة عليها ..
- وفي السياق، تجذر لديّ الفهم ايضا بأن للقوى، والدول الخارجية، الاقليمية والعالمية، دورا مؤثرا بشكل كبير جدا، ومن دون الاعتراف بذلك فأن الخسائر ستكون اكثر واكثر، والدمار أوسع وأوسع.. وان عراقاً مستقرا مزدهرا يطمح اليه كل الوطنيين المخلصين، لن يقوم ويقوى دون "مناورات" و"حسابات"  في منطقة تحيط بها الحرائق والفتن والمؤامرات من كل صوب، وها هي امامنا وقائع الحال في سوريا وليبيا واليمن ..
- ولقد أكدت الاحداث مرة أخرى بأن للطائفية المقيتة جذورا  "راسخة" وليس بالأمكان الفهم بأن تظاهرات مشتركة هنا، وأخرى هناك، بمقدورها ان تمحو ذلك "التأصل" وان التمنيات والعواطف والنوايا الحسنة لا تكفي - مهما كانت جليلة – للقضاء على هذا الوباء البغيض، دون الاعتراف بالواقع، وليس بالنكران اللفظي، بل النشاط الدؤوب قولاً وفعلاً لحصر التداعيات اولا، والحرص على المعالجات بعد ذلك، وبنفس صبور حثيث  ..
- وارتباطا بما سبق، من الضروري ان لا تقودنا العواطف الى الوقوع في مطبات ومهاوي "حرق الاخضر واليابس" وخلط الامور، ومنها ما طال – يطال-  الحشد الشعبي، الذي لا يمكن لاي متصدٍ موضوعي للاحداث، ومتابع لها ان يلغي دوره الكبير في مواجهة الارهاب الداعشي، وما قدمه عشرات  الالوف من  منتسبي ذلك الحشد من تضحيات جلى: شهداء وجرحى ومضحين.. مع اهمية التأكيد بنفس الوقت هنا، وبكل شدة، على رفض ومنع اية توجهات وسلوكيات لا تتناسب مع القيّم والاهداف التي أسس الحشد عليها..
- ولقد تعلمتُ ايضا  مما أفرزته الاحداث – ولأقل تأكدَ عندي- الادراك بأن تأثير التضامن الخارجي، الدولي، والعربي منه بشكل خاص، لا يمكن التعويل عليه كثيرا، وانه "فورات" ستخمد بعد وقت قصير.. فالمصالح الاقتصادية والعلاقات السياسية اولا وقبل كل شيء ، وعسى الأ  يُؤمل المتظاهرون النبلاء بغير ذلك الواقع، ودون مراهنات كبيرة على وهـم التضامن..
- كما تأكدت التوقعات عندي بأن الكثير من الفاسدين الذين تقصدهم التظاهرات الشعبية، قد حاولوا – ويحاولون ركوب الموجات، وبهدف تبرئة الذمة ليس إلا، وقد نجح الكثير منهم في ذلك السعي، وكذلك هي حال سياسيين، ومثقفين عديدين، وغيرهم ..
- ومما تجذر لدي من متابعة مسار الانتفاضة بأنها كانت فرصة "غنيّة" لأولئك الذين تم أبعادهم، وأسقاطهم عن المشهد السياسي للبلاد، منذ عام 2013 فراحوا يجرأون ويجاهرون حتى بالمقارنات بين ما هو كائن من واقع اليوم، وبين ما كانت عليه الناس والالام والتضحيات بسبب نظامهم، نظام الارهاب والحروب الداخلية والخارجية..
- ولقد بانَ عندي أكثر فأكثر صواب الرأي بان العواطف والانفعالات لا تكفي ولن تحسم الامور، وشتان ما بين الحثّ والتوعية، وبين التأليب والتحريض ... بين التنوير والتضليل، ولا حاجة لمزيد من الحديث عن الفوارق الشاسعة بين تيّنك الحالتين..
... واخيرا، أختتم هذه الخلاصات بالقول: لقد ترسخ لدي مما افرزته التظاهرات، والاحداث  والوقائع بأن ما يُزعم بأن خلاف الرأي لا يُفسد للود قضية" ليس سوى تلوين خارجي، وانه أفسد - ويفسد وسيفسد -  في ذلك "الود" قضية بل وقضايا، وكم هو نبيل ذلك الذي يتحمل الرأي المخالف !!!.. -------------------------------* رواء الجصاني 2019.11.18

61
شتّانَ ما بين الحثّ والتوعيـة.. والتضليل والتحريض
* رواء الجصانــي
----------------------------------------------------------------------
    ... وإذ تستمر الاحتجاجات الشعبية الحاشدة  في بغداد العراق، والعديد من مدنه، وخاصة الجنوبية منه والفراتية، تتزايد اشكال التعبير، بشأن تلكم الاحداث، الداعمة لها بلا قيد وشرط احياناً، أو مع بعض التحفظات عليها، احيانا اخرى، ولكل من الطرفين رؤى واسانيد، حريصة في الغالب الأعم، وما علينا بغيرها.. ومن بين أشكال التعبير تأتي المواقف والكتابات المُبحرة، أوالعجول: آراء وتحليلات وقصائد وصورا  ولوحات وتعليقات واستنتاجات ومتابعات، وما الى ذلك، دعوا عنكم الاخبار غير الموثقة والاشاعات وسواها، والتي يبرر زيفها احيانا تحت مقولة " ناقل الكفر ليس بكافر" ونرى-  بمثل هذه التوترات الراهنة – انه : كفر مضاعف، لانها تساهم بهذا القدر أو ذلك، في اثارة فتنة كريهة، بل وحتى مآسٍ احيانا..
ولربما يمكن ان تُحدد تلكم الكتابات واشكال التعبير بمنحيين رئسيين، اولهما الحثّ والتنوير، وثانيهما التحريض والتضليل، وهما طريقان سالكان ما دام المعنيون بذينك الاسلوبين يعتقدان – بتقديرهما على الأقل- بأن ما يمارسونه يسندُ  تلك الاحتجاجات الشعبية حين تطالب بحقوق المساواة والعيش الكريم، وملاحقة رموز وشخصيات وسلطات الفساد والقمع والقتل .. ولربما هناك في بعض الاحيان تشابك متلاحم بين "التنوير" المزعوم، و"التحريض" المدعى..
وفي ضوء متابعة اشكال التعبير التى تتزايد حول الاحتجاجات والمتظاهرين، وتحركاتهم، دعونا نتوقف عند بعض خلاصات واجتهادات حول شؤون ومجالات "التوعية"  و"التحريض" التي ترافقت – وتترافق – مع تطورات الاحداث، ولعلّ ثمة ما يفيد في سبـر تلك الوقفات، وهو أن الوتائر تتصاعد بشل متسارع، مما "قـد" يودي الى تداعيات مؤلمة أكثر مما حدث، ويحدث، ويتطلب أحترازا من وقوع المزيد من الضحايا والدماء البريئة الغالية، اللا ضرورية، امام وقائع وأوضاع وظروف موازين القوى الراهنة: الداخلية والاقليمية والدولية... ومما نريد ان نتوقف عنده سريعا، وبرؤوس اقلام ليس إلا:
1/ التأكيد بأن التوعية ليست حالاً عجول، ويعرف اصحابها او متبنوها انها تحتاج لفترات زمنية تطول وتقصر حسب ظروف الواقع، لكي تأتي بنتائجها المطلوبة.. اما التحريض فيريد به اصحابه، وهم مقتنعون، استعجال الامور وان شابت النتائج اغلاط وعواقب، وبعضها وخيمة..
2/ وفي ذلك الاطار تركز التوعية - التنوير على اسس معرفية بسيطة او عميقة، مع الحرص على توفير امثلة وملموسيات رصينة، لكي تكون ثابتة النتائج، وافرة الفائدة .. اما خلاف ذلك فيأتي تحريضاً وتضليلا، ولا  يهم أن كان مبالغاً في نقل الاحداث او اجتزائها، وحتى التدليس عند تطلب الحاجة التي يريدها ذلك المحرض او غيره، ولأسباب سنأتي على ذكرها تاليا..
3/ وبينما "حبل" التوعية والتنوير، وثيق وأمين، يجئ التحريض والتضليل مناقضا بالتمام والكمال، ينكشف صحيحه عن خطله بمرور الوقت، وحالما يجري التيقّـن منه، والتبحر فيه.. وفي التأسيس على ما تقدم نستطيع وبكل بساطة معرفة حجوم وقيّم كلٍ من شخصيات "المنورين" الذين يحثون نحو التوعية من جهة، والقسم الثاني الذي نعنيه - اي "المضللين" .. وكلا الجانبين يعلنان الحرص، والدعم والاسناد الضروريين لذلك الحدث أو غيره.. خاصة وانهم – المعنيون- يرون بأن العديد من الجهات والشخصيات التي يواجهها المحتجون: قتلة وفاحشون وفاسدون ..
4/ وللتأكيد هنا مجددا نوضح بأن مايراه البعض" تضليلاً" يراه آخرون "تنويرا" والعكس صحيح تماما، فأولئك "يحرضون" ضد التظاهرات المشروعة، بشكل أو آخر، ويحسبونه "تنويرا"... وبالمقابل ثمة من  "ينـوّر" المحتجين، كما يرى،  بينما يحسبه آخرون " تحريضا" يقود للخنوع والامتهان وقبول أمر واقع، ملئ بالمظالم والظلمات ..
5/ وان كانت الفترات السابقة تسمح بمرور سهل وسريع  للأقتباسات والشائعات والاخبار والتحليلات "المنوّرة" او "المحرضة" فأن رواهن اليوم وعبر الثورة المعلوماتية، ووسائلها، تكشف الغثّ من السمين وبثوانٍ معدودات ليس ألا.. بينما تترسخ منارات التوعية في الاذهان ، قبل العواطف، ولو تطلب ذلك بعض الوقت والصبر..
6/ كما ان كلاً من "مدّعي"  التنوير- التوعية، والمحرضين- المضللين، يستهدفون جماهير  ومتلقين يختلفون عن بعضهم البعض احيانا ..  وفي توضيح أزيد نقول: ان الجمهور الذي يتوجه اليه "المنورون" بشكل مباشر، هو جمهور واعٍ لا يرتضي بسهولة ان تُمرر عليه الشائعات والاخبار المجتزأة او الشعارات المبهرجة.. بينما يعتمد "المحرضون" ويتوجهون الى جمهور عام، يتلقف كل ما قيل ويقال، دون تمحيص ولا حسابات، والكثير من اولئك  قليل المعرفة والتعليم والتجربة، مما يسهّل المهمة (او المهمات!) امام دعاة التحريض ..
7/ ومما يمكن رصده في وقفاتنا هذه بشكل واضح: ان اهداف بعض "المحرضين" تكمن في الرغبة العجول والضرورية في التأثير على الاحداث (كما يتصورون !) اضافة لكسب شهرة سريعة، ولربما مآرب شخصية، ودون حساب ما يترتب على ذلك من تداعيات عامة... اما الدعاة "المنورون" فهم  يَحسبون الف حساب وحساب لكل عبارة يقولونها، او جملة يكتبونها، أو عطاء ثقافي ينشرونه..
8/ ومن يتابع ويرصد - ولو ببعض جهد – سيتضح له، وبالملموس، الفارق في اللغة والاسلوب الذي يعتمده الجانبان : "المنورون" الذين يحرصون على الابتعاد عن الشتائم والاتهامات والبهرجات اللفظية..  و"المحرضون" الذين يستخدمون حتى الكلام الخادش، ويبررون ذلك بأن هناك مفكرون وفلاسفة كبارا قد نهجوا ذلك الطريق، ناسين او متناسين ان لكل جيل وعهد ثقافته ومتلقيه واساليبه، ولا يمكن قياس الذات مع قامات رواد وعباقرة نوادر..
 9/  ومن مبررات " المضللين" ايضا في وسائل تعبيرهم واشكالها ان "الغاية تبرر الوسيلة " لأن الاهداف المتوخاة سامية، بظنهم الصادق أو المُدعى .. فيما يبتعد "المنوّرون" عن مثل تلك المقولات، فالكلمة والرأي امانة وضمير، وتترتب عليها مسؤوليات بل وحتى خسائر جلّى حين لا تكون ضرورية، وفي مكانها وظرفها وزمانها ..
10/ ثم تبقى- بل ولربما انها يجب ان تكون في المقدمة- اهمية التوقف عند انواع، واصناف كل من  " اصحاب الحثّ والتنوير " من جهة، و"المحرضين- المضللين" من جهة ثانية .. فالأولون، فرادى كانوا أو مجموعات: مثفقون واعون، وفلسفتهم ان يسعوا لأشاعة التوجهات والافكار والادوات والجهود، وبما تحتمه عليهم رؤاهم ومعتقداتهم وقناعاتهم .. اما المحرضون، فلربما يمكن توزيعهم على اشكال شتى، ومن ابرزهم: المقتنعون بما يكتبون وينشرون ويدعون اليه، بحسب مداركهم ومعارفهم وتجاربهم .. وثمة ايضا "محرضون" ملتزمون بتوجيهات وقناعات ومفاهيم سياسية، أو بسبب ارتباطاتهم بأطر تنظيمية، تدفعهم لأن ينفذوا ما يُراد منهم، ولو كانوا غير مقتنعين به، ولاهداف خيرة كما يعتقدون ..
11/ وارتباطا بالفقرة السالفة، نتجاهل عن عمد هنا اشكالا اخرى من العاملين (الموظفين) في مجالات "التوعية والتنوير" الصالحة بحسب البعض، والطالحة  وفقا لبعض آخر ..وكذلك هي الحال بالنسبة لأصحاب "التضليل والتحريض" ومن بينهم (موظفون) ينفذون ما يترتب عليهم من واجبات، الخفي منها أو المعلن ..
   يقيناً ان وقفات مثل هذه التي نحن عندها في هذه الكتابة تحتاج لمزيد ومزيد من التفاصيل، وحتى الامثلة الملموسة، وعسى ان يسمح الوقت والظرف لاتمام ذلك، خاصة وأن للكاتب تجربة  في مجالات كالتي يتحدث عنها، وهو شاهد عيان في حالات عديدة، ومنها "تحرضية" بحسابات البعض، او "تنويرية" بالنسبة لبعض آخر، وفقا لمدارك ووعي ونزاهة أولئكم "البعضيّن" وغاياتهم وما في نفوسهم، دعوا عنكم صدقية الضمير، وهو الامر الاهم كما أحسب، والتاريخ شاهد عـدل عزوف عن الرياء، سيبيّن - وان طال الأمد قليلا - أوجه الاهداف والغايات المدعوّة والمرتجاة، الحريصة، أوخلاف ذلك !!..
-------------------------------------------------- رواء الجصاني : 2019.7.11.7



62
مستقبل التظاهرات في العراق بين التفاؤل والتشاؤل !
* رواء الجصانــي
----------------------------------------------------------------------
    ضمن تخمة الاراء والتصريحات والاخبار، والتحليلات، بل وحتى الأشاعات، وغيرها، بشأن الحراك الشعبي القائم في العراق، تأتي هذه المساهمة الجديدة، المتفائلة – المتشائلة، والمتسائلة.. لتضيف كماً آخر لما سبق ان نشرته خلال الايام والاسابيع القليلة الماضية بشأن ما دار ويدور من احداث ووقائع ملتهبة في غالب البلاد العراقية، والجزء العربي منها بشكل رئيس..
ولكي نقطع حبل الجدل – كما اللغو- غير الضروريين، حول ما جرى، ويستمر بشكل متزايد منذ مطلع تشرين الاول 2019 دعونا نؤكد بأن ما من عراقي مخلص في حبه لبلاده وشعبه لا يقف مع كل الفعاليات المناهضة لسلطات واجهزة وشخصيات القمع والفساد، والطائفية، والمناطقية.. كما ليس هناك من عراقي نزيه  مخلص، لا يقف ضد العسف والقتل والدماء، وولو بأوسط الايمان، وأضعفه على الاقل، ونعني بلسانه وقلبه ..
وفي محاولة للأبتعاد جهد الممكن عن العاطفة والتمنيات، والطموحات، ومحاولة أعتماد الواقعية، ولو انها  لم ولن تعجب البعض، نسجل ادناه تساؤلات وجدالات في وجهات نظر متفائلة، ومتشائلة، كما توقعات واستنتاجات، برغم ما قد يفسره احد هنا وآخر هناك بغير صواب، عمدا أو مغالطة وما بينهما.. وكل ذلك على طريق ما هو معروف وشائع: أن صديقك، ومحبّك الحقيقي هو من صارحك القول وصدقكّ، وليس من صدّقـك مجاملة دون وعي، او بأدراك محدود، وثمة هوة واسعة بين الاوعية والحريض كما اظن ..
** وأول ما يرد للذهن هو ذلكم الجدال حول الآفاق المتوقعة والمرتجاة، مما جرى ويجري، وهل ستكون النتائج على غرار نجاحات احتجاجات وتغيرات تونس ومصر والسودان، أو مشابهة لما آلت اليه الاوضاع المأساوية في ليبيا وسوريا واليمن ؟!. ولعل الانتباه لذلك منذ الان شأن اكثر من ضروري.
** وثاني ما هو مهم هو مدى امكانية استمرار الاحتجاجات والهبة الشعبية بالشكل الذي انطلقت منه - اي العفوية كما هو شائع..  وإذا ما  كان ذلك واقعا مقبولاً، فهل يمكن – موضوعيا-  ان تستمر الهبة دون تحديد المسارات والاهداف، والأدارات ؟!.. وماهو دور التنظيمات والشخصيات  السياسية والنقابية والمهنية، المخلصة طيعا، ومسؤولياتها التاريخية الوطنية؟ .. ولمَ لم تنسق في ما بينها، حتى الان على الاقل ؟.
** اما ثالث ما نشارك في التساؤل حوله، وبهدف التوعية وليس الدعوة للأحباط والاستسلام، هو هل من الممكن حقا ان يبقى التوحد، الراهن، سائدا بين المنتفضين انفسهم؟ وهل ان هناك قواسم حقيقية مشتركة، وثابتة، في ما يطالبون به؟!.. وان كان الامر هكذا فكيف نفسر – مثلاً- تشدد قسم من – وليس كل-  المنتفضين للعبور الى المنطقة الخضراء، حيث المؤسسات الدستورية والحكومية، فيما يعارض قسم آخر ذلك الامر؟. ومن كان أذن وراء اللاسلمية ونعني تخريب حرق مؤسسات حكومية، ومقرات سياسية وغيرها؟... مع التأكيد مجددا ومرة اخرى واخرى على ادانة كل العنف السلطوي، الذي وصل الى ان يكون هناك نحو 250 شهيدا وضحية، والالاف من الاصابات الجدية والبسيطة ..   
** ورابع ماهو قيّد الجدل الحريص وغيره، ولو بصوت منخفض: هل ان كل المشاركين في الهبة ومؤيديها، وداعميها، حقيقيون في تلك المشاركة والاسناد والتأييد؟!.. ولو كان الامر كذلك فمن هم الفاسدون والطائفيون والقاتلون أذن؟!.. ثم ماهي التفسيرات الممكنة لمواقف قنوات تلفزيونية بعينها مع المنتفضين، واخرى ضدهم بشكل أو آخر؟.. وكيف تجتمع وجوه وقيادات وشخصيات متناقضة في المسؤليات والقناعات والارادات، ومنهم منتفعون ومرفهون، معروفون وغيرهم،  في تأييد المنتفضين البواسل، وبحماسة لافتة في بعض الاحيان، وملوكية اكثر من الملك نفسه؟.
** ثم نصل الى تساؤل خامس وهو حول مدى سهولة ان يتخلى المتسيّدون واصحاب السلطات، ومؤيدوهم وانصارهم،  عن امتيازاتهم، ومصالحهم ومواقفهم وقناعاتهم؟!.. وهل ستبقى الجماهير المنتفضة تدفع الثمن امام اولئك: ضحايا وشهداء وجرحى ؟!. وهل هناك تكافؤ في الامكانيات والقوى؟!.. ثم : أو ليس من المهم، بل الاهم، التحذير من التحولات الى اقتتال داخلى؟ وهل يمكن تحقيق المرتجى دون الأخذ بعين الحساب: القوى الاقليمية والدولية؟...
** اما سادس ما نراه ضروريا للحوار بصدده فيتعلق بحقيقة ما يُطرح بأن العراق وشعبه بات موحدا اليوم، وكأن عقود الانقسام الطبقي والطائفي والمذهبي والمناطقي، التي ترسخت – او جُهدَ لترسيخها- كانت هشة بحيث ان هبة شعبية، سريعة -عفوية كما هو مشاع- حلّت كل التعقيدات والاسباب والرواسخ التي وقفت – وتقف – وراء ذلك الانقسام، الافقي والعمودي الذي يمتد (عريقا!) لعقود وعقود مديدة..
** والسابع في هذه التساؤلات، ويرتبط بالفقرة السابقة:  هو هل ان الاحتجاجات باتت عراقية شاملة فعلا؟ وبماذا يمكن ان نجيب عن اتساع الحراك الشعبي في محافظات الوسط والجنوب وحسب؟!. وهل تكفي الاجابات المعروفة التي توالت بهذا الصدد؟!.. وهل يمكن تجاهل ما يعنيه ذلك؟.. وهل يمكن ان لا يُحسب ذلك جيدا، ويُخذ بعين الانتباه؟.
** كما يحلّ أوان ثامن محاور الجدل ونعني به : أما ينبغي ان يعرف المنتفضون البواسل وهم يقدمون قرابين التضحيات دماء غالية، ماذا بعد سقوط او اسقاط الحكومة الراهنة،  دون خطوات لاحقة محددة بشل مناسب على الاقل ؟. وكم هي اثمان التداعيات المحتملة بسبب ذلك؟ .. وهل ستتحقق الاهداف الاصلاحية النبيلة، المشروعة بالعيش الكريم والمساواة، باطلاق الصيحات والنواح والشعارات والهتافات والقصائد والاسناد اللفظي، بعيدا عن الميدان؟.
   وهكذا تستمر بل وتتضاعف محاور الجدل والاجتهاد، وكلها – وسواء حريصة كانت ام مدعاة- تستقطب اهتماما هنا، وآخر هناك، بين التفاؤل والتشاؤل ، والتساؤل، ويغيب حتى اللحظة على الاقل صوت حكماء، وعقلاء  الشعب، شيوخا وغيرهم، من الذين لم يشتركوا في حسابات الارباح والخسائر، ولا المناكفات والمناقصات السياسية، الحاكمة أو الموجهة.. بل والأشد ايلاماً ان اولئك الحكماء مبعدون وليس مبتعدين وحسب. خائفين أو مترفعين او منتظرين، لربما لأسباب اخرى هم أدرى بها من غيرهم ..
اخيرا ندري مسبقا بأن قسما - كبرّ أو قلّ – مما تقدم لن يرضي الكثيرين، ومؤكد بأن سيراه البعض دعوة للأحباط، او اليأس، او الدوران حول الاحداث وليس في صميمها كما هو مطلوب.. ونردّ احترازا فنجدد القول ونعيد: ليس بالتمنيات والهتافات والتضحيات وحدها تتحقق الاهداف المطلوبة والخيرة المرتجاة، بل الأهم من كل هذا وذلك هو تقييم الامور بواقعية وموضوعية مناسبتين بعيدا عن الانفعالات التي قد تكلف المزيد من التضحيات العزيزة الغالية .. والاكثر ايلاماَ هو ان تكون دون نتائج على الواقع الوطني والسياسي !!.
------------------------------------------------* رواء الجصاني 2019.11.2




63
الحراك الشعبي  في العراق: مطالب ومطالب.. ولكن؟!
* رواء الجصانــي
----------------------------------------------------------------------
    يقترب الموعد "المفترض" لعودة الحراك الشعبي في بغداد، ولربما في محافظات ومدن عراقية اخرى، من اجل اهداف ومطالب متعددة، وشعارات شتى.. وما برح "لغـز" كتمان الاسماء او الجهات الرئيسية الداعية لذلك الحراك، او المنظمين والموجهين له، محجوباً.. وقد تطوع كثيرون لأحتساب ذلك غير مهم، قائلين – وعلى عهدتهم -  بأن الاهم هو ديمومة التظاهرات والاحتجاجات، ولا ندرى مدى صحة مثل ذلك الاحتساب.
   وبسبب ما تقدم  اعلاه، فمن الطبيعي ان تكون هناك اجتهادات وتشتت في تحديد الاسبقيات للمطالب وفق الممكن والمتاح، وهكذا تضخمت الحال وباتت تثير التساؤل تلو الآخر عن الاحتمالات التي ستكون عليها النتائج، وتترتب التداعيات، وابرزها الخوف الحريص، الحريص، من تكرار المجرمين الأفراط  في استخدام العنف لحد  القتل ..  ولا يكفي - بظننا على الاقل - ان تسفك المزيد الدماء، ويتضاعف العنف دون حاجة وضرورة جدية مطلوبة لأحقاق "بعض" العدالة الاجتماعية، وتحجيم "بعـض" الفساد، على الاقل .. 
  وكما في مساهمتنا / كتابتنا السابقة، بتاريخ 2019.10.14 ثمة سعي في الآتي من النقاط جمعاً وحصرا، وخلاصات، بشأن ما جرى – ويجري – طرحه من مطالب واهداف:
1/ في موضوع تعديل الدستور ينقسم الرأي حول اولويات البنود والفقرات المطلوبة والمبتغاة.. ففي حين يدعو البعض لجذريتها، في سقفها الاعلى، ويحاجج بضرورتها.. يعارض البعض ذلك ويعتقد بأن "العافية بالتداريج" بحسب المثل الشعبي الشائع، خاصة وان هناك الكثير من القضايا غير المتفق عليها ..
2/ وكذلك الامر او قريب منه، ما يجري من نقاش حول اهمية تغيير نظام الدولة من برلماني الى رئاسي، وكأن الهدف هو التسمية فقط، كما يحسب الكثيرين الذين يرون بأن العبرة ليس في ما يقال ويثبّت، ولكن في الاخلاص والصدق في التنفيذ ..
3/ وعلى الصعيد السياسي ايضا، واذ يرفض قسم من ذوي الشأن، والمتصدين للحال العامة، ما هو قائم من نظام "المحاصصة" ويرونه اساس البلاء .. يقول آخرون بأن ذلك امر متبع في مختلف دول العالم، اذ يتقاسم الفائزون في الانتخابات التشريعية التشكيلة الحكومية، وما يترتب عليها من اجراءات، وضمن قواعد متعرف عليها..
4/ وارتباطا بما تقدم يشكك الكثير بشرعية النتائج التي حققتها الانتخابات، ويحاججون بالنسبة المتدنية للمقترعين.. ويرد على ذلك كثير آخر بأن من بعض اسباب ذلك هو الدعوة التي اشتعلت لمقاطعة المشاركة.. كما يتنازع الطرفان حول مدى ونسبة التزييف الذي وقع في فرز الاصوات، دعوا عنكم شراءها..
5/ ويتشابه بهذا القدر او ذلك في "اللاوسطية" الكثير مما نُشر وينشر من مطالب شعبية، تحسب عامة شاملة حينا، واخرى محدودة احيانا اخرى، ومنها مثلا : فصل الدين عن الدولة، العلاقة مع اقليم كردستان، اعادة التجنيد الالزامي، الموقف من القوات الاجنبية في العراق، ومن مع بقائها وضده ....
6/ كما لا يجوز ان ننسى هنا المطالب الاقتصادية المثارة، بكبيرها وصغيرها، ومنها على سبيل المثال، طبعا: التخطيط المركزي او اللامركزي، قانون النفط والغاز، شؤون الاستثمارات، التعامل مع تهريب العملة، الضرائب الحدودية، المستويات العليا للرواتب، اهمية قانون جديد، عادل، للتقاعد ..
7/ وأذ تبرز الدعوة لأن تكون المطالب سياسية، بأعتبارها الاساس الذي يفضي للمتفرعات.. يعلو جدال بأهمية ان تقتصر المطالب- حالياً-  على الاحتياجات الضرورية للناس، العمل، السكن الصحة والامن، اولا وقبل كل شئ  ..
8/ كما يعلو النقاش، بل والخلاف،  بين المعنيين بالحراك الشعبي، انفسهم .. فقسم يدعو لأعلى سقف من المطالب، وآخر يرى اهمية اعطاء القضايا الرئسية الاولوية المطلوبة.. ويحار المشاركون - او جذوة الحراك بتعبير أدق-  الى اي جانب يميلون ..
9/ وفي ضوء الفقرة السابقة ثمة من يجادل بجوانب فكرية مثل اسبقية الامن والتعليم والمعرفة، واشاعة الوعي على الديمقراطية، وحتى الدستورية ، ولكل فريق ما يستند اليه من تفاسير، ولربما نظريات حتى .. وللتبسيط، وبأختصار: ايهما افضل مؤمن ظالم ام كافر عادل؟!..
10/ وأذ تعلو اصوات كبيرة بضرورة الغاء مجالس المحافظات، والاقضية، للحد من الفساد المستشري، والامتيازات اللامحدودة، والتضخم الاداري.. يرى آخرون بالمقابل ان مثل تلكم المجالس قائمة في غالبية دول العالم، ومن الافضل- خلافا للالغاء:  الدعوة لتغيير في هيكلتها للحد من التكاليف والاسراف المالي، والمخصصات والرواتب العالية لمنتسبي تلك المؤسسات ..
11/ كما يجادل اخرون بأن من الضروري ان تمنح الدولة للعاطلين والباحثين عن العمل رواتب ومساعدات دون تحديد.. يرى عديد ثانٍ بأن ذلك شأناً غير طبيعي، اذا لم يستند لضوابط وسقوف زمنية ومالية،  وبخلافه سيزداد التراخي والكسل، واللاحرص، وعدم التمييز بين من يريد العمل، ومن لا يريد ..
12/  وتساوقا مع الفقرة اعلاه، يردّ المجادلون بأن من الضروري الغاء العمالة الاجنبية، لكي يحل بدلا عنه شغيلة عراقيون، خاصة وان البطالة تسود بنسب فوق اعتيادية، بمديات بعيدة .. ويجيب المتصدون بأن نسبة كبيرة من العراقيين "يستنكفون" من الاعمال التي يقوم بها اولئك الاجانب المعنيون، والخدمية منها بشكل خاص ..
13/ وفي حين يدعو ويطالب المحرومون  بالغاء ما تم سنّه من قوانين تمنح التعويضات والرواتب "الفخمة" لشهداء وضحايا العهود السالفة، سجناء ومهجرين ومهاجرين عنوة، وغيرهم، وهم بعشرات بل ومئات الالاف.. ثمة بالمقابل من يرى كـ"حــل" وسط، ان تمنع ثنائية، بل وثلاثية، الرواتب والتعويضات، وتحجيمها على المستحقين فعلا، وتحديد ذلك بفترات زمنية وليس بشكل مطلق ..
14/ ومقابل الدعوات الحريصة، وغيرها، لضرورة عدم التعجل، والتأني ولو  قليلا، احترازا من احتمالات موجعة، لئيمة واليمة.. يؤكد دعاة آخرون بأن ليس هناك جدوى لمزيد من الانتظار، فقد نفذ حتى "صبر أيوب" وان للكرامة والحد الأدنى من العيش تضحيات زخر بها التاريخ، قديمه وحديثه..   
  وهكذا تتضاعف وتتشابك المطاليب العامة او القطاعية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبدون ترتيب ولا اولويات كما سبقت الاشارة، وذلك ما من شأنه بالتأكيد ان  يشتت الجهود ويبعد تحقيق الاساسيات المطلوبة.. وثمة من يرى – وكما سبقت الاشارة اليه ايضا – ان ذلك يعود لعدم وجود آاليات او جهات تنسق وترتـب، بدلاً من العفوية والارتباكات..
   يقينا بان كثيرين لن يتفقوا مع هذه الفقرة، او تلك الجزئية الواردة في السطور السابقات، وقد يأتي بعض ذلك الرفض خلافاً في الرأي، او بسبب تمنيات حالمة، او تفاعلات عاطفية، خاصة وقد طفح الكيل، وكبرت التضحيات.. وكل ذلك صحيح وأكثر، ولكن هناك الكثير ممن يؤمن بأن  الذكيّ هو من يستفيد من التجارب، ويقيّم الظروف بكل تشابكاتها، ويحترز لميزان القوى، وغيرها من عوامل موضوعية وذاتية، و"السياسة فنّ الممكن" فلسفة ورؤى كما هو معروف..
--------------------------------------------- رواء الجصاني: 2019.10.22








64
نحنُ العراقيين.. هذه هي حالنا، فالى اين نسير ؟!
* رواء الجصانــي
----------------------------------------------------------------------
    مرة أخرى يتغلب الصوت والضمير على الصمت البليغ، حول رواهن اليمة ولئيمة راهنة...  فتأتي هذه التساؤلات علّها تعلو ببعض شجى، وتفيض ببعض شجون، وتحاول توثيق  موجز لرؤى كلا الجانبين، وبعيدا عن توصيفاتهما الحقيقية او المتداولة، فهما  مدججان بالحجج التي يعتقدون بها، ومعهم انصار وموالون بلا تحفظ، بل وبتشنج لا يبارى في احيان اخرى..اما  تلكم التساؤلات التي نريد فهي تبتدئ ولا تنتهى، لها نقاط انطلاق، ولكن مدياتها بلا حدود.. فلنـرَ على سبيل المثال، وبخاصة في ضوء ما جرى في الايام القليلة الماضية، ولا شكّ فأن ثوابت ومسارات  الوعيّ والفهم والاخلاص تستطيع ان تميز الغثّ من السمين، المخلص عن سواه:
1/ يصرحون وبقناعة مطلقة بأن في الاحتجاجات الاخيرة راح  فيها ضحايا وشهداء غوالي، طالبوا ببعض حقوقهم المشروعة... فينبري في الطرف المعاكس، من يقول بان الكثير منهم كان  مغرر بهم، ومنساقون وموجهون، بل وبينهم مندسون. وإذ يحمل البعض  الحكومة المسؤولية كاملة عن الضحايا الابرياء، يُتهمون بالمقابل بأنه كانت هناك مؤامرة من داخل وخارج الحدود..
2/ يدعون للتهدئة وحقن الدماء، فيصفهم آخرون بالترهل والخنوع، ويسعون للتصعيد دفاعا عن الحقوق، فيردّ عديدون بأن الارواح والدماء هي الاغلى.. اما التخوين فهو في عقول وقلوب الجميع، جاهز للبوح به سرا وعلانية.. يتهمون اهل الخارج بأنهم متبطرون في تحريضهم، لانهم بعيدون عن دوائر الحراك، والعراك.. فيتصدى آخرون بأنهم عراقيون وان ابتعدوا في بعض الجغرافية والتاريخ ..
3/ ثم هناك من يسعى ليوضح – بحسب رأيه -  للمشاركين في الهبة الشعبية، اهمية السلمية، فيتصدى اخرون طالبين، ورائين، في التصعيد الحلّ الامثل، وان تطلب الامر تضحيات جلى، فالكرامة ومتطلبات العيش في حده الادنى لا يمكن الابتعاد عنها، وفق رأيهم.. 
4/ وثمة من يكتبون ويتضامنون بقدر ما يستطيعون، فيقول البعض بأن ذلك لا يكفي، والمطلوب مشاركة ميدانية، ودون ذلك فهو ادعاءات ومزايدات، بل ومتاجرة بالدماء .. والجانبان لهما عشرات الاسانيد التي يحملونها، ويتكئون عليها ويصرحون بها..
5/ وحين يتبنى البعض نجاحات التجربة المصرية والتونسية والسودانية، امثلة على اهمية التظاهرات والحراك الشعبي في نيل الحقوق .. ينبرى آخرون مذكرين بالحال الليبية والسورية واليمنية، وحروبها الداخلية التي احرقت وما تزال الاخضر واليابس.. وينبهون الى ظروف المنطقة واجواء المواجهات الدولية.. فيُتهمون بالتخاذل، والركون الى اليأس..
6/ وإذ يدين الكثيرون التدخل الايراني في الاحداث العراقية، سياسيا واقتصادا وامنيا، ومنذ سنوات وسنوات، موثقين ذلك بالارقام والدلائل.. يتصدى - وكثيرون ايضا - لتلك الاتهامات والاثباتات، بل ويزيدون بان لايران مواقف ثابتة في المساعدة على دحر تشكيلات داعش، وارهابه في البلاد العراقية ..
7/ وثمة الكثير ايضا ممن يدين الاجهزة الامنية بحسبها اجهزة النظام الضاربة، ولا وطنية، ومذهبية، مسؤولة عما ارتكب من قمع وقتل .. فيعارض ذلك التقييم كثير آخر، ويرى بان تلكم الاجهزة الامنية نفسها التي قدمت تضحيات  كبيرة في التصدي لارهاب داعش، والفتن الطائفية وغيرها من احداث ..
8/ وينشر عديدٌ حاشدٌ أخبارا وتعليقات ومعلومات لا حصر لها ولا عدّ حول ماجرى من انتهاكات خلال الاحداث الاخيرة.. فيردّ عديد حاشد ايضا باهمية التدقيق في المعلومات، والاخبار، ومصادرها منعا من استغلال اشخاص وقوى وجهات لها مصلحة، او قناعة  بضرورة أشتداد الاحتراب والتأزيـم..
9/ وامام المطالبين بالتغيرات الجذرية، حلاً، لا بديل له، يقف في الجانب المواجه من يرى بالتسوية حال واقعية في ظل ظروف كالتي تعيشها البلاد.. وفي الوقت الذي تعيب فيه جموع واسعة ما طُرح ويطرح من اصلاحات او مشاريع اصلاح، ضد الفساد المالي والاداري المستشري، يدافع المقابلون بأن الانتظار ممكن لفترة، لكي يتبيّن الخيط الاسود من الابيض كما يقال..
10/ وحين تتسلح فئات واسعة بحججها على فساد النظام الانتخابي، وقوانين الديمقراطية، يناهضهم في الموقف، وبحجج مشابهة بأن لا طريق آخر غير ما هو سائد في الدستور، بكل نواقصه. ويعود الطرف الاول ليؤكد فساد كل الاحزاب التي اقرت الانظمة والقوانين ذات العلاقة، والمشاركة في العملية السياسية.. فيقابلهم آخرون بأن للعديد من تلك الاحزاب جماهير وتاريخ وامتدادات نضالية ليست قليلة..
11/ وعلى ذات طريق التخاصم والمواجهة يبرز كتاب ومثقفون في كلا "الجبهتين"يتهم كل طرف، الثاني،  بالانحياز لهذا الموقف بسبب الرشى او التخاذل او التشدد او التخلف الذهني ، وبغيرها من التوصيفات والاوصاف ، وبقسوة لا مثيل لها: العمالة، التحجر، التدين، الالحاد... كما يصيب ذلك وهذا، كم من الاعابات المثيلة من يصمت لهذا السبب أو لغيره، فلا مساحة – حتى لونية- بين الاسود والابيض..
12/ ويؤكد كثيرون بأن ليس للطائفيين ادوارا  في مسيرات الاحتجاجات التي يرونها هذه المرة عراقية عامة شاملة.. فيرفض الاخرون ذلك الحديث ويؤشرون الى ان الاحتجاجات لا صدى لها في المحافظات الغربية، ويزيدون بان تبريرات ذلك غير مقبولة، ومنها انهم لا يريدون ان يوصموا من جديد بتوصيفات حواضن داعش والارهاب..
13/ وحين يرى قسم كبير من المعنيين بأن الاحتجاجات جاءت عفوية، وبلا تدابير مسبقـة، ولربما لها مسؤولون ومنظمون من غير المناسب الكشف عنهم، لأحترازات أمنية.. يروح قسم آخر من المتابعين بأن عدم اعلان الهيئات المنسقة يحمل في طياته الكثير من التساؤلات، ويثير الريبة والشكوك ..
14/ واذ يُبرز البعض دورا لبقايا البعثيين الصداميين في الحركات الاحتجاجية، ويبرزون ما عندهم من ادلة وأثباتات.. يرد مقابلون بأن اعداد غفيرة من المشاركين في التظاهرات لم يكونوا قد ولدوا بعد حينما كان البعث حاكما، او كانو اطفالا لا يفقهون ..
 15/ ويعترف ويقرّ الكثيرون بان نظام ما بعد 2003 هو اسباب ما حلّ ويحلّ بالبلاد من مآسٍ ودمار، وانه لم ينجح في التغيير المطلوب.. ويوافقهم كثير آخر بذلك مع استدراك وتأكيد بأن اساس البلاء هو التراكمات الموروثة من نظام صدام حسين ورهطه، ولربما ما قبله ايضا، وكذلك ما شهدته البلاد، والامة العراقية من توحش وارهاب، وتدخلات خارجية واقليمية  ..
    وهكذا تبقى الدوائر تدور، والحلبات مصارع للحوار القاسي او الحضاري، ويبقى المجتمع على انقساماته، التي قد  تزداد عموديا وافقيا، وتضيع البوصلة او تكاد عن اعين المعنين في القيادات والقواعد، دعوا عنكم العامة الصامتة، وهي الاغلبية حتى الان ..
    واخيرا، وماذا عنك ايها الكاتب لهذه الاجتهادات والتي قد لا تكون جديدة عند الكثيرين سوى انك وثقتها من هنا ومن هناك، وصغتها ونقطتها .. ولا جواب لديك سوى ان تقول- ومؤكد ان ثمة من سيقول، كما يتقول، عنها ما يشاء وبحسب مداركه وخلفياته:  انك تتفق، وتختلف، في آن واحد، مع الجميع، وبهذا القدر والفهم والوعي او ذلك.. وذلكم صحيح لحدود بعيدة، ولكن !!! بعيدا عن الخطوط الحمر: الدماء والقتل والدمار، باي شكل ومن اي مصدر وفي كل زمان، بفهم وادراك منك لتلك القناعة، أو بعواطف انسانية، او كلاهما .. ولا ضيّر، فلتتحمل الاراء الموضوعية، بل وحتى "الاتهامات" و" المزايدات" ما دمت قد بحتّ بصوت الضمير بحسبما تزعـم..
------------------------------------------------* رواء الجصاني 2019.10.14


65
نحـو تضامن عراقي، حيوي، واعٍ  وحريص، مع الحراك الشعبي، والمطاليب المشروعة
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------------
    شهدت الايام القليلة الماضية ترحابا، وتضامناً، باشكال شتى، مع  الاحتجاجات الشعبية الحاشدة التي شهدتها العاصمة بغـداد، ومدن عراقية اخرى عديدة، من اجل تحسين ظروف المعيشة والحياة، وضد استفحال الفساد الاداري والمالي المستشري في البلاد العراقية منذ سنوات مديدة، ومحاسبة المسؤولين عنه .. وقد نشطت باتجاه ذلك التضامن  قوى ومنظمات وشخصيات  سياسية ومدنية وغيرها، في الكثير من عواصم ومدن العالم، وخاصة في البلدان التي تتواجد فيها تجمعات عراقية فاعلة.. 
  وانشطة التضامن هذه حالة صحية عريقة مع المحتجين والمتظاهرين والذين لم يجدوا طريقا آخر سوى الخروج الى الساحات والشوراع يطالبون بحقوق مشروعة يتفق معها ويؤيدها كل اصحاب الضمائر الانسانية. كما من الطبيعي ان تتصاعد فعاليات التضامن حين تروح هناك اعداد كبيرة من الضحايا والجرحى بسبب العنف الذي يواجهون به سواء من الجهات الحكومية، وغيرها.. وذلك ما آلَ اليه التحرك الجماهيري الاخير  في العراق..
   لقد اتخذت وتتخذ فعاليات التضامن، خارج البلاد ، صيغا عديدة ، فرديةً وجماعية، عفوية او منظمة، مثل التعبير عن المواقف والكتابة في وسائل الاعلام، وتقديم المذكرات، وتنظيم المسيرات، والاعتصامات وما الى ذلك. وكلها تهدف – كما ينبغي- الى دعم المحتجين، والمطالبين بحقوقهم المشروعة، المعيشية والاجتماعية وسواها. وعلى تلك الطريق من الطبيعي ان تبرز  في مثل تلك النشاطات التضامنية ميول متشددة هنا وهناك، بأقتناع او ادعاء.. كما محاولات سياسية وغيرها لتحقيق اهداف ذاتية، خاصة وعامة، في احيان كثيرة، وبدون اهتمام لظروف المكان والزمان، وتكافؤ القوى، والبدائل المتوقعة ..
  ولا بدّ من السبق في كل ذلك وهذا، للعمل على اعلاء الروح التضامنية، والتقدير الكبير لمنظميها، والمشاركين فيها.. وإذ  نبتعد هنا عن الاندفاعات والانفعالات العاطفية – الانسانية، نتوقف عند بعض اجتهادات ورؤى بشأن متطلبات اضافية – توضيحية، حول فعاليات  التضامن التي نؤمن بضرورتها، وكلها تهدف لصالح المحتجين والمتظاهرين، انفسهم قبل غيرهم، ومن اجل تجاوز اية جوانب قد تؤثر سلبا على الغايات المرجوة، بقصد محدد او بدونه.. ومن بينها:
1/ التنبيه الى اهمية الدعوة لكي تكون المطاليب المشروعة واضحة، وملموسة وتدريجية، ووفق مقولة السياسة فن الممكن، بمعنى الأخذ بالحسبان كل الاجواء والظروف المحيطة، الذاتية والداخلية، والاقليمية والخارجية ..
2/ اشاعة الاهتمام باعتماد "السلمية" في التظاهرات المشروعة التي ينص عليها الدستور النافذ، وكل الاعراف الانسانية والدولية، والانتباه الى جميع المحاولات اللئيمة لجر المحتجين المطالبين بحقوقهم العادلة الى اعمال التخريب والعنف، من جهات واشخاص لهم مآربهـم واجنداتهم الخاصة، ولربما قناعاتهم بسبل "ثورية" لمعالجة الاوضاع المتدهورة في البلاد .. 
3/ وارتباطا بما سبق، نقول بأن من المهم ايضا التنوير باهمية عدم الانجرار الى الاخبار والاشاعات التحريضية، المؤذية، المفرقة، والمثيرة للأحتراب، وذلك ممن هم بعيدون: تاريخياً، وجغرافية، وموضوعيا عن الواقع العملي الذي تعاني منه بمرارة وعلقم، البلاد، وقطاعات وجموع حاشدة من ابناء شعبنا، الكادحة والطموحة لحياة كريمة، بعيدا عن التهميش والتمييز والاستئثار، والمناضلة ضد قوى الفساد وتقاسم الغنائم، مسؤولين وسياسييــن وتجار ومتاجرين..
4/ اهمية لفت الانتباه الى ان القوات الامنية ليست هي المسؤولة عن التدهور الاقتصادي والفساد المالي في البلاد، وان منتسبيها مكلفون – كما ينبغي-  بواجبات حماية المشاركين في الحراك الشعبي المشروع، والممتلكات العامة والرسمية.. كما يجب لفت الانتباه الى ان اولئك – اي رجال القوات الامنية – هم أنفسهم من كافح ضد الارهاب وقدموا مئات بل والوف التضحيات الجليلة على طريق توفير الامان والاستقرار في البلاد..
5/ كما من الطبيعي، بحسب ما نزعم، ان تهدف - بل ويجب ان تهدف اليه- فعاليات التضامن الانسانية  للمساهمة جهد الممكن في تعزيز انتباه المتظاهرين الى اولئك الذين حاولوا – ويحاولون- تحريف المسار، لاشاعة ما يبتغون من قناعات خاصة، وطموحات ذاتية، وباصرار على اسقاط الدولة، ودفع البلاد لمزيد من الفوضى والاحتقان، وتعريض الفئات الاجتماعية لمزيد من المواجهات، ولحد الاحتراب الداخلي .. ودونما ان يحددوا اي بديل ممكن، موضوعيا وليس بالتمنيات .
6/ وتندرج في سياق الفقرة اعلاه، اهمية التحذير من مساعي قيادات وشخصيات عديدة في انتهاز الفرص، لاشاعة الطائفية البغيضة، بشكل وصور مختلفة  "يبرعون" في طرحها .. ولا تهمهم التضحيات العزيزة بالأنفس والدماء،  ما داموا بعيدين عن ساحات النضال الحقيقية، واقعاً وظروفا ..
   واضافة لكل ما تقدم، وبايجاز قد يكون معبراً، واحترازا من تقولات هنا، وارتباكات في الفهم هناك، نقول بأن دوافع كل ما سبقت الاشارة اليه، لا يهدف لغير ان تكون التظاهرات المشروعة اكثر قدرة في تحقيق المطاليب الشعبية، والتي  يساندها كل الذين تهمهم قضية انهاء – او على الاقل تحجيم- المعاناة الثقيلة والمؤلمة لقطاعات واسعة من ابناء شعبنا، وخاصة اولئك المظلومين من الكادحين والمهمشين .. 
   كما انها – اي النقاط السالفة – تهدف الى التقليل، بحسب ما ادعي،  من التضحيات العزيزة، وتمنع المجرمين المسؤولين عن اراقة الدماء، من الاستمرار في غيّهم، وتسقط ما بأيديهم من "مبررات!" لممارسة القسوة الظالمة والعنف بكل اشكاله، وبخاصة من الاجهزة المسؤولة عن حفظ النظام، والمتظاهرين، لا قمعهم، ورفض، وادانة السماح بأية حال من استخدام الرصاص الحي، الذي تسبب بمقتل العشرات والوف المصابين .. كما تحدّ وتمنع كل من يريد المزايدة بدم الشباب، وخاصة اولئك "البطرانين" والبعيدين، والمبتعدين عن الميدان الحقيقي ..
   وبايجاز آخـر، واخير، أدري بأن هذه الكتابة قد يساء فهم بعض اجتهاداتها، ولربما تغضب العديد، من الحريصين وغيرهم - وما علينا بالمدعين والمتربصين - مما يتطلب  التأكيد مرة واخرى واخرى، بان الاجتهادات السالفة  لا تعني، ولن تعني بأية حال من الاحوال، الدعوة للتسليم بالأمر الواقع، والاستكانة له. كما انها لا تدافع، ولا باي شكل او صورة عمن يقف وراء ما تسبب ويتسبب بالحال المؤلمة واللئيمة التي وصلت لها بلادنا، ولا نستثني من ذلك اية جهة رسمية ، كانت، او قوة سياسية، او شخصيات معنيّة.. فـ"لا ناقة لنا ولاجمل" بأولئك الذين يتحملون بحكم مسؤولياتهم، وادوارهم، وكل حسب موقعه، ذنوباً لا تغتفر،  لولاها لما كانت هناك تضحيات جلى، واغلاها ارواح بريئة، ودماء تسيل ... * رواء الجصاني / 2019.10.9
--------------------------------------------------------------------------------- 
* كتبت هذه المادة في ضوء خلاصات تحدث بها الكاتب، في جلسة تشاور، محدودة، عُقدت في بـراغ، بتاريخ 2019.10.8  لبحث سبل التضامن مع الحراك الجماهيري في العراق..



 








-------------------------------------------------* رواء الجصاني 2019.10.4

66
وقفات عند بعض شؤون وشجون الجاليات العراقية، واطرها، وتشكيلاتها في الخارج
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------------
    بعد الازدياد الجامح لأعداد العراقيين المغتربين، والمهاجرين، واللاجئين الى بلدان العالم المختلفة، الاوربية والعربية وغيرها، مثل الولايات المتحدة وكندا واستراليا، ونيوزيلندا، وخاصة منذ اواخر السبعينات الماضية، حين أوغل نظام البعث الصدامي في عسفه وارهابه الشموليين، وكذلك بعد سقوط ذلك النظام عام 2003 .. نقول بعدَ ذلك الازدياد المتعاقب والمتضاعف بالوف والوف العراقيين، حتمت الظروف الذاتية والموضوعية تشكيل العديد من الأطر والمنتديات الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها، وبتسميات وعناوين شتى، ولأهداف شتى، لاستيعاب بنات وابناء الجالية العراقية، وعوائلهم في بلدان الاغتراب/ اللجوء،.. وفي التالي بعض الخلاصات، والمتابعات، والاجتهادات حول عدد من الشؤون والشجون ذات الصلة:
1/  لعلّ من المناسب ان نشير اولاً الى ان أطرا وجمعيات عراقية كانت قد تأسست منذ عقود مديدة، ومنذ منتصف القرن الماضي على الاقل.. ومن الابرز في هذا المجال جمعيات وروابط الطلبة العراقيين في الخارج، وفي نحو ثلاثين بلدا، حيثما تواجد طلبة عراقيون دارسون. ومن أعرق تلك الجمعيات والروابط  كما نزعم في القاهرة وموسكو ولندن وباريس. (1)  دعوا عنكم وجود نوادٍ ومنتديات هنا وتشكيلات ثقافية هناك، الى جانب منظمات سياسية وديمقراطية عديدة اخرى.
2/ وفي سياق ما جاء في الفقرة السابقة تجدر الاشارة ان العشرات - بل والمئات ربما- من العراقيات والعراقيين في الخارج، من الاكاديميين والمبدعين  والاطباء والمهندسين، وغيرهم،  قد اثبتوا وجودهم وكفاءاتهم، وبرعوا في نشاطاتهم وابدعاتهم في بلدان الاغتراب، ليحتلوا مواقع علمية ووظيفية، واجتماعية، وبمستويات رفيعة، وليتكاملوا مع مجتمعاتـ "هـم" الجديدة، بل ونجحوا في دخول عدد من الموسسات البرلمانية المحلية والعامة. وهنا نذكرّ ايضا بان الكثير من اولئكم الذوات ما انفكوا يرتبطون – معنويا على الاقل- مع بلادهم العراقية، واهلهم وعوائلهم، وابناء شعبهم.. كما ان الكثير الكثير منهم تواقون للمشاركة في بنائه ديمقراطيا آمنا مستقرا ومزدهرا " لــو" توفرت المناخات والظروف المناسبة..
3/   وفي راهننا اليوم، وبعد ان تضاعفت اعداد العراقيين، كما سبقت الاشارة – لاجئين ومغتربين ومقيمين وغيرهم - ازدادت – وتزداد – أطرهم وتشكيلاتهم، ولأسباب موضوعية احياناً، وذاتية احيانا اخرى، وقد راح التنافس على أشده في مواقع معينة اذ يجد المتابع اكثر من أطار وتشكيل ونادٍ، لبنات وابناء الجالية العراقية، برغم تقارب الاهداف والمتبنيات المعلنة على الاقل، ولربما ثمة مبررات مقبولة لمثل تلك الحال بسبب التمايز القومي والسياسي والديني والطائفي، وغيره. كما من الخطوات الايجابية  في مثل هذا الوضع ان تشكلت – في بعض البلدان-  لجان تنسيق لعدد من تلك الاطر، وحيثما توفرت القناعات، وتضاءلت المواقف المتخالفة، وتحجّمت الطموحات الشخصية، ولا نقول اكثــر..
4/ ان ما ساد – و يسود - البلاد العراقية ومنذ عقود وعقود، من اوضاع غير طبيعية على اقل وصف، ولأسباب معروفة: داخلية وخارجية. سياسية واقتصادية . اجتماعية وثقافية .. قد وجدت لها تداعياتها بهذا الشكل والثقل أو ذلك، عند بنات وابناء جالياتنا: تحزباً او قناعةً او سوء تقدير، او مصالح، وسواها . وقد أدى كل ذلك للتشتت والتباعد والتنافس، وتراجع "الوطنية العراقوية" لمديات عميقة، ولحد التنافر والتنابز في حالات عديدة . ولعل من المناسب ان نشير هنا الى دور المبالغات و"المزايدات" التي يتبناها ويدعو لها بعض النشطاء العراقيين "المخضرمين" في الخارج، وكأن ابناء وبنات الجالية في بغداد، وليس بعيدين عنها منذ عقود، وتفصلهم عن البلاد الاف الكيلومترات.. كما انهم يغفلون باننا بتنا في القرن الحادي والعشرين..
5/ ولعلّ من ألاوضح لما يمكننا التثبيت حوله ، سلبيا، هو ملاحظة محدودية مشاركات بنات وابناء الجاليات العراقية في بلدان اللجوء والمغتربات ، بل والضئيلة بتعبير ادق، وحتى في الفعاليات الوطنية العامة، والمهمة، ومنها – مثلا-  ضعف المشاركة في الاقتراع لمرشحي الانتخابات البرلمانية الاخيرة عام 2018.. دعوا عنكم غيرها من الاحتفالات والنشاطات العراقية، الرسمية والاجتماعية والوطنية، والثقافية..
6/ ولربما  من المعروف ان ثمة تسميات وعناوين شتى، لأطر ومنظمات جالياتنا في الخارج، تراوحت بين فروع لاحزاب سياسية، أو امتدادات لتيارات واتحادات وطنية، ثقافية واجتماعية وقومية ودينيىة ومذهبية وغيرها كثير. وقد تغيرت تلكم التسميّات والعناوين بهدف الانسجام مع المتطلبات القانونية في البلدان المضيفة، او بسبب الانقسامات والتضادات والخلافات الذاتية والشخصانية وما الى ذلك .. ولا يجوز ان ننسى هنا ما عُرف - ويعرف-  بالتشكيلات غير الحكومية مثل منظمات المجتمع المدني، والمراكز البحثية، الحقيقية أو المدعاة، والتي تحتمل الكثير من الاجتهادات عنها، وبشأنها..
7/ وبحسب الكثير من المتابعين فان المساعدات التي تقدمها الجهات المعنية في العديد من بلدان الاغتراب، والمغريّة احياناً - لمختلف النوايا والمصالح والاهداف -  شجع على حدوث الكثير من الانقسامات، والتشتت، بل والتنافس غير المنضبط، وتغليب القضايا الذاتية على العامة، ولو بدت التصريحات والنشاطات المعلنة  تقول بخلاف ذلــك..
8/ أما بشأن الاهداف الـ (شتى) للأطر العراقية التي أشرنا اليها فقد تنوعت وتباينت هي الاخرى مثل فعاليات التضامن الوطنية، وتوطيد العلاقات الاجتماعية، ومركزة الانشطة الثقافية والفنية، وتأطير – أو السعي لتأطير- النخب العلمية والثقافية، وغيرها.. الى جانب ما تبنته - وتتبناه - امتدادات الحركات السياسية، والحزبية، من اهداف مراكزها داخل البلاد، وبهذا الشكل أو خلافه، وبدون تقدير احيانا لأختلافات الازمنة والامكنة، والمدارك والمعارف..
 9/ ووفق المتوفر من المعلومات والمتابعات فأن اعداد اعضاء وقوام أطرنا العراقية في الخارج بقيّت محدودة، بل وقليلة وتتناقص يوما بعد آخر. اذ لم تتمكن، بمختلف تسمياتها،  من التمدد بين جموع بنات وابناء الجالية. كما بقيّت امكانيات وسبل وطرائق استيعابها محجمة لحدود بعيدة. ونعيد القول مرة جديدة : لأسباب ذاتية وموضوعية، وفي مقدمتها تشخيص وتحديد الاولويات لمثل تلكم الاطر والتنظيمات ..
 10/  ولربما نجتهد فنصيب في القول  بأن هناك تصورات محددة، اساسية وبارزة،  لمعالجة مثل ذلك الانكفاء، والابتعاد عن النشاطات التي تقيمها المنتديات والتشكيلات المدنية، فضلا عن الانتماء اليها، ونعني بتلك التصورات ان يجري التوجه التركيز على المشتركات الاجتماعية والثقافية، بعيدا عن الاراء والمواقف والفعاليات السياسية، المباشرة، التي  يمكن ان تنهض بها – لو ارادت – التشكيلات والتنظمات الحزبية وسواها.(2)
11/ ومما نظنه واضحاً ان كل ما تقدم، وما سيلي، لا يعني هنا ما بات يعرف بالجيل الثاني او الثالث، بل والرابع حتى، من العراقيين في الخارج، إذ لأولئك كما هو معروف- أو لابدّ ان يُعرف-  ثقافاتهم المختلفة في التعليم وطرائق التفكير، والاندماج والتكامل مع اقرانهم ابناء المواطن التي يعيشون فيها..
12/ وارتباطا بالفقرة السابقة تستمر التجاذبات، وبحسن نوايا احيانا كثيرة، بين الاجيال المختلفة: اجيال الجدود والاباء، من جهة، واجيال الابناء والاحفاد من جهة مقابلة. وفي غمار تلك التجاذبات يروح نسيان الواقع الحياتي أذ كل يرى ويفسر الاحوال، ويدركها بحسب تقاليده وما يحمله – او اكتسبه - من مفاهيـم وقناعات وطرق للعيش، الى جانب الفروق العمريــة، ومدى القدرة على التفاعل بعيدا عن التشدد والغلو..
13/ وفي ظل ما تمت الاشارة اليه، تبرز  اهمية دور السفارات، والمؤسسات العراقية الرسمية الاخرى (مراكز ثقافية، ملحقيات علمية...) باتجاه لمّ شمل ببنات وابناء جالياتنا واطرنا العراقية في الخارج، والمساعدة المناسبة في دعم منظماتها وتشكيلاتها، ذات الاهداف الوطنية العامة. ونظن هنا بضرورة الاشارة الى اهمية تثبيت قناعات واسس التعامل مع هذه الاحوال والشؤون، لا ان تترك للأجتهادات الآنية، وطبيعة ومشاعر وعواطف المسؤولين عن تلكم القضايا..
14/ وقد يجد المتابعون ثمة نشاطات ملموسة على طريق ما اشارت اليه الفقرة السابقة، في بعض بلدان العالم، مثل رعاية فعاليات ثقافية واجتماعية، واستضافة بعض شخصيات عراقية الى بغداد.. ولكن كل ذلك يأتي كحالات اسثنائية محدودة،  وليس كتوجهات ذات طبيعة ثابتة، وقواعد دائمة، واسس رصينة ..
15/ وايضا، بالارتباط مع الفقرتين السابقتين، نشير الى ما ضمّنته وزارة الهجرة والمهجرين العراقية في برنامجها بشأن الجاليات العراقية في الخارج، وشدّهم – جهد الامكان – لوطنهم وقضاياه العامة. ولكن ما تمت ملاحظته ان الاجراءات التنفيذية التي قامت بها – او سعت اليها- الوزارة لم تكن موفقة بحسب الكثير، من المعنيين انفسهم، وخاصة الاجراء المتخذ قبل اشهر قليلة بتعيين رؤساء للجاليات العراقية في بعض البلدان، ودون التشاور مع ممثلي او منتسبي تلك الجاليات، ولا حتى مع البعثات الدبلوماسية في البلدان المعنية. ومن الجيد كما نرى انه تم ايقاف / الغاء / تجميد تلك التعيينات، بعد جملة الانتقادات والاحتجاجات التي جرت بشأنها.(3)
     اخيرا ... ندري بأن كل ما تقدم ليس سوى ايجازات سريعة تستحق الكثير من التداول، والتوضيح.. ولكي نروج لها (!!) نشير الىى انها مستقاة من تجارب شخصية، ووقائع ملموسة، واهتمامات مديدة بها (4).. كما ننوه ايضا الى ان تحديد الاشكاليات - وفقاً للمنطق-  هو خطوة اولى على طريق تقدير المعالجات، وتشخيص الاسس للتهوض بواقع ما نعتقد بأن هناك اجماعا – او شبه اجماع – بشأنه، ونعني به الاهتمام  بشؤون وشجون العراقيين في الخارج، والسعي لتوثيق ارتباطهم ببلادهم، ولو طالت الفترات الزمنية، وتغيرت الاماكن والمواقع، والاحوال والظروف، خاصة وان اعداد اولئك المهاجرين واللاجئين والمغتربين  تتجاوز مئات الالوف، وقد توصلها بعض التقديرات الى ملايين، وكم حريا بالجهات الرسمية المعنية السعي لحصر تلك الجموع الغفيرة، وليصار بعد ذلك الى اتخاذ الاجراءات الممكنة، ولا نقول الطموحة  . 
* هوامش واحالات :  -----------------------------------------------------
1/ للمزيد حول هذا الموضوع، نشرنا خلال نيسان 2011 وعبر وسائل  اعلامية عديدة، وما تزال على الانترنيت، متابعة تحت عنوان" جمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن 1978-2003.. ربع قرن ضد الدكتاتورية والارهاب".
2/ للمزيد حول هذا الموضوع، هناك متابعة نشرناها في آذار 2011  وما زالت على شبكة الانترنيت بعنوان "بمناسبة الذكرى السنوية العشرين لتأسيس المنتدى العراقي في تشيكيا - مزاعم ورؤى عن المنظمات المدنية والجماهيرية"
3/ امر وزارة الهجرة والمهجرين المرقم 301 والمؤرخ في 2019.4.21 .
4/ كاتب هذه المتابعة مشارك في العمل الجماهيري والنقابي والمهني لنحو نصف قرن، وفي مواقع ومسؤوليات مختلفة، كُلــفَ، أوتكلـفَ بها، داخل البلاد العراقية وخارجها  ..

67

*...وباتت الشتائم الطريق الاقصر للشهرة؟!*
-------------------------------------------
هذا هو بعض الجواهري، فهل هناك من يضيف؟!
* رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------------
  حاول منشور ملئ بالشتائم، نشر على شبكة (فيسبوك) قبل ايام ان يطال من الجواهري عبر أبتذال بعيد عن "الثقافة" و"الادب".. وقد “أهتم“ به عدد من المعنيين، وأكثرية بعيدة عن اللغة دعوا عنكم الشعر. وأشهد هنا اولاً بأن ذلك "المنشور" الشعبوي جاء مثيراً برغم عدم جدية ما جاء به، ولكن لكلٍ ذوقه ومستوى ادراكه، فضلا عن طريقة الاداء المهذبة، أوغيرها  ... وبرغم ان الزوبعة هفتت، وتفتت مثل زوبعة في فنجان، أدون في التالي خلاصات ووقفات، بعيداً عن الاسهاب والاطناب، ولعلّها تجيب عن بعض التساؤلات وتحفز آخرين للادلاء بدلائهم، ولو بشئ من الايجاز:
1/ لقد "برع" كاتب المنشور في ألاثارة  من خلال ما أعتقده جرأة وصراحة لا يمتلكها الأ هو، وبزعم أنه يفتح بذلك طريقا لـ"لتوعية" و"التنوير" وهدم الصنمية والتقديس، وما الى ذلك مما ساد – ويسود – من تخلف مجتمعي وثقافي، وعدم ادراك، بحسب قناعة صاحب المنشور طبعا، التي اوجزها في النص، أو من خلال ردوده، وتعليقاته على المشاركين في التعليقات، معه، وضده ..
2/ والخلاصة، او "ابيات القصيد" الذي ارادها الكاتب، صراحة أو باطنيةً، في نص منشوره او في ردوده، وتعليقاته على من أشاد به، او عارضه،  تتمحور حول:  "رفضه تقديس الجواهري" الذي يصفه وبكل "جرأة" بـانه "بسيط الموهبة" وغير ذلك من اكتشافات كان له السبق في طرحها، كما أشاع..
3/ ثم يستمر الكاتب في التطاول  الفج، فيزج بكلمة "التقديس" مبالغاً بها ليخلط بينها وبين تقدير الناس لشاعرهم الخالـد، واحترامهم ، ومحبتهم له.. كما تجاهل – السيد المعني- كون رموزية الجواهري، لم تأتِ، وتسدْ بسبب موهبته وشعره فحسب، بل جنباً الى جنب سيرته، ومواقفه  الوطنية، منجزه النثري الثري، اضافة الى ميزات شخصيته النافـذة، وغير ذلك عديد..
4/ كما نسيّ الكاتب – بل وتناسى – انتماء الشاعر الخالد  لأسرة "صاحب الجواهر" النجفية العريقة في العلم والفقه والتاريخ .. وبهذا الصدد لا نخفي ميّلنا الى الرأي والموقف الذي يرى باهمية بيئة الانسان، وتربيته العائلية، وانعكاسات الظروف البيتية، على الكينونة الاولى للفرد، وبما ينمي تاليا: الموهبة ويرسخ الثقة بالنفس، والانطلاقات الاخرى..
5/ اما عن بساطة موهبة الجواهري، التى " نحسد" السيد الكاتب على جرأته وتجرئه في اطلاق ذلك "الاكتشاف" فلا  ندري بصددها الى من نحتكم؟.. هل للشتائم التي اتخمها في المنشور، ام نحتكم لذوات أكابر في العلم والادب واللغة من امثال:  مهدي المخزومي، او على جواد الطاهر، او ابراهيم السامرائي او عناد غزوان، على سبيل الاشارة العجول، لا الحصر؟..
    كما لا ندري من نصدق، ونعتمد، في تقييم الكاتب لـ"بساطة موهبة الجواهري" .. هل نصدقه في اكتشافه المتطاول؟ ام نروح نستند  للعديد من الجامعات العراقية والعربية الرصينة، ومنها : القاهرة وبغداد وبيروت، وصنعاء، واربيل والخرطوم والانبار والجزائر ودمشق والكوفة.. التي اجازت نحو عشرين اطروحة دكتوراه، ورسالة ماجستير، عن ذلك المقصود (اي الجواهري) شعرا وتاريخا وفكرا، برغم انه "بسيط الموهبة!!" كما جاء في المنشور اياه.(1)
6/ ونضيف الى ما ورد في الفقرة السابقة فنقول هل نصدق الكاتب اياه في مزاعمه عن الجواهري، ام عشرات- بل سنقول المئات ولا نبالغ-  المؤلفات  والمقالات والدراسات التي أمتدت  طوال عقود، وما برحت،  لنقاد وكتاب ومتابعين كبار من بينهم، ومثلا لا حصرا، مع حفظ الالقاب والمقامات: حسن العلوي، سعيد عدنان، سعيد جاسم الزبيدي، سليمان جبران، عبد الحسن شعبان، عبد الرضا علي، فاضل ثامر، محمد حسين الاعرجي، هاشم الطعان، وسام حسين، ياسين النصير...(2)
7/ كما نسترسل - عسى ان يعود  كاتب "المنشور" لمراجعة ما أكتشفه- فنقول ان عشرات الشعراء  العراقيين والعرب كتبوا ما كتبوا شعرا ونثرا، عن الجواهري، وعطائه، وشعره وموهبته ودوره الوطني، ورموزيته. وان شاء التوثيق فندعوه للتواضع، ومراجعة توثيق ذي صلة نشرته وسائل اعلام عديدة، قبل فترة وجيزة.(3)
8/ ونتابع ايضا حول ما زعمه المنشور وصاحبه، وما فرح به علانية،  أو سراً، من خلال ردوده على الذين علقوا على ماكتبه، من قبيل ان هناك افضل من الجواهري كفاءة وعطاء شعريا، كما موهبةً، مثل الرصافي والبياتي وعبد الرزاق عبد الواحد... ويبدو انه لا يدري، بل يدري ويضمر، ان اولئك الشعراء الذوات الثلاثة، قـد"بايعـــوا" الجواهري، شعرا موثقاً، علنا وعلى رؤوس الاشهاد.(4)
9/ ولمزيد من التوضيح، وبهدف الحد من التشويش على الرأي العام، والتدليس، نوثق ايضا ان الكثير من الفنانين التشكيليين الكبار، رسموا "بورتيرهات" للجواهري الخالد، ولوحات لبعض ابياته، ومنهم، مع حفظ الالقاب مجددا: جواد سليم، محمود صبري، فيصل لعيبي، ضياء العزاوي، رافع الناصري عباس الكاظم، جبر علوان، خالد السلطاني، علاء جمعة... فهل كل اولئك مغرر بهم، ومخدوعون بذلك الشاعر "متوسط الموهبة" بحسب كاتب المنشور المعني؟!.
10/ ونعود الان الى الاسطوانة المكرورة، عن قصائد المديح الجواهرية التي يحاول اربابها – اي ارباب تلك الاسطوانة -  ان يطالوا  من موهبة الجواهري ورموزيته، فنوثق بأن وراء تلك القصائد  - في الغالب الاعم - اسباب وموقائع ومواقف لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار عند التطرق لتلك "المثلبة" بحسب البعض. لا ان تؤخذ الامور بكل تبسيط، بهدف التأليب العاطفي واستغفال الرأي الشعبي العام.. ولأن الموضوع يطول، نعد بأن سنتناول في الايام القليلة القادمة متابعة خاصة، مفصلة، حول قصائد المديح في شعر الجواهري، وما عليها، بعيدا عن السباب الممقوت، ولا التقديس المذموم..
11/ اما حول حرية الرأي، والنقد، وضرورة احترام ذينك الامرين بشكل مطلق، ودون قيود او حدود، نوضح بأن تلكم  قضية شائكة لا تناسب  مجتمعات انهارت فيها - او تكاد-  القيم الاجتماعية، الانسانية. وهي الادهى – بحسب رأينا- من انهيارات المؤسسات والبنى التحتية والاقتصادية  والسياسية.. اما بحسب الجواهري، المعني بهذه الكتابة فهو يرى"... لقد كان  في العهد الوسيط (الذهبي) في من ينازل (المتنبي) العظيم أمثال (الامام) ابن خالويه، وفي من يروّون عنه ويتعصبون له، ويشرحون أشعاره أمثال الامام (ابن جني) و(ابن العميد) و(الصاحب بن عباد)... كما لم يكن حتى في (عصرنا الحديث) ممن هم مع (شوقي) أو ممن هم عليه إلا من حجوم (العقاد) و(المازني) و(الرافعي) و(طه حسين)... ومن كل ذلك، ومن أمثاله كان الأدب العربي برمته، يزداد رونقاً، والحرف العربي أصالة، وكانت الأجيال المعاصرة والمتعاقبة تزداد على مثل هذا (الزاد الكريم).. عافية ونشاطاً...". (5)
12/ وفي سياق ما نهدف اليه في هذه النقاط، ومن بينها الحدّ من استغفال الناس، وتغليب المواقف السياسية على الشؤون الثقافية والادبية، نميل الى الرأي الذي يقول بأن ثمة  دوافع لكتابات عجول، بشتائم مبتذلة، وسباب رخيص، ومثالنا على ذلك "منشور" السيد المثقف، موضع الحديث. ونعيد عمدا التذكير بانه نُشر على (شبكة الفيسبوك)  وليس في وسائل اعلام رصينة، تتطلب الكتابة فيها جهودا ومثابرة، لم تعد مهمة للعديد من الكتاب الذين يستجدون الشهرة السريعة، والعودة الى الظهور حين تقفرُ وتجدب قدراتهم الثقافية والادبية، فيروحون "ينتحلون ثياب الأديب يظنونها جببا ترتدى.. ولاهِينَ عن جِدِّهم بالفراغِ، زوايا المقاهي لهم منتدى" كما يرى الجواهري. (6)
13/ وفي سياق ما رصدناه، ووثقنا له حول تلك "الزوبعة في الفنجان" نثبتّ ان ثمة الكثير من المعنيين من ذوي العلاقة الحقيقية، الرصينة بالشعر والنقد والابداع، قد أوضحوا بهذا القدر او ذاك، وبهذه الوسيلة الاعلامية او غيرها من الطرق، موقفهم من "المنشور" العتيد، وغيره، بهدف النيل من الجواهري.. كما نقدر تماما ذوات آخرين نعرف مواقفهم جيدا، ترفعوا عن الخوض في خصومة مخفية الدوافع، يعوزها التكافؤ، وتنقصها الموضوعية.. او انهم أمتنعوا من التعليق، او الأعابة على الكاتب الشتّام، وأقرانه، لاسباب اخرى..
14/ كما نود التوضيح ايضا بأننا لم نورد اسم ذلك الكاتب، صراحةً، لجملة اسباب ومنها لكي لا تتحول القضية شخصيةً، كما لا نريد اشاعة "رأي"  مزعوم، وسباب مرذول، يربك الناس، ويدني من ذائقتهم، بحجة "التنوير" و"كسر السائد" حتى وان  كان ذلك يقود للأسفاف والابتذال بحق وجوه ورموز البلاد والعباد، ومنهم الجواهري، رغب الكاتب المعني، أو لم يرغب. ونقصد هنا "اللغـو" وليس الجدل الذي لم يخشه الجواهري، وثبتّ ذلك شعرا. (7)
15/ وقبل ان نختم، وأضافة لكل ما تقدم نوثق ايضا بأن الجواهري لم يكن غافلاً ما سيدور حوله بعد الرحيل، فأستبق المتربصين، والحاسدين والشتامين، من ذوي المهنة أو غيرهم، فكتب ما كتب في حياته عن بعض اصحاب تلكك الصفات اللئيمة، والشخصيات الاثيمة، بحسب تعبيره. ومنها:
-   حول الذين "ينكرون"  عطاءه، أو يسعون للاساءة اليه، فقال فيهم قبل نحو مئة عام:
"ان انكرتني اناسٌ ضاعَ بينهم قدري، فمنْ عرفَّ الحجار بالذهب؟!" .
-    وعن اولئك الذين يزعمون بتكسبه، كتب عام 1947:
"بماذا يخوفني الارذلون، وممَّ تخاف صلالُ الفلا
أيسلبُ منها نعيمُ الهجير، ونفحُ الرمالِ، وبذخ العرا ..
كما كررّ ذلك، ولو بصيغة اخرى عام 1974 حين قال:
وما أنا طالبٌ مالاً لأني، هنالكَ تاركٌ مالاً وآلا
ولا جاهاً فعندي منه أرثٌ، تليدُ لا كجاههم أنتحالا
-   كما كتب عن مثل "المنشور" الذي عنته هذه الكتابة فقال عام 1953:
مشت اليّ (بعوضاتٌ) تلدغني، فهل يحسُّ دبيبَ النملّ يعسوبُ
وقبلَ الفٍ عوى الفٌ فما انتقصتْ  "ابا محسد" بالشَتـمِ الاعاريبُ
   أخيرا.. لا بدّ من التأكيد – كما في كتابات سابقة لنا - بأن موضوعة الجواهري، كمثلها من المواضيع الالرصينة، والشؤون الشامخة، لن تقف عند حدود ، ولا عند تاريخ زمني، ومن هنا فقد يجد المتابعون في الكتابة هذه بعض اعادة وتكرارا لما سبق ان نشرناه في العديد من الصحف وسائل الاعلام، طوال سنوات مديدة، وما تزال قائمة الى الان على شبكة  الانترنيت،.. وربما يجد فيها "من شاءَ أن يحترَّ، او من شاءَ يبتردُ" الكثير من التفاصيل والتوثيقات.
* احالات وهوامش ------------------------------------------------------------
1/ للمزيد يمكن مراجعة توثيقنا المنشور على شبكة الانترنيت، ووسائل الاعلام قبل اسابيع قليلة، تحت عنوان "الجواهـري في تسع اطروحات دكتوراه، وثماني رسائل ماجستير".
2/ للمزيد يمكن مراجعة توثيقنا المنشور على شبكة الانترنيت، وفي وسائل الاعلام قبل اسابيع قليلة، تحت عنوان "أزيّـد من خمسين كتاباً ومؤلَفاً عن الجواهري الخالد"..
3/ للمزيد يمكن مراجعة توثيقنا المنشور على شبكة الانترنيت، كما وسائل الاعلام، قبل اسابيع قليلة، تحت عنوان من بينهم "الرصافي وسعيد عقل والبياتي.. شعراء نظموا عن الجواهـري، وله".
4/ المصد السابق اعلاه.
5/ / نشرتْ ذلك الموقف الجواهري صحيفة تشرين السورية في 18/7/1987 وقد حوى ما يغني عن كل اضافة واسهاب... ومما جاء فيه ايضا: "... من حقي – ومن حقوق النشر – ان أعقب، فمن جهة لا اعتراض لي هناك على ما تعتبرونه من باب "حرية الرأي"، و"حرية التعبير". ولكنني، من الجهة الثانية أحب أن أذكركم بوجوب مراعاة "المقاييس" و"القيم" في المحاورات الأدبية. فلم يكن في القديم مثلاً إلى جانب أشباه (النابغة) إلا من يعلقون أشعارهم على أستار (الكعبة). وعلى حجومهم ومعاييرهم في من يعارضونهم، ويناقضونهم".
   "أما أن يكون ما يسمح لنا به الزمن من رصيد جديد، وعلى ضوء العصر الجديد عرضة مشاعة لمن هبّ ودبّ، ممن يجربون القلم وعلى صفحات صحف سيارة، وعلى ذمم أصحابها والمسؤولين عنها، فهذا ما يجب علينا ان نحاربه، وأن نقف سداً دونه، لكي لا نعيّر بأننا قوم (ينكرون الجميل) و(يكفرون بالنعم)..."
6/ من "مقصورة" الجواهري الشهيرة/ الديوان العامر.
7/ من ابيات قصيدة يآبن الثمانين عام 1982:
"كمْ هزّ  دوحك من "قزم" يطاوله، فلم ينلهُ، ولم تقصر ولم يطلِ
وكم سعت "امعات" ان يكون لها ما ثار حولك من "لغـوٍ" ومن جدلِ"

 



68
الامام الحسيّـن، في بعض قصيد الجـواهـري، ونثره:
---------------------------------------------
ويا واصلاً من نشيدِ الخلودِ، ختامَ القصيدةِ بالمطلعِ
-   رواء الجصاني
---------------------------------------------------
   يحفلُ ديوان الجواهري العامر (1921-1994) بعشرات الابيات، في أكثر من قصيدة، وطوال عقود، بتمجيد للميزات الشخصية وآفاق التنوير والتثوير، هنا ، وللمآثر والبطولات هناك، لنبي المسلمين المعظم، محمد بن عبد الله، وصهـره، وأبن عمه، امام المتقين كما يوصف،  علي بن ابي طالب، ولجمع من الآل والأبناء والاسباط، ومنهم، مع حفظ الالقاب والمكانات (الى جانب زوجة الرسول الاولى، خديجة، وابنتهما فاطمة - زوجة علي): بحسب التسلسل الزمني للقصائد الجواهرية،: موسى آبن جعفر، العباس بن عبد المطلب، الحسين بن علي، جعفـر ابن الحسين، مسلــم أبن عقيــل، وجعفر ابن ابي طالب..(1)
   وأذا ما  جاء ذكر الشخصيات الكريمة السابقة في ابيات متفرقة، ضمن قصائد مختلفة، يُبرز الديوان العامر قصيدتين متميزتين للجواهري عن واقعة الطف، ومآثر الإمام الحسيـن، هما فريدتا : (عاشوراء)  و(آمنت بالحسين)  اللتان فاضتا بمكنونات الشاعر الخالد، ودواخله،  في ما أراد التأشير اليه والتعبير حوله، من مغازٍ جلى، واستنباط، واشاعة، علانية مع سبق الاصرار..
  والقصيدة الاولى "عاشوراء" المنظومة والمنشورة عام 1935 كانت بثمانية وستين بيتاً، استعرض في الجواهري، ووثق خلالها العديد من الاحداث التاريخية، الثورية والماساوية في ان واحد ، وبالاسماء المقرونة بالاوصاف التي تليق – بحسب رؤاه-   بالمضحين من اجل المبادئ، من جهة، والتي ألتصقت بمعارضيهم، بل ومحاربيهم وقتلتهم، من جهة ثانية...
هيَ النفسُ تأبى أن تُذَلّ وتُقهَرا...ترَى الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا
وتخـتارُ محموداً من الذِكرِ خالداً...على العيش مذمومَ المَغَـبّـة مُنكَرا…
   واذ جاءت "عاشوراء" في زمانها، والجواهري انذاك في عقده الثالث وحسب، مباشِرة في المعاني والتصريح، واقرب للتوثيق التاريخي، هدرَ الشاعر بعد ذلك باثني عشر عاماً، بعصماء "امنت بالحسين" التى فاضت بالتعبير عن المواقف والمفاهيم الطافحة بالإباء والشموخ، والممجدة للفداء والتضحيات، كما هي الحال في الخوالد الجواهرية العديدة، وان اختلفت في الصور والاستعارة، كما في الزمان والمكان:
فـداء لمثـواك من مضـجـعِ ... تـنـوّر بـالابلــج الأروعِ
ورعياً ليومـك يوم "الطفـوف" ... وسـقياً لأرضك من مصرع
تعـاليت من مُفـزع للحتـوف ... وبـورك قبـرك مـن مَفزع
* ومن بين ابيات تلكم العينية الشهيرة،ايضا:
تمثلـتُ يومـك في خاطـري ... ورددتُ "صـوتك" في مسـمعي
ومحصـتُ أمـرك لم "أرتهب" ... بنقـل "الرواة" ولـم أخــدع ِ
ولما ازحـتُ طـلاء "القرون" ... وسـتر الخـداع عن المخـدع ِ
وجدتـك في صـورة لـم أُرعْ ... بـأعـظــمَ منهـا ولا أروع ِ
    لقد سبق ان أرخنا للقصيدتين في كتابة سابقة، نشرناها في فترات زمنية متفاوتة، وفي وسائل اعلام عديدة (2).. ثم، وفي مسارات بحثنا في اصدارات ونثريات الجواهري، وصحفه، راحت امامنا مادة أخرى تعنى بذات الموضوع، ونعني به مآثر الامام الحسين، واستلهامات الجواهري العظيم منها وعنها... وها هي جريدة الجهاد تنشر في عددها 128 بتاريخ 30/ أيلول/1952 مقالا افتتاحيا بتوقيع الجواهري حمل عنوان: "تضحياتُ الحسين صورة لم يخلقْ إطارها بعد"... ومما جاء فيه:
" ... ومع هذا كله فستظل تضحية البطل الحسين بن علي، سيدة التضحيات، وسيظل هو بحق وجدارة سيد الشهداء. نقول ذلك غير مغالين. ونقول - ولا نغالي أيضاً- أن تضحية الحسين دوت  بذكراها في كل بقاع الدنيا أياً كان جنسها
 ودينها... وإنها لكانت اليوم كذلك، لو أردنا لها نحن المسلمين أن تتحرر من هذا الإطار الديني الضيق، الذي يراد حصرها فيه، بل لو كتب لهذا الدين الاسلامي نفسه على الأقل أن يتحرر هو من بدعه وشوائبه ومن زيغ فئة غير قليلة من المتظاهرين باحتضانه، والمتزيين بزي النافحين عنه، وأن نتخلص من سوس التفرقة
 والتعصب والتضليل مما أضاع له كل رونق وكل أثر، ومما أفقد  ما يصطبغ به
من التضحيات الجسام رونقها..."
اخيرا، وفي سياق توثيقاتنا لقصائد الجواهري، وعنها، نبرزُ ان مآثر الامام الحسين، وجلال مواقفه ومبادئه، تكرر في عديد اخر من قصائد الشاعر العظيم ومنها:
- في قصيدة "تحيـة الوزير" عام 1927 وجاء فيها :
حبّ "الحسين" الذي لاقاه مغترباً، من الشآم، وما لاقاه محتربا
-  في قصيدة "ناغيت لبنانا" عام 1947 وكذلك قصيدة "يا آبن الهواشم" تحية للملك حسين،عام 1992 التي قد ضُمنت بضعة ابيات مكررة، ومن بينها:
شدت عروقك من كرائم هاشم ٍ، بيضٌ نميّنَ "خديجة" وبتولا
وحنت عليك من الجدود ذؤابةٌ، رعت "الحسيّن" و" جعفراً" و "عقيلا"..
----   مع تحيات مركز الجواهري www.jawahiri.net------
1/ للمزيد: بحثنا المنشور على شبكة الانرتنيت، عام 2017 بعنوان "مشاهير وشخصيات واسماء في قصيد الجواهري".
2/ تفاصيل اخرى، ومن ابيات قصيدة امنت بالحسين، بصوت الجواهري، على الرابط:
https://www.iraqhurr.org/a/25638344.html

69
لنـدن... تستذكر المثقف المبدع، عبد الاله النعيمي
* رواء الجصاني
------------------------------------------------------------------
  في اجواء حميمة، نُظمت في لندن امسية استذكارية بمناسبة اربعينية المثقف المبدع، والشخصية الديمقراطية المميزة، عبد الاله النعيمي، شارك فيها عدد من افراد اسرته، واصدقائه ومحبيه، ودامت نحو ساعة  كاملة، عرضت خلالها صور شخصية وعامة له، وعدد من ترجمات كتبه..
    وفي مفتتح الامسية عبرت السيدة يسار صالح دكلة، عن بعض مشاعرها المؤثرة بفقدان زوجها ورفيق عمرها، عبد الاله النعيمي،  اعقبها  الكاتب زهير الجزائري عن بعض محطات العلاقة معه في بغداد خلال السبعينات الماضية، والشاعر عواد ناصر عن جوانب من ميزات، وتفرد ترجمات الفقيد من الانجليزية الى العربية، تلاه الكاتب لؤي عبد الاله في مواقف وتقييمات، وبعده الاعلامية سعاد الجزائري التي تحدثت عن ذكريات مع الراحل المبدع في بيروت وبـراغ ...
  وفي الفواصل بين مداخلات الامسية التي ادارتها الاعلامية سلوى الجراح،  تُليّت مقتطفات من برقيات المواساة  برحيل النعيمي، ومن كتابات اصدقائه عنه، وبعض لقطات عن سيرته الشخصية.. ثم أختتمت الامسية بفقرات شعرية رقيقة، لأبنه الاصغر- عمر، كتبها والقاها بالأنجليزية، واستقطبت اهتمام الحاضرين.. وقد نقل الاعلامي سمير طبلة، وقائع الاستذكار، ببث مباشر بالصورة والصوت عبر شبكة (فيسبوك) .
   * هـذا ومما يذكــر
    ان العاصمة التشيكية براغ، التي كان الراحل المبدع قد عاش وعمل فيها لسنوات طويلة، شهدت في الفترة القريبة الماضية، جلسة استذكارية له، نظمها المنتدى العراقي، ومركز الجواهري الثقافي، حضرها، وشارك بمداخلات فيها: عميد السلك الدبلوماسي العربي – سفير فلسطين، خالد الاطرش، والقائم بأعمال سفارة العراق، احسان العوادي، الى جانب شخصيات اخرى، من اصدقاء ومعارف الفقيــد الجليل ..
* ومن بطاقة النعيمي الشخصية:
- ولد بمنطقة الفضل في بغداد، عام 1945 وحاصل على بكالوريوس الفيزياء..
- مثقف من الطراز الأول، امتهن الاعلام والترجمة وبات من اهم المترجمين العرب في حقول مختلفة، وله نحو ثلاثين كتابا وبترجمة مشهود لها، لأمهات الدراسات والكتب والبحوث السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، ومنها "شيعة العراق، نهاية الحرب الباردة والعالم الثالث" و" 10 ساعات هزّت العالم" و" الإثنية والدولة، الأكراد في العراق وإيران وتركيا" و"التاريخ الاقتصادي لعصر الامبريالية" و"الأمة والدين في الشرق الأوسط" ومؤلف أدبيّ بعنوان "بجعات بريّة"...
- عمل محررا في صحيفة الحزب الشيوعي العراقي "طريق الشعب" ببغداد خلال السبعينات الماضية، وحتى اضطراره للأغتراب الى لبنان في اواخر ذلك العقد، مع مئات المثقفين وغيرهم، بعد أشتداد الغدرة البعثية اللئيمة ضد الوطنيين والديمقراطيين..
- استقر عام 1979 بكامله تقريبا في بيروت، مشاركا في نشاطات المعارضة العراقية ضد الارهاب والقمع في العراق، وعمل في تلك الفترة في عدد من مجالات الاعلام الفلسطيني.
- اقام في براغ ثلاثين عاما، بدءا من مطلع الثمانينات الماضية، وعمل أثناءها في مؤسسات عديدة، اعلامياً، ومترجما من العربية الى الانجليزية، وبالعكس، ومنها في مجلة قضايا السلم والاشتراكية، سكرتارية اتحاد النقابات العالمي، اذاعة اوربا الحرة... كما شارك في العشرات من المؤتمرات والندوات الدولية.
- شارك في تأسيس دار بابيلون للأعلام ببراغ، ورأس تحرير اصداراتها خلال الفترة 1991-1996 وكان مواكبا نشاطاتها وشؤونها حتى رحيله..
- أحد المشاركين الأوائل في تأسيس مركز الجواهري الثقافي ببراغ، وساهم في العديد نشاطاته الاعلامية، وفي اصدارته باللغتين العربية والانجليزية.
- عمل محررا واعلامياً بموقع (ايلاف) في لندن للأعوام 2015-2019 وفي أكثر من مجال..
- موصوفٌ من الأصدقاء والمعارف القريبين والبعيدين، بالتواضع والألفة الاجتماعية، والخصال والسمات الانسانية، مما جعله قريباً من الجميع، وعلى مدى حياته الزاخرة بالعطاء.
- متزوج من السيدة يسار صالح دكله، ولهما أبنان: فارس وعمر.
- توفي في لندن صباح السبت 2019.6.22 ووريّ جثمانه الثرى في لندن ظهيرة الجمعة 2019.6.28..



70
مجلة "البديـل"... مراجعة وتوثيق، ومؤشرات
•   رواء الجصاني
------------------------------------------------------------
     قبل اربعة عقود بالتمام، انطلقت رابطةٌ جامعة للمثقفين العراقيين الديمقراطيين ( المنفيين/ المغتربين) في الخارج، ضمت شعراء وكتابا وفنانين وصحفيين، متنوعين من مختلف الاختصاصات والاهتمامات، وقد كانت بيروت هي العاصمة التي أثمرت فيها جهود مكثفة لذلك الغرض، لتحتضن لاحقا المؤتمر التأسيسي الذي انبثق منه ذلكم الاطار، وليصبح منبرا لجموع العاملين في حقلي الابداع والثقافة، العراقية، الذين أضطرتهم اعتقالات وملاحقة السلطة البعثية الغاشمة، وارهابها للفرار – المؤت على الاقل-  بسبب مواقفهم وآرائهم، ونشاطاتهم الهادفة للتنوير، والرافضة للقمع وأمتهان الحقوق والحريات الانسانية في بلادهم (1)..
    ومن المهم ان نشير هنا الى ان هذه الكتابة ليست تأرخة لنشوء ومسيرة الرابطة، برغم ضرورة  ذلك.. وعسى ان ينبري المعنيون، ومن المؤسسين خاصة، للخوض في هذا المضمار لما له من أهمية بالغة – كما نحسب - في توثيق جهود وعطاءات مخلصة وحميمة، لعبت أدوارا مهمة في التأطير والتحريك، ونشر الثقافة الوطنية المضادة للـ"ثقافة" البعثية. قلت ليس من مهمة هذه الكتابة التأرخة لذلك الشأن، بل هي- وكما يثبت العنوان- تسعى لتوثيق أعداد مجلة "البديل" التي صدرت عن "الرابطة" مع الاشارة الى ان هذا السعي لا بدّ  وأن يتداخل مع مجمل التأرخة لانطلاقة ومسيرة ذلك الأطار الثقافي الحيوي والمثابر ، بل انه في صميم تلك المسيرة.
    لقد كان الافضل بالطبع  لو غَطت هذه الكتابة كل اعداد "البديل" .. ولكن المتوفر تحت اليد احدَ عشر عددا  فقط ، من مجموع خمسة عشر (2) . مع التنبيه الى ان هناك عددا  رُقمَّ بالرابع، وقد عُــدّ "شهيدا"  لأحتراق مواده وتصميماته في مقر الرابطة ببيروت اثناء الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وذلك ما يشير اليه العدد اللاحق، اي الخامس- وهو الرابع واقعياً- من المجلة التي انتقل موقع تحريرها وطباعتها  بعد ذلك الى العاصمة السورية – دمشق، وتوزيعها من هناك الى مدن وعواصم العالم ..
  لقد راحت مجلة "البديـل" وعلى مدى سنوات صدورها (1980-1991 )صوتاً ثقافيا هادفا، ومنبرا تنويرياً،  ليس عراقيا وحسب، بل وعربياً، كما سيتبين ذلك من خلال الأستعراض اللاحق لأسماء ثقافية عربية بارزة كتبت للمجلة التي تنوعت موادها: مواقف سياسية، وكتابات فكرية، وبحوثاً ودراسات قصيرة، عنتْ بالعديد من الرواهن الملحة آنذاك. كما ضمت نتاجات ابداعية كالشعر والسرد والقصة والنقود، والتراجم والتخطيطات وغيرها. ذلك فضلا عن توثيق نشاطات فروع الرابطة التي انتشرت في العديد من عواصم ومدن العالم، وحيثما كان هناك مبدعون ومثقفون وكتاب وفنانون وصحفيون عراقيون، ديمقراطيون، يقيمون او يعملون أو يدرسون. 
    ان هذه الكتابة لا تأتي فهرسة للاعداد، ولا تتجه نحو ذلك، وبرغم ذلك سأتوقف – استثناءً- لاظهار بعض المؤشرات، وبشئ من التفصيل، عند العدد الاول من المجلة، الصادر اوائل العام 1980 وقد جاءت افتتاحيته على الصفحة الخامسة بعنوان  "لماذا البديل؟" وحملت توقيع هيأة التحرير، مع ملاحظة على الصفحة الرابعة، التعريفية، بأن "اعضاء الرابطة هم هيأة تحريرها ومراسلوها" .. وقد اسهبت الافتتاحية بعرض توجهات الرابطة، واسباب انطلاق مجلتها "البديل" والمسارات التى تهدف لها، وأسس ارتكازاتها .. وضمت صفحات العدد التي قاربت المئة والثمانين(3) العديد من المواضيع الكتابات ومن بينها  للذوات: ادونيس، محمود صبري، الياس خوري، فيصل دراج، مصطفى عبود، فالح عبد الجبار.. اما  القصائد والقصص والنصوص فكانت للمبدعين، وبحسب حروف الهجاء: ابراهيم احمد، رعد مشتت، سعدي يوسف، شوقي عبد الامير، فائز الزبيدى، فاضل العزاوي، فاضل الربيعي، عواد ناصر، مخلص خليل، موسى السيد، هاشم شفيق..
   واضافة لتلك المشاركات التى اشرت لها في الفقرة السابقة، احتوت صفحات العدد الاول رسائل ثقافية من فروع، واعضاء الرابطة من عواصم مختلفة، وهنّ بحسب تسلسل صفحات نشرها، من: بيروت، روما، براغ، دمشق، برلين الشرقية، باريس. ومن بين ما احتوته تلكم الرسائل: نشاطات وتراجم، واخبار العلاقات، وفعاليات التضامن..
  وهكذا راحت الاعداد اللاحقة غنية متطلعة، مع التفاوت طبعا، ليس في عدد الصفحات والمشاركات والمساهمين، وحسب، ولكن في مستويات المواد المنشورة، وتنوعها، مما قد يؤشر – بهذا القدر او ذلك- عن بعض التراجع في الحماسة لـ"البديل" وبدءا من اواخر الثمانينات، ولاسباب موضوعية من بينها توزع الكتاب والفنانين والصحفيين العراقيين في المزيد من المنافي، واستمرار تعقد الاوضاع في البلاد، والتغيرات العالمية بعد انهيار الانظمة "الاشتراكية"  في بلدان شرق اوربا، وانحسار التضامن العربي والاممي .. اما الاسباب الذاتية فمن اهمها بتقديري اختلاف وارتباك الاراء والرؤى، والتماحك والمناكدات والتشابكات في مواقف الاعضاء من "الرابطة" عموما، ومن مسيرتها، والتجاذبات بشأنها ..
   وفي عودة لأعداد مجلة "البديل" التي بأيدينا، يمكن توثيق مساهمات سياسية وثقافية وابداعية لكمٍ كبير من المثقفين - الى جانب منْ ذُكرت اسمائهم في الفقرات السابقة- ومنهم العراقيون الذوات، مع حفظ المكانات: ممتاز كريدي، عرفان عبدي، شاكر لعيبي، مفيد الجزائري، صالح كاظم، زهير الجزائري، شمران الياسري، غائب طعمة فرمان، محمود البياتي، منعم الفقير، كاظم حبيب، نائل الحيالي، كريم دحام، ، فاضل السلطاني، سعدي المالح، قاسم الساعدي، قاسم حول، مجيد الراضي، كريـــم عبد، عادل العامل، سمير سالم داود، ابراهيم الحريري، فاطمة المحسن، خالد بابان، جنان جاسم حلاوي، زهير ياسيـــن شلبية، سالمة صالح، ضياء مجيد، جمشيد الحيدري، ثابت المشاهدي، جواد بشارة، ابراهيم الحريري، عادل العامل، فاضل سوداني،هـــادي العلوي، نجم والي، صلاح الحمداني، عارف ولي، ممتاز كريدي، كامل شيــاع، سعود الناصري، شاكر الانباري، سلام ابراهيم، محمد حسين هيثم، على كامل..
     اما الشعراء الذين نَشروا، أو نُشر لهم، او عنهم (قصائد وغيرها) فهم: الجواهري، جليل حيدر، صادق الصائغ، محمد سعيد الصكار، نبيل ياسين، عبد الكريم كاصد، شيركو بي كه س، مهدي محمد علي، فائز العراقي، مصطفى عبد الله، أنور الغساني، رفيق صابر، كريم عبد، كامل الركابي، حميد العقابي، اضافة للذين وردت اسماؤهم في الفقرة اعلاه التي وثقت للعدد الاول من المجلة.
    ثم هناك كم كبير اخر من المثقفين العرب (او من البلدان العربية) الذين كتبوا، للبديل، وعنها، وهم الى جانب ادونيس، والياس خوري وفيصل دراج، الذين سبق وان اشرت لاسمائهم، الذوات: يمني السعيد، حيدر حيدر، فواز طرابلسي، عبد الرحمن بسيسو، صالح علماني، محمد كروب، شوقي بغدادي، على الجندي، علي عبد العال، حميد المازن، محمد عزيز ظاظا، محمد بنيس، براء الخطيب،  جورج ابراهيم، نيروز مالك،  ممدوح عدوان، غالب هلسا، صبحي دسوقي، اسماعيل حسن حسو، عبد الله طاهر، زكريا شريفي، خلدون زيبو، عبد المعين الملوحي، سعيد حوراني، عبد الرحمن منيف، سعد الله ونوس، يمني العيد، خيري الذهبي، فيصل دراج، محمد دكروب، مها بكر، غالية قباني..
    لقد تنوعت المشاركات المنشورة في اعداد مجلة البديل، كما سبق القول، وتداخلت بين الشأن السياسي والثقافي، والمواضيع الفكرية برغم محدوديتها، والتوثيقات التاريخية، والمقابلات، والنصوص والكتابات الابداعية، والتخطيطات التشكيلية، والندوات، الى جانب مواد مترجمة، وتغطيات لنشاطات الفروع والاعضاء، والفعاليات ذات الصلة .. كما وثقت "البديل" قوائم باسماء العديد من المثقفين والمشتغلين بالشأن الثقافي والاعلامي، الذين طاردهم نظام البعث العراقي، واجهزتها الامنية و"الثقافية" :  اعتقالاتٍ وتعذيباً وسجناً وقتلاً، وخاصة في اواخر السبعينات، حتى مطالع الثمانينات الماضية (4).  وقد  وثقت المجلة ايضاً  قوائم باسماء مئات من المؤلفين والمثقفين العراقيين والعرب الذين منع النظام الدكتاتوري تداول مؤلفاتهم، وكذلك دور نشر عديدة عدّها النظام واجهزته "الثقافية" معادية له (5).
   ان التوقف عند اسماء المشاركين في الكتابة لمجلة البديل، والنشر فيها، والمشار لهم في ما سبق من سطور - وجمعٌ منهم له اكثر من مساهمة بل ومساهمات-  اقول: ان لذلك التوقف والتوثيق اكثر من مؤشر ومغزى، ولا سيما حين يتبيّن التنوع، وما يحمله اصحابه  من آراء  ومواقف ومفاهيم متباينة، حول مهمات المثقفين، التنويرية والسياسية، والادوار التي يجب على منظماتهم وأطرهم تبنيها، وسبل متابعتها، وشفافيتها وما الى ذلك. وقد حملت بعض اعداد "البديل"  مناقشات وتصورات جدية، وملموسة، حول تلكم الشؤون..   
    وبرغم الاعلان بأن تكون "البديل" مجلة فصلية الصدور، الا ان واقع المنفى، وظروف التحرير، واسباب اخرى حالت دون التمكن من الالتزام بمواعيد الصدور.. وهكذا لم تستطع سوى ان تكون دورية (15 عددا في 10 اعوام) مع تباعد الفترة الزمنية بين عدد وآخر لشهور وشهور احيانا، برغم الجهود المبذولة، وخاصة من الجهات الداعمة، وخاصة في الحزب الشيوعي العراقي، وبشكل أخص المسؤول القيادي في الحزب، فخري كريم، الذي لم يكن سراً تحمله مهماتٍ وأدواراً رئيسة في دعم تشكيل "الرابطة" واطلاق نشاطاتها الاساسية، والابرز منها، مجلتها - البديل. 
   ان كل الحديث اعلاه عن "البديل" ليس بأحتسابها مجلة فقط، بل انه يشمل، من جملة ما يشمل، الحديث عن بعض تاريخ ومسيرة  رابطة المثقفين العراقيين الديمقراطيين، في المنفى وبلدان الأغتراب الأضطراري، وغيره، والتي لعبت دورها المناسب والممكن في ما هدفت اليه. وأظن ان هناك جوانب عديدة بهذا السياق،  ينبغي الحديث عنها – كما سبقت الاشارة- من قبل نشطاء "الرابطة" وقيادييها الاساسيين، والتوقف عند محطات ومراحل التأسيس والانطلاق، ثم المراوحة، والتراجع، وبما يرتبط طبعا بالظروف الموضوعية – دعوا عنكم الذاتية - في كل تلك المراحل..   
     اخيرا، وبرغم اعتقادي بأن العديد مما نشرته "البديل" قد أعيد نشره في العراق بعد 20013 بهذا الشكل أو ذلك، غير ان هناك في ذات الوقت مساهمات وكتابات ذات اهمية تاريخية، وجدلية، من المهم ان تتصدى لأعادة نشرها، مؤسسات معنية، ولربما أولها الاتحاد العام للادباء والكتّاب في العراق، لأنه الاقرب واقعا للرابطة، ولمجلتها "البديل". ومع كل التقدير لأنشغالاته برواهن أخرى، غير ان في التراث - كما هو معروف-  تجارب لا غنى عنها، وذلك ما يدفع للتأكيد على موضوعة اعادة النشر، وعلى الاقل للمساهمات الأكثر اهمية، وما أكثرها في المجلة التي نعني: "البديل" ..  -----------------------------* براغ / اوائل آب 2019
* هوامش واحالات: ----------------------------------------------------------------
1/ أطلقت بأسم "رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديقراطيين العراقيين" .. وبعد عشرة اعوام، وفي المؤتمر العام الثالث للرابطة (برلين 1990) تم تغيير الاسم الى "رابطة المثقفين العراقيين الديمقراطيين"..
2/ ثمة اربعة اعداد ناقصة في هذا الاستعراض هي (6- 10-11-14) اما الاخير(كما أحسب) فكان مزدوجا وحمل الرقمين ( 16- 17) صدر عام 1991 ودون تثبيت شهر الاصدار ..
3/ غالبية اعداد المجلة كانت بنحو 180 صفحة، وبحروف صغيرة في الاعداد الاولى خاصة،  بينما  صدرت اعداد اخرى بحدود 140 صفحة..
4/  نُشرت في العدد الاول – اوائل عام 1980..
5/ نُشرت في العدد السابع- تشرين الثاني 1983..

71
*اثنان وعشرونَ عاماً على رحيلِ الجواهري الخالد*
حببتُ الناسَ كلَ الناسْ.. من أظلمَ كالفحمِ ومن اشرق كالماسْ
* رواء الجصاني
---------------------------------------------------
    قبل أثنين وعشرين عاماُ، وفي صبيحة الأحد، السابع والعشرين من تموز عام الفٍ وتسعمئة وسبعة وتسعين، تحديداً، استنفرت وكالات أنباء ومراسلون وقنوات فضائية وغيرها من وسائل اعلام، لتبث خبراً هادراً، مؤسياً، هزّ مشاعر، ليس النخب الثقافية والسياسية فحسب، بل والألوف الألوف من الناس في شتى الارجاء :
"الجواهري يرحل إلى الخلود في احـد مشافي العاصمة السورية - دمشق،
عن عمر يناهز المئة عام"..
... وهكذا يطبق "الموت اللئيم" اذن على ذلك المتفرد الذي شغل القرن العشرين، على الأقل، ابداعاً ومواهب، ثم لتروح الأحاديث والكتابات تترى بعد الخبر المفجع، عن عظمة ومجد الراحل العظيم :
- المتميز بعبقريته التي يتهيّب أن يجادل حولها أحد..
- السياسي الذي لم ينتم ِ لحزب، بل كان "حزباً" بذاته، يخوض المعارك شعراً وفكراً ومواقف رائدة...
- الرمز الوطني الذي أرخ للبلاد وأحداثها بأتراحها وأفراحها من داخل الحلبة، بل ووسطها، مقتحماً ومتباهياً:
أنا العراقُ لساني قلبه ودمي فراته وكياني منه اشطارُ
- وذلك الراحل الخالد، نفسه: حامل القلم الجريء والمتحدي الذي "لو يوهب الدنيا بأجمعها، ما باع عزاً بذل المترف البطر".. ناشر صحف "الرأي العام" و"الجهـــاد" و"الثبات" ... ورفيقاتهن الأخريات ...
- منوّرٌ متميزٌ من أجل الارتقــاء، صدح مؤمناً على مدى عقـود حياته المديدة :
"لثورة الفكر تاريخٌ يحدثنا، بأن ألفَ مسيح دونها صلبا"..
- صـاحب "يوم الشـهيد" و"آمنت بالحسين" و"قلبي لكردستان" و"الغضب الخلاق" و"الفداء
والدم"... شامخ، يطأ الطغاة بشسع نعل ٍ عازبا..
- والجواهـري ايضا وايضا: متمرد عنيد ظـلّ طـوال حياتـه باحثاً عن "وشـك معترك أو قرب
مشتجر".. كيّ "يطعم النيران باللهب"!..
- مبدعٌ بلا حـدود في فرائـد "المقصورة" و"زوربـا" و"المعـري" و"سـجا البحـر" و"أفروديـت" و"أنيتـا" و"لغة الثياب" و"أيها الأرق" وأخواتهن الكثار...
- وهو قبل كل هذا وذاك "أحب الناس كل الناس، من أظلم كالفحمِ، ومن أشرقَ كالماس".
- كما انه "الفتى الممراح فراج الكروب" الذي "لم يخل من البهجة دارا" ..
- رائدٌ في حب وتقديس من "زُنَّ الحياة" فراح يصوغ الشعر "قلائداً لعقودهنَّ" ... و"يقتبس من وليدهن نغم القصيد" ..
- وديع كالحمامة، ومنتفض كالنسر، حين يستثيره "ميتونَ على ما استفرغوا جمدوا" ..
- وهو لا غيره الذي قال ما قال، وما صلى "لغير الشعر من وثنِ " ... فبات الشعراء يقيسون قاماتهم على عمود قامته الشامخ...
- انه وباختصار: ذلك الطموح الوثاب الذي كان، ومنذ فتوته "يخشى أن يروح ولم يبقِ ذكرا" ... فهل راحت قصائده - حقا - "ملؤ فم الزمان"!! وهل ثبتت مزاعمه بأن قصيــده "سيبقى ويفنى نيزك وشهاب" وهو القائل:
وها هو عنده فلكٌ يدوي..... وعندَ منعمٍِ قصرٌ مشيدُ
يموتً الخالدونَ بكل فـج ٍ .. ويستعصي على الموت ِ الخلود
ترى هل صدق بما زعم ؟؟!!... التاريخ وحده من انبأنا، وينبئنا عن الامر،
ويا له من شاهد حق ٍ عزوفٍ عن الرياء!!
----------------------------------------
مركز الجواهري 2019.7.27
www.jawahiri.net



72
من بينهم الرصافي وسعيد عقل والبياتي
شعراء نظموا عن الجواهـري، وله
رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------------------
    إذا ما كان ثمة واقع موثق لمقولة المتنبي "وعداوة الشعراء بئس المقتنى" ففي المقابل ما يربكها، ولربما ما ينفيها، حين نوثق في هذه الكتابة عن شعراء متميزين ومميّزين نظموا  قصائد عن الجواهري، وله، وفيها ما فيها – كما ستأتي به السطور اللاحقات - من وفاء للعبقرية والريادة، وأعتراف بالفضل والفخر بالمنجز، والتباهي بالوطنية. دعوا عنكم عشرات الكتابات والمقالات الأخرى، غير الشعرية، وطوال عقود وعقود (1).
     وبرغم ان القصائد التي نعنيها واضحة في المفردات والمباني والمعاني، والمناسبات، أقول ان هناك ما يستحق لأن نؤشر اليه أبتغاء المزيد من المرجو والمؤمل من هذه الكتابة،.. ومما نلفتُ اليه هو ان ماسيّلي من مقتطفات وابيات، قد  جاءت لشعراء قديرين على أقل وصف، في الغالب الاعم. كما انهم متنوعو المدارس والمشارب، والانتماءات، والاجيال والاعمار، ومن بلدان مختلفة، بل وحتى جنسيات مختلفة، وفي ذلكم ما يؤشر للكثير..
   وأضيف لما تقدم ان المكتوب جاء في فترات متعاقبة، أمتد لعقود طوال، وربما حتى قبل ان يصبح الجواهري ما أصبح عليه من شهرة ورموزية فكرية وادبية ووطنية، ومكانيتين عربية وعالمية .. وأزيد في القول فأنوه الى ان بعض الذي سيأتي قد كتب في حياة الشاعر العظيم، والبعض الآخر كتب ونشر ما بعد الرحيل الى الخلود في 1997.7.27 ويستمر الى اليوم..
   ولعلي اهدف ايضا – بل تلك هي الحقيقة – ان يأتي هذا التوثيق "حلقة" اضافية لسلسة ما كتبتُ بصدده منذ اعوام، وحتى الفترة القريبة الماضي. وأعني السعي للردّ بهذا الشكل أو غيره، على ما أزعمه تطاولاً  يروح اصحابه بين الفينة والاخرى للردح به وتحت لبوس هنا، وآخر هناك، وبهدف مقصود هو محاولة النيل من شاعر الامتين العراقية والعربية في القرن العشرين على الاقل .
   وارتباطا بالفقرة السالفة، لا بدّ لي أن أشكر (شاعراً) و(اكاديمياً) بالذات، حفزني بشكل غير مباشر لأن أسرّع بأنجاز هذا التوثيق، وذلك بعد ان نشر "يتيمة" من عدة كلمات، وبدون مناسبة، أو نقد "اكاديمي" أو توثيقي، كرر فيها الذمّ المكرور بأن للجواهري مديح هنا أو هناك لمسؤولين أو سياسيين أو رسميين، وكأن ذلكم الشاعر الاكاديمي قد اكتشف القمر قبل الف عام!. وقد تمعنت في الامر ولم أخلص سوى الى ان الدافع  لذلك واحدٌ لا غير، وهو محاولة الوصول الى الاضواء، وان كانت معتمة . ولقد كنت أحسب - ولحين  نشر "يتيمة القرن الحادي والعشرين!" - بأن صاحبنا ليس بحاجة الى مثل تلكم "الاضواء" وقد خاب التصور والحساب.
   أخيرا وقبل الوصول الى تفاصيل التوثيق المعني نؤكد  بان هناك قصائد أخرى كتبها شعراء أجلاء، ومنهم: الفلسطيني توفيق زيّاد، والسوري صابر فلحوط، واللبناني محمد حسن الامين.. والعراقيون: أبراهيم السامرائي، وبلند الحيدري، وعبد الامير الحصيري، ولم نتمكن من فرزها – حاليا - في ارشيف مركز الجواهري العامر ببراغ، ونعدُ بأن نفرد لها ملحقا بهذه الكتابة. كما نجد هنا فرصة لدعوة نوجهها للمتابعين، وذوي العلاقة، لكي يتكرموا بأضافاتهم، وما لديهم من نصوص ذات صلة (2).
  وفي التالي خلاصات مما حمله العنوان الرئيس "شعراء نظموا عن الجواهري، وله " موزعة على مرحلتين: الاولى، ما قبل الرحيل، والثانية مابعده، اي بعد 1997.7.27 مع حفظ الالقاب والمواقع والمكانات. ولربما كان من الأصح اضافة معلومات محددة عن الشاعر والمناسبة، وبنشر كامل القصيدة لا الاكتفاء بابيات قليلة منها، وعسى ان يجهد نجباء في اتمام ذلك التوسيــع :
اولاً: حتى رحيل الجواهري عام 1979 مرتبة بحسب تواريخ نظمها
---------------------------------------------------------
 
1/ معروف الرصافي: 
أقول لربِّ الشعر مَهدي الجواهري/ إلى كم تناغي بالقوافي السواحرِ
فترسلَها غُرًّا هواتفَ بالعُلى / يُزَوَّدُ منها سمعَه كلُّ شاعِرِ..
* ولــه ايضا:
بك الشعر لا بي اصبح اليوم زاهرا / وقد كنتُ قبلَ اليومِ مثلَكَ شاعرا
فأنت الذي ألقتْ مقاليدَ أمرِها / إليه القوافي شُرَّداً و نوافرا..
(ديوان الجواهري، قصائد الاربعينات / طبعة بغداد ذات السبعة اجزاء، في السبعينات الماضية)

2 سميح القاســم:
مهلاً فديتَ "ابا الفرات" فانت بالحسناء أحرى
اغريّتها شعراً .. واغرتها شؤون منك اخرى ...
سحر ٌ – لعمري – ما صنعت / وكان بعض القول سحرا..
(نظمت عام 1973 وتضمنتها اوراق الجواهري الشخصية، المحفوظة في ارشيفه ببراغ)

3 زاهد محمد زهدي:
ملءُ العيونِ وأنتَ مغتربُ / ناءٍ و(دجلةُ) منك تقتربُ
وتكادُ شطئانُ (الفراتِ) إذا /  ذَكروكَ عندَ ضِفافها تُثِبُ
(الرافدانِ) وأنتَ صوتُهما /  وإليهما بالحبَ تنتسبُ..
(نظمت عام 1985 ونشرت في كتاب "الجواهري، صناجة الشعر العربي في القرن العشرين" لزاهد محمد زهدي/ دار القلم – بيروت 1999)

4/ محمد سعيد الصكار:
على الرحبِ مفروشٌ لك الدربُ / والقلبُ، وفي سَعَة ٍ خطو لأيقاعه نصبو
فكل حنايانا بيوتٌ وكلنا / ندامى وانت الخمر والشعر والحبُ
فعرّج وفرّج غربة عصفت بنا /  فقد طالما أزرى بغربتنا الغربُ..
(نظمت عام 1991)
* وله ايضا في موساة لجواهري بوفاة زوجته عام 1992:
يا منْ تمرّس بالجلّى وروّضها / فكان رغم ضواريها له الغلّبُ
صبراً على آخر البلوى فإنّ لها / شوطاً وقد بلغتْ مضمارها النُّوبُ
واسلم لنا ألقاً يهدي مواكبنا / لخير ما يرتجي شعبٌ وينتخبُ..
(كتاب "اخوانيات الصكار، ومجاسه الادبية" لمحمد سعيد الصكار/ دار المدى 2001)

5/ عبد الوهاب البياتي:
في سنوات الضوء والبؤسِ/ وجدت في مرآته نفسي
خرجت من معطفه يافعا / لأحملَ الشمس الى الشمس
قلتُ له يا أبتي ها هنا / يعتنق السهمان في القوسِ..
ماذا اسميك وأنت المدى / وطائر العاصفة القدسي
(كتبها البياتي بمناسبة عيد ميلاد الجواهري الخامس والتسعين عام 1995. ونشرتها مجلة الطريق اللبنانية، العدد السادس/1997)
 
ثانيا: ما بعد الرحيل في 1997.7.27 مرتبة بحسب حروف الهجاء
------------------------------------------------------------
1/ بلقيس حسن:
أبا الشعراء مذ عشرين حولاً / وذكركَ في النفوسِ نما وقرّا
ونشكو من ضياع في المنافي / ونحسو الدمع والآهات حرّى
تكالبت الرداءة في زمانٍ يكسّرُ فيه عظم الشعر كسرا ..
(نظمت عام 2017 ونشرت في كراس خاص اصدره مركز الجواهري في براغ تحت عنوان "استذكار الجواهري.. تباه بالوطن والشعر والتنوير" براغ 2017)

2/ حسب الشيخ جعفر:
قيل: الفراتان ماتا في العراق، فهل
ابقت لنا الضفة الزوراء من أحدِ؟ ..
(نشرتها اصدارات عراقية اواخر التسعينات الماضية)

3/ جواد الحطاب:
لم اربّ من قبل حماماً
لا اشعل ؛ لا ابيض ؛ لا اصفر ؛ لا رماديا
من اجلك – انت فقط – ذهبت لسوق الغزل
واشتريت مائة طير زاجل
 بعدد سنواتك يا نَسرَ لُبَد ، واطلقتها ؛ باتجاه مقبرة الغرباء..
(نظمت بعد رحيل الجواهري عام 1997 ونشرت في وسائل اعلام عديدة، وأفتتح الشاعر بها فعاليات دورة مهرجان "المربد" عام 2019)

4/ جوزف حرب:
الشمس نامت حيث أنت تنام/ ومشت لتحرس نعشك الأيامُ
ما الغيم مطوي كأن هذا المسا / قد نكست ببلاطه الاعلام
والحبر أسود لا لنكتب إنما / لبست عليك سوادها الأقلام..
(مجلة الطريق اللبنانية، العدد السادس/1997)

5/ سعدي يوسف:
من مَشفى الشام الى النجمة، ومن النجمة حتى بغدادْ
دربكَ مكتنزٌ بالأوراد، وقميصك هذا القطن
سترفعه حتى دجلة كوكبة الأحفاد..
(مجلة الثقافة الجديدة / العدد279  في تشرين الثاني/ كانون الاول 1997/1997)


6/ سعيـد عقـل:
بالمجدِ زانوكَ بالنهرين بالحُشدِ / أنا بشعرٍ مطلِ الستةِ العمدِ
جواهريّ العلى الطاغي على قلمي / على ضريحك ورداً بعثرته يدي..
(مجلة الطريق اللبنانية، العدد السادس/1997)

7/  عبد الاله الياسري:
تباً لأرض لم تضم رفاته / وبـه الرمـال بكـل أرضٍ تحلمُ
لابد من يوم تصيح بفجره / ديـك، ويبعـث من قبـور نوّمُ
وتزاح عن شمس العراق سحابة / طالت، وطال بها الزمان المظلمُ..
(نشرتها وسائل اعلام عديدة اواخر التسعينات الماضية)

8/ شيركو بيكه س:
انه الجواهري ذاكرة الشارع، ونافورة الصوتِ،
ويوميات الزنزانة في زمن المشانق
انه الجواهري: جرس يعلق نفسه في عنق الظلام لكي يدق للشروق
وصباحات البلاد. انه الجواهري: خبز الشعر...
(مجلة الثقافة الجديدة / العدد279  في تشرين الثاني/ كانون الاول 1997)

9 عبد الرزاق عبد الواحد
لا الشعِّرَ أبكيهِ ، لا الأبداعَ، لا الأدبا / أبكي العراق، وأبكي أمَّتي العرَبا
أبكي على كلِّ شمسٍ أهدروا دمَها / وبعدَما فقدوها أسرجوا الحطبا
أبكي على وطنٍ يبقى الأديبُ بهِ / ليس الغريب، ولكنْ أهلهُ غُربا..
(منشورة في وسائل اعلام عديدة)

10/ عبد الكريم كاصد
انبيك اني بدار ليس يسكنها / الا الحثالة من مكذوبة النسبِ ...
انبيك ان بغاث الطير قد نطقت / وان جل خيول القوم من قصب ...
لله كيف استحال المرتجا اجلاً / وكيف أضحت فتاتٌ غاية الارب
وكيف ان غراباً ناعباً هرماً / اضحى يقال له " صناجة العرب "...
( من قصيدة " كلاسيك الى الجواهري" في مجموعة الشاعر " قفا نبكي" المنشورة عام 2002)


11/غازي عبد الرحمن القصيبي:
كانت حياتك عبرة .. لو أننا / عشنا كما عشتَ الحياة محاربا
ورضيت ألا أن تكون مهادناً / وأبيت ... إلا أن تكون مشاغبا
باق ٍ وأعمارُ الطغاة قصيرةً / شعرٌ ضمنت له الخلود الصاخبا..
(نظمت بعيّد رحيل الجواهري، ونشرتها وسائل اعلام عديدة)

12/  فاضل عبد عباس:
بكت دجلةُ، وانحنت نخلةٌ ترتوي من يديكْ  /وظهر الفراتِ تقوسَ حزناً عليكْ
ونحن هنا – كلما خاننا النطق – نهفو إليكْ / وكل العصافير تنهل من شاطئيك
انت ارضعتنا لغة العشقِ، اورثتنا شعلة، البستنا الكبرياءْ
وعلمتنا ان اربعةً من حروف الهجاءْ /هي البدء والانتهاءْ: عراقٌ ... عراقْ
(نظمت بعيّد رحيل الجواهري، ونشرتها وسائل اعلام عديدة)

13/ لميعة عباس عمارة:
تحديتّ إلا الموت حسبُ تحديا / تلاشيت والطغيانُ مازال طاغيا
وكنت ضراما في يباس حياتنا / إذا قلت أشعلت الفضاء قوافيا
تبعناك حتى حتفنا ما خذلتنا / وكنت لنا نجماً ورمزاً وفاديا
(نظمت بعيّد رحيل الجواهري، ونشرتها وسائل اعلام عديدة)

14/ محمد حسين الياسين:
يا ومضةً ولدت يوماً على جبل / كل النجوم بها حبلى من الأزلِ
فأي إرث من الأضواء منتشرٍ / مجمّع في وريف الضوء مختزل
 كل ابن أنثى فمن صلبٍ  سوى / ألقٍ كما أتى مريماً عيسى بلا رجلِ
(القاها الشاعرالياسين في مهرجان الجواهري الثامن / بغداد 2011)

15/ محمد جواد الغبان:
أترى لواءُ الشِعرِ بعدَكَ يخفقُ / ويجيءُ مَنْ يسمو به، ويُحلِّقُ
أترى الرياضُ المقفراتُ ستزدهي / وتعودُ تنفحُ بالأريج ، وتَعبَقُ
أترى النوادي الموحشات عِراصُها / تغدو بعودة أهلِها تتألَّقُ
(نشرها الشاعر في كتابه الموسوم" الجواهري، فارس حلبة الأدب" الصادر عن دار المدى/ بغداد عام 2006)


16/ مهدي محمد علي:
خرجْتُ بما بالعيون يُرى/ وسرتُ بما لا يُرى في الحشى
وغرَّبْتُ دون الذي في المدى/ وعانيتُ قَطْراً كشمس الضحى
وقارَبْتُ شمساً كقطر الندى/ ولكنها دون بلّ الصدى
(مجلة الثقافة الجديدة / العدد279  في تشرين الثاني/ كانون الاول 1997)

17/  نبيـل ياسيـن:
مَنْ يا ترى استطاعَ أن يرسم مثل هذه الخطى
سواه ... ويملأ القلب الوحيد بالشجنْ
منْ يا ترى استطاع أن يصعد في سفح الحياة
مارداً ... لكي يموت خارج الوطن؟
(نظمت بعيّد رحيل الجواهري، ونشرتها وسائل اعلام عربية عديدة)

* هوامش وإحالات  ------------------------------------------------------
1/ نعدّ لموضوع آخر بعنوان"شعراء كتبوا عن الجواهري وله" كالدراسات والتأرخة والنقد، وليس قصائد شعرية.
2/ كتبَ أزيّد من عشرين شاعرا اردنيا قصائد تحية، وتقدير للجواهري الكبير- بعد القاء  قصيدته الشهيرة (اسعف فمي) المهداة للعاهل الاردني الملك حسين عام 1992 – جمعت في كتاب بعنوان "الجواهري في عمان" اصدره حمودة زلوم، عام 1993. 

73
بحضور عميد السلك الدبلوماسي العربي، والقائم باعمال سفارة العراق:
براغ تودع الكاتب والمترجم والاعلامي البارع، الراحل:
 عبد الأله النعيمي
- رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------
   للموتِ فلسفةٌ وَقفتُ ازاءَها، مُتخشِّعا وبُرغمِ أنفي أخشَعُ/ أيموتُ شَهْمٌ تستظل بخيرهِ دنيا، ويبقى خاملٌ لا ينفــعُ ؟!.. بهذين البيتين للجواهري الخالد، وفي أجواء تأثر وحزن صميميّن، افتتحت مساء أمس، جلسة تأبين الشخصية الثقافية والديمقراطية العراقية المميزة، عبد الأله النعيمي، الذي رحل عن عالمنا الجحود، في منفاه اللندني  صبيحة السبت 2019.6.22..
   وبعد لحظات صمت، وتأمل وأسترحام، امام صورة الفقيد المعمدة بالورود والشموع، تم عرض فيلم قصير عن الراحل العزيز، من أنتاج المقهى الثقافي العراقي في لندن، وأخراج الفنان علي رفيق، تلت ذلك كلمات عميد السلك الدبلوماسي العربي في تشيكيا، سفير دولة فلسطين، خالد الأطرش، والقائم بالأعمال العراقي، أحسان العوادي، ورئيس المنتدى العراقي، د. موفق فتوحي، الذين توقفوا عند محطات من حياة النعيمي، وعطائه الثقافي الثري..
     ثم توالت كلمات ومداخلات احباء واصدقاء وزملاء الفقيد، وهم: المدير السابق للقسم العراقي في اذاعة اوربا الحرة، سيرغي دانيلوخكين، د. عبد الحميد برتو، د.عبد المجيد الراضي، ثم المهندس خالد العلي، الذي تحدث بأسم الشيوعيين وأصدقائهم في تشيكيا.. وقد تناولت جميع الكلمات والمداخلات ذكريات هنا، وانطباعات هناك، وما بينهما من خصال وسجايا اجتماعية وقيّم انسانية رحيبة، وخاصة خلال الاعوام الثلاثين الذي قضاها عبد الاله النعيمي في براغ، اقامة وعملاً ومثابرة في التنوير.. كما مشاركاً في الفعاليات الاجتماعية والثقافية والوطنية، التي كان يجمّلها بـ "مملّحات" لا تليق الا به، ومنه ..
     دامت جلسة الوفاء والاستذكار نحو ساعة ونصف، وقد أدارها كاتب هذه السطور، نيابة عن المنتدى العراقي ودار بابيلون للأعلام، ومركز الجواهري الثقافي، وكان يتوقف بين كلمات ومداخلات المشاركين بلمحات عجول عن صديق عمره الخلوص، على مدى عقود مديدة. كما تُليّـت أيضاً خلال الجلسة الحميمة برقيات مواساة، وأعتذارات عن الحضور، وفي مقدمتها رسالة التعزية التي بعثت بها سفيرة العراق لدى تشيكيا، سندس عمر علي، نوهت خلالهما بمجهودات الفقيد الثقافية وتراجمه، ونشاطاته الاعلامية..
*** لقطـــــــات ...
- تم خلال جلسة التأبين توزيع بطاقة تعريف موجزة عن الراحل الجليل، جرى أعدادها بالمناسبة، وشملت تعريفا موجزا بمحطات عن حياة الفقيد، وسيرته ومنجزاته العامرة..
- ساعدت في أدارة الجلســة: د.عواطف جبــو.. - صور الحفل التأبيني بعدسة د. نبيــل الورد ..
*** ومن بطاقة عبد الاله  النعيمي، وسيرته  الشخصية:
- ولد بمنطقة الفضل في بغداد، عام 1945 وحاصل على بكالوريوس الفيزياء..
- مثقف من الطراز الأول، امتهن الاعلام والترجمة وبات من اهم المترجمين العرب في حقول مختلفة، وله نحو ثلاثين كتابا وبترجمة مشهود لها، لأمهات الدراسات والكتب والبحوث السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها، ومنها "شيعة العراق، نهاية الحرب الباردة والعالم الثالث" و" 10 ساعات هزّت العالم" و" الإثنية والدولة، الأكراد في العراق وإيران وتركيا" و"التاريخ الاقتصادي لعصر الامبريالية" و"الأمة والدين في الشرق الأوسط" ومؤلف أدبيّ بعنوان "بجعات بريّة"...
- عمل محررا في صحيفة الحزب الشيوعي العراقي "طريق الشعب" ببغداد خلال السبعينات الماضية، وحتى اضطراره للأغتراب الى لبنان في اواخر ذلك العقد، مع مئات المثقفين وغيرهم، بعد أشتداد الغدرة البعثية اللئيمة ضد الوطنيين والديمقراطيين..
- استقر عام 1979 بكامله تقريبا في بيروت، مشاركا في نشاطات المعارضة العراقية ضد الارهاب والقمع في العراق، وعمل في تلك الفترة في عدد من مجالات الاعلام الفلسطيني.
- اقام في براغ ثلاثين عاما، بدءا من مطلع الثمانينات الماضية، وعمل أثناءها في مؤسسات عديدة، اعلامياً، ومترجما من العربية الى الانجليزية، وبالعكس، ومنها في مجلة قضايا السلم والاشتراكية، سكرتارية اتحاد النقابات العالمي، اذاعة اوربا الحرة... كما شارك في العشرات من المؤتمرات والندوات الدولية.
- شارك في تأسيس دار بابيلون للأعلام ببراغ، ورأس تحرير اصداراتها خلال الفترة 1991-1996 وكان مواكبا نشاطاتها وشؤونها حتى رحيله..
- أحد المشاركين الأوائل في تأسيس مركز الجواهري الثقافي ببراغ، وساهم في العديد نشاطاته الاعلامية، وفي اصدارته باللغتين العربية والانجليزية.
- عمل محررا واعلامياً بموقع (ايلاف) في لندن للأعوام 2015-2019 وفي أكثر من مجال..
- موصوفٌ من الأصدقاء والمعارف القريبين والبعيدين، بالتواضع والألفة الاجتماعية، والخصال والسمات الانسانية، مما جعله قريباً من الجميع، وعلى مدى حياته الزاخرة بالعطاء.
- متزوج من السيدة يسار صالح دكله، ولهما أبنان: فارس وعمر.
- توفي في لندن صباح السبت 2019.6.22 ووريّ جثمانه الثرى في لندن ظهيرة الجمعة 2019.6.28..




74
عراقيون من هذا الزمان (*)
24/ حسون قاسم زنكنه (ابو ميديا)
رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------------------
   لعائلة عمالية بغدادية كريمة، كردية عراقية، يَنتسب صاحب هذه الحلقة، حسون قاسم زنكنه - ابو ميديا، الذى سمعتُ بأسمه، ناشطا طلابيا ديمقراطياُ، قبل ان نتعرف على بعض، بعد ذلك بفترة وجيزة، مطلع السبعينات الماضية، ولتستمر العلاقة الحميمة طوال العقود اللاحقة بهذا القدر، والشكل، أو ذلك ..
    قلت سمعت عنه – عن حسون-  وأعني حين فازَ على رأس قائمة اتحاد الطلبة العراقي العام، في المعهد الزراعي ببغداد ( ابو غريب) وذلك في الانتخابات الطلابية (اللاديمقراطية) التي جرت اواخـر عام 1969 وحقق فيها الاتحاد الطلابي البعثي، المسمى بـ (الوطني)  انتصارا "كاسحاً" في كل المعاهد والكليات- بأستثناء ذلكم المعهد الزراعي الذي سبق التنويه اليه  من خلال التزوير والترغيب والعنف (1).
   اما اللقاء والتعارف المباشرمع حسون  فكان في المؤسسة العامة للتربة واستصلاح الاراضي، ومقرها (أبو غريب) احدى ضواحي العاصمة بغداد.  وكان كل منا  عمل في مشاريعها ودوائرها طوال عقد السبعينات تقريباً، وحتى تشتتنا مغتربين الى بقاع الدنيا - هاربين / منفيين- من وطن اباحته سلطة البعث للعسف والتعذيب والقتل والحروب. حسون الى الجزائر، وانا الى براغ التي استقر فيها الى اليوم..
    وقبل رحيله الى الجزائر، بهدف العمل الوظيفي والاقامة والنشاط السياسي، والحزبي الشيوعي، أشيـرُ الى انه كانت لحسون محطة حياتية جديرة بالتوثيق على ما ازعم، حدثت في اواسط السبعينات حين التحقَ، مع الالوف من المواطنين الاكراد وعوائلهم،  الى مناطق اقليم كردستان العراق، تلبية لنداء الحركة الكردية، وذلك بعد فشل، وانتهاك، سلطة البعث لاتفاق آذار ذي الصلة بالحكم الذاتي الذي كان قد صدر بتاريخ 1970.3.11 وعلى ان يُنتهى من تطبيقه بعد اربعة اعوام ..  ووقد بقيّ حسون هناك اسابيع قليلة قبل ان يتقرر عودة المواطنين الكرد الملتحقين، الى مدنهم ومناطقهم لعدم تمكن قيادة الحركة الكردية من توفير متطلبات بقائهم او حمايتهم في كردستان(2).
     نعود الى الجزائر، حيث وصلها حسون، تاركاً في العراق وبظروف صعبة: زوجته (نضال) وطفلتهما (ميديا) الرضوع في حينها على ما اتذكر، حيث لم يكن قد مرّ على زواجهما (وكنت شاهداً عليه) غير اشهر معدودات.. وبعد محاولات وجهود ومتاعب، يتعيّن الرجلُ مدرسا في احدى المعاهد اللتعليمية، بمدينة (عين تموشنت) التي تبعد 80 كلم جنوب مدينة وهران الشهيرة، غرب الجزائر. ويستقر هناك نسبياً، وينشط ما استطاع مع رفاقه واصحابه اجتماعيا وسياسيا، وحزبيا، ويصبح بيته ملتقى العراقيين الذين  توافدوا الى البلاد الجزائرية، وبالعشرات، مغتربين وهاربين من "وطنهم"  وكذلك بالعشرات من العراقيين خريجي البلدان الأشتراكية، الغير قادرين على العودة للبلاد  بسبب استمرار قمع وارهاب النظام الحاكم..
   وفي عام 1981 نلتقي ثانية، وفي براغ هذه المرة ، حيث وفدَها حسون من الجزائر، مع مجموعة من رفيقاته ورفاقه، المتميزين في نشاطاتهم الحزبية - ومن بينهم بحسب الذاكرة: "س" و"ع" و" م".. وذلك للمشاركة في دورة تثقيفية سياسية (للأقتصاد والفلسفة الماركسية والحركة العمالية) بضيافة الحزب الشيوعي التشيكي- السلوفاكي، ولنحو شهر كامل، ليل نهار، وكنتُ مكلفاً حينها بمتابعة شؤون تلك الدورة، كما المشاركين فيها .. وهكذا تتوطد العلاقة اكثر فأكثر مع الصديق الحيوي، الكردي الاصيل، حسون،  لنتداول ونستذكر ما مضى من زمن، وما هو قائم، ومتطلعين الى الغد الافضل، والذي يبدو انه لم يحـنْ الى اليوم، ولا ندري الى متى!.
      وإذ يبقى البعث في العراق مسلِطاً الارهاب، وخائضا الحروب الداخلية والخارجية، يبقى الرجل في الجزائر لحوالي عشرة اعوام . ثم تتغير ظروفٌ ووقائع وآمال وتطلعات.. وتحلّ  عندها رحلته واقامته الاوربية هذه المرة، منتقلاً الى السويد، مع المئات من العراقيين وعوائلهم، ويستقر مغترباً في مدينة (يوتبوري) مع عائلته، مساهماً ومشاركاً - بما استطاع -  في نشاطات عامة وسياسية مختلفة، ومن بينها في صفوف احزاب سياسية ديمقراطية في السويد، خاصة وانه تمكن من لغة اهل البلاد، تحدثاً وقراءة وكتابة، وبتميّز، بشهادة العارفين، كما محتلاً مكانة اجتماعية مرموقة، تعززت بتواضعه، وبعده عن "البهرجات" متحلياً بسمات شخصية انسانية مشهود لها (3)..
   وفي عام 2018 يتجدد اللقاء في براغ، مع حسون، التي جاءها سائحاً مع زوجته، لايام قليلة، نلتقي خلالها لنستذكر مرة أخرى، وأخرى، اهلاً ووطناً واحباءَ وأصدقاء، مقتنعين – ولنقلْ حالمين، وذلك هو الأصح - بأن "لا بـدّ عائدة الى عشّاقها تلك العهودُ، وإن حُسبنَّ ذواهبــا " !!. 
   ------------------------------------------------------ بــراغ / اواسط حزيران  2019
  (*)  تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، الحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي، والثالثة عشرة عن محمد عنوز، والرابعة عشرة عن هادي رجب الحافظ،، والخامسة عشرة عن صادق الصايغ، والسادسة عشرة عن صلاح زنكنه، والسابعة عشرة عن عباس الكاظم، والثامنة عشرة عن هادي راضي، والتاسعة عشرة عن ناظم الجواهري، والعشرون عن ليث الحمداني، والحادية والعشرون عن مهند البراك، والثانية والعشرون عن عبد الرزاق الصافي، والثالثة والعشرون عن كمال شاكر... وجميعها  كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل، ونشرت كلها في العديد من وسائل الاعلام..
1/ كم هو ضروري لو استطاع الصديق حسون كتابة ما يوثق تلك التجربة، وما صاحبها من ظروف وتداعيات كثيرة ومتنوعة..
2/ وهنا ايضا، تجربة أزعم بضرورة الكتابة والتأرخة عنها، وخاصة ممن كان شاهد عيّان عاشها بشكل مباشر..
3/ بعد وصوله السويد، يكون الصديق حسون قد اضاف وقائع حياتية في قارة ثالثة، اوربية، بعد قرينات لها في قارتي اسيا وأفريقيا .. وعن ذكرياته في تلكم القارات ينوي حسون ان يكتبَ ذكريات وتاريخ، وقد بدأ بذلك، وأرسل مقدماتٍ عنها لي، ولكني قصّرتُ في ابداء الرأي حولها والى اليوم، وفي هذه الكتابة مناسبة للأعتذار عن ذلك!!.


75
عراقيون من هذا الزمان (*)
23/ كمـال شاكــر (ابو سمير)
رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------------------
  منذ شبابه الاول، واللاحق، والمستمر الى اليوم، بقي كمال شاكـر(ابو عمار- ابو سمير) عامراً بالحيوية والروحِ المحبة للحياة: مبادئ ونضالاً وعطاء .. شخصية تجمع الجدية السياسية، والجاذبية الأجتماعية، والأحترام والتقدير، وحتى بين ما لايوافقونه الرأي، والتوجهات..
  هكذا عرفته اوائل السبعينات الماضية في بغداد، عبر دروب الحزب والعمل الديمقراطي واللقاءات والفعاليات الاخرى. وكان اختياره / تكليفه بمسؤولية سكرتارية اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي لسنوات، بمكانهِ المناسب تماما كما أزعم، وقد برز في تلك المهمة معطاءً، مع النخبة الشبابية معه في الاتحاد (1) فاستطاعوا في الفترة القليلة التي شهدت بعض المتنفس "الديمقراطي!" ارساء نجاحات بينةٍ في توسيع قاعدة الاتحاد الجماهيرية، وفي أشاعة مفاهيم الوطنية والعمل الديقراطي، وحتى عودة "حليمة" البعثية الى عاداتها القديمة شيئا فشيئاً، للأرهاف واللئم، بدءاً من مننصف عقد السبعينات.. وهكذا يشمل العسف كمال شاكر، فيعتقل ويبقى في السجن لسنوات، وليحكم بالأعدام الذي كان موعد تنفيذه قاب قوسين او ادنى بتهمة العلاقة مع تشكيلات شيوعية داخل الجيش، او مع اشخاص عسكريين، تم تنفيذ الحكم الجائر عليهم بالاعدام، خلال آيار عام 1978.
   وبعد خلاصهِ من السجن، بل والاعدام، بشكل غير متوقع، وصل الى براغ اوائل الثمانينات، حيث حلّ فيها فترة وجيزة، ونلتقي من جديد، حين كنت هناك لمهام سياسية وحزبية وديمقراطية، ومشاركاً في الحملة العراقية – العربية- العالمية، للتضامن معه، ورفاقه، لوقف تنفيذ الاعدام، وأطلاق سراحهم، وبدعم من اتحادي الشبيبة والطلبة العالميين، ومقرهما في بودابست وبراغ، خاصةً وأن (كمال) كان معروفا عندهم شخصيةً بارزة من خلال مشاركاته في الفعاليات والوفود الشبابية الديمقراطية العراقية، في عدد من بلدان العالم..
    وبعد ايام قلائل في براغ، يتكـلُّ الرجل على مبادئه، وخطى نضاله، ويواصل المسار الى رومانيا مسؤولاً اول عن تنظيمات حزبه الشيوعي هناك، ولنحوعامين على ما أتذكر. ثم ليكلف بعدها بمسؤولية الأشراف على تنظيمات الحزب في الاتحاد السوفياتي السابق، ولعدة سنوات .. وهناك – في موسكو – نلتقي مجددا خلال الزيارات والفعاليات المختلفة، وابرزها عام 1985 اثناء فعاليات مهرجان الطلبة والشباب العالمي الثاني عشر، والذي استمر لتسعة ايام، كان فيها كمال شاكر دؤوبا، ومسؤولا تنفيذيا – عمليا- عن متطلبات مشاركة وفدنا للمهرجان(2) بقدر ما أستطاع، خاصة وان العلاقات الرسمية العراقية - السوفيتية كانت مستمرة، وسأقول وطيدة ولا اتردد.
     وتستمر اللقاءات السياسية والتنظيمية والشخصية مع كمال شاكر في السنوات التالية. مرات في براغ، وأخرى في دمشق الشام، خلال التسعينات، التي كان يأتيها الرجل في زيارات قصيرة بعد ان أستقر به العمل الحزبي الشيوعي والنضالي داخل البلاد، وفي اربيل بشكل رئيس، حين تولى منصب وزير الصحة في حكومة الاقليم، ممثلا للحزب الشيوعي العراقي، ومسؤوليات اخرى ولعدة اعوام، وكان خلال تحمّله لتلك المهام، ومن جديد: كان الرجل المناسب في المكان المناسب، كما يؤكد المواكبون.. وما أطيّب الذكريات مع كمال، وأحباب آخرين خلال المشاركة في فعاليات مئوية الجواهري الكبير، الحاشدة(2) التي اقيمت في كل من اربيل والسليمانية خريف عام 2000  والتي دعيتُ للمشاركة فيها، فلبيتها جذلاناً من براغ، بعد ازيد من عشرين عاماً بعيدا عن العراق..
    وبعد التطورات التي شهدتها البلاد العراقية، وانعكاساتها في التسعينات، يتحمل كمال شاكر مهام سكرتير الحزب الشيوعي في كردستان، المنبثق عن الحزب الام، والذي كان الرجل في مكتبه السياسي لفترة غير قليلة... وهكذا تستمر الحال، وتتغير الاحوال، فيسقط نظام صدام حسين الارهابي، وتتغير المهام، ويكون كمال شاكر في خضم المتغيرات والمتطلبات الجديدة، في بغداد وكردستان، ويشغل عضوية الجمعية الوطنية (البرلمانية الأنتقالية) الاولى عام 2005 .. ويستمر هكذا "شاباَ" وحيوياً مثابرا والى اليوم كما تتوارد الاخبار وينقل المتابعون..
    مؤكدُ بأني لم آتِ بجديد  في القول بأن ما سبق ليس سوى لمحات خاطفة عن بعض حياة كمال شاكر: المناضل الوطني، الشيوعي العراقي الكردي، أبن خانقين، طوال عقود في حياته العامرة، والمديدة كما نتمنى . وكم هي ضرورية بأن يكتب الرجل تفاصيل عن جوانب من عطائه الوطني، وتجربته الحزبية وفي العمل الديمقراطي، وحياته في السجون والمعتقلات لسنوات طويلة، وذكرياته الحافلة وعلاقاته الاجتماعية الرحيبة .. أقول ذلك وأعرف بأن الأمر ليس سهلاً على الرجل، وهو الذي يستثقل ان يُكتب عنه، فكيف أذا ما كان الأمر ان يكتب هو عن نفسه. وأستدرك فأقول ان حياة الشخصيات الوطنية والعامة، وتجاربها لا تُحسب لهم، بل هي تجارب وسيّر ووقائع ملكٌ ايضا للحركة الوطنية العراقية، وللسائرين – ما أستطاعوا- على طريق العطاء النضالي، والهادفين لبلاد سعيدة ومجتمع يرنو للتقدم والرقي..
** الصورة من بعدسة الفنان باز شمعون البازي، التقطت في نيسان 2019
    ------------------------------------------------------ بــراغ / اوائل حزيران  2019
  (*)  تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، الحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي، والثالثة عشرة عن محمد عنوز، والرابعة عشرة عن هادي رجب الحافظ،، والخامسة عشرة عن صادق الصايغ، والسادسة عشرة عن صلاح زنكنه، والسابعة عشرة عن عباس الكاظم، والثامنة عشرة عن هادي راضي، والتاسعة عشرة عن ناظم الجواهري، والعشرون عن ليث الحمداني، والحادية والعشرون عن مهند البراك، والثانية والعشرون عن عبد الرزاق الصافي... وجميعها  كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل، ونشرت كلها في العديد من وسائل الاعلام..
1/ من شخصيات تلك النخبة التي أتذكرها بعد هذه العقود: نضال وصفي طاهر، د. عدنان الشماع، عبد الخالق زنكنة، د. غالب العاني..
2/ ومن بين الذين وصلوا الى الفعاليات التي تقاسمتها اربيل والسليمانية، برعاية رئيسي الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، ورئيس الاتحاد الوطني، جلال طالباني، وأشرف على تنظيمها فخري كريم، رئيس مؤسسة الدى للثقافة والفنون- المسؤول السياسي والشيوعي البارز في حينها: جبر علوان، رياض النعماني، زهير الجزائري، سعود الناصري،  فاطمة المحسن، فاضل العزاوي، فالح عبد الجبار، عبد الكريم كاصد، محمد حسين الاعرجي، محمد سعيد الصكار، وكفاح الجواهري، ونوري عبد الرزاق، ووثاب السعدي.. وعديد آخر من الوجوه الثقافية العراقية والعربية، وعذرا لمن فاتني ذكره هنا..   
32/ ومن المشاركين في الوفد الشبابي الطلابي الديمقراطي العراقي في المهرجان، بحسب الذاكرة،  وعذراً من جديد لمن لم تأتِ الاشارة اليه: بشرى عبد علوان، حميد البصري، جبر علوان، رائد فهمي، زاهر الزاهر، زهير الجزائري، سامي كمال، شوقية العطار، صبحي منصور الجميلي، عدنان الجلبي (رئيس الوفد) عواد ناصر، كمال السيد، كوكب حمزة... وكان كاتب هذه السطور مكلفاً بالنشاطات الطلابية في الوفد..


76
عراقيون من هذا الزمان (*)
17/ عبـاس الكاظـم
رواء الجصاني
----------------------------------------------------------
     الصاحبُ صاحبٌ، وان تباعدت المسافات، وغدرت الجغرافيا، وقلت اللقاءات، وأمتد التاريخ. هكذا ارى في ما مررت به من تجربة وعمر.. وعباس الكاظم، واقع لما قلت، ذلكم الفنان المبدع بأمتياز المتميز، الدافئ حتى في غضبه، وخلافه واحتجاجاته..
    والرجل من اهل المحمودية (البغدادية) وإن اعترض "البابليون" الذين يحسبونها لهم!. درس في معهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1976 وكان ذلك الاختيار صعب في تلكم الايام، على ما تحدث به الي قبل سنوات... وتخرج من المعهد  بتفوق، مما دفعه للمزيد من التحصيل والابداع في ذلك التخصص فغادر البلاد الى اوربا، والى ايطاليا اولاً  ليتخرج من اكاديمية الفنون بروما عام 1978 ومنها الى الدانمارك حيث اكمل دراسته العليا، واستقر فيها عطاءً نشاطاً الى اليوم، غارفا الجمال والابداع والدراسة والمهمات الثقافية والوطنية وغيرها، ولسنين طوال كان خلالها - وهو الواحد احيانا- اكثر من تجمع او هيئة او اطار طلابي او سياسي او فني.. باذلا سبيل ذلك وقتا وجهدا (ومالاً حين يتوفر!) ، مقارعاً الارهاب والدكتانورية وحالما بوطن جميل، وشعب حر يبني ويعيش.
     كان بدء التعارف في براغ اوائل الثمانينات الماضية، حين انعقد اجتماع- مؤتمر لمندوبي فروع اتحاد الطلبة العراقي العام في الخارج، وكان عباس يمثل الدانمارك في تلك الفعالية، وقد لفت انتباه المشاركين منذ الدقائق الاولى، بحيويته وروحيته الانسانية، واستمر هكذا في الفعاليات الطلابية والوطنية والاجتماعية اللاحقة، في براغ وغيرها من عواصم الدنيا، مستقطبا المحبة والصداقات، وذلك من أغلى الرساميل!.
   ثم تعددت اللقاءات وتعمق التعارف، وتوطدت الصداقة في مناسبات متنوعة: عنده في كوبنهاغن، بضيافة اسثنائية، ولقاءات مع اعزاء واصدقاء، ومن بينهم شقيقه الاديب الدؤوب: حسيــن السكاف.. او عندنا  في براغ: مرات للعمل المشترك، واخرى لتغيير الاجواء، وبعض الاستراحات، وربما المغامرات احيانا!.. وهكذا هي الحال في عواصم اخرى: في القاهرة بمناسبة انعقاد معرض الكتب الدولي عام 1998 وكنا برفقة احباء واصدقاء.. وفي العاصمة النمساوية فيينا بزيارة خاصة، وكذلك في دمشق الشام مع مطالع الالفيــة الراهنة..
    وحكاية اللقاء في الشام لها طعم اضافي خاص، حين كان الرجل متطوعا، ولعدة اشهر في الاشراف الفني، واخراج أكمل طبعة لديوان الجواهري، بأناقة باهرة، طرزتها لوحاته وتخطيطاته التي اضافت جمالية انيقة زادت الديوان حلاوة وتميزا، وقد بقيت تلكم الطبعة بأجزائها الخمسة، والى اليوم مرجعا اساسياً لكل ذوي الاختصاص وغيرهم ..
     لقد كان الرجل مسرفاً في العطاء، وقادرا على الجمع بين متطلبات الحياة، وموهبة الفن والتشكيل، والنشاط في رحاب السياسة، والعمل الديمقراطي. ومع كل تلك المزايا، بقي متواضعاً، واثقا من عطاءاته دون تسويق وافتعال برغم ما لديه من شهادات ولمعان، وجوائز ومعارض شخصية ومشتركة، ومشاريع ممتميزة في مدن عديدة اعرف منها على الاقل: في الامارات واسبانيا وايطاليا، فضلا عن الدانمارك. ولربما تكفي الاشارة الى انه خطط ونفذ ورعى مهرجان / فعالية " تحت سماء  أخرى" عام 1996 (1).
   ونعود الى براغ التي جاءها عباس الكاظم  - كما أسلفتُ- لأكثر من مرة في الثمانينات والتسعينات والعقد الاول من الالفية الراهنة. حيناً للمشاركة في فعاليات سياسية وطلابية عراقية، واخرى مسؤولاً عن وفد لطالبات وطلاب فنون دانماركيين، وثالثة لاجراء حوار مطول ونادر على مدى ثلاث ساعات مع الرائد الكبير محمود صبري(2).. وأخرى حين اشرف متطوعا عام 2007 على الجانب الفني لفعالية استذكار الجواهري الخالد، بعد عشرة أعوام على رحيله والتي اقيمت في الصالة الكبرى لمكتبة براغ المركزية(3)..
    وفي كل زيارات براغ اعلاه، واللقاءات الاخرى، كانت لفرص الصداقة مع عباس مذاقاتها الجمالية الشخصية، واشراقاتها العامة التي ترسخت في الذاكرة والوجدان، لتصبح منبع فرحٍ في اجواء الغربة، والاحباط التي عشناها واشتركنا بها – بهذا الشكل والقدر او ذلك- والى اليوم الذي نعيش، ولا ندرى متى وكيف الخلاص!.
    قليل مثل عباس الكاظم في عالمنا اليوم، والعراقي خاصة، في شخصيته وألقه ومشاعره الجميلة نحو الناس (من أظلم كالفحم، ومن اشرق كالماس) .... وبرغم انها من سمات الفنانين الانسانية، الا ان الرجل راكمها  لتغدو ميزة اضافية، راحت تقرن به عند كل معارفه، كما أدعي، وأنا واحد منهم بعيان وليس بسماع، أو تكهنات..

    ------------------------------------------------------ بــراغ / اواخر شباط 2019
  (*)  تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، الحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي، والثالثة عشرة عن محمد عنوز، والرابعة عشرة عن هادي رجب الحافظ،، والخمسة عشرة عن صادق الصايغ، والسادسة عشرة عن صلاح زنكنه.. وجميعها  كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل..، وقد نُشرت في العديد من المواقع الاعلامية..
1/ شارك في هذه التظاهرة أكثر من تسعين فناناً من أربعين بلداً من جهات العالم الأربع، وعلى هامش الفعالية نُظمت ندوات ولقاءات دراسية لمناقشة حالة الفن في المنفى، وصدر عنها كتاب يضم الأعمال الفنية والمداخلات التي قدمت فيه.
2/ ذلك الحوار المسجل فيديوياً ملئ بالجديد عن حياة وعوالم الرائد محمود صبري، وقد كانت لأسئلة ومداخلات عباس الكاظم الحيوية، دورها في تميّز ذلك الحوار الذي حضرته، وكم هو ضروري لو جرى نشره وأشاعة فرص الاطلاع عليه ..
3/ كانت الفعالية متميزة في البرنامج والحضور والمكان، ودامت نحو ساعتين، وبجهود اسثنائية.


77
عراقيون من هذا الزمان (*)
9/ ابراهيـم خلـف المشهداني
رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------
     بعد نحو ستة عقـــود على نشاطه السياسي، ما برح ابراهيم خلف المشهداني (ابو سلام) هو نفسه ذلك المناضل العريق، الوطني والشيوعي، والوجه الاجتماعي المتميز، دعوا عنكم اختصاصه الاقتصادي، ومثابرته الصحفية .. وربما سيقولون يكفي، وبلا تفاصيل اخرى فالمكتوب يُقرأ من عنوانه كما هو المثل المعروف، ولكن دعونا لبعض الاستزادة والتفاصيل ..
    يعود التعارف المباشر مع ابراهيم الى اوائل سبعينات القرن الماضي، بعد السماع كثيرا عنه من القريبين والمعنيين.. كان الرجل يكمل دراسته بتخصص الاقتصاد في الجامعة المستنصرية، فجمعتنا المهمات السياسية ، في المنظمة الشيوعية الطلابية، المسؤولة عن قطاع من كليات بغداد ومعاهدها، الى جانب عنايتها، واهتمامها بتنظيمات اتحاد الطلبة العراقي العام، فكل طالب شيوعي، عضو في الاتحاد، ولكن ليس كل (اتحادي) عضواً في الحزب..
   هكذا التقينا ونشطنا بقدر ما أستطعنا من حيوية على طريق مبادئ وقيم تبنيناها، وبمواجهة ذئاب شرسة كانت لا تقوى سوى على الغدر والعسف والدم، وتستمر.. ثم بعد  فترات مدٍ وجزرٍ وما بينها من جولات وصولات، تنطلق صحيفة (طريق الشعب) العلنية في ايلول عام 1973  لتخصص صفحة اسبوعية للطلبة والشباب، فتكفلنا، ابراهيم وأنا، مع احباء اخرين، ولننغمر في تلك المهمة الاعلامية، ليس كتكليف وحسب، بل وبحب لذلك العمل التنويري الجذاب والقريب الى المزاج والموهبة والرغبة في آن واحد ..
    وأستذكر مما أستذكره هنا من مبادرات ونشاطات اعلامية، متميزة، اتمام ابراهيم المشهداني - ابو سلام، لأول اسفتاء صحفي-  طلابي، وسعت المشاركة فيه أكثر مما خططنا له، عن بعض شؤون القضايا الديمقراطية والمهنية، وعن دور (صفحة الطلبة والشباب) بذلك المضمار..  ولعلّه يتذكر ايضا معي كيف كان لذلك الاستطلاع نتائج أفادت التنظيم الحزبي والاتحادي في تقييم العمل وتحديد الاهم، والتوجهات..
     ثم يحل صيف عام 1974 وتأتينا دعوة من اتحاد الطلاب العالمي، للمشاركة في دورة صحفية طلابية عالمية، في احدى مدن الاتحاد السوفيتي، ولنحو عشرة ايام على ما أتذكر،  ويقع الاختيار على ابراهيم المشهداني لتمثيل طلبة العراق (الديمقراطيين طبعا)  الى تلك الدورة التي تجمّع الوافدون اليها اولاً في موسكو، ولينطلقوا بعد ذلك الى الموقع المخصص. ثم يعود الرجل بعدها الى بغداد محفوفا بخلاصات تقديرية عن مشاركته وفاعليته هناك..
    ومما أذكره عن التزامات ونشاطات ابراهيم الشخصية والحزبية والسياسية، انه اليفٌ ودؤوب في الحرص على رفيقاته ورفاقه، ضمن الهيئات التي كان فيها، أو المسؤول عنها، وبصورة طافحة، مما أهله بكل ثقة لأن يشارك في الكونفرنس الطلابي التمهيدي لمؤتمر الحزب الشيوعي العراقي الثالث (بغداد 1974) وكان خلاله حيويا، مشاركا جاداً  في النقاشات ذات الصلة.. 
    تفارقنا في اواخر السبعينات، بعد اشتداد العنف البعثي على القوى والاحزاب والشخصيات الشيوعية والوطنية في العراق: كاتب هذه السطور الى الخارج،  بينما بقي ابراهيم في بغداد مدينته العريقة، وقد تعرض حينها الى الاعتقال والعسف اللئيمين، وتلك لم تكن المرة الاولى التي يواجهها الرجل في حياته، بل ربما هي تكرار لما تعرض له أثر الانقلاب الدموي عام 1963. وفي كل مرة يبقى ابراهيم وفياً لمبادئه، وقناعاته، بكل ايمان..
    وهكذا تمر الاعوام، ونتبادل الاخبار من هنا وهناك، وعبر ما هو متاح وممكن،  ثم نلتقي في بغداد من جديد عام 2010 حين عدت اليها لفترة من الوقت، وكان ابو سلام ذاته الرجل الوفي الحريص، وها هو الى اليوم ناشطا في صفوف حزبه الشيوعي: مسؤولا واقتصاديا ومثقفا وكاتبا، الى جانب شخصيته الاجتماعية، المؤثرة والمشهود لها علناً وبكل احترام وتقدير، في مجالات عمله وحياته، وبين الاوساط الاجتماعية والمعارف والاصدقاء، وتلكم هي اهم سمات المناضلين، كما أزعم ..
------------------------------------------------ بــراغ / أواخر كانون الثاني 2019
(*)  تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة – كما يُفترض-  أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى، والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، وجميعها  كتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل..




78
شهاداتٌ، وسيرة ٌ، ومسيرة..
في الذكرى السبعين لمؤتمر السباع الطلابي الخالد
-   رواء الجصاني
-------------------------------------------

   قليلون هم الذين مثلكَ – ايها الطالب المتقاعد!- ممن انتظموا لعشرين عاما بالتمام والكمال، في صفوف اتحاد الطلبة العام في العراق، وهيئاته القيادية المختلفة... فلا تبخـلْ بما عندك من شهادات وذكريات ومواقف - ولو بايجاز – عن تلك المنظمة العريقة، وهي تحتفل بذكرى تأسيسها السبعين، في الرابع عشر من نيسان 2018 ..
- ولا تخفِ سراً بأن فرحة غامرة تعتريك وانت تقرأ، وتتابع، اخبارا هنا، واخرى هناك، عن فتية وشباب رواد - ورائدات طبعا- وهم يواصلون العطاء، اليوم، في رحاب النضال الطلابي والوطني، تحت راية وخيمةالاتحاد، الذي عقد مؤتمره الحادي عشر، في اذار الماضي ببغداد...
-  وأشهدْ اولاً، بأن لا منظمة عراقية، نقابية – مهنية – ديمقراطية، عريقة اخرى، نافست اتحاد الطلبة العام (ولتسمهِ"الاتحاد لاحقا") لا عمراً ولا مواصلة، وتضحياتٍ، وميزات عديدة اخرى، وتحملْ مسؤولية تلك الشهادة، وأسـعّ لأن تثبتّ ذلك في السطور التاليات ...
  -  وأنطلقْ– ايها الرجل- من البدايات، واوائل عام 1966 حين كنت طالبا في الاعدادية المركزية ببغداد، فرحـتَّ في علاقة تنظيمية مع صديق في كلية العلوم، وكان نشطاء الاتحاد قد بدأوا لملمة الصفوف، بعد ان تشتت، بسبب عسف وقمع الانقلاب البعثي الاول في العراق قي الثامن من الشباط المشؤوم. وكم وكمْ فقـد الاتحاد – الى جانب ابناء الشعب الاخرين-  ابناء واعضاء وكوادر، شهداء باسلين، او في السجون والمعتقلات، بسبب تلكم الكارثة السوداء، ولكن الجهود تثابرت، لتعود النشاطات بهذا الشكل او ذلك، وفق الاوضاع السياسية العامة ..
-  ثم تذكرْ – ايها الطالب المتقاعد- بدء انتظام نشاطك الاتحادي عامي 1967/1968 وانت في معهد الهندسة العالي بجامعة بغداد، ومشاركاتك في مختلف الفعاليات الاتحادية، وابرزها التظاهرات امام جامعة بغداد، والاضراب الطلابي الذي قمعته السلطة بالرصاص، في كلية التربية، وغيرها، وأصيب من اصيـب.. ولكن العمل تواصل وأشتدَّ برغم كل ذلك، وحتى الانتصار التاريخي في الانتخابات الطلابية، وفوز الاتحاد الكاسح، مما دفع السلطة لالغاء النتائج، وحظر العمل النقابي الطلابي كله ..
- وتوقفْ ايها الرجل عند حال الانشقاق الذي حدث في الاتحاد بسبب تأثيرات سياسية متقابلة، وقد انحزت الى احد الجانبين، بروحية الحماسة الشبابية، وليس بقناعات فكرية او غيرها... وأشـرْ هنا بالمناسبة الى حالات عديدة مشابهة، متعبة، حين يتدخل السياسيون والحزبيون بشكل حاد ومباشر، فيأثرون سلباً على فاعلية ودور المنظمات النقابية / الديمقراطية   ...
- ولا تنسَ – ايها الرجل- فتذكر في هذا السياق بأن زميلك في الدراسة، والشهيد الباسل في الثمانينات، صالح محسن الجزائري، هو الذي اعادك الى جادة الصواب (!!!) فعدتَ الى الاتحاد الام، بعيدا عن التشدد (اليساري) وواصلت العمل - وقـلْ النضال ولا تخف !– وفي هيئاته المسؤولة لنحو عقدين ..
- وفي تراتب الاحداث والوقائع، زمنياً، تحدث عن خوض الانتخابات الطلابية عام 1969 وكيف كُلفـت ان تتزعم(!) قائمة الاتحاد في معهد الهندسة العالي، بجامعة بغداد، وكيف حصلتم على اكثر من مئة وسبعين صوتاً، مقابل قائمة البعث، والسلطة (الاتحاد الوطني) التي فازت بفارق محدود، برغم المغريات والتهديدات والضغوط، خاصة وان الجلاد الشهير، ومدير الامن العام السابق، ناظم كزار كان (طالبا) معكم في الدراسة، وقد مارس حقه(!) في التصويت في ذات القاعة الانتخابية التي كنت موجودا داخلها...(1)
- وتتخرج من الدراسة ايها الطالب العتيق والمزمن، وتلتحق بالخدمة العسكرية لعام كامل، ولكنك  تستمر خلالها - وفي مغامرة غير مطلوبة - في مهماتك الاتحادية، مسؤولا للعلاقات المركزية مع اتحادات الطلبة العرب في جامعة بغداد، ومنها اتحاد طلبة فلسطين، واتحاد الطلبة اليمني، والمغربي، والتونسي والاردني... وغيرها..
- وفي ذات الفترة، او بعدها بقليل، تذكـرْ بأنك تكلفت ايضا، بمسؤولية العلاقات مع اتحاد طلبة كردستان العراق، وكان بشقيين، وكذلك مع طلبة نشطاء اخرين يمثلون واجهات طلابية لحركة القوميين العرب، وبشقيها ايضا، وكل ذلك بهدف التقريب والتقارب للدفاع، جهد المستطاع، عن المصالح الطلابية، الدراسية والاجتماعية والنقابية وغيرها ..
- ثم يحل موعد الرحيل الى موسكو، عام 1972 وكان السفر ممنوعاً آنذاك، فخرجتَ من البلاد بهوية مزورة الى دمشق، ومنها الى موسكو (الحب والحلم، آنذاك!) وقد أنتخبت بعد وصولك بأسابيع عضوا في اللجنة التنفيذية لجمعية الطلبة العراقيين (اي فرع الاتحاد) في الاتحاد السوفياتي السابق، ولتنشط مع نخبة من الاحباء والاعزاء في فعاليات طلابية علنية هذه المرة، وقد توليّتَ خلال تلك الفترة مهام الاعلام والنشر ... ثم لتترك الدراسة، متذمرا اولاً، ومتشوقاً للعودة الى الوطن، لاسباب مختلفة يطول الحديث عنها هنا، وانت تبتغي الايجاز والتوقف عند المؤشرات وحسب ..
- وحال وصولكَ البلاد، وثـقْ - ايها الطالب المتقاعد - أنك عدت للعمل الاتحادي والطلابي، وفي سكرتارية الاتحاد ايضا، مسؤولا اتحاديا، وسياسيا عن تنظيمات مختلفة ومنها في اكاديمية الفنون وكليات الاداب والزرعة والقانون والسياسة والادارة والاقتصاد، والجامعة التكنولوجية وهيئة المعاهد الفنية وغيرها..
 - وضفْ- وانت توثق ايها الطالب العتيق - انك كلفتَ ايضاً بشؤون العلاقات والاعلام .. وهكذا رحت مشرفاً على صفحة اسبوعية للطلبة والشباب خصصتها مشكورة جريدة "طريق الشعب" الغراء، خاصة باتحاد الطلبة العام، وشقيقه اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي، وذلك منذ صدورها العلني في ايلول 1973 وحتى اضطرارها للتوقف عمليا منذ اواخر 1978 بعد اشتداد غدر الحزب اليعثي الحاكم، وتفشي ارهابه.. ولتوثق هنا ان تلك الصفحة - وبمساهمة حيوية من متطوعين نشطاء، راحت منظماً جماعياً لاعضاء وهيئات الاتحاد، في بغداد، وعموم ارجاء البلاد العراقية، وخارجها، تتابع وتغطي شؤونهم الطلابية، والاجتماعية والنقابية، وكذلك التضامنية مع اشقائهم العرب، والاقران، طلبة المعمورة ..
- وللتوثيق ايضا، عليك ان تعترف(!) ايها الرجل الموثق، بأن المنظمة الطلابية للحزب الشيوعي العراقي كانت سنداً متيناً لتعضيد عمل الاتحاد، ودعم نشاطاته، ودون مقابل سوى توحيد القوى، وتعزيزها، من اجل الديمقراطية للعراق، وبنائه وتقدمه. وكنت – وهذه المرة سياسيا- عضوا في قيادة تلك المنظمة الحزبية، وحيوياً، كما كان يقول لك ذلك مسؤولوك على الاقل !!!.
- ثم، لتتذكرْ وإن بمرارة هنا، الاضطرار عام 1975 الى تجميد عمل اتحاد الطلبة العام، اسوة بالمنظمات الديمقراطية الاخرى الشقيقة ( رابطة المرأة، واتحاد الشبيبة الديمقرطي) طموحاً وأملا في ان يخدم ذلك القرار – اي تجميد العمل- المصلحة الوطنية، وقد خابت تلكم الطموحات والآمال بعد ان أستذأب متنفذو حزب اليعث الحاكم واجهزته القمعية، ولتبدأ مواسم الهجرة الى المنافي مع اواخر العام 1978. 
- وتكون براغ حصتك من المنافي – المؤقتة كما كنا نمني النفس!- وحالما تصلها، تُعهـدً اليك من جديد مهمات طلابية، نقابية وسياسية، وفي فترة معقدة وصعبة، بالتزامن مع قرار الغاء تجميد العمل الاتحادي، في الداخل، وكردستان، حيثما سمحت الظروف، وفي الخارج حيث الجمعيات والروابط الطلابية العراقية، وهي فروع اتحاد الطلبة العام..
- وهكذا يبدأ التحضير والعمل وتكون رايات التضامن مع طلبة وشعب العراق هي الخفاقة الاعلى في اولويات فروع الخارج، وعلى مدى الاعوام القادمة، وكم كانت النشاطات حيوية وفعالة ومؤثرة، ونابعة من الضمير اولا وقبل كل شئ، وباشراف لجنة التنسيق المركزية للجمعيات والروابط الطلابية التي انتخبت لها، سكرتيرا عاماً في الكونفرنس التاسع الذي انعقد في ضواحي براغ، خلال ايلول  1980 وبقيّتَ في تلكم المسؤولية لخمسة اعوام متعاقبة (2)  .. 
- وعلى طريق التوثيق ايضا، سجلْ هنا انك قد تكلفتَ، وتكفلتَ بمهمة تمثيل قيادة اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، لدى سكرتارية اتحاد الطلاب العالمي، ومقرها براغ، ولنحو سبعة اعوام تقريبا (1979- 1986) وكانت مهمة صعبة امامك، بهدف اعلاء صوت التضامن مع نضالات طلبة وشعب العراق ضد حكم الارهاب، والحرب، ومن اجل الديمقراطية والحقوق الانسانية. وأكـدْ– ايها الرجل- ان الصعوبة الاكبر في تلك المهمة كانت بسبب انقسام الموقف،  وحتى ممن كان يعرف بالبلدان الاشتراكية من نظام صدام حسين الارهابي الدموي، اذ كان سائرا على طريق التوجه الاشتراكي، بحسب قناعات وتعابير تلك الايام !!! (3).
- وفي مسار هذه التوثيقات، وما أوحت وتوحي اليه، فلتؤكد - ايها الطالب المزمن، وربما الى اليوم، في المشاعر على الاقل- ان العشرات من اعضاء الاتحاد ونشطائه، بذلوا ما بذلوا، وتحملوا ما تحملوا، ولحد الاستشهاد في سبيل الشعب والوطن، سواء كان ذلك خلال فترات دراستهم، او بعد ذلك في ساحات النضال الوطني، والتضامني ..
- كما عليك ان توثق ايضا، ان المئات من اعضاء الاتحاد، وممن تخرج من مدرسته، كانوا، ثم راحوا نشطاء، بل وقادة في صفوف الحركة الوطنية، وكذلك في منابر ومرافق ومؤسسات علمية ورسمية عديدة، داخل العراق وخارجه..
- ثم عرجْ ايضا لتلفتَ الانتباه الى كيف كانت الهيئات الاتحادية، ومنها – مثلا على الاقل  - في اواخر الستينات، واوائل السبعينات تموج بالتضامن الصداقي، والانساني وتدعو له، وتتبنى قيمه، وأنت شاهد عيان، ومعنيّ بتلك الفترة وعنها ...
- ولا تنسَ – وهل يجوز لك ان تنسى اصلاً ؟!- عطاءات اعضاء الجمعيات والروابط الطلابية خارج الوطن (فروع الاتحاد) الذين ما انفكوا، كما تعلم، وكما عشتَ ذلك، في التضامن مع طلبتهم وشبعهم، ضد الدكتوريات والارهاب والقمع... بل لتوثق ايضا بأن العشرات منهم قد تركوا دراستهم ليلتحقوا بمعمعان النضال الوطني السري والعلني، كما المسلح منه في كردستان العراق، خلال الثمانينات الماضية، وكم من شهيد وشهيد باسل، توج تلك التضحيات الجلى ..
- ولتذكّـر من يريد المزيد، او تستهوية المتابعة الاكثر، وكذلك للتاريخ والسائرين على طريق العمل النقابي والطلابي والوطني، ان لكَ شهادات عديدة اخرى ذات صلة ببعض تاريخ وتراث الاتحاد العريق، ولعل العديد منها موثق في الاحالة المرفقة بهذا التوثيق (4) ...
- ثم جدد مرة اخرى، بل ودائما، التمجيد لشهداء الاتحاد البواسل، والتحية لمناضليه ونشطائه وكوداره القدامى ( من قطعوا ومن رحلوا ومن وصلوا ).. كما ميـزّ بشكل خاص، الاعتزاز بنشيطات الاتحاد، اللواتي تميزنْ في عطائهنّ وتحديهنّ، والكثير الكثير منهن اليوم سيدات مجتمع، باهرات، ومبدعات واختصاصيات بارزات ..
- كما واعتذر ان فاتتكَ – ايها الشاب المخضرم! – لقطات (مهمة) اخرى هنا وهناك. ثم ثنّي الاعتذار، ولكنهذه المرة  عن الاسهاب – ربما- في الحديث عن الدور الشخصي، وبررْ ذلك بالقول: انها شهادات وسيرة ومسيرة، كما جاء في عنوان هذه الكتابة التوثيقية ..
- ختاما فلتوجز مشاعرك - ايها الطالب / الشاب، وحتى لو كنتَ على مشارف السبعين – وانت تكتبُ بمناسبة الذكرى السبعين لمؤتمر "السباع" الخالد، واستعـرْ من الجواهري الخالد – مثلما استعرتَ في كتابات سابقة - ما قاله في المؤتمر الثاني لاتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ببغداد عام 1959:
أزِفَ الموعدُ والوعدُ يعِـنُّ، والغدُ الحلوُ لأهليه يَحِـنُ ..
والغـدُ الحـلوُ بنـوه أنتمُ، فإذا كان لكم صُلْبٌ فنحنُ
فخرُنا أنّـا كشفناه لكمْ، واكتشافُ الغدِ للأجيالِ فـنّ
يا شـبابَ الغـدِ إنـا فتيةٌ، مثلكُم فرّقنا فـي العُمـر سـنُّ
لـم يزلْ في جانِحَيْنا خافقٌ، لصُروفِ الدّهر ثَبتٌ مطمئنُّ
------------------------------------------------
احالات وهوامش:
* الصورة المرفقة: الكاتب مع مندوبات ومندوبي مؤتمر طلابي مركزي لاتحاد الطلبة العام في الخارج، في ضواحي براغ، اوائل الثمانينات الماضية .
 1/ للمزيد في موضوع بعنوان "في معركة انتخابية قبل أربعة عقود" لنسرين وصفي طاهر، نُشر في الحوار المتمدن بتاريخ 2009.1.15
2/ - لتفاصيل اكثر هناك تأرخة للكاتب، ذات صلة، منشورة على الانترنيت بتاريخ 2011.4.14  موسومةٌ بعنوان: "جمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن 1978-2003/ ربع قرن ضد الدكتاتورية والارهاب" ..
3/ - راجع "شهادات عراقية في تاريخ اتحاد الطلاب العالمي 1979 – 1989" نشر للكاتب في العديد من وسائل الاعلام الالكترونية، وغيرها، اواخر شباط 2018 ....
4/ للمزيد، راجع توثيق للكاتب بعنوان" شهادات وأسماء ومشاركات في حركة طلابية عراقية مجيدة/ بمناسبة الذكرى الستين لمؤتمر السباع"  نُشر في موقع الحوار المتمدن في نيسان 2008 ..



79
نموذجٌ عن ترويج بعضِ “المثقفين“ للطائفيةِ والاحترابِ والغلّــو
-   رواء الجصاني
-----------------------------------
منذ فترة ليست قصيرة، وأفكر في تناول بعض وقائع ولمحات عن مهام ودور المثقفين العراقيين، والسياسيين منهم بشكل رئيس، في الحال العراقية اليوم، بما فيها وعليها من تعقيدات واختلاف في الرؤى والمواقف وما الى ذلك .. وقد جرى بالامس ما يشجع على كتابة ذلك الموضوع المؤجل، خاصة وان الحدث أوجز لي وساعدني في تلخيص ما كان في الذهن من ملاحظات ووقفات مرتجاة ...
والحدث المعني ليس سوى نموذج معبر، برغم محدودية الحضور والموقع، اذ جرى في قاعة صغيرة باحدى مقاهي براغ، مساحتها عشرة امتار مربعة لاغير، والحضور اثنا عشر شخصا، ولا غير ايضا، حيث نظمت ما سميت بـ "ندوة" ثقافية، صال وجال فيها الضيف المتحدث، وكأنه امام جماهير ساحة التحرير في بغداد، التي لم يزرها منذ اثنين واربعين عاما بالتمام والكمال، والى اليوم..
ومما لفت الانتباه، وأوجزَ لما نحن بصدده من وقفات ولمحات عن دور ومهام المثقفين – واكرر السياسيين بوجه خاص – ان الهدف من مداخلة السيد "المحاضر" الذي تلى سبعة وثلاثين صفحة مكتوبة، وعلى مدى ساعة ونصف تقريبا،  كان الهدف كله منها اشاعة المزيد من الاحقاد والفتن، والطائفية والمناطقية، في العراق المبتلى بالارهاب ..
لقد تحدث السيد المعني، بأبوية، وكأنه مرجعية وطنية لا يختلف عليها اثنان، ولا احد يدري من منحه لها. واضافة للاسهاب التعليمي، الابتدائي، توقف حديثه المقروء عند خلاصات ومؤشرات افضل ايجاز لها هو رغبته في القول بأن نظام صدام حسين الفاشي، هو أفضل من الحال العراقية اليوم..ولكنه لم يجرؤ على ذلك، وألا لكان قد اراح واستراح من كل ما صدع به الحاضرين من لف ودوران، واتهامات شملت جميع الشعب العراقي- تقريبا- او غالبيته العظمى بوصف ادق .
فمرة وصف – المتحدث-  صحيفة حزب عريق بمزاعم انها تدعو للطائفية لانها نشرت اعلانات من محاكم في بغداد، حول طلبات تغيير اسماء !!!. ومرة استعاد فتوى لمرجع ديني قبل ازيد من نصف قرن، ولها ظروفها وزمانها ومكانها وملابساتها، ولكنه اراد من اعادة الحديث عنها اشاعة الاحتراب، برغم ان المتضررين بشدة من تلك الفتوى نسوها، أو تناسوها للمصلحة العليا- مصلحة البلاد والشعب. كما انه اغفل، وبدوافع وقناعات طائفية واضحة، فتاوى عديدة اخرى من مراجع دينية مقابلة، وركز على تلكم الفتوى النجفية المعنية، وحدها وحسب .
   ولتأزيم الامور، واثارة الفتنة، اختصر " المثقف" كل ماجرى، بعد سقوط نظام صدام حسين الدكتاتوري عام 2013 بان العراق وقع تحت حكم "المليشيات" ! ومعروف هنا من هو المقصود !.. وراح الحديث عاما، لكي تختلط الوقائع، وتستعر النفوس بالاحقاد، ودون ان تتطرق  "المحاضرة الثقافية" وبالمطلق، لا من قريب ولا من بعيد عن تنظيم "داعش" وعصاباته الارهابية..
وفي عودة للموقف الطائفي الذي يفترض ان يكون بعيدا بالفعل، لا بالادعاء، أعاب السيد المتحدث في محاضرته "الثقافية" على احد السياسيين في حزب عريق قوله ان مأثرة الامام الحسين قد قادته الى طريق الانحياز للشعب والايثار، وكأن في ذلك نقصا أو شتيمة. ولا نزيد في توضيح اكثر هنا في ما تعنيه مزاعم المتحدث "المثقف" من مساس بمورثات وتقاليد وقيم عليا لدى غالبية عظمى من ابناء العراق .
ان التعويل كان وما زال على المثقفين الانسانيين حقا، في اشاعة مفاهيم التسامح والمحبة، والتنوير، لا اجترار الماضي، والكيل بعدة مكاييل، والتلاعب بالتعابير.. والاّ فسيكون لنا الحق بالقول (أن للارهاب مثقفيه ايضا) "1" وان تزيّوا ببدلات الحملان. ومن هنا فكم هو مطلوب بالمقابل من المثقفين الانسانيين حقا، تسخير ما يمتلكون من كفاءات لتوجهات الخير واطفاء بؤر الاحتراب، ونشر المودة ومفاهيم وقيم المواطنة.
ولأن الشئ بالشئ يذكر- كما هي المقولة المعروفة - لابدّ من اضافة معلومات بأن صاحبنا المعني – وفق عارفين- انه غير متابع لما جرى ويجري من احداث في البلاد، ومنذ عقود، سوى عن طريق فضائية شهيرة بطائفيتها، وتحريضها ضد العراق، منذ خمسة عشر عاما، والى الان"2" .. كما انه، اي "المثقف" المقصود، مقطوع عن العالم اذ لا يتقرب، ولا يعرف ماهي وسائل الاتصال الحديثة (انترنيت – ايميلات – فيسبوك...) ولا احد يدري كيف يستطيع مواكبة الحاضر، بموضوعية، وهو على تلكم الحال، دون مصادر او علاقات انسانية او شخصية ..
  ولربما قائل سيقول منوها الى  ان الرجل بلغ من العمر عتيّا، ولكن هناك من يردّ او يعلق ايضاً بأن في تقدم العمر بعض حال ايجابية، اذ يفترض ان تتراكم عند المعني، التجاريب والخبرات والمعارف، وليس العكس.. كما ان المرء في ذلك العمر ينبغي ان يكون اكثر ميّلا لأطفاء الضغائن والاحقاد، لا لأشاعتها وبذر الفرقة والشقاق، وكيل الشتائم والاسفاف .
ان التفاخر بما كان من "نضال" هنا وآخر هناك، امر طبيعي، غير ان المبالغة فيه وتكراره بمناسبة وغيرها، مثل حال صاحبنا "المثقف" قد يدفع  بالاخرين لكشف الحقائق، والاعلان – مثلاً-  بأن من بين ابرز ذلك النضال "المتراكم" عنده، كان توقيفه في زمن الجمهورية الاولى لفترة قصيرة وحسب. وقد حصل الرجل على تعويضات غير قليلة، ومنها خمسة عشر عاما من العيش الانيق، والمترف في ربوع براغ (جنة الخلد) ومنتجعات البلدان الاشتراكية السابقة، طوال الفترة (1976-1990) . واذا كانت كل تلكم المجازاة غير كافية، فماذا سيقول الذين ناضلوا في كردستان والاهوار والوسط والجنوب، وتعرضوا ما تعرضوا اليه من سجن وعسف وتنكيل بهم وعوائلهم، دعوا عنكم الشهداء البواسل، الذين ضحوا للوطن والشعب والانسانية ..
ان الكتابة هذه قد تبدو للوهلة الاولى موقفاً او مواقف شخصية، وما ذلك في بالنا اصلاً، فلسنا في زمن الجاهلية الاولى، ولكننا نكتب عن الامر من منطلق عام، وكما بدأنا به في السطور الاولى، عن نموذج من مثقف يُـراد منه، وموكول اليه، موضوعياً، ان يسهم في الحرص على العراق، واهله.. وألا فليس هناك من جامع بين مثقف وأديب من جهة، وغـلٍ ولؤمِ، من جهة اخرى، لأن الضديّن لا يجتمعان..
لقد شبع  الناس في العراق، بل وأتخموا بالشعارات والمقولات، وهم يريدون خبزا وأمناً وحرية، لا تعابير موشاة بالادعاءات والمفاخر، ليس هناك من يوثق لها. وما كان يصلح ذات عقـد، لا يصلح الان في عالم المتغيرات اللحضوية... وهنا ترتب، ويترتب على المثقفين – كما نفهم وندعي- مسؤولية اولى على طريق التنوير والدعوة للتآلف والمحبة، والتركيز على المشتركات والترويج لها، وليس اشعال الحرائق، او الدعوة اليها تحت هذا الشعار او الادعاء او غيره، هنا وهناك، تحت هذه التسمية او تلك .
ان ماجرى تداوله في ندوة براغ يوم امس، والتي اثارت كل الموجعات اعلاه، يزيد – بزعمنا - من نظرة اهل البلاد، لمواطنيهم في الخارج، الذين "يناضلون" مكللين بالاستقرار الصحي والبيئي والاجتماعي والمالي .. كما سيدفع ذلك اهل البلاد لمزيد من التساءل والمقارنة، بين عطاءاتهم ومعاناتهم وكفاحهم، العملي داخل الوطن، مع عراقيي الخارج، ممن لم يأثروا فضيلة الصمت على الاقل، لا أن يصبوا الزيت على النار كلما سنحت لهم الفرصة ..
اخيرا، لا يجوز لنا ان نختتم الموضوع دون ان نعاتب منظمي تلك الفعالية، التي سعت لاشاعة المزيد من الكراهية بين الاخوة، ونرى بأن المطلوب الانتباه لاولئك الذين يريدون ان  يزيدوا النار لهيبا، حتى وان تقمصوا الحرص، وطالبوا بحرية الحوار، فما احلى واهم الحوار الجاد والموضوعي، والهادف للبناء وتحديد النواقص والاخطاء، وبروحية الحريص، لا المتربص والمدعي، ولا نزيد اكثر ..
حقاَ،  قد ردّ غالبية المتحدثين خلال الفعالية على ما جاءت به "المحاضرة" تلميحاً وتصريحاً، وعن خروجها عن عنوانها التي أستدرج اليه الحاضرون- على قلتهم – ومعيبين عليها اسلوبيتها وبدائيتها، وما حملته من تأليب وأثارة للنعرات الطائفية، ولكن مع كل ذلك يبقى العتاب على المنظمين قائماً، لان "المحاضرة" كانت تحت خيمتهم، وتلك الخيمة – كما يُفترض- هي خيمة للجميع، وليس للنيل من بعض للبعض، فما احوجنا للحوارات الهادفة، الانسانية، بعيدا عن إذكاء الفتن والنعرات، فبلادنا وشعبنا لا يتحملان أكثر مما جرى من احتراب وارهاب وغلو، والجميع ينتظر ويتمنى، وبخاصة من المثقفين الانسانيين المزيد من الترويج للمسالمة – وليس للاستسلام !- وللتضامن الوطني، والتداول المخلص للسير نحو عراق آمن خالٍ من الطائفية والتخلف والتشدد، وعلى طريق الازدهار والدولة المدنية ..
وأخيرا ما ابلغ الحكمة في بيت شعر للجواهري الخالد، ولعلها تكفي خلاصة لكل ما اردنا التعبير عنه في السطور والفقرات السالفات والذي يقول :
وان صدقتُ فما في الناسِ مرتكباً، مثل الأديبِ أعان الجورَ، فارتكبا"3"
هوامش واحالات ----------------------------------------------
1/ لدينا مادة تحت العنوان ذاته، نشرت في وسائل الاعلام المختلفة قبل سنوات، عن بعض حالات مشابهة لما نكتب عنه اليوم..
2/ جاءت كل اقتباسات واستشهادات "المثقف" المعني، في "محاضرته" الاخيرة، وماسبقها من مداخلات، في فترات مختلفة، من تقارير واخبار تلك القناة الفضائية، ودون اي تمحيص او تدقيق لما تبثه حول العراق ...
3/ من قصيدة الجواهري الشهيرة ( أبو العلاء المعري) عام 1944 ومطلعها:
قف بالمعرةِ وأمسح خدها التربا، وأستوحِ من طوقَ الدنيا بما وهبا



80

رواء الجصاني:
ماذا بيـن الجواهري والشيوعييــن؟!(*)
-----------------------------------------
في مراجعة، وان سريعة، لتراث الجواهري الثري، نرى بان الحديث يطول ويعرض، ويتشعب، عن مواقف ذلكم الشعر الخالد من الحركة الوطنية العراقية وعلاقاته مع قياداتها الرئيسة بشكل خاص، وعلاقات تلكم القيادات به... وقد يمتد الاطار الزمني لمن يريد التوثيق والتأرخة، لقرابة سبعة عقود، وأزيد، ومنذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي، وحتى تسعيناته بشكل محدد... ولعلنا قادرين على الايفاء بقطع وعد لاتمام بحث موسع بهذا الشأن في فترات قادمة، نأمل أن لا تطول، لأهميته البالغة على ما نظن، في تأرخة وتوثيق نضال عريق وحافل لأمة عراقية، كان قصيــد الشاعر العظيم سفراً زاخـــراً لها، تناولته عشرات الفرائد، وبعشرات المناسبـات، ولم تكن سجلاً وتأرخة لها وحسب، بل وشهادات عيان، فيها وعنها...
   وفي اطار ذلك وخلاله، تأتي مواقف الجواهري من الشيوعيين، وعلاقاته مع قياداتهم بالأخص، وعلاقاتها به... ولكل منها تفاصيل وتشعبات تحتاج بحد ذاتها لدراسات وبحوث واستنتاجات موسعة، تضاف لمساهمات عديدة، سبق وان نشرت عبر متابعات وحوارات ولقاءات وغيرها... ومن هنا فإن كتابتنا هذه تهدف لمزيد من الملموسيات المحددة، عن ذلك التراث، والتاريخ ذي الشأن...
... ولكن، ولكي لا يبقى الأمر هنا فضفاضاً، والحديث عاماً، دعونا نتوقف عند قصيدتين اثنتين لا غير، من عديد آخر، فيه الكثير والعديد من المؤشرات ذات الصلة، عن علاقة ومواقف الجواهري من الشيوعيين، وهم الفصيل الأقدم - على أبسط وصف – في الحركة الوطنية الذي تصدى واستمر، ومنذ أواسط ثلاثينات القرن المنصرم، مقارعاً بحزم ومثابرة، العسف والطغيان والظلامية في البلاد... ونعني بتينك القصيدتين رائية الجواهري العصماء عام 1951 والموسومة " في مؤتمر المحامين"، وفريدته المعنونة "سلاماً.. إلى أطياف الشهداء الخالدين" التي نظمها بعيد الانقلاب الدموي الأسود عام 1963.
... ففي القصيدة الأولى التي تتجاوز أبياتها المئتين وعشرين، يمجد الجواهري في مقاطع عديدة منها، نضالات الحركة الوطنية، وشهدائها من شيوعيين وثوريين وغيرهم... وقد جاء مطلعها باهراً كما هي العادة ليقول:
سلامٌ على حاقد ٍ ثائر ِ، على لاحب ٍ من دم ٍ سائر ِ
يخب ويعلم ان الطريق لابد مفض ٍ إلى آخر ِ
كأن بقايا دم السابقين، ماض ٍ يمهد للحاضر
ثم يعود الجواهري في المقطع التالي من قصيدته، ليباشر في التصريح  علناً بدل التلميح، وبصوت جهوري، واصفاً بهيبة وإجلال أولئك المناضلين المضحين من أجل الحياة الحرة الكريمة، والمستقبل المشرق...
وقد رأى العديد من المتابعين أن أعدام القيادة الشيوعية – الوطنية الأولى (فهد، صارم، حازم) في شباط 1949 كان له أكثر من تأثير على الجواهري لنظم هذه العصماء، خاصة وأنه قد توقف في جزأي مذكراته على تلك الواقعة الكبيرة، وعند علاقته مع مؤسس الحزب الشيوعي (يوسف سلمان يوسف - فهد) في الأربعينات الماضية:
سلامٌ على جاعلين الحتوف، جسراً إلى الموكب العابر ِ
على ناكرين كرام النفوس، يذوبون في المجمع الصاهر...
سلامٌ على مثقل بالحديد، ويشمخ كالقائد الظافر
كأن القيود على معصميه، مصابيح مستقبل زاهر...
تعاليت من قدوة تقتدى، ومن مثل ٍ منجح ٍ سائر
سمير الأذى والظلام الرهيب، خلا الحيّ بعدك من سامر ِ
 وإن كانت تلكم الأبيات تؤشر، ولم تحدد، فان "فريدة" الشاعر الأخلد، الثانية، موضع هذه المساهمة التوثيقية، جاءت بأكثر من اسم وكنية ولقب، لعديد من شهداء الحزب الشيوعي، وقياداته الذين نال منهم فاشيو العهد البعثي الأول، في الثامن من شباط 1963 .. فراحوا ضحايا مبجلين في سفر الخلود...
 ومنذ بداية تلكم القصيدة المتفردة، بل والسيمفونية، يعبّر الجواهري عن عمق مشاعره لشموخ أولئكم الأبطال قائلاً:
سلاماً وفي يقظتي والمنام، وفي كل ساع ٍ وفي كل عام ِ
تهادي طيوف الهداة الضخام، تطايح هاماً على اثر هام ِ..
ثم يستمر الجواهري، مستذكراً، وموثقاً لكثير من الأحداث، بالصور تارةً، والايحاء مرات أخرى، مفسراً ومؤرخاً بشكل مباشر للوقائع، وممجداً الواهبين حياتهم للشعب والوطن والقيم والمبادئ العظيمة... خاصة وان  له - كما يؤكد العارفون - علاقات حميمية ووطيدة مع العديد من أولئك الشهداء البواسل:
سلاماً مصابيح تلك الفلاة، وجمرة رملتها المصطلاة ..ْ
ولاة النضال، حتوف الولاة، سلاماً على المؤمنين الغلاة،
سلاماً على صامد ٍ لا يطالُ، تعلّم كيف تموت الرجال...
سلاماً وما أنا راع ٍ ذماماً إذا لم اسلم عليكم لماما
سلاماً ضريحٌ يشيع السلاما، يعانق فيه "جمال" "سلاما" (1)
سلاماً، أحبة شعب نيامى، إلى يوم يؤذن شعب قياما...
حماة الحمى والليالي تعودُ، وخلف الشتاء ربيع جديدُ
سيورق غصنٌ، ويخضر عودُ، ويستنهض الجيل منكم عميد
سيقدمه "رائدٌ" إذ يرود، ويخلف فيها اباه "سعيدُ" (2)
و"سافرة" ستربِّ النسورا، توفي أبا "العيس" فيهم نذورا (3)
 ثم تتابع أبيات القصيدة التي يتلاحم فيها  الخاص مع العام في المواقف بين الجواهري والشيوعيين، وقياداتهم، طوال عقود، كان الجانبان حريصين ىعلى ادامتها وتعميقها، برغم "عتاب" هنا و"دلال" هناك، أحياناً..
هوامش واحالات: -----------------------------------------------
* صفحات من كتاب " الجواهــري ... بعيون حميمة" الصادر في بغداد وبراغ وبيروت عام 2016 .
** الصورة المرفقة : الجواهري مشاركا في الذكرى الاربعين لميلاد الحزب الشيوعي - بغداد 1974 .
1-"جمال" – "سلاما": الشهيدان: جمال الحيدري وسلام عادل
2-"رائد" و "سعيد": نجلا الشهيدين: عبد الرحيم شريف وعبد الجبار وهبي
3-- "سافرة" – "ابو العيس": سافرة جميل حافظ، زوجة الشهيد محمد حسين ابو العيس



81
"أنــا" العِـراقُ، لسانـي قلبــهُ، ودمي فراتُـــهُ، وكياني منهُ، أشطــارُ
لمحات من الـ "أنــا" الجواهرية ... وحولها
- رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------------------------------------
  .. وتتمثل الـ"أنــا" الجواهرية في وجوه ومواقع عديدة، أذ استعارها الشاعر الخالد في مناسبات كانت لها ضروريات حيناً، أو دلالات رمزية احايين اخرى، وهي بعيدة عن تلك الـ"أنـا" النرجسية السافرة، في التعالي وحب النفس، والغرور .
     وحديثنا في هذه الوقفات، يركزعلى تلكم الـ"أنــا" الجواهرية المباشرة، القصدية، تحديداً بمعنى عدم المرور، أو التوقف عند شبيهات تلك الكلمة في المعاني والاستخدامات العربية المتنوعة، مثل "ياء" التملك على سبيل المثال لا الحصر:
 "عندي" وداعُ حمامةٍ، فأذا أستثرت، فجوع نمرِ(1)
أو مثــل "ألف" و "تاء" المتكلم في افعال الماضي والحاضر،  كما في البيت التالي:
 أقول مللتها، وأعودُ شوقاً، كأني ما عشقتُ ولا مللتُ (2)
وغيرذلك من المشابهات  ذوات المعنى نفسه في اللغة العربية العامرة، التي كانت طوع فم وقلم الجواهري في منجزه  الثري. ومن دون ذلك التركيز والتخصيص، سيعني اننا سنؤلف كتاباً، شاملا جامعاً عما احتواه ديوان الشاعر الخالد، الذي يزيد عن الخمسة والعشرين الف بيتا، وليس ذلك بيّت قصيدنا في ما نحن عاكفون عليه بهذه الخلاصات والمؤشرات .
      لقد بانت "أنــا" الجواهرية  المباشرة، الطليقة، التي نعنيها في عشرات الأبيات، والقصائد، مرة أو مرات، وقد نتابع اجمالي ذلك في قراءات وتفصيلات في فترة قادمة.. ولكن سنتوقف في هذا المبحث عند اختيارات وحسب، كما سبق القول، وعند صيغ، ودلالات واستخدامات محددة الزمان والمكان والمعنى والمغزى، مستدلين منها مواقف من جهة، وخوضاً في بعض النباهة، والأنتباهات الجواهرية، ورؤاه ومقاصده من جهة اخرى ..
    ونبدأ في "أنـا" وجدانيةً- وصفية،  طفحت في قصيدة "بريد الغربة" الجواهرية عام 1956 في رسالة الى بعض اهل بيته، وأخدانه، في العراق، فيقول:
لقد اسرى بي الأجلُ، وطول مسيرةٍ، مللُ...
سلاما ايها الاحبابُ، "أني" شارب ثمــــلُ
 كما نشير في السياق، علّنا نضيف دلائل أخرى، الى واحد من ابياته، في مطولته الوجدانية، الفريدة، ونعني بها " يا نديمي" مطالع الستينات الماضية:
"أنــا" بين الطّغاةِ والطّغَمِ، شـامخٌ فوق قِمّـةِ الهـرَمِ
فإذا حانَ موعـدُ الأزَم، وارتطـامِ الجمـوعِ بالنظُمِ
خلتُني عند سَـيلها العرِم، قطرةً لا مستْ شفاهَ ظَمي
     أما في الوطنيات، فلعل الابرز من استخدامات "أنـا" الجواهرية، ما يحمله عنوان هذا الموضوع، ونعيده، لمزيد من لفت الأنتباه :
"أنــا" العِـراقُ، لسانـي قلبــهُ، ودمي فراتُـــهُ، وكياني منهُ، أشطــارُ
 وهو من قصيدته الدمشقية عام 1957 "في احياء الذكرى الثالثة لمصرع الشهيد العقيد عدنان المالكي".. ولا نظن ثمة حاجة كبيرة لدلالات ذلك الوصف، وإيحاءاته، وموقع الـ"أنـا" فيه ... وفي الوطنيات ايضا، وفي احدى مواجهات الجواهري، وتحدياته المديدة – وما أكثرها-  طوال عقود، نتوقف لنتذكر معا ذلكم البيت الشهير:
"أنـا" حتفهم الجُ البيوتَ عليهمُ، أغري الوليدَ بشتمهم والحاجبا
وهو – اي البيت اعلاه- من قصيدة هاشم الوتري عام 1949 وقد أشاع فيه – مع سبق الاصرار: استعداده لخوض المعركة – وقل المعارك ولا تخف- في التصدي لاقطاب الطغمة، بل والطغم، الحاكمة. وقد استبقه بمقدمات تفصيلية، وأوصاف، وتقييم حال، كما تبعه بخلاصات وتوجهات ..
     وأذا ما شئنا – مثلاً-  الاشارة الى  "أنـا" التفاخر الجواهرية، وما أكثرها ايضا، فلنقف برويةٍ وإن عابرة عند بيته في قصيدة " جناية الاماني" عام 1921 وهو لم يزل في يافع عطائه، ونبوغه، فضلاً عن عمره :
كلما حُدثتُ عن نجمٍ بدا، حدثتني النفسُ ان ذاك "أنــا"
 ثم هاكم مثال آخر عما نحن بصدده، ونقصد بيته في قصيدة "خلفت غاشية الخنوع " الدمشقية عام 1956 منوهاً ليس آلا،  لبعض صفات وسمات شخصية، وببهاء وشموخ - ولربما كي يفوت الفرصة على من يظنه غير عالم، أو عارف بالتاريخ، أو يتناسى ذلك بقصدية لئيمة أو حقود:
هذا "انـا" عظمُ الضحية ريشتي، أبداً، ولَفحُ دمائها أضوائي"
    وفي محور آخر نتوقف عند استخدام  الجواهري لـ"أنـاه" في صورة المقايسة، ووصف الذات، تمهيدا لفكرة ومرامٍ تالية، كما هي الحال في احد مقاطع ميميته " قلبي لكردستان" عام 1963 .. حين راح يهدر لكي ينطلقُ ويجول في رحاب الحديث عن اوضاع سياسية، والتوثيق لها:
" أنـا" صورةُ الالمِ الذبيح أصوغه، كلماً عن القلبِ الجريح يُترجمُ "
وكذلك تأتي الحال متطابقة، أو متشابهة، حين يقول في احد ابيات داليته البيروتية، خلال مناسبة تكريم بشارة الخورى عام 1961 مخاطبا المحتفى به، ليلي ذلك ما ابتغاه – الجواهري- من أبيات قصيد خالها، أو أرادها في قصيدته المعنية :
هل صكّ سمعك "أنني" من رافديّ، بلا نصيبِ
"أنـا" "عروة الورديّ" رمزُ مرؤةِ العرب العريبِ
في كربةٍ و"أنـا" الفتى الممراحُ، فرّاجَ الكروبِ ...
ولربما، وبهدف الاستدلال الأزيد، ينفع ان نشير في هذا المحور الى بيته في قصيدة "هلموا وانظروا" المنظومة عام 1927:
  "أنـا" الصبُ الذي ملكَ القوافي، ومثلي تحبسونَ عن البيانِ
     وقبل أن نسترسل فنزيد، لا بد من التنويه الواجب على ما ندعي، الى ان هناك اكثر من تداخل وتشابك لا يمكن الفصل بينهما بسهولة في استخدامات الجواهري واستعاراته للتعابير والكلمات والموحيات التي يريد، إذ قد تبدو تلك الـ" أنـا" التي نتابعها في قصائد الشاعر الخالد، معبّرةً عن ذاتوية في مكان، ولكنها تأتي في سياقات مترابطة، مداخل لوطنيات أو مواجهات، أو افتخار وتباهٍ، بل وحتى كلها في آن واحد، احيانً.. وفي أنموذج على ذلك، نشير الى بيته التالي، الذي استهل به مسارات قصيدته، ليقتحم به وصف احداث، وايقاظ مشاعر، وإلهاب احاسيس، وتثوير:
 " أنــا" في عزٍ هنا، غير في قلبي ينـزّ جرح الشريدِ (4) 
    وفي اعلان بعض فلسفته، ذلكم هو الجواهري يستدعي "أناه" ذات الصلة  مشاعة في قوله، ضمن ابيات  قصيدته " خلفت غاشية الخنوع" سابقة الذكر:
" أنـا"  لا ارى العصماء غير عقيدةٍ، منسابةٍ في فكرة عصماءِ
أو مثل قوله، وهو في عــزّ شبابه - ولنقل فتوته حتى - في قصيدته "شكوى وآمال" عام 1921 حين راح يقول بكل ثقـة بالنفس: 
و"أني" وأن كنتُ القليلَ حماته، فلي مبدأ عنه احامي، وأدفعُ
ولو "انني" أعجلتُ، خيفتْ بوادري، ولكن صبرَ الحرّ، للحرّ انفعُ
      اما عن  غزلياته فهناك العديد من  الـ"أنـا" الجواهرية المباشرة، تتوالى، ومنها، حين لاحق واحدة من جميلات التشيك – وما أكثرهن!-  فكتب لها، وعنها عام 1961: 
حسناء رجلك في الركابَ، ويداكِ تعبثُ بالكتابِ
و"أنـا" الظمئُ الى شرابك، كان من ريقي شرابي
وكذلك بيته في قصيدة "عريانة" عام 1932 التي طفحت الجرأة فيها بالغةً، ليس عهداك وحسب، بل ولربما حتى في مقاييس حاضرنا اليوم، كما نزعم، ونصه:
  أنتِ تدرين "أنني" ذو لبانه، الهوى يستثيرُ فيّ المَجانه
       وفي وصف الذات، ثمة عديد آخر من "أنـا" الجواهرية، وفي حالات، وتنوعات مختلفة.. فها هو – مثلاُ-  يصف نفسه في احد ابيات قصديته "جربيني" المنظومة عام ..1929 وكذلك البيت اللاحق، في قصيدته "انتم فكرتي" ببراغ عام 1961 :
"أنـا" لي في الحياة طبع رقيق، يتنافى ولون وجهي الحزينِ
 "أنـا" زرعُ البلوى وهذا حَصيدي، ونَتاجُ الأسى وهذا وليدي

         ومن جملة استخدامات الجواهري لـ" أنـاه" ما أعلنه عن مسؤوليته كشاعر، ومنذ بدايات انطلاقته، في النظم والنشر، كمثل ما جاء في قصيدته "إبن الشام" عام 1921:
أنا ما بكيت الشعر ذلّ، وانما، أبكي الشعور يُباع في الأسواقِ
كما تتكرر الحال ذاتها في واحد من ابيات قصيدته الموسومة" الوحدة العربية الممزقة" عام 1922 حين راح قائلاً:
أنا شاعر يبقي الوفاق موحدً، بين الشعوب سبيله الارشادُ
     واضافة لكل ما سبق، للجواهري ايضا اكثر من مناجاة، ومناغاة مع النفس، كان لابد أن تفيض الـ"أنـا" فيها لتعبر حيناً عن الشكوى والهموم النفسية، او الهضيمة من تجاوزات غير الكاملين، والحاسدين، ولعل ما يفيد هنا ان نختار من تلكم الحال، فننقلُ من بانوراما " ايها الارق" المنظومة مقاطعها اوائل الستينات:
"أنـا" عندي من الاسى جبلُ، يتمشى معي وينتقلُ
أهِ يا أحبولة الفكرِ، كم هفا طيرٌ ولم يطرِ
كما نجتزئ، وفي ذات السياق، أو المحور الذي قصدناه، ما نظمه في براغ عام 1973  شاكياً الاغتراب والوحدة الرهيبة، في قصيدته " خلّي ركابك":
قَسَماً بِعَيْنَيْكِ اللتينِ استُودِعا، سرّ الحياةِ، وحَيْرة الألبابِ
نحن السبايا اربعُ في غربة، "أنـا" والهوى ويدي وكأسُ شرابي
     ولا بد من التأشير في سياق بحثنا -  توثيقنا هذا، الى ان ثمة مشتركات تقليدية سائدة عند الشعراء اجمعين، وهم رسل الاحاسيس وفيّاضو المشاعر، حين يستخدمون الـ"أنـا" وحتى المضخمة منها، للتعبير عما يكنون، أو يحلمون به ، أو يؤشرون له... ولكن حسبنا في التوقف عند الـ"أنـا"  الجواهرية: تنوعها وتشابكها بين الخاص والعام، بين الانطلاقة الذاتية، بهدف التعبير عن شؤون شاملة .كما ينبغي القول ايضا – بزعمنا على الأقل: أن مكانة الجواهري التي تقلدها، رائدا ومنورا: اجتماعيا ووطنيا وانسانيا، لها دوافعها ورسوخها، كما مقوماتها، الأكثر، ولربما لا يخرج عن ألاجماع بهذا الشأن الا عدة، وحسب .
    اخيرا، وعلى مشابهات خواتمنا في متابعات وتأرخات سابقة عديدة، نقول أن ديوان الجواهري الخالد يحفل بالمزيد والمزيد من الامثلة والمشابهات التي تطرقنا اليها في السابق من السطور، وكم نتمنى ان يسعى المجدّون للتبحّر الاوسع، والانفع، ولهم الفضل ...
--------------------------------------------------
احـــــالات وهوامـــــش:
* ثمة مقال متميز، وذو صلة، للاستاذ د. ثائر العذاري، منشور على موقع ( الحوار المتمدن)  عام 2007 وددنا الاشارة اليه لمزيد من الأستفادة، والإفادة .
*  اقتصرنا – في الأغلب – على اختيار بيت واحد للأستدلال، ولا شك بأن العودة لما يسبقه، أو يليه من ابيات، يوضح الصورة / الحالة المقصودة، بجلاء أوسع . 
(1) من قصيدة ( آليّــتُ) عام  1975 المنشورة في الديوان العامر .
(2) من قصيدة " أقول مللتها .. وأعود!" المنشورة عام 1972 .
 (3) من قصيدة "انتم فكرتي" براغ – 1961.





82
تساؤلات وتأملات عن بعض حالنا اليوم (78)
أرى خلفَ الرمادِ وميضَ جمرٍ، ويُوشكُ ان يكونَ لها ضرامُ
-   رواء الجصاني
--------------------------------------------------------
بعيداً - نسبياً بالطبع، وبزعم الحياد المفتعل، الحريص- عن مناصري التظاهرات الشعبية في العراق، لهذا السبب اوذلك، وبعيد ايضا، عن مناهضي تلكم التظاهرات، لسبب أو آخر، أجدني، ودونما قصد رحتُ مردداً ما قاله " نصر بن سيّار" قبل قرون وقرون، وكأنه يقوله اليوم، وما أشبه الليلة بالبارحة:
أرى خلف الرمادِ وميضَ جمرٍ، ويوشكُ ان يكون لها ضرامُ
فأن النار بالعودين تُذكى، وأن الحربَ أولها الكلامُ
فإن لم يطفها عُقلاءُ قومٍ، يكون وقودها جثثٌ، وهامُ
     أقول ذلك وأدري، بل وأرى، حماسة المناصرين، والمناهضين، لتلك التظاهرات، تترى دون حدود، وبخاصة عند اولئك الذين لا ناقة لهمُ ولا جملا، في البلاد، وأمتها، ماداموا في رخاء وأمن، بعيدا عن النتائج أيما كانت صائبةَ، ام"مصيبة" ... دعوا عنكم المنتفعين، مالاً وسحتاً حراما، وسياسيين يبحثون عن جاهٍ، راحل أو آت، وقوالين ما فتئوا يسعون لتأجيج الاحقاد والطائفية، باطنيين كانوا، أم ظواهر صلفين ...   
   وبآيجاز، عجول، أقول: عسانا واجدين عقلاء قوم، يقدروا ان يقّوموا ما نحن فيه من بلاءاتٍ وفتنٍ وبغضاء، ويؤمنوا بان البلاد شبعت دماً، ولكنها ما برحت "تسأل هل مزيدُ"... أقول ذلك بعُجالة وأيجاز، كما اسلفتُ، ولربما عليّ التبرير لتينك السببين، فأوضح: امّا العجالة، فلأن الحالُ لا تتحمل الاطالة ما دامت هناك أرواح ناس، وهي الاغلى والأعز. واما الأيجاز فلأن الناس شبعت حدّ التخمة من السرد والتنظير والأستعراضات والتكرار، ويريدون التحدث لهم بـ"الكلام، لا بأبن عمه" بحسب تعبير الفقيه والشاعر الكبير: علي  الشرقي، له الذكر الطيب.. ومثله لجميع الناطقين بلا تفيّقه وتحذلق وتمنطقٍ ولفٍ ودوران..

83
ومن لم يتعظ لغدٍ بأمس، وان كان الذكيّ، هو البليدُ
تساؤلات وتساؤلات ... عن الاحتجاجات، والتظاهرات العراقية
-   رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------
    قبل نحو عشرة اشهر، ومع انطلاق التظاهرات الاحتجاجية، الجريئة على اقل وصف، طرحتُ عددا من التساؤلات، ليست بريئة جميعها بالتأكيد، وقد اجابت عنها الايام، بهذا القدر او ذاك، وفي العديد من تلكم الاجابات، كانت التوقعات معروفة- وايضا بهذا القدر او ذاك- بحسب مدى الوعي والادراك، كما الابتعاد عن العواطف، وخاصة الجياشة منها ...
    ومن الاهم كما هو معروف، هو الاستفادة من التجاريب، والتعلم منها، والجرأة في الاعتراف بالخطأ، وترسيخ الصواب، دون ان تأخذنا مشاعر "العزة بالاثم" .. وفي ذلك فقط، لا تشملنا المقولة الجواهرية العميقة المركزة، المتمثلة في بيت شعر واحد يقول:
ومنْ لم يتعظ لغدٍ بامسٍ، وأن كان الذكيّ، هو البليدٌ
   ولعلّ في التكرار افادة، كما يُقال، دعونا نخوض في مراجعات لبعض تلك "التساؤلات" المنشورة، قبل نحو عشرة اشهر ليس ألا، كما سبق القول، مع ايجازات اكثر، برغم انها كانت موجزة اصلاً، وهاكم اختيارات وخلاصات منها، وعنها، عسى ات تفيد ونحن نعيش واقعنا العراقي الراهن:
1- يُعاد السؤال تلو الاخر، عن افاق الحراك الجماهيري، وعن البدلاء المرادين، القادرين على السير بالاصلاح، واطلاقه، ولا نقول اتمامه؟ .. ويجيب هذا وذاك، يأسا مرةً، و دلساً مراتٍ ومرات: وليكن الشيطان... ونُحار- مجادلين ليس ألا- لمن نميل للعاطفة ام للعقل؟...
2- ونقول بأن لانتصار الحراك الشعبي متطلباتٍ، واحتياجات زمانية ومكانية، وذاتية وموضوعية... فيرد متنطعون، او حريصون، بأن القادم احلى مهما كان، ناسين ان ثمة من يترصد ويتوعد، وما احد قادر على ردعه، حتى الان على الاقل... ونصدحُ: ولشدّ ما يؤذى الكرامةَ ان نرى صوتَ المساومِ بالكرامةِ يُرفــعُ..
3- وحين يصرخ اخرون من خارج البلاد، وحيث "الأنس في فيينا" وجوارها، وقريناتها: انهم يريدون ذلك الحراك الجماهيري الشجاع، باقل من "وثبة" بل" انتفاضة" وحتى "ثورة"... حين يصرخ اولئك، يدعو "اهل الدار" المكتوون بلهيب الوطن، لعدم الانسياق وراء الفوضى وأسقاط " النظام" والاحتراز من ركاب الموجة، في الداخل او الخارج، ودعاويهم وادعاءاتهم.
4- وإذ نرى هنالك من يقدم ويؤخر في اسبقيات حراكـ"نـا" الجماهيري، ونقول بضرورات ان تكون الاولوية، وبدون لف ودوران، لجبهات الكفاح ضد الارهاب ومناصريه الظاهرين والباطنيين.. حين نقول بذلك ينبري بعض الطيبين، كما وذوي السوابق !!، ليسعوا لاثارة الفتن، والطائفية المقيتة، بل ويتجرأون حتى في التبرير لما يقوم به الداعشيون واخوانهم، بهذا الزعم او غيره، وبخجل حيناً، بل وبعلانية حيناً آخر، عندما يطمئن- ذلكم البعض- لمن حواليه او جنبه.
5- وحين يجري الحديث عن الفساد، واهمية مكافحته، نجادل فنقول بــن الاساس في ذلك يتطلب التركيز على مكافحة "بنيوية" الفساد، وعلل وخراب العقول والنفوس، وعلى إشاعة القيّم وترسيخها، ودور السياسيين النجباء، والنخب المثقفة في تلك المكافحة المرتجاة. ولكن ما نتصدى اليه بواقعية نعتقدها، يغضب الكثير، ولاسباب متباينة، ولربما من بينها، شكٌ وشعور بان حديثنا قد يمسهم، ويلمّح لهذا و ذاك، ولعل المريب يقول خذوني، او يكاد .
6- وعندما يستمر التداول في موضوعة الديمقراطية، والاغلبية والاقلية، يفسر "طيبون" الامر كما يشتهون، وفقاً لمستويات الوعي والمعرفة، او لأنهم تعودوا على حال، ولا شك بأن من شب على شئ، شاب عليه .
7- اما عن المزايدين، واصحاب المآرب المخبأة بعسل الكلام، فحين يجادلون بشأن مواقف وافكار شباب وشيب الحراك الجماهيري- الاصلاحي، يلفون ويدورون، وهم ليسوا عارفين بما يدور، أو انهم يعرفون فيحرفون، كما يقول العراقيون حقاً، وليس "المستعرقون" مثل اولئك الذين لا يعلمون الى الان بأن لواء "المنتفك" صار محافظة الناصرية منذ عقود، ثم راحت تسمى اليوم "ذي قار" !!!.
8- وكما هي حال المعنيين بالفقرة السابقة، بات حال العديد من المناضلين الجدد، والطائفيين، والمناطقيين، واشباههم كثر، ولا حصر لهم.. فما عادوا من الوطنية المدعاة الا بالصياح والخطابية واجترار المفردات، وما تحرك لهم- او يتحرك- حاجب، او يرفّ جفن، لو تحولت التظاهرات حتى الى حمامات دم، يخطط لها الاوباش والفاسدون وارتالهم المجحفلة بالبقايا والمتضررين، واصحاب النعم الحديثة.
9- ثم نتساءل ايضا: اما بات يلفتُ الانتباه الى ان المعركة الالح، والاهم، ونعني بها الحرب مع، وضد، داعش واربابها وحواضنها، راحت في الموقع الثاني – على الاقل- عوض ان تكون الاول دائما، وذلك بسبب طغيان اخبار واحوال التظاهرات، دعوا عنكم المزايدات بشأنها؟!... ترى الا يتطلب الامر ان تبقى الانظار والقلوب، والعقول باتجاه جبهات القتال، بشكل رئيس؟!.. وان يُصار للتأكيد دائماً : ان معركة "ساحة التحرير" وغيرها، واحدة من معارك الحرب مع الارهاب والظلام ...
10- وثم ايضا، وبالارتباط مع ما سبق، هل ستتحقق - فعلاً- الاصلاحات ووتقوم الدولة المدنية- ودعونا عن العلمانية الان- جنبا الى جنب دولة "داعش" المستمرة في دمويتها وظلاميتها الوحشيتين ؟! ..
11- ولان الشئ بالشئ يُذكر، بل ويتشابك، نتساءل: اليس من واجب القادرين، ان يعينوا الناس ويوضحون بان "اصلاح" العراق لن يتحقق بمعزل عن الواقع والظروف والصراع الدولي والاقليمي والعربي؟ .. اليسَ في تلك المصارحة ما يفيد اصحاب الشأن، كما والناس عموماً، لكي لا تذهب جهودهم واحتجاجاتهم صرخات في فضاءات الخيال.
12- أما ان الاوان للتعامل الواقعي، وبعيدا عن العاطفة، مع موضوع "فدرلة" العراق، ومحاولة اعادة توحيده، حقناً لدماء وتضحيات مجاهدي الجيش والحشد وعموم المكافحين البسلاء ؟!.
13- ثم، وعسى ان لا ينبري الشتامون، نقول: اليس من المهم ان لا تبالغ النخبة السياسية، والمثقفة، في التفاؤل المفرط بما سيتحقق من نتائج و"اصلاحات" لكي لا تنكفئ الجماهير، اذا ما لم يتحقق حد ادنى، ولا نقول أوسط، من المطاليب، فتتخلف عن اية دعوات لاحقة للتظاهر والاحتجاج؟.
14- و... اما ترون معي بأن التشدد في الشعارات امر مبالغ به، وربما يتسبب بما لايراد؟.. اليس من الاصح- وساتحدث بكل مباشرة هنا- ان يتغير الاطلاق والتعميم في شعار "نواب الشعب، كلهم حرامية" الى بديل اكثر واقعية وهو "النصف" وليس "الكل" ... مثلا؟!.
15- وما دمنا في عوالم الشعارات، اما في هتاف "باسم الدين، باكونه الحرامية" ما قد يستفز شرائح كبيرة ويضعها في تقاطع مع الاخرين، دون حاجة وضرورة حقيقيتين؟!... فهل ادخال "الدين" في التظاهرات حال مناسبة، وثمة ملايين قد تتصادم، او يجري دفعها للتصادم مع المحتجين الاخرين بسبب هذه "الكلمة" الوحيدة لا غير، وان جاءت بمعنى الايجاب والمديح ..
16- ثم، وهنا ربما تكرار مفيد، لعلّ وعسى ينفع التذكير، اما من الاكثر حكمة الا تعلو هتافات عراقيي "الخارج" ازيد مما تفيض به مطاليب مواطنيهم في البلاد، فاهل "ساحة التحرير" ادرى بشعابها، ولكي نحجم ما قد يُقال عنا – نحن العراقيين في اوربا والمهاجر الاخرى- بان حماسة الرقص تأخذنا "باشدّ مما ينفخُ الزمّارُ" ...
17- وثم من جديد، نتساءل: اليس من التحضر، والجميع راح يزايد اليوم بهذه الكلمة ذات الالف مغزى ومغزى، ان يكون اليراع النبيل، اساس الحوار والتداول بشأن التساؤلات اعلاه، وسابقاتها، وبعيداً عن الاحكام المسبقة، و"العواطف" والسباب المتهافت؟!.
18ـ وهل حقاً ان هناك بعض تداعيات سلبية، وقلق وانكفاء بدت، أو تكاد - بسبب التظاهرات - عند بواسل ومجاهدي القوات العراقية، بمختلف تشكيلاتها: جيشاً وحشداً وفصائل أخرى، ولمصلحة مَنْ ذلك؟... ألا يجب ان يزيد التركيز على ان التظاهرات أولاً لدعم أولئك المقاتلين على "ساحات" الكفاح ضد داعش؟.
19ـ كما نتساءل ايضا: أليس من الواقعية، والموضوعية بمكان، ألا تـُهـمل تجاريب "الربيع" السوري، والليبي، واليمني، حينما سقطت تلكم البلدان في متاهات الدمار وأنهار الدماء؟.. أما ينبغي على النخب السياسية الوطنية، والمثقفين العراقيين، بحق، أن يكونوا موجهين للجماهير، وبوصلتها، لا مسايرين لها، دون حسابات الحقل، والبيدر؟.. أما من فائدة جلّى في تبني حكمة "من أراد أن يُطاع فعليه أن يأمر بما هو مستطاع"؟!.
20ـ وفي ضوء الفقرة السالفة، هل يحق التساؤل مجدداً عن صلاحية وجدوى الديمقراطية المبتغاة، وإمكانية إشاعتها في بلدان مثل بلداننا، حيث الوعي الاجتماعي، والتعليمي، والسياسي، في مستويات لا تستوعب مثل تلكم "الديمقراطية"؟... وبالمقابل، هلي يعني – خلاف ذلك – ان من المطلوب ان يُدعى لمزيد من الحزم والضبط، والقوة، وان لفترة زمنية محددة؟.
21ـ ثم، هل من الصحيح المبالغة في حجوم وقوى التظاهر، من أجل التحريض و"التثوير" فيقال ان الآلاف المؤلفة في ساحة "التحرير" ببغداد وشبيهاتها في المحافظات، هي صوت الشعب كله؟ ...وإذا كان ذلك صحيحاً، فبماذا سيكون الرد حين تقارن تلكم الآلاف بملايين الصامتين، دعوا عنكم المؤيدين لمافيات الفساد، والمنتفعين، والمتسلطين وتجار السياسة قديمهم، والجديد؟!.
22ـ وفي سياق ما سبق، هل باتت منابع، وينابيع المشاركين في التظاهرات هي التي يعوّل عليها في الاصلاح والتغيير؟!... وان لم تكن كذلك، فهل يعني ذلك ضرورة الانتظار الى ان حين ان تكون تلك "الينابيع"، و"المنابع" من مواقع، وقواعد، وفئات، بل وحتى طبقات أخرى؟.
23ـ وأخيراً أليست هذه التساؤلات محبطة للعزائم، والتثوير، بحسب البعض، وخاصة الذين لا ناقة لهم ولا جمل بما حدث، ويحدث، في البلد العجيب ؟.. أم انها حريصة على ان تكون الأمور في مسارات أكثر موضوعية وواقعية، ولكي لا يستغل هذا الحراك الجماهيري، أصحاب السوابق الذين ساهموا- فعلا او كتابة اوقولاً- في احراق البلاد العراقية وأهلها، سنوات طوال، تحت شعارات "الوطنية" ومقارعة "الاحتلال" و"الثورية" وما شابه ذلك؟.


84
بمناسبة ذكرى ميلاده السادسة والتسعين
عـادل مصري(ابو سرود)... مناضل من هذا الزمان
-   كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
---------------------------------------------------
   في سياق ما ُكتب ويُكتب من تاريخ وذكريات عن البلاد العراقية، وجوانب من سجلها الوطني، وعن سياسييها ومناضليها واحداثها، طفحت – وما برحت -  كتابات اختلط فيها الغث والسمين، ولاسباب متعددة الاهداف والاغراض ..  وقد تلفت الانتباه بهذا الشأن وقفات وتأرخة طالت او قصرت عن شخصيات واحداث عامة، كثير منها يستحق، وآخر غير قليل له ما له، وعليه ماعليه..
   وبحسب روئ قد لا تكون جديدة على الكثيرين،  اقول بأن تدوير الكتابة عن احداث وشخصيات بذاتها، اقل فائدة من التوثيق لجوانب وشخصيات واحداث اخرى، غير منتشرة كثيرا- على ابسط وصف -  ولا سيما وان في تاريخ بلادنا العديد الشامل مما لم يجر التوقف عنده، ولاسباب معروفة أو سواها...
   لقد كان من المخطط ان تكون لهذا التوثيق فضاءات اوسع، تأخذ بالاعتبار بعض تأرخة اضافية واراء ورؤى، سياسية وشخصية وما بينهما.. ولكني أثرت ان اوجز اولاً، لاسجل خلاصات عامة، وعلى ان اتوسع بها في وقت آخر- آمل الاّ يطول- مع توثيقات تكمل ما نهدف اليه، وهو كثير، ولكن اقلّه ايفاء مناضلين وطنيين بعض ما يستحقون، وذلك "اوسط الايمان" على ما نحسب!!!.
بدايات سياسية
    والرجل الذي نتحدث عنه في هذه التأرخة هو: عادل مصري، مناضل وطني من العراق، ولد في  مدينة"مندلي" بتاريخ 1920.3.8.. انتسب للحزب الشيوعي منذ فتوته، وكان واخته عمومة - عميدة، من الكوادر النشيطة في العمل الحزبي بمختلف اشكاله - السري طبعا- حتى قيام الجمهورية العراقية الاولى في الرابع عشر من تموز عام 1958 ..
    وبعد فترة وجيزة من قيام الجمهورية، اطلقت السلطة العراقية  الجديدة سراح عادل مصري، ضمن عفو عام عن السجناء والمعتقلين السياسيين. وكان يقبع أنذاك في سجن بعقوبة يقضي مع رفاقه محكوميته الاخيرة، ومنذ عام 1949  تحديدا، متنقلا خلالها بين سجون بغداد ونقرة السلمان والكوت... 
   ان متابعة سريعة لبعض تاريخ "مصري" العلني، في اواسط الاربعينات، تبين ان مسؤوليته السياسية والنضالية الابرز في تلك الفترة كانت مهمته، سكرتيرا عاماً لـ "عصبة مكافحة الصهيونية"التي عنى بها الحزب الشيوعي العراقي، وأجيزت رسميا في بغداد عام 1946 (*)..وقد اعتقل وسجن لمرات عدة بسبب نشاطاته في العصبة، وغيرها، وآخرها قضاؤه عشرة اعوام في السجن، بعد اعتقاله ببيت سري، في محلة القاطرخانة ببغداد، يحوي الات ومتطلبات طباعة واستنساخ حزبية. وكان من بين الذين حُكموا معه في الفترة ذاتها، وبقضايا ونشاطات سياسية مختلفة، وبمدد مختلفة: عزيز محمد وزكي خيري وأرا خاجادور، وكذلك اخته عميدة(عمومة)مصري.(**)
  وحين اطلق سراح عادل مصري، بعد قيام الجمهورية عام 1958 كما اسلفنا، كلفه حزبه الشيوعي العراقي بمهام تنظيمية وسياسية عديدة، ومن ابرزها عام 1959 في التشكيل القيادى لتنظيم الحزب في كركوك، حيث تزوج فيها من رفيقته روناك علي، وانجبا هناك عام 1961 ولدهما الوحيد: سرود (***) ثم ليكنى به لاحقا، وطوال حياته السياسية، والخاصة والعامة، وحتى رحيله بتاريخ 1993.5.29 في براغ، حيث مثواه فيها الى اليوم.
بعيدا عن العراق
     بعد الانقلاب الدموي البعثي الاول ، في شباط الاسود عام 1963 واغتيال الجمهورية العراقية الاولى، وسقوط  سلطة الزعيم عبد الكريم قاسم (1958-1963) وشيوع المجازر التي نفذتها اجهزة الانقلاب بحق الالوف من الشيوعيين والوطنيين: قتلا وتعذيبا وعسفا وسجنا.. اضطر ابو سرود للاختفاء عن الانظار، ولمدة عامين، ثم استطاع الخروج من العراق الى سوريا اولا، ومنها الى تركيا وايران، وليستقر بعدها في جمهورية قرغيزيا، بترتيبات من الحزب الشيوعي السوفياتي، حيث بقي يعمل هناك باختصاصه المهني، كهربائياً، في مصنع للمضخات، ثم في احد معامل النسيج، وحتى اوائل السبعينات الماضية، بحسب المسؤول الشيوعي العراقي البارز، وعضو قيادة اتحاد النقابات العالمي لفترة مديدة، أرا خاجادور، الذي اضاف لنا في حديث خاص، مطلع العام الجاري 2016:  لقد كنت في زيارة رسمية الى موسكو، وقد تفاجأت بوجــود "ابو سرود" بذلك المقام والعمل، منذ سنوات عديدة.. فتدخلت لدى المسؤولين الشيوعيين التشيك، وقد نجحت في ان ينتقل الرجل الى براغ عام 1973 ولتلتحق به بعد ذلك زوجته "روناك" وأبنه"سرود" عام 1975 وليقيم ويعمل، وينشط حزبيا وسياسيا فيها، لعقدين تاليين من الزمان ..
   وفي مستقره الجديد، كرس "ابو سرود" جل وقته ، لتحمل مهام ومسؤوليات حزبية عديدة وحتى حيان الرحيل . وقد توظف اعلامياً، لعدة اعوام في القسم العربي باذاعة براغ، مع عصبة من المثقفين والصحفيين العراقيين، وكان – بحسب مزامنيه في الاذاعة ذاتها- من الملتزمين بشكل مثالي بضوابط ومتطلبات ذلك العمل.
    لقد تنوعت مهام "ابو سرود" الحزبية والسياسية وما بينهما، في براغ، ومن ابرزها اشغاله عضوية مكتب تنظيم الخارج للحزب الشيوعي العراقي، وقد جهد حريصا في تلك المهمة، ونحن هنا شهود عيان، اذ ترافقنا لعدة سنوات في تشيكلة ذلك المكتب، وفي هيئة واحدة، تابعها واشرف عليها، قياديون عديدون في الحزب، ومنهم على التوالي: نزيهة الدليمي، ثابت حبيب، حميد مجيد موسى، كاظم حبيب، آرا خاجودور، ورحيم عجينة ...
    لقد كان ابو سرود في تلكم الهيئة الحزبية، عضوا حينا، ومنسقا لها حينا اخر، نموذجا للشيوعي الملتزم، بعيدا عن التجاذبات والاراء الخلافية، الواقعية، او المدعاة، دعوا عنكم التنابز بالمسؤوليات والمهام.. كما كان بعيدا كل البعد عن الطموحات الذاتية، او المكاسب الشخصية، جهوداً والى ابعد الحدود في احترام قرارات وتوجيهات المركز الحزبي، وكل ذلك ضمن الضوابط التي كانت تسود في تلك الفترة، من التزام وثقة بقرارات الهيئات الاعلى .. وقد ترتب عليه بسبب ذلك  ان يتحمل ملاحظات وانتقادات من هنا وهناك، نسي اصحابها، او تناسوا، بان الرجل كان صلة وصل، وليس صاحب هذا القرار او ذلك، وقد كان اداء التوجيهات الحزبية - اصابت ام اخطأت- واجباً مقدساً، لا يجوز التهاون فيه، حتى وان كان هناك اعتراض اوعدم اتفاق، وتلك هي ضوابط وظروف، والتزامات ذلكم الزمان، ولسنا هنا بمعرض التدقيق او التفسير والتقييم لها.
شهادات شخصيــة
   الى جانب ما يمكن الادلاء به من شهادات شخصية، ثمة اجماع بأن عادل مصري" ابو سرود" كان شخصية عراقية حميمة، ومناضلاً حريصاً في صفوف حزبه الشيوعي العراقي، وتميز بكل السمات الانسانية المعهودة: الاخلاص والتواضع والتفاني والتسامح، والعلاقات الاجتماعية المخلصة مع الغالب الاعم ممن تعرف عليهم، وتعرفوا عليه، في الحزب والعمل والحياة. ولعل ما قد يؤشر الى ذلك وبدلالة بينة، علاقاته الوطيدة مع العشرات من رفاقه - قيادات وقواعد - واصدقائه، لعل من ابرزهم، على ما نشهد: الجواهري الكبير ومحمود صبري وغائب طعمة فرمان، وقادر ديلان، وغيرهم من النخب والشخصيات العراقية التي اقامت، او مرت في براغ لسنوات عديدة.. وأشهد ايضا ان شقته كانت، برغم صغرها، اشبه بمقر حزبي وسياسي، كما ومضافة اجتماعية، أمها العشرات من الشخصيات السياسية والثقافية وغيرها، وطوال سنين.
   لقد حرص عادل مصري- ابو سرود، ان يكون، وهو واجهة الحزب في براغ، على التواصل الجميل مع رفيقاته ورفاقه، العراقيين خصوصاً، والعرب عامة، بكل حميمية، وتفاعل. حاضرا ومشاركاً في مختلف المناسبات السياسية والثقافية، فضلا عن الاجتماعية.. ولا شك، وهو ذو ذاكرة حادة،  ان تكون لاحاديثه ومحطاته التاريخية والنضالية، وخاصة مع قيادات الحزب الشيوعي العراقي الاولى، اهتمامات المتلقين، وبكل تشوق، ومن بينها ذكرياته مع، وعن، قائد الحزب الاول، يوسف سلمان يوسف- فهد، في التنظيم والمعتقلات والسجون، وحتى استشهاده، حين نفذت فيه السلطات الملكية حكم الاعدام عام 1949.     
     لقد كانت حياة عادل مصرى- ابو سرود، منذورة، حقا لا قولاً، لحزبه وبلاده وشعبه، بحسب قناعاته ورؤاه ومفاهيمه،  ودون ان يكل او يمل، وبلا امتيازات او مقابل، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى . وقد دام على تلكم الحال، بكل قناعة واعتزاز طوال حياته الاجتماعية والحزبية والسياسية، ونأمل - كما سبق القول-  ان نستطيع كتابة تأرخة اوثق، واكثر تفصيلا  عنه، في وقت قريب قادم، داعين بهذه المناسبة رفاق ( ابو سرود) واصدقائه للمساهمة في ذلك الطموح، وهو بعض وفاء لمناضل وطني صميمي، من ذلك الزمان، الذي له ما له، وعليه ما عليه...   
-------------- احالات وهوامش
* عصبة مكافحة الصهيونية: عنى بها الحزب الشيوعي العراقي، اواسط الاربعينات الماضية، في ظل تأزم الاوضاع في فلسطين وازدياد الهجرة اليهودية اليها، وبدايات الصراع المسلح، وكانت تنشط – في مرحلة الاعلان عنها، كما بعد اجازتها رسميا - باصدار البيانات السياسية وتنظيم الفعاليات والتظاهرات الشعبية، كما اصدرت صحيفة خاصة بها حملت اسم" العصبة" .
** عميدة ( عمومة)مصري: مناضلة عراقية عريقة، ولدت عام 1922 ونشطت في العديد من تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي، ومهامه، وتعرضت بسبب ذلك للمضايقات والملاحقات والسجون، وأٌضطرت للخروج - الرحيل عن العراق الى موسكو بعد انقلاب البعث الفاشي الاول في شباط 1963  لتكلف هناك ايضا بمسؤوليات حزبية وسياسية مختلفة، وحتى رحيلها عام 1995 .
*** سرود مصري: اكمل دراسته الثانوية والجامعية والعليا ببراغ، في العلوم الهندسية، وقد نشط طوال سنوات في العديد من المنظمات الجماهيرية والسياسية، ثم ليتفرغ بعدها للعمل المهني والاستثماري، والى الان .
 

   

   

85
ثلاثة وخمسون عاماً على كارثة شباط االاسود في العراق (2/2)
زوجة الشهيد وصفي طاهر، تتذكر ...
 وتؤرخ لعشية انقلاب البعث الدموي، وساعاته الاولى
 ( القسم الثاني والاخير)




رواء الجصاني
------------------------------------------------------------------------------------------------
    في هذا القسم الثاني والاخير من توثيقنا بمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين للانقلاب الدموي في العراق  (شباط 1963)  نستمر في اجتزاء نصوص اخرى من مخطوطة مذكرات / ذكريات: بلقيس عبد الرحمن، زوجة العميد الشهيد وصفي طاهر، احد ابرز اقطاب ثورة / حركة الرابع عشر من تموز 1958  التي اسست للجمهورية الاولى، واغتالها البعثيون الاوائل في ذلك الانقلاب المشؤوم، بالتحالف مع العسكريين المتعصبين، وغلاة القوميين والمناطقيين والطائفيين، واقطاب وموالي العهد الملكي المتضررين...
   وإذ لا نريد الخوض في التفاصيل خلال هذه الكتابة، نؤشر وحسب الى بعض ما تشي به النصوص والاجتزاءات التالية- بل وتؤرخ بشهادات عيان - لجوانب من نتائج التفرد السلطوي الذي تبناه زعيم الجمهورية الاولى، عبد الكريم قاسم،  فكراً ونهجاً عملياً، مستهيناً بكل الاصوات والمواقف التي حذرت من عواقب ما ستؤول اليه الامور، ودعت لضرورة الانتباه والتصدي والردع، ولكن لا حياة لمن تنادى، فحدث المتوقع، وكانت الحصيلة انهار دماء، واحداث ومآسٍ ما فتئت تداعياتها – كما نزعم – تتضاعف وحتى يومنا الراهن، والعديد الغالب منها، يتسبب به ورثة فكر ومنهج وممارسات انقلابيي شباط الاسود، وان تغيرت المواقع والاساليب والادعاءات والمزاعم، وتدرع اربابها بهذه الاقنعة او تلك، فالجذور ذاتها، والقتلة انفسهم.. ومرة اخرى، ومن جديد، بل ودائماً، نكرر الحكمة الجواهرية المدوية: 
ومن لم يتعـظْ لغـدٍ، بامسٍ، وان كان الذكيّ، هو البليدُ
---------------------------------------------

الانقلابيون يستولون على السلطة
في صفحات عديدة من ذكرياتها، تكتب بلقيس عبد الرحمن، خلاصات عديدة عن الانقلاب المشؤوم  في ساعاته الاولى ومنه: "حين وصل وصفي الى بيت عبد الكريم قاسم، وكان قريباً من بيتنا، اتصلوا في الهاتف بمعسكر الرشيد، وطلب منهم الزعيم ان يخمدوا الفتنة، ولكنهم كانوا يسخرون منه ويشتمونه... وقال وصفي لعبد الكريم – بحسب شهود عيان - هذه نتيجة أخطائك وهذا ما كنا نتوقعه، فأجابه: "ليس الآن وقت ملامة يا وصفي، تعالوا معي الى وزارة الدفاع لنرى، ونتصل بالقطعات العسكرية الاخرى"، وهكذا ذهبوا جميعاً الى هناك، وقد كان في مقر الوزارة نفسها معادون، الى جانب الضباط والمراتب المخلصين هناك... وتضيف بلقيس: "كان وصفي قد أبعد العسكريين المعادين للجمهورية من كتائب الدروع، وعيّن المؤيدين بدلهم، احترازاً مما قد يحدث. فقد كان المتآمرون قبل ان يقوموا بأي شيء، يحسبون لقطعات الدروع الف حساب، لذلك اوهموا عبد الكريم قاسم بان وصفي، ومؤيديه، ومعه الحزب الشيوعي، سيقومون بانقلاب عسكري ضده، ويتسلمون الحكم. وقد صدقهم، بل راح يشكّ حتى بوصفي، فكلّف أجهزة الامن بمراقبته".
ولتأكيد بأن هناك من كان يتابع تحركات وصفي طاهر، تكتب زوجته بلقيس: "ذات مرة، كنّا، ومعنا ابنتنا الأصغر هند، في السيارة، وكان وصفي يقودها، واذا بسيارات من الأمن، تتبعنا وكان السائق يجلس في المقعد الخلفي. ولم يتحمل – وصفي - تلك المتابعة فاستدار وراح يلاحقهم، فأخذت سيارتهم تسير بسرعة، وهو خلفها، وكلما أسرعوا، أسرع وراءهم في محاولة للقبض عليهم، ولم يتركهم إلا بعد ان توسلنا به ليترك الموضوع"...
وفي موقع آخر ذي صلة، توثّق بلقيس بان محاولة جرت لتسميم وصفي طاهر، بقهوة قُدمت له من الخياط الذي كان يخيط عنده ملابسه، وأصابته جراء ذلك رجفة، وحمى شديدة، ثم جرت معالجة الحالة طبياً، وقد هرب ذلك الخياط بعدها... كما جرت محاولة أخرى لاغتياله في عيادة طبيب الاسنان، الذي أخبر وصفي بمحاولة يقوم بها البعض للحصول على مواعيد مجيئه للمعاينة، وفشلت المحاولة أيضاً.
وفي سياق ذي صلة، تنقل بلقيس أيضا، عن وصفي طاهر ان العميد الطيار جلال الأوقاتي، قائد القوة الجوية، كان مراقباً أيضاً بحسب اوامر الزعيم قاسم، لأنه كان عضواً في الحزب الشيوعي، ومن قبل قيام ثورة 14 تموز. وقد استقال من الخدمة العسكرية في العهد الملكي، وفي اول يوم من الثورة عيّنه عبد الكريم قائداً للقوة الجوية، باقتراح من وصفي، وقد كانا أصدقاء، ويحملان أفكاراً ديمقراطية، ولذلك فان المتآمرين وقبل ان يقوموا بأية خطوة ساعة انطلاق تحركهم في 8 شباط 1963، نفذوا عملية اغتيال جلال الأوقاتي، وقد كانت تلك ساعة الصفر للانقلاب المشؤوم"...
... وفي صفحات تالية من ذكريات / مذكرات بلقيس نقرأ: في صباح اليوم التالي (9/2/1963) وكنت قد غفوت قليلا، واذ صحوت، وجدت الجميع يبكون ليخبروني باستشهاد وصفي، وعبد الكريم، والمهداوي، ولم اصدق الخبر من هول المفاجأة. ثم رجعنا الى بيتنا في منطقة العلوية، وجاء عمي طاهر (والد وصفي، ووالدته، وجمع من الاهل، وأولهم أخي، قدري عبد الرحمن، وزوجته، نوال علاء الدين، ووالدة زكي خيري) في محاولة للمواساة وتخفيف الفاجعة"...
توثيقات عن الساعات الأخيرة
مثلما كانت هناك العشرات من "الشهادات" و"الاجتهادات" و"التوثيقات" بشأن تأرخة شؤون التهيئة لثورة 14 تموز 1958 وتنفيذها، ومسيرتها، ومن ثم الاجهاز عليها في 8 شباط 1963... ظهرت "شهادات" و"اجتهادات" و"توثيقات" بشأن مصرع وصفي طاهر واستشهاده، مدافعاً عن قناعاته ومبادئه...
... تكتب بلقيس في ذكرياتها – مذكراتها التي تركتها مخطوطة قبل رحيلها عام 2001: علمت بعد شهور من انقلاب شباط الاسود، ومن احد العسكريين المرافقين واسمه نعيم سعيد، بأن وصفي طاهر ذهب مع عبد الكريم قاسم الى مقر وزارة الدفاع في باب المعظم، وكان يعاتبه بشدة ويقول له، "هذا ما حذرتك منه"، وكان الأخير يردّ: "ليس وقت هكذا حديث الآن". وحينما اشتد القصف على الوزارة، وكان وصفي يتصدى للانقلابيين، طلب من مرافقه وسائقه، ان يخلّصا نفسيهما ويتركاه لوحده، فهو سيدافع عن الثورة الى اخر قطرة من دمه، وذلك ما كان بالفعل.
وبعد نحو عدة أعوام، وفي 2007 تحديداً، يُعرض برنامج تلفزيوني ببغداد، بمناسبة الذكرى السنوية للانقلاب الفاشي، ويتحدث فيه أحد آخر عسكريين اثنين بقيا مع وصفي طاهر حتى اللحظات الأخيرة، وهو مرافقه الشخصي نعيم سعيد، فيؤكد أن وصفي طاهر طلب منه، وكذلك من سائقه فيصل عذاب، وكانوا جميعا في مقرات وزارة الدفاع يقاومون الانقلابيين، طلب منهما ان يسلما نفسيهما، بعد وضوح النتيجة، ونفاد الذخيرة، قائلاً لهما انه هو المطلوب أساسا من الانقلابيين، وحينما استدارا، وبعد ذلك بلحظات، سمعا صوت طلق ناري، انهى بها وصفي طاهر حياته.
وهكذا يتخذ وصفي طاهر القرار، كما قرر، وأفصح عن ذلك، أمام زوجته، وأمام عبد الكريم قاسم بالذات، في أوقات سابقة، بأنه سيقاوم أية محاولة لاسقاط الثورة، وسيحتفظ بآخر طلقة لنفسه...
وبحسب المتحدث، نعيم، في البرنامج التلفزيوني الذي جرت الاشارة اليه في السطور السابقة، فانه، وفيصل، مددا وصفي طاهر، واغمضا عينيه، وقاما بتسليم نفسيهما للانقلابيين. ومن المعروف والموثّق، كيف عرض تلفزيون بغداد، الذي سيطر عليه انقلابيو 8 شباط جثة وصفي طاهر، وبأسلوب حاقد ولئيم، لا لشيء إلا لاحباط عزائم المواطنين، المقاومين للانقلاب في حينها، وكذلك لطمأنة أنفسهم من الرعب الذي كان يحيط بهم من قيادات الثورة التموزية.
واستطراداً في الحديث عن هذا الشأن، تنقل هند، إبنة وصفي طاهر الصغرى، انها، وبعد عودتها الى العراق اثر سقوط نظام الطاغية صدام حسين، في نيسان 2003 اتصل بها مواطنون محددون ليدلوها الى قبر جماعي "سري" في مدينة المعامل ببغداد، يضم عدداً من رفات شهداء انقلاب الثامن من شباط الدموي، ومن بينهم وصفي طاهر... وقد حافظ بعض العراقيين الأوفياء على ذلك السر، طيلة أربعة عقود، ليكشفوا الأمر بعد انهيار الحكم البعثي الثاني في البلاد... ومازالت الاجراءات الرسمية، والإنسانية، مستمرة الى اليوم، للكشف والتوثيق حول ذلك الموضوع.
-------------------------------------------------------------------------------
(*) شهادات بلقيس عبد الرحمن مستلة من مؤلًف: " وصفي طاهر.. رجل من العراق" – كتابة وتوثيق: رواء الجصاني ونضال وصفي طاهر، الصادر عام 2015 بطبعتين عن:  بابيلون للثقافة والاعلام - براغ، ودار الرواد المزدهرة – بغداد .


86
" بابيلـون" للثقافة والاعلام في يوبيلها الفضي
رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------
    في اواخر عام 2010 نشرنا تأرخة حملت عنوان " بألف دولار من الجواهري، وبريشة محمود صبري، أبحرت "بابيلون" من براغ، قبل عشرين عاما ".... وها هي خمسة اخرى من الاعوام تمر ليصير الحصاد ربع قرن، يوبيلاً فضياً، لأول وأخر مؤسسة عربية في بلاد التشيك، تفردت بشؤون الثقافة والاعلام، وما حولهما وبينهما كثير من الرحاب..
... وأما مبلغ الألف دولار، ولا غير، فهو قرض من الجواهري الخالد، مثّل ثلث "الرأسمال" المطلوب لبدء العمل.. واما ريشة المبدع الكبير محمود صبري، فهي التي طرزت الاصدارات الأولى لـ"بابيلون"  فضلاً عن توجيهاته ورعايته الشاملة. وهكذا صدر العدد "صفر" من النشرة الاخبارية الأولى اوائل عام 1991 لتسجل ريادة أولى على الصعيد الثقافي والاعلامي في براغ، ولتترى بعد ذلك، وإلى اليوم، مطبوعات ونشريات وفعاليات متنوعة الاهداف والاشكال، ولكن بسمات واحدة نزعم أن خلاصتها: الموضــوعيــة والتميـــز... ومعـــروف ما هو مردود ذلك - دعوا عنكم الجوانب الإيجابية - من غيظ وحسد، ولانزيد...
... وأذ تتوالى الأعوام الخمسة والعشرون، تستمر "المغامرة" في "طلب مروم"، لو بُذل قســـط بسيط مما استنزفه من جهد مثابر في مشروع آخر - غير ثقافي أو اعلامي بالطبع - لتحققت مقابل ذلك عوائد وفوائد جمة من نوع آخر، ما كانت، ولم تكن، من توجهات "بابيلون" أو طموحاتها... فالمتناقضان لا يجتمعان في مستقر واحد، كما ينبئ التاريخ، ويسجله بحرص... وقد كُفيّ المؤمنون شر "الأرباح" المادية، ليستعاض عنه بشارات تميّز، وحصاد فخر.
لقد تبوأت "بابيلون" للاعلام والثقافة والنشر ما تبوأته من مكانة، في المساهمة بمجـــالات التنويـــر والاعــلام، ولتصــــبح بشـــهــادات "متربصـــين" قبل زملاء واحباء، مَعلمـــاً ثقافياً واجتماعياً، ولاسيما في بلاد التشــــيك ولدى أهلها، مواطنين وجاليـــات عربيـــة، وغيرها، وخاصة من عُنيّ منهم بشؤون التبادل المعرفي، والتأرخة والتوثيق، وما إلى ذلك من قياسات ومقاييس...
...ان التوقف عند مناســـبة اليوبيل الفضي لانطلاقة "بابيلون" بمثـــل هذه السطور، الموجــــزة، لا تدع لنا فرصة واسعة لـ "تقييم" المكاسب والخسائر، ولا عرض "حسابات" الحقـــل والبيــــدر: امتنـــاناً للأصحاب، أو انتقــــاداً للآخرين... وبمباشرة أكثر صراحة: لمن "حرص" على استمرار "بابيلون" في النشاط والعطاء، ولمن "حرص" على "مواجهتها" بهذا الشكل أو غيره، لأسباب معروفة في بعضها، وأخرى في "نفس يعقوب"!... ولكن كل ما نبتغي قوله، وعلى عُجالة: ان النجاح الأصيل هو ذلكم الذي يتحقق مع الصعوبات، لا بدونها، وإلا لأصبح الأمر ترفاً ومجالاً يسرح به القادرون وغيرهم، على حد سواء، ولعل ذلك ما لا يستحق التوقف عنده...
ان الكتابة لكم تعسر حين يراد بها أن تعبّر، وتوجز في آن.. ولاسيما في محاور ومجالات تتنوع رغبات التوقف عندها، بين الاستعراض والتقييم، وما بينهما...
ونستذكر البدايات، وتلكم الأيام الأول، وساعات العمل التي امتدت احياناً من السادسة صباحاً، وحتى منتصف الليل... وللأوائل هنا موقع متميز: عبد الاله النعيمي" الشريك" المؤسس، وذات الانامل والطبائع الذهبية : نسرين وصفي طاهر، الى جانب جهود: صادق توما توماس و ياسر رزق وجمال الجواهري ويحيى زكي خيري...
... ثم تصدر "النشرة العربية".. الوليد البكر، الرائدة في شكلها ومضمونها، التي شهدتها براغ، باللغة العربية، كل يوم، ولنحو سبعة أعوام 1991-1997...
وتتنوع الاصدارات. متتالية : فمن أسبوعية "الاقتصادية" وشهرية "أهلاً" الموجهة للجالية، وفصلية "الحياة التشيكية" السياسية الثقافية الجامعة... إلى الكاتلوج التجاري السنوي، ثم "بانوراما عربية" باللغة التشيكية هذه المرة، وما تلكم سوى بعض الحصيلة الاولى... وتستمر "بابيلون" في اصداراتها الجديدة، والمتجددة وفقاً للحاجة والظروف... اضافة لاصدارها العديد من الكتب والنشريات المتميزة، وبلغات متعددة ومنها عن: الجواهري، نزار قباني، محمود درويش، محمد الشرفي، وكذلك عن شؤون وقضايا يمنية وليبية وسورية وعراقية... وغيرها.
... ونتباهى هنا : ان "بابيلون" قد التقت وحاورت في مقابلات صحفية العشرات من المسؤولين الرسميين والسياسيين والشخصيات العامة، وفي المقدمة: رؤساء جمهوريات وحكومات، ووزراء خارجية، وبرلمانيون، عرباً، وتشيك... وقد يطول التعداد، ونحن عازمون على الإيجاز والتأشير، فقط.... كما ونتباهى أيضاً - ولم لا ؟؟- بان جمعا حاشدا لمسؤولين وسياسيين وسفراء ودبلوماسيين ونخباً ثقافية: عربية وتشيكية وأجنبية، قد زاروا مكاتب "بابيلون" للتعارف والاطلاع وتبادل الآراء وغيرها من الشؤون العامة... ولعلنا قادرين في قريب قادم على اصدار "البوم" مصور عن تلكم الزيارات التي نعتز بتوثيقها، لما فيها من تارخة ومغازٍ عديدة...
ان من غير المقبول تماماً، ان نتابع مسارات "بابيلون" في أعوامها العشرين، دون وقفة وفاء لراحلين أعزاء عملوا معها، وتحملوا بعض أعباء نشاطاتها، وخاصة في البدايات: السودانيان د. فتح الرحمن احمد هاشم، ود. عبد الرحمن احمد... والعراقيان أمل محمود بهجت، وزكي خضر، وكذلك المستعرب التشيكي فلاديمير هايسكي، فلهم جميعا نفثة وفاء وذكرى طيبة دائماً...
... كما لا يجوز هنا إلا ونتوقف لنؤشر جهود ومشاركات أكثر من خمسين اعلامياً وكاتباً ومحرراً ومترجماً وادارياً وفنياً: مصرياً وعراقياً وسورياً وفلسطينياً ويمنياً وسودانياً وعرباً آخرين، إلى جانب التشيك، من الذين ساهموا وبهذا القدر أو ذاك في انطلاقة "بابيلون"، وديمومتها، وتطوير عملها... منوهين بهذا الشأن الى مشاركات متميزة، ولفترات طالت او قصرت، لنخبة من المثقفين الذين تعاونوا مع بابيلون في مجالات الكتابة اوالتحرير او الترجمة، وفي مقدمتهم : د. مجيد الراضي ومفيد الجزائري ويحيى بابان ( جيان ) و د. عدنان الاعسم... وعذرا لمن شطحت - او تقصدت ؟- الذاكرة عن البوح باسمائهم...
لقد تعدت حدود ومهام "بابيلون" الاعلامية، لتتحول إلى منبر ثقافي واجتماعي عام: ندوات ودراسات واستشارات ومساهمات في فعاليات عربية ودولية... مبرزين بهذا السياق جهودها التي ما برحت قائمة في التقريب بين أبناء الجاليات العربية في تشيكيا وبقدر المستطاع، وضمن الامكانيات المتاحة....
واذا كان كل ذلك الذي وثقنا له، وبمنتهى الإيجاز، قد تحقق بجهود مثابرة وحثيثة، برغم محدودية الموارد والامكانيات المادية – وعسى ان تكرهوا شيئاً... -  فلابد من القول ان مشاريع طموحة عديدة أخرى كانت - وما فتئت ـ في "أجندة" بل "أجندات" بابيلون، ولكن: ما كل ما يتمنى المرء يدركه، وسنبقى نردد بيت الجواهري العظيم، مع تغير كلمة واحدة وحسب :
 ذهب الناس من الدنيا بمال ونعيم، وذهبنا نحن بـ"التاريخ" والذوق السليم
مع تحيات"بابيلون" للثقافة والاعلام
www.babylon90.com


 

87
وتساؤلات حول- التساؤلات- بشأن التظاهرات العراقية الراهنة

رواءالجصاني

ها قد بدأت فورة العواطف تخبو شيئاً فشيئاً، بعد ازيد من شهر على حراك جماهيري شجاع، انتصارا لطموحات بالغة المشروعية في غالبها الاعم ... وهكذا نعرف بأن النفوس حين تهدأ، تحل العقلانية كما هو معهود بديلا عن الانفعالات والغلو، وتتاح فرص التساؤل النزيه، والجدل الحريص، وكذلك محاولة كشف المضموم !!! وذلك ما نزعم به في هذه "الحزمة" الرابعة من التساؤلات التي بدأناها منذ انطلاقة التظاهرات المطالبة بالاصلاح والتغيير، أواخر تموز الاخير.

1- يعلو سؤال تلو الاخر، عن افاق ذلكم الحراك الجماهيري، وعن البدلاء المرادين، القادرين على السير بالاصلاح، واطلاقه، ولا نقول اتمامه؟ ..ويجيب هذا وذاك، يأسا مرةً، و دلساً مراتٍ ومرات: وليكن الشيطان... ونحار- مجادلين ليس ألا- لمن نميل للعاطفة ام للعقل؟...

2- ونقول بأن لانتصار الحراك متطلباتٍ، واحتياجات زمانية ومكانية، وذاتية وموضوعية... فيرد متنطعون، او حريصون، بأن القادم احلى مهما كان، ناسين ان ثمة من يترصد ويتوعد، وما احد قادر على ردعه، حتى الان على الاقل... ونصدحُ: ولشدّ ما يؤذى الكرامةَ ان نرى صوتَ المساومِ بالكرامةِ يُرفــعُ

3- وبينما يصرخ اخرون من الخارج، وحيث "الأنس في فيينا" وجوارها، وقريناتها: انهم يريدون ذلك الحراك الجماهيري الشجاع، ليس اقل من "وثبة" بل" انتفاضة" وحتى" ثورة" ... يدعو "اهل الدار" المكتوين بلهيب الوطن، لعدم الانسياق وراء الفوضى وأسقاط " النظام" والاحتراز من ركاب الموجة، في الداخل او الخارج، ودعاويهم وادعاءاتهم.

4- وإذ نرى هنالك من يقدم ويؤخر في اسبقيات حراكـ"نـا" الجماهيري، ونقول بضرورات ان تكون الاولوية، وبدون لف ودوران، لجبهات الكفاح ضد الارهاب ومناصريه الظاهرين والباطنيين.. حين نقول بذلك ينبري بعض الطيبين، كما وذوي السوابق، ليسعوا لاثارة الفتن، والطائفية المقيتة، بل ويتجرأون حتى في التبرير لما يقوم به الداعشيون واخوانهم، بهذا الزعم او غيره، وبخجل حيناً، بل وبعلانية حيناً آخر، عندما يطمئن- ذلكم البعض- لمن حواليه او جنبه.

5- وحين يجري الحديث عن الفساد، واهمية مكافحته، نتصدى فنقول بــن الاساس في ذلك يتطلب التركيز على مكافحة "بنيوية" الفساد، وعلل وخراب العقول والنفوس، وعلى إشاعة القيّم وترسيخها، ودور السياسيين النجباء، والنخب المثقفة في تلك المكافحة المرتجاة. ولكن ما نتصدى اليه بواقعية نعتقدها، يغضب الكثير، ولاسباب متباينة، ولربما من بينها، شكٌ وشعور بان حديثنا قد يمسهم، ويلمّح لهذا و ذاك، ولعل المريب يقول خذوني، او يكاد .

6- وعندما يستمر التداول في موضوعة الديمقراطية، والاغلبية والاقلية، يفسر "طيبون" الامر كما يشتهون، وفقاً لمستويات الوعي والفهم ، او لأنهم تعودوا على حال، ولا شك بأن من شب على شئ، شاب عليه .

7- اما عن المزايدين، واصحاب المآرب المخبأة بعسل الكلام، فحين يجادلون بشأن مواقف وافكار شباب وشيب الحراك الجماهيري- الاصلاحي، يلفون ويدورون، وهم ليسوا عارفين بما يدور، أو انهم يعرفون فيحرفون، كما يقول العراقيون حقاً، وليس "المستعرقون" مثل اولئك الذين لا يعلمون الى الان بأن لواء "المنتفك" صار محافظة الناصرية منذ عقود، ثم راحت تسمى اليوم "ذي قار" !!!.

8- وكما هي حال المعنيين بالنقطة السابقة، بات حال العديد من المناضلين الجدد، والطائفيين، والمناطقيين، واشباههم كثر، ولا حصر لهم.. فما عادوا من الوطنية المدعاة الا بالصياح والخطابية واجترار المفردات، وما تحرك لهم- او يتحرك- حاجب، او يرفّ جفن، لو تحولت التظاهرات حتى الى حمامات دم، يخطط لها الفاسدون وارتالهم المجحفلة بالبقايا والمتضررين، واصحاب النعم الحديثة.

9- ترى هل أوفينا، ولو ببعض ايحاءات ضمير، وهو الحكم الاول والاخير؟ .. لا ادري، ولكن كل ما أدريه ان ثمة اكثر من خلاف، أو حتى اختلافات، ستبان في تقييم الحال، بوعي وحرص وادراك.. او بأمور تتعلق بمديات الفهم والعلم، ولا اقول المعرفة .


88
"حزمة ثالثة" من التساؤلات حول التظاهرات في العراق
-   رواء الجصاني
-------------------------------------------------
... وتستمر التساؤلات بشأن تظاهرات جماهير العراق، المشروعة، من أجل الاصلاح والأمن والنهوض، كما يهدف اليها المخلصون جميعاً... وإذ تستمر، فلابد للتساؤلات عنها، وحولها، ان تطفو أيضاً، من أجل ألا يستغلها المتربصون والطائفيون والغوغائيون، و"الداعشيون" السياسيون، وأنصارهم وحواضنهم، وهكذا تأتي هذه "الحزمة" الثالثة بعد ان نشرنا في الأسبوعين السابقين، أولاها، وثانيتها:
1ـ هل حقاً ان هناك بعض تداعيات سلبية، وقلق وانكفاء بدت، أو تكاد - بسبب التظاهرات - عند بواسل ومجاهدي القوات العراقية، بمختلف تشكيلاتها: جيشاً وحشداً وفصائل أخرى، ولمصلحة مَنْ ذلك؟... ألا يجب ان يزيد التركيز على ان التظاهرات أولاً لدعم أولئك المقاتلين المقاومين للارهاب، على "ساحات" الكفاح ضد داعش؟.
2ـ ألم يحن الوقت الآن، لفرز وتدقيق الشعارات والأهداف التي يرفعها ويطالب بها المتظاهرون النجباء، بعيداً عن المبالغة والتسرع والاجمال؟... ألا تسبب الشعارات والمطالبات مثل: "الجذرية" و"اليوم اليوم وليس غداً" ببعض الغلو والتشدد غير المناسبين، مما يدفع بالفاسدين والمتسلطين للتوحد، والمجابهة والمواجهة، ضد المتظاهرين، والانقضاض؟!... أما يجب الاحتراز من ذلك، قبل ان يحصل ما قد يحصل دون حاجة ضرورية؟.
3ـ أليس من الواقعية، والموضوعية بمكان، ألا تـُهـمل  الاستفادة من تجاريب "الربيع" السوري، والليبي، واليمني، حينما سقطت تلكم البلدان في متاهات الدمار وأنهار الدماء؟.. أما ينبغي على النخب السياسية الوطنية، والمثقفين العراقيين، بحق، أن يكونوا موجهين للجماهير، وبوصلتها، لا مسايرين لها، دون حسابات الحقل، والبيدر؟.. أما من فائدة جلّى في تبني حكمة "من أراد أن يُطاع فعليه أن يأمر بما هو مستطاع"؟!.
4ـ وفي ضوء الفقرة السالفة، هل يحق التساؤل مجدداً عن صلاحية وجدوى الديمقراطية المبتغاة، وإمكانية إشاعتها في بلدان مثل بلداننا، حيث الوعي الاجتماعي، والتعليمي، والسياسي، في مستويات لا تستوعب حتى اوليات مثل تلكم "الديمقراطية" في احايين كثيرة ؟... وبالمقابل، هلي يعني – خلاف ذلك – ان يُدعى لمزيد من الحزم والضبط، والقوة، وان لفترة زمنية محددة، وإن تطلب الامر: تعطيل بعض فقرات الدستور، حين تقتضي الظروف الموضوعية من اجل انقاذ البلاد، بحسب رؤى البعض واجتهاداتهم؟.
5ـ ثم، هل من الصحيح المبالغة في تقدير حجوم وقوى التظاهر، من أجل التحريض و"التثوير" فيقال ان الآلاف المؤلفة في ساحة "التحرير" ببغداد وشبيهاتها في المحافظات، هي صوت الشعب كله؟ ...وإذا كان ذلك صحيحاً، فبماذا سيكون الرد حين تقارن تلكم الآلاف بملايين الصامتين، دعوا عنكم المؤيدين لمافيات الفساد، والمنتفعين، والمتسلطين وتجار السياسة قديمهم، والجديد؟!.
6ـ وفي سياق ما سبق، هل باتت منابع، وينابيع ومنابت المشاركين في التظاهرات هي التي يعوّل عليها في الاصلاح والتغيير؟!... وان لم تكن كذلك، فهل يعني ذلك ضرورة الانتظار الى حين ان تكون تلك "اليانبيع"، و"المنابع" من مواقع، ومنابت وقواعد، وفئات، بل وحتى طبقات أخرى؟.
7ـ  وأخيراً أليست هذه التساؤلات محبطة للعزائم، والتثوير، بحسب حالمين وطموحين من جهة، كما وذاتيين وشعبويين من جهة ثانية، وخاصة اولئك الذين لا ناقة لهم ولا جمل بما حدث، ويحدث، في البلد العجيب ؟.. أم انها – هذه التساؤلات- حريصة على ان تكون الأمور في مسارات أكثر موضوعية وواقعية، ولكي لا يستغل هذا الحراك الجماهيري، أصحاب السوابق الذين ساهموا، ويساهمون - فعلا او كتابة اوقولاً-  في احراق البلاد العراقية وأهلها، منذ سنوات طوال، تحت شعارات "الوطنية" ومقارعة "الاحتلال" و"الثورية" وما شابه ذلك؟.

89
عشرة تساؤلات اخرى حول التظاهرات
الاحتجاجية في العراق
  رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
نعود، وقد لا يكون العَود احمدَ هذه المرة، للحديث عن بعض شؤون التظاهرات الاحتجاجية في العراق ... ومع ذلك دعونا نضيف للتساؤلات التي أبحنا بها قبل ايام قليلة، بذات الشأن، ولا ندري هل كانت في مكانها ام خارجه؟! .. ثم لا ندري ايضاً هل ستكون لاضافاتها التاليات ما قد يثير اهتمام ذوي الصلة، وهم الأولى بالامر أولاً واخيرا ؟!... ولكن عسانا ان نشارك، فنصيب، وأن بأوسط الايمان:-
1-   وأول الغيث، واهمه، هو ما بات يلفتُ الانتباه الى ان المعركة الالح، والارأس، ونعني بها الحرب مع، وضد، داعش واربابها وحواضنها، راحت في الموقع الثاني – على الاقل- عوض ان تكون الاول دائما، وذلك بسبب طغيان اخبار التظاهرات، دعوا عنكم المزايدات بشأنها؟!... فأما يتطلب الامر ان تبقى الانظار والقلوب، والعقول باتجاه جبهات القتال، وبشكل موحد؟!.. وان يُصار للتأكيد دائماً : ان معركة "ساحة  التحرير" واحدة من معارك الحرب مع الارهاب والظلام ...
2-   ثم، وبالارتباط مع ما سبق، هل بالمقدور- فعلاً- ان تتحقق الاصلاحات بمستوى جدي، وان وتقوم الدولة المدنية- ودعونا عن العلمانية الان- جنبا الى جنب دولة "داعش" الدموية الوحشية ؟! ..
3-   ولان الشئ بالشئ يُذكر، بل ويتشابك، نتساءل: اليس من واجب القادرين، ان يعينوا الناس ويوضحوا لهم بان "اصلاح" العراق لن يتحقق بمعزل عن الواقع والظروف والصراع الدولي والاقليمي والعربي؟ .. اليسَ في تلك المصارحة المؤملة والمبتغاة ما يفيد اصحاب الشأن، كما والناس عموماً، لكي لا تذهب جهودهم واحتجاجاتهم صرخات في فضاءات الخيال.
4-   أما آن الاوان للتعامل الواقعي، وبعيدا عن العاطفة، مع موضوع "فدرلة" العراق، ومحاولة اعادة توحيده، حقناً  لدماء وتضحيات مجاهدي الجيش والحشد وعموم المكافحين البسلاء ؟!.
5-   ترى أليس من الضرورة ألا تبالغ النخب السياسية، والمثقفة، في التفاؤل المفرط بما سيتحقق من نتائج و"اصلاحات" مطلوبة، لكي لا تنكفئ الجماهير اذا ما لم يتحقق حد ادنى، ولا نقول أوسط، من المطاليب، فتتخلف الناس عن المشاركة في اية دعوات لاحقة للتظاهر والاحتجاج؟.
6-   وفي شأن مترابط تماما، يتساءل الكثيرون عن سبب كتمان اسماء وعناوين الجهات المنظمة / المنسقة/ للتظاهرات، وكم مريح وضروري ان جرت الاجابة على تلكم التساؤلات، او اعلان اسباب الكتمان على الاقل. وخلاف ذلك فقد تسود التكهنات والمزاعم والاقاويل... اما التداعيات بشأن ذلك، فمعروفة لذوي البصيرة على ما نزعم .
7-   و... أما ترون معي بأن التشدد في الشعارات امر مبالغ به، وربما يتسبب بما لايراد؟.. اليس من الاصح- وساتحدث بكل مباشرة هنا- ان يتغير الاطلاق والتعميم في شعار "نواب الشعب، كلهم حرامية" الى بديل اكثر واقعية وهو "النصف" وليس "الكل" ... مثلا؟!.
8-    وما دمنا في عوالم الشعارات، أما في هتاف "باسم الدين، باكونه الحرامية" ما قد يستفز شرائح كبيرة ويضعها في تقاطع مع الاخرين، دون حاجة وضرورة حقيقيتين؟!... هل ادخال "الدين" في التظاهرات حال مناسبة، وثمة ملايين قد تتصادم، او يجري دفعها للتصادم مع المحتجين الاخرين بسبب هذه "الكلمة" الوحيدة لا غير، وان جاءت بمعنى الايجاب والمديح ..
9-   ثم، وهنا ربما تكرار مفيد، لعلّ وعسى ينفع التذكير، أليس من الاكثر حكمة الا تعلو هتافات عراقيي "الخارج" بأزيد مما تفيض به مطاليب مواطنيهم في البلاد، فأهل  "ساحة التحرير" ادرى بشعابها، ولكي نحجّم ما قد يُقال عنا – نحن العراقيين في اوربا والمهاجر الاخرى- بان حماسة الرقص تأخذنا "باشدّ مما ينفخُ الزمّارُ" ...
10-اخيرا، أوليس من التحضر- والجميع راح يزايد اليوم بهذه الكلمة ذات الالف مغزى ومغزى- ان يكون اليراع النبيل، اساس الحوار والتداول بشأن التساؤلات اعلاه، وسابقاتها، وبعيداً عن الاحكام المسبقة، و"العواطف" والسباب المتهافت؟!.



90
تساؤولات حول التظاهرات الاحتجاجية في العراق
رواء الجصاني
-----------------------------------------------------------------------
   لا يجوز لأحد – كما اجزم – ان يدعو الناس لعدم التعبير عن مشاعرهم واعلاء اصواتهم وتفعيل مواقفهم، تجاه ما مرّ، ويمرُّ به العراقُ "العجيب" منذ عقود، وساقول من قرون ولا اتردد .. ومن هذه الانطلاقة، فلن تاتي السطور التاليات سوى تساؤولات تجهد لان تكون هادفة لمزيد الواقعية، وبعيدا عن العواطف والمشاعر وما بينهما... واعتذر سلفاً ان راحت – التساؤولات- عجولة، مباشرة، او تكاد :-
1-   هل يمكن ان تكون البلاد العراقية في مواجهة حرب ضروس، مع عدو بالغ الوحشية والضراوة ؟... وفي ذات الآن ثمة تظاهرات مطلبية، واحتجاجات خدمية، وغيرها؟.
2-   ولكن ؟ الا ترفد تلك الاحتجاجات والتظاهرات، البلاد واهلها بالمزيد من الثقة والقوة لتدعم الابطال في الجبهات، وهم يواجهون العدو وحواضنه، بشموخ وعنفوان؟.
3-   ترى هل سيندفع المكافحون من القوات المسلحة والحشد الشعبي نحو العدو ببسالة وتضحيات اغلى، حين تعلو الاصوات بان الحكومة، التي تقود اولئكم الابطال، فاشلة وفاسدة؟ الا سيترددون، ويشككون، ويكفرون ؟.
4-   وبالمقابل، اليس "تحجيم" الفساد- ولا نريد الان اكثر من ذلك- سيعني بالنتيجة دعماً لابطال العراق وهـــم يقارعون على الجبهات، قوى الظلام والتخلف والهمجية ؟.
5-   وثمة سؤال آخر يلح ساخناً، الا وهو: هل ان موازين القوى اليوم، بين المحتجين والمتظاهرين من جهة، وبين مريدي وانصار الاحزاب الحكومية، من جهة اخرى، متكافئة حقاً؟ ... بمعنى هل تظاهراتـ"نـا" واحتجاجاتـ " نا" مناسبة في توقيتها، وغير قابلة للتأجيل، لكي لا ينكفئ المتظاهرون، وتخيب آمال وتمنيات المحتجين، حين لا تتحقق حتى بعض مطاليبهم؟.
6-   ولعل هناك من يتصدي فيقول ردا على ما سبق من تساؤل: وهل المطلوب ان نصبر الف يوم اخرى؟ .. اليس "التراكم الكمي يؤدي الى تحول نوعي" ؟.
7-   اخيرا، وفي عجالة ايضا:اما ترون معي، ان حماسة عراقيي الخارج، لمثل ذلك الدعم اللامحدود، للتظاهرات الراهنة، فيه بعض المبالغة والغلو؟. وبماذا سيجابُ لو قيل: انهم في نعيم "الخارج" فاينهم من جحيم" الداخل" ؟. هل ستكفي اجاباتـ"نـا": اننا نمارس" أوسط الايمان" ؟!!.

   


91

وصفي طاهر ... رجلٌ في تاريخ العراق الحديث
وقائع وشهادات عن (حركة- ثورة) الرابع عشر من تموز 1958
-   رواء الجصاني
------------------------------------------------------------------------------------
     كانت وما برحت اهمية الحديث عن الشخصيات المؤثرة ، مسؤولية كل المعنيين القادرين، لا بهدف التأرخة والاستذكار فحسب، بل لتشابك ذلك مع احداث ووقائع البلاد، وشؤون ومسارات اهلها، وتطوراتها الاجتماعية والسياسية وغيرها .. وهكذا رحتُ على تلك الطريق منذ نحو عقدين، في كتابة شهادات واستذكارات، وتوثيق،  ومن ابرزها عن : الجواهري، ومحمود صبري، وعن وقائع ومشاهدات جمة، عشت في غمرتها، دعوا عنكم على ضفافها وحول ظلالها، وما بينهما وفير.. وها هذه المرة اوغل في التوثيق لوصفي طاهر، وعنه، واحداً من ابرز قيادات ثورة / حركة الرابع عشر من تموز 1958 التي اسست للجمهورية العراقية الاولى .
   وازعم بان التوثيق لوصفي طاهر، والكتابة عنه، ، يعني بكل ذلكم القدر، أو بعضه، التوثيق لمسارات عراقية، وأحداث وشؤون، تعني الكثير حين يُراد للمتابع، والباحث عن الحقيقة، ان يتوقف عند جوانب ضاقت أو اتسعت، بشأن التاريخ العراقي الحديث، وتداخلات أحواله، ودواخل رجالاته وسياسييه الذين أسسوا لتطورات أحداث البلاد، أو ساهموا بجزء كبر أو ضَؤلَ، في مراحل نجاحات أو انكفاءات الحركة الوطنية، ولنقل حتى في تدهورها وانحداراتها، ولا نتردد..
    فالرجل، ذو تميز كان، وما برح، حالة اجماع او يكاد، وحتى من جهة مناوئيه الموضوعيين، لا المدعين، ولا سيما بشأن دوره الابرز في مَحورة تشكيلات تنظيم الضباط الاحرار، وقيادته، الذي هيأ، واطلق ثورة /حركة 14تموز 1958 .. ومن ثم مشاركته في ادارة  شؤونها، ولحين انكفائها.. ومعروف ما تلى ذلك، واعني تمكّن المناهضين، من اغتيال مسيرة الجمهورية الاولى، بدموية بشعة، وفي ظروف واحداث، ليس الدخول في تفاصيلها بيت قصيد الان.
   وهكذا، ووفق جمع السياقات اعلاه، جاء كتاب "وصفي طاهر .. رجل من العراق" لتضم صفحاته جمعاً وفيراً، من الشهادات والاستذكارات، اكثر بكثير من الآراء والإستنتاجات والتقييمات، وكل ذلك بقصدٍ عمد، في مسعى لتوثيق موضوعي- كما نزعم مرة تالية- عن أهم تغيير شهده العراق في القرن العشرين، ونعني به الاطاحة بالعهد الملكي، والتأسيس للنظام الجمهوري ... فضلاً بالطبع، عن إحتوائه-  الكتاب-  لمحطات بيّنات من سيرة الرجل الذاتية، وانشغالاته، وطموحاته لما هو مرجو ومؤمّل، وحتى آخر ساعة من حياته، وحتى انقض انقلابيو البعث، واباحوا الدم والدمار، في الثامن من شباط المشؤوم عام 1963.
    لقد عمدنا لانجاز الكتاب، كما سيلاحظ القارئ في متن اوراقه، إلى تنويع المصادر التي جرى الاقتباس منها، برغم ان بعضها فيه ما فيه من "اجتهادات" و"آراء" ابتعدت- بتقديرنا على الاقل- في أحايين كثيرة عن الحقيقة والتأرخة الموضوعية، لتنحاز الى عواطف هنا، وانفعالات ومزاعم هناك، وليس في ذلك من غرابة في عوالم اليوم التي راحت تشتبك فيها الظلمات والنور!..
   ولعلّ ما أنبأنا- وينبئنا- بل ويثبت لنا، التوثيق الذي سعينا إليه، وسجلناه في الكتاب: أن للقيم والمبادئ، أثماناً باهظة، جُلّى، ليست بمستطاعٍ سهل، متاح، لمن يريد، فيدّعي... ولكنها بمقدور من تتشرّب فيه، عقلاً وروحاً، منارات التضحية وينابيع الإيثار، والثبات الصميم على الطريق المستهدف، وبانسجام مع الفكر والنفس، قبل أي سابق آخر.
   وإذ لا نريد الإطالة هنا في الحديث عن الكتاب- والذي ساهمت في متطلبات اتمامه، السيدة نضال، الابنة البكر لوصفي طاهر- فذلك لأننا لا نبتغي إستباق القارئ، فنوحي إليه.. بل جلّ همـّنا أن يكون بمستطاعه، لوحده: التمعّن والتقييم والاستنتاج، وحصاد القناعات التي تنسجم مع مديات الوعي والادراك والمعرفة، وكلنا طموح لأن نستمع، ونقرأ ونتعرّف على كل الملاحظات، والتوضيحات، والإضافات بشأن ما احتواه الكتاب من توثيق وتأرخة، كما ومحاولة تنوير، لنستفيد من ذلك في القادم من الآمال، بل والأعمال...
------------------------------------------------------
•   الكتاب من اصدارات مؤسسة"بابيلون" للاعلام والنشر، بمئة وستين صفحة، ويضم ايضا صورا ووثائق رسمية وشخصية لم تنشر سابقا.



92

تراتيل ما بعد الغروب...وعند أعتاب الفجر (7)



رواء الجصاني


26- "سكنَ الليّلُ" ولكنْ، ضجَّ في الروحِ صدى:
لا تضيعي العمرَ هيا، نجعلُ الامسَ غدا
ان ما فاتَ، فقد فاتَ هباءً وسدى
فتعالي نشبكُ القلبين، من دونِ مدى

----
27- باهي، وحسبكِ ان تباهي ... بالاخمصينِ، الى الجباهِ
بالخمرةِ المعطارِ ما بيـــن "المشاربِ" والشفاهِ
كلُ الحرامِ إذا أستهنتِ بما حُبيــــــتِ من الالهِ!!!

---

28 - ما بأيدينا .. دعينا،
ننثرُ الاشواقَ جمرا
نكتوي فيها، ونمضي،
ويروحُ الصبرُ ذكرى..
كمْ سلكناهُ، ولكنْ، لم نعدْ نملكُ صبرا !!!

---

29- سكنَ الليّلُ فماجتْ وحشةٌ تُسعِـرُ جمرا
ثم جُنتْ أهـةٌ تحنو، وتهتاجُ باخرى
يتعانقنَ ويلهثنَ معاُ، كــرّاَ وفـــرّا
لستٌ ادري من هيّ الاحلى، وانْ كانتْ أشرّا

---

30- ليسَ لي إلاّكِ نبعاً.... دُمتِ يا فيضَ الحنينْ
يا نهاراً ضاءَ عمراً، ظَلِمتْ فيه السنينْ


 
* من مخطوطة تحت الطبع [/size]

93
أدب / تراتيل..عند أعتاب الفجر (6)
« في: 20:57 22/04/2015  »


تراتيل..عند أعتاب الفجر (6)

رواء الجصاني
[/color][/u]


16- "سكنَ الليـّلُ" فجاءتني على كتفيَّ تغفـو
تَنثرُ الاطيابَ.. والشَعرُ على صدري يَرفُّ
اهِ كمْ تسرينَ في قلبي، وكمْ نحوكِ، أهفـو

---

17- وسجا الليّلُ، ليطفــو فوقً جمرِ الحزنِ، حزنُ
ولـتسمو في خبايا الروحِ، اشواقٌ تئـنُّ
أينَ عني ذلكَ السمارُ، والروضُ الأغنُّ
أترى يحنو، فلا يُبخلُ وصلاً  أو يَضنُّ ؟!!

---

18- "سكنَ الليّلُ" ليصفو عندهُ سحرُ الغزلْ
ولتغفو بينَ عينيكِ سحاباتُ الاملْ
ولتسجوعندَ نهديكِ ينابيعُ عسلْ
هاتِها - يا حلوةَ الاعنابِ- سَكراتُ  قُبلْ

---

19- ظَلِمَ الليّلُ، وها وجهكِ نجمٌ يتلالا
راحَ يُغريني لإهواكِ "حراماً" و"حلالا"
فتشبُّ الروحُ تغلي، بعد أن كادتْ زَوالا
ويعود الشيخُ صباً، لا يرى منكِ مُحالا!!!

---

20-- سكنَ الليّلُ ولكن! كم تُرى شَبتْ همومُ
تُلهبُ الدنيا، وها عنديّ حلتْ، او تحومُ

----
•   من مجموعة تحت الطبع


[/size]

94
خمسة وثمانون عاماً من الابداع، والعطاء الوطني والفكري
محمود صبري في ذكرى رحيله الثالثة
1927- 2012



-   توثيق: رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------------
+ ولد في بغداد، وانهى دراسته في العلـوم الاجتماعيـة من بريطانيا عام 1949... وله ابنة (ياسمين) وابن (محمد).-
+ برز في خمسينات القرن الماضي في مجالات الفن العراقي الملتزم ضمن ما سمي "جماعة الرواد" وله العديد من المشاركات في المعارض العراقية والعالمية.
+ عمل في مؤسسات اقتصادية ببغداد (1949-1960) وآخرها مدير عام مؤسسة المعارض العراقية بعد ثورة 14/تموز 1958.
+ نشط ومنذ أربعينات القرن الماضي في فعاليات وأطر الحركة الديمقراطية والوطنية العراقية، وخاصة في المجالات الثقافية والفكرية.
+ استقر في براغ منذ عام 1963 منشغلاً في الاهتمامات السياسية والنظريـة، وقد شارك في العديد من الفعاليات والمؤتمرات والندوات العربية والدولية المهمـة، ومن بينها عضـوية "اللجنـة العليا للدفـاع عن الشعب العراقي" إلى جانب الجواهري وجلال طالباني ونزيهـة الدليمـي وفيصـل السـامر وذنون ايوب وصلاح خالص ونوري عبد الرزاق... كما شارك عام 1991 في مؤتمر بيروت للقوى والحركات والشخصيات العراقية المعارضة للنظام الدكتاتوري.- له العديد من البحوث والدراسات والمقالات الفكرية والسياسية والفنية، وقد نَشر – كما نُشر عنه – في الكثير من الصحافة ووسائل الاعلام العراقية والعربية والعالمية وبلغات مختلفة.
+ يُعد من أبرز فناني العــراق ومثقفيه المعاصرين، وهو صاحب نظرية "واقعية الكم" العلميــة الفنية المهمـة التي اطلقها سنة 1971... ولها موقع خـاص على شـبكـة الانتـرنت: www.quantumrealism.co.uk
+ رحل في لندن بتاريخ 13/4/2012 ووري الثرى هناك في تجمع مهيب، وكتب ونُشــر عــن الحدث حشد كبير من المثقفين والسياسيين العراقيين وغيرهم.

رؤى وشهـــــــــادت وآراء
يشتق الخيال مادته من المعرفة، ويكتسب درجة ابداعه وقوته منها، هذا ما يؤمن به محمود صبري، فالانسان يعرف الطبيعة عبر عمله عليها... وهكذا تنطلق نظرية (واقعية الكم) من الارتباط الديالكتيكي بين المعرفة والعمل الذي يحتوي عنق "الوعي" وهذا ما يميز الانسان عن سواه من المخلوقات... ان (واقعية الكم) كما قدمها محمود صبري في لوحاته وبيانه وتنظيراته، لا تقول أكثر من أن الفنان يجب أن يشترك مع العالم من جديد – كما اشترك معه في الماضي – في تحري الواقع الموضوعي والكشف عنه. ان هذا يعني ببساطة: مزج الفن من جديد بوظيفته الاجتماعية التي تميز بها عبر العصور: تمكين الانسان من السيطرة على الطبيعة وتغييرها – وبالتالي تغيير نفسه.
             ---------- محمد الجزائري
صحيفة "الزمان" اللندنية 16/4/1999

كان لمحمود صبري تخطيط قوي جعله الأساس في ما يرسم من مشاهد الفقر والشظف والتمرد، مؤكداً على الطريقة العراقية في الحياة، جاعلاً منها صرخة عنيفة في وجه الظلم، اجتماعياً كان أم سياسياً.
    ----------- جبرا ابراهيم جبر
ا"موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين"

نضجت فكرة التحالف الوطني بين الكتل والاحزاب الوطنية وقد استلم محمد حديد مطلع عام 1958 رسالة من الحزب الشيوعي العراقي حملها عزيز الشيخ من قائد الحزب الشيوعي سلام عادل، يطلب فيها لقاء بمكتبة كورونيت - في عمارة مرجان - الباب الشرقي... التقى الاثنان ثم اجتمعا في بيـت محمود صبري واتفـقا على ضـرورة قيام جبهة وطنيـة تضم جميـع الاطراف السياسية بما في ذلك حزب الاستقلال.
----- صحيفة الاتحاد
  بغداد – 2007

تتأكد مكانة الفنان الرائد محمود صبري، بدءا بتلك الأعمال واللوحات التي اتخذت الموضوعة الاجتماعية والسياسية وفعل الالتزام في الفن منحى لها، فكانت لوحتا " الشهيد 1950 " ، ثورة الجزائر 1956" من أهم الأعمال التي وثّقت هكذا اتجاه في الفن العراقي. وتاليا في اكتشافه نظرية " واقعية الكم " التي عّرف بها في معرضه الشخصي الأول ببراغ عام 1971.
----- صحيفة المدى
  بغداد - 2007

ليس سهلا الكتابة عن قامة بمستوى قامة محمود صبري ، خاصة عند نقص الوثائق وقلة المعلومات وصمت فناننا الكبير وتواضعه وزهده وابتعاده عن المهرجانـات والأضواء المغرية لغيره، إضافة لتجاهل الجهات الثقافيـة المسـؤولة وغمطهـا حقوق هذا المبدع الخـلاق، وكذلك الجهات اللاحكومية والتي تدعي الأهتمام الكاذب بالثقافة والمثقفين والأرث المعرفي والفني... وكذلك مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية الديمقراطية، واليسارية منها بالذات، ودور النشر والمجلات الثقافية وغيرها.
----------   فيصل لعيبي
 موقع الفنان العراقي

تعرفت على محمود صبرى كفنان قبل ان اتعرف علية كانسان وكنت من ضمن الذين شاهدوا معرض الرواد الذي احدث ضجة فنية كبيرة وقتها، كان ذلك عام 1950... وبعدها تطورت وتوثقت بيننا العلاقة واشتركنا فى اجتماعات عديدة ناقشنا فيها مختلف المواضيع الفنية والاجتماعية وما الى ذلك من الشؤون ذات الاهتمام المشترك.
------- غائب طعمة فرمان
 موسكو 1984

محمود صبري من اوائل الفنانين العرب الذين كتبوا بعمق فى حقل النظرية وأسسوا فى العراق والبلدان العربية الوعي التشكيلي المؤثر الذي استطاع فيما بعد ان يؤثر، ليس على جيله فقط، وانما ان يكون بمثابة رسالة مهمة لها ابعاد تتجاوز المرحلة التى يعيش فيها الرسام ويتجاوز القيمة المتحفية الى قيمة التفاعل والاستمرارية فى حياة الشعب العراقي والفنانين التشكيليين والوعي بشكل عام ـ الوعي التشكيلي العراقي.
                                                                  ----- صادق الصائغ
فيلم "توق إلى الحرية"

أفكار ومساهمات وابداعات محمود صبري، الفكرية والوطنية والفنية، تراث لابد وان يحافظ عليه، ويخلد، فذلك بعض من عطاءات العراق، الاستثنائية... ومبدعيه الاستثنائيين.
                                                                   ------- مركز الجواهري
براغ -2012


95
أدب / تراتيل عند اعتاب الفجر (5)
« في: 16:37 12/04/2015  »
تراتيل عند اعتاب  الفجر (5)
نصوص: رواء الجصاني
--------------------------------------------
16- سلامٌ على نيّراتِ العيونِ، وشدوِ الخدودِ، وقلبٍ حنا
وحلوِ الشفاهِ، وفيض الرضابِ، وجمرِ العذارى اذا الليل جا
على الشعَرِ إذ يلثمُ المفرقـيّـنِ، كسحر النجوم تُنيرُ السما
أحبك جماً برغمِ السنين، وبعدِ المسار، ورغم الملا !
وأعشقُ فيكِ ربيعَ الحياة، يَصيحُ من القلبِ: اني هنا..
-------------------------------
17- ياسامرَ الروحِ لا تبخلْ بعاطفةٍ، دعّها،
ولا تَدعي "صِغراً" ولا "كبِرا"...!!!

------------------------------
18- سكنَ الليلُ، وها همْ "بؤساء" يَنشرون،
بؤسَ حرفٍ، وادعاءاتٍ، وزعمٍ وظنونْ
قلتُ - والناسُ حيارى- ليتكمْ لـو تعرفون:
ان "أولئـك" كانوا، ذات أمس، يلهثــون!
-------------------------------
19- أنت يا "بابـلُ"* أسمـى،
من كثيرٍ يحملُ "الانسان" إسما !!
فلكمْ صيّرت طعم العمرِ، أحلى...
آهِ  ما أعبق انفاسك، فـلاّ
فلتكن ذكراكَ افياءً وظـلاّ

--------------------------------
20- سكن الليل وها شعّ على الروح خيالُ
جاءَ يختالُ وفوق الحاجب المعقودِ، خالُ
ومن العينين: ينسابُ لهيبٌ ودلالُ
بجمالِ الروح يسمو، يُفتدى ذاك الجمالُ
--------------------------------------
+ بابل: كلبٌ أنيق، عاش مع صاحب هذه النصوص،
طوال ستة عشر عاما...


96
أدب / تراتيل..عند اعتاب الفجر (4)
« في: 11:40 05/04/2015  »
تراتيل..عند اعتاب الفجر (4)
-   رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
12- أتحبني ؟ ...
وترنحتْ بالشوقِِ ترمضني
تختالُ بين الصدرِ والحضنِ
تسمو باهاتٍ الى المزنِ ...
يا انت ِ -"أفروديت"- يا نبضي
حلي "الوثاقَ" وهاتني زمني
-----------------------------
13- سكنَ الليـلُ، فهبتْ نسمةٌ تشبكُ أخرى
يتبادلـنَ الهوى، بوحاٌ، ولا يُخفيـنَ ســرا
عارياتٍ، ناثراتِ الحـبَّ نبراساً وسحرا
آهِ  لو كنا - كما الانسام - لا نضمـرُ شَــرا
----------------------------
14- ولأنتِ لي! ما شئتِ، أو شاءَ القدرْ
إن خــفَّ حبكِ أو تَخفى، أو ظهــرْ
هلا سمعــتِ- حبيبتي- ترنيمةً:
"لا بدّ من "صنعا" وإن طالَ السفرْ"
-----------------------------
15- تيهي على كتفي، وزيدي،
 وإذا ضمئتِ فمن وريدي
خلي سنابلكِ الحسانَِ تفيضُ بالعطرِ الفريدِ
أما الشفاهُ النافرات، فهنّ ابياتُ القصيدِ
------------------- من مخطوطة تحت الطبع


97

ما حيلةُ الراعي إذا أغتُصبتْ "عنزٌ" ولم تتمردُ الغنمُ
عن بعض مآسي البلاد العراقية، واهلها ...
•   رواء الجصاني
 --------------------------------------------------------------
-   ها نحن نلتقي من جديد ...اصدقاء تعود بعضنا، او اغلبنا على بعض، في مثل هذه المناسبات وغيرها...

-   ولن اطيل هنا، ولن اعيد، وان بصيغ اخرى، ما تقدمني به الافاضل المتحدثون .. ولكن دعوني ان ادلو بدلو ربما فيه بعض جديد..

-   كنت الى الليلة البارحة، في حيّرة عما ساتحدث به في هذا اللقاء، واذ بخبر طازج ينقل ان  الرئيس التشيكي / ميلوش زيمان، قلق جدا، ويتابع باهتمام بالغ مصير مواطنه المفقود في ليبيا، والذي يبدو انه مختطف – على الاغلب -  من "داعشيي" ليبيا  ... وها هي كل تشيكيا حكومة ومجتمعا واعلاما في توتر مشترك وبالغ بشأن الامر.
 
-   وهكذا رحت اقارن بين مصير الملايين من العراقيين، وبين مواطن تشيكي واحد ... هناك القتل والعنف والدمار والظلام يسود بكل قسوة ... وهنا مواطن واحد تكاد ان تنقلب الدنيا على مصيره.

-   ولم اجد غير جذر رئيس وراء الحالتين، وعسى ان يساعدني احدٌ فيقول لي خلاف ذلك : واعني بذلك: جذر تنور المجتمع، وتحضره، وما يترتب على اساسه في تشيكيا.. وبين جذر الظلامية التي يراد لنا بها في العراق، والتي جرّت ومن عقود وعقود المجتمع- كله او يكاد- الى التخلف والطائفية والغلو، فالاحقاد والدماء والدمار ...

-   واعود لاوجز، وأدعي: ليست مآسي التهجير والنزوح التى نجتمع بسببها، ولا الارهاب الذي يقف وراءها، ستنتهي ذات يوم، مالم تقتلع الجذور التي نوهت اليها قبل سطور، واعني الامية والغلو والتطرف، وما ترتب ويترتب بسببها على الاجيال .. 

-   ترى هل سأكون مصيباً لو دعوت من جديد الى التركيز على الاسباب والدوافع والقيم التي تسبب كل المآسي، لا على النتائج، ولكي ازعم بعدها: حين ذاك فقط سينتصر البلد  ويسمو المجتمع وتزدهر الامال، موشاة بالثقافة والتحضر والرقي ..

-   ودعوني ايضا اسهب بكلمات اخرى، فاجيب من قد يسأل: ومن هم يا ترى اولئك الذين يتحملون المسؤولية اكثر من غيرهم للوصول الى المرتجى؟ فأقول: انهم اولاً، من يقرأ ويكتب فعلاً، ومن يصدق مع النفس، ومن يؤمن بثقافة التسامح، وحرية الفكر واهمية الاعلام وروح الحب والرقص والشعر والجمال...

-   وخلاف ذلك فما رأيكم بما قاله الجواهري الخالد قبل حوالي ثلاثين عاماً:
أفأمة تلك التي هُـزمت، وتناثرت وكأنها رممُ...
ما حيلة الراعي إذا أغتصبت "عنزٌ" ولم تتمردُ الغنمُ
يا ايها الطاعون حلّ بنا ، فبمثل وجهك تكشفُ الغممُ

-   اخيرا... لا بد من ابداء الشكر لهيئة المنتدى العراقي، الادارية، لما بذلته
من جهود، في اتمام هذا التجمع، والذي هو اوسط الايمان ... 
•   مساهمة القيت في براغ، باسم مركز الجواهري،
خلال امسية للتضامن مع نازحي ومهجري العراق.


98
أدب / تراتيل، عند اعتاب الفجر (2)
« في: 19:57 12/03/2015  »


تراتيل عند اعتاب الفجر (2)



رواء الجصاني

4/ سكنُ الليلُ فراحت، غصةٌ في القلبِ حَيرى:
كيفَ يرجو المرءُ صبراً، ويرى القاتلَ حرّا
في بلادٍ راحَ فيها الموتُ يَستشري، ويُشرى،
حلوّها مــرٌ، وأفيــاءٌ بها صارت أمــرّا


5/ سكنُ الليلُ، فدوى صوتُ "فيروز" نديــا
 نابضاً في الروح يسري، ويناجي: "سوف احيــا" !!
فهلمي، نبتةً في القلب،  كي نمضي، سويا
ونحيـل الصمتَ شعراً، ويبيـسَ العمر، ريّــا


6/ سكـنَ الليــلُ وها انتَ مع الاهاتِ، تسري
وتُفيضُ الألمَ المدرارَ في عسرٍ، ويُســرِ
حاملاً في الصدرِ همّ العمرَ، والدنيا، وتجري
وتراكَ الناسُ ممراحاَ، وما في الروحِ تدري!!


7/  سكن الليل، فهاتي، وأفرجي عني الكروبا
ودعيني مبحراً في سحرِ عينيك، حبيبا
لا ابالي، كيفما درتِ، شمالا أوجنوبا !
حيثما كنتِ معي، طبتُ: ربيعاً وطيوبا


 من مخطوطة / تحت الطبع


99
أوقفوا حملات الاستجداء، وأمنعوا أن تُنسب للعراقييـن توصيفات مقيتة اخرى
رواء الجصاني
-------------------------------------------
   ها نحن خارج السرب من جديد، نغرد، او نندب، ولا فرق، ونثير محبين او غيرهم، وكل من موقف، ولا فرق ايضا..
  وهذه المرة نعني ما يسمى بجمع تبرعات في عدد من بلدان العالم، والاوربية خصوصاً، وهي ليست سوى استجداء مبطن ومنظم، على اساس اعانة أعزاء كرام، اغلبهم من الثكالى والارامل والاطفال، وعوائل نازحة أو مشردة في البلد العجيب، ولا ضمير لاحدٍ، واي كان، ما لم، ولا،  يتعاطف معهم..
    منظمات خيرية هنا وجمعيات مدنية هناك، وكلها تتسابق، وفي الاعلام خاصة، وتتبارى في "حملات" لجمع التبرعات- واكرر، انها حملات استجداء لا غير- لعراقيين منهكين منكوبين، في بلادهم، ام الخير والثراء، والثروات، ولكنها المباحة للمارقين، ولكروش زعامات بها- من كثر ما اعتلفتْ- مسٌ من الحبلِ.
   اعرف واعرف واعرف، ان ثمة دوافع انسانية قد تريح الكثيرين ممن يقومون بهذه الحملات لدعم المنكوبين العراقيين، كشكل من اشكال التضامن، والشعور بالمسؤولية تجاه مواطنيهم داخل البلاد، ولكن هناك ايضا كرامة وطن وشعب، لا يجوز ان تُهان بهذه الطريقة البأساء، في ان تُمدّ الايادي لشحذ معونة ما.
    كما واسبق من يريد ان يصطاد فأقول: نعم، ليس جميع من "يتزعم" حملات الاستجداء، له مصلحة اخرى غير اراحة الضمير. ولكن لا تنسوا ان من بينهم "رجال"علاقات عامة، و"ارباب" مصالح تجارية، وطالبو جاه ونضال ووطنية مدعاة، على حساب كرامة العراقيين المنكوبين. بل وبعضهم من شارك، بهذا الشكل اوذاك، في اشاعة الدمار والقتل، والى دفع البلاد لما وصلت اليه اليوم، فراحوا يتباكون اليوم، وينتهزون الفرص، ويغنمون.
    نعم! سيتبرع الاجانب للعراقيين، حين تعرض عليهم صور الاطفال العراة، والنساء المأزومات والشيوخ المجهدين.. ولكن كل تبرعاتهم النقدية، وكذلك العينية مثل حفاضات الاطفال والبطانيات، وعلب ادوية يكاد مفعولها ان ينتهي، وحتى المدافئ البائسة، وشبيهات اخريات: لا تشبع جوعا ولا تروي عطشا، ولا تحفظ كرامة. فكل ما سيجمع – مدنياً، ومن الناس- لا يساوي غير بعض تكاليف هذه السرقة، او تلك الفعالية الحكومية، او ذلك المشروع البطر، ولن ندخل في تفاصيل ووقائع باتت معروفة، بل ومملة بسبب التكرار والاعادة، والاجترار.
     ومع ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، ليس الا ، نقول  ان المرء ليحار حقا حين يسمع خبرا حديثاً، موثوقاً، بان العراق تبرع بثمانية وعشرين مليون دولار لمساعدة منكوبين اشقاء، عن طريق الجامعة العربية، ثم لا يكف متطوعون عراقيون من استجداء معونات لاهلهم، من مواطني، ومؤسسات مدنية في بلدان اخرى . وما علينا هنا بمن سيجادل بالتبرعات والهدايا والمعونات الحكومية، فتلكم لها ظروف واحوال وحسابات اخرى، وتقاليد دولية، متبادلة من عقود .
   ثم، وقبل ان تُمدّ الايادي والنفوس للغير والغرباء، فلتتركز الحملات بين العراقيين انفسهم اولاً، فثمة من هو قادر، واكثر، في التبرع والاعانة والغوث، لمواطنيه، ان كانت الدولة لا تقدر– حقا- في ان تغطي احتياجات المنكوبين، وتلك من مسؤولياتها الاولى، ودعونا نسمع غير ذلك، ان كان هناك من يقوى فيرد .
    لقد قالت العرب، وخير ما قالت بهذا الشأن على الاقل: "اذا ما أبتليتمْ، فأستتروا" وكم علينا ان نتوعى من مغازي هذه الحكمة المعبرة.. فلنستتر، ولا ندع المزيد من الحراجة تلفنا امام انظار العالم، حين يقولون، سراً، بل وحتى علناً بعالي الصوت: انكم تَفتون وتأدلجون وتثقفون بعيدا عن الانسانية والتحضر، وتحرقون بلدكم، وتقتلون بعضكم البعض، ثم تأتونا فتطلبون- تستجدون!- المعونة منا، وانتم من اعرق واثرى شعوب الكون .
   ترى أما شَبِعنا من اوصاف وتوصيفات أطلقت، وتطلق علينا، باننا لا نعيش في عالم اليوم، بل في قرون سالفة، اساليب ورؤى وقيماً ومواقف، ومع ذلك نروح لنساهم، متطوعين، فندفع لان يُقال عنا: هاهم العراقيون يستجدون، ويحطون من اقدار وكرامة شعبهم!!! .
    ان من يُستجدى لهم اليوم، كرام، وان شاءت لهم الاقدار والاوضاع في ما آلوا  اليه، فلا تحرجوهم بهذه الحملات المهينة، وتستجدون لهم . وعوضاً عن ذلك دعونا نعود لاصول المآسى، وجذورالكوارث، التي حلت بالبلاد، والعباد، ونستذكر، ودائماً، المتسببين بها، فكراً وتوجهات، وممارسات، ولنتنور ونتعظ، فذلك ما يجنب تكرار حالات النزوح والهجرات، والنكبات والخراب، والقتول. فبلا تنور وتنوير سيبقى الظلام محيقاً بنا من الجهات الست، وليس الاربع فقط، ولنتذكر بعض حِكم الشعوب وخلاصات العباقرة، والمتنبئين، ومما قالوه بما نحن عليه قائمون:
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم، وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا

 

100
ثمة ينابيع في صحارى الغربة*
رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------
في صحارى الغربة والاغتراب، والتي يغبطنا عليها الكثيرـ وسأقول يحسدنا، ولا اخاف – ثمة ينابيع  تفيض بالعطاء، تجعلنا نعيش السبعَ، سبعيناً، "لا كدراً، لكن لحاجتها القصوى الى الكدر"...
    أقول ينابيع، واعني ما يرفدنا به روادنا واعلامنا، من "كتائب" اهل التنوير والثقافة والادب، وما اشدهم بأسا من "كتائب" الظلاميين ... فروادنا يحملون القلم والفكر سلاحا للتنوير، واولئكم سلاحهم القتل والدم، تارة على محمل الدين، واخرى بهدف مُدّعى، وبزعم احقاق الحق، والتحرر، ولا احد يدري عن اي حق وحرية يتحدثون ... وهكذا، فنحن ولا فخر"رهن مجتمع يخشى اللصوص، فيذبح العسسا" ...
   وضيفنا الكريم اليوم، عبد الرضا على، ولن اضيفَ لقباً يسبق اسمه، او صفة تلحق به... اذ يكفيه ان الاناء ينضح – وقد نَضح- بما فيه: علماً وعطاءً ومنجزاً ثرياً، واسهاماتٍ، فكريةً وادبيةً يصعب حصرها في هذه السطور المعدودات .. ومع ذلك فها بين ايديكم مطبوع، وزعه مركز الجواهري،ضمّ شذرات من بعض عطاءات عبد الرضا علي، وعنه، أعد على عُجالة عاجلة...
    ويقيناً فأن الضيف الكريم يستحق الاكثر والارفع مما جوزي به، وحاز عليه من موقع ومكانة، تقديرا لدوره التنويري، ومكانته الالقة في عالم الفكر والادب، على مدى عقود تجاوزت الخمسة... ولكن، مالعمل؟ ... وكيف نطمح ونرنو للاكثر، وها هي حالنا اليوم في "البلد العجيب" حيث تتساوى فيه "الاسفال والقمم" بحسب ابن الفراتين، والذي ربما لخص معاناة وهضيمــــة جمع غير قليل من اقرانه، ومجايليــــه، حين قال في "دجلة الخير" الشهيرة: عادى المعاجم وغدٌ يستهينُ بها، يحصي بها "ابجديات" ويعدوني ... 
   طبتم زمناَ من جديد... ولن أطيل أكثر في هذا المجلس الحميم، فأن حضر الماء بطل التيمم... وما اسعدنا ان يكون عبد الرضا علي بيننا، مع كل الشكر لمنتدانا العريق الذى حقق هذه الامسية الجميلة  ...
----------------------------------------------------------------
*   تقديم باسم مركز الجواهري، خلال امسية اخيرة اقامها
المنتدى العراقي في الجمهورية التشيكية، احتفاء متواضعاً
 بمـناسبة زيارة د. عبد الرضا علي، الى براغ.

 



101
علــى ضفــاف السيرة، والذكريــات – القسم التاسع، والاخير
رواء الجصاني
----------------------------------------------
   ها أنت تكاد ان توشل جعبتك – ايها الرجل- من ضفافك على بعض السيرة والذكريات، وكلها جاءت تمارين لتعانق الموجَ، في فترات قادمة، سبوحاً مع التيار، كما وضده، ولتفصل، وتفيض بما عندك من شهادات ووقائع، وتجارب، عشتها، أو شيئ لك ان تعيشها، طوال عقود، مكرراً: فما تخاف وما ترجو وقد دلفت"ستون" راحت كخيل السبق تطردُ.. وفي هذه الحلقة الاخيرة، من تلكم الضفاف، فلتستدرك ما قد فاتك سهواً، أو زدْ ما تريد من إضافات، نوه اليها اعزاء في ملاحظاتهم العاجلة، ودعْ "ملاحظات" اخرى زعم اصحابها حرصاً، ولكن بئس ما زعموا !

13- لقاءات واحاديث مع رؤساء عراقيين وعرب واجانب
   وأول ما لديك من استدراكات واضافات لما فاتتك الاشارة اليه وانت تسيح في عواصم ومدن الدنيا، فضلا عن بغداد، الاستقبالات او اللقاءات والاحاديث الصحفية، ومابينهما، مع  أحد عشر رئيس جمهورية، وذلك خلال مشاركاتك ايها الرجل في مؤتمرات وندوات وفعاليات دولية، أوفي غمار مهامك الاعلامية، وغيرها... وهم بحسب التواريخ هذه المرة:
1- الرئيس العراقي عبد الرحمن محمد عارف- بغداد عام 1968.
2 - الرئيس السوري حافظ الاسد - دمشق عام 1982.
3– الرئيس السوفياتي، ليونيد برجنيف - موسكو 1983.
4– الرئيس التيشكوسلوفاكي،غوستاف هوساك- في براغ 1984.
5- الرئيس البلغارى تيدور جيفكوف – صوفيا عام 1985.
6– الرئيس الكوري الشمالي كيم ايل سونك- بيونغ يانغ 1989.
7 - الرئيس التشيكي فاتسلاف هافل، في براغ 1994.
8– الرئيس المصري حسني مبارك، - براغ 1997.
9- الرئيس زين العابدين بن علي- تونس عام 2004.
10- الرئيس العراقي جلال طالباني- في براغ عام 2005.
11- الرئيس التشيكي فاتسلاف كلاوس- براغ عام 2009.

14- وخلاف الرأي "كــــم!!" أفسد في الودّ قضية
... والتحوير في المقولة الشهيرة اعلاه واضح كما تزعم- وكم زعمت وتزعم ايها الرجل؟!- ولعلها خير مفتتح لما تريد ان تسرب من خلاله بعض ما احببته، وأشعته، من قناعات ومواقف، كنت فيها خارج السرب، وقد حققت ما ترومه من ذلك: نقدات، وانتقادات، ونقاشات، من، ومع قريبين، وبعيدين.. وما عليك بمن امتلأت قلوبهم وانفسهم بالغيظ والحسد، فراحوا يتسلقون فما وصلوا، ولكنهم ما كفوا، ولا أتعظوا بحكمة: رحم الله من عرف حده، فوقف عنده!!.
     وهكذا اجتهدتَ في الـتأكيد ومنذ عقود فرأيت بأن من يسعى ويتفيقه بنفي وجود الطائفية في العراق، ماهو إلا طائفي مقنّع، اشد ايلاماً من اولئك الذين يظهرون ميولهم ومواقفهم، الطائفية، بل وممارساتهم لها... كما اجتهدت فأثرت علناً – مزاحاً وقصداً- شعار "دور النقود في تحول الناس" فعابك البعض من  المعنيين، وأن بخفيةٍ وتلثم، ليحاولوا ان يطالوك، ولو ببعض كتابات لئيمة ..
   ثم رحت تجاهر وتشيع- ايها الرجل- وكأنك تبحث عن مشتجرٍ هنا ومعتركٍ هناك، بأن الحياة "تجريب وتمرين" وان المنكفئين وحدهم من يلعنون حظوظهم التي اوصلتهم لتلكم الحال، ناسين أو متناسين بان ليس للانسان إلا ما سعى... كما جاهرت، وما برحت، بضرورة ان يكون لكلِ موقعه ومكانته في المجتمع والحياة، بحسب "طاقته" و"قدراته"...

15- ومحطات اخرى في السياسة وعوالمها
     .. ولا بدّ وانتَ تختصر ربع قرن من النشاط السياسي والتنظيمي في الوطن وخارجه، بسطور معدودات، أن تسهو- ايها الرجل- عن محطات هنا واخرى هناك، دعْ عنك ما "قد" تقصدت ان تتناساه... ولعلّ ما يلحّ في ان تشير اليه، وتنويهاً على الاقل، انه عُرض عليك بعد "تقاعدك" عن العمل الحزبي، ان تعود من جديد لتنشط في هذا " التيار" أو تلك "الحركة" او ذلك "التحالف" وغيرها وغيرها من أطر وطنية وسياسية ... ولكن دون جدوى، فقد ارتأيت ألّا تكون عبئاً على احد، ولا أن يكون اخرون عبئاً عليك .
     كما ونوه مثبتاً، ودون وجل، بانك كنت وما زلتَ معتقداً بمظلومية جنوبيي العراق، وفراتييهم، النجباء، اضعاف اقرانهم في بقاع البلاد العراقية الاخرى، وكذلك كانت قناعاتك  تماماً بشأن الامة الكردية الموزعة، والمشتتة قسراً منذ عقود مديدة.
    ولتصرح أكثر وتقلْ انك رحت، ومن زمان ليس بالقصير، مؤمناً ببعض الليبرالية، وشيء من الماركسية، وآخر من الرأسمالية، بل والفوضوية حتى، نظرياتٍ وافكاراً وممارسات. ولعلّك بتَّ تمزج ما لايمزج، وتخلط المتناقضات، وربما ( ولم لا؟!) لكي تكون بعيدا عن الجمود والرتابة والتعود... وقد يكون كل ذلك بعضَ، أو كثيرَ، أنكفاء بعد انهيار تجربة الانظمة الاشتراكية في شرق ووسط اوربا..
وكفّ عن التفاصيل وخفاياها – ايها الرجل- ولا تعطِ روحاً لخاملين، وغيرهم، ولا تشفِ غليلَ من ينتظر!!.

16- تأرخـــة... وتوثـــيق، ومحببــات
   فاتك ، وأنت على عُجالة، وكأن الطير فوق هامتك، ان تتذكر أكثر – ايها الرجل- بعض مما احببت من كتاباتك، حسبتَ أنها، اقرب اليك من غيرها، وبعضها يعود لنحو نصف قرن، وإن كانت في نشرات حائطية، في الاعدادية المركزية، ومنها "قالوا في ليلى" جمعتها واستليتها من دواوين واجزاء الاغاني، لابي فرج الاصفهاني..وكذلك " الدراسة" التي نشرتها في صفحة الطلبة والشباب عام 1974 تحت عنوان" من اجل اتحاد راسخ لطلبة البلدان العربية" بتوقيع "ابو سمار" وهو الاسم الذي كنت تكنى به ذلك الحين، وما زال الكثير ينادونك به الى اليوم .. كما لا تغفل عن زاويتك شبه الاسبوعية في الصفحة المهنية بالجريدة الغراء ذاتها، اواخر السبعينات الماضية، وعنوانها" نقابيات" وكنت تتابع فيها، وتنتقد، وتمتدح، نشاطات العديد من المنظمات والنقابات العراقية، وتزعم ما تزعم من مفاهيمك ورؤاك في شؤون العمل الجماهيري- الديمقراطي، الذي ولعت به، وما زلت.
   ... كما تذكّر ان من بين كتاباتك التي بقيت مميزة، عندك على الاقل، في الاعوام القليلة الماضية، ما نشرته تحت عنوان "وصفي طاهر، رجل من العراق" وهو تمهيد لكتاب جامع عن ذلك الشهيد الوطني، تعمل على اتمامه خلال اشهر، لا أكثر، مثلما وعدت وتعد.. وكذلك توثيقاتك الثلاثة، المنشورة عام 2008 وعناوينها تشي بمضمونها، دون كثير عناء، وأولها وأكثرها غنى" تاريخ عراقي في ذاكرة براغ" وبعدها " أسماء وشؤون عراقية في ذاكرة موسكو" ثم الثالثة" والاخيرة " أسماء وشؤون عراقية في ذاكرة باريس"... ذلك بالاضافة طبعاً لما جاء ذكره في الحلقات السابقات، عن توثيقاتك، وشهاداتك العديدة واهمها عن الجواهري الخالد، وكتابك، الاول في مضامينه: "الجواهري ... اصداء وظلال السبعينات" الصادرعام 2001 عن "بابيلون" للاعلام والنشر في براغ .
 
17- بعض شؤون، ربما ليست مهمة!
    مرة اخرى، وأخيرة حقا هذه المرّة، تستدرك ما فاتك ان تشير اليه – ايها الرجل- في ما سبق وكتبت من هذه الضفاف على السيرة والذكريات، وصرح هنا بانك ترددت في هذه الاضافات، ولربما خشية من عفّ لسانٍ، أو احترازاً من ان تَشقى!! ومع ذلك فلتكتب انك رحت نباتيا منذ عامين ونصف، سائرا على هدى المعري في التاريخ القديم، ومحمود صبري وهادي العلوي، في التاريخ الحاضر. وجاهر بانك رحت لا تطيق حتى الجلوس على مائدة تحوي بعض "خلاصات" مجازر حيوانية، لا تعرف كيف يتلذذ بها أغلب البشر.
   كما وصرح ايضاً- ايها الرجل-  بعشقك للحياة والجمال، والمرأة رمزهما المطلق، ودون مدى، وبانكّ لم تكن باطنياً في ذلك: قناعة وتاريخاً وتجارب ومفاهيم ... وبحْ ايضاً بأنك محب ووفيّ، وبكل ما استطعت،  للاصدقاء الذين يسيرون على اربعة، واحبهم اليك الكلاب الذين جنيّت، وأولهم "بابل" فقد تصاحبتما معا طوال ستة عشر عاما، وليفارقك، وتفتقده الحياة، خريف عام 2014... وقد سبقه في تلك الحال "عنتر" الاسود الانيق. وها أنت لديك اليوم مدللاك التوأم: "بهار" و"فـلفل" الشقيّان اللذان لا تستطيع فراقهما لاكثر من ساعات قليلة فقط، وكذلك هو حالهما، كما تظنّ، وليس كل الظن اثم في عالم اليوم، وكم تحب ان تكرر هذه اللازمة التي صارت بعض كتاباتك معروفة من خلالها، وان لم توقع عليها بإسمك الصريح.. وأعترف بهذه المناسبة بأن لديك العشرات من الكتابات و"الشقشقيات" التي وقعتها باسماء مستعارة، لاسباب لم يحنْ بعد الكشف عنها !!!.

18- وأخيــرا....
      ها انت تودع "الضفاف" لتعِد بانك ستكون في الخضم – ايها الرجل- السبوح، لتسهب أزيد وأزيد، حتى يَملّك الناس، في تفاصيل وشهادات واحداث، لتقل انها دامت خمسين عاماَ على الاقل، كنت خلالها حريصاً، كما تحسب، في ان تتبنى "أوسط الايمان" باللسان والقول، والكتابة...
     ثم ولتجهر قبل الختام بأنك، وبرغم كل احترازاتك، تحملت ملاحظات وتقييمات، وكما "نقدات" من اعزاء، و"أعدقاء" وما بينهم، ولكنك سرت متبنياً ومتمثلاً بشاعر الامتين، حين صرح هادرا، مخاطبا معنيين، ونخباً، وما اليهم، وغيرهم :
خيرُ الشفاعة لي بأني كاشفٌ حرّ الضميرِ، وقائلٌ: هذا أنا
    كما وجدد – ايها الرجل- ما كنتَ قد ابتدأت به اولى الحلقات، من هذه الضفاف على السيرة والذكريات، بأن حب الناس كان لك، وسيبقى ، أماً وأبا...  وبانكّ عاشرت بمعروف، وسامحت من اعتدى، من غير العامدين، وفارقت بالتي هي احسن كل اولئك الذين "على ما أستفرغوا، جمدوا" ... واهدر بصوت عالٍ: سلاماً ايها الاحباب من قربوا، ومن بعدوا...
----------------------------------- في براغ – اواسط الشهرالاول من عام 2015
   
   
   
 

102
على ضفاف السيرة والذكريات – القسم الثامن
في رحاب السياسة، وميادينها
رواء الجصاني
-------------------------------------------

      بعد حلقاتك السابقات، على ضفاف السيرة والذكريات، ها انت تدخل – ايها الرجل- في معمان التوثيق لمحطات ومواقف في ميادين العمل السياسي والوطني، الذي خضتها على مدى عقود، انطلاقاً وتوسطاً، وما برحت، وان " كلّ الجواد...ولم تزل تعتامهُ صبواتُ مهــر" !!
   وأما الانطلاقة فقد كانت - ولا بدّ لها ان تكون كذلك- وانتَ في وسط وعائلة واخوان، سبقك جلّهم في دخول ذلك المعترك التنويري والوطني، بذاك القدر او هذا،  والوالد "السيد جواد" أولهم، وان كان بلا تحزب، ولاغلو.... اما الوالدة "نبيهة" فيكفي أنها شقيقة وحيدة لاربعة أخوة استثنائيين، منهما اثنان أبرزان: الاول "جعفر" شهيد وثبــة كانون الثاني 1948 .. وثانيهما، االجواهري الرمز.
    اذن، فقد مرت مرحلتا الطفولة والفتوة في مثل تلكم الاجواء، ورحتَ وانت أبن ثلاثة عشر، تشتد عوداً، وخاصة وقد عشت بعض اجواء الانقلاب البعثي الاول في الثامن من شباط الاسود عام 1963 حين كنت مع الوالدة، في الايام الاولى للكارثة: صباحاً في معتقل خلف السدة، لمتابعة شأن الوالد، التربوي المتميز، المحتجز هناك...وظهراً، بعض الاحيان، في مركز شرطة الفضل، حيث مقر الحرس القومي- الفاشي، ترافق الوالدة وهي تتابع حال أخيك "صفاء" المُعتقل، والمدمى، في ذلك المصلخ البشري.
فــي الوطـــن .... 
وهكذا يتصلبُ الفتى اكثر فأكثر، ليلتحق بتنظيمات الحزب الشيوعي العراقي، صديقاً، فمرشحاً فعضواً، ولتزدد شيئا فشيئاً المواقع والمسؤوليات اهمية في معترك العمل الوطني، وتتنوع، ولربما بشكل غير معهود .
    ولتوجز من جديد – ايها الرجل- ولا تسهب أو تنسَ انك تكتب ظلالاً للسيرة والذكريات، وليس تفاصيل عنها. وقلْ ان من بين ما أشغلته من مهام نضالية وسياسية طوال عقد السبعينات: عضوا في الهيئة المسؤولة عن منظمة بغداد الطلابية، وخاصة في عهد منظمِها: الشهيد، علي حسن(ابو حيدر) .. ثم مشرفاً على تشكيلات الحزب في العديد من كليات ومعاهد جامعة بغداد، ومنها اكاديمية الفنون الجميلة، وكليات القانون والسياسة، والاداب، والادارة والاقتصاد، والزراعة، وقطاع المعاهد... وعديد آخر، واللهمَّ لا يُسجل عليك ذلك اعترافا!! فيتحفز "البواقــون" .
    ... والى جانب ما تقدم، فضفْ لا تُخفِ انك شغلت ولفترات مختلفة في العقد السبعيني ذاته: عضوية مكتب العمال المركزي، مع صادق جعفر الفلاحي، وعبد العزيز وطبان، وعبد الامير عباس، وبمسؤولية، عبد السلام الناصري . وما بين هذا وذاك، مهامك في صحيفة الحزب المركزية "طريق الشعب". وانتسابكَ في مدارس ودورات سياسية في بغداد، والخارج، ولبعض تشكيلات المكتب المهني المركزي.
... وفــي المغتــرب
   اما بعد اللجوء الى براغ، ومع مطلع عام 1979 والى ان "تقاعدت" فقد تعددت المهام ايضا وتنوعت: سياسياً واعلامياً وتنظيمياً، وغيرها كثير. ولكن من أبرزها  مسؤولياتك في لجنة تنظيم الخارج للحزب الشيوعي، معنياً بمتابعة شؤون العمل الطلابي، الديمقراطي، في اوربا خاصة، والخارجي عموماً.. كما ومتابعتك وإشرافك على عدد من التشكيلات التنظيمية الاوربية.. ولتعترف(!) من جديد، مادام قد مرّ على ذلك اكثر من ربع قرن، ان من بين تلك البلدان التي تابعت عملها وأشرفت عليها: المانيا الاتحادية، واليونان، والدانمارك.. وعدا ذلك فلا تكشف اسرارا اكثر، فالمهام "أمانات" كما هي المجالس !!..
مـواقــف ورؤى...
... ترى وماذا عن التفاصيل العامة، عن مهامك في بغداد وبراغ، والمواقف السياسية والتنظيمية وما اليها ومعها، والنجاحات والاخفاقات، و"المناكدات" ؟؟ ولربما تلكم الشؤون هي الاهم الذي يجب ان يُنشر، او يشار اليه، ولكن فلتؤجل ذلك ايها الرجل، وبذات الذريعة: انك تكتب لمحات واصداء حاليا، وان غدا لناظره قريبُ!!! ومع ذلك فأستدرك مرة اخرى، وليست أخيرة، ونوه الى انك كنت ميالاً حيناً الى التشدد، وباقصاه، خاصة وان "ارهاصاتك" السياسية الاولى كانت مع تنظيم "القيادة المركزية" التي حُسبت على اقصى اليسار في حينها .. ثم رحت "جبهوياً" اكثر من  المطلوب حيناً آخر، وإن لفترة وجيزة، وقد يناسب هنا ان "تتعكز"على مقولات: السياسة فن الممكن، وأن التاريخ يكتبه المنتصرون...
   .. ثم ضفْ ايضا بشأن بعض الرؤى السياسية العامة، بأنك كنت متهيباً من جدوى الكفاح المسلح في الثمانينات، وإن "جاملت" ولم تصرح بذلك بصوت عال.. كما انك لم تؤمن، والى اليوم،  بان ماجرى في الرابع عشر من تموز 1958 في العراق ثورة، بل حركة عسكرية، ثم جماهيرية، ليس إلا، وقد وثقتَ تلك الرؤى في عدد من الكتابات والندوات والمجالس السياسية، علنا مع سبق الاصرار، وعلى الاقل منذ ازيد من ربع قرن .. كما انك لم ترَ، ولا ترى بأن الجيش العراقي، صاحبً امجاد وبطولات كما يعتقد، ويتغنى بذلك البعض، بل ان ذلك الجيش – وبحسب مزاعمك ومتابعاتك طبعاً- سبب آخر في تدمير البلاد والعباد طوال تسعين عاما على اقل تقدير ..
...وعن العراق الجديد
   .. وفي العقد الاخير بشكل خاص، لتشرْ – ايها الرجلُ-  ايضا الى ان ثمة  آراء ومزاعم اخرى، قد اقتنعت بها ومنها: ان دعاة المقاومة، ومدعيها، بعد عام 2003 كانوا يزيدون القتل والدمار في الوطن المبتلى، وان بعضهم: "يلغ الدماء مع الوحوشِ نهاره، ويعود في الليل، التقيّ الراهبا"... وانك اعتقدت، برؤية اخرى أثارت الكثير من النقاش، وكذلك اللغو!  خلاصتها ان تقسيم العراق الى اقاليم، خير من الاحتراب والقتل والدمار. كما ولك تصورات عديدة اخرى"خارج السرب" عن مدى فائدة الديمقراطية لبلد تعمّ الامية فيه مثل العراق، وكلا الموقفين، والرأيين السابقين- اللذين افسدا، وما زالا للود قضية!- منشوران على مواقع اعلامية عديدة، الاول في الشهر الاول من عام 2014  تحت عنوان  " من اجل ألانسان، وانهاء الدمار: فلتقسم البلاد العراقية، ويُعاد توحيدها.  ولم لا ؟؟؟" . والثاني بعنوان "لاسباب عديدة، ومنها قطع الطريق على الارهابيين... فلتؤجل الانتخابات، بل وتلغى ايضا" ونُشر في آذار2014  ...
      كما وزدْ معلومات أخرى، ودعْ الناس بين مؤيد ومختلف، حولك وضدك، فتلكم سنّة الحياة، ولا تكن مثل البعض "توسط كاللبنِ الخاثرِ" وقلْ: انك لم تؤمن منذ البدء بما صفق له الآخرون، وتعني "الربيع العربي" مطلع العام 2011... وانك رحت تؤمن بيسار عريض، لا احزاب "ثورية" من طرازات قديمة، مع كل التبجيل لما قامت به من تجديد، وما زالت. ..واخيراُ في هذا السياق فلتفجر مجدداً "قنبلتك" غير المتوقعة من كثيرين، ألا وهي انك ترى في "تحصيص" السلطات والادارات في العراق الجديد، طريقاً مناسباً، وموضوعياً ضمن ظروف البلاد وتاريخها وجغرافيتها وتطور مجتمعها، وثقافته ووعيه الجمعي. 
    ولمزيد من التأرخة، فلتكشف هنا، لمن يهمه الامر، وحتى لمن لا يهمه- وما عليك بالمتربصين وأعوانهم- انك قد صرحت  وتداولت – ايها الرجل-  في كل تلكم الشؤون، وغيرها،  وبهذا الشكل او ذلك، مع مسؤولين وسياسيين ورسميين، بارزين، في القيادات الجديدة لعراق ما بعد الدكتاتورية، ومن ابرزهم: جلال الطالباني، وحيدر العبادي، وحميد مجيد موسى، واسامة النجيفي، والسيد عمار الحكيم، ومحمود المشهداني، وهادي العامري، وهوشيار زيباري، وحسين الشهرستاني ... وجمع مهم آخر، وذلك في لقاءات ومناسبات مختلفة... ولتكتفِ هنا – مؤقتاً- ولتتابع عن وقائع ومحطات اخرى تالياً عن بعض خصوصيات و"أسرار" ذات صلة !!!
------------------------------------------ يتبع
 

     

103
على ضفاف السيرة والذكريات – القسم السادس
شــؤون ومحطات ثقافيــة
رواء الجصاني
--------------------------------------
11-   عن مركز الجواهــري

    عادة ما يكتب المعنيون، والموثقون، سيرهم وذكرياتهم، منطلقين من البدايات، وها أنت تقلب الآية – ايها الرجل- فتكتب من الآواخر، وتبتدئ  بها، فهي أعز عندك، وعليك، حصاد عمر زاهٍ .. وتعني بذلك تأسيسك لمركز الجواهري الثقافي في براغ، منبراً متفرداً، للعناية بتراث وأرث الشاعر العظيم .
   ولتتباهَ من جديد،  بأنك كنت بمفردك وراء الفكرة والانطلاقة، والمتابعة، ومنذ عام 2000 وما برحتَ، والى اليوم. ولا تنسَ قضية التمويل، ولتصرحْ بان كل ما عندك من مال (وهل لديك منه اصلاً!!) قد وُهب لمشروع العمر، وكم شمخت، وتشمخ  اكثر، حين تسجل للتاريخ هنا، بأن لا احد، لا من الاقربين ولا من الابعدين، قد ساهـم بدعم مادي لهذا المنبر الذي علا ويعلو صوته وعطاؤه كل يوم ويوم، ولا حاجة لك بهم، سوى ان يكفوا عنك، حسدا، على الاقل.. ولكن فلتستدرك هنا، وتذكر بالحسنى، وعلى الاقل ايضا: نسرين وصفي طاهر وعدنان الاعسم، اللذين استمرا وحيديّن خارج السرب، مشاركيّن في الجهد  التحريري والكتابي، والتنفيذي لمركز الجواهري ذي الصيت والصوت.. وكذلك هي حال  المستعرب، والمترجم  التشيكي المتميز، الفقيد يارومير هايسكي. اما مؤسسة بابيلون للاعلام فقد كانت وما زالت من يحتضن المركز، موقعا وادارة ومتطلبات اخرى ..
   ... ثم توقف ايها الرجل، وترجل، ولا تأخذ الناس بالمديح والعموميات، وسجل ولو قليلاً عن بعض ما قمت به، والمركز من نشاطات، ولتعدد وحسب ان من بينها، ودون تسلسل زمني حالياً :
-   الشروع بتوثيق نحو اربعة الاف ورقة ورسالة، وصورة، للجواهري، لا نسخ اصلية لها سوى في المركز.
-   اتمام 85 حلقة عن الشاعر الخالد تحت عنوان " الجواهري ... ايقاعات ورؤى" بُثت في اعوام 2009-2011 من اذاعة  "العراق الحــر" في براغ .
-   نشر 50 حلقة اسبوعية عن الجواهري في صحيفة "التآخــي" البغدادية عامي2007-2008 .
-   المساهمة في مسلسلات وبرامج توثيقية خاصة عن الجواهري، والمشاركة المباشرة فيها، لفضائيات عديدة من بينها: السومرية، الجزيرة، المستقلة، والشرقية.
-   انجاز كتاب تحت عنوان" الجواهري، قصائد وتاريخ ومواقف " بالتعاون مع كفاح الجواهري، النجل الثالث للشاعر العظيم.
-   - إتمام فعالية استذكار باهرة في براغ، بشهادة الجميع، بمناسبة مرورعشرة اعوام على رحيل الجواهري الخالد، ومن ابرز الذين شاركوا فيها: المبدعان الألِقان: عبد الكريم كاصد، وعباس الكاظم، والمستعربان التشيكيان القديران: ياروسلاف اوليفريوس، وليبوش غروباتشيك.
... اما الابرز من كل هذه وتلك من انجازاتك – ايها الرجل- وبأسم المركز، فهما قضيتان حظيتا، وتحظيان، لدى المتابعين، وممن يهمهم الامر حقاً، لا ادعاء. أولاهما انقاذ البيت، المُلك، الاول والاخير، للجواهري في العراق ( بغداد - حي القادسية ) من البيع، والهدم لاقامة مشروع تجاري مكانه. وبمبادرتك التاريخية وما ترتب عليها، وبتضامن المحبين، مثقفين وشعراء وفنانين وشخصيات عامة، قررت أمانة بغداد عام 2010 استملاك البيت، واعتباره مبنى تراثياً، وسلمت بدله المالي نقدا الى الورثة، من بنات وأبناء الشاعر الخالد، اواخر العام 2011. 
    اما القضية الثانية، والمعنوية هذه المرة، فهي قيامك – ايها الرجل الموثق- باختيار وتنسيق ابيات من شعر الجواهري الخالد، لتقدمها مشروع نشيد وطني، وطني، للعراق الجديد، وقد اتفقت اللجنة المعنية في البرلمان العراقي – او كادت – على اختيار ذلك النص بعد تداولات ومشاورات طويلة، واخرها عام 2013 وما برح الامر تحت وصاية البرلمان الجديد..
   وخلاصة لهذه المحطة من ضفاف الذكريات والسيرة، فلتقل – ايها الرجل- كم ثمة تفاصيل اخرى، جميلة ومؤلمة في آن، حول مركز" الجواهري" ببراغ، ومؤكدٌ إن وقت البوح بها سيحين، ولو تأخر، فالتاريخ شاهد حق، عزوف عن الصمت !!!.
12-    في اجواء الثقافة والمثقفين
      والان فلتعد الى بعض لمحات خاطفة عن شؤون ثقافية لها علاقة بك، ولك علاقة بها – ايها الرجل- طوال عقود، ابتداء من انغمارك هاوياً في الكتابة والصحافة، ولا تكرر ما تطرقت اليه في حلقات سابقة من هذه الضفاف على السيرة والذكريات. ولكن لا بأس ان تستطرد قليلاً فتشير الى مكتبتيك التى فيهما ما فيهما من اصدارات ومؤلفات ومخطوطات ومجلدات، واحدة اينعتها في بغداد وحتى الاغتراب اواخر العام 1978  الى براغ، حيث اينعت فيها ايضا مكتبة يكفي ان تقول عنها انها الاولى والاخيرة في بلاد التشيك، لما تضمه من كتب واهداءات ونوادر المحتويات.. وكم شغل بالك- ويشغله- الى من ستؤول تينك المكتبتان، بعد ان يطول بك العمر !!!!.
      وما دام الحديث سالكا في الشأن الثقافي والادبي، فأتعب الناس من جديد- ايها الرجل-  و"أضجرهم"  بالحديث عن "شقشقياتك" الشعرية، في تلكم الايام والليالي، من تلكم الاعوام، ولا تسترسل، وتذكر ما قاله الجواهري في احدى حالاته: "أني اخاف عليّ بعض شهودهنّه"...  كما تذكر عموم كتاباتك وتوثيقاتك ذات الشأن الثقافي، ومشاركاتك في العديد من الفعاليات ذات الصلة، عامة وخاصة، ومن اهمها على ما تزعم، احتفائية اربيل عام 2000 بذكرى مئوية الجواهري مع كتاب وشعراء وفنانين وسياسيين بارزين، ولعل ما يغطي بعض شؤوون تلكم الفعالية المهيبة، ما قد نشرته في صحيفة الزمان اللندنية، ثم وعلى مواقع اعلامية عديدة، تحت عنوان " حين احتفل الكرد بمئوية شاعر العرب الاكبر" بعيد ايام من اتمام الحدث.
     كما ولتؤرخ هنا ايضا- ايها الرجل- عن مشاركاتك في العديد من فعاليات رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين العراقيين في اوربا،  والخارج، خلال عقد الثمانينات، ومنها رئاسة فرع تلك الرابطة في  تشيكوسلوفاكيا، عام 1988 والتي ضمت هيئته الادارية:حسين العامل وقيس قاسم ورزكار محمد.. ولتشرْ ايضا الى مشاركتك مع عبد الاله النعيمي، وحميد برتو،  في ملتقى  الرابطة الاوربي في برلين عام 1989 وكذلك في عدد من اجتماعاتها التنظيمية الاخرى مع نخبة من المعنيين، صحفيين وكتاباً وفنانين .. ولا تفوتك ان تؤرخ ايضا  فتتذكر ان من بين اعضاء  فرع الرابطة ببراغ، وداعميها، الراحلون الاعزاء: اضافة الى زكي خيري ومحمود صبري: شمران الياسري وقادر ديلان وعادل مصري ومحمود البياتي، ومصطفى عبود ...  والحح، وشرْ، ان من بين نشاطاتك الحيوية في  الرابطة ، ببراغ، اواخر الثمانينات الماضية، تنظيم وادارة ندوة مهيبة وسط براغ تحدث خلالها المفكر والرائد الكبير محمود صبري عن نظريته "واقعية الكم" وشارك فيها مفيد الجزائري، وبحضور جمهور غفير ندر ان تجمّع في مثل تلك الفعاليات. كما  تحدث عن اصدار نشرة "مرافئ" التي "هيمن" عليها لاحقا صادق الصايغ، ليحولها من براغية محلية، الى صوت اوربي، اضافي، للرابطة. وقد استقطبت اهتماماً لافتاً لما كانت عليه اعدادها من فحوى وشكل، تميزا بجهد حريص ..
     ولتتـــوقف هنا،  وتتباهى مجددا – أما شبعــت من التباهي ايها الرجل ؟!-  بعلاقات وثقى زاهية مع عشرات المثقفين والشعراء والفنانين، العراقيين الباهرين.. وأذا ما فات عليك استذكار لمحات ومحطات ثقافية "مهمة" اخرى، فما عليك ألا و تستدرك ذلك في حلقة قادمة، ما دمت قد أزمعت ان توثق جملة من الاضافات، تشمل مالم تسعف به الذاكرة، فتشملها حلقات هذه الضفاف على السيرة والذكريات.
-------------------------------------------------------------- يتبع 



104
علــى ضفــاف السيرة، والذكريــات- القسم االخامس
قيـمٌ، وعلاقات وصداقات، وما بينهما
رواء الجصاني
--------------------------------------
   "ذهـــب الناسُ من الدنيا بِمُلْـــكٍ ونعيــمِ، وذهبنا نحــن بـ"التاريخ" والذوقِ السليـــمِ" ..هكذا تكاد ان تنطبق المقولة الجواهرية عليك – ايها الرجل- فها أنت في احلى العمر! ولكنك خالي الوفاض من "ارصدة" و"اطيان" ولا تدري هل تفرح بتلك الحال، ام تنكفأ؟ ولا تقل تحزن لأن لديك  في دنياك علاقات وثـقى، تزهو بها، وبيادر محبة تبادلتها مع الناس، اصدقاء ومعارف وغيرهم. فلتصدح إذن، مقلداً الخالد العظيم: حببت الناس كل الناس، من أظلمَ كالفحم ومن اشرق كالماس.
   ... وأفصحْ ايضا بأنك كنت، وما زلتَ - وتأمل ان تبقى- ترى من صميم الخلق السويم، الوفاء والاخلاص، وان جحد "البعض" ! فهكذا جُبلت بيتاً وعائلة وبيئة، وظروفاً وحياة... والآن كفْ عن المديح، ولا تنس ان ثمة من سيقول لك "من مدح نفسه ذمها" ولو انك لا تؤمن بذلك، ولك مبرراتك..  وتساءل مع نفسك –ايها الرجل- قبل الاخرين: هل ثمة رصيد ارفع واسمى من تكون مقرباً أول للجواهري، ولمحمود صبري؟ وان تكون لك صلات مودة وعلاقات خاصة متميزة مع عشرات باهرين - وقل مئات ولا تخفْ-  جلهم أوفياء، رفاقاً وزملاء ومعارف واصدقاء واحباء.. وقد امتدت بل وترسخت تلكم العلاقات، ولم يفسدها خلاف الرأي، الا في حالات محدودة، والاستثناء يثبت القاعدة، أو ليس كذلك ؟!.
    وما دام السرد قد بدأ، ولأنك متعدد الاهتمامات والانشغالات في حياتك العامة والعملية – ايها الرجل- فذلك هو رصيد علاقاتك وصداقاتك، متنوع هو الاخر، ومتوزع ومتشابك بين مثقفين وسياسيين متميزين، كما مع عشرات الادباء والشعراء والفنانين والاكاديميين والصحفيين، وزملاء ورفاق درب ونضال، ودراسة ومهنة، وطفولة وفتوة وشباب، في البلاد، ومختلف ارجاء المعمورة ... واعتذر منهم هنا من جديد، لأنك تبتعد عن التصريح، وإن عزّ عليك ذلك، لأنك عمدتَ في مجمل ضفاف سيرتك وذكرياتك، ألا تسجل اسماء الاحباء طالت اعمارهم، كي تبعد احتمال ان تنسى  احداً او "تزعل" آخر في التقديم والتأخير، ولكي لا تفسح مجالا لمن يريد ان يتصيّد من اولئك الراصدين الخالين من همِ وشغل..
   كما لا تتردد – ايها الرجلُ- إحترازاً من "حسد" هنا، او "تقول" هناك، فقد "تدبّغَ" جلدك من اولئك المتربصين، ورحْ وسجل امثلة وحسب، لمزيد من التوثيق والامعان في "التباهي" بأن من بين من تعتز، وتزهو بالعلاقة الوطيدة معهم، اولئك المنورين الذين كم استضافتهم شقتـك الصغيرة  في براغ، وخلال فترة زمنية محدودة ليس الا، ولمرات عديدة، مجتمعين تارة، ومنفردين تارة اخرى، كالجواهري وثابت حبيب ورحيم عجينة وزكي خيري وشمران الياسري"ابو كاطع" وصالح دكلة وعادل مصري وعامرعبد الله، ومحمد حسين الاعرجي، ومحمود صبري، ومحمود البياتي، ونزار ناجي ... ولمن لم ينتبه، نوّه الى ان تسلسل الاسماء السابقة جاء بحسب حروف الابجدية العربية.
  ... وعن الاصدقاء والاحباء الذين طرزوا ارض الوطن، شهداء خالدين، فلا شك ان لهم سجل ذهبي، أنار– وسيبقى ينير- كل العراق، وأستذكارهم شرف لمن يوثق عن ذلك، فهم الذين يُشرفون، ولتتشرف – ايها الرجل- وتعدْ بأنك تتحفز لأن يكون لهم موقعهم الأميز، في المؤجل الارحب من تفاصيل ذكرياتك الموعودة، ولهم الفضل في ذلك، وليس لك ..
... وإذ قررت ان تؤجل الحديث عن الأهل والاقارب من أسرتي: الجصاني والجواهري، وغيرهما، في هذه المرحلة من "ضفاف السيرة والذكريات" .. فلتتذكر- ايها الرجل- بل وحذارِ ان يغلبك النسيان، علاقاتك وصلاتك مع احباء واصدقاء وزملاء ومعارف متميزين، فقدتهم الحياة مثل: حسين العامل وحميد المحل وجميل منير، وصفاء الحافظ، وطارق شريف، وعادل الربيعي، وعطا الخطيب، وعمر بوتاني، وغائب طعمة فرمان، وفؤاد سالم، وفراس الحمداني،  وكمال السيد، ومحمد سعيد الصكار، ومصطفى الدوغجي، ومصطفى جمال الدين، ومصطفى عبود، وموسى اسد، وهادي العلوي، ويوسف الصايغ، ونمير حنا.. وجمع عزيز كثير اخر، ممن تعرفت عليهم، وامضيت اوقات ثمينة، حافلة معهم، طالت أوقصُرت، ومن بينهم من جاءت الاشارة اليه في المحطات التي سبقت، او لحقت، في الاجزاء الاخرى من هذه الذكريات والسيرة..
   اما عن الاصدقاء والمعارف العرب، ممن قامت، او توطدت العلاقات معهم، فلهم سجل زاه ايضاً، منهم من تشاركت معه في مؤتمرات وندوات عربية وعالمية في مختلف عواصم ومدن الدنيا، ومن هم في أطر السياسة وفعاليتها، وعديد آخر في مجالس ومناسبات مختلفة، شيئ لك – ايها الرجل الموثق- ان تكون حاضرا فيها معهم، وبينهم ...
   ترى هل أوفيت الحديث والاستذكار والتسجيل في هذه المحطات من ضفاف هذه الذكريات، والسيرة؟ ستكون غير وفيّ أو أمين لو اجبت ايجاباً. فالصداقة والصلات الانسانية لديك – ايها الرجل- مبادئ ومفاهيم وقيم تبنيتها عن قناعة بكونها الرصيد الاسمى للمرء في الحياة، وكمْ تعجبتَ، وتتعجب، وستبقى، من قدرة العيش دون الناس مهما كانوا، فكيف بالاقربين والابعدين؟ كما وكمْ وكمْ أعبتَ على أولئك الذين إنكفأوا فأبتعدوا - ومهما كانت المبررات- عن العيش دون حلاوة العلاقات الاجتماعية، وإن ترتبت عليها او بسببها مرارات أو اخرى، ولقد اصابك منها ما اصابك، ولكنك كنت تروح تهدئ النفس بحكمة ملهمك:
سامح القوم انتصافاً، وأختلق منك اعتذارا
علّهم مثلك في مفترق الدرب حيــارى!!!
  وبالمناسبة فقد كان الجواهري العظيم يكرر، عندما كنت "اناكده" حين يسمح مزاجه، بأن له أعداء كثيرون، فيقول: من ليس له اعداء، لا اصدقاء له... ولقد عشت – ايها الرجل – عديدا من تلك الحالات، فتلقفك المتصيدون، وكم كنت اكثر لؤما منهم!! حين صفحتَ عنهم فراحوا يلمسون ما صنعوا، دون ان يدروا، او يدرون ولا يفقهون. وهكذا هي سنة الحياة، ولاسيما من شاءت له الاقدار، وشاء هو نفسه، ان يكون في عوالم الحياة العامة، متجاوزاً الذاتيات جهد ما استطاع. ولتزعم هنا من جديد – ايها الرجل- بأنك قد تعمدت وسعيت، وسلكت الطريق الاجهد، ولعل في باطن سريرتك تقول: إن الحياة معاناةٌ، وتضحيةٌ، حبّ السلامة فيها أرذل السبلِ...
---------------------------------------- يتبع   
 



105
علــى ضفــاف السيرة، والذكريــات- القسم الرابع
رواء الجصاني
------------------------------------------------------------------------------
6- خمسة عقود مع الجواهــري
   هاهي ظلال جديدة على ضفاف السيرة والذكريات، ولانها شاملة هذه المرة، متنوعة المحطات واللمحات ، فسهل الامر عليك - ايها الرجل- وعلى الذين يقرأون لك، وأنثر التوثيق على ثلاثة محاور زمنية، وان تداخلت، وتحدثْ مااسطعت ايجازاً، عن تلكم العقود الخمسة مع الجواهري العظيم، مابين ولادتك عام 1949 ورحيله الى الخلود عام 1997... وقد كان، ويبقــى: خالاً وانساناً وعبقرياً، متفردأً في غير زمانه، ومكانه وأهله، كما قيلَ ويقال!!!. وأسبق، وقلْ بانك لن توفي في هذه العجالة الا ببعض يسير مما عندك، فقد كتبت ونشرت نحو مئتي مادة وحادثة وشهادة، وما زالت الجعبة والذاكرة تفيض بالكثير الكثير:
فـي بغـــــداد...
   تفتح عينيك على الدنيا، وانت في بيت وعائلة، بل ومجتمع، تنضح احداثها وتفيض، وتغرق بالجواهري ... وتستذكر، كالطيف احياناً، ما اختزنته الذاكرة من عقود ستة، واكثر: جلسات ليلية شبه يومية، واحاديث ووقائع وطنية وسياسية، واجواء ثقافية وصحفية واجتماعية، وغيرها، متشابكة دون حدود .... وكذلك سفرات عائلية منها الى النجف حيث منبت العروق، والى علي الغربي، حيث الجواهري "مزارعاً" و"متزوجاً"  حديثاً.. كما والى دمشق، التي لجأ اليها مخلفاً "غاشية الخنوع" وراءه ...
    ثم تتذكرـ وأنت أبن ثمانِ ونيف، الجواهري ذا الرئاستين، بعد قيام الجمهورية الاولى عام 1958 لاتحاد الادباء، ومجلس نقابة الصحفيين... وخلافاته مع رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم، والتي اضطر بسببها للاغتراب الى براغ عام 1961 وبعد ذلك عودته لبغداد بعد سبع سنوات "خالها سبعين لا كدراً، لكن لحاجتها القصوى الى الكدر" بحسب قوله. كما تذكر ليلة العودة، وانت والعائلة تستقبلونه في مطار بغداد مع جماهير غفيرة، ومن المطار الى البيت الذي استأجره له نجله "فلاح" في منطقة الداوودي، قرب بيتكم، ولا تفصل بين البيتين سوى مائتي متر لا اكثر .. وبمناسبة الحديث عن البيوت، وثقْ هنا، عسى ان ينفع التوثيق، انك – ايها الرجل - قد ساهمت عام 1970 في التخطيط الاولي لخارطة دارته الاولى والاخيرة للجواهري، ملكاً صرفاً، في العراق، باعتبارك مهندساً، ولم يكن قد مرّ على تخرجك غير أشهر قليلة ..
   ... ثم تبدأ سنوات السبعينات، والشاعر الخالد يتناصف الاقامة خلالها بين بغداد، وبراغ، وفي تلك الفترة ما فيها من وقائع حلوة ومرة، وشؤون وشجون، واستثناءات، ولعلك قد وُفقتَ في تغطيتها، بقدر ما، في كتابك الموسوم" الجوهري: اصداء وظلال السبعينات" الصادرعام 2001 في براغ، عن دار "بابيلون" وتوزيع مؤسسة المدى الدمشقية، آنئذِ ...
... وفـي بــراغ
   مع أواخر العام 1978 تنتقل اقامتك – ايها الرجل- الى براغ لاسباب سياسية، وملاحقات امنية، كما وردت – وترد-  بعض تفاصيلها في هذه "الضفاف على السيرة والذكريات".. وقد سكنت في "شقيّقــة" الجواهري لبضعة اشهر، اولاً، حتى توفرَ لك "ملاذ آمن" في عاصمة بلاد التشيك، التي يعود اليها الجواهري يحمل "منقارا واجنحة" ليس الا، ليستقر مغترِباً من جديد، وحتى رحيله في دمشق عام 1991 فيعطر متربتها هناك عام 1997 والى اليوم..
  وعلى مدى أثني عشر عاما في براغ (1979-1991) كانت اللقاءات مع الجواهري الخالد، يومية تقريباً، ومن برامجها ما يمكن الافصاح عنه، وقسم اخر يندرج تحت مقولة "للمجالس أمانات" !!! ومع ذلك فتلك كتاباتك المنشورة عن حقبة الثمانينات الجواهرية تغطي مساحات توثيقية واسعة، وتنقل وقائع وشهادات، إزعمْ – ايها الرجل- بأنها تسمن من جوع، وظمأ التواقين للتعرف على بعض تراث وأرث الشاعر العظيم، وصرح علناً: بانك الوحيد الذي  عايش، وسجلّ، ونشرَ عن تلك الفترة الزمنية، المليئة بالاحداث، الادبية والسياسية والوطنية، والاجتماعية...
   كما ووثق بانك كنت طوال تلكم السنوات الاثنتي عشرة: المؤتمن الاقرب للشاعر العظيم على "اسراره" وخصوصياته، وأتراحه وأفراحه، وحتى على بعض دوافع قصائده في تلك الفترة، وانطلاقة كتابة مذكراته... وكم كنت وكنت!! ثم  ندمت بعد فوات الاوان، لأنك لم تقضِ وقتاً  اطول واطول مما قضيته معه، وكم حذرك الخال العبقري، مزاحاً وجدية، من ذلك الامر، ولكنك ما طاوعتَ وفضلت نشاطك السياسي، و"الخاص"!!! في احيان كثيرة على ان تكون معه..
... وفــي دمشــق
  توزعت جلّ ثمانينات الجواهري، تقريبا، كما هو معروف للمتابعين، بين براغ، جنة الخلد التي "اطالت الشوط من عمره" ودمشق "التي احبها لا زلفى ولا ملقا"...وقد شاركته – ايها الرجل-  تلك الحال، بقدر وشكل، أو آخر.. فقد كانت سوريا وطنا اضافياً تحضّنك لأكثر من ثلاثة عقود، وتحديدا للفترة 1979-2010... زائرا ومعارضاً وناشطاً جماهيرياً ولمرات عديدة في العام الواحد، وفي جميعها، او اغلبها الأعظم، مقيماً في دارة الجواهري، والعائلة، بدمشق ..
   وهكذا كتبت – ايها الرجل- تفاصيل لا عدّ لها في توثيقك الموسع، الموسوم:" مع الجواهري في دمشق" المنشور عام 2013 في صحف ومواقع اعلامية عديدة، وفيه ما فيه من ذكريات ووقائع واحداث. ومن شذرات ذلك التوثيق، شئ عن مجالس الجواهري، وضيوفه وخصوماته، وعائلياته، وليلياته، ومشاركتك في اختيار" العيون من اشعاره" عام 1985والاعداد الاولي لتحرير جزأي ذكرياته عامي 1989-1990 وعن نكبتيه برحيل زوجته" آمنة" عام 1992 وقبلها رحيل اخته "نبيهة" عام 1987...وغيرها وغيرها، وحتى تموز1997حين نال منه الموت اللئيم- الذئب- الذي بقي يطارده عقوداً، وفوق نيوبه دم اخوته، واحبته، وصحابه ...
   كما وتذكرْ هنا – ايها الرجل- جلسات ما بعد منتصف الليل، حين تنفرج الاسرار والاسارير، وينحسر الستار عن الكلام المباح، وغير المباح، وتشتد المناكدات، ويُصرحُ بالتقيمات للاشخاص والاطر والاحداث والوقائع...  وتوقف هنا، وعدْ لمقولة: ان للمجالس امانات، وقِ المؤمنين، وغيرهم، شرور القتال، فما عاد في المقدور مزيدا من قدرة التحمل والجدال، وخاصة مع اولئك الذين لا يستحقون المنازلات!!!... اما المخلصون ممن يهمهم حب التنوير والثقافة والادب، والسياسة، والجميل غير الممل، فدلّهم -ايها الموثق- الى نحو سبعين شهادة وواقعة أرختَ لها تحت عنوان" مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب" نشرت على عدة حلقات ربيع العام 2014 في عشرات الصحف والمواقع الاعلامية، وغيرها ....
-------------------------------------------------------------
7- في عواصم ومــدن العالـــم
  بين مشاركات في مؤتمرات ومهرجانات وندوات وغيرها، كما للسياحة وإن قلّت، قُدر لك – ايها الرجل- ان ترى وتزور وتقيم في حوالي ثمانين عاصمة ومدينة، متوزعات في اكثر من ثلاثين بلدا، في مختلف انحاء المعمورة، واحياناً لاكثر من مرة ومرة .. فمن نيويورك الى بيونغ يانغ، ومن مراكش الى عدن، والى اثينا وروما وموسكو ولندن والقاهرة، وطهران واسطنبول.... توزعت تلكم المدن والعواصم التي رأيت. اما دمشق وبلاد الشام، فتغنّ، وأحزنْ، وحدثْ، عن عدد مرات زياراتك لها، فلها الكأس المعلى، والى اليوم "وإن كُسيت على رغم دخانا" ...
    ولعلك لا تبالغ ان أطربتَ – او أضجرتَ- قراءك ان قلت بان لك في كل مدينة وعاصمة ذكريات وذكريات، ما برح الكثير منها تطرز الروح، عاطفة ووجداناً، باحباء واصدقاء، وزملاء، ومعارف، وقبلهم: صديقات وزميلات، باهرات منورات... كما ووقائع واحداث، اجتماعية وسياسية وثقافية، وغيرها !!! وإحذر! فان افضت اكثر فستكون"سيرة وذكريات" شاملة، وليست"ضفافاً" لهذه وتلك، كما زعمت في العنوان الرئيس لهذا التوثيق، وصفهُ بالممتع، وأن زعم الدعاة بغير ذلك .
   ولكي "تملّح" ما أشرت اليه، نوه على الاقل، الى بعض وقائع حدثت لك – ايها الرجل-  في عدد من تلكم العواصم والمدن، ومن بينها حين حجز المضيفون اليمنيون الجنوبيون عام 1980 لك، ولحميد مجيد موسى"ابو داوود" وعبد الاله النعيمي، للسفر بالطائرة الى صوفيا، من عدن، التي كنتم في وفد رسمي اليها.. والى الان لاشئ غير طبيعي، ولكن الدهشة انك  اكتشفت، وبالصدفة فقط، وعشية بدء الرحلة، ان مسار طائرة العودة  يشمل التوقف ساعة" ترانزيت" في مطار بغداد، المحتل آنذاك من عصابات النظام الارهابي!!! وقد الغينا السفر، بالطبع، وإلا فكمْ كانت "اللقمة" مغرية لتلك العصابات، بأن يصيدوا ثلاثة مطلوبين بامتياز، جاؤوا اليهم بأرجلهم، وإن كانوا عبر الطائرة !!!... 
   وعلى اية حال فلتزدْ خلاصاتٍ ولتقل: ان كل تلكم المدن والعواصم التي زرتها، وفرت لك المزيد من الاطلاع، والمعلومات، وبمديات مختلفة، على صعيد المعرفة، والتاريخ والجغرافيا، والثقافات المتنوعة..واكتفِ هنا، وعلى ان تعود للمزيد في كتابات تالية، وأحسبْ ان جميع ما أشرت له في السطور السابقات رؤوس اقلام، لتفاصيل قادمة ...
 ----------------------------- يتبع 
 

106
علــى ضفــاف السيرة، والذكريــات ...(3)
رواء الجصاني
----------------------------------------------
ربع قرن في حركة طلابية مجيدة

   تحت العنوان اعلاه، وبمناسبة الذكرى الستين لمؤتمر السباع  الطلابي الشهير، ببغداد، نشرتَ – ايها الرجل - توثيقا مفصلاً عن بداياتك الطلابية، نشاطا ونضالاً، وحتى عام 1989 حين "تقاعدت" ... وها انت تحاول من جديد  ان تجمع شتات السيرة والذكريات، فماذا ستكتب هذه المرة،؟ 
  ... هل ستفصل اكثر عن مواقف ونجاحات وشجون، ام ستخشى- وماذا تخشى اصلاً ؟- من هذا وذاك؟ .. هل ستتحدث بصراحة؟ ام ستركنها لفترة قادمة، وتتحجج من جديد بأنك توثق "ضفافاً" وحسب لسيرة وذكريات، وليس كل "السيرة" وكل "الذكريات" !!... ومع ذلك فلتتمرن، ولتضف بعض محطات من هنا ومن هناك في مسار ربع قرن، من العمل والنشاط الطلابي .
    قلْ، مثلا، انك تفخر بمشاركتك في ذلكم النضال الطلابي المتشابك مع النضال الوطني، في حركة، وتنظيم، واطار، اتحاد الطلبة العام، والذي كان، وما برح، شعاره الاساس ينضح بذلك التشابك، ونصه:"من اجل حياة طلابية حرة... ومستقبل افضل" ... ثم زدْ وبارك، كما يقول المؤمنون: ان ذلك الاتحاد الطلابي العتيد، مدرسة وتاريخ لجحافل مناضلين من اجل الغد الافضل، منهم من أُستشهد، وخلدَ، ومنهم من سجن وعذب وتحمل ما تحمل، ولم يحد عن الدرب... كما وأشِرْ على الاقل- ايها الرجل الموثق- وحتى دون اسماء في هذه المرحلة: ان مدرسة "اتحاد الطلبة العام" خرجت العشرات من القيادات والنشطاء البارزين، في الحركة الوطنية العراقية، وعلى مدى اعوام، بل وعقود، ومنهم الى اليوم، يجوبون ارجاء العراق شمالاً ووسطاً وجنوبا ..
   ثم، سجل، وتباهَ  مرة اخرى - ولم لا؟ - ان مهامك ونشاطاتك الطلابية - الوطنية تنوعت وتعددت، لتشمل الاعلام والتنظيم مرة، والعلاقات العربية والعالمية مرة اخرى... ومرر – ايها الرجل –  ان من بين هذه وتلك المهام التي تشرفت بها، اشغالك عضوية سكرتارية الاتحاد مطلع السبعينات الماضية، وخوض الانتخابات الطلابية عام 1970 "متزعماً"  قائمة الاتحاد، في معهد الهندسة العالي ببغداد، ثم شغلت عضوية اللجنة التنفيذية لرابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفياتي عام 1972  ثم عدت لبغداد عام 1973 لتعود الى سكرتارية الاتحاد، ولتشرف على صفحة الطلبة والشباب في جريدة "طريق الشعب" المناضلة المعطاء، وحتى عام 1976...
   كما واكمل تباهيك، مادمت قد بدأت به - ايها الرجل المتباهي بنضال وعطاء- ووثق انك كُلفت في براغ، وانتخبتَ سكرتيراً عاماً للجنة التنسيق للجمعيات والروابط الطلابية العراقية (الديمقراطية) خارج الوطن للاعوام 1980- 1985.. وفي نفس الفترة: تسنمت مهام التمثيل الخارجي لاتحاد الطلبة العام، ومندوبه لدى سكرتارية اتحاد الطلاب العالمي، ومقرها في العاصمة التشيكية براغ  ... وضف بكل ثقة واعتزاز ان تلكم الجمعيات والروابط، وهي فروع الاتحاد في الخارج، تحملت في مسارات نضالها مسؤوليات اساسية في حملات التضامن الجماهيرية، مع كفاح طلبة وشعب العراق، ضد الارهاب والقمع البعثيين، وخاصة في الفترة 1979- 2003  .. ومرة اخرى ذكّر من يريد تفاصيل اكثر، بالعودة الى ما نشرته في توثيقك ذي الصلة عام 2011 تحت عنوان "جمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن، ربع قرن ضد الدكتاتورية والارهاب" والمنشور على عشرات المواقع الاعلامية.
------------------------------------------------
نساء ونساء في رحاب الذاكرة
    لأنهن من زنّ الحياة، فلابد ان يحظين بكل تمييز ممكن، وانت تتابع ضفاف ذكرياتك ايها الرجل، وهكذا رُحْ واعتمد ذلك المنحى فوثق عن نساء باهرات كانت لهن علاقات انسانية ووطنية واجتماعية وسياسية معك، كما انت معهن، وأكثر. واذ تستمر على تلك  الخطى التي اعتمدت، باتجاه التوقف عند اسماء الراحلات والراحلين، وحسب، مع استثناءات قليلة، فلا بد ان تأتي في البال اولاً، الوالدة الجليلة: نبيهة الجواهــرى، وقد سبق واشرت لها، وعنها في سطور سابقات   ...
   ثم تابع وتذكر طيبة، امونة جعفر، زوجة الجواهري الخالد، الخال الاقرب، الذي قال عنها عام 1957، وأوفى، ببضعة كلمات معبرة تغني عن جمل وعبارات، حين قال انها كانت، وحتى في جموحها " لون من الادب" ... كما وتذكر بلقيس عبد الرحمن، زوجة الشهيد وصفي طاهر، المناضلة، الصادقة، أم زوجتك الصبور، نسرين، والتي عشت معها في بيت واحد لاكثر من عشرين عاماً في براغ، دع عنك السنين الخوالي في بغداد.. وايضا نزيهة الدليمي، الشخصية الوطنية،  التي كانت تتابعك سياسياً اواخر السبعينات الماضية، ضمن مسؤولياتها في العناية بتنظيمات الخارج للحزب الشيوعي العراقي ... كما لا يجوز الا وان تُشر- وذلك اضعف الايمان- الى الشهيدة البطلة، زهور اللامي، رفيقتك في الهيئات القيادية لتنظيمات بغداد الطلابية، اواسط السبعينات. كما لا تنسً ان تصرح ايضا ان عميدة "عمومة" مصري، كانت رفيقتك في التنظيمات القيادية للحزب في موسكو.. ثم وثق، بل وافتخر بعلاقتك الاجتماعية مع فنانة الشعب، زينب، ولقاءاتكم بصور شتى، في بغداد وموسكو وعدن ودمشق..
   والان، فلتعترف(!) ان بشرى برتو كانت تشرف على نشاطك، ورفاقك: الشهيد الابي نزار ناجي يوسف( ابو ليلى) وفراس الحمداني، وعيسى العزاوي، وحكمت الفرحان، وعدنان عاكف واترابهم، في لجنة العمل المهني، الحزبية المركزية، ببغداد في السبعينات.. كما انها- بشرى- تكفلت بالمسؤولية السياسية عنك في براغ، اواخر الثمانينات.. ثم اعترف ايضا بانك كنت، وسعاد خيري، في لجنة تنظيم الخارج للحزب الشيوعي اوائل الثمانينات... كما وتذكر سلوى زكو في صحيفة "طريق الشعب" السبعينية، وهناء ادور، وانتما تتابعان النشاطات الديمقراطية العراقية في دمشق، اواسط الثمانينات... وكذلك نضال وصفي طاهر، وخاصة فترة عملها معك ببراغ، ولنحو عقد من الزمان، في مسؤليات حزبية وديمقراطية وطلابية، ولا تغفل - وهل يمكنك ذلك ؟- المناضلتين: الشهيدة الباسلة شذى البراك، وشقيقتها سوسن، وعلاقاتكم الاجتماعية والسياسية والحزبية على مدى اعوام ... وهكذا تبتدأ شدة الورد، ولا تنتهي.
   لقد باتَ عليك ان تتوقف- ايها الرجل-  فقد اطلت، ولربما تستهويك الاعترافات المقبولة، وغيرها، وقد يضجر المتابعون حين  تنهمر، تتلألأ، الاسماء والذكريات والسير، وقد يعود بك التوثيق الى زميلاتك في الدراسة الجامعية، والوظيفية، والنضالية، وخاصة الى تلكم الشابات الزاهرات التي كُلفت بالاشراف على نشاطهن في تنظيمات الحزب الطلابية ببغداد،  والديمقراطية، وقرينتاهن في براغ، وفي الجمعيات والروابط الطلابية المنتشرة عنفواناً في نحو عشرين بلدا، واوربا بشكل خاص .. واستدرك، وتمنّ لو سمحنّ لك، وسمحت الظروف، بذكر اسمائهن، ولاسيما البارزات منهن نشاطاً، وحيوية، وإتقاداً، ولا شك بأنك ستوافق في الحال لو كان الامر بيدك وحدك.
... اما عن العلاقات الاجتماعية والانسانية، وما بينهما، مع من "زنّ الحياة" فستستطرد السطور دون حدود، ولربما ستزداد أعين الحساد اتساعا، واحمرارا.. فأحذر، واحترز، لأن ما عندك  من لواعج وشجون يكفيك  لدهر !!!!
--------------------------------------- يتبع

 
 

107
هل ثمـة دعوة – حقاً- لحرق كتب سعدي يوسف ؟؟!!!!
     * تساؤلات: رواء الجصاني
---------------------------------------------------------------
    منذ ايام، شبت، ومابرحت، ضجة اصوات واقلام، صاخبة، اوحت للقارئ العجول بان هناك حملة لحرق كتب واصدارات الشاعر العراقي البارز، سعدي يوسف، بسبب ما كتبه اخيرا تحت عنوان "مصر العروبة، وعراق العجم" وفيه ما فيه من مشاعر واراء ورؤى، اثارت عاطفة البعض، اعجاباً، وغضب وانتقادات بعض آخر... ومن بين هؤلاء، وأولئك مزايدون، بالغوا واثاروا، لكي يصلوا الى ما يبتغون.
   وكما في كتاباتنا السابقة، بعيدا عن الاستعراض، والاطناب، ها هي تساؤلات مباشرة، علّها تسهم في تبيان بعض ضبابية ما خفى، وتسبر بعض ما أريد له ان يكون:-
1-   لم ندرِ الى الان من هم الذين طالبوا بحرق كتابات سعدي يوسف، وهل هي اراء شخصية، ام خطة محددة  لها ابعاد وخطوات اجرائية؟.. فلم  تنشر الاسماء لكي نكون على بينة، فنقيس ونتعلم ونستفيد؟... لا سيما وقد أعلمنا البحث والتنقيب انها- الدعوة المعنية- كانت انفعالة ساخنة لشخص واحد فقط؟ فهل نحن مخطئون؟  .
2-   وأذا ما اعترفنا بحق الشاعر سعدي يوسف، بان يكتب وينشر، ويعبر عما يؤمن به، أفليس من العدل واجب الاعتراف ايضا بحق الاخرين، بان يقولوا اراءهم، ويعبروا عن رؤاهم، وخاصة اولئك الذين يعنيهم الشاعر، دون غيرهم ؟.
3-    ثم، ان كان البعض يؤيدون، لا بل ويمجدون، كل ما يقوله ويعنيه سعدي يوسف، فهناك الكثير ايضا ممن يعارضونه بشكل حاد، ويجدون في العديد من ارائه، واحكامه: قسوة، وعنصرية ومجافاة للحقيقة، وطائفية، كما واستهانة بشخصيات وقوى واحزاب ومكونات كاملة في المجتمع العراقي، التي طالتهم انتقادات وشتائم الشاعر، ومنهم يساريون وقوميون ومناضلون ومتدينون ... وعديد اخر لا يحبهم الشاعر، ولا انصاره ومريدوه، ومن زوايا وقناعات، مشتركة او متباينة ...   
4-   وبصدد الحملة اياها، المثارة للتضامن مع الشاعر، اقول بان الكثير من الموقعين، لم نسمع منهم ولا حتى صدى عما حلَ بالبلاد، واهلها، من مصائب ومصاعب وكوارث، وآخرها- وعساها تكون الاخيرة- ارهاب "داعش" في اجزاء  ليست قليلة من العراق، فما هي يا ترى اسباب ذلكم  الصمت، أو الانزواء على اقل وصف؟.
5-   وادعي ايضاً، بان ثمة تعليقات على هامش الحملة التضامنية، كانت "رقصاً بأشد مما ينفخ الزمارُ" فخُلط الحابل بالنابل، ليعيدنا بعض اصحاب ذلك التضامن الى حالات تبني ذات المواقف التي ساهمت بدفع العراقيين الى العسف والقتل تحت واجهة مقاومة الاحتلال الامريكي، ومن ذات الذوات الذين "ظننا انهم قبروا"  ومن اشباههم، ولكن اللحد يبدو قد تحرك مجددا، لا حبا بسعدي يوسف، ولا دفاعا عن حرية الرأي، ولكن لانتهاز الفرص، والعودة الى الماضي غير المنسي بعد، ان كان سينسى اصلا. 
6-     كما واتساءل إذا ما كان كل الذين تضامنوا، ويتضامنون، مع سعدي يوسف، قد قرأوا فعلاُ- دعوا عنكم ان كانوا قد فهموا- مقاصد الشاعر في كتابته الاخيرة عن "عراق العجم".. ام انهم ارادوا دخول الحلبة سببا للاستعراض، او الظهور على المسرح من جديد، دون ان يهمهم اي مسرح كان ؟.
7-     ومن التساؤلات الاخرى التي اقصد بها عينة من المتضامنين، وتعليقاتهم، وخاصة ممن يعيشون في بلدان ديمقراطية عريقة، وغيرها: ألا تعرفون ان تلكم البلدان تمنع، بحسب دساتيرها وقوانينها، اثارة العنف والاحتراب، ونشر الكراهية المجتمعية والدينية والعنصرية؟... وهنا يفسر الكثير، ويثبت بالصريح من الشواهد، ان العديد من قصائد سعدي يوسف، تشمل معاني مباشرة تنحو الى ذلك المحرم والممنوع . ولكي لا نطيل فتلكم هي كتابات عديدة حول ذلك الشأن، تعج بها مواقع الانترنت، ولمن يحرص على البحث والموضوعية، فليعد اليها ويتمعن، وبعد ذلك فليدلي بدلوه ان شاء، لا ان يصفق دون ان يسمع ويرى، ويقرأ.
..... اخيراً،  في الجعبة اسئلة وتساؤلات اخرى، لنؤجلها راهناً، لكي لا نعطِ مجالا اوسع لمن يريد ان يتلثم - كالعادة-  فيشتم ويردّ بدعوى حرية الرأي، ويا لبؤس اراء يتخوف اصحابها من ان يصرحوا بها علناً، فيتستروا بالمخاتلة، والتدليس ...

108
هكذا آمن الجواهري بمآثر الامام الحسين!!!


•   كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------

* بعيداعن الخوض- خلال هذه التأرخة العاجلة- في عوالم النجف الروحية، والاجواء الدينية والادبية للاسرة الجواهرية، وتاريخها واثارها العلمية، دعونا نغور لماماً في دوافع، ورؤى قصيدتي "عاشوراء" و" آمنت بالحسين" للجواهري الخالد، وما تشيان، بل وتلهبان به، حول مأثرة "الطف" واحداثها الاليمة، والعبر المستوحاة من الثورة الحسينية، ومنابعها وجذورها ومبادئها وافاقها..

* والقصيدة الاولى: "عاشوراء" منظومة ومنشورة عام 1935 وكانت بثمانية وستين بيتاً، استعرض فيها الجواهري، ووثق خلالها العديد من الاحداث التاريخية، الثورية والمأساوية في ان واحد، وبالاسماء المقرونة بالاوصاف التي تليق – بحسب متبنياته– بالمضحين من اجل المبادئ، من جهة، وبمعارضيهم، بل ومحاربيهم وقتلتهم، من جهة ثانية...
هيَ النفسُ تأبى أن تُذَلّ وتُقهَرا ... ترَى الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا
وتخـتارُ محموداً من الذِكرِ خالداً...على العيش مذمومَ المَغَـبّـة مُنكَرا…
* وكما هو ديدنه الثابت، شبك الجواهري العام بالخاص، وبحورات مع الذات اساساً، ليستخلص وفي ابيات محدودات، ولربما في بيت واحد متفرد، عبرة العبقري الخابر للحياة:
ونُكّسَ يـومَ الطـفّ تـاريخُ أمـة... مشى قبلَها ذا صـولـةٍ متبختِرا
فما كان سهلاً قبلَها أخذُ مـوثـق على عَرَبيّ أن يـقولَ فيغـدِرا...

* وسيرا على عادته، ايضا، يوجز الشاعر المنوّرعظات واقعة الطف، وما سبقها وتلاها من بطولات وامجاد خالدة، ثم يروح موجهاً، دون وجل او تردد:
أقـول لأقوامٍ مَضَـوا في مُصابه ... يسـومونه التحريـفَ حتى تغيّرا..
دعُوا رَوعةَ التاريخ تأخـذْ مَحَلّـها ... ولا تُـجهِدوا آياتِه أن تُـحوّرا
وخلّوا لسانَ الدهر يَنطقْ فإنّه ... بليـغٌ إذا ما حـاولَ النطـقَ عَـبّـرا

 * واذ جاءت "عاشوراء" في زمانها، والجواهري آنذاك في عقده الثالث وحسب، مباشِرة في المعاني والتصريح، واقرب للتوثيق التاريخي، هدر الشاعر الخالد بعد مرور اثني عشر عاماً، بعصماء "آمنت بالحسين" التي فاضت بالتعبير عن المواقف والمفاهيم الطافحة بالإباء والشموخ، والممجدة للفداء والتضحيات، كما هي الحال في الفرائد الجواهرية العديدة، وان اختلفت في الصور والاستعارة:
فـداء لمثـواك من مضـجـعِ ... تـنـوّر بـالابلــج الأروعِ
ورعياً ليومـك يوم "الطفـوف" ... وسـقياً لأرضك من مصرع
تعـاليت من مُفـزع للحتـوف ... وبـورك قبـرك مـن مَفزع

* وفي مقابل ذلك تماماً، لم يجامل الشاعر الكبير أو يتهاون في هجو الخنوع والانحناء، وأولئك المقيمين على الذل، بل وحتى من يتوسط "كاللبن الخاثر" وغيرهم من اللاجئين "لأدبار الحلول فسميت وسطاً، وسميّ أهلها، وسطاءَ"..
ولربما نجتهد، ونصيب، فنرى في "آمنت بالحسين" مجمعاً للشواهد والأدلة الأبرز على الرؤى الجواهرية المتميزة، وبمقاييس بالغة الرفعة في تبجيل "الواهبين النفس" فداءً للمبادئ التي يؤمنون بها، وتلكم بلا شك هي التضحية الأضخم للدفاع عن القيم والذود عنها، كما يرى صاحب "آمنت بالحسين...
 
* وفي مقاطع تالية من العصماء ذاتها يستمر الجواهري في الاتجاه الذي يريد اعلانه عن تضحيات الحسين الثائر و"نهجه النير" الذي بات "عظة الطامحين العظام" لاولئك "اللاهين عن غدهم" والقنوعين دون احتجاج وتمرد أو ثورة.. كما يفيض عديد آخر من أبيات القصيدة بعواطف ومشاعر انسانية فائقة التعبير في تقديس الثبات والصمود لرجل يوم "الطفوف" و"الملهم المبدع" الثابت أمام "سنابك خيل الطغاة" دون خوف أو رهبة ... وبهدف أن يُطمر "جديب الضمير بآخر معشوشب ممرع...
شممتُ ثـراك فهب النسيم ... نسيم الكرامـة من بَلقـعٍ
وطفت بقبرك طوفَ الخيال ... بصومعـة المُلهـم المبدع
تعـاليت من صاعق يلتظي ... فـان تـدجُ داجية يلمـع

* ثم يروح الجواهري ليتمثل مأثرة الحسين التاريخية، و"يمحص" الأمر دون أن يرتهب من "الرواة" أو يخدع بما ينقلون، ويمضي هادفاً للحقيقة لا غيرها، وبدون "تزويق" أو مبالغات... وبعد ذلك فقط، يجد الشاعر أن في فداء الحسين دفاعاً عن مبادئه، وقائع لا أعظم منها، وهو "أن يطعم الموت خير البنين، من الاكهلين الى الرضع "... ثم يحل مسك الختام، فتجدد القصيدة تقديس ذلك الصمود والعطاء الذي "نوّر" من ايمان الجواهري، وفلسفته في الإباء والفداء، والتي تجسدت، كما سبق القول، في الكثير من قصائده ومن بينها: "سلام على مثقل بالحديد - 1951 " و"بور سعيد - 1956" و"كردستان - موطن الأبطال- 1962" والى "اطياف الشهداء الخالدين- 1963" و"فلسطين الفداء والدم - 1970" فضلاً عن قصــائد الوثبـة، الشـهيـرة، عــام 1948... وها هو الجواهري يناجي الحسين:
تمثلـتُ يومـك في خاطـري ... ورددت "صـوتك" في مسـمعي
ومحصـت أمـرك لم "ارتهب" ... بنقـل "الرواة" ولـم أخــدع
ولما ازحـت طـلاء "القرون" ... وسـتر الخـداع عن المخـدع
وجدتـك في صـورة لـم أُرعْ ... بـأعـظــمَ منهـا ولا أروعِ

* وللاستزادة، نقول أن قصيدة "امنت بالحسين" المتفردة في المبنى والمعنى، والرؤى، نشرت في جميع طبعات ديوان الجواهري، ومنذ العام 1951 وقد خُط خمسة عشر بيتاً منها بالذهب على الباب الرئيس للرواق الحسيني في كربلاء، كما أُنشدت، وتُنشد، في مختلف المجالس والمناسبات الاحيائية لواقعة "الطف" التي تصادف كما هو معروف في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم، كل عام....
------------------------------------
... الصورة المصاحبة للموضوع:
من ارشيف السيد سلمان هادي آل طعمة، ألتقطت في الصحن الحسيني بكربلاء، بتاريخ 1947.11.26 قبيل القاء الجواهري الخالد(الثاني من اليسار) لعصمائه "آمنت بالحسين"... ويظهر من اليمين: الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، السيد عبد المهدي المنتفجي، السيد صدر الدين شرف الدين...
مــع تحيات مركز"الجواهــري" للثقافة والتوثيق
www.jawahiri.com

109
بمناسبة الذكرى 17 لرحيل الشاعر الخالد
الجواهـــري على قارعة الطريق ...
حيث وُلد وأقام ورحل..
* توثيق: رواء الجصاني
--------------------------------------------------------
    لعل أوجز، وأوضحَ ما يُـفيـد المتسائل والباحث العجول عن بعض مواقف واتجاهات الجواهري، وفلسفته في الحياة، هو ما حفل به منجزه النثري "على قارعة الطريق" ذو الألف والثلاثمئة كلمة تقريباً... ومما يؤكد اجتهادنا هذا، الاهتمام البالغ الذي أولاه الشاعر العظيم لهذه الابداعية المتميزة، وذلكم بإعادة نشرها في مقدمة، وبطون غالبية طبعات دواوينه، ان لم يكن جميعها، وعلى مدى عقود مديدة، ومنذ عام 1940.
   لقد ولد الجواهري "على قارعة الطريق" شريداً، كما يزعم في رمزية قاسية... وظل يسير واضعاً مطلع الشمس على جبينه، متحملاً كل تبعات ذلك من معاناة وآلام... ثم يواصل وفي استعارة غاضبة أخرى أنه يأكل- في سبيل طماحه الانساني التبشيري- حتى من لحمه، ولحم أولاده عندما تضطره الحاجة، ويطعمهم لحمه إن تطلب الأمر.
   وحسب زعمه الثائر أيضاً، فقد ترك المدينة وأهلها لأنه رفض أن يرقص فيها مثل القرود التي لم تهب الطبيعة لأحد مثل حيلتها وصبرها على المجاراة... و"على قارعة الطريق" أيضاً وأيضاً، حيث اختبرها الجواهري، واختبرته، اكتشف الشاعر، كثيراً من الوقائع والحقائق التي تمكن في ضوئها من رسم وتحديد مساراته في الحياة، ولكي ينتهج بعدها الدروب والطرائق المناسبة في مجمل ما أراد من أهداف وغايات... وليبقى يغنى ما قدر له، ولكن لنور الشمس أولاً... وكما صرّح علناً لصديقه، عابر السبيل.
   لقد كتب الجواهري تلكم "القصيدة المنثورة" قبل رحيله بنحو ستة عقود، ولكنه من شدة الإيمان بما جاء فيها من موحيات ورمزيات، ومحطات فلسفية، ظل يعتز بها، عصارة لبعض ما أراده من تنوير وإضاءات اجتماعية، عن طريق التحريض والاثارة، وهو سبيل اختطه في الكثير من قصائده، بهدف التمرد، والانهاض، والتطلع للحرية والارتقاء، وان غلت التضحيات.

-----------------------------------------------------
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

110
تأملات وتساؤلات في بعض حالنا اليوم(3/3)
رواء الجصاني
-----------------------------------
14- يوغلون ... فيرقصون
.. ونسأل اولئك المتفيهقين، الذين لا دم يغلي لديهم بسبب مآسي العراق ، أو فم يتكلمُ عنها، الا وراء الابواب، حياءً بل ولربما خجلا حتى من أنفسهم ... نسألهم: ومن هم البدلاء الذين تريدون، واي بديل ترتأون لحال البلاء التي تعيشها البلاد، وأهلها؟.. ونراهم يعجـــزون عن الاجابة، ويلفون ويدورون- وما اكفأهم في ذلك- ثم يغلفون السموم بـ"عسل الكلام".... فنجيب نحن عنهم، متسائلين، وطاعنين:
فَعلامَ يوغلُ في الحماسةِ راقصٌ بأشدّ مما ينفخُ الزمّارُ
-----------------------------------------------------------
15- ولكم قَلِقتُ مُسهَّـــــدا
   تحت واجهة ادب الخصام، يتحمل المرء ما يتحمل من صبر وألم، وان كان المحاور امامه عدوا للحياة، من دعاة الدم والعسف،... وهكذا نبتلي بـ"احباء" و"أصدقاء" قدامى، وجدداً، مبغضين، وان تردوا بزة الحمل!.. ويستمرون مراهنين على أدب وسلوك الغير، وعفتهم، فيتمادون في ابداء اراء هجينة، ومواقف وتفسيرات ومبررات لا تؤدي في الاخير سوى لصب الزيت على النار، وليلتهب العراق واهله وأرضه... ويبقى المستمعون أو القراء او المحاورون، ممتنعين، ومترفعين، يكظمون الغيظ في قلوبهم، مسهدين.. وهكذا وثق الجواهري، منذ عقود فأوجز:
ولكم قَلِقتُ مُسهَّداً لمواقفٍ، حَكَمت عليَّ بأن أداري مُبغِضا
----------------------------------------------
16- يا ايها الطاعون حلّ بنا
  سراً وعلانيةً، فرح، وأغتبط الالاف، على ما أزعم، بـ "تحرير" الموصل، وأخواتها، وأعني بعض مدن العراق، وبلداته، ولا لشئ، سوى لاشباع جموح غلوهم، واحقادهم وتشددهم، وإن كان ذلك"التحرير" على يد ظلاميين وأرهابيين وغيرهم. ثم لم تمضِ غير ايام وحسب، ليعود الكثير من اولئك الالاف، يندبون ويتباكون، بعد ان عرفوا ما حلّ، ويحل بهم.... وكأنهم لم يفهموا الواقع الا بعد حلول المأساة.. ولربما ينطبق بيت شعر صميم، على تلكم الحال:
يا أيها الطاعون حلَّ بنا، فبمثلِ وجهك، تُكشفُ الغممُ
---------------------------------------------------

17- ولما أستُمطرت، مطرت جرادا..
... وينهار النظام الأرهب عام 2003 ويسود التفاؤل، وتتطلع الملايين من العراقيين لمستقبل افضل، بعد انهار دماء، وسيول خراب . ومن ثم يعود البلاء اليوم اكثر من غيره، باشكال اخرى: احقاد وطائفية، ومساع رذيلة لاعادة الماضي اللئيم، ولكي يعود الظلام ليطبق دجى شيئاً فشيئاً... وها نحن نعيش اليوم في بعض اجوائه الدكناء، وكم حري بنا ان نردد:
و"رحنا" كالزروعِ شكت محولاً، فلما أستمطرتْ، مطرت جرادا!
---------------------------------------------------------------
18- وما برح العراق محك صبرٍ
    ثمة في البلاد العراقية من زمان، "سياسيون" و"مثقفون" روجوا -وما برحوا يروجون- للطائفية المقيتة، بتدليس مكشوف، ومن بينه زعمهم بأن التمييز العرقي والمذهبي والديني، لم يكن قائماً في البلاد، قبل عام 2003 اي لم يأتِ الا بعد سقوط العهد الدكتاتوري، وكانهم بذلك كمن يدفنون رؤوسهم في الرمال،  ليمرروا اراءهم ومواقفهم، ان كانوا طيبين...  أو- وهنا نضع الف علامة استفهام- فنقول انهم حين ينكرون الطائفية البشعة، ونخبها الابشع، انما يستغفلون الناس، ليمارسوا الخداع والتضليل، للوصول الى مايبغون، وبلباس الاتقياء الورّع، وهم من الاخبث المزدرى، ولا اقول المزيد.  وهاكم، دليلاً على تفشي  وباء الطائفية في البلاد منذ عقود، ونعني بذلك ما كتبه الجواهري عام 1969 اي قبل 45 عاماً، عن بعض رموز الطائفية، ومن غير ابناء الوطن، وما أشبه الليلة بالبارحة:       
ومنغول ٍ من "التاتار" وغْد ٍ، تراضع والوغادةُ من فواق ِ...
ولما حمت الأقدار ألقت، به جيفُ البطون إلى العراق ِ ...
ليجمع حوله سفلاً تلاقى، كما التقت الخفافَ على الطراق ِ ...
"زنامى" يعطفون على زنيم، كما عطف الجناس على الطباق ...
وما برح العراق محك صبرٍ، يطاق بأرضه، غير المطاقِ
كأن غرائب الدنيا تنادت، على وعد لديه بالتلاقي
----------------------------------------------
19- ... حر الضمير وقائلٌ: هذا أنـــا
    في مطلع العام الجاري"تشجعت" وأبحتُ بعد احترازات دامت اعواماً، فكتبت تساؤولات ورؤى، وخلاصات ودعوات لتقسيم العراق، وأعادة توحيده، كأحد الحلول امام تداعيات العراقية، المتسارعة بأمتياز، بائس طبعاً... وبعيّد ذلك النشر، بل وعلى الفور، تداعت اقلام اصدقاء، ومتابعين، كما وبسطاء طيبين، لـ"تناقــش" وتشتم وتتهم،، وتلكم ضريبة، ما من لقبولها بـدًّ !!!
   وعلى اية حال تسارعت– وتتســارعُ- بعد ذلك باسابيع الانهيارات في اجزاء من بلاد ماحول الرافدين، وما بينهما، فجرى ما جرى – ويجري- بين "اخوة" مفترضين، متعايشين، كما يقول الكثيرون، أو يتمنون على الاقل ... ولست أدري: لم لا يمتلك المرء، المرء، جرأة فيتحدث بالعقل، لا بالعواطف الجياشة، والافلاطونية الحلم... ومن يخاف، أو يتخوف، فليتدرع ببيت الشاعر الملهم:
خيرُ الشفاعة لي باني كاشفُ، حرّ الضمير وقائلٌ: هذا أنا
 

111
تأملات وتساؤلات في بعض حالنا اليوم(2/3)
رواء الجصانـي
--------------------------------------

9- ومن لم يتعظ لغدٍ بامسٍ...
  ... وكم وكم يلدغ المرء، من جحر، مرتين بل وأكثر، ومن نفس الارذال والظلاميين، ثم يعود ساذجاً، طيباً، دون ان يتعظ من تجارب ووقائع ومآسى الحياة. ولو أقتصر الايذاء والعسف والذبح على اولئك الـ"بلداء" وحدهم لهان الامر. ولكن إلا يتعظوا، بل و يتسببوا، بما يطال الاخرين من قتل، فتلك هي الجريمة الأنكر...
ومن لم يتعظ لغدٍ بامسٍ، وإن كان الذكي، هو البليدُ
-------------------------------------------
10- شرٌ من الشــــرّ..
      مع كل المآسي التي وقعت – وما برحت-  في العراق، ثمة جدوى، إن كبرت أو قلت، وهي ان وجوهاً قد اسودت، وأخرى زهت، أو تكاد... وأن كارثة قد حلّت دفعة واحدة، بعد ان كانت تأتي على جرعات، يزامنها خوف وأنتظار وترقب، لا أشد منها وقعاً على الناس، وقد يكون ذلك اقسى مرارة ومضاضة، من الجرائم ذاتها ...ويا طالما ردد الذين يفقهون:
"شرُ من الشرِّ، خوفٌ منه أن يقعا"
-------------------------------------------
11- ... ولا هو للجانب الآخر
    مثلما تتشابك الاراء والرؤى حول ماجرى- ويستمر- في البلاد العراقية، يتلاعب الكثيرون بالاقوال والتفاصيل، بل ويُجرمون حتى، في بعض الاحيان، حين يتهربون من إتخاذ موقف، ويخلطون الأوراق، بل ويجرأون على الجدال، في ايهما أشر: الارهاب وأربابه؟ أم ذلك السياسي  أو هذا؟؟؟؟ ... وكل ما في الامر احتيال وأحتيال وأحتيال، يريدون أن يضعوا يمناهم هنا، ويسراهم هناك، مثل  بعض اولئك الذين عناهم الجواهري في الخمسينات الماضية:
فما هو للشعبِ في كلهِ، ولا هو في الجانبِ الآخرِ
--------------------------------------------

12- حرٌّ يحاسب نفسه أن تنثني...
     كما صرخوا، وزعموا وأدعوا، بعد عام 2003  و"شرعنوا" للمقاومة"الشريفة" ثم أنكفأوا بعدها خائبين، عاد قسم منهم  اليوم، في محنة البلاد الجديدة، ليرفعوا عقيرتهم، وذنابتهم، بهذا الاتجاه أو ذاك: لمقارعة الجيش ونصرة "الثوار" . أو لسحق "الارهابيين"... وفي الحالتين لا ناقة لهم ولاجمل، فالضحايا سيكونون من "رعاع" الداخل. اما "هــم" المناضلون من أوربا وسواها، واولادهم، وعوائلهم، وحتى أقاربهم البعيدون، في مأمنٍ ما بعده مأمن، وليحترق العراق... فأينهم مما قاله الشاعر الخالد، مخاطبا ذاته، وهو يفضح امثالهم عام 1949 معيبا على المرء، المرء، ألا يقول ما لا يفعل، وان ينظر الى نفسه أولا، وأن لا ينثني لكي يكون قادراً على"النصح" و"الارشاد" والتحريض على الموت وحرق الاخضر واليابس:
حرٌ يحاسب نفسه أن تنثني، كيما يروح لمن سواه محاسبا!!!
----------------------------------------
13- لجأوا لادبار الحلول..
    كل يوم، ولربما كل ساعة احياناً، تنهمر "الحلول" و"الوساطات"المقترحة، لانهاء الازمات العراقية، ومآسيها، وكذلك "التصورات" و"الاتفاقات" الباطنة والظاهرة.. ولكن ما من مستجيب حريص، ومن زعم بغير ذلك، فلأمرِ في نفس يعقوب...
   ويترائى لي، ان الابشع في تلك" الحلول" و"المشاريع" و"والوساطات" هو مايحمل منها سمات الترقيع، والتساوم و"التوافق" و"الوساطة" وما الى ذلك من مشابهات، كثرَ – ويكثر – اصحابها، دون مدى، وليشارك في طرحها وتبنيها حتى الاميون.. وعذراً فلربما كان اولئك الاميون ابرأ من ذوي"الكفاءات" احيانا، الذين :
" لجأوا لـ"أدبار" الحلول فسميت وسطاً، وسمي أهلها وسطاءَ!!!!!
-------------------------------------------------------------- يتبع   




112
تَحـرّكَ اللّحـدُ وانشـقّت مُـجـدّدةً، أكفانُ قَـومٍ ظنـنّـا أنـهم قُبِروا
تأملات وتساؤلات في بعض حالنا اليوم
رواء الجصانـي

---------------------------------------------------
1- يلغُ الدماء مع الوحوشِِ نهاره،
ويعودُ في الليــل التقيّ الراهبا
------------------------------------
   طال وعرض الحديث، كما والتقّول، عن الطائفية وأربابها، ولعل من ألاوجع ما فيها، مزاعم اولئك الذين ينفونها، وهم العارفون الأكثر بسمومها، في "البلد العجيب!" ومنذعقود، وإن كانت تحت الرماد... فما أبشع اولئكم الطائفيين الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يعلنون. ولكن كل باطنهم طائفي حد النخاع، ويتسترون بلبوسات "الوسطية" و"المصلحين" و"العلمانية" و"والوطنية" و"التسامح" وما الى ذلك وهذا . وكأني بهم من عناهم الجواهري حين قال:
يلغُ الدماء مع الوحوشِِ نهاره، ويعودُ في الليل التقيّ الراهبا

2- ارى افقاً بنجيع الدماء، طغى، وأختفتْ الآنجمُ
وجيلاُ يجئ، وجيلا يروح، وناراً إزاءهما، تُضرمُ
-----------------------------------------------------
... هكذا تنبأ الجواهري عام 1948 ...ومرّ أكثر من جيل وجيل، وما برحت الدماء تسيل في البلاد العراقية... فمن المسؤول؟ ..
   هل هم "رعاع" الشعبِ؟ ام نخبته وسياسيوه، ومثقفوه وعلماؤه و"مصلحوه" ؟ اظنّ، وليس كل الظن اثم في عالم اليوم: انهم كلهم، كانوا، وما برحوا، مسؤولين - اولاًـ وليس الامبريالية والرجعية ودول الجوار، ووو... فالاخيرون لاعبون ثانويون مهما كبرت حجومهم، وعلا "قدرهم". أما نحن، فأول المسؤولين لآننا "رهن مجتمع، يخشى اللصوص فيذبح العسسا" ؟ 

3- ويا طالما كان حد البغيّ،
يخفف من فحشِ أهلِ البغــا
------------------------------
   هل ترى ان كلمات بيت الشعر اعلاه ترويج للعنف، وهي تدعو وتطالب  بالقسوة والشدة، ضد كل الذين جعلوا- ويجعلون- الذبح والقتل والتمثيل، شعاراً وممارسة و"فكراً" لهم، علانية وفي وضح النهار وغياهب الليل؟ ... المْ يقل العرب، كما والاعراب، "وداوِها بالتي كانت هي الداءُ...؟
... أما قالوا أيضا: وفي الشر نجاة، حين لا ينجيك احسانُ؟ .
    فكم وكم كان الاحسان في غير مناسبته، ومكانه وزمانه ! .. هل يبقى "المسامحون" يتحملون "وزر" تسامحهم دماءً وخراباً، عقوداً وعقودا؟؟؟. دعوهم إذن يحدّون الباغين والبغاة.. "فيا طالما كان حد البغيّ، يخفف من فحشِ أهل البغا"...
 
4- وتســـاءلَ المُتَعَجّبــــونَ لحالــــةٍ،
 نكراءَ: مَنْ هُم أهــــلُ هـــــذي الدارِ؟
---------------------------------------
... في وصف الحال العراقية أواخر العام 2012 وكنت عائدا تواً من بغداد، كتبت: هناك، حيث "يضطرب المنى والسعي والفشل" عن المسؤول في ما آلت اليه الامور. وأُوجزت  وأجبت،، مكتفيا بما قاله الجواهري عام 1946:
ذُعِرَ الجنوبُ فقيلَ: كيدُ خوارجٍ!، وشكا الشّمالُ فقيلَ: صُنْعُ جِوار!
وتنابَزَ الوسَطُ المُدِلّ فلم يَدَعْ، بعـضٌ لبعـضٍ ظِـنّـةً لفَـخـار
ودعا فريقٌ أنْ تسودَ عَدالةٌ، فرُموا بكلّ شنيعةٍ وشَنار! ...
وتساءلَ المُتَعَجّبونَ لحالةٍ، نكراءَ: مَنْ هُم أهلُ هذي الدارِ؟

5- خير الشفاعة لي بأني كاشفٌ،
 حــرّ الضميـــرِ وقائـــلٌ: هذا أنا
----------------------------------
   كم تبدو جميلة، بل ورائعة، مقولة : وخلاف الودِّ، لا يفسد في الود قضية !
ولكنها هل تصلح لمجتمعات التخلف والاحتراب، التي تعرفون؟ ... لعلّ البديل الاكثر واقعية ان نقول، ونحن نعيش ما نعيشهُ من أحداث: وخلاف الرأي(كمْ؟) يفسد في الود قضية !...
    أكتب ذلك وقد عشنا في الايام الاخيرة ما أثبت تلكم الحال، وبكل قسوة من بعض مدعي "الدين" و"الـوطنية" و" العلمانية"و"الليبرالية" وسواهن من مشابهات؟ .. لا لشئ سوى الايمان بما هدر به الجواهري الخالد:
 خير الشفاعة لي بأني كاشفٌ، حرّ الضميرِ وقائلٌ: هذا أنا...
ولكن هل يعرف الضميرَ من لم يرَ النور، ولا يعرف معنى التنوير؟

6- سكتُّ وصدري فيه تغلي مراجلُ..
----------------------------------
   ماأشق على المرء، حين يحاول ألا يفيض بما عنده من مكنونات، فيُري الناس وجهاً آخر، بسوماً، مرحاً، وهو يحمل في القلبِ وخزات، بل وطعنات في الصميم، وبلا منتهى، بسبب ما تعيشه البلاد العراقية من مآس ودم ودمار.... وما ابلغ الحكمة الجواهرية : 
سكتُّ وصدري فيه تغلي مراجلُ، وبعض سكوت المرء، للمرء قاتلُ

7- وتجمع "الاقطاب" يـأكلُ بعضُهم بالحقدِ بعضا
------------------------------------------------------
    وتبقى التساؤلات تترى.. من المسؤول والمعني بما جري – ويجري وسيجري- في بلاد ماحول الرافدين، وما بينهما. ولان الزعماء، الحقيقيين أو المدعين، أول من تقع عليه الانظار، فهاكم ما كتبه الجواهري الخالد في حالة مشابهــــــة أو تكاد، وأزعم ان في تلكم الابيات الاربعة وحســـب، تكمن الحقيقة في واقــــع حالـ"نـــا" :
وتجـمّـع (الأقطاب) يـأكلُ بعضُهم بالحقدِ بعضا
يتفحصون مشاكلَ الدنيـا سماواتٍ وأرضـا
أيُعـالِـج المرضى أطــباءٌ بذاتِ الجنبِ مرضى؟؟
يشـكو المحبّـةَ "واحدٌ" لـ " ثلاثةٍ"  يشكون بُغضا!
... أما من هو ذلكم الـ "واحـد" ؟ ومن هم اولئكم "الثلاثة" ؟ فهذا ما نتركه لكل واحد، بحسب ذوقه، ومشتهاه !!!

8- ولأنت ان لا تصدعين فواحشاً،
إلا كراضيـــــة عــــن الفحشـــــاءِ
-------------------------------------
   ثمة مقولة دينية، نصها: الساكت عن الحق، شيطان أخرس....
وقال الجواهري مخاطبا نفسه عام 1956:
ولأنت ان لا تصدعين فواحشاً، إلا كراضية عن الفحشاءِ
والحديث موجه هنا – اليوم- لاولئك المتفرجين الذين ينتظرون، فلم يهمسوا حتى بموقف، او رؤية، ولا حتى دعاء ... فماذا ينتظرون بعـــد؟؟؟؟

 


 


113
لتحجيم الدماء، وحرق البلاد
نعم ... لا طريق سوى تقسيم العراق. وان كـره الكارهون !!!!

•   رواء الجصاني
    ------------------------------------------------------------------
  قبل نحواشهر خمسة ، كتبت تساؤولات ورؤى، وخلاصات، حول التداعيات العراقية، المتسارعة بأمتياز، بائس طبعاً... وبعيّدها، بل وعلى الفور، تداعت اقلام اصدقاء، ومتابعين، كما وبسطاء طيبين، لـ"تناقــش" وتشتم وتتهم،، وتلكم ضريبة، ما من لقبولها بـدًّ !!!
   وعلى اية حال تسارعت التداعيات في بلاد ماحول الرافدين، وما بينهما، فجرى ما جرى – ويجري- بين اخوة مفترضين، متعايشين، كما يقول الكثيرين، أو يتمنون على الاقل ...ولست أدري، ولا المنجم يدري كما اردد دائما: لم لا يمتلك المرء جرأة فيتحدث بالعقل، لا بالعواطف الجياشة، والافلاطونية الحلم.
  ولأن الناس مهمومون، مشغولون، تائهون، دعوني أوجز، فأعيد نشر ماكتبته بتاريخ 2014.1.25  وجرى تداوله على اكثر من ثلاثين موقع اعلامي، ووسيلة اعلام... ولعل الوقت لم يفت بعد، لكي يتنادى العقلاء في البلد المنكوب، لانقاذ ما يمكن انقاذه ... واليكم نص الموضوع ذو الصلة:
-----------------------------------------------
من اجل ألانسان، وانهاء الدمار
تقسيم البلاد العراقية، واعادة توحيدها... ولم لا ؟؟؟
•   رواء الجصاني 2014.1.25
   منذ فترة ليست بالقصيرة ابدا، بقيت الافكار تتشابك  بلا انتظار او تراتب، هل أكتب، ام لا أكتب؟ في السياسة المباشرة،  الخائض غمارها منذ حوالي نصف قرن، وربما بلا وعي في البدء، بل هي تلكم الظروف التي شاءت "اذ لا يولد المرء لا هراً ولا سبعاً، لكن خلاصة تجريب وتمرينِ"...
   وبين تمنع وامتناع، وربما احتراز!!! ... ها هي الكلمات والتعابير تتدفق دون منهجة مسبقة، تثيرها، وتذكي اوارها، ما تشهده الامة العراقية، غير المكتملة الى اليوم، من مآسٍ وويلات، يتحمل الجميع مسؤوليتها، وان اختلفت – وهي مختلفة بالتاكيد – بين واحد واخر، وجمعٍ وثانٍ ... وحتى للجينات هنا تأثيراتها، ولا تسألون اكثر، فثمة رماة حجر وسهام، وهم لا يفقهون !... واخيرا رسي القرار، في خطى حكمة حوارية مع الذات انطلقت قبل نحو ستين عاما، تهدر في حال مشابهة، تخاطب النفس:
ولانتِ اذ لا تصدعين فواحشاً الا كراضية عن الفحشاء
     وخلاصات كتابة اليوم، الواقعية - كما أزعم- لا العاطفية، تذكرني بمواقف مشابهة كنت قد ابحتُ بها خارج السرب، منذ ازيد من خمسة وعشرين عاما، حين تساءلت، بلا براءة طبعاً، حول مدى ضرورة اعادة تقييم طبيعة ومسار حركة الرابع عشر من تموز، العراقية عام 1958 وبخاصة مسؤولية زعيمها الاوحد، عما جرى بعدها من ويلات. واذ ناقش الامر احباء واصدقاء،  تقبحَ "بعض" في حينها بردود انصاف الاميين... كما وراحت تلكم التساؤلات  تأخذ طريق البحث والتقويم شيئا فشيئا، وان بعد سنوات..اقول هكذا، واحسب ان كتابتي اليوم ستكون مثل سابقتها، تثير حوارا سياسيا هنا، وعتابا "صداقياً" هناك، ولربما سيمر وقت مديد قبل ان يستوعب دوافعها، اصحاب العواطف الجياشة، الحقيقية او المدعاة..
     واعني في هذه التساؤلات التي امام الانظار، بعد كل المقدمات المقصودة السالفة: عن ضرورة قصوى لاشهار اعادة توحيد، البلاد العراقية، عبر حل التقسيم، وان كان مؤلماً، وذلك على طريق انهاء الازمات التي ما برحت تتوالى، بل وتعنف اكثر كل يوم، فتروح مئات، بل الوف اخرى من الضحايا فداء لوحدة اراضي بلادِ – وليس وطن، واعني ما اقول.. وقد كنا حتى عام 2003 "كالزروعٍ شكت محولاً، فلما أستمطرت، مطرت جرادا"...
 ..... أترى أما ان الاوان للاعتراف الشجاع بحقيقة ان هناك العديد من المقومات التي تفرض اعادة تقسيم العراق، ومن ثم توحيده لا مركزيا، جهد المستطاع، من خلال الاقاليم، والفيدراليات، وليس بالشعارات والاغاني والهتافات والامنيات"القلبيـــة" .. كما وذر الرماد في العيون، اشباع للعواطف، او للدفاع عن مبادئ بلت، ومقاييس هرمت، واطاحت بها الحقائق، وثمة امامنا تجارب الاتحاد السوفياتي" السابق" ويوغسلافيا" السابقة" وتشيكوسلوفاكيا" السابقة" وما اكثر "السوابق" !! في هذا الحصر .
      لا اشك طبعا بان العديد سيتصدى بهذا الشأن، وسيبحث عن "اسس" و"وقيم" و"تفاسير" و"مبررات"... تتصدع كلها امام تساؤل واحدٍ أحد: ايهما اغلى يا ترى، البشر ام الارض؟ الحياة او الدمار؟ الذكريات والقرابة و" التراب" واللغة والتاريخ المشترك، الحقيقي او المزعوم، ام الحفاظ على ارواح الناس؟  فثمة "افق بنجيع الدماء تنور واختفت الانجم" ومنذ عقود، اذا كان هناك من يقرأ ويتنبأ، فيُجيد ...
      كم ستلتهب النفوس، فِرحةً وان شكلياً، حين يُقال ان العراق كان موحدا؟ وانه سيبقى كذلك؟ ... ولكن متى حدث ذلك، حقا؟  هل احدثكم عن ولايات البصرة والموصل وبغداد، التي بقيت تُدار من تركيا في زمن الاستعمار العثماني، وحتى مطلع القرن الفائت ؟ وهل كانت البلاد موحدة حقاً في العهد الملكي، وتلك هي معروفة – للمتابع طبعاً- خلاصات الملك فيصل الاول، في الثلاثينات الماضية تتحدث عن "امة عراقية" مشتتة ... كما ها هي امامنا معروفة اسباب ودوافع تمزيق البلاد واهلهاعام 1963 حين تمت الاطاحة بحكم الجمهورية الاولى. اما عن "عراق"  صدام حسين فقد كان"موحدا" فعلاً!! ولكن بالحراب والعسف الكارثي، بحرب ابادة ضد الشعب الكردي، شمالا، ومقابر جماعية جنوباً، وعنف واعدامات في الوسط . فعن اي عراق "موحد" تحدثوا، ويتحدثون ؟؟؟ الم تصدق تلكم النبوؤة التي قيلت عام 1946:
ذُعِرَ الجنوبُ فقيلَ: كيدُ خوارجٍ! وشكا الشّمالُ فقيلَ: صُنْعُ جِوار!
وتنابَزَ الوسَطُ المُدِلّ فلم يَدَعْ، بعـضٌ لبعـضٍ ظِـنّـةً لفَـخـار
ودعا فريقٌ أنْ تسودَ عَدالةٌ، فرُموا بكلّ شنيعةٍ وشَنارِ!
وهكذا، فلا بدّ ان نعيد ونعيد ما قد يصلح ايجازاً:" ومن لم يتعظ لغدٍ بامسِ وأن كان الذكيّ هو البليدُ"   
      ثم، ألن يُشبع العراق الفيدرالي، المرتجى والمؤمل، شهوات طالبي الزعامات والمناصب، فيروحون رؤساء وقياديي دول وبرلمانات وحكومات"عراقية" عوضا عن التقاتل على ثلاثة رئاسات فقط، وملحقاتها،  كما هي الحال اليوم، خاصة وان " قومي" رؤوس كلهم، ويا ويح مزرعة البصل، بحسب الشرقي الحكيم  !!!  .... دعوا عنكم ما سيتحقق من "ارباح" عديدة اخرى مثل المليشيات التي ستتحول الى اجهزة شرعية تشبع جوع الهائمين بالعسكرة والسلطة، والفضائيات الخاصة لتعلي من تشاء من الجائعين للسمعة والجاه، وان كان انتحالا ... ولا ننسى هنا ما سيتوفر ليجنيه "الجناة" من مجالات  للنهب والاثراء والسلب والرشى والسرقات، وكل ذلك السحت الحرام سيتوزع بلا حسد او رقابة من الاطراف "الجغرافية" المتنافسة، فأهل مكة "أحق" بشعابها .... ولعل الاسبق والاهم من كل ذلك وهذا، هو ان التقسيم والاقاليم، والفدرلة، ستبيّن ودون حاجة لمزيد جهد: الكثافة السكانية والقوى والموارد والقدرات والحضارات والقيم والتراث، وغيرها . وربما سينفع ذلك، او جلّه على الاقل، في وقف الزيف والادعاء والتعالي والمزاعم وما اليها، فيعرف كلٌ وزنه وقيمته، ويعود واقعياً، فيعترف بالمساواة، والابتعاد عن الجعجة، وحينها ربما تصلح الحال لاعادة توحيد البلاد على اسس واقعية محددة .
     ولكي لا يأخذ علينا البعض، ولربما يزايد، بالاعراف والتقاليد الديمقراطية، والتحجج بان الناس لا ترغب، بل وترفض التقسيم، بمعنى انهم راضون بالقتل بديلا.. نقول: دعونا من ذرائع اهمية الوعي، واقاويل ضرورة "احترام" رغبات وهوى المواطنين، ولنتحدث  بالكلام المباشر، وليس بابن عمه. فعن اية ديمقراطية يجري التنطع؟ وثلاثة ارباع شعوب العراق مبتلاة بالعشائرية والامية، والجهل المعرفي، والموالاة العاطفية... ثم الا تكفي انهر الدم لكي نؤجل، ولا نقول نلغي، كلمة الديمقراطية، لعقود تالية وحتى يتوفر التعليم والامن والغذاء، وتستعاد بعض الروح الانسانية... هل نحتاج لان نضرب امثلة لكي نستوعب الحقيقة ونراها بعيون واقعية، وليست "افلاطونية" حالمة . هل تكفي براهين على ذلك ما حدث، ويحدث، في البلاد العراقية والسورية والليبية واللبنانية واليمنية؟... السنا شعوباً ومجتمعات " تخشى اللصوص، فتذبح العسسا" ؟ !!!! 
      سأبقى اتسائل، وبزعم تجربتي في السياسة، منذ خمسة عقود: كم من الويلات حلت بنا، او احللناها بأيدينا، لاننا لم نكن واقعيين، واعني النخب تحديدا، حين اجتهدنا فآلت بنا تلكم الاجتهادات الى الانكفاء والتوسل لتبريرات الظروف الموضوعية والجوانب الذاتية والقوى الامبريالية والتدخلات الاقليمية والتآمر، والعمالة ... ويطول التعداد ويعرض ويعلو، والنتيجة واحدة: انهار دم لا يعزف عنها المتسببون بها، او المشاركون بها، بل وحتى من يدثرونها بالاقاويل والاقوال...   
     وثم- من جديد- دعوني استبق المتفيهقين، كما دأبـــتُ، وأحترز منهم، فادعي ان ثمة- حقاً- مشتركات بين مواطني "الجغرافية" العراقية، ولنقل ان من بينها بعض تاريخ، وتداخل اجتماعي، وتشابك اقتصادي، وارث عاطفي. ولكن ايضا كم هي في المقابل: المقوِضات والمتناقضات والتضادات، في الوعي والثقافة والتقاليد والثوابت المذهبية والدينية والعرقية والقومية، والثارات والاحقاد المشتركة ؟...
        وفي سياق كل هذا وذلك، لنتصارح اكثر فنصدّ ونتصدى لمن سيرفع الصوت والقلم والتلميح، والنقاش، فيحكي عن المخاوف من تداعيات و"مآسي" التقسيم ويحذر من"ويلاته" المدعاة، او المحتملة او المؤكدة في بعضها .. فنقول: وماذا سيحل اكثر مما حلّ وساد، ويسود؟؟ وما اصدق تلك المقولة التي تهدرامام الاسماع :"شرٌ من الشرِ خوفٌ منه ان يقعا"... فكم من السنوات العجاف يجب ان تمر بعد، ليتزايد فيها الذبح على الهوية، وقطع الرؤوس، واغتصاب الممتلكات، وقبر البطون والتهام الاكباد وتفجير المدنيين، دعوا عنكم العسكريين... كم عشرات الاف اخرى من الضحايا يتطلب الامر لكي يفقه السياسيون، والموغلون بالطائفية، وأولو الامر، حقيقة الحال؟؟ ثم تالياً "يأسفون" ويعتذرون عن خطل ارائهم وتصوراتهم، ويتحججون مجددا بمفردات قاموسية جامدة عن الظروف الاقليمية، والدور الاسرائيلي والقوى العظمى، وكانهم اكتشفوا اقمارا جديدة ... و"لست ادري، ولا المنجم يدري" متى ستحل القدرة لدى المقصودين، فيتركوا القوالب الجاهزة، والثبات على الرؤى، وبدعوى عيب على "الرجال" ان يغيروا من المواقف والمبادئ التي اعتنقوها !!!..وما أروع واسمى النساء اللواتي لا تشمهلن تلكم المقولة"الاصيلــة"!!!
       كما واحسب ان سينبري طائفيون هنا، كما ومناضلون جدد هناك، ويلبسون ازياء الواعظين، فينكرون الخلافات الطائفية المتعمقة منذ  اكثر من اربعة عشر قرنا. وليزعموا مستدرين العواطف، ويدلسون بان كل ما جرى ويجري: صراعات نخبوية وليست مجتمعية . وان "الاعداء الطبقيين" و"الامبرياليين" و"المتشددين" و" الرجعيين" و"عملاء الاجنبي" واشباه هؤلاء واولئك، هم من يشيع نبرة- فقط نبرة!!!- الطائفية ويغذيها !!. ودعوني ازعم من جديد ان كل ذلك ليس سوى ابرز حالات التخندق والاسفاف والجرم الطائفي .. والا فلنحدد الحال ونعترف بالواقع والوقائع، وليأتي بعد ذلك البحث عن السبل الناجعة لوقف الاحتراب المذهبي، وليس اقتلاعه من الجذور، فتلك امنيات ومهمات لن تتحقق الا بعد يُشاع التنوير، ويتعفف المجتمع عن الجهل والتخلف اولا، وقبل كل شئ .
    اخيرا، ولو ان الموضوع  يتحمل الكثير والكثير، وليس من السهولة بمكان ان يُوجز ببعض مئات من الكلمات، اقول، وفي بعض قولي معاتبة لمن لايحرص بهذا القدر او ذاك على حياة الناس: ان لا تتركوا شعوب العراق تنقرض، تحت عباءات العاطفة والكبرياء، ومفاهيم" الارض والعرض" الموروثة البالية... ولا التغني بامجاد السلف، الصالح منهم او الطالح. فلم يعد هناك متسع من الوقت للقضاء على البلاء الظلامي الجاهل ... وليكن التقسيم، المؤقت او الثابت "معصية" وان لم تكن، فحتى الدين "أحلّ" المعصيات لضرورات جمة، وهل هناك أفتك من الضروريات التي نعني؟ ... أفليس "أذلُ خلقِ الله في بلدٍ طغت فيه الرزايا من يكون محايدا" ..
    اما الكلمات الاخيرة، في هذه الكتابة التي عمدت ان تكون مباشرة، فسأوجزها احترازا من شتامين متوقعين، وذلك ببيت شعر جواهري اثير، شافٍ وكافٍ، كما أظن، وليــــس كل الظن أثم في عالم اليوم :
خيرُ الشفاعة لي باني كاشفٌ حرَ الضمير وقائلٌ هذا أنا...
-------------------------- * رواء الجصاني، بتاريخ: 2014.1.25


114
هكذا أحتفل الجواهري بعيد ميلاده الثمانين
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
-----------------------------------------------------




       مع حلول عام 1982 يحتفل الجواهري، الشيخ – الشاب، بعيد ميلاده الثمانين، وان اختلف مع بعض المؤرخين والنقاد الذين ثبتوا ولادته في عام  1898 بل وخاصم البعض منهم لذلك السبب... وبهذه المناسبة راح الشاعر العظيم يبث شجوناً كانت، وبقيت، واستمرت تؤرقه على مدى عقود، ومن أشدها ألماً، ما يزعمه ويراه، من جحود البلاد له، والتي اضطر للاغتراب عنها مرة أخرى واخيرة، مطلع عام 1980، بعد اشتداد ارهاب وعسف العهد الدكتاتوري الساقط، والذي طال بعض أهل بيته حتى... وقد انطلق في قصيدته التي نتوقف عندها يعاتب، ويدين زعامات سياسية وثقافية وغيرها، حاولت أن تنال من عبقريته وأدواره الوطنية والثقافية ... وهكذا جاءت رائعة :يـا ابـن الثـمـانـيـن" ومن مطلعها:

حسبُ "الثمانين" من فخر ومن جَذَل، غشيانُها بجَنان ٍ يافع ٍ خضل ِ
طلقٌ كما انبلج الإصباح عن سَحَر، ند ٍ، وزهرُ الربى عن عارض هَطِل
"يا للثمانين" ما ملَّت مطاوحَها، لكن يُعاودها خوف من الملل ...

      ولم يشتعل ضرام آهات ولواعج هذه اللامية المطولة من تراكمات وحسب، بل ان الجواهري، وهو في غربته الجديدة في براغ، والتي صارت مديدة فيها، وفي دمشق، حتى رحيله في عام 1997، أُُبلغ بصدور كتاب لئيم، ألفه "أكاديمي" عراقي، حاول فيه ان يطال الشاعر العظيم، وبعض سيرته وحياته وابداعه. وقد تناولته بائية جواهرية ساخرة، هادرة، بعنوان "عبدة الغجرية" عام 1982 بعيّد نشر ذلك المؤلف المشبوه مضموناً وتمويلاً... وفي المقطع التالي اشارة، وان دون مباشرة، لذلك الحدث:

وأنت يا ابن "الثمانين" استرحتَ بها، كما تظنّنتَ من لوم ٍ ومن عذَل
جاءت تحييك في أعيادها قِذَعٌ، نكراءُ، لقَّنها الساداتُ للخَوَل
وفَّتْكَ نُذراً لها عما وَفيتَ به، من النذور ِ لَدُن أيامِكَ الأوَل
يا ابن "الثمانين" صبراً أنت صاحبُه، في ما تضيقُ به اضلاعُ مُحتمل ...
وكن كعهدك "سَحَّاراً" بمعجزة ٍ، ُتحوِّلُ الصَّابَ مسموماً إلى عَسَل ِ

...   ثم تعود القصيدة في الأبيات اللاحقة لتردَّ على تلكم التجاوزات ولتواجه وتتصدى لاصحابها، وأسيادهم، الذين سعوا جاهدين للنيل من الرمز العراقي الكبير، بهذه "الحجة" تارة، وبغيرها، من مزاعم، تارة أخرى... وجميعها لم تستطع إلا أن تثير "زوابع في فنجان" بحسب الجواهري في مجالس خاصة... ثم لتخمد وأصحابها، وليبقى الشعر، والابداع وصاحبه، خالدين:

يا "ابن الثمانين" كم عولجت عن غَصص، بالمُغريات فلم تَشْرَقْ ولم تَمِل ِ
كم هزَّ دَوحَكَ من "قزْمٍ" يُطاولُه، فلم ينلْهُ ولم تقصر، ولم يَطُل ِ
وكم سعت "إمَّعاتٌ" أن يكون لها، ما ثار حولك من لغو ٍ، ومن جدَل ِ
ثبِّتْ جَنانك للبلوى فقد نُصبَتْ، لك الكمائنُ من غدر ٍ، ومن خَتَل ِ
ودَعْ ضميرَك يَحذَرْ من براءته، ففي البراءات ِ مَدعاةٌ إلى الزَّلَل ِ
لا تنسَ أنكَ من أشلاء مجتمع، يَدينُ بالحقد ِ والثارات والدَّجَل ِ
حرب ٍعلى كل "موهوبٍ" وموهِبة، لديه، مُسرَجة الأضواء والشُّعَل ِ ...
عصَّرتهم فتحمَّلْ وضرة الثقل، ودُستهم فتوقعْ غضبةَ الخَوَل

     وبعد كل التمهيد أعلاه، يحين الوقت كما رأى الشاعر، ليوضح المزيد من "التفاصيل" ذات الصلة ومنها هجوم "الأذناب" و"الأسياد" من جهة، وصمت "المحبين" و"القادرين" على الرد من جهة ثانية... ولعلّ مواقف الأخيرين كان أشد إيلاماً لأنهم تناسوا عهود الاخاء ومزاعم الود ومشاعر التقدير التي كانوا يبدونها للجواهري بمناسبة، وبغيرها، حباً واعجاباً حقيقياً أو زائفاً.. ويقول بهذا الشأن:

نُبِّئتُ "شِرذمةَ الأذناب" تنهشني، بمشهد من "رُماة ِ الحي"مـن "ثَعَل"
يا للحفيظَة ِ لم تظفَرْ بذي شَمم ٍ، وللشهامة ملقاة ً على طللِ

... وهكذا يتواصل القصيد جدلاً وحواراً وفلسفة ورؤى حول "الأصالة" و"الرجولة" و"المدعين" و"الهاربين" و"الناكثين" وغيرهم، ممن لم ينتصروا للحق – كما يرى ذلك الشاعر على الأقل- منوهاً إلى تجاريب كثيرة كان لصولة الحرف فيها، الثبات والانتصار... وتستمر التساؤلات والادانة:

أيستثيرُ دمي "وغْدٌ" و"صاحبُه"، بما يثير رمال السَّهل ِ والجبلِ
ولا يندّ فمٌ، لا بَعْدَه خَرَسٌ، ولا تُمدُّ  يد ، لا تشْفَ من شلل ...
قد كان شوطُ رجولات ٍ مشرِّفةٍ،  لو كان تحت سِبالِ القَوم ِ مِنْ رَجُل..
الخانعين بمنجاة ٍ تسومُهمُ، جدعَ الأنوفِ، وذلَّ العاجز ِ الوكِل ...
والناكثين بعهد ِ الحَرْف ِ منتفضاً، على الضغائن والبهتان والدجل:
إن الحياة معاناة وتضحية، حب السلامة فيها أرذل السبل
وللبطولات جولات، وكم شهدت، سوح الوغى "لحماة الحرف" من بطل
وثمَّ من لعنة ِ الأجيال جازيةٌ، تقتصُّ من قولةٍ حَقٍّ ولم تُقَلِ

... وقبيل ختام القصيدة التي بلغت أكثر من سبعين بيتاً يعود الشاعر المهضوم، موضحاً، ومدافعاً عن النفس أولاً، ثم ليفضح بكل صلابة وعنف مدعين مزعومين، و"زعاماتهم" التي لولاها لما استطاع أولئك ان "يستأسدوا" على الجواهري مستغلين غربته بعيداً، أو مبتعداً عن الوطن:

أقول "للخِدن" ما حالت مَودَّتُه، فظنَّ أن عهود الناس لم تَحُل ِ
سلني أُجِبْكَ بما يعيا "الجواب" به، وإن ينل منك إشفاقٌ فلا تَسَل ِ
فقد تقرحتُ حتى العظم من شجن، دامي الشكاة ِ بلوح ِ الصدر معتمِل
أُجِبْكَ عن نُصُبٍ أعلام ِ "مقلمَة"، غُفْل ٍ ، شتات ٍ إذا كشَّفتَهم ، هُمُل ِ
و"للتماثيلُ" يستوحى بها "مُثُلٌ"، خيرٌ من البشر الخالين من "مُثُل ِ"
"خُرْس"وإن خَرقوا الأسماع في هَذَر، يُغْثي النفوسَ، وفي مرصوفة "الجُمَل"
وعن "كروش" "زعامات ٍ" كأنَّ بها،من فرْط ِ ما اعتلفتْ، مَسَّاً من الحَبَل
يستأسدون إذا مُدَّ العنانُ لهم، فإن يُشَدَّ تردَّوا بِزَّة "الحَمَل""...

... وكما هي الخلاصات التي يقدمها القادرون في نهاية عطاءاتهم، أو الرتوش التي يضعها الفنانون قبيل عرض ابداعاتهم، يختار الشاعر فضيلة التحذير نهاية لقصيدته، ومذكّراً من يريد أن يتذكر قدرات الجواهري في مواجهة اللؤماء ومن يقف وراءهم، والاخيرين هم الأكثر قصداً من غيرهم على ما نظن:

يا "صاحبي" وحتوفُ "القوم" طَوْعُ يدي، وكم أتتهم "رياح الموت" من قِبَلي
أجِلْ يراعَك في آجالهم مِزقاً، فليس عندك بعد اليوم من أجل ِ
واضرب بهم أسوأ "الأمثال" سائرة ً، حتى تَثَلَّمَ فيهم مضربَ المَثَلِ !
-------------------------------------------------------------
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

115
بمناسبــة الذكــرى الثانية لرحيله
محمـود صبــري
يوميات، وشهادات شخصية
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
--------------------------------------------
       برغم مرور عامين على رحيل محمود صبري، الفنان والمفكر الرائد، والانسان قبل هذا وذاك،  لم ازل ما بين مصدق ومكذب ذلكم الخبر المؤسي، فتطوف الخيال بين حين وآخر ذكريات ومعايشات، دامت نحو ربع قرن، وقد كتبت عن بعض منها في الذكرى السنوية الاولى للفقيد الجليل التي صادفت في 2013.4.13 ...
... وإذ كتب، ويكتبُ، اهلٌ واصحاب ومعارف ومتابعون، قبل الرحيل وبعده، عن محطات تاريخية في حياة محمود صبري، ومواهبه وفكره ومنجزه الثري، دعوني احدثكم هذه المرة عن لمحات من نهار وليل تقليديين في حياة  ذلك العبقري، وبما قد يسهم في ان تكتمل الصورة النيرة عنه كما أزعم، لما فيها من اشارات ومؤشرات تتشابك لتضئ انسانية رجل متفرد، وقد "قــلّ الرجالُ فقيـــلَ: ذا رجلُ" ..
** صور يوميـــة   
     يبدأ نهار محمود صبري، التقليدي متأخرا بعض الوقت، إذ يسهر غالياً ما بين قلمه وفرشاته وأفكاره وعوالمه المتألقة، وعادة ما يكون إفطاره بسيطا، يهيئه لوحده، ثم يستمر بمتابعة الاخبار، وجلها من اذاعات تبث بالانجليزية، مبتعدا عن الضجيج العربي... دعوا عنكم مجافاته للتلفزيون الذي لم يكن ذا صحبة معه، بل ولم يضمه اثاث شقته ذات الغرفتين،  المتواضعة والانيقة في آن، والتي عاش فيها الرائد الكبير طوال عقود، في الدائرة العاشرة من العاصمة التشيكية – براغ..
     ولأن الرجل يتابع شؤونه بنفسه، ولا يرغب بتكليف احد بها- الا في ضروريات لا حول له بها، خاصة وان لغته التشيكية ليست بالكافية-  لذلك كان في الظهريات يراجع البريد، ويتسوق لمتطلبات البيت التقليدية، ويعود لمواصلة البحث والقراءة والترجمة، والغوص في الكتب والمصادر الفكرية – الفلسفية في الغالب الاعم .
      ولأنه نباتي، فلم يغرق في "هموم" الغداء والعشاء وما بينهما، مكتفياً بالفاكهة والخضار ومشتقات الالبان، وبعض الحلوى. ولكن دون الاستغناء عن الشاي المرادف، وعلى طريقته الخاصة .. وهكذا كان يستغل اقصى ما استطاع من وقت للبحث والعطاء.
     والرجل قليل الزيارات، وخاصة في الاعوام العشرين الاخيرة من حياته الزاخرة، ان لا ابالغ فأقول بأنها بقيّت اكثر من محدودة، وكذلك كانت الحال بشأن استقباله للزائرين والضيوف، مع الاستثناءات طبعاً للقريبين والمقربين، وممن كان يظنهم  بعيدين عن الضجة والضجيج، والكلام والاحاديث المكرورة المملة، ثقافية كانت أو سياسية، وعداهما. ... ولكن وفي نفس الوقت، ما اجلّه في تعقب واحترام المناسبات الخاصة والشخصية للاصدقاء والمعارف وحتى غيرهم، المفرحة منها والمحزنة .
    ولاغراض التريض، وتغيير الاجواء، كان محمود صبري يحب التمشي، وفي المساحات الخضراء عادة ، وحتى لساعتين متواصلتين احياناً. وقد "تورطت" معه اكثر من مرة، حين يكون ذلكم الثمانيني مسترسلاً في متعته، وانا ذو الخمسين الى جانبه، الهث للحاق به!!! حتى بدأت اهـــرب من ذلك التقليد، لنستعيض عنه بجلسة مقهى هنا، أو رحلات قصيرة بالسيارة، هناك.   
** لمحات شخصيــة
    وأذ تستدرجني الكتابة، وتتشابك اليوميات، بشؤون اخرى، فلأحدثكم عن بعض السمات الشخصية للراحل الجليل، المرادفة للممتلئين وحسب. ومن ذلك تواضعه الجم مع الكبير والصغير، النابه والبسيط، القريب والبعيد. وكم من المرات أخجل الاخرين بتلكم الصفة الاستثناء، النابعة باقتناع دون تصنع أو ادعاء....
        كما اشهد هنا اني لم اسمع من الرجل، ولأزيد من ربع قرن، ولا كلمة سوء عن احد، ولا انتقاد او نقد شخصي. سوى حوارات وجدل دقيق حريص، عميق متأصل.  ولقد حاولت وأنا في خضم هذه التأرخة العجلى، أن استذكر ولو مشاركة كتابية واحدة لمجمود صبري، تُشمُّ منها قسوة او مغالاة أو تشدد شخصي....
       غير ان ذلكم الثبات اعلاه، غير مشمول، طبعاً، في ما يتعلق بالجوانب الفلسفية والفكرية، والوطنية، التي لا مساومة او تردد لديه بشأنها. ومن يريد دليلاً فليعد لدراسة لم تتكرر كما أدعي، حول المقارنة بين " العفلقية والفاشية" نشرها محمود صبري، سنتي 1963و1964 على صفحات ثلاثة اعداد من مجلة "الغد" الصادرة في براغ، عن اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي، برئاسة الجواهري الكبير، والتي تشكلت بعيّد الانقلاب البعثي الدموي الاول في شباط 1963. وقد كان الرجل يشغل المسؤولية الفعلية عن تحريرها،  بصفته عضوا في تلكم اللجنة العليا .
... ولأن الالتزام بالمواعيد، وبالوعود، ظاهرة حضارية، فمن الطبيعي تماماً ان تكون من سمات محمود صبري. وهنا دعوني اتباهى مجدداً  فأتحدث عن ايفاء الرجل بقراره في تبني مشروع "بابيلون" للثقافة والاعلام الذي اطلقنــــاه، أنا وعبد الاله النعيمي، أواخر العام 1990 ... فقد بقي الرائد الجليل راعياً للمشروع، بل ومصمما لابرز اصداراته الاولى، وموجهاً له وحتى الايام الاخيرة من رحيله الى الخلود. وما زال غلاف المجلة اليومية، ثم الاسبوعية، التي ما برحت تصدرها مؤسسة بابيلون، ومنذ ازيد من ثلاثة وعشرين عاما، بأسم " انباء براغ" يحمل ذات الغلاف الذي صدر به العدد الاول، بتصميم: محمود صبري .
    والرجل أنيق ليس في كتاباته وأفكاره وفنه وقيمه، وحسب، بل اقترن كل ذلك باناقته في الملبس والترتيب، وكيف لا وهو الفنان – الانسان. ولا تتخيلوا ان تلكم الاناقة ، والمظهر، نتيجة ثياب ممهورة بغالٍ أونفيس، كما اولئك الاخرون! ..فبكل بساطة كان يلبس الرجل، ولكن بذوق وتناسق. وقبل ان انسى لا بد ان اضيف الى ذلك: أن الطبيعة قد حبته شكلاً  وقواماً ممشوقاً، فارعاً، مما اضاف اليه وسامة متميزة، كما هو تميزه في عوالمه ومنجزه الثري.
      أما عن أعتداد محمود صبري بعطائه، وشخصيته، فلا اظن أن أثنين من عارفيه يختلفان بأنموذجته في ذلكم الشأن، وليس من منطلق الغرور، أبداً، ولكن من فيض ثقته العميقة بالنفس، وقناعاته المستندة لما آمن به من مبادئ وأفكار وقيم. وكل ذلك بعيداً عن الاضواء، والبهرجة والافتعال. وهكذا بقي الفقيد الجليل مَحج رواد، وكل ذوي الفهم والمعرفة، والعاملين في مجالات الفكر والثقافة والسياسة والفن... وميادين الوطنية الحقة!   
     ... ثم دعوني أتوقف أيضاً عند واحدة أخرى من مآثر محمود صبري، وتلكم هي عزوفه الراسخ عن شؤون ذاتية كم سعى ويسعى اليها آخرون... واعني هنا ابتعاده وحتى ايامه ألاخيرة عن الطلب أو المطالبة بحقوق وطنية وسياسية ووظيفية، أذ لم تَدر في خلده هموم الراتب التقاعدي، أو احتساب الفصل السياسي- دعوا عنكم الجهادي!!- بعد سقوط النظام الدكتاتوري في العراق عام 2003 .وقدبقي الرجل خارج اللعبة، وكذلك عن لاعبيها الذين نسوا أو تناسوا - مع أستثناء هنا وآخر هناك- احد ابرز رجالات العراق في  القرن العشرين، فكراً وقيما ومبادئ . 
      أخيرا، وكما هي عادتي في الاحتراز من مقصودين، أقول ان كل ما سبق من وقفات جاء عن معايشة مباشرة، على مدى ربع قرن، وكم يعجبني ان أتباهى بها، فكم مثل محمود صبري، كان، وكم بقي مثله، أو سيأتي؟... وأما قِيل:
يموتُ الخالدونَ بكل فجٍ، ويستعصي على الموتِ، الخلودُ





محمود صبر والى يساره رواء الجصاني - براغ 2002


محمود صبري في شقته ببراغ عام 2007 والى يمينه رواء الجصاني

 


   
   
   

116
مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب !!- 15
الحلقة الخامسة عشرة( الاخيرة)
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
-------------------------------------------------

62- الجواهري وزكي خيري، وخلاف الرأي...

     من بين ابرز الشخصيات السياسية الوطنية، والشيوعية، التي جذبت الجواهـــري، وتجاذب معه، كان زكي خيري، برغم عدم اتفاقهما في العديد من المفاهيم، والشؤون، وخاصة العراقية، ولعل مقولة "وخلاف الرأي لا يُفسد في الود قضية" ينطبق في هذه الحال تماما.
      وأذكر هنا ان دعوة عشاء ضمت الرجلين، في شقتنا ببراغ أواسط الثمانينات الماضية، شهدت الكثير من الذكريات عن عقود وسنوات سالفة، عاشاها، وتعايشا معها سوية ، فكرا وسياسة وما بينهما كثير... ثم احتدم  الحديث عن رواهن عديدة، جدالاً ساخناً، واكثر من المعهود، خاصة وان كلاً من الجواهري وخيري، معتدٌّ برأيه، ولحدود بعيدة.. أما محاور ذلكم الجدال، والسجال، فكانت اجتهادات ورؤى سياسية ، ولكن من أهمها: الموقف من الجبهة الوطنية في العراق إبان سبعينات القرن الماضي، والحرب العراقية – الايرانية، والموقف"الاممي" منه... ولأن هذه المحطات التي نؤرخ لها، وبعض عنوانها "بعيد عن السياسة"  فلن نبوح بالمزيد !!!!

63- الجواهري عن بنت الشيطان.. وسميح القاسم
   كتب الجواهري، قصيدة فريدة، بعد رهان مع الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، على الفوز بمطربة تشيكية فاتنة، في احدى مغاني براغ عام 1973ومن ابياتها:

يا بنت شيطان كفاهُ ان يكون اباك فخرا
كان التقربُ منه كفراً، وارى التغرب عنك كفرا
ما اوحشَ المغنى فان رقّصتِ منه فما احرّا
صيرته أنِساً، وكانت سوحه وحشاً تضرى..
وابحتِ "سرتك" التي ضاقت بما استودعتِ سرا
لم استطع صبرا، وهل غير الحمار يطيق صبرا...

وقد ردّ سميح القاسم ، ذو الثلاثين عاماً، معترفاً بفوز الجواهري - ابن السبعين في حينها – بذلكم الرهان قائلاً:

مهلاً فُُديتَ "ابا الفرات" فأنتَ بالحسناء احرى
اغريتُها شعراً، واغرتها شؤون منك اخرى ...
سحر ٌ– لعمري– ما صنعتَ ، وكان بعض القول سحرا

    .. وبالمناسبة، حكى لي الجواهري، بالترابط مع الواقعة اعلاه، ان سميح القاسم وصديقه، ورفيقه، محمود درويش، "أقتحما" ودون مقدمات، غرفته في احد فنادق العاصمة البلغارية - صوفيا، ذات صباح من صيف عام 1968 وكانا مشاركين في مهرجان الشبيبة والطلبة العالمي هناك، والجواهري ضيف شرف عليه... وأصرا ان يتصورا معه، حتى وهو في ملابس النوم، صادحين بما معناه: انها فرصة العمر، وبدون صورة معك، لا تكتمل مشاركتنا في هذه الفعالية التاريخية.

64- الجواهري يتيه ساعة في براغ
     حدث، ولظروف خاصة، أن استبدل الجواهري، مؤقتاً، "شُقيّقته" في منطقة براغ السادسة، بشقة صديقه عادل مصري" ابو سرود" في منطقة براغ العاشرة، والتي لا تبعد عن سكننا الا بنحو مئتي متر تقريباً، وكان قد تردد عليها اكثر من مرة. وجاء للعشاء لدينا ذات ليلة في عام 1987 وكنت حينها في موسكو بسفرة عمل.. وجرى ما جرى، بحسب ما تنقل نسرين وصفي طاهر، زوجة كاتب هذه السطور:
     كنت مع أختي نضال، وولداها من نزار جلال البياتي: بشار ووصفي. وكانت عندنا سعاد الجزائري وزوجها صادق الصايغ، وأنتظرنا الجواهري لاكثر من ساعة، والطريق لا يستغرق أكثر من عشر دقائق، فبدأ القلق يساورنا، وخرجنا جميعا متوزعين في كل الاتجاهات، للبحث عنه. وقد كدنا ان نتصل بالشرطة للمساعدة، لولا ان نسمع صوت"وصفي" ابن العاشرة في حينها وهو يصيح بصوت عال: وجدته .. وجدته!!. ووصل الجواهري تعباً بعد ان سار طويلاً، ولنعرف بعدها أنه اختار اتجاها معاكسا تماما لموقع شقتنا، ويبدو انه كان غاصاً في عوالمه، بعيدا عن الدنيا...
--------------------------------------------------------
.... وهكذا نتوقف عن الكلام المباح، وربما بعض غير المباح، عن شؤون خاصة وشخصية، للجواهري الخالد، ويوميات ومعايشات ظنناها- وما زلنا- تسلط ضوءاً اكثر حول ذلكم الذي "شغل الدنى والكون طراً، وآلى ان يكونهما، فكانا" وأقلاً على امتداد القرن العشرين. كما نحسب انها راحت تؤشر لجوانب من مواقف ورؤى جواهرية، بهذا الشكل او ذاك، ولمسارات من حياته المفعمة بالجديد والاستثنائي...
وأعترف هنا ان العديد من اللقطات والمحطات التي تم نشرها في الحلقات الاربع عشرة السابقة، حظيت بأهتمام محبين ومتابعين كثيرين، كما و"نقدات" من آخرين، بزعم ان بعض الخصوصيات لا يجوز النشر عنها. وبرغم ذلك فقد استمريت، مستلهماً ما قاله الجواهري عن نفسه ذات يوم:
خير الشفاعة لي بأني كاشفٌ حرَّ الضمير وقائلٌ: هذا أنـا
    كما وأعترف ايضاً بأن حساباتي كانت الاكتفاء بحوالي عشر لقطات وحسب، وإذ بالذاكرة- ويا ويلها- تقود لاكثر من ستين موقفاً ومحطة ولقطة جواهرية، لم يُكتب، أو يُنشر عنها من قبل، ودعوني أشير هنا للتاريخ، بأن ثمة في الجعبة، ووريقاتي، الكثير الآخر من "المحطات" الخاصة، والشخصية، وكم اتمنى لو يسعف الوقت، لكي ترى النور كما يُقــــال..
-------------------------------
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com



الجواهري - زكي خيري


الجواهري - سميح القاسم - محمود درويش


117
مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب !! (14)
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
----------------------------------------------------------



الجواهري والى يمينه رواء الجصاني- دمشق 1993

58- الجواهري بضيافة ابي جهاد
      يزورالزعيم الفلسطيني خليل الوزير "أبو جهاد" براغ، في النصف الثاني من الثمانينات الماضية، لاجراء محادثات ، غير معلنة، مع الجهات السياسية الرسمية، ويشمل برنامجه الخاص لقاء مع الجواهري، الذي اصطحب معه ابنه "نجاح".. وبحضور سفير فلسطين سميح عبد الفتاح، وعدد محدود من اعضاء الوفد الزائر. وبحسب ما توفر من معلومات فان من اهم ما تناوله اللقاء، العتب الجواهري الشديد على نشر مجلة" فلسطين الثورة" موضوعاً، لشاعر سوري، اساءت للشاعر الخالد، وقد حمل ابو جهاد معه خلال اللقاء، اعتذارا فلسطينيا رسميا، حول ذلك الامر.... ويروي "نجاح" ان اهتماماً بالغاً أُحيط به الجواهري خلال اللقاء، اعتزازاً بمكانته، وتقديراً لعبقريته.
 
59- الجواهري "يَــلحَن" بالعربية !
    في الطريق مع الجواهري، بالسيارة، الى منتجع" كارلوفي فاري" الذي يبعد نحو ساعة ونصف عن براغ، وبعد احاديث و"ومناكدات" تقصدت ان أسمعه شريط كاسيت، لمختارات من بعض قصائده المحببة اليه، وبالقاء غنائي جواهري- حداء نجفي- كان يُوزن شعره عليه، ليعرف ان كان فيه خلل أو زحاف، ولا تخرج القصيدة للناس إلا بعد ذلك، بحسب العديد من تصريحاته ..
     وكنت اسمع بين برهة واخرى، خلال سماع الكاسيت، آهة من الجواهري تتبعها ثانية، وعلى مدى ربع ساعة تقريباً. ثم وبلهجة ممتعضة، طلب مني ان اغلق الشريط مع كلمتين: " فُكنه، كافي" . وقد حدست السبب، بل وكنت أتوقعه حتى... ثم فاجأته بالقول: ما رأيك بأسلوبي وطريقة تقليدي لك في الحداء؟... فأخذ نفساُ وصاح:
لمَ لمْ تقل ذلك من الأول؟ كدت أتفجر، فأنا لا يمكن ان ألحَن.. وقد كنت
 بين مصدق ومكذب نفسي بأن هذا التسجيل لي، ومع ذلك فقد أجدتَ
 في التشبه يا "..........."  !!.
     وأذكرهنا واقعة ذات الصلة، وهذه المرة مع مريد الجواهري، وتلميذه، محمد حسين الاعرجي، وكنت معه، وكفاح، نجل الشاعر الخالد، في غرفتين متجاورتين، باحد فنادق أربيل، خريف عام 2000 مشاركين في الاحتفاء بمئوية الجواهري .. وإذ بي أسمع الاعرجي منتحباً، حين كنت  أتغنى" أحدو" ببعض ابيات "دجلة الخير" و"قلبي لكردستان" على الطريقة الجواهرية – النجفية.. وترجاني ان أتوقف عن ذلك لأنه لا يتحمل المزيد من الأستذكار للشاعر الخالد.

60- سفير عراقي يفشل في استثارة الجواهري..
   روى لي الجواهري ذات مساء في اواسط الثمانينات الماضية، ان باهر فايق، سفير العراق لدى براغ في الستينات، ألح عليه لتلبية دعوة عشاء في بيته، وبعد ان عرف اسماء المدعوين، وهم  جمع محدود من الشخصيات والاصدقاء، وافق على حضور تلك المأدبة. 
    وخلال الجلسة لاحظت- والحديث للجواهري- ان صاحب الدعوة يتصرف معي بشكل غير طبيعي، من قبيل انه يُضيّف الاخرين قبلي، ويقطع حديثى عندما كان الاخرون يُنصتون، وهكذا. وإذ تكررت الحال، هممت بمغادرة الجلسة، ممتعضاً، واذا بباهر فائق، يحول دون خروجي، ويخاطب المدعوين: لقد فشلت خطتي المقصودة، فلقد أردت ان أغضب شاعرنا الاكبر، لكي احصل على بيت هجاء منه، بعد ان يأسي من بيت مديح، وأذ به يضنّ علي حتى بذلك. ... ثم اعتذر عن المقلب الذى لم ينجح، واستمرت الجلسة أخوانية.

61- الجواهـــري.. ولغة الثيـــاب
      كتب الينا "محب" انه تمعن في الصور المنشورة للجواهري، في السبعينات والثمانينات الماضية، وتبين له ان اربع بدلات فقط،  ظهر بها الشاعر الخالد طيلة ذينك العقدين: واحدة بنية اللون، وثانية رمادية وثالثة "مخططة" والاخيرة سوداء . ولم يعلق- المحب الراصد-  سوى بجملتين أو ثلاث: هكذا هو الرمز الذي شغل الدنيا والناس، بعيداً عن "الموديلات" والاربطة الموشاة، والقمصان المطرزة، وغيرها من مكملات..
   ونضيف: ان ذلك حقاً كان واقع الجواهري، فلم يهتم كثيرا بتلكم "الاضافات" التي يراها البعض ضرورية لاستكمال الشخصية.. وقد بقي بأقل "أنـــاقة" مفتعلة، مستنداً الى "أناقــة" شخصيته، وشعره، وسلوكه الانساني ..
   وما دام حديث الملابس سالكاً، دعوني أشهد ان الجواهري، في فترات بقائه لوحده في براغ، كان يغسل ثيابه- عدا البدلات- بنفسه، وينشرها، مع بعض كواء احيانا، وهن محدودات، وبسيطات، ولنقل تقليدية، لتقريب الصورة ... وهاكم ما كتبه هو عن بعض ذلكم الشأن عام 1977:
شَمّرتُ أرداني لنصفِ، وَغَسَلتُ أثوابي بكفّي
ونشرتُها للشمسِ للنّــظراتِ، للأرواحِ تَسفي..
وظللتُ أرمُقُها باسجاحٍ، وترمُقُني بعُنف
لغةُ الثيابِ عَرَفْتُهـا، وأجدتُها حَرفـاً بِحَرْف
لم أنخـدِعْ برفـيـفِـهـا، عِلماً بما تحتَ المِــرَفّ
فلَطالَمـا خَفَقَتْ على شرِسٍ، كجلدِ "الفيل" جِلف
ولطالمـا خَلقتْ على، سَمْحٍ كضوءِ الفجر عَفّ....
----------------------------------------
وللحديث صلة، في الحلقة الخامسة عشرة
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com



118
مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب !! (13)
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني

-------------------------------------------------


الجواهري ووصفي طاهر
54- رسالة من الجواهري الى فاتسلاف هافــل
      تحت عنوان "رسالة من أديب الى أديب" وجه  الجواهري اوائل عام 1991   سطورا عاجلة الى فاتسلاف هافل، رئيس تشيكو سلوفاكيا، حول شأن شخصي، بعيد عن السياسة والثقافة، لم يحن الحديث عن تفاصيله بعد... وقد قام عبد الاله النعيمي بترجمة الرسالة الى الانجليزية، ولم تمر سوى أيام قليلة وحسب، حتى جرت متابعة الامر من جهة رئيس الجمهورية، وبكل اهتمام .
   وأذكر هنا كم تمنى الجواهري ان ترفق مع الرسالة ترجمات ما لشعره الوافر، بالتشيكية، عن براغ واهلها وطبيعتها وحسانها، ولكن دون جدوى، اذ لم تكن هناك اصلاً مثل تلكم الترجمات، برغم ان لفيفاً عراقياً- وعربياً ايضاً- من المثقفين والمترجمين، وبعضهم مشهود له بالقدرة والحرفية، احاط بالشاعر الخالد، ولنحو ثلاثين عاما في براغ، ولكن احداً لم يجهد، بل ولم يفكر- ربما؟- في اختيار وترجمة ولو ابيات معدودات من قصائد الجواهري، الى اللغة التشيكية. ودعونا نتباهى هنا- ولم لا؟؟- باننا في "مركز الجواهري" قد سبقنا الجميع في ذلك، فهيأنا، وساعدنا في ترجمة عدد مقبول، نسبياً، لمقاطع من قصائد الشاعر الخالد، واصدرناها مجموعات، ابتداء من عام 2000 ومن بينها مقتطفات من: "حببــــت الناس كل الناس" و"أطــــلت الشوط من عمري" و"بائعة السمك"و"براها" وغيرهن، أبدع بترجمتها الاديب والمستعرب التشيكي الحاذق: يا رومير هايسكي.

55- الجواهري، وبليغ حمدي وصفوان بهلوان
      في احدى مساءات دمشق، أواسط الثمانينات، شهد صالون الجواهري ضجة، وكنت هناك، حين جاء الموسيقار صفوان بهلوان، ملحن الابيات المختارة من قصيدة الشاعر الخالد عن سوريا "شممت تربك لا زلفى ولا ملقا" التي نظمها الشاعر الخالد عام 1978، وأدتها المطربة المتميزة، ميادة الحناوي ...
      وخلاصة الحدث التي نعني، هي ان صفوان بهلوان، وكان برفقة مدير عام التلفزيون السوري، فؤاد بلاط ، قال - وفي تصوره انه سيفرِح الجواهري- ان الملحن المصري الشهير بليغ حمدي، قد اعجب بشكل غير اعتيادي، حين سمع لحن وتوزيع موسيقى" شممت تربك" وأكد له – لبهلوان: انك  نحتَّ في الصخر! .. وهنا، أكفهرت الجلسة، وقامت قيامة الجواهري، فطلب من" بلاط" اعتبار موافقته على تلحين ابيات قصيدته، وغنائها، ملغاة، وخلاف ذلك، إن لم يستجب لطلبه، فسيغادر دمشق، ولن يعود لها . والسبب انه لا يريد ان يُغنى شعره "الصخـــر" والذي نحته "بهلوان" باعجاب من "بليغ" ...  وللقارئ ان يقدر مدى حرج المعنيين، خاصة وان التنويه للاغنية، وموعد بثها  قد ملأ وسائل الاعلام . ثم وبعد اعتذارات وتفسيرات، وتدخلات، عدل الجواهري عن غضبه، وبثت "شممت تربك" وكانت بحق، عملاَ واداءً متميزا.

56- الجواهري ووصفي طاهـــر

     في خضم الجهد المستمر لجمع ارشيف الجواهــري المتناثر- بكل أسف- هنا وهناك، تسلمت من "فــرزدق" حفيده، من نجله فلاح، رسالة مهمة بعثت بها الى الشاعر الخالد: بلقيس عبد الرحمن، أرملة العميد الشهيد، وصفي طاهر، أحد ابرز المشاركين بتأسيس الجمهورية العراقية الاولى، شملت سطورا مؤثرة، عن بعض وقائع ذات صلة بانقلاب الثامن من شباط ، البعثي الفاشي، عام 1963 ... واذ سننشر عن تلكم الرسالة التاريخية بشكل مفصل في كتاب نجهد على اتمامه قريبا، نستل في التالي سطورا عاجلة مما كتبته بــلقيس:
"لقد نبه ابو نضال "وصفي طاهر" الزعيم عبد الكريم قاسم، ولآلاف المرات، الى خطورة الوضع، وحذره من نتيجة سياسته، ولكنه كان يرد عليه بان الجمهورية قوية، ولا يستطيع حفنة من (الزعاطيط) كما كان يسميهم، القضاء عليها... فيرد عليه ابو نضال نعم (زعاطيط) ولكن وراءهم قوة الاستعمار والطامعين والحاقدين، وانك بسياستك هذه فتحت ثغرات لهم".
.... وللتوثيق ايضا، نعيد الاشارة هنا كما كتبنا عن ذلك في فترة سابقة، ان ثمة علاقة متميزة شدت بين الرجلين: الجواهري ووصفي طاهر، وعبر اكثر من حادثة وحديث، واهمها في السنتين الاوليتين بعد ثورة الرابع عشر من تموز، التي اطاحت بالحكم الملكي في العراق.

57- أهداء ثميــن من الجواهري..
      نشرت في فترة سابقة، مادة عن جزأي"ذكرياتي" للجواهري، واجواء كتابتها، وبعض شؤون ذات صلة بها، ومن بينها مساهمتي، وإن الجزئية، في متطلبات اعدادها. وقد صدر الجزء الاول منهما مطلع عام 1989  بطبعتين: أنيقــة وشعبية.. واذ اكون في دمشق في تلك الايام، كان طبيعياَ ان احصل على نسخة، بل واكثر. وأذ بالشاعر الخالد يمانع في ذلك، لاني أعتذرت ان أبقى معه اسبوعا آخر لنعود بعده معاً الى براغ . وأستمر الموقف على حاله، وما باليد حيلة... ثم فاجأني، قبل ساعتين فقط من موعد طائرتي، بنسخة من"ذكرياتي" مهداة الي بهذه الكلمات:
" ولدنا العزيز الموهوب، أهديه اليه مشفوعاً، بصميم حبي، وخالص تمنياتي... خالك المحب، محمد مهدي الجواهري- دمشق في 1989.2.2".



..................................................................
وللحديث صلة، في الحلقة الرابعة عشرة
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com




119
مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب !! (12)
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني

-------------------------------------------------
50- الصكـــار والجواهري
   ... وإذ تكون هذه اللقطات التوثيقية، عن بعض خصوصيات الجواهري، في طريقها للاكتمال، أو تكاد، في غالبها الاعم على الاقل، حمل الاثير خبراً مؤسياً آخرعن العراق ومن باريس هذه المرة، وذلكم هو رحيل المبدع الجامع، والانسان: محمد سعيد الصكار... وهكذا تُستفز الذاكرة فتطفح ببعض محطات ذات صلة، وأولها حب الجواهري، المعروف، وتقديره للفقيد الجليل . وهو حبٌ متبادل على ما نزعم، تميز بمواقف ووقائع عديدة أشهد أن من بينها، سطور رقيقة أسف فيها الشاعر - بسبب سفره- من تحقيق رغبة الصكار، الزائر براغ، باللقاء معه اوائل الثمانينات الماضية. وقد حملت تلكم السطور، أمانة، لمبدعنا الراحل، حين التقيت معه  في باريس، في مهرجان الشبيبة الشيوعي الفرنسي عام 1982 فحملني ردأ  قوامه "قبلات بلا حدود" للجواهري، مع مجموعة من الكتابات والاصدارات.
   وفي تلكم الفترة، أو بعدها بقليل، يخط الصكار، ويهدي لوحة متميزة، لبيت متميز من شعر الجواهري، ونصّه:
أنا العراقُ لساني قلبهُ، ودمي فراتهُ، وكياني منه أشعارُ
وقد بقي ذلكم الابداع يتصدر صالون مضافة الجواهري في دمشق، ومنذ اواسط الثمانينات، اعتزازاً باللوحة الفنية - الشعرية، وبمكانة صاحبها...
... وبحسب علي وجيه، فأن الأعمال الشعرية الكاملة للصكَار ضمت ثلاث قصائد ذات صلة بما نوثق له، هن: بطاقة إلى الجواهري، أبا الفرات، ورسالة من أبي فرات. ومنها الابيات التي جارى بها الفقيد رائية الشاعر الخالد في رثاء عدنان المالكي في دمشق عام 1957:
أبا الفراتين، هل كانتْ مكابرةً، ألاّ نصدّقَ أنّ الدهر أقدارُ
وهل تجاوزَ قدرَ النفسِ ذو ثقةٍ، منا، وهل خفَّ في الميزان معيارُ؟
أم المروءة أغوتنا، فغالَطَنا، على المروءة قوالون تجّارُ
حتى غدا الليلُ قبراً، والصباحُ دماً، وضاع في غمراتِ الموجِ بحّارُ..
       كما أذكر هنا حماسة الصكار، حين تصدى، مع عصبة محبة من الادباء،  لما حاول ان يتطاول به ناقد مصري أسمه محمد النويهي، على الجواهري، في مهرجان "المربد" - البصرة عام 1969 فنظم الفقيد بيتين بقيّا معبرين عن موقف جاد، وان جاء بشكل مازح، وقد ثبتهما محمد حسين الاعرجي في عديد من كتاباته، وانقلهما هنا، مع استبدال كلمة واحدة، عن الحلال والحرام!:
نقدُ النويهــــيّ لافذاذنــــــا، منقصةٌ ما بعدها منقصه
قد كتبَ" الدهرُ" على"إستهِ"... سيدخلُ الجنة من بعبصه!!!
    وقد استذكرت مع الصكار، ذينك البيتين، خلال مشاركتنا في فعاليات الاحتفاء بمئوية الجواهري في اربيل خريف عام 2000 والتى فاضت بأحاديث، وشؤون جميلة اخرى، كان فيها سيد الجلسات، وملحها، وكعادته.

51- أميرة تحكي عن بعض شؤون ابيها
    في احدى اماسي دمشق عام 2000 قالت لي "أميرة" وهي بكر الجواهري، والاحب والاقرب اليه - بشهادة الجميع على ما أدعي- أن والدها كان في البيت أكثر من حنون في العلاقات العائلية. وكان لا يميز بين الابناء الاربعة والبنات الثلاث، فهو خيمتهم جميعا..
       واسأل "أميرة" عن بعض يوميات الجواهري وبيتياته، وخاصة في الاربعينات والخمسينات، حين كانت تتحمل شؤون البيت مع الخالة / الام "أمونة" وتقول لي انه كان انسانا اعتياديا، أباً وزوجاً لا يحب البهرجة في الملابس وغيرها، ولا الشكليات الزائفة. قنوعاً في المأكل والمشرب، ودوداً في التعامل مع الغير، ولكنه واثق الخطى والرؤى على الدوام. محبا للجلسات الصداقية وان كانت ليست كثيرة، وأغلبها مع الاقربين.... أما مع والدته، فاطمة بنت الشيخ شريف، فهي اكثر من حب ورعاية وعناية، بل وتقديس.
      ثم كان لابد ان ان يتطرق الحديث الى مقامة الجواهري، مزارعاً!! في منطقة "علي الغربي" التابعة للعمارة جنوب العراق، وذلك منتصف الخمسينات الماضية، لنحو عامين. وباستثناء المعروف عن تلكم "المقامة" ثمة حادثة مهمة، وأستثنائية جرت هناك، دفعت بزوجة الجواهري"أمونة" واخته" نبيهة" وأنا صغيراً ذا خمسة اعوام، مصحوباً معهما، للسفر الى "علي الغربي" لملاحقة تلك الحادثة- الواقعة، أو النزوة الجواهرية على الاصح، وقد تفاجأ الشاعر المتمرد بـ"الوفـد" القادم اليه من بغداد، ثم لتحسم الامور بعد فترة وجيزة، وتصبح في خبر كان، كما يقولون. أما عن التفاصيل فقد "منعني" نجاح، نجل الجواهري الثالث، من البوح بها، وها أنذا أستجيب .
 
 52- الجواهري يحتل مكان العروس
      كان الجواهري يحضر في براغ، بين حالة وأخرى، وبحسب المزاج، مناسبات عامة هنا، واخرى شخصية هناك، وليبقى خلالها وقتاً محدوداً في الكثير من الاحيان ... ويحدث ان يَعقد كل من "يسار صالح دكلة" و"عبد الاله النعيمي" قرانهما عام 1985 ويُقام حفل اجتماعي بتلك المناسبة في احدى الصالات الانيقة، دُعي اليه جمع واسع من الاهل والاصدقاء والمعارف، يتقدمهم الشاعر الخالد وزوجته، الذي دخل القاعة مرحاً، وكأنه هو العريس ..             
      ثم، ولمحبته الخاصة لعبد الاله، وكان يسميه بـ "الامير" نسبة للوصي على عرش العراق حتى عام 1958: الامير عبد الاله، يروح الجواهري فيجلس الى جانبه، في صدر القاعة، وفي مقعد العروس بالذات، الذي كان شاغرا برهة. ويستمر الوضع على هذه الحال، فلا احد يستطيع ان يطلب من الجواهري تغيير مكانه، بل ولا حتى ان ينبهه الى ذلك. والى ان انتبه هو شخصيا للامر بعد فترة، فأنتقل لمكان مجاور، تاركاً العروسيين جنبا الى جنب، يستعدان لقفص الزوجية، والذي حصيلته الى الان على الاقل: فارس، وعمر .. 

53- موقـــف مع وزير خارجية
    بعد ظهر يوم عطلة ربيعي في براغ، عام 1991 كان الجواهري في حانة شعبية لتناول الغداء، وكنا معه: أنا ونجله نجاح، وإذ بوزير خارجية النظام الجديد في تشيكوسلوفاكيا، ييرجي دينتسبير، يصل الحانة ذاتها، مع بعض اصحابه، ليجلسوا قبالتنا، يأكلون ويشربون بكل بساطة وطبيعية ... وبعد قليل لاحظنا ان الشاعر الخالد قد تغير مزاجه قليلا، ثم إرتأى الانتقال الى مقهى أخرى، وما كان لنا ان نطيع.
    وفي تساؤلات مع الجواهري بشأن "تعكر" المزاج، تبين أنه  كان ينتظر ان يأتي الوزير للسلام عليه، وحين لم يقم بذلك، ضجر وقرر ترك الحانة.. وأذ حاولنا التخفيف من الامر، قال وبكل شموخ: إنه وزير اليوم، ولن يعرفه احد بعد فترة... في اشارة الى مكانته وخلوده، شاعرا ونابغة، بلا وزارة او منصب، ولعله كان يفكر بما قاله عام 1979 :
يموتُ الخالدونَ بكل فجٍ، ويستعصي على الموتِ الخلودُ
---------------------------------------------------
وللحديث صلة، في الحلقة الثالثة عشرة
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com
 







السيدة أميرة، بكر الجواهري الخالد




الجواهري والى يساره محمد سعيد الصكار-بغداد 1969 - Copy

120
لاسباب عديدة، ومنها قطع الطريق على الارهابيين
فلتؤجل الانتخابات، بل وتلغى ايضا

•   رواء الجصاني

----------------------------------------------------


... ويسألونك، وما الحل إذن؟ وأنت تدعو للاحتراز من الارهابيين بكل نسخهم، فتعيب على الانتخابات الوشيكة في العراق، مبرزاً عليها وحولها عيباً تلو آخر. وتُحار، فتروح تبحث عن اجابة محفوفة بـ "تقية" هنا، واحترازا هناك من متفقهين، وكذلك من اصحاب وأصدقاء!.
      وأذ لابدَ من الافصاح، وان بجزء يسير مما يعتمل في الدواخل، خاصة وانك مؤمن بـفلسفة "أوسط" الايمان، تقول: لندع الانتخابات عشرة اعوام، يتصارع فيها من يشاء، وبأضعف مشاركة ممكنة، عند الضرورة، ولنركز في تلكم "العشرة" على إعلاء صرح الامن، والتعليم والمعرفة، والتوعية والتنوير، ومن ثم نخوض تجربة حضارية بهذا القدر اوذاك.
    وللجدل وحسب، فلتصدح تساؤولات معروفة ولكنها مركونة في الصدور، ومن بينها:
-   هل الديمقراطية هي صناديق اقتراع، وحسب، ودون حسابات الحقل والبيدر جنباً الى جنب؟.
-   وهل حقاً ان ملايين الجماهير التي تشارك في الانتخابات، تقرأ وتكتب، دعوا عنكم، تفهم وتعي ما تعنيه تلك الحالة، فوق الحضارية؟.
-   وهل جميع اولئك الذين يدعون للانتخابات، ممن يقرأون ويكتبون، يفهمون ما يريدون؟.
-   ثم هل من العدالة أن يتساوى "الذين يعلمون ولا يعلمون" بان يكون لهم صوت متساوٍ في الاختيار، والتصويت، وتنصيب الممثلين، وأعني هنا "ممثلي" الشعب البرلمانيين، وليس المعنيين بالمسرح والسينما؟.
-   وهل تستحق تلكم الديموقراطية المنشودة، الضرورية للمجتمعات المتمدنة، سيول دماء، وآلاف القتلى والمعاقين والمشردين؟.
-   ألا تكفي التجارب التي مرت، وتمرّ، بها شعوب"نـا" المبتلاة، ولا يتعظ "المحرضون" على اشاعة الديقراطية؟. ألا يكفي ما تجرعه، ويتجرعه العراقيون منذ عقود، بسبب اخطاء وخطايا الانظمة المتجنية، اولاً، وكذلك بعض المعارضات؟.
-   وأذ يردّ عليك بعض المناضلين الجدد أو القدامى، أو المخضرمين، بكل شعبوية وأدعاء: وهل تدعو الى الدكتاتورية إذن؟. فلتجب: لا تبسطوا الامور بهذه الغوغائية. ثمة حال "رمادية" فليتشارك المثقفون والنخب، ومن يحب الحياة، في البحث عنها، وبما يتناسب  وحالات الوعي الاجتماعي، والمستوى التعليمي، والنفسي، ولا بد ان من"يـجدّ" حقاً، أن يجـــد .
-   ثم، لمَ الخجل، أو التهرب- بهدف ركوب الموجات، أوغيرها من اسباب- من الترويج للديمقراطية "الموجهة" أو "التدريجية" أو "النموذجية" لمجتمعات مثل تلكم التي نعيش في اجوائها؟. هل ستنقلب الدنيا؟... وحتى لو انقلبت، أفليس الدم اغلى من عواطف جياشة و"حريات" مدعاة على حساب الارواح التي راحت وتروح بالمئات، ولن نقول بالالاف؟.
     وبعد كل هذه التساؤولات، وبعضها ليس بريئا، يتحتم أن نكتب عن جانب آخر، وسنغضب المرشحين للانتخابات هذه المرة- ومن بينهم اصدقاء ومعارف وغيرهم- فهم شركاء ولربما بمسؤولية اكبر عما ستتسبب به الانتخابات من طوفان خراب، وانهار دماء . ولنجادل بالمعروف، ونسامح من أعتدى! ونقول:
-   هلا عرفتمونا ببعض تفاصيل ومعلومات أوضح عن التاريخ النضالي أو الجهادي وما بينهما؟ لكي نتشجع- وبخاصة نحن المبتلين بداء الذاكرة النشيطة- فننحاز!
-   هل حسبتم، كم سيزيد "السباق" الانتخابي من مآسٍ جديدة ؟.
-   هل ثمة مراجعات، وأولاً مع الضمير، لما ستتسبب به "المعارك" الانتخابية والدعاية لها، وإن بشكل غير مباشر، من آلام اضافية لما هو راهن اليوم؟ وهل ستكفي الاجابة التقليدية بأن ثمن "الحرية" و"الديمقراطية" باهض ولا بدّ من دفعه، وإن كان من حساب الاخرين، بسطاء ومطبلين؟.
-   وما هو الرأي بما قيل ويقال، حسدا أوغبطة، حقا او باطلاً، بأن للدوافع الذاتية دورها، وقسطها الذي كبر أو قلّ، عند الكثير ممن يخوض مضامير وغمار الانتخابات: مرشحا او داعية او موجها؟.
-   ثم هل ان حماسة "أهل الخارج" للترشح، وللدعاية الانتخابية، و"بأشد مما ينفخُ الزمّارُ" تأتي لانهم آمنون على أنفسهم وأهلهم وذويهم، بعيدا عن نيران المعترك الحقيقي داخل البلاد؟.
-   وثم أيضا وأيضاً، هل ثمة قناعة، ضميرية على الاقل، بأن الاصوات التي سيُدلى بها نابعة من الفهم والايمان، بعيدا عن القرابة والعشائرية والطائفية والعرقية وسواهن من مفردات؟ أم ان ذلك لا يفكر به المعنيون؟ .
-   كما لا بدّ ان يثار تساؤل آخر هنا: ألا يتعض اولئكم المعنيون- وعديد منهم شجعان ومناضلون بواسل- مما لحق، وما برح يلحق، بالنواب البرلمانيين العراقيين منذ عام 2005 والى اليوم، من وصمات لا تعد ولا تحصى؟ ألا يكفي ذلك لمراجعة مع الذات، والتعفف – مؤقتاً على الاقل- عن دخول"الحلبة" الموجعة؟.
-   وهل هم – المعنيون- مقتنعون حقاً بمقدرتهم على التغيير في ظل ظروف واجواء تخلف وفقر وجهل، كالتي يعيشها العباد، وتعاني منها البلاد؟.
... وتتوالى التساؤلات، وأعرف مسبقاً انها ستبقى دون اجابات من "أولي الأمر" و"أصحاب النهي". ولربما سيندفع بعض "الملكيين" وأكثر من الملوك أنفسهم، فيجاهرون بـ"التصدي" لاغراض مفهومة، ومسبقاً ايضاً. ولكن لا هُمْ، ولا تصدياتهم، بذي بال، مادام إجهارنا بهذه المساهمة "الانتخابية" يأتي عن قناعة بأن السياسة فن الممكن، وبأن"خير الشفاعة لي بأني كاشفٌ حرّ الضمير، وقائلٌ هذا أنا"... وكم كنت اتمنى لو رحت جريئاً أكثر، فأطلت وأسهبت، وبملموسيات محددة، لا سيما وأنا احد المُبتلين بداء الارشفة و"الذاكرة" النشطة!!.       
     
 

121
مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب !! (10)
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
-------------------------------------------------



الجواهري والى يساره رواء الجصاني، في مقهى سلافيا وسط براغ عام 1980


الجواهري يداعب كلبا -لندن 1991
... وها هي حلقة أخرى، وليست أخيرة كما كان مخططاً، فقد جادت لنا الذاكرة بمزيد من اليوميات عن الجواهري، وبعض خصوصياته التي لم تُنشر، أو يُنشر  عنها سابقا... وعلّها توفي - كما اشرنا في حلقات مرت- بعض توثيق اضافي عن الشاعر الخالد.

42- يوم تقليدي للجواهري في براغ
    يبتدأ نهار الجواهري في براغ في حدود التاسعة صباحاً، في الايام التقليدية، أن لم يكن ثمة أرق، انيس ام ممحل. وأذ يغتسل، ويعدّ "شايه" على نار هادئة، مع بعض العسل في كوب حليب، وما قسم الله، يختتم ذلك الافطارالخفيف عادة، بسيكارة أو اثنتين، مع فنجني قهوة على الطريقة التركية. ثم يتهيأ للخروج الى المدينة، سواء كانت درجات الحرارة فوق أو تحت الصفر، فذلك لا تأثير له . وعادة ما يستغرق الطريق بـ "الترام" حوالي أربعين دقيقة، فيكون موعدنا شبه اليومي منتصف النهار في مقهى"سلافيا" أو"الابوتسني دوم" وسط براغ، مع استثناءات بين حين وأخر .
    وتمتد الجلسة لنحو ساعتين، بين الذكريات والشعر والسياسة، وما بينهما كثير!!. ثم يحل وقت العودة وغالبا ما كنت أوصله بالسيارة، مع توقف، لشراء وجبة شعبية سريعة، من السمك المقلي والبطاطا، أو سلطة خفيفة، تكون غداءه في البيت، إن لم يكن قد جهز طبخة ما ، مصحوبة بكأس من بيرة "بلزن" الشهيرة. ثم يحل موعد القيلولة "المقدسة"عنده لحوالي ساعتين الى ثلاث، بعد سماع الاخبار، ومن أذاعة لندن العربية في الغالب الاعم.
   وتبدأ الامسية حوالي السابعة مساء، وبعد شاي تقليدي، خالٍ من اية مطيبات، كالهيل وغيره، يقرر حسب  المزاج، البقاء في البيت أو الخروج مجددا للتمشي أو "الأستقهاء" وذلك مصطلح خاص، نسبة الى المقهى، وحتى العاشرة، ليبدأ موعد سماع الأخبار، أو القراءة،  قبل ان يتضرر بصره منتصف الثمانينات، مع كأس، أو اثنتين على الاكثر، وعشاء خفيفا من بقايا الغداء، أو مايكون تحت اليد، ثم يخلد الى النوم، أو ألارق، أو الشعر والرؤى، وحسب الحال الجواهرية.... تلكم هي خلاصة اليوم التقليدي للشاعر الخالد،  دعوا عنكم النهارات والامسيات، والزيارات والاستضافات الاسثنائية ..

43- في مؤتمر بيروت للمعارضة العراقية
    مع انتهاء حرب الخليج الثانية التي تسبب بها غزو صدام حسين لدولة الكويت، ينعقد في بيروت، ربيع عام 1991 وبعد لآي، مؤتمر للقوى والاحزاب السياسية العراقية المعارضة.  وبعد لأي ايضاً، يوافق الجواهري، ذو الازيد من تسعين عاماً، على حضور تلكم الفعالية التاريخية، والتي تزامنت مع الانتفاضة التي شهدتها اربع عشرة محافظة عراقية ضد النظام الحاكم المتمترس في بغداد .
    ومشاركة الشاعرالخالد في ذلك المؤتمر كان لها أكثر من مؤشر، ومؤشر، إذ وحده كان – وبقي- رمزاً وطنياً، موحداً، للعراقيين جميعاً، على اختلاف مشاربهم، ونحلهم وميولهم . وأذكر هنا جملة موجزة، معبرة بهذا الشأن للمفكر والفنان الفقيد محمود صبري حين قال: لقد كان الجواهري فصيلا "سابعاً" لوحده في المؤتمر... في إشارة، للاطراف العراقية، العربية والكردية، الستة، التي شاركت في تنظيم الفعالية تلك، وإطلاقها .
        ومن أبرز ما تبناه الجواهري في المؤتمر، وهذه المرة على ذمة الشخصية العراقية الوطنية، والشيوعية البارزة: زكي خيري: ان تنتقل نخبة من وجوه المجتمعين، بالطائرة الى بغداد، مع تغطية اعلامية وصحفية اجنبية واسعة، وليكونوا رأس رمح العمل لاسقاط النظام،  بدلا من الخطب والتنابز بالكلمات. خاصة وان فترة انعقاد  قد تزامنت – كما أسلفنا- مع اندلاع الانتفاضة الشعبية العارمة في البلد .  ولربما جاءت تلكم الفكرة في مخيلة الجواهري، انعكاسا لحال على ذلك الغرار، اتممتها بعض اطراف المعارضة التركية، ضد حكام نظام بلدها.

44- الجواهري في بعض اخوانياته
    كتبتُ في توثيقات سابقة، منشورة في عدد من وسائل الاعلام، عن بعض اخوانيات الجواهري، ومنها عن، ومع، طالباني والمخزومي ومظفر النواب وشاذل طاقة... وعديد غيرهم من الاخدان والاصدقاء وحتى المعارف، موثقة في الديوان العامر. كما جمع باحثون ومحبون آخرون، ومن بينهم الفقيد محمد حسين الاعرجي، عددا آخر من تلكم الاخوانيات..
    ومع ذلك بقيت كثيرات أخريات لم توثق الى الان. ولكي لا نكرر المنشور سابقا، تقع بين أيدينا الان ونحن"نلملم" الارشيف، ونجهد في تنظيمه، ابيات اهداها الجواهري الى عادل حبه، المسؤول الشيوعي الاول في براغ عام 1974بمناسبة ولادة طفله البكر" سلام" ونقتطف منها:
سلمت"غلاماً" حبيبي سلام، يهزُ الصباح بوجهِ الظلامْ
يحثَّ الخطى نقلة نقلة، يُتم خطى الخالدين العظام
يشمر عن ساعدي باسل، يشق الطريق لركب السلام...
والقصيدة كاملة لدى "علي وجيه" الذي يهم اليوم في جمع ما لم ينشر من شعر الشاعر الخالد، ليضيف جديدا، كما هو عهده.

45- الجواهري وحب الحيوانات... ومواقف منها
    لا ادري ان كانت ثمة كتابة سابقة عن الحيوانات، الاليفة وغيرها، في قصائد  الجواهري. ولكني أذكر على الاقل ما كتبه فوزي كريم عما جاء في "مقصورة" الشاعر الخالد، عن "الضفادع" والتي يصفها معجبا "كأن بعينيك ياقوتتين، صاغهما عبقري جلى" ... كما أذكر كيف تحدث الشاعر الخالد عن مقته لقتل الحيوانات كما جاء في قصيدة قلبي لكردستان عام 1963" يهتاجني ذبح النعاجُ، وأغتلي، لـ"شويهة" عن صدر شاة تفطمُ".. وكذلك أشير الى ما شملته لاميته في الخمسينات الماضية وهو يخاطب راعياً وقطيعه، وهكذا في قصائد اخرى شتى... فضلا عما جاء في الجزء الاول من ذكرياته عن طفولته، وصخلته! و"فخاتي- حمام" البيت.... وكل الاشارات هنا عن الحيوانات الاليفة، دعوا عنكم ذكر المفترسات منها: الذئاب وعوائها، صلال الفلا، النسر وشموخه، الاسد وملكيته، و"الحمار يؤوده الوزرُ" ....
... وأستذكر بهذا السياق واقعة سمعتها من "نبيهة" أخت الشاعر الخالد، ومدللته، انه سأل ذات صباح عن دجاجة الديك "المفقودة". وحين عرف انها ذُبحت وطُهيت لضيوف مفاجئين جاؤوا في الليلة البارحة، اسرع ليشتري دجاجتين بدلا من واحدة، وليدع الديك يعود فرحاً مرحاً بعد ان بقي ليلة واحدة بلا صاحبة !
-------------------------------------------------------------
وللحديث صلة، في الحلقة الحادية عشرة
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com




122
مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب !! (9)
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني

-------------------------------------------------

الجواهري على ضريح اخته نبيهة، في دمشق 1987 والى يمينه وزيرة الثقافة السورية، نجاح العطار
... وهذه هي حلقة جديدة- وآمل ان لا تملّوا- عن بعض يوميات الجواهري، وخصوصياته، علّها تضيف جديدا في التعريف بذلكم الشاعر والرمز العراقي العظيم، في القرن العشرين على الاقل ...
38- لقاء مع خامنئي في طهران
    في سعي لتغيير الاجواء، ومحاولة التهرب من"الارق" بل والقلق الذي أبعد عنه النوم الهادئ، وبخاصة بعد رحيل زوجته"أمونة" يُستضاف الجواهري، عام 1992 في الجمهورية الايرانية، بدعوة الامام خامنئي، ولفترة مفتوحة. وتلبى الدعوة، وقد كتب عن بعض شؤونها، السيد مدين الموسوي من زوايا شخصية، لم يكن فيها منصفاً، على أقل وصف. خاصة وان المجالس- ان وجدت- فهي أمانات، وقد قلت له ذلك علناً...
   ... المهم، يغادر الجواهري الى طهران، ومدن ايرانية اخرى، وقد رافقه في مقامه هناك ابنه "نجاح" فترة من الزمن. ويبدو ان ذلكم التغيير لم يكن العلاج الشافي لارق الشاعر الخالد، وقلقه، فعاد من ايران الى مستقره الدمشقي، بعد اشهر معدودات .... ومن ابرز ما شهده " برنامج" الزيارة، اللقاء بالسيد خامنئي، المرشد الاعلى للجمهورية الايرانية، المحب، والحافظ  للكثير من شعر الجواهري، الذي كتب له ابيات شكر، ومجاملة سجلها على الصفحة الأولى من كتابه ( ذكرياتي) واهداها له ومن بينها:
لَكَ أهلٌ فَوقَ الذّرى وَمَحَلُ، لَكَ بَعدَ المكرُمات وَقَبلُ
فإغتَفِر لي ما جاءَ في ذِكرياتي، يا عَطوفاً عَلى خُطى مَن يَزِل
ونقل لي "نجاح" ان والده كان متعبا ً خلال الزيارة، ولم يكن برنامجه حيوياً، وكان طوال الفترة معتكف في دار الضيافة المتميزة التي خصصت له في طهران، باستثناء بعض الفترات القصيرة، للتجوال في متنزهات "شمرانات".. كما ولم يلتق الكثير من الذين كانوا يودون اللقاء معه، أو زيارته وباستثناءات محدودة ايضا... 
39- الجواهــــري عن أخته نبيهــة
      ترددت في كتابة هذه المحطة والتأرخة، لاسباب خاصة، وإن كانت معروفة للكثيرين. وكان المفترض ان اتوسع بها، ولكن، ولتلكم الاسباب ذاتها، سأوجز هنا، مع وعد بتوثيق أشمل لاحقاً، وأزعم – كعادتي- أن يكون ذلكم التوثيق جديدا وغير مطروق،  كما هي هذه المحطات واليوميات، السابقات، واللاحقات منها.
       والتأرخة التي اعني هنا، هي عن علاقة الشاعر الخالد بأخته، نبيهة، وهي الوحيدة في العائلة  بين اربع اشقاء، هم: عبد العزيز، محمد مهدي، عبد الهادي، و"محمد" جعفر، شهيد وثبة كانون الثاني 1948.. وهي – نبيهة- الرابعة في التسلسل،  وكانت مدللة الجميع، وأولهم "محمد مهدي" الجواهري، والذي ينقل نجله "نجاح" انه استمع منه، وبكل صراحة: انها الاشبه الي في كل شي.
    لقد أصر الجواهري على زواج أخته، نبيهة، من صديقه، السيد النجفي، جواد  "العريضي" الجصاني، بعد"نهوة" عليها من ابن خالها عام 1935 وللقارئ ان يقدر من تلكم الحال كيف كانت مواقف الشاعر الخالد بالضد من التقاليد البالية، ومنذ عقوده الاولى. وثمة تفاصيل عن تلكم "النهوة" في الجزء الاول من ذكريات الجواهري الصادرة عام 1989.
  ولكي لا نطيل عن شواهد ووقائع، يومية، عن العلاقات الحميمة والوثيقة، وربما الاستثنائية، بين الجواهري وأختــه، نشير لثلاث لقطات من الديوان العامر،  وأولها في قصيدته الشهيرة عام 1948  ومطلعها المعروف "أتعلمُ، أم انتَ لا تعلمُ" حين وصف اجواء الحزن البيتي على استشهاد جعفر فقال:
"وأختٌ تشق عليك الجيوب، ويُغرز في صدرها معصمُ" .
   اما اللقطة الثانية فجاءت في اربعة أبيات أهدى بها الجواهرى ديوانه لنبيهة،عام 1974 وتحت عنوان "يا فرحة العمر" ومن بينها البيتان:
سلمتِ، أختيّ، أذ  لم يبقِ لي زمني، أخاً سواها ولا اختاً، تناغيني ...
حسبي وحسبك عن بعد وعن كثبٍ، أني أناجيك في هذه الدواوينِ
   اما اللقطة الثالثة، فهي ابيات مؤثرة القاها الجواهري، باكياُ، امام ضريح أخته، وهي توارى الثرى في متربة السيدة زينب، بدمشق في تموز1987 ومنها:
"نبيهــة" ان الحياة ملعبه... ونحن فيها "طابة" ومضربه
رهن الليالي حيثما دارت بنا، كعقرب الساعة تحت الذبذبة....
حبيبتي"نبيهـــة" سنلتقي، عما قريب عند هذه المتربة !!
  ثمّ، وبعد عشرة اعوام تماماً، وفي شهر تموز- ايضا- عام 1997
يرحل الجواهري ويواري الثرى على بعد امتار من ضريحي زوجته"أمونة" وشقيقته "نبيهة".
40- مع نجاح العطار، وعنها ..
    قبل ان تكون وزيرة للثقافة في سوريا، خلال الثمانينات الماضية، عُرفت نجاح العطار، اديبة ومثقفة متميزة، دعوا عنكم حصولها على دكتواراه الادب من جامعة السوربون الشهيرة. ومن هنا توطدت علاقتها بالجواهري، وعلاقته معها: احتراماً ومحبة وتقديرا. وإذ يُقام احتفاء فخم بالشاعر الخالد في دمشق عام 1980 تشارك العطار بمداخلة بهية شيقة، جمعت التقييم والتأرخة وباسلوب ادبي انيق. .. وما كان من الجواهري الا ان يردّ التحية بمثلها، ولربما باجمل منها حتى، عبر قصيدة أنيقة، ومن ابياتها مخاطبا العطار:
وعجتِ علي فاكهة ونبعاً، وما أنا بالأكول ولا الشروبِ
وقد بالغت بالالطاف حتى، كأنك تحرصين على هروبي
     ومما اسجله هنا مثالاً واحدا معبرا عن مدى اعتزاز وتقدير تلكم المثقفة الباهرة، للشاعر الرمز، أنه كلمها هاتفيا ذات نهار دمشقي عبق، ربيع عام 1988 ليطلب موعداً يزورها في مكتبها الرسمي، فما كان منها إلا  أن تفاجئنا وتأتي بعد نحو نصف ساعة لصالون الجواهري في بيته، وهي تقول بصوت عال: الجواهري هو الذي يُزار... وكانت ساعة لقاء ثقافي أدبي حميم، ملئ بزهو الحيوية والمحبة.   
41- إدمان على "لعــب الــورق"
       أكاد أجزم بأن لا أحبّ للجواهري من "لعب الورق" مع الاهل والاصدقاء، تسلية، ويومياَ لو سمحت له الظروف. وكم وكم مدح مخترعها، أو مكتشفها، ولا أدري اي التعبيرين أصح!. وأظن انها كانت الطريقة المجربة الوحيدة بالنسبة له لكي يبتعد قدر ما يستطيع عما يتوقد به ذهنه من رؤى وآراء وأفكار، وعلى مدار الساعة، ان لم اكن مبالغاً... وقد رافقـــت تلكم اللعبة "البيتيـــة" في الغالب الاعم، الشاعـــر الخالد على مدى عقود حياته الطوال، فلم يكلَّ أو يملَّ منها، أو تكلّ وتملّ منه، يوماً ما.
.... وقد لايصدق البعض ان الجواهري ما كان يكاد ان يودع الزوار والاصدقاء الرسميين، مساء، في صالونه الدمشقي، إلا ونادى باعلى صوته: هاتوا "البطانية" والتي تفرش على المائدة لتبتدأ فترة "لعب الورق" مع من هو موجود من أهل البيت، وكذلك من الاصدقاء المقربين الذين يستبقيهم للمشاركة في التسلي، ومن بينهم حتى سياسيون بارزون !!... ولكي لا يذهب "البعض" فيتصور ان الهدف هو المقامرة الممقوتة، أقول: ان "الارباح" و"الخسائر" في الليلة الواحدة كانت محدودة جدا جدا، وربما لا تتجاوز ما قيمته العشرة دولارات، كحد أقصى. ومع ذلك فقد كان- الجواهري- يغضب ويتوتر، ويشتم، ويتهم، حين لا يربح، وأكيد لانه يريد، وكما هو في مناحي حياته كلها: التميز، والانتشاء، وليس للكسب المادي.
-------------------------------------------------------------
وللحديث صلة، في الحلقة العاشرة
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com



123
مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب!(6)
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
-------------------------------------------------


الجواهري - مصطفى جمال الدين

... ونستمر كما هي الحال في الحلقات الخمس الماضيات، لنوثق جوانب ويوميات، وخصوصيات عن الجواهري الخالد، ونجهد ان تكون جديدة في محتوياتها، وبعيدة عن السياسة والادب(!) جهد المستطاع...
24- زيارة الى عمان، وتحية للملك حسين
    بضيافة ملكية متميزة، يحل الجواهري عام 1992 في عمان، قادما اليها من القاهرة، ، ويلقي لاميته الشهيرة " يا سيدي أسعف فمي ليقولا .." في احتفال خاص، بحضور العاهل الاردني حسين بن طلال، والذي نزل من منصته، في سابقة أولى، ليشكر الشاعر الخالد بكل تقدير واعتزاز ... ولاننا بعيدون عن السياسة والادب، في هذه المحطات، فسنرد بايجاز على متقولين، ومن بينهم "متأدبون" ايضاً، ونؤكد ان كل الذي أدعوا به ، أو نسجوه من خيالاتهم، بعيد عن اية حقيقة، فلم تكن هناك اية جائزة مالية اختلقتها أوهامهم، بل وسام ملكي، وحسب، وتكريم رمزي يليق بمكانة ورفعة شاعر العرب الاكبر، ومنجزه الفكري والثقافي ...
   وأذ لم تتح لي ظروف العمل في حينها، المشاركة في تلكم "المقامة" الاردنية، فقد الححت بمتابعة شؤونها، عبر عدد من "اهل البيت" الذين كانوا مع الجواهري، ورافقوه، وأولهم نجله كفاح، والذي ربما سيتحدث يوماً عن تفاصيل وظروف الزيارة، ومناسبتها ... كما لنا عودة في تأرخة لاحقة عن بعض شؤون "اللامية" التي غنيت" أوبريتـاً" صيف العام ذاته، باجواء موسيقية وفنية أنيقة، تألقت فيها المطربة التونسية، صوفية صادق، والعازفون وفرقة الكورال.
25- مثقفات متميزات يحاورن الجواهري
     في اواسط الثمانينات الماضية، جاءت الصحفية اللبنانية هدى المر، الى براغ، لتجري مع الجواهري سلسلة لقاءات مطولة. وقد بُهر الشاعر الخالد بسماتها وشخصيتها المتميزة.. ومن بين "ممازحاته" معها، انه ما كان قد اباح لها بذلكم الكمِّ من المحطات التاريخية والشعرية، لو لم تكن هي من قام بتلك المهمة ... وأضاف: لقد عرفوا من يختارون، أنا الضعيف امامكن... وقد كان ما نُشر من حورات، حقاً، اكثر من جديد وحيوي.
.... واستذكر بهذا السياق، واعني به اللقاءات التي اجرتها مع الجواهري، صحفيات وكاتبات لامعات، ومن بينهن المثقفة الكويتية ليلى العثمان، في تلفزيون بلادها، عام 1979 وأظنه كان على الهواء مباشرة، وقد انطلق فيه الشاعر الخالد، وبمزاج استثنائي، وكشف فيه العديد والعديد من المحطات التاريخية، والمواقف. وهكذا الحال نفسه مع الكاتبة السورية، إعتدال رافع، في حوار بثلث كاسيتات تسجيل، ونشرته في عدد من وسائل الاعلام العربية،  اواسط الثمانينات الاخيرة .
...  ومن "مداهراتي" معه، قلت للجواهري في امسية ببراغ: انك تنطلق في مثل تلكم الحوارات" النسوية" بشكل واضح. فأجاب دون تردد: ومع من تريدني ان أنطلق، مع "المشوربين" الذين يشبهونك!!
26- عن لقائين مع مصطفى جمال الدين
   من بين الزوار البارزين لصالون الجواهري في دمشق، ولا سيما في النصف الثاني من الثمانينات الماضية، كان الشاعر والسياسي، السيد، مصطفى جمال الدين.. وقد صُودف ان اكون حاضرا لمرتين، خلال زياراته لذلكم الصالون.. وكان بصحبته في المرة الاولى كل من حسن العلوي، وهاني الفكيكي، إذ الثلاثة مزمعون على اطلاق مشروع اطار سياسي جديد باسم"المتحد العراقي" وعرضوا بيانه الاول على الجواهري الكبير، للاستئناس برأيه في الظاهر، وطموحا بأن يدخل ذلك "المعمان" أو يباركه على الاقل. وفي النتيجة لم يتحقق اي من ذينك الشأنين ...
    اما المرة الثانية فقد كانت جلسة عائلية، وكانت مع جمال الدين، عقيلته، ومن جملة ما تطرقت اليه الاحاديث، بالطبع: الشعر والسياسة وما بينهما. كما كان لابد ان يستمع، الحاضرون في تلك الجلسة، وكالمعتاد، للجواهري في بعض جديده – القديم. وقد كرر السيد الضيف كما هو معهود، الاستحسان والاشادة مرات عديدة . واذ بالشاعر الخالد يلتفت ليقول له مازحاً، مع مناكدة مقصودة: هل تسستحسن فقط! هل لك ان تأتي ببعض يشابه ما ماسمعت؟؟ واضاف:" والله ذبحتنا، بجميلك الشعري الستيني: بغداد ما أشتبكت عليك الاعصرُ، ألا ذوت، ووريق عودك أخضرُ" ... ثم وبعد توديع الضيوف، وحلا السهر والسمر، قال لي الجواهري: تزعم انك "أديــب" ترى بماذا يذكرك ذلك البيت والقصيدة، الجميلة للسيد مصطفى؟ فقلت بعد لحظات: انها على وزن وقافية ورويّ رائيتك عام 1951:  يا مصر تستبق الدهور وتعثرُ، والنيل يزخر، والمسلة تزهرُ" ... فانتشى، مع تعليق: والله حزرتها !!!!
27- الجواهري يغني: حرامات العمر من"ينكضي بساع" !!!
   من المعروف، أو يكاد، ان الجواهري لم يكن يحب اغاني المطربات، والمطربين كثيرا، خلاف"أغاني" ابي الفرج الاصفهاني، طبعاً!! واعني هنا بالتحديد في سبعيناته وثمانيناته وتسعيناته، أما قبل ذلك فلربما كان. وباستثناء اللقطة التي ساتحدث عنها، لم اسمع الشاعر الخالـــد يترنم او"يدندن" يومــــاً ما، وعلى مدى ثلاثة عقود، سوى بخمس كلمات من اغنية "يا نجوى" الشهيــــرة، من الحان محسن فرحان، واداء سعدون جابر، ونصّها: "حرامات العمر من ينكضي بساع" يعقب ذلك تنهد "أيه دنيا" وهي لازمته المعتادة.. ولعل تلكم الجملة الغنائية تناغمت في مخيلته بهذا القــــدر أو ذاك مع معنى بيت شعره القائل: "واركبُ الهوْلَ فـي ريعانِ مأمنَةٍ، حبّ الحياةِ بحبّ الموتِ يُغريني".
     ولكي تكتمل الصورة المقصودة  أقول: في اواسط الثمانينات، وفي مستقره بالعاصمة السورية، طلب الجواهري من المساعد المكلف برعايته" أبــو رامي" ان يشتري له من سوق "الحميدية" نسختين من شريط كاسيت يحوي الاغنية ذاتها.. الاول لتشغيله في السيارة التي يستخدمها بدمشق، والثاني لكي أحمله معي الى براغ... ولا تنسوا ان الشاعر الخالد كان آنذاك في اواسط ثمانيناته، ولم يبرح مردداً"حرامات العمر من ينكضى بساع "!!!
28- الف دولار لاطلاق "بابيلون"
   احتجت عام 1990 مبلغاً قدره الف دولار، لاطلاق مؤسسة "بابيلون" للثقافة والاعلام، من براغ، بالتشارك مع عبد الاله النعيمي، وكان ذلك المبلغ يشكل ثلث راسمال "المشروع" أو يكاد.. ولم يكن لي من سبيل اقرب، وانزه، غير الجواهري لاستدين منه، وذلك ماجرى، وقد وافق على الفور، ولكن مع بعض "مدح" لاذع، خلاصته: ان كل "حسابي" و"ثروتي" لديك، منذ سنوات، وأنت المخول الوحيد بالسحب والصرف، فلمَ تسألني إذن؟ .. مع التنويه الضروري هنا الى أن ذلك "الحساب" وتلك"الثروة" لشاعر العراق والعرب الاكبر لم تتجاوز سوى باضعاف، قليلة، المبلغ الذي استدنته، وأعدته بعد عام ..
   
وللحديث صلة، في الحلقة السابعة
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com


124
مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب!(5)
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
-------------------------------------------------


الجواهري والى يمينه زوجته أمونة،وعلى يساره أخته نبيهة، وبينهما رواء
... وهذه جولة جديدة نتصاحب فيها معاً في عدد من اليوميات الخاصة والشخصية، للشاعر والرمز الوطني العراقي الخالد، ولعلها تكون – كما في الحلقات الاربع السابقة- قادرة على السوح بالقرب ممن" شغل الدنى والكون طراً، وآلى ان يكونهما، فكانا"..
20- زعــل مع هادي العلوي
   ينشر الجواهري الجزء الاول من ذكرياته عام 1989 بعد جهد مثابر دام  نحو ثلاثة اعوام عمل، وقد نشرتُ عن ذلك بشئ من التفصيل في تأرخة سابقة . وكان من الطبيعي جدا ان يُكتب عن تلكم المذكرات والذكريات بهذا الشكل أو ذاك، ومن بينها في صحيفة بيروتية، مادة لقيت غضبا من الشاعر الخالد . وبعد وشاية، كاذبة، بل ولئيمة من "أحدهم" صدّق الجواهري بان كاتبها هو: هادي العلوي، الباحث الاميّز، وعاشق الجواهري منذ عقود، وصاحب الكتابات العديدة عنه... ولكي تكتمل"الوشاية" قِيل ان الاسم "الملصوق" تحت تلكم المادة المنشورة، هي إحدى الالاعيب الصحفية ... وهكذا راح الغضب يسري ليصل حد القطيعة، ولفترة من الزمان، مع العلوي، الذي راح ملتاعاً مما نُسب اليه، وأقتنع به الجواهري، الذي كان قد غضب منه، وعليه، في منتصف السبعينات الماضية، بسبب واقعة "سياسية- ادبيــة" ربما نعود لها في وقت آخر .
    ثم كنت في دمشق مطلع التسعينات، وحدثني الجواهري عن" صاحبي" العلوي، وفعلته!! وأذ ناقشت الامرمعه مكذباً، وحاولت لاجئاَ الى محاولة المقارنة بين اسلوب"صاحبي" والاسلوب التي كُتبت به المادة المعنية، شملني الغضب ايضاً لاني لا أقف الى  جانبه، وهو" المعتدى عليه"ً!! ثم غضب أكثر حين علم باني مع نجليه "نجاح" و"كفاح" قد زرنا  العلوي، الزاهد، في"بيتــه" لمعايدته، وكان متوعكاً، وكذلك محاولة منا لتطييب خاطره من الغضب الجواهري ...
21- مرحباً ابـــو جاســم
     كنا جالسين صيف عام 1979  أنا والجواهري، وزوجته أمونة، وأخته نبيهة، في شرفة مقهى "يالطا" وسط براغ، والناس يسيحون أفواجاَ، والشاعر غارق في عوالمه، مع حديث هنا و"حسرة" هناك، وما بينهما تطلع في جمال حسان براغ اللواتي "تخففن فما زدنّ على ما ارتدت حواء إلا اصبعا" كما وصفهن الجواهري ذات يوم... ثم، واذ نحن هكذا، يعلو صوت بغدادي حميم، ليسلم من على بعد أمتار: مرحباً "ابو جاسم" . ثم ليتقدم نحونا رجل في الستينات فيصافح الشاعر العظيم، وليسأله بكل اريحية: هل تتذكرني؟ أنا فلان، بائع الفواكه والخضار، في الحيدرخانة، اوائل الخمسينات، وكم بعتُ لك بالدين!. فجامله الجواهري كثيرا. وحينها عرفنا من هو "أبو جاسم" : انه "محمد" مهدي الجواهري، فكل "محمد" في العراق، يسمى "ابو جاسم" شاء أم أبى ...
22- من بعض"فـنـــون"الجواهري، مع صفاء الجصاني !
     يصل صفاء الجصاني، ابن أخت الجواهري الى براغ عام 1978 قادماً من بغداد، ويذهب بسيارة اجرة من المطار الى شقة خاله، الذي يرحب به ثم يدعوه- فجأة- وعلى الفور لان يروح "يتمشى" أو يشرب الشاي في مقهى قريب، وعلى ألا يعود قبل ساعة من الوقت. وما كان على الضيف، المتعب، سوى أن ينفذ المطلوب، وبلا جدال طبعا.... اما السبب فهو، وبأختصار: ان من كان يسوق سيارة الاجرة التي جاء بها "صفاء" الى شقة خاله، واحدة من حسان التشيك "اللواتي لستَ تدري بهنّ المُحصنات من الزواني" بحسب بيت شعر للجواهري. وقد أستلطفت التشيكية الحسناء، الشاعر الخالد ذا الثمانين عاماً، فأستلطفها مضاعفة، كما يبدو، وما كان منه الا ان يطلب من أبن أخته ذلك الطلب العاجل، بأن يتركهما منفردين...ولعله- الجواهري- أستذكر هنا ما قاله عن" جين" احدى جميلات لندن في الاربعينات :
ما شاء فليكتبْ عليّ الدهرُ اني لا أبالي
إن كان خصركِ في "اليمين" وكان كأسي في "الشمالِ"
23- ابيات "أخوانيــة"... لـ : آرا خاجودور وكاظم حبيب
      لاسباب يطول الحديث، بل والتكهن، بشأنها، سادت لدى الجواهري عام 1988 رغبة جامحة في ان يغيّر شقته في براغ، التى كان قد قضى بها اكثر من ربع قرن من الزمان. وقد حاول شخصياً، ولم يفلح، فلجأ الى المسؤول الشيوعي الاول في براغ آنذاك، كاظم حبيب- أبو سامر، لكي يسهل له ذلك عبر الجهات التشيكية المعنية بالتوجيه بمثل تلكم الامور. وأذ يتأخر كاظم  – بظن الجواهري- عن تلبية طلبه، عاد الشاعر الخالد الى صديقه الاخر، آرا خاجادور، أبو طارق، وكان معنياً بشكل رئيس بشؤون العلاقات السياسية والحزبية الشيوعية العراقية- التشيكية، ليتدخل في حلّ الامر.... ثم، لتحريك الموضوع، وعلى اساس انه شعر اخواني(!) يكتب الجواهري قصيدة يخاطب بها كلا الرجلين، ويحثهما بشكل تحريضي، وتنافسي، للتعجيل بتمكينه من تبديل شقته باخرى، وهي قضية ليست سهلة في حينها .
    وأذ لا تحضرني ابيات القصيدة الان، المحفوظة لدينا في الارشيف العامر، أتذكر من بينها: "يا ابا سامرِ كنْ شفيعي لكي ابدلُ الدار، دارا"... ثم يهدده- أن تباطأ-  باللجوء الى "آرا" والذي هـو "ابٌ لكل الغيارى". وهكذا تستمر المناورة الجواهرية، وتنجحُ، وتتغير الدار. مع استدراك اخير، أقول بأني لم استطع، والى الان، معرفة اي من صديقي الشاعر الكبير، نجح في "الفوز" بتحقيق طلبه.
وللحديث صلة، في الحلقة السادسة
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

125

مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب!(4)
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
-------------------------------------------------
...وهذه حلقة رابعة  من "السياحة" مع بعض خصوصيات ويوميات الجواهري الكبير، وهي برغم التعمد بأن تكون سريعة و"خفيفة " كما نزعم، الا أنها، وكما نزعم ثانية، تؤشر لجوانب من مواقف ورؤى جواهرية، بهذا الشكل او ذاك، لمسارات من حياته المفعمة بالكثير والكثير...
16- عن جائزة نوبل ونجيب محفوظ
   اتصل الكاتب والباحث محمد كامل عارف، من لندن، عام 1988 على هاتف شقة الجواهري في براغ، ليسأل لو تفضل الشاعر الكبير باي تعليق- لصحيفة الحياة- كما أتذكر- بمناسبة الاعلان عن منح جائزة نوبل للاداب، في تلك الليلة الى نجيب محفوظ... فطُلبَ منه ان يعاودَ الاتصال بعد نصف ساعة، وهكذا فعلاً أتصل الرجل من جديد، فأُعلم بالاعتذارعن تلبية المطلوب، لظروف خاصة..وقد كان ذلك، طبعاً، بحسب رغبة الجواهري، الذي كان مبتهجاً بنيل كاتب وروائي مصري جليل، تلكم الجائزة، ولكنّ له موقف من لجنة "نوبل" واسلوب اختياراتها، وطرائق عملها، ولربما، بالأساس، تأخرها عن منح جائزتها له – للجواهري، الذي علق على الاتصال الهاتفي بما معناه: كنت افترض ان "محمد كامل" يحبني، ولا "يتحرش" بي هكذا !!!! 
17- ابيات غاضبة، جزاء، وعقوبة
    ألح الجواهري عليّ في احد ايام 1987 للقاء، وكنت في مهمة سياسية لا استطيع تأجيلها، وكان هو ذا مزاج مأزوم . ولم ينفع الحاحه، فضرب الموعد وأكد انه سيكون بأنتظاري في كل الاحوال... وألا !! وحاولت فعلا ان اكون في الموعد المضروب، ولكن لم أفلح، فكان ما  كان من عقوبة وجزاء ..
     ففي صبيحة اليوم التالي، وباكراً على غير العادة، رنّ الهاتف، وإذ بالجواهري يتصنع اللطف، ويقول: طالبتني من فترة بان اكتب لك ابيات شعر، لتتباهى بها، فهاكها. ورحت اكتب، وانا بين مصدق ومكذب:
"رُواءُ" ايا قدوة المقتدي، بلحسِ"........" ولثمِ الردي
تمنعْ، ودعْ خالكَ السلسبيل، ضميئاً، بعيداً عن الموردِ
وكن ولدي سيد الطيّعين، وإلا فما أنـــتَ بـ"السيـــد" !
.... و"السيد" اعلاه تورية باني من السادة الحسينيين. كما تلت تلكم الابيات الثلاثة المنشورة في السطور السابقة، ثلاثة أخرى، وأشدّ تهكماَ، ومناكدة، لا أجرأ على كتابتها، وشملت حتى زوجتي " نسرين وصفي طاهر" التي كان يحبها الجواهري بتميز. وواضح للمتابع ان الابيات الستة المعنية هي تناصُ، وتحوير لبعض ابيات من قصيدته"عبادة الشر" الشهيرة .. ثم، وبعد ان قدرتُ مدى هضيمته، صالحته بطريقة لم يستطع ردّها، ولا اقدر ان اكتب عنها هنا، فليس كل ما "يحصل" يمكن البوح به!!!!
18- الجواهري... شاعر هندي
     في براغ اوائل الثمانينات الماضية، ضرب الجواهري موعدا مع الضيف القادم من بغداد، قدري عبد الرحمن، الشخصية العراقية المعروفة، لكي يلتقيا فى مقهى فندق "إسبيلنادا" وسط المدينة، بحسب الجواهري... وفي مقهى فندق"سبلنديد" القريب ايضا من المقهى الاول، كما ظنَ الضيف.  وبعد ان مرت  نصف ساعة على الموعد، انتبه "قـــدري" بأن شيئا ما قد حدث، لأن الشاعر الخالد لم يصل، وهو الجد دقيق في مواعيده. ثم نقل لنا ما يلي:
     حدستُ الخطأ، فهرولت مسرعاً الى "اسبيلنادا" الذي كان الجواهري قد غادره، ممتعضاً، بعد انتظار ممل، كما تبين لاحقاً. وصادفت هناك سائحاً عربياً متزناً، فسألته: ألم تلحظ  الجواهري هنا ؟ فأجاب السائح: نعم، قبل دقائق، كما أعتقد، ولكني سألته: هل انت الشاعر العربي الكبير؟ فأجابني : كلا، أنا شاعر هندي. فما كان مني- والحديث لا يزال لقدري عبد الرحمن - إلا ان أُجيبه: إذن أنه الجواهري لا غيره،  وهرولت مستعجلاً، لأعثر عليه، بعد مسافة قصيرة، وهو يتفجر غاضبا  .     
19- حوار متميز مع الجواهري... وكارثة
    عشية مغادرته الاخيرة لبراغ، خريف عام 1991 أجبرتُ الجواهري، ان أجري حوارا معه، وألا لن ارتب له بعض الشؤون، فوافق، بعد تمنع طبعا.وكان بحق حوارا متميزا حول مذكراته التي كان طبعها ونشرها قد اكتمل في تلكم الفترة.. وجاءت الاسئلة، كما والاجابات، وعلى مدى ساعة كاملة،  أقرب لاستكمال بعض ما لم تشمله تلكم الذكريات، ذات الجزأين. ... وكان الهدف من ذلك الحوار، فضلا عن التوثيق، خطوة اخرى على طريق ترسيخ مكانة مؤسسة "بابيلون" للثقافة والاعلام التي أطلقت نشاطها من براغ اواخر العام 1990 مع عبد الاله النعيمي ....
     وهكذا ولانشغالاتي، كلفتُ احد المتعاونين في عمل المؤسسة، وهو يحمل شهادة الماجستير، لكي يفرغ الشريط الصوتي على الورق، واكدت له باني سأحسب له ثلاث ساعات عمل مقابل ذلك، على ان يأتيني بالمطلوب في الصباح... وجاء الرجل فعلا، هاشاً باشاً، في الموعد المحدد، وليسلمني الشريط، قائلا ان تفريغه لم يستغرق منه سوى دقائق. وقد صعقت من الاجابة، لأني فهمت الامرعلى الفور، ومع ذلك صبرت قليلا، وسألته: واين الاوراق؟ فقال بكل بلاهة: لقد فهمت انك تريد ان افرغ الكاسيت، اي امسحه، وليس تفريغه على الورق !!! ... وأحترازا مما لا تحمد عقباه، تركت المكتب دون ان أجيب، ورحت هائماً، لاتصل تليفونياً، وأطلبُ من احد المسؤولين في المكتب: الرجاء ابلاغ المعني بانه ممنوح أجازة مفتوحة "تقديراً" لعبقريته .

وللحديث صلة، في الحلقة الخامسة
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com




126
مع الجواهري بعيدا عن السياسة والادب !! (2)



كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
-------------------------------------------------
ها هي بعض "يوميات" اخرى، من بعض المعايشات الخاصة، والشخصية مع الجواهري الخالد، وتأتي، كما جاء في مقدمة الحلقة الاولى، دون تكلفٍ او تزويق، وكما يَشي بذلك، عنوان هذه التأرخة والتوثيق، بعيداً عن السياسة والادب! مع حفنة استثناءات معدودات...

5- عتاب "ساخــن" مع الشيوعيين  
    في اواخر التسعينات الماضية، أحتفت مجلة" الثقافة الجديدة" العريقة، التي كان يصدرها في دمشق آنئذ، الاعلام المركزي لللحزب الشوعي العراقي، وذلك بمناسبة تسعينية الجواهري، وبملف خاص شمل مواقف وذكريات وغيرها... ومن المفترض، بمثل هذه الحال ان يفرح الجواهري، وقد فرح فعلا، مع بعض عتاب ساخن، للمسؤول الاول عن تلكم الشؤون في حينها، الشخصية الوطنية العراقية، عبد الرزاق الصافي، وهو من القيادات الشيوعية المقربة للشاعر الخالد، ولسنوات مديدة... أما سبب ذلكم العتاب الساخن فهو اعتماد تاريخ ولادة "مشكوك به" للشاعر الخالد، أذ كان يصر على انه كان من مواليد 1903.. بينما كبّر مسؤولو المجلة عمره ثلاث او اربع سنوات !!!

6- في الطائرة من دمشق الى براغ
    بعد تشييع اخته نبيهة، وموراتها الثرى، في متربة "الست زينب" الدمشقية، اواخر تموز من عام 1987 عدت مع الجواهري الى براغ، على رحلة الخطوط الجوية السورية، ومعنا نجله نجاح، وقد أهتم طاقم الطائرة كما هو معهود، بالشاعر الخالد، وارادوا ان يستضيفوه بقسم الدرجة الاولى، فأعتذر، وبقينا نتجاذب اطراف الحديث، واذ به، وهو يعرف "رهبتي" من السفر بالطائرة، راح يتغنى متقصداً بعجز مطلع قصيدته "اليأس المنشود" المنشورة عام 1947 : شرٌ من الشر، خوفٌ منه ان يقعا... ثم يكرر، بل ويزيد مفتعلا اسئلة واحاديث تدور كلها حول احتمالات سقوط الطائرة في البحر، وانه لا يجيد السباحة، أو انه يشم رائحة حريق .... وغيرها، وكل ذلك ليزيد من"قـلقي" وانا جالس جنبه، حتى هددته بالانتقال الى مقعد اخر بعيدا عنه، فكفّ قليلا ليعود الى المناكدة، ولم تنته الساعات الاربع، وهي مدة السفر، الا وكاتب هذه السطور تكاد ان تصيبه أكثر من سكتة قلبية، على الاقل ! .

7- موقــــف من التلفزيــــون
    خلاف "ادمان" الجواهري على استماع الاخبار من الراديو، الذي كان لا يفارقه حتى على سرير النوم، راح موقفه من التلفزيون، معاكساً تماماً ... وبقي لا يطيق صبراً، وخاصة عندما كان يتحدث، بينما يلتهي الاخرون بذلك الجهاز، ومهما كانت برامجه... واسوق هنا، بالمناسبة،  فورة الجواهري الغاضبة، حين كنا نتسامر ذات ليلة في صالته بدمشق، واذ به يشب واقفاً ويستعجل الذهاب الى المطبخ ليأتي بـ "يـدة هاون" لكي يهشم التلفزيــــون، الذى رفع بعـــض اهل البيت من صوتــــه، وهم يشاهــــدون مسلسلا عربياً، ولم يستمعــــوا لطلبه -الجواهري- بان يذهبوا لغرفة اخرى، ويدَعوننا- وبالاحرى يدَعونه- يواصل الحديث، بعيدا عن ضجيج البلهاء، بحسب تعبيره. ثم، ودفع الله ما كان أعظم، إذ وقفتُ حاجزا لمنع ما كاد ان يكون .

8- حوارات ليليـــــــة
    خلال سهراتنا بعد ان ينتصف ليل دمشق، التي "أحبَها، لا زلفى ولا ملقا".. كنت اطرح على الجواهري، والعديد من تلكم الليالي كان مع ابنه نجاح، بعض التساؤلات التي ترطب الاجواء، ومن بينها، على سبيل المثال، لا الحصرالذي يطول ويطول:
-   ما الأحب للجواهري من شعر غيره في الرد على الحاسدين؟ قال، للطرماح بن حكيم:
لقد زادني حبا لنفسي انني، بغيضُ الى كل أمرئ، غير طائلِ
واني شقي باللئام ولن ترى، شقياً بهم، إلا كريم الشمائلِ
-   ومن شعرك أنت في هذا المجال؟ فردّ، بعد لحظات:
أقول لنفسي اذا ضمها وأترابها محفلُ يُزدهى
تساميّ فانك خير النفوس اذا قيس كلُ على ما انطوى
وأحسن ما فيك ان الضمير يصيحُ من القلبِ: اني هنا

9- ثماني عجائب في الدنيا
  في جلسة بيتية بين الجوهري ونجله الثالث نجاح، وأذ كان الحديث ما كان! ضجر الجواهري، واذ به يسأل: اتعرف يا فلان كم هي عجائب الدنيا؟ وحين تلقى الجواب التقليدي بانها سبع، ردّ وبكل ثقة: لا، بل هناك واحدة اخرى، وهي اني جالس هنا لاسمع الان مثل هذا " الحديث"...   

وللحديث صلة في القسم الثالث
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com



ة...

127
الجواهري حول بعض مواجهاته، و"آداب" الخصام
كتابة وتوثيق: رواء الجصـاني
----------------------------------------------



على مدى عمره الشعري الذي دام نحو ثمانين عاماً، واجه الشاعرالعظيم، محمد مهدي الجواهري (1998- 1997) معارك وخصومات ثقافية وسياسية، وما بينهما، بسبب مواقفه ورؤاه التنويرية، الداعية الى النهوض والارتقاء العراقي، والعربي، بل والانساني أيضاً...
وقد تعددت تلكم الخصومات، كما سنحاول ان نوضح، من وجوه وشخصيات، ورموز، ومعها. الى جانب تطاولات من طالبين "علو" بأي ثمن كان!... وفي جميع ردود الشاعر والرمز الوطني الخالد، ومواجهاته، أعتمد التعميم، بعيداً عن الشخصنة، والشؤون الذاتية، لأسباب نزعم ان من أهمها، اثنان، أولهما: سعيه لأن تكون آراؤه ورؤاه شاملة في دوافعها، ومعالجاتها... والآخر، هو اصراره ألا يدخل التاريخ أسماء وشخصيات، "يُخلدون" وان هجاءً، في ديوان شعره العامر...
وسألت الجواهري ذات نهار في براغ، أواسط الثمانينات، وكان رائق المزاج، يتحمل مثل تلكم الأسئلة، المثيرة على أقل وصف، ومنها: انك "مزدوج" في المواقف من المتطاولين، وحتى النقاد... فمرة تعتمد مقولتك "ولقد سكت مخطاباً، اذ لم أجد من يستحق صدى الشكاة مخاطباً" عام 1949 أو "ترفع فوق هامهم، وطرْ عن أرضهم صعدا" عام ( 1976) ..أو مقولة شعرية قديمة تقول:
 كبرت عن المديح، فقلت أهجو، كأنك ما كبرت عن الهجاء...
ولكنك في احايين اخرى ترد على متطاولين، وغيرهم، بشكل مباشر وقسوة مثل قولك عام (  1953 ):
عدا علي كما يستكلب الذيب، قوم ببغداد، أنماط أعاجيبُ
... او ما جاء في رباعيتك (1959-1960):
سيسبُ الدهرُ والتاريخ من اغرى بسبي...
يا لويل المشتلي كلباً لسبٍ المتنبي
 .... وكان جواب الشاعر الخالد، مباشراً وموجزا ومعبرا في آن واحد، و بما معناه، ان لكل حادث حديث، ولكل موقعة نزالها، ولكل ظرف متطلباته، كما لكل معتدٍ ومسف، ما يستحقه، وخاصة من لم يتعظ منهم ...
ويعرف المتابع الحريص ان الجواهري كان ذا ثقة متناهية بالنفس منذ عشريناته، وقبل ان يتربع عرش الشعر العراقي والعربي بسنوات طويلة.. ومن ضمن ما يمكن التأشير اليه هنا عن ردوده وعنفه وأنفته، وهو ما برح يافعا متطلعاً، ما جاء في تضمين نونية له اواسط العشرينات:
"ولو اني بليتُ بهاشميّ، خؤولته بنو عبد المدانِ
لهان على ما القى ولكن، هلموا وانظروا بمن ابتلاني"
وتينك البيتان اعلاه يذكراننا ببييت للشاعر الخالد جاء في بائيتـــه العصماء عام 1949 ونصــــه:
لقد أُبتلوا بيّ صاعقا متلهباً، وقد أُ بتُليتُ بهم جهاماً كاذبا
.. ثم تستمر تلكم "القسوة" و"العنف" الجواهري، في مختلف مراحل حياته الشعرية، فذاك هو قائل عام (  1935 ):
فإن تراني أُذكي القوافي بنفثةٍ، أرى اني على كتمانها غير صابرِِِ
... وفي مقصورته الاربعينية:
بماذا يخوفني الأرذلون، وممَّ تخاف صلال الفـــلا
اذا شئت أنضجت نضج الشواء، جلوداً تعاصت فما تشتوى
وابقيت من ميسمي في الجباهِ، وشماً كوشم بنات الهوى ...
... وهكذا في الخمسينات والستينات والسبعينات، والثمانيات... وحتى في التسعينات، ويطول الحديث وتكثر الشواهد، ولكل ذلك أسانيد ووقائع وشواهد ، عسانا نتابعها في فترات لاحقة، مقرونة بما عندنا من شهادات ومعايشات ...
**********************
    ودعونا نعود الآن للقسم الثاني من عنوان كتابتنا اليوم، عن الجواهري و"آداب" الخصام، فأقول انه مع كل قسوته، وعنفه، أعيدُ مجددا التنويه الى ان غالبية ردوده، وانتقاداته، راحت تتجاوز المعنيين، إلا في حالات محددة، فكانت لا تحتاج إلا لبعض جهد لكي يُعرف من هم أصحابها!... ومن بينها ما جاء في قصيدته عام (1948):
و"زعيم" قومٍ كالغراب به، صغََـَـرٌ وفي خطواتهِ كِبرُ...
بادي الغباء تكاد تقرأه، بالظن لا خًبَرُ ولا خُبرُ
أضحى "وزيرا" فأغتذى رهِقاً، مثل"الحمار" يؤوده الوزرُ
...أو في قصيدة " اي طرطرا" الشهيرة، وفيها ترميزات لاسماء معروفة :
شامخةً شموخَ قرن الثور بين البقر
أقذر من ذبابةٍ في مستحم قذر
فهي تطير حرةُ جناحها لم يُعر..
..... وهو – الجواهري-  يروح  كما سبق القول  لكي يثير في هجائه، الناس والقراء، ويدفعهم للمسار العام، برغم ان ثمة مقصودين محددين في تلكم "الهجوة" أو ذلك البيت من القصيد... وهاكم مثالاُ يقرب الصورة أكثر بشأن ما نعني، حين قال في نونيته الشهيرة، دجلة الخير (1962):
جبْ أربعَ النقد واسأل عن ملامحها ، فهل ترى من نبيغ ٍ غير مطعونِ..
عادى المعاجمَ "وغـدٌ" يستهين بها، يحصي بها "ابجديات" ويعدوني
شُلتْ يداك وخاست ريشة غفلتْ عن البلابل في رسم السعادينِ
.....او ما جاء في داليته الأخرى عام 1974:
و"مخنث ٍ" لم يحتسب ، في ثيّب ٍ خيطت وبكر ِ
أقعى، وقاد ضميره، ملآن من رجس ٍ وعُهر ...
"غالٍ" كأرخص ما تكون أجورُ غير ذوات طهر ِ
لم يُعل ِ قدري مدحه، وبذمه لم يُدن ِ قدري ...
... أو ما شملته قصيدته "سهرت وطال شوقي للعراق" عام 1969:
و"منغول ٍ" من "التاتار" وغْد ٍ، تراضع والوغادةُ من فواق ِ
إلى "يمن" إلى "حلب" تسمى، إلى "مصر" إلى درب الزقاق ِ
وكل ضاق بالملصوق ذرعاً، وأيٌ فيه مدعاة التصاق ؟
أوجه القرد، أم خلق البغايا، أم النعرات، أم نذر ِ الشقاق؟ ..
ولما حمت الأقدار ألقت، به جيف البطون إلى العراق ِ ...
ليجمع حوله سفلاً تلاقى ، كما التقتْ الخفافُ على الطراق ِ ...
"زنامى" يعطفون على زنيم ، كما عطف الجناس على الطباقِِ
********************
   وأعود لبعض "الدردشات" التي كانت شبه يومية مع الجواهري، وعلى أزيد من خمسة عشر عاماً، في براغ ودمشق، فأزعم اني "أحرجته" مرة حين سألته عن أبيات داليته العاصفة عام 1974:
ولا تدعو الخصام يجوز حداً، بحيث يروح رخصاً وابتذالا
تقحمتُ الوغى، وتقحمتني، وخضت عجاجها حرباً سجالا
وكان اجل من قارعت خصمٌ، بنبل يراعه، ربح القتالا
.....ومن ثم عودته في أبيات لاحقة من القصيدة ذاتها ليقول:
وما أنا طالب مالاً فأني، هنالك تارك مالاً وآلا
ولا جاهاً، فعندي منه أرث، تليدٌ لا كجاهكم انتحالا...
حذار فكم حفرت لحود عارْ لأكرم منكم عماً وخالاً...
   ... وقد ردّ الشاعر العظيم على "حرشتي" بالقول: لقد كان عليّ ان أقسو لأمنع المزيد من التطاول... ورحمة بالمعنيين بهم، وبنسلهم! فيدخلوا التاريخ من "أضيق" أبوابه، ولكي يكفوا ويعرفوا حجومهم، وقد كفوا حقا. إذ لم  يردّ، او يُجب، احد من الذين تطاولوا، ولقوا جزاءهم، شعرا، ولا بحرف واحد، احترازا من الاقسى والأّشد  ... وبحسب رأيه أيضاً:
فيا طالما كانَ حدّ البَغِيّ، يُخفّفُ مِن فحشِ أهل البِغا
      وبمناسبة الحديث عن حجوم بعض "المنتقِدين" و"المنتقـَـدين" أنقل هنا، كشاهد عيان، عن ثورة الجواهري العاصفة أواسط الثمانيات الماضية حين نشر محرر أو كاتب مغمور (وما أكثرهم اليوم) مادة في صحيفة "تشرين" الدمشقية الاشهر في زمانها، وقد تجاوز بعض حدوده فيها... فما كان من الشاعر الخالد إلا ويقرر مغادرة دمشق، والضيافة الرئاسية على الفور،غاضباً ومحتجاً، لشكه بان ثمة "مسؤولين" وقصد وراء ما كُتب، ولم يتراجع- الجواهري- الا بعد تدخل قيادات سياسية، وبعد اعتذار رسمي... وقد نُشر له ردٌّ عنيف في مغزاه ومعناه، وبشكل بارز في الصحيفة ذاتها، وأذكر انه حاجج في ذلكم الرد كيف اصبحت الأمور اليوم، تسف، كتاباً وصحفاً "سيارة" بعد ان كانت الحوارات والنقاشات على مستوى المتنبي وابن خالويه، في الفترات القديمة، وبين العقاد وطه حسين في العقود الأخيرة... وثم كيف انحدرت "الآداب" ليكتب من يكتب، وينشر من ينشر على ذمة يافطات حرية الرأي، وديقراطية الثقافة، ودون حساب للتاريخ والجغرافية والأصل والفصل...
وبهدف التوكيد على ما أشرت اليه في السطور السابقات، استشهد هنا ايضاً بما قاله الجواهري، في ذات المسار عام (  1982) ليقصد مسفين ومتطاولين، وليصول عليهم، ويجول فيهم:
كم هزّ دوحك من قزم يطاوله، فلم ينله، ولم يقصر، ولم يطل
وكم سعت "امعات" ان يكون لها، ما ثار حولك من لغوٍ ومن جدل
وعلى ذات نهجه، ورؤاه في "آداب الخصام"، وأصوله، نقرأ للجواهري الخالد مناقشة وجدلاً اجزم انه الابرز في كل نثرياته الادبية والفكرية والصحفية، وذلك مع طه حسين، احتوته مقدمة "الجمهرة" التي اصدرها الشاعر الخالد في عدة مجلدات، أواسط الثمانينات الماضية... فمع كل ملاحظاته وقسوتها، إلا انه اعاد ولمرات ومرات الاعتراف بـأستاذية، ومكانة من كان يناقشه...
ولأن الشيء بالشئ يذكر، نتوقف هنا أيضاً عند بعض رسائل وتحايا، واستذكارات، الجواهري، وكذلك اخوانياته، الأنيقة، المتميزة، برغم انه كان ما كان بينه، وبين أصحابها من خلافات وخصومات. وتحضرني هنا ابيات قصيدة ذات صلة، وهي في الموقف من د. سهيل ادريس حين خاطبه الجواهري، معاتباً، وغاضباً عام 1969:
و"صاحبٍ" لي لم أبخَسْهُ موهِبةً، وإنْ مشَتْ بعتابٍ بيننا بُرُد
نفَى عن الشعرِ أشياخاً وأكهِلـَـة، يُزجى بذاك يراعاً حبرُه الحَردُ
وما أراد سوى شيخٍ بمُفردِه، لكنَّهُ خافَ منه حين يَنفرد
بيني وبينَك أجيالٌ مُحَكَّمَةٌ، على ضمائرها في الحكم يُعتَمدُ
      ثم دعوني أذكّر أيضاً بمقطوعته ذات الستة أبيات التي يخاطب فيها نفسه عام     (1952) والتي جاء مطلعها، وكذلكم ختامها، ليوثــــق من جديد ما عنيناه في هــــذه الحــــال أو تلـــك :
غذيّتْ بشتمك – سيدَ الشعراء - ديدانُ أوبئة ٍ بغير ِ غذاء ِ
علقت زواحفها بمجدك مثلما، طمعَ العليق ُ بدوحة علياء ِ ...
نفسي الفداءُ لمخلص متعذبِ، اما الدعيّ ففدية لحذائي
... وللقارئ والمتابع ان يقدر كم هو وسع الهضيمة التي عانى منه الجواهري، ليكتب بمثل تلكم القسوة والمباشرة، وهو القائل يصف نفسه، ويُسبب غضبه، وفي اكثر من مرة، بمثل ما أورده ضمن ميميته الثائرة عام 1963والشهيرة بقلبي لكردستان:
يا ابن الشمالِ ولست مسعر فتنة، انا في وداعتي الحمام وأنعمُ
يهتاجني ذبح النعاجِ وأغتلي، لشويهة عن صدر شاةٍ تفطم
فإذا استثرتُ فعاذري، نفس بكل دنيئة تتبرمُ
*******************************
    أخيراً، يهمني أن أنوه هنا، لجميع من يهمه الأمر، ان ثمة رسالة دراسية بعنوان"هجائيات الجواهري" قدمها الباحث المتميز، عادل ناجح عباس البصيصي، ونال عليها درجة الماجستير عام 2011 وفيها جهد كبير، ومتميز ومفصل، يتناغم معه الكثير مما جاء في هذه الكتابة التوثيقية .
كما كم يهمني ايضاً أن أشير في الاخير، وحقاً هذه المرة، الى ان بعض دوافع كتابتي لهذه المادة، هو ما عجت، وتعج به، بعض مواقع الانترنيت، وغيرها من وسائل اعلام واتصال ، من مواضيع و"كتابات" هزيلة، مليئة بالسباب المشهر او المبطن، والشعبوية والشخصنة، دعوا عنكم الأخطاء النحوية والاملائية.. وغالبية اصحاب تلكم" الكتابات" وإن تدرعوا بالقاب وصفات، دراسية أو مهنية، لم يؤمنوا، بل ولم يسمعوا، بتلكم المقولة العتيدة: "رحم الله أمرئ عرف حده، فوقف عنده" .. والى ذلك فلينتبه المعنيون !!!.
مع تحيات مركز الجــــواهري في براغ
www.jawahiri.com
babyloncz@yahoo.com


128
من اجل ألانسان، وانهاء الدمار
تقسيم البلاد العراقية، واعادة توحيدها... ولم لا ؟؟؟

رواء الجصاني
---------------------------------------------------------
  منذ فترة ليست بالقصيرة ابدا، بقيت الافكار تتشابك  بلا انتظار او تراتب، هل أكتب، ام لا أكتب؟ في السياسة المباشرة،  الخائض غمارها منذ حوالي نصف قرن، وربما بلا وعي في البدء، بل هي تلكم الظروف التي شاءت "اذ لا يولد المرء لا هراً ولا سبعاً، لكن خلاصة تجريب وتمرينِ"...
   وبين تمنع وامتناع، وربما احتراز!!! ... ها هي الكلمات والتعابير تتدفق دون منهجة مسبقة، تثيرها، وتذكي اوارها، ما تشهده الامة العراقية، غير المكتملة الى اليوم، من مآسٍ وويلات، يتحمل الجميع مسؤوليتها، وان اختلفت – وهي مختلفة بالتاكيد – بين واحد واخر، وجمعٍ وثانٍ ... وحتى للجينات هنا تأثيراتها، ولا تسألون اكثر، فثمة رماة حجر وسهام، وهم لا يفقهون !... واخيرا رسي القرار، في خطى حكمة حوارية مع الذات انطلقت قبل نحو ستين عاما، تهدر في حال مشابهة، تخاطب النفس:
ولانتِ اذ لا تصدعين فواحشاً الا كراضية عن الفحشاء
    وخلاصات كتابة اليوم، الواقعية - كما أزعم- لا العاطفية، تذكرني بمواقف مشابهة كنت قد ابحتُ بها خارج السرب، منذ ازيد من خمسة وعشرين عاما، حين تساءلت، بلا براءة طبعاً، حول مدى ضرورة اعادة تقييم طبيعة ومسار حركة الرابع عشر من تموز، العراقية عام 1958 وبخاصة مسؤولية زعيمها الاوحد، عما جرى بعدها من ويلات. واذ ناقش الامر احباء واصدقاء،  تقبحَ "بعض" في حينها بردود انصاف الاميين... كما وراحت تلكم التساؤلات  تأخذ طريق البحث والتقويم شيئا فشيئا، وان بعد سنوات..اقول هكذا، واحسب ان كتابتي اليوم ستكون مثل سابقتها، تثير حوارا سياسيا هنا، وعتابا "صداقياً" هناك، ولربما سيمر وقت مديد قبل ان يستوعب دوافعها، اصحاب العواطف الجياشة، الحقيقية او المدعاة..
     واعني في هذه التساؤلات التي امام الانظار، بعد كل المقدمات المقصودة السالفة: عن ضرورة قصوى لاشهار اعادة توحيد، البلاد العراقية، عبر حل التقسيم، وان كان مؤلماً، وذلك على طريق انهاء الازمات التي ما برحت تتوالى، بل وتعنف اكثر كل يوم، فتروح مئات، بل الوف اخرى من الضحايا فداء لوحدة اراضي بلادِ – وليس وطن، واعني ما اقول.. وقد كنا حتى عام 2003 "كالزروعٍ شكت محولاً، فلما أستمطرت، مطرت جرادا"...
 ..... أترى أما ان الاوان للاعتراف الشجاع بحقيقة ان هناك العديد من المقومات التي تفرض اعادة تقسيم العراق، ومن ثم توحيده لا مركزيا، جهد المستطاع، من خلال الاقاليم، والفيدراليات، وليس بالشعارات والاغاني والهتافات والامنيات"القلبيـــة" .. كما وذر الرماد في العيون، اشباع للعواطف، او للدفاع عن مبادئ بلت، ومقاييس هرمت، واطاحت بها الحقائق، وثمة امامنا تجارب الاتحاد السوفياتي" السابق" ويوغسلافيا" السابقة" وتشيكوسلوفاكيا" السابقة" وما اكثر "السوابق" !! في هذا الحصر .
      لا اشك طبعا بان العديد سيتصدى بهذا الشأن، وسيبحث عن "اسس" و"وقيم" و"تفاسير" و"مبررات"... تتصدع كلها امام تساؤل واحدٍ أحد: ايهما اغلى يا ترى، البشر ام الارض؟ الحياة او الدمار؟ الذكريات والقرابة و" التراب" واللغة والتاريخ المشترك، الحقيقي او المزعوم، ام الحفاظ على ارواح الناس؟  فثمة "افق بنجيع الدماء تنور واختفت الانجم" ومنذ عقود، اذا كان هناك من يقرأ ويتنبأ، فيُجيد ...
      كم ستلتهب النفوس، فِرحةً وان شكلياً، حين يُقال ان العراق كان موحدا؟ وانه سيبقى كذلك؟ ... ولكن متى حدث ذلك، حقا؟  هل احدثكم عن ولايات البصرة والموصل وبغداد، التي بقيت تُدار من تركيا في زمن الاستعمار العثماني، وحتى مطلع القرن الفائت ؟ وهل كانت البلاد موحدة حقاً في العهد الملكي، وتلك هي معروفة – للمتابع طبعاً- خلاصات الملك فيصل الاول، في الثلاثينات الماضية تتحدث عن "امة عراقية" مشتتة ... كما ها هي امامنا معروفة اسباب ودوافع تمزيق البلاد واهلهاعام 1963 حين تمت الاطاحة بحكم الجمهورية الاولى. اما عن "عراق"  صدام حسين فقد كان"موحدا" فعلاً!! ولكن بالحراب والعسف الكارثي، بحرب ابادة ضد الشعب الكردي، شمالا، ومقابر جماعية جنوباً، وعنف واعدامات في الوسط . فعن اي عراق "موحد" تحدثوا، ويتحدثون ؟؟؟ الم تصدق تلكم النبوؤة التي قيلت عام 1946:
ذُعِرَ الجنوبُ فقيلَ: كيدُ خوارجٍ! وشكا الشّمالُ فقيلَ: صُنْعُ جِوار!
وتنابَزَ الوسَطُ المُدِلّ فلم يَدَعْ، بعـضٌ لبعـضٍ ظِـنّـةً لفَـخـار
ودعا فريقٌ أنْ تسودَ عَدالةٌ، فرُموا بكلّ شنيعةٍ وشَنارِ!
وهكذا، فلا بدّ ان نعيد ونعيد ما قد يصلح ايجازاً:" ومن لم يتعظ لغدٍ بامسِ وأن كان الذكيّ هو البليدُ"    
      ثم، ألن يُشبع العراق الفيدرالي، المرتجى والمؤمل، شهوات طالبي الزعامات والمناصب، فيروحون رؤساء وقياديي دول وبرلمانات وحكومات"عراقية" عوضا عن التقاتل على ثلاثة رئاسات فقط، وملحقاتها،  كما هي الحال اليوم، خاصة وان " قومي" رؤوس كلهم، ويا ويح مزرعة البصل، بحسب الشرقي الحكيم  !!!  .... دعوا عنكمما سيتحقق من "ارباح" عديدة اخرى مثل المليشيات التي ستتحول الى اجهزة شرعية تشبع جوع الهائمين بالعسكرة والسلطة، والفضائيات الخاصة لتعلي من تشاء من الجائعين للسمعة والجاه، وان كان انتحالا ... ولا ننسى هنا ما سيتوفر ليجنيه "الجناة" من مجالات  للنهب والاثراء والسلب والرشى والسرقات، وكل ذلك السحت الحرام سيتوزع بلا حسد او رقابة من الاطراف "الجغرافية" المتنافسة، فأهل مكة "أحق" بشعابها .... ولعل الاسبق والاهم من كل ذلك وهذا، هو ان التقسيم والاقاليم، والفدرلة، ستبيّن ودون حاجة لمزيد جهد: الكثافة السكانية والقوى والموارد والقدرات والحضارات والقيم والتراث، وغيرها . وربما سينفع ذلك، او جلّه على الاقل، في وقف الزيف والادعاء والتعالي والمزاعم وما اليها، فيعرف كلٌ وزنه وقيمته، ويعود واقعياً، فيعترف بالمساواة، والابتعاد عن الجعجة، وحينها ربما تصلح الحال لاعادة توحيد البلاد على اسس واقعية محددة .
     ولكي لا يأخذ علينا البعض، ولربما يزايد، بالاعراف والتقاليد الديمقراطية، والتحجج بان الناس لا ترغب، بل وترفض التقسيم، بمعنى انهم راضون بالقتل بديلا.. نقول: دعونا من ذرائع اهمية الوعي، واقاويل ضرورة "احترام" رغبات وهوى المواطنين، ولنتحدث  بالكلام المباشر، وليس بابن عمه. فعن اية ديمقراطية يجري التنطع؟ وثلاثة ارباع شعوب العراق مبتلاة بالعشائرية والامية، والجهل المعرفي، والموالاة العاطفية... ثم الا تكفي انهر الدم لكي نؤجل، ولا نقول نلغي، كلمة الديمقراطية، لعقود تالية وحتى يتوفر التعليم والامن والغذاء، وتستعاد بعض الروح الانسانية... هل نحتاج لان نضرب امثالا لكي نستوعب الحقيقة ونراها بعيون واقعية، وليست "افلاطونية" حالمة . هل تكفي براهين على ذلك ما حدث، ويحدث، في البلاد العراقية والسورية والليبية واللبنانية واليمنية؟... السنا شعوباً ومجتمعات " تخشى اللصوص، فتذبح العسسا" ؟ !!!!  
      سأبقى اتسائل، وبزعم تجربتي في السياسة، منذ خمسة عقود: كم من الويلات حلت بنا، او احللناها بأيدينا، لاننا لم نكن واقعيين، واعني النخب تحديدا، حين اجتهدنا فآلت بنا تلكم الاجتهادات الى الانكفاء والتوسل لتبريرات الظروف الموضوعية والجوانب الذاتية والقوى الامبريالية والتدخلات الاقليمية والتآمر، والعمالة ... ويطول التعداد ويعرض ويعلو، والنتيجة واحدة: انهار دم لا يعزف عنها المتسببون بها، او المشاركون بها، بل وحتى من يدثرونها بالاقاويل والاقوال...  
     وثم- من جديد- دعوني استبق المتفيهقين، كما دأبـــتُ، وأحترز منهم، فادعي ان ثمة- حقاً- مشتركات بين مواطني "الجغرافية" العراقية، ولنقل ان من بينها بعض تاريخ، وتداخل اجتماعي، وتشابك اقتصادي، وارث عاطفي. ولكن ايضا كم هي في المقابل: المقوِضات والمتناقضات والتضادات، في الوعي والثقافة والتقاليد والثوابت المذهبية والدينية والعرقية والقومية، والثارات والاحقاد المشتركة ؟...
        وفي سياق كل هذا وذلك، لنتصارح اكثر فنصدّ ونتصدى لمن سيرفع الصوت والقلم والتلميح، والنقاش، فيحكي عن المخاوف من تداعيات و"مآسي" التقسيم ويحذر من"ويلاته" المدعاة، او المحتملة او المؤكدة في بعضها .. فنقول: وماذا سيحل اكثر مما حلّ وساد، ويسود؟؟ وما اصدق تلك المقولة التي تهدرامام الاسماع :"شرٌ من الشرِ خوفٌ منه ان يقعا"... فكم من السنوات العجاف يجب ان تمر بعد، ليتزايد فيها الذبح على الهوية، وقطع الرؤوس، واغتصاب الممتلكات، وقبر البطون والتهام الاكباد وتفجير المدنيين، دعوا عنكم العسكريين... كم عشرات الاف اخرى من الضحايا يتطلب الامر لكي يفقه السياسيون، والموغلون بالطائفية، وأولو الامر، حقيقة الحال؟؟ ثم تالياً "يأسفون" ويعتذرون عن خطل ارائهم وتصوراتهم، ويتحججون مجددا بمفردات قاموسية جامدة عن الظروف الاقليمية، والدور الاسرائيلي والقوى العظمى، وكانهم اكتشفوا اقمارا جديدة ... و"لست ادري، ولا المنجم يدري" متى ستحل القدرة لدى المقصودين، فيتركوا القوالب الجاهزة، والثبات على الرؤى، وبدعوى عيب على "الرجال" ان يغيروا من المواقف والمبادئ التي اعتنقوها !!!..وما أروع واسمى النساء اللواتي لا تشمهلن تلكم المقولة"الاصيلــة"!!!
       كما واحسب ان سينبري طائفيون هنا، كما ومناضلون جدد هناك، ويلبسون ازياء الواعظين، فينكرون الخلافات الطائفية المتعمقة منذ  اكثر من اربعة عشر قرنا. وليزعموا مستدرين العواطف، ويدلسون بان كل ما جرى ويجري: صراعات نخبوية وليست مجتمعية . وان "الاعداء الطبقيين" و"الامبرياليين" و"المتشددين" و" الرجعيين" و"عملاء الاجنبي" واشباه هؤلاء واولئك، هم من يشيع نبرة- فقط نبرة!!!- الطائفية ويغذيها !!. ودعوني ازعم من جديد ان كل ذلك ليس سوى ابرز حالات التخندق والاسفاف والجرم الطائفي .. والا فلنحدد الحال ونعترف بالواقع والوقائع، وليأتي بعد ذلك البحث عن السبل الناجعة لوقف الاحتراب المذهبي، وليس اقتلاعه من الجذور، فتلك امنيات ومهمات لن تتحقق الا بعد يُشاع التنوير، ويتعفف المجتمع عن الجهل والتخلف اولا، وقبل كل شئ .
    اخيرا، ولو ان الموضوع  يتحمل الكثير والكثير، وليس من السهولة بمكان ان يُوجز ببعض مئات من الكلمات، اقول، وفي بعض قولي معاتبة لمن لايحرص بهذا القدر او ذاك على حياة الناس: ان لا تتركوا شعوب العراق تنقرض، تحت عباءات العاطفة والكبرياء، ومفاهيم" الارض والعرض" الموروثة البالية... ولا التغني بامجاد السلف، الصالح منهم او الطالح. فلم يعد هناك متسع من الوقت للقضاء على البلاء الظلامي الجاهل ... وليكن التقسيم، المؤقت او الثابت "معصية" وان لم تكن، فحتى الدين "أحلّ" المعصيات لضرورات جمة، وهل هناك أفتك من الضروريات التي نعني؟ ... أفليس "أذلُ خلقِ الله في بلدٍ طغت فيه الرزايا من يكون محايدا" ..
    اما الكلمات الاخيرة، في هذه الكتابة التي عمدت ان تكون مباشرة، فسأوجزها احترازا من شتامين متوقعين، وذلك ببيت شعر جواهري اثير، شافٍ وكافٍ، كما أظن، وليــــس كل الظن أثم في عالم اليوم :
خيرُ الشفاعة لي باني كاشفٌ حرَ الضمير وقائلٌ هذا أنا...
  
 


 

129
   
سكتوا دهراً عن الجواهري... فنطقوا كفرا !!!
رواء الجصاني
--------------------------------------------------------
     برغم كل انتقادات الفنانين والمثقفين،  اساء مسؤولو محافظة بغداد للجواهري عمدا، مع سبق الاصرار، والترصد، بازاحتهم الستارعن نُصبٍ ممسوخ للشاعر العظيم، في مركز ثقافي ببغداد، ولا احد يدري تفاصيل، ودوافع ذلكم "النَصبِ " والاحتيال.
      نقول نَصباً واحتيالاَ، ونعني ما نقول، والا، فلم دبر ذلكم الامر بليل؟؟ وعلى عُجالة استثنائية؟؟ دون استشارة مبدعين او متخصصين، او دعوة لمنافسة، او اجراء تحكيم، لعمل يليق برمز وطني وثقافي علا شموخه، بل وطفح، وراح الشعراء والادباء والمثقفون، دعوا عنكم السياسيين الوطنيين، يتباهون بانتمائهم الى بلاد انجبته.
     والادهى والامّر ان نجل الشاعر الخالد، كتب باسم العائلة بشأن الامر، ملتاعاً، والتقى المسؤول الاول عن حكومة بغداد،علّ بمستطاعه ان يقنعه بوقف مهزلة النَصب - وليس النُصب!- قبل ان يُجسم التخلفُ في فهم الجواهري "المؤله الغريب" وتتشوه الاذواق، وتتأكد الاساءة، ووعد- المسؤولُ- خيرا، ثم ليتفاجأ الجميـــــع، يوم الجمعة الاخيرة، بازاحة الستار عن العمــل المشوه، ولربما كان الامـــر – المؤامرة- خارج امكانية الرجل، وصلاحيته في وقف التنفيذ !!!
   كما لا ندري، "ولا المنجمُ يدري" من اين أستمد الحاكمون بامر" بغداد" جرأتهم فيستخفوا، وعياً او جهالة، باراء المعنيين: فنانين ومثقفين وادباء، وان لا يستعبروا ما نشرته عشرات الوسائل الاعلامية، عن ذلكم التشويه الشنيع للجواهري الخالد، ومحاولة اختزال عبقريته وارثه الثري، ببعض لمحات بدائية عنه، وتجميع دلال قهوة وفناجين، لتوجزَ التعبير، بفقر متناهٍ، عن شاعر الامتين: العراقية، ورمزها الوطني. والعربية، وحافظ لغتها على امتداد القرن العشرين، على الاقل، وكم نتمنى ان يبارز احد في ما نقول، ونزعم . 
   ترى هل يعلمُ اولئكم السادة، الحاكمون بامرهم، ووعاظهم ,ومرضى حب الظهور، واترابهم، وكذلك الذي سلقَ الـ"النصب" المسخ، او الذين "امتدحوا" او" تفيقهوا" واضرابهم، هل يعلمون- دعوا عنكم المعرفة- ان الجواهري، لا غيره، هو صاحب: سلام على هضبات العراق، وافروديت، والمعري، وآمنت بالحسين، وقلبي لكردستان، ودجلة الخير، واكبرت يومك، وسجا البحر، ولغة الثياب، وفتى الفتيان؟؟... وغيرهن من الفرائد. وفي كلهن رموزيات ودلائل وموحيات، ورؤى بالغة الرفعة، بعيدا عن المباشَرة، والدجل والشعبوية والعامية والتبسيط المتخلف .
    هل قرأوا من قصيده المديد، مثلا:
أنا العراقُ.. لساني قلبهُ ودمي فراتُهُ، وكياني منه اشطارُ
   أما سمعوا – ومثلا ايضا:
ترفع فوق هامهم، وطرْ عن ارضهم صعدا
ودع فرسان "مطحنة" خواءٍ، تفرغ الصددا...
بهم عوزٌ الى مددٍ، وانت تريدهم مددا !!!
... ألم يفهموا قصده في الستينات الماضية :
يا نديمي، خذ بعرس القرود دفاً وغني،
وقل الاهـــلُ انتم والمحـــلُ ...
"جنة الخلد" دون قرد تُملُ !
      لقد سكتوا دهراً عن تنوير الجواهري وفكره وشعره، وسباقه المتعال طوال سبعة عقود في مضمار الكفاح الوطني. ونقول، اننا نتفهم مثل ذلك الصمت، المريب منه وغير المريب، فكلا الفريقين: هو، وهــم، على خلاف في الاراء والرؤى، والنظرة للحياة والمواقف منها... ولكن ان يكسروا صمتهم، وان ينطقوا كفرا، فذلك ما لا يجوز ان يسود، ويعــمّ ويتفشى، فلا مجاملة في المبادئ!  .. انه الجواهري، أبن الفراتين، مُلك للناس"كل الناس، من اظلم كالفحم ومن اشرق كالماس" وهكذا كان، "وسيبقى، ويفنى نيزك وشهابُ" "برغم أنوف كرام الملا" !!! 
مع تحيات مركز الجواهري للثقافة والتوثيق
www.jawahiri.com






130
الجواهـــري.. في أطروحات دكتوراه، ورسائل ماجستير


كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
--------------------------------------------------------------------
في مفتتح اب (اوغسطس) 2010 حاز الدارس احمد الذهب، دكتواراه من جامعة السودان، عن اطروحته الموسومة صورة العراق في شعر الجواهري وشملت تمهيداً عن تاريخ البلاد العراقية وأحوالها الثقافية، وخمسة فصول عن حياة الشاعر العظيم ونشاطاته الثقافية والصحفية...
 وجاء في مقدمة ملخص الأطروحة التي حصلت على درجة ممتاز: لقد عاش الجواهري حياة طويلة حافلة بالنضال والإبداع امتدّت على مدى القرن العشرين كله تقريباً. إذ وُلد عام 1900 وتوفي عام 1997... وهي مرحلة مهمة وحاسمة من تاريخ العراق والأمة العربية. وكان في قلب أحداثها السياسية والاجتماعية والفكرية المختلفة، فسجّل كلّ ذلك في أشعاره بما أصبح فيما يُعد سجّلاً تاريخياً مهماً لبلده...
    واضاف ملخص الأطروحة التي أشرف عليها البروفيسور يوسف نور الدايم " لقد تميّز الجواهري بموهبة فائقة ومقدرة فنيّة عالية ونفس شعري نادر، إذ تجاوزت مجموعة كبيرة من قصائده المئة بيت، كما زاد بعضها على المئتين... مع المحافظة على القيمة الفنية والجمالية فيها... كما استطاع المحافظة على صورة القصيدة العربية القديمة بأوزانها التقليدية ونفسها العربي الأصيل متحدياً بذلك كلّ حركات التجديد الشعري التي عاصرها، كالمدرسة الرومانسية ومدرسة الشعر الحرّ ومدارس الحداثة الأخرى...
 وبحسب ما وصلنا من إيجاز لأطروحة الدكتور الذهب أيضاً: فإن من بين نتاج الجواهري الغزير الذي يبلغ عشرات الآلاف من الأبيات الشعرية في شتّى الأغراض الإنسانية المختلفة، اختارت هذه الدراسة الأكاديمية البحث في أشعاره التي وصف فيها بلده العراق بكلّ تفاصيله، محاولة بيان الصور الشعرية في قصائده وأدواتها الفنية، فاشتملت على تمهيد وخمسة فصول كان الأول عن وصفه الحسّي لبلده بمرابعه ورافديه ومدنه وقراه. والثاني عن أوضاعه السياسية التي كان الجواهري في الصميم منها فأظهرها في أشعاره واضحة جلية مؤثّرة، والثالث عن أحوال العراق الاجتماعية كما وصفها الشاعر ومنها: موضوعات الغنى والفقر والإقطاع والمرأة والشباب والتعليم وغيرها. أما الفصل الرابع فكان عرضاً للصور الفكرية التي تلمّسها الجواهري في بلده عبر تاريخه العريق فثبتها في ديوانه، كما وصف الأحوال الفكرية المعاصرة كحياة الشعراء ومجالس الأدب والرموز الثقافية فيه... وكان الفصل الخامس تخيلاً فنيّاً لصور الجواهري الشعرية التي وصف بها العراق أسلوباً وموسيقى وصورا...
 
    وبمناسبة هذا العرض الذي اقتبسناه في غالبيته مما أوجزه صاحب الأطروحة احمد الذهب، نزيد هنا ان ثمة رصداً سريعاً يعلمنا عن رسائل ماجستير ودكتوراه عديدة قد كتبت عن الشاعر الخالد... ومما يمكن ان نوثقه عنها:
1   -  شعرية النص عند الجواهري اطروحة دكتوراه لعلي الزهيري (جامعة بغداد- 2007)
2-  البنية الايقاعية في شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه لعبد نور عمران (جامعة الكوفة عام 2008) .
3-  خصائص الأسلوب في شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه لفوزي علي صويلح (جامعة صنعاء 2008).
4- التمرد والخضوع في شعر الجواهري رسالة ماجستير لنواف قاسم سنجاري (جامعة صلاح الدين/ اربيل) 2001.
5- خصائص الأسلوب في شعر الجواهري رسالة ماجستير لسهام قنبر علي (جامعة دمشق، 2002).
6- الصورة الفنية في شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه لطارق عمر عريفي (جامعة دمشق، 2004).
7- الاتجاهات الموضوعية والفنية في شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه لجميل عبد الغني محمد علي، جامعة الأزهر. .
8- دراسة نحوية دلالية في شعر الجواهري، اطروحة دكتوراه لصالح عبد العظيم الشاعر (جامعة القاهرة، 2009).
9-  المفارقة في الادب العربي الحديث محمد مهدي الجواهري أنموذجا، رسالة ماجستير لمنتهى حسن محمد علي )جامعة بغداد 2013).  
10-  ملامح الحس القومي  في شعر الجواهري رسالة ماجستير لسعد صابر نمال الدليمي( جامعة الانبار2009) .
11-  البنية الإيقاعية في شعر الجواهري، رسالة ماجستير لمقداد محمد شكر قاسم (جامعة اربيل.).
 12- - خصائص الاسلوب في شعر الجواهري (المطولات انموذجا) اطروحة دكتوراه - ساهرة عدنان العنبكي ( الجامعة المستنصرية – 2007).
13-- لغة الشعر عند الجواهري  اطروحة دكتوراه، لعلي ناصر غالب (جامعة البصرة 1995).
    14- شعرية النص عند الجواهري،أطروحة دكتوراه لعلي عزيز صالح الزهيري (كلية التربية – ابن رشد – جامعة بغداد 2007).
15- الصورة الشعرية عند الجواهري ، اطروحة دكتوراه  لرفل حسن الطائي (كلية الآداب – الجامعة المستنصرية 2007).
16- محمد مهدي الجواهري ودوره السياسي في العراق حتى عام 1997 رسالة ماجستير، لعباس غلام حسين (المعهد العالي للدراسات السياسية والدولية الجامعةالمستنصرية  2006 ).
17- هجائيات الجواهري، رسالة ماجستير، لعادل ناجح عباس البصيصي(كلية الاداب- جامعة الكوفة2011).
واخيرا دعونا نتعذر بضيق المجال، ونتحجج بالعُجالة، لنبرر تأخرنا في استعراض بحوث ودراسات جامعية أخرى عديدة عن الجواهري الكبير، لأساتذة ومبدعين متميزين، نعد ان نوثق لهم، وما كتبوه في فترات قادمة.
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com


.








131
في "طريق الشعب" قبل أربعة عقود…
1973-1978

شهادات واسماء ومشاهدات



كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
----------------------------------------------------------------------------
ها انها أربعة عقود تمرّ بالتمام والكمال، وعساهـنّ تطول وتطول، ومابرحت ذكرياتها شاخصات، أنيقات... يزدن المرء في حق التباهي (ولم لا) بما كان، وكائن، وسيكون...
ففي مثل هذه الأيام من عام 1973 وبدايات خريفه بالذات، تبدأ خطوة السنوات الست في مدرسة- صحيفة  "طريق الشعب" اليومية البغدادية الاستثناء... وما مرت غير أسابيع وحسي، على عودتي من موسكو الى بغداد، بعد عام جميل ومتعب هناك، يُشاء،و بتوجيه من مهدي عبد الكريم- ابو كسرى، فأفرح، أن أكون ضمن "كادر" العلاقات في مقر الحزب الشيوعي ببغداد، المستقر على ضفاف شارع السعدون، البهيج آنئذ، حيث انطلقت منه اللبنات الأولى لاصدار الحزب الشيوعي العراقي صحيفته اليومية، العلنية، لتلتحم مع سابقتها "الفكر الجديد" الأسبوعية باللغتين الكردية والعربية... ثم لا تمر غير أيام وأيام وإذ بوجوه وشخصيات الحزب، الثقافية والسياسية، والمكشوفة خاصة، وما بينهما، تتردد، وتتوزع على "الوكر" الحزبي المُشهر هذه المرة، تشيع الحماس والعطاء والتطلع، في تلكم الشقة ذات الغرف الخمس، وحسب... وكنت، الشاب "الثوري" آنذاك، معنياً، وإن بشكل اولي حينها،  ببعض ادارة شؤون ذلكم المقر، السياسي – الاعلامي...
... وبحكم المسؤولية التي تسنمتها  في قيادة اتحاد الطلبة العام، والتنظيم الطلابي الحزبي في بغداد العاصمة، ثم تعهد إليّ مهمة الاشراف على صفحة "الطلبة والشباب" الأسبوعية في "طريق الشعب" وبالتنسيق مع ممثل عن سكرتارية اتحاد الشبيبة الديمقراطي، التي كانت تضم: عبد الخاق زنكنه وعدنان الجلبي، ونضال وصفي طاهر، وعدنان الشماع وغالب العاني، وتحت مسؤولية كمال شاكر... ثم يقرر "أولو الأمر" في فترة لاحقة ان أتفرغ – حزبيا- لمهام محددة، ومنها لشؤون الاعلام، والعلاقات مع التنظيمات الطلابية العراقية، الكردستانية بشكل رئيس، والعربية، واتحاداتها في بغداد: الفلسطينية، والتونسية، والاردنية، واليمنية، والمغربية، وكذلكم "الارتيرية" !!!... وأذكر من الأسماء "الطلابية" ذات الصلة التي واصلت، واستمرت، وبعضها الى اليوم، في نشاطاتها الوطنية والسياسية: الكورديين العراقيين، عادل مراد وانور عبد الله، والفلسطينيين عزام الاحمد، وحسن عصفور، وعاطف ابو بكر، واليمني، شائع محسن، والليبي، عيسى عاشور  ...
ولأن منظمة اتحاد الطلبة العام لم تُجز رسمياً، بل وجرى التشديد عليها، مثلها مثل المنظمات الشقيقة الأخرى: رابطة المرأة واتحاد الشبيبة الديمقراطي، فقد باتت صفحة "الطلبة والشباب" في طريق الشعب، ومكتبها "المتواضع" سواء في مقر المطبعة أول الأمر، عند القصر الأبيض، ومن ثم بمبنى التحرير في شارع السعدون، باتت شبه مقر لشؤون اعلام الاتحاد ونشاطات علاقاته... وهكذا راح يساهم في ذلكم الخضم من النشاط الاعلامي والاخباري، وبهذا القدر أو ذاك، رفاق وزملاء عديدون، ومن بينهم عدد من الوجوه "المكشوفة" آنئذٍ في كليات جامعة بغداد وغيرها: ابراهيم المشهداني وفيصل العاني وخالد متي وصبار نعيم وغفار كريم ونضال الليثي وكفاح حسن ونضال الليثي ومؤيد الحيدري ...
... والى جانب التوجه الاعلامي الطلابي "الثوري!!" لنا، كانت هناك الكوابح السياسية للمشرفين الصحفيين، والسياسيين "الأعلى" في تصحيح آراء،وشطب مواد، وتلطيف أخرى، وبما يتناسب والأجواء "الجبهوية" السائدة حينئذ... وكم وصل "الخصام" حدوداً في حينها، في ما كنا نريد، ولا يريدون، ويريدون ولا نريد !... ولا أنسى هنا أيضاً "حمائم" و"صقور" التنظيم الحزبي، والديمقراطي الذي كان يشارك في توجيه، وتوجهات "صفحة الطلبة والشباب" ومن بينهم: ابو حيدر) علي حسن) وعزيز عليان، ونمير العاني، وعلي الراعي، وهادي البلداوي، وعلي حنوش، ومهند البراك وعصام الناصري، ولؤي الآلوسي، وحسان عاكف حمودي العاني، وابراهيم عدوان...
... وحتى أوائل- اواسط العام 1974 كان محررو وأقسام "طريق الشعب" يتشاركون النشاط في مطبعتها قرب "القصر الأبيض" وفي شوارع مديرية الأمن العامة بالتحديد... ثم تتسع المهام، وينتظم العمل، ويتطلب الأمر انفصال أقسام التحرير الى مبنى آخر في شارع السعدون، المزدهر آنذاك، وقرب ساحة الجندي المجهول (الفردوس) حالياً... وقبل ذلك كنا، في المقر الأول، متشابكين مع أجهزة ومكائن الطباعة، وصب الرصاص، و"هدير" عجلات الطباعة، ولحين وصول الآلات الطباعية الجديدة، الألمانية "الديمقراطية" آنذاك.
وأذكر في الأسابيع الأولى من انطلاقة "طريق الشعب" كيف كان العمل التطوعي، والمهني، يستمر من قبل الجميع دون كلل، وبلا حساب للوقت (1)... فذلك سعدون علاء الدين البياتي، لولب المطبعة، في جلسة حامية مع زكي خيري المشرف السياسي على الجريدة... والى جانبهما  عبد السلام التاصري وفخري كريم ومحمد كريم فتح الله، يتداولون في مشروع "الافتتاحية"... وينتظرهما، فائق بطي ليتسلم المسودة الأخيرة، وليسلمها الى ليث الحمداني الذي كان يستعجل الأمر لكي يكتمل تصميم الصفحة الأولى، الأهم، مع اقتراح لاختصار مادة، أو تأجيل أخرى لعبد المجيد الونداوي ويحيى علوان، بسبب ضيق المجال أو لأسباب أخرى... ثم ها هما : جمال العتابي وعزيز النائب يهمّ احدهما بخط المانشيت المقرر... وثمة في غرفة أخرى سامي العتابي، ومؤيد نعمة يتناقشان، ويتمازحان في شؤون القسم الفني، وغيرها!!! ومعهما، في حينها، ولاحقا: كاكه مصطفى أحمد ومحمود حمد وقيس قاسم وانتشال هادي، عبد الرحمن الجابري، وبينهم وحولهم، وفي فترات مختلفة، متدربات ومتدربون نشطاء ...
* * *
وبوسط شارع السعدون، وفي المبنى الجديد، ذي الطابقين ونصف، ينتظم العمل أكثر فأكثر... وتتحول الصحيفة وأقسامها من "سوفيتات" أول الأمر، الى أقسام وادارة وغرف وقاعات عمل متكاملة أو تكاد...وهكذا تزدحم المساحات بالكفاءات والاعلاميين، مخضرمين، ومتدربين ، ولفترات طالت أو قصرت، وسترد الأسماء بحسب تسلسل حروف الهجاء جهد الامكان، مع حفظ الألقاب والتميز طبعا، لمثقفين وشعراء ومترجمين وصحفيين، باهرين، وسواهم ...
وممن تزدحم بهم الذاكرة: شمران الياسري" ابو كاطع" الممراح "المشاغب" بعموده اليومي، ومصطفى عبود ويوسف الصائغ ومجيد بكتاش وعديد آخر... وهناك في صفحة الشؤون العربية والعالمية، ومسؤولها ماجد عبد الرضا: ابراهيم الحريري وحميد بخش ورشدي العامل وعبد الاله النعيمي وفالح عبد الجبار... وفي الثقافية: سعدي يوسف وحميد الخاقاني وصباح الشاهر وفاضل ثامر. وبين اولئك وهؤلاء، صادق الصائغ، معني أول بصفحته الأخيرة ومرافئها ... اما في قاعات واروقة صفحات حياة الشعب والعمال والفلاحين والتحقيقات والمحليات، فثمة ذلكم الجمع المتعدد المواهب والمتنوع العطاء : ابراهيم احمد وجمعة الحلفي وجمعة ياسين وحميد برتو وذياب كزار "ابو سرحان" ورضا الظاهر وزهير الجزائري وصادق البلادي وضياء المرعب وعامر بدر حسون وعبد الرحمن عناد وعبد جعفر وعبد الله صخي وعبد المنعم الأعسم وعدنان حسين وعريان السيد خلف وعصام الخفاجي وفاضل السلطاني وفاضل الربيعي ومحمد خلف ومخلص خليل ونبيل ياسين وياسين طه... مع انتقالات  وانقطاعات بين حين وآخر، وتبادل مواقع للعمل في أقسام وصفحات الجريدة الأخرى، كالنظرية  والاقتصادية والمنوعات ومرحباً يا أطفال...
اما الصفحات المتخصصة الأسبوعية، مثل المرأة والطلبة والشباب، والمهنية، والزراعية، والتعليم والمعلم.. فلها محرروها ومختصوها ومن بينهم: حسن العتابي و "أبو سحر" وكاظم المقدادي وقاسم عجام ومحمود شكاره، وآخرون، وجميعهم تحت "طائلة" ومسؤولية غانم حمدون...
* * *
وتبعاً لـ "مسؤوليات" حزبية، فقد جُبت أكثر من قسم وصفحة، مشاركاً أو مسؤولاً... فمرة عن صفحة الطلبة والشباب كما سبق الحديث، وفترة متابعاً لصفحة العمال، بتكليف من مكتب العمال المركزي التي نُسبت حزبياً اليه أعوام 1975- 1977 مع صادق الفلاحي وعزيز وطبان وعبد الأمير عباس (2) ... وتارة بمسؤولية صفحة المنظمات والنقابات المهنية، بتوجيه حزبي أيضاً من لجنة توجيه العمل النقابي المركزية التي كنت فيها، وكان في قوامها لفترات متباينة: نزار ناجي يوسف وعيسى العزاوي وفراس الحمداني وحكمت الفرحان، وحمدي التكمجي، وباشراف بشرى برتو... دعوا عنكم المشاركة في بعض اجتماعات مجلس التحرير الموسعة، وكذلك في دورتين للاعداد الصحفي شملت محاضرات وتقييمات من المخضرمين، لنا نحن الشباب، آنذاك... وقد شارك في تلكم الدورات أيضاً، عدد من المعنيين بمراسلة "طريق الشعب" من المحافظات، وايضا من الهيئات الحزبية الأساسية (العمال، الطلاب، المثقفين، المرأة...)... وكان من بين برامج تلكم الزيارات لقاءات بمقر الحزب المركزي، واحدها مع السكرتير الاول عزيز محمد، وبحضورعبد الرزاق الصافي وحميد مجيد موسى وجمع من الكوادر القيادية الاخرى..
ولأنهنّ من زنّ الحياة، فدعونا نفرد هنا حيزاً من الذكريات والاستذكارات، للجميلات الانيقات اللائي تنورت بهنّ الصحيفة – المدرسة، على مدى ستة أعوام  بين شابات وشابات، ومنهنّ، وآمل ألا تخبو الذاكرة: أميرة مهدي وبدور الدده ورجاء الزنبوري وسعاد الجزائري وسعاد خيري و وسلوى الجلبي وسلوى زكو وسهام الظاهر و وعفيفة لعيبي وفاطمة المحسن ومنى سعيد ... اللواتي عمل بعضهن، أو تطوعن، في رفد "طريق الشعب" بكل ما هو ممكن، ولفترات مختلفة، سواء في الادارة او اقسامها الفنية، او في تحرير الصفحات اليومية، أو صفحة "المرأة" الأسبوعية المتخصصة...
* * *
وبحكم العمل الاعلامي، كما والمهام الحزبية، تكونت لكاتب هذا التوثيق، ومعه، صداقات وعلاقات، حميمة، بدأت ودامت وانقطعت، ثم تواصلت في المهاجر، وكلها مع ذلك الجمع المنور من كتاب ومحررين وصحفيين في "طريق الشعب" الجريدة- المدرسة ... وكذلك مع بعض ادارتها وشغيلتها، في فترات طالت او قصرت: ثابت حبيب العاني، حازم سلو،عبد الخالق زنكنه، نوزاد نوري، حيدر الشيخ، علي الجواهري، قاسم خضر، وسعيد- منيب ... ولقد تعززت تلكم العلاقات عبر الكثير من الفعاليات الاحتفائية والاجتماعية، سفرات وسهرات بمناسبات عدة مثل ذكرى تأسيس الحزب وسنوية انطلاق الجريدة وغيرهما، والتي كانت تقام في نوادٍ اجتماعية، أو على يخت نهري، أو مساحات خضراء (3) ..
* * *
    أخيراً دعوني استبق الأمر، بل وأحترز – كالعادة- من ملاحظات وتصويبات، وتقيمات، لأشير الى اني تعمدت، لهذا السبب او ذاك(!!) كما ولضيق المجال والوقت، ان أوجز في هذه المحطات، والتأرخة عن سنوات "طريق الشعب" الصحيفة – المدرسة، في آن، والتي شهدت عليها منذ انطلاقتها عام 1973 والى ان تذائبت عليها حملات وملاحقات اجهزة وذئاب العهد البعثي الثاني، واشتدت اواخر عام  1978... كما وأنوّه الى ان جميع ما ورد من وقائع، واسماء، ومنها لشهداء بواسل، وراحلين اجلاء، ومناضلين اشداء، قد جاء وفقاً للذاكرة وحسب، وعساها تدوم، فتقدر، ان تضيف جديدا اخر، وللتأريخ اولا، وكم حبذا لو "أستنهض" معنيون آخرون ذاكرتهم وشهاداتهم بهذا الشأن …  
-----------------------------------------------------------
احالات ... وملاحظات
 (1) وأذكر ذات ليلة قارصة البرد، وكنا في المطبعة مساءً، وتعطلت الماكنة القديمة، وإذ بمدير التحرير فخري كريم، يدعو المتبقين من المحررين للمساعدة في صب الرصاص، معه، لكي يتحول بعد ذلك الى حروف ، لاكمال الطبع، ولكي لا يتأخر صدور طريق الشعب، وتتوزع فجراً...
(2) - ومن الطرائف هنا اني كنت مهندساً في مشروع استصلاح أراضي اللطيفية عام 1974 وكان من بين فنيي المشروع الأساسيين، عبد الأمير عباس(أبو شلال) وقد تقربت منه، وهدفي كسبه الى صفوف الحزب، ولأفاجأ بعد فترة وجيزة، في مقر الحزب الرئيس ببغداد، بأنه كان مرشحاً للجنة المركزية، وكادرا حزبياً منذ عقود ...
(3) - في احدى تلكم الفعاليات، كان المشاركون "رسميين" لحدود بعيدة، بين خجل وخشية، وتردد، حتى بدأ رئيس التحرير، عبد الرزاق الصافي، مفتتحاً الرقص، وليتشجعن بعده الحاضرات، ولينطلق الحاضرون، بالرقص واشاعة أجواء الفرح والحبور.



132
بماذا يخوفني الأرذلون ، ومم تخاف صلال الفلا
الجواهـــري: لو فُنيّت اشعاري كلها، لبقيت المقصورة !!!


قراءة وتوثيق: رواء الجصاني
-------------------------------------------------------------------
نادراً ما كان الجواهري يجيب عن أسئلة من قبيل: أي قصائده أحب إليه من غيرها... ولكنه كثيراً ما بادر إلى تمييز "المقصورة"، بل ووصفها في مرات عديدة ، بأنها الأفرد والأخلد... ويكفي الاستدلال هنا بقوله "لو فنيت أشعاري كلها لبقيت المقصورة"...
 * وتلكم القصيدة – الملحمة، تتعدى أبياتها المئتين والعشرين، وهي الأطول من بين جميع قصائده التي يتجاوز عدد أبياتها الخمسة والعشرين ألف بيت، اذاع مقاطع أولى منها عام 1947، ثم نشرت كاملة سنة 1948، مع تقديم يشير إلى أن ثمة مئة وخمسين بيتاً أخريات، عصفت بهنّ الرياح إلى "دجلة الخير"، فضلاً عن خمسين بيتاً فقدت لأسباب أخرى... وكان الافتتاح:
برغم الاباء ورغم العلى ، ورغم أنوف كرام الملا
فأنت مع الصبح شدو الرعاة ، وحلم العذارى إذ الليل جا
واذ انت ترعاك عين الزمان ، ويهفو لجرسك سمع الدنى
الحت بشعرك للبائسين ، بداجي الخطوب ، بريق السنا

 وبعد هذا الاستهلال الشموخ، تجوب القصيدة مختلف أغراض الشعر العربي المعروفة، إلا اننا سنتوقف هنا عند محورين رئيسين وحسب، وهما ما يتعلقان بلواعج ومواجهات الشاعر الخالد... ففي الأبيات التالية يبرز الشاعر العظيم هضيمته من سياسيي البلاد، وصنائعهم وغيرهم، مناشداً "الكرماء" خصوصاً، للتضامن معه، كحال شخصية، ولكنها ذات هدف عام، يعبر من خلاله عن مشاعر ناس لا يعدون أو يحصون:
ألا من كريم يسر الكريم، بجيفة جلف ٍ زنيم عتا
فيا طالما كان حد البغي ، يخفف من فحش أهل البغا
انبيك عن أطيب الأخبثين ، فقل أنت بالأخبث المزدرى
زقاق من الريح منفوخة ، وان ثقـّـل الزهو منها الخطى
واشباح ناس ، وان أوهموا ، بأنهم "قادة" في الورى

 وفي سياق "المقصورة" يعود الجواهري ليهدد "الأرذلين" بكل سلاح الكلمة، واليراع الأبي، وليعاتب، وبكل حسرة وتألم، "أمته" العراقية التي لم تنصف شاعرها، وحامل لواء تنويرها وابداعها... كما يركز "عتابه" على القادة والزعماء، أو من يدعون تلك الزعامةّ الثقافية والسياسية:
بماذا يخوفني الأرذلون ، ومم تخاف صلال الفلا
أيسلب منها نعيم الهجير ، ونفح الرمال ، وبذخ العرا !!
بلى ان عندي خوف الشجاع ، وطيش الحليم ، وموت الردا ،
إذا شئت أنضجت نضج الشواء ، جلوداً تعاصت فما تشتوى
وأبقيت من ميسمي في الجباه وشماً كوشم بنات الهوى
فوارق لا يمحي عارهن ، ولا يلتبسن بوصف سوى
بحيث يقال إذا ما مشى الصليّ بها ، ان وغداً بدا
وحيث يعير أبناؤه بأن لهم والداً مثل ذا
 
... وهكذا يستمر الشاعر في قصيدته ليوثق هذه المرة مواقفه ونهجه ورؤاه للحياة والمجتمع، مبارزاً المتجاوزين، متباهياً بالضمير، وداعياً النفس أولاً لأن تكون أمثولة للآخرين... وقد جاء كل ذلك عبر الاعتداد والعنفوان الجواهري المعهود:
أقول لنفسي إذا ضمها ، وأترابها محفل يزدهى
تسامي فإنك خير النفوس، إذا قيس كل على ما انطوى
وأحسن ما فيك ان الضمير ، يصيح من القلب إني هنا
تسامي فان جناحيك لا يقران إلا على مرتقى
كذلك كل ذوات الطماح والهم ، مخلوقة للذرى
شهدت بأنك مذخورة لأبعد ما في المدى من مدى
وانكِ سوف تدوي العصور ، بما تتركين بها من صدى

 وفي تسلسل محسوب، وببراعة متناهية في اختيار المباشرة، أو الرمزية، يفضح الشاعر الكبير المدعين والمتنطعين، وفي ذهنه بالتأكيد حالات ومواقف ملموسة، تعبر عن ظاهرة عامة، سائدة آنذاك – ولعلها تضاخمت اليوم – في البلاد العراقية... ونرى في هذا الشأن ما يزيد من رؤى الجواهري التبشيرية والانتقادية على حد سواء، ويضخم من عمق منجزه الابداعي الثري:
ومنتحلين سمات ِ الأديب يظنونها جبباً ترتدى
كما جاوبت "بومة ٌ" بومة ً تقارضُ ما بينها بالثنى
ويرعون في هذر ٍ يابس ٍ من القول ، رعي الجمال الكلا
ولاهين عن جدهم بالفراغ ، زوايا المقاهي لهم منتدى

... ثم في مقاطع لاحقة - وقل قصائد أخرى ولاتخف -، يعود شاعر الأمة ليتوقف عند هضبات الوطن، وشطيه والجرف والمنحنى، فيتغزل، ويتباهى، ويصف، كما الأم والعاشق والقائد!. ولا يكتفي بذلك فيجوب طبيعة البلاد ويصف نخيلها وحقولها، بل وحتى ضفادعها التي تنقل على الشاطئين بريد الهوى!... أما في ختام "المقصورة" - البانورامية المجيدة، فيحاول الجواهري أن يعتذر عن فورانه وغضبه في أبياته السابقة، الناقدة والمحرضة باتجاه النهوض والانهاض، فيعود ممجداً "بلداً صانه" وكلاهما – الشاعر والوطن – في موقع التلاحم والانسجام والتداخل الذي لا فكاك منه... كما باحت بذلك القصيدة ذاتها!...
مع تحيات مركز الجواهري
www,jawahiri.com








133
كم هزَّ دَوحَكَ من "قزْمٍ" يُطاولُه فلم ينلْهُ ولم تقصر ، ولم يَطُل ِ
الجواهــــري يغضب، فيتفجر، في الثمانين
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني



---------------------------------------------------------
أحتفل الجواهري، الشيخ – الشاب، وعلى طريقته الخاصة، بعيد ميلاده الثمانين، وذلك عام 1982 وان اختلف مع بعض المؤرخين والنقاد الذين ثبتوا ولادته في عام 1898، بل وخاصم البعض منهم، واختصم معهم، لذلك السبب... وبتلك المناسبة راح الشاعر العظيم يبث شجوناً كانت، وبقيت، واستمرت، تؤرقه على مدى عقود، ومن أشدها ألماً، ما يزعمه ويراه، من جحود البلاد له، والتي اضطر للاغتراب عنها مرة أخرى واخيرة، مطلع عام 1980، بعد اشتداد ارهاب وعسف طال بعض أهل بيته حتى... وقد انطلق في قصيدته التي نتوقف عندها في هذا التوثيق، يعاتب، ويدين زعامات سياسية وثقافية وغيرها، في البلد المستباح، حاولت أن تتجاوز على عبقريته وأدواره الوطنية والثقافية:
حسبُ "الثمانين" من فخر ومن جَذَل ٍ
غشيانُها بجَنان ٍ يافع ٍ خضل ِ
طلقٌ كما انبلج الإصباح عن سَحَر ٍ
ند ٍ ، وزهرُ الربى عن عارض هَطِل...

... ولم يشتعل ضرام آهات ولواعج هذه اللامية المطولة من تراكمات وحسب، بل ان الجواهري، وهو في غربته الجديدة في براغ، والتي صارت مديدة فيها، وفي دمشق، حتى رحيله عام 1997، أُبلغ بصدور كتاب لئيم، ألفه "أكاديمي" "عراقي" اسمه عبد الله الجبوري، حاول فيه ان ينال من الشاعر العظيم، وبعض سيرته وحياته وابداعه. وقد تناولته بائية جواهرية ساخرة، هادرة، بعنوان "عبدة الغجرية" عام 1982، اثر نشر ذلك الكتاب المشبوه مضموناً وتمويلاً... وفي المقطع التالي اشارة، وان دون مباشرة، لذلك الحدث:
وأنت يا ابن "الثمانين" استرحتَ بها
كما تظنّنتَ، من لوم ٍ ومن عذَلِ
جاءت تحييك في أعيادها قِذَعٌ
نكراءُ ، لقَّنها الساداتُ للخَوَل
وفَّتْكَ نُذراً لها عما وَفيتَ به
من النذور ِ لَدُن أيامِكَ الأوَل...

... ثم تعود القصيدة في الأبيات اللاحقة لتردَّ على تلكم التجاوزات ولتواجه وتتصدى لاصحابها، وأسيادهم، الذين سعوا جاهدين للنيل من الرمز العراقي الكبير، بهذه "الحجة" تارة، وبغيرها، من مزاعم، تارة أخرى... وجميعها لم تستطع إلا أن تثير "زوابـــع في فنجــان" بحسب الجواهري في مجالس خاصة... ثم لتخمد وأصحابها، وليبقى الشعر، والابداع وصاحبه، خالدين:
يا "ابن الثمانين" كم عولجت عن غَصص
بالمُغريات فلم تَشْرَقْ ولم تَمِل ِ
كم هزَّ دَوحَكَ من "قزْمٍ" يُطاولُه
فلم ينلْهُ ولم تقصر ، ولم يَطُل ِ
وكم سعت "إمَّعاتٌ" أن يكون لها
ما ثار حولك من لغو ٍ ، ومن جدَل ِ
ثبِّتْ جَنانك للبلوى فقد نُصبَتْ
لك الكمائنُ من غدر ٍ ، ومن خَتَل ِ
ودَعْ ضميرَك يَحذَرْ من براءته
ففي البراءات ِ مَدعاةٌ إلى الزَّلَل ِ
لا تنسَ أنكَ من أشلاء مجتمع
يَدينُ بالحقد ِ والثارات والدَّجَل ِ
حرب ٍ على كل "موهوب ٍ" وموهِبة
لديه ، مُسرَجة الأضواء والشُّعَل ِ ...
عصَّرتهم فتحمَّلْ وضرة الثقل
ودُستهم فتوقعْ غضبةَ الخَوَلِ

 وإذ ينتهي التمهيد والاستعداد، يحين الوقت كما رأى الشاعر، ليوضح المزيد من "التفاصيل" ذات الصلة ومنها هجوم "الأذناب" و"الأسياد" من جهة، وصمت "المحبين" و"القادرين" على الرد من جهة ثانية... ولعلّ مواقف الأخيرين كان أشد إيلاماً لأنهم تناسوا عهود الاخاء ومزاعم الود ومشاعر التقدير التي كانوا يبدونها للجواهري بمناسبة، وبغيرها، حباً واعجاباً حقيقياً أو زائفاً... ويقول بهذا الشأن:
نُبِّئتُ "شِرذمةَ الأذناب" تنهشني
بمشهد من "رُماة ِ الحي" من "ثَعَل"
يا للحفيظَة ِ لم تظفَرْ بذي شَمم ٍ
وللشهامة ملقاة ً على طلل

... ويتواصل القصيد جدلاً وحواراً وفلسفة ورؤى حول "الأصالة" و"الرجولة" و"المدعين" و"الهاربين" و"الناكثين" وغيرهم، ممن لم ينتصروا للحق – بحسب الشاعر– مع التنويه إلى تجاريب كثيرة كان لصولة الحرف فيها، الثبات والانتصار... وتستمر التساؤلات والادانة:
أيستثيرُ دمي "وغْدٌ" و"صاحبُه"
بما يثير رمال السَّهل ِ والجبل
ولا يندّ فمٌ ، لا بَعْدَه خَرَسٌ
ولا تُمدُّ يد ، لا تشْفَ من شلل ...
قد كان شوطُ رجولات ٍ مشرِّفة ٍ
لو كان تحت سِبالِ القَوم ِ مِنْ رَجُل..
الخانعين بمنجاة ٍ تسومُهمُ
جدعَ الأنوف ِ ، وذلَّ العاجز ِ الوكِل ...
والناكثين بعهد ِ الحَرْف ِ منتفضاً
على الضغائن والبهتان والدجل:
إن الحياة معاناة وتضحية
حب السلامة فيها أرذل السبل
وللبطولات جولات، وكم شهدت
سوح الوغى "لحماة الحرف" من بطل
وثمَّ من لعنة ِ الأجيال جازيةٌ
تقتصُّ من قولة ِ حَقٍّ، ولم تُقَل

... وقبيل ختام القصيدة التي بلغت أكثر من سبعين بيتاً يعود الشاعر الغاضب، موضحاً، ومدافعاً عن النفس أولاً، ثم ليفضح بكل صلابة وعنف مدعين مزعومين، و"زعاماتهم" التي لولاها لما استطاع أولئك ان "يستأسدوا" على الجواهري، مستغلين غربته بعيداً، أو مبتعداً عن الوطن المثكول:
أقول "للخِدن" ما حالت مَودَّتُه
فظنَّ أن عهود الناس لم تَحُل ِ
سلني أُجِبْكَ بما يعيا "الجواب" به
وإن ينل منك إشفاقٌ فلا تَسَل ِ
فقد تقرحتُ حتى العظم من شجن
دامي الشكاة ِ بلوح ِ الصدر معتمِل
أُجِبْكَ عن نُصُبٍ أعلام ِ "مقلمَة"
غُفْل ٍ ، شتات ٍ إذا كشَّفتَهم ، هُمُل ِ
و"للتماثيلُ" يستوحى بها "مُثُلٌ"
خيرٌ من البشر الخالين من "مُثُل ِ"
"خُرْس ٍ" وإن خَرقوا الأسماع في هَذَر
يُغْثي النفوسَ ، وفي مرصوفة "الجُمَل"
وعن "كروش" "زعامات ٍ" كأنَّ بها
من فرْط ِ ما اعتلفتْ مَسَّاً من الحَبَل
يستأسدون إذا مُدَّ العنانُ لهم
فإن يُشَدَّ، تردَّوا بِزَّة "الحَمَل" ...

... وكما هي الخلاصات التي يقدمها القادرون في نهاية عطاءاتهم، أو الرتوش التي يضعها الفنانون قبيل عرض ابداعاتهم، يختار الشاعر فضيلة التحذير نهاية لقصيدته، ومذكّراً من يريد أن يتذكر قدرات الجواهري في مواجهة اللؤماء ومن يقف وراءهم، وأولئك هم الأكثر قصداً من غيرهم على ما نظن:
يا "صاحبي" وحتوفُ "القوم" طَوْعُ يدي
وكم أتتهم "رياح الموت" من قِبَلي
أجِلْ يراعَك في آجالهم مِزقاً
فليس عندك بعد اليوم من أجل ِ
واضرب بهم أسوأ "الأمثال" سائرة ً
حتى تَثَلَّمَ فيهم مضربَ المَثَل !
---------------------------------------
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

134
الجواهري ... في قصائد ومواقف عن الرابع عشر من تموز 
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
Jawahiricint@yahoo.com
---------------------------------------------------------------------------
   على مدى ثمانية عقود، او حواليها، كان الجواهري مؤرخاً – على الاقل-  لأهم الأحداث العراقية والعربية، بافراحها وأتراحها، بل والعالمية أيضاً، معبرا بوضوح نادر عن مواقفه ورؤاه الوجدانية والسياسية والفكرية، من تلكم الاحداث، وعنها... وهكذا جاء موقفه، ولنقل مواقفه، بشأن التغيير الرئيس، وربما الأهم في تاريخ العراق الحديث، ونعني به حركة الرابع عشر من تموز عام 1958 التي أشعلت هبة عارمة، وانهت النظام الملكي، واستبدلته بالجمهوري، الذي قيل ما قيل، ويُقال، إيجاباً وسلباً حوله ... 
    لقد رأى الجواهري في تلكم الثورة التحررية بحسب البعض، أو الحركة العسكرية الانقلابية- الجماهيرية، وفق بعض آخر، مسك ختام وطنياٌ لعقود من النضال الشعبي والوطني في العراق، من أجل الحرية والازدهار، بل والتقدم بمفاهيم ذلك الزمان... وهكذا سرعان ما نظم، وفي الأيام الأولى لقيام ذلك التغيير المدوي، قصيدته النونية المطولة، ومن مفتتحها:
جيشَ العراق ولم أزلْ بك مؤمنا ... وبأنك الأملُ المرجى والمنى
وبأن حلمك لن يطولَ به المدى وبأن عزمك لن يحيق به الونى
حمل الفرات بها اليك نخيله، ومشى بدجلة جرفها والمنحنى
فلقد اعدت اليهما صفويهما، من بعدما غصا بأدران الخنا
     ثم تلت "جيش العراق" قصائد عديدة أخرى تؤرخ لذلكم الحدث، ومسيرته، وتوجه الجماهير الشعبية لاسناده وتأطير مساره. محذرة من الاضطرابات واستغلال الأمور، بما يقود لخلاف ما آمن به الجواهري من ضرورات ومباديء، ومن أجل النهوض والارتقاء والوحدة والتلاحم، بعيداً عن العصبوية، والطائفية والفئوية والحزبية والعنصرية، وسواها من آفات اجتماعية ووطنية... ومن بين ما نستشهد به هنا ما جاء في قصيدته بمناسبة عيد الاول من ايارعــــــام 1959:
يا أيـهـا العُمّـالُ صفـحَ تسـامحٍ، عمّـا تجيشُ ببثّـهِ خطَراتي
أنا لا أثيرُ ظُنونَكمْ، لكنْ فتىً، حراًّ يحبّ حرائرَ الصّرَخات
ما انفكّ تِنّينُ التحكّمِ قائماً، وتقاسمُ الأرباح فـي الشركات
ما زالت الشمّ النّواطحُ تُبتنى، من تلكمُ السّرِقات والرّشوات
لِم يُؤخَذُ المالُ المقطّعُ منكمُ، سحتاً، ولـم تُقطَعْ أكفّ جناة!
   وفي عودة للديوان الجواهري العامر، نجد ثمة قصيد حاشد في شؤون، وشجون ذلك  الحدث التموزي، وعموم الأحداث التي نعنى بها في هذا التوثيق ومنها: رائية "انشودة السلام" ودالية
"في عيد العمال" وبائية "المستنصرية"... وفي جميعها، وبهذا الشكل او ذاك، نصح الجواهري، وحذر ونوّر، منفرداً، او سوية مع العديد من القوى الديمقراطية والشخصيات الوطنية، قبل وقوع الانقلاب الفاشي عام 1963 الذي قضى على الثورة، من نتائج نهج  التفرد، والتسلط، وتجاوز المبادئ التي قامت تحت شعاراتها حركة الرابع من تموز 1958 العسكرية ، المدعومة شعبياً .... ولعل مراجعة وان عجولة لصحيفة الجواهري في تلكم الفترة، ونقصد بها "الرأي العام" تثبت بجلاء، كماً واسعاً من المناشدات الهادفة من جهة، والانتقادات الساخنة والحادة من جهة اخرى، التي كالها الشاعر والرمز الوطني الكبير ... فضلاً عما حوته فرائده اللاهبة، تعبيراً عن ضمائر الجماهير، الامينة على مستقبل البلاد وتطورها. ومن بينها- على سبيل المثال - ما جاء في قصيدته الموسومة "باسم الشعب" عام 1959 مخاطباً فيها المسؤول الاول، والاخير، في البلاد :
"عبد الكريم" وفي المراء جبانةٌ ، تُزرى، وصنو شجاعة، إصراحُ
كنت العطـوف به يُراض جماحُ ، فكن العنـوفَ، به يُهاضُ جناحُ
لا تأخذنــكَ رحمة في موقف، جــدٍ، فجـدُ الراحميـــن مزاحُ
ولطالما حصد الندامةَ مسمحٌ، وأتى بشرٍ ثمارهِ الاسماحُ
ولقد تكون من القساوةٍ رحمةٌ، ومن النكالِ مبرةٌ وصلاحُ
   ومع كل ذلك لم تنفع تلكم النصائح والمناشدات المخلصة، ولم تُؤخذ التحذيرات المدعمة بالملموسيات والتجاريب، بموضع الحرص على امن البلاد ومسار التحولات الديمقراطية المرجوة، بل وبدلاً عنها، راح عسف السلطات "الجمهورية" يتمادى فيشمل الجواهري ذاته، والى حد اعتقاله فترة من الوقت، برغم انه شاعر الامة العراقية، ورئيس اتحاد ادبائها انذاك، ونقيب صحفييها الاول... مما اضطره، احترازاً على حياته، للاغتراب القسري عن الوطن، شبه هارب "من رافديه" محتجاً، وضاغطاً، بهذا الشكل اوذاك على ولاة الامر، بل وواليه بتعبير أدق، لتدارك ما لا تحمد عقباه . ولعل من المناسب للتوثيق الملموس هنا، الاشارة الى المواجهة المباشرة، ذائعة الصيت ، بينه – الجواهري - والزعيم عبد الكريم قاسم، في مقره بوزارة الدفاع، بسبب ماكتبه الشاعر والرمز الخالد، دفاعا عن "الثورة" وضد التجاوزات على المواطنين ، وخاصة مقاله في اواسط 1959: ماذا في بلدة"الميمونة" بمدينة العمارة.
    واذا كانت هذه الحال مع الجواهري، صاحب"أنـــا العراق" و"المقصورة" و" اخي جعفراً" و"هاشم الوتري".. والرمز الثقافي والوطني الابرز في البلاد، فللمتابع ان يستنتج، ودون كثير عناء، كيف كانت السلطات تتعامل مع انصار الديمقراطية عموماً، بينما تتغاضى في الآن  ذاته عن توجهات واستعدادات المتضررين من سقوط العهد الملكي، والقوى والشخصيات الشوفينية والظلامية والطائفية، لقلب نظام الحكم، والانتقام من الجماهير الشعبية، وقياداتها، دعوا عنكم قادة وضباط حركة الرابع عشر من تموز، الوطنيين الاحرار.
     لقد تكررت مناشدات الجواهري وتحذيراته من تجميد الحياة الدستورية وتغييب الديمقراطية، كما من مغبة التفرد في الحكم، ومن التخبط السلطوي، و"المساواة" - على اقل وصف- بين القوى الوطنية والشعبية، من جهة، ومناهضيها، المناوئين للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المبتغاة، من الجهة المقابلة  ... وهكذا راحت تعلو دعوات هنا لليقظة من احقاد الموتورين، وتتعالى دعوات هناك لنبذ الفرقة والغلو، ولمزيد من التلاحم بين ابناء الشعب، ولرصد المتامرين في الداخل والخارج، والاستعداد لمواجهتهم قبل فوات الاوان، ومن بين ما نستعين به للتوثيق بهذا الشأن ما جاء في قصيدة الجواهري " أزف الموعد" التي ناشد فيها الطلاب العراقيين ،عام 1959:
أزف الموعد والوعد يعنّ.. والغد الحلو لاهليه يحنُ
والغد الحلو بنوه انتم، فاذا كان له صلب فنحن
فخرنا انا كشفناه لكم، واكتشاف الغد للاجيال فنّ ..
يا شبابَ الغدِ كونوا شِرعةً ، للعلا والبأسِ واللطفِ تُسَنّ
سالموا ما اسطعتُمُ حتى إذا، شنّها حرباً أخو بغيٍ فشُـنّوا
وابدأوا الخيرَ سباقاً بينكم، فإذا بُـودئـتمُ الشـرّ، فثـنّـوا
... اخيراً، وفي نهاية هذا التوثيق العجول، لا بدّ وأن نلفت النظر الى ما سجله الجواهري حول الرابع عشر من تموز، في الجزء الثاني من ذكرياته، اذ نرى فيه مؤشرات وأشارات مهمة لمن يريد ان يقرأ التاريخ بمزيد من الموضوعية، بعيدا عن التشنجات، والعصبيات، وإسقاط الاجتهادات اللامسؤولة، لهذه الاغراض أو تلك ... وعلى أية حال، فقد ترضي هذه الكتابة بعضاً، أو تغضب آخر، إلا انها سعت لكي تكون بعيدة عن العواطف، والتي عمرها ما كانت حكما عادلا في تقييم الوقائع التاريخية، كما نزعم، وقد نصيب.
... وختاما- وحقاً هذه المرة- ها نحن نقتطف بعض ابيات من سيمفونية "دجلة الخير" التي نشرها الجواهري الخالد اواخر العام 1962 ونزعم ان فيها الكثير والكثير من الرؤى والاراء بشأن عموم ما شهدته البلاد العراقية في تلكم الفترة العصيبة :   
يا دجلة الخير أدرى بالذي طفحت، به مجاريك من فوق الى دون
ادرى بانك من الف مضت هدرا، للآن تهزين من حكم السلاطين
تهزين ان لم تزل في الشرق شاردة من النواويس ارواح الفراعين
يا دجلة الخير كم من كنز موهبة، لديك في القمم المسحور مخزون
لعل تلك العفاريت التي احتجزت، محملات على اكتاف دلفين
لعل يوماً عصوفاً هادراً عرماً، آتٍ فترضيك عقباه وترضيني..
-----------------------------------------------------------
مع تحيات مركز "الجواهري" للثقافة والتوثيق
www.jawahiri.com








135

الجواهري في بعض مقامته  المصرية


* كتابة وتوثيق:رواء الجصاني 
-----------------------------------------------------------------
    عبر العديد من القصائد الشهيرة التي تناولت رؤى، وشؤوناً وهموماً ثقافية وسياسية، والزيارات الخاصة والرسمية وغيرها، راح "السجل المصري" للجواهري الكبير، يتسع ويتشعب إلى أكثر من محور، ومكان، وزمان. وقد تفلح مثل هذه السطور العجلى في تأشير بعض المحطات الأكثر أهمية في ذلك "السجل".
   لقد جاءت قصيدة الجواهري في رثاء الشاعر الكبير احمد شوقي عام 1932 الأبرز في البدايات، ثم تلتها عديدات أخر ومن بينها عن شعب مصر و"النيل الزاخر" و"المسلة الزاهرة عام 1951 :
يا مصرُ.. مصرَ الشعبِ: لا غاياتُه، تَفنى، ولا خطواتُه تتقهقرُ
وكذلك لاميته الفريدة في التضامن مع "بور سعيد" وأهلها ، وكل مصر، إبان العدوان الثلاثي عليها عام 1956..حين قال هادرا:
كنانة الله.. اسلمي، إنّ المُنى، دونَكِ لغوٌ.. والحياةُ باطلُ
   وإذ توشك الحرب أن تندلع مع إسرائيل في حزيران  1967ينتفض الجواهري مطالباً ومسانداً للزعيم المصري - العربي جمال عبد الناصر، لكي يدع "الطوارق كالأتون تحتدم"، وأن يأخذ مكانه منها "غير مكترث دهدى به الموج، أو علت به القمم"
ثم كتب الشاعر الكبير مرة أخرى عن الزعيم الكبير، في ذكرى رحيله الأولى عام 1971 عصماء أخرى، لا ليرثي، إذ "الخالدون أحياء" كما يرى الجواهري في القصيدة المعنية، بل سجل مواقف وآراء في الحياة وفي حاضر الأمة، وآفاق مستقبلها:
يا مصرُ، يا حُلمَ المشارق كلّها، مذ عانت الأحلام والأهواءا
    أما مع كتاب ومثقفي مصر، فقد كانت للشاعر الخالد علاقات متميزة وعديدة، ومن أقدمها وأهمها مع عميد الأدب العربي د. طه حسين الذي احتفى بالجواهري في القاهرة مطلع الخمسينات... وقد كان ضيفاً على مصر "وضيف طه ضيفها" حسبما تشير الرائية الشهيرة عام 1951. وعلى ذلك المنوال، استمرت الامتدادات مع بلاد النيل، والمواقف منها، وداً وإعجاباً وامتناناً، مع عتب ودلال أحياناً، وسجالات وحالات ثائرة في أحيان أخرى، كما في الميمية السياسية الغاضبة عام 1963، والرائية "الثقافية" عام 1974 ومطلعها:
آليتُ أُبرِدُ حَـرّ جمري، وأديلُ من أمر بخمرِ
وأقايضُ البَلوى بأيّةِ بسمةٍ عن أيّ ثغر
    وإذ يفكر الشاعر الكبير مجدداً في أوائل السبعينات بالإقامة في القاهرة، ويعدل عن ذلك في آخر لحظة لأسباب لها وقائع خاصة، جاءت آخر زياراته لها، ولمصر، وهو في التسعينات من عمره، فحلّ ضيفاً أولَّ على احتفالات مئوية "الهلال" التي صادفت في العام 1992 وقد لقي حفاوة  ثقافية ورسمية رفيعة، تقديراً واعتزازاً بشاعر العربية الأكبر، وعبقريته المتفردة.
مع تحيات مركز الجواهري
www.jawahiri.com


136
حين مجدَّ الجواهري العظيم، "قفص العظام" !!!


الجواهري والى جانبه زوجته امونة، وعلى يمين الصورة أخته نبيهة، وجمع من
رواء الجصاني
babyloncz@yahoo.com
----------------------------------------------------------------------
... و"قفص العظام" في العنوان أعلاه، وصف أشاعه الجواهري عن والدته، فاطمة، في قصيدته الذائعة عام (1951)  وكانت نحيفة جداً، جراء تراكمات الهضيمة والحزن والأذى والهموم والشجون، وقد زارها وهي على تلكم الحال، في بيت طفولته وعائلته بالنجف، مودعاً، وهو يقرر الاغتراب إلى مصر، ضائقاً بالاجواء السياسية السائدة في العراق آنذاك، وغاضبا من النخب الوطنية والثقافية والمجتمع عموماً... وجاء مطلعها:
تعالى المجدُ يا قَفصَ العِظامِ، وبورِكَ في رحيلِك والمُقامِ
وبورك ذلك العُشّ المُضوّي، بوحشته.. وبالغُصص الدوامي...
تعالى المجدُ لا مالٌ  فيُخزي، ولا مُلْكٌ يُحلّلُ بالحرام
ولا نشبٌ تُهانُ الروح فيه، فتَخضَعَ للطّغاة وللطّغام
ولكن مهجةٌ عَظُمَتْ فجلّت، وَجَلّ بها المرومُ عن المَرام
ويعود الجواهري في مقطع تالٍ من ميميته ذاتها ليضيف لوالدته وصفا أخر بالغ التأثير، فيناديها بـ "أم الرزايا" منوهاً بشكل خاص لفقدانها ولدها الأصغر، جعفر، شهيد وثبة كانون الثاني الجماهيرية في بغداد عام 1948:
تعالى المجدُ يا أمّ الرزايا، تَمَخّضُ عن جبابرةٍ ضخام
تملّى القبرُ منها أيّ عطرٍ، ووجهُ الأرضِ أيّ فتىً هُمام
وُهبْتِ الثورةَ الكبرى دماءً، وروحاً وارتكنتِ إلى حُطام
ونوّرتِ الدروبَ لساكنيها، وعُدْتِ من ((السواد)) إلى ظلام
وأبْتِ كما يؤوبُ النّسْرُ هيضَتْ، قوادِمُــــهُ بعـاصفـــةٍ عُرام
ولكي تتضح صورة ما يعانيه الشاعر الخالد، في حينها من هضيمة، راح يستمر في مناجاة والدته، وهو "يحج" اليها مودعاً، مرتحلاً الى رحلة غربة وشيكة، كما سبق القول، مستذكراً سنواته الأولى في حضنها الرؤوف، والبيت، والفطام، وقد مرتّ على ذلك سنوات خمسون:

حَجَجْتُ إليكِ والدنيا تلاقي، عليك بكل قاصمةٍ عُقامِ
وفي صدري تجولُ مسوّماتٌ، من البلوى عَصَيّنَ على اللّجام
وأُمّاتُ المطامح في ضلوعي، حواشدُ يضطربنَ من الزّحام
وطارتْ بي على الخمسينَ ذكرى، أقلّتني إلى عهدِ الفطام
وحُطّتْ بين تلك وبين هذي، حُمُولٌ من دموعٍ وابتسام
ورحتُ أُعيذُ أعداداً رطاباً، وأحطاباً إلى ((عُشّ الحمام)) (1)
... ورفّتْ في ندِيفٍ منْ مشيب، ذوائبُ لم ترِفّ على أثام
وضوّت من جبينك لي غضونٌ، بها يَغْنى الزمانُ عن الكلام
وطُفتِ بخاطري حتى تمشّى، حنانُكِ مثلَ بُرْءٍ في سَقام
ثم يختتم الجواهري ميميته الثائرة، والحنون في آن، فراح يودع بمفردات جلها ايجاز لمعاناة، واعتذارعما قد يسببه اغترابه القريب، والفراق الجديد، من آلام إضافية للأم التي طفحت عندها الآلام، مثبتاً مرة اخرى بعض مواقف ورؤى اختطها طيلة عقود في الشموخ والاباء :
فيا شمسي إذا غابت حياتي، نشدتُك ضارعاً ألاّ تُغامي
ويا ((متعوبة)) قلباً وروحاً، أخافُ عليكِ عاقبةَ الجَمام
ويا مكفوفةً عن كلّ ضرّ، نشدتُكِ أن تَكُفي عن ملامي
فليس يُطيقُ سهماً مثلَ هذا، فؤادي وهو مُرْتَكَزُ السّهام
لقد كنت الحسامَ على ظروفٍ، حُمِلْتُ بها على حدّ الحسام
وقد كنتُ الحرون على هجين، يحاول أن يُسَيّرَ من زمامي
وليس رضيعُ ثديكِ بالمجاري، وليس ربيبُ حِجْرِكِ بالمُضام
ولعل ما يناسب المقام هنا، ونحن نتابع، ونوثق، ولوعلى عجالة، ان نشير الى صورة أخرى من صور مناغاة، واشارات الجواهري ومناجاته لوالدته، وعنها، مقتبسين مما جاء في ختام قصيدته الشهيرة، بمناسبة استشهاد أخيه جعفر عام 1948 حين يصف الحال آنذاك، بعد ان تأكد الخبر الفاجع، وينوّه الى حال الام "العجوز" والأخت الوحيدة، فيخاطب فقيده الأعز:
.. إلى أنْ صَدَقْتَ لهمْ ظَنّهم، فيا لكَ من غارمٍ يَغنَمُ
فهمْ بك أولى فلمّا نَزَل، كجَذْرٍ على عَددٍ يُقسم
وهم بك أولى، وإن رُوّعَت ((عجوزٌ)) على فِلذةٍ تلطِم
وتكفُرُ أنّ السما لم تعُدْ، تُغيثُ حَريباً، ولا تَرْحَم
و"أختٌ" تشُقّ عليك الجيوب، فيُغرَزُ في صدرهــا مِعصَم
تناشِدُ عنك بريقَ النّجوم، لعلّك مِن بينها تنجُم
وتَزْعُمُ أنّك تأتي الصّباحَ، وقد كذّبَ القبرُ ما تَزْعُم
ثم تمر على الجواهري سنوات حبلى بالشجون والهموم الوطنية والثقافية وما بينهما:اغتراب، واعتقال، وقنوط، وتمرد، وثورة، وكبوة، وانطلاق، وثبات وعلو وشموخ، وكلها تصيب، وتؤثر، وتقلق، وجميعها تلهب الوالدة المبتلاة، فتزداد هموماً وشجوناً ... وهاهو الابن المتفرد، يضطرمجدداً للاغتراب الى براغ عام 1961 تاركاً أهلاً وصحاباً وديارا، حين رأى "الذل اسارا" و"رأى العيش مجاراة زنيمٍ لا يُجارى"... وهناك يسمع النبأ المفجع برحيل والدته عام 1961... ففاض يوثق شعراً، بعض آلامه، وحزنه، لذلكم الرحيل، مستذكراً في ذات الوقت شقيقه الشهيد جعفر، كما جاء في نونيته الأشهر "دجلة الخير" عام 1962 حين يقول في شبه خاتمة للقصيدة العصماء:
ويا ضجيعَي كرىً أعمى يلفّهما، لفّ الحبيبين فـي مطمورةٍ دُون
حسبي وحسبُكما من فرقةٍ وجوىً، بلاعجٍ ضَرِمٍ كالجمْرِ يَكويني
لم أعدُ أبوابَ ستينٍ، وأحسبني، هِمّاً وقفتُ على أبواب تسعين
يا صاحبيّ إذا أبصرت طيفَكما، يمشي إليّ على مَهلٍ يحييني
أطبقتُ جَفناً على جَفَنٍ لأبصُرَه، حتى كأنّ بريقَ الموتِ يُعشيني
إنّي شممتُ ثرىً عفناً يضمّكما، وفـي لُهاثي منه عِطرُ (دارين)
بـنـوةً وإخاءً حلفَ ذي ولَـعٍ، بتربةٍ في الغدِ الداني تغطّيني
لقد وَدِدتُ ـ وأسرابُ المنى خُدع - لو تَسلمان وأنّ الموتَ يطويني
قد مُتّ سبعينَ موتاً بعد يومِكما، يا ذلّ من يشتري موتاً بسبعين
لم أقوَ صبراً على شجوٍ يرمّضُني، حرّانَ فـي قفصِ الأضلاعِ مسجون
تصعدتْ آهِ من تلقاء فطرتها، وأردفت آهةٌ أخرى بآمين
ولعل ما يعبرايضاً عن بعض ذلكم الحزن والألم، ولكن نثراً هذه المرة، ما جاء في رسالة التعزية التي بعث بها الجواهري، من براغ، الى اخته، "نبيهــــة"(2)  وهي في العراق، مواسياً برحيل والدتهما فكتب اليها:
" ... انك تعلمين مدى صعوبة ان يمشي القلم على الورق في ظرف مثل هذا الظرف، وبحادث كهذا الحادث. ولولا انني أعد نفسي مسؤولا امامك، وامام الواجب بأن اقول لك شيئا، لما سهل علي مجرد الاشارة الى مثل هذه الخسارة ...
... ان كل شيء قد يهون لدي، الاّ تصوري انها حملت معها إلى قبرها جبلاً ضخماً من الآلام، ومن الذكريات، ومن العبر القاسية. لقد رأيت أن أعزيك فأسأت اليك من حيث لا اريد بما اثرت من أشجان، أو بما زدت فيها تقريباً. فاذا بكيت فأضيفي دمعى لحسابي فان عيني جمود. واذا تسليت بالصبر الجميل، فكما هو المأمول فيك..." (3).

وأخيراً دعونا نوثق اضافة اخرى، وبعضها ، شهادة عيان لكاتب هذه التأرخة، عن تلكم الامرأة الشموخ، الاستثناء، والدة الجواهري العظيم: فاطمة، ابنة الشيخ شريف، وزوجة الشيخ عبد الحسين، وكلاهما، اي الأب والزوج، عالمان وفقيهان، حفيدان مباشران للامام الشيخ محمد حسن الجواهري، صاحب المؤلف الاشهر:" جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام ". كما انها أخت آية الله الشيخ عبد الرسول. وكنيّت بأم (عبد العزيز) نسبة الى بكرها، الفقيه والشاعر المعروف. وقد أنجبت بعده كلاً من: (محمد مهدي) شاعر العراق والعرب الاكبر، و(عبد الهادي) الاديب "المتمرد"... ثم (نبيهة) وهي الشقيقة الوحيدة بين الأخوة الأربعة، الذين كان آخرهم، الشهيد جعفر.
أما ما يرد بشكل صريح عن المُوثق لها، في مؤلف "ذكرياتي" للجواهري، الى جانب اشارات متعددة أخرى، فهذا النص الذي كتبه الشاعر الخالد عن أمه، الأثيرة والمؤثرة، قوية الشخصية، والنافذة في العائلة والأسرة، وباجماع كل من عرفها:
"ولا تقلُّ والدتي "فاطمة بنت الشيخ شريف" عن والدي في التعبّد والايمان. ورغم انها ربة بيت، إلا انها تعلمت القراءة قليلاً من الكتابة وشيئاً من التذوق في مجال الشعر والأدب. وعنها ورثت ذلك، بل وزادت عليه، شقيقتي الوحيدة (نبيهة). ورغم تعبّد والديّ، وايمانهما النظيف، إلا انهما لم ينجيا من عقابيل العوائل النجفية العريقة كلها، وهو حب التنافس" (4)

مع تحيات مركز الجواهري الثقافي
www.jawahiri.com

--------------------------------------------------------------------
هوامش واحالات:
(1) "عش الحمام": أشارة الى ما يتذكره الجواهري، في فترة طفولته، من اوكار للطيور في باحة منزل العائلة في النجف.
(2) نبيهة: تزوجت من التربوي، والمربي المعروف، السيد جواد الجصاني.
(3) نص الرسالة المنوه عنها منشورعلى الصفحة 229 من كتاب "الجواهري بلسانه، وقلمي" لمؤلفه، سليم البصون – بغداد 2013.
(4) الاقتباس مستل من مؤلف "ذكرياتي" للجواهري. الصفحة 45 الجزء الأول - / دمشق 1989.


137
حين يُزيــح الجواهــري، الزبد عن صدره !!
قراءة: رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
ينشر الجواهري عصماء جديدة عام 1976، وفيها ينتقد "عصره المليء بالزيف والخداع، وهو يسمو متعالياً بكبرياء الشاعر ... وهي ضرب من الطموح الى تجاوز النفس والآخرين، في محاولة اختراق للمستحيل..." بحسب ما جاء في تقديم القصيدة ذاتها، والتي تعبر من بيتهــــــــــا الأول عن مبادىء وثوابت نافذة في صورها وأغراضها، إذ تقول:
أزح عن صدرك الزبدا ، ودعه يبث ما وَجدا ...
ولا تكبت فمن حقب ذممتَ الصبر والجلدا
أأنت تخاف من أحد ٍ ، أأنت مصانعٌ أحدا
أتخشى الناس، أشجعهم يخافك مغضباً حردا
ولا يعلوك خيرهم ، ولست بخيرهم ابدا
ولكن كاشف نفساً ، تقيم بنفسها الأودا
ويتواصل القصيد نابضاً على مدى أكثر من مئة وأربعة عشر بيتاً، يحرض فيه الشاعر العظيم الذات، لتبارز، وتجابه، وان لم يكن المتطاولون يستحقون المنازلة أحياناً:
تركت وراءك الدنيا ، وزخرفها وما وعدا
ورحت وانت ذو سعة ، تجيع الآهل والولدا…
أزح عن صدرك الزبدا ، وهلهل مشرقا غردا
وخل "البومَ" ناعبة ، تقيء الحقد والحسدا
مخنثة فان ولدت ، على "سقط" فلن تلدا…
ثم يناجي الجواهري "خلاً" سعى ان يتساءل او يحاجج مدافعاً، أو مبرراً، فأوضح له الشاعر ما يستحق من توضيح، لكي يمهد الدرب، خائضاً المواجهة المنتظرة:
ألا انبيك عن نكد ٍ ، تُهوّن عنده النكدا
بمجتمع تثير به ، ذئاب الغابة الأسدا…
خفافيش تبص دجىً ، وتشكو السحرة الرمدا
ويعمي الضوء مقلتها ، فتضرب حوله رصدا…
… وبعد ذلك التعميم في الأبيات السابقة، ينتقل القصيد، معتمراً الصراحة والوضوح، ليشي، وان بدون تسمية، الى "واحد" أو أكثر من الأدباء والمثقفين الحاسدين، والمنافقين من ذوي الوجوه المتعددة، الذين جهدوا حينذاك لاستغلال الظروف، وتحت رايات "التحديث" الحقيقية أو المدعاة، لإيذاء الرمز الوطني المتألق ابداعاً ومواقف، فراح يمسك بتلابيبهم، ولا فكاك لهم من "قبضة" الشعر غضباً:
وصلف ٍ مبرق ختلاً ، فان يرَ نُهزةَ رعدا
يزورك جنح داجية ، يُزير الشوق والكمدا
فان آذتك جانحة ، اعان عليك واطردا ..
وآخر يشتم الجمهور  ، لفَّ عليك واحتشدا..
يعدُّ الشعر أعذبه، اذا لم يجتذب احدا

وقبيل ختامها، وحين تثور القصيدة، يحاور الجواهري نفسه، ويوجهها، مستذكراً بكل عنفوان، ومستنداً الى حقائق ووقائع ورؤى لا يجادل فيها سوى المعوزين جاهاً وارثاً:
أبا الوثبات ما تركتْ ، بجرد الخيل مطردا
يضج الرافدان ، بها، ويحكي "النيلُ" عن "بردى"
ويهتف مشرق الدنيا، بمغربها اذا قصدا:
ترفع فوق هامهم، وطرْ عن ارضهم صعدا
ودع فرسان "مطحنة" خواء تفرغ الصددا...
واخيرا ، يعاتب الشاعر، اصدقاء ومحبين، وغيرهم، ممن يعتقد انهم معنيون باتخاذ الموقف المناسب، المنسجم، ولكنهم سكتوا ولم يتنادوا إليه، خشية هنا، وخوفاً هناك، فيخاطبهم مشفقاً على حالتهم، ومعيباً عليهم المهادنة والمساومة... وربما محاولاً أن يجد لهم مبرراً يُسامحون عليه:
وغافين ابتنوا طنباً، ثووا في ظله عمدا
رضوا بالعلم مرتفقاً ، وبالاداب متسدا…
يرون الحق مهتضَماً، وقول الحق مضطهدا
وام "الضاد" قد هتكتْ، وربُّ "الضاد" مضطهدا
ولا يعنون - ما سلموا - بأية طعنة نفدا
بهم عوزٌ إلى مددٍ ، وانت تريدهم مددا…

*  مع تحيات مركز"الجواهــــري" في براغ *
www.jawahiri.com.






138
بمناسبة الذكرى 65 لمؤتمر السباع الخالد
من نضالات الطلبة العراقيين الديمقراطيين
خارج الوطن (1978-2003)
شهادات وتوثيق: رواء الجصاني*
 تصادف في هذه الايام، وفي الرابع عشر من نيسان 2013 تحديدا، الذكرى الخامسة والستون لتاسيس اول اتحاد عام في العراق، الذي اعلن عن قيامه في مؤتمر ساحة السباع ببغداد. وها نحن نغتنم حلول الذكرى لنحاول توثيق بعض يسير من خضم نضالي غزير، لجموع الطلبة العراقيين خارج الوطن، وتحت راية جمعياتهم، وروابطهم العتيدة، فروع ذلكم الاتحاد العريق، صاحب الامجاد والمفاخر والبطولات، وهي شهادات ميدانية، نسجلها، بل ونتباهى بها( ولم لا؟) عن الفترة الممتدة من 1978- 2003 ... وعسى أن يهمّ الاخرون من "الشباب" المتقاعد مثلنا، وما اكثرهم، فيكتبوا عن تجاربهم ومحطاتهم في ذلك الربع قرن، وما قبله وما بعده...
-----------------------------------------------
   بعد ان خبت كل الامال في امكانية "اصلاح" النظام الذي اباح ما أباح من وعود وعهود وقيم ودماء، اعلن المزيد من قوى الشعب العراقي الوطنية عام 1978 معارضته العلنية والمباشرة لانهاء السلطة الدكتاتورية  في البلاد، التي  شددت من اجراءاتها القمعية، ونزعت كل لبوساتها وبراقعها التي تزيت، او حاولت التستر بها. ...وفي ضوء تلكم الاوضاع  والتطورات المتسارعة ، تنادى نشطاء وسياسيون لاعادة النشاط لجمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن بعد "تجميد" عملها لفترة  دامت حوالى اربعة اعوام. وهكذا راحت الاشهر االاخيرة من عام 1978 والاولى من عام 1979  تشهد حركة دؤوبة على تلك الطريق، وفي العديد من العواصم، والاوربية منها  بشكل رئيس ...
   وما هي سوى بضعة اسابيع وحسب، حتى انعقدت مؤتمرات استثنائية لتلكم الجمعيات والروابط  واتخذت قراراتها بالغاء " التجميد" استجابة لنداء اتحادها المركزي، اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، وأكدت شعارها الرئيس : من اجل التفوق العلمي والعودة للوطن، وشعارات اخرى راهنة، للتضامن مع طلبة وشبيبة وشعب العراق في النضال ضد الكتاتورية والارهاب، واقامة النظام الديمقراطي ..
  ... وهكذا انطلقت جمعيات وروبط  وتشكيلات الطلبة العراقيين في : المملكة المتحدة والاتحاد السوفياتي والمانيا الاتحادية وبرلين الغربية  وبلغاريا وفرنسا  والدانمارك والمجر والسويد  وبولندا وايطاليا ورومانيا وبلجيكا  والمانيا الديمقراطية  واليونان  ويوغسلافيا والنمسا  وسوريا ولبنان واليمن الديمقراطية  والولايات المتحدة الاميركية واليونان والهند وتشيكوسلوفاكيا  ... انطلقت لتبدع وتتألق  في مختلف مهمات العمل المهني – الديمقراطي – الاجتماعي، بأشكال واساليب ومستويات متنوعة ، ولتبرز في المقدمة بصورة رئيسة مهام التضامن مع طلبة وشبيبة وجماهير بلادهم ... ولأننا نؤرخ هنا لهذا الجانب من النشاطات تحديدا ، نقول ان  العواصم والمدن الاوربية والعالمية قد شهدت المئات من الفعاليات والمهرجانات والتظاهرات التي ساهمت بكشف المزيد من الحقائق عما كان يجري تحت سلطة الحرب والارهاب في العراق، في ربع القرن الذي نوثق له وعنه: 1978-2003... ذلك فضلاً عن النشرات والبيانات والاصدارات، وبلغات واشكال مختلفة .
   لقد حرصت تلكم الجمعيات والروابط  الطلابية العراقية خارج الوطن ، وعبر اعضائها ومؤازريها واصدقائها ،النجب على ابسط وصف ، حرصت على ان لا تفوت فرصة تتاح الا وليعلوا لها صوت وموقف ونشاط يتناسب وقدراتها، في فضح جرائم النظام الدكتاتوري وسياساته التى اكتوت بها جماهير الشعب العراقي على مدى عقدين ونصف، دعوا عنكمو ما عانت منه  بلدان الجوار، وحتى غير الجوار من جور ذلك النظام...  وقد كان كل ذلك النشاط الاعلامي والجماهيري يترافق ويتزامن مع نضالات أشد، وابهى، ونعني بها التحاق العشرات من اعضاء تلكم الجمعيات والروابط ، طالبات وطلاباً، في تشكيلات الحركة الوطنية، السياسية والجماهيرية والمسلحة، داخل العراق ... وما برح سجل شهداء الحركة الوطنية االخالدين يحفل باسماء اولئك  المناضلين الذين أنهوا، او تركوا مقاعد الدراسة، ليعودوا الى الوطن ، مشاركين ابناء شعبهم  في خوض المعارك الباسلة .
    وبالاضافة الى كل هذا وذاك ، كان منتسبو الجمعيات والروابط الطلابية خارج الوطن فاعلين في اعلاء صوت التضامن مع اتحادهم المناضل – اتحاد الطلبة العام ، وفصائل الحركة الوطنية العراقية عموما، داخل الوطن ، وذلك في العشرات من المنابر والمنتديات والنشاطات المحلية والاقليمية والعالمية، وسواء التي انعقدت في البلدان التي  يدرسون او يقيمون فيها، او خارجها، وفقاً لما يكلفون به ... ونذكر من بينها، ونحن هنا معنيون وشهود عيان : المؤتمرات السنوية للجمعيات والروابط الطلابية ذاتها ، والمهرجانات المرافقة، واللجان التضامنية، ونشاطات وندوات  ومؤتمرات اتحاد الطلاب العالمي في المدن والعواصم الاوربية وغيرها ... وكذلكم هي الحال في فعاليات المهرجانات العالمية للطلبة والشباب، والتي انعقدت خلال الفترة التي نكتب عنها: 1978-2003  ومنها في هافانا وموسكو وبيونغ يانغ ..
   وفي هذا السياق لا يجوز ان نغفل هنا - وان سريعاً - الدورالبارز للجنة التنسيق بين الروابط والجمعيات الطلابية خارج الوطن، ومقرها في براغ، في مجالات المتابعة والتوجيه للنشاطات والفعاليات التضامنية، وغيرها، مع طلبة وشبيبة وشعب العراق في نضالهم الدؤوب من اجل انهاء الدكتاتورية وقيام النظام الديمقراطي.  ومما نشير بهذا المجال:  الاصدارت الدورية التي كانت تنشرها "اللجنة" بلغات مختلفة واهمها " طلاب العراق" بالغتين العربية والانجليزية، وكذلك الاسبانية احياناً ... ذلكم الى جانب العشرات من البيانات والنشرات التنظيمية والجماهيرية وسواها....
    وعلى صعيد ذي صلة نوثق ايضا  للدور المهم الذي نهضت به اللجنة – لجنة التنسيق بين الجمعيات والروابط الطلابية خارج الوطن – في تمثيل قيادة الاتحاد الام، اتحاد الطلبة  العام في الجمهورية العراقية، على الصعيد الخارجي ، ولدى السكرتارية الدائمة لاتحاد الطلاب العالمي في براغ، ومن الطبيعي ان كل نشاطات "اللجنة " التي نتحدث عنها ما كان له ان يكون بذلك المستوى المشهود له – على اقل وصف – لولا مساهمات الجمعيات والروابط الطلابية العراقية خارج الوطن : المادية والاعلامية ، فضلا عن المشاركات المباشرة الاخرى ...
      وبهدف التأرخة ايضا نثبت في متابعتنا هذه، والتي كم نتمنى – كما اسلفنا- ان يزيد اليها المعنيون، ان العشرات من اعضاء ونشطاء  تلكم الجمعيات والروابط الطلابية العراقية التي نوثق لها وعنها، يواصلون اليوم في بلادهم ذات النهج ، من اجل عراق ديمقراطي الجديد، ومن بينهم عشرات المناضلين السياسيين والنشطاء الوطنيين، الذين تسنموا، وما فتئوا، مهاماً جليلة ومسؤولة في احزابهم ومنظماتهم المدنية ... وكم أظنهم مستمرين بالتباهى - ولم لا  مرة اخرى؟- بتاريخهم وتراثهم وانتمائهم للعمل الطلابى الوطني – المهني ..
       أخيرا، وأذ يتزامن نشر هذه المساهمة مع الذكرى الخامسة والستين لمؤتمر "السباع" الخالد، الذي انبثق عنه اتحاد الطلبة العام الاول في البلاد العراقية ، كم نتمنى – مرة اخرى واخرى – ان يبادر ذوو الشأن، وأكرر: النشطاء الطلابيون "المتقاعدون" مثلنا، فيكتبون ذكريات وتجارب تمد شباب الغد بالمزيد من الخبرات وهم على طريق النضال الديمقراطي والوطني.. فهم، ونحن من بينهم ، على درب واحد ،على ما  نزعم... مرددين سوية ما قاله الجواهري العظيم في بغداد بمناسبة المؤتمر الثاني للاتحاد عام 1959 :
    ياشبابَ الغد انا فتيةٌ، مثلكم فرّقنا في العمر ســنُ...
…والغدُ الحلو بنوه انتمُ ، فأذا كــان لكم صلـبٌ، فنحنُ
فخرنا انا كشفنـاهُ لكم، وأكتشافُ الغـد للأجيال ، فـنُ
 ----------------------------------------------------
 *  رواء الجصاني، السكرتير العام للجنة التنسيــق بين روابط وجمعيـات
 الطلبة العراقيين خارج الوطن، وممثل اتحاد الطلبة العراقي العام، لدى سكرتارية اتحاد الطلاب العالمي، للفترة : 1979- 1986 .


لقاء ممثلي الطلبة العراقيين في الخارج 1982

139
في ذكرى رحيله السنوية الاولى
محمود صبري .. نصف قرن من الابداع في براغ
توثيـــق ... وشهـــادات



محمود صبري في شقته ببراغ  عام 2007- من البوم بهجت صبري
رواء الجصانــي ---------------------------------------------------
أمضى المفكر والفنان الرائد محمود صبري، حوالي نصف قرن في العاصمة التشيكية - براغ، منغمراً في البحث والتنظير والابداع، كما وفي النشاط العراقي العام، والسياسي المباشر منه، وكل ذلك يتطلب – كما نزعم – توثيقاً ملموساً، لذلك التاريخ الشخصي الثري من جهة، والوطني الحافل، من جهة ثانية. وهكذا فان هذه الكتابة ومحاولة التأرخة، قد تروح، وحسب، حافزاً، ومحفزاً، لجمع من المعنيين والمتابعين والاصدقاء، لاضفاء المزيد والمزيد من التفاصيل ذات الصلة بالراحل الجليل... وإذ ندلو بدلو في ذلكم الكم الجزيل والوفير، نثبّت ان ما سيرد عن الفترة 1963 الى 1979 قد اعتمد على وثائق وأوراق جمة... ثم، ومن الفترة 1979 وحتى تاريخ الرحيل المؤسي، للفقيد، في الثالث عشر من نيسان 2012 فجاء اعتماداً على معايشة مباشرة، ومشاهدات ملموسة...
في الشـــأن الوطنــي
فور وصوله إلى براغ، أوائل العام 1963 يشارك محمود صبري، وبجزالة، في مهام اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي التي تشكلت بعيّد انقلاب الثامن من شباط، البعثي، الفاشي، في العراق. وقد ترأسها كما هو معروف، الجواهري الكبير، وضمت جمعاً من الشخصيات السياسية والثقافية البارزة ومنها: نزيهة الدليمي، فيصل السامر، ذو النون أيوب، صلاح خالص، وكذلك جلال طالباني لفترة محدودة، ممثلاً عن الحركة التحررية الكوردستانية... وقد تولى الفقيد الجليل في تلكم اللجنة، رئاسة تحرير مجلتها "الغد" التي صدر منها ثلاثة أعداد، كان من ضمن موادها، الدراسة المقارنة، المهمة، التي كتبها حول الفاشية والعفلقية(1) .
وفي شؤون ذات صلة، وابداعياً هذه المرة، يؤرخ محمود صبري في براغ لبعض من نضال شعبه العراقي، وحركته الوطنية، عبر اثنتي عشرة لوحة بالزيت، صدرت بألبوم موحد عام 1964 ومن بينها عن الشهيد حسين الرضي (سلام عادل) سكرتير الحزب الشيوعي العراقي الذي أعدمه الفاشيون عام 1963 . وقد كان ومحمود صبري في علاقة شخصية، وسياسية وطيدة، منذ أواسط الخمسينات، وفي إطار التمهيد لحركة الرابع عشر من تموز 1958... (2)
ثم يستمر المفكر والفنان المبدع في اهتماماته، بالشأن الوطني، على مدى العقود اللاحقة، ونشير هنا من بين ما نشير اليه:  بحوثه ودراساته، وكتاباته، وحواراته السياسية، المنشورة أو المسجلة، ولقاءات الشخصيات الوطنية معه، ولقاءاته معها، خاصة وان العاصمة التشيكية براغ كانت مركزاً أممياً، للشؤون النظرية على الاقل، للحركة الشيوعية العالمية، من خلال مجلة قضايا السلم والاشتراكية، الى جانب مقرات ومراكز : الفيدرالية الدولية للنقابات، ومنظمة الصحفيين العالمية، واتحاد الطلاب العالمي. وقد كان في جميع تلكم المنابر، من يمثل قيادة الحزب الشيوعي العراقي فيها، اولى العديد منهم اهتماماً  بأفكار محمود صبري، وآرائه التجديدية والتنويرية. بينما اعتبرها عديد آخر، من أقطاب السياسة، الماركسيين آنذاك، خارجة عن المألوف السائد، والمقبول، على أبسط وصف...
كما  ونوثق لمحمود صبري أيضاً في هذه التأرخة الموجزة، الكثير من النشاطات المباشرة، ومنها في الندوات والمؤتمرات والفعاليات السياسية والفكرية، في براغ ولندن وغيرهما، ومن أبرزها مشاركته في مؤتمر المعارضة العراقية في بيروت عام 1991 لمناهضة نظام  صدام حسين الدكتاتوري. وايضاً دراسته التي لم تنشر كاملة عن التجديد في الفكر الماركسي (3). . وكذلك ما شمله الحوار الموسع معه بعنوان "واقعية الكم بين الفلسفة وعلم الجمال" والذي نُشر في بيروت عام 1981(4) ... ذلك فضلاً عن تفاصيل أخرى نشير لها، وهي تحمل مؤشرات عميقة في مدلولاتها، ومنها: الجدال بين علماء اجتماع وسياسيين من ممثلي قيادات أحزاب شيوعية حاكمة، مع محمود صبري، حول نظريته "واقعية الكم" وعلم الجمال الماركسي، وذلك في مقر مجلة قضايا السلم والاشتراكية، ببراغ، أواسط الثمانينات الماضية . وكذلك مناظرة الراحل الجليل حول التجديد والتنوير والجدال الماركسي والبريسترويكا، مع  الشخصية الوطنية – الشيوعية، زكي خيري، في ندوة لفرع رابطة الكتاب والصفحيين العراقية، نظمت في  براغ عام 1988(5). كما نشير في السياق نفسه، الى المقترح الابداعي الذي قدمه محمود صبري لقيادة الحزب الشيوعي العراقي  في اواخر الثمانينات ، بتجديد شعار الحزب، وذلك بأن يكون للقلم، رمزاً للمثقفين، مكان وسط ، بين مطرقة العمال، ومنجل الفلاحين، ولم يحظَ المقترح، كما يبدو بالقبول، وإلى اليوم (6). كما كان الفقيد، الى جانب كل هذا وذاك  حريصاً، جهد ما سمح به الوقت والانشغالات، على حضور الكثير من الفعاليات المحلية في براغ، وخاصة الجماهيرية والديمقراطية العامة، كالندوات والمحافل التضامنية والمناسبات الوطنية والاستذكارية (7).
ومما هو حري بالتأرخة أيضاً – باعتقادنا – التنويه ولو الموجز، إلى اهتمامات الراحل الجليل، بعهد ما بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003... وتطلعاته الى عراق جديد، وقد واكب المفكر والمبدع الجليل مختلف التطورات، مقيّماً بالايجاب، التحولات المدنية والديمقراطية، ونابذاً لما شهدته البلاد من مآس ودمار. مع التأكيد هنا بأن تلكم الشخصية الوطنية الرائدة، لم تلقَ الاهتمام الحكومي الرسمي بها لا من قريب أو بعيد، كما نشهد على ذلك، وبثقة .... باستثناءات محلية محدودة في براغ، الاولى قبل رحيله، والثانية بعده(8) .
في الشأن النظري، والابداعي
... وكما هي اهتمامات، ومثابرة محمود صبري، الوطنية والسياسية المباشرة، يبرز مثيلها في الشأنين النظري – الفكري، والابداعي، ولا شك فثمة مشتركات وتداخلات بين المضمارين.  وهكذا ايضا كان للفقيد الجليل محطاته المتميزة، بل والرائدة في براغ، وأهمها: اطلاق "اعلانه" عام 1971 ذي الشأن بنظريته "واقعية الكم" . وقد اقام في براغ ايضا عام 1972 معرضاً حول تلكم النظرية التي ترتكز على ارتباط الفن بالعلم والمستقبل، والتي أثارت، وما برحت الى اليوم، جدالات واهتمامات عديدة ومتشعبة لدى المختصين والمتابعين، العلماء والسياسيين وغيرهم.
وتتوالى المحطات والنشاطات ذات الصلة، بأشكال متعددة، ويتداخل فيها الابداعي مع السياسي، وبحدود متشابكة، كما اسلفنا... فهناك لوحتان من أعمال الراحل- الخالد، في خزائن الكاليري الوطني التشيكي... وهنا علاقات وطيدة مع المبدعين التشيك، وغيرهم من المثقفين والفنانين العراقيين والعرب، الحريصين، والذين لا تكتمل زياراتهم الى براغ إلا باللقاء مع "الأستاذ" صبري... ذلك ان لم تكن تلكم الزيارات مقصودة له فقط، تأرخة وزيادة معرفة، وتعلماً. ونشهد شخصياً هنا، بهذا السياق، الى حواراته مع فيصل لعيبي، وعباس الكاظم واسماعيل زاير، المنشورة والمسجلة وكذلك مع بهجت صبري وقتيبة الجنابي، اللذين انتجا فيلمين تسجيليين في براغ عن الراحل، الخالد، وذلك عامي 2007 و2008 حمل الأول عنوان "محمود صبري بين عالمين" والثاني "انعكاس ضوء". كما ولا يفوتنا ايضاً التوقف برهة لنشير الى الندوة المهمة التي نظمها فرع رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين العراقين في قاعة المحاضرات بمتحف"لينين" ببراغ عام 1988 وقد عرض  خلالها الرائد الكبير بعض خلاصات عن نظريته في واقعية الكم، وشؤون فكرية وسياسية عامة(9) .

محمود صبري في مرسمه- شقته،  والى يمينه رواء الجصاني- براغ 2007
كما ونوثق هنا أيضاً الى الاهتمامات الاضافية الأخرى التي لم يكن ليقصر فيها الرائد الكبير، في براغ، برغم مشغولياته وانشغالاته العلمية والفلسفية والابداعية ومن بينها، للمثال وليس للحصر: اتمام تصاميم وتشكيلات فنية لرابطة الكتاب والصحفيين، ورابطة المرأة العراقية، والمنتدى العراقي في الجمهورية التشيكية، وعديد آخر.
وفي ذات الشأن الذي نوثق له، ولربما وبشكل متميز هذه المرة، ننوه هنا الى العناية المتميزة التي أولاها محمود صبري لمشروع "بابيلون" الثقافي الاعلامي، الذي انطلق في براغ اواخر العام 1990 ... وقد تبناه فكرة ومشروعاً،  توجيهاً ورعاية، وتصاميم ومتابعة أسبوعية، بل ويومية بعض الأحيان... وقد عزم على تطوير ذلك المشروع، بكل حميمية، وبهدف ان يطلقه من واقعه المحلي، الى منبر فكري عام، ومن بين ذلك مشروع اصدار مجلة ثقافية فكرية(10). وتكررت الحال ذاتها، وبحرص حميم، عشية التهيئة لاطلاق مركز "الجواهري" للثقافة والتوثيق عام 2002 والذي كان محمود صبري يتابع أمره، وحتى جزئيات اطلاقه، ومن بين ذلك محاولته لتوفير الدعم المادي له، وثمة لهذا الموضوع  تفاصيل عديدة، ليس من حيز مناسب للتوقف عندها، في التأرخة على الأقل.
   خاتمة – مقدمة، لتوثيق آخر...
... وإذا ما كان هذا التوثيق الموجز قد تحدد بشأنين بارزين، متداخلين، لا فكاك بينهما، ونعني بهما الوطني – السياسي، والابداعي – الفكري، فثمة ثالث متميز، ونعني به الشأن الاجتماعي، الانساني، لمحمود صبري، وعلاقاته العامة وحياته اليومية، وزهده وشموخه... ونزعم ثالثة – وأخيرة  هذه المرة– انها جديرة بالتوثيق، إذ تعبر عن الكثير من صفات المثقف العبقري، المتواضع الكبير، وذلك ما نعد بالسعي لاتمامه، محاولة لبعض وفاء لمعلم، وصديق نتباهى بالتفرد معه، بعلاقة شخصية وخاصة، وعلى مدى ثلاثة عقود على الأقل.
هوامــــــش واحـــــالات
1- اعاد اعلام الحزب الشيوعي العراقي، في شباط الماضي نشر تلكم الدراسة بحلقاتها الثلاث .
2- تفاصيل وافية حول ذلك في ذكريات السياسي العراقي البارز محمد حديد ... ونشير هنا ايضا الى اللقاء بين سلام عادل، ووصفي طاهر، ممثل حركة الضباط الأحرار، في بيت محمود صبري، في بغداد، عشية حركة الرابع عشر من تموز 1958 التي أسست للجمهورية الاولى في العراق.
3- نشرت مجلة "الطريق" اللبنانية أواخر التسعينات فصلاً منها، باهتمام مباشر من المفكر كريم مروه، بعد لقائه مع محمود صبري- بحضورنا-  في بــراغ .
4- اتمم الحوار: مجيد الراضي وفالح عبد الجبار ويحيى بابان (جيان).
5- نشرتها مطبوعة "مرافئ"  الدورية، في اصدار خاص، وكان يشرف عليها، صادق الصائغ، في براغ، كمنبر أوربي للرابطة .
6- نشرت المقترح (القلم بين المطرقة والمنجل) الصحيفة المركزية للحزب الشيوعي العراقي أوائل التسعينات.
7- نشير هنا على سبيل المثال لا الحصر، الى بعض حضور، ومشاركات محمود صبري في براغ، ومنها: حفل افتتاح مؤتمر الطلبة العراقيين في الخارج الذي انعقد عام 1983. وكلمته المهمة في اربعينية غائب طعمة فرمان، عام 1990 ... ومشاركته في اجتماع تمهيدي، عام 1998  لتشكيل هيئة للتضامن مع نضال الشعب العراقي ضد الدكتاتورية والارهاب. وكذلك  حضوره لحفل الاحتفاء المهيب بمئوية الجواهري، عام 2000.
8- تم في براغ، عام 2008 وبرعاية سفير العراق، ضياء الدباس، احتفاء انيق بمناسبة العيد الثمانيني لمحمود صبري. كما ورعى سفير العراق، حسين معله الحفل التأبيني للراحل الجليل في حزيران2012.
9-  حضر الندوة نحو مئة شخص، وتحدث خلالها، اضافة لمحمود صبرى، كاتب هذه التأرخة، ومفيد الجزائري، وكذلك، الشخصية الوطنية العراقية البارزة، عامر عبد الله.  
10- حملت، وتحمل، اغلفة مطبوعات "بابيلون" منذ اثنين وعشرين عاما والى اليوم، تصاميم رئيسة، اتممها محمود صبري، خصيصا، لتلكم الاصدارات.




140
ماذا بين  الجـــواهري والشيوعيـين؟!
* رواء الجصاني
---------------------------------------------------
     نشرنا في العام الماضي، وفي مثل هذه الايام تحديدا، وقفات سريعة، حول بعض تراث الجواهري الثري، وعنه، قلنا فيها ان الحديث يطول ويعرض، ويتشعب، عن مواقف ذلكم الشاعر الخالد من الحركة الوطنية العراقية، والشيوعية اساساً، وعلاقاته مع قياداتها الرئيسة، خصوصاً، وعلاقات تلكم القيادات به، ولقرابة سبعة عقود، وأزيد، ومنذ أواسط ثلاثينات القرن الماضي، وحتى تسعيناته بشكل محدد .
    وقد وعدنا بالسعي لاتمام بحث موسع بهذا الشأن، لأهميته البالغة على ما نظن، في تأرخة وتوثيق نضال عريق وحافل لأمة عراقية، كان قصيد الشاعر العظيم سفراً زاخراً لها، تناولته عشرات الفرائد، وبعشرات المناسبات، ولم تكن سجلاً لها وحسب، بل وشهادات عيان عليها، توثق للمزيد والمزيد منها، وعنها . ونعترف ان عاما قد مرّ، ولم نتمكن من الايفاء بذلكم الوعد، ليس لسبب آخر، سوى زحمة الوقت، لا سيّما وقد توفرت لدينا اضافات جديدة، واوراق ذات صلة، واستذكارات ثمينة- كما نزعم – مما تطلب جهدا ووقتاً، أعوزانا للسير قدما بتلك المهمة .   
      ومع ذلك، وفي اطارالامر وخلاله، ها نحن نعود اليوم  نعود اليوم لاجتزاء بعض مما سجلناه في كتابتنا السابقة، عن التوثيق ذاته، مع "تأنيق" هنا، وتجديد واضافات هناك، فضلا عن محطات جديدة، هي أقرب للمشاهادات والشهادات الشخصية، عن فحوى الموضوع، ومحتواه... ونعني: مواقف الجواهري من الشيوعيين، وعلاقاته مع قياداتهم بالأخص، وعلاقاتها به، كما اسلفنا. ولكل منها تفاصيل وتشعبات تحتاج بحد ذاتها لدراسات وبحوث واستنتاجات موسعة، تضاف لمساهمات عديدة، سبق وان نشرت عبر متابعات وحوارات ولقاءات وغيرها... ومن هنا -أيضا- فإن كتابتنا هذه تهدف لمزيد من الملموسيات المحددة، عن ذلك التراث، والتاريخ ذي الشأن. ومما نؤشر اليه بهذا السياق، عددا من الاتجاهات التي قد تساعد في الوصول الي بعض المراد، ومن بينها:-
1-   تقارب انطلاقات الوعي "الجواهري" الانساني، بل وتشابكه، مع بدايات ذيوع الوعي"الشيوعي" والوطني الثوري في العراق، فكراً وسياسة وتنويرا اجتماعيا .
2-   ترافق ذلكم ايضا مع انطلاقات النهضة السياسية في البلاد، وتشكل الجمعيات، والاحزاب السياسية، وغيرها من الاطر الثقافية والمدنية .
3-   تعمق علاقات الجواهري الشخصية، والخاصة، مع النخب ةالشخصيات الوطنية والفكرية والادبية، اعترافاً منه بتميزها، واعترافاً منها بريادة الشاعر الخالد، وعبقريته الاستثنائية.
4-   انغمار الجواهري في ميدان الصحافة، ثم العمل السياسي المباشر، الى حد انه كان عام 1946 الرجل الثاني في الهيئة المؤسسة لحزب" الاتحاد الوطني" الى جانب عبد الفتاح ابراهيم .
5-   خوض الرجل –الجواهري- للنشاط البرلماني العراقي، وترشحه للمجلس النيابي عام 1947 ... ثم في عام 1948 .
6-   اضطرار الشاعر الكبير للتغرب والاغتراب، واللجوء السياسي، في الخمسينات الماضية الى القاهرة، ثم دمشق... وبعدها الى براغ عام 1961 – 1968 والعودة الى تلكم الحال، والى براغ ايضا، ودمشق، منذ عام 1980وحتى رحيله عام 1997 .
7-   النشاط الريادي للجواهري في مجالات العمل النقابي والمدني، الوطني والعربي والعالمي، منذ اواسط الاربعينات، ومن أبرزها: مساهمته، ممثلا وحيدا عن البلاد، في المؤتمر التاسيسي لحركة السلام العالمية في بولندا... ثم تبوؤه مهمة نقيب صحفيي العراق الاول، ورئيس اتحاد الادباء العراقيين، في ان واحد، عام 1959.
8-   المشاركة الفاعلة في هيئات وفعاليات التضامن مع الشعب العراقي ضد الظلم والعسف والارهاب، بشكل مباشر، ومن اهمها كما نشهد: انتخابه رئيسا للجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي، اثر الانقلاب البعثي الاسود، الاول، في شباط 1963 ... وحيويته في مؤتمر المعارضة الوطنية للنظام الدكتاتوري، بيروت 1991.
   واذ نشير للمحددات الموجزة اعلاه، أنما يهمنا منها القول: ان كل الفعاليات المنوه لها، كان للشيوعيين وقياداتهم، ونخبهم، دور بارز فيها. ومن هنا فقد توطدت، ولحدود بعيدة، صلات وعلاقات الجواهري الكبير، ولنحو سبعة عقود، مع اقطاب الحزب الشيوعي، ومفكريه ومثقفيه، من اجيال مختلفة، في تلكم المنابر، والاطر والنشاطات، وخاصة في بغداد وبراغ ودمشق، ، وفي مقدمتهم الشهداء الخالدون: يوسف سلمان يوسف – فهد، حسين الرضي – سلام عادل، جمال الحيدري، صفاء الحافظ، عبد الرحيم شريف، توفيق منير، محمد حسين ابو العيس، عبد الجبار وهبي .... وكذلك الراحلون الاجلاء: زكي خيري، عامرعبد الله، محمود صبري، رحيم عجينه، صالح دكله، ثابت حبيب العاني، نزيهة الدليمي، صلاح خالص، محمد صالح بحر العلوم . وله – الجواهري- مع العديد من تلكم الشخصيات، وأولئكم المناضلين، ذكريات عديدة، واخوانيات، كما و" مناكدات" شعرية ووجدانية، من جهة، واستذكار وتخليد وتمجيد، من جهة اخرى، كما يعلمنا ديوانه العام، وذكرياته، الى جانب وقائع ووثائق اخرى، نأمل ان نسلط عليها الضوء لاحقا. وفي هذا السياق سنتجاوز – حالياً- الحديث عن صلات وعلاقات واخوانيات الجواهري، مع نخبة اخرى، وجمع اخر، من المسؤولين الشيوعيين، الراهنين، او المبتعدين عن الحزب لهذا السبب او ذاك. وقد عمدنا لتاجيل ذلك الى فترة قادمة، احترازا، لا لسبب آخر. خاصة وأن ثمة تفاصيل وشؤون عديدة، وكثيرة، تحتاج لمزيد جهد ووقت لاتمام توثيقها .         
   ولكي لا يبقى الأمر هنا فضفاضاً، والحديث عاماً، دعونا نتوقف عند قصيدتين اثنتين لا غير، من عديد أُخر، فيهما الكثير والعديد من المؤشرات ذات الصلة، عن علاقة ومواقف الجواهري من الشيوعيين، وهم الفصيل الأقدم - على أبسط وصف – في الحركة الوطنية الذي تصدى واستمر، ومنذ أواسط ثلاثينات القرن المنصرم، مقارعاً بحزم ومثابرة، العسف والطغيان والظلامية في البلاد... ونعني بتينك القصيدتين رائيته العصماء عام 1951 والموسومة " في مؤتمر المحامين"، وفريدته المعنونة "سلاماً .. إلى أطياف الشهداء الخالدين"، التي نظمها بعيد الانقلاب البعثي الدموي الأســــود عام 1963.
       ففي القصيدة الأولى التي تتجاوز أبياتها المئتين وعشرين، يمجد الجواهري في مقاطع عديدة منها، نضالات الحركة الوطنية، وشهدائها من شيوعيين وثورييـــــــن وغيرهــــم ... وقد جاء مطلعها باهراً كما هي العادة ليقول:
سلامٌ على حاقد ٍ ثائر ِ، على لاحب ٍ من دم ٍسائر ِ
يخبّ ويعلم ان الطريق، لابد مفض ٍإلى آخر ِ
كأن بقايا دم السابقين، ماض ٍ يمهد للحاضر
    ثم يعود في المقطع التالي مباشرة للتصريح بدل التلميح، وبصوت جهوري، واصفاً بهيبة وإجلال أولئك المناضلين المضحين من أجل الحياة الحرة الكريمة، والمستقبل المشرق... وقد رأى العديد من المتابعين أن أعدام القيادة الشيوعية – الوطنية الأولى (فهد، صارم، حازم) في شباط 1949 كان له أكثر من تأثير على الجواهري لنظم هذه العصماء، خاصة وأنه قد توقف في جزأي مذكراته على تلك الواقعة الكبيرة، وعند علاقته مع مؤسس الحزب الشيوعي (يوسف سلمان يوسف - فهد) في الأربعينات الماضية:
سلامٌ على جاعلين الحتوف، جسراً إلى الموكب العابر
على ناكرين كرام النفوس، يذوبون في المجمع الصاهر ..
سلامٌ على مثقل بالحديد، ويشمخ كالقائد الظافر
كأن القيود على معصميه، مصابيح مستقبل زاهر ...
تعاليت من قدوة تقتدى، ومن مثل ٍ منجح ٍ سائر
سمير الأذى والظلام الرهيب، خلا الحيّ بعدك من سامر ِ
   وإن كانت تلكم الأبيات تؤشر، ولم تحدد، فان القصيدة الثانية التي نعني، ولنقلْ "السيمفونية" ولا نخف، جاءت بأكثر من اسم وكنية ولقب، لعديد من شهداء الحزب الشيوعي، وقياداته الذين نال منهم فاشيو العهد البعثي الأول، في الثامن من شباط 1963... ومنذ بداية تلكم القصيدة المتفردة، بل والسيمفونية كما اسلفنا، يعبّر الجواهري عن عمق مشاعره لشموخ أولئكم الأبطال قائلاً:
سلاماً وفي يقظتي والمنام، وفي كل ساع ٍ وفي كل عام ِ
تهادي طيوف الهداة الضمام، تطايح هاماً على اثر هام ِ
سلاماً وما انفك وقد الضرام، من الدم يشخص حياً أمامي
ثم يستمر الرمز العراقي الأبرز مستذكراً، وموثقاً لكثير من الأ
حداث، بالصور تارةً، والايحاء مرات أخرى، مفسراً ومؤرخاً بشكل مباشر للوقائع، وممجداً الواهبين حياتهم للشعب والوطن، والقيم والمبادئ العظيمة... خاصة وان له - كما يؤكد العارفون - علاقات حميمية ووطيدة مع العديد من أولئك الشهداء البواسل:
سلاماً مصابيح تلك الفلاة، وجمرة رملتها المصطلاةْ
سلاماً على الفكرة المجتلاة، على صفوة الزمر المبتلاة
ولاة النضال، حتوف الولاة، سلاماً على المؤمنين الغلاة
سلاماً على صامد ٍ لا يطالُ، تعلّم كيف تموت الرجالُ  ...
*****************
سلاماً وما أنا راع ٍ ذماماً إذا لم اسلم عليكم لماما
سلاماً ضريحٌ يشيع السلاما، يعانق فيه "جمالٌ" "سلاما" (1)
سلاماً ، أحبة شعب نيامى ، إلى يوم يؤذن شعب قياما.
*****************
حماة الحمى والليالي تعودُ، وخلف الشتاء ربيع جديدُ
سيورق غصنٌ، ويخضر عودُ، ويستنهض الجيل منكم عميد
سيقدمه "رائدٌ" إذ يرود، ويخلف فيها اباه "سعيدُ" (2)
و"سافرة" ستربِّ النسورا، توفي أبا "العيس" فيهم نذورا (3)
  ثم تتابع أبيات القصيدة التي يتلاحم فيها – كما توحي، بل وتبين معانيها – الخاص مع العام في مواقف الجواهري من الشيوعيين، وعلاقاته بقياداتهم، طوال عقود، كان الجانبان حريصين – كل الحرص – على ادامتها وتعميقها، برغم "عتاب" هنا و"دلال" هناك، أحياناً... ولنا حول ذلك وقفة، بل ووقفات أخرى .
----------------------------------------------------------------------
هوامــــــش واحــــــالات:
* تقتضي الاشارة هنا على ما نظن، الى وفير من كتاباتنا التوثيقية الاخرى، المنشورة في وسائل اعلام عديدة، شملت تفاصيل ذات صلة، ومنها بعناوين: الجواهري سياسيــــــــاً .
- صحفيا. - لاجئا سياسيا. - رئيسا للجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي ... وغيرها.
1- "جمـــال - "سلاما" : الشهيدان: جمال الحيدري وسلام عادل .
2- "رائــد" - "سعيد" : نجلا الشهيدين: عبد الرحيم شريف "وعبد الجبار وهبي .
3- "سافرة"- "ابو العيس": سافرة جميل حافظ، زوجة الشهيد محمد حسين ابو العيس.
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com



الجواهري - زكي خيري


الجواهري في الوسط والى يساره مسعود بارزاني وفخري كريم ، والى يساره نبÙ


رواء الجصاني 2011


141
كفاهُ جيلان محمولاً على خطر
حين أراد الجـواهـري أن يُريح ركابه !!
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
بعد سبع عجاف من اعوام الغربة المريرة، يقرر الجواهري العودة للبلاد، من براغ، متفائلاً بعهد جديد، كما هي حال الكثير من "المتفائلين" ومن بينهم قوى واحزاب سياسية، وشخصيات وطنية، أستدرجتهم، بغفلة، شعارات العهد البعثي الثاني، بعد تموز 1968 ...
    وفي حفل احتفاء مهيب، بعودة الجواهري الى البلاد، نظمه رسميون وثقافيون، في متنزه صدر القناة ببغداد، يلقي الشاعر العظيم "رائية" حاشدة بالرؤى والاراء، والتوثيــــــــــــق والمواقف، دعـــــوا عنكم التنويه والوعظ والتنوير.. وجاء مطلعهـــــــا:
أرحْ ركابَك من أينٍ ومن عثَرِ، كفاكَ جيلانِ محمولاً على خطرِ
كفاك موحشٌ دربٍ رُحتَ تقطعُهُ، كأنّ مغبرّه ليلٌ بلا سَحَرِ
ويا أخا الطير فـي وِرْدٍ وفـي صَدَرٍ، فـي كلّ يومٍ له عُشّ على شجر
عُريانَ يحمل مِنقاراً وأجنحةً، أخفّ مالمّ من زادٍ أخو سَفَر ..
خفّضْ جَناحَيكَ لا تهزأ بعاصفةٍ، طوى لها النّسرُ كشحيه فلم يَطِر
    وبحسب متابعاتنا، ورؤانا: مابرحت، تلكم "الرائية" والى اليوم، لم تعطَ حقها المطلوب، ولم تشتهر كما تستحق، برغم انها بانوراما اخرى من فرائد الجواهري، وقد جهد ان تكون عصماء في اتجاهاتها ومحاورها وبنائها، وموسيقاها حتى. وكيف لا ؟ وهي الأولى له أمام من أحبهم، وعناهم : نخباً وأصدقاء ومحبين، كما ومتربصين ومتفيقهين، في بغداد دجلة الخير، بعد تلكم السبعة اعوام من غربة خالها سبعين، بحسب تعبيره ... كما وانها الأولى في أوضاع جديدة شهدتها البلاد، كما اسلفنا، واحتسبها خيراً " ترضيه عقبـــاه" :
يا صورةَ الوطنِ المُهديك مَعرِضُه، أشجى وأبهجَ ما فيه من الصّورِ
غيومَه وانبلاجَ الشمس والقمرِ، وقيظَـه وانثلاجَ الليـل والسـحر
وما يثير الدّمَ الغافـي بـتربتـه، من صحوة الحِقد، أو من غفوة الحذر
والعبقرياتِ لـم تُنهَض ولـم تُثَرِ، والتضحياتِ توالى عن دمٍ هدَر
والناذرينَ نفوسـاً كلّها ثمرٌ، والناهزين لما يُجنى من الثمر
  ولكي يفوت الفرصة على النهازين، ويحترز من سموم لؤم واحقاد، واصطياد، باح الجواهري في مطولته ذات المئة والسبعة والعشرين بيتا، وبكل مباشرة، بما يعتلج به صدر صاحبها من عتاب، وغليان نفس، الى جانب شموخ عميم:
طِرْ ما استطعتَ مطاراً عن نقائصها، وعن مرافعها الجُلّى فزِد وطِر...
وكن فخوراً بما أُعطيتَ من دمه، على الحجولِ، وفـي الأوضاح والغرَر
فإن تحدّاك من عليائه ملَـكٌ، يزهو عليك، فقل إنّي من البشرِ ...
أنّى ثوى ذو طماحٍ فهو مغتربٌ، فـي دارةِ الشمسِ، أو فـي هالةِ القمرِ
   وفي مناجاة مع النفس اولاً، وليشد الاسماع ويبهرها من جديد، راح شاعر الامتين"يغازل" بلاداً عشقها، متباهياً، ومذكراً من تناسى، او اراد أن يتناسى، تاريخا جواهريا حافلاً، على مدى عقود مديدة:  
يا ساحرَ النفس كالشيطان يا وطناً، يُهوى ويُصفى على الويلاتِ والغِيَر ...
حملتُ همّك فـي جنبيّ أصهَرُهُ، فـي لاعجٍ بوقيد الشوق منصهِر
وكنتَ نوريَ فـي ليلي وغربتِه، حتى كأن النجومَ الزرقَ لم تُنرِ...
عَـودٌ إليـك بأقـدامٍ موطأةٍ، على دروبٍ، جراحي فوقَها أثري
تبنّتِ الدمَ من روحي ومن بدني، واستلت الضوءَ من ليلي ومن قمري
   وبحسب ما نجتهد ايضا، نرى ان اختيار الجواهري، لبحر وموسيقى، وتفعيلات "أرح ركابك" جاء مقصوداً ليطابق بحر وموسيقى وتفعيلات "يا دجلة الخير" الأشهر ... بل ضمُن فيها  العديد من مفرداتها ومعانيها، وحتى بعض مقاطع من أبياتها، في العصماء الجديدة، كما يُبان ذلك بجلاء، للمتابع المقارن، والمقارب:
يا دجلةَ الخـيرِ ما هـانت مطامحنـا، كما وَهِمنا، ولم نَصْدُقْكِ فـي الخبر
ها قد أَقَـلْـنـا على سفحيك يؤنسُنا، لوذ الحمائمِ بين الطين والنّهَر
وعانَقَتْنا حِسانُ النخل واصطفقتْ، جدائلُ السّعفِ المُزهاة لا الشّـعر ...
يا دجـلة الخير ـ والأيّـامُ تَسـحقُنـا، بين البشائرِ نرجوهنّ والنّذر ...
      كما وراح الشاعر الخالد يخاطب واهمين، حاولوا ان يَطالوا وقائع وشواهد تاريخية مثبتة... ولم يتوقف في هديره، إلا وهو قد ألجم المقصودين، علانية وتورية، بما يستحقون، فراحوا منكفئيـــن، ولم يُسمع لهم رد مباشـــــر، بل ولا حتى همس يذكر، رداً او تعقيباً، او غيرهما  :
يا (دجلة الخير) إنّا بعضُ من عَصَرت، كفّ لوى مِعصميها أيّ معتصر ..
عِفنا لها ناطحاتِ الجوّ فارعـةً، ونازعتنا على ضَحيانَ مؤتجَر
أغرت بيَ السبعةَ الأعوامَ تَحسَبها، هوجَ العواصف تُستعدى على الشجر
لم تدرِ أنّ جذوري غيرُ خائسةٍ، كالجِذرِ منها، ولاعُودي بذي خَور...
يا جازعينَ بأن غامت سماؤهُمُ، وما يزالون في فَينانَ مزدهر
رأيتمُ كيف هان الصبرُ عندكمُ، وكيف كان على اللأواء مصطَبري ...
يا (دجلةَ الخير) نحنُ الممتلين غنىً، بنا انعطافٌ على ملآنَ مفتقِر
ثم راحت " الرائية" الجواهرية السبعينية تشدد وتصعد، متفجرة بغضب عارم، ليس اشتهاءً، وانما  بعض تعبير عن بعض هضيمة التاع بها "أبن الفراتين"  وحتى من ديار وخلان وصحــــاب :
واللهِ لو أُوهَبُ الدنيا بأجمعِهـا، ما بِعتُ عزّي بذُلّ المترَفِ البطِر
قالوا يظنّون بي شيئاً من الصّغَر، فقلت فيهم وبي شيءٌ من الصَعَر
رثيت للعقرب اللّدغى جِبِلّتُها، لفرط ما حُمّلَت سُمّاً على الإبر
لولا مغبّـةُ ما تَجني ذُنـابَـتُـهـا، لقلتُ: رفقاً بهذا الزاحفِ القَذِر ...
وفي مقطع تالٍ، واخير من"أرحْ ركابك"  فاض الجواهري لينور مرة اخرى، ويوشي ببعض هواجس، وتخيلات، بل وربما تحريض إستباقي، دفعاً لمآسِ تنبأ بها، وقد بدأت، وحلت فعلاً، بعد سنوات، بل أشهر معدودات، حين عاد الفاشيون لجذورهم ... ومعروف للجميع ما ساد في البلاد طوال حكمهم البغيض، وحتى سقوطهم الذليل عام 2003 :
ويا قُوى الخيرِ كوني خيرَ صاريةٍ، يُوقى الغريقُ بهـا دُوّامةَ الخطر
نجوى خليصِ هوىً ما انفكّ بينكُمُ، خمسينَ عاماً مَلاء السمع والبصر
لـم يمشِ يوماً إلى تَجْرٍ بمعتركٍ، ولا تدرّبَ فـي حانوتِ متّجِر ...
لُمّي صفوفَكِ يشْمَخْ فـي تلاحمها، مجدٌ يُضاف إلى أمجادك الأُخَر
واستأصلي البؤَرَ السوداءَ، واقتلعي، منها الجذورَ، ولا تُبقي ولا تذري ...
إنّ الدياجيرَ لا تُجلى غياهبُها، إلا إذا التمّ شملُ الأنجم الزّهُر...
ونخبةُ القوم يستهدي بأوجهِها، شعبٌ تخبطَ فـي عمروٍ وفـي عُـمر
    ومما نلفت الانتباه اليه أيضاً، بصدد تلكم الرائية العصماء، ان الجواهري قد حرص، شخصياً، على شرح العديد من أبياتها، مقاطع وكلمات وتعابير، وبشكل مباشر... ولعلنا لا نبالغ في القول، ان قصائد الديوان الجواهري العامرة جميعها لم تشهد مثل تلكم الشروح التي تولاها الشاعر العظيم بنفسه، وبتفاصيل مطولة، ولربما بلا ضرورة أحياناً ... ويبدو انه أراد ان يثبت المزيد من المقاصد مما جاء به  فحوى وشكل، ومبنى ومعنى "أرح ركابك" المبهرة.
مع تحيات مركز "الجواهـــري" في براغ
www.jawahiri.com


142
تعالوا، لنتنابز بالاسماء والالقاب والتاريخ، ولمَ لا !!
عن بعض" مثقفي" ألارهاب في العراق[/b]

-------------------------------------
  رواء الجصانـــــي
babyloncz@yahoo.com
     يُكتب، ويُنشر بين حين واخر، عن مركزنـا - مركز الجواهري في براغ - ما يُزعم انه "ملاحظات" و" نقدات" كما وتحذيرات وشتاءم سفيهة، وجلّها تحت اسماء مستعارة، لأن اصحابها يخجلون حتى من أنفسهم، كما يتبيّن، وما لنا من تفسير آخر لذلك ... وهم يتجرأون حتى ان تطال كتاباتهم من الرمز الوطني والثقافي الابرز، في القرن العشرين على الاقل، صاحب: "المقصورة" و "انا العراق" و"دجلة الخير" و"امنت بالحسين" و"أنا حتفهم" و"قلبي لكردستان" و"جمال الدين الافغاني" و" أخي جعفر" والفرائد الجليلات الاخريات ...   
    وقد كتبنا عن اولئك – وهؤلاء- في فترات سابقة، ويبدو انهم بحاجة بين حين واخر ان يعرّفوا بحجومهم الحقيقية "ويا طالما كان حدّ البغيّ ، يخفف من فُحش اهل البغا" وخاصة حين يحاول ان يعلو فحيح "الملثمين" من "المناضلين" الجدد، شكلاً، وأرباب السوابق فعلاً، ليخلطوا الحابل بالنابل، وليختبئوا بعد ذلك تحت عباءات "الوطنية" و"الثقافة" المنغمسة بالخبث واللؤم، وليديفوا السمّ بالعسل، وان كان الثمن أنهار دماء تسيل لضحايا وأبرياء، لا "ناقة" لهم بالسياسة، ولا "جمل" في دهاليز الخداع والزيف...
     وفي نص موتور، جديد، ظهر على موقع "ملثم" مجهول النسب، يحاول أن يتدرع بشخصيات ثقافية، دون فائدة، إذ فاحت منه عفونة الأحقاد في اختيار العديد من مواده، وتحريضه على الدم والقتل تحت شعارات مزوقة تدعو لحرق الأخضر واليابس في العراق... ولا ضير في ذلك أبداً بالنسبة للبعض ممن يعنيهم هذا الرد من "لاجئين" و"ثــوريين" في ربوع بلدان استعمارية "بشعة!" ومع ذلك يتسلمون منها تكاليف المأوى والملبس والمأكل والعلاج والضمان الاجتماعي "الحقيقي" أو "المزيف"... ثم يصعدون من شتمهم للاستعمار و"أذنابه" وكم يكاد المرء ان يقول:خــذوني!!!...
   وذلكم النص الموتور الذي نشير اليه، كتبه "ملثم" قدير كما يبدو، تخبأ تحت اسم "ملثمة" محترفة، وما أكثر مثيلاتها في هذه الأيام، وقد حاول أن يطال من مركزنا الثقافي الروح والعطاء... والادهى ان كاتبه – كما توثقـنا – يعيش اليوم في أزقة "رأسمالية" كما كان قبل عقود في حانات "اشتراكية" سابقة...
      وللتنويه وحسب، نجدد ان مركزنا التنويري، الذي ما برح يثير ضغينة الملثمين، لا شيء لديه ليخفيه... تديره عصبة، متطوعة تماما، جهداً وتمويلاً،  ومنذ اكثر من عشرة اعوام، تتباهى بتاريخها، وأصولها، وجذورها الوطنية والسياسية، كما بإرثها التليد، وليس مثل "جاههم انتحالا"... فأين منهم أولئك "الملثمون" الداعون للحقد والطائفية، والغلوّ، وللعنف وسفك الدماء؟!. وإلا فلنتنابز بالألقاب والأسماء والمواقع والتاريخ، والاتجاهات والآراء، علناً، مع سبق الاصرار، وحينها سيعرف الجميع من هم "المجزون" حقاً، ومن هم المدّعون ... ولنتبارز باليراع النبيل، وليس اللئيم، وحينها تتوازن المنازلة وتحلو، وتتجلى، وذلك ما نطمح إليه بكل حرص، بل وما نسعى إليه... وإلا، وخلاف ذلك، يحق لنا دون ايما ريّب ان نكرر: لقد كان للفاشية والنازية "أدباؤها" و"مفكروها" وللارهاب اليوم في العراق، وخارجه، "مثقفون" و"أنصار" معروفون، وان كانوا ملثمين، وحسابهم لابد أن يكون مثل حساب أسلافهم، في قاع الذل الأبديّ...
     وأخيراً، فلقد تقصدنا أن يكون النشر موجزاً ومحدوداً متمثلين ببيت شعر عربي مدل: "كبرت عن المديح فقلت أهجو، كأنك ما كبرت عن الهجاء"... ولنا عودة إن تطلب الأمر ففي الجعبة والأرشيف ما لا يسر المعنيين، ويدحض حقيقة الذين يحبون العلوّ، وإن كان ذلك على حساب كراماتهم، ويرجون الظهور بأية وسيلة جاءت، ومن أين وبأي ثمن!!!...
مركــز "الجواهري" في براغ
www.jawahiri.com


143
مع الجــواهــري في دمشـــق ...
 ذكريات وشهادات، وخصوصيات، وما خفي أعظم !

---------------------------------------------------
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
... وها هي ذكريات اخرى مع الجواهري، وشهادات عنه، وهذه المرة شآمية الهوى، دمشقية الوقائع... تتشابك عراها، وتمتد لاكثرمن نصف قرن، حين قدمنا، زمرة من الأخوة، برفقة الوالدة، من بغداد عام 1957 لنقيم في وسط العاصمة السورية، وعند محلة "السبع بحرات" تحديداً، ضيوفاً لأكثر من شهر، عند  الخال الجواهري، وعائلته، وهو لاجيء سياسي في دمشق، بعد ان خلف غاشية الخنوع وراءه، في العراق ... ومن بين ما تعبق به الذاكرة - وياوليها- سفرة في تلكم الايام، ضمت عائلتيّ: الجواهري، وأخته نبيهة، ونحن من بينها، الى مصيف الزبداني – متنزه شلالات "ابو زاد".. الجنة الصغيرة التي حسبناها آنئذٍ، وقد كان هناك، صدفة، الشاعر احمد الصافي النجفي، المغترب الى بلاد الشام أيضاً... وما أحلى، الصورة الفوتغرافية التي يضمها الالبوم الى اليوم، أتوسطها، وأنا ابن سبع ، بين الشاعرين ...
- ايــهِ  يا عهــدَ الصبــا !!!
وينقطع الوصل، مع دمشق، ورباها، حتى خريف عام 1972 حين دخلتها بهوية "مقاتل" في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في طريقي الى موسكو، وكان الشاعر ألفريد سمعان، عنواني الدمشقي، بتوصية سياسية من بغداد... وقد رجعت للشام بعد نحوعام، عائداً الى بغداد، وهذه المرة بجواز منتهي النفاذ، لخوض غمار النضال" السلمي" !!!...
... ويعود الوصل لدمشق من جديد، ولنقل نواصله، عام 1980 حين انطلقت اليها من براغ، حيث أستقرت بنا الحال، للمشاركة في ندوة طلابية سورية- عالمية، ضمن وفد عراقي، ومعنا: عماد الطائي، قادماً من موسكو... ومنها الى العاصمة اليمنية الجنوبية- عدن، للمشاركة في ندوة شبابية عالمية، كان حاضراً فيها أيضاً، عراقي كردي، هو روج نوري شاويس، ممثلاً لجمعية الطلبة الأكراد في أوربا...
... ثم يزداد الوصل، التواصل، حين بدأ الجواهري العظيم تناصف غربته بين براغ ودمشق منذ عام 1983... لتتضاعف الزيارات الى الشام بضيافة الخال – الصديق!! مرات ومرات، وأحياناً لمهام سياسية وغيرها... وهكذا الحال، وبحلاوة حتى العام 1997... وبعدها، وحتى العام 2011 ولكن مع غصة خلو دمشق من صاحبها العاشق الملهم، الذي بقي يشم تربتها لا زلفى، ولا ملقا، على مدى عقود، وهو الذي قال - لا غيره- عام 1921 : اني شآمي الهوى، فاذا نسبتُ لموطنٍ، فعراقي ..
   - وجـــوه وشخصيـــات واصدقـــاء
وعلى مدى عشرة أعوام،وخلال الفترة 1983-1993 تحديداً، كان السفر، والاقامة في دمشق، ولربما مرة كل شهرين أو ثلاثة، حافلاً، مبهجاً، عندالجواهري، وبرفقته ليل نهار، سماعاً، وتعلماً، وامتلاء، مع بعض مناكدات حميمية في بعض الأحيان... وأسجل، من بين ما أسجل في هذا الترحال، وما لي سوى الذاكرة عماداً، ما حفلت به تلكم الأعوام العشرة في بيت الجواهري، وهو مقامي في دمشق، شهادات ومشاهدات للقاءات جمهرة من الوجوه العراقيــــة والسورية والعربية، وتحضرني منها: الشخصيات الوطنية والسياسية والثقافية البارزة التي حضرت جلساتها ومجالسها، بدارة الخال، في روضة دمشق.... وقد كانت – تلكم الشخصيات - من مختلف المشارب والاتجاهات والهوى، يجمعها – على الأقل – حبها للشاعرالعظيم والرمز الوطني، والثقافي الأول في العراق على ما نزعم، والاستماع لارائه، واستشراف مواقفه. ومن بينها، باعتماد حروف الأبجدية، مع حفظ واحترام الألقاب، والتميــز، العراقيون:
آرا خاجودور، حسن النقيب، حميد مجيد موسى، صالح دكله، عادل حبه، عبد الجبار الكبيسي، عبد الرزاق الصافي، عزيز محمد، علي السنجاري، فاضل الانصاري، فخري كريم، فؤاد معصوم، كريم احمد، ماجد عبد الرضا، مسعود بارزاني، هادي رجب الناصري وهاني الفكيكي ...
والسوريون، من غير الرسميين: اعتدال رافع، حنا مينه، خالد بكداش، صابر فلحوط، فؤاد بلاط، عادل يازجي، نبيه رشيدات، هاني الخير... دعوا عنكم الشعراء والمثقفين والكتاب، والأصدقاء، ومنهم، وأيضا بحسب تسلسل حروف الهجاء، وحفظ المكانة والمقامات: إنتشال هادي، حسان عاكف حمودي، حميد برتو، خلدون جاويد، زهير الجزائري، عبد الاله النعيمي، عبد الكريم كاصد، عواد ناصر، غانم حمدون، فالح عبد الجبار، لبيد عباوي، محمد حسين الأعرجي، مصطفى جمال الدين، وهادي العلوي .. وغيرهم من الاعزاء الذين سترد اسماؤهم في رحاب هذه التأرخة .
… كما صادف ان التقيت في"صالون" الجواهري، الدمشقي، وعائلته، معارف، وسيدات جليلات، كان لهن، وازواجهن، وعوائلهن، موقع الاحتفاء الدائم لدى الشاعر العظيم، محبة واعتزازا، وحتى تبجيلا. إذ هنّ من" زن الحياة بوعدهنّه... وشِنّها بوعيدهنّه" كما تحدث الشاعر الخالد عنهن، وقريناتهن عام 1965 .. ومن بين ما أتذكر بكل تقدير: أنعام العبايجي، ابتسام الجواهري، أميرة مهدي، ايمان سلام عادل، بدور الدده، رجاء الزنبورى، زاهرة هادي، وسن عبد الهادي، سلمى جبو، سعاد علاء الدين، فاطمة المحسن ويسار دكله .... فضلا عن الاقارب، ونساء البيت، والآل .
  - محطـــات ثقافيــــــة
ولآن مدد الزيارات والاقامة في الشام مع الجواهري، وفي بيته، دام بعضها حتى شهر كامل أحياناً، فكان لابدّ وان تتخللها شهادات ومشاهدات، ثقافية وشعرية وأدبية... ومما تجود به الذاكرة، نشوانةً، لهذا التوثيق: معايشة الجواهري وهو منغمر في اتمام مختاراته في الشعر العربي أوائل الثمانينات، والتي صدرت تالياً عام 1987 بمجلد اول موسوم بـ "الجمهرة" بمراجعة عدنان درويش (1)... ثم وفي العام 1985 وكان الجواهري قد اجرى جراحة لعينيه، فقد بعدها الكثير من قدرته على القراءة، فضلاً عن الكتابة، فقد أشركني بمساعدته في اختيارات "العيون من اشعاره" الذي صدر بعد عام باشراف عبد الحسين شعبان ...
ومما تجود به الذاكرة أيضاً، فكرة اصدار بانوراما "المقصورة" الجواهرية الخالدة في كتيب خاص، مع مقدمة وتفاصيل، وقد تكفلت لذلك الهدف بمراجعة دار الاهالي للطباعة في دمشق، وكاد المشروع ان يرى النور، لولا عقبة مالية، وان كانت محدودة... كما يحل العام 1987 وتبدأ "معركة" توثيق ذكريات الجواهري، بين كتابة خلاصات بخط يده، وتسجيل كاسيتات صوتية، ثم وعلى اشرطة فيديو، وبعدها التفريغ على الورق... وكنت مع الشاعر العظيم في دمشق، كما في براغ، متابعاً  الأمر يوماً بيوم... ثم استقرت الحال شيئاً فشيئاً، وليعهد لي أواسط عام 1988 بمراجعة اولى للجزء الأكبر من المسودات الورقية، الأولية، التي أتممها نحو عشرة من المعارضين الوطنيين العراقيين، تطوعاً، أو شبه تطوع ... وقد صدرت تلكم الذكريات بجزأين، عامي 1988 و1991...(2)
وما بين هذه وتلك من الشؤون الثقافية والادبية، قُدر لي ان اكون شاهداً على بدايات، وبعض شؤون اختيارات أبيات من عصماء الجواهري الشهيرة: "شممت تربك" التي أدتها ميادة الحناوي، بألحان صفوان بهلوان . واشهد هنا كيف كاد الشاعر العظيم ان يلغي الفكرة، والعمل شبه المنجز، في آخر لحظة لتعقيدات طارئة، قد نكتب عن تفاصيلها في وقت آخر... كما أمر سريعاً أيضاً على "قرار" الجواهري عام 1988  تأسيس "دار الرافدين" للنشر في دمشق، وعلى أساس ان تتولى طباعة دواوينه، ومؤلفاته، وعلى ان يقوم شخصياً، وهو في التسعين من العمر، بالاشراف عليها، وان أتحمل مسؤولية جانبها التنفيذي... وتم فعلاً استئجار المقر، في حي "ركن الدين" الدمشقي، وتأثيثه، بمعاونة صادق الجواهري، ثم غُض الطرف عن الأمر كله بلمح البصر، وليتابـــع" كفاح" النجل الاصغر للشاعر العظيم، ما تبقى من المشروع لاحقا.
- بيتيــــات ... وخصوصيات
وتستمر الذكريات تترى، ومنها العائليات بأفراحها وأتراحها... وتلوح لي من بينها اليوم، كأحلام مبهجة: رحلة قريبة الى ريف دمشق عام 1983 مع  الجواهري وزوجته "امونة" وشقيقته "نبيهة" - والدة كاتب هذه السطور... وجولة"رياضية" عام 1984 في ارجاء غوطة دمشق، بقي الجواهري يمشي راجلاً خلالها نحو ساعة ونصف، دون ملل أو كلل، ونحن – من معه – نكاد نلهث وراءه، او قبله، وما في يدنا حيلة للاعتراض... ثم سهرة مع الجواهري، وهو يرقص في فندق شيراتون الشام ليلة بدء عام 1987 مع جمع من "آل البيت" ومنهم نسرين وصفي طاهر وجمال الجواهري (3)... وحفلة غنائية  للفنانة ميادة الحناوي، تردد الجواهري في الذهاب اليها، وحتى آخر لحظة، لنصل متأخرين، وليُرحب "بنــا!!" المدعوون، بتصفيق مديد ...
كما وأتذكر أيضاً وأيضاً : دعوة عشاء خاصة للجواهري، محدودة الحضور، بضيافة السياسي العراقي العريق، عامر عبد الله في بيته، سخن  "الحوار" خلالها حول السياسة والسياسيين وتقلباتهم ... وكذلك دعوة غداء "رسمية"  للشاعر العظيم في برج فندق الشام، مع زوجته وشقيقته، بضيافة وزيرة الثقافة السورية نجاح العطار، وكانت محاورالجلسة، كالمعهود، ثقافية- ادبية شاملة ... كما واتذكر ذلكم الغداء الشهي، في مطعم" شعبي" هذه المرة، وسط صالحية دمشق، عام 1994 مع الجواهري، وجمع من اهل البيت، تحملت تكاليفه، راضياً، مرضيا ...
  - مشـــادات ... وخصومـــات
كما وأسجل، من بين ما أسجل من شهادات ومشاهدات: حوارات، وانفعالات و"معاتبات" جواهرية مع سياسيين ومثقفين، ربما يصح ان نفرد لها تأرخة أخرى، في فترة قادمة... ومن بينها، مع تجاوز ذكر الأسماء والتفاصيل حالياً: خصام مع "سياسي" طالب الجواهري ان يدلي بدلوه في الوضع العراقي آنذاك، فدله الشاعر الأكبر الى قصيدته " ماذا أغني؟؟" والتي فيها ما فيها من تقييمات وفلسفة ومواقف (4).. وعتاب مع مسؤول سياسي عراقي لانه تأخر في اتمام سفرة ارادها الجواهري للاستجمام في احدى مصحات البلدان الاشتراكية السابقة. ... كما وشبه معركة لأن مجلة ثقافية – سياسية احتفلت، أو كادت ، بالعيد التسعيني للجواهري عام 1990 مع انه يصر على ان ولادته هي عام 1902 !!!...
كما وأذكر وأذكر كيف حملني الجواهري عام 1987 رسالة غاضبة منه، لنشرها في صحيفة السفير، موجهةً لزعيم عربي، لان المجلة المركزية لحركته انتقدت اختيارالشاعر العظيم، للشام مستقرا... وكذلك اسجل كيف ثار الجواهري على رئيس تحرير ابرز صحيفة دمشقية، لانها نشرت لاحد محرريها نقداً " خبيثاً"  برأي الشاعر العظيم، حاول ان يطال احد مواقفه السياسية... كما غضباً لاهباً آخر، على احد ابرز وجوه الثقافة العراقية لانه لم يردّ على ما نشره كاتب عربي في احدى صحف بيروت من "لؤم" - بحسب تعبير الجواهري- على بعض ذكرياته  ...
- سهـــرات ما بعد منتصف الليــل 
اما عن "البيتيات" و"الخصوصيات" فلاعدّ لها ولا حصر، وخاصة بعد ان كان البيت يخلو من الضيوف، والزوار، المرحب بهم، أو الثقلاء – وفقاً للجواهري... فثمة سهرات للذكريات والاستذكارات، وأمسيات شبه يومية للتسلي بلعب "الورق" مع بعض أهل البيت، واخرين... كما ومناكدات و"تقييمات" عامة وشخصية، وما الى ذلك ... وقد كان عديد من تلكم السهرات بحضور نجاح، النجل الثالث للجواهري، وخاصة بعد ان ينتصف الليل، ويروق المزاج، ومن بينها " اسئلة" استثنائية، وأسرار عن المغامرات العاطفية، واجمل ابيات الحب العذري، وغير العذري، وعن اراء بشان سياسيين ومثقفين وشعراء، قريبين واحباء، أم لئماء وحاسدين !!.... وعدا ذلك كثير(5).
  - في وداع "نبيهــة" و"أمونــة"
أخيراً، لا يمكن لي في هذه التأرخة السريعة، والتوثيق الأولي لفترة مهمة من حياة الجواهري، كما أدعي، إلا وأتوقف عند حالتي حزن حارقتين، عشتهما مع الشاعر العظيم، وأعني بهما: رحيل شقيقته نبيهة عام 1987 وزوجته أمونة عام 1992... والأولى، هي عقيلة السيد جواد الجصاني، والدة كل من كاظم ورجاء ولواء ونداء وصفاء ورواء... والثانية، والدة نجاح وكفاح وخيال وظلال... وقد رثاهما عند مواراتهما الثرى في متربة السيدة زينب، بدمشق، بأبيات مؤثرة فاضت بذكريات وحنين، ورؤى فلسفية عديدة (6) . ثم تبدأ رويداً رويداً، ومن العام 1993 بشكل رئيس، رحلة الجواهري الى عالم الخلود: متاعب صحية، واحاسيس مرهفة مصحوبة بقلق وعدم استقرار، وحتى 1997.7.27 حين تمكن "الموت اللئيم" من الانتصار، على نحو قرن من الابداع والتفرد ... 
-----------------------------------------------------------
استدراك ... وإحالات :
   لا بد من التنويه، احترازاً، الى ان الوقفات ورؤوس النقاط اعلاه، جاءت بكل ايجاز، وقد تعمدتُ اختيار ما ظننته يوحي ببعض ما لم يُعرف عن الجواهري العظيم، وما قد يؤشر لعدد من الخصوصيات المعبرة .
    كما واعتذر سلفاً عما لم تبحْ به الذاكرة، مما تختزنه ما اسماء، بل وربما جاء بعضها للتوثيق وحسب، مع ان ثمة الكثيرمن التميز والتمايز في الحضور، وفي القرب والبعد من الجواهري، وفي مجالسه، كماً ونوعاً، وعدا ذلك وفير.
1- للتفاصيل، كتابتنا: عن الجواهري وجمهرته، على الانترنيت .
2- وثقنا حول الموضوع بمادة: ذكريات عن ذكريات الجواهري، نُشرت  في العديد من الصحف والمواقع الالكترونية .
3 - تفصيلات ذات صلة في توثيقنا: الجواهري يرقص في التسعين، المنشورعلى شبكة الانترنيت، وفي وسائل اعلام اخرى .
4 - القصيدة المعنية: نونية سياسية مطولة، بعث بها الجواهري، جوابا على رسالة من صديقه، و"درويشه": جلال الطالباني، عام 1980 .
5 - تفاصيل عن بعض تلكم الشؤون، نشرتها في إصدار خاص عام 1999 بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل الجواهري .
6 - رثاءا الشاعر العظيم لشقيقته "نبيهة" وزوجته "أمونة" منشوران في كتاب: "الجواهري.. قصائد وتاريخ ومواقف" الصادر في بيروت عام 2012.


الجواهري في صالونه بدمشق عام 1984


الجواهري في مطعم وسط - دمشق 1994، ومعه رواء الجصاني


الجواهري والى يساره وليد جنبلاط


144
لجنة  عليا للدفاع عن الشعب العراقي ... برئاسة الجواهري


الجواهري بين الشهداء وصفي طاهر وماجد محمد امين ، يسارا وفاضل عباس المÙ

* كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
في الثامن من عام 1963  حلت الكارثة البعثية الاولى في العراق، لتطال "أهلاً وصحاباً وديارا" وفي شتى أرجاء البلاد... وكان لابدّ للجواهري، شاعر الوطن، أن يتخذ موقفاً، فاتخذ، برغم خلافاته العامة والخاصة التي كانت سائدة في حينها مع قيادة السلطة التي طالها الانقلاب، وزعيمها عبد الكريم قاسم... وقد وثق الشاعر الكبير عن بعض ذلك في رائيته الموسومة "يا غريب الدار" ومن أبياتها:
من لهمّ لا يجارى ولآهات حيارى
ولمطوي على الجمر سراراً وجهارا
من لناء عاف اهلاً وصحاباً وديارا
تخذ الغربة داراً، إذ رأى الذل اسارا
وإذ تنادى معارضو الانقلاب، سياسيين وأكاديميين، وغيرهم، في الخارج، للانتصار إلى أهلهم وبلادهم ضد القمع والارهاب، أفلحت جهودهم في تشكيل لجنة عليا للدفاع عن الشعب العراقي، وليجري اختيار الجواهري رمزاً وطنياً، وثقافياً، أولَ، بالاجماع، لرئاستها، وقد اتخذت من العاصمة التشيكية براغ مقراً رئيساً لها، وذلك بعيّد فترة وجيزة من طوفان الدم الذي تسببه الانقلاب البعثي المشؤوم.
وضمت قيادة تلكم "اللجنة العليا" شخصيات وطنية جليلة كان من أبرزها فيصل السامر ونزيهة الدليمي وذنون أيوب ومحمود صبري وصلاح خالص ، وايضا : جلال طالباني لفترة محدودة... ذلك إلى جانب ممثلي وتشكيلات اللجنة في عدد من عواصم ومدن أوروبا بشكل خاص.
وفي ظلّ رئاسة الجواهري الكبير نظمت اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي، التي امتد نشاطها – عملياً – حتى مطلع 1965 العديد من النشاطات المهمة كالمؤتمرات والندوات واصدار البيانات وتنظيم حملات ومهرجانات التضامن في بعض البلدان الأوربية، الرأسمالية منها، والاشتراكية آنئذٍ... كما أصدرت اللجنة مجلة فكرية سياسية عامة باسم "الغد" لتتولى مهمات توثيق الاحداث وكشف الحقائق ومحاولة صياغة البدائل، لانقاذ البلاد، ووقف نزيف الدماء...
وخلال تلكم الفترة، كتب الشاعر الكبير قصيدته الذائعة الصيت عن بغداد "دارة المجد، ودار السلام" ما حلّ بها من دمار وانتهاكات وسيول دماء غزيرة... وهكذا جاءت أيضاً، وفي خضم تلكم الأحداث رائعته الميمية عن نضال الشعب الكردي "قلبي لكردستان".

يا موطن الأبطال بثٌ مؤلم، وألذ اطراف الحديث المؤلمُ
سلّم على الجبل الأشم وعنده من ابجديات الضحايا معجمُ
كما نظم الجواهري في الفترة ذاتها عديداً آخر من القصائد الوطنية و"المقاومة" والانسانية... ومنها ملحمته "إلى أطياف الشهداء الخالدين" والتي جاء فيها:
سلاماً وفي يقظتي والمنام ، وفي كل ساع ٍ وفي كل عامِ
تهادي طيوف الهداة الضخام ، تطايح هاماً على اثر هام ِ...
ودقت مسامير خجلى عطاشى ، بكف ِ المسيح فطارت رشاشا
بقايا دم للعصور التوالي تخضب بالمجد هامَ الرجال
حماة الحمى والليالي تعودُ ، وخلف الشتاء ربيع جديدُ
سيورق غصنٌ ، ويخضر عودُ ، ويستنهض الجيل منكم عميد

   ومما نذكره للتأرخة هنا ان تلكم القصائد التي أشرنا لها، ضمها إلى جانب شقيقات أخريات ديوان خاص حمل اسم "بريد الغربة" أشرفت على طباعته وتوزيعه لجنة الدفاع عن الشعب العراقي، ذاتها، وقد تبرع الجواهري بكامل ريع الديوان للتضامن مع أهل البلاد، التي جثمت تحت وطأة الانقلابيين وجرائمهم التي أدانتها كل قوى الخير في العالم...
    وإذ لا يتحمل الحديث هنا، لتفاصيل أخرى عديدة، نعد أن يتم السعيّ لتوثيق مفصل عن تلكم "اللجنة" ودور الجواهري في رئاستها، فضلاً عن تجربتها ونشاطاتها ، وكذلك عن التعقيدات التي رافقت عملها... ونأمل أن يتحقق ذلك في فترة قريبة قادمة...

مقاطع صوتية للقصائد اعلاه على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2298522.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com


145
نصف قرن على وقوعها المشؤوم في العراق
---------------------------------------------

هكذا حذر الجواهري من ممهدات كارثة شباط  1963... ولكن؟!
---------------------------------------------------------------



الجواهري في احدى فعاليات التضامن مع الشعب العراقي، - براغ 1963

كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
 ---------------------------

   في مثل هذه الايام، قبل نصف قرن، وفي الثامن من شباط ( فبراير) 1963 تحديداً،  يُفجع العراق بالكارثة البعثية الاولى، ويراق الدم الطهور، ليرتوي منه الفاشيون، وليتواصل، ولعقود، مسلسل الطغيان والعسف والارهاب، ودون مدى ... ويهمنا في هذه التأرخة ان نرصد ونوثق مواقف ورؤى للجواهري العظيم، بانت في قصائد وكتابات مختلفة، لتدين ما شهدته البلاد من شلالات دم وحملات تعذيب واضطهاد شملت الالوف من مناضلي الحركة الوطنية، عسكريين ومدنيين، وبنات وابناء الشعب عموماً، التى طالها الانقلابيون البعثيون الاوائل، بعار جرائمهم، سيئة السمعة والصيت، والارث .
- لا! لعـفا الله عما سلف!!
    وقبيل ذلك، بل وفي سياقه ، نسعى للتوقف ايضاً، وان بمؤشرات سريعة عند بعض ما نصح به الجواهري، وما حذر منه، منفرداً، او سوية مع العديد من القوى الديمقراطية والشخصيات الوطنية، قبل وقوع الانقلاب الفاشي، وعشيته، من نتائج نهج التفرد، والتسلط، وتجاوز المبادئ التي قامت تحت شعاراتها حركة الرابع من تموز 1958 العسكرية ، المدعومة شعبياً .... ولعل مراجعة وان عجولة لصحيفة الجواهري في تلكم الفترة، ونعني بها" الرأي العام" تثبت بجلاء، كماً واسعاً من المناشدات الهادفة من جهة، والانتقادات الساخنة والحادة من جهة اخرى، التي كالها الشاعر والرمز الوطني الكبير ... فضلاً عما حوته فرائده اللاهبة، تعبيراً عن ضمائر الجماهير، الامينة على مستقبل البلاد وتطورها. ومن بينها- على سبيل المثال - ما جاء في قصيدته الموسومة "باسم الشعب" عام 1959 مخاطباً فيها المسؤول الاول، والاخير، في البلاد:

"عبد الكريم" وفي المراء جبانةٌ ، تُزرى، وصنو شجاعة، إصراحُ
كنت العطـوف به يُراض جماحُ ، فكن العنـوفَ، به يهاضُ جناحُ
لا تأخذنــكَ رحمة في موقف، جــدٍ، فجـدُ الراحميـــن مزاحُ
ولطالما حصد الندامةَ مسمحٌ، وأتى بشرٍ ثمارهِ الاسماحُ
ولقد تكون من القساوةٍ رحمةٌ، ومن النكالِ مبرةٌ وصلاحُ

   ومع كل ذلك لم تنفع تلكم النصائح والمناشدات المخلصة، ولم تُؤخذ التحذيرات المدعمة بالملموسيات والتجاريب، بموضع الحرص على امن البلاد ومسار التحولات الديمقراطية المرجوة، بل وبدلاً عنها، راح عسف السلطات "الجمهورية" يتمادى فيشمل الجواهري ذاته، والى حد اعتقاله فترة من الوقت، برغم انه شاعر الامة العراقية، ورئيس اتحاد ادبائها انذاك، ونقيب صحفييها الاول... مما اضطره، احترازاً على حياته، للاغتراب القسري عن الوطن، شبه هارب "من رافديه" محتجاً، وضاغطاً، بهذا الشكل اوذاك على ولاة الامر، بل وواليه بتعبير أدق، لتدارك ما لا تحمد عقباه . ولعل من المناسب للتوثيق الملموس هنا، الاشارة الى المواجهة المباشرة ، ذائعة الصيت ، بينه – الجواهري - والزعيم عبد الكريم قاسم ، في مقره بوزارة الدفاع ، بسبب ماكتبه الشاعر والرمز الخالد، دفاعا عن "الثورة" وضد التجاوزات على المواطنين ، وخاصة مقاله في اواسط 1959: ماذا في بلدة " الميمونة" بمدينة العمارة. (1)
   - الكربة تلاحق حتى " الفتى الممراح" !!
   وفي بيروت، محطته الاولى قبل الوصول الى براغ ، ضيفاً ثم لاجئاً، لم يفوت الجواهري ان يوثق بعض ما يجري في العراق، وهو شاهد ومعني في الصميم، وذلكم في قصيدته (ربيع عام1961) بمناسبة مهرجان حافل لتكريم شاعر لبنان " بشارة الخوري" اذ صارحه فيها، شاكياً ومهضوماً :

وأتـيـتُ (لـبـنـانـاً) بجـانحتين من ريحٍ غَضوبِ
مثلَ المسيح إلى السماءِ وقد حُمِلتُ على صليب
لُبنانُ يا وطني إذا حُلّئتُ عن وطني الحبيبِ
نسـرٌ يحـوم على رباكِ فلا تخافيـه كذيب
أ "بِشــــارةٌ" و بـأيمــــا شكوى أهزّكَ يا حبيبي؟
شكوى القريب إلى القريــب أمِ الغريب إلى الغريب؟
هل صكّ سمعَك أنني من رافديّ بلا نصيبِ
فـي كُربةٍ وأنا الفتى الــمِمْراحُ فرّاجُ الكروبِ


الجواهري والى يساره.. الشهداء.وصفي طاهر، فاضل عباس المهداوي. وماجد محم


    - الجواهري يضطر للجوء الى براغ
    ثم يوثق الجواهري، في الطلب الذي تقدم به للحصول على اللجوء الى براغ (20/6/1961) الكثير من المؤشرات ذات الدلالة ، ومن بين ما جاء فيه :" تمشياً مني على النهج الذي سلكته طيلة حياتي في مجالات السياسة والصحافة والشعر والأدب، من أن أكون إلى جانب الجماهير في كل ما يمسُّ مصالحها، فقد تعرضت منذ سنتين، وفي خلال الحكم الراهن في العراق لكثير من المضايقات على يد الحاكمين، مما يطول شرحه". (2)
... واذا كانت هذه الحال مع الجواهري، صاحب"أنا العراق"و"المقصورة"و" جيشَ العراق" ... والرمز الثقافي والوطني الابرزفي البلاد، فللمتابع ان يستنتج، ودون كثير عناء، كيف كانت السلطات "الجمهورية" تتعامل مع انصار الديمقراطية، بينما تتغاضى في الساع ذاته عن توجهات واستعدادات المتضررين من سقوط العهد الملكي، والقوى والشخصيات الشوفينية والظلامية والطائفية، لقلب نظام الحكم، والانتقام من الجماهير الشعبية، وقياداتها، دعوا عنكم قادة وضباط حركة الرابع عشر من تموز، الوطنيين الاحرار .(3)
   - دعوة لليقظة والاحتراز 
  لقد تكررت مناشدات الجواهري وتحذيراته من تجميد الحياة الدستورية وتغييب الديمقراطية، كما من مغبة التفرد في الحكم، ومن التخبط السلطوي، و"المساواة" - على اقل وصف- بين القوى الوطنية والشعبية، من جهة، ومناهضيها، المناوئين للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المبتغاة، من الجهة المقابلة  ... وهكذا راحت تعلو دعوات هنا لليقظة من احقاد الموتورين، وتتعالى دعوات هناك لنبذ الفرقة والغلو، ولمزيد من التلاحم بين ابناء الشعب، ولرصد المتامرين في الداخل والخارج ، والاستعداد لمواجهتهم قبل فوات الاوان ، ومن بين ما نستعين به للتوثق بهذا الشأن ما جاء في قصيدة الجواهري " أزف الموعد" التي ناشد فيها الطلاب العراقيين ،عام 1959:

يا شبابَ الغدِ كونوا شِرعةً ، للعلا والبأسِ واللطفِ تُسَنّ
سالموا ما اسطعتُمُ حتى إذا، شنّها حرباً أخو بغيٍ فشُـنّوا
وابدأوا الخيرَ سباقاً بينكم، فإذا بُـودئـتمُ الشـرّ، فثـنّـوا

    وهكذا هي الحال، او شبيهة بها، مضامين قصيدة الجواهري، الى جموع العمال عام 1959 المعنونة " عيد اول ايار" ... ومن ابياتها ذوات الهدف في التنوير، وفضح بعض وضع الحكم "القاسمي"وتناقضاته، وارتباكاته وتجاوزاته :

يا أيـهـا العُمّـالُ صفـحَ تسـامحٍ، عمّـا تجيشُ ببثّـهِ خطَراتي
أنا لا أثيرُ ظُنونَكم، لكنْ فتىً، حرّ يحبّ حرائرَ الصّرَخات
ما انفكّ تِنّينُ التحكّمِ قائماً، وتقاسمُ الأرباح فـي الشركات
ما زالت الشمّ النّواطحُ تُبتنى، من تلكمُ السّرِقات والرّشوات
لِم يُؤخَذُ المالُ المقطّعُ منكمُ، ُسحتاً، ولـم تُقطَعْ أكفّ جناة!

    - ... وتحـــل الكارثــــة
 
    واذا لم تنفع الذكرى، ولا يبالي المعنيون بتحذيرات الجواهرى، ورهطه، واستشعاراتهم وتنبؤاتهم... واذ يتجاهل الرجل الاول، والاوحد، في السلطة، نداءات ومطالبات التقويم والاصلاح، والتشدد تجاه اعداء البلاد، تحل الكارثة في الثامن من شباط المشؤوم (بغي الانقلابات) (4)... ليحترق العراق وابناؤه، فـ"يقتاد "زيدٌ" باسم "زائدةٍ " و "يصطلى "عامرٌ" والمبتغى "عمرُ"... وفور ذلك راح الجواهري منتصراً، كعهده، للشعب ضد الطغاة ، بمواقف وقصائد لاهبة تنور وتعبر، وتتضامن مع الشعب المنكوب، وتمجد الضحايا المياميـــن . وتأتي صرختـــه الاولى، ومن القـــلب قبل اللسان، في قصيدتـــه الشهيـــرة بـ " ياعبدَ حربٍ وعدوَ السلام" والتي يخاطب فيها "امين الاعور" (5):

"أمينُ" لا تغضبْ فيومُ الطـَّغامْ، آتٍ وأنفُ شامتٍ للرَّغامْ
وإنْ غدا العيد وأفراحُهُ، مآتِما ً في كل بيتٍ تـُقامْ
أمينُ لا تغضبْ فإنَّ الحِمى، يمنعُهُ فتيانـُهُ أنْ يُضــامْ
أمينُ خلِّ الدَّمَ ينزِفْ دمـاً، ودعْ ضراما ً ينبثقْ عن ضرامْ
ودعْ مُدى السفـّاح مشحوذة ، ظمآنة ً، يُبَلُّ منها الأ ُوامْ
فالسيف يُعلى من شذا حدِّهِ، يومَ التنادي كثرة ُ الإنثلامْ
* * *
"أمينُ" ألقى الغيُّ أستارَهُ، وانزاحَ عن وجهِ النفاقِ اللثامْ
ما أقذرَ الفِسْق وإنْ ألـَّفـَتْ، بين الزواني روعة ُ الإنسجامْ
من مُبْـلِـغُ الفاجرَ في ضَحْوَةٍ، على رؤوس المَلأِ المُسْـتـَضام:
يا عبدَ حربٍ وعدوَّ السلام، يا خزيَ من زكـّى وصلى وصام
يا سُبـَّة َالحجيج في عَمْـرةٍ، بين الصفا وزمزم ٍ والمُقام
يا ابنَ الخـَنا إنَّ دماءَ الكرامْ، نارٌ تـَلـَظـّى في عروق اللئام
وللضحايا من جِراحاتها، أيُّ عيون ٍ خـُزّر ٍ لن تنام
     - تمجيـــد للشهـــداء والمضحيـــن ...
    ثم توالت لواهب الجواهري، ولواذعه، تلاحق الجناة، عراقياً وعربياً وعالمياً، وتدين المجازر التي تلت شباط الاسود، وتمجد الضحايا الابرار، شيوعيين وديمقراطيين ومنورين وغيرهم،، ومن بينها قصيدته الموسومة " سلاماً...الى اطياف الشهداء الخالدين " وفيها :

سلاماً مصابيح تلك الفلاة ، وجمرة رملتها المصطلاة
سلاماً على الفكرة المجتلاة ، على صفوة الزمر المبتلاة
ولاة النضال ، حتوف الولاة ، سلاماً على المؤمنين الغلاة،
سلاماً على صامد ٍ لا يطالُ، تعلّم كيف تموت الرجال ...
* * *
سلاماً وما أنا راع ٍ ذماماً، إذا لم اسلم عليكم لماما
سلاماً ضريحٌ يشيع السلاما ، يعانق فيه "جمال" "سلاما" (6)

سلاماً ، أحبة شعب نيامى، إلى يوم يؤذن شعب قياما ...

   - ..... وانتصار للمكافحين البسلاء
    وفي السياق ذاته لا يفوتنا هنا ان نوثق عن العسف والجور، الذي طال كردستان العراق، قبل الانقلاب البعثي، وبعده، اذ انصبت عليها، وعلى شعبها، احقاد وقنابل الفاشيين والعنصريين. وقد وقف الجواهري امام ذلك ليجود بــ"قلبه ولسانه" فاضحاً ومدافعاً، كما ومتباهياً بنضال الكورد وتضحياتهم، فيهدر:
يا موطن الأبطال مهما أسفرت، نُوَبٌ تسيء حكومةً إذ تحكمُ
مهما ارتمت ذممٌ، وهانت عفةٌ، وهوت مقاييسٌ، وأوغل مجرمُ
وتدنتِ الأعرافُ حتى ما ارتضى، وحش وحتى ما تبنّى أرقم
ياموطن الأبطال مهما ديس من.. حَرَمٍ لَدَيكَ، وما استبيح محرّمُ
فلسوف يجزوك الكفاحُ بغاية، لك عندها عن ألف غُرم مَغنم
ولسوف تنزاح الخطوب، وينجلي، لون السماء وتُستضاءُ الأنجم
ولسوف ينكشف المدى عن واحةٍ، خضراءَ عن غَدِكَ المؤمّلِ تبسِمُ

    - وللتوثيـــــق بقيــــة طويلـــة
... أخيراً نوجز هنا فنقول: ان ثمة الكثير الاخر الذي نسعى لان نوثق له في وقت لاحق ، وجميعه يُغني ما اردنا الذهاب اليه، في تلخيص بعض من رؤى ومواقف الجواهري العظيم، حول نكبة شباط 1963 ومقدماتها، وفشل التصدي لها، بل واحباطها، وما بين هذه وتلك: المسببات، والاخطاء، بل والخطايا، السياسية ذات العلاقة، وذلك من الاهم، على ما نزعم ... كما نعد ان نفصل اكثر في كتابتنا الاخرى، ذات الصلة ببعض مواقف الجواهري، بعد الكارثة، ومن بين ابرزها، رئاسته للجنة الدفاع، العليا، عن الشعب العراقي، التي اتخذت من براغ مقرا رئيساً لها بعد فترة وجيزة من الانقلاب الدموي في شباط 1963 والتي كان لها الكثير من الانشطة التضامنية المشهودة، وعلى اصعدة شتى(7).
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com
احـــــــالات وهوامـــــــش وتوضيحــــات :
(1) لمزيــد من التفاصيـــل يُراجـــع الجــزء الثاني مـــن مؤلــف" ذكرياتي" للجـــواهري، دمشـــق- 1998 .
(2) ومما جاء في طلب اللجوء ذاته، والذي نشرنا عنه على الانترنيت في تشرين الاول2011 النص التالي عن مديات العسف الذي طال الجواهري من سلطات "الثورة" في بغداد خلال الفترة 1959-1961 : " لقد بَلغت قبل شهرين تقريباً حد اعتقالي وسجني – وأنا أناهز الستين من عمري – بأسباب كاذبة مفتعلة – ... وبعد حدوث ضجة كبيرة من الناس في العراق وفي خارجه اضطر الحاكمون لاطلاق سراحي ولكن بكفالة اولاً، ثم باقامة دعاوى سياسية خطيرة، يتحتم عليّ بموجب القوانين العرفية، أن امثل أمام المجالس العسكرية القاسية وان اتلقى احكامها الصارمة بحجة انني اخالف سياسة الحاكمين وأسعى لاثارة الشعب العراقي".
(3) ونعني بذلك خصوصاً كوكبة الضباط الوطنيين الذين رفضوا، بهذا الشكل أو ذلك، نهج التفرد "القاسمي" والاجراءات التعسفية، في ملاحقة المسؤولين والسياسيين المخلصين، وتقريب الانتهازيين والمشبوهين والمتامرين، وتحت شعارات "الوسطية" و" عفا الله عما سلف" والتي اودت بالبلاد الى ما اودت به .. ومن كوكبة اولئك الضباط الاحرار: جلال الاوقاتي، وصفي طاهر، طه الشيخ احمد، فاضل المهداوي، عبد الكريم الجدة، داود الجنابي، ماجد محمد امين، حسين خضر الدوري وكنعان حداد ... واقرانهم الابطال، الذين استشهدوا اثر الانقلاب الاسود.
(4) "بغي الانقلابات" تعبير اطلقه المناضل الوطني، زكي خيري، تصدياً لمصطلح "عروس الثورات" التي روج له الشوفينيون والفاشيون العراقيون، وأنصارهم العرب،، كناية عن كارثة شباط الاسود .
(5) امين الاعور: صحفي لبناني نشر مقالة عاصفة، عنونها خاصة الى الجواهري، حول المذابح التي وقعت في البلاد العراقية غداة الانقلاب البعثى الاول عام 1963 .
(6) "جمال" – "سلام" : جمال الحيدري ، عضو قيادة الحزب الشيوعي ، وسلام عادل ، سكرتير عام الحزب ، وقد أُستشهدا تحت التعذيب الرهيــب في زنـازيــن طغمة انقلابيـي شباط .
(7) للمزيد، كتابتنا الموسومة: " الجواهري رئيس للجنة الفاع عن الشعب العراقي" المنشورة على مواقع اعلامية عديدة في شبكة الانترنيت .




146

الجــواهــري .. عن الغربة والاغتراب، وما بينهما



قراءة، وتوثيق: رواء الجصاني
.. وهذه هي عصماء أخرى من قصائد الجواهري الوجدانية- السياسية، الثائرة على النفس والمجتمع، والمقاييس السائدة في البلاد... وقد ضمها، كاملة ولأول مرة، ديوان "بريد الغربة" الصادر في براغ، بدعم من اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي الذي ترأسها الشاعر العظيم فور تشكيلها بعد انقلاب شباط الدموي عام ...1963... وقد جاء مطلعها جواهرياً كالعادة في ثورته الجامحة، مما جعل الكتاب يقرأ من عنوانه:

مَنْ لِهَمٍّ لا يُجارى ، ولآهاتٍ حَيارى
ولمطويٍّ على الجمرِ سِراراً وجِهارا...
مَنْ لناءٍ عاف أهلاً وصِحاباً ، وديارا
تَخِذَ الغربة دارا إذ رأى الذلَّ إسارا
إذ رأى العيشَ مداراةَ زنيمٍ لا يُدارى

... وفي مختلف مقاطع القصيدة التي تجاوزت أبياتها المئة والعشرين، يفيض الجواهري متباهياً بمواقفه التنويرية، مبرزاً سمات وقيماً تبناها، ولم يخشَ ما يترتب عليها من أذى المعوزين والظلاميين، بل وراح يكررها في عديد كثير من شعره... إلا انه شدد هنا على الشموخ والاصرار، ولعله أراد بذلك مقدمة لما سيلي من مواقف وحقائق:

ياغريبَ الدار لم يُخْلِ من البهجةِ دارا...
تأخذ النشوةَ منه ثم تنساهُ السُكارى
يا أخا الفطرةِ مجبولا على الخيرِ انفطارا...
يا سَبوحاً عانق الموجةَ مَدّاً وآنحسارا
لم يُغازلْ ساحلاً منها ولا خافَ القرارا
يا دجيَّ العيشِ إن يَخْبُ دجى الناس ِ ، أنارا...

   ثم يعود الشاعر الكبير ليكتب ما يظنهُ يروض النفس، لتجاوز "الهضيمة" التي أحسَّ بها وحتى من الأقربين، خاصة وهو صاحب المآثر والمنابر، محملاً الذات جزءاً مما يعاني منه، بعد أن اختار نهج الثورة والتجديد، معيباً المهادنة والمساومة:

يا غريبَ الدارِ وجهاً ولساناً ، واقتدارا...
لا تُشِعْ في النفسِ خُذلاناً وحَوِّلهُ انتصارا...
أنتَ شِئتَ البؤسَ نُعمى ورُبى الجنَّاتِ نارا
شئتَ كيما تمنحَ الثورةَ رُوحاً أنْ تثارا...
عبَّدوا دربَك نَهْجاً فتعمَّدْتَ العِثارا
وتصوَّرت الرجولاتِ على الضُرِّ اقتصارا...
يا غريبَ الدار مَنسياً وقد شعَّ ادِّكارا
ذنبهُ أنْ كان لا يُلقي على النفسِ سِتارا
إنَّه عاش ابتكارا ويعيشون اجترارا

   ولكي يعزز بالوقائع ما يشكو ويتهضم منه، وما يعيبه على أصحاب القرار وغيرهم، يبدأ الجواهري المباشرة في التصريح، غير مبالغ... فبعد كل عطائه الوطني والابداعي على مدى عقود، ها هو يعيش المغترب بكل صعوباته وأرقه، صاباً غضب المحبين على بلادٍ لم يستطع أن يمتلك فيها حتى "حويشة" بينما يتنعم الرائبون، والمنحنون... ثم يعود الشاعر لينوّه إلى حكم التاريخ اللاحق، وعلى الآتي من الأحداث، بل ومتنبئاً بها... نقول متنبئاً، وقد صدق بما قال وأوحى، وذلك هو أمامنا، العراق وما عاشه من مآس ٍ حد التميز:
يا غريبَ الدارِ لم تَكْفَلْ له الأوطانُ دارا
يا "لبغدادَ" من التاريخِ هُزءاً واحتقارا
عندما يرفع عن ضيمٍ أنالتهُ السِتارا
حلأَّتْهُ ومَرَت للوغدِ أخلافاً غِزارا
واصطفت بُوماً وأجْلَتْ عن ضِفافَيها كَنارا...
يا لأجنادِ السفالاتِ انحطاطاً وانحدارا
وجدت فرصتَها في ضَيْعةِ القَوم الغَيارى
... وفي سعي لتهدئة شي من ذلك الغضب العارم، يروح الجواهري في الأبيات التالية حانقاً، محملاً زعامات ثقافية وسياسية، مسؤولية ما أحاق به من ظلم واجحاف... وهو يمثل هنا بالتأكيد نموذجاً للعشرات، بل المئات من المبدعين والمناضلين وغيرهم، ممن اضطروا للاغتراب، أو اختيار المنفى اضطراراً... ثم يتطوع بعدها الشاعر الرمز ليوزع صفات ٍ يعتقدها بحق الذين تسببوا في تلك الأوضاع وما آلت إليه، بل وليبقي من ميسمه في جباههم وشماً "خالداً" يعيرون به جيلاً بعد جيل:

يا غريبَ الدارِ يا من ضَرَبَ البِيدَ قِمارا...
ليس عاراً أنْ تَوَلِّي من مسفّينَ فِرارا
دَعْ مَباءاتٍ وأجلافاً وبيئينَ تِجارا
جافِهِمْ كالنَسرِ إذ يأنَفُ دِيداناً صِغارا
خلقةٌ صُبَّتْ على الفَجرةِ دعها والفِجارا
ونفوس جُبلت طينتُها خِزياً وعارا
خَلِّها يستلُّ منها الحقدُ صُلْباً وفَقارا...
أنت لا تقدر أن تزرعَ في العُور احورارا...

... وأخيراً، وإذ يحين "مسك" الختام والايجاز لكل ما سبق وأشير إليه من وقائع ورؤى، يكتب الجواهري "معاتباً" "أصدقاء" ظنهم، و"أدباء" و"مثقفين" أحبهم ولكنهم تجافوا، خوفاً أو تنصلاً... أو لأنهم "حيارى" حتى في أمورهم ذاتها، مما جعله يسعى حتى لأن يختلق الأعذار لهم:

يا غريبَ الدارِ في قافلةٍ سارت وسارا
لمصيرٍ واحدٍ ثم تناست أين صارا
سامحِ القومَ انتصافاً واختلِق منك اعتذارا
علّهم مِثلَكَ في مُفتَرقِ الدربِ حَيارى
سِرْ واياهم على دربِ المشقاتِ سِفارا
فاذا ما عاصفُ الدهرِ بكم ألوَى وجارا
فكن الأوثقَ عهداً وكُن الأوفى ذِمارا
مع تحيات مركز" الجواهري" في براغ

www.jawahiri.com

147
   
سياسيات وأخوانيات ... بين الجواهري وطالباني
  كتابة وتوثيق: رواء الجصاني
babyloncz@yahoo.com
-----------------------------------------------------------------------------
في اكثر من موقع وزمان ومكان، توثق صفحات ديوان الجواهري، وأوراقه الشخصية من جهة، وأحاديث وكتابات الرئيس العراقي جلال طالباني من جهة ثانية، محطاتٍ وأحداثاً حافلة ً في علاقات مديدة بينهما ترجع عملياً إلى عام 1959 حين تأسست أول منظمة لصحفيّ العراق، فكان أول الرجلين نقيباً لها، وثانيهما عضواً في هيئتها الادارية...

... ثم توالت المحطات على مدى أكثر من ثلاثة عقود تالية، كان من أبرزها حين تأسست في براغ لجنة عليا للدفاع عن الشعب العراقي ضد القمع والارهاب، بعيد الانقلاب البعثي الأول عام 1963، ترأسها الجواهري، وضمت قيادتها شخصيات سياسية وثقافية بارزة، من بينها جلال طالباني، ممثلاً عن الحركة الكردية...وفي حديث مباشر عام 2005 عن هذا الامر وغيره ، قال الرئيس طالباني لكاتب هذه التأرخة:

"لقد تعددتْ زياراتي ومهماتي السياسية في براغ منذ الستينات، وكنتُ أحرص في جميعها على قضاء أطولِ ما يمكن من الوقت مع الجواهريّ الخالد، سواءً في الأماكنِ العامةِ، أو في بيتهِ الذي استضافنا كثيراً... وكم أتمنى أن يكون لنا قريباً في بغداد مركزٌ ثقافي كبير، عمارةً شامخة، تتناسب مع فكرِ وعطاءِ هذا الشاعر العملاق..."

... وبحسب المصادر العليمة فقد توطدت العلاقات الشخصية والاجتماعية بين الجواهري وطالباني، فضلاً عن السياسية والثقافية، طوال ثلاثة عقود ونيف ، وذلك في براغ وبغداد ودمشق وبيروت، وقد كادت ان تمتد إلى كردستان أيضاً عام 1992.... ولهذا الشأن تفاصيل طويلة لا يتسع المجال لسردها الآن...

... وعلى صعيد التوثيق "الشعري" هناك - بالاضافة الى مقطوعة "اخوانية- سياسية "عام 1966- رسالة" سياسية –شخصية " بعثها الجواهري على هيئة قصيدة الى طالباني عام 1981 وذلك جوابا على رسالة " شخصية- سياسية " ايضا ، كان طالباني قد بعث بها اإليه من دمشق.... ولهذا الامر حديث يطول ، وذو أكثر من مغزى ، نعد بالعودة له في توثيق لاحق.... ومما جاء في تلك القصيدة :

شوقاً "جلالُ" كشوق ِ العين ِ للوسن ِ، كشوقِ ناءٍ غريبِ الدار للوطن ِ
شوقاً إليك وان ألوت بنا محنٌ ، لم تدر ِ أنا كفاءُ الضُّرِّ والمحن ِ
يا ابن الذرى من عُقاب غير مصعدةٍ شمُّ النسور به ، إلا على وهن ِ
وحسبُ شعريّ فخراً ان يحوزَ على ... راو ٍ كمثلك ندب ٍ ، مُلهمٍ فطن ِ
"جلالُ" صنتُ عهوداً بيننا وثقتْ ، فما توثقتَ من عهدٍ بها ، فصُن ِ
لا تبغني بوق "حربٍ" غير طاحنةٍ ، بها تزيا كذوبٌ ، زيّ مُطحَّن ِ
ولا تردني لحال ٍ لستُ صاحبها ... وما تردني لحال ٍ غيرها ، أكنَ


ِ... وبالمناسبة، يُحسب المؤرخون الرئيس طالباني من نخبة رواة بارزين ومعدودين، لقصائد وأشعار الجواهري، الوطنية والوجدانية وحتى الغزلية...وهو يتباهى بذلك علناً في مختلف المجالس والمنتديات الثقافية والسياسية وغيرها .... وللحديث صلة واكثر.



-   الصـــــــور : طالباني وعقيلته، هيروخان ابراهيم احمد،
    يزوران الجواهري في بيته، ببغداد- اوائل السبعينات.
-  طالباني متحدثاً لرواء الجصاني، براغ2005 .

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com


148
 
أحدثكم عن الجواهـــــري،
 وقصيدتيه عن " عاشوراء".. و" آمنت بالحسين"

* كتابة وتوثيق: رواء الجصاني

**  بعيداً عن الخوض في عوالم النجف الروحية، ولا في الاجواء الدينية والادبية للاسرة الجواهرية، وتاريخها واثارها العلمية، دعونا نجيب على التساؤل الذي يحمله عنوان هذه الكتابة، وما يشى به، وذلك من خلال التوقف عند قصيدتين للشاعر الخالد، راحتا تعنيان بذكرى ماثرة "الطف" واحداثها الاليمة ، والعبر المستوحاة من الثورة الحسينية، ومنابعها وجذورها ومبادئها وافاقها..

**   والقصيدة الاولى من تينك القصيدتين هي "عاشوراء" المنظومة والمنشورة عام 1935 وكانت بثمانية وستين بيتاً، استعرض فيها الجواهري، ووثق خلالها العديد من الاحداث التاريخية، الثورية والماساوية في ان واحد ، وبالاسماء المقرونة بالاوصاف التي تليق – بحسب رؤاه – بالمضحين من اجل المبادئ، من جهة، وبمعارضيهم ، بل ومحاربيهم وقتلتهم، من جهة ثانية...

هيَ النفسُ تأبى أن تُذَلّ وتُقهَرا ... ترَى الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا
وتخـتارُ محموداً من الذِكرِ خالداً...على العيش مذمومَ المَغَـبّـة مُنكَرا…

**   وكما هو ديدنه الثابت، شبك الجواهري العام بالخاص، وبحورات مع الذات اساساً، ليستخلص وفي ابيات محدودة، ولربما في بيت واحد متفرد، عبرة العبقري الخابر للحياة

ونُكّسَ يـومَ الطـفّ تـاريخُ أمـة... مشى قبلَها ذا صـولـةٍ متبختِرا
فما كان سهلاً قبلَها أخذُ مـوثـق على عَرَبيّ أن يـقولَ فيغـدِرا...

**   وسيرا على عادته، ايضا، يوجزالشاعر المنوّر عظات واقعة الطف ، وما سبقها وتلاها من بطولات وامجاد خالدة، ثم يروح موجهاً دون وجل او تردد:

أقـول لأقوامٍ مَضَـوا في مُصابه ... يسـومونه التحريـفَ حتى تغيّرا..
دعُوا رَوعةَ التاريخ تأخـذْ مَحَلّـها ... ولا تُـجهِدوا آياتِه أن تُـحوّرا
وخلّوا لسانَ الدهر يَنطقْ فإنّه ...بليـغٌ إذا ما حـاولَ النطـقَ عَـبّـرا

**   واذ جاءت "عاشوراء" في زمانها، والجواهري انذاك في عقده الثالث وحسب، مباشِرة في المعاني والتصريح، واقرب للتوثيق التاريخي، هدر الشاعر الخالد بعد مرور اثني عشر عاماً، بعصماء "امنت بالحسين" التى فاضت بالتعبير عن المواقف والمفاهيم الطافحة بالإباء والشموخ ، والممجدة للفداء والتضحيات، كما هي الحال في الفرائد الجواهرية العديدة، وان اختلفت في الصور والاستعارة:

فـداء لمثـواك من مضـجـعِ ... تـنـوّر بـالابلــج الأروعِ
ورعياً ليومـك يوم "الطفـوف" ... وسـقياً لأرضك من مصرع
تعـاليت من مُفـزع للحتـوف ... وبـورك قبـرك مـن مَفزع

**  وفي مقابل ذلك تماماً، لم يجامل الشاعر الكبير أو يتهاون في هجو الخنوع والانحناء، وأولئك المقيمين على الذل، بل وحتى من يتوسط "كاللبن الخاثر" وغيرهم من اللاجئين "لأدبار الحلول فسميت وسطاً، وسميّ أهلها، وسطاءَ"..
ولربما نجتهد، ونصيب، فنرى في "آمنت بالحسين" مجمعاً للشواهد والأدلة الأبرز على الرؤى الجواهرية المتميزة، وبمقاييس بالغة الرفعة في تبجيل "الواهبين النفس" فداءً للمبادىء التي يؤمنون بها، وتلكم بلا شك التضحية الأضخم للدفاع عن القيم والذود عنها، كما يرى صاحب "آمنت بالحسين...

**   وفي مقاطع تالية من العصماء ذاتها يستمر الجواهري في الاتجاه الذي يريد اعلانه عن تضحيات الحسين الثائر و"نهجه النير" الذي بات "عظة الطامحين العظام" لاولئك "اللاهين عن غدهم" والقنوعين دون احتجاج وتمرد أو ثورة... كما يفيض عديد آخر من أبيات القصيدة بعواطف ومشاعر انسانية فائقة التعبير في تقديس الثبات والصمود لرجل يوم "الطفوف" و"الملهم المبدع" الثابت أمام "سنابك خيل الطغاة" دون خوف أو رهبة ... وبهدف أن يُطمر "جديب الضمير بآخر معشوشب ممرع...

شممتُ ثـراك فهب النسيم ... نسيم الكرامـة من بَلقـعٍ
وطفت بقبرك طوفَ الخيال ... بصومعـة المُلهـم المبدع
تعـاليت من صاعق يلتظي ... فـان تـدجُ داجية يلمـع

**  ثم يروح الجواهري ليتمثل مأثرة الحسين التاريخية، ويمحص الأمر دون أن يرتهب من "الرواة" أو يخدع بما ينقلون، ويمضي هادفاً للحقيقة لا غيرها، وبدون "تزويق" أو مبالغات... وبعد ذلك فقط، يجد الشاعر أن في فداء الحسين دفاعاً عن مبادئه، وقائع لا أعظم منها، وهو "أن يطعم الموت خير البنين، من الاكهلين الى الرضع "... ثم يحل مسك الختام، فتجدد القصيدة تقديس ذلك الصمود والعطاء الذي "نوّر" من ايمان الجواهري، وفلسفته في الإباء والفداء، والتي تجسدت، كما سبق القول، في الكثير من قصائده ومن بينها: "سلام على مثقل بالحديد - 1951 " و"بور سعيد - 1956" و"كردستان - موطن الأبطال- 1962" و"فلسطين الفداء والدم - 1970" فضلاً عن قصــائد الوثبـة، الشـهيـرة، عــام 1948...

تمثلـتُ يومـك في خاطـري ... ورددت "صـوتك" في مسـمعي
ومحصـت أمـرك لم "ارتهب" ... بنقـل "الرواة" ولـم أخــدع
ولما ازحـت طـلاء "القرون" ... وسـتر الخـداع عن المخـدع
وجدتـك في صـورة لـم أُرعْ ... بـأعـظــمَ منهـا ولا أروع

**  وللاستزادة، نقول أن قصيدة "امنت بالحسين" المتفردة في المبنى والمعنى، والرؤى،
نشرت في جميع طبعات ديوان الجواهري، ومنذ العام 1951، وقد خُط خمسة عشر بيتاً منها بالذهب على الباب الرئيس للرواق الحسيني في كربلاء، كما أُُنشدت، وتُنشد، في مختلف المجالس والمناسبات الاحيائية لواقعة "الطف" التي تصادف كما هو معروف في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم، كل عام....

مع تحيات مركز"الجواهري" في براغ

www.jawahiri.com


الجواهري - رواء 1995



149
عن الجواهري في بغداد ... خريف 2012
-------------------------------------------------------


جواهري - رواء... دمشق 1987
* رواء الجصانــي
babyloncz@yahoo.com

... وتسألني ياصديقي" ساهرَ الليل" عن زيارتي الاخيرة الى بغداد، وأعلمك في البدء انها ليست الاولى، منذ عقود، كما ظَننتَ.. فقد سبقتها قبل عامين ونصف، زيارة اولى، حقاً، لـبغــداد"نــا" بعد أكثر من واحد وثلاثين عاماً ... وإذ انتَ دائم السؤال عن الجديد، ولا سّيما عن الجواهري الرمز، ولأن "داء" التوثيق عنه، وله، ما زال يدبّ بنا، وقلْ يستفحلُ ولا تخفْ، ، فها هي بعض وقفات منتخبة من عشرات، أخصكَ بها، وكذلك لمن يقرأ ويكتب مثلك، وما خفيّ أعظم ...
--------------------------------------
•   ونبدأ، يا "ساهرَ الليل" بما يلفت كل الانتباه، في بغداد، دارة المجد كما ينبغي، لأنها ما برحت حتى اليوم خالية من اي نصب يليق بشاعـــرالامتيّن، وان تعددت التبجحات والوعود والتصريحات، وما من شكّ انــك تدري ما أعنــي بـ "ألأمتين"إإ  .. ولا اعرف كيف طفح الى الذاكرة، الان، وبكل عفوية، ما قاله الجواهري الخالد في الستينات الماضية تعبيراً مكثفاً عن هضيمة كانت تتزايد عنده:     
يا نديمي: لم يبقَ لي ما أُرجّي، غيرُ (ليتٍ)، و(ليتُ) زرعٌ بصخرِ
ليتَ أني لبربرٍ أو لزَنجِ، أتغنّى شجونَهم طولَ عمري
نِصفَ قَرنٍ ما بينَ دُفّ وصَنجٍ، أتُراني كنتُ انتُبِذتُ بقفرِ؟
و تُجوهلتُ مثلَ واوٍ لعَمرِو؟، لستُ أدري ولا المنجمُ يدري!
-------------------------------------
•   ... واذ تسألني يا صديقي: كيف رأيتُ الاوضاع، هناك، حيث "يضطرب المنى والسعي والفشل" ؟؟ وعن المسؤول في ما آلت اليه الامور؟؟ فها أنذا أختصر لك، واردد ماقالــــــه الجواهري عام 1946 اي قبل أزيد من خمسة وستين عاما:
ذُعِرَ الجنوبُ فقيلَ: كيدُ خوارجٍ!، وشكا الشّمالُ فقيلَ: صُنْعُ جِوار!
وتنابَزَ الوسَطُ المُدِلّ فلم يَدَعْ، بعـضٌ لبعـضٍ ظِـنّـةً لفَـخـار
ودعا فريقٌ أنْ تسودَ عَدالةٌ، فرُموا بكلّ شنيعةٍ وشَنار! ...
و تساءلَ المُتَعَجّبونَ لحالةٍ، نكراءَ: مَنْ هُم أهلُ هذي الدارِ؟
------------------------------------
* أما عن تصوراتي، يا صديقي" الساهر" عن "زعماء"  البلاد السياسيين، وأيهم الافضل؟ نسبياً بالطبع ... فقد أُحير جوابــــاً، لا لصعــــوبة في التقييم وســواها، ولكن لأمر في نفــــس يعقوب إإإ لذلكَ دعني الجأ من جديد، ودائماً، للجواهري، وهذه المرة لمــــا نشره في الستينات، خاصةً وأن الحال هي ذاتها اليوم :
وتجـمّـع (الأقطاب) يـأكلُ بعضُهم بالحقدِ بعضا
يتفحصون مشاكلَ الدنيـا سماواتٍ وأرضـا
أيُعـالِـج المرضى أطــباءٌ بذاتِ الجنبِ مرضى؟؟
يشـكو المحبّـةَ "واحدٌ" لـ " ثلاثةٍ"  يشكون بُغضا!

... أما من هو ذلكم الـ "واحـد" ؟ ومن اولئكم "الثلاثة" ؟ فهذا ما نتركه لكل واحد، بحسب ذوقه، ومشتهاه إإإ
------------------------------------
* ولكي نعيش سويعات نهار إستثنائية – يا ساهرَ الليل- زرنا شارع المتنبي الثقافي، الاشهر في بغداد، كما يُسمى، وكأن ثمة شارع "ثقافي" آخر غيره... وهناك دارت حوارات سريعة، ومنها عن الجواهري بالتأكيد، وأهمها عن المقترح الذي تقدمنا به، منذ ثلاثة اعوام، ونيف، نشيداً وطنياً، وطنياً، للعراق الجديد، من شعر الشاعر العظيم، ومطلعه كما أظنكَ تتذكر:
سلامٌ على هضبات العراق ... وشطـّـيه والجُرف والمنحنى
سلامٌ على باسقاتِ النخيل ... وشُمِّ الجبال تُشيعُ السَـنا
سلامٌ على نيّرات العصور ِ... ودارِ السلامِ مدارِ الدُنا

  .... ونسمع بهذا الشأن من أدباء ومتابعين: ان لجنة الثقافة البرلمانية حريصة هذه المرة علـى "ملاحقة" متطلبات إقرار النشيد والعلم العراقيين الجديدين، برغم امتلاء جداول أعمال المجلس النيابي، بكل ما لذّ وطاب من برامج وأهتمامات، ومشاريع قوانين.
----------------------------------------   
*  وتسألني ياصديقي"الساهر" عن جديد المشروع الرائد، والذي نتباهى- أيضاً- بأننا كنا وراء انطلاقته، ونعني تحويل بيت الجواهري العظيم، في بغداد، الى متحف لآثاره وتراثه، فأجيبك: ان التفاؤل يملؤنا، وحتى اللحظة على الاقل، بأن الخطى تتسارع عجولــةً لاستكمال "المتطلبات" ذات الصلـــة، وأن كان هنــك "مارقون" حاولوا، بل ويحاولون الى اليوم، عرقلة المشروع، وحتى بوسائل دنيئة، ولن أفصل اكثر، وأكتفي بأستعـــارة اخرى، من حكـــم ومقولات، وإحترازات، الشاعـــر الخالـــد، لعلهـــا تشــي، وتعبر:
كمْ هزّ دوحكَ من قزمٍ يطاولهُ، فلم ينلهُ، ولم تقصرْ ولم يَطلِ
وكم سعتْ إمعاتٌ ان يكون لها، ما ثارَ حولك من لغوٍ، ومن جدلِ
-------------------------------------------------
*  ولأن الشئ، بالشئ يذكر، دعني أنبئكَ ياصديقي" ساهرَ الليل" ان فكرة، بل توجهات ذات صلة بالشأن اعلاه: روحية وثقافية واجتماعية، قد طرحناها شفاهاً، ثم برسالة تحريرية، أمام معنيين، عسى أن يُعنوا بها، تساهم - وإن بحدود- في إيفاء الجواهري الاعظم، بعض ديّنه على الجميع ... ولكن، ولأن هناك بعض "متعلقات مالية " برغم ضآلتها، فقد تماهل"عــدد" من ذوي الامر "متوهميــن" ان مـــرور الايـــام كفيـــل بـ" دحــر" الفكرة- المشروع، والعزوف عنها .. ناسين، أو متناسين أنها انطلقت، وأن التاريخ شاهد شامخ يأبى الرياء، وسيسجل الوقائع ويعطي لكل حق حقه ... ولنؤجل التفاصيل ، أيها "الساهر" برهة وقت، ولننتظر، عسى ان تتحفـــز الضمائر؟؟ وذلك ما نراهنُ عليه، وكم نتمنى ان نكسب الرهان إإ
----------------------------------------------------
    هل تُراني أوفيت لك يا صديقي، يا ساهر الليل، ببعض ما أردتَ؟ أم أنك ترغبُ بالمزيد من ذلك الذي خفيَّ، وهو أعظم ؟؟.. ولكنه قد يثير مضاعفات من الشجون والشؤون، وما نحن بأنداد لها اليوم، على ألاقل ... فدعنا إذن من خوض غمار الاحتراب، ولتتقبل بديلاً عنه، سلامي الدائم ايها الساهر، السامر، وعلا شأنك، برغم أنوف المَلا إإإإ.
مع تحيات مركز "الجواهري" في براغ
www.jawahiri.com

150
رؤى، ومزاعم عن الجواهـــــري وجمهورية
 الرابع عشر من تموز


كتابة : رواء الجصاني
babyloncz@yahoo.com
نادرا مافات الجواهري أن يؤرخ للأحداث الجسام العراقية والعربية، بل والعالمية أيضاً، وان يعبر عن مواقفه ورؤاه الوجدانية والسياسية والفكرية، من تلكم الاحداث، وعنها... وهكذا جاء موقفه، ولنقل مواقفه، بشأن التغيير الرئيس وربما الأهم في تاريخ العراق الحديث، ونعني به حركة الرابع عشر من تموز عام 1958 والتي أشعلت ثورة عارمة انهت النظام الملكي، واستبدلته بالجمهوري، الذي قيل ما قيل، ويُقال، إيجاباً وسلباً حوله ...
لقد رأى الجواهري في تلكم الثورة التحررية بحسب البعض، أو الحركة العسكرية الانقلابية وفق بعض آخر، مسك ختام وطنياٌ لعقود من النضال الشعبي والجماهيري في العراق، من أجل الحرية والازدهار، بل والتقدم بمفاهيم ذلك الزمان... وهكذا سرعان ما نظم، وفي الأيام الأولى لقيام ذلك التغيير المدوي قصيدته النونية المطولة، ومن مفتتحها :

جيشَ العراق ولم أزلْ بك مؤمنا ... وبأنك الأملُ المرجى والمنى
وبأن حلمك لن يطولَ به المدى وبأن عزمك لن يحيق به الونى
حمل الفرات بها اليك نخيله، ومشى بدجلة جرفها والمنحنى
فلقد اعدت اليهما صفويهما، من بعدما غصا بأدران الخنا

ثم تلت "جيش العراق" قصائد عديدة أخرى تؤرخ للحدث، ومسيرته، وتوجه الجماهير الشعبية لاسناده وتأطير مساره، محذرة من الاضطرابات واستغلال الأمور، بما يقود لخلاف ما آمن به الجواهري من ضرورات ومباديء، من أجل النهوض والارتقاء والوحدة والتلاحم، بعيداً عن العصبوية، والطائفية والفئوية والحزبية والعنصرية، وسواها من آفات اجتماعية ووطنية... ومن بين ما نستشهد به هنا ما جاء في قصيدته بمناسبة عيد الاول من ايار :

يا أيـهـا العُمّـالُ صفـحَ تسـامحٍ، عمّـا تجيشُ ببثّـهِ خطَراتي
أنا لا أثيرُ ظُنونَكمْ، لكنْ فتىً، حراًّ يحبّ حرائرَ الصّرَخات
ما انفكّ تِنّينُ التحكّمِ قائماً، وتقاسمُ الأرباح فـي الشركات
ما زالت الشمّ النّواطحُ تُبتنى، من تلكمُ السّرِقات والرّشوات
لِم يُؤخَذُ المالُ المقطّعُ منكمُ، سحتاً، ولـم تُقطَعْ أكفّ جناة!
 
وفي عودة للديوان الجواهري العامر، نجد ثمة قصيد حاشد في شؤون، وشجون الحدث، والأحداث التي نعنى بها في هذا التوثيق ومنها: باسم الشعب، انشودة السلام، عيد العمال العالمي، المستنصرية... وغيرهن عديد.... ومن بين ما يقع تحت أيدينا، بصوت الجواهري لقصائد تلكم السنوات الاستثنائية، نونيّة مطولة خاطب بها شبيبة وطلبة العراق عام 1959 راح خلالها موثقاً، وحادياً، ومحرضاً لحب الوطن والدعوة لازدهاره ورقيه، ومما جاء فيها:

أزف الموعد والوعد يعنّ.. والغد الحلو لاهليه يحن ُ
والغد الحلو بنوه انتم، فاذا كان له صلب فنحن
فخرنا انا كشفناه لكم، واكتشاف الغد للاجيال فن
 
ثم وقع ما وقع من تنابز فانحرافات وتفرد وتسلط وعسف، كما واحتراب بغيض بين التيارات الشعبية والسياسية، طال حتى الجواهري، وهو ذو المنصبين: رئيس اتحاد الأدباء، ونقيب صحفيي البلاد، في آن واحد، فتعرض لتجاوزات وحملات اعلامية واجراءات سلطوية، وصلت حدّ اعتقاله، وإن لساعات، مما اضطره للاغتراب بعيداً عن البلاد عام 1961 هضيمة واحتجاجاً، واحترازاً من ايذاء اكبر، قد يصل حد اغتياله... ولتلك الحال تفاصيل مطولة وذات أكثر من مغزى، تناولها الجواهري في الجزء الثاني من ذكرياته الصادر عام 1991 وكذلك في قصائد عديدة، ومن بينها نونيته الأشهر دجلة الخير عام 1962 ومما جاء فيها بذلك الصدد:
يا دجلة الخير أدرى بالذي طفحت، به مجاريك من فوق الى دون
ادرى بانك من الف مضت هدرا، للآن تهزين من حكم السلاطين
تهزين ان لم تزل في الشرق شاردة من النواويس ارواح الفراعين
يا دجلة الخير كم من كنز موهبة، لديك في القمم المسحور مخزون
لعل تلك العفاريت التي احتجزت، بحملات على اكتاف دلفين
لعل يوماً عصوفاً هادراً عرماً، آت فترضيك عقباه وترضيني

وعلى أية حال، فقد ترضي هذه الكتابة بعضاً، أو تغضب آخر، إلا انها سعت لكي تكون بعيدة عن العواطف، والتي عمرها ما كانت حكما عادلا في تقييم الوقائع التاريخية، كما نجتهد، وقد نصيب..
=================================
مقاطع من شعر الشاعر العظيم، على الرابط التالي :
http://www.iraqhurr.org/audio/audio/273475.html

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

151
مــركز الجــواهري ...
عشرة اعوام، والمغامرة تستمر



الجواهري  بريشة جبر علوان 1983

رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
ها هنّ عشرة اعوام تمضي على تأسيس مركز الجواهري، للثقافة والتوثيق، وما برحت " المغامرة " مستمرة، بهذه الحال مرة، وبتلكم الاشكال مرات أخر، في مسعى جهودٍ للمساهمة في تأجيج وإشاعة مفاهيم وفلسفة الشاعر، والرمز العراقي والعربي الخالد، في رحاب ومدارات التنوير والارتقاء، وترسيخ الاحاسيس الانسانية...
   نقول" مغامرة" ونقصد ما نقول. فمنذ البدء والقناعات تملؤنا بأننا سائرون في طريق بالغة التشابكات على اقل وصف، ولم نكن من الحالمين بغير ذلك، ومن هنا نشعر بالافتخار الاكبر، بل والتباهي، ولم لا؟... فالمركز الذي نتحدث عنه، ذو السمعة والمكانة والقول والفعل، انطلق وسار، وما زال، بجهود عصبة متطوعة محدودة العدة والعدد، بكل ما يعني الأمر من معنى... وعلى اية حال دعونا من  "التكبر" وان كان "عبادةً" على المتكبر، ولنعد الى الفكرة واللبنات الاولى، والى بعض المحطات والوقفات، في نشاطات المركز، وما يتمناه، وان جرت السفن بما لا تشتهي الرياح، وليس العكس...
فبعد رحيل الجواهري الخالد (تموز / يوليو1997) لم يدر في الخلد، ولم يشغل البال، اياماً وليالي واسابيع متتاليات، سوى التفكير في اطلاق منبرٍ، وإن جاء متواضعاً، لذلك الذي شغل الدنيا واهلها طوال القرن العشرين، وعنه، فكرا وشعرا ومواقف ورؤى... وهكذا راحت المحاولات تترى، حتى جاءت فسحة "التمرين" الاول، خلال الاحتفاء المرموق بمئوية الجواهري في براغ وبمشاركة نخبة عراقية وعربية وتشيكية، في المشاركة والحضور والتنظيم والاداء ...
... ثم تحين مناسبة الاحتفاء الكوردي، الباهرة، في كل من اربيل والسليمانية، بمئوية شاعرالعرب الاكبر(خريف عام 2000) فتأخذنا الحماسة أزيد وأزيد لخطوات على تلكم الطريق، وحتى حلّ نيسان / ابريل 2002 ليطلق كاتب هذه التأرخة، مع الراحلين الاديبين، المثقفين، المتميزين: العراقي، محمد حسين الاعرجي، والتشيكي، يارومير هايسكى، "اعلان" البدء بنشاط مركز الجواهري في براغ، وذلك في حفل مهيب وسط العاصمة التشيكية، وفي السابع عشر من ذلكم الشهر، اي قبل عشرة اعوام بالتمام والكمال ...
كانت الخطوة العملية الاولى: موقع متواضع، ولكن بكل أناقة، على شبكة الانترنيت، بالعربية والتشيكية، لجمع وتنسيق وحفظ بعض الارث، والمنجز الابداعي والنهضوي – التنويري لإبن الرافدين، العربي والانساني. وها هو ذلكم الموقع اليوم مُتصفحاً من نحو مئة وستين الف زائر ومحب ومتابع. والرقم ذو دلالة، وقل دلالات ولا تخف، بالنسبة للمواقع المتخصصة، الادبية غير الاخبارية... ثم تترى الفعاليات: اصدارات وترجمات وندوات وانشطة متنوعة، خاصة بمركز الجواهري اولاً، ثم بالمشاركة مع منابر صديقة، وشقيقة، وتشيكية. ومن بين تلكم الفعاليات الأميز، بهدف التوثيق، كما وللتباهي مرة أخرى: حفل فخم، عام 2007 بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل صاحب "انا العراق" و" إنا امة خلقت لتبقى ..." و"حببت الناس كل الناس..."... ثم في الاحتفائية المتميزة بثمانينية الرائد الكبير، محمود صبري عام 2008... الى جانب مساهمات في احتفائيات بشعراء عرب بارزين، وعنهم، وفي المقدمة منهم: الفلسطيني، محمود درويش، والسوري، نزار قباني، واليمني، محمد الشرفي...
ومما يفخر به مركز الجواهري ايضاً وايضاً، من نشاطات، وفي تعداد مباشر هذه المرة، وبكل ايجاز، برغم صعوبة ذلك :
- اقتراح مشروع لنشيد وطني، وطني، للعراق الجديد، بات مرشحاً اليوم للاعتماد الرسمي من الجهات المعنية في بغداد .
- تكريم رمزي لثلاثة عشر مستعرباً تشيكيا بارزاً، والاحتفاء بهم، بمشاركة سفارة العراق لدى براغ، عام 2007.
- اقتراح وتبني الدعوة لتحويل بيت الجواهري، الاول والاخير، والوحيد، في العراق، الى متحف يضم تراث الشاعر والرمز الوطني الخالد، وقد راح الامر منجزاً او يكاد اليوم، بعد ان تبنت الامر أمانة بغداد، منذ نحو عام.
- توثيق وبث 85 حلقة اذاعية من محطة "صوت العراق الحر" في براغ، للفترة 2009- 2011 عن محطات خاصة وعامة في فكر وشعر الجواهري، ومواقفه وتأريخه.
- الشروع قبل اشهر قليلة، مع سفارة العراق، في التباحث العملي مع الجهات التشيكية  لإقامة، نصب للجواهري الكبير في احدى ساحات أو حدائق براغ، او تسمية احد شوارعها بأسمه.
- المشاركة المباشرة في متطلبات اتمام سباعية "الجواهري، كبرياء العراق" الذي بثته قناة "السومرية" عام 2011... وكذلك الشريط التوثيقي عن الشاعر الخالد، الذي عرضته فضائية "الجزيرة " وتستمر في عرضه منذ اسابيع.
ترى هل أوفينا ، وتوثيقنا هنا مجروح بالتأكيد؟؟؟.. ليس من المنطق ان نقول نعم، فمسيرة عشرة أعوام لا يمكن ان توجزها سطور معدودات... ولكن لنقل ان ما تقدم بعض مؤشرات وحسب، وحسبنا انا نثرنا البذرة الأولى، وأطلقنا العنان لمركب فاض بالابداع والتنوير على مدى عقود سبعة، وأزيد، وظل يمخر عباب الزمن غير آبه بالمخاطر... وذلكم هو الجواهري، السبوح الذي بقي، وما امتد به زمنه، يعانق الموجة مداً وانحسارا، في دارة الشمس او دوارة القمر ... اما الحديث ذو الآهات، فدعونا عنه مؤقتاً، خاصة وان من يعنيهم الأمر، بهم عوز الى مدد، إلى الآن على الأقل...
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

152
بعض وفاء للراحل الخالد : محمود صبري




رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
مع جموع المبدعين والفنانين والسياسيين العراقيين، نتشارك، في مركز "الجواهري" الثقافي، ومؤسسة "بابيلون" للاعلام، الأسى العميق، برحيل المفكر الرائد، والشخصية الوطنية والاجتماعية البارزة، محمود صبري( الجمعة: 2012.4.13) عن خمسة وثمانين عاماً، جلّها مكرس للعطاء النظري والعملي، الانساني بامتياز...
وإذ يستذكر محبو، وعارفو، الراحل – الخالد، سماته، ومنجزاته ومواقفه، فائقة الاستثناء، نستذكر في مركز "الجواهري" ومؤسسة "بابيلون" خصوصية الرعاية المتميزة التي أولاها لنا الفقيد الجليل، على مدى عقدين، وأكثر، توجيهاً وأفكاراً ومساهمات فنية متألقة، ويكفينا شهادة واحدة على ذلك، وهي ان تحمل اصداراتنا الرئيسية، منذ عام 1990 وإلى اليوم، تصاميم محمود صبري، الفنان، والمفكر، والانسان قبل كل هذا وذاك...
وإذ نوجز هنا، عن هذا الحدث البالغ القسوة، بسطور معدودات، نعد أن نعود لنكتب ونوثق للراحل-الخالد، رؤى ومواقف وذكريات ومحطات تاريخية، وخاصة عن العقود الخمسة التي امضاها في براغ...
وداعاً أبا ياسمين : الخسارة فادحة، ولن تعبر عنها آلاف الكلمات.



153
الجواهري ... وبعضٌ مما بعد الرحيل

رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
في صبيحة الأحد، السابع والعشرين من تموز عام الف ٍ وتسعمئة وسبعة وتسعين ، أُستنفرت وكالات أنباء ومراسلون وقنوات فضائية وغيرها من وسائل اعلام، لتبث خبراً هادراً، مؤسياً، هزّ مشاعر، ليس النخب الثقافية والسياسية فحسب، بل والألوف الألوف
 من الناس، وخلاصته :-
"الجواهري يرحل إلى الخلود في احدى مشافي
العاصمة السورية دمشق عن عمر يناهز المئة عام"
... يطبق "الموت اللئيم" اذن على ذلك المتفرد الذي شغل القرن العشرين على الأقل، ابداعاً ومواهب، ثم لتروح الرؤى والأحاديث والكتابات تترى بعد الخبر المفجع، عن عظمة ومجد الراحل العظيم:-
- المتميز بعبقريته التي يخشى أن يجادل بشأنها أحد...
- السياسي الذي لم ينتم ِ لحزب، بل كان حزباً بذاته، يخوض المعارك شعراً ومواقف رائدة...
 - الرمز الوطني الذي أرخ للبلاد وأحداثها بأتراحها وأفراحها من داخل الحلبة، بل ووسطها، مقتحماً ومتباهياً: -
أنا العراق لساني قلبه ودمي فراته وكياني منه اشطار
 - وذلك الراحل العظيم نفسه : حامل القلم الجريء والمتحدي والذي "لو يوهب الدنيا بأجمعها، ما باع عزاً بذل المترف البطر"... ناشر صحف "الرأي العام" و"الجهاد" و"الثبات" ورفيقاتهن الأخريات...
 - منوّرٌ متميزٌ من أجل الارتقــاء على مدى عقـود حياته المديدة، مؤمن: " لثورة الفكر تاريخ يحدثنا، بأن ألف مسيح دونها صلبا"
 - صـاحب "يوم الشـهيد" و"آمنت بالحسين" و"قلبي لكوردستان" و"الغضب الخلاق" و"الفداء والدم"... شامخ، يطأ الطغاة بشسع نعل ٍ عازبا...
 - والجواهـري ايضا وايضا: متمرد عنيد ظـل طـوال حياتـه باحثاً عن "وشـك معترك أو قرب مشتجر"، كيّ "يطعم النيران باللهب"!...
 - مبدعٌ بلا حـدود في فرائـد "زوربـا" و"المعـري" و"سـجا البحـر" و"أفروديـت" و"أنيتـا" و"لغة الثياب" و"أيها الأرق" وأخواتهن الكثار...
 - وهو قبل كل هذا وذاك: " أحب الناس كل الناس، من شبّ ومن شابَ، ومن أظلم كالفحم، ومن أشرق كالماس" ..
 - كما هو "الفتى الممراح فراج الكروب"، الذي "لم يخل من البهجة دارا" ...
 - رائدٌ في حب وتقديس من "زُنَّ الحياة" فراح يصوغ الشعر "قلائداً لعقودهنَّ" ... و"يقتبس من وليدهن نغم القصيد" ..
 - وديع كالحمامة، ومنتفض كالنسر حين يستثيره "ميتون على ما استفرغوا جمدوا .."
 - وهو لا غيره الذي قال ما قال  "ولم يصلّ لغير الشعر من وثن" ... فبات الشعراء يقيسون قاماتهم على عمود قامته الشامخ...
-  انه وباختصار: ذلكم الطموح الوثاب الذي كان، ومنذ فتوته "يخشى أن يروح ولم يبقِ ذكرا" ... فهل راحت قصائده - فعلا - "ملؤ فم الزمان"!! وهل ثبتت مزاعمه بأن قصيده "سيبقى ويفنى نيزك وشهاب" وهو القائل:
وها هو عنده فلك يدوي..... وعند منعم قصر مشيد
يموت الخالدون بكل فج ٍ .. ويستعصي على الموت ِ الخلودُ
ترى هل صدق بما قال ... التاريخ وحده من انبأنا
 وينبئنا عن الامر،   ويا له من شاهد حق ٍ عزوفٍ عن الرياء!!
*     *       *
... وهكذا تروح المواقف والكتابات والفعاليات تترى لتشي ببعض الوفاء، وتستذكر لماماً من حشد الأرث الوطني والثقافي
 للجواهري العظيم:-
 - تشييع شعبي ورسمي مهيب في دمشق الشام، ومجلس فاتحة وعزاء يؤمه الآلاف من أبناء الجالية العراقية المعارضة وغيرهم ...
 - مجلسا فاتحة في بغداد والنجف، يحضرهما الناس والأصدقاء والأحباء، والأهل، برغم محاولة السلطة وأجهزتها تجاهل الحدث الجلل، كمن يحاول ان يغطي الشمس بغربال ...
 - احتفال واستذكار ثقافي واجتماعي حاشد في بيروت بمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيل الجواهري وبحضور ومشاركة جمع شخصيات اجتماعية وثقافية عراقية ولبنانية ... وكذلكم الحال، أو قريب منه، في مدينة السليمانية الكردية، برعاية رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني، جلال الطالباني .
... ثم تتوالى هنا، وهناك ،المزيد المزيد من النشاطات  الاحيائية والاحتفائية:-
 - فعاليتان حاشدتان في كل من اربيل والسليمانية، أواخر العام 2000 بمناسبة مئوية الجواهري، وبرعاية رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني: مسعود بارزاني ، ورئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني: جلال طالباني، ويرفع خلال الفعاليتين الستار، بالمناسبة، وبحضور عشرات المثقفين العراقيين، والعرب، عن نصبين متماثلين، أتممهما الفنان سليم عبد الله ، للجواهري، شاعر العرب الأكبر، وسط كل من المدينتين الكورديتين ...
 - صدور الطبعة شبه الكاملة لديوان الجواهري ، بأناقة وتميز فريدين، بيروت عام 2000 من تصميم وتنفيذ الفنان عباس الكاظم ...
 - مهرجان ثقافي متميز تقيمه مؤسسة المدى، ورئيسها فخري كريم، في دمشق (2001) وبمشاركة عراقية وسورية وعربية بارزة ....
 - الاعلان في براغ بتاريخ 17/4/2002 عن انطلاقة نشاط مركز الجواهري، منظمة مدنية، للثقافة والتوثيق، وبحضور مستعربين  ومثقفين ورسميين  تشيك وعراقيين وعرب عديدين...
*           *            *
... واذ كان كل ذلك غيض من فيض كما يقولون، فثمة العشرات من القصائد والدراسات  واللوحات والاعمال الفنية والندوات والاصدارات والمؤلفات عن الجواهري، وذات الصلة به، في الكثير من العواصم العربية والعالمية...
               
   *          *         *
... وفي ربيع العام 2003  ينهار النظام الدكتاتوري في العراق فتنطلق الحناجر والأقلام، والأنشطة الوطنية والفكرية والثقافية. ولابد ان يكون الجواهري حاضراً، بل أول الحاضرين والمشاركين في
الكثير منها : شعراً ومواقف وسجلاً للأحداث، ورمزاً بارزاً للبلاد وأهلها:
 - مهرجانات شعرية سنوية باسم الجواهري ينظمها اتحاد الأدباءوالكتاب العراقيين ...
 - عشرات الكتب والاصدات عن الجواهري، في بغداد وغيرها من مدن العراق ...
 - اطروحات ورسائل دكتوراه وماجستير عن بعض حياة وتاريخ الجواهري، ورموزيته الوطنية والثقافية، لباحثين ودارسين أكفاء ...
 - تسمية شارع المكتبات والكتب العريق في النجف باسم الجواهري، الى جانب ندوات واحتفاءات أخرى تشهدهــا مدينة العلم والفكر والشعر  ...
*            *                   *
  ... واذ يطول الحصر والتعداد ويعرض ويتشعب، دعونا نوجز فنؤشر نماذج وحسب، لفعاليات أخرى متميزة كما نزعم، وفي
 الخارج هذه المرة ومنها:
 - احياء مهيب في براغ (2007) لذكرى الجواهري ، بمناسبة عشرة أعوام على رحيله.
- خمسون حلقة اسبوعية في صحيفة التآخي الكردية العراقية، طوال عام 1980عن شعر ورؤى ومواقف الجواهري ، وجوانب من تاريخه.
 - ازاحة الستار عن نصب للجواهري في احدى المؤسسات الجامعية بمدينة "فارونج" الروسية - حزيران 2009 .
 - جائزة ثقافية في سيدني الأسترالية باسم الجواهري - 2010 .
 - فيلم وثائقي عن جوانب من  حياة الجواهري، ينجزه المخرج المتميز: درويش البوطي عام 2010، لصالح قناة الجزيرة.
 - اذاعة اوربا الحرة من براغ تبث خلال عامي 2010-2011 خمساً وثمانين حلقة اسبوعية، بعنوان " ايقاعات ورؤى" عن شاعرالعراق والعرب الاكبر، من اخراج الكوردي البارع : ديار بامرني .   
 - سباعية تلفزيونية فريدة عن بعض محطات الجواهري التاريخية ، تبثها فضائية "السومرية" من اعداد واخراج الاعلامي المبدع: أنور الحمداني -2011.
- محرك البحث العالمي الشهير "غوغل" يضع رسماً للجواهري على صدر صفحته الرئيسية ، احياء ليوم مولده، ورحيله  - 2011
 - ممثلية العراق في جامعة الدول العربية تقيم ندوة في مقرها بالقاهرة، بمناسبة الذكرى السنوية لميلاد الجواهري -  2011 .
 - امانة العاصمة العراقية تقرر، أواسط العام2011  أستملاك بيت الجواهري الاول والاخير في بغداد، باعتباره معلماً وطنياً، والعمل على صيانته واعداده متحفاً يضم ما أمكن من تراث ومؤلفات وكتابات الشاعر الخالد.
  ... ثم أخيراً، وفي آخر هذا الاستعراض الموجز والحافل في آن، نوثق هنا إلى مشروع لنشيد عراقي وطني، وطني، للعراق الجديد، من شعر الجواهري، وفرائده، وقد نُشر منذ نحو ثلاثة أعوام، وراح متداولاً اليوم في الأوساط والهيئات الثقافية والنيابية العراقية، مرشحاً للاعتماد الرسمي، ومطلعه :
سلام على هضبات العراق ... وشطيه والجرف والمنحنى
على النخل ذي السعفات الطوال، وشمِ الجبال تُشيع السنا
سلام على نيرات العصور ... ودار السلام ، مدار الدنى ..
   وختامها مسك كما يقولون... وكما نريد .
مع تحيات مركز "الجواهــري" في براغ
www.jawahiri.com

154
ذكريات ثقافية واعلامية مع حسين العامل
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
    عزيز اخر يغيبه ذلكم "الموت اللئيم" الذي لم يبرح مترصداً، وفوق نيوبه دم اخوة واحبة واقارب وصحاب، وها نحن لا نملك للتصدي، سوى عواطفَ ومشاعرَ، نتدرع فيها ، وذكرياتٍ يتركها لنا الراحلون، نستقوى بها، ونثيرها بهدف بعض وفاء ... 
      جمعتني مع الفقيد ، حسين العامل - ابى ياسمين، فضلا عن اواصر صداقة جميلة، محطات عمل اعلامية وثقاقية، ومابينهما، منذ عام 1979 حين حط بنا الركاب الى براغ، مع جمهرة لاجئين، وهاربين من الوطن الذى احرقه الفاشيون والعنصريون والطائفيون، وما فتئوا .. والتحقنا بالسلف، الصالح والطالح، مرغمين، ولنصبح، والى اليوم، سلفاً، ولاندري ان كنا صالحين ام طالحين، فذلك ما سيسجله التاريخ، ويا له من شاهد عدلٍ ناءٍ عن الرياء ...
      واذ تتنوع وتتباين تلكم الممحطات مع ابي ياسمين، وتتعدد، سأزعم – كالعادة- أنني اخترت منها منتخبات، تسعى لتتجاوز التكرار، وتحاول ألا تكون مسهبةً دون جدوى، في مثل هذا الملتقى الجليل  ...
-   بعد تعارف اجتماعي تمدد لبضعة اسابيع، التقيت وابو ياسمين للمرة الاولى، ربيع العام 1979 في اطار فريق، ضم - اضافة لكلينا – باحثةً وكاتباً واعلامياً وصحفياًً،  ليساعد في اطلاق دورية باسم " رسالة العراق " قررت قيادة الحزب الشيوعي اصدارها، مع نشريات اخرى في الخارج، للتضامن مع الشعب العراقي ضد الارهاب في البلاد ...
-   وبعد ذلك باشهر قليلة، ننطلق في التهيئة لتشكيل فرع براغ  لرابطة الكتاب والصحفيين الديمقراطيين العراقيين، ويكون ابو ياسمين، وكما هو مفترض، ضمن " طهاة " تلكم التهيئة، الماهرين، واظهارها بعد ذلك للعلن، في مؤتمر انتخب اللجنة الاولى للفرع، برئاسة الراحل العزيزالاخر، شمران الياسري "ابو كاطع" الذي كاد ان يُفشي بـ"صراحته" المعهودة، اسماء "الطهاة" و"مؤامراتهم" بحسب تعبيره  ...
-   وفي النصف الثاني من الثمانينات الماضية، نلتقي مجدداً لنعمل مع رفاق محددين لنعنى هذه المرة، باصدار نشرة باللغة التشيكية، عن الاحداث في العراق، ومايتعلق بها، وبشكل شبه سري، احترازا من زعل المضيفين  الشيوعيين التيشكوسلوفاكيين- "الاشقاء" بحسب المتداول آنذاك - الذين لم يكونوا متفقين مع مثل ذلك الاصدار، وان علمتُ بعد فترة بانهم قد عرفوا بالامر، ولربما قبل صدوره حتى، ولكنهم غظوا الطرف، وكأنهم لا يعرفون...
-   اما في العام 1988 فقد انتخب مؤتمر فرع رابطة الكتاب في براغ هيئة ادارية جديدة، شيئَ لي أن أكون رئيسها، وضمت الى جانب الفقيد ابي ياسمين: الفنان والموسيقي كاكا روزكار، والصحفي قيس قاسم... وبقينا طوال عام كامل نسيّر الامور سوية، بنشاطات متميزة كما ادعي، وبمساعدة ممثل المركزالاوربي للرابطة المقيم في براغ انذاك : الشاعر الباهر، صادق الصايغ .. ثم تَسلمت  "الراية" بعدنا هيئة ادارية جديدة ترأسها عبد الاله النعيمي، وضمتني من جديد ، الى جانب كل من: حميد برتو ومفيد الجزائري... ثم أنفرط "العقد الفريد" منذعام 1990 وربما الى اليوم ...
-   وفي عام1991 تنشط التهيئة في براغ  لتشكيل "النادي العراقي"... ولا بد ان يكون لحسين العامل – ابي ياسمين- دور مميز في ذلك الشأن، وان من خلف "الكواليس" اول الامر... ففي حين عمل الثلاثي : حليم جعفر وخالد العلي ورواء الجصاني، باتجاه التأسيس، علانية، راح ابو ياسمين، محوراً شيوعياً، مع بعض رفاقه، ومن بينهم عباس عبيدش وخير الله رستم وغيرهم، يعد لانطلاقة  ذلك الاطار الجديد لبنات وابناء، ونساء ورجال الجالية العراقية، وفي براغ  بشكل رئيس... وقد بانت، وطفت الى السطح حينها خلافات هنا، واخرى هناك، حول عدد من الممهدات والمفاهيم في متطلبات ونشاطات الاطر الديمقراطية والجماهيرية، ومن بينها النوادي الاجتماعية، مثل نادينا الذي نعمل لاطلاقه، وربما ما زال جانب من تلكم التباينات قائماً الى اليوم ... ونلتقي مع ابي ياسمين لنتحاور ونتجادل حول الامر، ولكن من دون جدوى. وزعلنا مع بعضنا قليلا، غير ان الفقيد بسجاياه المعروفة ، لم يدع الامر يؤثر على العلاقات الثنائية او الشخصية، وكان بحق: رائداً في الايمان بمقولة " وخلاف الرأى لا يفسد في الود قضية" ...
-   ثم اتوقف هنا – في هذه المحطات - على نشاط مشترك جديد مع ابي ياسمين، وهو  فعالية الاحتفاء عام 2000 في براغ بمئوية الجواهري الخالد، ضمن لجنة تحضيرية ، كان هو وعلاء صبيح وخالد العلي يمثلون فيها النادي العراقي، والى جانبهم عباس عبيدش واخرون ، وقد رأس اللجنة اياها حميد برتو، بينما كنت اشارك فيها ممثلا لعائلة الشاعر العظيم .. واشهد هنا من جديد ان ابا ياسمين كان حريصاً، دؤوباً على انجاح تلكم الفعالية التي تميزت، مشاركة وحضوراً، ومعنى ومبنى، كما يقولون . وقد عُهد للفقيد العزيز، الذي نتحدث عن ذكراه اليوم، بادارة الحفل الاحتفائي، وتنسيق فعالياته، وأجاد في ذلك، وجاد، كما هو متوقع ، ويزيد .. 
-   وبهذا السياق لا بد وان انوه، ولو سريعاً الى ان ثمة علاقات متميزة كانت لابى ياسمين، مع الجواهري، ولعل اقدمها حين ترجم من التشيكية الى العربية، رواية "حرب مع السمندر" للكاتب المسرحي الشهير "كارل تشابيك" اواسط الستينات الماضية، فساعده الشاعر الخالد  في "تأنيق" الترجمة، فارضاً ألا يُشار لاسمه في ذلك الجهد... وهنا اتوقف سريعاً لأشهد مرة اخرى أن الجواهري اختار أبا ياسمين، وبالتحديد، اواخرعام 1990 لكي يترجم له، ويوصل منه، رسالة الى الرئيس التشيكوسلوفاكي في حينها: فاتسلاف هافل، حول قضية شخصية، لا يعرفها الا ثلاثة من المقربين، وحسب... ولا نود الاسترسال عنها أكثر، اذ للمجالس أمانات، كما عُودنا ، واعتدنا. ومن الطريف بهذا ألامر ان الجواهري – كما هي عادته - راح قلقاً، وربما مرتاباً حتى، من أن ابا ياسمين، لم يهتم بالقضية بما يكفي.. وكل ذلك لان القصر الجمهوري لم يرد على الرسالة، برغم انقضاء نحو ست وثلاثين ساعة على ارسالها، وتلكم الفترة جد طويلة بالنسبة للجواهري، وكأن ليس لرئيس البلاد مهاماً غير تلكم الرسالة ... ودفع القدر ما كان أعظم، من قلق وشك، اذ وصل ممثلون عن الرئيس هافل الى بيت الجواهري في براغ  لمتابعة الموضوع، بعد مروربضعة ساعات فقط، على تلكم الساعات الست والثلاثين ...
                                  *            *           *
      اخيرا لا بد لي أن اشير الى ان لجميع المحطات، او الوقفات السابقة، تفاصيلَ ضافيةً، آمل ان تتاح فرص قادمة للحديث عنها، مع مزيد من التوثيق عن الفقيد العزيز ابي ياسمين، وكلها تؤشر لسجايا تميز بها، وسعى لان تكون خاصة به، ومن اروعها: التواضع والتسامح والابتعاد عن التناحر والغلو، بل الحرص على اولوية العلاقات الاجتماعية ، في زمن صار فيه الكثيرون ينحون خلاف تلكم الشيم ، ولا نزيد في الوصف والتوصيف ... كما لا يفوتني التنويه - حرصاً من جهة، واحترازاً من جهة اخرى - الى احتمال ان يكون ثمة في بعض المعطيات السابقة ما يحتاج لشئ من تمحيص اضافي.. فقد اعتمدت في تسجيل كل ما سبق من تأرخةٍ بالاعتماد على الذاكرة وحسب، ويا لها من ذاكرة تغبط اصدقاء حميمين، وتثير في ذات الان "أعدقاء" مهمومين، ولا تسمح مناسبة اليوم بالاستطراد...
  مع تحيات مركز الجواهري في براغ-www.jawahiri.com
------------------------------------------------
* مداخلة القيت في الحفل التأبيني الذي أُقيم في براغ بمناسبة اربعينية الاعلامي والمترجم ، والوجه الاجتماعي والسياسي المعروف حسين العامل .


   

155
مجّـــدَ شهداءها، وجــرّمَ منفذيها  
الجواهري حذر من ممهدات كارثة شباط 1963...ولكن؟!!
  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com

     تحدثنا في كتابة سابقة حول عدد من مواقف الجواهري الخالد بشأن انقلاب البعث الدموي في العراق عام 1963 ومن بين ذلك رئاسته اللجنة العليا، العالمية، للدفاع عن الشعب العراقي التي انبثقت في براغ ، وضمت العديد من الوجوه الثقافية والسياسية البارزة... ويهمنا في هذه التأرخة الاضافية ان نرصد ونوثق مواقف ورؤى جواهرية اخرى، بانت في قصائد وكتابات، لتدين ما شهدته البلاد من شلالات دم وحملات تعذيب واضطهاد شملت الالوف من مناضلي الحركة الوطنية، وبنات وابناء الشعب عموماً، التى طالها الانقلابيون البعثيون الاوائل، بعار جرائمهم، سيئة السمعة والصيت، والارث .
      وقبيل ذلك، بل وفي سياقه ، نسعى للتوقف ايضاً، وان بمؤشرات سريعة عند بعض ما نصح به الجواهري ، وما حذر منه ، منفرداً، او سوية مع العديد من القوى الديمقراطية والشخصيات الوطنية، قبل وقوع الانقلاب الفاشي، وعشيته، من نتائج نهج التفرد،  والتسلط،  وتجاوز المبادئ التي قامت تحت شعاراتها حركة الرابع من تموز 1958 العسكرية ، المدعومة شعبياً .... ولعل مراجعة وان عجولة لصحيفة  الجواهري، الرأي العام، في تلكم الفترة ، تثبت بجلاء، كماً واسعاً من المناشدات الهادفة من جهة، والانتقادات الساخنة والحادة من جهة اخرى، التي كالها الشاعر والرمز الوطني الكبير ... فضلاً عما حوته فرائده اللاهبة، تعبيراً عن ضمائر الجماهير، الامينة على مستقبل البلاد وتطورها. ومن بينها- على سبيل المثال - ما جاء في قصيدته الموسومة "باسم الشعب" عام 1959 مخاطباً فيها المسؤول الاول، والاخير، في البلاد:

"عبد الكريم" وفي المراء جبانةٌ ، تزرى، وصنو شجاعة اصراحُ
كنت العطـوف به يُراض جماحُ ، فكن العنـوفَ، به يهاضُ جناحُ
لا تأخذنــكَ رحمة في موقف، جــدٍ، فجـدُ الراحميـــن مزاحُ
ولطالما حصد الندامةَ مسمحٌ، وأتى بشرٍ ثمارهِ الاسماحُ
ولقد تكون من القساوةٍ رحمةٌ، ومن النكالِ مبرةٌ وصلاحُ

      ومع كل ذلك لم تنفع تلكم النصائح والمناشدات  المخلصة، ولم تُؤخذ التحذيرات  المدعمة بالملموسيات والتجاريب، موضع الحرص على امن البلاد ومسار التحولات الديمقراطية المرجوة،  بل وبدلاً عنها، راح عسف السلطات "الجمهورية" يتمادى فيشمل  الجواهري ذاته، والى حد اعتقاله فترة من الوقت، برغم انه شاعر الامة العراقية، ورئيس اتحاد ادبائها انذاك، ونقيب صحفييها الاول... مما اضطره ، احتراز على حياته، للاغتراب القسري عن الوطن، شبه هارب  "من رافديه" محتجاًً، وضاغطاً، بهذا الشكل اوذاك على ولاة الامر، بل وواليه  بتعبير أدق، لتدارك ما لا تحمد عقباه . ولعل من المناسب للتوثيق الملموس هنا، الاشارة الى المواجهة المباشرة ، ذائعة الصيت ،  بينه – الجواهري - والزعيم عبد الكريم قاسم ، في مقره بوزارة الدفاع ، بسبب ماكتبه الشاعر والرمز الخالد، دفاعا عن "الثورة" وضد التجاوزات على المواطنين ، وخاصة مقاله في اواسط 1959:  ماذا في بلدة " الميمونة" بمدينة العمارة. *1
     وفي بيروت، محطته الاولى قبل الوصول الى براغ ، ضيفاً ثم لاجئاً، لم يفوت الجواهري ان يوثق بعض ما يجري في العراق، وهو شاهد ومعني في الصميم، وذلكم في قصيدته(ربيع عام1961) بمناسبة مهرجان حافل لتكريم شاعر لبنان " بشارة الخوري" اذ صارحه فيها، شاكياً ومهضوماً :

وأتـيـتُ (لـبـنـانـاً) بجـانحتين من ريحٍ غَضوبِ
مثلَ المسيح إلى السماءِ وقد حُمِلتُ على صليب
لُبنانُ يا وطني إذا حُلّئتُ عن وطني الحبيبِ
نسـرٌ يحـوم على رباكِ فلا تخافيـه كذيب
أ "بِشــــارةٌ" و بـأيمــــا شكوى أهزّكَ يا حبيبي؟
شكوى القريب إلى القريــب أمِ الغريب إلى الغريب؟
هل صكّ سمعَك أنني من رافديّ بلا نصيبِ
فـي كُربةٍ وأنا الفتى الــمِمْراحُ فرّاجُ الكروبِ

       ثم يوثق الجواهري، في الطلب الذي تقدم به للحصول على اللجوء الى براغ (20/6/1961) الكثير من المؤشرات ذات الدلالة  ، ومن بين ما جاء فيه :" تمشياً مني على النهج الذي سلكته طيلة حياتي في مجالات السياسة والصحافة والشعر والأدب، من أن أكون إلى جانب الجماهير في كل ما يمسُّ مصالحها، فقد تعرضت منذ سنتين، وفي خلال الحكم الراهن في العراق لكثير من المضايقات على يد الحاكمين، مما يطول شرحه". *2
       ... واذا كانت هذه الحال مع الجواهري، صاحب"أنا العراق"و"المقصورة"و" جيشَ العراق" ... والرمز الثقافي والوطني الابرزفي البلاد، فللمتابع ان يستنتج، ودون كثير عناء ، كيف كانت السلطات" الجمهورية"  تتعامل مع انصار الديمقراطية، بينما تتغاضى في الساع ذاته عن توجهات واستعدادات المتضررين من سقوط العهد الملكي، والقوىوالشخصيات الشوفينية والظلامية والطائفية، لقلب نظام الحكم، والانتقام من الجماهير الشعبية، وقياداتها، دعوا عنكم قادة وضباط حركة الرابع عشر من تموز، الوطنيين الاحرار .*3
      لقد تكررت مناشدات الجواهري وتحذيراته من تجميد الحياة الدستورية وتغييب تاديمقراطية،  كما من مغبة التفرد في الحكم، ومن التخبط السلطوي، و"المساواة" على اقل وصف، بين القوى الوطنية والجماهيرية ، ومناهضيها، المناوئة للتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المبتغاة ... وهكذا راحت تعلو دعوات هنا لليقظة من احقاد الموتورين ، وتتعالى دعوات هناك لنبذ الفرقة والغلو، ولمزيد من التلاحم بين ابناء الشعب، ولرصد المتامرين في الداخل والخارج ، والاستعداد لمواجهتهم قبل فوات الاوان ، ومن بين ما نستعين به للتوثق بهذا الشأن ما جاء في قصيدة الجواهري " أزف الموعد" التي ناشد فيها الطلاب العراقيين ،عام 1959:

ياشبابَ الغدِ كونوا شِرعةً ، للعلا والبأسِ واللطفِ تُسَنّ
سالموا ما اسطعتُمُ حتى إذا، شنّها حرباً أخو بغيٍ فشُـنّوا
وابدأوا الخيرَ سباقاً بينكم، فإذا بُـودئـتمُ الشـرّ، فثـنّـوا

      وهكذا هي الحال، او شبيهة بها، مضامين قصيدة الجواهري، الى جموع العمال عام 1959 المعنونة " عيد اول ايار" ... ومن ابياتها ذوات الهدف في التنوير، وفضح بعض وضع الحكم "القاسمي" وتناقضاته، وارتباكاته وتجاوزاته :

ياأيـهـا العُمّـالُ صفـحَ تسـامحٍ، عمّـا تجيشُ ببثّـهِ خطَراتي
أنا لا أثيرُ ظُنونَكم، لكنْ فتىً، حرّ يحبّ حرائرَ الصّرَخات
ماانفكّ تِنّينُ التحكّمِ قائماً، وتقاسمُ الأرباح فـي الشركات
مازالت الشمّ النّواطحُ تُبتنى، من تلكمُ السّرِقات والرّشوات
لِم يُؤخَذُ المالُ المقطّعُ منكمُ، ُسحتاً، ولـم تُقطَعْ أكفّ جناة!

      واذا ما لم تنفع الذكرى، ولايبالي المعنيون بتحذيرات الجواهرى واستشعاراته وتنبؤاته، واذ يتجاهل الرجل الاول، والاوحد، في السلطة، نداءات ومطالبات التقويم والاصلاح ، والتشدد تجاه اعداء البلاد، تحل الكارثة في الثامن من شباط المشؤوم (بغي الانقلابات) *4... ليحترق العراق وابناؤه ، فـ"يقتاد "زيد" باسم "زائدة "  و "يصطلى "عامرٌ" والمبتغى "عمرٌ"... وفور ذلك راح الجواهري منتصراً، كعهده، للشعب ضد الطغاة ، بمواقف وقصائد لاهبة تنور وتعبر، وتتضامن مع الشعب المنكوب، وتمجد الضحايا المياميـــن . وتأتي صرختـــه الاولى، ومن القـــلب قبل اللسان، في قصيدتـــه الشهيـــرة بـ " ياعبدَ حربٍ وعدوَ السلام" والتي يخاطب فيها "امين الاعور" * 5 :

"أمينُ" لا تغضبْ فيومُ الطـَّغامْ، آتٍ وأنفُ شامتٍ للرَّغامْ
وإنْ غدا العيد وأفراحُهُ، مآتِما ً في كل بيتٍ تـُقامْ
أمينُ لا تغضبْ فإنَّ الحِمى، يمنعُهُ فتيانـُهُ أنْ يُضــامْ
أمينُ خلِّ الدَّمَ ينزِفْ دمـاً، ودعْ ضراما ً ينبثقْ عن ضرامْ
ودعْ مُدى السفـّاح مشحوذة ،  ظمآنة ً، يُبَلُّ منها الأ ُوامْ
فالسيف يُعلى من شذا حدِّهِ، يومَ التنادي كثرة ُ الإنثلامْ
*       *          *
"أمينُ" ألقى الغيُّ أستارَهُ، وانزاحَ عن وجهِ النفاقِ اللثامْ
ما أقذرَ الفِسْق وإنْ ألـَّفـَتْ،  بين الزواني روعة ُ الإنسجامْ
من مُبْـلِـغُ الفاجرَ في ضَحْوَةٍ، على رؤوس المَلأِ المُسْـتـَضام:
يا عبدَ حربٍ وعدوَّ السلام، يا خزيَ من زكـّى وصلى وصام
يا سُبـَّة ََالحجيج في عَمْـرةٍ، بين الصفا وزمزم ٍ والمُقام
يا ابنَ الخـَنا إنَّ دماءَ الكرامْ، نارٌ تـَلـَظـّى في عروق اللئام
وللضحايا من جِراحاتها، أيُّ عيون ٍ خـُزّر ٍ لن تنام

       ثم توالت لواهب ولواذع الجواهري تلاحق الجناة،عراقياً وعربياً وعالمياً، وتدين المجازر التي تلت شباط الاسود، وتمجد الضحايا الابرار، ومن بينها قصيدته الموسومة " سلاماً...الى اطياف الشهداء الخالدين " وفيها :

سلاماً مصابيح تلك الفلاة ، وجمرة رملتها المصطلاة ْ
سلاماً على الفكرة المجتلاة ، على صفوة الزمر المبتلاة ْ
ولاة النضال ، حتوف الولاة ، سلاماً على المؤمنين الغلاة،
سلاماً على صامد ٍ لا يطالُ، تعلّم كيف تموت الرجال ...
*   *    *
سلاماً وما أنا راع ٍ ذماماً، إذا لم اسلم عليكم لماما
سلاماً ضريحٌ يشيع السلاما ، يعانق فيه "جمال" "سلاما" *6
سلاماً ، أحبة شعب نيامى، إلى يوم يؤذن شعب قياما ...

      وفي السياق ذاته لا يفوتنا هنا ان نوثق عن العسف والجور، الذي طال كردستان العراق،  قبل الانقلاب البعثي، وبعده، اذ انصبت عليها، وعلى شعبها، احقاد وقنابل الفاشيين والعنصريين. وقد وقف الجواهري امام ذلك ليجود بــ"قلبه ولسانه" فاضحاً ومدافعاً ، كما ومتباهياً بنضال الكورد وتضحياتهم، فيهدر:
 
   يا موطن الأبطال مهما أسفرت، نُوَبٌ تسيء حكومةً إذ تحكمُ
مهما ارتمت ذممٌ، وهانت عفةٌ، وهوت مقاييسٌ، وأوغل مجرمُ
وتدنتِ الأعرافُ حتى ما ارتضى، وحش وحتى ما تبنّى أرقم
ياموطن الأبطال مهما ديس من.. حَرَمٍ لَدَيكَ، وما استبيح محرّمُ
فلسوف يجزوك الكفاحُ بغاية، لك عندها عن ألف غُرم مَغنم
ولسوف تنزاح الخطوب، وينجلي، لون السماء وتُستضاءُ الأنجم
ولسوف ينكشف المدى عن واحةٍ، خضراءَ عن غَدِكَ المؤمّلِ تبسِمُ

   ... أخيراً نوجز هنا فنقول ان ثمة الكثير الاخر الذي نسعى لان نوثق له في وقت لاحق ، وجميعه يُغني ما اردنا الذهاب اليه، في تلخيص بعض من رؤى ومواقف  الجواهري العظيم حول نكبة شباط 1963 ومقدماتها، وفشل التصدي لها، بل واحباطها، وما بين هذه وتلك: المسببات، والاخطاء، بل والخطايا، السياسية ذات العلاقة، وذلك من الاهم، على ما نزعم ...
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
     WWW.JAWAHIRI.COM

  احالات وتوضيحات :
1- لمزيــد من التفاصيـــل يُراجـــع الجــزء الثاني مـــن مؤلــف" ذكرياتي" للجـــواهري، دمشـــق- 1998 .
2- ومما جاء في طلب اللجوء ذاته، والذي نشرنا عنه على الانترنيت في تشرين الاول2011 النص التالي عن مديات العسف الذي طال الجواهري من سلطات "الثورة" في بغداد خلال الفترة 1959-1961 :  " لقد بَلغت قبل شهرين تقريباً حد اعتقالي وسجني – وأنا أناهز الستين من عمري – بأسباب كاذبة مفتعلة – ... وبعد حدوث ضجة كبيرة من الناس في العراق وفي خارجه اضطر الحاكمون لاطلاق سراحي ولكن بكفالة اولاً، ثم باقامة دعاوى سياسية خطيرة، يتحتم عليّ بموجب القوانين العرفية، أن امثل أمام المجالس العسكرية القاسية وان اتلقى احكامها الصارمة بحجة انني اخالف سياسة الحاكمين وأسعى لاثارة الشعب العراقي".
3- ونعني بذلك خصوصاً كوكبة الضباط  الوطنيين الذين رفضوا، بهذا الشكل أو ذلك، نهج التفرد "القاسمي" والاجراءات التعسفية، في ملاحقة المسؤولين والسياسيين المخلصين، وتقريب  الانتهازيين والمشبوهين والمتامرين، وتحت شعارات "الوسطية" و" عفا الله عما سلف" والتي اودت بالبلاد الى ما اودت به .. ومن كوكبة اولئك الضباط الاحرار: جلال الاوقاتي، وصفي طاهر، طه الشيخ احمد، فاضل المهداوي، عبد الكريم الجدة، داود الجنابي، ماجد محمد امين، حسين خضر الدوري وكنعان حداد ... واقرانهم الابطال، والذين استشهدوا اثر الانقلاب الاسود.   
4- "بغي الانقلابات" تعبير اطلقه المناضل الوطني، زكي خيري، تصدياً لمصطلح "عروس الثورات" التي روج له الشوفينيون والفاشيون العراقيون، وأنصارهم العرب،، كناية عن كارثة شباط الاسود .
5- امين الاعور: صحفي لبناني نشر مقالة عاصفة، عنونها خاصة الى الجواهري، حول المذابح التي وقعت في البلاد العراقية غداة الانقلاب البعثى الاول عام 1963 . 
6- "جمال" – "سلاما" : جمال الحيدري ، عضو قيادة الحزب الشيوعي ،  وسلام عادل ، سكرتير عام الحزب ، وقد أُستشهدا تحت التعذيب الرهيــب في زنـازيــن طغمة انقلابيـي شباط  .   


   

156
الجواهري يعود الى بغداد، عام 1968، بعد سبعٍ عجاف
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
  في خريف العام 1968 وبعد اغتراب قسري الى براغ امتد سبعة اعوام  ، يعود الجواهري الى بغداد في اجواء وظروف تحدثت عنها صفحات الجزء الثاني الأخيرة من ذكرياته الصادر عام 1991. ..  وقد اعلن، كما جاء في قصيدة العودة الى البلاد  "ارح ركابك" مطلع العام 1969، بأن "كفاه جيلان محمولاً على خطر"... غير ان من تعوّد التمرد على الرتابة والبحث عن الجديد منذ اوائل سنيّه، مثل الجواهري، سيناقض ما جاء في قصيدته ذاتها ، فلم يرح لا ركابه ، ولا المحبين، دعوا عنكم الحاسدين والشتامين، وكما ستثبت الشواهد والأحداث اللاحقة.
وفور عودته تتحول الدار المؤجرة له من قبل نجله د. فلاح ، في منطقة الداوودي البغدادية، الى ملتقى وبؤرة نشاط ثقافي وسياسي ، في أوج فترة كانت من اشد فترات العراق اشكالية ، وفي ظل عهد سياسي جديد تصارعت فيه، وحوله، الكثير من الاجنحة والتيارات والاشخاص والرؤى...
ويفتتح الجواهري عطاءه الجديد  في بغداد "دجلة الخير" التي عاد لها، بعد "سبع عجاف" برائعة "الفداء والدم" التي ألقاها في حفل بقاعة "الشعب" خريف العام 1968 اقامته المنظمات الفلسطينية في العراق، تحية لشهيد حركة "فتح" : صبحي ياسين... وقد حملت القصيدة  مطلعاً جواهرياً مباشرا عن همَّ فلسطين الذي مابرح يشغله منذ عدة عقود.
جلّ الفداءُ وجلّ الخُلدُ صاحبُهُ ... ضاق الفضاءُ وما ضاقـت مذاهبهُ
لـونٌ من الخَلقِ والإبداع يُحسنُهُ ... خَلقٌ تُـصـاغُ جديداتٍ رغائبهُ
ويعيد الشاعر في ذلكم المطلع، ومن ثم في مختلف مقاطع القصيدة، موقفه الثابت والموثق من المقتحمين، والرافضين الخنوع والتساوم، مذكراً بأبياته وقصائده العديدة ، السابقة  في الموضوع ذاته.
ومن الطبيعي، والأوضاع السياسية المحلية والاقليمية والدولية، آنذاك ، في ذروة صراعها اللاسلمي ، ان يدعو الجواهري المنتفض دائماً، للمزيد من التضحيات والعطاء من اجل الحقوق والأهداف المشروعة والمرجوة، ناهياً ومحذراً من الخدر والاستسلام... كما ويعيد في ابيات القصيد الى الأذهان ،  مواقفه الثابتة من مختلف الشؤون العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ، وطيلة العقود السالفة.
وبهذا السياق نشير الى ما ثبته الباحث الراحل هادي العلوي في مقال مطوّل عام1974 تنشره جريدة "طريق الشعب" في حينه جاء فيه: " تندمج قضية فلسطين عند الجواهري في مجمل اهتماماته بقضايا حركة التحرر العربي وهي بذلك لا تنفصل عن مجمل بيئته المحلية مع شيء من التركيز على الموضوع الفلسطيني بحكم خصوصيته. وقد كتــب في هذا الموضــوع - حتى عام 1968 ر.ج - ثماني قصائد، ومقطوعة واحدة، تقع في نحو 538 بيتاً يتشكل منها ديوان مستقل للجواهري عن فلسطين".
مع تحيات مركز الجواهري في براغ – www.jawahiri.com


157
استذكارالاحباء يفيض، بمناسبة السنة الجديدة

رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com  
  
   كم هي حكيمة تلكم المقولة التي طالما كان يرددها الجواهري الكبير : " أني لأحسد كل من له ذاكرة ضعيفة " ... ولكن ما العمل ؟ والواقع اكثر من بعيد عن هذه الحكمة -الحلم .
 ...  ها هي وشالة وقت  وتنتهي سنة لتبدأ اخرى ، وها انت تسهر- ايها الغارق في عتمة النهار - وحيداً مع احبائك الخلص، غير الناطقين: عنتر وبابل وفلفل ، فتعج بك الذكريات بمثائل هذه الساعات ، لنحو اربعة عقود وأزيد .
   تترى عليك من كل صوب وحدب ، اسماء اصدقاء واعزاء واحباب من الذين قطعوا ووصلوا ، ويقتحمك بيت شعر فريد :
قد يقتل الحزن من احبابه بعدوا عنه ، فكيف بمن احبابه فقدوا .
  الدقائق تتسارع ، والذكريات تتزاحم دون حدود أو مديات، وتتشابك دون ان تعطيك حتى فسحة ما لتنسق فيها الاسماء والاحداث والتواريخ ... وما لك من سبيل غير ان تلجأ الى الكتابة لعلها تخفف وطأ الاحاسيس والمشاعر المأنسنة ، والمستذئبة في ان . ... والابرزفي كل هذا وذاك :  اطياف الاحبة الراحلين الذين كنت معهم ، في مناسبات وعشيات بدايات الاعوام الجديدة ، طوال ماعشت من عمر ، لم، ولن تتجاوز أزماته وذيوله، وان تعلقت بأستار الكعبة،  أو كررت في اليوم الواحد الف مرة :
لا تلم أمسك في ما صنعا ، امس قد فات ولن يسترجعا ...
أمس قد مات ولن ينفعه ، حملك الهمَ له والجزعا ...
فأطرحه واسترح من ثقله ، لا تضع امسك واليوم معا ..
    اذن فلتقرع اجراس الكتابة،  فهي داء ودواء في وقت واحد ، وخاصة للمدمنين عليها، وها انت فاعل ايها المدمن ، فلعل وعسى...
 -  تعود بك الذكريات الى اثنين واربعين عاماً خلت، حين راح العراقيون يحاولون ان  يقلدوا احتفالات العالم المتحضر، ليالي حلول الاعوام الجديدة ... تسترجع بعد كل هذه العقود كيف وقفت امامك الوالدة  "نبيهة الجواهري " لتترجى ، قائلة  : يكفينى  "جعفر" واحد في اشارة لشقيقها الشهيد ..في محاولة لمنع خروجي من البيت، مع "عدنان"  ليلة بدء سنة 1969 " بعد ان شاهدت معنا فرشاً واصباغاً ، وسلاحاً خفيفاً ، متوجهين لخط بعض الشعارات المعارضة للقمع والارهاب...
   - وتطير بك الذكرى الى موسكو ليلة راس سنة 1972/ 1973 حيث الحفل البهيج  التي اقامته رابطة الطلبة العراقيين هناك ، بمناسبة زواجكما ، انت و" نسرين وصفي طاهر" وبحضور نحو ثلاثين مدعواً عزيزا ، ومن بينهم الفقيدان:  جميل منير، ونمير حنا شابا  ، الصديقان المقربان   ...
   - وتستذكر ايضاً وايضاً ، وهذه المرة ليلة بدءعام 1976 وانت في البيت ببغداد مع جمع من القيادة الشيوعية الطلابية انذاك ، ويشخص امام ناظريك الشهيدان : علي حسن  "ابوحيدر" و هادي البلداوي "ابو سمراء " وهما على سجيتيهما الانسانيتين بهذه المناسبة : مرحاً واملا...
   - ويحل موسم الهجرة الى براغ ، وتحل رأس السنة الجديدة 1978/ 1979 ويتداعى اصدقاء ، برغم مرارة الحال والاوضاع في البلاد  ، لتنظيم حفل صغير ، محدود ، بالمناسبة ، كان الامرح فيه : شمران الياسري " ابو كاطع" وهو يحمل راية : شر البلية ما يضحك ...
  - ووتتوالى الاستذكارات، ويطوف شريطها  دون مدى ، وها هو طيف الشهيد نزار ناجي " ابو ليلى" يحل ببشاشته" النجفية" المعهودة ليلة العام الجديد 1980 حين بادر، فلمّ  في شقته ببراغ جمعاً من الاقربين ، وأولهم ، ولن نذكر الاحياء :  ذلك الانسان ، قبل اية القاب اخرى ، ثابت حبيب العانى " ابو حسان"  ...
   - وأستذكر واستذكر ايضاً الام الثانية : بلقيس عبد الرحمن ، أرملة الشهيد وصفي طاهر، في ليلة بدء عام 1985 وكنتَ – ايها الغارق في استجلاب الاطياف -  متوعكاً في حينها بالم الاسنان الحاد .. وقد غطت " بلقيس" بحيويتها وسموها ، مرارات لا تحصى، لاضفاء بعض البهجة والحبور .... ولنتجاوز التقليد هذه المرة فنشير الى ضيف تلكم الليلة ، في الاحتفال العائلي : كمال شاكر " ابو سمير" والتي طغت مقاماته الكردية والعربية ، على اغاني وموسيقى العيد التقليدية ...
    - ثم يستمر الاغتراب عن البلاد ، ويصادف ان تكون ثمة سفرة الى  دمشق ليلة بدء عام  1987 ... ولولا " الجواهري" لانقضت  تلك الليلة كمثيلاتها  . ولكن،  وما هي الا مزحة ، ثم تحريض ، واذا برب البيت ينهض ويأمر ويُطاع ، ونسهر في احد فنادق الشام ، مستقبلين العام الوليد رقصاً وحبوراً ، وألاول – كالعادة – الجواهري ذاته ، وهو في التسعين ، او يكاد ...
   ترى هل تستمر في الكتابة ايها " المتشائل" فتثير الكوامن ، وتستثير الاهات ؟ اما يكفي ماسبق ؟ ولمَ تعكرعلى الناس افراحهم ، ايها المُبتلى بداء رأس السنة؟ ... قل للجميع : سلاماً كله قبلُ ، كأن صميمها شعلُ ، وغادر الحلبة اذا ما كنت غير قادر على اللعب داخلها ، واترك الامر للقادرين ... في براغ  بتاريخ:2011.12.31
    
  
      
  
            

158

لمَ كل ذلك الايمان الجواهري
بالامام الحسين  ؟؟؟

  رواء الجصاني
JAWAHIRICENT@YAHOO.COM
   بعيداً عن الخوض في عوالم النجف الروحية، ولا في الاجواء الدينية والادبية للاسرة الجواهرية، وتاريخها واثارها العلمية، دعونا نجيب على التساؤل الذي يحمله عنوان هذه الكتابة، وما يشى به، وذلك من خلال التوقف عند قصيدتين للشاعر الخالد، راحتا تعنيان بذكرى ماثرة "الطف" واحداثها الاليمة ، والعبر المستوحاة من الثورة الحسينية، ومنابعها وجذورها ومبادئها وافاقها..
   والقصيدة الاولى من تينك القصيدتين هي "عاشوراء" المنظومة والمنشورة عام 1935 وكانت بثمانية وستين بيتاً، استعرض فيها الجواهري، ووثق خلالها العديد من  الاحداث التاريخية، الثورية والماساوية في ان واحد ، وبالاسماء المقرونة بالاوصاف التي تليق – بحسب رؤاه – بالمضحين من اجل المبادئ، من جهة، وبمعارضيهم ، بل ومحاربيهم وقتلتهم، من جهة ثانية ...
هيَ النفسُ تأبى أن تُذَلّ وتُقهَرا ... ترَى الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا
وتخـتارُ محموداً من الذِكرِ خالداً...على العيش مذمومَ المَغَـبّـة مُنكَرا…
وكما هو ديدنه الثابت، شبك الجواهري العام بالخاص، وبحورات مع الذات اساساً، ليستخلص وفي ابيات محدودة، ولربما في بيت واحد متفرد، عبرة العبقري الخابر للحياة ..   
ونُكّسَ يـومَ الطـفّ تـاريخُ أمـة... مشى قبلَها ذا صـولـةٍ متبختِرا
فما كان سهلاً قبلَها أخذُ مـوثـق على عَرَبيّ أن يـقولَ فيغـدِرا...
وسيرا على عادته، ايضا، يوجزالشاعر المنوّر عظات واقعة الطف ، وما سبقها وتلاها من بطولات وامجاد خالدة، ثم يروح موجهاً دون وجل او تردد  :
أقـول لأقوامٍ مَضَـوا في مُصابه ... يسـومونه التحريـفَ حتى تغيّرا..
دعُوا رَوعةَ التاريخ تأخـذْ مَحَلّـها ... ولا تُـجهِدوا آياتِه أن تُـحوّرا
وخلّوا لسانَ الدهر يَنطقْ فإنّه ...بليـغٌ إذا ما حـاولَ النطـقَ عَـبّـرا
    واذ جاءت "عاشوراء" في زمانها، والجواهري انذاك في عقده الثالث وحسب، مباشِرة في المعاني والتصريح، واقرب للتوثيق التاريخي، هدر الشاعر الخالد بعد مرور اثني عشر عاماً، بعصماء "امنت بالحسين" التى فاضت بالتعبير عن المواقف والمفاهيم الطافحة بالإباء والشموخ ، والممجدة للفداء والتضحيات، كما هي الحال  في الفرائد الجواهرية العديدة، وان اختلفت في الصور والاستعارة:
فـداء لمثـواك من مضـجـعِ ... تـنـوّر بـالابلــج الأروعِ
ورعياً ليومـك يوم "الطفـوف" ... وسـقياً لأرضك من مصرع
تعـاليت من مُفـزع  للحتـوف ... وبـورك قبـرك مـن مَفزع
   وفي مقابل ذلك تماماً، لم يجامل الشاعر الكبير أو يتهاون في هجو الخنوع والانحناء، وأولئك المقيمين على الذل، بل وحتى من يتوسط  "كاللبن الخاثر" وغيرهم من اللاجئين "لأدبار الحلول فسميت وسطاً، وسميّ أهلها، وسطاءَ"..
   ولربما نجتهد، ونصيب، فنرى في "آمنت بالحسين" مجمعاً للشواهد والأدلة الأبرز على الرؤى الجواهرية المتميزة، وبمقاييس بالغة الرفعة في تبجيل "الواهبين النفس" فداءً للمبادىء التي يؤمنون بها، وتلكم بلا شك التضحية الأضخم للدفاع عن القيم والذود عنها، كما يرى صاحب "آمنت بالحسين" ...
    وفي مقاطع تالية من العصماء ذاتها يستمر الجواهري في الاتجاه الذي يريد اعلانه عن تضحيات الحسين الثائر و"نهجه النير" الذي بات "عظة الطامحين العظام" لاولئك "اللاهين عن غدهم" والقنوعين دون احتجاج وتمرد أو ثورة... كما يفيض عديد آخر من أبيات القصيدة بعواطف ومشاعر انسانية فائقة التعبير في تقديس الثبات والصمود لرجل يوم "الطفوف" و"الملهم المبدع" الثابت أمام "سنابك خيل الطغاة" دون خوف أو رهبة ... وبهدف أن يُطمر "جديب الضمير بآخر معشوشب ممرع"...
شممتُ ثـراك فهب النسيم ... نسيم الكرامـة من بَلقـعٍ
وطفت بقبرك طوفَ الخيال ... بصومعـة المُلهـم المبدع
تعـاليت من صاعق يلتظي ... فـان تـدجُ داجية يلمـع
   ... ثم يروح الجواهري ليتمثل مأثرة الحسين التاريخية، ويمحص الأمر دون أن يرتهب من "الرواة" أو يخدع بما ينقلون، ويمضي هادفاً للحقيقة لا غيرها، وبدون "تزويق" أو مبالغات... وبعد ذلك فقط، يجد الشاعر أن في فداء الحسين دفاعاً عن مبادئه، وقائع لا أعظم منها، وهو "أن يطعم الموت خير البنين، من الاكهلين الى الرضع "... ثم يحل مسك الختام، فتجدد القصيدة تقديس ذلك الصمود والعطاء الذي "نوّر" من ايمان الجواهري، وفلسفته في الإباء والفداء، والتي تجسدت، كما سبق القول، في الكثير من قصائده ومن بينها: "سلام على مثقل بالحديد - 1951 "  و"بور سعيد - 1956" و"كردستان - موطن الأبطال- 1962" و"فلسطين الفداء والدم - 1970"  فضلاً عن قصــائد الوثبـة، الشـهيـرة، عــام 1948...
تمثلـتُ يومـك في خاطـري ... ورددت "صـوتك" في مسـمعي
ومحصـت أمـرك لم "ارتهب" ... بنقـل "الرواة" ولـم أخــدع
ولما ازحـت طـلاء "القرون" ... وسـتر الخـداع عن المخـدع
وجدتـك في صـورة لـم أُرعْ ... بـأعـظــمَ منهـا ولا أروع
   وللاستزادة، نقول أن قصيدة "امنت بالحسين" المتفردة في المبنى والمعنى، والرؤى، نشرت في جميع طبعات ديوان الجواهري، ومنذ العام 1951، وقد خُط خمسة عشر بيتاً منها بالذهب على الباب الرئيس للرواق الحسيني في كربلاء، كما أُُنشدت، وتُنشد، في مختلف المجالس والمناسبات الاحيائية لواقعة "الطف" التي تصادف كما هو معروف في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم، كل عام....
مع تحيات مركز"الجواهري" في براغ
WWW.JAWAHIRI.COM


159

الجواهري ... بين المعـري وعبد الكريم كاصد

رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com 
    ليس جديدا على عبد الكريم كاصد ان يأتي جديده " جنة ابي العلاء " جديداً في الصياغة الابداعية والمضمون غير التقليدى ... وهكذا جاءت نصوصه في ذلك المؤلف:  شيقة مليئة بالجمالية، والعوالم المتداخلة في امتداداتها  ، وما بين ذلك وهذا ، وبكل ايجاز : تنوير بلغة شاعرية انيقة ..
   .. وبحسب ما نزعمه من تخصص، كما وانحياز ، دعونا نقتطف بعضاً مما دار في  "الجنة " حول الجواهري الكبير، بخيال ثري طفحت به رؤى واراء كاصد على لسان المعري، وفيه اكثر من مغزى ومعنى ، كما افصح ، وأضمر المؤلًف ..
   ... يجيب " المعري " على تساؤل: " وَمنْ من الشعراء العراقيين الذين التقيت بهم هناك – في الجنة -  وتحدثت إليهم؟" فيقول: كثيرون، من بينهم الجواهري ، الرصافي، والزهاوي، وبدر والبياتي... ويستمر متحدثاً لعبد الكريم ...
" جاءني البياتي يوماً وقال لي : إنه كتب عني قصيدة لم يتذكرها فأدنيته مني، وحين سألته عن شعراء الأرض لم يذكر حسنة لهم. وله عداواته العديدة في الجنة مع شعراء كثيرين فلا يحييه أحد ولا يحيي أحداً، ولاسيما بعد وصول الجواهري وما لاقاه من حفاوة قلّ نظيرها إذ استقبله الله جل جلاله والملائكة استقبالاً حافلاً مما أثار حفيظة البياتي الذي دخل الجنة منهكاً يهدّه التعب من رحلته الشاقة إلى السماء فلم يستقبلهُ غير الحارس رضوان الذي عامله بجفاء كما قيل. لماذا؟ لا أدري. ربما لكراهته الشعر فرضوان مشهور بهذه الكراهة، غير أن البياتي لا يعرف ذلك.
أسرّني البياتي أن كل ذلك جرى لأن الله والملائكة ورضوان لا يحبون الشعر الحر، مع أنه قريب الشبه بآيات القرآن، فقلت له أواسيه: مهلاً..! إن الخالق، سبحانه، لا يتوقف عند شكل من أشكال الشعر. مهما دنى أو ارتفع.. ثم أن رضوان ما زال لم يتعلم العربية وهو لا يتحدث أبداً. ومن سمعه قال إنه يتحدث الآرامية. "...  ويتابع المعري     "خففت كلماتي هذه من عذاب البياتي إلاّ أن ما أغاظه أن الله لم يجلب الملائكة وحدهم في استقبال الجواهري بل الجن أيضاً لينقروا الدفوف ويعزفوا احتفاءً بالشاعر وكأنّ ثمة عرساً في الجنة. وهذا خرق لقوانين الجنة. وياليتها خُرقت كما قال بعض الشعراء في أعراف أخرى تستدعي الخرق .... "
... ويسوقنا النص اعلاه لان نستذكر في كتابتنا هذه، بائية الجواهري المتفردة في المعري، وعنه، بمناسبة المهرجان الذي اقامه المجمع العلمي العربي بدمشق عام 1944 بحضور نخبة من المثقفين والرسميين البارزين ، وفي مقدمتهم طه حسين، ومن اجواء القصيدة  :
قِفْ بالمَعرّةِ وامْسَحْ خَـدّها التّـرِبـا،  واستَوحِ مَنْ طَـوّقَ الدّنيا بمَـا وَهَـبـا
واستَوحِ مَنْ طبّبَ الدّنيا بحكْمَتِهِ ومَنْ على جُرحها مِن رُوحه سَكَبا…
((أبـا العـلاءِ)) وحتى اليومِ ما بَرِحتْ صَنّاجةُ الشّعر تُهدي المترفَ الطّربا
يَستنزلُ الفكرَ من عَـليـا مَنازلهِ رأسٌ ليمسحَ من ذي نعمةٍ ذنَبا...
وزُمرةُ الأدبِ الكابي بـزُمـرتـهِ تفرّقتْ في ضَلالاتِ الهوى عُصَبا
تَـصـيّـدُ الجـاهَ والألـقـابَ نـاسـيةً بأنّ في فكرةٍ قُدسيّةٍ لـقـبـا...
وأنّ للعـبقـريّ الـفـذّ واحـدةً إمّا الخُلودَ وإمّا المـالَ والـنّـشـبـا...
من قبلِ ألفٍ لَوَ انّا نبتغي عِظَةً، وعَظْتنَا أنْ نصونَ العلمَ والأدبا..
على الحصيرِ.. وكوزُ الماء يَرفدُه وذِهـنُـه.. ورفـوفٌ تحمِـلُ الكتبا
أقـامَ بالضّـجّـةِ الدّنـيـا وأقـعـدَهـا شيخٌ أطلّ عـلـيـهـا مُشـفـقـاً حَـدِبـا
بَكى لأوجاعِ ماضـيها وحاضرِهـا،  وشـامَ مُسـتـقْـبَـلاً مـنـهـا ومـرتـقَـبـا
وللكآبـةِ ألوانٌ، وأفـجـعُـهـا أن تُبصرَ الفيلسوفَ الحُرّ مكتئِبا….
لِثـورةِ الـفكرِ تـأريـخٌ يحـدّثُـنـا بأنّ ألفَ مسـيـحٍ دونَـهـا صُـلِـبـا...

   وما دام الحديث راح في اطار التوثيق والتأرخة ايضاً ، فدعونا - مرة اخرى - نضيف ما نظنه ذا صلة ، فننقل ان ثمة الكثير بين كاصد والجواهري ،ومن ذلك - للتأشير وليس للحصر- عنايته بالاشراف اللغوي على ذكريات الشاعر الخالد ، ومساهمته في مهرجان مئويته (اربيل والسليمانية عام  2000 ) ومشاركته، ضيف شرف، في فعاليات احياء الذكرى العاشرة لرحيل الجواهري  (براغ – 2007 )... ذلكم الى جانب العديد من الكتابات والنصوص ، مثل قصيدة " كلاسيك الى الجواهري " في مجموعته" قفا نبكي" المنشورة عام 2002  ..ومنها ، مخاطباً الشاعر الخالد :
انبيك اني بدار ليس يسكنها ، الا الحثالة من مكذوبة النسبِ ...
انبيك ان بغاث الطير قد نطقت ، وان جل خيول القوم من قصب ...
لله كيف استحال المرتجا اجلاً ، وكيف اضحت فتات غاية الارب
وكيف ان غراباً ناعباً هرماً، اضحى يقال له " صناجة العرب "...
   تنويه واعتذار ------------------------------------
   في كتابتنا المعنونة " ذكريات وشهادات عن ذكريات الجواهري " التي نشرت في وسائل اعلام عديدة قبل ايام ، حدث خلل طباعي تسبب في عدم ظهورالتوثيق المطلوب عن مساهمة المبدع عبد الكريم كاصد في اتمام جزأي " ذكرياتي " للجواهري الذين صدرا عامي 1989-1990 ..وذلك ما يتطلب التنويه والاعتذار .... رواء الجصاني
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jaweahiri.com


 
أنبيك أنّي بدارِ ليس ساكنها
إلا الحثالة مأنبيك أنّي بدارِ ليس ساكنها
إلا الحثالة من مكذوبة النسبِ
يبكون منفىً وفي المنفى لهم وطن
يفدونه برخيص الروح والنشبِ (1)
ومنهمو صاحب يمشي على كبرٍ
مشيَ البهائم نحو الماء والعشُبِ
أنبيك أنّ بغاث الطير قد نطقتْ
وأنّ جُلّ خيول القوم من قصبِ
وأنّني عائذٌ ممّا أطالعه
خارتْ عجول وخارتْ أصلبُ الركبِ
وأقبلتْ سوقهُم تُخلي مآتمهم
وسيق للعرض ما يربو على الطلبِ
وعاد من غابة الأسلاف ذو ذنبٍ
يلغو بغابر أنسابٍ بلا ذنبِ
أمّاً التي حملتْ في جيدها مسداً
فدهرها أبداً حمّالةُ الحطبِ
كيف السبيل إلى نارٍ تضلّلني
فقد تراءتْ وما في النار من لهبِ
لله كيف استحال المرتجى أجلاً
وكيف أضحتْ فتات غايةَ الأربِ
وكيف أنّ غراباً ناعباً هرماً
أضحى يُقال له: "صنّاجة العربِ"
وأسوأ الخلق أنصاب يطوف بها
من لا يفرّق بين النبع (2) والغَرَبِ (3)

ن مكذوبة النسبِ
يبكون منفىً وفي المنفى لهم وطن
يفدونه برخيص الروح والنشبِ (1)
ومنهمو صاحب يمشي على كبرٍ
مشيَ البهائم نحو الماء والعشُبِ
أنبيك أنّ بغاث الطير قد نطقتْ
وأنّ جُلّ خيول القوم من قصبِ
وأنّني عائذٌ ممّا أطالعه
خارتْ عجول وخارتْ أصلبُ الركبِ
وأقبلتْ سوقهُم تُخلي مآتمهم
وسيق للعرض ما يربو على الطلبِ
وعاد من غابة الأسلاف ذو ذنبٍ
يلغو بغابر أنسابٍ بلا ذنبِ
أمّاً التي حملتْ في جيدها مسداً
فدهرها أبداً حمّالةُ الحطبِ
كيف السبيل إلى نارٍ تضلّلني
فقد تراءتْ وما في النار من لهبِ
لله كيف استحال المرتجى أجلاً
وكيف أضحتْ فتات غايةَ الأربِ
وكيف أنّ غراباً ناعباً هرماً
أضحى يُقال له: "صنّاجة العربِ"
وأسوأ الخلق أنصاب يطوف بها
   

   

160
لمَ كل هذا اللغو والرياء عن الجواهري الخالد ؟؟
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
فرضت، وتفرض الظروف علينا في مركز "الجواهري" ببراغ، بين الحين والحين، ان نضطر للتنويه والايضاح مرة ، و للتصدي والرد على التزوير والتطاولات مرة أخرى، وبين هذه وتلك، مرارات ومرارات نغص بها ، دون إيما " ذنوب " تستحق ذلك ، سوى لأننا "رهن مجتمع، يخشى اللصوص فيذبح االعسسا ".. وحسب.
... نقول ذلك وأمامنا أخيراً وقائع وحالات تجاوز عديدة، تارة تحت لافتة حقوق  "النقد" و"الانتقاد" وثانية بلبوسات "حرية الرأي والتعبير"... وقد أحاق بنا كل ذلك ، ويحيق ، بعيداً عن الأدب والثقافة، والأدباء والمثقفين، ولا حتى انصافهم واشباههم ... وإذ يطول العدّ والتعداد، ويعرض، هاكم بعض أمثلة ليس إلا، توجز الكثير عما نريد االتنويه اليه:
 .. فذلك ينتقص من مكانة الجواهري الكبير " لعلاقات الملوك والرؤساء معه  او علاقته بهم".. وآخر ينتقد الشاعر الرمز " لاغترابه عن الوطن ،مما حال دون  من معايشة المحنة الحقيقية، مثل الاخرين "... وثالث يشكك في ابداع الجواهري لأنه " متقلب الرؤى، إذ كتب عن مآثر الامام الحسين، وعن معركة ستالينغراد ،  ثم قصيدة  "جربيني" الغزلية، ولذلك فهو غير ثابت المواقف" ... أما الرابع فيريد التأكد من "جنسية " الجواهري العراقية ، وخامس عن حقيقة عشقه اللامتناهي للحياة والجمال والنساء  ... وعلى ذلكم النحو يستمر المنوال البائس،  فيشتم أحدهم مركز الجواهري ، لانه لم يركز في توثيقاته على "ثورية " الشاعر العظيم، واخر يعربد لان المركز لم يستضفهُ حين مر ببراغ، ورديف يتخرص – بلا حياء – عن "مواردنا" المالية ، وغيره يريد المركز – الثقافي - ان يخوض صراعاً "طبقياً" وإلا فهو ، والقائمون عليه ، لا يستحقون التقدير  ... وهكذا "ابتلى"الجواهري العظيم بمثل اولئك من ابناء جلدته ، أميين وحاسدين وشتامين وغيرهم ... وقد أصابنا رذاذ من ذلك "البلاء" الذي ينشره ويغذيه جمع لا يؤمن بحكمة " رحم الله امرؤ عرف قدر نفسه " بل ويعاديها بلا حدود ... فضلاً عن ان كثيراً من أولئك ، وهؤلاء ، ليسوا من  "الهاشميين" الذين عناهم "دعبل الخزاعي" في قصيدته النونية االمعروفة.
ومن الحالات الأخيرة "كتابة – شخبطة " اختلط بها الحابل بالنابل، تقدم فيها المضاف إليه على المضاف، واصبح منصوبها مجروراً، ومجزومها مرفوعا. وهي ، كما عبر احد المخضرمين الذين سبروا السياسة والثقافة وما بينهما  : خلاصة " متابعةٍ " و "رصدٍ" امينين  ، لنشاطات وكتابات  مركز الجواهري، وشقيقته، مؤسسة "بابيلون" للاعلام، ولأعوام تمتد لأكثر من عشرين عاماً... كما وقد دُسَّ بكل عناية في تلكم "الكتابة" السمّّ بالعسل، دعوا عنكم الافتراءات والمزاعم المستندة الى السماع وحسب... ويبدو ان من اهم الاهداف المتوخاة عن عمد  ، محاولة استعداء حزب عريق، لأنا لم نورد اسمه صراحة في  اخر مساهماتنا التوثيقية، والتاريخية التي تجاوزت المئة والعشرين، عن الجواهري الكبير.. ومما زاد من شكوكنا حول أغراض "الكتابة" اياها هو ان للحزب المناضل ذاته، قيادييه وممثليه وناطقين باسمه.. ولا ندري لماذا، وبأية صفة ،  يكتب اخرون  بالنيابة عنهم ... وعسانا  ان نصل للحقيقة في وقت لاحق .
وعلى أية حال فلن نزيد في التفاصيل،وسنبتعد عن الصغائر التي يريدون ان يعلوا بها ،  ولن نُفرح أحداً من المتطاولين أو مشجعيهم او اضرابهم،  بأن نشير لاسمه ، وان كان ثمة آخرون "ملثمون" اصلاً ، يخجلون حتى من تسجيل اسمائهم على ما يكتبون وينشرون، أو يحرضون... ويقيناً ان ما نتحدث عنه لا يمس لا من بعيد ، ولا من قريب  :  الاجلاء من اصحاب اليراع النبيل، الذين لا يدعون الخصام يجوز حداً "بحيث يروح رخصاً وابتذالا "... فأولئكم أجلّ ، وأنزه  من يربح "القتال" ويفوز بالنزال ، بآرائهم المبدئية وبنقدهم الجريء المخلص ، وتوضيحاتهم وتعقيباتهم الموضوعية، والتنويرية ، والتي حرضنا - ونحرض – للاسزادة منها  باستمرار بهدف الافادة والاستفادة، المشتركة...
وفي هذا السياق لا غيره، كم من المرات  دعونا، ولم نبرح ندعوا ، الى ان لا تكون مواقع الانترنيت، والصحف، وسواها مرتعاً خصباً لاولئك النافخين في نار البغضاء، المدفوعين بالذاتية المقيتة، والعداوات الجاهلية ، من المناضلين " الجدد " وغيرهم ... ولكي لا تغدو تلكم المنابر وسائل اعلام "سيارة" تبحث عن الانتشار الرخيص، وخاصة في العراق الجديد الذي راحت الأفكار والعقول الخبيثة، قبل الأيادي والأجساد تعبث فيه ، وتنخر بخبث مقيت في كل تراثه وارثه العريقين ، و في جميع الاتجاهات.
أخيراً، نتجاوز هنا، مترفعين وليس لأية أسباب أخرى، كل تجاوزات المسيئين التي تحاول أن تطالنا،  ونكتفي بان نجمل الرد عليهم ببيتين من قصيدة للجواهري ذاته،  ومتباهين (ولم لا) بلسان حال، وواقع يقول:
وما انا طالب مالاً لأني ، هنالك تارك مالاً وآلا ...
ولا جاهاً ، فعندي منه ارث ، تليد لا كجاههم انتحالا ...
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com



161
ذكريات وشهادات حول "ذكريات" الجواهري


الجواهري في الوسط والى يساره مسعود بارزاني وفخري كريم

رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
صدر في عام 1989 الجزء الأول من "ذكرياتي" للجواهري الكبير، وأعقبه الجزء الثاني عام 1990 ... وحول الجزأين الذين أرّخا للبلاد العراقية وشاعرها الرمز، نُشرت العشرات من التقييمات والآراء، فيها الغث والسمين كما يقال، ولكن ذلك ليس ببيت القصيد الآن... فما نريد التوثيق له ، وان في عُجالة ، في هذه التأرخة ، هو كيف صدرت "ذكرياتي"  ذات الاكثر من ألف صفحة من القطع الكبير... وكيف كان الجواهري يحسب لذلك الأمر ألف حساب وحساب، وكم أرهق نفسه ،  كثيراً، وطويلاً، لكي يستقر على طريقة اعتقدها مثلى لإنجاز ذلك السفر...
... لقد بدأ الشاعر الرمز في أوائل الثمانينات الماضية كتابة رؤوس أقلام ومواجيز وخلاصات استهلك فيها عشرات الصفحات، يضم مركز الجواهري في براغ اليوم وفرة نادرة منها... ثم ترك ذلكم النهج، باحثاً عن "أريب" أو "أديب" ليحاوره مباشرة في تاريخ امتد قرناً، ولينقله بعدها إلى من يقرؤون... واذكر هنا ان شخصيات ثقافية بارزة مثل العراقي: هادي العلوي واللبناني: محمد دكروب والسوري: صابر فلحوط ، راودوا مخيلة الجواهري بهذا الشأن... وقد فتحت شهيته لذلك "الاسلوب" في تسجيل الذكريات ، مجريات وخلاصات الحوار الموسع الذي اجرته الكاتبة والاديبة اللبنانية هدى المر، ونشرته في مجلة "المجلة" اللندنية الأسبوعية بتسع حلقات متتابعة عام 1982... واشهد في هذه التأرخة ان الجواهري كان معجباً بالحوارات التي اجراها معه الأساتذة : علي جواد الطاهر لمجلة الكلمة، وحسن العلوي لمجلة "ألف باء" ومحمد الجزائري لصحيفة الجمهورية، في عقد السبعينات ، وخاصة بأسلوبها، واختيارات محاورها... وبعد فترة لم تطل، استعاض الجواهري عن ذلك الخيار بآخر، وهو توثيق الذكريات بأشرطة فيديو، عبر كاميرا خاصة، استعارها، ولنقل استحوذ عليها ، من المسؤول السياسي العراقي في دمشق آنذاك، فخري كريم... وقد سجل بالفعل – وبمساعدتنا - أكثر من عشرين شريطاً ، سُرق بعضها، وتلف قسم آخر بسبب سوء الحفظ ... وثمة عدد منها – كما علمنا اخيرا -  موجود حتى اليوم لدى كفاح الجواهري النجل الرابع للشاعر الكبير...
... لقد ترافق مع تسجيل الذكريات على أشرطة الفيديو اياها، تسجيل أشرطة كاسيت صوتية في نفس الآن والزمان والمكان، ببراغ في أعوام 1984-1986... ثم قامت بعدها نخبة متطوعة من معارضين ومناضلين عراقيين في دمشق عام 1988 وباشراف المسؤول السياسي انذاك ، حميد برتو ، بتفريغ تلك الأشرطة التي بلغت نحو ثمانين ساعة ، على الورق ، ثم لتقرأ المسودات  بشكل أولي، وتدقق ثانية ، بمشاركة مباشرة من كاتب هذه التأرخة... ثم لتطبع من جديد، وليعمل عليها بجهود بارزة ، وغيرها ، أكثر من باحث وكاتب واعلامي ، ولا سيما : فالح عبد الجبار وزهير الجزائري ... وكذلك خلدون جاويد وهاني الخير، ولتوضع بعدها أمام الجواهري، فيعيد، ويصحح ويحذف ويوجز، ويوسع، وبالاعتماد على ذاكرته وحسب، وهو ابن تسعين عاما . ثم ليصدر بعد ذلك جزءا "ذكرياتي" على الشكل الذي صدرا به...
لقد كان مبدأ كتابة "الذكريات" موضع تردد كبير،  أصلاً ، لدى الجواهري... فمثل ذلك الأمر قد يعني، من جملة ما يعني، ان المرء قد وصل الى نهاية المطاف في العطاء ... ولاشك فان مثل هذه الحال لم تكن لتخطر في بال الشاعر العظيم، وان كان على أعتاب التسعين... وذلك ما كان بالفعل، إذ ثمة قصائد ومواقف عديدة قد تجلى بها، وتجلت عنده ، ولنحو سبع سنوات تاليات...
وبمثلما افصحت عنه مقدمتا جزأي " ذكرياتي " راحت التفاصيل والايجازات واستعراض المواقف، بصراحة ومباشرة لمديات بعيدة. واشهد هنا أيضاً كم كان الجواهري معجباً باسلوب ومضامين ذكريات البرتو مورافيا، وارنست  همنغواي، وسلفادور الليندي ، وميله للاستفاده منها اسلوباً ، لولا الاختلاف في وعيّ وثقافة متلقي اولئك المشاهير، ومجتمعاتهم، عن متلقي ومجتمعات "ذكريات" الجواهري...
... وبحسب احاديث خاصة للجواهري مع كاتب هذه التأرخة ، فقد كان اشد ما يقلق باله هو الجزء الثالث من ذكرياته ، والذي لم يباشر حتى في كتابة مسوداته ، اذ كان يجب ان يشمل الفترة التي تلت عام 1969 الذي انتهى عنده الجزء الثاني... اما بعض أسباب ذلك "القلق" فقد كان تعقيدات الأحداث العراقية، ومواقف الشاعر الكبير منها، الايجابية والسلبية بشكل عام . ومن بينها قيام وانفراط الجبهة الوطنية في عقد السبعينات، والعسف والارهاب الدمويين الذين ادامهما النظام البعثي الثاني طوال اعوام حكمه... الى جانب الحرب الكارثية مع ايران والغزو الغاشم لدولة الكويت... وكذلك تنازع وتشتت قوى المعارضة الوطنية ، وموقف الجواهري الناقد، بل والغاضب من ذلك . ولعل قصيدته "الاخوانية" إلى الزعيم السياسي جلال طالباني عام1980 توضح الكثير من الشؤون ذات الصلة ... كما ولابد أن نشير بهذا السياق إلى ما شهدته السنوات التي نعني بها  من  مغاضبات وخصومات  خاضها الجواهري – اختيارا او اضطرارا- على الصعيد  الفكري والثقافي ومن بينها " حواره " مع سهيل ادريس، كما في قصيدته "ياابن الفراتين" عام 1969 ... ورده على غالي شكري في قصيدة "آليت ابرد حرّ جمري" عام 1975... دعوا عنكم هضيمته من المجتمع والبلاد ، واولي امريهما بشكل رئيس ، مثقفين وسياسيين وعداهم....
أخيراً من الجدير بالاشارة - على ما نزعم- إلى اننا وثقنا الكثير حول تلكم الشؤون والشجون اعلاه  في كتابنا (الجواهري أصداء وظلال السبعينات) الصادر عام 2000 وكذلك كتاباتنا ومتابعاتنا عن ثمانينات وتسعينات الشاعر العظيم التي نشرت على الانترنيت والعديد من وسائل الاعلام، في الأشهر والسنوات القليلة الماضية ...


مع تحيات مركز "الجواهري" في براغ
www.jawahiri.com


 
ذكريات وشهادات حول - ذكريات - الجواهري-



162
وثيقة تاريخية تنشر لاول مرة
هكذا لجأ الجواهري الى براغ قبل نصف قرن
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com     
   تناول جمع من الباحثين ، وغيرهم ، وفي فترات زمنية متفاوتة ، مواقف الجواهري من النظام الجمهوري الاول في العراق (1959- 1963) بقيادة الزعيم( ثم اللواء) الركن عبد الكريم قاسم،  تأييداً ودعماً من جهة ، وانتقاداً ، وأختلافاً، بل وتحذيراً مما ستؤول اليه الاوضاع ، من جهة اخرى، ومعروف ماآلت اليه فعلاً  ... وقد طفحت في عدد من تلكم الكتابات / البحوث ذات الصلة،  عواطف وأجتهادات بنيت على السماع احياناً ، وبدون  اية اسانيد وان راحت ضعيفة ... وقد سبق ان توقفنا عند بعضها ، بهذا الشكل او ذاك ، في شهادات ورؤى غير مرة ، في الاعوام العشرة الاخيرة ، مع تبيان بعض الاراء بصدد حركة ( ثورة / انقلاب) الرابع عشر من تموز 1958 في العراق ، ومن بينه كتابتنا  المنشورة عام 2008 والموسومة " وصفي طاهر : رجل من العراق" وفيها العديد من المؤشرات ذات العلاقة ، على ما نزعم .
     وبهدف المزيد من التأرخة والتوثيق ننشر في السطور التاليات مقتطفات وفيرة من وثيقة نادرة ، يعود زمنها الى نصف قرن مضى بالتمام والكمال ، وفي ثناياها جملة من الوقائع التي ثبتها الجواهري بخط يده ، لتسلط المزيد من الاضواء على شؤون عراقية تاريخية ووطنية ، ولتضيف جملة تقييمات أرخ لها الجواهري شعراً في فرائد عديدة ، فضلاً عما تناولته  ذكرياته الصادرة في دمشق عام 1989 ...
    ... ففي براغ التي كان الجواهري قد وصل اليها، اول المر ، ضيفاً على اتحاد الادباء ، كتب الى الجهات الرسمية بتاريخ 20/6/1961 طلباً باللجوء السياسى ، قائلاً ان الاسباب الموجبة لذلك يمكن تلخيصها بما يلي:
" أولاً: تمشياً مني على النهج الذي سلكته طيلة حياتي في مجالات السياسة والصحافة والشعر والأدب من أن أكون إلى جانب الجماهير في كل ما يمسُّ مصالحها فقد تعرضت منذ سنتين ، وفي خلال الحكم الراهن في العراق لكثير من المضايقات على يد الحاكمين مما يطول شرحه.
ثانياً: ان هذه المضايقات اشتدت في الآونة الأخيرة وقبل عدة شهور بحيث اصبحت ليس فقط مما تجعل استمرار الحياة عليّ وعلى عائلي المؤلفة الآن من زوجتي وبنتين عسيرة  ، بل انها أضحت تكوّن خطراً على حياتي الشخصية. فقد بلغت قبل شهرين تقريباً حد اعتقالي وسجني – وأنا أناهز الستين من عمري – بأسباب كاذبة مفتعلة – وبعد حدوث ضجة كبيرة من الناس في العراق وفي خارجه اضطر الحاكمون لاطلاق سراحي ولكن بكفالة اولاً، ثم باقامة دعاوى سياسية خطيرة ، يتحتم عليّ بموجب القوانين العرفية ، أن امثل أمام المجالس العسكرية القاسية وان اتلقى احكامها الصارمة بحجة انني اخالف سياسة الحاكمين وأسعى لاثارة الشعب العراقي.
ثالثاً: لقد لجأ الحاكمون في مضايقتي ومضايقة عائلتي الى اساليب غريبة غير مألوفة لدى العالم المتمدن. مثل تحريض بعض رجال الأمن السريين، في منظمة "الامن العام العراقي" على الاعتداء عليّ كما حدث قبل اعتقالي بيوم واحد حيث رميت بسهم حجري اصاب عيني اليسرى وكاد يتلفها لولا عناية الاطباء. وقد شخص الناس الرجل الذي رماني وسموه باسمه وهو موظف في "منظمة الأمن العام" كما ذكرت. بل انني قلق الان خوفاً على عائلتي من الاساليب الارهابية الفاشستية التي قد يتعرضون لها في بغداد.
رابعاً: لقد لجأ الحاكمون الى وضع الحجز المالي على مطابع جريدتي "الرأي العام" مما أدى إلى توقفها وتعدوا ذلك الى حد وضع الحجز المالي حتى على اثاث البيت الذي نسكنه بالايجار.
خامساً: لقد لجأوا الى الايعاز وبصورة مكشوفة الى كل الصحف القذرة المأجورة لكل حاكم في العراق الى التهجم عليّ وعلى عائلتي تهجماً قاسياً ومستمراً دون ان املك حق الدفاع عن نفسي."
... ثم يستمر الجواهري في توضيح بعض التفاصيل ، وجوانب من الوقائع فيقول : 
" ان كل هذه الاضطهادات معروفة ومشهورة ليس للشعب العراقي وحده بل ولكل الشعوب العربية بل ولكثير من الشعوب غير العربية التي تعرفني." ... اما توقيع طلب اللجوء فكان- بحسب الوثيقة ذاتها :  "محمد مهدي الجواهري ، الشاعر العراقي، ورئيس اتحاد الادباء العراقيين،وصاحب جريدة "الرأي العام" المحتجبة، وعضو المجلس الأعلى لانصار السلام ببغداد".
أخيراً يهمنا التنويه هنا الى ان من تفضل علينا مشكوراً بتوفير هذه الوثيقة التاريخية التي تنشر لأول مره ، هو الاستاذ أحمد الجبوري السكرتير الاول في سفارة جمهورية العراق ببراغ ، وقد عثرعليها في ارشيف وزارة الخارجية التشيكية ، خلال بحثه فيه وهو يستكمل متطلبات دراسته العليا ، قبل نحو عامين .

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com


163
حين رد الجواهري على "العاوين"  ونباحهم ، قبل 37 عاما


الكاتب الى جانب الجواهري عام 1995
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com

يُدعى الجواهري الى المغرب اواسط العام 1974 ويحظى بحفاوة ورعاية بالغتين ، بما في ذلك ضيافة ملكية متعددة الأوجه... فضلاً عن منحه  وسام الكفاية الفكرية الاعلى في البلاد . ويردّ الجواهري على ذلك بقصيدة شكر للعاهل المغربي آنذاك الحسن الثاني، تعبيراً عن الثناء للاهتمام والتقدير غير المسبوق الذي لقيه، ككبير للشعراء العرب، ورمزهم في القرن العشرين ، على الاقل ... ويثير ذلكم الأمر عدداً من الشعراء والكتاب والسياسيين العراقيين والعرب. تارة تحت حجة مواقف الحكم المغربي من القضايا العربية آنذاك، وحيناً عن موضوعة  العلاقة بين السياسة والثقافة ، وتارة في اثارة  نعرات الخلاف بين  الكلاسيكية والحداثة ، وما شابه ذلك. ولعل ما يفيد  الاشارة بهذا السياق الى مقال كتبه الناقد المصري غالي شكري حول الجواهري بعنوان "سقوط آخر العمالقة"... والمقال يقرأ من عنوانه كما يقال، والعنوان واضح النيّة كما نرى!
كما و تسوّقَ من تلك القضية مثقف، وقيل شاعر، وسياسي عراقي تخبأ تحت اسم "حمدان القرمطي"، فأرعد وأزبد في محافله "الثورية" الحقيقية او المدعاة ،  وكذلك في الصحافة "ذات العلاقة" ! حول ابيات الجواهري لمكرميّة المغاربة. وقد مرت اعوام واعوام   ولم يمتلك ذلك "الثوري" الجرأة لأن يكشف اسمه، مع اجتهادات هنا وهناك حوله... وقد كال من السباب الرخيص، البعيد عن السياسة والثقافة اللتين تلبس لباسهما ، وعلى مرأى حتى من المحبين الذين لم يفتحوا فاهاً، وهم الذين قال فيهم الجواهري عام 1962 في موقف مشابه:
     وتفــرج المتفيهقـــون فلا دم يغلي ولا  قلــم يذود ولا فــمٌ
    لم تنفقأ خجلا عيون ابصرت ، وجه الكريم بكف وغد تلطمُ


وفي " تحية... ونفثة غاضبة..." وهو عنوان قصيدة الجواهري التي القاها في الحفلة التكريمية التي اقامتها على شرفه وزارة الدولة المغربية للشؤون الثقافية ، برعاية وزيرها الحاج محمد باحنين ، على مسرح محمد الخامس في الرباط ، مساء اليوم العشرين من ايلول / سبتمبر عام 1974 يبتدأ الشاعر الردّ على "دعاة ذلك الاستغلال والانتهاز تحت شعارات مزيفة" ... ويجيء مطلع القصيدة التي تقارب ابياتها التسعين :

سماحاً إن شكا قلمي كلالا وإن لم يُحسنِ الشعرُ المقالا
وإن راحت تُعاصيني القوافـي بحيثُ الفضلُ يُرْتَجَلُ ارتجالا
أتبغونَ الفُتوةَ عند هِمّ على السبعينَ يتّكلُ اتكالا
   فما شمسُ الظهيرة وهي تَغلي كمثل الشّمس قاربت الزّوالا
ولعل أبيات المطلع أعلاه تبعد الشك عن القاريء، بل وتزيده يقيناً، بان "القلم لا يشكو أدنى كلال"، وان "الشعر يحسن المقال" تماماً... وان القوافي لم تعاص ِ الشاعر، والفتوة زادت عند ذلك "الهمّ" الذي يستند على تجاريب السبعين، وان شمس الجواهري، وهي وان زعم تقارب فترة الزوال، لم تزل تغلي ! توشم المعتدين جيلاً بعد جيل.
وتتواصل القصيدة في اداء اكثر من غرض: التحية المطلوبة رداً لجميل المكرمين، واعجاباً بجمال البلد ، ومحبة لمواطنيه، وبثاً للشكوى وتأرخة لبعض المعاناة، ثم لتصل بعد ذلك الى "بيت القصيد" وهو اكثر من بيت كما سنرى:
وقلتُ لحاقدينَ عليّ غيظاً لأني لا أُحبّ الاحتيالا
هَبُوا كلّ القوافِلِ فـي حِماكُمْ فلا تَهْزَوا بمن يَحْدُو الجِمالا
ولا تَدَعُوا الخصامَ يجوزُ حدّاً بحيثُ يعودُ رُخْصاً وابتِذالا
وما أنا طالبٌ مالاً لأني هنالِكَ تاركٌ مالاً وآلا
ولا جاهاً، فعندي منه إرثٌ  تليدٌ لا كجاهِهِمُ انتِحالا
... ثم وفي ابيات تالية من القصيدة ذاتها يواصل الجواهري : التذكير والتحذير في ان واحد ، فيقول : 
حَذارِ فإنّ فـي كَلِمي حُتوفاً مخبأةً، وفـي رَملٍ صِلالا
وأنّ لديّ أرماحاً طِوالاً ولكنْ لا أُحبّ الاقتِتـالا
تَقَحّمْتُ الوَغى وتَقَحّمَتْني وخُضْتُ عَجاجها حَرْباً سِجالا
فكانَ أَجَلّ مَن قارعتُ، خصمٌ بنُبلِ قِراعـه رَبِحَ القِتـالا
ولم أرَ كالخُصومة من مَحَكّ يبين لكَ الرّجُولةَ والرّجـالا
وكم من قَوْلةٍ عندي تَأَبّى لها حسنُ الوِفادةِ أن تُقالا
ستُضرَبُ فيهم الأمثالُ عنها إذا انطَلَقَتْ وجاوزتِ العِقالا
وعندي فيهمُ خبرٌ سَيَبْقى    تغامَزُ منه أجيـال تَوالى
حَذارِ فكم حَفَرتُ لُحودَ عارٍ لأكرمَ منهُمُ عَمّاً وخالا

 ... وفي سياق التأرخة ذاتها نثبت هنا ان  الجواهري قد خيب  "ظنون" وربما "تمنيّات" حاسديه ومتربصيه، فلم يُقم في المغرب سوى بضعة اشهر، رغم كل الامتيازات التي قدمت له ، وأبرزها ضيافة رسمية لفترة غير محدودة.... وبهذا الخصوص تجدر الاشارة أيضاً الى ان العراق الرسمي، وقد كان آنذاك مناقضاً للسياسة المغربية، قد "زَعَلَ" على الجواهري، وان بدون ضجة، أو اعلان صريح.
...وحتى بعد سنوات عدة، لم يتردد الجواهري في الدفاع عن موقفه ازاء النهازين كما يحب ان يسميهم. وبهذا الخصوص يشير في حوار مسجل للكاتبة والصحفية اللبنانية ، اعتدال رافع  ، في دمشق اوائل التسعينات  الماضية :
"اما القصيدة التي انشدتها في المغرب فقد كانت رداً على الحفاوة والتكريم الذي لقيته اثناء وجودي هناك... وعندما طلبوا مني ان تغنى تلك الابيات اعتذرت... لست نادماً على هذه القصيدة لانني شاعر، واذا كنت قد ألقيت كلمة بدلاً منها، معنى هذا انني استخف وأهين من كرموني، لأنني كنت دائماً وأبداً منسجماً مع نفسي، ولا احسن الكذب والنفاق. كان ذلك موقفاً مني ورداً على التكريم والوسام الذي خصوني به"... وفي موقع آخر من الحوار ذاته يقول الجواهري:
"استغل العاوون هذه القصائد ليشهروا بنباحهم... في الماضي كانوا يقولون الجواهري شيوعي، وأيضاً مداح؟ كيف يجتمع النقيضان، ويلتقي الضد بالضد؟  هللكي يفترسوا رمزاً... أنا حصتي ارذل ما في اليمين انني شيوعي، وأقصى ما في اليسار بأنني مداح..المُسف يجب الا يُسف عندما يتعرض للنقد. يكتب الذي ليّ، والذي عليّ".
وهنا، لعل من المناسب ان نضيف اشارة اخيرة بخصوص الفترة المغربية – ان جازت الاستعارة –  في حياة الجواهري:ان الحاج محمد باحنين وزير الدولة المكلف بالشؤون الثقافية بعث بتاريخ 21/1/1975  برسالة شخصية ، لا ارق منها ، الى الشاعر العظيم - محفوظة في مركز الجواهري ببراغ - يؤكد فيها دعوة رسمية للمشاركة في مهرجان تخليد الذكرى الألفية لولادة شاعر الاندلس ، ابي الوليد احمد بن زيدون.. ويقرر الجواهري الاعتذار عن المشاركة: " لعدم اعطاء فرصة جديدة للمتربصين... وقبيل ارسال جواب الاعتذار بأيام ألغي الاحتفال لأسباب سياسية مغربية، و"كفى الله المؤمنين شر القتال"...

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

164
"السومرية" في ذكرى مولد الجواهري ، ورحيله
... وللحديث شجون




الجواهري غاضبا



 
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
   
 بتفرد اسثنائي، حتى الان على الاقل ، عن وسائل الاعلام الرسمية والخاصة ، اعلنت فضائية "السومرية"  اخيرا تخصيصها  الفترة : 14-21 من الشهر  الجاري ، اسبوعاً للجواهري ، يشمل من بين ما يشمل ،اعادة بث انتاجها المتميز " كبرياء العراق " ذي السبعة الاجزاء ، للمبدع انور الحمداني ، وذلك بمناسبتي الذكرى السنوية لمولد الشاعر الخالد ، ورحيله ،  اللتين تصادفان – كما هو معروف ، او يجب ان يكون معروفاً ، كما نفترض – في اواخر شهر تموز كل عام ... وفي ذلك التفرد " السومري " الجديد ما يستحق الثناء والتباهي علناً كما نرى ، نحن – ولا غرو -  عصبة المتشددين القائلين بالضرورة الدائمة لاستذكار الريادة العراقية ، الابداعية ، والتنويرية ، وتمجيد رموزها ، وخاصة في حقبة ايامنا هذه ، التي تنتشر فيها ، وبكل غلو، أفكار ومناهج الظلامية والارتداد والتطرف ، دعوا عنكمو الممارسات والاجراءات ذات العلاقة ، ذائعة الصيت  ....
  ... وبمثلما اسلفنا الحديث في كتابات سابقة ، نعيد اليوم : ان الاحتفاء بمناسبات كالتي نعنى ، واستذكار الرموز الوطنية والثقافية العراقية الاهم ، ممن  اقاموا،  او رحلوا ، يؤشر- من جملة ما يؤشر- الى مدنية وتحضر البلاد واهلها والقائمين على مسؤوليتها،  وخلاف ذلك فالعكس جد صحيح ، وما عليكم بالادعاءات بهذا المجال ، ولا باصحابها  الذين يجيدون " الديباجات " التى تدغدغ العواطف لا غير ، ما دام الامر لا يكلفهم مثقال التزام ، وما هم بالمحرجين ...
  ... وبهذا السياق لا غيره ، فقد سمعنا ، وما برحنا نسمع ، من "رسميين" كثار عن توجهات وخطط ومشاريع على تلكم الطريق المُثار عنها ، وحولها ، الحديث السابق ، ولكنها لم تتعد الى اليوم " زبد الوعود تداف في عسل الكلام  " ليس الا ... اما المبررات فهي  جاهزة على الدوام ، ومنها : استثنائية الاوضاع ، واهمية الاولويات ، وقلة الميزانيات والظروف الامنية ، وما الى ذلك، وبينه ... ولكن – وتباً لهذه الاستدراكية المقيتة  -  كم رأينا ، ونرى ، اندحار تلك  المسببات ، وذهابها  ، وبقدرة قادر، ادراج الرياح ، ثم لتتيسر الاحوال جميعها ،  حين يكون هناك  - على سبيل المثال ـ مهرجان في لندن او ندوة في باريس او مؤتمر في واشنطن او فعالية في مدريد، او احتفالية في روما  ، او في سواهن  من عواصم  ومدن الدنيا ، الاجمل  طبعاً ... وما اروع  لو يتسع المجال ، وتُتاح الفرصة هنا ، فنوثق ما بجعبتنا ، بالارقام والتواريخ والوقائع، ماسبقت الاشارات السريعة اليه ، وعنه  ...
   ... اخيراً ،  واذ كان " العتاب " اعلاه  قد طال جهة بعينها ، ونعني بها المسؤولين الرسميين، من اولي الامر والنهي  - عن المنكر وغيره –  فلنا " عتاب " ثان ، لايقل سخونة عن سابقه ، وهو هذه المرة مع " اولي امر" اخرين من  " مسؤولين"   بحق واقتدار ، او بالصدف والفرص والحظوظ ، عن شؤون  الثقافة والاعلام في عراق اليوم ، بداخله وخارجه... ونأمل ان نتوقف في قريب قادم ، حول عديد "نموذجي"  من مثيلات  تلكم الشجون ...
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com




165
أحدثكم عن بيت الجواهري ، الأول والأخير في العراق

رواء الجصاني
بعد كتابات ومطالبات وحملات اعلامية داخل البلاد وخارجها، أعلن أمين العاصمة العراقية : صابر العيساوي، قبل فترة وجيزة  قراراً باستملاك بيت الجواهري في بغداد، القائم – حتى الآن على الأقل - في منطقة القادسية / حي الصحفيين،  لمنع دثره ، باعتباره ارثاً ثقافياً ووطنياً، وبهدف تحويله إلى متحف يضم ما تبقى من مقتنيات وآثار لشاعر الأمتين، تناهبتها الأحداث، والمغتربات، وآخرها في العاصمتين التشيكية والسورية: براغ ودمشق...
وبعيداً عما نشر اخيرا بهذا السياق ، في وسائل الاعلام العراقية، والعربية ،  من مقالات وتصريحات واستكتابات متنوعة ومتباينة، لنا عنها، وحولها، كثير من التساؤلات والتوضيحات المؤجلة لحين قريب كما نتمنى... بعيداً عن ذلك نقول: ان بيت الجواهري الوحيد، وهو الأول والأخير له في العراق، مبنى اعتيادي مع فضاءات خضراء ، على مساحة اجمالية تبلغ  540 متراً مربعاً، وهي واحدة من قطع الأراضي التي وزعتها الدولة ، ذات زمان ، على الصحفيين... وانجز تشييد البيت  أواخر العام 1971 بشكل متواضع، وغُطيت نفقاته بين تمويل ذاتي، وقروض، وديون شخصية... وقد سكنه الجواهري وهو رئيس اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين آنذاك، منتقلاً إليه من الدار التي استأجرها له نجله "فلاح" أواخر العام 1968 في حيّ الداوودي، عند عودة شاعر البلاد العراقية إليها، بعد  "سبع عجاف"  قضاها اضطراراً في اغترابه الأول إلى براغ بدءاً من عام 1961 حين "لم تكفل له الأوطان دارا"...
... وبيت "ابن الفراتين" الذي احدثكم عنه ليس سوى بيت تقليدي كما أشرت، يضم ثلاث غرف نوم، وغرفة استقبال وأخرى للجلوس، مع المرافق الضرورية... وقد شهد طوال عقد السبعينات الماضية أحداثاً ووقائع وتفاصيل متشابكة لمديات بعيدة في الشؤون والشجون الوطنية والثقافية والشعرية وما إليها، وما بينها.
... وذلكم البيت، الأول والأخير، والوحيد، على ما ندري ونؤكد بيقين، تملّكه الجواهري، ملكاً صرفاً بعد ترحال وإقامة واغتراب، وتغرب، وهو لا يحمل معه غير "منقار وأجنحة" على مدى نصف قرن... وفي ليالي ذلك البيت، ونهاراته، أينعت العبقرية الشعرية قصائد ومطولات عديدة... فيها ومنها الانساني، والوطني والاجتماعي والعائلي، ولافكاك بينها من التداخل والتلازم مع الهموم والانشغالات الفكرية والسياسية والاجتماعية وما إليها...
وعلى مدى السنوات العشر – تقريباً - التي عاشها الرمز العراقي في بيته الذي نعني، عصفت بالبلاد وأهلها محن هنا، ومآسٍ هناك، تحت سلطة الحزب الواحد فالعشيرة، فالعائلة فالفرد... وقد كان الجواهري يعيش تلك الأجواء الأليمة، بكل صبر ، وان تغلفت أحياناً ببراقع تفاؤل بها البعض، غير القليل، بآمال وتمنيات ولحد المبالغة في أحايين عديدة... وبهذه الحال كان ذلك البيت ذاته – لا غير – مزار أطياف ونخب سياسية متباينة الرؤى والمسؤوليات وحتى الوفاء احياناً ، فبعضها صادق أمين، وآخر متزلف متدثر بألف زيٍ وزيّ... ولكنها كانت جميعاً، في حضرة الجواهري – على ما نشهد علناً - دعاة تآلف ومحبة، وان راحت احياناً في الأقوال وحسب...
... كما كان البيت الذي نعنى ،  ملتقى للنخب الفكرية والثقافية والشعرية، من كل النحل والرتب، تؤم مقام الجواهري: مودة وتلمذة وتباهياً، دعوا عنكمو الآخرين الذين كانوا يريدون صكوك الغفران... وكم يطول التعداد، ويعرض، ويعلو، لمن زار، وأحبَّ، وتبارك بزيارة أو لقاء أو حديث مع الشاعر الرمز...
... وإضافة لكل ما تقدم، شهد ذلك "البيت" التاريخي منح الجواهري جائزة اللوتس عام 1975، وولادة أول جمع وتدوين لتراث الجواهري الشعري في مجموعة هي الأهم – على ما نزعم – حتى الآن، ونعني بها الأجزاء السبعة (1973-1980) التي أشرف عليها : مهدي المخزومي وعلي جواد الطاهر وابراهيم السامرائي ورشيد بكداش ، مع حفظ الالقاب ... كما راحت تترى من البيت ذاته مختارات الجواهري لعيون الشعر العربي، أواسط السبعينات لتنشرها صحيفة الجمهورية البغدادية بمتابعة محمد حسين الأعرجي... ذلكم إلى جانب ما شهده البيت من المقابلات والحوارات التاريخية مع الجواهري ومن أهمها على ما نزعم الحواران التي انجزهما محمد الجزائري عام 1975 وحسن العلوي عام 1979...
ومن ذلك البيت الذي نوثق له، وعنه، كانت انطلاقات الجواهري لعواصم عربية وعالمية عديدة : رئيساً لوفود أدباء العراق في مؤتمرات ومشاركات رسمية،  أو ضيفاً أول على فعاليات ومهرجانات عديدة: شعرية وثقافية وغيرها، ومنها إلى دمشق وتونس وصوفيا وموسكو والدوحة والكويت وابي ظبي وعديد سواها ... ذلك الى جانب " فراره " من البلاد  لفترات متفاوتة ، وذلك الى  القاهرة والرباط واثينا ، دعوا عنكمو براغ التي بقيت "جنة الخلد" عنده ... مخاصماً وغاضباً ومغاضباً ، مسؤولين وحساد وحاقدين،  بل وحتى محبين " علهّم كانوا  حيارى في مفترق الطرق " ..
 وفي ذلك البيت الذي نعني ، اينعت روائع جواهرية، ومقطوعــــات وجدانيـــة ووطنية واجتماعية عديدة ، نحصر منها : * مطولة "حبيبتي" عن زوجته  آمنة... * مناجاة "يا فرحة العمر" عن شقيقتـــه نبيهة ... * مقطوعة "ابا مهند" إلى نديمه مهدي المخزومي ... * بائية "إلى وفود المشرقين" في تجمع عالمي ببغداد...  * دالية "أزح عن صدرك الزبدا" المجللة  في احتفاء اقيم له في  النجف... * " فتى الفتيان" عن صديقه "المتنبي" في مهرجان مهيب ببغداد  ... * " أم الربيعين" خلال احتفال تكريمي خاص به في  جامعة الموصل ...
كما وفي ذلك "البيت " ايضاً لا غيره ، " نُظمت " قصائد مجاملة، كان بعضها استجابة لمناشدات – كنا شهود عيان على بعضها – وذلك  من زعماء سياسيين ،  لكي  يلقي  شاعر البلاد  ، ورمزها العظيم ،  بثقله ، ويحاول  تأخير انقضاض سلطات البعث - ولو لبعض الوقت -  على الأحزاب والقوى الوطنية "المتحالفة" معها أو "المعارضة" لها... ومعلوم طبعاً ما جرى خلال عقد السبعينات الماضية  من عسف وقمع وارهاب شمل الالاف  ، ومن بينهم ً نجل الجواهري "كفاح" اعتقالاً وتعذيباً، وابنته الوسطى "خيال" احتجازاً وتخويفاً... ثم ، ومن  ذلك البيت الذي نؤرخ له، لجأ الجواهري إلى الاغتراب مجدداً، غضباً، وموقفاً من سياسات وتوجهات  السلطات الحاكمة ، فغادر  إلى براغ أولاً مطلع العام 1980 ومنها إلى دمشق عام 1983 وحتى رحيله فيها عام 1997…
... اخيرا دعونا نوثق مما توفر لنا سريعا بهذا السياق ، فننقل  عن " أميرة " ابنة الجواهري الكبرى في حديث خاص معنا  (آيار / مايو 2000) : ان والدها لم يفكر يوماً بتملك بيت ،  طيلة أربعين عاماً تقريباً وحتى عام 1971. .. وكان التنقل في بيوت الايجار ( في الحيدرخانه ، الجعيفر، الاعظمية ، الكرادة... وغيرها من مناطق بغداد) سمة مميزة تنسجم ومزاجه المتمرد والكاره للرتابة.... وقد توفرت له فرص للتملك  إلا انه "ضيعها" غير آسف عليها...."
... وفي الموضوع ذاته يقول حسن العلوي في كتابه "الجواهري رؤية غير سياسية" الصادر عام 1995: في العام 1979 اصطحبت معي الى بيت الجواهري بعثة صحفية لقضاء يوم كامل على غير موعد معه فسجلت عدسة المصور الفنان الراحل "محمد علي حسن" زوايا لم تكن مخفية على عيون زائريه... ودخل حتى  غرفتي النوم والمطبخ ... ولم يجد مكتبة، لكنه وجد رفوفاً. ولم يجد مطبخاً ولكنه وجد قدرين من الألمنيوم القديم... كما ولم تكن للجواهري غرفة نوم مستقلة ،  وكان يضع ملابس الشتاء في حقيبة تحت سريره، ويعلق على الحائط ملابس الصيف. ويفعل العكس في الشتاء....
... كما ونشير بهذا الصدد  لما نشره فوزي كريم (الشرق الأوسط اللندنية 4/11/1991) في موضوع مسهب عن  الجواهري في السبعينات ، نقتطع منه: "كان بيت الجواهري متواضعاً، كنا نقتحمه احياناً آخر الليل، أنا وسعدي يوسف مدفوعين بأكثر من هاجس شيطاني ، قراءة لبيت مثلاً:
الحمد للتاريخ حين تحولت …تلك المرافه فاستحلن متاعبا
او عبارة واحدة "با نبتة البلوى" يخاطب بها جياع الشعب. أو كلمة "تقحم" او "خسئوا". وكان الجواهري يستقبلنا دون ترحاب معظم الأحيان قائلاً : "الساعة الواحدة يا جماعة. ويتأمل ساعته ونحن نبصبص تحت الطاولة. لا تخلو طاولة الشاعر في الليل. كنا نعرف ولكن من يجرؤ في ساعة كهذه أن يسأل. ونسترضي ابا فرات، نقول: "أنت تعرف محبتنا " ونغني له طربين من شعره...  فيستجيب ..."
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www. Jawahiri .com



166
شؤون عربية في تاريخ تشيكيا الحديث

رواء الجصاني
babyloncz@yahoo.com
على طريق اتمام دراسة أشمل، وأكثر تفصيلاً، تأتي هذه المحاولة  -الأولى على ما نزعم – في التوثيق لمحطات نظنها مهمة في تاريخ العرب وعلاقاتهم وشؤونهم في البلاد التشيكية، وبراغ بشكل رئيس، خلال الأعوام العشرين الأخيرة... بمعنى في العقدين اللذين أعقبا انهيار النظام الشيوعي، إثر ما اصطلح عليه "الثورة المخملية" التي بدأت شرارتها الأولى أواسط تشرين الثاني / نوفمبر من العام 1989...

بعض الخلفيات
كانت علاقات براغ الرسمية عند انطلاق مسارات النظام الجديد في البلاد التشيكية – السلوفاكية أواخر العام 1989 وطيدة مع العديد من البلدان العربية، وعلى أكثر من صعيد وميدان... فثمة اتفاقيات ومعاهدات كثيرة تنظم شؤون تلكم العلاقات: الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها. وقد جرى الابقاء على الغالبية الأعم منها، مع التعديلات والاضافات، وحتى بعد انفصال الفيدرالية المشتركة إلى جمهوريتين: تشيكية وسلوفاكية، مطلع العام 1993... خاصة وان الدولتين الحديثتين على الخارطة الأوروبية قد أكدتا الالتزام بجميع ما تحتم عليهما المسؤوليات والالتزامات القانونية والدولية...

العلاقات الدبلوماسية
لم تبرز في اطر العلاقات الدبلوماسية بين النظام الجديد في تشيكوسلوفاكيا الفيدرالية بعد عام 1989 أية تداعيات أو تعقيدات تذكر بشكل عام، مع البلدان العربية... ثم شهدت السنوات اللاحقة اعادة النظر في الاتفاقيات والتفاهمات المتبادلة، إذ توطدت مع عدد من الدول العربية، فيما شهدت تغيرات مع بعض آخر، وخاصة ان ثمة تداخلات عديدة قد برزت في الجوانب السياسية المباشرة، وغير المباشرة... فقد كان للحزب الشيوعي الحاكم في تشيكوسلوفاكيا، وكما هو معروف، علاقات خاصة، واستثنائية، مع بعض الدول العربية التي تقود أنظمة الحكم فيها احزاب يتشارك عدد منها في الكثير من الآراء والمواقف الفكرية والعملية مع النظام السائد في براغ، ومنها على سبيل المثال: اليمن الجنوبية آنذاك، العراق، سوريا، ليبيا وغيرها... وبشكل عام استمرت العلاقات الدبلوماسية القائمة، مع تأسيس أخرى جديدة وصلت إلى حد افتتاح سفارة للرياض في براغ عام 2002...
... أما راهناً فثمة اثنتا عشرة سفارة وبعثة دبلوماسية عربية في براغ هي بحسب تسلسل حروف الهجاء: - التونسية – الجزائرية – السعودية – السورية – العراقية – الفلسطينية – الكويتية – اللبنانية – الليبية – المصرية - المغربية – اليمنية... ذلك إضافة إلى تمثيل سفارات الامارات وعمان والسودان والاردن في فيينا، وقطر في بودابست، والبحرين في برلين، لبلدانها لدى براغ... وبالمقابل فهناك سفارات وبعثات دبلوماسية لتشيكيا في معظم البلدان العربية التي جرت تسميتها أعلاه...

مجلس السفراء العرب
... ومادام الحديث سالكاً بشأن العلاقات الدبلوماسية، نتوقف هنا، وإن سريعاً، لنوثق أن الأعوام العشرين الماضية قد شهدت نشاطاً تنسيقياً لمجلس سفراء، ورؤساء البعثات العربية المعتمدين لدى تشيكيا، والذي يعقد اجتماعاته التقليدية مرة كل شهر، فضلاً عن اللقاءات والاجتماعات الاستثنائية، ومنها عند زيارات كبار المسؤولين العرب الزائرين لبراغ، أو المسؤولين التشيك رفيعي المستوى، بل وحتى رئيس الجمهورية الحالي فاتسلاف كلاوس عام 2007... وقد تعاقب على عمادة المجلس منذ العام 1990 وإلى اليوم : السفير اللبناني (الراحل) سليمان يونس، وسفير فلسطين سميح عبد الفتاح، وسفير السعودية الامير منصور آل سعود وسفير جمهورية العراق ضياء الدباس... وأخيراً سفيرة سوريا نادرة سياف التي تواصل اليوم، تلك المسؤولية... مع العلم بأن عمادة المجلس تأخذ في الاعتبار اقدمية السفير العربي الزمنية في براغ...

الجالية العربية
تتوزع الجالية العربية في براغ، وغيرها من المدن التشيكية اليوم إلى أقسام عديدة ومن أهمها المتجنسون والمقيمون الدائميون، ورجال الأعمال والطلاب... وإذ لا تتوفر احصاءات دقيقة فإن التقديرات تشير إلى ان عددهم يتراوح بين 3000 إلى 4000 آلاف... وغالبيتهم من الطلبة الذين اكملوا دراستهم في براغ وغيرها من مدن البلاد، ليتزوجوا ويؤسسوا عائلات مختلطة ويعملوا في مجالات اختصاصاتهم. وقد احتل الكثير منهم، وتسنم مسؤوليات ومواقع علمية وعملية متميزة، كما ونشاطات تجارية مهمة... وبحسب معطيات رسمية أخيرة لمركز الاحصاء التشيكي أواخر العام 2010 فان العرب في تشيكيا موزعون، بدون حساب اللاجئين الذين لم تحسم قضاياهم بعد، كالآتي:
* الجزائر: 631 مواطناً، البحرين: 17، * مصر: 515 * اريتريا: 4 * العراق: 410 * الأردن 213 * المغرب: 213 * الكويت: 21 * لبنان: 295 * ليبيا: 212 * السعودية: 75 * الصومال: 32 * الامارات: 6 * سوريا 538 * تونس: 595 * عمان: 2 * فلسطين: 127 * موريتانيا: 4 * اليمن: 218 * السودان: 65 مواطناً...
... وفي هذا السياق هناك العديد من المصادر الرسمية والاعلامية وغيرها والتي تؤكد جميعها وجود العشرات من المواطنين العرب الآخرين الذين يتواجدون على الأراضي التشيكية بدون سماحات قانونية، وبعضهم لفترات غير قصيرة...

نوادي وأطر مدنية
تأسست خلال الأعوام العشرين التي تسعى هذه التأرخة للحديث عنها عدة نواد ٍ وأطر اجتماعية وثقافية عربية، واصلت اقامة وتنظيم الفعاليات والأنشطة المختلفة الوطنية منها، والثقافية والاجتماعية، وسواها... وتجدر الاشارة على هذا الصعيد إلى نادي الجالية اللبنانية، والمنتدى العراقي ونادي الجالية الفلسطينية والنادي السوري...
... ولأسباب سياسية وذاتية وغيرها، لم تستطع تلكم النوادي والأطر من الاستقطاب المطلوب لأبناء، فضلاً عن بنات، جالياتها، وبقيت ولحدود كبيرة دون تعاون وثيق في ما بينها، برغم محاولات كثيرة جرت لتشكيل لجنة تنسيق مشتركة، وبهدف التطوير اللاحق لها بتأسيس ناد ٍ ثقافي اجتماعي عربي موحد... أما الأسباب التي حالت – وتحول – دون ذلك، مع كل التمنيات والرغبات والتصريحات، فهي متعددة ومتشابكة، ومن بينها سياسية واجتماعية وتنظيمية، واقتصادية...
وبالترابط مع ما تقدمت الاشارات إليه، نوثق هنا ان ثمة أطراً عربية - تشيكية أخرى، مدنية غير ربحية، نشطت في البلاد، وبهذا المستوى أو ذاك، ومن بينها: مركز الجواهري والمنتدى الفلسطيني والرابطة العراقية والنادي الثقافي العربي...
وعلى الصعيد ذاته نوثق أيضاً للجمعية التشيكية – العربية التي تأسست في مطلع التسعينات، وبدعم وزارة الخارجية التشيكية، والسفارات والأطر العربية، والتي تواصل نشاطاتها التضامنية والثقافية والاجتماعية إلى اليوم، وان كانت بحدود معينة، بعد ان تراجعت الاهتمامات بدعمها، بحسب ما تؤكده مصادر الجمعية ذاتها، وآخرها خلال الاجتماع الأخير لهيئتها العامة في مطلع شباط / فبراير 2011.
كما تجدر الاشارة أيضا ً، على ما نظن، إلى ان ثمة مدارس عربية رسمية، مصرية وعراقية وليبية عملت في براغ ثم أغلقت، وآخرها الليبية عام 2005...

الجالية الاسلامية
بعد انهيار النظام الشيوعي عام 1989 وانبثاق العهد الجديد الذي سمح بتشكيل المنظمات المدنية بشكل عام، انطلقت مساع عديدة لتأسيس اطر خاصة بالجالية الاسلامية في البلاد، مثل اتحاد الطلبة المسلمين وجمعية الوقف الاسلامي في برنو وقرينتها في براغ، إلى جانب اتحاد المسلمين التشيك ومنظمات اخرى رديفة، أو متفرعة... وقد تركزت نشاطات تلكم الأطر على نشر العديد من الاصدارات الخاصة باللغتين العربية والتشيكية، وكتابة المقالات في الصحف العامة واقامة الندوات وغيرها... وكذلك اقامة صلوات الأعياد الاسلامية، الجماعية المشتركة... وقد شكت هذه الأطر أيضاً من تداخلات عديدة، ولم تستطع التوصل إلى التوحد في ما بينها لأسباب عامة وخاصة.

استعراب ... ومستعربون
استمر المستشرقون والمستعربون التشيك، في ظل النظام الجديد الذي تأسس في بلادهم أواخر التسعينات الماضية، استمروا في نشاطاتهم ذات التقاليد العريقة على ما نزعم... فثمة اساتذة ومتخصصون بارزون اليوم في البلاد التشيكية، يؤرخون ويبحثون ويترجمون لشؤون وأحداث واختصاصات عربية وبمستويات ملموسة... ومن بين من نشير إليهم في هذه التأرخة، ووفقاً للأبجدية العربية:
1/ ادوارد غومبار 2/ اميرة كليمنتوفا 3/ ايفا ليشكوفا 4/ بتر زيمانيك 5/ رودولف فاسيلي 6/ زدينكا سامرائوفا 7/ زدينكا ايوبوفا 8/ فرانتيشك اوندراش 9/ كارل كيلر 10/ ليبوش كروباتشيك 11/ ميرك هوسكا 12/ ميلوش مندل 13/ ياروسلاف اوليفريوس 14/ ييرجي فلايسك... مع التنويه بشكل خاص إلى نشاطات المستعرب الراحل يارومير هايسكي الذي توفي عام 2004 وهو في أوج عطائه...
... كما ونؤرخ أيضاً أن عدداً من الأطر ذات العلاقة، الرسمية بشكل رئيس، مابرحت تنشط في مجال الاستعراب والاهتمامات بالشؤون العربية ومنها: معهد الاستشراق، كلية اللغات في عدد من الجامعات التشيكية وأبرزها: كارل في براغ... ذلك إلى جانب القسم العربي في كلية اللغات، شبه الرسمية. كما ونزيد ان ثمة العديد من المسؤولين السياسيين والرسميين، والسفراء والدبلوماسيين التشيك درسوا، ويتحدثون العربية، ويتابعونها ومنهم، وفقاً للتسلسل الأبجدي: ايفا فليبيوفا، ايفان فولش، ايليا مازانيك، توماش سميتانكا، ميلوسلاف ستاشيك، هينيك كمونيشيك، ياركا بابانوفا، يانا هيباشكوفا... والشيء بالشيء يذكر كما يقولون، نؤشر هنا إلى أن الاذاعة المركزية الرسمية في البلاد قد أوقفت بثها باللغة العربية، فور انهيار النظام الشيوعي وحلول النظام الجديد.

منظمات عالمية
ضمن التخطيط والتنسيق المركزي، السياسي لأنظمة الحكم "الاشتراكية" في بلدان أوروبا الشرقية حتى مطالع التسعينات الماضية، تكفلت براغ، باستضافة عدد من المنظمات الدولية )الأممية( التابعة، أو المتابعة من الاتحاد السوفياتي السابق بشكل رئيس، وهي: منظمة الصحفيين العالمية، واتحاد النقابات العالمي، واتحاد الطلاب العالمي، إلى جانب مجلة قضايا السلم والاشتراكية المنبر الاعلامي للحركة الشيوعية العالمية، حتى مطلع التسعينات... وقد عمل، أو انتدب للمشاركة في مهام تلكم المنظمات الدولية ومنذ الخمسينات الماضية، مسؤولون وممثلون، وموظفون، شيوعيون و"يساريون" من مختلف البلدان العربية، وبالتناوب لفترات زمنية قصرت، أو طالت بحسب الظروف، واحتياجات العمل، والمتطلبات السياسية...
... وبعد التغيرات التي شهدتها براغ بدءاً من عام 1989 صفت مجلة قضايا السلم والاشتراكية أعمالها، وانحسرت وإلى حدود بالغة البعد، فعاليات المنظمات الثلاث الأممية الأخرى: النقابات والصحفيين والطلاب... مما حتم بالتأكيد انحسار المشاركة العربية فيها شيئاً فشيئاً، ولتكاد تنعدم اليوم في الواقع العملي، وحتى الاعلامي...

مثقفون وسياسيون
... ارتباطاً مع ما تقدم ذكره في المحاور السابقة، " تشكلت" في براغ نخب من السياسيين والمثقفين العرب، بشكل دائم أو مؤقت، ومنذ الخمسينات الماضية... وإذ شهدت الأعوام العشرون التي نؤرخ لها )1990-2010( انحسارات كبيرة لتلكم "النخب"، استقرت وإلى اليوم وجوه وأسماء وشخصيات سياسية وثقافية، "يسارية" في الغالب الأعم، ومن أبرزها: الفلسطيني مازن الحسيني، الأمين العام السابق لمنظمة الصحفيين العالمية، والسوداني فتحي الفضل، الأمين العام السابق لاتحاد الطلاب العالمي، والعراقي آرا خاجادور المسؤول السابق في اتحاد النقابات العالمي... ذلك إلى جانب العديد من السياسيين والمبدعين والشعراء والكتاب والصحفيين الآخرين الذين عملوا في المنظمات الدولية السابقة الذكر، وغيرها، وكذلك في القسم العربي للاذاعة التشيكية حتى أواخر الثمانينات الماضية... وكذلك فنانون وأدباء تخرجوا من الجامعات التشيكية، واستقروا في براغ والمدن التشيكية الأخرى، وقد برزوا في مجالات فنية وثقافية مختلفة: سينمائية واعلامية وغيرها...

اعلاميات ... واعلاميون

شهدت البلاد التشيكية على مدى الأعوام العشرين الماضية عدداً من الاصدارات الدورية، غير المنتظمة عموماً، باللغة العربية، ونعنى بها نشرات النوادي العربية، الورقية أو على الانترنيت... مع بعض الاصدارات الأخرى باللغة التشيكية، تعنى بالشؤون العربية والاسلامية، وموجهة للمتلقين التشيك: عوائل وآباء وأبناء وأحفاد وأصدقاء وسياسيين وغيرهم...
... وفي هذا السياق تنبغي الاشارة أيضاً - وان السريعة – هنا لنشاطات مؤسسة بابيلون للاعلام والثقافة التي بدأت منذ أواخر عام 1990 والتي نشرت وتنشر إلى اليوم العديد من الاصدارات اليومية والأسبوعية والشهرية وسواها، وباللغة العربية، فضلاً عن بعض الاصدارات باللغة التشيكية ومنها دورية "بانوراما عربية" التي صدر منها تسعة اعداد وتوقفت بسبب ضعف، بل وانعدام الامكانات والدعومات المالية... ولأسباب أخرى لا يتسع المجال حالياً للحديث عنها...
وارتباطاً مع ما تقدم، نوثق ان ثمة مراسلين في براغ لعدد من وسائل الاعلام العربية ومن بينها: الوكالة العربية السورية للأنباء، اذاعة سلطنة عمان، قناة الجزيرة، موقع ايلاف على الانترنيت... ذلك إلى جانب جمع من الاعلاميين العراقيين الذين يواصلون عملهم اليوم في قسم العراق باذاعة "اوربا الحرة" الاميركية التي انطلقت من براغ عام 1998.
كما ونوثق بهذا السياق لنشاط اعلامي بارز أخير، ونعني به انطلاق فضائية "قلب أوربا" العربية - التشيكية من براغ أواخر عام 2010 والتي من المتوقع ان يكون لها اكثر من دور مهم في الشأن الاعلامي والثقافي المختص...

وأخيـــــــــراً ...
... وكما أسلفنا في بداية هذه المحاولة، الأولى من نوعها - كما نزعم مجدداً - لتوثيق بعض الشؤون العربية في تاريخ تشيكيا الحديث، نؤكد مسبقاً، واحترازاً، بأن ما تمت الاشارة إليه، يبقى في إطار التأسيس لدراسة أشمل وأكثر ملموسية ومعطيات... ودعونا نختم فنقول: ان توثيقنا هذا ليس سوى عناوين تشحذ الذاكرة، وتحفز المعنيين للمزيد من التمحيص والبحث، وبانتظار الملاحظات والاضافات والتصحيحات، والانتقادات الحريصة، من جميع من يعنيهم الأمر، أفراداً ومؤسسات...
=============================
المنشور اعلاه مقتطفات من بحث اكثر تفصيلاً للكاتب ، ينشر
قريبا في اصدار خاص عن مؤسسة بابيلون للاعلام والثقافة
 في براغ: www.babylon90. com



167
رسالة مفتوحة الى الطالباني والمالكي والدليمي والعيساوي ... مع حفظ الالقاب
أوقفوا هدم دار الجواهري في بغداد

  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
 
  فاجأتنا اليوم انباء مؤلمة اخرى من الوطن ، ثقافية وتاريخية ووجدانية هذه المرة ، خلاصتها ان بيت ، او بويّت ، الجواهري الاول والاخير في العراق  ، الكائن في حي الصحفيين ، قرب ساحة النسور ببغداد ، سيشتريه خلال ايام وحسب ،أحد رجال الاعمال ، لهدمه وانشاء  مبنى اخر ، اكثر " حداثة " و" علواً"  مكانه  .... وذلك علناً مع سبق الاصرار ، ولم يستعر غضباً – حتى الان على الاقل –  ضمير هنا أو مسؤول هناك لمنع هذه الفعلة الاليمة في بلدنا العجيب .
  نقول " فعلةً " ولا نزيد في الوصف ، ونعني ما نقول ، بل ونعمل على اثارة  الراي العام بهذا الشأن ، وتسبيبنا : ان الجهات المسؤولة ، السياسية والرسمية والاثارية والثقافية والادبية والصحفية، وغيرها ممن يعنيها الامر، لم تحرك ساكناً ، لشراء بيت الجواهري – وكفى – وبمبلغ بخس نسبياً ، وابقائه تراثاً شامخاً  للوطن وللاجيال ، السائدة والقادمة .
   ان تجارب ووقائع الشعوب المتحضرة ، وغيرها ، وفي بلدان اقل غنى بكثير من بلادنا ، تعلمنا كيف حافظت ، وتحافظ ، على تراث واثار ادبائها ومبدعيها ، دعوا عنكمو رموزها وعظماءها ... وها هي شواهد كثر على ما نزعم : بيوت ومساكن وشقق،  بل وحتى غرف نوم وحسب ، لشكسبير وتولوستوي وغوته ونيرودا  واحمد شوقي ... ويطول التعداد ويعرض ...  متاحف ومزارات شاخصة يتباهى بها الابناء والاباء والاحفاد ، على حد سواء ... وهنا ، فكم هو رائع ان لا نتعب الخلف اللاحق ، وبعد سنوات او عقود ، بل وربما قرون ، للبحث عن موقع عراقي للجواهري العظيم،   وكما هو حال صنوه المتنبي ، الذي مازال الجهد قائماً ،ومنذ زمن مديد لتوثيق بيته في الكوفة او النعمانية او حلب ...
   ان العُجالة تمنعنا من الاستطراد ، وعسى ان لا يفوت الوقت ، فيزال شيوع بيت الجواهري ، ويروح الهدم مصيره ، على مرأى ومسمع المعنيين ، والقادرين على منع حدوث " الفعلة " النكراء ... ذلكم البيت  التي طالما شهد ولادات قصائد عصماء  ارخت للبلاد العراقية واهلها  ، بافراحها واتراحها  ... وهو البيت ذاته الذي زارته العشرات من النخب الثقافية  والوطنية والسياسية ، من مختلف النحل والرتب والالقاب... وهو ايضا وايضا تلكم الدار الاخيرة  التي تغرب عنها الشاعر-  الرمز ، من الوطن اضطراراً، مطلع الثمانينات الماضية ، وحتى رحيله الى عالم الخلود عام 1997 ليوارى الثرى في تربة الشام والى اليوم ، ولا احد يدري متى سيسرى برفاته  الى العراق : لسانه ودمه وكيانه...
  اننا نظن ، وبعض الظن ليس اثماً في عالم اليوم ، ان الامر لا يتطلب مزيد جهد لتفادي الحال التي نشير اليها ونتحدث عنها ، لاسيما وان الامر ذو صلة بثروة وطنية، تمنع القوانين في العالم المتمدن- ونحن نسعى لان نكون منه كما نرجو ونعمل -  تمنع وبكل صرامة  اي مس بتلكم الثروات ، بله مثل ثروتنا التي نعني .
   واخيراً، ولرب  متنطع يتساءل عن سبب توجيه هذه الرسالة الى اولئكم  المسؤولين الاربعة المحترمين بالذات ، فنقول : انها لفخامة رئيس الدولة بصفتين ، دستورية وشخصية. ولدولة رئيس حكومة العراق التي كم نتمنى ان لا تتم في عهدها مثل تلك الفعلة  . والى  معالي وزير الثقافة ، بوصفه المعني مباشرة بمثل هذه الشؤون . واخيرا لمعالي امين العاصمة ، وهو المسؤول الاول عن حفظ تراثها واثارها ... ونزيد هنا فنضيف انها – هذه الرسالة – موجهة ايضا لفخامة رئيس اقليم كردستان ، ذي الصلة الوثقى بالجواهري على ما نعهد ..
   واخيرا كم ترددت عن الاباحة بمثل هذه الرسالة المفتوحة ، لدوافع خاصة وشخصية وفي مقدمتها  : خشية عتاب او زعل من الاهل والال ، ثم احتراز من مدعين ومتربصين وغيرهم ... ولكن ها هي المناشدة تعلو كي لا يبرر حدوث "الفعلة" بعدم المعرفة بها او العلم بتوقيتها .. الا هل بلغت ، اللهم فأشهد .
 
نسخة منها مباشرة للجهات الرسمية المعنية .. والى:
-   منظمة اليونسكو العراقية .
-   اتحاد الادباء في العراق .
-   مديرية الاثار العامة/ بغداد  .
-    نقابة الصحفيين العراقيين  .
-   اصدقاء ومحبي الجواهري كافة .
   

     
   


168

جمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن
 1978-2003..
ربع قرن ضد الدكتاتورية والارهاب

رواء الجصاني*
Jawahiricent@yahoo.com
   بعد ان خبت كل الامال في امكانية "اصلاح" النظام الذي اباح ما أباح من وعود وعهود وقيم ودماء ، اعلن المزيد من قوى الشعب العراقي الوطنية عام 1978 معارضته العلنية والمباشرة لانهاء السلطة الدكتاتورية  في البلاد، التي  شددت من اجراءاتها القمعية  ، ونزعت كل لبوساتها وبراقعها التي تزيت ، او حاولت التستر،  بها ...وفي ضوء تلكم الاوضاع  والتطورات المتسارعة ، تنادى نشطاء وسياسيون لاعادة النشاط لجمعيات وروابط الطلبة العراقيين خارج الوطن بعد "تجميد" عملها لفترة  دامت حوالى اربعة اعوام . وهكذا راحت الاشهر االاخيرة من عام 1978 والاولى من عام 1979  تشهد حركة دؤوبة على تلك الطريق ، وفي العديد من العواصم، والاوربية منها  بشكل رئيس ...
   وما هي سوى بضعة اشهر وحسب ، حتى انعقدت مؤتمرات استثنائية لتلكم الجمعيلات والروابط  واتخذت قراراتها بالغاء " التجميد"  استجابة لنداء اتحادها المركزي،اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، وأكدت شعارها الرئيس : من اجل التفوق العلمي والعودة للوطن... وشعارات اخرى راهنة ، للتضامن مع طلبة وشبيبة وشعب العراق في النضال ضد الكتاتورية والارهاب ، واقامة النظام الديمقرطي ..
  ... وهكذا انطلقت جمعيات وروبط  وتشكيلات الطلبة العراقيين في : المملكة المتحدة والاتحاد السوفياتي والمانيا الاتحادية وبرلين الغربية  وبلغاريا وفرنسا  والدانمارك والمجر والسويد  وبولندا وايطاليا ورومانيا وبلجيكا  والمانيا الديمقراطية  واليونان  ويوغسلافيا والنمسا  وسوريا ولبنان واليمن الديمقراطية  والولايات المتحدة الاميركية واليونان والهند وتشيكوسلوفاكيا  ... انطلقت لتبدع وتتألق  في مختلف مهمات العمل المهني – الديمقراطي – الاجتماعي، بأشكال واساليب ومستويات متنوعة ، ولتبرز في المقدمة بصورة رئيسة مهام التضامن مع طلبة وشبيبة وجماهير بلادهم ... ولأننا نؤرخ هنا لهذا الجانب من النشاطات تحديدا ، نقول ان  العواصم والمدن الاوربية والعالمية قد شهدت المئات من الفعاليات والمهرجانات والتظاهرات التي ساهمت بكشف المزيد من الحقائق عما كان يجري تحت سلطة الحرب والارهاب في العراق ، في ربع القرن الذي نوثق له وعنه: 1978-2003... ذلك فضلاً عن النشرات والبيانات والاصدارات ، وبلغات واشكال مختلفة .
   لقد حرصت الجمعيات والروابط  الطلابية العراقية خارج الوطن ، وعبر اعضائها ومؤازريها واصدقائها ،النجب على ابسط وصف ، حرصت على ان لا تفوت فرصة تتاح الا وكان لها صوت وموقف ونشاط يتناسب وقدراتها ، في فضح جرائم النظام الدكتاتوري وسياساته التى اكتوت بها جماهير الشعب العراقي على مدى عقدين ونصف ... دعوا عنكمو ما عانت منه  بلدان الجوار، وحتى غير الجوار...  وكل ذلك الى جانب التحاق العشرات من اعضاء تلكم الجمعيات والروابط ، طالبات وطلاب ، في تشكيلات الحركة الوطنية ، السياسية والجماهيرية والمسلحة ، داخل العراق ... وما برح سجل شهداء الحركة الوطنية االخالدين يحفل باسماء اولئك  المناضلين الذين أنهوا ، او تركوا مقاعد الدراسة ليعودوا الى الوطن ، مشاركين ابناء شعبهم  في خوض المعارك الباسلة .
  وبالاضافة الى كل هذا وذاك ، كان منتسبو الجمعيات والروابط الطلابية خارج الوطن فاعلين في اعلاء صوت التضامن مع اتحادهم المناضل – اتحاد الطلبة العام ، وفصائل الحركة الوطنية العراقية عموما، داخل الوطن ، وذلك في العشرات من المنابر والمنتديات والنشاطات المحلية والاقليمية والعالمية، وسواء التي انعقدت في البلدان التي  يدرسون او يقيمون فيها ، او خارجها، وفقاً لما يكلفون به ... ونذكر من بينها ، ونحن هنا معنيون وشهود عيان : المؤتمرات السنوية للجمعيات والروابط الطلابية ذاتها ، والمهرجانات المرافقة ،  و اللجان التضامنية ونشاطات وندوات  ومؤتمرات اتحاد الطلاب العالمي في المدن والعواصم الاوربية وغيرها ... وكذلكم هي الحال في فعاليات المهرجانات العالمية للطلبة والشباب ، والتي انعقدت خلال الفترة التي نكتب عنها – 1978-2003-  ومنها في هافانا وموسكو وبيونغ يانغ ..
   وفي هذا السياق لا يجوز ان نغفل هنا - وان سريعاً - الدورالبارز للجنة التنسيق بين الروابط والجمعيات الطلابية خارج الوطن ، ومقرها في براغ ، في مجالات المتابعة والتوجيه للنشاطات والفعاليات التضامنية ، وغيرها ، مع طلبة وشبيبة وشعب العراق في نضالهم الثابت من اجل انهاء الدكتاتورية وقيام النظام الديمقراطي.  ومما نشير بهذا المجال:  الاصدارت الدورية التي كانت تنشرها "اللجنة" بلغات مختلفة واهمها " طلاب العراق" بالغتين العربية والانجليزية ، وكذلك الاسبانية احياناً ... ذلكم الى جانب العشرات من البيانات والنشرات التنظيمية والجماهيرية وسواها....
  وعلى صعيد ذي صلة نوثق ايضا  للدور المهم الذي نهضت به اللجنة – لجنة التنسيق بين الجمعيات والروابط الطلابية خارج الوطن – في تمثيل قيادة الاتحاد الام، اتحاد الطلبة  العام في الجمهورية العراقية ، على الصعيد الخارجي ، ولدى السكرتارية الدائمة لاتحاد الطلاب العالمي في براغ ، ومن الطبيعي ان كل نشاطات "اللجنة " التي نتحدث عنها ما كان له ان يكون بذلك المستوى المشهود له – على اقل وصف – لولا مساهمات الجمعيات والروابط الطلابية العراقية خارج الوطن : المادية والاعلامية ، فضلا عن المشاركات المباشرة الاخرى ...  
   وبهدف التأرخة ايضا نثبت في متابعتنا هذه ، والتي كم نتمنى ان يزيد اليها المعنيون ، ان العشرات من اعضاء ونشطاء  تلكم الجمعيات والروابط الطلابية العراقية التي نوثق لها وعنها ، يواصلون اليوم في بلادهم ذات النهج  ، من اجل العراق الديمقراطي الجديد ، ومن بينهم عشرات المناضلين السياسيين والنشطاء الوطنيين ، الذين تسنموا ، وما فتئوا، مهاماً جليلة ومسؤولة في احزابهم ومنظماتهم المدنية ... وكم أظنهم مستمرين بالتباهى - ولم لا ؟- بتاريخهم وتراثهم وانتمائهم للعمل الطلابى الوطني – المهني ..
  أخيرا، وأذ يتزامن نشر هذه المساهمة مع الذكرى الثالثة والستين لمؤتمر "السباع" الخالد ، الذي انبثق عنه اتحاد الطلبة العام الاول في البلاد العراقية ، كم نتمنى – مرة اخرى واخرى – ان يبادر ذوو الشأن ، ولاسيما منهم : النشطاء الطلابيون "المتقاعدون" مثلنا ، فيكتبون ذكريات وتجارب تمد شباب الغد بالمزيد من الخبرات وهم على طريق النضال الديمقراطي والوطني.. فهم ، ونحن من بينهم ، على درب واحد ،على ما  نزعم... مرددين سوية ما قاله الجواهري الكبير في بغداد بمناسبة طلابية عام 1959 :
ياشبابَ الغد انا فتيةٌ ، مثلكم فرّقنا في العمر ســنُ...
…والغدُ الحلو بنوه انتمُ ، فأذا كــان لكم صلـبٌ، فنحنُ
فخرنا انا كشفنـاهُ لكم ، وأكتشافُ الغـد للأجيال ، فـنُ
----------------------------------------------------
 * السكرتير العام للجنة التنسيــق بين روابط وجمعيـات
 الطلبة العراقيين خارج الوطن، للفترة  : 1979-1986        

169
هكذا كتب الجواهري قبل أزيد من نصف قرن عن هموم الوطن والمواطنين ... وما أشبه الليلة بالبارحة

رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
   قبل واحد وستين عاماً بالتمام والكمال كتب الجواهري الكبير المقالة التي نعيد نشرها حرفياً بعد هذه السطور المعدودة ، وفيها ما فيها من تقييمات وتنبؤات وشجون وشؤون تتحدث بكل وضوح ومباشرة عن هموم الوطن والمواطنين..  وليس عندنا ، بايما حال ، ما يمكن ان نضيفه سوى مقولة" ما اشبه الليلة بالبارحة"مع تنويه سريع اخر وهو ان صاحب المقالة كان في حينها رئيس اتحاد ادباء البلاد العراقية ونقيب صحفييها في ذات الان ... وفي التالي نص المنشورفي جريدة اتحاد الشعب بتاريخ الثلاثاء 12 نيسان 1960  :

المقاييس قبل كل شيءفهل يريدون حمايتها !


بقلم: محمد مهدي الجواهري
منذ مدة بدت وكأنها طويلة في هذه الفترة القصيرة من عهد الجمهورية – عاد الشعب العراقي من جديد يعيش على أعصابه، وهذا شر عيش اقتاتت به الشعوب – عاد من جديد ليجور عليها، ليكبتها، عاد من جديد ليشهد محاولات بالغة الخطورة للتلاعب بالمقاييس، وبالقيم، وبالمفاهيم، للتلاعب بها في كل المجالات. في مجال مفاهيم الحكم، وللتلاعب بها في مجال مفاهيم الحاكيمن. وللتلاعب بها في مجال مفاهيم المحكومين. وللتلاعب بها في مجال المفاهيم الفكرية والادبية والصحفية. وللتلاعب بها في مجال مفاهيم من يجب ومن لا يجب ان يودع اليهم أمر حراسة كل تلك المقاييس والقيم والمفاهيم في كل المجالات وحمايتها.
ولا شيء أكثر خطورة على الكيان العراقي – وعلى كل كيان مثله – من ان تتركز فيه وبمرور الزمن مثل هذه المحاولات. ومن ان تتعمق في أذهان الجماهير ان هناك حماية لها من قوى مادية في البلد، وجدت في بلاد استقام أمرها لكي تقف في وجه هذه المحاولات. ولكي تحمي المقاييس، والقيم، والمفاهيم، ولكي تجعل ممن يتلاعبون بها عبرة بالغة لغيرهم في العقاب والتأديب. واخيرا فلكي تجتث عروقهم الخبيثة الفاسدة من اصولها، وفي كل مزارعها ومنابعها.
وهنا في العراق حيث أبداً الخيرون الافضلون من كل طبقات الشعب يعيشون على أعصابهم. ويجورون عليها ويكبتون احساساتهم وعواطفهم ويخنقون آراءهم وأفكارهم بله حروفهم وكلماتهم. يخشى ان ينتهوا نهاية لا تسر كل غيور على بلده وكيانه نتيجة رد فعل من تلك المحاولات وجراء شعورهم الذي يزداد تعمقاً اليوم بعد الاخر من ان كل القوى المادية من تشريع وتنفيذ وتطبيق وسلطة ونفوذ ابتدأت هي بدورها متفرجة ويخشى ان تنتهي هي حامية لا لتدهور المقاييس الادبية والاجتماعية، والقيم الخلقية، والمفاهيم السياسية والحكمية وحسب... ولكن من ان يتولى امر التلاعب بها، ومسخها، واهانتها نفر يبدو للشعب العراقي وكأنه يدلل ممن بيدهم المقاليد لا لميزة يملكها، ولا لسمة يتحلى بها، ولا لمكانة يحتلها. ولكن لمجرد انه اداة ضارة خبيثة بيد غير الخيرين ولا الافضلين لتشويه مفاهيم الخلق والفكر والحكم والحاكمين والمحكومين.
ان مجرد تركز هذا الشعور عند الشعب العراقي يكفي لتبرير مدى الخطر الكامن تحته. ولكن هناك في مظاهر التشريع والتنفيذ والتسليط في كل المجالات العملية وفي كل مرفق من مرافق الدولة، وفي كل مكسب من مكاسب الثورة بوادر خطرة ومنذرة بالويل والثبور بحد ذاتها من جهة. ولكونها تلوح من جهة مماثلة منسجمة كل الانسجام مع هذا التفلت في المقاييس والقيم والمفاهيم ومع ائتمان نفوس معينة. وضمائر خاصة للقيام بهذه اللعبة الخطرة ثم لحمايتها ولا بأس أن يكون مفهوم هذه الحماية لنفس هذه اللعبة وان اردنا بها الحماية لمن اوتمن عليها فحتى المفهوم الاول صحيح ايضا ومنطقي كذلك.
هذه أكثر من لمحات خاطفة على وجه التعميم. انها في الحقيقة والواقع تشخيص دقيق لمكامن الخطر على الجمهورية، وعلى الثورة وعلى مستقبلها وحتى على حاضرها. وعلى مدى اللعبة الجريئة التي يراد لها ان تلعب على مسرح العهد الجديد، وفي هذا العصر المندفع الجديد، وبمشهد من هذا الجيل العراقي الحساس المرهف الجديد وبعد فحتم ان تكون جرأة الفاطنين الى هذه اللعبة والناقمين عليها والخائفين منها على مصائر الجموع وعلى مصائر ثورة اشتراها الشعب العراقي ببرك من دماء ضحاياه طيلة اربعين عاما. وبحقول من قبور ابنائه وشهدائه. وببخار كثيف متصاعد من النفثات والحسرات. نقول على مدى تلك الجرأة في اللعبة الخطرة يجب ان تكون جرأة الواقفين لها بالمرصاد.
واكثر من مخطيء من يظن ان مثل هذه اللعبة الخطرة سيقتصر امرها على ان يكبت الناس اعصابهم تجاهها وعلى ان تتجمع نقمتهم لأمد طويل اذ يكون كل ما يكمن وراءها، وكل ما اريد لهذه اللعبة ان تكون ستارا له قد تم ووقع، اكثر من مخطيء من يظن هذا. ذلك لان العالم كله قد تبدلت مقاييس السرعة فيه اولا. ثم لأن رهافة الحس العراقي التي عملت التجاريب القاسية المريرة طيلة عهود مضت على ان تزيدها ارهافاً ووعياً وحذراً وشكاً في كل شيء هي بدورها من جهة ثانية لم تعد قادرة ان تصبر طويلاً.
ولم يفت الزمن بعد على من يريد حقا ان ينتفع بالزمن من ان يعيد النظر وبسرعة كذلك لوضع المقاييس والمفاهيم والقيم في انصبتها ولاعادة تجنيد القوى المادية في الوطن والتي لم توجد في بلد استقامت اموره وثبتت مقاييسه الا لتجنيدها لكل ما يحمي كرامات الافراد والجماعات. ولكل ما يضمن أمنها وسلامتها وحرياتها لاعادة تجنيد هذه القوى لحراسة تلك الكرامات والامانات والسلامات والحريات وفي المقدمة منها حماية المقاييس الحقة، والمفاهيم العادلة، والقيم الثابتة ، فهل يريدون......!

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

170
بمناسبة الذكرى السنوية العشرين لتأسيس المنتدى العراقي في تشيكيا
مزاعم ورؤى عن المنظمات المدنية والجماهيرية
 

   رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
   ايام قليلة فقط ، وتحل الذكرى العشرون لاعلان تاسيس النادي العراقي في الجمهورية التشيكية ، الذي بات اسمه اليوم : المنتدى العراقي ، اطاراً مدنيا اولاً وقبل كل شئ ، عني ، وما برح يعنى - ما استطاع الى ذلك سبيلا -  بشؤون الجالية العراقية،  وبناتها وابنائها ، وعسى اولادهم واحفادهم ، ومحاولة لم شملهم ،  في العاصمة براغ  بشكل رئيس ، والمدن التشيكية الاخرى ... ولعلها – بل هي حقا – مناسبة تثير الكثير من الاهتمام ، ليس بهدف التباهي بما تحقق من فعاليات ونشاطات قام بها المنتدى وحسب ، بل وايضا باتجاه التوقف عند تجربة ووقائع غنية  ، جديرة بان تكون ذات فائدة في اكثر من بلد ، ولاكثر من اطار مدني – جماهيري ، وحيثما  كانت جموع العراقيين ، المغتربين او المهاجرين والمهجرين  ، وسواهم ...نقول ذلك وامامنا سجل حافل بالندوات واللقاءات الثقافية والاجتماعية ، وعديد من الاصدارت والنشريات ، وحشد من المواقف والفعاليات  الوطنية العامة ، والمشتركة  منها بصورة خاصة ... وفي هذا السياق يطول التوثيق ، ويعرض ويعلو ، ولسنا في مهمة من ذلك النوع اليوم  ، في هذه الكتابة على الاقل ، ونامل ان نعود لها ولشؤون وشجون  عديدة ومتزاحمة، ذات صلة ، في وقت قريب لاحق .
 
   وبقدرما يتحتم الاحتفاء بهذه الذكرى – السنوية العشرين لتأسيس المنتدى العراقي في الجمهورية التشيكية –  نظن ، وليس كل الظن اثماً في عالم اليوم ، كما نكرر دائما ، يتحتم ايضا اغتنام وقفة ، وربما وقفات ، لمراجعة مسيرة المنتدى ، ومحاولة استقراء االاسباب التي حالت دون تحقيق المزيد من النجاحات ، اوتعزيز المنجز منها ... ويقينا فأن الصراحة الاوسع ، والمدعمة بالامثلة الملموسة ، وبعيدا عن التنطع والتقول والمراوغة ،  ستمكن من الاقتراب اكثر فاكثر من الغاية المرتجاة... ومن اجل  ذلكم المرتجى دعونا نوجز، فنزعم :
  ان الاختلافات في  الاراء والرؤى – جهلا او تجاهلاً - بشان  الفهم والنظرة والعمل في الاطر والتشكيلات المدنية والمهنية والديمقراطية ، والمنتدى العراقي الذي نتحدث عنه واحد منها بالتاكيد ، راحت تحول دون الاعلاء من المكانة الموعودة ، وتحجم قدرات العطاء ، موضوعيا وذاتيا ، وتسهم في الحد من الاستقطاب المطلوب والاوسع...كما نزعم ايضا، وما اكثر مزاعمنا : ان ادوار بعض الذين يشاركون في ادارة تلكم الاطر والتجمعات  يدخلونها – بهلاً او قصدا –  في متاهات ودرابين السياسة غير المباشرة ، بل وحتى المباشرة احيانا ، مما يؤدى لابعاد او ابتعاد الكثيرين عن المشاركة في قسم غير قليل من الفعاليات  والنشاطات  ، فضلا عن الانتساب  الى  تلكم الاطر والجمعيات والتجمعات، المدنية العامة ، وفقا لما هو مفترض ومنطقي... دعوا عنكم تاثيراولئك الذين يتصيدون تلكم الحال، ليروحوا يبالغون ويدعون ، ويثيرون الاضغان ، وبدوافع سياسية او ذاتية - ولربما غيرها ، ومن يدري ؟-  ... ونرى هنا، وعارفين هذه المرة وليس زاعمين : ان ما يتشابك بين هذه  الدوافع، وتلك الاسباب ، كثير ومتعدد، كما علمتنا الحياة ، وتعلمنا الى اليوم..   

   اننا اذ ابرزنا في السطور اعلاه  ، وعمدا مع سبق الاصرار ،  تلكم التعقيدات الاهم ، فلأنها  ما فتئت تواجه ، وبقسوة ، اطر"نا" المدنية ، ومنظماتـ "نا" وجمعياتـ "نا" الاجتماعية  والثقافية والمهنية  وقريناتها، ، وتحدّ من تطلعاتها ومهامها ، وبشكل بالغ الاولوية .... مع ادراكنا مسبقا ان الفهم  عاصٍ بشانها لدى الكثيرمن المعنيين  ، بسبب التعود التاريخي (ومن شبّ على شئ  شاب عليه – كما هو معروف ) ..او بسبب محدودية النظرة لحل التداخل  والتقاطع والتلازم ، وفي ان واحد ، ما بين السياسي  الخاص ،  والوطني العام، بالاضافة الى ما تفعله الذاتية المبالغ بها ،  والشخصانية المفرطة، من ادوار سلبية بخصوص ما نعني به في هذه الكتابة...  ولن ندخل في المزيد من التوصيفات  ، احترازا من عصبة  احباب واصدقاء  "الدّاء" ...وكذلك  من القوالين والادعياء .... خاصة وان الموضوع الذي نكتب عنه وحوله،  لا تستوعبه سطور عاجلة كالتى خططنا لها ... ومع ذلك دعونا نوجز مرة اخرى فنقول عن تجارب ميدانية ، شيئ  لنا  ان نكون خلالها ، بل  وفي خضمها ،  معنيين ولحدود بعيدة في مسؤوليات ومهام ونشاطات  نقابية ومهنية وديمقراطية ، ولنحو ثلاثة عقود  متواصلة، على الاقل ... نوجز في ضوء ذلك فنقول : ان النجاحات تتحقق من خلال معرفة حدود المباح  والمتاح، اي : اذا اردت ان تطاع ، فأمر  بما هو مستطاع،  بحسب الامام علي ابن ابى طالب ... او وفقاً لـمقولة  " فن الممكن" بلغة الماركسيين ...او " شوف الركبة واضرب العجل " كما يقول المثل الشعبى العراقي بامتياز ، وليختر القراء وكما "الاعدقاء "  الاعزاء ، واحدة من تلكم الثلاثية ذات المغزى الواحد ، ان وجدوا فيها نفعاً   ...  وان لم تعجبهم الحال ، فمالي سوى الاحتساب- حالياً- لذلكم البيت المدوي  :
"خيرُ الشفاعةِ لي باني كاشفٌ ، حرّ الضميرٍ وقائلُ : هذا أنا  "
...وللحديث بقية ،  وكل عام ومنتدا"نا" العراقي ، وتجمعاتـ "نا" المدنية والجماهيرية   بالف خير ....
                                               


171
... وتستمر الايقاعات والرؤى عن الجواهريّ، شاعر الأمتين


 رواء الجصاني

jawahiricent@yahoo.com
بعد أربع وثمانين حلقة ً أسبوعية، عن الجواهري الخالد ، وحياته وشعره ، بثتها اذاعة العراق الحر من براغ ، وعلى مدى عامين تقريباً، تأتي هذه الكتابة الختامية لتقول : أن تلكم الحلقات، كانت  موجزة ومكثفة في آن، مما تطلب جهداً استثنائياً على ما نزعم، استقطب اهتماماً واسعاً، وحيوياً لأنه كان من نخب ثقافية وسياسية ومتخصصين من جهة، ومتلقين عموميين، من جهة ثانية، وذلك ما كنا نهدف إليه، حين كنا نوثق ونعرض في ذلك البرنامج الاذاعي المتفرد ...
...ولعلّ مما صعّب من تحقيق هدفنا المرتجى ، ونفترض انه تحقق لحدود بعيدة: شمولية المحطات المبهرة، والتاريخ الثري، المتنوع، للجواهري الكبير، المنوّر والمفكر والسياسي ، والشاعرالعبقري ، قبل كل هذا وذاك... في وطنياته وعربياته، بل وانسانيته  : المُلهم والملهِم، المتمرد والغاضب والمغاضب والعاشق والفنان، كما والموثق للأحداث والمؤرخ للزمانات المديدة التي عاشها على مدى سبعة عقود... وقد عانى ما عانى ضريبة على مواقفه وآرائه ورؤاه من أجل الارتقاء والنهوض... ودون ان يتردد،
أو يتراجع، أو يهادن حتى.
بماذا يخوفني الأرذلون .. وممن تخاف صلال الفلا
أيسلب منها نعيم الهجير ، ونفح الرمال ، وبذخ العرا
بلى ان عندي خوف الشجاع وطيش الحليم وموت الردى
متى شئت أنضجت الشواء جلودا تعاصت فما تشتوى
لقد أسعدنا جداً، وصف موجز ومعبّر في آن، كتبه إلينا أحد الأساتذة المهتمين بحياة الجواهري، وتاريخه... وخلاصته: ان حلقات البرنامج كانت نوافذ مشرعة لمن يريد ان يستزيد... يحتر أو يبترد، يعشق أو يثور، يأنس أو يحزن، يقلق أو يستقر... وما بين هذا وذاك كثير... وتلكم هي بعض سمات الديوان الجواهري العامر ، ذي الأكثر من خمسة وعشرين ألف بيتٍ وبيت...
حقاً ، كان لأجواء الحلقات ومضامينها ان تغدو أشد جذباً لو طعمت بقصائد صوتية أكثر للشاعر الخالد... ولكن، ذلك ما كان بقدرتنا ، في مركز الجواهري في براغ، المدار ذاتياً من عصبة متطوعة، وحسب، ومنذ نحو عشرة أعوام... ولهذا الواقع أكثر من دلالة ومؤشر لمن يريد أن يستدل، ويؤشر ويفهم، دعوا عنكم  الدعين والمتربصين والمتنطعين والمتفيهقين وأضرابهم...
وللتوثيق، ودعوا عنكم التباهي- ولمَ لا؟- نسجل هنا ان استعراضاً، ولو سريعاً لمختلف ما كُتب عن الجواهري، وأرّخ له، يتيح لنا البوح بأن  الحلقات الاربع والثمانين التى نتحدث عنها ، والتي بثتها اذاعة العراق الحر من براغ، ونشرتها العشرات من وسائل الاعلام ، كانت الأولى من نوعها، وفحواها، ومحتواها عن شاعر الأمتين العراقية والعربية... وقد بادرت اليها ، وتفردت بها  تلكم الاذاعة الأميركية، من بين  كل وسائل الاعلام العراقية والعربية الأخرى المسموعة أو المرئية، الفضائية أو الأرضية،...ونقول ذلك بمنتهى المسؤولية والثقة،  فهل وصلت الرسالة يا ترى؟... ونستدرك هنا فنشير الى استثناء استثنائي أخير، ونعني به الدراما الوثائقية ، الموسومة : الجواهري ، كبرياء العراق ، التي اعدها واخرجها الاعلامي والفنان المبدع انور الحمداني، وبثتها قناة السومرية بسبعة اجزاء ، قبل فترة وجيزة ...
... أخيراً، وبالارتباط مع كل ما تقدم، لا يجوز لنا ان نتجاوز هنا الاشارة على الاقل، لأهمية المشاركات التي أسهمت في اطلاق، وادامة وتطوير الحلقات الاسبوعية ، الثمانين والأربع من تلكم  الايقاعات والرؤى الجواهرية ، موضع الحديث  ، ونعني بذلك مشاركات : نسرين وصفي طاهر وسميرة مندي وفريال حسين وعدنان الأعسم ونبيل الحيدري... إلى جانب مخرجنا الكردي
النادر : ديار بامرني...
مقاطع بصوت الجواهري على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/audio/audio/301418.htmlمع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

172
الجواهري في عواصم عربية وعالمية



الجواهلري والى يساره سلطان العويس في الشارقة 1991

   رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
بمثل ما أرخّنا له في كتابة اخيرة ، نواصل اليوم متابعة الجواهري في زياراته الرسمية ومشاركاته الثقافية وغيرها، في العديد من العواصم والمدن العربية والأجنبية خلال الفترة 1968 ولغاية 1995 أي قبيل رحيله بنحو عامين...
... ففي أواخر عام 1968 يعود الجواهري إلى البلاد العراقية بعد اغترابه الاضطراري عنها سبعة أعوام في براغ، والتي أطالت الشوط من عمره كما يخاطبها في احدى قصائده الشهيرة:
اطلت الشوط من عمري، اطال الله من عمرك
ولا بلغت بالسوء، ولا بالشر في خبرك
حسوت الخمر من نهرك، وذقت الحلو من ثمرك
ألا يا مزهر الخلد تغنى الدهر في وترك
وبعد فترة وجيزة من عودته إلى بغداد أواخر الستينات الماضية، يُجمع أدباء البلاد العراقية وشعرائها، وبمختلف أطيافهم ونحلهم، القومية والثقافية والسياسية وسواها، على اعادة انتخاب الجواهري رئيساً لاتحادهم... وتحتم عليه مسؤوليته الجديدة – القديمة هذه، مشاركات وزيارات رسمية إلى العديد من بلدان المنطقة والعالم، فضلاً عن الدعوات الخاصة...
ففي عام 1971 يشارك في احياء الذكرى السنوية لرحيل الزعيم العربي – المصري جمال عبد الناصر في القاهرة، ويلقي هناك عصماء جديدة ومن أبياتها:
أكبرتُ يومك ان يكون رثاء .. الخالدون عرفتهم أحياءَ
لا يعصم المجد الرجال وإنما ، كان العظيمً المجدَ والأخطاءَ
كما ويترأس  الجواهري الوفود العراقية إلى مؤتمرات اتحاد الأدباء العرب الثامن في دمشق عام 1973 والتاسع  في تونس عام 1975 ... وبينهما عام 1974 يلبي دعوة باستضافة ملكية مغربية دامت عدة أشهر كتب خلالها أكثر من قصيدة وصف وشكر وتنوير...
... وفي  عام 1973  يزور بلغاريا – رسميا - ويُنظم له هناك برنامج حافل، كانت من بين فقراته "ليلة على فارنا" المدينة الساحلية الجميلة فكتب عنها رائعة جديدة، ومما يقع بين يدينا بصوته منها:
ما لهذي الطبيعة البكرِ غضبى ، ألها ان تثور ، نذر يوفى
أبرقت ثم ارعدت ، ثم القت ، حملها توسعُ البسيطة قصفا
اشرق الفجر فوق "فارنا" فأضفت ، فوقه سحرها الخفيّ ، وأضفى
واستطابَ الرمل الندي بساطاً ، فمشى ناعم الخطى ، يتكفا
معجباً يمسح الدجى منه عطفاً ، ويهز الصبح المنور ، عِطفا

ثم يلبي  عام 1979 دعوة الى الكويت، وابي ظبي ويلقي فيهما قصيدة جديدة جاء مطلعها:
اعيذك ان يعاصيك القصيد، وان ينبو على فمك النشيد
وان تعرو لسانك تمتمات وان ينفرط العقد الفريدُ
... وفي عام 1981 يلبي الجواهري دعوة رسمية إلى عدن – العاصمة اليمنية الجنوبية آنذاك - ليلقي خلالها نونية مطولة يوثق مطلعها ان الجواهري قد انطلق لتلبية تلكم الدعوة، من براغ:
من موطن الثلج زحافا الى عدن... تسري بي الريح في مهر بلا رسن ِ
من موطن الثلج من خضر العيون به ، لموطن السحر ، من سمراء ذي يزن
... وإلى وارسو هذه المرة عام 1985 للمشاركة في فعالية ثقافية عالمية...   ثم الى ليبيا عام 1988 في زيارة رسمية  يلتقي خلالها الزعيم الليبي معمر القذافي... وبعدها عام 1992  ضيفاً رسمياً على  طهران ، وليلتقى فيها  المرشد الايراني الأعلى علي خامنئي... وكذلك إلى القاهرة عام 1993 بمناسبة مئوية دار الهلال ، ويلتقيه هناك  الرئيس محمد حسني مبارك...
وما بين هذه وتلك كانت زيارات الجواهري أيضاً في مطلع التسعينات إلى الشارقة  لتسلم جائزة سلطان عويس المخصصة له، وإلى مهرجان الجنادرية عام 1992 حيث ينظم له برنامج حافل شمل  لقاء مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد آنذاك..... ومنها إلى الاردن بعد بضعة أشهر بضيافة الملك الحسين بن طلال، الذي ردّ الجواهري إليه "الجميل جميلا" بقصيدة "أسعف فمي" الشهيرة ، والتي ألقاها خلال احتفال مهيب في عمان....
أما دمشق التي عشقها الجواهري ، لا زلفى ولا ملقا ، أعواماً عديدة وحتى رحيله عام 1997 فله فيها حضور متميز وقصائد عديدة، كتبنا عن بعضها في وقت سابق... ونتابعها  بتفاصيل وافية في قريب لاحق لأهميتها وحيويتها ومؤشراتها...
مقاطع بصوت الجواهري على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2314611.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com



173
الجواهري في مناسبات عربية وعالمية

رواء الجصاني
jawahiri@yahoo.com
منذ اربعينات القرن الماضي، طغت شهرة الجواهري الأربعيني عمراً آنذاك، ومكانته الثقافية والشعرية، لتتعدى حدود العراق، إلى البلدان العربية، بل وإلى المستوى العالمي : مشاركات وحضوراً في العديد من المؤتمرات والمهرجانات الثقافية والسياسية وغيرها...
... نسجل ذلك مستندين إلى الديوان الجواهري العامر، وجزأي ذكرياته الصادرين عامي 1989و 1990... إلى جانب ما لدينا من مصادر عديدة ذات صلة بالأمر...
ففي دمشق يقام عام 1944 حفل احتفائي بألفية المعري بحضور رسمي وثقافي عربي متميز كان في مقدمته الرائد المصري البارز طه حسين، وقد ألقى الجواهري في الحفل بائيته الشهيرة:
قف بالمعرة وامسح خدها التربا  ...واستوح من طوق الدنيا بما وهبا
لثورة الفكر تاريخ يذكرنا بان ألف مسيح دونها صلبا
... وبعد ذلك بعام  يُدعى الجواهري إلى يافا، ويلقي في حفل أقامه له المجمع الثقافي هناك، فريدة جديدة جاء مطلعها باهراً كالعادة:
بيافا يوم حُط بها الركاب تمطر عارض ودجا سحابُ
ولف الغادة الحسناء ليل ، مريب الخطو ليس به شهاب
وينتظم في مدينة فروتسواف البولندية عام 1948 المؤتمر العالمي الأول للمثقفين من أجل السلام، ويشارك فيه الجواهري ممثلاً وحيداً للعراق، وحتى العرب، في تلكم الفعالية المميزة... ثم يحل العام 1950 ويقام  في بيروت حفل كبير لتابين الزعيم اللبناني عبد الحميد كرامي، ويلبي الجواهري دعوة للمشاركة، وليلقي هناك قصيدته ذات المطلع الأشهر: باق وأعمار الطغاة قصار.
وفي عام 1956 يُدعى الجواهري لحفل تأبيني حاشد في دمشق للشهيد السوري الوطني عدنان المالكي، وليلقي خلاله قصيدة جديدة كان مطلعها:
خلفت غاشية الخنوع ورائي... واتيت اقبس جمرة الشهداء...
وفي السنوية الأولى للشهيد المالكي، وفي دمشق أيضاً يعتلي الجواهري المنبر صادحاً برائية عصماء، ومن بين ابياتها ذلكم الايحاء والاصرار الشهير:
انا العراق لساني قلبه ودمي فراته وكياني منه اشطار
وينعقد في الكويت في عام 1959 مؤتمر للأدباء العرب، فيرأس الجواهري الوفد العراقي اليه، وقد كان آنذاك رئيساً لاتحاد أدباء العراق ونقيب صحفييه في آن واحد... وبعيّد ذلك بفترة وجيزة يدعى الجواهري ليترأس وفداً من شعراء وأدباء العراق إلى موسكو، بدعوة من اتحاد الكتاب السوفيت آنذاك والذي نظم للوفد برنامج زيارة حافلاً وحاشداً كما تسجل ذلك الوثائق ذات العلاقة... وفي عام 1961 وهو عام فاصل ، يُدعى الجواهري من جديد للمشاركة في الاحتفاء بشاعر لبنان الكبير الأخطل الصغير، ويلقي خلاله بائية
"لبنان ياخمري وطيبي هلا لممت حطام كوبي"
التي يودع فيها بلا ده، راحلاً منها إلى الاغتراب سبعة أعوام، في براغ...
... وخلال تلكم الفترة 1961-1968 يشارك الشاعر العظيم في العديد من الفعاليات والاحتفالات المحلية والعالمية ومنها في مؤتمر اتحاد الطلاب العالمي عام 1961 بقصيدة انتم فكرتي ، ومنكم نشيدي... وفي مهرجان السلام العالمي في موسكو عام 1962 ليلقي فيه قصيده أطفالي وأطفال العالم... كما ويشارك في مؤتمر الطلاب الاكراد بميونيخ فيلقي هناك ذائعته:
قلبي لكردستان يهدى والفم ولقد يجود بأصغريه المعدم
  ومن بين قصائدالجواهري  في تلكم السنوات السبع ايضا نونيته في عيد المراة العالمي ومنها:
حييتهن بعيدهنه ... من بيضهنه وسودهنه
وحمدت شعري ان يروح قلائدا لعقودهنه
... ثم نزيد هنا فنشير إلى مشاركات الجواهري في فعاليات عديدة اخرى ، في باريس، وبرلين، وغيرهما، خلال الأعوام 1963-1968 تضامنا مع البلاد وقواها الوطنية الرازحة تحت سلطة القمع والدم ، ومن موقعه رئيساً للجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي، التي تأسست بعد الانقلاب البعثي الأول...
وهكذا ... تطول المشاركات الجواهرية وتعرض ، في ما تلى من أعوام، ولنحو ثلاثة عقود أخرى، وفي مختلف عواصم ومدن المعمورة، العربية منها والأجنبية، وذلك ما سيكون في عناية كتابة وشيكة
مقاطع صوتية على الرابط التالى
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2307224.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com




174
كارثة وطنية عام 1963 ولجنة للتضامن برئاسة الجواهري

الجواهري مع عدد من رجال ثورة تموز 1958
05.02.2011
رواء الجصاني
لم يكن اغتراب الجواهري إلى براغ قد امتد لأكثر من عام ونصف، حتى حلت كارثة شباط عام 1963 بكل مآسيها التي طالت "أهلاً وصحاباً وديارا" وفي شتى أرجاء البلاد العراقية... وكان لابدّ لشاعر الوطن أن يتخذ موقفاً، فاتخذ، برغم خلافاته العامة والخاصة التي كانت سائدة في حينها مع قيادة السلطة التي طالها الانقلاب، وزعيمها عبد الكريم قاسم... وقد وثق الشاعر الكبير عن بعض ذلك في رائيته الموسومة "يا غريب الدار" ومن أبياتها:

من لهمّ لا يجارى ولآهات حيارى
ولمطوي على الجمر سراراً وجهارا
من لناء عاف اهلاً وصحاباً وديارا
تخذ الغربة داراً، إذ رأى الذل اسارا

وإذ تنادى معارضو الانقلاب، سياسيين وأكاديميين، وغيرهم، في الخارج، للانتصار إلى أهلهم وبلادهم ضد القمع والارهاب، أفلحت جهودهم في تشكيل لجنة عليا للدفاع عن الشعب العراقي، وليجري اختيار الجواهري رمزاً وطنياً، وثقافياً، أولَ، بالاجماع، لرئاستها، وقد اتخذت من العاصمة التشيكية براغ مقراً رئيساً لها، وذلك بعيّد فترة وجيزة من طوفان الدم الذي تسببه الانقلاب البعثي المشؤوم.

وضمت قيادة تلكم "اللجنة العليا" شخصيات وطنية جليلة كان من أبرزها فيصل السامر ونزيهة الدليمي وذنون أيوب ومحمود صبري وصلاح خالص ، وايضا :جلال طالباني لفترة محدودة... ذلك إلى جانب ممثلي وتشكيلات اللجنة في عدد من عواصم ومدن أوروبا بشكل خاص.

وفي ظلّ رئاسة الجواهري الكبير نظمت اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي، التي امتد نشاطها – عملياً – حتى مطلع 1965 العديد من النشاطات المهمة كالمؤتمرات والندوات واصدار البيانات وتنظيم حملات ومهرجانات التضامن في بعض البلدان الأوربية، الرأسمالية منها، والاشتراكية آنئذٍ... كما أصدرت اللجنة مجلة فكرية سياسية عامة باسم "الغد" لتتولى مهمات توثيق الاحداث وكشف الحقائق ومحاولة صياغة البدائل، لانقاذ البلاد، ووقف نزيف الدماء.

وخلال تلكم الفترة، كتب الشاعر الكبير قصيدته الذائعة الصيت عن بغداد "دارة المجد، ودار السلام" ما حلّ بها من دمار وانتهاكات وسيول دماء غزيرة... وهكذا جاءت أيضاً، وفي خضم تلكم الأحداث رائعته الميمية عن نضال الشعب الكردي "قلبي لكردستان".

يا موطن الأبطال بثٌ مؤلم، وألذ اطراف الحديث المؤلمُ
سلّم على الجبل الأشم وعنده من ابجديات الضحايا معجمُ
سفرٌ يضم المجد من اطرافه، ألقاً كما ضم السبائك منجمُ
يا موطن الأبطال حيث تناثرت قصص الكفاح حديثُها والاقدمُ
حيث انبرى مجدٌ لمجد ٍ والتقى ، جيلٌ بآخر زاحف يتسلمُ

كما نظم الجواهري في الفترة ذاتها عديداً آخر من القصائد الوطنية و"المقاومة" والانسانية... ومنها ملحمته "إلى أطياف الشهداء الخالدين" والتي جاء فيها:

سلاماً وفي يقظتي والمنام ، وفي كل ساع ٍ وفي كل عام ِ
تهادي طيوف الهداة الضخام ، تطايح هاماً على اثر هام ِ
ودقت مسامير خجلى عطاشى ، بكف ِ المسيح فطارت رشاشا
بقايا دم للعصور التوالي تخضب بالمجد هامَ الرجال
حماة الحمى والليالي تعودُ ، وخلف الشتاء ربيع جديدُ
سيورق غصنٌ ، ويخضر عودُ ، ويستنهض الجيل منكم عميدُ

ومما نذكره للتأرخة هنا ان تلكم القصائد التي أشرنا لها، ضمها إلى جانب شقيقات أخريات ديوان خاص حمل اسم "بريد الغربة" أشرفت على طباعته وتوزيعه لجنة الدفاع عن الشعب العراقي، ذاتها، وقد تبرع الجواهري بكامل ريع الديوان للتضامن مع أهل البلاد، التي جثمت تحت وطأة الانقلابيين وجرائمهم التي أدانتها كل قوى الخير في العالم.
وإذ لا يتحمل الحديث هنا، لتفاصيل أخرى عديدة، نعد أن يتم السعيّ لتوثيق مفصل عن تلكم "اللجنة" ودور الجواهري في رئاستها، فضلاً عن تجربتها ونشاطاتها ، وكذلك عن التعقيدات التي رافقت عملها... ونأمل أن يتحقق ذلك في فترة قريبة قادمة...

المزيد في الملف الصوتي المرفق
http://origin.iraqhurr.org/audio/audio/297673.html

ألجواهري ... إيقاعات ورؤى
برنامج خاص عن محطات ومواقف فكرية واجتماعية ووطنية في حياة شاعر العراق والعرب الأكبر... مع مقتطفات لبعض قصائده التي تذاع بصوته لأول مرة... وثـّـقـهـا ويعرضها: رواء الجصاني، رئيس مركز ألجواهري الثقافي في براغ... ويخرجها في حلقات أسبوعية ديار بامرني.

175
شباط 1963... كارثة وطنية ، ولجنة للتضامن برئاسة الجواهري



الجواهري مع عدد من رجال ثورة تموز 1958

رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
لم يكن اغتراب الجواهري إلى براغ قد امتد لأكثر من عام ونصف، حتى حلت كارثة شباط عام 1963 بكل مآسيها التي طالت "أهلاً وصحاباً وديارا" وفي شتى أرجاء البلاد العراقية... وكان لابدّ لشاعر الوطن أن يتخذ موقفاً، فاتخذ، برغم خلافاته العامة والخاصة التي كانت سائدة في حينها مع قيادة السلطة التي طالها الانقلاب، وزعيمها عبد الكريم قاسم... وقد وثق الشاعر الكبير عن بعض ذلك في رائيته الموسومة "يا غريب الدار" ومن أبياتها:
من لهمّ لا يجارى ولآهات حيارى
ولمطوي على الجمر سراراً وجهارا
من لناء عاف اهلاً وصحاباً وديارا
تخذ الغربة داراً، إذ رأى الذل اسارا
وإذ تنادى معارضو الانقلاب، سياسيين وأكاديميين، وغيرهم، في الخارج، للانتصار إلى أهلهم وبلادهم ضد القمع والارهاب، أفلحت جهودهم في تشكيل لجنة عليا للدفاع عن الشعب العراقي، وليجري اختيار الجواهري رمزاً وطنياً، وثقافياً، أولَ، بالاجماع، لرئاستها، وقد اتخذت من العاصمة التشيكية براغ مقراً رئيساً لها، وذلك بعيّد فترة وجيزة من طوفان الدم الذي تسببه الانقلاب البعثي المشؤوم.
وضمت قيادة تلكم "اللجنة العليا" شخصيات وطنية جليلة كان من أبرزها فيصل السامر ونزيهة الدليمي وذنون أيوب ومحمود صبري وصلاح خالص ، وايضا :جلال طالباني لفترة محدودة... ذلك إلى جانب ممثلي وتشكيلات اللجنة في عدد من عواصم ومدن أوروبا بشكل خاص.
وفي ظلّ رئاسة الجواهري الكبير نظمت اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي، التي امتد نشاطها – عملياً – حتى مطلع 1965 العديد من النشاطات المهمة كالمؤتمرات والندوات واصدار البيانات وتنظيم حملات ومهرجانات التضامن في بعض البلدان الأوربية، الرأسمالية منها، والاشتراكية آنئذٍ... كما أصدرت اللجنة مجلة فكرية سياسية عامة باسم "الغد" لتتولى مهمات توثيق الاحداث وكشف الحقائق ومحاولة صياغة البدائل، لانقاذ البلاد، ووقف نزيف الدماء...
وخلال تلكم الفترة، كتب الشاعر الكبير قصيدته الذائعة الصيت عن بغداد "دارة المجد، ودار السلام" ما حلّ بها من دمار وانتهاكات وسيول دماء غزيرة... وهكذا جاءت أيضاً، وفي خضم تلكم الأحداث رائعته الميمية عن نضال الشعب الكردي "قلبي لكردستان".
يا موطن الأبطال بثٌ مؤلم، وألذ اطراف الحديث المؤلمُ
سلّم على الجبل الأشم وعنده من ابجديات الضحايا معجمُ
كما نظم الجواهري في الفترة ذاتها عديداً آخر من القصائد الوطنية و"المقاومة" والانسانية... ومنها ملحمته "إلى أطياف الشهداء الخالدين" والتي جاء فيها:
سلاماً وفي يقظتي والمنام ، وفي كل ساع ٍ وفي كل عام ِ
تهادي طيوف الهداة الضخام ، تطايح هاماً على اثر هام ِ...
ودقت مسامير خجلى عطاشى ، بكف ِ المسيح  فطارت رشاشا
بقايا دم للعصور التوالي تخضب بالمجد هامَ الرجال
حماة الحمى والليالي تعودُ ، وخلف الشتاء ربيع جديدُ
سيورق غصنٌ ، ويخضر عودُ ، ويستنهض الجيل منكم عميدُ
ومما نذكره للتأرخة هنا ان تلكم القصائد التي أشرنا لها، ضمها إلى جانب شقيقات أخريات ديوان خاص حمل اسم "بريد الغربة" أشرفت على طباعته وتوزيعه لجنة الدفاع عن الشعب العراقي، ذاتها، وقد تبرع الجواهري بكامل ريع الديوان للتضامن مع أهل البلاد، التي جثمت تحت وطأة الانقلابيين وجرائمهم التي أدانتها كل قوى الخير في العالم...
وإذ لا يتحمل الحديث هنا، لتفاصيل أخرى عديدة، نعد أن يتم السعيّ لتوثيق مفصل عن تلكم "اللجنة" ودور الجواهري في رئاستها، فضلاً عن تجربتها ونشاطاتها ، وكذلك عن التعقيدات التي رافقت عملها... ونأمل أن يتحقق ذلك في فترة قريبة قادمة...
مقاطع صوتية للقصائد اعلاه على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2298522.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com



176
الجواهري ... في رثاء شقيقه الشهيد جعفر


الجواهري يلقى اخي جعفراَ

رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
في مثل هذه الأيام عام 1948 ، يلقي الجواهري مطولةً عصماءَ بمناسبة مرور سبعة أيام على استشهاد شقيقه جعفر، برصاص شرطة العهد الملكي، اثر تظاهرات ومواجهات جماهيرية حاشدة في وثبة كانون الثاني الوطنية ، احتجاجاً على توقيع معاهدة "بورت سموث" البريطانية – العراقية... وقد جاء مطلعها:
اتعلم أم أنت لا تعلمُ ، بأن جراح الضحايا فمُ
فمٌ ليس كالمدعي قولةً ، وليس كآخر يسترحم
يصيح على المدقعين الجياع ، اريقوا دماءكم تطعموا
ويهتف بالنفر المهطعين ، أهينوا لئامكمُ تكرموا
والقصيدة التي يقرب عدد أبياتها من المئة، تكاد ان تكون في جميعها رسالة إلى جعفر، وحواراً معه، وتساؤلات إليه، مفعمة بالعاطفة والذكريات حيناً، وبتقديس الايثار والتضحية ، أحايين أخرى، ومن خلال كل ذلك : اصرارعلى  اشاعة المفاهيم الوطنية والتنويرية، وهي الأساس في بيت القصيد كما نزعم:
أتعلم أم أنت لا تعلم بأن جراح الضحايا فمُ
اتعلم أن رقاب الطغاة ، أثقلها الغنم والمأثم
وان بطون العتاة التي ، من السحت تهضم ما تهضم
وان البغيّ الذي تدعي من الطهر ما لم تحز "مريم"
ستنهد ان ثار هذا الدم ، وصوت هذا الفم الأعجم
واذ تهدأ المشاعر قليلاً، ولو في بعض أبيات وحسب، تأتي المقاطع التالية من الملحمة الجواهرية التي نحن عندها، لتبدع في وصف "جعفر" الشقيق... فهو "رُواءُ الربيع" و"زهرة من رياض الخلود" و"قبسٌ من لهيب الحياة" و"طلعة البشر" و"ضحكة الفجر"... وما إلى ذلك من مشابهات متفردة تنبض بالمحبة، وتفيض بالعاطفة الانسانية الجامحة...
أخي جعفراً يا رُواء الربيع ، إلى عفن بارد يُسلَمُ
ويا زهرةً من رياض الخلود، تغولها عاصف مرزمُ
لثمت جراحكَ في فتحة ، هي المصحف الطهر إذ يلثم
وقبلت صدرك حيث الصميم ، من القلب منخرقاً يحزمُ
وعوضت عن قبلة قبلةً عصرت بها كل ما يؤلم
لقد توقف، عند هذه الرائية الجواهرية الوجدانية، الوطنية، التنويرية كتاب وباحثون عديدون وما برحوا... ومما نؤشر أيضاً في هذا السياق، ما جاء فيها عن استقراء الشاعر الخالد في واحد من مقاطع القصيدة البارزة، لتاريخ البلاد اللاحق، وتنبؤاته حوله، وهو ما تأكد بوضوح، والى حاضرنا الراهن على ما نرى:
اخي جعفراً لا أقولُ الخيال ، وذو الثأر يقظان لا يحلمُ
ولكن بما أُلهم الصابرون، وقد يقرأ الغيب مُستَلهمُ
أرى افقاً بنجيع الدماء ، تخضب واختفت الأنجمُ
وحبلاً من الأرض يرقى به ، كما قذف الصاعد السلم
وكفاً تمدُ وراء الحجاب ، فترسم في الأفق ما ترسم
وجيلاً يجيء ، وجيلا يروح ، وناراً ازاءهما تُضرمُ
أما في نهاية ملحمته، فقد راح الجواهري يستطرد ليصف، وبتشكيل بانورامي حاذق، أجواء الأحزان العائلية على رحيل الفقيد... فتلك امه "العجوز" الغارقة في التعبد، تضجر لأن "السماء لم تعد تغيث حريباً ولا ترحمُ "... وهذه اخت الشهيد "تشق عليه الجيوب، ويغرز في صدرها معصم" ..."نناشد عنه بريق النجوم، لعل جعفر من بينها ينجم "... وهكذا كانت، أو تكاد، حال الأصدقاء والأحباء من أهل البيت وخارجهم...
... أخيراً وقبيل اختتام هذه الكتابة ، دعونا نقتبس عن شاهد عيان ،وهو  فلاح الجواهري، نجل الشاعر، سطوراً تصف فصلاً من مسيرة تشييع جعفر إلى مثواه الأخير:
"واصل الموكب طريقه إلى النجف وفيه كل الطلائع الثورية للشباب، وفيه نماذج من الكهول والشيوخ وكان يوماً مشهوداً في كل تاريخ النجف، حيث أغلقت الأسواق وعطلت المدارس وغصت الشوارع بالجماهير المستقبلة، وتناثرت أكاليل الورود من كل حدب وصوب..."

مقاطع صوتية على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2291147.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com


177
عن دجلة الخير ولكن ... بنكهة "أفغانية" هذه المرة


الكاتب الى جانب الجواهري عام 1995

رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
تعدى قصيد الجواهري، ونثره ومراسلاته، حدود البلاد العراقية وشعرائها وأدبائها، إلى غيرهم من الأقران وسواهم، في بلدان عربية عديدة... بل وحتى خارجها، كما في هذه الحال التي نعنى بها اليوم...
ففي اوائل السبعينات والجواهري في قمة رموزيته الثقافية والوطنية، يبعث له الأديب والشاعر والسياسي الأفغاني خليل الله خليلي قصيدة بالفارسية، بأزيد من ثلاثين بيتاً، عمودياً، وموزوناً، يخاطبه فيها، معجباً وممتدحاً، ومعبراً فيها عن صور باهرة في التقاطاتها... والمحور في كل هذا وذاك دجلة التي شحذتها القرون، ونفذت إلى قلب التاريخ، بحسب القصيدة الخليلية لا غير... والتي أضافت: ان دجلة تبهج وتسر كل من يسمع اسمها، من سند مروراً بضفاف جيحون وبست ، والى خيبر
ثم تستمر قصيدة خليلي، والذي كان في حينها سفيراً لأفغانستان لدى بغداد، لتتحدث مباشرة هذه المرة، فتزعم ان لا أحد يعرف كل جمال وأسرار دجلة مثل شاعرها الجواهري الذي منحه النهر العراقي الخالد القريحة الجياشة ودروس الشهامة والاباء، واوحى له ببديع البيان ... كما وتنوه القصيدة ذاتها الى لامية الجواهري الشهيرة في رثاء العلامة النهضوي، جمال الدين الأفغاني عام 1944 حين نقل رفاته من القاهرة إلى أفغانستان مروراً ببغداد:
هويتَ لنصره الحق السهادا ... فلولا الموت لم تطق الرقادا
ولولا الموت لم تترك جهاداً ... فللت به الطغاة ولا جلادا
فزد بالفكر في خَلَد الليالي ... وجُل في الكون رأياً مستعادا
وكن بالصمت أبلغ منك نطقاً ... وأورى في محاججة زنادا
فان الموت اقصر قيد باع ... بان يغتال فكراً واعتقادا
وفي موقف اعجاب، ورد الجميل بالجميل، يهدي الجواهري نسخة من ديوانه لصاحبه الجليل، خليل الله خليلي مرفقة بها قصيدة شكر جوابية من ستة عشر بيتاً... ومما جاء فيها:
يا سيدي يا "خليل الله" معذرة ان لم تقم بجميل العذر اشعاري
يا مرسل القول اعجازاً يوقعه ، شدو الحمام على انغام قيثار
ويا معير القوافي من روائعه نسائم الفجر في دمثاء معطار
ان كنت شبهتني ، لطفاً وتكرمة بـ "الرافدين" فأنت الكوثر الجاري
وجئت اهديك ديواناً اردت به ، قدح الزناد ، وانت القادح الواري
أخيراً نوثق هنا إلى ان للجواهري جمعاً غير قليل من القصائد و"الاجابات" و"الردود" الشعرية المتبادلة، وبعضها يتجاوز اطار الاخوانيات، إلى فرائد تعنى بمعالجات ومواقف تنوير عديدة  ومنها: بينه والرصافي عام (1944) وصابر فلحوط (1980) وموسى الجنابي عام (1982) وعديدات أخرى، سنعود للحديث عنها في قريب قادم كما نتمنى..
للاستماع الى بعض المقاطع الشعرية اعلاه ، يُتابع الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2283995.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com



178
عوالم  الجواهري بعيون الاعرجي
 
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
من بين الدارسين المميزين للجواهري، والمتابعين المهمين لحياته، وعطاءاته الشعرية والفكرية في العقود الأربعة السالفة، يبرز الباحث والأكاديمي البارع محمد حسين الأعرجي، الذي رحل عاجلاً عن عالمنا قبل بضعة أيام لا أكثر، لتفقده رحاب الثقافة العراقية التي احوج ما تكون الى مثل نتاجاته ومواقفه في هذه الأوقات التي تعيشها البلاد، حيث تتنازع فيها الرؤى والشجون، لرسم  وتحديد  ، بل  والتاسيس  للتوجهات والآفاق المستقبلية...
... ويسجل المتابعون للأعرجي الراحل العديد من الكتابات والمساهمات والبحوث عن سيرة الجواهري، ومنجزه الشعري، كانت في غالبها الأعم، على ما نزعم، متميزة ليس بمواضيعها ومحاورها وحسب، بل وفي أناقة صياغاتها، وأسلوبية اتمامها... وان شكت في بعضها من الاجتهادات، او الاستنتاجات غير الدقيقة وقد سبق ان "تنازعنا" حولها، ووجهاً لوجه بعض الأحيان، ولربما نعود للحديث عنها في أوقات لاحقة...
... وبحسب ما نزعم ايضا  نرى ان من ابرز متابعات وكتابات الأعرجي عن الجواهري ما ضمّه في مؤلفه الموسوم "الجواهري دراسة ووثائق" ذي الأكثر من خمسمئة صفحة من القطع المتوسط، والصادر عن دار المدى في دمشق عام 2002...
... والمؤلَفُ اياه، شمل تنوعاً في كتابات صاحبه عن الجواهري: تأرخة وذكريات وبحوثاً وانطباعات واستشهادات، فضلاً عن بعض الوثائق ذات الصلة... وقد جاءت مقدمته لتوجز للقاريء بعض محطات في جذور علاقة الأعرجي مع الشاعر العظيم : اعجاباً، ومتابعة، وحباً، ومن ثم صلات ورغبات بأن يتقدم عنه برسالة دكتوراه عام 1973 ولم يسمح له في ذلك، بسبب الظروف التي كانت تعيشها البلاد العراقية في ظل ثقافة الحزب الواحد، وهيمنته السياسية والسلطوية...
ومن جملة ما شدّ انتباهنا في كتاب "الجواهري دراسة ووثائق" موضوع عنايتنا ، فصله السادس، تحت عنوان  "مناجاة النفس" ووقفاته التحليلية عند بعض قصائد منتقاة  ، ومنها مطولة "يا نديمي" الوجدانية التنويرية الغاضبة ذات الأكثر من قافية وايقاع ورؤى:
يا نديمي امس اقتنصت طريداً، شاعراً كان يستضيف البيدا
كان هماً ، وكان صُلباً حديدا ، يملاً القفر موحشاً ، تغريدا
قلت من ؟ قال شرط أن لا تزيدا ، أنا أدعى : مسافر ويزيدا
من بلاد ٍ أعدت على القرودا ، ونفتني ، وكنت فيها النشيدا
* * * *
وتولى عني، فظلت مليا ، في قرود ٍ وفكر ٍ ، ونشيد
وعلى انه أجاد الرويا ، لم أجد في رويه ِ من جديدِ
كان قلباً غضاً ، وفكراً طريا ،شاءه الحظُ في مزاحف دودِ
كل طير "مسافرُ بنُ يزيدِ" ، حين يغدو فريسة لقرودِ

... ومادام الحديث عن مؤلَفِ الأعرجي سالكا كما يقولون، نضيف انه كان، وإلى جانب البحوث المهمة فيه، حافلاً بالمزيد من المراسلات  الجواهرية الخاصة، والتي جهد المؤلف ليس في نشرها وحسب بل وفي التعليق عليها، والتوضيح بشأنها، ومنها ما  لم ينشر سابقاً ،إلى شخصيات بارزة مثل: مصطفى بارزاني ومهدي المخزومي وجلال طالباني، مع حفظ الألقاب، فضلاً عن الأعرجي ذاته... كما ضم المؤلفُ ايضا  نصوصاً ومقطوعات شعرية، وهجائيات، وكذلك  اخوانيات عديدة، ومنها تسعة أبيات إلى صديقه جلال طالباني بعيّد جلسة خاصة شهدت نقاشات واستقراءات سياسية عام 1966 ومن ابياتها:

إقصد "جلال" ولا تسرفْ، وكن حكماً، عدلاً يميّز شريراً ، وقديسا
كن خيزراناً طرياً ، لا مكاسره ُ هشٌ ، وليس خشيبَ العود مأيوسا...
فان تبالغ ، تجد منا ذوي نَصَف ، لا يخلطون مع "الرحمن" ابليسا
وان تزاحفْ "بجحش ٍ" صاد ارنبة ، نزحف عليك "بجحش" صاد طاووسا

أخيراً نوثق ان مناسبات وفعاليات احتفائية جواهرية عديدة، شهدت حضوراً بارزاً للأعرجي ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر: مئوية الجواهري في كردستان عام 2000 وفعاليات افتتاح مركز الجواهري في براغ عام 2002 والذي كان الفقيد نفسه أحد ثلاثة موقعين على اعلان بدء وانطلاقة نشاطات المركز ،إلى جانب المستعرب التشيكي البارز يارومير هايسكي، وصاحب هذه الكتابة ..
مقاطع صوتية للجواهري الكبير على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2270381.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ


179
بألف دولار من الجواهري ، وبريشة محمود صبري  ، أبحرت "بابيلون " من براغ قبل عشرين عاماً --2/2


الكاتب الى جانب الجواهري عام 1995

رواء الجصاني
BABYLONCZ@YAHOO.COM
 تطرقنا في الجزء الاول من هذا التوثيق الى كيفية  انطلاق  نشاطات "بابيلون" للاعلام والثقافة من براغ قبل عشرين عاما ، بالتمام والكمال ، وذلك بعد ان "اقرضنا" الجواهري الخالد الف دولار لاستكمال " الرأسمال " المطلوب لبدء العمل، الذي تبنته  ريشة  الفنان والمفكر المبدع الكبير : محمود صبري، وتوجهاته الحريصة، وها نحن نتابع الحديث بايجاز .... وما أعسر الكتابة التي يراد بها أن تعبّر، وتوجز في آن، ولاسيما في محاور ومجالات تتنوع رغبات التوقف عندها، بين الاستعراض والتقييم، وما بينهما...
    ونستذكر البدايات ، وتلكم الأيام الأول، وساعات العمل التي امتدت احياناً من السادسة صباحاً، وحتى منتصف الليل... وللأوائل هنا موقع متميز: عبد الاله النعيمي" الشريك" المؤسس ، وصاحبه "المتمرد " نجاح الجواهري  ، وذات  الانامل والطبائع  الذهبية : نسرين وصفي طاهر، ، الى جانب جهود: صادق توما توماس و ياسر رزق وجمال الجواهري ويحيى زكي خيري...
   ... ثم تصدر  "النشرة العربية".. الوليد البكر، الرائدة في شكلها ومضمونها،  والتي شهدتها براغ، باللغة العربية، كل يوم، ولنحو سبعة أعوام 1991-1997...
وتتنوع الاصدارات. متتالية : فمن أسبوعية "الاقتصادية" وشهرية "أهلاً" الموجهة للجالية، وفصلية "الحياة التشيكية" السياسية الثقافية الجامعة... إلى الكاتلوج التجاري السنوي، ثم "بانوراما عربية" باللغة التشيكية هذه المرة، وما تلكم سوى بعض الحصيلة الاولى ... وتستمر "بابيلون" في اصداراتها الجديدة، والمتجددة وفقاً للحاجة والظروف... اضافة لاصدار العديد من الكتب والنشريات المتميزة ، وبلغات متعددة ومنها عن: الجواهري، نزار قباني، محمود درويش، محمد الشرفي ، وكذلك عن شؤون وقضايا يمنية وليبية وسورية وعراقية... وغيرها
... ونتباهى هنا : ان "بابيلون" قد التقت وحاورت في مقابلات صحفية العشرات من المسؤولين الرسميين والسياسيين والشخصيات العامة، وفي المقدمة: رؤساء جمهوريات وحكومات، ووزراء خارجية، وبرلمانيون، عرباً، وتشيكاً... وقد يطول التعداد، ونحن عازمون على الإيجاز والتأشير، وحسب...
... كما ونتباهى أيضاً  - ولم لا ؟؟- ان مسؤولين وسياسيين وسفراءودبلوماسيين  ونخباً ثقافية: عربية وتشيكية وأجنبية، قد زاروا مكاتب "بابيلون" للتعارف والاطلاع وتبادل الآراء وغيرها من الشؤون العامة... ولعلنا قادرين في قريب قادم على اصدار "البوم" مصور عن تلكم الزيارات التي نعتز بتوثيقها، لما فيها من تارخة ومغازٍ عديدة...
    ومن غير المقبول تماماً، ان نتابع مسارات "بابيلون" في أعوامها العشرين، دون وقفة وفاء لراحلين أعزاء عملوا معها، وتحملوا أعباء نشاطاتها، وخاصة في البدايات: اليمنيان د. فتح الرحمن احمد هاشم، ود. عبد الرحمن احمد... والعراقيان أمل محمود بهجت، وزكي خضر... والمستعرب التشيكي فلاديمير هايسكي، لهم الذكرى الطيبة دائماً...
... كما لا يجوز هنا إلا نتوقف لنؤشر جهود ومشاركات أكثر من خمسين اعلامياً وكاتباً ومحرراً ومترجماً وادارياً وفنياً: مصرياً وعراقياً وسورياً وفلسطينياً ويمنياً وسودانياً ولبنانياً وعرباً آخرين، إلى جانب التشيك، والذين ساهموا وبهذا القدر أو ذاك في انطلاقة "بابيلون"، وديمومتها، وتطوير عملها...   منوهين بهذا الشأن الى مشاركات متميزة ، ولفترات طالت او قصرت ، لنخبة من المثقفين الذين تعاونوا مع بابيلون في مجالات الكتابة اوالتحرير او الترجمة ، وفي مقدمتهم : د. مجيد الراضي ومفيد الجزائري ويحيى بابان ( جيان ) و د. عدنان الاعسم ... وعذرا لمن شطحت- او تقصدت ؟- الذاكرة عن البوح باسمائهم ...
  لقد تعدت حدود ومهام "بابيلون" الاعلامية ، لتتحول إلى منبر ثقافي واجتماعي عام : ندوات ودراسات واستشارات ومساهمات في فعاليات عربية ودولية ... مبرزين  بهذا السياق  جهودها التي ما برحت قائمة في التقريب بين أبناء الجاليات العربية في تشيكيا وبقدر المستطاع، وضمن الامكانيات المتاحة....
   واذا كان كل ذلك الذي وثقنا له، وبمنتهى الإيجاز، قد تحقق بجهود مثابرة وحثيثة، برغم محدودية الموارد والامكانيات المادية  – وعسى ان تكرهوا شيئاً... - فلابد من القول ان مشاريع طموحة عديدة أخرى كانت - وما فتئتت ـ في "أجندة" بل "أجندات" بابيلون، ولكن: ما كل ما يتمنى المرء يدركه... والخير في القادم كما يقولون ....
مع تحيات بابيلون للاعلام / براغ
WWW.BABYLON90.COM


180
 
بألف دولار من الجواهري ، وبريشة محمود صبري  ، أبحرت "بابيلون " من براغ قبل عشرين عاماً  -1/2

رواء الجصاني
BABYLONCZ@YAHOO.COM
   بقرض قدره ألف دولار، لا غير، من الجواهري الخالد، وهو ثلث "الرأسمال" المطلوب لبدء العمل ، وبريشة المبدع الكبير محمود صبري، الذي صمم الاصدارات الأولى، فضلاً عن توجيهاته ورعايته الشاملة، صدر العدد "صفر" من النشرة الاخبارية الأولى لمؤسسة "بابيلون" في اوائل عام 1991 لتسجل ريادة أولى على الصعيد الثقافي والاعلامي في براغ، ولتتواصل بعد ذلك، وإلى اليوم، مطبوعات ونشريات وفعاليات متنوعة الاهداف والاشكال، ولكن بسمات واحدة نزعم أن خلاصتها: الموضــوعيــة والتميـــز... ومعـــروف ما هو مردود ذلك - دعوا عنكم الجوانب الإيجابية - من غيظ وحسد، و لانزيد...
... وهكذا مرت الأعوام العشرون، لتستمر "المغامرة" في "طلب مروم"، لو بُذل قســـط بسيط مما استنزفه من جهد مثابر في مشروع آخر - غير ثقافي أو اعلامي بالطبع - لتحققت مقابل ذلك عوائد وفوائد جمة من نوع آخر، ما كانت، ولم تكن، من توجهات "بابيلون" أو طموحاتها... فالمتناقضان لا يجتمعان في مستقر واحد، كما ينبئ التاريخ، ويسجله بحرص... وقد كُفيّ المؤمنون شر "الأرباح" المادية، ليستعاض عنه بشارات تميّز ، وحصاد فخر.
لقد تبوأت "بابيلون"  للاعلام والثقافة والنشر ما تبوأته من مكانة، في المساهمة بمجـــالات التنويـــر والاعــلام، ولتصــــبح بشـــهــادات "متربصـــين" قبل زملاء واحباء، مَعلمـــاً ثقافياً واجتماعياً، ولاسيما في بلاد التشــــيك ولدى أهلها، مواطنين وجاليـــات عربيـــة، وغيرها، وخاصة من عُنيّ منهم بشؤون التبادل المعرفي، والتأرخة والتوثيق، وما إلى ذلك من قياسات ومقاييس...
...ان التوقف عند مناســـبة الذكرى العشرين لانطلاقة "بابيلون" بمثـــل هذه السطور، الموجــــزة، لا تدع لنا فرصة "تقييم" المكاسب والخسائر، ولا عرض "حسابات" الحقـــل والبيــــدر: امتنـــاناً للأصحاب، أو انتقــــاداً للآخرين... وبمباشرة أكثر صراحة: لمن "حرص" على استمرار "بابيلون" في النشاط والعطاء، ولمن "حرص" على "مواجهتها" بهذا الشكل أو غيره، لأسباب معروفة في بعضها، وأخرى في "نفس يعقوب"! ... ولكن كل ما نبتغي قوله، وعلى عُجالة: ان النجاح الأصيل هوذلكم  الذي يتحقق مع الصعوبات، لا بدونها، وإلا لأصبح الأمر ترفاً ومجالاً يسرح به القادرون وغيرهم، على حد سواء، ولعل ذلك ما لا يستحق التوقف عنده...وسنعود في القسم الثاني والاخير للحديث عن بعض  جوانب من التجربة  "البابلية  " في العاصمة التشيكية – براغ ، والتي مابرحنا نسميها بالمغامرة ، برغم مرور عشرين عاماً على انطلاقتها ... ناقلين هنا لجميع  محبي "بابيلون" ومقدري دورها ونشاطاتها:كل التقدير والشكر... ولغيرهم : الدعوة بالصدق مع النفس، وبصفاء ضمير، قبل كل هذا وذاك....
مع تحيات بابيلون للاعلام / براغ
WWW.BABYLON90.COM

181
الجواهري مع مظفر النواب وسميح القاسم  ... وصابر فلحوط


 رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
من بين "اخوانيات" و"مطارحات" الجواهري العديدة مع الشعراء العراقيين، والعرب، نختار في هذه الحلقة نماذج وحسب  ، حرصنا أن يكون طابعها بعيدا عن السياسة ، بهيجاً – على ما نزعم – منسجماً مع هذه الأيام الأولى من العام الجديد التي يتمنى الجميع ان يكون عام سرور وفرح وخير عميم... ناسين، أو ساعين لأن ننسى ما مضى من آلام ومنغصات... مرددين مع ابن الفراتين:

لا تلم أمسك في ما صنعا ..... امس قد فات ولن يسترجعا
امس قد ولى ولن ينفعه ...... حملك الهم له والجزعا...
فاطرحه واسترح من ثقله، لا تضع امسك واليوم معا

 ومن النماذج التي نقصد، ، والتي وقعت تحت ايدينا ، على عجالة ، ، تلكم المقطوعة التي كتبها الجواهري، في رهان مع الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، على الفوز بمراقصة مطربة تشيكية فاتنة في احدى مغاني براغ عام 1973، ومن ابياتها:

يا بنت شيطان كفاه ان يكون اباك فخرا
كان التقربُ منه كفرا ، وارى التغرب عنك كفرا
ما اوحش المغنى فان رقصت منه فما احرّا
صيرته انساً ، وكانت سوحه وحشاً تضرى
وابحت "سرتك" التي ضاقت بما استودعت سرا
لم استطع صبرا ، وهل غير الحمار يطيق صبرا...
وقد ردّ سميح القاسم ، ذو الثلاثين عاماً، معترفاً بفوز الجواهري - ابن السبعين  في حينها – بذلكم الرهان قائلاً:

مهلاً فديت "ابا الفرات" فانت بالحسناء احرى
اغريتُها شعراً .. واغرتها شؤون منك اخرى ...
سحر ٌ – لعمري – ما صنعت ، وكان بعض القول سحرا

وفي عام 1970 ، يحدث ان يسهر الجواهري في براغ، مع الشاعر الضيف مظفر النواب، الذي يبهر باحدى حسان التشيك، ويسعى للتقرب منها بذريعة رغبته قي رسمها  ... ولكنها كانت العليمة بابن آوى إذ تحلق للغراب ، بحسب تعبير الجواهري، والذي يصف لنا ، في التالى ،الحكاية شعراً، مع التنويه الى اننا حذفنا كلمتين  من النص ، خشية معترضين لهذا السبب أو ذاك ، حقاً أو باطلاً ...

وقال مظفر النواب يوماً لفاتنة من الغيد الحسان ِ
من التشيك اللواتي لست تدري بهن المحصنات من الزواني
هلمي ارسمتك غداً فقالت : غداة غدٍ وفي المقهى الفلاني
فقال بمرسمي حيث استقامت  من الرسم المعاني والمباني
فقالت لا ، ومن اعطاك ذهنا ، وعلمك التفنن في البيان
اداة الرسم تحملها سلاحاً........   مشحوذ السنان
ولكن كل ما تبغيه مني، خفوت الضوء في ضنك المكانِ

... ويحدث ان يبعث الشاعر السوري صابر فلحوط عام 1980 تحية للجواهري عبر قصيدة، ويسأله فيها عن الحال والأحوال، فأجابه بميمية مطولة شملت مواقف وهموم وشجون  عديدة، سياسية وتنويرية وما بينهما، يهمنا منها في هذه الايقاعات والرؤى، بضعة أبيات وصفية، ومنها، وهو يخاطب فلحوط :

كعهدك  ماتزال براغ تزهى ، كان ثليج شتوتها اغتلامُ...
ولمت في معاطفها الغواني ، فبين النحر والنهد انفصام
وراح الطرفُ يسرح في حلال ، ويمرح حيث يحتجزُ الحرامُ

أخيراً نوثق ان ثمة "اخوانيات" و"مطارحات" عديدة اخرى،  مشابهة للنماذج المختارة أعلاه، كانت  للجواهري مع مثقفين وأدباء وشعراء عديدين آخرين ومن بينهم : عبد اللطيف الشواف ومحمد حسين الأعرجي وزاهد محمد ومرتضى الشيخ حسين ، وبعضها لا يتحمل النشر علناً، لما فيه من توصيفات وتفاصيل تصلح للمجالس الخاصة وحسب ... وقد هددت الجواهري ذات يوم – مازحاً بالطبع  –بنشرها، والتعليق عليها فقال ما معناه : سأنكرها علناً، برغم انها من اجمل أشعاري... فهن من بنات نونيتي  "جربيني" ذائعة الصيت والمنظومة عام  1929  ...ونقول  لمن يريد الاستزادة : ان تلكم القصيدة  منشورة بكاملها  في الديوان العامر،   بما لها وعليها...
مقاطع بصوت الجواهري من القصائد اعلاه على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2264682.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ

www.jawahiri.com

182
الجواهري في سامراء والحلة والحيّ والعمارة والبصرة والموصل

رواء الجصاني
JAWAHIRICENT@YAHOO.COM
دعونا نسوح هذه المرة مع قصيد الجواهري في مدن البلاد العراقية وعنها، بل وحتى عن أريافها وبلداتها في بعض الأحيان، وطوال عقود مديدة... وإذ نوثق هنا لنماذج وحسب، نزعم ان مزيداً من القراءة للديوان العامر، سيوفر لقطات أخرى عديدة، في إطار ما نحن بصدد الحديث عنه.
... لقد تنوعت فرائد الشاعر الخالد لتشمل وجدانيات ووصفاً حيناً، وتأرخة لأحداث ومناسبات، أحايين أخرى، ومن بين ذلك، وهذا كثير ومتعدد... فمن وحيّ سامراء التي كان الجواهري يقضي فيها فترات للراحة والصفاء وخاصة في أشهر الصيف، ولسنوات، كتب عام 1932 واحدة من مطولاته وجاء فيها:
حييت "سامرا" ِ تحية معجب ،برواء متسِع الفِناء ، ظليلهِ
بلد تساوى الحسن فيه ، فليّله كنهاره، وضحاؤه كاصيله
... ثم يتعيّن الجواهري في مطالع شبابه، ولفترة من الوقت مدرساً بدار المعلمين الريفية في بلدة الرستمية، المحاذية لبغداد، فيكتب عنها عام 1933 رائية يسجل فيها بعض مشاهداته وانطباعاته الوصفية والحياتية:
هنا الطبيعة ناجتني معبرّة ، عن حسنها بأغاريد العصافيرِ
هنا الخيال كصافي الجو منطلق صافي المُلاءة ، ضحاكُ الأسارير
وفي عام 1935 يُنظم شباب الحلة حفلاً تكريمياً للجواهري فيرد لهم التحية بأجمل منها: قصيدة بأكثر من خمسين بيتاً، ومنها:
أبناءَ بابلَ للاشعار عندكم ، عمارة لم يشيد مثلها بان ِ
ودولةٌ برجال الشعر زاهرةٌ ، معمورةٌ بمقاطيع واوزان
 
ويُقام عام 1947 حفل افتتاح لبناية الثانوية الجعفرية الأهلية في قضاء الحي القريب من الكوت، فيدعى الجواهري للمشاركة في الاحتفاء بالمناسبة ، مع نخبة من رجالات العراق السياسية والثقافية، ويلقي هناك دالية باهرة توثق وتنور في آن ، وقد سمى المدرسة المحتفى بها، كناية: بنت رسطاليس... وبحسبما يرد في متن القصيدة:
يا بنت "رسطاليس" لحت بـ "واسط ٍ" فنزلت "حياً" بالصبابة حاشدا
... أما بلدةعلي الغربي، في لواء العمارة (محافظة ميسان حالياً، والتي قضى فيها الجواهري شهوراً عامي 1955-1956 ""مزارعاً "" هذه المرة ، بعد النيابة والصحافة والسياسة) فقد كتب فيها، رائعته "يا أم عوف" التي جمعت بين الفلسفة والرؤى والمواقف...
يا أم عوف عجيبات ليالينا ... يُدنين اهواءنا القصوى ، ويقصينا
يدفن شهد ابتسام في مراشفنا ... عذباً بعلقم دمع في مآقينا
ويقترحن علينا ان نجرّعه ... كالسم يجرعه "سقراطُ" توطينا
يا أم عوف وما يدريك ما خبأت ... لنا المقادير من عقبى ويُدرينا
لم ندرِ أنا دفنا تحت جاحمها ... مطالعٌ ، يتملاها براكينا

... ويحل ربيع العام 1971 لينعقد مهرجان المربد في البصرة، ويستقبل الجواهري استقبال الفاتحين عند محطة القطار القادم من بغداد، ثم لتحتشد الأوساط الشعبية، فضلاً عن النخسب الرسمية والثقافية، للاستماع إلى الجواهري، رمزاً وطنياً، وقامة شعرية لا تباري، وهو يلقي مختارات من قصائده  في امسية تاريخية، ومنها مقاطع من داليته الهادرة من مطلعها   
يا ابن الفراتين قد اصغى لك البلد ، زعماً بأنك فيه الصادح الغردُ..
فقل مقالة صدق انت صاحبها لا تستمن ، ولا تخشى ولا تعد ...
لا تقترح جنس مولود وصورته، ودعها حرة تاتي بما تلد
... أما الموصل فقد ضجت هي الأخرى  ، حين حضر  الجواهري اليها مشاركا في افتتاح الموسم الثقافي لجامعتها مطلع عام 1980، عشية هجرته الأخيرة من البلاد العراقية، وقد كتب عن المدينة وأهلها والمحتفين به لامية معبرة عن أحاسيس ومشاعر وهاجة... ومفتتحها:
امَ الربيعين  يامن فقت حسنهما، بثالث من شباب مشرق خضل...
يا موصل العرق من شرق تمد به للغرب حبلاً بعرق ٍ منه متصل

وهكذا راحت قصائد الجواهري، وصفاً وحباً وتأرخة، لمدن البلاد، ودون حدود، وعلى مسار وخطى مزاعمه التي صدح بها عام 1957:
أنا العراق لساني قلبه ودمي فراته وكياني منه أشطارُ
... أما بشأن قصائد وكتابات ومواقف الجواهري المتميزة عن بغداد "دارة المجد" وكردستان "موطن الأبطال" والنجف ، منبع الأدب والتراث والعلم، فلنا عنها كتابات خاصة في قريب قادم، كما نتمنى...
مقاطع من شعر الجواهري اعلاه ، وبصوته، على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2258762.html
                              مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com



183
توثيق اخرعن مغتربات الجواهري ومهاجره  
           

   رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
... في نهاية الحلقة السابقة من هذه الايقاعات والرؤى عن اغتراب ومغتربات الجواهري، وصلنا  الى براغ ، التي فرّ اليها ابن الفراتين من بغداد عبر بيروت ،  عام1961 ليحط الرحال اولاً بضيافة  اقرانه في  اتحاد الادباء التشيك والسلوفاك لفترة مؤقتة ، ثم ليتقدم لاحقا بطلب اللجوء السياسي ، حين " لم تكفل له الاوطان دارا " وحين اصطفت بلاده  انذاك " بوماً " واجلت عن ضفافيها ، كنارا "... بحسب  "ديوان بريد الغربة " ... ثم يطول الاغتراب ومحنته ، وتشتد لواعج الهضيمة من جحود البلاد ، وحكامها وحتى بعض اهلها ، ، دعوا عنكم الانشغال بما تتناقله الاخبار والوقائع عن شؤون الوطن وشجون اهله..

يا دجلة الخير أدري بالذي طفحت به مجاريك من فوق إلى دونِ
ادري بأنك من ألف مضت هدراً، للآن تهزين من حكم السلاطين
تهزين ان لم تزل في الشرق شاردة من النواويس ، أرواح الفراعين
يا دجلة الخير كم من كنز موهبة، لديك في القمقم "المسحور" مخزون
لعل تلك العفاريت التي احتجزت محملات على أكتاف "دلفين"
لعل يوماً عصوفاً هادراً عرماً، آت فترضيك عقباه، وترضيني

...وتستمر الحال ، بل وتقسو الاحداث ، ونقول الماسي ولا نخاف ، وذلك بعد انقلاب عام 1963 الدموى العاتي ... فينتخب الجواهري رئيسا للجنة الدفاع عن الشعب العراقي ، التي اتخذت من العاصمة التشيكية براغ مقرا لها ، مشاركا في العديد من فعالياتها التضامنية مع العراق المحتل بعثياً ... وقد كتب ما كتب تخليدا لكواكب الضحايا ، وانتصارا للحركة الوطنية المقارعة للارهاب ونيوب الجلادين ... ومن بين القصائد الغزيرة في  تلكم الفترة : "بغداد دارة المجد" و"سلاما الى اطياف الشهداء الخالدين" و" قلبي لكردستان " و" ايه شباب الرافدين"  و " بريد  الغربة "..... وقد كان الارق  في كل هذا وذالك وبينهما ،  نديماً اول ، وربما اوحد ، لشاعر الامة العراقية في غربته الاضطرارية ...

مرحباً : يا أيها الأرق ... فرشت أنساً لك الحدقُ
لك من عينيّ منطلق ، اذ عيون الناس تنطبق
لك زاد عندي القلق ، واليراع النضو والورق
ورؤى في حانة ِ القدر ، عتقت خمراً لمعتصِرِ
خفقت من حولي السرجُ .. في الربى والسوح تختلجُ
ومشى في الظلمة البلجُ ، وقطار راح يعتلجُ
بضرام، صدرهُ الحرجُ ، فهو في القضبان ينزلج
وكأنغام على وتر ، سُعلاتٌ ذبن في السحِرِ

... وفي عام 1968 يعود الجواهري الى العراق بعد انقلاب جديد وعد اصحابه ، البلاد والعباد  خيرا ... وتجددت له رئاسته لاتحاد الادباء ، وقد سعى من خلال سلطته الثقافية والاجتماعية  ، وشعره ، ومواقفه التنويرية ،  للاسهام  في محاولة تهجين السلطة، وحزبها وقياداتها ، او تأجيل انقضاضها مجددا على مصائر الوطن واهله .... وعلى تلكم الحال  ظل طوال اعوام ، وحتى اواخر السبعينات – اوائل الثمانينات ، ليعود ، وبعدما تكشفت مكامن الغدر ، وافتضحت مزاعم وادعاءات زعامات الدكتاتورية القمعية ،  الى المهجر البراغي من جديد ، مترفعاً  غاضباً  ،  ومجلجلا في قصائد عديدة ، وان اتخذت  في بعضها طابع الهموم  الخاصة  .... ونوثق هنا لامثلة مما كتبه في هذه الفترة ومنها : " شوقا جلال " و" ويا ابن الجنابي " و" برئت من الزحوف"  و" بغداد " و "صاح قلها ولا تخف "... وكذلك مطولته  " يا ابن الثمانين “ ومما جاء فيها من دفوعات عن الذات الجواهرية :

كم هزّ دوحَك من قزم يطاوله فلم ينلهُ ولم تقصر ولم يطلِ
وكم سعت امعاتُ ان يكونَ لها ما ثارَ حولك من لغوٍ ومن جدلِ

..... ويحل العام 1983 لينتقل الجواهري الى الشام ضيفا – سياسيا -  لدى الرئيس الراحل حافظ الاسد ، وحتى حيان الرحيل المؤسي عام 1997 .... مع التأرخة هنا الى ان الشاعر الخالد كان يتخذ من براغ  مضافة اخرى ، مناصفة مع الشام ، حتى عام 1991 ... ذلك الى جانب تلبيته ومشاركته في  العديد من الفعاليات الثقافية المهمة والزيارات الرسمية ، ومن بينها - على ما ندري- الى بولندا وليبيا والامارات والسعودية ومصر وايران والاردن ، حيث مُنح في بعضها اوسمة وجوائز تكريمية رفيعة..  

.... وهكذا دامت عقود المنافي والمهاجر الجواهرية  عقودا ثلاثة ، غاضبا ومغاضبا، ثائرا ، ومنورا طوالها ، مااستطاع الي ذلك سبيلا ... بل ومشاركاً في الرأي والموقف والكلمة الهادرة ، من اجل تحرير البلاد من القبضات الدموية ، وعلى طريق النهوض والارتقاء  
              مقاطع من قصائد الجواهري اعلاه على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2252131.html
                      مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com


184

 
الجواهري عن مآثر الإمام الحسين

   رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
بصوت هادر ٍ، ووضوح لا ينافس، يعلن الجواهري مواقفه ومفاهيمه في الإباء والشموخ والفداء، في فرائد عديدة، وقصيد زاخر بالابداع... وإذا ما اختلفت في الصورة والاستعارة، فهي متوحدة في المفاهيم ومباشرة في المقاصد... وفي مقابل ذلك تماماً، لم يجامل الشاعر الكبير أو يتهاون في هجو الخنوع والانحناء، وأولئك المقيمين على الذل، بل وحتى من يتوسط "كاللبن الخاثر"، وغيرهم من اللاجئين "لأدبار الحلول فسميت وسطاً، وسميّ أهلها، وسط
ولربما نجتهد، ونصيب، فنرى في قصيدة "آمنت بالحسين" المنشورة عام 1947، مجمعاً للشواهد والأدلة الأبرز عن تلكم المفاهيم الجواهرية المتميزة... فالمطولة ذات الستين بيتاً ونيف، تنضح منذ مطلعها، وحتى ختامها، بآراء ومقاييس بالغة الرفعة في تبجيل "الواهبين النفس" فداءً للمبادىء التي يؤمنون بها، وتلكم بلا شك التضحية الأضخم للدفاع عن القيم والذود عنها... كما يرى صاحب "آمنت بالحسين.
فـداء لمثـواك من مضـجـع ... تـنـوّر بـالابلــج الأروع ِ
ورعياً ليومـك يوم "الطفـوف" ... وسـقياً لأرضك من مصرع ِ
تعـاليت من مُفـزع ٍ للحتـوف ... وبـورك قبـرك مـن مَفزع ِ
وبدءاً من بيتها الأول يحدد الجواهري الاتجاه الذي يريد قوله في تضحيات الحسين الثائر و"نهجه النير" الذي بات "عظة الطامحين العظام" لاولئك "اللاهين عن غدهم" والقنوعين دون احتجاج وتمرد أو ثورة... كما يفيض عديد آخر من أبيات القصيدة بعواطف ومشاعر انسانية فائقة التعبير في تقديس الثبات والصمود لرجل يوم "الطفوف" و"الملهم المبدع" الثابت أمام "سنابك خيل الطغاة" دون خوف أو رهبة، وبهدف أن يحل "جديب الضمير بآخر معشوشب ممرع"...
شممتُ ثـراك فهب النسيم ... نسيم الكرامـة من بَلقـع ِ
وطفت بقبرك طوفَ الخيال ... بصومعـة المُلهـم المبدع ِ
تعـاليت من صاعق يلتظي ... فـان تـدجُ داجية ُ يلمـع ِ
وفي مقاطع أخرى من القصيدة يتمثل الشاعر مأثرة الحسين التاريخية، ويمحص الأمر دون أن يرتهب من "الرواة"، أو يخدع بما ينقلون، هادفاً للحقيقة لا غيرها، وبدون تزويق أو مبالغات... وبعد ذلك فقط، يجد الجواهري أن في فداء الحسين دفاعاً عن مبادئه، وقائع لا أعظم منها، وهو "أن يطعم الموت خير البنين"... ثم تعود القصيدة لتجدد في الختام تقديس ذلك الصمود والعطاء الذي "نوّر" من ايمانه، وفلسفته في الإباء والفداء والتي تجسدت، كما سبق القول، في الكثير من قصائده ومن بينها "بور سعيد 1956" و"كردستان ... موطن الأبطال 1962" و"فلسطين الفداء والدم 1970"، فضلاً عن قصــائد الوثبـة، الشـهيـرة، عــام 1948.
تمثلـتُ يومـك في خاطـري ... ورددت "صـوتك" في مسـمعي
ومحصـت أمـرك لم "ارتهب" ... بنقـل "الرواة" ولـم أخــدع ِ
ولما ازحـت طـلاء "القرون" ... وسـتر الخـداع عن المخـدع ِ
وجدتـك في صـورة لـم أُرعْ ... بـأعـظــمَ منهـا ولا أروع ِ
وللاستزادة، نقول أن القصيدة نشرت في جميع طبعات ديوان الجواهري، ومنذ العام 1951، وقد خُط خمسة عشر بيتاً منها بالذهب على الباب الرئيس للرواق الحسيني في كربلاء، كما أُنشدت، وتنشد، في مختلف المجالس والمناسبات الاحيائية لواقعة "الطف" التي تصادف كما هو معروف في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم، كل سنة....

مقاطع من " امنت بالحسين " بصوت الجواهري على الرابط التالي ...
http://origin.iraqhurr.org/content/article/1820956.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com


185
الجواهري...
ثلاثة عقود في المغتربات والمهاجر



رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com


  في مراجعات  زمنية ، سريعة ليس الا ، نحصي للجواهري حوالي ثلاثة عقود في متاهات  الغربة والاغتراب ، والمنفى ، وان لم يكن يحب استخدام تلكم الكلمة  الاخيرة اباء وشموخا وما بينهما  ... وتلكم العقود الثلاثة التي نؤرخ لها ،  موزعة – بحسب ما ندري -  على باريس والقاهرة وبراغ ودمشق بشكل رئيس ، دعوا عنكم محطات اخريات هنا ومثيلاتها هناك ، في عواصم ومدن عربية ، وعالمية ، شهدت هي ايضا اقامات مؤقتة للشاعر المغترب  – قسرا -  من هموم الدنيا الى فضاءات الذات ، والبدائل   المرتجاة.... ولن ندخل في مسارات  ذات صلة بما نوثق له من قبيل الغربة في بلاده العراقية حتى ...
 
    ومن الطبيعي والحال على ما عليها ، ان يعج  قصيد الديوان الجواهري العامر بالكثير والمتنوع  عن المعاناة ،  والهضيمة من الجحود ، والشوق والاشتياق ، وكذلك النقد الجارح والقاسي والمعبر ، لواقع وموروثات   واحداث وسلطات  ومسؤولين وشخصيات ، بل ومجتمع ونخب سياسية وثقافية وما الى ذلك ....
بماذا يخوفني الارذلون... ومما تخاف صلال الفلا
ايسلبُ منها نعيم الهجير ونفح الرمال وبذخ العرا
 بلى، ان عندي خوف الشجاع و طيش الحليم وموت الردى
متى شئت انضجت نضج الشواء ، جلودا تعاصت فما تُشتوى

  ... وهكذا نرى الشاعرالكبير يشد الرحال الى باريس ، ليقيم فيها  اكثر من ستة اشهرواخر الاربعينات الماضية ،  وليعود الى البلاد مهموما وناقدا  ، ومنها  غاضبا و"مهاجرا" عام 1951 الى القاهرة ، ملوعًا وملتاعا من لواعج ، وهموم البلاد ومجتمعها ...
... ومن القاهرة الى بغداد من جديد  ، ليعتقل فترة ويجامل حينا ويغضب ويغاضب  احايين ، سلطة ونخبا سياسية وثقافية وزعامات لا تحصى ...   ، ومن ثم ليعتزل "مزارعا " في احد ارياف مدينة العمارة عام 1955 ومنها الى دمشق- عام 1956 -  لاجئا سياسيا هذه المرة ، بعد قصيدة  شهيرة ، خلف وراءه فيها  غاشية الخنوع ، ليقبس جمرة الشهداء، وبكل عنفوان ..
.... ثم  يحل اوان العودة  الى البلاد والاهل والوطن ثانية  عام 1957....  وماهي غير برهة شهور وحسب ،  ويسقط الحكم الملكي ،  وتتأسس الجمهورية الاولى في الرابع عشر من تموز 1958... واذ بالمضايقات والشجون  تبدأ من جديد ، وتتوالى ،  ولتصل اى حد اعتقال الجواهري ،  وان لساعات ، وليُغرى بشتمه ، وتهدد حياته ، وهو صاحب المنصبين الثقافيين الابرزين في البلاد ، ونعني بهما :  رئيس اتحاد الادباء في العراق ، ونقيب صحفييه ...  وما كان امامه – كما تقول مذكراته -  غير الاحتراز بالرحيل ، منذرا بعواقب الامور ، وغاصاُ بحرقة الجحود ، وخاصة من اولئك " المتفيهقين " الذين لم تنفقئ خجلا عيونهم وهي ترى "وجه الكريم بكف وغد تلطم "... كما ثبت ذلك شعرا ، واضاف فيه :
انا صورة الالم الذبيح اصوغه ، كلماً عن القلب الجريح يترجمُ
ما كان ذنبي غير اني لم اطح ... اذ كل ثبت طائح متهدمُ
   ... وفي المحطة الاولى من زمان الاغتراب القسري التالي عام 1961 يتوقف الجواهري "الهارب"  من السلطة الجمهورية ، ليتوقف اياما في بيروت ويلقى تحية الوداع المجللة  للوطن واهله ، مخاطبا صديقه الشاعر اللبناني بشارة الخوري:
هل صك سمعك انني من رافدي بلا نصيبِ
في كربة وانا الفتى الممراح فراج الكروب...
... فاتيت لبنانا بجانحتين من ريح غضوب
مثل المسيح الى السماء وقد حملت على صليبى
... ومن بيروت ينتقل الجواهري  الى براغ ، مغتربه الجديد ذي السبعة اعوام ، لاجئا سياسيا ، مع عقيلته وابنتيه ، هادرا عام 1962 :
من لهم لا يجارى ولاهات حيارى
ولمطوي على الجمر سرارا وجهارا
من لناء عاف اهلا وصحابا وديارا
تخذ الغربة دارا اذ رأى الذل اسارا
.... ويواصل في مطولة تتجاوز المئة والعشرين بيتا ، توجز الشجون ، وتوصف حال البلاد واهلها ،  وتحذر وتنذر ، فيقول ،
ياغريب الدار لم تكفل له الاوطان  دارا
ليس عارا ان تولي من مسفين فرارا
جافهم كالنسر اذ يأنف ديدانا صغارا

  و هكذا تستمر معاناة الوحشة ومشاعر الحنين وقسوة الاغتراب، كما والقلق على مستقبل البلاد والال ، سنوات وعقودا تالية  ... وذلك ما نعد ان نتابعه في كتابات تالية
مقاطع شعرية بصوت الجواهلري على الرابط التالي
  http://www.iraqhurr.org/content/article/2238986.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com




186
من تسعينات  الجواهري في براغ  والرياض
والقاهرة وطهران ودمشق

  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
مثلما كانت الحال عليه في عقود حياته الثمانية السالفة، حفلت تسعينات الجواهري بالكثير والجديد من الشعر والرؤى والمواقف، وخاصة تجاه ما كانت تشهده البلاد العراقية من أوضاع مأساوية وهموم وشجون لا تحصى، في ظل سلطة الحروب والشوفينية والارهاب..                                                                                                                           
وعلى مدى الأشهر الأخيرة من العام 1990، والأولى من العام 1991، انصب جل اهتمام الشاعر والرمز الوطني بتداعيات الغزو الصدامي للكويت، والحرب التي شنت لانهاء احتلالها،  ثم ما آلت إليه الأمور جراء تلكم الاحداث من شجون وشؤون ... وقد شارك الجواهري بُعيد انتهاء الحرب في مؤتمر لقوى وشخصيات عراقية معارضة، انعقد في بيروت ربيع عام 1991 وسجل حضوره تلك الفعالية التاريخية ،ووفقا لشهود ومشاركين يُعتد بآرائهم، أكثر من مؤشر مهم وبارز، استمرارا للمواقف الجواهرية  الوطنية والسياسية المعهودة ، طوال حياته المديدة   :                                                                                                                       
يتبجحون بان موجا طاغيا .... سدوا عليه منافذا ومساربا
خسئوا فملء فم الزمان قصائدي ... ابدا تجوب مشارقا ومغاربا
تستل من لظفارهم وتحط من اقدارهم وتفل مجدا كاذبا
انا حتفهم الج البيوت عليهم اغري الوليد بشتمهم والحاجبا
... وفي الأعوام الثلاثة الأولى من تسعينات القرن الماضي، وهن تسعينات الشاعر في آن، استمر الشيخ الجليل في اللااستقرار على أبسط وصف، متنقلاً بين عواصم شتى من بينها بودابست التي أقام فيها بضعة أشهر... فضلاً عن مستقريه في دمشق، بضيافة رئاسية كريمة ، وبراغ – مزهر الخلد – بحسب قصيده ، وقد غادرها لآخر مرة في خريف العام 1991 إلى العاصمة السورية، ومنها إلى لندن ليقضي فيها أسابيع قليلة، نكب خلالها برحيل زوجته "آمنة- أمونه " والذي كان لوقعه أبلغ الأثر والتأثير في حياة الجواهري ،و طيلةاعوامه القليلة اللاحقة ....ووما قاله في رثائها :

ها نحن" امونة " ننأى ونفترق...والليل يمكث والتسهيد والحرق
وخلال العامين 1992 – 1993 لبى الجواهري الكبير زيارات ودعوات قيادات رسمية وثقافية عديدة: إلى طهران حيث نظم له برنامج حافل شمل لقاءً مع المرشد الأعلى الايراني علي خامنئي، وإلى أبو ظبي، لتسلم جائزة العويس الخاصة به، ثم إلى الرياض  واللقاء مع ولي العهد السعودي آنذاك :عبد الله بن عبد العزيز ، بمناسبة فعاليات مهرجان الجنادرية السنوي... وكذلك  إلى القاهرة للمشاركة في مئوية "دار الهلال" واستقباله من الرئيس حسني مبارك، ومنها إلى عمان بضيافة العاهل الأردني الراحل، الملك الحسين بن طلال  ، وقد القى هناك لامية فريدة، جرى لاحقا تلحينها في سيمفونية باهرة 
.... كما يوثق  لنا سجل الجواهري الشعري في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي، وحتى آذار 1994 تحديداً، ثماني قصائد وقطع شعرية في الأخوانيات والرثاء والمناسبات التي تطرقنا إلى بعضها في السطور السابقة، ومنها داليته في مئوية دار "الهلال" المصرية العريقة  عام 1992 وقد القى مقاطع منها في دار الاوبرا بالقاهرة  .... ومن ابياتها
يا "هلال" الفكر في العيد السعيد ، هكذاظل مضيئا الف عيد
مئة منك ، ولي تسعون منها ، داعيات لك بالعمر المديد
أخيراً، وفي هذه التارخة  الموجزة لتسعينات الشاعر الكبير، تجدر الاشارات السريعة أيضا الى تقليده الوسام الملكي الأردني عام 1992 ومنحه جائزة "رابطة احياء التراث العربي" في استراليا لعام 1993.. كما ونوثق ايضا  الى  اقامة حفل حاشدللجواهري  في دمشق عام 1995 بمناسبة تكريمه بالوسام السوري الأرفع  ... ثم لتبدأ بعد ذلك بأشهر معدودات مخاضة  "الموت اللئيم" و"طيفه" وحتى السابع والعشرين من تموز عام 1997... تاريخ الرحيل المؤسي.
                                  مقاطع بصوت الجواهري الكبير على الرابط ادناه
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2232261.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ         
www,jawahiri.com



187
الجواهري عن حسان لبنان ،ومشاركته في مؤتمر المعارضة العراقية 1991
 رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
قبل بضعة ايام، وحسب ، حملنا  "منقاراً وأجنحة" أخف ما لمَّ من زاد ٍ اخو سفر، لنعبر الحدود إلى بيروت، راحلين إليها من دمشق التي ودعتنا فيها  السيدة ناديا ، حفيدة الشاعر العظيم ، وقد راحت – شاءت أم أبت –  اخر ركيزة للعائلة الجواهرية المستقرة  في بلاد الشام ، حالياً على الأقل... وهي التى حظيت – ولربما وحدها من الأحفاد  على ما نعلم – بقصيدة نادرة، ومعبرة من الشاعر العظيم عام 1988  ، ومن  ابياتها :
يا ناديا  الزهر الندي ... يا قطعة ً من كبدي...
يا ناديا  يا نغما، حلّى شفاه المنشد
جدك "ربّ الشعر" قد ضاق به، فانجدي
والخصل البيض اندلت، من شعره فمسدي
... واذ نتجاوز الحدود السورية بمسافة قصيرة  ، مع احباء واصدقاء  تلوح امامنا فضاءات لبنان ، وصورة  جنانه التي رسمها، ولونها الجواهري بأكثر من قصيدة، ومنذ العشرينات : سهولاً وجبالاً وبحراً ومجتمعاً وناسا، دعوا عنكم الوقائع الثقافية والسياسية وما إليها، وبينها... ومن الشواهد على ما نقول فرائده : لبنان في العراق خلال العشرينات الماضية ووادي العرائش وشاغور حمانا في الثلاثينات وبنت بيروت واخي الياس في الاربعينات وعبد الحميد كرامي في الخمسينات ولبنان ياخمري وطيبى في الستينات ...
 ثم نستريح قليلاً في محطة أولى عند  منطقة الروشة  في وسط بيروت ، والتي طالما حدثنا الجواهري  عن حبه لها ،  ولمقاهيها  التى تداعبها بافتتان وتغازلها بعشق  ، موجات البحر المتوسط، الساحر والهادر في آن ، وهو ذاته البحر  الذي ناجاه الشاعر الخالد، وان من موقع آخر، حين كان على سواحله في أثينا عام  1977:
سجا البحر وانداحت رمتل  ندية ولوح رضراض الحصى والجنادلِ
وفكت عرى عن موجة لصق موجة تماسك فيما بينها كالسلاسل
وسدت كوىً ظلت تسد خصاصها عيون ضباء أو عيون مطافل ِ
ولفّ الدجى في مُستجد غلالة ٍ سوى ما تردى قبلها من غلائل
سوى ما تردى من مفاتن سحرة وما جر فيها من ذيول الأصائل
وما حمل "الاصباح" شرقاً إلى الضحى من الورق النَديان أشهى الرسائلِ
... ونزور فضائية "السومرية" في بيروت لنلتقي عدداً من كادرها البارز  ومنهم  : امجد اسكندر وتوني بولص ، وليتطرق الحديث الى اللمسات الاخيرة  لمسلسل " الجواهري... كبرياء العراق" وصاحبه انور الحمداني ، والذي ينتظر ان تبثُ أولى حلقاته خلال أيام قليلة، لتكون – على ما نزعم – منطلق أول عمل ،  درامي – توثيقي ، عن ابن الرافدين ، الذي خبط الدنى والناس طَراً، وآلى ان يكونهما فكانا... و بحسب ما ندري- ايضا - فقد صُورت أجزاء مهمة من ذلك العمل الفريد  في مناطق لبنانية شهيرة.
... وفي وسط بيروت عاشقة الفرح والمزدانة به برغم كل الآلام، نستذكر ، ونحن بين اللبنانيات الساحرات جمالاً وغنجاً ، ما كتبه عنهن الجواهري، عام 1947...
ناغيتُ لبناناً بشعري جيلا ، وظفرته لجبينه اكليلا
وحسان لبنان منحت قصائدي ، فسحبنهنّ كدلهنَّ ذيولا
أهديتهن عيونهنّ نوافذاً ، كعيونهن اذا رميّن قتيلا
ورجعت ادراجي اجر غنيمة من بنت بيروت جوى وغليلا
لُعن القصيدُ فأي مثر شامخ سرعان ما استجدى الحسان ، ذليلا
ولعلّ واحدة ممن عناهن القصيد السابق عن الفاتنات ، تلكم السيدة  التي تزوجها الجواهري أواسط الأربعينات، من عائلة بيضون  اللبنانية السورية الكريمة... وقد كتب نجل الشاعر، الدكتور فلاح في ذكرياته المنشورة عام 2009 عن علاقة ابيه، الخمسيني، او يكاد انذاك  ، بعروسته الشابة:
"لم أر  والدي، ولا في أي يوم في بيتنا بمثل هذا المرح والانطلاق، فوجهه اما ضاحك أو مبتسم أو على الأقل ينضح بالرضى... مليء بالحيوية والنشاط... يعبث كثيراً مداعباً أو ممازحاً... ولم يترك تلك "الحورية "  وحدها إلا ما ندر..."
    اخيرا نوثق ان اخر زيارة للجواهري الى بيروت كانت عام 1991 للمشاركة في مؤتمر تاريخي عقدته ستة فصائل عراقية معارضة للدكتاتورية والحرب والارهاب ، وقد كان الشاعر العظيم ، ووحده ، فصيلا اضافيا ،سابعا، بين المجتمعين ، بحسب رموز  سياسية بارزة  شاركت في ذلكم المؤتمر  ...ثم ، عاد الشاعر الخال لعاصمة السحر والجمال مرات ومرات ، منذ رحيله  عام 1997 والى اليوم  : حفلا تابينيا ، وقل احتفائيا ، وكتابات وبحوثا وذكريات ، من  شعراء وادباء ومبدعين  ومؤرخين ، وكذلك ديوانا كاملا بخمسة اجزاء اخرجه الفنان المبدع عباس الكاظم عام 2000 .... والبقية تاتي ،كما يقال...

     مقاطع بصوت الجواهري من القصائد اعلاه .. على الرابط التالى
http://www.iraqhurr.org/content/article/2225542.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com      



188
الجواهري في يوميات سورية راهنة
رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
 

ضريح الجواهري في دمشق

توقفنا في كتابة سابقة بعض محطات في دمشقيات الجواهري التي امتدت مساراتها لنحو ثمانية عقود، على ما يحدثنا به الديوان العامر على الأقل... ونعود اليوم مرة ثانية، وليست أخيرة بالتأكيد، لندور حول "سوريات" جواهرية راهنة تحفل بعبر ومؤشرات لها أكثر من مغزى...
... ها نحن في مطار العاصمة السورية فجر الخامس من تشرين الثاني الجاري، في سفرة اطلاع وعمل قصيرة، ونفاجيء هناك بترحيب خاص يشيعه ضابط الجوازات بعد ان اطلع على تأشيرة الدخول والمعلومات الواردة في قسيمتها، وليقول: ذا وطنكم الثاني، ان لم يكن الأول... فالجواهري رمزنا المشترك، سورياً وعراقياً، بل وعربياً حتى...
... وإذ نقضي سويعات سريعة في مقهى "الهافانا" وسط دمشق، يداهمنا شيخ أنيق، مدمن على المكان كما قال، ليكتشف عراقيتنا دون كثير عناء، وليتحدث عن ذلكم الصالون الثقافي الشهير ورواده من شعراء العراق الأبرز، ممن كانوا يعمرون جلساتهم، مع الناركيلة الشامية الشهيرة وفي مقدمتهم الجواهري ، في الأربعينات والخمسينات،وخلالها وبعدها : احمد الصافي النجفي وعبد الوهاب البياتي والفريد سمعان وصادق الصائغ وسعدي يوسف وعبد الكريم كاصد وعواد ناصر ومظفر النواب ورياض النعماني وأقرانهم  ،أدباء وفنانين وغيرهم... وذلكم هو الجواهري يوثّق ما نحن بصدده، مخاطباً دمشق:
شممتُ تربك لا زلفى ، ولا ملقا ...وسرت قصدك لاخبّاً ، ولامذِقا
وما وجدتُ إلى لقياك منعطفا إلا إليك ، ولا ألفيت مفترقا
وكان قلبي إلى رؤياك باصرتي حتى اتهمت عليك العين والحدقا
شممتُ تربك أستاف الصبا مرحا ، والشمل مؤتلفاً ، والعقد مؤتلقا
وسرت قصدك لا كالمشتهي بلداً، لكن كمن يتشهّى وجه من عشقا
... ويأخذنا ضحى نهار تال ٍ ، يعبق بعطر الشام وعبير حسان منطقة الصالحية الدمشقية الشهيرة ، لنصل إلى ساحة السبع بحرات، وسط العاصمة أيضاً، لندور حوالي شقة الجواهري هناك، قبل أزيد من نصف قرن بقليل، وفي عامي 1956 و 1957 تحديداً، ولتعود بنا الأيام إلى عهد الصبا، "لو طللٌ سمع الشكوى، ولو ميت وعى"... مستذكرين، اقامتنا في تلكم الشقة، مع الشاعر العظيم ، لفترة وجيزة ماانفكت  اطيافها  ترسخ في القلب  قبل العقل ، وكأنها بنت اليوم... ولنردد معه
دمشقُ عشتك ريعاناً وخافقة ، ولمّة، والعيون السود والأرقا
وها أنا ويدي جلدٌ وسالفتي ثلجٌ ، ووجهي عظمٌ كاد أوعُرقا
وأنت لم تبرحي في النفس عالقة ، دمي ولحمي والأنفاس والرمقا
تموجين ظلال الذكريات هوى وتسعفين الأسى والهمّ والقلقا
... وفي ليلة لاحقة، ندعى بصحبة أحباء وأصدقاء ، ومن بينهم صاحب الفضائية العربية التشيكية ، محمد عباس ، إلى درعا، المدينة السورية الحدودية مع العراق، وباستضافة بعض الوجهاء هناك، وإذ بالفنان المبدع سعدون جابر قادم بكل شوق ليشاركنا الأمسية: ذكريات بغدادية تمتد لأكثر من ثلاثين عاماً، وألحاناً شجية، وعواطف عامرة بالحنين ... ثم يحضر الحديث عن الجواهري، كالعادة، شاعراً ورمزاً، وليتوقف عند بعض قصور، أو تقصير فناني البلاد العراقية في استلهامهم لقصيد ابن الفراتين، الوطني أو الوجداني أو العربي، وان كانت بعض الاستثناءات هنا لحميد البصري، وفؤاد سالم، وجعفر حسن، وفريدة، وسالم حسين، وأخيرا – على درايتنا – الفنانة: بلقيس فالح.
ثم، وكما هي العادة في زياراتنا التقليدية لدمشق، يحلّ الوقت الأصعب، وهو زيارة ضريح الجواهري، وشقيقته نبيهة ، وزوجته امنة ، في تربة الشام، جوار مقام السيدة زينب، لتحتشد العواطف والذكريات عن عقود ستة، مابرحت تغني النفس، وتجدد العطاء... ثم نختتم زيارة الحفرة – البرج المرموق جانبها، والتي صارت رمزاً، وذلك  بقراءة ما اختتُمت به شاهدة التعريف بالمقيم الخالد:
هنا يرقد الجواهري، بعيداً عن دجلة الخير...
  ثم ،ليعلو  هدير دون تخطيط مسبق :
حَيّيتُ سفحَكِ عن بُعْدٍ فحَيِّيني  ، يا دجلةَ الخيرِ ، يا أُمَّ البساتينِ
حَيّيتُ سفحَك ظمآناً ألوذُ به ، لوذَ الحمائم بين الماءِ والطين
يا دجلةَ الخيرِ يا نبعاً أفارقُهُ ، على الكراهةِ بين الحينِ والحين
إنِّي وردتُ عُيونَ الماءِ صافية ، نَبْعاً فما كانت لتَرْويني…
يا دجلةَ الخيرِ : قد هانت مطامحُنا ، حتى لأدنى طِماحٍ غيرُ مضمون
أتَضْمنينَ مَقيلاً لي سَواسِيةً ، بين الحشائشِ أو بين الرياحين؟
خِلْواً من الهمِّ إلاّ همَّ خافقةٍ ، بينَ الجوانحِ أعنيها وتَعنيني
تهزّني فأجاريها ، فتدفعني ، كالريح تعجل في دفع الطواحين

للمزيد ، وبصوت الجواهري ، على الرابط التالى
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2219176.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiricent.com


189
الجواهري عن زعماء ومشاهير واعلام


  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com 
عشرات من الوقائع والشؤون والأسماء يوثق لها الجواهري في قصيده المترامي، ذي الخمسة والعشرين ألف بيت، في هذه المناسبة أو تلك : تمجيداً، أو استذكاراً، أو احتفاء...كما وأدانة وانتقاصاً ...وما بين  ذلك وهذا، كثير ومتنوع...
... وشأننا في هذه الحلقة من الايقاعات والرؤى، وقفات عند بعض ذلك القصيد الجواهري العامر الذي يُعنى ويتوقف ، بشكل مباشر ، عند اعلام "خلّدهم" التاريخ ، بهذا النحو  او  ذاك ، ويا للزمن  من شاهد عدل عزوف عن الرياء...
... ولكي نستبق التساؤلات حسنة النية، أو سواها، دعونا نصرّح ان ما سيأتي من الشواهد ذات الصلة، إنما يفرضها ما يتوفر لنا من مقتطفات بصوت الجواهري حول ما نحن هادفون له في مثل هذا التوثيق الموجز... وبحسب سياق تاريخي، لا غير... مرددين مع صاحب الأمر:
 يموت الخالدون بكل فج ٍ ويستعصي على الموت الخلودُ...
ففي عام 1944 يُسرى برفاة العلامة المصلح النهضوي الرائد جمال الدين الأفغاني من مصر إلى أفغانستان، عبر بغداد ، فيعتلي الجواهري المنبر بتلك المناسبة ليلقي مطولة شابك فيها، كعادته، الخاص بالعام، فدوت تتناقلها الأجيال، وراح يخاطب في مفتتحها الأفغاني بالقول:
هويتَ لنصره الحق السُهادا ... فلولا الموت لم تطق الرقادا
ولولا الموت لم تترك جهاداً ... فللت به الطغاة ولا جلادا
فزد بالفكر في خَلَد الليالي ... وجُل في الكون رأياً مستعادا
وكن بالصمت أبلغ منك نطقاً ... وأورى في محاججة زنادا
فان الموت اقصر قيد باع ٍ ... بان يغتال فكراً واعتقادا
... كما وفي العام 1944  ذاته ، يدعى الجواهري للمشاركةفي احتفاء كبير بذكرى المعري في دمشق ، وبحضور ومشاركة جمع مختار من الرسميين والمبدعين، وفي مقدمتهم د. طه حسين... ومن بين أبيات قصيدته في الاحتفال ، المسجلة لدينا بصوت الشاعر الكبير عام 1979:
قف بالمعرة ِ وامسح خدها التربا، واستوحي من طوق الدنيا بما وهبا
واستوح من طبب الدنيا بحكمته ، ومن على جرحها من روحه سكبا
على الحصير وكوز الماء يرفده، وذهنه ورفوف تحمل الكتبا
اقام بالضجة الدنيا واقعدها ، شيخ أطلّ عليها مشفقاً حدبا
لثورة الفكر تاريخ يحدثنا بأن ألف مسيح دونها صلبا
... أما في عام 1977 فيشارك الجواهري في مهرجان حاشد ببغداد احتفاء بألفية المتنبي العظيم "صديقه، وجاره"، بحسب ما صرح به في أكثر من مناسبة، ويلقي نونية عصماء بأكثر من ثمانين بيتاً وجاء مطلعها:
تحدى الكون واختزل الزمانا فتى لوى من الدهر العنانا
فتى دوى مع الفلك المدوي فقال كلاهما : انا كلانا...
فيا ابن الرافدين ونعم فخرٌ ، بأن فتى بنى الدنيا فتانا
ويا ابن الكوفة الحمراء وشى ، بها سمط اللالئ والجمانا
بحسبك ان تهز الكون فيها ، فتستدعي جنانك واللسانا
وان تعلو بدان ٍ لا يُعلى ، وان تهوي بعال ٍ لا يُداني
فماذا تبتغي أعلوَ شان ٍ ، فمن ذا كان أرفعَ منك شانا

... وهكذا ظل الجواهري شاعر القرن العشرين بحسب د. جليل العطيه، أو ديوان العصر، وفقاً للأستاذ حسن العلوي، موثقاً لوقائع محددة ، زماناً ومكاناً ومناسبةً ، كما ومستذكراً بالقصيد المدوي  شخصيات وادواراً  ، ومواقف معرّفةً باحداثها ووقتها : رؤساء وملوك وزعماء ومبدعين ومشاهير ، نحصي من بينهم، مع حفظ الألقاب والمواقع: فيصل الأول والخالصي وعبد المهدي المنتفكي وغاندي واحمد شوقي والبحتري وفيصل آل سعود والزهاوي وجعفر ابو التمن وياسين الهاشمي وستالين والمازني وفيصل الثاني ومعروف الرصافي وعبد الكريم قاسم والأخطل الصغير ومصطفى بارزاني وجمال عبد الناصر واحمد البكر والحسن الثاني وحافظ الأسد وجلال طالباني وسلطان العويس والحسين بن عبد الله... وجمعاً غزيراً آخر من الأقران.
... وأخيراً نقول ان ثمة المزيد من التأرخة والتوثيق و" التخليد " في الديوان الجواهري ، وبالنقد والقسوة والادانة هذه المرة ، لشخصيات وزعماء ومشاهير، وغيرهم، وبصراحة مباشرة حيناً، أو تورية في أحايين أخرى ، ونأمل ان تكون موضع اهتمام وحديث لاحق.
مقاطع بصوت الجواهري من القصائد اعلاه ، على الرابط التالي
http://www.iraqhurr.org/content/article/2212588.html

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
http://www.jawahiri.com




190
هل الجواهري حقاٌ مجمع الأضداد؟؟؟؟

رواء الجصاني
jawahiricent@ahoo.com
حول واحد من بين سبعة وثلاثين مؤلفاً عن بعض عطاء وحياة ابن الفراتين تضمها مكتبة مركز الجواهري في براغ، لأدباء وونقاد ومؤرخين عراقيين وعرب، صدرت في العقود الخمسة الماضية، تجيء هذه الكتابة لتتحدث عن كتاب نزعم أن فيه تميزاً في نواحٍ عديدة... ولاشك فإن علينا تبيان ذلك التميز، لكي نبرر أسبقية الاختيار...
... وذلك المؤلَف الذي نعني يحمل عنوان "الجواهري مجمع الأضداد" لكاتب وباحث فلسطيني وقور، من مدينة حيفا، هو د. سليمان جبران، وقد صدر في طبعة أولى عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر اللبنانية عام 2003... وللمؤلف بعد هذا الكتاب، وقبله، دراسات وبحوث عديدة في مختلف قضايا الشعر والشعراء، والأدب العربي عموماً، وجميعها يشهد لها بالكفاءة والمستوى الأكاديمي الرفيع...
ويشمل المؤلف هذا ثلاثة فصول رئيسية بحسب بعض اللغويين، أو رئيسة بحسب بعض آخر، موزعة هي الأخرى على محاور متعددة، في بطون ثلاثمئة صفحة من القطع الكبير تتداخل فيها، وخلالها، محطات في تاريخ الجواهري ، وقراءات من شعره ومواقف نقدية، وتطبيقية، واستنتاجات وخلاصات جهد المؤلف أن تكون واضحة وموضوعية، وبمنهجية ملموسة... وقد شملت مقتطفات من قصائد عدة، ومن بينها  قصيدة المحرقة المنشورة عام 1931 والتي تقول مقدمتها:
احاول خرقاً في الحياة وما اجرا ، وآسف ان امضي ولم ابق ِ لي ذكرا
ويؤلمني فرطُ افتكاري بأنني، سأذهب لا نفعاً جلبت ولا ضُرا
مضت حجج عشر ونفسي كأنها، من الغيظ سيل سُد في وجهه مجرى
خبرت بها ما لو تخلدت بعدَه ، لما ازددت علماً بالحياة ولا خُبرا
وابصرتُ ما اهوى على مثله العمى واسمعتُ ما اهوى على مثله الوقرا
وقد ابقت البلوى على الوجه طابعاً ، وخلفت الشحناء في كبدي نغرا
الم ترني من فرط شك وريبة ، أرى الناس حتى صاحبي نظراً شزرا
اقول اضطراراً قد صبرت على الأذى ، على انني لا اعرف الحر مضطرا
وما انت بالمعطي التمرد حقه ، اذا كنت تخشى أن تجوع ، وان تعرى
وعدا ذلك، وغيره، جاءت مقدمة الكتاب جامعة في تكييف وعي القاريء وتهيئته، وهو على أبواب "مجمع الأضداد" في حياة وشعر الجواهري، بما له، وعليه. وجاء في خاتمة تقديم المؤلف د. جبران:
"برغم اعجابنا الذي لا يخفى بشاعرية الجواهري، حاولنا تناول سيرته وشعره بموضوعية وتجرد، وعسى أن تساهم هذه الدراسة في التعريف بتلك الشاعرية الفذة، ومكانتها في تاريخ الشعر المعاصر".
... ترى هل وفق هذا الإيجاز في تبرير أسبقية اختيار مؤلف "مجمع الأضداد" للحديث عنه أولاً، وبما لا يثير عتاب أساتذة، وأصدقاء وزملاء وغيرهم؟!... نتمنى ذلك، وسنتابع بالتأكيد الحديث، في مناسبات لاحقة عن مؤلفات متميزة أخرى عن الجواهري، لكتاب وباحثين معروفين ومرموقين، متنوعي الاتجاهات والتوجهات والمناهج، ولكل منها أسلوبه وطبيعته وأهدافه... ولربما نعرج في حينها لننقل أيضاً لمحات من انطباعات الشاعر الخالد عن بعض تلكم المؤلفات، بل وحتى شيئاً من آرائه بأصحابها، القاسية أحياناً حد الاتهام بالدوافع التي كانت وراء اصدارها، وفقاً لتصوراته وتقييماته الخاصة على الأقل... وقد تحدث بها لنا، ولشهود عيان مقربين، بل وعلناً عن قسم آخر منها... ولسان حاله يقول:

يا نديمي امس اقتنصت طريداً، شاعراً كان يستضيف البيدا
كان هماً ، وكان صُلباً حديدا ، يملاً القفر موحشاً ، تغريدا
قلت من ؟ قال شرط أن لا تزيدا ، أنا أدعى : مسافراً ويزيدا
من بلاد ٍ أعدت على القرودا ، ونفتني ، وكنت فيها النشيدا
* * *
وتولى عني، فظلت مليا ، في قرود ٍ مفكر ، ونشيد ِ
وعلى انه أجاد الرويّا ، لم أجد في رَويِّه ِ من جديدِ
كان قلباً غضاً ، وفكراً طريا ،شاءه الحظُ في مزاحف دود
كل طير "مسافرُ بنُ يزيدِ" ، حين يغدو فريسة ً لقرود ِ
بقى ان نوثق أيضاً ان د. جبران قد حط في براغ قبل نحو عامين زائراً، وليطلع على بعض محطات في حياة الجواهري في عاصمة بلاد التشيك، التي أطالت الشوط من عمر شاعرنا بحسب قصيده... وقد نظمت للزائر الجليل ندوة عامة تحدث فيها عن مؤلفه "مجمع الأضداد" موضوع هذه الحلقة، وعن شؤون ٍ وقضايا ثقافية وأدبية كانت محط اهتمام كبير من الحاضرين...

للمزيد ، وبعض المقطوعات بصوت الجواهري الكبير ، على الرابط االتالي
 
http://www.iraqhurr.org/content/article/2205774.html
مع تحيات مركزالجواهري في براغ
www.jawahiri.com

191
حوار نادر مع الجواهري عن النجف والبدايات والمرأة… والقصائد الأعز


الجواهري في العشرينات


    رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
في حوار نادر مع الجواهري أجراه تلفزيون دولة الكويت قبل أزيد من ثلاثة عقود، وفي عام 1979 تحديداً، تحدث الشاعر الخالد عن بعض خضم ذكرياته البيتية ، وبدايات انطلاقاته، و"قرزمته" الشعر بحسب تعبيره... وكذلك عن خشيته من النشر أول الأمر، وحين بعث سراً، وباسم مستعار، أولى قصائده، إلى صحف بغداد، وكاد يطير فرحاً عندما نُشر له، مع وسمه بنابغة النجف، وهو لم يتعد العشرين عاماً آنذاك...
وشمل الحوار الذي أدارته مع الجواهري ، الكاتبة والأديبة الكويتية المعروفة: ليلى العثمان دور البيئة، والبيت، في تعميد موهبته ، والدور  الذي لعبه في ذلك :شقيقه الأكبر عبد العزيز وابن عمته علي الشرقي، وهما أديبان وشاعران كما وعالما دين متميزان.
... كما وتوقف الجواهري خلال بعض الحوار على القصائد الأعز لديه، وأبرزها المقصورة، وعن جمال الدين الأفغاني ، وفي حفل استذكار المعري بحضور د. طه حسين عام 1944 وقال بشأن ذلك...
اما عن المرأة : أماً وأختاً وزوجة ونديماً... فقد جدد الجواهري خلال الحوار تعظيمه لهنّ، ولكل النصف الثاني ، او الاول ، ، الذي يبقى الأجمل والأهم في الدنيا، ولا يتكامل الوجود بدونه، بحسب رأي شاعرنا، والذي لم يبرح التأكيد عليه…  أخيرا، نتمنى ان نعود في كتابة قادمة، لنقتطف المزيد من مجريات ذلكم الحوار التاريخي، والنادر عن بعض محطات الجواهري الخالد: الحياتية والشعرية وما بينهما… وهو كثير كثير على ما نزعم دائماً…
        مقاطع من  ذلك الحوار بصوت الجواهري ، على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2199140.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ 
www.jawahiri.com




192
الجواهري في : "أي طرطرا ... تطرطري"

  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
في عام 1946 ينشر الجواهري قصيدته الذائعة الصيت "أي طرطرا ... تطرطري" في أجواء احتقان سياسي واجتماعي متعاظم في البلاد، قد يقارنه البعض بسوء، او بحسن نية، مع كثير من الوقائع التي يعيشها عراق اليوم... وكأن التاريخ يعيد نفسه بعد أزيد من ستين عاماً...
أي طرطرا ، تطرطري .. تقدمي ، تأخري
تشيعي ، تسنني .. تهودي ، تنصري
تكردي ، تعربي .. تهاتري بالعنصر
تعممي ، تبرنطي .. تعقلي  ، تسدري
تزيدي ، تزبدي .. تعنزي ، تشمري
في زمن الذرّ إلى بداوة تقهقري
وان كان المقطع السابق تناول تورية ً ومباشرة ً شخصيات البلاد المؤثرة آنذاك، ونال منها في مناح سياسية معلومة، يعود الجواهري في سياق القصيدة ذات الأكثر من ثمانين بيتاً ، لينتقد الأوضاع الاجتماعية والمدنية وغيرها، وبشكل قاس ٍ لحدود بعيدة... ولربما تسود هنا ومن جديد مقولة: ما أشبه الليلة بالبارحة في الكثير من الشجون، والشؤون العراقية ... وتباً للمتسببين :
أي طرطرا تطرطري .. وهللي ، وكبري
وطبلي لكل من يُخزي الفتى ، وزمري
وعطري قاذورة ، وبالمديح بخري
والبسي الغبي والاحمق ، ثوب عبقر
وافرغي على المخانيث دروع عنتر
طولي على "كسرى"، ولا تُعنيّ بتاج "قيصر"
... شامخة شموخ قرن الثور بين البقرِ
وبحسب ما ندعي، ومعنا غزير من المتابعين ، فان الرائية الجواهرية هذه قد حظيت بجماهيرية لا حدود لها، وحتى عند النخب السياسية التي عنتها أبيات القصيد فراحت امثلة على ألسن الناس، وكأنها تنطق باسمهم، وتكشف احوالهم، وأوضاع البلاد السائدة حينئذ ٍ، بكل التفاصيل والعناوين... ولم يضاهها في الشعبية والانتشار، كما نزعم ثانية، سوى تنويمة الجياع التي نظمها الشاعر الخالد عام 1951 والتي فيها الكثير من الموحيات والمتشابهات مع "طرطريته" الشهيرة:
نامي جياعَ الشَّعْـبِ نامي ، حَرَسَتْكِ آلِهـة ُالطَّعـامِ
نامي فـإنْ لم تشبَعِـي مِنْ يَقْظـةٍ فمِنَ المنـامِ
نامي على زُبَدِ الوعـود يُدَافُ في عَسَل ِ الكلامِ
نامي تَزُرْكِ عرائسُ الأحلامِ فـي جُـنْحِ الظـلامِ
تَتَنَوَّري قُـرْصَ الرغيـفِ كَـدَوْرةِ البدرِ التمـامِ
نامي تَصِحّي! نِعْمَ نَـوْمُ المرءِ في الكُـرَبِ الجِسَامِ
نامي إلى يَــوْمِ النشورِ ويـومَ يُـؤْذََنُ بالقِيَـامِ
نامـي على المستنقعـاتِ تَمُوجُ باللُّجَج ِ الطَّوامِي
نامي على نَغَمِ البَعُوضِ كـأنَّـهُ سَجْعُ الحَمَامِ
وعلى ما نرى أيضاً فان ديوان الجواهري العامر لا يشمل كثيراً  على مثل تيّنك الفريدتين، وان جاءت أبيات بعض القصائد الأخرى، حاملة بهذا القدر أو ذاك من السخرية الجادة الكثير والمؤثر... ومن بينها في "عبادة الشر" (عام 1933) ومطلعها: دعْ النبلَ للعاجز ِ القـُـعدد ، وما اسطعتَ من مغنم ٍ فازددِ ... أو تلكم الموجهة إلى الملاكم الدولي الأشهر في حينه، أواسط السبعينات، محمد علي كلاي وخاطبه فيها قائلاً: شِسْعٌ لنعلك كل مَوهبة، وفداء زندِك كل موهوبِ ...
وللمزيد، نوثق هنا، إلى ان رائية طرطرا الشهيرة قد جاءت على وزن القصيدة الدبدبية القديمة المعروفة "أي دبدبي، تدبدبى ... أنا عليّ المغربي"... وعلى ما ندري فثمة أبيات عديدة أخرى في "طرطرية "الجواهري حُجبت عن النشر، في ديوانه على الأقل، لأنها شملت أسماء صريحة، لعدد من القادة والزعماء السياسيين آنذاك، وقد عرف بعضهم بها، فتوسط، وترجى، بعدم النشر... وقد استجاب الشاعر لذلك بعد مماطلات، مقصودة على ما نعتقد...
... وختاماً ، دعونا نستمع سوية لمقطع ثالث وأخير من "اي طرطرا" الجواهرية ، وفيها ، وكالعادة ،من العبر ، ما يفيض :
اي طرطرا سيري على نهجهُم والاثر ِ
تقلبي تقلب الدهر، بشتى الغير ِ
تصرفي كما تشائين ، ولا تعتذري
لمن ؟! أ َللناس !! وهم حثالة في سقر
ام للقوانين؟ ... وما جاءت بغير الهذر
ام للضمير، والضمير صنع هذا البشر
لمن؟ أ للتاريخ؟ وهو في يد المحّبر
ام للمقاييس اقتضاهن اختلاف النظر؟
.. أن اخا طرطر من كل المقاييس ، بري

 
ملف صوتي عبر الرابط التالي
 
http://www.iraqhurr.org/content/article/2192279.html
 
   
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com 
         
 


193
برامج / الجواهري ... إيقاعات ورؤى

 مفاهيم وموحيات في الحياة والتنوير


 ألجواهري بريشة الفنان جواد سليم

 09.10.2010 رواء الجصاني ما أن يروح الباحثُ في حياة الجواهري المديدة، أو المتابع لشعره وقصيده العميم، متأملاً في حال هنا، أو شأن هناك، حتى تروح الحالات تترى، والشؤون تتوالى، و لليكاد المعنيّ ان يتوه في ذلك الفيض، ويفقد المحور في ما أراد الاهتمام به من أمر، أو يركز عليه...
ولا يدور الحديث في ايقاعاتنا ورؤانا اليوم عند مناحي الابداع، أو الثراء الفني، أو الغوص في غمار الوقائع التاريخية، بل نحاول أن نلتقط نيرات ونماذج من بين حشود الأبيات الشعرية الجواهرية التي تراوح عند الخمسة والعشرين ألفاً، بحسب ما ندري... ويا لها من مهمة استثنائية، تدفعنا للجوء إلى الزعم بأننا نريد اختياراتٍ معبرة وحسب، موثقة بالتسجيلات الصوتية المتوفرة، وليس بهدف التوثيق الكامل، أو الدراسة الممنهجة... وهكذا دعونا نشير إلى ما نستطيع التوقف عنده في مثل هذه العجالة التي تفرضها دقائق البرنامج المعدودات، ومتطلبات الاخراج الحازمة، والأنيقة في آن...

وبداية الاستشهادات التي نريد، بعد تلكم المقدمة الموجزة كما نرى، أو المستفيضة كما قد يراها آخرون، نتوقف عند بعض موحيات الجواهري في نظرته لسمات الحب الانساني للنصف الآخر، الذي تفرضه الطبيعة البشرية، غير المشوهة، او التي يراد لها ان تكون بمثل ذلك... فكلا الطرفين عارفان بما حوت الثيابُ، وضمت الأزرُ كما قال شاعرنا ذات حين... ولنستمع له موجِزاً عن تلكم الحال:

اني ورب صاغهن كما اشتهى ، هيفاً ، لطافا
وادقهن وما ونى ، واجلهن ، وما احافا
لارى الجنان اذا خلت منهن اولى ان تعافا
لو قيل كيف الحب ، قلت بان تـُداء ولا تشافى


أما ما تبناه الجواهري من مواقف ورؤى في الشموخ والإباء، والتي برحت عنواناً لشخصيته الاستثنائية، فلعل في اختيارنا لبعض ما جاء في مقصورته المدوية عام 1948 ما يلخص ويفيد، وفي ذلك تفرد الشعراء وتميزهم، فما بالكم بمثل ذلكم الشاعر المتفرد بحسب مريديه، وكذلك بحسب من حاول ان يطالَ منه:

بماذا يخوفني الأرذلون ... وممن تخاف صلال الفلا
أيسلب منها نعيم الهجير، ونفح الرمال وبذخ العرا
بلى ان عندي خوف الشجاع وطيش الحليم وموت الردى
متى شئت أنضجت الشواء جلوداً تعاصت فما تشتوى


وبذلك المنحى تتجه فلسفة الجواهري وتتواتر حكمه في اختبارات الحياة، التي ذاق حلوها ومرّها، وخاض "غمارها حرباً سجالا" فرأى فيها ..."معاناة وتضحية ، حب السلامة فيها أرذل السبل"... رائياً في "هتك الرياء مخاضة، فأبى إلا ان يروح مخوضا فيها " كما سجل ذلك شعراً ، مؤكداً وبذات الاتجاه، او قريباً منه في نونيته عام 1955:

يا أم عوف وكاد الحلم يَسلبنا، خير الطباع، وكاد العقل يردينا
خمسون زمت مليئات حقائبها، من التجاريب بعناها بعشرينا
يا أم عوف وما كنا صيارفة في ما نحب، وما كنا مرابينا
لم ندر سوق تجار في عواطفهم، وبائعين موادات ، وشارينا
يا أم عوف ولا تغررك بارقة منا، ولا زائف من قول مطرينا
انا اتيناك من ارضٍ ملائكها ، بالعهر ترجم او ترضي الشياطينا


ومن الاستشهادات الأخرى التي نريد التوقف عندها في ايقاعات ورؤى اليوم، ما له صلة بهذا القدر، أو ذاك، بمفاهيم ومقاييس الجواهري في النوازع الانسانية التبريرية، أو الانتقالات والتغيرات في المواقف، او" التقلبات" بحسب بعض المتشددين، من دعاة الغلو... ولربما ما سجله الشاعر الخالد في قصيدة "قال وقلت" عام 1977 يعطي بعض صور عما يؤمن به من ضرورات وتصورات...

قلت مهلاً يا صاحبي، ظلمات الليل في عين حالم أضواءُ
أرأيت الكواز أنفس ما يملك ذخرا ، طين خبيث وماءُ
صانعا منه ألف شكل ٍ جراراً، قائلاً في جراره ما يشاءُ
يتغنى بـ "كوزه" ... وكان الكوز في الحسن، كوكب وضاءُ
وكذا كل خالق يترضى ما تبنى ، وهكذا الشعراءُ


ختاماً، آمل أن نكون قد استطعنا ان نعرض لبعض مباديء ومسارات ذلكم الجواهري الذي لا يتردد في البوح بما يؤمن به، وما يريد، بهدف التنوير والارتقاء، بعيداً عن المجاراة والتردد متبنياً لمقولته:

خيرُ الشفاعة لي بأني كاشف حرّ الضمير ، وقائل:هذا أنا

 المزيد في الملف الصوتي المرفق
http://origin.iraqhurr.org/audio/audio/283130.html


ألجواهري ... إيقاعات ورؤى
برنامج خاص عن محطات ومواقف فكرية واجتماعية ووطنية في حياة شاعر العراق والعرب الأكبر... مع مقتطفات لبعض قصائده التي تذاع بصوته لأول مرة... وثـّـقـهـا ويعرضها: رواء الجصاني، رئيس مركز ألجواهري الثقافي في براغ... يخرجها في حلقات أسبوعية ديار بامرني.
www.jawahiri.com

194
موحيات جواهرية  في الحياة والتنوير



  رواء الجصاني
ما أن يروح الباحثُ في حياة الجواهري المديدة، أو المتابع لشعره وقصيده العميم، متأملاً في حال هنا، أو شأن هناك، حتى تروح الحالات تترى، والشؤون تتوالى، و لليكاد المعنيّ ان يتوه في ذلك الفيض، ويفقد المحور في ما أراد الاهتمام به من أمر، أو يركز عليه...
ولا يدور الحديث اليوم عند مناحي الابداع، أو الثراء الفني، أو الغوص في غمار الوقائع التاريخية، بل نحاول أن نلتقط نيرات ونماذج من بين حشود الأبيات الشعرية الجواهرية التي تراوح عند الخمسة والعشرين ألفاً، بحسب ما ندري... ويا لها من مهمة استثنائية، تدفعنا للجوء إلى الزعم بأننا نريد اختياراتٍ معبرة وحسب،وليس بهدف التوثيق الكامل، أو الدراسة الممنهجة...
وبداية الاستشهادات التي نريد، بعد تلكم المقدمة الموجزة كما نرى، أو المستفيضة كما قد يراها آخرون، نتوقف عند بعض موحيات الجواهري في نظرته لسمات الحب الانساني للنصف الآخر، الذي تفرضه الطبيعة البشرية، غير المشوهة، او التي يراد لها ان تكون بمثل ذلك... فكلا الطرفين عارفان بما حوت الثيابُ، وضمت الأزرُ كما قال شاعرنا ذات حين... ولنستمع له موجِزاً عن تلكم الحال:
اني ورب صاغهن كما اشتهى ، هيفاً ، لطافا
وادقهن وما ونى ، واجلهن ، وما احافا
لارى الجنان اذا خلت منهن اولى ان تعافا
لو قيل كيف الحب ، قلت بان تـُداء ولا تشافى
... أما ما تبناه الجواهري  من مواقف ورؤى في الشموخ والإباء، والتي برحت عنواناً لشخصيته  الاستثنائية، فلعل في اختيارنا لبعض ما جاء في مقصورته المدوية عام 1948 ما يلخص ويفيد، وفي ذلك تفرد الشعراء وتميزهم، فما بالكم بمثل ذلكم الشاعر
المتفرد بحسب مريديه، وكذلك بحسب من حاول ان يطالَ منه:
بماذا يخوفني الأرذلون ... وممن تخاف صلال الفلا
أيسلب منها نعيم الهجير، ونفح الرمال وبذخ العرا
بلى ان عندي خوف الشجاع وطيش الحليم وموت الردى
متى شئت أنضجت الشواء جلوداً تعاصت فما تشتوى
وبذلك المنحى تتجه فلسفة الجواهري وتتواتر حكمه في اختبارات الحياة، التي ذاق حلوها ومرّها، وخاض "غمارها حرباً سجالا" فرأى فيها ..."معاناة وتضحية  ، حب السلامة فيها أرذل السبل"... رائياً في "هتك الرياء مخاضة، فأبى إلا ان يروح مخوضا فيها " كما سجل ذلك شعراً ، مؤكداً وبذات الاتجاه، او قريباً منه في نونيته عام 1955:
يا أم عوف وكاد الحلم يَسلبنا، خير الطباع، وكاد العقل يردينا
خمسون زمت مليئات حقائبها، من التجاريب بعناها بعشرينا
يا أم عوف وما كنا صيارفة في ما نحب، وما كنا مرابينا
لم ندر سوق تجار في عواطفهم، وبائعين موادات ، وشارينا
يا أم عوف ولا تغررك بارقة منا، ولا زائف من قول مطرينا
انا اتيناك من ارضٍ ملائكها ، بالعهر ترجم او ترضي الشياطينا

ومن الاستشهادات الأخرى ، ما له صلة بهذا القدر، أو ذاك، بمفاهيم ومقاييس الجواهري في النوازع الانسانية التبريرية، أو الانتقالات والتغيرات في المواقف، او" التقلبات" بحسب بعض المتشددين، من دعاة الغلو... ولربما ما سجله الشاعر الخالد في قصيدة "قال وقلت" عام 1977 يعطي بعض صور عما يؤمن به من ضرورات وتصورات...
قلت مهلاً يا صاحبي، ظلمات الليل في عين حالم أضواءُ
أرأيت الكواز أنفس ما يملك ذخرا ، طين خبيث وماءُ
صانعا منه ألف شكل ٍ جراراً، قائلاً في جراره ما يشاءُ
يتغنى بـ "كوزه" ... وكان الكوز في الحسن، كوكب وضاءُ
وكذا كل خالق يترضى ما تبنى ، وهكذا الشعراءُ
اخيرا، آمل أن نكون قد استطعنا ان نعرض لبعض مباديء ومسارات ذلكم الجواهري  الذي لا يتردد في البوح بما يؤمن به، وما يريد، بهدف التنوير والارتقاء، بعيداً عن المجاراة والتردد متبنياً لمقولته:
       
خيرُ الشفاعة لي بأني كاشف حرّ الضمير ، وقائل:هذا أنا
    المقاطع الشعرية اعلاه ، بصوت الجواهري على الرابط التالى
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2185465.html
                   مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                        www.jawahiri.com




195
أيضاً.. عن بعض عربيات وعالميات الجواهري

  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
كما وعدنا في كتابة سابقة ، نعود اليوم لنتابع وقفاتنا عند بعض عربيات الجواهري، وعالمياته، والتي لم ينقطع ابداعه فيها، وعنها، وحتى أعوامه الأخيرة، مشيرين بشكل خاص الى الوصف والوجدانيات ومؤجلين الحديث عن  السياسيات والتاريخيات ذات الصلة ، الى حين قريب ...
..فذلك هوالشاعر العظيم ، لم يبرح ، وهو في تسعينات القرن الماضي، وهي تسعينات عمره في آن متزامن، السفر والتجوال من هذه العاصمة إلى تلك، ومن بينها الرياض وبودابست، وطهران والقاهرة وأبو ظبي... وقد كانت جميع تلكم الانطلاقات من براغ، جنة الخلد كما يصفها... وكذلك من دمشق، التي عشقها منذ الثلاثينات، فكتب عنها وعن أهلها وتاريخها ما كتب... ومن بين ذلك عام 1979 حين قال:
شممتُ تربك لا زلفى ، ولا ملقا ...وسرت قصدك لاخبّاً ، ولامذِقا
وما وجدتُ إلى لقياك منعطفا إلا إليك ، ولا ألفيت مفترقا
وكان قلبي إلى رؤياك باصرتي حتى اتهمت عليك العين والحدقا
شممتُ تربك أستاف الصبا مرحا ، والشمل مؤتلفاً ، والعقد مؤتلقا
وسرت قصدك لا كالمشتهي بلداً، لكن كمن يتشهّى وجه من عشقا
... ويحدث ان يُدعى الجواهري عام 1973 إلى بلغاريا بضيافة اتحاد ادبائها، وتكون هناك، وضمن برنامج الزيارة "ليلة على فارنا" فيلبي الدعوة، ليُفتنَ بتلكم المدينة الساحلية الباهرة، وببحرها وجميلاتها، فيكتب عنها، واصفاً، ومتغزلا  مطولة، تتحدث بنفسها عن نفسها بلا لف ٍ أو دوران أو حرج من وشاة وحاسدين... ومما نشيعه هنا  عن القصيدة:
اشرق الفجر فوق "فارنا" فأضفت ، فوقه سحرها الخفيّ ، وأضفى
واستطاب الرمل الندي بساطاً ، فمشى ناعم الخطى ، يتكفا
معجباً يمسح الدجى منه عطفاً ، ويهز الصبح المنور ، عِطفا
وإذ نسرد هنا بعض عربيات الجواهري وعالمياته، بإيجاز سريع، نؤشر إلى أن ما كتبه في تلكم الرحاب، أو عنها، لم يقتصر على شأن دون غيره كما اسلفنا القول ...... فمع الوصف والوجدانيات، تأرخة ومواقف ورؤى يبثها الشاعر دون حدود أو أطر، وبتداخل دائم بين الخاص والعام... وهكذا نجد أكثر من بيت قصيد، في القصيدة الواحدة... ومن شواهدنا على ذلك نونية الجواهري في عدن، وعنها ،، حين زارها عام 1981 بدعوة من القيادات السياسية والثقافية في جمهورية جنوب اليمن آنذاك... وقد كان في حينها مقيماً، مغترباً عن بلاده في براغ عاصمة التشيك (موطن الثلج) بحسب القصيدة ذاتها:
من موطن الثلج زحافاً الى عدن تسري بي الريح في مهر بلا رسن ِ
كاسي على صهوة منه يصفقها ، ما قيّض الله لي من خلقه الحسن
من موطن الثلج من خضر العيون به ، لموطن السحر ، من سمراء ذي يزن
من كل ملتفة الكشحين ناعمة، ميادة مثل غصن البانة اللدن
يا للتصابي اما ينفك يجذبني ، على الثمانين جذب النوق بالعطن
قالوا اما تنتشي إلا على خطر ٍ فقلت ذلك من لهوى ومن ددني
سبحان من ألف الضدين في خلدي  ، فرط الشجاعة، في فرط من الجبن
لا اتقي خزرات الذئب  ترصدني، واتقي نظرات الاوعج الشدنِ ...
... اخيرا نعد ان نعود  في قريب قادم ، لمتابعة وتوثيق جوانب اخرى ، وعديدة ، من  غزير عربيات وعالميات الجواهري، الوصفية والوجدانية والغزلية  والسياسية ، والتي حفلَ بها ديونه العامر ...
مقاطع من شعر الجواهري اعلاه على الرابط التالي
  http://origin.iraqhurr.org/content/article/2174498.html 
                             مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                               www.jawahiri.com   




196
أيضاً.. عن بعض عربيات وعالميات الجواهري

  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
كما وعدنا في كتابة سابقة ، نعود اليوم لنتابع وقفاتنا عند بعض عربيات الجواهري، وعالمياته، والتي لم ينقطع ابداعه فيها، وعنها، وحتى أعوامه الأخيرة، مشيرين بشكل خاص الى الوصف والوجدانيات ومؤجلين الحديث عن  السياسيات والتاريخيات ذات الصلة ، الى حين قريب ...
..فذلك هوالشاعر العظيم ، لم يبرح ، وهو في تسعينات القرن الماضي، وهي تسعينات عمره في آن متزامن، السفر والتجوال من هذه العاصمة إلى تلك، ومن بينها الرياض وبودابست، وطهران والقاهرة وأبو ظبي... وقد كانت جميع تلكم الانطلاقات من براغ، جنة الخلد كما يصفها... وكذلك من دمشق، التي عشقها منذ الثلاثينات، فكتب عنها وعن أهلها وتاريخها ما كتب... ومن بين ذلك عام 1979 حين قال:
شممتُ تربك لا زلفى ، ولا ملقا ...وسرت قصدك لاخبّاً ، ولامذِقا
وما وجدتُ إلى لقياك منعطفا إلا إليك ، ولا ألفيت مفترقا
وكان قلبي إلى رؤياك باصرتي حتى اتهمت عليك العين والحدقا
شممتُ تربك أستاف الصبا مرحا ، والشمل مؤتلفاً ، والعقد مؤتلقا
وسرت قصدك لا كالمشتهي بلداً، لكن كمن يتشهّى وجه من عشقا
... ويحدث ان يُدعى الجواهري عام 1973 إلى بلغاريا بضيافة اتحاد ادبائها، وتكون هناك، وضمن برنامج الزيارة "ليلة على فارنا" فيلبي الدعوة، ليُفتنَ بتلكم المدينة الساحلية الباهرة، وببحرها وجميلاتها، فيكتب عنها، واصفاً، ومتغزلا  مطولة، تتحدث بنفسها عن نفسها بلا لف ٍ أو دوران أو حرج من وشاة وحاسدين... ومما نشيعه هنا  عن القصيدة:
اشرق الفجر فوق "فارنا" فأضفت ، فوقه سحرها الخفيّ ، وأضفى
واستطاب الرمل الندي بساطاً ، فمشى ناعم الخطى ، يتكفا
معجباً يمسح الدجى منه عطفاً ، ويهز الصبح المنور ، عِطفا
وإذ نسرد هنا بعض عربيات الجواهري وعالمياته، بإيجاز سريع، نؤشر إلى أن ما كتبه في تلكم الرحاب، أو عنها، لم يقتصر على شأن دون غيره كما اسلفنا القول ...... فمع الوصف والوجدانيات، تأرخة ومواقف ورؤى يبثها الشاعر دون حدود أو أطر، وبتداخل دائم بين الخاص والعام... وهكذا نجد أكثر من بيت قصيد، في القصيدة الواحدة... ومن شواهدنا على ذلك نونية الجواهري في عدن، وعنها ،، حين زارها عام 1981 بدعوة من القيادات السياسية والثقافية في جمهورية جنوب اليمن آنذاك... وقد كان في حينها مقيماً، مغترباً عن بلاده في براغ عاصمة التشيك (موطن الثلج) بحسب القصيدة ذاتها:
من موطن الثلج زحافاً الى عدن تسري بي الريح في مهر بلا رسن ِ
كاسي على صهوة منه يصفقها ، ما قيّض الله لي من خلقه الحسن
من موطن الثلج من خضر العيون به ، لموطن السحر ، من سمراء ذي يزن
من كل ملتفة الكشحين ناعمة، ميادة مثل غصن البانة اللدن
يا للتصابي اما ينفك يجذبني ، على الثمانين جذب النوق بالعطن
قالوا اما تنتشي إلا على خطر ٍ فقلت ذلك من لهوى ومن ددني
سبحان من ألف الضدين في خلدي  ، فرط الشجاعة، في فرط من الجبن
لا اتقي خزرات الذئب  ترصدني، واتقي نظرات الاوعج الشدنِ ...
... اخيرا نعد ان نعود  في قريب قادم ، لمتابعة وتوثيق جوانب اخرى ، وعديدة ، من  غزير عربيات وعالميات الجواهري، الوصفية والوجدانية والغزلية  والسياسية ، والتي حفلَ بها ديونه العامر ...
مقاطع من شعر الجواهري اعلاه على الرابط التالي
  http://origin.iraqhurr.org/content/article/2174498.html  
                             مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                               www.jawahiri.com  




197

في بعض عربيات الجواهري وعالمياته

  رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
منذ بدايات انطلاقاته الشعرية في عشرينات القرن الماضي، لم يبرح الجواهري الابداع، وصفاً أو تأرخة وما بينهما عديد متنوع، عن مدن وعواصم الدنيا، سواء التي زارها أو أقام فيها، أو تابع أحداثها وحوادثها عن بعد، وقرب...
ولأنه انسانيّ السمات والرؤى كما يوثق المؤرخون والباحثون، في شعره، وحياته، وفكره، لم تكن للجواهري حدود في عطائه الشعري عن ذلك البلد، أو القوم أو تلك الأمة والمدينة ، وغيرهما... وذلك  هو الديوان العامر شاهد عدل على ما نحن بصدد العناية به....فنجد للشاعر الخالد قصائد ومقطوعات عديدة عن إيران وفلسطين وسوريا منذ العشرينات والثلاثينات والأربعينات... وكذلك عن زيارته الأولى لمصر في مطلع الخمسينات، وان كان قد كتب عنها، وأحداثها وشخصياتها في سنوات سابقة... ومما يقع تحت أيدينا بصوته بهذا السياق، رائيته الفريدة عام 1951 والتي جاء فيها:

يا مصر تستبقُ الدهور وتعثرُ … والنيل يزخر والمسلة تُزهرُ
وبنوك والتاريخ في قصبيهما … يتسابقان فيصهرون ويصهرُ
والأرض يُنقِذ من عَماية اهلها … نور يرف على ثراك وينشرُ
هذا الصعيد مشت عليه مواكب ، للدهر مثقلة الخطى، تتبخترُ
يصل الحضارة بالحضارة ما بنى فيك المعزُ وما دحا الاسكندرُ

وبعيداً عن التسلسل الزمني، نتابع هنا بعض عالميات الجواهري وعوالمه فنشير إلى قصائده العديدة عن براغ، عاصمة التشيك التي أطالت الشوط من عمره، فدعا لها بطول العمر والخلود... وكذلك عن أهلها وحسانها وجمال طبيعتها... ولعلّ الأبرز منها، قصيدته الشهيرة عام 1965... ومن مطلعها:
اطلت الشوط من عمري، اطال الله من عمرك
ولا بلغت بالسوء، ولا بالشر في خبرك
حسوت الخمر من نهرك، وذقت الحلو من ثمرك
ألا يا مزهر الخلد تغنى الدهر في وترك

كما نعود لبعض عربيات الجواهري فنشير إلى ما كتبه عن تونس في الأربعينات والجزائر في الخمسينات والكويت والمغرب وليبيا في الستينات والسبعينات والثمانينات وكذلك عن لبنانياته العديدة ومن بينها لاميته عام (1947) بمناسبة الزيارة التي قام بها الرئيس بشارة الخوري إلى العراق... وجاء مفتتحها عن أهل البلاد وجميلاتها:

ناغيتُ لبناناً بشعري جيلا ، وظفرته لجبينه اكليلا
وحسان لبنان منحت قصائدي ، فسحبنهنّ كدلهنَّ ذيولا
أهديتهن عيونهنّ نوافذاً ، كعيونهن اذا رميّن قتيلا
ورجعت ادراجي اجر غنيمة من بنت بيروت جوى وغليلا
لُعن القصيدُ فأي مثر شامخ سرعان ما استجدى الحسان ، ذليلا

... ويستمر القصيد العربي والانساني لذلك الشاعر الذي يصنفه النقاد بالعربي الأول في مضمار الكتابة عن شؤون وشجون الدنيا، شعراً وابداعاً ودون مدى... وان ركزنا في اختياراتنا على الوصف والتغزل والوجدانيات، فهناك الغزير أيضاً عن الأحداث والحوادث التاريخية والسياسية العربية والعالمية التي شملها قصيد الجواهري، بشكل متداخل، أو منفرد... ولكي نستشهد بالمزيد عما نحن بصدد التوثيق له، دعونا نتابع الأمر في كتابة قريبة قادمة
       
مقاطع من قصائد الجواهري اعلاه ... على الرابط التالي
http://www.iraqhurr.org/content/article/2168243.html
                       مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                            www.jawahiri.com
         


198

نشيد وطني جديد من شعر الجواهري
رواء الجصاني
JAWAHIRICENT@YAHOO.COM


وهو كبرياء العراق

قبل أزيد بقليل من عامين، وفي السابع والعشرين من تموز 2008 تحديداً، حين صادفت الذكرى الحادية عشرة لرحيل الشاعر الخالد، نشر مركز الجواهري في براغ، مقترح نشيد وطني جديد، للعراق الجديد وتطلعاته وآمانيه، وذلك من أبيات واقتباسات مختارة من الفرائد الجواهرية الشهيرة، وأبرزها "المقصورة" المتفردة المنظومة عام 1947 التي تصف وتؤرخ وتناجي وتنوّر، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا:
سلام على هضبات العراق وشطيه والجرف والمنحنى
على النخل ذي السعفات الطوال على سيد الشجر المقتنى
على دجلة فاض آذيها كما حمّ ذو حرد فاغتلى
ودجلة لهو الصبايا الملاح تخوض فيها بماء صرى
تريك العراقي في الحالتين يسرف في شحه والندى

وقد أُرفقت بالمقترح في حينها رسالة رسمية إلى رئيس مجلس النواب العراقي آنذاك محمود المشهداني، وإلى رئيس وأعضاء لجنة الثقافة والاعلام في المجلس، وجاء فيها ان مقترح النشيد الوطني الجديد قد "اعتمد على قناعات بأن يأتي مفتخراً بشواهد العراق وبعطاءات أبنائه، وان يعبر عن أمانيهم في التآخي الوطني والقومي... “ولكن الانشغالات المهمة وغيرها، التي سادت، ومابرحت على ما نبرر، منعت اولئك المُخاطبين من متابعة الأمر... وعسى أن يكون المانع خيراً... كما يقولون...

سلّم على الجبل الأشم وعنده من ابجديات الضحايا معجمُ
سفرٌ يضم المجد من اطرافه، ألقاً كما ضم السبائك منجمُ
يا موطن الأبطال حيث تناثرت قصص الكفاح حديثُها والاقدمُ
حيث انبرى مجدٌ لمجد ٍ والتقى ، جيلٌ بآخر زاحف يتسلمُ

وبحسب درايتنا فان المعنيين بتكييف الأبيات والمضامين، والاقتباسات وسياقاتها، قد أخذوا في الاعتبار العديد من الثوابت والسجل التاريخي الحافل للعراق والعراقيين، والتضحيات الجلى على طريق الشموخ والعلى. وبارتباط وثيق بين الماضي والحاضر والمستقبل، بعيداً عن التعصب والتشدد والغلو:

شممتُ ثـراك فهب النسيم ... نسيم الكرامـة من بَلقـع ِ
وطفت بقبرك طوفَ الخيال ... بصومعـة المُلهـم المبدع
كأن يدا من وراء الضريح ، حمراء "مبتورة الاصبع"
تمُدّ الى عالم بالخنوع ، والضيم ذي شَرَق مترع ِ
لتبدل منه جديب الضمير ،باخر معشوشب ممرع

كما استندت الخيارات الشعرية لجملة اجتهادات بهذا الشأن، ومنها أن يكون المضمون مكثفاً، وواضح المعاني والمقاصد، ومن بحر شعري غير صعب على التلحين والأداء، ومركزاً على المشتركات الوطنية العامة، ومسارات وآفاق العراق الجديد...
... ووفقاً لمتابعين فقد لقيّ مشروع النشيد الوطني العراقي الجديد اهتماماً ملموساً من لدن الكثير من ذوي العلاقة: شعراء وسياسيين ومؤرخين وموسيقيين... ولانشك بان المزيد من النقاش والحوار والمتابعة المدنية والرسمية، سيوفر للمقترح ميزات إيجابية أخرى، وكلها تجيء إسهاماً مهماً على ذلك الصعيد... وبهدف ان يكون للبلاد رمز موحد، لا يخضع لهذه الارادات أو تلكم الاجتهادات أو لزمن، وآخر... وكما هي حال، وأحوال الشعوب المتمدنة، والبلدان الحضارية، والسائرة نحو التطور والازدهار... وما العراق – والعراقيون – على ما نزعم – بأقل من أولئك، وهؤلاء، إذا ما أراد، أولو الألباب، وما أكثرهم لو شاؤوا عملاً وجهداً... وفي التالي نص النشيد الذي جرى نشره بصيغته الاساسية  ....

1- سلامٌ على هضبات ِ العراق ِ ... وشطـّـيه ِ والجُرف ِ والمنحنى
2- على النخل ِ ذي السعفات ِ الطوال ِ ، وشُمِّ الجبال ِ ، تُشيعُ السَـنا
3- سلامٌ على نيّرات ِ العصور ِ... ودار ِ السلام ِ ، مدار ِ الدُنى
                                             * * *
4- سلام ٌ على خالع ٍ مِنْ غـَـد ٍ ... فـَـخاراً على أَمسـِـه ِ الدابر ِ
5- سلامٌ على طيبات ِ النذور ِ ... سلامٌ على الواهبِ الناذر ِ
6- سلام ٌ على نـَـبـْـعـَـة ِ الصّامـِـدينَ ... تـَـعاصت ْ على مـِـعْوَل ِ الكاسر ِ
                                             * * *
7- سلامٌ  وما ظلَ روضٌ يفوحُ ... وما ساقطتْ ورقَ الدوح ِ ريحُ
8- سيبقى ويبقى يدوي طموحُ ... لنجم ٍ يضيءُ وفجر ٍ يلوحُ


إعادة للأبيات الثلاثة الأولى
1- سلامٌ على هضبات ِ العراق ِ ... وشطـّـيه ِ والجُرف ِ والمنحنى
2- على النخل ذي السعفات ِ الطوال ، وشُمِّ الجبال ِ تُشيعُ السَـنا
3- سلامٌ على نيّرات ِ العصور ِ... ودار ِ السلام ِ ، مدار ِ الدُنى

المقاطع  الشعرية اعلاه  بصوت الجواهري الكبير ... على الرابط التالي

http://www.iraqhurr.org/content/article/2161413.html
            مع تحيات مركز الجواهري
www.jawahiri.com

199
الجواهري ... تحديات وتمردات دون مدى


ألجواهري غاضبا

رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
يندر ان يغفل الباحثون في عوالم الجواهري، والمؤرخون له، واحدة من أبرز سمات تاريخه وقصيده، ان لم تكن الأبرز أصلاً، ونعنى بها حالات الثورة على الواقع، والتمرد على القيود وتحدي التقاليد المورثة، والموروثة بكل عيوبها الاجتماعية والحياتية وما اليهما، وبينهما... وقد شملت تلكم الثورة، والتحديات، مجالات منفردة ومجتمعة في حشد غزير من قصيد الديوان العامر بالتمرد المترامي، مرة على العائلة والمدينة، وأخرى على البلاد وقياداتها، وكذلك على النخب الفكرية والثقافية والسياسية، وبشأن هذا وذاك، عديد متنوع من التفرعات والتشابكات.
احاول خرقاً في الحياة وما اجرا
واخشى ان اروح ولم ابق ِ لي ذكرى
مضت حجج عشر ونفسى كأنها
من الغيظ سيل ، سُد في وجهه مجرى
ولاشك فان دوافع تلكم الثورات والتمردات، كانت، وبقيت طوال عمر الشاعر المديد، تستند إلى فلسفته من أجل النهوض والارتقاء والتنوير، والقناعة الراسخة بضرورة ان يتحمل المبدعون والمفكرون وقبل غيرهم كل الأوزار... ومهما ثقلت ... وهاكم الجواهري صريحاً، وهو في حوار مع زوجته عام 1957 عن اللهيب والنار
قلت يا هذي لو اخترمت مفرقي شقين لم أتب ِ
أنا ذا من أربعين خلت ، أطعم النيران باللهب ِ
وبسبب الاصرار اللامتناهي على ذلك المسار، تحمّل الجواهري ما تحمل، ولقي ما لقى من  الحسدة الظلاميين والطغاة وأربابهم: جوعاً وتنكيلاً واعتقالاً وغربة، دعوا عنكم ما تحملته النفس من هضيمة وأذىً ، وما أقساهما على أصحاب الشموخ والطماح... مع انه يعترف، وبكل وضوح ان كل ذلك ضريبة وان بَهُضت، يجب ان تدفع دون منية أو فضل:
أقول اضطراراً قد صبرت على الأذى ، على انني لا أعرف الحر مضطرا ،
وليس بحر ٍ من اذا رام غاية ، تخوف ان ترمي به مسلكاً وعرا
وما انت بالمعطي التمرد حقه ، اذا كنت تخشى ان تجوع، وان تعرى
لقد كتب نقاد وباحثون كثيرون عن تمرد الجواهري وتحدياته الاجتماعية والسياسية والفكرية العامة، وتناولوا ذلك من زوايا كثيرة ومتداخلة... وقد نوفق في اختيارنا التالي مقتبساً موجزاً بشأن الأمر للباحث فالح عبد الجبار عام 2005 تحت عنوان الجواهري والتمرد الأول:
"…يحملنا التخيل على الافتراض بأن الجواهري لو ولد قبل عقدين لدخل التاريخ معتمرا عمامة فقيه مبجل. ولو تأخر ميلاده عقدين لطلع علينا متمردا يساريا، او متمردا فكريا من حملة لواء الحداثة، جيل التمرد الثقافي المجدد. لكن الجواهري انسلّ الى موقع فريد، موقع خاص به ، خارج اهم طبقتين في عصره: طبقة الفقهاء منتجة الثقافة المقدسة، والطبقة السياسية الصاعدة حاملة لواء التحديث في عراق مفتتح القرن....لقد وقف الجواهري، رغم محاولات الدمج او نوازع الاندماج، خارج هاتين الطبقتين، حاملا راية الشعر الكلاسيكي المفعم بمضامينه الحديثة، مولّدا مزيجه الخاص، الفريد، في تلك التخوم الفاصلة والموصلة، حيث تتداخل اطياف الماضي بأطياف الحاضر".
..
وأخيراً، وإذ يطول الحديث، عن تمرد الجواهري، وثوراته غير المساومة، على مباديء وقيم لا تبارى... دعونا نتابع هذا الموقف الجواهري الذي يعلو بكل شموخ وثقة بالنفس قبل اي امر اخر
يتبجحون بان موجاً طاغياً ، سدوا عليه منافذا ومآربا
كذبوا فمليء فم الزمان قصائدي ، ابداً تجوب مشارقاً ومغاربا
تستل من اظفارهم ، وتحط من اقدارهم ، وتفل مجداً كاذبا
أنا حتفهم ، ألج البيوت عليهم ، أغري الوليد بشتمهم والحاجبا...

المقاطع  الشعرية اعلاه  بصوت الجواهري الكبير ... على الرابط التالي
http://www.iraqhurr.org/content/article/2154955.html

  مع تحيات مركز الجواهري
www.jawahiri.com                   

200
الجواهري في المقامة الباريسية
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
... مثلما توقفنا في حلقات سابقة عند ايجازات لمقامات الجواهري المصرية واللبنانية واليمنية والسورية... تأتي وقفتنا اليوم عند بعض محطاته، الباريسية: في الشعر والسياسة والغزل والحياة... ونرى فيها، وقد يشاركنا الكثير في ذلك، انها جديرة بالتسجيل والتأرخة، في الخلاصات والتفاصيل، وبمشاركة مأمولة من بعثة العراق لدى اليونسكو، بقدر المطلوب، والممكن:
... يزور الجواهري العاصمة الفرنسية باريس لأول مرة عام 1948 وهو في طريقه إلى وارسو لحضور المؤتمر التأسيسي لحركة السلام العالمية، ممثلاً وحيداً عن العراق ،وحتى العرب على ما ندري... وبمشاركة شخصيات عالمية  بارزة ، ومن أهمها بحسب الجواهري، الرسام الأشهر: بيكاسو... وقد عاد شاعرنا إلى باريس في رحلة الإياب ليبقى فيها نحو ستة أشهر تاليات...
اما الديوانُ العامر فيحدثنا عن قصيد متميز، تغزلا بباريس "أم النضال" بحسب فريدته عام 1948 واستذكارا لتاريخها ، ومحبة لاهلها، ووصفا لجمال طبيعتها، وما بين هذا وذاك كثير... ثم يعود الجواهري ذاته لينظم عام 1956 وفي دمشق هذه المرة، قصيدة سياسية بمناسبة أسبوع التضامن مع الشعب الجزائري ونضاله من اجل الحرية والاستقلال، ولينال من فرنسا الاستعمارية، وقياداتها آنذاك... وجاء مطلع تلكم الفريدة باهراً كالعادة:
ردي علقم الموت لا تجزعي.. ولا ترهبي جمرة المَصرع
أما الوقفة، وقل المحطة الأبرز، في شعر الجواهري في باريس وعنها، فهي رائعته غير التقليدية بأجزائها الأربعة 1948-1949، عن "انيتا" حسنائه الفرنسية، حواء الثانية، كما يصفها في ذكرياته، وقد طالت وتشعبت قصته معها، وقصتها معه... ويكفي البوح هنا عن عمق العشق، ورسوخ الافتتان بتلكم الساحرة الغنوج ، انها لم تغب عن بال الجواهري، ولم ينقطع هيامه بها ، والإيحاء عنها، وحتى بعد نحو أربعين عاماً... ونحن هنا شهود عيان، حين تراءت له، أو خيالاتها بتعبير أدق، في حسناء تشيكية مرت سريعاً أمام مقهى كنا من جلاسه معاً في براغ ذات نهار ربيعي عام 1987... ومما يقع تحت أيدينا بصوته عن قصيدة أو قصائد "أنيتا"...
ان وجه الدجى "انيتا" تجلى …عن صباح من مقلتيك أطلا
وكأن النجوم القيّن ظلا…في غدير مرقرق ضحضاح
بين عينيك نهبة للرياح…ورياض المروج اهدتك طلا
رشفة مج عطرها وتولى…حيث هذا الرأس الجميل تدلى
والفراش الذي به يتملى…خصلات من شعرك الذهبي
كنت فيه الثريَّ، اي الثريّ
وللتارخة عن بعض مقامة الجواهري الباريسية أيضاً، نشير هنا  الى  زيارته على رأس وفد من اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي، ضد الارهاب والقمع في عهد البعث الأول عام 1963 وذلك بترتيب من دعاة سلام وحقوق انسان فرنسيين، نظموا للوفد عدة فعاليات ولقاءات تضامنية واعلامية بالتعاون مع دارسين ونشطاء وطنيين عراقيين هناك...
... ومما نوثق له كذلك ، زيارة الجواهري الاخيرة  لباريس عام 1984 مع عقيلته آمنة... وذلك محاولة لرأب الخلل الذي أصاب بعض نظره، بعد الجهد الكبير الذي بذله في انجاز جمهرته، في المختار من الشعر العربي، والتي دأب عليها نحو عام كامل، وقد جاءت وقائعها في بعض كتاباتنا السابقة... واخيرا دعونا  نختم هذه السطور بمقطع آخر من ملحمة "أنيتا" وهو لا يحتاج لشرح ما جاء فيه من موحيات وفنون ومشاعر ، على ما نزعم من جديد ...
اسمعي .. اسمعي "انيتا" فهنّا…وهنا،  صوت صادح يتغنى
والطريق المهجور عاد فرنا….من جديد ببعثه يتهنى
فلقد دبت الحياة اليه….وتمشى المعاودون عليه
اسمعي وقع رائحين وغادي..وتملي من الوجود المعادِ
والقطار المجلجل المتهادي…في سفوح منسابة ووهادِ
اسمعي.. اسمعي "انيتا" صداه ...

مقاطع من قصيدة انيتا بصوت الجواهري الكبير  ... على الرابط النالي

http://www.iraqhurr.org/content/article/2148267.html           

         مع تحيات مركز الجواهري في براغ


201

الجواهري في بعض اخوانياته
  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
ليس من السهولة على ما نزعم، امكانية التمييز ،اوالفصل المطلق – وان قسرياً - بين ما يمكن تسميته "اخوانيات" الجواهري الشعرية من جهة، وقصائده في مناسبات ثقافية أو سياسية أو وطنية عامة من جهة ثانية، إذ يتداخل فيها الخاص مع العام، وفي ترابط لا فكاك منه...
ويا أحبابي الاغلين من قطعوا ومن وصلوا
ومن هم نخبة اللذات عندي حين تنتخل
هم اذ كل من صافيت مدخول ومنتحل
سلام كله قبل ، كأن صميمها شعل
وشوق من غريب الدار اعيت دونه السبل
... وفي حالات كثيرة نرى الشاعر العظيم ، يتخذ من مراسلة او  مناسبة رثاء أو تكريم او رد جميل ، أو غيرها، مدخلاً لأفكار ورؤى ومواقف لا تعد ولا تحصى، ولربما لا علاقة لها بالشعر "الاخواني" اصلا  إلا في التسمية وحسب... ولعل البائية الشهيرة عام 1949، ذات البيت الأشهر "أنا حتفهم" واحدة من أبرز ما نعنيه بالتداخل والتشابك بين شعر الجواهري في "الاخوانيات" "والمناسبات"... وكذلك هي الحال  في قصيدة التي خاطب بها صديقه جلال طالباني عام 1980 ومن مطلعها:
شوقاً "جلالُ" كشوق ِ العين ِ للوسن ِ، كشوقِ ناءٍ غريبِ الدار للوطن ِ
شوقاً إليك وان ألوت بنا محنٌ ، لم تدر ِ أنا كفاءُ الضُّرِّ والمحن ِ
يا ابن الذرى من عُقاب غير مصعدةٍ ، شمُّ النسور به ، إلا على وهن ِ
وحسبُ شعريّ فخراً ان يحوزَ على ... راو ٍ كمثلك ندب ٍ ، مُلهمٍ فطن ِ
"جلالُ" صنتُ عهوداً بيننا وثقتْ ، فما توثقتَ من عهدٍ بها ، فصُن
... كما ترد في الذهن هنا أيضاً، قصيدته في تكريم الأخطل الصغير عام 1961، والتي جاءت "اخوانياته" فيها مدخلاً لسيل عتاب وشكاة ومواقف من البلاد واهلها  وقياداتها السياسية والثقافية آنذاك... ومطلعها:  لبنان يا خمري وطيبي هلا لمحتَ حطام كوبي
وفي الاطار ذاته تأتي قصائد عديدة أخرى ومن بينها - للاستشهاد وليس للحصر - نونيته عام 1965 التي يخاطب فيها الشاعر محمد صالح بحر العلوم، ورائيته الجوابية عام 1982 للدكتور موسى الجنابي، وسينيته إلى د. صلاح خالص (أبو سعد) عام 1984 والتي  جاء فيها:
أأخي "أبا سعد" ومن قُبَلٍ أُهدى ستقبس جمرتي قبسا
يا صفوَ إخوان ِ الصفاء إذا ما جفَّ نبعُ مروءةٍ وجسا
شوقاً إليكَ يشدُّ نابضهُ حبٌ ترعرع بيننا ورسا
والذكرياتُ ترفُّ ناعمةً رفَّ النسيمِ بحسرة همسا
أصلاحُ لم تبرحْ صفيَّ هوى صدقا ، إذا ما الكاذب انتكسا
ما انفك يومك مثل أمسك، عن غدٍ، كلفاً بحب الخير منغمسا
تشتفّ ضوء الفجر ترقبه وتميز خيطيه إذا ألتبسا

... إلا ان ما تقدم لا ينسينا العديد الآخر من اخوانيات الجواهري "المباشرة" ان صح التعبير، والمنشورة على الأقل، ومنها إلى الشخصية الوطنية عبد اللطيف الشواف عام 1962 والأديب عبد الغني الخليلي عام 1967 والشاعر شاذل طاقة عام 1969 والى العلامة مهدي المخزومي (أبو مهند) حين الم عارض صحي عام 1974 وقال فيها :
أبا "مهند" لا آذتك نازلة ولا تخطت إلى عليائك العللُ
ولا خلت منك سوح الفضل عامرة بها اذا غبت عنها ساعة ، خلل
وظلت كالفجر ضوء منك منطلق يهدي العصور ، وهدي منك مقتبل
يا كاسي الجيل من افضاله منناً منها تتيه على اكتافه حللُ
وان كان ما سبق الحديث عنه يشمل بعض ما يحويه الديوان، فهناك جمع غير قليل من "الاخوانيات" غير المنشورة، ولربما يتسع الوقت في فترات لاحقة، لسلها من "أوراق" الجواهري الخاصة، وتوثيقها، ومن بينها مقطوعات وتأرخة وملاطفات، خص بها الشاعر الكبير أحباء وأصدقاء وكذلك مريدين – وان لفترات محدودة أو قصيرة أحياناً -، ومن بينها حسب التسلسل الزمني إلى: موسى أسد، ومهدي الحافظ ، وعادل حبه ،ومرتضى الشيخ حسين، وعامرعبد الله ،وحميد برتو، وفخري كريم، وعبد الحسين شعبان ، ومحمد حسين الأعرجي ، وجمال الجواهري، وصابر فلحوط ، وآرا خاجادور،وكاظم حبيب ،وعثمان العمير،ونبيه ارشيدات... وكذلك لصاحب هذا الايقاعات والرؤى عام 1988.... وجميعها تصلح ، مع مقتطفات من بعض القصائد المنشورة في الديوان العامر ، مشروع مؤلف قادم، ولنسمه من "اخوانيات الجواهري"،نسعى لاتمامه بهدف توثيق بعض علاقات وآراء ومواقف إضافية للشاعر الخالد...
مقاطع صوتية للمقتطفات الشعرية اعلاه، على الرابط التالي
http://www.iraqhurr.org/content/article/2140056.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

202
الجواهري في قصيدة تكفيرِ...وندم



رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
في أجواء نفسية بالغة الشدة والتعقيد مرّ بها الجواهري عامي1953 و 1954 جاءت مطولة "كفارة وندم" لتنفّس عن بعض ما انتاب الشاعر من أحاسيس مرهفة وليعاتبَ فيها النفس قبل غيرها، بقسوة وصراحة لربما قلّ مثيلها في أي من قصائد الديوان، العامر، الأخرى:
ستبقى – ويَفْنَى نَيزكٌ وشِهابُ نفوس أبيات الدماء غضابُ
لطافٌ كأنفاس ِ النسيم ِ نوافدا ، اذ القلب صُمٌّ كالصخور ِ صِلابُ
هوتْ عّذَباتُ العمر ِ إلا صوامدا ، على لفح إعصار ِ ، فهنّ رطابُ
وجفَّ وريقٌ منه إلا نديّة ً تعاصت على الأيام ِ فهي شبابُ
عييتُ بطبّ الأحمقين وجهلهم بأن النفوس الخيرات ِ عجابُ...

... وهذه القصيدة التي نعنى ، ذات أكثر من ثمانين بيتاً، وقد جاءت جميع الانتقالات فيها ضمن ديالوج مع النفس: استعراضاً وتوثيقاً وتساؤلات وردوداً واستذكاراً للمواقف والعطاءات...

أقولُ وقد كلّ الجوادُ فلم تَجُلْ مسوّمةٌ غالوا بهنّ عِـرابُ
وصوّحَ قاعُ الطيبات ِ وأعولتْ عليها من الضـِغن الخبيث ِ ذئابُ
وقاءَ اللئيمُ الدونُ ما في ضميره وجفَّ فما عند الكريم ِ شراب

ثم يعود الجواهري في الأبيات التالية من مطولته هذه لمزيد من المراجعة مع النفس على ما أعتقده ولربما بالغ فيه بحسب ما نزعم، ومتابعون آخرون: كبوةً بالغة لم تشهد مثلها حياته كلها، وذلك في داليته عام 1953 بمناسبة تتويج الملك العراقي الثالث، والأخير فيصل الثاني... وهكذا راح الشاعر الكبير يستنهض الذات، ويحفزها على الشموخ الجواهري المعهود، مستعيناً ومتباهياً ببعض رصيده الوطني والانساني الذي يستند إليه تاريخه العريق:

حنانيك ِ نفسي لا يضق منك جانبٌ إذا ضاق من رُحْب ِ النفوس جَنابُ
ولا يَتَهَضَّمْك ِ انخفاضٌ فطالما تخفـَّضَ نَسْرٌ صاعدٌ وعُقاب
وشامخة ُ الأدواح ِ يُلوى عِنانُها مع الريح ِ ، والمحضُ الصريحُ يُراب
وما لك ِ من عتب ٍ على الدهر ِ إنما عليك ِ لما هوّنْت ِ منه، عِتابُ
تقحّمتِه ِ حتى كأنك ِ فوقَه وأنك ِ إذ طـَمَّ العُباب عُباب


...ويواصل الجواهري الشاعر باللوعة والهضيمة من النفس أولاً، ايحاءاته وقوافيه بذات المسار داعياً وبمزيد من العزم إلى تجاوز الانتقادات والاعابات والتطاولات التي عانى منها، وإن جاءت بحق أو بمزاعم وادعاءات:
حنانيك ِ نفسي دونك ِ الكونَ كله فرنّي به يُسمعْ صدىً وجَوابُ
محلِّقة ً طيري وإن هبّ عاصفٌ وأخلدَ ليلٌ ، واستكنَّ ضَبابُ
وساخرةً حتى تزيغ َ شواخصٌ إليك ِ ، وحتى تستشيطَ رقابُ

وأخيراً نوثق هنا ان الجزء الثاني من ذكريات الجواهري المنشور عام 1991 يتوقف بشيء من التفصيل عند وقائع عديدة أخرى ذات صلة بما تناولته ووثقت له قصيدة "كفارة وندم" التي عنيت بها هذه الايقاعات والرؤى.
الجواهري في قصيدة تكفيرِ وندم ... بصوته على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2128353.html
 مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

203
صورة العراق في شعر الجواهري



  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
...والعنوان  اعلاه وسمٌ لاطروحة دكتوراه حازها الدارس احمد الذهب في مفتتح  شهرآب الحالي من جامعة السودان، وشملت تمهيداً عن تاريخ البلاد العراقية وأحوالها الثقافية، وخمسة فصول عن حياة الشاعر العظيم ونشاطاته الثقافية والصحفية...
وجاء في ملخص الأطروحة التي حصلت على درجة ممتاز: لقد عاش الجواهري حياة طويلة حافلة بالنضال والإبداع امتدّت على مدى القرن العشرين كله تقريباً. إذ وُلد عام 1900 وتوفي عام 1997... وهي مرحلة مهمة وحاسمة من تاريخ العراق والأمة العربية. وكان في قلب أحداثها السياسية والاجتماعية والفكرية المختلفة، فسجّل كلّ ذلك في أشعاره بما أصبح فيما يُعد سجّلاً تاريخياً مهماً لبلده...

حييت سفحك عن بعد فحييني  يا دجلة الخير يا ام البساتين
يا دجلة الخير يا نبعاً أفارقه على الكراهة بين الحين والحين
    اني وردت عيون الماء صافية نبعا فنبعا فما كانت لترويني

واضاف ملخص الأطروحة التي أشرف عليها البروفيسور يوسف نور الدايم "لقد تميّز الجواهري بموهبة فائقة ومقدرة فنيّة عالية ونفس شعري نادر، إذ تجاوزت مجموعة كبيرة من قصائده المئة بيت، كما زاد بعضها على المئتين... مع المحافظة على القيمة الفنية والجمالية فيها... كما استطاع المحافظة على صورة القصيدة العربية القديمة بأوزانها التقليدية ونفسها العربي الأصيل متحدياً بذلك كلّ حركات التجديد الشعري التي عاصرها، كالمدرسة الرومانسية ومدرسة الشعر الحرّ ومدارس الحداثة الأخرى...
وبحسب ما وصلنا من إيجاز لأطروحة الدكتور الذهب أيضاً، فإن من بين نتاج الجواهري الغزير الذي يبلغ عشرات الآلاف من الأبيات الشعرية في شتّى الأغراض الإنسانية المختلفة، اختارت هذه الدراسة الأكاديمية البحث في أشعاره التي وصف فيها بلده العراق بكلّ تفاصيله، محاولة بيان الصور الشعرية في قصائده وأدواتها الفنية، فاشتملت ، وكما سبقت الاشارة اليه ،على تمهيد وخمسة فصول  ..كان الأول عن وصفه الحسّي لبلده بمرابعه ورافديه ومدنه وقراه. والثاني عن أوضاعه السياسية التي كان الجواهري في الصميم منها فأظهرها في أشعاره واضحة جلية مؤثّرة، والثالث عن أحوال العراق الاجتماعية كما وصفها الشاعر ومنها: موضوعات الغنى والفقر والإقطاع والمرأة والشباب والتعليم وغيرها. أما الفصل الرابع فكان عرضاً للصور الفكرية التي تلمّسها الجواهري في بلده عبر تاريخه العريق فثبتها في ديوانه، كما وصف الأحوال الفكرية المعاصرة كحياة الشعراء ومجالس الأدب والرموز الثقافية فيه... أمّا الفصل الخامس فكان تخيلاً فنيّاً لصور الجواهري  الشعرية التي وصف بها العراق أسلوباً وموسيقى وايحاءات :

سلام على هضبات العراق وشطيه والجرف والمنحنى
على النخل ذي السعفات الطوال على سيد الشجر المقتنى
على دجلة فاض آذيها كما حمّ ذو حرد فاغتلى
ودجلة لهو الصبايا الملاح تخوض فيها بماء صرى
تريك العراقي في الحالتين يسرف في شحه والندى

... وبمناسبة هذا العرض الذي اقتبسناه في غالبيته مما أوجزه صاحب الأطروحة احمد الذهب، نزيد هنا ان ثمة رصداً سريعاً يعلمنا عن رسائل ماجستير ودكتوراه عديدة قد كتبت عن الشاعر الخالد... ومما يمكن ان نوثقه عنها: شعرية النص عند الجواهري اطروحة دكتوراه لعلي الزهيري (جامعة بغداد) عام 2007 وثانية موسومة: البنية الايقاعية في شعر الجواهري لعبد نور عمران (جامعة الكوفة عام 2008) وأخرى عن خصائص الأسلوب في شعر الجواهري لفوزي علي صويلح (جامعة صنعاء 2008). والتمرد والخضوع في شعر الجواهري رسالة ماجستير لنواف قاسم سنجاري (جامعة صلاح الدين) الكردستانية  2001. وخصائص الأسلوب في شعر الجواهري رسالة ماجستير لسهام قنبر علي (جامعة دمشق، 2002). والصورة الفنية في شعر  الجواهري، رسالة دكتوراه لطارق عمر عريفي (جامعة دمشق، 2004). والاتجاهات الموضوعية والفنية في شعر الجواهري، رسالة دكتوراه، لجميل عبد الغني محمد علي، جامعة الأزهر. ودراسة نحوية دلالية في شعر الجواهري، رسالة دكتوراه لصالح عبد العظيم الشاعر (جامعة القاهرة، 2009).
... واخيرا دعونا نتعذر بضيق المجال، ونتحجج بالعُجالة، لنبرر تأخرنا في استعراض بحوث ودراسات جامعية أخرى عديدة عن الجواهري الكبير، لأساتذة ومبدعين متميزين، نعد ان نوثق لهم وما كتبوه في قادم الايقاعات والرؤى.
 ملف صوتي لمقاطع القصائد اعلاه ، بصوت الجواهري ، على الرابط التالي
 http://origin.iraqhurr.org/content/article/2127735.html
                     مع تحيات مركز الجوهلري في براغ
www.jawahiri.com

204
حول بعض غزليات الجواهري... وعنها



رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
ابتعاداً مؤقتاً عن أجواء السياسة والوطنيات والمواجهات واللواعج، دعونا نحط الركاب اليوم عند قبسات من عوالم الجواهري الغزلية وفي عشق الحياة والجمال، والتي مابرحت ترافقه حتى أعوامه الأخيرة، وهو في التسعينات من العمر...
ومن بين ما يقع تحت أيدينا مما يوثق لهيام الجواهري بجميلات الدنيا، واقعة تتحدث بنفسها عن نفسها في براغ عام 1961 حين طفحت مشاعره  اعجاباً بحسناءَ من بنات التشيك، تتصفح كتابا ، صادف أن التقى بها في حافلة نقل عامة، فتصنّع دور المتسائل عن الوقت، ليتقرب منها، فصدته بذات الذكاء المعهود لديهن في مثل تلكم المواقف، ولتدير له ساعتها دون نظرة أو رد ٍ على سؤاله، وفلتت منه خلال الزحام، ولكنه اصطادها قصيدة، ودخلت التاريخ من حيث لا تدري... وتلكم خسارتها بالتأكيد، إلا انها أكسبتنا مطولة فريدة  فيها ما فيها من العبر والموحيات:
حسناء رجلك في الركاب ... ويداك تعبث في الكتابِ
وأنا الضميء إلى شرابك، كان من ريقي شرابي
حسناء ساعتك التي دورت كانت من طلابي
حاولت اجعلها الذريعة، لاحتكاكي واقترابي
عبثاً فقد أدركت ما تنوي القشورُ من اللباب
كنت العليمة بابن آوى إذ تملق للغراب
ثم يرفع الجواهري الهائم، راية الاستسلام، معترفاً بفارق العمر حائلاً  بينه وحسنائه المبتغاة، وليواصل توثيق الحدث، بصراحة الواثق بالنفس والأحاسيس الانسانية، ودون ان يخشى في ذلك لومة لائم صادق، أو خائب، أو من بينهما...
حسناء لم يَعسرْ طلابي ، لو كان ما بك مثلما بي
لكن بك المرحُ اللعوب ِ ، وسحرهُ ، ودم الشباب
وبيّ الذي لا شيء يعدل قبحه إلا التصابي
وخَط ُ المشيب كأنه ، كلاً تهيأ لاحتطاب
... ولأن الشيء بالشيء يذكر، نشير هنا إلى اننا كتبنا قبل فترة وجيزة ، في مثل هذه الايقاعات والرؤى عن مزاعم جواهرية أعاب عبرها التغزل والعشق في سبعينات العمر حين راح يقول في ديالوك مع النفس:
لجاجك في الحب لا يجمل... وأنت ابن سبعين لو تعقلُ...
تقضى الشباب وودعته، ورحت على لحده تعولُ...
ولكنه تخلى على ما نعهدُ ونوثق عن تلكم المزاعم، واستمر هائمًا  في الشعر على الأقل – ومن يدري -  بجميلات الدنيا، أينما حلّ، ورحل... ولمن يريد دليلاً على ما نقول، ذلكم هو الشاعر الشاعر، يتغزل عام 1973 وبحشود الحسناوات التشيكيات، وجملة هذه المرة، وليس بواحدة منهن فحسب:
جاءت الأسراب تترى مقطعٌ من نشيد الصيف يتلو المقطعا،
وتقاسمن الصبا ميعته ، وشذاه ، والهوى والمتعا
وتخففن فما زدن على ، ما ارتدت حواء إلا اصبعا
وإن كان ما سبق لا يكفي برهاناً، ها نحن نستزيد فنشير إلى  بائيته المنظومة أوائل الثمانينات الماضية في صبايا وفتيات في ريعان الشباب، شاركن في استعراض ٍ جماهيري حاشد في برلين انتصاراً للسلام والأمن العالميين، فقال فيهن، وعنهن:
أفأنتن للسلام ... من ترى ظلّ للحروبْ
أو زحفاً إلى الأمام ... سلمت تلكم الكعوب
لا تلوحن بالسلاح ... لديكن ما ينوب
ما تهادى على الصدور ، وما ضمت الجيوب
وبما لمّت الرموشُ ، رؤى عالم ٍ تجوب
لا وعينيك لن أتوبَ ، لن أتوبَ ، لن أتوبْ
وهكذا ظلّ الشاعر، وطوال عمره المديد كما أسلفنا القول، يستريح، ويأخذ نفسا  بين الحين والآخر، من المواجهات واللواعج وهموم العباقرة الأفذاذ، فيستظل بأفياء من "زنَّ الحياة"... منذ بدء الخليقة وإلى اليوم، بل وكل يوم...
        
               مقاطع صوتية للقصائد اعلاه على الرابط التالي
     http://origin.iraqhurr.org/content/article/2121357.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com



205

الجواهري وبعض ذلك الصمت المريب
  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
مرت قبل بضعة ايام  أيام، وفي السابع والعشرين من تموز تحديداً، السنوية الثالثة عشرة لرحيل الجواهري الخالد... وقد رصد المتابعون جمعاً من المواضيع والاستذكارات التي كُتبت بهذه المناسبة، وتحدثت عن بعض ارث وتراث ذلكم الرمز الوطني والثقافي العراقي الأبرز في القرن العشرين على الأقل... كما نوّه معنيون في ذات الوقت إلى ان هذه السنوية قد حلّت مرة أخرى ، ومازال واقع الحال مشوباً بالتواضع على الصعيدين الرسمي والثقافي الحكومي في آن... مما قد يُعيد التساؤل مجدداً عن مثل ذلك الصمت، ودوافعه، ومراميه…

يا نديمي امس اقتنصت طريداً، شاعراً كان يستضيف البيدا
كان هماً ، وكان صُلباً حديدا ، يملاً القفر موحشاً ، تغريدا
قلت من ؟ قال شرط أن لا تزيدا ، أنا أدعى : مسافراً ويزيدا
من بلاد ٍ أعدت على القرودا ، ونفتني ، وكنت فيها النشيدا

وتولى عني، فظلت مليا ، في يزيد ، مفكراً ، وقرود 
وعلى انه أجاد الرويا ، لم أجد في رويه ِ من جديدِ
كان قلباً غضاً ، وفكراً طريا ،شاءه الحظُ في مزاحف دود
كل طير "مسافرُ بنُ يزيدِ" ، حين يغدو فريسة لقرود

... ونزعم أن استذكار الجواهري وتراثه الفكري وعطائه الوطني والانساني، يعني من جملة ما يعني احتفاء بالقيم والمواقف التي حمل لواءها الشاعر العظيم وروّج لها طوال حياته المديدة التي قاربت القرن كما هو معروف... كما نزعم أيضاً أن بعض الصمت حيال ذلك الاستذكار إنما يعبّر عن خلاف وتضاد بين اتجاهات ورؤى في النظرة للحياة والتطور... ولن نفصل في تقييم تلكم التقاطعات، تاركين لأصحاب الفطنة والألباب هذه المهمة غير العسيرة بالتأكيد، للتوصل إلى النتائج التي يرون.
... والصمت الذي نتحدث عنه هنا، في هذه العجالة، وشبيهاتها، ليس جديداً على متبنيه، من حاسدين ومتخلفين وشوفينيين وطائفيين وعنصريين وأضرابهم. فقد حاولوا وما برحوا، عبر صمتهم المريب – فضلاً عن الرياء والجحود والزيف – أن يعتّموا على مفاهيم وقيم التنوير التي تبناها الجواهري وأصحابه ونظراؤه، شعراً وفلسفة ومواقف رائدة، منحازة إلى المنطق والعقل والتحضر... كما ندعي أن أولئك وأشباههم، قد يكونوا هم المعنيون في بائية الجواهري الشهيرة عام 1949:
"لقد ابتلوا بي صاعقاً متلهباً، وقد ابتليت بهم جهاماً كاذبا"
... كما عنى بعض جمعهم الذي: "يخشى اللصوص فيذبح العسسا “...

عوت "الذئابُ" عليَّ ناهزة فرصاً تثير الذئب مفترسا
ينهشن من لحمي وكل دم فيه لخير الناس قد حُبسا
من كل داجٍ لا يحب سنى للصبح يطمس ليله التعسا
ودفعت جمع يد ، وملء فم ، ومداهن أصغى فما نبسا

"أصلاحُ" إنّا رهنُ مجتمع يخشى اللصوص فيذبح العسسا
يُزهى بفارسه إذا افتُرسا وبضوء نجم ساطع طُمسا
ونتاج زرع لا يُداس به إلا على الزهر الذي غرسا

... نقول ذلك وأمامنا  العديد من التجارب والوقئع تجارب ووقائع عديدة لشعوب ومجتمعات وبلدان ما برحت تعدّ الاحتفاء برموزها الثقافية والتاريخية ومشاهيرها وشخصياتها، مناسبات متميزة تبرز الاعتزاز، بعطاءات التراث والتاريخ الوطني والثقافي والافتخار بها دون حدود... ودعونا نزعم من جديد إن مستويات تلك الاحتفاءات تعكس مقاييس رقيٍّ وارتقاء... ومعها، ولربما قبلها امتحان لقدرات ومواقف المؤسسات والمناصب والمراكز الثقافية، ومن يتحمل العناية بها، تكليفاً أو اختياراً وما بينهما...
لقد تعرض العشرات ، وقل المئات ولا تخف ، من المثقفين، والمبدعين العراقيين، للجحود، والتغييب على مدى سنوات عجاف مرّت على البلد العجيب في تناقضاته وصراعاته – بحسب الجواهري –وكل ذنب أولئك انهم تسابقوا، وفي الزمان والمكان الخطأ، للاجتهاد خارج السرب، وتجاوزوا السائد من تقاليد وأعراف، فراحوا يسعون للارتقاء، واختراق مفاهيم الظلامية والجهل ورعاتها، وأربابهم... وقد كان جزاءهم الأدنى: مساهي الاطباق المميت على ابداعهم وتطلعاتهم ورؤاهم التنويرية... وما تلك على ما نرى سوى الضريبة المجحفة الأبشع، على ما ارتكبوه من " آثام " الإبداع وتجاوز الحدود...
وعلى أية حال، وأخرى، فان الفيصل الأصدق كان، ولم يزل، الوعيّ والوجدان والضمير، وذلك ما سيثبته قادم الزمان، حين تنطفيء وتنكفيء صراعات الأيدي والسلاح والأحقاد والدجل، ويطمسها التاريخ، ليحل مكانها "صراع" العقول والأفكار وتلاقحها الهادف للنهوض، كما تعلمنا  مسارات الشعوب والأمم الصاعدة... وذلك ما بقي يشغل الجواهري عقوداً، وجاهد مكافحاً بالفكر والقلم من أجل سيادته، وواضعاً كل عبقريته، وموهبته، من أجل شيوع تلك المفاهيم... وكم خشي أيضاً من سيادة الليل البهيم على البلاد ومجتمعها، محذراً ومنذ أربعينات القرن الماضي حين قال:
"أرى أفقاً بنجيع الدماء تنوّر، واختفت الأنجم..
وجيلاً يجيء ، وجيلاً يروح، ونارا إزاءهما تضرمُ"
... وتلكم نبوءة أخرى مما يحفل به منجز الشاعر العظيم.

          ملف مرفق بصوت الجواهري على الرابط التالي
http://www.iraqhurr.org/content/article/2114871.html

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com   





206

الجواهري ... هموم ولواعج بلا حدود


الجواهري غاضبا

  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
   مواجهات وخصومات ولواعج بشكل شبه دائم من الحياة والمجتمع والسلوكيات والمواقف الثقافية السياسية، وغيرهن كثير، وسمت ديوان الجواهري، على مدى سبعة عقود... ونزعم ان في الغالب الأعم من قصيده الوطني والسياسي والوجداني، ثمة وقفة، أو محطة، أو بيت قصيد، يشير ويوثق لتلكم الحال، التي ما برحت ترافق الشاعر العظيم حتى أعوامه الأخيرة...
وإذ جاء العديد من قصائده مكرس بالكامل لما نحن بصدد التوثيق عنه، من لواعج وهموم عاشها، أو اعتقدها، الجواهري، حفل عديد آخر، بصراحة حيناً، أو تلميحاً احيانا اخرى، عن غدر ٍ تعرض له، أو هضيمة لحقت به، أو واقعة مؤذية مرت عليه...

أنا عندي من الأسى جبل ... يتمشى معي وينتقلُ
أنا عندي وإن خبا أمل ... جذوة في الفؤاد تشتعل
أيه يا احبولة الفكر ... كما هفا طير ولم يطرِ
ِ
... وسألت الجـواهـري ذات ليلـة من عام 1985 في بـراغ، وكان فيهـا مهموماً - كالعادة – ومستفزاً من مواقف محبين وأصدقاء وخلافهم: انك لا تشبع من النقد والانتقاد والتألم والهضيمة، ولا تكفّ عن الشكوى والتخاصم والمواجهات وتلك هي اشعارك الدليل الأبلغ... فأجاب عاصفاً: وماذا يراد مني، أقل من ان أواجه عشرات التجاوزات ببضعة أبيات فحسب؟ فهل ذلك كثير على المتطاولين؟... ثم أنهى الحوار السريع، وهو يغلي، ليسمعني في اليوم التالي مطلع قصيدة جديدة أكملها بعد أيام رداً على بعض ما حسبه تجاوزاً وكان أول أبياتها:


وقائلة أأنت تُسب جهراً ، ألست محج شبان ٍ وشيب
ألست خليفة الأدب المصفى ألست منارة البلد السليب
أيسرح شاتموك بلا حسيب، وتنبذ في العراء بلا رقيب
فيا لمؤله ٍ فذ ٍ غريبٌ ، ويا لتعاسة البلد العجيب
وكما أسلفنا، لم تكن حالات الجواهري الناقده، ولواعجه وهمومه، المعبرُ عنها في عشرات القصائد لتقف عند حدود: سياسية او اجتماعية او وجدانية... بل كان الغضب العارم يشمل أحياناً كل أهل البلاد، وهو غضب المحبين بالطبع، بهدف الاثارة الانهاض، والتحريض الشمولي العام.

         
   أقول اضطراراً قد صبرت على الأذى،
              على انني لا أعرف الحر مضطرا
          وليس بحر من اذا رام غاية،
         تخوف ان ترمي به مسلكا وعرا
          وما أنت بالمعطي التمرد حقه،
      إذا كنت تخشى ان تجوع، وان تعرى

ولغرض التأشير ليس إلا، نقول: ان الديوان العامر، ذا الأكثر من خمسة وعشرين ألف بيت، ينبئنا بأن الجواهري قد نظم ونشر تلكم القصائد الغاضبة، الباثة للهموم واللواعج منذ انطلاقته الشعرية في عشرينات القرن الماضي، ومنها: الليل والشاعر، الشاعر المقبور، شكوى وآمال... وهكذا دامت الحال عقوداً وعقود، حتى التسعينات، ولربما حتى قبيل رحيله عام 1997 بأعوام قليلة، ونستشهد حول ذلك بقصائده "ماذا أغني" (1981) و"يا ابن الثمانين" (1982) و"صاح قلها ولا تخف (1987).
بماذا يخوفني الأرذلون ، وممن تخاف صلال الفلا
أيسلب منها نعيم الهجير، ونفح الرمال وبذخ العرا
بلى ! ان عندي خوف الشجاع ، وطيش الحليم، وموت الردى
متى شئت أنضجت نضج الشواء، جلوداً تعاصت فما تشتوى

أخيراً دعونا نثبت هنا ان ثمة الكثير مما يُفترض، بل ويجب ان يرصد ويوثق، عن هموم ولواعج الجواهري، ليس بدوافع التأرخة للشاعر الكبير فقط، بل لأن الأمر يعني تأرخة لواقع مجتمع وبلاد وشخصيات وإطارات سياسية وثقافية... وما بينها كثير ومتعدد...
 مقاطع صوتية  من بعض قصائده  اعلاه.. على الرابط التالي
http://www.iraqhurr.org/content/article/2102401.html

مع تحيات مركز الجواهري في براغ      
www.jawahiri.com



207
الجواهري عن جمهورية الرابع عشر من تموز

   رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
كما هي الحال في تأرخة الجواهري للأحداث الجسام العراقية والعربية، بل والعالمية أيضاً، والتعبير عن مواقفه ورؤاه الوجدانية والسياسية والفكرية منها، جاء موقفه، وقل مواقفه، بشأن التغيير الرئيس ، وربما الأهم في تاريخ العراق الحديث، ونعني به حركة الرابع عشر من تموز عام 1958... والتي أشعلت ثورة عارمة انهت النظام الملكي، واستبدلته بالجمهوري، الذي قيل ما قيل، ويقال، إيجاباً وسلباً حوله...
... لقد رأى الجواهري في تلكم الثورة التحررية بحسب البعض، أو الحركة العسكرية الانقلابية وفق بعض آخر، مسك ختام وطني لعقود من الحراك الشعبي والجماهيري في العراق، من أجل الحرية والازدهار، بل والتقدم بمفاهيم ذلك الزمان... وهكذا سرعان ما نظم، وفي الأيام الأولى لقيام ذلك التغيير المدوي قصيدته النونية المطولة، ومن مفتتحها:
جيشَ العراق ولم أزلْ بك مؤمنا ... وبأنك الأملُ المرجى والمنى
وبأن حلمك لن يطولَ به المدى وبأن عزمك لن يحيق به الونى
جيش العراق اليك ألف تحية، تستاف كالزهر الندي وتجتنى
حمل الفرات بها اليك نخيله، ومشى بدجلة جرفها والمنحنى
فلقد اعدت اليهما صفويهما، من بعدما غصا بأدران الخنا
ثم تلت "جيش العراق" قصائد عديدة أخرى تؤرخ للحدث، ومسيرته، وتوجه الجماهير الشعبية لاسناده وتأطير مساره، محذرة من الاضطرابات واستغلال الأمور، بما يقود لخلاف ما آمن به الجواهري من ضرورات ومباديء من أجل النهوض والارتقاء والوحدة والتلاحم، بعيداً عن العصبوية والفئوية والحزبية والعنصرية، وسواها من آفات اجتماعية ووطنية...
وفي عودة للديوان الجواهري الحاشد، نجد ثمة قصائد كثيرة في شؤون، وشجون الحدث، والأحداث التي نعنى بها في هذا التوثيق ومنها: باسم الشعب، انشودة السلام، عيد العمال العالمي، المستنصرية... وغيرها عديد.
ومن بين ما يقع تحت أيدينا بصوت الجواهري لقصائد تلكم السنوات الاستثنائية نونيّة مطولة خاطب بها شبيبة وطلبة العراق عام 1959 راح خلالها موثقاً، وحادياً، ومحرضاً لحب الوطن والدعوة لازدهاره ورقيه، ومما جاء فيها:
أزف الموعد والوعد يعنّ.. والغد الحلو لاهليه يحن ُ
والغد الحلو بنوه انتم، فاذا كان له صلب فنحن
فخرنا انا كشفناه لكم، واكتشاف الغد للاجيال فن
ثم وقع ما وقع من تنابز فانحرافات وتفرد وعسف، كما واحتراب بغيض بين التيارات الشعبية والسياسية، طال حتى الجواهري ، وهو ذو المنصبين: رئيس اتحاد الأدباء، ونقيب صحفيي البلاد، في آن واحد، فتعرض لتجاوزات وحملات اعلامية واجراءات سلطوية، وصلت حدّ اعتقاله، وإن لساعات، مما اضطره للاغتراب بعيداً عن البلاد عام 1961، هضيمة واحتجاجاً، واحترازاً من ايذاء اكبر، قد يصل حد اغتياله... ولتلك الحال تفاصيل مطولة وذات أكثر من مغزى، تناولها الجواهري في الجزء الثاني من ذكرياته الصادر عام 1991، وكذلك في قصائد عديدة، ومن بينها نونيته الأشهر دجلة الخير عام 1962 ومما جاء فيها بذلك الصدد:
يا دجلة الخير أدرى بالذي طفحت، به مجاريك من فوق الى دون
ادرى بانك من الف مضت هدرا، للآن تهزين من حكم السلاطين
تهزين ان لم تزل في الشرق شاردة من النواويس ارواح الفراعين
يا دجلة الخير كم من كنز موهبة، لديك في القمم المسحور مخزون
لعل تلك العفاريت التي احتجزت، بحملات على اكتاف دلفين
لعل يوماً عصوفاً هادراً عرماً، آت فترضيك عقباه وترضيني
وعلى أية حال، فقد ترضي هذه الايقاعات والرؤى، الموجزة ، بعضاً، أو تغضب آخر، إلا  انها سعت لكي تكون بعيدة عن العواطف ، والتي عمرها ما كانت حكما موضوعيا في تقييم الوقائع التاريخية.... كما نجتهد، وقد نصيب...
من تموزيات الجواهري ، بصوته، على الرابط ادناه :
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2096203.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com     

         







الصورة :الجواهري بين جمع من رجال تموز1958 


208
   الجواهري في نقد التخلف وتبجيل التنوير



 
  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
لم تفت الجواهري مناسبة أو واقعة تاريخية، أو مهمة، بحسب تصوراته ورؤاه، إلا ووثّق لها، واغتنمها فرصة اضافية للبوح بما تحمله عبقريته من تنبؤات، واجتهادات، خاصة وعامة، ارضت المعـنيين، أو أرقتهـم، فما ذلك بذي شأن لدى الشاعر الخالد... وكما لخص د. علي جواد الطاهر، فأجاد، حين قال: ان الجواهري يقول كلمته ويمشي تاركاً للآخرين ما يحلو، أو لا يحلو لهم من تفاسير وردود أفعال...
وهكذا راح الديوان العامر يحفل بفرائد كثيرة ٍ ظاهرها العام احتفاء، أو اجلال أو تكريم... وكل ذلك صحيح، ولكن الأهم ان يبث القصيد أيضاً وأيضاً: الموقف الجواهري... وإذ نعنى بدالية جمال الدين الأفغاني في هذه الحلقة، فلأننا نزعم كونها واحدة بارزة  مما نريد الاستشهاد به في هذا السياق...
ففي عام 1944 يُحتفى بمرور رفاة العلامة، والمفكر الرائد النهضوي الكبير، جمال الدين الأفغاني من مصر، إلى أفغانستان، ويُنظم لهذا الحدث حفل خاص في الحضرة الكيلانية ببغداد، ويعتلي فيه الجواهري المنبر: شاهداً ومنوراً ومخلداً ليقول:
هويتَ بنصره الحق السُهادا ... فلولا الموت لم تطق الرقادا
ولولا الموت لم تترك جهاداً ... فللت به الطغاة ولا جلادا
فزد بالفكر في خَلَد الليالي ... وجُل في الكون رأياً مستعادا
وكن بالصمت أبلغ منك نطقاً ... وأورى في محاججة زنادا
فان الموت اقصر قيد باع ... بان يغتال فكراً واعتقادا
ثم تتوقف القصيدة ذات النيف والسبعين بيتاً لتتحدث عن بعض محطات فلسفية وحياتية في مسيرة الأفغاني الزاهرة، ويقيناً باعتقادنا انها ترمز في كثير منها لما تبناه الجواهري وآمن به من مباديء وقيم وأفكار، وخاض غمارها بصلابة وشموخ.
جمال الدين، ياروحاً علياً ... تنزل بالرسالة ثم عاد
تجشمت المهالك في عَسوف ، تجشمه سواك فما استقادا
طريق الخالدين فمن تحامى، مصايرهم، تحاماه، وحادا
شققت فجاجة لم تخشَ تيهاً ... ومذئبة، وليلاً، وانفرادا
لانك حامل ما لا يُوازى ... بقوته: العقيدة والفؤادا
ولما كنت كالفجر انبلاجاً "وكالعنقاء تأبى ان تصادا"
مشيت بقلب ذي لبد ٍ هصور "تعاند من تريد له العنادا"
ولم تنزل على اهواء طاغ ، ولا عما تريد لمن أرادا
وكما هي حال سابقاته، ولاحقاته، يخاطب الجواهري صاحبه الأفغاني في هذه القصيدة، وبمثلما خاطب المعري وطه حسين والمتنبي واقرانهم من رواد الفكر والانهاض والتنوير... فوصف، وماثل، وانتقد، ووجه وكل ذلك في خلاصات شاعرة، خلدت قيماً، ورموزاً، وأشاعت للكثير من الوقائع والأحداث التاريخية الاهم ، داعية لتبنيها في معاصرة راهنة، بل وحتى باستشراف لما هو قادم قريب في حاضره، أو بعيد في مداه...
جمال الدين كنت وكان شرق ... وكانت شرعة تهب الجهادا
وكانت حينه في ظل سيف ... حمى الفرد الذمار به وذادا
وايمان يقود الناس طوعاً، الى الغمرات فتوى واجتهادا
مشت خمسون بعدك مرخيات ٍ .. اعنتها، هجاناً لا جيادا
محملة وسوقاً من فجور ٍ ، وشامخة كمحصنة ٍ تهادى
تحورت السياسة عن مداها... إلى أنأى مدىً ، وأقل زادا
وبات الشرق ليلته سليماً، على حالين ما أختلفا مفادا
ولطفت الابادة فهو حرٌ ... بأي يد يُفضل ان يُبادا
فهل صدق الجواهري بما وثّق له ، وتنبأ به ، وقال عنه ... دعونا نترك جواب ذلك، مرة أخرى، ودائماً، للتاريخ وللأجيال...
للاستماع الى مقاطع القصيدة الجواهرية اعلاه، بصوته ، يُتابع الرابط ادناه
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2089816.html
مع تمنبات مركز الجواهري
www.jawahiri.com
                                       
                                                     
 

209
أيضاً …عن خمسينات الجواهري والعراق 




رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
توقفنا في كتابة اخيرة عند بعض محطات ابداعية وتاريخية جواهرية خلال النصف الأول من خمسينات القرن الماضي، وهي خمسينات الشاعر الخالد في آن، كما سبق القول... وها نحن نواصل في هذه الحلقة لنعنى بتأرخة بعض ٍآخر من فرائد النصف الثاني من ذلك العقد، فنتوقف عند قصيدة "قال، وقلت" المنظومة عام 1955، وهي حوار رمزي أو حقيقي – لا ندري - يردّ فيه الجواهري بحزم على بعض منتقديه، ومزاعمهم بتغيّر تقييماته، ومواقفه، من ذلك الحدث ِ، أو تلك الحالة، وغيرها... ومن ابياتها:
قال لله أنتم الشعراء ، عدد الرمل عندكم أهواءُ
أمس والشعب كله معجزات لك ، واليوم كله أسواءُ
قلت مهلاً يا صاحبي ، ظلمات الليل في عين حالم أضواءُ
أرأيت الكواز أنفس ما يملك طين خبيث وماءُ
صانعا منه ألف شكل ٍ جراراً، قائلاً في جراره ما يشاءُ
يتغنى بـ "كوزه" ... وكان الكوز في الحسن، كوكب وضاءُ
وكذا كل خالق يتبنى ما ترضى، وهكذا الشعراءُ
... وفي استعراض توثيقي للديوان العامر، نجد أن الجواهري قد نشر في عام 1955 أيضاً، نونية وجدانية، فلسفية ، تتعدى أبياتها المئة، نظمت حينما نزل ضيفاً في مدينة علي الغربي "عند راعية غنم تدعى أم عوف في حماد من الأرض، ولقي منها كرماً وحسن ضيافة" بحسب مقدمة القصيدة ... ومما جاء فيها:
يا أم عوف وكاد الحلم يَسلبنا، خير الطباع، وكاد العقل يردينا
خمسون زمت مليئات حقائبها، من التجاريب بعناها بعشرينا
يا أم عوف وما كنا صيارفة في ما نحب، وما كنا مرابينا
لم ندر سوق تجار في عواطفهم، ومشترين موادات ، وشارينا
يا أم عوف ولا تغررك بارقة منا، ولا زائف من قول مطرينا
انا اتيناك من ارضٍ ملائكها ، بالعهر ترجم او ترضي الشياطينا
وفي عام 1956 ينظم الجواهري قصائد عديدة أخرى ومنها: "الأرض والفقر" التنويرية، وفي تحية الثورة الجزائرية ، و"خلفت غاشية الخنوع" التي أبّن فيها شهيد الجيش السوري عدنان المالكي، وقد حملت بشدة على سلطة العهد الملكي في العراق آنذاك، مما اضطر الجواهري بسببها، البقاء، لاجئاً سياسياً في دمشق، ولنحو عامين.
خلفتُ غاشية الخنوع ورائي وأتيت أقبس جمرة الشهداءِ
خلفتها وأتيت يعتصر الأسى قلبي، وينتصب الكفاح إزائي
أنا لا أرى العصماء غير عقيدة، منسابة ٍ في فكرة عصماء
هذا أنا عظم الضحية ريشتي، ابدأ ولفح دمائها اضوائي
حاسبت نفسي والاناة تردها، في معرض التصريح للايماء
ماذا يميزك والسكوت قسيمة عن خانع ٍ ومهادن ٍ ومرائي
خلي النقاط على الحروف وأوغلي في الجهر ما وسعت حروف هجاء
ما انت اذ لا تصدعين فواحشاً، إلا كراضية عن الفحشاء
أما في عام 1957 فنرصد للجواهري جديداً آخر ومن بينه في حفل احياء الذكرى الثالثة لمصرع المالكي بدمشق، ذات البيت الأشهر:
يا سادتي ، ان بعض العتبِ منبهة ٌ
لغافلين ، وبعض الشعر ، إشعار
أنا العراق لساني قلبه ، ودمي فراته ،وكياني منه اشطارُ
وكذلك قصيدة "الناقدون" التي حمل فيها شاعرنا على نماذج من "نقاد الأدب" وأخرى بعنوان "وحيّ الموقد" تحمل الكثير من الفلسفة والمواقف والاصرار والشموخ، ومنها حين يحاور زوجته عن اللهيب والنار ورؤاه عنهما:
انت قد اوحتك شعلتها ، ان توقي سوء منقلبِ
وانا يوحي اليّ بها، ان تقحمني ، ولا تهب ِ
قد حببتُ النارَ من صعد ٍ وأثرتُ النار عن صببِ
ورأيت "الوغد" يُشعلها لا لشيطان .. ولا لنبي
يجتلي بالنور يسكبُه وهَجَ الألقاب والرُتبِ
ويرى في بؤس فحمتها بهرجات "الماس" .. والذهبِ
انتِ خير منهم ، سكني تقتُلين الخوف بالهربِ
وأنا أزكاكُمُ أرباً أستشفُّ "الخيرَ" في العطب
أُشعلُ "النيران..!" لا رغباً ، وأُصاليها بلا رَهَبِ
غيرَ علم ٍ .. أنها سبب لحياةٍ .. أيما سبب
وإلى جانب كل هذا وذاك من أشعار خمسينية جرى التطرق إليها، ثمة مقطوعات وفرائد أخرى في السياسة، وحب الحياة والجمال، وفي الوجدانيات وغيرها... أما عن قصائد الجواهري بعد حركة الرابع عشر من تموز العسكرية التي أنهت النظام الملكي في العراق عام 1958... فلها، وعنها وقفات خاصة في رؤى وايقاعات قادمة.
للاستماع الى بعض قصائد الجواهري اعلاه ،يُتابع الرابط التالي 
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2080584.html
                       مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                              www,jawahiri,com



 




أيضاً …عن خمسينات الجواهري والعراق   
  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
توقفنا في كتابة اخيرة عند بعض محطات ابداعية وتاريخية جواهرية خلال النصف الأول من خمسينات القرن الماضي، وهي خمسينات الشاعر الخالد في آن، كما سبق القول... وها نحن نواصل في هذه الحلقة لنعنى بتأرخة بعض ٍآخر من فرائد النصف الثاني من ذلك العقد، فنتوقف عند قصيدة "قال، وقلت" المنظومة عام 1955، وهي حوار رمزي أو حقيقي – لا ندري - يردّ فيه الجواهري بحزم على بعض منتقديه، ومزاعمهم بتغيّر تقييماته، ومواقفه، من ذلك الحدث ِ، أو تلك الحالة، وغيرها... ومن ابياتها:
قال لله أنتم الشعراء ، عدد الرمل عندكم أهواءُ
أمس والشعب كله معجزات لك ، واليوم كله أسواءُ
قلت مهلاً يا صاحبي ، ظلمات الليل في عين حالم أضواءُ
أرأيت الكواز أنفس ما يملك طين خبيث وماءُ
صانعا منه ألف شكل ٍ جراراً، قائلاً في جراره ما يشاءُ
يتغنى بـ "كوزه" ... وكان الكوز في الحسن، كوكب وضاءُ
وكذا كل خالق يتبنى ما ترضى، وهكذا الشعراءُ
... وفي استعراض توثيقي للديوان العامر، نجد أن الجواهري قد نشر في عام 1955 أيضاً، نونية وجدانية، فلسفية ، تتعدى أبياتها المئة، نظمت حينما نزل ضيفاً في مدينة علي الغربي "عند راعية غنم تدعى أم عوف في حماد من الأرض، ولقي منها كرماً وحسن ضيافة" بحسب مقدمة القصيدة ... ومما جاء فيها:
يا أم عوف وكاد الحلم يَسلبنا، خير الطباع، وكاد العقل يردينا
خمسون زمت مليئات حقائبها، من التجاريب بعناها بعشرينا
يا أم عوف وما كنا صيارفة في ما نحب، وما كنا مرابينا
لم ندر سوق تجار في عواطفهم، ومشترين موادات ، وشارينا
يا أم عوف ولا تغررك بارقة منا، ولا زائف من قول مطرينا
انا اتيناك من ارضٍ ملائكها ، بالعهر ترجم او ترضي الشياطينا
وفي عام 1956 ينظم الجواهري قصائد عديدة أخرى ومنها: "الأرض والفقر" التنويرية، وفي تحية الثورة الجزائرية ، و"خلفت غاشية الخنوع" التي أبّن فيها شهيد الجيش السوري عدنان المالكي، وقد حملت بشدة على سلطة العهد الملكي في العراق آنذاك، مما اضطر الجواهري بسببها، البقاء، لاجئاً سياسياً في دمشق، ولنحو عامين.
خلفتُ غاشية الخنوع ورائي وأتيت أقبس جمرة الشهداءِ
خلفتها وأتيت يعتصر الأسى قلبي، وينتصب الكفاح إزائي
أنا لا أرى العصماء غير عقيدة، منسابة ٍ في فكرة عصماء
هذا أنا عظم الضحية ريشتي، ابدأ ولفح دمائها اضوائي
حاسبت نفسي والاناة تردها، في معرض التصريح للايماء
ماذا يميزك والسكوت قسيمة عن خانع ٍ ومهادن ٍ ومرائي
خلي النقاط على الحروف وأوغلي في الجهر ما وسعت حروف هجاء
ما انت اذ لا تصدعين فواحشاً، إلا كراضية عن الفحشاء
أما في عام 1957 فنرصد للجواهري جديداً آخر ومن بينه في حفل احياء الذكرى الثالثة لمصرع المالكي بدمشق، ذات البيت الأشهر:
يا سادتي ، ان بعض العتبِ منبهة ٌ
لغافلين ، وبعض الشعر ، إشعار
أنا العراق لساني قلبه ، ودمي فراته ،وكياني منه اشطارُ
وكذلك قصيدة "الناقدون" التي حمل فيها شاعرنا على نماذج من "نقاد الأدب" وأخرى بعنوان "وحيّ الموقد" تحمل الكثير من الفلسفة والمواقف والاصرار والشموخ، ومنها حين يحاور زوجته عن اللهيب والنار ورؤاه عنهما:
انت قد اوحتك شعلتها ، ان توقي سوء منقلبِ
وانا يوحي اليّ بها، ان تقحمني ، ولا تهب ِ
قد حببتُ النارَ من صعد ٍ وأثرتُ النار عن صببِ
ورأيت "الوغد" يُشعلها لا لشيطان .. ولا لنبي
يجتلي بالنور يسكبُه وهَجَ الألقاب والرُتبِ
ويرى في بؤس فحمتها بهرجات "الماس" .. والذهبِ
انتِ خير منهم ، سكني تقتُلين الخوف بالهربِ
وأنا أزكاكُمُ أرباً أستشفُّ "الخيرَ" في العطب
أُشعلُ "النيران..!" لا رغباً ، وأُصاليها بلا رَهَبِ
غيرَ علم ٍ .. أنها سبب لحياةٍ .. أيما سبب
وإلى جانب كل هذا وذاك من أشعار خمسينية جرى التطرق إليها، ثمة مقطوعات وفرائد أخرى في السياسة، وحب الحياة والجمال، وفي الوجدانيات وغيرها... أما عن قصائد الجواهري بعد حركة الرابع عشر من تموز العسكرية التي أنهت النظام الملكي في العراق عام 1958... فلها، وعنها وقفات خاصة في رؤى وايقاعات قادمة.
للاستماع الى بعض قصائد الجواهري اعلاه ،يُتابع الرابط التالي 
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2080584.html
                       مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                              www,jawahiri,com



 

210


في خمسينات الجواهري والعراق


 
   رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com   
تلوح خمسينات القرن الماضي وفيها ما فيها من تداعيات سياسية وفورات فكرية ، ومعها يرسخ الجواهري تربّعه على عرش الشعر العربي، محفوفاً بقصائد الأربعينات التي ذاع صيتها في البلاد وخارجها، مع كل ما رافقها من مواقف  واجتهادات ورؤى متباينة في الخاص والعام ... ولا نظن ان ثمة أفضلَ مَنْ يوثق  لإبداع وتاريخ الشاعر الكبير في تلكم السنوات التي نريد اشاعة جوانب من  خلاصاتها ، والتوثيق لها، سوى قصائده ذاتها، الوجدانية منها، أو الوطنية وغيرها...
ففي مطلع الخمسينات الماضية، وهي خمسينات الجواهري في آن كما هو معروف، يعلمنا قصيد الشاعر اغترابه إلى مصر ، غاضبا ومتمردا على عادته ، بضيافة د. طه حسين، والحكومة المصرية، بعد مشاركته في مؤتمر ثقافي عربي عقد في القاهرة أوائل عام 1951 بقصيدة عنوانها "إلى الشعب المصري" وجاء فيها:
يا مصر تستبقُ الدهور وتعثرُ … والنيل يزخر والمسلة تُزهرُ
وبنوك والتاريخ في قصبيهما … يتسابقان فيصهرون ويصهرُ
والأرض يُنقِذ من عَماية اهلها … نور يرف على ثراك وينشرُ
هذا الصعيد مشت عليه مواكب ، للدهر مثقلة الخطى، تتبخترُ
يصل الحضارة بالحضارة ما بنى ، فيك المعزُ وما دحا الاسكندرُ
ثم يعلمنا الديوان العامر أيضاً عن قصائد أخرى للجواهري في سنوات الخمسينات الأولى، ومن بينها في تأبين الزعيم اللبناني عبد الحميد كرامي، ذات المطلع الهادر حتى اليوم:
باق ٍ – وأعمار الطغاة – قصارُ ... من سفر مجدك عاطر موارُ
المجد ان يحميك مجدك وحده ، في الناس ولا شرط ولا أنصارُ
وقد كان من تداعيات تلك الرائية التنويرية ، التى تناولت شؤونا واهتمامات عراقية ولبنانية وعربية ،أن قررت سلطات  بيروت  اعتبار الجواهري  غير مرغوب به، وإبعاده عن البلاد خلال ساعات معدودات، بعد ان اعتبرت مضامين القصيدة: تحريضية ومثيرة ضد النظام القائم وبعض رموزه السياسيةانذاك ...
كما يجد المتابع ضمن سجل الجواهري الشعري في تلك الفترة قصائد عن الحرب الكورية وأخرى في الذكرى الخامسة لرحيل صديقه الشاعر معروف الرصافي، ثم عصماءه الوجـدانية "تعالى المجد يا قفص العظام" المهداة لوالدته عشية اغترابه عن العراق... وكذلك رائية ً مطولة بمناسة انعقاد مؤتمر المحامين العرب عام 1951 ببغداد، ومن ابيات قصيدها :
سلام على جاعلين الحتوف جسرا الى الموكب العابرِ
سلام على مثقل بالحديد  ، ويشمخ كالقائد الظافرِ
كأن القيود على معصميه ...مفاتيح مستقبل زاهرِ
فضلاً عن "تنويمة الجياع" الشهيرة...
نامي جياع الشعب نامي حرستك آلهة الطعام ِ
نامي فإن لم تشبعي من يقطة ٍ ، فمن المنام ِ
نامي على زبد الوعود يداف في عسل الكلام
نامي تزرك عرائس الاحلام في جنح الظلام
تتنوري قرص الرغيف كدورة البدر التمامِِ
وبحسب جحفل الديوان الحافل لا غير، يُنظم الجواهري عام 1952 قصائد عديدة أخرى ومن بينها "اللاجئة في العيد" ذات المئة والعشرين بيتاً، و"آخا ودي" في رثاء ابن عمه العلامة محمد باقر الشيخ علي صاحب الجواهر، وثالثة بعنوان "ظلام" نظمت اثر الاحتجاز في معتقل ابو غريب مع عدد من الأقطاب السياسيين بعيّد أحداث الحركة العراقية الشعبية الشهيرة بانتفاضة تشرين...
... وفي عام 1953 يتعرض الجواهري لحملة اعلامية من مخالفيه السياسيين وأعوانهم وصحفهم، فيرد بقسوة واعتداد في قصيدة "كما يستكلب الذيب" ومن أبياتها الغاضبة :
مشت إليّ بعوضات تلدغني ، وهل يحس دبيب النمل يعسوبُ
يبقى القصيدُ لظىً والأرضُ مشربة ً ، دماً ، وتذري مع الريح الأكاذيبُ
وعلى ذات الحال، يستمر الجواهري، الشاعر والسياسي والصحفي، في ابداعه ومواقفه مطالع الخمسينات الماضية، بين قصائد ثائرة هنا، ومقالات وكتابات ناقدة هناك، إلى جانب المشاركات السياسية المعارضة... ولتستمر تلكم الحال، ولربما بكثافة أكبر في السنوات اللاحقة، وذلك ما سيكون عناية كتابة قادمة
للاستماع الى بعض المقاطع الشعرية اعلاه بصوت الجواهري ، يتابع الرابط التالي
   http://origin.iraqhurr.org/content/article/2076426.html
                        مع تحيات مركز الجواهري في براغ
         www,jawahiri,com               




211
    
الجواهري الكبير في المَقامة اليونانية




    رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
ما بين براغ التي أطالت الشوط من عمره... وبغداد "دجلة الخير" والأزمات والمرارة في آن، حطّ الجواهري ركابه في النصف الثاني من السبعينات الماضية، في أثينا، مستأجراً شقيقةً متواضعة دون حدود، ولكن أهم ما عندها من مغريات وقوعها على ساحل البحر مباشرة، وذلك هو الأحب لدى شاعرنا التوّاق والطامح لمزيد من الإيحاء...
 ... ومن يعرف الجواهري عن قرب، يعرف انه عاشق أبدي للأنهر والبحار، سواحل وتدفقاً وضفافاً، وعلى مدى عقود حياته المديدة: وتلكم هي بارزة الشواهد ذات الصلة في ديوانه عن رافدي العراق، ونيل القاهرة، وبردى دمشق، وسواحل ابي ظبي، والجزائر وطنجة، وفارنا، وغيرها، وفي روائع وصفت واستلهمت وأوحت بما لا يُزاحم على ما نظن...
   سجا البحر وانداحت ضفافٌ ندية ولوح رضراض الحصى والجنادل
    وفكت عرى عن موجة لصق موجة تماسك فيما بينها كالسلاسل
    وسدت كوىً ظلت تسد خصاصها عيون ضباء أو عيون مطافل ِ
    ولفّ الدجى في مُستجد غلالة ٍ سوى ما تردى قبلها من غلائل
    سوى ما تردى من مفاتن سحرة وما جر عيهاً من ذيول الأصائلِ
وما حمل "الاصباح" شرقاً إلى الضحى من الورق النَديان أشهى الرسائل

  ....وفي مَقامة الجواهري، اليونانية، التي ندور حولها في هذه الإيقاعات والرؤى، نؤشر إلى ان اقامته في أثينا لم تكن إلا لفترات قصيرة ومتقطعة، اغتراباً عن الأحداث، وركون إلى النفس، وتمعناً في ما يمتليء به فكر الشاعر الرمز: فلسفة في الحياة ووقائعها، والمشاغل الانسانية العامة.... وهناك وفي تلك العوالم، ولدت قصيدته الباهرة عام 1977 "سجا البحر" التي اورد اعلاه  مطلعها الحميم ... وقد جاءت تستلهم من البحر، وتترجم عنه المزيد من الموحيات والعبر
وهيمن صمت، فاستكنت حمائم، وقر على الأغصان شدو البلابل
تثاءب املود، ولمت كمائم ودب فتور في عروق الخمائل
وبدل لون من شتيت مخالف لما يتراءى او شبيه مماثل
كأن الدنى ملت تدني شخوصها بوضح السنا فاستبدلت بالمخايل
رؤى تستبيح الجن في صبواتها، بها ما بنى إنسيها من هياكل

ثم تتنقل اللامية الصوفية ذات الثمانية والستين بيتاً، لتحدثنا عما جال في ذهن الجواهري من إلهام ومقارنات مع "صاحبه" البحر الهاديء – الهادر، والعريق – الشبوبُ ، والشامخ - المتباسط... وان جاءت الحال مناجاة ووصفاً ومناغاة.
تنفس عميقاً أيها الشيخ لم يهن يجري على فرط المدى المتطاول
ولم ينسهِ التياهُ من جبروته عناق الشواطي واحتضان الجداول
وما زاده إلا شموخاً وعزة تخطي شعوب ٍ فوقه وقبائل
عبدتك صوفياً يدين ضميره بما ذر فيه من قرون الدخائل
وعاطيتك النجوى معاطاة راهب ٍ مصيخ إلى همس من الغيب نازل
وناغاك قيثاري فلم تلف نغمتي نشازاً ولا لحني عليك بواغل ِ

... كما نوثق في هذا السياق ان الجواهري قد كتب خلال فترة مقامته اليونانية مقطوعة أخرى، تحية للطلبة العراقيين الذين التقوه في أثينا، عام 1979 وكانت بعنوان: يا فتية الوطن الحبيب. وقد انقطع أمد تلك الإقامة لأسباب مالية، ليس إلا، إذ لم يستطع شاعر الأمة العراقية أن يوفر متطلبات إيجار الشقة الزهيد، فيما كانت البلاد تتراكم فيها ثروات الفورة النفطية آنذاك والبقية معروفة على ما نظن...
   ...للاستماع الى القصيدة اعلاه ، يُتابع الرابط التالي
http://www.iraqhurr.org/content/article/2069391.html
                مع تحيات مركز الجواهري الثقافي في براغ
                           www.jawahiri.com   

212
    
رؤيتان عن الجواهري


         رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
     منذ عقود مديدة ، وما برح النقاد ونخب المثقفين عموماً، يلاحقون الجواهري: حياة ونبوغاً وشعراً وإبداعاً... في مقالات وبحوث وكتب وندوات وبرامج، وغيرها ... وهناك دائماً الجديد في قراءات لقصائد الشاعر ورموزياتها، أو الوقفات عند صياغات لغته وبنيويتها وبلاغتها، وبين هذا وذاك محطات تاريخية في وطنياته ودراسات نقدية وانتقادية بموضوعية، أو حتى بدونها أحياناً... ولعله استبق ذلك الأمر فقال احترازاً عام 1962:
جبْ أربعَ النقدِ واسألْ عن ملامحِها
فهل ترى من نبيغٍ غيرِ مطعونِ
ومن المجهد حقاً ان يُستطاع الايجاز ولو المكثف لذلك الكم المتراكم مما كتب عن الجواهري، أو قيل حوله، خاصة ونحن محددون بدقائق معدودات، كما هي الحال التي نحن فيها... ومع ذلك، دعونا نجتهد في إلتقاط سطور ليس إلا، من دراستين متخصصتين، نختارهما من خضم غزير تناول منجز الجواهري، وبحثت فيه شخصيات عراقية وعربية لامعة الكفاءة والعطاء...
... وأولى المقاطع المختارة من تينك الدراستين التي نعني، هي للناقد والباحث الفلسطيني المبدع: جبرا ابراهيم جبرا، في أواخر الستينات بعنوان "الجواهري، الشاعر والحاكم والمدينة" ومما جاء فيها:
"... الجواهري إذ يستعلي، يرمز إلى نفسه بالأسد أو النسر أو النجم اللامع... ولكنه يصف نفسه أيضاً بالصلّ، ويقف مع الناس في معظم شعره وقفة الشريك، يزهو بهم، ويتفاخر بالفقر، ويتباهى بأنه جزء من تلك الجماهير التي تبحث عن الخلاص من الظلم".
بماذا يخوفني الأرذلون، وممن تخاف صلال الفلا
أيسلب منها نعيم الهجير ونفح الرمال وبذخ العرا
بلى ان عندي خوف الشجاع، وطيش الحليم وموت الردى
متى شئت أنضجت نضج الشواء، جلوداً تعاصت فما تشتوى
وابقيت من ميسمي في الجباه وشماً كوشم بنات الهوى
بحيث يقال اذا ما بدا الصليّ بها، قيل وغدٌ بدا
وحيث يعيّر أبناؤه ، بأن لهم والداً مثل ذا
أما المجتزئ الثاني الذي نشيعه هنا فهو من دراسة للكاتب والمثقف اللبناني المعروف محمد دكروب، كتبها عام 1997 بعنوان "جواهريات في الذاكرة" ومما احتوته:
"ان الابداع، لا الشكل، هو الأساس... والمبدع الأصيل – كما الجواهري – هو الذي يطوّع الشكل القديم لطابع العصر، وضرورات إيقاعه.. وكذلك لضرورات معارك الحرية التي يخوضها أناس معاصرون، رأى فيهم الجواهري مادة شعره وطاقته الروحية... ورأوا، هم، في شعر الجواهري سلاحاً لهم، ليس فقط من حيث هو أوزان وقوافٍ وإيقاعات وشحنات غضب ودعوة حرية، بل من حيث هو، إلى هذا كله، شعر بالأساس".
نامي جياع الشعب نامي، النوم من نعم السلام
نامي فان صلاح امر فاسدٍ في ان تنامي
نامي على جور الطغاة ، ولا تهزي بالنظام
وقعي على البلوى كما وقع الحسام على الحسام
سبحان ربك صورة هي والخطوب على انسجام
نامي جياع الشعب نامي، النوم ارعى للذمام
نامي جياع الشعب لا تعني بسقط من كلامي
نامي اليك تحيتي ، وعليك نائمةً ، سلامي

…أخيراً، نرى حاجة للتأكيد مجدداً، ان ما اخترناه لجبرا أو دكروب يأتي أنموذجين وحسب، لكمٍ زاخرٍ من كتابات ومواقف ثرة ومعطاء عن الجواهري، متعدد الإبداع الانساني،على ما يثبته أصحاب رؤى ومحبون لا يحصون، وذلك موضع وقفات أخرى قادمة ،عند بعضه المتميز على الأقل...
للمزيد ، وللاستماع الى المقاطع الشعرية اعلاه بصوت الجواهري ، يُتابعُ الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2062852.html
        مع تحيات مركز الجواهري    www.jawahiri.com         
 





213
    
عن بعض عراقيات الجواهري.. ووطنياته

رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com 

 
نشرنا في كتابات سابقة قريبة لمحات من ذلك  التنوع الغزير الذي شمله قصيد الجواهري ذي الأكثر من 25 ألف بيت، وتوزعه على مختلف الأغراض الشعرية المعروفة، ولربما غير المعروفة أيضاً، كما نجتهد، وقد نصيب... وفي هذه المرة  نواصل فنعنى وبإيجاز مقتضب عن بعض ما جاء به ديوان الشاعر، الوطني والسياسي، والتفرعات والتشابكات ذات الصلة...
...نقول تفرعاتٍ وتشابكاتٍ ونرمز بذلك إلى القصائد الجواهرية المباشرة في عناوينها، ومناسباتها، أو تلكم التي راحت تعالج هذا الحدث السياسي، أو تتبنى ذلك الموقف الوطني، وما بينهما من قراءات في بعض الوقائع، وصناعها من زعماء وغيرهم... عراقيين، وعربا، وحتى عالميين... وعلى سبيل المثال، بل التأشير فحسب، دعونا نختار سريعاً لقطات مما هو متوفر لدينا بصوت شاعرنا عن بعض ما قد يناسب ما نحن بصدد التوثيق له...
ففي قصيدة هاشم الوتري المنظومة عام 1949 ذات البيت الشهير: أنا حتفهم ألج البيوت عليهم، أغري الوليد بشتمهم والحاجبا... راح الجواهري ينتقد الحكام آنذاك، وممارساتهم وسياساتهم التي عدّها نابية، تتطلب الفضح والادانة والتحريض ضدها:
انبيك عن شر الطغام مفاجراً ومفاخراً ومكاسبا
والشاربين دم الشباب لأنه، لو نال من دمهم لكان الشاربا
والحاقدين على البلاد لانها ، حقرتهم حقر السليب السالبا
ولأنها ابداً تدوس افاعياً منهم، تمج سمومها وعقاربا
ومن بين المتوفر أيضاً، نختار هذه المرة، بضعة أبيات منتقاة مما كتبه الجواهري عام (1947) في قصيدة "تنويمة الجياع" كاشفاً حقائق ووقائع مؤسية، وداعياً الجماهير للانتفاض من اجل حقوقها، وكل ذلك من خلال سخرية لاذعة قل نظيرها، في الطريقة والشكل والمضمون:
نامي جياع الشعب نامي حرستك آلهة الطعام
نامي فان لم تشبعي من يقظة فمن المنام
نامي على زبد الوعود يُداف في عسل الكلام
نامي تزرك عرائس الاحلام في جنح الظلام
تتنوري قرص الرغيف كدورة البدر التمام
نامي تصحي، نعمَ نومُ المرءِ في الكرب ِ الجسامٍ

... كما نواصل ثالثة لنتوقف عند أبيات من قصيدة أزف الموعد الجواهرية، التي خاطب فيها عام 1959 طلبة وشبيبة البلاد ودعاهم لمزيد من الهمّة والاستنهاض، والبذل من أجل ان تتوحد الصفوف، ويعلو بناء الوطن المشترك.
ازف الموعد والوعد يعن ، والغد الحلو لأهليه يحنُ
والغد الحلو بنوه انتم، فاذا كان له صلب فنحن
فخرنا انا كشفناه لكم، واكتشاف الغد للأجيال فنُّ
... ختاماً، لابد من التنويه دائماً بأن ما سبقت الإشارة إليه، ويُستمع اليه ، محطات  محطات ليس الا في مساحات ومضامير متسعة الأبعاد ودون مدى... في سفر ٍ عراقي ٍ عريق.
للاستماع الى مقاطع الاختيارات اعلاه ، بصوت الجواهري ، يُتابع الرابط التالي
http://www.iraqhurr.org/content/article/2056127.html
 مع تحيات مركز الجواهري في براغ       
 www.jawahiri.com
   

214
الجواهري بلا حدود


  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
أجهد الجواهريّ مجايليه، ونقاده ودارسي شعره ومنجزه الإبداعي، واتعبهم  في القدرة على نسبه إلى إطار سياسي أو اجتماعي محدد، أو وسمه بهذه الخصوصية أو تلك بشكل مطلق، لكثرة ما اتخذ من مواقف، وبيّن من آراء، وأجتهد في أخرى... ونرى ان تلكم الحال لم تأتِ لرغبة أو رؤى طارئة، بل استندت إلى فلسفة وقناعات، طالما تبناها الشاعر المتفرد، وآمن بها ووثّقها في قصائده وكتاباته المتواترة على امتداد أكثر من سبعة عقود... ومن بينها ذلك البيت المعبّر:
    وزعتُ جسمي في الجسومٍ ، ومهجتي بين القلوبٍ ...
... ويا طالما بقي الجواهري يصرّح، ويصدح في حبه للحياة والجمال، منذ فتوته، وحتى شيخوخته، مروراً بمرحلتي الشباب والكهولة، وفي الكثير من القصائد ذات الأكثر من محور، وأسلوب وشكل... قائلاً في بعض الأحايين ما لا يقال في مثل مجتمعاتنا العربية، مما عرضه لانتقادات، أو تطاول حاسدين، وظلامية آخرين...
لمّي لهاتيك لمّا، وقربي الشفتينٍ
لما على جمرتين ... بالموت ملمومتيّن
يا حلوة المشربين ... من أين كان وأيّنٍ
من صنعٍ كذب وميّنِ ، سموهما زهرتينٍ
... ثم وعلى حين غرة كما يقولون، وفي انتقالة جواهرية متفردة ، يُبهر المتابعون حينما تنقلهم الى عوالم اخرى، القصيدة العينية الأشهر عام 1940 في مأثرة البطولة والفداء الحسينية، وعاشورائها، وواقعتها ودروسها وخلاصاتها، وفيها من الموحيات والأحاسيس والمشاعر ما لم يستطعه، حتى الأكثر مولاةً وتعاطفاً وإيماناً بتلك المأثرة التاريخية الهادرة بالمباديء والمثل الجليلة...
فداء لمثواك من مضجع، تنور بالأبلج الأروعٍِ
ورعياً ليومك يوم الطفوف، وسعياً لأرضك من مصرعٍ
تعاليت من مفزعٍ للحتوف، وبورك قبرك من مفزعِِ
وما وقفتنا عند الحالتين السابقتين، سوى إنموذجين ليس إلا من فضاءات رحبة مديدة داح وتنقل فيها الجواهري دون حدود... وهكذا راحت حاله في الوصف، والفلسفة والتنوير والتأرخة والمديح والهجاء وما إلى ذلك كثير، ومن بينه الرثاء الأليم، كما تعلمنا، وعلى سبيل المثال أيضاً لا الحصر، داليته في وداع شريكة حياته الأولى، مناهل (أم فرات) عام 1933:
حييت ام فرات ٍ ان والدة، بمثل ما انجبت تكنى بما تلدُ
تحية لم اجد من بث لاعجها بُداً ، وان قام سداً بيننا اللحد
بالروح ردي عليها انها صلة .. بين المحبين ، ماذا ينفع الجسد
مدي إلي يداً ، تمدد اليك يدُ ... لابد في العيش او في الموت نتحدُ
أما بشأن القصائد الجواهرية العراقية  الوطنية ، فلها، وعنها حديث يطول ويطول، علّنا نستطيع أن نوجز عنه في كتابات قريبة قادمة ...
 
المزيد في الملف الصوتي على الربط ادناه
 http://origin.iraqhurr.org/content/article/2049712.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com   

215
من مكاشفات الجواهري ..وثوابته
     


 رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
منذ بدايات انطلاقاته الابداعية، باح الجواهري بمواقفه النقدية، والانتقادية، للأفكار والسلوكيات الاجتماعية البائدة، وللأعراف والتقاليد الموروثة، والمورثةُ دون تمحيص، او تثقيف... وقد ظلّ الشاعر الخالد على تلكم الحال حتى سنواته الأخيرة: غاضباً، متمرداً، عنيفاً، داعياً للتنوير والنهوض والارتقاء... وتجاوز ما بلى من مفاهيم عافها الزمان.
ويجد المتابع، الجَهود، مثابرةً واعيةً، وشبه دائمة على هذه الطريق في منجز الجواهري الشعري الثري، والنثري المتميز، لمئات الحالات التي تحدثت عنها، ووثقتها قصائد تترى على مدى أكثر من سبعة عقود... شخصتها ودانتها عبر رؤى واستشهادات وفلسفة واضحة ومباشرة...
... وفي العديد من الوقائع التي نحاول العناية بها في هذا السياق، يجمع الجواهري رؤاه ويشيعها بشمولية واضحة، وان تبدت الصورة، وللوهلة الأولى انها شؤون شخصية وخاصة... غير ان قراءات متأنية، نابهة لما زعمه الشاعر، وادعاه عن ذاته، تكشف بما لا يقبل اللبس، انه يعالج من خلال ذلك، شجوناً وقضايا اجتماعية ووطنية عامة، تخص ظواهر ذات أكثر من مغزى...
... وقصيدة "المُحرّقة" المنشورة عام 1931، نموذج بارز لما نحن بصدد التوثيق له، والتأكيد عليه... خاصة انها نظمت والجواهري كان في مطلع شبابه، وانطلاقته الابداعية، والرموزية:

أحاول خرقاً في الحياة، وما اجرا ..وآسف ان أمضي، ولم ابق ِ لي ذكرا
ويؤلمني فرط افتكاري بأنني ، سأذهب لا نفعاً جَلبت ولا ضُرا
مضت حججٌ عشر ونفسي كأنها، من الغيظ سيلُ، سُد في وجهه المجرى
وقد ابقت البلوى على الوجه طابعاً، وخلفت الشحناء في كبدي نغرا
الم ترني من فرط شكٍ وريبةٍ ، أري الناسَ ، حتى صاحبي، نظراً شزرا

... لقد جاءت القصيدة هذه اثر ظروف قاسية مرت على صاحبها المبتلى في أواخر العشرينات الماضية، والمعروفة دوافعها وجذورها الزائفة واللئيمة في آن... وقد مرّ عليها الشاعر الناهض، وتجاوزها بكل قدرة وشموخ ، وكما بينت الأعوام والعقود اللاحقة، إذ انكفأ الموتورون والجهلة، والظلاميون بينما راح شأن الجواهري يعلو، متربعاً عرش الابداع ودوح الوطنية والانسانية...
... وإذ تبدأ القصيدة "المُحرّقة" بملموسيات ونبرات ذاتية خالصة، تنطلق لاحقاً في وصف الحال، والدفاع عن النفس، والانتقاد، وحتى مرحلة الادانة التالية... وربما قرار الحكم، وكل ذلك في مرافعة شعرية شاملة أعدها الجواهري بحذق نابغ ومهارة مصطفاة.

أقول اضطراراً: قد صبرت على الأذى، على انني لا أعرف الحر مضطرا
وليس بحرِ من اذا رام غايةً ، تخوف أن ترمي به مسلكاً وعرا
 وما أنت بالمعطي التمرد حقه، اذا كنت تخشى ان تجوع، وان تعرى

وهكذا صالت "المُحرّقة" وجالت في أكثر من ستين بيتاً، طالت المزيد من المحاور الاجتماعية والسياسية السائدة آنذاك، وآثارها وتأثيراتها، ذات الصلة بمدارات نهوض البلاد وأهلها، فضلاً  عن التحذير من مغبة الانكفاء، والركون إلى اليأس والاستسلام للواقع المرير، بل وقد راحت تشهر الدعوة للمواجهة والتصدي، وتلكم على ما نرى واحدة من أبرز المهمات التي تقع على كاهل المتصدين للتخلف والسبات ، والتواقين للارتقاء والازدهار... وعلّنا مصيبين في ما ذهبنا إليه...
             من قصيدة المحرّقة بصوت الجواهري ..على الرابط التالي

 http://origin.iraqhurr.org/content/article/2042888.html
                     
                 مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                     www.jawahiri.com                                                                             

216
 
"أربيلياتٌ" جواهريةٌ راهنة...
    رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
مع فجر يوم ٍ جديد، نيسانيّ السمات، تبدأ رحلتنا من بغداد إلى أربيل للزيارة والاطلاع على سير الانتاج الدرامي المنتظر "الجواهري... كبرياء العراق" للمخرج الطموح انور الحمداني... فضلاً عن تجديد صلات، واحياء غيرها، مع أصدقاء وأحباء وآخرين...
... وعلى مدى خمس ساعات، هي فترة الرحلة السيارة، إلى أربيل، حيث "الجبل الأشم وأهله" تتحفز الذاكرة، وتطفح الذكريات عن آخر زيارة لعاصمة الكرد قبل حوالي عشرة أعوام، بمناسبة احياء مئوية الجواهري بحضور شعراء وأدباء وفنانين وسياسيين من العراقيين والعرب المختارين، احتفوا بذكرى ولادة الشاعر والرمز الثقافي والوطني الأصدح، ومنجزه وعطائه الفكري وبضيافة الزعيمين الكورديين: مسعود بارزاني في أربيل، وجلال طالباني في السليمانية.....
   قلبي لكوردستان يهدى والفمُ ،ولقد يجودُ باصغريه المعدم..ُ     
   سلم على الجبلِ الأشمّ وأهله، ولأنتَ أدرى عن بنيه من همُ

ومنذ الساعات الأولى في أربيل، نُـقاد إلى حيث فضائية "السومرية" التي بادرت لتتميز في انتاجها ذي السبعة أجزاء عن الجواهري – كبرياء العراق باشراف الاعلامي العريق: علي أكرم، وبمشاركة نخبة من الممثلين والفنانين والتقنيين البارزين، الذين سجلوا ريادة أولى، نثق انها قد حظيت، وستحظى باهتمام وفير ...
... ثم تحفل المقامة الاربيلية، بلقاءات وحوارات واستذكارات مع أصدقاء واعلاميين وغيرهم... ويبقى المحور في جميع كل هذا وذاك: الجواهري وبعض رموزيته وعوالم ابداعه، وتنوعها... فذلك طارق ابراهيم شريف، مليءٌ بتصورات ومشاريع كتابية وغيرها ...وهاهنا مال الله فرج يبادر إلى تغطية صحفية وثقافية شاملة ... ليوازيه عبد الحميد الزيباري في جهدٍ ممائل، وليتمم هوازين عمر ، ولكن بالكردية هذه المرة، وكل ذلك في توثيق  اضافي جديد لبعض مواقف وحياة شاعر الأمة العراقية، على الأقل...
            سلامٌ على هضباتِ العراقٌ، وشطيهٌ والجرفٌ والمنحنى
            على النخل ذي السعفات الطوال على سيد الشجر المقتنى

 
وإذ نزور نقيب صحفي كوردستان فرهاد عوني، ويتهادى الحديث عن الجواهري والكورد بشكل رئيس، يصطحبنا بعد ذلك ،الناشر، وذو المواهب المتعددة ، احسان توتنجي ، إلى بعض معالم أربيل، القديمة، والجديدة ،التي لا تبارى... مروراً بمتنزه الشهيد سامي عبد الرحمن، الأوسع والأكبر في أربيل، وحيث يشمخ هناك احد نصبين متماثلين للجواهري، ثانيهما في السليمانية، الكوردية أيضاً... وهكذا تتفرد الحاضرتان الكوردوستانيتان ، خلافاً لكل مدن العراق الأخرى، وحتى بغداد والنجف ، في الاحتفاء بشاعر العراق ، والعربية الأكبر...

وعلى أية حال، تتقضى الساعات السبعون في العاصمة الكوردية، وكأنها لم تبدأ بعد... فهنالك الكثير والعديد من الأفكار والرؤى والتفاصيل  ذات الصلة، المؤجلة إلى حين قريب كما نتمنى.... وعنها كتابات تالية بالتاكيد… 
ملف صوتي على  الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2036052.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ  
www.jawahiri.com



 
 
 


217
 
ايضا ... عن بعض البغداديات الجواهرية الراهنة




     رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
    .... ما زلنا في بغداد - دارة المجد - بعد ازيد من واحد وثلاثين عاما من الاغتراب والغربة ،وما برح الحديث والتوثيق الذى نُعنى به في هذا القسم الثاني من " البغداديات الجوهراية " قائماً،  وها نحن نرصد ، ونسجل  من جديد لقطات تحمل اكثر من مغزى  كما نظن ، وليس كل الظن اثمُ ، في عالم اليوم ، الملئ بالعجيب وبالغريب المتراكم ...
    ... نشهدُ حوارا بين جمع أليف ، ومن بينه :  مقدم عسكري ، باسل ، متقاعد برغمه ، وكادر سياسي سمير للنشاط الميداني ، و"بطران" مسرف في الاثارات  اللامتناهية ... الى جانب معنية  في العمل الجماهيري،  تركت السويد وترفها لتعاشر الاحياءالبغدادية الشعبية  ، واخر فاعل  في منظمة للأمل في عراق اليوم ، .. . ويحتدم النقاش حول السياسة والاقتصاد  والدين والثقافة ، ويكون الجواهري حاضرا : شعراً ، ورؤى ومواقف اباح بها ، ونشرها ،علنا قبل ازيد من ستين عاماً ، وما برحت نيّرة  كأنها بنت اليوم ، يستشهد بها ، ويدعو  لتبنيها العديد من الدينين والعلمانيين ومن بينهما من  "الوسطيين"  وغيرهم ... اما هو القائل :
                      أنا العراق لساني قلبه ودمي فراته وكياني منه اشطارُ  
    ... نزور- ومعي احد ابناء الجواهري - مديرية الاقامة لتمديد  فترة البقاء في بلاد "نا" عشرة ايام اخرى فيلتف حولنا ضباط شرطة ومراتب ، وليحتفوا بنا بما هو ميسور ، و ليسألوا عن بعض مقامات الشاعر والرمز الوطني  في براغ ، التي جئنا منها زائرين  ، وليتباهى امامنا  ضابط امن في العراق الجديد ، ببعض معلومات ، واعتزازٍ بصاحب " دجلة الخير"...
    ...نلتقي شاعراً ، صادق العطاء ، عاش سنوات شباب بهيجةٍ في براغ ، فراح وعلى مدى اربع  ساعات في ذكريات واستذكارات خاصة وعامة ، يطوفُ  الكثير منها ،ويحوفُ  حول جملة من الاستثنائيات الجواهرية الشعرية والاجتماعية  والغزلية و... تداعياتها ، وليوثق – صاحبنا- وهو شاهد عيان، كيف كان الشاعر العظيم صريحاً ومباشراً وجريئا في عشقه للحياة والجمال ، ودون مدى ، ولنستذكر سوية :
                         لو قيلَ: كيف الحبُ ، قلت : بأن تُداء ولا تشافى
  .. نزج في "معمعان"  عائلي، جمع بين اباء وابناء وحتى احفاد ، فتتزايد تساؤلات وتمنيات لو يتحول منزل الجواهري- االاول والاخيرفي بغداد – الى متحف لاثاره ومنجزه الابداعي ، قبل ان يُزال شيوعُه ، ويضيع بين هذا وذاك ، وليُجهدَ ،ولربما بعد اكثر من الف عام تالية – كما هي حال  المتنبي الخالد – فيبحثُ لصاحب " دجلة الخير " عن مقام هنا اوهناك  ...
   ...نزور وزيرا ، لطيف السجية ، للمجاملة والتشاور في شأنٍ وظيفي ، ومعي  صديق ظافرٌ بالاخلاق ، واذ باكثرمن نصف وقت الزيارة ينقضي بالحديث عن بعض محطات الجواهري الستينية في اوربا ، وهو في المغترب االاضطراري ، وكيف كان الشبيبة والطلبة الكورد به ، ومن بينهم الوزير ذاته ، يحتفون بشاعر الامة العراقية  بكل محبة وتقدير ، وخاصة وهو صاحب العصماء الحديثة انذاك ونعني بها  ""قلبي لكردستان يهدى والفم  "" ذائعة الصيت ...
......وندعى لاحتفال الحزب العراقي الاعرق ، بمناسبة ذكرى تأسيسه السادسة والسبعين ،وحيث   الاحباء والاصقاء " من قطعوا ومن وصلوا...." واذ بالعديد من  لافتات ، الاحتفال ، وكلماته ، تتباهى وتنقل هذا المقطع الشعري او ذاك من بعض قصائد الجواهري الوطنية والسياسية الاشهر ....  ثم نخرج سارحين في شارع السعدون الزاهر شيئا فشيئا ، لتطالعنا ، وليس بعيدا عن موقع ذلك الاحتفال الحافل  سوى بعشرات الامتار فقط ، وفي ساحة التحرير بالذات  ، حيث  وسط العاصمة  ، لوحة شامخة تحمل بعض  ابيات منتقاة من قصيدة " امنت بالحسين " االعينية المتفردة في تمجيد البطولة والتضحيات الاجل ، والهاتف مطلعها بشموخ :
                      فداء لمثواكَ من مضجعِ ، تنورَ بالابلج الاروعِ
   ...وتقودنا صداقة جديدة لزيارة القائم باعمال رئيس تحرير الصحيفة العراقية الاولى ، فنتسامر  ونتحاور في رواهن متنوعة ... ثم ليدور الحديث ، وكالعادة في مثل تلكم المجالس الثقافية والاعلامية ، عن الجواهري ، ول "نتفاوض" حول امكانية المساهمة بكتابة دورية  او توثيق او تأرخة ، عن الشاعر وتراثه وارثه الثري ...
   ... اما عن حال واخبار " مركز الجواهري في براغ " ونشاطاته وظروف عمله المتاحة ، والممكنة ، وما الى ذلك من شؤون وشجون ... فلربما لا نبالغ في القول ان ذلك الامر كان دائم الحضور في مجمل اللقاءات ذات الصلة ، وعلى مدى  الايام العشرين التى تقضت ببغداد وكأنها سويعات فقط ... اما الملموس من كل ذلك  فهو مؤجل كما يبدو والى اشعار اخر ، لانشغال اولى الامر والنهي ، وهو ما ندعيه بالنيابة عنهم ...
  ....وهكذا اذن ، جهدنا ان ننقل بكل ايجاز ما نحسبه بعض حصاد عن محطات ابرز في بغداديات جواهرية انية ، نثق انها ذات اكثر من مدلول ومغزى... وللحديث تتمة كما يقولون                                
للاستماع الى مقاطع من بعض قصائد الجواهري ، بصوته ،يُتابع الرابط ادناه  
http://www.iraqhurr.org/content/article/2023090.html              
                                             مع تحيات مركز الجواهري في براغ
WWW.JAWAHIRI.COM  
                       

218

           
الجواهري في بغداد اليوم
         رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
... بعد أزيدّ من واحد وثلاثين عاماً ، نحط ُ الرحالُ في بغداد ، ومنذ أولى الساعات هناك تعج الحكايا والذكريات بلقطة هنا، وحادث هناك، وما بين هذه، وتلك خبر واستيحاء وحوار ولقاء واستشهاد، وجميعها عن الجواهري، وفيه، وله، وإليه...
نمرُ، ونقترب من النهر الخالد، فيصدح حديث "دجلة الخير" الذي تعدى حدود القصيدة ليصبح تسمية ومقولة شعبية عامة يتغنى بها ويتبناها أديب وكاتب وفنان وسائق سيارة أجرة وعامل مطعم وسياسي من شتى المشارب، وبائع خردوات ورجل شرطة وموظفة حسابات ورجل أعمال وغيرهم... وما احصيته سريعا: تسميات لمدرسة، ومكتبة وبرنامج اذاعي، وفندق، ومطعم، و... حتى مكتب صرافة، تحمل كلها عبارة دجلة الخير عنواناً لها...
يا دجلة الخير أدري بالذي طفحت به مجاريك من فوق إلى دون
ادري بأنك من ألف مضت هدراً، للآن تهزين من حكم السلاطين
تهزين ان لم تزل في الشرق شاردة من النواويس ، أرواح الفراعين
يا دجلة الخير كم من كنز موهبة، لديك في القمقم "المسحور" مخزون
لعل تلك العفاريت التي احتجزت محملات على أكتاف "دلفين"
لعل يوماً عصوفاً هادراً عرماً، آت فترضيك عقباه، وترضيني

... وإذ نحث الخطى على امتداد شارع الرشيد، الشامخ برغم نوائب الدهر، ومتفجرات الأوغاد، والعائد للحياة، رويداً رويداً، ثمة مقاهي: البرلمان، والرشيد وحسن عجمي والزهاوي، الراحلة، أو الباقية، تتباهى بأن الجواهري كان من روادها ذات زمن... ثم تلكم هي بداية الشارع التاريخي حيث استقر الشاعر في واحد ٍ من بيوتها خلال الخمسينات الماضية ناشراً للعديد من صحفه، وأخلدها – كما نزعم – الرأي العام... أما في الحيدرخانة فها هو جامعها يستذكر قصيدة أخي جعفراً، والتي ألقاها الجواهري في باحته الخارجية، عام 1948، معتلياً سلماً خشبياً وسط جماهير حاشدة..
اتعلم ام انت لا تعلم .... بان جراح الضحايا فمُ
فم ليس كالمدعي قولة ، وليس كاخر يستفهم ُ...
... ارى افقاً بنجيع الدماء طغت واختفت الانجم
وجيلا يجئ وجيلاً يروح ، وناراً ازاءهما تضرمُُ

... وفي رواق المتنبي، المتفرع عن الشارع الأم، والناهض بكبرياء، وتحد ٍ للقتلة والظلاميين، ترى المكتبات الثابتة، أو المتنقلة تبرز اصدارات فيها الغث والسمين، عن الرمز العراقي الثقافي الأبرز، جديدٌ بعضها، وقديمٌ آخر، وما بينهما كراسات تحمل هذه القصيدة أو تلك، مستلة من الديوان الثري ذي الأكثر من 25 ألف بيت... وفي مقهى "الشابندر" الشهير، عند بداية هذه الجادة الثقافية العريقة، تدور رحى الأحاديث مع أصدقاء قدامى، وجدد، عن هذا الشأن السياسي، والثقافي وغيره، وإذ بخبرين آنيين ينصت لهما الجميع بإصغاء حريص : واحد عن شريط توثيقي يؤرخ للجواهري، يكاد مخرجه الأردني درويش البوطي أن يكمله ليبث بعد أسابيع قليلة فقط من قناة الجزيرة  القطرية... والثاني عن جهود مكثفة يواصلها المخرج العراقي انور الحمداني لإتمام مسلسل متفرد بسبعة أجزاء عن محطات في حياة الشاعر العظيم، من الولادة، وحتى أواخر الستينات، وعلى أن يُبث في شهر تموز القادم من قناة السومرية العراقية...
... ثم يحلّ يومٌ تال ٍ، نيسانيٍّ مشرق، يعقب "صولات" جبانة للظلاميين والأيتام، وسياراتهم المفخخة بالموت، فنحقق زيارة خاطفة لمقر اتحاد الأدباء وسط بغداد، الذي تعلو واجهته لوحة شاسعة الأبعاد للجواهري، وليدور الحديث، وان السريع، مع أقطاب الهيئة الادارية الجديدة – القديمة  لهذا الصرح التنويري المكافح ، عن بعض الشؤون ذات الصلة بمؤسس الاتحاد، ومكتبه في ذات المقر قبل أكثر من نصف قرن، وكذلك عن ركنه ولقاءاته مع الخلان والأصحاب في ”الحديقة" الملحقة الزاهية بالشعر والأدب أولاً وقبل كل شيء....

ألا هل قاطع يصل ، لما عيّت به الرسلٌ
ويا أحبابي الأغلين من قطعوا، ومن وصلوا
ومن هم نخبة اللذات عندي حين تنتحل
سلام كله قبل كأن صميمها شعلُ
ولأن الحديث يطول ويتشعب عن البغداديات الجواهرية الراهنة ، فدعونا نكمل بعضه الآخر في حلقة  قريبة اخرى ...
                          قصائد بصوت الجواهري الكبير على الرابط التالي
http://origin.iraqhurr.org/content/article/2023090.html           
                            مع تحيات مركز الجواهري / براغ
www.jawahiri.com       

 




219
في بعض ثمانينات الجواهري 000 والعراق


الجواهري مع بعض اهل البيت
 في اواسط الثمانينات الماضية  
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
باستثناء بعض اللقطات الخبرية وحسب، بقيت ثمانينات الجواهري دون توثيق ملموس إلى اليوم، وقد توفق هذه اللمحات السريعة في تأشير بعض المحطات الرئيسة بهذا الشأن، خاصة واننا نكتب عن ذلك من خلال معايشة مباشرة مع صاحب الامر، ولربما يوم بيوم ....
وتبرز أهمية هذا التوثيق لبعض سجل الجواهري من تزامن ثمانينات الشاعر والرمز الوطني مع ثمانينات القرن العشرين تماماً، حين شهدت البلاد العراقية أحداثاً وشؤوناً وشجوناً بالغة الاستثناء في قسوتها كما يثبت المؤرخون... وخاصة حرب النظام مع إيران في مطلع العقد، وغزوه الكويت في نهايته، وما ترتب على ذلك من مآسٍ ودمار وكوارث.        
... وهكذا يقرر الشيخ الثمانيني الجليل، الهجرة من الوطن، وهو يحمل "منقاراً وأجنحة" ليس إلا، عائداً للاغتراب من جديد إلى العاصمة التشيكية براغ ، وهي التي أطالت الشوط من عمره كما يزعم في احدى خوالده:
أطلت الشوط من عمري، أطال الله من عمركْ
ولا نُبئت بالشر، ولا بالسوء من خبرك
حسوت الخمر من نهرك ، وذقت الحلو من ثمرك
وغنت لي صوادحك النشاوى من ندى سحرك
الا يا مزهر الخلد ، تغنى الدهر في وترك
ويا امثولة الحسن ، مشت دنيا على اثرك
ذكا في تربك العطر ودبّ السحر في حجرك
ولو قيضت دنى اخرى ، لما كانت سوى كسرك
وفي براغ، مغتربه القديم – الجديد، يقيم الجواهري في "شقيقة" مؤجرة لا تتعدى مساحتها الخمسين متراً مربعاً أو تكاد، منشغلاً بالشعر والوطن وما بينهما، باحثاً عن ايما استقرار، عارفاً سلفاً أن ذلك وهم بعيد المنال لمن مثله "صاعقاً متلهباً" و"سبوحاً عانق الموجة مداً وانحسارا" طوال عقود حياته المديدة... وتعود تلك "الشُقيقة" ذاتها ، وكما في الستينات والسبعينات، مزاراً لقيادات سياسية معارضة، ولنخب مثقفين عراقيين وعرب، تستمع لآراء ومواقف الجواهري واستشرافاته... ولربما توجز قصيدته النونية عام  بعضاً من همومه في تلكم الفترة ، ورؤاه لأوضاع وآفاق "العراق العجيب" بحسب تعبيره.
وخلال السنوات الأولى من ثمانيناته – وهي ثمانينات القرن الماضي كما سبق القول، وجهت للجواهري دعوات عديدة لزيارات رسمية، وفعاليات ثقافية بارزة، لم يلبّ منها إلا قليلاً، ومن أبرزها دعوتان رئاسيتان إلى العاصمة السورية دمشق التي كان قد كتب عنها رائعة جديدة في أواسط عام 1980والثانية إلى عدن، عاصمة اليمن الجنوبية حيث قال فيها نونيته العصماء عام 1982... كما يقام له احتفال رسمي وجماهري  حاشد قلّ نظيره - بحسب المتابعين – وذلك في مدينة اللاذقية السورية عام 1983... وألقى فيه الشاعر الضيف، والرمز العراقي الابرز ، مجموعة قصائد مختارة، وابتدأها بهذه المقاطع المعبرة دون حدود:
لقد أسرى بيّ الأجل، وطول مسيرة مللُ
وطول مسيرة من دون غاي مطمح خجل
على اني – لان ينهي غداً طول السرى – وجل
تماهل خشية وونى، وعقبى مهله، عجل
وخولط  سيره  جنفاً، كما يتقاصر الحجل
وعيش المرء فضل منمى  بها ما شق يخانل
فان ولت، وفلا ثقة ، ولا حول  ولا قبلُ

على الرابط التالي مقاطع بصوت الجواهري الكبير
http://www.iraqhurr.org/content/article/1995274.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ                              
 www.jawahiri.com
 


220
التكست تحت التخطيط في المرفق  .... الجواهري بريشة رافع الناصري 
-----------------------------------------------------------------------

حينما يصبحُ الأرقُ وحده ، نديمَ الشاعر ِ ورفيقـَه الخلوص


رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com 
يَعدُّ المتابعون ملحمة "يا نديمي" الجواهرية الثرية بامتياز  إحدى أبرز القصائد المليئة بمشاعر وأحاسيس الهضيمة من البلاد، والأهل، ونخبة اللدات، والأعراف الاجتماعية االعجفاء ... وقد نظمت في مطلع الستينات الماضية، ببراغ، حيث بدايات الاغتراب، ووحشته المتفردة... والنديم المخاطب هنا، هو ذلك الأرق الذي عايش الشاعر – الشاعر على مدى ليال ٍدجيّات  طوال:
يا نديمي ان الدجى وضحا ، والهزار الغافي هناك .. صحا
يا نديمي وصبَ لي قدحا ، المسُ الحزن فيه والفرحا
وأرى من خلاله شبحا ، من نثار الهمّ الذي طفحا
في شباب مضيع ٍ هدّر ، مثل عود خاو ٍ بلا وتر
* * *
يا نديمي وكم يد ٍ ويد ِ ، للندامى مدّت فلم تعد ِ
غفلت عن خبيثة ٍ رَصَد ِ ، واستنامت رخية لغد ِ
يا نديمي فسقّني وزد ِ ، فيدي ما تزال في عضدي
وغدي ان يَغب ، وان يُزر ِ واجدٌ فيّ صبرَ منتظر ِ
 
... ومشاعر الهضيمة والحرقة من انعدام المقاييس واختلاطاتها تبدأ، ولا تقف عند حدود لدى الجواهري، وخاصة من النخب المثقفة التي تتحمل بحسب فلسفة الشاعر ورؤاه على الأقل، المسؤولية الأولى عن مهام التنوير، وإشاعة الفكر الانساني، ومقومات الارتقاء... وهكذا فقد راحت قصائده تترى، ومنذ بدايات انطلاقاته، في مطلع القرن الماضي، وحتى أواخره، تعجّ، وبشكل شبه دائم على ما نزعم، بمواقف ورؤى تسرد، وتوثق وتلوم، وتنتقد، وتعالج، وتشكو وتقسو، وبهدف سام ٍ بكل تأكيد، من أجل الانهاض أولاً، وقبل كل شيء.
يا نديمي امس اقتنصت طريداً، شاعراً كان يستضيف البيدا
كان هماً ، وكان صُلباً حديدا ، يملاً القفر موحشاً ، تغريدا
قلت من ؟ قال شرط أن لا تزيدا ، أنا أدعى : مسافراً ويزيدا
من بلاد ٍ أعدت على القرودا ، ونفتني ، وكنت فيها النشيدا
* * *
وتولى عني، فظلت مليا ، في قرود ٍ وفكر ٍ ، ونشيد
وعلى انه أجاد الرويا ، لم أجد في رويه ِ من جديدِ
كان قلباً غضاً ، وفكراً طريا ،شاءه الحظُ في مزاحف دود
كل طير "مسافرُ بنُ يزيدِ" ، حين يغدو فريسة لقرود

وللمعلومات، فان المقاطع السابقة  ، هي بعض المتوفر صوتياً من تلكم الملحمة الفريدة اسلوباً وفلسفة ومضامين، في أكثر من مئة مقطع، وقل "رباعية" متغيرة القافية حيناً ، ومتشابهة أحايين أخرى، ولكن جميعها كما سبق القول، ينبض بالألم الطافح والفضح المرير لمعاناة جواهرية شاملة، وان تبدت بصورة حال شخصية ، مباشرة----
مقاطع من القصيدة بصوت الجواهري الكبير على الرابط ادناه 
  http://origin.iraqhurr.org/content/article/1989023.html
           مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com               

221
عن بعض "دمشقيات" الجواهري.. وسورياته



رواء الجصاني
Jawahiricent@yahoo.com
   كما كتبنا في حلقاتٍ سابقة عن بعض مصريات الجواهري، ومقامته اليمنية، ومحطاته اللبنانية… ومثلما نعد ان نوثـّـق تاليــاً بعض سجله في الجزائر، والكويت، وابو ظبي، وتونس والاردن وليبيا، والمغرب، نتوسط اليوم عند بعض "دمشقيات" الشاعر الكبير، رائين في "شممت تربك" ذات الخمسة والسبعين بيتاً، إيجازاً موحياً، وخلاصات وافية، لعقود من المحبة والوفاء لعاصمة وبلد ٍ وناس:
شممتُ تربك لا زلفى ، ولا ملقا ...وسرت قصدك لاخبّاً ، ولامذِقا
وما وجدتُ إلى لقياك منعطفا إلا إليك ، ولا ألفيت مفترقا
وكان قلبي إلى رؤياك باصرتي حتى اتهمت عليك العين والحدقا
شممتُ تربك أستاف الصبا مرحا ، والشمل مؤتلفاً ، والعقد مؤتلقا
وسرت قصدك لا كالمشتهي بلداً، لكن كمن يتشهّى وجه من عشقا

وعشق الجواهري هذا، لدمشق، وأهلها ، يبدأ منذ مطلع العشرينات الماضية، ولعلّ بيتاً واحداً فقط من قصيدته "ابن الشام" المنظومة عام 1921 يكفي ليوثـّـق وحده ، ما نريد التحدث عنه طويلاً ، حين قال:
اني شآمي الهوى.. فإذا نُسبت لموطن ٍ ، فعراقي ..
 وهكذا توالى القصيد وصفاً وسرداً وتخليداً، وافتتاناً، وبين هذا وذاك الكثير الكثير في سفر الشاعر الثري على مدى العقود السبعة اللاحقة... وهاهو يؤرخ لبعض ذلك في مقطع ثان ٍ من "شممت تربك" الفريدة...
دمشقُ عشتك ريعاناً وخافقة ، ولمّة،  والعيون السود والأرقا
وها أنا ويدي جلدٌ وسالفتي ثلجٌ ، ووجهي عظمٌ كاد أوعُرقا
وأنت لم تبرحي في النفس عالقة ، دمي ولحمي والأنفاس والرمقا                       تموجين  ظلال الذكريات هوى وتسعدين الأسى والهمّ والقلقا

ان الحديث عن محطات الجواهري السورية يطول ويتشعب ويتنوع في مجالات وموحيات لا حصر لها... ولكن يكفي ، على ما نسعى ان نعبّر عنه، بكلمات موجزة :ان دمشق الشام قد احتضنت الجواهري لاجئاً سياسياً إليها عامي 1956، 1957، بعد مطولته في الشهيد عدنان المالكي، ومطلعها ذائع الصيت:
خلفت غاشية الخنوع ِ ورائي ، وأتيت اقبس جمرة الشهداء..
...ثم تجيء أهم محطاته السورية الحافلة العطاء، وقل الأبرز والأوثق، حين استضافته، مغترباً من جديد عن وطنه، برعاية استثنائية من الرئيس الراحل حافظ الأسد، منذ 1982، وعلى مدى خمسة عشر عاماً، وحتى 1997 تحديداً، حين رحل فيها، بعيداً عن دجلة الخير، وما برح في ثراها إلى اليوم، ولا أحد يدري ان كان سيسرى به إلى عراقه ذات تاريخ؟

                 مرفق صوتي بصوت الجواهري على الرابط التالي
http://www.iraqhurr.org/content/article/1982565.html
                         مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                              www.jawahiri.com     


222
التكست تحت الصورة رجاء :
نصب - متماثل بنسختين- للجواهري في وسطي اربيل والسليمانية
-----------------------------------------------------------    
عن الكرد... وذلك "الجبل الأشم"



رواء الجصاني  
jawahiricent@yahoo.com
... و"الجبل الأشم" في العنوان أعلاه، وصف جواهري لكردستان العراق في مطولة عصماء نظمت عام 1962 ووثقت بعضاً من مسيرة الشعب الكردي وكفاحه الدؤوب من أجل حقوقه القومية والانسانية، ببطولة متناهية كما يراها الشاعر الخالد...
والقصيدة – الموقف، التي نتحدث في هذه السطور، بناء شامخ يزيد على مئة بيت، حرصت على تقييم نضالات ثورية، وصلابة مبدئية، إلى جانب رؤى تفصح عن حتمية في انتصار المثابرين والمضحين الذين "أغرم" بهم الجواهري طوال حياته المديدة، فجاد لهم بالأغلى لديه: القلب واللسان... حسب وصفه.
قلبي لكردستان يهدى والفمُ  ، ولقد يجودُ بأصغريه المعدمُ
تلكم هدية مستمت ٍ مغرم ، انا بالضحية والمضحي مغرمُ
غاليتُ في حب الشهيدِ وراعني في ما احدّث عنه فكرٌ مبهمُ
ووهمتُ اني في الصبابة منهم، ولقد يعين على اليقين توهمُ

وتمجيد بطولات الشعوب، وتضحياته ، سمة انغمس فيها قصيد الجواهري الثري، منذ أن اعتبر الشاعر الحرية مذهباً وانتماء ، وامتهن ثورة الفكر التي علّمه تاريخها "بأن ألف مسيح دونها صلبا"... وهكذا راحت قوافيه تترى في "حب الشهيد" ومن "يتقحم أزيز الرصاص" دفاعاً عن مبادئه وتطلعاته... وان كان من بدٍ للبرهنة، فتلك هي قصائد الشاعر العظيم تتحدث عن نفسها وهي تسجل نضالات شعوب الدنيا بهدير لم يبرح يصك الأسماع منذ عقود، وعقود... ومن بينها عن فلسطين وسواستابول والجزائر ووارسو وبور سعيد... وغيرها عديد، وكل ذلك دون حساب الأرث الوطني المعروف والمنتشر دون مدى
والحديث عن نضالات "الجبل الأشم وأهله" في ميمية " كردستان ... موطن الأبطال" الفريدة يأخذ مناحي ومحاور شاملة ومتداخلة في ترابط وثيق، كما هي العادة في سفر الجواهري العريق... بوصف شاهد عيان، وعيون شاعر، وفلسفة مفكر مُنور، وعطاء فنان مبدع...
يا موطن الأبطال بثٌ مؤلم، وألذ اطراف الحديث المؤلمُ
سلّم على الجبل الأشم وعنده من ابجديات الضحايا معجمُ
سفرٌ يضم المجد من اطرافه، ألقاً كما ضم السبائك منجمُ
يا موطن الأبطال حيث تناثرت قصص الكفاح حديثُها والاقدمُ
حيث انبرى مجدٌ لمجد ٍ والتقى ، جيلٌ بآخر زاحف يتسلمُ

... وهنا وبهدف التوثيق، تقتضي الاشارة إلى أن وزارة اعلام النظام الدكتاتوري المندثر في بغداد قدأجتزأت  القصيدة هذه من طبعة ِ ديوان الجواهري (بغداد 1974-1980) ذي الأجزاء السبعة... وقد كان ذلك مسعى خائباً لاخفاء حقائق تتحدث بنفسها عن نفسها ومواقف واضحة من نضالات الشعب الكردي، وثورته، وزعاماته التاريخية... ولكن ها هي القصيدة تخلد وتدوي، وتتحقق نبوءاتها أو تكاد، فيما يندحر الشوفينيون أو يكادون.
  
مرفق صوتي على الرابط ادناه                
  http://www.iraqhurr.org/content/article/1969889.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com


                                  

223
أشباح الغربة تلاحق الجواهريّ


الجواهري بريشة جواد سليم ... مطلع الخمسينات الماضية


رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com  
في تواصل زماني، ومكاني، وتداخل مع العديد من فحوى ومضامين قصيدة "دجلة الخير" الشهيرة، ألّفَ الجواهري سيمفونية "أيها الأرق" مطلع الستينات وفيها ما فيها من صور وموحيات ورسوم بالأحرف الأنيقة الجزلى، فضلاً عن الرؤى والمواقف السامية العطاء:
   مرحباً : يا أيها الأرق ... فرشت أنساً لك الحدقُ
لك من عينيّ منطلق ، اذ عيون الناس تنطبق
لك زاد عندي القلق ، واليراع النضو والورق
ورؤى في حانة ِ القدر ، عتقت خمراً لمعتصِرِ

... و"أيها الأرق" هذه، التي نظمت في فترة الاغتراب الجواهرية الأولى ببراغ، تعج بلواعج لا تحصى، عاناها شاعر الوطن والأمة، المبتعد عن بلاده، أو المبعد عنها، ولا فرق.. كما انها تشكو المرارة النابعة من الضمير والقلب، وما أشدها على الغارق في حب الناس، والحياة، والتنوير:
خفقت من حولي السرجُ .. في الربى والسوح تختلجُ
ومشى في الظلمة البلجُ ، وقطار راح يعتلجُ
بضرام، صدرهُ الحرجُ ، فهو في القضبان ينزلج
كأنغام على وتر ، سُعلاتٌ ذبن في السحِر

وعوضاً عن استقراء لنا، أو لآخرين عن هذا النسيج الانساني – العاطفي، المعبر ِ عنه بألوان وظلال شعرية بالغة الصميمية والرقة، دعونا نتوقف عند بعض ما كتبه الجواهري ذاته،في  قصيدته هذه، إذ يقول عنها:
"أيها الأرق ... نداءٌ حيّ ، واستدعاءٌ صارخٌ مشوبان ِ بترحيب ٍ تلمسُ في كل ٍ منه حرارة َ الصدق ِ، وقوة الايمان، بمثل ما تنطوي عليه من حرارة ِ الألم ِ، وبمستوى قوة ِ البواعث ِ التي ابتعثته... وحيث كانت اشباحُ الغربة ِ تحومُ، عارية ً، مكشوفة ً بكل بشاعاتها، ورهبتِها، وبكل ِ الأحاسيس ِ والانفعالات ِ المسحوبة عليها، ومعها...".
... ومرآة ً لذلك الذي  النثر، لنقرأ شعراً هذه المرة، عزفاً جواهرياً لبعض مقاطع  اخرى من سيمفونيته النابضة بصدى الألم والهضيمة، دعوا عنكم المواقف والرؤى:
أنا عندي من الأسى جبلُ ، يتمشى معي وينتقلُ
أنا عندي، وان خبا أمل، جذوة في الفؤاد تشتعلُ
انما الفكر عارم، بطلُ ، أبد الآبدين يقتتلُ
قائدٌ ملهم بلا نفر ، حُسرت عنه راية الظفر  

ثم يواصل الجواهري تغزله بنديمه في ليالي الغربة، ووصَـفه لعذابات شاعر ٍ ، شاعر:
مرحبا: يا أيها الأرق، فحمة الديجور تحترق
والنجوم الزهرُ تفترقُ فيجر السابح الغرقُ
شفُ ثوبٌ للدجى خَلقُ ، وخلا من لؤلؤ طبق
ومشى صبح على حذر كغريب ٍ آب من سفر
ِ
... بقي أن أقول ان قصيدة "أيها الأرق" التي تحدثنا عنها  في السطور اعلاه ، ما هي سوى مقدمة فحسب، لمطولة شهيرة هي الأخرى، وباسم "يا نديمي" راحت أكثر تفصيلاً، ومباشرة، في الشكوى والنقد والانتقاد للتقاليد والأعراف السائدة في العقول والممارسات الاجتماعية، والفكرية، التي عانى الشاعر منها على مدى عقود، وعقود... رافضاً لها، وثائراً ضدها، ومنوراً أزاءها... وعند "نديم" الجواهري لنا وقفة أخرى في كتابة قريبة ...
للاستماع الى بعض مقاطع القصيدة بصوت الجواهري الكبير ، يتابع الرابط التالي    
   http://www.iraqhurr.org/content/article/1963519.html
  
                 مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                      www.jawahiri.com  
  
  
  




224

الجواهري: أنا حتفهم الجُ البيوتَ عليهمُ
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
في فترة سياسية بالغة التوتر شهدتها البلاد العراقية قبل أزيد من ستة عقود، ولدت بائية تنويرية مطولة شاعت بعنوان "أنا حتفهم"، تيمناً بمطلع احد ابياتها الذي أوجز فيه الجواهري تصديه لسياسات وممارسات بعض حكام وقادة العهد الملكي في العراق عام 1949 حين قال فيهم: "أنا حتفهم ألج البيوت عليهم، أغري الوليد بشتمهم والحاجبا"... وقد يكون ذلك بيت القصيد حقاً، في القصيدة التي تتجاوز المئة والثلاثين بيتاً، ومما جاء فيها:
إيهٍ "عميدَ الدار" ! شكوى صاحبٍ ٍ طَفَحَتْ لواعجُهُ فناجى صاحبا
خُبِّرْتُ أنَّكَ لستَ تبرحُ سائلاً عنّي ، تُناشدُ ذاهباً ، أو آيِبا
وتقولُ كيفَ يَظَلُّ "نجم" ساطعٌ ملءُ العيونِ ، عن المحافل غائبا
الآنَ أُنبيكَ اليقينَ كما جلا وضَحُ "الصَّباح" عن العيون غياهبا
فلقد سَكَتُّ مخاطِباً إذ لم أجِد مَن يستحقُّ صَدى الشكاةِ مُخاطَبا
أنبيك عن شر الطغام مفاجراً ومفاخراً ومساعيا  ومكاسبا
والشاربين دم الشباب لأنه ، لو نال من دمهم لكان الشاربا
والحاقدين على البلاد لأنها حقرتهم حقر السليب السالبا
ولأنها ابداً تدوس أفاعياً ، منهم ، تمجُ سمومها ، وعقاربا

ومع ان القصيدة تتحدث بذاتها عن مواقف محددة ٍ، وتؤكد حقائق لا تحتاج لمزيد شرح أو تفسير، إلا ان الديوان قدم لها، وعن ظروف نظمها بشكل مفصّل... وكذلك عن تداعياتها العديدة، ومن بينها احتجاز الجواهري في مديرية التحقيقات الجنائية ببغداد لمدة شهر للتحقيق معه، بسبب مضامين القصيدة وحدتها...
وفي مقطع لاحق، يسرد الشاعر كيف حاول المسؤولون الأرفع في الحكم آنذاك، مساومته بالمناصب، ليكفَّ عنهم، ومن بينهم، بل وفي مقدمتهم، الأمير عبد الاله الوصيّ على عرش البلاد، والذي يسميه الجواهري "النديم" تورية ً في القصيدة:
حشَدوا عليَّ المُغرياتِ مُسيلةً  صغراً لُعابُ الأرذلينَ رغائبا
بالكاس يقرعها "نديم" مالئاً بالوعد منها الحافتين ، وقاطبا
وبتلكم الخلوات تنسخ عندها ، تلع الرقاب من الضباء ثعالبا
وبأن اروح ضحى وزيراً مثلما أصبحت عن ليل بأمر نائبا
ظنّاً بأنَّ يدي تُمَدُّ لتشتري سقطَ المتَّاع ، وأنْ أبيعَ مواهبا
وبأنْ يروحَ وراءَ ظهريَ موطنٌ أسمنتُ نحراً عندَه وترائبا

... وحينما يئس أولئك الحكام المساومون، وعرفوا أن لا جدوى لجهودهم في زحزحة شاعر ومنور متمرس، ثابت الرؤى والانحياز، لمواقفه، بدأوا مرحلة التجاوز والمضايقة واللؤم، وعند ذلك راحوا يتلقون الجزاء:
حتى إذا عجَموا قناةً مُرَّةً شوكاءَ ، تُدمي من أتاها حاطبا
واستيأسُوا منها ، ومن مُتخشِّبٍ  عَنَتاً كصِلِّ الرّملِ يَنْفُخ غاضبا
حُرٍّ يُحاسِبُ نفسَهُ أنْ تَرْعَوي حتى يروحَ لِمنْ سواه مُحاسِبا
حتى إذا الجُنْديُّ شدَّ حِزامَهُ ورأى الفضيلةَ أنْ يظَلَّ مُحاربا
حَشدوا عليه الجُوعَ يُنْشِبُ نابَهُ في جلدِ "أرقطَ" لا يُبالي ناشبا !
وعلى شُبولِ اللَّيثِ خرقُ نعالِهم ! أزكى من المُترهِّلينَ حقائبا
يتبجَّحُونَ بأنَّ مَوجاً طاغياً سَدُّوا عليهِ مَنافذاً ومَساربا
كّذِبوا فملءُ فمِ الزّمان قصائدي أبداً تجوبُ مَشارقاً ومَغاربا
تستَلُّ من أظفارِهم وتحطُّ من أقدارهِمْ ، وتثلُّ مجداً كاذبا
أنا حتفُهم ألجُ البيوتَ عليهمُ  أُغري الوليدّ بشتمهمْ والحاجبا

ترى من ربح المنازلة في الأخير، وأين صار أولئك اليوم، وأين هو الجواهري... ذلك ما أجاب، ويجيب عليه التأريخ، الشاهد العدول...
               للاستماع الى مقاطع من القصيدة بصوت الجواهري.. يُتابع الرابط التالي:
 http://www.iraqhurr.org/content/article/1956893.html
                            مع تحيات مركزالجواهري في براغ
                                             www.jawahiri.com                                                     



225


نموذج من " مثقفي " الارهاب في العراق

   رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com   

    بين فترة وأخرى يعلو فحيح "الملثمين"، من المناضلين الجدد، شكلاً، وأرباب السوابق فعلاً، ليخلطوا الحابل بالنابل، وليختبئوا بعد ذلك تحت عباءات "الوطنية" و"الثقافة"، المنغمسة بالخبث واللؤم، وليخلطوا السمّ بالعسل، وان كان الثمن أنهار دماء تسيل لضحايا وأبرياء، لا ناقة لهم بالسياسة، ولا جمل في دهاليز الخداع والزيف... مقدمة قاسية نكتبها هكذا " فيا طالما كان حدّ البغيّ، يخفف من فحش أهل البغا".... للرد على فحيح بعض "المثقفين"...
   فبعد نشر تنويه موجز لمركز "الجواهري"، بتوقيع د. عدنان الأعسم، ظهر نص موتور على موقع "ملثم" مجهول النسب يحاول أن يتدرع بشخصيات ثقافية مرموقة، دون فائدة، إذ فاحت منه عفونة الأحقاد في اختيار العديد من مواده، وتحريضه على الدم والقتل تحت شعارات مزوقة تدعو لحرق الأخضر واليابس في العراق... ولا ضير في ذلك أبداً مادام البعض ممن يعنيهم هذا الرد، "لاجئين" و"مناضلين" في ربوع بلدان استعمارية "بشعة!"، ومع ذلك يتسلمون منها تكاليف المأوى والملبس والمأكل والعلاج والضمان الاجتماعي "الحقيقي" أو "المزيف"... ثميزايدون في شتمهم للاستعمار...
   والنص الموتور كتبه "ملثم" قدير كما يبدو، تخبأ تحت اسم "ملثمة" محترفة، وما أكثر مثيلاتها في هذه الأيام، وقد حاول أن يطال من مركز ثقافي الروح والعطاء، ومن ادارته، دون أي وجه حق، وتحت برقع مقارعة "الاحتلال"، وان كانت من بارات وأزقة "رأسمالية" أو "اشتراكية" سابقة...
   ان منبرنا التنويري ، ونعني به مركز الجواهري ، و الذي يعتدي عليه الملثمون، لا شيء لديه ليخفيه... تديره عصبة تتباهى بتاريخها، وأصولها، وجذورها الوطنية والسياسية، كما بإرثها التليد وليس مثل "جاههم انتحالا". ..أسماء العصبة التي تدير المركز معروفة وكذلك النشاطات التي تقوم بها... فأين منهم أولئك "الملثمون" الداعون للحقد والطائفية وللعنف وسفك الدماء؟!، وإلا فلنتنابز بالألقاب والأسماء والمواقع والتاريخ والاتجاهات والآراء، علناً، مع سبق الاصرار، وحينها سيعرف الجميع من هم "المجزون" حقاً، ومن هم "المستجدون" واقعاً... ولنتبارز باليراع النبيل وليس اللئيم، وحينها تتوازن المنازلة وتحلو، وتتجلى، وذلك ما نطمح إليه بكل صدق، بل وما نسعى إليه... وإلا، فقد كان للفاشية والنازية "أدباؤها" و"مفكروها" وللارهاب في العراق اليوم "مثقفون" و"أنصار" معروفون، وان كانوا ملثمين، وحسابهم لابد أن يكون مثل حساب أسلافهم، في قاع الذل الأبديّ...
   وأخيراً، فلقد تقصدنا أن يكون النشر موجزاً ومحدوداً متمثلين ببيت شعر عربي مدل: "كبرت عن المديح فقلت أهجو، كأنك ما كبرت عن الهجاء"... ولنا عودة إن تطلب الأمر ففي الجعبة والأرشيف ما لا يسر المعنيين، ويدحض حقيقة الذين يحبون العلوّ، وإن كان ذلك على حساب كراماتهم، ويرجون الظهور بأية وسيلة جاءت، ومن أين وبأي ثمن...


226
عن بعض محطات الجواهري اللبنانية
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
  قد يحق لنا أن نجتهد، فنصيب، حين نقول ان الجواهري قد أوجز حبه للبنان وبيروته وجمال طبيعته، وحسانه اللواتي يفضن رقةً ودلالاً وغنجاً، وذلك في آخر قصائده ذات الصلة، عام 1961 حين قال:
لبنانُ يا خمري وطيبي، لا - لامستكَ يدُ الخطوب ِ
لبنانُ يا غرفَ الجنان ِ الناضحات ِ بكل طيب ِ
لبنانُ يا وطني اذا حُلئتُ عن وطني الحبيب

... وتعود اولى قصائد الجواهري عن تلك البلاد التي عشقها بكل عنف، إلى مطالع الشباب، وإلى عام 1922 تحديداً حينما نظم نونيته "لبنان في العراق" لتليها كثيرات أخريات ومن بينها في الثلاثينات الماضية: "وادي العرائش" و"شاغور حمانا"... وفي الأربعينات "بنت بيروت" و"اخي الياس"...
  ومن بين قصائد الحصة اللبنانية في شعر الجواهري، تبرز بائية "ناغيت لبناناً" التي نظمت عام 1947 بمناسبة الزيارة التي قام بها الرئيس بشارة الخوري إلى العراق... وقد تشابكت فيها، وكما هي الحال شبه الدائمة في خوالد الشاعر الكبير، شؤونٌ وشجون عديدة، خاصة وعامة، مما جاء فيها:
ناغيتُ لبناناً بشعري جيلا ، وظفرته لجبينه اكليلا
وحسان لبنان منحت قصائدي ، فسحبنهنّ كدلهنَّ ذيولا
أهديتهن عيونهنّ نوافذاً ، كعيونهن اذا رميّن قتيلا
ورجعت ادراجي اجر غنيمة من بنت بيروت جوى وغليلا
لُعن القصيدُ فأي مثر شامخ سرعان ما استجدى الحسان ، ذليلا

... ثم يعود الشاعر، وكما اسلفنا، ليجول في محاور متداخلة ومنها، وطنية هذه المرة، فراح يخاطب الضيف المحتفى، الرئيس  بشارةالخوري:
يا شيخ لبنانَ الاشم فوارعاً، وشمائلاً ، ومناعة ً ، وقبيلا
مثلته في كلهنَّ فلم يرد ، بسواك عنكَ ، ولن يريد بديلا
ان العراق وقد نزلت ربوعه ، ليعد ساكنه لديك نزيلا
قف في ضفاف الرافدين وناجها ، وتفيّ صفصافاً بها ونخيلا
واسمع غناء الحاصدين حقولها، للحاصدات من القلوب حقولا
وتلمس الآهات في نبراتهم ، يشعلن من حدق العيون فتيلا

  وعلى الرغم من هذه العجالة في الكتابة عن لبنانيات الجواهري، لا يمكن الا ان نتوقف  ، ولو سريعا،  عند رائيته الشهيرة عام 1950 والتي القيت في بيروت خلال حفل تأبيني مهيب وحاشد للشخصية الوطنية البارزة عبد الحميد كرامي، وقد كان من عواقب القصيدة، وتداعياتها، ان طلبت السلطات اللبنانية الرسمية من الشاعر الكبير، الخروج من البلاد خلال ثمان ٍ وأربعين ساعة لخطورته "الشعرية" على أمن البلاد...... ومن أبيات تلكم القصيدة الباهرة:
باق ٍ وأعمارُ الطغاة ِ قصارُ ، من سفر ِ مجدكِ عاطرٌ موارُ
عبدَ الحميد ِ وكلُ مجد ٍ كاذب ، ان لم يُصن للشعب فيه ذمارُ
المجد ان يحميكَ مجدك وحده في الناس ، لا شُرَط ٌ ولا انصارُ

ولأن الشيء بالشيء يذكر كما يقال، نشير هنا الى ان ثمة ثلاث طبعات لديوان الجواهري قد صدرت في لبنان خلال الأعوام 1967 و1982 و2000 على التوالي... كما ونضيف ان حفلاً تأبينياً مهيباً قد احتضنته بيروت خريف العام 1997 في اربعينية الشاعر الخالد، وشارك فيه جمع بارز من شعراء ومفكري وأدباء البلاد، وفي مقدمتهم : سعيد عقل ومحمد دكروب ومحمد حسن الامين وجوزيف حرب وحبيب صادق إلى جانب مبدعين عراقيين وعرب آخرين عديدين.
للاستماع الى مقاطع من بعض القصائد اعلاه ، بصوت الجواهري ، يُتابع الرابط ادناه
                     
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com                         


227
الجواهري وكارثة الثامن من شباط



  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
لم يكن اغتراب الجواهري إلى براغ قد امتد لأكثر من عام ونصف، حتى حلت كارثة شباط عام 1963 بكل مآسيها التي طالت "أهلاً وصحاباً وديارا" وفي شتى أرجاء البلاد... وكان لابدّ لشاعر الوطن أن يتخذ موقفاً، فاتخذ، واختير بالاجماع رئيساً للجنة الدفاع عن الشعب العراقي التي كانت العاصمة التشيكية - براغ مقراً لها...
... وضمت قيادة "اللجنة" شخصيات عراقية جليلة لعلَّ من أبرزها فيصل السامر وذنون أيوب ومحمود صبري وصلاح خالص ونزيهة الدليمي، وكذلك جلال طالباني لفترة محدودة... هذا إلى جانب ممثلي وتشكيلات اللجنة في عدد من العواصم والمدن الأوربية بشكل خاص.
وبرئاسة الجواهري الكبير نظمت اللجنة التي امتد نشاطها – عملياً – حتى أواسط 1964، العديد من النشاطات المهمة كالمؤتمرات والندوات واصدار البيانات وتنظيم حملات ومهرجانات التضامن في بعض البلدان الأوربية، الرأسمالية منها والاشتراكية حين ذاك، كما أصدرت مجلة خاصة باسم "الغد" لتتولى مهمات توثيق الاحداث وكشف الحقائق ومحاولة صياغة البدائل، لانقاذ البلاد، ووقف نزيف الدماء...
وخلال الفترة ذاتها، كتب الجواهري قصيدته الذائعة الصيت عن بغداد "دارة المجد، ودار السلام" ورائعته الميمية عن نضال الشعب الكردي "قلبي لكردستان" وغيرهما، من القصائد الوطنية و"المقاومة" والانسانية... ومن أبرزها فريدته المعنونة "سلاماً ... إلى أطياف الشهداء الخالدين" ومما جاء فيها:
سلاماً وفي يقظتي والمنام ، وفي كل ساع ٍ وفي كل عام ِ
تهادي طيوف الهداة الضخام ، تطايح هاماً على اثر هام ِ
سلاماً وما انفك وقد الضرام، من الدم يشخص حياً أمامي
ثم يستمر الرمز العراقي الأبرز مستذكراً، وموثقاً لكثير من الأحداث، بالصور تارةً، والايحاء مرات أخرى، مفسراً ومؤرخاً بشكل مباشر للوقائع، وممجداً الواهبين حياتهم للشعب والوطن والقيم والمبادئ العظيمة... خاصة وان له - كما يؤكد العارفون - علاقات حميمية ووطيدة مع العديد من أولئك الشهداء البواسل:
سلاماً مصابيح تلك الفلاة ، وجمرة رملتها المصطلاة ْ
سلاماً على الفكرة المجتلاة ، على صفوة الزمر المبتلاة ْ
ولاة النضال ، حتوف الولاة ، سلاماً على المؤمنين الغلاة
سلاماً على صامد ٍ لا يطالُ، تعلّم كيف تموت الرجال ...
سلاماً وما أنا راع ٍ ذماماً إذا لم اسلم عليكم لماما
سلاماً ضريحٌ يشيع السلاما ، يعانق فيه "جمال" "سلاما" (1)
سلاماً ، أحبة شعب نيامى ، إلى يوم يؤذن شعب قياما...
حماة الحمى والليالي تعودُ ، وخلف الشتاء ربيع جديدُ
سيورق غصنٌ ، ويخضر عودُ ، ويستنهض الجيل منكم عميدُ
سيقدمه "رائدٌ" إذ يرود، ويخلف فيها اباه "سعيدُ" (2)
و"سافرة" ستربِّ النسورا ، توفي أبا "العيس" فيهم نذورا (3)

احالات: ـــــــــــــــــــــــــــــ
1- "جمال" – "سلاما" : الشهيدان الباسلان: جمال الحيدري وسلام عادل
2- "رائد" – "سعيد" : نجلا الشهيدين الباسلين: عبد الرحيم شريف وعبد الجبار وهبي
3- "سافرة" – "ابو العيس" : سافرة جميل حافظ، زوجة الشهيد الباسل محمد حسين ابو العيس



228


الجواهري عن حسناوات التشيك
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
بعيداً عن المبالغات التي تروى هنا، أو تصدق دون تأنٍ هناك ، ولرب بعضها بلؤم أحياناً، لم يخف ِ الجواهري عشقه لبلاد التشيك وعاصمتها براغ ، التي أطالت الشوط من عمره، كما يثبت ذلك في قصيدة ذائعة الشهرة عام 1969... ولم يقتصر ذلك العشق المعلن لجمال المدينة، ومجتمعها، وطبيعتها، بل تعداه إلى التغزل بجميلات التشيك اللواتي لا يدعن أحداً، ومهما كان صبوراً، إلا أن يبوح معترفاً بما لديهنّ من سحر وفتنة وغنج لا يضاهى... ونحن هنا، على ما نزعم، شهود عيان، موضوعيون كما ندّعي...
وعشق الجواهري هذا، المديد والعريق، يجده المتابع موثقاً في ديوان الشاعر الكبير، بعشر قصائد أو مقطوعات نظمت على امتداد ربع قرن تقريباً، وفي الأعوام 1961 ، 1985 تحديداً... ومن بين ما يقع تحت ايدينا مسجلاً بصوته، مقاطع من قصيدة "آهات" المنظومة عام  1973  ومما جاء فيها:
قف على براها وجب أرباضها وسل المصطاف والمرتبعا
أعلى الحسن ازدهاء وقعت ، أم عليها الحسن زهواً وقعا
وسل الخلاق هل في وسعه ، فوق ما أبدعه أن يبدعا
جاءت الأسراب تترى مقطع من نشيد الصيف يتلو المقطعا
ثم يواصل الجواهري العاشق والمحب ، الوصف والإعجاب والتمني فيقول عن حسناوات وناعسات التشيك:
وتفتحن على رأد الضحى حلماً أشهى ... وصيفاً أمتعا
وتخففن فما زدن على ما ارتدت حواء إلا اصبعا
ايه يا عهد الصبا لو طلل سمع الشكوى ولو ميت وعى

وفي قصيدة أسبق ، بائية هذه المرة، يسرد الجواهري شعراً عام 1961 حكاية انبهاره بجمال احدى حسناوات براغ، التي صادفها في احدى الحافلات فانسحر شاعراً وانساناً، وحاول االتقرب منها ، بسؤالها عن الوقت، كما هو شائع في تحرش الشباب، فإذا بها تصدّه بذكاء النساء المعهود، وبطريقة ابعدت العاشق الطاريء عن طريقها... ولكنه اصطادها حرفاً وموسيقى ولوحة فنية، صنع حاذق ماهـر، ويا ليتها تعرف كيف دخلت التاريخ في قصيدة جواهرية خالدة:
حسناء رجلك في الركاب ويداك تعبث في الكتاب
وانا الضميء الى شرابك كان من ريقي شرابي
حسناء ساعتك التي دورت كانت من طلابي
حاولت اجعلها الذريعة لاحتكاكي واقترابي
عبثاً فقد ادركت ما تبغي القشور من اللباب
وتستمر القصيدة لتبرر للحسناء صدودها عن شيخ مفتون – ما برح عنفوان الشباب يغلي عنده، برغم أعوامه التي جاوزت الستين آنذاك:
حسناء لم يعسر طلابي ، ان كان ما بك مثل ما بي
لكن بك المرح اللعوب ، وسحره ، ودم الشباب
وبي الذي لا شيء يعدل قبحه ، إلا التصابي
كنت العليمة بابن آوى ، إذ تحلق للغراب

ترى هل يحدثنا التاريخ عن شبيه للجواهري بمثل ذلك البوح في العشق، والصراحة والجرأة والتوثيق بالقصيد المتفرّد؟...
                    للاستماع الى الجواهري في بعض غزلياته ، يُتابع الرابط ادناه         http://www.iraqhurr.org/content/article/1919429.html           
                  مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                               www.jawahiri.com
 







229
الجواهري يغضب ، فيتصدى عام 1977
  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
إلى جانب العشرات من الكتب والدراسات والمقالات التي كتبت عن الجواهري، حياةً وشعراً وعبقرية، هنالك في المقابل عددٌ آخر، وإن كان محدوداً، نال، أو حاول أن يطال من ذلك الرمز الوطني والثقافي الكبير، برؤى واجتهادات خلافية حيناً، أو انتقادات واسفافات، حسداً وتخلفاً واستجداءً للشهرة، أحايين أخرى... وكما ذهبنا في القول خلال كتابات سابقة لم يكن الجواهري ليردّ بشكل مباشر على منتقديه، أو حاسديه، إلا في مرات محدودات، معتمداً مواقف عامة، أو شاملة، من الظاهرة التي تفرز تلك الحالات التي تستهدفه شخصياً خفاءً أو علناً...
    وفي سياق ما نحن بصدد الحديث عنه، جاءت إحدى قصائده عام 1977 رداً عاصفاً على بعض متهميه بالصمت، أو الابتعاد عن أحداث هنا، وسياسات هناك، أو بزعم الارتداد أو المجاراة، أو التقلب في المواقف، وما إلى غير ذلك من تقولات ومزاعم باهتة ٌ في غالبيتها:
قالوا سكت وانتَ أفظع ملهب وعي الجموع لزندها قداح ِ
الحرف عندك من دم ٍ ، وسبيله يوم الصراع إلى دم ٍ نضاح
حتى على غرر الملاح قلائدٌ ، للشعر من غرر ٍ لديك ملاح
فعلام ابدل وكر نسر ٍ غاضب ٍ ، حرد ٍ بعش البلبل الصداح ِ
فأجبتهم : أنا ذاك ، حيث تشابكت هام الفوارس تحت غاب رماح
قد كنت ارقب ان أرى راحاتهم مدت ، لأدفع عنهمُ بالراح
لكن وجدت سلاحهم في عطلة ٍ ، فرميت في قعر الجحيم سلاحي
وإذ استدرج الشاعر "القوالين" والسائلين بحق، أو او بغيره ، ليزيدوا من شكوكهم واتهاماتهم، انقضّ تالياً في شموخ معهود واعتداد لا حدود له، مجيباً وموضحاً بل ومواجهاً ومتصدياً بقصيد يحمل في طياته اكثر من مغزى ومعنى، يشمل أفراداً أو جماعات، سياسية أو ثقافية وغيرها حاولوا، أو حاولت، أن تتصيّد، وإذ بها تقع في مطبّات وشباك لا تعرف كيف تخرج منها، حين وضع الشاعر والرمز، النقاط على الحروف بكل مباشرة ووضح:
قد كنت احمل فوق اجنحة لهم ، واليوم احمل مهجتي بجناحي
واليوم احمل جذوة مسعورة ، لا شيء ينجدها من الأرواح
لابدّ ابرد جمرها ، فاعرتها ريش الصبا ، ووهبتها للراح

   ومقابل اتهامات المعنيين ذاتهم، صال الجواهري حانقاً، وأحال المواجهة إلى حوار مقابل ، ناصحاً وداعية – كعهده – ومحرضاً الآخرين لاستلهام العبر والتجارب، بعيداً عن الخطابية والبطولات المدعاة، الخاوية من الوقائع طلباً لمجد زائف، أو إتجاراً على حساب آخرين:
ولقد أقول لصاحبي لم ادره ، اسيان أم ثملاً افق يا صاح ِ
كن فوق داجية الخطوب وريبها ، والح من آذيها الملحاح ِ
وتحدها ، فلقد تحدت صخرة ، طوفان نوح ببطشه المجتاح
وارحمتا للجيل دون عذابه ، حمم الجحيم ومدية الذباح
   ختاماً نوثق هنا ان الذوات أو الجماعات الذين عنتهم ابيات القصيد الغاضب اعلاه، لم يكتفوا بالصمت وحسب، بل وراحوا ينكرون انهم كانوا وراء تلك المزاعم عن ذلك التغير عند الجواهري، او تراجعه عن مواقفه التنويرية... ولعلنا سنفصح عن تفاصيل أخرى ذات صلة في وقت لاحق...
للاستماع الى القصيدة بصوت الجواهري الكبير ... على الرابط التالي
http://www.iraqhurr.org/content/article/1937462.html   

                   مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com                                                                               


230

"أم عوف" تستضيف الجواهري.. وتوحي إليه
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com 
لظروف خاصة، يطول شرحها، ووردت خلاصات عنها في الجزء الثاني من ذكرياته المنشور عام 1990، يتخذ الجواهري من ريف "علي الغربي" في العمارة مستقراً له فترة من الوقت عام 1955، فيحلّ، وهو في طريقه إلى هناك، ذات مرة، ضيفاً على راعية أغنام تكنى "أم عوف"، فتوحي إليه الحال، والامرأة والطبيعة بقصيدة عدّها شخصياً، وكذلك النقاد، متفردة في مغازيها وبنائها اللغوي ومفرداتها الشعرية والبلاغية وقد جاء في مقدمتها:
يا أم عوف عجيبات ليالينا ... يُدنين اهواءنا القصوى ، ويدنينا
يدفن شهد ابتسام في مراشفنا ... عذباً بعلقم دمع في مآقينا
ويقترحن علينا ان نجرّعه ... كالسم يجرعه "سقراطُ" توطينا
يا أم عوف وما يدريك ما خبأت ... لنا المقادير من عقبى ويُدرينا
لم ندرِ أنا دفنا تحت جاحمها ... مطالعٌ ، يتملاها براكينا

... ثم يتواصل القصيد ليصف ماضياً شعَّ بقيمه وجمالاته وعطاءاته، وليمرّ على الحاضر الأليم، آنذاك، بعين الجواهري الناقد والراصد النابه، ولربما هو الحال الراهنة اليوم أيضاً، كما نزعم فنصيب:
يا أم عوف وما آهٌ بنافعةٍ ... آهٍ على عابث رخص لماضينا
على خضيل اعارته طلاقتها ... شمس الربيع واهته الرياحينا
مثل الطيور وما ريشت قوادمنا ... نطيرُ زهوا بما اسطاعت خوافينا
كنا نقول اذا ما فاتنا سحرٌ : لابد من سحر ثانٍ يؤاتينا
لابد من مطلع للشمس يُفرحنا ، ومن اصيل على مهل يحيينا
واليوم نرقب في اسحارنا اجلاً، تقوم من بعده عجلى نواعينا

... ثم يفصح الجواهري في التالي من مطولته ذات المئة وتسعة أبيات، عما يعتلج لديه من مشاعر وهضيمة وأسىً، وهو الشاعر قبل أي وصف آخر، بما تعني تلكم الوقائع، وما تؤول إليه من انعكاسات وتداعيات اجتماعية وغيرها، وذلك هو الأهم، كما نزعم هنا مرة أخرى:
يا أم عوف وكاد الحلم يَسلبنا، خير الطباع، وكاد العقل يردينا
خمسون زمت مليئات حقائبها، من التجاريب بعناها بعشرينا
يا أم عوف وما كنا صيارفة في ما نحب، وما كنا مرابينا
لم ندر سوق تجار في عواطفهم، ومشترين موادات ، وشارينا
يا أم عوف ولا تغررك بارقة منا، ولا زائف من قول مطرينا
انا اتيناك من ارضٍ ملائكها ، بالعهر ترجم او ترضي الشياطينا

وللطرافة حول هذه القصيدة العصماء ، قلت للجواهري ممازحاً ذات نهار في براغ، أواسط الثمانينات الماضية : انك قد سرقت نونيتك: أم عوف، موسيقا وقافيةً ورَوياً ، من نونية ابن زيدون الاندلسي الشهيرة : أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا... فقال: أنك قد لا تصدق أو يصدق أي آخر، بأنني، لم التفت لهذه المقاربة، والمقارنة منذ نحو ثلاثين عاماً خلت، وإلى اليوم...

                    للاستماع الى القصيدة اعلاه بصوت الجواهري .. يُتابع الرابط التالي
 
                 http://www.iraqhurr.org/content/article/1931387.html
 
مع تحيات مركز الجواهري في براغ                                       
www.jawahiri.com


231
من هموم الجواهري وشجونه في الثمانينات
  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo .com
تحل ثمانينات القرن الماضي، سوداء في العراق، حيث الجهلة ورجال العصابات يهيمنون على السلطة، ويشيعون ثقافة الحروب والطائفية والقتل... وانسجاماً مطلقاً مع تلك الحال ومتطلباتها بحسب فلسفتهم العمياء، يمنعون نشر او تداول  شعر الجواهري، وأخباره، بل ويصعدون من ذلك فيدفعون ببعض الاتباع والحاسدين والشامتين، من الطائفيين والظلاميين للنيل من رموزية الشاعر الكبير، الوطنية والابداعية، عبر مقالات هنا، أو كتيبات هناك، لم يَطلْ أصحابها، ولم يقصرْ ابن الفراتين...
كم هزّ دوحك من قزم يطاوله ، فلم ينلهُ ، ولم تقصر ، ولم يطل ِ
وكم سعت "امعات" ان يكون لها ، ما ثار حولك من لغو ٍ ومن جدل ِ

وإذ تتوارد بعض أخبار تلك الحملة "الثقافية" و"السياسية" إلى الجواهري، وهو في منفاه بين براغ ودمشق، تصله أيضاً بعض دفوعات أو مواقف نيرة نادرة في مثل تلك الأوضاع، من أصدقاء وأنصار ومحبين، مثقفين وغيرهم، ومن بينهم د. صلاح خالص "أبو سعد"، فيردّ الشاعر الكبير مثمناً ومتذكراً وموثقاً، بقصيدة جديدة عام 1984، تحكي بنفسها عن نفسها، وتبث هموماً لا تجارى، ومن أول أبياتها:
أأخي "أبا سعد" ومن قُبَلٍ   أُهدى ستقبس جمرتي قبسا
يا صفوَ إخوان ِ الصفاء   إذا ما جفَّ نبعُ مروءةٍ وجسا
شوقاً إليكَ يشدُّ نابضهُ    حبٌ ترعرع بيننا ورسا
والذكراتُ ترفُّ ناعمةً   رفَّ النسيمِ بحسرة همسا
...
أصلاحُ لم تبرحْ صفيَّ هوى   صدقا  ، إذا ما الكاذب انتكسا
ما انفك يومك مثل أمسك، عن غدٍ   كلفاً بحب الخير منغمسا
تشتفّ ضوء الفجر ترقبه   وتميز خيطيه إذا ألتبسا

وكما هي التقاليد الجواهرية في الانتقالات المتشابكة، الخاصة والعامة، في قصائده، جاء العديد من أبيات هذه السينية الغاضبة، الناقدة بهدف التنوير، والفاضحة ادعياءَ، فرادى ومجتمعين، كاشفا بعض عورات مجتمعات، وأفكار تخلف وظلام ،  وبنظرة فلسفية، ولكن بوقائع محددة:
عوت "الذئابُ" عليَّ ناهزة   فرصاً تثير الذئب مفترسا
ينهشن من لحمي وكل دم   فيه لخير الناس قد حُبسا
من كل داجٍ لا يحب سنى   للصبح يطمس ليله التعسا
ودفعت جمع يد ، وملء فم ، ومداهن أصغى فما نبسا
"أصلاحُ" إنّا رهنُ مجتمع   يخشى اللصوص فيذبح العسسا
يُزهى بفارسه إذا افتُرسا   وبضوء نجم ساطع طُمسا
ونتاج زرع لا يُداس به   إلا على الزهر الذي غرسا
...
"اصلاحُ" لا جزعاً كمن يئسا   لكن تفكُّر ملهم حدسا
فالموت يدرك كل ذي رمق   كالنوم يدرك كل من نعسا

ثم تستمر القصيدة، وبلغة مباشرة دون تكلف ، لتدوي بمزيد من اللواعج التي اضطرمت عند الجواهري، ففجرها شعراً، مرات ومرات عبر فرائده، بصور متعددة، مختلفة الأشكال، ولكن خلاصاتها تتوحد في تبيان معاناته من الجحود، والنكران والتجاوز برغم انه شاعر الأمة والعراق، كما يجمع المنصفون على الأقل...
"أصلاح" ما جدوى مُنَىً أُنُفٍ   عدُّ السنين يردها يبسا
درجت "ثمانون وأربعةٌ"   وتحجَّر النبع الذي انبجسا
ورميت بالقرطاس يثقلني   وكفرت بالقلم الذي انغمسا
وصحوت عن نفس مضت عبثاً   تُغري بـ "ليت" و"ربما" و"عسى"
وصحت فلا بالطهر يبطرها   عجباً، ولا هي تجحد الدَّنسا
"أصلاح" ظلَّ كأنت ذا ثقة   بالنفس يقظاناً ومحترسا
وسلمت عبرة خائف كنسا ،    وشجىً بحلق مُفَوَّهِ خرسا

   
                 مع تحيات مركز الجواهري في براغ
   www.jawahiri.com





232
الجواهري والنار… والحياة



رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
قبل اكثر من نصف قرن ، وفي شتاء عام 1957 تحديداً، كتب الجواهري دالية باهرة ،وقد كان حينها لاجئاً سياسياً في دمشق، وجاءت صورة " طبق الاصل " عن  حوار حقيقي، مع زوجته "آمنة" في جلسة مسائية عائلية حميمة:
ان عرسي وهي جامحة ، فجةٌ ... لون من الادب
جاءت الكانون توقده ، وبه جزل من الخشب
فوق بعض بعضها طبقاً ، لائذات .. صنع مُرتعب
ومشى برد الرماد بها ، كتمشي الموت في الركبِ
خلتها والعود يلمسها ، تثقل الكبريت بالعتبِ
فتأبت ، ثمة ارتعدت ، ثم اقعت ، ثم لم تثب
وانبرت من يأسها سكني "هرة" مفضوحة الغضب
قلت اذكي – ويك – شعلتها ، واريحيها من التعب
اطعميها الزيت يمشي بها ، مشية الكفران في السغب
فاستعاذت وهي قائلةٌ : ليس هذا الجدُ من لعبي

وإذ يتواصل الحوار، بين الرجل الجامح، المتمرد، مع الزوجة الرقيقة الوديعة، تقترب القصيدة رويداً رويداً من غاياتها بمنتهى التأنق والمهارة، وما الزيت واللهيب والنار هنا، سوى رموز ٍ أكثر من معانٍ بالغة الوضوح:
قلت هاتيه ، وثار لها ضرم كالبرقد في السحب
شبّ في مبيض سالفتي ، فكأني بعد لم أشبِ
وأتى وجهي فلطخه كخليط البسر والرطبِ
ومشت عرسي لتسعفني ، وكما شاءت ، لتشمت بي
هتفت: بئست مغامرة ، يا ابن ستين ٍ أنت صبي
رحت في حرف تزخرفه ، وعلى شيء سواه غبي
قلت يا هذي لو اخترمت ، مفرقي شقين لم اتب ِ
انا ذا من اربعين خلت ، اطعم النيران باللهب
فاذا خفت وضعت لها ، خير لحمي موضع الحطب

لقد ضمت هذه الدالية الباهرة ستةً وثلاثين بيتاً، وكانت أبيات القصيد فيها متداخلة في محاور الفلسفة والتفاخر والادانة والتنوير، ولكلّ منها موقعه، ورمزيته... ثم يحل وقت الختام، وتسديد الهدف المراد ،وفيه ما فيه من مغاز ٍ ومرام ٍ... وها هو الشاعر يحدد موقفه من التمرد والاقتحام، من اجل النهوض والشموخ، رائياً في النار ما رأى من موحيات جواهرية عديدة، وقال عنها محاوراً رفيقته:
انت قد اوحتك شعلتها ، ان توقي سوء منقلبي
وانا يوحي اليّ بها، ان تقحمني ، ولا تهب ِ
قد حببتُ النارَ على صعد ٍ وأثرتُ النار عن صببِ
ورأيت "الوغد" يُشعلها لا لشيطان .. ولا لنبي
يجتلي بالنور يسكبُه وهَجَ الألقاب والرُتبِ
ويرى في بؤس فحمتها بهرجات "الماس" .. والذهبِ
انتِ خير منهم ، سكني تقتُلين الخوف بالهربِ
وأنا أزكاكُمُ أرباً أستشفُّ "الخيرَ" في العطب
أُشعلُ "النيران..!" لا رغباً ، وأُصاليها بلا رَهَبِ
غيرَ علم ٍ .. أنها سبب لحياةٍ .. أيما سبب

بقي أن أقول ان كل من يعرف الجواهري عن قرب، ومن عايشه، أو رافقه عن كثب، يعرف تماماً، ان كل ما جاءت به القصيدة من مواقف وأفكار، تعبّر بالتمام المطلق عما تبناه الشاعر العظيم من مباديء، ومسارات، وممارسات في الحياة...
   للاستماع الى  القصيدة اعلاه بصوت الجواهري يُتابع الرابط التالي           
                http://www.iraqhurr.org/content/article/1902107.html
 
 
             مع تحيات مركز الجواهري في براغ
   www.jawahiri.com



233
الجواهري والطالباني ... وما بينهما




  رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
   توثق صفحات ديوان الجواهري، وأوراقه ومراسلاته الشخصية من جهة، وأحاديث وكتابات الرئيس العراقي جلال طالباني من جهة ثانية، محطاتٍ وأحداثاً حافلة ً في علاقات مديدة ترجع عملياً إلى عام 1959 حين تأسست أول منظمة لصحفيّ العراق، فكان أول الرجلين نقيباً لها، وثانيهما عضواً في هيئتها الادارية...
     ... ثم توالت المحطات على مدى أكثر من ثلاثة عقود تالية، كان من أبرزها حين تأسست في براغ لجنة عليا للدفاع عن الشعب العراقي ضد القمع والارهاب، بعيد الانقلاب البعثي الأول عام 1963، ترأسها الجواهري، وضمت قيادتها شخصيات سياسية وثقافية بارزة، من بينها جلال طالباني، ممثلاً عن الحركة الكردية..والذي تحدث لكاتب هذه التأرخة بشكل مباشر عام 2005  عن هذا الامر وغيره قائلاً:
     "لقد تعددتْ زياراتي ومهماتي السياسية في براغ منذ الستينات، وكنتُ أحرص في جميعها على قضاء أطولِ ما يمكن من الوقت مع الجواهريّ الخالد، سواءً في الأماكنِ العامةِ، أو في بيتهِ الذي استضافنا كثيراً... وكم أتمنى أن يكون لنا قريباً في بغداد مركزٌ ثقافي كبير، عمارةً شامخة، تتناسب مع فكرِ وعطاءِ هذا الشاعر العملاق..."
     ... وبحسب المصادر العليمة فقد توطدت العلاقات الشخصية والاجتماعية بين الجواهري وطالباني، فضلاً عن السياسية والثقافية وما بينهما ، وطوال اكثر من ثلاثين عاما كما اسلفنا ، وذلك في براغ وبغداد ودمشق وبيروت، وقد كادت ان تمتد إلى كردستان أيضاً عام 1992.... ولهذا الشأن تفاصيل متداخلة لا يتسع المجال لسردها الآن على الاقل ...
    وعلى صعيد التوثيق  "الشعري" ثمة - بالاضافة الى ابيات "اخوانية- سياسية "عام  1966- رسالة" سياسية –شخصية " اخرى،  بعثها الجواهري على هيئة قصيدة عصماء  الى طالباني عام 1981 وذلك جوابا على رسالة " شخصية- سياسية " ايضا ، كان طالباني قد بعث بها اإليه من دمشق اواخر العام 1980.... ولهذا الشأن كذلك حديث يطول ، وذو أكثر من مغزى ، نعد بالعودة اليه في توثيق لاحق. ...ومما جاء في تلك القصيدة التي نعنيها  :
شوقاً "جلالُ" كشوق ِ العين ِ للوسن ِ، كشوقِ ناءٍ غريبِ الدار للوطن ِ
شوقاً إليك وان ألوت بنا محنٌ ، لم تدر ِ أنا كفاءُ الضُّرِّ والمحن ِ
يا ابن الذرى من عُقاب غير مصعدةٍ شمُّ النسور به ، إلا على وهن ِ
وحسبُ شعريّ فخراً ان يحوزَ على ... راو ٍ كمثلك ندب ٍ ، مُلهمٍ فطن ِ
"جلالُ" صنتُ عهوداً بيننا وثقتْ ، فما تَوثقتَ من عهدٍ بها ، فصُن ِ
لا تبغني بوق "حربٍ" غير طاحنةٍ ، بها تزيا كذوبٌ ، زيّ مُطحَّن ِ
ولا تردني لحال ٍ لستُ صاحبها ... وما تردني لحال ٍ غيرها ، أكنَ

ِ... وبالمناسبة، يُحسب المؤرخون الرئيس طالباني من نخبة رواة بارزين، ومعدودين، لقصائد الجواهري ,وفرائده، الوطنية والوجدانية وحتى الغزلية...وهو يتباهى، بل ويتبارز، بذلك علناً في مختلف المجالس والمنتديات  الثقافية والسياسية وغيرها .... وللحديث عن هذا الامر صلة واكثر....
للاستماع الى حلقة صوتية بشأن الموضوع اعلاه يُُتابع الرابط التالي
 http://www.iraqhurr.org/content/article/1895681.html     
 مع تحيات مركز الجواهري في براغ
  www.jawahiri . com   
                                                 
                             
                               

234
الجواهري عن تقلب الشعراء ...واهوائهم!



رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com               
باستثناءات قليلة هنا، وأخرى هناك، لم يردّ الجواهري بشكل مباشر على ما ثارَ حوله من "لغو ٍ ومن جدل ٍ" بحسب  لاميته المطولة عام 1982... تاركاً الأمرَ لأولي الأمر، وللتاريخ والأجيال، لكي يكونوا حكماً في تمييز الغث من السمين والصدق من الادعاء والمعرفة من الجهل... وهكذا راحت ردوده، ومواقفه من انتقادات أولئك، أو تقولات هؤلاء، شاملة تعالج وتتصدى لظواهر، ووقائع عامة، بعيدة عن الخصوصيات...
واستشهاداً بتلك المعالجات الجواهرية، نتوقف عند قصيدته (عظماءُ) المنظومة عام (1952) وهي حوارية مع نجيّ، حقيقي، أو مزعوم، انتقد تقلبات رآها عند الشاعر الكبير، حين يتخذ موقفاً، ليغيره لاحقاً، معيباً عليه اللااستقرار على حال واحدة، وكأن تغيير الرأي، أو التراجع عنه منقصة، وخاصة عند الرموز الثقافية والاجتماعية والوطنية الأهم، والجواهري هنا أحدها كما ندعي... فراح يقول:
ونجيٍّ مثلي غبيٍّ ، وحمل المرء همَّ المغفلين غباءُ
قال ما الحال؟ قلت اني من حال خلو ٍ كهذي ، براءُ
قال والناس، قلت: شيء هراء، خدم عند غيرهم أجراءُ
غنيّ الدود عن سواه بمسعاه، وهم من تواكل فقراءُ
ومسفون ينكرون على الصقر العليّ ، ان تحتويه سماءُ
الضحايا، لديهم النبغاء، والبعيدون عنهم العظماءُ
وقريب منهم خنوع ، واسفاف، وكذب، وغفلة، ومراءُ

ثم يتواصل الجدل والحوار لينقل عبره الجواهري تساؤل، أو ردّّ ذلك "النجي" العاتب الناقد، والمعيب للتقلبات، وتغيير المواقف، والآراء والتقييمات:
قال لله أنتم الشعراء ، عدد الرمل عندكم أهواءُ
أمس والشعب كله معجزات لك ، واليوم كله أسواءُ

... وهنا ، يجيء وقت اعلان الموقف أو بيتُ القصيد، وقل أبياته، فيختم الجواهري غاضباً، وكاشفاً دواعي تلك التقلبات المزعومة، والتحولات المعابة، بظن البعض على الأقل:
قلت مهلاً يا صاحبي، ظلمات الليل في عين حالم أضواءُ
أرأيت الكواز أنفس ما يملك طين خبيث وماءُ
صانعا منه ألف شكل ٍ جراراً، قائلاً في جراره ما يشاءُ
يتغنى بـ "كوزه" ... وكان الكوز في الحسن، كوكب وضاءُ
وكذا كل خالق يتبنى ما ترضى، وهكذا الشعراءُ

ولأن الشيء بالشيء يذكر، أقول اني سألت الجواهري ذات نهار في منتصف الثمانينات، منتحلاً صفة الناقد، عن مثل بعض "تقلباته" و"انتقالاته" وتغير "تقييماته" المزعومة، وخاصة لاشخاص  أو" شخصيات "    معنية في بعض قصائده ..فأجاب منتفضاً، كعهده: وماذا عليّ أن أصنعَ، إن كان الآخرون، هم الذين يتقلبون ويتلونون، تتنازعهم الأهواء، والمصالح، تكبو بهم الاجتهادات... ويخبو بهم المسير...
فهل كان الجواهري محقاً في ما ادعى، وأجاب....!؟


      للاستماع الى ابيات القصيدة الجواهرية اعلاه ... تابع الرابط التالي     

                        http://www.iraqhurr.org/content/article/1889870.html
 
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                               

235
الجواهري عن بعض جمال المرأة... وفنونها




رواء الجصاني
 jawahiricent@yahoo.com
  دعونا نحوم هذه المرة في أجواء واحدٍ من عوالم الجواهري اللامنتهية عند حدود، وعند بعض إيحاءات شيطانه الشعري، وهو يطوف في رحاب خبايا وظواهر المرأة التي قدّسها، عواطفَ وأحاسيس، ورمزاً للعطاء والجمال، وقل الحياة، ولا تخف... جوالين في قصيدة حوارية بين افروديت، آلهة الحب والجمال عند الاغريق، ووصيفتها الهندية جالا، باستلهام من قصة الكاتب الفرنسي الشهير بيير لويس، والتي نقلها للعربية محمد الصاوي:
ثم نادت جالا ، وكانت من الرقة كالماء اذ يهز الخيالا
من بنات الهنود، تعرف ما يرضي الغواني ، وما يزين الجمالا
من أتى أمس ِ ؟ خبريني ، الا تدرين ؟ كلا ، فلست أُحصي الرجالا !!
اجميل فلم أمتّعه اذ نمت عميقا مما لقيت كلالا
ومتى راح ، في الصباح إلا يرجع؟ ماذا ابقى ، اغادر شيّا ...

وملحمة الجواهري هذه نظمها على مرحلتين: الأولى عام 1932 والثانية عام 1946 كما تقول مقدمة القصيدة التي راح يشبك فيها خلاصات تلو أخرى، في لوحة شاملة جمعت بين ريشة فنان، وفكر فيلسوف، وموحيات شاعر:
يا ترى أين أستطيع اللقاء ، برجال يسخرون الرجالا
اي غاب يحويهم ، وفراش فوقه يصبحون أدنى منالا
اصلاة يبغون حتى يثيروا ... رغباتي ، فلتصعد الصلوات
وهبيهم ينأوون عني، هبيهم شاخوا، هبيهم ماتوا
افتردي مثلي ، ولم ترو ممن تلظى لأجله الرغبات

... واذ تنقلنا صور الجواهري، ورمزياته من خيال إلى آخر، يعود ليحط بنا على ثوابت الواقع، كاشفاً دون وجل أسراراً عن بعض دواخل المرأة الرحيبة، مطوعاً مفردات شياطين الشعر، باستثناءات تفرض نفسها دون ايما عناء.
وتمشت مهتاجة يتمشى العجب والحسن في الدماء غزيرا
نحو حمامها ، ترى من خلال الماء فيه ما يستثير الغرورا
جسمها اللدن ... والغدائر تنساب ، كما أرخت العذارى ستورا
وخرير المياه في السمع كالقبلة ، حرانة، تهيج الشعورا
عبدت نفسها فداعبت النهدين بالشعر ، غبطة وحبور

ثم يعود الجواهري في مقطع لاحق ليصف "افروديت" ذلك الرمز الانثوي الالهي – البشري، بحشد ٍ من التعابير والاستعارات الدارجة وغيرها، عبر ومضات الشاعر المرهف، أو خبرات الرجل المكين، وربما كلاهما في آن، فيواصل نقل ما دار بين الوصيفة جالا، وسيدتها الصاخبة حباً بالحياة والرجال والرؤى والمواقف:
لك رأس كدورة البدر، غطته من الشعر غيمة سوداءُ
يبتدي منه مرسلا سعف النخل، له عند اخمصيك انتهاء
لك كالبركتين تحت ظلال السرو، رَقَا، واوغلا - عينان
لك كالزهرتين صبت دماء من غزال، عليهما شفتان
لك كالخنجر المغطى بذاك الدم مخضوضب، شقين لسان
لك نحرٌ كما تبلج للصبح عمود، ضوى به المشرقان
لك صدر كسلة الزهر بالنهدين نطت فويقه زهرتان
واستدارت كمثل اعمدة العاج ، الذراعان منك والفخذان
لك تلك المدورات حليّ مبهر ، صنع معجز فنان
لك بطنٌ كأنها مخمل الديباج او ثوب ارقط ٍ ، ثعبان
رزقت "سرة" كلؤلؤة الغواص قد ركزت على فنجانِ

... ثم يستمر الوصف، والتوصيف لما بان أو خفى، مما قد نجد بعض حراجة في نقله هنا، إذ يحق للشاعر، ما لا يحق لغيره، وما نحن بشعراء...
 
على الرابط التالي مقاطع من القصيدة بصوت الجواهري الكبير  
                                http://www.iraqhurr.org/content/article/1884077.html   
                                        مع تحيات مركز الجواهري في براغ




236
الجواهري والمتنبي : وقال كلاهما : انا كلانا
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
برغم ما يزيد على ألف عام فصلت بين العظيمين عطاءً وفكراً، يتباهى الجواهري في أكثر من قصيدة ومناسبة، بالتقارب الروحي والشعري بينه والمتنبي. بل ويوثق في تسجيل صوتي خلال حفل ثقافي عام 1983 أن "أبا محسد" "صديقهُ، وجاره، ولصق داره"، في إشارة لمدينتي الشاعرين المتجاورتين، بل والمتشابكتين تاريخاً وجغرافية وأهلاً... ونعني بهما: الكوفة، والنجف...
تحدى الموت واختزل الزمانا .. فتى لوى من الدهر العنانا
- فتى خبط الدنى والناس طراً ، وآلى أن يكونهما، فكانا
- فتى دوى مع الفلك المدوي ، فقال كلاهما : انا كلانا

وقاريء الجواهري يجد في جحفل قصيده العامر، إشارات واقتباسات هنا، ودفوعات ومفاخرات هناك بالمتنبي وعنه، ومن ذلك في "المقصورة عام 1940"، وبائية "كما يستكلب الذيب عام 1953"، ورباعية "سيسب الدهرعام 1960" و"يا ابن الفراتين عام 1970"، وقصيدة "بغداد عام 1983" وعديدٍ أخر، متنوع المعاني والغايات... هذا فضلاً عمّا كتبه في مقدمة المجلد الأول من جمهرته في المختار من الشعر العربي (دمشق - 1985) من انتصار صريح وعنيف لقرينه العظيم الذي حاول د. طه حسين أن ينال منه في كتابه الموسوم "المتنبي" والذي وقفت وراء تأليفه "عصبية قبلية" و"ثارات اقليمية"... وفقاً لتلك المقدمة...
... وإذ يطول الحديث ذو الشأن، ويتسع في أكثر من قصيدة وواقعة وحال، فقد تكفي قراءة سريعة لعصمائه عن "المتنبي فتى الفتيان" عام 1977، ليستدل منها كيف يرى الجواهري صنوه، الذي "خبط الدنى والكون طراً، وآلى أن يكونهما فكانا"، وبماذا يقيّم عطاء "ابن الرافدين" الذي "اسال الروح في كلم موات" و"طاوعه العصي من المعاني"... ثم كيف يدافع عنه، وينتصر له من "أمير" و"اخشيد" و"شتام" و"حسود" وغيرهم.
فيا ابن الرافدين ونعم فخرٌ ، بأن فتى بنى الدنيا فتانا
ويا ابن الكوفة الحمراء وشى ، بها سمط اللالئ والجمانا
بحسبك ان تهز الكون فيها ، فتستدعي جنانك واللسانا
وان تعلو بدان لا يعلى ، وان تهوي بعال ٍ لا يداني
فماذا تبتغي أعلوَ شان ٍ ، فمن ذا كان أرفعَ منك شانا

وأزعم، مع معنيين عديدين، أن الشاعر الكبير كان يتفاعل بمشاركة ومعايشة وجدانية مطلقة، وهو يتخذ هذا الموقف، أو ذلك التقييم للمتنبي ومنه، وما إلى ذلك من مشاعر وأحاسيس... فكلا العظيمين الثائرين على الخنوع والوهن والتقاليد الخاوية، والطامحين إلى العلى بكل اقتدار، قد نالهما الجور ولحقهما تجاوز الحاقدين، وتآمر الحاسدين، بل ومدّعي شعراً وأدباً حيناً، وعواء "ضباع" أحياناً آخرى. وفي جحــود وعسف وخصومات غير متكافئة – حسـب مـا يدّعي ذينك العظيمان على الأقل! - وخاصة بعد أن امتلكا السنام الأرقى في قمة الشعر العربي، وفي التميز بالآراء والرؤى، ودويّا مع الفلك المدوي، "فقال كلاهما إنا كلانا"... ويستمر الجاهري في عصمائه ليختتمها:
حلفت أبا المحسد بالمثنى ، من الجبروت والغضب المُعانى
وبالسلع النوافر في عروق ٍ ، كأن بكل واحدة سنانا
بأنك موقدَ الجمرات منا ، وان كُسيت على رغم ٍ دخانا
وانا أمة خلقت لتبقى ، وانت دليل بقياها عيانا ...

               
.               مع تحيات مركز الجواهري في براغ
      www.jawahiri.com




237
الجواهري عن جياع الشعب

رواء الجصاني 
Jawahiricent @ yahoo.com
عبر صور وإيحاءات متنوعة الأبعاد والزوايا، وخطابية شاملة أو موجهة، وبانسيابية شعرية متفردة ومفردات متداولة أو استثنائية، جاء قصيدُ الجواهري، والتنويري المحرّض منه بشكل رئيس، ليرسخَ، وبكل عمق، في أمزجة وعقول ناسه، وقل أفئدتهم ولا تخف... ومن بينها، قصيدة "تنويمة الجياع" التي نشرها عام 1947، بمطلعها الذائع الصيت:
نامي جياع الشعب نامي ... حرستك آلهة الطعام ِ
نامي فان لـم تشبعي من يقظة.... فمن المـنام

والقصيدة هذه، وربما هي الأكثر شعبية لدى مواطني الشاعر الخالد - إلى جانب رديفتها أي طرطرا - تتجاوز المئة بيت، باثنين، وقد راحت بأسلوبها الباهر تستنهض الجماهير، وتحثّها للانتفاض على الظلم الاجتماعي، والجور السلطوي، والتقاليد الموروثة البالية، على الرغم من ان تأطيرها جاء ساخراً، وربما على نهج ان "شر البليّة ما يضحك"... ولكنه ضحك  يستفز المشاعر والأحاسيس لينهضها من سبات هنا وتردد هناك، ولينال من أولئك الحاكمين بأمرهم حقاً، أو بأمر أسياد آخرين، ظلماً وتجاوزاً على حقوق الشعب وحرياته وتطلعاته:
نامي فان الوحدة العصماء تطـلب ان تنامي
ان الحماقة ان تشقي بالنهوض عصا الوئام
نامي فان صلاح امر فاسـدٍ في ان تنامي

وإذ يطول الحديث والكتابة عن هذه الميمية الجواهرية العامرة، الرحيبة بمضامينها وأبيات قصيدها، من نقاد ومتابعي أدب حقيقيين، لا زائفين وأدعياء، نختار هنا مقطعاً من دراسة تفصيليةصدرت عام 1988 للمتخصص والأكاديمي الفلسطيني البارز، الدكتور سليمان جبران بشأن القصيدة عام 1988 ومما جاء فيها:
   ان الجواهري في هذه القصيدة بالذات، بالإضافة إلى مواقف أخرى في غيرها من القصائد، تكشف بوضوح ان الشاعر يقف "مرشداً" أو "حادياً" يغني قافلة المناضلين... وفي الأكثر فهو "
أحد الناهضين" القلة الذين لا يخشون تبعات النضال، ويظلون هدفاً للرماة.
     ....... للاستماع الى مقتطفات من قصيدة الجواهري بصوته:
http://www.iraqhurr.org/content/article/1848197.html
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
 www.jawahiri.com


238
حين انتصر الجواهري للمرأة  عام 1969



رواء الجصاني...... jawahiricent@yahoo.com
--------------------------------
امتداداً لمواقف وقيم الجواهري العريقة، المعروفة منذ عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، انتصاراً للنساء، وحقوقهنّ، ودفاعاً عن دورهن وموقعهن في المجتمع والحياة بكل مناحيها، جاءت قصيدته التي أسماها "رسالة مملحة" عام 1969 ليخاطب فيها نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك صالح مهدي عماش، وقد راحت تجيش بالكثير من الانتقادات لقرارات سلطوية تعسفية، طالت حرية فتيات ونساء العراق، ومن بينها منعهن من ارتداء الألبسة الحديثة، وملاحقة "المذنبات" منهن بتلك الجريمة المزعومة... ومما جاء في القصيدة:
نُبئتُ انكَ توسعُ الأزياء عتاً واعتسافا
وتقيس بالافتار أردية بحجة أن تنافى
ماذا تنافي، بل وماذا ثمَّ من أمر ٍ يُنافى
أترى العفافَ مقاسَ أردية ٍ، ظلمتَ أذاً عفافا
هو في الضمائر ِ لا تخاط ُ ولا تقصُّ ولا تكافى
من لم يخفْ عقبى الضمير ِ ، فمنْ سواهُ لن يخافا
وتستمر أبيات تلك "المملحة" التي شاعت في حينها باسم قصيدة "الميني جوب"، ليعيب فيها الشاعر "اسفافات" واجراءات قسرية متخلفة، حدّت من الحريات الشخصية، فراح يوجه المعني، ويقصد من خلاله السلطة كلها، للاهتمام بأمور أكبر وأجدى، تقود لإنهاض المجتمع وبناء الوطن:
طوق جهالات الحمى، والعنعنات به الجزافا
وتقص كل جذورهنَّ.. فلا القويَّ ولا الضعافا
اشع الحياة ولطفها في موطن يشكو الجفافا
ثم يعود الجواهري في مقطع لاحق ٍ مجدداً عشقه للجمال والحياة، والمرأة هنا رمز ٌ لا يضاهى، بل مرآة نيّرة لكل المعاني الانسانية السامية، برأي الشاعر العظيم والذي لم يخف يوماً تلك المباديء والرؤى، بل ويتباهى بها، ويكشفها لكل من بعد او دنا، وعلى امتداد عمره الذي قارب المئة عام كما هو معروف.. وها هو يصف التشيكيات الحسان:
الساحراتُ فمن يردك ان يطرن بك اختطافا
والناعسات فما تحس الطرف اغفى ام تغافى
والناهدات يكاد ما في الصدر يقتطف اقتطافا
هدي المسيح إلى السلام، على العيون، طفا، وطافا
ودم الصليب على الخدود يكاد يرتشف ارتشافا
ثم لا يكتفي الجواهري هنا بكل ذلك الوصف الباهر، والمعبر عن صدق رؤى، وصميم قناعات ورهافة أحاسيس، فراح يضيف، مما قد يُعدُّ كفراً لدى البعض، ممن يحمل وجهات نظر معاكسة وإن كان القولُ غزلاً بريئاً ... ومن يدري:
اني ورب صاغهن كما اشتهى هيفا لطافا
وادقهن وما ونى، واجلهنَّ وما احافا
لارى الجنان اذا خلت منهن اولى ان تعافى
لقد كانت تلكم القصيدة كما اسلفنا عام 1969 وكان الجواهري آنذاك في السبعين من العمر... وقد جدد تلك الرؤى والقناعات في قصائد ومواقف تالية، وحتى بعد ذلك بأكثر من عشرة أعوام، ولنا عندها وقفة وربما وقفات أخرى في حلقات قادمة...
 
            مع تحيات مركز الجواهري في براغ
                      www.jawahiri.com

239
الجواهري والمتنبي : وقال كلاهما : انا كلانا
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
برغم ما يزيد على ألف عام فصلت بين العظيمين عطاءً وفكراً، يتباهى الجواهري في أكثر من قصيدة ومناسبة، بالتقارب الروحي والشعري بينه والمتنبي. بل ويوثق في تسجيل صوتي خلال حفل ثقافي عام 1983 أن "أبا محسد" "صديقهُ، وجاره، ولصق داره"، في إشارة لمدينتي الشاعرين المتجاورتين، بل والمتشابكتين تاريخاً وجغرافية وأهلاً... ونعني بهما: الكوفة، والنجف...
تحدى الموت واختزل الزمانا .. فتى لوى من الدهر العنانا
- فتى خبط الدنى والناس طراً ، وآلى أن يكونهما، فكانا
- فتى دوى مع الفلك المدوي ، فقال كلاهما : انا كلانا

وقاريء الجواهري يجد في جحفل قصيده العامر، إشارات واقتباسات هنا، ودفوعات ومفاخرات هناك بالمتنبي وعنه، ومن ذلك في "المقصورة عام 1940"، وبائية "كما يستكلب الذيب عام 1953"، ورباعية "سيسب الدهرعام 1960" و"يا ابن الفراتين عام 1970"، وقصيدة "بغداد عام 1983" وعديدٍ أخر، متنوع المعاني والغايات... هذا فضلاً عمّا كتبه في مقدمة المجلد الأول من جمهرته في المختار من الشعر العربي (دمشق - 1985) من انتصار صريح وعنيف لقرينه العظيم الذي حاول د. طه حسين أن ينال منه في كتابه الموسوم "المتنبي" والذي وقفت وراء تأليفه "عصبية قبلية" و"ثارات اقليمية"... وفقاً لتلك المقدمة...
... وإذ يطول الحديث ذو الشأن، ويتسع في أكثر من قصيدة وواقعة وحال، فقد تكفي قراءة سريعة لعصمائه عن "المتنبي فتى الفتيان" عام 1977، ليستدل منها كيف يرى الجواهري صنوه، الذي "خبط الدنى والكون طراً، وآلى أن يكونهما فكانا"، وبماذا يقيّم عطاء "ابن الرافدين" الذي "اسال الروح في كلم موات" و"طاوعه العصي من المعاني"... ثم كيف يدافع عنه، وينتصر له من "أمير" و"اخشيد" و"شتام" و"حسود" وغيرهم.
فيا ابن الرافدين ونعم فخرٌ ، بأن فتى بنى الدنيا فتانا
ويا ابن الكوفة الحمراء وشى ، بها سمط اللالئ والجمانا
بحسبك ان تهز الكون فيها ، فتستدعي جنانك واللسانا
وان تعلو بدان لا يعلى ، وان تهوي بعال ٍ لا يداني
فماذا تبتغي أعلوَ شان ٍ ، فمن ذا كان أرفعَ منك شانا

وأزعم، مع معنيين عديدين، أن الشاعر الكبير كان يتفاعل بمشاركة ومعايشة وجدانية مطلقة، وهو يتخذ هذا الموقف، أو ذلك التقييم للمتنبي ومنه، وما إلى ذلك من مشاعر وأحاسيس... فكلا العظيمين الثائرين على الخنوع والوهن والتقاليد الخاوية، والطامحين إلى العلى بكل اقتدار، قد نالهما الجور ولحقهما تجاوز الحاقدين، وتآمر الحاسدين، بل ومدّعي شعراً وأدباً حيناً، وعواء "ضباع" أحياناً آخرى. وفي جحــود وعسف وخصومات غير متكافئة – حسـب مـا يدّعي ذينك العظيمان على الأقل! - وخاصة بعد أن امتلكا السنام الأرقى في قمة الشعر العربي، وفي التميز بالآراء والرؤى، ودويّا مع الفلك المدوي، "فقال كلاهما إنا كلانا"... ويستمر الجاهري في عصمائه ليختتمها:
حلفت أبا المحسد بالمثنى ، من الجبروت والغضب المُعانى
وبالسلع النوافر في عروق ٍ ، كأن بكل واحدة سنانا
بأنك موقدَ الجمرات منا ، وان كُسيت على رغم ٍ دخانا
وانا أمة خلقت لتبقى ، وانت دليل بقياها عيانا ...

               
.               
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
      ww
w.jawahiri.com




240
الجواهري في بعض شجون الغربة ولواعج الحنين



 
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
يغتربُ الجواهري عام 1961 إلى براغ، ضيفاً لفترة وجيزة، ثم لاجئاً إليها بديلاً عن وطن حملـّـه "هماً لا يجارى" كما يقول، بل ولم يكفل له داراً يستظل به، وهو شاعر الأمة العراقية كلها، قبل العربية... وإذ تطول الغربة، وقل المنفى ولا تخف، تتعاظم أحاسيس الوحدة وحرقة الهضيمة من الجحود، ثم تتداخل وتتفاعل اللواعج يوماً بعد آخر، فتفجر قصيدة تلو أخرى، تختلط فيها العواطف والمواقف الوجدانية والوطنية، وما بينهما كثير... ومنها لامية "بريد الغربة" التي بثـّـت شجوناً وهموماً حبلى بالوقائع والأحداث عام 1965:
لقد أسرى بيّ الأجل وطول مسيرة مللُ
وطول مسيرة من دون غاي ، مطمح خجل
وكما هي تقاليده المتميزة، راح الجواهري في هذه القصيدة يشبك الخاص بالعام، والحنين بالغضب، والرقة بالعنف... وفي أكثر من ثلاثين بيتاً، غلبت فيها صور الشكوى ومرارة التساؤلات، دعوا عنكم التمنيات المؤثرة...
أقول وربما قول ٍ يـُـدلُّ به ويبتهلُ
الا هل ترجع الاحلام ما كحلت به المقل
وهل ينجاب عن عيني ليل مطبق ازل
ألا هل قاطع يصل لما عيّت به الرسل 
وفي مقطع تال ٍ ، يشحن الجواهري الذي تخنقه عبرات الاغتراب عن الأهل والناس والبلد، تعابيرَ ومفردات ٍٍ مباشرة دون تكلف، نابعة من الصميم، لتخاطب الأحبة الذين يريد الاستنجاد بهم، وهو "الشريد" مهما حسنت الضيافة، وعزّ المقام.
ويا أحبابي الأغلين من قطعوا ومن وصلوا
ومن هم نخبة اللدات عندي حين تنتخلُ
وإذ تطول غربة شاعر البلاد ورمزها الثقافي والوطني إلى براغ، وغيرها من مدن وعواصم الدنيا، وتمتد إلى ما يزيد على ثلاثة عقـود، مع فتـرات اسـتثنائية كانت هي غربة أيضاً، ولكن بصورة أو حال أخرى، بقيت هذه القصـيدة التي نكتـب عنها ترافقـه في حل ٍ هنا، وترحـال هناك، يلقيهـا في الكثير من الفعاليات والأمسيات الشعرية التي تقيمها له التجمعات العراقية المهاجرة والمغتربة في بلدان عدة... وقد لا نبالغ في القول أن تلك اللامية الحنون كانت تعبّر عن دواخل لا الشاعر فحسب، بل وجمهور مواطنيه الممتد في مختلف مشارب الدنيا والذي تـَـشاركَ معه في ذات الهموم والشجون والحنين، وبقي يردد ما قاله الجواهري منذ أزيد من نصف قرن، وربما إلى اليوم:
سلاماً أيها الثاوون اني مزمعٌ عجلُ
سلاماً أيها الخالون ، ان هواكم شغلُ
سلاماً كلّهُ قـُـبلُ ، كان صميمها شـُـعل 

مع تحيات مركز الجواهري في براغ        
     www.jawahiri.com

241
في الذكرى الثانية عشرة لرحيل
الجواهري الخالد




رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com
قبل اثني عشر عاماً، وفي صبيحة الأحد السابع والعشرين من تموز عام الف ٍ وتسعمئة وسبعة وتسعين تحديداً، استنفرت وكالات أنباء ومراسلون وقنوات فضائية وغيرها من وسائل اعلام، لتبث خبراً هادراً، مؤسياً، هزّ مشاعر، ليس النخب الثقافية والسياسية فحسب، بل والألوف الألوف من الناس:
"الجواهري يرحل إلى الخلود في احدى مشافي العاصمة السورية دمشق عن عمر يناهز المئة عام..."
... يطبق "الموت اللئيم" اذن على ذلك المتفرد الذي شغل القرن العشرين على الأقل، ابداعاً ومواهب، ثم لتروح الأحاديث والكتابات تترى بعد الخبر المفجع، عن عظمة ومجد الراحل العظيم:
- المتميز بعبقريته التي يخشى أن يجادل حولها أحد...
- السياسي الذي لم ينتم ِ لحزب، بل كان حزباً بذاته، يخوض المعارك شعراً ومواقف رائدة...
- الرمز الوطني الذي أرخ للبلاد وأحداثها بأتراحها وأفراحها من داخل الحلبة بل ووسطها، مقتحماً ومتباهياً:
أنا العراق لساني قلبه ودمي فراته وكياني منه اشطار
-  وذلك الراحل العظيم نفسه: حامل القلم الجريء والمتحدي والذي "لو يوهب الدنيا بأجمعها، ما باع عزاً بذل المترف البطر" ناشر صحف "الرأي العام" و"الجهاد" و"الثبات" ... ورفيقاتهن الأخريات
- منوّرٌ متميزٌ من أجل الارتقــاء  على مدى عقـود حياته المديدة، مؤمناً: "لثورة الفكر تاريخ يحدثنا، بأن ألف مسيح دونها صلبا"
- صـاحب "يوم الشـهيد" و"آمنت بالحسين" و"قلبي لكردستان" و"الغضب الخلاق" و"الفداء والدم"... شامخ، يطأ الطغاة بشسع نعل ٍ عازبا:
-   يتبجحون بان موجا طاغيا سدوا عليه منافذا ومساربا
-   خسئوا فملؤ فم الزمان قصائدي ..ابدا تجوب مشارقا ومغاربا
-   تستل من اظفارهم وتحط من اقدارهم وتثل مجدا كاذبا 
-   انا حتفهم الجّ البيوت عليهم اغري الوليد بشتمهم والحاجبا

-  والجواهـري ايضا وايضا: متمرد عنيد ظـل طـوال حياتـه باحثاً عن "وشـك معترك أو قرب مشتجر"، كيّ "يطعم النيران باللهب"!
- مبدعٌ بلا حـدود في فرائـد "زوربـا" و"المعـري" و"سـجا البحـر" و"أفروديـت" و"أنيتـا" و"لغة الثياب" و"أيها الأرق" وأخواتهن الكثار...
- وهو قبل كل هذا وذاك: أحب الناس كل الناس، من أشرق كالشمس ومن أظلم كالماس" - و"الفتى الممراح فراج الكروب"، الذي "لم يخل من البهجة دارا"
- رائدٌ في حب وتقديس من "زُنَّ الحياة" فراح يصوغ الشعر "قلائداً لعقودهنَّ" ... و"يقتبس من وليدهن نغم القصيد"
- وديع كالحمامة، ومنتفض كالنسر حين يستثيره "ميتون على ما استفرغوا جمدوا"
- وهو لا غيره الذي قال ما قال، فبات الشعراء يقيسون قاماتهم على عمود قامته الشامخ:
- حسبتنى وعقاب الجو يصعد بي ... الى السموات محمولا الى وطني
- وخلتني والنجوم الزهر طوع يدي ... عنهن في ما اصوغ النيرات غني
- ما اقرب الشمس مني غير ان دمي ما ان يصلّي لغير الشعر من وثن


-  انه وباختصار: ذلك الطموح الوثاب الذي كان، ومنذ فتوته "يخشى أن يروح ولم يبقِ ذكرا" ... فهل راحت قصائده- فعلا - "ملؤ فم الزمان"!! وهل ثبتت مزاعمه بأن قصيده "سيبقى ويفنى نيزك وشهاب"، وهو القائل:
وها هو عنده فلك يدوي..... وعند منعم قصر مشيد
 يموت الخالدون بكل فج ٍ .. ويستعصي على الموت ِ الخلودُ

 .... ترى هل صدق بما قال ... التاريخ وحده من انبأنا وينبئنا عن الامر ، ويا له من شاهد حق ٍ عزوفٍ عن الرياء!!
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com


242
الجواهري في "فارونج" الروسية ... فهل تغار بغداد؟
رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com



تناقل العديد من وسائل الاعلام، قبل بضعة أيام، وحسب الهوى، والميول والمقاصد، نبأ ازاحة الستار عن نصب تذكاري للجواهري الكبير، في احدى المؤسسات الجامعية بمدينة فارونج الروسية... وإذ ابتهج المحبون بهذا الحدث، نوّه حريصون، وكذلك متربصون، الى ان مدن العراق، وبغداد والنجف بخاصة – عدا اربيل والسليمانية الكرديتين – تخلو إلى اليوم من نصب يليق بذلك الرمز الوطني والثقافي الخالد...
... وإذ يثار لغط وخلط هنا وهناك بشأن الخبر إياه، يبقى التساؤل، مثيراً، على أقل وصف، عن ذلك التغافل او الاغفال الأليم واللئيم، لصاحب العطاء والثراء المديد، برغم ما قد يدعيه البعض من مبررات، ويزعمه آخرون من أسباب، تتلحف جميعها بذرائع الظروف الخاصة التي تمر بها الأمة العراقية، ومقارعة المقاومين الشرفاء، فعلاً، للارهاب والظلامية والجهل... فكل ذلك أكثر من صحيح، بل وقد نزايد عليه أضعافاً، ولا نملّ... ولكن:
... هل حقاً ان الأمر يعود لتلك الأسباب والمبررات فحسب؟ أم أن ثمَّ الكثير من المعنيين، من سياسيين وغيرهم، يرى، ويعمل، وبدأب، لكي لا تنتشر قيم ومفاهيم الجواهري الرائدة لانهاض الوطن والمجتمع، والتي حرص عليها، وأطلقها وتبناها على مدى عقود الجور والعسف والطغيان، الفكري والثقافي أولاً، وقبل أي جور وعسف وطغيان آخر...
نظن، وبعض الظن ليس اثماً في عالم اليوم، كما نكرر دائماً: ان الموقف من ذلك الشاعر العظيم، نصباً وفكراً ورمزاً، يتجلى في الموقف والرؤى من الانطلاق المسؤول، والتوجه الرصين لتأسيس العراق الحضاري الخالي من الطائفية والعرقية والغلو، وبخلاف ذلك سيكون البناء "آيلاً" للسقوط، ومرة تلو أخرى، ما لم يرتكز على أسس المعرفة والتنوير، التي سعى لها الجواهري واضرابه نهجاً وممارسة...
... وخلاصة الحقيقة على ما نرى: ثمة فلسفتان تتصارعان في البلاد والمجتمع، وبكل تفاعل، وان كثرت المزاعم والادعاءات المقابلة... وإذ نتحدث عن تمثال او تكريم وسواهما، فما ذلكم كله سوى مدخل ليس إلا، فالخلود قرين النبغاء والعباقرة والعظماء، بلا فضل مدّعين أو وساطة او اجتهاد... فهل من ينابز في الأمر!
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

243
الجواهري في بعض حلِّه وترحاله

   

رواء الجصانـي
jassaany@yahoo.com
ما كان الجواهري الكبير، وحتى ما قبل رحيله بثلاثة أعوام، وحسب، ليملّ، أو يكلَّ من الحلّ والترحال في رحاب المعمورة، قديمها وحديثها.. ولربما يكفي دليلاً على صحة ما ندعي، أنه زار وأقام، في سنوات تسعيناته، وخلال الفترة 1991-1994 تحديداً، في كل ٍ من براغ وبودابست ولندن والرياض وأبو ظبي والقاهرة وعمان وطهران، فضلاً عن دمشق التي كانت منطلقه إلى تلك العواصم، وفيها أنهى التطواف الذي دام حتى 1997.
... ولم يكن "أخو الطير" كما يصف نفسه، ليحمل سوى "منقار وأجنحة أخف ما لمّ من زاد أخو سفر"، وهو يجوب "عرياناً" مدن وبلدان الدنيا... يريح الركاب فترة، ليثقله فترات مضاعفة، باحثاً عن مستقر لنفس أبت أن يكون مسارها رتيباً، وخشية أن "يروح ولم يبق له ذكرا".. واضعاً "نور الشمس" هدفاً أول في مسيرته الحياتية والابداعية.
... كما لم يكن الشاعر الكبير ليعترف بأن للطموح أزمنة أو أمكنة محددة، فأنى ثوى، كان يشعر بالاغتراب وسواء "في دارة الشمس أو دوارة القمر"، وهكذا ظل حتى نهاية المطاف "في كل يوم له عشٌ على شجر" دون أن يتعب من ثقل السنين...
وبين ذلك الاستقرار المؤقت، أو الهدوء الذي يسبق العاصفة الجواهرية المتفردة، بقي التمرد عنوان ما يحمل من أفكار، والثورة على الرتابة هدفاً لفلسفته في التغيير والتنوير.. ""يصدع فواحشاً" حيناً، و"مجافياً كالنسر ديداناً صغاراً" حيناً آخر، وبينهما غضب عارم عندما يرى "الذلّ اسارا" عازفاً عن "متبلدين شكا خمولهم الذباب" أو واقفين على منتصف الطريق فما "همُ للشعب في كله، وليسوا إلى الجانب الآخر".
لقد تغرب الشاعر الكبير حتى في وطنه الذي كان يريده ناهضاً، ثائراً، متطلعاً إلى المستقبل، والحياة التي يستحقها، وقد بدأ بنفسه قبل أن يستنهض الآخرين ويدعوهم للتحدي والمواجهة والتغيير، فهو الواصف ذاته، ومنذ الأربعينات الماضية: حر يحاسب نفسه أن ترعوى، حتى يروح لمن سواه محاسبا"... وقد أوفى بذلك العهد والوعد، شاعراً، وداعية، ومنوراً، بل وانساناً قبل كل هذا وذاك.
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

244
الجواهري ودجلة الخير
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
سبع وأربعون سنة مرت إلى اليوم، والعراقيون يعتزون ويتباهون أكثر فأكثر بالوصف الذي أضافه الجواهري الكبير لنهرهم العظيم - "دجلة الخير" - في قصيدة عصماء، عنواناً وبناءً وشاعرية... و"دجلة الخير" القصيدة الملحمة، تسرد بعضاً من تاريخ وملامح النهر الخالد وتستوحي منه الكثير من الصور والوقائع والعنفوان والاستقراء الرمزي، والزمني في آن.
... وإذ رسخت في أذهان العراقيين، وبشكل خاص، عاطفة القصيدة وحنين شاعرها المنبجس، بعنف وقسوة الاغتراب، فهي تنشر في مجمل أبياتها التي تزيد عن المئة والثمانين، مشاعر وأحاسيس وشواهد، في تاريخ بلاد النهرين، وأهلها، وعلى امتداد جغرافية الوطن الذي ينثر فيه النهر الخالد العطاء، فضلاً عما حملته القصيدة – الملحمة من وقفات فلسفية في الحياة، والتنوير والعشق والشموخ...
و"دجلة"، الرمز والنهر والتاريخ "مدللة" الجواهري، و"دليله"، في هذه القصيدة، كما في "المقصورة" وما قبلهما، وبعدهما.. فهي "أم البساتين" و"الهازئة بحكم السلاطين" تثور مرة، ثم تعود لكي تمشي على هونها" فتتغازل على شاطئيها "الضفادع لتجعل "النقيق بريد الهوى"... و"دجلة" أيضاً، وأيضاً "اطياف ساحرة" و"خمرة خابية" و"سكتة الموت"، و"اعصار زوبعة" ... كما هو حال العراقي، "يسرف في شحه والعطاء".
... وفي العموم، فالقصيدة بعض من سيرة وتاريخ نهر، ووطن، وأمة... وشاعر، بكل التناقضات والمتناقضات في الوقائع والأحداث، وفي ذلك سر الوجود أصلاً، وحركته، على ما ثبته الجواهري وصرح به في الكثير من قصيده وابداعه وفكره.


245
الجواهري: لواعج ومواجهات - الحلقة العاشرة والأخيرة
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
مع تعاظم رفعة ومكانة الجواهري، ابداعاً ووطنية، وانتشار وترسخ رؤاه التنويرية ومنظومته الفكرية، تعاظمت لواعجه من الجحود والاسفاف، ومن مواقف وتجاوزات "النخب" الثقافية والسياسية المتعصبة والمدعية، في العراق وخارجه... مما اضطره لشدّ الرحال مغترباً عام 1961 إلى براغ هذه المرة، متوقفاً في بيروت ليشارك في مهرجان تكريم الشاعر الكبير بشارة الخوري ببائية فريدة لم يدع مناسبتها تفوت إلا وكشف بعض ما تعرض إليه في العراق الجمهوري "الجديد"، ومن بين ذلك اعتقاله "لأسباب سياسية وثقافية" وان ليوم واحد، برغم رئاسته لاتحاد الأدباء، وتزعمه لنقابة الصحفيين في البلاد، فقال مخاطباً المحتفى به:
أبشارة وبايما شكوى اهزك ياحبيبي...
هل صك سمعك انني ، من رافديّ بلا نصيب ِ
في كربة وأن الفتى الممراح ، فراج الكروب ِ
وزعت جسمي في الجسوم ، ومهجتي بين القلوب
ِ

وفي براغ التي وصلها حديثاً، وفي احتفال أممي مهيب يلقي الجواهري قصيدة جديدة يبارك فيها نضالات طلبة وشبيبة العالم من أجل التحرر والديمقراطية... وثم ليشكو لهم ما أصابه من عقوق في بلاده، وكذلك بعض لواعج الغربة التي يعيش:
يا شباب الدنى وأنتم قضاتي ، في شكاة وأنتم شهودي
 أنا في عزة ٍ هنا ، غير أني ، في فؤادي ينز جرح الشريد ِ
لي عتاب على بلادي شديد ، وعلى الأقربين جد شديد ِ
أوَ صقرٌ طريدة لغراب ، ونبيغ ضحية لبليد ...
يا لبغداد حين ينتصف التاريخ من كل ناكر وجحود ...
بخلتْ ان تفيء الظلّ منه ، وحنت فوق كل وغد ٍ وغيد ِ
... وإذ تطول الغربة، فتتراكم المعاناة من الجحود، يصدح الجواهري عام 1962 برائعته الشهيرة "دجلة الخير"، التي وثقت للبلاد مجتمعاً وتأريخاً وواقعاً، ومن بين ذلك ما يعني الشاعر العظيم، ويعاني منه:
جبْ أربعَ النقد واسأل عن ملامحها ،
فهل ترى من نبيغ ٍ غير مطعون ِ ...
عادى المعاجمَ وغدٌ يستهين بها ،
يحصي بها "ابجديات" ويعدوني
شُلتْ يداك وخاست ريشة غفلتْ
عن البلابل في رسم السعادين

وفي عام 1967، وحيث يعيش الشاعر العظيم هموم وشجون الاغتراب الاضطراري، يصدر احد "المفكرين"، البارزين من وجهة نظر البعض، والمشكوك في عروبته وأصله وصلاح أفكاره، من وجهة نظر آخرين، مذكرات عن تاريخه في العراق، أعاد فيها سموماً طائفية خبيثة كان قد تقيّح بها منذ نصف قرن، ذلك "المفكر" نفسه، ضد الجواهري، الذي تصدى مواجهاً المعنيين بكل عنفوان، فقال:
سهرت وطال شوقي للعراق ، وهل يدنو بعيدٌ باشتياق ِ ...
احبتي الذين بمن امني ، بلقياهم اهونُّ ما ألاقي ...
ابثكم شكاة اتقيها ، فتصرعني وتمسك من خناقي
اغمزاً في قناتي من عُداة ٍ ، تناهشني ، وصمتاً من رفاقي ...

ثم تثور القصيدة فينال ذلك المتجاوز، وربعه، ما يستحقون من أوصاف، مبرزة "بعض" الحقيقة لا كلها، وإذ نمتنع حالياً عن التصريح باسم المعني، نشير إلى أنه يعد أحد رموز الطائفية المقيتة التي جرى تأجيجها أوائل القرن الماضي، ومنذ بدايات الحكم الوطني في العراق تحديداً... وما أشبه الليلة بالبارحة:
ومنغول ٍ من التاتار" وغْد ٍ ، تراضع والوغادةُ من فواق ِ
إلى "يمن" إلى "حلب" تسمى ، إلى "مصر" إلى درب الزقاق ِ
وكل ضاق بالملصوق ذرعاً ، وأيٌ فيه مدعاة التصاق ؟
أوجه القرد ، أم خلق البغايا ، أم النعرات ، أم نذر ِ الشقاق؟
أم النسب المؤثل بالمخازي ، أم الحسب المسلسل في رباق ِ
ولما حمت الأقدار ألقت ، به جيف البطون إلى العراق ِ ...
ليجمع حوله سفلاً تلاقى ، كما التقت الخفاف على الطراق ِ ...
"زنامى" يعطفون على زنيم ، كما عطف الجناس على الطباق ...
وما برح العراق محك صبر ٍ ، يطاق بأرضه ، غير المطاق
كأن غرائب الدنيا تنادت ، على وعد لديه بالتلاقي
... وخلال عام 1972 يعود عدد من تجار الوطنية والثقافة ليغمز من قناة الجواهري، بأنه يفضل المغترب البراغي على بلاده، فيوسمهم الشاعر العظيم في جباههم، وبما هم أهل له:
تقول ما يشاء خبيثُ طبع ، بلوتُ طباعه حتى مللتُ
بأني حُوَّل ان اعوزتني ، على الملاّت اعذار ، احلتُ
معاذ الله ... والخلق المصفى ، وحرة طينة ٍ منها جُبلت
ولكني وجدت الودَّ سوقاً ، يراد بها تجاراً فاعتزلتُ
فمن خَتل ٍ رُميتُ وما خَتلت ، وعن جبن خُذلت ، فما خَذلت
خبرت الناس والأيام حتى يداي كليلتان بما نخلتُ ...

ويعود الشاعر الكبير عام 1975 مدافعاً عن الذات والمواقف ضد أحد المتطاولين، العرب هذه المرة، فيواجهه برائية قالت مقدمتها انها "نظمت، اثر تحرش بعض الكتاب المأجورين" ومما جاء فيها:
آليتُ ابرد حرّ جمري ، وأديلُ من امر بخمر ِ ...
اليت امضي بالعيون سواحراً ، نفثات سحري ...
وأصب في الأنفاس من خضر الربى نفحات عطري ...
آليت امتحن الرجولة ، يوم ملحمة وعُسر ِ ...
ومساومين على الحروف كأنها تنزيل ذكر ...
شتان أمركمُ وأمري ، أنا ذا أنوء بثقل وزري ...
شاخ الجواد ولم تزل تعتامه صبوات مهر ِ
طلق العنان فان كبا ، نفض العنان وراح يجري ...
سبحان من جمع النقائض فيّ من خير وشر ِ
عندي كفاف حمامة ٍ ... فإذا استثرت فجوع نمر ...

... وتسترسل القصيدة لتتحدث عن ذلك "المثقف" العربي، والذي يظهر اسمه تورية بين الأبيات التالية:
ومخنث ٍ لم يحتسب ، في ثيّب ٍ خيطت وبكر ِ
أقعى ... وقاد ضميره ، ملآن من رجس ٍ وعُهر ...
غال ٍ ، كأرخص ما تكون أجور غير ذوات طهر ِ
لم يُعل ِ قدري مدحه ، وبذمه لم يُدن ِ قدري ...
من ذا يخلص امة ً ، أُخذت على طوع ِ وقسر ِ
من نفسها ، من آمر ٍ فيها ، ومن خَدم ٍ لأمر
مثل الموالي شرفت نسباً إلى "مضر ٍ" و"فهر"
يتملكون رقابهم ، ملك الجزور ليوم نحر ِ
وإذ يحل عام 1977 يحـاول بعـض متنطعي السـياسة والأدب تجـاوز قـامـة الجواهـري الشامخة، وبأنـه لـم يعـد يخوض المعارك "الوطنية" ويتخذ السكوت موقفاً! فيلجمهم الشاعر الكبير:
قالوا سكت وأنت أفظعُ ملهب ٍ
وعي الجموع لزندها ، قداح ِ ...
فعلام أُبدل وكر نسر ٍ جامح ٍ
حرد ٍ بعش البلبل الصداح ...
فأجبتهم: أنا ذاك حيث تشابكت
هام الفوارس تحت غاب ِ جناحي
لكن وجدت سلاحهم في عطلة ٍ
فرميت في قعر الجحيم سلاحي
وفي عام 1980 يكتب نقيب الصحفيين السوريين صابر فلحوط "أبو عمر" رسالة في قصيدة، أو قصيدة في رسالة، موجهة للجواهري يسأله فيها أن يقول شيئاً في الأوضاع العربية السائدة، فجاءت ميمية شاملة، وفيها أبيات غاضبة، منها:
"أبا عمر ٍ " وكظم الغيظ غيظٌ
وحسٌ مرهف داء عقامُ
أقول وقد برمت بدار ذل ٍ
شريعتها تساوم او تسام
صميم الضيم ان تمسي وتضحي
وانت ترى ملاييناً تضام
وأفظعُ منه أن يُلوى فيعيا
بنجده صارخ حتى الكلامُ

ويتسلم الجواهري عام 1980 رسالة من صديقه، الشخصية السياسية والوطنية العراقية – الكردية البارزة جلال طالباني، حملت الكثير من العواطف والذكريات والتساؤلات، مع تمنيات بأن يعلو "غناء" الجواهري في نضالات الشعب... فرد الشاعر العظيم بقصيدة أطرتها الاخوانيات، ولكنها بينت حرصاً، وتحريضاً بالغ الشدة والقساوة، والتأكيد على أهمية الوحدة النضالية في مقارعة الارهاب السائد في البلاد آنذاك، وانتقاص الفرقة والاحتراب بين القوى الوطنية العراقية... ومما جاء فيها:
... من ذا اغني أأشتاتاً موزعة
على التمزق ِ والثارات والمحن ِ
أم صابرين على ضيم ٍ ومسكنة ٍ
صبر الحمار على مرأى من الأُتن
أم "الطلائع" مزعومين شفهم
وجدَ التجار بسوق الربح والغبن ِ ...
فلن أغني بأعراس مهلهلة ٍ
ولن انوح على موتى بلا ثمن
ِ

ومن جديد "تعوي" ذئاب في العراق عام 1984 على الجواهري، وهو في غربته فيتصدى لهم في قصيدة عنونها إلى صديقه صلاح خالص، ومن أبياتها التي تتحدث عن بعض الهموم بصراحة، ودون حاجة لمزيد من الشروح:
... عوت الذئاب عليَّ ناهزة
فرصاً تثير الذئب مفترسا
ينهشن من لحمي وكل دم ٍ
فيه لخير الناس قد حبسا
من كل داج ٍ لا يحب سنى ً
للصبح يطمس ليله التعسا ...
"أصلاح" أنا رهن مجتمع ٍ
يخشى اللصوص فيذبح العسسا ...
يُزهى بفارسه اذا افترسا
وبضوء نجم ساطع طمسا
وفي عام 1985، وتحت عنوان "برئت من الزحوف" يكتب الجواهري مقطوعة جديدة وفيها الكثير الكثير من مكنونات العتاب والشجون، والانتقادات، لبلاده ومجتمعه، وجماهير محبيه بالذات، نستل منها الأبيات التالية:
وسائلة ٍ أأنت تسبُ جهرا ، ألست محج شبان ٍ وشيب ِ
ألست خليفة الأدب المصفى ، ألست منارة البلد ِ السليب ...
أقول لها ألا اكفيك عبئاً ، ألا انبيك بالعجب العجيب
لقد هجت اللواعج كامنات ٍ ، وقد نغرت بالجرح الرغيب
برئت من الزحوف مجعجعات ٍ ، تخلف سكتة الموت الرهيب
مباحٌ عندهنّ دمي لذئب ٍ ، ولا أسدٌ يبيح دماً لذيب ...
أينهضُ مقدمي ستين ألفاً ، ينط بها البعيد على الغريب ِ
تـُـلقـف ما أصوغ لها وقوفاً ، تصيخ إلى صدى الحرف ِ الذهيب
ويُعمل أن امسح عنه طفلٌ ، كما مسح المسيح على الصليب
وانبذ بالعراء بلا نصير ٍ ، نبيل أو اديب ٍ أو اريب؟

... وهكذا نصل إلى خاتمة هذه الخلاصات والمؤشرات التي نشرناها بعشر حلقات متتالية، وثقت لبعض لواعج ومواجهات الجواهري العظيم على مدى نيف ٍ وسبعة عقود من العطاء والشعر والمواقف الوطنية والخصومات السياسية، مستبقين ملاحظات متوقعة بضرورة تفاصيل هنا، وإيجاز هناك، وسواء في القصائد التي جرى التوقف عندها، أو غيرها، مثل "ديواني" "يانديمي" و"مرحباً أيها الأرق" وميمية "قلبي لكردستان" وبائية "عبدة الجبورية" وعينية "صاح قلها ولا تخف" دعوا عنكمُ الوجدانيات والاخوانيات، وما بينها من غزليات وعائليات وفي جميعها على ما نظن "لواعج" و"مواجهات" عديدة، وان تنوعت صورها وأغراضها... بل ثمة نواحي، وزوايا ومجالات أخرى عديدة كان ينبغي التوقف عندها والاشارة إليها، وفي مقدمتها لواعج ومواجهات الجواهري النثرية، ومن ابرزها بانوراما "على قارعة الطريق"، وافتتاحيات صحفه ومقدمات قصائده وغير ذلك من كتابات، وهو ما نطمح ان نتابعه في فترات لاحقة.

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

246
الجواهري: لواعج ومواجهات (9)
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
بعد الحلقات السابقة من هذه الدراسة التي تهدف للتوثيق بشكل رئيس، والساعية إلى رصد وتأرخة بعض يسير من بحر لواعج الجواهري العظيم، ومواجهاته... بعد ذلك تأتي هذه الحلقة الجديدة، وقبل الأخيرة، جاهدة أن تغطي كماً آخر من نماذج ذات صلة، ومن مجموعة قصائد عديدة هذه المرة... وان اختلفت الأغراض والتفاصيل والسياقات، وحتى الأزمنة:
فقد جاء في قصيدة "شباب يذوي" المنظومة عام 1931:
ذوى شبابيَ لم ينعم بسراء ِ
كما ذوى الغصن ممنوعاً من الماء ِ
سَدت عليّ مجاري العيش صافية
كف الليالي ، واجرتها باقذاء ِ

ومن رائية الشاعر الكبير التي حملت عنوان "المحرّقة" عام 1931 نقتطف:
أحاول خرقاً في الحياة فما اجرا
وآسف ان اروح ولم أبق لي ذكرا ...
لبست لباس الثعلبين مكرها ،
وغطيت نفساً انما خلقت نسرا ...
وما أنت بالمعطي التمرد حقه ،
إذا كنت تخشى أن تجوع وان تعرى

وفي تعبير عن لواعج مباشرة، يكتب الجواهري قصيدته "معرض العواطف" عام 1935 وجاء في مقدمتها:

أبرزت قلبي للرماة معرضا
وجلوت شعري للعواصف مَعرضا
ابرمت ما ابرمته مستسهلاً
ان حان موعدُ نقضهِ ان يُنقضا...
ومدحت من لا يستحق ، وراق لي ،
تكفيرتي بهجائه عما مضى ...
ووجدت في هتك الرياء مخاضة ً
وحلفت ابرح ما استطعت مخوضا

أما في عام 1944 فينشر الجواهري قصيدته الموسومة "إلى الرصافي" وفي عمومها اذكاء للتقدير، وتقريع للجحود:
تمرست "بالأولى" فكنت المغامرا
وفكرت "بالأخرى" فكنت المجاهرا ...
واني اذ اهدي اليك تحيتي ،
أهز بك الجيل العقوق المعاصرا
أهز بك الجيل الذي لا تهزه
نوابغهُ ، حتى تزور المقابرا

وبعيّد وثبة كانون الثاني عام 1948، وإذ يتحرش نهّازون وتجار سياسة بمواقف الشاعر الوطنية، يرد الجواهري بقصيدة "غضبة" العنيفة، ومما جاء فيها:

عرت الخطوبُ وكيف لا تعرو ، وصبرت انت ودرعك الصبرُ ...
عرت الخطوب فما خفضت لها ، من جانح ٍ وكذلك النسر
ومضيت تنتهب السما صعداً ، لك عند غر نجومها وكر ...
عرت الخطوب وكيف لا تعرو وطريق مثلك ، صامداً، وعر
عدت الضباع عليك عاوية ، ظناً بأنك مأكل جزرُ
فتذوقتك فقال قائلها: ان الغضَـنفر لحمه مرُّ ...
حسدوك انك دست هامهمُ متجبراً ، ولنعلك الفخر...
مثل اللصوص يلم شملهم خيط الدجى ، ويحله الفجرُ

ومرة أخرى، ولن تكون أخيرة بالتأكيد في حياة الجواهري "العامرة" باللواعج، والمواجهات، يتعرض الجواهري عام 1952 لتطاول جديد، فينال الادعياء بعد ذلك جزاءً "خالداً" بالتعبير المجازي:

غذيت بشتمك – سيد الشعراء -
ديدانُ أوبئة ٍ بغير ِ غذاء ِ
علقت زواحفها بمجدك مثلما
طمع العليق ُ بدوحة علياء ِ ...
نفسي الفداء لمخلص متعذب ٍ
اما الدعيّ ففدية لحذائي

ويمر الشاعر عام 1954 بأزمة نفسية "طارئة" بسبب تجاوزات "طارئين" على السياسة والثقافة، فراح يخاطب الذات مستنهضاً الهمم والعزائم الجواهرية، معيباً الاستسلام والتردد، فقال:

خبت للشعر أنفاس ، أم اشتط بك الياس ...
أم الفكر باظلاف الوحوش الغبر ينداس ُ ...
نَعَوْك كأنما منعاك للغربان أعراس ...
ترفق ان جُرح "القوم" فتالٌ وحساس ...
وياصلّ الرمال السمر لا يرهبك نسناس ...
فما أنت وأقفاص ، بها يزحف خنّاسُ ...

وفي عام 1960، حين كان الجواهري في آن واحد: أول رئيس لاتحاد الأدباء العراقيين، وأول نقيب للصحفيين في البلاد، تسف صحف لئيمة، وأقلام أجيرة، وبتحريض زعامات رسمية وسياسية، فتتصدى لها بائية ثائرة، أدت الغرض بأبيات أربعة وحسب:
سيسبُ الدهرُ والتأريخ ُ من اغرى بسبي
لا أُولى سبوا ، فهم عبدان عبدان ٍ لربِّ
يا لخزي المشتلي كلباً لسب المتنبي ،
عرض كافور تهرى ، وله مليون كلب ِ

... وهكذا، ومع ثورة التنوير التي بقي الجواهري يواصلها ما عاش، يترافقُ تطاول هنا، ومحاولة تجاوز هناك، يترفع عنها الشاعر الكبير مرة، ويتجاهل غيرها مرة ثانية، ثم ليطلق عنان غضبه مرات أخر... وفي الحلقة القادمة، والأخيرة، خلاصات وتأشيرات إضافية.
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

247
الجواهري: لواعج ومواجهات (8)
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
... مما جاء في ديوان الجواهري الكبير بصدد القصيدة التي نتابعها في هذه الحلقة: "ان رهطاً من الحاكمين، يساندهم نفر من طلاب مجد كاذب، وزعامات مزيفة، قد تألبوا على الشاعر – عام 1953- اثر فضحه تحالفاً سياسياً بغيضاً، وأغرى كل واحد من الفريقين، دعاته المأجورين والحاسدين والحاقدين، بشتمه..." مما فرض على الشاعر الكبير أن يتصدى لهم بهذه البائية الغاضبة، تحت عنوان:
"كمــا يسـتكلِبُ الذّيـبُ"

عدا عليَّ كما يَستكلبُ الذيبُ
خَلْقٌ ببغدادَ أنماط ٌ أعاجيبُ
خلق ٌ ببغدادَ منفوخ ٌ ، ومُطَّرح ٌ
والطبلُ للناس منفوخ ٌ ومطلوبُ ...
لو شئتُ مزَّقْتُ أستاراً مُهَلْهَلَة ً
فراحَ سِيَّان ِ مهتوكٌ ومحجوبُ
... وللقاريء أن يرى، ومن المقدمة، كم هي الآلام التي يخلفها تجاوز الذئاب، بدوافع الحقد واللؤم لا غير... كما سيرى في مسار القصيدة كم هي قدرة الشاعر – أي شاعر فما بالكم بمثل الجواهري – ان يتدرع بسلاح الكلمة والحرف، ليردّ على هجمات المتجاوزين من طلاب المجد السياسي والثقافي الزائف:
 
إنّي لأعذِر "أحراراً" إذا برِموا
بالحرِّ يَلويه ترغيبٌ وترهيبُ
والصابرينَ على البلوى إذا عَصَفوا
بالصَّابر الشَّهْم آدَته المطاليبُ
والخابطينَ بظلماء ٍ كأنَّهُمُ
"بغلُ الطواحين" يَجري وهو معصوبُ ...
عُفْرُ الجباه ِ على الأقدام شيخهُمُ
من السِّبالين ِ بالايماء مسحوبُ ...
والعالفون حصيدّ الذُّلِّ راكَمَهُ
هُمْ والجدود ! فموروثٌ ومكسوبُ ...
منافقون يُرُونَ الناسَ أنَّهُمُ
شُمٌّ ، أُباة ٌ ، أماجيد ٌ ، مصاحيبُ ...
والنَّاسُ واللَّهُ يدري أنَّهُمْ هَمَلٌ
غُفْلٌ ، سَوامٌ ، عضاريطٌ ، مناخيبُ
... وبعد العرض، والتوصيف أعلاه، يصل الشاعر الخالد في قصيدته ذات الاثنين والأربعين بيتاً إلى توكيد اندحار "الذئاب" المهاجمين، وليثبت لهم وسواهم، وبالتوثيق التاريخي كم هي خيبة المتطاولين، مذكّراً بما حدث للمتنبي العظيم الذي قال عنه الجواهري أكثر من مرة أنه "صديقي، وجاري، ولصق داري" ... وتضيف البائية العصماء:
 
مشتْ إليَّ بعوضاتٌ تُلدِّغُني
وهل يُحسُّ دبيبَ النمل ِ يَعسوبُ
ما أغربَ الجلفَ لم يعلَقْ به أدبٌ
وعنده للكريم الحرِّ تأديبُ ...
تسعونَ كلباً عوى خلفي وفوقَهُمُ
ضوءٌ من القمر المنبوح ِ مسكوبُ
ممَّنْ غَذَتْهُم قوافيَّ التي رضعتْ
دمي ، فعندَهُمُ من فيضه كوبُ
وقبلَ ألف ٍ عوى ألفٌ فما انتقصَتْ
"أبا محسَّدَ" بالشَّتْم الأعاريبُ
... وبزعمنا – على الأقل – نرى ان التياع الجواهري، من إيذاء أولئك المتطاولين، قد ولد قصيدة هجاء فريدة في هدفها وثورتها... وقد عبّرت، وتعبّر، بشكل مباشر عن لوعة كل من عانى ماضياً، ويعاني حاضراً، من الذئاب البشرية، وإن تبرقعت بأردية وألسنة الادعاء والتنطع والتثاقف... ثم يستمر الترفع والفضح والتنوير جنباً إلى جنب في تداخل لا فكاك منه، كل يكمل الآخر، ويترابط معه:
 
يا منطوينَ على بُغضي لعلمِهمُ
أنّي لدى النَّاس ، أنَّى كنتُ ، محبوبُ
تُغلي الحزازاتُ فيهم أنَّ أرؤسَهُمْ
دُونٌ ، وكعبي رفيعُ الشأن مرهوبُ
ويَستثيرُ شَجاهم أصيدٌ عَصَرتْ
منه الخُطوب وشّدَّته التَّجاريبُ
يردِّد الجيلُ عن جيل ٍ أوابدَه
فهُنَّ في الدَّهر تشريق وتغريبُ ...
ما كنتُ أوَّلَ محسود ٍ تهضَّمه
وَكْسٌ ، وحاربه بالسبِّ مسبوبُ
ولستُ أوَّلَ مأخوذ ٍ بمجتمع ٍ
يمشي الضلال به ، والإفك ، والحوبُ
ولستُ آخرَ رَكاض ٍ مشى رَهَقاً
فجاوزَ العدوَ ، مشيٌ منه تقريبُ
... ولكي لا يبقي الشاعر ثمة عتباً ما، أو غضباً كابتاً النفس، تأتي الأبيات الأخيرة لتوجز، وكما جرت العادة في الفرائد الجواهرية، خلاصات بينة، تبقي "القصيد لظىً" "وتذري مع الريح الأكاذيب"... ولا نعرف حتى اليوم من بقي من تلكم "الذئاب" التي عنتهم القصيدة... ولكننا نعرف، ومع الجميع، خلود الجواهري، الذي يختم مخاطباً المتجاوزين، وأذنابهم:

... مُسَهَّدين على مجدي ونسبتِهِ
كما تُسَجَّلُ للنَّهْر المناسيبُ
يُريحُ جَنبيَ أنْ يُذكي جوانحَكُمْ
جمرٌ من الضِّغْنة الحمراء مشبوبُ
أطَلْتُ هَمَّكُمُ والدَّهرُ يُنذركمْ
أنْ سوف لا ينقضي همٌّ وتعذيبُ
يَبقى القصيدُ لَظىً والأرض مشربة ً
دماً، وتُذرَى مع الريح الأكاذيبُ
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
 
www.jawahiri.com

248
الجواهري: لواعج ومواجهات (7)
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
يحل عام 1982، ليحتفل الجواهري، الشيخ – الشاب، بعيد ميلاده الثمانين، وان اختلف مع بعض المؤرخين والنقاد الذين ثبتوا ولادته في عام 1898، بل وخاصم البعض منهم لذلك السبب... وبهذه المناسبة راح الشاعر العظيم يبث شجوناً كانت، وبقيت، واستمرت تؤرقه على مدى عقود، ومن أشدها ألماً، ما يزعمه ويراه، من جحود البلاد له، والتي اضطر للاغتراب عنها مرة أخرى واخيرة، مطلع عام 1980، بعد اشتداد ارهاب وعسف طال بعض أهل بيته حتى... وقد انطلق في قصيدته التي نتوقف عندها في هذه الحلقة، يعاتب، ويدين زعامات سياسية وثقافية وغيرها، حاولت أن تتجاوز على عبقريته وأدواره الوطنية والثقافية... وهكذا جاءت رائعة:
"يـا ابـن الثـمـانـيـن"


حسبُ "الثمانين" من فخر ومن جَذَل ٍ
غشيانُها بجَنان ٍ يافع ٍ خضل ِ
طلق كما انبلج الإصباح عن سَحَر ٍ
ند ٍ ، وزهرُ الربى عن عارض هَطِل
"يا للثمانين" ما ملَّت مطاوحَها
لكن يُعاودها خوف من الملل ...
... ولم يشتعل ضرام آهات ولواعج هذه اللامية المطولة من تراكمات وحسب، بل ان الجواهري، وهو في غربته الجديدة في براغ، والتي صارت مديدة فيها، وفي دمشق، حتى رحيله في عام 1997، أبلغ بصدور كتاب لئيم، ألفه "أكاديمي" عراقي، حاول فيه ان ينال من الشاعر العظيم، وبعض سيرته وحياته وابداعه. وقد تناوله بائية جواهرية ساخرة، هادرة، بعنوان "عبدة الجبورية" عام 1982، اثر نشر ذلك الكتاب المشبوه مضموناً وتمويلاً... وفي المقطع التالي اشارة، وان دون مباشرة، لذلك الحدث:

وأنت يا ابن "الثمانين" استرحتَ بها
كما تظنّنتَ من لوم ٍ ومن عذَل
جاءت تحييك في أعيادها قِذَعٌ
نكراءُ ، لقَّنها الساداتُ للخَوَل
وفَّتْكَ نُذراً لها عما وَفيتَ به
من النذور ِ لَدُن أيامِكَ الأوَل
يا ابن "الثمانين" صبراً أنت صاحبُه
في ما تضيقُ به اضلاعُ مُحتمل ...
وكن كعهدك "سَحَّاراً" بمعجزة ٍ
تُحوِّلُ الصَّابَ مسموماً إلى عَسَل ِ
... ثم تعود القصيدة في الأبيات اللاحقة لتردَّ على تلكم التجاوزات ولتواجه وتتصدى لاصحابها، وأسيادهم، الذين سعوا جاهدين للنيل من الرمز العراقي الكبير، بهذه "الحجة" تارة، وبغيرها، من مزاعم، تارة أخرى... وجميعها لم تستطع إلا أن تثير "زوابع في فنجان" بحسب الجواهري في مجالس خاصة... ثم لتخمد وأصحابها، وليبقى الشعر، والابداع وصاحبه، خالدين:

يا "ابن الثمانين" كم عولجت عن غَصص
بالمُغريات فلم تَشْرَقْ ولم تَمِل ِ
كم هزَّ دَوحَكَ من "قزْمٍ" يُطاولُه
فلم ينلْهُ ولم تقصر ، ولم يَطُل ِ
وكم سعت "إمَّعاتٌ" أن يكون لها
ما ثار حولك من لغو ٍ ، ومن جدَل ِ
ثبِّتْ جَنانك للبلوى فقد نُصبَتْ
لك الكمائنُ من غدر ٍ ، ومن خَتَل ِ
ودَعْ ضميرَك يَحذَرْ من براءته
ففي البراءات ِ مَدعاةٌ إلى الزَّلَل ِ
لا تنسَ أنكَ من أشلاء مجتمع
يَدينُ بالحقد ِ والثارات والدَّجَل ِ
حرب ٍ على كل "موهوب ٍ" وموهِبة
لديه ، مُسرَجة الأضواء والشُّعَل ِ ...
عصَّرتهم فتحمَّلْ وضرة الثقل
ودُستهم فتوقعْ غضبةَ الخَوَل

وبعد كل التمهيد أعلاه، يحين الوقت كما رأى الشاعر، ليوضح المزيد من "التفاصيل" ذات الصلة ومنها هجوم "الأذناب" و"الأسياد" من جهة، وصمت "المحبين" و"القادرين" على الرد من جهة ثانية... ولعلّ مواقف الأخيرين كان أشد إيلاماً لأنهم تناسوا عهود الاخاء ومزاعم الود ومشاعر التقدير التي كانوا يبدونها للجواهري بمناسبة، وبغيرها، حباً واعجاباً حقيقياً أو زائفاً... ويقول بهذا الشأن:
نُبِّئتُ "شِرذمةَ الأذناب" تنهشني
بمشهد من "رُماة ِ الحي" من "ثَعَل"
يا للحفيظَة ِ لم تظفَرْ بذي شَمم ٍ
وللشهامة ملقاة ً على طلل

... وهكذا يتواصل القصيد جدلاً وحواراً وفلسفة ورؤى حول "الأصالة" و"الرجولة" و"المدعين" و"الهاربين" و"الناكثين" وغيرهم، ممن لم ينتصروا للحق – كما يرى ذلك الشاعر على الأقل – منوهاً إلى تجاريب كثيرة كان لصولة الحرف فيها، الثبات والانتصار... وتستمر التساؤلات والادانة:

أيستثيرُ دمي "وغْدٌ" و"صاحبُه"
بما يثير رمال السَّهل ِ والجبل
ولا يندّ فمٌ ، لا بَعْدَه خَرَسٌ
ولا تُمدُّ يد ، لا تشْفَ من شلل ...
قد كان شوطُ رجولات ٍ مشرِّفة ٍ
لو كان تحت سِبالِ القَوم ِ مِنْ رَجُل
وكان للنبلِ ميدانٌ يُصالٌ بهِ
فلم يَجُلْ مُدَّع ٍ منهم ، ولم يَصُل
الخانعين بمنجاة ٍ تسومُهمُ
جدعَ الأنوف ِ ، وذلَّ العاجز ِ الوكِل ...
والناكثين بعهد ِ الحَرْف ِ منتفضاً
على الضغائن والبهتان والدجل:
إن الحياة معاناة وتضحية
حب السلامة فيها أرذل السبل
وللبطولات جولات، وكم شهدت
سوح الوغى "لحماة الحرف" من بطل
وثمَّ من لعنة ِ الأجيال جازيةٌ
تقتصُّ من قولة ِ حَقٍّ ولم تُقَل
... وقبيل ختام القصيدة التي بلغت أكثر من سبعين بيتاً يعود الشاعر المهضوم، موضحاً، ومدافعاً عن النفس أولاً، ثم ليفضح بكل صلابة وعنف مدعين مزعومين، و"زعاماتهم" التي لولاها لما استطاع أولئك ان "يستأسدوا" على الجواهري مستغلين غربته بعيداً، أو مبتعداً عن الوطن:

أقول "للخِدن" ما حالت مَودَّتُه
فظنَّ أن عهود الناس لم تَحُل ِ
سلني أُجِبْكَ بما يعيا "الجواب" به
وإن ينل منك إشفاقٌ فلا تَسَل ِ
فقد تقرحتُ حتى العظم من شجن
دامي الشكاة ِ بلوح ِ الصدر معتمِل
أُجِبْكَ عن نُصُبٍ أعلام ِ "مقلمَة"
غُفْل ٍ ، شتات ٍ إذا كشَّفتَهم ، هُمُل ِ
و"للتماثيلُ" يستوحى بها "مُثُلٌ"
خيرٌ من البشر الخالين من "مُثُل ِ"
"خُرْس ٍ" وإن خَرقوا الأسماع في هَذَر
يُغْثي النفوسَ ، وفي مرصوفة "الجُمَل"
وعن "كروش" "زعامات ٍ" كأنَّ بها
من فرْط ِ ما اعتلفتْ مَسَّاً من الحَبَل
يستأسدون إذا مُدَّ العنانُ لهم
فإن يُشَدَّ تردَّوا بِزَّة "الحَمَل" ...
... وكما هي الخلاصات التي يقدمها القادرون في نهاية عطاءاتهم، أو الرتوش التي يضعها الفنانون قبيل عرض ابداعاتهم، يختار الشاعر فضيلة التحذير نهاية لقصيدته، ومذكّراً من يريد أن يتذكر قدرات الجواهري في مواجهة اللؤماء ومن يقف وراءهم، والاخيرين هم الأكثر قصداً من غيرهم على ما نظن:

يا "صاحبي" وحتوفُ "القوم" طَوْعُ يدي
وكم أتتهم "رياح الموت" من قِبَلي
أجِلْ يراعَك في آجالهم مِزقاً
فليس عندك بعد اليوم من أجل ِ
واضرب بهم أسوأ "الأمثال" سائرة ً
حتى تَثَلَّمَ فيهم مضربَ المَثَل !

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

249
الجواهري: لواعج ومواجهات (6)
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
بعد عام ونيف فقط على وثبة كانون الثاني العراقية المجيدة عام 1948، يتفجر الجواهري برائعة وطنية جديدة، هزت مختلف قطاعات الجماهير الشعبية من جهة، ونخب الحاكمين والسياسيين من جهة أخرى، على حد السواء... وبحسب الشاعر العظيم في بعض حديث ذي صلة: "... كان الجو السياسي محتدماً، وكنت أشعر أن الواجب يقضي بأن أؤكد موقفي"... ولذلك فقد أغتنم فرصة حفل تكريمي لعميد الكلية الطبية ببغداد، د. هاشم الوتري، في شهر حزيران عام 1949 ليلقي تلكم البائية الطويلة التي حملت اسم المحتفى به، ولتشتهر بعد ذلك بعنوان:
"أنــا حـتـفـهـم"
مَجَّدْتُ فيكَ مَشاعِراً ومَواهبا
وقضيْتُ فَرْضاً للنوابغ ِ واجِبا
بالمُبدعينَ "الخالقينَ" تنوَّرَتْ
شتَّى عوالمَ كُنَّ قبلُ خرائبا...
أعْطَتْكَها كفٌّ تضمُّ نقائضاً
تعيا العقولُ بحلِّها ، وغرائبا
مُدَّتْ لرفعِ الأفضلينَ مَكانةً ،
وهوتْ لصفع ِ الأعدلينَ مَطالبا!
وبعد الأبيات أعلاه التي جاءت في مقدمة القصيدة، والحديث عن مناسبتها، يصعّد الجواهري غضبه العارم شيئاً فشيئاً، ليقارع الحاكمين الذين حولوا البلاد، وقادوها – كما يرى - إلى ما يخدم مصالحهم وأهوائهم وسياستهم، وهكذا راح يخاطب المحتفى به، ويسميه "عميد الدار" نسبة إلى عمادته لدار الكلية الطبية في بغداد حينذاك:

حدِّثْ "عميدَ الدار "ِ كيفَ تَبدَّلَتْ
بُؤراً ، قِبابٌ كُنَّ أمس ِ مَحارِبا
كيفَ استحالَ المجدُ عاراً يُتَّقى
والمكرُماتُ من الرجال ِ مَعايبا
ولِمَ استباحَ "الوغدُ" حرمة من سَقى
هذي الديارَ ، دماً زكِيّاً سارِبا

... ثم يصل الشاعر العظيم بعد ذلك إلى مكامن الهدف الذي خطط له لكشف الحسابات جميعاً دون حذر، أو تورية، وبكل تشدد وقسوة... وإذ كان قد توقع غضب الحاكمين ومواليهم بسبب موضوع ومضمون قصيدته، ومباشرتها، استعد سلفاً للأمر فسفر عائلته إلى مدينة "النجف" مع بعض "الاحتياطي" الذي يضمن مصيرهم لفترة من الوقت، بحسب حديث الجواهري ذاته، الذي أضاف أنه خاط بدلة جديدة ليلبسها، لأول مرة، وهو يلقي القصيدة في الحفل المعني:

إِيهٍ "عميدَ الدار"! شكوى صاحبٍ
طَفَحَتْ لواعجُهُ فناجى صاحبا
الآنَ أُنبيكَ اليقينَ كما جلا
وضَحُ "الصَّباح" عن العيون غياهبا
فلقد سَكَتُّ مخاطِباً إذ لم أجِدْ
مَن يستحقُّ صَدى الشكاةِ مُخاطَبا
أُنبيكَ عن شرِّ الطَغامِ مَفاجراً
ومَفاخراً ، ومَساعياً ومَكاسبا
الشَّاربينَ دمَ الشَّبابِ لأنهُ
لو نالَ من دَمِهمْ لكانَ الشَّاربا
والحاقدينَ على البلادِ لأنَّها
حَقَرَتْهُمُ حَقْرَ السَّليبِ السَّالبا
ولأنَّها أبداً تدوسُ أفاعياً
منهمْ تَمُجُّ سمومَها .. وعقاربا...

... وعلى ذلك النهج تستمر حمم الجواهري لاهبة على عصبة الحاكمين الذين حاولوا مساومته في أوقات سابقة على عضوية في مجلس النواب، أو الاستيزار... وحين فشلوا في مساومته والنيل من عزيمته، راحوا ينفثون غضبهم، وينفذون ما يستطيعونه من أذى ومحاصرة وتجويع له، ولعائلته. وها هو يصرح دون حدود بمواقفه، كاشفاً المزيد من الحقائق، متحدياً ومذكراً بنفسه، لمن قد لا يعرف:

لقد ابتُلُوا بي صاعقاً مُتَلهّباً
وقد ابتُليتُ بهمْ جَهاماً كاذبا
حشَدوا عليَّ المُغريات ِ مُسيلة ً
صغراً لُعابُ الأرذلينَ رغائبا
وبأنْ أروحَ ضُحىً "وزيراً" مثلَما
أصبحتُ عن أمْر ٍ بليل ٍ "نائبا"
ظنّاً بأنَّ يدي تُمَدُّ لتشتري
سقط َ المتَّاع ، وأنْ أبيعَ مواهبا
وبأنْ يروحَ وراءَ ظهريَ موطنٌ
أسمنتُ نحراً عندَه وترائبا
حتى إذا عجَموا قناة ً مَرَّةً
شوكاءَ ، تُدمي من أتاها حاطبا
واستيأسوا منها ومن مُتخشِّب ٍ ،
عَنَتاً كصلِّ الرّمل ِ يَنْفُخ غاضبا
حَرٍّ يُحاسِبُ نفسَهُ أنْ تَرْعَوي
حتَّى يروحَ لِمنْ سواه مُحاسِبا
ويحوزَ مدحَ الأكثرينَ مَفاخراً
ويحوزَ ذَمَّ الأكثرينَ مثالبا !!
حتى إذا الجُنديُّ شدَّ حِزامَهُ
ورأى الفضيلة َ أنْ يظَلَّ مُحاربا
حَشدوا عليه الجُوعَ يَنْشِبُ نابَهُ
في جلد ِ "أرقط َ" لا يُبالي ناشبا!
وعلى شُبولِ اللَّيثِ خرقُ نعالِهم !
أزكى من المُترهِّلينَ حقائبا

... ثم يواصل الجواهري نشر فلسفته ورؤاه في التنوير والتبصير، عبر مواقف ملموسة، وشواهد تاريخية، وليس بالقصيد والخيال والاجتهاد والادعاء، منحازاً إلى "الرعية" و"الرعاع" والجماهير – كما هو عهده السالف واللاحق – وليحشدها من أجل المزيد من النهوض والتحدي والمطالبة بحقوقها فأضاف:

ماذا يضُرُّ الجوعُ ؟ مجدٌ شامخٌ
أنّي أظَلُّ مع الرعيَّة ساغبا
أنّي أظَلُّ مع الرعيَّةِ مُرْهَقاً
أنّي أظَلُّ مع الرعيَّة ِ لاغبا
يتبجّحونَ بأنَّ مَوجاً طاغياً
سَدُّوا عليه ِ مَنافذاً ومَساربا
كَذِبوا فملءُ فم ِ الزّمان قصائدي
أبداً تجوبُ مَشارقاً ومَغاربا
تستَلُّ من أظفارِهم وتحطُّ من
أقدارهِمْ ، وتثلُّ مجداً كاذبا
أنا حتفهُم ألجُ البيوتَ عليهمُ
أُغري الوليدَ بشتمهمْ والحاجبا
... وفي تباه وشموخ صار سمة من سمات شخصيته الأبرز على مدى عقود، يعود الجواهري العظيم هنا، وقبيل اختتام عصمائه ليقول مخاطباً المعنيين، المقصودين من طغاة وحاكمين وأتباع مهادنين خانعين، كانوا من بين، بل وفي مقدمة حضور الحفل الذي تُلقى فيه القصيدة، وموجهاً الحديث مرة أخرى للمحتفى به:

أنا ذا أمامَكَ ماثلاً مُتَجبِّراً
أطأ الطُغاة بشسع ِ نعليَ عازبا
وأمُطُّ من شفتيَّ هُزءاً أنْ أرى
عُفْرَ الجباه ِ على الحياة ِ تكالُبا...
للّهِ درُّ أب ٍ بَراني شاخصاً
للهاجرات ِ ، لحَرِّ وَجْهيَ ناصبا
أتبرَّضُ الماءَ الزُلالَ وغُنيتي
كِسَرُ الرَّغيفِ مَطاعماً ومَشاربا ...
آليتُ أقْتَحمُ الطُغاةَ مُصَرِّحاً
إذ لم أُعَوَّدْ أنْ أكونَ الرّائبا
وغَرَسْتُ رجليَ في سَعير عّذابِهِمْ
وَثَبَتُّ حيثُ أرى الدعيَّ الهاربا
يلِغُ الدّماءَ مع الوحوشِ نهارَه
ويعودُ في اللَّيل ! التَّقيَّ الراهبا
... وهكذا وبعد أكثر من مئة وثلاثين بيتاً، ينتهي الجواهري من إلقاء قصيدته وسط ذهول جميع الحضور، ومنهم المحتفى به أيضاً، من تلك الصراحة والمواجهة والعنفوان والاصرار على المواقف... ثم "ليمر يومان، وثالث – يقول الجواهري -، ولم يأخذني أحد، وفي صباح اليوم الرابع جاؤوني ... ومكثت في الاعتقال شهراً واحداً... وأطلق سراحي بمناسبة العيد" ... وقد راحت القصيدة التي عبرت عن مشاعر الجماهير – وإلى الآن – خالدة ومعروفة عراقياً، بل وعربياً، بمطلع أحد أبياتها "أنا حتفهم"، وفيه من الخلاصة والبيان ما يغني عن الكثير الكثير من الاضافات والتفاصيل...

يمكن الاستماع إلى مقاطع من القصيدة بصوت الجواهري عبر موقع:
www.jawahiri.com

250
الجواهري: لواعج ومواجهات (5)
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com




في عام 1974، يحل الجواهري ضيفاً على العاهل المغربي الحسن الثاني، في الرباط وطنجة ومراكش. وإذ يُحتفى به بكل استثناء، صرحاً عراقياً وعربياً أول، يغتاظ متنطعون ونهازون "ثقافيون" إلى جانب سياسيين "ثوريين" من ذلك الزمان، ليهاجموا المحتفى به من "جبهات" وبلدان عدة، وبتحريض "أحزاب" وأنظمة، "ثورية" هي الأخرى، ولكن على طرائقها الخاصة... ومن بين تلك الهجمات مقالات ومواضيع "أدبية" جداً، حاولت أن تهز دوح الشاعر العظيم، وتطال من تاريخه باعتباره "مهادناً" مرة، و"مرتداً" مرة ثانية، لأنه قبل استضافة ملكية حلم بها المهاجمون ذاتهم، ليلاً ونهاراً، بل وسعوا إليها بكل دأب، ولكنهم لم ينالوا وإن بعضاً يسيراً منها، فراح غضبهم وحسدهم، يتجسد في مزاعم وتقولات وأكاذيب بائسة، و"ثورية" مدعاة أكدت السنوات التالية واقعها وحقيقتها، فانكفأ أصحابها، لا يعرف لهم صوت أو صدى... وأمام كل ذلك لم يجد الجواهري من وسيلة دفاع مناسبة، سوى الشعر فكتب:
تحية .. ونفثة غاضبة[/size]
سماحاً إن شكا قلمي كلالا
وإن لم يُحسن الشعرُ المقالا
أتبغون الفُتوة َ عند همٍّ
على السبعينَ يتَّكلُ اتكالا...
فما شمسُ الظهيرة وهي تـَـغلي
كمثل الشَّمس قاربت الزَّوالا

وبعد هذه الافتتاحية الجواهرية "التقليدية"، يجوب القصيد وفي أكثر من ثمانين بيتاً في الوصف والفخر، وحتى الغزل، ليصل إلى المواجهة المفروضة... وقبل أن تنطلق ساعة الصفر، راح الشاعر يمهد للآتي، ملمّحاً لبعض يسير من تاريخه وصرحه الخالد ومسيرته المتفجرة أبداً بالمواقف والتحديات، وإن زعم هذه المرة بالتعب والرغبة في الاستراحة من معترك الحياة، بعد صعاب جمّة وهجرة واغتراب، ومعاناة من بعض أهل الدار وغيرهم، على مدى عقود:
حماةَ الفكر .. قِيْلةَ مستنيب
يجنبُ نفسَه قيلا وقالا
تنقلَ رحلُهُ شرْقاً وغرباً
وحط هنا بسوحِكُمُ الرِّحالا
يحاول بعدَ دنيا من عذاب ٍ
عن الدنيا وما فيها اعتزالا
فصونوه من العادِينَ ضبحاً
ووقوه التماحكَ والجدالا...
ففي جنبيَّ نـَـفْسٌ لو تراءت
لكُمْ لرأيتُمُ العَجَبَ المُحالا
أَسُلُ النصلَ عن جُرح ٍ نزيف ٍ
فأَلْقي تحت حُفْرته نِصالا

... وخلافاً لكل "المزاعم" التي باح بها العديد من الأبيات السابقة، وغيرها، تفنن الجواهري في وسائل المواجهة، ودروب الردّ على المعتدين، لينبيء – بقصد، أو غير قصد – أنه ما برح في عنفوان الشعر والعطاء، وان شمس ابداعه لم تغادر موقعها برغم السنوات السبعين، وبقيت تغلي بكل الكبرياء والاقتدار... ولكي يثبت ذلك علناً مع سبق الاصرار، راح يضيف:
وقلتُ لحاقدينَ عليَّ غيظاً
لأني لا أُحبُّ الاحتيالا
هَبُوا كلَّ القوافِلِ في حِماكُمْ
فلا تَهْزوا بمن يَحْدُو الجِمالا
ولا تَدَعوا الخصامَ يجوزُ حدّاً
بحيثُ يعودُ رُخْصاً وابتذالا
وما أنا طالبُ مالاً لأني
هنالكَ تاركٌ مالاً وآلا
ولا جاهاً ، فعندي منه إرثٌ
تليدٌ لا كجاهـِـكمُ انتـِـحالا

... ثم، ولكي يختم القصيدة بمطلعها، في تناسق وسياق مرسومين بدقة متناهية كما يبدو، يطلق الشاعر الكبير عنان مخزونه المتراكم، واحتياطيه اللامحدود، للرد على القوالين، منوّهاً إلى تجاربه السابقة مع مثلائهم، وربما جالت بذهن المتابع هنا قصائد الأربعينات والخمسينات الجواهرية الشهيرة، حين يقرأ الأبيات الأخيرة من هذه اللامية "الدفاعية" الفريدة:

حَذار ِ فإنَّ في كَلِمي حُتوفاً
مخبأة ً ، وفي رَمْل ٍ صلالا
وأنَّ لديَّ أرماحاً طِوالا
ولكنْ لا أُحِبُّ الاقتِتالا
تَقَحَّمْتُ الوَغَى وتَقَحَّمَتْني
وخَضتُ عَجاجها حَرْباً سِجالا
فكانَ أَجَلَّ مَن قارعتُ ، خصمٌ
بنُبْل ِ يراعه رَبِحَ القِتالا
فكم من قَوْلة ٍ عندي تَأبَّى
لها حسنُ الوفادة ِ أنْ تُقالا
ستُضرَبُ فيهم الأمثالُ عنها
اذا انطَلَقَتْ وجاوَزَت ِ العِقالا
وعندي فيهمُ خبرٌ سَيَبْقى
تغامَزُ منه أجيال تَوالى
حّذار ِ فكم حَفَرتُ لُحودَ عار ٍ
لأكرمَ منكمُ عَمّاً وخالا

... وهكذا وبتلكم الكلمات والتعابير "الثائرة"، وهو وصف يستخدمه الجواهري كثيراً، تخلص القصيدة إلى مبتغاها، وليبقى التاريخ شاهداً على ان التحذيرات التي جرى اطلاقها قد فعلت مفعولها، فلم يرد المعنيون، وبعضهم ممن لا يمكن ان تبخس كفاءاته الأدبية والسياسية... ونحجم حالياً عن التصريح بالأسماء ذات العلاقة، وربما نعود لتقديم المزيد من "الكشوفات" في أوقات  لاحقة.
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

251
الجواهري: لواعج ومواجهات (4)
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
نادراً ما كان الجواهري الكبير يجيب عن أسئلة من قبيل: أي قصائده أحب إليه من غيرها... ولكنه كثيراً ما بادر إلى تمييز "المقصورة"، بل ووصفها في مرات عديدة ، بأنها الأفرد والأخلد... ويكفي الاستدلال هنا بقوله "لو فنيت جميع أشعاري لبقيت المقصورة"... وتلك القصيدة – الملحمة، تتعدى أبياتها المئتين والعشرين، وهي الأطول من بين جميع قصائده التي يتجاوز عدد أبياتها الخمسة والعشرين ألف بيت، اذاع مقاطع أولى منها عام 1947، ثم نشرت كاملة سنة 1948، مع تقديم يشير إلى أن ثمة مئة وخمسين بيتاً أخريات، عصفت بها الرياح إلى "دجلة الخير"، فضلاً عن خمسين بيتاً فقدت لأسباب أخرى...
المـــقــصــورة
برغم الاباء ورغم العلى ، ورغم أنوف كرام الملا
فأنت مع الصبح شدو الرعاة ، وحلم العذارى إذ الليل جا
واذ انت ترعاك عين الزمان ، ويهفو لجرسك سمع الدنى
الحت بشعرك للبائسين ، بداجي الخطوب ، بريق السنا

وبعد هذا الافتتاح الشموخ، يجوب الجواهري مختلف أغراض الشعر العربي المعروفة، إلا اننا سنتوقف هنا عند محورين رئيسين وحسب، وهما ما يتعلقان بعنوان هذه "المختارات" حول اللواعج والمواجهات... ففي الأبيات التالية يبرز الشاعر العظيم هضيمته من سياسيي البلاد، وصنائعهم وغيرهم، مناشداً "الكرماء" خصوصاً، للتضامن معه، كحال شخصية، ولكنها معبرة عن هدف عام، يعبر من خلاله عن مشاعر ناس لا يعدون أو يحصون:

إلا من كريم يسر الكريم، بجيفة جلف ٍ زنيم عتا
فيا طالما كان حد البغي ، يخفف من فحش أهل البغا
انبيك عن أطيب الأخبثين ، فقل أنت بالأخبث المزدرى
زقاق من الريح منفوخة ، وان ثقـّـل الزهو منها الخطى
واشباح ناس ، وان أوهموا ، بأنهم "قادة" في الورى
وفي سياق "المقصورة" يعود الشاعر ليهدد "الأرذلين" بكل سلاح الكلمة، واليراع الأبي، وليعاتب، وبكل هضيمة وتألم، "أمته" العراقية التي لم تنصف شاعرها، وحامل لواء تنويرها وابداعها... كما يركز "عتابه" على القادة والزعماء، أو من يدعون تلك الزعامةّ الثقافية والسياسية:

بماذا يخوفني الأرذلون ، ومم تخاف صلال الفلا
أيسلب منها نعيم الهجير ، ونفح الرمال ، وبذخ العرا !!
بلى ان عندي خوف الشجاع ، وطيش الحليم ، وموت الردا ،
إذا شئت أنضجت نضج الشواء ، جلوداً تعاصت فما تشتوى
وأبقيت من ميسمي في الجباه وشماً كوشم بنات الهوى
فوارق لا يمحي عارهن ، ولا يلتبسن بوصف سوى
بحيث يقال إذا ما مشى الصليّ بها ، ان وغداً بدا
وحيث يعير أبناؤه بأن لهم والداً مثل ذا

... وهكذا يستمر الشاعر في قصيدته ليوثق هذه المرة مواقفه ونهجه ورؤاه للحياة والمجتمع، مبارزاً المتجاوزين، متباهياً بالضمير، وداعياً النفس أولاً لأن تكون أمثولة للآخرين... وقد جاء كل ذلك عبر الاعتداد والعنفوان الجواهري المعروف:

أقول لنفسي إذا ضمها ، وأترابها محفل يزدهى
تسامي فإنك خير النفوس، إذا قيس كل على ما انطوى
وأحسن ما فيك ان الضمير ، يصيح من القلب إني هنا
تسامي فان جناحيك لا يقران إلا على مرتقى
كذلك كل ذوات الطماح والهم ، مخلوقة للذرى
شهدت بأنك مذخورة لأبعد ما في المدى من مدى
وانكِ سوف تدوي العصور ، بما تتركين بها من صدى

وفي تسلسل محسوب، وببراعة متناهية في اختيار المباشرة، أو الرمزية، يفضح الجواهري الكبير المدعين والمتنطعين، وفي ذهنه بالتأكيد حالات ومواقف ملموسة، تعبر عن ظاهرة عامة، سائدة آنذاك – ولعلها تضاخمت اليوم – في البلاد العراقية... ونرى في هذا الشأن ما يزيد من رؤى الجواهري التبشيرية والانتقادية على حد سواء، ويضخم من عمق منجزه الابداعي الثري:
ومنتحلين سمات ِ الأديب يظنونها جبباً ترتدى
كما جاوبت "بومة ٌ" بومة ً تقارضُ ما بينها بالثنى
ويرعون في هذر ٍ يابس ٍ من القول ، رعي الجمال الكلا
ولاهين عن جدهم بالفراغ ، زوايا المقاهي لهم منتدى

... ثم في مقاطع لاحقة - وقل قصائد أخرى ولاتخف -، يعود شاعر الأمة ليتوقف عند هضبات الوطن، وشطيه والجرف والمنحنى، فيتغزل، ويتباهى، ويصف، كما الأم والعاشق والقائد!. ولا يكتفي بذلك فيجوب طبيعة البلاد ويصف نخيلها وحقولها، بل وحتى ضفادعها التي تنقل على الشاطئين بريد الهوى!... أما في ختام "المقصورة" - القصيدة البانورامية المجيدة، فيحاول الجواهري أن يعتذر عن فورانه وغضبه في أبياته السابقة، الناقدة والمحرضة باتجاه النهوض والانهاض، فيعود ممجداً "بلداً صانه" وكلاهما – الشاعر والوطن – في موقع التلاحم والانسجام والتداخل الذي لا فكاك منه... كما يزعم هو على الأقل!...

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

252
الجواهري: لواعج ومواجهات (3)

رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
يعود الشاعر العظيم خريف عام 1968 إلى بلاده بعد "سبع سنوات عجاف" في مغتربه ببراغ، ليستذئب عليه النهازون والمتنطعون، تحت لافتة "تخلف" الشعر العمودي، و"شيوخة" أصحابه، و"نضوب" روافده... مع تلويح لا يحتاج لمزيد من الفطنة إلى أن الجواهري كان هو المقصود أولاً، بل وأخيراً، في تلك المعركة "الثقافية"... بل وقد تشجع البعض من "النقاد" و"الشعراء" العراقيين والعرب، من "الجامعين خشار القول" لينتقلوا من الايماء إلى الايحاء صراحة، في التحرش المباشر بالشاعر والوطني الرمز، بل وحتى محاولة التطاول عليه... وأمام هذه المنازلة  التي جاء توقيتها بالتزامن انعقاد المؤتمر الأول للأدباء العرب ومهرجان الشعر المرافق له، في بغداد والبصرة (نيسان/ابريل 1969)، اختار الجواهري "حلبة الشعر" ليخوض المعركة من خلالها، بشموخ وعنفوان، وليرد بدالية مطولة، مدافعاً ومهاجماً في آن واحد، وليجوب أكثر من مضمار، وبأكثر من "بيت قصيد":
يـا ابـن الفـراتـيـن

يا ابن الفراتين قد أصغى لك البلدُ
زَعْماً بأنك فيه الصادحُ الغرِدُ
ما بين جنبيكَ نبعٌ لا قَرارَ له
من المطامح يستسقي ويَرتفد
يا ابن الفراتين لا تحزن لنازلة
أغلى من النازلات الحزنُ والكمدُ
فما التأسي إذا لم يَنْفِ عنك أسىً
وما التجلدُ إن لم ينفعِ الجَلَد
وما ضمانةُ قولٍ لا شفيعَ له
من الضمير ولا من ذمةٍ سَنَدُ

ثم تتوالى آهات الجواهري لتتصاعد مزدحمة بالعتاب، والقاسي أحياناً، على أصحاب وأحباء، مشيراً إلى غربته المريرة عن بلاده، وصمت بعضهم عما تعرض إليه من نكران وإجحاف... وكذلك جاءت كثرة من أبيات القصيد لتصكّ أسماع المسفّين، ممن لم يعرفوا حجومهم الحقيقية:

لا تقترحْ جنسَ مولود وصورتَه
وخلّها حرةً تأتي بما تلِد
ولا شَكاةٌ أيشكو السيفُ منجرداً؟
لا يُخلقُ السيفُ إلاّ وهو منجرد...
على الوجوه مشَتْ أكذوبةٌ عَرَضٌ
وقرَّ تحت الجلُودِ الجوهرُ النَّكَد
ويستمر الشاعر الكبير مخاطباً المؤتمرين، والمشاركين في جلساته، ومن بينهم بعض المتطاولين العراقيين والعرب، من "المطعمين سعير الحقد لحمهم" فنازلهم منفرداً، صائلاً جائلاً ليصف ويوضح ويفنّد، وليفصح ويضمر، وعلى امتداد أبيات القصيدة المئة والسبعين، مستعرضاً قدراته الشعرية وإبداعه، ودون أن "تأسره" القافية أو "تقيده" الأوزان:

وصاحبٍ لي لم أبخَسْهُ موهِبةً
وإنْ مشَتْ بعتابٍ بيننا بُرُد
نفَى عن الشعرِ أشياخاً وأكهِلـَـة
يُزجى بذاك يراعاً حبرُه الحَردُ
كأنما هو في تصنيفهم حكمٌ
وقولُه الفصلُ ميثاقٌ ومُستَنَد
وما أراد سوى شيخٍ بمُفردِه
لكنَّهُ خافَ منه حين يَنفرد
بيني وبينَك أجيالٌ مُحَكَّمَةٌ
على ضمائرها في الحكم يُعتَمدُ
... وبعد الأبيات السابقة ينتقل الجواهري من الخاص إلى العام، منوّهاً للنتائج، ومحذراً من الغيّ والتطاول، وإلا فالتاريخ هو الفيصل الحاسم، وما أقدره على الحكم والمقاضاة كما آمن الشاعر العظيم:
 
يا شاتميَّ وفي كفي غلاصمهم
كموسع الليث شتماً وهو يُزدَرد
وعاضضيَّ وفي أفواههم شَلَلٌ
أرخى الشفاه ، وفي أسنانهم دَرَد
أتَلطِمونَ جبينَ الشمسِ أن قَذِيَتْ
عيونُكم فبها من ضوئها رَمَد
أم تُفرِغون مياهَ البحر أن نَضَبَت
حياضُكم فهي نَزْرٌ ، مُوحلٌ ، صَرَد
يا بن "الركائك" والأيام هازئة
بميتين على ما استفرغوا جَمدوا
ما ضرّ من آمنت دنيا بفكرتِهِ
أن ضيفَ صفرٌ إلى أصفار من جحدوا
... ولكي تكتمل الصورة التي شاءها الجواهري الكبير، لم يدع الفرصة لتمر، دون أن يجدد التفاخر بتفرد عطائه، وبسنوات نضاله المديد، ومواقفه في التنوير، فقال - مثلما يزعم - قولة صدق "لا تستمن ولا تخشى، ولا تعد" ودون أية رهبة، خاصة وهو في بدايات عقده الثامن آنذاك: "فما يخاف، وما يرجو وقد دلفت سبعون مثل خيول السبق تطرد"، بحسب ما جاء في القصيدة العصماء ذاتها.
 
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

253
الجواهري: لواعج ومواجهات (2)
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
... وهذه هي عصماء أخرى من قصائد الجواهري الوجدانية، الثائرة على النفس والمجتمع، والمقاييس السائدة في البلاد... وقد ضمها، كاملة ولأول مرة، ديوان "بريد الغربة" الصادر في براغ، بدعم من اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي الذي ترأسها الشاعر العظيم فور تشكيلها بعد انقلاب شباط الدموي عام 1963... وقد جاء مطلعها جواهرياً كالعادة في ثورته الجامحة، مما جعل الكتاب يقرأ من عنوانه:
يـا غـريـب الــدار
من لِهَمٍّ لا يُجارى ، ولآهاتٍ حَيارى
ولمطويٍّ على الجمرِ سِراراً وجِهارا...
مَنْ لناءٍ عاف أهلاً وصِحاباً ، وديارا
تَخِذَ الغربة دارا إذ رأى الذلَّ إسارا
إذ رأى العيشَ مداراةَ زنيمٍ لا يُدارى

... وفي مختلف مقاطع القصيدة التي تجاوزت أبياتها المئة والعشرين، يفيض الجواهري متباهياً بمواقفه التنويرية، مبرزاً سمات وقيماً تبناها، ولم يخشَ ما يترتب عليها من أذى المعوزين والظلاميين، بل وراح يكررها في عديد كثير من شعره... إلا انه هنا شدد على الشموخ والاصرار، ولعله أراد بذلك مقدمة لما سيلي من مواقف وحقائق:

ياغريبَ الدار لم يُخْلِ من البهجةِ دارا...
تأخذ النشوةَ منه ثم تنساهُ السُكارى
يا أخا الفطرةِ مجبولا على الخيرِ انفطارا...
يا سَبوحاً عانق الموجةَ مَدّاً وآنحسارا
لم يُغازلْ ساحلاً منها ولا خافَ القرارا
يا دجيَّ العيشِ إن يَخْبُ دجى الناس ِ ، أنارا...

ثم يعود الشاعر الكبير ليكتب ما يظنهُ يروض النفس، لتجاوز "الهضيمة" التي يشعر بها وحتى من الأقربين، خاصة وهو صاحب المآثر والمنابر، محملاً الذات جزءاً مما يعاني منه، بعد أن اختار نهج الثورة والتجديد، معيباً المهادنة والمساومة:
يا غريبَ الدارِ وجهاً ولساناً ، واقتدارا...
لا تُشِعْ في النفسِ خُذلاناً وحَوِّلهُ انتصارا...
أنتَ شِئتَ البؤسَ نُعمى ورُبى الجنَّاتِ نارا
شئتَ كيما تمنحَ الثورةَ رُوحاً أنْ تثارا...
عبَّدوا دربَك نَهْجاً فتعمَّدْتَ العِثارا
وتصوَّرت الرجولاتِ على الضُرِّ اقتصارا...
يا غريبَ الدار مَنسياً وقد شعَّ ادِّكارا
ذنبهُ أنْ كان لا يُلقي على النفسِ سِتارا
إنَّه عاش ابتكارا ويعيشون اجترارا

ولكي يعزز بالوقائع ما يشكو ويتهضم منه، وما يعيبه على أصحاب القرار وغيرهم، يبدأ الجواهري المباشرة في التصريح، غير مبالغ... فبعد كل عطائه الوطني والابداعي على مدى عقود، يعيش الرمز الوطني، المغترب بكل صعوباته وأرقه، صاباً جام الغضب على بلاد لم يستطع أن يمتلك فيها حتى "حويشة" بينما يتنعم الرائبون، والمنحنون... ثم يعود الشاعر لينوّه إلى حكم التاريخ اللاحق، وعلى الآتي من الأحداث، بل ومتنبئاً بها... نقول متنبئاً، وقد صدق بما قال وأوحى، وذلك هو أمامنا، العراق وما عاشه من مآس ٍ حد التميز:
يا غريبَ الدارِ لم تَكْفَلْ له الأوطانُ دارا
يا "لبغدادَ" من التاريخِ هُزءاً واحتقارا
عندما يرفع عن ضيمٍ أنالتهُ السِتارا
حلأَّتْهُ ومَرَت للوغدِ أخلافاً غِزارا
واصطفت بُوماً وأجْلَتْ عن ضِفافَيها كَنارا...
يا لأجنادِ السفالاتِ انحطاطاً وانحدارا
وجدت فرصتَها في ضَيْعةِ القَوم الغَيارى

... ولكي يهدأ من ذلك الغضب العارم، يروح الجواهري في الأبيات التالية حانقاً، محملاً زعامات ثقافية وسياسية، مسؤولية ما أحاق به من ظلم واجحاف... وهو يمثل هنا بالتأكيد نموذجاً للعشرات، بل المئات من المبدعين والمناضلين وغيرهم، ممن اضطروا للاغتراب، أو اختيار المنفى اضطراراً... ثم يتطوع بعدها الشاعر الرمز ليوزع صفات ٍ يعتقدها بحق الذين تسببوا في تلك الأوضاع وما آلت إليه، بل وليبقي من ميسمه في جباههم وشماً "خالداً" يعيرون به جيلاً بعد جيل:
يا غريبَ الدارِ يا من ضَرَبَ البِيدَ قِمارا...
ليس عاراً أنْ تَوَلِّي من مسفّينَ فِرارا
دَعْ مَباءاتٍ وأجلافاً وبيئينَ تِجارا
جافِهِمْ كالنَسرِ إذ يأنَفُ دِيداناً صِغارا
خلقةٌ صُبَّتْ على الفَجرةِ دعها والفِجارا
ونفوس جُبلت طينتُها خِزياً وعارا
خَلِّها يستلُّ منها الحقدُ صُلْباً وفَقارا...
أنت لا تقدر أن تزرعَ في العُور احورارا...

... وأخيراً، وإذ يحين "مسك" الختام والايجاز لكل ما سبق وأشير إليه من وقائع ورؤى، يكتب الجواهري "معاتباً" "أصدقاء" ظنهم، و"أدباء" و"مثقفين" أحبهم ولكنهم تجافوا، خوفاً أو تنصلاً... أو لأنهم "حيارى" حتى في أمورهم ذاتها، مما جعله يسعى حتى لأن يختلق الأعذار لهم:
يا غريبَ الدارِ في قافلةٍ سارت وسارا
لمصيرٍ واحدٍ ثم تناست أين صارا
سامحِ القومَ انتصافاً واختلِق منك اعتذارا
علّهم مِثلَكَ في مُفتَرقِ الدربِ حَيارى
سِرْ واياهم على دربِ المشقاتِ سِفارا
فاذا ما عاصفُ الدهرِ بكم ألوَى وجارا
فكن الأوثقَ عهداً وكُن الأوفى ذِمارا

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

254
الجواهري: لواعج ومواجهات (1)
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
حتمت ريادة الجواهري الثقافية والوطنية المتحدة والمتفردة، أن يواجه، وعلى مدى عقود وعقود، تحديات عديدة ألزمته الردّ عليها، والتصدي لها، وبخالدات بث عبرها هموماً ومعاناة وثقتها الوقائع الخاصة والعامة، فجاءت – وبقيت - صدى معبراً عن أحاسيس الناس، ومكابداتهم على أصعدة شتى، وبمستوى مواقعهم وأدوارهم في مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية وغيرها... وإذ جاءت بعض مواجهات الشاعر العظيم عنيفة ومباشرة أحياناً، فوراء ذلك نفس أبت إلا ان تتمرد على الخنوع والرتابة والمجاملة، ممتشقة سلاح الشعر والكلمة لتعري انتهاك المقاييس، وتجاوز المتطاولين وتجار السياسة والكلمة... ذلك إضافة لما أراد به الرمز العراقي من دفاع عن فلسفة وانهاض وتنوير وقيم، كانت ديدنه طوال عمره المديد الذي فاض بكل ما هو استثنائي... وفي هذه الكتابة، وما سيليها من حلقات، نحاول ان نلقي ضوءاً على بيت، "أو أبيات"، القصيد، في بعض ابداع الجواهري، ذي الصلة بما سبقت الاشارة إليه:
أزح عن صدرك الزبدا ...
تحت هذا العنوان نشر الجواهري عصماء جديدة عام 1976، وفيها ينتقد "عصره المليء بالزيف والخداع، وهو يسمو متعالياً بكبرياء الشاعر ... وهي ضرب من الطموح الى تجاوز النفس والآخرين، في محاولة اختراق للمستحيل..." بحسب ما جاء في تقديم القصيدة ذاتها، والتي تعبر من بيتها الأول عن مبادىء وثوابت نافذة في صورها وأغراضها، إذ تقول:
أزح عن صدرك الزبدا ، ودعه يبث ما وَجدا ...
ولا تكبت فمن حقب ذممتَ الصبر والجلدا
أأنت تخاف من أحد ٍ ، أأنت مصانعٌ أحدا
أتخشى الناس، أشجعهم يخافك مغضباً حردا
ولا يعلوك خيرهم ، ولست بخيرهم ابدا
ولكن كاشف نفساً ، تقيم بنفسها الأودا

* ويتواصل القصيد نابضاً على مدى أكثر من مئة وأربعة عشر بيتاً، يحرض فيه الشاعر العظيم الذات، لتبارز، وتجابه، وان لم يكن المتطاولون يستحقون المنازلة أحياناً:
تركت وراءك الدنيا ، وزخرفها وما وعدا
ورحت وانت ذو سعة ، تجيع الآهل والولدا…
أزح عن صدرك الزبدا ، وهلهل مشرقا غردا
وخل "البومَ" ناعبة ، تقيء الحقد والحسدا
مخنثة فان ولدت ، على "سقط" فلن تلدا…

* ثم يناجي الجواهري "خلاً" سعى ان يتساءل او يحاجج مدافعاً، أو مبرراً، فأوضح له الشاعر ما يستحق من توضيح، لكي يمهد الدرب، خائضاً المواجهة المنتظرة:
ألا انبيك عن نكد ٍ ، تُهوّن عنده النكدا
بمجتمع تثير به ، ذئاب الغابة الأسدا…
خفافيش تبص دجىً ، وتشكو السحرة الرمدا
ويعمي الضوء مقلتها ، فتضرب حوله رصدا…

* … وبعد ذلك التعميم في الأبيات السابقة، ينتقل القصيد، معتمراً الصراحة والوضوح، ليشي، وان بدون تسمية، الى "واحد" أو أكثر من الأدباء والمثقفين الحاسدين، والمنافقين من ذوي الوجوه المتعددة، الذين جهدوا حينذاك لاستغلال الظروف، وتحت رايات "التحديث" الحقيقية أو المدعاة، لإيذاء الرمز الوطني المتألق ابداعاً ومواقف، فراح يمسك بتلابيبهم، ولا فكاك لهم من "قبضة" الشعر غضباً:
وصلف ٍ مبرق ختلاً ، فان يرَ نُهزةَ رعدا
يزورك جنح داجية ، يُزير الشوق والكمدا
فان آدتك جانحة ، اعان عليك واطردا ..
وآخر يشتم الجمهور  ، لفَّ عليك واحتشدا...
يعدُّ الشعر أعذبه، اذا لم يجتذب احدا

* وقبيل ختامها، وحين تثور القصيدة، يحاور الجواهري نفسه، ويوجهها، مستذكراً بكل عنفوان، ومستنداً الى حقائق ووقائع ورؤى لا يجادل فيها سوى المعوزين جاهاً وارثاً:
أبا الوثبات ما تركتْ ، بجرد الخيل مطردا
يضج الرافدان ، بها، ويحكي "النيلُ" عن "بردى"
ويهتف مشرق الدنيا، بمغربها اذا قصدا:
ترفع فوق هامهم، وطرْ عن ارضهم صعدا
ودع فرسان "مطحنة" خواء تفرغ الصددا...

* واخيرا ، يعاتب الشاعر، اصدقاء ومحبين، وغيرهم، ممن يعتقد انهم معنيون باتخاذ الموقف المناسب، المنسجم، ولكنهم سكتوا ولم يتنادوا إليه، خشية هنا، وخوفاً هناك، فيخاطبهم مشفقاً على حالتهم، ومعيباً عليهم المهادنة والمساومة... وربما محاولاً أن يجد لهم مبرراً يُسامحون عليه:
وغافين ابتنوا طنباً، ثووا في ظله عمدا
رضوا بالعلم مرتفقاً ، وبالاداب متسدا…
يرون الحق مهتضَماً، وقول الحق مضطهدا
وام "الضاد" قد هتكتْ، وربُّ "الضاد" مضطهدا
ولا يعنون - ما سلموا - بأية طعنة نفدا
بهم عوزٌ إلى مددٍ ، وانت تريدهم مددا…

مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

255
الجواهري في براغ، ومنها ... وإليها *


رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
كما يؤرخ السياسيون والباحثون للوقائع والأحداث وفق مناهجهم وطرائقهم، يوثق الشعراء ابداعاً وقصائد عن ذات الوقائع وتلكم الأحداث، باستلهام حلوها ومرّها وبمخاطبةالأحاسيس، والوجدان والمشاعر... وعلى ذلك المنحى كان عطاء الجواهري العظيم يخبّ طوال ثلاثة عقود في براغ... ثم ليودع التاريخ نيرات تزداد بهاء كلما قُدم العهد بها... وهاكم نفحات لا أكثر، ولمحات لا أزيدَ، عن بعض ذلك التراث الانساني:
- تشيكياً: أبدع الشاعر لبراغ، المدينة التي "اطالت الشوط من عمره"، وظل حائراً هائماً بها وجميلاتها وطبيعتها: "أعلى الحسن ازدهاءً وقعت، أم عليها الحسن زهواً وقعا"، مؤرخاً لها، وعنها، في خمس عشرة قصيدة تفيض بالحب والوفاء.
- عراقياً: ناجى الجواهري من ضفاف "فلتافا"، "دجلة الخير" عام 1962... ووثق بالشعر مآسي شباط الدامية عام 1963، حين كان رئيساً للجنة الدفاع عن شعب العراق، ومقرها براغ... ومن ذات العاصمة – الحضارة، مجّد كل طريق سلام وتوجه اخاء، لتقدم وازدهار بلاده، متصدياً في آن للعسف والاضطهاد على مدى سنوات وسنوات...
- وعربياً: بقي الجواهري في براغ يتابع أحداث الأمة، ويشارك في أفراحها وأتراحها... ففيها أرّخ للحرب العربية – الاسرائيلية عام 1967... ومنها توجه إلى القاهرة مشاركاً في السنوية الأولى لرحيل زعيم مصر عام 1971... كما "سرت به الريح في مهر بلا رسن" من براغ الى اليمن عام 1981 وكذلك الحال إلى المغرب وتونس ولبنان وليبيا والجزائر والخليج حتى العام 1991، ملبياً دعوات زعامات سياسية، أو مشاركاً في مهرجانات ومؤتمرات ثقافية بارزة... ليستقر به المطاف ضيافة، ثم رحيلاً في الشام عام 1997...
- وعالمياً: صدح الجواهري في مهرجانات ومناسبات السلام والمحبة والتضامن العالمية في عواصم ومدن عديدة مثل موسكو وبرلين وصوفيا وميونيخ ووارسو وأثينا، منطلقاً إليها من براغ، على مدى ربع قرن... وليغنى خلالها كل بشر الدنيا، فقد أحب "الناس كلّ الناس... من أظلم كالفحم، ومن أشرق كالماس" على حد زعمه المثبت شعراً...
... وهكذا اذن نوشك أن نختم، وما اسطعنا إلا تأشير عناوينَ وحسب، لاستذكار ما حفلت به بعض فرائد الشاعر العظيم، ومحطات في مسيرته الطموح، وليبقى الزمن شاهداً على ما كتبه في براغ، من توثيق لوقائع صميمية متميزة... وليبقى رمزاً عربياً، ثقافياً على الأقل، في تاريخ ومسارات تبادل الحضارات، وتقاربها، والتي كان الجواهري ســباقاً إليها طيلة حياته الزاخرة بالتنوير، وعلى مدى قرن ٍ من الزمان...
ــــــــــــ
* مداخلة موجزة ألقيت في احتفاء مهيب نُظم أخيراً في براغ بمناسبة
الذكرى الخمسين لانطلاقة العلاقات الدبلوماسية العراقية - التشيكية.
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com


256
أسماء وشؤون عراقية في ذاكرة باريس
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
دعونا نسمي هذه الكتابة مخططاً فقط، بل وأولياً، للخوض في غمار تسجيل وتوثيق أسماء وشؤون عراقية، اختزنتها ولم تزل، ذاكرة باريس، حاضرة فرنسا، على مدى عقود القرن الماضي بخاصة، وإلى اليوم... ومما شجع على السباحة في هذا البحر، مادتان توثيقيتان، حاولتا أن تسجلا – بهذا القدر أو ذاك – لشيء من تاريخ عراقي في العاصمتين التشيكية، براغ (1)، والروسية موسكو (2)، نشرتا قبل أسابيع قليلة على شبكة الانترنت، وقد حضيتا باهتمام، ليس من جانب التقييم الايجابي وحسب، بل والانتقاد أيضاً... أما لماذا باريس هذه المرة، فوراء ذلك أسباب بالتأكيد، ستتبين في سياق السطور اللاحقة، ومن خلال محاور الموضوع ذاته.
* بــدايــات
... ولعل المدخل الأنسب في هذا "المخطط" المكرس للاسهام بتوثيق الشؤون والأسماء العراقية في ذاكرة باريس، هو الحديث عن  موقع فرنسا ودورها التاريخي في الشرق الأوسط، وتأثيرها الثقافي – الحضاري، وكذا "الاستعماري" في العديد من البلدان العربية، والعراق من بينها... ثم، وتبعاً لذلك، فلندقق في صحة الاجتهاد الذي يقول بأنها – باريس – هي الحاضرة الأوربية "الغربية" الثانية، بعد لندن، التي عنت ببدايات الاستعراب، والاستشراق الحديثين، والاهتمام بشؤون العرب وأحوالهم، وتقسيم بلدانهم، وكذلك في تشكيلها، بعيد الحرب العالمية الأولى، وانهيار الامبراطورية الاسلامية العثمانية...
* طلبة ودارسون
... وفي ضوء ما تقدم توجه طلبة ودارسون عراقيون لمواصلة تعليمهم، وربما بدؤوه، في باريس، وأخواتها الفرنسيات... ولا نعلم مستوى الدقة في التثبيت هنا، بأن من بين طلائع أولئك المعنيين، في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، كان: مصطفى جواد وصفاء الحافظ وعلي جواد الطاهر وخالد السلام وابراهيم السامرائي وصلاح خالص وحسين امين، ممن ابتعثوا للدراسة في باريس، حكومياً، أو واصلوها على حسابهم الخاص... كما لا نعلم مدى فائدة الاتيان بكثير من التفاصيل عن تلك الأسماء وغيرها، لاسيما وان اصحابها باتوا في ما بعد، شخصيات فكرية وثقافية وجامعية، احتلت مراكز ومواقع مهمة، وعلى مدى عقود ليست قليلة.
* الجواهري في باريس...
وفي اطار هذه التأرخة، لابد من التوقف - كما نجتهد - عند زيارات واقامات الجواهري الكبير في باريس، نهاية الأربعينات، سواء عند مروره عبرها لتمثيل العراق في المؤتمر التأسيسي لمجلس السلم العالمي في وارسو... أو في الاشارة إلى قصيدته المتفردة "أنيتا"، التي كتبها اثر حالة عاطفية عارمة، مرّ بها خلال اقامته في العاصمة الفرنسية لبضعة أشهر عام 1949... علماً بأن تلك القصيدة لقيت اهتماماً متزايداً لدى دارسي شعر الجواهري وتطوره من حيث البناء والأسلوب والأغراض... كما يبرز تساؤل جديد آخر حول مدى أهمية الاستطراد بهذا الشأن، ونعني به "باريسيات" الشاعر العظيم، فيتم التوقف عند قصيدته "باريس" المنظومة عام 1948 (3)
* ... وموهوبون متميزون
ومادام التوثيق يشمل المبدعين العراقيين وعلاقتهم بعاصمة فرنسا، أو علاقتها بهم، فلابد اذن أن يصار للحديث عن جمع بارز من الشخصيات الثقافية التي مرت وأقامت، وأبدعت، ومابرح بعضها يبدع، في باريس... ومن المؤكد ان يذكر منهم أولاً: جواد سليم وسعدي يوسف ومحمد سعيد الصكار وفيصل لعيبي وصلاح جياد وجليل العطية وعبد القادر الجنابي إضافة لعدد آخر يشمل تشكيليين وأدباء ومثقفين واعلاميين ومنهم: سلام خياط، غسان فيضي، عصام الخفاجي، شوقي عبد الأمير، انعام كجه جي، جبار ياسين، هشام داوود، سوسن سيف، وجواد بشارة... وعلى هذا الصعيد ينبغي، كما نظن – وبعض الظن ليس اثماً – ان تتناول التأرخة التي نساهم في التخطيط لها، جوانب من أبرز المتحقق على هذا الصعيد من نتاجات ثقافية وفنية، مثل الدراسات والاصدارات والمعارض واللوحات والمشاركات في الحياة الاجتماعية والمدنية وغيرها....
* سياسة ... وسياسيون
... ولأن السياسة حاضرة في كل زمان ومكان، فلابد أن تأخذ موقعها في هذا التوثيق، وخاصة من جهة العلاقات الرسمية والاقتصادية وسواها... أو نشاط المعارضة العراقية في باريس، وأخواتها المدن الفرنسية... ومن بين ما نعتقد بأهمية التركيز عليه بهذا الشأن: بدايات العلاقات الدبلوماسية، المؤثرات الاقتصادية في العلاقات السياسية خلال العهود العراقية المختلفة، وخاصة فترة نظام البعث الثاني الذي ركز على توثيق الصلات مع فرنسا، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً... بل وحتى نووياً، لأسباب متعددة من بينها مراهنته الهشة على الدور الفرنسي في مواجهة التعقيدات والتداعيات التي تسببت بها "نظريات" و"توجهات" السلطة البعثية في حروبها الداخلية والخارجية، ومغامراتها المعروفة خلال الثمانينات والتسعينات بشكل رئيس... وفي هذا السياق كم يبدو ضرورياً أن يتم الحديث عن دور سفارة بغداد لدى فرنسا في تلك الفترة، وما قامت به من نشاطات على أصعدة شتى، سياسية واعلامية، فضلاً عن المخابراتية وما إلى ذلك...
... ولاشك في أن تلك الوقائع والأحداث ستدفع بالموثق أو المؤرخ للتوقف، تالياً، عند بعض الأسماء "اللامعة" في ادامة وتطوير روابط نظامها مع فرنسا، مثل محمد المشاط وعبد الأمير الأنباري وغازي فيصل حسين... وحتى انهيار السلطة البعثية في نيسان 2003، ثم ليتولى السفير موفق مهدي عبود رئاسة البعثة الدبلوماسية الأولى للعراق الجديد في باريس، وإلى اليوم...
... وبالمقابل لا يحق للموثق المعني أن يتجاوز في هذا المسار، النشاط العراقي المعارض في باريس، وفرنسا عموماً، سياسياً واعلامياً... ويقود ذلك للحديث عن مهام وأدوار فروع أو تنظيمات الأحزاب السياسية هناك ومنها الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، والتشكيلات الاسلامية والقومية وغيرها... ولكي تكون التأرخة أزيد ملموسية، سيكون مفيداً التنويه – على الأقل - إلى أسماء وشخصيات سياسية عراقية عديدة برزت، أو نشطت في فرنسا، في الثمانينات والتسعينات الفائتة، ومنها: رحيم عجينة وبشرى برتو وعادل عبد المهدي ورائد فهمي وقيس العزاوي... فضلاً عن سابقيهم مثل يوسف اسماعيل البستاني وباسل الكبيسي وغيرهما من الأقران...
* أطــر مـدنيـة
... لقد حتم تزايد عدد الطلبة والمقيمين العراقيين في فرنسا واللاجئين إليها، في العقود السابقة، قيام عدد من التشكيلات المهنية والديمقراطية، حملت إلى جانب نشاطاتها المدنية والاجتماعية، مهاماً سياسية وتضامنية مع نضالات الحركة الوطنية... ولعل الأبرز بين تلك التشكيلات والأطر: رابطة الطلبة العراقيين وفرع رابطة الكتاب والصحفيين والفنانيين الديمقراطيين وجمعية الطلبة الأكراد والمنتدى العراقي والجمعية التركمانية... وكذلك المعهد الكردي في باريس. كما نقترح أن يجري التوثيق أيضاً للأسماء البارزة في مجالات العمل الديمقراطي والمهني العراقي في فرنسا، ولفترات متباينة، ومن بينها على ما نعرف: حسين شاكر ووثاب السعدي وخالد الصالحي وعدنان بولص... كما نتساءل عن مدى أهمية الاستفاضة في هذا المجال ليشار، وان بإيجاز، إلى التظاهرات والاعتصامات والبيانات والنشريات عموماً، وغيرها من نشاطات قام بها منتسبو تلك الأطر المهنية والديمقراطية وكذلك السياسية، في مجالات التضامن مع ما تعرض له مناضلو الحركة الوطنية والجماهيرية في العراق، وخاصة في فترة العهد البعثي الثاني (1968-2003)... وهنا قد يفيد الباحث والمؤرخ المعني، الحديث عن اغتنام اعضاء وأنصار التنظيمات السياسية والديمقراطية العراقية فرص فعاليات جماهيرية تشهدها العاصمة الفرنسية، وضواحيها كل عام، ليشاركوا فيها، ويعبروا من خلال منابرها عن بعض أهدافهم السياسية والتضامنية... ومن بين تلك الفعاليات – على ما نعهد - احتفالات صحيفة اللومانتيه، ومهرجانات الشبيبة الشيوعية الفرنسية ومسيرات الأول من آيار العمالية... اضافة إلى المؤتمرات والندوات الدولية وغيرها من فعاليات مشابهة(4)... وفي هذا الاطار، بل وفي سياقه، تجدر الاشارة إلى نشاط متميز للمعارضة العراقية شهدته باريس، وهو اطلاق اللجنة العالمية للتضامن مع الشعب العراقي، في السادس من تشرين الأول/اكتوبر عام 1981 وبمشاركة سياسيين عراقيين بارزين، وأولهم – كما تحتفظ الذاكرة - القائد الوطني العراقي زكي خيري، والمسؤول الشيوعي فخري كريم...
* اليونســكو
... ووفقاً لاجتهاد آخر، وذي صلة بالتأكيد، من المهم على ما نرى، ان تشمل التأرخة التي تساهم هذه السطور في التخطيط لها، المشاركة العراقية في ادارة، ونشاطات المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة، التابعة للأمم المتحدة، ومختصرها (اليونسكو) كما هو معروف... ولعل ما سيزيد من أهمية ذلك، التوقف بشكل مناسب عند أسماء ممثلي العراق في تلك المنظمة، وادوارهم، ابتداء بالأولين، ومروراً بعزيز الحاج، ثم فترة ما بعد التغيير السياسي الجذري في العراق عام 2003، حينما كلف بتلك المهمة السفير محيي الدين الخطيب، ومازال ممثلاً للبلاد في هذه المنظمة الدولية...
* وأخيراً
... ان خلاصات سريعة كالتي أشرنا إليها في المحاور السابقة - ونستبق بذلك أية ملاحظات متوقعة – ليست كافية بالتأكيد لتأرخة وتوثيق الشؤون العراقية الزاخرة في باريس، وفرنسا عموماً... إلا أن الانطلاقة تبدأ بخطوة أولى كما هو معلوم... وها نحن لا نثبت سوى أطر عامة، لمخطط لابد أن يتصدى له المعنيون، ومن أهل باريس، العراقيين، ذاتهم. فهم الأجدر قبل غيرهم في معرفة "شعاب" العاصمة، والبلاد التي باتت لهم وطناً ثانياً – ولربما الأول حتى - ولاشك فإن في ذاكرتهم ووثائقهم المزيد والمتنوع عن الشؤون ذات العلاقة... بل وسيكون الفضل مضاعفاً، لمن سيسبق الآخرين في التوسع والاضافة، فضلاً عن التدقيق في ما تناولته هذه الاسهامة الأولية.
رواء الجصاني
25/11/2008
هوامش واحالات ــــــــــــــــ
1- بعنوان: تاريخ عراقي في ذاكرة براغ (تموز 2008)
2- بعنوان: أسماء وشؤون عراقية في ذاكرة موسكو (أيلول 2008)
3- تحت اليد متابعة خاصة تبحث في "باريسيات الجواهري"
4- للكاتب مشاركات مباشرة ببعض تلك الفعاليات
مع تحيات بابيلون للاعلام
www.babylon90.com


257
الجواهري : لكي لا نعيّر باننا قوم ينكرون الجميل،
ويكفرون بالنعم

رواء الجصاني
jawahiricent@yahoo.com

يضج الكثير من صحف ومجلات العرب، ومواقعهم على الانترنيت، وفضائياتهم، بعديد من "التقييمات" و"الآراء" يكون هدفها الاساس، او بيت القصيد منها، كما اصطلح القدماء، الشتم والتطاول والتنفيس عن الاحقاد، ودوافع ذاتية اخرى.... ومن الطبيعي تماماً، لكي تأخذ المادة طريقها للنشر، ان تلّبس بهذا القدر أو ذاك، وبحسب نوع نوع "الكاتب" أو "الاديب"، لبوسات النقد، وتتأبط يافطات حرية الرأي، وتتوسل حق التعبير والاجتهاد، وما الى ذلك من مرادفات، تعطي ستاراً للناشر على الأقل، دع عنك الكاتب، لدفع المادة الى المتلقي بشكل مزوق... كما لابأس، بهدف تمرير الغاية المبيّتة قصداً مع سبق الاصرار، من التدرع بلقب علمي، او بعض سيرة ذاتية، مضخمة أو ملتبسة، أو حتى مزعومة بالكامل، يمنح "الكاتب" عبرها جواز المرور المطلوب، فيعلن "وجهة نظره"، و"تقييمه"، و"حقه في ابداء رأيه"، وان كان ذلك ـ كل ذلك ـ على حساب الآخرين والمنطق والموضوعية المزدراة... ولا ندري اين هي حقوق اولئك المعتدى عليهم، ولا أرى فرقاً في ان يكون الاعتداء باليد واللسان، ولربما الاخير أكثر أذى، حين يستخدمه المدّعون والجهلة والمعوزون، ملثمين كانوا، أو سافري النوايا والوجوه...
ولعلّ من الاشد إيلاماً ان نسمع بين الفينة والأخرى من يلقي موعظة تلو أخرى عن اهمية وضرورة احترام "وجهات النظر" و"الاستماع الى الرأي الآخر"، وما اليها من مشابهات... وإذا ما اعترضت أو واجهت، فما أنت سوى متزمت ومتعصب، او غير ديمقراطي حسب تعابير اهل السياسة. وهنا ـ ولنا من التجاريب كثير بهذا الخصوص ـ لم نرَ "واعظاً" من الذين نعنيهم، تسامح او تقبل "نقداً" أو "تقييماً" تعرض له شخصياً، إلا عجزاً أو خشية، بادعاء فضيلة الصمت المزعوم. ولأن القضية تجرّ اخرى، وواقع الحال واحد، ستسمع أو "تُثقف" بأن من حق أي كان تبيان وجهة نظره، ومن حقك ـ وكأن في ذلك فضل من أحد ـ ان تردّ، وتوضح، وتعقب... ثم، وقد يبدو الامر اكثر معقولية، وقل تقبلاً، حينما يتحمل "الكاتب" المسؤولية القانونية او المعنوية عن شتم الناس تحت أي لبوس كان. ولكن الأشد مرارة هو مسؤولية الناشر لذلك الشتم، وهو يفتح القنوات أمام "كتابات" و"دراسات" و"تقييمات" العاجزين والمتبطرين أو الحاسدين والراغبين في التسوق، أو الباحثين عن الشهرة – أية شهرة - وذياع الصيت، الحسن أو السئ، لافرق.
ولربما يجد المرء مبرراً ما حين تنشر وتقال تلك الشتائم المغلفة والمبطنة، أو المعلنة "الجريئة" في منابر اعلام معينة بهدف زيادة المبيعات أو توسيع الانتشار أو إثارة القراء. ولكن التساؤل المحيّر ان تنشر وتبث تلك الشتائم "القبيحة" مثل قائليها، عبر وسائل اتصال رصينة وهادفة، هي في غنىً كامل عن مثل تلك المواد الصحفية أو "الثقافية" موضع قصدنا.
أكتب عن ذلك وأعني أكثر من حالة ملموسة، آخرها قبل أيام، تطاول فيها أحدهم على مركز الجواهري، ولن أشير إلى اسمه تمثلاً ببيت شعر مدل: "كبرت عن المديح فقلت أهجو، كأنك ما كبرت عن الهجاء"... وقد طفحت مادته  التهريجية الشعبوية بالسموم، موغلة في حقد باطني، تمظهر بادعاءات مهللة منها "الطرائف الأدبية"... وكل ذلك بسبب زعم مزيف... وما أبهت انساناً وصل من العمر عتيّاً أن يكذب ويسف إلى مستنقع الشتائم الشارعية، وهو "المثقف" و"الأديب" و"الشاعر" و"البروفيسور" وما تلى ذلك من ألقاب، حقيقية أم مزيفة تسقط كلها حين يتحول صاحب تلك الألقاب إلى نرجسي مقيت، وشتام ٍ لا يضاهيه في منحدره أحد... وكم هي مناسبة أن اشير في الختام الى تلكم الكتابة الموجزة للجواهري الخالد، في شأن مشابه لما توقفنا عنده من شؤون، وقد نشرتها صحيفة تشرين السورية في 18/7/1987 وفيها ما يغني عن كل اضافة واسهاب ومما جاء فيها:
"... من حقي – ومن حقوق النشر – ان أعقب، فمن جهة لا اعتراض لي هناك على ما تعتبرونه من باب "حرية الرأي"، و"حرية التعبير". ولكنني، من الجهة الثانية أحب أن أذكركم بوجوب مراعاة "المقاييس" و"القيم" في المحاورات الأدبية. فلم يكن في القديم مثلاً إلى جانب أشباه (النابغة) إلا من يعلقون أشعارهم على أستار (الكعبة). وعلى حجومهم ومعاييرهم في من يعارضونهم، ويناقضونهم.
وفي العهد الوسيط (الذهبي) كان في من ينازل (المتنبي) العظيم أمثال (الامام) ابن خالويه، وفي من يروون عنه ويتعصبون له، ويشرحون أشعاره أمثال الامام (ابن جني) و(ابن العميد) و(الصاحب بن عباد)... كما لم يكن حتى في (عصرنا الحديث) ممن هم مع (شوقي) أو ممن هم عليه إلا من حجوم (العقاد) و(المازني) و(الرافعي) و(طه حسين)... ومن كل ذلك، ومن أمثاله كان الأدب العربي برمته، يزداد رونقاً، والحرف العربي أصالة، وكانت الأجيال المعاصرة والمتعاقبة تزداد على مثل هذا (الزاد الكريم).. عافية ونشاطاً.
أما أن يكون ما يسمح لنا به الزمن من رصيد جديد، وعلى ضوء العصر الجديد عرضة مشاعة لمن هبّ ودبّ، ممن يجربون القلم وعلى صفحات صحف سيارة، وعلى ذمم أصحابها والمسؤولين عنها فهذا ما يجب علينا ان نحاربه، وأن نقف سداً دونه، لكي لا نعير بأننا قوم (ينكرون الجميل) و(يكفرون بالنعم).
وحديثاً – وفي أمس القريب – قال القائل:
وكنت – أن ألتقي (جبسا) يجشمني عار النزال – بلا حول، ولا قبل
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
www.jawahiri.com

258
الجواهري يزعم انه العراق!
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
هل يحق للجواهري أن "يزعم" في جمع غير قليل من قصيده وابداعه، أنه العراق، وفي صميمه، وجداناً ومشاعر وعاطفة وأحداثاً؟! سؤال قد يختلف عليه، ومعه، البعض ولكن في شيء من التفاصيل وحسب، على ما نظن!... فعلى امتداد أكثر من سبعة عقود، أرخ الشاعر العظيم لأفراح وأتراح العراق والعراقيين ... لثورة عام 1921، وانقلاب بكر صدقي سنة 1936، ووثبة كانون 1948 والثورة التموزية عام 1958، والحركة التحررية الكردية سنة 1961 والمجزرة الدموية في 1963 ... واستمر هكذا في السبعينات والثمانينات، وحتى السنوات الأخيرة من عمره المديد، طيلة القرن العشرين.
... ومادام الحديث مؤجلاً هنا، عن آراء وفلسفة الجواهري في أحداث الوطن وسجل وقائعه، نقول إن مضامين وفحاوى قصائده، وخاصة في المنعطفات الأهم، جاءت توثيقية متميزة تستند للشواهد، وتصورها بريشة فنان، ومداد مبدع، وعبقرية شاعر.
وإذ نتوقف في هذه السطور بشكل خاص على تأرخة الجواهري السياسية للبلاد العراقية وشعوبها، نجزم أن في الكثير الكثير من قصيده، ثبتاً حافلاً، معنياً بالأحداث والوقائع الثقافية والاجتماعية وشؤون عامة عديدة أخرى، تهم مختلف القطاعات الشعبية: عمالاً ورعاة ومزارعين وشبيبة ونساء وطلبة وأدباء، وغيرهم، مما يجعل ديوانه بحق، ديوان العراقيين جميعاً...
... وارتباطاً مع ما تقدم، بل وتشابكاً معه، نرى أن الشاعر العظيم لم يتردد في أن يعلن مدوياً مرات عديدة، ويتباهى بذلك، ومزهواً بما كتب، ووثق، ودعا، وناجى، وصرخ وصدح... ولربما يكفي أن نختصر كل ذلك باستشهاد واحد، في بيت واحد، يلخص كل ما أردنا الحديث عنه، حينما نشير إلى ما زعمه عام 1957 قائلاً:
أنا العراق لساني قلبه، ودمي
فراته، وكياني منه أشطار


مع تحيات مركز الجواهري – براغ
www.jawahiri.com


259
أسماء وشؤون عراقية في ذاكرة موسكو


رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
بعد مساهمتنا التوثيقية "تاريخ عراقي في ذاكرة براغ" في تموز الماضي، ومساهمة د. كاظم حبيب المنشورة قبل أيام عن نادي الرافدين الثقافي في برلين، كم يتمنى المرء أن يتواصل الجهد، ويقرأ مواضيع تالية، على طريق جمع وتوثيق بعض التاريخ العراقي الحافل في الخارج، على مدى نصف القرن الماضي بشكل خاص، الثقافي والسياسي منه، فضلاً عن الاجتماعي والاعلامي، وغيرهما كثير، وذلك في حواضر وعواصم عديدة حفلت ذاكرتها بوقائع وأحداث ومناسبات من غير المقبول أو الطبيعي أن تبقى بعيدة عن الأجيال الجديدة، والقادمة، لما فيها من خبرات ومواقف ومؤشرات غنية، وخاصة من، وعن شخصيات ثقافية وسياسية بارزة... وعلى أساس كل ذلك، وغيره، تأتي هذه الكتابة التوثيقية الموجزة.
لمــــــاذا مـــــوســــكـــو؟
... واختيار موسكو هذه المرة يجيء لاعتبارات عديدة "تبرر" هذا التفضيل، لعل من أهمها المكانة التي تفردت بها هذه العاصمة العظمى على مدى أكثر من سبعين عاماً، وربما تكفي تلك الحقيقة للتوثيق والاهتمام المعنيين... ففي ضوئها يمكن ادراج المزيد من التميز العراقي بل وتفرده في مجالات أثيرة شهدت جميعها أحداثاً وتفاصيل مهمة في انعكاساتها وتداعياتها على الشأن الوطني، لعقود وعقود...
ولاشك في إن هذه المحطات، أو الوقفات، لا يمكن لها على أية حال إلا أن تؤشر وحسب. إيجاز هنا، وإشارات هناك، تمهد لدراسات لاحقة، تاريخية وسياسية، تحتاج لجهد واهتمام ذوي الشأن، وخاصة من "أهل موسكو" الذين هم "أدرى بشعابها"، عاصمة، ومركزاً أول للقرار والتأثير على اصعدة شتى، كانت الجوانب السياسية الأبرز فيها، وقد تفرعت منها، وعنها محاور عديدة أخرى... فما أحرى بالمخضرمين من ذوي العلاقة، والشيوعيين منهم على وجه الخصوص ان يكتبوا للأجيال، وللتاريخ، جوانب من شؤون – وربما شجون – العلاقات الأممية ذات الصلة بالعراق... ففي موسكو كان يجري التساؤل والنقاش والحوار والاختلاف، ثم القرار، الأول، ولن نقول الأخير، لكي نتجنب حساسية البعض، وربما الكثير من الأصدقاء قبل غيرهم... وهنا لن يصبح الأمر مفيداً – وقل مغرياً – للمتابع والقاريء، والمعني قبلهما، دون الحديث عن ادوار القادة الشيوعيين والوطنيين وغيرهم في مثل ذلك السرد التاريخي، والتوثيق "المرتجى" و"المؤمل"... ففي تلك العاصمة العصماء كما نعرف، عاش وأقام ودرس العشرات من السياسيين العراقيين البارزين وفي مقدمتهم الشهيدان الوطنيان فهد، وسلام عادل، زعيما الحزب الشيوعي العراقي، الأشهران حتى عام 1963... وقد سبقهما، وزامنهما، وتلاهما، العشرات من أقرانهم ورفاقهم التي كانت لهم موسكو مستقراً ومغترباً وموقع نشاط متميز، ولمديات زمنية مختلفة...

مبـــدعــــون ومـثـقـفـــون
ودون زعــم باكتشاف كبير، نقول ان موسكو وحدها – دعوا عنكم المدن الروسية والسوفياتية الأخرى – قد احتضنت عشرات المثقفين والأدباء والفنانين والاعلاميين العراقيين وغيرهم، الذين درسوا وأقاموا وأنتجوا وأبدعوا فيها لســــنوات متباينـــة العدد... ولعلنا نكتفي في الاستدلال هنا بالروائي الوطني الأول غائب طعمة فرمان، والمفكر والفنان الرائد محمود صبري، على سبيل المثال لا الحصــــر... وهكذا تأتي الذاكرة – لا الارشيف – بأسماء وشخصيات ثقــافيـــة واعلامية عديدة أخرى دعونا نشير إلى بعضها سريعاً: حسب الشيخ جعفر وفائق بطي وبرهان الخطيب وفؤاد الطائي وجلال الماشطة ومحمد كامل عارف وفلاح الجواهري وسلوى زكو وعفيفة لعيبي وهادي الصكر واحمد النعمان وسعود الناصري وخالد السلطاني وسعدي المالح وكوكب حمزة وفائز الزبيدي وسلام مسافر وماهود احمد وعماد الطائي وحافظ القباني... كما تخرج في موسكو العاصمة، وأخواتها من المدن الروسية والسوفياتية عشــــرات المتخصصين البارزين وأصـــحاب الشهادات العليا الذين اثبتوا جدارتهم، عراقياً وعربياً – على الأقل – ومنهم: نمير العاني وميثم الجنابي ونمير حنا وعبد العزيز وطبان وجميل منير وعقيل الناصري ولطيف منصور وجواد البندر وعطا الخطيب وصبحي منصور وحمزة الجواهري ومحمد معارج وعبد الزهرة العيفاري واسامة نعمان الأعظمي...
سـياســيون ومنــاضــــلون
وعلى صعيد العطاء والنضال الوطني، ولحدّ الشهادة خلال حقبتي النظامين البعثيين الأول والثاني حتى عام 2003، وفي تجربة الكفاح المسلح وغيرها من ميادين النضال، شارك العشرات من خريجي الجامعات والمؤسسات التعليمية في العاصمة موسكو وأخواتها... ومن المجحف أن لا يكتب ويؤرخ لذلك بمزيد من الاستفاضة، بل وحتى التباهي، عن تلك العطاءات والتضحيات الاستثنائية... كما تعاقب في موسكو أيضاً، لا غيرها، العشرات – وقل المئات - من السياسيين العراقيين، والشيوعيين خاصة - ليدرسوا ويتعلموا في السياسة والاقتصاد والتاريخ والفلسفة والعمل الجماهيري... وليعودوا إلى بلادهم نشطاء ومشاركين في نضالات شعبهم وحركته الوطنية... ولا نظنّ ان "السرية" باتت اليوم سبباً يحول دون تعداد و"كشف" الكثير الكثير من الأسماء والتواريخ والأحداث، ففيها من العبر ما يزيد جدوى، وفائدة، عن متطلبات الصيانة وغيرها، مما قد يتعذر بها البعض فيمتنع - وربما يمنع -  عن البوح بما عنده من تفاصيل، أو ببعضها على الأقل...
... ولأن موسكو المركز الأممي، الأول على مدى سبعة عقود، فقد أمّه العشرات من الشخصيات العراقية للمشاركة في مؤتمرات ومهرجانات وندوات سياسية وثقافية واقتصادية وجماهيرية وغيرها، كانت أصداؤها تهز الدنيا بعض الأحايين... فما عسى ان يسجل ذوو العلاقة عن مساهمات عراقية متميزة في مثل تلك المحافل والمنابر والفعاليات، مع التركيز تحديداً على النخبة التي كانت، أو أصبحت مهمة، كالجواهري الكبير وعزيز شريف وزكي خيري ويوسف العاني وحسين مردان وزينب وناهدة الرماح وأقرانهم البارزين بشكل رئيس.
دارســــون وخـــبــــراء
... لقد خرّجت الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية في موسكو، وكما في المدن الروسية والسوفياتية الأخرى، ألوف العراقيين، الذين أنهوا دراساتهم فغادروا إلى بلادهم ليشغل الكثير منهم مراكز وظيفية مهمة، وليطوف كثيرون آخرون في أرجاء الدنيا بعيدين اضطراراً عن وطنهم سنوات مديدة... فأين ذهبوا، ولماذا، وكيف خسر العراق المئات من تلك الكوادر العلمية والفكرية التي احتضنتها ولفترات طويلة بلدان عربية عديدة كالجزائر وليبيا واليمن وسواها، قبل أن يستوطنوا بلدان المهجر في السويد والدانمارك وبريطانيا وهولندا وغيرها ... وبالارتباط مع ما تقدم، سيطول الحديث - على ما نزعم - حول نشاطات أولئك الطلبة التضامنية والثقافية والاجتماعية خلال فترة دراستهم واقامتهم في موسكو خاصة، والمدن الروسية والسوفيتية عامة، ومن خلال منظمتهم الجماهيرية الرئيسية: رابطة الطلبة العراقيين التي نشطت لأكثر من أربعة عقود - بحسب معلوماتنا - بكل تميز واقتدار... ويسوقنا الحديث هنا أيضاً إلى ما زامن هذه المنظمة الطلابية من نشاطات لقرينات عراقية أخرى خاصة بالمثقفين والنساء والشبيبة، ثم ما تلاها بعد عام 1991 من أطر مدنية للمقيمين العراقيين، وإلى اليوم.
للتاريخ الكردي العراقي حصته
وفي هذا السياق لابدّ وأن يشمل التوثيق الذي نعنى به، محطات كردية عراقية بارزة في موسكو، وشقيقاتها الروسيات والسوفيتيات... ومن المؤكد ان تكون أولى تلك المحطات والشهادات عن احتضان الزعيم الكوردي الأبرز، مصطفى بارزاني، وصحبه في الأربعينات، وما رافق ذلك من أحداث ووقائع استمرت لحين عودته إلى العراق عام 1958... كما ينبغي التحدث أيضاً عن عشرات الكورد الذين تخرجوا في معاهد وجامعات موسكو وغيرها من المؤسسات التعليمية، وكذلك الذين عملوا في عدد من مؤسسات النشر والترجمة وغيرها... ومما يحضر في الذاكرة منهم على الأقل: عز الدين مصطفى رسول وكمال خزندار وحسين قاسم العزيز وكاميران قرداغي وبرهان شاوي وعبد الله بشيو... كما نوثق أيضاً عن تأسيس جمعيات خاصة بالطلبة الأكراد والكردستانيين والتي استمرت نشاطاتها لعدة عقود، وربما بعضها مستمر إلى اليوم.
علاقات رسمية ... وسياسية
... ولكي تكون التأرخة التي نحن بصددها أكثر شمولية، نعتقد ان من المهم ان يصار بهذا الاتجاه إلى سرد وان كان موجزاً، ووقفات إضافية عن العلاقات الرسمية بين بغداد وموسكو، ما قبل ثورة تموز 1958، وما بعدها، وبشكل خاص عند مراحل في تلك العلاقات التي نزعم بامكانية حصرها بسنوات محددة نراها على هذا النحو: (1958- 1963) و(1963- 1967) و(1968- 1979) و(1980-1990) و(1991-2003). ثم ما بعد سقوط نظام صدام حسين... ولكل من الفترات الزمنية أعلاه سماتها، وميزاتها، وهمومها السياسية الحزبية، والوطنية العامة... ومن بعض محطاتها المهمة على ما نجتهد: دعم واسناد النظام الجمهوري العراقي الأول، إدانة ومواجهة الانقلاب البعثي في شباط 1963، مرحلة "التطور اللارأسمالي" وما ترتب عليها من "التزامات" و"توجهات"، ثم حقبة معاهدة الصداقة والتضامن في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي، وفترة ســــقوط الجبهة الوطنيـــة في العراق وتجربة الكفاح المسلح لأنهاء (أو اسقاط) الدكتاتورية البعثية في الثمانينات، ثم ســـقوط النظــــام السوفيتي ذاته مطلع التسعينات، وأخيراً فتــــرة الحصـــــار الدولي التي كانت خاتمتها إســــقاط نظام صـــدام حســــين بمســــاعدة القوات الأميركية والمتحالفة معها في 9/4/2003... ويقيناً فإن لكل المحطات اعلاه الكثير من "الأسرار" و"الخبايا" إضافة للمعلن والمعروف، مثل الاتفاقات السياسية والحزبية "العامة" و"الخاصة" بين نظامي موسكو وبغداد وأسبابها، والخلافات المتباينة في تقييم العهد البعثي الأخير، بين الحزب الشيوعي السوفياتي (والروسي في ما بعد) من جهة، وشقيقه الحزب الشيوعي العراقي ومعه عموم الحركة الوطنية في البلاد من جهة أخرى، وما ترتب على ذلك من قضايا وشؤون وشجون... وبشكل رئيس في الثمانينات المنصرمة.
... وأخيـــــــــــــــــــراً
ان من المناسب في هذا السياق وقبل ان يقول المعنيون، وغيرهم، قولتهم، الاعتراف من جديد بأن أمراً مثل هذه التأرخة التي نعني بها، يحتاج لأكثر من جهد، ومساحات زمن طويلة، وربما لمزيد من التنقيب والبحث، فضلاً عما يتبع ذلك من مهام أخرى تحليلية واستنتاجية وغيرها... ولكن لبنة تتلو أخرى، ومساهمة تضيف لغيرها، واستذكاراً هنا وتوثيقاً هناك، سيحقق سجلاً بالغ الأهمية عن بعض التاريخ العراقي الفريد في موسكو، وتلك مهمة جليلة لابد وان يحمل ثقلها المؤهلون... لاسيما وثمة العديد من الدراسات والكتب والمذكرات والذكريات العراقية تعدُّ مصادر ثرة، وغنية للباحثين أو المتوجهين للمشاركة في مثل هذه المهمة الجليلة... وهنا نبادر فنشير إلى شخصيات ومعنيين قادرين على أن يطلقوا رصاصة البدء - الرياضية طبعاً - لمارثون طويل، بهذا الشأن، ولعل أبرز من نعنيهم هنا، ووفقاً لاجتهاد آمل ان يكون في موقعه: ثمينة عادل، كمال شاكر، مصطفى الدوغجي، عبد الله حبه، علي عبد الرزاق، رشيد رشدي، عدنان الأعسم، وليد شلتاغ، حكمة حكيم، صلاح زنكنة، ناظم الجواهري، حمزة محسن، جلال خضير... وكثيرين آخرين معروف جهدهم، وبينة قدراتهم، ومعنيين بهذا القدر أو ذاك، عن ذلك التأريخ العراقي في موسكو، الذي ندعو للمشاركة في توثيقه.
توضــــيحــات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- إضافة للمصادر ذات الصلة، جاء العديد من المعلومات والخلاصات في السطور السابقة عن ذكريات خاصة وعامة للكاتب، والذي عُني، وكلف لأكثر من عشر سنوات (1979-1989) بمتابعة النشاطات الجماهيرية العراقية في الاتحاد السوفياتي، والطلابية منها بشكل خاص.
- تحسبا لما قد يرد من "تنطع" أو "تقوّل" هنا وهناك، حول بعض ما ورد في محاولة التأرخة أعلاه، يهمني التأكيد مجدداً أن غالبية ما جرى التطرق إليه يحتاج لمزيد ومزيد من الاضافات والتفاصيل والملاحظات الهادفة... معتذراً في نفس الوقت عن اغفال أسماء تارة، أو تاريخ وأحداث تارة أخرى، والعتب كله على الذاكرة وحسب.
مع تحيات
وكالة بابيلون للاعلام
www.babylon90.com

260
أسماء وشؤون عراقية في ذاكرة موسكو
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
بعد مساهمتنا التوثيقية "تاريخ عراقي في ذاكرة براغ" في تموز الماضي، ومساهمة د. كاظم حبيب المنشورة قبل أيام عن نادي الرافدين الثقافي في برلين، كم يتمنى المرء أن يتواصل الجهد، ويقرأ مواضيع تالية، على طريق جمع وتوثيق بعض التاريخ العراقي الحافل في الخارج، على مدى نصف القرن الماضي بشكل خاص، الثقافي والسياسي منه، فضلاً عن الاجتماعي والاعلامي، وغيرهما كثير، وذلك في حواضر وعواصم عديدة حفلت ذاكرتها بوقائع وأحداث ومناسبات من غير المقبول أو الطبيعي أن تبقى بعيدة عن الأجيال الجديدة، والقادمة، لما فيها من خبرات ومواقف ومؤشرات غنية، وخاصة من، وعن شخصيات ثقافية وسياسية بارزة... وعلى أساس كل ذلك، وغيره، تأتي هذه الكتابة التوثيقية الموجزة.
لمــــــاذا مـــــوســــكـــو؟
... واختيار موسكو هذه المرة يجيء لاعتبارات عديدة "تبرر" هذا التفضيل، لعل من أهمها المكانة التي تفردت بها هذه العاصمة العظمى على مدى أكثر من سبعين عاماً، وربما تكفي تلك الحقيقة للتوثيق والاهتمام المعنيين... ففي ضوئها يمكن ادراج المزيد من التميز العراقي بل وتفرده في مجالات أثيرة شهدت جميعها أحداثاً وتفاصيل مهمة في انعكاساتها وتداعياتها على الشأن الوطني، لعقود وعقود...
ولاشك في إن هذه المحطات، أو الوقفات، لا يمكن لها على أية حال إلا أن تؤشر وحسب. إيجاز هنا، وإشارات هناك، تمهد لدراسات لاحقة، تاريخية وسياسية، تحتاج لجهد واهتمام ذوي الشأن، وخاصة من "أهل موسكو" الذين هم "أدرى بشعابها"، عاصمة، ومركزاً أول للقرار والتأثير على اصعدة شتى، كانت الجوانب السياسية الأبرز فيها، وقد تفرعت منها، وعنها محاور عديدة أخرى... فما أحرى بالمخضرمين من ذوي العلاقة، والشيوعيين منهم على وجه الخصوص ان يكتبوا للأجيال، وللتاريخ، جوانب من شؤون – وربما شجون – العلاقات الأممية ذات الصلة بالعراق... ففي موسكو كان يجري التساؤل والنقاش والحوار والاختلاف، ثم القرار، الأول، ولن نقول الأخير، لكي نتجنب حساسية البعض، وربما الكثير من الأصدقاء قبل غيرهم... وهنا لن يصبح الأمر مفيداً – وقل مغرياً – للمتابع والقاريء، والمعني قبلهما، دون الحديث عن ادوار القادة الشيوعيين والوطنيين وغيرهم في مثل ذلك السرد التاريخي، والتوثيق "المرتجى" و"المؤمل"... ففي تلك العاصمة العصماء كما نعرف، عاش وأقام ودرس العشرات من السياسيين العراقيين البارزين وفي مقدمتهم الشهيدان الوطنيان فهد، وسلام عادل، زعيما الحزب الشيوعي العراقي، الأشهران حتى عام 1963... وقد سبقهما، وزامنهما، وتلاهما، العشرات من أقرانهم ورفاقهم التي كانت لهم موسكو مستقراً ومغترباً وموقع نشاط متميز، ولمديات زمنية مختلفة...

مبـــدعــــون ومـثـقـفـــون
ودون زعــم باكتشاف كبير، نقول ان موسكو وحدها – دعوا عنكم المدن الروسية والسوفياتية الأخرى – قد احتضنت عشرات المثقفين والأدباء والفنانين والاعلاميين العراقيين وغيرهم، الذين درسوا وأقاموا وأنتجوا وأبدعوا فيها لســــنوات متباينـــة العدد... ولعلنا نكتفي في الاستدلال هنا بالروائي الوطني الأول غائب طعمة فرمان، والمفكر والفنان الرائد محمود صبري، على سبيل المثال لا الحصــــر... وهكذا تأتي الذاكرة – لا الارشيف – بأسماء وشخصيات ثقــافيـــة واعلامية عديدة أخرى دعونا نشير إلى بعضها سريعاً: حسب الشيخ جعفر وفائق بطي وبرهان الخطيب وفؤاد الطائي وجلال الماشطة ومحمد كامل عارف وفلاح الجواهري وسلوى زكو وعفيفة لعيبي وهادي الصكر واحمد النعمان وسعود الناصري وخالد السلطاني وسعدي المالح وكوكب حمزة وفائز الزبيدي وسلام مسافر وماهود احمد وعماد الطائي وحافظ القباني... كما تخرج في موسكو العاصمة، وأخواتها من المدن الروسية والسوفياتية عشــــرات المتخصصين البارزين وأصـــحاب الشهادات العليا الذين اثبتوا جدارتهم، عراقياً وعربياً – على الأقل – ومنهم: نمير العاني وميثم الجنابي ونمير حنا وعبد العزيز وطبان وجميل منير وعقيل الناصري ولطيف منصور وجواد البندر وعطا الخطيب وصبحي منصور وحمزة الجواهري ومحمد معارج وعبد الزهرة العيفاري واسامة نعمان الأعظمي...
سـياســيون ومنــاضــــلون
وعلى صعيد العطاء والنضال الوطني، ولحدّ الشهادة خلال حقبتي النظامين البعثيين الأول والثاني حتى عام 2003، وفي تجربة الكفاح المسلح وغيرها من ميادين النضال، شارك العشرات من خريجي الجامعات والمؤسسات التعليمية في العاصمة موسكو وأخواتها... ومن المجحف أن لا يكتب ويؤرخ لذلك بمزيد من الاستفاضة، بل وحتى التباهي، عن تلك العطاءات والتضحيات الاستثنائية... كما تعاقب في موسكو أيضاً، لا غيرها، العشرات – وقل المئات - من السياسيين العراقيين، والشيوعيين خاصة - ليدرسوا ويتعلموا في السياسة والاقتصاد والتاريخ والفلسفة والعمل الجماهيري... وليعودوا إلى بلادهم نشطاء ومشاركين في نضالات شعبهم وحركته الوطنية... ولا نظنّ ان "السرية" باتت اليوم سبباً يحول دون تعداد و"كشف" الكثير الكثير من الأسماء والتواريخ والأحداث، ففيها من العبر ما يزيد جدوى، وفائدة، عن متطلبات الصيانة وغيرها، مما قد يتعذر بها البعض فيمتنع - وربما يمنع -  عن البوح بما عنده من تفاصيل، أو ببعضها على الأقل...
... ولأن موسكو المركز الأممي، الأول على مدى سبعة عقود، فقد أمّه العشرات من الشخصيات العراقية للمشاركة في مؤتمرات ومهرجانات وندوات سياسية وثقافية واقتصادية وجماهيرية وغيرها، كانت أصداؤها تهز الدنيا بعض الأحايين... فما عسى ان يسجل ذوو العلاقة عن مساهمات عراقية متميزة في مثل تلك المحافل والمنابر والفعاليات، مع التركيز تحديداً على النخبة التي كانت، أو أصبحت مهمة، كالجواهري الكبير وعزيز شريف وزكي خيري ويوسف العاني وحسين مردان وزينب وناهدة الرماح وأقرانهم البارزين بشكل رئيس.
دارســــون وخـــبــــراء
... لقد خرّجت الجامعات والمعاهد والمؤسسات التعليمية في موسكو، وكما في المدن الروسية والسوفياتية الأخرى، ألوف العراقيين، الذين أنهوا دراساتهم فغادروا إلى بلادهم ليشغل الكثير منهم مراكز وظيفية مهمة، وليطوف كثيرون آخرون في أرجاء الدنيا بعيدين اضطراراً عن وطنهم سنوات مديدة... فأين ذهبوا، ولماذا، وكيف خسر العراق المئات من تلك الكوادر العلمية والفكرية التي احتضنتها ولفترات طويلة بلدان عربية عديدة كالجزائر وليبيا واليمن وسواها، قبل أن يستوطنوا بلدان المهجر في السويد والدانمارك وبريطانيا وهولندا وغيرها ... وبالارتباط مع ما تقدم، سيطول الحديث - على ما نزعم - حول نشاطات أولئك الطلبة التضامنية والثقافية والاجتماعية خلال فترة دراستهم واقامتهم في موسكو خاصة، والمدن الروسية والسوفيتية عامة، ومن خلال منظمتهم الجماهيرية الرئيسية: رابطة الطلبة العراقيين التي نشطت لأكثر من أربعة عقود - بحسب معلوماتنا - بكل تميز واقتدار... ويسوقنا الحديث هنا أيضاً إلى ما زامن هذه المنظمة الطلابية من نشاطات لقرينات عراقية أخرى خاصة بالمثقفين والنساء والشبيبة، ثم ما تلاها بعد عام 1991 من أطر مدنية للمقيمين العراقيين، وإلى اليوم.
للتاريخ الكردي العراقي حصته
وفي هذا السياق لابدّ وأن يشمل التوثيق الذي نعنى به، محطات كردية عراقية بارزة في موسكو، وشقيقاتها الروسيات والسوفيتيات... ومن المؤكد ان تكون أولى تلك المحطات والشهادات عن احتضان الزعيم الكوردي الأبرز، مصطفى بارزاني، وصحبه في الأربعينات، وما رافق ذلك من أحداث ووقائع استمرت لحين عودته إلى العراق عام 1958... كما ينبغي التحدث أيضاً عن عشرات الكورد الذين تخرجوا في معاهد وجامعات موسكو وغيرها من المؤسسات التعليمية، وكذلك الذين عملوا في عدد من مؤسسات النشر والترجمة وغيرها... ومما يحضر في الذاكرة منهم على الأقل: عز الدين مصطفى رسول وكمال خزندار وحسين قاسم العزيز وكاميران قرداغي وبرهان شاوي وعبد الله بشيو... كما نوثق أيضاً عن تأسيس جمعيات خاصة بالطلبة الأكراد والكردستانيين والتي استمرت نشاطاتها لعدة عقود، وربما بعضها مستمر إلى اليوم.
علاقات رسمية ... وسياسية
... ولكي تكون التأرخة التي نحن بصددها أكثر شمولية، نعتقد ان من المهم ان يصار بهذا الاتجاه إلى سرد وان كان موجزاً، ووقفات إضافية عن العلاقات الرسمية بين بغداد وموسكو، ما قبل ثورة تموز 1958، وما بعدها، وبشكل خاص عند مراحل في تلك العلاقات التي نزعم بامكانية حصرها بسنوات محددة نراها على هذا النحو: (1958- 1963) و(1963- 1967) و(1968- 1979) و(1980-1990) و(1991-2003). ثم ما بعد سقوط نظام صدام حسين... ولكل من الفترات الزمنية أعلاه سماتها، وميزاتها، وهمومها السياسية الحزبية، والوطنية العامة... ومن بعض محطاتها المهمة على ما نجتهد: دعم واسناد النظام الجمهوري العراقي الأول، إدانة ومواجهة الانقلاب البعثي في شباط 1963، مرحلة "التطور اللارأسمالي" وما ترتب عليها من "التزامات" و"توجهات"، ثم حقبة معاهدة الصداقة والتضامن في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي، وفترة ســــقوط الجبهة الوطنيـــة في العراق وتجربة الكفاح المسلح لأنهاء (أو اسقاط) الدكتاتورية البعثية في الثمانينات، ثم ســـقوط النظــــام السوفيتي ذاته مطلع التسعينات، وأخيراً فتــــرة الحصـــــار الدولي التي كانت خاتمتها إســــقاط نظام صـــدام حســــين بمســــاعدة القوات الأميركية والمتحالفة معها في 9/4/2003... ويقيناً فإن لكل المحطات اعلاه الكثير من "الأسرار" و"الخبايا" إضافة للمعلن والمعروف، مثل الاتفاقات السياسية والحزبية "العامة" و"الخاصة" بين نظامي موسكو وبغداد وأسبابها، والخلافات المتباينة في تقييم العهد البعثي الأخير، بين الحزب الشيوعي السوفياتي (والروسي في ما بعد) من جهة، وشقيقه الحزب الشيوعي العراقي ومعه عموم الحركة الوطنية في البلاد من جهة أخرى، وما ترتب على ذلك من قضايا وشؤون وشجون... وبشكل رئيس في الثمانينات المنصرمة.
... وأخيـــــــــــــــــــراً
ان من المناسب في هذا السياق وقبل ان يقول المعنيون، وغيرهم، قولتهم، الاعتراف من جديد بأن أمراً مثل هذه التأرخة التي نعني بها، يحتاج لأكثر من جهد، ومساحات زمن طويلة، وربما لمزيد من التنقيب والبحث، فضلاً عما يتبع ذلك من مهام أخرى تحليلية واستنتاجية وغيرها... ولكن لبنة تتلو أخرى، ومساهمة تضيف لغيرها، واستذكاراً هنا وتوثيقاً هناك، سيحقق سجلاً بالغ الأهمية عن بعض التاريخ العراقي الفريد في موسكو، وتلك مهمة جليلة لابد وان يحمل ثقلها المؤهلون... لاسيما وثمة العديد من الدراسات والكتب والمذكرات والذكريات العراقية تعدُّ مصادر ثرة، وغنية للباحثين أو المتوجهين للمشاركة في مثل هذه المهمة الجليلة... وهنا نبادر فنشير إلى شخصيات ومعنيين قادرين على أن يطلقوا رصاصة البدء - الرياضية طبعاً - لمارثون طويل، بهذا الشأن، ولعل أبرز من نعنيهم هنا، ووفقاً لاجتهاد آمل ان يكون في موقعه: ثمينة عادل، كمال شاكر، مصطفى الدوغجي، عبد الله حبه، علي عبد الرزاق، رشيد رشدي، عدنان الأعسم، وليد شلتاغ، حكمة حكيم، صلاح زنكنة، ناظم الجواهري، حمزة محسن، جلال خضير... وكثيرين آخرين معروف جهدهم، وبينة قدراتهم، ومعنيين بهذا القدر أو ذاك، عن ذلك التأريخ العراقي في موسكو، الذي ندعو للمشاركة في توثيقه.
توضــــيحــات ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- إضافة للمصادر ذات الصلة، جاء العديد من المعلومات والخلاصات في السطور السابقة عن ذكريات خاصة وعامة للكاتب، والذي عُني، وكلف لأكثر من عشر سنوات (1979-1989) بمتابعة النشاطات الجماهيرية العراقية في الاتحاد السوفياتي، والطلابية منها بشكل خاص.
- تحسبا لما قد يرد من "تنطع" أو "تقوّل" هنا وهناك، حول بعض ما ورد في محاولة التأرخة أعلاه، يهمني التأكيد مجدداً أن غالبية ما جرى التطرق إليه يحتاج لمزيد ومزيد من الاضافات والتفاصيل والملاحظات الهادفة... معتذراً في نفس الوقت عن اغفال أسماء تارة، أو تاريخ وأحداث تارة أخرى، والعتب كله على الذاكرة وحسب.
مع تحيات
وكالة بابيلون للاعلام

www.babylon90.com

261
وقفة أخرى حول التاريخ العراقي في براغ

رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com


بعد نشر دراستنا التوثيقية الموسومة "تاريخ عراقي في ذاكرة براغ" في العديد من وسائل الاعلام قبل فترة وجيزة، واصدارها تالياً بكراس خاص في تموز (يوليو) الماضي، وردت إلينا حولها، وبصددها، ملاحظات وإضافات متنوعة، كنا نتوقعها، بل وطلبنا مثلها، بهدف اتمام ما نقص في تلك الدراسة من تفاصيل، أو تصحيح ما ورد فيها من تواريخ وأحداث واستنتاجات، ولاسيما من المعنيين وذوي العلاقة...
وإذ سنشير في التالي من السطور، ونوثق لأهم ما وصل حتى الآن من الاضافات والتوضيحات، فمازلنا نطلب المزيد والمزيد، خاصة وقد علمنا، ان ثمة عتباً هنا، و"انتقادات" هناك، قيلت شفاهاً، أو عبر وسطاء وبصاصين ومتنصتين، وهو ما لا يعول عليه كثيراً، ولا يمكن اعتماده، سيّما ونحن في صدد التوثيق والتأرخة أولاً، وأخيراً، وليس لاجتراح البطولات "الدونكوشيتية" أو التباهي بالأمجاد التليدة، عاجزين أو متقاعسين عن القيام بفعل جاد، يتناسب وعالم اليوم، المعاصر، الحديث علماً ومعرفةً وفكراً متنوراً، بعيداً عن "الجاهلية" والجمود العقائدي والنحيب على الأطلال...
... وبعيداً عن أهواء ومزاعم "المناضلين الجدد" والمتنطعين، والمنتحلين سمات السياسة والثقافة "يظنونها جبباً ترتدى"... وتقولاتهم وانتقاداتهم اللئيمة، نعود للأصدقاء والمعنيين الأعزاء ممن كتب، أو نوّه، أو أضاف بشأن دراستنا حول بعض التاريخ العراقي في براغ، فننقل ان رئيس بعثة بغداد الدبلوماسية لدى الجمهورية السلوفاكية حسن قاسم حسن الشيخ قد اشر ان فترة التمثيل الدبلوماسي العراقي الأول في براغ بعهدة السفير قاسم حسن، كانت متميزة ومشهوداً لها، وحتى الانقلاب البعثي الأول في بغداد (شباط 1963)، وعليه فلا يمكن ان تقارن تلك الفترة، مع الفترات والعهود "الدبلوماسية" الأخرى التي توالت خلال الأعوام الخمسين، التي أرخت لها دراستنا موضع هذه المتابعة...
كما نشير في هذا السياق الى ما زودنا به الاقتصادي، والسياسي العراقي المخضرم د. موفق فتوحي، وخلاصته ان مكتباً، أو مركزاً، افتتحه في العاصمة التشيكية براغ عام 2001، "المؤتمر الوطني العراقي بزعامة د. احمد الجلبي،  معارضاً لسلطة صدام حسين ونظامه الدكتاتوري... وقد نهض بجملة نشاطات مهمة، وعلى مدى عامين تقريباً، بحسب الكاتب الذي أكد أن من جملة من عمل معه، وهو المسؤول الأول عن ذلك المكتب، أو المركز: ماجد شماس وعدنان عنيزان، وكذلك حميد الياسري (في براتسلافا).
... كما ونشير في هذا السياق إلى معلومات توضيحية من الناشط السياسي العراقي طه معروف، عن تشكيلات ومنظمات طلابية وسياسية تابعة، أو مرتبطة، أو موجهة من جانب المركزين الكرديين، الرئيسيين في العراق، الاتحاد الوطني، والحزب الديمقراطي، قد نشطت في براغ وغيرها من المدن التشيكية، وكذلك السلوفاكية خلال الأعوام الخمسين، موضع الدراسة... وان مسؤولين بارزين من ذينك الحزبين الكردستانيين، وعلى أرفع المستويات، زاروا البلاد التشيكية في تلك الفترة، عدة مرات لمهام وعلاقات سياسية وغيرها...
... وفضلاً عما تقدم، نوّه إلينا أحد المنتسبين السابقين لحزب البعث وتشكيلاته الطلابية في براغ بالقول، ان ليس جميع البعثيين العراقيين الدارسين أو العاملين في البلاد التشيكية والسلوفاكية، كانوا موافقين على نهج قيادات السلطة في بغداد، أو ممثلياتها "الدبلوماسية" في براغ... وان بعضهم قد عاب، وانتقد، بل وترك التنظيم البعثي، وأية علاقة به وخاصة بعد عام 1979، احتجاجاً على السياسة الحزبية والرسمية، وبشكل رئيس على ممارسات القمع والارهاب والقتل والحروب وما إليها، وعداها، من وقائع أدانها الضمير الانساني قبل التاريخ، بحسب "البعثي" السابق الذي طلب عدم نشر اسمه، في الوقت الراهن على الأقل...
... وأخيراً، نجدد وفي عُجالة أيضاً، الامتنان الكبير سلفاً، ودائماً، للمزيد من الملاحظات والاضافات والتوضيحات ذات الشأن، وكل ذلك من أجل استكمال الدراسة التوثيقية، التسجيلية عن شؤون ومحطات سياسية وثقافية عراقية، في براغ، على مدى نصف قرن، والتي شهدت - كما سبق التأكيد - وقائع وأحداثاً مهمة، ومؤثرة في تاريخ الحركة الوطنية العراقية عموماً، وعلى مدى عقود طوال، وفي ستينات وسبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي بشكل خاص.

مع تحيات بابيلون للاعلام
www.babylon90.com

262
لماذا اهمل النقد العربي الجواهري ، شاعر "عصره"؟

رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
تحت العنوان أعلاه، نشرت في صحيفة الحياةاللندنية، وعدد من مواقع الانترنيت، بتاريخ 27/7/2008، أي في يوم الذكرى السنوية الحادية عشرة لرحيل الجواهري، مادة – دراسة كتبها (ماجد السامرائي - بغداد) تم فيها تناول العديد من الشؤون التي يقصدها (أولا يقصدها) العنوان ... وإذ لا يمكن ان نبخس هنا الجهد الذي بذله الكاتب لاتمام مادته عموماً، أحسب أن ثمة ملاحظات وتوضيحات ينبغي التوقف عندها، وان بسرعة وإيجاز، وذلك بهدف التوثيق ومناقشة بعض "الاستنتاجات" و"الاجتهادات" ذات الصلة، ومنها:
1- لم يوثق الكاتب استنتاجه (السهل – الممتنع) بأن الجواهري لم يعد "يجد جمهوره" منذ نهايات الخمسينات الماضية... ونظن، وبعض الظن ليس اثماً، ان اطلاق الكلام على عواهنه يضعف أي نص، ويحيله إلى خطابية تقليدية، يمكن لأي كان أن "يستنتج" من خلالها ما يشاء، وبدون حساب، ليطال مـِـن، او يعظم مـَـن يريد، وفق أهواء أو اسقاطات ذاتية، أكثر منها تحليلاً وتسجيلاً للأحداث والوقائع.
2- ... وبكل سهولة ويسر، حسم السيد الكاتب الأمر الذي يريد، فوصف غالبية ما كـُـتب عن الجواهري "غثاً" و"مبتسراً" ولا ندري (وهل ثمة من يدري...؟) ان كان يقصد بذلك ما كتبه المخزومي والطاهر وهادي، وحسن العلوي ومحمد حسين الأعرجي وسليمان جبران وكريم مروه وجبرا ابراهيم جبرا ومحمود امين العالم ... على سبيل المثال لا الحصر؟... كما نتسائل أيضاً: هل دفعت تلكم البحوث والدراسات بين يدي السيد الكاتب؟
3- وفي حديثه عن منفى (مغترب) الجواهري الأخير الذي تسبب في ابتعاد النقاد والنقد عنه، بحسب زعم الدراسة - المقالة، عدَّ السيد الكاتب ثلاثين عاماً لا نعرف من أين أتى بها... وهي في الواقع سبعة عشر عاماً (1980-1997) والاثنان الأخيران منها عاشهما الشاعر الكبير تحت وطأة المرض... ونحن إذ نشير إلى ذلك تحديداً، فلكي يستطيع القاريء المعني معرفة التاريخ الدقيق ويستنتج بشأنه، بنفسه، وليس وفقاً لما يريده الآخرون دفعه إليه قسراً...
4- وفي إطار الحديث عن ضرورة معاناة المبدع، لكي يستطيع العطاء "الحقيقي"، توصل السيد الكاتب إلى ان الجواهري لم يعش في أعوامه الأخيرة هموم مواطنيه العراقيين، وما نزل عليهم من "مطر" مآسٍ ومعاناة وجحيم، كما جاء في متن الموضوع - الدراسة... فهل نفهم المطلوب – وفقاً لذلك – ضرورة، وإلزام الجواهري، وهو ابن ثمانين وتسعين، ليتحمل مثل ذلك "المطر" والضيم والصواعق فيعود إلى العراق ليعاني، ويبدع!
5- أما ما كتبه السيد السامرائي بشأن قصيدة التتويج فهي ليست المرة الأولى (وأجزم أنها لن تكون الأخيرة) التي تجري الإشارة إليها من "نقاد" أو"كتاب" أو"متربصين"، وكأن شعر الجواهري الذي تتجاوز أبياته الخمسة والعشرين ألفاً، يمكن اختصاره – وبحسب أهواء شخصية - في القصيدة التي ألقاها بمناسبة تتويج الملك فيصل الثاني عام 1953... أما ما سمي "قصيدة" الهجاء – الرد على تلك القصيدة، فمن المعيب على ما نرى ان يـُـعدّ مثل ذلك الشتم الشارعي "شعراً" كتبه مجهول خجل حتى من ذكر اسمه، ليعوّل عليه البعض في المقارنة، وخاصة من باحثين أو دارسين يعتدون بأنفسهم، قبل أن يعتدّ الآخرون بهم.
 
... أخيراً فقد كنا نأمل أيضاً أن يتوقف السيد الكاتب على مسببات أخرى تجيب عن التساؤل الذي حمله العنوان الرئيس، المهم، للمادة، وأعني بها، أو من بينها على الأقل، أفكار التنوير التي حملتها قصائد الجواهري، والتي أراها من العوامل الأبرز التي حجمت "النقد العربي" من تناول الشاعر الكبير بالمستوى الذي يستحقه... ذلك إضافة إلى عوامل أخرى لعلّ من بينها عداء البعض لكل من هو عراقي ومراعاة العديد من "النقاد" العرب ومجاملتهم لمؤسساتهم الرسمية، ومسؤوليهم "الثقافيين" وغيرهم، من أصحاب الحل والربط، والعطاء والهبات، وخشية أن ينالهم سيف ذوي القربى، وهو أشد مرارة على ما يقال!
 
مع تحيات مركز الجواهري في براغ
 
www.jawahiri.com


263
الجواهري - زكي خيري - محمود صبري ... من شخصياته البارزة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ عراقي في ذاكرة براغ ... 3/3
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
توقف القسمان الأول والثاني من هذه التأرخة اللذان نُشرا قبل أيام، عند بدايات ومحطات عن التأسيس العراقي في براغ، والسياسي منه بشكل خاص، وعن فعاليات ونشاطات أخرى مختلفة، من بينها تضامنية ودبلوماسية وثقافية... وفي التالي القسم الثالث والأخير من هذه المساهمة التي سعت للتوثيق أولاً، وقبل أي هدف آخر.

* المنتدى العراقي
... بعد التغييرات التي شهدتها الأوضاع السياسية وانهيار النظام "الاشتراكي" في براغ اواخر العام 1989، تطلبت الظروف "الذاتية" و"الموضوعية"- وفق التعبير الدارج - تأسيس اطار اجتماعي جديد جاء تحت اسم "ناد ٍ"ٍ عام يضم العراقيين المقيمين والعاملين في البلاد التشيكية. وهكذا جرى الاعلان عنه في آيار 1991 وبحضور أكثر من مئة مشارك في مؤتمره التأسيسي... وقد انتخب عبد الحليم جعفر رئيساً أول للنادى ليعقبه بعد ذلك علاء صبيح وفيصل عبد الرزاق وخالد العلي وعواطف جبو، اضافة لنوابهم: حسين العامل، محمد الأسدي، نزار البياتي، خير الله رستم، ابراهيم الجواهري، وتم انتخاب بعضهم لأكثر من دورة سنوية... وقد قام النادي (الذي تغير اسمه الى المنتدى عام 2003)، بعشرات الفعاليات الاجتماعية والثقافية والوطنية العامة... وقد سعى، والى اليوم، لاستقطاب ابناء الجالية ولم شملهم وتوطيد علاقاتهم مع بلادهم وشعبهم، وذلك بفعاليات وتصورات يجتهد القائمون على قيادة العمل، والأعضاء النشطاء، بأهميتها، ومناسبتها...
... ومادام الحديث هنا قد شمل التوقف عند نشاط النادي (المنتدى) العراقي كمنظمة مدنية، ديمقراطية عامة، فلعل من المجدي أن نشير كذلك إلى بعض آخر من المنظمات القرينة، أو الشبيهة الأخرى، التي أسسها، أو شارك ويواصل النشاط، فيها عراقيون في براغ ومدن تشيكية أخرى ومنها: مركز الجواهري الثقافي الذي بدأ نشاطه عام 2002، الوقف الاسلامي في برنو (1999)، الرابطة التشيكية – العراقية (2004)، غرفة التجارة التشيكية – العربية 1994-2007... ثم الجمعية التشيكية – العربية منذ انبثاقها عام 1992، وإلى اليوم... كما يمكن التنويه أيضاً، بهذه الصورة او تلك الى مؤسسة بابيلون للاعلام والثقافة والنشر، والتي انطلق نشاطها من براغ عام 1990 وتواصله إلى اليوم... ذلك اضافة إلى المشاركة العراقية النشيطة في احد فروع ومراكز طلابية وثقافية كردية في أوربا الاي اتخذت من عاصمة بلاد التشيك مقراً له طيلة سنوات عديدة، وبعضها إلى اليوم... ولمزيد من التوثيق نشير هنا إلى أن من بين الناشطين في تلك الأطر والمنظمات التي أشرنا لها في السطور السابقة: منيب حسن الراوي، عدنان الأعسم، شيرزاد القاضي، خليل جندي رشو، خليل شمه، خير الله رستم، عصام الزند، وفيصل عبد الرزاق... إضافة إلى كاتب هذه السطور، التسجيلية التاريخية.

* اذاعة أوربا الحرة
في عام 1999 بدأت اذاعة "أوربا الحرة" ، الممولة من الكونغرس الأميركي، بث برنامج يومي موجه من براغ، لدعم نضالات الشعب العراقي في مقارعة النظام الدكتاتوري، ومساعدة المعارضة الوطنية على تغييره... وقد كان طبيعياً أن يتطلب ذلك الأمر انشغال، واشتغال اعلاميين واذاعيين عراقيين ليتخصصوا في تحرير واعداد وترجمة البرامج وغيرها من شؤون ذات صلة... وذلك ما حدث بالفعل حين نشطت في تلك الاذاعة الموجهة لفترات زمنية مختلفة، وإلى الآن، شخصيات وأسماء اعلامية وثقافية عديدة منها: كاميران قره داغي، صادق الصائغ، سامي شورش، شيرزاد القاضي، غزوة الخالدي، فلاح موسى، فريال حسين، فارس عمر، ميسون ابو الحب، حسين سعيد، ديار بامرني، نجيب بالاي، سميرة مندي، ناظم ياسين، مؤيد الحيدري وغيرهم...

* عراقيات في براغ
... في اطار التجمعات والمهام السياسية والثقافية والاجتماعية العراقية في بلاد التشيك، برز اكثر من دور لناشطات عراقيات في هذا المجال أو ذاك... ولعل من أهم ما تحتفظ به الذاكرة البراغية عن أسماء ونشاطات النسوة العراقيات سيشير إلى الشيوعية والوطنية نزيهة الدليمي، ورفيقاتها بشرى برتو وسعاد خيري ونضال وصفي طاهر... وكذلك: وسن عبد الهادي ونسرين وصفي طاهر وساهرة محسن وصنوبر عبد الكريم وايسر خليل شوقي، وغيرهن ممن عملن في مجالات سياسية وديمقراطية مختلفة... ولربما من المناسب – وفقاً لاجتهادنا - ان نشير بهذا السياق الى انتظام العديد من النسوة العراقيات للعمل في المدرسة العربية ببراغ خلال العقدين الأخيرين ومنهن: نيكار ابراهيم وزاهرة هادي كاظم وساجدة علوان ويسار صالح دكله وفائزة حلمي وياسمين عمر ومها الحسن... وغيرهن.
... ومادمنا دخلنا في هذه التفاصيل، والتي ربما يختلف البعض على ضرورتها، دعونا نواصل فنشير إلى أن نساء عراقيات عديدات أقمن، أو درسن في براغ خلال العقود الخمسة الماضية، شاركن – ويشاركن – اليوم في عدد من الفعاليات والمراكز العراقية بالبلاد العراقية، ومنذ سقوط النظام الدكتاتوري في نيسان/ ابريل 2003... ومن بينهن سلمى جبو وخيال الجواهري وسعاد الجزائري وشروق العبايجي وفاتن الجراح... كما نزيد في هذا السياق فنتحدث عن حالة قد تكون استثنائية وجديرة بالذكر وهي انضمام أربع دبلوماسيات إلى السفارة العراقية لدى تشيكيا، منذ عام 2004، وإلى الآن، وهن: سهير حسين، آلاء العبيدي، آمال فيروز وكردستان كتاني... وتلك هي المرة الأولى التي تسود فيها هذه الحالة لدى بعثة بغداد الدبلوماسية لدى براغ، على مدى العقود الخمسة الفائتة، وفقاً للمعلومات المتوفرة.

* مستثمرون ورجال أعمال
... وباتجاه تكامل "اللوحة العراقية" في العاصمة التشيكية أكثر فأكثر، ومن زوايا واضاءات وجوانب أخرى، نرى أهمية الاشارة، وبشكل موجز ومعبّر، إلى ان تحول البلاد إلى اقتصاد السوق بعد تغيير النظام السياسي أواخر العام 1989 قد وفر فرصاً، للاستثمار الحر في مشاريع مختلفة، مثل العقارات والفندقة والسياحة ومجالات التصدير والاستيراد وغيرها، وذلك ما دفع بعدد من العراقيين، وبعضهم نشطاء سياسيون، لتأسيس شركاتهم، ومزاولة عملهم الاقتصادي – أو مواصلته بعد ان كان في الخارج وشغلوا مواقع متباينة، وبعضها مهم جداً، في السوق التشيكية وخارجها، ومنهم وفقاً للأبجدية العربية، مرحلين الحديث عن شكل الاستثمار وحجمه وطبيعته لمصادر وكتابات أخرى: بطرس يوسف، ثائر جبار، جميل شعيوكا، خالد العلي، زهير الدباغ، صاحب ناصر، طه معروف، موفق فتوحي... ونستطرد بهذا السياق لننوه إلى ان قسماً آخر من الكفاءات العراقية، قد أشغل، ويشغل اليوم، وظائف ومسؤوليات في الكثير من المعاهد التعليمية والجامعية والمستشفيات والشركات والمؤسسات الرسمية، والخاصة، وذلك في براغ ومدن عديدة أخرى في البلاد التشيكية...
* راحلون في الغربة ...
بعد سنوات مديدة، متباينة الطول أو القصر، من الدراسة والعمل، أو الاقامة والاغتراب الاضطراري عن البلاد وأهلها، رحل في براغ، لتضمهم تربتها إلى جانب مواطنيها، عراقيون من مختلف الأعمار والأنساب والمهن... ولعل ذلك ما يزيد من المؤشرات التي توثق لشواهد إضافية أعمق في التاريخ العراقي ببراغ خاصة، وأرجاء البلاد التشيكية على وجه العموم... وبمعطيات ملموسة نسجل في هذه السطور أسماء أولئك الراحلين، ممن تختزنهم الذاكرة على الأقل: بلقيس عبد الرحمن، عادل مصري، موسى أسد، مصطفى عبود، خضر عباس، فؤاد الحيدري، عبد الحليم جعفر، أمل محمود بهجت، عزيز البغدادي، زكي خضر، عمر عبد العزيز، غسان الأسدي، إضافة الى قادر ديلان الذي توفي في براغ عام 1999 ونقل رفاته لاحقاً عام 2007 إلى مسقط رأسه في مدينة السليمانية... كما نوثق أيضاً ان عراقيين آخرين قد توفوا في براغ في السنوات الخمس الأخيرة، ولكن جثامينهم نقلت لتورّى الثرى في وطنهم وهم: ماجدة البكري وتالي المالكي وعدنان عنيزان...

* وأخيــــراً
... ختاماً، وقبل ان نصل إلى نهاية هذا التوثيق عن بعض التاريخ العراقي في براغ، نزعم ان كثيراً مما جرى التطرق إليه، كان مشاركات وذكريات ومعايشات شخصية، قُدر للكاتب ان يواكبها، مباشرة، أو عن قرب، بهذه الحالة والمسؤولية أو تلك، لنيف ٍ وثلاثة عقود، مما يضيف للمعلومات التي تضمنتها المساهمة، توثيقاً ملموساً، وشهادات عيان، لاشك أنها بحاجة إلى المزيد من التفاصيل ذات العلاقة، والتي تقصدنا "تحاشيها" أو "تناسيها" لهذا السبب أو ذاك، وفي الوقت الحاضر على الأقل...
رواء الجصاني
تموز/ يوليو 2008

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

احالات واضافات
(1) شهدت براغ خلال العقود التي تتحدث عنها هذه الوثيقة استضافات واقامات وزيارات مختلفة قصيرة، وطويلة، لشخصيات وطنية وسياسية عراقية بارزة، انتظمت أو شاركت في مهام ومسؤوليات "علنية" و"سرية" وتواصلت مع العديد من الفعاليات والاجتماعات العامة والخاصة... وقد يصلح هذا الموضوع بحد ذاته لمساهمة أخرى، منفصلة، قد نعد لها في وقت لاحق، انطلاقاً من أهمية وادوار تلك الشخصيات من جهة، وأسباب وظروف وجودها أو اقامتها في براغ، من جهة ثانية.
(2) نعني بذلك توثيقاً بعنوان "عن ربع قرن في حركة طلابية عراقية مجيدة" أتممه كاتب هذه المادة بمناسبة الذكرى الستين لمؤتمر "السباع" الطلابي الشهير في العراق، ونشر في نيسان/ابريل 2008 في مواقع عديدة على شبكة الانترنيت.
(3) لربما تبرز لدى القراء بعض الاجتهادات حول "تفاصيل" زائدة في هذا التوثيق، أو ايجاز لبعض ما هو ضروري التفصيل عنه... وجميع تلك الملاحظات موضع تقدير وترحيب واحترام، باستثناء "اللئيمة" المغرضة، بهدف الادعاء ليس إلا، وما أكثر نوعه وكمه اليوم...

مع تحيات بابيلون للاعلام / براغ
www.babylon90.com

264
الجواهري - زكي خيري - محمود صبري ... من شخصياته البارزة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تاريخ عراقي في ذاكرة براغ ... 2/3
ــــــــــــــــــــــ
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
نشرنا قبل أيام القسم الأول من هذه التأرخة، والذي تناول بدايات "التأسيس" العراقي في براغ، والسياسي منه بشكل خاص... وفي التالي القسم الثاني، وقبل الأخير، من هذه المساهمة التي تسعى للتوثيق أولاً وقبل أي هدف آخر...

* منظمات عالمية
ضمن توزيع المسؤوليات الأممية بين منظومة البلدان الاشتراكية السابقة، وحتى نهاية عام 1989، تكلفت – او تطوعت – براغ باحتضان واستضافة المنظمات العالمية الديمقراطية الأممية للنقابات، والطلاب، والصحفيين... وقد كان للشيوعيين العراقيين في جميعها ممثلون ومندوبون، ذوو مواقع قيادية فيها لأعوام عديدة، ومنذ أواخر الخمسينات الماضية، باعتبار حزبهم أحد أهم "قوى" الحركات التحررية الوطنية في بلدان العالم الثالث – النامي... وهي أحد ثلاثة أركان في القاعدة التي تم الاستناد اليها في اطلاق وتشكيل تلك المنظمات العالمية – الديمقراطية، إلى جانب الركنين الآخرين: البلدان الاشتراكية، والحركات الشيوعية في البلدان الرأسمالية... فضمن قيادات وتشكيلات تلك المنظمات: اتحاد النقابات العالمي، اتحاد الطلاب العالمي، منظمة الصحفيين العالمية، كان هناك ممثلون ومندوبون عراقيون عديدون ولفترات متباينة ومنهم: في النقابات آرا خاجادور... وفي اتحاد الطلاب نوري عبد الرزاق ومهدي الحافظ وفاروق رضاعة ولبيد عباوي وكاتب هذه السطور... وفي منظمة الصحفيين، وبشكل غير مقيم فخري كريم وفائق بطي... وإلى جانب أولئك الممثلين والمندوبين، كان ثمة عدد من الأعوان والشغيلة العراقيين، ولفترات مختلفة أيضاً. وقد أدت تلك المنابر العالمية ادواراً رائدة في زمانها، وحتى أواخر الثمانينات - بداية التسعينات، الماضية حين انهارت الأنظمة الاشتراكية الراعية لتلك المنظمات، والموجهة لها بشكل مباشر، أو غير مباشر، وطليعتها في الاتحاد السوفياتي السابق... ومن أهم تلك الأدوار السعي لدعم وتنشيط نضال المنظمات الوطنية الأعضاء، ومنها العراقية الديمقراطية، وبأشكال وصور متعددة... وهكذا، وفي ظل تلك الحقائق، جرت العشرات من الفعاليات العراقية ذات الصلة، نظمت بمساعدة المنظمات العالمية، أو برعايتها على الأقل... مع الاستدراك بأن تلك المنظمات ذاتها قد "حجمت" و"اعاقت"، وحتى منعت، أية نشاطات لا تنسجم مع سياساتها وعلاقاتها مع النظام في العراق، في أحايين، وسنوات عديدة عندما كانت تعتبره "معادياً للامبريالية، وسائراً في طريق التطور اللارأسمالي"!... بل ودعمت أيضاً "أجهزة" ذلك النظام، المكلفة بالنشاط في مجالاتها، مثل الطلبة والشبيبة والنساء والعمال وغيرها.
وارتباطاً بما سبقت الاشارة اليه اعلاه، ينبغي التوثيق أيضاً أن منابر عراقية خاصة قد تشكلت وأقامت في براغ لتوجيه النشاطات المركزية الخارجية لقطاعاتها، ومن أهمها لجنة التنسيق المسؤولة عن منظمات الطلبة العراقية الديمقراطية في الخارج وفي أكثر من عشرين بلداً عربياً وأوربياً، وخارجهما، بعض الأحيان... وقد تداول على مسؤولية تلك "المراكز" القيادية، ولفترات متابينة نشطاء عديدون، سبق أن جرى الحديث المفصل عن بعض هذا الشأن في احدى مساهماتنا التوثيقية الأخيرة (2).

* مثقفون واعلاميون
... وكحال جمهرة السياسيين العراقيين الذين أقاموا، وعملوا، وتمرسوا - وتمترسوا - في براغ طيلة العقود الخمسة التي تركز عليها هذه التأرخة، أقامت وأبدعت في عاصمة التشيك نخبة من المثقفين العراقيين المبرزين يتقدمهم الجواهري الخالد، والرائد الكبير محمود صبري... إلى جانب شعراء وأدباء وفنانين، وغيرهم، مثل صادق الصائغ وقادر ديلان وشمران الياسري (ابو كَاطع)، وزاهد محمد، ومجيد الراضي، ومصطفى عبود، ويحيى بابان (جيان)، ومحمود البياتي، ومهدي السعيد، وعصام الصفار، وقيس قاسم... كما عمل اعلاميون واذاعيون عراقيون كثيرون في القسم العربي بهيئة الاذاعة المركزية ببراغ ومنهم: احمد كريم وعادل مصري ومفيد الجزائري وأناهيد بوغوصيان وحسين العامل وموسى اسد... ولربما يصح الحديث هنا بأن ذلك القسم كان حكراً - أو يكاد - للكوادر والشغيلة العراقيين... وفي هذا السياق تجدر الاشارة أيضاً الى ان تشكيلات وأطر معنية متخصصة بالمبدعين والمثقفين والاعلاميين المقيمين في براغ، قد تأسست في عاصمة بلاد التشيك، وخاصة في الثمانينات الماضية، تحت اسم "رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين العراقيين – فرع تشيكوسلوفاكيا"، وانتخب لأدارة مهامها ومسؤولياتها شمران الياسري وعبد الاله النعيمي ورواء الجصاني، اضافة لناشطين آخرين عديدين... وقد قامت تلك الرابطة بفعاليات ونشاطات مختلفة التوجهات، مثل النشر والندوات والمؤتمرات وسواها... وكذلك مساعدة مركز أو شبه مركز، لنشطاء الرابطة المتواجدين في براغ والمعنيين بمهام التنسيق بين فروع "الرابطة" في أوربا ومن بينهم صادق الصائغ ومجيد الراضي ومفيد الجزائري وحميد برتو وآخرون.

* شؤون دبلوماسية ... وسياسية
قامت أول علاقات دبلوماسية بين براغ وبغداد بعيد اشهر من انتصار (حركة – ثورة) الرابع عشر من تموز  العراقية 1958... وشهدت تلك العلاقات على مدى نصف القرن الماضي واقعاً متبايناً في مستوياته، بالارتباط مع طبيعة الانظمة التي هيمنت في البلدين، وطبيعة وشكل العلاقات السياسية والاقتصادية القائمة بينهما... وقد نشط السفراء والدبلوماسيون العراقيون في براغ بتنفيذ توجهات وسياسة بلادهم خلال فترة توليهم المسؤولية... أما حول ما يهم شؤون الجالية العراقية وشجونها فيمكن اختصار القول ان مواقف تلك "البعثات" الدبلوماسية كانت تتراوح بين الملاحقة والرصد والايذاء، وبمساعدة مؤيديها ومخبريها، بصورة عامة، مع بعض الفترات الاستثنائية... وحتى التغيير الذي أطاح بالنظام الدكتاتوري في التاسع من نيسان 2003... ولعل من المناسب الاشارة هنا الى أسماء السفراء العراقيين الذين تداولوا مسؤولية تمثيل بلادهم في براغ ومن بينهم: قاسم حسن، نعمة النعمة، محسن دزئي، عبد الستار الدوري، أنور الحديثي، منذر المطلك، عبد الرزاق محمد صالح... وأخيراً ضياء الدباس (اعتباراً من أواخر العام 2004)... ومما يفيد التنويه به أيضاً أن خصوصية موقع تلك السفارات والبعثات الدبلوماسية، وبحكم التواجد العراقي المعارض ونشاطه، في براغ، دفعت المسؤولين الرسميين والسياسيين في بغداد، وحتى السنوات الخمس الأخيرة الماضية، لتوجيه اهتمام أكبر، بسفرائهم ودبلوماسييهم، ومنحهم مسؤوليات أضخم مقارنة بأقرانهم في البلدان الأخرى.
... وفي هذا السياق، فمن الضروري على ما نرى، أن يجري التوثيق أيضاً بأن علاقات واتفاقات سياسية، وحزبية، وعسكرية وأمنية، علنية وخاصة، تمت بين الحزب الشيوعي الحاكم في براغ اسوة بأنظمة الحكم الأخرى في العديد من البلدان "الاشتراكية" السابقة، مع حزب البعث الحاكم في بغداد، في عقدي السبعينات والثمانينات بشكل محدد... وقد ترتبت عليها التزامات ونتائج لم تكن تحظى بقبول، بل واستهجان، العديد من الأحزاب والقوى السياسية العراقية المعارضة، وعلى مدى عقد كامل تقريباً (1979-1989)... ولحين قيام نظام براغ الجديد "غير الاشتراكي وغير الأممي" الذي دان نظام بغداد، بشكل واضح منذ عام 1990، ودعم تغيير حكم حزب البعث وإنهاء هيمنته السياسية، وعسفه وقمعه للحريات الديمقراطية، وانتهاكاته البشعة لحقوق الانسان... وبعد حدوث التغيير فعلاً في 9/4/2003، دعمت - وتواصل براغ، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، التحولات والمسيرة الجديدة التي شهدها – ويشهدها العراق وبأشكال وطرائق عديدة...

* ... واقتصادية وغيرها
... وارتباطاً بما تقدم، ونعني العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين براغ وبغداد، شهدت العقود الخمسة الفائتة، روابط اقتصادية وثيقة اتخذت أكثر من سبيل... مثل المشاريع الاستثمارية، والاعمارية، والتصدير وإلى غير ذلك من مجالات. وقد اختلفت مستوياتها ومعدلاتها بالتأكيد، في ضوء العلاقات السياسية بين البلدين، واتجاهاتها ودرجة وثوقيتها، وانعكاسات المواقف بشأنها... وإضافة لكل هذا وذاك كان ثمة الكثير من العلاقات والشؤون المتبادلة الأخرى التي ينبغي التوقف عندها كمؤشرات ذات دلالة في ما نحن بصدده من توثيق وتأرخة... ومن أهمها المنح والزمالات والبعثات والدورات التدريبية الدراسية الجامعية والعليا التي وفرتها المعاهد التعليمية والعلمية التشيكية، والسلوفاكية، للطلبة والدارسين العراقيين، والذين تقدر بعض المصادر عددهم بنحو خمسة آلاف، خلال الأعوام الخمسين الماضية... وقد شغل العشرات – وربما المئات – من أولئك الخريجين، والكفاءات منهم خاصة، مواقع ومهاماً ومسؤوليات كثيرة، وسواء في وطنهم العراق، أو بلدان العالم المختلفة التي أقاموا ولجئوا إليها منذ عقود...

* جمعية الطلبة العراقيين
تنبئنا التواريخ ذات العلاقة بأن اول اطار مهني ديمقراطي للطلبة العراقيين في براغ قد انبثق في عام 1959، بعد بدء توافد الطلاب العراقيين للدراسة الجامعية، والعليا، بزمالات وبعثات رسمية، وغيرها... وقد جهد ذلك الاطار العريق الذي سمي "جمعية الطلبة العراقيين في تشيكوسلوفاكيا" في العناية بشؤون ومهام كثيرة كان من أولها، اضافة الى الجوانب الدراسية، رعاية الأعضاء واهتماماتهم الاجتماعية والديمقراطية والوطنية... كما لعبت تلك "الجمعية" دور الهيئة المساعدة لقيادة لجنة التنسيق المركزية في براغ التي تولت – كما سبقت الاشارة – مسؤولية توجيه المنظمات الطلابية العراقية، خارج الوطن، ولنحو ثلاثة عقود على الأقل... ولمزيد من التوثيق نشير الى ان من بين الرؤساء الدوريين (السنويين) لتلك الجمعية الطلابية وبعضهم لعدة مرات: مجيد مسعود، طالب الطالقاني، زهير الدباغ، عبد الحسين شعبان، حميد برتو، بولص مراد، علاء صبيح، تالي المالكي، احسان المالح، ثعبان موزان، محسن شريدة، باسل دانيال...
يتبع القسم الثالث والأخير
مع تحيات بابيلون للاعلام
www.babylon90.com


265
الجواهري - زكي خيري - محمود صبري ... من شخصياته البارزة:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تاريخ عراقي في ذاكرة براغ ... 1/3
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
رواء الجصاني
jassaany@yahoo.com
لا تتميز براغ، العاصمة التشيكية - التشيكوسلوفاكية حتى عام 1993 - بما شهدته، وشهدت عليه من وقائع وشؤون عراقية وحسب... بل وتتفرد من بين عواصم الدنيا – غير العربية على الأقل – في صلتها مع الأحداث والشخصيات العراقية، وصلاتهم بها، ومنذ عام 1958 على وجه الخصوص... وحسبنا الاستشهاد هنا، للتأكيد على ما نزعم، باغتراب الجواهري الكبير إليها، وابداعه فيها طيلة ثلاثين عاماً (1961-1991)... ولجوء، ونشاط الشخصية الوطنية البارزة زكي خيري، لفترات غير قصيرة، على مدى سنوات مختلفة، وحتى العام 1991... وباقامة المفكر والفنان الرائد محمود صبري وعطائه في ربوعها، منذ عام 1963 والى اليوم...
... نشير الى ذلك بهمسات سريعة بارزة الدلالة، لنفتح شهية القارىء، والمتابع في ولوج بعض محطات التاريخ العراقي وشؤونه في براغ، العاصمة الذهبية الوديعة التي أوت، واحتضنت المئات من العراقيين، مناضلين ومثقفين ولاجئين ومغتربين ودارسين، مؤجلين الحديث عن الضيوف والزوار السياسيين والرسميين، والبارزين منهم بشكل خاص...(1).
ولاشك في أن الكثير من الظروف والوقائع، حتمت ان يكون لبراغ مثل هذا الموقع المهم في التاريخ العراقي... ويبرز في المقدمة منها تواجد منظمات واطارات دولية مهمة تشكلت، وأقامت، ونشطت في عاصمة بلاد التشيك، فضلاً عن عوامل وأسباب أخرى تحاول هذه التأرخة، العامة، ان تتوقف عند أكثرها ملموسية، بحسب اجتهادنا، وان بشكل توثيقي موجز، ربما يحفز المعنيين للكتابة عنها، كل حسب موقعه، ورؤاه، وحتى ظنه، خاصة وان الظن لم يعد بعضه اثماً في عالم اليوم الرحيب بكل "الظنون" بل، والحافل بها!

* سياسة وسياسيون
برز أول تواجد عراقي سياسي – مستقر وملموس بتعبير دقيق – في براغ منذ أواسط الخمسينات ضمن تشكيلات مجلة قضايا السلم والاشتراكية المعنية بالحركة والاحزاب الشيوعية، ثم ليتركز في مطلع الستينات، حين بات للحزب الشيوعي العراقي ممثل ثابت في مجلس تحرير تلك المجلة... ثم في هيئة تحريرها، التشكيل الأهم، اعتباراً من عام 1974... وتلك "الهيئة"، مسؤول أول - كما هو معلن على الأقل - عن مهام وشؤون التحرير، والمجلة عموماً... وهو موقع يمنح شاغليه مهاماً و"ميزات" اضافية، مقارنة بمندوبي وممثلي الاحزاب الأخرى إلى المجلة والعاملين فيها، وليسوا بأعضاء في هيئة تحريرها... وقد نُسب لذلك الموقع، لفترات مختلفة، قياديون شيوعيون عراقيون، من بينهم، ودون توثيق التسلسل التاريخي: زكي خيري، نزيهة الدليمي، عزيز الحاج، عادل حبه، حميد مجيد موسى، كاظم حبيب، رحيم عجينه... ذلك الى جانب مساعدين ومحررين ومترجمين ضمن الطاقم العراقي، نذكر منهم، ودون التوقف عند التسلسل الزمني أيضاً: بهاء الدين نوري ومصطفى عبود ونزار ناجي وعزيز سباهي وعدنان الجلبي ويحيى علوان ومجيد الراضي وفالح عبد الجبار وعيسى العزاوي وكريم حسين وعبد الاله النعيمي وعدنان الأعسم وعدنان عنيزان، وغيرهم...
ومن خلال ذلك الموقع العراقي المسؤول في قيادة المجلة، المنبر السياسي والاعلامي الشيوعي الأممي، ذات الصلاحيات الواسعة في البلاد، الممنوحة لها من الحزب الشيوعي الحاكم، شهدت براغ العشرات من الفعاليات العراقية السياسية، الخاصة، وغيرها، مثل اجتماعات ولقاءات المسؤولين الشيوعيين العراقيين، النوعية أو الموسعة، ومنذ مطلع الستينات، وحتى نهاية الثمانينات الماضية بشكل محدد... وكل ذلك إضافة الى نشاطات النشر والاعلام والتوزيع والتوجيه المركزي، لمنظمات الحزب في الخارج، بل وحتى في الداخل لفترات معينة، وقد حتم هذا الواقع ان تكون هناك جملة قرارات وتوجهات تاريخية – وكذلك صراعات - عديدة على صعيد الحركة الشيوعية العراقية الخاصة، او الوطنية العامة، تم اتخاذها في براغ... "يسارية" و"يمينية" وفق مسميات وتعابير الفترة المعنية، ولابد ان يحين موعد الحديث المفصل عنها، ومن جانب ذوي العلاقة بشكل رئيس.
... كما تجدر الاشارة أيضاً في هذا السياق، إلى أن المركز الشيوعي العراقي في المجلة الأممية، وفي براغ عموماً، قد نظم، ورعى وساعد في انجاح العديد من اللقاءات والاجتماعات السياسية الوطنية العراقية المهمة، على مدى الفترة الزمنية التي يتوقف عندها هذا التوثيق... وقد شاركت فيها إلى جانب المسؤولين الشيوعيين، شخصيات سياسية، ووطنية عراقية بارزة ومن مختلف الاتجاهات، المتابعة والمعنية بشأن البلاد وأوضاعها بما فيها الأحداث المهمة، وخاصة في فترات الملاحقة والاضطهاد، التي تعرضت لها الحركة الوطنية والديمقراطية عموماً، وما أكثرها خلال الفترة التي تعنى بها هذه التسجيلات...

* نشاطات تضامنية
... ولأن العقود التي تتحدث عنها هذه المساهمة التوثيقية شهدت الأوضاع الارهابية الأشد استثنائية وقسوة في العراق، فقد كان من الطبيعي ان تكون لبراغ الاشتراكية حتى عام 1989، والرأسمالية بعد ذلك التاريخ، حصتها في حملات التضامن مع الشعب العراقي لسنوات طويلة وبأشكال وصور وأطر مختلفة، شابتها عقدٌ وتعقيدات ليست قليلة بل ومتعارضة في بعض الفترات وفي عقد الثمانينات خصوصاً... ونرى ان المثال الأهم الذي يمكن أن يلخص للفعاليات التضامنية الأبرز التي كانت براغ موقعاً لها، انبثاق "لجنة الدفاع عن الشعب العراقي" واتخاذها من عاصمة البلاد التشيكية مقراً ثابتاً لها... وقد تشكلت هيئتها العليا من شخصيات وطنية بارزة بعيد الانقلاب البعثي الأول في الثامن من شباط/فبراير 1963... ترأسها الجواهري الكبير وضمت نزيهة الدليمي وعزيز الحاج وفيصل السامر وذنون ايوب ومحمود صبري وهاشم عبد الجبار ومجيد الونداوي وصلاح خالص... كما تمثلت الحركة الكوردية فيها بمندوبها غير المقيم جلال الطالباني لفترة من الوقت... وقد برزت اللجنة في عقد المؤتمرات واللقاء التضامنية واصدار البيانات والنشرات، فضلاً عن مجلة "الغد" السياسية المتميزة... ثم توقف نشاط "اللجنة" بعد حوالي سنتين من تشكيلها بسبب ما عرف من تغيرات، وتوجهات جديدة في سياسة الحزب الشيوعي العراقي في آب/اغسطس 1964... والتباين بشأن نظام الحكم السائد في بغداد، والموقف من تغييره، وأشكال ذلك التغيير...

* شهداء ومناضلون
لم يكتف الناشطون السياسيون العراقيون الدارسون والمقيمون والعاملون في براغ – وغيرها من مدن البلاد التشيكية – السلوفاكية، وطوال الأعوام التي تسلطت فيها انظمة دكتاتورية وعنفية في وطنهم، لم يكتفوا بفعاليات التضامن مع شعبهم من أجل التغيير، والديمقراطية... بل شارك الكثير منهم في مجالات غير قليلة من ميادين النضال المتاحة أمامهم، داخل الوطن، مثل العمل السري، وشبه العلني – وحتى العلني في فترات معينة... أما المشاركة الأكثر ميدانية ومباشرة، فقد تمثلت في التحاق جمع منهم بقوى وفصائل المعارضة، والشيوعية المسلحة وغيرها بكردستان العراق، وخاصة في عقد الثمانينات الماضي... ولأن هذه التأرخة لن تدخل في تفاصيل وتغطيات شاملة للأسماء ذات الصلة، سنكتفي في تسجيل ما يتوفر – حتى الآن على الأقل – من أسماء الذين تركوا دراستهم، وإقاماتهم في براغ فاستشهدوا في معمعان النضال... مثل: نزار ناجي يوسف، زهير عمران، بهاء الأسدي، نمير يونس، محمد شاه، ورفيقاهما في الشطر السلوفاكي من البلاد، نعمة عباس وحسين تقي...... وكذلك غازي فيصل الذي استشهد في غارة اسرائيلية على احد مواقع الحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينية في بيروت عام 1981، وهو في طريقه إلى كردستان العراق... (يتبع 2/3)


266
لمحات عن "مقصورة" الجواهري

رواء الجصاني
Jassaany@yahoo.com
نادراً ما كان الجواهري الكبير يجيب عن أسئلة من قبيل: أي قصائده أحب إليه من غيرها... ولكنه كثيراً ما بادر إلى تمييز قصيدة "المقصورة"، بل ووصفها في مرات عديدة ، بأنها الأفرد والأخلد... ويكفي الاستدلال هنا بقوله "لو فنيت جميع أشعاري لبقيت المقصورة"...
... وتلك القصيدة – الملحمة، تتعدى أبياتها المئتين، وهي الأطول في جميع قريضه الذي يتجاوز الخمسة والعشرين ألف بيت، اذاع مقاطع أولى منها عام 1947، ثم نشرت كاملة سنة 1948، وضمتها جميع طبعات دواوينه في بغداد ودمشق وبيروت، مع تقديم يشير إلى أن ثمة مئة وخمسين بيتاً أخريات، عصفت بها الرياح إلى "دجلة الخير"، أو فقدت لأسباب أخرى...
وفي "مقصورته" يجوب الجواهري مختلف أغراض الشعر العربي المعروفة... ويفتتحها بالاعتداد والعنفوان والشموخ "برغم الاباء، ورغم العلى"، داعياً وبقسوة هادرة، "الكرام" للانتصار إليه من المعتدين: "فيا طالما كان حد البغيّ يخفف من فحش أهل البغا"...
وفي مقطع تالٍ، وكأنه قصيدة جديدة تماماً، يعود الشاعر ليهدد "الأرذلين" بكل سلاح الكلمة، واليراع الأبي، ثم ليقارن ذاته بأولئك المتجاوزين، وليبارزهم بالضمير وحسب!، وليعاتب، وبكل هضيمة وألم، "أمته" العراقية التي لم تنصفه، وهو شاعرها، وحامل لواء التنوير والانطلاق. كما يركز "عتابه" على القادة والزعماء، أو من يدعون تلك الزعامةّ، وكذلك من يحمل، زاعماً، "سمات الأديب"...
وفي مقطع لاحق، أو قل قصيدة أخرى، يعود شاعر الأمة العراقية ليتوقف عند هضبات الوطن، وشطيه والجرف والمنحنى، فيتغزل، ويتباهى، ويصف، كما الأم والعاشق والقائد!. ولا يكتفي بذلك فيجوب طبيعة البلاد ويصف نخيلها وحقولها، بل وحتى ضفادعها التي تنقل على الشاطئين بريد الهوى!
وفي ختام "المقصورة"، القصيدة البانورامية المجيدة، يحاول الجواهري أن يعتذر عن فورانه وغضبه في المقاطع السابقة، الناقدة والمحرضة باتجاه النهوض والانهاض، فيعود ممجداً "بلداً صانه" وكلاهما – الشاعر والوطن – في موقع التلاحم والانسجام والتداخل الذي لا فكاك منه... كما يزعم هو على الأقل!



267
بمناسبة الذكرى السنوية الستين لمؤتمر السباع الخالد
شهادات وأسماء ومشاركات في حركة طلابية عراقية مجيدة 2/2


رواء الجصاني

jassaany@yahoo.com
في هذا القسم الثاني والأخير من شهاداتك المباشرة، أيها الناشط الطلابي المتقاعد، تحاول ان تشحذ الذاكرة وتحفزها محاولاً التوثيق الموجز لأكثر من عشرة أعوام جديدة من مهام وفعاليات شاركت بها، وسئلت عنها، وأنت مكلف هذه المرة بمهام العلاقات الخارجية لاتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، وتمثيله لدى سكرتارية اتحاد الطلاب العالمي إضافة لمتابعة عمل هيئاته وتشكيلاته خارج الوطن... وتنتابك الحيرة تلو الأخرى، فلا تعرف من أين تبدأ، وتمر وتستمر، فتتوقف. أمن مرحلة الاغتراب الاضطراري من بغداد إلى براغ عبر عمان ودمشق وبودابست، حاملاً بعض "وريقات" و"خلاصات" سياسية من داخل العراق، تحمل الكثير من التوجيهات، والتوجهات والمؤشرات التي بدأت في ضوء الكثير منها، وعلى أساسها، التهيئة لرفع تجميد عمل المنظمات الديمقراطية العراقية للطلبة والشبيبة والنساء، واتخاذ مواقف وتوجهات أخرى للتشدد في معارضة ومقارعة النظام الدكتاتوري الذي كشر المزيد من أنيابه تجاه القوى والأحزاب الوطنية. فهل يتسع المجال هنا لمزيد من الاسترسال حول الأمر؟ لا تظن ذلك، حسناً فلتؤجله اذن، ولتتحدث عن انطلاقة التنفيذ الفعلي لاعادة تأسيس وتشكيل هيئات وتشكيلات اتحاد الطلبة العام في العديد من عواصم ومدن العالم، ومواصلة النشاط في صفوف اتحاد الطلاب العالمي، وانطلاق معركة طرد منظمة الاتحاد الوطني لطلبة العراق، أو عزله على اسوأ الاحتمالات، من الاطر القيادية للحركة الطلابية العالمية... وفي هذا السياق، فلتوثق البدايات – أيها الرجل - ومن بينها انتدابك وانت في أولى مهامك السياسية بالجزائر مع عبد العزيز وطبان وعزيز سباهي ومثنى الحمداني وعبد العباس المظفر، وباشراف كاظم حبيب، وذلك لكي تكلف بمتابعة عمل الفروع الخارجية للاتحاد وممثلاً له لدى سكرتارية اتحاد الطلاب العالمي في مقرها ببراغ ابتداءً من أوائل العام 1979...
... ترى هل ستكشف أسراراً حين تكتب ان سياسيين عراقيين بارزين من قبيل نزيهة الدليمي وثابت حبيب العاني وآرا خاجادور وحميد مجيد موسى، والتزاماً بمسؤولياتهم الوطنية والتنظيمية، قد قاموا بتقديم كل الدعم لاعادة عمل الاتحاد، ونشاطاته، في الخارج... ولينهض نزار ناجي يوسف بالمهام التنفيذية الرئيسة المطلوبة بهذا الاتجاه. وهنا يحلُّ تساءل جديد عن مدى الصواب في "كشف" أسماء أخرى شاركت في متطلبات هذه المهمة الاستثنائية مثل لبيد عباوي وحميد برتو وشيرزاد القاضي ونضال وصفي طاهر. وان كنت تنشر، وعلى مسؤوليتك هذه المعلومات، فلا بأس اذن من الاشارة الى ان أولئك النشطاء، الشباب في حينه – مع غيرهم بالطبع – قد تحملوا، وبمستويات مختلفة، مهاماً تطلبتها مرحلة اعادة نشاط الجمعيات والروابط الطلابية العراقية في خارج الوطن، باشراف "لجنة التنسيق" في براغ التي أعيد تشكيلها في الكونفرنس التاسع لطلبة العراق الديمقراطيين، وروابطهم وجمعياتهم في الخارج، (أيلول 1980) والذي انعقد في احدى المدن التشيكية... وانتخبت فيه سكرتيراً عاماً لتلك اللجنة ولأربعة أعوام قادمة، مُددت، أو تمددت، لاحقاً لسنوات أخرى.
وعلى ذات المنوال، تتساءل من جديد أيها "المسؤول" الطلابي مع نفسك، وأنت في غمرة التوثيق: بماذا ستتحدث عن "لجنة التنسيق"؟ وكيف ستستطيع ان توجز بسطور محدودة مهماتها الكبيرة في متابعة وتوجيه أكثر من عشرين فرعاً للاتحاد، في أكثر من عشرين بلداً في مختلف أرجاء العالمين العربي والأوربي وخارجهما... أية شؤون ستتذكر، وأي منها ستنسى، أو ستتناسى لهذا السبب أو ذاك... هل ستشير إلى أسماء بعض أعضائها مثل: تالي المالكي ومحمد الأسدي ومهدي السعيد واحسان المالح، ومن بعدهم ولفترات طويلة أو قصيرة: عصام الصفار وعدنان رزوقي ومحسن شريدة، وسرود مصري وجمال الجواهري وزيدان محسن وحمدي الحسن... وامتداداً لهذا "الاعتراف" فقد يبدو اجحافاً ان لا توثق هنا ما تحفظه الذاكرة سريعاً من أسماء لناشطين اتحاديين برزوا بشكل خاص في بدء متطلبات إعادة عمل الجمعيات والروابط الطلابية خلال الأعوام 1979-1981 تحديداً، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: حسين مجيد وسلام شهاب وصفاء العاني وعادل نعيم في لندن وكاردوف وسوانزي ورحمن غيدان في اثينا وعصام الياسري في برلين وفالح الزهاوي في كولون وزيد احمد وصالح ياسر في بولندا وعباس الكاظم في الدانمارك وكامل شياع في بروكسل وحسين علي في باريس وهلال حميد في بيروجيا واديب علي في فلورنسا وعلي عساف في روما وقيس الصراف ومهدي الموسوي وعبد الحسين الحسيني في دمشق وسلمان جبو وجلاء الصفار في بودابست وهاشم مطر في صوفيا وعماد الطائي في موسكو... أما عن تفاصيل نشاطات ومهام لجنة التنسيق والروابط والجمعيات الطلابية فكيف سيتم الحديث يا ترى؟ عن التضامنية ضد القمع والارهاب في العراق؟ دعم نضالات الداخل، وقوات الأنصار في كردستان؟ الشؤون الاعلامية والثقافية؟ تطبيق الشعار المركزي: التفوق العلمي والعودة للوطن؟ .....
... ثم ماذا حول شؤون و"شجون" العلاقة مع اتحاد الطلاب العالمي، هل تتسع هذه الشهادات للتوقف عند عن بعض جوانبها الأهم؟ هل يجوز اغفال العشرات من المشاركات الطلابية الديمقراطية العراقية في العديد من الفعاليات، السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها التي نظمها ذلك الاتحاد العالمي "الجبار في حينها" وفي مختلف أرجاء الدنيا؟... واذا ما حامت خشية من هذا التقول، أو ذاك التصيد، فليتم التوثيق للأبرز منها وحسب... من قبيل مشاركات ممثلي اتحاد الطلبة العام في المؤتمر الثاني عشر لاتحاد الطلاب العالمي في برلين 1980 الذي اخرج جهاز الاتحاد الوطني لطلبة العراق من الهيئات القيادية للاتحاد تمهيداً لفرض المزيد من العزلة عليه، وفضح سلطته الدكتاتورية في العراق...
ترى أليس من المناسب أيضاً الكتابة، ولو باشارات سريعة، عن مشاركات متميزة للطلبة العراقيين الديمقراطيين، وممثليهم، في فعاليات تضامنية واسعة مع شعبهم في الداخل، ومن بينها في دمشق وموسكو وصوفيا واثينا وبراغ وباريس وبودابست ولندن وكوبنهاكن وغيرها... وهل ستنسى، أيها الموثق المسؤول، ندوة عدن الطلابية العالمية عام 1982 حين كاد "الرفاق" اليمنيون ان يسلموا – وفي غفلة طبعاً – وفد اتحاد الطلبة العام لقمة سائغة للسلطات الدكتاتورية العراقية من خلال قطع بطاقات عودتهم إلى براغ عن طريق ترانزيت مطار بغداد!... وهل ستزيد في التفاصيل فتعترف انك كنت ضمن ذلك الوفد الذي ترأسه الطالب في حينها، حميد مجيد موسى؟. ثم هل ستشير في هذا السياق الى ان روج نوري شاويس كان مشاركاً معكم في ندوة عدن ذاتها، ممثلاً لجمعية الطلبة الأكراد في أوربا؟
... وهكذا تتوالى الذكريات والشهادات، وبلا حدود، عن فعاليات مهمة أخرى كما تراها انت على الاقل، باعتبارك المكلف الأول بادارتها والمسؤولية عنها، ومنها المؤتمر الثالث عشر لاتحاد الطلاب العالمي في صوفيا 1985 الذي شارك فيه اتحاد الطلبة العام بوفد ضم في عضويته صبحي منصور وثعبان موزان وسراب شكري وطالب البصري... ثم لمَ لا يُسجل أيضاً، وللتوثيق، ان رمزي شعبان وشيرزاد القاضي كانا ممثلين لجمعية الطلبة الأكراد في ذلك المؤتمر.
ووفقاً لما جرى الاستطراد بشأنه، فهل ستتجاوز "أيها الطالب – الشاب إلى الآن" الحديث عن مشاركة وفد اتحاد الطلبة العام، واتحاد الشبيبة الديمقراطي في مهرجان موسكو العالمي عام 1985، وعن دورك مع المسؤولين المباشرين عن المشاركة العراقية في فعالياته: عدنان الجلبي وكمال شاكر ورائد فهمي... كما لا يجوز نسيان الاشارة بهذا الصدد إلى اسماء فنانين وكتاب ومثقفين عراقيين بارزين كانوا ضمن الوفد الطلابي الشبابي الديمقراطي العراقي إلى المهرجان... ولكن بأي ترتيب ستبدأ لكي تسد الطريق على أي عتب محتمل؟ فلتنسى هذا الحاجز ولتسجل على عهدتك ان من بينهم كوكب حمزة وعواد ناصر وجبر علوان وزهير الجزائري، ونشطاء آخرون يزيد عددهم عن الثلاثين "شاباً" و"طالباً"...
ومادام الحديث متصلاً عن تلك المهرجانات العالمية، ترى هل ستكتب - أيها الشاب النشيط في حينها - عن المشاركة العراقية في المهرجان العالمي للشبيبة والطلبة في بيونغ يانغ عام 1989؟ هل ستغفل الاشارة إلى انك واجهت وجابهت صعوبات وتعقيدات عديدة لتحجيم تلك المشاركة مجاملة من أشقاء "عرب" و"أجانب" عديدين، للسلطة الدكتاتورية في بغداد، أو انحناءً أمام ضغوطات جهازي "طلابها" و"شبابها"!! وهل ستشير إلى مدى معاناة اللجنة المسؤولة عن تلك المشاركة العراقية الديمقراطية والتي قد ضمتك إلى جانب خالد العلي وعز الدين برواري وعمر بوتاني، وتصديكم، بالشكل الممكن طبعاً، لأساليب منظمي المهرجان الهادفة لعدم "ازعاج" وفد النظام العراقي الرسمي... ثم هل "ستعترف" مرة أخرى فتقول ان غالبية وفدكم الذي يقارب عدده من الخمسة والعشرين كانت من المشاركين في قوات الأنصار في كردستان العراق.
وفي هذا السياق، وارتباطاً به، أليس مهماً استذكار زملاء وأصدقاء عرب عديدين كنت معهم، وكانوا معك في الفعاليات الشبابية والطلابية العالمية في تلك الفترة؟ هل من الضروري تعدادهم جميعاً، أم سيكتفي القول أن من بينهم: السوريان هيثم ضويحي وفيصل مقداد، والمصريون ماجد ادريس وعلاء احمد حمروش ونبيل يعقوب، واليمنيان احمد الوحيشي وعادل البكيلي، واللبنانيان غسان ناصر وعلي المولى، والفلسطينيان بكر عبد المنعم وعوني ابو الغوش، والبحرانيان  بدر عبد الملك وحسن مدن، والسودانيان عبد السلام سيد احمد ومأمون محمد.
... هكذا، وبهذا الشكل اذن، تقترب ايها "الموثق الطلابي – الشبابي" من نهاية هذه الشهادات، عارفاً وقبل القراء بالتأكيد أن ما جاء فيها لا يشكل إلا عناوين وحسب، ولكل عنوان تفاصيل ومساحات تطول صفحاتها، وفي جميعها مؤشرات وتأرخة لبعض من صفحات مسيرة طلابية مجيدة، بدأت منذ مؤتمر "السباع" قبل ستين عاماً... وتواصلت، وتستمر اليوم ليرفع شعلتها جيل فتي، عراقي، صلب أصيل.

صفحات: [1]