عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - د. ثائر البياتي

صفحات: [1]
1
      
(منبر الانسانية والنبع الصافي في وزارة الداخليه)
الانسانية تعني العطاء فعندما وهبك الله سبحانه وتعالى انسانية كامله فسوف تعطي كل ما لديك لمن لايملك شيء وهذا دليل الاخلاق والقيم
وعندما يتعاون الانسان مع الاخر فهذا دليل الوعي والسموا وان افضل مثال للانسانية هو (مديرية شؤون الرعاية الصحية) في وزارة الداخليه التي انشأت بموجب القانون والدستور العراقي لتعزيز حقوق الانسان  وخدمته حيث استحدثت بموجب امر وزير الداخليه المثابر (السيد عبد الامير الشمري ) حرصا على استمرار رعاية منتسبي وزارة الداخليه وعوائل الجرحى والشهداء الابطال ومن خلال دورنا في البحث والاستقصاء ومعايشتنا لمديرية الرعاية الصحية ومنتسبيها المحترمون وجدنا الاحترام المتبادل بين الكادر والمواطن بهدف تبسيط الاجراءات وتقدبم افضل الخدمات بتضامن انساني ومحبه وتفاني رصين تجسد في شخصية رئيس الدائرة العميد المتواضع و(منبر الانسانية )السيد العميد (حسين علي جريمخ )وهو يعمل بمهنية وطموح وعزيمة وبجهود عاليه من اجل اهله وابناء شعبه وتخفيف الامهم وهمومهم ويكون مخلصا لمهنته وعهد المرسوم الجمهوري لوطن العراق لتكون عراقيته عابرة للحدود والطوائف والتعايش السلمي الذي انعكس ايجابيا في تحقيق اهداف وزارة الداخلية ونظامها الداخلي
هذه برقية شكر ومحبة نرفعها الي مقامكم سيادة العميد باسم ذوي الشهداء  وتضحياتهم
هذه برقية محبة وامتنان من والدة الشهيد محمد الطائي التي تشعر بوجود العيون الساهرة التي تحمي العراق وشعبه الابي
والشكر موصول لكادر ومنتسبي مديريتكم الموقرة ومتابعتهم الحثيثة
ولابفوتنا تقديم عظيم امتناننا الى صقر الداخلية معالي الوزير عبد الامير الشمري وعنوان هيبتها وكل ظباط ومنتسبي قوى الامن الداخلي الشرفاء
من بابل الفيحاء ننثر الورد والريحان في دروبكم بكل فخر واعتزاز بهذه المؤسسات الرصينه التي تعمل بقوة واقتدار وانسانية لتكون منبرا للانسانية وعنوانا للشرف والشموخ العراقي
نسال الله تعالى ان يحفظ سيادتكم ذخرا للوطن والمواطن ويديم العطاء قي نفوسكم العطرة

الكاتب والصحفي
  اثير الطائي

2
قصة العدد سبعة
في الحضارات والأديان

ثائر البياتي
الولايات المتحدة الامريكية
15-2-2022
        يظهر العدد سبعة بشكل مثير في مختلف الحضارات والأديان. إنَّه عدد أيام الأسبوع وعدد قارات العالم، وعدد السموات والأرض التي خلقها الله وغيرها من أمور. وفي هذا المقال، نناقش قصة العدد سبعة من ناحيتين: الرياضيات( حسابات بسيطة) والتاريخ. ونستنتج في النهاية أنَّ العدد سبعة، عدد طبيعي، أنفرد بميزات، وتحلى بمواصفات، توافقتْ دلالته مع أحداث ومصادفات وتناسبتْ غرابته مع وقائع وحقائق، فحيكتْ حوله القصص وظهرت خيالات وأساطير حتى أسبغتْ عليه الأجيال وعبر آلاف السنين، هالة من القداسة، أختلط فيها الوهم مع الحقيقة. 
        وللبحث في تاريح العدد سبعة، علينا العودة الى الوراء بنحو 5000 سنة، حين بدأت الحضارات الأولى تدون إنجازاتها، وعلى رأسها  الحضارة السومرية التي اخترعتْ الكتابة وعَرفتْ العلاقات العددية وحلتْ المسائل الجبرية الأساسية، وما الى ذلك، كما تبين لنا مصادر كثيرة، ومنها(2، 1) أنَّ الأسبقية تعود للسومريين في إختراع  نظم عددية، كالنظام العشري، واساسه العدد 10، والنظام الستيني، واساسه العدد ستون، ولا زلنا نستخدمه في قياس الزمن مثلاً،  فنقول الساعة 60 دقيقة والدقيقة 60 ثانية. وساعدهم ذلك، أن يضعوا أساس علم الفلك، بتأسيسهم ما يسمى: بـ "علم التنجيم". ورغم زيف ذلك العلم، بإعتباره يحاول الربط بين حوادث، تقع على الأرض مع حركت الكواكب، لكنه دفعهم في البحث عن ماهية الأعداد وعلاقاتها. وكان للعدد سبعة خصوصية وأهمية، لما هناك  من حقائق ومصادفات توافقتْ مع دلالته.   وينبغي أن نعرف، أنَّهم أعتبروا الأعداد (1- 10) أساسية، لأنها تنتج الأعداد الأخرى مهما كَبرتْ. وكذلك أعتبروا العدد واحد مهماً واساسياً، لأنه أصل الأعداد، بفضل إجراء عملية الجمع. كما في: 1+1= 2، 1+1+1 = 3 ...وهكذا.
     وأعتبر السومريون العدد  سبعة عدداً تاماً وكاملاً، ووصفه افلاطون فيما بعد، بإنه العدد الذي:" لمْ يـَلد ولمْ يـُولد". ولتوضيح ذلك، نجد أنَّ  العدد سبعة، لا ينتج من حاصل ضرب أي عددين في داخل مجموعة الأعداد الأساسية، بمعنى أنَّه ليس كالعدد 4 مثلاً، حيث أنَّ:  2x2= 4 ، أو أنَّه  ليس كالعدد 6 ، حيث أنَّ:  6=2x3.  وإنَّ حاصل ضرب أي عددين( دون العدد  واحد)  لا ينتج العدد 7. كما وأنَّ حاصل ضرب أي عدد بالعدد 7 ينتج عنه عدد، لكنه يقع خارج المجموعة الأساسية. وبهذا هو عدد،  لمْ يـَلد ولمْ يـُولد.
         وعرف السومريون، أنَّ العدد 7  أصغر عدد صحيح موجب، يحقق شرط "العدد السعيد"، معنى ذلك أنَّه يؤول، أو يستقر في العدد واحد بعد إجراء عمليات حسابية بسيطة عليه، لاحظ الهامش(*).  إنَّ تماهي العدد سبعة مع العدد واحد، مسألة بالغة الأهمية في المعتقدات السومرية التي تعير أهمية خاصة للعدد واحد.
        أهتم  السومريون بجداول عددية مختلفة، لتسهيل عملياتهم الحسابية، منها جداول مقلوب الأعداد.  ومقلوب العدد، معناه ( قسمة واحد على العدد)، ولاحظوا  أنَّ  مقلوب العدد  سبعة مثير وغريب، حيث أنَّ: ... 0.142857142857= 1/7،  على نقيض مقلوب بقية الأعداد في مجموعة الأعداد الأساسية،لاحظ الهامش(**).  وإنَّ نمط كسر مقلوبه، المتكون من  ستة  أعداد: - 7-5-8-2-4-1   يتكرر الى ما لا نهاية. وبحسب  الباحث الياباني في الرياضيات السومرية، كازيو مروي (3) أهتم السومريون بالعدد سبعة واعتبروه متميزاً، بسبب غرابة مقلوبه، حتى أصبح  رمزاً  لتصوفهم العددي. ولكن، لم تكن نظرية كازيو مروي الوحيدة في تفسير قدسية العدد سبعة عند السومريين.
       يرى  باحثون أخرون، أنَّ وراء قدسية العدد سبعة، عبادة السومريين للكواكب السبع، وهي: الشمس، القمر، عطارد، المريخ، المشتري، الزهرة، زحل.  إنَّهم أعتقدوا  بوجود  سبع سماوات تسكنها سبع ألهة، وسبع طبقات للأرض يسكنها البشر، وهو إعتقاد بوجود سبع عوالم عليا وسبع عوالم سفلى، وهو يوازي معتقد وجود عوالم ومقلوب عوالم، على نسق وجود  أعداد  ومقلوب أعداد.
        وكان للكوكبين الشمس والقمر ثأثيراً في نفوس السومريين. فالشمس تهب الحياة والنور للمخلوقات، وضوء القمر يعطي الطمأنينة والراحة للإنسان ليلاً، إضافة الى أنَّه تقويم طبيعي لمعرفة الأيام والشهور. فمن أوجه القمر، قسَّموا الشهر الى 28 يوماً، وهي الفترة التقريبية  لدورة القمر حول الأرض وحول نفسه، وقسَّموا الشهر الى أربعة أسابيع، في كل أسبوع  سبعة أيام، وربطوا كل يوم بكوكب وإله، فكوكب الشمس مع الإله شمس، وعبادته يوم الأحد(Sunday) وكوكب القمر مع الإله سين، وعبادته يوم الأثنين( Monday). وجعلوا نهاية كل اسبوع، يوم عبادة، تحسب من ولادة  قمر جديد في الأيام( 7 و 14 و 21 و 28) من الشهر.  وهكذا ورثنا تسميات أيام الأسبوع بأسماء ألهة بحسب الثقافات المختلفة وآخرها الأنكليزية. واختلف الأمر في المنطقة العربية، حين جاءت الأسماء من عملية العد: الأحد معناه الأول، والأثنين، معناه ثاني، والثلاثاء معناه ثالث وهكذا. وبالعودة الى الثقافة السومرية والبابلية، انعكس كل ذلك على أدبياتهم وأساطيرهم. 
         طلبت الألهة في ملحمة كلكامش السومرية من بطلها عبور ستة جبال، وأخرها  الجبل السابع، شكَّل عقبة في طريق وصوله الى شجرة الحياة التي كان تحتها إله الأعمار، وأستغرقتْ الرحلة ستة أيام، وكان اليوم السابع، يوم إستراحة. وفي قصة الطوفان، استمرتْ العاصفة لسبعة ليالي وستة ايام، حتى هدأت في اليوم السابع.  واستمرتْ الأدبيات اللاحقة  باستخدام العدد سبعة، ومنها ملحمة الخلق البابلية، التي كُتبتْ على سبعة ألواح طينية، وذُكرتْ فيها  سبع عواصف وسبع بحار وما شابه، وتلتها الديانة الأبراهيمية الموحدة، التي وحدتْ الألهة السومرية بإله واحد(عظيم) في قصص التوراة، وبعدها  جاءت قصص الأنجيل والقرآن.
      ظهر العدد سبعة في التوراة، نحو 700 مرة وفي الأنجيل نحو 200 مرة وفي القرآن نحو 24 مرة، وبقصص تتشابه مع ملحمة الخلق البابلية. ففي قصة الطوفان التوراتية، حذَّ ر الله نوحاً من الطوفان قبل نزول المطر بسبعة أيام، وفي قصة الخلق، خلق الله الكون في ستة أيام  واستوى على عرشه في اليوم السابع، فأعتبر اليهود يوم السبت، يوم عبادة واستراحة. وجاء المسيحيون بنفس المعتقد، لكنهم أستبدلوا يوم العبادة والاستراحة بيوم الأحد. وجاء المسلمون بالمعتقد ذاته، لكنهم أستبدلوا يوم العبادة والاستراحة الى يوم الجمعة. وتعدى ظهور العدد سبعة في بلاد النهرين، الى ظهوره  في بلاد النيل وفارس والهند والصين وسواها.
    ارتبط العدد سبعة في مصر القديمة، بمراحل ظهور القمر وكانت أيام الخلق عندهم سبعة واعتقدوا بأنَّ سُلم الصعود الى عرش الألهة سبعة وغيرها من أمور.  وتألف الكهنوت الفارسي من سبع طبقات، وكانت أيام الأسبوع عندهم  سبعة. ولد الإله الأغريقي أبولو في اليوم السابع من الشهر وكانت أعيادهم تقع في هذا اليوم وأمور أخرى. وكان العدد 7 مقدساً في روما التي أحتضنت تمثالاً  مثَّل "الألهة السبعة". واعتقدت الهندوسية والبوذية بوجود سبع عوالم عليا وسبع عوالم سفلى.  وفي المثيولوجيا اليابانية هناك آلهة الحظ السبعة.  ولم  يتحدد ظهور العدد 7 في الحضارات والأديان، بل انتقل الى موروثنا الشعبي.
        إنَّ تعويذة " أم سبع عيون" المعروف عنها في مجتمعاتنا، أنَّها تبعد الحسد، موروث بابلي، تحتوي على سبع ثقوب، تطلى باللون الأزرق، وتزين أحياناً بأيات قرآنية،  وتُعلَّق على مداخل الدور والمباني لتبعد الحسد. وأصل ذلك، كان البابليون يعتقدون أنَّ الحسد ينبعث من عين الحاسد على شكل شعاع، وإذا تمَّ  تشتيت ذلك الشعاع الى سبعة أقسام،  سيفقد قابلية تأثيره، وبذلك يتم التخلص من شر الحاسد. كما وأنَّ مهمة تعويذة "أم سبع عيون" ليس فقط إبعاد الحسد، بل أنَّه يجلب الحظ السعيد أيضاً.
      يُعتبر العدد سبعة عموماً، عدداً محظوظاً في مختلف انحاء العالم، ولا غرابة من ظهور العدد 777 في مكائن كازينوهات اللهو العالمية.  وللتحقق من ذلك أجريتْ أختبارات على اعداد كبيرة من الناس من ثقافات مختلفة، راجع( 4)، ووجد انهم يتمكنون من استعادة تذكر مجموعة أشياء عددها سبعة بسهولة، لكن يصعب عليهم تذكر الأشياء، إذا زاد عددها على السبعة.  وفي تجربة أخرى،  طـُلبَ من  عدد من الناس أختيار عدد من بين الأعداد(1-10) فأختار أكثرهم العدد سبعة. ورغم أنَّ تلك الأختبارات لا تؤكد  محظوظية العدد سبعة، ولكنها قد تساعد على جعله كذلك. كما وان تكرار العدد سبعة في القصص الدينية ببشارة خير، يجعله عدداً يجلب البهجة الى النفوس.  ويذلك لا غرابة باختيار ارقام الهواتف من سبعة في الكثير من دول العالم.
      نقرأ عن البحار السبع، وألوان الطيف الشمسي السبع ودرجات السلم الموسيقي السبع، وأمور أخرى، ولكن كان بالأمكان جعل أعداد الأمور المذكورة مختلفة عن العدد سبعة، بإعتبار أنَّ  ذلك لا يؤثر على جوهر الموضوع، فهناك عدد كبير من البحار وطيف واسع من الألوان وطيف واسع من درجات السلم الموسيقي. ويحاول البعض البحث عن مصادفات تؤكد أعجوبة العدد سبعة، كأن يقول: إنَّ  رأس الإنسان يتضمن سبعة أعضاء، وهي:العينان والمنخران والأذنان والفم، وعنقه يتكون من سبع فقرات، وما الى ذلك من مصادفات أو مترتبات، لا تجعل بأي حال من الأحوال من العدد سبعة، عدداً متميزاً أو خاصاً. 
          وينبغي أنَّ أؤكد، أنَّ أعداداً أخرى غير العدد سبعة، لها قصص شيقة أيضاً، كالواحد والثلاثة والأثنا عشر، موضوع مقالنا السابق(5)، وغيرها من أعداد. ولابد أن أقول، أنَّ تقديس العدد سبعة جاء لأسباب متداخلة، منها وهمية ومنها حقيقية، كمقلوبه العددي، وتكرر نمط كسره المثير، المتكون  من ستة أعداد تبدأ بالعدد واحد ليكون مشتركاً مع سلسلة قادمة من نفس الأعداد، تتكرر الى ما لا نهاية، وربما أوهم ذلك السومريين بانها رمزية ألهتهم السبعة المتمثلة في الكواكب السبعة، أو أنَّها رمزية لأوجه القمر من ظهوره حتى تكامله. ولا شك أنني اخترتُ البحث في قصة العدد سبعة، لأنه شغل البشرية بين الرمزية والقدسية والغموض والحيرة، بدءً من حركة الكواكب وتقدسيها، ومروراً بخلق السماوات ورفعها، ووقوفاً عند الحضارات وقيامها، وكلها تؤكد خصوبة فكر الإنسان وابداعاته لمحاولة فهم ما يحيطه من ظواهر  مختلفة. 
 
 
الهوامش:
(*) العدد السعيد
يُعرَّف "العدد السعيد" على أنَّه، عدد صحيح موجب يُحقق الشرط التالي:  إذا جُمعَ مربع أرقامه، وأعيد القيام بتلك العملية للعدد الناتج مرة أو أكثر، يكون الناتج في النهاية العدد  واحد.  وبذلك يكون العدد 7 "عدد سعيد"وكما  يلي:
العدد 7 هو عدد أحادي
تربيع العدد 7= 49. 
يتكون العدد 49 من مرتبتين، 4و 9. تربيع العدد 4=16، وتربيع العدد 9=81. ويكون مجموع المربعين: 16+81= 97.
يتكون العدد 97  من مرتبتين، 7 و 9. مربع العدد 7=49 ومربع العدد 9= 81، ويكون مجموع المربعين= 130
يتكون العدد 130 من ثلاثة مراتب: 3 و 1 و 0.  مربع العدد 3= 9، ومربع العدد 1= 1، ومربع 0= 0. فيكون مجموع المربعات= 10
يتكون العدد 10 من مرتبتين: 1 و 0. ومربع العدد 1=1 ومربع العدد 0= 0 ، ومجموع المربعين= 1  وبذلك يكون العدد 7  عدد  سعيد، لأنه ينتهي بالعدد واحد.
 
 (**)  مقارنة مقلوب العدد 7 ( 1/7)مع مقلوب الأعداد الأخرى  في مجموعة  الأعداد الأساسية ( 1-10)
1/10= 0.1
1/9 = 1111 .111110
1/8 =. 125 0
0.142857142857 = 1/7         
1/6= 0.1666666667
1/5 = 0.2
¼ = 0.25
1/3= 0. 33333333
½ = 0.5
1/1= 1.0
 
المصادر
1.       الرافدينيون رواد الرياضيات
Mesopotamians: Pioneers of Mathematics: Shekoury, Raymond N.: 9781456493738: Amazon.com: Books
 
2.       مراجعة كتاب: سكنة وادي الرافدين رواد الرياضيات
ثائر البياتي - سكنة وادي الرافدين رواد الرياضيات (ahewar.org)
 
3.       دراسة في اصل العدد سبعة
https://arxiv.org/ftp/arxiv/papers/1407/1407.6246.pdf
 
4.       القيمة السحرية للعدد سبعة
The Magical Qualities of the Number 7 : NPR
 
5.       قصة العدد أثنا عشر
ثائر البياتي - قصة العدد اثنا عشر...في الحضارات والأديان (ssrcaw.org


3
الإحتلالات والإمبراطوريات: لماذا العراق ليس اليابان؟
مقال كتبه: البروفسور John W. Dower في  أيلول 2003
ترجمه: ثائر البياتي

3-15-2020
أعلن المؤرخ الأمريكي، البروفسور جون دوير مبكراً خلافه مع السياسيين الأمريكان الذين دفعوا لإحتلال العراق، وهم يرددون عبارتهم: أن تجربة اليابان ستتكرر في العراق. إذ كتب مقاله: لماذا العراق ليس اليابان؟ بعد عدة أشهر من الإحتلال الأمريكي للعراق، أي بعد ان شاهد فعلياً بوادر الإنقسامات العرقية والدينية والطائفية، وما رافقتها من بدايات للإنفجارات والمفخخات والإغتيالات ومقاومة الإحتلال الأمريكي.
رغم اني قرأتُ المقال قبل أكثر من عشر سنوات، لكن حلمي في بناء عراق ديمقراطي فدرالي مدني حر، منعني من الترويج له. الا ان الأحداث التي شهدها العراق في السنوات اللاحقة للإحتلال، بددتْ أحلامي، على الأقل في هذه الفترة، واكدتْ صدق الكاتب وواقعية تحليله. هذا ما جعلتني، ان أعود لقراءة المقال ثانية، والقرار على ترجمته ونشره، عسى ان نتعلم:
  لماذا يستمر الخراب والدمار في بلدنا؟
 وعسى ان نتأكد ان الأسباب الرئيسية لدمار بلدنا هي داخلية، مثلما هي الأسباب الرئيسية لتطور اليابان ونهوضه من تحت الرماد هي داخلية ايضاً. اود ان ابين للأمانة ومنعاً للالتباس، لم اضف على ترجمة المقال أي ملاحظة أو تعليق خاص.
ادناه الرابط الألكتروني للمقال:
https://apjjf.org/-John-W.-Dower/1624/article.html
البروفسور دوير، حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة هارفرد عام 1972، درَّسَ التاريخ  في جامعات امريكية مختلفة، أخرها معهد ماستشوسيس الأمريكية، متخصص في تاريخ اليابان، مؤلف لعدد من الكتب، اشهرها،  كتابه: إحتضان الهزيمة: اليابان في اعقاب الحرب العالمية الثانية، الذي صدر في  عام 1999، وحصل على العديد من الأوسمة والجوائز، منها: جائزة بولتيرز عام 2000 وجائزة الكتاب الوطنية.
يبدأ دوير مقاله بالسؤال: مـَنْ يقبل بالإحتلال؟
وضعَ السياسي الياباني المحافظ، شيجيرو يوشيدا، الذي شغل أربع فترات، منصب رئيس وزراء بلده في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وضعَ المسألة بإيجاز في مذكراته اللاحقة، عن العيش تحت قيادة الجنرال الأمريكي، الذي حكم اليابان، دوغلاس ماك آرثر (المقرر العام)،   General Headquarters مختصره،  "GHQ" ،  بقوله: كلما سمعتُ هذا المختصر اللعين،  خطر على بالي فوراً، عبارة:
" عُـدْ الى بلدك سريعاً "
        لكن بطبيعة الحال، لم يفعل الأمريكان أي شيء من هذا القبيل.  بدأ احتلال اليابان في أغسطس عام 1945، وتحدثَ ماك آرثر نفسه عن إنهاء الإحتلال في غضون سنوات قليلة (بنى آماله على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 1948). الواقع، أن سلطات الاحتلال لم تغادر اليابان حتى نيسان/أبريل 1952. أي، استمر الاحتلال أكثر من ست سنوات ونصف، أو ما يقارب ضعف طول فترة حرب المحيط الهادئ نفسها. الأدهى من ذلك، بعد نصف قرن، لا تزال القوات الأمريكية هناك - بشكل كبير في أوكيناوا، وأقل وضوحاً في بقية الأرخبيل الياباني.
         إذا كان احتلال اليابان يقدم أي درس للحالة الراهنة في العراق، فمن المحتمل أن يكون هذا، هو المشهد المتشابك الذي لا نهاية له، والذي يصعب مغادرته. من السهل نقل الجيوش  والقوات المحتلة إلى الأراضي الأجنبية، لكن من الصعب اخراجها، فالاحتلالات والإمبراطوريات لها منطقها، الذي لا يرحم.
        ان احتلال اليابان – الذي يثيره هذه الأيام،  صانعو السياسة والنقاد الأمريكان الباحثون على سيناريو وردي لما بعد احتلال العراق - لا يقدم سوى القليل الذي يمكن اعتباره نموذجاً لما يمكن توقعه في العراق.
     ان استياء رئيس الوزراء يوشيدا،  يشير إلى مدى اختلاف الأوضاع. انه ابتلع مرارة الإحتلال وتعاون مع المحتلين، وسار على نهجه كل المواطنين اليابانيين، وعلى رأسهم الأمبراطور، هيرو هيتو. لم تحدث إحتجاجات مناهضة للولايات المتحدة الأمريكية، ولم تقع حادثة إرهاب حتى واحدة،  أو عنف ضد قوات الاحتلال.
       ساعدت الظروف الفريدة من نوعها، ان يكون اليابان كما كان على حاله عند الإحتلال. فالهياكل الأساسية للحكومة ظلتْ  سليمة، من دون تغيير، ابتداءً من الإمبراطور في قمة الهرم، بوجود بيروقراطية مركزية قوية (جزء من الجيش)، نزولاً إلى مستوى القاعدة الشعبية. على الرغم من وجود طيفٍ واسع من الرأي السياسي المختلف الذي تراوح بين محافظين مثل يوشيدا والحزب الشيوعي، لكن ساد التماسك الاجتماعي على خلاف الحالة العراقية،  حيث وجدتْ فيه تناقضات وخلافات حادة، وضحتْ معالم العراق.  كما أن الأمريكان لم يصلوا إلى طوكيو، كما وصلوا الى بغداد، مع مجموعة مرافقة من العراقيين المغتربين، على ما يبدو من خلال ترتيبات غامضة، جرتْ في البنتاغون لقيادة الطريق إلى نظام سياسي جديد في الوطن الذي تركوه منذ فترة طويلة( المقصود بالمجموعة المرافقة، المعارضة العراقية).
من المؤكد أن احتلال اليابان لم يخلو من الفوضى والفساد، الذي حدث بالجملة للامدادات العسكرية فى الاسبوعين اللذين تليا البث الإذاعي للاستسلام المطلق للامبراطور، وقبل وصول الطلائع الأولى للقوات الامريكية. ساهم في النهب، مسؤولون عسكريون ومدنيون ورجال أعمال كبار، وتمَّ تحويل كميات هائلة من المواد المسروقة في وقت لاحق بطريقة مجزئة، إلى سوق سوداء شرهة، ازدهرتْ من عام 1945 إلى عام 1949. لكن ليس كما حدث في العراق، اذ دعمتْ عصابات منظمة شاحنات وحافلات السراق. لقد استثمرتْ الأحزاب السياسية الناشئة جزءً كبيراً من عائدات الفساد الذي انتشر، لكن ذلك لم يطال الى سرق وتدمير عائدات المتاحف الكبيرة، ولا مقتنيات المكتبات العامة كما حدث في العراق. لم تكن هناك تدخلات خارجية، جاءتْ لغرض السلب والكسب غير المشروع على حساب إعادة البناء والإعمار.
        أعد الأمريكان في عهد الجنرال ماك آرثر، منهاجاً شاملاً للإصلاحات وبرنامجاً واضحاً للتحولات الديمقراطية ودستوراً جديداً للشعب الياباني، محوره، دعم السيادة الشعبية مع جعل الإمبراطور مجرد "رمزاً "، وضمان مجموعة تقدمية من الحقوق المدنية بما في ذلك المساواة بين الجنسين. الجدير بالذكر، أن اليابانيين قد جربوا من قبل، أشكالاً من النظم الإجتماعية المدنية، قبل استلام العسكر  للسلطة في الثلاثينيات من القرن الماضي( قبل الحرب العالمية الثانية)، ما جعل الشعب الياباني أكثر تقبلاً لمثل "الديمقراطية" التي جاءتْ بها القوات الأمريكية. أما العراق، فليس لديه مشاركة تاريخية مماثلة في مسألة الديمقراطيه والمدنية.
نموذج اقتصادي مختلف!
      فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، فإن الحالة اليابانية تـُقدم تناقضاً حاداً بشكل خاص مع ما يتكشف في العراق، مع وجود أمريكان يؤمنون إيماناً راسخاً بوجود حكومة عراقية صغيرة، بجانب شركات كبرى، تفرض الأسلوب الرأسمالي في البناء والأعمار والأستثمار،  على ان تكون الشركات الأمريكية من كبار المستفيدين وعلى رأس المستثمرين.
عكستْ الرؤية المثالية لـ "الديمقراطية الاقتصادية" التي تمَّ الترويج لها في المرحلة الإصلاحية الأولية من الاحتلال الياباني، الفلسفة الليبرالية المرتبطة بالصفقة الجديدة للرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت. من الناحية العملية، استلزم ذلك تشجيع حركة عمالية قوية، وسنّ قوانين الأصلاح الزراعي، الذي تمَّ بموجبه تجريد طبقة كاملة من كبار الملاكين الريفيين من ممتلكاتهم للأراضي، بتوزيعها على صغار المزارعين.
      استمرتْ اجراءات منع الشركات الكبيرة من إحتكار السوق، والعمل على تنويع أسهمها من أولويات الاحتلال لحين فترة الحرب الباردة. حتى ان القائد المحافظ، ماك آرثر، دعم تلك الأجراءات، بسبب أن تركيز الثروة سيبقى في أيدي شركات صغيرة ليست احتكارية. هذا نوع  من الملكيات المقبولة وشكل من أشكال "الاشتراكية في أيدي القطاع الخاص." كذلك تمَّ تعزيز الديمقراطية الاقتصادية من خلال إنشاء هيكل ضريبي، يعتمد بشكل أساسي على جني الأموال من الأغنياء.
من المفارقات، إن اليابان المهزومة، كانت مباركة أيضاً،  لما كان يبدو حتى الآن لعنة: افتقارها إلى الموارد الطبيعية. هذا ادى الى انعدام مصالح ومطامع خارجية، تطمح بالحصول على مكتسبات سهلة من اليابان، على عكس ما نراه في العراق الغني بالنفط.
بدتْ الآفاق الاقتصادية لليابان قاتمة ومتردية الى فترة نشوب الحرب الكورية في عام 1950، حين بدأت طفرة مشتريات الصناعات العسكرية اليابانية("هدية الآلهة لليابان"، على حد تعبير يوشيدا).
إعادة البناء من الداخل
         لم تكن هناك خطة بناء واعمار أمريكية مفصلة لليابان، فعبء إعادة بناء تلك الأرض المحطمة والمحروقة، وقع بالكامل تقريباً على اليابانيين أنفسهم، وكان هذا أيضا "نعمة" في تقدم اليابان بسرعة مذهلة. في أعقاب الهزيمة، تمَّ إلغاء الجيش الياباني، وتقرر حظر الإنتاج العسكري المرتبط بالحرب، فاضطر عدد كبير من اليابانيين المخططين والرأسماليين والمديرين والمهندسين والعمال المهرة، إلى إعادة توجيه طاقاتهم إلى المؤسسات المدنية المنتجة. فالرجال الذين كانوا بالأمس صناع الطائرات العسكرية، تحولتْ مواهبهم لصناعة "القطارات السريعة"،  ثمارهم كانت شبكة السكك الحديدية التي تنتشر اليوم في جميع انحاء اليابان. الشركات المـُصـَنـِعة للدبابات، تحولتْ إلى شركات تصنيع المعدات  الثقيلة للبناء، وانتقلتْ شركات إلكترونية كبيرة مثل هيتاشي وتوشيبا، من التعاقد الثانوي مع الجيش، إلى إنتاج السلع المدنية الاستهلاكية. شركات مثل هوندا وسوني، نهضتْ من تحت الرماد، في بدايات متواضعة جداً، لتصبح شركات عالمية عملاقة في وقت قصير.
        نعم، لقد تمَّ الدعم على إعادة الإعمار الاقتصادي بمساعدة خارجية، ولكن ليس من جانب الاستثمار المباشر أو نوع المشاركة المباشرة المتوقع للعراق. فمثلاً، جودة  الصناعة، التي يـُنظر إليها على انها يابانية في جوهرها، تمَّ تقديمها بالفعل إلى مهندسين يابانيين ومدراء شركات في عام 1949 من قبل الإحصائي الأمريكي دبليو إدواردز ديمينغ، الذي لم يجد سوقًاً لأفكاره في الاقتصاد الأمريكي حينذاك. بعد الحرب الكورية، حرص الأمريكان كثيراً على تزويد الشركات اليابانية، بإمكانية الحصول على التراخيص وبراءات الاختراع الأميركية، التي من شأنها أن تـُعجل إعادة إعمار البلاد، كحليف اساسي في الحرب الباردة.
سياسة مساندة الإنتاج الوطني
       هناك اختلافات ملفتة للنظر، بين السياسات الاقتصادية المتبعة في اليابان المحتلة، وجدول الأعمال الذي قدمته إدارة بوش للعراق. بصرف النظر عن المـُثل العليا المبكرة لإرساء الديمقراطية الاقتصادية، اتبع المخططون الأمريكان أجندة صارمة للغاية، يمكن تلخيصها على انها: "حماية للصادرات الوطنية وتقييد للواردات الأجنبية". 
واتساقاً مع تفكير الصفقة الجديدة – وفي الواقع، اتساقاً مع دروس التخطيط الناجح في زمن الحرب، ومع تاريخ الاقتصادات النامية بشكل عام - أُسند إلى الحكومة اليابانية دور رئيسي في تحديد الأولويات وتوجيه إعادة الإعمار. تحت رعاية القيادة العامة، أصبحتْ الوزارات والوكالات اليابانية المركزية العاملة في المسائل الاقتصادية، أكثر قوة وتماسكاً مما كانت عليه حتى خلال الحرب. لم يكن غير الأمريكان أنفسهم، الذين شجعوا على إنشاء وزارة قوية للتجارة الدولية والصناعة (MITI  (في عام 1949، لغرض صريح هو التعجيل بإنتاجية اليابان الموجهة نحو التصدير.
        أدخلت الحكومة اليابانية تشريعات، بدعم من المحتلين، تـُقيد تأثيرات النفوذ الأجنبي وتحمي الإنتاج المحلي. كان المفتاح لتحقيق ذلك، هو الاكتفاء الذاتي، وحتى انفجرتْ الفقاعة عام 1990. أثمرت هذه السياسات بشكل رائع بالنسبة لليابان، الى القوة الاقتصادية التي أذهلتْ العالم في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، عكستْ فلسفة: "الدولة والأجانب".
غنائم الحرب؟
           إن هذا بعيد كل البعد عن السيناريوهات الاقتصادية، التي تهيمن على أخبار العراق. إذ أصبح الحصول على النفط وعقود إعادة الإعمار المربحة والأجندات الأيديولوجية للخصخصة الشاملة متشابكاً - وحتماً - مع الحديث عن غنائم الحرب، هناك تلوث رأسمالية المحسوبية التي تصل إلى أعلى دوائر جماعات الضغط وصناع السياسة الأمريكية. على سبيل المثال، (منحت الحكومة الأميركية مؤخراً عقد اعادة اعمار ضخم لشركة بكتل، التي تربطها علاقات وثيقة مع الحزب الجمهوري)، (عقود تمت في عامي 2003 و2004 من قيمة المساعدات الأمريكية للعراق).
      إن أيديولوجية الإدارة الأمريكية المتشددة "السوق الحرة"، لا يمكن إلا أن تؤثر على الولاءات السياسية التي يسعى إليها القادة الأمريكان، ومحاولاتهم هيكلة، أو التأثير على الحكومة والقوانين العراقية الجديدة.
"الاحتلال" هو شأن متعدد المستويات، حيث بدأ الأمريكان بالتعلم. وكلاء الأمريكان، الذين يعانون من ضعف في الأدارة والتعبير، والذين وصلوا مع القوات المنتصرة، ليسوا سوى مستوى واحد من هذا. أما النخب الأصلية، فهم مستوى آخر، وكذلك الأجانب الذين يشكل كل من التدمير وإعادة البناء، قطارًا مربحًا لهم. بالطبع ، وبغض النظر عن "تغيير النظام" الذي قد يحصل في النهاية، أو عندما يغادر المسؤولون الأمريكان المؤقتون، فإن القواعد العسكرية الأمريكية موجودة بالتأكيد في العراق لتبقى.
    بالنسبة للعديد من العراقيين العازمين على السيطرة على إرثهم وتعزيز مصالحهم الخاصة، فإن هذا يشبه إلى حد كبير الوجه الجديد للإمبراطورية. عجبي، أن دعوات "عُـد الى بلدك سريعاً" قد بدأت بالفعل تملأ الأجواء، وعجبي ايضاً، أن تتحول هذه الكلمات إلى أفعال، على عكس التمتمات الصامتة لشيجيرو يوشيدا.


4
اعداد: ثائر البياتي

وقفة تضامنية مع الشعب العراقي، في مدينة ساند ياكو – كاليفورنيا- الولايات المتحدة الأمريكية  في مساء يوم الخميس 10-3-2019 .

تدفق عدد غفير من بنات وابناء الجالية العراقية في مدينة ساند ياكو- ولاية كاليفورنيا للتجمع في الساحة الوسطية لمدينة الكهون،  أمام المكتبة العامة، منذ الساعة الرابعة والنصف من مساء يوم الخميس 10-3- 2019  وحتى الساعة السابعة، معلنين تضامنهم مع المتظاهرين والمحتجين أبناء الشعب العراقي . تميز التجمع بعفوية تدفقه وبعدم تدخل المنظمات السياسية المعروفة في الجالية في تنظيمها، اذ كان الفيسبوك السبيل الأساسي لتجمع الشباب وبتحريك من ناشطين غير سياسيين. رفع كثير من المساهمين في الوقفة التضامنية،  الأعلام  العراقية الرسمية، وهتف الجميع بأسم العراق، مطالبين الحكومة العراقية بتنفيذ مطالب المحتجين والمتظاهرين، كالقضاء على الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة والقضاء على البطالة والمطالبة بتوفير فرص العمل  وتوفير خدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي للمواطنين. وقد عَبـَّر المتضامنون  من خلال شعاراتهم عن يأسهم من اداء الحكومة ووزاراتها ، فطالبوا بهتافاتهم تغييرالحكومة الحالية، وأختيار حكومة قوية، تتشكل من عناصر وطنية كفوءة لأنجاز مهامها، لا من عناصر حزبية فاسدة. وقد ترددت شعارات كثيرة، منها: باسم الدين باكونا الحرامية، كلا كلا للفاسدين،  ايران برة برة بغداد تبقى حرة، لا لا  للأحزاب الإسلامية الفاسدة، نريد اسقاط النظام، لبيك يا عراق، بالروح بالدم نفديك يا عراق، نعم نعم للثوار. وقد حـَمـّل المتضامنون الحكومة العراقية مسؤولية التعدي على المتظاهرين واطلاق الرصاص الحي عليهم الذي ادى الى قتل وجرح عدد كبير من المواطنين العزل.


5
رحلة العدد اثنا عشر
بين الحضارات والأديان 

الدكتور ثائر البياتي
9-9-2019
للعدد 12 حضور بارز في حياة البشر وحضاراته المختلفة. إنه عدد ساعات النهار، وعدد ساعات الليل، وعدد شهور السنة، وعدد أبراج السماء، وعدد آلهة السومريين وعدد آلهة الأغريق والرومان، وعدد بنود قانون حمورابي، وعدد ألواح القانون الروماني، وعدد المحلفيين الأمريكان، هذا قليل من كثير. أما ظهور العدد 12 في أديان الشرق الأوسط ، قديمها وحديثها، فذلك أمر مثير للغاية، إنه عدد تلاميذ زرادشت وعدد أسباط اليهود وعدد حواريي المسيح، وعدد أئمة الشيعة في الإسلام وأمور أخرى كثيرة.  كل ذلك، يجعل متابعة رحلة العدد 12 بين الحضارات والأديان المختلفة، شيقة ومهمة. مهمة، لأنها تكشف عن خفايا هذا العدد، التي بقتْ غامضة  وخافية عن المدارك والأذهان لفترات طويلة، وشيقة، لأنها تنزع القدسية عنه، بإعتباره جاء نتيجة تطور فكر الإنسان.  متابعة الرحلة، تدعونا العودة إلى الحضارات الأولى في تاريخ البشر، كحضارات وادي الرافدين ووادي النيل والهند والصين وغيرها. الريادة كانت لحضارة وادي الرافدين التي أحرزتْ تقدماً كبيراً في مختلف ميادين الحياة والمعرفة، خاصة الرياضيات والهندسة والفلك. للمزيد من المعلومات يمكن العودة إلى مصادر كثيرة، منها كتاب: "سكنة وادي الرافدين رواد الرياضيات"، المنشور عام  2011 ، لمؤلفه أستاذنا الدكتور ريمون شكوري، تجدون رابطه في نهاية المقال.
تبدأ رحلتنا مع العدد 12 بوقفة قصيرة  مع مفهوم الأعداد عموماً لنتعرف عليها بشكل مختصر، خاصة العدد 12، والغاية  إعطاء  فكرة مبسطة عن الأعداد ونظمها، كي يكون واضحاً، انها لم تأت من فراغ، أو من أكوان أخرى، بل جاءت نتيجة تطورات فكر الإنسان وحاجاته اليومية، على مدى آلاف السنين،  وستكون محطتنا الأولى في بلاد الرافدين، بداية رحلة العدد المبارك 12، قبل أكثر من 5000 سنة، ثم نعرج على بلاد أخرى، كمصر وإيران والصين والهند واليونان، لنرى كيف دخل هذا العدد في ثقافاتها وأساطيرها وعلومها وفلسفتها وأنغام موسيقاها ومعتقدات أديانها، وستكون محطتنا الأخيرة، قبل الختامية، في عَالم الأديان الإبراهيمية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلامية ، لنتعرف على فنونها وابداعاتها في استخدامات العدد 12 الذي أصبح مقدساً في قصهها ومعتبراً في أساطيرها ورواياتها.
الأعداد إعتبارات رياضياتية مجردة، موجودة في فكر الإنسان، تطورتْ بتطوره الفكري، ساهمتْ في تقدمه الحضاري، تـُمـَثـّل بترتيبِ عددٍ من رموزٍ محددة، كالحروف اللاتينية السبعة، I، V، X،L،C ،D، M، تقابلها بالترتيب الأعداد 1،5،10،50،100،500،100،  أو تـُمـَثـّل بالأعداد الطبيعية العشرة الأولى: 0 ،1، 2 ،...،9 ، تقابلها  بالترتيب الأعداد: 0،1،2،3،4،5،6،7،8،9. ولتسهيل التعامل مع الأعداد وكتابتها، مهما كبرتْ، باستخدام رموز قليلة، اكتشفتْ حضارات مختلفة، نظم عددية مختلفة، يكون للرقم فيها، قيمة بحسب مكانه في العدد، منها: نظام العد العـُشري، أساسه العدد 10، يُستخدم فيه الأرقام العشرة الأولى لكتابة الأعداد، ونظام العد الأثنا عشري( النظام الدرزني)، أساسه العدد 12، يُستخدم فيه رموز النظام العـُشري، إضافة الى رمزين آخرين، فيـُرمز للعدد 10 بالرمز A، وللعدد 11  بالرمز  B، ويكتب العدد 12 بالشكل 10 ، حيت ان الواحد يشير الى درزن واحد، والصفر يشير الى عدم وجود أي وحدة.  ونظام العد الستيني، أساسه العدد 60، ابتدعه السومريون وأستخدموه في الألفية الثالثة قبل الميلاد، لا زال مستخدماً في جميع  أنحاء العالم في قياسات الزمن والزوايا الهندسية ونظام الأحداثيات الجغرافية التي تـُستخدم في تحديد مواقع الأجسام على سطح الأرض.
 ونظام العد الثنائي، يُستخدم فيه رمزين فقط، (0،1)، يناسب برمجة الحاسبات الأليكترونية، بموجبه يتمّ تحويل اللغة الدارجة والأعداد المتداولة والصور والموسيقى، وأي أمور أخرى، إلى دلالة الـ (1،0)، التي تفهمها أجهزة الحاسبات الأليكترونية بأرتباطها مع فتح وغلق الدائرة الكهربائية. ومن الممكن أن تكون هناك أنظمة عددية أخرى بأي رموزٍ مناسبة.  ورغم ان النظام العـُشري، أصبح أكثر الأنظمة العددية شيوعاً وتداولاً في العالم، ربما بسبب ان عدد أصابع يد الإنسان هي عشرة، إلا أن كثيراً من الرياضياتيين يرون أفضلية نظام العد الأثنا عشري، لخصوصية العدد 12.
 يتميز العدد 12، عن غيره من الأعداد بما لديه من قواسم كثيرة، قياساً لصغره، فعدد قواسمه 6، وهي: (1،2،3،4،6،12)، تـُقسم العدد 12 إلى أعداد صحيحة، غير كسرية، الأمر الذي يجعل إتخاذه، كأصغر عدد صحيح، أساساً لنظام عددي يتميز بكفاءة أعلى من غيره من الأعداد، فكتابة الكسور في النظام الأثني عشري أسهل من كتابتها في نظام العد العـُشري مثلاً. إن ثلث وربع وسدس العدد 12، هي أعداد صحيحة، تـُكتب على الشكل:  0.4 ، 0.3 ، 0.2  بالتوالي. لكن ثلث وربع وسدس العدد 10، هي أعداد غير صحيحة، لا بل إن بعضها أعداد غير منتهية، كالعددين 3 /10 ، 6 /10،  وهي ...3.3333333 ،   ...1.666666 على التوالي ، ما تسبب مشاكل  كثير في التعاملات الحياتية. 
رحلة العدد 12 في بلاد ما بين النهرين
 يبدو أن إدراك السومرين  المبكر، مرونة العدد 12 وسهولة إستخداماته، جعل له إيقاعاً سحرياً خاصاً في عقول الناس، تعّمقَ ذلك الإيقاع بمرور الزمن ليصبح العدد 12 مباركاً. فالسومريون، أول من قسَّموا: السنة الى 12 قِسماً، سَّموا كل قسمٍ منها شهراً، والسنة الى أربعة فصول، الربيع والصيف والخريف والشتاء، كل فصل من ثلاثة أشهر، وقسَّموا السنة الى 360 يوماَ، وهي الفترة التقريبية لدوران الأرض حول الشمس، والشهر الى 30 يوماً، واليوم إلى 24 ساعة، وهي ساعات دوران الأرض حول نفسها التي ينجم عنها حدوث الليل والنهار، إذ إن نصف اليوم، الليل،  12 ساعة، ونصفها الأخر، النهار، 12 ساعة، وقسَّموا الساعة إلى 60 دقيقة، والدقيقة إلى 60 ثانية، والدائرة إلى 360 درجة، كلها من مضاعفات العدد 12. 
وزاد من سِحرِ العدد 12 أقترابه من عدد دورات القمر حول الأرض خلال السنة، وهي تقترب من 13 دورة، وتناغماً مع عدد أشهر السنة، اتخذَ السومريون إثنا عشر إلهاً رئيسياً، جاعلين لكل شهر إلهاً، فاستمرعيدهم السنوي 12  يوماً، بدءاً من الأول من نيسان وإنتهاءاً في الثاني عشر منه. وتكونتْ حكومتهم من 12 عضواً يديرون شؤون البلاد.  إن الإعتقاد العميق بأهمية العدد 12، جعل البابليين يـُقـَسمون القبة السماوية الى 12 قسمٍ، سَّموا كل قسمٍ برجاً، ذلك دفعهم منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، إلى تأسيس ما  سُمـِّي بعلم التنجيم.
علم التنجيم، هو العلم الذي يهتم بدراسة حركة الأجرام السماوية ومواقعها، مع الإعتقاد أن لتلك المواقع علاقة مع ميلاد الأشخاص وحظوظهم، وحوادث الحياة ومكنوناتها، وقيام الحروب ونتائجها ووقوع الجفاف والفيضانات وكوارثها،  ذلك جعلَ المنجمين البابليين يراقبون حركة الكواكب والنجوم بحرص شديد، وعناية فائقة، ليس لغرض علمي، بل لمحاولة تنبؤات بحوادث المستقبل، لكن بعملهم هذا، تركوا للحضارة البشرية إرثاً كبيراً وخزيناً وفيراً من المدونات الفلكية المتواصلة لقرون طويلة، أفادتْ المراصد الفلكية، ومكنتْ الفلكيون اللاحقون، خاصة الأغريق، من تشكيل صورة عن المجموعة الشمسية وتوزيع النجوم في السماء. تعدى ظهور العدد 12 في مفاصل الحياة السومرية وأبراجها السماوية، ليتجلى إيقاعه في قصص الموت والحياة والفناء والخلود، كظهوره في ملحمة كلكامش الأسطورية، التي تركتْ أثراً كبيراً في ثقافات الشعوب الشرقية والغربية على السواء الى يومنا هذا.
كـُتبتْ ملحمة كلكامش على إثني عشر لوحاً طينياً، وَصَّور فيها مرض أحد أبطالها أنكيدوا، تصويراً حزيناً، لحين موته في اليوم الثاني عشر. الأمر الذي يؤكد أهمية العدد 12 منذ فترات سابقة القـِدم لكتابة الملحمة الأقدم والأكمل في تاريخ الإنسان، التي تضمنتْ قصة الطوفان كاملة وقصة الخلق مفصلة.  وبعد ألف عام من كتابة ملحمة كلكامش، ظهرتْ قوانين حمورابي، أول القوانين التي كـُتبتْ في تاريخ الإنسان، منقوشة  بأثني عشر بنداً.  ولم تتحددْ أهمية ظهور العدد 12 في بلاد الرافدين، بل تـَعدى ظهوره الى بلاد أخرى.
رحلة العدد 12 في مصر وايران والصين والهند
في مصر القديمة، بنحو 1500 ق.م، لاحظ المصريون ان متوسط فيضان النيل يأتي كل 365 يوماً، فقسّمَوا السنة، كما فعلَ السومريون قبلهم بأكثر من الف عامٍ، الى 12 شهراً أيضاً،  في كل شهرٍ 30 يوماً، لتكون السنة 360 يوماً، من مضاعفات العدد 12، ثم ألحقوا بها خمسة أيام، لتصبح السنة 365 يوماً.
في إيران، جاءتْ وصايا الديانة الزرادشتية التي ظهرتْ بنحو 500 سنة ق.م ، مدونة  بــ 12 بنداً، أتخذ مؤسسها زرادشت، 12 داعيأً من تلاميذه، وحدد نهاية العالم بالمرحلة السعيدة بعد إثني عشر الف عام.  وبحسب عقيدة المانويين، الدين الذي يجمع بين المسيحية والبوذية والزرادشتية، نزلَ الوحي على ماني، الفارسي الأصل، مؤسس الديانة المانوية في بابل وهو في الثانية عشرة من عمره.  وفي إيران أيضاً، تحتفل الديانة البهائية، لمدة 12 يوماً بعيد الرضوان، وهي مناسبة ذكرى اعتزال مؤسس الدين البهائي، الملقب بهاء الله، لمدة 12 يوماً، قبل إعلان دينه للناس في حديقة النجيبية، القريبة من مدينة بغداد، والتي سميتْ فيما بعد، حديقة الرضوان.
أما الصينيون والهنود، فقسَّموا السنة إلى 12 شهراً، على ستة فصول، بما يتناسب مع مناخهم، واتخذ الرب الخالق عندهم 12 إلهاً، لكل شهر إلهاً. وبحسب الميثولوجية الهندية  تظهر في نهاية الحياة 12 شمساً في السماء، تجفف المياه وتحرق جميع ما في الأرض من نباتات وحيوانات، ثم تمطر السماء من دون توقف لمدة 12 سنة حتى تفنى البشرية كاملة. في الهند أيضاً، نجد أن الفلسفة البوذية، التي ظهرت بنحو 500 سنة قبل الميلاد، أعتبرتْ أن نيل الحياة السعيدة، يتطلب من الإنسان متابعة 12 وصية، وهي إرشادات تمكن الإنسان من إتخاذ أفضل الخيارات، التي تؤدي إلى تغيرات إيجابية في حياته.
 
 
رحلة العدد 12 في بلاد اليونان
                                أما في اليونان، فيظهر العدد 12 في أساطيرها وفلسفتها  وموسيقاها. تقول أساطير يونانية قديمة، إن الإله أورانوس، رب السماوات، تزوج من جايا، رّبة الأرض، فأنجبا إثني عشر من الأبناء الجبابرة، ستة منهم ذكورٌ وستة منهم إناثٌ، لكنهم ظلموا في الأرض كثيراً، وأغاضوا والدهم، حتى قرر رميهم في الجحيم، لينقذ الناس من شرورهم وسطوتهم، غير أن إبنه ألأصغر، لاورانوس، إله الزمان، تمكن من أن يشق طريقه من الجحيم، ليعود لمقاتلة والده، فينتصر عليه ويخـَلعه عن الألوهية، حتى يصبح أخوه، زيوس، إله السماء والصواعق، رب الأرباب، الذي تمّ أختياره من بين الألهة الأثنا عشر، ليتقاسموا مهام حكم العالم، وبعدها أنيط لهرقل، الأبن الجبار لزيوس، 12 مهمة عظيمة، عليه أن ينجزها في 12 شهر، كل مهمة من مهامه كانت تحدياً كبيراً له، كفيلة بأن تنهي وجوده تماماً، لكنه في نهاية المدة، تمكن من إنجاز مهامه المطلوبة. ويظهر العدد 12 بشكل متكرر في قصص الأوديسية، ويتعدى ظهوره  ليبرز في الفلسفة الأغريقية، خاصة عند الفيلسوف فيثاغورس، الذي أعتبر العدد 12، عدداً ملائكياً.  ولأهمية  الفيلسوف فيثاغورس وما تركه من اثر كبير في  الفلسفة والرياضيات والموسيقى لابد ان نذكر عنه بعض الشيء.                                                     
تضاربتْ المعلومات التاريخية حول شخصية الفيلسوف والرياضياتي اليوناني الكبير فيثاغورس لأسباب كثيرة، ربما أهمها، أنه لم يترك أي مدونات عن أعماله المختلفة، لكننا عرفنا من كتابات مؤرخين وفلاسفة، كهيرودوتس وأيسوقراطس وأرسطو وغيره، جاءوا بعده بقرون، أن فيثاغورس عاش في القرن السادس قبل الميلاد، كان شغوفاً بالبحث والمعرفة، ويبدو من أخباره أنه سافر ومكث لفترات طويلة في أماكن مختلفة، على رأسها مصر وبابل، المتقدمتان حضارياً حينها، إذ  إنه عاش نحو 22 سنة في مصر، قريباً من كهنتها، الذين أحتكروا العلوم الرياضياتية، وأحتظنوا النابغين فيها، وفيثاغورس كان أفضلهم، لكنه لم يتمكن من التنبؤ بأن فوضى الإحتلالات، كانت ستطال مصر العظيمة آنذاك، التي غزتها القوات الفارسية في عام 525 ق.م، فقتلتْ كثيراً من كهنتها،  وأسرتْ قسماً منهم، كان فيثاغورس من بين الأسرى الذين تمَّ اقتيادهم الى بابل المُحتلة من قبل الفرس أيضاً، فقضى فيها نحو 12 سنة، قريباً من كهنتها، كما في مصر،  فأصبح ملماً بالتطبيقات الهندسية وعارفاً بالعلاقات العددية والمثلثية التي أبدع فيها الرافدينيون، كما أبدع فيها المصريون، الذين شيدوا الأهرامات، عجيبة العلاقات العددية والهندسية،  التي وُجـِدتْ بعضها قبل ميلاد فيثاغورس بأكثر من ألف عام.
إن معايشة فيثاغورس للتطبيقات الهندسية والرياضياتية، ومعرفته بتوزيع الأوتار الأحدى عشر  للقيثارة السومرية، ونسبها العددية المقابلة لأنغامها الموسيقية، عمقتْ معارفه العددية، التي أفادته  في وضع نظرية الموسيقى التي تنسب إليه، رغم أن باحثين كثيرين يرون أن اكتشاف نسب الأعداد التي ترتبط مع الأنغام الموسيقية تعود إلى بلاد ما بين النهرين. ان تاريخ القيثارة السومرية، التي تمَّ اكتشافها في أور عام 1929، يعود الى 2450 ق.م، اضافة الى أكتشاف الآلات موسيقية أخرى توضح علاقة النسب العددية المتعلقة مع الأنغام الموسيقية وتردداتها. وسيظهر تفاصيل ذلك في مقال منفصل.
وجد فيثاغورس، أن تقسيم طول الوتر بوضع جسم تحته الى أجزاء بنسب عددية كاملة، يبعث أنغاماً مريحة، أما تقسيم الوتر إلى أجزاء بنسب عددية ليستْ أعداداً كاملة، فيبعث أنغاماً  نشازاً،غير مريحة،  ما جعله يختار طولاً لوتره من 12 وحدة، فقسَّمَ وتره الى أنصافٍ وأثلاثٍ وأرباعٍ ، تبعث إذا ما هُزَّت أنغاماً موسيقيةً مريحة، وبذلك يكون فيثاغورس قد أسس علاقة عددية ورياضياتية لعلم الصوتيات، كانت هذه العلاقة مصدر إلهام له  في صياغة نموذجه للكون الذي أستمر نافذاً لأكثر من الفي عامٍ.
 إفترض فيثاغورس في نموذجه للكون أن نسباً عددية صحيحة، تتحكم في ترتيب النجوم والكواكب، إذ  تقع الأرض في مركزها والشمس والكواكب الأخرى تدور حولها بدوائر، نسبة اقطار مداراتها حول الأرض هي نسب بأعداد كاملة، كما في السلم الموسيقي، ينبعث من دورانها، موسيقى كونية رائعة، لها أنغاماً تعجز الأذن البشرية عن سماعها،  وقد تبنى بطليموس هذا النوذج للكون في القرن الأول الميلادي، ثم تبنته الكنيسة الكاثوليكية لفترة طويلة قادمة، ودافعت عنه بشدة، حتى جاء العالم الفلكي البولوني كوبرنيكوس، بثورته الفلكية، في القرن السادس عشر،  معتبراً مركزية الشمس في المجموعة الشمسية وليس مركزية الأرض، ولا يسع مجال المقال في الدخول الى تفاصيل هذا الموضوع.
والأن نعود للفيثاغوريين والإعتبارات التي جعلتهم أن يصفوا العدد 12 بإنه عدداً ملائكياً. يـُعتبر الفيثاغوريون، أول من صنفوا الأعداد الى فردية وأخرى زوجية والى أعداد أولية وأخرى مركبة، ورمزوا لأمور اجتماعية واخلاقية أعداداً، وضعوا لها علاقات غريبة. فمثلاً، رمزوا للأنثى بالعدد الزوجي وللذكر بالعدد الفردي، وأعتبروا العدد 2 أول انثى، رمز النمو والرأي والعدد 3 أول عدد فردي، يمثل الذَّكـر، رمز التناغم،   والعدد 4 رمز العدل، يمثل عدد فصول السنة الأربعة، والعناصر الأساسية لمكونات الطبيعة: الماء والتراب والهواء والنار كما كان المُعتقد سائداً حينذاك، والعدد 5 رمز الزواج لأنه ناتج من مجموع العددين 2 و 3، اول أنثى واول ذكر وهكذا.
 العدد 12 هو ناتج من حاصل ضرب العددين 3 و 4، يحتوي في تكوينه على المذكر والمؤنث، والعدد الأولي والمركب، والعدل والنمو والرأي والفعل والحركة والتناغم والإنسجام في آن واحد، أضف الى ذلك ان العدد 12 يمثل الطول الأمثل للوتر المهتز، الذي يعطي بتقسيمه، أعذب الأنغام الموسيقية، التي تتحرك بموجبها الأجرام السماوية وللعدد 12 إعتبار فلسفي أخر، هو انه مجموع عدد الخطوط التي تحدد السطوح الستة، لأي شكل هندسي ثلاثي الأبعاد، فالفلاسفة الأغريق كانوا مرغمين بالأشكال الهندسية، والشكل الهندسي ثلاثي الأبعاد يمثل كل جسم في الكون، لكل تلك الإعتبارات، استحق العدد 12  أن يـُوصف عند الفيثاغوريين، بإنه عدداً  ملائكياً. ان تقديس الفيثاغوريون للعدد 12 ترك اثراً كبيراً في أعمال الفلاسفة اللاحقين  كأفلاطون  مثلاً.
عكستْ الأعداد عند أفلاطون،  خاصة العدد 12 ومضاعفاته الشكل السياسي لجمهوريته المثالية، حين قـَسـّمَها إلى 12 قبيلة، عدد نفوس كل قبيلة دون العبيد والنساء والأطفال، 420 نسمة من الذكور البالغين، من مضاعفات العدد 12، ليكون عدد نفوس جمهوريته، 5040، العدد المثالي، الذي إشترط أفلاطون على حاكمها، المحافظة عليه، بأساليب وضوابط محددة، منها:  تحديد النسل، وزواج الأصحاء والأقوياء من الرجال والنساء، وقتل المواليد المعوقين والمرضى من الأطفال غير الناصحين. وتبعاً لعدد سكان مدينته،  جعل عدد أعضاء نواب مجلس مدينته 360 عضواً ممثلين عن القبائل الـ 12، لكل قبيلة 30  نائباً. إن ظهور العدد 12 في الأساطير السومرية والبابلية والمصرية والهندية والصينية واليونانية وفلسفاتها وموسيقاها، ونواحي الحياة المختلفة، دليل على تداخل الحضارات قديمها مع حديثها، وحضارة بلاد الرافدين من منابعها الأصلية. ولكن يبقى جانباً مهماً من جوانب الحياة الإنسانية، ترك اثراً بالغاً في ثقافات بلاد الشرق والغرب، الا وهو أديان الشرق الأوسط، المتمثلة في الأديان الأبراهيمية الثلاثة.  فكيف كانت تداخلاتها وعلاقاتها مع العدد 12 ؟ 
رحلة العدد 12 في عالم الأديان الأبراهيمية
الأديان الأبراهيمية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام، نشأت في أحضان حضارات الشرق الأوسط، كتبَ كـُتبها مؤلفون، أستخدوا العدد 12 بتكرار كبير، ابدعوا في نسج القصص والحكايات حوله بشكل مثير. في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، التوراة والأنجيل، يظهر العدد 12، 187 مرة في  مواضع مختلفة، منها: إن ليعقوب 12 ولداً، منهم تكونتْ الأسباط الأثنا عشر، ولأسماعيل 12 ولداً ايضاً، وأن  النبي  موسى فجَّر 12 نهراً من بين الصخور، جاعلاً  لكل قبيلة نهراً، وشجرة الحياة  كان فيها 12 نوعاً من الفواكه، و يصف التلموذ ، الأثني عشرة ساعة الأولى في النهار الأول من حياة آدم وصفاً دقيقاً، والنبي سليمان إتخذ 12 وكيلاً،  وأن  12 شخصاً شهدوا ولادة المسيح، الذي دخل المعبد وعمرة 12 سنة، ذلك المعبد الذي مكثتْ فيه السيدة العذراء 12 سنة، وكان عدد الذين حضروا العشاء الأخير مع المسيح 12 من حوارييه.
في القرآن، ظهر العدد 12،  مرات عديدة، منها: أن عدد الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، وإن أسباط بني إسرائيل اثنا عشرة سبطاً،  وفـَجـَّرَ النبي موسى اثنتي عشرة عيناً من الماء، لكل سبطٍ  عيناً، وإن النقباء الأثني عشر، هم أمراء الأسباط الأثني عشر،  وفي حديث للنبي محمد، سـُميّ بحديث الأثني عشر خليفة، قال: إن أمرَ الإسلام سيظل قائماً حتى يمضي 12 خليفة، كلهم من قريش. واستلهاماً من ذلك الحديث، تأسست الطائفة الأثني عشرية، من أكبر الطوائف الإسلامية الشيعية. إن تكرر ظهور العدد 12 في الأديان يثير أسئلة منطقية كثيرة يصعب إيجاد إجابات منطقية عنها،، فدور المنطق ينتهي، عندما يبدأ الحديث عن العقائد الدينية وأساطيرها وغيبياتها، وما لها من إرتباطات مع مصالح وسياسات تتداخل، تنمو وتتطور مع الزمن، لا يسع مجال هذا المقال الخوض في تفاصيلها.
قبل نهاية الموضوع، لابد أن أُبين أن أعداداً مختلفة، غير العدد 12، ظهرتْ في قصص الحضارات واساطيرها، كالعدد واحد وثلاثة وستة وسبعة وتسعة وعشرة وغيرها، إنتقلتْ إلى الأديان ومقدساتها، نالتْ الأهمية أيضاً، غير أن العدد 12، انفرد بدخوله في مفاصل حياتنا اليومية بشكل اوسع، وتميـَّز بانتقاله الى صلب معتقداتنا بشكل أعمق، محاطاً بهالة من التقديس، تجعلنا خائفين حتى من مناقشته. 
ويتوجب عليّ أن أذكر أيضاً، أن حضارات بشرية مهمة كحضارة ألمايا التي ظهرتْ في وسط أمريكا نحو 2000 سنة قبل الميلاد حتى 900 ميلادية، وكشفت ما تركته لنا من آثار عن تقدمٍ في اللغة وبراعة في الكتابة الصورية، وتطور في الرياضيات والهندسة والعمارة والفن والموسيقى، هذه الحضارة لم تبدِ أهمية خاصة للعدد 12، بل أعتبرتْ العدد 13 مقدساً لأسباب دينية،  بخلاف الكثير من الحضارات التي دفعتها اساطيرها ومعتقداتها الدينية إلى أن ترى في العدد 13 مصدر شؤم وسوء حظ. ففي قصة العشاء الأخير للمسيح، كان الشخص الثالث عشر، يهوذا، هو الذي وشى بالسيد المسيح، وكان سبباً في صلبه، ومن تلك الحادثة اصبح العدد 13 مثار شؤم في كثير من الثقافات. 
في الخاتمة، أود أن أوضح مسألتين مهمتين بخصوص العدد 12:
المسألة الأولى: المساعي الداعية والمستمرة للتحول الى نظام العد الأثني عشري( الدرزني)، ما يؤكد أهمية العدد 12، قديماً وحديثاً. المسألة الثانية: وجوب سحب هالة القداسة من العدد 12 بعتباره عدد كباقي الأعداد، ناتج عن تطور بشري وحاجة إنسانية بحتة.
 بخصوص المسألة الأولى، أبين أن رياضياتيين كثيرين، ومنذ القرن السابع عشر، انتبهوا الى ضرورة التحول إلى نظام العد الأثني عشري، لأهمية العدد 12 ومرونة استخدامه كما ذكرنا. وقد نُشرتْ كتب ومقالات بذلك الخصوص، وعلى اثر ذلك، تأسست جمعيتان تدافعان للتحول الى النظام الأثني عشري، إحدهما في الولايات المتحدة الأمريكية والأخرى في بريطانيا، لهما نشريات ودوريات، يمكن متابعتها بزيارة موقعي الجمعيتين الأليكترونيتين المثبتين في نهاية المقال. 
والمسألة الثانية، تأتي من ملاحظة الجدول الزمني لأساطير الحضارات القديمة وظهور الأديان الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام التي قـَدَّستْ العدد 12 في قصصها ورواياتها.  فقصص الدين اليهودي، أقدم الأديان الثلاثة، ومصدرها، دُونتْ في فترات الأسر اليهودي على مرحلتيه، الأشوري والبابلي، أقدمها نحو 600 ق.م،  يوم كانت الحضارة الرافدينية في زهوها، تردد بين مثقفيها، أساطير كثيرة، كالتي وردت في ملحمة كلكامش، التي تسبق كتابة التوراة بفترة زمنية تزيد عن ألفي عام.  وبعد ظهور التوراة بأكثر من الف عام ، ظهرت قصص القرآن، تكرار لقصص التوراة، بتحويرات بسيطة.  لكن لم يتم الكشف عن ملحمة كلكامش، إلا بعد التنقيبات الأثرية التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر، التي مثلتْ خطوة أولى نحو صحوة فكرية للبشرية، بفضلها أصبحنا نعرف ان أديان الشرق الأوسط، أقتـبستْ إستخداماتها للعدد 12 من حضارة وادي الرافدين واساطيرها، لا علاقة لذلك بغيبيات وخرافات، تفنن كتاب ومؤلفون في تصويرها وابدعوا في اخراجها بقصصهم وكتاباتهم، ثم اضفوا عليها بأوهامهم صفة القدسية. 
 
المصادر   
1.         سكنة وادي الرافدين رواد الرياضيات – الدكتور ريمون شكوري
https://www.amazon.com/Mesopotamians-Pioneers-Mathematics-Raymond-Shekoury/dp/1456493736
 
2.      الأهمية المقدسة للعدد 12 في الأنجيل 
12: The Divine Significance of the Number 12 in the Bible and Pre-Biblical Antiquity

   


   12: The Divine Significance of the Number 12 in the Bible and Pre-Bibli...




3 .    العدد 12 في الأنجيل
http://www.letusreason.org/Biblexp214.htm
4.      حقائق متفرقة حول العدد  12
Twenty-One Facts About The Number 12 | The Fact Site

   


   Twenty-One Facts About The Number 12 | The Fact Site
Twelve is my lucky number, before this, I didn't realise how amazing this number really was. Here are some rando...




5. الأهمية التاريخية للعدد 12
               http://www.cbc.ca/news/world/what-s-the-historical-significance-of-the-number-12-       1.1249300
   6.   المعاني الخفية للعدد 12 في الكتاب المقدس
                                                           https://mangish.net/forum.php?action=view&id=2916
7.  العدد التام عند افلاطون       
http://joedubs.com/5040-the-perfect-number
8.   اسرار العدد 12 في الهند
http://www.thehindu.com/features/friday-review/history-and-culture/the-secret-of-number-12/article6155235.ece
9.   البوذية والعدد 12
https://vb.tafsir.net/tafsir31801/#.Wtwqkk2pX5ohttps://vb.tafsir.net/tafsir31801/#.WdLVs02pX5o
11.   تبني نظام العد الأثنا عشري يسهل عمليات الرياضيات. لمؤلفه فرانك أرنست أندروز
  New numbers;: How acceptance of a duodecimal (12) base would simplify mathematics,

   


 
New numbers;: How acceptance of a duodecimal (12) base would simplify ma...
New numbers;: How acceptance of a duodecimal (12) base would simplify mathematics,




 12.   قوانين حمورابي
 Hammurabi

   


   Hammurabi
Hammurabi[a] (c. 1810 – c. 1750 BC) was the sixth king of the First Babylonian dynasty, reigning from c. 1792 BC...




13.  مفهوم الأعداد 
Peano axioms

   Peano axioms
The need to formalize arithmetic was not well appreciated until the work of Hermann Grassmann, who showed in the...




14. نظام العد الدرزني يسهل عمليات الرياضيات
Why We Should Switch To A Base-12 Counting System

   <td class="ydp6c00776bcard-actions" style="text-align





6
دعوة تضامن على خلفية صدور فتاوى سنية وشيعية  تسيء للشعب العراقي
الدكتور ثائر البياتي
الولايات المتحدة الأمريكية
في 1-15-2019   
   أرفق اليكم دعوة  تضامن مع الشعب العراقي، كُتبتْ بعد صدور  فتاوى سنية وشيعية  مسيئة للعراق والعراقيين.
ساهم في تحرير الدعوة كل من: 1- الدكتور ريمون نجيب شكوري 2- الدكتور ثائر البياتي 3- السيد سالم سلو 4- المحامي زكر أيرم. والهدف جمع أكبر عدد  من التواقيع الداعمة، بغية إيصال دعوة مؤثرة من خلال تحالفكم، الى مسؤولين عراقيين وأجانب، منهم: منظمات حقوق الإنسان وهيئة الأمم المتحدة ومسؤولين في الأدارة الأمريكية واعضاء في الكونكرس الأمريكي. يمكنكم الأطلاع على الدعوة وتوقيعها بعد فتح الرابط الأليكتروني التالي:                         
www.thepetitionsite.com/347/743/284/فتاوى-سنية-وشيعية-مسيئة-للشعب-العراقي/
نص الدعوة:   
نحن الموقعون أدناه، من مختلف شرائح الشعب العراقي، نناشدكم بإسم الوطنية والإنسانية والعدل والإنصاف، العملَ على إتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق كلٍ من:
السيد مهدي الصميدعي بصفته الرسمية مفتي الجمهورية العراقية،
والسيد علاء الموسوي، بصفته الرسمية رئيس ديوان الوقف الشيعي العراقي.

للأسباب الموجبة الآتية:

       ان المدعويَن خرقا بنود الدستور العراقي، بما جاء في الباب الثاني، من حقل الحقوق والحريات، المادة(15 ) والمادة( 17) والمادة( 37 )  وانتهكا أبسط قوانين حقوق الإنسان، وأساءا الى الشعب العراقي بما ورد في خطابَيْهما المثيريَن للبغضاء والحقد والكراهية، والداعيَيْن الى الإنقسام والتفرقة بين ابناء الشعب العراقي الواحد.

       ان السيد مهدي الصميدعي، بدلاً من ان يـُقدم التهاني لأخواننا المسيحيين العراقيين بمناسبة عيد رأس السنة الميلادية، أعلن فتواه المسجلة صوتاً وصورة:
.”لا يجوز الإحتفال برأس السنة الميلادية، ولا التهنئة بها، ولا المشاركة فيها “

       كما إتخذ السيد علاء الموسوي، موقفاً مشابهاً، بتصريحه المسجل بالصوت والصورة أيضاً
”إن الاحتفالَ بمولد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية ذريعةٌ لممارسة الفساد والفجور.“

      إن التوافق بين تصريحات السيديَن الصميدعي والموسوي، وهما في مواقع مسؤولية دينية عالية، تُنذر بخطر شديد على نسيج المجتمع العراقي وعلى الأمن والسلام وتُهدد بالتفرقة والإنقسام، وتُثير مشاعر التحاقد والتكاره بين ابناء الشعب الواحد

   إنها خطاباتٌ مبرمجةٌ ضد ممارسة حقٍ واضحٍ من حقوق المواطنين في التعبير عن أفراحهم وأعيادهم في إستهلال عام جديد. وهي خطابات تُشكِّل نهجاً ضد ممارساتٍ إعتيادية لمنتسبي الأديان في بلدٍ أقر دستورُه حق التدين لجميع مواطنيه بأديانهم وبطقوسهم المختلفة، وهي كذلك خطاباتٌ تتخالف مع الموقف الرسمي للحكومة العراقية الموقرة التي اعتبرتْ اليومَ الأولَ من كانون الثاني فاتحَ أيام السنة الميلادية عطلةً رسميةً في عموم العراق.

       نناشدكم مطالبتهما بالإعتذار العلني لكامل الشعب العراقي، وأن تتابعوا بجدية تامة الدعاوى المرفوعة ضد المحرضَيْن السيدَيْن الصميدعي والموسوي وتحميلهما تبعات أيِّ إعتداءٍ قد يطال أحد منتسبي الديانات الأُخرى نتيجة تصريحاتهما.

      كما نطالبكم الوقوف بحزم وثبات ضد كلِ من يسيء الى وحدة الشعب العراقي

7
افراح وسرور ... بمناسبة رأس السنة الميلادية
ثائر البياتي
1-1-2019
بمناسبة حلول عام 2019، أتقدم لجميع اخواتي واخواني من العراقيات والعراقيين، من كافة القوميات والأديان، من مسيحيين ومسلمين وصابئة مندائيين وازيديين وغيرهم، بخالص التهاني والتبريكات، متمنياً لهم عاماً جديداً مليئاً بالأفراح والمسرات، راجيا لهم كل الخير، واملاً ان يعم الأمن والسلام في ربوع عراقنا العزيز من شماله الى جنوبه.
ما دعاني الى كتابة هذا المقال، المناسبة السارة لرأس السنة الميلادية، وخبران مهمان، احدهما سار، والآخر ضار، جاء بشكل غير مناسب.
الخبر السار، إعلان الحكومة العراقية، بمناسبة أعياد رأس السنة الميلادية، بجعل اليوم الأول من كانون الثاني، عطلة رسمية في جميع أنحاء العراق وإعلان حكومة إقليم كردستان العراق، عطلة  رسمية بالمناسبة، لثلاثة أيام، وهي الأحد والأثنين والثلاثاء. فشكراً لحكومتي المركز والإقليم لتقديرهما أهمية المناسبة.
أما الخبر الضار، هو أن ينشغل بعض رجال الدين الإسلامي من السنة والشيعة، وهم على مواقع عالي من المسؤولية، ببث نداءات الحقد والكراهية والبغضاء في أوساط شعبنا العراقي. فالشيخ مهدي الصميدعي، من السُنة، الذي يحمل صفة( مفتي الجمهورية العراقية) لا ندري كيف؟ بدلاً من أن يقدم التهاني والتبريكات لأخواننا المسيحيين، بمناسبة أعياد رأس السنة الميلادية، ومن دون مناسبة، أعلن بخطبة حمقاء، نداءهُ المشؤوم: " لا يجوز الإحتفال برأس السنة ولا التهنئة لها ولا المشاركة فيها".
وقد سبق الشيخ الصميدعي بذلك النداء الحاقد، رئيس ديوان الوقف الشيعي العراقي، الشيخ علاء الموسوي، بإتخاذ موقفاً مشابهاً، كذلك في خطبة لا علاقة لها بموضوع رأس السنة الميلادية، قال فيها: " ان الإحتفال بمولد المسيح ورأس السنة الميلادية ذريعة لممارسة الفساد والفجور".
من الغريب، أن يستنكر الشيخ عبد اللطيف الهميم، رئيس ديوان الوقف السني العراقي ما جاء بتصريح الشيخ الصميدعي السُني أيضاً( مفتي الجمهورية العراقية)، قائلاً: " تابعنا بأسف عميق التصريحات المسيئة للمسيحيين من أبناء شعبنا العراقي الكريم في عيد ميلاد السيد المسيح، عليه الصلاة والسلام، مبيناً إنها: " تصريحات خارجة عن المعقول والمقبول والمألوف والمعروف" . لا تمثل موقفاً لوحدة العراق. وقد زار الشيخ الدكتور عبد اللطيف الهميهم البطريركية الكلدانية في بغداد والتقى بالبطريرك الدكتور لويس روفائيل ساكو يوم 12-30-2018، مقدماً باقة ورد الى غبطته، مهنئاً الطائفة المسيحية بأعياد رأس السنة الميلادية. نامل الا يقع الشعب العراقي ضحية سباق المناصب بين الشيخيين السنيين؟
ان تصريحات كل من الصميدعي والموسوي، غير مسؤولة، لا تمثل غالبية شعبنا العراقي من سنته وشيعته، فالعراقيون براء من هذه الدعوات غير الواعية، الهادفة للتفرقة والرامية لتمزيق اللحمة الوطنية، في عراق أحوج الى لّمِ الشمل وتوحيد الجهود. ان تلك النداءات تنذر بخطر كبير، تـُهدد مستقبل الأمن والإستقرار في عرقٍ غير آمنٍ وغير مستقرٍ اصلاً، أمرٌ لابد ان ينتبه اليه الغيارى من أبناء العراق المخلصين.
ان التوافق بين الشيخين، الصميدعي السُني، مفتي الجمهورية العراقية، والموسوي، رئيس الوقف الشيعي العراقي، هو توافقٌ ضد حق المواطنين في إستقبال عامهم الجديد، والإبتهاج  في عيد من أعيادهم، يسبق كل الأعياد. نهج الشيخين موحد ضد الأديان المختلفة في البلد الواحد، وموقف ضد ممارسة الحريات الشخصية، يتنافى مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان، يتعارض مع ما جاء في نصوص الدستور العراقي، من بنود تصون الحريات الخاصة. كما انه سلوك شارد، يخالف الموقف الرسمي للحكومة العراقية التي اقرتْ كما ذكرنا: ان اليوم الأول من كانون الثاني، أول أيام السنة الميلادية، عطلة رسمية في عموم العراق.
وبذلك الخصوص، رفعتْ عوائل مسيحية دعاوى قضائية في بغداد ضد الشيخين، الصميدعي والموسوي، بأعتبارهما يحرضان على الحقد والكراهية والبغضاء، ما يتنافى مع كل القيم الإنسانية المتعارف عليها.
أناشد أعضاء البرلمان العراقي والحكومة  العراقية والقضاء العراقي وكل المسؤولين العراقيين ان ينظروا بجدية تامة الى الدعاوى المرفوعة ضد المحرضين المعنيين. وعلى كل الطيبين والخيرين العراقيين من مثقفين واعلاميين ان يقفوا بحزم وثبات ضد كل من يروج لخطاب الحقد والكراهية بين ابناء الشعب العراقي الواحد، وان يتابعوا إتمام محاسبة كل المعنيين، باشد العقوبات القانونية. وكل عام وانتم بألف بخير.

8
قصة اختراع السيارة الكهربائية الاولى في امريكا من قبل العالم العراقي الكردي الدكتور جلال توفيق الصالحي في ستينيات القرن المنصر‬

الأخوات والأخوة الأعزاء
طابت اوقاتكم
الفديو المرفق في نهاية هذه الرسالة، يبين قصة اختراع السيارة الكهربائية الاولى من قبل العالم العراقي الكردي الدكتور جلال توفيق الصالحي في ستينيات القرن المنصرم.
    الدكتور جلال توفيق الصالحي، أستاذ الهندسة الكهربائية السابق في جامعة بغداد، ورئيس قسمها عام 1959. لاحقهٰ النظام البعثي عام 1963، ربما لانه من القومية الكردية ومن عائلة سياسية معروفة، ولكنه شخصياً لم يكن سياسياً. وعلى اي حال، كان حاله كحال غيره من العراقيين الملاحقين، تمكن من الفرار من قبضة النظام البعثي، بمساعدة احد معارف العائلة، فكان استقراره الأخير وعمله في امريكا منذ العام 1963.
اجرى الدكتور جلال بحوثاً واختراعات هندسية كثيرة، خلال عمله الطويل في مناصب رفيعة في الــ General Motor، كان من اهمها دوره في اختراع السيارة الكهربائية الأولى في امريكا.
عرفت الدكتور جلال وعائلته عن قرب، من خلال بعض الأقرباء منذ عام 1985، حال وصولي الى امريكا. زادت معرفتي الشخصية به من خلال حضوره نشاطات ولقاءات الجالية العراقية في ساند ياكو- كاليفورنيا وخاصة الجالية الكردية. كان مناهضاً للنظام الدكتاتوري العبثي في العراق، ومناصراً لدعوة قيام نظام ديمقراطي مدني فدرالي حر في العراق.
تابعوا الفديو المرفق لمعرفة المزيد عن قصة هذا العالم العراقي-الكردي الرائع الذي فقده العراق، بسبب سوء ادارة الدولة والسياسات الرعناء للحكومات التي مرت على العراق بعد الأحداث الدموية لعام 1963. مع خالص مودتي
https://www.youtube.com/watch?v=1k6tZGiuflw
ثائر البياتي

9
أمسية تكريمية
للأديب زكر أيرم
اعداد: الدكتور ثائر البياتي
 
بمناسبة اعياد ثورة 14تموز 1958، نظمّ الأتحاد الديمقراطي العراقي بالأشتراك مع التيار الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا حفلاً تكريمياً للأديب زكر ايرم  على قاعة مطعم عشتار في مدينة الكهون،  في يوم  12  تموز-2017  وقد حضر الحفل عدد كبير من اصدقاء ومحبي المحتفى به من مثقفين وناشطين مدنيين  من بنات وابناء الجالية العراقية في ساند ياكو ، وتخلل حفل التكريم كلمات ومداخلات .
أفتتح الحفل الزميل القاص حيدر عودة، منسق التيار الديمقراطي العراقي، ذاكراً ان الاديب ولد في مدينة الموصل عام 1932، ترعرع في ربوعها، دَرَسَ في مدارسها لحين مرحلة الدراسة الأعدادية. احب اللغة العربية وعشق مضامينها واتقن قواعدها  وحفظ قصائدها منذ صغر سنه، وكان على رأس المبادرين في اصدار النشرات الجدارية المدرسية وأول المشاركين في المسابقات الشعرية. عمل في البنك العثماني فرع الموصل لعدد من السنين لحين انتقاله الى الفرع الرئيسي للبنك العثماني  ببغداد الذي تحول فيما بعد الى بنك الأعتماد العراقي، الذي تدرج في وظائفه لحين ارتقاءه الى درجة مديراً في الدائرة القانونية، وخلال فترة عمله، دَرَسَ في الجامعة المستنصرية ونال شهادة البكلوريوس في الحقوق  عام 1967. كتب أول قصائده عام 1989 وهو على ظهر الطائرة التي اقلته الى الولايات المتحدة الأمريكية. اصدر ديوانه الأول، اوراق الخريف عام  2010 وله قصائد جديدة ينوي جمعها في ديوانه الثاني.
 بعد  تقديم الأديب لجمهور الحضور، قدم  الزميل الشاعر عامر حسن نيابة عن الأتحاد الديمقراطي العراقي باقة ورد له بالمناسبة مرحبا به ومهناً لتكريمه ومن ثم قدّم َ الدكتور محمد سليم باقة ورد ايضا للشاعر بالمناسبة. وألقى كلمة التيار الديمقراطي العراقي الدكتور ثائر البياتي، جاء بها:
نيابة عن التيار الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا، يسعدني ان اشارككم الأفراح في هذه الأمسية الممتعة المقامة لتكريم  زميلنا وصديقنا الأديب، زكر ايرم.  ان قرار الهيئة الأدارية  للتيار الديمقراطي الذي صدر بالأشتراك مع قرار الإتحاد الديمقراطي  العراقي في كاليفورنيا لتكريم صديقنا، العضو الناشط  في التيار  والأتحاد  معاً، لم يكن  بسبب ابداعاته الشعرية فحسب، بل لمواقفه الوطنية الجريئة، وكتاباته العلمانية الديمقراطية، التي تتوائم مع أهداف التيار الديمقراطي الرامي لبناء عراق مدني  تعددي موحد.
لقد عرفته في منتصف تسعينيات القرن الماضي قبل ان التق به، من خلال كتاباته في مجلات ومطبوعات عديدة كانت تصدر في الجالية العراقية في ساند ياكو، ومنها مجلة اقلام مهجرية، التي كان يصدرها الصحفي المرحوم صباح كبوتة، كانت تحوي مقالات مرموقة والشاعر احد محرريها،  وكذلك مجلة صوت الأمة، وهو احد كتابها جنباً الى جنب مع زميله الشاعر المرحوم حنا قلابات، والمجلة كانت لسان حال الجالية المسيحية، الكلدواشورية السريانية، الذي أصبح شاعرنا فيما بعد عضواً في جمعيتها، ونشر الكثير من المقالات التي تحث على الثقافة المدنية  وتـَلـَهفَ الناس على قراءة مواضيعها، واول مقالاته كانت ملاحظات حول الدستور العراقي، تميزتْ بأهمية موضوعها  ورصانة لغتها، كون كاتبها ليس كاتباً عادياً، بل شاعراً ورجل قانون.
 شارك في اصدار مجلة حمورابي، جنباً الى جنب مع زملاءه الأخرين وله مقالات وقصائد عديدة فيها، وكان  ينشر بشكل مستمر قي مجلة فينوس التي كان يصدرها  السيد منصور السناطي مدير وصاحب مطبعة فينوس.
  كان للأديب ركناً اساسياً في جريدة بيروت تايمز، لمدة خمسة سنوات ، تحت عنوان ركن الأهالي، التي كانت تصدر في لوس انجلس، وله اكثر من مئتي مقال،  تضمنت تعليقاته وأراءه حول أحداث مهمة وقعت في العراق  والعالم العربي، في تسعينيات القرن الماضي. كان من المؤسسين لنادي الرافدين الأجتماعي الذي ضمّ في صفوفه عراقيين من مختلف الأطياف والأديان والقوميات وشغل سكرتيراً في اول لجنة ادارية لنادي كريستال الكلداني الذي افتتح عام 2001.
تميزتْ مقالات الكاتب بالموضوعية والوضوح والجرأة والصراحة. ويذكر ان السفارة العراقية في كندا، كانت تترقب كتاباته  المعبرة عن رايه في نقد ممارسات السلطة في بغداد ، حين كان يكتب في جريدة بيروت تايمز، وفي احد الأيام اتصل أحد مسؤولي تلك السفارة، بمحرر الجريدة، طالباً منه ان يكفَ عن نقده،  ولكن جاء رد المحرر صارماً،  حيث قال:  لا قيود تفرض على كـُتاب جريدتنا،  ومن حق القراء الرد على اي مقال يـُنشر، وادارة الجريدة كفيلة بنشر ردكم ان كتبتم، والحكم متروك للقارئ. وبعد الكلمة قدم الدكتور ثائر البياتي هدية تثمين وتقييم تذكارية، موقعة من قبل التيار الديمقراطي العراقي للأديب زكر ايرم.
وفي سياق كلامه عن ذكرياته الشخصية في العراق في العهد الملكي وعند قيام ثورة  14تموز عام 1958 ، يذكر الأديب إنه عندما كان يعمل في بنك الأعتماد العراقي تعرف  بصديقه الراحل الشاعر حنا قلابات، الذي كان يعمل في بنك انترا اللبناني، وكانت تدور لقاءات متكررة بينهم، ولا زال يذكر لحظة قدوم  زميله حنا فرحاً مستبشراً في صبيحة يوم اعلان ثورة 14 تموز عام 1958، عندما اقترح عليه ارسال برقية تهنئة للضباط الأحرار بمناسبة الثورة بأسم شبيبة البتاويين التي تمّ توقيعها من قبلهم، اضافة الى زميلهم الأخر حكمت عتو، واذيعت البرقية في ذلك اليوم  بذكر اسمائهم الصريحة، رغم الخوف والذعر الشديدين في ذلك اليوم على مصير الثورة، ومصير الضباط الأحرار ومن يؤيدهم. ولكن الشاعرين كانا من الرجال الشجعان بمواقفهما الوطنية، واثبتا ذلك في ممارساتهما اليومية. وبعد ايام من الثورة اصبح الشاعر احد اعضاء  لجنة الدفاع عن النظام الجمهوري.
قرأ الشاعر بصوته بعض من قصائده غير المنشورة في ديوانه الأول.
وقد ساهم الشاعر فالح الدراجي بكلمة جميلة اشاد بها بالشاعر زكر ايرم ذاكراً لنا، انه قد قدمه قبل عدة سنوات في برنامجه، مو بعيدين،  الذي يذاع من اذاعة العراق الحر، مبيناً ان الأحتفال هذا اليوم، جاء مكملاً لأفراح ابناء الموصل والعراقيين كافة في تحرير الموصل، مما يزيد من فرحة الشاعر.
واود ان اذكر، ان استاذنا الفاضل الدكتور ريمون شكوري، المقيم في تانسي، ناشفيلد، كتب في تعليقه على الفيس بوك ذاكراً:  أتمنى لو كنتُ معكم لأتمتع بسماع القصائد الشعرية لصديقنا زكرً. وتعذر حضور صديقنا المهندس نبيل دمان، لحفل تكريم صديقه لأسباب طارئة، ولكنه كتب تعليقاً على الفيس بوك ذكر فيه: زكر أيرم : شاعر صديق، رقيق المشاعر، طيب القلب، حقاني الموقف، وانساني التطلع. محبته للموصل يصعب تخيلها، فرحته بتحريرها قد لا تضاهيها  فرحة. وشرفنا كذلك بالحضور البروفسور شاكر حنيش وقدم تهنئة خاصة لصديقه المحتفى به.
واختتمت الجلسة بالعشاء العراقي وبفرح وبهجة الأصدقاء.


10
البينة على من ادعى
مبدأ منطقي معروف
الدكتور ثائر البياتي                                                                                     
10-20-2016
        الذي دعاني لكتابة هذا المقال، مشاهدتي لمناظرة مثيرة دارت باللغة الأنكليزية بين البروفسور ريجارد دوكنز، المعروف عالمياً في مواقفه الإلحادية والبروفسور طارق رمضان، المفكر الإسلامي السويسري، المختص في موضوع الفلسفة، من أكثر القيادات الإسلامية المؤثرة في اوربا. وهو حفيد السيد حسن البنا، مؤسس جماعة الأخوان المسلمين  ومرشدها الأول في مصر. دارت المناظرة حول السؤال: هل لا زال للدين أهمية في القرن الواحد والعشرين؟  ونشرت  في صفحات الأنترنيت في 22 تموز، 2016.  ما اثارني في المناظرة، العبارة الختامية للبروفسور طارق الذي قال فيها:  أن دوكنز نفسه لا يتمكن من “إثبات عدم وجود خالق للكون”. والعبارة المذكورة قد أُقحمتْ في المناظرة، فالبروفسور دوكنز في سياق كلامه، لم يدعِ عدم وجود خالق، لكي يبرهن صحة دعوته.  زادت الحاجة للكتابة عن المناظرة  كونها غير مترجمة الى اللغة العربية، فقررت ترجمتها وتلخيصها والتعليق عليها، عسى ان تعم الفائدة على اكبر عدد من القراء.
       يمكنكم مشاهدة المناظرة كاملة باللغة الإنكليزية على الرابط الأليكتروني التالي:
Prof. Tariq Ramadan & Prof Richard Dawkins debate

   



Prof. Tariq Ramadan & Prof Richard Dawkins debate   





في البدء اود ان أبين للقارئ الكريم ان الدكتور ريمون نجيب شكوري، في مؤلفه الأخير "صحوتي الفكرية” خص فصلاً لموضوع:   “البينة على من ادعى” إضافة الى مواضيع اخرى ذات علاقة، منها حجج وجود الله ومغالطات منطقية. والكتاب نـُشر حديثاً، ويمكن إقتناءه من الموقع الأليكتروني لأمزون:
http://www.amazon.com
تحت عنوان:
My Intellectual awakening
By: Dr. Raymond N. Shekoury
       في مستهل كلامه، أكد البروفسور دوكنز انه سيناقش موضوع الدين كباحث علمي،  مهتماً بقضايا علمية اصبحت واضحة للجميع يدعم بها استنتاجه في نهاية المناظرة الذي  جاء فيه : ان الدين يفقد مكانته يوماً بعد آخر ولا مكان له في القرن الواحد والعشرين.
أفتـَتـَحَ دوكنز المناظرة بذكر النص التالي من الكتاب المقدس: 
السَّماواتُ تُحـَدثُ بمجدِ  اللهِ، والفلكُ يُخبرُ بعملِ يديهِ. ثم قال: هو ذلك الإله الذي تـُحدثُ السماواتُ بمجده، كنتُ ربما أعتقد به لو عشتُ قبل حقبة دارون، وهو الإله الذي إعتقدتُ به فعلاً، عندما كنتُ صبياً، أفكرُ كطفلٍ، ولكني عندما  كبرتُ واصبحتُ رجلاً،  وضعتُ الأفكار الطفولية والصبيانية جانباً، فاصبحَ الإلهُ الذي لو اعتقدتُ به، هو خالق مليارات المجرات ومليارات النجوم ومليارات الكواكب، إله الفيزياء والرياضيات وكل العلوم الأخرى،  ذلك الإله ينبغي ان تـُقدمَ له كل العبادات.
 ليس من المعقول ان ذلك الإله العظيم، المشغول بشؤون الكون الشاسع، ان يشغل باله بصلوات الناس ودعواتهم وخطاياهم،  خاصة خطايا أحد مخلوقاته، الإنسان، الذي يعيش على كوكب الأرض، التي هي كحبة رملٍ بين مليارات الكواكب، في احد مجراته التي هي بين مليارات المجرات.
 أيـُعقـَلُ ان ذلك الإله:
•       يـَشغلَ باله بمـَنْ يـُضاجعُ مَنْ مـِنْ مخلوقاته في الفراش ؟
•       يُحـَّملُ البشرية كلها، الخطيئة الأصلية، وهي الخطيئة التي يصعب محوها، خطيئة آدم  الذي طـُرِدَ من الجنة بسببها؟ آدم،  ذلك الكائن الذي لا وجود حقيقي له.
•       يـَرسلُ إبنه، المسيح،  كي يضحي بهِ، فـَيـُصلبَ، وَتـَسيلَ دِمائه، من أجلِ خلاص ِالبشرية، من الخطيئة الأصلية؟  تلك الخطيئة التي لم يرتكبوها أساساً.
ان الإله الذي تُحـَدثُ السماواتُ بمجده، إله الكون، حدد َالثوابت الكونية ورتبها وَهـَّيءَ الظروف الملائمة وأحكمها بما جعلَ ان تنبثق الحياة الأولى من المادة الأساسية، وجعل عملية التطور ان تستمر، فظهرتْ حيوانات جديدة، وبأشكال مختلفة، بسيطة ومعقدة، وكان وجودنا نتيجة ذلك التطور وثماره،  ولو فكرنا في وجونا بإمعان، وتفحصنا عيوننا مثلاً، كيف تؤدي وظائفها وأغراضها بدقة كبيرة؟ كنا عاجزين عن فهم اسرارها وخفاياها لوقت طويل، ولكن بفعل البحوث والدراسات العلمية المستمرة، فهمنا ما كنا نجهله، وعرفنا ما لم نعرفه.  ولو راجعنا التاريخ وكيف كان الناس يفكرون قبل قرنين من الزمن،  خاصة قبل الحقبة السابقة لنظرية دارون، لوجدنا أنهم، حتى أفضل الفلاسفة منهم،  كانوا يتصورون لابد من وجودِ مصممٍ للكون والكائنات
، صممَ وجودنا المعقد. وَمـَنْ يكون ذلك المصمم، فلابد إنه أعقد من تصميمه، وبنفس المنطق، ان ذلك المصمم بحاجة الى مصممٍ آخر أكثر تعقيداً، وهكذا دواليك. ففكرة المصمم وما تـَصـَوَرهُ الناس قبل نظرية دارون لا تفسر أي شيء.
ولكن نظرية دارون في التطور وميكانيكية البقاء للأصلح وعملية التغيير المستمر في عالم الأحياء وعلى مدى ملايين السنين،  تـُفسرُ لنا بطريقة معقولة،  كيف آلت الأحياء من بسيطة الى معقدة؟  وكيف انبثقت حيوانات مختلفة الأشكال وانقرضت حيوانات لم تتمكن من التآلف مع الظروف المستجدة؟ ان التطورات العلمية المختلفة ودراسة علم المتحجرات والجينات والجيولوجيا توثق وتدعم يوماً بعد يومٍ صحة نظرية التطور في النشوء والإرتقاء. ورغم ان معارفنا العلمية توسعتْ وتعمقت ْ ولكنها تبقى غير متكاملة، ما يجعلنا ان نـَقرَّ إنه هناك فجوات في معارفنا هنا وهناك، كما هي الحالة في جهلنا عن اصل الحياة وأصل الكون، غير ان هذه الفجوات في تقلص مستمر بأستمرار البحوث والأكتشافات العلمية. ان الفكر الديني يعتبر فجوات معارفنا العلمية عيوباً، وجهلنا في بعض الأمور نواقص، وحلاً للمشكلة، وغلقاً للتساؤلات،  يفترض وجود  اليد الإلهية في تلك الفجوات.  بعكس المنهج العلمي في تفسير الظواهر وفهمها بشكل منطقي وعقلاني، لا علاقة للغيبيات فيها. لكل  تلك الأسباب،  نقول لا مكان للدين والتفسيرات الدينية في القرن الواحد والعشرين.
أما البروفسور طارق فبدوره، لم يرد على كثير من طروحات البروفسور دوكينز، بل بدأ قائلاً: انا متعجب ان اسمع من شخص علمي كلاماً غير علمي، فمسألة، ان لا مكان للدين في القرن الواحد والعشرين، مسألة غير معقولة وغير مقبولة، فالدين حاجة مهمة للإنسان مثلما  العلم والفلسفة. فرغم ان العلوم والتكنولوجيا تطورت وازدهرت، لكن هناك أسئلة كثيرة محيرة،  بقت تشغل بال البشرية، كالسؤال: ما الغاية من حياتنا؟ وما الغاية من وجودنا؟ هي اسئلة خارج مجال البحث العلمي، تقع في مجال البحث الفلسفي والديني. ان حرصنا الشديد لتلبية الحاجات البشرية في القرن الواحد والعشرين ورغبتنا في مناقشة قضايا أخلاقية تهم الإنسانية، تدفعنا للتباحث والتشاور، لا للتباعد  والتنافر،  فكيف يمكننا القول  بأن رجال العلم لا يحتاجون الى رجال الدين؟  كما وان كثيراً من تلك الأسئلة المحيرة، لها أكثر من جواب واحد، وأسئلة أخرى ليس لها أي جواب،  وحتى ان بروفسور دوكنز نفسه،  لا يتمكن من ان يبرهن انه لا يوجد خالق.  فدعونا نتحاور ونتناقش معاً لنفهم ما هو دورنا في الحياة والوجود.  انتهت خلاصة المناظرة.
التعليق
ان البروفسور دوكنز لم يدعِ، في سياق كلامه،  “عدم وجود خالق”  كي يـُطلب منه إثبات ذلك، بل ان المؤمنين هم الذين يدعون وجود خالق،  فعليهم يقع عبء البرهان، تبعاً للمبدأ المنطقي، البينة على من ادعى، الذي خصه الدكتور ريمون بفصل في كتابه المذكور " صحوتي الفكرية"، ساذكر خلاصة ذلك الفصل. 
       ان مبدأ البينة على من ادعى، مبدأ منطقي معروف يـُستخدم في أوساط كثيرة، كالمحاكم القضائية  والمناقشات العلمية والمناظرات الفلسفية المختلفة. والبينة تعني الحجة الواضحة والدليل والبرهان.
       ولتوضيح المبدأ قدم الدكتور ريمون في كتابه مثالاً، سأذكره مع تغيرات طفيفة. لو إدعى شخص أمين وصادق،  يعيش في قرية تقع أسفل قمة جبل ايفريست، ان هناك عملاقاً طوله عشرة امتار، عمره ألف عام،  يمتلك قابليات خارقة،  يعيش في قمة جبل أيفريست. فهل ينبغي على أهل القرية تصديق هذا الخبر المذهل من دون تمحيص وتدقيق؟
  الجواب حتماً سيكون كلا.
       وللتحقق من صحة الخبر، يتحتم على عقلاء أهل القرية، ان يهيئوا بعثة إستكشافية، افرادها من خبراء ثقاة، متزودين بكاميرات  تصوير ومعدات تنقيب  تساعدهم  على إستطلاع خفايا قمة جبل ايفريست، في البحث عن العملاق الخارق الذي يتكلم عنه أمين القرية وصادقها، ولا شك ان افراد البعثة على استعداد كامل  لأخذ صور  وتسجيل أفلام وثائقية    للعملاق او اثره، لتصبح مستمسكات إثبات وجود ذلك العملاق. ولكن اذا ما تكررت البعثات التنقيبية، ولم تجد أي اثر لهذا العملاق، وفشلتْ في مهمتها ولمرات متكررة  ولسنين طويلة. فهل ينبغي بعد كل ذلك على أهل القرية الأستمرار في تصديق دعوة  المدعي  بوجود العملاق؟
الجواب  العقلاني، بالتأكيد كلا.
       ولكن بعد فشل التنقيبات في إكتشاف العملاق وفشل المدعي من تقديم أي دليل معقول لصحة دعوته،  يتقدم المدعي  بفكرة بهلوانية، متحدياً أهل القرية، بقوله: اذا لم تصدقوني، هاتوا ببرهانكم على عدم وجود ذلك العملاق في قمة الجبل. هذه العبارة تقع ضمن مغالطات منطقية لمبدأ “البينة على من إدعى” فأهل القرية أساساً لم يخطر ببالهم  فكرة العملاق، ولم يـَدّعوا بوجوده او عدم وجوده، فكيف يـُطلبْ منهم برهاناً  في إثبات أي من الحالات؟   فالمدعي يحيلُ عبء البرهان الى جهة غير صحيحة،  كما فعل تماماً البرفسور طارق في نهاية المناظرة عندما أحالَ عبء برهان وجود الخالق الى البروفسور دوكنز.
فالبروفسور طارق، أما وقع في مطب هذه المغالطة المنطقية، وهذا غير مرجح  بأعتباره مختصٌ في الفلسفة، او ان غايته دغدغة مشاعر المؤمنين وأحباط عزيمة غير المؤمنين.
وأخيراً أجد التعارض والخلاف، لا التوافق والتقارب بين الدين من جانب والعلم والفلسفة من جانب آخر، وليس كما عبر عنهُ وتأملهُ البروفسور طارق. فالدين يتعارض مع العلم والفلسفة في أمور اساسية كثيرة، منها إدعاءه بإمتلاك حقائق نهائية وقطعية، تستند على غيبيات وقوى خارقة،  في تفسر ظواهر الحياة والطبيعة، بخلاف العلم الذي يفسر الظواهر بشكل عقلاني منطقي، خالي من الغيبيات،  بدءً من ملاحظات اولية ووضع فرضيات وصياغة نظريات قابلة للأختبارات والتجارب، لا تدعي المعرفة القطعية والنهائية في تفسير الظواهر، بل ان تفسيراتها نسبية، تتناسب مع فرضياتها. اما تعارض الدين والفلسفة فواضح ، إذ ان الفلسفة، حب المعرفة،  تسلك المنهج المنطقي في دراسة واختبار أفكار تخص معضلات اساسية في الحياة، تتعلق بالمادة والوجود، والقيم والفكر، تعتمد بطرح مقدمات وتستخدم محاورات منطقية عقلية للوصول الى استنتاجات ونتائج تخدم الفكر البشري، غير المعتقدات الدينية التي تفرض على  عقول الناس بوسائل الترغيب والترهيب وتغرس في عقول الأطفال منذ الصغر. ومن خلاصة المناظرة،  أجد ان الله الذي تُحـَدثُ السماواتُ بمجده، وذكره البروفسور دوكنز مراراً في المناظرة، لا علاقة له بإله الأديان، خاصة الأديان التوحيدية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام. فإله الأديان يـَحبُ ويكره وَيفرحُ ويغضب  ويكافئ ويعاقب، وما الى ذلك من صفات إنسانية أسقطها البشر على افتراضهم لوجود الله،  ما  يؤكد مع كل التطورات العلمية الهائلة،  أنه لم يعد هناك مكاناً او حاجة للدين في القرن الواحد والعشرين، لا بل هناك ضرورة ملحة في اعادة النظر في موروثاتنا الدينية، فأحداث التاريخ الطويل للدين، والأحداث المأساوية الجارية حالياً في شرق الأرض وغربها تشهد على بؤس الأفكار الدينية، وتبين فساد عقول كثير من الناس بسببها، ما يسبب القيام بأبشع الجرائم بحق البشرية والحضارة الإنسانية.


11

صحوتي الفكرية: تأليف الدكتور ريمون شكوري
مراجعة الدكتور ثائر البياتي
4-30-2016
صدر حديثا كتاب باللغة العربية للدكتور ريمون نجيب شكوري تحت عنوان:
“ صحوتي الفكرية”، بتـَصدير الدكتور مجيد القيسي، أستاذ الكيمياء في كلية العلوم في جامعة بغداد وعميدها الأسبق الذي حدد موقع محتوى الكتاب في الفكر العالمي، كما عرَّف فيه المؤلف الدكتور ريمون شكوري. كتاب “ صحوتي الفكرية” يتضمن ثلاثة أبواب، باب النشأة، فيه سيرة ذاتية موجزة للمؤلف مقصورة على نشأته بدءاً من مرحلة الطفولة الى سنوات الدراسة الجامعية، وباب آراء وأفكار، وباب مغالطات وحجج، ويتكون من 398 صفحة من النوع المتوسط . يمكن إقتناء الكتاب عن طريق الأنترنيت من الموقع الأليكتروني لامزون، تحت الرابط: http://www.amazon.com
والكتاب تحت عنوان:
My Intellectual awekening
By: Dr. Raymond N. Shekoury

مؤلف كتاب “ صحوتي الفكرية” الدكتور ريمون نجيب شكوري أستاذ متقاعد في جامعة بغداد، إختصاصه الرئيسي موضوع الرياضيات، وعمل استاذا في الجامعة الأردنية الهاشمية وجامعات أمريكية مختلفة لحين تقاعدة في عام 2002. عرفته منذ اكثر من اربعين عاماً، أستاذاً بارعاً ، تتلمذت على يديه في قسم الرياضيات، كلية العلوم جامعة بغداد، كان من الأساتذة اللامعين في الرياضيات، ملماً بمختلف مواضيعها، مهتماً بفلسفة العلوم ومنطقها، فدرَّسها لطلاب قسم الرياضيات والفيزياء. أشرف على بحوث دراسات عليا لدرجتي الماجستير والدكتوراة لأكثر من خمسة وثلاثين طالباً، ونشر كثيراً من البحوث العلمية في مجلات عالمية وكان عضواً ناشطاً في جمعيات علمية محلية وعربية وعالمية مختلفة طيلة فترة عمله.

من الواضح ان العنوان الفرعي لكتاب ” صحوتي الفكرية” : “ لا يفهم ظاهرة الدين مَنْ أعتنقَ ديناً ، بلْ مَن ْ إنعتقَ مِن الأديان” يكشف نكهة محتواه. ورغم ان الرياضيات هي اختصاص المؤلف الا ان كتاب “صحوتي الفكرية” ليس بكتاب في الرياضيات، بل أنه كتاب حواري ممتع، بين المؤلف وأحد قراء مقالاته المنشورة سابقاً في الحوار المتمدن، تدور مواضيعها حول التطور الفكري للمؤلف وخاصة بما يتعلف بظاهرة الدين.

عند سرد المؤلف سيرة حياته، يسلط الأضواء على ما تعرَّض اليه من برمجةِ غرسِ مبادئ الدين . وهي برمجة يمارسها معظم أولياء الأمور على عقول أطفالهم وثم تعمـِّقها المناهج التربوية في المدارس، خاصة ً تلك التي يديرها رجال دين.

يتطرق المؤلف في سيرته الذاتية الى حوادث فذة، شكـّلت في حياته انعطافات فكرية حادة كان لها الأثر الأكبر في كبح ِ مفعول تلك البرمجات عليه. ويركز في النشأة على مراحل دراسته قبل الجامعية، مبيناً قراءاتهُ المتنوعة والغير منهجية حول مواضيعَ الفلسفة والتاريخ والعلوم التي ساعدتْ على تنضيج وبلورة أرائه ومواقفه في الحياة، خاصة في الشؤون الدينية والتي عرضها في البابين الثاني والثالث من “ صحوتي الفكرية”.

تناول باب “الأراء والأفكار” واحد وعشرين مقالاً مستقلاً الواحد منها عن الآخر، جميعها تعالجُ أموراً متنوعة، لكنها تتعلقُ بالأديان بشكل ٍ أو آخر، وقد سبق أن نشر بعضها في موقع الحوار المتمدن. لقد عالج د.شكوري هذه المقالات بأسلوب موضوعي أكاديمي. فمثلاً إستهل مقاله عن الإلحاد بتعريف ٍ مقتبس ٍ من موسوعة ويكيبيديا، بأن المـُلحد هو ليس المرء الذي يدَّعي عدم وجود إله، إنما الذي لا يؤمن بوجود إله بسبب عدم توافر أدلة عقلانية كافية على الزعم بوجوده. واعتمد المؤلف في مقال” هل الإلحاد دين؟” على موسوعة الفلسفة في توصيفِ مقومات وابعاد ظاهرة الدين والتدين، مبيـَّناً عدم إنطباق تلك المقومات على الإلحاد.

وكتب في بداية مقال ” مسيحيو الشرق الأوسط بعد الفتوحات الإسلامية” نظرتي ( الى هذا الموضوع الحساس) نظرة نسرٍ مـُحلقٍ ٍ في أعالي السماء، يرى من علِّوه قمم الجبال وأعماق الوديان وسعة الغابات ولا تسترعيه الصخور المبعثرة ولا الروافد الصغيرة ولا الأشجار المنفردة، أي يتجاوز بنظرته الأمور والأحداث الصغيرة التي يركز عليها عموم الناس. وفعلاً نظر المؤلف، بتجرد موضوعي، على أطر تفكير الطرفين( المسيحي والإسلامي) من أعالي ذلك البعد حول وضع مسيحي الشرق الأوسط زمن الفتوحات الإسلامية وأسباب التناقص الكبير في أعدادهم، وعزى اسباب ذلك، لظروف موضوعية، تختلف عما ذهب اليه كثير من المسيحيين أو إعتقده معظم المسلمين.

أرفدنا المؤلف في مقاله ” تأملات حول الحياة والموت” برأيه الخاص حول الحياة- بعد الموت. وارجع فكرة الإعتقاد بالحياة الثانية التي لا تسندها العقلانية الى غرور الجنس البشري بنفسه وشعوره بالتسامي فوق الأنواع الحياتية الأخرى. وبين ان هذا الغرور ادى بالبشرية الى مآزق لم تستطع الخروج منها الا بتضحيات جسيمة. ثم ختم مقاله معبراً عن رأيه بمقطع محوَّر من أغنية لفريد الأطرش “ كلنا في الفنا سوا” ويقصد ان لا مكانة متميزة في الكون للجنس البشري. وهنا اراى المؤلف يتفق مع الشاعر ابو العلاء المعري في قوله:

ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة           وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
تحطمنا الأيام حتى كأننــــــــــــا            زجاج ولكن لا يعاد له سبـــــك

وبعد ان أعطى في الفصلين “ تناقضات قرآنية” و”تناقضات في الكتاب المقدس” عشرات من الأمثلة على تناقضات من شتى الألوان والأنواع في الكتب المسماة مقدسة، ختمها بالمقولة التلخيصية الآتية: إن مجرَّد وجود تناقض واحد فقط في كتاب( يفترض انه منزل من الله أو انه موحى من روح القدس) كافٍ كي يقوِّضَ الإدعاء بالتنزيل وبالإحاء وبالتقديس.

ومن بين مقالات هذا الباب: يسوع الناصري، الإقتداء بالمسيح، هل حمل المسيح سيفاً؟، إنجيل يوحنا يروي قصة إحياء يسوع ليعازر من الموت، محمد نبي الإسلام، القرآن.

أما الباب الثالث فيحتوي مقالاتٍ تختلف طبيعتها عمَّا سبقتها. تشكلُ الأربعة الأوَلُ منها تمهيداَ توضيحياً لمقالات الحجج التي تليها. فيسلط مقال “ مغالطات منطقية” الأضواء على عدد من مطبات منطقية التي يقع فيها كثيرون من دون وعيهم عند مناقشاتهم الفكرية والبرهانية.

من الملاحظ ان إدعاء المؤمنين أن ما يشعرون به في قلوبهم من إيمان ديني يغنيهم عن البراهين المنطقية العقلانية. ولهذا إحتوى هذا الباب مقالاً بعنوان” الأيمان الديني” يبين فيه د. شكوري أن الأيمان يجعل إستبعاد الفكر فضيلة. وثم يقول إن الأيمان الديني ليس بريئاً كما يدعي البعض، فقد يكون في بعض الحالات ( مثل أحداث 11 سيبتمبر وجرائم داعش ) قنبلة موقوتة لا يعلم متى تنفجر.

أما المقال “ البينة على من إدَّعى “ عنوان يشير الى مبدأ منطقي عام، وضعه المؤلف - على ما يبدو- رداً على تحدي المؤمنين لمناوئيهم بأن يأتوا ببرهان على عدم وجود الخالق. لكن المنطق يقتضي ان على المؤمنين أنفسهم أن يأتوا ببراهين على وجود الخالق، هم الذين يزعمون بوجود خالق. وفعلاً قد قدّمَ فلاسفة ولاهوتيون عديدون خلال الواحد والعشرين قرتاً الماضية ما لا يقل عن ثلاثين محاولة برهانية. لكن لمْ يصمد أي منها أمام محكات المنطق.

ولقد أختار المؤلف ان يتاول في كتابه عينة من أحد عشر محاولة جميعها معروفة في الأوساط الفلسفية واللاهوتية، هي:
الحجة السببية، الحجة الوجودية، الحجة من التصميم الذكي، الحجة من التعقيد الاإختزالي ، الحجة من الثغرات العلمية ، الحجة من التنغيم الدقيق للثوابت الكونية، الحجة من الأنفجار العظيم ، الحجة من المعجزات، الحجة من الأخلاق، الحجة من الأستجابة للصلوات، واخيراً عرض ما يُسمى” المقامرة الباسكالية” التي لا تشكل بحد ذاتها حجة برهانية، إنما تحاول ان تبين فقط على أن من العقلانية ” المراهنة” على الإيمان بوجود الله لـِمَنْ كان حائراً في موضوع وجوده.

حرص المؤلف على ان يشرح كلاً من تلك الحجج شرحاً وافياً ومن وجهة نظر دعاتها وبموضوعية أكاديمية. وبعد ذلك يضع الحجة على طاولة التشريح فيبرز ما فيها من مواطن خلل يفسد البرهان. وقد أكـّد أكثر من مرة على ان فساد البراهين على وجود الخالق لا يضمن مطلقاً برهاناً على عدم وجوده.


لا يعني كلامي الأتفاق التام مع كل ما ورد في كتاب “ صحوتي الفكرية” ، بل هناك بعض المآخذ البسيطة على الكتاب، ولا ارى انها تقلل من شانه أو تنتقص من قيمته الأكاديمية، لكن أشعر ان من واجبي كناقد مراجع للكتاب ان أثبتها هنا:

اولا: أقتصر الدكنور ريمون في كتابه على الأديان الأبراهيمية التوحيدية، وخاصة الدينين المسيحي والإسلامي. صحيح ان الكتاب موجه الى القارئ العربي ، لكني أعتقد ان من المفيد للقراء العرب الإلمام بمواطن الشبه والخلاف بين أديانهم وأديان أخرى كالبوذية والهندوسية وغيرها ذوات الأنتشار الواسع بين ملايين البشر.

ثانيا: على الرغم من إتفاقي الكامل مع رأي أستاذنا الفاضل الدكتورعادل غسان نعوم الوارد على الغلاف الخلفي للكتاب، بأن لدى د. شكوري قدرة رائعة في التحكم باللغة مما جعل أسلوب عرضه لــ “ صحوتي الفكرية” واضحاً ومقنعاً وممتعاً للقراءة، أقول – على الرغم من ذلك - كنت اتمنى أن يتحفظ د. ريمون عن أسلوب التهكم ومعالجة الأمور بالصعقة الكهربائية، الذي استخدمها في مواقع عديدة من الكتاب، فبدى وكأنه يستهين بمعتقدات الأخرين . صحيح أنه اسلوب زاهٍ بالألوان ومليئ بالصور المثيرة للدهشة ويطرق الأفكار في مكانها لغرض بلوغ الغاية المطلوبة. لكني أخشى من إحتمال ان بعض القراء يصدهم هذا الأسلوب عن الأستمرار في قراءة الكتاب.وهو من المؤكد إحباط لهدف الكتاب.

إن هدفي من هذه المراجعة ان الفت إنتباه القارئ العربي الى ضرورة الأنفتاح الفكري والإطلاع على الآراء والأفكار المطروحة في الكتاب وان يفكر ملياَ ويتفحص مدققاً بعقل متحرر وفكر نير ما ورد فيه من آراء وأفكار للدكتور ريمون شكوري. وسوف لا يتم ذلك الا بعد قراءة كتاب “ صحوتي الفكرية” .


12
أنقذوا حياة السيدة السودانية مريم
الدكتور ثائر البياتي
5-29-2014
"أمهلناك ِ ثلاثة أيام ٍ للعدول عن رأيك والعودة الى الدين الإسلامي ولكن دون جدوى، فقررتْ المحكمة حكمها بحقك بالأعدام شنقاً."  بهذه الكلمات المرعبة والنبرات القاسية تلقتْ الطبيبة السودانية مريم يحيى أبراهيم قرار الحكم السوداني الذي صدر بحقها بتهمة الردة عن الدين الإسلامي في شهر شباط عام 2014 .

قبل يومين وضعت السيدة مريم مولودها الجديد في السجن التي تقبع فيه بحسب تصريح محامي دفاعها، وهي بإنتظار قرار إعدامها شنقاً بعد مدة سنتين، فترة رضاعة طفلها الوليد، وخلال هذه الفترة سـَتـُجلد السيدة مريم مئة جلدة تنفيذا ً لقرار آخر أتخذتها المحكمة بحقها في شهر آب عام 2013 بتهمة الزنا، إذ ان زواجها من شاب مسيحي يـُعتبر زواجا ً غير شرعي لكونها مسلمة، رغم ان السيدة أكدت للمحكمة الشرعية بوضوح بأنها مسيحية وليست مسلمة، بأعتبارها نشأت مع والدتها المسيحية، ولم تنشأ مع والدها المسلم الذي تركهما وهي طفلة في السادسة من عمرها.

كان لصدور قرار المحكمة السودانية بحق السيدة مريم صدى كبير في الأوساط الدولية الأجنبية، حيث بينت دول غربية عديدة ومنظمات إنسانية مختلفة موقفها الإنساني الرافض للقرار، وطالبت بشكل رسمي من الحكومة والمحكمة السودانية التخلي عن قرارها والأفراج عن السيدة مريم، ولكن ما يثير الأسى والأسف ان أي من الدول العربية والإسلامية لم تكن بين تلك الدول الرافضة للقرار، اذ تجاهلوا القرار تماماً وأعتبروه شأناً سودانياً داخلياً، لا علاقة له بأبسط بنود لائحة حقوق الإنسان الدولية، علما ان ذلك القرار يتعارض حتى مع آيات في القرآن الكريم أيضا ً كقوله: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ” سورة البقرة 256.

أيها الأحرار في كل مكان، أليستْ هذه السيدة الصادقة التي أصرت على موقفها الحقيقي، أفضل من منافقين ومنافقات من مسلمين ومسلمات يبينون إسلامهم الزائف خوفاً وخشية من العقاب الصارم؟
أيها الشرفاء في العالم، أين أصوات المسلمين الذين يدعون الأعتدال والتحرر والذين يملأون الدنيا صراخاً وضجيجاً بسماحة الإسلام الصحيح، أقول: اين أصواتهم المنادية في أطلاق سراح هذه السيدة المظلومة مع طفلها الوليد؟
أين أصوات علماء المسلمين في الأزهر وقم بحق هذه السيدة المظلومة التي تنتظر تنفيذ قرار عقوبة الشنق بحقها؟
أناشد كل من له ضمير حي، أن يقرأ النداء في الرابط الاليكتروني المرفق في نهاية المقال، ليتفضل بتوقعه، ومن ثم يرسله للآخرين لنفس الغرض، لنبعث رسالتنا الموحدة للقضاء السوداني، بصوت مرتفع و مزلزل، معلنين عن رفضنا لقراره الخارق للحقوق الإنسانية، والساحق للرحمة والشفقة، والمتجاوز لبنود حقوق الإنسان الدولية، قرار شنق السيدة مريم، ونطالب الأفراج عنها حالاً.  أرجو زيارة الرابط الأليكتروني للتوقيع وشكرا ً:
Save Mariam's life in Sudan - The Petition Site
http://www.thepetitionsite.com/503/647/029/save-mariams-life-in-sudan/

13
ثائر  البياتي   
 
الى أخواني وأحبتي في الإنسانية والدفاع عن الكرامة والحرية ،المعلقين: عبد قلو، مايكل، هيثم، برديصان، نبيل دمان، أعتز بوقوفكم  عند هذا النداء الإنساني وأفتخر بمناصرتكم لصوت الحرية والكرامة، ان ذلك يزيدنا همة وعزيمة  ويلهمنا قوة وحيوية للوقوف بوجه الظلام أينما كان. فبهمتنا جميعا ً ترتفع راية الحرية وبتلاحمنا تسمو العلاقات الإنسانية ونقاوم قوى الجهل والتخلف وشكرا لكم ولأدارة موقع عنكاوة . ثائر البياتي



14
ثائر البياتي

5-25-2014
نداء لأطلاق سراح السيدة السودانية مريم يحيى أبراهيم

نحن الموقعين ادناه، من مثقفين واكاديميين وحرفين، من مختلف الشرائح الأجتماعية، من أديان وطوائف وملل متنوعة من دول عربية ودول أسلامية وغير أسلامية، ندين بشدة قرار المحكمة السودانية الصادر بإنزال عقوبة الإعدام شنقا ً على السيدة مريم يحيى أبراهيم أسحق المولودة من أب مسلم وأم مسيحية، بعد ادانتها بتهمة الردة عن الدين الإسلامي، بزواجها من شاب مسيحي، رغم ان السيدة تؤكد بإنها لم تكن مسلمة، حيث انها نشأت مع والدتها المسيحية بغياب والدها المسلم .
نناشد جمعيات حقوق الإنسان ومختلف المنظمات المدنية الإنسانية العالمية رفع صوتها بمطالبة السلطات السودانية وخاصة السلطة القضائية فيها بان تلتزم ببنود لائحة حقوق الإنسان الدولية الصادرة في عام 1948 والتي صادقت عليها دولة السودان نفسها، حيث ينص بندها الثامن عشر، ان لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته او عقيدته، وحرية الأعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا ً أم علنا.
وبناء ً على ذلك نطالب بالأفراج لهذه السيدة الحامل في شهرها الثامن المسجونة مع أبنها البالغ من العمر عشرين شهراً. أرجو زيارة الرابط الأليكتروني:
http://www.thepetitionsite.com/503/647/029/save-mariams-life-in-sudan/

15
فرحة الجالية العراقية في أمريكا لأختيار الأب فرانك مطرانا ً في ديترويت

ثائر البياتي
5-12-2014
بكل فخر ٍ وسرور ٍ أستلمنا خبر أختيار الأب فرانك قلابات كي يتبؤ أبرشية مار توما الرسول في ديترويت، خلفا ً للمطران مار أبراهيم أبراهيم الذي قدم أستقالته لبلوغه السن القانونية، فهو خير خلف لخير سلف.

وبهذه المناسبة السعيدة والفرحة الغامرة، نهنئ الأباء المعنيين بالأمر لحسن اختيارهم ونقدم أجمل التهاني وأسمى التبريكات للمطران فرانك لتسنمه هذا المنصب الرفيع، متمنين له النجاح الكامل في خدمة الابرشية بما يرضي ضميره وأبناء طائفته.

كان ليّ شرف اللقاء مع المطران فرانك لأول مرة في عام 2010، حين جاء من ديترويت ليودع والده المريض، الشماس حنا قلابات، الوداع الأخير. قابلته في المستشفى في غرفة صغيرة حيث يرقد والده فيها، ولم يكن حينذاك في تلك الغرفة سوانا، حيث وجوده كان كملاك ٍ، مـَلئ أرجاء تلك الغرفة الحزينة دفئا ً وحناناً، فالأبتسامة كانت لا تفارق وجهه منذ لحظة وصولي، وكأنه كان يعرفني منذ زمن بعيد، فقبل أن أواسيه، كان نفسه يواسيني، متحسساً لآلامي وأحزاني لحال صديقي، فكلماته الودودة وفيض حنانه لم تترك ليّ مجالا لأواسيه، ولا فرصة لأخفف من أحزانه، غير انه والحق يقال، لم أجده حزينا ً لأواسيه، ولا ضعيفا ً لأشد من عزيمته، بل كان أرفع من ذلك، ولا غرابة في الأمر، فهو رجلُ دين ٍ، فالموت عنده إنتقال من دار الفناء الى دار البقاء.

سمعت أخبار هذا الشاب الرصين بروايات كثيرة من أبناء الجالية المسيحية في سان دييكو يوم َ كان تلميذاً في مدينتهم، ليصبح فيما بعد، قسا ً في ديترويت. ذكروا ليّ، أنه إنسانٌ من خـُلق ٍ رفيع ٍ وثقافة ٍ واسعة، طيب القلب، كريم النفس، يـَكن ُ حـُباً للجميع دون تمييز، بسيط ومتواضع، يزور المرضى، ويتفقد أحوال المهمومين من أبناء شعبه ويزور السجون ليقف على أحوال شؤون المحكومين بجرائم مختلفة ليرشدهم للسلوك القويم، ليجعل منهم مواطنين صالحين.

يكفيه فخراً، أن حـُبَ الناس له لم يتحدد في مدينة ديترويت فقط، بل أهتزت له مشاعر أحبابه في مدينته الثانية سان دييكو، فهاهم اليوم فرحون، مستبشرون لتسنم سيادته هذا المركز الديني اللائق به.

كم كنت اود وأتمنى ان يكون صديقنا الشماس، حنا قلابات، ذلك العراقي الوطني الأصيل بيننا اليوم حياً ليحتفل بمناسبة أختيار نجله فرانك مطراناً. فهنيئا ً للشاب المطران، الذي نتمنى له الحظ السعيد في خدمة الجالية المسيحية في ديترويت، كأب روحي وقائد جماهيري في هذا الوقت العصيب الذي يمر به العالم المسيحي في عموم الشرق الأوسط، حيث القتل والخطف والتهجير يطول كثيرا ً منهم في أماكن مختلفة كالعراق وسوريا ولبنان ومصر وغيرها، فكل الأمل بالمطران الشاب ان يلم شمل الجميع لخير وصالح الأمة.





16
حاضر العرب بين البداوة والدين

ثائر البياتي
الولايات المتحدة الأمريكية
كاليفورنيا

January - 2014

المقدمة
لم يكن أرتباط العرب بالبداوة والدين الإسلامي صدفة عبثية، فالدين الإسلامي ولد من رحم البداوة العربية، وللبداوة تأثير بارز في مختلف نواحي حياة العرب قبل وبعد الإسلام، وغريبٌ أن يرى البعض ان الدين الإسلامي جاء لأصلاح الحياة البدوية وتقويمها، لأن تأثيرالبداوة كان عميقاً واصيلاً في سلوك العربي، ولهذا فكثير من تعاليم الدين سعت سعياً حثيثاً لصيانة وترسيخ قيم البداوة والقبلية التي رَوَضت تعاليم الدين، فترسخت وتصلبت تلك القيم بقوالب دينية مقدسة وثابتة يصعب المساس بها، فكان أن أثقلَت وأتعَبت المجتمعات العربية الإسلامية وأعاقت لحاقها بركب الحضارة في كل زمان ومكان. لِذا إستمر المجتمع العربي في تراجعه وتخلفه في مختلف مجالات الحياة، ليصل الى ما نحن عليه اليوم من تردي وأنحطاط.

بداية، أتمنى الاّ يـُساء فهمي عند البعض في طرح هذا الموضوع، فليس قصدي الإساءة الى الدين كمعتقدات روحية وتهذيبية، بقدر محاولة تأكيدي على أن النصوص الدينية تعيق حركة أي مُجتمع في التقدم والتطور اذا ما تداخلت وتقاطعت مع تفاصيل حياة الإنسان الشخصية واليومية وقيدتها بالنصوص “المُقدسة” الثابتة التي لا تُطاوع بديهية وحتمية التغيير الذي يفرضهُ الزمن والمتغيرات.
كما أود أن أبين ان مفهوم “المجتمع الجاهلي” أينما يـَرِد في هذا المقال، سيكون المقصود منه المجتمع الذي سبق عصر الإسلام، وليس المجتمع الجاهلي الذي هو الضد للمعرفة، إذ ان عصر الإسلام هو أمتداد طبيعي للعصر الجاهلي في القصور المعرفي والفلسفي مقارنة بحضارات سابقة ولاحقة.

لمناقشة هذا الموضوع لابد لنا من عرض -ولو بشكل مقتضب- بعض الجوانب المتعلقة بالإقتصاد والثقافة والسياسة والإجتماع عند القبائل العربية المُهيمنة في الجزيرة العربية قبل مجيء الإسلام. ولا بد من الوقوف عند بعض ما جاء به الإسلام من آيات ونصوص تناسبت وتلائمت مع عقلية ومفاهيم وحياة تلك القبائل، فتمكنت بالتالي من توحيدهم في قوة لا يستهان بها كَوَنَت منهم لاحقاً إمبراطورية مترامية الأطراف دامت لقرون طويلة، لكنها تدهورت وأنحلت ، تاركة ورائها أشلاء مجتمعات متخلفة صَعُبَ عليها مواكبة التطور والتقدم.

حياة القبائل العربية قبل الإسلام
لم تستمر الحضارة والمدنية في تاريخ العرب في الجزيرة العربية الا لوقت قصير، وفي أماكن محددة، حيث بقيت أوضاعهم الإقتصادية بدائية وحياتهم الإجتماعية بسيطة لآلآف السنين. ان حياة الترحال في الصحراء طلبا ً للماء والعشب لم تساعدهم على الإستقرار، وخبراتهم لم تتراكم ومعارفهم لم تتطور أو تزدهر، فلم يتمكنوا من إنشاء حضارة  تـُذكـَر، حيث لا مبان ٍ بـُنيت ولا مدن شـُيدت يـُذ ّكـِرنا التاريخ بها، وقليل من القبائل العربية ركنت الى حياة الإستقرار النسبي في أماكن معينة معتمدة على التجارة والحرف الصناعية، كما كان الحال في الحجاز واليمن.

كانت القبيلة عند العرب هي الوحدة السياسية الأساسية، يديرها رئيس القبيلة، يربط بين أفرادها برباط العصبية القبلية بحسب مبدأ: “أنصر اخاك ظالما أو مظلوما”، الذي جعل الخصومات والقتل والثأر من خصالهم، فأصبحت العادات السيئة كالغزو والغدر والنهب و السلب من صفاتهم ومن شيم الرجولة ورمز من رموز الفحولة. وإلى جانب هذه العادات السيئة كانت لهم عادات حميدة كالكرم والسخاء وإيواء الغريب وحماية من يلتجأ لهم طالباً الأمان. وَتـَمـَيـَز َالعربي بحبهِ لذاته، فـَرَفعَ من شان قبيلته عالياً، وفضلهما على الآخرين، كما ورد على لسان شعرائهم، تحت مؤثرات الحياة الصحراوية القاسية، التي برهنت قوتها وتغلبها على الكثيرمن التعاليم الدينية السمحة، فهي بذلك لم تـُمـَيز بين شاعر مسيحي أو وثني، لا بل كانت العادات القبلية أقوى من نواهي الدين أحياناً، ولنقرأ عن بعض شعراء العرب المسيحيين تحديداً، كأمريء القيس وطرفة بن العبد وعنترة بن شداد وعمرو بن كلثوم:

امرؤ القيس في الثأر
قيل ان أباه طرده لأسرافهِ في شرب الخمر، فهام في البراري وحيداً، يتصيد الحيوانات، يأكل من لحمها ويشرب الخمر، حتى أتاه خبر مقتل أبيه وهو يشرب، فشرب كثيرا ً في ذلك اليوم وبعد ان صحا، أقسم ان يمتنع عن الصيد وشرب الخمر لحين يثأر لأبيه، وقال قولته المشهورة
ضيعني صغيراً وحمـَّلني دمه كبيراً، لأصحو اليوم ولا أسكر غداً، اليوم خمرٌ وغدا ً أمرُ
ويكاد لا يخلو ديوان أي شاعر عربي من قصائده في الفخر والأعتزار بالقبيلة والنفس
طرفة بن العبد
اذا القومُ قالوا مـَن ْ فتى ً؟ ….. خـِلتُ أنني عـُنيت ُ فـَلم ْ أكسل ْ ولم أتلبدِ
عنترة بن شداد
وفي الحربِ العوانِ ولدت ُ طفلا ً ….. ومن ْ لينِ المعامعُ قد سُقيتُ

عمرو بن كلثوم
اذا بلغ َالفطامُ لنا صبيـــــــــا ….. تَـخرُ له ُ الجبابرة ُ ساجدينا
ونشربُ ان وَرَدنا الماءَ صَفواً ….. ويشربُ غيرنا كَدراً وطينا

ولم يتساءل الشاعر، ماذا كان يخسر لو شرب غيره الماء الصافي أيضا؟ أو لم يـَمتـَثل الى أقوال نبيه، في التواضع والتسامح، حاله كحال الشعراء المسيحين الآخرين، فالنعرة القبلية كانت أقوى وأصلب من التسامح الديني الذي كان يفترض ان يكون مؤثراً في قصائدهم.

ولم تتغير الحالة كثيراً في العصر الإسلامي، اذ بقي الإعتزاز بالنفس والقبيلة فوق كل إعتبار، فلنقرأ بعض من أبيات الشعر في الفخر من قصيدة لأبي العلاء المعري في العصر العباسي:

تعدُ ذنـــوبي عندَ قــوم ٍ كثيــــــــرة ٌ….. ولا ذنبَ ليَّ الا العلا والفضائـــــــلُ
وقد سارَ ذكري في البلادِ فـَمنْ لهمْ ….. بإخفاءِ شمسٍ ضـَوءها متكامـــلُ
وأنـي وإن كنت ُ الأخيــرَ زمانــــــهُ…..  لآتٍ بما لمْ تستطعهُ الأوائـــــــــلُ

فلا غرابة ان ينتقل الأرث البدوي الثقيل في التفاخر وتوهج الذات عند العرب من جيل الى جيل، فكأنه إستقر في صميم أعماقهم، فالأنا الجاهلية لم تتحضر، بقيت طاغية في نفسية العربي، وسمة المغالاة بعزة النفس والقبيلة أستمرت  وأصبحت من الصفات المحببة له، ولنا في قصة الخليفة المعتصم بالله في فتح مدينة عمورية مثالا ً على ذلك:

يفتخر كثير من العرب المسلمين بقصة الخليفة المعتصم بالله، في فتح مدينة عمورية، أحدى معاقل الرومان، في اواسط أسيا. فبحسب الرواية، أستجاب الخليفة لسماعه قصة إستغاثة أمرأة عربية مسلمة قيل َ أنها صرخت بأعلى صوتها، “وامعتصماه” على أثر ضرر لحق بها من قبل الأعداء عندما وقعت في أسرهم في عمورية. فناداها الخليفة من سامراء وهو على بعد الآف الأميال بأستجابته المشهورة، لبيك أيتها العربية المسلمة. ولتحقيق وعده، حـَشـَّد َ جيشا ً جراراً ليضرب حصاراً شديداً على عمورية ويحتلها بعد قتال عنيف، لتصبح قصة إحتلالها مفخرة ومضربا للأمثال عند العرب. وفي هذه المناسبة أنقل بعض من أبيات من قصيدة لأبي تمام، من أصل مسيحي أيضا ً، عنوانها ، يوم الفتح العظيم، يفتخر فيها بمعركة عمورية :
السيفُ أصدقُ أنباء ً من الكـتــبِ ….. في حَدِه الحدَ بينَ الجدَ واللـــــعبِ
يَا يَوْمَ وَقْعَةِ عَمُّوريَّةَ انْصَرَفَـــتْ ….. مِنْكَ المُنَى حُفَّلاً مَعْسُولَةَ الحَلَـبِ
تَدْبيرُ مُعْتَصِمٍ بِاللهِ مُنْتَقِـــــــــــــم ….. للهِ مُرْتَقِبٍ فِي اللهِ مُرْتَـغِـــــــــــــبِ
خَلِيفَةَ اللَّهِ جازَى اللَّهُ سَعْيَكَ ….. عَـن جُرْثُومَةِ الديْنِ والإِسْلاَمِ والحَسَــبِ
تـُمثل قصة عمورية وإفتخار العرب بفتح حـُصـِنها مثالاً في التعصب، يجسد فيها العرب وخليفة المسلمين حرفيا ً المبدأ السابق ذكره: “أنصر أخاك ظالما أو مظلوماً "


المرأة والزواج في الجاهلية
لم يُحدد المجتمع الجاهلي عدد الزوجات، وزيدت عدد أنواع الزيجات على عشرة، وكان يجوز الجمع بين الأختين، ويحق للأبن ان يتزوج بزوجة أبيه في حالة وفاة الأب، وأنحصر الطلاق بيد الرجل، وكذلك كان الأرث حكرا عليه. رغم ان المرأة كانت مهانة وتعتبر عاراً عند بعض القبائل العربية، الا انها حظت بمكانة لا بأس فيها في قبائل أخرى، وشاركت ولو بشكل محدود في السياسة والتجارة والحروب، فمثلا ً كانت زرقاء اليمامة، فارطة الذكاء، حادة البصرومستشارة قومها، والشاعرة بـَسوس التي سُميت حرب البسوس بإسمها، وأشتهرت هند زوجة أبي سفيان وأم معاوية بسداد رأيها واهمية موقعها قبل الإسلام وبعده، وَعـُرِفتْ عائشة بنت أبو بكر الصديق وزوجة الرسول محمد بقيادتها لمعركة الجمل، وحـِفظها وروايتها لأحاديث كثيرة عن الرسول، وكانت خديجة بنت خويلد تاجرة عمل الرسول محمد في تجارتها وأصبحت زوجته ومن أولى المسلمات، وهناك شاعرات عربيات مرموقات كالخنساء شاعرة جاهلية عاصرت الإسلام وإشتهرت برثاء أخويها اللذين قُـتـِلا في الحرب، وأم الأغر وأم الصريح وأم الضحاك والخرنق، أخت طرفة بن العبد وأخريات
والمرأة عموماً في وقت مجيء الإسلام كانت تصنف من الدرجة الأدنى في مختلف مناطق العالم كالهند والصين وبلاد فارس واليونان والرومان، وفي حال زواجها تنتقل جميع ملكياتها الى زوجها ليصبح هو الآمر الناهي صاحب الحق والتصرف بها، ولا زالت الى يومنا هذا تسري بعض الممارسات الرومانية في كثير من دول الغرب وأميركا، فالمراة بعد زواجها تكتسب لقب زوجها، بتغـيير أسم عائلتها إلى إسم عائلة زوجها، وفي بعض قبائل الهند كانت المرأة تُحرق وهي حية مع جثة زوجها بعد مماته، وفي الصين وبلاد فارس كانت المرأة تـُعـَد بحساب المواشي لغرض خدمة الحقول والمزارع

الدين في الجزيرة العربية قبل الإسلام
كانت الوثنية قبل مجيء الإسلام هي الدين السائد في الجزيرة العربية، وهو الشرك بالله وإتخاذ الأوثان وسيطاً للتقرب إلى الآلهة، فـَعـُرِفت القبائل بأصنامها المختلفة، كاللات والعزى وهبل ومنات الثالثة وغيرها، وفاق عددها على ثلاثة مئة صنماً، والى جانب الوثنية وُجـِدت اليهودية في يثرب وخيبر واليمن وفي مناطق أخرى، وإنتشرت المسيحية مبكراَ في اليمن والحبشة وبين القبائل العربية كتميم وطي وبني كلب وربيعة وغيرها وكانوا على قسمين: النسطورية واليعقوبية، وبتوسع وإنتشار الإسلام أنقرضت الوثنية وبدأت الأديان الأخرى تنحسر في الجزيرة العربية حيث قال الرسول محمد: لا يجتمع في الجزيرة دينان.

الدين الإسلامي سبب المزيد من الحروب
رغم ان الإسلام خفف عند مجيئه من حالة الأقتـتـال الدائر بين القبائل العربية، الا انه لم يوقف عادة القتال المتجذرة في حياة العربي، بل زاد من حدتها وجبروتها، فالرسول بمجيئه جمع شمل العرب بقوله: "وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا". فتوحد العرب بشهادة: “لا إله الا الله، محمد رسول الله”، وتحت راية “الله أكبر” والقتال في سبيله
 وهكذا كَونوا قوة كبيرة وهجموا على أغنى وأكبر الأمبراطوريات، فدحروا أمماً كان لها شأنٌ قوي ومكانة مرموقة كالروم والفرس واحتلوا أجزاء مهمة منهما كالشام والعراق وفارس وشمال أفريقيا، وأمتدوا في فتوحاتهم ليصلوا الى بقاع الصين والهند وعبروا البحر ليصلوا الى إسبانيا ومشارف أوربا، فـَحـَلت الفتوحات الإسلامية الواسعة محل الغزوات القبلية المحلية، جالبة معها غنائم أكثرمن أموال وكنوز ومواشي ونساء، فناصَرَ العرب دينهم الجديد الذي بفضله أنتعشت حياتهم الإقتصادية ووُعِدوا بجنة ونعيم وحياة خالدة بعد مماتهم وللشهداء منهم أرقى درجات الجنة، فتمكن العرب من إنشاء أمبراطورية واسعة الأطراف، لم يكونوا يحلمون بها من دون الدين الإسلامي.

البداوة العربية تروض تعاليم الدين ونصوصه
ولكي نكون موضوعيين ولغرض توخي الدقة، نلاحظ ان الدين الإسلامي حاول من خلال بعض فرائضه وأحكام شريعته معالجة بعض الممارسات والأمور السيئة التي كانت سائدة في المجتمع العربي، كالإقتتال والخصومات بين القبائل العربية، والعصبية القبلية والثأر وحب الذات وسوء معاملة المرأة ونظام الزواج وبؤس الحكم القبلي وأستبداده وما شابه، ولكن في كثير من نصوصه إلتزم وعَمـقَ الكثير من الممارسات البدوية، ومنذ البدء روضت البداوة مختلف أحكام الدين، لتصبح تكريسا ً للعادات البدوية والقبلية التي سادت قبل ظهور الإسلام، ولنأخذ بعضاً منها:

تحول الغزو والقتل والسلب والنهب إلى مشروع إسلامي مبارك
أصبح الغزو والقتل والسلب والنهب البدوي بفضل الإسلام مشروعاً إسلامياً مباركاً، فالدين الإسلامي منذ مجيئه شـَرَّعَ بآياته نظاماً لتوزيع غنائم الغزوات، وبذلك أصبح لله ولرسوله حق شرعي في عائدات غنائم الحروب من أموال ٍومواشي ونساء، كما في قوله في سورة الأنفال: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِوي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَإبنِ السَّبِيلِ.. . وبذلك أستبشر العرب بالإسلام واستبسلوا في الجهاد في سبيله.

أستمرار وتكريس قتل النفس البشرية بمختلف العصور الإسلامية
نـَـصَت آيات القرآن على تحريم قتل النفس البشرية، ولكن في واقع الحال أستمر القتال في مختلف عصور الإسلام كما كان في العصر الجاهلي، ولكن بتخريجات شرعية وبحسب نصوص الدين، كما في قوله في سورة الأنعام: “ولا تقتلوا النفس التي حَرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون"، ولكن يا ترى ما هو معيار الحق عند العربي؟ فالعرب تغنوا بسفك الدماء وقتل بعضهم البعض لأتفه الأسباب، وفي توضيح مفهوم الحق في القتل وردت حالة القصاص كما في قوله في سورة المائدة: “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”. والآية مطابقة مع المبدأ اليهودي الذي ورد في التوراة بألفِ عام قبل مجيء الإسلام والذي ورد في قوانين حمورابي الذي هو الآخر سبق كتابة التوراة بأكثر من ألفِ عام.

غاب عن فكر كثير من الناس ان مفهوم الحق نسبي، يـَسهل على الفكر القبلي  تطويعه، فكل قبيلة متعصبة لابد ان تقتنع ان الحق بجانبها في كل خصام، فما كان حقاً عند أمير المؤمنين الإمام علي أبن أبي طالب، كان باطلاً عند خليفة المسلمين يومذاك معاوية بن ابي سفيان، فتقاتل الإثنان وما كان حقاً عند بني أمية كان باطلاً عند بني هاشم أو بني العباس، فإستمر خصامهم. وما كان حقاً عند الأمين كان باطلاً عند أخيه المأمون، فتقاتل الأخوان إلى أن تم تصفية الأمين جسدياً. وهكذا أختلفت وتناحرت الطوائف الإسلامية بدعوتها الى الحق وأستمرت حروبهم بأسم الدين والله، ويكفي ان نعرف ان ثلاثة من الخلفاء الراشدين الأربعة قـُتـِلوا غدراً، وقُـتِـلَ أسباط الرسول وأولاد الخلفاء الراشدين وَمُـثـِل بأجساد بعضهم أبشع تمثيل.

وفي حكم “المرتد عن الدين” أقَـرَ كثير من علماء المسلمين قتل المرتد رغم وجود آيات كثيرة تخالف حكمهم، وتؤكد على حرية المـُعـتَـقـد، كما جاء في قوله في سورة البقرة: "لا أكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" وفي سورة الغاشية: "وَذكرْ إنما أنتَ مـُذكرْ، وَلستَ عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر ان علينا إيابهم ثم ان علينا حسابهم" ولكن كالعادة تفسيرات كثيرة من فقهاء المسلمين تميل لحكم القتل، ما يتفق مع الأستبداد البدوي وموروثُ سفك الدماء.


البداوة تُحاصر المرأة بإسم الدين
تمكنت القبلية العربية من فرض حِصارها على المرأة بأسم الدين وتعاليمه لتجعلها أكثر تخلفا مما كانت عليه في عصور سابقة للإسلام، فرغم ان الإسلام  حرر المرأة نسبياً من بعض قيودها وأعطاها قسماً من حقوقها  كما في حالة الزواج (يحق لها رفض الزواج شرعا )، والإرث ( لها بعض الحق)، والشهادة (نصف شاهد) في القضاء، والتملك (لها حق التملك)، والعمل وغير ذلك، بما يرفع من مكانتها وقدرها نسبة لما كان سائداً وسابقاً لذلك العصر، ولكن أختلف الأمر بمرور الزمن عندما فرضت القبلية سلطانها على المرأة بأسم الدين، لتبقى في سابق عهدها في الظلم والإستهانة، يتحكم الرجل في مصيرها، يحجبها عن المجتمع والتطور. وعلى أي حال فتخلف المرأة يعكس تخلف المجتمع عموماً، ولنتمعن في قول الشاعر حافظ أبراهيم في قصيدتة المشهورة عن المرأة، نذكر بعض أبياتها:

الأم مدرسة اذا أعددتهـــــا ….. أعددتَ شعباً طيب الأعــراقِ
الأم أستاذ الأساتذة الألــــى ….. شغلت مآثرهم مدى الآفـــــاقِ
في دورهن شؤونهن كثيرة ….. كشؤون رب السيف والمزراقِ
من ليّ بتربية النساء فأنها ….. في الشرق علــة ذلك الأخفاقِ

فالشاعر يؤكد ويطابق في قصيدته الرائعة رأي الفيلسوف الأندلسي الكبير إبن رشد عندما أكد قبل تسعة قرون أن عـِلة تخلف المجتمعات العربية هو أستهانة رجالها بنسائها والحط من قيمتهن وتصغير دورهن الكبير في المجتمع!. فما بالنا اليوم في تخلف المرأة العربية ، عندما لم نعد نسمع من خِلالهِ عن المراة العربية التاجرة أو الشاعرة أو المستشارة أو القائدة، لا بل نسمع ان المرأة تُعاقَب اذا قادت سيارة، ولكن يسكت عرب اليوم عنها اذا إمتطت حماراً او بعيراً!، وتُحاسَب ان ظهرت بلا حجاب أو سافرت من دون ان يرافقها مـَحرَم.
أستمرار أنواع مختلفة من الزيجات تحت غطاء الدين والشرعية
أستمرت أنواع مختلفة من الزيجات والنِكاح والممارسات الجنسية غير الشرعية في العهود الإسلامية كما كانت في العصر الجاهلي، ولكن بتخريجات شرعية وأغطية دينية. فرغم ان الدين الإسلامي وضع كثيراً من التحديدات والضوابط للزواج غير ان سهولة تأويل وتفسير آيات القرآن وتطويعها للإرادة البدوية كان سهلاً، ما ساعد على أستمرار الكثير من الممارسات الجنسية باسم الدين والله. فالدين الإسلامي خَـصَ موضوع الزواج بآياته وَنـظـمه بإحكام شريعته ، فحَدد عدد الزوجات بأربعة على أن يتوفر العدل، وهذا أمرٌ مستحيل، وأبقى الباب مفتوحا للإكثار من الزوجات، فهناك نساء اليمين ولا حدود للزواج منهن، فهن أسيرات حروب وغزوات، وما أكثر الغزوات، يتزوج المسلم منهن ما يشاء ولكن بشكل شرعي، وفي واقع الحال أستمرت بعض من أنواع الزيجات في العصور القديمة الى يومنا وبصيغ شرعية، كزواج المتعة، وهو زواج مؤقت يمارسه الشيعة كما في العراق وأيران، يقابله زواج المسيار للسنة كما في السعودية، ويُسمى بزواج المنار في مصر، وهناك زواج السفر، لحل إشكالية وجوب توفر مـَحرم مرافق للفتاة عند سفرها لفترة الدراسة أو ما شابه، وهناك زواج السياحة والأستجمام، وَشُـرِعت أنواع أخرى من التمتع بالنساء في قصور أمراء المؤمنين التي كانت تغص بالجاريات والغانيات والمسبيات.

القبيلة تسيطر على حكم المسلمين بأسم الدين

أثبتت القبلية سطوتها وقوتها في تسييس الدين وتوسيع تعاليمه بما يحقق سيطرتها على الدولة ونظام الحكم. جاء الإسلام بنظام الشورى في الحكم بحسب سورة الشورة: "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" وبحسب آيات آخرى بنفس المعنى تـَوَجـّب َ ضرورة التشاور والتباحث في الحكم بأمور المجتمع العامة غير المنصوص عليها بوضوح في الآيات القرآنية، فجرى العمل بالشورى في السنوات الأولى من حكم الخلفاء الراشدين الأربعة بعد وفاة الرسول، مع وجود بعض الخلافات، ولكن تمكنت القبلية من السيطرة على الحكم بإسم الدين حال تأسيس الدولة الأموية، وبتدبير من معاوية بن أبي سفيان، والي الشام وخليفة المسلمين، فأبوه كان من أسياد قبائل قريش وأشراف العرب في الجاهلية، ما جعله يرى الحق مع قبيلته في حكم العرب والمسلمين، ومنذ ذلك الحين أصبحت الخلافة الإسلامية وراثية أو ملكية رغم عدم إستعمال إسم “الملك”، فتعاقب على الحكم أولاد وأحفاد معاوية، وفي طيلة فترة حكمهم الذي دام أكثر من تسعين عاماً، لم يتوقف الصراع القبلي والعائلي بينهم وبين العباسيين والعلويين فكان النصر لاحقاً للعباسيين وأنتقلت الخلافة الوراثية لبني العباس التي إستمرت أكثر من خمسة قرون. وطيلة فترة حكمهم لم يخف الصراع العائلي بينهم وبين العلويين، ونتج عن ذلك تأسيس الدولة الفاطمية وبعدها الدولة العثمانية على نهج سابقيها في الحكم العائلي المستبد. وفي كل عهد مارست القبلية شتى الوسائل في أستخدام الدين ومعتقدات الناس لديمومة سيطرتها، فمثلاً روج أتباع الأمويين ان تولي أسيادهم للحكم جاء وفقاً لقضاء الله وقدره المحتوم وعملاً بحكم سورة النساء: "يا ايها الناس أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، وهكذا أستمر الإستبداد القبلي في حكم المسلمين بإسم الدين وتحت شعائره. وعِبرَ التاريخ كان من السهل على بعض القادة الأجانب المحتلين للبلاد الإسلامية فهم لعبة الدين، فأعلنوا إسلامهم، فذلك سَهَـلَ عملية حكمهم وفرض سيطرتهم، كما حدث مع الغزات المغول والحملة الفرنسية لأحتلال مصر، فهولاكو وتيمورلنك ونابليون بونابرت جميعهم أعلنوا إسلامهم ليتسنى لهم حكم  دولة المسلمين.

تـفاخرْ العرب غير المشروع
أراد الإسلام ان يخفف من درجة التفاخر بالذات والنسب والقبيلة، الذي تَمَيـزَ به العرب، فجاءت آيات قرآنية تُماشي عقليتهم بهدف تغييرهم وتخفيف حدة تفاخرهم، ولكن لنراقب ماذا حدث:
فبحسب سورة آل عمران: "وكنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر...الى أخره" إن العرب لا يكونون خير أمة من دون ان يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، غير ان العرب جعلوا الشطر الأول من الآية أساسياً، والشطر الثاني قابلاً للنقاش والتأويل!، فلم يُـطبَقْ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ينبغي، إذ استثنى من ذلك جميع أمراء المؤمنين وأولادهم في مختلف عهود الحكم، فبأستبدادهم كانوا فوق التعاليم الدينية، وعلى أي حال، فالمعروف والمنكر مفهومان نسبيان، كمفهومي الحق والباطل، يتغيران بحسب تغير الزمان والمكان وبحسب قناعات الناس وتسلطهم، فقد يكون الأمر بالمعروف عند بعض الناس منكراً، والعكس صحيح، فإختلفت طوائف كثيرة حول هذه المفاهيم، لغياب المقاييس والمعايير في تحديد المعنى الدقيق، وفي جميع الحالات إعتقد الناس على أختلاف مواقفهم وأرائهم، أنهم خير الناس وأفضلهم بما نصت عليه الآية في شطرها الأول، ما يتوافق مع أعتزازهم بموروثهم القبلي وما خـَلـّفـَه تاريخهم الطويل من تفاخر.
تركت الفتوحات والغزوات الإسلامية أثراً كبيراً في نفوس العرب، اذ أنها رفعت من كبريائهم، فبعد ان كانوا بدواً رعاة، أصبحوا أسياداَ مالكين تأتمر بأمرهم الدول والأمم الأخرى، فزاد شعورهم بإنهم أفضل الأمم وخيرها، فأحاطوا ماضيهم القديم بهالة من التقديس والتبجيل، جعلهم يعيشون حاضرهم البائس وهم يحلمون في العودة الى ماضيهم المندثر، فنسوا مستقبلهم.
ما زاد من التفاخر الفارغ لكثير من العرب تاريخهم الإسلامي المـُحـَرَّف الذي قـَدَّم في بعض من حقبه مساهمات حضارية للبشرية، خاصة في زمن الحضارة العباسية، فـَكـُـتـب التاريخ العربي تجعل زوراً أسماء كثير من الباحثين والعلماء والمُفكرين المسلمين في خانة العرب، متناسين ان كثيراً من علماء وفلاسفة ذلك العصر كانوا من غير العرب!، فأغلبهم من السريان المسيحيين والصابئة المندائيين والفرس والهنود واقوام أخرى من الذين ساهموا مساهمة فعالة في أحياء الثقافات الفكرية القديمة كالهندية والفارسية والفلسفة الأغريقية في ترجماتهم المتنوعة الى اللغة العربية، بما وضع أساساً للحضارة العباسية، التي أعتبرها كثير من الأصوليين المسلمين تخريباً لمعتقداتهم الدينية، فطاردوا وقـَتـَلوا بسيوفهم الكثير من علماء وفلاسفة ذلك العصر، نذكر منهم الأديب والمترجم المصلح الأجتماعي الضليع بالثقافات الفارسية والهندية والعربية عبدالله بن المقفع، وشاعري الحكمة، بشار بن برد، وصالح بن عبد القدوس، والفيلسوف المتصوف حسين بن المنصور الحلاج الذي صُلب ومن ثم قـُطـِعت أطرافه وَحـُرقـت جثته، والفلاسفة يعقوب ابن اسجق الكندي، وحنين بن أسحاق، والبيروني وغيرهم، وفي الأندلس تم حرق كتب الفيلسوف الكبير بن رشد، وَفــُرضـَت عليه إقامة جبرية لحين وفاته، وهو الذي يدين له الغرب، فبحسب أعترافهم ان نهضتهم الحديثة بدأت من دراسة وفهم فلسفة أبن رشد، الذي أستمر تدريسه في معاهدهم وجامعاتهم لقرون عديدة.

الغريب في الأمر، ان كثيراً من أئمة المسلمين أعتبروا حركة النقل والترجمة الواسعة التي قامت في العصر العباسي، خاصة في زمن الخليفة المأمون، والتي أدت الى مساهمات حضارية يفتخر المسلمون بها، أعتبروها مؤامرة خارجية وداخلية لإفساد عقول المسلمين، ينبغي التصدي لأثارها بكل حزم، وتنفيذاً لتلك الرغبات المريضة، أمر بعض خلفاء المسلمين كالمتوكل بالله وبدعم من علماء الدين بقتل وتشريد علماء قديرين، وحرق كتب ومترجمات ٍكثيرة، وأتـُهـِم المأمون بالتواطىء في المؤامرة وبذلك تم وأد تلك الحضارة الوليدة في مهدها، وتم غلق أبواب الفكر والبحث، بإعتبار الفلسفة والمنطق مادة حيرة وضياع، كما فهمها رجال الدين، معتبرين ذلك أساس الكفر والتشكك بوجود الله، بحسب فتاوي كبار أئمتهم كالغزالي والشهرزوري وإبن تـَيمية،  وغيرهم من الذين حـَرَّموا تداول الفلسفة والمنطق من قبل الناس.

التقديس يحافظ على قـِدَم القيم والممارسات الموروثة
ان التقديس الذي أضفي على كثير من الحقوق والواجبات والممارسات اليومية التي فرضها الدين الإسلامي على الفرد العربي حافظ على كثير من القيم القديمة التي كانت سائدة قبل أربعة عشر قرنا.
لا ينكر - ولتوخي الدقة والموضوعية- ان بعضاً من تعاليم الدين الإسلامي في مجيئه كانت تغييراً إيجابياً متقدماً في حياة العرب والأمم المجاورة لهم، كما هي الحال في إعطاء المرأة بعض حقوقها، ولكن لا ينبغي الإنبهار بذلك التغيير، فالتقديس الذي أضفي على الحقوق والواجبات وكثير من الممارسات أصبح عائقاً ومانعاً أمام تطور المجتمع في مراحل لاحقة، فلا غرابة ان أغلب الأمم التي كانت اقل حضارة من المسلمين كدول أوربا وأسيا في زمن الحضارة العباسية، سبقت المسلمين في التطور والتقدم والأزدهار في القرون اللاحقة

تـَرَكَ الدين الإسلامي أثراً سياسيا سيئاً عند العرب بميلاده كدين ودولة في آن واحد
فمنذ الولادة كان الرسول، رجل دين ودولة في آن واحد، لِذا إعتبر القرآن دستوراً للمسلمين لما فيه من تدخل في تفاصيل حياة الناس الشخصية والعامة من زواج وطلاق وتقسيم أرث ودفع زكاة وخمس، ومشاركة في غنائم الحرب وكتابة عقود بيع وشراء بين الناس ونظام حكم وغير ذلك، جعل خلفاء المسلمين وأمرائهم وسلاطينهم، ان يسلكوا سلوكاً متشابهاً لسلوك الرسول الذي أصبح قدوتهم، فكانوا خلفاءً له وأولياء الله في الأرض، وبتمثيلهم لمصالح قبائلهم تداخل الدين مع السياسة ومصالح القبيلة خاصة عندما أصبح كثير من رجال الدين أداةً بيد الخلفاء والحكام والمتنفذين، فساهموا بتعميق تسييس الدين وزيادة النعرات القبلية واستمرار صراعاتها الى يومنا هذا.

وحين النظر لكثير من دول العالم التي لم تتدخل نصوص أديانها في تفاصيل حياة الناس الشخصية، نجدها تمكنت من أن تكون أكثر تقدما وأزدهاراً من سواها. فالنهضة الأوربية الحديثة بدأت في دول أوربا المسيحية، ومن ثم أنتقلت بيسر الى دول آسيوية كاليابان وكوريا والصين والهند، التي تدين بالديانات البوذية والهندوسية أو الكونفشية، فنصوص الديانة المسيحية، روحية تهذيبية لا تتدخل في تفاصيل حياة الناس وبعيدة عن السياسة. كذلك نصوص الديانات التي إنتشرت في دول أسيا هي الأخرى تهذيبية وأخلاقية تتضمن أحكاماً ومواعظ َ عامة لا تتدخل في مجريات حياة الناس اليومية، ولم نسمع عن نص من نصوص هذه الأديان وتعاليمها حكم بالقتل على مُرتد عن دينه كما هو الحال في الدين الإسلامي.
أود ان أبين ان مآساة القرون الوسطى في أوربا، ما تعرف بالعصور المظلمة، وما تركته محاكم التفتيش من أثار سيئة في نفوس الناس ما كانت لتقع، لولا زج وتدخل الكنيسة في شؤون الناس السياسية، ولم يقع التغيير والتقدم في أوربا، الا بعد فصل الدين عن السياسة.
البداوة أكثر عنفا ً من التعاليم الدينية في حكم الزنا
يـُعـَرَّف الزِنا على انه ممارسة للعملية الجنسية بالكامل بين رجل وإمرأة خارج الأحكام الشرعية، وإعتبره الإسلام من المحرمات الكبيرة، وجعل الحدَّ عليه، الجلد، كما نصت سورة النور : الزانية وَالزانِي فَاجلِدوا كُل وَاحِد مِنهُمَا مائة جَلدة وَلا تَأخذْكم بهِمَا رأْفة فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كنتم تُؤمِنُونَ بِاللَّه وَاليَومِ الْآخِر وَليَشهَد عَذابَهُما طَائِفَة مِن الْمؤمِنِينَ تـُنـفـذ العقوبة بحكم الآية اذا كان الزاني او الزانية بـِكراً، وتكون العقوبة بالرجم بالحجارة اذا كان الزاني أو الزانية متزوجاً، وفي إثبات فعله يقتضي توفر أربعة أشخاص ممن يـَشهدون بوقع الفعل. ورغم ان الإسلام طبق تعاليمه في ذلك الخصوص في بعض من أوقاته، الا ان العادات القبلية والبدوية كانت أكثر صلابة، فقد شهد التاريخ الإسلامي، والى يومنا هذا، عقوبة النساء، ليس الرجم بالحجارة او الجـَلد، بل بـِعقوبة القتل والذبح، بسبب ما يسمى “غسل العار”، الذي ينفذه عادة أخ الفتاة، بمشهد وحضور عامة الناس، وبمجرد وقوع الشك بإن الفتاة مارست الزنا، من دون تدقيق وتحقيق عادل، تماشياً مع قيم وتقاليد المجتمع الذكوري وأرضاءً للناس، وخطورة الإجراء هو قبول الحكومات العربية والإسلامية به، وأكتسابه الشرعية الإجتماعية والدينية. وفي المقابل يمارس الرجل العربي كثير من الممارسات الجنسية المشروعة وغير المشروعة، الدائمة والمؤقتة من دون حساب


الإستنتاج والخاتمة
لا عجب ان تتـَجـَذر كثير من الممارسات البدوية الإسلامية في أعماق الإنسان العربي بمرور قرون طويلة، فبدءاً من العصر الجاهلي، حيث التفاخر بالذات والحسب والنسب وطلب الثأر، والتغني بالقتل والسلب والنهب وإهانة المرأة وأعتبارها متاعاً ووصولاً الى فترة التشريع الإسلامي للكثير من تلك الموروثات والممارسات التي توثقت بقدسية الدين، برمجت العقل الباطن للفرد العربي ليصبح أحياناً نـَّهـَاباً سلاباً يفتخر بسرقة الآخرين، بل لا يهمه سرقة أهله وبلده، أو محتلاً يحتل بلداً آخر يعبث بمصير أهلها ويصادر أملاكهم وأموالهم، أو إنتحارياً، مجاهدا ً في سبيل الله، يـُفـّجرُ نفسه، ويقتل أناساً أبرياء، لا ذنب لهم، وان يهينَ النساء ويعتبرهن متاعا لحاجته الجنسية.

وما كان من الإنسان العربي ان يبقى محافظا على وضعه المتخلف لولا أنغلاقه وتقوقعه وإستمراره في ممارساته الموروثة، ولولا مساهمة رجال الدين في عزله عن التطور والتحضر بحجة الحصانة والمحافظة على الدين، ففتاويهم كانت تمنع المسلمين من تبني أفكار جديدة قادمة من خارج العالم الإسلامي، كدول أوربا، التي كانت تعرف ببلاد الكفر، فكل جديد قادم منها كان يعتبر بدعة وكل بدعة ظلالة وكل ظلالةٍ في النار، وزاد الطين بلة إعتقاد المسلمين ان سبب تخلفهم هو إبتعادهم عن دينهم ونصوص قرآنهم وتقصيرهم في فهم وتفسير تلك النصوص، غير انهم في واقع الحال نسوا أنهم غارقين في قدسيات دينهم، وتخلفهم يمتد الى مئات السنين بالرغم من قـِدمْ الدين ونصوصه وبرغم وجود مفكرين في كل عصر يحاولون فهم تلك النصوص بشكل صحيح ولكن من دون جدوى.

بعد كل هذا، لا غرابة في ان يكون الفرد العربي المسلم عصياً في الأخذ والإقتباس للأشياء الجيدة من الآخرين، فهو برأي نفسه خير الناس، ومن خير الأمم، ودينه خاتم الأديان وافضلها، وصالح لكل زمان ومكان، فلماذا وكيف يقتبس ويتفاعل مع الآخرين، ما دام الإسلام قد أحتوى على كل نافع مفيد.

وأخيراً ستبقى المجتمعات العربية الإسلامية غير قابلة للتغيير والتطور ما لم تحدث ثورة ثقافية وأجتماعية وتطوير جاد في مناهج التربية والتعليم في مختلف المستويات، في إتجاه يفصل الدين عن الدولة، وهذه أمور صعبة التحقيق في الزمن الحاضر ونحن نرى صعود تيارات إسلامية سلفية على منصات الحكم في دول عربية كثيرة تنادي بالعودة الى السلف الصالح وأحياء الماضي، وتعتبر كل مبادرات التقدم والأرتقاء كفراً يجب إستئصالها ووأدها في المهد، الأمر الذي يزيد من تأخرنا عن ركب الحضارة والتقدم.



17
في رحيل الشخصية الوطنية سعيد يوسف سيبو
الدكتور ثائر البياتي
القيت الكلمة نيابة عن التيار الديمقراطي العراقي في كاليفورنيا في الحفل التأبيني على روح الفقيد المهندس سعيد يوسف سيبو الذي أقامه مجلس سورايا القومي في كاليفورنيا في بناية كريستال بول في مدينة الكهون  بيوم 14 نوفمبر  2013 وحضره أهل الفقيد وأصدقاءه  وأحباءه وجمع غفير من ابناء جاليتنا.
أيها الجمع الكريم ..
نجتمع ُ اليوم َ في ذكرى تأبين ِ فقيد ٍ يعزُ علينا فراقهُ، ويسرُ على قلوبنا مآثرُ أعماله ِ، ومحاسنُ أفعاله ِ، ودماثة أخـلاقه، الا وهو  الراحل المهندس سعيد يوسف سيبو، فبأسم ِ التيار الديمقراطي العراقي في كالفورنيا، أقدم ُ التعازي لأسرته ِ وأقاربه ِ ومحبيه ِ وأتمنى لهم الصبرَ والسلوان َ ولفقيدنا الذكر الطيب.
كان لقائي الأول بالفقيد في أوائل تسعينات القرن الماضي، عـَرِفته ُ هاديء الطبع، صريح الرأي وواضح الموقف. كان عـَلـَما ً عراقيا ً ورافدا ً من روافد جاليتنا الكلدو أشورية السريانية في أميركا. توزعت نشاطاته السياسية والثقافية بين وطنية وقومية إنسانية. ففي المجال الوطني كان مدافعا أمينا ًعن حقوق الإنسان العراقي عندما ناهض الحكم الدكتاتوري المستبد في العراق في مختلف عهوده وأستمر في مطالبته الحكومات العراقية اللاحقة بالحقوق الأساسية لجميع العراقيين وخاصة الحقوق القومية المشروعة لشعبه.  ساهم في عضوية كثير من الجمعيات الوطنية والقومية، السياسية منها والثقافية والأجتماعية التي تـَشـَكـَلت ْ في المهجر الأمريكي، وكان من مؤسسي بعضها، وآخرها مجلس سورايا القومي في كاليفورنيا الذي ترأس مجلسها رغم مرضه الشديد الذي رافقه في السنوات الأخيرة من عمره.
كان الفقيد عضوا ًَ في التيار الديمقراطي العراقي منذ تأسيسه، متابعا ً لنشاطاته بشكل مستمر وحريصا ً على توسيع قاعدته وأيصال صوته الى جميع الشرفاء العراقيين. فالتيار الديمقراطي لبى طموحات الفقيد وكان يحقق حلمه، بأعتباره يمثل تحالف منظمات جماهيرية مختلفة وشخصيات سياسية مستقلة تتبنى الديمقراطية على أساس العدالة الأجتماعية، وترى ضرورة قيام دولة مؤسسات مدنية في العراق، يخضع جميع مواطنيها لسلطة القانون  دون تمييز على أساس أثني أو ديني أو طائفي.
كتب الراحل شعرا ً في اللغة الأرامية، ونشر مقالات وطنية  وقومية في اللغتين العربية والأرامية  في مجلات ومواقع ألكترونية مختلفة، ساهم في إصدار مجلة حمورابي، وحين كان رئيسا ً لتحريرها، تفانى في إخراج مواضيعها بأحسن صورة، جنبا الى جنب مع زملائه الأخرين في هيئة التحرير، وهنا لا بد أن أخص بالذكر أعزاءنا الراحلين، الشماس حنا قلابات والكاتب الصحفي  صباح كبوتة، فالفقيد كان ثالثهما في كل نشاط وطني وقومي، واليوم يلتحق بهما  في دار الخلود،  ولكن روحه تأبى ان تغادرنا، فستبقى حية في ذاكرتنا، وأعماله الطيبة ومواقفه الوطنية الشريفة ستقوي عزيمتنا وتمدنا بالقوة والأمل للمضي قدما ً الى الأمام، ونحن على العهد مع الفقيد سعيد سيبو  في خلق عراق ديمقراطي مدني،  فطوبى له ولروحه الطاهرة. وشكرا ً
 


18
إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة
المحامي زكرأيرم
الولايات المتحدة الأمريكية - كاليفورنيا                                                                     
8 أب  2013
رغم ان السلطا
ت السياسية تحاول بمختلف السبل كسب المثقفين الى جانبها لدعم سلطتها وفرض هيمنتها، الا ان الأشكالية تبقى قائمة بين الجانبين، خاصة عندما تتجاوز السلطات السياسية حدودها في ممارساتها التي تتعارض أحيانا كثيرة مع أهداف المثقفين في خدمة الحقيقة وخير الإنسانية.
بادىء ذي بدء يجب ان نعرف من أين جاءت كلمة  الثقافة، انها أشتقت من الفعل الثلاثي ثقف، يثقف، فلو عدنا الى الجذور الأشتقاقية لهذه الكلمة في كتاب لسان العرب وفي بعض المعاجم العربية الأخرى لوجدنا ان الرماح الصقيلة الصنع كان يطلق عليها بالرماح  الردينية، نسبة الى أمرأة عربية كانت تجيد يومذاك تثقيف وصقل هذه الرماح ولقد ورد ذلك في العديد من القصائد ومنها قصيدة الشاعر مالك بن الريب ، يقول فيها:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلــــــــــــة              بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا

فليت الغضا لم يقطع الركب عرضــه              وليت الغضا ماشى الركاب لياليــــــا
تذكرت من يبكي علي فلم أجـــــــــــد              سوى السيف والرمح الرديني باكيـــا

تثقيف الشيء يعني تقويم المعوج منه، وسرى هذا التعبير على أصلاح وتثقيف وتعديل ما يطرح من لدن أولي العقول من آراء وأفكار .
أما كلمة السلطة، تعني القهر والغلبة ، فالرجل السليط والفصيح اللسان يجمع بين كلمتي الحكمة والحكومة اللتين تعبران عن الشفقة والمعرفة أضافة للسيطرة. إن مفهوم السلطة التقليدية قديم كقدم المجتمعات البشرية،  وأول من بحث فيه بشكل متطور هم فلاسفة اليونان وعلى رأسهم أرسطو، أحد تلاميذ أفلاطون، تناول موضوع الدولة المدنية وشرعية سلطتها بشكل مفصل،  وبعد عصر النهضة الأوربية، أصبحت السلطة  تعني على انها الرقابة على سلوك الآخرين لتحقيق أهداف جماعية إستنادا على إتفاق وتفاهم تلك الجماعة التي تعطي الشرعية للسلطة، ولكن عندما تتحول السلطة لخدمة مصالح خاصة، فأنها تفقد شرعيتها المستمدة من المجتمع. يمتد مفهوم السلطة الى سلطة الدين والتقاليد الإجتماعية الذي يستمد شرعيته من التزامات الناس بتعاليم الدين والعرف الإجتماعي وتكون أحكام هذه السلطة أكثر قسوة من احكام مؤسسة الدولة، لذلك تبقى إشكالية المثقف مع سلطة الدين والمجتمع أكثر تعقيدا ً واشد تداخلا.
من المفيد متابعة الرحلة التطورية لمؤسسة السلطة  والثقافة لتبيان العلاقة الحميمة القائمة ما بينهما وما تتخذه من أشكال ومظاهر مختلفة عبر الملابسات التاريخية والأجتماعية، وعلينا ان نتوقف مليا ً عند تحديد مفهومي الثقافة والسلطة، بتحديد طبيعة كل منهما بصورة موضوعية . هناك من يـُعـّرف  المثقف بأنه الحاصل على الشهادة العليا الجامعية وهناك من يـُعـّرفه بأنه المتخصص قي شؤون الثقافة والذي يتعامل مع الأفكار المجردة التي تضع إعتباراتها فوق مختلف الإعتبارات الإجتماعية اليومية، أو انه المفكر المرتبط بقضايا عامة أكبر من حدود تخصصه ، أو هو صاحب الرؤية النقدية للمجتمع، وهو العـَالـِم ُ القلقُ، أو هو المبدع في مجال الآداب والفنون والعلوم، أو هو المتعلم  ذو الطموح أو هو واحد من صفوة ٍ أو نخبة ٍ ذات فعالية نشيطة على المستوى الإجتماعي الى غير ذلك من تعريفات.
وقد يكون أبسط تعريف هو ذلك الذي يميز بين العمل الذهني والعمل اليدوي وبالحقيقة من الصعب التمييز بصورة مطلقة بين هذين العملين فكل عمل يدوي مهما كانت بساطته  يسبقه ويرافقه  بالضرورة  قدر من الجهد الذهني.
مما لا يشك فيه ان مفهوم المثقف يتسع ليشمل المفكرين والكتاب والفنانين ورجال الدين والأطباء ورجال القانون والمهندسين والأعلاميين ويتسع ليشمل العمال والفلاحين وسواهم وبهذا المعنى ينقسم المثقفون الى مثقف عام ومثقف متخصص، وبهذه المعاني يشكل المثقفون طبقة إجتماعية محددة، تنتسب الى مختلف الطبقات الإجتماعية ، الإرستقراطية ، البرجوازية، الطبقى الوسطى والطبقة العاملة.
ان المثقفين ليسوا فئة متجانسة بثقافاتها ولا فوق الطبقات، إنما يختلفون بتنوع إنتسابهم كشرائح وفئات إجتماعية الى هذه الطبقة أو تلك بطبيعة موقعها وموقفها من نظام الإنتاج السائد.
ان الإنتاج والإبداع الفكري والعلمي والتقني والمنجزات العلمية عامة تتضمن بالضرورات إمكانات تغييرات بل إضافات الى قوى الإنتاج الإجتماعي والبشري بشكل عام. ولكن يبقى السؤال من يسيطر على هذه المنجزات المعرفية ولمصلحة من توجه وتوظف؟ وما أكثر ما تستخدم لتحقيق هيمنة سياسية ضيقة ولأغراض إقتصادية  وعسكرية وإعلامية تسود أصقاع العالم هذه الأيام.
لقد أدركت غالبية الدول ومنذ مراحل تأسيسها الأولى ، أنه لا سلطة سياسية لها، ولا مشروعية ولا أخلاقية ولا إخضاع لمنظمات المجتمع المدني  ولا تكريس لسيطرتها وأمتلاك وسائل الإنتاج بغير إمتلاكها السلطة الثقافية، أي المعرفة – الأيدولوجيا، ولهذا تسعى دائما الى دعم إنشاء المعابد والمساجد ومنظمات أخرى لتجنيد رواد ٍ لها لتكريس سلطتها والهيمنة على جميع تجليات المعرفة. ولكن مهما جهدت السلطة من فرض سلطانها، تبقى الإشكالية قائمة بينها وبين المثقف ولنا امثلة كثيرة بذلك .
فمثلا ً، سقراط الفيلسوف اليوناني، أول من أرسى أسس الحوار الفلسفي والمنطقي قبل أكثر من ألفي عام، برع في مجالات مختلفة، لعل أهمها في علم الأخلاق والمنطق، غير ان السلطات الحكومية أدانته بالهرطقة، بسبب تعالميه، التي أعتبرت مخربة لتفكير الشباب، وَحـُكـِم َ عليه بالأعدام عن طريق تناول شراب السم، ولكن بقت أفكار سقراط ومدرسته الفلسفية منارا للباحثين ونبراسا ً للفلاسفة الى يومنا هذا. وفي أسبانيا ، في نهاية الحضارة العربية الإسلامية، بأمر من السلطة المستبدة ومساندة أئمة الدين، تم حرق كتب الفيلسوف أبن رشد وفرضت عليه الإقامة الجبرية في قرية نائية، بسبب خوف السلطة من وعي الناس وتمردهم نتيجة الفكر التنويري الذي جاء به أبن رشد. وفي القرن السادس عشر، أدانت  الكنيسة العالم الجليل غاليلو بفرض الإقامة الجبرية عليه وعدم البوح بأفكاره لقوله بكروية الأرض ودورانها، ما كان يتعارض حينذاك مع معتقدات الكنيسة والسلطة المتنفذة.
ان العلماء والباحثين كشرائح ثقافية مهمة في المجتمع يهدفون في بحوثهم وتجاربهم الى خدمة الإنسانية وتقدمها وليس الى سحقها وتدميرها  كما تـُوَجه نتائج بحوثهم أحيانا كثيرة من قبل السلطات السياسية. فالعالم السويدي الفريد نوبل أخترع الديناميت في عام 1867م لغرض إستخدامه في حفر المناجم وشق القنوات في سبيل تخفيف عبء العمل عن كاهل العاملين،  غير ان نوبل شهد في آخر أيامه إستخدام الديناميت في أعمال الحرب، فحزن حزنا شديدا ً لما شاهده من خراب ودمار بسبب إختراعه، فأوصى بوضع كل ثروته في عهدة بنك سويدي، تعطى أرباحه سنويا لمبدعين في مجالات علمية مختلفة لخدمة البشرية والعاملين لأغراض السلام الإنساني، فكانت مؤسسة جائزة نوبل  المعروفة.
 ويقترن أسم العالم نوبل بأسم العالم الفذ ألبرت آنشتين الذي حاز على جائزة نويل في عام 1921م لأنجازاته الضخمة في مجال علوم الفيزياء، خاصة النظرية النسبية و إكتشافه مبدأ الأنفجارات المتسلسلة في إنتاج طاقة هائلة.  تألم آنشتين هو الآخر كثيرا ً في عشية تفجير القنبلة الذرية، على مدينتي هيروشيما ونغازاكي في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م، ولـِما تركه الإنفجار من دمار ونخريب هائل ، كتب آنشتين: كان يجب حرق أصابعي قبل أن أكتب تلك الرسالة الى الرئيس الأمريكي، روزفلت ، حيث بينت فيها إمكانية تحويل عنصر اليورانيوم الى مصدر هائل للطاقة، ووضحت له ان الألمان في طريقهم لإنتاج القنبلة الذرية. مما حدى بالرئيس الأمريكي الى تأسيس لجنة خاصة لصنع القنبلة الذرية وَرصـَدَ المبالغ اللازمة لأنجاح المشروع، فـَسـَبق َ الألمان في صنعها واستخدامها لحسم الحرب.
الفيلسوف والرياضياتي المنطقي البريطاني  برتراند رسل، من أكثر المؤثرين في الفكر البشري في القرن العشرين، ومن الداعين للسلام العالمي، له قصص معروفة ضد سلطات حكومية مختلفة، دخل السجن مرتين، في المرة الأولى عارض مشاركة بلده، بريطانيا، في الحرب العالمية الأولى، واعلن العصيان الجماعي ضدها،  فسجنته بريطانها لمدة ستة أشهر للحد من نشاطاته في قيادة المظاهرات وكتابة النشرات المحرضة للسلام.  وفي المرة الثانية، حين كان أستاذا للفلسفة والمنطق في الجامعات الأمريكية، سجن وله من العمر تسعون عاما ً، بسبب موقفه المعارض لأشتراك أميركا في حرب فيتنام ودعوته للسلام. كما وان المحاكم الأمريكية أدانته بتهمة أنه يـُفـسِد عقول الشباب بترويجه للأفكار الداعية للحرية ومعارضة الدين، ومنع على أثر ذلك من تدريس الفلسفة والمنطق في الجامعات الأمريكية.   
ان الإشكالية بين المثقف والسلطة تتحدد في كون المثقفين يدركون أنهم جزء ٌ من السلطة فيساهمون بإنتاجهم  في دعمها ويصبحون موضع إستغلال وإستبداد من قبلها ، ما يؤدي الى ان العديد منهم يعانون من التناقض بين أهدافهم الإنسانية من جهة، و خدمة مآرب السلطة من جهة أخرى، ورغم ان مختلف السلطات تسعى لتطوير المعارف لدعم مشروعاتها، غير أنها تسعى الى أهدار جوانب أخرى وتحاول تحول المثقفين الى موظفين مكتبيـين بيروقراطيـين.
ولنا مثال آخر، الفيلسوف والأديب الفرنسي  جان بول سارتر، كان غزير الإنتاج الأدبي والفلسفي، أرتبط أسمه بالفلسفة الوجودية، يشدد على ان الحرية جوهر الإنسان. هو الآخر له  مواقف معارضة لسلطات حكومية مختلفة على رأسها سلطة بلده، الحكومة الفرنسية، إذ إنه شارك شخصيا في المظاهرات التي إجتاحت فرنسا عام 1968 م تطالب بحقوق الطبقة العاملة وإسقاط ما يسميها  الدولة البوليسية التي كان يترأسها الجنرال شارل ديكول.  كان يشدد في إطروحاته على دور المثقف الملتزم في المجتمع ويرى ضرورة تطبيق أفكاره على ارض الواقع وليس التقوقع في نطاق الطرح الفكري والنظري فقط.  ساند حركة التحرر الجزائرية في حركتها ضد الحكومة الفرنسية المحتلة، وعارض حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الشعب الفيتنامي، كما وانه خلق ضجة عالمية عام 1968 م برفضه إستلام جائزة نوبل في الأدب، معتبرا تلك الجائزة سياسية، تجعل من المفكر مؤسسة، تقيد حريته، فيما إنه يريد ان يبقى مستقلا عن تأثيرات أي سلطة سياسية. اذا كان المثقف يعاني من أزمات وأختناقات في المجتمعات الديمقراطية المتقدمة كبريطانيا وفرنسا وأميركا، فكيف ستكون حاله في المجتمعات المتخلفة ومنها مجتمعاتنا العربية؟
ان المثقف في المجتمعات العربية الإسلامية  بحاجة الى ثقافة جادة والثقافة الجادة لا حياة ولا تطوير لها بغير سياسة جادة لحل إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة. فالمثقف العربي يعيش الأمرين، فهو من جهة  تحت قيود خيمة الدولة المتسلطة،  ومن جهة أخرى  تحت قيود سلطة الدين وقهر المجتمع، فالإشكالية والأزمة بين الطرفين تبقيان حادتين ولا يجد المثقف سبيلا ً للخلاص من الموت والملاحقة الا الهروب خارج هذه الأوطان، ما يزيد من تخلف وتقهقر هذه المجتمعات وتراجعها الى الوراء. وتبقى الدولة صديقة مع المثقف طالما لا تتعارض نتاجاته مع أهدافها وطموحاتها، وما ان يحصل التعارض تستخدم السلطة أذرعها الطويلة وانيابها القوية  للنيل من المثقف. وما يحصل هذه الأيام من أزمات واختناقات في المجتمعات العربية بعد الربيع العربي المزعوم الا صورا ً ناطقة لأشكالية المثقف القائمة بين سلطة الدولة وفروض المجتمع والدين.




19
في وقت الحصار والنكبات على العراق
ثائر البياتي
كاليفورنيا  في 1-3- 2013   
بعد غيابي عن العراق لأكثر من ثلاثة عقود وصلتني رسالة من صديق عزيزعليّ، مرفقة مع صور تضمني وبعض الأصدقاء، يعود تاريخها الى سبعينات القرن الماضي.  التـَقـَطت ْ الصور على ضفاف نهر ديالى وفي بساتينها الخلابة، ورغم ضبابية الصور وفقدانها لبريقها ولمعانها، مـَيزت ُ نفسي والأصدقاء من حولي، فكأن عجلة الزمن أصبحت ْ تـُرجعني الى الوراء، فـَبـَدأت ْ أتعابي تـَتـَبدد وهمومي تزول، وها هو حلمي يتحقق اليوم في عودتي الى أيام شبابي وصبايّ، ولو لبرهة قصيرة،  ولكن ما ان توغلت ُ في قراءة سطور الرسالة،  حتى بدأ الأسى يعصرني والحزن ينتابني، فأحد الأصدقاء الذين ظهروا في هذه الصور قد قـُتـِل  في أحد الحروب الهوجاء التي شنتْ في عهد النظام الدكتاتوري السابق  والأخر تـَأسـَرَ والثالث دخل السجن، وأثنان هربا خارج الوطن، فلـمْ يـَبق َ ممن ظهروا في الصور ِ على قيد الحياة في العراق، غير صديقي الذي أرسل ليّ رسالته هذه.
 بدا ليّ صديقي وكأنه حـَي ٌ يرزق أتى من عالم الأموات. فيا ليتني لم ْ أقرأ رسالته ُ المثقلة  بأوجاع ِ الحروب والمحملة بالآم الحصار والأحتلال، ويا ليتني لمْ أسمع بفقدان هؤلاء الأحبة والأصدقاء في تلك الظروف القاهرة.   ولما أنتهيتُ  من قرأة الرسالة، وانا لا زلت ُ مسترخ ٍ على سريري،  بدأت الأفكار تتصارع أمامي وتتضارب في  مخيلتي.  كيف يا ترى أحوال مـَن ْ  لم أسمع عن أخبارهم  في هذه الرسالة؟ وهل انهم لا زالوا أحياء يرزقون؟   والسؤال الأكبر الذي بدأ يدور في فكري هو: ما الذي يجعل أبناء بلادي تعساء في حياتهم، يلاحقهم الظلم والطغيان والحرب والحصار والأحتلال في كل الأزمان؟
بسفرة أثيرية حـَلـَقـت ْ روحي في أعالي السماء، لتعبر البحار وتجتاز المحيطات، لتصل الى وطني العراق وهو في عهد الحصار،  فمررت ُ فوق َ الصحارى والسهول والهضاب، أجتزت ُ قمم الجبال والوديان، شاهدتُ قصورا ً فارهة، ومبان ٍ شاهقة، سكانها من الأفاعي السامة والضباع المفترسة والذئاب الكاسرة، الذين هجموا علنا وخلسة على بلادي، فنفخوا السـُم َ في سمائها ووضعوا العلقم في طعامها، وَقــَطـَعوا الماء عن أرضها، وجعلوا من أبنائها أعداء يتقاتلون فيما بينهم، أو مهاجرين أذلاء، يعيشون غرباء في كل مدينة  مررت في ربوعها. 
رأيت ُ طيورَ بلادي، هـَجـَرت ْ أوكارها، كئيبة ٌ، صامتة ٌ، أنهكها الجوع والعطش، تشكو حالها وبؤس زمانها، فـَتـَوقـَفت ْ روحي معها قليلا لتتأمل أحوالها، فـَعـَرفت ُ من حزنها ان أعشاشها تـَهـَدمت ْ، وَمـِنْ عـَطـَشـَها أدركت ُ أن أنهارَ بلادي جـَفتْ، وَمـِن ْ جوعها تيقنت ُ ان أسماكها نـَفـَقـت ْ، وَمـِن ْ صَمتها علمت ُ أنها حـَلت ْ في بلادٍ لا يجيدون َ لغتها، فـَنـَست ْ أغانيها وأناشيدها المحببة  لتغدو لغة البكاء والحنين، فـَبكيت ُ لحالها وبكت ْ لحالي، حتى باشرتُ برحلتي.
عند َ دخولي أجواء َ سماءَ بلادي، وجدت ُ أعمدة َ الدخان ِ تعالت ْ في قبابها،  شاهدت ُ نهرَ ديالى قد هـَرِم َ وَشـَاخَ، قـَصـُرَ طوله ُ وانكمشَ عرضه ُ،  فالحصار شمل َ أرجاءه ولم ْ يبق َ في ضفافه ماء ولا زرع، شاهدت أشجار النخيل فيه تتمايلُ وتتراقص، كأنها تـَستعطف ُ رب َ الكون ِ، عسى أن يرحم َ بحالها بقطرات ِ ماء ٍ عذبة تروي عطشها، ولـَمْ أجد أشجارَ الليمون ِ والبرتقال يانعة لأشم َ رائحة قداحها،  ولا أزهارَ الأقحوان ِ والياسمين باسمة لأستنشق َ رحيقها  الذي كان يملأ الأرض زهوا ً وجمالاً.
رفعتُ يدي الى السماء ِ وناديت: يا إلهي، أين رحمتك وأحسانك؟
  فها هو الحصارُ والدمارُ قائم ٌ في أنحاء بلادي والناس ان لم يموتوا جوعا ً ومرضا ً، فهم  بحد ِالسيف ِ يـُقـتـَلون.
أن كنتَ يا مولاي لا تسمع ُ دعوة الطير والشجر، فهل تنسى دعوة البشر؟
  فلما تلاشت ْ دعواتي في أرجاء ِ السماء،  وجهت ُ نظري الى الأرض ِ لأكرر دعواتي من جديد.
 فـَشَاهدت ُ عيونَ الأيتام ِ  تتأملني،  وعيونَ الأرامل ِ تناجيني  وآهاتَ الجياع ِ  والمظلومين تسترحمني.
فـَتساءلتُ:  لماذا الحصارُ قائمٌ في بلادي والمأساة مستمرة؟
فأجابني صـَوتٌ  أثيري ٌ: ما مآساة بلادكم الا صورة من مآساة بلاد الشرق برمته، وما دموع ودماء أهلكم الا قطرات من دموع  ودماء تلك الأوطان.  بهذه الكلمات  القصيرة ، تـَرآى ليَّ وكأن روح جبران خليل جبران تـَـقــَمـَصتْ في ذلك الصوت السماوي المنبعث، ولا غرابة بذلك، فجبران، الشاعر والفيلسوف، لـَم ْ يـَمت ْ، تـَحومُ روحه حولنا، يسكن في قلوبنا، هو خير لسان ٍ لآلامنا ومآساتنا الخرساء.  وجدتها فرصة نادرة ان أشـَدد من عزمي وارفع من همتي لمواصلة تساؤلاتي، لأستزيد نورا ومعرفة.
فـَوجهتُ نفسي نحو منبع الصوت وقلتُ: أنها لنكبة عظيمة.
ولكن ما مصادر نكباتنا ومأساتنا؟
فأجابني مرة أخرى الصوتُ  الأثيري :  الجهل  والتخلف وأوهام عقائدكم، منابع  بؤسكم  وسر شقائكم.
إخترقت ْ هذه ِ الكلماتُ مسامعي  كالنبال الموجهة، وإجتاحت ْ كياني كالزلازل المدوية،  فأفقت ُ من غيبوبتي كالمجنون ونهضت ُ من مضجعي مرتعشا ً، مذهولا ً، كأن َ الصوت الأثيري أيقضني من نوم ٍ عميق وسبات أمتد لأكثر من ألف عام ٍ، وسط نهار شمسه مشرقة وسماءه صافية. وها أنا رجعت ُ  من سفرتي الأثيرية الى أرضنا الطيبة، بكامل قواي العقلية، لأخاطبكم يا أهلي المساكين، بأسلوبٍ قلما سـَمعتموهُ من قبل وان وصل َ الى مسامعكم، حـَرَّفتم مقاصده وغـَيـَّرتم معانيه، لتبقوا على ما أنتم عليه من ضلال وضياع.
فيا أحبتي إعلموا، ان الجهلَ والتخلفَ عدوكم الحقيقي يـَركنُ في ذواتكم، يـَتـَحكم ُ في عقولكم، يـَجعل ُ من وَضيعكم رفيعا ً، ومنْ بليدكم ْ ذكيا ًومِنْ ذليلكمْ المهزوم  قائدا ً منتصرا، ومِنْ مـَعتوهـكم إماما ً دينيا ً مـُوَجـِها ً، تركعون َ له كالعبيد، تدقون له الطبول وتنفخون له الأبواق، تتوجونه ُ مـَلـِكـَا ً عليكم مـِنْ غـَير تاج، وأنتم جـُنده ُ وَحـَرسه ُ وسـَيفه ُ ورمـحه.  أسيادكم أشدُ فتكا ً لأعراضكم وأكثرُ نهشا ً لأجسادكم، يـَسوقون َ بناتكم للبغاء ِ بفتوةٍ شرعية وأنتم  ساكتون، يـَسرقون َ أموالكم وانتم فقراء،  يأكلون َ طعامكم وأنتم جياع، يقودونَ شبابكم للموت ِ وأنتم شاكرون.
حصاركم لم يكن  واقعا ً ليعقبعه إحتلالكم، الا بعد ان أذلكمْ  وأهانكمْ قائدكم الذي رفعتموه ُ على أكتافكم ووضعتموه ُ فوق رؤوسكم، ما جعلَ أعداؤكم أن يقولوا عن  أحتلالاكم تحريراً، ولكنكم لستم أحرارا.  فليس من محرر لكم  سوى ذواتكم،  ومفاتيحَ الجنة ِ التي وعـِدتم بها، لا تفتح أبواب حصاركم وأقفال أغلالاكم، بل أنتم تملكون مفاتيحها. فليكن قـَدَرَكم ومـَشيئتكم بعزمكم وقوتكم،  وتوكلوا على أنفسكم، لا غيرها،  لتحطموا قيودكم،  لتخترقوا جدران ماضيكم واسوار معتقلاتكم، لتخرجوا من الظلمة الى النور، فتتحرر عقولكم من أوهامها  وتتخلص أوطانكم من رجسها.
 


20
أدب / سلام ٌالى رَيـّا
« في: 15:13 09/11/2012  »
   

سلام ٌالى رَيـّا

     

 زكر أيرم أنطوان *


                       جاءت ْ صبايا الحـّي تسألنـــــــــــــي          بالله ِ تـُخبـُرنا هل ْ سافرت ْ ريــــّا
                           بالأمسِ كانتْ هنا بالصبح َ قدْ رَحلت ْ        يا ليتها أبقت ْ مـِنْ ذكـِرها شيـّــــا
                           لا شيءَ مـِنْ بـَعدها قد بات َ يؤ ُنسنا        لا طارق ٌ مـَر َّ مـِن ْ أسوارها حــيّ (1)            
                           ناجـَيتُ حاديَ العيسِ وقـُلت ُ لــــــــهُ        دَعنا نَحث ُّالخُطى نطوي الفلا  طـّا
                           نـَمضي الى حـَيثما الآفاقُ تُوصلنـــــا        لـَطَالما لم ْ نـَحف ْ  وَهنا ً ولا عـيَّ (2)    
                          إنـّا بشوق ٍ عـَميق ِ العوز ِ يـَغمـُرنــــا        فـَلنستبق ُ ضَعنـَها هـّيا بـِنا هيـــــّا (3)
                           نهفو الى عيون ِ الماء ِ صافيــــــــــة ً       كي نـَنتشي مـِن ْ رَيـّاك ِ يا ريـــــــّا
                           نـَرنو الى باسقاتِ الدوح ِ  تـَجمعنــــا        في أيكة ٍ مدّت ْ مـِن ْ ظِلها  فيــــــّا  
                           قلت ُ لها حاذري أن تـَبعدي عنـّــــــــا        فالوجُد فينا كوى أكبادنـَا  كيّــــــــا
                          عودي فلا تخلفي الميعادَ مولاتـــــــــي        لمْ يغوك ِ خـَادع ٌ يبغى له ُ غــَــــيَّ
                          حلمي ترى هـُضبك ِ الشماءَ شامخــة ً        والغانيات ِ الغيد ِ باقيات ٍ كما هـي َ
                          إن الوفا شيمة ٌ كنـّا الفناهـــــــــــــــا          ما ضـّر لو تعقدي كفيك ِ بكفــــــي َّ
                          آه ٍ على مَوطن ٍ كرها ًً أضعنــــــــــاه          يا ليتك ِ تعلمي ما قدْ جرى بــــــيَّ    
 
 
                                       (1)    حي َّ: أدى التحية
                                       (2)   العي: التعب  
                                       (3) الضعن: الأنعام التي تحمل المتاع
                                       * محامي وشاعر
 


21
في رحيل الكاتب والصحفي صباح صادق كبوتة
ثائر البياتي
الولايات المتحدة الأمريكية- كاليفورنيا
10-30-2012
قبل عام ونصف فقدنا صديق ومفكر عزيز على قلوبنا، الراحل حنا قلابات، واليوم نجتمع لذكرى فقيد وقريب علينا، صباح صادق كبوتة، ففي رحيله نكون قد خسرنا نجما آخرا ً  من نجوم الجالية العراقية في أميركا، ورافدا ً آخر من روافد المجتمع المدني الذي زودنا بالثقافة والمعرفة طيلة حياته، وترك لنا مثالا  يحتذى به في الوطنية والإنسانية. وبهذا المصاب الأليم أتقدم بأسمي وأسم الجمعية العراقية الأمريكية في ساند ياغو  بالتعازي والمواساة لأهل الفقيد وأصدقائه ومحبيه.
كان لقائي الأول بالفقيد في أوائل تسعينات القرن الماضي، بمناسبة أهدائه ليّ أحد أعداد مجلته، أقلام مهجرية، فكانت بحق مجلة مرموقة، أشبه بكتاب، تضمنت مواضيع رفيعة المستوى، قيمة المحتوى، تنوعت بين الثقافة والسياسة والمجتمع، فعجبت بالفقيد محررا وكاتبا لعدد من مواضيعها، وزادت معرفتي وتعمقت علاقتي به بتكرر اللقاءات وتقارب الأراء.
عمل في الصحافة داخل وخارج العراق لأكثر من خمسين عاما ً، كان عضواً في نقابة الصحفيين العراقيين منذ عام 1964، كاتبا ً في جريدة الجمهورية لسنين طويلة، محررا لقسمها الرياضي، وكاتبا لمقالات سياسية دفاعا عن المظلومين والمنكوبين نشرت في جرائد مختلفة.
واصل نشاطاته الثقافية والصحفية المختلفة بعد وصوله الى المهجر الأمريكي في نهاية السبعينات من القرن الماضي، فساهم بتأسيس رابطة أصدقاء القلم العراقي في ديترويت  عام 1987، أصبح محرار  لمجلتها، رابطة القلم، ومن ثم محررا ً ومساهما ً في إصدار خمسة أعداد من مجلة أقلام مهجرية.
شارك بشكل فعال في تحرير عدة أعداد من مجلة حمورابي الناطقة باسم المجلس الكلدوأشوري السرياني التي انطلقت من مدينة ساند ياغو ولازالت مستمرة في ديترويت، فكانت مجلة عراقية تراثية تعني بالشأن الوطني والقومي، أصبحت منبرا ًً للأقلام العراقية الحرة.  وفي نشاط آخر ساهم في تأسيس المركز الثقافي العراقي الأمريكي في ساند ياغو- كاليفورنيا مع الزميلين حيدر عودة وشوقي عبد، بهدف الأستمرار في نشر وتعميق الثقافة العراقية في المهجر الأمريكي، فنشروا عدة أعداد من مجلته، مقهى.
كان للفقيد دور وطني مـشرف قبل وبعد سقوط الحكم الدكتاتوري في العراق عام 2003. في عام 2002 ساهم جنبا ً الى جنب مع فقيدنا الراحل حنا قلابات وأصدقاء آخرين في تشكيل منظمة التجمع العراقي  التي برز دورها في الساحة السياسية بين الجالية العراقية في الولايات المتحدة الأمريكية أبان سقوط النظام الدكتاتوري، وكانت تلك المنظمة  أسوة بمنظمات الجالية العراقية الأخرى،  فعالة في فضح جرائم النظام الدكتاتوري وممارساته ضد الإنسانية، دعت لإسقاط الحكم الدكتاتوري والدعوة لقيام حكم ديمقراطي مدني في العراق، فكتب مقالات كثيرة في هذا الخصوص  وساهم في إعداد وقيام  تظاهرات وأحتجاجات ضد النظام الفاسد، ورغم الأحباطات التي أصابت الكثير منا بعد سقوط النظام، الا ان الفقيد كان متفائلا بمستقبل تحول الأوضاع في العراق نحو حياة حرة كريمة.
كان الفقيد رحمه الله المحرك الأساسي لمسالة ترشيح سماحة آية الله السيد علي السيستاني لجائزة نوبل للسلام في عام 2005 وذلك تقييما لدوره الكبير في تهدئة الأوضاع وتخفيف حدة الصراعات الطائفية في العراق، فكتب مع الفقيد حنا قلابات نص نداء الترشيح، وساهم في نشره وتوزيعه وأيصاله لأكبر عدد من الشخصيات الوطنية العراقية والأجنبية، ولتواضعه أصر على درج أسمه في المرتبة الخامسة بيننا. وعلى هامش الترشيح كتب مقالات عديدة تدعو للأمن والسلام والمحبة في العراق وتـَحث ُ على قيام حكم مدني علماني، يكفل الحياة الحرة الكريمة لجميع العراقيين، ولم تمنعه نشاطاته الوطنية  من الأهتمام في شؤون شعبه، فنشر مقالات سياسية كثيرة في الدفاع عن مسيحيي العراق والشرق الأوسط وكتب حول مستقبل أرومته في مختلف الصحف والمجلات الاليكترونية.
 يعتبر من اوائل الذين نادوا في إقامة محافظة سهل نينوى  على أسس إدارية لحل مشاكل الشعب المسيحي والشعوب المتعايشة معا ً، بعيدا ً عن الصراعات السياسية الدائرة في المنطقة. عمل على توحيد كلمة الشعب الكلدوأشوري السرياني في الجالية العراقية في أميركا، فكان عضوا ً فعالا ً في جمعياتها الموحـِدة  والمتعاونة ومساهما ً أساسيا ً في نشاطاتها الثقافية والسياسية. ورغم محدودية إمكانياته المالية، غير إنه كان سخيا ً وكريما ً في تبرعائه المالية لأنجاح نشاطات المنظمات الوطنية التي كان ينتمي اليها. كان محبا ً ومضيافا لكل عراقي قادم من العراق، فأختار لنفسه الطيبة ان يكون أول من يـُعـَرفنا بالشعراء والأدباء والفنانين الوافدين من الوطن، فـَيزيدنا معرفة بالثقافة العراقية ويعمقها إكراما ً للوطن ومبدعيه.  شكرا للأخوان في مجلس سورايا القومي لإحيائهم هذا الحفل التأبيني ولمنظمات الجالية التي ساهمت وللحضور الكرام  كل الشكر والتقدير.
ولروح  فقيدنا الطاهره الخلود

22
مـِن ْ ذكريات  الأستاذ حلمي عبد السميع في قلعة  صالح

الولايات المتحدة الأمريكية
كاليفورنيا
22-10-2012
قلعة صالح، مـِن ْ أهم  ِ وأقدم ِ أقضية محافظة العمارة، ليست قلعة صالح النجدي فحسبْ، بل هي قلعة العلوم والأداب والفنون وقلعة الأخوة الأسلامية اليهودية والصابئية المندائية والمسيحية، بما أنجبته من نجوم لمعت ْ وأعلام أرتفعت ْ في مختلف ِ المجالات وبما تركته من عـِبر ٍ وذكرياتٍ جميلة بين افراد طوائفها المتنوعة، لحين ظهور الخلافات والتناحرات منذ  ستينات القرن الماضي، فأصاب َ مجتمع القلعة من تفكك وأنحلال العلاقات ما أصاب َ بقية أنحاء العراق، الذي أوصل َ المجتمع بكامله الى التدهور وتهيئته للأحتلال، ولكن بقت ْ ذاكرة ُ الأيام  ِ الجميلة شاخصة متماسكة رصينة، تـَفصـَح ُ عن نفسها كلما أستفحل َ الزمن الرديء.
يعود تأسيس قلعة صالح الى عام 1865م، حيث ُ عـُرِفـت ْ بأسم ِ مؤسسها صالح سليمان النجدي الذي أنتدبته الحكومة العثمانية حينها لقمع تمرد العشائرعن إمتناعها دفع الضرائب للحكومة العثمانية، فأختار مكانا آمنا، وضع َ فيها حجر الأساس لقلعة ٍ في منطقة ٍ محاطة بالأنهار كشبه جزيرة، يلتف ُ حولها نهر دجلة من الغرب الى الشرق الجنوبي ويحيطها نهر الكرمة المندرس الذي يربط نهر دجلة بنهر المجرية، وبمرور الزمن أصبح موقعها سياحيا، زاد من رونقها جمال بساتين  نخيلها التي انتشرت بأطراف أنهارها وسواقيها وأعطتها نكهة خاصة بظلالها وشموخها، فأصبحت ْ المنطقة مرتعا ً للسواح ِ وعشاق الطبيعة من مختلفِ الناس.
مثلما عـُرِفـَت ْ قلعة صالح بجمال طبيعتها، عـُرِفـَت ْ بجمال ِ تنوعها الطائفي والديني والأجتماعي، فكان َ فيها المسلمون والصابئة المندائيون واليهود والمسيحيون، عاشوا جميعهم بمحبة ٍ وأحترام،  فأنهارها الجارية، مقدسة عند أخواننا الصابئة، تـُطـَهرُ الأرواح َ والأجساد، فشيدوا دورهم ومعابدهم حولها،  وَتـَنوع مصالحها جذب َ اليهود اليها لممارسة أمور التجارة والصيرفة، فنزحوا اليها من قرية العزير، التي تحتضن مرقد نبي اليهود، العزير، وهي قرية تبعد بحوالي ثمانية عشر كيلومترا عن مركز المدينة، وراق َ العيش  فيها لبعض من إخواننا المسيحيين، فزادوها  بهجة وجمالا ً،  ورفعَ مـِن ْ مكانتها حضرة مقام الإمام عبدالله بن علي بن ابي طالب (رض)، الذي يرقد ُ على بعد ِ أربعة َ كيلومترات ٍ من مركزها.
بحسب ِ ذكر الأستاذ علي كاظم درجال الربيعي الذي وافانا بمعلومات ٍ كثيرة عن العمارة وقلعة صالح، ان إحصاء َ عام 1930 يشيرُ الى ان عدد نفوس المدينة  كان بحدود 3045 ، شـَكـَّلَ الصابئة المندائيون فيها 30%، وجاءت ْ نسبة اليهود والمسيحيين بعدهم، إضافة لوجود المسلمين، ويعود ُ للصابئة الفضل الكبير والدور الريادي في نشر الثقافة والتعليم التي مـَيزت ْ قلعة صالح عن سواها من المناطق الأخرى، فبرز َ منها أعلام ٌ  في مختلف ِ انواع  ِ المعرفة.
أنجبت ْ قلعة صالح، العلامة الصابئي المندائي المرحوم الدكتور عبد الجبار عبدالله، عالم فيزياء الأنواء الجوية ورئيس جامعة بغداد، والدكتور جاسم محمد الخلف، رئيس جامعة بغداد أيضا، والشاعر الأعلامي أنور الغساني، أستاذ الصحافة في كوستاريكا، والمؤرخ الباحث الأستاذ علي جمعة سيد خميس والأستاذ غضبان رومي الناشيء والدكتور جعفر عباس حميدي، أستاذ التاريخ في جامعة بغداد، والأقتصادي البروفسور محسن حرفش الأستاذ في جامعة البصرة والدكتور مجيد دمعة والشاعر الباحث علي كاظم درجال الربيعي (مؤلف هيلة وحمد) والدكتور الشاعر قبيل كودي حسين رئيس قسم علم النفس في كلية الأداب، جامعة تعز والمطرب عبد الواحد جمعة والفنان التشكيلي المعروف فيصل لعيبي  والشاعر سلمان المندائي والأستاذ عبد الواحد جمعة  وغيرهم، ومعذرة لمن لم يسعفنا الحظ بذكر اسمائهم وأنجازاتهم.
وَلدت ُ في مدينة قلعة صالح عام1941، أكملت ُ فيها دراستي الأبتدائية والمتوسطة والثانوية، قـَضيتُ فيها أحلى أيام طفولتي وشبابي، عـَشـِقت ُ شروق َ شمسها،  فـَمـِن ْ خلالها رأيت ُ جمال َ الطبيعة، تـَرقبتُ غروب َ شمسها، مـِن ْ ظلام ِ ليلها، استـَمتـَعت ُ بنور ِ قـَمـَرها، فـَنـَقشت ُ على صفحات ِ أوراقي رسومات ٍ لسحر ِ مناظرها، ولجمال ِ أنهارها، ولبهجة ِ طيورها  وألوانها الزاهية.
أنحدرُ من عائلة ٍ قديمة ِالأصول ِ في قلعة صالح، فالمرحوم جدي الحاج علي بهار مـِن ْ وجهائها، تـَبرع َ بقطعة ِ أرض ٍ شـُيدت ْعليها أول مدرسة أبتدائية للبنين في وسط مدينة قلعة صالح  في عام 1916، وَمـِن ْ ثم جـُد ِدت ْ في عام 1925، ذكرها  المؤرخ عبد الجبار الجويبراوي في كتابه، مدارس العراق منذ عام 1913- 1957.  والدي المرحوم عبد السميع الحاج علي، حذا حذو  والده في حب العمل للصالح العام، كان معلما ً في قلعة صالح، يوم َ كان َ لمعلم ِ المدرسة هيبة ووقار، فبحكم موقعه الأجتماعي عـِشت ُ قريبا ً من وجهاء المنطقة من شيوخ ِ عشائرها وموظفي دوائرها الحكومية، وعاشرت ُ مختلف فصائل المجتمع العماري لكوني شاركت ُ  بفاعلية منذ ُ طفولتي في مختلف ِ النشاطات ِ الرياضية المدرسية كالساحة والميدان والطفر العريض وكنت ُ أحد ُ أعضاء منتخب فريق العمارة للكرة الطائرة، فزادت ْ معرفتي بمختلف الطبقات الأجتماعية في المنطقة. 
غادرت ُ قلعة صالح الى مدينة بغداد عام 1962 لأكمل دراستي في كلية التربية الرياضية، فتوسعتْ علاقاتي بالناس، خاصة بعد تعييني مـُشرِفا رياضيا ً في كليات ٍ مختلفة بجامعة ِ بغداد َ لسنين طويلة و َمـِن ْ ثم مدربا ً للمنتخب ِ الوطني العراقي لكرة الطائرة في الأعوام  1976- 1978 ومدرسا ً وأستاذا ً في كلية التربية الرياضية بجامعة بغداد بعد َ أن  أكملت ُ دراسة الماجستير في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1984، فتعمقَ وتأصل َ حـُبي ليس َ لأهل ِ قلعةِ صالح ٍ والعمارة فقط بل لجميع ِأهل العراق. وبعد َ سوء ِ الأوضاع ِ الأمنية والخدمية وكثرة المخاطر، غادرت ُ العراق َ في عام 2010ِ  متوجها ً الى الولايات المتحدة الأمريكية،  حاملاً معي  ذكرياتي التي نقشت فيها عـِبـَرا ً ودروسا ً تعلمتها، حرصت على عدم  ضياعها، عسى ان تكون عبرا ً  لأولادي ومنهلا ً لأحفادي وَذ ُخرا ً لأبناء وطني. 
كان َ الدوامُ اليومي للمدارس ِ الأبتدائية في وقتنا على فترتين، فأربعة دروس ٍ صباحا ً،  ودرسان عصراً، يتخللهما فترة غذاء ٍ مشتركة للمعلمين. كان المعلمون خليطا ً من المسلمين والصابئة المندائيين واليهود والمسيحيين، كانوا يجلسون في حديقة المدرسة الجميلة وبعد ان تـُرَتـَب ْ لهم الموائد والكراسي، يـُحـَضـِر المعلمون ما أعده ُ لهم أهلهم من مختلف ِ أنواع ِ الأطعمة ِ اللذيدة ، فتوضع فوق الموائد، يأكلُ الجميع بشكل مشترك كعائلة واحدة، ومن بعدها يتسامرُ الجميع في فترة شرب الشاي، يتناولون أحاديث َ مختلفة عن المجتمع وبما يخص ُ شؤونهم التعليمية والمهنية  وغيرها لحين بداية الدوام العصري. فلم ْ أشعر وانا طفل ٌبالفرقة بين معلم وآخر،  بل ْ كانت ْ علاقات ُ الود والأحترام والتقدير  والكرم بارزة بين الجميع.
من التقاليد الجميلة التي أتذكرها طريقة أستقبال الموظفين الجدد، فعندما كان يلتحق ُ أي َ موظف جديد للمباشرة في عمله في المدينة، أعتاد وجهاء المدينة أستقباله والترحيب به  بأحسن ِ ما يرام. كانوا يتقاسمون أستضافته ومبيته هو وعائلته لحين يتم أستقراره في دار ٍ معينة.  أذكرُ ما حدث َ مع الأستاذ عبدالحسين الحميري الذي جاءنا بأمر تعيينه مدرسا ً للرياضيات ِ في متوسطة قلعة صالح وهو  من أهالي الموصل، ففي اليوم الأول أستقبله ُ وأستضافه ُمع عائلته مدير المدرسة، وفي اليوم الثاني أستضافه القائمقام  في بيته  لتناول الغذاء والعشاء والمبيت، وَمـِن ْ ثـم  استضافه الحاكم  وتلاه معاون الشرطة وبعدهم مدرسو المدرسة واحدا ً واحدا ً ومـِن ْ ثم وجهاء المدينة من شيوخ العشائر وكبار التجار وغيرهم،  ويمضي الضيف هو وعائلته لفترة شهر او شهرين على هذا المنوال، فالكل يتعاونون بتسهيل مهمة واقامة الموظف الجديد، فما أجمل وأروع روح التعاون الذي كان سائدا ً بين أبناء المنطقة. 
لم ْ أنس َ قصة فراش المدرسة الأبتدائية التي تعلمت ُ فيها، أسمه خماس، كان يكنى بأبي احمد، رجلٌ كبير السن، خدم المدرسة طوال عمره، أصيب َ بمرض ٍ بساقيه، أقعده عن العمل، عجرَ جميع أطباء العمارة عن معالجته، الا أن الطبيب َ الذي كان يعمل ُ في المستوصف الصحي القريب من المدرسة أخبر والدي بمعرفته بوجود طبيب اخصائي في هذه الأمراض في بغداد، وتمنى لو ان أبا أحمد يمتلك بعض الأموال اللازمة التي تعينه ُ على السفر لغرض علاجه، ولكن مع الأسف ضعف حالته المالية تحول دون ذلك.
في مساء ذلك اليوم عـَبـَّرَ لنا الوالد عن تفاؤله بمسألة مساعدة خماس في إمكانية إيصاله الى الطبيب المختص،  فذكرَ  لنا  أنه سوف يطرح فكرته على وجهاء المدينة، ولم ْ تمض ِ سوى ساعات ٍ قليلة لموعد جلسته المسائية المعتادة مع موظفي القضاء في حديقة نادي الموظفين المطل على نهر دجلة، فطرح عليهم فكرة جمع مبلغ من المال لمساعدة خماس لغرض العلاج، أيده القائمقام في الحال وكان أول المساهمين، درج أسمه في أعلى القائمة، وضع توقيعه ودفع خمسة دنانير، وتبعه الأخرين بسخاء تبرعاتهم، ولم يمض ِ  الا يوما ً آخر حيث أمتلأت القائمة بأسماء وتواقيع كثير من وجهاء وتجار المنطقة.
وفي اليوم التالي طـَلب َ مني الوالد ان أذهب الى بيت خماس لأستقدم أبنه أحمد، فـَقـَدم َ أحمد برفقتي الى دارنا، شرح َ له والدي ان مـُحبي والده، قد جمعوا له مبلغا ً من المال، يود ان يسلمه المبلغ ، وَمـِن ْ ثم أقترح عليه ان يذهب مع والده الى بغداد حيث عنوان الطبيب الأخصائي، وطلب َ منه التصرف بالمبلغ الموجود لغرض السكن وأجرة الطبيب وشراء الأدوية اللازمة لعلاج والده.
أتذكرُ جيداً تعابير الفرح والسرور التي أرتسمت على وجه أحمد، ولا أنسى دموعه التي غـَمـَرتْ عينيه وسالت ْ على وجنتيه، ممتزجة مع تعابير ِ الفرح ِ، وبنبراتٍ متقطعة،  شكرَ أحمد والدي ووعده ُعلى تنفيذ فكرته، وَمـِن ْ ثم ودعنا وخرج َ مسرعا ًيحمل ُ البشارة الى والده المريض. وفعلا ً أوصلت تلك الجهود المشتركة خماس الى الطبيب المختص، فتعافى بأخذ العلاج، وبعد َ شهور قليلة التحق ثانية الى عمله في المدرسة.
في  مساء ِ أحد الأيام الجميلة طلب َ منا المرحوم والدي، نحن أبناؤه الثلاثة الكبار، ان نرتدي أفضل ملابسنا وأجملها، فلبينا طلبه، تبعناه حيث ما كان يسير في أزقة القضاء متجهين َ الى شارع مكينة الطحين، قرب محلة الحسينية، حيثُ تقع بناية التوراة التابعة للطائفة اليهودية ، دخلنا البناية، صعدنا سلالمها ومشينا في ممراتها التي أوصلتنا الى قاعة كبيرة مشيدة من الخشب، كان الجالسون فيها مجموعة من اليهود، من أهالي القضاء، القينا التحية عليهم وتبادلنا الأبتسامات الحلوة معهم، وتقدم الوالد بمصافحة ومعانقة الموجودين، وقدم  التهاني والتمنيات لهم، وفعلنا نحن الأولاد ما فعل والدنا بمصافحة الحضور ومن ثم أخذنا مواقعنا في الجلوس، فقدموا لنا الحلويات وعصائر الشربت، وتبادل الوالد معهم أحاديث الود وأخبار الطائفة والمدينة ومـِن ْ ثم ودعناهم بمثلما تقدمنا اليهم. 
بينما كنا سائرين َ في طريق عودتنا الى البيت، تقدم َ أخونا الكبير بسؤال الى الوالد قائلا ً: لماذا جئتَ بنا يا والدي الى هنا ؟ فأجابه ُ الوالد: الا تذكر يا أبني حضور هؤلاء الأصدقاء الى دارنا بمناسبة عيدنا الذي كان قبل أسبوعين، حيث قدموا لنا التهاني والتمنيات؟ فاليوم مناسبة عيدهم، جاء دورنا لتقديم التهاني والتبريكات لهم.  وبينما كنا مواصلين السير، ساد َ صـَمت ٌ بيننا ، فكأن والدنا يفكر في أمر ٍ ما،  وفعلا ً توقفَ والدنا من السير، فوقفنا معه جميعا، وتوجه الينا قائلا ً: يا أولادي أسمعوا، ان الحياة َ تتطلبُ منا مشاركة الناس افراحها واحزانها، فبمشاركتنا لهم بالأفراح نزيد فرحهم فرحا ً، وبمشاركتنا لهم بالأحزان،  نقلل من حزنهم ونهـَون من بلائهم، فنحن لهم وهم لنا عند الحاجة. فرددنا جميعا نعم يا والدي، وواصلنا السير مرة اخرى. وحقا بينت ْ الأيام ان التفاهم والعلاقات الودية التي كانت تسود بين أفراد المجتمع بجميع طوائفه، ساهمت في خلق الأمن والسلام بينهم،  ولم يكن والدي الا واحدا ً من الناس ِ الذين كانوا يؤدون واجبهم تجاه الآخرين.
كانتْ حـَسرتي كبيرة  لدى مغادرتي قضاء قلعة صالح عام 1962 للسكن والأقامة في بغداد، فشوقي الى شموخ نخيلها ، جعلني أبحثُ عن نخيل ِ بغداد َ، فلم أجدها كنخيل ِ منطقتي، وحبي لظلال ِ أشجارها،  دفعني للبحث عن ظلال الأشجار، فلم أجد شجرة تحميني، ولأني ضجرت ُ العيش في مدينة كبيرة، فلم ْ أترك عاماً خلال خمسين عاما ً الا وزرت ُ فيها أهلي وأصحابي ومدينتي مرات عديدة.  ولم ْ يخطر في بالي إني سأعبرُ القارات، وأجتاز ُ البحار وعمق المحيطات لأبتعد عن بلدتي، لا بل أبتعد عن كل ِ أرض العراق لألاف الأميال، لأعيشَ في الغربة ِ بعيدا ً في الولايات المتحدة الأمريكية، لا أجد ُ فيها نخلة تواسيني ولا شجرة تحميني، ولا ماءً يرويني كمياه النهرين.
زاد َ عمري وكبرَ سني، لكني لا زلت ُ أشعر ُ أني طفل صغير، أستقي دروس حياتي وعبر أيامي من فضائل أهلي وبلادي، وان أبتعدتُ عنهم، أشعرُ بقربي من أحاسيسهم والآم حياتهم، فـَفـَراش مدرستي، يرافقني أينما أكون، لأجد نفسي فرحا ً في قضاء ِ حاجة الضعفاء والمحتاجين. ومحبة معلمي مدرستي وجمال عشرتهم تحضرني في كل مناسبة، فأغمرُ الناس َ بفيض ِ محبتي وحسن معاشرتي، وتتقدمني تقاليد أهلي كلما لمحت ُ غريبا ً، فأستضيفه ُ بأحسن ِ ما عندي، وما ان تحل ُ مناسبة، الا  وأتذكرُ فرحي في أعياد ِ الفصح أو أعياد رأس ِ السنة الميلادية او عيد البنجة، فتمتلىء نفسي شوقا ً وتسمو روحي عاليا ً  لمشاركة الأخرين أفراحهم، وتغمرني سعادة ٌ، لا سعادة َ فوقها، عندما أشاهد أخواني وأصدقائي بألوانهم واطيافهم، فرحين بفرحي أيام عيد الأضحى أو المولد النبوي، وتزهو روحي عاليا ً عندما يشاركني أصدقائي أحزان عاشوراء، فتهون أحزاني وتذهب كربتي.


23

 
سكنةُ وادي الـرافدين روادُ  الرياضيات

مـراجعة الدكتور ثائـر البـياتي
7 تموز 2011



صدر حديثا كتاب باللغة الإنكليـزية  للدكتور ريمون نجيب شكوري تحت عنوان:   "Mesopotamians: Pioneers of Mathematics :أي :    "سكنة وادي الـرافديـن: رواد الرياضيات"       
يقع الكتاب بـِ 216 صفحة مـن النوع المتوسط ويحتوي على أحد عشـر فصلاً وملحقيـن إثنيـن أولهما يتناول بعض الأمور الـرياضياتية  وثانيهما يحوي على خط - زمـني تاريخيٍ للحضارات القديمة لوادي الـرافديـن.
و يمكـن شـراء الكتاب عـن طريق الإنترنيت مـن موقع الأمازون.
  **     
عـَرفتُ المؤلف الدكتور ريمون نجيب شكوري قبـل واحد وأربعيـن عاماً كأستاذٍ لي عندما دخلتُ كلية العلوم في جامعة بغداد  لدراسة الرياضيات. وقد كان مـن الأساتذة اللامعين في الرياضيات، متذوقا ً لنظرياتها وملماً بِفلسفاتها وبِتاريخ تطورها. وكان مـن عادته عَرْضَ الموضوع الذي يـُدَّرسه بسياقهِ التاريخي التطوري والفلسفي وبشكـل ممتع.
والجديـرٌ بِالذِكـْـر أن الدكتور ريمون هو أحدُ مئةٍ شخصية مسيحية مؤثـرة  في عـراق القـرن العشـريـن وِفقَ تقـريـر أعدَّه  المؤرخُ والمفكِّـر الذكتور سيّار الجميـل بِعنوان "  المسيحيون العـراقيون : وقفةٌ تاريخية عند أدوارِهم الوطنية والحضارية،  ونشـره في الحوار المتمدن ــ العدد 1019 ــ بِتاريخ 16 تشـريـن الثاني 2004.
واليوم وبعد قـرابة نصف قـرن على تدريسه  مختلف مواضيع الـرياضيات  في جامعة بغداد وجامعات عـربية وأمريكية ومـُعايشتهِ لها ومتابعاته وأشـرافه على بحوث طلبة الدراسات العليا أطـل علينا في كتابه الجديد المذكور أعلاه، عارضا ً فيه بشكلٍ سلسـلٍ كثيـراً من الأفكار والمفاهيم والأساليب الـرياضياتية الأساسية التي إبتكـرها قدامى سكنة وادي الـرافديـن واضعيـن اللبنات الأولى للـرياضيات كي تغدو لاحقاً لغةَ العلومِ وخادمتَـها وملكتَـها في آن واحد.
إن كتاب "Mesopotamians: Pioneers of Mathematics" ليس بِكتابٍ تاريخي بحت ولا رياضياتي بحت كما قد يوحي عنوانه.   إنما هو عـرضٌ شيقٌ وممتعٌ وكأنه مجـرد تناقـلٌ لأطـراف أحاديث عمّا قدمه سكنة وادي الـرافديـن مـن مساهمات أساسية   في علم الـرياضيات قبـل أكثر من أربعة ألآف عام. إضافة الى هذا فهو زاخـر بكثيـر مـن الأمور الجانبية والطـريفة.
يذكـر المؤلف أنه قد تمّ حتى الآن إكتشاف أكثـر مـن مليون لوحة طينية في بلاد ما بـيـن النهريـن ( أي العـراق حالياً) ويسميها مجازاً "أقـراص CD الميسوتومية"  لأنها تحاكي وظيفـياً أقـراص ال  CD المتداولة في يومنا هذا إذ أنها  تحتوي ــ كمثيلاتها الحالية ــ على معلوماتٍ مخـزونة. أما تلك الألواح فتحتوي على معلومات قَيّمة نُقِشتْ بِالخط المسماري تناولتْ ـ إضافة الى الـرياضيات ـ مختلفَ نواحي الحياة في حضارة وادي الـرافديـن مـن أدبٍ وملاحمَ قصصية وقوانيـنَ وقواميسَ وطبٍ وفلكٍ وصلواتٍ ومـراسلاتٍ خاصة وتوثيقاتٍ لِزواجاتٍ وطلاقاتٍ وحتى وصفاتِ لطهي الأطعمة وعلى غيـرها مـن أمور الحياة.
يُـركِّـزالكتاب بِصورةٍ رئيسية على الجوانبَ الـرياضياتية مـن حضارة وادي الـرافديـن. تُظهـر تلك الألواح الطينية التي تنقـل معلومات رياضياتية أن مساهماتِ الحضارة الـرافدينييـة ذات مستوٍ عالٍ شكّلتْ عوامـل مؤثـرة على المسيـرة العلمية في الأزمنة القديمة والحديثة.أيضاً       
تُظهـر الألواح الطينية الإهتمام الكبيـر الذي يُوليه سكنةُ وادي الـرافديـن بِإنشاء الجداول الحسابية. إذ أن هنالك لوحات مختلفة تحوي جداولَ لِعمليات جمع الأعداد وضـربها وتـربيعها وتكعيبها، وجداول لمعكوس الأعداد ولِحساب الـربح المـركب وغيـرها مـن الأمور. ومـن الجديـر بِالذكـر أن القسمة الطويلة كانت تُجـرى بِالإستعانة بِجداول معكوس الأعداد. إضافة الى ذلك فقد كانت تلك الجداول تُستخدم في حــلِ مختلف المسائـل الحسابية والتطبيقية الناشئة مـن الحياة العملية.
ولم تقتصـر أنشطةُ الـرافدينيـيـن على العمليات الحسابية فقط بـل إمتدتْ بصورة طبيعية الى الجبـر. فإستطاع الـرافدينييـون حـلَّ أنواعٍ مـن المسائـل الجبـرية  كالمعادلات مـن الدرجة الأولى ومـن الدرجة الثانية وحتى بعض المعادلات مـن الدرجة الثالثة كما أستطاعوا حـل المعادلات الآنية. إضافة الى هذا فقد تناولوا مجموع المتتاليات المنتهية. وتدل طـرائق معالجاتهم لهذه المسائـل على بـراعة وفهم عميقيـن وذكاءٍ بالغ.
وقد بـرع الـرافدينييون أيضاً بِالمفاهيم الهندسية وبِعلم المثلثاث وبِإيجاد مساحات الأشكال الهندسية منها الدائـرة وحجوم الأشكال لإن كل هذه الأمور تتطلبها إنشاءات المباني الشاهقة كالـزقورات والمعابد وإقامة السواتـر التـرابية وشق القنوات .
وقد حـرص الدكتور ريمون أن يكون مستوى عـرضه للمفاهيم الـرياضياتية في متـناول خـريجي المـرحلة الإعدادية فيما عدا ما جاء في بعض هوامش الكتاب وفي أحد الملاحق عند نهايته. وعلى كل حال يستطيع القارئ الذي نسي ما تعلمه مِـن رياضياتِ تلك المـرحلة أن يتجاوزَ المواقع التي يعتبـرها صعبة أومنسية وأن يستمـر في متابعة القـراءة دون أن يفقد كثيـراَ.
وقد وضع الدكتور ريمون عدداً مـن القصصِ الـروائية التوضيحية الغـرض منها عـرض تصوراته عـن الكيفية التي توَصّل بها أولئك الأقدمون الى الإنجازات الـرياضياتية ذات المستوى العالي.
يعـرض المؤلف بعض المفاهيم والنظـريات الأساسية في الـرياضيات التي يعتبـرها الغـرب مـن انجازات الإغـريق، غيـر أنها في الحقيقة قد نشأتْ وتطورتْ في وادي الرافديـن  قبـل أكثـر مـن ألف عام مـن تداولها في الحضارة الإغـريقية. فعلى سبيـل المثال: إن النظـرية المشهورة المعـروفة اليوم بـِنظـرية فيثاغورس ــ التي تـنص على أن مجموع مساحة المـربعيـن المنشأيـن على ضلعي أي مثلث قائم الزاوية  يساوي مساحة المـربع المنشأ على وتـره ــ  كانت معـروفة لدى سكنة وادي الـرافديـن وكانت تُستعمـل في الأعمال الإنشائية والمساحية وربما كان قد بـرهـن عليها رياضياتو أو كهنة وادي الـرافديـن. ويعـرض الكتاب قصة خيالية يُـروى فيها حدس الدكتور ريمون عـن أسلوبٍ ممكـن للبـرهـنة عليها مـن  قِبـَلِ الـرافدينيـيـن.
كما أنه يـروي مـن خلال رواية خيالية أُخـرى تصوره للكيفية التي إكتشف بها تجارٌ مـزارعون مـن وادي الـرافديـن نظامَ التـرقيمِ المكاني. وهو النظام نفسه الذي يُستعمـل اليوم  في  كـل أنحاء الأرض لِتـرميـز الأعداد مع شيءٍ مـن تحويـرٍ بسيط  هو أن نظامَنا عَشـري الأساس بينما نظامهم ستيني الأساس إضافة الى أننا نستعمل رمـزاً صـريحاً للصفـر بينما كانوا يتـركون فـراغاً للدلالة على الصفـر فمثلاً لِغـرض التعبيـر عـن 2011 كانوا يكتبون 2  ثم يتـركون فـراغاً يليه 11.
في الوقت الذي يقـر الدكتور ريمون بأن وضْعَ فـراغٍ للددلالة على الصفـر يؤدي الى إلتباسات غيـر أنه يخالف رأي بعض المؤرخيـن عـن جهـل الـرافدينيـيـن لمفهوم الصفـر إذ يَعتقد أنهم كانوا يتعاملون معه حسابياً بِدقة لكـن كانت تتملكهم ــ على ما يبدو ــ عقدة نفسية - فلسفية تعيقهم مـن تـرميـزيهم للصفـر ألا وهي أنه مـن غيـر المعقول والمقبول تمثيـل اللاشيء (وهو الصفـر) بِـرمزٍ صـريح (وهو شيء).
ويحوي الكتاب فصلاً كاملاً عـن اللوحة الطينية المسماة Plimpton 322 المحفوظة في جامعة كولومبيا.  تكشف تلك اللوحة عـن نتيجة رياضياتية مذهلة وهي جدول جـزئي لما يُعـرف اليوم بِثلاثيات فيثاغورس والتي يعـزي الغـربيون إكتشافها الى الـرياضياتي الإغـريقي ديوفونطس الذي كان يعيش في إسكندريةَ مصـر خلال القــرن الثالث الميلادي بينما عمـر اللوحة المذكورة يسبق الحضارة الإغـريقية بألفي عام.       
   في الفصـل الخامس مـن الكتاب يأخذ المؤلفُ القاريءَ معـرِّجاً به خارج وادي الـرافديـن في جولةٍ زمانية حول العالَم بِصحبة الصفـر متوقفاً خلالها بعض الوقت عند كـلٍ مـن الهند ومصـر وبلاد اليونان والبلاد  العـربية الإسلامية  وأوربا القـرون الوسطى وحتى  أمـريكا الوسطى قبـل إكتشافها وشارحاً عند كـلٍ منها بِإختصارشديد بعض التطورات الـرياضياتية التي حدثتْ فيها وخاصةً فيما يتعلق بِالصفـر. فيكتشف القاريءُ أن الإغـريـق أيضاً كانت تتملكهم عقدةٌ نفسية ـ فلسفية جعلتهم يأنفون مـن التعامل بِالأعداد والجبـر فإتجهوا بِكـل قواهم العقلية نحو الهندسة فقط وذلك  بِسبب إفـلاس الفلسفة الفيثاغورية. وربما يمتلك الضحكُ القاريءَ حيـن يجد أوربا القـرون الوسطى متمسكةً بِإستعمال الحـروف الأبجدية اليونانية أو الـرومانية لتـرميـز الأعداد  وممتنعةً عـن تبني الأعداد العـربية بِحجة أنها " أعدادٌ كافـرةٌ " وافدةٌ مـن البلاد العربية الإسلامية.  وتنتهي الـرحلة الطويلة عند الـزمـن الـراهـن منبهاً الى سوء فهم  وسوء إستعمالات للصفـر ويقف الدكتور ريمون واعظاً بِعبارة : "لا تقسم على الصفر" وكأنها وصية إلاهية  ويبـرهن عليها بِبـرهان بسيط يمكـن أن يفهمه ختى تلميذ الإبتدائية.
 أما الفصل الأخيـر في الكتاب فيعـرِّج المؤلف الى موضوع ثانٍ مـن أهم مساهمات الحضارة الـرافدينية ألا وهو الفلك. إذ تـرك سكنة وادي الـرافديـن معلومات متراكمة هائلة  لـرصدهم الفلكي لحـركة النجوم والكواكب من دون استخدام التلسكوبات، شملت جداول وبيانات متواصلة لأكثـر من ألف عام،  كانت أساسا  متينا لبحوث علماء وفلكيي الإغـريق اللاحقيـن. وقد تمكن البابليون من تحديد وحساب وقت وقوع الخسوف والكسوف بدقة.
وقبـل آن أنهي مـراجعتي للكتاب  أود تسجيـل  ملاحظتيـن عليه  على الـرغم مـن أنهما لا يقللان مـن أهميتهولا قيمته العلمية.  فقد  كنتُ أتمنى أن يطـرح الدكتور ريمون في الفصـل الأخيـر مـن كتابه معلوماتٍ أوفـر عـن المساهمات الفلكية للـرافدينيـيـن فقذ جاء فصـل الفلك موجـزاً. كما كنتُ أتمنى أن يكون الملحقُ التاريخي الذي يحوي  الخط الـزمني التاريخي أكثـر إتساعاً مما هو عليه الآن.
أعتقد بِثقةٍ أن على كـل مثقف أن يُلمَ بِتاريخ  مساهمات الأقدميـن الذيـن أنشأوا مهد الحضارة.  وأن هذا الكتاب يثـري كـل راغب في الإستـزادة بِالمعـرفة العلمية والتاريخية ولهذا فإني أوصي كـل المثقفيـن وبصورة خاصة أولئك المنحدريـن أصلاً مـن قدامى الرافدينيـيـن بِقـراءة ودراسة كتاب:
"Mesopotamians: Pioneers of Mathematics".



24
في رحيل الشماس حنا قلابات


الدكتور ثائر البياتي
كاليفورنيا- ساند ياغو
12-5-2011

الكلمة القيت في الحفل التأبيني بأربعينية الفقيد الشماس حنا قلابات، التي نـَظـَّمها مجلس سورايا القومي، سابقا ً المجلس الكلدو أشوري السرياني، في النادي الكلداني، كرستال بول في مدينة الكهون  في يوم الخميس الموافق 5-12-2011.

 أيها الجمع الكريم
مساء الخير
بأسمي وبأسم الجمعية العراقية الأمريكية في ساند ياغو أتقدم ُ منكم ومن أهل الفقيد بأصدق التعازي والمواساة برحيل الشماس حنا قلابات.  ففي رحيله خسرنا نجما ً لامعا ً من نجوم جاليتنا العراقية في أميركا ورافدا ً غنيا ً من روافد الشعب الكلدوأشوري السرياني، الذي جمع في خصاله بين الأدب والمعرفة والحب لأمته ووطنه والإنسانية جمعاء.

أنضم الفقيد  إلى تجمعات عراقية وطنية منذ شبابه، داعيا للسلام والحرية لجميع العراقيين، فدخل السجون في العهود البائدة، ولوحق مرات عديدة أبان أنقلاب 8 شباط الأسود، سببت في مغادرته للعراق إلى دولة الكويت ليعمل في البنك الوطني الكويتي ويكون مترجما في مجلس المة الكويتي.  ومنذ ان  أستقر به المقام في أميركا عام 1979 أستمر في ممارسته للعمل الوطني،  فحرص أولا ً على توحيد كلمة شعبه الكلدوأشوري السرياني ولم شمله، فشارك في منظماتهم الموحدة، ومؤتمراتهم الدورية الجامعة،  وعزز مواقفه الوطنية بالمساهمة في نشاطات  الجالية العراقية، التي كان في مقدمتها الإتحاد الديمقراطي العراقي،  وفي عام 2002 ، كان المرحوم من مؤسسي منظمة التجمع العراقي الذي عـَمـل َ على إزاحة الدكتاتورية في العراق، وساند حركة المجتمع المدني وحقوق الإنسان العراقي  من خلال محاضرات ولقاءات سياسية وثقافية وقومية ووطنية تخدم أهدافه السامية.

 كان قلمه جريئا ً في كتابة بيانات المعارضة العراقية في صفوف الجالية العراقية في أميركا وخاصة في كاليفورنيا،  شارك في كثير من مظاهراتها ومسيراتها التي دعت لسقوط النظام الدكتاتوري وساهم في ندوات إعلامية عديدة، قدمه الأعلام الأمريكي كاشفا ً عن سوء وممارسات الدكتاتورية في العراق، واستمر في مساندته لقضايا السلام والديمقراطية في العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري، ورغم سوء صحته  وكبر عمره الذي كان يزيد على الخامسة والسبعين، وتردي الوضع الأمني في العراق التحق عام 2006  في وزارة العدل العراقية ليعمل في قسم الترجمة لمدة عام ضمن القوات الأمريكية.

كان قلب الفقيد ينبض مع  أحداث العراق ويحلم بالسلام له ، فهو وزميله الصحفي صباح كبوتة على رأس الذين حرروا توصية بترشيح السيد  آية الله علي السيستاني لجائزة نوبل للسلام في عام 2005،  لما كانت له مواقف مشهودة للسلام في العراق، لدرء نار الحرب الأهلية التي كان يـُخـَطط  لاندلاعها ، وقد أذاعت  قناة ال CNN   الأمريكية  مقابلة مع الفقيد بخصوص ذلك الترشيح، وتناقلت الخبر حينها مختلف وكالات الأنباء العربية والعالمية، وبعد أسبوعين من الترشيح، كتب الصحفي الأمريكي المعروف توماس فريدمان ، مقالا ً أعاد فيه اقتراح ترشيح السيد علي السيستاني لجائزة نوبل للسلام لنفس الأسباب الموجبة معتبرا ً نفسه الداعي لذلك.

كان الفقيد وطنيا ً جريئا ً، بعيد النظر في تحليلاته،  محاورا ً ذكيا ً، حـَضرت ُ له محاورة دارت بينه وبين السيد الدكتور أبراهيم الجعفري رئيس وزراء العراق السابق ، في لوس أنجلس عام 2003 ،  بعد محاضرة ألقاها سيادته بجمع  كبير من أبناء الجالية العراقية في مسجد آل البيت، بمناسبة زوال النظام العراقي ودراسة أفاق مستقبل الحكم القادم في العراق.  شاركت مجموعة من الجالية العراقية من ساندياغو في اللقاء، أذكر بعضهم، كالكاتب الصحفي السيد صباح كبوتا والسيد فاروق فيليب جرجيس، وكان الفقيد أحد المشاركين.

 ففي سياق كلمة الجعفري حول علاقة النظام الإسلامي بالأديان الأخرى ذكر سيادته، أن الحكم الإسلامي  مـِثال ٌ يـُقتدي به في رعاية الأقليات الدينية كالنصارى والصابئة وسواهم، فمثلما رعاهم الحكم الإسلامي أيام الدولة الإسلامية الأولى، كذلك سنرعاهم اليوم ، وضرب مثلا ً بالأمام على كرم الله وجهه، كيف رعى أيام حكمه الفقراء والمحتاجين من النصارى والصابئة وسواهم وأعطاهم من بيت المال أسوة بما أعطى للمسلمين.

كان المرحوم أول المتحدثين، فقال للسيد الجعفري: أنك ضـَربت َ مثلا ً بالأمام علي  وعدل حكمه قبل أربعة عشر قرنا ً، فكم ْ من علي ٍ عندكم اليوم؟
فأجاب الجعفري:  ولا واحد.  فأجابه ُ الفقيد،  وكيف َ تريد مناً أن نطبق َ المثل اليوم؟
وَمـِن ثم قال المرحوم: أنا ذمي، فهل ستأخذون الجزية مني؟ فلم يجبه السيد الجعفري.

ثم أردف قائلا ً: كما ذ َكـَرت َ في محاضرتك وقلت َ: نحن سنكون في رعايتكم، وهل تعرف ماذا تعني كلمة الرعاية؟  الرعاية في اللغة العربية، من الرعي ومنها رعاة ورعيان ورعاء، أي نحن سنكون غنما ً وانتم الرعيان.  فلماذا لا تفكر، والحديث للمرحوم،  في دولة مدنية متحضرة، كلنا نكون متساوين،  لا تفرقنا فيها غير كفاءتنا ومقدرتنا؟  يـُنتـَخبُ فيه رئيسنا. لم ْ يجبه السيد الجعفري،  وإنما سأله: مـَن ْ تكون أنت، وما أسمك؟

أجابه الفقيد، أنا أكنى بأبي أريج. فطلب لقاءه والتعرف عليه بعد انتهاء الجلسة، وتبادل الاثنان معلومات شخصية باحترام.
دارت الأيام ليصبح السيد ابراهيم الجعفري بعد عدة أشهر  أول رئيس لمجلس الحكم العراقي المؤقت ومن ثم رئيسا للوزراء بعد أن جرت انتخابات نيابية، فأرسل له الفقيد رسالة تهنئة  وَذكـَّره ُ بالحوار الذي دار بينهما في مسجد آل البيت في لوس أنجلس.   وبعد أن تصدرت الأحزاب الدينية  حكم العراق، توزعوا المواقع والمناصب الحكومية الرئيسية، فبدل من أن تتم رعاية المسيحيين والصابئة  وسواهم من الأقليات، زاد عذابهم، قـُتـِل َ وشـُرد َ وهُجـِر َ كثيرٌ منهم، فـُجـِرت ْ دور عباداتهم، وأنتشر القتل على الهوية والتهجير الطائفي ألقسري من دون أن تتمكن الحكومة من توفير الأمن والحماية لهم وللشعب العراقي عموما، فـَصـَدق َ المرحوم حنا  قلابات في حواره السابق للإحداث المأساوية والمؤسفة، مع السيد ابراهيم الجعفري، مسؤول حزب الدعوة الإسلامية، رئيس الوزراء العراقي فيما بعد.  كما برهنت الأحداث إن إثارة القضايا الدينية والطائفية واستخدامها في السياسية للوصول إلى مواقع السلطة والحكم، دَمـّرت المجتمع العراقي ومزقته ، وبقينا ننتظر اليوم الذي يكون فيه الرجل المناسب في المكان المناسب، من دون محاصصة حزبية أو طائفية أو قومية. فإذا كان الجعفري كما قال َ سيرعى رعيته، فلماذا لم يستبسل وهو الراعي الأمين على حماية رعيته من الذئاب الكاسرة التي أحاطت بالقطيع وبدأت فيه نهشا ً وقتلا ً، فالراعي البسيط الجاهل تدفعه حميته للسهر على قطيعه والذود عنه حتى بنفسه، فماذا فعل الدكتور الطيب يا ترى لحماية الرعية البشرية التي كانت بذمته...؟ طبعا ً لم تدعه متناقضات السلطة والسياسة من فعل شيء لهم.

أعتدنا أن نعطي للفقيد في مجالسنا ونشاطاتنا ألقابا ً كثيرة، فقسم منا كان يسميه الأديب ، والقسم الأخر الشاعر  أو الأستاذ أوالشماس وغيرها من الألقاب كثيرة. فهو كان أديبا ً،  كاتبا ً، صادقا فيما يكتب،  وكان شاعرا ً مـُلمـّا ً في بحور الشعر وأوزانه ، وكان لغويا ً بليغا ً، ضالعا ً في نحو  أكثر من لغة واحد وكان مؤرخا ً باحثا في خفايا التاريخ ِ، وكان فقيها  ً في الأديان، وخاصة الأديان الثلاثة المـُوَحـِدة،   فسألته يوما: أي ُ الألقاب ِ أحـَب ُ إلى نفسك يا أبا أريج؟  فأجاب: أحب ُ أن تـَدعوني شماسا ً.  فقلت ُ لزملائنا سنسميه من اليوم شماسا ً.

        ان معنى كلمة شماس في اللغة السريانية، خادم،  ومعروف في الكنائس المسيحية، بقدسية  هذه الكلمة،  والعبارة المقدسة  " كبير القوم خادمهم" مشهورة بين الناس، تنطبق على فقيدنا حنا قلابات، فكان فعلا كبيرنا، ليس في السن فقط، بل في المعرفة والعطاء والتواضع ، قدم لنا خدمات كثيرة.


      عمل  الفقيد أستاذا ًً  للغات السامية كالآرامية والعربية في كلية كيوماكا لسنين طويلة، فتتلمذ على يده كثير من بناتنا وأبنائنا في الجالية، ومنهم أبنتي الكبيرة، تـَعـَلمتْ منه اللغة العربية،  وَقدم َ محاضرات عديدة في تاريخ وادي الرافدين القديم والأدب المقارن، وكنا ننتظر جلساته  ونترقب محاضراته بتلهف لما تحمله من معرفة وسعة أفق، وكانت أخر محاضرة له قبل مرضه، تحت عنوان، ملحمة كلكامش في الأساطير البابلية القديمة ، عـَرَضَها بشكل تحليلي، مقارنا ً محتوياتها مع مدونات منقولة نصا ً إلى العهد القديم. وكانت له مراسلات مع أستاذه يوم كان طالبا في كلية الآداب، قسم اللغة الإنكليزية سنة 1954 ، أستاذه المعروف بأمير الأدب العراقي، زميل العلامة مصطفى جواد، أستاذ الأدب المقارن في جامعة أكسفورد البريطانية لبروفسور صفاء خلوصي، ففي رسالة له عام 1994 ، نحتفظ بصورة منها، يشكره الدكتور صفاء خلوصي للمعلومات الغزيرة التي أرسلها له عن أثر اللغة الآرامية على اللغة العربية، ووعده باستخدامها في بحوثه القادمة.  فكان الراحل حقا ً رمزا ً وكنزا ً كلدانيا أشوريا سريانيا عراقيا أصيلا ً فقدناه .

قدم الفقيد دراسات مختلفة في الأدب واللغة وتاريخ وادي الرافدين القديم. واصدر خلال فترة من الزمن مجلة "الكلمة" التي كانت منبرا ً حرا ً للأقلام النزيهة ، وكانت في عداد المجلات المتميزة الصادرة باللغة العربية في أميركا في تسعينات القرن الماضي، وكان مساهما فعالا ً في تحرير مجلة الأقلام المهجرية ومجلة حمورابي التي صدرت منها عدة أعداد في المهجر الأمريكي وله مقالات أدبية وسياسية كثيرة،  وقصائد شعرية ألقيت في مناسبات مختلفة .

          نتذكر فقيدنا دائما ً  ، أنه شهم ٌ رحل َ، نجم ٌ هوى، غاب َ كغيابِ الشَمس ِ عنـا، طيفه سيراود أحلامنا ،  روحه سوف لا تفارق يقظتنا، سـَيـَحضر ُ جلساتنا،  سيشارك ُ نـِقاشاتنا، سيكتب ُ بياناتنا ،  سيرفع ُ راياتنا ،  يشعل الشموع أمام قوافلنا،  وينير الدرب أمام مسيراتنا.

فنم يا صديقي، نم قرير العين، نم بسلام، الصبر والسلوان لأهلك وأصحابك
شكرا لكافة الذين ساهموا في أقامة هذا الحفل التأبيني  وأخص منهم مجلس سورايا القومي، وخاصة الصديق فاروق فيليب كوركيس، الذي أوفى بصداقته في أخراجه هذا الحفل بما يليق بمقام  الفقيد ودمتم دوما ً أحباء مخلصين لمن رحل من معارفكم عن هذه الدنيا الفانية، مع محبتي وتقديري.

  

25
نعي من الجمعية العراقية الأمريكية في ساند ياغو- كاليفورنيا
أخواني
بشديد من الأسى والأسف فقدت جاليتنا العراقية في أمريكا أحد أبنائها البررة، الأستاذ حنا قلابات، الأديب والشاعر واللغوي وأستاذ اللغات السامية في كلية كويوماكا- كاليفورنيا عن عمر ناهز الـ 82 عاما ً بعد مرض عضال  ألم به ، وكان ذلك في يوم الخميس الموافق 14 نيسان 2011.
 
كان الفقيد شاعرا ً وأديبا ً نشطا ً، متميزا ً ، متمسكا بقضايا وطنه العراق، لم يترك تجمعا ً وطنيا ً إلا وكان عضوا بارزا فيه، ولا ندوة أدبية أو ثقافية إلا متألقا في سمائها. شارك في كثير من نشاطات الجالية العراقية المساندة لقضايا العراق قبل وبعد سقوط النظام الدكتاتوري، فكان قلمه حادا ورؤيته صائبة في كتابة بيانات المعارضة العراقية في صفوف الجالية العراقية في كاليفورنيا وأميركا،  شارك في جميع المظاهرات والمسيرات التي دعت لسقوط النظام الدكتاتوري وساهم في ندوات ولقاءات عديدة، قدمها التلفزيون الأمريكي كاشفا ً سوء وممارسات الدكتاتورية في العراق، واستمر في مساندته لقضيا السلام والديمقراطية في العراق بعد سقوط النظام، ولم يقصر أو يتهاون من نشاطاته الوطنية لحين مرضه ودخوله المستشفى. قدم دراسات مختلفة في الأدب واللغة وتاريخ وادي الرافدين القديم. واصدر فترة طويلة من الزمن مجلة "الكلمة" التي كانت منبرا ً حرا ً للأقلام النزيهة ، وكانت في عداد المجلات المتميزة الصادرة باللغة العربية في المهجر الأمريكي في تسعينات القرن الماضي، وكان مساهما فعالا وكاتبا ً لامعا ً في تحرير مجلة الأقلام المهجرية ومجلة حمورابي التي صدرت منها عدة أعداد في المهجر الأمريكي .  نقدم التعازي لأنفسنا ولأهله وذويه الصبر والسلوان.
 
ثائر البياتي
منسق الجمعية العراقية الأمريكية في ساندياغو   



26
من هم الذين يسيرون نحو الهاوية وهم نيام؟
سؤال للذين شككوا في أهداف ونوايا مظاهرة الغضب العراقي

الدكتور ثائر البياتي
كاليفورنيا 2-27-2011

 

نشر الدكتور عبد الخالق حسين مقالا تحت عنوان: ( يسيرون نحو الهاوية وهم نيام) ظهر في الموقع الإليكتروني للحوار المتمدن في عدده 328     ليوم   2-24-2011، الرابط: www.ahewar.org/m.asp?i=26

وكذلك نـُشرَ في مواقع عراقية أخرى،  في البدء أثمن كتابات الدكتور عبد الخالق حسين القيمة وأحيي فيه روح الحرص على مستقبل الديمقراطية في العراق. أضع بين يديكم مقالتي هذه، نقدا ً للموضوع الذي نشره الكاتب، والذي جعلت من عنوانه صيغة سؤال ، أصبح عنوانا لمقالتي، وهدفي من هذا هو ليس الخلاف والتناحر بل البناء  والتلاقي في سبيل عزة عراقنا العزيز.

 

أولا لم أفهم بوضوح من المقصود في النيام الذين يسيرون نحو الهاوية؟

 فهل هم الشباب العراقي المنتفض، أولاد الفقراء والمساكين والجياع والمعدومين والأيتام والأرامل؟ أم هم العاطلون عن العمل؟ وهل هم الوطنيون الذين خسروا مقاعدهم البرلمانية بسبب قانون الانتخابات الجائر؟ أم هم الشرفاء الذين يطالبون القضاء على الفساد والرشاوى وتردي الخدمات وعدم توفر الماء الصالح للشرب والكهرباء والخدمات العامة؟ أم أنهم الحريصون في طلب الإصلاحات السياسية كتعديل بنود الدستور المتناقض وإقرار قانون الأحزاب الغائب وغيرها من الأمور الأساسية؟

 

 أثبتت مظاهرة يوم الغضب العراقي، رغم بعض الشوائب التي ختمتها، أنها كانت حريصة على الديمقراطية الوليدة في العراق، وعندما طالب المتظاهرون  بحقوقهم بشكل حضاري وهم يقدمون الورود والزهور لأفراد الجيش والشرطة كانت غايتهم أصلاح العملية السياسية، تمكنوا بعزم الرجال من إسقاط التهم التي وجهت إلى مسيرتهم النبيلة في أهدافها، وبينوا إنهم كالسيل الجارف، أكبر من أن تخطفها عناصر عبثية أو قاعدية خبيثة، أو حتى عناصر حكومية مهزوزة تتأمل تشتيتها وتفريقها، ولم يكن غريبا أن ترك كثير من نواب البرلمان العراقي المنطقة الخضراء، متوجهين إلى مواطنهم الخارجية، خوفا من غضب الجماهير، وعلى رأسهم السيد رئيس الجمهورية، الذي خيب أملنا، عندما قضى يوم الغضب العراقي، مشاركا ً في احتفالات دولة الكويت بأعيادها، فيما يقطع غيره من الرؤساء زياراته الخارجية في أزمات بلاده ليشارك في حلها  وأثبت المتظاهرون أنهم ليسوا نياما ً، بل يسيرون في مسيرة التحرير نحو العلا.

 

إن تظاهرة ساحة التحرير، كانت امتدادا ً لتظاهرة شارع المتنبي، حين توجه المتظاهرون  من شارع المتنبي، وساروا في امتداد شارع الرشيد، قاصدين ساحة التحرير،  يتقدمهم خيرة الأدباء والفنانين والمثقفين العراقيين، معبرين عن غضبهم لخنق الحريات وانعدام الخدمات وبؤس الأداء الحكومي في كل شيء،  والتظاهرة امتداد لغضب أبطال الديوانية وأحرار مدينة كربلاء المقدسة ومحرومي واسط والبصرة والسليمانية، حين ساهمت فيها الجماهير الثائرة من كل قطاعات الشعب، والمظاهرة قامت في ساحة الحرية، بمقربة من المنطقة الخضراء، ولعل أعضاء الحكومة الباقين فيها كانوا يسمعون صيحات المتظاهرين المتعالية عن قرب، ولكن لا حياة لمن تنادي.

 

لم تختلف مخاوف واتهامات الدكتور عبد الخالق حسين لتظاهرة يوم الغضب العراقي عن مقاصد السيد رئيس الوزراء نوري المالكي في خطابه الموجه للشعب العراقي، قبل مظاهرة الغضب العراقي بليلة واحدة، حين طلب بعدم المشاركة فيها وحذر من لعبة عناصر البعث والقاعدة، وخوفا على أرواح الناس حذرهم من احتمال استخدام الأحزمة الناسفة والمفخخات، في إشارة للإرهابيين،  في التعرض للمتظاهرين .

 

والغريب في الأمر لماذا لم يحذر السيد رئيس الوزراء الشعب العراقي من باب الحرص على سلامتهم من المفخخات والأحزمة الناسفة، في الزيارات المليونية للأماكن المقدسة،  لا بل كان هو وغيره من السياسيين يشجعون على تلك الزيارات، ويستخدمونها سياسيا ً، يـُسـَخـِرون  وسائط نقل الدولة في خدمتها، ولم يقطعوا الشوارع والجسور أو يرمموها خلالها، بل فتحوا الطرق والمنافذ والجسور أمامها ، حينها فـتحوا جسر الأئمة، المغلق والعاطل عن العمل منذ مدة، لغرض تقصير الطريق على الزائرين من الجهة الثانية لنهر دجلة،  وتم ذلك في وزارة السيد إبراهيم الجعفري، وقد حدثت تلك المجزرة المروعة، ولم نعرف مسببيها.

 

أعتبر الكاتب إن العراقيين معرضون للمخادعة ولم يتعلموا من كوارثهم الماضية، وناظر بين ما سيحدث من مخادعة في يوم تظاهرة ساحة التحرير، وخدعة عمر بن العاص في صفين قبل أربعة عشر قرنا،  عندما أمر جيشه برفع مصاحف القرآن، وخسر الأمام علي  ) رض( المعركة على أثر تلك المخادعة، المناظرة غير موفقة - مع شديد الأسف-  تدغدغ شعور بعض الناس، ولا تؤدي إلى الإتحاد والتلاحم المرجو في العراق الضعيف المشتت. 

 

أن رغباتنا الداخلية - مع الأسف-  تكمن دائما في أحياء ماضينا الحزين، وتمجيد خلافات وخيانات قدمائنا، ونعتبرها ملهما ً ومرشدا ً لسلوكنا وعلاقاتنا،  ونعظم من يثير عواطفنا ويزيد ويعمق من خلافاتنا، ولم نتساءل يوما ً كيف يتعايش المتخالفون في بلد واحد؟  فلننظر إلى علاقة اليهود والمسيحيين اليوم مثلا، وكيف  أصبحوا أصدقاء، رغم إن اليهود هم قتلة السيد المسيح؟ ولنتأمل في العلاقات الألمانية الانكليزية، كيف عادت طبيعية بعد الحرب العالمية الثانية رغم العداء الكبير بينهما والدمار الشامل الذي أصابهما؟ ولنستفد من العلاقات الأمريكية اليابانية، التي أصبحت حميمة بعد الحرب العالمية الثانية، رغم إن الأولى  دمرت الثانية في أبشع تدمير شهده التاريخ، ولنا في الهند قدوة حسنة، تـَعايش َ فيها مـَن ْ يذبح البقرة  ويأكل لحمها مع مـَن ْ يعبدها ويصلي لها.

 

ويختتم الكاتب كلامه بأن أهداف المظاهرة المعلنة بمحاربة الفساد هي خداع والغاية حرق العراق والتمهيد لعودة الدكتاتورية والفاشية.  إن هذه الخاتمة موافقة لمقدمة الموضوع الذي بالغ فيه بدور البعث والقاعدة في تحريك الشارع العراقي، ولكن سير المظاهرة وشعاراتها ومطالبها أثبت خطأ تلك التصورات والفرضيات ، وان الاستمرار  في منع حركة الشباب الثائر والتشكيك بنياتها السامية وتشتيت قواها وهمتها العالية هو الحرق الحقيقي للحرية والعودة الأكيدة للدكتاتورية في العراق ، ولكن بقناع أخر، ربما سيكون أسوأ من الماضي.

   

وأخيرا لم تتمكن عناصر البعث والقاعدة من وضع المفخخات والأحزمة الناسفة  في مسيرة المتظاهرين، بل حامت الطائرات المروحية الحكومية في مستويات منخفضة جدا ً من المتظاهرين، لغرض تخويفهم وتفريقهم ومورست مضايقات كثيرة عليهم من قبل عناصر الأمن والمخابرات، في طريق وصولهم الشاق لساحة التحرير مشيا على الأقدام من أماكن بعيدة، كما وان عناصر الأمن اعتقلت بعض الإعلاميين والصحفيين،  وصادرت كاميراتهم ومعداتهم ولم يعرف شيئا عن مصيرهم. أن استمرار الاحتجاجات والتظاهرات السلمية في العراق هو الطريق الوحيد لنيل الحرية والحياة الكريمة وتحقيق الطلبات الشرعية.  وللعراق وثورة الشباب النجاح والسؤدد.

 

27
تعقيبا ً على الرسالة الموجهة للسيد رئيس وزراء العراق

                                                                                                                   بقلم زكر أيرم*

نشر الدكتور ثائر البياتي في  31 كانون الثاني 2011، على شبكة الأنتيرنيت، مقالا  بعنوان: المرجو من السيد رئيس الوزراء، إصدار قرارا ً بتجميد بيع وشراء عقارات المسيحيين، معقبا ً بموجبه على حديث ، أدلى به السيد ماهر أحمد القيسي، تناول الأخير أخباراً عن المضايقات والحملات الجائرة التي تشن على المسيحيين، من قتل وخطف وحرق كنائسهم ، تقوم بها مافيات مختلفة بغية إجبارهم للرحيل عن وطنهم العراق، وترك مقتنياتهم وممتلكاتهم نهبا ً لقطاع الطرق والصوص، أو بيعها لهؤلاء السراق  بأبخس الأثمان.

 

 من جانبنا نحن العراقيين المقيمين خارج الوطن، على اختلاف أدياننا ومذاهبنا الفكرية والسياسية نقف مع هذا المطلب  الإنساني والأخلاقي العادل، وندعو السلطات القائمة بوجوب ملاحقة كل من يعمل على تهجير هذه الشريحة الكريمة، وإنزال العقاب الرادع بحق من يسعى إلى تهجيرها عنوة وتسليب أملاكها  في وضح النهار ، أمام أعين دولة القانون، ولا زال يعلم القاصي والداني بأن هده النخبة تمتد بجذورها التاريخية إلى عمق التراب العراقي،  منذ ما يزيد عن سبعة الآلاف سنة، قبل نشوء الأديان، وللمسيحيين الأيادي البيضاء في بناء عراقنا الحديث، حيث أنهم قد رفدوا المعاهد ودور العلم بالأساتذة والعلماء ، وهم الذين ساهموا بالدفاع عن حياض الوطن ووحدة أرضه، وتبؤوا وباستحقاق المراكز المرموقة في صفوف القوات المسلحة الوطنية، ناهيك عما بذلوا من عطاء في حقول القانون والأدب والصحافة ، فمنهم المحامي والقاضي والمشرع ومنهم الشاعر اللامع والمؤرخ القدير والكاتب النحرير، بما يعجز القلم عن تعديد أصنافهم وتحديد إبداعهم لما قدموا لهذا الوطن الغالي من عطاء وهم الذين مع مرجعيتهم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى عملوا ضد فصل واقتطاع جزء من وطنهم العزيز ــ ولاية الموصل ــ والحيلولة دون ضمه إلى جمهورية أتاتورك التركية بفضل إرادة وعزيمة العراقيين الغيارى وفي مقدمتهم مار يوسف عمانويئل الثاني، الطيب الذكر، الذي تعاون مع الملك المؤسس فيصل بن الحسين في إرساء دولة العراق الحديث، في مفاوضاته لدى عصبة الأمم للاعتراف به ، كأول دولة عربية في الوطن العربي وعلى خارطة دول العالم.

 

وليعلم دولة رئيس الوزراء بان من سعى إلى وحدة تراب الوطن وأرسى دعائمه يجب أن يجازى خير الجزاء بدلا ً من أن يـُهجر ويـُشَـرد في أقاصي الأرض بعد أن تـُسلب مقتنياته وتباع أملاكه بصورة مجحفة وبطريقة غير عادلة. لذا ينبغي على أولي الأمر إيقاف الحملات الخطابية المنطلقة من بعض منابر المساجد والحسينيات التي تـَحض ُ على ترويج الأعمال المشينة والإرهاب والعنف ضد المسيحيين والأديان الأخرى ، إن  ردع الخارجين عن القانون من الواجبات الأساسية التي يجب أن يضطلع بها رئيس الوزراء وهو المسؤول المباشر عن حفظ السلم والاستقرار وصيانة أرواح المواطنين الآمنين كافة ولا يعفى سداء ً من كان في قمة الهرم  أو في الدرجات السفلى منه، فالرئيس وفق المنطق القانوني يكون مسئولا عن الأعمال التي يرتكبها مرؤوسيه ، من أصغر شرطي حتى أعلى مرتبة أمنية.  هذا مبدأ ثابت لا جدال فيه، سارت عليها النظم السياسية التي تحترم نفسها وتحترم مشاعر مواطنيها. وقد أثبتت التجارب بان النظم الفاسدة هذه الأيام أخذت تتهاوى  الواحدة تلو الأخرى، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والفهيم يكفيه الإشارة.

 

محامي عراقي*

وكاتب في الصحافة المهجرية 

 

28
تأمل في يوم "الغضب العراقي"
يوم  الجمعة  25 شباط 2011

ثائر البياتي
15شباط 2011  
كاليفورنيا
سيزحف شباب العراق إلى ساحة التحرير يوم الجمعة 25 شباط 2011،  وسيكون يوم الغضب العراقي يوما ً عظيما ً في تاريخ العراق، سيطلب الشباب فيه من الحكومة والبرلمان العراقي الاستجابة لمطالبهم المشروعة.
وهي:_
·       إعادة الحصة التموينية كاملة وريثما توفير فرص العمل والقضاء على البطالة
·       توفير الخدمات العامة كالماء والكهرباء وغيرها من مستلزمات المواطنين المحرومين منها
·       أطلاق حرية الرأي والتعبير والصحافة
·       محاربة الفساد والرشاوى والسرقة
·       توفير الأمن والأمان
·       إسقاط نهج المحاصصة الطائفية والأثينية
·       تعديل قانون الانتخابات الجائر
·       تعديل الدستور، وجعله حضاريا ً علمانيا ً لا يتطرق للدين أو للقومية، ويخلو من المتناقضات
·       جعل القضاء العراقي قضاءا ًعادلا ً ومستقلا ً،  عملا ً بمبدأ الفصل بين السلطات  

حيث أن حكومة الأحزاب الطائفية والقومية  لم تتمكن من تحقيق أي من هذه المطالب المشروعة والعادلة في ألثمان سنوات الماضية، فقلصت الحصة التموينية ووقفتها ولم تحاسب السراق  لطعام الفقراء والمساكين والعاطلين عن العمل، ولم تتمكن من توفير حتى الماء الصالح للشرب والكهرباء أو الخدمات الأساسية، وبقت منشغلة بالاستحواذ على المناصب والمنافع الذاتية ، وزادت في محاربة حرية الرأي والصحافة، تدخلت في انتخاباتها المهنية، فرضت عناصرها على نقابة الصحفيين، ولاحقت الإعلاميين الذين لم يرضوا أن يكونوا أبواقا ً لها ، وداهمت جمعية الأدباء واعتدت على حريات أعضائها، وتعاملت مع الفنانين والمسرحين بشكل غير لائق، وغلقت معهد الفنون الجميلة ومن ثم أعاد ت فتحه تحت ضغوطات الآخرين.

 أما الفساد الإداري والرشاوى والسرقات فأصبح العراق في أدنى المستويات، ففي بيانات النزاهة الدولية جاء العراق في قاع الدول،  وسجلت رواتب أعضاء المجلس الوطني والمسئولين الحكوميين الأعلى بين دول العالم. ولم تتمكن الحكومة من توفير الأمن والأمان لمواطنيها رغم مرور سنين طويلة على حكمها، ولم تتمكن من الكشف عن كثير من التحقيقات بخصوص أعمال الإرهاب التي طالب أبناء شعبنا العراقي بها، ولم تحم الأقليات العراقية الصغيرة كالصابئة والمسيحيين  الذين يوشكون على الانقراض من بلدهم العراق وهم اللذين كانوا السكان الأصلاء منذ فجر التاريخ،  ولم  تتمكن الحكومة من الخروج من مأزق المحاصصة الطائفية والقومية التي أوغلت فيها،  وقسمت العراق إلى طوائف وقبائل متناحرة وشتت الكفاءات العلمية لقتلها ذوي الاختصاص أو تهجيرهم.

 ومن خلال فرضها قانون الانتخابات الجائر لعام 2010 حالت دون وصول الوطنيين من الأحزاب الصغيرة لعضوية البرلمان العراقي، واحتكرته لكتلها الحزبية التابعة لها، ولم تكن جادة في أقرار قانون الأحزاب، لاستخدامها المال العام ودور العبادة ومؤسسات الدولة في الترويج لأحزابها في فترة الانتخابات النيابية  والتصرف بالأموال بشكل غير قانوني.

وأما الدستور فلم يكن عقدا اجتماعيا للمواطنين، بل جاء توافقيا بين الأحزاب  المهيمنة بحسب ما يخدم مصالحها، وكرست بذلك تقسيم المجتمع العراقي وفق أسس طائفية وقومية لا تمت بصلة إلى الوطنية أو الديمقراطية، وتناقضت مواده الواحدة مع الأخرى،  كحشر الدين مع الديمقراطية مثلا. وبقت المرأة المتمثلة بـ 25% من عدد أعضاء  المجلس التشريعي، لا تمثل أكثر من  2% من مسئولي مؤسسات الدولة التنفيذية أو القضائية، ولم يكن القضاء العراقي مستقلا عندما أصبح تحت تصرف الأحزاب المهيمنة، حاله حال الجيش والشرطة العراقية اللذين  دخلت فيهما مليشيات الأحزاب الحاكمة بشكل سافر، وأبعدت هذه المؤسسات عن الاستقلالية وروح الوطنية.

فتظاهرات الشباب المستمرة وثورتهم المشروعة في محافظات العراق ومدنه من شماله الى جنوبه، سوف لن تخمد بل ستتواصل لاسترجاع الكرامة والحق، والمرجو من أعضاء البرلمان النزيهين وقوات الجيش والشرطة العراقية الغيورين أن يساندوا الشباب ويدعموا طلباتهم، وإلا يتهاونوا مع  أحزاب المحاصصة والسرقة.

لكل هذه الأسباب يبقى اعتصام الشباب حقا وواجبا والطلب برحيل أعضاء البرلمان والحكومة أمرا ًمشروعا إذا لم تتحقق مطالبهم، لأن الحكومة وأعضاء البرلمان يتوجب عليهما العمل لمصلحة الشعب.

ان اعتصام الشباب بإصرارهم سيحقق مطالبهم المشروعة حتما، لأن العالم الحر سيقف معهم في طلباتهم المشروعة، مثلما وقفوا مع ثورتي الشعب التونسي والشعب المصري.  ودعما ً لثورة الشعب العراقي ندعو كافة القوى الخيرة والشخصيات الوطنية في داخل وخارج العراق مساندة هذه التظاهرة المزمع قيامها في ساحة التحرير، ونحث إخواننا المقيمين في ساند ياغو – كاليفورنيا بمشاركتنا في التظاهرة التي دعى لها التيار الديمقراطي في كاليفورنيا ، والتي ستقام في يوم  السبت، الموافق 26شباط 2011  وفي الساعة 12- 2 ظهرا ً  في مدينة الكهون- ساندياغو تضامنا مع أخواننا وأهلنا في داخل العراق.وعشتم وعاش العراق.

 

29
المرجو من السيد رئيس الوزراء العراقي إصدار قرار تجميد بيع وشراء عقارات المسيحيين
ونناشد المرجعية الدينية بتحريم شراء دور وعقارات المسيحيين  بأسعار بخسة

ثائر البياتي

1-31-2011

قرات تقريرا كتبه السيد ماهر أحمد القيسي من بغداد، نشر  حديثا على بعض صفحات الأنترنيت ، تناول أخبار مضايقات المسيحيين العراقيين من قبل مافيات مختلفة لكي يرحلوا من بلدهم العراق، وأعتبر التقرير إن  المستفيد من هجرة المسيحيين ، طبقات غنية ظهرت في العراق الجديد نتيجة سرقة المال العام والفساد في دوائر الدولة المختلفة، وطلب الكاتب من الحكومة العراقية إصدار قرار بعدم شراء ممتلكات المسيحيين بأسعار بخسة وبنأ  على ذلك نعيد تأكيد مقترح كاتب المقال بخصوص:  الطلب من السيد رئيس الوزراء العراقي  إصدار قرار تجميد بيع وشراء عقارات المسيحيين في هذا الوقت العصيب ، ونحن نناشد المرجعية الدينية تحريم شراء دور وعقارات المسيحيين مستغلين وضعهم الضعيف.

ما يؤسف له إن كثيرا ً من العراقيين في مواقع المسؤولية لا يعرفون تاريخ بلدهم، فالمسيحيون العراقيون، هم أبناء العراق الأصلاء، بقايا الأقوام العراقية الأصيلة،  الذين بنوا حضارات العراق القديمة من اشورية وأكدية وبابلية، وكان للمسيحيين الحظ الأوفر في بناء الحضارة العباسة الإسلامية ، ودورهم بارز في ترجمة كنوز العلم والمعرفة من كتب فلاسفة الإغريق  من اللغة السريانية إلى العربية، ويذكر دورهم المتميز في بناء الدولة العراقية في عهديها الملكي والجمهوري.

 

 واليوم تقع هذه الأقلية العراقية المسالمة ، ضحية صراعات سياسية واقتصادية، يخطف رجال دينها ويلاحق أبناء أمتها ويقتلون وتفجر أماكن عباداتهم وتحرق بيوتهم  الآمنة  ويرغمون على مغادرة وطنهم العزيز، وفي كل مرة تلقي السلطات اللوم على عناصر الإرهاب والقاعدة، وكأن رجال الدين والدولة العراقية غير معنيين بأمر المسيحيين.

 

نعلم إن الإرهاب يعم ويشمل كل مكونات العراق، ولكنه اليوم  يستهدف وبشكل خاص منظم أخواننا المسيحيين أكثر من غيرهم لاعتبارات سياسية مختلفة، فما لحق بهم من مصائب كان ولا يزال أكثر من غيرهم، حيث بدأت ملاحقتهم في البصرة وبغداد والموصل وكركوك ومعظم أنحاء العراق، واستهدفت كنائسهم بنسب أكبر بكثير من المساجد قياسا لعدد كل منها.

 

في عهد العراق الجديد،  نسمع أخبارا ً وقصصا ً مؤسفة حول المسيحيين.

أحد أئمة المساجد في العشار، في خطبة الجمعة قال للمصلين:  لا تشتروا دور المسيحيين وممتلكاتهم... فهم سيهربون تاركين وراؤهم كل شيء، ستشترونها فيما بعد بأثمان بخسة. فهل يعقل هذا الكلام من رجل دين يخاطب الناس البسطاء الذين يسمعون توجيهاته ويعملون بموجبها من على منبره في مؤسسة دينية؟ إن كلام أمام مسجد العشار في خطبته التوجيهية، غير المسؤولة،  يبرر أعمال العنف والإرهاب والتحريض ضد المسيحيين والأديان الأخرى وهكذا فليس غريبا إن تزداد أعمال العنف ضد المسيحيين في مدينة البصرة التي تقع العشار في قلبها، وكان طبيعيا أن يفرض الحجاب الإسلامي على المسيحيين وتزداد هجرتهم بشكل واضح.  

 

يوم كان السيد محمود المشهداني رئيسا لمجلس النواب العراقي في دورته السابقة تحدث بصورة عشوائية أمام أعضاء المجلس، عندما تطرق إلى موضوع اختطاف السيدة تيسير المشهداني عضو البرلمان العراقي، قال موجها كلامه للإرهابيين:  لماذا تختطفون هذه الآنسة المسلمة؟  لم لا تخطفون ماركريت أو جوان، بدلا عن تيسير؟  في أشارة وتأييد واضحين لاختطاف الكرديات والمسيحيات.  هل يعقل أن يصدر هذا الكلام من رئيس أعلى مؤسسة تشريعية في الدولة؟ أن هذا الأمر لا يقل خطورة عن فعل الإرهاب  والتحريض ضد إخواننا المسيحيين.  

 

نتذكر الضجة الإعلامية التي فجرها مكتب السيد رئيس الوزراء نوري المالكي في العام الماضي عندما صنف مسيحي العراق تصنيفا شاذا، بقوله " الجالية المسيحية في العراق" وتم بعدها اعتذار المكتب عن ذلك الخطأ الفادح.  فهل يعقل أن يصدر هذا الكلام من مكتب السيد رئيس الوزراء، في أعلى سلطة تنفيذية في الدولة؟ أنه أمر مشين ومعيب من لدن " دولة قانون"

 

بعد كل هذا وذاك لا نستغرب  من تسرب أنباء عن تماهل قوات الشرطة والأمن المسئولة عن حماية كنيسة  سيدة النجاة في قلب العاصمة العراقية، لتقع الفاجعة الكبرى في تلك الكنيسة،  ويكون ضحيتها مئات الأبرياء من الناس المسالمين وهم يؤدون صلاتهم، وكانت الحكومة صائبة حين دعت قيادة قاطع الشرطة المسؤول عن حماية الكنيسة للتحقيق معه  فور وقوع الحادث.

 

ينبغي في "دولة قانون" معاقبة من يحرض على قتل وإرهاب الآخرين وإن كان أئمة مساجد، ومسؤولي دوائر الدولة والبرلمان العراقي.  وفي دولة القانون، علينا أن نثقف منتسبي دوائرنا إن أهل البلد الأصلاء لا يعتبرون  "جالية".

 

          ليس لنا شك في مواقف السيد رئيس الوزراء نوري المالكي النبيلة من المسيحيين في رعايته وحمايته لهم، فهو أرفع من خطيب مسجد العشار وأسمى من ذلك المشهداني الذي ترأس مجلس النواب العراقي في غفلة من الزمن فيما لم يحصل في الانتخابات الأخيرة على ما يؤهله لعضوية البرلمان العراقي، واقدر من منتسبي رئاسة الوزارة،   فمثلما تشمل رعايته كل أبناء العراق، ستكون رعايته خاصة للمسيحيين في محنتهم ومحنة العراق.

 

          فنحن بحاجة إلى تنسيق بين سيادة رئيس الوزراء والمرجعية الدينية " مكتب السيد علي السيستاني"  لغرض إصدار القرار والأمر بمنع وتحريم شراء بيوت وعقارات المسيحيين بأسعار بخسة أو منع وتحريم تهديد المسيحيين لغرض إرغامهم  في بيع عقاراتهم ودورهم.  

 

          كما ونحن بحاجة إلى إصدار قرار سريع من مكتب السيد رئيس الوزراء يوقف فيه بيع وشراء عقارات المسيحيين في هذه الفترة العصيبة من تاريخ العراق. إن وضع المسيحيين المسالمين، ضعيف يشجع عصابات إرهابية على قتلهم وملاحقتهم وتهديدهم طمعا في أموالهم وأملاكهم، لغرض ترك بيوتهم ومصالحهم ليتسنى شراءها بأسعار بخسة،  أو أن يتم السطو على أموالهم التي يقبضونها بعد بيع عقاراتهم.  فتوجيه المرجعية مهم وضروري لمخاطبة الناس البسطاء لمنعهم من أرتكاب الأعمال السيئة بحق المسيحيين،  وقرار تجميد بيع وشراء عقارات المسيحيين مطلوب في الوقت الراهن، فالعمل سوية مع توجيهات المرجعية، يبعد النية السيئة ضد المسيحيين، ويقلل الشر عنهم  ولا يشجعهم على ترك بيوتهم ووطنهم العراق بسهولة ودمتم للعراق وشكرا.

 

30
أرفعوا عبارة ألله أكبر من العلم العراقي

الدكتور ثائر البياتي
thairalbayati@yahoo.com
21-11-2010 كاليفورنيا


قرأت رسالة الدكتور قاسم الأنباري المنشورة في صفحات الانترنيت تحت عنوان: إكراما لدماء شهداء كنيسة سيدة النجاة وكل شهداء أبناء شعبنـــا، أرفعوا عبارة ألله أكبر من العلم العراقي.

 ويمكن قراءة الرسالة كاملة بزيارة  الموقع الاليكتروني  :  www.iraq11.com

 

جاء فيها أنه عازم في قيادة حملة في الانترنيت لرفع عبارة " الله أكبر" من العلم العراقي باعتبارها رمزاً للقهر والموت وليس رمزا ً للحب والوطنية. أتـَفق ُ  مع الكاتب في حملته وأضم صوتي لصوته ليرتفع صوتنا عاليا بين أصوات النيامى من أبناء بلادنا، فأصواتنا خافتة، لا تصل إلى أقرب الناس إلينا، رغم أن صيحات   " الله أكبر "  عالية،  ترن في آذاننا  ونسمعها  عندما يـُذبـَح الأبرياء ويـُنحر المساكين كل يوم.  

 

كما ذكر الكاتب بأن الدعوة ليست موجهة ضد جلالة الله، وليست استهانة بعقيدة المؤمنين الصالحين، وإنما الدعوة ضد الاستخدام السيئ لعبارة الله أكبر عبر التاريخ.  فمنذ الغزوات  والفتوحات الإسلامية الأولى،  استخدمت العبارة في صدارة  كل  معركة وهجوم، لرفع هـمم وشد عزائم المقاتلين لاستمرار هجومهم والقتال بقوة وضراوة لحين تحقيق النصر على الآمنين من الناس وسبي نسائهم ونهب  أموالهم وإذلال كرمائهم.  واستمرت استخدامات العبارة عبر العصور الإسلامية من قبل السياسيين وتجار الحروب في تحقيق مآربهم ومقاصدهم وأخرهم وليس أخيرهم منظمات القاعدة ومن يستخدمها وكذلك ما فعله الطاغية صدام حسين.  ونحن إذ نستنكر كل الاستخدامات الباطلة التي تتنافى مع صفات  الذات الإلهية الخالية من أفعال الشر،  نطالب برفعها من العـَلـَم العراقي لما لها من إساءات للدين والوطن والإنسانية.

 

كثير من المسلمين، أفواههم مكممة، عيونهم مغمضة، أذانهم صماء، ساكتين عن الحق،  فالبعض منهم لا تهمه المجازر التي تـُـنـَفذ ْ تحت راية الله أكبر،  لا يسمع أنين اليتامى والأرامل، ولا يرى سيل الدماء الجارية في كنيسة ومسجد، ومعبد  أو ناد ، ولا يـَرفع صوته ضد منفذي مجازر الإرهاب  في (سبيل الله)، ليس خوفا ً من الله بل خوفا من عباده الضالين والمتخلفين.

 

تاريخنا الإسلامي حافل برايات "الله أكبر" ، والعبارة تذكرنا بآيات قتالية كثيرا ً ما تـُحـَرض ُ المسلمين َ على القتال في سبيل الله في مناسبات مختلفة.  تحت هذه الرايات قـُتــِل َ كثير ٌ من الناس، منهم أقرب الناس الى  بيت آل الرسول وأصحابه، قـُطـعت ْ رؤوسهم وَمـُزقت ْ أجسادهم  وَد ُفـنوا أحياء بلا خوف أو حياء، وما واقعة كربلاء وقتل الحسين وصحبه والتمثيل بهم إلا مثالا على ذلك،  وتحت نفس الرايات قـُتـِل كثيرٌ من أمراء المؤمنين وولاتهم لمصالح شخصية،  وقــَتل الأخ أخاه ليـَحـل َ بكرسي الخلافة وأستمر  حـُكم  الطغاة والفاسقون من الخلفاء، وتوسعت إمبراطورياتهم شرقا وغربا وعبروا البحار ليهاجموا الآمنين من الناس وليحتلوا أراضيهم  ويغتصبوا كل شيء بأسم الله وفي سبيله.

 

من المعروف إن الرموز والرايات تنقش على أعلام الدول للتعبير عن آمالها وأمانيها وأهدافها الوطنية والإنسانية شريطة أن لا تمس بكرامة الآخرين، غير أن تدوين عبارة     " الله أكبر" أو نقـش السيف وما شابه من رموز في الأعلام الوطنية،  يثير الضغينة في نفوس الأخريين فيتطلب منا تجنبها.  وهل من المناسب أن تـُطـَرز دولة عربية مسلمة كبرى عـَلـَمها بسيف أ ُعد َ أساسا ً لقطع الرقاب؟  أو أن تبادر دولة مغتصبة لأرض عربية بعلم نـُقش عليه خطان أزرقان يمثلان نهري النيل والفرات، يجسد مطامح توسعية لتلك الدولة المغتصبة كدولة إسرائيل.  

 

ولم ْ يكن ْ الطاغية صدام حسين من عباد الله الصالحين ولا محبا ً لله عندما نقش عبارة   " الله أكبر "    في متن عـَلمنا العراقي، بل كان منافقا ً ومستهترا ً عندما جعل هذه العبارة رمزا ً للوطن، لنحيي وننشد لها الأناشيد. فتحت راية هذا العلم  تقدمت جيوشه لتلقن (الفرس المجوس) بحسب تعبيره دروسا لا يـَنسوها، ولكننا مع الأسف خرجنا من المعركة مندحرين بخسائر كبيرة لا تـُعـَوض،  فقدنا شهداء ً، وأرامل ويتامى ، وتركنا الآلاف المعوقين وتشرد الملايين من الناس، وتعمق الحقد بين الشعبين الجارين المسلمين .

 

تحت  راية عـَلم ْ " الله أكبر" اجتاحت الجيوش  الغازية الحدود الدولية لتحتل دولة الكويت المسلمة، ولم يبق فيها بيت إلا سـُلبَ ونـُهب، ولا فرد ٌ إلا  أ ُذل َ       وأ ُهين، وبسبب ذلك الاعتداء الأثيم، شنت ضد بلادنا حرب دولية ، ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الشهداء، وخسرنا المزيد من اليتامى والأرامل، وما إن ثار شعبنا في شماله وجنوبه ضد ممارسات الطاغية  ومغامراته الهوجاء ، تقدمت جيوشه المنهزمة أمام الجيوش الدولية لتنتقم من شعبنا المنتفض، وكانت حصيلتها المقابر الجماعية وتشريد الآلاف من الناس وزرع بذور الحقد بين أبناء الوطن الواحد.

 

إن  نقش عبارة "الله أكبر" على علمنا إساءة إلى الوطن والدين والإنسانية.  فممارسات الجلاد تحت راية هذا العـَلم كانت منافية للدين والقانون والأخلاق، مهينة للعراق ولدول الجوار وللمجتمع الدولي،  والعبارة تذكرنا بمأساة وجراحات عميقة يلزم علينا تجاوزها  لذا أرفع صوتي عاليا مع أصوات كل الشرفاء من أبناء وطني العزيز، وأناشد المسؤولين العراقيين حفظا ً للدين وقيم الوطن،  برفع عبارة  "الله أكبر" من عـَلمنا العراقي لنطوي صفحة  مؤلمة من الماضي  ونبدأ بصفحة جديدة تسودها المحبة والتآخي ولعراقنا العز والكرامة.

      

 

31
مجزرة كاتدرائية سيدة النجاة في بغداد


11-2-2010

تلقت الجمعية العراقية الأمريكية  في ساند ياغو- كاليفورنيا بحزن شديد وألم عميق نبأ الاعتداء السافر  والأثيم على كاتدرائية سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في بغداد في الحادي والثلاثين من تشرين الأول 2010   والذي أسفر عن استشهاد  العشرات من أبناء هده الطائفة المسالمة وجرح العديد منهم على يد عصابة مارقة، وهم يؤدون واجبهم الديني المقدس الذي أقرب به النظم الإنسانية .

 

تدين وبشدة جمعيتنا التي تضم في صفوفها مختلف الشرائح العراقية هذا الاعتداء الجبان، غير الإنساني، وتناشد  المسؤولين في السلطات العراقية أن تتحمل مسؤولياتها كاملة بوجوب حماية أرواح الأبرياء من المواطنين والانصراف إلى فرض القانون والابتعاد عن الصراعات الدائرة بين الفئات المتنازعة للحصول على مكاسب شخصية وفئوية ضيقة. إن مجزرة كنيسة سيدة النجاة جزء من سلسلة الجرائم السابقة والمستمرة بحق أخواننا المسيحيين، جاءت بهذا التوقيت نتيجة صراعات سياسية دائرة  حول تشكيل الحكومة العراقية،  خططت لها جهات لها مصالح محددة ونفذتها أيادي أثيمة تناولت أرواح عديدة من رجال الدين المسيحيين والمحبين لوطنهم العراق الواحد. وندين بشدة اقتحام الحكومة مبنى قناة البغدادية الحرة في بغداد والبصرة، لإسكات صوتها الحر في نقلها المباشر لوقائع المجزرة الشنيعة في الكنيسة الآمنة.  نطالب الحكومة بالتحقيق العادل للكشف عن الجهات التي وقفت وراء هذه الجريمة وما سبقتها من جرائم نكراء، وإيضاح أسباب التعتيم الإعلامي الذي رافق تنفيذ المجزرة. ونتقدم بخالص عزاء جمعيتنا لذوي الشهداء الأبرار، ولوطننا العراق العزة والسلام.

عن/ الجمعية العراقية في ساندياغو- كاليفورنيا

1.     الدكتور بطرس توما مرقص

2.     الدكتور ثابت خلف العادلي

3.     الدكتور ثائر البياتي

4.     المحامي جلال أيليا

5.     المحامي جورج  النراءي

6.     الأستاذ حنا قلابات

7.     الدكتور حسام  يونس البصري

8.     البروفسور  ريمون نجيب شكوري

9.     المحامي زكر أيرم

10. المهندسة سامية قدوري

11. المهندس سمير غزالو

12. السيد صباح صادق نعمو

13. الدكتورة عالية درويش

14. البروفسور فاروق درويش

15. السيد فاروق فيليب جرجيس

16. السيد لويس شمم

17. المهندس محمد عبد الوهاب 

18. السيد منصور قرياقوس

19. المهندس نبيل دمان

 

32
على هامش الفرسان الثلاثة لرئاسة الوزارة العراقية

الدكتور ثائر البياتي

thairalbayati@yahoo.com

 

صرح السيد محمد بحر العلوم يوم 6/9/2010  ان المرشحين الثلاثة لرئاسة الوزارة بحسب الحروف الهجائية هم: أياد علاوي، عادل عبد المهدي ، نوري الدين المالكي،  بعد ان حسم الأئتلاف الوطني أخيراً، تسمية مرشحه السيد عادل عبد المهدي لرئاسة الوزارة ، واصفا ً المرشحين الفرسان الثلائة بأحسن الأوصاف،  وتمنى ان يتم القرار على احدهم في أقرب فرصة، وربما بعد عيد الفطر المبارك  ليكون العيد عيدين، والفرح فرحين.  فمن سيكون الفارس الأول؟

 

نتمنى ان يكون الفرسان الثلاثة كلهم أوائل في الوطنية وحب العراق، وعندئذ ليكن من يـَكن ْ رئيسا ً للوزراء.

 ولكن لماذا لا نجعل الفارس الأول هو الشعب العراقي والفائز الأول البرلمان العراقي الذي أنتخبه الشعب؟

 لنعطي دورا ً  للبرلمان العراقي أسوة ببرلمانات الدول الديمقراطية، وَلـِنـَجعـَله ُممثلا حقيقيا ً ومسؤلا ً جادا ً أمام الشعب العراقي، ولنضع نهاية للتوافقات والمحاصصات سيئة الصيت التي  ولدت في العراق.  ليذهب الفرسان الثلاثة الى البرلمان العراقي ، وليصوت اعضاء البرلمان على تسمية الفائز الأول، بالتصويت السري، لضمان سلامة النواب من أنياب النمور الكاسرة، ولضمان سلامة القرار الوطني من الضياع.  وليـُنتـَخب ْ الفارس الأول، رئيسا ً للوزراء بألآلية ديمقراطية، ليكون شوكة في عيون الأعداء، وَحـُلة في عيون الأصدقاء،  ويكسب الشرعية وموقع أحترام البرلمان والشعب العراقي  وأميركا والعالم أجمع، وتكون ولادة الحكومة العراقية ولادة  طبيعية .

 

من سيكون الفائز الأول؟

شغل الفارسان عادل عبد المهدي ونوري الدين المالكي منصبي نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في الحكومة السابقة وكانا من كتلة الأئتلاف العراقي الموحد التي  حصلت على 128 مقعدا ً،  وأعتبرت أكبر كتلة في أنتخابات عام 2005. والدكتور اياد علاوي أخذ جانب المعارضة ولم يشغل موقعا ً في الحكومة  السابقة. أما  في الأنتخابات الأخيرة فكان فوز كتلة القائمة العراقية برئاسة الدكتور أياد علاوي بــ ( 91 مقعدا ًً) بالمرتبة الأولى،  وبحسب الدستور العراقي، ان اكبر كتلة فائزة  في الأنتخابات تتكفل بتشكيل الحكومة، وكما جرى في الأنتخابات الأولى  عام 2005 عندما تكلفت الكتلة الكبيرة الفائزة، كتلة الأئتلاف العراقي الموحد، بتشكيل الحكومة،  شكل مرشحها  السيد أبراهيم الجعفري الحكومة  بسلام وأصبح رئيسا ً للوزراء، ومن بعده أستلم كرسي الرئاسة السيد نوري المالكي  من نفس الكتلة ايضا.

 

 أعترضت دولة القانون على نتائج الأنتخابات، ومفهوم الكتلة الفائزة الكبيرة، وَفـَسـَرت ْ المحكمة الأتحادية العليا، الكتلة الكبيرة بأنها الكتلة التي تتشكل بعد الأنتخابات.  وبذلك شكلت دولة القانون والأئتلاف الوطنى العراقي، أكبر كتلة نيابية  منافسة للقائمة العراقية، تحت أسم التحالف الوطني، ولم يكن تحالفا ً موفقا ً، لم يتمكن من القرار على تسمية رئيس الوزراء، وكانت الخلافات في داخلها شخصية بحتة، لا نريد ان ندخل في تفاصيل الكل يعرفها،  تعطلت المسيرة لعدة اشهر، ولم يكن السيد نوري المالكي مرنا ً ومتساهلا ً في أختيار الكرسي لزميل له  من نفس حزبه .

 

كان فوز القائمة العراقية برئاسة الدكتور أياد علاوي، كأكبر كتلة،  نتيجة طبيعية للظروف القاسية التي مرت على الشعب العراقي في الأعوام الأربعة الماضية تحت حكم الفارسان السيد نوري المالكي والسيد عادل عبد المهدي.  إنعدم الأمن والأمان وتدنت الخدمات العامة  وأستمر أنقطاع الكهرباء صيفا وشتاءا ً وشحة مياه الشرب وزاد الفساد الأداري والمالي،  ولم تـُنجـَزْ مشاريع تخدم الشعب وترفهه، بل أنـجـِزت ْ مشاريع تنهب الشعب وتسلبه وذهبت مليارات الدولارات هدرا ً في السرقات،  ما جعل الشعب العراقي ان  يشمئز من الحكومة الحاكمة، فأدلى بصوته للقائمة العراقية لتفوز بــ(91 مقعدا ً) كأكبر كتلة في انتخابات عام 2010. 

 

تم الأعتراض  على فوز القائمة العراقية الوطنية برئاسة الدكتور أياد علاوي ، فتارة أياد علاوي يمثل البعثيين السابقين، وتارة أخرى ان قائمة أياد علاوي هي قائمة السنة، وأعتراضات أخرى عجيبة وغريبة، تقلل من قيمة دولة القانون وتزيد من قيمة القائمة العراقية.  ما العيب اذا كانت القائمة العراقية تمثل السنة وأياد علاوي يمثل البعثين السابقين؟  فالسنة هم جزء مهم من الشعب العراقي واذا كانوا في قائمة اياد علاوي فهذا فخر للعراق،  لا يقلل من وطنية القائمة، ولا من وطنية السنة ،   فالقائمة تحوي كيانات وشخصيات وطنية معروفة لأبناء الشعب العراقي. ولا ينقص البعثيون من قيمة القائمة ، فحزب البعث حكم العراق أكثر من أربعين عاما ً، وأرتبط  عمل وعيش كثير من العراقيين  مع الحزب بشكل من الأشكال،  وكثير من البعثيين هم ضحية الدكتاتورية،  حالهم حال بقية الشعب العراقي، وما على الحكومة القادمة الا تفعيل دور القضاء العراقي، لمحاسبة المجرمين من عناصر البعث والنظام السابق، أسوة بمحاسبة العناصر السيئة من النظام الحالي،  ولا يمكن تعميم الحكم على الجميع بقرارات سياسية  تتجاوز القانون والمحاكم كما يحدث.

   

اذا كانت القائمة العراقية تضم أطيافا ً وألوانا ً عراقية متنوعة، قرر أبناء الشعب العراقي على أختيارهم من خلال أنتخابات ديمقراطية نزيهة ، فلماذا لا يكون الفارس الأول والفائز الأول الدكتور اياد علاوي   منتخبا ً من قبل أعضاء البرلمان العراقي؟ . وهل ان مبدأ  التوافق سيء الصيت أفضل من المبدأ الديمقراطي وتفعيل دور البرلمان في اختيار رئيس وزراء  العراق ؟ 

 

33
في أربعينية الراحل الدكتور حكمت حكيم

ثائر البياتي

thairalbayati@yahoo.com

أب 3- 2020

نظم  الأتحاد الديمقراطي العراقي- فرع كاليفورنيا والمنبر الديمقراطي الكلداني حفلا ً تأبينيا للراحل الدكتور حكمت حكيم على قاعة رويال بالس في الكهون- ساندياغو ، مساء يوم 3 أب 2010 ، تضمن الحفل كلمات لمنظمات وجمعيات  وأحزاب عربية وكردية وجمعيات مختلفة في ساند ياغو، أضافة الى قصائد شعرية وعرض مصور عن حياة الفقيد الغالي،  وكان على رأس الحضور سيادة المطران الدكتور سرهد جمو، الذي ألقى كلمة قيمة، بـَيـَّن َ فيها مآثر الفقيد ونضالاته ِ في أبعادها الأنسانية  والوطنية والقومية، وشارك الكاردينال البطريرك مار عمانؤيل الثالث دلي، بطريرك بابل للكلدان ورئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بكلمة صوتية مسجلة أرسلت للحفل التأبيني،  ذكر فيها موقع وأهمية الفقيد على المستوى القومي والوطني. وحضر الحفل عدد كبير من أبناء جاليتنا الكريمة في ساند ياغو.

 

كما شاركت الجمعية العراقية الأمريكية في ساند ياغو بعدد من أعضائها ، فساهم المحامي زكر أيرم في كلمة مؤثرة عن حياة الفقيد وأعقبها بقصيدة تجدونها على الرابط: 

 http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=431749.0

 

 ثم تلتها كلمة منسق الجمعية الدكتور ثائر البياتي جاء فيها:

أيها الجمع الكريم، السيدات والسادة الحضور الكرام

بأسمي وبأسم الجمعية العراقية الأمريكية في ساند ياغو أتقدم ُ اليكم ولأهل وذوي الفقيد بأصدق التعازي والمواساة برحيل المناضل الدكتور حكمت حكيم.  ففي رحيله نكون قد خسرنا بطلا ً من أبطال العراق وفارسا ً من فرسانه ِ الشجعان، وعلما ً من أعلامه ِ المرموقة، الذي سيبقى مثالا ً حيا ً يـُقتدى به ِ،  ونجما ً لامعا ً يـُستنار به وذكرا خالدا  نشد ّ ُ به ِ عـَزائـِمنا في سبيل ِ البذل ِ والتضحية ِ من أجل  ِ وطننا العراق العزيز.

 

جـَمع َ الفقيد ُ في خصاله ِ الكثيرة بين العلم ِ والعمل ِ ووهب َ كل َ ما عنده ُ فداءً للوطن ِ، فدخل َ السجون َ والمعتقلات مرات ٍ عديدة  لأفكاره التي تنادي بالعدالة ِ والحرية ، وأكمل َ دراسته في القانون  وهو مـُكـَبل ُ اليدين ِ في سجن ِ الطاغية، وأعتلـَى قمم  جبال كردستان مع الأنصار في طليعة المعارضة العراقية، وكان شاهدا ً على مجازر الأنفال وحرب الأبادة في كردستان، وعمل أستاذا متميزا ً في تدريس مواد القانون والنظم السياسية لسنين طويلة َ في جامعات ٍ عربية ٍ مختلفة.

 

رغم َ أني سمِعت ُ عن ْ نضالات ِ الفقيد ِ وتضحياته ِ قبل َ لقائي به ِ، الا إني عرفته ُ عن قرب ٍ في واشنطن عام 2003، حين َ تطوعنا للعمل في مجلس ِ إعمار ِ العراق الذي تشكل َ قبل َ سقوط ِ الطاغية ِ، مع مجموعة ٍ من العراقيـين، أتوا من ْ كافة ِ أنحاء ِ العالم ِ لغرض ِ المشاركة ِ في بناء ِ العراق ِ القادم.  أصبح َ الراحل ُ  نجما ً لامعا  ً، وعضوا ً بارزا ً في الشؤون ِ القانونية ِ للمجلس ِ، لتخصصه ِ في القانون ِ الدستوري والنظم ِ السياسية ِ، نال َ الأعجاب َ والتقدير َ من أعضاء  ِ المجلس ِ في أول  ِ محاضرة ٍ له ُ في واشنطن  حول َ دستوره ِ المقترح للعراق ِ، على أمل ِ ان يـُناقـش َ  في صياغة ِ الدستور ِ العراقي المنتظر ِ بعد سقوط  ِ الدكتاتورية. 

 

منذ ُ وصولنا الى بغداد َ في الأسابيع ِ الأولى لسقوط ِ النظام ، كان َ الفقيد ُ لولبا  ً في أجتماعات ِ المجلس، محورا ً في لقاءاتـِنا ومـَرجـَعا لأستشاراتنا القانونية ِ، في  عراق ٍ  لا سلطان َ فيه ِ، غير َ سلطان ِ الفوضى ولا قانون َ فيه ِ غيرَ  قانون ِ الغاب. شارك َ مع زملائه الأخرين في وضع ِ اللبـَناتِ الأولى لوزارة ِ العدل ِ العراقية ِ المدمرة، في بلد ٍ احوج َ ما يكون للعدل ِ  والقانون ِ، قبل َ تشكيل ِ مجلس ِ الحكم ِ العراقي المؤقت. 

 

وحال َ تشكيل ِ مجلس ِ الحكم ِ المؤقت،  عمل َ الراحل ُ في سكرتارية ِ المجلس ِ  ومستشارا ً قانونيا ً في اللجنة ِ الدستورية ِ للدستور ِ العراقي وعضوا ً في لجنة ِ صياغة ِ الدستور ِ وانتخبَ عضوا ً في أول ِ برلمان ٍ عراقي ٍ وَمـِن ْ ثم َ عضوا ً في هيئة ِ رئاسة ِ الدستور ِ وَعـُين َ مـُستشارا ً  لرئيس ِ الجمهورية ِ السيد جلال الطلباني . ولا تخفى جهوده ُ المتواصلة في توحيد ِ كلمة ِ الشعب ِ العراقي عموما ً وخاصة كلمة  الشعب الكلدوأشوري السرياني.

 

جعل الفقيد  من أسماء ِ أولاده ِ عناوينَ وطنية ٍ تـُقرأ، فسمى  أبنه الذي ولد في ديار بكر، ديارا ً،  تيمنا ً بديار ِ بكر ٍ، التي كانت مآوى له ُ في مرحلة ٍ حرجة من مراحل ِ نضالاته ِ،  وسمى أبنته ُ بغداد َ، تيمنا ً ببغداد  الحبيبة َِ التي  ظلت ْ تحيا معه،  وسمى أبنته يسارا ً لأيمانه بالفكر اليساري .

 

 فرحيل ُ الفقيد  أبو شهاب هز َّ مشاعري كما هزَّ مشاعرَ كل محبيه ِ ، فـَــقلت ُ  فيه ِ:

 

أبُ الشُهب ِِ لم ْ يـَمت ْ،  يعيشُ  حيا  ً في ضمائـِرنـــــا

أب ُ الديار ِ  لم ْ يـَغب ْ ، يـَضيء ُ دَوما  ً ظلامَ   ديارنــا

أبنُ بـَغداد َ لم ْ يـَذهب ْ بعيدا ً،  يـَعيش ُ دَوما ً في قلب ِ  بـَغدَادنـا

حكيم ٌ جـَمع َ بـَين َ الحِكمة ِ والحـِكم ِ، مـُعلم ٌ جاء َ لـيُهد ينـــــا 

كان َ فارسا  ً صِنديدا ً، كان َ نبعا  ً نميرا ً مِـن ْ أعماق ِِ بلادنـا

 

لم ْ يـَتـَهَـيـــب ْ صُعود َ الجبـــــــال ِ

عنيد ٌ لم ْ يقبل ْ العيش َ  بين َ  الحـِفر ْ

ذكره ُ أغنية  ٌ أطرَبت ْ أطيار َ بلادنـِا

كلماته ُ أنشودة  ٌ صارت ْ في أفواه ِ أطفالِنـا

 

دُستوره  ُ نـِبراس ٌ يـَهدينا،  لا شيء  َ عنه ُ  يـُغنينا

دُستوره ُ دروس ٌ لأجيال ِ أجيالـِنا، وَكـَنز ٌ يـَهدينا

لم ْ يـَرتض ِ بدستور ٍ، صيغ لغير ِ آمالــِنــــــا

دَوَنوه ُ مِن ْ أجل ِ غايات ٍ تـُنافي ْ أمانينــــــــا

قــَّسَموا الشَعب َ فيه ِ، مـِللا ً  وَنـِحلا ً، جَعلوه ُ قـَبائل َ   ممزقة ً

حـُشِر َ الدين ُ فيه ِ حـَشرا ً، خـِلافا ً لأمانينا

 

وأسفاه ْ بقت ْ آماله ُ مـُعلقة  ً بغير ِ ما  كنـّا عـَقدناه ُ

نم ْ يا حكيم ُ، قرير َ العين  ِ، نم ْ بسلام  ٍ، سَنوفي بعهد ٍ قــَطعناه ُ

أعظـِم ْ به ِ، أعظِـم ْ بروح  ِ رَجـُل  ٍ نبيه ٍ

جـَميل ُ الصـَبر ِ والسلوان  ِ لأهله ِ ورفاقه وذويه ِ

وشكراً

 

34
تعلن الجمعية العراقية الأمريكية في لوس أنجلس عن أفتتاح  أولى أعمالها

أعداد: الدكتور ثائر البياتي
thairalbayati@yahoo.com
12  تموز 2010  كاليفورنيا

تلقينا بفرح وسرور دعوة الجمعية العراقية الأمريكية في لوس أنجلس لحضور حفل أفتتاحها الأول الذي أقيم يوم السبت الموافق 10 تموز 2010  في الساعة الثانية عشرة ظهرا ً على قاعة مطعم Golden nights ، Buena Park  ، Los Angles  في ولاية كاليفورنيا. وشارك في الأفتتاحية ما يزيد عن مئة من أبناء الجالية العراقية في لوس أنجلس ومناطق أخرى وتخللت المناسبة كلمات ، ومقطوعات موسيقية وأغاني تراثية للفنان أمير الصفار مع فرقتة ،  الجالغي العراقي، الذي نقل الجميع الى أجواء بغداد في أيام عـِزها،  وتم تقديم الغذاء العراقي . 

بعد ان رحب السيد علي العويناتي عضو الجمعية العراقية الأمريكية بالحاضرين،  أستـَهلَ الحفل بالسلام الوطني العراقي والسلام الوطني الأمريكي، وتبعها كلمة الأفتتاح للأستاذ يوسف داود، رئيس  الجمعية العراقية الأمريكية، عـَّرَف َ فيها الجمعية العراقية الأمريكية، بأنها جمعية، غير نفعية وغيرسياسية ، أو دينية أو عـِرقية، تأسست الجمعية في تموز عام 2009 بشكل رسمي في ولاية كاليفورنيا، تبغي زيادة الروابط والأواصر بين أبناء الجالية العراقية من جانب  وتعمل على تعريف الأخرين بالتراث العراقي من جانب آخر.  وذكر ان الجمعية ليست الأولى تحت نفس الأسم ، بل هناك جمعيات أخرى مثيلة لها في ولاية ميشيكان وأخرى ستشهد انبثاقها في القريب العاجل في ساند ياغو- كاليفورنيا.

وبعد فاصل غنائي للجالغي العراقي،  شارك الشاعر الشعبي كاظم الحلي ببعض أشعاره الشعبية الجميلة،  مبينا عمق الحب والتآخي بين أبناء الشعب العراقي، وخاصة في بلاد الغربة،  وما  حضور أبناء الجالية  العراقية لمراسيم أفتتاح الجمعية اليوم، الا دليلا ً واضحا ً على حب العراقيين لبعضهم البعض، وتلاحمهم  وتكاثفهم لسمو  ورفعة بلدهم العراق العزيز، وفي نهاية كلمته تمنى النجاح لأعمال الجمعية. 
 
وتلى ذلك مداخلة للدكتور حسن الحكاك، أحد مؤسسي الجمعية،  ثـَمّن َ فيها جهود زملائه الذين ساهموا في تاسيس الجمعية وشكر الحضور وتمنى مساهماتهم في أنجاح النشاطات القادمة، ثم ألقت الدكتورة فاطمة حسن الحكاك، أخصائية أمراض القلب، كلمة في المناسبة،  أشادت بها في دور المرأة العراقية تاريخيا ً في مجالات مختلفة كالفن والأدب والصحافة وعلوم الطب والهندسة وغيرها، منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة،  ودعت الى أستمرار ومواصلة دور المرأة، وضرورة مساهمتها في أعمال الجمعية  والعمل على أنجاحها.
 
وبعدها القت الدكتورة الهام الصراف، الأخصائية بالأمراض النفسية كلمتها باللغة الأنكليزية، قالت فيها :  رغم انها هاجرت من العراق مبكرا في سن الخامسة عشرة من عمرها، الا انها لا زالت تشعر بعمق جذورها وأرتباطها بالعراق،   ولا زال حب العراق يجري في دمها، ويخفق مع نبضات قلبها،  وفي عملها وهي تمارس مهنتها الطبية أولت عناية خاصة لمراجعيها من اللاجئين العراقيين في أمريكا،  وعرضت عليهم  ما  يحتاجونه من رعاية نفسية وأجتماعية خاصة  تؤهلهم للعيش والعمل في المجتمع الجديد،  وبينت ضرورة ترابط أفراد الجالية العراقية مع بعضهم البعض من خلال نشاطات مختلفة، ثقافية وأجتماعية وفنية، وأشادت في فكرة تأسيس الجمعية العراقية الأمريكية التي ستقدم نشاطاتها لأبناء الجالية العراقية الكريمة. 

ومن جانبه بين نائب رئيس الجمعية المهندس ناجي الحاني أهمية نشاط الجالية العراقية في أمريكا وخاصة بعد تزايد عدد اللاجئين العراقيين في السنين الأخيرة، وما لهم من دور متميز  في تـَعريف المجتمع الأمريكي بالتراث العراقي، وأعتبر نجاح الجمعية العراقية رهن بمشاركة أبناء الجالية ، ودعى الحضور لملىء أستمارة الأنتساب لعضوية الجمعية.  ومن ثم طلب من المهندس ورجل الأعمال السيد طارق الشماع ان يقدم نفسه للحضور،  بأعتباره أقدم مهاجر عراقي موجود بين الحاضرين، فنهض الشماع  طافحا ً بحب العراق والجالية العراقية، مليئا ً بالآمال لمستقبل الجمعية الفتية ،  وقال في كلماته المقتضبة:  رغم أني غادرت العراق منذ أكثر من خمسين عاما،  الا ان العراق لم يغادرني أبدا ، فهو  يعيش في قلبي ويرافقني في مسكني وعملي  وأينما أكون، وبين أهمية الجمعية في دعم أبناء الجالية والتعريف بالعراق وأستبشر بنجاح الجمعية،  مؤكدا ان الأعمال لا تتم ولا تتقدم بالتمنيات فقط، بل بالمشاركة الفعالة ماديا ومعنويا وبتكاثف الجهود، وأشاد بدور الأعضاء المؤسسين وجهودهم لتكوين الجمعية، وطلب منهم تقديم نفسهم  للحاضرين، وتم ذلك وسط  فرح وأبتهاج الحاضرين وأخذت الصور التذكارية بالمناسبة، وأطفئت الشمعة الأولى من عمر الجمعية وتم توزيع الحلويات.
   يمكن زيارة موقع الجمعية العراقية الأمريكية والأطلاع على نشاطاتها ومشاهدة صور حفل الأفتتاحية على الرابط:
www.Iraqiamerican.org
 وأخيرا ً نتمنى الموفقية  والنجاج لأعمال الجمعية العراقية الأمريكية .




35
تنعى الجمعية العراقية الأمريكية  في ساند ياغو –كاليفورنيا  الدكتور حكمت حكيم

بأسى شديد وبحزن عميق تلقينا نحن أعضاء الجمعية العراقية الأمريكية، في ساند ياغو- ولاية كاليفورنيا نبأ رحيل الدكتور حكمت حكيم الذي وافته المنية صبيحة يوم الثلاثاء، الثاني والعشرين من حزيران 2010 في ولاية مشيكان الأمريكية .

لقد عرفناه رحمه الله مناضلا  ً فذا ً لا يشق له غبار، وهب ذاته قربانا ً في سبيل الأهداف الأنسانية الرفيعة والقيم النبيلة التي كان يؤمن بها طيلة حياته المليئة بالبذل والعطاء والزاخرة بالتضحية والفداء.

حمل السلاح مع رفاق دربه الطويل في وجه الطغاة من أجل حرية وطنه وسعادة شعبه تـَحَمـَّـل الصعاب وسط الجبال والشعاب، لم يـُغره رخاء العيش كي لا يحني هامته لمتجبر عنيد، وما تهيب يوما من صعود قمم الجبال الشم، فقد كان مؤمنا بان من تهيب صعود الجبال يعيش أبد الدهر بين الحفر.

لقد كان أول المساهمين مع الطليعة الوطنية التي شاركت في العمل على إعمار العراق في العام 2003 واعتبره واجبا  وطنيا، فكان نجما ً لامعا ً وعضوا ً بارزا ً في الشؤون القانونية، لتخصصه ِ في القانون الدستوري والنظم السياسية، وحال تشكيل مجلس الحكم المؤقت، عمل في سكرتارية المجلس ومستشارا ً قانونيا ً في اللجنة الدستورية  وعضوا ً في لجنة صياغة الدستور وأنتخب عضوا ً في أول ِ برلمان ٍعراقي  ومن ثم عين مستشارا ً  لرئيس الجمهورية.

لقد كان يتطلع الى توحيد وجمع شمل أرومته الكلدانية الأشورية السريانية،  لتكون سدا ً قويا ً وحصنا  ً منيعا  ً لحماية نفسها ولحماية الوطن العراقي العزيز.
بمناسبة هذا المصاب الجلل نتقدم من أسرة الفقيد  ورفاقه وأصدقائه ومحبيه بخالص العزاء  والمجد والخلود للمناضل الحكيم والرجل الصنديد، وعشتم وعاش العراق.

عن/ سكرتارية الجمعية العراقية الأمريكية
 في ساند ياغو- كاليفورنيا
المحامي زكر آيرم


36
الدكتور حكمت حكيم لم يمت

الدكتور ثائر البياتي


thairalbayati@yahoo.com

6-25-2010

 

أفجعنا كثيرا  خبر وفاة المناضل الدكتور حكمت حكيم ، مثال الأنسان الصادق النبيل، الوفي لوطنه، المحب لشعبه وامته،  عرفناه من خلال عمله وعلمه، نضالاته وندواته ونشاطاته وفعاليته التي لم تتوقف طيلة حياته السياسية الطويلة.

 

رغم أني سمعت عن نضالات الفقيد الراحل قبل ان التق به، الا أني عرفته عن قرب  في واشنطن عام 2003،  حين تطوعنا للعمل في مجلس أعمار العراق الذي تشكل قبل سقوط الطاغية من مجموعة من  العراقيين التكنوقراط لغرض مشاركتهم في بناء العراق الجديد،  وأصبح الفقيد نجما لامعا وعضوا بارزا في الشؤون القانونية للمجلس، بتوظيفه لتخصصه في القانون الدستوري، وما أحوج عراقنا الجديد للقانون والدستور،  نال الأعجاب والتقدير من أعضاء المجلس في أول محاضرة له في واشنطن حول دستوره المقترح للعراق الجديد، الذي كتبه في سنوات نضاله للمناقشة في صياغة دستور العراق القادم بعد سقوط الطاغية، وتأمل الجميع له مركزا مرموقا وموقعا حساسا في أي حكومة عراقية عادلة  مترقبة.

 

منذ وصولنا الى بغداد في الأسابيع الأولى لسقوط النظام، كان الفقيد الراحل لولبا في  أجتماعات المجلس المتوالية، محورا في لقاءاتنا المتواصلة، ومرجعا لأستشاراتنا القانونية في مختلف شؤون الوزارات والمحافظات العراقية التي كنا نعمل لأعادة الحياة الجديدة في حطامها، وبتضافر جهوده  مع الأخرين في وزارة العدل العراقية التي تشكلت مؤقتا، قبل تشكيل مجلس الحكم، بدأ الكيان المدمر للوزارة  يولد من جديد، وفي اعقد الظروف السياسية التي كان يمر بها العراق .

 

وحال تشكيل مجلس الحكم المؤقت عمل الراحل في سكرتارية المجلس  ومستشارا قانونيا في اللجنة الدستورية للدستور العراقي وعضوا في لجنة صياغة الدستور وانتخب عضوا في أول برلمان عراقي ومن ثم عضوا في هيئة رئاسة الدستور وعين مستشارا لرئيس الجمهورية السيد جلال الطلباني . ولا يخفى جهوده المتواصلة في توحيد كلمة الشعب العراقي عموما وخاصة كلمة  الشعب الكلدوأشوري السرياني.

 

حكمت حكيم لم يمت لأنه خالد في ضمير المناضلين والوطنيين الأحرار

حكمت حكيم لم يغب عنا لأنه حاضر في أحلامنا وآمال أمهاتنا في أبنائهم

حكمت حكيم لم يذهب بعيدا عنا ، لأنه يعيش في قلوبنا ويسير في طريق أحلامنا

تحية أجلال وأكبار لروح الفقيد

والصبر والسلوان لعائلته وكل محبيه.

 

 

 

37

قانون الأنتخابات العراقية وضرورة المشاركة في الأنتخابات القادمة

د. ثائر البياتي 
thairalbayati@yahoo.com

أقر البرلمان العراقي نص قانون الأنتخابات العراقية لعام 2010 في الثامن من نوفمبر 2009 ، بعد 11 جلسة ساخنة على تعديلات القانون الأنتخابي لعام 2005، وبذلك أصبحت آلية  سير الأنتخابات البرلمانية القادمة في 7 أذار عام 2010 جاهزة للتطبيق في موعدها المحدد.

أهم ما ورد في القانون:
1.   يكون عدد مقاعد مجلس النواب العراقي  بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة وفقا لأخر أحصائيات بطاقات التموين، أي 325 مقعدا ً، منها 310 مقاعد توزع على المحافظات، والباقي،  تعتبر مقاعد تعويضية  وعددها 15 مقعدا ( مقاعد توزع على الكيانات الصغيرة التي لا تتمكن من الوصول الى البرلمان)، على ان تمنح المكونات التالية (كوتا)، 8 مقاعد،  من المقاعد التعويضية وكما يلي:   خمسة مقاعد للمسيحيـين توزع بالتساوي على محافظات بغداد ونينوى وكركوك ودهوك وأربيل.
ومقعد واحد لكل من الأزيديين والشبك في محافظة نينوى  والصابئة في محافظة بغداد.
وتركت المقاعد التعويضية الأخرى وعددها ( 7 ) بدون نص قانوني لتوزيعها.
 
2.   جعل كل محافظة دائرة أنتخابية، بعدد مقاعد يتناسب مع عدد سكانها، بحسب أخر أحصائيات للبطاقة التموينية.

3.   يكون الترشيح عن طريق القائمة المفتوحة، ولا يقل عدد المرشحين فيها عن ثلاثة ولا يزيد عن ضعف عدد المقاعد المخصصة للدائرة الأنتخابية، ويحق للناخب التصويت على القائمة أو على أحد المرشحين فيها.

4.   تحتسب عدد مقاعد القائمة بعدد الأصوات التي حصلت عليها القائمة  مقسومة على القاسم الأنتخابي.  يعرف القاسم الأنتخابي  على  أنه  مجموع أصوات الناخبين في الدائرة الأنتخابية المعينة  مقسومة على عدد مقاعد الدائرة الأنتخابية، ويمثل الحد الأدنى لفوز أي قائمة في الدائرة الأنتخابية.

5. تمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة بحسب نسبة ما حصلت عليه من أصوات.
     

أخفاقات القانون
كان  الأمل ان يكون قانون الأنتخابات العراقية المعدل لعام 2010، خطوة متقدمة نحو الديمقراطية، ولكن خابت الأمال حينما جاء القانون بأخفاقات  وثغرات  زادت الخناق على المكونات الصغيرة، بتقليصها المقاعد التعويضية، وتوزيعها على الكيانات الكبيرة الفائزة،  وفقرات القانون تجعل الكيانات الكبيرة تبتلع الكيانات الصغيرة، بأستحواذها على أصوات الناخبين ، من دون رغبتهم، بعيدا عن الديمقراطية، كما وان تبني القانون مبدأ الدوائر المتعددة كرس تقسيم العراق الى مناطق نفوذ طائفية وأثنية .

ان تقليص عدد المقاعد التعويضية الى 15 مقعدا ً  في القانون الجديد، بدلا من 45 مقعدا ً كما كان في القانون القديم  بالرغم من  زيادة عدد مقاعد المجلس الوطني من 275 مقعدا ً  الى 325 مقعدا ً، يعتبر أجحافا بحق الكيانات الصغيرة . فأعطاء  8 مقاعد  تعويضية للمسيحيين والأزيدين والصابئة والشبك هو دون مستوى تمثيلهم،  كما وأن ترك المقاعد السبعة الباقية من دون وجود نص قانوني  لتوزيعها هو أجراء غير سليم عندما أعتبرت المقاعد متروكة لترشيحات ورغبات الكتل الفائزة. وفعلا  تم  ترشيح بعض قياديي ونواب كتلة الأئتلاف كالشيخ جلال الدين الصغير والشيخ همام حمودي ضمن قوائم محافظات كردستان ، كدهوك والسليمانية، وهما يعرفان مسبقا النتيجة الخاسرة لترشيحهما في هذه المحافظات الكردية،  ولكنهما متأكدان أنهم سيحوزان على مقاعد تعويضية من المقاعد السبعة الباقية ليضيفانها الى رصيدهما العالي من المقاعد الأخرى.  ويعتبر ذلك تقليصا لتمثيل الكيانات الصغيرة التي بأمكانها ان تتنافس على المستوى الوطني للحصول على هذه المقاعد. وهذا تراجع عن  الديمقراطية ومبدأ التعددية السياسية في بلد كالعراق فيه الأختلافات السياسية الكثيرة.

يأتي الأخفاق الثاني للقانون بتوزيع أصوات الكيانات الصغيرة الخاسرة على الكيانات الكبيرة الفائزة، ما يعني أبتلاع الكيانات الكبيرة للكيانات الصغيرة،  ولغرض فوز أي قائمة من القوائم المشاركة في الأنتخابات  يلزمها الحصول على مستوى أدنى من الأصوات ، ما يسمى بالقاسم الأنتخابي،  وفي حالة عدم  فوزها توزع أصوات الناخبين لهذه القوائم على الكيانات الفائزة. وبحسب القانون الجديد من الممكن ان يفوز عدد من المرشحين  من قائمة فائزة كبيرة، من دون ان يكونوا قد حصلوا على أي صوت ، ويخسرمرشح آخر من قائمة صغيرة، وان حصل على 10 أو 20  ألف صوت بسبب عدم  تحقيق  قائمته  للقاسم الأنتخابي، وكان بالأمكان ان تجمع عدد أصوات الناخبين في القوائم غير الفائزة في مناطقها، ويتم التنافس  على المستوى الوطني .

وبتبني القانون الجديد تقسيم العراق الى دوائر أنتخابية متعددة، يتم حصر التنافس الأنتخابي في  داخل المحافظات، بعيدا عن روح المنافسة الوطنية، مما يكرس تقسيم العراق الى مناطق نفوذ طائفية وأثنية، تماشيا مع روح المحاصصة الطائفية والقومية  التي باشرت بها الكيانات المتنفذة. 

ما العمل؟
أصاب الأحباط كثيرا ً من المواطنين في السنين الأربع الماضية ، ولأسباب مختلفة يعتقد كثير منهم ان المشاركة في الأنتخابات غير مجدية، لا تنفع في تغيير ما هو قائم. ولكن ينسى هؤلاء ان الأمتناع عن التصويت  وعدم المشاركة في الأنتخابات هو دعم لفوز القوائم المتنفذة ومرشحيها. ويبقى العمل الفعلي هو الأدلاء بصوتك لمرشحك الذي تختاره  في محافظتك. 

لنوضح أهمية مشاركتك في الأنتخابات القادمة من خلال المثال  التالي:
 عدد نفوس محافظة  كربلاء ( حسب البطاقة التموينية) مليون نسمة ، فعدد نوابها ( مقاعدها) 10
لنفترض أشتركت ست قوائم في الأنتخابات النيابية لمحافظة كربلاء وهي 1,2,3,4,5,6

القائمة 1 وعدد المصوتين لها  100 ألف         والقائمة 2 وعدد المصوتين لها  160 ألـف
القائمة 3 وعدد المصوتين  لها 20   ألف         والقائمة 4 وعدد المصوتين  لها  10  ألآف
القائمة 5 وعدد المصوتين لها   8   ألآف         والقائمة 6 وعدد المصوتين لها   2    ألفـــان
فالقاسم الأنتخابي=  10/( 100+160+ 20  + 10+ 8 + 2 ) = 30 ألف
وهو الحد الأدنى من الأصوات لفوز أي قائمة.


  عدد مقاعد القائمة رقم 1  = 30/100 = 3.3
 عدد مقاعد القائمة رقم 2  = 30/160 = 5.3،
   والقوائم  6،3،4،5  تعتبر خاسرة لعدم حصولها على القاسم الأنتخابي، توزع مجموع أصواتها البالغة 40 ألفا على القوائم الفائزة  2 و 1 بنسبة عدد أصواتها.

في تجربة أنتخابات مجالس المحافظات في عام 2008  ومن الأرقام التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات،  كان المجموع الكلي للمصوتيـن 7,143.656 ناخبا، ما يقارب نصف عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت،  ومجموع الأصوات التي حازت عليها الكتل الفائزة هو  4,897.334 صوتا . ومجموع الأصوات التي حازت عليها القوائم الخاسرة كان   322. 2,246 صوتا أي ما نسبته 31.5% من مجموع المصوتين الكلي ، جميعها وزعت على  القوائم الفائزة.  ففي محافظة كربلاء مثلا حصلت قائمتا ائتلاف دولة القانون وأمل الرافدين على مقعدين فقط !!  لكل منهما، ولكن أضيفت لهما 7 مقاعد ليكون لكل منهما 9 مقاعد ، وفي  محافظة واسط حصل أئتلاف دولة القانون على أربعة مقاعد وقائمة شهيد المحراب على مقعدين فأضيف للأولى  تسعة مقاعد لتصبح حصتها ثلاثة عشر مقعدا واضيفت اربعة مقاعد للثانية لتصبح ستة مقاعد.

من الأرقام السابقة نجد ما يقارب نسبة  81.5% من الناس بين من رفضوا القوائم الفائزة وممتنعين عن التصويت، ولكن فازت القوائم الفائزة بشكل قانوني. فلو ساهم 50% من الممتنعين عن التصويت في الأنتخابات حينذاك كانت النتيجة تتغير لصالح القوائم الصغيرة؟ فأخي المواطن ان  الأدلاء بصوتك في الأنتخابات القادمة هو دعم لفوز مرشحك الوطني النزيه الذي تختاره من محافظتك، فهذه فرصتك في التغيـير فلا تفوتك،  وساهم بها  من أجل أنقاذ وطنك .


38
التوقيعُ على الإتفاقيةِ الأمنيةِ العراقيةِ  في يوم ِ عيدِ الشكرِ ِ الأمريكي

يجددُ الأملَ في تحقيق ِ الكثير ِ من الأحلام ِ العراقية

الدكتور ثائر البياتي

thairalbayati@yahoo.com

11-28-2008

 

 قبلَ  كل شيءٍ أهنىءُ الشعبَ العراقي على توقيع ِ الأتفاقية ِ الأمنيةِ مع الولايات ِ المتحدة ِ الأمريكية، لما لها من أهمية ٍ بالغة ٍ في أمن ِ وأستقرار ِ ومستقبل ِ العراق ، فهي  تأتي بأهمية ِ تحرير ِ العراق ِ من الدكتاتورية ِ وبمقام ِ كتابة ِ الدستور وأقراره،  وبمنزلة ِ سعي الشعبَ العراقيُ لتحقيق ِ الحرية ِ والديمقراطية ِ، فلولا الأتفاقية ِالأمنيةِ لسقط َ الأملُ في تحقيق ِ الكثير ِ من هذه الأحلام . 

 

جاءتْ مناسبةُ توقيع الأتفاقية الأمنية مع يوم عيد الشكر في أميركا، هذا التقليد الذي سار عليه الأمريكان منذ مائة وخمسين عاما في أحتفالهم السنوي في مثل هذا اليوم من كل عام، حيث تجتمع العوائل الأمريكية من أماكن متفرقة، تولم الولائم وتقدم المطبوخات والمأكولات المتنوعة، لتشكر الله على  كثرة نعمه  وبركاته، وتقدم الأمتنان وتحي الحرية والأستقلال  والديمقراطية و تثني على كل من يحترم حقوق الأنسان والتسامح  وغيرها من القيم الأنسانية.  فليكن يوم توقيع المعاهدة الأمنية عيداً عراقياً كعيد الشكر في أميركا.

 

قالَ الرئيس ُ الأمريكي ُ المنتخبُ بارك أباما في كلمته ِ بعيد ِ الشكر، إنه يقتدي ببطله ِ السياسي، ونموذج ِ حياته، الرئيس الأمريكي أبراهام لنكلن، الذي أدخلَ عيد الشكر في التقويم الأمريكي في أصعبِ ظروف الولايات المتحدة الأمريكية،  حينَ كانتْ الحرب الأهلية الأمريكية قائمة،  على أثر القرار الحاسم الذي اخذته أقاليم الشمال بقيادة الرئيس أبراهام لنكلن من مسالة ِ  تحرير ِ العبيد، واعطاء حقوقهم كبشر ٍ أسوياء، الأمر الذي عارضته أقاليم الجنوب وأعلنتْ إنفصالها واتحادها الكونفدرالي وحربها ضد اقاليم الشمال، الا انها  فشلتْ بعد أربع ِ سنوات، وكان النصر حليف أقاليم الشمال، بقيادة الرئيس أبراهام لنكلن، الذي تم أنتخابه ثانية، ولشدة ِ حنكة ِ ودهاء ِ الرئيس المقتدر،  قررَ أختيار خصومه ووضعهم في مواقع مهمة ورئيسية في الدولة، ليتجاوز بفعله هذا آثار الحرب الأهلية التي ارهقتْ الأمريكان، ويكسبٌ بنفس ِ الوقت ِ رضا معارضيه في سبيل أعلاء شأن الولايات المتحدة، الذي دفع َ حياته ثمنا لوحدتها وحرية شعبها،  وفعلا بدأتْ  تتحقق ُ أحلامُ أميركا في الرخاء ِ والسلام ِ منذ ذلك الحدث الجلل. وأكد الرئيس باراك أباما أنه سيقتدي بِمََثلهُ الكبير الرئيس الأمريكي أبراهام لنكلن في تعامله مع منافسيه السياسيين، وصدق َ بما قال، حين أختارَ هلري كلنتن وزيرة للخارجية الأمريكية، وكانت أكبر منافسة ومناوئة له في حملتة الرئاسية الأنتخابية، وأبقى السيد روبرت غيتس وزيراً  للدفاع، مثلما أختاره الرئيس جورج بش،  وأضافَ في كلمته بيوم الشكر،  قائلا :  "  يستطيعُ الأمريكيون ان يعبروا عن شكرهم ٍ بصوت ٍ واحد ٍ وقلب ٍ واحد ٍ لأن الغذ سيكون مشرقا"، كلمات كلها تعبر عن روح الوحدة الوطنية والتفاؤل بالأرتقاء الى الأمام.

 

ففي الأتفاقية ِ الأمنية ِ  نِعَم ٍ كثيرة للشعب العراقي، فهي من جانب تعطينا الأمل في  بناء وأستقرار العراق ووحدته، وخاصة اذا أحسنَ في تقليص الجيش، مما يبعدنا من شر الأنقلابات العسكرية وخطر تهديد دول الجوار،  ومن جانب ٍ آخر كشفتْ  لنا ضحالة السجالات التي سبقت التوقيع على الأتفاقية،  عورات الكتل السياسية وأهدافها المحدودة.  فالأتفاقية الأمنية مسألة ٌ وطنية، تهمُ مصير العراق ومستقبله، تسمو فوق المصالح الحزبية والفئوية ، الا ان كثيرا ً من الكتل ِ  التي عارضتها،  أرادتْ منها ان تكونَ رهينة ً بيدها لحين ِ تحقيق مصالحها الخاصة، وذلك بطلبهمْ عدم التصويت على الأتفاقية، الا بعد ضمان ِ التصويت ِ على ما سموه بميثاق ِ الأصلاح ِالسياسي، ما يتضمن ُ بنود ٍ وفقرات ٍ تبتعد كل البعد عن مضمون ِالأتفاقية ِالأمنية، ولكنها تتعلق ُ بمصالح ِ الأحزاب ِ المعترضة ، وحتى أخواننا الأكراد المتحمسين جدا للمعاهدة، والجاهزين للتوقيع عليها قبل ان يقرأوها، طلبوا توقيع وثيقة شرف لهم،  قبل ان يتمَ التوقيع على المعاهدة الأمنية، ما تضمن َ الأيفاء بحل المشاكل العالقة بين حكومة الأقليم  والحكومة المركزية.  هذا إضافة الى ان بعض المعارضين للمعاهدة الأمنية رفضوها قبل ميلادها بسبب ِ خلافاتهمْ مع السيد ِ رئيس ِ الوزراء، أو مع عائلة ِ آل الحكيم ِ لأمور لا تمت ُ بأي صلة الى مضمون ِ المعاهدة. وَمِن ْ المعارضين مَن ْ راهنوا دوما على تحديد ِ جدول ٍ زمني ٍ لخروج ِ القوات ِ الأمريكية ِ من العراق،  لكنهم رفضوها  رغم َ إنها تحددُ ذلك الجدول الزمني، ما يدل على ان كل فئة تريد ان تستأثر بحصة ٍ من المكاسب ِ لنفسها ، أما حصة الوطن فحدث ْ عنها ولا حرج ، فواحسرتاه.

 

وهذا لا ينفي مشروعية الكثير من المطالب الإصلاحية للأحزاب السياسية، كمسألةِ إعادة ِ النظر ِ في بعض بنود الدستور الذي كُتبَ في ظروف خاصة وبسرعة، أو نزاهة الأنتخابات التي تمَ خرقها في أماكن ِ كثيرة ٍ أو حل ِ الخلافات ِ بين الحكومة ِ المركزية ِ  وأقليم ِ كردستان، الا ان إعطاء الأولوية لهذه الأمور وجعل توقيع المعاهدة الأمنية رهينة بالموافقة عليها، لا ينم عن فهم  ٍ عميق ٍ للمصالح الوطنية العليا، ولا يعبرُ عن إرتقاء ٍ في مستوى التفكير  بما يتناسب ووضع العراق.

 

 كان على تلك القياداتِ ان تدركَ  المخاطر المحيطة بالعراق، وتستوعب وضعه الصعب واحتمال أنقساماته  الداخلية، وتطالب  بمعاهدة أمنية وعسكرية طويلة المدى،  تتعدى الثلاث أو الخمس سنوات مع الموافقة على بناء قواعد عسكرية أمريكية دائمة، لغرض حماية العراق من الأطماع المحيطة به وإكمال بناء أمنه وإستقراره الوطني ، ما يكفيه مشقة تكاليف إعادة بناء جيش كبير في العراق، والأكتفاء ببناء جيش مناسب وقوات شرطة وأمن لغرض حماية الحدود والأمن الداخلي، أسوة بما حدث في دول متقدمة أخرى ، لا زالت  تحتضن قواعد عسكرية أمريكية على أرضها، بحيث تسنى لها التفرغ لبناء  وأعمار بلدانها واسعاد ورفاهية أبناء شعبها.

 

واليوم  ونحنُ نودع ُعيد الشكر الأمريكي، سنعيش مع عيد ِ توقيع ِ الأتفاقية ِ الأمنيةِ كل يوم، نأمل بغدٍ عراقي ٍ مشرق ، تنفتحُ أحزابهُ السياسية بعضها على البعض، وتستفيد من التجربة الأمريكية وغزارة دروسها، وتتجاوز خلافاتها وتتسامح مع بعضها، وتخطو خطوات مماثلة لخطوات الشعب الأمريكي، في أختيارِ قياداتها السياسية، أختيارا ديمقراطيا حرا، بعيدا عن العرقية أو الطائفية، كما تم إنتخاب الرئيس باراك أباما ، المسلم الأسود، الكيني، رئيسا لأقوى دولة في العالم، ونتمنى من الكتل العراقية المتنفذة، ان تحذوا حذوَ الرئيس الأمريكي أبراهام  لنكلن والرئيس الأمريكي المنتخب بارك أباما في تعاملهم مع منافسيهم. وأخيرا ً نكرر شكرنا في عيد ِ الشكر ِ للأمريكان ِ على تحريرهم العراق مؤكدين َ لهم الأستمرارَ في صيانة ِ معاهدتنا الأمنية، والمحافظة على الأحتفال في يوم التوقيع عليه في كل عيد شكر أمريكي قادم،  لتحقيق مصالحنا المشتركة وإدامة علاقاتنا وتثبيت الحرية والديمقراطية في العراق.

 

 

 

39
المطالبة  بإعادة تفعيل
المادة 50  من قانون ِ مجالس ِ المحافظات

October 26, 2008

 بعد قراءة  الرسالة الرجاء التفضل بالتوقيع على طلبنا المقدم الى البرلمان العراقي  بخصوص إعادة تفعيل المادة 50  من قانون ِ مجالس ِ المحافظات وذلك بزيارة الموقع:

 http://www.PetitionOnline.com/Iraqigam/petition.html

 
السيدات ُ  والسادة ُ أعضاء ُ مجلس ِ النواب ِ العراقي  المحترمين

نحن الموقعين ‑ من مختلف ِ شرائح ِ الشعب ِ العراقيِّ  - ­­­­­­  نطالب ُ مجلسَكم الموقرَ الأبقاء َ على نصِّ المادة ِ 50 من مشروع ِ قانونِِِ ِِ إنتخابات ِ مجالس ِ المحافظات ِ المتعلق ِ بتمثيل ِ الأقليات ِ العراقية ِ في مجالس ِ المحافظات ِ  وفق َ ( الكوتة) التي أقرّها مشروع ُ القانونُ المذكورُ وحسبَ الطرائق ِ الديمقراطية ِ المرعية ِ لدى المجتمعات ِ المتحضرة ِ . لقد كان لهذا الإ لغاء ِ وقع ٌ مؤلم ٌ على جميع ِ الوطنيين العراقيين الأحرار ِ لما لحق َ من إقصاء ٍ وتهميش ٍ لقوميات ٍ ولأديان َ  مختلفة ٍ وحرمانِها من المشاركة ِ في صنع ِ القرار، حيث ان  لها ما للآخرين من حقوق ٍ وعليها ما لهم من واجبات ٍ. وهي ليست ْ جاليات ٍ كما يحلو للبعض ِ أن ينعتوها إستصغاراً لها أو حطِّا ً من قدرِها وهي ليست ْ مجموعة ً  بشرية ً مقيمة ً في العراق ِ لبعض ِ الوقت ِ كما وصفها  - مع شديد ِ الأسف -  أحد ُ كبار ِ المسؤولين. إِنما هم ْ بشرٌ أُصلاء ٌ في وطنِهم العراق قبل َ الفتح ِ العربيِّ الأسلامي وقبل الإحتلال ِالفارسي والهيمنة ِ العثمانية بآلاف ٍ  من السنين.


لعلكم – وفي زحمة ِ التصارع  ِعلى المصالح ِ  والتسابق ِ على الفوائد ِ الآنية ِ - تناسيتم وتجاهلتم ان الذين ألغيتم تمثيلهم في مجالس ِ المحافظات ِ هم أحفاد ُ مَن ْ تشدقتم بامجادِهم وتفاخرتم وسوف تتفاخرون بمآثر أجدادهم الذين كانوا السكنة َ الأوائل َ لوادي  رافدَيْ العراق دجلة َ والفرات من سومريين واكديين وآشوريين وبابليين وكلدانيين وهم أحفادُ بناة ِ ومؤسسو الحضارات ِ الأُوَل ْ قبل َ أكثرَ مِنْ أربعةِ الآف ِ سنةٍ والذين َ دوَّنوا التاريخ َ بأختراعهم الكتابة َ وسنوا القوانينَ الأولى وكتبوا الملاحم َ الأدبية َ واخترعوا العجلة َ ووضعوا النظام َ المكاني َّ لترميز ِ الأعداد وشقوا  قنوات ٍ للري ورصدوا حركات ِ القمر ِ والكواكب ِ والنجوم ِ، فأستطاعوا منذ تلك العصورِ التنبؤَ الدقيق َ بحدوث ِ الكسوفات ِ  والخسوفات.

 
 وفي العصر الذهبيَّ للحضارة ِ العربية ِ الإسلامية ِ وما تلاه من عصور ٍ عاش َ أجدادُهم مع إخوانهم المسلمين بسلام ٍ ووئام ٍ وشاركوهم في السراء ِ  والضراء ِ ورفدوا بناء َ صرح ِ تلك الحضارة ِ بمعارفهم المتنوعة وبترجماتهم العلمية ِ والفلسفية ِ والأدبية.

 وفي العراق ِ المعاصر ِ- أي عراق ما بعد القرن ِ التاسع عشر- ساهمت ْ الأقلياتُ مساهمات ٍ بارزة ً ومخلصة ً في مؤسساته العلمية ِ والأدبية ِ والمهنية . فلمعتْ منهم أسماء ٌ في سماء ِ المعرفة ِ  بمناحيها المتعددة ِ وعلى المستويات ِ الوطنية ِ والعربية ِ والعالمية.


صحيح ٌ أن النسبة َ السكانية  َ للأقليات ِ العراقية ِ أخذت ْ تتناقص ُ خلال َ العقود ِ الأخيرة ، وليتكم  تتوقفون  قليلا ً كي تسائلوا أنفسَكم ما أسباب ُ ذلك؟

 لقد عانتْ الأقلياتُ منذ تلك العقود أكثرَ مما عانت ْ الشرائح ُ الأُخرُ وتضاعفت ْ معاناتِها أضعافا ً مضاعفة ً خلال حقبة ِ اٍنفلات ِ الأمن ِ في السنوات ِ الأخيرة، إذ  فجِّرتْ  دورُ عباداتها وقُتلَ كثيرٌ من رجال ِ أديانها  ووجهاء ُ مدنها  وقراها. فاضطرتْ  أعداد ٌ كبيرة ٌ منها الى الهجرة ِ مؤقتاً من وطنها الأم  الى اقطار ٍ متفرقة ٍ تحت َ وطأة ِ القتل ِ والتهديد ِ والخطف ِ والأبتزاز ِ بسبب العَجز ِ المستديم ِ  للحكومة ِ العراقيةِ عن توفير ِ الأمنِ ِ والطمأنينةِ لها. هذا من ناحيةٍ  ومن ناحية ٍ أُخرى لم  تسعَ  وسوف لن تسعى تلك الأقليات ُ المغلوبة ُ على أمرها - بفضل مبادِئها المسالمة ِ والنابذة ِ للعنف ِ – الى تجنيد ِ ميليشيات ٍ مسلحة ٍ تحميها،  إضافة  الى حقيقة عدم وجود ِ عشائر َ تذوذ ُ عنها وتلوذ ُ بها. فلم تجد ْ الأقليات ُ سبيلا ً سوى اللجوء ِ المؤقت ِ الى بلدان ٍ أخرى , فتناقص َ تدريجيا ً تعدادها. ثم جئتم ْ بقراركم غير ِ المنصف ِ – مستغلين َ التناقص َ- في إلغاء ِ مقاعدِها التي خصَّها لها القانون وبذلك وأدتم أنتم آمالها  في العيش ِ في عراقِ ٍ تعددي ِّ ديمقراطي.

السيدات ُ والسادة ُ أعضاء ُ مجلس النواب

نحن نعلم ُ مسبقا ً أن ما كتبناه عن أدوار تلك الشريحة ِ من المجتمع ِ العراقي التي غدت ْ اليوم َ أقلية ً ليست ْ بخافية ٍعنكم. إنما نود ُ  أن نبين َ لكم أن قرارَكم جاء َ  تنفيذا ً لمآرب َ تكتلات ِ أحزابكم ومناقضا ً  المصلحة العليا لوطننا الغالي. إلا أن الأمرَ المحيِّر َ كيفَ سمحتم لأنفسكم بتمريرٍ قرار ٍ خطير ٍ مثل إلغاء مادة ٍ تمسُّ  العملية َ السياسية َ للوطن ِ من دون ِ إعداد ٍ مسبق ٍ ومنافشة ٍ مستفيضة.


ومنْ غرائب الأمور أن يتنصل َ من القرار ِ كبارُ  زعماء ِ أحزابكم وبعض ُ أعضاء ِ مجلسكم بتصريحات ٍ أدلوا بها  مباشرة ً بعد تمريره. فأين كانوا قبل وأثناء المناقشة  ( إن كانتْ هنالك مناقشة)؟   هل ذرَّ عدو ٌ خبيث ٌ  يبغي تشظية  َ العراق رمادا ً بعيون ِ أولئك الأعضاء ِ فأفقدهم الرؤيا والبصيرة؟


إن السيناريو المطروحَ  بين الأوساط ِ السياسية ِ من إقرار ِ  المادة ِ 50 في 22 تموز  2008 من قِبَل ِ مجلسكم ومن ثم نقضها من قِبَل ِ  المجلس ِ الرئاسي ِّ خلال 24 ساعة وما تلاه من مناورات ِ شدًّ وحلًّ  إنما يشير ُ الى أنكم  توجهون الى الأقليات ِ  رسالة ً – غير مكتوبة ٍ وغير مسموعة ٍ  لكنها مفهومة  ٌ لدى كل ِ من ْ له إدراك ٌ معرفي- تنص ُ على ما معناه:   "أيتها الأقليات اٍسمعي  وَع ِ !!. نستطيعُ – نحن الأحزاب ُ الكبيرة ُ – أن نتقاذفك ِ ككرة ٍ ونتلهى بك ِ كيفما ومتى ما نشاء. فنستطيع  ُ إلغاءك ِ  إنْ  شئنا  والإقرارَ بوجودِك ِ اِن ْ أردنا . الديمقراطية ُ كما نفهمُها – نحن - هي ( ديمقراطية ُ )  البحار حيث  السمكة ُ الكبيرة ُ تبتلع ُ السمكة َ الصغيرة.  ونحنُ نذكِّرُك ِ- أيتها الأقليات- بالقول ِ المأثور: لقد أُعذِر َ من أنذر ْ. فما عليك ِ إذن سوى الإحتماء ِ بمظلتِنا والإنضواء ِ تحت رايتنا"


من المرجح ِ أن قرارَكم غير َ الصائب بالغاء ِ المادة ِ الآنفة ِ الذكر ِ حفزَ ( وربما حثَّ) المتطرفين  المتسترين  بالدين ِ الى إرتكاب ِ تلك الأعمال ِ الوحشية ِ المروعة ِ التي نُفِّذت مؤخرا ً في مدينة ِ الموصل. لقد وقعت ْ تلك الجرائم ُ كنتيجة ٍ شبه حتمية  ٍ لقرارِكم المذكور.

 
 نتوقع ُ  أن تتركَ  رسالتنا وقعا ً اٍيجابيا ً على أساليبَ  صنع ِ قراراتكم. وأملنا وطيد ٌ في أن يغدوَ مجلسُكم نبراسا ً يعزِّزُ الوحدة َ الوطنية َ لجميع ِ العراقيين دون تمييز ٍ عرقي ِّ او طائفيِّ وبغض النظر عن الثقل ِ الحزبي ويؤمِّن ُ الأستقلالية َ والحرية َ والأمان لكل مكونات ِ المجتمع ِ العراقيِّ  مما يشجعُ المُهاجرين والمُهَجَّرين  على العودة ِ الى وطنهم الأم. فستبقون – عندئذ ٍ -  ذخرا ً لشعبنا العراقيِّ المنكوب.

 -  نسخة  ٌ الى اعضاء ِ المجلس ِ الرئاسي المحترمين

-  نسخة  ٌ الى السيد ِ  ممثل ِ  الأمين ِ  العام ِ  للأمم ِ المتحدة ِ في العراق

-         

للتوقيع الرجاء زيارة الموقع  أعلاه


كتبه  وحرره الدكتور ريمون نجيب شكوري         أستاذ جامعي

rshekoury@mac.com


40
تفاصيل زيارة سعادة السفير العراقي في أميركا
الى مدينة ساند ييكو – كالفورنيا
أعداد: الدكتور ثائر البياتي
thairalbayati@yahoo.com
 6 تموز 2008

ضمن برنامج زيارته الى ولاية كاليفورنيا  بين الفترة 30 حزيران –  3 تموز 2008 ، تفقد سعادة السفير العراقي في الولايات المتحدة الأمريكية، الأستاذ سمير شاكر الصميدعي  الجالية العراقية في كل من  سان فرانسيسكو  ولوس انجلس و ساند ييكو. تخللت  زيارة سيادته للجالية العراقية في مدينة ساند ييكو في يومي الأربعاء والخميس  2  - 3 تموز 2008، لقاءات مختلفة، تم تنظيمها من قبل لجنة تنسيق منظمات الجالية العراقية في ساند ييكو.  ولاقت تغطية أعلامية جيدة من قبل عدد من قنوات التلفزيون الأمريكية، تحدثت عنها الصحف المحلية الصادرة في اليوم الثاني، لكونها الزيارة الأولى لسفير عراقي بعد عقود طويلة من الأنقطاع بين الجالية والحكومة العراقية

 وكانت أولى لقاءات سيادته، مع مجموعة من رجال الدين المسيحيين والمسلمين وشخصيات أخرى من العرب والأكراد في الجالية العراقية، دعاهم  سيادته  الى مأدبة غذاء،  شملت المطران سرهد يوسف جمو وعددا من مرافقيه والقس فادي عطو والسيد محمد القزويني.  وفي حديثه ذكر السيد المطران سرهد يوسف جمو اهمية زيارة السيد السفير  للجالية العراقية في ساند ييكو في هذا الوقت، خاصة بعد  ان زاد  عدد أبناء الجالية على اربعين الفا ، يشكل المسيحيون بحدود ثلاثيين الفا منهم، ويتوزع المسلمون العرب والأكراد على العدد الباقي.   وعن معاناة  أبناء الجالية، أكد السيد المطران صعوبة أنجاز معاملات الجوازات والتقاعد وغيرها مع السفارة العراقية، وخاصة ان  أنجاز بعضها  يستدعي السفر شخصيا الى واشنطن، التي تبعد عن ساند ييكو بأكثر من الفي ميل. وشارك السيد محمد القزويني السيد المطران في طرحه، واثار الأثنان  كثيرا من المشاكل يعاني منها اللاجئون العراقيون الذين  وصلوا  في الآونة الأخيرة،  وهم غير جاهزين للعمل ولا يجيدون اللغة الأنكليزية. وشارك آخرون في أحاديث متشابهة،  وقد أبدى السيد السفير تفهمه للمتحدثين واكد ان قرارا  تم بفتح قنصليتين في أميركا ، أحداهما في مشيكن والأخرى في كاليفورنيا، لتسهيل معاملات ابناء الجالية.   أنتهت الجلسة بأخذ الصور التذكارية الجميلة التي ظهر فيها السادة رجال الدين المسيحيين والمسلمين والأخرين ومعهم  سعادة السفير العراقي. 

 وفي الساعة  السادسة من مساء نفس اليوم 2  تموز  2008، التقى  سعادة السفير بالجالية العراقية في مدينة ساند ييكو على قاعة رونالد ريكن في مدينة الكهون. حضر اللقاء ما يقارب ثلاثة مائة شخص يمثلون مختلف شرائح الجالية العراقية في ساند ييكو، واستمر اللقاء زهاء ساعتين ونصف. بعد ان تم الترحيب بسيادته وتقديمه للحاضرين ، كانت وقفة دقيقة واحدة على ارواح شهداء الحرية في العراق، ، وبعدها ذكر الدكتور ثائر البياتي نبذة مختصرة عن حياة سعادة السفير الوطنية والسياسية،  تلتها كلمة لجنة تنسيق منظمات الجالية العراقية في ساند ييكو ، القاها الزميل نجاح قينايا، مرحبا بالسيد السفير، بين فيها أهمية الزيارة في هذه المرحلة، وطلب بضرورة التلاحم بين السفارة والجالية في خدمة عراقنا العزير. وتلتها كلمة ترحيب من السيدة كلادس يوسف ، النجمة الأذاعية ، التي  تألق صوتها في سماء الأذاعة العراقية  لعقود طويلة، وقفت من الحاضرين، لتملىء اركان القاعة  واجواءها بكلمات الفرحة والبهجة لقدوم السيد السفير. وبعدها تناول الكلام سعادة السفير، الذي تطرق لأمور عراقية شتى، منها التركة الثقيلة التي تجابه العراق ،  وأكد على تحسن الأوضاع الأمنية، التي اعتبرها مفتاح البناء في العراق. اشاد بنجاح الشعب العراقي وحكومته على تجاوز حالة الحرب الأهلية التي كان يخطط لها الأعداء. وقد تابع السيد السفير الأصغاء التام الى أسئلة أبناء الجالية، التي دارت معظمها حول المشاكل التي يعاني منها أبناء الجالية  العراقية بخصوص تمشية معاملاتهم مع القنصلية العراقية. وردا على بعض الأسئلة، بين السيد السفير ان الحرب على الفساد الأداري في دوائر الدولة العراقية، لا تقل أهمية عن الحرب ضد  الأرهاب . 

 وفي الساعة التاسعة من مساء نفس اليوم  لبى السيد السفير ومرافقوه دعوة عشاء أقيمت على شرفه من قبل النادي الكلداني الأمريكي، كرستال بول في الكهون،  أكبر نادي في الجالية العراقية، واستقبل أعضاء النادي، السيد السفير أمام  باب النادي  استقبالا عراقيا حارا،  رفعت فوقه لافتة  تحي قدومه،  وخلال العشاء دارت أحاديث ودية ممتعه، تلا  أثناءها السيد السفير أبياتا من شعره يحي فيها العراق  ويتغنى بجمال تنوعه.

تضمن برنامج زيارة السيد السفير  صباح يوم الخميس 4 تموز 2008  ، لقاءات أعلامية وصحفية، وفي الساعة الثانية حضر السيد السفير ومرافقوه دعوة غذاء أولمتها لجنة تنسيق منظمات الجالية العراقية  في ساند ييكو، استمرت ساعتيين، أشترك فيها أعضاء من لجنة تنسيق المنظمات وشخصيات عربية وكردية مستقلة في الجالية العراقية.  دارت خلالها أحاديث ودية أشترك فيها الجميع، ونوقشت سبل العمل المشترك مع السفارة العراقية لصالح خدمة العراق.  وقد بين الزميل نجاح قينايا ، أهمية تنسيق عمل السفارة العراقية مع لجنة تنسيق منظمات الجالية العراقية، واعتبار ملحقيات السفارة العراقية بيوتا لجميع العراقيين. واسترعت السيدة سامية قدوري انتباه السيد السفير الى دور الشباب العراقي في الجالية، واقترحت ان تنظم السفارة سفرات لشباب الجالية العراقية،  لزيارة السفارة العراقية ومواقع مهمة أخرى في واشنطن، لضمان ارتباطهم مع الوطن، لا سيما وان الشباب العراقي يصعب عليهم  زيارة وطنهم الأم،  بسبب الظروف الأستثنائية التي يمر بها العراق. فيما أكد السناتور المتقاعد وديع ددة على أهمية تثقيف ابناء الجالية العراقية والعمل المشترك معهم  لأخذ دورهم الفعال في المجتمع، وجعل كل واحد منهم سفيرا للعراق في أميركا.  وبين السيد جورج النرأي  دور ابناء الجالية العراقية في جمعية المصالح المستقلة التي زاد عدد أعضائها على الف وسبعمائة عضو، اكثرهم من ابناء الجالية العراقية في ساند ييكو، وأكد الجميع على ضرورة  تاسييس جمعية عراقية تمثل كل العراقيين في امريكا وتجمعهم تحت أهداف مشتركة.

وجدير بالذكر أنه كان هناك أجماع في كل اللقاءات بضروررة حل المشاكل العالقة مع القنصلية العراقية وعلى رأسها مشاكل الجوازات ومعاملات التقاعد، وضرورة تحديد موقع القنصلية العراقية في مدينة ساند ييكو، لتوفر العوامل التي يستوجب توفرها في  اتخاذ قرار تحديد موقعها، منها كثرة أبناء الجالية العراقية في ساند ييكو، ولكونها مدينة حدودية مع المكسيك.

 وبعدها ودع الجميع السيد السفير والقنصل ومرافقيهما من السفارة العراقية، وهم يعودون الى مركز أعمالهم في واشنطن.
 

41
المنبر الحر / الولاية 51
« في: 13:58 20/04/2008  »
الولاية 51

ترجمة الدكتور ثائر البياتي
thairalbayati@yahoo.com

عنوان المقالة هو عنوان الفصل الأخير من كتاب، مستقبل الحرية، والديمقراطية غير الليبرالية داخل وخارج الوطن، المنشور عام 2003 ، لمؤلفه الدكتور  فريد زكريا،  وفريد زكريا كاتب امريكي من أصل هندي، ولد في الهند عام 1964 ، من عائلة سياسية عريقة، انهى دراسته الجامعية في العلوم السياسية في الهند، ، واكمل دراسته العالية في جامعة هارفورد الأمريكية.  اشتغل في مجلة النيويورك تايمز والنيوز ويك العالمية، وكتب لصحف أخرى في الشؤون الدولية.  في عام  1999 اعتبرته مجلة اسكوير الأمريكية،  واحدا من ضمن  21 شخصية  مؤئرة في القرن ال 21.  وفي عام 2006  سمي واحدا من  100 شخصية مؤثرة،  من خريجي جامعة هارفورد.  ويتوقع بعض المحللين بمستقبل بارز له  في وزارة الخارجية الأمريكية.  لأهمية كتابه المذكور في فهم المشاريع الديمقراطية المطروحة للشرق الأوسط، ترجمت الفصل الأخير منه،  بتصرف، محافظا على الأفكار الأساسية فيه، مبينا ما حدث في العراق من وقائع تسند صحة تحليلاته السابقة.  وفي الختام حاولت التاكيد على بعض مقترحاته، عسى وان تكون فيها فائدة  لأصلاح ما فسد في العراق.

يبدأ الكاتب بقصة ظريفة حول حرب العراق، وقعت في نيسان من عام 2003 حين كانت قوات التحالف تتقدم داخل العراق، تشق طريقها بسهولة الى مدينة النجف الأشرف، في جنوب العراق قلب المنطقة الشيعية. هناك بجانب الطريق، وقف رجل  يراقب تقدم االدبابات والقطعات العسكرية ، ويلوح بيده  في علامات النصر للجنود القادميين، وفضول  مراسل النيويورك تايمس دفعه لمقابلة الرجل وسؤاله: لماذا يلوح للجنود القادمين؟  وماذا يتوقع من الأمريكان ان يقدموا له؟
 أجاب الرجل في ثلاث كلمات بنبرات الواحدة منها أعلى من الأخرى:  الديمقراطية، الوسكي، والجنس.

 يقول المراسل: تسألت مع نفسي، وقلت: ليس من الصعب تقديم  الوسكي والجنس، ولكن استقدام الديمقراطية الى المنطقة سوف يكون امرا صعبا.  فالناس يفتقرون للثقافة الديمقراطية في المنطقة، وتعلم الممارسة  الديمقراطية، وتهيئة الظروف الملائمة لها يستغرق وقتا اطول مما يتوقعه  كثير من الناس.

بعد ان انهى الجيش الأمريكي العمليات الحربية الكبيرة بنجاح ، كان يبدو ان اميركا بأمكانها ان تجعل العراق مكانا افضل مما كان عليه سابقا، وخاصة اذا علمنا ان دكتاتورية صدام لم تترك جانبا من جوانب الحياة في العراق الا واساءت اليه. فاذا كانت الحكومة العراقية  القادمة لا تمارس التعذيب ولا تستخدم الغازات السامة ضد مواطنيها، ولا يستمر الأضطهاد ضد الشيعة والأكراد ، ولن تذهب حصة الأسد من واردات النفط للجيش والمخابرات، عند ذاك يكون النظام أفضل مما كان عليه في العقود الثلاثة الماضية. ولكن تبقى مسألة ممارسة الديمقراطية  موضع الشك والتساؤل. 



الخطر والفرصة
يصبح  الهدف الأمريكي من احتلال العراق،  اكبر بكثير مما هو عليه حين تكون الدعوة لخلق ديمقراطية حقيقية ودائمة، ليس في العراق فحسب، بل وانما في الدول العربية والأسلامية، التي ترزخ تحت نظم  دكتاتورية . والهدف الأمريكي في تحقيق  الديمقراطية في العراق، هو اكبر مشروع خارجي،  تتحمل الأدارة الأمريكية مسؤوليته، منذ أجيال طويلة.  فواجب بناء الديمقراطية  وخلق الثقافة السياسية الحديثة، وتغيير العقلية العراقية هي أمور معقد لا تتم بسهولة. واذا كان بالأمكان استخدام  الثورة التقنية في الألة العسكرية، وتحقيق النجاحات الحربية السريعة، الا ان الدعوة للديمقراطة الحقيقية  تبقى بحاجة الى وقت طويل، وأساليب تقليدية.  واذا كنا نريد نجاح مشروعنا الكبير، يجب ان نلبي متطلبات الواقع،  ونقر ان لأميركا  ولاية هي جديدة ، الولاية 51، نسميها العراق.

كرر الرئيس جورج بوش مرارا، ان اميركا ستساعد في اعادة بناء واعمار العراق، وستسلم السلطة للعراقيين بأقرب فرصة ممكنة،  لعدم رغبتها في البقاء طويلا كقوة محتلة،  الا ان تحويل السلطة للعراقيين بحاجة الى وسيلة واسلوب، ووقت كافي . فتجارب العالم في التحولات الديمقراطية تبين ان نجاح الديمقراطية عموما لا يتم بسهولة. وفي حالة العراق خاصة، لا يتم النجاح  الا اذا توفر نوع من السيطرة الواسعة لأميركا او لقوة دولية بديلة داخل العراق لسنين طويلة، تتمكن خلالها من احلال التوازن في المجتمع، ونشر الثقافة الديمقراطية. اذ من الممكن ان تتحقق الأنتخابات النيابية  وتسلم السلطة للعراقيين وتنسحب أميركا. ولكن تلك الأنتخابات لوحدها لا تحقق الديمقراطية.

 فالعقد الماضي شاهد تحولات ديمقراطية سريعة لدول مختلفة ، سرعان ما تهاوت وادت الى نتائج عكسية.  فالرئيس الروسي فلادمير بوتن وصل الى الحكم عن طريق الأنتخابات، ولكنه سرعان ما تخلص من معارضيه، واجهض سلطات الحكم، واسكت الصحافة الحرة، واصبح حاكما شبه مطلق. وفي فنزولا تم انتخاب الرئيس شابا  هوكو، كزعيم للأغلبية من الناس، لكنه سرعان ما  تحول أيضا الى دكتاتور وجعل الأقتصاد  الفنزولي في ادنى مستوياته.  وحدث نفس الشيء في البوسنة، حين تم التاكيد على العملية الأنتخابية بالدرجة الأولى، فأصبح الناس متعبين، وملوا من تكرار عمليات التصويت. كان من الأفضل ان يكون التركيز  على محاربة  الجريمة المنظمة، الفساد الأداري والسرقات والرشاوي التي تعطل حياة المجتمع الطبيعية، وعدم تشجيع قدوم الأستثمارات الأجنبية، وكان يجب ان يكون الأهتمام في بناء القانون وخلق الاقتصاد  والنظام السياسي الحر، وتطوير مؤسسات المجتمع المدني واعادة ثقة المواطنين في اجهزة الشرطة والمحاكم. الأمر الذي لم يتم في تلك الدولة بشكل صحيح، لكي تدوم  وتتطور العملية  الديمقراطية .

الثروة النفطية
أشار نائب الرئيس الامريكي دك جيني وشاركه في الرأي كثير من اعضاء الأدارة الأمريكية، ان الأحتياط النفطي العراقي،الذي يعد الثاني  في العالم، هو الرصيد الكبير لبناء الديمقراطية في العراق. ورغم ان هذه التصريحات السياسية تبدو منطقية ومشجعة، الا ان العكس هو أقرب الى الصحة. فعدا دولة النروج ، جميع الدول النفطية في العالم تحكمها أنظمة مستبدة دكتاتورية، ولم تتمكن الثروة النفطية في هذه الدول من المساهمة في احداث التغيرات الديمقراطية .  وان الأمر ليس صدفة، فالثروة النفطية الجاهزة كالموارد الطبيعية الأخرى، لا تساهم في خلق رأس المال، ومنظمات المجتمع المدني، ومن ثم الديمقراطية، بل قد تشارك  في  عرقلة العملية الديمقراطية. دعني أسمي الدول النفطية، دولا ممونة بالمال المؤتمن " trust- fund states" بسبب ان المال السهل يجعل العمل الشاق غير ضروري لخلق المجتمع المتحضر.  وهذا لا يعني ان على العراقيين الحريصين  على بناء بلدهم ان يغلقوا ابار النفط  ويهملوا مواردهم الطبيعية، ولكن من اللازم  تحديد درجة التخريب التي تصيب تطور الحياة السياسية والأقتصادية بسبب تأثير الثروة النفطية سلبا عليها. هذا العمل ليس صعبا اذا كان بالأمكان اٍنشاء  بنك اٍئتمان ناجح.

مفتاح النجاح في العملية الديمقراطية في العراق هو أبعاد الثروة النفطية عن سيطرة الدولة. وقد يتم ذلك عن طريق خصخصة القطاع النفطي، ولكن تمركز الأبار النفطية في العراق في اماكن محددة كالمناطق الشيعية في الجنوب  والكردية والتركمانية في  الشمال، وانعدامها في مناطق السنة، ستخلق صراعات أثنية وطائفية، كما حصل في نيجيريا. والخصخصة قد تثري مجموعات محددة من الناس، دون سواها، وتساهم في خلق الفساد الأداري وزيادة السرقات، كما حدث في روسيا.  وهنا يكون من المفيد دراسة التجارب الناجحة  في السياسة النفطية، مثلما هي في ماليزيا.

ويبقى الحل الأفضل للعراق هو اٍنشاء بنك الأئتمان الوطني، لتودع  فيه جميع واردات النفط ، وتخضع لرقابة مالية دولية ويتم التصرف بمواردها المالية في جوانب محددة، كالتعليم والصحة.  ومن الممكن الأستفادة  من الخبرات الجيدة للبنك الدولي في هذا المجال، كما حصل في تشاد، الدولة الأفريقية النفطية الصغيرة. ان تجربة توزيع الثروة النفطية في الأسكا مباشرة على المواطنين، من دون تركها بيد الحكومة، ساعد على الحد من السرقات وتفشي الفساد الأداري ، وجعلها من انجح تجارب العالم.  هذه هي بعض طرق اصلاح البلدان، وتوزيع الثروات الطبيعية بشكل عام، والتي كانت اساسية في النهوض بالديمقراطية في اليابان،  ومعظم المجتماعات الزراعية.

فبنك الأئتمان المقترح للثروات الطبيعية  العراقية،  يكون اشبه بحساب الراتب التقاعدي، تودع  الاموال فيه، لتستثمر في  سوق التجارة العالمية، بفوائد ربحية، ولا  تبذر الأموال مباشرة في شراء المواد الأستهلاكية والكمالية.

المعوق الثاني الذي يجابه التحولات الديمقراطية في العراق ، والذي يمكن ان يكون عامل قوة أيضا،  هو الأختلافات الطائفية والأثنية. ان التجربتين الناجحتين في التحولات الديمقراطية في العصر الحديث، المتمثلتين في المانيا واليابان،  تتميزان  في كونهما، كانتا في دولتين ذات قاعدة صناعية متينة، والأهم من ذلك هو تجانسهما القومي. فعدد سكان العراق المقدر ب 27 مليون نسمة، يتوزع بنسبة، 15-20% من السنة، و15- 20% من الأكراد، وحوالي 60% من الشيعة، أضافة للتركمان والمسيحيين والأقليات اخرى. ورغم هذه الأختلافات الأثنية،  وتوزيع الثروة النفطية غير العادلة، قد تفتح بابا للصراعات، من جانب، الا انهما  قد يكونان الأساس المتين لقبول الأخر، لغرض العمل والبناء،  بسبب المصير المشترك، وعندها تكون رصيدا  للديمقراطية.

ورغم ان صدام حسين كان علمانيا، ومنع الترويج للقبلية والطائفية بأعتبارهما قيما رجعية، وكان العراقي لعقود طويلة، قبل حكم صدام،  يفكر بانه عراقي قبل ان يكون مسيحيا او مسلما،  سنيا أو شيعيا، عربيا أو كرديا، أو تركمانيا،  الا ان السنين العشر الأخيرة من حكمه شاهدت تصاعدا في النعرة العشائرية والطائفية، لأسباب مختلفة، اهمها  ضعف الحكومة، وشعور الناس بالأمان عند اللجوء للقبيلة والطائفة. وان ضعف الحكومة، جعلها تغض النظر عن امتداد الحركة الوهابية السنية المتطرفة الى داخل العراق، املا  في الموازنة الطائفية. كما وان فشل حكم صدام الأشتراكي العلماني، المتشبه بالنموذج الغربي ، جعل كثيرا من المسلمين يفكرون ان الحكم الأسلامي  هو  البديل المنقذ، فزاد الحماس الديني، وكثر الأرتياد الى الجوامع والمساجد، التي لم يتمكن  صدام حسين من تهميشها، مثلما حدث مع التجمعات الأخرى.

ان الأنتخابات تستدعي من السياسي،  التنافس للحصول على الأصوات، ففي  المجتمعات التي تفتقر لثقافة قبول الغير، تكون الطريقة السريعة والسهلة للحصول على الدعم والأصوات الأنتخابية، هي العودة الى انتماءات الناس الأساسية، كالدين أو القومية والعشيرة، ما ينجم عن ذلك  فوز عناصر من  طائفة معينة، واقصاء طائفة أخرى عن السلطة، وعندها تكون المعارضة متطرفة، يصاحبها العنف. وهذا ماحدث فعلا في العراق، فبرزت الأحزاب الطائفية، سنية او شيعية، وتم اللجوء للمساجد والجوامع والملالي  لكسب الأصوات، ونشطت الأحزاب القومية، كردية، تركمانية واشورية، لنفس الأسباب. وتصاعدت نشاطات المليشيات التابعة للأحزاب الرئيسية.

من مستلزمات الديمقراطية، اختيار نظام حكم مناسب للشعب، ونظام انتخابي ملائم للأختلافات في المجتمع، وكتابة الدستور والتصويت عليه. فحين يكون الحكم الفدرالي اكثر ملائما للأختلافات  العراقية، يجب ان لا تقسم الأقاليم على اساس قومي أو طائفي. ويجب ان توزع سلطات الدولة بشكل منصف، مع مراقبة اعمالها. والنظام الأنتخابي يجب ان يضمن مشاركة جميع المكونات الأساسية في الحكم. والدستور يجب ان يراعي الجميع بشكل متساوي ، ويبعد مكونات المجتمع عن الصراعات والمنافسة غير المشروعة.   

السلطة والشرعية
بعد ان تم احتلال العراق، كان تصور الأدارة الأمريكية انها  تستطيع اعادة أعمار العراق بسرعة ، وخاصة البنى التحتية، مع تقديم الخدمات العامة للناس. واذا سارت الأمور السياسية بشكل معقول  ، تتمكن بوقت قصير من تحويل السلطة للعراقيين وكان كثير من السياسيين العراقيين يرغبون  بأستلام السلطة سريعا، لكن بمراجعة تجارب التاريخ، والتدخلات الأمريكية في البوسنية وكسفو وافغانستان، نلاحظ  ان الحاجة الواقعية كانت تتطلب بقاء القوات العسكرية والمستشارين السياسيين  لوقت أطول في هذه البلاد،  والعراق ليس استثناء، ان لم يكن اكثر تعقيدا.

كان  تحويل السلطة للعراقيين امر لا بد منه،  ولكن في واقع الحال لمن تسلم السلطة؟ فأختيار أي مجموعة سياسية يعني أقصاء مجموعة أخرى. فالأختلافات بين المجموعات العراقية كبيرة، وقليل من الوقت غير كاف لأيجاد ارضية العمل المشتركة بينهم. وكان واضحا ان الأمور سوف لن تسير بسلام وامان في تسليم السلطة للعراقيين، الا بوجود قوة  كبيرة، تمتلك السلطة والشرعية، لتتمكن من خلق الموازنة بين القوى المختلفة. وكان تركيز اميركا  كليا على القوة والسلطة، متجاهلة مسالة الشرعية، التي كان يمكن ان تتم بتدخل دولي او من خلال وسائل دبلوماسية في العمل. تلك الشرعية التي اعتقد الأمريكان مخطئين ان تحريرهم للعراق سوف يكفي لضمانها . فذلك الوهم كان ناتجا عن الشعور بنشوة النصر، التي لم تاخذ بنظر الأعتبارتجارب التاريخ . فأمريكا وحليفتها انكلترا،  لم تأتيا الى العراق، ومنظقة الشرق الأوسط  بوجه ناصع،  فالعرب يعتقدون ان هذه الدول تساند حكامهم الطغاة، الذين يغيرونهم متى ما ارادوا، يسيطرون على الأنتاج النفطي، ويساعدون اسرائيل دون قيد وشرط،،  والأهم من ذلك انهم كانوا قوة عظيمة في التاريخ، واليوم  هم  دول ضعيفة مشتتة، تحت رحمة أعدائهم .ان المرجع الديني السيد علي السيستاني مثل الشرعية  في عملية نقل السلطة للعراقيين قبل اوانها.  فالأمريكان استندوا على قدراته  في التاثير على الناس، وتهدئة الامور وخلق التوازنات بين القوى المختلفة.

كان المثال الكبير لدور السلطة والشرعية  في التغيير والتحضر، في الشرق الأوسط ، ما حدث مع كمال اتاتورك في تركيا، فسلطته تمثلت في كونه قائدا عسكريا، ضمن ولاء الجيش،  وشرعيته جاءت من وطنيته التي لم ينافسه احد عليها، فرغم انه كان متاثرا في الغرب، الا انه كان يحاربهم في يد،  ويجري التحولات الغربية في يد أخرى. وفي حالة العراق من الصعب التكهن بمن سيحكم العراق في السنيين القادمة، ولكن من الضروري ان يكون شخصا يكسب شرعيته من الوطنية، ويكسب ثقة الغالبية.  وسيخطو العراق خطوات ديمقراطية، وتؤلف حكومة ، ولكن هذا لا يعني نجاح الديمقراطية في العراق. وعلى اميركا ان تساعد العراقيين في مشروعهم، ولكن تبقى السواعد العراقية هي المسؤولة الأولى والأخيرة في بناء العراق الجديد.

يمكن  للمشروع العراقي ان ينجح اذا توفرت النية الصادقة في خلق النخبة الأصلأحية من الناس، التي كانت العامل الأساس في نجاح كل التجارب ، وما النجاح الذي حققته جمهورية اوتسوان الأفريقية،  الا بسبب تعاقب ثلاثة رؤوساء جمهوريات جيدين ومتمكنين في حكمهم لهذه الجمهورية. وليست هناك معادلة سحرية لخلق النخبة العراقية، الا ان العراقيين لا بد ان يستفيدوا  من  تجربتهم القاسية مع صدام حسين، فمثلما انفضت أوربا الشرقية، وتحولت الى الديمقراطية، كذلك يتمكن العراقيون من ان يتحولوا الى الديمقراطية لما  عانوه من دروس قاسية  في  الدكتاتورية.

   لكي يتحقق حلمنا  في عراق ديمقراطي حر مزدهر، ينبغي :-
•   دعوة الأحزاب الوطنية وكل الخيريين العراقيين لتبني مقترح الدكتور فريد زكريا، بأنشاء بنك الأئتمان العراقي، وايداع كل واردات النفط والموارد الطبيعية فيه، وجعله تحت مراقبة واشراف البنك الدولي، بعيدا عن تلاعب الحكومات العراقية المتغيرة ، ليكون التصرف بها بحكمة ودراية، بتوجيه من البرلمان العراقي. والمقترح يساهم في انقاذ البلاد من الصراعات العنيفة والفساد الذي ينخر في كيان الدولة والحكومة العراقية.

•   اعادة النظر في الدستور العراقي، ورفع كل ما يدعو للتفرقة والتمييزعلى اساس الطائفة أو القومية، بشكل مباشر أو مضموم . وتعديل الفقرات المتناقضة والمبهمة الخاصة في السياسة النفطية، بصدد تداخل صلاحيات الأقاليم والحكومة المركزية في الأستثمارات النفطية، تماشيا مع الأخذ بمقترح أبعاد الثروات الطبيعية عن صلاحيات حكومات الأقاليم او الحكومة المركزية، في ايداعها ببنك الأئتمان الوطني المقترح.

•   تبني دعوة الدكتور فريد زكريا، في دعم النظام الفدرالي في العراق الذي لا يستند على الأساس الطائفي أو القومي، بل  يعتمد التقسيم الجغرافي والأداري، الذي يعزز الديمقراطية والوحدة الوطنية، ولا يحاول اعادة تغيير التركيبة السكانية للمناطق كما يحدث في بعض مناطق العراق.

•   التقدير والأمتنان التام لدور الولايات المتحدة الأمريكية في عملية تحرير العراق. والعمل معها بوضوح على اساس المصالح المشتركة للبلدين ولفترة طويلة، اسوة بما حدث في اليابان في اعقاب احتلالها، واعتبار الولايات المتحدة الأمريكية السلطة المتمكنة لأحلال التوازن في العراق، والأجماع الوطني على ضمان الشرعية لهذه السلطة، لغرض انقاذ العراق وانجاح مشروعه الحر الديمقراطي وازدهاره،  وتوضيح ذلك للشعب العراقي مباشرة،  دون لف أو دوران.
•   العمل على انجاح مشروع المصالحة الوطنية، وقبول الغير، والأبتعاد عن اقصاء الأخريين، وطي صفحة الماضي وعدم  العودة لجراحاته.
•   أبعاد مؤسسات الجيش والشرطة والأمن الداخلي عن التحزب ، وجعل ولاءها للوطن  واقتصار واجبات الجيش لحماية الحدود، اشبه بما هو في الدول المتقدمة.


صفحات: [1]