ankawa

الحوار والراي الحر => المنبر الحر => الموضوع حرر بواسطة: جورج ايشو في 11:53 08/02/2018

العنوان: الكنيسة ومفهوم العنصرية القومية: بين ايدولوجية العلمانية و لاهوتية المسيحية
أرسل بواسطة: جورج ايشو في 11:53 08/02/2018
الكنيسة ومفهوم العنصرية القومية: بين ايدولوجية العلمانية و لاهوتية المسيحية

جورج ايشو

مقدمة لابد منها 

  لو بحثنا في مفهوم القيم الاجتماعية سوف نجده ذلك المفهوم الذي يتكون من خصائص أو صفات تولد العادات و المبادئ الأخلاقية التي يتقبلها ويمارسها الفرد في الكثير من تفاصيل حياته اليومية. تصبح هذه القيم، في ما بعد، الأداة الفعالة للحفاظ على النظام ووحدة  التماسك الاجتماعي، وايضا المعيار الاساسي للحكم على أنماط السلوك الفردي. السلوك الذي ينقاد بعد ذلك باهتماماته الاجتماعية، وبقدراته الفكرية والعملية، وعلى عمل علاقات اجتماعية قوية مع الاخرين وذلك لبناء نسيج اجتماعي متماسك ومتجانس. وهذه القيم الاجتماعية، اساس سلوكها الاخلاقي- او الايديولوجي في حال خلطها بمفاهيم علمانية- منوط بمفاهيم مختلفة باختلاف انتماء الانسان المذهبي و متغيراته الثقافية، مما يجعلها قيم شبه مستقلة، بل منقادة، غير ثابتة،  ممتزجة، من الصعب فصلها  عن المفاهيم المذهبية التي اكتنفتها،  كالدينية، او العلمانية، او غيرها من المفاهيم المذهبية؛ بالرغم من ان ذوي الاختصاصات الاجتماعية واللاهوتية يرون بأن القيم الاجتماعية لم تكن في اساسها متأثرة  تحت متشعبات مذهبية كثيرة، بل كانت ذات طابعين مذهبيين فقط لا ثالث لهما:  ديني او علماني، استقت منهما مفاهيمها الاخلاقية او الغير اخلاقية التي اعتنقها الفرد منذ بداية حياته الدنيوية. من بين المفاهيم الغير او اللاأخلاقية التي تتولد لدى الانسان وذلك تحت تأثيرات مفاهيم ثقافية مختلفة والتي لها ما لها من ايديولوجيات كيدية ذات ديباجة علمانية هو مفهوم العنصرية القومية؛ المفهوم الذي يُحدر ويُفتت اغلب المجتمعات ذات المزيج العرقي التي مُرست ولا تزال تـُمارس  فيها نوعًا من أشكال التمير العنصري القومي.

ايدولوجية علمانية

  متخصصو علم الاجتماع يرون بان للعنصرية القومية مفاهيم علمانية مختلفة لها تشعبات فلسفية واجتماعية متعددة النظريات- ونحن لسنا في صدد اعطاء تفسير شامل عنها- تتجلى تأثيراتها في ضل غياب ثقافة التقبل للطبيعة التعددية بين الطبقات الاجتماعية وطوائفها لتكوّن مظاهر جديدة بأشكال مختلفة تثير قلق المجتمع. وهذه المفاهيم الفكرية تصبح سلوكًا اجتماعيًّا شاذًا وذلك بسبب المتغير الثقافي الدخيل الذي يصيب المجتمع. لكن من الناحية العلمانية، في الكثير من الاحيان قد تسوغ افعال السلوك العنصري، القومي على وجه التحديد، في حالة وجود أيديولوجية عنصرية حقيقية تولد مصالح لتربط او لتعزز مكانة الاطراف المعنية. واكثر الاشكل وضوحًا للعنصرية القومية يتم العثور عليها اليوم هي التي يضفى عليها طابع مؤسسي (institutionalized racism).  والعنصرية المؤسسية تحكمها معايير سلوكية تدعم ذلك التفكير العنصري الذي يثير العنصرية الفعالة. في اي الاحوال، الضحية  يبقى المجتمع نفسه الذي يتكون من الفئات المعنية والغير معنية في ذلك الصراع السلوكي.
ومن امثلة العنصرية المؤسسية التي بدأت تلوح بوادرها في افاق شعبنا البابلي-الاشوري نجدها اليوم تتجلى في فكر الكنيسة المعاصرة. اذ لم يعد مخفيًا لمتابعي نشاطات كنائسنا النهج والانعطافات الفكرية العلمانية التي بدأت تتسم بطابع العنصرية (او التميزي) القومية، ان صح التعبير، والتي شرعت الكنيسة بتبنيها خلال مسيرتها المعاصرة؛  فأيديولوجية بعض الكليريكين العلمانية بدأت تتضح معالمها في الكثير من المناسبات التي  فيها لم ولا يتوانو في توضيح التميز العرقي والقومي الموجود بين ابناء امتنا المسيحية سواء ان كان على الصعيد التاريخي او الكنسيّ او السياسي.  بلا شك هذا الانعطاف او النهج مبرراته، من الناحية العلمانية، تساغ نتائجه من قبل داعمي فكرة التميز العنصري والذين هم اساسًا النواة الاولى التي اوْجدَت وبلورت هذا النهج الجديد في فكر الكنيسة المعاصرة. وانا اؤكد على انه نهج جديد اذ لم تكن الكنيسة ملمة به قبل ذلك، غير ان هذا الشيء تغير كليًا بعد ان اقحم عرابو التميز العنصري الأيديولوجيات العلمانية في مسيرة الكنيسة المسيحية. لهذا وغيرها من الاسباب بدأت العلمانية تتوغل وتتجذر وتزاحم الفكر المسيحاني، بحيث اصبحت الكنيسة اسيرة افكار علمانية عنصرية تهدف لزرع الانقسام  بين ابنائها ولكبح مسيرتها التبشيرية التي كرزت الكنيسة مسيرتها من اجله. 

  لاهوتية المسيحية        

  في المسيحية يرى علماء اللاهوت بأن الأيديولوجيات العلمانية والسلوكيات العنصرية المعاصرة ليست الا حلقة طويلة في سلسلة الحضارة الانسانية. تأصلت في واقع الخطيئة منذ نشأة الإنسانية، كما يمكننا أن نرى ذلك في الروايات التوراتية الكثيرة. ويعزز العهد الجديد هذا التفسير من خلال محبة الله للبشرية في صوْن كرامة جميع الأشخاص ووحدتهم الأساسية واحقيتهم في الإخاء، لأن الجميع يوحدهم المسيح. يظهر هذا الشيء في سر التجسد الذي اعلن الله ذاته في شخص ابنه يسوع المسيح الذي هو صورة الله غير المنظورة. لذلك، عندما نأتي لتصنيف العلاقة بين امة وامة او بين ابناء الشعب الواحد، من المهم أن نضع جانبا الأفكار الحديثة العلمانية التي تتجذر في العرق- على الرغم من أن حواس الأمة والانساب واللغة والقبيلة والمملكة موجودة في قصة خلاص الكتاب المقدس، إلا أنها ترتبط بشكل مباشر بالعلاقة البيولوجية. غير ان من وجهة نظر الله، الخلاصية، النسب الأكثر أهمية هو الروحي: الموت يأتي للنسب البيولوجي والحياة للنسب الروحي. وهنا يأتي دور الكنيسة باكليريكيها في وسط هذا العالم المتقلب لتعزز وتنمي العلاقة الربانية بين البشر والله. فالشعب الذي استبد وصُلح مع الله يشكل جسد وروح واحد في المسيح. عيد العنصرة خير دليل على هذه الوحدة، اذ ان العالم آنذاك  بمختلف انتمائه القومي ووحَدْته تجسدت في ألِسنة النار التي كانت ترمز للروح القدس.
لذلك، من المنطقي ان يتذكر الاكليريكين دائمًا الهدف المسيحاني الذي يتوّجب عليهم ان يحققوه خلال مسيرتهم الرعويّة الا وهو وحدة الجنس البشري في شخص المسيح- على الاقل هذا ما يؤكد عليه بولس الرسول في اغلب رسائله. الانقسامات العرقية والقومية وغيرها من المُسميات العلمانية ألغيت بصلب المسيح على خشبة الصليب. لكن في نفس الوقت، لا يجب ان يُفهم هذا الشيء على انه بمثابة نكران للانتماء القومي! كلا، لسنا نقصد هذا ابدًا. ما نقصده هو ان لا يكون شعورنا القومي اداة في يد الايديولوجيات العلمانية. وهذا ما نتمناه ايضا من رعاة كنائسنا. فلا يمكن ان يتعرج المؤمن بين الفرقتين، (العلمانية والمسيحية). فالأيدولوجية العلمانية لها نظرة مغايرة تمامًا عن التي نرها في لاهوتية المسيحية.

الخاتمة

  لسنا ضد القومية او ضد التفاخر بأمجاد الحضارة البشرية، لكننا ضد زرع الكره والعنصرية بين ابناء الكنيسة . المبادئ الاخلاقية التي تنسجم مع الدعوة المسيحية يجب ان تتجرد من الشوائب الايديولوجية. وايضا على الكنيسة أن تدرس بوضوح شرور العنصرية القومية؛ وان ترفضها لا بل ان تدين التصرفات التي من شأنها ان تولد العنصرية القومية؛ وان تتبنى دائما المواقف الإنجيلية التي تدعو الجميع إلى التصرف بطريقة عقلانية روحانية تلغي الكراهية وتزرع المحبة التي بدونها لا حياة لأبناء الكنيسة.