ankawa

الحوار والراي الحر => المنبر الحر => الموضوع حرر بواسطة: تحسين المنذري في 19:15 31/01/2018

العنوان: سائرون ...... الى اين؟
أرسل بواسطة: تحسين المنذري في 19:15 31/01/2018
سائرون ...... الى اين؟
تحسين المنذري
تشكل التحالفات السياسية وفي مختلف بقاع العالم إحدى أهم ظواهر العمل السياسي المستديمة ، ولا فرق بين هويات القوى التي تلجأ للتحالفات وبأشكال عدة ، فالقوى اليمينية ـ الليبرالية تلجأ أيضا للتحالفات من أجل ضمان تحقيق هدف ما ـ الفوز بأكثرية في الانتخابات مثلا ـ وكذا الحال بالنسبة للقوى اليسارية أو الديمقراطية التقدمية بشكل عام، وقد كانت التحالفات بالنسبة للاحزاب الشيوعية سمة عامة ، فكان لينين من المبادرين الاوائل في الدعوة لتحالف العمال والفلاحين وبقية شغيلة اليد والفكر من أجل تحقيق الثورة وصيانة وجودها ومنجزاتها إلا إنه كان مصرا على قيادة الطبقة العاملة ممثلة بحزبها الطليعيى لهذا التحالف ، ومن ثم طور ديمتروف فكرة التحالف من خلال دعوته في المؤتمر السابع للكومنترن الى ( الجبهة الشعبية الموحدة) على أساس مواجهة الفاشية المتنامية آنذاك مستهدفا التحالف بين الاحزاب الشيوعية وأحزاب الاشتراكية الديمقراطية التي كانت تتصارع فيما بينها على تمثيل الطبقة العاملة وصياغة أهدافها ، حيث كانت تلك الدعوة لتكوين الجبهات المناهضة للفاشية أي تجاوزا لحلقة الصراع السائدة آنذاك ، وحتى غرامشي الذي عانت طروحاته من التغييب لفترات غير قليلة فإن دعوته للتحالفات التاريخية كانت تستند الى دور المثقف في تكوين تحالفات تستمد قوتها من حشد الجموع التي تجد في نخبة المثقفين خير ممثلين لها. إن الدرس الاهم من كل تلك الدعوات والتحالفات التي حصلت بموجبها كانت تتمثل بتحالفات بين قوى تجمعها أهداف مشتركة ربما واحد أو أكثر ، فهي إما قوى خارج السلطة تناهض قوى السلطة طبقيا وفكريا أو هي تشترك في السلطة لتحقيق أهداف في مقارعة القوى المناهضة للتوجهات التقدمية . وفي التوقف قليلا عند غرامشي فإن التحالف التاريخي الذي دعا اليه لم يكن على أساس الدور الروحاني للكنيسة وإنما كون الكنيسة تمثل الشريحة المثقفة أو الاكثر وعيا في مناطق جنوب إيطاليا المتخلفة صناعيا، وإن كُتب لمثل هذه الدعوة أن تحيا مؤقتا في دول أميركا اللاتينية عندما تحالف رجال اللاهوت مع قوى اليسار في مقارعة المد الاميركي والانظمة الدكتاتورية في بلدانهم ، فإن هذه التحالفات سرعان ما أنفرطت بعيد التخلص من الانظمة الدكتاتورية وذلك بعودة رجال اللاهوت الى سابق وضعهم في مقارعة الجديد والمتطور( فقط تجربة الجبهة الساندينية في نيكاراغوا إستمرت أكثر من غيرها إلا إنها عانت من أنشقاقات عدة وهي تقود الحكم مما أسقطها في أقرب إنتخابات ) بجميع الاحوال فإن أي تحالف أو جبهة لم تكن مع قوى تساهم في السلطة ولها باع طويل في ترسيخ النظام السياسي للحكم ويجري التحالف معها لمناهضة السلطة نفسها !! بل إن إشتراط التقارب النظري والتكافوء من حيث القوة والتخندق (خارج السلطة أو داخلها) كانت السمة الابرز.
في التجربة العراقية كانت التحالفات الوطنية والتي يشترك فيها الحزب الشيوعي حتى وإن بصيغة أخرى غير مسمى الحزب ، كانت تلك التحالفات تشكل عامل ضغط وإخافة للنظام الملكي لما كان يتمتع به الحزب الشيوعي من نفوذ بين الجماهير وتأثير عليها ، إلا إن السمة البارزة أيضا هو عدم تسليم الحزب لزمام قيادة التحالف لاي جزب أو شخصية مهما علا شأنها ، وأسطع مثال طلب الراحل كامل الجادرجي من الشهيد سلام عادل أثناء التفاوض على جبهة الاتحاد الوطني بإعتراف الحزب له على إنه قائد لليسار في العراق، إلا إن الشهيد سلام عادل رفض ذلك واضعا القرار بيد الجماهير فهي التي تقرر من قائدها ، وبذلك أبقى على روح التعاون وبدون إستفزار ولا تسليم أمر التحالف بيد الجادرجي، إلا إن الجبهة الوطنية والقومية التقدمية عام 1973 كان فيها الدور القيادي الابرز لحزب السلطة آنذاك ( البعث) وتلك كانت بادرة سيئة قَبـِل بها الحزب بالاضافة الى ماجرى من تهميشات وأخطاء أخرى إنتهت بتقديم الحزب لكوكبة من خيرة مناضليه شهداءا وتشريد المئات في دول الشتات ، وللاسف فإن الكثير من الاخطاء رافقت قيام بعض التحالفات الاخرى دفع الحزب ثمنها غاليا مثل تحالفي (جود وجوقد)، أما مابعد التغيير فقد طرأت تبدلات جوهرية على سياسة الحزب بشكل عام كان أولها قبوله الاشتراك بمجلس يديره ويقرر فيه المحتل الامريكي والاخطر إحتسابه على كتلة طائفية معينة! وما بعد ذلك من علاقات تعاون مع كتل طائفية وصولا الى تحالف مع حزب الوفاق لاياد علاوي إنتهت علاقة الحزب به مبكرا، وباءت بعض أشكال التعاون بالفشل لاسباب أخرى مثل تحالف بعض منظمات الحزب في المحافظات مع التيار الصرخي في إنتخابات مجالس المحافظات وهو تيار ديني متخلف لم يقدم ذلك التحالف أي ثمرة سياسية للحزب بل ربما ابعد البعض عن التصويت للقائمة لوجود قوة غير مرغوب فيها مع الحزب الشيوعي ، وعدا هذا فلم يجر تنشيط جماهيري للتيار الديمقراطي، لا يتحمل الحزب المسؤولية لوحده في ذلك ، وإنتهت محاولات تأسيس تحالف بإسم ( تفدم) بطريقة مؤسفة من جانب الحزب الشيوعي !! حتى تم التحالف مع حزب الاستقامة المدعوم من مقتدى الصدر وفي هذا التوصيف محاولة لابعاد الصبغة الدينية ـ الطائفية عن الحزب على إنه حزب تكنوقراط، ومثل هذه التسميات أو المحاولات لجأ اليها التيار الصدري في أكثر من مناسبة إلا إنه في جميعها كانت تنتهي الى  الصبغة الطائفية  فتلك من مقومات وجود هذا التيار. ورغم وجود أحزاب أخرى في هذا التحالف إلا إنها جميعها احزاب صغيرة تبحث عن موقع في العملية السياسية لا غير، ولهذا فإن الاكثر إثارة هو تحالف الشيوعي مع التيار الصدري والذي يحتمل الكثير من الاراء المتناقضة . وفي الواقع فإن هذا التحالف يصطدم بجملة معيقات وتوجسات لعل من أبرزها :
* يؤمن التيار الصدري بالفكر الاسلامي ومن أبرز سمات هذا الفكر إنه فكر شمولي رافض لكل الافكار بل والديانات الاخرى وتلك من مستلزمات العقيدة فيه حسب القران" إنما الدين عند الله الاسلام" سورة آل عمران الاية 19
* في مقابل هذا فقد تراجع الحزب الشيوعي عن الايمان بالماركسية كفكر موجه لسياساته وتوجهه لتبني مبادئ أخرى كان آخرها إضافة التراث الاسلامي!! وهذا ما يثر مخاوف الكثيرين من مغادرة الحزب الشيوعي لكل تراث وتاريخ نضاله
*التحالف لم يتم على أساس تشابه القواعد الاجتماعية للتيار الصدري مع الحزب الشيوعي ، فالاخير نشأ كي يمثل مصالح هؤلاء المعدمين، أما التيار الصدري فحاله حال أي حزب أو تيار ديني يحوي في جماهيريه خليط من المعدمين والمترفين وذلك بحكم الخطاب الديني الفضفاض والذي يعطي مساحة لكل الاطراف بتبنيه في إنتظار الاخرة كي يجزي الله كل حسب ما عمل !! وبالامكان التدقيق في قواعد كل الاحزاب الدينية فأي منها لا يحتشد حوله مئات الالاف من المهمشين والمعدمين.
* من المخاوف المثيرة هي عدم ثبات التيار الصدري على مواقفه المعلنة وغالبا ما تتبدل سياساته تبعا لرغبات مقتدى الصدر مما يضع علامات الشك الكبيرة على إحتمالية إستمرار هذا التحالف ما لم يستسلم الحزب الشيوعي لكل رغبات ومزاجيات قائد التيار.
* إذا كان التحالف من أجل تجاوز نظام المحاصصة الطائفية فإن التيار الصدري مؤسس خطير في هذا النظام ومازال الى الان يجني ثمار نظام المحاصصة فقد تم تمثيله بعضو في مفوضية الانتخابات محسوبا على حصة الكتلة الشيعية. وقبلها كانت كل حصته الوزارية محسوبة على حصة الطائفة وممثليه في البرلمان ضمن كتلة التحالف الوطني ( الشيعي) ولو لا حدوث خلافات داخل الكتلة نفسها لما أعلن التيار الصدري خروجه منها وبالتأكيد الخلافات لم تكن على رفض النهج المحاصصي .
*أما إدعاءات التيار الصدري محاربته للفساد المالي والاداري فإن كل وزرائه تقلدوا مناصب الوزارات الخدمية ومنذ إشتراكهم في الحكم والى اليوم يعيش العراق في أسوأ خدمات نتيجة الفساد الموجود في هذه الوزارات فهل إن الوزراء أبرياء؟ مع العلم إن تهمة الفساد تطال حتى قائد التيار نفسه فمن أين له كل هذه الثروات ؟
*التحالف غير متكافئ من حيث إمتلاك التيار الصدري لميليشيات عسكرية وخلو جعبة الحزب الشيوعي من هذه الملكية، فماذا سيكون موقف الشيوعي إزاء الخلافات التي مازالت قائمة بين الصدريين وميليشيات مسلحة أخرى ومن نفس الطائفة ؟ ألا يكون الحزب كوادرا ومقراتٍ وكيانا مستهدفا من أعداء التيار كونه حليفا له؟ بل والاخطر من ذلك لو إختلف الحزب مع الصدريين وأدى الاختلاف الى إنفراط عقد التحالف وآلت الامور الى المواجهة العلنية فهل سيسلم الحزب من بنادق الميليشيات التابعة للصدر؟ أم إن هذا الاحتمال مستبعد تماما ولماذا؟
* والتحالف غير متكافئ سياسيا أيضا فكيف قبل حزب عمره أكثر من ثمانين عاما أن يقوده في التحالف حزب لم يتجاوز الشهرين من العمر؟
* التحالف كما تشير الوقائع جاء نتيجة التعاون الذي تم بين الطرفين في الحركة الاحتجاجية، إلا إن هذا التعاون كان من عوامل ضمور الاحتجاجات وتوقف الالاف  عن المشاركة فيها نتيجة لعدم ثقتهم بالتيار الصدري من جانب ومن جانب آخر تأكدوا بأن تلك المشاركة قد إخترقت مدنية الاحتجاجات وربما باتت ساحة لتصفية حسابات بين مختلفين لا غير.
* وأخيرا فهل المشاركة في هذا التحالف جاءت بنية فقط وصول مرشحين شيوعيين للبرلمان؟ أتصور هذه القضية بحاجة الى وقفة جدية فلم تكن من سمات الشيوعيين يوما الصعود على أكتاف الاخرين وهم بواسل العمل السياسي والميداني في كل حين.
من كل ما تسطر اعلاه يبدو لي إن هذا التحالف ليس هو ما تبغيه الجماهير وبالاخص جماهير الشيوعيين التي أصيبت بصدمة بعد الاعلان عن "سائرون" وسيكون الحزب للاسف الشديد حلقة ضعيفة في هذا التحالف فلابد من مراجعة الموقف،   فتاريخ الشيوعيين، وتضحياتهم الجسام، ودماء الشهداء الندية دوما، وماقدمته العوائل المناضلة من خسائركبيرة، وحتى كل قطرة عرق نضحت من جبين شيوعي لها موقع في تاريخ العراق ككل وليس في تاريخ الحزب فقط ، كل هذا وذاك أمانة في أعناق المتصدين للعمل في الحزب وبالاخص من تبوأ منهم موقعا قياديا فلابد من صون هذه الامانة والوصول بها لبر الاطمئنان حتى وإن بالتنازل عن إمتيازات شخصية سيحصل عليها البعض كنتاج لهذا التحالف المؤلم حقا.
أما بديل هذا التحالف فهو أولا مراجعة كل مواقف وسياسات الحزب والعودة الى أصول الفكر الذي قام على أساسه التنظيم وتطوير العمل بين الجماهير أسلوبا وشعاراتٍ والتصدي ببسالة كما فعل الرواد لقيادة الجماهير ذات المصلحة الحقيقية في التغيير ، وإن كان لابد من التحالف فيكون مع قوى تقترب مع الحزب طبقيا وفكريا وفي الاهداف وقوى غير إنتهازية على أن يكون للحزب الدور الريادي في هذا العمل.عذا ذلك فلا أحد يعلم الى أين نحن سائرون !!!!