عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - سعيد لحدو

صفحات: [1]
1
البطريك لويس ساكو... إن لا ماصت تاوت ككوا...!!

14-5-2023
سعيد لحدو

 

لكم أبدع المرحوم الشاعر الآشوري العظيم كيوركيس بيث بنيامين دآشيتا عندما سطر هذه القصيدة الحكمة وكأنه كان يتنبأ بالمستقبل الذي سيمر به شعبنا السرياني الكلداني اآشوري وكنائسه المتشرذمة حينما يقول في مطلعها: (إن لم تستطع أن تكون نجمة تشع لأمتك، فلا حاجة لأن تتحول إلى غيمة تحجب النور عنها). وزاد هذه الحكمة روعة أن لحنها الموسيقار المبدع نوري اسكندر وكانت من أجمل ألحانه، وغناها المطرب نينيب لحدو بأدائه الفذ وصوته الحنون. فزادت الحكمة روعة وجمالاً.
هذه الحكمة التي وردت من أحد أبناء هذه الأمة الغيورين على وحدتها ومستقبلها، تجسد بقوة سلوكيات الكثيرين من أبناء هذه الأمة ذاتها، من المهووسين بداء التشرذم وتكريس الانقسامات المذهبية، وتحويلها إلى قوالب جامدة تقتل وحدة الأمة وتطيح بمصيرهم إلى المجهول. ومن بين هؤلاء كثيرون من المدنيين الذين لم يعوا تاريخهم الممتد لآلاف السنين في عمق الزمن. وقد نعذرهم. لكن حين يأتِ من يحتل أعلى منصب روحي في الكنيسة في مكانة البطريرك لويس ساكو، ويقوم بدور تلك الغيمة التي تحجب نور الحقيقة في حياة وفكر الناس العاديين الذين يكنُّون لموقعه الروحي كأعلى سلطة في الكنيسة الكلدانية، كل الاحترام والتبجيل. هذا يجعلنا نتساءل بقوة عما يقصده البطريرك ساكو من كل سلوكياته المثيرة للحيرة وآلاف علامات الاستفهام عن الهدف.
 هذه السلوكيات التي تأتي بمناسبة وبغير مناسبة وهي تعمِّق الشرخ بين طوائف شعبنا وكنائسه. وتغرز إسفين الفرقة والعداء بين أبناء الشعب الواحد، ناهيك عن التنكر ومعاداة تراثنا وثقافتنا ولغتنا وقيمنا التي هي هوية ومفخرة هذا الشعب عبر التاريخ، من خلال حملة التعريب والتغريب التي يقودها جلالة البطريرك الذي أُؤتمنَ على هذا التراث والتاريخ الذي يجله العالم أجمع وينظر إليه باعتزاز وإعجاب، باستثناء البطريرك ساكو نفسه الذي يسعى بكل جهده إلى تجريد هذا الشعب من انتمائه وتراثه وهويته الحضارية. وإلباسه ثوباً مستعاراً لا يليق.
لقد تنكر لويس ساكو لماضي أسلافه من أعظم البطاركة والمطارنة المتنورين والمخلصين من أبناء الكنيسة الكلدانية أمثال توما أودو وأوكين منَّا ومار روفائيل بيداويد الذي قال جهاراً وبتصوير فيديو: أنا آشوري كقومية لكن ديني كاثوليكي وطائفتي اسمها طائفة كلدانية. وغير هؤلاء الأعلام ممن أناروا سماء الكنيسة الكلدانية والأمة أجمع بروحهم الجامعة وعقولهم النيرة وكتاباتهم المعززة لروح الشعب السرياني الكلداني الآشوري  وثقافته وتراثه العريق. وسعى ومازال يسعى لأن يجعل من الطائفة أمة. ولا يكتفي بذلك بل يجرد هذه الأمة التي يصنعها، من كل ما يميزها من تراث وثقافة ولغة وتاريخ، ليجعل منها مسخاً مجرداً من أية هوية. وهذا الرسم البياني يوضح هذا التسلسل التاريخي لشعبنا.
 
 
لقد كنا حقاً في بدايات التاريخ البشري مجموعات بشرية بتسميات متنوعة، لكننا، وعبر آلاف السنين من التفاعل والتكامل الحضاري، توَحَّدنا باللغة والجنس والاسم. ومع اعتناقنا المسيحية وبداية الخلافات المذهبية تحولنا إلى كنائس مختلفة بتسميات متنوعة، لكنها تستند إلى الإرث الحضاري الواحد. ولا عيب في ذلك بل هو مفخرة لنا أن تكون لنا حضارة عمرها آلاف السنين فمن الطبيعي أن نحمل عدة تسميات كل واحدة منها تشير إلى مرحلة تاريخية محددة من حضارتنا تلك. وأجد هنا من الضرورة العودة مرة أخرى إلى الحكمة التي أطلقها شاعرنا بيث بنيامين لنقول: 
(إن لم تستطع أن تكون نجماً مشرقاً في سماء الأمة، فلا حاجة بك لتكون غيمة تحجب النور عنها)   

2
عندما يغادرنا مبدعٌ كالموسيقار جورج جاجان
بقلم سعيد لحدو
تعود الموسيقا السريانية بجذورها إلى حضارة مابين النهرين وطقوسها الدينية والمهرجانات التي كانت تُقام في تلك المناسبات الطقسية والتي كان أبرزها عيد الأكيتو (رأس السنة اللآشورية البابلية) فقد كانت الاحتفالات به تدوم (12) يوما، حيث تسير مواكب الآلهة التي كان سكان مابين النهرين يتعبدونها آنذاك مترافقة على إيقاع الموسيقا والترانيم الدينية.
بعد سقوط الامبراطوريتين الآشورية ومن ثم البابلية في القرن السابع والسادس قبل الميلاد، استمرت تلك الاحتفالات مع ما كان يرافقها من موسيقا دينية وشعبية، على المستويين، الشعبي عامة وكذلك على المستوى الرسمي في الممالك شبه المستقلة التي قامت فيما بعد على أنقاض الامبراطوريات الغائبة، كمملكة حدياب والحضر والرها، وأيضاً في الممالك الآرامية الأخرى العديدة التي نشأت في سوريا وشمال مابين النهرين في الألف الأول قبل الميلاد.
مع بداية تحول سكان سوريا ومابين النهرين إلى المسيحية في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، لم تجد الأفكار الدينية الجديدة اختلافات كبيرة في المعتقدات الوثنية في هذه المنطقة لأن تلك المعتقدات كانت قد تطورت خلال الألف الأول قبل الميلاد إلى التثليث ومنها إلى الإله الأكبر الأوحد. وبناء على ذلك فقد مورست كثير من الطقوس الوثنية القديمة بغلاف مسيحي وبتعابير ومسميات مسيحية، ليشمل ذلك حتى أسماء المجموعات البشرية التي أبدعت وبنت أعظم وأقدم حضارة في التاريخ البشري. فتخلى الناس طواعية عن أسمائهم الأصلية مثل آشور وكلدو وأرام، واعتمدوا الاسم السرياني بدلالاته المسيحية، ولكن بدون أن يتخلوا عن موروثهم الحضاري التاريخي بمضامينه وتعبيراته  الثقافية والفنية الإنسانية التي وجدوها متوافقة مع الدين المسيحي الجديد الذي اعتنقوه. وشكَّل ذلك التحول افتراقاً بالاسم واستمراراً بالمضمون.
لقد كانت الموسيقا من أبرز تلك الطقوس التي حملها السريان كإرث إنساني. ومن أهم دلالاتها تلك القيثارة السومرية التي تم اكتشافها في جنوب بلاد الرافدين، ويعود تاريخها للقرن الخامس والعشرين قبل الميلاد. فكان لابد من استمرار هذا النوع من التعابير الطقسية والإرث الشعبي، وهكذا سارت الموسيقا جنباً إلى جنب مع التعبير الديني الجديد. فجاء برديصان الفيلسوف والشاعر والموسيقار الأبرز وهوالحديابي الأصل المولود في الرها في أواسط القرن الثاني الميلادي، والدارس لعلم التنجيم في منبج ومن أوائل المؤمنين برسالة السيد المسيح، ليضع، ومن بعده أيضاً ابنه هرمونيوس، الألحان والأناشيد الدينية كي تُتلى في المناسبات الدينية والشعبية. وقد حازت تلك الأناشيد على شعبية كبيرة استمرت حتى القرن العاشر الميلادي، رغم محاربة الكنيسة له فيما بعد باعتباره مهرطقاً وخارجاً على تعاليمها.
استمر الإرث الموسيقي في الكنيسة السريانية في عهد القديس مار أفرام الذي أخذ ألحان أناشيد برديصان الحائزة على شعبية كبيرة واستبدل كلماتها بأشعار جديدة من تأليفه لتكون متوافقة مع المعتقدات الكنسية المتفق عليها. وهكذا استمرت تلك الألحان مع ألحان جديدة كثيرة أضافها مار أفرام نفسه وكذلك القديس يعقوب الرهاوي وغيره من آباء الكبيسة السريانية في القرون التالية.
مع نهاية القرن السابع الميلادي توقفت حركة التطوير والتجديد في الموسيقا السريانية لتنحصر في إطار التراتيل الكنسية بوجه عام. وقد استمر الحال هكذا، (باستثناء بعض الأغاني الفولكلورية)، حتى أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين عندما بدأ أتباع الكنيسة الشرقية باستخدام الموسيقا لاحتفالاتهم ومناسباتهم المدنية أيضاً إلى جانب الكنسية، وتبعهم أبناء الكنيسة السريانية الغربية بعد ذلك مع دخول النصف الثاني من القرن العشرين عندما بدأت الأغاني ذات الكلمات التي احتوت على مضامين القومية والوطنية والكنيسة واللغة والطبيعة من أشعار الملفان نعوم فائق وآخرين غيره، لتتطور بعد سنوات قلائل إلى المفردات العاطفية وتمجيد الحب والجمال.
في هذه المرحلة برز الرواد الأوائل للأغنية السريانية الحديثة من كتَّاب مثل دنحو داود وأبروهوم لحدو ونينوس آحو، ومن ثم تبعهم جورج شمعون وشابو باهي. كما برز موسيقيون كان رائدهم الموسيقار الكبير كبرئيل أسعد ثم بول ميخائيل وجورج جاجان والموسيقار المبدع نوري اسكندر ونديم أطمجه من الأوائل في هذا المجال، إضافة إلى عائلة سلمون الموسيقية، ومطربين أسسوا للأغنية السريانية الحديثة منهم يوسف شمعون وأيفلين داود وجليل معيلو وجان كارات وحبيب موسى الذي لم يكن قد تجاوز الخامسة عشرة من عمره عندما غنى أغنية (شامو مر) عام 1968 التي اشتهرت كثيراً حينها. ثم صدرت في العام التالي مجموعة أغان جديدة من ألحان جورج جاجان. ثم صدر كاسيت آخر في العام التالي للمطرب جليل معيلو أيضاً من ألحان جورج جاجان.
في العام 1975 برع الموسيقار جورج جاجان مرة أخرى بتسجيل كاسيت جديد من ألحانه غنى فيه مجموعة من أشهر المطربين السريان في الجزيرة السورية بينهم جان كارات وفريد يوسف والياس ضوميط، الذي بدل اسمه لاحقاً ليصبح الياس كرم. وكان عمره آنذاك خمسة عشر عاماً بأغنيته الشهيرة (تدأو عابيرينا).
استمر الموسيقار جورج جاجان بإبداعاته الموسيقية بدون توقف وألف عشرين لحناً جديدأ ليتم تسجيلها بدعم وتمويل من المنظمة الآثورية الديمقراطية وصدرت عام 1988 بكاسيتين تم تسجيلهما بدمشق وغنى فيهما الياس كرم والياس كورية وعزيز صليبا. وقد اشتهر من بين تلك الأغاني (عاتق أو تانوريذَخ، وطاويعو إي شمشايو وعال ياد دقلث ولمَّت لي فوش بشلومو).
في الأعوام التالية لإصدار هذين الكاسيتين تحول الموسيقار جورج جاجان إلى الالتزام الديني وبدأ شغفه في الموسيقى يخبو شيئاً فشيئاً بسبب التوجه الديني الذي بات يقوى عنده وتوِّج ذلك برسامته كاهناً، وعندها توقف نهائياً عن التلحين. وباءت بالفشل كل المحاولات لإقناعه بالعودة إلى التأليف الموسيقي إلى جانب دوره ككاهن ، وذلك بغية الاستفادة من تلك الموهبة الخلاقة التي تميز بها في هذا المجال وبخاصة تلك الألحان العذبة التي لحنها خلال مسيرته الفنية السابقة والتي ارتكزت على الموسيقا الكنسية التي تشربها منذ الصغر كشماس في الكنيسة السريانية.
لقد خسر السريان بشكل خاص والموسيقا عامة مبدعاً فذاً ومؤلفاً موسيقياً من الطراز الرفيع برحيل الأستاذ والأب الروحي الموسيقار جورج جاجان الذي عمل طوال أكثر من ثلاثة عقود متواصلة على بناء قاعدة قوية ومتماسكة للأغنية السريانية الحديثة في سوريا نشأ على أنغامها الشجية جيل من الشباب والشابات المؤمنين بأمتهم وتراثها الحضاري وموسيقاها التي عبرت منذ بداية التاريخ البشري عن أحاسيس الإنسان ومكنوناته ومشاعره في كل مناسبة. وسيبقى عزاؤنا وأملنا الكبير بمن يعيش بيننا اليوم من موسيقيين سريان بارعين وملهمين من أمثال المبدع الكبير الأستاذ نوري اسكندر والموسيقار وعازف العود الفذ موسى الياس والدكتور أبروهوم لحدو....وغيرهم، ممن لا يزالون يعملون بكل حرص وجدية وحماس ليظلوا معطائين وخلاقين ومجددين في الموسيقا السريانية الحديثة.

3
المنبر الحر / (غودو) الحل السوري
« في: 19:50 28/01/2016  »
(غودو) الحل السوري
27-1-2016
سعيد لحدو

مع تصميم القوى الفاعلة في الملف السوري ومبعوث الأمم المتحدة السيد ديمستورا على بدء المحادثات في جنيف في التاسع والعشرين من هذا الشهر بين وفد النظام ووفد المعارضة، تبرز الكثير من إشارات التعجب والاستفهام في آن معاً حول من؟ وكيف ؟ فيما يتعلق بالأشخاص. وأكثر بكثير من ذلك وتلك الإشارات تساؤلات حول الطريقة والهدف والمآلات التي يمكن أن تنتهي إليها تلك المحادثات، إن قُدِّرَ لها أن تنتهي إلى أي شيء ينعكس إيجاباً على حياة ومستقبل الشعب السوري المكتوي بنار الصراع منذ قرابة الخمس سنوات.
ولكي لا ننسى ما يعرفه الجميع، فقد بدأت كثورة شعبية سلمية ضد الاستبداد والظلم من نظام جعل الفرد والعائلة مرتكزاً لكل سياساته. فتم تحويلها مع تطور الأحداث، وبقدرة قادر مدرك، إلى حرب طائفية تسيَّدها زعماء العصابات القدامى منهم وحديثي النعمة، الذين بات همهم كما كان دائماً، السلب والنهب والتشفي، مدفوعين بدوافع مختلفة ليس للوطن فيها من نصيب.
كانت مواجهة بين شعب ثار من أجل الحرية والكرامة ضد نظام سلبه كل وسيلة للعيش الكريم. فتم تجييرها لمعركة ضد الإرهاب والتطرف المولود بعملية قيصرية لتطال شروره الجميع. ولا بد والحال هذه، أن يتكاتف الجميع لمكافحته، بما فيهم أبوه وأمه الشرعيان وغير الشرعيين. إضافة إلى كل المشاركين في عملية الولادة من أطباء وممرضين وحتى عمال النظافة في مشفى العاهات المستدامة في السياسة العالمية.
الحل السياسي السوري الذي يتحدث عنه الجميع ليل نهار، لا أحد يقصده بذاته، وإنما ما وراء هذا الحديث مقاصد وأهداف وغايات أخرى تختلف بحسب المتحدث ودوافعه. وحده الشعب السوري الذي يعي ويعني مايقوله بهذا الشأن، لم تتح له بعد الفرصة ليعبر عن وجهة نظره، بالرغم من أن الجميع يزعم بأن الشعب السوري هو الذي يقرر!!!
أمريكا وروسيا تختلفان فيحبس العالم أنفاسه. ويهمس المواطن السوري بألم: (الله يجيرنا من الأعظم). والأعظم يأتي عندما تتوارد الأخبار بأنهما اتفقتا..!!!!  وتنسحب تأثيرات هذا الاتفاق على الجميع. من يتجاوب معه فهو خاسر لا محالة، ومن لا يتجاوب أو يعترض... فخسارته أكبر!!!
ينطبق هذا الكلام على المعارضة السورية أولاً ، وينسحب تالياً على الدول التي وضعت نفسها في مصاف أصدقاء الشعب السوري بدرجات متفاوتة، دون أن تجد لها هذه الصداقة ترجمة حقيقية، تفرز نتائج ملموسة على الواقع العملي والسياسي في الساحة السورية. ففي الساحة العسكرية لم يستطيعوا، أو لم يرغبوا بتقديم الدعم اللازم والضروري للنصر. ولا في المجال السياسي تمكنوا أو رغبوا في معاضدة الشعب للتمكن من إقرار الانتقال السياسي المأمول، والتحول إلى نظام سياسي ديمقراطي يقرره الشعب عبر أجهزة يختارها بحر إرادته.
وفي الوقت الذي كان الأمريكان يبيعون الشعب السوري وقياداته المعارضه وزعامات الدول من أصدقائه أبلغ التصريحات، كانت التفاهمات تجري في السر وفي العلن بين الروس والإسرائيليين من جهة، وبين الروس والأمريكان من جهة أخرى، من أجل أن تتكامل الصورة. وبالطبع تزداد أهمية تلك التفاهمات بوجود التوكيلات الرسمية التي حملها الروس معهم من موكليهم النظام وحلفائه مع التعهد باتخاذ خطوات وقرارات مستقبلية مريحة طال انتظارها من قبل إسرائيل.
منذ بدء انطلاق الثورة السورية، مروراً بجنيف 1 و2 وصولاً إلى فيينا 1 و2 أيضاً، وكل قرارات مجلس الأمن الدولي التي ارتكزت على إعلان النقاط الست لكوفي أنان، تأتي اليوم الدعوات لمباحثات جنيف 3 أو جنيف "حاف"، كما يحلو لديمستورا وصفه، لتعيد المغزول صوفاً، وتعيدنا إلى ماقبل زمن الثورة بمراحل. وكأن ماحصل في سوريا طوال خمس سنوات ما كان سوى عاصفة ثلجية عابرة ستبزغ شمس التفاهمات إياها لتذيب جليدها وتعود المياه إلى مجاريها.
عندما كان النظام على شفا السقوط بفعل المظاهرات السلمية، جرى تسليح الثورة!!! وعندما بدأت الثورة المسلحة تحقق انتصارات مهمة وباتت تأثيراتها تطال القصر الجمهوري نفسه، جرى التضييق عليها بالسلاح والذخيرة وحصرها في مناطق معينة لكي لا تتقدم أكثر. جرى ذلك بذريعة ضرورة التوجه لمفاوضات وحل سلمي بحجة إيقاف القتل وتوفير الدماء السورية. وعندما تجاوبت المعارضة مع الحل السلمي وذهبت لتفاوض، لم تكن هناك أية نية جدية ولا رغبة حقيقية للقوى العظمى المؤثرة، في الضغط على النظام للتجاوب مع الحل السلمي.
والآن تتم دعوة جديدة لمباحثات وليست مفاوضات، في ظروف جداً مؤاتية للنظام بعد أن وضع الروس كل ثقلهم العسكري إلى جانب النظام، برضى أمريكي واضح. فهل هناك أية فرصة مهما كانت ضئيلة لأي نجاح خارج مصطلح: (عفى الله عما مضى)؟
فإن كان هذا هو المراد من مباحثات اليوم، فلمَ كان كل هذا القتل والدمار والخراب والتهجير... والأخطر من كل هذا، تهديم وتخريب كل إمكانية في النفوس بين السوريين للعيش المشترك؟؟؟
النتيجة التي يمكن أن يخلص إليها أي مراقب لهذا الوضع هي أن الغاية الأساسية هي إدامة أمد حرب الآخرين على الأرض السورية أطول مدة ممكنة، حتى لا يبقى حجر على حجر. وتسعير وإدامة البغضاء والشحن الطائفي والعرقي والديني بين السوريين ماشاء ذلك المغامرون بالدماء السورية.
لقد سُئِلتُ مرة قبل قرابة سنتين ونصف، فيما إذا كان الهدف من هذه المأساة هو تقسيم سوريا؟ وكان جوابي أنني أخشى ما هو أسوأ من التقسيم. ودُهِشَ حينها السائل فرد قائلاً: وهل هناك ما هو أسوأ من التقسيم؟ فأجبت بلا تردد: نعم.
وها نحن نشهد اليوم ما لم يكن أشد المتشائمين يتوقعه في سوريا التي كنا نعرفها.
لقد انتظر السوريون طويلاً (غودو) الحل السوري بلا جدوى. فهلا أتيتم أيها السادة أصحاب المصالح والقرار بتوافقاتكم وحلولكم لتفرضوها وتريحوا هذا الشعب المغلوب على أمره من الأصدقاء قبل الأعداء من هذه المعاناة التي لم يعد يتحملها؟

4
الحرية طليقة والأحرار معتقلون
سعيد لحدو
14-12-2015
أربعة أيام أخرى ويكمل مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية كبرئيل موشي كورية عامين كاملين في الاعتقال لدى النظام بتهمة الإرهاب!!! هذه التهمة التي عزف عليها النظام معزوفته المملة طويلاً منذ إطلالة عصر الثورة السورية، كذريعة قانونية لترهيب وإسكات معارضيه وزجهم في السجون أو تغييبهم نهائياً. لقد  تجاوز النظام بذلك تهمة توهين نفسية الأمة التي درج عليها طوال السنوات العشر الأولى من حكم بشار الأسد عندما كانت المنتديات وإعلان دمشق ينادون بالتغيير الديمقراطي السلمي التدرجي، وزج وفقاً لهذه التهمة في المعتقلات الكثير من الوطنيين الذين باتوا رموزاً هامة للمعارضة السياسية السورية. فلم تكن لديه حينها أية ذريعة لتوصيفات أخرى حتى باتت تهمة توهين نفسية الأمة للمعارضين السياسيين مدعاة للسخرية والتهكم، لينتقل بعدها، ومع أول حراك سلمي معارض في أواسط آذار 2011 على إيقاع ماعرف بالربيع العربي، إلى تعبير المندسين كتمهيد أولي للانتقال إلى مصطلح "المجموعات الإرهابية" التي كان للنظام نفسه الدور الأساس في تأسيسها وإفساح المجال لتوسعها لتكون لديه الحجة القانونية في ضرب الثورة السورية. وقد نجح النظام بذلك نجاحاً باهراً بعد أن انساقت بعض الدول الإقليمية في هذا الاتجاه وساهمت في عسكرة الثورة لأهداف ومصالح خاصة بها أبعدت الثورة عن الأهداف التي قامت من أجلها، وسهلت للنظام دفع الثورة بالاتجاه الذي ابتغاه. فابتعد المناضلون المدنيون عن التأثير المباشر ليحتل مكانهم المسلحون من مختلف الجنسيات والاتجاهات والمشارب والتطلعات، من أقصى التطرف والإرهاب الديني إلى أقصى التماهي مع النظام وسياساته الطائفية. وهنا لم يعد مكان لسوريا وللسوريين في التعبير عن ذاتهم ومصلحتهم، بينما بات الغرباء يحتلون البلد ويتحكمون بمصيره.
إزاء هذا الواقع المستجد كانت ما تزال بعض المجموعات والشخصيات الوطنية تنشط في الداخل السوري لتعبر عن ضمير الوطن وهي ترفع راية الدعوة للحرية والكرامة الوطنية، والمجتمع الديمقراطي التعددي، بعيداً عن العنف والقتل والتدمير. لكن صدر النظام الرحب الذي فرَّخ ونشر المجموعات الإرهابية في كل مكان ليدعي محاربتها، كان صدره ذاك أضيق من أن يتسع لتلك الشخصيات السياسية الوطنية لأنه استشعر بأن خطرها أكبر بكثير عليه من خطر الإرهابيين. فمن السهل إقناع العالم (وهذا ماحصل فعلاً) بمحاربة الإرهاب الذي هو خطر على الجميع، بينما يشكل هؤلاء الوطنيون الشرفاء المتسلحون بالكلمة والروح الوطنية الخالصة، البديل الحقيقي لنظام ظلت سياسة القتل والتدمير والاعتقال منهجه المفضل للحكم وإخضاع الناس. ولهذا رأيناه كيف اعتقل مسؤول المكتب السياسي للمنظمة الآثورية الديمقراطية. هذه المنظمة التي تمثل التعبير السياسي عن المكون السرياني الآشوري المسيحي والأصيل في سوريا، والذي لايمكن ولا يقبل بأي حال أن يكون مناصراً للإرهاب والتطرف بأي شكل من الأشكال، لأنه أكثر الناس تضرراً منه. ومع ذلك لقد لوحق قياديوه من قبل النظام أكثر من مرة وأودعوا رهن الاعتقال وما زالوا.
لم يقتصر هذا الأمر على كبرئيل موشي كوريه وقياديي المنظمة الآخرين وإنما طال قياديين آخرين من المعارضة التي ينظر إليها باعتبارها قريبة من النظام وتتصف بالاعتدال المبالغ به من وجهة نظر مجموعات المعارضة الأخرى، أمثال عبد العزيز الخير ورجاء الناصر من هيئة التنسيق وآخرين كثر يعدون بالآلاف ممن لايعرف مصيرهم رغم مرور سنوات على اعتقالهم.
وإذا صدق زهران علوش بأن لاعلاقة له أو لأنصاره في اختطاف رزان زيتونة ورفاقها من المناضلين الحقوقيين، لن يبقَ أمامنا سوى أعوان النظام وأدواته في القيام بهذا الفعل الشنيع لتسويد صورة المعارضة المسلحة بعد تسليح حركتها المدنية السلمية. وهذه ستكون إضافة مميزة إلى سجل النظام وجرائمه بحق السوريين والحراك الثوري المدني.
ومن المثير للسخرية أن رأس النظام وفي مقابلة مع صحيفة صنداي تايمز قبل أيام قليلة ورغم كل ما أوردناه (وهذا غيض من فيض) يتنكر لوقائع يعرفها حتى الأطفال في معرض إجابته على سؤال مراسلة الصحيفة حول اعتقال معارضين سياسيين. والذي نشرته وكالة سانا الرسمية. فقد كان سؤال المراسلة:
"لكن.. هل تدركون أن بعض قادة المعارضة.. وأنا أتحدث عن شخصيات في المعارضة تعارض حمل السلاح وما إلى ذلك.. يخشون القدوم إلى سورية لأنهم حالما يصلون إلى سورية سيتم اعتقالهم من قبل رجال الأمن ويؤخذون إلى السجن.. وقد حدث هذا لآخرين…"
فكان جواب بشار الأسد..
"لا.. هذا لم يحدث أبدا.. هناك معارضة في سورية.. وهم أحرار في أن يفعلوا ما يشاؤون."
الغريب أن هذا الرجل، وبعد كل ماحصل بسببه وعلى يديه لسوريا وأهلها، مازال يتوهم بأنه بنى واحة للحرية والديمقراطية، في بلد ينعم بالأمن والسلام والرخاء!!! وفي هذه الحالة لابد أن يكون واهم كبير يعيش أحلام اليقظة التي يتخيلها وحده.
وإن لم يكن الأمر كذلك لابد أن يكون مصاباً بالانفصام الشديد عن الواقع ولا يدري مايدور حوله.
وفي الحالتين سيكون أفضل مايفعله هو أن يرحل بأسرع مايمكن ليتمكن السوريون من البحث عن سبيل يخرجهم من هذا الجحيم الذي أغرقهم فيه من يدعي الدفاع عنهم.
طوال مايقارب الخمسة عقود سمعنا كثيراً عن الحرية ورأينا هذه المفردة تتراقص في شعارات ورايات الاستبداد. وتنام وتستيقظ مع أجهزة إعلامه التي لاتنام. في حين كان الأحرار الشرفاء دائماً ومازالوا بعشرات الآلاف، نزلاء سجون النظام وغياهب معتقلاته سيئة الصيت.
الحرية ستبقى خارج الجدران لأنها أعظم من أن يحجز عليها. لكن المناضلين الأحرار هم من يمنحوها هذا المعنى النبيل بتضحياتهم داخل تلك الجدران حتى تتهدم منصاعة.     

     

5
العرس في فيينا والطبل في حرستا
سعيد لحدو
31-10-2015
سأل الكاهنُ، وفق طقس الزواج المسيحي، العريسَ أمام جمهور المدعوين في الكنيسة إن كان يقبل بالعروس زوجة له، فأجاب العريس بنعم. ثم جاء الدور على العروس وبعد السؤال التقليدي ذاته فوجئ الكاهن كما الجمهور بقولها: لا... لا أريده !!!!
تملك الكاهن أعصابه على هذه المزحة الثقيلة من العروس، والتي جاءت في غير مكانها ولا زمانها، فكرر عليها السؤال مرة ثانية بهدوء الواثق بعد أن نبه العروس بأن الوقت ليس وقت مزاح. فكان الاندهاش الأكبر عندما أجابته بكل جدية بأنها لا تمزح وهي لاترغب بالزواج من هذا الرجل. فانفجر الكاهن وصرخ منزعجاً: ولكن لماذا لم تقولي هذا قبل الآن؟
فكان جواب العروس: لأن أحداً لم يسألني رأيي من قبل، سيدي الكاهن.
لعل حال السوريين اليوم ليس أقل غرابة من حال العروس إياها، مع فارق جوهري أن لا العروس ولا العريس كانا حاضرين في حفلات الأعراس المتنوعة السابقة والآنيِّة وربما اللاحقة منها أيضاً، التي تعقد هذه الأيام في فيينا. بينما كان المدعوون، الذين دعوا أنفسهم بأنفسهم، في غياب كامل لأهل العرس، يقومون بالإجراءات والتنظيم والتحضير ويتفاوضون على شروط عقد الزواج بين بعضهم البعض بحرص شديد كي لا تفوتهم فائتة. ولقد أتحفتنا وسائل الإعلام الحديثة بكل أشكالها وأنواعها، الحاضرة منها والغائبة، بنقل وقائع حفلات الأعراس هذه لحظة بلحظة على إيقاع هدير طائرات الميغ والسوخوي وهي ترمي بباقات الورود وهدايا القيصر بوتين على المستشفيات والأحياء المدنية في حلب وحمص وحماه وإدلب ودرعا ودوما وحرستا وغيرها!!!
تلك الهدايا أرسلها بوتين قيصر روسيا الجديد أولاً: للتعبير عن رغبته الشديدة في إشراك السوريين بعرسهم، وفق الطريقة الروسية، باعتبارهم الغائب الوحيد عن مهرجان الأعراس السورية في فيينا، لأنه يعلم بعد المسافة ومشقات السفر إلى بلد أوربي.   
وثانياً: لإدراكه عدم امتلاك السوريين جوازات سفر أو أية أوراق نظامية أخرى تثبت شخصياتهم، لأنهم تركوا بيوتهم فجأةعلى أمل العودة القريبة ليفوزا بحصتهم من الهدايا التي أرسلها لهم بشار الأسد عربون محبة ووفاء من حليفيه الصدوقين قيصر روسيا وآية الله الإيراني طمعاً في الحصول على أصواتهم في الانتخابات التي أزمع لافروف على إجرائها قريباً في سوريا.
وثالثاً: وهو الأهم، انعدام الرغبة لدى الكثير من السوريين في معاشرة حوريات البحر لانعدام الثقة بقدرتهم على الإفلات من شباك حبها والوصول إلى الشاطئ الآخر للبحر (الأحمر) المتوسط، باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد للوصول إلى فيينا للمشاركة في حفلات الأعراس تلك.
وللمزيد من متعة المشاهدة كان التنوع والتعددية سمة بارزة لمهرجان حفلات فيينا التي أعدها القيصر بوتين مع أصدقاء الشعب السوري الأوفياء. حيث كانت إجراءات عقد القران، وكي لايهضم حق أحد، تعقد وفق الطقوس المتبعة لدى مختلف الأديان والمذاهب. فمن عقد القران العادي وفق الشريعة الإسلامية التي تسمح بالطبع بتعدد الزوجات، مثنى وثلاث ورباع. إلى زواج المسيار وزواج المتعة والزواج العرفي وغيره كلٌ بحسب الطريقة والمذهب الذي يؤمن به. وإذا أمعنا أكثر في واقع الفعل على الأرض وتأثيراته، سنفهم تماماً لماذا تم إحضار السبايا والغنائم ونكاح الجهاد كعناصر تشويق إضافية للمهرجان.
 ولم يغب بالطبع الزواج الكاثوليكي والزواج الأورثوذكسي والزواج البروتستانتي عن هذا المهرجان إن لم نقل أن مناصري هذا النوع من الزواج كان لهم موقع الصدارة في عموم المشهد. كما كان الزواج بحسب الطقس البوذي والبراهمي حاضراً على قلته. وللمزيد من التشويق والإثارة كان اللادينيون والمثليون أيضاً حاضرين رغم اعتراض بعض المدعوين وتذمر بعضهم الآخر من وجودهم. لكن لضرورة الإخراج المسرحي الناجح، والإمعان في التعددية والتنوع، كان لابد من كل هؤلاء.
لكن ما يلفت النظر أكثر في هذا المهرجان تلك الزيجات التي تم عقدها في من تحت الطاولة ومن خلف الستار باعتبارها السر المعلن الذي لم تغب معرفته عن أحد وإن غابت تفاصيله. منها مايتم التلميح إليه من قبل الأهل والأصحاب والمقربين، ومنها مايظل هلامي الملامح، يسمح بالتخمين بأقصى حدوده لكنه لا يقبل التأكيد.
العرس إذاً كان يجري الاحتفال به من قبل المدعوين الذين دعوا أنفسهم بأنفسهم في فيينا... بينما ظلت الطبول ، طبول الحرب ذاتها تقرع منذ أربع سنوات ونصف، في حرستا وباقي المناطق السورية البعيدة عن سلطة النظام وهيمنة داعش. في حين ظل الشعب السوري،كما هي حاله منذ أربع سنوات ونصف، يتراقص ألماً على إيقاع تلك الطبول بفعل الجمر الحارق تحت قدميه، وبراميل بركات الموت النازلة على رأسه بفعل عناية وعطف جمهورية إيران الإسلامية وقيصر روسيا المتيم بحماية الأقليات، ومكرمات بشارالأسد الموروثة والمجربة خلفاً عن سلف.

6
الدب الروسي في معرض الزجاج السوري
سعيد لحدو
15-10-2015
من المعلوم أن الدببة لا تتعاطى السياسة، وشهرة الروس في ألعاب السيرك وفنونها لم تكن يوماً انعكاساً لتجارب مدربيهم الفاشلين في ألعاب السياسة. لذا فإن استعارة القيصر بوتين ووزير خارجيته الأزلي لافروف لبعض بهلوانيات السيرك لاستخدامها في السياسة تعتبر قفزة خارج إجراءات الأمان التي تتخذ عادة في ألعاب السيرك.
الدب الروسي الذي سُحبَت قدمه إلى الشتاء السوري في غفلة منه، قد لاتطول به الأيام حتى يداهمه الإحساس بالغربة عن بيئته القطبية، بعد أن يصحو من غفلته تلك. ولقد قيل في المصطلح الشعبي السوري: (ياغافل إلك الله). لكن يبدو أن الله لم يعد يكترث لمن سكن أكثر من سبعة عقود في بيت الشيوعية الذي تداعى على ساكنيه بسبب التكاذب والنفاق والتعاظم المزيف، وما زالت أشباح ستالين وبريجنيف تداعب أحلام قياصرة روسيا الجدد ببناء أمجاد واهية على حساب دماء وحياة السوريين، ومستقبلهم. 
إعادة الحياة لعظام ستالين أسهل ألف مرة من إعادة الروح لمصطلح استعماري قديم سئمه الناس وكرهوه، وكرهوا أكثر وأكثر مستخدميه، ابتداءاً بدعاوى الاستعمار القديم وليس انتهاءاً ببشار وحماته الطامعين بـ (الحج والناس راجعة).
حماية الأقليات، الذريعة الواهية التي عاد إليها القياصرة الجدد بعد استفاقة متأخرة، هي سبب معلن لجلب الدب الروسي للكرم السوري. لكن ذريعة حماية الأقليات تلك لم تعد شعاراً يستوجب سوى السخرية والاحتقار لمستخدميه، وبخاصة إذا علمنا مافعلته روسيا الأورثوذكسية عبر تاريخها لمسيحيي المنطقة، الأورثوذكس منهم بشكل خاص، وهم يشهدون المذابح والقتل والتهجير على حدودها، ولم تحرك ساكناً. لا بل دعمت وساعدت القتلة بكل ما استطاعت. ومذابح المسيحيين الأورثوذكس الأرمن والسريان الآشوريين واليونان قبل مائة عام على أراضي الامبراطورية العثمانية لا تغفلها عين الراصد. وما يزيد الجرح إيلاماً أن تبارك الكنيسة الأورثوذكسية الروسية اليوم جهود المافيا الروسية-الأسدية في القضاء على ماتبقى من أحلام للشعب السوري في الحياة.
لن يُحسَد السيد دي مستورا على الحال الذي وجد نفسه عليها، وهو يخطط ويضع الأطر لتجسيد آماله في الحل السوري البعيد، عندما داهمه الدب الروسي ليقطع عليه خلوته وهو يتأمل بكل دقة تفاصيل معرض الزجاج السوري الهش، ليتحطم كل شيء في لحظة غير محسوبة. وليدرك الجميع كم كان الروس جادون في بحثهم عن أرقام متسلسلة جديدة لمؤتمرات موسكو المتقادمة بفعل سياسة الدببة تلك. فهل علينا أن نتمعَّن بما خلفه الدب الروسي وراءه من خربطة أوراق كان الوضع السوري بغنى عنها في ظل التداخل والتعقيد والحساسية التي تميزت بها الحالة السورية أصلاً.
ليس بعيداً عن ملاعب الدب الروسي تلك، جرَّبت إيران العمامة تلو الأخرى من آياتها المعصومة علَّها تضفي شيئاً من القداسة على درر سياساتها البعيدة، لكنها لم تكن يوماً أبعد عن مكة مما هي عليه اليوم. فهل ستكون مخالب الدب الروسي أقدس من كل تلك العمامات لتقربها ولو قيد أنملة؟؟؟
ولعل القريب الأبعد هو هذا العجز العربي عن ،الفعل رغم القدرة، بإلقاء شبكة المصالح لتقييد الدب الروسي بها وإبعاده ولو إلى حين عن معرض الزجاج السوري القابل للكسر عند كل صدمة غير محسوبة.
يبقى الدور الأهم للمايسترو الذي أعطى الأدوار ووزع المهام مسبقاً، والذي بات همه الأكبر الآن السهر على حسن التزام كل لاعب بدوره المرسوم له غير مكترث بآلام الشعب السوري المتوجع حتى الموت في هذه التراجيديا الإنسانية.
أما الرابح الأوحد والذي لم يستثمر فلساً واحداً في كل هذا المهرجان المسرحي فهو كما هي الحال دائماً، دولة إسرائيل (الشقيقة)!!! 
 
 

7
قلق العالم هو مايقلق السوريين

سعيد لحدو

15 أيلول 2015
أوباما قلق من التحرك الروسي الجديد في سوريا ويقول بأن هذا التحرك محكوم عليه بالفشل، لكن الدب الروسي مستمر في اكتساحه للبيت الزجاجي السوري وتدمير وتهجير ما تبقى ومن تبقى، لأنه لم يستشعر أي مظهر حسِّي لذلك القلق الأمريكي. ولم يسمع بوتين أو لافروف عبارة "يجب أن يتوقف هذا الدعم الروسي السافر" لنظام قتل وغيَّب أكثر من نصف مليون سوري وهجَّر نصف سكان سوريا بعد تدمير مدنهم وقراهم.
إن تلك العبارة السحرية لم تصدر قط عن أي مسؤول أمريكي لنفهم، أوليفهم الروس الأمرَ على قدرٍ ما من الجدية.
ولطالما قلق الأمريكيون قبل ذلك ومنذ اندلاع الثورة السورية وعند كل منعطف من منعطفاتها الهامة ابتداءً باستخدام الرصاص الحي لقمع المتظاهرين وليس انتهاءً بصواريخ سكود وبالبراميل المتفجرة وبالسلاح الكيماوي وخطوطه الحمراء السيئة الصيت والتي ارتسمت بالدم السوري متجاوزة الجغرافيا السورية لتعم العالم وتفترش جثثُ أطفال سوريا شواطئ البحر المتوسط الذي كان مجالاً رحباً للتبادل الحضاري والمعرفي للبشرية جمعاء عبر أبواب سوريا المشرعة عبر العصور.
وقبل قلق أوباما، وبعده، قلِقَ الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون والدمعة في عينيه وأصدر أكثر من بيان، كما قلق مجلسه الأمني وعبر عن رفضه وشجبه وإدانته. ولم يتوانَ الاتحاد الأوربي ودوله الـثماني والعشرين عن التعبير الفج والصريح عن مشاعر القلق التي تنتابهم إزاء المأساة السورية. وتكرر التعبير عن القلق لكل دولة على حده، تأكيداً على صدق المشاعر وعمق الإحساس.
ولم تتأخر جامعة الدول العربية، وهي المعني الأول بهذه القضية، عن التعبير عن أعمق مشاعر القلق إزاء مايجري في سوريا، فاجتمعت مرات ومرات على مستوى المندوبين الدائمين وعلى مستوى وزراء الخارجية وعلى مستوى القمة. فناقشت وتحاورت ودرست وأصدرت البيانات بالتنديد والشجب والرفض، لكنها لم تصدر قراراً واحداً قابلاً للتنفيذ باتجاه وقف عاصفة القتل الأعمى وسياسة التدمير الممنهج لبلد فضَّل على الجميع بكل مجالات العلم والفكر والمعرفة والتنوير والتحضر.
كما لم يتأخر السيد نبيل العربي عن الركب وقلق على أكثر من مستوى وفي أكثر من مناسبة. وعبر بطريقته الخاصة عن تضامنه مع الشعب السوري. لكن ماكان يحتاجه هذا الشعب ليس جامعة دول البيانات والشجب والقلق ولا أمينها العام نبيل العربي، وإنما حاجته تتلخص في وجود عربي نبيل واحد!!! هذا ماكتب على إحدى لافتات المتظاهرين في الثورة السورية منذ أكثر من ثلاث سنوات. وما تزال الحاجة هي هي!!
قوافل السوريين الفارين من جحيم الموت إلى الجنة الموعودة في بلدان الاستعمار والإمبريالية والكفر والخلاعة والانحلال الأخلاقي كما يراها أعراب الصدفة وليس النعمة، تستدعي تلك القوافل، بما تلاقيه من مخاطر ومهانة ومعاناة، أكثر من القلق وأكثر من البيانات. صحارى العرب الخالية حتى من الطير، ضاقت من مخيم يستقبل أولئك الفارين من جحيم الموت ليؤمن لهم الحد الأدنى من متطلبات الحياة لهم ولأطفالهم. وقبل ذلك حفظ الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية لهم ولعائلاتهم، إلى حين أن تنجلي العاصفة ويزول الغم.
منظمات المجتمع المدني والصليب الأحمر وغيره في دول الكفر استنفرت كل جهودها وإمكاناتها لإطعام ومساعدة ما أمكن من أولئك اللاجئين. ولم يسجل حضور ولو رمزي لمنظمة عربية أو إسلامية واحدة لا الهلال الأحمر ولا غيره للتخفيف من معاناة إخوانهم السوريين رغم إمكاناتها الهائلة التي تصرف على غير وجه.
قامت الدنيا ولم تقعد بالمظاهرات المؤيدة للاجئين والمرحبة بهم في دول الكفرة والانحلال الخلقي، نظمتها وقامت بها منظمات وجمعيات وأحزاب أوربية تفاعلاً مع ماشاهده الناس من مآسي أطفال سوريا، ولم تقم في الدول الشقيقة الورعة والأخلاقية بامتياز مظاهرة واحدة تدعو لاستقبال اللاجئين السوريين، باستثناء مظاهرة يتيمة من بضعة مئات في الكويت.  وهذا يستدعي من السوريين أكثر من القلق على أخوة الكذب والنفاق والدجل.
همست مرة لصديق من القوميين العرب ورئيس أحد أحزابهم، وكان يجلس بجانبي في أحد الاجتماعات التي كنا نناقش فيها وضع السوريين في مخيمات اللجوء في دول الجوار السوري قائلاً له: بالنظر لما يحصل للاجئين السوريين في لبنان والأردن والعراق، وهي بالمناسبة دول شقيقة، مقارنة بالمعاملة التي تعاملهم بها تركيا، عليكم أنتم القوميون العرب أن تعيدوا النظر في كل المبادئ التي تنادون بها!!! فتبسم بحرقة ولم ينبس بحرف.
لايخفى على أحد أن الروس أيضاً قلقون على مصالح مافياتهم التي تشابكت بقوة مع مصالح النظام ومتعهدي أعماله المقربين، فزادوا من جرعات المساعدات العسكرية لأجهزة القتل،علهم بذلك يتمكنون من إفراغ سوريا من أبنائها لتسهيل توزيع الغنائم على الذين جاهدوا في سبيل نظام بشار الأسد.
والقلق الأكبر قد يأتي من إيران حزب الله المقاوم الممانع المتربص لكل المؤامرات التي تريد حرفه عن الهدف الأبعد الذي أُسِسَ وسُلِّحَ ودُعِمَ لتحقيقه. وهنا ليس المهم أي شعار يرفع ولكن مالذي يفعله على أرض الواقع.
قلقت البرازيل وقلقت فنزويلا وقلقت اليابان وسنغافورة وبلاد الواق الواق. وزاد قلق هؤلاء جميعاً قلق عميق عميق في جزر القمر وتسمانيا وسانتا كروز وترينيداد وواهيكي وبلدان لم يسمع بها السوريون قط إلا لمن دفع به نظام سوريا الأسد حشراً، فهام على وجهه في محيطات العالم ليستقر حيث شاء له القدر، إن كتبت له النجاة!!   
قلق العالم كله من أجلنا، نحن السوريين، وقلقنا نحن أيضاً، لأننا أدركنا أن كل ذلك القلق الذي من أجلنا حصل، لم يخرج عن إطار الحروف التي صوِّر بها ولم يقصد به أي عمل حقيقي وجدي لإنهاء المعاناة أو إيجاد حل واقعي يلبي مطامح الشعب السوري بدولة مدنية ديمقراطية عصرية، تحفظ فيها كرامة المواطن وتصان حقوقه وحريته في دستور حضاري عصري يتم احترامه ويكون سيد الجميع.
قلق الأصدقاء والأعداء، الأشقاء والغرباء من أجلنا كما قيل لنا. لكن قلقنا من قلق الجميع هذا، فاق الجميع.
السوريون اليوم أيها الأصدقاء والأعداء والأشقاء والغرباء، بحاجة إلى أكثر بكثير من القلق.
لذا وباسم السوريين كافة أرجوكم جميعاً أن توقفوا قلقكم وتوفروا مابقي لكم من ضمير لمساعدتنا لاستعادة وطننا الذي فقدناه جراء استغراقكم في القلق.

 
   


8
الخلافة وبناتها، الخليفة وإخوانه
سعيد لحدو
6-4-2015
رغم تمتع خليفتنا الجديد أمير المؤمنين في دولة العراق والشام الإسلامية بالكثير من السبايا التي لانعلم كم هو عددهن تماماً، والتي غنمهنَّ في غزواته الخاطفة في غفلة من الأقمار الاصطناعية للرصد والمراقبة والتجسس العسكري وغير العسكري، الأمريكية وغير الأمريكية، فإن خليفتنا هذا الشيخ المجاهد، العابد الزاهد، أمير المؤمنين، وقائد كتائب المجاهدين، أبو بكر القرشي الحسيني البغدادي والذي لابد أن ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، يتنقل متخفياً، أو ربما لايتنقل، لكنه يظل متخفياً في كل الأحوال،على غير عادة الخلفاء الذين طالما أمضوا قيلولتهم تحت ظل شجرة آمنين مطمئنين. فهو من آل البيت بطبيعة الحال، لكنه زاهد بنصيبه المستحق له من حوريات الجنة وملذاتها مكتفياً في هذه الحياة الدنيا الفانية بتلك السبايا اللاتي حصل عليهن بكده وعرق جبينه في غزواته على بلاد الكفار والمشركين.
أما حوريات الجنة تلك والتي تدفع بالمجاهد لإنهاء حياته الأرضية بهجمة انتحارية هنا أو هناك للحصول على بعض اللذة مع تلك الحوريات، فإن خليفتنا العابد الزاهد الذي يجاهد للاحتفاظ بحياته طوعاً كي لاتذهب بعض تلك الحوريات له، فيخسرها الشباب الطامح، نراه يتخفى كي لاتصيبه رصاصة طائشة أو متعمدة. لقد تنازل عن حورياته بكل طيبة خاطر للشباب المتدافع على أبواب الجنة بعد تنفيذهم أوامره بتفجير أنفسهم في تجمعات الكفار والصليبيين وأعداء الدولة الإسلامية، سواء كان ذلك التجمع مدرسة أطفال أو سوق تجاري أو تزاحم للأهالي على باب مخبز أو سواه.
وعلى سيرة المخبز تحضرني هنا بعض مشاهد القتل الجماعي نتيجة قصف النظام السوري لعدد من المخابز في بعض المدن السورية، مما يثير التساؤل المريب عن حالة التماهي بين الطرفين بأساليب بناء كل خلافته الخاصة الثابتة النسب، رغم إن بشار لم يتمكن بعد من إثبات نسبه لأبعد من سليمان الوحش.
هناك وجه شبه آخر بين الخلافتين يتبدى في عجز قوى التحالف بكل ما تمتلكه من أسلحة حديثة ووسائل رصد ومراقبة متطورة عن استكشاف نوايا "العدو" وخطط تحركاته رغم ارتكابهما أفظع الجرائم بحق الإنسانية، من استخدام الغازات السامة وإسقاط البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين إلى تضييق الحصار عليهم ومنع وصول الخبز والماء والدواء إليهم، إلى التهجير الجماعي والسبي والاغتصاب والحرق والنحر باستعراضات هوليوودية في تحدٍ صارخ للعالم المتمدن وقيمه الإنسانية.
يبدو أن هاتين الخلافتين ليستا الوحيدتين في مسرح أحداث وطننا السوري (إذا تغاضينا عن البلدان الأخرى)، المفجوع بهوس الأشقياء والمغامرين من حثالات المجتمعات بتأسيس خلافاتهم أو إماراتهم على تلال الركام الذي خلفته صراعاتهم من بقايا ماكان متوافق على تسميتها مدناً وبلدات. ناهيك عما فعله نظام بشار والميليشيات البربرية التي استقدمها، طوال سنوات أربع ليحول سوريا لمحرقة كبيرة ليس للبشر والحجر فحسب وإنما لكل القيم التي تفاخر بها هذا البلد على مر العصور وكانت من السمات المميزة له على الدوام.
هذا غيض من فيض كما يبدو. وكما قال طرفة يوماً: "ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ..". سنسمع ونرى في قادم الأيام مالم يخطر لنا على بال. فبعد الرقة والموصل والبوكمال تتوجه الأرتال لإكمال تأسيس إمارة دير الزور وغيرها مما قسم الله للمجاهدين من نصيب. فالأمراء كثر والحمد لله، ولابد لهم من إمارات على مقاسهم. فمتى كان الجولاني أقل من البغدادي؟؟؟ وهل سيرضى علوش بأقل من وحش القرداحة، أو مايتمتع به النمر من زعامة وصيت؟؟؟ كما إن الحموي لم يكن يوماً قصير حربة كما يقول المثل العامي، ليتقدم عليه رجل مثل الطرطوسي في الإمارة. وكل من هؤلاء له دستوره وشريعته ومجلس شوراه وفتاويه واجتهاداته وقياساته وضروراته التي تبيح له المحظورات.
فجبهة النصرة وإن أعلنت ولاءها للقاعدة، لكنها سورية في المجمل. وأحرار الشام  اسم على مسمى. فهم أحرار في أن يرفضوا الديمقراطية ويكفروا العلمانيين ويقيموا المحاكم الشرعية كما يشاؤون. أما جيش الفتح فسيسلم مقاليد إمارة إدلب التي حررها من النظام لمجلس مدني لكن سيحكم وفق الشريعة!!! في حين أن صقور ماوراء البحار، وكتائب الرعد والبرق، وعصائب الموت وقطعان المهاجرين وأنصار ابن آوى، وألوية الدم وطلائع النار وفرسان الديجور.. ستعلن قريباً بيعتها لأمير داعش في ولاية اليرموك قيد الإنشاء!!!
هنيئاً للسوريين إذ تحقق لهم في الواقع مالم يكن حتى في الأحلام تحققه ممكناً. وهنيئاً للإسلام والمسلمين بدولة الخلافة الرشيدة التي تأسست محاطة بالعشرات من بناتها الإمارات، إمارة تنطح إمارة. وهنيئاً لهم مرة أخرى بخليفتهم الراشد محاطاً بالعشرات وربما المئات من إخوانه الأمراء وهم يتناطحون لإعلاء كلمة الله والحط بأبنائه البشر إلى أسفل الدرك.
وليهنأ أصدقاء الشعب السوري قطر والسعودية وتركيا والكويت والإمارات ومن خلفهم أمريكا وعموم المجتمع الدولي مرتين حيث أينعت جهودهم أخيراً في ترجمة شعارات الثورة السورية من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية إلى القتل والخراب والتهجير و..... التطرف مرة، ولتدمير بلد كان منارة للعلم والثقافة والتحضر والمدنية، وتحويله إلى مجرد ركام وأشلاء ومجموعات من اللاجئين تحت رحمة منظمات الإغائة ومنح المانحين مرة ثانية.


   

9
حكاية الإرهاب ومكافحيه
12-10-2014
سعيد لحدو
في إحدى القرى المسيحية وفي صباح عيد الفصح تقدم جميع أطفال القرية من الخوري للاعتراف بخطاياهم وتناول القربان المقدس بحسب الطقس الكنسي. وهكذا تقدم الطفل تلو الآخر ليعترف للكاهن بأنه اعتدى على شمعون. وفي النهاية تقدم طفل بتباطؤٍ وانكسار وعندما سأله الكاهن عن خطيئته التي اقترفها قال الصبي: أنا هو شمعون!!!
قد لايجد هذا الشمعون مكاناً له في حكاية الإرهاب الحالي ومكافحية الكثر في سوريا والعراق في غياب ذلك الخوري، والسبب لأن لون الإرهاب وطعمه في أيامنا هذه، يختلفان من متذوق لآخر. أما رائحته فيشمها المكتوي بناره من بعد آلاف الكيلومترات بأنفه العاري وبدون الحاجة لأية أجهزة فائقة الدقة للتحسس والتصوير والمراقبة مثل تلك التي تحملها طائرات التحالف الدولي المستنفرة لمكافحة الإرهاب.
أربعون دولة اجتمعت يارجل!!! ما يشكل ثلاثة أضعاف عدد الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. هذا كله مقابل بضع عشرات الآلاف من المسلحين المتنقلين طولاً وعرضاً في صحراء مفتوحة؟؟؟ وإذا أضفنا إليها الحرب التي قال النظام السوري وحلفاؤه أنهم يشنونها على الإرهاب منذ خمسة وأربعين شهراً، وكانت نتائجها كمن يحرق البيت بكل مافيه ومن فيه ليقتل بعوضة دخلته، لخرجنا بنتيجة مفادها أن هذا الإرهاب الذي يستشري في المنطقة ماهو إلا أحجية كبيرة صنعتها جهات وهي مدركة تماماً لما ترمي إليه وللمدى الذي يمكن أن تصل إليه، وتريد إيهامنا الآن بأنها تحاول فك طلاسم هذه الأحجية، بعد أن أوهمتنا بأنها صدقت تلك الكذبة التي أطلقتها.
هذا أمر غريب بالطبع. لكن الأغرب أن هذا المارد الذي اجتمعت كامل الكرة الأرضية لمحاربته، مازال يتمدد ويتوسع ويزداد قوة وتسليحاً ويسيطر على المزيد من الأراضي والمدن في سوريا والعراق، ومازالت تهديداته تطال الجميع بلا استثناء!!! وكأننا أمام فيلم هوليوودي بطله هذه المرة ليس من فصيلة العيون الزرقاء بل من قوم (الأبوات) الذين باستثناء مخرج الفيلم لا أحد يعرف أسماءهم الحقيقية. وهم كلما ضُربوا من إحدى تلك الجهات التي تكافحهم كلما تزايدت أعدادهم أكثر مما قبل!!
الحكومات والشعوب والحركات والأديان والأحزاب والمنظمات جميعها تعلن وتؤكد رفضها ومحاربتها لهذه الوحوش المتنكرة بهيئات آدمية. وهذا أمر طبيعي ومنطقي بالنظر إلى مجاهرة هؤلاء بعدائهم لكل مايمت للإنسانية بصلة، وبالنظر إلى سلوكياتهم التي تتعفف أشرس الحيوانات عن فعلها. ومع ذلك نراهم يحصلون على كل الأسلحة والمركبات والوسائل اللازمة لحربهم الكونية هذه وهم محاطون من كل الجهات بأعداء مفترضين وليس لهم منفذ واحد على العالم الخارجي. ثم يتقدمون بهدوء وثبات ويوسعون في حدود دولة الخلافة التي أعلنوها دون أن يثنيهم عن مقصدهم عائق.
طائرات الحلفاء تقصف كما يقولون تجمعاتهم ومراكز القيادة والسيطرة وخطوط الإمداد، وفي الوقت ذاته ورغم كل هذا القصف نرى هؤلاء يوسعون مجال سيطرتهم في محافظة الأنبار العراقية وفي مدينة كوباني السورية رغم المقاومة الكردية المستميتة في الدفاع عن المدينة.
كوباني ليست المدينة الأولى التي جرى فيها مانشاهده الآن، كما لن تكون الأخيرة وإن كنا نأمل غير ذلك. فقد سبقتها الموصل من قبل وسنجار ومناطق السريان الآشوريين الكلدان في سهل نينوى. ومن قبلها كانت الرقة ومن ثم البوكمال ودير الزور والقرى المحيطة بها. وكأن مكافحي الإرهاب كانوا ينتظرون حتى يقوى ويستحكم هذا التنظيم الإرهابي ومن ثم يحاربوه. لأنه كما تقتضي شيم الرجولة والبسالة يكون الانتصار محل افتخار إذا تم على عدو قوي. أما غلبة عدو ضعيف فلا يعتد به وسيكون موضوع تندر لنساء الحي وحرائره في ليالي سمرهن وهن ينتظرن عودة رجالهن البواسل حاملين بشائر النصر الكبير.
الأهم من كل هذا أن المكونات الدينية والأثنية التي هُجِّرت من مواطنها التاريخية في الموصل وسهل نينوى وسنجار وغيرها، لم يتم بذل أي جهد لإعادة السكان إلى بيوتهم، لا بل أن موجة الهجرة مازالت مستمرة رغم أن التحالف الدولي والحكومة العراقية تعلن أنه تم دحر التنظيم من بعض المناطق؟؟ وهذا يعني إفراغ تلك المناطق من سكانها الأصليين وإفقاد المنطقة عموماً تنوعها الذي تميزت به عبر التاريخ.
تساؤلات عديدة تثيرها الوقائع على الأرض. منها مثلاً كيف يحارب النظام السوري الإرهاب وهو يمطر المدنيين السوريين ببراميل الموت في حلب وحماه ودرعا في الوقت الذي يناشد العالم وكأنه طرف خارجي لاعلاقة ولا مسؤولية له بما يحصل لتخليص كوباني من داعش متجاهلاً أنها مسؤوليته بالدرجة الأولى؟؟؟ كما إنه لم يقدم لسكان المدينة أي دعم من أي نوع كان.
وقائع أخرى تتعلق بسلوك التحالف الدولي والأهداف التي تقصفها طائراته، والأهداف الأبعد التي ينشدها كل طرف من خلال مشاركته في هذا التحالف. ففي موقع معين يكون الإرهابي هدفاً مشروعاً للقصف، أما في موقع آخر قد يبعد عدة كيلومترات فهو ليس كذلك!!
طوال أسبوعين وتنظيم داعش يستقدم التعزيزات وهو يطوق مدينة عين العرب-كوباني في أرض مكشوفة تماماً، لم يقم التحالف الدولي بأية خطوة جدية تعيق تقدم التنظيم حتى دخلوا المدينة وبات أمر القصف أصعب بكثير. ومن جهة أخرى نرى الدبابات التركية تتمركز على بعد مائتي متر من المدينة في استعراض لايخلو من المغزى تجاه الأكراد دون القيام بأي عمل يخفف من معاناة المدينة والمدافعين عنها.
من بديهيات مكافحة الإرهاب أن تعالج الأسباب التي ساعدت على نشوئه. والعالم كله يعرف وفي مقدمتهم الأمريكان أنفسهم وبتصريحات علنية من وزير خارجيتهم أن نظام الأسد هو الذي استقدم الإرهابيين وأطلق سراح قادتهم من السجون في سوريا والعراق بالتعاون مع شريكه المالكي ليقوموا بما قاموا به. ولهذا كان يجب البدء مع نظام الأسد ليكون لمكافحة الإرهاب معنى ملموس وتأثير حقيقي على أرض الواقع. لقد أعلن المسؤولون الأمريكان منذ بداية الثورة السورية وعلى رأسهم أوباما، أن بشار الأسد فاقد للشرعية وعليه التنحي، لكنهم لم يقوموا بأي جهد لتحقيق ذلك. لابل على العكس. فعندما كان الثوار (ولم يكن حينها متطرفون بعد) يتقدمون على الأرض عندما باتت أيام الأسد معدودة، تدخلت أمريكا لحجب الدعم عن الثوار وتفريق صفوفهم بمختلف الوسائل والحجج، لكي تتذرع بذلك لإبقاء نظام بشار الأسد قائماً ريثما تتمكن من ترتيب أوراق اللعبة بشكل أفضل خدمة لأمن إسرائيل وإمعاناً في إضعاف سوريا وإدخالها نفق الحرب الأهلية.
قال الرئيس أوباما بأن المعارضة السورية عبارة عن مجموعة من المزارعين وأطباء الأسنان ولا يمكنهم هزيمة نظام الأسد. وهو الآن يجيِّش 40 دولة إضافة إلى كل إمكانات أمريكا كدولة عظمى لهزيمة مجموعة من المراهقين والموتورين دينياً وثقافياً يمثلون العمود الفقري لمقاتلي داعش. فهل هؤلاء بهذه القوة الخارقة مقارنة مع نظام الأسد؟ والآن يأتي أوباما نفسه ليعتمد عملياً على تلك المجموعة من المزارعين وأطباء الأسنان لدحر إرهاب داعش. فهل غيَّر أوباما رأيه بالمعارضة السورية، أم أنه لكل مقام مقال؟
تساؤل آخر... ولن يكون الأخير في معرض التساؤلات المحيرة لدى السوريين. ذلك أن التقديرات الأولية لكلفة الحرب على الإرهاب تقدر ما بين 70 إلى 100 مليار دولار. وقد تطول هذه الحرب لسنوات عديدة. في حين أنه لو خصص 10% من هذا المبلغ لدعم المعارضة السورية قبل أن يجري تفتيتها وتمزيقها لصالح القوى المتطرفة،عن سابق تصور وتصميم، مع التأكيد على تحييد النظام ومنع تدخله، لو تم ذلك، لما احتاجت هذه المعارضة سوى لبضعة أشهر لدحر كل القوى المتطرفة آنذاك، وإحلال نظام معتدل ومتماسك في المناطق المحررة من الأرض السورية. وهنا تقع مسؤولية كبيرة على الدول الخليجية التي بادرت لدعم المعارضة السورية كل على طريقتها وهواها ومقاصدها، مما زاد من التفتت والشرذمة لقوى المعارضة، حيث باتت سياسة شراء الولاءات هي السائدة عوضاً عن تشجيع المعارضين على توحيد صفوفهم وجعل ذلك شرطاً موجباً لأي دعم يتم تقديمه.
نأمل ألا يكون حال سوريا وشعبها صورة أخرى من شمعون الذي اعتدى عليه رفاقه في هذه القرية العالمية.

 


10
وعند بثينة الخبر اليقين
18 أيلول 2014
سعيد لحدو
بثينة بنت شعبان ماغيرها.. مخترعة اسطورة خطف وقتل أطفال الكيماوي في الغوطة الشرقية واللذين حتى هذه اللحظة لم يكتشف أهلهم في منطقة الساحل غياب أطفالهم عن بيوتهم برغم مرور أكثر من عام على اختطافهم، حسب ما قالته بثينة. " وإن قالت بثينة فصدقوها". بدليل أن أحداً من أهاليهم لم يطالب بعودة أولادهم. أو ربما خاف أولياء الأطفال إن طالبوا أن يأتي الإرهابيون ويخطفونهم أيضاً وقد يحصل لهم ماحصل لأبنائهم بعد أن تم نقلهم إلى الغوطة الشرقية. ثم يأتي الدور (بالإذن من حسن نصرالله)على أهل الأهل وبعدها على أهل أهل الأهل. وهكذا حتى تفرغ منطقة الساحل. وهذا طبعاً بحسب بثينة بنت شعبان ذاتها، وأقوالها الطريفة التي يكاد حتى المجانين أن يصدقوها.  ولأهمية قصصها الطريفة هذه ولقدرتها الفائقة على الإقناع فقد اختارها بشار بن حافظ بن الأسد مستشارة إعلامية له لكي تسوق له قصصه التي لاتقل تسلية وإمتاعاً عن قصصها. لكن الغريب أن "الأب القائد" الذي ورث الأبوة عن أبيه وورثنا جميعاً أبناء له، وضمناً أطفال الكيماوي أبطال قصة بثينة، أن هذا الأب يفتقر إلى الحد الأدنى من حنان الأبوة ليسأل عن أبنائه الذين فقدوا بالكيماوي فلم ينصب لهم خيمة عزاء ولم يشارك على الأقل بمواراتهم الثرى.
بثينة هذه نامت، بعد النجاح المنقطع النظير لقصتها تلك لدرجة أن المجتمع الدولي الذي غط على قلبه من شدة الضحك ولم يستفق بعد، نسي ملاحقة المجرم ومحاسبته على تلك الفعلة، نامت هذه البثينة واستيقظت على قصة جديدة ستجعل قهقة  متعهد الكيماوي الحصري أوباما يتردد صداها في كل أرجاء البيت الأبيض طوال ماتبقى له من فترة رئاسية، وربما حتى بعد أن ينتهي من كتابة مذكراته.
لقد قالت بثينة بعد مشاورات معمقة مع رب عملها، وأبينا بالوراثة، أنها ستسقط أية طائرة تدخل الأجواء السورية بدون إذن بشار بن حافظ بن الأسد، حتى ولو دخلت لمحاربة الإرهاب. ونسيت استعراضات الطائرات الإسرائيلية فوق رأس بشار ولي نعمتها في قصره باللاذقية وقصفها لموقع الكبر النووي في دير الزور، ومواقع عسكرية أخرى منتقاة بعناية حول دمشق. أو ربما لم تنسَ، فتلك الطائرات لم تأت لقصف أهداف إرهابية في عرف النظام لذلك تم غض الطرف عنها رغم ماقيل حينها عن الرد القادم. أو إن بشار واسع الحكمة وسديد الرأي لم يطلب حينها استشارتها عامداً متعمداً لأنها كانت ستقول له أسقطها.... وعندها سيورِّط بشار نفسه ورطة لاخلاص منها مع أناس لايحبون هذا النوع من المزاح الثقيل.
وعلى سيرة الإرهاب، فقد دأبت بثينة وإخوانها من وجوه السحَّارة عند النظام على القول، منذ اليوم الأول لانتفاضة أطفال درعا، أنهم يحاربون الإرهاب والإرهابيين. لكنهم ينزعجون ويهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا حاولت أمريكا أو غيرها ضرب الإرهاب في سوريا. لأنه وبحسب العرف الجاري لدى نظام الممانعة والمقاومة، (هذا الإرهاب إرهابنا ونحن أولى به من الغريب). وإذا قرنَّا القول بالفعل، نفهم لماذا جرى إطلاق سراح المئات من قياديي القاعدة وكوادرها المدربة من سجون النظام في بداية الثورة السورية. ولماذا كان المالكي في العراق يتبع مقولة (زيادة الخير خير)، ليطلق مئات أكثر منهم من سجن أبو غريب!!!! وكيف سلم مناطق شاسعة من العراق لهم ولم يطلق جيشه الذي صرف عليه المليارات، عشر رصاصات في وجههم ولو من قبيل ذر الرماد في العيون. وفي الوقت ذاته كان إرهابيون بماركة مسجلة يتدافعون إلى سوريا من لبنان وإيران والعراق ليشكلوا عكازات يستند إليها النظام كي لايقع.
لكن يجب ألا ننسى أن المعلم مهندس السياسة الخارجية للنظام كان يعرض للبيع في الآن ذاته خدمات النظام وخبراته مع الإرهاب المحلي والدولي!!! ولأن المجتمع الدولي يعرف أن للإرهاب سمات واضحة ومحددة لايمكن للمتفحص أن يجدها في عيون أطفال سوريا. بل يمكن حتى للبسطاء أن يميزونها في ملامح أي نظام ديكتاتوري، فما بالك إذا كان هذا النظام قاتلاً لبراءة أطفال بلاده ومدمراً لمقومات الوطن والشعب، رفض هذا المجتمع عرض النظام. وهذا ما أزعج بثينة ودفعها للنطق بما تختزنه من حكم القول، أما الفعل فلا محل له هنا من الإعراب. 
ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، تبقى بثينة بنت الست أدرى بدخائل النظام ومكنوناته منا نحن أبناء وبنات الجارية. ولكي تبقي عنصر التشويق في قصصها قائماً، تفصح بين الحين والآخر عن بعض هذه المكنونات النفيسة، وتتحفنا ببعض من قصصها الطريفة لنتأكد بأن النظام مازال موجوداً بدليل الجواهر التي تتساقط بين الفينة والأخرى من فم مستشارته الإعلامية والتي لا أدري لماذا لم تهدِها السيدة الأولى خرزة زرقاء من الكثير مما لدى زوجها المحروس كي لاتصاب بالعين. لأنه إذا حصل مكروه لاسمح الله للسيدة بثينة بنت شعبان، سيحتاج السيد الرئيس لجيش من المستشارات لتعويض حكمتها المفقودة. ونحن بدورنا سنفتقد كثيراً قصصها الطريفة هذه. وسيكون للإعلام بعدها وجه عبوس لن يتشوق أحد للنظر إليه إلا مكرهاً.


11
التدخل الأمريكي: درهم وقاية أم قنطار علاج؟
 هل هي استراتيجية أمريكية جديدة؟
14 آب 2014
سعيد لحدو

بعد طول تجاهل، وبعد كل ماقام به تنظيم داعش طوال عام من الزمن في سوريا والعراق من أعمال، أبسط مايمكن أن يقال عنها أنها جرائم ضد الإنسانية، صحا أوباما فجأة من غفلته ليأمر بضربات جوية محدودة، وأشدد على كلمة محدودة، ضد هذا التنظيم، في العراق دون سوريا!!
لم تكن الإدارة الأمريكية تحتاج إلى ذرائع لتضرب في أي مكان من العالم بدعوى مكافحة الإرهاب القاعدي بشكل خاص. ولم تعر انتباهاً لأي من الأصوات المعترضة هنا وهناك على جهودها تلك من أية جهة صدرت. وقد جندت لهذا الهدف أسطولاً جوياً كبيراً من الطائرات بدون طيار، ودعمته كلما اقتضت الضرورة بقوات المارينز ووحدات العمليات الخاصة. هذا بعد تدخلها المباشر في أفغانستان والعراق وغزو البلدين بمئات الآلاف من جنودها، بعد تسويق الذريعة ذاتها بضرب القاعدة ومناصريها. أما وقد جاءت القاعدة جهاراً نهاراً لتقوم بعملياتها الشنيعة من تهجير وقتل ورجم وصلب وقطع الرؤوس في الشوارع ومن تدنيس للكنائس والمقدسات الأخرى وتفجيرها، طوال هذه المدة لإقامة دولتها الطالبانية في سوريا والعراق، أمام سمع ونظر العالم أجمع، وفي مقدمتهم الأمريكان، دون أن يعترض سبيلها أحد من المعنيين في محاربة الإرهاب، ودون أن يقول لها أحدٌ "أف". لابل إفساح المجال أمام قوات داعش مع كامل أسلحتها للتحرك بأرتالها الطويلة بكامل الحرية ودون أي عائق، بين سوريا والعراق في صحراء وطرق مكشوفة، فهذا مدعاة لأكثر من تساؤل عن الهدف والغاية الأبعد من سلوك التجاهل من قبل أوباما لأكثر من عام على نشوء هذا التنظيم واستيلائه على أراض ومدن وبلدات سورية عديدة وممارسته أبشع الجرائم فيها ليصدر قرار الضربات الجوية المحدودة والمنتقاة بعناية الآن. وفقط في العراق؟؟؟
لقد حاول الأمريكان ومنذ "غزوة مانهاتن" الحد من التطرف الإسلامي حول العالم وبأساليب ومعالجات مختلفة، كانت في الغالب ذات طابع عسكري. إلا أن الحصيلة لم تكن مرضية على الدوام. ولعل حادث الهجوم بالصواريخ في سبتمبر 2012 على القنصلية الأمريكية في بنغازي بليبيا ومقتل السفير الأمريكي وثلاثة آخرين، رغم المساعدة الكبيرة التي قدمتها أمريكا لليبيين للتخلص من القذافي، أبلغ مثال على ذلك. فبرغم توفير أمان نسبي من العمليات الإرهابية الكبيرة على شاكلة 11\9. لكن الواضح أن كلفة ذلك التأمين النسبي كانت باهظة على الدول الغربية عموماً وعلى أمريكا بوجه خاص. لأنها تتطلب مراقبة دائمة وعلى مدار الساعة لأي تحرك يثير الشبهة في أية بقعة من العالم حتى ولو كانت رسالة إلكترونية من بضع كلمات. وهذا يتطلب تجنيد أعداد كبيرة جداً من المخبرين والعملاء والمترجمين وأجهزة مخابرات تتضخم باستمرار مع تزايد المهام وتعقدها. إضافة إلى تسخير أموال طائلة لاستخدام أحدث الأجهزة وتطويرها باستمرار للتمكن من القيام بالمهام المرجوة للقضاء على أي تحرك أو مشروع هجوم إرهابي وهو في المهد.
إزاء هذه المجهودات الكبيرة للحرب على الإرهاب والوقاية منها، ورغم النجاح الحالي المنظور في الحد من الهجمات الإرهابية في الغرب عامة، لكن التطرف الإسلامي والنزعة للقيام بعمليات على غرار هجمات 11 سبتمبر ظلت تتنامى وتتزايد بين الأجيال الشابة الناشئة في المجتمعات الإسلامية المحافظة عموماً. وهكذا يظل الخطر قائماً وربما يتصاعد مع التقدم العلمي وقدرة المجموعات والتنظيمات المتطرفة الاستفادة من تكنولوجيات متقدمة مما قد يمكنها في لحظة ما من إنتاج سلاح تدمير شامل أو أي سلاح آخر، واستعماله في غفلة من أجهزة مكافحة الإرهاب. مما يعني حصول كارثة حقيقية لايمكن تحمل تبعاتها.
وبغض النظر، وحتى لو لم يتمكن أولئك المتطرفون من القيام بأي عمل إرهابي ناجح في الدول الغربية في المدى المنظور، فإن الخطر يبقى قائماً على المدى البعيد، وربما تزداد فرص نجاحه، إضافة إلى أن هذه المجتمعات المنفتحة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وحركياً على العالم أجمع، لايمكنها أن تتحمل على المدى الطويل إجراءات التفتيش والتدقيق الشديدة لأنها تعيق حرية الحركة التي بني على أساسها ذلك الانفتاح، فتحد بالتالي تلك الإجراءات من إمكانات التطور والازدهار لهذه المجتمعات.   
وداوها بالتي كانت هي الداء
تقول وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في تصريحات لها مؤخراً ونشرتها وسائل الإعلام الأمريكية: “الفشل في بناء قوات مقاتلة ذات مصداقية من المعارضين لنظام بشار الأسد، تضم الاسلاميين والعلمانيين ومختلف مكونات منطقة الشرق الأوسط، الفشل في ذلك هو الذي أوجد فراغاً، وهو الفراغ الذي ملأه الجهاديون الآن”. ووافقها في ذلك رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير. والتساؤل الآن فيما إذا كان ذلك فشلاً أمريكياً أم تفشيلاً متعمداً عن سابق تصور وتخطيط وتنفيذ؟؟
الفشل الأمريكي الواضح لم يكن في هذه القضية وإنما في مسألة مكافحة الإرهاب والقضاء عليه بشكل جذري. ولهذا كان لابد من التفكير بطريقة مختلفة، وانتهاج أساليب غير عادية لإحراز نتائج أفضل. فمجرد ضرب الإرهابيين في مواقعهم وتجفيف منابع تمويلهم وإصدار قوانين وتشريعات تحد من حركتهم ونشاطهم، والسماح للمرأة بقيادة السيارة في مجتمع كالمجتمع السعودي يبلغ الغلو فيه أعلى درجاته من التشدد الديني، أو دعم المجموعات الأخرى من المعتدلين لمواجهتهم، مجرد القيام بذلك لايعني أن نزعة التطرف في هذه المجتمعات قد انتهت أو تناقصت. بل العكس من ذلك. إن عشرات الآلاف من الجهاديين المتطوعين "للاستشهاد" في سوريا والعراق جاؤوا في غالبيتهم من هذه المجتمعات الإسلامية المحافظة، إضافة إلى التمويل الكبير، بالرغم من كل الإجراءات الحكومية الرسمية لمنعهم من ذلك. لذا كان لابد من معالجة التربة الخصبة التي تنتج أفكار التطرف الإسلامي تلك. ومن هنا قد يكون تطبيق المثل الشعبي القائل: وداوها بالتي كانت هي الداء، الوسيلة الأنجع لدحر الإرهاب والقضاء عليه في منابته الأصلية. 
وللشفاء من هذا المرض العضال الذي استفحل على شكل تطرف ديني عنيف يمكننا الاستنتاج أن الأمريكان عوضاً عن مواجهة هذه التنظيمات المتطرفة  عسكرياً والقضاء عليها، قد يكونوا غيروا في استراتيجيتهم وباتوا يفسحون المجال أمامها للتمدد والتوسع والسيطرة على مجتمعات إسلامية سنية بشكل أساسي لتحكمها وتمارس عليها كل مايخطر ببال المتطرفين الإسلاميين من سلوكيات مقززة يعتبرونها من أساسيات الحكم الإسلامي الصحيح. وهذا بلا شك سينفِّر تلك المجتمعات منها ومن سلوكيات جهادييها. وستتحول مشاعر الكراهية والحقد إلى التطرف الديني وسلوكياته الغريبة التي لن يتحملها الناس عوضاً عن توجهها لأمريكا والغرب.مما سيدفع بالنهاية بهذه المجتمعات إلى النفور من أولئك المتطرفين ونظام حكمهم زبالتالي الثورة عليهم ومحاربتهم. وهذا الأمر كفيل بالقضاء على التطرف وعوامل نشوئه ونموه، بعد أن كانت هذه المجتمعات ذاتها الحاضنة الأساسية له والمنابع التي استمرت طوال السنوات الماضية بمده بالمتطوعين والأنصار والداعمين والممولين.
قد يكون هذا هو الدافع الأساسي الذي حدا بالرئيس الأمريكي للإحجام عن القيام بأي عمل جدي وفعال على الأرض بما فيه دعم المعارضة السورية المعتدلة للحد من تمدد ونمو داعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة، والتغاضي المتعمد عن طرق ووسائل إمدادها بالرجال والمال والسلاح وكل مايوفر لها من أسباب القوة والتوسع على حساب القوى الأخرى المعتدلة من أصحاب المشروع الوطني الحقيقي.
على ضوء هذا التحليل ووفق هذا المنطق، وبالعودة إلى عنوان المقال نرى أن التدخل الأمريكي اليوم بضربات جوية على بعض المواقع لداعش في العراق والمنتقاة بعناية وحرص شديدنين ، نرى أن هذا التدخل لا هو درهم وقاية لأن هذا فات أوانه والمرض قد استفحل. ولا هو قنطار علاج، لأن المعالجة الجذرية تستدعي البتر. وهذا لم ولن يحصل، وفق تصريحات أوباما نفسه.
القضية إذاً ماهي إلا رتوشات تزيينية تحفظ للإدارة الأمريكية بعضاً من ماء الوجه إزاء المنتقدين، وتعدل في خط الحدود الفاصل بين المصالح الآنية والمصالح الكبرى. أما البقية فما هم إلا ضحايا يسقطون مع قليل من الأسف أو ربما بدونه. تلك الضحايا التي لابد منها على طريق مسيرة التاريخ الكبرى، حتى وإن تجسدت بشكل إبادة جماعية لشعوب أصيلة في المنطقة باتت اليوم في عداد الأقليات.
 
 

12
داعشي حتى العظم مع وقف التنفيذ
9 آب 2014
سعيد  لحد
و
مشكلتي أنني لا أملك الشجاعة الكافية التي تمكنني من النظر إلى إنسان ميت لأن صورته ستظل تلاحقني ليل نهار وتؤرق لي نومي. وحتى أخبار القتل ومشاهد الموت في التلفزيون ومقاطع الفيديو في شبكة الإنترنت أتحاشى أن أشاهدها كي لا تلازمني عقدة الذنب وكأنني مشارك بارتكاب ذلك الفعل الشنيع. فكيف سيكون الحال إذا تطلب مني الأمر نحر الرقاب وتعليق الرؤوس على عمود في الشارع أو رجم امرأة حتى الموت مهما كان ذنبها، وذلك أمام جمهرة من الناس على هدير صيحات الله أكبر!!!.ولو استطعت التغلب على هذه المشكلة النفسية العويصة التي يسميها البعض بالمشاعر الإنسانية، لربما كنت اليوم داعشياً بامتياز. أو ربما أميراً على إحدى الولايات التي بدأ خليفة الدولة الإسلامية يؤسسها في العراق والشام بعد الفتح والنصرالمبين على الكفرة والمشركين، والمرتدين من أدعياء الإسلام ممن لايحسنون التمثل بالرسول ولا بسيرته ولا بثيابه، ظناً منهم بأنهم تمدنوا لمجرد أن سايروا الغرب الكافر المتحلل من كل فضيلة علمنا إياها النبي. وهم بذلك يمالئون الأعداء، ويشاركون بالقضاء على الدين الحنيف. أو ربما سأكون الخليفة نفسه، إذا توفر لي الحماس المطلوب والإقدام اللازم، بعد أن أربط نسبي بنسب الرسول كما فعل كل الخلفاء المسلمين من المماليك إلى العثمانيين إلى السلاجقة والصفويين. علماً أني الأقرب من كل هؤلاء إلى مكة، تاريخياً وجغرافياً وإرثاً لغوياً وثقافياً.
ربما هذه "النقيصة"، التي من غرائب السلوك أنني أتباهى بها أحياناً، هي التي لا تؤهلني لأكون ذلك الداعشي المنشود بالرغم أن شجاعتي في الميادين الأخرى قد لاتقل عن شجاعة أي مجاهد داعشي بما فيهم أبو بكر البغدادي والجولاني صاحب النصرة إياه.
إضافة إلى هذه النقيصة، لدي نقيصة أخرى فاقعة الوضوح وهي أنني لاأجد متعة ولا الرغبة حتى في الحدود الدنيا في ولوج أياً من حوريات الجنة (بعد الاستشهاد طبعاً، إذا كُتِبَ لي أن استشهد بعملية انتحارية لاتتكرر مثلاً). تلك الحوريات التي أسهب في وصفها أبو حامد الغزالي في مجلده الثاني في الصفحات 151 وحتى 154من موسوعته إحياء علوم الدين. والتي لم يجرب أي قائد من أولئك المجاهدين، بما فيهم بن لادن نفسه،على فعلها (أقصد الانتحار طبعاً) للصعود في ذات الليلة والجلوس مع الرسول على مائدة العشاء قبل الدخول على الحورية التي يختارها لتلك الليلة!!!
داعشي أنا حتى العظم لولا أنني أفهم الحياة بشكل مختلف وأعتبر حياة الإنسان هي قيمة بحد ذاتها وهي أثمن مافي الوجود. وبناء على هذا الفهم القاصر في المنظور الداعشي لن أتسامح مع نفسي بأي حال إن ساهمت بأي شكل من الأشكال، من قريب أو بعيد في طرد وتهجير مئات الآلاف من المسيحيين واليزيديين وغيرهم من بيوتهم وسلب كل ممتلكاتهم لصالح دولة الخلافة. وإن أضفت إلى كل ذلك أخذ نسائهم واعتبارهن سبايا تعرضن للبيع أو تعتبرن ملك يمين للمجاهد يفعل بهن مايشاء، فهذا أمر أكبر من طاقتي كإنسان على تحمل رؤيته يحدث في القرن الحادي والعشرين. ولا تنسى أنني ذات الذي عبر قبل قليل عن التعفف في التعاطي مع حواري الجنة إياها التي تحدث عنها الإمام الغزالي، فكيف بإنسيِّة على الأرض مهما بلغت من الجمال والفتنة والإغراء؟
نقائص أخرى كثيرة أتصف بها تجعل تحقيق رغبتي في الداعشية شيئاً أقرب إلى المستحيل. فمثلاً لا أرى أن الصوم ذات معنى إذا كنتَ في آخر النهار ستعد مائدة هي أقرب إلى الولائم العامرة منها إلى نهج إيماني يقربك من إحساس الآخرين بالجوع والحاجة. كما إن السَوق بعصا هيئة الأمر بالمعروف إلى الجامع وقت الصلاة لاتجعلك بالضرورة مؤمناً، وربما العكس.
نقيصة أخرى لدي وهي أنني أحب أن أحلق ذقني كل صباح لقناعتي أن هذا أنظف وأجمل. وكما يعلم الداعشيون أكثر مني، فقد حض الرسول على النظافة. لكن مفهوم النظافة قد نختلف عليه لأنني أعتقد جازماً أن الإنسان لن يكون نظيفاً بمجرد أن يبلل يديد ورجليه بالماء تحت مسمى الوضوء، في حين رائحة فمه تقتل حيواناً بحجم وحيد القرن. كما أظن أن كبار زعماء المسلمين الأوائل كانوا سيتباهون بذقونهم الناعمة لو توفرت لهم حينها شفرات حلاقة من نوع ناسيت أو جيليت. أما الذقون الطويلة المنفوشة المعشعشة بكل قارصة متنعمة، فكانت ستكون سمة لازمة لعامة الناس وفقرائهم ممن لايملكون ثمن تلك الماركات الغربية من شفرات الحلاقة، ولا حتى الصينية منها.
بوجود هذه النقائص والكثير الكثير غيرها مجتمعة في شخصي ، يتولد لدي إحساس بأن الداعشيين الحقيقيين لن يكونوا سعداء برؤيتي بينهم، ناهيك عن تنصيبي أميراً أو خليفة عليهم، وبخاصة إذا علموا أنني ذمي من أهل الكتاب يتوجب عليَّ دفع الجزية عن يدٍ وأنا صاغر. وهذا ما لا أحتمله لأنني ببساطة أظن بأنني على الأقل إنسان مثلهم (هذا إذا كان أولئك الداعشيون يتميزون بسمات البشر الحقيقيين).
وهنا قد يحشرني قارئ مشاغب في (خانة اليك) إذا عنَّ له السؤال عن سبب توقي لأكون داعشياً إذا كانت لدي كل تلك النقائص، وكانت لهم كل تلك الفضائل التي أنعم الله بها عليهم وحرمني منها. ولكي لا أقع في الإحراج سأقول له: توقي هذا ليس طمعاً بفضائلهم تلك، ولكن أنظر مايجري حولك وستجد الجواب الشافي.
وحتى اليوم الذي أجد فيه العالم وقد صحا ضميره وحسَّن سلوكه تجاهي كإنسان عالمثالثي، سأبقى داعشياً مع وقف التنفيذ...!!!

13
انتحابات في سوريا... مرة أخرى
29 أيار 2014
سعيد لحدو
ياخراب بيتي...
هذه أول عبارة يمكن أن يسمعها السوري من امرأة في حي شعبي كأول رد فعل منها على سماعها نبأ فاجعة ما بأحد أفراد عائلتها. تتلوها انتحابات تختزل واقع الحال وتفسر كل مافي الحياة من فواجع ومآسٍ. 
قبل سبع سنوات تماماً وفي مثل هذا اليوم وبمناسبة إعادة (انتخاب) القائد المفدى الرمز والبطل، الابن بشار الأسد، كنت قد نشرت مقالاً في موقع الحوار المتمدن ومواقع أخرى مختلفة عنوانه (انتحابات في سوريا). ولكي لايعتقد القارئ أن هناك خطأ مطبعي، أؤكد بأن النقطة انزاحت عن حرف الخاء ليصبح حاءً، بفعل الأهوال التي مورست على الشعب السوري من الأب القائد ونظامه، فجاء ابنه ليزيد في فظاعة تلك الأهوال والمآسي عبر سنواته السبع العجاف الأولى ليستكملها بسبع تالية أعادت سوريا الوطن والشعب والحضارة قروناً إلى الوراء. ويأتي الآن ليستكمل دوره الذي رسم له بعناية فائقة ليدفع بنا جميعاً إلى مابعد العصر الحجري في منطق التفكير والتعايش والأخوة الوطنية. وذلك من خلال تنطحه لهذه (المسؤولية) التي لا أظن أن هناك سورياً غيره يقبل بأن يقوم بهذا الدور القذر من تدمير بلد يفترض أنه بلده. وقتل وتهجير شعب اعتقدنا بطيب نية أنه منه!!! يأتي اليوم مجدداً ليُدخِل الانتحابَ لكل بيت وعائلة سورية بكوميدياه السوداء التي يسميها (انتخابات).
لم تكن قطعاً نبوءة تلك العبارة التي وردت في مقالتي إياها قبل سبع سنوات مضت يوم لم تكن ثورة بعد قامت، ولم يكن أحد يجرؤ حينذاك على التفكير بها. تقول العبارة: (والخير لاشك قادم بمشيئة القائد الرمز الذي بات يوزع عمائم بن لادن في كل مكان من زوايا المجتمع السوري عوضاً عن هدايا الأعياد. ولا ينسى, ومن لا ينسى جليل عظيم, أن يترك فتيل تلك العمائم في أيدٍ مخلصة أمينة, وهي الأجهزة الأمنية التي تعرف واجبها تماماً تجاه مواطنيها . ويا غافل إلك الله).
إن ماكتبته حينذاك وقبله مراراً عديدة، هو ما يعرفه كل سوري مهتم، كما أعرفه وأكثر، عن حقيقة هذا النظام وأساليبه الملتوية في الوصول إلى غاياته غير النبيلة، دون أي رادع أو وازع وطني أو أخلاقي أو إنساني. ولقد قامت تلك الأجهزة الأمنية بمهامها الموكلة إليها بأفضل مما يجب. وما نراه اليوم ونشهده على الأرض السورية من داعش وحالش وغيرها، ما هو إلا مادُرس وحُضِّرَ  له من قبل أجهزة النظام تلك لحشر الشعب في زاوية الإرهاب إذا ما عنَّ له يوماً أن يثور مطالباً بحقوقه وكرامته. أما من لايعرف هذه الحقيقة فهم فقط المغفلون.
وفي عبارة أخرى وردت في المقالة ذاتها تحصل مقاربة للواقع الحالي لتشابهه المفرط مع ماكان قبل سبع سنوات مع فارق التدمير النفسي والمادي الهائل للبنية السورية الحضارية برمزيتها المميزة في المنطقة عموماً. وأكاد لا أستطيع أن أغير حرفاً من مفردات العبارة: (كلما أصر نظام شمولي على دفع الجماهير "الغفورة" (على حد تعبير الرحابنة) إلى الشارع للهتاف الممل إلى حد القرف "بالروح بالدم", كلما أدركتَ أن أزمة هذا النظام تزداد عمقاً إلى الحد الذي يضطر معه للجوء إلى دفع عشرات الآلاف من الناس كل يوم ويجبرهم للنزول إلى الشارع في مسيرات آلية تسيَّر بالريموت كونترول مع رسم علامات سرور مصطنعة على الوجوه لإقناع الناس بأنهم سعداء. ودائماً يستطيع النظام أن يجد مناسبة لتلك المسيرات طالما أنه "يقارع ويتصدى" لأخطر وأقوى المؤامرات الإمبريالية. وطالما أنه نذر نفسه ليكون الصخرة التي ستتحطم عليها كل تلك المؤامرات, بما فيها "مؤامرات" الشعب السوري من ربيع دمشق إلى إعلان دمشق- بيروت… وإلى كل ما يستجد من أولئك المتآمرين الذين "أضعفوا الشعور القومي وأوهنوا عزيمة الأمة" بحديثهم عن ضرورات الإصلاح والتغيير الديمقراطي.)
هذا ماكان حينها وقبل ذلك الحين لعدة عقود من نظام التسلط والطائفية. تضاف إليها اليوم (المؤامرة الكونية) التي توسعت بحسب النظام بقيام هذه الثورة الشعبية التي استجدت الآن، ولم يكن لضحايا الاستبداد حينها من مناضلي الربيعين سوى فضل ضئيل في قيامها. لكنه الانفجار الذي لابد منه بعد كل هذا القهر المديد بدون أية بارقة أمل بالإصلاح الذي ظل جعجعة فارغة.
يأبى القائد الفذ إلا وأن يذكرنا بإنجازاته التاريخية التي لم يسبقه إليها أحد، حتى نيرون الطاغية. هاهو يجسد شعار عصاباته بحرق البلد بمن فيه. ولأنه مازال هناك في سوريا شعب يأبى أن يخضع حتى وهو مهجر أو معتقل أو شهيد، فإن بشار الأسد مازالت أمامه مهام يريد أن يستكملها. وهو لذلك بحاجة لسبع سنوات أخرى، أو على الأرجح أكثر، ليقضي على مايعتقد أنه قادر على القضاء عليه. لكن التاريخ لم يتحدث لنا عن شعب مهزوم، وإنما عن حكام موبوؤون بالوهم والهزيمة والخذلان.
فلتكن انتحابات في سوريا مرة أخرى، ولكن لأولئك الذين يعاندون مسيرة التاريخ وصيرورة الحياة. أما الشعب فسيبقى ليعيش وينتخب.




14
لسنا إرهابيين.... ولكننا سنكون
10 أيار 2014
سعيد لحدو
ليس هناك شعب في التاريخ الحديث عانى من القهر والظلم والاستبداد والتمييز الطائفي الممنهج كما عانى الشعب السوري طوال أكثر من أربعين عاماً. وأضافت السنوات الثلاث الأخيرة من عمر الثورة إلى تلك المآسي، التدميرالمتعمد للبلاد والقتل العشوائي للمدنيين بكل أشكال أسلحة التدمير الجماعية دون تمييز، من الصواريخ والدبابات والطائرات إلى الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً، إلى الاختراع الأسدي- الإيراني- الروسي الجديد (البراميل المتفجرة). ولا نعلم ماذا تخبئ لنا الأيام القادمة من مفاجآت مأساوية على كل صعيد، مما سيتكرم به هذا النظام الحاقد على الشعب السوري لأنه لم يكن يوماً شعبه بالشكل الذي يريد وكما يريد.
يعرف السوريون وبلا أية مواربة، ماهية هذا النظام والأسس التي قام ومازال يرتكز عليها ولهذا قاموا بثورتهم عليه. لكن الذي يعرفه أكثر وبدون أدنى شك، هو هذا المجتمع الدولي الذي طالما هلل وصفق وتبجح بدعمه وحمايته للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. لكنه عندما تعلق الأمر بنظام لم يدع للإجرام حدوداً إلا وتخطاها. ولم يوفر وسيلة ممكنة لتدمير بلاده وقتل شعبه إلا واستخدمها، ابتكر هذا المجتمع ذاته الذريعة تلو الأخرى لكي يحتفظ بصمته المريب ولامبالاته القاتلة إزاء مايتعرض له شعب سوريا الثائر. لابل وقف هذا المجتمع وبخاصة الأطراف الفاعلة والمتنفذة فيه في وجه أية مساعدة حقيقية لإنهاء هذه المعاناة الإنسانية التي لايبدو، أن هناك نهاية قريبة لها في ظل هذا الإحجام الدولي عن حماية شعب يتعرض أمام سمع وبصر العالم أجمع لأفعال الحقد والإجرام هذه التي لاحدود لها.
أشهر عديدة مرت في بداية الثورة وكان سلاح السوريين الوحيد حناجرهم الهاتفة للحرية. وكان رد النظام، كما هو متوقع، اقتلاع حناجر الهاتفين والمزيد من أعمال القتل للمتظاهرين. أما المتغنون للحرية من الأطراف الدولية فكانت تشجع الثائرين على المضي قدماً للإيحاء بأنها تدعمه، في حين كانت أعمال القتل من قبل أجهزة النظام تتزايد متشجعة باكتفاء المجتمع الدولي بترديد عبارات التنديد دون أي رد فعل حقيقي يجبر النظام على التوقف عن ممارسة القتل ويسمح للشعب بالتعبير عن رأيه في مظاهراته السلمية تلك. وكلما زادت المظاهرات وتعاظمت جماهيريتها كلما وقع المجتمع الدولي وحتى النظام ذاته رغم بجاحته) في إحراج شديد إزاء تصاعد ردود أفعال الأجهزة الأمنية بالقتل والقنص والاعتقال والتعذيب حتى الموت. هنا كان لابد من ذريعة ملموسة لتبرير مايحصل من انحياز سلبي لجهة اللافعل للدول الفاعلة من جانب، وإطلاق يد النظام لمزيد من العنف والقتل والملاحقة والتصفية للمتظاهرين الثائرين من أجل حريتهم وكرامتهم، من جانب آخر. وهكذا بعد سقوط ذريعة المندسين التي اخترعها النظام، برزت في الأشهر التالية نغمة الإرهاب والإرهابيين التي ترددت على ألسنة أركان النظام وأعوانه ، لتنضم إليهم فيما بعد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بتصنيفها جبهة النصرة كحركة إرهابية في حين كانت تقاتل النظام بفعالية ملموسة وتساهم في تحرير الكثير من الأراضي السورية من أيدي النظام ولم يعرف عنها حتى ذلك الحين قيامها بأية أفعال إرهابية!!!!
لم يتوقف الأمر عند جبهة النصرة وكيفية نشوئها ولا عند مصادر تمويلها التي يعرف الأمريكان ووزيرة خارجيتهم كل دقائقها. لكن تطور الأمر لتفتح أبواب سجون النظام السوري والنظام العراقي للمئات من قياديي وكوادر القاعدة المدربين والمتمرسين بالأعمال الإرهابية. إضافة إلى السماح للمئات الاخرين من هذه الكوادر الذين كانوا يتواجدون في إيران والعراق ولبنان وأماكن أخرى إضافة إلى الآلاف من المقاتلين الطائفيين للمجيء إلى سوريا تحت ذريعة الجهاد أوحماية بعض المزارات المقدسة لممارسة أبشع أنواع الجرائم بحق الإنسانية والشعب السوري تحت سمع وبصر العالم. ومرة أخرى بدون أن يتحرك أحد لإيقافهم عند حد. وفي الوقت ذاته كانت القيود تلو القيود تفرض على دعم الجيش الحر سواء بالمال أو السلاح لتنعدم تالياً أية قدرة لديه في مواجهة المتطرفين الجهاديين الذين لم تتأثر إمداداتهم قطعاً بأي إجراء، لأن أي إجراء حقيقي وفعال لم يتخذ بحقهم من قبل القادرين على ذلك. فكانوا يحيطون بالجيش الحر وتتكاثر كتائبهم وألويتهم وتتعاظم قوتهم ونفوذهم. في الوقت ذاته كان القصف الجوي والصاروخي من قبل النظام يفعل فعله في المناطق التي تسيطر عليها وحدات من الجيش الحر، بينما كان ذلك القصف يتجاهل تماماً المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الجهادية. مما كان يعني في المحصلة تراجع الجيش الحر وتمدد الوحدات الجهادية المتطرفة على حسابه. وبالتالي مصادرة الثورة السورية التي قامت كثورة من أجل الحرية لتتحول إلى ثورة لوثتها صبغة الإرهاب والتهام الأكباد البشرية ومناهضة وملاحقة وخطف وتصفية الثائرين والنشطاء الشباب والمجموعات الوطنية الناشطة في الثورة. لتتواءم ممارسات هذه المجموعات الإرهابية مع خطط وممارسات النظام القهرية. وهنا لايمكننا التمييز بين اعتقال وربما تصفية مناضلين أمثال عبد العزيز الخير أو كبرئيل موشي كورية وعشرات الآلاف غيرهم من الناشطين السلميين الذين اعتقلهم النظام في وضح النهار، وبين خطف وأيضاً ربما تصفية المطرانين والأب باولو والناشطة الحقوقية رزان زيتونة ورفاقها، والكثير من الأمثلة غيرها من تدنيس لدور العبادة وفرض الجزية وصلب الناس في الساحات العامة أو خطفهم وتغييبهم وما شابه من أعمال إجرامية مقززة قامت وتقوم بها تلك المجموعات المتطرفة.
هذا ماكان يطمح إليه النظام وداعميه بالتأكيد. ويقوي هذا الاعتقاد العلاقة القديمة المتجددة بين أجهزة النظام الأسدي الأمنية والتنظيمات الجهادية كالقاعدة وأخواتها وبنات عمومتها وعشيرتها القريبة والبعيدة المنتشرة على الساحة العالمية والمثبتة بالوقائع للعالم أجمع من لبنان (فتح الإسلام أوضح مثال) إلى العراق (اتهام المالكي بعد تفجيرات 19 آب 2009 النظام السوري بدعم الإرهاب وأيواء وتدريب الإرهابيين وتهديده باللجوء لمجلس الأمن قبل أن تفلح إيران بتهدئته). إلى أفغانستان إلى اليمن والسعودية وغيرها. إضافة إلى علاقة إيران مع بعض قيادات القاعدة واستضافتها لهم وهم في طريق الذهاب أو العودة من وإلى أفغانستان، وكثير من هؤلاء مطلوبون لحكوماتهم و ترفض إيران تسليمهم  بهدف استخدامهم عند الحاجة كما هي الحال الآن في سوريا. من جانب آخر هناك المجموعة الجهادية الشيشانية التي تطرح سلوكياتها أسئلة عديدة حول مدى ارتباطها مع المخابرات الروسية خدمة لأهداف النظام الأسدي وتشويه صورة الثورة.
 لكن السؤال الذي لاينفك يطرح نفسه بإلحاح هو: هل هذا أيضاً ماكانت تطمح للوصول إليه الأطراف الدولية الفاعلة تحت مسمى (أصدقاء الشعب السوري) ؟
ليس من الحكمة أن نعمم هنا. ولكن منطق الأمور يقودنا بكل أسف إلى الجواب بنعم!!!!!
ولكي ندعم زعمنا هذا بالحقائق نقول بأن حزب الله مصنف لدى الإدارة الأمريكية كحركة إرهابية منذ عدة سنوات. والسبب في ذلك إطلاق بعض الصواريخ على المستعمرات الإسرائيلية أو القيام ببعض العمليات المعتبرة إرهابية في الخارج. لكن هذا الحزب نفسه يرسل آلاف المقاتلين نهاراً جهاراً لمقالتة السوريين ومحاولة إجهاض ثورتهم ورفعه شعارات طائفية تؤدي إلى زيادة التطرف والاقتتال بين فئات المجتمع السوري، ورفع وتيرة التوتر الطائفي في المنطقة ككل، ألايستحق كل هذا ولو إشارة بسيطة من المسؤولين الأمريكيين للتعبير عن الرفض؟ أليس هذا إرهاباً فجاً؟
بمجرد تحرك مجموعات أصولية مرتبطة بالقاعدة في شمال مالي وإعلان إمارتها الإسلامية، لم تنتظر فرنسا قراراً من مجلس الأمن ولا حتى طلباً من الشعب المالي إذ أرسلت على الفور قواتها العسكرية بضوء أخضر ومساعدة لوجستية  أمريكية وانتهت القضية خلال أقل من شهر وكأن شيئاً لم يكن. ولم نسمع اعتراضاً لا من روسيا ولا من الصين ولا من غيرهما من الدول. وكأن الوضع في مالي أخطر على السلم والأمن الدوليين من سوريا!!!
شحنات الأسلحة والمجاهدين مستمرة من إيران عبر الأجواء العراقية باعتراف أمريكي صريح ولم يتم اتخاذ أي إجراء حقيقي لوقفها رغم تحكم الأمريكان بالأجواء العراقية وبكل مفاصله الأمنية والسياسية حتى بعد انسحاب الجيش الأمريكي من العراق. لابل مايزيد الشبهات أكثر أن المالكي يحصل رغم كل ذلك على أسلحة وطائرات من أمريكا لمحاربة القاعدة في العراق. في حين في سوريا، القاعدة هي التي تحصل على الدعم من المالكي ومن غيره بالمال والسلاح والمقاتلين.
إذا كانت أمريكا معنية بمحاربة الإرهاب حقاً، فلماذا لم تتخذ إجراءاً عملياً واحداً للحد من قوة الإرهاب والتطرف في سوريا؟ وعلى العكس من ذلك فقد تغاضت عنه تماماً إن لم نقل أنها ساهمت بشكل أوبآخر بتقويته وانتشاره على الجغرافيا السورية، وبخاصة في المناطق المحررة. ولماذا لم تسمح للجيش الحر منذ البداية لامتلاك السلاح والقوة التي تمكنه من مواجهة النظام والتطرف الأصولي في الآن ذاته؟؟؟ وبخاصة إذا علمنا أن دول الجوار السوري هي صديقة وحليفة لأميركا ويمكنها إغلاق الحدود في وجه ومحاصرة أية مجموعة لا ترضى عنها أمريكا.
وفوق كل هذا الذي حصل ومازال يحصل.. أليست ممارسات النظام وتدميره للمدن والبلدات وقصفه العشوائي للمناطق السكنية وتدمير ثلث منازل السوريين، وحصاره للأحياء المعارضة له وتجويع السكان المدنيين لإخضاعهم، وقتله مايقارب المائتي ألف مواطن وقرابة نصف مليون معتقل ومعاق ومفقود، إضافة إلى تهجير نصف سكان سوريا من منازلهم. منهم أكثر من ثلاثة ملايين لجأوا إلى دول الجوار. أليس هذا كله أبشع شكل من أشكال الإرهاب المنظم الذي تمارسه سلطة حاكمة ضد مواطنيها؟؟؟ ومع ذلك مازال المجتمع الدولي مستنكفاً ولم يتخذ أي إجراء لوضع حد لهذه المعاناة الأليمة!!!
إزاء كل هذه الحقائق والكثير الكثير غيرها.. هل لدى الشعب السوري من خيار آخر بعدما فقد كل أمل في العثور على صديق وفي يساعده بإخلاص في ضيقه الذي هو فيه سوى أن ينفجر احتجاجاً؟؟
لم يكن الشعب السوري عبر كل تاريخه متطرفاً،  لكنه الآن سيكون....




 

15
استعراض روماني في الساحة السورية
سعيد لحدو
20 آذار 2014

يبدو من الجلي أن جمهور المتفرجين والمشجعين والمصفقين والمهوِّلين والداعمين والمانحين والمانعين متفقون على مبدأ (الفوز ممنوع) لأي من الفريقين في هذه المواجهة التي توقف عندها الزمن في سوريا والتي يخوضها فريقا الشعب الثائر من جهة، والنظام المتعنت بتمسكه بالسلطة حتى الرمق الأخير من الجهة الأخرى، وذلك لأكثر من ثلاث سنوات كاملة. هذه المواجهة الحاسمة لمصير سوريا الدولة والشعب والتي تدور أحداثها على كامل مساحة الأرض والسماء السورية، تفنن المصممون فيها لتكون مباراة العصر. إذ  يمكن لأي فريق تسجيل نقاط تكتيكية في هذا الوقت أو ذاك من المباراة ولكن تحقيق الفوز وإحراز كامل نقاط المباراة مازال أمراً خارج إرادة اللاعبين ولا يخضع لمهاراتهم ودقة تسديداتهم أو لمدى قدرتهم على إقناع الآخرين بمدى أحقيتهم بالفوز. فهذه قضية أخرى لاعلاقة لها كما يبدو بما يجري على أرض الملعب السوري إلا بالقدر الذي يسمح به الطاقم الفني لكل فريق. ويبدو أنهما متفاهمان أو متواطئان على ضبط إيقاع المباراة بقدر كبير من بلادة الحس الإنساني للثمن الفادح الذي يتم دفعه كنتيجة لهذا التواطؤ غير المعلن ولكن المدرَك على نطاق واسع شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً للجميع ولكن ربما باستثناء اللاعبين أنفسهم عن غفل أو تغافل.
قد تتعالى هتافات المشجعين عند كل هجمة منظمة على خطوط الخصم ولكن سرعان ماتتلاشى ويهدأ الحماس أمام أبواب المرمى الموصدة ليس بقوة دفاع الخصم وحسن تنظيمه، وإنما بوضع قوانين خارجية غريبة للعبة تقضي بإدارة باب المرمى إلى الجهة المعاكسة بحيث يستحيل على أي لاعب رمي الكرة في المرمى مهما بلغ من المهارة وقوة التسديد. وهكذا كان الحال عندما حصل فريق الشعب على أكثر من ركلة جزاء محقة لكن الكرة لم تجد طريقها إلى المرمى للسبب ذاته وهو عدم وجود مرمى مفتوح لإحراز أهداف لأي فريق. في حين تبقى الواجهة الأمامية المفتوحة لذلك المرمى مدارة إلى الجهة الأخرى ولا يسمح للاعبين تجاوز الخط للتسديد من تلك الجهة لأن الكرة ستكون في (الآوت).
قد يكون من القسوة ة والإجحاف إلقاء اللوم على اللاعبين أنفسهم حتى ولو امتلكتهم روح الأنانية وأراد كل منهم الاحتفاظ بالكرة لنفسه. لأنه حتى شيوع هذا النمط من السلوك الأناني ماهو إلا خطة تكتيكية للكادر الفني الداعم لهذا الفريق أو ذاك في هذه المواجهة الفاصلة بين خصم استحوذ على كل شيء ومازال يعاند للبقاء اللاعب الوحيد إلى ماشاء الله، وفريق يدافع عن حقه في امتلاك ماهو له في الأساس. وإن كانت تنقصه القوة والأدوات والأصدقاء الحقيقيون للفوز في هذه المواجهة\المباراة، مع أنه مازال يمتلك الصبر والإرادة لتغيير قوانين اللعبة.
ماهو أكثر غرابة أن اللاعبين الاحتياط ، أو بالأحرى فئة من المتفرجين ممن وجدوا بأنفسهم القدرة على اقتحام الساحة للمشاركة، قفزوا إلى ساحة الملعب بصبر نافذ وقد جلب كل منهم كرته معه وبدأ باللعب وفق قوانينه وأنظمته الخاصة ضد كل من يصادفه في وجهه، حتى ضاقت الساحة بالجميع فانسحب اللاعبون الأساسيون إلى مقاعد الاحتياط  وبدأوا بدون حماس يذكر، يتصرفون كمتفرجين ،على مجريات ما اصطلح خطأً على تسميتها مباراتهم!!!!
ولأنه لاحكم موجود يحكم، ولا مرمى مفتوح للتهديف، ولا قوانين باتت تحكم هذه اللعبة الغريبة تحوَّل تصويب الكرات إلى صدور الجمهور ورؤوسهم ولم يسلم من أذاها إلا من كتب الله له عمراً مديداً. في حين من سلم بجلده أصبح يلعن الساعة التي منَّى بها النفس برفاهية التمتع بمشاهدة ماتاقت له النفس طويلاً وما افتقدته الروح من تنعم بروحية التنافس الشريف في واقع تحكمه القوانين والنظم المحترمة من الجميع.
ولعل الأكثر غرابة أن منظمي هذه المباراة والمروجين والداعمين والممولين لها والحاكمين بأمرها لم يروا في كل ذلك خروجاً عن المألوف. واعتبروا أن التلويح بالكارت الأصفر وحده كافٍ لإبقاء مجريات المباراة في حدودها المعقولة وفق منظورهم. هذا الكارت الذي لم يعقبه أبداً الكارت الأحمر رغم تكرار المخالفات من معظم اللاعبين، مما حول ساحة الملعب إلى فوضى عارمة وتحولت المباراة التي كان الهدف منها تقديم عرض حضاري يليق بسكان الكرة الأرضية في القرن الحادي والعشرين من عمر المدنية والتحضر، تحولت تلك المباراة إلى استعراض روماني لصراع الأسود مع المغلوب على أمرهم من العبيد والرعايا المسكونين بهاجس الحرية ولوثة الكرامة المغيبة.
وتستمر المباراة إلى اللامعلوم من الزمن في أجواء يتزايد فيها اللاعبون بينما جمهور المشاهدين من طيبي النوايا يتناقصون باستمرار. أما الطواقم الفنية ممن يمسكون بخيوط اللعبة فما زالوا يستمتعون بمرأى الأسود المفترسة وهي تنهش بوحشية ونهم أشلاء رعايا لم يريدوا لهم قط أن يكونوا مثلهم أولاد آدم وحواء. 



16
جنيف 2... تعا..  ولا  تجي...
سعيد لحدو
23-11-2013

يغني السوريون، إن بقيت بعد فسحة للغناء، لجنيف 2 سراً وعلانية كما غنت فيروز يوماً لحبيبها البعيد: تعا... ولا تجي...واكذب عليي.. إلى آخر كلمات الأغنية. ذلك لأن هذا (الجنيف) وبأي رقم جاء، فقد أجمع المجتمع الدولي بأنه الوصفة الوحيدة الناجعة للحالة السورية. مع العلم أن المجتمع الدولي إياه لم يقم بأي جهد حقيقي وفعّال للبحث عن طريق آخر غير هذا الجنيف الذي كما يبدو لم يعد طريقاً يمكن سلوكه بيسر، وإنما ممراً إجبارياً للجميع وفي نهايته، إذا سلمنا جدلاً بأن له نهاية ما، لن يكون من الحكمة أن يركن السوريون إلى أحلام وردية وانبساط مروج خضراء واعدة. لأن (المكتوب من عنوانه بينقرا). ولأن عنوان هذا المكتوب واضح جداً. فهل يلام السوريون إذا ترددوا في التوجه صوب جنيف الفاقد لكل مضمون باستثناء هذا العنوان الملتبس والمغلف بألف إشكال وإشكال.
نعود إلى كلمات الأغنية التي تتابع: (واكذب عليي... الكذبة مش خطيي... وعدني إنو رح تجي.. وتعا... ولا تجي..).
هذه ليست أحجية يطيب للشعراء أن يتلاعبوا بالألفاظ ليظهروا براعتهم اللغوية... ولا هي درس في الحب لمن يرغب في تعلمه على كبر. إنما هي توصيف أقرب مايكون إلى واقع الثورة السورية والحال الذي وجدت نفسها فيه بعد كل هذه التضحيات بالغالي والنفيس من أجل بناء وطن لايشبه الحاضر بشيء.
لقد وثق السوريون بمن وضعوا أنفسهم في صف الأصدقاء، وتقبلوا منهم الدعم والنصيحة للانتقال بأقل الخسائر إلى الضفة الأخرى لحلمهم الوطني. وركنوا إلى قيم الأخلاق ومبادئ الحق والعدالة والضمائر الحية في المجتمع الإنساني لإنصاف الشعب السوري بما هو حق مشروع له. لكن الخذلان الكبير جاء من الأصدقاء قبل الأعداء. ومن أدعياء المبادئ والقيم والأخلاق قبل غيرهم ممن أشهر عداءه الصريح لكل هذه القيم والمبادئ قبل أن يشهره ضد الشعب السوري وإرادته الحرة. وهكذا يأتي طرح مؤتمر جنيف 2 في هذا الإطار من الكذب والنفاق والدجل الصريح لإيصال الثورة السورية إلى حالة من الإحباط واليأس العميق بحيث لايمكنها التقدم إلى الأمام، كما لن يجرؤ أحد بعد كل هذه التضحيات بالتصريح ولو تلميحاً بالعودة إلى الوراء والتنازل لهذا النظام الذي انتهك كل المحرمات، وهو ماضٍ بإجرامه غير المسبوق بحق الشعب والوطن. وهذا أسوأ وضع يمكن أن تجد ثورة نفسها فيه. في الوقت الذي يتصاعد الحديث على كل المستويات عن جنيف 2 وكأنه سيعقد غداً. لكنك حين تتأمل في معطيات هذا المؤتمر والعوامل الضرورية والشروط الموضوعية لنجاحه، ستجد نفسك مدفوعاً للاقتناع بأنه لن يأتي أبداً. وما هذا التأجيل المتواصل لكل موعد يحدد له إلا تخديراً موضعياً للجرح النازف في غياب أية معالجة حقيقية وفعالة للقضية برمتها. أو ربما غياب الإرادة الحقيقية لتلك المعالجة. على الأقل لدى تلك الأطراف التي تستطيع إذا أرادت أن تجد مايسكّن الألم ويطبب المرض في الآن ذاته.
 لقد بات مؤتمر جنيف محور كل نشاط ومستقطباً لكل حديث. لكن هذا الموعود بالقدوم ليست له بعد أية ملامح تنم عن شخصيته، على الأقل في نظر السوريين. فرغم إعلان الأمريكان والروس عن (اكتشاف العصر) باتفاقهم على عقد جنيف 2. لكنهم ظلوا مختلفين على كل ماعدا ذلك العنوان العريض الملغم. فلا الموعد كان محدداً وثابتاً. ولا الأسس التي سيقوم عليها ولا الإطار الذي يمكن أن تجري المفاوضات ضمنه معلومة وواضحة، أقله في العلن أو للمعارضة السورية. ولا سقف زمني لكل ذلك. وهنا الخشية أن تستمر المراوحة سياسياً وميدانياً على أمل انتظار غودو الغارق في المجهول. ليحصل للسوريين كما يحصل الآن للفلسطينيين بعد اتفاق أوسلو. أو في أحسن الأحوال ماهو حاصل في لبنان من كانتونات شبه مستقلة ومتصارعة في كل حي وقرية لبنانية.
السياسة في النهاية تقررها مصالح الدول لا جمال الحبيبة أو الحبيب سواء جاء أم لم يأتِ.أما المصلحة الكبرى فهي للسوريين في إيقاف هذا العبث الجنوني من قتل وتدمير وتهجير للملايين. وإنهاء هذا الفصل الأسود من تاريخ حكم بغيض. ولكن السؤال الأهم هو: متى ستلتقي مصلحة السوريين هذه مع مصالح كل من قطر والسعودية وتركيا والإمارات وإيران وروسيا والاتحاد الأوربي وأمريكا وكل قريب وبعيد. وخلف أو وفوق كل هؤلاء إسرائيل، لإيقاف هذا الجنون الذي طال أكثر بكثير مما يحتمله بلد وشعب؟
لم يساورني الشك يوماً في قدرة الثورة السورية على الانتصار. ولكن تكاثر الأيدي القابضة على مقود هذه الثورة ضيَّع وسيضيّع علينا الكثير من الوقت الثمين الذي يدفع السوري اليوم ثمنه بالدم الغالي والتدمير لبلد أغلى. وحتى ذلك الحين سنغني مراعاة لمشاعر بعض الأصدقاء: تعا ولا تجي.

17
إقالة قدري جميل.. عقوبة في الشكل ومكافأة في المضمون

29-10-2013
سعيد لحدو

تأتي إقالة قدري جميل من منصبه كنائب لرئيس الوزراء من قبل بشار الأسد وسط عاصفة الحديث عن جنيف 2 والتحضيرات الجارية من قبل كل الفرقاء لهذا المؤتمر الذي لاأحد يعرف على وجه التحديد وفي مقدمتهم الوسيط الدولي الإبراهيمي، متى سيعقد ومن سيحضره وماهي الخطوط العامة للمفاوضات بين المعارضة والنظام إن حصلت. وكان السبب الرسمي المعلن لهذه الإقالة من قبل النظام هو "غيابه عن مقر عمله دون إذن مسبق ، وقيامَه بأنشطة ولقاءات خارج الوطن دون التنسيق مع الحكومة".
إن من يعرف أسلوب عمل النظام وطريقة تعامله مع الحكومة يعرف تماماً أن رئيس الوزراء وكل حكومته ليسوا أكثر من موظفين منفذين لما يؤمرون به من قبل أجهزة الأمن التي تعد عليهم أنفاسهم. وبالتالي لايمكن لقدري جميل أو أي مسؤول آخر من النظام مهما علت مرتبته الوظيفية الرسمية أن يقوم بأية خطوة، لا داخل البلاد ولا خارجها، إلا بأمر وإيعاز من تلك الأجهزة. وعليه يمكننا فهم هذه الإقالة بالطريقة التي يقودنا إليها منطق الأمور التي حصلت ومازالت تحصل في سوريا منذ أربعة عقود ونيف مع بداية سيطرة الأسد الأب على السلطة وحتى هذه اللحظة. وهذا يعني أن الغياب عن مقر العمل لأي موظف حكومي لم يكن أبداً سبباً لأية عقوبة بسيطة فما بالك بإقالة نائب رئيس للوزراء. فهناك عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين الذين يتقاضون رواتبهم سنين عديدة وهم لايعرفون حتى أين يقع مكان عملهم. ومن عمل في حقول النفط وفي مديريات التربية وشركات القطاع العام، ناهيك عن الجيش والأمن والمصالح الحكومية الأخرى يستطيع أن يطلعنا على الكثير الكثير من الأمثلة على ذلك.
إذن،فالسبب الحقيقي وراء هذه الإقالة بالتأكيد ليس الغياب، كما إن السبب الثاني الذي ذكر وهو قيامه بلقاءات خارج الوطن (المقصود لقاءه مع السفير الأمريكي فورد) دون التنسيق مع الحكومة يعتبر لمن يعرف دور الحكومة وصلاحياتها أتفه من أن تتم مناقشته. لأن المهمات المهمة والمصيرية لاتتم مناقشتها من قبل أية حكومة وإنما تؤخذ القرارات بها في الدوائر الضيقة للنظام وتؤمر الحكومة بإخراج مسرحي لها. ناهيك عن أنه في الظروف الحالية التي تعيشها سوريا والانشقاقات العديدة لمسؤولين حكوميين ومنهم رئيس الوزراء السابق رياض حجاب،لايمكن لأي مسؤول حكومي السفر خارج سوريا ومن مطار دمشق جهاراً نهاراً دون معرفة وسماح وموافقة الأجهزة الأمنية على المهمة التي سيقوم بها ذلك المسؤول. هذا إذا لم تكن هذه الأجهزة قد كلفته بتلك المهمة لغاية في نفسها. "وهون حطنا الجمَّال" كما يقول التعبير الشعبي الشائع.
من المعروف أن السيد قدري جميل طفل روسيا المدلل ظل طوال الوقت يطرح نفسه وحزبه، من بقايا الشيوعية المحنطة، كمعارض (وطني) للنظام. وجاء نائباً لرئيس الوزراء بعد إصلاحات بشار الأسد الأسطورية وتشكيله حكومة (وطنية) مشتركة من النظام و (المعارضة الوطنية) بعد انطلاق الثورة السورية. وقد رضي الطرفان إضافة إلى روسيا وإيران بهذه الإصلاحات واعتبرا أن الانتقال الديمقراطي قد أنجز والآن تنحصر مهمتهم بمحاربة العصابات الإرهابية. وعندما لم يتحقق هذا الحلم الوهم للنظام ومعارضته مسبقة الصنع، تحول كلاهما ، وربما بنصيحة روسية، للالتفاف على نتائج مؤتمر جنيف الموعود والمساعي لنقل السلطة بتقديم وجوه من عظام رقبة النظام كمعارضة لتتسلم السلطة كما هي النتيجة المتوقعة لمؤتمر جنيف إذا تم عقده في يوم ما.
من هذا المنطلق كُلفَ قدري جميل بمهمة تقديم نفسه كمعارض للنظام وقام بلقاء السفير الأمريكي في جنيف في 26 تشرين الأول لأخذ مباركة أمريكا لاعتماده في وفد المعارضة الذي سيفاوض النظام. وعندما فاجأه فورد بملاحظة أنه كيف يمكن أن يكون معارضاً في الوقت الذي مازال يحتل منصب نائب رئيس الوزراء. وهنا تفتقت عبقرية النظام وبدأ بتنفيذ الخطة (ب) وذلك بتنفيذ عقوبة الإقالة لقدري (وربما بدري قد تكون أصح) شكلاً ليحتل الآن رسمياً موقع المعارض وفي الآن ذاته يتم إعداده بعد إسقاط حجة فورد ليحتل وكمعارض هذه المرة منصب رئيس الوزراء للحكومة الانتقالية التي لم تحبل بها بعد كل تحركات الإبراهيمي معززة بكل ما أراده لها من دعم الروس والأمريكان على السواء.
وهكذا يمكننا بعد هذا التحليل البسيط للأمور رؤية هذه الإقالة كعقوبة شكلاً وكمكافأة مضموناً على الخدمات الكثيرة التي سيقدمها هذا البدري للنظام وأزلامه المقربين حين تحين ساعة المحاسبة.

 



18
مؤتمر الإنقاذ، وإنقاذ مالايُنقَذ
26 أيلول 2012                                                                                          سعيد لحدو
مؤتمر لإسقاط النظام، يعقد في عاصمة النظام وتحت حماية النظام وبدعم ومشاركة من حماة النظام!!! إنها ليست نكتة للتندر ولا إحدى حزازير قياس الفهم والشطارة. ولكن هذا ماحدث فعلاً في دمشق يوم الأحد الماضي. ولولا أصوات انفجارات القنابل التي تسقطها طائرات النظام ودباباته لتدمر الأحياء السكنية على رؤوس ساكنيها من المواطنين العزل لاعتقدنا أننا نعيش في عالم آخر وزمان يبحر بعيداً في المستقبل وليس في عصر نظام الأسد!!!
شعار إسقاط النظام الذي خرج به مؤتمر هيئة التنسيق ومن جاورها سياسياً والذي دعي بمؤتمر إنقاذ سوريا، وماهو في الحقيقة إلا مؤتمراً لإنقاذ النظام ذاته، هذا الشعار ليس إلا حركة بهلوانية جديدة من حماة النظام وأدواتهم. بدليل أن تنفيذ هذا الشعار ترك أمره للنظام فهو الذي سيقرر (إذا رغب بالطبع) مكان وزمان وشكل الإسقاط ولونه. بحيث إن حصلت المعجزة وتم، يكون إسقاطاً من النظام لنفسه وبنفسه ولنفسه. ذلك لأن قلوب القائمين على هيئة التنسيق وأخواتها من الحنو والرِقة بحيث لايتحملون مشاهد الدماء التي قد تسيل إذا طالبوا بإسقاط هذا النظام العاتي بالقوة. ولهذا قالوا: (سلمياً). وهذا كما هو جلي، منتهى الإنسانية، لولا أن أنهار الدم السورية البريئة التي سيَّلها النظام حتى الآن، ومازال الحبل على الجرار، تفقع عين كل من يريد أن يتعامى عن حقيقة هذا النظام وسياسته القائمة على القتل والدمار والخراب لسوريا وشعبها. ولم يأتِ شعار شبيحته (الأسد أو لا أحد) من فراغ بل هو كان ومايزال سياسة ممنهجة لاتخفى على كل ذي حس وطني ولو بالحد الأدنى.
لم يكن إسقاط النظام في سوريا هدفاً بحد ذاته للمعارضة السورية منذ وراثة بشار الأسد لأبيه، وإنما تحولت المعارضة السورية إلى هذا الشعار بعد أن يئست من كل الوعود التي بذلت بسخاء للإصلاح والتغيير والديمقراطية. ثم بدأ النظام يلحسها الوعد تلو الآخر. فابتداءاً بمطالبات المنتديات بُعيد وراثة بشار للحكم ومروراً بتأسيس إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي السلمي التدرجي وصولاً إلى ثورة الشعب السوري التي انطلقت في بدايتها من المبدأ ذاته القائم على الحوار المتحضر البيني بين جميع أطياف وتيارات وفئات الشعب السوري من جهة وبينها وبين النظام ذاته من جهة أخرى. وذلك للوصول إلى تقاطعات مشتركة يتم الانتقال عبرها إلى سوريا الجديدة. وقد اعتقد معظم هؤلاء بأن النظام استفاد من التجارب التي سبقته ولا بد أن يكون قد اتعظ منها. لكن حين تبين العكس تماماً وركب النظام رأسه وكان رده الوحيد المزيد من الملاحقة والقتل والتدمير للبلاد والعباد، اضطرت المعارضة الشعبية نتيجة ذلك للتحول إلى المطالبة بإسقاط النظام الذي لم يعد يرتجى منه أي إصلاح حقيقي مهما كان طفيفاً.
يقال باللهجة الشامية: (يطعمك الحج والناس راجعة). هذا هو حال هيئة التنسيق اليوم. فبعد أن كانت تعارض أي طرح جدي بإسقاط النظام بكل رموزه وأركانه، اضطرت في مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية أن تقبل على مضض وتحت ضغط الشارع الثائر أن تقبل بما تضمنته وثيقة القاهرة. لكنها بعد قليل حاولت التملص من استحقاقات تلك الوثيقة بخلق أعذار لاعلاقة لها بذلك المضمون. لقد أتيح لهيئة التنسيق عدة فرص للالتحاق بمسيرة الثورة السورية قبل وأثناء وبعد تشكيل المجلس الوطني السوري على الأسس والمبادئ التي طرحتها الثورة. لكنها ظلت طوال الوقت تغازل النظام لتحافظ على رأسها طافياً بمساعدة وتشجيع حلفاء النظام وحماته أنفسهم. في حين كان الثائرون يغرقون بدمائهم التي استباحها النظام واستباح معها كل شيء. وكان الآخرون مهددون بحياتهم وعائلاتهم مما اضطرهم للاختفاء أو مغادرة البلاد بمبادرة ذاتية أو تكليفاً من التنظيمات التي ينتمون إليها لمواصلة نضالهم الذي بدأوه. وهذا هو حال معظم قياديي المجلس الوطني السوري. وهنا تراقصت هيئة التنسيق مرة أخرى على معزوفة النظام القائلة بمعارضة الداخل ومعارضة الخارج بتناغم فريد مع سياسة النظام في اتهام المعارضة الحقيقية بالارتهان والعمالة للخارج، وقصر صفة المعارضة الوطنية على بعض الأسماء والتنظيمات المسبقة الصنع في مختبرات النظام الأمنية وفق مقاييس محددة تفي بالغرض الذي ينشده النظام من طرحه للحوار (الأبدي) تحت سقف النظام وبشروطه للوصول إلى النتائج (المسبقة الصنع) أيضاً بحيث ينطبق المثل الشعبي (تيتي تيتي لا رحتي ولا جيتي).
ثم أليس أبرز قادة هيئة التنسيق أيضاً مقيمين في الخارج ومنذ عشرات السنين؟؟؟ ثم هل الصفة الوطنية والاهتمام بقضايا الوطن ومناصرتها يجب أن تقتصر فقط على أولئك المقيمين في دمشق؟ وأن الآخرين جميعاً متهمون في وطنيتهم؟ أليس هذا مايريده النظام تحديداً بعزل المعارضة الحقيقية والمؤثرة وتشويه صورتها ومقاصدها للاستفراد بما تبقى من معارضة لاحول ولا قوة لها في الداخل. وأما من له الحول والقوة وأثبت وجوداً في الداخل، فهو مجرد مجموعة إرهابية وستتعامل معها أجهزة النظام المختصة كما يجب؟؟؟ فإلى أي حد يفترق موقف هيئة التنسيق عن موقف النظام هذا؟
ثم يأتي انعقاد مؤتمر (إنقاذ سوريا) هكذا في وضح النهار وفي قلب دمشق وبحماية أجهزة النظام نفسه وبدعم ورعاية ومشاركة من حماة النظام وأولياء نعمته إيران وروسيا والصين؟ ومن ثم يطرح هذا المؤتمر وبكلمة واحدة ((إسقاط النظام)) دون أن تهتز تحت أقدامهم بحصة في شوارع دمشق!!! هنا لابد أن يتوقف الزمن قليلاً لهضم مايجري، وإدراك أبعاد مايدور. فهل هذا مجرد شعار يطرح لقطع الطريق على الآخرين وامتصاص نقمة الشارع عليهم وتبييض صفحتهم بعد أن لفظهم هذا الشارع المنتفض نتيجة لمواقفهم السابقة. وهل الهدف الآن هو إعادة تأهيل هيئة التنسيق وأخواتها لتقديمهم كمحاورين للنظام وفق أجندة محددة وضعها حماته بالاتفاق والتنسيق معه من أجل تعويم حل يقبل به النظام وترضى به (معارضة الداخل) المدجنة. ومن ثم تسويق هذا الحل وبيعه للأطراف الأخرى بعد أن عجز النظام وحماته من كسر شوكة الثورة السورية أو جر المجلس الوطني إلى طاولة حوار لايؤدي إلا إلى استمرار هذا النظام بأشكال وصيغ أخرى. أم هي محاولة جديدة من هيئة التنسيق وكفلائها لجر الثورة السورية إلى مواقعهم المائعة التي عهدناها ورفضها الشارع المنتفض دائماً ولكن هذه المرة عبر التلاعب بالكلمات والصيغ المفرغة من أي معنى أو مضمون حقيقي بدليل رضى النظام وعدم انزعاجه كما هي عادته في حالات مماثلة سابقة. لا بل وحمايته لها. في الوقت الذي يصف فيه كل من عارضه بالإرهابي أو العميل المرتبط بالخارج. إلى جانب استمراره بسياسة القتل والتدمير الممنهج بحق الشعب السوري الثائر.
هل هناك من شك بعد بأن وراء الأكمة ماوراءها؟ هل هي لعبة الشيطان الملتبس بهيئة ملاك؟ أم إن هيئة التنسيق صحت أخيراً واستفاق ضميرها الوطني فنطقت بما كان يجب أن تنطق به منذ البدء. في الوقت الذي لم يشارك بعض قادتها المقيمين في الخارج في المؤتمر (لأسباب أمنية) كما قيل. رغم أن المطلب والموقف هو ذاته بين هؤلاء وأولئك!!!
ولكن لماذا لم ينزعج النظام هذه المرة؟
لعل السؤال هو مايحدث الصدمة أكثر من الجواب نفسه..  

19
المنبر الحر / عقد إتمام البيع
« في: 20:57 08/04/2012  »
عقد إتمام البيع
6 نيسان 2012
سعيد لحدو
نعلن نحن القيِّمون على الأمور في البقعة الجغرافية المسماة سوريا تنفيذاً لإعلاننا السابق بعنوان (وطن بالمزاد العلني) والمؤرخ بـ 19 كانون أول 2009 والقاضي بعرض بيع قطعة الأرض التي امتلكناها بجدارة منذ عام 1963 وأكدنا حقنا بالامتلاك بصك الحركة التصحيحية عام 1970. وثبت لنا المقيمون على هذه البقعة الجغرافية هذا الحق بسندات التصفيق الطويل منذ ذلك الوقت وحتى 15 آذار 2011، نعلن أن عملية البيع قد تمت برضى الطرفين وفق الأسس والقواعد التي اتفق عليها الجانبان وهما:
الفريق الأول (البائع): ويمثله عائلة الأسد ومخلوف وشاليش وخيربك ومن ساعدهم من وسطاء متنفعين وسماسرة ورجال دين من ذوي العمائم السياسية، ومن شبيحة وقناصة ومطبلين مزمرين، في تنظيف المدن والبلدات والقرى السورية من المتلوثين بوباء الحرية والديمقراطية الذي بات ظاهرة صعب على الكثيرين من أمثالنا مقاومته. 
الفريق الثاني (الشاري): إيران وروسيا والصين ووليدهم من زواج المتعة إياه، حزب الله اللبناني، متمثلين بنجاد وبوتين و (شو في شي؟) وسماحة المقاوم المجاهد أبداً لوجه إيران حسن نصر الله.
يعلن الطرفان أن المزايدة العلنية التي تم الإعلان عنها بالتاريخ المذكور أعلاه قد رست على الطرف الثاني وبرضى تام من الطرف الأول بعد أن أحجمت الأطراف الأخرى عن تقديم سعر أعلى مما تقدم به ممثلو الطرف الثاني المذكور في هذا العقد. وقد بارك هذا الاتفاق كل من السادة:
أحمد حسون مفتي سوريا وذلك لإضفاء صفة شرعية على الاتفاق.
محمد سعيد رمضان البوطي للاستفادة من علمه وخبرته في التزوير والنفاق.
والراهبة أغنيس بقرادوني وذلك لإضافة نكهة جمالية شكلية على المشهد الجاف بطبيعته.
وقد اتفق الطرفان بعد أخذ الظروف الدولية الحالية بعين الاعتبار. وفي ظل وباء ماسمي بربيع الثورات المستشري بين سكان المنطقة. وقبل إسدال الستار بعد رحيل آخر المغادرين في نهاية مسرحية خريف الأنظمة، على مايلي:
1.   يبيع الفريق الأول مساحة 185000 كيلومتر مربع من الأرض في البقعة الجغرافية المسماة سوريا بما فيها وما عليها من كل ماهبَّ ودبَّ أو كمنَ على سطحها أو في جوفها أو في أجوائها للفريق الثاني الذي يصبح من حقه بموجب صك البيع هذا ممارسة كل مايمنحه له هذا العقد من امتيازات المالك الشرعي ويتصرف بكامل الحرية في هذا العقار تصرف المالك بملكه دون أي تحديد للصلاحيات أو الحقوق. وفي هذا الإطار يكون من حق الفريق الثاني نشر مايراه مناسباً من دعوات وأفكار ومذاهب على كامل هذه البقعة دون اعتراض أو تململ من أية جهة كانت وبتسهيل تام من قبل الفريق الأول.
2.   من حق الفريق الثاني أيضاً استخدام كل الميزات الاستراتيجية التي تتمتع بها هذه البقعة الجغرافية براً وبحراً وجواً بما يتوافق وسياساتها الدولية ويخدم خططه الاستراتيجية بما فيها الابتزاز السياسي لمافيات السلطة.
3.   كذلك لبعض أطراف الفريق الثاني وممثلها (شو في شي) الحق الدائم بالسؤال عما يحصل في هذا العالم واستخدام تلك المعرفة في تأمين نفط مجاني حاجة آلته الصناعية وإسناد ذلك بمواقف سياسية من بعض أطرافه الأخرى لضرورات البيزنس.
4.   حماية ورعاية وليدهم من زواج المتعة الذي مازال قائماً. وتزويده بكل مايلزمه من عدة الشغل الضرورية لمهمته المكلف بها. وتوكيله بالقيام بكل العمليات التي تخدم الأهداف الثلاثة السابقة بشرط ألا يمس بأمن إسرائيل أو حدودها.
5.   يتعهد الفريق الأول ونزولاً عند رغبة المجتمع الدولي بإجراء إصلاحات ديموغرافية لتنظيف سوريا من العصابات الإرهابية وكل المعترضين على هذا الاتفاق والذين تزايد عددهم حتى بلغ 22 مليون ونيف. ولأجل هذا الغرض فإننا سنستبدل هؤلاء بعدد مماثل من مجاهدي حزب الله وفيلق القدس وبدر المتمرسين بالطاعة دون أي تردد أو تذمر. وعلاوة على ذلك فهم من وكلاء الله على الأرض حتى لو لم تؤمن الصين بذلك. فقليل من البترول كفيل بإقناع (شو في) بأن الله موجود. وبخاصة بعد أن أدرك الروس أخيراً ذلك. لذا فإن قيام الامبراطورية الإلهية لن يكون إلا تحصيل حاصل بعد القضاء على هذه الكائنات التي كانت تعيش على هذه البقعة الجغرافية طوال هذه العقود بكل سكون ودعة وصمت.
6.   تقديم جائزة ترضية للمالكي وهي عبارة عن خاتم فضة من الإمام ظل الله على الأرض السيد على الحسيني الخامنئي. وبالطبع هذا لايكون إلا في النهار وإذا كانت الشمس مشرقة. أما في الليل فكلنا سواء. وعلى المالكي ماغيره أن يلبس هذا الخاتم الجديد في يده اليمنى أثناء خطاباته في مؤتمرات أصدقاء سوريا القادمة ويستعمل سحر الإمام الكامن في الخاتم ليقنع الآخرين ، بعد تجربة العراق التي أوصلته لذلك المنبر، بديمقراطيته ونفوره من أي تدخل عسكري وتغيير الحكام المستبدين بالقوة. وكرد جميل للإمام ظل الله هذا، لابأس بين الحين والآخر ضخ بضعة ملايين من الدولارات في خزينة الفريق الأول للتأكد بأن هذه ليست سوى  عصابات إرهابية مسلحة.
7.   يستمر الفريق الأول بإدارة هذه البقعة الجغرافية تحت إشراف وقيادة الفريق الثاني مجتمعاً أو كل على انفراد إلى أجل غير مسمى طالما لم يخل بأحد بنود عقد البيع هذا. ويحق للفريق الأول الاستعانة بخبرات وإمكانات من يراه مناسباً ومفيداً من المقيمين أو المتغربين أو غيرهم بما يحقق مصالح الطرفين المتعاقدين.
8.   يدفع الفريق الثاني للفريق الأول مقابل ذلك بدلاً نقدياً قيمته خمسة عشر مليار دولار بمثابة دين مستحق يجري استثماره من قبل الفريق الأول بمعرفته ودون أية شروط. كما يقدم الفريق الثاني مقاتلين وأسلحة حسب الحاجة بالإضافة إلى بعض المواقف السياسية التي لا تخدش الحياء.
9.   يعتبر إعلان المزايدة العلنية بكل شروطه ومضامينه، الذي صدر بتاريخ 19 -12- 2009 جزءاً لا يتجزأ من صك البيع هذا. وتنطبق عليه كل شروط العقد المبرم. ومدة هذا العقد غير محددة. ولا يجوز إجراء أي تعديل على هذه البنود إلا بموافقة الطرفين.
على ماسبق تم الاتفاق بإدراك ووعي من الفريقين المتعاقدين وهما بكامل الأهلية القانونية (مع التحفظ على هذا البند فيما يخص البعض). وبحضور محامي الشيطان سماحة الشيخ لافروف.
جرى التوقيع أمامي أنا متعهد المؤامرات الكونية.
الشهود إضافة إلى الموقعين: تشافيز فنزويلا - بوليفيا- بيلاروسيا- كوبا - الاكوادور نيكاراغوا - زمبابوي- كوريا الشمالية


20
مشعل التمو وشرف الشهادة
8 تشرين الأول 2011
سعيد لحدو
ليس غريباً أن يجري اغتيال المناضل الكردي والوطني البارز مشعل التمو على عيون الأشهاد في بلد صغير نسبياً كمدينة القامشلي وفي كل عشرة أمتار من شوارعها رجل مخابرات أو شبيح، وذلك من دون أن تتمكن أجهزة الأمن تلك من القبض على الجناة أو معرفة شخصياتهم، كما لم تتمكن من قبل من معرفة المعتدين على رسام الكاريكاتير العالمي محمد فرزات في قلب دمشق وعلى بعد عشرات الأمتار من مبنى الإذاعة والتلفزيون ووزارة الدفاع وقيادة القوى الجوية وكلها مراكز حكومية حساسة جداً وتحظى بحراسة أمنية على أعلى المستويات.
إن من يعرف النظام السوري، يعرف أيضاً أن فرق الاغتيال التي لاتحتاج إلى تغطية وجهها تستطيع بعد تنفيذ مهمتها البشعة أن تعود أو يعود من أمرهم بذلك للوقوف بكل صفاقة في صف المعزين. لا بل في صف أهل العزاء أنفسهم. ومن هذا المنطلق انبرى التلفزيون الرسمي للنظام يشيد بمناقب ومواقف الشهيد مشعل التمو وهو الذي خرج للتو من معتقلات النظام المخصصة للوطنيين الشرفاء أمثاله بعد أن أمضى بسبب آرائه ومواقفه الوطنية ذاتها التي يتحدث التلفزيون الرسمي عنها الآن، قرابة سنتين وتسعة أشهر بعد عملية اختطافه حينذاك على طريق حلب والتي تمت على طريقة آل كابوني، واختفائه لمدة حتى اعترفت أجهزة أمن النظام لاحقاً بأنه معتقل لديها.   
هذه هي طريقة تعامل النظام مع معارضيه السياسيين. وفي لبنان وسورية عشرات الأمثلة التي يعرفها الجميع لقيادات وشخصيات هامة جرت تصفيتها دون أن يخفي النظام متعمداً آثار تلك الجرائم بهدف أن يرتدع الآخرون.
وإذا تجاوزنا محاولات الاغتيال السابقة للشهيد مشعل التمو، وإذا علمنا أنه كان يعيش متخفياً عن أعين أجهزة النظام طوال المدة الأخيرة خوفاً على حياته، فهل هناك بعد ساذج واحد يمكنه أن يصدق مسرحية المجموعات الإرهابية في مدينة كالقامشلي؟ هذه المدينة التي طالما ركن أهلها إلى الدعة والسكينة، باستثناء الفترات التي كانت تنشط فيها عصابات النظام المخابراتية بين الفينة والأخرى لسلب الناس وقتلهم بعد وضعها حواجز أمنية طيارة على الطرق التي يسلكها المواطنون بعد أن يكونوا قد قبضوا نقداً أثمان محاصيلهم الزراعية من المؤسسات الحكومية.
أبناء الجزيرة يعرفون جيداً ماذا أعني وعمن أتحدث. وهم يعرفون أيضاً ضحايا تلك العصابات بالأسماء والتواريخ. ولكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً عن السابق. فقد تحولت عصابات النهب والسلب تلك إلى فرق اغتيال منظمة بدوافع سياسية. فالمناضل مشعل التمو من أقوى الأصوات الكردية التي نادت منذ بدء الثورة السورية بإسقاط النظام. ولقد استمعتُ إليه وهو يتحدث عبر الهاتف إلى المجتمعين في استانبول قبل أيام معرباً عن تضامنه وتأييده لهم ،ومتمنياً عليهم الخروج بما ينتظره منهم الشعب السوري الثائر بكل أطيافه وتياراته القومية والسياسية والدينية. وكان لكلامه ذاك وقع عميق في نفوس المجتمعين من أجل وحدة المعارضة السورية وتوحيد كلمتها وإنتاج مجلس وطني واحد يمثلها ويتحدث باسم الثورة والثائرين، بعد أن تكون قد تمثلت فيه كل مكونات المجتمع السوري وأطيافه المتنوعة لرسم وجه المستقبل لسوريا حرة وديمقراطية وتعددية.
صوت مشعل التمو ذاك كان الأكثر وضوحاً بين الحركة السياسية الكردية، في ظل المواقف العائمة والمترددة وغير الحاسمة لمعظم التنظيمات الكردية التقليدية في سوريا. والتي لم يقتنع الكثيرون بمبرراتها المعلنة، مما أثار ومازال يثير بعض التساؤلات.
لهذا فإن جريمة الاغتيال هذه جاءت لإسكات هذا الصوت الذي بات يستقطب جماهيرية متزايدة في الشارع الكردي خصوصاً والوطني عموماً على حساب التنظيمات التقليدية التي أبدت فتوراً واضحاً في الانخراط في المظاهرات. ولا شك، فقد أفقد هذا الفتور الثورة السورية الزخم الذي كنا نتوقعه في منطقة الجزيرة، في الوقت الذي يسقط فيه كل يوم عشرات الشهداء في المناطق السورية الأخرى.
وإذا كنا كسوريين نثمن لتيار المستقبل الكردي والناطق باسمه الشهيد مشعل التمو مواقفهم الوطنية هذه، ونقدر لهم تضحياتهم وفداحة الثمن الذي لابد وأن يدفعه كل وطني شريف ومخلص قال للنظام كفى، فإننا ندرك في الوقت ذاته أن طريق الحرية ليس مفروشاً بالورود، وإنما لابد أن يعبِّده المناضلون من أجل تلك الحرية بدمائهم.
لقد قرن الشهيد مشعل التمو قوله بالفعل، وقدم حياته فداء لمواقفه الوطنية الشجاعة. فامتزج باستشهادة من أجل حرية الوطن الدمُ الكردي بدم الآلاف من أبناء سورية الآخرين من شهداء الحرية. مجسداً بذلك إخوة حقيقية في الوطن الباحث عن حريته عبر قوافل الشهداء والمعتقلين والملاحقين والمهجرين إضافة إلى الملايين الذين يعيشون غرباء منفيين ومقموعين في وطنهم.
قبل أيام وردتنا تحذيرات بأن النظام بدأ يعد ويخطط لاغتيال معارضيه السياسيين وإلقاء التهمة على اختراع مخيلته الأمنية، العصابات الإرهابية. هذه النكتة السخيفة التي تثير من الازدراء أكثر مما تثير من الضحك. وهاقد بدأ تنفيذ هذا المخطط بمحاولة إقصاء الشارع الكردي عن المشاركة الفعالة في المظاهرات عبر اغتيال أبرز المعارضين للنظام. ولا نستغرب أن تطال يدُ الإجرام معارضين آخرين في الأيام القادمة. لقد عودنا النظام أن لاأمان له ولا حرمة لديه. وأعماله الإجرامية في الشارع تشهد بأن هذا النظام مستعد لعمل أي شيء يخطر أو لا يخطر بالبال من أجل أن يطيل عمره يوماً واحداً. لذا فإن الشهيد مشعل التمو ليس أول، ضحاياه ولا نظن بأنه سيكون الأخير. لكننا سنعمل بكل جهد على ألا تطول قائمة الشهداء بوضع نهاية قريبة لهذا النظام المجرم.

21
عفواً سيدي الرئيس.... أنت تكذب
22 آب 2011
سعيد لحدو
سأدعي الشجاعة وأنا على بعد آلاف الكيلومترات عن المدى المجدي لرصاص قناصة النظام السوري وشبيحته لأقول لرئيسهم المتفوه: عفواً سيدي الرئيس... أنت تكذب.
وأعترف بأن شجاعتي المزعومة هذه لا ترتقي إلى نسبة واحد بالألف من شجاعة أصغر طفل سوري في أبعد قرية ضمن حدود الوطن الثائر وهو يخرج مسلحاً بحنجرته وصدره العاري إلا من ثقوب رصاص القنص وركلات الشبيحة، ليهتف للحرية. ولكنه مع ذلك فقد أرعب النظام وزعزع أركانه مما دفع هذا النظام للدفع بكل مايملك من قوة بطش وقتل وترهيب، لمواجهة ذلك الطفل. مستخدماً جيش الوطن الذي طالما أصم آذاننا لعشرات السنين بشعارات إعداده للمواجهة والممانعة والصمود والتحرير، فإذ به يواجه بهذا الجيش أبناء الوطن الشرفاء لتدعيم وإطالة أمد صموده وممانعته في التزحزح ولو قيد أنملة عن عرش السلطة المتوارث. أما التحرير فقد تحول إلى تحرير المدن والبلدات السورية من أهلها، ليظل الجولان هادئاً هانئاً سعيداً في كنف إسرائيل التي أثبتت رغم كل وحشيتها بأنها أرحم بألف مرة من هذا النظام.
عفواً سيدي الرئيس.... أنت تكذب. هذه الحقيقة لم نكن بحاجة إلى طلتك البهية للمرة الرابعة لنتأكد منها. فقد سبق لك أن أتحفتنا بالكثير من اللغو والحشو والكلام الفارغ من أي مضمون، والوعود بإصلاحات وقرارات لا أحد يؤمن بجديتها حتى أنت نفسك وكل من حولك ممن هم معنيون بتنفيذ هذه القرارات، ناهيك عن مضامينها الفارغة من أي إصلاح مزعوم. ومن باب التذكير فقط، ولا أظنك ولا أجهزة مخابراتك قد نسيتم، وإن كنتم تتناسون في كثير من الأحيان أنكم قلتم وصرحتم بأمور كثيرة وفعلتم مايخالفها تماماً. أو أن الوقائع أثبتت أنكم كنتم على خطأ جسيم. ومع ذلك تجاهلتم الأمر وكأنه لم يحدث. وعلى سبيل المثال:
كذبت علينا في أول إطلالة رسمية لك من على منبر مجلس المطبلين والمزمرين والمصفقين لتؤدي يمين القسم أمامهم بعد أدائهم المميز في مسرحية التعديل الدستوري إياه ليحق لك دستورياً أن ترث مزرعة الوالد بعد الجهد الكبير الذي بذله طوال ثلاثين عاماً لتكون ملكاً خالصاً لأبنائه من بعده. ولا أظنك، لو أسعفتك الظروف، تحيد عن هذا النهج. لقد كذبت في أول كلمة نطقتها حينذاك وأنت تؤدي القسم الذي كتبه وحضَّره لك والدك من قبل، بأن تحافظ على النظام الجمهوري الديمقراطي الشعبي وأن تحترم الدستور والقوانين وأن ترعى مصالح الشعب وسلامة الوطن.... ولكنك في اللحظة ذاتها التي كنت تؤدي فيها القسم كنت تخون الشعب وتخترق الدستور وتحول النظام الجمهوري إلى سلطة وراثية،. ولم تحترم يوماً مصالح الشعب ولا سلامة الوطن، لاقبل القسم ولا بعده. وتؤسس لحكم ديكتاتوري لامثيل له إلا توأم والدك مجنون ليبيا الذي يلفظ في هذه اللحظات أنفاسه الأخيرة.
ولأن الشعب السوري شعب طيب ومتسامح وغفور ويتطلع بأمل إلى مستقبل الوطن، غفر لك ذلك على أمل أن تتدارك الأمر وتحول بحماسة الشباب غده أفضل من حاضره. وقد تداعى الكثيرون من الشرفاء من أبناء هذا الشعب لتسيل المهمة عليك عندما أسسوا منتديات المجتمع المدني وبدأوا مناقشات جدية ماعرف حينها بربيع دمشق، متشجعين بوعود التغيير والإصلاح التي أعنتها حينذاك. وعندما  لمستَ جديتهم في الأمر كان مصيرمعظمهم الملاحقة والاعتقال تحت ذرائع واتهامات مزيفة، وستبقى تلك الاتهامات علامات إدانة لك ولنظامك إلى أن تحين ساعة المحاسبة، ولا أظنها باتت بعيدة الآن.
وعندما بدأت شرارة الثورات بالاشتعال في بعض البلدان العربية ، تجاهلت الأمر وكأنك بمعزل عن ألسنة ذلك اللهيب فكذبت علينا مرة أخرى. لقد قلت حرفياً وبصريح العبارة في مقابلتك مع صحيفة (وول ستريت جورنال) بتاريخ 31 كانون الثاني 2011:( إذا أردت أن تتحدث عن تونس ومصر، فنحن خارج هذا الأمر. وفي النهاية، نحن لسنا تونسيين ولسنا مصريين). وقلت أيضاً وفي المقابلة ذاتها: (لدينا ظروف أصعب مما لدى أغلب الدول العربية ولكن على الرغم من ذلك فإن سورية مستقرة،....وعلى الرغم من كل هذا لا تجد الناس يخرجون في انتفاضة..).
 كذبتك الكبيرة هذه انفضحت بعد أسابيع قليلة باندلاع الانتفاضة السورية في أواسط آذار. وعمى الألوان السياسي هذا لم يصبك وحدك وإنما كامل نظامك القائم على التعامي عن الحقائق التي لا تروق له. ومع ذلك فأنت مازلت تصر على أن ثورة الشعب السوري ليست سوى تمرد بعض المندسين والإرهابيين. فإن كنت مازلت تتنكر لثورة بهذا الحجم والاتساع وبهذا العدد الكبير من التضحيات التي لا تشكل تضحيات الشعب التونسي والمصري مجتمعة ربع ماقدمه الشعب السوري من شهداء حتى هذه اللحظة، فكيف تريد منا أن نصدقك ونصدق وعودك التي لا تنتهي إلا بالإصلاح اللفظي؟ في الوقت الذي مازالت أجهزتك الأمنية بكل مالديها من إمكانات وملفات إحصاء أنفاس السوريين تستنزف معظم موارد الدولة. ألم تستطع تلك الأجهزة وكل مرادفاتها من نقابات واتحادات ومنظمات شعبية وحزب قائد للدولة والمجتمع أن تشتم رائحة نيران الثورة التي بدأت بالاشتعال؟؟؟
ومرة أخرى كذبت علينا عندما ألغيت حالة الطوارئ وأعطيت أوامربعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين،أو على الأقل هذا ماسمعناه منك ومن مستشاريك الفطاحل، لتطلق العنان بعدها لشبيحتك وفرق الموت الخاصة بقصرك، الذي سماه والدك زوراً وبهتاناً بقصر الشعب، لتقنص وتقتل وتسلخ جلود المواطنين وتنزع حناجرهم وتعتقل عشرات الآلاف منهم. لأنهم خرجوا يهتفون للحرية.
كذبت علينا أو كذب علينا وزير خارجيتك عندما تنكر في مؤتمر صحفي لوجود أية أزمة وها أنت في إطلالتك الميمونة هذه تتحدث وبصريح العبارة عن أزمة في سوريا. فهل تلك توجيهاتك الحكيمة أم هذه استشارة بليغة منه؟؟
وتكذب علينا من جديد وتقول بأن: القانون سيطبق على الجميع ومن يثبت تورطه بجرم ضد مواطن سيحاسب. ولكن لاندري من تقصد بالمواطن؟ أليس أولئك الناس الذين يظهرون بئات مقاطع الفيديو التي تصور سراً وهم يُدعسون ويُركلون ويُهانون و يُقتلون برصاص قناصتك مواطنين يستحقون حماية قانونية؟؟؟ أم إنهم مجرد جراثيم بحسب اختصاصك الطبي أو جرذان (بالسماح من صديقك القذافي) تجب مكافحتهم؟؟
وتكذب علينا في موضع آخر عندما تعلق أهمية على الغرب عموماً وعلى أمريكا بوجه خاص في مقابلتك إياها قبل بضعة أشهر لتعود وتؤكد اليوم بأنك لاتخاف من مجلس الأمن ولا تعير أية أهمية لموقف الغرب منك ومطالبه لك بالتنحي.. علماً أن وزير خارجيتك كان قد شطب هذا الغرب من خارطة العالم كما شطبت أنت لواء اسكندرون من خارطة سورية. فهل هذا تطابق في المواقف أم كذب ونفاق لرئيس لا يعرف حتى كيف يكذب؟
الحديث يطول والأمثلة كثيرة وكثيرة جداً والكذب يتواصل من إطلاق سراح المعتقلين السياسيين إلى شعار الصمود والمقاومة وتحرير الأرض، مروراً بالإصلاحات والانتخابات وقوانين الإعلام والأحزاب وسحب الجيش وأوامر عدم إطلاق الرصاص ورفع الأحكام العرفية ومنح الأكراد الجنسية (وليس حقوق الأقليات)، إلى تحسن الوضع الاقتصادي إلى اختلاف سورية عن محيطها إلى غيرها وغيرها الكثير الكثير...!!!
وبدون عفواً هذه المرة فإن الرئيس يعلم كما يعلم العالم كله والشعب السوري في مقدمته أن بشار الأسد مع كل إطلالة له يعيد إنتاج كذبه بتصريحات وطروحات لا يعول عليها أحد.
ولكن حبل الكذب قصير كما يقال والعبرة لمن اعتبر.

 

22
سراويل الأنظمة المحلولة

21 نيسان 2011
سعيد لحدو
لقد قيل: "إذا لم تستحِ، فافعل ماشئت". وأبو صالح كان ضحية حيائه الذي كان ثقافة وقيمة معتبرة من قيم عصره، عندما اضطر لمغادرة قريته إلى غير رجعة بعد أن انحلت تكة سرواله في غفلة منه في ساحة القرية وباتت تلك الحادثة موضوعاً للتندر بين الأهالي لزمن طويل. لقد استحى الرجل ورحل بلا طول سيره. أما الأنظمة الجاثمة على رؤوس شعوب المنطقة العربية منذ عقود، فلم تمتلك من الحياء الحد الأدنى الذي يجعلها تلتفت إلى سراويلها المحلولة منذ بلاغها رقم واحد، قبل عقود مضت. تلك السراويل التي انزلقت بين ساقيها كاشفة عن عريها وعهرها. وهي مازالت تنازع على ماتبقى لها من مقومات البقاء، مراهنة على بقاء الشعب أعمى وأخرس وبأذن واحدة لسماع رواياتها المبتذلة لوقائع لم يعد بالإمكان إخفاؤها، رغم محاولات التزوير والتدوير اللاهثة لستر المكشوف وتفسير المعلوم. هذا في الوقت الذي قبضت الشعوب على سراويل الأنظمة المحلولة، وألقت بها في الساحات العامة، لتنكشف عارية من كل ماكانت تتستر به من مقولات وشعارات ومعارك دونكيشوتية، لم تخلف لشعوبها سوى المزيد من القهر والفقر والتراجع والهزائم العسكرية والاقتصادية والسياسية. بينما كانت عشرات المليارات تتكدس في بنوك الخارج لحساب قادة تلك الأنظمة وأفراد عائلاتهم وأقاربهم.
مقولة سورية ليست مصر ولا تونس، لم تنقذ النظام السوري من انتفاضة شعبية عارمة لطالما تجاهل النظام ورئيسه في المقام الأول دوافعها ومسبباتها.كما لم تنقذ هذه المقولة نظام مبارك من قبل. ذلك لأن السراويل المحلولة لابد أن تكشف عن العورات التي كانت تتستر عليها. ولن يهم حينذاك أن يكون أبو صالح صاحبه أو أي رجل آخر مهما كان اسمه طالما أن أعين الجمهور باتت مفتوحة وتستطيع أن تميز فيما إذا كان الملك عارياً أو أن خياطه ليس سوى مهرج دجال.
الغريب أن هذه الأنظمة قد أعماها التبجح الفارغ وهي لا تتعظ ولا تتعلم من أخطاء الآخرين. لذلك نجدها تكرر المسرحية التراجيدية ذاتها على إيقاع دم أبناء الشعب. فمن البلطجية إلى الشبيحة مروراً بالملايين التي ستهب لحماية ملك الملوك وعميد الحكام العرب وقائد الثورة العالمية بمجرد أن يفتح فمه ولو ليتثاءب. وحكاية السروال المحلول إياها تعود إلى الواجهة وتغدو موضوعاً للتندر كلما غير النظام محافظاً أو رئيساً لفرع أمن أو شكل حكومة جديدة أو أصدر بعض القرارات التزيينية، على أمل أن ذلك سيهدئ من ثورة الشعب الذي صمم على أن يقبض على مصيره بيده. وهو لن يركن إلى الراحة إلا بعد أن يقضي نهائياً على دجل النظام ومراوغاته المستمرة بالتزييف والترهيب والترقيع غير المجدي. ذلك لأن المشكلة ليست بالأشخاص حتى يتم تبديلهم، وإنما بالبنية الأساسية للنظام والسياسات التي يتبعها.
لقد تعلل رأس النظام السوري باتفاقية كامب ديفيد كسبب لقيام الثورة المصرية. وسخَّر إعلامه إسابيع لترديد هذه المقولة. على أمل أن تشفع له هذه السياسة لدى الشعب السوري ليتعامى عن عورة النظام المكشوفة حتى للأطفال. وحين بدأت الانتفاضة السورية انحرف الحديث إلى سياسة المقاومة والممانعة التي ينتهجها النظام في وجه أمريكا وإسرائيل، وإلى عصابات مسلحة ظهرت فجأة على أسطح المباني الحكومية وباتت تطلق النار على الناس. ومن غريب الصدف أن نيرانها تلك لم تصب إلا المتظاهرين؟؟ ولا بأس في هذه الحالة، وللحفاظ على شيء من المصداقية، أن تصوب النيران أحياناً إلى بعض تعيسي الحظ من رجال الأمن؟؟ ومن غريب الصدف أيضاً أن يظهر الكثير من المسؤولين السوريين وفي مقدمتهم الرئيس نفسه ليقولوا بأن مطالب الناس محقة!! ولهم الحق في أن يتظاهروا بشكل سلمي وحضاري. وهو الشعار الذي يجري ترديده في جميع المظاهرات التي خرجت حتى الآن. ومع ذلك فلم تخلُ مظاهرة واحدة تقريباً من حالات الاعتقال والعنف والقتل الممارس ضد المتظاهرين!!!
لقد أراد الناس أن يكونوا بكل بساطة مواطنين في دولة تحترم كرامة المواطن ورأيه وحريته. في حين كانت الأنظمة، وفي مقدمتها النظام السوري، تعمل على الدوام لإبقائهم رعايا لايحسنون إلا التسبيح بحمد القائد الرمز والسياسة الحكيمة. في حين أن السراويل المحلولة أظهرت عوراتٍ مقززةً لا تتسق مع تلك المقولة. وفوق ذلك فإن السراويل المنزلقة بين الساقين أفقدت هذه الأنظمة التوازن وجعلت أية حركة للنظام سواء إلى الأمام أم إلى الوراء من الصعوبة لدرجة أوقعتهم في حيرة بالغة. فكلما خطى النظام خطوة باتجاه الشعب يتخذ في الوقت ذاته خطوة أخرى لتدعيم سلطته ونفوذه تبعده أكثر عن الشعب. وهنا لم يعد من خيار آخر أمام هكذا نظام. فإما أن يتخلى كلياً عن سرواله ذاك الذي بات يعيق أية حركة له، وبالتالي يرضى هذا النظام بكشف عريه التام أمام شعبه ويقبل بتبعات هذا الانكشاف. أو أن يعيد ستر عوراته بإصلاح وضع سرواله المحلول وذلك عن طريق البدء فوراً بإصلاح شامل وجذري على كل صعيد، وفي مقدمتها وضع دستور عصري يعبر عن تطلعات الشعب وقيم الحرية ومبادئ العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، وكل ما يستتبع ذلك من الإعتراف بالتنوع القومي والديني والثقافي والسياسي في المجتمع.
فهل سيتعظ ماتبقى من هذه الأنظمة بما جرى ويجري قبل أن تُدفَع إلى مصير سابقيها؟ هذا إذا كان هناك بعد فرصة للاتعاظ على أمل ألا تفوَّت كسابقاتها. وأخص هنا النظام السوري ورئيسه الشاب الذي يبدو أنه يخطو الخطوات ذاتها التي سار عليها نظام الشيخ مبارك ولقي مالقي من مصير.


23
ناقة الصمود، وجمل الديمقراطية

23 شباط 2011
سعيد لحدو
ظل حمد لعقود وهو يعتقد أن لاناقة ولا جمل له في كل هذا الهراء الذي يدور حوله، وهو المواطن الذي رُكنَ ردحاً طويلاً من الزمن خارج التغطية. كان يُساق كما تُساق نوقه تارة في هذا الاتجاه وأخرى بذاك مدفوعاً بآماله الكبيرة والصغيرة والتي لا تلبث أن تتحول إلى سراب مخادع. ولقد تحمل حمد كل ذلك صابراً كبعيره الذي لايشتكي من جدب ولا يتأفف من خواء. وفوق ذلك كان ومازال عليه أن يحمل كل أوزار الوطن وأثقاله على ظهره. وفي الوقت ذاته، كان يجري حلب ناقة الوطن صباح مساء وعلى أعين الأشهاد ولم يحصل حمد حتى ولو على لحسة من حليبها رغم المثل القائل: (إللي بيشتغل بالسم بيطلعلو لحسه منو). ومع ذلك لم يبدِ حمد وأمثاله من الرعايا، (وهي كلمة حديثة التمدن تعود بجذورها إلى كلمة رعاة) أي اعتراض رغم تأففهم بين الحين والآخر. ولكن حمد أُهينت كرامته حين اتُّهمَ بأنه لا يفهم الديمقراطية ويحتاج لأجيال لكي يتمكن من ممارستها. وهو الذي رضي أن يتنازل عن الكثير إلا عن كرامته. لأنه تعلم أن الموت عليه أهون من أن يخسرها.
من أجل صمود الوطن وممانعته تنازل حمد عن ناقته وحليبها ولم يطمع حتى بلحسة منه. كما تنازل راغباً أو مكرهاً أو مخدوعاً عن جَمَله العزيز إلى قلبه، كرمى لعيون الوطن، ولم يحصل منه حتى ولا على أذنه.. لكن أن يوصف بأنه مواطن لايفهم الديمقراطية، فتلك إهانة ما بعدها إهانة. فالديمقراطية التي يتحدثون عنها لم يتعلمها حمد في مدرسة أو جامعة. فهذه لا تعلم في وطنه إلا شعارات الصمود ومناظرات التحدي والممانعات اللفظية. أما الديمقراطية بمعناها الفطري فقد رضعها حمد مع حليب ناقته حين كان له أن يرضع من ذلك الحليب يوماً، قبل أن يتم الاستيلاء عليها لتتحول إلى شركة خاصة مملوكة لأبناء الخال والعم ومن شابههم من ورثة ناقة حمد الجدد. أما حمد وإخوته وأبناء عمومته وأخواله ومن شابههم من الرعايا، فلهم شرف وقوفهم في خط المواجهة الأول في كل الحروب ومعارك الصمود والتصدي التي خسرها وخسر معها كل النوق والجمال التي وُعِدَ حمد بها.
حمد الذي لم يتشرف في حياته بلقاء مسؤول رسمي أعلى من رتبة شرطي أو عنصر مخابرات ممن يثيرون الرهبة في نفسه لمجرد أطلالتهما من بعد، تكحلت عيناه أخيراً بمرأى وزير الداخلية السوري شخصياً بشحمه ولحمه وعن قرب يترجل من سيارته الفارهة وهو يترجى الجموع الغاضبة في سوق الحريقة أن تهدأ واعداً بمعاقبة الشرطي الذي غاب عن باله أن زمن الذل والخنوع بات من الماضي. وإن حمد لم يعد يقبل أن يهان مرة أخرى. وعندما أدرك القيمون على الأمور أن الظروف تغيرت، حاولوا رشوة حمد وأبناءه ببعض من حليب ناقته المستولى عليها وذلك على شكل زيادات ومنح وإعانات ومكرمات وماشابه. وهذه وإن جاءت متأخرة جداً، لكنها أفضل من ألا تأتي أبداً. لعل نفس حمد تهدأ بها قليلاً ريثما تمر العاصفة. لكن هيهات أن يسكت حمد بعد أن أدرك أن له ناقة وجمل في غزوة الكرامة هذه.
لكل أرض حمدها. وشعوب المنطقة العربية تزخر اليوم به وتولد بانتفاضته من جديد. ففي تونس مثلاً، استطاع حمد أن يسترجع ناقته رغم نضوب حليب ضرعها. وهاهو يدلل جمله المفقود بعد أن تمكن من زمامه أخيراً. وفي مصر أرادوا للناقة أن تكون وسيلة بيد البلطجية للرفس والدهس. إلا أن أبناء حمد المصريين استرجعوها لتكون عوناً للمصريين على متطلبات الحياة الصعبة. أما جمل الديمقراطية المأمول فمازال وعداً يأمل به حمد المصري بعد أن دخل القرضاوي (الثائر في قصور قطر) على الخط ليستثمر أرضاً لم يكن له أي فضل في إصلاحها.
وفي أماكن أخرى مثل ليبيا والبحرين واليمن والجزائر والمغرب، (والحبل على الجرار كما يقال)، رأى حَمَدُهم أنه ليس أقل نخوة ورجولة وشهامة وكرامة من إخوته في تونس ومصر ممن ثأروا  لكرامتهم والناقة والجمل الذين افتقدوهما طويلاً. مدركين أن لهم بالفعل ناقة وجملاً في كل مايدور حولهم. وهاهم يسعون لاسترجاعهما.
ويبقى حمد السوري ينتظر نهاية سعيدة للتراجيديا التي عاشها قرابة نصف قرن. فمازال لدى النظام بعض الوقت ليتدارك الأسوأ وذلك بعدم الاكتفاء ببعض الرشاوى التي تقدم لحمد تحت ضغط الظروف التي تشهدها بعض بلدان المنطقة العربية ومن قبيل ذر الرماد في العيون. فحمد وإخوته وأبناء عمومته ماعادوا يقنعون من الجمل بإذنه أو بلحسة من حليب ناقتهم. فهم لن يقبلوا بأقل من إعادة ناقتهم وجملهم إليهم وامتلاكهم حق التقرير بشأنها وشأن مستقبلهم ومستقبل أولادهم أياً كان الحاكم الحالي أو القادم. 
 

24
نصيحة متأخرة جداً للديكتاتور


4 شباط 2011
سعيد لحدو
قالوا بأن النصيحة كانت بجمل. وأنا لن أطلب لقاء نصيحتي هذه لاجمل ولا حصان ولا حتى هراوة. لأن هذه قد يحتاجها أنصار الديكتاتور لتفريق المطالبين بالحرية. وبمناسبة ماحدث ويحدث في شرقنا الحزين بشقه الغربي على أمل التمدد شرقاً، أتجاسر أنا العبد الفقير لله وللوطن بتقديم نصيحة فات أوانها للديكتاتور المستشيط عناداً وهو ينظر (أو قد لا يطيق النظر) إلى جموع شعبه الغاضبة في ميدان التحرير وغيره من الميادين. أتجاسر وأقدم نصيحتي رغم أنني من رعايا الإقليم الشمالي الذي ظل يُنظر إليه على أنه الشقيق الأصغر المشاغب. ورغم أنني لم أتقلد يوماً منصباً رسمياً لا في الدولة ولا في أجهزتها الأمنية مع أنني لم أسلم من شظاياها. أود أن أقدم نصيحة لوجه الله لهذا الديكتاتور وأنا أعلم بأنها كإجراءاته التي اتخذها، فقد جاءت متأخرة جداً جداً جداً.
أقول: كون اسمك مبارك لايعطيك الحق في تركيع الشعب الذي بات هو السيد والمبارك الوحيد في عصر الإنترنت. ومع ذلك كان عليك التعلم من الشقيق الأصغر الإقليم الشمالي أو الشقيقة الصغرى سوريا ونظامها الذي مازال (حتى هذه اللحظة) مستقراً ومنذ مايقارب النصف قرن، رغم الهزات التي تصيبه من الإخوة والأعمام وأبنائهم بين الفينة والأخرى. وهذا من باب (الأقربون أولى بالمعروف) أو الخلافات العائلية التي ليس من حق أحد التدخل فيها. وقد جرى حلها بفائض أموال نفط أشقاء آخرين. وهم حاضرون لمساعدتك أيضاً لو أنك طلبت منهم ذلك. ولا أدري لماذا لم تفعلها حتى الآن.
ولعلك تتساءل سيدي الديكتاتور عن الأسباب والدوافع التي مكنت النظام الشقيق من الاستمرار كل هذه العقود رغم أنه فاق نظامك بأشواط بالفساد والقهر والظلم وكم الأفواه تحت عناوين لم تخطر ببال أحد مثل: إضعاف الشعور الوطني، ووهن نفسية الأمة. وكأنها أمة من ورق ليضعف شعورها وتوهن نفسيتها لمجرد أن يقول أحدهم رأيه في شأن عام. فكيف ستواجه هذه الأمة التحديات الكبرى وتحقق الممانعات التي طال أمد شعاراتها المرفوعة. ولكن دعك من كل هذا. فهذه تبقى شعارات. ولعلها جزء من (عدة الشغل) الضرورية لسياسة البقاء. وهاهي تؤكد نجاعتها (حتى هذه اللحظة). رغم أنك استعملت أحياناً كثيرة بعض هذه الشعارات ولكنها لم تتميز بالبريق ذاته الذي حرص النظام الشقيق على أن يبقيها لامعةً على الدوام.
ليس ذلك وحده هو سر البقاء المديد للنظام الشقيق (والبقاء لله وحده)، وإنما هناك أمور أخرى كثيرة كان يجب عليك أن تتعلمها من الشقيق الأصغر وتتقن استعمالها مثله. فلو كنت ممانعاً مثله ولو كان لك بعد نظر وحنكة مخابراتيه مما يمتلكه النظام الشقيق، لكان عليك بناء علاقات أفضل مع الحركات القاعدية وتفريخاتها المدروسة بعناية لإرسال (مجاهديها) إلى العراق أو لبنان أو أي بلد آخر فيه للغرب مصالح. حينذاك كان سيتوجب على الغرب المنادي بمبادئ الحرية والديمقراطية استرضاؤك عوضاً عن المطالبة بعدم استعمال العنف وبمزيد من الانفتاح على الشعب. ومقابل إيقاف تدخلاتك وتوليد ودعم مجموعات تدين لك بالولاء في بلد شقيق مجاور أو غير مجاور، لتحريكها كلما اقتضت الحاجة وبالاتجاه الذي يحقق لك مصالحك، أو تحديد تلك التدخلات على أقل تقدير، كان سيتم غض النظر عن مسألة حقوق الإنسان والاعتقالات التي تجري للمعارضين أياً كانت توجهاتهم. وربما كانوا سيقدمون لك النصيحة وحتى الدعم لتجنب غضب الشعب وثورته التي لاقدرة لأية قوة على أيقافها.
لقد كابرت ياسيدي الديكتاتور ونظرت بتعالٍ إلى الشقيق الأصغر ولم ترغب بالتعلم منه، رغم أن الإنسان بحاجة للتعلم حتى من الأطفال وحتى آخر لحظة من حياته. لقد أرسلت بلطجيتك لترويع المتظاهرين بعد أن تعدت أعدادهم الملايين، وليس لديك إلا بضعة آلاف من أفراد الأمن السري والموثوقين من أعضاء حزبك الحاكم. لقد تأخرت كثيراً. فالشقيق الأصغر لم ينتظر كل هذا الوقت. وكان أكثر منك حذاقة وحنكة. فبمجرد تجمع بضع عشرات من المتظاهرين أمام القصر العدلي للاحتجاج على اعتقالات المعارضين والمحاكمات الصورية التي نظمت لهم، أرسل على الفور بلطجيته من (شبيبة الثورة) للاعتداء على خيرة مفكري سورية ووطنييها من كتاب وسياسيين ورجال قانون، وإهانتهم. (وحتى هذه اللحظة) لم تتجاوز أعداد أية مظاهرة قامت ذلك العدد. هذا إذا علمنا أن الشقيق الأصغر لم يستخدم بعد إلا جزءاً بسيطاً مما بحوزته من إمكانات مواجهة الانتفاضات المحتملة للشعب. فهو مثلاً لم يفتح (حتى هذه اللحظة) أي باب لحرية التعبير مهما كان صغيراً. لأنه يعلم أن الشعب متى استطعم طعم الحرية فلن يرده عنها رادع. وها أنت ترى ماحصل لك ولغيرك في ميادين التحرير.
كذلك مازال يحتفظ النظام الشقيق بمئات الألوف من أفراد الحزب الحاكم من المتنفعين والفاسدين وطبقة من التجار الطفيليين ممن لهم ملفات مثخنة لدى أجهزة المخابرات التي سهلت لهم طوال سنوات عمليات النهب المنظم للمال العام والخاص. ويعلم أصحابها بأنها ستستخدم لإدانتهم في حال تخليهم عن النظام. وهذا يعتبر جيش إحتياطي يمكن للنظام زجه في المواجهة مع الشعب دون أن يتورط النظام ورجال أمنه بشكل مباشر. ورغم أنك ياسيدي الديكتاتور حاولت أن تقيم في أم الدنيا طبقة مشابهة، وقد أنشأتها بالفعل تحت إشراف قرة عينك جمال، فإنك لم تعرف كيف ومتى تستخدمها. وهذه نقطة ضعف منك وتسجل لمصلحة النظام الشقيق.
وعلاوة على كل هذا فإنك ياسيدي الديكتاتور لم تعرف كيف تربط مصير قادة الجيش بمصيرك بحيث يضطرون للدفاع عنك لأن مصيرهم ومصيرك باتا ملتحمين لافكاك لهما. وكان عليك هنا أيضاً أن تستفيد من سياسة الشقيق الأصغر الذي ضمن لنفسه مجموعة من القادة الأمنيين والعسكريين ممن لامستقبل لهم في غيابه. ولذلك فهم مستعدون لتنفيذ الأوامر وأكثر، لأن في ذلك حماية لهم ولامتيازاتهم وعائلاتهم.
لكن الأهم من كل هذا وذاك أن النظام الشقيق عمل وبدأب وذكاء مفرط طوال أربعة عقود على تشتيت البيت السوري، وبناء حواجز مدعمة من الشك وعدم الثقة بين أبناء الوطن الواحد. وذلك من خلال تقريب البعض وتأليبهم على البعض الآخر. وكذلك منح امتيازات لطرف على حساب طرف آخر، ليعطي الانطباع بأن حلفاءه كثر في المجتمع السوري. لاعباً بخبث على الوتر الطائفي. مما أثار الشعور بالنقمة والانتقام، الذي لم يكن موجوداً من قبل. وهنا بات التخوف من التغيير حقيقة واقعة ليس فقط لدى الفئات الموالية للنظام والمستفيدة من استمراره، وإنما حتى لدى بعض معارضيه. و (حتى هذه اللحظة) مازال نظام الشقيق الأصغر يستغل هذا الشعور بالخوف من أي تغيير. وهذا هو السر الأكبر لاستمراره كل هذه العقود رغم كل التغيرات الجارية حوله. فهل استطعت ياسيدي الدكتاتور فهم هذا السر الذي يجعل شقيقك الأصغر، رغم استصغارك له، أن يستمر في الحكم (حتى هذه اللحظة) في الوقت الذي بات رحيلك يعد بالأيام والساعات؟
لقد قدمت نصيحتي المتأخرة جداً لوجه الله ومرضاة لضميري الذي يؤنبني إن لم أفصح بما أعرفه وأتيقن من إدراكه. وليتعظ من أراد أن يتعظ لأن هناك شعب لم ينتفض (حتى هذه اللحظة). ولكنه حين ينتفض سيبطل مفاعيل كل أسلحة القهر والديكتاتورية. وحتى تلك اللحظة سأتشبث بنصيحتي هذه عسى ألا تأتي متأخرة مرة أخرى ولكن لشعب يريد أن يستطعم الحياة الحرة وليس لديكتاتور يسعى للأبدية.
 

25
المنبر الحر / أنظمة قيد الترحيل
« في: 23:05 30/01/2011  »
أنظمة قيد الترحيل

29 كانون الثاني 2011
سعيد لحدو
قيل بأنه يمكن خداع بعض الناس كل الوقت، أو كل الناس بعض الوقت، ولكن لا يمكن خداع كل الناس كل الوقت!!!
هذه مقولة علمنا إياها تاريخ البشرية الحافل بالعبر. فلابد في النهاية أن تنتفض الشعوب لتثأر لكرامتها المهدورة وتستعيد حريتها المسلوبة من أنظمة وحكام اعتقدوا أن بإمكانهم خداع شعوبهم كل الوقت الذي قسمه لهم الخالق في هذه الحياة ولا يسلموا السلطة من بعدهم (وأعمارهم ماشاء الله طويلة) إلا لأبنائهم سواء بوصية أو بدون وصية. فقوانيننا تنص أن لا وصية لوارث. وهؤلاء (الورثة) قسَّم الله لهم السلطة بمن فيها وما فيها. ومنحهم حق التصرف، كما كانوا يظنون، وربما مازالوا، بالوطن وبكل ما تحرك وما سكن على أرضه وهوائه وما كمن في باطنه، حقاً مشروعاً وفق قوانينهم التي سنوها على مقاسهم لتديم لهم التحكم برقاب الناس ومساومتهم على لقمة عيشهم التي باتت الهم الأكبر للأغلبية الساحقة من هذه الشعوب المستكينة، إلى أن تستفيق. وها قد استفاقت.
كانت البداية في تونس. وهاهو بن علي وأفراد عائلته يبحثون عن ملجأ يحميهم من قصاص حكم شعبهم الآتي لامحالة. واليوم تثور مصر بملايينها المقهورة لتقول كلمتها. وما على مبارك إلا الرضوخ لإرادة الشعب. ولا أحد يستطيع أن يوقف الانتفاضة القادمة لشعب سورية الذي يستحق أفضل بكثير مما قدر له أن يناله طوال نصف قرن ونيِّف من القهر والظلم والمهانة. فالعيون شاخصة إلى يوم الغضب السوري الآتي، وهناك بارقة أمل لا بل أمل كبير بعد تجارب اليوم والأمس الناجحة بكل المقاييس. لقد حانت ساعة الحقيقة، وانجلى قناع الزيف والكذب والخداع لأنظمة وحكام لم يكن همهم إلا المحافظة على عروشهم الوثيرة بادعاءات وشعارات براقة ملتها الجماهير وقرفت من تردادها الحناجر المأجورة طوال عقود من الرياء والشحن الكاذب والتهييج الدائم للعواطف، واللعب المستمر بمقدرات الناس ومصائرهم. ذلك كله في ظل تراجع دائم ومستديم للأوطان على كل صعيد. في الوقت ذاته كانت المليارات تتكدس في أرصدة الأخوة والأبناء والأقرباء ممن سمح لهم أن يغدوا بين ليلة وضحاها من أصحاب المليارات في مشاريع وشركات صورية قامت على السلب والنهب وسرقة خيرات الوطن وثرواته ليفتقر الشعب إلى أبسط مقومات الحياة الإنسانية. وبين أولئك بعد الكثير من المتطلعين إلى الوراثة (بعد طول بقاء القائد) ليستمر كابوس القهر إلى أن يقدر الله للشعب أن ينتفض. إذَّاك، وكما عاينا وشهدنا، لن يجرؤ أي مسؤول أو قائد أمني أو عسكري على إعطاء أمر بإطلاق النار على الجماهير حين تنزل إلى الشوارع بصدورها العارية إلا من بؤسها وقهرها الذي تدرَّعت به لمواجهة الطغيان. فمشاهد العناق الحية التي شاهدناها بين أفراد الجيش وأبناء الشعب المنتفض في شوارع مدن تونس ومصر لها أكثر من دلالة ومغزى. ومن يجرؤ على التكهن بغير ذلك في سورية أو غيرها من البلدان العربية الأخرى حين يهب الشعب للدفاع عن حقه في الحياة؟
لقد تبدل الزمن وتغيرت الظروف المحلية والدولية. ولم يعد بإمكان أية سلطة أو نظام إخفاء الحقائق وخنق الأصوات المطالبة بالحرية في ظل التطورات الهائلة والمتسارعة لوسائل الاتصال الحديثة القادرة على نقل الصورة حية ومباشرة إلى جميع أنحاء العالم. ومهما حاولت أنظمة القمع التعتيم على الأحداث وكم الأفواه بالعنف الذي بات وسيلتها الوحيدة لمحاولة السيطرة على الأمور، فإن مسار الشعوب نحو مستقبلها الذي ستختاره بنفسها لن يتوقف. كما لن تتوقف صيحات المطالبة بحرية الشعب وحقه في تقرير مصيره وتحديد مستقبله بنفسه دون وصاية من أي حاكم مهما تصخمت وتورمت عبارات الوصف بمناقبه الحميدة وحكمته العميقة وسياساته الرشيدة وبعد نظرته. فهذه كلها ليست إلا تملقاً ومداهنة وتعظيم لشخص ليس سوى فرداً من هذا الشعب ولا يتميز عن الأفراد الآخرين إلا بصدق وطنيته التي خبرها الناس جيداً من خلال  الأوضاع المزرية التي وجد المواطن نفسه فيها بعد عشرات السنين من حكم الحزب الواحد والحاكم الأوحد والشعارات الزائفة التي زرعت حتى في غرف نوم ذلك المواطن، إن توفرت له غرفة ينام فيها بعد كوابيس واقع يوم آخر في حياته.
هل يعقل أن يكون نصف الحكام العرب في الحكم منذ أكثر من ثلاثين عاماً والنصف الآخر في طريقه إلى ذلك؟ هذا في الوقت الذي يجري العمل وبشكل دؤوب في تهيئة الوريث أو الورثة المحتملين للمرحلة اللاحقة والتي لاتختلف في شيء عما سبقها إلا في الاسم الأول للزعيم؟ وهل هي مصادفة أن لايتم إي انتقال سلمي للسلطة في أي بلد عربي منذ عقود رغم الانتخابات الشكلية التي يعلن عنها بين الحين والآخر؟ هذا إذا اتيحت الفرصة لأي مرشح آخر لترشيح نفسه، غير مرشح الحزب الحاكم الذي هو الرئيس الحالي بالطبع!!!
وفي بلد كسورية لم تكتحل عيون السوريين منذ أربعين عاماً برؤية مرشح منافس ولو بشكل صوري، أو سماعهم باسم آخر سوى اسم الأسد. فهل عقمت أرحام السوريات طوال هذه العقود في إنجاب من هو أهل لتحمل المسؤولية الوطنية؟ وهناك أجيال قامت في سورية كما في ليبيا ومصر وتونس واليمن والسودان، والعراق حتى أمد قريب، إذا استثنينا الملكيات والإمارات، لم تسمع ولم تعرف ولم تختبر غير اسم واحد وقائد فذ واحد.
في سورية كما في غيرها، تتطلع العيون الآن وتخفق القلوب لليوم الموعود بتحقيق أماني الشعب بكل مكوناته وتياراته وقومياته بالحرية والديمقراطية لوطن باسم مشرق بعد أن يكون قد رحَّل ما تبقى من أنظمة البؤس وحكام الزيف والرياء. ولن تفيدها إجراءات الترقيع هنا أو هناك أو محاولة رشوة الشعب بمنحة أو زيادة لامتصاص نقمته تحت تأثير الهيجان العام والثورة التي تغلي في النفوس. لقد فات الأوان والشعب أكبر من تثنيه عن حقوقه رشوة أو (مكرمة) من مكرمات القائد التي يمن بها على رعاياه كمحاولة من محاولات الالتفاف على الواقع. لقد حزمت الشعوب أمرها وأدركت مصيرها ولا سبيل إلى النكوص عما عزمت عليه.
وإلى أن يتم ذلك علينا أن نبرهن بأننا شعوب أكثر تمدناً وحضارة ورقياً ووطنية وتميزاً بالروح الديمقراطية والقيم الإنسانية من كل الحكام والأنظمة التي خبرناها ولم نخترها بإرادتنا. وعليه علينا أن نتصرف من هذا المنطلق بوحي المسؤولية الوطنية وبرفض أشكال العنف وأعمال الإجرام والنهب التي تسيء إلى المبادئ التي نسعى لتحقيقها وإلى سمعة وصورة التغيير الذي ننشده باعتباره البديل الأفضل لحالة الفساد والظلم والديكتاتوريات القائمة. علينا أن نثبت بأن العراق لم يكن كما لم يكن الصومال المثال الصحيح والمعبر الأفضل عن تطلعات شعوب قاست وظلمت وعانت وامتهنت كرامتها وهي الآن قادرة على تقديم النموذج الأفضل بسلوكها الحضاري المتمدن حتى تجاه جلاديها.
بهذا السلوك وحده يمكننا جعل التغيير ممكناً وسلساً دون عنف وإراقة دماء تكون في الغالب لأبرياء. وهو السبيل الأنجع والأفضل لترحيل هذه الأنظمة إلى مآلها الأخير وامتلاك شعوبنا لمستقبلها بيدها. وإلى أن يتم ذلك ستبقى هذه الأنظمة قيد الترحيل. 

26
أبو الغيط والغطاء الرسمي للإرهاب

8 كانون الثاني 2011
سعيد لحدو
بعد مرور قرابة أسبوع على جريمة كنيسة القديسَين في الاسكندرية وسقوط عشرات الضحايا الأبرياء من المصلين بين قتيل وجريح،وبخاصة بعد مارأيناه في كنيسة النجاة ومازلنا نراه في العراق، خرج وزير الخارجية المصري أبو الغيط، وليته لم يخرج. وتحدث إلى الصحفيين، وليته لم يتحدث. وقال، وليته لم يقل بأن التحقيقات لم تتوصل إلى أي شيء محدد. وكم كنا نتمنى لو أنه ظل صامتاً من أجل كرامة مصر وهيبتها. وما زاد في الطنبور نغماً أنه ضاق ذرعاً بالدعوات بوجوب حماية المسيحيين في الشرق الأوسط. تلك الدعوات التي صدرت من جهات مختلفة من بينها الفاتيكان والتي تلت تلك المذابح وما سبقها من أعمال وحشية. فأعلن، وليته لم يعلن، مايعرفه الجميع بأن الكنيسة القبطية أقدم من الفاتيكان. ملمحاً بأن دعوات حماية المسيحيين في الشرق الأوسط ستواجه بردود فعل إسلامية ودعوات بحماية الجاليات الإسلامية في الدول الغربية!!!
أي تسخيف وأية مهاترات هذه التي ينطقها وزير خارجية أكبر وأهم دولة عربية والتي تضم بين مواطنيها أكبر عدد من مسيحيي الشرق الأوسط، حين يحول جريمة بهذه البشاعة، وتهديداً يومياً لحياة كل مسيحي في مصر والشرق الأوسط إلى مساجلات كلامية على منابر الفعل ورد الفعل. وهل دعوات الحماية التي لم يطلبها مسيحيو مصر،تجرح مشاعر الوزير المصري؟ في حين إسالة دماء ونثر أشلاء العشرات في كل مرة من النساء والأطفال الأبرياء من مواطنيه وغير مواطنيه، ممن لاذنب لهم سوى كونهم مسيحيين، لاتحرك فيه نخوة الأخوة الوطنية على أقل تقدير، فيبادر إلى شكر الجميع على تعاطفهم الإنساني مع الضحايا من مواطنيه المصريين؟ ألا يغطي أبو الغيط بمواقفه هذه الفعلة الشنعاء لإرهاب الإسلام المتطرف؟ وكأنه بهذا القول يبرر لأولئك المجرمين المجردين من كل حس إنساني جرائمهم البشعة هذه عندما يصور الغرب عموماً والفاتيكان بوجه خاص وكأنهم حماة لمسيحيي الشرق وبالتالي يصبح ذلك مسوغاً للتطرف الإسلامي أن يصنف هؤلاء المسيحيين في خانة العملاء للغرب. وكنتيجة لذلك يغدو ، على الأقل من وجهة نظر البعض، من حق "الجهاديين" الاقتصاص منهم على طريقتهم "الاستشهادية" التي لم يكلف السيد الوزير نفسه بالتفكير بأسبابها ودوافعها التي لايمكن إعفاء النظام الرسمي المصري من مسؤوليتها. 
لماذا يتجاهل السيد أبو الغيط القوانين الغربية التي تحمي أياً كان على أراضيها وهي كلها قوانين علمانية لاتأخذ بعين الاعتبار الدين أو اللون أو المنبت للفرد، ناهيك عن سيادة تلك القوانين التي تجري أحكامها على الجميع بلا أدنى استثناء لأي كان حتى الرؤساء والملوك. وإن حدثت بعض الحالات الفردية فإن القصاص العادل لايوفر أحداً. فهل يحدث هذا في مصر؟
هل التفت الوزير ولو للحظة إلى التمييز الفاضح ضد الأقباط في مصر، وهم سكانها الأصليون، في دستور الدولة وقوانينها؟ هذه القوانين التي تميز بين المواطنين على أساس الدين، فتشرع بذلك المعاملة الدونية الشائنة والقهر والتهديدات المستمرة على المستوى الرسمي والشعبي والممارسات العنصرية اليومية ضد مسيحيي مصر. وهل يمكن تلافي هجوم إرهابي كالذي وقع ليلة رأس السنة في ظل هكذا قوانين وهكذا محيط مشحون بالكراهية والتكفير والعدائية تجاه عشرة ملايين قبطي يفترض لهم أن يكونوا متساوين بحقوق المواطنة مع غيرهم في الوقت الذي لم يتأخروا يوماً عن أداء واجباتهم الوطنية؟
إذا كانت دعوات الحماية مرفوضة، فهل تكون دعوات الكراهية والتكفير التي تنطلق من منابر الجوامع ليل نهار ضد كل من يدين بغير الإسلام مقبولة؟ ولماذا لايتحرك السيد الوزير أبو الغيط وحكومته لإسكات هذه الأبواق المفرخة للإرهاب والمنتجة للفرق الانتحارية وهي تقتحم عليه غرفة نومه وتفسد عليه راحته، عوضاً عن توجيه التهديدات للغرب بداعي التدخل في الشؤون الداخلية لمصر. في حين يصبح ذلك التدخل مرحباً به ومطلوباً وحتى بالقوة العسكرية، حين يتعلق الأمر بجالية مسلمة كما حدث في البوسنة والهرسك. أية مفارقة فجة هذه والأمر لم يتعدَّ دعوة الحكومة المصرية لحماية مواطنيها المسيحيين. وهو الأمر ذاته حين صدرت دعوات لحماية السكان المسلمين في دارفور بالسودان ولم يجد أيٌ من المسؤولين العرب في ذلك غضاضة باستثناء البشير المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.
لماذا يتحول الأمر إلى خيانة وعمالة وتدخل في الشؤون الداخلية للدولة وتعد على سيادتها بمجرد أن يطلق أحدهم كلمة تعاطف إنساني إذا تعلق الأمر بالمسيحيين في أية دولة عربية كانت. في حين تلقي حزب الله الشيعي المليارات وعشرات آلاف الصواريخ من إيران بذريعة المقاومة لفرض سيطرته على لبنان، والارتباط العضوي المتين مع إيران لأحزاب ومجموعات مسلحة عديدة في العراق يلقى كل الترحيب، أقله في الأوساط الشعبية إسلامياً. ما الذي فعله النظام الرسمي العربي عموماً من المغرب غرباً وحتى دويلة البصرة الشيعية وإمارة الموصل الإسلامية شرقاً سوى المساهمة المباشرة وغير المباشرة في تصاعد التهديدات وتشديد معاناة المواطنين المسيحيين في هذه البلدان وتهجيرهم بالعنف تارة وبالتهديد والخطف تارة أخرى، وبالتمييز في القوانين والممارسة اليومية في أفضل الأحوال؟ وإذا كان الهدف هو شرق أوسط بدون مسيحيين فإن حالة شعوبه لن تكون أفضل من حال شعب أفغانستان أو بنغلادش. وإن عودة بالحياة إلى ماقبل القرون الوسطى هو المصير الذي ينتظر المنطقة إذا استمر الحال على هذا المنوال. وإن لم تقم حماية ذاتية فاعلة بسن القوانين العصرية التي تكفل المساواة التامة بين المواطنين والتشديد على الممارسة الفعلية لروحية هذه القوانين في الأوساط الرسمية والشعبية، فلن يكون المستقبل أفضل حالاً مما هو حاصل حالياً.
ولا يسعني هنا تجاهل الدعوات والمواقف التضامنية العديدة التي أطلقها كثير من المثقفين والنشطاء السياسيين وغيرهم في بلدان عربية مختلفة ممن آلمهم أن يُهدَد المسيحيون بوجودهم على هذه الصورة الهمجية. فعبروا بمواقفهم تلك عن روح المواطنة الحقة التي يجب أن تسود فوق كل اعتبار آخر. هذه المواقف التي على النظام الرسمي العربي أن يثني عليها ويشجعها للانتقال بها إلى مستويات أرحب لتتحول إلى ممارسة يومية عادية عوضاً عن البحث عن الاعذار والمبررات الواهية التي توفر الغطاء وتخلق الظروف المشجعة للعمليات الإجرامية التي تظل كلمة إرهاب قاصرة عن توصيفها. 

27
أنظمة القاع ومواطنو القمة - المثال السوري

27 تشرين الأول 2010                                                                                 سعيد لحدو
أن تعيش ثلثي عمرك في وطن تعتقد أنك كنت مواطناً فيه، وتدفع كل ماجنيته من شقاوة عمرك هذا لتشتري بطاقة سفر وحيدة الاتجاه، لبلد تحلم أن تتوطن فيه ولو إلى حين، لهو أمر ليس نادر الحدوث بل حالة عامة في بلدان تفلت حدود الجغرافيا من أيدي أنظمتها في حين تتمترس تلك الأنظمة خلف أسوار قوانين الطوارئ وقمع الحريات والتنكيل بكل من وشوشت له نفسه الاعتزاز بوطنيته والتعبير عن ذلك بحسب رؤيته الخاصة لموجبات المسؤولية الوطنية التي لا تنسجم بالضرورة مع تعابير الأنظمة وتجسيداتها لهذا المفهوم في الواقع العملي. وسوريا أقرب مثال على هذه الحالة. هذا البلد الذي وصفه تقرير منظمة (مراسلون بلا حدود) بـمملكة تلوذ بالصمت المطبق.  
لم تكن مفاجأة لأحد قط أن تأتي سورية في قاع قائمة الحريات الصحفية في التقرير السنوي الذي تصدره تلك المنظمة عن واقع الحريات الصحفية في العالم. فهذا أمر يعيشه ويعاني من مرارته يومياً أكثر من عشرين مليون سوري. لكن الأمر الأكثر مرارة وإيلاماً أن تتقدم دولة مثل الصومال بكل مافيها وما عليها على سورية بإحدى عشرة درجة في قائمة الترتيب تلك. ولم نخلف وراءنا إلا أشقاءنا (القدامى-الجدد) كإيران وكوريا الشمالية. ولا بأس أن نضيف إليهما النظام الأريتيري المنشغل بنشاط مفرط بنار (الثورات) في الصومال واليمن.. وربما في أماكن أخرى، مما أقعده عن تلبية المتطلبات الأساسية للحياة اليومية لمواطنيه!!!
سورية التي لا تزال إحدى الدول الأكثر انغلاقاً في مجال حرية التعبير وحرية الصحافة، على حد تعبير التقرير، ارتفع فيها عدد وسائل الإعلام بمختلف أشكالها بطريقة الاستنساخ، في السنوات الأخيرة، دون أن يتبع ذلك تعددية بالآراء ووجهات النظر بالطبع. ذلك لأن التعددية وحرية الرأي، ومنذ انقلاب حزب البعث عام 1963، مازالتا في عرف النظام  الجريمة التي تستحق أن يُعلق في رقبتها كل اتهام ممكن، يقود صاحبه صاغراً ليقبع في ضيافة أحد سجون النظام الضيقة على كثرتها وكثرة نزلائها،عدداً من السنوات  لا تحددها إلا إرادة المريد ورضى المستفيد. وهذه الاتهامات حاضرة ومعلبة ومتوفرة على الدوام في سوبرماركات محاكم النظام وبصلاحية استعمال لاتنتهي في أمد معلوم. ولا يمكن أن تخضع لأية رقابة من أي نوع كان.
أن تظلَّ مسكوناً بالانتماء لبلد كسورية قضيتَ قرابة نصف قرن فيه حيث تضرب جذوره و جذورك في أعماق تاريخ المدنية رغم حجزه منذ عقود مرتبة القاع في تلك القائمة، وأن تضطر بعد كل هذا للعيش كلاجئ في بلد مازال يتربع وعلى الدوام على قمة تلك القائمة مثل هولندا ، لهي مفارقة يصعب على المرء تخيلها. وتثير فوق ذلك الكثير من مشاعر الألم والمرارة في النفس. ذلك لأن المواطن السوري يستحق أفضل من هذا بكثير. هذا المواطن الذي أينما حل، خارج سورية احتفظ بسمعته العطرة وعدم سماحه بالمساومة على قدرته على الإبداع بمجرد أن تتاح له الفرصة لذلك. إن آلاف الوطنيين الشرفاء رهائن القمع في معتقلات النظام، وعشرات آلاف السوريين المنفيين طوعاً أو قسراً،الناجحين في مختلف المجالات هم السفراء الحقيقون لسورية والوجه المشرق لبلد كان يوماً مهداً للحضارة الإنسانية. إنهم التعبير الأصدق عن أصالة هذا الشعب وتمدنه، لا أزلام النظام والمتنفعين من سرايا المنافقين والمداهنين على حساب الحس والكرامة الوطنية.
إن الشعارات التي ثُقبت آذاننا من كثرة ترديدها مثل المقاومة والممانعة والتصدي والكفاح والجهاد والتحرير ....إلخ، من أنظمة ومنظمات وحركات وأحزاب سماوية وأرضية تدور كلها في فلك الصمود السوري المزعوم، وفي كل (ساحات النضال) العربية، لم تكن يوماً وفي الواقع الفعلي إلا لممانعة ومقاومة وصدِّ كل رأي أو موقف حر أراد أن يعبر بصدق وشفافية عن روح المعاناة التي يعانيها المواطن جراء الغياب التام لأبسط وسائل وإمكانات التعبير الحر في بلد يندر أن يوجد بلد مثله تتكرر فيه كلمة الحرية بهذه الصورة من المبالغة المقززة والمفرغة من كل مضمون.  
سورية ليست إلا نموذجاً لحال المواطنين في مساحة جغرافية اصطلح على تسميتها زوراً وبهتاناً بالوطن العربي وما هي إلا موطناً للتخلف والقهر والظلم والقمع، مع فوارق نسبية بين منطقة وأخرى أو نظام وآخر، دون أن يغير هذا من جوهر الحقيقة الموجعة إلى درجة التخدير العام لشعوبها بهدف إفقادها كل إحساس بالحياة والحرية والكرامة. وذلك ليتسنى للأنظمة أن تستمر في ممارساتها المعتادة التي تكفل لها احتلال موقعها الدائم في قاع أي تصنيف يصدر إلا إذا كان متعلقاً بالقمع والتسلط والحكم التعسفي والانتخابات الصورية المفبركة.
لكن مهما ازداد القمع والتنكيل من دوائر الأنظمة ومريديها، فسيظل يبرز من بين أبناء الوطن ممن يهولهم أن يؤخذ الوطن كله رهينة بيد زمرة أو فرد حاكم. وسيبقون يرفعون أصواتهم وهم يتصدرون قوائم الشرف، ليرتفع بهم الوطن إلى حيث يستحق. مواطنو القمة أولئك هم الشرف الذي يجب أن نستميت في الدفاع عنه حتى الرمق الأخير، والذي لا يكون الوطن ولامعنى له بدونه. أما أنظمة القاع هذه، فستبقى في القاع الذي ليس لها سواه مستقر. ولن يقيض لها أن تطفو على السطح إلا عندما تتحول إلى فقاعة فارغة لتزول ويمحى كل أثر لها.  


28
قوافل الحرية التي لم تنطلق

2 حزيران 2010
سعيد لحدو
أثارت قافلة الحرية، باعتراض البحرية الإسرائيلية لها، الكثير من الاهتمام والضجيج الإعلامي والسياسي وربما أكثر مما كان يتوقعه القائمون عليها أنفسهم. ووضعت إسرائيل في موقف غاية في الحرج سواء اعترضتها بالشكل الذي حصل أو تركتها تتابع مسيرها إلى غايتها. كما لفتت أنظار العالم أجمع إلى قضية شعب لاتنقصه المآسي والويلات، رغم أن بعضها ما هو إلا نتيجة للسياسات الخرقاء التي يتبعها بعض سياسييه. لكن هذا الأمر لايعفي إسرائيل من مسؤولياتها الإنسانية على الأقل أمام المجتمع الدولي المتفرج، وفي مقدمته الحكومات العربية التي لاتحرك ساكناً إلا إذا اقتربت ألسنة اللهب من كراسيها أو عندما يحين أوان التنفيس عن غضب شعبي من الواقع المزري الذي تعاني منه الشعوب. إذ تعرف تلك الحكومات جيداً كيف وإلى أين، وفي أي وقت توجه ذلك الغضب. حينذاك فقط يتم تهييج الجماهير بمظاهرات الشجب والتنديد والتحطيم وحرق قطع القماش إياها التي ترمز إلى علم إسرائيل أو أمريكا ودون أي فعل حقيقي على أرض الواقع يكون له أثر فعال في مجرى الحياة. ثم بعد ذلك تهدأ الحناجر المبرمجة للصراخ، وتعود تلك الحشود الجماهيرية إلى سكونها الأبدي بانتظار مناسبة أخرى، بعد أن تكون قد انتشت لبرهة بالتنفيس عن مشاعر الإحباط واليأس والهزيمة التي تلاحقها على كل صعيد.
هذه هي حال من لا حال له من الشعوب العاربة والمستعربة المركونة من قبل حكامها في إثنين وعشرين حظيرة كبيرة لا تخرج منها إلا طلباً للكلأ والمرعى وتلبية لنداء الراعي المطاع. ولا تسير إلا على إيقاع حدائه الرتيب. وإن تجرأ أحد واعترض أو أبدى امتعاضاً من حياة القطيع هذه، التي باتت السمة البارزة لهذه المجتمعات، فلن يكون مصيره معروفاً لأقرب مقربيه بعد أن يكون قد غُيِّبَ في زنزانات الأنظمة التي نحسها ولا نراها، وإن كانت للكثيرين تجارب عملية معها. ومن كُتب له البقاء فإما أن يكون منفياً طوعاً أو قسراً. أو إن كان الحظ إلى جانبه فسيودع في سجن مدني مع المجرمين والقتلة بتهمة ليس من الصعب تلفيقها. ثم يُدفع أحد هؤلاء المجرمين للاعتداء عليه وإهانته بشتى السبل والوسائل اللاأخلاقية. وذلك كعقاب له على جرأته في إبداء ما يخالف رأي وسياسة (أسياده) الحكام.
وإذا عدنا إلى قافلة الحرية تلك يتملكنا العجب حين نعلم أنها انطلقت من تركيا وبلدان أوربية أخرى وليس من أي بلد عربي!!!! وأن العدد الأكبر من أعضائها هم من الأتراك ومن ناشطي المنظمات الحقوقية الأوربية، وليسوا من العرب!!! رغم أن فلسطين هي قضية العرب المحورية. والشعب المحاصر في غزة هو شعب عربي بامتياز، بغض النظر فيما إذا كان من العرب العاربة أو المستعربة؟؟ وفوق ذلك فقد أُرهقت أسماعُنا بزعيق (القادة) العرب المستديم عن النضال والمقاومة والمساندة للشعب الفلسطيني في غزة وغيرها دون أن يحركوا ساكناً لا في المقاومة المسلحة ولا حتى في المقاومة السلمية، وإسرائيل على مرمى حجر منهم. بينما لا تغمض لهم عين وهناك بين شعوبهم من تطاول بنقد أو اعتراض على سياسة ما من سياساتهم التي لم تؤدي سوى إلى مزيد من القهر والتشرذم في المجتمعات التي تسلطوا عليها وأعلنوا أنفسهم قادة ثورات وزعماء تحرر تمددت قاماتهم القزمة بأوهام القيادة لتشمل العالم أجمع.
ترى أيها أولى بتسيير قوافل الحرية باتجاهه؟ هل هو شعب غزة المحاصَر وإسرائيل المحاصِرة؟ أم الأنظمة العربية المترهلة بأجهزتها القمعية ونهجها اللاوطني. هذه الأنظمة التي استخدمت القضية الفلسطيينية والشعب الفلسطيني رهينة ومطية لتمرير سياساتها الملتفة حول ذاتها، والبعيدة كل البعد عن كل ماتنادي به وتعلنه. أما هدفها الأهم فهو الاستمرار بالسلطة إلى أبعد مدى ممكن. وكل ماتقوله وتفعله ما هو إلا لخدمة هذا الهدف الأوحد.
لهذا أرى أن قوافل الحرية التي لم تنطلق بعد هي تلك التي يجب أن تكون وجهتها الأنظمة العربية المتواطئة مع بعضها لإركاع المواطن المسلوب الإرادة والحرية. يجب أن تستهدف زنزانات وسجون هذه الأنظمة التي لايقبع فيها إلا كل وطني حر في حين يسرح المجرمون الحقيقيون ويمرحون في كل الساحات. وينعمون بخيرات الوطن سلباً ونهباً. ويعيثون في المجتمع فساداً مادياً وأخلاقياً. محطمين بذلك مقدرات الدولة التي يتسلطون عليها. ليبقى الحصار الأكبر هو حصار شعوب هذه البلدان داخل أوطانها. ليس من قبل إسرائيل، وإنما من قبل حكامها أنفسهم.
في أحد لقاءات المعارضة السورية في باريس اقترحت إحدى الناشطات بأن يستقل جميع المعارضين السياسيين البارزين إحدى الطائرات وينزلون في مطار دمشق كتحدٍ للنظام في سورية. ولم يعلق أحد من الحاضرين على هذا الاقتراح. ولا يخفى على الحصيف دلالة ذلك السكوت باعتبار الاقتراح أمراً غير عملي بسبب ما يتوقعه كل سياسي معارض لما ينتظره في مطار دمشق فور وصوله.
هذا هو الحال مع الأنظمة. فهل نتوقع من إسرائيل سلوكاً أقل قسوة؟
 مع تجربة قافلة الحرية هذه نرى أن ماحصل رغم قسوته ووحشيته فإنه يظل أقل بكثير مما يمكن أن يتوقعه المعارض السياسي حين يقف أمام النظام الذي يعارضه وجهاً لوجه.
أليس أحرى بالقوى الناشطة في منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وكل القوى المحبة والساعية لإشاعة الديمقراطية والحرية في العالم أن توجه قوافلها القادمة إلى الأنظمة العربية وزنزاناتها لتحرير المعتقلين من الوطنيين الأحرار والشعوب المقهورة من قهرها المزمن؟


29
صفحة من يوميات مخبر
19 آذار 2010
سعيد لحدو
في يوم \ما \ وتاريخ \يشبه كل التواريخ\
لطالما تساءلت عن صحة ذلك المثل السوري الشائع الذي يقول: من راقب الناس مات هماً. وعن الدوافع التي حدت بمبتدعه الأول لإطلاقه، وعن السر الذي يجعل الناس يرددونه جيلاً بعد جيل!!! ففي الحقيقة إن مراقبة الناس كانت هوايتي مذ كنت يافعاً. وحتى بعد أن أصبحت مهنتي التي أعتاش منها، لم أجد قط أية غضاضة في مراقبة الآخرين وتدوين تحركاتهم بأدق التفاصيل. ومع ذلك فإنني مازلت أعيش كما ترون، وعين الله علي. ولم أمت يوماً لا من هم ولا من غيره. أما الموت هماً الذي تحدث عنه ذلك الذي اعتبره الناس حكيماً، كل هذه الأجيال، فلم يكن من نصيبي بأي حال. بل كان على الدوام متعمشقاً برقاب أولئك الذين أراقبهم. فأنا الذي باتت مهنتي ومصدر رزقي الإلمام بكل دقائق وتفاصيل حياتهم، من أدرى مني ليدرك كم مرة ماتوا مما يعانونه من هموم ومتاعب، لم أكن أنا سببها الوحيد.
وكما هي العادة فقد بدأ يومي باكراً من أمام باب الفرن حيث يتجمع الناس يومياً للحصول على رغيف ساخن يبدأون به مسيرتهم اليومية الشاقة. وتحت ضغط الازدحام من جهة وإلحاح الوقت الذي يداهمهم وهم ينتظرون، من جهة أخرى، ينفثون مع تأففاتهم بعض الكلمات التي لا تخلو من الدلالات، والتي تلتقطها أذني على الفور لتحولها بعد ذلك إلى تقرير يستحق الدراسة. وإزاء هذا الإغراء، فلقد تعمدت إعطاء دوري لبعض المسنين والنساء لكسب المزيد من الوقت للمزيد من الحصاد اليومي، آملاً في أن يكسبني هذا التصرف بعض الاحترام في نظرهم، رغم أنني لست واثقاً من ذلك. لأنني أحسهم يتهامسون فيما بينهم بمجرد أن يلمحني أحدهم قادماً. 
تطوافي اليومي انطلق من عند سمان الحارة عبر دردشتي اليومية معه بعد أن قدمت له سيجارة وأختتمته أيضاً عنده في النهاية لكي لاتفوتني أية واقعة من مجريات الأمور في الحي مهما بدت تافهة،. والسمان أكثر من يتحسس هذه الأمور لأنها تتعلق بمبيعاته. عدت بعدها إلى البيت لأدون ماجمعته من أخبار ومعلومات خلال تطوافي ذاك. لكن ما لم أتمكن من تدوينه في تقريري اليومي هي تلك النظرات الغريبة التي كان يرمقني بها معظم من ألتقيهم والتي تستفزني وتخترق كياني وتدفعني أكثر للانتقام. لهذا فإنني أضفت كما في كل مرة، شيئاً من (البهارات)  على الأخبار والمعلومات التي أستقصيتها كوسيلة جربتها مراراً لإراحة أعصابي.
سائق التاكسي الذي ركبت معه اليوم كان متواقحاً معي ولم يرد علي عندما سألته عن الزبون ذي الملامح الأجنبية الذي أوصله للتو. وفوق ذلك فقد طلب مني أجرة التوصيلة، رغم معرفته بطبيعة عملي. سأتوصى فيه قريباً بتقرير من كعب الدست لأربي به كل سائقي التاكسي في المدينة.
في المطعم الذي كان علي أن أتناول فيه طعام الغداء وعيني مفتوحتين، شد انتباهي وجود رجل وامرأة في متوسط العمر بدا لي أنهما متحابان من خلال طبيعة جلستهما غير العادية. ولقد صح توقعي بعد أن استقصيت الأمر بطريقتي الفذة في المتابعة والسؤال وعرفت أنهما يقيمان علاقة غير شرعية رغم أن كليهما متزوجان. وهذه قضية سيطير لها معلمي فرحاً، وبخاصة إذا علم أنهما من الأثرياء. وبالطبع سيطلب مني أن أجد تهمة ما للرجل في تقريري القادم كمقدمة لتكون سبباً لاستدعائه للتحقيق. وحينها ولستر الفضيحة، سيكون لكل حادث حديث. وبالتأكيد، وكما في المرات السابقة فإن معلمي لن ينسى حصتي مهما صغرت من هذا الصيد الثمين.
ما يدهشني أن هناك بعض الأشخاص ممن أستطيع كتابة عشرات التقارير عنهم محرم علي ذكرهم بأي حال، رغم أن بينهم معارضين معروفين لسياسة الدولة. كما بينهم بعض التجار ممن تثير نشاطاتهم وسلوكهم التساؤلات المحيرة. وكل هذا قد أجد له بعض التفسير إن حاولت التعمق في التفكير. لكن ما لم أجد له تفسيراً هو تلك البهدلة والتوبيخ العنيف اللذين كرَّمني معلمي بهما إثر يومين عصيبين من الحجز الإنفرادي بالنظارة ممنوعاً من الأكل والشرب والنوم لمجرد أنني قدمت تقريراً بأحد بيوت الدعارة التي اكتشفته مصادفة أثناء أحد تجوالاتي الليلية. والأغرب من ذلك أنه اتهمني بترتيب هذا الأمر لمصالحي الخاصة، ومنعني بعدها نهائياً من المرور في ذلك الشارع!!! 
حتى الآن كانت مهمتي ملاحقة التفاصيل الصغيرة في الحياة اليومية للناس العاديين. وهذه مسائل روتينية لاتحتاج إلى كثير من الذكاء والخبرة. لذا سأحاول الرفع من مستوى نشاطي وقيمته وأهميته. وهنا يخطر ببالي أن أقترح على معلمي القيام بمهمة أعتقد أنها ستكون رائعة. الهجرة للخارج والعمل من هناك بين صفوف المهاجرين من السوريين، وما أكثرهم. وإن أراد معلمي فإنه ليس أسهل من تلفيق مشكلة أمنية لي لتسهيل حصولي على الإقامة هناك. سأكلمه بهذا الشأن عله يساعدني للتخلص على الأقل من تلك النظرات التي تهز كياني كلما نظر أحدهم إلي بها. فهناك في الخارج لا أحد يعرفك. وحتى يتعرفوا عليك يكون الناس هنا قد نسوك تماماً. وفي الحالتين هناك راحة للأعصاب وكسب مادي لا يستهان به. ناهيك عن خدمة الوطن. تلك الخدمة التي تبقى في النهاية أحد أهدافنا!!!

30
وطن بالمزاد العلني
19 كانون الأول 2009


سعيد لحدو
نعلن نحن القيِّمون على الأمور في البقعة الجغرافية المسماة سوريا والمحددة وفق الخرائط المؤتمنة لدى الأمم المتحدة والتي لا نعتبر الاختلاف حول بعض تفاصيلها مع جيراننا أمراً مهماً، نعلن عن إجراء مزايدة علنية لبيع أو تأجير أو استثمار مساحة 185000 كيلومتر مربع من الأرض بما فيها وما عليها من كل ماهبَّ ودبَّ أو كمنَ على سطحها أو في جوفها أو في أجوائها للراغبين من المستثمرين الأجانب، مع تقديم حسومات خاصة للمتقدمين الأوائل من حاملي الجنسية الأمريكية أو الإيرانية، وذلك في أي مكان أو زمان يختاره المتقدم للعرض سواء تم ذلك في قصر ملكي أو رئاسي أو في غرفة فندق أو حول طاولة مقهى على شاطئ مشمس، بطريقة التواصل المباشر أو بالواسطة. كما يمكن تقديم العروض بواسطة وكلاء معتمدين شرط أن يتم هذا بالسر،إذا كان هناك ما يعيق من التقدم شخصياً لدواعي وأسباب أخرى.
المواصفات الخاصة للمعروض بالمزاد
يتميز المعروض بساحل طوله أكثر من مائتي كيلومتر(هذا بدون احتساب ساحلي أنطاكية واسكندرونة الجاري استثمارهما حالياً من قبل تركيا). الجزء الصالح للاستثمار منه هو عشرة كيلومترات فقط لأن الـ190 كم الباقية تعتبر مجالاً حيوياً لبعض الشخصيات الوطنية التي تحرص لدواعي الأمن الوطني ألا يشاركها أحد في مياه بحرها هذا. ومع ذلك فهو ساحل جميل وفتان يصلح لبناء مدن سياحية كاملة ويمكنه جذب المستثمرين وبخاصة السوريين الكبار والمعروفين جيداً وإقناعهم بنقل استثماراتهم من إسبانيا ودبي وأماكن أخرى إليه، إذا وجدوا الأمان طبعاً. أيضاً من مميزات هذا الساحل أنه صالح لنشاطات أخرى مختلفة من الممنوعات مثل تهريب الدخان والأسلحة وغيرها. كما يمكن لأية طائرة معادية أن تتنزه فوقه بدون أية منغصات.
له طبيعة جبلية يمكن الاستفادة منها لأغراض متنوعة. فقد سبق وأن استخدمت كقاعدة للثوار ضد الاستعمار الفرنسي. وكثير من سفوحها يستعمل اليوم لبناء قصور فخمة بحدائق طبيعية واسعة لبعض ضباط الجيش يستخدمونها لاستراحاتهم بعد المعارك والحروب الكثيرة التي خسروها على الجبهة وربحوها في الداخل. وبعد امتلاك هذا الجبل يمكن لمن يرسي عليه العرض أن يستخدم أي لقب يختاره لنفسه، باستثناء لقب (شيخ الجبل) لأنه مرهون لآخر. وفترة فك الرهن مازالت غير معلومة.
70% من مساحته هي بادية وصحراء. وهذه يمكن استخدامها بنجاعة وسهولة فائقة كمقبرة للنفايات النووية التي يمكن استقدامها من دول عديدة مستعدة لدفع ملايين الدولارات للتخلص منها. ولقد تمت تجربة هذا الأمر منقبل  بعضنا منذ سنوات وكانت ناجحة تماماً ولم تنتج عنها أية آثار سلبية على القائمين بالعملية الذين مازالوا أحياء وأحراراً يرزقون. كما يمكن الاستفادة من السجون الموجودة فيها والتي حرصنا أن تكون لها أكبر طاقة استيعابية ممكنة كمقام شبه دائم للمشاغبين ممن يحاولون توهين نفسية الأمة من خلال إصرارهم على الحديث عن بدعة الوطنية وحقوق الإنسان وغيرها من المفاهيم مما لا يتماشى مع منطق الأمور عندنا.
فيه أراض ومناطق سهلية تصلح لمختلف أنواع الزراعة، علماً أن القسم الأكبر منها تجري زراعته من قبل مواطنين لم يغتنِ أحد منهم بعد. ذلك لأن الغنى يقود إلى البطر. والبطر لا يليق بالكادحين من العمال والفلاحين وقود الثورة وأدواتها. لذلك ومنذ عقود وضعنا خطة تسعير رسمية للمحاصيل الزراعية من حبوب وقطن منتهجين مبدأ (قوت لا تموت) الذي مازال ساري المفعول حتى تاريخه. ورغم أن الثورة ومبادئها التي أعلناها في حينها طارت وطارت معها رؤوس كثيرة، لكننا نفتخر بصمود خطتنا تلك للتسعير التي مازالت قائمة ولا تتأثر بأية موجات أو هزات إقتصادية عالمية.
آخر إحصاءاتنا تقول أن قرابة العشرين مليوناً من الكائنات البشرية الحية مازالت تعيش على هذه المساحة رغم جهودنا التي نجحت حتى الآن بإبعاد بضعة ملايين أخرى إلى المهاجر، ولم ندخل في حسابنا الأموات أو المنتحرين. أما الكائنات الحية الأخرى فهي موجودة بالطبع ولكن بالحد الأدنى. ومن الخصائص الإيجابية لهذه الملايين العشرين أنها هادئة ومسالمة ويمكن التعايش معها في كل الظروف. كما يمكن استخدامها كأيدي عاملة رخيصة توافقاً مع مستوى معيشتها الأكثر انخفاضاً في العالم. حيث أننا لم نعودها على الرفاهية والبذخ. وهي فوق ذلك قنوعة ويمكن مع بعض الشعارات التخديرية سَوق مئات الآلاف منها في كل مرة نحتاجها، في مسيرات تأييدية أو مظاهرات احتجاجية حسب الرغبة ووفق الاتجاه ودرجة الضرر المحددة بدقة ودراية  لأية سفارة أو مؤسسة أجنبية  نوجهها إليها. ولأننا نخشى ألا يتمكن من يرسي عليه العرض ضبط ميزان القوى مع هذه الملايين التي قد تنفجر في أية لحظة، فإننا نضمن له هدوءها وسلميتها أو تهييجها إذا تطلب الأمر، شرط بقائنا في الواجهة على رأس السلطة ليمكننا استخدام أساليبنا التي اعتدنا عليها وهي مجربة وأثبتت فعاليتها طوال أربعة عقود ونصف من التجسيد العملي لها. وهذه لا يمكننا كشف أسرارها لأن براءة الإختراع التي نحملها في هذه الأساليب هي مصدر رزقنا ورزق أولادنا ووسيلتنا للاستمرار. لذا لا نريد التفريط بها.
الموقع الاستراتيجي الذي تحتله هذه البقعة الجغرافية هام واستراتيجي ويمكن استغلاله لمباشرة الكثير من العمليات السرية والعلنية مع الجيران أو ضدهم. كما عبر القارات. وفي هذا المجال تحديداً لنا تجربة وخبرة عميقة وقديمة. وما زلنا نعمل دائماً على تطويرها وتنويع أدواتنا وتمويه الدوافع والمقاصد كي لايسهل ضبطنا بالجرم المشهود. فعلى سبيل المثال لا الحصر: عملنا من هذا الموقع الاسترتيجي على تدريب وتسليح الثوريين اليساريين والقوميين والمتدينين الأصوليين من جميع الحركات والتنظيمات التي لها مشاكل مع حكوماتها أو تطلعات وطموحات معينة، وإرسالهم في عمليات مدروسة إلى حيث يجب. وفي الوقت ذاته كنا نحتفظ بعدد كبير منهم كنزلاء ظرفيين في السجون المشار إليها أعلاه. ومع ذلك فلا هؤلاء كفوا ولا أولئك انزعجوا. وفي النهاية يمكن لمن يرسي عليه العقد بيعهم للراغبين في الشراء كما فعلنا على الدوام.
إضافة إلى هذا يمكن استغلال هذا الموقع الهام لأرسال المتطوعين والانتحاريين وفرق الاغتيال إلى دول الجوار لتنفيذ بعض العمليات لصالحنا أو لصالح من ينتدبنا لذلك، وفق شروط اتفاق مسبقة. ولقد جربنا هذا الأسلوب أيضاً ومنذ عقود وما زلنا  حيث أثبت فائدة عظيمة دون أن نخشى أية عاقبة، مستفيدين من هذا الموقع الجغرافي الحساس المعروض للمزاد. وبين الحين والآخر ومن أجل الزيادة في التمويه، نوجه عملية خفيفة إلى بعض الأهداف عندنا ونضخمها في وسائلنا الإعلامية لنعطي الانطباع بأننا أيضاً مستهدفون. بالطبع لن نغامر بسقوط أي رأس مهم لنا في هذه الحالة. وإن سقط بعض الأبرياء ضحايا، يكون السبب حظهم العاثر الذي رماهم بالبلاء. ونحن نكفل في الوقت ذاته، وبطرقنا الخاصة، عدم وصول أي من تلك الحركات والتنظيمات إلى أهدافها. وإن تطلب الأمر نستطيع من هذا الموقع  الهام إلجام أية حركة مسلحة أو حزب إلهي وضمان سكوتها تجاه أي عدو مفترض إلا عبر الميكرفونات. ولنا هنا أيضاً تجربة حية مازالت ماثلة للعيان. ولكن شرط أن نبقى في أماكننا وزمام السلطة في أيدينا لنتمكن من تحقيق وعودنا هذه.
مع الأرض والماء والهواء والعشرين مليون كائن، يجري تسليم من يقع عليه العرض حكومة وبرلمان جاهزين ومطواعين ولا يثيران أية متاعب لا لبعضهما ولا للآخرين. ولا يتبدل أعضاؤهما إلا بسبب الموت أو الانتحار. ولم يجرِ قط أن سُئل أحدٌ منهم عما لا يفعله لأنه لا يطلب منهم أساساً فعل شيء. وهذا جزء من خطتنا في الإمساك بزمام الأمور وضمان عدم إفلاتها من أيدينا. فنحن لدينا على الدوام من يقوم بعمل هؤلاء بدلاً عنهم ووفق ما نرتأيه. ونأمل ممن يرسي عليه المزاد أن يحافظ على هذا التقليد المكتسب بالوراثة.
هذا العرض للمزاد دائم ومستمر وغير مرتبط بزمن. وفي حال رسى العقد على أحد الأطراف نكون غير ملتزمين بمدة محددة. ونحتفظ بحقنا في تسليم المعروض للمزاد لأي متقدم بسعر أكثر إغراءً في أي وقت، إلا إذا عرض المستثمر الحالي سعراً أعلى.

دفتر الشروط السرية وتعليمات وملاحظات هامة أخرى موجودة في ملف خاص يجب لمن يرغب الاطلاع عليها الحضور شخصياً مصطحباً معه أوراقه الثبوتية وشهادة تعريف مصدقة أصولاً من الجهات المختصة. وسيحدد موعد سري لهذا الغرض بعيداً عن أعين الفضوليين.

31
تقرير ما قبل التوزير لقاضٍ سوريٍ شهير
21 تشرين الثاني 2009
                                                                                                  سعيد لحدو
سيدي العميد....
كما تعلم سيادتكم ويعلم الجميع، فقد كنتُ وما زلتُ خادمكم المطيع ورهن إشارتكم الكريمة. وهذا ليس تواضعاً أو مِـنَّةً منِّـي بل هو حق وواجب لما لكم شخصيّاً ولدائرتكم العامرة من أفضالٍ عليَّ وعلى أمثالي من الوطنيين من زملاء هذه المهنة الشريفة، وهم كثر والحمد لله. ذلك كله تم بفضل جهدكم وسهركم الدائم وحرصكم الشديد على ألا يحتل هذا المنصب إلا من توافرت فيه الخصال الوطنية التي وضعتم خطوطها العريضة وشجعتم كل طامح لأن يلتزم بها. وها أنا أحمد الله أنني كنت واحداً من أولئك الطامحين فرفعتموني، مقابل بعض خدماتي البسيطة، من موظف صغير بائس في دائرة مجهولة إلى أعلى مراتب الشرف والعز، بعد أن شجعتموني ودعمتم ضعف إمكاناتي مادياً ومعنوياً لأحصل بفضلكم من الجامعة التي أشرتم عليَّ بها، وبسرعة، على الشهادة الجامعية التي أهَّـلتني لهذا المنصب الرفيع. وحتى في هذه الحالة لم أكن لأحلم بذلك لولا توصيتكم الغالية ومؤازرة سيادتكم المستمرة لأغدو من أصحاب الأملاك والعقارات والأرصدة البنكية وبالعملة الصعبة كي نتمكن من ممارسة واجبنا القضائي بنزاهة وعدل دون التأثر بالعوز المادي الذي مازال يترنح تحته بعض زملائنا القدامى. وهكذا تدرجتُ في السلم الوظيفي وفق سياسة حرق المراحل التي اعتمدتموها لأقف في المكان الذي أحتله اليوم بزمن قياسي. ولستُ أنسى ماحييتُ إحاطتي بهذا العدد من أبناء عائلتي وأصدقائي المخلصين وتعيينهم في المواقع التي اخترتموها لهم. وهكذا بتُّ بفضلكم ووجودهم حولي داعماً ومدعوماً ومؤهلاً بقوة لخدمة الوطن بوضع المداميك والدعامات الفولاذية لتقوية الشعور القومي المتهالك وإسناد وتعزيز نفسية الأمة الواهنة. تلك المداميك والدعائم التي لا تقبل الصدأ تحت أي ظرف ومهما طالت فترة تنطحكم للمسؤولية الوطنية التي نذرتم أنفسكم لها، وعلى خطى سلفكم الصالح، بكل جدارة واستحقاق،. لقد قمتُ وسأقوم بذلك متفاخراً بمسؤوليتي الوطنية هذه عبر المحاكمات التي أجريها بزج أولئك المتآمرين الذين تكشفهم لنا مشكورة دائرتكم الموقرة كجزء من مهمتكم في السهر على أمن الوطن والمواطن ورميهم في السجن، المكان الوحيد الذي يليق بأمثالهم،  ولأحكامٍ ومددٍ وفق ما تشيرون به عليَّ. هؤلاء الأشخاص الذين كما يبدو وبسبب كتاباتهم وتصاريحهم المغرضة، تداعى الشعور القومي منهاراً، وخارت نفسية الأمة وترنحت قامتها الممشوقة أمام عشاقها الكثر من جبهة الصعود والتصدع (كما يحلو للمغرضين تسميتها والذين سيأتي حسابهم قريباً في محاكمة قادمة بإذنكم الميمون). تلك القامة الفارعة التي لم تقوَ قرابة نصف قرن من مؤامرات الأعداء على هز شعرة واحدة من جدائلها السمراء أو تعكير أحلامها السعيدة بقيادة الدولة والمجتمع نحو الأهداف الأزلية في الوحدة والحرية والاشتراكية. وإنني لأتعجب كيف استطاعوا فعل ذلك ونحن لم نعثر حتى هذه اللحظة على أية أسلحة أو متفجرات بحوزتهم!!! ولكن كما تعلم سيادتكم فإن للاستعمار دائماً أسلحته الخفية التي ليس من السهل اكتشافها.
سيدي العميد..
لا أخفي سيادتكم أننا كقضاة كثيراً ما نُحرَجُ ببعض مواد القانون التي يجابهنا بها بعض محامي الدفاع المتمرسين. وفي الحقيقة لا أدري لماذا سمحتم ببدعة محامي الدفاع هذه، رغم أننا كقضاة لا نستمع إليهم ولا نعيرهم أي انتباه. فأحكامنا كما تعلم سيادتكم لا تتأثر لا بمرافعات الدفاع ولا بالشهود ولا بتقلبات الطقس. إنها كانت وستبقى حكيمة وثابتة ومبدئية كجزءٍ  من سياسة الصمود والتصدي والمقاومة لكل مؤامرات الأعداء. هذه السياسة التي كان لأمثالكم الفضل في إرساء دعائمها القوية، والسهر الدائم على استمراها وتطورها وإبقاء صخرتها، وإن تكلست، شامخة في وجه الأمواج والأعاصير، لترقيع ما يمكن ترقيعه من كرامة الأمة المفقودة. ومع ذلك فإنني أقترح على سيادتكم أن تعطونا الضوء الأخضر أو حتى البرتقالي إن أمكن لتعديل بعض تلك المواد في القانون لمحاسبة أمثال أولئك المحامين من المتحمسين زيادة عما تقتضيه مسألة التظاهر بالديمقراطية والعدالة، وقطع دابر كل من تسول له نفسه يوماً التلاعب بالشعور القومي الذي بات حساساً جداً ورقيقاً نخشى عليه من الانفتاق لكثرة ما يعانيه من احتكاك هذه الأيام باالمبادئ الوطنية وبدعة حقوق الإنسان عبر بوابة هذه المواد القانونية.
كما ترون سيادتكم، هذه كلها خدمات متواضعة أخجل من ذكرها أمامكم لولا الضرورات الملحة التي تتطلب منا، كما عوَّدتمونا سيادتكم دائماً، التيقظ الدائم والحذر الشديد وعدم إغفال أصغر التفاصيل. وهذه على أهميتها، أمور لا تذكر أمام الدرس الذي تعلمناه منكم في الحرص على أن نكون في مقدمة الصفوف وفي خط المواجهة الأمامي حين يتعلق الأمر بالدفاع عن الوطن وتحطيم مؤامرات الأعداء على صخرة الصمود والتحدي العظيمة. لذا فإنني وبعد استسماحكم والاستئناس بروحكم الوطنية، أود أن أسمح لنفسي بالطلب من سيادتكم المؤازرة لنقلي لموقع أكثر تقدماً في الخط الأمامي لجبهة النضال الوطني ليتسنى لي تقديم خدمات أكبر وأجدى في هذا الظرف العصيب الذي يواجهه وطننا العزيز. ومن هذا المنطلق أرى أن موقع وزير العدل يفسح بالمجال لخدمة أوسع وأكثر نفعاً مما أؤديه الآن من موقعي الحالي الذي يتدافع الكثيرون لنيل رضى سيادتكم لاحتلاله ممن هم على الدوام طوع بنانكم من الوطنيين المخلصين. فهلا تكرمتم بالإشارة لمن يعنيه الأمر في هذا الشأن لدعمنا في مواصلة نضالنا المشرف من مواقع أكثر تقدماً خدمة لوطن قدم لنا الكثير الكثير وما يزال. وطنٌ عشنا من أجله، وما زلنا مستعدين لتقديم كل تضحية ممكنة لتشديد منعته وممانعته.
ودمتم ذخراً لنا من أجل وطن مقاوم ممانع مجاهد مكافح صامد متحدٍ متصدٍ على الدوام.
التوقيع
قاضٍ سوري


32
المنبر الحر / أنا أعترض
« في: 17:08 31/10/2009  »
أنا أعترض
31 تشرين أول 2009
سعيد لحدو
هذا الاعتراض مستوحى من مسرحية (شاهد ما شافش حاجة) للفنان المبدع عادل إمام عندما صرخ أمام ذهول الجميع قضاة وجمهور في قاعة المحكمة فجأة: (أنا لا أعتقد)، دون أن يعي ما الذي لا يعتقده. ثم ما يلبث أمام النظرات الحادة المتفاجئة من (السادة المستشارين) أن  ينكسر ويعود إلى طبيعته المسالمة وغُلبه المستديم بقوله: (ده أنا غلبان).  هذه هي حال المواطن المكسور الغلبان في الدول المسماة تجاوزاً بالعربية، في حين أن لها عشرات الألسن التي تتحدث بها بينما لا يمكن سماع سوى هذه العربية التي باتت رديفاً للهزيمة والانكسار والتخلف والقهر .... وحكام إلى الأبد. لذا سأتجرأ، بعد استسماح الفنان عادل إمام، لأقول:
أنا أعترض على هذه المسرحيات الفجَّة المملة والتي تساق إليها الجماهير بحكم غُلبها ذاك كالقدر المحتوم، لتشارك فيها كممثلين أساسيين وهي تدرك مسبقاً نهاية تلك التراجيديا المكررة دائماً بفوز المتنافس الوحيد والقائد الرمز بنسبة 99% من الأصوات. حيث تسمى في وسائل الإعلام الرسمية، انتخابات!!!
أنا أعترض على الطريقة التي يستجدي بها حاكم عربي أو ربما إفريقي، من الغلابا من شعبه وظيفة رسمية لابنه المدلل الذي لا يتنقل إلا بطائرة خاصة، في وقت يمر به الاقتصاد العالمي بأخطر أزمة منذ عقود!!!. هذه الأزمة التي خلفت وراءها آلاف الشركات المفلسة وملايين العاطلين عن العمل. في ذات الوقت يعتبر ذالك الحاكم نفسه القائد العالمي وعميد الحكام وملك الملوك وزعيم القارة الأوحد؟؟؟ ومع ذلك فهو وبإصرار شديد مازال مواطناً عادياً (غلبان) في دولة لايحكمها امبراطور ولا ملك ولا رئيس ولا حتى شيخ قبيلة. هذا برغم أن فترة جلوسه على صدور مواطنيه قاربت فترة حكم لويس الرابع عشر (الملك الشمس) كما كان يسميه الفرنسيون. ولم يدانيه في هذا سوى كاسترو كوبا، وبعض إخوته من الحكام العرب الآخرين، لولا أن العمر لم يمهلهم ليظلوا على  سدة الحكم حتى يبلغ أبناؤهم السن القانونية للرئاسة.
أنا أعترض على الطريقة والسرعة التي يتم فيها تفصيل دساتير الدول تماماً كما هي حال صالونات الخياطة، على مقاسات الشخص الذي ميزته الوحيدة أنه إبن الزعيم القائد. ومن هذا المنطلق لا أدري أية هيبة يمكن لهكذا دستور أن يحوزها في نظر هذا الخليفة الجديد أو احترام يمكن أن يبديه أيٌ من أعوانه لهذا الدستور أو أي قانون آخر ، إن لم يكن هذا الدستور أو القانون صيغ بشكل أساسي لحفظ مصالحهم الفردية أو العائلية، ولمنحهم المزيد من الامتيازات على حساب الوطن والمواطن.
أنا أعترض على سياسة التعريب والتتريك والتفريس التي تمارس على كل صعيد لقهر وصهرمجموعات سكانية أصيلة لها تراثها وتاريخها العريق ومساهماتها الغنية في الحضارة البشرية ولها وجودها الدائم ومازال في معظم دول المنطقة، فتمنع من التعبير عن ذاتها والتحدث بلغتها الأم بينما تكرَّس إمكانات الدولة لتعليم الناشئة لغات شعوب العالم الأخرى وتاريخا وتراثها؟؟؟؟
أنا أعترض على تحويل جمهورياتنا الثورية إلى ممالك وراثية بعد أن قام الثوريون إياهم بانقلاباتهم العسكرية وألغوا الملكية، ونصبوا أنفسهم ملوكاً غير متوجين. بينما كثير من الممالك في العالم تحولت إلى حكم الشعب رغم بقاء الملك أو الملكة كرمز للدولة. وأما ماتبقى منها فهو في طور نقل السلطة بشكل تدريجي إلى الشعب الذي يقرر أولاً وأخيراً شكل الحكم الذي يرتأيه....إلاَّ في المنطقة العربية حيث عدوى الانقلابات سرت حتى في النظم الأميرية أو الملكية. ويبقى الحاكم أياً كانت تسميته أو شكل نظام الحكم الذي جاء به هو الحاكم الأوحد الذي اختارته العناية الإلهية للتحكم بمصائر الشعب، و..... ثرواته!!!
 أنا أعترض على نهب خيرات الوطن وتجميع ثرواته بأيدي فئة قليلة أو عائلات بعينها، دون حق، وبأساليب غير مشروعة، وباستهتار كامل لمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين التي تكفلها كل الدساتير والقوانين في كل دول العالم المعاصر بلا استثناء، بما فيها دولنا المعنية إياها. وفي الوقت ذاته توزع كل مآسي الحياة وأوجاعها من ظلم وقهر وفقر ومعاناة .. وسجن، على جميع المواطنين بمختلف انتماءاتهم وآرائهم ومواقفهم بعدالة منقطعة النظير، باستثناء تلك الفئة المتنعمة بالحظوة التي تسمح لها بتجيير أي قانون أو ظرف لتدعيم مصالحها ومكانتها الاقتصادية والسياسية، ومرة أخرى على حساب الوطن والمواطن.
أنا أعترض على الطريقة التي يحييِّ بها المواطن موظفاً حكومياً، وَجِلاً من تعطيل معاملته لأتفه الأسباب، دون أن يتلقى رداً. وهو الذي تتشدق كل خطابات الزعماء ودساتيرهم بأنه السيد الحر الأوحد. وبأنه الآمر الناهي في كل ما يتعلق بالوطن ومصيره.
أنا أعترض على أسلوب قيادة أبناء المسؤولين لسياراتهم الفارهة في شوارع المدن الرئيسية، إن تجرأوا وخرجوا إلى العلن، ورد فعل شرطي المرور المتحيِّن الفرصة لقبض مايعتبر أنه حقه من الغلابا من أبناء الشعب. إذا سلموا من الإهانة المتوقعة إن لم يكن هناك من يسند ظهرهم.
أنا أعترض على هذا العدد الكبير من النسخ المكررة من الصحف ووسائل الإعلام الأخرى الممولة رسمياً أو المشمولة بالرعاية والناطقة بلسان واحد ليس فيه إلا كيل المديح للسياسة الحكيمة والتي لم نرَ من نتائج لها، طوال عقود، سوى المزيد من التراجع على كل صعيد. تبدأ بالحريات ولا تنتهي برغيف الخبز.
أنا أعترض على اعتبار كل شارع يجري تعبيده أو كوخ يُبنى إنجازاً ثورياً أو منحة من منح القائد العظيمة للشعب. أما حياة المواطن اليومية ولهاثه المستديم وراء لقمة العيش له ولأطفاله، هذا الهم الموروث مع كل وريث جديد للسلطة، على ندرة حدوث ذلك، تظل من الرفاهيات التي لاحاجة للحاكم في التفكير فيها وهو في مواجهة مؤامرات العالم أجمع للنيل من صموده، ومقاومته وممانعته وتحديه وتصديه ومثابرته وثباته على نهج السلف وسياسته الحكيمة لدحر تلك المؤامرات وإفشال مخططات الأعداء. وفي الوقت ذاته لا يتوانى عن بناء جسور العلاقة والاتفاقات السرية مع أولئك الأعداء المفترضين.
أنا أعترض على زج المعترضين في السجون والمعتقلات بذريعة تآمرهم على الوطن، لمجرد أن رؤيتهم وآراءهم في القضايا الوطنية لم تنسجم والرؤية الرسمية التي لم تتمكن من إقناع أحد بصوابيتها.
أنا أعترض على العلاقات السيئة، وفي حالات كثيرة المتوترة، بين كل دولة وبين جيرانها من الدول الأخرى ممن تتغنى على الدوام بأنها عربية الهوى واللسان. حيث تصبح عملية اجتياز الحدود أصعب من اجتياز المحيط المتجمد الجنوبي، رغم أن تلك الحدود ليست أكثر من خط نظري في الصحراء لا يمكن تمييزه!!
أنا أعترض لعدم وجود أوروبي أو أمريكي أو ياباني أو صيني أو هندي واحد، بمجموع أعدادهم التي تقارب نصف سكان الكرة الأرضية، ولو فرد واحد منهم موجود كلاجئ سياسي في كل البلاد العربية من المحيط إلى الخليج... بينما الملايين ممن أتيحت لهم فرصة الهروب من الدول العربية هم لاجئون في تلك الدول بشكل أو بآخر...وفي الوقت ذاته تتحسر في أوكانها عشرات الملايين الأخرى لأنها لم تحظَ بنعمة اللجوء تلك....!!!
أنا أعترض على شكل الرغيف، ونظافة الشارع، والمناهج التعليمية، وأساليب التربية المتقادمة، وزي الشرطي وسلوكه المشين.... أعترض على أسلوب الاستقبال في المطار وبوابات العبور الحدودية... في المستشفيات ... في دوائر الدولة الأخرى.. وحتى على طريقة طلب (البخشيش) في المطاعم والفنادق... وسيارات التاكسي..... و....و.....و.....و.....و.....و.....و.....و....
ولكنني وككل مواطن مغلوب على أمره في هذه البلدان، وعلى رأي عادل إمام..... ده انا غلبـــــان يا إخواننا!!!!!!!!!!


33
الاسم الذي وحَّدَ روَّادَنا القوميين، وفرَّقَنَا
25 تشرين أول 2009
سعيد لحدو
نتصارع مع أنفسنا لنتجنب أحكام التراجيديا الشكسبيرية فينا. ذلك القدَر الذي رسم مسيرة تاريخ عمره عشرة آلاف عام وأكثر، لننزوي كلٌّ مع حفنة من المتوهمين بعظمة الذات المتضخمة، ونتخفى وراء متاريس سياسية وعُقَديَّة أقمناها بين ظهرانينا لنوهم أنفسنا بأننا قد بلغنا سن الرشد، ولم نَعُدْ بحاجة إلى أية مشاركة من أحد، حتى لو كان هذا الأحد أخاً لنا، ارتبط مصيرنا بمصيره منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا. نتجاهل تجارب الماضي القريب والبعيد، ونتناسى دروسه البليغة في الحياة التي لم توفِّر مِنَّا سوى هذه الأقلية المتبعثرة في كل مكان بتسميات وشعارات وتكتلات متباينة. بعد أن كنَّا نحن، وبكل هذه التسميات المتداولة اليوم (الكلدان، السريان، الآشوريون، الآراميون، الموارنة، السريان الملكيين أو الروم. متبعة بصفة الأورثوذكس أو الكاثوليك أو النساطرة، أو البروتستانت أو الإنجيليين)، أبرز وأهم عنصر في منطقة مابين النهرين وسوريا ولبنان وفلسطين التاريخية. نجد أنفسنا اليوم وقد بتنا أقلية انحدرتأثيرها في الحياة العامة لهذه البلدان إلى الحد الأدنى، إن لم نقل انعدم تماماً. في الوقت ذاته تتنامى القوى الأخرى ويتزايد تأثيرها وتتحكم في مجريات الأمور، بما فيها مجريات حياتنا ومصيرنا. ونحن مازلنا غارقين بشدة في صراع وجدال بيزنطي لا طائل من ورائه سوى المزيد من الانقسام والتشرذم. الصراع الذي تمحور حول أي من تلك التسميات أصح. وأيها أكثر ملاءمة. والمصيبة الأكبر ذهاب البعض أبعد من ذلك بكثير باعتبار كل طائفة كنسية هي قومية مستقلة بذاتها. وهم بذلك لم يكلفوا أنفسهم عناء قراءة التاريخ ولا الماضي القريب قراءة متأنية لاستخلاص الدروس والعبر، عوضاً عن إطلاق أحكام التمزيق والتفريق لشعب لطالما عانى من هذه الأحكام لأكثر من ألف وخمسمائة عام وما زال. ولقد حصد جراء ذلك هذا الحصاد المرّ الذي نعاينه اليوم كأقلية لم يعد يلتفت إليها أحد. وكرقم لم يعد يؤثر في موازين الصراع القائم للحصول على أكبر نصيب من أسهم الحياة الضامنة للمستقبل، التي تناهبتها الشعوب الأخرى على مدى السنوات المائة الأخيرة، ونحن مانزال نتصارع على هياكل ميتة وقشور لاقيمة لها في أبجدية الحياة، إن لم نحقنها بروح العصر ومضامين مصلحة المجموع في حياة تتطلع للأمام وليس للحظة العابرة.
لقد تورَّمت فينا الأنا لدرجة أن كل فرد منا بات يرى في ذاته الأمة بأجمعها. فترأس ما سماه حزباً أو جمعية أو نادياً ليطل من شرفته ملوحاً للملايين الهادرة التي لاوجود لها. وقد تم اختصارها هي الأخرى ببضع عشرات من المريدين والمتنفعين باسم الأمة والقضية التي لم يرف لهم جفن وهم ينحرونها كل يوم وكل لحظة قرباناً لأنانيتهم القاتلة.
أتصفح أوراقاً تركها روَّادنا القوميون الأوائل من عامي 1919-1920 من أمثال نعوم فائق وسنحاريب بالي والمطران (البطريرك فيما بعد) أفرام برصوم والبطريرك الياس شاكر والراهب (المطران فيما بعد) يوحنا دولباني  والبطريرك مار شمعون والدكتور يوسف رئيس الوفد السرياني إلى مؤتمر الصلح في باريس والمطران توما قصير النائب البطريركي في الموصل والأب الخوري حنا السرياني. وجمعيات مثل "أسيريان ناشيونال" في أميركا و"الجمعية الآشورية الماردينية" في كندا، والجمعية القومية "صدى الآثوريين في باريس" وأسماء أخرى كثيرة من إدارات وأعضاء تلك الجمعيات من مختلف طوائف شعبنا، وأنا أتصفح مراسلاتهم وأوراقهم وأخبار نشاطاتهم في تلك الفترة العصيبة من تاريخ شعبنا، يتملكني العجب من قدرتهم العظيمة تلك على التوافق والتآلف والتناغم باستعمالاتهم لأسماء شعبنا المختلفة والعديدة في الوقت ذاته وبالمعنى ذاته من قبل الجميع دون استثناء. لدرجة أنك تجد الفرد منهم يتنقل بين تلك التسميات في الرسالة الواحدة بين سطر وآخر دون أن يثير حساسية أحد من رفاقه الأخرين، وكأنه يتنقل في حديقة غناء جمعت شتى أنواع وألوان الورود والأزهار. وكذلك كان تجاوب الآخرين معه عبر ردود أفعالهم المسطرة بصورة أساسية في مجلة "بيث نهرين" التي كان يديرها آنذاك الملفان نعوم فائق. وسأدون هنا بعضاً من تلك الأمثلة:
•   فلتثقنَّ الآثورية، ولتتأكدنَّ الآرامية أننا نستفرغ جهدنا في سبيل تأمين حياتها. (المطران أفرام برصوم من رسالة له إلى نعوم فائق بتارريخ 28 تشرين الثاني 1919.)
•   تعليق المجلة (ܒܝܬ ܢܗܪܝܢ) على الرسالة السابقة :
(لابد أن القراء الكرام يطالعون بإمعان تحرير سيادة مطراننا الجليل أفرام برصوم المثبت أعلاه، ويقومون بواجباتهم نحوه ونحو الوطنية. فإن المشار إليه قد يبذل حياته ويفدي أوقاته في إعلاء شأن الأمة الآرامية وإعادة مجدها القديم.      بفم نعوم فائق)
•   كنا أشرنا في العدد الماضي عن إن إخواننا السريان الماردينيين قد ألفوا جمعية تحت عنوان (الجمعية الآشورية الماردينية).
(مجلة بيث نهرين – نعوم فائق – العدد الثاني – السنة الرابعة – ܫܒܛ 1920 )
•   فعليه نثني على همة الجالية الآشورية في كندا ونود أن يقوم جميع السريان في أميركا الشمالية والجنوبية بواجبهم الوطني ويجمعوا مساعدات كبيرة ومهمة لهذه المشاريع الحيوية، وخصوصاً لمساعدة سيادة المطران أفرام برصوم الذي لا يقضي ساعة إلا ويجتهد فيها لإعلاء شأن الأمة الآثورية، حسبما يطالعون في رسائله................ وعار على جميع الآثوريين في المهجر أن يتركوا ممثلهم الأكبر ومطرانهم المحبوب من الشرقيين والغربيين. (المصدر السابق)
•   إن الأمة الآرامية المؤلفة من الكلدان والنساطرة والآثوريين............
(مجلة بيث نهرين – نعوم فائق – أغسطس 1920 – العدد الثامن)
•   وقد نمي إلينا بهذه الأيام أن الجمعية الوطنية (أسيريان ناشيونال) أيضاً قد بعثت تلغرافاً بواسطة القنصل الأميركي في بغداد إلى مار شمعون بطريرك النساطرة وبطريرك الكلدان والسريان وقالت فيه بأن الآثوريين ألفوا جمعية وأقاموا عليها المستر يوئيل وردا رئيساً. وإن جميع الآثوريين قد انضموا إلى هذه الجمعية وطلبت حضور البطاركة المشار إليهم إلى باريس وتعهدت بنفقتهم. وقد ورد الجواب بأن مار شمعون حبذ فكرة الجمعية وراغب في اتحاد الآثوريين.
•   أما بخصوص الاسم، متى نلنا الاستقلال سيكون باسم (آثوريا) بإرداف اسم كلدو معه. (رسالة من الدكتور يوسف المندوب إلى مؤتمر السلام إلى إدارة الجمعية القومية "صدى الآثوريين في باريس").


مما سبق ولاحظنا، وهناك الكثير الكثير من هذه الأمثلة، نجد أن تلك التسميات لم يكن لها أي دور سلبي أو مانع للتلاقي على وحدة الهدف. بل وحدتهم ووحدت مصيرهم على الرغم من تعددها. ذلك لأنهم فهموها وفهموا مضامينها الموحِّدة. وعملوا بوحي تلك المضامين لصالح المجموع. أما اليوم وبعد تسعة عقود تماماً من تلك المرحلة التأسيسية للفكر القومي الجامع، نجد أنفسنا وقد عدنا إلى تناحرات القرنين الرابع والخامس الميلاديين وفترة الانقسامات الكنسية الكبرى. لا بل زدنا على تلك الانقسامات بأن جعل البعض منا من كل تسمية أو طائفة، أمة أو قومية بحد ذاتها. في حين أن الشعب حينذاك كان يدرك تماماً ويؤمن بقوة بوحدته رغم التشرذم المذهبي الذي ابتلي به. ورغم تعدد التسميات التي حظي بها وهي في الحقيقة عامل غنى وتوحيد في ظل تاريخ بهذه العراقة، لمن يدرك ما معنى هكذا تاريخ غني بالحضارة والمنجزات للإنسانية، عوضاً عن أن تكون عامل تفريق.
إن شعبنا بكل طوائفه الذي خرج في عام 1919 لتوه من مآسي المذابح ونيران ولواعج الحرب العالمية الأولى، أدرك هذه الحقيقة وعرف ما لوحدة الكلمة من دور هام للوصول إلى الهدف. وهكذا عمل روَّاده القوميون في تلك السنوات العصيبة للوصول إلى مؤتمر السلام بكلمة موحدة. وإن لم يكن قد تحقق من سعيهم ذاك نتيجة مرضية، فإن لذلك أسبابه الأخرى الخارجة عن إرادته ولا مجال لتحليلها هنا. إلاَّ أن المهم في الأمر أنهم جاهدوا وعملوا بأكثر مما يستطيعون وتتحمل طاقاتهم الضعيفة حينها. ونحن اليوم وفي ظل الظروف التي يعيشها شعبنا في العراق بصورة خاصة، نرى أننا، وبخاصة بعض قياديينا الكنسيين والحزبيين، يبرعون في إضاعة الفرصة تلو الفرصة. ويجاهدون في التصارع الهدام الذي لن يبقي لنا بعد قليل ما نتقاتل عليه سوى الخراب ومزيد من الشتات والتشرذم. فتارة يضعون الاسم عائقاً وأخرى يكون شكل الإدارة المنوي إقامتها، وأخرى صراعات لمصالح حزبية أو طائفية لاتبقي خلفها سوى المزيد والمزيد من التمزق، في الوقت الذي نشهد القضية أمام أعيننا وبين أيدينا تلفظ أنفاسها الأخيرة. ولن يبقى بعد حين أثر لما ندعي الدفاع عنه أو الصراع من أجله. إنه لمن الغريب واللامنطق أن نجد الاسم الذي وحَّد روَادنا الأوائل أن يصبح بعد تسعين عاماً من التنوير سبباً لفرقتنا.
فهلا وعينا هذه الحقيقة المرة، وتلافينا الخذلان، خذلان الجميع على حد سواء، قبل فوات الأوان. والشواهد والتجارب التي عشناها في عراق السنوات القليلة الأخيرة أكثر من كافية لمن يعتبر.


34
سورية تغير سلوكها بعكازة غربية
14 تموز 2009
سعيد لحدو
الحج إلى أبواب دمشق

من اللافت لنظر المراقبين هذه الأيام هذا التزاحم الديبلوماسي الغربي على أبواب دمشق، مع التلويح بإمكانية توقيع إتفاقية الشراكة الأورو- متوسطية بين الاتحاد الأوربي وسورية. فأول أمس استقبل الرئيس بشار الأسد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، ومن المتوقع أن يقوم وزير الخارجية الألماني شتاينماير اليوم الثلاثاء بزيارة مماثلة. وقبلهما قام نظيرهما الهولندي ماكسيم فيرهاخن بالمقصد ذاته. وقبل كل هؤلاء فتحت واشنطن باب العلاقة مع سورية بإرسال مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط السيد جورج ميتشل ليمهد لإعادة السفير الأمريكي إلى دمشق بعد أربع سنوات من القطيعة. هذا إضافة للتوقعات القاضية بقرب لقاء باراك أوباما بالأسد وسط رغبة غربية واضحة لمنح سورية دوراً ما في الشرق الأوسط وإنعاش عملية السلام المتعثرة، مقابل تغيير سلوكها غير المرغوب فيه بنظر الغرب والمتمثل بوقوفها مع إيران على خط التطرف والتعنت الداعم لتنظيمات وحركات متطرفة فلسطينية وإسلامية ويسارية وغيرها الرافضة للسياسات الغربية في الشرق الأوسط.
إيران المضطربة
تتزامن هذه الزيارات المتتابعة إلى دمشق مع الاضطرابات الحاصلة في الداخل الإيراني إثر نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تشكك فيها المعارضة الإصلاحيةالمدعومة بمساندة صريحة من رئيسي جمهورية  سابقين هما رفسنجاني وخاتمي إضافة إلى اثنين من أقوى المرشحين للرئاسة الإيرانية وهما موسوي وكروبي. وخلفهم يقف عدد من رجال الدين البارزين وفي مقدمتهم منتظري الذي أصدر فتوى بتحريم التعامل مع حكومة أحمدي نجاد باعتبارها غير شرعية. وهي ربما الفرصة التي كانت تنتظرها السياسة السورية لفك ارتباط تقادم ولم يعد مفيداً في نظر الكثيرين، وبخاصة بعد المصالحة العربية العربية التي صاحبت القمة العربية في الكويت في كانون الثاني الماضي.
عكازة غربية لسورية
في هذا الظرف تأتي العكازة الغربية لسورية تماماً في وقتها ليستند عليها الرئيس الأسد في عبوره المفترض إلى الطرف الآخر من العالم بعد عزلة سياسية وعقوبات اقتصادية ولائحة غير نظيفة في سجل حقوق الإنسان وقمع المعارضة الوطنية، إضافة إلى الشأن اللبناني وقضية اغتيال الحريري ومضاعفاتها. حيث الهدوء بات مسيطراً على كل الجبهات الساخنة التي كان للسياسة السورية أصابع محركة فيها، من لبنان إلى العراق إلى فلسطين، وإن كان هذا الهدوء مشوباً بالحذر المرهون بالتطورات اللاحقة ومدى مايمكن أن يعلق من جزر على العصى الغربية الممدودة للنظام في سورية في محطات محادثات السلام الجارية على السكة التركية بموافقة ودعم غربي غير معلن لضمان النتائج.


التغيير وذريعة الشأن الداخلي
لعله من المفارقات المثيرة للدهشة هذه الحساسية المفرطة للنظام في سورية تجاه أي كلام من الخارج عن الوضع الداخلي وضرورة منح مساحة كافية لحرية الرأي والمعارضة. في الوقت ذاته يسعى النظام السوري بكل مناسبة لاستلطاف الغرب ومحاولة إرضائه للحصول على مكتسبات محددة وبخاصة في المجال الاقتصادي. وتزداد الدهشة إذا علمنا أن الكثير مما كانت تطالب به المعارضة وزج ببعض رموزها في السجن بسبب تلك المطالبات، يجري اليوم تجسيده من قبل الحكومة السورية على أرض الواقع. ومع ذلك يتهم الرئيس السوري بشار الأسد في آخر مقابلة له على قناة الجزيرة، المعارضة السورية بأنها مرتهنة للخارج وأنه لا يوجد في السجون السورية معتقل واحد بسبب معارضته الحكومة بل هم ممن خالفوا نصوصاً صريحة في القانون!!! هذا القانون الذي فصله حزب البعث على مقاسه ونصب بموجبه نفسه قائداً للدولة والمجتمع. ومن هذا المنطلق ووفق تصريح الرئيس الأسد فإن كل من ليس منتمياً لحزب البعث ومحابياً لسياساته، أياً كانت تلك السياسات، فهو غير وطني ويجب أن يعتقل بتهمة مخالفة القانون. هذا هو المنطق الذي تعتمده السلطة كلما أحرجت في موضوع معتقلي الرأي من المعارضين الوطنيين الذين لم يكونوا يوماً موضع شك في نزاهتهم ووطنيتهم. في حين أن من يحاكمونهم ليسوا بأي حال فوق الشبهات.
 فهل ما نراه يجري هذه الأيام على الساحة السورية هو تنازل غربي عن قيم ومبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مقابل سياسة سورية معينة تجاه الغرب؟ أم أن ما تخفيه هذه السياسة هو أهم مما تبديه تفادياً للإحراج الذي تحرص القيادة السورية دائماً على ألا يكون بادياً للعيان، كي لا يقال بأنها تنازلت عن المبادئ الوطنية والقومية الثابتة التي ما فتئت ترددها منذ انقلاب حزب البعث عام 1963 وما زالت؟ وفي كل مرة نراها في واقع الحال تبتعد أكثر عما كانت تطرحه.
سؤال سيتكفل المستقبل القريب بالإجابة عليه.


35
ماتت الخنازير... عاشت الإنفلونزا

12 حزيران 2009
سعيد لحدو
مصر... ولمن لايعرف بعد، فهي أم الدنيا، كما يحلو لأبنائها أن يسموها، تحصي هذه الأيام إصاباتها المتزايدة من أنفلونزا (إتش1 إن1) التي حَمَلَتْ أو حُمِّـلَتْ كل آثامها للخنازير لأنها خنازير. ولهذا السبب سميت باسمها دون أن يكون لها علمياً أي ذنب فيما حصل سوى أنها ضحية لهذا الوباء هي الأخرى كما هي حال الإنسان. والفيروس الجديد خليط من فيروسات "إتش1إن1" و الفيروس"إتش5 إن1" الذي عرف سابقاً بأنفلونزا الطيور. وهو يحمل "دي ان ‏أي" بشري أي مورثة بشرية قادرة على إصابة الإنسان بالمرض والانتقال من شخص الى آخر بعد تحورها. فالإنسان هو الذي ينقل هذا الفيروس بطبيعة حركته واحتكاكه مع الآخرين.
ولكن، وحرصاً من مجلس الشعب المصري (لأنه مجلسٌ كما يبدو) على صحة المواطنين وسلامتهم، في جلسة قبل بضعة أسابيع، تطايرت فيها رؤوس الخنازير وسلمت الإنفلونزا، قرر المجلس إياه بإعدام جميع الخنازير المتواجدة على الأرض المصرية، ريثما تدرس وزارة الصحة والمختبرات العلمية المعنية أسباب الوباء وسبل مكافحته. وهذه لا بد وأن تستغرق مدة يكون خلالها قد راح  عددٌ من المواطنين الأبرياء ضحيةً لهذا الوباء الخطير. وعلى مبدأ (الوقاية خير من ألف علاج) كان ذلك القرار الحكيم. فوزارة الصحة قد تخطئ وتتقاعس عن اتخاذ الإجراءات الحاسمة في الوقت المناسب، كما أخطأت عندما لم تعدم كل طيور مصر حين الوباء السيء الصيت (إنفلونزا الطيور) عندما ترك لها مجلس الشعب هذه المهمة. وكذلك قد يكون حال المختبرات الوطنية المصرية التي لم تقم بواجبها بتقديم الاستشارة العلمية في وقتها. كما إن الثقة معدومة بالمختبرات الغربية التي تعتبر الخنزير حيوانها المدلل، ناهيك عن أنها تسعد لكل مصيبة تحل على بلداننا، إن لم نقل أنها هي التي تسبب لنا كل هذه المصائب. لذا حمل مجلس الشعب على عاتقه هذه المهمة الوطنية النبيلة، ومن هو أكثر أهلية منه للتصدي لهكذا مهمات، وقرر بمزايدة إيمانية علنية قطع دابر الشك باليقين.
 وعلاوة على ذلك، ولأن المؤمنين في مصر في تزايد مضطرد والحمد لله، كما هي الحال في إصابات الإنفلونزا، فقد تقدم في اليوم التالي أكثر من 100 محامٍ في الجبهة المصرية للدفاع عن الكرامة العربية ومركز العدالة بمذكرة إلى وزير الداخلية؛ يطالبون فيها بسرعة اعتقال أصحاب حظائر الخنازير وتطبيق قانون الطوارئ؛ نظرًا لما أصبحوا يشكِّلونه من خطر على المصريين!!!  وبالنظر إلى أن تربية الخنازير تقتصر على المسيحيين في مصر، فقد تم إعدام مئات آلاف الخنازير التي كانت تعتاش منها عشرات آلاف الأسر المسيحية. لكن الإنفلونزا بقيت، لابل ازداد عدد الإصابات بها التي تكتشف كل يوم. وما زال الحريصون على الكرامة العربية بانتظار تصفية الحساب الأخير مع مربي الخنازير الذين بفعلتهم الشنيعة هذه أهدروا كرامة العرب وتسببوا بالهزائم التي منيوا بها على كل صعيد.
ماتت الخنازير.. عاشت الإنفلونزا.. هل هو الشعار المناسب لواقع الحال لدى مجلس الشعب المصري والمدافعين عما تبقى من الكرامة العربية؟
 في الحقيقة فإن القضية هي أعمق من مسألة الوباء وتبعاته. فمجلس الشعب هذا لم يتمكن ولو مرشح مسيحي واحد من النجاح لاحتلال مقعد فيه رغم ملايينهم العشرة. ومن جاء لعضويته فهو بتعيين من رئيس الجمهورية. العرف الذي سارت عليه مصر من أيام عبد الناصر وما زال. وهذا يعكس العقلية التي تتحكم ليس في الشارع المصري فحسب، وإنما حتى في المستويات العليا في الإدارات والمؤسسات الوطنية. ثم يأتي من يعاتب ويتهم ويخوّن كل من رفع صوته وطالب ببعض المساواة في المعاملة أو تحييد العقيدة الدينية في مجالات التعامل مع المواطن.
ماذا لو جاءت إنفلونزا الخنازير قبل إنفلونزا الطيور، أو عادت إنفلونزا الطيور مرة أخرى لاسمح الله؟ هل كان سيتداعى الحريصون على شعب مصر من ممثليه في مجلس الشعب بهذه السرعة القياسية لنصب مقاصلهم المعدة سلفاً بانتظار الانقضاض على فرائسهم التي لابد وأن تكون دسمة ومزيلة للغم والكرب...؟؟ وقد تكون هذه الوسيلة لنيل الثواب ودخول الجنة الأرضية أو السماوية فكلاهما مكسب. كما هي حال جنود الله المجهولين من المحامين الباحثين عن الشهرة عبر الفرقعات الإعلامية المدغدغة لمشاعر العامة التي ليست بحاجة إلى مزيد من التهييج والإثارة.
مما هو معلوم فإن الخنازير لا تطير.. إلا في أجواء مجلس الشعب المصري وعقول أولئك المتربصين للفرص ممن جرى العرف على تسميتهم بالمحامين تجاوزاً. أولئك المحكومون بذهنية الوصاية على أمور الدين والدنيا. لهذا فإنهم يتعاملون مع كل ما لا يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية على مبدأ: (خنزير ولو طار). ومن هذا المنطلق يصدرون قرارتهم وأحكامهم المفترض بها أن تكون تشريعية وقانونية تهتم بعرض الوجه الحضاري لمصر أم الدنيا أمام العالم الذي يشهد ويرى...ويحكم.  

36
قانون سوري جديد للأحوال الشخصية يثير استنكارات
تاريخ النشر : الإثنين, 06/08/2009 - 17:26 | تقرير: إذاعة هولندا العالمية
سعيد لحدو
بعد سنتين من الدراسات والإعداد بصمت، وبعيداً عن أعين الإعلام، أكملت اللجنة الحكومية التي كان قد كلفها رئيس الوزراء السوري دراساتها وأعلنت مؤخراً مسودة القانون الجديد للأحوال الشخصية الذي كلفت بإعداده. وقد أثار هذا القانون الجديد فور الإعلان عنه موجة عارمة من السخط والاستنكار، وبخاصة في الأوساط المسيحية وبعض نشطاء حقوق الإنسان والمرأة.
واعتُبرَ مشروع القانون الجديد انتكاسة عما كان معمولاً به من قوانين في سورية منذ الخمسينات. تلك القوانين التي أتاحت مجالاً معقولاً من الحرية للطوائف المسيحية في تقرير أحكام الأحوال الشخصية لرعاياها بما لا يتناقض مع معتقدات الكنيسة في مسائل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال وما شابه. والأكثر مفاجأة وغرابة أنه أتاح للمسيحي الزواج بإمرأة ثانية (المادة 639). في الوقت الذي نزع يد الكنيسة قانونياً في إقرار أية واقعة من هذا النوع، وأعطى هذا الحق لموظف يعينه وزير العدل.
تناقض مع أحكام الدستور
من جهة أخرى فإن الدستور السوري ينص في المادة 25 في الفقرة 3 منه على أن جميع المواطنين السوريين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات. وفي المادة 35 منه يؤكد على أن حرية الاعتقاد مصونة للجميع وتكفلها الدولة بما ينسجم مع العهود والمواثيق الدولية. لكن القانون الجديد تضمن بعض النصوص التي تتناقض مع نصوص الدستور السوري تلك.
وفوق ذلك تعتبر تراجعاً عما تضمنه القانون المعمول به حالياً والذي يعود إلى العام 1953. هذا التناقض يتجلى بصورة أساسية في مجالات التمييز بين المواطنين من حيث الدين والجنس. إذ أشير إلى المسيحي في بعض نصوصه بكلمة (ذمي) كما في المادة 38 منه في حين أن استعمال هذه الكلمة يعود إلى العصور الوسطى ولم يرد لها أي ذكر في أي نص قانوني سوري سابق. إضافة إلى أنها امتهان وتمييز للمواطنة على أساس ديني، وانتقاص في الحقوق كما في مسألة الشهادة. مما يتناقض تناقضاً صارخاً مع نصوص دستورية واضحة.
والمرأة لها أيضاً نصيب
ولقد كان للمرأة نصيبها المؤلم في بعض مواد مسودة هذا القانون الجديد التي انتقصت من حقوقها كمواطنة أولاً وكإمرأة ثانياً. فقد ميز القانون الجديد بين حقوق المرأة المسلمة وغير المسلمة في مسألة إثبات الزواج والطلاق والعدة التي فرضها على المرأة المسيحية بمدة سنة في حين بقيت للمرأة المسلمة أربعة أشهر قمرية وعشرة أيام. وكأن فترة الحمل للمرأة المسيحية أطول بثلاثة أضعاف المدة مما هي لدى أختها المسلمة !!! من جهة أخرى أتاح هذا القانون في المادة 44 منه تزويج الفتاة القاصر في عمر الثالثة عشرة والفتى في الخامسة عشرة من قبل القاضي. وهذا يتنافى في الوقت ذاته مع مضمون المادة 82 اللاحقة التي تمنع توثيق عقد الزواج أو المصادقة عليه ما لم تتم الفتاة الخامسة عشرة، ويتم الفتى السابعة عشرة من العمر في وقت التوثيق!!!
إضافة إلى كل هذا، فقد نص القانون على حالات تمييز مخجلة أخرى على أساس ديني حين عالج قضية التحول إلى الإسلام من الأديان الأخرى في المادة 325 بترجيح حقوق المسلم في مسألة حضانة الأولاد واختيارهم لدينهم وتثبيت الزواج قانوناً، وغيرها من الأمور. في الوقت ذاته لم تشر أية مادة إلى الحالة الأخرى المعاكسة. مما يعني ضمناً رفض تحول أي مسلم أو مسلمة إلى أي دين آخر والذي يعتبر في هذه الحالة ارتداداً عن الإسلام. وهذا أمر لا يعترف به القانون السوري رسمياً.
ارتداد أم عصرنة؟
من الملفت للنظر أن مشروع القانون هذا يأتي في وقت تسعى فيه معظم دول العالم إلى تحديث قوانينها بما ينسجم مع روح العصر وقيم الحضارة الإنسانية التي تعتمد مبادئ الحرية والمساواة والعدالة ورفض التمييز بكل أشكاله ومبرراته، وبناء دول متحضرة تقوم على المواطنة واحترام حقوق الإنسان في المقام الأول. ولقد كان لسورية في أواسط الخمسينات من القرن الماضي نهجاً متميزاً ومدعاة للفخر في هذا المجال. وكان الأمل دائماً أن يتم تطوير وتحديث ذلك النهج وتلك القوانين وفق ماتتطلبه شروط بناء الدولة الحديثة المتمدنة، ووفق ما شرعته المواثيق الدولية في مجالات حقوق الإنسان والمواطن والمرأة والطفل. في هذا الوقت تأتي مسودة قانون الأحوال الشخصية الجديد في سورية وكأنها كتبت في ظل عقلية القرون الوسطى، أو بتأثير موجة قوى التطرف الإسلامي التي عادت بالمجتمعات الإسلامية عقوداً إلى الوراء.
إن منح الطوائف والأديان الأخرى الحرية في تقرير مايتعلق ببعض الأمور الشخصية لأتباعها هو أمر جيد. وقد يكون مفهوماً في ظروف مجتمعات مازالت على طريق التمدن والتطور. ولكن الأجود والأصلح لهذه المجتمعات هو اعتماد قانون علماني عصري واحد يطبق على جميع المواطنين وعلى قدم المساواة، دون أي تمييز أو تفضيل. أما الأمور العقائدية الأخرى فيمكن أن تترك لتعالج في إطار الحرية العامة والحرية الشخصية التي يجب أن يكفلهما ذلك القانون، ومرة أخرى دون أي تمييز أو تفضيل.
 


37
الشرق الأوسط وهاجس الأقليات المزمن
20 أيار 2009
سعيد لحدو

في كثير من دول الشرق الأوسط يُنظر إلى مسألة الأقليات بكل أشكالها وتنوعاتها كقنبلة موقوتة ستنفجر بمجرد أن يلامسها أحد. ومن هذه النظرة يجري التصرف حيالها من قبل الأنظمة الحاكمة بكثير من التكتم والمحاصرة والتضييق. وتوضع الخطط والبرامج الحكومية العلنية وغير العلنية للعمل على صهرها ما أمكن في محيط الأكثرية التي تمتلك في معظم الأحيان السلطة والقوة والقدرة على تنفيذ خططها تلك دون أن تخشى أي رد فعل مؤثر من قبل تلك الأقلية، أو أية محاسبة جدية من قبل المجتمع الدولي. ومن هذه الأقليات على سبيل المثال لا الحصر البربر في شمال إفريقيا، والأقباط في مصر والسريان الآشوريين في العراق وسوريا وتركيا والأكراد في تركيا وإيران وسوريا (بعد أن وجدت قضيتهم في العراق حلاً). وكذلك مشاكل السودان مع أقلياته التي تعد بالعشرات، ومن أبرزها قضية الجنوب وقضية دارفور التي مازالت الهاجس الأكبر للنظام. والأقليات القليلة التي تمكنت من الحصول على بعض الاعتراف في بعض المناظق التي تتواجد فيها هي فقط تلك التي تمكنت من التعبير الفعّال عن رفضها لسياسات التنكر لوجودها ومحاولات تذويبها في قالب الأكثرية. في حين أن مجموعات أخرى كبيرة وصغيرة إثنية ودينية وثقافية كثيرة مازالت تعاني من سياسات التمييز والقهر والإنكار في مجتمعاتها، لا بل وحتى من المذابح المنظمة التي تخطط لها وترعاها الأنظمة الشوفينية لاجتثاث شعوب بأكملها وإلغاء وجودها كما يحصل اليوم في دارفور، وما فعله النازيون أثناء الحرب العالمية الثانية باليهود والبولونيين والروس. وكما حصل عام 1915 في تركيا بحق الأرمن والسريان الآشوريين من مذابح جماعية وجرائم بحق الإنسانية، وما يتعرض له الفلسطينيون من تمييز وإنكارمفرط لحقوقهم الأساسية.  وهذه في معظمها  أقليات أصلية في المنظقة التي تتواجد فيها. ولبعضها تاريخ عريق وحافل بالإنجازات الحضارية  التي يجري طمسها أو تحويرها لصالح الأكثرية المسيطرة، كما لا يخفى على القارئ المطلع.
من هذا المنطلق تأتي أهمية الدعوة للجلسة الخاصة بالأقليات التي نظمها الحزب الاشتراكي الهولندي في مبنى البرلمان الهولندي بتاريخ 12 أيار 2009. بمبادرة من عضو الحزب في البرلمان السيد هاري فان بومل،.حيث حضرها حوالي 45 شخصية من ممثلي الأقليات في الشرق الأوسط والتي لها تواجد في المجتمع الهولندي من فلسطينيين وأكراد وسريان آشوريين وأرمن وإيرانيين وأفغانيين وأتراك .. وغيرهم. ومن المتوقع أن تتلوها جلسة أخرى وربما جلسات على مستوى البرلمان الأوربي.
ورغم أن هذه المبادرة جاءت لدوافع انتخابية، حيث انتخابات البرلمان الأوربي على الأبواب، لكن ذلك لا يقلل من أهميتها وبلاغة الدرس الذي يمكن أن يستقى منها.
أفتتح الاجتماع السيد هاري فان بومل عضو البرلمان الهولندي والناطق الرسمي باسم الحزب الاشتراكي في اوروبا بكلمة رحب فيها بالجميع، وشكرهم على حضورهم هذا اللقاء المميز والاهتمام الذي ابدوه. كما واعطى لمحة موجزة عن دور ونشاطات الحزب الاشتراكي على المستويين الهولندي والاوروبي. مؤكداً استعداد الحزب للتعامل مع جميع الاقليات داخل المجتمع الهولندي، وايصال صوتهم الى مراكز القرار.كما وركز على حاجة المجتمع الهولندي للخبرات والكوادر الموجودة بين هذه الاقليات. وأكد على أخذ كل الآراء والاقتراحات التي ستطرح للبحث في هذا اللقاء بعين الاعتبار وبشكل جدي، واضاف قائلاً: سنحاول مساعدة الاقليات قدر المستطاع وضمن المجالات المتاحة لنا كحزب.
وبدورهم شرح ممثلو الأقليات معاناة شعوبهم والتمييز والاضطهاد الذي تتعرض له هذه الشعوب في مواطنها الأصلية. كما قدموا لمحة موجزة عن التطلعات التي يطمحون إليها في مستقبل واعد بالأمن والاستقرار والعدالة والمساواة لكل شعوب وأبناء الشرق الأوسط من أقليات وغيرها على أسس العدالة والمساواة ومبادئ الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان  والشعوب دون أي تمييز أو اضطهاد أو إكراه، وفق ما أقرته مواثيق وبروتوكولات الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في هذه المجالات.
والسؤال الأهم الآن: هل من درس يمكن أن تستقيه حكومات وشعوب الشرق الأوسط من هكذا اجتماع وهكذا مقاربة لشؤون الأقليات في السياسة الهولندية؟
وهل يمكن للأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط أن تقلع عن النظر إلى هذه الأقليات كقنبلة موقوتة، وذلك بنزع فتيل تلك القنبلة عبر الاعتراف والاحترام المتبادل، والحوار البناء لاستكشاف الجوانب الإيجابية لدى كل طرف ووضعها في خدمة مجتمعاتها التي هي بأمس الحاجة لكل مساهمة بناءة ومن أي طرف جاءت؟
آمل أن يجد هذا السؤال جواباً في المدى المنظور لتجنيب هذه المجتمعات هزات ومآسٍ إخرى هي بغنى عنها. ولكي تلتفت هذه المجتمعات إلى نفسها أخيراً لإصلاح ما أفسدته السياسات العنصرية غير المجدية بحق نفسها أولاً ومن ثم بحق الأقليات المتواجدة بين ظهرانيها دون أن تعترف بها أو تحتضنها.

38
ميشيل كيلو: الفارس الذي حزم أمره
20 أيار 2009
سعيد لحدو
أهلاً بك وأنت تطل على الوطن خارجاً من جراح سورية الحبيبة بأوسمة السجون والمعتقلات  التي لم تزدك إلا ألقاً وصلابة وإخلاصاً وشرفاً..... ووطنية. أهلاً بك في قلب كل مواطن سوري وأنت تلوِّح بيديك العاريتين إلا من كلمة حق تحت سماء الوطن. تلك الكلمة التي قيل بأنها أضعفت الشعور القومي الذي ما هو إلا ستارة مهترئة يتلطى خلفها النظام وأجهزته المطواعة لإخفاء عورات 46 عاماً من الحكم الاستبدادي المطلق. وقيل بأنها أوهنت نفسية الأمة. فأية أمة هذه التي توهنها الكلمات، إن لم تكن أمة كرتونية خاوية من كل مضمون، كما أرادوا لها أن تكون؟ تلك قطعاً ليست سورية التي عشقتها بكل جوارحك، وعشقناها من بعدك. تلك ما هي إلا شخوصهم التي عظموها ونفخوا فيها من آيات التبجيل والتفخيم لتحل محل الأمة التي عرفنا أن كلماتك ومواقفك هي خير مجسد لها في زمن ضاعت فيه الموازين، وتشوهت فيه المفاهيم، وتدنت فيه القيم، وخارت فيه العزائم وتخفت متوارية خلف أستار المنافع والانتهازية والخواء. نِعمَ الرجال وفخر الوطن كنتَ، وما زلتَ. تقدمتَ حين تراجعنا، وتكلمتَ حين سكتنا، وتجرأتَ حين تخادلنا، وحزمتَ حين ترددنا، وواجهتَ حين توارينا، واستمريتَ حين توقفنا، وتشجعتَ حين تملكنا الفزع، وكنت الفارس حين ترجلنا. وكان الوطن وحريته وسيادته وكرامة أخيك المواطن هاديك ومرشدك. فلم تيأس ولم تهن عزيمتك التي توهن عزائم آلاف الأمم من تلك الشاكلة التي لا تشرِّف من ينتمي إليها، دون أن تتزحزح عن حب الوطن قيد شعرة. اتهموك بالخيانة وكنت الأخلص. وصفوك بالعمالة وكنت الأشرف. عيروك بوطنيتك وكنت الأنبل. حملوك خطاياهم وسجلوها باسمك، وكنت الأقدر على المسامحة والغفران لأجل عيون حبيبتك سورية وأبنائها ومستقبلهم الذي يستحقونه كأية أمة متحضرة. فسجنوك لعلهم بذلك يسجنون روحك الطوافة في سماء الحرية وعشق الوطن. لكن الشمس لا يمكن أن تذبح بالأيدي المرتعشة خوفاً من حساب الشعب. ولا يمكن أن تمزق السماء تلك الصرخات العفنة لجوقات التهليل والتطبيل والتزمير انتفاعاً وانتهازية. في شخصك ومواقفك ووطنيتك ونبل أخلاقك وجد العربي والكردي والسرياني الآشوري مَثَلَه الحي، كما وجده فيك القومي واليساري والليبرالي والمحافظ والمتدين. كنت الجامع لنا، وفيك كنا نتطلع إلى  وطن المستقبل لأنك كنت تتحدث بلساننا جميعاً، لسان الوطن الواحد والشعب الواحد المتعدد الألوان والمزايا واللغات. تلك التي لم تزِده إلا رونقاً وجمالاً وثراءً.
ميشيل كيلو... نحبك لتلك المزايا والخصال التي وجدناها فيك. ولكننا نحبك أكثر لأنك أخُ لآخرين لايقلون عنك وطنية وإخلاصاً ورجولة وتفانياً وحباً لكل حبة تراب في سورية وأهلها والذين لا يزالون يدفعون ثمن مواقفهم المشرفة تلك. نحبك لأجل فداء الحوراني، وأحمد طعمة، وجبر الشــوفي، وأكرم البني، وعلي العبد الله، ووليد البني، وياسر العيتي، ومحمد حجي درويش، وفايز سارة، ومروان العش ومشعل التمو. وكل الذين سبقوهم من رياض الترك إلى كمال لبواني إلى عارف دليلة إلى رياض سيف. وإلى كل من سيتلوهم على هذا الطريق. لتبقى سوريا وطناً لكل أبنائها معززين مكرمين بإلفة ومحبة وأخوة حقيقية في دولة ديدنها المساواة وخبزها الحرية وحاكمها القانون الذي لابد وأن يبقى فوق الجميع وأن يظلل الجميع بحمايته وعدالته.


39
لقاء سياسي وجماهيري هام
في هولندا
في جولته الحالية على فروع المنظمة الآثورية الديمقراطية في أوربا وبرفقته الرفيق عيسى مسعود مسؤول فرع سوريا، يجري مسؤول المكتب السياسي في المنظمة الأستاذ كبرئيل موشي ، عدداً من اللقاءات الجماهيرية إلى جانب لقاءاته مع أعضاء المنظمة ، حيث يلتقي أيضاً الفعاليات الدينية والثقافية في أوربا، كما يلقي بعض المحاضرات لإطلاع الجالية الكلدانية السريانية الآشورية على آخر التطورات والمستجدات على الساحة السياسية في الوطن وموقف المنظمة منها. وفي هذا السياق كانت له محاضرة في نادي بيث نهرين في مدينة إنشخِدِه في هولندا بتاريخ 3 أيار 2009 حيث حضرها جمهور كبير من أبناء وبنات شعبنا تم فيها تقديم شرح مفصل عن أوضاع شعبنا الراهنة في الوطن والتحديات التي تواجهه، إضافة إلى توضيحه لسياسة المنظمة وسعيها للتغيير الديمقراطي السلمي التدرجي في سورية ضمن إطار "إعلان دمشق" وما يترتب على المنظمة من مستلزمات يتطلبها هذا الموقف الوطني الجاد والملتزم تجاه الشعب السوري عامة بكل فئاته وقومياته وتجاه الشعب الكلداني السرياني الآشوري بصورة خاصة. حيث تناضل المنظمة منذ تأسيسها قبل أكثر من نصف قرن لتحقيق الاعتراف الدستوري بهذا الشعب كقومية مستقلة وشعب أصيل في إطار الوحدة الوطنية. وعلى أسس العدالة والمساواة والتآخي والتعايش بين كل أبناء سورية مهما كانت خلفياتهم القومية أو الدينية أو الثقافية، وإطلاق حرية التعبير لكل أبناء الوطن في إطار ديمقراطي يكفله الدستور للجميع على قدم المساواة.
حول العراق
من جهة أخرى قدم الأستاذ كبرئيل موشي توصيفاً للحالة العامة في العراق ووضع شعبنا هناك، وبين رؤية المنظمة في طريقة حل الخلافات في وجهات النظر بين مختلف التيارات السياسية هناك. وقدم مثالاً على ذلك التعاون الحالي الحاصل بين المنظمة والحزب الآشوري الديمقراطي والنشاطات المشتركة التي يقيمانها معاً. وأكد على ضرورة اتفاق الجميع على مبدأ الحكم الذاتي للشعب الكلداني السرياني الآشوري في العراق وتضمين ذلك في الدستور العراقي بمواد قانونية صريحة. أما التفصيلات الأخرى فيرى أنه من السابق لأوانه التناحر حولها  طالما أن المطلب الأساسي لم يتحقق بعد. ويمكن لأي خلاف حول التفاصيل أن يُحل باستفتاء شعبي حر ونزيه. من هذا المنطلق سعت المنظمة ودعمت بكل جهدها كل المحاولات التي جرت منذ مؤتمر بغداد في عام 2003 وحتى مؤتمر بروكسل الأخير الذي كان الهدف الأول من عقده هو توحيد الخطاب السياسي لكل الفرقاء الفاعلين على الساحة، حيث أن هذا هو السبيل الوحيد لضمان تحقيق تطلعات شعبنا وحقوقه القومية المشروعة في وطنه التاريخي. وأوضح أن أي تقدم يتم تحقيقه في العراق في هذا المجال لابد وأن تكون له تأثيرات إيجابية على أوضاع شعبنا  في المناطق الأخرى.
نشاطات فرع سورية
بدوره قدم الرفيق عيسى مسعود مسؤول فرع سوريا شرحاً موجزاً لبعض النشاطات التي يقوم بها الفرع في مختلف المجالات، موضحاً الدور النشط الذي تقوم به اللجان المتخصصة في الفرع مثل لجنة الشبيبة ولجنة المرأة واللجنة الثقافية وغيرها. 
 
مشاركة فعالة للحضور
شارك عدد من الحضور بفعالية في هذا اللقاء من خلال توجيه الأسئلة والاستفسارات التي أغنت اللقاء وألقت الضوء على بعض الجوانب الملتبسة. كما ساهمت في توضيح الرؤى والمواقف. وفي الختام شكر الأستاذ  كبرئيل موشي الحاضرين على مشقة الحضور والاستماع والمشاركة الفعالة. كما شكر إدارة نادي بيث نهرين على توفيرهم هذه الفرصة الجميلة للقاء.
 


40
الأكيتو بين خيال الأسطورة وتجليات الواقع
سعيد لحدو
01-04-2009
(نشرت في موقع إذاعة هولندا العالمية- القسم العربي)
لم تأتِ احتفالات رأس السنة في حضارة بلاد مابين النهرين والتي وصلت أوج عظمتها خلال حكم الدولة البابلية الثانية في القرن السادس قبل الميلاد، إلا تعبيراً عن ذهنية متطورة في الفكر الفلسفي الديني القديم ومساعيه الدائمة لإيجاد تفسيرات معقولة للظواهر الطبيعية المختلفة والتي شغلت بال الإنسان منذ وجوده وما زالت.
 
ورغم كل هذا التطور الهائل الذي حققه الإنسان على كل صعيد، فإن ظواهر طبيعية كثيرة مازالت عصية على الفهم والتفسير المنطقي. وقد كان هذا هو الدافع لإنسان بلاد مابين النهرين في البحث والاستدلال في غير ميادين العقل والمنطق المتعارف عليهما لفهم الطبيعة الأم وتجلياتها المختلفة والعنيفة في كثير من الحالات، فلجأ إلى الأسطورة مستخدماً مخيلته على أوسع نطاق كحركة التفاف ذكية منه للتوصل إلى نتائج ترضي طموح مجتمعه التواق إلى المعرفة.
 
ولكي يُكسب تلك (الحكاية - الأسطورة) ماتستحقه من قيمة بالنظر إلى الأهمية التي علق الإنسان آماله وتطلعاته المستقبلية عليها، أُسبِغَ على تلك الأسطورة الطابع الديني وأُلبِسَتْ رداء الألوهية فتشكلت حولها هالة القدسية المرتبطة بالآلهة. وهذا الأمر هو ما حفظها لنا على مدى آلاف السنين، رغم كل الظروف والمتغيرات.
 
بالنظر إلى أن إنسان مابين النهرين ابتداءً بالسومري مروراً بالأكادي والبابلي والآشوري والآرامي وصولاً إلى أحفادهم وورثة حضارتهم اليوم من أبناء الشعب الكلداني السرياني الآشوري، اعتمد على الأسطورة بصورة أساسية لتشكيل وعيه الكوني المتقدم.
 
ورغم أن هذا الإنسان لم يكن الوحيد في التاريخ القديم ممن استخدم الأسطورة للتعبير عن حالة دينية معينة وارتباطاتها بالظواهر الطبيعية، إلا أن هذه الحالة تميزت في مابين النهرين عن كل ما عرفته البشرية من ظواهر أخرى مشابهة بأسبقيتها المطلقة وشموليتها لكل جوانب الحياة. والأهم من كل ذلك، استمراريتها الفاعلة في حياة الناس وبصورة متواصلة في كل المراحل التي مر بها تاريخ الدولة الرافدية متذ بدء الخليقة مروراً بالعصر الآشوري الطويل، وهي لم تتوقف مع سقوط الامبراطورية البابلية الحديثة عام 539 قبل الميلاد.
 
بل واصلت التعبير عن وجودها بأشكال وتجليات متنوعة حتى في العهد المسيحي. ولعل من أبرز تلك التعبيرات كانت الفلسفة التي عرفت بالغنوصية والتي طرحها الشاعر والموسيقار والفيلسوف برديصان الذي عاش في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد، وهو ينحدر من أصول ملكية ترتبط بمملكة حدياب (أربيل الحالية) لكنه ولد وتربى وتعلم في الرها ومنبج قرب حلب. هذه الفلسفة التي ارتكزت على النجوم وتأثيراتها على حياة الإنسان ومصيره التي لا حيلة له بتجنبها. ولقد كانت هذه الآراء السبب الرئيسي في طرده فيما بعد من الكنيسة رغم أنه قدم للمسيحية في عهده مساهمات فكرية هامة.
 
ولقد استمرت فلسفته تلك حاضرة في حياة الناس عبر أنصارها الذين عرفوا بالديصانيين، واستمر حضورهم النشط حتى القرن العاشر في بعض مناطق مابين النهرين إبان الحكم العباسي. ومازال حتى اليوم كثير من الناس في جميع أنحاء العالم يؤمنون بالأبراج وبالتأثيرات التي للنجوم على حياتهم ومصيرهم. نجد ذلك تقريباً في معظم الصحف والمجلات والوسائل الإعلامية الأخرى كالراديو والتلفزيون حول العالم عبر زوايا أو برامج خاصة مكرسة لهذا النوع من محاولات التنبؤ بالمستقبل والمصير.
 
ولم يكن برج بابل الشهير إلا تكريساً لهذا النوع من علم الفلك الذي ارتبط بالأسطورة ارتباطاً وثيقاً لدرجة استحالة الفصل بينهما في ذلك الحين. ولم تكن إنانا وحبيبها دموزي عند السومريين، أو عشتار وحبيبها تموزعند البابليين والآشوريين، وأشكالها الأخرى التي تجلت بأفروديت عند الإغريق وفينوس عند الرومان وعشتروت عند الفينيقيين والزهرة عند العرب، لم تكن هذه مجرد إلهة وحسب وإنما كانت رمزاً حاضراً لكل مظاهر الطبيعة الخضراء والحياة المتجددة بالخصب والنماء وتفتح براعم النبات وتلاقح الحيوانات وإدرار الحليب، كتعبير آخر عن الفرحة العارمة والشاملة بعودة تموز إلى الحياة بعد مرحلة موات وسبات وقحط وقساوة شتاء قارس ببرده وصقيعه والانتقال إلى ربيع دافئ تزينه أضرعة الخصب والتوالد والزهور المتفتحة بهجة وحبوراً.
 
وليس من العبث أن تكون قيامة السيد المسيح وكذلك أعياد الفصح لدى اليهود في بداية هذا الفصل. وكلمة الفصح كما هو معلوم تعني في اللغة السريانية الفرح والسعادة.
 
لعل ما يربطنا أكثر بالأسطورة التي تجذرت في الواقع الحياتي لشعب مابين النهرين هو بعض السلوكيات التي توارثها هذا الشعب مع مرور الأجيال وما زال يحافظ على التمسك ببعضها حتى يومنا الحاضر. ففي بعض مناطقه الريفية مازال العرف سائداً أن تخرج الفتيات في الأول من نيسان من كل عام ليغسلن وجوههن بندى الربيع المتجمع على أوراق الورود والأعشاب تيمناً على أمل مجيء العريس الذي تحلم به الفتاة.
 
وكذلك تخرج النساء لتجمع بعضاً من قطرات الندى تلك لتخمِّرَ بها الحليب ليصبح لبناً والعجين خبزاً عوضاً عن الخميرة المعتادة وتجديداً سنوياً لتلك الخميرة. ولا يخفى ما لهذا السلوك من ارتباط مباشر بعشتار كإلهة للخصب وأسطورتها التي نسيها الناس لكنهم لم ينسوا عاداتهم التي ارتبطت بها مواظبين على ممارستها في الموعد ذاته من كل عام. كما هي عادة تكسير الأواني الفخارية والزجاجية في الأول من تموز كتعبير آخر على التفاؤل بالخير وطرد نذر الشر من حياة الناس.
 
كذلك يعتبر الأول من نيسان عيداً فولكلورياً وشعبياً إذ يخرج السريان الآشوريين الكلدان بكل فئاتهم ومن كل الأعمار إلى أحضان الطبيعة للاحتفال بمظاهر الخصب وتجدد الحياة بشكلها الأكثر وضوحاً في عناصر الطبيعة. ولعل كذبة الأول من نيسان الشائعة في معظم دول العالم اليوم تعبير آخر عما كان يفترض أن يتم الاحتفال به في السياق الديني القديم، ولكن بعد التحولات الدينية الكبرى إلى المسيحية والإسلام ورفض كل العادات والقيم الموروثة من العهد الوثني، استعيض عن تلك الاحتفالات بالكذبة البيضاء إياها بحكم العادة التي لم يتمكن الناس من نسيانها.
 
إن الأسطورة التي طالما اعتقد كثيرون في العصور الحديثة أنها مجرد حكاية خرافية صاغها الأقدمون كنوع من الفانتازيا الدينية، مازالت هذه الأسطورة تسكن في لاوعينا الإجتماعي وما زالت حاضرة في حياتنا اليومية بأشكال وممارسات مختلفة. فهي ليست مجرد شطحات خيالية كما قد تبدو لأول وهلة، وإنما كانت محاولة لربط الظواهر الواقعية برؤى ميتافيزيقية بدت على الدوام محيرة للعقل البشري العاجز عن إيجاد التفسير المنطقي المحسوس لها.
 
من هنا جاءت الأسطورة لتمنح الإنسان بعضاً من الطمأنينة حول مصيره ومستقبله لينطلق بثقة ودون خوف لبناء أسس متينة لحضارة إنسانية عظيمة تسعى لانتشال الإنسان من حالة الهمجية إلى مواقع أرقى في سلم المدنية والتطور. فكانت مابين النهرين البلاد التي سيشع منها نور الحضارة ويضيء سماء التاريخ البشري وما تزال بعض تجليات تلك الحضارة ماثلة بقوة في الحياة الإنسانية المعاصرة، حيث مازال التقسيم البابلي للزمن والتقويم السنوي وأسماء الأشهر والأيام وكثير غيرها مسألة مسلم بها لدى كل المجتمعات البشرية في أيامنا هذه.
 
فهل سنرى أرض الرافدين وقد عادت إليها عافيتها لنشهد مجدداً أعياد الأكيتو والمواكب تجتاز بوابة عشتار في استرجاع حي للصورة الحضارية العريقة التي شهدتها يوماً هذه البلاد؟


41
المتحف البريطاني يحتفل بالموسيقا السريانية
بعنوان "A Taste of Assyria
"

أمسية احتفالية فنية وموسيقية رائعة تحت هذا العنوان المعبر (نكهة آشورية) قدمها كورال مار أفرام التابع لنادي بيث نهرين في هولندا – إنشخده، على مسرح المتحف البريطاني بلندن وذلك يوم الخميس 19 شباط 2009. وبمشاركة ألمع نجوم الغناء والموسيقا السريانية وهم: ملك الأغنية السريانية المطرب والملحن حبيب موسى الذي يعتبر مؤسس الأغنية الشعبية الحديثة باللهجة الغربية، والفنانة الرقيقة والمرهفة الإحساس والأداء المطربة نغم موسى، وإلى جانبهما قدم من أستراليا خصيصاً لهذه المناسبة الفريدة الفنان والموسيقار المبدع جورج هومه، الذي ترك له بصمات واضحة ومؤثرة على الفن السرياني الآشوري عموماً وعلى الموسيقا بوجه خاص. كما قدَّمت السيدة منيرة عدا التي قدِمت من أمريكا وصلة فردية استُهِلَّـتْ بها هذه الأمسية.
طوال أشهر عدة، وحتى قبل أن يتسلم الدعوة رسمياً من إدارة المتحف البريطاني، كرس الموسيقار المجد  الياس موساكي مؤسس وقائد كورال مار أفرام معظم وقته لاختيار القطع الموسيقية المناسبة وتدريب أعضاء الكورال والموسيقيين عليها  مجرياً لها توزيعاً موسيقياً جديداً بارعا . وأضاف إليها مقدمات ووصلات ختامية زادت من جمالية تلك القطع وعذوبتها. وقد بذل جهوداً كبيرة لتقديم أفضل ما يمكن وبما يليق بتاريخ وثقافة شعبنا وحضارته العريقة. لكن ما يؤسف له حقاً، ومما أثر على نفسية أعضاء الكورال أن قائدهم الأستاذ الياس موساكي وفي اللحظات الأخيرة تعطل سفره إلى لندن لقيادة هذا العمل العظيم لأسباب خارجة عن إرادته. مما ترك غيابه  تأثيراً واضحاً على الأمسية برمتها. لكن تكاتف أعضاء الكورال وتعاون الأوركسترا التي رافقت الكورال  من هولندا إضافة إلى إصرار المسؤولين عن الإعداد والتنظيم على إنجاح هذه الأمسية التي أعد لها طويلاً، بفضل هؤلاء جميعاً وجهودهم وتفانيهم وحماستهم، تم تجاوز تلك المعضلة الطارئة وقدمت للجمهور الذي اكتظت به صالة مسرح المتحف أمسية موسيقية استثنائية وتركت انطباعاً لايمحى في نفوس الحاضرين الذين صفقوا طويلاً وبحرارة بعد كل فقرة كان يتم تقديمها.
ولقد  أضافت مشاركة الموهبة الشابة شوشان لاماسو بفقرة مسرحية معبرة عن واقع شعبنا المأساوي وتطلعاته وآماله المستقبلية بأسلوب تراجيدي مؤثر نكهة مميزة على هذه الأمسية الخاصة التي لم يسبق أن احتفل المتحف البريطاني بالفن والموسيقا السريانية الآشورية بهذا الشكل وبهذا الاندفاع والحماس. مما يعتبر مكسباً مهماً ومدعاة فخر واعتزاز لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري برمته هذا الحضور على أهم منبر عالمي وتقديم هذا العمل الفني الكبير بصورة مشرِّفة ولائقة بثقافتنا السريانية وتاريخنا العريق.
ومن فقرات هذه الاحتفالية الكبيرة كان لفرقة الرقص الشعبي الآشوري في الخابور بقيادة الفنان خوشابا وصلة فنية كانت ولا بد ستضيف جمالية فريدة لهذه الاحتفالية لولا أن السفر لم يتم بسبب عدم تمكن أعضائها من الحصول على الفيزا من السفارة البريطانية.
كان لحضور نيافة المطران مار بولي كاربوس أوكين أيدين مطران أبرشية هولندا، وضيوفه من أساتذة جامعة أوكسفورد البريطانية، والسيد شيبا مندو رئيس المجلس القومي الآشوري في إلينوي- أمريكا، وضيوف مهمين آخرين إضافة إلى الجمهور الكبير، دافعاً مشجعاً للمشاركين جميعاً في تقديم عرض أخَّاذٍ ومميزٍ. وهذا ظهر جلياً بالإعجاب الكبير الذي أبدوه أثناء العرض وبعده مما حمّل القائمين والمشاركين بهذا العمل الفني مسؤولية أكبر وفي الوقت ذاته شجعهم للقيام بأعمال مستقبلية مشابهة لهذا المستوى الفني الرفيع.
ولقد أثارت هذه المناسبة الفنية اهتمام العديد من وسائل الإعلام حيث حضر وصوَّر وقائع الاحتفال كلٌ من القنوات التلفزيونية التالية: العراقية والشرقية وعشتار وآشور وسورويو تي في. كما أذاعت محطة راديو الـ  BBC تقريراً خاصاً عن هذه الأمسية. وأيضاً اهتمت الصحافة المكتوبة بهذه المناسبة حيث كتبت عنها صحف مختلفة في بريطانيا وهولندا مشيدة بأهمية ما تم عرضه.
ومن الجدير بالذكر أن هذا المشروع الفني الكبير والمكلف مادياً تم بدعم وتمويل عدد من المؤسسات وهم إضافة إلى المتحف البريطاني، من هولندا: مركز آشور للتوثيق والمعلوماتية  (CIDA)، مؤسسة سريويي بلاتفورم أوفرآيسل ( SPO) ;نادي بيث نهرين ونادي طور عبدين. ومن السويد : اتحاد الأندية الآثورية. ومن أمريكا: المجلس القومي الآشوري – إلينوي والسيد شيبا مندو باسمه الشخصي. كما بذل عدد من الأشخاص جهوداً فردية كبيرة ومصاريف عينية مختلفة نذكر منهم: منظم هذا النشاط في لندن نينيب لاماسو. والمطربة نغم أدور موسى من السويد وكذلك قائد كورال مار أفرام الموسيقار الياس موساكي في هولندا الذي من المؤسف أنه لم يتمكن من رؤية نتائج جهده الكبير تتجسد نجاحاً منقطع النظير على مسرح المتحف البريطاني حيث بقي على تواصل دائم مع المشاركين هاتفياً قبل وأثناء وبعد العرض. وهؤلاء جميعاً أفراد ومؤسسات، لا يمكن إغفال دورهم وجهودهم  والتي لولاها لما رأى هذا العمل الكبير النور، ناهيك عن نجاحه بهذا الشكل اللائق والملفت للنظر. هذا العمل المتميز الذي كانت له أصداء وردود أفعال كثيرة محبذة ومعبرة عن إعجاب الجمهور بما شاهدوه وسمعوه. ونأمل أن تتكرر هذه الفعاليات المتميزة من مؤسساتنا الثقافية والفنية والإعلامية ودعمها مادياً ومعنوياً، وأن لا تقتصر على حالة فريدة، وذلك ليتم الارتقاء بهذا الفن العريق إلى المستوى الذي يليق به، وتعريف العالم بما يتميز به من جماليات فذّة.
سعيد لحدو - هولندا

 

42
المنظمة الآثورية الديمقراطية في هولندا
تحيي الذكرى الـ 79 للملفان نعوم فائق

أقامت المنظمة الآثورية الديمقراطية في هولندا بالتعاون مع نادي طور عبدين – هنكلو احتفالاً متميزاً في الذكرى الـ 79 لوفاة الملفان نعوم فائق رائد الفكر القومي الآشوري الحديث. وذلك بتاريخ 8 شباط 2009 في قاعة النادي في مدينة هنكلو التي غصت بالحضور من أبناء شعبنا السرياني الكلداني الآشوري وأعضاء المنظمة في هولندا.
بُدءَ الاحتفال بكلمة ترحيبية موجزة لرئيس النادي الأخ قرياقس إيليو الذي طلب من الحضور الوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء أمتنا وروادها وخص بالذكرالملفان نعوم فائق والمرحوم الباحث في اللغة السريانية الملفونو أبروهوم نورو الذي وافته المنية مؤخراً في مدينة حلب.
استُهِلَّ الاحتفال بوصلة شعرية معبرة عن روح المناسبة باللغة السريانية ألقاها الشاب سعيد جورج مسعود. تلت ذلك كلمة المنظمة الآثورية الديمقراطية التي ألقتها مسؤولة منطقة هولندا الرفيقة شاميرام لحدو- كوري وتحدثت  فيها عن المغزى العميق لاحتفال المنظمة الدائم بهذه المناسبة القومية وعن تأثير فكر نعوم فائق والرواد القوميين الآخرين في نشوء المنظمة كأول حزب سياسي قومي بين صفوف شعبنا واعتبارها المجسد الرئيسي لذلك الفكر ومنطلقاته الوحدوية لكل طوائف شعبنا بكل تسمياتها المستخدمة. كما تحدثت عن التحديات الحالية التي تواجه شعبنا والتحولات المصيرية التي تجري في المنطقة كما في العراق وسوريا والتعديات التي تحصل على أملاك دير مار كبرئيل في طور عبدين والتهديدات التي يواجهها شعبنا عموماً في أرض الوطن، ودور المنظمة وباقي  الأحزاب والمؤسسات الأخرى الناشطة في مجتمعنا للدفاع عن مصالح شعبنا وحقوقه القومية المشروعة.
ضيف المناسبة والمحاضر الرئيسي كان الباحث المعروف في حقل الموسيقا السريانية  الأستاذ عبود زيتون الذي دُعي من مدينة فيسبادن الألمانية خصيصاً لتعريف الجمهور على الجوانب المجهولة من حياة نعوم فائق ونتاجاته الأدبية والصحافية والموسيقية، حيث أطلع الحاضرين بالصوت والصورة وبأسلوب جذاب وشيق على نبذة من تلك النتاجات وبخاصة في حقل الأغاني القومية باللهجة الغربية التي سُجلت على اسطوانة عام 1929 عندما كان الملفان مايزال على قيد الحياة. وهذه تعتبر الأولى والأقدم من نوعها في تاريخ الموسيقا السريانية الحديثة المسجلة باللهجة الغربية. 
بعد استراحة قصيرة، قدم الاستاذ عبود زيتون الجزء الثاني من محاضرته والذي خصصه لتجربته الشخصية مع الباحث اللغوي  الملفونو أبروهوم نورو وكفاحه الطويل مع أبحاثه المتميزة في اللغة السريانية ومؤلفاته العديدة في هذا المجال. مؤكداً على دوره الفعال في إحياء وتنشيط لغتنا السريانية من خلال مشاركاته الدائمة في معظم المؤتمرات التي عقدت حول العالم عن اللغة السريانية وآدابها، والتي كان آخرها مؤتمر دير الزعفران في طورعبدين في خريف 2008.
قدمت الفقرات والمشاركين في هذا الاحتفال مشكورة الأخت نجاح زيتون العضو في إدارة نادي طور عبدين.


43
الإلهيون إذا صرخوا: انتصرنا


29 كانون الثاني 2009
سعيد لحدو


لو كان للانتصارات أن تتحقق بالصراخ لما احتاج المتفيئون في ظلال قناة الجزيرة لاحتلال الكرة الأرضية برمتها أكثر من الوقت المخصص لبرنامج واحد من برامجها "الهادفة جداً" بعد اقتطاع الفواصل الإعلانية. ولكان حسن نصر الله وهنية ومشعل وإخوانهم من الميليشيات الإلهية المسلحة وقادتها الآخرون يتمخترون ملوحين من على شرفة مجرتنا درب التبانة وهم يتطلعون بصرختهم التالية لأن يتسلقوا أكتاف الفضاء مستظلين بأفياء السماء السابعة ليزفوا أخبار "انتصاراتهم"، عفواً، صرخاتهم التي جلجلت الكون ، للرب الإله المنتظر بفارغ الصبر سماع أخبار جنوده الأوفياء من الجهاديين الذين حققوا، وبمجرد الصراخ، ما عجز هو نفسه عن تحقيقه منذ أوجد الحياة. 
المغفور له فيديبيدس اليوناني (وقد لا تحق له المغفرة لأنه مات جاهلياً) حارب الفرس الذين غزوا بلاده عام 490 ق. م.  وانتصر عليهم، وبعد أن كتبت له السلامة في المعركة، جرى مسرعاً من موقع الانتصار  إلى أثينا ليزف الخبر السعيد لأهلها قبل أن يسقط ميتاً من الإنهاك. لكن أخبار انتصارات الإلهيين تأتينا هذه الأيام بأسرع من لمح البصر وحتى قبل أن تبدأ المعركة، عبر حشود من الميكروفونات ومن شرفات الفيلات المكيفة أو صالات الفنادق الفخمة التي وفر لهم تكاليفها الباهظة بعض من "المتمنعين" رياءً وتكاذباً من بقايا العروبيين والإسلامويين وهواة الصرعات السياسية والترويح والاسترخاء الشخصي على حساب دماء الآلاف من الأبرياء من أبناء جلدتهم، ممن يفتقرون إلى لقمة خبز وقطرة ماء نظيفة، وفضاء من الحرية يتسع ولو لكلمة واحدة يختصرون فيها كل معاناتهم التي سببها لهم أبطال الصراخ خلف الميكروفونات. ولا أدري لماذا يصرخ بأعلى صوته كلما وقف أحد أولئك المتأسلمين بامتياز خلف ميكروفون حتى وهم في استديوهات الجزيرة الفائقة التطور والمستخدمة لأحدث مبتكرات التكنولوجيا إلا إذا كان لهذا السلوك علاقة بالانتصارات التي سيجري الإعلان عنها عند أول احتكاك مع العدو أو حتى بدون أي احتكاك إلا مع تخيلاتهم المتورمة بفعل ضجيج الصراخ الذي لم تسلم منه حتى شعائر الصلاة التي يفترض أن تتسم بالخشوع والسكينة والتضرع الهادئ بالنبرة الخافتة. ولقد كانت لنا تجربة مماثلة سابقة مع الزعيق والصراخ وقعقعة الميكروفونات مع الحركات والأحزاب القومجية وانتصاراتها الإذاعية في العقود الماضية مع العدو الخارجي ذاته كما مع العدو الداخلي الذي اختلف توصيفه بعض الشيء. ولعلنا بغنى عن تعداد تلك الانتصارات وما جرته على شعوبها من كوارث ومخازٍ وويلات.
ليس عبثاً أن يلتقي ماتبقى من شتات تلك الحركات والأحزاب القومجية العروبية وقادتها مع فلول جحافل بن لادن في غزواتهم الجديدة، ولكن هذه المرة على شعوبهم المساقة بالصراخ حيناً وبالسوط أحياناً للانتحار على صخرة "المقاومة والجهاد المقدس" مستندين بقوة إلى حرارة الدولار الإيراني ونكهة القهوة القطرية التي لاترد "مجاهداً" خائباً، فتمر تلك الغزوات سلسة عبر سورية الصامدة أبداً حتى المفاوضات المباشرة وغير المباشرة لتسفر عن قتلٍ وتدميرٍ ومآسٍ مروعة ولكن ليس في صفوف العدو. تلك هي المادة المثيرة التي تنتظرها قناة الجزيرة وأخواتها لتغذي بها برامجها الحية والميتة، مهيِّجة ملايين أخرى لتسوقها إلى المصير ذاته.
ويتداعى العرب من جديد لقمم تثير الفرقة والقرف أكثر مما تلملم الصفوف وتستجلب الأمل. ويبدأ بازار المزايدات العلنية لإعادة الإعمار، وهم الذين لم يصرفوا يوماً درهماً للبدء بإعمار حقيقي يتلخص في بناء الإنسان السوي المتعلم والمدرك والمثقف، وبالتالي القادر على المواجهة وإيجاد الحلول، أياً كانت المشاكل التي تواجهه. في حالة كهذه لن تكون قضية التحرير أصعبها وإنما قضية البناء. بناء الإنسان الحر المتمدن وعلى أسس وطنية وأخلاقية سليمة. ذلك المواطن الذي يشعر بقيمته وأهميته كإنسان أولاً وكمواطنٍ ثانياً، عوضاً عن أن يكون رقماً في قطيع هائج من الثيران التي لاتدرك وجهتها، وما عليها سوى أن تركض.
إن المليارات التي دُفعت في حرب حزب الله في لبنان 2006، والمليارات الجديدة التي وُعدَ بدفعها في حرب حماس في غزة، ناهيك عن الأرواح التي زُهقت أو "استشهدت" كما يرى إخوتنا الإلهيون بعد كل ذلك الخراب والدمار، أقول: لو أن هذه المليارات دُفعت مقدماً وأريد بها الإعمار الحقيقي، كم من المآسي والآلام كان قد تم تلافيها؟ وكم من الأرواح كانت قد حُفظتْ؟ لماذا لا تُستثار الحمية العربية ولا تظهر النخوة والشهامة والكرم إلا بعد التدمير والقتل والخراب وليس قبل ذلك؟ وكيف سيكون حال المواطن البائس والمبتلي بوكلاء الله على الأرض الذين باعوا حقوق استثمار وكالاتهم تلك في بازارات المزايدات الجهادية وغير الجهادية، وباعوا معها قضيتهم وشعبهم، واكتسبوا حصرياً حق الصراخ من وراء الميكروفونات وعلى شاشات القنوات الفضائية إياها. معلنين بكل صفاقة، وبتجرد من أية نوازع إنسانية انتصاراتهم الإلهية الموهومة. تلك الانتصارات التي لا تتطلب منهم سوى قذف بضعة صواريخ كرتونية على العدو الإسرائيلي لتفلت عفاريت غضبه من عقالها فتعبث في الأرض خراباً ودماراً. أما جنود الله الاستشهاديون أولئك من طالبي ثواب الجنة فما عليهم سوى أن يتواروا بين صفوف السكان ليعلنوا بعد انجلاء غبار المعركة أنهم لم يفقدوا سوى 48 جهادياً. وما تبقى من الثلاثين ألفاً فهم زاهدون  في الجنة وملذاتها، لأن ملذات الدنيا أقرب إلى نفوسهم باعتبارها في متناول اليد. وبعد ذلك يخرج المفوَّهون منهم ليعلنوا من مخابئهم انتصارهم الإلهي ؟؟؟
هل لنا أن نقول: تباً  لأي انتصار بالصراخ على حساب الإنسان وحياته التي هي أثمن مافي الوجود؟

44
قطعة الجبنة .... والثعلب
والقسمة غير الممكنة
6 كانون الأول 2008
سعيد لحدو
حال الشعب الكلداني السرياني الآشوري في العراق اليوم وتياراته المختلفة كحال القطتين اللتين  وجدتا قطعة جبن فقسمتاها الى قطعتين لتاخذ كل واحدة منهما قطعة . ولأن إحدى القطعتين بدت اكبر من الاخرى، اختلفت القطتان لان القسمة لم تكن عادلة. فذهبتا الى الثعلب ليقضي بينهما . وضع الثعلب قطعتي الجبنة في كفتي الميزان، وعندما وجد إحدى القطعتين أكبر من الأخرى قال: هذه القطعة اكبر. يجب أن تكونا متساويتين. فاكل منها حتى صغر حجمها واصبحت اقل وزناً. وهكذا ظل الثعلب متقصداً ياكل من قطع الجبنة كلما رجحت قطعة  حتى لم يبق للقطتين شيء. نظرت القطتان الى الثعلب بحزن واسى و ندمتا على ان جعلتا منه قاضيا.
القصة معروفة للناس وكذلك الحكمة المنشودة من روايتها، ولكن التساؤل المشروع والملح الآن هو: هل وعى القيمون على شؤون الشعب الكلداني السرياني الآشوري ومقدراته في العراق اليوم إلى أي مصير يقودون شعبهم في ظل هذا التصارع والاختلاف على ثانويات لا أهمية لها أمام التحديات الخطيرة التي تنتظرهم؟ في حين أن الوقت والظروف الحرجة والتحولات المصيرية الكبرى التي يمر بها العراق عامة والشعب الكلداني السرياني الآشوري بصورة خاصة،  تتطلب من زعامات هذا الشعب التركيز على المآل الأخير للأمور، ومحاولة تثبيت ضمانات دستورية ترسخ أصالة  هذا الشعب وتضمن حقوقه التي تكفل له وجوده ومستقبله في أرض الرافدين، أرض آبائه وأجداده، إسوة بأبناء القوميات الأخرى من الشعب العراقي وربما أكثر ضرورة وإلحاحاً، في ظل الإعتداءات والقتل والتهجير التي يتعرض لها من جهات مختلفة.
إن الحكمة الباهظة الثمن التي تعلمتها القطتان، من سلوك القاضي الذي التجأتا إليه بعد أن خسرتا ما اختلفتا عليه، نأمل أن يتعظ بها من تطوع لقيادة هذا الشعب تحت أي عنوان جاءت هذه القيادة. ولا شك فإن تجربة إلغاء المادة (50) وما تلاها من تطورات وقرارات لاحقة في مجلس النواب العراقي، جعلت هذه الحكاية أقرب تجسيداً لواقع هذا الشعب في اللحظة الراهنة وأكثر تأكيداً بضرورة التحاور والاتفاق على مبدأ عام واحد يضمن الحقوق القومية المشروعة والكفيلة باستمرارية هذا الشعب ووجوده ليس فقط دستورياً بل على أرض الواقع أيضاً. وهذا ما لا يحق ، ويجب ألا يسمح لأي كان وتحت أية ذريعة بالاختلاف حوله. وأما التفاصيل الأخرى فهي تحصيل حاصل ولا يجب أن تلهي المعنيين بأي حال عن هذا المبدأ الأساسي.
وإننا إذ نُنَزِّه القوميات العراقية الأخرى كبيرها وصغيرها من ذلك السلوك الخبيث للثعلب الماكر، فإن المهزلة التي شهدناها مؤخراً في مجلس النواب العراقي وتصارع الأحزاب وتضارب المصالح الفئوية والطائفية والنتيجة المخزية التي أسفرت عنها تلك الصراعات، تدفع المتتبع للاعتقاد بأن سلوك بعض تلك الفئات والأحزاب لم يكن بأي حال منسجماً مع ما تطر حه من شعارات التعايش والعدالة والمساواة والأخوة الوطنية. وإن كل تلك الشعارات الجميلة تسقط عند أول تجربة عملية لامتحان المصالح الفئوية الضيقة. وهذا ماشهدناه أثناء جلسة إلغاء المادة (50) من قانون انتخابات مجالس المحافظات وما تلاها من تقليص لنسبة تمثيل المجموعات القومية والدينية الأصغر.
إن المسؤولية الأكبر فيما آلت أو ما يمكن أن تؤول إليه الأمور تقع على عاتق أبناء الشعب الكلداني السرياني الآشوري وقياداته بالدرجة الأولى. ذلك لأنهم المعنيون بالأمر أولاً وأخيراً. وعلى نوعية قرارهم يتوقف مستقبلهم ويتحدد مصيرهم. أما الشركاء الآخرون في الوطن العراقي فالعتب يطالهم من باب المبادئ الوطنية والإنسانية. وهم إن فُرِضَ عليهم الاختيار فإنهم غالباً ما يختارون الجانب الذي يؤمن للمجموعة التي يمثلونها أكبر المصالح والنفوذ، حتى ولو جاء ذلك على حساب المجموعات الأضعف أو الأقل عدداً. فيجب أن ندرك أن الملائكة لم تؤسس لها بعد حزباً في العراق. ولا يبدو أن لها أنصار كثر في ضوء الحالة القائمة. في حين أن حيتان السياسة العراقية لن تتورع عن ابتلاع ليس قطعة الجبن فقط وإنما حتى الثعالب والقطط والخراف الوديعة وكل ما يدب على أرض الرافدين إن تيسر لها ذلك. وفي الحكاية الشعبية السابقة رأينا كيف أن القطط هي التي يسرت للثعلب إمكانية التهام الجبنة إياها وعودتهما خائبتين.
 من هذا المنطلق لابد من العمل الجاد  والتركيز الشديد على وحدة الموقف بين كل تيارات هذا الشعب وأحزابه. ونأمل ألا يحتاج قادة هذا الشعب، لاجتماعهم على كلمة سواء بينهم، لتكشيرة غاضبة وذات مغزى ممن يتجاسر على التكشير حين مصالحه تتطلب ذلك، كما حدث مع غيرهم. وقد لا تتوفر لهم حتى تلك العصا التي ستجمعهم مرغمين ليتفقوا لأن مصلحة مالك العصا قد لا تقتضي ذلك. لهذا ولغيره من الدوافع والأسباب لا بد من التجرد التام والتعالي على أية حسابات حزبية أو شخصية لأنه في ظل هذه الحالة التشرذمية لن يكون هناك أي مكسب لأي كان حزباً أو فئة أو فرداً، بل ستكون الكارثة التي ستشمل الجميع بتأثيراتها المدمرة، وقد لا تكون هناك فرصة ثانية لتعويض ما يمكن تعويضه. وإذا كان الاختلاف في الرأي من طبيعة الوجود البشري فللتعامل مع هذه الاختلافات وجوه كثيرة وبأساليب حضارية متمدنة، دون أن يعني ذلك الانتقاص من الآخر أو الحط من شأنه. ولعل أهمها وأبرزها عملية الاستفتاء الشعبي، رغم أنها ليست الوسيلة الوحيدة لحسم الأمور عند اللحظات الحرجة. والشعب الكلداني السرياني الآشوري يمر اليوم بأحرج لحظاته. فهلاَّ للقيمين على شؤونه اليوم التوقف عن انتظار تلويحة العصا التي قد لا تأتي والاتفاق على الوسيلة الأنجع لحسم قرارهم واتخاذ الموقف الذي يؤمن لهم الحد الأدنى من وحدة الموقف، والضمانة الأكبر لاستمرارية الوجود كشعب حضاري له الحق في أن يمتلك المساحة التي يستحقها في حياة البشرية عامة وفي المجتمع العراقي بصورة خاصة؟   

45
مسيرة شموع ليلية تختتم باحتفال كنسي في مدينة إنشخده بهولندا

تضامناً مع أهلنا المهجرين من الموصل أقامت المنظمة الآثورية الديمقراطية بمشاركة عدد كبير من مؤسساتنا الأخرى في مساء يوم الخميس 30 أوكتوبرمسيرة ليلية بالشموع، حيث انطلق المئات من مختلف الطوائف من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري  في مدينة إنشخده بهولندا على أضواء الشموع التي حملوها من أمام كنيسة مار يعقوب للسريان الأورثوذكس وعبر شوارع وسط المدينة ليستقر الحشد في كاتدرائية القديس يعقوب لكنيسة الروم الكاثوليك الهولندية في مركز المدينة. تقدم المسيرة بعض الكهنة من كنائسنا وكاهن من الكنيسة الهولندية، إضافة إلى ممثل لنيافة المطران مار بولي كاربوس أوكين أيدين راعي أبرشية السريان الأورثوذكس في هولندا الذي لم يتمكن من المشاركة شخصياً بسبب المرض.  وكذلك شارك في المسيرة عدد من أعضاء المجلس البلدي للمدينة ورئيس البلدية السيد بيتر دِن آودستن الذي انضم لاحقاً بسبب ارتباطات سابقة.
في داخل الكاتدرائية بُدِءَ الاحتفال بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء الذين سقطوا ضحايا الغدر والهمجية والتطرف ثم قدم كورال مار أفرام التابع لنادي بيث نهرين بقيادة الموسيقار الياس موساكي ترنيمة الصلاة الربانية على إيقاع الموسيقا المؤثرة. بعدها طلب عريف الحفل السيد صبري كبرئيل عضو المجلس البلدي من الآباء الكهنة اعتلاء مذبح الكاتدرائية لإقامة صلاة قصيرة قبل أن يلقي كل منهم كلمة مقتضبة عبرت عن تضامنهم الأبوي  مع أهلنا ومحنتهم في العراق.
بعد المساهمة الثانية من كورال مار أفرام اعتلى رئيس بلدية إنشخده المنصة ليلقي كلمة تميزت بمعاني التكاتف والتضامن والاعتراف بالدور الهام والمتميز للسريان عموماً في حياة المدينة التي يشكلون أحد أبرز معالمها.
وكانت كلمة الختام للمنظمة الآثورية الديمقراطية التي قدمها السيد يوسف سفو عضو مجلس بلدية هنكلو وضمنها وجهة نظر المنظمة والمؤسسات الأخرى المشاركة تجاه الأزمة التي يمر بها شعبنا في العراق عامة وفي مدينة الموصل بصورة خاصة، وتحدث عن ضرورة تقديم  العون للمهجرين وحماية من تبقى منهم في بيوتهم، مؤكداً على حق شعبنا الكلداني السرياني الآشوري بالتمتع بحقوقه القومية  ومنها الحكم الذاتي في عراق فيدرالي ديمقراطي موحد، لأن هذا هو السبيل الوحيد لضمان أمن شعبنا ومستقبله في وطنه التاريخي، وتحقيق العدالة والمساواة لآبناء العراق بجميع مكوناته.
وقد حضر  عدد من الصحف وراديو وتلفزيون الشرق الهولندي  وسورويو تي في وصوروا وقائع المسيرة وأجروا عدداً من المقابلات مع المشاركين التي تم بثها لاحقاً.
ومن الجدير بالذكر أن لجنة خاصة شُكِّلَت من بعض هذه  الأحزاب والمؤسسات لمتابعة الاتصالات مع الجهات الحكومية والبرلمانية الأوربية لشرح المواقف وحشد الدعم والتأييد لمطالب شعبنا الملحة في العراق .

























للمزيد من صور المسيرة

http://www.ado-world.org/en/2008/demostratie-mosul.htm


46
مسيرة ليلية على ضوء الشموع في هولندا
اجتمعت مؤسساتنا الثقافية والاجتماعية في اليومين الماضيين مع المنظمة المنظمة الآثورية الديمقراطية، لدراسة ومناقشة ما يمكن عمله إضافة إلى ما تقرر سابقاً في اجتماع دير مار افرام حول أعمال القتل والتهجير لشعبنا في العراق.  وقد اتفق الجميع على إقامة مسيرة ليلية على ضوء الشموع وذلك يوم الخميس 30 أوكتوبر 2008. في مدينة إنشخده.
تبدأ المسيرة بتمام الساعة السابعة مساءً 19,00  وتكون نقطة التجمع أمام كنيسة مار يعقوب في وسط المدينة ومنها ينطلق المحتشدون على ضوء الشموع باتجاه مركز المدينة حيث تنتهي بصلاة مشتركة مع الكنيسة الهولندية في الكنيسة الكبيرة في مركز المدينة.
ندعو  جميع أبناء شعبنا ومؤسساتنا الأخرى في هولندا للمشاركة مع عائلاتهم ومعارفهم في هذه المسيرة الصامتة والرمزية للتعبير عن الاستنكار الشديد لعمليات التهجير لشعبنا من مدينة الموصل في العراق.
نأمل من الجميع الحضور والمشاركة.
مع تحيات اللجنة المنظمة

Adres:                                                                                                                     
 De Syrisch-Orthodoxe Kerk van St. Jacob van Sarugh

M.H. Tromplaan 50
7513 AB Enschede
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
Stille en symbolische tocht in Enschede
Onze instellingen voldaan in de afgelopen twee dagen met de ADO, te onderzoeken en te bespreken wat er gedaan kan worden in aanvulling op het eerder genomen besluit in de vergadering van het klooster van Mar Afram over de moorden en verdringing van onze mensen in Irak. Allen waren het erover eens om op donderdag 30 oktober een tochtje te maken en kaarsen te steken.
We verzamelen ons om 19.00 uur bij de Syrisch-Orthodoxe kerk Mar Jacob in Enschede, vervolgens begint het tocht richting het centrum (tot het midden van het centrum). Bij de Grote Kerk wordt er een kleine dienst gehouden met samenwerking van de Nederlandse kerk.
De georganiseerde verzoeken iedereen van ons volk en hun familieleden + kennissen om deel te nemen aan deze stille en symbolische tocht om uiting te geven aan de gruwelijke misdaden tegen ons volk in Irak.
Wij rekenen op jullie deelname.

Groeten,
Adres:                     
Namens de organisatie   De Syrisch-Orthodoxe Kerk van St. Jacob van Sarugh
               M.H. Tromplaan 50            Shamiram            7513 AB  Enschede                  

47
أحزاب وهيئات شعبنا في أوربا تجتمع لنصرة إخوتنا في الموصل

بمبادرة من المنظمة الآثورية الديمقراطية في أوربا دُعيت أحزاب ومنظمات شعبنا الكلداني السرياني الآشوري العاملة على الساحة الأوربية للاجتماع يوم الثلاثاء 14/10/2008  وذلك في دير مار أفرام للسريان الأورثوذكس في هولندا، لتدارس الوضع المأساوي الذي يعاني منه أبناء شعبنا في مدينة الموصل في ظل أعمال القتل والتهديد والتهجير القسري التي يتعرض لها تحت سمع ونظر قوات الأمن المحلية إن لم يكن بمشاركتها. وذلك بهدف المساعدة في توفير أسباب الحماية والحاجات الأساسية التي يفتقر إليها إخوتنا هناك.  وقد لبى الدعوة العدد الأكبر من تلك الأحزاب والهيئات في حين اعتذر بعضهم عن حضور الاجتماع بسبب السرعة التي تمت الدعوة إليه وارتباطاتهم بمواعيد سابقة. لكنهم في الوقت نفسه عبروا  عن تضامنهم الكلي مع كل القرارات والاتفاقات التي سيسفر عنها الاجتماع ويتفق عليها المجتعون.
وقد جرى الاجتماع بروح أخوية صادقة وإحساس عالٍ بالمسؤولية تجاه أبناء شعبنا الذين يُقتلون على قارعة الطريق ويُعتدى عليهم بمختلف أنواع الأسلحة، ويطردون من بيوتهم ويشردون، هذه الروح الأخوية التي سادت الاجتماع وخيمت على الحاضرين نتيجة الشعور العميق بمعاناة الأهل ومآسيهم، رغم الاختلاف في بعض وجهات النظر ، حيث اتفق الجميع على ضرورة البدء فوراً بنشاط جدي على المستوى الأوربي لكسب الدعم والتأييد وتأمين الاحتياجات الأساسية للمشردين. وكذلك وضع الحكومة العراقية  وهيئاتها المختلفة أمام واجباتها الوطنية والطلب إليها بضرورة تأمين الحماية الجدية والفعالة لسكان الموصل من أبناء شعبنا المهددين بأعمال العنف والتهديدات المسلحة من قبل الجهات التي يسوؤها الوجود الكلداني السرياني الآشوري في هذه المدينة التي كانت يوماً عاصمة لأعظم حضارة بناها هذا الشعب منذ آلاف السنين.
وقد نتج عن الاجتماع لجنة تألفت من عدد من الأطراف المشاركة فوَّضها المجتمعون بالتحدث باسمهم أمام الحكومات والبرلمانات الأوربية وكذلك لدى السفارات العراقية في أوربا واتخاذ كل مايلزم للتخفيف من معاناة شعبنا من أبناء الموصل وتوفير وسائل الدعم لهم بكل الأشكال الممكنة. وقد أعدت اللجنة رسالة بعدة لغات يوضَّح فيها موقف المجتمعين ومطالبهم الملحة لتجاوز هذه المحنة الجديدة لشعبنا في العراق. وقد أرسلت هذه الرسالة إلى جميع الهيئات الحكومية العراقية والأوربية على أن تتبعها مباشرة لقاءات شخصية من قبل أعضاء اللجنة مع الهيئات الأوربية للتأكيد على تلك المطالب وضرورة العمل الفعلي من أجل تحقيقها. وقد باشرت هذه اللجنة اتصالاتها لتحديد مواعيد تلك اللقاءات.
هذا، وستبقى اللجنة في حالة استنفار دائم لتكون بمثابة غرفة عمليات طوارئ لتتصرف بشكل سريع وتتحرك بصورة فعالة وفي الوقت المناسب تجاه أية حالة من هذا القبيل قد يتعرض لها شعبنا في الوطن مستقبلاً.

الموقعون:
•         المنظمة الآثورية الديمقراطية   ADO) ) فرع أوربا
•         المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري مكتب أوربا
•         الحزب الوطني الآشوري / أوروبا             Assyrische Nationale Partij / Europa
•         الأتحاد السرياني في المانيا                       Föderation Syryoye Deutschland – HSA
•         الاتحاد الآشوري العالمي مكتب أوربا  AUA/ Europa     
•         مكتب مابين النهرين للتوثيق والدراسات   Stichting Bethnahrin informatie Bureau
•         مؤسسة مار أفرام الخيرية / ألمانيا  Mor- Afrim Stiftung         
•         نادي بيث نهرين الآثوري – إنشخده  Assyrische Mesopotamische Vereniging Enschede       
•         مركز آشور للتوثيق والمعلومات   Centrum voor Informatie en Documentatie Assyrië (CIDA)
•         مؤسسة السريان في أوفرآيزل              Suryoyo Platform Overijssel (SPO)
•         إتحاد طور عبدين للأندية الآثورية – هولندا   Federation Tur Abdin Nederland
•         نادي طور عبدين – هنكلو                Vereniging Tur Abdin Hengelo
•         يوسف سفو  عضو المجلس البلدي لمدينة هنكلو- هولندا Yoesef Saffo Gemeente raadslid Hengelo 
•         صبري كبرئيل عضو المجلس البلدي لمدينة إنشخده        Sabri Gabriel  Gmeente raadslid   Enschede
•         منظمة برنامج المساعدة المسيحية كابني          CAPNY
•         إتحاد الأندية الآثورية – ألمانيا       Assyrische Verenigingen Federatie
•         إتحاد النساء الآثوريات – السويد  Assyrische Vrouwen Federatie – Zweden 
•         مؤسسة آشور – هولندا               Stichting Assyria Nederland
•         المعهد الآشوري الأوروبي                                      Institut Assyrien d’Europe


48
المنظمة الآثورية الديمقراطية
هولندا

محاضرة لرئيس المكتب الأوربي للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري
في نادي بيث نهرين الثقافي في هولندا

من أجل إتاحة الفرصة لأبناء شعبنا المتواجدين في أوربا للإطلاع على مختلف الآراء ووجهات النظر المتعددة بخصوص مستقبل شعبنا وحقوقه الدستورية في العراق الحديث، دأبت المنظمة الآثورية الديمقراطية في هولندا على إقامة سلسلة من الندوات السياسية والمحاضرات داعية فيها أهم الشخصيات الناشطة في هذا المجال لتقديم وجهات نظرها والتيارات التي تمثلها إزاء هذه القضية الحساسة والمتفاعلة على الساحة الشعبية والسياسية.
من هذا المنطلق وبالتعاون مع نادي بيث نهرين الثقافي في هولندا أقيمت في مقر النادي بمدينة إنشخده بتاريخ 20/9/2008 وأمام حشد من أبناء شعبنا من مختلف الطوائف، محاضرة سياسية عن قضية الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري في مناطقه التاريخية في العراق. قام الأستاذ جبرائيل ماركو رئيس المكتب الأوربي للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري الذي قدم من السويد مشكوراً بتقديم شرحٍ مفصل لمسألة الحكم الذاتي المطروح كمطلب ملح من أبناء شعبنا في العراق وجوانبه القانونية والسياسية، إضافة إلى الواقع الجغرافي للمناطق التي نتواجد فيها والتوزع الديموغرافي للسكان في هذه المناطق، مبيناً ضرورة توحيد جهودنا كافة وتكريس كل الطاقات لتحقيق هذا المطلب الأساسي والهام الذي يتوقف عليه مستقبل شعبنا في أرضه ووطنه التاريخي.
وقد ركز على الإختلاف والفروق القانونية والسياسية بين مفهوم الحكم الذاتي والإدارة المحلية مبيناً الجوانب الإيجابية والسلبية لكلٍ منهما. كما أكد على مواقف القوميات الأخرى في العراق ممن كان له شخصياً دور في التواصل معها والتي كانت في معظم الحالات إيجابية ومشجعة لهذا الطرح . أما عن مسألة ربط منطقة الحكم الذاتي هذه بالحكومة المركزية أم بحكومة إقليم كردستان في شمال العراق، في حال إقرارها دستورياً، فإن ذلك لابد أن يكون بقرار من الشعب عبر إجراء استفتاء عام في مختلف مناطق شعبنا الكلداني السرياني الآشوري وفي أجواء من الحرية التامة بعد أن تتاح الفرصة لكل التيارات المتواجدة بين ظهرانينا للتعبير عن وجهات نظرها المختلفة.
في نهاية المحاضرة مُنح الحضور إمكانية توجيه الأسئلة والمناقشة حول الأفكار المطروحة. وقد تميزت تلك المناقشات بروح عالية من المسؤولية وبجو ديمقراطي تام، وبالتفاهم الأخوي بين الجميع رغم تباين المواقف واختلاف وجهات النظر أحياناً.
لقد أغنت هذه المحاضرة معارفنا ووسعت مفهوم الحضور حول هذه المسألة الحساسة التي أثارت جدلاً واسعاً، وما تزال، بين أبناء شعبنا في العالم أجمع. وبخاصة أنها تأتي بعد الندوة السياسية التي دُعي إليها وأقامها قبل مدة السيد يونادام كنا السكرتير العام للحركة الديمقراطية الآشورية في النادي ذاته وأمام الجمهور نفسه.
من هذا المنطلق، فإن المنظمة الآثورية الديمقراطية في هولندا ولتقديم فرصة متكافئة للجميع، ترحب بأية وجهة نظر أخرى من أي تيار آخر فاعل على ساحتنا السياسية وتعرب عن استعدادها لاستضافته  لتقديم وجهة نظره تلك. آملين أن تشكل هذه المبادرات منهجاً ديمقراطياً ووسيلة حضارية للتعرف على الرأي الآخر بحرية مطلقة للوصول إلى الخيار الأفضل والأكثر فائدة لشعبنا وأمتنا. 


 
 
 

 

 

 

49
الديمقراطية بحسب النموذج العربي
وصفة قديمة متجددة


10 أيلول 2008
سـعيد لحـدو

بالطبع لم يفاجأ المواطنون بسماع البلاغ رقم (1) لأنها ليست المرة الأولى التي تقدم لهم إذاعتهم الوطنية، ولو أبكر من المعتاد، تحية الصباح على أنغام المارشات العسكرية وهلاهيل الأغاني الوطنية الحماسية التي لابد وأن تحل محلها بعد حين أغانٍ أكثر تحديداً وتصريحاً لاسم القائد البطل الذي انبرى لهذا الواجب الملح وأقام هذا العرس الوطني، كما جاء في البلاغ،  حين أمر وحدته العسكرية باحتلال القصر الجمهوري ومبنى الإذاعة والتلفزيون وإزاحة الرئيس "الديكتاتور". وهذا كله من أجل تكريس الديمقراطية...؟ نعم... من أجل الديمقراطية..!!!  ولم يكن المواطنون بحاجة لبيانات تالية من المجلس الثوري، لأن كل نشرة أخبار تبثها الإذاعة والتلفزيون الحكومي هي بمثابة بلاغ جديد يشرح ويوضح الأسباب والمبررات التي دفعت لحصول ماحصل، ويعد بالكثير من الحرية والديمقراطية وتحقيق الآمال والتطلعات الشعبية والوطنية التي خيبها الرئيس السابق، فاستبد هو وعائلته بالحكم وبالمحكومين من أبناء الشعب المغلوب على أمره.
وسردت نشرات الأخبار، أو الأصح، البلاغات التالية الإجراءات التي ينوي المجلس العسكري بزعامة القائد الفذ القيام بها لترسيخ النظام الديمقراطي الحر الذي لابد أن تتجسد فيه سيادة القانون وتتحقق فيه العدالة والمساواة للجميع. وبين شرح وشرح، من الملح والضروري لفهم الديمقراطية على حقيقتها وبناء الثقة بين القيادة والشعب، لابد أن يجري (بريك) يقدم القائدَ الرمزَ بصورته التي لايعرفها الناس كوطني مخلص ومفكر ملهم ومناضل عنيد من أجل القيم والمبادئ الوطنية والقومية. وفوق هذا وذاك، فهو متواضع ونزيه وعفيف اليد واللسان، ويعتمر قلبه بالمحبة الغامرة للوطن وأبنائه. ولولا نشرات الأخبار تلك وهذه (البريكات) المتكررة، فمن أين للمواطن المسكين أن يعرف بأن قائده الجديد يتمتع بهذا الحس الوطني العميق ويمتلك  كل هذه المزايا الحميدة، وهو، أي المواطن المسكين، غارق حتى إنفه بهموم الحياة المعيشية وضروراتها اليومية الملحة. فيشكر ربه على هذه النعمة التي وفرت له التعرف على أفضل المزايا وأسماها عبر الإعلام الوطني، لأناس لا يحلم يوماً أن يقترب منهم ولو من بعد مئات الأمتار.
ولابأس في إعادة تلخيص بعض تلك الخطوات نحو الديمقراطية والتي قام بها المجلس الثوري بشخص القائد ومنها:
أولاً: التحول من الحكم الفردي الديكتاتوري المستبد السابق إلى الحكم الجماعي والتعددية الحزبية. وهذا يعني تشكيل مجلس قيادة أعلى أو جبهة من بعض التيارات أو المجموعات الموالية تحت اسم أحزاب وطنية، بشرط أن يحظى القائد دائماً أو من ينيبه عنه بسلطة اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً في أي شأن من الشؤون. ولصيانة وحدة الصف والموقف لهذه الجبهة، يفترض بالآخرين الموافقة بحماس واندفاع. وهكذا يمكن تحقيق الموازنة الصعبة بين عدم التفرد باتخاذ القرار وبين وحدة الصف الضرورية لمواجهة القضايا المصيرية.هذه السياسة الحكيمة التي انبثقت عنها عبقرية القائد، لم يتوصل إليها الغرب وديمقراطياته الهشة بكل ما يدعيه من تقدم وإبداع. وإن ارتؤي  لدواعي معينة توسيع هذه الجبهة وزيادة "الأحزاب" المنضمة إليها يتم الإيعاز من طرفٍ خفي إلى البعض ممن (يمون) عليهم القائد فيقومون بحركة انشقاق داخل حزبهم. وهكذا يكون قد انضم (حزب) جديد أو أكثر للجبهة مما يوسع منطقياً القاعدة الجماهيرية  لها. وبالتالي تطبيق أمثل للديمقراطية. وكل من هو خارج هذه الجبهة، التي غالباً ماتحتكر اسم الوطنية، فهو بلا شك غير وطني وخائن وعميل ومصيره سيظل مجهولاً إلى أن يقضي الله بأمره.
ثانياً: تجسيد التمثيل الشعبي الحقيقي ببرلمان أو مجلس شعب، والتسمية الأخيرة أصدق تعبيراً عن واقع الحال. لأن أعضاءه سيكونون من عامة الشعب ومن الطبقة الفقيرة، حالهم حال القيادة ذاتها. بعكس ما هو حاصل في الغرب حيث من يملك المال وحده يستطيع أن يترشح وينفق على حملاته الانتخابيه، ويظل الفقير محروماً عملياً رغم حقه الدستوري في ذلك. وإن حصل واغتنى حتى التخمة أحد ممثلي الشعب أو أحد أعضاء القيادة الموهوبين (بجهدهم وعرقهم) وهم كثر، فإن ذلك سيكون وبكل تأكيد بعد تحمله المسؤولية وليس قبلها. ولحسن سير العملية الديمقراطية يفترض أن يساق الناس إلى صناديق الانتخاب للإدلاء بأصواتهم التي (وهم يعلمون ذلك) لا تقدم ولا تؤخر، ولا مانع والحال هذه أن تواجه القوائم التي تختارها القيادة من أصحاب المواهب الفذة ممن يحسنون التعامل في بعض المجالات التي لايحسن التعامل فيها غيرهم، أن تواجه بأسماء بعضٍ ممن ركبوا رؤوسهم وأصروا على الاستمرار رغم يقينهم بانسداد أفق النجاح. وهذا بالتأكيد يضفي على النموذج الديمقراطي العربي المبتكر نوعاً من التزيينات الشكلية التي لاغنى عنها.  دون أن يعني ذلك أن أصحاب الرؤوس اليابسة أولئك سيكونون في منجى من سحر (العين الحمرا) التي لايمكن لأحد التكهن بوقت وشكل تأثيرها.
 أما ماذا يفعل هذا المجلس وماهي صلاحياته... فمن المؤكد أن هذا الأمر لايستحق أي عناء للبحث فيه، ذلك لأن القضية أوضح من أن تُشـرَحْ وأبسط من أن يعالجها أي بحث جاد. فلأن القيادة هي أقرب ما تكون إلى الشعب وإحساسها مرهف بنبض الشارع وإرهاصاته من خلال أجهزتها الأمنية التي تحصي على المواطن أنفاسه، ولأن المجلس هو للشعب ويتشكل من ممثليه أصلاً، ولأن هؤلاء الممثلين للشعب لم يعترضوا يوماً على أي قرار اتخذته القيادة أو سياسة ما انتهجتها، فإن هذا خير دليل قاطع وأكيد على عمق التناغم والتلاحم النضالي بين القيادة والشعب عبر ممثليه الذين لم يخيبوا أمل القيادة يوماً. وإذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب، فأي شعب في ديمقراطيات العالم كله حاز على هذا القدر الكبير من التناغم بينه وبين حاكميه..؟
ثالثاً: كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن مؤسسات المجتمع المدني. ولأن القائد لايريدنا أن نتخلف عن ركب الحضارة والتقدم الإنساني الذي باتت الديمقراطية من أبرز سماته، فإن مؤسسات المجتمع المدني من اتحادات ونقابات وجمعيات وغيرها.. التي يتم التحدث عنها قد تجسدت في فكره ومنذ البلاغ رقم (1) بأنجع أشكالها. وهذه المؤسسات التي تضم بين جناحيها كل أطياف المجتمع وعناصره، بحيث لايمكن لأي مواطن أن يبقى خارج إحداها، ستشكل سنداً قوياً للقيادة وأداة فعالة للسلطة في قولبة المجتمع وتطويعه ليتماهى ويتفاعل مع فكر ونهج القائد. لكن هذا الأمر لن يكتمل إلا إذا روعي في اختيار قيادات هذه المؤسسات وإداراتها الأسلوب ذاته الذي تم تطبيقه في مجلس الشعب وأثبت نجاحاً منقطع النظير.   
 ولعل هذا الجواب لأحد الرؤساء العرب الثوريين في مقابلة له قبل سنوات على سؤال لصحفية غربية عن غياب الديمقراطية في نظامه يوضح الصورة أكثر حين عدد لها الإتحادات والنقابات والجمعيات وغيرها من المؤسسات غير الحكومية التي تضم في عضويتها أكثر من  90% من السكان، وأكد بأن كل هؤلاء عبر مؤسساتهم متفقون معه في السياسة التي ينتهجها، فهل من ديمقراطية أكثر شعبية من هذه التي لدينا..؟؟؟ ومع كل هذا مازال الآخرون يتهموننا بغياب الديمقراطية...؟؟؟
لاشك أن أي نظام عربي ممن أسسوا لهذا النوع من (الديمقراطية) يمكنه أن يجيش الملايين من الناس ويسوقهم إلى الشارع ليصرخوا حتى تبح حناجرهم: بالروح.... بالدم.  ولكن لم تتكحل أعيننا يوماً بتجمع ولو من بضعة أشخاص يخرج إلى الشارع ليعبر عن موقف رافض لسياسة أو موقف ما لهذا النظام الديمقراطي حتى العظم دون أن يحدث ما يجعل غيرهم يحجم عن تكرار ذلك.
إنه النموذج العربي للديمقراطية التي تسمح لك بكل ما أوتيت من ملكات بالمديح للقائد وحكمته. ولكن عليك أن تدرك أنك تسير بسرعة فائقة على طريق السياسة السريع  الذي رصفته هذه الأنظمة بعناية، مع التحذير بأنه طريق ذو اتجاه وحيد وأي انعطاف فيه قد يكون مهلكاً ناهيك عن السير في الاتجاه الآخر.



50
مسودة معدلة للمناقشة العامة
مشروع البرنامج السياسي

المقدم إلى المؤتمر العام الحادي عشر
 
للمنظمة الآثورية الديمقراطية
ـ المقدمة:
مرّت المنظمة الآثورية الديمقراطية خلال مسيرتها بمراحل مختلفة، وواجهتها تحديات كبيرة. كيّفت فيها نضالها وآليات عملها تبعاً للظروف السائدة في كل مرحلة. وخلال كل هذه المراحل، وبالرغم من صعوبة العمل السياسي في دول الوطن بشكل عام ،حافظت المنظمة على سلامة هيكلها وبناها التنظيمية، بالتوازي مع تعميق الممارسة الديمقراطية في صفوفها، وتصاعد مسار تطورها الفكري والسياسي، وتجديده باستمرار بما يتواءم وتغيرات الواقع، وتجسيد طموحات وتطلعات شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في الوطن.
وإدراكاً منها بأن هناك العديد من التساؤلات والمهام الجدية والهامة، فرضت نفسها على المؤتمر العام الحادي عشر وما زالت مطروحة على المؤتمر العام الاستثنائي الثالث المزمع عقده بعد عام. فإن المنظمة أجرت مراجعة وتقييماً شاملين لتلك المراحل بإيجابياتها وسلبياتها وخرجت ببرنامج سياسي يمثل خلاصة رؤيتها ومنطلق عملها في المرحلة المقبلة على الصعيدين القومي والوطني. وإذ تطرح المنظمة هذا البرنامج على الرفاق وللنقاش العام فإنها ترنو إلى الإفادة من كل الآراء والانتقادات البنّاءة بهدف إغنائه وإنضاجه.
الفصل الأول
موضوعات هامة

تواجه شعبنا في الوطن مجموعة تحديات تفرض على المنظمة الآثورية الديمقراطية، والتعاطي معها بشكل عقلاني وعملي من أجل دعم مقومات الوجود القومي في الوطن. ومن أبرز هذه الموضوعات:

أولاً ـ مراجعة الذات وتجديد مشروعنا وخطابنا القومي شكلاً ومضموناً بما يتناسب وواقع شعبنا.
قام الفكر السياسي القومي الآشوري على جملة مفاهيم ومرتكزات متأثراً بالفكر الغربي بداية، ثم ما لبثت حركته السياسية أن انبرت في أواسط الخمسينيات وما تلاها لاستنساخ التجارب الحزبية القومية لشعوب المنطقة، حاملة شعارات وطروحات افتقرت إلى النضج السياسي، وكانت مشحونة بالعواطف، واقرب إلى التمنيات منها إلى برامج سياسية تتوخى أهداف عملية وواضحة لنضالها. كونها لم تتفهم طبيعة العمل الحزبي بمعناه المعاصر، ولم تراعِ معنى وإمكانات وواقع الوجود القومي لشعبنا في الوطن، وواقع الدول التي يعيش فيها. لهذا طغى الارتجال على عمل حركتنا السياسية، وفشلت في ترجمة شعاراتها، وتبعثرت جهودها، وانشغلت في قضايا أبعد ما تكون عن الواقع.
ولم تأتِ كثرة الأحزاب وتزايدها في أوساط شعبنا سواء في الوطن أو المهجر وكذلك الجمعيات التي تجاوزت دورها والأغراض التي أنشئت من أجلها لتزاحم الأحزاب على دورها. نتيجة لحاجة موضوعية تنشد التطوير والتجديد في حياتنا السياسية، وإنما تعبيراً عن الصراعات التي تغذّت على الفراغ وقلة الإنجاز، وكنوع من الارتداد إلى مواقع طائفية منغلقة على ذاتها وعلى الآخر القومي كتجسيد لواقع الانقسام والتشظي الذي يعيشه مجتمعنا. وإذا كانت المنظمة الآثورية الديمقراطية وغيرها من القوى العاملة في الوطن، قد استطاعت نسبياً تجديد فكرها وخطابها وآليات عملها تبعاً للظروف المتحركة التي تعيشها المنطقة، فإن المرحلة المقبلة تفرض عليها مسؤوليات أكبر من النهوض بوظيفة تثقيف الأجيال الآشورية بالمعنى السياسي والإنساني لوجودنا القومي، وتشذيب الخطاب القومي ووضعه في سياقاته العلمية والعملية. خصوصاً وأن هناك من حملة الفكر القومي /أحزاب ومؤسسات وشخصيات/ ولا تخلو صفوف المنظمة منهم، ما زال يتبنى خطاباً تقليدياً رومانسياً يدغدغ ويخاطب العواطف، وهو بعيد عن السياسة كلياً، ويعتمد جملاً إنشائية خطابية تبالغ إلى حد الإفراط في رسم التصورات، ورفع سقف الطموحات، وطرح شعارات مستحيلة التحقيق قادرة على تضليل البعض لبعض الوقت، لكن في المحصلة تساعد على تنفير الناس من الحركة القومية، ووسمها بما ليس فيها. ويكاد البعض الآخر يفتقر إلى الحس بالزمن والتطور والحداثة والمتغيرات والوقائع الراهنة، تراه غارق في الماضي وأحلامه الطوباوية، وحملة الفكر الماضوي المستند إلى الحق التاريخي فقط (على أهميته) يغضون النظر عن الواقع، ويتحفظون على أي انفتاح على المكونات الأخرى التي تقاسمنا الجغرافيا وتشاطرنا العيش.
من هنا تبدو الحاجة ماسة لإجراء مراجعة شاملة للفكر القومي ولحركتنا السياسية والبحث عن أسباب الفشل والإخفاق، دون الاكتفاء بإلقاء مسؤولية الفشل على الآخر والظروف فقط. وأول ما ينبغي مراجعته وصياغته مجدداً هو المشروع القومي الآشوري، والنظر إليه برؤية عقلانية موضوعية بعيداً عن العواطف وانطلاقاً من الواقع القائم، وصياغته وفق أسس جديدة وواقعية كفيلة بتبديد الالتباس والغموض الذي اكتنفه، وإزالة حالة التماهي بين الآمال والممكن في خطابنا ومشروعنا القومي، ووضعه في سياقاته الديمقراطية، مع مراعاة الممكن وموازين القوى على الأرض، وفق الأولويات والنضال من أجل تحقيقها بكافة الوسائل السلمية المتاحة. وكمدخل لتبني الواقعية في خطابنا ومشروعنا القومي، ينبغي علينا التأكيد بأن أحزابنا تعبر عن جزء (بغض النظر عن حجمه) من مجتمعنا وليس عن كامل المجتمع، وأن امتلاك الإرادة والقناعة ليس كافياً لتغيير كل شيء، وحل المشاكل المرتبطة بوجودنا، بل إدراك أن السياسة لا تكترث بالأحلام والأوهام وإنما تهتم بعالم الإنسان الواقعي والانشغال به والاشتغال فيه، وأن السياسة العقلانية تنطلق من الواقع إلى الهدف والعمل على ما هو ممكن لا على ما هو واجب التحقق. وهذا يتطلب التعاطي مع السياسة بذهنية احترافية وتخصصية. وعلينا الاعتراف بأن شعبنا لا يعيش في جزر معزولة، وإنما هو جزء من الأوطان التي نعيش فيها، وجزء من العالم الحديث والمعاصر، وفكرنا وثقافتنا جزء من فكره وثقافته. والإيمان بأن نيل حقوقنا القومية في الوطن لا يمكن أن يحصل إلا من خلال حلول وطنية ديمقراطية تحظى بتفهم وقبول شركائنا في الوطن. بهذا نكون قد وضعنا اللبنة الأولى على طريق التفكير السياسي الواعي المدرك لذاته وللآخر.

ثانياً ـ الانفتاح والعلنية:
نعيش اليوم في ظل العولمة حيث أضحى العالم قرية صغيرة، بفعل الثورة التكنولوجية الهائلة التي أفرزت مفاهيم وقيم كونية جديدة فرضت الاهتمام بشكل متزايد بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات، باعتبارها مرتكزات أساسية لبناء الدول والمجتمعات العصرية القادرة على الانخراط في الحراك الكوني، ولم يعد ممكناً تجاهلها أو التغاضي عنها . إن شعبنا وقواه السياسية بالطبع معني بهذه القضايا بدرجة كبيرة، لأنها تصب في خدمة تطلعاته القومية في الدول التي يعيش فيها. وفي هذا السياق جاء قرار المؤتمر العام العشر للمنظمة الآثورية الديمقراطية، أيلول عام 2003، بتبني خيار الانفتاح والعلنية كخيار أساسي نابع من الظروف الخاصة التي يمر بها شعبنا، وضرورة الخروج من حالة العزلة والانكفاء على الذات التي فرضتها ظروف القهر والقمع على كل الأحزاب المعارضة في المرحلة السابقة، والانتقال إلى آفاقٍ أوسع وطنياً، تضمن فهماً أعمق لقضيتنا وحقوقنا ومطالبنا، وتضامناً وتعاطفاً أكبر من شركائنا في الوطن. وبموجب هذا الخيار تم التخلي نسبياً عن الحذر الذي لازمنا طويلاً، وتم التخفيف من قيود السرية التي حدت من فاعلية قدرات وطاقات رفاقنا خصوصاً في المهجر.

واتخذ الانفتاح الذي سارت عليه المنظمة وجهتين:
الأولى ركزت على الانفتاح على مختلف شرائح شعبنا، وتعميق التواصل مع نخبه ومؤسساته وقواه السياسية أياً كانت تسميتها.
والثانية أكدت على ضرورة الانفتاح على كافة مكونات الوطن من عرب وأكراد وأرمن وغيرهم، وأهمية التفاعل مع الأحداث والتطورات التي يمر بها الوطن، وبناء أفضل العلاقات مع القوى الوطنية الديمقراطية.
 وحقق هذا النهج نجاحا مقبولا، إذ بات وجود شعبنا يلقى تفهماً أكبر من قبل النخب السياسية والفكرية في دول الوطن والمهجر، وبالقياس إلى الجهود المبذولة من قبلها، فإن المنظمة حققت حضوراً مقبولاً خصوصا في الساحة السورية، نتيجة لتواصلها مع مختلف القوى الوطنية، وتعاملها بفاعلية وإيجابية مع كل الأحداث الاجتماعية والسياسية، ومشاركتها في الحوارات والأنشطة والمنتديات السياسية، التي انتهت بالانضمام إلى "إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي".
ورغم أهمية هذه النجاحات، إلاّ أن هذا النهج اصطدم بعقبات وعراقيل عديدة حدّت من انطلاقته وزخمه، بعضها ناجم عن النظام الشمولي القائم (وذراعه الأمنية) الذي لم  يتسامح مع أي نشاط سياسي علني ومستقل، ولجوءه مؤخرا لحملة اعتقالات بهدف وقف تقدم الحركة الوطنية الديمقراطية المعارضة ممثلة بإعلان دمشق. وبعضها الآخر ناجم عن حالة ضعف أداء وتردد وحذر لدى معظم القوى السياسية المعارضة ومنها المنظمة، إضافة لنقص الخبرة بالعمل السياسي العلني وموجباته وبأسلوب العمل الجبهوي، لا سيما المعارض منه.
بلا شك أن النضال السلمي المطلبي، يدفع إلى اعتماد العلنية في العمل السياسي، ويمثل هذا تحدياً واختباراً جدياً للمنظمة في إثبات حضورها الفاعل على المستويين القومي والوطني كتنظيم سياسي يحمل آمال وتطلعات شعبنا، وليس مجرد إطار اجتماعي يخصّ أعضاءه فقط. وبالطبع فإن هذا لن يكون سهلاً. فالعلنية ضريبتها لا تقل عن ضريبة العمل السري إن لم تكن أكبر. وتتطلب تطوير الاستعدادات والإمكانات القائمة نحو المزيد من العطاء والتضحية، ومواكبة مستمرة للتطورات والمستجدات، وتجديداً دائماً على صعيد الفكر والممارسة السياسية بدءاً من توسيع الممارسة الديمقراطية في صفوف المنظمة، ومروراً بالانفتاح والتواصل مع كافة مؤسسات وقوى شعبنا بروحٍ وذهنيةٍ جديدة، وصولاً إلى التلاقي مع شركائنا في الوطن.
إن أية قومية ذات مضمون وتوجه إنساني وحضاري، لا يسعها إلا أن تقبل بالآخر المختلف، وشعبنا يحتاج إلى مصادقة جميع شركائه. وعندما نطرح الانفتاح لا نطرحه كشعار بل كخيار أساسي وجوهري يحتم علينا تحمل مسؤولياتنا بصدق وإخلاص، والتحلي بالجرأة في الانفتاح على شركائنا وبناء أوثق العلاقات معهم بعيداً حساسيات الماضي والأفكار المسبقة، فشعبنا لا مستقبل له خارج إطار العيش المشترك، وقيم الشراكة، ولا يمكن بناء مستقبل على الصراعات والأحقاد والخوف من الآخر. وإنما بالانفتاح ومد جسور التواصل مع الآخر الذي هو شريكنا في الوطن، وبهذا نصون وجودنا وتتعزز الثقة المتبادلة بيننا وبين شركائنا بالوطن. ونجد أن تنامي دور المنظمة في هذا المجال يصب في خدمة الحركة الوطنية الديمقراطية في سوريا، ويساهم في تنشيط دور التيار العلماني، وتكريس المشروع الوطني الديمقراطي، وترسيخ قيم الاعتدال والتسامح في المجتمع، مقابل تصاعد النعرات الطائفية، وتنامي النزعات الأصولية المتطرفة. ونجد في هذا سبيلاً لا بديل عنه، ولا محيد عن السير فيه، وإذا لم نقم بذلك، نكون قد أخرجنا أنفسنا وبإرادتنا من المعادلة الوطنية، ونخاطر بمصير شعبنا وندفعه للمزيد من التهميش.

ثالثاً ـ التسمية والهوية القومية:
بعد احتلال العراق وسقوط نظام صدام الدكتاتوري بفترة وجيزة، ومع حلول الاستحقاقات الدستورية، وبروز حتمية إدراج اسم شعبنا في الدستور بما يعكس وحدته القومية ووحدة مطالبه. تعالت أصوات الاعتراض من مجموعات، اتخذت من تعدد تسميات شعبنا وطوائفه ذريعة لتحقيق مصالح ومكاسب سريعة في العراق الجديد، على حساب وحدة شعبنا ووحدة هويته القومية. ولم تفلح الجهود المخلصة التي سارعت لتطويق هذا الأمر عبر ابتكار صيغ مركبة توفيقية في قطع الطريق على استغلال قضية التسمية لبث الفرقة في صفوف شعبنا. وجاء الدستور ليعكس هذا الانقسام. وخلق ذلك بلبلة واسعة ليس في أوساط شعبنا فحسب، بل في صفوف شركائنا الذين احتاروا بأية تسمية ينادوننا، فلم يجدوا أمامهم سوى إسقاط هويتنا القومية، ومخاطبتنا بهويتنا الدينية (وبشيء من الخبث).
وللأسف فإن انتكاسة الدستور لم تدفع نخب شعبنا وقواه السياسية إلى الاتعاظ وأخذ العبر ومراجعة الذات، وضرورة العودة سريعاً إلى توحيد الجهود والصفوف لتصحيح الخلل الدستوري الحاصل. بل على العكس أمعن البعض في توسيع نطاق حرب التسميات وهي حرب عبثية لا طائل من ورائها، يغذيها متطرفون ومتعصبون من هذا الطرف أو ذاك. وجرى التعاطي معها بشكل غير عقلاني وغير مسؤول، إذ استنفرت المشاعر العدائية بين أبناء الشعب الواحد، وذهب البعض إلى حد تسخيف وتحقير هذه التسمية أو تلك بدلاً من أن يعتز ويتفاخر بها. والكثير من السجالات والنقاشات والكتابات التي تناولت موضوع التسمية (يستثنى من ذلك كتابات علمية وموضوعية) تعاطت معها بسذاجة ورعونة غير مسبوقة. إذ تجاهلت وعن قصد المشتركات الحضارية والثقافية واللغوية والدينية التي توحد شعبنا، ولم تلتفت لحقائق الواقع والتاريخ، ولا للأخطار التي تحيق بوجود شعبنا، وتناست أن شعبنا ليس حالة فريدة بين الشعوب، فكل الشعوب القديمة لها تسميات متعددة وهذا أمر طبيعي واليونان خير مثال على ذلك. والأدهى من ذلك محاولة البعض إسقاط هذه التسميات على الطوائف، وجعلها حكراً بهذه الطائفة أو تلك. وإذا كان هذا يصح ويتماشى مع الواقع في بعض الوجوه. إلا أن وثائق التاريخ ومراجعه لا سيما تلك التي ورثناها عن آبائنا قبل غيرهم. تدحض هذا الكلام. فالآشورية بالمعنى الحضاري والسياسي لم تكن يوماً حكراً على طائفة بعينها. والكلدانية البابلية تمثل واحدة من أزهى حقبنا الحضارية ولا تخص كلدان اليوم فقط. والسريانية أوسع من أن تمتلكها طائفة واحدة، وكذا الأكدية والآرامية، ومنها جميعاً تشكل وعينا ولغتنا وثقافتنا، وتحددت معالم هويتنا الحضارية والإنسانية، وهي كلها تسمياتنا وملك لشعبنا ولا ينازعنا عليها أحد فلماذا نفرط بها؟ وهي مصدر غنى وثراء لوجودنا.
وبناءً على ما تقدم فإن المنظمة الآثورية الديمقراطية تؤكد:
ـ أن شعبنا بكل تسمياته الكلدانية، السريانية، الآشورية، البابلية، الآرامية، الآكادية هو شعب واحد ولسنا شعوباً متعددة، اعتماداً على كل الأسس والتعاريف الأنتروبولوجية والتاريخية واللغوية والدينية، ونحن كيان واحد.
 ـ إن تبني المنظمة الآثورية الديمقراطية للاسم الآشوري كعنوان لنضالها السياسي هو خيار قومي أصيل فرضته اعتبارات تاريخية وحضارية وسياسية اقترنت بالحركة التحررية لشعبنا مطلع القرن العشرين، ومن خلاله عرفت قضيتنا في المحافل الدولية، وبه بشر رواد النهضة القومية من كل الطوائف.
ـ إن تمسكنا بالاسم الآشوري لا يعني رفضاً أو إقصاءً لتسميات شعبنا الأخرى، بل يستوعب ضمناً كل تسمياتنا وفق مراحلها التاريخية وسياقها الحضاري وهي تسميات نعتز بها جميعاً دون أي تمييز أو مفاضلة بينها.
ـ إن تسميات: سريان، سورايا (سورويو)، سوريايا (سوريويو)، آسورايا، آثورايا هي نحت لفظي مشتق من الاسم الآشوري وهي مساوية له، وفق الأدلة والبراهين التي قدمها ويقدمها الاختصاصيين في لغتنا الأم.
ـ إن استخدام أحزاب ومجموعات من شعبنا، لأي من تسمياتنا بشكل منفرد أو مركب، لا نعتبره سبباً للخلاف أو الخصومة معها، ونتعامل معها على أنها إحدى تسمياتنا، ووفق البعد القومي الوحدوي الذي تنطوي عليه.
ـ إن لغة شعبنا هي اللغة السريانية (وريثة الآرامية) بلهجاتها الفصحى والعامية وتجسد أهم المشتركات بين طوائف شعبنا.
إن جميع النخب والقوى العاملة في الساحة القومية مدعوة لتحييد موضوع التسمية وإخراجه من دائرة الافتعال والنفاق والمزايدة، وتوجيه جهودها للتركيز على وحدة شعبنا بكل تسمياته وكنائسه وطوائفه، لأن الوحدة هي ضمانتنا لنيل حقوقنا واستمرار وجودنا ومعالجة المشاكل والأخطار التي تتهدد هذا الوجود.
ولندرك تماماً أن عظمة الثالوث المقدس هي في وحدته وليس في فرقته، وان النضال كآشوريين فقط، أو كسريان فقط، أو ككلدان فقط لن يقودنا إلا إلى الفشل والضياع.
الفصل الثاني

على الصعيد القومي
في مجال الحقوق والمطالب القومية:
أولا: في سوريا
1 ـ الإقرار الدستوري بشعبنا كشعب أصيل في سوريا، وضمان حقوقه السياسية والثقافية والإدارية، واعتبار لغته وثقافته السريانية لغة وثقافة وطنية، والعمل على حمايتها وإحيائها وتطويرها من خلال فتح مدارس ومعاهد وأقسام خاصة في الجامعات.
2 ـ دعم وتشجيع الآداب والفنون الآشورية (السريانية) من خلال السماح بإصدار صحف ومجلات خاصة، وإنشاء جمعيات تهتم بها، وتخصيص ساعات وبرامج في وسائل الإعلام الوطني المرئية والمسموعة تعنى باللغة والثقافة السريانية.
3- تمثيل عادل لشعبنا في الإدارات الحكومية والهيئات التمثيلية المحلية والمركزية.

ثانياً ـ في العراق:
أ‌-   المطالبة بتعديلات بالدستور العراقي الاتحادي ، وفي مشروع دستور " إقليم كردستان" المزمع إصداره، بما ينص على:
1-    إيراد أسم شعبنا تحت تسمية موحدة،  وفق أية تسمية قومية مفردة أو مركبة يجمع عليها شعبنا في العراق كالتسمية المركبة " الكلدانية السريانية الآشورية".
2-   الاعتراف الدستوري بشعبنا في العراق كشعب أصيل، وضمان حقوقه الثقافية والسياسية والإدارية لشعبنا بما فيها حقه بالحكم الذاتي في المناطق التي يشكل فيها أكثرية عددية، تكون عائديته الإدارية وفق ما يستقر عليه رأي شعبنا من خلال استفتاء عام.
3-   تحميل الحكومة العراقية ودول التحالف وخصوصا أمريكا وبريطانيا مسؤولية حماية شعبنا في العراق كونه أصبح مستهدفا بوجوده بالكامل من قبل المنظمات الأصولية المتطرفة.
4-   دعوة الأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي حول واقع ومستقبل وحماية وجود وحقوق شعبنا في العراق وواقع ومستقبل مجمل الأقليات القومية والدينية التي تتعرض لخطر حقيقي يستهدف وجودها بالكامل في العراق.
ثالثا: في تركيا
1 ـ اعتراف الحكومة التركية بجريمة الإبادة الجماعية (السيفو) التي تعرض لها شعبنا خلال الحرب العالمية الأولى، التي راح ضحيتها نصف مليون من الأبرياء من أبناء شعبنا، مع كل ما يترتب على هذا الاعتراف من تبعات قانونية وفق أحكام القانون الدولي من حق العودة واستعادة الأراضي والممتلكات المسلوبة والتعويضات المالية، وطلب الاعتذار من شعبنا.
2- الاعتراف الدستوري بشعبنا كشعب أصيل وضمان حقوقه السياسية والثقافية دستوريا.

رابعا:ً في لبنان وإيران
نفس المطالب كما وردت في البنود الثلاثة السابقة من اعتراف دستوري بوجود شعبنا وضمان حقوقه القومية والوطنية ضمن إطار وحدة هذه الدول.
ـ الهجرة
ارتبطت هجرة شعبنا إلى دول الاغتراب بظروف مأساوية قاهرة أجبرت الكثير من أبنائه على ترك أوطانهم (سوريا، العراق، تركيا، إيران، لبنان) نتيجة تعرضه لسلسلة من الاضطهاد والقتل خلال القرون الأخيرة، والإبادة الجماعية خلال الحرب العالمية الأولى، والتي أعقبها جريمة سيميل عام 1933 بالعراق، واستمرار معاناته بسبب سياسات التمييز القومي والديني ومن الحرمان من حقوقه القومية، وغياب الحريات، واضطراب الأوضاع السياسية والاقتصادية في دول المنطقة. مما أضعف من وجوده ودوره الحضاري وبنيانه الاجتماعي.
وبسبب احتلال العراق وتنامي الاتجاهات الأصولية التكفيرية، والقلق على المصير الناجم عن انعدام شروط الأمان والاستقرار، وتدهور الأوضاع السياسية والمعاشية، ازدادت في السنوات الأخيرة وتيرة هجرة شعبنا في العراق ووصلت مستويات خطيرة، ينذر استمرارها بإفراغ المنطقة من أحد أعرق مكوناتها الحضارية والإنسانية الأصيلة.
لم تتمكن المنظمة ومعها كل القوى القومية في معالجة مشكلة الهجرة، رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها وفق طاقاتها وإمكاناتها، لأنها تحتاج لإمكانات كبيرة لا تقوى على توفيرها إلا الدول، التي للأسف بقيت حكوماتها في موقف المتفرج إن لم نقل في موقف المشجع.
إننا نرى أن واجب الحكومات والقوى الوطنية والديمقراطية أيجاد معالجات عملية لموضوع الهجرة باتجاه توفير أجواء الاستقرار والأمان. وإتباع حلول سياسية ديمقراطية تمنح أبناء شعبنا والمسيحيين عموماً الثقة بالوجود والمستقبل على أساس المساواة والتكافؤ مع بقية الشركاء في الوطن باعتبارها قضية وطنية بامتياز.
ويقع على شعبنا في المهجر عبر مؤسساته وقواه القومية دعم وجود شعبنا في الوطن، والتواصل معه عبر  تنظيم وتنفيذ برامج للزيارات إلى الوطن وخاصة للأجيال الشابة بقصد التواصل والتعرف على واقع شعبهم، وتقوية روابطهم معه وعبر توجيه وتشجيع رؤوس الأموال في المهجر للاستثمار وإقامة مشاريع اقتصادية في الوطن.

شعبنا في المهجر
نعتقد بوجود إمكانيات كبيرة لدى شعبنا في المهجر، ويتواجد جاليات كبيرة في معظم دوله، في روسيا وأوروبا وأمريكا واستراليا. وله مؤسسات ثقافية واجتماعية وإمكانيات علمية واقتصادية وثقافية. ما يحتاجه شعبنا هو خلق آليات تواصل وتعاون وتنسيق بين هذه المؤسسات لتكوين قوة كبيرة مؤثرة في المهجر يتوجب استثمارها لتقديم الدعم اللازم لكل القضايا القومية على شعبنا في المهجر أن يقوم بدورين هامين، الأول الاندماج الايجابي في مجتمعه مستفيدا من طاقاته في كل مجالات الحياة وتسخيرها لخدمة القضية القومية بالوطن، والثانية الحفاظ على هويته وثقافته القومية وحمايتها من الانصهار في الثقافة الغربية.
برأينا من الآليات المقترحة لتفعيل قوى شعبنا في المهجر ما يلي:
1-   إقامة مؤتمر (كونفينشن) عالمي سنوي يشترك فيه كل أحزاب ومؤسسات وقوى شعبنا في المهجر يكون منبرا سنويا وساحة للتواصل وتبادل الخبرات وخلق آليات للتواصل والتعاون في كل الميادين الاقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية. وينتج عنه سنويا لجنة قيادية تمثل كل الأحزاب والقوى والمؤسسات المشاركة وتتكلم باسمها وتنقل خطابها للرأي العام القومي والدولي.
2-   إنشاء مركز إعلامي قومي مشترك ينتج عنه فضائية تنقل الخطاب القومي المشترك.
3-   تنظيم توجيه وتشجيع رؤوس الأموال في المهجر، للاستثمار وإقامة مشاريع اقتصادية في الوطن.
4-   توجيه وتشجيع رؤوس الأموال في المهجر للاستثمار وإقامة مشاريع اقتصادية في الوطن.
5-   إقامة علاقات تعاون وتنسيق مع ممثلي القوى والفعاليات الوطنية في المهجر.

خامساًً ـ العمل القومي المشترك: (مع أحزاب ومؤسسات وكنائس شعبنا)
يمثل النشاط السياسي الحزبي في الوطن مركز الثقل في الجهد القومي الهادف إلى نيل الاعتراف بالوجود القومي وتحقيق التطلعات القومية المشروعة لشعبنا في الوطن. ورُفِدَ هذا النشاط من العديد من المؤسسات القومية في المهجر من أندية واتحادات وجمعيات بكل الوسائل المتاحة. لكن ما تحقق من إنجازات محدودة لم ترتقي لمستوى طموحات شعبنا، وسبب ذلك يعود إلى القصور البنيوي في تركيبة معظم أحزابنا التي ظلّت مقتصرة على النخب، فيما بقيت شرائح واسعة من شعبنا بعيدة عن الأحزاب وعن الاهتمام بالشأن القومي.
إننا نعتبر أن العمل القومي المشترك يشكل أحد التحديات الأساسية التي ينبغي على شعبنا وحركته السياسية مواجهتها بأسرع ما يمكن، وإزالة كل المعوقات التي تحول دون الوصول إلى أعلى درجات التنسيق والتفاهم بين أحزابنا ومؤسساتنا. والمنظمة الآثورية الديمقراطية تؤمن وتدرك أن النهوض بأعباء القضية القومية لشعبنا لا يقوى عليه طرف بمفرده، وإنما هو مسؤولية جماعية، تتطلب مشاركة كافة الأحزاب والمؤسسات والأفراد من خلال أطر عملية ومرنة، تضمن التوافق على الرؤى والأهداف، ومجالات التنسيق وآليات العمل مع الأخذ بالاعتبار الفوارق والخصوصيات التي تميز كل ساحة من الساحات والاستفادة من كل الطاقات المتوفرة فيها لتعزيز وجودنا القومي، ودعم مطالبنا العادلة. وترى المنظمة بأن العمل المشترك ليس حكراً على أحد وإنما هو مجال مفتوح أمام الجميع ويجب أن يشمل.

أ ـ الأحزاب القومية:
تشكل أحزابنا القومية المرتكز الأساس للعمل السياسي والعامل الأهم في بلورة إطار للعمل المشترك لذا فإن المنظمة ستعمل على:
1 ـ إطلاق حوار جاد مع أحزابنا السياسية ودعوتها إلى التحاور فيما بينها من أجل تقريب وجهات النظر، وتنسيق المواقف والرؤى فيما بينها وبناء علاقات عمل وتعاون معها، وصولاً إلى تشكيل ائتلافات قائمة على أساس الثقة والاحترام المتبادل.
2- عقد مؤتمر قومي عام تشارك فيه جميع أحزابنا ومؤسساتنا، بهدف توحيد الخطاب القومي وبلورة رؤية مشتركة لأهدافنا ومطالبنا القومية.
3- تعميق التواصل مع أبناء شعبنا، وتعزيز الثقة بمؤسساتنا القومية، ونيل الدعم لجهود العمل القومي المشترك، ورفد حركتنا القومية بالإمكانات والقدرات اللازمة لاستمرارها.
ب ـ المؤسسات القومية:
 تعتبر مؤسساتنا القومية العاملة في الوطن والمهجر من جمعيات وأندية واتحادات ومجالس شعبية ومؤسسات إعلامية وثقافية واجتماعية شريكاً فاعلاً ومؤثراً في الجهد القومي، لما لها من تواصل مع الناس، وقدرة على جذب واستقطاب شرائح وشخصيات هامة من أبناء شعبنا. لذلك فإن المنظمة تعمل على:
1 ـ حث المؤسسات على الارتقاء بأدائها وتفعيل دورها في دعم الوجود القومي لشعبنا في دول الوطن.
2 ـ التعاون والتنسيق مع المؤسسات من أجل تحقيق الأهداف والغايات التي أنشئت من أجلها على الصعد الثقافية والاجتماعية والإعلامية والسياسية.
3 ـ الحفاظ على استقلال وحياد هذه المؤسسات، وتجنيبها الصراعات الحزبية والمناطقية والدينية.
4 ـ التوجه نحو الفعاليات الثقافية والفكرية والأكاديمية والاقتصادية من الشخصيات المستقلة ودفعها للتعاون مع مؤسسات شعبنا والاستفادة من خبراتها وإمكاناتها بهدف خلق أطر اختصاصية ومراكز بحثية تُعنى بشؤون وقضايا شعبنا في مختلف المجالات.

ج ـ العلاقة مع الكنيسة:
إن كنائسنا بمختلف تسمياتها السريانية الكلدانية الآشورية وبمختلف تنوعاتها المذهبية (أرثوذكسية، كاثوليكية، إنجيلية، مارونية...)، تحظى بمكانة متميزة لدى أبناء شعبنا، وهم شديدو التعلق بها، تقديراً لدورها التاريخي والحضاري في صون لغتنا وثقافتنا القومية واحتضان  القيم والمبادئ المسيحية التي أضحت عنصراً أساسياً من مكونات هويتنا، وحفظ كياننا الاجتماعي، وتنمية الجوانب الروحية وإشاعة قيم الخير والمحبة والسلام في مجتمعنا ووطننا. ولم تفقد دورها ولا مكانتها، بل على العكس هما آخذان بالتنامي بالتوازي مع توسع المد الديني في عموم المنطقة وزيادة التوترات الدينية والإثنية فيها. وهذا يفرض عليها مسؤوليات وأعباء إضافية تقتضي منها مقاربة وأداءً مختلفين في التعاطي والتفاعل مع هموم ومشاكل رعاياها والتماهي مع تطلعاتهم، خصوصاً وأن هناك أخطاراً جدية تحيق بالوجود الديني والقومي لشعبنا في المشرق، فضلاً عن مشاكل وأخطار الذوبان والانصهار في المهجر.
إن المنظمة الآثورية الديمقراطية في علاقتها مع كنائس شعبنا تنطلق من عدة اعتبارات:
1 ـ احترام المؤسسات الكنسية ومرجعياتها الروحية، ودورها التاريخي والحضاري.
2 ـ الحفاظ على وحدة كنائسنا، وعدم إقحام الكنائس ومرجعياتها في الصراعات الحزبية الضيقة.
3 ـ بناء أفضل العلاقات مع كنائسنا وقياداتها الروحية باتجاه كل ما يخدم وحدة شعبنا ويحافظ على لغته وهويته، ويصون مصالحه، وبما يعزز حضوره القومي والإنساني.
4 ـ التنسيق والتعاون مع مؤسسات الكنيسة ومرجعياتها الروحية في تنمية الجوانب الثقافية واللغوية والاجتماعية والتربوية، وفي حل المشاكل المختلفة مع شركائنا في الوطن، بما يصون ويقوي العيش المشترك، ويعزز الإخاء والسلام والاستقرار في المجتمع.
 وتعمل المنظمة الآثورية الديمقراطية على:
ـ حث كنائسنا على التمسك بلغتها السريانية في الطقوس والآداب والمدارس، والحفاظ على هويتنا وخصوصيتنا الثقافية.
ـ تشجيع الكنائس ومؤسساتها على بذل المزيد من الجهد والاهتمام بالأوضاع الاجتماعية والمعاشية لشعبنا والنهوض بها. وتفعيل دورها في حالات الطوارئ والأزمات التي يمر بها شعبنا (كالتهجير القسري، واللجوء.. وغير ذلك ).
ـ توجيه جهود كنائسنا في المهجر واستثمار إمكاناتها وعلاقاتها، لدعم الوجود القومي والإنساني لشعبنا في الوطن.
ـ توسيع انخراط المؤسسات الكنسية والمرجعيات الروحية في دعم القضايا والتوجهات القومية والوطنية لشعبنا لا سيما في القضايا الأساسية المتعلقة بوحدة شعبنا.
ـ حث المرجعيات الدينية لشعبنا على تشكيل إطار وملتقى حواري دائم لكنائسنا المشرقية من أجل تجاوز خلافاتها السابقة، وتنسيق الرؤى والمواقف حيال مجمل قضايا شعبنا.

سادساً ـ المـــرأة:
إن بناء مجتمع ديمقراطي عصري ومعافى لا يمكن أن يتحقق بدون إعادة الاعتبار إلى المرأة ودورها ومكانتها، من خلال رفع وإزالة كل القيود والقوانين والأعراف التي تحط من كرامتها الإنسانية، وتحد من مشاركتها الفاعلة في المجتمع، وعلى قدم المساواة مع أخيها الرجل.
لذا تعمل المنظمة الآثورية الديمقراطية من أجل:
1 ـ إصدار التشريعات والقوانين الكفيلة بتحرير المرأة والنهوض بدورها، وممارسة كامل حقوقها السياسية والثقافية والاجتماعية.
2 ـ رفع مستوى الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي والتربوي لدى المرأة، وتنمية الثقافة الحقوقية، وثقافة المساواة بين مختلف عناصر المجتمع.
3 ـ حث المرأة على الانخراط في الشأن العام، ومساعدتها على تبوء مواقع متقدمة في أحزابنا ومؤسساتنا ومجتمعنا.
4 ـ دعم المنظمات والجمعيات النسوية وأنشطتها، وحثها على الانفتاح والتواصل مع كافة التجمعات النسوية الوطنية.

سابعاً ـ الشـــباب:
الشباب هم جسر العبور إلى المستقبل، وعنوان الحيوية والتجدد. والاهتمام بهم يعني امتلاك المستقبل. وعليه فإن المنظمة تعمل من أجل:
1 ـ تأهيل الشباب وترسيخ ثقافتهم القومية وتعريفهم بهويتهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم.
2 ـ تطوير ثقافة حقوق الإنسان والاهتمام بالتكوين السياسي للأجيال.
3 ـ دعم ورعاية قيام منظمات وتجمعات شبابية وطلابية، وتقوية الحس المدني، والانخراط في الشأن العام والتخلي عن السلبية.
4 ـ تشجيع الشباب على الانضمام إلى الجمعيات الحقوقية والثقافية، والتواصل والانفتاح على التجمعات التي تمثل كل مكونات الوطن.
5 ـ رعاية واحتضان الفرق الفنية والرياضية والاهتمام بالتراث واللغة السريانية والثقافة القومية والفنون ونشرها على نطاق واسع.
6 ـ تشجيع ودعم الشباب في مجالات التحصيل العلمي المختلفة.
7 ـ خلق منظومة تواصل عصرية مع المجموعات الشبابية في الوطن والمهجر، وتنمية روح المبادرة والحوار، وترسيخ مفاهيم القبول بالآخر.
8 ـ إفساح المجال أمام الشباب وإعطائهم فرص التعبير عن أنفسهم ودفعهم لتبوء مواقع قيادية في أحزابنا ومؤسساتنا.
9 ـ تشجيع الشباب على الاهتمام باكتساب خبرات في مجالات الكومبيوتر، وتعلّم اللغات، ودراسة العلوم الإنسانية بمختلف فروعها واختصاصاته.
الفصل الثالث

على الصعيد الوطني
عمل المنظمة في الساحة الوطنية السورية:
يعتبر شعبنا أقدم الشعوب التي سكنت بلاد الرافدين وسوريا الطبيعية، موطنه التاريخي. وتربط أبناء شعبنا أياً كانت جنسياتهم ومواطنهم علاقة روحية خاصة بسوريا كونها استمدت اسمها من اسمهم. وفي العصر الحديث لعبوا دوراً بارزاً بالتعاون مع شركائهم العرب والأكراد والأرمن وغيرهم في تقدمها وازدهارها وإنجاز استقلالها الوطني، وفي نمو وتطور الهوية الوطنية السورية التي تعثرت منذ أواخر خمسينات القرن الماضي مع مرحلة الوحدة بين سوريا ومصر، واستمرت مع تسلم حزب البعث السلطة.
إن جزء كبير من مشكلة شعبنا، تتكثف في المستوى السياسي المرتبط بأوضاع ناجمة عن الاستبداد السياسي المقرون بالتعصب القومي والديني في أحيان كثيرة. ويدرك شعبنا ونخبه السياسية أن الاعتراف بوجوده ونيل حقوقه القومية لا يمكن أن يتحقق إلا عبر حل وطني ديمقراطي. لهذا يجد مصلحة فعلية وحقيقية في قيام الدولة الوطنية الديمقراطية وبناء نظام ديمقراطي علماني يرسي دعائم القانون والمؤسسات. لأن مثل هذه الدولة تضمن القضاء على التعصب القومي والديني والمذهبي وغير ذلك من ألوان التعصب، ولأنها تضع حداً للاحتكار والاستئثار، وتوفر الفرص لتحقيق الاندماج والوحدة الوطنية، وإزالة الحواجز بين القوميات والأديان. وهي شرط ضروري ولازم لنيل الحقوق المدنية والسياسية والثقافية. وبسبب الترابط والتلازم الجدلي بين النضال القومي والوطني. فإن المنظمة الآثورية الديمقراطية لم تهمل واجباتها ومسؤولياتها الوطنية. بل انخرطت في العمل الوطني، وتفاعلت مع القضايا الوطنية، ونسجت علاقات مع العديد من القوى السياسية الوطنية، وصولاً إلى الانضمام إلى ائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي السلمي التدرجي الذي يمثل حالة متقدمة لم تشهدها الحياة السياسية السورية، كونه ضم طيفاً واسعاً من القوى الوطنية من مختلف المشارب القومية واليسارية الليبرالية والإسلامية المعتدلة المؤمنة بالتحول الديمقراطي السلمي التدرجي بالاعتماد على طاقات وإمكانات الشعب السوري وقواه الحية كسبيل وحيد للوصول بالبلاد إلى بر الأمان، وتجنيبها التوترات والانفجارات التي شهدتها بعض دول المنطقة.
وتنطلق المنظمة الآثورية الديمقراطية في مقاربتها للمسائل الوطنية في سوريا من احترام الدولة السورية بحدودها الراهنة المعترف بها من الأمم المتحدة باعتبارها وطناً نهائياً لجميع أبنائها. وتعمل على إعادة الاعتبار للرابطة الوطنية السورية وتنميتها وتعزيزها، وبناء هوية وطنية سورية جامعة تنهل من حالة التعدد القومي والديني والثقافي واللغوي التي يتصف بها المجتمع السوري، هوية وطنية عصرية عابرة لحالات الانقسام المجتمعي سواء على أساس قومي أو ديني أو طائفي أو مناطقي. كمدخل لمعالجة وتجاوز الخلل والشرخ الكبير في الرابطة الوطنية  بين مختلف فئات المجتمع السوري، وتحويل حالة التنوع والتعدد إلى عامل غنى وثراء وطني، بدلاً من أن تكون عامل تمزيق للهوية السورية ومهدد لوحدتها الوطنية. وهذا يستدعي من الجميع رفض كل أشكال التعصب والتطرف والاستعلاء القومي والديني، والعمل من أجل إشاعة ثقافة المواطنة والاعتدال والتسامح والقبول بالآخر، وجعل الحوار قاعدة أساسية للعلاقة بين مكونات المجتمع والتيارات السياسية والفكرية المختلفة.
إن الأزمات البنيوية العميقة التي تشهدها سوريا في مختلف مجالات الحياة تفرض مواجهتها بشفافية وبروح من المسؤولية الوطنية لتفادي التجارب المؤلمة التي مرّت بها مجتمعات ودول مجاورة لم تستجب لدعوات الإصلاح وضروراته. وهذا بلا شك يتطلب إحداث نقلة نوعية في طرق التفكير والأداء السياسي من قبل جميع النخب السياسية في السلطة والمعارضة وانفتاحاً كاملاً يدفع نحو إطلاق حوار وطني شامل يشارك فيه الجميع دون استثناء، لمناقشة هذه الأزمات وأسبابها وإيجاد الحلول المناسبة لها، والاتفاق على رؤية مشتركة ومتكاملة لأهداف ومحددات وآليات الإصلاح المطلوب. الذي لا بد وأن تتحرك عجلته بدون أي تأخير، لأن الأوضاع لم تعد تحتمل المزيد من التأجيل والمماطلة.
وبرأينا فإن الأولوية ينبغي أن تكون للإصلاح السياسي والخطوة الأهم فيه تتجسد في وضع دستور وطني جديد للبلاد، يقوم على مبادئ العلمانية، ويستند إلى مفاهيم صحيحة للديمقراطية. دستور ينطلق من الفهم الصحيح لحقوق المواطنة ومن مبدأ الشراكة الحقيقية في الوطن. دستور ينهي الاحتكار والاستئثار بكل أشكاله، ويوفر الفرصة لتداول السلطة وبشكل ديمقراطي، ويعترف بحالة التنوع القومي والثقافي واللغوي والديني، التي يتميز بها المجتمع السوري، في إطار الهوية الوطنية السورية الواحدة. دستور تلغى منه جميع المواد والنصوص التي تميز بين المواطنين السوريين على أساس الدين أو القومية أو الجنس أو الانتماء السياسي كالمادة الثالثة، الفقرة 1: (دين رئيس الجمهورية هو الإسلام)، الفقرة 2 من المادة: ( الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع )، والمادة الثامنة: (حزب البعث قائد الدولة والمجتمع ). فبناء الدولة العصرية يتطلب وضع دستور اجتماعي سياسي وطني جديد يحقق الأسس والشروط الصحيحة للعيش المشترك بين الأغلبية والأقلية على قاعدة الوحدة الوطنية، ويحترم حقوق الإنسان التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجميع المواثيق والمعاهدات الدولية المتصلة به.
إن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق ويصل إلى الأهداف والنتائج المرجوة منه إلا في أجواء من الحرية تكفل تحرر فعاليات ومؤسسات المجتمع المدني وقواه الحية من القيود المفروضة عليها وتمنعها من المشاركة، وعليه طرحت المنظمة رؤيتها لملف الإصلاح السياسي في خطابها السياسي بمناسبات عديدة وفق الرؤية التالية:

أولاً ـ في مجال السياسة والحريات:
1 ـ وقف العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية.
2 ـ إلغاء كافة المحاكم والقوانين الاستثنائية وإبطال الأحكام الصادرة عنها.
3 ـ الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي من السجون السورية وإغلاق ملف الاعتقال السياسي نهائياً.
4 ـ منح الجنسية للمحرومين منها، وإعادة جميع المنفيين لأسباب سياسية إلى الوطن.
5 ـ إصدار قانون ديمقراطي وعصري للأحزاب والجمعيات يأخذ بالاعتبار التنوع السياسي والثقافي والقومي في سوريا. وحظر كل حزب لا يحترم الدستور وقواعد العمل الديمقراطي وكل مجموعة تتبنى العنف والإرهاب سبيلاً لبلوغ أهدافها.
 6 ـ إصدار قانون ديمقراطي للانتخابات التشريعية والمحلية يحقق ويضمن التمثيل الصحيح لكل مكونات الطيف السوري.
7 ـ الاعتراف بالشعب الآشوري (السرياني) كشعب أصيل في سوريا، واعتبار لغته وثقافته السريانية، لغة وثقافة وطنية والعمل على حمايتها وإحيائها، وضمان الحقوق القومية لجميع القوميات في سوريا، وتثبيت ذلك دستورياً.
8 ـ سن قوانين تحمي المجتمع من كل أنواع التعصب والتمييز الديني والقومي.
9 ـ المساواة الكاملة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق والواجبات، وإلغاء كافة أشكال التمييز والعنف ضد المرأة. وسن قوانين تضمن التمثيل الصحيح للمرأة في كل المؤسسات والسلطات.
10 ـ تحقيق استقلال القضاء والفصل بين السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية.
11 ـ الدفاع عن حقنا الوطني في استعادة الجولان المحتل من خلال التمسك بالشرعية الدولية وعبر الوسائل السلمية.
12 ـ تحييد الجيش عن العمل في السياسة، وحصر مهمته في الدفاع عن الوطن وحمايته، والحفاظ على امن الوطن والمواطن.
13 ـ تطبيق نظام اللا مركزية الإدارية، وإعطاء صلاحيات أوسع لمجالس المحافظات والمجالس المحلية.

ثانياً ـ في المجال الاقتصادي:
1 ـ تبني مفاهيم وقيم الاقتصاد الحر (آلية السوق) بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويقلل من حدة الاستغلال، ويمنع الاحتكار، ويضمن الشفافية وتكافؤ الفرص. دون أن تتخلى الدولة عن التزاماتها الاجتماعية تجاه الفئات الأكثر فقراً في المجتمع.
2 ـ دعم وتشجيع القطاع الخاص، ومساعدة أصحاب المهن الحرة والحرف والمنشآت الصغيرة ووضع برامج فعالة لامتصاص البطالة لا سيما في أوساط الشباب.
3 ـ دعم قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، وتطوير وحماية المنتج الوطني، وتحديث النظام المصرفي، بما يضمن تنوع مصادر الدخل الوطني، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، والقدرة على التنافس في الأسواق العالمية.
4 ـ محاربة الفساد والحد من انتشاره والقضاء على أسبابه، والحد من الهدر والنهب في مؤسسات الدولة باعتماد معايير الرقابة والمحاسبة والشفافية والنزاهة والكفاءة.
5 ـ تطبيق مبدأ الإنماء المتوازن ليعم جميع المحافظات، والاهتمام بتطوير الريف وتنميته، ورفع مستوى الخدمات والتعليم والصحة فيه.
6 ـ إيجاد نظام ضريبي عادل، وقادر على توفير مستلزمات الضمان الاجتماعي، ويسمح للدولة الوفاء بواجباتها والتزاماتها.
7 ـ ربط الأجور والرواتب بالأسعار، وتفعيل قانون حماية المستهلك.
8 ـ إعادة تأهيل وتحديث البنى التحتية الضرورية للنشاط الاقتصادي، وخاصة طرق النقل والمواصلات.
9 ـ توسيع قاعدة التعاون الاقتصادي مع دول الجوار والعالم.

ثالثاً ـ في المجال الاجتماعي:
1 ـ  ضمان حق المرأة والطفل، وحماية الأسرة، وإقامة مؤسسات لرعاية الحوامل وحضانة ورعاية الطفل. وتحريم تشغيل الأطفال واستغلالهم وتطبيق برامج عملية وناجعة لتنظيم الأسرة.
2 ـ سن قوانين عصرية للتضامن والتكافل الاجتماعي.
3 ـ توفير الضمان الصحي لكل أفراد المجتمع.
4 ـ رعاية المعاقين وأصحاب الاحتياجات الخاصة.

رابعاً ـ في مجال التعليم:
1 ـ إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية والجامعية لتتناسب مع المؤسسات التعليمية المعاصرة، وتطوير إمكاناتها البحثية والعلمية.
2 ـ تحرير المدارس من الخطاب العاطفي المسيء لأبناء الجيل الجديد، والتحول إلى خطاب علمي وعملي للاندماج في مجتمع جديد يحقق الأمن والسلامة لكافة المواطنين.
3 ـ إعادة الاعتبار إلى المدرسة الرسمية، والارتقاء بمستوى التعليم فيها، والاهتمام بتحسين أوضاع المعلمين والمدرسين ليتمكنوا من أداء رسالتهم التربوية دون معوقات.
4 ـ إدراج برامج وطنية للتنشئة الاجتماعية والثقافية والتربوية في المدارس السورية لتطوير مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والقبول بالآخر، وإلغاء كل ما يحضّ على التفرقة والكراهية والتعصب ويعي الاندماج الوطني.

خامساً ـ في مجال الإعلام:
1 ـ إصدار قانون مطبوعات عصري. يحرر الإعلام (المكتوب، المرئي والمسموع، والإلكتروني) من كل أشكال الاحتكار والهيمنة. ويفي بمتطلبات الديمقراطية والشفافية والمهنية.
2 ـ السماح بإقامة مؤسسات إعلامية خاصة ومستقلة، تلتزم بالصدقية والأمانة في مراقبة تطبيق القانون، وأداء المؤسسات السياسية والحكومية.
3 ـ تخصيص برامج خاصة في وسائل الإعلام الرسمية، تهتم بإبراز مظاهر التنوع القومي والديني والثقافي واللغوي الذي يميز المجتمع السوري، وباللغات المتداولة في سوريا بما روابط الوحدة الوطنية، وينمي قيم المحبة والإخاء والتسامح بين مكونات الوطن.

سادساً ـ في مجال السياسة الخارجية:
إتباع سياسة خارجية متوازنة تستوحي مبادئ وقواعد القانون الدولي والشرعية الدولية القائمة على احترام سيادة ووحدة الدول، وصيانة السلم الدولي، وإقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار العربي والإقليمي ودول العالم بما يخدم ويحقق المصالح الوطنية لسوريا.

أما على الساحات الوطنية في العراق وتركيا ولبنان وإيران:
 فإن رؤية المنظمة متقاربة مع مطالبها في الساحة السورية، إذ أن قناعتها أن النظام الديمقراطي العلماني الحقيقي القائم على مبدأ المواطنة وقيم العدل والمساواة وشرعة حقوق الإنسان، هو الكفيل بتحقيق أكبر قدر من الأمان والاستقرار والسعادة للإنسان فردا وجماعة، وقناعتنا أن الأقليات القومية لا يمكن أن تجد نفسها وتعبر عن هويتها وشخصيتها القومية وتشعر بالأمان والشراكة الحقيقة والمساواة مع الأغلبية إلا في إطار المجتمعات والأنظمة الديمقراطية، ولن يفيد الأقلية أية نصوص وقوانين تعني بحقوقها في ظل أنظمة استبدادية قومية متطرفة، أو في ظل أنظمة دينية شمولية، وعليه فإن المنظمة تؤكد بأن طرحها للخيار الديمقراطي في أي دولة من دول الوطن هو الكفيل والضمانة لتحقيق حقوق شعبها القومية وضمان الأمان والاستقرار والازدهار والمستقبل المنشود لشعبها ولكل شعوب الوطن المشترك.
الخـــــــــــــاتمة
إن الأفكار الواردة في هذا البرنامج بما تحمله من رؤى وتوجهات على الصعيدين القومي والوطني إنما تعبر عن مبادئ وفكر ونهج المنظمة الآثورية الديمقراطية. ونعتقد أن الكثير من أبناء شعبنا ووطننا يتقاطعون معها، ويتفقون على ضرورتها وأهمي

51
من تركيا إلى دارفور
إبادات جماعية...... ومحاسبات لم تتم
16 تموز 2008
سعيد لحدو
بين صوت العدالة ، وسوطها..... تنتظر شعوب كثيرة حلول زمن المحاسبة على جرائم العصر من إبادات جماعية، ومذابح ارتُكِبَت بحقها من قبل حكومات وجدت حلولاً لمشاكلها السياسية في تدبير وتنفيذ المذابح الجماعية ضد شعوب وقوميات تحكمها وتتحكم بمصيرها، وذلك بوسائل وأساليب مباشرة حيناً، ومداورة أو بالواسطة باستخدام مجموعات سكانية أخرى بتوفير الدعم والتسهيلات وتأمين الغطاء والتمويه لها، لحجب تلك الأعمال الشنيعة عن عيون المجتمع الدولي، حيناً آخر. فترتكب جرائم فظيعة بحق الإنسانية ضد تلك الشعوب والقوميات كالتهجير الجماعي القسري، والترهيب والتهديد والتجويع، أو إجبارها على تغيير انتمائها الديني أو القومي أو لغتها أو ولائها  أو مواطنها التاريخية، بهدف تفريغ مناطق معينة من سكانها الأصليين وتوطين آخرين ممن يدينون بالولاء للحاكم مكانهم.
يأتي هذا الكلام بمناسبة توجيه المدعي للعام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو الأثنين الماضي ثلاثة اتهامات للرئيس السوداني عمر البشير بجرائم الإبادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب أخرى ضد شعب دارفور. ومن المتوقع أن تجري ملاحقته من قبل المحكمة إياها بناءً على هذه الاتهامات.
إن أسلوب الإبادة والمذابح الجماعية هذه لحل بعض المشاكل السياسية التي تواجهها حكومات معينة، وإن لم تكن تركيا أول من ابتدعه، ونأمل أن تكون أحداث دارفور آخرها، لكنها، وللأسف الشديد، مازالت قائمة، وبشكل فجٍ وصارخ. لكن ما ارتكبته تركيا في أواخر الحكم العثماني، ومطلع الحرب العالمية الأولى، من مذابح مدبرة ومخطط لها مسبقاً من قبل حزب تركيا الفتاة ضد رعاياها المسيحيين من السريان الآشوريين والأرمن واليونانيين، بهدف إفناء هذه الشعوب، واجتثاث وجودها الديموغرافي في مواطنها الأصلية ومنذ آلاف السنين، ما سُميَ فيما بعد أراضٍ تركية، ما ارتكبته تركيا حينذاك مستغلة ظروف الحرب، كان أفظع ما  يمكن أن تقدم عليه أية سلطة أو مجموعة حاكمة، مهما بلغت من الوحشية والتعصب. تلك المذابح أسفرت عن قتل أكثر من مليوني إنسان في عام 1915 وحده، وتشريد  وتهجير البقية الباقية من هذه الشعوب، وإنهاء وجودها تماماً في أوطانها الأصلية التي أصبحت اليوم جزءً لا يتجزأ من الجمهورية التركية "الحديثة".
كل هذا حصل تحت سمع وبصر العالم "المتحضر"، وأحياناً بدعم ومساندة بعض أطرافه، وغض النظر وتجاهل الوقائع الفظيعة من الأطراف الأخرى.
إزاء هذا الواقع، لم يكن من المستغرب أن تفلت تركيا من قبضة العدالة وتنجو بفعلتها تلك، مستفيدة من زوغان النظر الذي مازالت تشكو منه سياسة القوى العالمية المؤثرة حين يتعلق الأمر بمصالحها الاقتصادية، على حساب المبادئ والقيم الإنسانية التي تتبجح بشعاراتها كلما طاب لها ذلك، أو وجدت فيها فرصة لتسخيرها لخدمة تلك المصالح. والأغرب أن هذه القوى مازال معظمها حتى اليوم يتنكر لتلك المذابح، حالها حال الحكومات التركية المتعاقبة منذ ذلك الحين، رغم كل ما سنَّه المجتمع الدولي من قوانين واتفاقات ومواثيق دولية تجرِّم هذه الأعمال وترفض سقوطها بالتقادم، وتؤكد على محاسبة مرتكبيها، سواء كانوا أشخاصاً أم مجموعاتٍ أم دول وحكومات. وحتى في الأمس القريب، حين أفنى صدام حسين عشرات الألوف من معارضيه الأكراد والشيعة العراقيين واستخدم ضدهم الأسلحة الكيميائية، وهم مسلمون، حالهم كحال شعب دارفور، لم يتحرك أحد ضده، بما فيهم منظمة المؤتمر الإسلامي، والدول والتنظيمات العربية والإسلامية الأخرى التي تنادت اليوم جميعها، واستنفرت قواها لمساعدة البشير وأعوانه المتهمين الآخرين. وحين تمت إزالة صدام عن الحكم، لم يتم ذلك من قبل أية منظمة دولية ،أو بقرار منها. وإنما، وكما هو معروف للجميع، تم ذلك من قبل الأمريكان، ولدوافع خاصة بهم، ورغماً عن المجتمع الدولي برمته، الذي انصاع أخيراً للإرادة الأمريكية مضطراً وبحكم الأمر الواقع.
إن وقفة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، واتهاماته الصريحة والعلنية للرئيس السوداني عمر البشير، وهو على رأس الحكم، بارتكابه جرائم من هذا النوع في دارفور، حتى وإن كانت لذلك دوافع سياسية، كما يرى البعض من أصحاب نظرية المؤامرة، إلا أن هذا الموقف الصريح من محكمة دولية لابد وأن يبعث على الأمل والتفاؤل في استيقاظ ضمير المجتمع الدولي أخيراً إزاء الانتهاكات الصارخة للمبادئ والقيم الإنسانية وحقوق الشعوب في الحياة في مناطق مختلفة من العالم، وعلى أيدي الحكام أنفسهم. وسواء مَثُلَ الرئيس البشير أمام المحكمة أم لم يَمثُلْ... وسواء كان مذنباً فعلاً أم لم يكن، فإن توجيه الاتهام بحد ذاته يُعَدُّ خطوة جريئة ومعبرة من منظمة دولية ارتأت أن تطبق القانون الدولي بروحيته دفاعاً عن الشعوب المضطهدة والمقهورة، ومحاسبة المجرمين أياً تكن مواقعهم ومسؤولياتهم. ومن الطبيعي في هذه الحال أن تشجب منظمة المؤتمر الإسلامي قرار المدعي العام هذا. وكذلك كان حال معظم الدول العربية والمنظمات المرتبطة بها التي صدرت عنها حتى الآن ردود فعل حياله. ذلك لأنه لا تكاد تخلو  دولة عربية أو إسلامية من حالة مشابهة لما يعانية أهل دارفور اليوم، وما عاناه المسيحيون بكل انتماءاتهم القومية واللغوية والطائفية من قبل وما زالوا، في ظل حكومات لم تعرف قط معنى التسامح والعدالة تجاه مواطنيها، ولم تحاول ممارسة ذلك بأي شكل.
هل حان وقت الحساب الذي يجب أن يقدمه كلٌ عما اقترفت يداه إلى المجتمع الدولي؟ وهل بات لصوت العدالة سوطٌ يُلوَّحُ به في وجه مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وهم كثر؟
وهل سنرى يوماً حكومة تركية في قفص الاتهام لتقدم دفاعها عما ارتكبه أسلافها بحق ملايين الضحايا الأبرياء من السريان الآشوريين والأرمن واليونانيين؟
نأمل أن تكون هذه الخطوة ناتجة عن صحوة الضمير الإنساني في المجتمع الدولي الذي أفقدته السياسة والمصالح أعز وأنبل المشاعر والقيم الإنسانية ليعود هذا المجتمع مجدداً لتصفية حساباته القديمة مع العدالة الضائعة، ويؤسس لنهج جديد في إحقاق الحق ومحاسبة المجرمين على جرائمهم، وتقديس قيم الحياة والكرامة الإنسانية باعتبارها أسمى ما يملكه الإنسان.

52
الإنقلاب الذي لم يقع
10 حزيران 2008
سـعيد لحــدو
الإنقلاب الذي تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام الأوربية والعربية في الأسبوع المنصرم، والذي زُعِم أن آصف شوكت صهر الرئيس السوري كان ينوي القيام به وفشل، ليس هو الإنقلاب الذي حلم به السوريون والكثير من غير السوريين طويلاً، وبخاصة بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد عام 2000. ومع توريث الإبن السلطة، بالطريقة التي فُبرِكَت بها تلك العملية لتكتسب صفة قانونية، خاب أمل معظم هؤلاء بالإنقلاب الذي كانوا ينتظرونه في تركيبة السلطة الحاكمة في سورية آنذاك وفي سياساتها المتبعة على الصعيدين الداخلي والخارجي .واستعيض عن ذلك لدى بعضهم بالتمني ببعض الإصلاحات ولو بشكل مرحلي وتدرجي. مستمدين آمالهم تلك من بعض التصريحات التي أطلقها في حينه الرئيس الوريث الجديد والتي أوحى من خلالها بأنه مزمع على القيام بما يُنتظر منه كشاب عايش روح العصر وشاهد تطوراته المتلاحقة. وبحسب ظن هذا البعض، لابد أنه تعلم شيئاً مما شاهده وعايشه. وبخاصة أنه أمضى بعض الوقت في بريطانيا للتخصص في طب العيون التي، بدون أي، شك لا غنى عنها (أي العيون) لمن أراد أن يرى ويتخذ الدروس والعبر مما رآه.
إن كان للشاعر العربي كل العذر حين تعشق أذناه قبل عينيه، ذلك ربما لإدراكه ما لحبيبته من المزايا الطيبة للروح التي قد تستتر خلف الشكل المائل للعين، وبخاصة إذا كان ذلك الشكل يشتكي من بعض العيوب والنواقص التي لا حيلة للمخلوق في إتيانها أو حجبها. إلا إن عيون السوريين سئمت النظر إلى الواقع المتقيح بأدران الفساد المستشري على حساب المواطن، وهذا ما لا دخل للخالق به. أما آذانهم التي كان من المتوقع لها أن تعشق مضامين المواقف "المبدئية والسياسة الحكيمة للقائد الرمز"، فقد قرفت وصمَّتْ من الشعارات الزائفة والحديث الفارغ والمكرر لدرجة الغثيان عن الإنجازات التي لم يسبق أن قام بها أحد، ولم نرها أو نلمس آثارها قط، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، عن الجهود المستمرة للإصلاح السياسي والاقتصادي، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، ومحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين. ومع كل تلك الجهود المزعومة لا نلمس إلا تراجعاً مستمراً على كل صعيد، وازدياداً مضطرداً للفساد والمحسوبيات، وتضخماً مرضياً بأرصدة المفسدين والانتهازيين من أزلام السلطة وأركانها على السواء. وكي لا ننسى، فإنه يجري الحديث أحياناً أيضاً عن استعادة جولاننا الحبيب. وإن جرى بعض التقصير هنا أو هناك فلأنها، أي السلطة، مشغولة بالتحضير لمعركة التحرير تلك، سواء بالسلم أو بالحرب.تلك المعركة التي إن قدر لها أن تأتي يوماً على يدي هذا النظام وبأي شكل أتت، فلن تأتِ إلا لتدعيم مواقع أركان السلطة وزيادة نفوذ المتنفذين من مافيات الاقتصاد وعنتريات السياسة الفارغة من كل مضمون يفترض أن ينعكس إيجاباً على واقع الحياة التي يعاني منها المواطنون من الشرائح والفئات الاجتماعية كافة. وهنا لم يرَ السوريون بكل أطيافهم القومية وتياراتهم السياسية من كل تلك الوعود أو الانقلابات المنتظرة إلا المزيد من القهر والكبت والملاحقة والاعتقال لكل من وسوس له شيطان الوطنية أو داعبت أحلامه فكرة العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أو همست له طموحاته باستراق النظر من نافذة الحرية إلى فضاء العالم المتحضر، أو أغوته الثورات البرتقالية بالتعبير عن تململه عن الواقع المزري.
لقد حافظ الوريث بأمانة تامة على إرث الموروث وزاد عليه في بعض الجوانب حين انفلت عقال المحيطين به وتحرروا من كل قيد أو مساءلة كما تحرروا من قبل من ضمائرهم الوطنية ومارسوا هوايتهم المتعددة الوجوه والأشكال بامتصاص دماء الشعب ونهب وتفريغ خزينة الدولة، لكنه افتقد للحنكة السياسية التي ميزت والده حين كان يتراجع بذكاء المدرك للعواقب في اللحظة الحرجة، وبذلك كان ينقذ رأسه ونظامه في كل مرة يجد نفسه محاصراً بظروف لا قبل له بمواجهتها. لكن ما يحصل اليوم في سورية لايشبه أية سياسة. وما هو إلا استثمار عائلي انتفاعي في مزرعة الحكم التي استُخدِمَتْ لوحةُ الوطن عليها للتمويه. لذلك فإن أي انقلاب إن وقع، كما تردد مؤخراً عن الصهر العزيز الذي قد نسمع عن "انتحاره" قريباً، فإنه لابد وأن يقع ضمن العائلة ذاتها ومن أحد أفرادها الخلص. وفي  هذه الحالة لايمكننا تسمية ذلك انقلاباً لأنه لن يغير شيئاً مما هو حاصل اليوم، كون المصالح والسياسات تبقى هي هي وإن تبدلت الأسماء. وما دام البلل قد وصل إلى ذقن العائلة "المالكة" بعد أن بات النظام واقفاً على ساقين منخورتين من القصب المتعفن، فلا بد والحالة هذه أن يتداعى عند أول هبة ريح من أية جهة جاءت. وما صموده المؤقت إلا لأنه لم تهب عليه بعد ولا حتى نسمة هواء تجعل من تمايله زعزعةً لبنيانه الهش. وكلما مر الوقت كلما تعمق النخر والتعفن، وكلما تقاربت لحظة الانهيار الكبير. هذا الانهيار الذي لن يشبه أي انقلاب. وهنا نعوِّلُ على وطنية السوريين والمخلصين الشرفاء من كل مكونات المجتمع السوري، لأن يحرصوا على عدم تحول ذلك الانهيار للنظام إلى انهيار للدولة ومؤسساتها، التي يجب أن تصان بقدر عالٍ من المسؤولية الوطنية. حتى إذا رحل النظام غير مأسوفٍ عليه، ألا يكون هناك خاسرٌ سوى أزلامه ومريديه. فالشعب السوري يستحق أن يكون له موقع بين الأمم المتحضرة، كما كان عبر التاريخ. وبين أبنائه الغيورين سواء، ممن هو أسير سجون النظام اليوم أو ممن هم خارجها، الكثير ممن هو قادر على أن يجعل من سورية وطناً متميزاً يعايش العصر وقيمه الإنسانية السامية.

53
كذبة كبيرة اسمها مقاومة


9-5-2008
ســعيد لحــدو
تحت عناوين ومسميات لافتة ومعبرة ابتلي العالم أجمع وبخاصة الشعوب في البلدان العربية بموضة العنف الأعمى الذي تقوم به الحركات والأحزاب والمجموعات المسلحة تحت ذرائع ومبررات تارة باسم الوطنية والتحرير، وأخرى بلبوس الدين والجهاد في سبيل الله. وقد استغلت هذه التنظيمات المسلحة ظروف الكبت والقهر والاحتلال والظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي المنتشرة على كامل مساحة الشرق الأوسط، لتعلن برامجها “للمقاومة والتحرير أوللجهاد ضد الكفر والكافرين” مستندة على الدعم الكبير الذي تتلقاه من جهات خارجية لغايات خاصة بتلك الجهات وهي أبعد ماتكون عن تلك الأهداف المعلنة. هذا من جهة. ومن جهة أخرى تستغل هذه التنظيمات مشاعر التدين وعوامل الجهل والأمية المنتشرة بنسب عالية بين هذه الشعوب. إضافة إلى يأس المواطن من إمكانية إصلاح الأنظمة الفاسدة والمفتقرة إلى الحد الأدنى من الشرعية بقوى الشعوب الذاتية، أو إصلاح هذه الأنظمة لنفسها بنفسها. ناهيك عن فكرة التغيير المنبوذة بالاعتماد على قوى خارجية بعد تجربة العراق المريرة. كل هذه الظروف والعوامل مجتمعة، هيأت المناخ المناسب لنمو وتمدد هذه التنظيمات ولتقوم بمقاوماتها الخاصة وانتصاراتها الإلهية الممجدة بغض النظر عن المآسي والويلات على كل صعيد التي تجرها مقاومتها أو جهادها ذاك على الشعب المسكين الفاقد لأية إرادة أو إمكانية بالتعبير عن رأية بصورة مستقلة وبمعزل عن التأثيرات إياها.
وبانتظار توفر ظروف أفضل لهذه الشعوب المبتلاة بالمقاومات أو الجهادات الملوثة لتتمكن من إبداء رأيها في أجواء سلمية وديمقراطية فيما يخصها أولاً وأخيراً، دون أن تخشى أية عاقبة لا من الأنظمة الحاكمة ولا من تلك التنظيمات، فإن الحال سيستمر على هذا السوء، وقد يقود إلى كوارث حقيقية باتت بعض المناطق تشهدها فعلاً، كما في العراق  وغزة، وقد يكون لبنان المرشح القادم، دون أن ننسى ماحصل في الجزائر والمغرب والأردن ومصر والسعودية وما يحصل حالياً في اليمن والصومال. دون أن تتوفر أية حصانة حقيقية لأي من الدول في الشرق الأوسط المطمئنة مؤقتاً لأمنها النائم على بحر من الرمال المتحركة.
في ظل رايات المقاومة أو الجهاد، (والتي قد لاتكون مصادفة أن تتلون بأحد اللونين الأسود أو الأصفر مع كل مايرمزان إليه هذان اللونان من حزن وبؤس) تُرتكب أبشع وأفظع الجرائم بحق شعوب فقدت بوصلة الهداية في صحراء اليأس العربي وشمس سياساته الحارقة لكل نبتة أمل. ولتبقى تلك العناوين المخادعة لامعة براقة ومقدسة. ولتبقى  كل الأعمال التي ترتكب في ظلها والمفتقرة لأية سمة من سمات الوطنية والإنسانية بمنأى عن أي انتقاد أو مناقشة، حتى ممن يحرصون فعلاً أن تكون هناك مقاومة وتحرير. ففي الوقت الذي أعلنت فيه أمريكا وعلى لسان رئيسها خطتها لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة قبل نهاية عام 2005، نرى أن صواريخ القسام الخلبية تقذف بتلك الدولة إلى المصير المجهول في حين أنها لم تقتل حتى ولز دجاجة في إسرائيل. في الوقت ذاته تدفع صواريخ حزب الله الإيرانية بلبنان إلى قلب عاصفة الصراع الإقليمي والدولي وهو البلد الوحيد في المنطقة العربية ذات سمة مسيحية بارزة  ونظام برلماني ديمقراطي.. وبسبب هذه السمة المسيحية وما تعنيه من طريقة حياة خاصة وهذا النظام الديمقراطي في محيط إسلامي لم يتعرف بعد على أي وجه من وجوه الديمقراطية، ظل لبنان يعاني من عدم انسجام داخلي تدعمه وتغذيه وتفعِّله التأثيرات المحيطة كلما دعت الحاجة. وقد تجسد عدم الانسجام هذا بالنزاعات والحروب الأهلية والتجاذبات الإقليمية منذ تأسيسه وحتى اللحظة. وحين يدخل حزب الله براياته الصفراء وبكل ثقله العسكري والديموغرافي معادلة الصراع هذه في بلد لا يفتقر إلى الهزات ولا يتحمل أي صراع من أي نوع كان، سوى صراع الكلمة والفكر، ومن خلف حزب الله إيران الدولة الدينية التي تدفع بلا حساب لنشر وتعزيز توجهاتها تلك، والنظام في سورية (العلملني) الفئوي الذي لا يتسامح قط مع كل من يقف ضد سياساته ومصالحه فيفتح الطريق واسعاً أمام إيران للعبور إلى لبنان بكل مايعنيه هذا العبور بالنسبة للطوائف اللبنانية المختلفة، فهل لنا أن نتخيل إلى أي شاطئ (إن كان له أن يرسو على شاطئ) سيقذف تسونامي حزب الله بلبنان؟
والوضع في العراق غني عن التعريف وماثل مع كل إطلالة شمس لكل ذي بصر وبصيرة. وهو أقسى وأمر من كل وصف وتوصيف. فمشاهد القتل والتدمير، والقتل والتدمير المضاد والتي لم توفر أحداً أياً كان انتماؤه أو مواقفه، حتى باتت من الأحداث اليومية التي تدعو المراقب للعجب إن خلا يوم منها. كل هذا يجري مرة أخرى في ظل راية الجهاد المنصوبة كالفخ لكل من ساء حظه فقذف به ليمر بالقرب منها دون مزيد من التعليق.
لا أحد يتنكر لحق الشعوب في الدفاع عن نفسها ومصالحها بالطرق التي تراها مناسبة للظرف والمكان. ولكن لا نتوقع من أي عاقل يتمتع بحس المسؤولية الوطنية والإنسانية أن يصفق لأحزاب وتنظيمات ومجموعات انفلت عقالها فقتلت وتقتل من شعوبها أكثر بكثير من العدو المفترض الذي لا تجرؤ حتى من القتراب منه. لا بل تأكل جلدها وتقاتل بعضها بعضاً حين لا تجد من تروي به عطشها للدماء. تتسلح بدعم وقوى خارجية لتغتال روح الشعب وتهدر مصالح الوطن وتدمر متعمدة أو تتسبب في تدمير كل ما تصل إليه يداها من بنية تحتية وإقتصاد يعتمد نموه بصورة تامة على حالة السلم التي يفترض أن تكون من بديهيات الحياة في أي مجتمع وعلى الاتفاق بين كل مكونات المجتمع إذا كان هذا المجتمع تعددياً. ومن النادر أن تجد اليوم مجتمعاً يتواصل مع العالم المتمدن ولا يتصف بالتعددية. إن تنظيمات وحركات متطرفة من أمثال الجماعات الإسلامية على اختلاف تسمياتها في العراق والجزائر ولبنان والسعودية ومصر واليمن والمغرب والآردن وفلسطين وأماكن أخرى عديدة هل قدمت في أوج نشاطها سوى القتل والتدمير لبلادها ولشعبها على السواء؟ وهل يتوقع لهذه الجماعات المتطرفة فيما لو قيض لها أن تحكم بلداً ما، أن تقدم لشعوبها سوى المثال السيء الصيت الذي قدمه الزرقاوي في دولة العراق الإسلامية أو طالبان في أفغانستان وإعادة الإنسان للعيش في بدايات العصور الوسطى؟ والسؤال الأهم هو: هل نعيش اليوم حالة انفلات من كل القيم والمبادئ الإنسانية التي تتباهى بها المجتمعات المتحضرة؟ أم إن قطع الرقاب وتفخيخ الأجساد وسوق العشرات وأحياناً المئات من الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلى حتفهم لمجرد أنهم بشر اختاروا أن يعيشوا حياتهم الطبيعية ، هل يمكن أن تسمى تلك الجرائم مقاومة أو تحرير؟
إن تلك ما هي إلا كذبة العصر الكبرى التي مازلنا نصر على تصديقها رغم كل ما يجري أمام عيوننا من مآسٍ وويلات تحت لافتاتها السوداء أو الصفراء أو أي لون آخر تختاره. حيث ستبقى ذات الرموز والدلالات المعبرة عن البؤس والشقاء والجهل والتأخر على كل صعيد. فهل لهذه الشعوب المقهورة المعذبة أن تستفيق من حالة التخدير للوعي والشعور وتسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية؟

54
المطربة جوليانا جندو تحيي احتفال المنظمة الآثورية الديمقراطية
بعيد رأس السنة الآشورية في هولندا


الحفل الفني الذي أقامته المنظمة الآثورية الديمقراطية بمناسبة رأس السنة بالقرب من مدينة هنكلو في هولندا وحضره عدد كبير من أبناء شعبنا السرياني الكلداني الآشوري من كل طوائفه،استهل بالوقوف دقيقة صمت على روح الشهيد المطران مار بولس فرج رحو والشهداء الآخرين من أبناء شعبنا ثم ألقيت كلمة مقتضبة ومعبرة من وحي المناسبة لمسؤولة المنظمة في هولندا معلنة على إثرها بدء الاحتفال الذي أبدعت فيه الفنانة جوليانا جندو بأغانيها الرائعة باللهجتين الشرقية والغربية حيث استمرت بالغناء وبحيوية شديدة حتى ساعات الصباح الأولى وبدون توقف.
هذا الحفل الفني الذي نظمته المنظمة في يوم السبت 29 آذار ليتمكن أكبر عدد من الناس حضوره باعتباره يوم عطلة، كان من المقرر أن يتلوه احتفال آخر في النهار التالي بين أحضان الطبيعة على ضفاف بحيرة روتبيك ينظمه نادي بيث نهرين في إنشخده تأجل للأسبوع التالي بسبب سوء الأحوال الجوية. حيث من المقرر أن يتم نصب خيمة كبيرة وجلب فرقة موسيقية  ومطربين لأحياء احتفال الأكيتو في الطبيعة الحية. وقد وجهت دعوة عامة لكل أبناء شعبنا للمشاركة في هذا العيد القومي الهام.

كلمة المنظمة الآثورية الديمقراطية
في احتفال رأس السنة الآشورية  الذي نظمته زوعا في هولندا بتاريخ 30 آذار 2008
نص الكلمة:
الأخوة والأخوات الأعزاء..
أيها الحضور الكريم... (ريشي دشاتو أوثوريتو بريختو)
كما تتجدد الحياة في الأول من نيسان من كل عام، وتتفتح براعم الأمل، تتجدد فينا الإرادة والعزم لتجسيد المبادئ التي حملتها المنظمة الآثورية الديمقراطية منذ انطلاقتها الأولى. وقد ختمت قبل مدة وجيزة احتفالاتها باليوبيل الذهبي. هذه المبادئ التي رسخت فينا الإحساس بالوجود والانتماء الفعال والمثمر، كما كان أجدادنا الأوائل. ومن تلك المبادئ انطلقنا جميعاً لنتعلم دروس العمل القومي الموحّـد على اختلاف المسالك والمناهج والآراء.
هذه هي المدرسة التي تخرجت أجيالنا منها. ومع كل أكيتو جديد تجدد فينا هذا الوعد لبناء المستقبل المشرق. ومع شديد الأسف فإن فرحتنا بانتصار الحياة وتجددها هذا العام مصبوغة بالدم.... دم نيافة المطران مار بولس فرج رحو ورفاقه الثلاثة، الذين كانوا شهداء مرة أخرى على مذبح الوجود والحرية. حتى غدت أمتنا أمة شهيدة، لأنها لابد وأن تقدم مع إشراقة كل شمس ضريبة الحياة على مذبح الوجود في الوطن. وما زالت منذ قرون عديدة لا تبخل بعطائها هذا، ومن خيرة أبنائها، لإعطاء الحياة  في طل مرة الدفع الذي تحتاجه لاستمرارها.
ولأن الأول من نيسان هو على الدوام رمز التجدد والانبعاث، وإطلالة الحياة بألوانها الزاهية بعد معاناة شتاءٍ قاتل.
هكذا نجد أنفسنا بعد كل محنة تحل بهذا الشعب أينما وحيثما كان.... فنندفع أكثر وبعناد أشد وبإصرار أكبر على العمل الدائم من أجل إحقاق الحق ومنح أمتنا الآشورية السريانية الكلدانية فسحة الأمل المنشودة، لإثبات شخصيتها وتجسيد طموحها في الوجود الحي والفعال بكامل الحرية.
ولأن هذا الأمل المنشود لا يمكن تحقيقه بغير توحيد كل طاقات الأمة وجهود أبنائها، مهما اختلفت طروحاتهم وتوجهاتهم. ولأن المنظمة الآثورية الديمقراطية لا تزعم وحدها ولم تدَّعِ يوماً القدرة على تجسيد هذا الهدف السامي والنبيل بإمكاناتها الذاتية، بمعزل عن القوى الفعّـالة الأخرى  العاملة على ساحتنا القومية.... فإننا نمد يدنا إلى الجميع بلا استثناء، للعمل المشترك والموحد ليس بالقول وحده وإنما بالفعل أيضاً. ونحن جاهزون لأية مبادرة أو رأي يدفع بنا خطوة على هذا الطريق.  ولا شك أن ميثاق العمل القومي المشترك بين المنظمة والحركة الديمقراطية الآشورية الذي وُضِـعَتْ بنوده عام 1991 ما زال الأساس الصالح لأية انطلاقة أوسع في هذا المجال. ولقد ترك موقعوه منذ ذلك مجالاً رحباً لأي توسع لأي فريق أو تيار آخر يرى هذه الضرورة ويعمل من أجلها.
باسم المنظمة الآثورية الديمقراطية وباسم رفاقي جميعاً وباسمي الشخصي أشكر الإخوة في الحركة الديمقراطية الآشورية على هذه الدعوة الكريمة... وأهنئكم مرة أخرى بعيد رأس السنة الآشورية، على أملٍ جديدٍ بحياة حرة كريمة لائقة بشعبنا وأمتنا.
وتودي لو شموعثخو


















في الرابط التالي يمكنكم الحصول على صور حفلة جوليانا في هولندا
http://www.ado-world.org/en/2008/foto-holland.htm

55
رفاهية الابتهاج.... وضريبة القتل

28 آذار 2008
ســعيـد لـحـــدو
من أشد دواعي الأسف أن يضطر الكاتب بين الحين والآخر أن يكتب عن القتل, الذي كما يبدو بات السمة البارزة لحياة مجتمعاتنا المبتلية بكل أشكال البؤس ابتداءً برغيف الخبز وشربة الماء النظيف وليس انتهاءً بأنظمة القمع ودكتاتوريات القرن الـ21 . مع كل ما تتضمنه من قهر وتنكر لأبسط حقوق الإنسان والمجموعات القومية والدينية وغيرها. مروراً بكل صور ومسميات الحركات الإرهابية الدينية المتطرفة التي نشأت وترعرعت في كنف تلك الأنظمة وما زالت في كثير من الحالات.
تأتي هذه المقدمة من وحي حادثة إطلاق الرصاص الحي على مجموعة من الشبان الأكراد كانوا يعبرون عن ابتهاجهم ليلة عيد النوروز في القامشلي ومقتل إثنين منهم وجرح عدد آخر.  وقبلها ببضعة أيام جريمة خطف وقتل رئيس أساقفة الموصل ومرافقيه الثلاثة.وهذه ليست أولى الحوادث التي يسقط فيها ضحايا أبرياء عزل من الشعب الكردي برصاص قوات الأمن السورية لمجرد الانتقام وإرضاء شهوة القتل لدى هذه الأجهزة التي باتت لا ترى في أبناء الشعب السوري إلا أعداء مفترضين حتى يثبتوا العكس.كما أنها ليست الأولى التي يتعرض لها أبناء الشعب الكلداني السرياني الآشوري لعمليات اعتداء وخطف وقتل على أيدي مجموعات إرهابية لا ترى في ضحاياها إلا وسائل للتنفيس عن مدى الحقد والكراهية التي تعتمل في نفوسها تجاه الآخرين جراء التربية الشاذة التي تلقتها والدعم المستمر الذي تحظى به من أنظمة عشقت منظر الدم يسيل من ضحاياها. ولعل مظاهر الابتهاج التي قد يبديها شعب ما بمناسبة ما هي أكثر ما يؤلم هذه الأجهزة ويثيرها لأنها اعتقدت بممارساتها تلك أنها قضت على كل شكل من أشكال الإرادة والتعبير عن الفرح لدى الشعب.
والنظام في سورية لا يشكل بأية حال استثناءً عن هذه الصورة المغرقة في الظلامية إن لم نقل أنه مساهم أساسي في رسمها وتلوينها بكل ألوان الآلم والظلم والتعسف، معتمدة في ذلك على أجهزتها المتورمة إلى حد التعفن. وحين تفاجأ هذه الأجهزة بوجود من يصر على الابتهاج رغم كل صنوف المعاناة التي يعيشها أبناء الشعب السوري صابراً متحملاً, تفقد هذه الأجهزة صوابها وتفرغ حقدها ناراً في صدور العزل من أبناء هذا الشعب مؤكدة عبر الرصاص الحي حضورها الدائم الخانق لكل بسمة فرح لكل حي على أرض سورية.
منذ سنوات وسورية الدولة الوحيدة ربما في العالم التي سنت ما سمي بـ (ضريبة الرفاهية). مع العلم أن من هم مرفهون فعلاً لا يدفعون أية ضريبة من أي نوع كان. لا بل يفرضون على الآخرين الخوات بمختلف أشكالها وأنواعها، ويمارسون كل وسائل الابتزاز والنهب للمؤسسات العامة والخاصة. بينما يدفع المواطن المقهور الثمن مضاعفاً وكل ما يطلب منه دون أن يكون له الحق أو يمنح فرصة للاعتراض أو المراجعة. ضريبة الرفاهية هذه تحولت اليوم بعد أن لم يعد يوجد على امتداد الوطن السوري من هو مرفه فعلاً باستثناء تلك الفئة، تحولت هذه الضريبة إلى شكل آخر من أشكال التحصيل لتشمل مظاهر الفرح والابتهاج التي قد ينزلق إليها سيئو الطالع، فتقودهم نزوتهم تلك إلى دفع ضريبة الدم التي لا مناص منها أمام الإصرار على إرادة الحياة، ومناكدة السلطة وأجهزتها الأمنية بإعلان الفرح والابتهاج على الملأ. وليس الشعب الكردي استثناءً من بين شعوب الأرض ليمارس الحياة بطبيعتها المبهج منها والموجع على حد سواء. ولكن قدره كما هو قدر الشعب السرياني الآشوري كما كل مكونات الشعب السوري الأخرى أن يكون له تاريخه وتراثه وثقافته التي تميزه عن الآخرين دون أن تجعله متمايزاً. ولعل هذا بحد ذاته ما يغيظ أعمدة النظام السوري ودعائم استمراره من أجهزة قمعية تسمى تجاوزاً بالأمنية.كذلك هي حال الحركات الإرهابية المختلفة، فتتسلح باسم القانون الذي تسنه  لحسابها الخاص كما هي موارد الدولة أو باسم الشريعة إذا تطلب واقع الحال. وتتصرف من وحي تلك  المصالح التي تراها مهددة حتى من مسيرة ابتهاج وفرح بمناسبة ما، إن لم تقم بأوامر من تلك الأنظمة أو المجموعات الإرهابية، كما هو الحال دائماً. وإذْاك يجن جنونها وتركبها شياطين الشر فلا تجد ما يسكن هستيرياها تلك إلا مناظر الدم المسفوح من أبناء الشعب سواء كانوا كرداً أم سرياناً آشوريين أم أية قومية أو فئة أخرى، حتى العرب لم يشفع لهم سلالتهمم (التي تتغنى الأنظمة والإرهابيين باسمها دائماً وهم خير أمة أخرجت للناس) بإنقاذ رقاب (الشاذين في عيون هؤلاء) من النحر بأيدٍ لاوجود للحس الإنساني لدى أصحابها، وأحياناً كثيرة أمام عدسات الكاميرا، إمعاناً في الوحشية.
هل تختلف حوادث إطلاق الرصاص بهذه الوحشية عن تلك سوى أن القاتل تختلف تسميته من مكان لآخر، في حين أن الهدف والنتيجة هي ذاتها؟ والأنكى من كل هذا أن تغلف هذه الأعمال برداء القانون والنظام الذي لا لسان له لينطق بما يحس ويرتكب باسمه من فظاعات لأن الألسنة المرشحة للنطق قد قطعت. وكمت الأفواه التي تسكنها الحقيقة.  وأفلت لجام من لا يرى إلا ماتراه الأنظمة وأجهزتها الموثوقة جداً بحسن حراستها للنظام.
 إن المواطن المنكوب بهكذا أنظمة وربيباتها من الحركات الإرهابية لا بد له من التساؤل: هل باتت مظاهر الفرح والابتهاج  أو الاختلاف رفاهية؟  وهل لا بديل عن ضريبة الرفاهية هذه إلا القتل؟ سؤال مغرض ليس أقل جريمة من إبداء البهجة والفرح أو التعبير عن الاختلاف في ظل أنظمة كهذه. أما ضريبته فلا شك سيأتي أوان دفعها لكل متسائل في حينه، إن جاز لهذه الأنظمة أن تستمر.

56
مسيحيو الشرق الأوسط
بين
دالوف الأنظمة ومزاريب الإرهاب

16 آذار 2008
سـعيد لحـدو
لدى كل حادثة تعد وقتل وتفجير مما يتعرض له مسيحيو العراق وكنائسهم وممتلكاتهم هذه الأيام نتوقف متسائلين مع الآية الكريمة (...... بأي ذنبٍ قُتلَتْ؟). وهذا السؤال ذاته يصبح مدعاة لتداعيات لا نهاية لها من الأسئلة والاستفسارات تبدأ  مع وطء قدم أول "مجاهد" مسلم أرض الرافدين وبلاد الشام ولمـَّا تنتهي بعد. هذه البلاد التي كانت لآلاف السنين موطن السريان الأساسي بكل فئاتهم وطوائفهم وتسمياتهم. والتي قدموا فيها للبشرية وللدولة الإسلامية عبر العصور، مالم يقدمه أي شعب آخر. ومع كل ذلك فإن ما لاقاه وعاناه  هذا الشعب وما زال يعانيه من محيطه الإسلامي قاد بالنتيجة إلى هذا الانحسار الحاد والتناقص الشديد بالعدد والنوع ناهيك عن الإحساس الدائم بالتهديد وعدم الأمان.
ولما نشأت الدول العربية الحديثة ذات الطموح القومي العلماني مع مطلع القرن العشرين بعد التخلص من ليل العثمانيين الطويل الموسوم بالإسلامية، استبشر مسيحيو هذه الدول خيراً. لا بل كان لهم اليد الطولى في بناء أسس ودعائم ذلك الطموح. تماماً كما عملوا لمساندة واستقبال الجيوش الإسلامية في القرن السابع للتخلص من نير البيزنطيين. لكن الرياح التي هبت لتدفع أشرعة سفينة الدول الحديثة التي أقلعت ذكرتنا بالرياح ذاتها التي أقلعت بها سفينة الدولة الإسلامية ودفعت بها وبمسيحيي الشرق الأوسط إلى مصيرهم الحالي. فالأنظمة التي نشأت لتقود هذه الدول لم تكن سياساتها حيال مواطنيها المسيحيين لتختلف من حيث المبدأ والنتيجة عن ممارسات الباشاوات الأتراك أو المتنفذين الأخرين ممن أتيح لهم أن يمارسوا سلطة ما ليتحكموا برقاب كل من لا يدين بالإسلام من أبناء البلاد. وأحياناً كثيرة حتى المسلمين أنفسهم ممن لا حول ولا قوة لهم. وإذا كان النظام التركي الذي كان قيد النشوء على أنقاض العثمانية قد تسنى له تنفيذ جريمته الكبرى بمذابح 1915 لإفناء مسيحيي تركيا من أرمن وسريان آشوريين ويونان، فإن مذبحة سيميل في العراق عام 1933 تعيدنا إلى ذات النقطة التي انطلقت منها الدولة الإسلامية  واستمرت لدى ورثتها من الأنظمة، التي وُصِفَت تجاوزاً بالحديثة، لتؤكد على النهج الذي ساد حتى أصبح سياسة ثابتة في قمع وإفناء كل اختلاف في المجتمع حتى ولو جاء بصيغة إسلامية ولكن بمسميات أخرى مثل كردي أو أمازيغي أو سواها.
ولأن المضمون كما النتيجة بقي ذاته رغم تلون المفردات السياسية بألوان زاهية بعد مرحلة الاستقلال في النصف الثاني من القرن العشرين، لم يكن للمسيحيين من رعايا هذه الدول من خيار سوى الخضوع التام أو الهجرة لمن أتيح له ذلك. وهكذا مرة أخرى يجبر من كان يوماً يعتبر نفسه صاحب الأرض والحضارة على قبول فتات موائد الأنظمة والمجموعات الحاكمة، حتى بات مجرد أن توجد لك كنيسة تتعبد بها منَّـة من الحاكم عليك أن تشكره عليها صباح مساء. وفي بلد عريق كمصر فإن تعداد ملايينه العشرة من المسيحيين لم تشفع لهم بعد بتغيير بعض القوانين العنصرية بخصوص أهل الذمة والمهينة للإنسانية التي سُـنَّت منذ عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، ناهيك عن حوادث الاعتداء والقتل والخطف والأسلمة الجبرية بحق المسيحيين فيها. لا بل في بلد كالسعودية يعتبر مجرد امتلاك الكتاب المقدس جريمة تستدعي المحاكمة بتهمة التبشير بالمسيحية.
ولعل أبشع ما يمكن تصوره هو أن يهرب المسيحي من دالوف الأنظمة هذا ليقع تحت مزاريب الإرهاب التي طالما سهرت هذه الأنظمة  (ومازال بعضها حتى هذه اللحظة) على رعايتها ودعمها إلى أن اكتوت هي الأخرى بنارها فقلصت ذلك الدعم دون أن تجففه نهائياً. حيث مازالت هذه الأنظمة وسياساتها تجاه الآخرين أرضاً خصبة لتربية أجيال من الشباب المرشح للحصول على نصيبه من "مأثرة"  التطرف والإرهاب.
 وإذا كان الإسلام كدين غير مسؤول بشكل مباشر عما يحصل، فإن ما حصل ويحصل يتم على أيدي أناس أو جماعات تدين بالإسلام، وتتخذ من تعاليمه أحياناً ذريعة لفعلها. هذا في غياب أي موقف جدي وحازم من المؤسسات الإسلامية الرسمية لكبح جماح هذا الانفلات المستمر من أي قيد أو وازع ديني أو أخلاقي، والمسيء للإسلام أولاً وقبل غيره باعتبار هذه الأعمال مخالفة لكل قيم التعايش والتسامح والمبادئ الإنسانية، إضافة إلى اقتلاع شعب أصيل ومبدع من جذوره وأرضه التاريخية. ومن هذا المنطلق فإن المسؤولية عما يحصل للمسيحيين في هذه المنطقة هي مسؤولية المجتمع ككل، الذي هو مجتمع إسلامي في غالبيته العظمى. والتصدي لهذه الظاهرة الهمجية هي مهمة الجميع. وفي المقدمة مهمة المؤسسات الإسلامية وكبار رجال الدين الإسلامي الذين تترتب عليهم مهمات وواجبات أكبر بكثير من التنديد والشجب الكلامي الذي يصدر أحياناً من هذه الجهة أو تلك.
إن جريمة اختطاف وقتل رئيس أساقفة الموصل للكلدان ومرافقيه الثلاثة أبعد من مجرد حادثة وأكبر من جريمة ترتكب. إنها إعادة لرسم صورة تاريخية استقرت في الذاكرة لسياسة التعايش التي عانى منها المسيحيون عامة في الشرق الأوسط في محيط إسلامي حين تنفلت بعض الجماعات فيه من حسها الإنساني لترتكب ما تراه في بعض الحالات واجباً. وتسم بفعلها الذميم ذاك المجتمع كله، وبخاصة حين لا ينهض هذا المجتمع لإيقافها عند حد.

57
أطلقت عليه السلطة (لا) واحدة فأردته معتقلاً



سعيد لحدو                        29 شباط 2008
أسامة أدور موسى كاتب مقالة اللاءات الثلاث:لا غاز... لا مازوت... لا كهرباء
(لا) واحدة فقط من لاءات السلطة إياها كانت كافية ووافية لإلحاقه برفاقه المعتقلين من أصحاب ربيع دمشق وصيفها وخريفها وشتاءاتها الباردة بلياليها الطويلة. دمشق عاصمة سورية الأسيرة بأيدي سلطة فاقدة لأية حرارة تواصل مع شعبها الباحث عن مادة يقاوم بها قساوة الظروف التي حُشِرَ بها ولم يجد سوى  لاءات أسامة أدور موسى ليتنفس من خلالها بعض الهواء ليدلل على أنه مازال على قيد الحياة. تلك اللاءات الثلاث التي كانت صفعة جريئة في وجه شتاء السلطة وصقيع سياساتها العمياء سوى عن عناوين وأسماء الثائرين لعزة وكرامة الشعب السوري ولو بالكلمة الأبية الصادقة. هذه كانت حال أسامة المواطن الآشوري السوري الباحث عن فرصة للحياة بكرامة والمجاهد من أجل تجسيد إنسانيته المغيبة في أقبية أجهزة الأمن المتورمة كالسرطان المتفشي في أوصال المجتمع السوري لكبح كل خلية تنبض بالحياة فيه.
 هذا هو العرف الذي دأبت عليه هذه السلطة لإطالة عمرها المحقون بالأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية الجائرة. وتلك هي أدواتها لقطع المسافة التي تبدو طويلة جداً ولا نهاية لها بين القصر الجمهوري وقلوب الشعب السوري التي لم ولن تخفق إلا لمن يحبه ويخلص له. ولقد أراد أسامة أن يكون مخلصاً لوطنه, وصادقاً مع نفسه والمبادئ التي اعتنقها. أبياً لا يقبل الضيم أياً كان مصدره. شامخاً كشجرة السنديان التي لم تهتز لرياح الذل والمهانة والخنوع التي تهب على الشعب السوري بكل فئاته وقومياته من كل اتجاه وضعت السلطة لنفسها فيه موطئ قدم. (لا ) واحدة كانت القاسم المشترك لكل آلام ومعاناة وأوجاع السوريين بكل اللغات التي تعودوا أن ينطقوا بها عربية كانت أم سريانية أم كردية. وهي الـ (لا) ذاتها التي أطلقت على ميشيل كيلو وعارف دليلة وفداء حوراني ورياض سيف وغيرهم من السوريين الشرفاء فأردتهم معتقلين, ممن اختاروا صف المواطن المقهور رغم كل المحاذير والتبعات من ملاحقات ومضايقات إلى اعتقال وتعذيب إلى محاكمات يمكن أن تجد فيها كل شيئ باستثناء العدالة والاستقلالية.
هذه هي المقاومة التي بشرتنا بها السلطة دائماً لتحرير أراضينا المحتلة. وإذ بها في الواقع مقاومة لإركاع الشعب السوري حتى آخر كلمة حرة. إنها مقاومة الوحش المستميت للتمسك بفريسته حتى ولو لم يبقَ فيها سوى العظام, بعد أن امتص آخر قطرة دمٍ فيها. لقد غدت سورية الوطن التي نعرفها ونعتز بالانتماء إليها وبكل خيراتها الكثيرة التي أنعم الله بها عليها, غدت مزرعة للنهب والسلب لحفنة من أزلام النظام ومحسوبيه, في مقابل أن يظل المواطن ذليل حاجته التي عليه أن يستنفر كل ما يملك من قدرة وشجاعة و.....كرامة للحصول على الحد الأدنى منها. في الوقت الذي يسخر النظام كل أدواته الإعلامية وغير الإعلامية لتجميل صورته المزورة والتغني بالمواقف الوطنية أو القومية على صفحات الجرائد ومن خلف الميكروفونات. في حين أن ما يحسه المواطن ويعيشه ويلمسه على أرض الواقع كل يوم وكل لحظة, لا يخرج بأي حال عن إطار تلك اللاءات الثلاث التي دبجها رفيقنا في المنظمة الآثورية الديمقراطية أسامة بكل ما تحمله وتصوره لاءاته تلك من معاناة لم تعد تحتمل للمواطن السوري والتي قاربت بعمقها وإيلامها حد الانفجار الذي لن يدوم أمده في وجه سلطة فقدت حتى ورقة التوت التي كانت يوماً ما تستر بها عوراتها الكثيرة.
فهل من (لا) هذه المرة يطلقها الشعب السوري لمرة واحدة وأخيرة لإنهاء هذه المهزلة والتخلص من أوجاعه ومعاناته التي باتت مزمنة؟ أم أن أسامات أخر لابد وأن يسلكوا ذات الطريق قبل أن تشرق شمس سورية الحرة؟

58
لقاء سياسي وجماهيري هام في هولندا

 

نظمت لجنة منطقة هولندا للمنظمة الآثورية الديمقراطية (آدو) بالتعاون مع ممثل الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا) لقاءً سياسياً وجماهيرياً هاماً للسيد يونادام كنا السكرتير العام لـ (زوعا) مع أبناء شعبنا في هولندا وذلك بتاريخ 27-2-2008 في مقر نادي بيث نهرين الثقافي في مدينة إنشخده.

وقد حضر اللقاء حشد كبير من المهتمين من أبناء شعبنا من مختلف الطوائف والاتجاهات السياسية.

استهل اللقاء ممثل المنظمة الآثورية الديمقراطية بكلمة ترحيبية بالأستاذ يونادام كنا معبراً عن سرور الحاضرين بهذا اللقاء الهام والضروري لمد جسور التواصل بين جناحي شعبنا في الوطن والمهجر لما لذلك من أهمية كبرى وتأثير عظيم على حياتنا كشعب ومستقبلنا كأمة. مشيراً إلى وجود ميثاق عمل قومي مشترك بين المنظمة وزوعا منذ مطلع التسعينات وما زال العمل جارٍ به حتى اللحظة.

ثم كانت الكلمة للأستاذ يونادام كنا الذي بدأها بشرح موجز عن دواعي تواجده الحالي في أوربا, وعن مؤتمر المصالحة العراقية الأخير في الدانيمارك والذي شارك فيه كرئيس للمؤتمر. ثم تطرق لآخر المستجدات على الساحة العراقية مع شرح موسع لرؤية زوعا لوضع شعبنا في العراق وموقفها من قضية الحكم الذاتي المطروحة أو تحديد منطقة آمنة لشعبنا في سهل نينوى.

وقد أثيرت من خلال أسئلة الحاضرين قضايا أخرى عديدة مثل وضع المدارس السريانية, والعلاقة بين تنظيماتنا السياسية في العراق مع بعضها البعض وبينها وبين القوى الأخرى الفاعلة على الساحة العراقية مثل: السنة- الشيعة- الأكراد. وكذلك مسألة التماثل مع وضع الأقليات الأخرى كاليزيديين والتركمان والصابئة المندائيين.

في نهاية اللقاء تحدث بشكل موجز السيد هرمز ممثل زوعا في هولندا عن الدور الذي تقوم به زوعا لتحقيق أماني شعبنا وتطلعاته لمستقبل أفضل.

وفي الختام شكر ممثلُ المنظمة  الأستاذَ يونادام كنا على شرحه المستفيض لرؤية زوعا لمختلف القضايا التي تهم شعبنا في العراق. كما شكر الحاضرين على حضورهم واهتمامهم بتوجيه أسئلة هامة أغنت اللقاء وساهمت في توضيح الكثير من المسائل.

هذا وقد دام اللقاء حوالى الساعتين تلته مناقشات فردية لمن لم تتح له الفرصة للسؤال دامت قرابة النصف ساعة. ثم غادر السيد يونادام أنشخده في المساء ذاته لمواصلة جولته الأوربية.









59
معاقبة أمريكا سورياً
وسحر الرقم 99%

حدثان يهمان المواطن السوري بدرجة كبرى, وربما العربي أيضاً, حدثا في الأسبوع الماضي وأثارا فيضاً من المشاعر الجياشة: الأول حين وقف  الوزير المعلم بعرضه وطوله خلف المنبر وأمام عدسات المصورين مصرحاً بأنه سيعاقب أمريكا رداً على العقوبات الأمريكية على متنفذين سوريين وتجميد أرصدتهم. والثاني الاستطلاع الذي خرجت به صحيفة الثورة السورية حول وجود الفساد في أجهزة الدولة, والذي جاء بنتيجة %99  من المستفتيين ممن يرون بأنه مستشرٍ وبخاصة بين كبار المسؤولين في السلطة.(انتبه لقدسية الرقم 99 في الميثولوجيا السياسية للأنظمة العربية)
بالطبع ودون أن يخامرنا أدنى شك بصدقية الحدثين. احترنا, ونرجو عذرنا في حيرتنا هذه, في أيهما أكثر صدقاً. ذلك لأننا اعتقدنا جازمين أن حكامنا لم يجدوا مبرراً لكلمة (صدق) فحذفوها من قواميس أنظمتهم كي لا تزرع الشك والريبة بين الحاكم والمحكوم. فالحدث الأول وهو القرار الذي اتخذه المعلم بمعاقبة أمريكا. وكما يقال في المثل السوري المعروف (ضربة المعلم بألف ولوشلفها شلف), يستدعي منا هذا القرار استنفار كل ما في تاريخنا وحاضرنا (دون أية ضمانة للمستقبل بالطبع) من مشاعر التباهي والتفاخر لأننا الوحيدون في هذا العالم  ممن تجرأ على التفكير بمعاقبة أمريكا. هذه الدولة المتعجرفة بقوتها وبرئيسها المتزمت والذي لم يتعلم آداب الحديث مع أقدم عاصمة في العالم, تماماً كما عمل والده في مخاطبته أقدم حضارة في العالم.. إلا بالصواريخ والطائرات. ولكن ونحن مزهوِّين منفوشين بالموقف التاريخي والشجاع لمعلمنا هذا تردَدَ رنينُ كلماته بآذاننا كالأحجية لأننا أُخِذنا بنشوة التفاخر ونحن نتخيل ذلك المارد الأمريكي بكل عنجهيته يأتي ويركع أمام قدمي المعلم طالباً الصفح والغفران لأنه لم يكن يدري (مع مين كان عم يحكي). هذا إذا افترضنا أن نمرة رجل المعلم ظلت ثابتة على حالها ولم يتغير موقفه. ذلك لأن نمرة أقدام السوريين خاضعة ومنذ بداية حكم البعث للأخذ والرد بحسب الظرف والموقف السياسي للشخص.
ولما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة, تساءلنا: ما الذي سيفعله المعلم فيما إذا واصل المارد الأمريكي عنجهيته ولم ياتِ راكعاً؟؟ لاشك أن وزير خارجية بهذا الحجم لا يلقي الكلام على عواهنه, و لا بد أن يكون قد حسب حسابه جيداً. فها هو قد تذكر أن مواطنين سوريين كانوا قد قتلوا في حرب تموز 2006 بسلاح أمريكي..وسيقيم (حرف السين هنا للاستقبال) أهاليهم دعاوى على أمريكا بهذا الخصوص. وفي الحقيقة أن المعلم كما معلميه لم ينسَ ولو للحظة أن مواطنين سوريين قتلوا في ذلك العام ولكنه لحكمة عظيمة حفظها ولم يرد طرحها إلا الآن. عملاً بالنصيحة: (إحفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود) جاء اليوم على ذكرها وكأنه للتو اكتشف قارة جديدة. وها هي دماء السوريين تستخدم مرة أخرى سلعة للمتاجرات والمقايضات السياسية الرخيصة ورهينة المصالح الشخصية لأركان النظام. متجاهلاً أن القاتل الحقيقي هو إسرائيل وهي على مرمى حجر من دمشق ولا من يجرؤ على القول لها يامحلا الكحل بعينك, رغم كل ما فعلته وتفعله من انتهاكات فوق القصور الرئاسية أو غارات على مواقع سرية لا يدري حتى السوريون ما كنهها. إلى عمليات اغتيال وغيرها في وسط دمشق. والتي تجابه دائماً وأبداً بالعبارة المضحكة فاقدة المعنى ذاتها (سنحتفظ لأنفسنا بالرد في الزمان والمكان المناسبين) والذين لم ولن يأتيا أبداً في ظل هكذا عقلية تحكم البلد وتتحكم بمصيره.
هذا ليس هو السلاح الوحيد بيد المعلم لمعاقبة أمريكا خصوصاً إذا علمنا أن مكان تقديم الدعوى يشكل في الظرف الحالي إحراجاً للمعلم ولنظام القضاء السوري برمته. فإذا كانت المحكمة التي ستنظر في الدعوى سورية, فمن الذي سيضمن أنها ستبقى مستمرة حتى يتم اتخاذ القرار بشأنها؟ هذا إذا افترضنا في هذا القضاء الحد الأدنى من النزاهة والاستقلالية, ناهيك عن الكفاءة والقدرة لاتخاذ أي قرار هام. والشواهد على هكذا محاكم ولجان قضائية شُـكِّلت لدواعٍ سياسية وتم تناسيها بعد مدة قصيرة أكثر من أن تحصى, ولم تكن لجنة التحقيق في اغتيال الحريري الأولى كما لن تكون الأخيرة. كما إن التوجه إلى الأمم المتحدة لتشكيل هكذا محكمة لن يجدي نفعاً لأن المنظمة الدولية بقناعة النظام السوري كما أحمدي نجاد ليست سوى أداة لتنفيذ سياسات الدول الاستعمارية ولن تقف إلى جانب المظلومين بأي حال من الأحوال. لذا لم يعد أمام المعلم ورفاقه ممن حُجِزَتْ أموالهم في المصارف الأمريكية وضُيِّـقَ على تجاراتهم عبر المحيطات إلا وسيلة واحدة للتشفي من هذا الأمريكي المتغطرس ألا وهي (ثلاثية الصحافة السورية. وأقصد بها جرائد البعث والثورة وتشرين). هذه الصحف الثلاث التي وإن كانت في الحقيقة صورة مكررة لبعضها البعض, لكن تلك هي سر قوتها التي ستجبر بوش وأباه وكل عشيرته من آل كاوبوي للهرولة إلى دمشق ليعسكروا على الرصيف أمام وزارة الخارجية ريثما يحن قلب المعلم (ويجب أن نحدد أي معلم, لأن المعلمين كثر في هذا النظام) ويقبل بالصفح عنهم بعد تنفيذ  شروط كل المعلمين.
أما كيف... فذلك هو بيت القصيد. بما أن هذه الصحف تطبع ملايين النسخ يومياً وهي كما هو معروف ومتعامل به من قبل كل مواطن سوري, لا تصلح إلا للف سندويشات الفلافل, وفي الوقت ذاته هي أرخص من أي نوع آخر للورق. يتم تحسين نوعية ورقها لتصبح صالحة للتصدير وتزاد النسخ المطبوعة ولتصبح مليارات عوضاً عن الملايين. وبما أن الاقتصاد هو عصب الحياة الأمريكية, يتم تصدير هذه المليارات من الصحف بعد تحسين وملاءمة النوعية لتغدو مناسبة للف الهمبرغر. وبعد تعويد المواطن الأمريكي على هذا المنتج السوري الفذ والرخيص, يتم إيقاف تصديرها فجأة وبدون سابق إنذار, فتكون إذاك الكارثة وتقوم القيامة على رأس الرئيس الأمريكي وإدارته. وحينذاك لن يكون أمامهم إلا الرضوخ لإرادة كل معلمي سوريا صغارهم قبل كبارهم. وهكذا يكون قد تحقق الوعد.
أما قضية الدراسة التي أجرتها صحيفة الثورة ونتيجة الـ 99% فهي لا تبتعد عن موضوعنا الأساسي ويجب أن يتم البحث عن ذلك الواحد بالمائة الضائع والذي لم نكن سنغفر له لولا أن للرقم 99 سحر خاص في نفوس السوريين الذين لم يعرفوا غيره في حياتهم السياسية الحديثة. والفساد الذي حاز على هذا الاجماع الكبير الذي لم يحز عليه الرئيس بشار نفسه في الاستفتاء الأخير إنما يدل على مدى الشوط الذي قطعته السياسة السورية الحالية في معاقبة أمريكا حتى قبل أن يتم الإعلان عن ذلك رسمياً . ألم يقل بوش, حتى ولو كان كاذباً يخفي أهدافاً أخرى, إنه سيخلق شرق أوسط جديد خالٍ من الديكتاتوريات الفاسدة؟ وأنه سيعمل على نشر الديمقراطية في دول الشرق الأوسط ؟ نكاية به وبأبيه وبكل كاوبوي من عشيرته سيعمل النظام السوري على عكس ما يريده الأمريكيون. وسيمعنون في الفساد حتى آخر ليرة في جيب المواطن. وسيضعون في السجون كل من لا يعجبهم تسريحة شعره حتى ولو كان أصلعاً.  وسيمحون كلمة ديمقراطية ليس فقط من القواميس العربية بل وحتى من ذاكرة المواطنين ممن مازالوا يتمتعون بعد بذاكرة. وسيجعلون من إضعاف الشعور الوطني, لمن مازال يحتفظ ويعتز ببعض من ذلك الشعور, وتوهين نفسية الأمة (التي لم يُذكَر اسمها في المحاكمات) مادة للمحاكمات التي سيظلون يطيلون أمدها برفدها بمزيد من الوقود الآدمي رغم أنف الأمريكي المتغطرس.
وبعد... وكرمى لعيون كل من يملك رصيداً بالقطع النادر وبالمليارات من السوريين الذين تتردد أسماؤهم على ألسنة الأمريكيين, دلوا المعلم ورفاقه على أية عقوبات أخرى غير ما تم ذكره وفعله وهم سيتكفلون بالباقي إمعاناً في التنكيل والعقاب لأميركا.
فلتصمد أمريكا إن استطاعت هذه المرة أمام عقوبات الوزير المعلم الذي لايستطيع معاقبة المستخدم في وزارته دون إذن أولياء الأمر والنعمة من حوله. وإلا فإن طرق كثيرة للانتحار موصوفة ومجربة مازالت سالكة..!

60
دعوة للإحتفال بذكرى نعوم فائق



بالمشاركة مع نادي بيث نهرين – إنشخده, ونادي طور عبدين – هنكلو, واتحاد الشبيبة الآثورية في هولندا, تقيم المنظمة الآثورية الديمقراطية احتفالاً فنياً وثقافياً بذكرى الملفان نعوم فائق. هذا المفكر والرائد القومي الذي ضحى بنفسه من أجل أمته وشعبه وأصبحت أفكاره ومنطلقاته القومية هادياً للكثيرين ومثالاً صادقاً للوحدة بين كل طوائف شعبنا.
ومن هذا المنطلق أصبحت هذه الأفكار والمبادئ الأساس الذي قامت عليه واستلهمته الكثير من الحركات والتنظيمات  والمؤسسات التي أنشئت بين أبناء شعبنا في تاريخه النهضوي الحديث. لهذا أصبحت ذكرى نعوم فائق عيداً قومياً ورمزاً دائماً لوحدة هذا الشعب.
سيقام الاحتفال يوم الأحد في 3 شباط 2008 في مبنى نادي بيث نهرين – إنشخده. في الساعة السابعة مساءً.

برنامج الاحتفال:

1.   نشيد نعوم فائق
2.   دقيقة صمت على روح الفقيد الدكتور فؤاد دينيس
3.   كلمة المنظمة الآثورية الديمقراطية
4.   مسرحية قصيرة
5.   مواقف كوميدية ناقدة
6.   كورال مار أفريم
7.   شعر بالسريانية (الأستاذ روبين شموئيل)
8.   موجز حياة نعوم فائق بالهولندية (إتحاد الشبيبة الآثورية)
9.   كورال مار أفريم
10.   شعر بالسريانية (الأستاذ حبيب كورية)
11.   غناء إفرادي (المطربان جورج عبدو و إحلام)

العنوان:

نادي بيث نهرين – إنشخده
De reuveler 112 a
Tel. : 053-4766873

  المنظمة الآثورية الديمقراطية   
  منطقة هولندا 

        الدعوة عامة والدخول مجاني     


61
أيُّ الضربِ يؤلمكِ...؟


18 كانون الثاني 2008
سـعيد لحـدو

رحم الله مطرب العراق ناظم الغزالي وهو يسأل حبيبته من قوم عيسى أيها أكثر إيلاماً: ضرب النواقيس أم ضرب النوى....؟ طالباً منها أن تقيس.
هذه صورة من عراق الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. وهي ليست صورة مثالية على أية حال. ولكن كان في مقدور المسلم أن يغني لمسيحيةٍ, ويتزوج من يهوديةٍ, ويعيش في وسط إسلامي حياة طبيعية. وكان الناس يطربون لتلك الأغاني, أياً كانت ديانتهم. ويظل الوئام سيد الموقف, حتى وإن كانت الصورة غير قابلة للعكس, لا حينها ولا في يومنا هذا.
ولو قـُـدِّرَ لناظم الغزالي أن ينهض من قبره ليشهد ما يحدث اليوم لمسيحيي العراق ونواقيسهم  التي لم تدعُ قط إلا للمحبة والسلام بين الشعوب والأمم, سيموت مرة أخرى ندماً لأنه لفظ يوماً كلمة (ضرب) ولو في أغنية... حتى وإن كان لا يقصد بها إلا آلام العشق ومعاناة العاشق. متغنياً بأجراس الكنائس التي يهفو قلب حبيبته لرنينها.
وسيموت مرة ثانية وثالثة, حين يدرك أن الغناء بات رجساً من عمل الشيطان في أعين القوى الظلامية التي أشاعت الرعب والخوف في كل أرض العراق. وعشقت القتل والذبح ومشاهد الدم والأشلاء المتناثرة, معتبرة ذلك سبيلاً مأموناً إلى الجنة. ومارست التفجير في دور العبادة. وجعلت من الكنائس كما الجوامع والمزارات الدينية الأخرى, هدفها المفضل. لتزرع بين الفينة والأخرى قنابل الحقد والكره والهمجية, لإسكات تلك النواقيس الداعية دائماً للمحبة والسلام والمودة بين البشر جميعاً.
ليس خافياً على أحد الهدف الذي تنشده قوى الشر تلك من وراء التنظيم المتزامن والمتواتر للهجمات الإرهابية على كنائس العراق ومسيحييه, الذين لم يحبوا إلا العراق, ولم يعرفوا وطناً سواه. ولم يدعوا ويعملوا إلا له ولتطوره وتقدمه. ولم يسعوا إلا إلى سيادته واستقلاله. وما يميزهم عن العراقيين الآخرين أنهم الفئة الوحيدة التي لم تحمل سلاحاً في وجه أية فئة عراقية أخرى. ولم ينتظموا في عصابات مسلحة للقتل والسلب والنهب. ولم يطمعوا في سلطة وامتيازات أو حصص على حساب أيٍ كان, في عراق كثر الناهشون في جسده الجريح. ولم يتعاملوا مع أية قوة داخلية أو خارجية ضد العراق وشعبه. ولم يكونوا أداة تحركها قوى إقليمية أو دولية لمصالح وأهداف لا تمت إلى مصالح وأهداف العراق والعراقيين بصلة.

خطفوا وقتلوا ونهبوا وفجرت كنائسهم وطولبوا بدفع الجزية وكل ذنبهم أنهم مسيحيون وقفوا وما زالوا مع العراق الواحد الموحد السيد الحر المستقل. عراق السلام والمحبة والعدل والمساواة والديمقراطية لكل أبنائه. وهم يفخرون بموقفهم هذا, وسيظلون متمسكين به رغم كل صنوف التهديد والإرهاب والقتل من قبل كارهي هذه القيم, العاملين بالسيارات المفخخة وبالانتحاريين من (جهادييهم) القادمين من أصقاع الأرض, على إرهاب وقتل وتهجير كل من يؤمن بتلك القيم ويعمل على تجسيدها. مفرغين شحنات الحقد الأعمى التي جرى شحنهم بها في مدارس التعصب الديني, ومواعظ شيوخ الجهل. الذين انفلت عقالهم في أرض العراق, بإيحاءاتٍ وتمويلاتٍ خارجيةٍ. فراحوا يدمرون ويقتلون كل ما ومَن تطاله أيديهم, لزرع الفوضى والاضطراب في كل مكان. فاقدين القدرة على التمييز. ومنفلتين من كل قيد ديني أو أخلاقي, في ظل غياب أو تغييبٍ للشعور الوطني. وتشويش لمفهوم المواطنة, حيث بات العراق يعيش خارج الزمن. فلا هو في العصور الوسطى, حين كان المسيحيون يدفعون الجزية وهم صاغرون, وعندها كان لهم على الأقل الحق بالحماية التي افتقدوها اليوم. ولا هو في العصر الحديث, حيث مفهوم المواطنة وحقوق المواطن تأتي في المقام الأول, وفيها يتساوى المسلم بالمسيحي بالحقوق والواجبات.
وإذا كنا لا نترحم على زمن صدام حسين رغم كل مانشهده, فلأننا ما زلنا نثق بالإنسان وروح الإنسان وبالمستقبل. وإذا كان من حسنة تذكر لصدام حسين فإنها مساواته في ظلمه وقهره لكل العراقيين على السواء, دون أي تمييز في الديانة أو الانتماء القومي أو المذهبي. وبالمقارنة مع واقع اليوم فإن هذه الحسنة (إذا جاز لنا أن نسميها حسنة) قد زالت, وحلَّ في كل حي وناصية شارع صدام صغير يجسد تشوهه النفسي والتربوي والعقائدي من خلال ممارسة العنف والتدمير والإرهاب ضد كل من لا تعجبه طريقة حياته, أو يخالفه في أمرٍ من أمور هذه الحياة. وهكذا بات المسيحيون وكنائسهم في العراق دريئة يصوِّب عليها أولئك المتخمون بكل ما هو غير إنساني, ليفرغوا فيها عقدهم النفسية وأمراضهم الاجتماعية التي توارثوها تاريخياً من مصادر قروسطية مشبعة بالتخلف والهمجية وروح العداء للآخر. ويصوروا تشوهاتهم الروحية تلك على أنها (جهاد في سبيل الله). متعامين عن الأصابع التي تمولهم وتحركهم. والتي لم تكن يوماً أقرب إلى الله منهم. هذا الإله الذي هو رحمة ومحبة لكل عباده. والذي يتعبد له الناس أجمعون, من هذا المنطلق وعلى هذا الأساس, أياً كانت ديانتهم. أما أولئك فيبدو أن لهم إلههم الخاص. ذلك الإله الذي يعشق ليس فقط ضرب النواقيس بمعناه الحرفي, وتفجير الكنائس ودور العبادة الأخرى, وإنما أيضاً ضرب أفئدة المؤمنين أيضاً وإصابته فيها مقتلاً.
فشتان مابين الضرب الذي عناه ناظم الغزالي وأطرب الملايين به, وبين ضرب آلهة الظلمة التي دمرت وقتلت وأرهبت الملايين. لكن الأمل يظل معقوداً بأولئك الذين مازالوا يطربون لأنغام المحبة والوحدة والوئام بين أبناء العراق. عراق المستقبل الواعد بمسيحييه أيضاً إلى جانب إخوتهم الآخرين ممن أحبوا العراق كوطن للجميع. 

62
حكامنا وحمار جحـا

5 كانون الثاني 2008
سعيد لحدو


حين ضاقت سبل المعيشة بجحا وصعبت حاله, استنفر كل مافيه من ذكاء وطرافة وراح يتفكر في طريقة أو حيلة يؤمن بها لقمة عيشه من السلطان, لما تبقى له من عمر. فكانت قصة تعليم الحمار القراءة. تلك القصة المعروفة. ولأن الحمار كما هو معلوم من أغبى الحيوانات ولا يتعلم بالسرعة المطلوبة, على حد تعبير جحا, لهذا طلب جحا من السلطان مهلة عشر سنوات  لإنجاز هذا العمل الكبير. وكان يأمل من طلبه هذا أن يموت أحدهم: جحا أو السلطان أو الحمار فيلغى العقد نهائياً بغياب أحد أطرافه. وهكذا يتمكن جحا أن يتكسب رزقه لأمد معلوم.
حكايتنا مع حكامنا هذه الأيام تشبه إلى حد بعيد حكاية جحا هذه مع سلطانه وحماره, مع بعض الفوارق. فبالنظر إلى أن حكام هذا الزمن أذكى بكثير وأكثر حذاقة من سلاطين أيام جحا وليس من السهل أن تنطلي عليهم حيلة كهذه. فهم تخرجوا من الكليات العسكرية ونالوا شهادات جامعية عليا, وكانوا دائماً الأوائل على أقرانهم في كل المراحل الدراسية بدليل سجل العلامات الممتازة التي كان أساتذتهم يمنحونها لهم حين كانوا بعد مجرد أبناء للحكام. ولما ورثوا السلطة, أو كما يُقال: انتخبهم الشعب, تنازلوا طوعاً وتواضعاً عن دور السلطان للشعب الذي هو بحسب النظم الديمقراطية التي نتفاخر بها (ليس إلا), ومفاهيم العصر التي تنص على أنه مصدر كل السلطات. ولا سيادة تعلو فوق سيادته. , وأقصد هنا الشعب وليس ما قد يُخيَّـل إليكم!!! وارتضى هؤلاء الحكام لأنفسهم أن يكونوا من عامة الناس حرفياً وبحسب القانون. يعانون ويجهدون ليكسبوا رزقهم. ولا يميزهم شيء إلا تلك المسؤولية الوطنية الثقيلة التي رماها الشعب على أكتافهم, فارتضوا حملها على مضض ومن منطلق الحرص على الوطن والمواطن عندما لم يقبل غيرهم حملها, بدليل عدم ترشيح أياً كان نفسه لهذه المهمة عـداهم. فكرسوا تواضعهم وزهدهم ذاك في دساتير كتبوها بعصارة أفكارهم النيِّـرة, وطرحوها للاستفتاء الشعبي, ونالت كما هو متوقع لها 100% من الأصوات.
ولهذا ومن باب التواضع ذاته, فقد تنازلوا عن دور السلطان واختاروا لأنفسهم دور جحـا في هذه الحكاية, مستنفرين عبقريتهم والمحيطين بهم وكل ما خبروه وتعلموه من أساليب ومناهج في الحكم, ليتكسبوا رزقهم ورزق عيالهم, وذوي القربى ممن أفسح الله لهم مكاناً واسعاً في قصور "الشعب" لما تبقى لهم من العمر كحكام. والأعمار بيد الله. ومنحوا شعوبهم عن طيب خاطر وبكل أريحية وروح رياضية, دورَ السلطان الذي لا تعلو كلمته كلمة "وفق الدساتير" ومبادئ الثورات البشرية.
أما الحمار, فقد كان له زمانه. وهو لم يعد يصلح لعصر الإنسان الآلي والكومبيوتر, ناهيك عن غبائه الشديد الذي لم يعد يتوافق مع متطلبات جحـا هذا الزمن. ولأنه في النهاية ومهما طال الزمن, لا بد له من تقديم امتحان القراءة الذي سيفشل فيه دون ريب, فتنكشف الحيلة. لذلك وانسجاماً مع روح العصر مرة أخرى, فقد تمت إحالته على التقاعد, واستعيض عنه بمفاهيم عامة عصرية لا تقبل القياس مثل: الحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية. وقد تُضـاف إليها رتوشات تزيينية أخرى مثل (التحرير) إن كان لك أرض محتلة. أو (الانجازات العظيمة) إذا اعتُـبِرَ بناء مدرسة أو سجن أحد تلك الانجازات. وما أكثرها في طول البلاد وعرضها. مع ملاحظة تناقص نسبة المتخرجين من الأولى وعدم فاعليتهم, وتزايد ملحوظ في أعداد الداخلين إلى الثانية.
وهكذا تبقى هذه المفاهيم غير قابلة للقياس أو الممارسة العملية, بل لاجتهاد الألسنة المشرعة كالسيوف من أدوات أجهزة الحكام الإعلامية. فتتحول إلى طلاسم في عيون الناس لا تُفكُ رموزها إلا عبر تلك الأجهزة المجندة ليل نهار لتسويق اجتهاداتها المجافية لكل منطق والمهووسة بالتصفيق للهزائم الموصوفة عربياً بالإنجازات وكتابة قصائد المديح للتقدم الذي لم يحصل قط.
من هذا المنطلق تغدو حفلات (المولِـد) الشعبية, والتي تسمى أحياناً (برلمانات) مشاركة شعبية في الحكم!! كما تتحول صناديق العطارين التي كل شيء فيها معروض للبيع وهي تجوب أزقة الحارات والقرى البعيدة المتناثرة, تلك القرى التي كل ما فيها (زفت) بحسب التعبير الشعبي إلا الطرقات, هذه الصناديق تتحول إلى صناديق "انتخاب" تجاوزاً. أما المسيرات الشعبية, (ويجب الانتباه هنا إلى تحول كلمة تظاهرة إلى مسيرة) التي تخرج بين الحين والآخر, هي شكل متميز من أشكال الديمقراطية والتعبير الحر عن الرأي في تأييد الحاكم وافتدائه بالروح والدم. في حين أن التظاهرات الاحتجاجية ممنوعة بالطبع. وستقمع بكل وحشية وبأعنف الوسائل, لأنها تمثل فوضى وتهديداً للاستقرار "الأمني" الذي تتميز به بلداننا عن بلدان العالم قاطبة. ونستثني منها الحالات التي تأمر بها الأجهزة الأمنية للحاكم لتوظَّـفَ ضد موقف ما من دولة ما, أو لنشر صحيفة أجنبية مقالة أو رسماً ما قد لا يستسيغه الحاكم أو لغاية في نفس يعقوب. بشرط ألا تتعدى التظاهرة حرق بعض السفارات المحددة بعناية.
أما السيادة والشموخ والإباء الوطني, فجرب إن كنت تستطيع قياسها أمام هذا الزعيق المتواصل والممزوج بحداء رعاة الإبل المنبعث من الإذاعات والتلفزيونات العربية والذي يدعونه أغانٍ وطنية إذ تجعلك تعتقد أن العالم أجمع راكع تحت أقدامنا يستجدي منا الرحمة والإحسان, في حين أن أطفالنا ينفرون من قلم الرصاص الذي تنتجه معاملنا الوطنية, لرداءة نوعيته. في الوقت الذي لا يعجب المقتدر منا أن تكون حتى سراويل نسائه إلا مستوردة من الخارج. فهل كان ذلك الاستبدال موفقاً بين ذلك الحمار, وهذه المفاهيم؟
أما مدة العقد, فحدث ولا حرج. والسنوات العشر التي ارتضاها جحا ذلك الزمان لنفسه, مرفوضة عند جحا زماننا جملة وتفصيلاً. كما إن مبدأ التحديد ذاته مرفوضٌ أيضاً. والعقد الذي بينه وبين السلطان, الذي هو الشعب تجاوزاً, لا مدة له وسيبقى قائماً إلى ما شاء الله. أما ما يُـشاع بين الحين والآخر في القوانين عن تحديد مدة, فهذا ليس إلا من قبيل الرتوشات التزيينية التي تحدثنا عنها سابقاً. وهي صالحة فقط على الورق. والورق كمايعلم الجميع مادة سريعة التلف, وبخاصة إذا طالتها نار الخصوم. أما الحاكم فهو خالد بحسب كل الشعارات والتحليلات التي تقدمها لنا أجهزة إعلامه معلبة وجاهزة على طبق من ذهب. فهل يمكن بعد مقارنة الفاني بالخالد؟
ومع ذلك فإننا نُدعى كل بضع سنوات لإبداء رأينا فيه. وهذه منتهى الديمقراطية. ولكن لم يحصل أن قالت الأغلبية ولو لمرة واحدة (لا). ذلك لأن لك الحق بينك وبين نفسك أن تعتقد ماتراه صواباً شرط أن تضع كلمة (نعم) في صندوق العطار. وما دام رأي الأغلبية هذا, وهو هكذا دائماً, فهو باق وخالد إلى الأبد.
إنها الحكاية ذاتها مع بعض التعديلات التي يتطلبها العصر.
فلكل زمان جحـاه, ولكل جحـا حمـاره!!!

63
محامو الشيطان وشرعنة خطف الرهبان

1-12-2007

سعيد لحدو

الزوبعة التي أثارتها حادثة الخطف في طور عبدين للراهب دانيال ساوجي وعودته سالماً بعد يومين, بين الشعب السرياني الآشوري الكلداني عموماً, وأبناء الكنيسة السريانية الأورثوذكسية خصوصاً, وردود الأفعال عليها في وسائل إعلامنا جعلتنا نعيد النظر في كل حساباتنا الدينية والتاريخية والسياسية. وذلك على ضوء إشعاع نور الإيمان الفريد والمستحدث من بعض متصدري منابرنا الإعلامية من رجال دين. يستفيء في ظل إيمانهم ذاك محللون سياسيون بلغت بهم البراعة أن قدموا لنا وأناروا عقولنا (القاصرة) بحقائق في التاريخ والسياسة غابت عن إدراك العالم أجمع ولقرون عديدة.
وتأسيساً على تلك الحقائق المستجدة, وعلى ضوء صورة الإيمان الجديدة – التي لم نكن نحن عامة الناس نعرفها, ومن أين لنا أن نعرف ونحن لم نتخصص في الدراسات اللاهوتية مثلهم – تأسيساً على كل ذلك, تسابق هؤلاء طوعاً وغير مشكورين في برنامج خاص بهذه المناسبة (السعيدة) لإطلاق التهم وتوجيه اللوم والتقريع والتوبيخ للشعب (الجاهل) لأنه لم يعرف مثلهم كيف يشكر الدولة (العلية) تركيا, عوضاً عن أن يلومها!!!! والشكر أبسط مظاهر الآداب العامة التي لم يتعلمها شعبنا بعد في نظر هؤلاء.
ذلك البرانامج الذي خُصص ثلاثة أرباع وقته الثمين (المدفوعة تكاليفه من جيوب هذا الشعب ذاته) خُصِص لتوجيه الشكر والتحيات وتقبيل الأيادي لكل من يستحق ومن لايستحق. في حين أن الموضوع الأساسي والجوهري والذي من أجله كان البرنامج, غاب عن التحليل الجاد والمعمق. واستعيض عن الموقف الحازم والدور الفعّال للكنيسة ورأسها قداسة البطريرك التي كان بوسعها فعل الكثير لو توفرت الإرادة  والشجاعة. نستثني من ذلك موقف أبرشيات طور عبدين رغم وضعها المحرج وظروفها الصعبة هناك. ولقد استعيض عن كل ذلك بالأدعية والصلوات للراهب المخطوف..... وقد بين لنا البرنامج أن تلك الأدعية والصلوات كانت السبب في تحرير الراهب المخطوف من خاطفيه. ولكم كان بودنا أن نصدق ذلك. وبناء عليه نتساءل: لماذا لم يصلِِّ ويدعِ هؤلاء الروحانيون من كهنتنا الأفاضل للعديد من الكهنة والشمامسة والمئات من أبناء شعبنا الذين قتلوا بوحشية لا مثيل لها في العراق, وعشرات الآلاف الأخرى التي تعاني من التهديد بالإرهاب والقتل كل يوم؟ ولماذا لم تتم الصلاة بهذا الحماس لتخليص مئات الآلاف من ضحايا المذابح من قاتليهم المتوحشين؟
ورغم إدراكي العميق لقدسية الإيمان وقدرته على فعل المعجزات, وتقديري وتبجيلي الأشد لراهبنا وإيمانه وشجاعته, أقول: من يملك الحق في حشر الإيمان وهي مسألة روحانية, في قضية إجرامية سياسية على هذا المستوى؟ ألا ندين بهذا الكلام كل من لم يسعفه الحظ في النجاة من أيدي القتلة, وننتقص من إيمانه.؟ وهم كما نعرف جميعاً يعدون بمئات الآلوف في المائة سنة الأخيرة فقط.
ولقد غابت عن إدراكنا المحدود أيضاً الأسباب والعوامل التي جعلت تركيا اليوم – بحسب أولئك – تختلف عن تركيا الأمس.
إيماني المتواضع, وأنا العبد الخاطئ, لاشك لن يرقى بأي حال إلى درجة أولئك الذين نذروا أنفسهم وحياتهم للعبادة والصلاة... "وخدمة الناس".  ولهذا أتساءل: إذا كان لقضية سياسية أو إجرامية أن تُحـَل بهذا الشكل, معتمدين على الإيمان وحده,رغم أهميته, فهل كان أولئك المئات الألوف من ضحايا المذابح, بمن فيهم قساوسة ورهبان ومطارنة أجلاء ورعين, مجردين من الإيمان, لاسمح الله, حتى لم يتمكنوا من إنقاذ أرواحهم؟
دراستنا للتاريخ علمتنا أن الحقائق لا تطفو على السطح ولكن عليك البحث عنها بين ركام المعطيات الكثيرة والمتناقضة بين تلافيف الزمن وتعرجاته. فهل ما جرى ورأيناه كان بحثاً عن الحقيقة أم تعويماً لموقف تتلقفه ألفُ إشارة استفهام؟
وأيضاً علمتنا دراسة التاريخ أن المجتمعات البشرية ليست صيرورة اللحظة, بل هي نتاج تفاعلات وأحداث مئات السنين, بكل مكوناتها مع عناصر محيطها وبيئتها.... وبناء عليه أتساءل مرة أخرى: ما الذي يجعل تركيا الخطف ألمع صورة من تركيا المذابح؟ والحالتان كلتاهما نماذج لا تدعوان للفخر في التاريخ التركي.
حادثة الخطف هذه ليست الأولى من نوعها التي تقع في طور عبدين تحت سمع ونظر وتشجيع (بشكل مباشر أو غير مباشر) السلطات التركية. هكذا حدث سابقاً... ولا أرى أية دلالة مشجعة تجعلني أعتقد بأن ما يحدث اليوم هو غير ذلك. ولا ضمانة بأن غداً لن تحدث حادثة مماثلة أو ربما أبشع منها.
إن مدرسة الخنوع والتذلل التي يريدنا البعض أن نتتلمذ فيها هي التي أوصلت شعبنا إلى هذا الدرك من الانحطاط والتفسخ. ولشديد الأسف إن بعضاً من أولئك البعض هم ممن يحتل مواقع لها تأثير شديد على الناس, وبخاصة إذا كانوا من رجال الدين. وعوضاً عن أن يقووا عزيمة المؤمنين, وينفخوا فيهم روح الإباء والشموخ, وينموا لديهم قوة العزيمة والإصرار للدفاع عن حقوقهم وكرامتهم أينما وُجِدوا, نراهم يجاملون في المبادئ ويلوِّنون الحقائق بحسب الزمان والمكان والظرف. ويجسِّدون بصورة سلبية قول السيد المسيح: (....أدرْ له الأيسر). وكأن المسيحية ليست سوى قبول المهانة والمذلة. وكأن المسيحيين ليسوا سوى خدوداً للضرب واللطم. أما الجلاد والمعتدي, فعلينا أن نشكره ونتهافت على تقبيل يديه ورجليه لآنه أنقص لطمة على خدودنا التي لم يعوِّدها هؤلاء سوى على ذلك.
هل علينا أن نشكر دولة من أول واجباتها وككل دول العالم أن تحمي رعاياها, إذا تصرفت بوحي واجبها وقانونها في حالة كهذه؟ فكيف إذا قامت سلطاتها بغض النظر عن.. أو تسهيل.. أو تشجيع أو دفع مجموعات أوتيارات معينة ... أو قامت هي نفسها وبكل قواها كدولة بأعمال خطف وقتل وابتزاز ومحاكمات عنصرية أو هذه كلها مجتمعة كما حصل ويحصل في تركيا قديماً وحاضراً ضد أبناء شعبنا؟. إذَّاك... ألا يجب علينا أن نرفع صوتنا على الأقل لنتأوه؟ هذا الأمر الذي لم يفعله معظم رجال الدين عندنا حتى في حالة القس يوسف أكبولوت وصمت رؤساء الكنيسة القاتل تجاه قضيته التي انتصر لها العلمانيون وأجبروا القضاء التركي على الحكم ببراءته!!!!
هل نحن مجموعة بشرية حقاً كأية مجموعة من البشر لنا حقوق وعلينا واجبات؟. أم أننا نوع آخر من البشر, علينا واجبات كثيرة يجب أن نؤديها؟ وفي مقدمتها تقديم الشكر والثناء لجلادنا الذي لظرف ما أنقص قليلاًعدد الجلدات أو خفف قليلاً من قوة الضرب, وليس لنا أية حقوق لنطالب بها؟
هل يعقل أن نسمع من مطران بكل هيبته وصلبانه الذهبية التي ملأت الشاشة في أحد تلك المنابر يقول ويبشر الشعب بأن لا أحد يستطيع إجبار السلطات التركية على محاولة البحث عن الراهب المخطوف وتحريره من خاطفيه, عوضاً عن دفع الناس لتكريس كل طاقاتهم وجهودهم لوضع السلطات التركية أمام مسؤولياتها. وإفهام الذين لم يفهموا بعد أن ذلك العمل هو أهم واجب لأية سلطة. ومن حق أي مواطن في أية دولة كان أن يتمتع بتلك الحماية من دولته حتى ولو حدث الاعتداء عليه خارج حدود دولته. إلا إذا كان لتلك السلطة يد فيما يحصل له.
باختصار, أريد أن أقول: إنني أعتز وأفتخر حتى النخاع بإيماني وكنيستي وتاريخي وشعبي. ولكنني أموت خجلاً ويلبسني العار ومشاعر المهانة والمذلة من قمة رأسي وحتى أخمص قدمي, من زعماء ورجال دين نربيهم ونعلمهم ونطعمهم من لحم أكتافنا ليعتلوا المنابر ويهينوننا كل يوم بمنطق الخنوع هذا. وحين لم يكتفوا بمنابر الكنائس, وسَّعوا مساحة نفوذهم إلى منابر الإعلام التي بدورها فسحت لهم صدرها واسعاً, وهي التي يدفع الشعب من دم عروقه ليمكنها من أن تستمر ببثها.... فتستمر بدورها في بيع نفسها رخيصة لتأتي على ما بقي لنا من كرامة ورجولة ووجود.
وهكذا رأينا أن لطيور السماء أوكارها, وللثعالب جحورها, أما إبن هذه الكنيسة فلم يبقَ له مكانُ يسند إليه رأسه.
فهل يحتاج الشيطان بعد كل هذا لمحامين للدفاع عنه؟؟؟

64
ما الذي لا يجري في الكنيسة السريانية؟

22-11-2007
ســعيد لحـــدو


كنت قد تساءلت في مقالة سابقة عما يجري في الكنيسة السريانية من ممارسات أدت إلى نشوء ندوب وتشوهات في جسم هذه الكنيسة العريقة والتي تعتبر الأم لمعظم كنائس الشرق. حيث أثارت تلك الممارسات تساؤلات محيرة لدى الكثيرين, وأنا منهم, دون أن نجد لها تفسيراً منطقياً مفهوماً. وأشرت في تلك المقالة إلى بعض تلك الممارسات التي لا تليق برجال دين يفترض بهم أنهم نذروا أنفسهم وحياتهم لخدمة كنيستهم وشعبهم. وحاولت آنذاك تخمين بعض الدوافع والأسباب لتلك الممارسات التي أقل ما يقال فيها أنها معيبة وأبعد ما تكون عن خدمة الكنيسة وشعبها.
كان ذلك قبل عام ونصف تقريباً. وهي مدة تكاد لا تُـذكر أمام تاريخ كنيسة عمرها ألفا عام. ومع ذلك, فالذي حدث ويحدث في الآونة الأخيرة لم يتوقف عند حدٍ معين, بل امتدت تفاعلاته لتشمل قطاعات واسعة من السريان أتباع هذه الكنيسة في مختلف أنحاء العالم. وباتوا يعبرون عن عدم رضى, وأحياناً باحتجاج شديد على الأسلوب الذي تُدار به شؤون كنيستهم. مستغلين وسائل الاتصال الحديثة من قنوات فضائية سريانية وشبكة إنترنت لإسماع احتجاجاتهم, بعد أن يئسوا من تلقي أجوبة شافية من قيادة الكنيسة الروحية على تساؤلاتهم. وبخاصة بعد أن استـُعـمِلَ سلاح الحرم الكنسي ضد هؤلاء المحتجين جماعاتٍ وأفراداً. وهو السلاح القديم الذي اعتقدنا أننا نسيناه ونحن في القرن الـ21 . وظننا مخطئين أن الكنيسة هجرته ونبذته بعد أن قرأنا وشاهدنا ما جرى للكنيسة من مهانات وانشقاقات عبر التاريخ كنتيجة لاستعماله وسيلة لإسكات الرأي الآخر. وإذا كان للبعض تبريراته في ضرورة هكذا وسيلة لحماية العقيدة, فالواقع أن ذلك لم يتحقق بدليل قيام كنائس أخرى لاتقل أهمية وقوة عن الكنيسة الأم وترتكز عقيدتها على تلك الآراء. وبهذا ترسخت تلك الآراء عوضاً عن زوالها المنشود. هذا من جهة. ومن جهة أخرى أن أياً من أولئك الذين ألقي الحرم الكنسي عليهم لم يبدِ أية نية لأي تغيير أو تبديل في العقيدة, إن لم نقل أنهم أبدوا حرصاً أشد عليها. ولهذا تبقى الأسباب هي اختلاف الرأي في أسلوب الإدارة لشؤون الكنيسة. وهذه لا تبرر بأي حال استخدام الحرم الكنسي ضدهم, إلا إذا كان لمستخدميه دوافع ومبررات أخرى خاصة بهم لا يودون إطلاع أحد عليها.
وإذا تمعنا بكل ما يجري اليوم في كنيستنا الحبيبة هذه, من الهند إلى كاليفورنيا في أمريكا إلى أوربا بدولها وأبرشياتها المختلفة, نصل إلى استنتاج واحد وأساسي, وهو: إن ما يجري في هذه الكنيسة له علاقة وثيقة وعميقة مع ما لا يجري فيها. وما لا يجري فيها مما تحتمه ضرورات الواقع والتطور وما يجب تطبيقه وإجراؤه هو كثير وكثير. وما نشاهده اليوم من أزمة فقدان التواصل والتفاهم السليم بين القيادة الروحية وأبناء الكنيسة, ليست سوى نتيجة منطقية لغياب ما كان من المفترض والضروري أن يجري منذ زمن لا بأس به في الكنيسة ولكن لشديد الأسف لم يلتفت المعنيون إلى ذلك. فما يجري اليوم هو تبعة ما لم يجرِ من قبل. وها نحن نعاني من هذه التبعة.
وسأحاول هنا ذكر بعضاً مما فاتنا تطبيقه لتلافي حدوث هذه الندوب والتشوهات في جسم الكنيسة:
•   غياب الممارسة الديمقراطية والمشاركة العلمانية الحقيقية في إدارة شؤون الكنيسة شكل عقدة مستعصية في طريقة التعامل بين رجال الدين, وبخاصة رؤساء الأبرشيات, وبين العلمانيين. ولا أقصد هنا في مجال العقيدة, وإنما فيما يخص الشؤون المالية والإدارية والحياة اليومية لأبناء الكنيسة. فما زال معظم رؤساء الأبرشيات يرفضون المشاركة الفعلية للعلمانيين في إدارة هذه الشؤون, ليتسنى لهم التفرد في إقرار ما يوافق رغباتهم أو ما يرونه هم مناسباً بحسب قناعاتهم وإمكاناتهم التي لا يمكن أن تغطي التخصص في كل المجالات مهما بلغوا من سعة المعرفة والاطلاع. وذلك على الرغم من وجود متخصصين من أبناء الكنيسة مستعدين لتقديم المشورة والخدمة للكنيسة كلما طلب إليهم ذلك. وعوضاً عن ذلك يلجأ رؤساء الأبرشيات  لاختيار بعض الأفراد من المقربين إليهم ليتشاوروا معهم في بعض الأمور دون أن يلزموا أنفسهم بشيء. وهؤلاء المستشارين المختارين غالباً ما يكونون من أصحاب الأموال أنصاف الأميين ممن تربطهم غالباً مصالح مادية مع رئيس الأبرشية. وهم مهما قدموا من آراء سديدة لن تشكل تعويضاً عن آراء الاختصاصيين التي يجب أن لا تبقى استشارية فقط بل أن تكون واجبة التطبيق أيضاً. وقد رأينا وعانينا من النتائج الوخيمة التي قادت إليها غياب هذه المشاركة الفعالة من العلمانيين في أمريكا وهولندا وأماكن أخرى عديدة في الأمور التي لا علاقة لها بالشأن الروحي.
من جانب آخر, لا يوجد حتى الآن أسلوب واحد متبع لتعيين الكهنة والمطارنة في الأبرشيات. وما يحصل في حالات كثيرة هو خضوع أبناء الأبرشية لرغبة البطريرك أو المطران في رسامة كاهن ما. وإن تبين فيما بعد أن هذا الكاهن لا يصلح للوظيفة التي أسندت إليه وبرزت احتجاجات على أسلوب إدارته, تلقى عتبة هذا التقصير على الشعب الذي عليه أن يخضع أو تحمل النتائج التي بات الحرم الكنسي كما يبدو أحد أهم تجسيداتها والوسيلة المفضلة للاستعمال. هنا لا بد من التأكيد الشديد على وضع قانون ثابت يمنح أبناء الرعية من الشعب الحق الكامل في اختيار رجل الدين الذي سيرعى شؤونهم وسيتعاملون معه يومياً في كل ما يخص أمور دينهم وكنيستهم. فمن ترى فيه أغلبية الشعب الصلاح والقدرة للوظيفة التي ستسند إليه يجب أن يكون اختيار تلك الأغلبية هو النافذ وليس أي رأي آخر. وعندما يفقد أي رجل دين ثقة أغلبية الشعب عليه أن يجد لنفسه مكاناً آخر يمارس فيه خدمته الروحية بالاتفاق مع رئيسه الأعلى أو المجمع المقدس. ولا شك أن معظم المشاكل التي تعاني منها الكنيسة اليوم هي نتيجة لعدم اختيار الشعب لراعيه الروحي بحرية وبأسلوب ديمقراطي, وتعيين رجال الدين بأسلوب لا تراعى فيه رغبة الشعب, وبخاصة إذا لم يتمكن رجل الدين هذا اكتساب ثقة الأغلبية بوعيه وتفانيه وحماسه واندفاعه للخدمة العامة. لا شك سيقود ذلك إلى مشاكل قد تكبر مع الزمن إن لم تتم معالجتها بالأسلوب الحضاري اللائق, وحينها قد لا يكون حتى الحرم الكنسي كافياً لتجنب آثارها المدمرة. وهذا المبدأ ذاته ينطبق على قضية تشكيل أبرشيات جديدة أو تقسيم الأبرشيات الحالية لأكثر من أبرشية.
•       لاحظنا كيف حوسب مطران ألمانيا ولم يمضِ على رسامته بعد شهران, وأوقف عن الخدمة لأنه تجرأ وقام بزيارة لمدينة ألمانية خارج منطقته بدون إذن البطريركية. وهي زيارة كان هدفها المصالحة بين عائلات سريانية متنازعة. ولم يُعاد إلى الخدمة وبشروط محددة إلا بعد تناهى لأسماع البطريركية تهديدات ومحاولات من مجالس الأبرشية بالانفصال عن الكرسي البطريركي بدمشق والالتحاق بمفريانية الهند للسريان الأورثوذكس, أسوة بما فعلته350 عائلة سريانية في كاليفورنيا. هذا حدث في حين أن غياب مطران أمريكا أشهراً عديدة عن أبرشيته دون علم أحد وتنقله السري إلى أوربا ونيجيريا وسوريا رغم الأسئلة الكثيرة التي أثيرت من قبل أبناء الأبرشية حول غيابه المفاجئ دون أن يحصلوا على الجواب المقنع من البطريركية في دمشق. وتورطه نتيجة تلك الرحلة السرية  في فضيحة النصب المشهورة بملايين الدولارات. مما أوقع الكنيسة عموماً وأبرشيتي أمريكا وهولندا خصوصاً في أزمة مالية خانقة لم تتعافَ منها بعد. هذا المطران لم تجرِ له أية محاسبة رغم اعترافه شخصياً واعتراف مطارنة آخرين وعلى شاشات الفضائيات بارتكابه خطأً جسيماً. وقد يقودنا هذا إلى استنتاج منطقي هو أن قداسة البطريرك نفسه قد يكون له دور ما في هذه العملية, كما في عملية بيع كنيسة بروكسل. وإلا كيف يمكن تفسير تغطية البطريركية لكل هذا التصرف غير المسؤول من قبل مطران دون أن توجه له كلمة لوم واحدة؟ هذه في الحقيقة مصيبة كبيرة.وإن كان قداسة البطريرك لا يدري بتلك التنقلات السرية للمطران إياه عند ذاك تكون المصيبة أعظم. وقد يفسر لنا هذا أيضاً صمت المجمع المقدس والآخرين جميعاً باستثناء الذين وقع عليهم الضرر المباشر من أبناء أبرشية كاليفورنيا, فجرى إلقاء الحرم الكنسي عليهم, عوضاً عن محاسبة المطران المسيء وشركاءه في هذه الفضيحة. أو على الأقل نقله من تلك الأبرشية التي تسبب لها بمشكلة كبيرة. والموقف ذاته رأيناه في فضيحة أخرى قبل بضع سنوات لذلك القس في ألمانيا الذي أدانته المحكمة الألمانية بجريمة الاعتداء الجنسي على أطفال قاصرين وجرت تبرئته وإعادته للخدمة الكنسية من قبل البطريركية؟؟؟؟
فغياب المحاسبة الحقيقية للمسيئين لسمعة الكنيسة ودور رجال الدين فيها, وتطبيقها بأقسى أشكالها في المكان والزمان غير المناسبين وضد أناس تدفعهم غيرتهم ومحبتهم للكنيسة لعدم السكوت, أدى كل ذلك إلى زعزعة ثقة أبناء الكنيسة بقيادتهم الروحية. وبرزت نزعة الانفصال والانقسامات لتعود من جديد إلى جسم الكنيسة, التي عانت في الماضي ما فيه الكفاية من أثر سوء الإدارة.

•    ما لم يجرِ بعد العمل عليه وإعارته الاهتمام اللازم أيضاً هو مسألة الارتفاع بالمستوى العلمي والثقافي لرجل الدين. سواء كان قساً أو راهباً أو مطراناً. فنسبة شبه الأميين من القساوسة الحاليين ممن لا يحملون أية شهادة علمية هي نسبة عالية جداً. في حين أن عدداً أقل بكثير هم من يحملون بعض الشهادات المتوسطة. أما من يحمل شهادة جامعية عليا أو دكتوراة في أي اختصاص كان, فهم يعدون على الأصابع. والخوري جوزيف ترزي المحروم كنسياً اليوم هو أحد أولئك القلة القليلة التي يمكن للكنيسة أن تفخر وترتقي بهم.  والحال هذه لا بد من تطوير معاهدنا الإكليريكية  التي ليست بالمستوى الذي تتطلبه حاجة الكنيسة والشعب. ولا يمكن اعتبارها معاهد علمية بالمعنى الأكاديمي للكلمة. ومن يتخرج منها يكفيه أن يتعلم الطقس الكنسي. وحتى هذا بدا أمراً مشكوكاً فيه على ضوء ما رأيناه وعايناه مؤخراً.  همُّ الراهب عندنا لم يعد البحث المتواصل عن منابع المعرفة والتحصيل الأكاديمي العالي كما هو عند الكنيسة المارونية الشقيقة مثلاً. وذلك لبناء شخصية كهنوتية واثقة من إيمانها,قوية بسعة المعرفة وعمق الاطلاع وديمومته. وتسخير كل ذلك لخدمة الكنيسة والشعب. لقد بات هم الراهب عندنا (المحروم من كل شيء تقريباً في مرحلة الرهبنة) أن يرتسم مطراناً بأسرع ما يمكن. وليمتلك بين ليلة وضحاها وبلحظة واحدة كل شيء. السلطة والمال … ورقاب الناس. ويبدأ بممارسة قوته وسلطته المكتسبة هذه بصورة لا عقلانية. وكأنه ينتقم بذلك من فترة معاناته في مرحلة الرهبنة. وقد يكفيه ليحقق حلمه بالمطرنة أن يستميل إلى جانبه ولو عائلة واحدة ممن يملكون المال والنفوذ والحظوة عند البطريرك أو أحد المطارنة المتنفذين, فإذا به وقد أصبح مطراناً على أبرشية تستحدث على مقاسه في غفلة من الرعية التي ليس لها إلا الخضوع. ويصبح حينذاك الآمر الناهي في أبرشية تعب وعانى أبناؤها الكثير وعلى مدى عشرات السنين لبناء كنائسهم وأماكن عبادتهم وتجمعاتهم. في الوقت الذي قد لا يكون ذلك الراهب مؤهلاً بما يكفي لحمل هكذا مسؤولية, وبخاصة إذا تم ذلك ضد رغبة الغالبية العظمى من أبناء الأبرشية. وهم الذين سيطلب منهم تأمين كل مستلزمات مطرانهم بما يعنيه ذلك من أعباء مادية قد تكون فوق طاقتهم مما يسبب لهم مشاكل كانوا بغنى عنها.
من بين هؤلاء الرهبان يأتي مطارنة كنيستنا. وهم الموكل إليهم إدارة شؤون الرعية بكل جوانبها. فكم من مطارنة كنيستنا اليوم يحمل شهادة عليا؟ وكيف سيمكنهم إدارة شؤون رعية فاقهم أبناؤها علماً ومعرفة وإدراكاً لمختلف جوانب الحياة, بما فيها الروحية؟ ولنا أن نتصور واقع الحال. وعلى ضوئه يمكننا استقراء واستشفاف مستقبل الكنيسة الذي لن يكون كما نرغب إن لم نسعَ لتغيير هذا الواقع.

•   يمكننا استقراء واستشفاف مستقبل الكنيسة أيضاً من خلال النظر إلى أجيال شبيبتنا, والمجال الذي يفسح لها داخل الكنيسة. فالذين يدركون ما تعنيه الشبيبة بالنسبة للكنيسة ومستقبلها من القائمين على شؤون كنائسنا هم قلة. ولهذا فإن مسألة جعل فناء الكنيسة ساحة جذابة للطاقات الشابة, ليست لشديد الأسف, في وارد معظم أولئك القيمين الذين ينحصر كل همهم في توفير بضعة شمامسة يساعدون الكاهن أثناء القداس. وهؤلاء لا يطلب منهم أية ميزات خاصة باستثناء حفظ بعض التراتيل وترديدها مع الآخرين. وهذا ما زال ممكناً في الوقت الحاضر. أما ما عدا ذلك فهو في عرفهم ترف وبدعة عصرية توقعنا في الخطيئة لذا فإنها لا تلزمنا. وحتى الموسيقا مازالت في كثير من كنائسنا هرطقة ممنوعة, على الرغم من كونها إلى جانب جوقة الكورال أهم ما تعتز به كنيستنا السريانية من تراث ديني منذ عهد القديس ما أفرام.
إزاء هذا الواقع لا بد من التساؤل: أي أفق مستقبلي لكنيستنا يمكننا توقعه مع أجيالنا الشابة, إذا كنا لا نبذل أي جهد, ولا نسمح لأنفسنا بالتفكير في جعل الكنيسة وفناءاتها من مؤسسات مدنية أخرى المكان الذي يفضله شبابنا لتفريغ طاقاته الحيوية, مع توفر المغريات الكثيرة في المجتمعات الحديثة خارج إطار الكنيسة.
•    ما كان يجب أن يتم  تطبيقه ومنذ زمن بعيد, وتلافياً لاستخدام السلطة من قبل أياً كان, وتطبيقاً لمبدأ العدل والمساواة في المحاسبة لأي مسيء أو مخطئ مهما كان موقعه في الكنيسة, ولتجنب استفراد أي مسؤول في هذه الكنيسة في اتخاذ قرارات قد تكون نتائجها مصيرية, أو قمع ممن لا تستهويه آراؤهم ومواقفهم بإلقاء الحرم الكنسي عليهم أو غيره من العقوبات التي يراها رادعة لمنتقديه أو معارضيه في شأن من شؤون الإدارة الكنسية, أرى ضرورة سن قانون كنسي عام يختص بهذه المسائل, يضعه أخصائيون في القانون واللاهوت الكنسي. تعالج بنوده بتفصيل دقيق كل حالة مخالفة يمكن أن تقع سواء من العلمانيين أو من الكهنة. مع الأخذ بعين الاعتبار التمييز بين الاثنين. وأن تسن فيه العقوبات أو الإجراءات المناسبة التي يمكن اتخاذها للحد من وقوع المخالفات. ويكون الهدف من ذلك الإجراء أو العقوبة تلافي التأثيرات السلبية للمخالفة وليس الانتقام والتشفي من المخالف, مما يزيد استفحال تلك التأثيرات السلبية. ولتطبيق ذلك بصورة فعالة وجيدة يقتضي الأمر إيجاد محكمة كنسية ثابتة لا تقتصر على الكهنة. وتتألف من أناس متخصصين بالقانون ومشهود لهم بالنزاهة والعدل والمعرفة لمحاكمة المخالفين. وأن تكون هذه المحكمة هي المخولة حصراً باتخاذ أي إجراء وفق القانون المسَن بحق المخالف أو تبرئته. وأن يحق لكل سرياني من أبناء الكنيسة اللجوء إلى هذه المحكمة للتقدم بشكواه عند الضرورة.

•    وأخيراً لا بد لنا أن نتجرأ ونقول بأن طقسنا الكنسي الطويل والمكرر والممل قد تجاوزه الزمن ولم يعد يواكب العصر. وهو إلى جانب الأسباب الأخرى يشكل عاملاً أساسياً في استنكاف الشباب عن دخول الكنيسة والاستماع المرهق على مدى ثلاث ساعات لأدعية وصلوات تتكرر حرفياً في كل قداس دون أن يجري عليها أي تلوين يحسّن من رغبة الاستماع إليها. ناهيك عن المواعظ المستعارة من القرون الوسطى لكهنة أتعبوا أنفسهم في حفظها وتكرارها في كل مناسبة دون أن يكلفوا خاطرهم بالتمعن في مفرداتها ومعانيها. وبسلوكهم العام الذي لا يتوافق بأي حال مع تلك المواعظ. لا بل أؤكد هنا على أن بعض الكهنة لا يدركون معنى ما يعظون المؤمنين به. وأحياناً ينسبون أقوالاً للسيد المسيح وللرسل لم يقولوها قط وقد تأتي بعكس ما تضمنه الإنجيل المقدس. وهذه ليست مبالغة, فقد تسنى لي شخصياً أن أكون شاهد عيان على بعضها.
  هذه المفارقة المخجلة والتي يمكن لأي كان ملاحظتها بمجرد حضوره القداس أو أية مناسبة أخرى في إحدى كنائسنا لأنها أكبر من أن تدارى أو تخفى عن الأعين , تجعل الناس وبخاصة جيل الشباب ينفرون من حضور هكذا مواعظ. ومن يحضر يعتبرها من قبيل الواجب ليس إلا, وبالتالي تضيع الفائدة المرجوة منها, إن لم نقل أنها تؤدي إلى عكس ما  نتوخاه.  وماذا  نتوقع من كاهن شبه أمي وضع في صدر المذبح ليعظ أناس يعيشون في مجتمع عصري متطور معظم أبنائه حازوا على مراتب عليا في التحصيل العلمي.
إن طقساً عصرياً مواكباً لروح الحياة التي نعيشها اليوم, له بداية ونهاية محددة, كفيل بالحفاظ على الاحترام والتوقير الضروريين للصلاة. حيث يبدأ الجميع معاً وينتهون معاً, بكلامٍ واضح ومفهوم وذي دلالة وعلاقة بحياة الناس اليومية. وبمشاركة الجميع مشاركة فعالة. حيث من أهم متطلبات الصلاة أن تكون مؤمناً بفعالية وبمشاركة حقيقية مع كل ما يجري حولك من طقوس.
وختاماً أعود لأؤكد أن ما لا يجري في كنيستنا كثير وضروري جداً, وربما هو الأهم. وقد يكون هناك الكثير مما يراه الآخرون أيضاً ضرورياً. وإذا ما جرى الالتفات إليه وتجسيده واقعاً معاشاً, قد نتجاوز كل أزماتنا المستعصية, على الأقل الحالية منها.وهو الكفيل إذا ما جرى تطبيقه بصورة فعالة, بمواجهة أية مشكلة قد تواجهنا في المستقبل, وإيجاد الحلول لها.

65
كثر الصاغة وقل جني الذهب
نظرة في ظاهرة النقد والانتقاد لمسيرة المنظمة الآثورية الديمقراطية

26 آب 2007
سعيد لحدو

برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة الكتابات الناقدة والمنتقدة في بعض مواقع الانترنت لمسيرة المنظمة الآثورية الديمقراطية وبعض القياديين فيها وهي في غمرة احتفالاتها بيوبيلها الذهبي.
والنقد من حيث المبدأ ضرورة أساسية وحاجة ملحة ووسيلة ديمقراطية لتقييم وتقويم أي عمل أو نشاط مهما كانت ماهيته. لكنه في السياسة يصبح أكثر ضرورة وإلحاحاً. لا بل يصبح من الواجب الملزم ممارسته, بالنظر إلى طبيعة العمل السياسي القائم على الأخذ والرد, وتعدد وتنوع الخيارات التي لا يمكن تصويبها إلا من خلال النقد الموضوعي والنقاش الديمقراطي الهادئ لمختلف وجهات النظر , لتلافي ما أمكن الوقوع بالأخطاء التي لا بد منها. ومحاولة تجنب آثارها السلبية أو التخفيف منها.
إن كثرة الكتابات المنتقدة التي ظهرت مؤخراً على صفحات الإنترنت مؤشر على أن هناك خلل ما. بعض تلك الكتابات استقرأت الواقع بوعي وجدية. وقدمت نقداً بناءً تميز بالموضوعية والمسؤولية القومية, ويمكن استخلاص العبرة والفائدة منه لمجمل نضالنا القومي. وفي ذات الوقت اتبع البعض الآخر (وهم كثر مع شديد الأسف) نهجاً مغايراً, راكباً موجة الموضة السائدة بالانتقاد التهريجي السهل دون أن يكلف صاحبه نفسه أي عناء في البحث الموضوعي الجاد. ودون أن يحمل نفسه أية مسؤولية فيما ينتقده من ظواهر. ناصباً نفسه قاضياً في قضية لا مكرمة تذكر له فيها. موجهاً سهامه دون أية دراية أو إحاطة بالأمور التي ينتقدها أو الأشخاص في المنظمة ممن يعرفهم ومن لا يعرفهم ولم يسبق له أن التقاهم في حياته ولم يسبق له قط أن عمل معهم لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة. فيبني انتقاداته التي ليست سوى أحكام ارتجالية مبنية على عدم دراية كافية وعى نزعات شخصية وتنفيس أحقاد ربما ليس إلا. هذه الانتقادات القائمة على أسس واهية من المغالطات والمعلومات غير الصحيحة أو المشوهة, مما يبعد المنتقد كثيراً عن الواقع ويبعد أحكامه تلك عن الموضوعية والنزاهة والحيادية. وبالتالي يفقدها كل فائدة.
من هنا يمكننا ملاحظة نوعين من المنتقدين: الأول هو الذي يعرف ما يقول وما يريد, وعما يتحدث, ومن موقع الإحساس بالمسؤولية القومية والحرص على تقدم العمل القومي وتنقيته من السلبيات التي ترافق مسيرته النضالية من خلال تسليط الأضواء على تلك السلبيات لكشفها للعيان , وتقديم واقتراح الحلول الممكنة بحسب وجهة نظره الشخصية. ومن هذا المنطلق لا يمكننا إلا احترام هذه الآراء الناقدة وأصحابها حتى ولو لم يكونوا مصيبين في كل ما ينتقدونه. ومن الضروري التمعن العميق في محتوى تلك الانتقادات ومحاولة استخلاص ما يفيد منها وتلافي ما يمكن تلافيه من السلبيات. وهذا النوع من النقد مرحب به دائماً وفي كل مكان وعلى أي مستوى, حتى ولو جاء جارحاً, لما فيه من فائدة وتقويم وإصلاح لمواقع الخلل. ومن يقف في وجه هكذا نقد أو يمتعض منه فهو بلا شك لن يكون أهلاً لحمل المسؤولية النضالية التي أوكلها رفاقه في المنظمة له.
وأما النوع الثاني من المنتقدين فهم غالباً ما ينطلقون من دوافع وأسباب شخصية, ولا يعيرون مبادئ وأصول النقد البناء أية أهمية, ولا يحرصون على القيم الأخلاقية في النقد والانتقاد, ولا يبحثون عن الفوائد التي يمكن جنيها على الصعيد القومي والوطني من نقدهم ذاك. فهم أشخاص عصابيون ينقصهم الإخلاص والإحساس بالمسؤولية التي يحتمها عليهم سلوكهم الناقد. مما يحول انتقاداتهم تلك إلى مجرد مهاترات مفرغة من أية قيمة, وفاقدة لأي شكل من أشكال الفائدة المنتظرة من أية عمل نقدي. وهم يستغلون الإمكانات الهائلة لشبكة الإنترنت وكثرة المواقع وتنوعها لنشر انتقاداتهم تلك, والتي لا بد وأن يجدوا من يقبل نشر هكذا مهاترات من منطلق (حرية الرأي). فرحين جذلين بتذييل أسماءهم في نهاية الصفحة. ولا ينسون أن يتبعوها بتوصيف أو لقب ما للإيحاء بأنهم باحثون متخصصون. وربما تكون تلك هي تجربتهم الأولى مع الكتابة والنشر.
بالطبع فإن هذا لا ينفي وجود نواقص وسلبيات, ولا يعفي المنظمة الآثورية الديمقراطية ولا قياداتها من المسؤولية, وهي مسؤولية كبيرة بالتأكيد. ومن هو عضو في المنظمة أو قريب منها يدرك ويرى ويعايش جسامة الأخطاء التي ترتكب. ولا بد أن يلمس النزعات الفردية وعدم الفاعلية لدى بعض قيادييها. كما إن هناك الكثير من التراخي في العمل التنظيمي وأحياناً الاستهتار بالقيم والمبادئ التي طرحتها المنظمة من قبل أعضاء وحتى قياديين فيها. ولا شك أن بعض الانتهازيين استطاعوا أن يخترقوا الموانع التنظيمية والأخلاقية وشغلوا مواقع ما كان يجب أن يكونوا فيها. وكل هذا يربك العمل التنظيمي, ويقدم صورة سيئة للمنظمة أمام المراقب ويفتح أبواباً للنقد ليس من السهل إيصادها.
وإذا كانت هذه السلبيات لا بد وأن تتواجد بنسبة أو بأخرى في أية حركة سياسية تنشط في الظروف التي تحيط بمجتمعاتنا, فإن هذه النسبة من الأخطاء والسلبيات في المنظمة الآثورية الديمقراطية قد تكون فاقت الحد المقبول وما يمكن تحمله. مما يفسر هذا التصارع داخل المنظمة وما ينتج عنه أحياناً من إبعاد أو ابتعاد هذا العضو أو ذاك . ومع مرور الزمن شكلت هذه الإبعادات والابتعادات مجموعات شبه مستقلة تدور في فلك المنظمة ولكنها لا تنتمي إليها. تماماً كما هي حال الأقمار المحيطة بالكواكب.
بنظرة متأنية ومتفحصة من داخل المنظمة, وكعضو قديم شغل مواقع مختلفة فيها, أرى أن المشكلة موجودة وعميقة. ومن الضروري والملح مواجهتها بجدية, ومحاولة معالجتها بفعالية, وبقدر كبير من الإحساس بالمسؤولية. وهذا ما لا يتوافق مع ما يجري حالياً من محاولات تجميلية تجريها القيادة في هذا الموقع أو ذاك. كما إن أسلوب المهاترات والمسرحيات التهريجية والتبجح في إعلان الأسماء وتوزيع شهادات حسن أو سوء السلوك على صفحات الإنترنت الذي ينتهجه البعض ممن يدعون الغيرة على المصلحة القومية والوطنية, لم يقدم ولن يقدم أي حل عملي للمشكلة التي يتباكى أولئك حرصاً على حلها أو محاولة البحث عن حلول لها. لا بل قد يضيف إليها ضرراً أكبر.
إن مشكلة بهذه الأهمية والخطورة لا تمكن معالجتها من خلال التلاسن وسوق التهم والتشكيك عبر صفحات الإنترنت من خلال مقالة يسطرها أياً كان لتنشر في أي موقع منتقداً فيها شخصاً أو قيادة, سواء كان بانتقاده ذاك محقاً أو غير محق. وذلك رغم أهمية النقد وضرورته الملحة في كل الأوقات وفي مختلف الظروف. فالمسألة الآن تعدت مرحلة النقد وتسليط الضوء على الأخطاء والسلبيات والتي باتت مكشوفة ومعروفة للقاصي والداني. وما هو مطلوب الآن, وما هو ضروري وملح, هو وقفة صادقة مع الذات وعمل جاد ومسؤول من خلال الأطر التنظيمية ذاتها. أي خطوات عملية للانتقال بالمنظمة وإعادتها إلى دورها الريادي في حقل العمل القومي. ومن المفيد جداً في هذه الحال أن تفتح أبواب النقاش الآن وعلى كل المستويات والأصعدة بما فيها الشعبية حول الخطوات العملية السليمة لتخليص المنظمة من معوقات مسيرتها بعد نصف قرن من انطلاقتها الأولى, والوصول بها إلى الموقع الذي كان لها على الدوام.
فاليوبيل الذهبي لم يكن كله ذهباً, وإن لمعت مسيرته في بعض المراحل. فهل يدرك الصاغة الذين تكاثروا هذه الأيام كيف يتعاملون مع معدنهم الثمين هذا؟

66
المنبر الحر / إرهاب خلف الحجاب
« في: 04:23 16/07/2007  »
إرهاب خلف الحجاب

12تموز 2007
سعيد لحدو

مولانا عبد العزيز… وما أدراك ما مولانا عبد العزيز..؟؟
إنه إمام المسجد الأحمر إياه في باكستان. حارس الشريعة, ومنفذ أوامر الله على الأرض. ذاك الذي هدد الحكومة الباكستانية والعالم الكافر بالويل والثبور وعظائم الأمور. مجنداً لتنفيذ تهديده المئات من الانتحاريين الشباب من طلبة مدرسته الشرعية, ممن تم الضحك على لحاهم الغضة وزُج بهم في مدارس التطرف الأعمى ليدمروا أنفسهم وكل ما تطاله شظايا الحقد والكراهية العمياء. لكن هذا المولانا عبد العزيز, النسخة الباكستانية لطالبان والقاعدة, نأى بنفسه عن الزج في هكذا أتون فمن يستطيع أن يبيعه الماء وهو زعيم حارة السقايين – بحسب المثل المصري, وانتهز أو ل سانحة فتخفى خلف حجاب امرأة, التي أمره الله ألا يتشبه بها. واندس بين جمع النساء الهاربات, التي نهاه الله عن الاختلاط بهن إلا بالحلال, لينجو بنفسه. زاهداً في "الجهاد والاستشهاد" الذي هو بحسب آرائه التي يدرسها لتلاميذه, فرض عين على كل مسلم. مستغنياً عن كل ما ينتظر "الشهيد في سبيل الله" من جنائن وارفة وحوريات عين وملذات دائمة لا تنتهي, ولسان حاله يقول: ما لي ووجع الرأس هذا. حورية في اليد أفضل من أربعين في الجنة. ولم يشأ أن يطـوِّل باله بالثبات خلف مبادئه التي طالما لقنها لتلاميذه, وقود الحرب الجهادية, فأوقعه حظه العاثر من حيث لا يدري بطول قامة, تلك التي طالما تباهى بها, ففضحته عند أول حاجز للجيش الباكستاني.
ولأن هذا المولانا كان متعجلاً في كل شيء إلا في جهاد النفس, نفسه, فلا أرى إلا تفسيراً واحداً لتريثه بإرسال انتحارييه المجاهدين إياهم الذين هدد بهم, ربما بسبب ازدحام مداخل الجنة بقوافل "الاستشهاديين" الذين وصلوا للتو من العراق وأفغانستان.. ومؤخراً من لندن. !!!! ممن نهلوا علومهم الاستشهادية من المنابع ذاتها وعلى أيدي أمثال مولانا عبد العزيز من مشايخ التطرف, الذين يجيدون تلقين أفكارهم المتطرفة لأجيال الشباب المتحمس, في حين ينأون بأنفسهم وأبنائهم عن القيام بما أفنوا أعمارهم بالدعوة إليه من "الجهاد في سبيل الله" وكأن ما يعنيهم ويعني أبناءهم من كل ذلك هو الجانب النظري فقط . أما التطبيق العملي فهو من نصيب الآخرين, وفرض عين عليهم.
ولقد ابتلينا في بلداننا بالكثير الكثير من هذه النماذج من دعاة العنف والقتل لكل من خالف مولانا بفكرة أو بمبدأ, حتى لو كان مسلماً ورعاً. والويل ثم الويل لمن خالفه في الدين. وهم كثر. ولنا من أحداث الاعتداء على الآمنين المسالمين من المسيحيين وكنائسهم ممن لم يحملوا قط سلاحاً في وجه أحد ولم يناصروا فريقاً ضد آخر من الميليشيات المتصارعة في العراق وما يجري ضدهم من خطف وقتل وطلب جزية أو إجبارهم على اعتناق الإسلام, خير مثال على أننا عدنا بالإنسانية خمسة عشر قرناً إلى الوراء. وذلك بهمة أولئك المشايخ وأتباعهم المتزايدين يوماً بعد يومٍ, حتى باتت هذه الأفكار المغرقة في التخلف والهمجية موضة دارجة في منطقتنا تحت عنوان الصحوة الإسلامية. وباتوا يصدرون منها كبضاعة رائجة إلى آخر أصقاع الدنيا نماذج لا تقل وحشية وتخلفاً ودموية, لتقتل أناساً أبرياء, وكيفما اتفق. تارة في شوارع العراق وأخرى في لندن أو مدريد أو نيويورك أو عمان أو المغرب أو الجزائر أو أي مكان آخر يوجد فيه أناس لا تعجب أولئك الظلاميين طريقةُ حياتهم. وتظل قناعات أولئك "الجهاديين" : (جهاد في سبيل الله على الأرض, ومغانم في الآخرة).
فإذا كانت هذه هي النماذج المعبرة عن "الصحوة الإسلامية", فكيف ستكون عليه نماذج الوجه الآخر؟؟ وأي أعمال جهنمية بعد ستقدم عليها؟؟
لا شك أن الإسلام مر بمراحل تاريخية ناصعة مشرقة, شهد خلالها الناس مساحات واسعة من التسامح وحسن المعاملة, حتى وهم على النقيض من قيمه ومبادئه. وتلك هي الفترات التي تم فيها بناء حضارة حقيقية, وأحرز تقدم كبير في مجال العلوم والمعارف خدمت البشرية أيما خدمة. تلك هي المرتكزات التي يمكن أن يبنى عليها مستقبل شعوب المنطقة عموماً, إسلامية وغير إسلامية. وعلى أساس تلك القيم والمبادئ يجب أن يبنى مجتمع قادر على التعامل والتعاطي مع كل متغيرات الحياة ومستجدات الواقع. وهذه ليست فقط مهمة العلمانيين والليبراليين وأبناء الديانات الأخرى, وإنما هي وبالدرجة الأولى مهمة المتنورين من المسلمين, رجال دين وعامة على السواء. وهم مدعوون جميعاً لاحتلال مكانهم في الساحة الاجتماعية, للنضال من أجل التطور والتقدم وتنقية الإسلام من هذه الشوائب المسيئة إليه وتشويه صورته قبل غيره. وذلك عوضاً عن إخلاء الساحة لأمثال أولئك الظلاميين من دعاة الجهل والتخلف والتعصب الأعمى المقيت. والذين لم يقدموا لمجتمعاتهم وللإنسانية إلا المزيد من إراقة الدماء, والمعاناة والجهل والتخلف. ولن يفيد تبرير أعمالهم تلك تحت أي سبب أو ظرف أو مسمى تخفيفي. لا بل يشجعهم على المضي أبعد في جرائمهم وأعمالهم الشيطانية التي لا تقيم أي وزن للحياة الإنسانية التي , ومهما كان الاعتقاد الذي تحمله, يجب أن تظل أسمى ما نعمل من أجله.

67
"انتحابات" في سورية
26-أيار 2007
سعيد لحدو
كلما أصر نظام شمولي على دفع الجماهير "الغفورة" (على حد تعبير الرحابنة) إلى الشارع للهتاف الممل إلى حد القرف "بالروح بالدم", كلما أدركتَ أن أزمة هذا النظام تزداد عمقاً إلى الحد الذي يضطر معه للجوء إلى دفع عشرات الآلاف من الناس كل يوم, معطلين أعمالهم, التي هي أعمال ووظائف لدى الدولة, ويجبرهم للنزول إلى الشارع في مسيرات آلية تسيَّر بالريموت كونترول مع رسم علامات سرور مصطنعة على الوجوه لإقناع الناس بأنهم سعداء. ودائماً يستطيع النظام أن يجد مناسبة لتلك المسيرات طالما أنه "يقارع ويتصدى" لأخطر وأقوى المؤامرات الإمبريالية. وطالما أنه نذر نفسه ليكون الصخرة التي ستتحطم عليها كل تلك المؤامرات, بما فيها "مؤامرات" الشعب السوري من ربيع دمشق إلى إعلان دمشق بيروت… وإلى كل ما يستجد من أولئك المتآمرين الذين "أضعفوا الشعور القومي وأوهنوا عزيمة الأمة" بحديثهم عن ضرورات الإصلاح والتغيير الديمقراطي.
والمناسبة هذه المرة للمسيرات الصاخبة إياها هي "انتخابات" رئيس الجمهورية.!!
ولا عجب. ففي ظل قيادة لم يخلق بعد من هو أحكم منها في إضعاف وعزل سورية عن المجتمع الدولي, بما فيه محيطها العربي, الذي تدعي دائماً الدفاع عنه, لا عجب أن تخرج هتافات جماهير البعث "الغفورة" تلك أقرب إلى الانتحابات. ولا عجب أن تأتي هذه الانتحابات في غمرة الأفراح التي تجتاح الوطن في إطار ما يسمى تجاوزاً "انتخابات رئيس الجمهورية" الذي "أحبته الجماهير وعشقته" على ضوء تجربتها في السنوات السبع العجاف التي سبقت. وعلى أمل أن يتكرم الخالق الذي يرعى شؤون خلقه ويحن عليهم في الملمات فيكرر تجربة فرعون مصر مع النبي يوسف ويمنح سورية سبع سنوات خيـِّرة تعـِّوض عما فات من إحباط ويأس ومعاناة.
والخير لاشك قادم بمشيئة القائد الرمز الذي بات يوزع عمائم بن لادن في كل مكان من زوايا المجتمع السوري عوضاً عن هدايا الأعياد. ولا ينسى, ومن لا ينسى جليل عظيم, أن يترك فتيل تلك العمائم في أيدٍ مخلصة أمينة, وهي الأجهزة الأمنية التي تعرف واجبها تماماً تجاه مواطنيها . (ويا غافل إلك الله).
وبالنظر إلى مظاهر الغبطة والفرح تلك باختيار القيادة القطرية لحزب البعث المغرق في الحكمة والصواب وبعد النظر, فإن هذه القيادة البعثية ومجلس شعبها معها, سهَّلا الأمر على المواطنين, كما هي الحال دائماً, ولم يختارا (ويمكن القول تجاوزاً, رشحا) سوى اسماً واحداً كي لا يلتبس الأمر على الناس الذين قد يتهورون من فرط فرحتهم واندفاعهم فيضعون الاسم الثاني عوضاً عن مرشح القيادة في صناديق الاقتراع. وللتسهيل أكثر كي لا تحتاج إلى قلم لتدوين الاسم فقد طبعوا الاسم على ورقة الاقتراع جاهزاً مجهزاً. وزيادة في التسهيل على المواطن فقد لا يحتاج المقترع حتى للذهاب إلى مركز التصويت, فهناك اللجان البعثية المشرفة على الصناديق ستتكفل بكل شيء. فالقوائم عندها, وعندها أوراق الاقتراع. ولا يحتاج الأمر لأكثر من أن يأخذ أحد أعضاء اللجنة تلك الأوراق ويملأ بها الصندوق, طالما أن مصيرها النهائي هو في ذلك الصندوق!!! ومع ذلك فإن هناك بعد من لا يصدق أن النتيجة هي 99و99%. ومن لا يزال لديه بعض شك في صحة هذه النتيجة, فليتقدم بنفسه ويحصي الأوراق في داخل الصناديق.
انتخابات أم انتحابات في سورية, لا فرق. فالنتيجة واحدة وهي هي لم تتبدل منذ تحسَّـر أول مواطن سوري على رغيف خبز ساخن في ظل حكم البعث وما زالت دائرة التحسر تتسع لتشمل الوطن بأكمله على كلمة حرة تقال حتى ولو في زنزانة. وما زالت انتحابات الشارع السوري تتعالى كلما أراد لها "القادر الرمز" ذلك.
وعلى نبض هذا الشارع ومقاييس النبض البعثية المعتمدة من صدام إلى الأسد, (وما هذا الشبل إلا من ذلك الأسد), نستطيع أن نركن إلى الصناديد من القادة حتى ولو بالأسماء, فنطمئن إلى صورة المستقبل.
وكل انتحاب والقائد المفدى بالروح والدم بألف خير.

68
مزاد علني للمؤتمرات القومية
                     
سعيد لحدو

أمام المحنة الكبيرة التي يواجهها شعبنا في العراق بكل طوائفه ومسمياته, والتي هي جزء من محنة العراق عموماً, نطالع كل يوم خبراً عن عقد مؤتمر قومي (تضاف إليه تسمية ما للإشارة إلى توجهات منظميه) هنا أو هناك. مرة في هولندا وثانية في السويد وثالثة في أمريكا, وفي فنادق خمسة نجوم, وكلها بالطبع في المهجر بعيدة آلاف الكيلومترات عن واقع القضية التي من المفترض أن تعالج فيه. والأبعد إلى ذهنية منظمي هكذا مؤتمرات, ذلك الإحساس المطلوب بواقع الناس في العراق ومعاناتهم الأليمة, ليزعموا تدارس وضع لم يشعروا يوماً أنهم يرتبطون به إلا من خلال بياناتهم التي تصدر في نهاية مؤتمراتهم تلك, مدبجة بأبلغ الكلمات وأقوى العبارات المنمقة. والتي لا تساوي في حقيقة الأمر قيمة الورقة التي كتبت عليها.
واللافت في الأمر أن الذين يدعون ويحضرون هذه المؤتمرات الصاخبة إعلامياً يذيلون بياناتهم تلك بأسماء أحزابهم التي لا يلبث المتمعن فيها أن يكتشف أنها ليست سوى أسماء فارغة من أي معنى أو مضمون حتى لدى أصحابها. ذلك لأنها أحزاب بيانات ليس إلا,  ولا نعرفها ونحسها إلا من خلال بيان يظهر بين الحين والآخر , ولا نسمع بها إلا في أضيق الدوائر وفي المهجر فقط دون أن يكون لها أي رصيد أو قاعدة جماهيرية لا في الوطن ولا حتى في المهجر. وكلما كبرت الأسماء التي لا تقبل بأقل من تحرير بيث نهرين, كلما أدركت أنها فارغة من المضمون, ولا تعني ما تقوله إلا بالقدر الذي يحقق ذلك لأصحابها بعضاً من الغرور في إطلالة إعلامية ربما, أو في ظهور اسمهم في صحيفة أو موقع إنترنت أو أي وسيلة أخرى, ليشعروا بالانتشاء والرضى عن الذات بأنهم أدوا دوراً  تجاه أمتهم وشعبهم. وناموا قريري العين . بعد أن يكونوا قد احتسوا بضعة كؤوسٍ في آخر بار وجدوه بعد مفتوحاً بعد أن اختتموا مؤتمرهم القومي ذاك. دون أن ينسوا أن يتبعوه بالتسمية التي تروق لهم.
وهنا يحضرني تعليق طريف لصديق حضر أحد تلك المؤتمرات الذي عقد على مرمى حجر من بيتي, بأنه كان الأفضل للجميع لو خصصت كل تلك المصاريف من بطاقات سفر وأجور فنادق لبناء معمل علكة توزع بالمجان على هذا النوع من السياسيين, ربما كان المردود على شعبنا أفضل. على الأقل ينشغل أولئك السياسيون بالعلكة فنضمن سكوتهم, في الوقت الذي ليس لكلامهم أي معنى, وفيه من الضرر الشيء الكثير.
ويؤلمني هنا أن أجد أحياناً أسماء تنظيمات قومية رائدة وأكن لها كما يكن لها الكثيرون كل التقدير والاحترام. ولها قواعد جماهيرية حقيقية وفاعلة, يؤلمني أن تـُحشر أسماؤها بين تلك الأسماء. مع التأكيد أن مكانها الطبيعي والدائم هو أرض الوطن, ساحة النضال الحقيقي. حيث هي في الواقع, والتي كان وما زال لها دور أساسي فيه. إذ أنها بمشاركتها بهكذا مؤتمرات حتى ولو كانت صورية, تضفي الشرعية والقيمة على من لا يستحقها.
 إن المواطن العراقي, أياً كانت قوميته أو طائفته, كما هي حال الآشوري الكلداني السرياني, حين يخرج مضطراً لشراء رغيف خبز لأطفاله, أو حين يذهب باحثاً عن فرصة عمل لتأمين ثمن ذلك الرغيف, لا يأمن أن يعود حياً إلى أسرته وبيته. هذا المواطن المهدد بالموت في كل لحظة هو بغنى عن كل بيانات العالم ومنها بيانات أحزابنا التحريرية التحررية الديمقراطية الوطنية ومؤتمراتها القومية وكل الابتكارات الأخرى من التسميات الكلدانية الآشورية السريانية أو الآرامية أو ما يستجد منها حتى لحظة نشر هذه المقالة.  إن هذا المواطن المغلوب على أمره بحاجة إلى وقفة صادقة بمحنته هذه. إلى كلمة تضامن نابعة من القلب. إلى أمن حقيقي يعيده في آخر النهار سالماً إلى بيته وأولاده. هذا الأمن الذي علينا أن نتكاتف جميعاً ونوحد كل الجهود لتوفيره, أو على الأقل التخفيف من آثاره السلبية. ولا يهم كثيراً أن يأتي هذا الأمن على شكل منطقة آمنة بحماية دولية أو وطنية أو ذاتية, أو بهيئة حكم ذاتي في منطقة جغرافية محددة. ولا حق لنا بأي حال أن نجعل هذا موضع خلاف لا في شكل هذه المنطقة, ولا في ماهية أو أفضلية ارتباطها مع المركز في بغداد أو مع حكومة إقليم كردستان في شمال العراق. فتلك قضية يجب أن تبقى من اختصاص الناس الذين يعيشون ويعانون هناك, وبالتالي يكون لهم وحدهم الحق بتحديد هذا الأمر.  أما نحن المقيمون في المهجر, سواء سمينا أنفسنا أحزاباً أم منظمات أم أفراد, ومهما عقدنا من المؤتمرات , حتى ولو كانت في أفخم فنادق العالم, ليس لنا الحق في إقرار أي شيء  باسم أولئك الذين يحترقون كل يوم بالتفجير والتهديد والابتزاز والحرمان, حتى ولو جاء ذلك على شاكلة تلك البيانات التي نختتم بها مؤتمراتنا القومية الذائعة الصيت. وإنما علينا حقوق وحقوق كثيرة, أقلها إعلان التضامن الحقيقي مع أولئك المكتوين بالمعاناة ودعمهم في اختياراتهم التي يرونها لمستقبلهم ومستقبل العراق عموماً. وإن كان فينا بعد بعضاً من تلك الروح القومية فلنكف عن الاستهتار والمتاجرة بمعاناة أبناء شعبنا ودمائهم التي تراق كل يوم. ومقدساتهم التي تنتهك. ولنوجه طاقاتنا, إن كان فينا بعد خير يرتجى, إلى داخل الوطن. ووضع تلك الطاقات في خدمة أولئك الصامدين احتراقاً بجحيم واقع لا نقاربه, وإنما نتغنى به من بعيد. ولتعقد, إذا كان ولا بد, هذه المؤتمرات على أرض الوطن وبين أبنائه, وبمشاركتهم دائماً. وعلى ضوء معاناتهم, ليتم اتخاذ القرارات والتوصيات المناسبة. تلك القرارات والتوصيات التي تحدد له علاقاته مع إخوته من أبناء القوميات الأخرى. وترسم له مستقبله. ولا يجب أن يكون دورنا إلا المساندة والدعم في الاختيار الذي يرتأيه. وأساليب الوقوف على حقيقة ذلك الاختيار ممكنة ومتوفرة, إذا تحلينا بروح التسامح والديمقراطية والسلوك الحضاري… تأكيداً لإيماننا بوحدة شعبنا بكل طوائفه وبمصيره الواحد.
فهلا كففنا عن المزادات العلنية في سوق المؤتمرات القومية…؟؟؟   

69
احتفالات اليوبيل الذهبي في هولندا

في غمرة احتفالات المنظمة الآثورية الديمقراطية بيوبيلها الذهبي, أقام فرع أوربا الوسطى للمنظمة يومي 20 و 21 نيسان الجاري في هولندا مجموعة من الفعاليات الفنية والثقافية والسياسية شارك فيها عدد كبير من أصحاب المواهب المختلفة من الشباب والشابات من هولندا وبلجيكا وألمانيا. وحضرها جمهور غفير من مختلف الأعمار.
توزعت هذه الفعاليات على عدة أماكن بما يتناسب مع خصوصية الفعالية ومناطق تجمع جاليتنا المهاجرة. ففي يوم الجمعة 20 نيسان افتتح مهرجان الاحتفالات هذه في صالة كنيسة السيدة العذراء في مدينة هنكلو بفقرات فولكلورية رائعة قدمتها فرقة الرقص الفولكلوري المشتركة القادمة من مدينتي بادربون وكوترسلوه في ألمانيا. تلا ذلك فقرة غنائية مشتركة بين نجمي الغناء السرياني المطربين نينيب عبد الأحد لحدو ونغم أدور موسى.
أثناء الاستراحة دعي الجمهور لتناول ما يختاره من المأكولات التراثية التي حضرتها لجنة المرأة في هولندا إضافة إلى المشروبات والمرطبات.
الفقرة التالية من الاحتفال كانت مزيجاً من الاستماع للقصائد الشعرية باللغة السريانية التي قدمها كل من الشعراء سعيد لحدو وميشيل زيتون وحبيب كورية والفنان الكوميدي جورج فرج الذي رسم البسمة على الوجوه من خلال تعبيره الناقدة, وفقرات فنية غنائية منوعة قدمها كورال مار أفرام في هولندا بمشاركة الفنانين نينيب ونغم الذين أضافا نكهة خاصة على أداء الكورال المتميز دائماً وعلى الأمسية برمتها من خلال الأداء الفردي والجماعي الرائع الذي قدماه.
في اليوم التالي كان الموعد في الساعة الثانية ظهراً مع الندوة السياسية في صالة نادي بيث النهرين في مدينة إنشخده. وقد استهلت الفعالية بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الشهداء ثم تلتها وصلة غناء هادئة ومعبرة من الفنانة نغم على إيقاع ريشة الموسيقار المبدع الياس موساكي.
افتتحت الندوة السياسية بالحديث عن تاريخ المنظمة الآثورية الديمقراطية ونضالها التحرري كأول تنظيم سياسي في تاريخ شعبنا ودورها الرائد في نشر الوعي القومي بين أبناء شعبنا في ظروف صعبة وقاسية. ثم منح الحاضرون الفرصة ليعبر كل عن رؤيته الخاصة في مسيرة وسياسة المنظمة ومجمل العمل القومي في مختلف أرجاء وطننا التاريخي (بيث نهرين). وقد أضفى بعض الرفاق القدامى بين الحاضرين على الندوة مسحة فريدة من خلال سرد بعض ذكرياتهم عن البدايات الأولى, ومنهم كان الدكتور ميخائيل عبد الله الذي قدم من بولندا  مع اثنين من رفاقه المستشرقين من الجامعة التي يرأس قسم الاستشراق فيها, لحضور هذه الاحتفالات.
مساءً كان الموعد مع الحفل الفني الكبير الذي افتتحته الموهبة الشابة نينورتا رمز المستقبل الواعد بعدد من الأغاني القومية المعبرة وبصوتها المميز ليحيي فيما بعد فقراته المتنوعة المطربين النجمين نينيب ونغم على أنغام فرقة إنانا الموسيقية بقيادة الموسيقار المبدع الياس موساكي. ويجب ألا يغيب عن بالنا تلك الأغنية الرائعة التي كتبتها الفنانة المبدعة نغم من وحي اليوبيل الذهبي للمنظمة ووضع لها لحن مميز بالاشتراك مع الموسيقار الياس موساكي, فكانت أجمل وردة قدمت للجمهور الذي ازدحمت به الصالة في هذا الاحتفال.
أما الفقرات الفولكلورية التي تخللت الوصلات الغنائية من فرقة الرقص الفولكلوري القادمة من ألمانيا وفرقة نادي بيث نهرين في هولندا فقد كانت رائعة ومعبرة وبخاصة اللوحة الفنية والأداء المتميز لراقصة الباليه زينة برمزيتها الأخاذة والتي حكت لنا قصة شعب ضائع أراد أن يستيقظ. فتركت خلفها تأثيراً عميقاً  في نفوس الجمهور.
ولم يخلُ الاحتفال من الفكاهة والتندر. حيث قدمت الفتاة نيسون لحدو فقرة كوميدية ناقدة لواقع المنظمة والشعب بشكل عام تجاوزت بتأثيرها كثيراً حدود الدقائق العشر التي استغرقتها الفقرة, ورسمت الضحكة على وجوه الجمهور الذي سيظل يتذكر هذه الموهبة الكوميدية الشابة لوقت طويل.
وقبل الختام قام أقدم رفيق منظم مع آخر شاب انتسب قبل عشرة أيام إلى المنظمة إلى جانب مسؤول الفرع باقتطاع قالب الكاتو الملون بشعار اليوبيل الذهبي. كما قدمت باقات الورود لأبرز المساهمين في إنجاح هذا المهرجان.
وإن كانت فعاليات احتفالات اليوبيل الذهبي في هولندا قد اختتمت, فستتلوها احتفالات أخرى في عدد من المدن الألمانية. كما سيقام مهرجان احتفالي آخر في السويد في الإطار ذاته في الصيف القادم. وذلك إضافة إلى الاحتفالات الأخرى التي تنظم في الوطن.

70
احتفالات كبيرة في اليوبيل الذهبي
للمنظمة الآثورية الديمقراطية

يقيم فرع أوربا الوسطى للمنظمة الآثورية الديمقراطية احتفالات كبيرة ونشاطات فنية وثقافية وسياسية عديدة تستمر على مدى يومين كاملين 20و21 نيسان في هولندا. وسيشارك في هذه الاحتفالات فرق فولكلورية من ألمانيا وهولندا وعدد من الشعراء والفنانين السريان وكذلك كورال مار أفرام بقيادة الموسيقار الياس موساكي, إضافة إلى نجمي الغناء السرياني نينيب عبد الأحد لحدو ونغم أدور موسى القادمين من السويد خصيصاً للمشاركة بهذه الاحتفالات. وإلى جانبهما ستقف الموهبة الشابة الجديدة نينورتا.
كذلك سيكون بين المشاركين فناننا الشعبي الكوميدي جورج فرج.
خصص اليوم الأول للفعاليات الثقافية والفولكلورية وستقام في صالة كنيسة العذراء بهنكلو. وسيختتم هذه الفعاليات كورال مار أفرام بمشاركة المطربين نينيب ونغم.
أما اليوم الثاني السبت 21 نيسان فقد خصص الجزء الأول منه لندوة سياسية في صالة نادي بيث نهرين بإنشخده. وستتخلل هذه الندوة فقرات موسيقية وفولكلورية متنوعة. أما في المساء فستختتم هذه الاحتفالات بالحفل الفني الكبير الذي سيحييه الفنانان الكبيران نينيب ونغم, وستقدم الموهبة الشابة نينورتا إلى جانبهما وصلة من الأغاني القومية.
للمزيد من المعلومات يرجى زيارة موقع المنظمة على شبكة الانترنت: www.ado-world.org 
أو الاتصال برقم الهاتف: (0031) 610965049

71
حين لا نفتقر إلى الحكمة
11-04-2007
سعيد لحدو

بين الحكمة والتهور بون شاسع وكبير. لكن ما يفصل السلوك اللامنضبط والمتهور عن التصرف الحكيم والعاقل في لحظة حرجة هو مجرد خيط رفيع تكاد لا تلمحه العين ولكن نتائجه ستكون بلا شك مائلة بقوة.
يأتي هذا الكلام في سياق حادثة ديريك التي بدأت قبل أيام شجاراً بين مجموعة من الشباب السريان والأكراد وراح ضحيتها شاب كردي وبعض الجرحى مما هدد بتطورها إلى أسوأ من ذلك بكثير لولا أن الحكمة قالت كلمتها ورفعت صوتها ليعلو كل الأصوات.
هي لم تكن أكثر من حادثة بلا أية أبعاد قد تحصل في أي وقت وفي أي مكان وحتى بين أفراد العائلة الواحدة, لكنها كادت أن تخرجنا عن طورنا وتحولنا إلى مجموعة من المهتاجين المساقين بالغريزة والمستعدين للتحرك بأي اتجاه بردود فعل غير منضبطة بضوابط المصلحة والفائدة ولا مسترشدة بهدي نور العقل والمنطق.
إنني أسمح لنفسي هنا للتحدث ليس باسم السريان فقط ولكن أيضاً باسم الأخوة الأكراد, مستميحاً منهم العذر لتطاولي هذا على حق أساسي من ,حقوقهم أفرادٍ وجماعات. ولعل غايتي ستشفع لي في ذلك وهي الوئام والمحبة والتعايش الأخوي المشترك والسعي الدائم لتكريس هذه المبادئ نهجاً ثابتاً في حياتنا اليومية.
هي حادثة مؤسفة بكل المقاييس. حصل مثلها في الماضي وتحصل اليوم وستحصل في المستقبل طالما نحن بشر ونتعايش معاً, وما يؤسف له أكثر أن تخلف وراءها ضحايا بشرية, لا فرق من أي جانب كانوا. فنحن في الحقيقة جانب واحد وإن كان لنا أكثر من لون. جانب حزب الإنسان والمواطن المكافح ضد القهر والظلم واللاعدالة من أية جهة جاءت. ولذا يسوؤنا كثيراً ويعصر قلوبنا أسىً وألماً حين نجد أنفسنا في صفين متقابلين كنتيجة لحادثة من هذا النوع مهما كانت أسبابها. وألا نعمل كل من جانبه بدافع ضرورات الحكمة والمصلحة المشتركة أن نخفف من حرارة الموقف وأن نقلل ما أمكن من نتائجه السلبية.
لا شك أن سقوط ضحية وجرحى وعشرات المعتقلين ليس فقط مدعاة للأسف والحزن الشديد لعدم إمكان تلافي ذلك, ولكن للحسرة والألم العميق في النفوس والتي لن يزيلها أي كلام مواساة مهما بلغ من قوة البلاغة والتأثير. كما إن الروح التي أزهقت لن يكون بالإمكان إعادتها إلى الحياة بأية وسيلة كانت. ولكن تبقى الحكمة ,التي لا نفتقر إليها, هي الضامن الأكيد والرهان الوحيد للملمة الجراح وحصر النتائج السلبية لهكذا حادثة, ومحاولة تلافيها في المستقبل أو حصرها ما أمكن في حدودها الطبيعية تسهيلاً لمعالجتها بما يعيد الحق إلى نصابه. هذه الحكمة هي بالتأكيد ليست مفقودة لدى رجالات كبار بنفوسهم ورجاحة عقولهم من الطرفين. ولعل مسيرة التصالح التي جرت في 6 نيسان  في ديريك وبعد أيام قليلة من الحادثة, بهمة هؤلاء الرجال خير دليل على ذلك. وهي الخطوة الأكثر حكمة وجرأة وشجاعة من الجميع. والاستقبال المتميز بروح السماحة والإخاء والمحبة من قبل الأخوة الأكراد, وأهل الفقيد تحديداً دليل سمو أخلاقي رفيع, وعظمة في النفوس لا تدانيها عظمة. مما أزال كل أثر سلبي لمشاهد الإثارة والهيجان والتي لا تعبر بأي حال أمام هذا المشهد الفريد سوى عن نزوة هياج مؤقتة وطفرة زائلة.  لتعود الصورة الناصعة إلى الواجهة, صورة التحضر والترفع عن الصغائر وتجاوز الدونيات, لما هو أهم وأعظم, ولتحتل تلك الصورة موقعها المناسب في قلب مجتمع طالما تقاسمنا معاً أفراحه وأتراحه, همومه وخيراته, وتشاركنا في بناء عوامل رفعته وتساميه.
ماذا يمكننا قوله بعد والواقع أصدق من كل التعابير. ومسيرة التصالح بالأمس في ديريك أبلغ من كل الوقائع, وأصدق من كل المشاعر. فهي ليست مجرد مسيرة تصالح بين فريقين كان لهما لسبب ما أن يختلفا. وإنما هي في الحقيقة مسيرة وطن بأبنائه نحو إشراقة المستقبل. لقد علمتمونا أن ديريك بمسيرتها تلك لم تعد المدينة المنسية في أقصى شمال شرق سورية, وإنما هي الوطن بأكمله وقد تجسد بتلك المسيرة المثال والنموذج للتآخي والتعايش.
لسنا بحاجة بالتأكيد لحوادث مؤسفة من هذا النوع لكي نعبر عن أصالة الروح الوطنية السمحة التي طالما تميز بها أبناء هذا الوطن, أياً كان لون العمامة التي يرتدونها, قومية أو دينية أو سياسية. فهل لنا بالمزيد من أمثال هذه المسيرة في عموم أرجاء الوطن لنكرس تلك الوحدة الشاملة التي لا يزعزع لها تكاثر الألوان بنياناً.
فتحية لكل أولئك الرجال من كل الأطياف الذين لم يفتقروا للحكمة والشجاعة, فرسموا بذلك نهجاً للحياة والمستقبل لوطن لكل أبنائه. وأخص بالتحية آل الفقيد, فقيدنا جميعاً, وجميع الذين تضرروا بأي شكل كان. مترفعين بكل شهامة وإباء عن آلامهم وجراحهم التي هي آلامنا وجراحنا جميعاً, معتبرين تلك مجرد حادثة عابرة لا يمكن أن ننساها, ولكن ليس لإثارة الأحقاد وإنما لأخذ الدروس والعبر.

72
سعيد لحدو - هولندا
جلسة نقاش حول المذابح في البرلمان الأوربي
أقامت مؤسسة (سيفو سنتر) المتخصصة في الدراسات حول المذابح بالتعاون مع المنظمة الآثورية الديمقراطية واتحادات الأندية الآثورية في كل من هولندا وألمانيا والسويد بالإشتراك مع شخصيات سريانية آشورية مستقلة جلسة نقاش عامة في البرلمان الأوربي في بروكسل في بلجيكا.وذلك في يوم 26-03-2007. وقد اشترك في النقاش شخصيات أوربية هامة وهم:
السيدة إيفا-بريت سفينسون Eva-Britt Svenssonنائبة الرئيس في منظمتي (GUE/NGL) وعضو لجنة حقوق المرأة في البرلمان الأوربي.
البروفيسور دافيد كانت David Kaunt متخصص في الدراسات الشرقية ومحاضر في الجامعات السويدية
السيد ماركوس فربر  Markus Ferber عضو البرلمان الأوربي عن الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني
والسيد ويلي فاوتره Willy Fautre' رئيس منظمة حقوق الإنسان بلا حدود العالمية.
بالإضافة إلى الأستاذ صبري أطمان الباحث في قضية المذابح من مؤسسة سيفو سنتر
وقد حضر النقاش عدد كبير من المهتمين والإعلاميين تجاوز ال250 فرداً حيث اكتظت الصالة التي أقيم فيها النشاط بالراغبين في حضور هذا النقاش رغم إصرار اللجنة المنظمة لهذه الجلسة بالاقتصار على عدد محدد من المهتمين بهذا الشأن بسبب ظروف المكان وضرورة تقديم الأسماء قبل مدة كافية للبرلمان الأوربي للتمكن من إصدار بطاقات الحضور لدواعي أمنية.
سارت مجريات الجلسة بصورة سلسة ومنتظمة بهمة الفتاة السريانية النشطة نجمة سيفين التي أظهرت قدرة فائقة على الإدارة والتنظيم في هذا المحفل الهام رغم صغر سنها وضرورة تحدثها بالإنكليزية التي كانت لغة النقاش الرئيسية.
عبر المحاضرون في هذا اللقاء عن رؤيتهم المشتركة عن مدى الظلم والإجحاف الذي عانى منه الشعب السرياني الآشوري الكلداني نتيجة المذابح التي تعرض لها والتي مازال المسؤولون عن تلك المذابح يتهربون من الاعتراف بها, لا بل يحاولون وضع شتى العراقيل في طريق من يحاول دراسة تلك الوقائع التاريخية وتقديم الأدلة والوثائق على حصولها وضرورة اتخاذ المجتمع الدولي الإجراءات المناسبة لمحاكمة المسؤولين عن حصولها.
ومن الجدير ذكره والداعي للسخرية المرة أن الحكومة التركية حاولت جاهدة لتفشيل جلسة النقاش هذه من خلال إرسالها مسبقاً رسالة  إلى المشاركين الأوربيين تؤكد فيها أن هذه قضية ميتة لا أحد من السريان الكلدان الآشوريين  يرغب في إثارتها وهي لم تحصل إطلاقاً ولن يحضر أحد منهم هذه الجلسة. لكن عندما شاهد المحاضرون ذلك الحضور الكبير وحماسهم الشديد للقضية لوحوا بالرسالة التركية أمام الحضور ساخرين من وجهة نظر الحكومة التركية التي تحاول أن تجد لها أعواناً بين هذا الشعب ليساعدوها في تسويق إنكارها لجريمتها تلك والمصنفة في خانة الجرائم ضد الإنسانية التي لا يمكن أن تسقط بالتقادم مهما طال الزمن.
ختاماً يمكن القول أن هذه الجلسة الهامة ليست سوى خطوة على طريق تحقيق الاعتراف الكامل بالمذابح من قبل السلطات التركية لإعادة الحق إلى أصحابه ولو طال الزمن.

73
                                                ما الذي يجري في الكنيسة السريانية؟

10-3-2007
سعيد لحدو- هولندا

كأني لا أعرفك يا قداسة البطريرك
بالأمس القريب كان احتفال كنيستنا السريانية الأرثوذكسية لجلوسكم بطريركاً ورئيساً أعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم, وما زلت أذكر كلمات  موعظتكم الأولى التي ظلت عالقة في ذهني, وربما في ذهن الكثيرين من أمثالي عن عزمكم وإصراركم على إعادة الديمقراطية إلى الكنيسة, وإعادة مجد لغتنا السريانية إليها. فأعادت تلك الكلمات إلينا الروح السريانية التي افتقدناها لسنوات طويلة.
لقد كنت حينها شاباً متحمساً ككل الشباب الآخرين من أبناء الكنيسة المعتزين بالانتماء إليها والمندفعين لخدمتها ورفع شأنها. ولقد كانت لقداستكم جهود لا يمكن تجاهلها, وخطوات جريئة في محاولة إصلاح الكنيسة والإكليروس عموماً. وإذا أخذنا ذلك بعين الاعتبار وتأملنا واقع اليوم, وتحديداً السنوات القليلة الماضية, فإن تساؤلاً ملحاً يطرح نفسه في مواجهة كل سرياني غيور وهو:
ما الذي يجري في هذه الكنيسة؟
كنت على الدوام متردداً في انتقاد بعض أشكال السلوك الفردي للإكليروس السرياني التي لا تنسجم والمهمة الروحية التي نذروا أنفسهم لها, لأنني كنت مقتنعاً بأن التركيز يجب أن يكون على الظواهر الإيجابية في تصرفات أولئك. ولكن حين تصبح أشكال السلوك تلك ظاهرة بارزة في الكنيسة التي نحبها ونغار عليها ونعتز بالانتماء إليها, يغدو من الضروري والملح كشفها ووضع الحقائق أمام  الناس خدمة للكنيسة ذاتها, وتحصيناً لها من أية آثار سلبية قد تنجم عن ذلك السلوك السلبي. وسأتحاشى ذكر الأسماء ترفعاً عن المهاترات من جهة, ومن جهة أخرى لأن الجميع يعرفهم وهم لا يخجلون من إعلان مواقفهم تلك بمناسبة وبدون مناسبة وعلى الملأ. وهذه بعض الأمثلة:
منذ سنوات خلت كان أحد المطارنة المرتسم حديثاً جالساً في مجلس عزاء لأحد أبناء شعبنا. وقد كنت حاضراً كغيري, فجاء أحد رجال المخابرات ممن لم يتيسر لهم نيل الشهادة الإعدادية, فرحب به نيافة المطران وأكرمه بأن أجلسه إلى جانبه ونسي مرتبته كمطران  وكل الحاضرين في المجلس وشرع في منادمته وتسليته بشكل حط كثيراً من هيبة المطران إلى درجة أن حضور ضابط كبير في الشرطة بعد قليل لم يثر لدى المطران أي انتباه أو فضول وجلس هذا الضابط كأي إنسان عادي بين الحاضرين, كما كان حال كهنة الكنيسة الآخرين الذين ظلوا بعيدين عن مجلس المطران في حين ظل هو منهمكاً في منادمة رجل المخابرات.
هذا يوضح لنا بلا شك إلى أي حد بات لكلمة مخابرات تأثير سحري في نفوس الإكليروس.  وهذا بالتأكيد ينعكس سلباً على الكنيسة وأبنائها ويقلل من احترام الآخرين لرجل الدين مهما علت رتبته إذا كان هذا هو سلوكه.
حادثة مشابهة كانت هذه المرة من قداسة البطريرك نفسه. ففي احتفال تأبين المرحوم المطران عيسى جيجك في هولندا السنة الماضية, أُجلسَ إلى جانب قداسته ممثل السفارة السورية في بروكسل, وأشير إليه بالشكر عدة مرات في الكلمات التي ألقيت, في حين أن كاردينال الكنيسة الكاثوليكية, وهو ثاني أهم شخصية في هولندا بعد العائلة المالكة, ظل بعيداً كأي ضيف عادي رغم رتبته الكهنوتية الرفيعة!!! وفوق كل هذا ألقى قداسته كلمته التأبينية باللغة العربية  في جموع تعد بعشرات الآلاف وأمام نقل حي ومباشر لقنوات تلفزيونية هولندية وسريانية, في الوقت الذي كان أكثر من 90% من المستمعين لا يفهمون العربية, مما دفع إلى ترجمتها إلى السريانية!! فإذا كان ولا بد فلماذا لا تتحدث بالسريانية لغة كنيستنا وشعبنا… ولغة السيد المسيح ربنا وإلهنا, التي وعدت في موعظتك الأولى بأنك ستعيد لها مجدها؟؟ أو على الأقل أن تتحدث بالإنكليزية احتراماً للضيوف وأنت في دولة أوربية. أم أنك ترى أن تقرير مخابرات السفارة السورية  وفتح صالة الشرف لك في مطار دمشق عند عودتك أهم من ذلك كله؟؟؟
وما يدعو للأسف الشديد أن هذا الأمر بات عرفاً ثابتاً لدى قداسته أثناء زياراته للخارج, حيث يفضل قداسته في كل مرة استخدام مترجم للتخاطب مع أبناء كنيسته. فهل نحن أمام بطريرك كنيستنا السريانية .. أم أن أموراً تجري خلف الأستار لا نفهمها؟؟؟
وإذا أضفنا إلى كل هذا تلك الخطبة العصماء التي ارتجلها قداسته  في مقابلته السنة الماضية مع صحيفة النهار متفاخراً بأن الدماء العربية النقية تجري في عروقه, دون أن يعلمنا في أي مختبر أجرى ذلك التحليل ليكتشف تلك الحقيقة التي غابت عن الخليقة جمعاء وروعت السريان قاطبة, وخالفت مشيئة الخالق الذي هكذا خلقنا وأراد لنا أن نكون سرياناً لغة وجنساً دون أن يكون لنا يد في ذلك!!! ولا ندري لماذا كان هذا التصريح الخطير الذي أقض مضاجع السريان في العالم أجمع, ولا لقاء ماذا.
أما الديمقراطية التي وعد بها قداسته بإعادتها إلى الكنيسة فقد فهمت ومورست على أنها حرية المطارنة في إساءة استعمال سلطتهم الروحية لأغراض دنيوية والتفرد في اتخاذ القرارات التي تعود بالنتيجة بالضرر على الكنيسة والشعب كما حصل في فضيحة الاحتيال والنصب بملايين الدولارات التي حصلت في أبرشيتي هولندا وأمريكا وما زال المؤمنون حتى اليوم يعانون من آثارها, وذلك دون أية استشارة قانونية أو حتى غير قانونية لأي كان من السريان. ولعل هذه الفضيحة خير دليل على هذا النمط من السلوك.
وما يلفت النظر أكثر هذا التسارع غير الطبيعي والمثير للحيرة والتعجب, تصنيع وابتكار أبرشيات جديدة لا تتكون بعضها أكثر من  كنيسة واحدة أو كنيستين, ورسامة مطارنة لهذه الأبرشيات بعضهم لا يستحق حتى رتبة شماس ممن لا يعرف بعد حتى كيف يحتفل بالقداس الإلهي الذي يفترض بأصغر شماس في الكنيسة القدرة على القيام به. وهنا لا بد أن نشكر العناية الإلهية التي أوجدتنا في عصر القنوات الفضائية التي تنقل لنا ونحن في بيوتنا ببث حي ومباشر كل ما يحصل لنراه ونعاينه ونكون شهوداً للمستوى الذي انحدرت إليه كنيستنا السريانية العريقة والحبيبة على قلوبنا جميعاً.
ومما يبعث على الأسى والحزن والتساؤل المثير لألف علامة استفهام أن الشعب حين يجمع (وهذا نادراً ما يحصل في كنيستنا) على ترشيح راهب معين لرسامته مطراناً لأبرشية ما, كما حصل في هولندا مؤخراً, فإن قداسته يتثاقل في قبول اختيار الشعب هذا دون أية مبررات. فيتم تشكيل اللجنة بعد الأخرى بهدف المماطلة بذريعة الوقوف على حقيقة موقف الرعية رغم أن هذا الموقف كان منذ البداية واضحاً ومحدداً وبإصرار من جميع الكنائس والمجالس والمؤسسات في هولندا خطياً وشخصياً أمام قداسته وكذلك أمام كل لجنة شكلت بهذه الذريعة. وكأن الرسامات السريعة الأخرى حصلت برغبة الشعب ومطالبته التي لم تحصل قط في بعض الأبرشيات المستحدثة. ولا يمكن تفسير كل هذا التسويف والمماطلة إلا بهدف فتح ثغرة في إجماع الناس على اختيارهم, وترشيح أسماء أخرى بغية شق الصف وتمييع القضية وتأجيل الرسامة المرتقبة ما أمكن. في حين أن الضرورة كانت تحتم ملء كرسي الأبرشية الشاغر والأهم والأقدم في أوربا بأسرع ما يمكن, وتأجيل الرسامات الأخرى التي لم تكن بأي حال تتطلب السرعة ناهيك عن الفائدة المرجوة.
هذا يدفع بنا مرة أخرى إلى التساؤل الملح: ما الذي يجري في كنيستنا السريانية؟
ولقد تفتقت عبقرية أحد هؤلاء المطارنة الجدد (المثقفين جداً) ليكتشف أن قضية المذابح ضد شعبنا والتي كان ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء من أبناء هذا الشعب, وما زال الكثيرون يعانون من آثارها ومنهم عائلة المطران المعني ذاته, وهو أعلم بما حصل لها, هذه القضية التي باتت مسألة شائكة ومحرجة جداً للحكومات التركية المتعاقبة لإجبارها بالاعتراف بالجريمة البشعة بحق الإنسانية جمعاء التي ارتكبتها, وبعد الخطوات المتقدمة التي باتت تخطوها القضية في المحافل الأوربية بجهود المخلصين من أبناء هذا الشعب, اكتشف هذا (المثقف الكبير) وللتو وفقط بعد أن أصبح مطراناً وحلول الروح القدس عليه مباشرة بعد وليمة معتبرة أقيمت على شرفه في السفارة التركية ببروكسل, أن الأتراك المساكين لم يكن لهم يد ولا ذنب في المذابح, وربما أنها لم تحصل قط. وليعلن براءتهم منها براءة الذئب من دم يوسف!!!  ولا يخجل هذا (المتمطرن) أن يعلن هذا في محاضرة دعا إليها أحد البحاثة ممن كرس نفسه لقضية المذابح دون أن يعطيه الفرصة ليقول ما دعي من أجله. وكأنه استخدم اسم هذا الباحث والاحترام الذي يكنه له الناس ليجمع أكبر عدد ممكن من الناس مع دعوة خاصة للسفارة التركية في بروكسل ليكونوا شهوداً على إخلاصه لهم وتنفيذه تعليماتهم ونصائحهم التي تلقاها منهم بعد الوليمة مباشرة بالتزامن مع حلول الروح القدس, وليطلق أمامهم رصاصة الرحمة على ما بقي من روح حية يقظة بهذه الكنيسة وأبنائها. وهو بذلك يخون دماء مئات الآلاف من الشهداء التي بيعت بثمن بخس رخيص ليس أرخص منه إلا تلك النفوس الوضيعة التي شاءت لها الأقدار أن يقترن أصحابها باسم السيد المسيح لتتاجر بكل ما قدمه من أجل البشرية متجاوزة ما فعله يهوذا الإسخريوطي حين باعوا شعبهم وكنيستهم بأقل وأبخس الأثمان. وعلى بعد خطوات من مكان المحاضرة كان قداسة البطريرك يسترخي مستريحاً من عناء رحلته الجديدة إلى أوربا التي لم يعلن عن سببها رغم صحته التي لن تساعد (بعد شهر؟) على السفر لرسامة راعي الأبرشية الجديد في هولندا.  مما يكلف سفر مئات الأشخاص وصرف عشرات آلاف الدولارات بهدف حضور الرسامة المرتقبة في دمشق.
لعل التفسير الوحيد لهذه الرحلة الأوربية المفاجئة والملحة لقداسته هو ضرورة الاطمئنان على أحوال مطارنته الجدد وليتأكد فيما إذا كانت الدماء التركية النقية مازالت تجري في عروقهم كما هي حال عروق قداسته مع الدماء العربية. أما السريانية وكل ما حملته من إرث ورغم وعوده السابقة بإعادة مجدها فيبدو أنها أصبحت بضاعة قديمة لم تعد تصلح لهذا العصر….. والسياسة المخابراتية التي بدت سمته الأبرز, على الأقل لدى البعض من إكليروسنا الذي أصبح بضاعة رخيصة جداً على ما يبدو.
فهل هذا حقاً ما يجري في كنيستنا السريانية الأرثوذكسية العريقة؟؟؟   

74
الأقليات الصغيرة في عراق ما بعد صدام والبعث -الكلدان الآشوريون السريان  نموذجاً


منذ تأسيس دولة العراق في عام 1921 تحت زعامة الأمير فيصل ابن الشريف حسين والذي توج ملكاً على العراق برزت تحديات حقيقية في وجه الدولة الناشئة في ظل الانتداب البريطاني. حيث كان لمخلفات الجيش العثماني المهزوم من الضباط السنة تحديداً النصيب الأكبر من السلطة والامتيازات. ولأن سكان العراق لم يكونوا سنة وحسب بل مجموعة من الإثنيات التي تعايشت بصورة أو بأخرى مع الإمبراطورية العثمانية مع تمتع كل مجموعة بشيء من استقلالية الإدارة فيما يتعلق بشؤونها الذاتية. هذه المجموعات, والتي تشكلت أساساً من الأكراد والكلدان السريان الآشوريين وكذلك التركمان كقوميات متميزة إلى جانب القومية العربية, إضافة إلى مجموعات دينية أخرى أضغر كاليزيدية والصابئة, ساور هذه المجموعات في ظل الواقع المستجد طموحٌ نحو شيء من الإعتراف بوجودها وشكل من أشكال الإستقلالية في إدارتها لشؤونها أفضل مما كان لها في فترة السيطرة العثمانية. وبخاصة إذا أدركنا أن هذه المجموعات قد ساهمت بشكل أساسي في قيام دولة العراق وضم لواء الموصل الغني بالبترول إليه.
لكن واقع الأمور كان يحكي مسيرة مختلفة لما كان يمليه المنطق. فقد كان للإنكليز كمؤسسين للدولة وكسلطة انتداب  منظورهم الخاص لجغرافية المنطقة ومصالحها السياسية والاقتصادية  في عالم تتصادم فيه مصالح وإرادات القوى العظمى, كان لهم رؤية أخرى وأولويات أخرى التقت في بعض جوانبها مع البعد الاستراتيجي للعنصر العربي مما غلبه على العناصر الأخرى. وبالتالي ظلت طموحات الآخرين مجرد أمنيات لم يتح لها أن تتحقق. وظل الإحساس بالغبن هو المسيطر.
بعد الاستقلال لم يكن الوضع على العموم أحسن حالاً. فمع انتشار الأفكار القومية في العالم أجمع والنهوض الذي شهدته الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا, ما كان للقوميات في العراق الصغيرة منها والكبيرة إلا أن تعتريها نشوة التفاخر والاعتزاز شأنها في ذلك شأن شعوب العالم الأخرى. ولما كانت السلطة والقوة بشكل أساسي متمركزة في أيدي العنصر العربي, كان التصادم أمراً محتوماً بين العرب والفئات الأخرى كلما كانت الظروف مواتية.  وهذا ما شاهدناه واستمر حتى آخر يوم من حكم صدام والبعث للعراق.

سياسة التعريب
كما هو معلوم فقد ارتكزت نظرية حزب البعث العربي الاشتراكي منذ تأسيسه في سورية عام 1947 وكما يدل اسمه, على دعامتين أساسيتين: العروبة والاشتراكية. ومنذ نجاحه في السيطرة عاى الحكم في كل من سورية والعراق في الستينات من القرن الماضي, بدا أن الرافعة الأساسية لحركة ونشاط حزب البعث في الأوساط الشعبية في كلا البلدين هي الصراخ بأعلى ما يمكن لتأكيد نهجه في العروبة والاشتراكية. ولكن سرعان ماخضعت الاشتراكية لسياسة التطبيق البراغماتي لدى جناحي الحزب في كل من سوريا والعراق (رغم الشقاق وروح العداء القوية التي حكمت العلاقة بينهما) إلى درجة أن الاشتراكية في السنوات التالية لم يعد لها ذكر إلا في اسم الحزب وفي دفاتره القديمة التي لم يعد لأحد الرغبة في الاطلاع عليها أو قراءتها.
في الوقت ذاته كان التركيز يقوى ويشتد على مقولة العروبة وذلك لسببين:
الأول هو التأكيد والتجسيد العملي لمبدأ نظري أنشئ على أساسه حزب البعث.
والثاني كان سياسة براغماتية  أكثر مما هو مبدأ نظري. حيث أن المتاجرة والمزاودة بالشعارات القومية الكبيرة قد بدأ سباقها, وكان ذلك سمة المرحلة لمعظم الحكام العرب منذ أواخر الستينات وما زالت. إذ كان الهدف من ذلك تخدير الجماهير وإفقادها الإحساس فيما يخص حياتها المعيشية اليومية التي لم تكن تحسد عليها, من جانب, وتهييجاً لها من جانب آخر فيما يتعلق بالصراع الأكبر ضد ما اصطلح على تسميته (الإستعمار والصهيونية) ورمي كل سلبيات النظم الديكتاتورية وإخفاقاتها على ذلك العدو المتضخم تحت شعار: (كل شيء للمعركة) بتكريس كل طاقات المجتمع لمعركة  التحرير الكبرى التي لم تأتِ قط. في حين أن كل تلك الطاقات كانت في واقع الأمر مكرسة لخدمة هؤلاء الحكام وعائلاتهم.
من هذا المنطلق فقد أصبحت أهداف هذا الحزب (وحدة, حرية, اشتراكية) مادة معروضة للبيع والشراء في سوق المتاجرة السياسية , رغم أن الوحدة فيما لو قدر لها أن تتجسد في يوم ما, لم تكن تعني بالنسبة للبعثيين سوى وحدة الشعب العربي والذي في منظور الحزب, لا شعب آخر سواه يعيش على الأرض العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج!! وذلك على حساب الشعوب والاثنيات الأخرى التي وجدت نفسها محكومة بهذا الفكر العروبي المتزمت.
وأما الحرية فهي حرية العنصر العربي أو من اعتبر نفسه عربياً من المجموعات الأخرى, ولكن حرية فقط في التعبير عن تأييده المطلق للنظام الحاكم والقائد الرمز؟؟ في حين أن الاشتراكية باتت من مخلفات الماضي ولم تعد شعاراً يناسب المرحلة التي أصبح فيها الحكام ومريديهم من أصحاب المليارات المدفونة في البنوك الغربية. لذلك جرى تناسيها.
مع وصول هذا النوع من الحكام الجدد إلى السلطة وهم أقل بعثية,  وأكثر براغماتية, حلت (الأنا) محل الوطن و (العائلة) محل الشعب. وبالطبع في ظل هكذا نظام لم يتح للقوميات الأخرى من فرص التعبير عن ذاتها إلا بالقدر الذي يخدم تطلعات (القائد) ونهجه السلطوي.
في هذا الجو المشحون بكل ما هو عروبي متزمت, وبسياسة ممنهجة لتعريب كل شيء, مستندة إلى القمع والقهر, كان وضع القوميات الأخرى غير العربية يزداد تأزماً مما جعلها في مقدمة المتشوقين إلى التغيير الذي جاء أخيراً في العراق على يد الأمريكان وحلفائهم, وبانتظار التغييرات في مناطق أخرى يظل المستقبل مفتوحاً على كل الاحتمالات.

الكلدان الآشوريون السريان في راهن العراق
◄ بعد قيام دولة العراق :
لا أحد يمكنه التنكر لأصالة هذا الشعب وتميزه الحضاري في وطنه التاريخي مابين النهرين, منذ أقدم العصور وحتى اليوم. وإذا كانت الظروف التاريخية والسياسية والدينية المختلفة قد عملت على تجزئته إلى فئات وطوائف وتسميات عدة, فإن ارتباط المصير ووحدة التطلعات لكل هذه الطوائف والتسميات توحده إلى درجة أكبر مما تتمتع به بعض شعوب المنطقة الأخرى رغم تمتعها بوحدة ظاهرة بالاسم والانتماء واختلاف وتفاوت بالتطلعات والمصير.
وإذا كان هذا الشعب قد عانى كما عانت فئات الشعب العراقي الأخرى من تبعات سياسات التجاهل والقمع والاضطهاد من الحكومات العراقية المتعاقبة, منذ تأسيس دولة العراق الحالية, لكن ما يميز معاناته عن الآخرين أنها أولاً: معاناة مزدوجة. فهو يمثل أقلية دينية وقومية في آن واحد, رغم أن كلمة أقلية فيها انتقاص من حقوقه كشعب أصيل في المنطقة, ولا تتناسب مع وضعه تماماً. وثانياً: تمتد هذه  المعاناة عمقاً في التاريخ حتى العصر البيزنطي والفارسي القديم, مروراً بكل أشكال النظم والحكام التي خضعت لهم المنطقة, مع لفت الانتباه إلى قرابة ألف وخمسمائة سنة من الحكم الإسلامي لمجموعة قومية تدين بالمسيحية وتعيش في منطقة جغرافية كانت منطقة نشاط مسيحي بامتياز. بما يعنيه ذلك من تمايز بالحقوق والواجبات (إن لم نشأ استعمال كلمة تفرقة) بالمقارنة مع المجموعات القومية الأخرى التي اتخذت الإسلام ديناً لها مع ما يترتب على ذلك من امتيازات خاصة للأفراد وللمجموعة ككل.
لقد أراد منشؤوا الدولة العراقية لها أن تقطع صلتها بالإرث الذي كان متمثلاً  بالدولة العثمانية. وقد استبشر الكلدان الآشوريون السريان خيراً بالدولة الناشئة, كما كان حال الآخرين. ولقد سعوا إلى نوع من اعتراف الحكومة المركزية بهم وبدورهم في تأسيس دولة العراق ومساعدتهم في ضم لواء الموصل إليها, وذلك من خلال منحهم بعض الحقوق القومية وتضمين ذلك في الدستور العراقي. لكن المفاجأة المحبطة كانت أن الرد جاء بعنف غير متوقع. وكانت المجزرة الرهيبة في بلدة سيميل في آب 1933 البرهان الأكيد على أن لا شيء تغير في أذهان وعقليات حكام العراق الجدد رغم كل المتغيرات التي حصلت من حولهم. واكتملت الصورة لمعاناة هذا الشعب في ظل حكم البعث عام 1969 عندما أردفت سيميل بمجزرة صوريا وتدمير العشرات من قراه بذريعة مقاومة الحركة الكردية المسلحة في الشمال. ولم يغير أي شيء من حقيقة المعاناة صدور قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية بعد ذلك حيث ظل هذا القرار حبراً على ورق ولم يطبق إلا في حدود ضيقة جداً حيث أفرغ من مضمونه كما كان حال اتفاق آذار 1970 مع الأكراد. وقد أصبح لاحقاً بحكم الملغى.
وفي الواقع لم تكن تلك معاناة الأقليات وحدها وإنما كانت معاناة قاسية لمجمل الشعب العراقي وبكل شرائحه وقومياته والتي استمرت حتى آخر يوم من حكم صدام.
◄بعد حرب الكويت وسياسة محاصرة صدام:
بعد المغامرة الجنونية الكبيرة التي قام بها صدام باجتياح الكويت في 2 آب 1990, وهزيمته المدوية إثر التدخل العسكري للتحالف الدولي بقيادة أمريكا, أقيمت منطقة في شمال العراق تحت الحماية الدولية. وقد كانت النتيجة قيام إدارة كردية شبه مستقلة. التقط معها الكلدان الآشوريون السريان القاطنين في هذه المنطقة أنفاسهم لأول مرة منذ قرون عديدة. وحصلوا على بعض الحقوق الثقافية والسياسية وشكل من التمثيل البرلماني. وإن لم يكن كل ذلك قد لبى الحد الأدنى من طموحاتهم فقد كانت تلك خطوة متقدمة بما لا يقاس لما كان عليه الحال في السابق. فالتمثيل النيابي وإمكانية افتتاح المدارس وتدريس اللغة السريانية في بعض مدارس الإقليم, وكذلك إمكانية قيام الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية وتأسيس وسائل إعلام مختلفة باللغة السريانية فقد اعتبرت قفزة نوعية في التاريخ الحديث لهذا الشعب رغم كل السلبيات والشوائب التي رافقت عملية التطبيق. ووفقاً لمنطق تطور الأمور لقد كان المنتظر لتعميق هذه التجربة وتجسيدها دستورياً أن تطور  وتستتبع بتشريعات وقوانين واضحة تكرس هذا الحق الطبيعي بشكل نهائي  وتحدد بدقة العلاقة بين المجموعات القومية المختلفة وترسم الحدود الفاصلة بين عناصرها المتنوعة. لمنع طغيان القوى المهيمنة على الساحة العراقية عسكرياً أو سياسياً أو حتى فكرياً.
رغم أنها تعتبر من حيث المبدأ تجربة رائدة وخطوة جريئة في الاتجاه الصحيح. لكن كان يجب وما زال من الضرورة بمكان استتباعها بخطوات مكملة تمنحها المصداقية وتكرس الثقة والمحبة والاحترام المتبادل بين كل القوميات التي تشكل النسيج العراقي بمختلف تلاوينه, والتي يجب أن تكون وفقها الحقوق الأساسية مصانة للجميع على قدم المساواة في الدستور كما في الواقع العملي أيضاً.
◄في عراق ما بعد صدام:
لاشك أنه بعد السقوط الدراماتيكي لنظام صدام وانهيار دولة البعث الذي أسسها مع أحمد حسن البكر, حصل زلزال حقيقي بالمعنى السياسي والاجتماعي والفكري في العراق. وإذا كان للأمريكان الدور الأهم في إحداث ذلك الزلزال فإنه بدا من التطورات اللاحقة أن تأثيرهم في توجيه النتائج التي نتجت عنه هي أقل بكثير من دورهم في إحداثه. فالعنف والإرهاب الأعمى الذي جثم على قلوب العراقيين وصدورهم بجميع شرائحهم والتي لم يبق أحد بمنأى عن شظاياه, جعل الأمور تكاد تفلت أحياناً من أيدي صانعي هذا الانقلاب الكبير أنفسهم.
والكلدان الآشوريون السريان الذين انفردوا من بين كل فئات الشعب العراقي وأحزابه الأخرى بعدم تشكيلهم ميليشيا مسلحة خاصة بهم باستثناء بعض الأفراد المسلحين لأغراض الحماية, فإنهم عانوا كغيرهم من إخوتهم العراقيين الآخرين من آثار ونتائج هذا العنف المدمر. وكانوا ضحايا لنيرانه بالقدر الذي كانه الآخرون الذين خططوا وعملوا له وشاركوا فيه. ففجرت كنائسهم وخطف وذبح أبناؤهم وهجرت العائلات من بيوتها واعتدي على محرماتهم, وأجبروا على فعل ما لا يتفق وطبيعتهم المسالمة. وقد حصل كنتيجة لكل ذلك تراجع خطير في مفهوم العيش المشترك. وصار المواطن العراقي ينظر إلى جاره العراقي من غير فئته كعدو خطر قد ينقض عليه في أية لحظه ويسلبه كل ما يعز عليه من ممتلكات وشرف وحتى حياته.
لقد تحول الناس الطيبون المسالمون في لحظة إلى ذئاب كاسرة تبحث عن فريسة بأي ثمن وبأي أسلوب. لا يردعها عن ذلك أية قيم أو معتقدات. حتى بات الترحم على أيام صدام وكل مآسي حكمه الديكتاتوري عبارة تتردد على لسان معظم العراقيين. وكأن هذا هو الهدف الذي ينشده الداعمون للإرهاب ومروجوه والعاملون لنشره على كل مساحة العراق.
وإذا كان لكل مجتهد نصيب كما يقال, فمن الطبيعي والمنطقي أن ينال المشاركون في إشاعة الإرهاب والقتل نصيبهم من غنائمه كما من مآسيه. إلا أن الكلدان السريان الآشوريين كان نصيبهم فقط المآسي دون أن يحصلوا على أي نصيب من الغنائم, ذلك لأنهم لم يشاركوا في العنف الدائر ولم يسفكوا دم أحد. ومن لا يشارك في الغزو لا حق له في الغنيمة. إنها قاعدة ثابتة كما يبدو وعرف قديم يصلح حتى لوضع عراق اليوم.
للأسف الشديد هذا هو واقع عراق ما بعد صدام حسين. وبغض النظر عن القوى والدوافع التي سعت جاهدة إلى خلق هذا الواقع المأساوي, فإن أخطر ما في هذا الأمر هو تهديم وتفخيخ العلاقة التي تربط المواطن بالمواطن الآخر, والفئة بالفئة الأخرى, والطائفة بالطائفة الأخرى, وأخيراً القومية بالقومية الأخرى. مما يحتم قيام قطيعة نهائية بين أبناء الوطن الواحد. وبالتالي استحالة العيش المشترك تحت أي ظرف وفي ظل أي قانون أو نظام حكم.
لست متشائماً بطبيعتي, ولا أريد أن أقدم صورة قاتمة لواقع يمكن أن يكون غير ذلك. لكن الوقائع والتطورات على الأرض تفرض نفسها, ونحن كلنا شهود معايشين لهذا الواقع ومعاينين لإرهاصاته اليومية, حتى صارت المفاجأة التي ينتظرها الناس بشغف هي أن يمر يوم دون أن يحصل فيه إراقة دم بريء على أرض العراق.

◄ وماذا بعد....
إذا كان للقوميات الكبرى في العراق وهم العرب والأكراد (حين يكون النزاع قومياً) وكذلك الطوائف الكبيرة شيعة وسنة (إذا تحول الصراع طائفياً) القدرة والقوة على الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم. لا بل أكثر, استعمال القوة ضد الآخرين إذا تهددت مصالحهم وتطلب الأمر ذلك. وهم في كل الأحوال يمكنهم الاتكال على مصادر دعم ومساندة من قوى ودول أخرى إذا تهدد وجودهم بخطر حقيقي, لارتباط مصالح تلك القوى والدول بوجود هذه الفئة أو تلك. فإن السؤال الملح الآن: ما هو مصير القوميات الصغيرة في هذا الصراع الدائر دون أن تلوح في الأفق القريب ملامح تدل على قرب انتهائه؟
وما يمكننا إخراجه خارج دائرة التخوف هذه من القوميات أو المجموعات الصغيرة هم التركمان, ذلك لأنه بإمكانهم الإطمئنان إلى الدعم التركي المباشر إذا ما تعرضوا لخطر مؤكد. وتركيا منذ البدء كانت وما زالت مستعدة للدفاع عن التركمان العراقيين لأسباب قومية وتاريخية وسياسية عديدة لا مجال لتفصيلها هنا. وبالتالي يمكننا إخراج هذه الفئة العراقية أيضاً من خطر المصير المهدد.
يبقى في المحصلة إلى جانب الإيزيديين والصابئة , الكلدان الآشوريون السريان في دائرة الخطر وهم القومية الثالثة اليوم في العراق من حيث العدد والأهمية, دون أن يتوفر لهم أي غطاء من الحماية التي يمكنهم الاحتماء به.  وقد استمر عددهم بالتناقص في الشرق عموماً وفي العراق على وجه الخصوص, بسبب المشاكل والحروب وظروف عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة ككل. هذه القومية تواجه صعوبات حقيقية في العراق اليوم تهدد وجودها واستمراريتها كشعب أصيل في وطنه التاريخي. وهذا التهديد ليس فقط ما قد يتبادر إلى الذهن بصورة تهديد مسلح ولكن أيضاً تهديد فكري ثقافي يمس جذور التراث المستمد من آلاف السنين من الحضارة والقيم والمبادئ السامية. فهذه المجموعات المهددة بتكوينها الفكري والثقافي المتميز تفقد هويتها وكيانها إذا فقدت هذا التميز.
وفي ظل أفكار التطرف الإسلامي والعنف والإرهاب المنتشرة في العراق اليوم تصبح هذه المجموعة بالتحديد على شفا خطر حقيقي ويصبح وجودها مسألة وقت ليس إلا. فمن الناحية الجغرافية هي موزعة بين مناطق عراقية مختلفة باستثناء سهل نينوى, مما يخلق صعوبة في التواصل الفعال فيما بينها ويضعف قدرتها على الدفاع الذاتي عن نفسها. ويخضعها لتأثير تجاذبات الأطراف العراقية الأخرى الأقوى والمهيمنة, مما ينعكس عليها بالضرر أكثر بكثير مما يعود عليها بالفائدة ويفقدها حرية اتخاذ قرارها الذي يبقى مسيطراً عليه من هذه الفئة أو تلك. والانتخابات النيابية الأخيرة في العراق وما تلاها خير دليل على هذا القول.
من جهة ثانية هي موزعة على طوائف وكنائس عدة مما يجعل عملية اتخاذ قرار موحد بشأن مستقبلها أحد التحديات الكبرى التي تواجه أبناءها.
هذه القومية وفي ظل الظروف الأصعب التي تعيشها في العراق اليوم, لا يمكنها في واقع الحال الاعتماد على أي دعم من أي نوع كان خارج إطارها الذاتي. ولأن قواها وإمكاناتها الذاتية غير كافية لدفع المخاطر التي تتهددها من كل جانب, لهذا فإن مسألة المحافظة عليها وحمايتها هي مسؤولية المجتمع الدولي برمته. هذا المجتمع الذي له كلمته اليوم ويستطيع أن يجد الوسائل لتجسيدها على أرض الواقع.
أقصد من ذلك أن تتضافر كل قوى الخير الآن لتحديد منطقة التجمع الأكبر لهذا الشعب وهو سهل نينوى كمنطقة آمنة تتمتع بحماية الأمم المتحدة باعتبارها جزءاً من التراث الإنساني المهدد بالاندثار. ولا يهم في هذه الحال تحت أي مسمى جاءت لكن المهم أن تتوفر فيها الظروف والإمكانات لتمكين هذا الشعب من التعبير الحر عن ذاته في إطار نسبي من الإستقلالية ضمن حدود الدولة العراقية. على أن يصار إلى تضمين ذلك في بنود دستورية واضحة ومحددة.
هذه المنطقة الآمنة المنشودة, تحت أي مسمى جاءت ستمثل الملاذ الأخير لشعب حضاري أصيل قاوم الانصهار والانقراض لآلاف السنين وما زال يقاوم. وهو مستعد ليعطي المثال الصادق والصحيح للمواطن الصالح المحب لأرضه ووطنه وللآخرين. عاملاً دائماً للمثل الإنسانية السامية والسلوك الحضاري وإبداعاته الفكرية, إذا أتيحت له الفرصة والظرف المناسب ليعبر عن نفسه وشخصيته بمفردات التحضر والمدنية بشكل يليق بأبناء القرن الحادي والعشرين. [/b] [/font] [/size]

75
التركي ... ومهنة القتل
سعيد لحدو
21-1-2007

في كتابي (التيه ومسالك الحكمة) الذي جرت فيه مناقشة هادئة وموضوعية لقضية المذابح مع عدد من مثقفي وسياسيي الأخوة الأكراد, استشهدت في مطلعه بقول لأحد المفكرين الأوربيين يقول فيه: (إن الذين لا يمكنهم تذكر الماضي واستيعابه, مقضي عليهم بتكراره بكل أخطائه ومآسيه). واليوم وبعد سماعنا نبأ اغتيال الناشط والصحفي الأرمني هرانت دينك في قلب استانبول... أجد هذا القول يفرض نفسه مرة أخرى وبقوة ليؤكد صدقه وصلاحيته لكل وقت, وبخاصة فيما يخص الجانب التركي كسلطة أولاً, وكمجموعات قومية أو دينية متطرفة ثانياً لمسؤوليتهم الكبرى تخطيطاً وتنفيذاً والآن تنكراً لجريمة العصر التي لم يشهد التاريخ لبشاعتها مثيلاً والتي أفنيت بنتيجتها شعوب بأكملها. والأبشع من ذلك أن السلطات التركية المتعاقبة منذ عام 1915 وحتى اليوم مازالت لا تتنكر فقط لهذا التاريخ الأسود لا بل تعاقب كل من يجرؤ على البحث أو الاقتراب من ذلك التاريخ إلا بما يساعدها على طمس الوقائع وإزالة آثار جريمتها النكراء بحق الإنسانية جميعاً.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الفرق بين أن تقتل مجموعة من البشر دفعة واحدة, وبين أن تقتلهم واحداً واحداً, إذا كانت النتيجة النهائية في كلتا الحالتين هي الإبادة التامة لتلك المجموعة؟ هذا تماماً ما حصل وما يزال يحصل بحق المسيحيين عموماً في تركيا, حيث لم يكن الأرمن وحدهم ضحية هذه السياسة العنصرية في تركيا وإنما للسريان- الكلدان- الآشوريين نصيب كبير منها, حتى تقلص العدد الإجمالي لهذا الشعب في تركيا إلى بضعة آلاف, في حين أنه كان فيما مضى بملايينه العديدة واجهة للشرق عموماً ومنارة للحضارة الإنسانية  جمعاء.
إن عملية اغتيال الصحافي هرانت دينك الذي جعل من قضية المذابح همه الأكبر لا تدين الشخص الذي ارتكب هذه الجريمة الشنعاء أو المجموعة القومية أو الدينية المتطرفة التي قد تكون وراءه وحسب, وإنما هي إدانة لمجمل النظام السياسي التركي وللعقلية التركية المتعصبة التي هيأت الظروف المناسبة للقيام بهكذا جريمة. وإذا كان القانون التركي (الذي خضع لعمليات تجميلية مصطنعة عديدة لتأهيله لدخول النادي الأوربي تحقيقاً لمصالح تركية بحتة), يعاقب مرتكب هذه الجريمة إذا تم القبض عليه, فإن هذا القانون ذاته ما زال يجرم ويعاقب كل من يجرؤ على الاعتراف بالمذابح أو توجيه أصابع الاتهام إلى أية جهة تركية حتى لو كانت هذه الجهة قبل مائة سنة خلت!!
من هذا المنطلق أرى أن جريمة الإبادة الجماعية ضد المسيحيين من سكان الامبراطورية العثمانية, ومن ضمنهم السريان- الكلدان- الآشوريون, والتي بدأت مع تأسيس الامبراطورية العثمانية في مطلع القرن الرابع عشر, وبلغت أوجها عام 1915, إن هذه الجريمة ما زالت مستمرة بأشكال وأساليب مختلفة. وليس القتل المادي سوى أحد أشكالها المنظورة, رغم أن الظروف الدولية لم تعد تسمح بحصوله كما كان سابقاً, لكن الأشكال الأخرى مثل إزالة أي أثر للجريمة وطمس معالم الحقيقة إلى التهديد الرسمي وغير الرسمي بالمحاكمات والسجن.. إلى التنكر الدائم وإغراء الباحثين في مختلف أنحاء العالم وتقديم المنح الدراسية لهم وللجامعات لتغييب الحقائق وقلب الأدوار بين القاتل والضحية كل هذه الأساليب ما زالت تؤتي ثمارها. ونحن ما زلنا نتذكر قضية قس الكنيسة السريانية في ديار بكر يوسف أكبولوت والإيذاء النفسي والجسدي الذي تعرض له قبل سنوات قليلة. لمجرد أنه قال بأن السريان أيضاً ذبحوا, حيث لم تنته قضيته إلا بعد تدخلات أوربية عديدة كنتيجة للنشاط الإعلامي المكثف الذي قامت به جالياتنا في المهجر وبصورة خاصة المنظمة الآثورية الديمقراطية.
كذلك الكاتب التركي الأصل أورهان باموك الحائز على جائزة نوبل للآداب وغيره كثيرون ممن لم يطاوعهم ضميرهم إلا بنطق كلمة الحق تجاه واقع عاينوه وعايشوه وخبروه جيداً لم يفلتوا من ممارسات القمع والتنكيل بهم من داخل النظام السياسي التركي ومن خارجه على السواء.
إن التركي الذي جعل مهنته القتل, قتل كل من يخالفه بالدين أو بالقومية أو حتى بالرأي لن يكون مؤهلاً ليصبح عضواً فعالاً في المجتمع البشري ما لم يراجع نفسه وتاريخه, ويتصالح مع هذا التاريخ وفق الأسس التي تفرضها المبادئ الإنسانية. وأن يلغي من قلبه وعقله عقلية الذئب ومسلكه الذي ما زال شعاراً لأحزاب وحركات قومية تركية. فالذئب الذي موطنه وبيئته الغابة, لا يستطيع أن يعيش في مجتمع حضاري يقوم على التعاون والمحبة والتسامح... والسلام بين جميع فئاته ومكوناته من المجموعات الإنسانية.[/b][/font][/size]

76
اغتيال- اعتقال- انتحار
أساليب حوار للنظام في سورية
[/color]

من عايش وفهم سياسة النظام في الداخل السوري, ليس من الصعب عليه أن يدرك أبعاد ومرامي سياسته الخارجية, ويتوقع الأساليب التي يتبعها النظام للوصول إلى ما يسعى إليه. فالشعارات البراقة والكبيرة التي تواجهك أينما اتجهت في تصريحات المسؤولين في النظام وفي وسائل إعلامه المسخـَّرة للتطبيل والتزمير لكل كلمة تفلت من هذا المسؤول أو ذاك, لا تعني بالضرورة أنها المقصودة بحد ذاتها, وإنما تلك مجرد ذرائع وحجج وشعارات للوصول إلى أهداف أخرى أقل ما يقال فيها أنها لا وطنية.
والمعارضين لسياسة النظام, أو على الأقل من لم ترق لهم أساليبه في التعامل سواء في الداخل أو الخارج, مواطنين سوريين كانوا أو غير سوريين, فإن للنظام أحد أسلوبين للتعامل معهم: إما أن يتم اغتيالهم, أو اعتقالهم. أما إن كانوا من أعمدة السلطة ذاتها فلهم تصرف آخر, إذ لا بد أن يدفعهم حياؤهم وشجاعتهم وحسهم الوطني المفرط, وربما "وسائل الإعلام" إلى الانتحار. ومن خانته شجاعته ولم يستح ِ, أو كان حسه الوطني أقل من المستوى المفترض من أمثال عبد الحليم خدام, فالهروب إلى الخارج والتمتع وعائلته بما تعب وجناه خلال حياته السلطوية الطويلة, هو الحل الأسلم. ولكي يضفي بعض الشرعية على ثروته الطائلة وغير المشروعة تلك, لا بأس أن يزين حياته الجديدة هذه ببعض مفردات المعارضة السياسية, وإن كانت لأشخاص في النظام وليس للنظام من حيث الأساس.
والحالات الغامضة "للانتحار خجلاً من مواجهة موقف مفترض" التي عرفناها في قاموس سياسة النظام, والتي لم تبتدئ بالزعبي ولن تنتهي بشقيق غازي كنعان ما دام هذا النظام قائماً, لن تقنع إلا الجهلة والمعتوهين, أو ممن لهم ارتباط بشكل ما مع هذا النظام. لأن من يعرف هذا النظام وخبر سلوكياته, يعرف أيضاً أن أي مسؤول فيه لا يخجل من أي شيء حتى من أمه التي ولدته. ولذلك لا يمكن تصنيف هذه الحالات إلا كأسلوب حل لمشكلة واجهها النظام مع من يعتبرون من "عظام الرقبة", بحسب التعبير السوري, ولم ترق لهم ممارسة ما من ممارساته, لأسباب غالباً ما تكون خاصة بهم تتمحور بشكل أساسي حول حصص توزيع المناصب والمكاسب والامتيازات.
أما من اختار أن يعبر عن رأيه بسياسات السلطة ممن هم خارجها, فالمعتقلات على ضيق زنزاناتها الشديد, لمن خبرها, والمخصصة لهذا الصنف من "المجرمين الخطرين" هي أوسع وأكبر من أي معهد أو جامعة يراد لها إنتاج علماء ومفكرين وعقول نيرة, والتي لا بد أن تسهم في خلق أجيال من هذا النوع غير المرغوب فيه من البشر. والأمثلة كثيرة, وهي لم تبدأ بالمناضلين الوطنيين مثل رياض الترك, ولن تنتهي بميشيل كيلو ورفاقه, مروراً بضحايا النظام من أبناء الأقليات القومية من كرد وسريان-آشوريين وغيرهم. والعدالة مورست فقط في توزيع الظلم والاعتقال على الجميع.
ذلك هو أحد أساليب النظام في الحوار المتبع في الداخل, دون أن يغفل الأساليب الأخرى بالطبع, مع أناس ومجموعات جَرَّبت أن تعبر عن رأيها بالكلمة  وبصورة حضارية وسلمية في الشأن العام.
أما من لا تطاله اليد مباشرة ممن لا يوافقوا مزاج النظام أو الأهواء الصبيانية لبعض أركانه, أو بسبب وضعهم الخاص مما يمنع اعتقالهم أو "انتحارهم" فلا بأس من اللجوء إلى أسلوب حوار من نوع آخر وهو الاغتيال, رغم أن هذا النوع من أساليب الحوار للنظام مكلف بعض الشيء. فهو يتطلب خطة محكمة, وقد تتطلب تلك الخطة البحث عن انتحاريين لتنفيذ المهمة, ثم تلفيق اسم منظمة إسلامية أصولية متطرفة لتتبنى المسؤولية, وكذلك استيراد سيارة خاصة من اليابان أو كوريا الجنوبية عبر طرق ملتوية لضمان ضياع الأثر وبصمات الفاعل. ويبدو أن أنسب حقل لتجريب هذا الأسلوب الحواري هو الساحة اللبنانية. ورغم أن النظام قد جربها في الساحة السورية وإن بطريقة إخراج مختلفة كما في حالة الشيخ معشوق الخزنوي, وكذلك حالات اغتيال أخرى في الخارج لكن الساحة اللبنانية أثبتت تجاوبها مع هذا النوع من الحوار ليس فقط من حيث النوعية وإنما من حيث الكمية أيضاً. ورغم الاختلاف البسيط في طريقة التنفيذ بين عملية وأخرى, لكن الملفت للنظر هذا التشابه الكبير في الأسلوب بين أول عملية حوار بالرصاص والتي كانت مع المرحوم كمال جنبلاط عام 1977, الذي كان من أقوى أنصار حافظ الأسد حتى قبيل اغتياله, وآخر عملية تصفية للوزير الشاب بيير أمين الجميل, الذي لم يكن من أبرز معارضي بشار الأسد. وهي العملية التي نأمل أن تكون الأخيرة رغم قناعتنا أن هذا النظام مادام قائماً لن يتوانى عن سلوك أساليبه الخسيسة تلك في إزاحة كل من يعتبره عثرة في طريقه لتحقيق غاياته التي يسعى إليها. والتي هي أبعد ما تكون عن المصلحة الوطنية السورية, مهما حاولوا تغليفها بالشعارات البراقة.
والسؤال الملح الآن: ألم يحن الأوان لتغيير هذا النظام أساليب حواره مع الآخرين؟
وهل ستكون المحكمة الدولية القادمة هي الرادع لهكذا أنظمة قاتلة لشعبها وللآخرين؟ [/b] [/font] [/size]

77
0آراميون .... أم شيء آخر؟؟؟
[/color]



يقول المثل الهندي: حين يشير إصبع إلى القمر, ينظر الغبي إلى الإصبع.
ينطبق هذا الحال على مجموعة من أبناء شعبنا الذين اتخذوا من التسمية الآرامية سلاحاً لمحاربة الآخرين من إخوانهم على اختلاف مسمياتهم. وجعلوا جل همهم وضع العصي في العجلات التي يحاول غيرهم دفعها للتقدم ولو خطوة صغيرة باتجاه التخفيف من آلام هذا الشعب وتحقيق بعضاً من أهداف نضاله القومي.
ولأن الآرامية كما نعتقد ونؤمن, ليست مسبَّة, لا بل هي تسمية مشرفة ومدعاة للفخر والاعتزاز لكل أبناء شعبنا كما هي الآشورية والسريانية والكلدانية, وأية تسمية أخرى نابعة من تاريخنا العريق الممتد لآلاف السنين, وقدم للبشرية كل ما يمكن أن يتباهى به إنسان متحضر, فإن المقياس الصحيح لدقة  المواقف وصوابها هو مدى ما تحققه تلك المواقف من فائدة مرجوَّة على صعيد  واقعنا القومي والشعبي بغض النظر عن  الإسم أو المفردات التي تستعمل للوصول إلى تلك الفائدة.
لقد دفعني إلى هذا القول ما لاحظته وأدهشني وهو شدة الانزعاج الذي أحس به بعض من أدعياء الآرامية على خلفية بعض الإنجازات التي تحققت في قضية مذابح شعبنا التي جرت في تركيا العثمانية إبان وبعد الحرب العالمية الأولى, وذلك لدى بعض الأوساط السياسية والإعلامية الأوربية والتي كان آخرها بث القناة الثانية في التلفزيون الهولندي مؤخراً برنامجاً خاصاً عنهاً. وعوضاً عن مشاعر الفرح التي من المفترض أن تصيب أياً كان من أبناء شعبنا لهذا الإنجاز الذي يحصل للمرة الأولى أن تنال قضية شعبنا هذه بعض الاعتراف الأوربي بهمة بعض الغيورين ممن يفضلون التسمية الآشورية أو السريانية, في حين كان الآخرون من أنصار الإسم الآرامي مشغولين في صراعاتهم ومعاركهم المفتعلة والعقيمة حول التسمية.... فبادروا  بتدبيج الرسائل وكتابة المقالات مستنفرين كل قواهم لاستنكار هذا العمل الذي جهدت كثير من المؤسسات والتنظيمات والأشخاص من المخلصين لقضية هذا الشعب طوال سنين عديدة لإنجازه.
ليس خافِ على أحد أن في شعبنا اليوم تياران رئيسيان. تيار يعتمد العمل السياسي والقومي أساساً لمنطلقاته. معتمداً بشكل أساسي الاسم الآشوري والسرياني دون أن يتعصب لأي منهما, لما لهما من دلالات تاريخية وحضارية وعلاقة مباشرة لوطننا التاريخي ما بين النهرين. ودون أن يرفض أو يحارب التسميات الأخرى التي هي في نظر هذا التيار تسميات صحيحة ولكن بدلالات تاريخية ومرحلية معينة قد لا تتناسب ووقتنا الحالي.
وتيار ثانِ اعتمد الاسم الآرامي رافضاً كل ما عداه من التسميات الأخرى, ومعتبراً كل من ينادي بها عدو وخائن ومرفوض.
استناداً على هذه الأرضية من التعصب الأعمى لتسمية بذاتها ورفض كل ما عداها, جاءت ردود الفعل المتزمتة على عمل يعتبر إنجازاً حقيقياً لكل شعبنا وليس لفئة معينة أو جهة  سياسية محددة.
 ووفاء لدماء مئات آلاف الشهداء الذين سقطوا ضحايا الهمجية والعنصرية في تركيا العثمانية, وإزاء ما لاحظته وقرأته من ردود فعل سلبية من البعض, لشد ما يؤسفني القول أن أي موقف من هذا النوع لا يعبر إلا عن نفوس مسكونة بهاجس السلبية المرضية, التي هي في الحقيقة خيانة للدماء البريئة التي أريقت من دون أي ذنب ومن كل طوائف شعبنا. وهي تكون أشد خيانة  وخسة حين لا يقوم أولئك الذين جن جنونهم من ذلك البرنامج لمجرد ذكره الاسم الآشوري عوضاً عن الآرامي, حين لا يقومون بمسئوليتهم التاريخية وبأي جهد يذكر للتعريف بهوية هذا الشعب والمآسي التي تعرض لها بغير وجه حق, قديماً وحديثاً. وحين لا يقومون بأي نشاط لا على المستوى المحلي ولا الأوربي, تحت أي اسم كان, من أجل توحيد قوى هذا الشعب وتوحيد طاقاته وإمكاناته في مواجهة التحديات التي أمامه. وهم بذلك, سواء كانوا يعملون أو لا يعلمون, يقدمون خدمة لا تقدر بثمن للجلاد التركي الذي سعى وما زال يسعى لمحو آثار جريمته والتنكر لها بكل الوسائل الممكنة.
وعوضاً عن تلك المهمة الأساسية التي تنتظرهم بتحمل المسؤولية تجاه شعبهم وقضاياه المصيرية, نراهم يسخرون كل ما يملكون من إمكانات وطاقات بما فيها سلطة الكنيسة ذاتها للتقاتل على أمور تافهة لا تحظى بأية قيمة حقيقية. ويفتعلون حرب التسمية إذ يجعلونها أم القضايا ويقدمونها على كل شيء. في حين أنها لا تزيد قيمة عن القميص الذي نستبدله لأي سبب. منشغلين بذلك عن الالتفات إلى أي عمل جدي أو نشاط فعلي يدفع بهذا الشعب خطوة إلى الأمام.
إن الواقع يفرض علينا النظر إلى الأمام والتركيز على المشاكل التي تواجه أجيالنا اليوم, سواء كنا محبذين لهذه التسمية أو تلك. وتجاوز قضية الاسم باعتبارها مشكلة غير جوهرية والجلوس إلى طاولة الحوار المسؤول كأناس متحضرين تواجههم مشاكل مصيرية ومشتركة, والتباحث في كل شيء من منطلق المصلحة العامة للوصول إلى نتائج تخدمنا كمؤسسات وتخدم شعبنا كقضية.
أما من تحزبوا للآرامية, فإن كانوا آراميين حقيقيين عليهم أن لا يخرجوا عن هذا النهج, نهج العمل الحقيقي والفعال... وحينذاك لا بد لهم أن يرحبوا بأي تقدم يحرزه أي فريق أو تيار عامل بين هذا الشعب. لأن المكسب في النهاية هو مكسب للجميع بغض النظر عمن حققه, والخسارة هي أيضاً خسارة للجميع, أياً كانت الجهة المسببة لها. أما ما رأيناه من مواقف سلبية ومن ردود أفعال مخربة ومشوِّهة لأي إنجاز يتحقق فإنه يضطرنا لتصنيف  أصحابها إما في فئة من ينظر إلى الإصبع متعامين عن جمال القمر. أو أن يكونوا شيئاً آخر, وهذا يعني أي شيء باستثناء أن يكونوا مخلصين لهذا الشعب وقضاياه.
فهل بيننا بعد من يحس بقيمة وأهمية ما يقوله أو يفعله؟؟؟[/b]

78
الحكام العرب والمحاكم المؤجلة صدام مثالاً
[/color]

سعيد لحـدو- هولندا
المحاكمة والدلالات
بالرغم من تعدد الآراء وتنوعها حول محاكمة صدام حسين ابتداءً من التأييد المطلق لكل ما جرى ويجري من محاكمات وما نتج عنها, إلى تشكيك البعض بعدالة المحاكمة وخضوعها للتسييس, إلى رفض المحكمة من أساسها من قبل البعض الآخر باعتبارها محكمة غير شرعية وأنشأت من قبل المحتل وفق قانون أعده الأمريكان للقصاص من رئيس دولة وقف في وجههم وعارض مخططاتهم,( بحسب رأي هذا البعض), فأعد له هذا المصير.
وبدون الدخول في تفاصيل تفنيد هذا الرأي أو ذاك أو البحث عن الدوافع والأسباب التي تشد هؤلاء إلى هذه المواقف المدافعة أو المتعاطفة بشكل أو بآخر مع صدام حسين والآخرين من أركان نظامه, فإن مجرد الإشارة إلى أسمائهم تنجلي الصورة ويزول العجب. (فمن سامي كلارك , إلى قناة الجزيرة ومن انتدبتهم من قطر للدفاع نيابة عنها إلى بقايا المتزمتين من القومجيين العرب من بعثيين وأمثالهم إلى الإسلاميين من أنصار وممولي الزرقاوي وجيشه من المجاهدين المتمرسين في الذبح أمام الكاميرات التلفزيونية, إلى عدد من الصحف العربية مثل جريدة القدس العربي التي خسرت بزوال صدام تمويلها الثابت).
وفي المقابل, فإن العالم كله يقف في الطرف الآخر. ويرغب في رؤية محاكمة علنية لأول مرة لرئيس عربي في تاريخ الدول العربية يتمتع المتهم فيها بشروط معقولة من المحاكمة العادلة, على الأقل من حيث الشكل, ولكننا ندرك في الوقت ذاته أن محاكمة بهذه الأهمية والحجم وفي ظل الظروف الصعبة والاستثنائية السائدة في العراق لا يمكن عزلها عن تأثيرات الظروف المحيطة ولا يمكن أن تمر دون أخذ ورد ولغط شديد من هذا الطرف وذاك. ولكن ورغم كل شيء تظل المحاكمة ذاتها من حيث المبدأ مسألة في غاية الأهمية وذات دلالات عميقة لشعوب لم تتعود أن ترى مسؤولاً لها في قفص الاتهام. فلقد اعتادت هذه الشعوب أن ترى مسئوليها على الدوام, وسواء كانوا طغاة من عيار صدام حسين أم عادلين, إما في القصر أو في القبر. والاحتمال الثالث هو أندر من أن تجد حاكماً عادلاً هنا أو أن يوجد مسؤول يتنازل بكامل إرادته الحرة عن السلطة ويستمر في العيش في بلده كمواطن عادي!!!
لقد أثار الحكم بالإعدام على صدام حسين وبعض معاونيه في أصغر قضية يواجهها أمام المحكمة عاصفة من ردود الأفعال المختلفة وإن كان معظمها محبذاً. وإن كنت شخصياً أتقزز من مشاهد الموت مهما كان شكلها أو أسبابها, وأرفض الحكم بالإعدام من حيث المبدأ... فإن رفضي للحكم بالإعدام على صدام حسين ليس  من هذا المنطلق, وإنما لقناعتي بأن رجلاً فعل ما فعله هذا الطاغية بشعب العراق جماعات وأفراداً, وبالشعوب المحيطة بالعراق. وما سببه من آلام وويلات لهم جميعاً سينقذه من العذاب والقهر الذي لا بد وأن يشعر به إن بقي في السجن ما بقي له من رصيد في هذه الحياة. لعله بذلك يحس بعضاً مما عاناه ضحاياه من بطشه وظلمه طوال عقود حكمه الجائر.

من منكم بلا خطيئة....
وإذا كان الآن قد أسدل الستار على فصل من فصول المأساة العراقية, فهل حال الشعوب في الدول العربية الأخرى أفضل؟
لقد قال السيد المسيح عبارته المشهورة (من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر) تجاه امرأة خاطئة أرادت أن تتوب. في حين كان الجمع يغطي كل منهم على خطاياه بمظاهر العفة والنزاهة والتدين المزيف. والمفارقة هنا مع حال الحكام العرب أن لا أحد منهم في وارد التوبة, وليس منهم من هو مستعد أصلاً للاعتراف بأنه قد ارتكب خطيئة ما. في حين أنهم جميعاً وبلا استثناء جاؤوا إلى الحكم إما بالوراثة غير المستحقة أو بقوة العسكر أو بانتخابات صورية نظموها بعد استيلائهم على الحكم وليس قبل ذلك. وهي لا تضفي أية قيمة على وجودهم غير الشرعي في الحكم. إضافة إلى ذلك فإن ممارساتهم في الحكم وإن اختلفت بالدرجة عما مارسه صدام وأعوانه, فإنها في النوعية حقيقة لا تختلف عنها بشيء. والنتائج ذاتها تبقى دائماً. ومعاناة الشعوب تبقى أيضاً ذاتها, متمثلة في فقدان الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص. نكران تام لحقوق الأقليات القومية والدينية وممارسة القهر والاضطهاد ضد أبنائها. تشويه تام ومتعمد لأخلاقيات المجتمع المدني وفساد كبير مستشرٍ, علني ومكشوف من قمة الهرم وحتى أصغر موظف حكومي. ومع ذلك يظل التبجح بأقوى الشعارات وأبلغ ما تضمنته اللغة العربية من عبارات المديح والوصف والتبجيل للحاكم الأعلى, سيد الجميع وطناً ومواطنين. في حين أن المسؤولية تعني في المجتمعات المتحضرة خدمة للجميع وطناً ومواطنين.
العرف والقاعدة التي لا استثناءات لها في الدول العربية أن الوطن وما فيه ومن فيه هو مزرعة خاصة للحاكم وأزلامه. يأمر وينهي ويتصرف كما يشاء دون حسيب أو رقيب, لا من قانون ولا من مؤسسة ولا هيئات. فهو السيد المطلق الذي يجب أن يطاع في كل الأحوال والظروف ومع الجميع. ومن يعترض أو يتذمر فما أكثر المعتقلات التي أعدت خصيصاً لهذا الصنف من الناس من أصحاب الرأس اليابس الذي يجب أن يلين تحت سياط الجلادين.
فهل بين كل هؤلاء من الـ21 دولة عربية الباقية من يختلف عن صدام حسين سوى بدرجة ممارسته للقمع أو في الشكل الذي يمارس به قمعه؟
فمتى سنشهد بقية المحاكمات.......؟؟؟؟[/b]

79
السياسة الأوربية ومذابح الأرمن والسريان-الآشوريين في تركيا
سعيد لحدو

يوم 9-10-2006 مساءً بث التلفزيون الهولندي القناة الثانية وللمرة الأولى تقريراً خاصاً عن مذابح السريان-الآشوريين التي جرت في تركيا بحق المسيحيين عموماً ومن بينهم السريان الآشوريين من رعايا الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الثانية.
وقد أجرى معدو البرنامج مقابلات مع كل من الناشط في قضية المذابح الأستاذ صبري أطمان وعضو المجلس البلدي لمدينة إنشخده صبري كبرئيل, وكذلك مع الشاب بيدروس شمعون. حيث تحدث كل من وجهة نظره عن الغبن التاريخي الكبير الذي لحق بالشعب السرياني-الآشوري نتيجة لتلك المذابح وجراء الإنكار المستمر من قبل الحكومات التركية المتعاقبة لهذه المذابح. وطالبوا بضرورة الاعتراف الرسمي بها من قبل الحكومة التركية والحكومات الأوربية كوسيلة للضغط على تركيا للقبول والاعتراف بما اقترفته من أعمال شنيعة ضد الإنسانية في تاريخها الأسود.
قبلها بأيام ألغى الحزبان الأكبران في هولندا وهما حزب المسيحيين الديمقراطيين  (CDA)وحزب العمال اليساري (PvdA)  ترشيح عدد من المقرر ترشيحهم من أصل تركي للانتخابات البرلمانية التي ستجري في 22-11-2006 من قائمتيهما لرفضهما الاعتراف بالمذابح المعترف بها رسمياً.
بعدها بأيام قليلة أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية قراراً بجعل إنكار حدوث المذابح جريمة يعاقب عليها القانون.
وفي تقرير لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوربي التي تتابع التطورات عن كثب في تركيا للتمهيد لدخولها الاتحاد الأوربي, والذي قدمه البرلماني الهولندي كميل إورلنغز, تحدث في النقطة (50) منه عن مذابح الأرمن وشمل معها مذابح اليونان والسريان-الآشوريين, مؤكداً على ضرورة فتح حوار جدي بين تركيا والشعوب التي كانت ضحية لسياسة الإبادة الجماعية التي مورست بحقها. وإن جاءت نتيجة التصويت الأخيرة في البرلمان الأوربي سلبية من جهة الاعتراف بتلك المذابح, فإن ذلك لا يغير كثيراً من واقع أن قضية المذابح باتت عنصراً مهماً في السياسة الأوربية تجاه تركيا وسعيها الحميم لدخول الاتحاد الأوربي.
ويأتي قرار منح جائزة نوبل للآداب للكاتب التركي أورهان باموك صفعة أخرى للسياسة التركية المستمرة بإنكار المذابح, وهو الكاتب الأشهر اليوم في تركيا والأبرز الذي اعترف علانية بالمذابح وأكد وقوعها بجرأة  قادته إلى المحاكم وهددت حياته بالخطر. ولم يتوقف عند ذلك بل طالب الحكومة التركية بمواجهة الواقع والاعتراف بما حصل من مجازر للمسيحيين من رعايا الدولة العثمانية, وتحمل مسؤولياتها في هذه القضية بشجاعة مع كل ما يعنيه ذلك من تبعات.
والسؤال الآن: هل منح جائزة نوبل للأدب للكاتب التركي باموك جاء كمكافأة له على مواقفه المعارضة للسياسة الرسمية التركية (وهنا يحضر إلى الذاكرة المنشق السابق الروسي سولجنتسن) أم إن الأمر لم يكن سوى مصادفة غير مقصودة في التوقيت؟
لا أجزم بأن قرارات اللجنة المانحة للجائزة الأشهر على المستوى العالمي لا تتأثر بالظروف السياسية. ولكن أي كاتب أحق من أورهان باموك, صاحب الإنتاج الأدبي الكبير والمبادئ الإنسانية النبيلة, وهو يعرض نفسه للملاحقات الأمنية والقضائية, وحياته ومصيره للخطر دون أن يتنازل عن تلك المبادئ التي آمن بها وعاش من أجلها وجسدها روحاً حية في نتاجه الأدبي ذاك؟
لا شك أن بعض الأوربيين, بغض النظر عن الدوافع والأسباب لا يتمنون رؤية تركيا عضواً في الأسرة الأوربية في أي يوم من الأيام. وهم يحاولون جهدهم لمنع أو تأخير حصول ذلك. مستغلين أية واقعة أو سلوك لا ينسجم مع ما يتطلبه دخول الاتحاد الأوربي من شروط. ولكن الأكثر حقيقة أن تركيا في ظروفها وسياستها الحالية وما يمكن أن نتوقعه منها في المدى المنظور غير مؤهلة سوى للوقوف والانتظار خارج السور الخارجي للنادي الأوربي. وقضية المذابح على أهميتها الرمزية والمعنوية على الأقل, ليست سوى نقطة واحدة من قضايا كثيرة وجوهرية من وجهة نظر الساسة الأوربيين ما زالت تركيا تتردد في اتخاذ قرار جريء وحاسم بشأنها.
إن الاهتمام الأوربي اللافت للنظر اليوم بالمذابح ليس وليد اللحظة, وإن جاء متوافقاً مع رغبة الرافضين للعضوية التركية في الاتحاد الأوربي, وإنما هو في الحقيقة نتيجة جهد كبير ومتواصل بذله وطوال عقود الأرمن بالدرجة الأولى ثم انضم إليهم السريان-الآشوريون في العقدين الأخيرين لتعريف الأوربيين بحقيقة السياسة التركية التي مورست بحق المسيحيين عموماً أثناء وحتى قبل الحرب العالمية الأولى مما يعرَّف في وثائق وبروتوكولات الأمم المتحدة بالإبادة الجماعية وإبادة للجنس البشري. وهذه جرائم لا تسقط بالتقادم, وتتحمل الحكومات المعنية المسؤولية عنها. ويكفي معرفة أن المسيحيين اليوم في تركيا يشكلون أقل من 1% من سكان تركيا الحالية في حين كانت نسبتهم قبل الحرب العالمية الأولى أكثر من 30%.
فهل يمكن للسياسي أو المواطن الأوربي اليوم أن يتجاهل هكذا حقيقة مرعبة وهو يهم بضم دولة هذا هو تاريخا القريب إلى أحضانه؟؟
تلك هي إحدى القضايا التي لا بد أن تكون حاسمة في الحياة والسياسة التركية كما في السياسة الأوربية أيضاً تجاه تركيا في المستقبل المنظور.[/b][/size][/font]

80

               سـعيد لحــدو - هولندا

أي نظام عربي نبكي ؟

مع كثرة القنوات الفضائية العربية, وكثرة البرامج السياسية التي تقدمها, وكثرة وتنوع المتحدثين في تلك البرامج, يكاد يجمع الجميع (والإجماع العربي نادراً ما يحصل حتى في تحية الصباح) على أمر واحد وهو أن أمريكا تريد شراً بالعرب. ويتبارى المتحدثون في تعداد أشكال وألوان ذلك الشر. فمن سياسة الهيمنة على المنطقة, إلى استغلال ثرواتها وبخاصة النفط, إلى محاربة الإسلام والمسلمين... إلى آخر ما هنالك من النظريات والاجتهادات التي لا شك أن الكثير منها على حق. ولكن أكثر ما استوقفني, مقولة البعض أن أمريكا بتدخلاتها (السياسية والاقتصادية والعسكرية) في المنطقة تهدد النظام العربي القائم وتريد تغييره....!!!
لا أزعم أن أصحاب هذا القول مخطئون, ولا أجزم بأن أمريكا لا تريد ذلك.. ولكن من حقي كما من حق أي كان التساؤل: أي نظام عربي هذا الذي تريد أمريكا وربما إسرائيل أو الغرب كله تغييره؟ وما هو شكل النظام الذي يسعون إليه؟ وما هي انعكاسات ذلك على المواطن في الدول العربية؟
من المعلوم أن معظم الدول العربية القائمة حالياً هي نتيجة توافقات بين الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى. وأنظمتها مستمدة من التركيبة التي صاغها المستعمر آنذاك وما تزال. ولم تحدث قرابة نصف قرن من الاستقلال من التغيير الشيء الذي يذكر, باستثناء بعض النظم الثوروية التي لم تقد انقلاباتها العسكرية تحت اسم ثورات مزعومة مزركشة بالشعارات البراقة دولها سوى إلى مزيد من التراجع والانهزام على كل صعيد بدءاً من رغيف الخبز وانتهاءً "بالتحرير" . وهذا التحرير بالطبع لم يقصد به تحرير فلسطين فقط وإنما كل الأراضي "العربية" المغتصبة الأخرى مثل عربستان وكيليكيا واسكندرونة والتي بات التنازل غير المعلن عنها الواحدة تلو الأخرى السمة الأبرز للسياسة العربية.
الأنظمة العربية اليوم لا شك في وضع لا تحسد عليه. فبعد كل ذلك الصراخ والزعيق من أجل التحرير والوحدة العربية بات الهم الأكبر الآن لهذه الأنظمة المحافظة على ما هو قائم مما كانت تسميه "مخلفات السياسة الاستعمارية" وذلك من "مؤامرة" أمريكية- إسرائيلية- غربية تهدف إلى التغيير, لدرجة أن الخوف تسرب إلى عقول المفكرين والمثقفين العرب أنفسهم (المفترض بهم أن يكونوا في مقدمة الداعين إلى التغيير إزاء هكذا نظام مهلهل متآكل, فانبروا ساعات طوال على الفضائيات العربية وعلى صفحات الجرائد لفضح "المؤامرة" والدفاع عما ازدروه ورفضوه وشتموه طوال أكثر من نصف قرن. فالجامعة العربية التي تأسست عام 1945 أقيمت بهدف توحيد كلمة العرب إزاء القضايا المشتركة والمصيرية. وها هي اليوم وبعد كل الكوارث التي حلت بالمنطقة العربية يتلعثم وزراء خارجيتها إزاء الوضع اللبناني المأساوي ليعلنوا بأن عملية السلام قد فشلت, وكأنه كانت هناك في أي يوم مضى عملية سلام حقيقية قائمة بين العرب وإسرائيل. وكأن المواطن في البلاد العربية قد حط للتو من كوكب آخر ولا يدري بأن حالة الحرب كانت وما زالت قائمة حتى في الدول التي وقع زعماؤها اتفاقيات سلام مع إسرائيل, وذلك دون أن يجرؤ العرب فرادى أو مجتمعين بإعلانها حرباً حاسمة أو على الأقل بقبول شروط السلم التي يفرضها عادة المنتصر على المهزوم لما يعنيه ذلك من اعتراف صريح بالهزيمة.
إن الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى لم يعد يحسد على شيء إلا على راتبه الذي يتقاضاه بالدولار وكأن همه الأكبر بات على ما يبدو (مع احترامي لشخصه) المحافظة على هذا المنصب من أجل ذلك الراتب فقط.
لقد بدأ النظام العربي في إطار الجامعة أو في إطار القمم العربية المشهودة باتخاذ القرارات التي كان ينفذ بعضها  في حين كان يتم تناسي البعض الآخر. ثم تحول هذا النظام إلى اتخاذ القرارات التي يتم تناسيها قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به. بعد ذلك استعيض عن القرارات التي باتت تثير السخرية ببيانات التنديد والشجب, وهذا أضعف الإيمان. وبالطبع لم يزد ذلك واقع الأمر إلا سوءاً.
وأمام تحد كبير مثلما هو حاصل في لبنان اليوم وصل الانحطاط والتفكك بالنظام العربي إلى أن مجرد الدعوة من مغامر ما كالرئيس اليمني لعقد قمة عربية لمناقشة الوضع يعتبر خطيئة كبيرة مما اضطر مطلقها إلى سحبها من التداول بعد بضعة أيام من إطلاقها؟؟؟
فأي نظام هذا الذي يخشى أولئك المحللون السياسيون والمثقفون في طول البلاد العربية وعرضها زواله؟ حتى وإن جاء ذلك التغيير على يد أمريكا.
ثم هل حقيقة أن أمريكا تريد أن تستبدل هكذا نظام فاقد لأية إرادة أو فاعلية بما هو أفضل؟؟ مما قد تتوفر له القدرة على الاعتراض أو المقاومة.
وإذا كان هناك من يعتقد بأن أمريكا تدرك بأن هذا النظام سيئ لكنها تطمع بما هو أسوأ منه بعد. أقول: وهل هناك بعد ماهو أسوأ..؟؟
إنني ما زلت أحتفظ بتسجيل صوتي منذ عام 1979 للكاتب والمفكر السياسي والمناضل الوطني الكبير ميشيل كيلو موجها له تحية إكبار في سجنه الحالي لدى النظام السوري, وذلك كمساهمة منه في لقاء القيادة السورية حينذاك مع نخبة من المثقفين والصحفيين السوريين إبان أزمة الإخوان المسلمين لمناقشة الوضع معهم. فقد قال حينذاك في معرض حديثه عن اتفاقية كامب ديفيد  والتحديات التي كانت تواجهها المنطقة: (كامب ديفيد سيسقط المنطقة, وقد أسقط المنطقة. إذا كان هناك من يقاوم بالرمق الأخير, فهذا لا يعني أن مقاومة كامب ديفيد بالإذاعة هي مقاومة كامب ديفيد بالواقع....) ولقد تابع الأستاذ ميشيل كيلو عن وجوب القيام بخيار استراتيجي ولا أريد أن أستطرد بما قاله كي لا يفهم من ذلك أنني أدعو إلى الاستسلام والانهزامية.
أقول الآن ما الذي تغير منذ ذلك التاريخ سوى أن الكتلة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتي, والتي كانت الداعم الأساسي والقوي لقضايا العرب في مواجهة السياسات الغربية, قد انهارت ولحقت الواحدة تلو الأخرى بقطار السياسة الأمريكية المسافر شرقاً؟؟
إذا لم تكن لدى العرب عموماً القدرة على بناء نظامهم الخاص والفعـَّال بقدراتهم الذاتية النابعة من إرادة شعوبهم. وحتى يحين الظرف والوقت المناسب ليتحقق ذلك فهل من الخطأ أن نستبدل نظاماً استعمارياً قائماً بنظام استعماري آخر. ونوفر على هذه الشعوب المغلوبة على أمرها كل هذا الدمار والمعاناة؟ أم أن المثل العربي القائل:" إللي بتعرفه أفضل من إللي بتتعرف عليه" يظل الحكمة التي يستند عليها التاريخ في المنطقة العربية.

رفقاً بهذه الشعوب البائسة اليائسة من شعارات الغزو والثارات العربية التي ابتدأت بإلقاء إسرائيل في البحر, مترافقة بالتنازل تلو الآخر عن الأرض والشرف والكرامة... والتي لم تنته بعد..!!!
فأي نظام عربي هذا الذي نبكيه..؟؟

81
سليمان يوسف أمام القضبان


سعيد لحــدو -  هولندا

بالرغم أنني لا أحمل حالياً أية صفة سياسية هامة باستثناء كوني وما زلت عضواً في المنظمة الآثورية الديمقراطية, فإن لي من المعارف والصداقات في الوسط السياسي وبخاصة الكردي منها ما يدعوني للاعتزاز والتشرف بها على الدوام. ذلك لم يأت بالطبع من عدم, وإنما لاحتلالي مراكز قيادية في المنظمة الآثورية الديمقراطية منذ عام 1984 كمسؤول لفرع سوريا وحتى عام 1998 بعد تنازلي الطوعي عن صفتي كعضو لجنة مركزية وعضو مكتب سياسي. هذا بالدرجة الأولى, وفي الدرجة الثانية, كأحد الأعضاء الناشطين سياسياً وثقافياً في أدق مرحلة عايشتها المنظمة وهي فترة الاعتقالات التي شملت أبرز قيادييها في عامي 1986-1987. ولقد تشرفت بأن كنت أحدهم إلى جانب واحد وعشرين رفيقاً آخر في مقدمتهم الرفيق بشير سعدي. من هذا المنطلق فإنني صُـدمتُ بالطريقة والأسلوب الذي أراد به الأخ سليمان يوسف تصوير الاختلافات في وجهات النظر التي تحصل حالياً داخل المنظمة كما تحصل في أي حزب أو تجمع آخر.
يؤسفني أن أقول أن الواقع والحقيقة ليسا تماماً كما  جرى توصيفهما من قبل الأخ سليمان يوسف في مقالته (محنة المنظمة الآثورية الديمقراطية) في الجزء الأول ولا أدري ما لذي سيحتويه الجزء الثاني من مجانبات أخرى لحقائق الأمور وإن لم يكن من الصعب التكهن بذلك. وسأحاول هنا التجرد ما أمكن من العواطف والمواقف المسبقة لأقترب أكثر من الموضوعية التي هي ضرورة وواجب في هكذا حالة. ومن هذا المنطلق وحده خرجت عن صمتي وكتبت هذا التوضيح الذي أرجو أن لا أضطر لغيره وذلك لقناعتي الراسخة أن صفحات الجرائد الإلكترونية ليست المكان المناسب لإيجاد حلول معقولة لمسائل تحتاج إلى الحوار الهادئ المتسم بالمسؤولية.
فالرفيقان بشير سعدي وسليمان يوسف كلاهما كانا وما زالا من أقرب أصدقائي. وتمتد معرفتي بهما إلى سنوات السبعينات وهي علاقة طويلة نسبياً تؤهلني على ما أعتقد لإدراك الخصائص الفردية والنفسية لكل منهما. إضافة إلى ذلك فقد عملت معهما في هيئات مختلفة في المنظمة لسنوات عديدة, وتحديداً لمدة أطول مع الرفيق بشير سعدي. وللحقيقة وللتاريخ أقول بأن الأخ والرفيق سليمان يوسف وإن كان على حق في بعض ما تناوله بالنقد للعمل التنظيمي الذي هو دون المستوى المطلوب, لكنه لم يكن مصيباً في كل ما قاله.
لن أتطرق إلى التفصيلات فهي كثيرة ومملة, لكنني بدأت ألمس مؤخراً شيئاً من كبرياء الغرور في خطاب الرفيق سليمان, ولعل في هذا خطأه الأكبر وربما مقتلة. فإن اعتقد المرء أنه مهم وفذ فهذا من حقه, ولا اعتراض لنا على ذلك. على الأقل من باب حرية الاعتقاد. ولكن أن يتصرف الإنسان على هذا الأساس ويطلب في الوقت ذاته من الآخرين أن يقبلوا منه ذلك, لا بل أن يوافقوه على كل ما يقوله ويفعله, فتلك لا شك مصيبة المصائب.
لقد حاولت أن أهدئ من اندفاع وتهور الرفيق سليمان, ليس من باب عدم نشر الغسيل الوسخ, كما فهم من رسالتي القصيرة إليه, وإنما لإيماني الراسخ من خلال تجربتي المتواضعة بأن في المنظمة على الدوام الأطر الشرعية لمناقشة أية فكرة مهما كانت متطرفة, والأخذ بها إذا رأت الأغلبية  ذلك مفيداً. لكن كان رد الرفيق سليمان لي, ويبدو, لآخرين كثر غيري , كما توضح مقالته المذكورة سابقا والمنشورة على موقع إيلاف, بأن وصفنا بالسطحيين وقاصري النظرة. وإن كنا لا نستشيط غضباً لهذا الوصف وما يدفعنا لتجاوزه, فلأننا لم نسمعه من غيره. وفي تلك المقالة تحديداً أفسح المجال لخياله في الشطط إلى حدود قصوى للنيل من المنظمة وسياستها الوطنية لمجرد الرغبة كما يبدو للانتقاص من شخص مسئولها الحالي والذي يعرف هو قبل غيره أنه في أي مؤتمر قادم للمنظمة يمكن أن يتم انتخاب آخر غيره. وقد بلغت به مشاعر التفاخر والغرور إلى الحد الذي اعتبر أن المنظمة أصبحت سياسية ووطنية فقط حين أصبح سليمان يوسف عضواً في المكتب السياسي, بوصفه لها أنها (وليدة في تعاطيها مع الشأن العام, وحديثة العهد في انفتاحها على المجتمع السياسي). متناسياً أو إنه لا يعرف حقيقة الموقف تماماً بأن المنظمة اتخذت قرارها بالانفتاح على الأحزاب الوطنية منذ مؤتمر عام 1986. وجسدت ذلك عملياً بعد عملية الاعتقالات التي انتهت في ربيع عام 1987. ثم اتخذت خطوات أكثر جرأة في ترشيح وإنجاح الرفيق بشير سعدي في انتخابات مجلس الشعب عام 1990. وطوال السنوات الأربع التي أمضاها الرفيق بشير في مجلس الشعب كان النشاط السياسي على المستوى الوطني في أوجه. ولقد كان لي شرف المشاركة إلى جانب الرفيق بشير نفسه في كثير من تلك اللقاءات مع معظم الأحزاب الوطنية والكردية آنذاك. لا بل كان الرفيق بشير المحرك والداعم لمعظم تلك النشاطات وبخاصة مع الأطراف الكردية تحديداً, حيث دخلنا معهم في عدة تحالفات وخضنا معاً جولات انتخابية للمجالس المحلية. ومازال الكثير من قياداتها تلك على قيد الحياة وقادرة على الشهادة بحق الرفيق بشير ومواقفه من القضية الكردية والتي خبروها بوقائع ومواقف عملية. حينذاك كان الرفيق سليمان خارج المنظمة كلياً وهو معذور في هذه الحال إن لم يكن يعلم ما الذي كان يحصل في المنظمة قبل عودته وقبوله مجدداً فيها. هذا الموضوع الذي اعتبره الرفيق سليمان سبباً لخلافه مع الرفيق بشير دون وجه حق وكأنما به يحاول الاستعانة بالأكراد والإستقواء بهم في معركته حينما لم يجد بين رفاقه الكثر من يجاريه في نزعته المتطرفة. ولا أعتقد أن القيادات الكردية من السذاجة بحيث تنساق إلى هكذا موقف وإن لم يخل الأمر من بعض الأفراد الذين ساقتهم عاطفتهم غير المتبصرة ليكتب بعضهم ما قرأنا شيئاً منه على صفحات الإنترنت.
إذا كان للرفيق بشير والذي لم يكن حينها سوى عضواً في المكتب السياسي , ولقيادة المنظمة ككل مواقف داعمة ومشرفة للقضية الكردية حينذاك, ومن موقف مبدئي وليس محاباة أو مسايرة لأحد رغم الظروف السياسية الصعبة حينذاك. فهل يعقل بعد كل هذه السنين وبعد كل ما حصل من تطورات في سورية وفي المنطقة والعالم ككل, أن تتراجع المنظمة عن مواقفها المبدئية تلك لمجرد أن سليمان يوسف هو الذي يتحدث اليوم؟
 لا أظن أن الرفيق سليمان يوسف قد نسي اللقاء الحواري الموسع في عام  1996في مدينة القامشلي الذي كان حاضراً فيه مع جملة الحاضرين وألقى فيه مداخلة. ذلك اللقاء الذي كان لي شرف المبادرة إليه مع قيادات سياسية ومثقفين أكراد من مختلف الاتجاهات. حيث أجرينا معهم حواراً صريحاً وبناءً والذي كانت نتيجته كتابي المعنون: (التيه ومسالك الحكمة- مدخل إلى حوار كردي آشوري) الذي صدر لاحقاً والذي اشترى الأخوة  الأكراد العدد الأكبر من النسخ المطبوعة منه.
رغم كل هذه الحقائق الموثقة فإن الرفيق سليمان بتعمده التغافل عن دور الآخرين, وهم كثر على أية حال, في صياغة نهج وسياسة المنظمة القومية والوطنية, يتأمل من ذلك تسليط الضوء على شخصه وحده. وهو يدعي ذلك صراحة ودون مواربة في مقالته المنوه عنها سابقاً إذ يقول وقد تواضع قليلاً بأنه (يكاد يكون الشخص الوحيد الذي يكتب بين أعضاء المنظمة) متهماً 90% من كوادرها (وليس أعضائها) بأنهم تحت خط الفكر السياسي والثقافي, على حد تعبيره. مسنداً لشخصه (الدور البارز في تسليط الضوء على الحالة الآشورية والتعريف بالمنظمة الآثورية الديمقراطية..؟؟)
لا غرابة, فالرفيق سليمان له عذره في جهل أو تجاهل حقائق ساطعة, لأنه ببساطة كان كل تلك السنين خارج المنظمة. فلقد حاول في عام 1987 اغتصاب القيادة منتهزاً وجود معظم القيادات آنذاك في السجن. وبعد عودة القيادة من السجن وجد الرفيق سليمان نفسه وحيداً... خارج المنظمة.  وعندما عاد إليها في أواخر التسعينات, ربما لأنه اعتقد أن اغتصاب القيادة من داخل المنظمة أسهل عليه. وبخاصة أنه طوال السنوات التي بقي فيها خارج المنظمة لم يتمكن من إقناع أحد بموالاته رغم كل محاولاته الحثيثة وجهوده المضنية من أجل هذا الهدف.
لا أعتقد أن تهجمه الحالي على المنظمة والرفيق بشير المعروف كأكثر أعضاء القيادة قدرة ورغبة في الاستماع للآخرين, بالشكل والأسلوب الذي حصل, ليس إلا رد فعل جديد على فشل جديد لجر المنظمة إلى أقصى التطرف لفظياً. وكما يقول المثل العامي (مين كبَّـر حجره ما ضرب) وهذا لا يخفي إلا عجزاً وانهزامية في داخل النفس التي تصرخ بأعلى صوت لمداراة ما يسكن في داخلها من تناقض تعيشه.
كنا وما زلنا كأصدقاء ومعارف وفي جلساتنا الخاصة عادة ما نعـرِّف الرفيق سليمان كأكثر المتطرفين ليس في آرائه السياسية وحسب وإنما حتى في حياته اليومية. ولقد تعاملنا معه على الدوام على هذا الأساس. لكن هذا لا يلغي ما قلته قبل سطرين. وللتأكيد على ذلك خوفه إذا ابتعد عن المنظمة أن يصبح صيداً سهلاً للمخابرات. متهماً  الرفيق بشير بمحاولة إبعاده عن المنظمة (لأكون لقمة سهلة للمخابرات السورية) بحسب تعبيره الحرفي في المقالة الآنفة الذكر. والكل يعلم أن المنظمة كحركة سياسية معارضة وعضو في إعلان دمشق لا تخفي سياستها المبدئية والتي انتهجتها عن قناعة وإيمان أعضائها. فهي بذلك لا تشكل درعاً واقياً ولا أي شكل من أشكال الضمان من تهديد المخابرات السورية لأي عضو من أعضائها بالاعتقال, بل هي عامل قوي ودافع هام للقوى الأمنية لاعتقال أي شخص يشكل تهديداً لوضعها بحسب منظورها. كما حصل في اليومين الماضيين للمناضلين ميشيل كيلو وأكرم البني ورفاقهم الآخرين. فلو كان هذا هو هدف الرفيق بشير أو قيادة المنظمة لتوجب على الرفيق سليمان يوسف أن يشكرهم من الأعماق لأنهم بذلك يعلقون على صدره وسام المناضل الوطني, ولكانوا شجعوه أكثر على التطرف مما يمنحهم المتاجرة باسمه في حال تم اعتقاله. لكن يبدو أن الرفيق سليمان لم يدرك بعد المأزق الذي وضع نفسه فيه. لأن (وطنيته الحماسية وآراءه المندفعة)  التي يعتبرها سياسة, لم تغرِ أحداً من أعضاء المنظمة أو الأوساط السريانية الآشورية باتباعه.
لذلك أرجو أن يستفيق هذا الرفيق ذات يوم من أوهامه بالكاتب والسياسي والمثقف والمهتم وعضو القيادة .....الخ  من الصفات التي ظل يتنقل بينها ويبدلها مع كل مقالة يكتبها ويستقر أخيراً على صفة تمنحه المصداقية والاحترام المفترض من حيث المبدأ لكل من اجتهد وقدم وأثر في مجتمع بحاجة لكل الجهود والطاقات مهما كانت صغيرة.

                        ســعيـد لـحــــــــــدو
                   [/b]

صفحات: [1]