ankawa

المنتدى الثقافي => أدب => الموضوع حرر بواسطة: لطيف نعمان سياوش في 12:26 24/06/2017

العنوان: بيتان تيّبست اشجارهما
أرسل بواسطة: لطيف نعمان سياوش في 12:26 24/06/2017
بيتان تيبست أشجارهما

لطيف نعمان سياوش


محلتي في عنكاوا كانت ولازالت زاهية بالجيران الطيبين من كل لون ، تمتهن عوائلها بأروع المهن والوظائف ، وتتحلى بالخصائل الرائعة ..
كان الجميع يعمل من اجل ديمومة الحياة وأزدهار الوطن ..
لكن بعد الاحتلال اختار بعض الجيران الرحيل عن الوطن ..
وبعد غزو الدواعش لموصل وسهل نينوى التحقت  عوائل  كثيرة أخرى بهم ، وكفروا بالوطن ، وقرروا أن لايعودوا !
كيف انسى جاري الطبيب الارمني الذي أصر أن لا يبيع بيته لكنه آثر أن يغلق بابه ويهجره بدلا من أن يبيعه ، عله يعود في يوما ؟..
كيف انسى جاري العنكاوي الاصيل  المدرس الذي ترك وظيفته وحذا حذوه ، وأقفل هو الآخر باب بيته واخذ عائلته ثم شد الرحال الى بلاد الغربه ؟..
كلما أمر من أمام تلك الدارين وأتطلع الى أشجار حديقتهما التي تيبست  يمزقني الالم ..
أخال تلك الدارين الوطن العراق الذي جفت عروقه وما عاد بريقه يشّع كالسابق ، وما عاد نخيله يمطر تمرا..
نعم عراق جفت رئتيه من الهواء ، وكأني به دجلة والفرات جفت مائهما ، وغدت أرضا يباب مقفهرّه تدعوا للبكاء..
أشعر أن وطني طعن في القلب  على أيدي الخونه من اهل الدار ، وأهلي تشتتوا في قارات الدنيا البعيده ..
عنكاوا هي واحدة من مدن العراق التي كانت تنام على وسادة من الامان يحيطها دفىء الاهل والاقارب  والاصدقاء..
هجروها ناسها .. ماعاد لأهلها وساده سوى الحنين الذي يمزّقهم لذكرياتهم للاصدقاء والجيران في محلاتها ، ومدارسها ، ودوائرها ، وكنائسها ..
مرة التقيت بأحد الاصدقاء من المغتربين وسألته عما اذا كان يزمع العوده الى مدينته .. قال لي بمراره يا أخي لم يعد يبق لي فيها سوى (موقع عنكاوا الالكتروني) الذي صار الحبل السري الذي يربطني بها ، ويقرّبني من اهلها ، بعت كل ما أملك من أجل الفوز بالهجره والقبول بمرارة طعم الغربه !..
نعم محلتي كانت ترفل  بالعوائل العنكاويه الاصيله ..
لكن اليوم صارت تفتح ذراعيها واسعة لتستضيف  أعزاء لها من كل حدب وصوب ..
يمين بيتنا جاري نزح هو وعائلته من حلب سوريا هربا من الصراع المحتدم هناك ..
مقابل بيتنا عائلة آشوريه فرّت من بغداد/ الدوره على اثر اختطاف ابنتهم الصيدلانيه ، ثم رسالة تهديد بالقتل  اضطرت على أثرها ان تترك بيتها واثاثها هناك ..
جوار هذا البيت تسكن فيه ثلاث عوائل مهّجره قسرا من سهل نينوى ..
ثالث جار هربوا من الموصل قبل أشهر على اثر دخول الدواعش  مدينتهم ..
رأس المحله عائلتان فرتا من الرمادي والفلوجه على اثر الاقتتال الاخير بين الحكومه والمسلحين ..
رابع جار الطابق العلوي تسكن عائله يزيديه مشرده من اطراف موصل بعد ان استشهد اثنين من ابنائها على يد المسلحين .. تعاون اهل المحله في جمع الفراش واواني الطبخ وبعض الاثاث البسيط لهم لتمشية امورهم ..
هكذا صارت عنكاوا يعصرها الالم والوجع وهي تشاطر كل بقعة من الوطن وجعها والمها ، وتحتضن كل مدن العراق..
سأبقى كلما أمر من أمام تلك الدارين في محلتي وأتطلع الى أشجار حديقتهما التي تيبست  أشعر بالالم يمزقني  ..
تلك الاشجار هي التي أججت  قلمي ودفعتني للكتابه ..



عنكاوا