عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

صفحات: [1]
1

الرئيس التركي في العراق للتفاوض لكن قواته تستعد للآتي مما يبيتون!

في لقاء مع الصحفي السيد محمد حسن عامر بقناة الفرات أدليتُ ببعض رؤى بشأن زيارة السيد أردوغان للعراق  والملفات المطروحة للحوار وما سيرافق من عشرات مشروعات اتفاق للتوقيع بمختلف الشؤون.. والحقيقة أن المعضلة في نهج الضيف والدولة التركية التي ارتكبت للتو اعتداءات عسكرية بقصد الضغط باتجاه جر العراق لصراع يضاعف أزماته ويفرض عليه ما يتعارض ونهجه الفيديرالي المثبت دستوريا.. وفي الحوار تفاصيل أخرى  بخاصة ضرورة الدفاع عن الوجود الفيديرالي لكوردستان وأن تكون مقدمة ونموذجا للحل بديلا للحرب ومخاطر الاندفاع فيها

الرئيس التركي في العراق للتفاوض لكن قواته تستعد للآتي مما يبيتون!!

تتعالى الأصوات التضامنية مع صوت شعوب كوردستان في رفض استمرار النهج العدواني تجاه حقوقها ويبحث العراقيون اليوم في زيارة الرئيس التركي عن علاقات متكافئة بين البلدين تقوم على الاحترام المتبادل بديلا عن أشكال الأعمال العدائية وارتكاب جرائم بآلية الابتزاز والاستغلال..

إن أهمية الزيارة تأتي بسبب مجمل الأوضاع المضطربة المتفجرة في المنطقة، إلى جانب ما يكتنف العلاقات بين العراق وتركيا من عقبات بوجه المصالح العديدة المشتركة بينهما، فيومنها ما يتعلق بملفات مازالت معلقة بانتظار ما يمكن الوصول إليه من تفاهمات محتملة بشأنها.

فعراقيا تتطلع الحركات الوطنية الديموقراطية إلى معالجة تأخرت طويلا للملف الأمنيبكل ما يتضمنه من حال احتدام الصراع بتلك الاعتداءات التركية العسكرية على السيادة العراقية، وأبعد من ذلك ما بات واجبا ملزما بوجه فوري عاجل من ضرورة تصفية القواعد والمراكز والنقاط العسكرية وسحب كل قواتها بصورة كلية ونهائية ولا يجوز التلكؤ بهذا لأية ذريعة أو حجة قد تتعكز عليها في نقلها قضية داخلية بقصد جر العراق للتورط في اتخاذ موقف يساند نهجهم القمعي تجاه القضية الكوردية..! وباختصار هذا الملف التركي لا يمكن للعراق أن يكون طرفا فيه والأبعد أن العراق عالج ملفا شبيها بتبني الحكم الفيديرالي ما يتعارض توريط العراق في الصراع الدائر بتركيا بالمخالفة مع دستوره ومع الحلول البنية السلمية العميقة للقضية الكوردية في جنوب كوردستان.

أما الأمر الآخر الأشد تأثيرا فيتجسد في مصادرة الجانب التركي حصة العراق في مياه نهري دجلة والفرات، واستمرار التعامل مع النهرين الدوليين العابرين للحدود وكأنهما نهرين تركيين منبعا ومصبا! ما يخالف الحقيقة الجغرافية لهما علما أن نسبة مجراه في العراق أطول مما هي بتركيا وغيرها..

وإذا كانت تركيا قد أطلقت كمية جد محدودة بوقت سابق فقد فعلت ذلك بذات النهج على أساس هدية أو مكرمة بخلاف ما يلزم أن يكون من حصة ثابتة مستقرة على وفق القوانين والعهود الدولية المعمول بها بشأن الأنهر الدولية عابرة الحدود.. إن الموقف العراقي هنا ينبع من حق الشعب في مياه النهرين بحصة تتناسب ومسافة الجريان ونسبتهما بغض النظر عن أية مواقف سياسية أو غيرها وأي مناورة أو تهاون في هذا سيمنح الزائر مزيد فرص لمتابعة نهج الابتزاز العدواني وليستمر في الإيغال بموقفه تجاه القضية الكوردية في شمال كوردستان..

إن محددات العلاقات الدولية والجوار تلزم تركيا، احترام إرادة العراق وخياراته في نظام حكمه الفيديرالي التعددي وفي حصص شعبه المائية وسلامة التعامل مع بيئته وحاجاتها وفي عقد الاتفاقات المناسبة بميادين الاقتصاد والتجارة الخارجية، على أن يتم ذلك بعيداً عن الإملاءات الخارجية والضغوط باختلاف صيغها وآلياتها، ومن دون تدخلات سافرة كالتي تُمارس منذ أكثر من عقدين، ويحظى العراق بفرصه الدبلوماسية عندما يرفض توقيع عشرات الاتفاقات المجهزة لهذه الزيارة بربطها ببعض وبالامتناع عن ذلك ما لم يتم احترام حقوق البلاد والأخذ برؤيته في معالجة الملفات العالقة وأبرزها حل القضية الكوردية في تركيا سلميا وعدم ترحيلها عبر الحدود بطريقة تبييت غاية استدراج العراق لصالح ما ذكرناه من سياسة عدوانية ترفضها القوانين الدولية كافة سواء بشأن حق تقرير المصير أم وسائل الحل العنفية المستمرة منذ عقود.

إن التفاوض في ضوء  مبادئ القانون الدولي وقواعده وبناء على ما نصَّ عليه ميثاق الأمم المتحدة بإقامة علاقات البلاد الخارجية هو السبيل الأنجع لمواجهة خطاب الابتزاز الذي بدأ تحديدا قبيل الزيارة بعدة عمليات عسكرية أرسلت ما أكد خطاب الزائر مما يلزم مجابهته بوضوح وصلابة يجب أن تنطلق من المصالح العراقية العليا، واعتمادا كما أسلفت على مبدأي التوازن والتكافؤحيث سيكون ذلكم الضامن الأكيد، للدفاع عن وحدة التراب الوطني العراقي وسيادته الفيدرالية، وعدم المساس بها وبشؤونه الداخلية عبر فرض لغة احترام القرار الوطني العراقي المستقل وهو ما سياسهم فعليا في تجنب الانخراط بصراعات المنطقة ومزيد افتعال خطاب الاحتقان والتوتر والعدوان وسيساهم جديا في صنع السلام بالشرق الأوسط عبر صنعه حيث الحدود المشتركة هي الوجود الكوردستاني شمالا وجنوبا وحيث تم الاعتراف بذلك عراقيا في حل موضوعي رصين فيما مازالت تركيا تكابر في التعامل الشوفيني والفاشي قمعيا تجاه هذا الحق مع تنصلها المستمر من مسؤوليتها بطريقة تلقي العبء على كواهل بلدان المنطقة وشعوبها..

وبين تلك الوقائع والملفات وما جاء به الرئيس التركي وبين مصالح شعوب المنطقة وبلدانها يلزمنا موقف مبدئي لا يسمح بالتورط بقضايا ستكون صكا على بياض لمصلحة قوى العنف الفاشية التركية في التعامل مع الملفات بصورة استغلالية وبنهج ابتزازي وعدواني لا يجوز أن يحكم العلاقات بين بلدان الجوار.. والحل النهائي يكمن في تجاوز قصر النظر والفروض القسرية لهذا التناول أو ذاك والبحث عن حلول بديلة عميقة نوعية كما في النظام الفيديرالي العراقي.. فهلا تفكرنا في تلبية مقدمات الحل الأشمل والأعمق؟ ذلك ما ستجيب عنه مواقف الحكومة الاتحادية (المركزية) في بغداد يوم تنطلق من نهج يتمسك بالدستور وبالنظام الفيديرالي وبمصالح مكونات الشعب العراقي وجناحيه الفيديرالييين، بخلافه ستقع المنطقة بمدخلات خطيرة أخرى هي في غنى عنها..

***************************

2
عام 2024 عام خير وسلام واستجابة شاملة تامة للحقوق والحريات

نرسل إليكنّ وإليكم ومعكن ومعكم كل مناصرات ومناصري حقوق الإنسان والناشطات والناشطين في الحركة الحقوقية أسمى الأمنيات بعام جديد تتحقق فيه مطالب الحقوق والحريات بما يُنصف الإنسان أفراداً وجماعات وشعوبا وأمما تستحق العيش في ظل العدالة وأجواء السلام وإطلاق التنمية البشرية والارتقاء بالوعي بما يعزز الحراك الحقوقي ويتقدم به لمصلحة البشرية جمعاء
إننا إذ نرسل أمنياتنا ندرك أن عيشنا المشترك يقوم على حيوية وجود الأمل بكل مكان وزمان بلا انقطاع أو فتور أو تردد بوقت ندرك أيضاً أن عالمنا يرزح ويئن من قسوة العنف وأشكال الحروب والانتهاكات التي لا تكاد تترك للإنسان والإنسانية مكاناً.. ومن هنا نشد على أياديكن وأياديكم لمواصلة الجهود الحيوية الناشطة والفاعلة المؤثرة بميادين الحقوق والحريات بخاصة لشعوبنا وأهلنا بكل تنوعات وجودهم القومي والديني والمذهبي بمنطقة الشرق الأوسط ولنضع تلك التعددية وحال الثراء في التنوع بوحدة مسار يقوم على التآزر والتعاون والتعايش ولنمنع أوبئة يُراد أن تتفشى لاختلاق الصراعات وذرائعها.. سيبقى الوعي بعامة والوعي الحقوقي أساساً مكينا راسخا ومهما للتقدم نحو عالم سلام وعدالة تحترم فيها القوانين والعهود الأممية والدولية وننتصر بها للإنسان أفرادا وشعوبا
إن الآمال والأمنيات لن تتحقق إلا بفضل جهودكن أنتن النسوة أيقونات السلام وحاملات رايات الحرية والحقوق ومعكن حتما، الرائعون من الناشطين الفاعلين بميدان الحركة الحقوقية
فلنواصل إثارة الأمل ومنع الاحباط ونتابع خطى تلبية الحقوق؛ فالمستقبل للإنسانية ولسلامة مسيرتها
كل عام وأنتن وأنتم بكل الخير والحيوية وارتقاء قيم السلام والحقوق والحريات


د. تيسير عبد الجبار الآلوسي
رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان هولندا
Sumerian Observatory for Human Rights <sohrh@somerian-slates.com>

3


الكبت بين منظومة قيمية تفرض قيودها قسرياً وحاجة طبيعية تبحث عن كسر تلك القيود الماضوية السلبية وانعتاق منها
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
توطئة
كتابات عديدة بين تحليلات علم النفس والاجتماع والسياسة وغيرها وجميعها تشير إلى أنّ الكبت ظاهرة تطحننا وتطحن آمالنا محاولةً إخراس ألسنة هواجسنا وأنفسنا وبهذا القمع تتفاقم حتى تتفجر عن نهج أو سلوك عدواني أو تصادر شخصياتنا وتطلعاتها فتضعنا في كنف المقموع بلا صوت يجاهر لا بحاجته ولا بما يستجيب لأمل من آماله فينتهي نسيا منسيا فيما يسود القاهر المصادِر بوحشيته وهمجيته وبكل مخرجات تخلفه ومنظومته القيمية القهرية.. كيف نتناول الكبت؟ وكيف نجد فرص المعالجة؟ سؤال بإيجاز يتطلع لتفاعلاتكن وتفاعلاتكم بلا تردد من الاختلاف قبل الاتفاق فالحوار لا تقيده موضوعية منطقه العقلي العلمي بل تمنحه الحرية المسؤولة بكل طاقات الانعتاق والتجدد وصنع البديل

المتن
الكبت بين منظومة قيمية تفرض قيودها قسرياً وحاجة طبيعية تبحث عن كسر تلك القيود الماضوية السلبية وانعتاق منها
بدءاً لا أتناول الكبت هنا بوصفها ظاهرة أُخضِعُها للتشريح المتكامل؛ ولكنني أتناولها بوصفها (آلية) تعبر عن منومة قيمية وكيف يتصدى الإنسان فرديا جمعيا لها ومن ثمّ كيف ننظر إلى تلك ((الضغوط)) التي دفعت وتدفع إلى الكبت ومن ثمّ إلى نتائج تخريبية من (عدوانية) تتفجر عن تفاقم الظاهرة أو (انحراف) يشوه الذات الإنساني ويلجم تطوره السوي المؤمل..
فلطالما كانت فكرة (الكبت) تجسِّدُ آليةً سايكوسوسيولوجية، لخلق توازن بين الأنا المُصادَر والآخر المصادِر؛ أو بين القيم (المثالية) للمجتمع تلك التي تُغرَس في الذهنيتين الفردية والجمعية، والتي عادةً ما تكون قيماً تستمد وجودَها من منظوماتٍ تقليدية مُجترَّة بعماء ومن دون مناقشة وبين قيم الأنا المعبّرة عن حاجات الذات ومنظومتها التي تستجيب لها ولمطالب تلبيتها بسلامة؛ تلك التي تجعل العقل ومنطقه يسعى للانعتاق من قيود مفروضة كرهاً وبتشويه لا تبرره سوى أباطيلُ أضاليلٍ تتعارض والموضوعي وسلامته..
وبسبب عنف تهديد تلك التشوهات القيمية بكل أشكال العنف الفكرية والسلوكية، باتساع محاورها وأدوات سلطة العنف، بل سطوته من طرف بيئة مريضة؛ يلجأ المرءُ إلى (الكبت) الذي يتسم بازدواجيةٍ ماثلة للعيان، إذ نراه بوجه يتبدى لمحيطه: بالتظاهر والادعاء وركوب موجة أو أخرى تدفعه لإيحاء قهري يمنع أية استجابة موضوعية للعقل يمكن أن تلبي ما تريده منه الحاجات الطبيعية.. وتلك الآلية أي (الكبت) تتم لتجنّب تأثيرات الشعور المتضخم للقلق وعدم الاستقرار في الذاتين الفردي والجمعي عبر (آلية) الهروب من الترهيب المتأتي من ممثلي منظومة قيمية بعينها، وهو (الترهيب) الناجم عن فروض تلك المنظومة غير السوية والمُمعِن في تكريس ممارسات هروبية سلبية بمرحلةٍ بعينها التي عادة ما تتحول بحالات وظروف معينة إلى طابع عدواني في مرحلة أخرى تتكامل مع سابقتها..
وبكل الأحوال يبقى (الكبت) قسوة تدميرية للذات الفردي [والجمعي] ولصحيح نموهما وفعلهما؛ بمعنى الخضوع لتلك المنظومة المريضة والخاسر الذي أشرنا إليه هنا؛ يقع أما بمنطقة القمع والتغييب للتخفي والاختباء هروباً أو بمنطقة العدائية التي تضيف للتدمير والتخريب فعلا سببيا آخر لا يقتصر على تشويه الفرد وشخصيته بل تمتد بصورة أعمق واشمل لتصيب الشخصية الجمعية باهتزازات راديكالية غير محسوبة العواقب إذ تخرج عن السيطرة والإدارة العقلية التي تُصادَر وتُقمَع…
إنّ معالجة الأسباب والدوافع المؤدية لظاهرة الكبت واستنطاقَ صراحة التعبير بسلامةٍ وحرية وتوفير رعاية سديدة للشخصية ومطالب حاجاتها بتنوعاتها، ستجنّبنا كثيراً من تلك المشكلات وعثراتها، بل تجنبنا الهزات العدوانية في الشخصيتين الفردية والجمعية بردود فعل متفجرة، نتيجة معطيات الكبت واستمرار تضخمها وتفاقم التوترات الناجمة عنها..
فتمعنوا في معاني حاجاتنا (الإنسانية) للحريات؛ لا بحصرها بالمعطى السياسي أو الفكري الفلسفي، بل في معانيها الاجتماعية وفي معطيات أداءاتها النفسية في نطاق العلاقات السائدة ومنظوماتها القيمية ومنها السلوكية..
إننا بحاجة لدراسة منظوماتنا القيمية الضابطة على أسس العقل العلمي في قراءة المتغير الإنساني بشمولٍ وعمق يمكّنه من قراءة ما يختفي عن البصر لكنه الذي لا يختفي عن البصيرة؛ شريطة أن يكون التوازن قائما على ميزان الحرية والمسؤولية لا القمع والمصادرة التي تفرض السلبية وخصال الهروب من مواجهة المسؤولية وتسريبها أو تفريغها بتفجرات عدوانية تخريبية لحظة خروجها عن السيطرة!!
فلتصنع إرادة الشبيبة منظومتها القيمية بلا اجترار للماضوي المقيّد بعصر لا يوجد إلا في أوهام مرضى تقاليد محافظة متزمتة لا تقر للعقل وجوداً ولا للموضوعية أثراً؛ بينما الحرية المسؤولة تعني سلامة توازن بين الحاجة الطبيعية و\أو الضرورية لوجودنا الإنساني المستقيم وبين فروضنا القيمية التي نرى سلامة توفيرها للعيش الإنساني المنعتق من قيود تعسفية بلا مبرر سوى التعبير عن همجية ووحشية تجاوزتها البشرية في أغلب جغرافيا عصرنا لكنها مازالت تعشعش عند من يتحكم قهرا وكرها وقسرا بجغرافيا شعوب تدفع بأبنائها لمنطق الكبت بأنماطه وتنوعاته..
إن الحريات (الاجتماعية) بجانب الحريات (الفكرية السياسية) هي قضية جوهرية في بنية وجودنا وما تفرضه من منظومة قيمية سليمة؛ فهل سنراجع ((جوهر)) ما أرادته هذه المعالجة وما تناولته بعيداً عن تفاصيل قراءة الظاهرة سواء بحدود علوم السايكولوجيا والسوسيولوجيا أم بحدود البوليتيك أو الفكر السياسي وفلسفة المحافظة الماضوية وتزمتها وتطرف تشددها؟
مجرد نداء يتجه إلى المعنيين بجميع أطرافهم من متخصصين وغيرهم، كيما يقرأ كل منهم الظاهرةَ من زاويته، بقصد إيجاد المعالجات الأنجع والأكثر صواباً…
وللحوار بقية تتطلع لمساهماتكنّ ومساهماتكم




4
من أجل إدامة نضال اتحاد الطلبة وتعزيز وجوده ومسيرته وانتصار نهجه


—تيسير عبدالجبار الآلوسي 




أسمى التهاني والتبريك لاتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية بمناسبة ذكرى التأسيس التي انطلقت يوم 14 نيسان أبريل 1948 وخاضت مسيرة كفاحية باسم جموع الطلبة قدمت فيها تضحيات جسام واستطاعت بفضل خبراتها النضالية أن تكون في صدارة اتجاد الطلاب العالمي دع عنكم قيادة مهام التنوير وسط دياجير الظلمة والظلم التي فُرِضت على العراق.. فإلى مزيد أنشطة باهرة تعزز وحدة حركة الطلاب وتنتصر لإرادتهم في التمسك بتعليم خال من تلك الخروقات البنيوية التي تحاول قوى الظلام الارتداد بها إلى الوراء حيث أزمنة الطائفية والتخلف ونهج الخرافة مبارك لكم العيد والاستمرار بحركة النضال وإلى أمام من أجل عالم السلام والتقدم والديموقراطية بما يستجيب لشعار الاتحاد في مستقبل أفضل وأجمل

من أجل إدامة نضال اتحاد الطلبة وتعزيز وجوده ومسيرته وانتصار نهجه
تحية لذكرى التأسيس وانطلاقة أنوار طلبة العلم واستكمال بناء العقل العلمي والمساهمة بمسيرة التنوير
 
يوم انطلق اتحاد الطلبة العام، كان تأسيسه قد جاء في ضوء ما حققته وثبة كانون ثاني يناير 1948. وكم كان تلاحم الحركة العمالية قوياً بحراستهم المؤتمر التأسيسي الأول في ساحة السباع حيث الضاحية البغدادية المكتظة بالفقراء والكادحين.. وحيث تجسيد الرد النضالي على امتناع السلطة على منح رخصة الانعقاد في فضاء الجامعة العراقية.
ومن علامات المؤتمر كانت مشاركة مثقفي الوطن والشعب وأعلامه الإبداعية، إذ ألقى شاعر الشعب والعربية الأول الراحل محمد مهدي الجواهري قصيدته بين فعاليات انطلاقة شعلة نضالية للطلبة بعمق ما أكدته من ارتباط بالوطن والناس..
وعبر مسيرة الاتحاد كان وعي الطلبة مشهوداً ومميزاً يتقدم حركة النضال السياسية الوطنية والمهنية الديموقراطية الطالبية. ومن هنا استطاع الاتحاد أداء مهمته الجوهرية تجاه الطلبة أولا وآخراً وأيضا النهوض بمهامه على المستوى الوطني بخاصة في ظروف تشوه السلطة السياسية الحاكمة طوال مراحل وجود الدولة العراقية ومسيرتها المتعثرة بمختلف العقبات والمشكلات المعقدة..
اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية نبراس مسيرة بناء العقل العلمي وإعداده للتنمية والتقدم وإنه لفخر أن نتقدم بالتهنئة بذكرى التأسيس بمرور 74 عاما من خطى الكفاح المجيد..
القوى الديموقراطية وحركة التنوير تخص الاتحاد بتحايا تسجل عبرها قيم النضال بمدرسة هي علامة فخر للوطن والناس
ويوم كنا نساهم بحلقة من حلقات المسيرة الكفاحية ربما كانت ظروف الاضطرار والضغوط التي جابهها التنظيم قد دفعت من جهة لعمل سري أو شبه سري وبأضيق نطاقات تركيبته التنظيمية عدداً لكنّ العدد القليل لم يكن إلا وسيلة لاختيار الناشطات والنشطاء وممن يمتلك وعياً مميزا وأدوات تأثير واسعة وعميقة ودورا فاعلا في صنع أوسع شبكة علاقات وسط الطلبة..
آنذاك وعلى سبيل المثال الفوز في انتخابات نهاية الستينات التي جرت على الرغم من ضغوط السلطة من جهة ومن عنتريات العناصر البعثية المتطرفة التي طالما تبنت نهج البلطجة والعنف وفي سبعينات القرن المنصرم تأكد ذلك بحجم المقاطعة الواسعة بأغلبية الثلثين فيما ألقى بالأوراق البيضاء من اضطر للمشاركة، ما أطلق انفعال بلطجية اتحاد الحزب الحاكم وأداة أجهزته الأمنية القمعية..
وبجميع تلك الظروف كانت السلطات وتشكيلات تمثلها قد دفعت للعبة جذب الطلبة بعيداً عن أية مهام نضالية مهنية ديموقراطية ووطنية عامة والدفع للتفرغ في شؤون الدرس والتعلّم بصيغ حاولت أن تقطع الصلة بين الطالب ومهامه النوعية مجتمعيا ما فرّغ فرص التحصيل العلمي من أبعادها التي تربط العلوم ودروسها بالشؤون الحياتية الميدانية فبقيت صيغ نظرية جوفاء من جهة وحال من التيه والتشوه بعيداً عن تفاصيل اليوم العادي للناس..
أما اليوم فهم ليسوا بحاجة للعبة حصر الطلبة بالدرس (العلمي) لأنّ هذا الدرس بات من الماضي حتى بأبسط اشكاله النظرية المسطحة وباتت تشاغل الطلبة بعلاقات سلبية مرضية تقوم على إفسادها وتشويهها واستغلال نوازع العبور من دون جهود وتقويم نتائجها حيث تلعب المحسوبية والمنسوبية والبيع والشراء أدوارها في أشمل حالات فساد بين أغلبية واسعة سواء بالموافقة وممارسة العبث والتخريب أم بالاضطرار إلى إحدى فعالياته الخطيرة..
لقد كان وعي اتحاد الطلبة لما يُرتكب من جرائم في ظل ذاك النهج القمعي في النظم السابقة، بكل أدواته والمشوه في علاقات مجتمع الطلبة وأنشطتهم سواء منها الصفية أم اللاصفية، كان وعيا عاليا واضحا؛ فاستطاع، يومها، متابعة مهامه وواجباته في نشر الوعي الأنجع الذي تبناه عبر مضمون شعاره المعروف: في سبيل حياة طلابية حرة ومستقبل أفضل وهو ما يتضمن بالضرورة ربطا بين الوطني بشموله والديموقراطي المهني بخصوصية اشتغال الطلبة.
وعلى الرغم من أن النظام السابق كان قد أوغل في استهداف أعضاء اتحاد الطلبة العام تحديداً بصورة ربما اسبق من غيره من القوى الفاعلة في الساحة العراقية واتخذ قراراً بتصفية الاتحاد، بل إعدام من تثبت عضويته وعمله فيه مثلما من يثبت عمله السياسي في القوات المسلحة على سبيل المثال، على الرغم من ذلك، استطاع الاتحاد عبور تلك الظروف الاستثنائية بطابعها (الفاشي) المعبّرعن وحشية النهج الدكتاتوري الفردي المطلق.
لكن تلك الدروس النضالية لم تمرّ من دون العِبر والعظات الكفاحية وتعلّم أسس العمل في مجابهة خطابات الإفساد في مناهج عمل كل سلطة سياسية ونهجها القمعي الفاشي الطابع والهوية.. لكن النظام الجديد، غزا هذه المرة باجتياح ميليشياوي مجمل المجتمع وبنية الدولة وعموم العملية التعليمية ومن بينها غزو الحرم الجامعي وتشوّيه التعليم العام ومنه التعليم الأساس بصورة فجة مدمرة..
جديد النظام المشخَّص اليوم، كونه كليبتوفاشيا بجناحي هيكله البنيوي المافيوي والميليشياوي، يتجسد في تخريب مجمل (منظومة التعليم) بكليتها وعموم تفاصيل بنيتها بإطار تخريبه المجتمع وتفكيك مؤسسات الدولة وإعادتها لمنظومة ما قبل الدولة الحديثة أي أزمنة دويلات الطائفية والقبلية وتوفير الغطاء لزعماء الحروب من رؤوس قوى الفساد والعنف الإرهابي بكل مسمياته.
هنا باتت مهمة الطلبة واتحادهم ومنظماتهم الرديفة الأخرى، ولكن بالخصوص لاتحاد الطلبة العام رأس حركة الطلبة وقيادتها، أكثر تعقيداً بدءاً بتحصين التنظيم من الاختراقات من جهة وتمكينه من أفضل ثقافة تنويرية وقدرات التمسك بالتحصيل العلمي المرتبط بقراءة الأوضاع قراءة عقل علمي مكين لا اهتزاز فيه؛ لوقف زحف فعاليات تفريغ الأذهان وتسطيح مفاهيمها واغتيال العلم ومصادرته في فكر الطلبة بقصد حشو الأذهان ببديل النظام القائم على (خطاب الخرافة) وأباطيل (أضاليل التدين) المزعوم المُدّعى، فلا الخرافة من العلم ومنطق العقل بشيء ولا هي من الدين السوي الذي يقوم على حرية المعتقد وصحيح الإيمان بلا تجيير سياسي مشوّه بأمراض بلا منتهى..
إن اتحاد الطلبة العام اليوم يجمع بصورة أكثر وضوحا مما سبق من مراحل نضاله بين الوطني السياسي بمعطيات العموم كونه حلقة جوهرية مهمة في التحالف الشعبي اليوم وفي مقدمة حراكه من أجل التغيير وسط حركة الشبيبة وفقراء البلاد وكونه جزءا تركيبيا مهما من بنية العقل العلمي الوطني الذي يتعرض للتشويه والتفريغ بقصد حشوه ببدائل من نمط الخرافة المشرعنة بإسقاطات مزاعم التدين والعقيدة كما أكدنا للتو وهي ليست أكثر من (إسلام سياسي) بأعمق معاني المصطلح مما أوقع بالوطن والناس من زلازل وكوارثها الفاجعة..
ولا يسبق هذا النضال الوطني المهام الجوهرية الأساس، أي المهنية الديموقراطية، في متبنيات اتحاد الطلبة العام فهو المدافع الأمين عن الحرم الجامعي بل عن منظومة قيم التربية والتعليم وحماية فضاء العملية التعليمية من كل التشوهات الضاغطة التي فُرِضت بخلفية سلطة المافيا والميليشيا..
ومن أجل ذلك باتت قضايا اتحاد الطلبة ومطالبه المهنية الديموقراطية تنفتح على مطالب الطلبة بشمول وجودها وكالآتي:
1.   استعادة سلامة التعليم من التشوهات المرضية الخطيرة التي غزت أجواءه بصورة بنيوية كارثية.
2.   استعادة استقلالية الجامعة واشتغال المؤسسة التعليمية.
3.   إنهاء كل سلطة لرجال التدين بمرجعياتهم السياسية الحزبية الشوهاء.
4.   إعادة صياغة المناهج والمقررات على وفق سلامة الاشتغال المستهدف.
5.   تدريب جهاز التعليم مجددا بخاصة الدفعات التي باتت تنتشر بوجودها منقوص التأهيل في المدرسة وحتى في الجامعة.
6.   تطهير إدارات التعليم والجامعات والمعاهد من أصحاب الجلابيب والأعمة ممن لا علاقة لهم بعلم ولا بأي اشتغال تعليمي..
7.   تلبية حرية عمل اتحادات الطلبة وحقها بتوحيد صفوفها باستقلالية تامة عن مرجعيات حزبية تصادر سلامة عملها..
8.   وقف الملاحقات والاعتقالات وحتى ظواهر التصفية الجسدية للطلبة والتدريسيين وهنا الإشارة للعناصر النزيهة في الميدان.
9.   لجم كل القوى الميليشياوية عن التدخلات السافرة التي تنتهك الحرم الجامعي والتعليمي ومنعها من فرض نهجها الإجرامي وعدوانيته.
10.   إنهاء ظواهر الفساد والإفساد في العلاقات بين أطراف العملية التعليمية من إدارات ومعلمين وطلبة بمستوياته المدرسية والجامعية.
11.   رفض وضع أشخاص ناقصي التأهيل والخبرة في مسؤوليات لا يمكنهم أداءها سواء في إدارة المدارس أم في رئاسة الأقسام العلمية والمعاهد والعمادات ومراكز البحث.
12.   رفض المحاباة في الترقيات العلمية وإنهاء حجبها عن مستحقيها باستعادة سلامة دورة العمل بهذا الميدان بأسس أكاديمية رصينة.
ومما كنا سجلناه بوقت سابق دعما لحراك الطلبة واتحادهم كشف الآتي من المشكلات ومطالب الحل والتغيير:
1.   تعريض العملية التعليمية لتجاريب وتنقلاتها الصادمة ما انعكس وينعكس على كل من التدريسيين والطلبة وبالتأكيد على المخرجات التي انحدرت لمستوى تخريج عناصر شبه أمية إن لم نقل أمية..
2.   استمرار وجود كوادر تدريسية تعمل بنظام الكتاتيب والملّائية الأمر الذي يلغي شخصية الطالب ورعاية تنمية قدرات التفكير والاجتهاد والعمل!
3.   انتفاء الجوهر الحقيقي للبحث العلمي وعدم ربطه بحاجة حقول الحركة المجتمعية ودورانه في الشكلانيات بهزال شامل لمجمل الأداء الكمي لا النوعي فيه..
4.   عدم توافر الكتب والمقررات المنهجية مع خلل في نهجها وأسلوب إعدادها وانتفاء المصادر والمراجع العلمية الحديثة بخلل في منظومة المكتبات ومصادر الحصول على الدراسات الرصينة الحديثة..
5.   استمرار وجود مدارس الهواء الطلق في العراء والمهيّأة من جريد النخيل أو الطينية وتلك المتهالكة أو الآيلة للسقوط فضلا عن النقص الحاد بكفايتها حيث العمل بنظام الدوام المزدوج أو حجم الطلبة الكبير نسبة لحجم فضاءات الفصول الدراسية.
6.   وجود كوادر تدريس وإدارة لا ينطبق عليها مسمى كادر يمتلك الإعدادات المناسبة، بخاصة منهم العناصر الممثلة لأحزاب الإسلام السياسي وسلطتها الحاكمة دع عنك عدم أهلية كوادر كثيرة لإدارة الصفوف الدراسية والتعامل الدراسي بغير أشكال الخلل والفساد الموبوء المتفشي! عدا عن استغلال فكرة نقص تلك الكوادر بتلك التعيينات الموبوءة…
7.   افتعال العديد من الأنظمة المتضاربة ولعل موضوع الامتحانات والدور الثالث وأسلوب التعامل مع الطلبة الممتَحَنين أحد تلك الأمور..
8.   ومن أخطر المشكلات التخريبية هي ديموقراطية التعليم وإشكالية حرية التنظيم الطالبي بجانب الانتهاكات المستمرة للحرم التعليمي ومنه حصراً الحرم الجامعي وأخطرها المظاهر الميليشياوية وعنفها وتهديداتها وأشكال الابتزاز والبلطجة التي مارستها وتمارسها.. وهي تمرر بعض وقائعها بدخول معممين مجلببين وإسقاط المشيخة عليهم للتبرير لأفاعيلهم وكأن مصطلح شيخ فلان أو علان يمنحه سلطة فوق القانون وعصمة (حصانة) ضد المحاسبة القانونية وتمكنه من انتهاك الحرم الجامعي. إن الحريات لا تخضع لتزويقات ووعود بقدر ما هي ممارسة ميدانية محمية ومضمونة مكفولة رسميا وكليا نهائيا…!
9.   إن إشكالية القبول ومنه في الدراسات العليا بنظام المحاصصة وبالوساطات والتدخلات أهلكت مصير التعليم ووضعته في خبر كان..
10.   لكن أيضا وقبل وبعد كل شيء فإن منظومة التعليم بحاجة لقراءة مطالب اتحاد الطلبة ومعالجاته وإدخاله طرفا رئيسا في المحدد الذي يشترع للفعل التعليمي بما لا يسمح بعشوائية الاشتغال وتعدد منطلقات التشويش منذ التعليم الأولي وليس انتهاء بالتعليم العالي بل بحاجة ماسة نوعية للتعليم المستمر بعد خذلان مخرجات التعليم بالأساس.
11.   والطلبة الذي ينظرون بحذر وحسرة إلى المصائر المجهولة بشأن علاقة التخصصات العاملة بسوق العمل وبشأن إمكانات السوق على استيعابهم يدفعهم لأمور غير محمودة وغير سوية ما يتطلب دراسات فعلية جدية بالخصوص في استيعاب الخريجين والتعامل مع مطالبهم العادلة سواء بمعالجات استراتيجية أم تكتيكية عاجلة لا تقبل التأجيل والانتظار..
12.   والتعليم الأولي والعالي ليس بحاجة إلى وزراء تخصص أكفاء حسب، ولكن إلى ثورة (هيكلية) حقيقية وخطط استراتيجية ومراحل مرسومة بدقة تامة مع إنشاء مجلس متخصص من الكفاءات يكون مسؤولا بوصفه (المجلس الأعلى للتعليم)، عن الاستراتيجية ومتابعتها باستقلالية مع ولادة المجلس الأعلى بميادين التخصص والجامعات والكليات وتأمين الهيآت الأكاديمية القائدة..
13.   إن موازنة التعليم والبحث العلمي تظل ذات أولوية عليا بجانب ربط التربية والتعليم والثقافة بإدارة تتناسب والمهام المؤملة إذا ما انعقدت مهمة التغيير حقا أو على أقل تقدير إذا ما خضعت ولو نسبيا لضغط نضالات الطلبة ومنظماتهم وعلى راسها اتحاد الطلبة العام صاحب الخبرة والعراقة التاريخية..
14.   لابد من معالجة حازمة وحاسمة لمشكلات الأقسام الداخلية وإسكان الطلبة وتوفير وسائل النقل المناسبة بعموم أوضاعهم..
15.   إطلاق حملة مكافحة الفساد في التعليم بصورة ونهج وطني شامل وفي إطار استراتيجية تتخلص من أشكاله ومستوياته وتمظهراته وأشكال تخفيه..
وفي ذكرى تأسيس اتحاد الطلبة العام أتوجه للأعضاء وللهيآت القيادية العليا والمتوسطة بالتحية والتهاني على نجاح في التمسك بالمبادئ وسلامة العمل المهني الديموقراطي ولأفخر أنني شخصيا ومعي رائعات ورائعين من خيرة الطلبة في يومها كنا أعضاء الاتحاد العتيد ومسيرته النضالية ونبقى على العهد في ضخ الخبرات والمهارات ودعم الاشتغال المهني الديموقراطي بروح يحافظ على الاستقلالية وسلامة العمل ونهجه..
ونفخر بمنجز أعضاء الاتحاد اليوم وروعة متبنياتهم بوعي يتلاءم ومتغيرات الواقع ويرتقي لمستوى الهدف السمى لحركة الطلبة والشبيبة وتلبية مطالب تربط منجز التعليم بالمجتمع
معا نتابع الدرب نحو مستقبل أفضل لا يسمح لقوى التخريب بانتهاك سلامة المسيرة ونهجها وصحيح خطاه






5
اقرأ صحفاً ودوريات مهمة، عبر رابط موقع: ألواح سومرية معاصرة

ألواح سومرية معاصرة


تتنافس مرجعيات سياسية وواجهاتها الإعلامية بمحاولات أَسْرِالعقل الإنساني بقدراتها المالية الإنتاجية وتقديم اشتغالاتها وسط حالات الإبهار، وبعضها كمّن يدس السمَّ في العسل!

لكنّ صحفاً ودوريات تنتمي للناس وواقعهم وتعبر عنهم وعن أحوالهم وما يجري من خلف الظهر من قوى مختلفة! تلك الصحف تعتمد أقلام العقل العلمي برؤاه الوطنية والإنسانية وبمساره التنويري الكاشف عن الحقيقة تلك التي تقدم الحقيقة عارية (بالمقشَّر) ووجها لوجه مع صانعي الحدث فتعطي الكلمة الفعل (بالكصة) لمختلقي الفواجع والمواجع.. لكن تلك الصحف لا تجد سوى تكاتفنا وتفاعلاتنا كيما ننشر صوت الناس ونصل به إلى المستوى الأرقى وقدرة التأثير الأعلى.. فتفضلوا بالاطلاع على الصحف اليومية والدوريات الأسبوعية وغيرها عبر رابط موقعنا:

http://www.somerian-slates.com/category/various/%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d9%81-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a7%d8%aa/

6
بيان لمجموعة من المنظمات الحقوقية //مشروع طريق السبايا

 ‬

الفاضل العزيز الأستاذ نهاد القاضي المحترم أمين عام هيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق الموقر
تحية طيبة وبعد

أود هنا أن أثني بالشكر والتقدير لمبادرتكم والمعهد الكوردي للدراسات والبحوث بعرض المادة الخبرية والتحاور بصياغة هذا البيان وإمكان التحول إلى حملة وطنية وأممية للتصدي للجريمة الاستراتيجية في إشادة إمبراطورية الشر الظلامية بممر التغيير الديموغرافي الذي نرصده معا في هذا البيان.. وتذكر أن عدداً آخر من المنظمات قد أقر نص البيان ومضمونه أيضا مع التوكيد على التحول إلى الحملة بقصد توقيع منظمات أخرى بل وجود شعبي عريض لهذا التوقيع لأن المستهدف هو الشعب بكل مكوناته القومية الأثنية الدينية والمذهبية بغرض إعلان نسختهم من الإسلام السياسي  وظلامياته المفضوحة
إننا أذ نشيد بدور المعهد الكوردي في سلسلة أعماله التي تدخل في بناء ثقافة إنسانية وحقوقية فإنما نشد على أيدي الناشطات والنشطاء جميعا باتجاه الانتصار للعدالة وإنصاف الحقوق وحركة التنوير وسط شعوبنا
ونحن في المرصد السومري إذ نقدم موقفنا واجتهاداتنا الحقوقية نتطلع لمساهمة جميع الشرفاء في التصدي لتلك الجريمة الكبرى التي لن تسقط بالتقادم والتي لا تقف عند أعتاب قضايا تفصيلية هامشية بل تتبنى مثل هذه القضايا الاستراتيجية  المهمة والملحة

نرجو من صديقاتنا واصدقائنا التفضل بنشر البيان في مواقعهم ووسط أوسع جمهور حقوقي وتنويري لأننا جميعا مستهدفون بتلك الأعمال التخريبية التي تتستر بالدين والمذهب زورا وبهتانا وما يفضحها هو ما ترتكبه من جرائم ميدانيا بشكل سافر

معا وسويا للانتصار للعدل ولشعوبنا أهلنا من أبناء القوميات وأتباع المذاهب والديانات بكل ما تستحق من مؤازرة ونصرة وتضامن

شكرا عزيزي وتحية للمنظمات التي ظهرت لنا بهذا البييان ولجميع الفاعلات والفاعلين في نشر الحقيقة وتعرية الجريمة والمجرم وتقدميه للقضاء العادل


تيسير عبدالجبار الآلوسي
المرصد السومري لحقوق الإنسان


تجدون نص البيان مرفقا بقصد التفضل بإطلاعكم وتقديم الشكر لنشركم النص مع التقدير

From: Nihad Al Kadi <alkadi13@hotmail.com>
Sent: Friday, January 8, 2021 2:09 PM
To: الاستاذ عبدالخالق زنكنة <ak.m_zangana@yahoo.com>; غالب العاني <dr.al-ani@gmx.de>; تيسير الالوسي <tayseer54@hotmail.com>; حميد مراد <hamid_murad@yahoo.com>; الدكتور احمد الربيعي <ahmadalmusa2@gmail.com>; Mohammad Alssalami <azzagura5000@yahoo.de>; william warda <williamwarda4@gmail.com>
Subject: بيان لمجموعة من المنظمات الحقوقية //مشروع طريق السبايا
 

 
الاعزة جميعا المحترمون
 تحية طيبة
 
 في ادناه والملحق تجدون بيانا موقعا من مجموعة من المنظمات الحقوقية بخصوص مشروع طريق السبايا في مناطق الموصل وسهل نينوى المراد منه تمرير جرائم التغيير الديموغرافي لاتباع الديانات والقوميات في المنطقة
ارجو تفضلكم بالاطلاع والنشر لاهمية الموضوع
 تقبلوا تحياتي واحترامي
 اخوكم
 نهاد القاضي


المنظمات المتبنية للبيان
 

هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق 

المرصد السومري لحقوق الإنسان 

المنظمة العراقية المستقلة لحقوق الانسان في السويد

المركز العراقي الكندي لحقوق الانسان 

المعهد الكوردي للدراسات والبحوث     

 

7 كانون الثاني/ يناير 2021 






7

ظروف إشكالية معقدة تجابه التعليم والتلامذة خارج أسوار المدارس!
— تيسير عبدالجبار الآلوسي
البنية التحتية للتعليم خراب في خراب وبتعمّد وسبق إصرار من جهلة يسطون على البلاد برمتها وعلى يرامج مسيرة حياة موبوءة.. لكن أن يركز كل متحصص في محور اشتغاله ويدافع عن المسار الأنقى بعيداً عما تطاله يد التخريب تبقى مهمة رئيسة للتنويري من دون أن يكون بين مفرداته ولوج صراعات عنفية مرضية .. المهام التي تبني وتتقدم وتنير تحتاج لمزيد تمسك بالسلام ونداءات ستسمع حتما بيوم قريب في تجنب العنف وفي الخلاص من دواماته فلنكن حاضرين حيث تتطلب واجبات التصدي وبوسائل سلمية مكينة لإعادة بناء المدرسة والمعلم ومن ثمّ ملايين الأبرياء ممن قذهم العنف إلى أرصفة البؤس والتخلف وأمية تحرث في أرض الظلام لنتج قنابل الغد نريد أزاهير وبساتين منها بدل كل هذا المشهد فمحبة لكل من يدلي بكلمة في برامج الحياة


ظروف إشكالية معقدة تجابه التعليم والتلامذة خارج أسوار المدارس!

ليست كورونا بكل آثارها هي مشكلة التعليم أو معضلته، فكورونا عقدة ظهرت هذا العام لتلقي بأحمالها على كاهل مجتمع يغص بمعضلاته ليكون التعليم من أبرز ضحايا مشكلاته و\أو أمراضه العضال التي تفشّت على خلفية سطوة نظام كليبتوفاشي على نظام ما بعد 2003..

إن طلبة البلاد يئنون من عدم توافر المباني ومرفقاتها؛ لعدم وجود موازنات كافية وللفساد المستشري الذي أفشل أية مشروعات للبناء والإعمار وبقيت مدرسة من بين كل اثنتين متضررة كلياً أو جزئيا وغير صالحة للاستخدام.. فيما تغص المتبقية بنظام تعدد الدوام ضاغطة على طابع برامج المدارس وسلامة تلبيتها…

مشكلات الوصول إلى المتوافر من تلك الأبنية (المدرسية) قطعت الطريق أولا على الإناث وألقت بهنّ خارج المدرسة فيما أوقعت التلامذة الآخرين بعقبات جمة استنزفت فرصهم الفعلية للتعلّم…

المشكلات الأعنف هي تخريب الأبنية في الصراعات الدموية مع قوى الإرهاب وبين الهدم الكلي وتخريب بعض مرافق تلك الأبنية نجد الحرب نفسها قد دفعت إلى النزوح الداخلي والتهجير القسري الأمر الذي أوقع ملايين الأطفال بشبح الأمية وقد أحصت اليونسيف ومنظمات رعاية الحقوق في المخيمات ما يتجاوز الـ3.2 مليون طفل عراقي بلا مقعد للتعليم نهائياً…!

إن البنية التحتية للتعليم بلا رصيد فعلي يتلاءم وحجم ما أصابها من خراب وحاجة تقابل النمو السكاني حتى بقيت من أخطر (الركائز البنيوية الأساس) بلا اهتمام استثماري مخصوص بخلفية سيادة العنف والانشغال بالصراعات الطائفية المفتعلة المصطنعة وتكبيل الاقتصاد بالتعطل وتوقف عجلته وإبقائه رهين الديون ومنطق الاقتصاد الريعي والاقتصار على كل ما ليس استثمارياً، ما يؤسس لكارثة تدمير المستقبل عن عمد وسبق إصرار…!

وهذا يساوي خروج 90% من أعمار السن المدرسي خارج التعليم بخاصة في المحافظات (المتضررة) بالإرهاب ولعبة احتلالها بالميليشيات بدل منحها فرص إعمار وبناء وتقدم منتظرة..

إن واقع وجود الملايين خارج أسوار الدراسة والتعلّم يعني ترك الأطفال على أرصفة العراء بلا رحمة حيث ابتزازهم بالتشغيل في أعمال محظور اشتغالهم فيها.. وتعريضهم للابتزاز بكل أشكاله ومنه الاستغلال الجنسي والاتجار ببهم وبأعضائهم بلا من يمنع عنهم لا تلك الجرائم ولا حتى سوء المعاملة وانعكاساتها السايكوسوسيولوجية على تكوين شخصياتهم بما يخضع للعنف وتجلياته، في التجنيد في الميليشيات التي تجد سوقها جاهزاً بهم…

أما داخل المدارس المكتظة بأطفال مُكرَهين على مختلف أشكال الممارسات السلبية التي شوهت البرامج الدراسية حيث فرض دروس ومقررات عن الموت والقتل وطقوس ما أنزل دينٌ بها من سلطان الجنائزيات والمقاتل لأطفال بعمر الزهور! دع عنك عدم إعداد المعلمات والمعلمين ووجود مستخدمين أميين يمارسون المهمة تسويقاً لبرامج دخيلة لا علاقة لها بالتعليم.. وطبعا مع نقص فادح في أعداد المعلمات والمعلمين أنفسهم…

ومع انعدام موازنة فعلية للتعليم ومع انتشار جرائم المخدرات والاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر ومع تركّز جرائم الاغتيال والتصفية التي طاولت المئات والآلاف تواصل النزيف بهروب التدريسي والتلميذ مذكرين هنا بمسيرة دموية فغيّبت حيوات مئات الأكاديميين والمحامين والقضاة والإعلاميين لتلحقها سياسة إغلاق ربما اضطراري الخلفية بخلفية كورونا إلا أن عشرة ملايين من التلامذة لا يجدون البديل الفعلي للمدرسة بوجود (بعض) الاتصال الألكتروني غير الممنهج…

إن حلا واقعيا ينبغي أن يأخذ بالحسبان حقيقة أن ترك التلامذة خارج مقاعد الدراسة قضية تعني اغتيال مستقبل مجتمع لا اقتصاديا سياسيا بل استيلاد قنبلة إرهابية موقوتة تهدد المجتمع البشري برمته بسبب من تحويلهم إلى سوق للمخدرات ولكل أوبئة جحيم العتمة والظلام وما يجري تحتها من تجنيد واستغلال من إرهاب مشرعن..

إن قضية حقوق الطفل والطفولة في العراق ستبقى واحدة من أخطر ما يجابه لا المجتمع العراقي بل المجتمع الإنساني برمته إذ أننا ينبغي أن نُعنى بتبعات ترك ملايين الأطفال بعيداً عن دروس تعليمهم وتربيتهم وصقل مساراتهم بموضوعية وعقل علمي المنهج والغاية…

إن مشكلة البناية المدرسية ليست وحدها إذن هي ما أودت بالتعليم في عراق كان الأول شرق أوسطيا وانتهى من الأمية ليعاود اليوم بنسبة أمية تستفحل وتستشري حتى باتت تخترق هيكل وجودنا بمستوى يشير لوجود معلم مشوه المعرفة يعاني من عثرات كفاءته ومهنيته..

ومشكلتنا ليست فقط بأن الأطفال بين ست سنوات إلى 17 سنة هم خارج أسوار مدارسهم بل في أنهم يضطرون لافتراش أرصفة الاستغلال وجائحة تطل عليهم برؤوس مختلفة من المعضلات المرضية الأخطر بأوبئتها فتفتك بمنظومة القيم وتحيلهم إلى أدوات سهلة التوجيه لكل ما يعادي أنسنة وجودنا..

لقد اقتطع الأجداد والآباء من لقمة عيشهم كي يعلّموا الأبناء، إناثاً وذكوراً وكان المعلم بأفضل مكان ومكانة مجتمعيا وكانت القيم بأسمى ما يحفظها ويديمها ويتقدم بها وكانت الأنشطة المدرسية مرعية لا من الدولة بل من المجتمع حتى وإن كان الناسس حُفاة فالعقل وبناء الإنسان جوهرة أساس لم يفرط بها مجتمع الأمس…

وايا كانت الظروف والمصاعب والمصائب فإن التعليم كان إلزامياً مجانياً وعيوبه كانت بحدود ليس بينها التسرب الجماعي المليوني للتلامذة! ولا إكراه ملايين أخرى على تعلّم مقررات لا علاقة لها بالمعارف والعلوم بل هي تعبير عن فرض رؤى جهلة على حساب التربية والتعليم..

إن الكارثة تبقى باستمرار كامنة في إرهاب الناس وإرعابهم لمنعهم من أي شكل يتصدى لعبث مقررات تنتهك طفولة التلامذة خدمة للامنطق التخلف وخطاب الخرافة والقدسيات الزائفة..

هبوا أيها الشعب الذي بدأت معه المدرسة وبنى مهد التراث الإنساني.. هبوا يا من كانت عاصمتكم مقصد الدارسين والباحثين عن العلم .. هبوا يا بنيتم أعرق الجامعات والمعاهد وأسستم لمناهج الفلسفة التنويرية.. هبوا لإنقاذ أطفالكم من عبث إلقائئهم على قارعة طريق وأرصفة تجهيل وحشوهم بالخرافة ليكونوا جنود مجموعات تسلّح أو اتجار بموبقات الفساد والجريمة…

أطفال العراق في مصيدة فليكن التعليم أهم مشروع من مشروعات التغيير ومطلبه الأعمق والأشمل. قدموا استراتجيات العمل وشروط تجنبه قوانين الفساد واستغلاله لقواه وبقواه…

 


8

كيف نقرأ التكييف القانوني للانتخاب في الوضع العراقي؟ وحقوق الناخب في المشاركة الحرة تعبيراً عن إرادته من عدمها؟

تيسير عبدالجبار الآلوسي
لطالما استغلت قوى السلطة وأركانها المافيوية اللصوصية والقمعية الفاشية وجودها على رأس مؤسسات الدولة لتجيرها لمآربها وغاياتها بشرعنة ما تراه فبدأت بدستور ملغوم مكتوب بلغة سياسية لا بخطابه القانوني ومرت على مجمل القوانين الدستورية لتضعها بتكييف يتلاءم وحصر تلك السلطة بين يدي زعماء حربها .. لعل موضوع التكييف القانوني للانتخاب من جهة والأسس القانونية الدستورية لوجود مؤسسة مهمة كالمحكمة الاتحادية يشوبها العوار الدستوري بوضوح ما يتطلب موقفا جديا مسؤولا لكشف طابعه  ولمتابعة قراءءة حال اختلاق الثغرات المقصودة تمريراً للمآرب والغايات التي هدمت الدولة العراقية ومكنت تلك القوى من الاختراق البنيوي الهيكلي ومن ابتزاز المجتمع واستغلاله أبشع استغلال… تجدون تسجيل فيديو لندوة بالخصوص في داخل الموضوع
كيف نقرأ التكييف القانوني للانتخاب في الوضع العراقي؟ وحقوق الناخب في المشاركة الحرة تعبيراً عن إرادته من عدمها؟
الأساس في الديمقراطية أن تحتكم السلطة إلى إرادة الشعب بمعنى أصوات المواطنين المعبر عنها في انتخابات حرة ينبثق عنها نظام سياسي تتحدد العلاقة فيه بين الحاكم والمحكوم وعليه فالانتخاب أداة أو وسيلة للبناء المؤسسي وليس غاية وبمعنى آخر فإنَّ الشرعية الحقيقية تقوم على الوصول إلى الرضا الشعبي، ما لا يتحقق بأي تزييف (انتخابي) وإنما بشكل أكيد ما يتحقق عبر وجود حرية الاختيار وكفالتها وضمانها بتوافر المساواة والعدل اللذين يمران بمنطقة حماية التنوع والتعددية ومجموع الحريات الأساس الخاصة والعامة..
ولتوكيد حرية الاختيار سيكون علينا أن نرصد ونجد انتخابات تبدأ بإجراءات تنظيمها وتنتهي بنتائجها المعتمدة دستوريا.. وسيكون أيّ خلل في أطر تنظيم تلك الإجراءات إخلال بمخرجات الانتخاب ومن ثم تزييف لنتائجها بالطريقة التي قد تكون بقصدية وتعمّد لمصلحة سلطة أو نظام بعينه، أشير على سبيل المثال إلى إشكالية المحكمة الاتحادية وإلى قانون الانتخابات دع عنك الأمور الإجرائية من قبيل نزاهة المفوضية وصيغة قانون الأحزاب والتجاوز عليه وعلى نصوصه وروحه علناً وبصورة سافرة تستغفل بشكل فاضح المواطن مثال تأكيدها على عدم ترشيح زعامات المجموعات المسلحة وهم أعضاء حاليين وغيره كثير مما يخص هذا القانون والنظم الحزبية..
من أجل ذلك، لابد أن نعي معنى التكييف القانوني الحقوقي للانتخاب وما يجابهه الشعب العراقي اليوم على سبيل المثال بتوجهه نحو انتخابات يريد منها تغيير النظام.. وإذا كان الشعبُ قد امتنع عن التصويت في الانتخابات الأخيرة بنسبة فاقت الـ80% بمعنى المقاطعة تعبيراً عن رفضه شروط الأداء وما أحاط بها فإننا شاهدنا مكامن الاعتراض والاحتجاج الشعبي في الحجم الحقيقي للتزييف والتزوير الذي انتهى كعادة اللعبة الانتخابية العراقية بأن كانت الصناديق بمنطقة والنتائج في أخرى؛ دع عنك مراحل الأداء وإجراءاتها مما تم تفصيله على مقاس أحزاب السلطة ونظامها سواء بشروطه القانونية أم الفنية المخصوصة.. فكيف يأتي التغيير والسلطة نفسها هي من يحدد العقد الاجتماعي برمته لاحظ قضية الدستور المعطل التعديل منذ نهائية 2007 حتى يومنا؟ وكيف يأتي التغيير والقوانين تفصَّل على مقاس بعينه ويتم التحكم بها على وفق المنتظر منهم وزعاماتهم بما يعيد إنتاجهم.. بوقت ندرك أن الحكومات الانتقالية والمراحل الانتقالية تتضمن إعلانا دستوريا بديلا عندما يختار صاحب السمو الدستوري أي الشعب تغيير عقده الاجتماعي\ دستوره ونظامه السياسي..؟
وعليه، فلابد هنا من أن نشيع الوعي المتخصص لنفرض إرادة المواطن في صياغة العقد بين الحاكم والمحكوم ونظامه السياسي الذي يختاره ديموقراطيا.. ولأجل ذلك نذكر بأنَّ صيغ التكييف القانوني للانتخاب تقع بين ثلاثة توجهات للفقه القانوني:
اعتمد الأول كون الانتخاب حقاً شخصياً للفرد بوصفه عضواً مجتمعيا بدولة بعينها لا يملك طرف ما أياً كان، حرمانه منه… ولأنه حق شخصي فإنه يملك حق ممارسته أو عدمه، ومن ثمّ فهو ليس إجباري الأداء.. ولأنه شخصي فهو حق يمكن تداوله أو التصرف به بالاتفاق مع آخر\ آخرين، الأمر الذي يتنافى مع حقيقة الانتخاب واجباً يعود للشأن العام تنظّمُهُ الكينونة المجتمعية للأمة \ الدولة…. على أننا نتذكر وضع المواطن العراقي واستلابه حقوقه وحرياته حداً لم يتمكن فيه من حرية التعبير والاشتغال المجتمعي في الشأن العام إلا بحدود خدمة طغاة جدد يحكمونه باسوار التضليل الديني مرة وتكفيره بذرائع متناقضة لكنها تبرر وجودها وفي أحيان أخرى بسلاحهم الميليشياوي المنفلت المشرعن وغير المشرعن فضلا عن العبث بالمال السياسي الفاسد والمفسد المتأتي لصوصياً..
أما الاتجاه الفقهي الآخر فقد اعتمد على كون الانتخاب حق لأداء الحق العام وظيفة اجتماعية سياسية عامة حيث الأمة \ الشعب شخصية قانونية واحدة لا تتجزأ ولا تتوزع سيادتها على الأفراد وبينهم وإنما يُكلَّفون بواجب أو وظيفة (الحق العام) اختيار ممثلي الشعب\الأمة.. مع انتباه على أن هذا الاتجاه يقسم المواطنين بين إيجابيين يتمتعون بالأهلية في ممارسة الحقوق السياسية وسلبيين لا يمتلكون حق الانتخاب وإن امتلكوا حقوقهم المدنية.. بمعنى أن الاقتراع ليس كما الاتجاه السابق اقتراعاً عاماً وإنما هنا الاقتراع مقيد بشروط وبأن التصويت إجبارياً..
إنّ هذا يرتّب إمكان إلزام المشمولين بالانتخاب بالتصويت وربما ترتبت عليهم غرامات بحال التخلف عنه ولأنه وظيفة بمعنى اختصاص دستوري فهو تكليف محدد بمشمولين بعينهم.. وسأترك التطبيق العراقي بشأن هذا الخيار.
ولكن الأمور قد تكون مؤاتية وأكثر نضجا وسلامة في الخيار الثالث الذي يعتمد كون الانتخاب سلطة قانونية مقررة على الناخب كوظيفة؛ تحقيقا للمصلحة العامة لا للمصلحة الشخصية.. واستناداً إلى هذا التكييف القانوني فإن للمشرِّع، ممن تحدده المواد والقواعد أو الأعراف القانونية، له أنْ يعدل بشروط، ممارسة الانتخاب على وفق مقتضيات المصلحة العامة. حيث يفرض التكييف أيضاً  ألا يتمكن الشخص من تداول الحق و\أو التنازل عنه أو الاتفاق بشأنه وعليه مع آخر\ آخرين؛ كما يشار إليه في الاتجاه الأول.. بمعنى الجمع بين الحق الشخصي والحق العام وتوفير آليات أداء أشمل في تكاملها الوظيفي.
وتكييفاً للبعد القانوني في الانتخابات ولأن المواطن يمكنه الإحجام عن التصويت بحال اختار رفض نظام التصويت ذاته أو أراد التعبير عن عدم رضاه عن كل الخيارات المطروحة وعن رفضه النظام السياسي ذاته، يمكن للناخب أن يمتنع عن التصويت حتى لمجرد أنه رأى عدم امتلاكه معرفة كافية بمسارات الانتخاب المطروحة أو وجد أنه تم استبعاد رؤاه مما تمّ تشريعه  بما لم يوفر له القناعة الكافية بالتشريع، قانون الانتخاب، أو أيٍّ من إجراءاته.. أذكّر هنا بأن (مجلس نواب) السلطة يفصل الأمور على مرامه كما يتبدى من سير النقاشات ويستبعد ممثلي الصوت الشعبي من ممثلي ميادين الثورة الشعبية السلمية المحملة بجراحات فلاغرة وبدماء نازفة أنهارا بلا من يحدد المجرم المحدَّد جهارا نهارا ويجلبه للمقاضاة ألا وهو السلطة وأجنحتها الميليشياوية فيما السلطة بحكومتها الحالية تبحث عن منفذين بالاسم وكأن القضية جنائية عادية بلا دافع سياسي مفضوح.
وبحال الاتساع وللتفصيل، فإن دواعي عدم المشاركة في الانتخاب، قد تعود لسيادة العنف السياسي والقهر والحرمان لأي سبب ادعته السلطة بما يجعلها تتحكم بتوجهات مخرجات العملية الانتخابية من قوانين وتشريعات وآليات أداء، فضلا عن عدم توافر البيئة وفضاء المشاركة من دوافع تتأتى من جسور علاقة صحية بين السلطة والمواطن، فهل تتوافر تلك الأجواء عراقياً اليوم؟
إن إطلاق تصريحات غير فاعلة ولا تؤدي مهام توفير شروط الانتخاب، هي جزئية رئيسة وخطيرة من إشكالية التكييف القانوني، تدحض [محاولات] حتى ذوي النيات الحسنة، عندما تفشل بأداء مهام توفير الاشتراطات التي ينبغي توافرها لأي انتخابات شفافة منصفة نزيهة وعادلة..
لكننا لا نقف عند حدود الإجراءات المخصوصة بالحكومة المعبرة عن السلطة السياسية ولكنها تمتد إلى أنه لا مجال للحديث عن سلامة انتخابية من دون وعي كاف بمعنى قضايا من قبيل التعليم والدخل أو الأمور المعاشية. إن تشويش التعليم وتخلفه أو تراجعه يدفع لانخفاض المشاركة كما أن موارد الفرد المختلفة تؤدي لاختلاف الفئات بحسب الدخول المتحققة بين الفقر والفقراء والغنى والأغنياء..
وددت في إطار التكييف القانوني أن أشير إلى النظم الانتخابية وكيف توفر دافعا للمشاركة الفاعلة أو تحدد تلك المشاركة وتضيق دائرتها وتحرم فئات كبيرة من دافع المشاركة. على سبيل المثال: قضية تعدد الدوائر بين تطبيقها على الظرف العراقي القائم أو الدائرة الانتخابية الواحدة.. ومعنى شمولها مواطني الدولة بلا تمييز أو تجاوزها على ظرف مجموعة قومية أو إثنية أو مذهبية… أذكّر بقانون إدارة الدولة ومرحلة وجدنا فيها الجمع بين الدائرة الوطنية الواحدة وبين دوائر بمستوى المحافظات، فيما اليوم يرسمون للدوائر المتعددة في ظل نفس اللعبة من عدم توفير الإحصاء الرسمي وعدم الانتهاء من ترسيم التقسيمات الإدارية الفديرالية للأقضية والدوائر الانتخابية المقصودة وهي بالعشرات!؟
كما أود هنا أن أشير إلى سانت ليغو سريعا بوصفه نظاماً و\أو آلية بعينها بخاصة هنا عراقياً بالقانون المعدّل على طريقة رفع النسبة إلى 1.9 بما جار ويجور على فئات وأحزاب بعينها… مثلا أحزاب الميادين الناشئة وتلك الفقيرة مادياً مقابل حيتان الفساد واللصوصية من طبقة الكربتوقراط التي نمت وتفاقم أمرها طوال 17 سنة من النهب والقرصنة واليوم تدخل التنافس بأسماء تتستر بها من قبيل تسمية المدنية والوطنية الزائفة التي لا يهم المتاجرين بها التسمية، قدر اهتمامهم بالمخرجات التي يناورون بها الذهنية السائدة…
يتبع
للاطلاع على الندوة المتلفزة بهذا الموضوع يرجى التفضل بالضغط على هذا الرابط
https://youtu.be/OQtvK0KcW28
 


9
ما أسس تفعيل عناصر الحملة الوطنية للتغيير؟

تيسير عبدالجبار الآلوسي
“إنَّ التقدم الفعلي نحو طريق (التغيير) يتطلب، فيما يتطلبه: توكيد الطابع (الانتقالي) للحكومة بأداء مهامها ممثلة بحلّ مجلس النواب واللجان الاقتصادية وحظر التشكيلات (الحزبية) المزيفة، ذات الجوهر المافيوي الإرهابي”.
ما أسس تفعيل عناصر الحملة الوطنية للتغيير؟
مع الالتفات إلى أهمية العامل الذاتي لبناء كونفديرالية الجبهة الشعبية وإلى أن ذلك هو الموجِّه في الحراك إلا أننا لا يمكن أن نغفل الدور المؤمل في (الحكومة الانتقالية) التي يلزمنا ألا نقف سلبيا نهلستيا منها وألا يكون أي جهد لنا بالضد من أي إنجاز لها يصب إيجابا بالهدف الأبعد.. إنَّ فكرة أن ندفع باتجاه التغيير يعني أحد أوجهها أن نعمل على وضع الخطى الإيجابية بموضعها كي لا تجيَّر للتراجع في مرحلة من مراحل العمل، بمعنى أننا نأخذ المتاح إيجاباً من الإنجاز من تلك المؤسسة (الانتقالية) لصالح الشعب ونتابع لفرض الأفضل والأكثر أثراً.. فلنتابع معا وسويا مستفيدين من الشعبي وحراكه وقواه التنويرية ومن الرسمي الحكومي وما متاح بإطاره مما يتطلب دائما تفعيله وتشجيعه بالمنطق الأنجع والنهج الموضوعي المتكامل لا النهلستي العدمي، وطبعا هذا لا يعني إهمال تأشير السلبي ومناطق الاستعداد لأي انحراف في الأداء.. وتحايا لكل الجهود وأدوارها بحركة التغيير

هل نمتلك شجاعة النقد الذاتي بنيويا؟ وهل نمتلك إرادة الفعل حيث تلبية ما بتنا – ولو بحذر – نؤمن بأننا ملزمون بأدائه، أي أن نغير بأنفسنا لنغير ما بواقعنا؟ فلنقرأ وسائل تفعيل وتعريف بأسس التغيير وأولها بناء منصة العامل الذاتي القادر على التأثير حيث ندائي من أجل (كونفيديرالية الجبهة الشعبية) فإلى هذا الميدان ألفت النظر بمعالجتي المفترحة هنا
وقبل مزيد تفصيل بالمحاور، لابد من التأكيد على أنَّ الخيار بين (تغيير) و (إصلاح) قد حُسِم عراقياً لصالح اختيار (التغيير نوعياً جوهرياً) وبصورة كلية شاملة. أما لماذا؟ فإنَّ الإجابة تكمن في القناعة التي توصَّل إليها الشعب وحراكه السلمي من استغلاق أيّ طريق لخيار (إصلاح)، لأنه لم يعد يعني سوى ترقيعاً لا يسد حجم الشق الذي استباح خرقة نظام مهلهل أودى بالدولة إلى انهيار وبالسلطات إلى اختراقات هيكلية بنيوية وبلا حدود سواء بالطابع الريعي للاقتصاد ومنع أي فرصة لاقتصاد استثماري للبناء والتقدم أم بالطابع المافيوي اللصوصي للأداء أو في الخطاب المشوه لاعتقادات المجتمع وحريته فيها بفرض منظومة أداء سياسي للطائفية وتخندقاته وآلية إلغاء اشتغال الدولة الحديثة بذريعة (مرجعيات) الزيف الديني للتلاعب بذهنية محشوة بالخرافة ودجلها ومجمل ذلك بات مفروغا منه وضعته انتفاضة أكتوبر العراقية خلف ظهرها…
ولكن اختيار طريق (التغيير) يتطلب ما هو أبعد وأكثر من تحول انتفاضة أكتوبر نفسها إلى ثورة، تلك التي نحيا تفاصيلها اليوم وإنْ اختلفت رؤى تقويمها (نظرياً) بين انتفاضة وثورة. إذ أنّ إمكان نجاح الأداء وإنجاز التغيير، تتطلب أيضاً: توكيد الطابع (الانتقالي) للحكومة؛ بمعنى اشتغالها بمحددات قوانين (الحكومة الانتقالية) ولوائحها الأمر الذي يعني استكمال إجراءاتها، بـ حلّ مجلس النواب لمنع (كتله\أحزابه) السياسية الطائفية التي شوّهت البلاد طوال 17 سنة، من محاولات إعادة إنتاج وجودها.. وذاك الموقف يحدث عبر حلّ أذرع ما تمّ تسميته أحزاباً وإنهاء تفشي انتشار الأسلحة فوراً مع إنهاء وجود (اللجان الاقتصادية)، أيّ أدوات النهب اللصوصية.
إن هذه المهام المباشرة تستند إلى حقيقة، أنّ حظر التشكيلات المراوغة القائمة على أسماء مزيفة، إنما لكونها تستخدمها لمجرد التضليل والتمظهر بالطابع (المدني) فيما جوهرها، يبقى كما هو من حيث الهوية والطابع، مستمراً بارتكاب جرائمه بقيادة زعماء (حرب) ونهج مافيوي قمعي فاشي، متخفٍ تحت أغطية التستر بالقدسية الدينية زائفة المزاعم والادعاءات..
إلى جانب ذلك، فإنّ من أسس تفعيل عناصر التغيير، سيتطلب الأمر موقفاً حازماً حاسماً، من طرف الحركة التنويرية بتياراتها الثلاثة: (اليسار الديموقراطي والقومي التقدمي والليبرالي)؛ حيث يتجسد الواجب هنا، في إنجاز مُلْزِمٍ لـ(كونفديرالية الجبهة الشعبية) بين تلك التيارات، والدفع بقيادة وطنية لتلك الجبهة الشعبية؛ تكون هي حصراً، منصة التفاوض مع المجتمع الدولي وربط العراق بجسور علاقات متوازنة مع أطرافه الأهم، مع لعب دور حكومة الظل الموجِّهة، على المستوى الوطني، يدفع بالحكومة الانتقالية نحو مسارها الصحيح بما لا يسمح بوقوعها أسيرة ضغوط الكتل الطائفية المافيوية الفاشية ويمنع انفرادها بها عبر بوابة ما يسمونه مجلس النواب أم عبر زعماء كتل تحظى بقوتها مما غرسته طوال 17 سنة…
ولكن، كيف نلخص أسس الحملة الوطنية للتغيير وتفعيلها؟
إنّنا يمكن أن نؤكد الآتي من العناصر جوهراً أدائياً للتغيير مركَّباً من قادة الفعل ومن برامجهم وأدوات اشتغالهم وهو ما نوجزه هنا بـ:
1.   إدامة أنشطة الحراك الشعبي الاحتجاجي السلمي واعتصاماته.
•   حيث تعزيز صلات الحراك بجماهيره الشعبية، من خلال التفاف حوله والتبني الأعمق لوجوده واستمراره.
•   تمكين الحراك ماديا من منصات العمل والتقدم بأدائه، بقدرات تعويضية لأية خسائر مما تُحدقه هجمات أعداء التغيير.
•   إدامة التغطية الإعلامية الواسعة والكبيرة سواء المحلية أم العربية بمنهج محسوب بدقة وموضوعية..
2.   إعادة بناء التنسيقيات الميدانية المحلية والوطنية ودفع بنى تنظيمية تتناسب والمهام بعقد مؤتمراتها.
3.   تحديث مستمر لبرنامج العمل وخطى مهامه ومستهدفاته في ضوء متغيرات أداء السلطة ومراواغاتها وأضاليلها.
4.   تشكيل قيادة (كونفديرالية الجبهة الشعبية) ومنصاتها الفرعية التخصصية القائمة على جذب العقل الوطني العراقي لميادين الفعل الميداني.
5.   عقد الصلات الدولية تحديداً بالمنظمات المتخصصة القادرة على الدعم الحقوقي السياسي وتنظيم المذكرات والمطالعات القانونية للتقاضي مع أطراف الجريمة بترتيب الملفات بصورة متخصصة وناضجة..
6.   نشر برامج العمل وخطاه والتثقيف بها شعبيا وقبلها وبعدها تدقيق تلك البرامج من النخب المتخصصة وتثبيتها مطالب نوعية واجبة الأداء.
7.   فرض برامج المرحلة الانتقالية، خطوة فأخرى على الحكومة الانتقالية.. ومراقبة أدائها في ضوء تلك البرامج…
8.   تشكيل المجلس الوطني للعلوم والآداب والفنون وتفعيل اشتغاله، فورا وبلا تردد وربط المنظمات والجمعيات والشخصيات الثقافية ببنيته واشتغالاته.
9.   تفعيل دورالقيادات الوطنية للنقابات والمنظمات المهنية الديموقراطية ولعل هذه الفقرة تبقى من أخطر أدوات التفعيل التي نعتمدها، منعاً لاستمرار التلاعب بها من مراكز النظام الكليبتوقراطي الفاشي.
10.   الإصرار على حصر التفاعل بحكومة انتقالية ملزمة بأن تحل مجلس النواب وتهيئ فعليا للانتخابات بشروطها الشعبية.
إنّنا إذ نتحدث اليوم عن تفعيل الأداء فهذا ليس أمرا عابرا ويقع بضمن سياقات (عادية) ولكنه بات ملزما بين ركوب المهمة أو خسارة كل التضحيات الجسام لصالح نظام يمتلك فرص الحركة والمناورة بلا حدود…
وعلينا إذن، أن نغير ما فينا بمباشرة الفعل الذي يبدأ بتكوين قيادة وطنية لقوى الشعب ولنشرع بها ممن يلتحق أولا بالمهمة.. فكل تلكؤ في بناء قيادة القوى التنويرية الديموقراطية سيمنح فرصا أكثر لأعداء الشعب.
فمبدئيا هناك عناصر بينية غير مستقرة لم تنضج سياسيا تندفع بين الفينة والأخرى نحو زعامات الفساد متكئة على منصات تلاعباتها اللفظية وتعقد معها لا اجتماعات مناقشة إنهاء صفحة والشروع بجديدها بل تصل لتحالفات تحت مختلف التبريرات ومثل تلك اللقاءات وما نجم وينجم عنها إنما تتوكأ على وهم أن الزعامات الطائفية المافيوية تمتلك جمهوراً وأنها لا تمتلك ذاك الجمهور ما يدفعها لذرائع وتبريرات بلا منتهى لا علاقة لها بما يسمونه وهماً النظرة الواقعية المتمحصة المتمعنة وإنما تكشف عن أثر النظام وأركانه فيها وارتعابها من السير في خضم المهام المناطة بها..

هنا بالتحديد سيكون لوجود منصة التنويريين (كونفيدرالية الجبهة الشعبية) قوة وقدرة على منع تلك الأوهام وتأثيراتها الجانبية القاتلة حتما …
إن بناء المشروع الوطني البديل المستجيب للثورة الشعبية ومطالبها في ضوء مهمة التغيير لا ترقيعات إصلاح لم تعد قادرة حتى على تلميع وجه النظام يقتضي تغييرا بنيويا ذاتيا ونقديا شجاعا وقناعة بقدرة القوى التنويرية بتياراتها على بناء منصة القيادة وتسلّم دفة ربان السفينة العراقية..
لقد انتهى زمن خلطة العطار السفيه بأستار التدين المشوه للدين ولمبدأ حرية الاعتقاد والقائم على منطق الخرافة وإفشاء وبائه، انتهى من معاجم الشعب وحراكه وترك الأمور تعود سبهللة يمنح سلطة الكربتوقراط فرصا يحتاجها لإعادة ترتيب أوراقه ولكن هذه المرة نحو إقامة الفاشية الدينية بعد انتهاء زمن الترقيع الذي اعتاش طويلا على كواهل الناس..
إن الريعي اليوم لم يعد يكفي واستفحلت الأزمة حدّاً أنهك الشعب وحوّله لمجرد أفراد لاهثين خلف دنانير بلا قيمة وسلعاً منتهية الصلاحية قاتلة مفروضة عليه بمنعه من الإنتاج وبقطع فرص الاستثمار وإعادة البناء وتبوير أرضه وتصحرها وبتعطيشه بعد تجويعه حد جرائم الإبادة الجماعية..
فهل بعد هذا المشهد من فرص استرخاء أو متابعة تقليدية لانتفاضة ما كادت تتحول إلى ثورة حتى بدأ الذبح على المكشوف \ المفضوح حتى من بعض أبنائها ممن يلتقي زعماء الحرب على الشعب..
إنني أغير بندائي من مهمة خلق منصة قوى التنوير وقياداته بكونفديرالية الجبهة الشعبية إلى التوجه للحراك الاحتجاجي الميداني كي يكون هو المبادر في تشكيل تلك النواتات المؤملة ويكون الضاغط على قيادات التنوير المتشظية المفككة ولكن الأمل الوحيد الباقي بمنطق توحيدها والسير حثيثاً إلى الواجب الملزم غير القابل للتأخر..
إن تصريحات تلك القوى الحية باتت أقرب إلى النضج والقناعة بهذا المشروع وتفعيله ولكننا ندرك أيضا أننا لسنا ملائكة ونملك كثيرا من الشوشرة والآثار والندوب أثخنتنا بها قوى الجريمة.. إنما الصائب الصحيح أن نحاول تجاوز آلامنا الممضة ونعض على الجرح الفاغر وأن نتجاوز نواقصنا المغروسة ببعض سمات استعراضية لا نفع فيها بل مضرتها مشهودة من قبيل تضخم الأنا وانجرار لتعبيرات صدامية بمستويات فردية مشخصنة أم بمستويات جمعية منظماتية..
فلنتفق على قاسم مشترك يكمن في خلق منصتنا التنويرية وقيادتها كونفيدرالية الجبهة الشعبية لأنها منصة الشعب الأمل الوحيد ولا مناص.. أما أن يدعي أيّ منا امتلاك الحقيقة والطريق خارج وجودنا ولقائنا الجمعي توحدنا قواسمه المشتركة فإنّ ذلك خير شروع بتسليم الفاشية الدينية مقاليد استعبادنا أولا وتصفيتنا ومن ثم استعباد الشعب والانتهاء منه لقرن من الزمان سلفا..
ألا فإني أتوجه إلى كل من يحتل اليوم مقعده بقيادة تيارات الحركة التنويرية الثلاثة ليباشر من فوره تفعيل أسس التغيير بلا انتظار فالجرح نازف ولا يتحمل طويل انتظار.. والجرح هو الشعب وبين أن يكون مع قيادة جاهزة للتغيير أو يسلم قياده للآخر العدو لحظة تاريخية ليس غير..
وعليه، فإن إحداث شروط التغيير ((تنتظر)) موقفا حاسما يعلن هذه الكونفيدرالية للجبهة الشعبية بلا تردد ومماحكات واشتراطات ليست من طابع اللحة التاريخية ولا تحتمل الظروف سجن الناس أو أسرهم بإطارها لأن زمن الفاشية الآتي لن يبقي لأي منكم فرصة وجود بأي شكل ومن يظن ويتوهم أنه بدبلوماسيته يحافظ على رفيق في حزبه سيقدمه لقمة سائغة في الغد القريب!
إليكم رسالتي ندائي ولات ساعة مندم فلقد كثرت وقائع الندم والتحسر وكثر معها ترداد عبارة لو فعلنا كذا وقمنا بكيت.. فلنفعّل أسس التغيير وعناصره ونحن قادرون فافعلوها بلا تردد أو تلكؤ
لا تتركوا الأفراد الصالحين يكافحون منفردين وحدهم ضد تيار سلطة أسفرت عن فاشيتها والكل يشهد.. كونوا معا بمنصة التنوير تجذبوا الحكومة برمتها لمساركم ، مسار الشعب فهل من بديل غير هذا؟ وهل من فعل له قيمة غيره؟ لا تأنسوا لتصريحات وبيانات وحملات بل تقدموا لخطوات تالية أعلى صوتا واقوى أثرا وفعلا




10
التعليم الألكتروني ما قبل كورونا وما بعده
 
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
مقتبس: “لقد خاض تحديث التعليم معارك شرسة ضد العقلية المحافظة المتزمتة، وهو اليوم يجابه معارك استثنائية أخرى تظل بحاجة لقرار شجاع ينسجم والمتغيرات التي فرضتها كورونا. لعل خير إجابة حاسمة لها، سنجدها في التعليم الألكتروني، فهل نتخذ القرار؟”..
لا مجال هنا لقراءات ضيقة الأفق ولا لولوج ميدان اتّجر به (بعضهم) ولكننا نتحدث عن فلسفة نظمنا المجتمعية وانعكاسها بنظامنا التعليمي وتحديثه توكيداً لمنطق الانتماء إلى العصر أو استسلامنا للخروج منه! ولكننا بجميع الأحوال نحن التنويريين سنواصل كفاحنا من أجل تلبية الهدف الأسمى في اختيار التعليم الألكتروني ليس لمجرد الاضطرار ولكن لتطابق بين الغاية والوسيلة في جهودنا حيث اشتغال الطاقة الإنسانية اشتغالا منتجاً بعيداً عن التلقين والسلبية التي فرضت وتفرض استلاب الشخصية ففي عصر الحداثة الذي قرّبته كورونا وأزمتها العالمية سيكون علينا تفهم تبني قرار جمعي ملزم وحتمي في خيار التعليم الألكتروني فلسفة ومنهجا فمرحى بالرواد ممن عملنا معهم سويا ومرحى بمن التحق بالخيار ومرحى بمنطق تأمين المسار بعيدا عن الاتجار

مدخل أولي في تحديث التناول والمعالجة:
 
مازال مجتمعُ التعليم بعامة، بعيداً عن الاستقرار على تعريفات جامدة أو متوقفة عن المتغيرات ومستقرة على مفردات توصيف وقوالب متكلّسة لمناهجه ومحاور نُظُمه التعليمية بخاصة منها الجديدة.. وإذا كانت حداثة التعامل مع النُظُم الجديدة ومن ثمَّ عدم توافر الخبرات المطلوبة لاستكمال شروط التعريف الدقيق، سبباً موضوعياً لعدم الاستقرار إياه فإنّه يبقى الدافع لاقتراب (تدريجي حذر) من التعريف، للتأكد من السمات الجوهرية للنظام، مثلما جرى ويجري مع أيّ نظام وإشكالية علمية جديدة، فإذا كان ذلك (الحذر) صائباً فإنَّ أموراً أخرى قد ضغطت باتجاه إثارة الالتباس مرة والضبابية في أخرى وذلك بخلفيات إدلاء بعضهم برؤاهم وهم بعيدون عن التجربة الفعلية أو أنهم فعلوا ذلك وهم لا يدركون الحقائق بدقة علمية أو ربما بمنحى (آخر) تقصَّدوا إثارة معلومات مشوشة بقصد التضليل والوقوف بوجه النُظُم التعليمية الحديثة انطلاقاً من مواقف مؤدلجة مسبقة مخصوصة بهم..
لقد حاول نظام التعليم التقليدي وحُماته فرض منطق عمله بأسس تتمسك بـ(نهج قديم) يستجيب والهوية (المحافظة) لإداراته، في محاولة ضمنية لإدامة العمل التقليدي بلوائحه ومفردات إنجازه بما يجمّد المناهج والمقررات وآليات اشتغالها، بصورة ((ماضوية الفكر والمنهج)) وهو المستهدَف عندهم؛ محاولين بذلك دحر حركة التجديد والتحديث ووأدها في مهدها. فاستغلوا دائماً سطوة وجودهم على رأس الإدارات من جهة وشيوع نهجهم واستسهال العمل به في ظروف معروفة.. وكان من أبرز النتائج تنحِّي التعليم الألكتروني بوصفه منظومة تحديث متكاملة لصالح حالات الجمود والتخلف ولا نقول فقط طابع الروح المحافظ فقط..
إنّ ذلك يدفعنا لعمل على وضع بعض تعريفات اصطلاحية نريد بها من جهة، إبعاد الفهم المغلوط للنهج الجديد ومن جهة أخرى، للتمكن من إطلاق حوار موضوعي بشأن التحديث وفعالياته في الإطار التعليمي برمته.
وعليه وباختصار يمكننا أن نثبِّتَ هنا بعض مقترحات للمتابعة في التناول، في تعريفات لمصطلحات أصبحت تكوينية بين نُظُم التعليم وتعززت يبُل وجودها واستثمارها، في ظروف الأزمة العالمية الجارية بالإشارة لأزمة كورونا ونهج الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي المفروض وما منحه من فتح حوارات جديدة وقبول بالتعليم الألكتروني ومجمل نظام التعليم عن بُعد…
أما تلك المصطلحات فهي كالآتي: التعليم الألكتروني(E-Learning)، التعليم عن بُعد(The Distance Learning)، التعليم عبر الأنترنت(Online Learning)، التعليم المفتوح(Open learning)، التعليم المدمج(Blended Learning)…

التعليم الإلكتروني في ضوء قراءات موجزة لنظم التعليم الأخرى؟
أما التعليم الإلكتروني (E-Learning)‏، فهو نظام من نظم التعليم التي تتخذ منهجاً ينتمي للمتغيرات الأحدث في بيئة الإنسان المعاصرة ووسائل نقل المعرفة بين الأجيال. انطلق بدءاً من مرحلة دعم نظم التعليم التقليدية أو التعليم المنتظم بمبانٍ وفضاءات أو أبنية مخصوصة..  واستطاع كسر نهج التلقين والكتاتيبية الملائية لينتقل به إلى  نهج خلَّاق مبدع يقوم على التفاعلات المفتوحة والاستناد إلى نهج تنمية  المهارات والخبرات في تشكيل العقل المتعلّم…
إنَّ التعليم الإلكتروني يجمع أشكال التعليم والتعلّم الإلكترونية كافة، باعتماد أجهزة الكومبيوتر ووسائط التخزين وشبكاتها بانفتاح جسورها على كل أشكال التحديث في التكنولوجيا، مستمرة التغير. على أنَّ هذا النظام التعليمي اشترط تفعيلا مبدئياً جوهرياً للتحول بالمتعلِّم من مجرد خزان معلوماتي للحفظ والتلقين إلى ترسيخ التعليم الفردي المستقل أو الذاتي حيث قدرات الفعل والإدارك والتفاعل على وفق القدرة أو الطاقة الفردية ومن ثمّ بحدود الخبرات والمهارات وإمكانات تجاوز العقبات…
و تضم تطبيقات التعليم الإلكتروني وسائل وأدوات منها: التعلم عبر الوب (Web) والتعلّم بالكومبيوتر حيث غرف افتراضية للتعليم والتدريس تقابل الفصول الدراسية من حيث الشكل  للتعليم التقليدي المنتظم.. كما يستفيد هذا النظام التعليمي من شبكة الإنترنت في تبادل محتويات الدروس سواء الأشرطة السمعية أم البصرية \ الفيديو أو استثمار منظومة الأقراص المدمجة (CD’s).
أما فلسفة التعليم الإلكترونى، فتنبني على إزالة حواجز الفصول التقليدية للتعليم، ولا نقصد هنا جدران الفصل في المبنى حصراً حسب بل كل الحواجز التي تؤطّر العقل وربما تصادره ليكون خزَّاناً للتلقي السلبي محجوبا عن أيّ قدرات تفاعل إيجابي، وهنا ينفتح المتعلم على عوالم وفضاءات متسعة تمكنه من تبادل التأثير والتأثر مع المعلومة التي يحصل عليها؛ فيشارك في صنعها بما يستجيب للواقع الجديد الذي يحياه…
من هنا يمكننا القول: إنَّ التعليم الإلكتروني هو نمط من أنماط التعليم عن بُعد (Distance Learning) وهذا يعني أنهما ليسا متماثلين متطابقين (هندسياً) في المفهوم ولكن لتوكيد وجود الرفوق نشير إلى أنَّ الأشمل هو الأصل الذي بدأ بنظام التعليم بالمراسلة.
فالتعليم عن بُعد طريقة تعليم حديثة نسبياً تتعامل مع المتعلم ذاتاً فردياً مستقلاً، يوجد [المتعلم] بمكان مختلف عن مصدر تعليمه، الذي قد يكون معلِّماً أو كتاباً أو مجموعة دارسين معه، إذ يجري تناقل (البرنامج التعليمي) المستهدف بين المعلم والمتعلم من حرم المؤسسة التعليمية إلى أماكن وجود المتعلم \ المتعلمين في ميادين جغرافية مختلفة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه في التعليم عن بُعد ينمو دور المتعلم فيه ويكاد يكون أساسياً، بسبب ما يفرضه هذا النظام من واجبات وأشكال أداء،  لكنه هو الآخر كما النظام التقليدي يتلقى المعلومة من دون فعل تأسيسي للمتعلم مع المادة، بخلاف التعليم الإلكتروني الذي يفرض على المتعلم دور الإيجاب في التفاعل و\أو تبادل التأثير في صنع المعلومة بمعنى ممارسة الدور التأسيسي في صنع المعلومة وتحليلها والوصول إلى مخرجاتها..   
فإنْ أردنا تلمس الفروق بين النظام المؤسِّس والمحدَث الفرع عليه أقصد بين التعليم عن بُعد والتعليم الألكتروني فسيتأكد لدينا أنّ الأول (التعليم عن بُعد) جوهرياً يصف الجهود المبذولة لأجل إيصال التعليم إلى أولئك الموجودين جغرافياً بمناطق بعيدة مختلفة عن وجود مصدر التعليم فيما الثاني (التعليم الإلكتروني) يعبر عن مطابقة مع بعض أبعاد التعليم عبر الإنترنت (Online Learning)..
وإذ يشير الأول لاستثمار شبكات الإنترنت، فإنهما معاً بخاصة مع دخول التعلم عبر النت، إنما يتحولان للإشارة إلى اعتماد شبكات النت الداخلية والعالمية فضلا عن الملفات السمعية البصرية وتوظيف البث الإذاعي والمتلفز وبجميع الأحوال تقريباً نتجه في تحديد مصطلحاتنا ومفاهيمها إلى أدواتها من جهة وإلى منهجها وفلسفتها من جهة أخرى..
ولمزيد استقراء المصطلح نستثمر مقارنة ليست تفصيلية [وهي بجدول غير مكتمل] بل أولية تماماً، للتعرف إلى ذاك المصطلح بتعدده:
1التعليم عبر الإنترنت (Online Learning)   2   التعليم    الإلكتروني (E-Learning)‏   3  التعليم    عن    بُعد 
TheDistanceLearning   4 التعليم المدمج Blended Learning
1.       تحرّر المتعلّم من القيود الجغرافية، إلغاء المسافات للمناطق النائية والوصول إليها بطريقة أنسب للعصر.
2.       صيانة المادة التعليمية وتطويرها أو تنميتها والتعديل عليها أسهل، فهي نسخة واحدة يشتغل عليها جميع الطلبة والباحثين وأساتذتهم أيضاً.
3.       الاختصار بتكاليف الطباعة والتوزيع وغيصال المواد المقررة المساعدة والمقترحةللاشتغال..
4.       عدد المواد التعليمية في شبكة الإنترنت غير محدود.
5.       عدد الأشخاص الذين يشاهدون المواد غير المحدودة كذلك يكون غير محدود.
    نجد استكمال الجدول في الشروح   نجد استكمال الجدول في الشروح   منهج تعليمي يتم فيه دمج التعليم الإلكتروني مع التعليم المنتظم التقليدي في منظومة تعليم واحدة، نوظف في إطارها أدوات التعليم الإلكتروني المعتمدة على الكمبيوتر وشبكة الإنترنت في الدروس، بإيجاد مختبرات الكمبيوتر والفصول الذكية لالتقاء المعلم والمتعلم وجهاً لوجه فيها..
فرع على 3   سيجري الاستكمال      
انتقال عملية التعليم من إمكان الوصول إلى إمكان التواصل Connectivity بمرونة Flexibility قادرة على تحقيق تبادل التأثير والتاثر وتعزيز التفاعلات المختلفة تحديدا فاعلية صنع الفكرة والتدخل في تحليلها وتشريحها وتوجيهها إلى مخرجات بعينها         ما تم هو دمجٌ هادئ يمكن تقبله بوجه من أوجهه، الدمج فيما بين التعليم التقليدي في الغرفة الصفية، والتكنولوجيا الحديثة. فلو دمجنا تكنولوجيا الوسائط المتعددة، واللقاءات عبر الفيديو، وغرف الصف الافتراضية، والبريد الإلكتروني، مع الطرق التعليمية التقليدية، والمواد المستخدمة في غرفة الصف، فإننا نحصل على التعلّم المدمج Blended Learning*.
 
مشكلات التعليم الالكتروني
إنّ مجمل نُظنم التعليم التقليدي والمحدث تعاني من مشكلات وعقبات هي ابنة التطبيق العملي الفعلي للنظام، وطابع الواقع الإنساني باختلاف ظروف الموضوعية والذاتية.. وتتباين تلك الفروق بين الانحسار والتمدد والاستفحال بحسب النظم المجتمعية ومستويات التقدم والتخلف.. ولكننا في الغالب نركز على تلك المشكلات في ظروف بلدان التخلف أو النامية ومنها تحديدا التجربة العراقية.
إننا مع التجربة العراقية نجابه سطوة عالية الصوت للقوى المحافظة على التعليم برمته.. كما نجابه المتغيرات الراديكالية للنظم السياسية الاجتماعية السائدة.. وإذا كانت محاولات بعينها قد ظهرت سواء للتأسيس للتعليم المعاصر مطلع ولادة الدولة العراقية فإنّ محاولات استنهاض التطور والتنمية قد فتحت أبواب هنا وهناك من دون أن تُنهي وجود المحافظين لأسباب مؤدلجة وللخوف من اي متغيرات وتحديث في ضوء مواقف مسبقة لا علاقة لها بالتعليم نفسه..
وفي مثال على نموذج المحافظة تدريس اللغة من بوابة (النص الديني) وتعلمها بالحفظ بالطريقة الملّائية الكتاتيبية التي سمحت باستمرار للحشو السلبي بأفكار لا تنتمي حتى للدين بقدر ما تنتمي لمنطق الخرافة وتفريغ العقل من أدواته التحليلية الفاعلة لا المفعول بها.. ونموذج رفض إدخال درس الأدب المسرحي لأن المسرح ليس من (تراث) المحافظين في تاريخ الأدب ولأنه يجسد ثقافة (ولادة المدينة) في التاريخ الإنساني ومن ثمّ يجسد التحديث القائم على استيلاد قراءات الدراما وبنيتها لحركية الفعل الدرامي ومساره ما يدين الجمود والكلاسية للتقليديين!
وهنا سنجد معنى نظام تعليمي تقليدي وحديث وكيف يجري اختلاق العقد والعقبات بوجه التعليم الألكتروني نظاما يحتاج لدور فاعل مؤثر للمتعلم كي تتم ممارسته..
عليه سنجمع هنا إشارات موجزة للمشكلات التي تجابه هذا النمط التعليمي وفلسفته ومنهجه مع الإيحاء والإشارة حيثما تطلب الأمر للوضع العراقي… إن من أبرز تلك المشكلات من دون ترتيبها بصورة متسلسلة في سياق تعاقبي يجمع بين السابق واللاحق هي:
1.   حال إثارة قلق المتعلم، لاحتمالات ظهور ثغرات في تصميم البرامج التكنولوجية أو مشكلاتها، مما قد لا يعرفه ويدركه على وفق مستويات معرفته وإمكاناته.
2.   و ربما اعتقد بعضهم أن التعليم الألكتروني لا يساعد على ممارسة الأنشطة غير الأكاديمية سواء الاجتماعية أم الرياضية أم غيرهما بصورة قطعية كلية.
3.   وقد نجابه ظواهر ملل وفتور، عند بعضهم، بخلفية كثرة استخدام التكنولوجيا في حياته، بخاصة عندما يأخذ ذاك الاستخدام مناحي غير وظيفية وليست إيجابية فاعلة، ما قد يثير السلبية واللاجدية في دراسته (الإلكترونية). نذكّر هنا حال المجتمعات وما يحاصرها بهذا الشأن كما الظرف العراقي الذي تتجه فيه أدوات الاتصال لمشاغلات بعينها ليست بالضرورة مرتبطة بإنجازية بعينها.
4.   إنَّ وجود تطبيقات تجارية ربحية الغاية أكثر منها تعليمية عند بعض إدارات نظام التعليم الإلكتروني ووسائطه أفضى ويُفضي لإثارة بعض عقبات بوجه التعليم الألكتروني بمعاناة من أشكال التهجمات المغرضة التي تحصر الأمور وكأنها رديفة بهذا النظام التعليمي من دون غيره من النُظم..
5.   ونحن بالحقيقة نجابه ايضاً بصورة فعلية، ظاهرةَ عدم التزام بعض إدارات هذا النظام التعليمي بالمعايير القياسية بخاصة مع عدم توافر تلك المعايير وحداثتها ما يحتاج لدربة مخصوصة بميدانها.
6.   وهناك حال من عدم الاهتمام بالتدريب المناسب في المستويين الشخصي و الجمعي لبعض المؤسسات في أدوات التعليم الألكتروني الأمر الذي يثير تذمراً وامتناعاً عن قبول هذا النحج الحداثوي.
7.   وعلينا أن نتذكر أنَّ التفاوت في خبرات تقديم المعارف والمهارات غير مجردة من الجوانب والأمور الوجدانية، تلك التي تدفع لاعتبارات تدخل في عقبات ذاتية المنحى، وكثرما نجد هذا في مجتمعات تعتمد برؤاها على تلك المنطلقات.
8.   كما نذكِّر هنا بظاهرة مرافقة للحداثة؛ تتجسد في عدم تثبيت أهداف التعليم الألكتروني في البرنامج الدراسي ومن ثمّ الوقوع في عدم وضوح أسلوب الوصول إليها لتشوّش برنامجها وعدم كفاية المشتغلين فيه لتنفيذه.
9.   في مجتمعات تقليدية تحكمها فلسفة (التخلف) وتعيش منطق العقلية التقليدية، تتبدى بوضوح ظاهرة الأمية التكنولوجية التي تتطلب جهوداً مضاعفة للتدريب والتأهيل لكل من المعلم والمتعلم ولربما شهد أكثرنا هذا عندما اضطرت ظروف كورونا والعزلة المجتمعية لتوظيف هذا النظام كيف جوبهت مشكلات من هذا النوع.
10.   ولنؤكد بالخصوص هنا أنه بسبب الاشتغال خلف أجهزة الكومبيوتر، نجم حال من:
•   إضعاف دور التدريسي وأيضا وبوجه مهم، إضعاف علاقته بالطالب..
•   إضعاف الدور التربوي للمؤسسات التعليمية بخاصة مع عدم وجود بدائل يمكنها استيعاب هذا الأمر وكيفية معالجته بوجود التعليم الألكتروني..
•   إشاعة ظواهر التباعد الاجتماعي بين المتعلمين وانعكاسات تبعاتها الأخرى بشأن الاتصال الاجتماعي، مع إشارة إلى ما تولّده الاتصالات السلبية من آثار جانبية عندما يجري الاتجاه إليها في ضوء بعض ما أوردناه من قبل..
11.   لابد هنا من تأكيد أن الأغلبية الفقيرة هي المعنية بهذا الأمر أي بالتكلفة المادية للحصول على المعدات والأجهزة المخصوصة فضلا عن المواد المساعدة وكلفة الصيانة وإصلاح ما يتعرض للتخريب من برامج ما قد لا يتاح لنسبة من الطلبة المعنيين بهذا الشأن. ولعلنا لاحظنا تغطيات إعلاميين للموضوع في أجواء كورونا سواء بشأن الأدوات أم حجم السعات في النت وظروف اشتغال قد تكون غير مؤاتية في تغطياتها…
12.   من جهة الإدارات والمعنيين بمهمة الأداء التعليمي سنجد بعض صعوبات تجابه مهمة التقويم التكويني والاختبار النهائي وكذلك مستوى تحقيق المصداقية فيها وسيتضاعف الأمر في المقررات التي تتطلب مهارات عملية أدائية…
13.   اختلاف نسب التنفيذ واختلاف مستويات مطابقتها لبعض المقررات بخاصة العملية منها وكذلك نسب الأداء بمستويات التعليم المختلفة ومنها التعليم الأساس..
14.   كما يجد كل من المعلم والمتعلم أحياناً صعوبة في تقبل تغييرات العصر بالسرعة ذاتها حيث تتفاوت إمكانات تقبل المتغيرات التكنولوجية العاصفة.
15.   عدم توافر الجاهزية الفورية المباشرة لأجهزة الاتصال من كومبيوتر وغيره، مثل قوة أو ضعف شبكة الإنترنت وعطلات في بعض أجزاء الأجهزة أو ضعفها مثل مشكلات شاشات العرض أو توافر برامج كافية للعرض وفتح الملفات وغيرها من أنشطة مطلوبة…
16.   لابد من التذكير هنا بتلك الخشية من الطابع المزاجي غير المنظم للعمل والتعلّم حيث تظهر مشكلات جدولة الوقت وتنظيمه مما يعود للمتعلم نفسه وتقلبات مزاجية مختلفة..
17.   عدم توافر التحديثات والتدريبات الكافية في مطاردة مستجدات البرمجة فضلا عن ضعفها أصلا..
18.   فقدان حافز التعلّم لمختلف الأسباب التي تخص التعليم الإلكتروني ومنها تعوّد منظومة تربوية تقوم على الرقابة والمتابعة الصارمة للنهوض بالواجب مقابل حجم الحرية في النظام الجديد ونهج التعامل معه واستيلاداته من الاشتغالات المحدثة..
19.   هزال الدعم الفني التكنولوجي عند بعض مؤسسات التعليم الألكتروني فيما توجد ولو بنسبة معينة جهات تفتح فرص التعامل معها لتوفير الدعم التقني ويمكنك بقليل من الجهد الوصول إلى الأطراف التي تفتح فرص المساعدة تلك على أنّ الأوضاع بحاجة لنظرة أشمل تستوعب ما نشير إليه..
20.   ويمكننا أن نضيف هنا جملة ظواهر أخرى في العقبات والمشلاك، منها تخلف البنية التحتية لشبكة الإنترنت في الشرق الأوسط وعراقياً تحديداً.
21.   النظرة المستعجلة لكثير من طلبة المنطقة والعراق منها في التركيز على نيل الشهادة بصورة بريستيج لا بنهج اكتساب الخبرة والمعرفة والدربة المنتظرة في ميادين العمل والإنتاج..
22.   هزال النت والحزم التي تغطي تفعيل بعض البرامج وجغرافيا هناك مناطق بلا تغطية فعلية لإنترنت يمكنه تشغيل برامج بسعات بعينها وبحاجة تقنية مفتوحة بأسقف اشتغالها…
23.   لابد من التنبيه أن فكرة المعايشة الآنية بين المتعلمين ليست بالضرورة كما يصورونها من افتقاد تلك السمة بسبب التباعد الجغرافي ولكنها بجوهرها وطابعها تفضي لآثار سلبية بعينها بخاصة مع طابع الثقافة السائدة والإحساس بالآلية الجاري التعامل معها..
24.   هناك مشكلات أخرى من مثل الاختراق (الهاكر) والتخريب لهذا السبب وغيره وما يدفع هذا إلى استنزاف الثقة وربما انعدامها عدا عن تخلف وعي المتعاملين وهزال المعرفة المناسبة حدا يكون المجهول عدواً في وقت يتطلب التعريف به وخلق أسس التبني والتعايش والتقارب بأسس موضوعية مكينة..
 
التعليم ما بعد كورونا بين المشكلات والحلول
 
العالم برمته سيكون عالماً آخر ما بعد كورونا، فكل شيء سيتغير كليا جوهرياً.. وكما نرى فإنّ دول العالم ومنها بلدان المنطقة والعراق باتت تتجه للتعليم الألكتروني كي تنقذ ما يمكن إنقاذه في الظرف القائم الراهن. وبهذا الإطار سنجابه في التسارعات تلك ما قد يبدو للوهلة الأولى مشكلات وعقبات كبيرة، مثل  صعوبة إلغاء التعليم التقليدي والتوج بديلا عنه إلى  التعليم الإلكتروني.
إننا إذن، بهذه الظروف نجد بل نشهد جدياً فعلياً صورة معمقة من اضطرار البشرية بظروف العزلة ومنع الأنشطة الجمعية كما في التعليم التقليدي ما تطلب أن يتم استخدام التعليم الألكتروني…
ومن أجل ذلك لابد من مراجعة قرارات الرفض المستعجلة التي اتخذتها لجنة التعليم في البرلمان العراقي الأول بعد 2003 بمشروع متكامل تقدمت به مبادرة ابن رشد [جامعة ابن رشد في هولندا] وضمنا صاغت مشروع قانون التعليم الألكتروني وتقدمت به لتشريعه بحينه وكذلك خوطب وزراء للتعليم ببغداد وتم التداول مع وزارات سابقة بكوردستان من طرف (ابن رشد) وإذا كانت كوردستان جد متفهمة للمشروع وأجابت بموافقة مبدئية فإن ما أخر الأمر مواقف مسبقة من طرف شخصيات في وزارة التعليم ببغداد بصورة لا نريد هنا إدانة أو تخطئة اي طرف ولكننا نريد أن نؤكد أن ما كان قبل كورونا غيره ما بعدها..
وأنّ تلك المواقف ربما وقعت بمطب (الروح المحافظ) للتعامل مع برامج الحداثة وقد يكون لبعض شخصيات دوافع وأسباب لسنا بصددها.. لكن يهمنا هنا توكيد أن هذا النظام التعليمي حتى بظروف فتح العمل بالتعليم المنتظم سيكون له أكبر الأثر والدور في التقدم إلى أمام بخاصة مع ظرف الأزمات الناجمة عن كورونا نفسها وتداعياتها اقتصاديا اجتماعيا..
إذ أن الكلفة ستكون مختلفة والوصول إلى أماكن الطلبة والتعامل مع ظروفهم المستجدة أفضل بكثير بل يفرض التزامات توجب إلزاما بهذا النظام التعليمي سواء لمساعدة التعليم الراهن (التقليدي) في الأداء أم في تقديم نظام تعليم جديد يتناسب وواقعنا وظروفه..
إن طابع العصر يلح في وضعنا مباشرة بمجابهة مهام التكنولوجيا الأحدث ولا يمكننا مطاردة المتغيرات من جهة أو امتلاك التحديث من دون فلسفة جديدة للتعليم ضمناً في آلياتها.. إذ القضية ليست في توظيف التعليم الألكتروني بالمقررات والمناهج وتحويلها من التعليم التقليدي ولكن أيضا في توطين الدور الجديد للمتعلم بإطار فلسفة تكنولوجية غير عادية لا بهويتها ولا بحراك تطورها ومتغيراتها العاصفة.. وبهذا فإن القضية لن تكون بقراءة نص متاح على النت بقدر ما ستكون بأمور أكثر تعقيدا من جهة الهدف والأسلوب..
ولابد لنا ونحن بصدد توكيد ما أعلنته الحقائق والوقائع وليس التنظير ولا حتى الحوارات ومحاولة حاملي مشروع التعليم الألكتروني إقناع الآخرين به، لابد لنا من إيجاد حلول لما جابه التعليم الإلكتروني من عقبات ومشكلات وذلك عبر العمل على نشر ثقافة التعليم الإلكترونيّ وسط جمهور عصرنا وتحديداً بين أوساط الشعب ببلداننا من الذين اعتادوا فهم الأنترنت بأنه أداة اتصال مفرغة أو عادية كثرما تم اعتمادها لاتصالات سالبة أو فارغة المعنى كما تؤكد البحوث من أن أغلب مجريات الاتصال بما يصل إلى 97% منه هي دردشة سلبية بلا قيمة علمية!
على أننا اليوم بحاجة لمحاضرات توعوية كبيرة وجماهيرية تركز على فلسفة التعليم الألكتروني ومنهجه بمحاوره الرئيسة والتفصيلية وإحالة قسم مهم من ذاك الجمهور إلى وسائل التطوير والتنمية لملاحقة المتغيرات ومسابقة الزمن بهذا الإطار.. ولعل شعباً يؤمن بالتغيير يظل بحاجة للبرهنة على أنه فعليا قدر المسؤولية والتحدي..
أما موضوع نشر فوائد التعليم الإلكترونيّ فقضية لا يمكنها أن تكتفي بمنشورات وبما فرضته الظروف الحالية للأزمة العالمية من كارثة كورونا ولكن لابد من مخطط وطني شامل بالخصوص يتم اعتماد مؤتمرات وطنية وعالمية وإن بدات اليوم افتراضية عبر النت مع استفادة دائما من إحصاءات وتجاريب عالمية فعلية..
إن عامل أخذ المعلومة بعيداً عن التلقين المعتاد أمر جدي ومحوري بشأن فاعلية المتعلم بصنع المعلومة وتحليلها وتوظيفها..وهنا نؤكد على ضرورات الأخذ بمخرجات الدراسات السابقة في التعليم الالكترونى والعمل على تطوير الحالي وتنميته بصورة تجمع بين مراعاة الواقع ومستوياته والتطلع لإحداث المتغيرات المناسبة بالاستفادة من التسهيلات التكنولوجية وكيفية توظيفها..
صحيح أننا سنحتاج إلى متخصصين لإدارة أنظمة العمل بإطار التعليم الألكتروني وإلة الشروع بحوار فعال بهذا الإطار إلا أننا أيضا إجرائيا سنتمكن من إناحة شروط اتصال بين المعلم والمتعلم وبينهما وبين أحدث المتغيرات العلمية بما يسهل كثير المرور إلى التنمية الأحدث والأنجع أو الأفضل.. معيدا التكير بحقيقة أن التعليم الإلكتروني ساهم بمزيد من التركيز العلمي وفي تنظيم الوقت بما دعم الطلبة في اجتراحهم ما يعالج ظروف عيشهم ومعاناتهم وتجاوز مشكلاتها أو مطالبها وحاجاتها..
إننا إذن، بصدد مزيد من التعرف إلى فلسفة التعليم الإلكتروني، مفهومه، أهدافه، واستطلاع أهميته، كذلك أنواعه وانماطه ومستوياته، وملامح توظيفه ومخرجاته. وأيضا سنكون بحاجة جدية ملموسة إلى الكشف عن أبرز مشكلات اشتغالنا بتقنيات التعليم الإلكتروني  مما قد يجابهنا فيفرض مهام تبيان الأسباب والنتائج والحلول أو البدائل، على أن كل ذلك يلزم أن يكون ميدانيا بإحصاءات وقراءات محلية ابنة الواقع الذي نتعامل معه..
فهل وجدت قيادات التعليم ولو بشسبب الظاهرة الكورونية وما فرضته قهريا قسريا ما يدفعها إلى تبني توفير البنية التحتية اليوم قبل الغد سواء من أجهزة و\أو شبكات ذات سرعات وطاقة تغطية جغرافية شاملة أم في تطوير البرامج وتصميماتها المناسبة للوضع العراقي ولبلدان المنطقة؟ وهل ستعمل اليوم على إصدار قرار إعداد الكوادر الذين يغطون حاجة كل مدرسة ومؤسسة تعليم من معاهد وجامعات ؟؟ هل سيكون لحركة التغيير لدى شبيبة المنطقة اهتمام يضع هدفا جوهريا بنيويا لهذا النط التعليمي لا بوصفه مجرد أداة بل اشتغالا فلسفيا نوعيا يدعو للانتماء للعصر بخاصة مع تنبيه العوائل والأشخاص لهذه القضية؟؟؟
وبالمناسبة بشأن الروح المحافظ ومطالبه وفروضه أو توهماته، هل سيتجاوز أولئك ما يصورونه معضلة أخلاقية تربوية إلى جانب الظنون والأوهام الأخرى؟
لهذه المعالجة متابعات أخرى تتوقف عند أبرز محاورها بالتفصيل الذي يستكمل معالجتها بدقة منهجية أوضح.. على أن هذي الطروحات التي تتناول التعليم الألكتروني بين ما قبل وما بعد كورونا ليست سوى خطوط عريضة اعتمدت بعض مفرداتها على معالجاتي السابقة بهذا الميدان مع إشارة إلى مستجدات طرحت موقفا ملزما جديدا وإلا فإننا سنكون خارج عالمنا المعاصر الحديث وبعيدا عن فلسفته ونهجه..

يتبع


11
حول الرموز الوطنية والدينية وآليات الاستغلال والتعامل مزدوج المعايير مع المبادئ؟
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

تأسيساً لإشكالية الوضع الراهن فلقد تأكد للجميع أنّ الصراع الدائر هو بين شعب ثائر من أجل الحقوق والحريات حيث مهمة استعادة وطن تلخص المهمة بمجملها وبين فئة مفسدة تحتل المناصب والمسؤوليات قسريا وبالضد من إرادة الشعب، وهنا لابد من تأكيد أن محاولات السلطة الفاسدة لم تنتهِ فهي مازالت قادرة على التحكم ببعض المسارات متشبثة بمواقعها سواء بمزيد تراجعات مادية معنوية أم بمزيد إسفار عن وجهها الفعلي حيث القمع الوحشي السادي بطابعه الفاشي...
ولعل من أبرز محاولات قوى السلطة المصطرعة هي الأخرى لتصدر المشهد واستغلاله بما يحقق لأي منها أقصى قدر من المغانم تكمن في محاولة إدامة ألاعيبها بالتضليل! وعلى الرغم من إدراكها أنها تراجعت أمام الوعي الشعبي ومدرسة الثورة التي رفعت من مستوى الوعي الجمعي من جهة ومن مستوى التأثير والتغيير إلا أنها تستمر باللعبة على قاعدة عسى ولعل التي تشتغل على بقاياها من قوى مستفيدة ومن حثالات مغيبة الوعي ومشحونة بالأحقاد والمشاغَلة بالصراعات وببعض مغانم مثلما المراهنة على المترددين بين ما تراه صعوبة بالتغيير وتضظنه ممكن الحصول إن جاء (إصلاحياً!)...
أية لعبة تديرها تلك القوى بمختلف أجنحتها؟ وهي بتلك المنطقة المخادعة بأباطيلها وأحابيلها تلتقي وتحشد قواها، إنها (قوة) مفترضة في دفع الصراع من ((ثورة تستهدف التغيير الجوهري للنظام)) إلى صراعات تمكّن قواها (قوى الإسلام السياسي) من فرض منطق الخرافة على أنه منطق التدين وعلى أنه يمثل إيمان الناس وتجسيد معتقدات ليست أكثر من قسيات مفتعلة مصطنعة بقصد إدامة السطو على وعي الإنسان...
وإذ تواصل اللعبة تلك القوى الإسلاموية فإنها تلعب على استغلال الطيبة والبساطة وافيمان الحقيقي لتحرفه غلى منطقتها منطقة أسْر الناس بسطوتها حيث تصّر وجودها على أنه الرمز الذي يمثل التدين وإمامة الناس ومرجعيتهم في طقسياتهم!! لكنها إنما تبتغي السطو على الوعي الجمعي مجددا بحجة التدين (المزعوم!) وهي الأبعد عن (الدين الحقيقي) وعن اعتقاد الناس وإيمانهم السليم...
إن مجرد تكرار مصطلح مرجع ديني ومساواته مع مرجعية الشعب في اتخاذ قرار الحرية هو محور محاولة للإبقاء على المشهد ومنه انتصار مهمة تحرير الدولة من سطوة رجال الزيف والتضليل (الديني) المزعوم وفرض سلطة (ثيوقراطية) بمنع فصل الدين عن الدولة وعن السياسة وإنْ عادوا عبر الشباك لا عبر الباب الذي طُردوا منه...
إن التعكز جارٍ على استدعاء أسماء شخصيات من (التاريخ) فيما الشخصيات القائمة التي تحيا اليوم بيننا، أبت أن تتبع نهج تلك الرموز التاريخية بل أمعنت باللعبة يومَ ارتكبت باسمها وباسم الدين ما لم يكتفِ بنهب الشعب وسرقته بل أوقع أفدح الخسائر البشرية تقتيلا واغتيالا وأوسع تخريبا، إفقارا وتجويعا وإذلالا ..
ها هم تكرارا للعبة التي فضحها الشعب يعيدون موسيقا مشروخة بالقول: إنهم ينادون الناس لصلاة!؟ عن اي صلاة يتحدثون وأية عبادة وهم أنفسهم السوقة، يمارسون أبشع جرائم الفسق والإفساد والتقتيل؟؟ إنهم ارتعبوا من ظهور المرأة العراقية في حركة الاعتصامات والاحتجاجات والثورة؟ إنهم ارتعبوا من إدراك المجتمع ومدرسته ووعي الشعب الجمعي حقيقة قدسية الحرية  لا قدسية الزيف المضلل المسمى زورا وبهتانا تدينا على طريقة افسلام السياسي ونهجه المفسد!؟ لهذا راحوا يطبلون للعبة تحرير المرأة من رجل يشاركها موقف التحرر والثورة على تقاليد بالبية عافها مجتمع الحقوق والحريات ونبذها وثار عليها...
التقاليد الدينية ليست تلك التي تهادن أنظمة الفساد؟ وهي ليست التي تلف العقول بحجاب التجميد والتحنيط فتفرض التبعية بعد فرض الشلل على إرادة المرأة لتشل نصف المجتمع!
التقاليد الدينية لم تحجر على المرأة وتضعها عبدة امرئ فاسق يتمتع بملذات فساده ونهبه وسرقته وفسوقه فيما يريد (فرض دعوته) عليها لتلتحق به باسم الصلاة والعبادة!
وبعد أن خسر معركته في اختراق الثورة عبر شبيبتها الواعية وبعد أن طردته قوى الثورة الموحدة ها هو يبغي الاختراق عبر بوابة المرأة عسى أن تلتحق به مستغلا منصة التدين والتقاليد...
لكن أيها (السيد)، المرأة قبل الرجل ثارت على تلك التقاليد التي كرّستها ببهتان أباطيلك ومفاهيم ترهات الخرافة ودجلها ومعاني (ثيوقراطية) تفرض (تديناً) بدل دين و\أو اعتقاد صحيح تحمله ولا يمنعها من الثورة على ظالم ينتهك الحقوق والحرمات والحريات كما فعل بمقاتل أوقعها في النجف وغيرها...
نتساءل لنؤكد الحقيقة ونفضح اللعبة: ما الرموز التي تتحدث عنها؟ وهل اتبعت ما وضعه الشعب فيها من قيم يريد صنع إيقونته بينما تبغي اصطناع ترهاتك ومنصات النهب والسلب والإفساد؟
من الذي طعن القيم الوطنية الحقة؟ النجف آخر نموذج لأفاعيلك وليست آخر ماثرة لأبطال تصدوا لك؟
من الذي استبدل الرموز الوطنية الحقة؟ ومن يستغلها تعسفا وتزويرا لمآرب بلا منتهى؟؟
من الذي يتسلم أوامره وتوجيهاته من أجبني أهو الوعي الجمعي الثائر من أجل الحقوق المهضومة والحريات المستلبة أم زعامات كارتونية من ورق تخضع لقاءاني وموجهه خامنئي وغيرهما ممن طمع في الوطن وثرواته وفي إذلال الشعب ومنعه من ممارسة استقلاليته؟
وهل يتحقق السلم المجتمعي بفرض رموزك الطائفية المثيرة للاحتقان والاحتراب ومن ثم لاستغلالها بمآرب مرضية تقسّم الشعب وتستعبده بأضاليل وأباطيل؟ أم بدحر تلك الألاعيب ومخادعاتها كما يفعل الشعب اليوم بثورته؟؟
أليست القدسية هي للحرية في ظلال سلطة تجسد إرادة الشعب الحر المستقل؟ أم أنها لأضحوكة وقشمريات منطق خرافتك ودجلك الذي فرَّغ العقل ليستلبه الإرادة واحتله ليملأه بقيح الفساد كما أدركه الشعب بتجربته اليومية؟؟
إن ازدواج المعايير عند (منظَّريك!) ومحاولات استغلال (القدسية) التي تدعيها ورموزها.. ثم تأويلها بالطريقة التي تخضع لمن وضعك وكيلا عنه! ولتضع أنت البسطاء أضاحٍ وقرابين لك ولمن تأتمر له! إن كل ذلك ليس إلا متابعة للعبة انتهت ولكنها محاولاتك في عسى ولعل ولكن الشعب أوعى وأسمى وأكثر إدراكا لحقيقتك المشوهة القابعة بمنطقة محاولات الاستعباد والإذلال....
وبالموجز، فأنت تستغل مجددا لعبة قديمة لا تستطيع الفكاك منها، إنها ازدواجية المعايير مع تشويه الرموز ومرادها واستغلال أقوالها وتأويلها بطريقة معوجة منحرفة ثم محاولة الضحك على الذقون بلعبة استغلال القدسية من جهة واستغلال إيمان الناس ومعتقداتها الأمر الذي افترق عنك بعيدا وكثيرا حيث فرق بين الصواب الذي يؤمن به الشعب ويتقدم اليوم بثورته وقيمها السامية  والزيف الذي يستند إليه لتضليل أو عبث ومخادعة..
فهل بعد تلك اللعبة المفضوحة حاجة لمزيد قول؟
إن جمهور الثورة من الشبيبة، من النساء ومن جموع الشعب تتمسك بموقفها وبمدرستها ومخرجاتها الفكرية السياسية وترفض ما درجْتَ عليه في ادعاءاتك ولقد باتت استقلالية الموقف وحريته كلمة السر لانتصار الثورة ولا تراجع ولا عودة لمنطقة غادرتها الثورة والثوار رفضا لطابع سوقي سطحي ساذج للعبتك واسيادك...
ومركز الصراع ثورة منتصرة القيم وسلطة فاسدة مندحرة المحاولات وإنْ تسترت بأردية قدسية افتضح زيفها... مركز الصراع هو قضية الإنسان العراقي في حياته ومنع استغلاله والإيقاع به لا باغتيالات ولا بأشكال ابتزاز وبلطجة وارتكاب جريمة التعذيب السادي لسحق إرادته إنها قضية تحقيق حرياته وحقوقه ملخصة باستعادة وطن يعني الكرامة ويعني العيش الحر بأنسنة وجودية كاملة المعالم والمعاني بينما مركز اللعبة التي تتشبثون بها هي تشويه طريقة التفكير بتشويه قيم الإنسان وجعله محاصرا باسوار تدين مزعوم هو دين الإسلام السياسي بكل أضاليله التي تعمدت غلغاء شخصية الإنسان واستباحته أبشع استباحة...
وحتى في أفضل أحوال التأويل والانحراف فأنتم تبحثون عن مشاغلة بقضية قيمية روحية بالعزف على افيمان والاعتقاد الذي استلبتموه أنتم قبل غيركم، الذي شوّهتموه أنتم قبل غيركم.. أليس هذا هو نقل مقصود لا المشاغلة فقط وإنما استعادة سطوتكم على العقل الجمعي...
إن استصدار بيانات التأييد متعكزين فيها على مسميات مرجعيات عادة ما تلحقون وصف الرشيدة إنما جاء بمنطقة مصادرة ما وصلت إليه الثورة والاستدارة بها غلى التراجع لمنطقة تخضع لكم مباشرة بعد أن خوت مؤسسات دجلكم وأحزابكم وميليشياتكم...
ولطالما أدرك بالتجربة ثوار اليوم أنه كلما عدتم بالناس لتلك المنطقة عادت ألاعيب الإجرام وعدم الاكتفاء بالابتزاز...
تلكم هي رموز الثوار تقابل رموزكم البالية وذلكم تفسير الثوار وقراءتهم مقابل تأويلاتكم وتلاعبكم المخادع..
وفيصلنا في الخواتيم حيث الانتصار لإرادة شعب حر وشعب لن يتراجع عن صنع سعادته في العمل لا التبطل وفي الغنى الذي يمتلكه في قدرات إنتاج الثروة لا في وضعها بين أيادٍ مستغلة ناهبة مفسدة...
 

12
تراجع خطير في أوضاع المرأة العراقية وتفاقم كوارث التمييز

تيسيرعبد الجبار الآلوسي
مقتبس: “لا حرية لمجتمع يكرس التمييز ضد المرأة ويتستر على جرائم فلسفته الذكورية بغربال التدين المزيف.. فلننعتق من اللعبة ونبدأ طريق الأنسنة لحياة حرة كريمة”.

كشف تقرير دولي عن تدني مستويات تحتلها أوضاع المرأة العراقية بين أوضاع نساء العالم في ظروف المعاناة والمآسي التي تصادر حقوقها وحرياتها في العراق. إن ظاهرة العنف وسطوة البلطجة والخطاب المرضي الذكوري ومنطق التجهيل وإشاعة التخلف وظلاميات الفكر ومنظومة قيمية مجترة من عشائريات عفى عليها الزمن هو أحد أركان الكارثة الإنسانية بحق المرأة العراقية.. نضع بين الأيدي قراءة أولى لوجه من أوجه التقرير العالمي  المذكور.
إنّ قراءة الأوضاع الإنسانية ببلد تساهم فيها جملة أدوات فاحصة منها تلك الدراسات الأممية.. إذ تتنامى أدوار المؤشرات العالمية لقياس أوضاع حقوق الإنسان وأوضاع شعوب العالم؛ الأمر الذي يساهم في تعزيز الدراسات والبحوث لتعديل المسارات وسد المثالب والثغرات..
وفي أحدث المؤشرات العالمية قالت منظمة تدابير متساوية 2030 (Equal Measures 2030) المعنية بدعم المساواة بين الجنسين عالمياً في تقرير لهذا العام 2019: إنها درست أوضاع المساواة في 129 دولة بوساطة 51 مؤشراً تتضمن 17 هدفاً إنمائيا مستداماً مما تبنته الأمم المتحدة. وجاءت النتائج بغالبها في منطقة الشرق الأوسط أقل من المتوسط المعتمد الذي يساوي 65.7%..
لقد كانت الجزائر الوحيدة التي حققت المعدل المتوسط فيما شاركتها تونس الترتيب الـ65 عالمياً فيما حلَّ العراق إلى جانب ذيل القائمة الذي قبعت فيه كل من اليمن وموريتانيا. ومع أنّ التقرير يتحدث وجود ثغرات تتطلب المعالجة حتى في مناطق الترتيب الأعلى بالإشارة إلى النموذج الأوروبي إلا أنَّ الإشارة تتغير نوعيا عندما يتعلق بنسبة تقارب نصف نساء العالم وما يتعرضن له بدول التخلف..
الأنكى أن نساء كما في العراق تراجعت أوضاعهن مأساوياً منذ عقد ونصف العقد بخلفية التراجع القيمي ومنظومة تلك القيم المجتمعية بظلال ثقافة النظام العام والانهيار الهيكلي البنيوي فيه..
إنّ أموراً تخص المناخ والبيئة والخدمات العامة من صحة وتعليم وطابع التوظيف وتسلم المناصب والمسؤوليات وما يخص تساوي الأجور فضلا عن مشكلة الأمن والأمان ومستويات العنف بأشكاله ومنه العنف الأسري باتت كوارث تراجيدية في أوضاع المرأة العراقية..
وإذا كانت الخطط والسياسات العامة تتعكز على انخفاض إيرادات (النفط)! فإن دولا هي الأقل دخلا عالميا مثل رواندا وكينيا، حققت بمجال الأمن الجسدي وأمور أخرى مستويات متقدمة على وفق التقرير.
وأن تحتل المرأة العراقية مثل ذاك الموقع المتأخر عالميا وما قبل الأخير تقريباً عربيا شرق أوسطياً فذلك من مهازل المخرجات… والنتائج التي تتحدث [فيها السلطات الطائفية] عن صور مبهرجة وعن ستر المرأة وحشمتها وكفايتها وصونها خلف براقع الأقمشة السوداء والجدران المسلحة لا تستطيع تلك الادعاءات أن تُخفي الحقيقة في أن المرأة العراقية بذاك المجتمع الذكوري  مأسورة لأغراض استغلال هو الأكثر فحشاً وتردياً ومصادرةً لشخصيتها وحقوقها وحرياتها الإنسانية..
ولعل مجتمعاً تُهان فيه المرأة وتستلب وتُصادَر لا يمكن أن يكون حراً بل هو مجتمع مكبل بقيود التخلف والتجهيل وبسلطة بلطجة الهمجية ووحشية عنفها وإجرامها..
لقد كانت المرأة العراقية منذ مطلع عشرينات القرن المنصرم صاحبة الإرادة والنضالات البهية وشاركت في انتفاضات الشعب وثوراته الوطنية والطبقية وساهمت في مسيرة بناء الدولة ومحاولة تبني الطريق الأكثر صوابا وسلامة حيث التنمية والتقدم حتى انتصرت لتشريعات مميزة كما في قانون 188 لسنة 59 وتسلمت عديدا من المهام والمسؤوليات في قيادة الأحزاب السياسية التقدمية وكانت الوزيرة منذ خمسينات القرن الماضي وتبوأت في الستينات والسبعينات مراكز مهمة في إدارة الأنشطة المجتمعية والرسمية، وكان ظهور رابطة المرأة أروع مؤشرات وعيها واشتغالاتها..
إلا أنه منذ العام 2003، تمّ تكريس النظام البطرياركي (الطائفي الكليبتوقراطي) المفسد واستغلاله أيضا منظومة قيمية (عشائرية) وأخرى من أوبئة الأزمنة الغابرة وكهوف الظلام عاد بالمجتمع وبالمرأة إلى مناطق اللفائف المجسِّدة للتخلف وتحجيب العقل وتجهيل الشخصية الإنسانية ومحو إنسانيتها بالقدر الذي يؤشر علامات الوحشية والهمجية للعنف السائد…

إننا نربأ بالمرأة العراقية عن هذا المستوى المتدني والمواقع المتأخرة وهي التي ساهمت بقيادة المنظمات النسوية العالمية وقدمت المنجزات الإبداعية والعلمية بمختلف الميادين وهي التي رافقت النضالات المهنية النقابية والسياسية المجتمعية بعموم محاورها وهي حاملة رايات السلام والتنوير ومن ثم هي الإنسان بكامل الحقوق والحريات وهكذا فإن قوى التنوير مطالبة بإدانة أعلى صوتا وأكثر فعلا في برامجها وأدائها، لتلك السياسات التي ازدرت المرأة العراقية ووضعتها بمناطق معتمة مظلمة بقصد تعطيل مساهمة نصف المجتمع في مسيرة التحرر الوطني الديموقراطي في العراق. بخلفية التمييز على أساس الجندر..
ونرى أن مزيد التضامن المجتمعي وتقديم موضوع المساواة والعدل بأولوية مناسبة ومن ذلك إنهاء تفريغ محتوى الكوتا النسائية وتجييرها لقوى الأسلمة الظلامية وإطلاق مبدأ المساهمة الحرة العادلة وتعزيز التعليم محتوى ومستوى وتقديم ثقافة تنويرية تحررية سيكون قوة ليس للمرأة وحدها بل للمجتمع المنتمي لعصرنا..
ويهمنا هنا أن نؤشر قضايا من قبيل:
1.   حرية تشكيل المنظمات النسوية وحرية ممارسة الأنشطة النسوية بفضاء ديموقراطي كامل الحرية.
2.   إيجاد التشريعات المغلّظة بمرحلة انتقالية، ضد ظواهر العنف ضد المرأة ومنه العنف الأسري..
3.   معالجة ظواهر التزويج القهري بسلطة ذكورية بخاصة منه للقاصرات مما يتم خارج سلطة الدولة بمسميات تتبارك بالشيخ والسيد أو ما يسمونه زوراً رجل الدين بوقفها قانوناً وتطبيقاً..
4.   منع أشكال التمييز بخاصة من ظواهر أولوية التعليم من جهة وأسبقية من يخضعونه للتسرب الدراسي فضلا عن محتوى المناهج ومنظومتها القيمية التي تعنى بالمساواة والعدل والإنصاف.
5.   إطلاق حرية الأنشطة الإبداعية الأدبية الفنية وحمايتها ودعم فرصها في مجالاتها كافة..
6.   منح فرص التعيين والتوظيف بنسب متساوية للجنسين في مختلف منصات العمل وميادينه..
7.   إبعاد شبح السلطة الذكورية بمجال سطوة القيم العشائرية وأشكال السلوك المجتمعي المشوهة الخارجة على القانون ومنع أي دور للكهنوت الديني مما يوضع اليوم فوق سلطة القانون المدني العلماني.
8.   كبح جماح السلوك الاجتماعي الماضوي كما في بيع النساء وتحويلهن إلى مسميات الفصلية والنهوة وما شابه في مسمى التزويج وهي شكل من اشكال الرقيق الأبيض وسلوك طريقه..
9.   منح فرص التوعية والتثقيف وحملات التنوير المجتمعي بمستويات الإعلام وأنشطة المنظمات والمنتديات كافة..
10.   الأجور المتساوية للعمل المتساوي.. والانتباه القانوني الفعلي للضمان الاجتماعي والصحي وإلزامية التعليم المجاني لمرحلة التعليم الأساس..
11.   الالتفات ببرامج متخصصة للأرامل والمطلقات وبعموم وحيدات العيش ومنهن من يرعى الأيتام فضلا عن نزيلات بيوت الرعاية وحمايتهن من ظاهرة باتت سلوكا شائنا ثابتا بالاعتداءات عليهن وانتهاك القيم والثوابت الإنسانية.
12.   معالجة ظواهر العمل المنزلي وثقافته والعلاقات الأسرية القائمة على التمييز والمصادرة..
13.   كبح ظواهر الفصل والتمييز بمختلف ميادين الدراسة والعمل والأنشطة المجتمعية ما يعني تبني ثقافة ذكورية مقصودة المخرجات…
14.   تبادل التجاريب والانفتاح على العالم المتقدم ونقل المناسب المؤاتي للاستفادة منه بمختلف ميادين الحياة.
15.   يُفترض في المثقف العضوي التنويري أن يعالج ما ينتشر من ظواهر ويخترقها سلبيا بقدر تعلق القضية بالوجود الإنساني المشترك، ما يفرض ضرورة إفراد مساحات كافية للحوار بالخصوص..
16.   إن ضم النساء للتشكيلات الميليشياوية وفرض ثقافة العنف والبندقية لا يفتح بوابة مساواة ولكنه يفتح منافذ تكريس ثقافة العنف وبلطجته بوقت يتعارض ذلك وسمة الحركة النسوية في حمل رايات السلام..
17.   تكريس ثقافة البكاء والنواح والسلبية والعزيات وفرضها على مدار السنة يمثل ركنا جوهريا في فرض سلوكيات السلبية للمرأة ولمسخ شخصيتها من صانعة الحياة إلى متقوقعة في سجن مصطنع لها لا ينتج إلا الحزن، وهو إضرار بشخصيتها الإنسانية ومصادرة نوعية لها.
18.   يحاول بعض (رجال) بخاصة ممن يرتدي الجلباب والعمامة ومن يمثل السلطة الطائفية اختلاق غيتوات ومحابس حتى في مجتمعات الجاليات العراقية المهاجرة وهو أمر يبيح ارتكاب جرائم مركبة ومعقدة ما يتطلب موقفا من منظمات المجتمع المدني ومنها النسوية في مطاردة ما يشاع بحجة التدين ولباس العفة وعلامات ما يسمونها سن التكليف (الشرعي) وما شابه من منظومات قيمية لا تنتمي لدين وخطاب يحترم إنسانية الإنسان ومنه إنسانية المرأة وتتطلب الأمور دراسة الغث من السمين والإيجابي من السلبي في ضوء القوانين المرعية وقيم الأنسنة وإبعادا لاحتمالات الاستغلال وإيقاع الإجحاف بحق المرأة
إن إحصاءات ظواهر الانتحار يسجل لنا مدى الاحباط والانكسار الذي تعاني منه المرأة العراقية والأكثر إجراما أن تُنسب عمليات القتل الصريحة لفعل الانتحار وسجل القتل نفسه في تفاقم مفضوح.. والنسوة يتعرضن لجرائم الاغتصاب ومنه الاغتصاب الجنسي والاعتداءات البدنية وأفعال تحقير والازدراء بمستويات عائلية قرابية وغيرها.. فكيف يمكن قراءة أوضاع المرأة في مجتمع باتت الظواهر المزيفة في ادعاء التدين تتحكم بالمشهد العام!
إنه مما يلزمنا اليوم هو مراجعة برامج رابطة المرأة العراقية والمنظمات النسوية المعنية وتبني ما فيها من استراتيجيات وتفاصيل تتطلب أولوية في حركة المجتمع بأطره الحقوقية بكل معنى الأنسنة والاستجابة للعدل والمساواة في مسارات الحياة.
ولعل قراءة الموقع المتخلف المتدني في التسلسل الذي احتلته المرأة العراقية عالميا لا يعني أنها قاصرة وغير منتجة وعاجزة مشلولة ولكن يعني أنها مصادرة مستلبة محظور عليها العمل والإنجاز وما يطفو من واجهة (تمثيلية) هي محاولة ستر فلسفة النظام لكنها غربال لن يحجب روعة المرأة العراقية ونضالاتها ووعيها وقريبا سيجري التغيير المجتمعي وبناء مجتمع يحتضن الطاقات الإنسانية بلا تمييز من أي شكل ومنه التمييز البائس ضد المرأة…
ولنمضي معا وسويا من أجل خلق وسائل التحرر والانعتاق ….




13



أشكال التمييز القومي والديني ونتائجها في العراق

د. تيسيرعبد الجبار الآلوسي
أشكال التمييز القومي والديني  ونتائجها في العراق: في ضوء المجريات الراهنة وتداعياتها بات مهما التحدث ببيانات سياسية عاجلة ولكن أيضا من المهم لتفادي الإفرازات غير المقبولة يجب عدم نسيان التذكير بالمبادئ التي فرضتها مسيرة التنوير الأممي ووضعتها في صياغة بقوانينها واتفاقاتها وعهودها الأممية. هذه معالجة عسى تساهم في تسليط بقعة ضوء تتناسب وما يجري من متسارع التداعيات  سواء عراقيا أم ببلدان أخرى مثل كاتالونيا إسبانيا واسكتلندا وكالفورنيا وغيرها.. إنها مجرد قراءة تفرضها الضرورة ولكن بما تمليه مصالح الشعوب وحقها الثابت في تقرير المصير بعيداً عن أشكال استلابها ومصادرتها وعميقا حيث تلبية تطلعاتها بأسس إنسانية غير منقوصة
تعصف بوجود الدولة العراقية الحديثة بين عقد وآخر، أزمات عميقة الغور.. فمنذ تشكيلها مطلع القرن الماضي كانت عناصر الهوية الوطنية لدولة وليدة معاصرة، تتأسَّس وتتعمق بخطابين متناقضين: أحدهما يتجه لأنسنة الهوية الوطنية وأخذ العبر التاريخية من جذور حضارة وادي الرافدين، بأكثر صفحاتها إيجابية حيث احترام التنوع والتعددية، وتعميد أشكال التعايش السلمي، على أساس من الإخاء الإنساني الأنجع.. فيما الخطاب الآخر فرضته السلطة السياسية وأرضيتها الاجتماعية بمضامين قمعية وأخرى شوفينية استعلائية، أكدت بها طابع النظام السياسي وتوجهاته ومصالحه…
 وبين طابع التشكيلة الاقطاعية وما قبل الرأسمالية المشوهة وما ينتجه ذلك من ثقافة وسلطتها السياسية وارتباطاتها بالاستعمار الذي خرج شكلياً في مرحلة تأسيس الدولة؛ جابهنا أول جرائم إبادة جماعية على وفق التعريف القانوني لتلك الجريمة، وجميع تلك الجرائم، جاءت على أرضية صراع مفتعل بخلفية قومية وأخرى دينية!
وإذا ما مررنا سريعا على تاريخ ما اُرْتُكِب من جرائم باختلافها، فإننا ندخل ظروفاً معقدة بعد التغيير الراديكالي في العام 2003. إذ تطلع جمهور الشعب وتحديداً منه، المجموعات القومية، تطلعوا لبناء نظام ديموقراطي تعددي، يستجيب لمطامحهم التاريخية التي تأخرت طويلاً.. إلا أنّ ذياك التطلع انتكس تدريجاً عبر تكريس نظام طائفي كليبتوقراطي أوقع البلاد والعباد في كوارث وأزمات ووضعها في دوامات بلا قرار…
وهكذا، فإننا يمكن أن نرصد حقيقة أنّ المجموعات القومية والدينية في العراق قد خضعت لضغوطات شوفينية من مختلف النظم السابقة، لكنها ، في ظل النظام الطائفي (الجديد)، باتت تجابه أسوأ مراحل وجودها فيما تعرضت له من جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة.
إنّ النظام الطائفي القائم يواصل اجترار أسوأ أشكال التمييز القومي والديني في العراق، ما أحدث تصدعات في الخطاب الوطني وأسواره وبات يتطلب إعادة صياغة بطريقة يمكنها أن تعالج الأزمات المستفحلة وإلا فإنّ البلاد باتجاه كارثي آخر.
هنا لا تتوقف هذه المعالجة الموجزة عندما جرى مؤخراً من تسليم حوالي ثلث مساحة البلاد لقوى إرهابية و\أو ميليشيات لتكريس الانقسام المتعارض لجناحي الطائفية بقصد شرعنة وجود تلك السلطة التي تجتر اسوأ نظم دويلات الطوائف وحروبها التي رفضتها البشرية منذ فجر عصر النهضة.
لقد تعرض الأيزيديون لجريمة إبادة جماعية ومثلهم المسيحيون، ولم يكن هذا في منطقة الإرهاب التي تمّ تسليمها في طبق من ذهب لشراذم الجريمة، بل حتى في مناطق تخضع لسلطة أحزاب الطائفية حيث ارتكبت ميليشياتها جرائم إبادة بحق المندائيين مثلا وتمّ تطهير المدن الجنوبية والوسطى من المسيحيين وطورد أتباع الديانات بمشاركة في جرائم (ضد الإنسانية) فضلا عن شيوع ثقافة شوفينية مرضية مجتمعياً بأرضية الثقافة الطائفية وما اثارته من فلسفة ثأرية انتقامية من جهة ومن تمييز عرقي إثني ديني…
وبمراجعة (أشكال) التمييز التي مورست أو اُرْتُكِبت في العراق يمكننا التحدث عن تسلسل مجريات وارتكابات توازي ما أتاحته الأمم المتحدة في قرارها الخاص بالمكونات الصغيرة، ولكن بالنقيض مما سجلته من حقوق، حيث الانتهاكات الأخطر بحق أتباع الديانات أو أولئك الذين ينتمون إلى مجموعات قومية غير العرب!
إن الخطاب الطائفي السائد عراقياً اليوم، يتعرض لسكان البلاد على أساس الثأر منهم بخلفية وقائع تاريخية جرت قبل 1400 سنة! وهي فلسفة تميز بين أتباع الديانة الواحدة فما بالك مع أتباع الديانات الأخرى!؟ لقد بتنا نشاهد إكراهاً من قبيل تغيير ديموغرافي في مدينة 100% سكانها مسيحيون لتصير اليوم النسبة أقل من نصف السكان (40%)؛ برطلة نموذجاً!
لقد أكدت الأمم المتحدة من بين ما أكدته في اتفاقاتها وعهودها الدولية الحقوقية على واجب الحؤول دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، كما ورد في اتفاقية منع جريمة إبادة الأجناس والمعاقبة عليها، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والعهود الدولية الأخرى بشأن الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية، وإعلانها المتعلق بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، وفي ضوء استلهام أحكام المادة 27 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، المتعلقة بحقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات إثنية أو دينية أو لغوية، فرضت واجبات تعني بمضامينها: (ضرورة) تلبية مبدأ حماية حقوق الأشخاص المنتمين إلى مجموعات قومية، إثنية و\أو  دينية ولغوية بما يجسد (مساهمة رئيسة) في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي للدول التي يعيشون فيها، وتنمية المجتمع بأسره في إطار ديمقراطي يستند إلى حكم القانون، الأمر الذي يحقق التآخي بين الشعوب والأمم…
وطبعا كل ذلك، يتم بالاستناد إلى العمل الحيوي بالغ الأهمية الذي تنهض به المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية في مهمة (حماية المكونات القومية والدينية الصغيرة بحجمها العددي، المتساوية بقيم وجودها الإنساني) ومن ثمّ تأدية مهمة (حماية حقوق الأشخاص المنتمين إلى مجموعات قومية أو إثنية و\أو دينية ولغوية…
ولكن في إطار السلطة الطائفية التي تشكلت في عراق ما بعد 2003 جرت الأمور بطريقة تصفوية وباعتداءات ممنهجة بخلفية الفتاوى (السياسية) التي غلفت نفسها بالقدسية الدينية، من قبيل إباحة أن ترتكب عناصر ميليشياوية اغتصاب نساء واستيلادهن من أتباع مذاهب وأديان غير تلك التي تدعي أحزاب الطائفية الحاكمة الانتماء لها أو الدفاع عنها!
وعلى وفق إعلانات الأمم المتحدة واتفاقاتها وعهودها الأممية نرصد عراقياً:
1.   عدم نهوض النظام الطائفي، بمهمة: “حماية وجود الأقليات وهويتها القومية أو الإثنية، وهويتها الثقافية والدينية واللغوية”، وتفريطها بما يهيئ الظروف الكفيلة بدعم فلسفة احترام الآخر وهوية التنوع والتعددية!
2.   عدم اعتماد التدابير التشريعية الكافية لتحقيق تلك الغايات التي حددتها الأمم المتحدة. كما غذّت خطاباً ومارست كل ما هدد وجود خطاب التنوع وأمن أتباع الديانات والمجموعات القومية المتعددة. على سبيل المثال ماطلت في تشكيل نصف الهيأة التشريعية المعنية بوجود التنوع وحمايته بافشارة إلى مجلس الاتحاد وإلى قوانين تخص التركيبة المتنوعة للمجتمع واختزلت كثيرا من الأمور بنظام الكوتا بما يكمل نظام المحاصصة وما يجسده من سلطة طائفية وشكل النظام الكليبتوقراطي المرضي…
3.   وفي وقت أكدت القوانين الدولية على ما للأشخاص المنتمين إلى مجموعات قومية، إثنية و\أو دينية ولغوية من حقوق ثقافية خاصة بهم، ومن حقوق في الإعلان عن ديانتهم وممارسة طقوسهم الاعتقادية بأمن وحرية، فإن سلطة الطائفية ارتكبت كثيراً من الجرائم بهذا الشأن. وتعرضت ثقافة الآخر للهجمات والتضييقات وحوصرت اللغات وأشيع الاستهجان والسخرية والتحقير وكثير من أشكال التمييز بشأنها.
4.   ونظراً للانهيار الأمني وعدم توافر فضاء الحماية لم يكن ممكناً ولا متاحاً حق المنتمين إلى تلك المجموعات القومية والدينية في المشاركة بالحياة الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية مشاركة فعلية. ومن مهازل البنى الشكلية الإيهامية أو التضليلية على سبيل المثال لا الحصر وجود مديريات للثقافة باسم الكورد والتركمان وهي ليست سوى هياكل مفرغة من مضامينها ولا تمتلك أية موازنات أو ما يمكنها من العمل الفعلي…
5.   وانحسر رسمياً حكومياً حق ممثلي تلك المكونات في المشاركة الفعالة على الصعيد الوطني، وتم إلغاء كثير من الحقائب الوزارية وما تم ترسيمه (فعليا) سواء في الكوتا أم في نسب (التحاصص) أودى إلى تهميش خطير في الدور وفي اتخاذ القرار الذي انفردت به جهة طائفية محددة.. مثلما حصر رئيس (مجلس) الوزراء عدد من الوزارات السيادية الرئيسة بين يديه [بالإشارة إلى المالكي] ومثلما جرى تقليص الوزراء بالحكومة الأخيرة على حساب المكونات وعلى حساب الاتجاه المنادي بالحلول المدنية وعصلانة الدولة وانتمائها إلى الحداثة؛ هذا مع انحسار الوجود الفعلي ميدانيا بالمستويات الوطنية لكل أتباع الديانات والانحدارات القومية..
6.   لقد تعرض وجود تشكيلات المجتمع المدني، ومنه ما يخص الروابط والجمعيات الخاصة بأتباع الديانات إلى حصارٍ مؤسٍ، يمكننا على سبيل المثال أن نشير إلى إغلاق كنائس وخواء المعابد (المندى والكنيس وغيرهما) بذرائع مختلفة…
7.   وما عاد الأشخاص المنتمون إلى تلك المكونات بقادرين على إقامة اتصالات حرة وسلمية مع أفراد جماعتهم ومع أتباع المكونات الأخرى، لا وطنياً في داخل البلاد ولا عبر الحدود مع نظرائهم في البلدان الأخرى.. ونحن نرصد منع أتباع الديانات من إقامة معابدهم أو إدامتها وصيانتها وما يطفو ليس سوى استعراضات قهرية تخفي حجم الكارثة في إفراغ البلاد من الأطياف المتنوعة التي ساهمت في بناء تاريخ عريق إلى درجة فرض المشاركة في طقوس دينية من تصنيع السلطة الطائفية أو بأقل تقدير تخص أطرافا دينية مذهبية أخرى..!!!
8.   وفي وقت يجيز قرار الأمم المتحدة للأشخاص من أتباع تلك المجموعات القومية والدينية، ممارسة مختلف الأنشطة بصفة فردية و\أو بالاشتراك مع سائر أفراد جماعتهم، من دون أي تمييز، لا نجد الواقع يعكس هذا بل على النقيض من ذلك يتعرضون باستمرار لمزيد من العسف والتنكيل والأذى بلا ردع للجريمة ومركبيها…
9.   في وقت تُترك بقع ضوء ملتهبة لممارسات تخص (ساسة) من مكونات قومية ودينية فإن الحقيقة التي تشمل الأغلبية الشعبية وبنى المجتمع المدني تتعرض للانتهاك الصارخ؛ وما يجري ليس إلا حركة تضليلية أشاعت ثقافة أن أبناء المجموعات الأخرى حصلوا على (أكثر من استحقاقهم!) وهي عبارة باتت تثير خطاب الكراهية والتمييز بطريقة فظة تجسدت مؤخراً بشقاق خطير تجاه مبدا حق تقرير المصير وطريقة ممارسته والحق بتلبيته.
لقد أكدت المادتان الرابعة والخامسة من قرار الأمم المتحدة في 1992 على واجبات الدول في ضمان أن يتسنى لأتباع الديانات وأبناء القوميات، “ممارسة جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية الخاصة بهم ممارسة تامة وفعالة، من دون أي تمييز وفي مساواة تامة أمام القانون.” وعلى “تهيئة الظروف المؤاتية لتمكين الأشخاص المنتمين إلى أقليات من التعبير عن خصائصهم ومن تطوير ثقافتهم ولغتهم ودينهم وتقاليدهم وعاداتهم،…”  وحق التعلم بلغاتهم الأم  مع اتخاذ تدابير في حقل التعليم من أجل تشجيع المعرفة بتاريخ كل المكونات الموجودة. وتحقيق كل ما يكفل مشاركة أبناء تلك المكونات في الشأن العام ومنه في مجالات التقدم الاقتصادي والتنمية في بلدهم بما لا ينتقص من تلك المشاركة أي شكل للتمييز وبما يجري بفضاء خطط واستراتيجيات برامج وطنية شاملة تستجيب لحقوق أبناء تلك المجموعات..
على الرغم من ذلك وبالتعارض معه، أذكّر هنا، أن حكومات ما بعد 2003 مارست لغة التهديد والوعيد والحصارات من قبيل الحصار الاقتصادي  الذي مسّ بأصحاب الدخول الواطئة يوم لم يجر تسليمهم مرتباتهم، مصادر عيشهم ويوم تم تشكيل فرق عسكرية موجهة بالخصوص لمهاجمة إقليم كوردستان مثلا قوات دجلة.. واليوم نراها في أشكال التصريحات لزعماء ميليشيات طائفية خارج أطر القانون وفلسفة البنى الوطنية…
وفي الصعيد الرسمي، بدلا من أن يطلق المسؤولون خطابا يرفض التهديدات الخارجية التي تستغل الظرف فتطلق لنفسها ما يبرر تدخلاتها، يشارك أؤلئك المسؤولون زعماء أجانب، ذوي مطامع إقليمية بالعراق، نهجهم العدواني المخترق للسيادة والمتعارض مع ما يفرضه القانون الدولي من واجبات في الظرف الراهن! وطبعا فضلا عما ينجم عن هذا السلوك السياسي فإنه بالأساس يتعارض وكل مواد القوانين والعهود التي تفرض احترام أتباع الديانات والمنتمين لمجموعات قومية متنوعة…
 وبالتعارض مع المادة السادسة للقرار الأممي المخصوص، الذي ينص على ضرورة التعاون بين الدول “في المسائل المتعلقة بالأشخاص المنتمين إلى أقليات. وذلك، في جملة أمور، بتبادل المعلومات والخبرات، من أجل تعزيز التفاهم والثقة المتبادلين” نجد أن مطاردة الكورد في إقليمهم الجغرافي وجرائم تصفوية وجرائم ضد الإنسانية اُرتُكِبت بحق المندائيين لم تقم الجهات الرسمية بواجبها بشأنها بل على العكس مررت الأمور بسلبية خطيرة. فمثلا كل جرائم انتهاك السيادة واختراق الحدود وقصف القرى الكوردستانية مرت بلا تعليق ومثلها جرائم تصفية اُرتُكِبت بحق أتباع المندائية…!
وبوقت ترى الأمم المتحدة والقوانين الدولية أن التدابير التي تتخذها الدول لضمان التمتع الفعلي بالحقوق المبينة في إعلاناتها وقراراتها، من حيث الافتراض المبدئي، أمرا لا يتعارض مع مبدأ المساواة الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن الخطاب السائد يتحدث عن أن بعض من يسمونهم (الأقليات) قد حصلوا على (أكثر من حقوقهم)!!!
ومن هنا فإن من حق تلك المجموعات القومية والدينية أن تطلب تنفيذ المادة التاسعة من قرار الأمم المتحدة القاضي بأن: “تساهم الوكالات المتخصصة وسائر مؤسسات منظومة الأمم المتحدة، كل في مجال اختصاصه، في الإعمال الكامل للحقوق والمبادئ المبينة في هذا الإعلان”.
إن كارثة كهذه تتطلب وعيا جديدا مختلفا وتفرض سرعة التفاعل بما يتلافى التداعيات الجارية سواء بالانقسامات ام بالصراعات المفتعلة..
كما ينبغي التوقف لوهلة كي نتجنب خطاب الكراهية وتلك الأمور التي تلتهب بسبب التركيز على مفردات قانونية دستورية وأخرى تمثل جمل حق توقع بباطل المآزق التي جرت قوى الطائفية  الجميع إليها..
فهلا تنبهنا! وأدركنا أن الأهمية اليوم تتطلب التركيز على البعد الإنساني لهويتنا الوطنية وبتقديم فرص التفاعل بين مكوناتنا وإعلاء مهمة الحماية والرعاية التي تتعرض لكل تلك الجرائم!؟
القضية بأيدي التنويريين وأولويات اشتغالاتهم التي تحتاج لوقفة تدبّر وتفكّر وإعادة صياغة خطابهم السياسي المجتمعي اليوم…

14
ماذا تعني المصالحة الوطنية؟ وما أطرافها ومحدداتها؟

د. تيسيرعبد الجبار الآلوسي
الوحدة الوطنية [تحديداً وحدة القوى الديموقراطية العلمانية التنويرية التي تجسدها] تبقى ضرورة تنتصر لفرص إنجاز التحولات في إعادة بناء الدولة (الوطنية) العلمانية الديموقراطية المعاصرة باشتراطات وجودها واهدافها.. ومن أجل ذلك انطلقت أصوات وطنية تدعو إلى رص الصفوف وتوحيدها لإحداث التغيير والوصول إلى البديل المنشود. ولكنها سرعان ما جابهت الاختراق والعقبات، من قوى الطائفية والجهوية وتضليلها ومن قوى إقليمية ودولية تقف خلفها أو تمد أصابعها مباشرة لمآرب بعينها. فهل من أفق لانتصار الوطني الديمقراطي أم سيعاد إنتاج المرضي؟ والتساؤل تستتبعه أسئلة تبحث عن هوية الوطني واشتراطات أداءاته  وفي خضم المجريات مسؤولية الوعي بالحدث وإدراك ما يخفي والوصول بالبديل إلى جمهوره لا توريطه في خطى تحاك عبر تلك الخروقات التي نشير إليها صراحة..
هذه معالجة تنتظر التفاعلات لمزيد تنضيج ووصول إلى الأنجع

قضية المصالحة الوطنية، من القضايا التي جابهت شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لجملة اعتبارات مختلفة متنوعة.  وهنا سأحاول اقتراح تصور للمعالجة، في ضوء التجربتين العراقية أولاً وإلى حد ما الليبية مثالاً آخر، وستسلط المعالجة أضواء على جوانب مختلفة منها حال التدخلات الخارجية سواء بوصفها أطرافا ثالثة يفترض بها الحيادية أم تلك التي لها مصالحها ومآربها التي قد يكون تدخلها محاولة إلغاء المحددات السليمة للمصالحة أو زرع ألغام بوجهها.
وفي السنوات العجاف الأخيرة، حيث ظاهرة التشظي والانقسامات تستفحل  مستغلة عوامل إثارة الشقاق المرضي سواء منها الطائفية أم الجهوية المناطقية، انطلقت أصوات وطنية؛ تدعو إلى رص  بمجابهة حالات التدهور المصطنعة. ولكن تلك الدعوات ، سرعان ما جابهت الاختراق والعقبات، على اختلافها. فهل من أفق لانتصار الوطني الديمقراطي في مساعيه أم سيعاد إنتاج المرضي؟
الحقائق ودروس الشعوب وتجاريب حركاتها التحررية التقدمية تؤكد أنَّ الوحدة الوطنية تظل ضرورة تنتصر لفرص إنجاز (التحولات في إعادة بناء الدولة)؛ ولكنها لا تأتي من دون مجابهة الاختراق والعقبات التي أشرنا لوجودها.
ما تعرضت له بعض دول ، من هزات راديكالية جاء نتيجة لرفض شعبي لحال استمرار القمع السياسي والاستغلال وانتفاء العدالة الاجتماعية في نظم دكتاتورية تحكمت باللاد والعباد… ونظراً للضربات القاسية التي تعرضت لها الحركات التحررية والتضييقات على تنظيماتها لم تكن بحال استعداد كافٍ لمجابهة مهامها والالتحام مع الحراك الشعبي الغاضب..
وبين الخلل الفادح في مستوى الوعي بالاستناد إلى تفشي التجهيل والأميتين الأبجدية والحضارية ومن ثمّ انتشار منطق الخرافة والتخلف وما يتيحه من فرص لقوى التضليل ودجلها وبين الأصابع الإقليمية والدولية وتدخلاتها لمآرب بعينها، ظهرت في السنوات الأخيرة تلك الهزات الراديكالية وما نجم عنها من تراجع وانقسام مجتمعي مفروض قسرياً من فوق…
ولابد هنا من التوكيد على أن الشعوب تحمل طابعها وهوياتها المخصوصة وطنياً في ضوء مسيرة موحدة تمتد بعمق تاريخي يساوي رحلة وجودها ومنجزها المشترك. لكن ما يتبدى هنا وهناك من انقسام إنما يتم بتغذية خطاب الشقاق سواء بأسس طائفية كما حصل بالعراق أم بأسس جهوية كما حصل في ليبيا باستغلال تاريخ من أحداث تراكمن في ظروف زمنية مختلفة.. أما شرارة الاشتعال للانقسام وصراعاتها الملتهبة فهي تجري بدور رئيس للعنف وبأيدي قوى مافيوية ميليشياوية  حيث يتم إشعال الفتن والاحترابات بمختلف خلفياتها.
هنا تظهر الحاجة لاستقبال النداءات الوطنية، كما بمثالينا عن العراق وليبيا.. وهكذا يبدأ البحث عن إجابة معنى المصالحة الوطنية كونها الخطاب المعبر عن وجود كل شعب في جغرافيا الوطن بهوية تجسد السيادة لمنجز مخصوص السمات؛ ويعبر عن تلك السمات وهويتها، بالولاء والانتماء لوطن، أولا بالشعور العاطفي الروحي وثانيا وبموازاته بالدفاع عما يمكن وصفه بالمبادئ الأولى لوجود الجماعة البشرية الواحدة بوطن بعينه، وبهذا يكون الولاء محدداً للهوية الوطنية التي تصير سداً منيعاً ضد أي انقسام، فتكون أداة وحدة المجتمع بمكوناته مهما كانت من تنوعات طيفية فيه.
ومكونات المجتمعات، أو العناصر الفرعية لتركيبة الشعوب قد تكون انحدارات قومية أو مكونات من أتباع ديانات ومذاهب أو قبائل وأعراق، تكون الوطنية سببا للتقدم على تلك الهويات وحصانة لهم من الاقتتال لأي اختلاف محتمل.. وإن حصل فإن التفاهمات وأشكال الاتفاق تقوم على مسمى (المصالحة) الوطنية بوصفها الجامع والحل…
فهل العراقيون ومثلهم الليبيون بحاجة إلى مصالحة وطنية؟ ومن هم المصطرعون عراقيا أو ليبيا كي يتم التوجه بمصطلح (مصالحة وطنية) إليهم؟
منذ 2003 عندما جرى التغيير الراديكالي وإنهاء حكم الدكتاتورية، حاول العراقيون التوجه إلى خيار بناء نظام ديموقراطي لدولتهم الوطنية وحصل مثل هذا ما بعد ثورة الشعب الليبي.. إلا أن الطرق لم تكن معبدة للتغيير الديموقراطي الأنجع…
فتدرجت قوى تتمثل بـ(جماعات) إسلاموية في السطو على المشهد بالاستناد إلى أمور منها فرض المحاصصة الطائفية على تركيبة مجلس حكم في بغداد وجاء حل الجيش ومؤسسات الأمن من دون بديل وطني لتعلو على خلفيته سلطة الجماعات المسلحة ومن ثم ليتم استيلاد ميليشيات بالعشرات أرهبت الناس وشكلت تجسيدا مثاليا لما سُميّ أحزاب الطائفية وهي ليست سوى أجنحة (سياسية) لتلك العصابات المنظمة (المافيوية) وللميليشيات المسلحة المؤتمرة بسلطان قوى إقليمية ولم يكن المذهب والطائفة إلا الغطاء الديني لقدسية مزيفة مصطنعة ضللت قطاعات بعينها. يمكننا الإشارة إلى ولادة تلك الميليشيات ليبياً بخلفية جهوية مناطقية استغلت (إذكاء) ما اُصطُنِع من خلافات ذات جذور ماضوية..
وبالإشارة إلى الحال العراقية سنجد أن العراقيين بخاصة في بنية مجتمعهم المعاصر كانوا بحال من التزاوج الاجتماعي بين أتباع المذاهب المختلفة بنسبة الثلثين من وجودهم بل أبعد من ذلك هناك تركيبة لعوائل وأسر وقبائل (مختلطة) من المذاهب وأحيانا (كثيرة) التزاوج تم بين انتماءات قومية وحتى دينية متعددة ولو بنسب قليلة في الأخيرة..
لكن للحديث عن المصالحة الوطنية ينبغي ألا نقحم مكونات الشعب إقحاما وكأنها مكونات مصطرعة تريد معاودة حوار يتبنى (متأخراً) مبادئ الوطنية… فالعمق الوطني وقيمه وهويته الإنسانية المتفتحة موجود بالوسط الشعبي المجتمعي بدليل نسبة الاختلاط بالزواج وتكوين العائلة أم بغير ذلك من تفاصيل محورية بنيوية، لكن ما جرى أفشى ثقافة سلبية بين بعض القطاعات ولكنه موجود بفعل إكراه قسري فوقي متأتٍ من سطوة وبلطجة قوى عنفية طائفية المنحى تعتاش على الانقسام والاصطراع المصطنع…
إذن، المصالحة الوطنية بضرورتها تبدأ من إطلاق حريات القوى المخلصة لقيم البنى المجتمعية المتمسكة بوطنيتها أو بانتمائها للدولة الحديثة المعاصرة بعمقها الإنساني  ومن ثم تحريرها من القيود المفروضة عليها لتكون المعبر عن طبقات المجتمع بتركيبته المنتمية لعصرنا لا إلى تركيبة مشوهة يراد اجترارها من ماضويات منقرضة في التاريخ الإنساني..
وهذا بخلاف ما يُزعم من أن حوارات (قوى الطائفية) المتحكمة  اليوم، هو ما يجسد (المصالحة الوطنية)! والصحيح أن ظهور الوطني وتعزز مكانته لا يتم إلا بالخلاص من قوى الطائفية نفسها والتحرر من سطوتها القسرية التي تثير الشقاق والاحتراب العنفي المسلح من جهة والتي تعتاش على ثقافة الانقسام والتخندق والتمترس خلف وجودها المتعارض شكلا والمعبر عن أداة شرعنة وجود الطائفي أو الجهوي بحسب البلد والمجتمع.
ومحددات المصالحة الوطنية اليوم، ليست في عودة من حرب لم يكن لأتباع المذهبين (الشيعي والسني) ممن يشكل الغالبية في العراق وهما لا ناقة ولا جمل لهما في حروب الميليشيات الطائفية ولم يكونا محتربين في وقت كانا دائما وجودا وطنيا  واحداً في دولة العراق الحديث، وعلى مدى قرن من الزمن استمدا ثقافة متمدنة بعمق فجر الحضارة الإنسانية بوادي الرافدين  وبامتداد آلاف السنوات والأعوام..
إذن، محددات المصالحة الوطنية تكمن في حوار يقوم على استعادة المدني بإزاحة الظلامي الطائفي المتخلف وإطلاق حرية الإنسان العراقي وحقه في بناء نظامه الجديد، بمبادئ (الوطنية) ودولة (المواطنة) وبترسيخ قيم الوطنية بعمقها الإنساني كما أكدت التجاريب وكما نستنتج من هذه المعالجة.
إن ما تطلقه قوى  الطائفية اليوم بشأن (المصالحة) الوطنية هو محاولة ذر الرماد في العيون وتوكيد خطابها التضليلي لتمكينه أكثر من التسلط على المجتمع عبر الادعاء أن الصراع يجري بين مكونات المجتمع والبديل كما يزعمون في حوارات تجري بين أحزاب الطائفية وأجنحتها وطبعا إسكات مؤقت بهدنة لتمرير قوة عاصفة الرفض الشعبي ومعاودة الفوز انتخابيا بالعراق أو معاودة النفوذ عبر اتفاقات جديدة تشرعن القوى المسلحة ووجودها بتعديلات شكلية على اتفاق الصخيرات ليبيا.
إن القوى (الوطنية) المعنية بموضوع المصالحة يجب أن يكون خابها عالي الصوت أن البديل يكمن في نظام (علماني ديموقراطي اتحادي) يستجيب لـ(بنى الدولة المعاصرة وطابع المجتمع المدني وتركيبته الحديثة) فالهوية الوطنية لها شروطها ونظام الدولة الذي لا يسمح بوجود ما يتعارض ودلالاته وأداءاته كما بوجود التخندقات الطائفية أو القبلية والعلاقة بين الشعب والوطن تحكمها مبادئ الوطنية وشرط المواطنة وحقوق الإنسان وحرياته التي لا تلتقي قطعا مع نظام الطائفية المجتر من مجاهل الزمن الغابر المنقرض…
فليحذر الشعبان العراقي والليبي من لعبة تتم باسم سليم للوطنية ومصالحتها بأسسها ومحدداتها السليمة وتخفي تحتها تسليم السطوة ورأس الشعبين لهمجية قوى الإرهاب الميليشياوي وما يحمي مافيويا من فساد وسرقة للشعب في قطف حيوات بناته وأبنائه وفي نهب ثرواته حيث خيرات الوطن (الطبيعية) وخيرات الشعب ومنجزه المادي والروحي..
فلنبحث عن البديل: أولا في فهم جوهر أو حقيقة (المصالحة الوطنية) ودلالاتها ومحدداتها والمكونات والقوى التي تشترك فيها وما الهدف من توجهها إلى تلك المصالحة..  وثانياً في تمكين القوى الوطنية الحقة التي تنتمي للدولة الحديثة وآليات اشتغال مؤسساتها وطابع بنيتها عبر (مؤتمر التغيير من أجل دولة علمانية ديموقراطية اتحادية تحقق العدالة الاجتماعية).. بخلاف ذلك لا يجوز للقوى الوطنية الديموقراطية أن تنخرط في أنشطة تضليلية لن تكون فيها سوى تابعاً لاهثا وراء قوى تحكمت بالمشهد طوال المدة التي أعقبت التغيير الراديكالي سواء في العراق أم في ليبيا.
يلزم تجنيب الشعبين حال استيلاد أزمات جديدة وتوريطهما في مطب إعادة إنتاج السلطة المرضية سواء المهلهلة المفروضة من قوى دولية وهي لا تضفي سوى شرعية على قوى ميليشياوية إرهابية تتحكم بها مصادر تمويل إقليمية مثل قطر وتركيا بليبيا أو سلطة طائفية بكل ما فرضته من حروب خنادقها وتمترساتها الإجبارية التي تم اصطناعها بالإكراه والقسر الدموي الأبشع في التاريخ المعاصر..
إنّ الشعبين العراقي والليبي ليسا بحاجة لمصالحة افتراضية في وهم المضللين يفرضضونها تغطية على ما أوصلوا به البلدين إليه من منحدر ولكنهما بحاجة إلى تغيير باتجاه البديل الوطني الذي يُنهي الطائفية والجهوية ويقيم بل يعيد الوطني بنظام ديموقراطي يمكن الشعب من عملية التغيير والبناء والتقدم..
ونحن اليوم أما سنقع بورطة تعيد إنتاج الجريمة الواقعة على الشعبين وربما تقع بمساهمة من بعض القوى الوطنية التي تنجر وراء ما يسمى مفاوضات وحوارات للمصالحة الوطنية المزعومة وهي ليست سوى إعادة ترتيب أوراق المحتربين من أجنحة الطائفية والجهوية وتقسيم (الغنيمة)  أو سنتحرر وننعتق بفضل وعي شعبي وإدراك القوى المعنية بالتغيير لبرامج الوصول إلى البديل ووسائلها القائمة على وحدة تلك القوى بمجابهة أعتى قوة ظلامية غاشمة في عصرنا…
وللمعالجة بقية تتجسد بتفاعلاتكم وإضافاتكم وبقراءة ملموسة لكل نموذج ورد هنا.





15
إدانة خطاب الفتنة والبلطجة الموجه ضد الكورد الفيلية والمطالبة بالتصدي للجريمة التي تنكأ جراحاتٍ فاغرة في ظل الانفلات
— تيسيرعبد الجبار الآلوسي

لتوقيع الحملة تابع قراءة النص وتجد الرابط في أسفله اضغط للانتقال للتوقيع مع التقدير لمواقفكم الوطنية والإنسانية النبيلة السامية

أصدر المرصد السومري لحقوق الإنسان بيانا بعنوان: إدانة خطاب الفتنة والبلطجة الموجه ضد الكورد الفيلية والمطالبة بالتصدي للجريمة التي تنكأ جراحاتٍ فاغرة في ظل الانفلات وقد تضمن البيان إشارة إلى خلفيته حيث تفاقمت مؤخرا ظاهرة الاعتداءات على الكورد الفيلية كونهم يشكلون ثقلا كبيرا للضغط عليهم وابتزازهم بوظائفهم ومصادر عيشهم وامنهم بل وبانتمائهم وجنسيتهم المهددين بسحبها منهم والقصد طبعا عرقلة الاستفتاء الكوردستاني على تقرير المصير أو التهيئة لمشكلات والحفر مسبقا للإيقاع بالكورد بخلفية استعلاء شوفيني.. إن مطحنة العنصريين الهمج الظلاميين عادة ما استهدفت أبناء الشعب ومكوناته من الأبرياء في صراعات على خلفية سياسية وهي جريمة مركبة يجب التصدي لها.. وفي أدناه صورة البيان الذي يجري تجهيزه بصفة حملة للتوقيع وسينشر حملةً بعد ورود التوقيعات التي ندرج تبنيها القضية بوصفها حملة نرجو أن توقعها القوى الوطنية والحقوقية الحية وجميع الشخصيات التي تحمل قيم التحرر والمساواة والعدل
حملة من أجل إدانة خطاب الفتنة الموجه ضد الكورد الفيلية والمطالبة بالتصدي للجريمة ونشر ثقافة الإخاء والمواطنة وحمايتهما

مطلق الحملة: تيسير عبدالجبار الآلوسي

موجهة ل: الرئاسات الثلاث والادعاء العام والقوى الوطنية والحقوقية وأنصار ثقافة المساواة والعدل وروح المواطنة العراقية

التاريخ: 27-06-2017

حملة من أجل إدانة خطاب الفتنة الموجه ضد الكورد الفيلية والمطالبة بالتصدي للجريمة ونشر ثقافة الإخاء والمواطنة وحمايتهما

تفاقمت مؤخرا ظاهرة الاعتداءات على الكورد الفيلية وابتزازهم بالتهديد بطردهم من وظائفهم ومصادرة أكلاطهم ووسائل عيشهم ووصلت بعض التهديدات حدّ سحب الجنسية العراقية وربطت تلك التصريحات والبيانات الموقف بقضية الاستفتاء الكوردستاني على تقرير المصير.. إنّ استهداف أبناء الشعب ومكوناته من الأبرياء في صراعات على خلفية سياسية هي جريمة مركبة يجب التصدي لها بحزم..
وما يجري في العراق اليوم من جرائم منظمة، إنّما ترتكبها قوى ذات تشكيلات عنفية مسلحة، تأتمر بخطاب طائفي وأجندته بفحواها العنصري ومضامين التمييز المتعارضة مع قيم الوطنية التي تهدم التعايش بين أطياف المجتمع العراقي ومكوناته.
وهذه المرة نُلفتُ الانتباه مجدداً، وبوضوح إلى تفاقم الهجمات التي طاولت الكورد الفيلية، من سكنة العاصمة بغداد وعدد من المحافظات وأقضيتها ونواحيها مثل واسط وديالى، حيث كثافة واضحة لوجودهم عبر تاريخ عريق تعايشوا فيه بأسس الإخاء المجتمعي وببنى وطنية سامية..
ولقد رافق تلك الاعتداءات المنظمة الممنهجة، تعتيم متقصد إعلاميا وسياسياً من بعض الأطراف المساهمة بالجريمة أو التغطية عليها، فضلا عن خطاب سياسي قادته (بعض) زعامات حكومية رسمية وأخرى حزبية وميليشياوية، إذ أطلقت التصريحات والبيانات المنفعلة الحادة تلك التي تمتلئ بالمزايدات وبالعزف على وتر خطاب عنصري يجتر التمييز والشوفينية القومية، وهو خطاب ركَّز رأس حربته ليطعن النسيج المجتمعي وتعايش ألوان الطيف عبر تاريخ الدولة العراقية، بتوجيه سهام جريمته نحو الكورد الفيلية...
ونحن نُجملُ تلك المجريات العنفية ومنطق التمييز العنصري وفلسفة الاستعلائ الشوفينية بالآتي:
1. الاعتداءات في محال السكن والعمل التي طاولت الكورد الفيلية، على الهوية.
2. التهديد بارتكاب فظاعات أخرى بحق الأرواح والممتلكات، من سلب ونهب وترويع واختطاف واغتصاب وقتل، بقصد توفير أسباب الضغط لمآرب مبيتة.
3. التهديد بالتهجير القسري، بجريمة مخطط لها بشكل بات اليوم مفضوحا بإجراءات طفت بوضوح.
4. التهديد بنزع هوية الأحوال المدنية، الجنسية العراقية عن عراقيين أصلاء على خلفية الانتماء القومي في ظاهرة التمييز السافرة!
5. إطلاق تصريحات تهدئة مجانية، تنفي وجود الجرائم والاعتداءات أو التقليل من شأنها ما يمثل تفويتاً وتمريراً لها وتغطية على مرتكبيها.
6. التباس خطاب المسؤولين الحكوميين وقصور الردود الرسمية بمستوياتها العليا عن الظاهرة وما تخفيه من تهديد شامل للأوضاع وبقاء حراك السلطات (التنفيذية، القضائية والتشريعية) بمناطق منزوية هزيلة ضعيفة لا ترقى لمهمة التصدي المؤمل بمستوى التهديد والمخاطر.
7. تلكؤ في خطاب بعض الأحزاب الوطنية والحركة الحقوقية عن وقفة شاملة ونوعية يمكنها توحيد الصوت الشعبي وتنويره فيما يتهدده من وراء مثل تلك الجرائم والتهديد بها.
إنّ هذا الخطاب العنصري يجتر خطابات عفّى عليها الزمنُ بعد أن طوتها نضالات الشعب بفضل الانتصار النسبي لحظر أشكال التمييز عندما تمت صياغة النص الدستوري والقوانين والقرارات التي كسبتها نضالات الشعب وقواه الحية تلك التي عالجت قضايا الكورد الفيلية الذين عانوا الأمَرَّين في سنوات انصرمت وولّت.
إننا نحن الموقعين في أدناه من منظمات وشخصيات، ومعنا ممثلو الحركة الوطنية الديموقراطية والحركة الحقوقية العراقية، ندين بشدة تلك الانتهاكات والتهدیدات العنصریة التي تُرتكَب بحق أهلنا من الكورد الفیلیین.. ونستنكر ظاهرة الاكتفاء بتصريحات تطييب الخواطر التي لن تقدم حلا بقدر ما ستساهم في تمرير الجريمة وتمييع أي محاولة للحسم والحزم تجاهها.
هذا من جهة تركز الجريمة على الكورد الفيلية بناحية من غايات من يقف وراءها؛ ولكن في الناحية الأخرى وإفرازاتها، ستقف بوجه أي حوار إيجابي يُعنى بقضايا النسيج المجتمعي والمصالحة الوطنية وتلك الخاصة بالاستفتاء الأمر الذي سيشكل تضاغطاً، مؤداه جد خطير إذا ما ترك على عواهنه.
إننا نرى أنّ الجريمة مركبة وإن انطلقت من التمييز العنصري القومي، كونها من الجرائم التي تمس طيفا مجتمعياً على خلفية هويته القومية، ولكن تعقيدها وتركيبها يتأتى كما أسلفنا، من جهة كونها لا تكتفي بإيذاء طيف عراقي صميم بل تحرث الأرض لتمزيق النسيج المجتمعي ووضعه بتعارضات واصطراعات مفتعلة خطيرة تهدد السلم الأهلي وتدفع لاحترابات منمَّطة بتمترسات طائفية وشوفينية قومية، مفضوحة الغايات.
وبناءً عليه؛ فإننا إذ نشخّص الجريمة وطابعها وما تخضع له من توصيف في الدستور وفي المواثيق الحقوقية والقوانين الدولية، إنما نريد أنْ تنهض المؤسسات الرسمية بالمتابعة الحاسمة وبفرض سلطة القانون وتلبية العدالة والإنصاف ومنع أشكال ارتكاب جرائم التهديد والوعيد التي لا تثير إلا الفوضى والربكة ومزيد من الاصطراعات غير محسوبة العواقب..
وإذا كان بعض العاملين بحقل إدارة الدولة وأحزاب السياسة الطائفية قد برعوا في صياغة خطابهم المرضي بالدجل والتضليل بشأن حرصهم على المصالح الوطنية العليا، فإن الرد يكمن في حملة شعبية واسعة وشاملة تتصدى لثقافة تمزيق النسيج الوطني وتؤكد التمسك بوحدة أبناء الشعب في دولة المواطنة التي تحترم كل الهويات الفرعية وتمنح أبناء المكونات والأطياف العراقية، الثقة والاستقرار والأمن والأمان؛ بما يقطع الطريق على المجرمين من التمادي في خطاب يستهتر بحيوات الناس وبسلامة العيش في إطار وطن الجميع بظلال دولة مدنية تحترم كل الحقوق والحريات...
إن مطلقي تلك التصريحات النارية الجهنمية يتحملون وقادتهم وأحزابهم مسؤولية قانونية تتطلب المقاضاة الفورية.. مطالبين هنا، الادعاء العام مباشرة مهامه في متابعة الإجراءات الرسمية الموكولة إليه بمثل هذه الوقائع الخطيرة، وعدم التراخي عن المهمة القانونية القضائية، تجاه ما تمَّ ارتكابه.. لأن التغاضي والفتور والتراخي لا يعني سوى صب مزيد الزيت في نيران الفتنة وخطابها.
إنّ ربط بعض الساسة (الطائفيين) بين إجراء الاستفتاء بشأن حق تقرير المصير وبين انتماء الكورد الفيلية وهويتهم الوطنية وعيشهم في المدن التي عاشوا فيها تاريخيا، لا يقف عند خطله السياسي وتعارضه مع قيم الوطنية العراقية والهوية الإنسانية المستنيرة بل يمثل جريمة عنصرية يسائل عليها القانون ويوقع أشد العقوبات بسبب من طعنها في الوحدة الوطنية ومن تعرضها للمجتمع العراقي برمته...
كما أن تلك البيانات والتصريحات، في القيم الفكرية الأخلاقية، تعبر عن حقد دفين تجاه الكورد وكوردستان وتعادي حق تقرير المصير المكفول دستورياً وفي القوانين الدولية الأمر الذي يلزم فضحه على كل مستوى وبكل ميدان ونشر قيم الإخاء والتعاضد والتعاون، مهما كانت الخيارات المستقبلية...
يبقى أهلنا من الكورد الفيلية جزءاً لا يتجزأ من الأمة الكوردية مثلما انتماءً صميماً في بنية الشعب العراقي بمختلف أماكن وجوده في جغرافيا الوطن..
وتبقى سمات التعايش الإنساني بروح وطني وبدولة يجمع مواطنيها مبدأ المساواة والعدل ودستور يجسد قيم الإخاء وتلبية الحقوق، سمات راسخة في الروح الوطني العراقي تاريخاً وحاضراً..
لقد دافع العراقيون جميعاً عن جميع مكونات وجودهم وعدّوا دائما أيّ اعتداء على مكون وطيف هو اعتداء على مجموع المكونات.. ولا تمثل تلك الأصوات النشاز التي تتبدى بين الفينة والأخرى إلا عن مآرب قوى الجريمة والمرض الذي يتفشى أحياناً كما الأوبئة.. وعهد الشعب وقواه الحية سيبقى راسخاً ثابتاً في النضال من أجل العيش الإنساني الوطني المشترك..
لن نسمح بإثارة النعرات وأشكال التمييز ونحن سنمضي في إعلاء ثقافة إنسانية مستنيرة تؤكد قيم الوطنية وسمو العلاقات بين مكونات الشعب وفرض منطق المساواة والعدل والإخاء في مسيرة التقدم والعلاقات، تقويةً للنسيج الوطني ولحمته، ولن نسمح بتغذية الأجواء بما يمرر الجريمة ويهيئ لها فضاء الارتكاب والإفلات من العقاب.
لذا نهيب بندائنا هذا كل القوى الوطنية والحقوقية أن تنهض بواجبها في معالجة القضية والضغط لكي ينهض الادعاء العام بمسؤولياته القانونية القضائية في هذي القضية الخطيرة التي تنال منا جميعاً. مثلما ندعو السلطات المعنية كافة للعب دورها الفاعل وعلى وفق القيم الدستورية العليا في البلاد.

المنظمات الموقعة
1. المرصد السومري لحقوق الإنسان هولندا
2. التجمع العربي لنصرة القضية الكوردية
3. تنسيقية التيار الديموقراطي في هولندا
4. هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق
5. البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
6. جمعية البيت العراقي لاهاي هولندا
7. المعهد الكوردي للدراسات والبحوث في هولندا

قائمة الشخصيات
الدكتور كاظم حبيب. أكاديمي \ ناشط حقوقي
الأستاذ نهاد القاضي. مهندس استشاري \ ناشط حقوقي
الأستاذ عبدالخالق زنكنة ناشط في حقوق الإنسان
الأستاذة راهبة الخميسي تلشطة مدنية السويد
الأستاذ عبدالرزاق الحكيم ناشط مدني حقوقي
الدكتور خالد الحيدر أكاديمي \ ناشط مدني كندا
الدكتور تيسير الآلوسي. أكاديمي \ ناشط حقوقي هولندا

للتوقيع اضغط هنا \ حملة من أجل إدانة خطاب الفتنة الموجه ضد الكورد الفيلية والمطالبة بالتصدي للجريمة ونشر ثقافة الإخاء والمواطنة وحمايتهما
http://www.ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=942


16
التجمع العربي يدين جريمة التفجير الإرهابي في أنقرة ويصدر نداء للتمسك بمشروعات السلام

 
تأتي جريمة التفجير التي طاولت قوى اليسار والديموقراطية والسلام في تركيا لتسجل مجدداً علامة أخرى على ما تنتجه السياسات التمييزية للحكومة.. تلك السياسة التي طالما مارست العنف المفرط والتشدد العنصري ضد مكونات شعوب تركيا، ودفعت إلى اختلاق صراعات مفتعلة بينها. وفي وقت اجتمعت الحركات الشعبية قبيل الانتخابات لرفع رايات السلام ونداءاته، فإنّ التفجير جاء ليعبر عن تشنج القوى المتشددة المعادية للتعايش السلمي بين أبناء تركيا.
لقد أعلنت الأطراف الكوردستانية قبيل يوم واحد من الجريمة وقف لغة السلاح من جانب واحد  قبيل يوم من هذا الحادث الفاجع أعلن حزب العمال الكردستاني  إيقاف الحرب من جهة واحدة  وهو ما أثار غضب الحكومة التركية  التي تريد الإبقاء على حالة النفير العام في كوردستان لتقلل من المشاركة الكوردية في الانتخابات. وبنفس الوقت فإن الجريمة تجسد استقتال قوى الإرهاب (الداعشي) للرد على الانتصارات الكبيرة التي حققتها وتحققها قوات البيشمركة في كوباني  وعفرين وغيرها، بالاستفادة من كل أشكال الدعم اللوجستي لها من حكومة أنقرة، التي باتت تخشى دور السمعة الدولية الإيجابية المميزة للكورد في حربهم ضد  داعش من أنْ تدفع نحو تشكيل إقليم كوردي آخر في المنطقة..
من أجل ذلك فإنّ التجمع العربي لنصرة القضية الكردية إذ يدين الجريمة النكراء ويشجبها بقوة فإنّه بطالب بإعلان نتائج التحقيقات القضائية عاجلا وإيقاع اشد العقوبات على المجرمين والمتورطين معهم. كما نؤكد أننا في التجمع توصلنا لقناعة من أن عوامل استمرار الجرائم الإرهابية وتكررها تتأتى من:
1.     السياسات الخاطئة التي مارستها القيادة التركية في التعاون مع داعش وتأمين وصول الأسلحة والأفراد والأموال إليها والمساعدات اللوجستية الأخرى ما ساهم في تعزيز مواقعها في الدول الثلاث العراق وسوريا وتركيا.
2.     السياسات الخاطئة التي تمارسها تركيا إزاء القضية الكردية وعواقبها الوخيمة على المجتمع التركي والكردي في آن واحد وعلى الاقتصاد والتقدم.
3.     الخطأ الفادح في المساومة التي جرت مع الولايات المتحدة من جانب تركيا في قبولها الوقوف إلى جانب التحالف الدولي في مقابل قبول الولايات المتحدة بمحاربة الحركة التحررية الكردية وحزب العمال الكردستاني. ولهذا عواقب وخيمة بدأت تظهر حالياً.
4.     لقد تسنى لتنظيم داعش إقامة بنية تحتية قوية في تركيا خلال العامين المنصرمين وبدعم من تركيا والسعودية وقطر وسكوت الولايات المتحدة ودعم الـ(سي آي أي) أيضاً، وهو ما بدأ يظهر الآن في التفجيرات الكبيرة.
إن قوى الإرهاب وأعداء السلام في تركيا وبالأخص هنا، تنظيم داعش، المتهم الرئيس بمجمل جرائم الإرهاب الجارية، سعى ويسعى عبر هذه الجريمة، كما أسلفنا التشخيص،  إلى الانتقام من الكورد بسبب خسائره في كوباني وغيرها من جهة ومن أي احتمال للحلول الديموقراطية التي تتقاطع ومصالح داعش. وهكذا فإن المسؤول السياسي عما حصل في هذين الانفجارين هما رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء على سياستيهما إزاء المنطقة عموما وإزاء الكورد وقوى اليسار والديموقراطية خصوصاً.
إنّ على تركيا أن تغير سياستها أزاء الكرد وأن تعود للحلول السلمية التي تستجيب لحقوق الشعوب ومطالب حركاتها التحررية وأنْ تعمل جدياً ضد داعش لا في تركيا حسب بل في المنطقة بأسرها
 
الأمانة العامة للتجمع العربي لنصرة القضية الكردية
العاشر من تشرين اول أكتوبر 2015




17

نداء إلى كل عراقية وعراقي لاستثمار اليوم العالمي للتسامح بالانتصار لأنسنة وجودهم

تيسير عبد الجبار الآلوسي

من أجل إعلاء قيم التسامح وفلسفته الإنسانية السامية، لنكن معاً وسوياً هنا بميدان احتفالية كبرى نضع بصماتنا فيها، بوضع كلمة في حقل التعليقات حتى لو كانت مجرد مفردة: معكم، أو تحية أو مسامح أو أية عبارة تؤكد الاحتفال مع الآخر واحترامه وحقه في حياة إنسانية كريمة،

 

في إطار الحراك المدني وتظاهرات الشعب العراقي خرج العراقيون معاً وسوياً من دون أنْ يسأل أحدهم الآخر أنت من اي مذهب أو اي دين أو اي تيار فكري فلسفي أو سياسي.. الجميع عراقيون يجمعهم هدف واحد يتجسد بإخراج البلاد من نفق الظلام والجريمة وتحريره من الكوارث الجهنمية وإخراجه من ميادين الحرب لإعادته إلى ميادين البناء والتقدم الاجتماعي وصنع السلام..

وهكذا تأكدت مجدداً وحدة الشعب وارتفاعه وانتصاره على محاولات تمزيقه ومحاولات نشر وباء التشظي والانقسام، وباءً مرضيا خطيرا يحاولون فرضه.. وتتعزز يوميا مسيرةٌ قيمية سامية لمجموع أبناء الشعب، تتمثل في تعميق تمسكهم بروح الإخاء والمواطنة على أسس السلم الأهلي والمساواة واحترام الآخر وإنصافه وأنْ نحب له ما نحب لأنفسنا..

ونهض العراقيون بمد جسور العلائق الإنسانية بين أتباع مختلف الديانات والمذاهب على اسس وحدة الوطن بيتا يحتضن الجميع..

إن جميع تلك القيم التي سمت بمن حملها من العراقيات والعراقيين، هي قيم التسامح وفلسفته الأعمق..

فهلّا أعلنا مجددا، بيوم التسامح الذي سيصادف في 16 نوفمبر تشرين الثاني، مواقفنا اليقينية الثابتة وأكدنا عليها بوصفها مواقف إنسانية هي الأنبل في وجودنا وفي معتقداتنا ومكونات ضمائرنا وهي الطريق الأنجع للانتصار على اشكال الاحتراب المصطنعة المفتعلة بيننا..؟؟؟

إن التسامح لا يمارسه سوى قوي النفس صحيح الضمير سليم القيم صائب المسار مشرق المنجز، لا يمارسها إلا من صدقت إنسانيته وتمسك برائع وجوده.. إن التسامح ليس نقيضا لأمر أو قيمة ولكنه تأسيس لوجود وهو ليس رد الفعل بل هو الفعل فهلا كنا أصحاب الفعل والمبادرة..

من يرفض ممارسة التسامح هو فقط صاحب اختلاق التبريرات لتعنته وللتغطية على ضعفه وهزال منطقه وحجته.. من يرفض ممارسة التسامح هو الذي يحيا في أجواء ردود الفعل غير الناضجة على أفعال مرضية وهو الذي يقرر لنفسه أن يدخل دائرة الجريمة والجريمة المقابلة ثأرا وانتقاما ومن ثم إعلانا سافرا عن حلقة مفرغة لدوائر الاعتداء على إنسانية الإنسان وعلى سمو وجوده ونبل منطقه العقلي الناضج

فلنخرج من دوائر الصغار وتحجيم أنفسنا بردود فعل مرضية تخضع لمنطق رد الفعل على المسيئين وعلى العدائيين وعلى المرضى..
لا تقبلوا أن تضعوا أنفسكم بذات المستوى مع المريض ومرضه بل باشروا الإعلان عن روعة قيمكم وسمو أفعالكم ونضج منطقكم

لن تخسروا شيئا أن تؤكدوا قيم التسامح بوصفها القيم القوى والأعلى والأنجع والأسلم

انشروا السلام للأنفس والضمائر والأرواح بدل العيش في دوائر يسحبكم إليها مثيري خطاب العدائية والعدائية المقابلة

حتى من يخطئ بحقنا فهو أما عدائي أو مصاب بمرض من دون وعي ما يتطلب تجاوز تلك المنطقة والتمسك بمنطقة الخير القائم على قوة التسامح في تغيير العالم

أنا وأنت والآخر جميعنا نحيا بعالم بشري إنساني كل منا يمكن أن يسهو أو يقع بسبب ثغرة أو عثرة في خطأ أو غلط أو تجاوز وعلينا معالجة الأمور بقيم التسامح هي الأقوى والأبهى والأروع
وربما يقع بعض البشر في ارتكاب اعتداء عن قصد وسبق إصرار وذلك أمر مختلف بنوعه فلنتذكر عندها أن خير عقاب ليس الانجرار معه في رد فعل ثأري أو انتقامي بل في أن تكون أفعالنا مستقلة مبادرة بجهود حتى بمستوى العقاب سنختلف نوعيا ولا نكون عدائيين بل نكون أصحاب رايات السلام التي تبحث عن العلاج الأنجع

فالإنسان المتمدن عندما صاغ القوانين لم يقبل أن تكون ثأرية انتقامية من مرتكبي الوقائع المدانة بل لحماية المجتمع من وبائه المرضي ولإصلاحه وتغييره من مجرم إلى إنسان سوي
وقيميا أخلاقيا بالمعنى الفلسفي الأشمل والأوسع لمصطلح أخلاق لابد من أن نكون البديل فرديا جمعيا

تلك هي فلسفة التسامح وتلك هي القضية
فماذا ترون؟؟؟
ننتظر سلسلة من الأمثلة والنماذج الإيجابية ومن الخطابات التي تعلي التجاريب وتمنح فرصة أنسنة وجودنا وتحقيق السلم المجتمعي على تلك الأسس النبيلة السامية
فهلا وجدنا تعليقاتكم مهما كانت صعيرة تبدأ من كلمات عامية عادية بخطاب طفل مازال يبتدئ مشروع بناء وجوده إنسانا حتى مفكرينا وعلمائنا وفلاسفتنا.. هذا الميدان لنا معا وسويا جميعا بلا تردد من كون ما ندلي به صغيرا أو هامشيا أم هو كبير ومميز
سنصنع حتى موعد الاحتفال صحيفة أعمال بهيجة للمسرة في نطاق خطاب التسامح

18

نطالب بإطلاق سراح المعتقلين وبوقف الأعمال القمعية للتظاهرات وندين ما يُرتكب من اعتداءات سافرة بحقها

إن لم تشارك في الدفاع عن الحقوق والحريات في عراق اليوم فمتى ستأخذنا العزة دفاعا عن كرامة كل إنسان منا .. الأوروبيون وشعوب الأرض تعلن أشكال المساعدات ونحن أولى بالتفاعل ولو بمساهمة في حملة  حقوقية لكي نقول إننا مازلنا هنا بشراً بكامل حقوقنا الإنسانية

شكرا لكم ولوعيكم وإدراككم أهمية هذه الحملة لإدامة التظاهرات المطالبة بالحقوق والحريات وبالدولة المدنية والعدالة الاجتماعية
وخالص الامتنان لكم نساء ورجالا وشيبا وشبيبة لتفضلكم بالتوقيع وبتعزيز النشر والوصول إلى جمهورنا

الحملة: يمكنكم الدخول في الرابط والاطلاع على التفاصيل والتوقيع على الحملة

ليس باسم العراق والعراقيين يجري  تقتيلهم ومصادرة حقوقهم واستلاب حرياتهم:  (نطالب بإطلاق سراح المعتقلين وبوقف الأعمال القمعية للتظاهرات وندين ما يُرتكب من اعتداءات سافرة بحقها) و يمكنك رؤيتها على الرابط التالي:


http://www.ehamalat.com/Ar/sign_petitions.aspx?pid=758


19
نداء من أجل تكاتف الجهود الوطنية والأممية لتلبية مطالب الحملة
نضع بين أياديكم بيانا مهما للحملة التضامنية الذي اصدرته اللجنة العليا للأسبوع الوطني لدعم النازحين والتصدي للإرهاب وجرائمه بمناسبة الذكرى السنوية لاستباحة الموصل وأهلها..
ندعو جميع الجهات الوطنية والحقوقية العراقية لتفعيل مضامينه وخطى تلبية المهام الكبرى المقترحة فيه لحل مشكلات النازحين وإنهاء جرائم الإرهاب كافة سواء في الموصل أم الأنبار أم مجموع أرض الوطن والعراقيين المبتلين بجرائم ثالوث الطائفية الفساد والإرهاب. ونرجب باتصالات أجهزة الإعلام كافة وتفعيل أدوارها..
تأتي مبادرة هيأة الدفاع عن أتباع الديانات لتسجل فعلا وطني الأبعاد حقوقي الجوهر وقد تبنى
المنتدى العراقي لحركة حقوق الإنسان الوجه الحقوقي بكامل تفاصيله في هذه الحملة الوطنية الأممية
والتيار الديموقراطي العراقي وكل القوى والشخصيات المعنية بمهمة وطنية نبيلة للتصدي للإرهاب وجرائمه بخطاب إنساني شامل
واثقين من انضمام كل من تعنيه حرية الوطن وتحقيق الاستقرار والسلم الأهلي بالوجه السياسي الأشمل للموضوع ومن تعنيه حقوق الإنسان وتحديدا هنا النازحين ومجموع المكونات التي تتعرض لحرب إبادة بالوجه الحقوقي الأشمل للحملة
تحايا للجميع نساء ورجالا شيبا وشبيبة شاكرين مساهماتكم بنشر نداء الحملة وبيانها الأول على أوسع نطاق والمشاركة بالفعاليات التي ستجري على مدى أسبوع من 10-17 يونيو حزيران2015
عن
لجنة إعلام الأسبوع الوطني للحملة الوطنية من أجل النازحين والتصدي للإرهاب
**************************************************
نص البيان
******

 
الأسبوع الوطني لإحياء الذكرى السنوية الأولى لاجتياح الموصل ونازحيه
تحت شعار
من أجل الوحدة والتضامن لتخليص العراق من عصابات داعش والمتعاونين معها

في العاشر من حزيران/يونيو 2015 تحل الذكرى السنوية الأولى لكارثة اجتياح مدينة الموصل من قبل عصابات داعش المتوحشة، ومن ثم التوسع إلى أغلب أقضية ونواحي وقرى وأرياف محافظة نينوى، واستباحة سكان المحافظة، وسبي الآلاف من سكانها، واغتصاب المئات من نسائها، وتدمير تراثها الحضاري والذاكرة العراقية، وممارسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والثقافي ضد السكان المسيحيين والإيزيديين والشبك والتركمان وغيرهم، ونزوح مئات الألوف من سكانها إلى محافظتي أربيل ودهوك، ومن ثم إلى محافظات السليمانية وكركوك وكربلاء والبصرة وبغداد، إضافة إلى عشرات الألوف التي هاجرت إلى خارج العراق. ولم يلق هذا الاجتياح الدموي من قبل عصابات داعش المجرمة أي مقاومة فعلية بسبب تخاذل وانسحاب قيادات الوحدات العسكرية العراقية من الموصل، وكذلك  انسحاب بعض قيادات وقوات الپيشمرگة في سنجار وزمار أمام الاجتياح، إضافة إلى اجتياح قضاء تلعفر وسهل نينوى. ولم تكن هذه الانسحابات بسبب الجبن، بل بسبب سيادة الصراعات والفساد ونظام المحاصصة الطائفية وانهيار مؤسسات الدولة هناك. كما نفذت مذابح مرعبة بما فيها تلك التي طالت طلبة القوات الجوية في معسكر تدريب سپايكر، والكثير من المذابح الأخرى ضد عشائر وسكان الأنبار وصلاح الدين والموصل.
ولم تكتفي هذه العصابات المسلحة بغزو محافظة نينوى فحسب، بل امتدت لتعزز مواقعها السابقة في الحويجة وكركوك وصلاح الدين والأنبار، (وبخاصة الفلوجة) وديالى. إلا إن القوات المسلحة العراقية وقوات الپيشمرگة والمتطوعين تمكنت من استعادة بعض المناطق، إلا إن هذه العصابات عادت واجتاحت مدينة الرمادي، وقتلت المئات من سكانها، ومن أبناء العشائر التي قاومت هذه العصابات المجرمة، أو رفضت التعاون معها. وفي هذه المرة أيضاً انسحبت القوات الأمنية العراقية، ولم تقف بوجه هذه القوى الإجرامية الغازية. وقد تسنى لهذه العصابات الحصول على كميات هائلة من السلاح في كل من الموصل والرمادي، لتستخدمه ضد القوات المسلحة والسكان في المناطق التي اجتاحتها.
لم يكن في مقدور هذه العصابات أن تغزو وتجتاح هذه المناطق من العراق، والتي تقدر اليوم بثلث مساحة العراق، وتمارس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والثقافي والسبي والاغتصاب والنهب وتدمير التراث الحضاري بمحافظة نينوى، لو لم تكن الصراعات السياسية بين الأحزاب والقوى الحاكمة، واعتماد المحاصصة الطائفية، والتهميش والإقصاء، والفساد، وغياب الوحدة الوطنية، والابتعاد عن الوعي بأهمية المصالحة الوطنية، واحترام مبدأ المواطنة الحرة والمتساوية.
إننا في الذكرى الأليمة والحزينة ليوم اجتياح مدينة الموصل الحدباء، وما تلاها من اجتياحات، نعلن عن تضامننا الثابت مع سكان المناطق التي اجتاحتها هذه العصابات، ومع النازحين من أبناء وبنات وطننا الحبيب، وشجبنا وإدانتنا الشديدة لعصابات الغزو والسبي والاغتصاب والنهب والسلب، ونطالب كل القوى العراقية السليمة الارتقاء إلى مستوى الأحداث، وإلى تأمين الوحدة والتضامن، وتحقيق المصالحة الوطنية وفق أسس عقلانية، وإعادة الاعتبار لمبدأ المواطنة العراقية لأبناء جميع القوميات وأتباع الديانات والمذاهب المتعايشة منذ قرون في العراق. إذ لا يمكن الانتصار على أعداء الشعب من دون تحقيق وحدة الشعب وقواته المسلحة.
إننا إذ نقدر تضحيات القوات المسلحة و الپيشمرگة وجميع تشكيلات المتطوعين نرى بأن حرباً مظفرة ضد داعش تشترط اعتمادها على أسس وطنية ، بعيدا عن الاتجاهات العصبوية والطائفية الضيقة، ونبذ التجاوزات والخروقات التي تقوم بها عناصر ومجموعات مسلحة تسيء إلى التضحيات الكبيرة التي يقدمها عشرات آلاف المتطوعين في القتال ضد داعش. كما يستوجب أن تخوض جميع التشكيلات والجماعات القتال تحت مظلة وقيادة وإشراف القوات المسلحة. ولا نشك بأن هزيمة داعش مرهونة إلى حد كبيرة بالإدارة السليمة للحرب من النواحي السياسية والعسكرية والإعلامية والنفسية وتحقيق القيادة الموحدة للعمليات العسكرية.
كما نطالب بهذه المناسبة الأليمة الرأي العام العالمي، والمجتمع الدولي، بالتضامن مع الشعب العراقي، ودعم قواته المسلحة في النضال لطرد الغزاة من أرض العراق، وتطهيرها من دنس عصابات ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية" المجرمة.
إننا إذ ندرك حجم الكارثة التي حلت ببلادنا بهذه الاجتياحات والاستباحات الواسعة، فإن الخطر الداهم حالياً يهدد العراق كله، وعندها سيتعرض الجميع دون استثناء إلى مخاطر القتل الجماعي والتدمير الكارثي لتراث وحضارة وادي الرافدين. إننا أمام خيار واحد لا غير، خيار تحقيق وحدة الشعب والجيش، ورفع المعنويات، لضمان الانتصار على الأعداء، إنها ساعة الحقيقة التي تتطلب من الجميع إدراك المخاطر التي تواجه العراق، والتي لم يمر بمثلها من قبل.   
وإدراكاً منا، نحن المشاركين بهذه الحملة كافة، بثقل المهمة والمسؤولية، نعلن عن تنظيم أسبوع كامل، يبدأ من اليوم العاشر من حزيران يونيو 2015، حيث تمر الذكرى السنوية لاجتياح الموصل، حتى نهاية يوم السادس عشر منه، وأن نقوم بالأعمال والفعاليات المشتركة التالية:

20
العراق اليوم: ترتيب البلاد دولياً وحال العباد إنسانياً!؟
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com
 
نتابع سنوياً عدداً من المعايير الدولية التي تقرأُ أوضاعَ بلدانِ العالم وظروف العيش فيها. فهناك مقياس لانتشار الإرهاب واستشرائه.. ومقياس للفساد واستفحاله.. ومقاييس أخرى متنوعة كثيرة تتضمن دراسة الأوضاع الصحية والتعليمية ومستويات الفقر والغنى والعدالة الاجتماعية وغيرها. وبجميع الأحوال فإنّ تلك المقاييس ومعاييرها، إنْ هي إلا محاولة لقراءة الواقع وتوفير فرص التنمية والتغيير لتحسين العيش والتقدم بأحوال الناس ومعالجة ما يؤذيها وإزالته.
وبقدر تعلق الأمر ببلدان الشرق الأوسط وموقعها دولياً في هذه المقاييس، فإنها عادة ما تكون في الصدارة في مشاهد الإرهاب والفساد والفقر والأزمات وفي المؤخرة في مشاهد الاستقرار والسلام والنزاهة والسعادة والرفاه. وعلى الرغم من الثروات المهولة التي تطوف عليها تلك البلدان بخاصة في مجال المعادن الطبيعية كالنفط والفوسفات والحديد وغيرها فإنّ شعوبها هي الأفقر...
والمشكلة اليوم أنّ هذي البلدان وبخاصة العراق ليست مسلوبة الثروة المادية حسب بل هي مسلوبة من ثرواتها الروحية حيث تمرير مشاغلة الناس بالطقسيات وآليات التفكير الأسطوري والخطاب البياني لا البرهاني. فالعلماء والأساتذة والمتخصصون تحت مقصلة الإرهاب والتصفيات الجسدية والإقصائية. ومن لا يُصفَّى يجري الضغط عليه بكل أشكال التعنيف والتهديد والإرهاب حتى يدفعونه للهجرة.. وهكذا فالبلاد تكاد تخلو من العقل العلمي ويجري محاولات تفريغها منه، مع التراجع بالخدمات الصحية والتعليمية الأمر الذي يحرمها من عنصر رئيس للتنمية والبناء والتقدم.
لقد سجل العراق في الأعوام العشر العجاف، تفرداً نوعياً غير مسبوق عالمياً.. حيث حافظ على مشهد الصدارة بكل ما له علاقة بتوصيف التخريب والدمار والتراجع وتردي الأوضاع. فالفقر ظاهرة ملازمة لأبنائه على الرغم من الفائض المدور لصادرات النفط طوال العقد المنصرم. والبطالة منتشرة بأشكالها الحقيقية والمقنّعة. والمشروعات الصناعية في تعطل تام حتى أن المصانع التي لم تُسرَق تصدّأت وتلفت والمواني في خراب واضح أما الأراضي الزراعية في بلاد السواد فهي البور المتصحرة بلا ماء وحصص العراق منهوبة بلا من يتصدى لاستعادة الحقوق!
لقد سجلت البلاد طوال هذي السنوات فوزها بأعلى نسبة من جرائم الإرهاب مرافقة لأعلى نسبة من جرائم الفساد وهي بين بلدان العالم بالمحصلة البلاد الأسوأ في مستوى سعادة (العباد).. إن أهلها بحال استعباد من قوى الطائفية وميليشياتها بجناحيها اللذين لا يحتربان مباشرة بل يستغلان أتباع المذاهب في حربهما.. والشعب هو الضحية مرة في اقتتالهما لاقتسام الغنيمة ومرة بعد سرقة الثروة ونهبها بلا كسرة الخبز النظيفة؛ إذ يجري لا تأخير الرواتب وقطع أرزاق الناس بل حرمانهم من حقوقهم في ثروة البلاد بشكل تام!
لقد جاء تسلسل العراق في مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2014 الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام في المرتبة الأولى من بين 162 دولة. أيّ أنّ العراق احتل مؤخرة القائمة لبلدان العالم في الاستقرار والأمن والأمان. ولا مجال لوضع علامة تعجب في ضوء قراءة ما يجري من جرائم إرهاب ليس في المساحات التي انهارت بها سلطة الدولة وسلمت الحكومة الاتحادية السلطة فيها لشراذم الجريمة الإرهابية ومرتزقته بل وفي مجمل المحافظات التي تتبع سلطة تلك الحكومة واستراتيجيتها الملأى بالخروقات والثغرات.
ويمكننا القول: إنَّ تمويل الإرهاب في البلاد قد جاء من دم المواطنات والمواطنين ومن استرقاقهم واستعبادهم والاتجار بهم بسوق نخاسة الفساد المستشري؛ الفساد الذي وضع العراق في تسلسل الأوائل عالمياً أيضا. إنّ المتحكم حالياً في الحكومة الاتحادية وبنيتها صار أقرب إلى أن يوصف بكونه نظاماً كليبتوقراطياً. ذاك النظام الذي سيبقى نبعاً يموّل الجريمة بالاستناد إلى دور مميز ورئيس لفلسفةٍ طائفية تتحكم بتقسيم المجتمع وشرذمته ومزيد تفكيك فيه.
لقد حلَّ العراق اليوم أيضا، في ذيل ترتيب قائمة دول العالم الأكثر سعادة ليكون في المركز 112 عالميا بحسب مؤشر السعادة للعام 2015 وشمل تقرير [WORLD HAPPINESS REPORT 2 0 1 5] الذي أصدرته الأمم المتحدة 158 بلداً، وجاءت فيه سويسرا بالمركز الأول وجاءت بهذا المركز [الأول] عربياً دولة الإمارات، التي احتلت المرتبة العشرين عالمياُ. بينما كانت إسرائيل في المرتبة [11] وهو أفضل مركز لدول الشرق الأوسط على وفق تقرير الأمم المتحدة.
أما ما يستند التقرير إليه من أجل وضع تصنيف الدول على النحو [السعيد] فيتمثل بعدة عوامل أبرزها: إجمالي الناتج المحلي للفرد، ومتوسط عمر الفرد ومستوى الصحة وجودتها ومقدار الدعم الاجتماعي المقدم للفرد ودرجة سيادة النزاهة أو انحسار الفساد وزواله في المؤسسات العامة والخاصة، فضلا عن مستوى حماية الحرية الفردية وحقوق الفرد العامة والخاصة ومقدار تمتعه بالرفاه .
والسؤال: إلى أيّ مدى يجري احترام الإنسان وحقوقه وحرياته ويُمنح فرص تمتعه بثروات الوطن؟ وإلى أي مدى يمكن أن تتوافر فرص العيش بما يلحق بمواطني الدول العشرة الأكثر سعادة في العالم أي: سويسرا، آيسلندا، الدنمارك، النرويج، كندا، فنلندا، هولندا، السويد، نيوزلندا، أستراليا؟ وللإجابة سنرى أنّ المتحكمين الطائفيين يواصلون القول: إنهم يمثلون الله وعدالته فيما تمثل تلك الدول الكفر بالله!! فأين الحقيقة؟ واين الإجابة التي ستغير من موقع العراق في الترتيب العالمي ومن وضع العراقيين بين شعوب العالم؟ أهي بادعاء تمثيل الله على الأرض ممن يتحكم برقاب الناس ويحيلهم إلى عباد أم ممن ينعتق الناس معهم ويمارسون حرياتهم ويتمتعون بوجودهم ويعيشون إنسانيتهم؟
تلك هي قضية موقعنا في الترتيب العالمي بين شعوب العالم في جوهرها. وذلكم هو ما تفضحه قضية التسلسل الذي نحتله سنوياً وصار ملازماً ثابتاً لنا بظل نظام الطائفية وبنيتها المنقسمة على جناحين ولكنها المتحدة بنظامها المشحون إرهاباً بعنفه والمنتفخ بفساده بما يوقع آثار الجريمتين على الناس بكل نتائجها الكارثية..
إذن، ما الطريق إلى الخروج من دائرة الإرهاب والفساد؟ ربما الإجابة العقدية لا تخرج على منطق واحد؛ إنه منطق الإيمان بأن عدو العراق والعراقي هو تحالف (طائفية فساد إرهاب)، ومن دون الخلاص من التقسيم الطائفي وسطوته على عقول الناس ومن دون الخلاص من بيع الذمم وشرائها، لن يتم الخلاص لا من تشكيلات وشراذم الجريمة ومرتزقتها ولا من السرقات الفلكية الأكبر بعصرنا، بالإشارة إلى ضياع حوالي ترليون ونصف الترليون من الدولارات بلا ما يسد بطون الجياع أو يشغّلهم ويستثمر طاقاتهم بمسيرة التغيير. وطبعا لن يستطيع العراقيون الخروج من ترتيبهم في قوائم الفساد والإرهاب بخاصة في ظل استفحال آليات الفساد وتمترسها وتحولها إلى نظام متكامل متجذر وفي ظل استفحال العنف ووحشيته من ثقافة الفعل ورد الفعل بين خندقي الطائفية اللذين صُنعا لإشعال نيران الاحتراب وإدامتها..، ما لم يجدوا برامج عملية للتغيير وليس مجرد أمنيات وأحلام بقظة...
ولا مفر هنا من معالجة برامجية يمكنها أنْ تطهرنا من التشوهات والإصابات التي وقعنا فيها عبر تضليل الخطاب الطائفي من جهة وما استغله فينا من الجهل والتخلف ومن سطوة العنف وتخريبه ثقافة التسامح وأيضا من اختلاقه فجواتٍ ومتاريس بين العراقي ونفسه وبينه وبين أخيه؛ الأمر الذي جاء بطريقة الاستغفال ومن ثمّ التبعية والانقياد لطائفي مرَّغ وما زال يمرغ كرامتنا بالتراب واستباح وجودنا الإنساني بذريعة مكافأتنا في العالم الآخر..
هذا العالم الموعود لا يمكنه أن ينبني على خرافةِ كُن فاسدا خانعا لمرجع طائفي يدعي قدسيته لتحظى بالآخرة!!! فالله جميل يحب الجمال وهو العدل، السلام وليس الظلم ولا الوحشية ولا افتقاد السلام.. وإلا فأي عقل في هذا القرن، قرن التنوير والعقل العلمي، يمكنه أن يسترخي لهذه التبريرات ويضحي بوجوده لأجل خرافة الطائفي وفساده!؟
من أجل أن يكون العراقيون هم الأسعد، ومن أجل أن يتمتعوا بثرواتهم، ومن أجل أن ينعتقوا من الإذلال والاستعباد، لابد أن يزيحوا منطق الطائفية من تفكيرهم ومن دواخلهم وأنفسهم.. وحينها فقط سيدركون أن بديلهم لحياة حرة كريمة ليس في قضاء أعمارهم يتناهبون لقمة العيش بالخضوع لبرامج ثلاثي (الطائفية الفساد الإرهاب)... بل في الانعتاق من هذا الثلاثي ليكونوا لأنفسهم. إنهم أي العراقيون مَن سيبني جنانهم وبيئة العيش لهم ولأبنائهم، مثلما كل شعوب الأرض. وإلا فإنهم لا يخسرون أنفسهم حسب بل ويهبون الأبناء والأجيال التي ستأتي لعالَمٍ مباع بلا مقابل للمجرم ودناءاته!!
ذلكم هو ترتيب البلاد دولياً وتلكم هي حال العباد إنسانياً!؟ لكن الثقة التامة أن العراقيين ما زالوا يمتلكون قدرة التغيير في أنفسهم وفي محيطهم.. لذا انهوا التردد في رفض هذا الموقع السلبي المرضي الخطير الذي وُضعتم فيه بين شعوب الأرض وفي قوائم عالمنا المعاصر. وسيأتي السلام بالعمل وبالفعل يتقدم من أجل البناء. وإذا كانت يوماً بغداد تُسمى دار السلام وكانت أرض العراق تسمى أرض السواد، فإنّ ذلك ممكن الاستعادة بفضل شعب العراق نفسه، وهو يستعيد مسيرة الإعمار والتنمية والتقدم، لتخضوضر أرضه مجددا ببساتين المحبة والتسامح والسلام وليحيا بسعادة ويحتل موقعه بين الشعوب بمقدار تمسكه بالمنطق الذي يحقق الانعتاق والتحرر والحصول على حقوقه وحاجاته.
 


21
مراسيم تشييع وعزاء في الفقيد الراحل الفنان خليل شوقي
الصديقات العزيزات والأصدقاء الأعزاء
الأفاضل جميعا
تحايا وتقدير لوجودكم المعطر بياسمين العراق من ورود الرازقي ومن نسائم تهفهف مع سعيفات نخيلنا الشامخ. اليوم كما علمتم بالنبأ يغادرنا فقيد الفن العراقي فنان الشعب الرائد خليل شوقي وهو النخلة العراقية والقامة الشامخة.
في أدناه نضع بين ايديكم نعي البرلمان الثقافي العراقي في المهجر ورابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا كما نرجو تفضلكم بتعزيز توزيع هذا مواعيد مراسيم التشييع والدفن وتقبّل العزاء بأوسع نطاق بين أبناء جاليتنا العراقية والعربية الكريمة مع فائق التقدير
ولمن يتابع أخبار مواقع التواصل  ومواقع النت فهي منشورة بصفحات البرلمان الثقافي العراقي في المهجر ورابطة بابل والتحالف المدني بصفحاته والتيار الديموقراطي بصفحاته راجين تعزيز النشر أو لفت النظر إليه بالمستطاع..
خالص التقدير والاعتبار ولمساهمتكم بهذا المصاب الحدث الجلل.
د. تيسير الآلوسي
***********
 
 
مراسم التشييع والعزاء لفقيد الفن العراقي الملتزم  فنان الشعب الرائد خليل شوقي
 
وداعأ خليل شوقي ..
ــ  ستقام مراسيم دفن الفنان خليل شوقي الى مثواه الأخير يوم الاثنين المصادف 13 ابريل وذلك في تمام الساعه 15:00 الحضور ( 14:45 ).
العنوان :
Kamperfoeliestraat 2a
 KJ 2563
Den Haag
 
الوصول الى العنوان اعلاه بالمواصلات العامة من المحطة المركزية في مدينة دنهاخ بواسطة:
 ترام 2 والمتجه الى Kraayensteinlaan والنزول في منطقة  Kamperfoeliestraat
 

ــ  ستقام مراسيم العزاء وذلك يوم السبت المصادف 18 ابريل من الساعه 16:00 الى 20:00 مساءا.
العنوان :
Mercure Hotel Den Haag
Leidschendam
Weigelia 22
2262 AB
Leidschendam
الوصول الى العنوان اعلاه بالمواصلات العامة من المحطة المركزية في مدينة دنهاخ بواسطة :
 ترام 2 وترام 6 والمتجه الى Leidschendam Noord والنزول في منطقة  Leidsenhage
 
تجدون النص منشوراوسيبقى ثابتا حتى انتهاء مراسيم التشييع والتعزية
 
 https://www.facebook.com/alalousiarchive
http://somerian-slates.com/v619.htm

برجاء تكرار النشر وإيصاله لمعارفكم كافة
 
تعازي من المنظمات والشخصيات الثقافية
 
الفنان العراقي الرائد الكبير خليل شوقي في ذمة الخلود
 
ببالغ الحزن والأسى ننعى إلى شعبنا وحركة الثقافة وإلى المسرحيين العراقيين والعرب الفنان الرائد الأستاذ خليل شوقي. الذي رحل عنا إلى عالم الأبدية والخلود فجر هذا اليوم الجمعة العاشر من نيسان أبريل 2015، بمدينة لاهاي في مهجره الهولندي. وبرحيله نفقد قامة كبيرة ونخلة عراقية أخرى وهي تحيا في الغربة حيث المهاجر التي ضمّت المئات والآلاف من قامات الوطن الثقافية. إنه لَألم الفقد ووحشة الفراق أنْ ننعى فقيد المسرح العراقي وقامته المهمة اليوم بهذه الظروف المعقدة الصعبة.
عاش الفقيد الراحل لقضية الفن ومهامه التنويرية الملتزمة منذ أربعينات القرن المنصرم.. وقدم منجزاً فنيا في مجالات السينما والمسرح وفي التلفزة العراقية وكان من أوائل من سجل للإذاعة والتلفزيون أعمالا عالجت القضايا المجتمعية ومنها مشكلات الفقراء والأزمات الإنسانية معالجةً تنويرية أكدت القيم الإيجابية السامية وكافحت السلبيات وأمراض اجتماعية كثيرة.
نتمنى أن يكون ذلكم خاتمة الأحزان، وللفقيد الراحل الذكر الطيب والرحمة ولعائلته وأصدقائه ومحبيه ولكم الصبر والسلوان.
 
اللجنة التنفيذية للبرلمان الثقافي العراقي في المهجر
لاهاي هولندا العاشر من نيسان أبريل 2015
**************************************
 
رابطة الكتاب والفنانين العراقيين تنعى الفقيد الراحل الفنان خليل شوقي
 
الفنان الرائد الكبير خليل شوقي في عالم الأبدية والخلود.. وببالغ الحزن والأسى تنعى رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا فقيد الفن الملتزم في العراق الراحل الأستاذ خليل شوقي الذي غادرنا إلى عالم الأبدية فجر هذا اليوم العاشر من نيسان 2015 بمدينة دنهاخ في هولندا. أقام الراحل بالمهجر الهولندي مغتربا ليعيش آلام فراق الوطن والناس ولكنه لم ينقطع عن تقديم منجزه الجمالي بمواقفه الملتزمة بقضايا مجتمعية وبرؤى تنويرية أصرت على مكافحة قوى الظلام وعناصره. وبرحيله تفقد الأسرة الفنية العراقية واحداً من أبرز روادها الذي عمل في السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون منذ أربعينات القرن المنصرم. وكان له حضوره عراقيا وعربيا ودوليا وحصد تكريم المجتمعين العراقي والعربي والدولي في ضوء منجزه المميز الكبير.
إننا إذ نودع نخلة عراقية اخرى وعمودا مسرحيا مهما لنتقدم بخالص العزاء إلى أبنائه وبناته متمنين أن يكون خاتمة الأحزان.. للراحل الرحمة والذكر الطيب وللعائلة الكريمة ولأصدقائه وصحبه الصبر والسلوان.
 
الهيأة الإدارية لرابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
لاهاي هولندا 10 نيسان 2015
 
********************************************
رسالة مفتوحة إلى وزارة الثقافة الاتحادية وإلى سفارة جمهورية العراق بهولندا       تحية وبعد
اليوم ترحل عنا قامة عراقية كبيرة ولامعة في سماء الفن وفي سماء الوطن والناس الذين عالج قضاياهم بروح تنويري إنساني وكافح مشكلات ومعضلات عبر ما تناوله في مجالات السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون. يرحل عنا الفنان الرائد الأستاذ خليل شوقي وهو النخلة العراقية الأصيلة الذي ما تخلى عن هويته العراقية ولا أهملها يوما وقدم لها منجزا ثرا غنيا وكان خير سفير للعراق واهله في بلدان المنطقة والعالم
إن رحيله في المهجر لأمر جد مؤلم ويضاعف الألم كونه في هذي البلاد القصية بعيدا عن الرافدين والنخيل شامخا يقارع الزمن الصعب.. ولكن الصعب أن يجري إهمال حالات الفقد والرحيل التي تتوالى وثقتنا أن نهج وزارة الثقافة الاتحادية الجديد سيكون مختلفا وستنهض بمسؤولياتها تجاه قامات الوطن وسفراء الثقافة التنويرية وحاملي اسم الوطن عاليا ومثلها سفارة جمهورية العراق
إن الاحتفاء بشخصيات الوطن الفذة المبدعة أمر واجب وعلامة على صحة الاتجاه وثقتي أن الأمور سيتم التعامل معها عاجلا
لكم خالص التقدير
د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
 
***********************************
تعزية بوفاة فقيد الفن العراقي الملتزم الأستاذ خليل شوقي
 
إلى عائلة الفقيد الراحل الفنان الرائد خليل شوقي
 
نتقدم بتعازينا الحرّى في رحيل فقيد الفن العراقي الملتزم الأستاذ خليل شوقي. ونحن على يقين بأنّ رحيل هذه القامة الوطنية المخلصة للشعب والوطن قد مثل خسارة كبيرة ولكن العزاء فيه أنّه سيبقى الرمز للعطاء وللوفاء لقيم أنسنة وجودنا وصنع جماليات الحياة الحرة الكريمة.
نشاطركم أيها الأعزاء الغالين الحزن والأسى وأنتم خير خلف لخير سلف تحملون واجبات التنوير التي نهض بها فقيدنا جميعا وفقيد الشعب العراقي.
نتمنى أن يكون هذا الحدث الجلل خاتمة أحزانكم.. الذكر الطيب والرحمة للراحل والصبر والسلوان لكم عائلة الفقيد وأصدقائه ومحبيه.
 
الأمانة العامة لهيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق
لجنة هولندا
لاهاي هولندا 10\04\2015
 


22
عراقياً، ماذا قالت مؤشرات الفساد لعام 2014!؟

د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
 
إضاءة: مع أن المعركة الرئيسة عراقياً هي كنس الإرهابيين ومنعهم من التحول إلى غول دائم يهدد البلاد والبشرية جمعاء، إلا أنّ المعركة لا تخاض في ميادين قعقعة السلاح فقط. ولابد من التفكر والتدبر بميادين أخرى تنخر بوجودنا بخاصة ميداني الطائفية وصراعاتها والفساد وحربها الوبائية علينا. ومن أجل ذلك، فمن بين واجباتنا أن نتصدى لتلك المعارك بدقة وموضوعية وعمق وبما يكفي للسير قدما بمعاركنا بشكل يكفل انتصارنا الأكيد والجوهري الشامل وإلا فإننا كمّن يداول وجوده بين أيدي أعدائه ومستغليه؛ كل يأخذه لمدة وتستمر دوامة استعبادنا!! يجب أن نخوض المعركة مرة وإلى الأبد بشكل نحسم فيه ما جرى ويجري ونطهر الوطن ونحرر الناس من قيود المتاجرة بهم...
هذه القراءة تتركز على زاوية ومحور من محاور معارك العراقيين.. وهي مجرد ومضة لفتح مجال المدارسة والحوار بشأنها ولفتح جبهة التصدي لها بطريقة ناجعة.. وبعامة قد تفيدنا هذه القراءة الموجزة بتوضيحات تخص مؤشر الفساد أمميا دوليا وما يمكننا عبر المقارنة فيه أن نتخذ من قرار...
 
معالجة: الفكرة من هذه القراءة الدولية لمؤشرات الفساد وتسلسل البلدان ونسب ما فيها من مؤشرات، تكمن في وصف أوضاع القطاع العام و ما يخترقه من حالات مرضية لتوضيح المجريات في واقع كل بلد، ومساعدته على كشف الأمور وتشخيصها والعمل على وضع المعالجات والبدائل.
ولعل من تلك المؤشرات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ ما يجري في إطار التعليم من عدم تغطية الحاجة للمباني المدرسية وللأمور الخدمية الملحقة بها ومن مختبرات ومن تجهيزات وما تعانيه من نقص حاد بمجمل الحاجات المادية وكذلك ما يجري بإطار أساليب الأداء التعليمية حيث تتفشى فيها أمراض تضع المخرجات في أدنى أو أسوأ مستوياتها. وفي مجال الصحة حيث كل شيء يخضع للمال حتى حياة الإنسان، في ضوء كل ذلك فإنّ هذين القطاعين وغيرهما تخترقهما آليات الفساد كما بتلك الصفقات التي تتم خلف الكواليس والرشاوى وكل ما يتم من جرائم إلى جانب ظاهرة نهب الثروة الوطنية العامة والجور على الفئات الأضعف بما يقوض العدالة ويُنهي التنمية الاقتصادية قبل أن تبدأ. وطبعاً يتسبب كل هذا بانعدام الثقة العامة وفقدانها سواء بالحكومة أم بالقيادات المجتمعية وفي انفراط العقد الاجتماعي الذي ربما يؤدي لانهيار شامل للدولة وزوالها من الوجود.
وبالاستناد إلى تقارير الشفافية الدولية وآراء الخبراء فيها، يصدر مؤشر مدركات الفساد ليقيس مستويات الفساد في القطاع الحكومي العام في أكبر عدد من دول العالم شمل في العام 2014، 175 دولة. وأورد المؤشر صورة جد مثيرة للقلق بشأن ما لعبه ويلعبه الفساد في الاعتداء على الإنسان وحقوقه وحرياته بمختلف البلدان. فلم يسجل أي بلد في العالم درجة الكمال حيث أن الدولة الأولى الأكثر نزاهة وابتعادا عن الفساد وهي الدنمارك سجلت 92 نقطة فقط وليس 100 نقطة. فيما أكثر من ثلثي بلدان العالم سجلت درجات ومستويات أدنى من 50 نقطة، بمقياس يقع بين 0 بمعنى (فاسد جداً) إلى 100 بمعنى (نظيف جداً).
إنّ الفساد يمثل أخطر المشكلات التي تسطو على المشهد العام في عدد من بلدان العالم. ولربما يؤشر الأمر بروزا في مجال الرشى وانتشارها على نطاق واسع؛ أو ممارسات أخرى أشمل في مختلف الميادين وبمختلف الآليات الأمر الذي تقف وراءه حال من انعدام العقاب للأفراد والمؤسسات ممن يمارس هذه الجريمة و\أو تعطيل القوانين ووقف تنفيذها لأسباب عديدة.
وبقدر تعلق معالجتنا بالعراق فلقد سجّل مجدداً موقعاً متخلفاً دولياً في مؤشر الفساد وقد كان لأكثر من عقد ونصف من بين أول أربع دول في حجم الظاهرة. لقد جاء ترتيب العراق للعام 2014 بتسلسل (170) من بين الـ(175) دولة في المؤشر ولم يترك خلفه سوى الصومال وأفغانستان والسودان وجنوبه..
وتشير التقارير الواردة إلى استمرار وجود المشروعات الوهمية و\أو بناء المدارس الطينية وتلك التي من القصب والجريد وحتى وجود مدارس في العراء بلا بنايات! فضلا عن البنايات الآيلة للسقوط والخربة التي تسودها نواقص كبيرة وانعدام للتجهيزات إلى جانب تفاصيل خطيرة أخرى! وفي ميدان الصحة باتت المتاجرة بحيوات الناس ظاهرة تسببت في نتائج كارثية دع عنك القطاعات الأخرى التي تعاني اليوم من الشلل التام كما في القطاعين الزراعي والصناعي وخرابهما.وليس بعيدا عن الواقع المزري مشهد الانحطاط القيمي وتمظهراته المجتمعية..
ولكن الأخطر في المعركة مع الفساد في العراق، أنها باتت بحجم يقترب من الإطاحة بالدولة؛ بعد أن تحولت بهذه الوباء المرضي إلى معركة وجود.. ولعل مؤشر آلاف الجنود الفضائيين (الوهميين) خير دليل عندما استطاع بضع أنفار من إرهابيي العصر ومجرميه السطو على عدد من المحافظات ولم يجد أبناؤها من يحميهم ويدافع عنهم!!
مثل هذه المآزق الخطيرة يجب أن يوجد بشأنها، قرار لدى الشعب نفسه، قرار يتعلق بمن يولَّى المسؤولية بعيداً عن معايير مرضية تمنح السلطة المطلقة لمراجع سياسية يتم إسقاط القدسية الدينية عليها من بوابة الطائفة.. وإلا فإن استمرار ذات الجهات الطائفية في التحكم بالعراقيين لن يعني سوى استمرار النهب حتى وصول نقطة اللاعودة ويومها لن يكون هناك عراق ولا دولة تحمي العراقي وسيجد المواطن نفسه منكشفا في عراء تستعبده فيه قوى الجريمة من كل حدب وصوب!!
والفساد من قبل ومن بعد، ليس قضية رشوة عابرة حسب بل هو سلوك وقيم وآليات عيش إذا استمر فلن يبقي ولن يذر... فهل تفكَّر العراقيون تجاه ما أصاب وجودهم؟ وهل سيكون الرد بحجم الكارثة؟
إن الحرب الجارية ليست مقصورة على ميادين المعركة مع الإرهابيين بل هي حرب شاملة مع ثلاثي (الطائفية الفساد الإرهاب) وما اعتمل من آليات مرضية خطيرة فضحها لنا تقرير الفساد ورقم التسلسل الذي جاء به العراق عالمياً وما تضمنه من معايير ومؤشرات كارثية، وهو الأمر الذي يتطلب التصدي لها بوسائل تقول للذات الوطني: كفى صمتا وسلبية ومعايشة للمجريات وإلا فلات ساعة مندم!
 


23
ميادين المعارك وميادين المزايدة في قضية النازحين؟
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com

 
 
مع كل انهيار لسلطة الدولة في بقعة من مساحات الوطن، اجتاحت وتجتاح (قطعان الإرهاب المتوحشة) المنطقة الخالية من قواتٍ تحميها، لترتكب فيها أبشع جرائم همجيتها. وما زال حتى يومنا، أبناء تلك الأماكن، بخاصة من النساء والأطفال، يضطرون للنزوح باتجاه مناطق أكثر أمناً أو ربما تأويهم لمدة مؤقتة؛ عسى يأتي الفرج قريباً، وتعود قوات الحكومة الاتحادية التي تأخرت صحوتها لتأخر الإعداد والتجهيز والتدريب ولأسباب أخرى ربما أغلبها مرضية..!
إنّ العراقي المؤمن بواجب دعم قواته الوطنية المسلحة بكل أصنافها في حماية المدنيين والدفاع عن مدنهم وقراهم، هو ذاته الذي لا تغمض عينه عمّا يجري من تلك العناصر المرضية سواء في إطار السلطات الاتحادية و\أو المحلية، تلك التي كانت ومازالت ترتكب جرائم الفساد إلى حد المتاجرة والمقامرة بأرواح الأبرياء وخدمة شياطين الشرّ والبلاء طمعاً في مآربهم الدنيئة.
وفي قراءة لما جرى ويجري من تهجير قسريّ لكثير من أهالي المناطق المستباحة يمكننا أنْ نقرأ جرائم تصفوية وتطهير عرقي قومي وديني ومذهبي وتطهير ثقافي حضاري. وهكذا شهدنا ومعنا العالم كيف تمّ طرد الأيزيديين لولا بطولات البيشمركة التي استعادت المناطق المستباحة وكيف تمّ تشريد المسيحيين ودفعهم قسراً للنزوح ولم يكن لهم غير العراء لولا احتضان كوردستان لهم؛ وكيف يحاولون إفراغ الموصل ومحيطها من أبناء تلك المناطق الذين هاموا بمختلف الاتجاهات إلا اتجاه حماية مفترضة وواجبة بعنق قوات الحكومة الاتحادية بسبب من اختلاط الأوراق وكثرة الخروق وكثرة التضاربات في الخطاب السياسي المحيط بموضوع السلطة الاتحادية وقدراتها وإرادة القرار لديها.
فماذا تناقلت صحافة تلك العناصر المرضية في الجسد العراقي وإعلامه؟ لقد تناقلوا عبثاً ما يعزف على نغمة خلط الأوراق والتعمية والتضليل على الحقائق كي يستمر استغلال البقرة الحلوب ونهب حليبها وجعله غذاءً لمافيات الفساد! ولقد أطلقوا صرخاتهم مستغلين قضية النازحين في استعراضات متلفزة مع من ليس له علاقة بالحملات الفعلية الجدية المدافعة عن حقوق النازحين فيما مارسوا كل محاولات طمس الحملة الوطنية للتضامن دعماً للنازحين. وأطلقوا صرخاتهم يلقون المسؤولية على كوردستان التي بات خمس سكان أربيل من العرب النازحين إليها وباتت مخيمات اللجوء والنزوح تضم ما يقارب المليوني إنسان..
يطلقون صرخات تتحدث عن عدم إعادة العرب إلى مناطق (النزوح) بالإشارة حصراً إلى مناطق مازالت ميادين قتال، ضحَّى رجال البيشمركة بدمائهم الزكية لتطهيرها من رجس الدواعش وغربان الإرهاب وقطعانه الوحشية، ومازالوا يضحّون من أجل تنظيفها من ألغام الموت التي خلفتها تلك العناصر الهمجية المريضة.. فكيف يمكن القبول بإعادة إنسان إلى مناطق غير مأمونة وغير مهيأة للعيش الإنساني في ظل تهديد قوى الجريمة والموت؟
وإذا أجبت على التخرصات من تصريحات ساسة مرضى بالتطبيل والتزمير ومهام خلط الأوراق، فسرعان ما ستستند إجاباتهم إلى عبث استغلال الشحن والاستعداء بين أخوة الوطن والإنسانية بتباكي الأطراف المسعورة بلا استثناء على مصالح هذا الطرف أو ذاك والحقيقة مفضوحة، أنهم يتباكون على مآربهم...
وهاكم العبث بما يزودون الناس به من معلومات مزيفة ومن تحريف للحقيقة وينشرون كيف تمنع كوردستان عودة العرب لبعض قراهم! ويطمطمون على حقيقة حجم العرب الآمنين على أرواحهم وعوائلهم في أحضان كوردستان وبفضل سلامة بناء مؤسسات الدولة فيها وسلامة بناء البيشمركة، قوات حمايةٍ لسيادة القانون ولحيوات الناس ومنهم اللاجئون والنازحون...
إن التخرصات قد تُفلِح في كسب بعضهم بسبب سطوة التضليل وآلياته وضخامة الآلة الإعلامية المرافقة بخاصة بوجود غطاء خارجي في الموضوع، لكنها لن تفلح بشق صفوف التحالف التاريخي المكين بين العرب والكورد شعبا وحركات مدنية ديموقراطية. ولن تفلح في تشويه أسس هذا التحالف أو ثني قرار طرفي بناء العراق الفديرالي والإيقاع بينهما.
ونحن ندرك أنه من الطبيعي أن تظهر هنا وهناك تصريحات غير دقيقة؛ وأخرى يشوبها تضارب إذا ما تمّ تأويلها أو صادفت تعتيما وتضليلا. ولكن من الطبيعي أيضا أن نقرأ الأمور بحسب جوهرها وبحسب واقعها كما هو. ومن هنا فإنّ الحديث عن المناطق (المتنازع عليها) كما يسميها بعضهم في لحظات تتطلب حشد كل الجهود لما يجري ميدانيا حيث الأفعال المنتظرة الحقيقية، يبقى حديثاً مضلّلا لا معنى له سوى محاولة الوقيعة ليس بطرف بعينه بل بجميع الأطراف المعنية وأولها الإيقاع بالعرب الذين يدّعون الدفاع عن حقهم في العودة لبيوتهم التي نزحوا منها.
أما هذه المرحلة فليس من أمر متاح سوى تأمين ظروف النازحين حيث هم.. والعمل الميداني المباشر يتمثل بتفعيل أسرع فرصة لاستعادة المدن والقرى من أيدي من استباحها وتطهيرها من كل تهديد وتأمينها لإعادة تطبيع الوضع وإعادة النازحين بأمن وأمان..
بينما التحدث عن أي أمر آخر في هذه اللحظة فليس سوى تضاغطات ساسة مشحونين بلحظةٍ في قمة التوتر و\أو تصريحات يطلقها بعضهم بلا خبرة وربما بقصد سلبي لاجتراح العقبات.
وفي وقت نريد لهذي التصريحات في جهة القوى الإيجابية السليمة أن تنضبط بأعلى قدر من رباطة الجأش والهدوء والتمعن والتركيز في الفعل الميداني الأبرز والأكثر أولوية، فإننا في الوقت ذاته نريد لجم الشوشرة وإطلاق تصريحات من قوى أخرى هي العناصر السلبية التي تستعدي الأطراف بعضها ضد بعض وتحاول الإيقاع بينها وتبتغي تمرير فسادها مسافة أخرى وشوطاً آخر!
إنّ الحوار بين ممثلي الوطن ومكوناته لا يمكن أن يكون في السجالات التي ينجرّ إليها بعضهم ولا يمكن أن تكون بأبواق إعلامية لا همّ لها سوى الدفع باتجاهات الإثارة المضللة، ولكنه يجري هناك حيث منطق العقل والحكمة في ميادين الفعل والتصدي للجريمة والمجرمين لتطهير الأرض وتخليص الناس من سطوة البلطجة...
وسيكون تكرار التهجمات على كوردستان وشعبها وقيادتها ليس سوى ثغرة للالتفاف على مصالح الناس في الانعتاق من استعباد الإرهابيين، وطريقاً لتمكين المجرمين من العبث مدة أطول بهم وإذلالهم لأهلنا.
إن الحرص على عودة النازحين إلى بيوتهم لا يمر عبر أبواق فارغة أو قرع طبول الخلافات والتعكز عليها بل يتم تجسيده بطريق الاستعداد بأقل قدر من العثرات والعقبات. ولعل أول الأمور هي وقف إثارة خطاب الشقاق وإنهاء منافذ تلك التصريحات العابثة المتهجمة على كوردستان وحسم هذا بلا تردد وبأقصى سرعة.
وإذا ما تفرغ العراقيون بأطرافهم جميعا بمكوناتهم كافة لمهمة الاستعداد الجدي المسؤول للتصدي لمهام الانعتاق والتحرر من سطوة الجريمة والمجرمين فإن من بين حال التفرغ توحيد خطابهم وتجاوز العناصر المرضية وما تريد تغذيته وإعلاء صوت الوجود الفديرالي ومزيد التعاضد والتنسيق في معالجة الأمور الميدانية ذات الأولوية.
إن معنى التجاوز ليس السكوت على المزايدات والمزايدين على حساب الحقيقة. بل يعني استمرار جهود ضبط الأمور بخاصة في الخطابين السياسي والإعلامي التعبويين وإيجاد أرضية تنسيق إعلامي يمكنها تقويم ما قد يصدر من دون قصد واعتماد القواسم المشتركة.
إنّنا اليوم، بحاجة جدية لتذكر أنّ إطلاق بالونات الاختبار الخلافية سواء للمزايدة أم للضغط باتجاه بعينه ليس سوى اختلاق لعقبات خطيرة إن لم تظهر نتائجها الكارثية مباشرة فإنها ستؤدي إلى ذلك في القريب. كما إن اللعبة السياسية لا يمكن أن تكون بطريقة كل حزب بما لديهم فرحون يعزفون على مسار غير مسار الوجود الفديرالي وتلبية ما يفرضه دستوريا بمختلف الميادين في واجبات الحكومة الاتحادية..
وعلى قيادة الحكومة الاتحادية بدل الصمت وتمرير تصريحات مرضية من بعض عناصرها أن تؤكد الرد عمليا ميدانيا بتفعيل الالتزامات الوطنية تجاه مكونات العراق الفديرالي وتحديدا تجاه كوردستان ووقف الحصار الاقتصادي وإنهاء عبث و جريمة الضغط عبر استغلال لقمة العيش بقطع مرتبات الموظفين والعمال وعبر خطاب الانفعال والاتهامات وأشكال التشويه والتشويش..
إن على العراقيين معا وسويا وبلا استثناء لطرف أن يتمسكوا أكثر بأسس خطاب جديد مغاير هو الخطاب الذي يفرض نفسه ميدانيا في كل أرجاء الوطن ومن ثمّ يفرض صوته ويجعله الأعلى في الإعلام الأجنبي بما يستجيب لأجندة وطنية موحدة تخدم الجميع على حد سواء.
فخطاب فضائيات وصحف آتٍ من خارج البلاد ومعزوفاته المتناغمة مع العناصر المرضية لا يمكنه أن يستمر إلا على أكتاف الأصوات المرضية هنا وهناك في داخل البلاد. ومن هنا كان علينا معا وسويا إيجاد الحلول الكفيلة بإعلاء صوت الحكمة، صوت التركيز على فعل الميادين لا فعل المزايدة والاصطراع وهو ما يريده الأعداء لمزيد من إذلال أهلنا من كل أطيافهم.
فلنكن الصوت الأعلى ممثلا لتضحيات بواسل قوات حماية أهلنا وفي طليعتها قوات البيشمركة التي كانت السباقة في مسيرة الحرية والتضحية وبحماية وتطهير المدن والقرى التي سيكون النازحون فيها يوم يتم تطهيرها ويوم يكون لقاء الأفئدة والضمائر والأصوات الوطنية بعمقها الإنساني الصحي الصحيح هو لقاء حسم المعركة مع المضللين المرضى.
إنها معركة العراقيين عربا وكوردا وبكل الأطياف ضد خبث ما يُصنع من وقائع يرتبون عليها خطاب العقبات ليعرقلوا مسيرة الانعتاق.. فهل منا من لم يعِ بعدُ هذه الحقيقة؟ فلنكن معا وسويا لا تفرقنا الأهواء وألاعيب مزايدة من عناصر مرضية ولنستكمل جهودنا تقريبا لساعة الانتصار من أجلنا وأولنا النازحون ومن ثم لكل أبناء الوطن بجناحيه المتلاحمين اللذين يتكون العراق الفديرالي منهما بهيا بهما ينصران بعضهما بعضا فيُخرَس صوت التطبيل والتضليل.
 

24
حول هجرة العقول العلمية خارج الوطن

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com

في لقاء قصير لي مع قناة الحرة العالمية، أجبتُ فيه عن أسئلة للإعلامي ليث العطار والإعلامية نبيلة الكيلاني في برنامج (اليوم) وكان ملخص الأسئلة هو كالآتي: كيف تقرأ ظاهرة العقول العربية وابعادها عي برأيك الأسباب والدوافع التي تقف وراء ظاهرة هجرة العقول العربية؟ ولعدم توافر الوقت لم ترد مفردات كثيرة من سياق هذه المعالجة هناك بأمل نشرها هنا خدمة للمتابع كونها ماد\ة تمسّ قضية حيوية وخطيرة في حياتنا.

ظاهرة هجرة العقول العربية هي نزيف للقدرات وطاقات البناء وإدارة مسيرة التقدم، حيث تتضمن خسارة جدية عميقة في استثمار تلك الطاقات وطنياً محلياً. وإذا ما نظرنا ماديا للموضوع فإنّ ما يعادل حوالي 200 مليار دولار سنوياً هي خسائر بلدان المنطقة بسبب تلك الظاهرة المرضية الخطيرة. حيث يهاجر سنويا حوالي 100 ألف من العلماء من ثمانية بلدان أبرزها لبنان وسوريا والعراق ومصر ثم تونس والمغرب والجزائر. وفي تسعينات القرن الماضي وبأقل من عقد من الزمن هاجر 10 آلاف عالم عراقي البلاد لظروف معروفة وفي العقد والنصف الأخير وقع منهم ضحية التصفيةالجسدية آلافاً أخرى واضطر عشرات الآلاف للهجرة الاضطرارية، وجابه حملات التمييز والابتزاز مَن حاول العودة على أساس محاولته المساهمة في بناء عراق جديد مختلف المسار وتعرض ويتعرض آخرون للاستغلال الهمجي الأبشع!

والخطورة الأبعد بهذي الظاهرة، تكمن في نسبة هؤلاء إلى حجم الطاقة العلمية وطنياً، وحجمهم إلى مجموع المهاجرين من تلك البلدان؛ إذ نرى أنّ النسبة تقارب الـ98% في الصومال و39% في لبنان، و17% في المغرب وحوالي 12% في تونس فالعراق وجيبوتي والجزائر و7% في الأردن وفلسطين وسوريا.. ولا يعود من المبتعثين للدراسة إلى بلدانهم سوى 5% فيما نصف حجم الكفاءات [50%] هم من يغادر تاركاً بلاده المضطربة.. وتساهم بلدان الشرق الأوسط \ العربية بنسبة ثلث ظاهرة هجرة العقول العلمية من الدول النامية إلى الدول المتقدمة وبأكثر من نصف نسبة الأطباء وربع نسبة المهندسين!

إنّ هذه الأرقام فلكية خطيرة نسبة إلى الواقع المرير والمعاناة ونسبة إلى معنى الجهد والتكاليف الأعمق من مادية، في تكوين المجتمع للعقل العلمي وإعداده. إن الكلفة الزمنية تعادل مساحة جيلية عريضة متعددة، بما يعني العودة لمنطقة أقدم من نقطة الانطلاق الصفرية مطلع القرن الماضي عندما بدت أولى بوادر النهضة، حيث ستحتاج بلداننا اليوم، لردم (الهوّة التكنولوجية) الغائرة بظروف استثنائية كثيرة العقبات والتعقيدات المرضية.

 

على أننا يجب أن نقف طويلا أمام هذا الأمر لنبحث في الأسباب والدواعي بجدية وبمعاجلة ومسابقة للزمن. فمعركة مجتمعاتنا ليست حصراً على معركة بندقية مع قوى الإرهاب وقضايا الأمن والاستقرار بل هي بشكل أوسع وأعمق معركة مع قوى التخلف والسير بطريق إزالة الجهل والفكر الظلامي المعشعش.. هذا بالضبط ما نعني به بقولنا: ضرورة المسارعة في جهودنا وحزم أمرنا والالتفات إلى هذه القضية الحيوية، قبل أن نصحو فلا نجد غير سيادة العتمة والخراب. وعلى وفق دراسات موضوعية عديدة فإنّنا يمكن أن نلخص جانباً من أسباب الظاهرة متمثلا بالآتي:

1.  إن البيئة الموجودة هي بيئة طاردة للعقول العلمية لها. وهذه السمة تتأتى من تراجع مكانة الشخصية العلمية وتراجع الاهتمام المجتمعي بعامة، لصالح ظواهر مرضية فاسدة، في إطار سيادة الأمية والجهل وآليات مجتمع التخلف.

2.  اضطراب الأوضاع العامة، حيث:

أ‌.      تعطّل مشروعات البناء، زراعياً صناعياً والشلل الشامل للدورة الاقتصادية لجملة أسباب متنوعة مختلفة.. وأكثر من ذلك فأغلب تلك البلدان تنحدر في واقعها نحو خراب متسارع النتائج من قبيل زوال غابات النخيل في العراق بدل تكثيرها ورعاية الموجود وزوال بساتين الحمضيات والأشجار المثمرة واعدام الأحزمة الخضراء حول المدن وفي إطارها! مع مشكلات كبيرة وتخبط بمشروعات المحاصيل الاستراتيجية وخطط استثمار المياه والدفاع عن حصص البلاد في الإطار الإقليمي المشترك مع الآخرين، ومثل هذا كثير مما يجري تعطيل القدرات العلمية عن تفعيل معالجاته فيه!

ب‌.     اضطراب الوضعين السياسي الأمني بشكل مترابط وتفجُّر الأمور بمظاهر الحرب الدموية المسلحة على جبهات معارك بعدد من البلدان كما في العراق وسوريا وليبيا، فضلا عن ظواهر الاغتيال والتصفية الدموية الموجهة إلى كوكبة العلماء والمتخصصين من الكفاءات، مما جرى في إطار النزاعات الجارية ابع الأوضاع المستجدة.

3.  عدم توافر الأولوية المناسبة والاهتمام الرسمي إلى درجة أن المساهمة في شؤون التعليم لا تتجاوز ما بين 0.04% إلى 0.3% من الدخل القومي لهذه البلدان بمقابل نسبة قد تصل ببلدان التقدم إلى 5%. وفي وقت تصرف سويسرا على التعليم الأساس ما مقداره 12ألف دولار سنويا للفرد لا يتجاوز هذا في مصر مقدار 170 دولار سنوياً ومعدل الإنفاق على التعليم العالي هنا يقارب بأفضل أحواله 721 دولار سنوياً بينما يتجاوز الـ10000 دولار في الدول المتقدمة. فكيف يمكن أن تكون العناية الفعلية بالتعليم في وقت يدرس طلبة التعليم الأساس بمدارس طينية بل في العراء ببعض البلدان، كما في جنوب العراق راهناً!

4.  ولابد هنا من لفت النظر إلى عدم توافر البنى التحتية المناسبة لا للجامعات ولا لمراكز البحوث فيها وخارجها بمؤسسات الدولة والقطاع الخاص أيضا. إذ لا توجد ميزانيات محددة للبحث والتنمية والتطوير. ولهذا فإن مقدار المنجز البحثي لهذي البلدان يساوي 15ألف بحث بمعدل 0.3% ثلاثة بالألف من المنجز العالمي وطبعا عدا عن هوية البحث والتخصص فيه ودرجة الابتكار. منبهين أيضا إلى أن حجم الباحثين إلى طاقة العمل لا يعادل أكثر من 3.3 باحث من حاملي الدكتوراه والماجستير لكل 10آلاف من طاقة العمل!

5.  المشكلات والتعقيدات الإدارية والبيروقراطية وكذلك النظرة الفوقية وحال المصادرة للحريات البحثية ولسلطة القرار من قبل السياسي. إذ الأخير يمارس مهامه بآليات مستبدة تجاه العالم مثلما تجاه العموم. وآليات اشتغال المؤسسة الرسمية برمتها لا تمنح للعلماء فرصة الحراك المنتظر وما تتطلبه اشتغالاتهم من صلاحيات.

6.  غياب سياسة عامة موضوعية وعدم توافر استراتيجيات عمل بخصوص تفعيل التعليم وأدواره وطاقات العلماء. وطبعاً في الإطار غياب برامج الربط المناسبة بين الجامعة والحياة اليومية أو المراكز البحثية وقطاعات العمل والبناء...

7.  وفي إشارة جد خطيرة ومهمة يجري تغافل الكفاءات العلمية في تخصصات العلوم الإنسانية وتهميشها فتُرمى إلى سوق البطالة المهاجرة فلا هي بموقع العمل ببلدان التكنولوجيا ولا هي بخدمة مجتمعاتها الأم. بينما هذه التخصصات هي خالقة للبيئة من خلال بنائها الوعي المعرفي والثقافة التنويرية. وهي المقابل الموضوعي لحال سيادة التوجهات الظلامية وسيادة الخرافة ومنطقها وآلية التفكير الأسطوري بحطابها البياني على حساب الخطاب العلمي. فيقع المجتمع بمزيد من حفر قوى الظلام ومغاور الجهل والتخلف.

إنّ تسليط الضوء على هذه الظاهرة لا يمكن أن تنجلي كل أبعاده إلا عبر مؤتمر سنوي ومجلس قومي للتعليم العالي مع اهتمام بالجمعيات الأكاديمية وعضويتها ومفردات إحصاءات ومتابعة لمسارات الكفاءات العلمية كافة. ومن ذلك الأوضاع المأساوية التي آل إليها وضع كثير من تلك الطاقات بسبب من الظروف المزرية التي تحيط بهم، بخاصة عندما تصادفهم البطالة والمحاصرة وتغيير التخصص للعمل من أجل لقمة العيش في تخصصات بعيدة كل البعد عما صرفته شعوبهم عليهم من إمكانات تضيع ه\را على مذابح التعطل والتبطل في محيط البحث عن إنسانيتهم والأمن والأمان لعوائلهم.. وكثيرا من تلك الطاقات توفيت وغادرت الحياة في زوايا النسيان والحصارات المرضية بلا رعاية وبلا من يسأل عنهم. وغذا كان بعضها جرى تكريمه في المهجر بالعمل بتخصصه فإنه مع ذلك يرحل بصمت يطمس اسمه في بلاده الأم ويسلبه وورثته حقوقه.. وتلك قضايا أخرى ينبغي الالتفات إليها.

إنّ التغيير في بلداننا الشرقأوسطية لا يمكن أن يتم من دون خطى استراتيجية ودراسات معمقة تمنح الأولوية للتعليم بعامة وللتعليم العالي بخاصة وبإطارهما لخطى البحث العلمي وربطه بالمجتمع وبرامجه العملية الميدانية. كما إنّ علينا وضع الدراسات والبحوث وما تقدمت به من توصيات موضع التطبيق والاستناد إلى رؤية العقل العلمي بمسار الفعل الحكومي وجهود الشأن العام، ولربما كانت حكومة التكنوقراط حال ضرورية اليوم في تناول أمراض مجتمعاتنا بالعلاج. ولعل من ذلك وقف ظاهرة ساهمت بها بعض الجهات الإعلامية عندما تأتي بشخوص للواجهة لسألهم عما ليس في تخصصهم سواء في العلوم السياسية الاقتصادية أم العلوم والتخصصات الأخرى! وفي حياتنا العامة يدلي من هب ودب بتوصياته في كل الموضوعات ويجادل سفسطائيا العلماء والمتخصصين بمماحكات جهل ليست سوى لضياع مفهوم احترام التخصص ومنجز العقل العلمي بميادينه..

هذه مفردات عامة تنتظر معالجات دقيقة في أبوابها.. فهلَّا اتخذنا قرارنا سريعاً وفكرنا في أنّ مرجعية مجتمعات اليوم هي مرجعيات العقل العلمي ومنجزه البحثي وتطبيقات نتائج تلك الطاقات وجهودها التخصصية!؟

 

25
متحف نينوى: جريمة التخريب والدلالة

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com

في لقاء دام حوالي الساعة مع إذاعة دويتشة فلله بالارتباط مع إذاعة صوت بيروت، وجه الإعلامي خلدون زين الدين أسئلته بشأن طابع الجريمة التي جرت في الموصل بحق الآثار العراقية وما الدلالات وما وسائل التصدي لها وحل المشكلات الناجمة عنها؟

وبهذا الخصوص قدم المتحاورون رؤى متفقة بشأن تلك الجريمة؛ أشير هنا إلى جانب من إجاباتي فيها تلك التي حاولتُ فيها وضع التصور المناسب في قراءة الجريمة ودلالاتها.

إن جرائم تخريب الآثار والاعتداءات التي تعرضت لها، ومنها جرائم النهب والسرقة والاتجار بها في سوق المافيا الدولية، وجهود تغيير هوية تلك الآثار وإلحاقها بحضارات مختلفة غير تلك التي أنجزتها، هي جرائم ذات جذور أبعد زمنياً مما جرى لمتحف الموصل، وهو المتحف الثاني عراقياً المسجل لدى الجهات الدولية المعنية. فلطالما تمّ رصد جرائم النهب من حول المواقع الأثرية بمختلف المناطق العراقية في ظل انفلات زمام الأمور وسطوة جهات ميليشياوية على الأوضاع مع انهيار سلطة الدولة وهزال وجودها والضعف الشديد بقدرات الحماية وتوفير الأمن المنتظر.. ومن المتكرر ما رُصِد لدى دول إقليمية مثل إيران وإسرائيل في السطو على قطع تاريخية أصيلة ومحاولة نسبتها لهوية بعينها غير الهوية العراقية القديمة السومرية منها والبابلية الاشورية وهو سبب من السباب التي تقف وراء جريمة سرقة الاثار.

وتجدر الإشارة إلى ما تمّ ضبطه في أوروبا وإعادته لمتحف بغداد المنهوب في الأيام الأولى للحرب في العراق العام2003. وإلى تلك القطع التي مازالت غائبة بين أيدي من سرقها. أما بمتحف الموصل فالأمر لا يخلو من محاولة طمطمة جريمة اتجار جرت بمحتوياته، فما شاهدناه في الفديوات التي سجلت الجريمة لا يُظهر كل القطع الأثرية الأصلية فيه. إذ هناك قطع صغيرة ومتوسطة كثيرة أخرى وهناك قطع أصلية كبيرة لم تظهر في جرائم التخريب والتدمير التي عُرِضت علينا..

ونذكّر هنا بجرائم إرهاب الدواعش ومن معهم من بلطجية المافيات المحلية والدولية التي طاولت تراثنا بحرق آلاف المخطوطات التي لا يمكن تعويضها! فضلا عن إحراق المكتبات نفسها بمحتوياتها. ونشير إلى تدمير مرقد النبي يونس ومراقد أخرى وما يعنيه ذلك مما تحت التلال من آثار غير منقبة حيث تتعرض القصور الآشورية للتدمير وللنهب تحت ستار تلك الجرائم الهمجية. أضف إلى ذلك هدم الكنائس والمعابد القديمة وتصفيتها مما فيها من قيمة تاريخية مهمة.

إنّ حجم الكارثة كبير فهو طاول الآثار ليس بوصفها علامات مادية صمّاء بل بوصفها الخطاب الناطق الذي عبر ويعبر عن المنجز الحضاري حيث تمثل تلك الشواخص الآثارية تراثا حضاريا لمهد الإنسانية وحضاراتها الأقدم مثلما تمثل قيما جمالية ومضمونية مخصوصة الهوية وهي تحمل قيما معرفية هي إجابات جد مهمة على خطاب قوى الظلام والجهل والتخلف بوساطة إبراز حجم شعوب المنطقة وجذورها التي لا تتحدد بالتهميش الجاري بمصطلح أقليات آيلة للانقراض على وفق الظلاميين وتشويهاتهم وتهويشاتهم!

وعليه فإننا نشخص هذا الفعل الإجرامي كونه جريمة تطهير ثقافي ومن ثمّ دخولها في جريمة التطهير العرقي الديني التي تقع على مجموعة إنسانية هم شعب أصيل ومكون أساس رئيس من مكونات شعوب المنطقة والعالم. والجريمة مستمرة بفعلها عبر دعشنة المنطقة بإشاعة فكر ظلامي أحادي يتعايش راضخاً لجريمة الإبادة لتلك المكونات الأصيلة ومحاولة إنهاء البنى التعددية وحال الاغتناء بالتنوع في وجود شعوب المنطقة. وإذا كنا سنفتقد لثقافة بصرية مناسبة في معايشة تلك الشواخص المهمة للآثار العريقة فإن المنطق العقلي سيصاب بتحولات خطيرة من منطق التعايش وثراء التنوع إلى منطق الأحادية ومزيد من الانفصامات المرضية في المشهد الإنساني، بظل سيادة الجهل واستمرار الجريمة.

ولعل من جملة ما يُنتظر من حلول ومعالجات بشكل مخصوص أن يجري اتخاذ الآتي من الإجراءات:

1.  توحيد التشريعات والقرارات الوطنية والأممية المخصوصة.

2.  تعميم وثائق أرشفة الآثار وسجلاتها على المنصات الدولية لضبط المسروقات.

3.  حظر وتجريم البيع والشراء لكل قائمة الآثار الموثقة المنقبة وغير المنقبة.

4.  التحفظ على المضبوطات في متحف مخصوص برعاية اليونسكو.

5.  سرعة التفاعل مع الأحداث والوقائع الجارية.

6.  الاستعداد للانتقال الفوري إلى المناطق المُستعادة من قوى الإرهاب وعصابات ومافيات الانفلات الأمني.

7.  إيجاد جهات ارتباط ولجنة دولية متخصصة للإشراف والمتابعة بمعرفة المنظمة الدولية \ اليونسكو وكل من ممثلي العراق وسوريا.

8.  صياغة تقرير دوري ونقله عبر اليونسكو إلى مجلس الأمن لاتخاذ الإجراءات اللازمة بشكل عاجل وفوري.

9.  تفعيل حملات وطنية وأممية بخاصة من منظمات معنية بعينها للتصدي للتخريب الجاري ولنتائجه الكارثية وأن يجري التفعيل عبر خارطة طريق ومأسسة العمل.
ولعل جهودا استثنائية تستجيب لنداءات حضارية ولخطاب التنوير الثقافي هو ما يمكن أن يضغط عمليا فعليا للتصدي الحاسم والحازم لهذه الجرائم الداخلة في جريمتي الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وليس التوقف عند حدود جرائم نهب وسرقة واتجار دولي مافيوي محسوب مادياً فالقيمة هنا أعمق غورا في الحراك الإنساني والحضاري المعاصر.

26
بمناسبة اليوم العالمي للأطفال المجندين للحروب: أطفال العراق إلى أين؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com
 
تحتفل المنظمة الأممية سنوياً بمناسبة مهمة اعتمدتها؛ هي اليوم العالمي للأطفال المجندين للحروب! وتصادف في يوم 12 فبراير شباط من كل عام. لقد اُختيرت هذه المناسبة لتذكير العالم بالمخاطر التي تحفر شروخاً عميقة في الحياة العامة  وتهدد الأطفال جراء إدخالهم عملياً في الحروب والنزاعات الأهلية والدولية، وعادة ما يجري التركيز على أولئك الأطفال المستقطبين للحروب كمجندين بالتضليل أو بالإكراه.
لقد قدرت المنظة الأممية للطفولة [اليونيسيف]  حجم الأطفال المجنَّدين بحوالي: ربع مليون [250,000] طفل بمختلف أرجاء العالم. وفي ضوء المخاطر المحيقة بالأطفال، دعت اليونسيف، بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة تجنيد الأطفال، لبذل الجهود الكافية من أجل تسريح الأطفال المجندين واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بإعادة دمجهم في المجتمع المدني وفعاليات السلم الأهلي.
وينبغي التكير هنا إلى أنّ الأمم المتحدة تعمل على وفق ما يتضمنه القانون الدولي من مواد تحظر تجنيد الأطفال [وهم هنا كل مَن تقل أعمارهم عن 18 سنة] في القوات المسلحة؛ في وقت يُعدّ تجنيد الأطفال من أعمار تحت الـ15 سنة واستخدامهم في العمليات العنفية المسلحة  سواء كان ذلك طوعاً أم كرهاً جريمة من جرائم الحرب. ويمكننا الإشارة هنا إلى ما ينصّ عليه القانون الدولي الإنساني على واجب ملزم يتمثل بتوفير الحماية للأطفال زمن الحرب. والقانون ملزم للجميع سواء الدول أم الجماعات والميليشيات المسلحة.
وفي العراق، وطوال سنوات العقد الماضي تضخم حجم التحاق الأطفال بالميليشيات ومن ثمّ إدخالهم في الصراعات والنزاعات الحربية والعنفية السائدة في البلاد.  وعلى الرغم من جسامة المخاطر التي تعرض ويتعرض لها الأطفال، إلا أنّ مجابهة الأمر لم ترتقِ لا رسميا ولا شعبيا لمستوى المسؤولية الإنسانية الحقوقية والقانونية للتصدي للجريمة.
مذكرين هنا أنّ من واجب منظمات المجتمع المدني بخاصة منها الحقوقية أن تنهض بمهمة توعوية ترتقي لمستوى ما يتهدد المجتمع  وفئة الأطفال حاضراً ومستقبلاً تشمل  قراءات موضوعية تكشف أسباب إلحاق الأطفال بالجماعات المسلحة ووسائل كبحها وإنهائها. كما تكشف للمجتمع آثار مشاركتهم في الحروب والنزاعات المسلحة وانعكاسات تلك المشاركة المحظورة على الأوضاع النفسية والإجتماعية.
ولعلنا نضع تصورات موجزة في إطار الحلول المنتظرة على المستوى المحلي وفي إطار دول الجوار؛ وتتلخص الأمور المتاحة في تضافر الجهود كافة ومنها:
1.   تطوير استراتيجيات وثوابت للخطاب الإعلامي الوطني الذي يكشف حقيقة الآثار الإجرامية الكارثية على الطفل والمجتمع بسبب تلك الممارسات والذي يكشف سبل التصدي لآثار الإعلام المرضي.
2.   النهوض بحملات شاملة تشترك فيها الجهات الرسمية والمدنية بما يرسم خطى تلبية حقوق الطفل ويساعد الأسر والأمهات على تحسين رعايتهم أطفالهم وتربيتهم تربية صحية سليمة بما يُبعدهم عن تلك الجريمة تحديداً.
3.   إلزام الجهات الحكومية بتقديم القوانين والخطط التنفيذية على المستوى الوطني والمحلي  يقطع الطريق على تجنيد الأطفال وإلحاقهم بالميليشيات وبالعمليات العنفية المسلحة؛ مع إيجاد وسائل مراقبة مباشرة مجتمعيا على وجود الأطفال بالميليشيات الموجودة والعمل على حظرها وحلها نهائيا.
4.   إنشاء مراكز الشبيبة ودعم منظماتها لتقيم الأنشطة الكرنفالية التي تجذبهم بعيدا عن فلسفة العنف وتحميهم من الوقوع ببراثن الجريمة بأشكالها. وينبغي أيضا إنشاء دور رعاية الطفولة وملاجئ مناسبة بخاصة منها التي تعالج ظاهرة أطفال الشوارع وتوفر ما يناسب رعاية الأيتام.
5.   إيجاد كل ما يمنح الأطفال فرص الاعتداد بشخصياتهم ويقويها معرفياً ثقافياً ويشدها للقيم السامية النبيلة ويؤهلهم للعب أدوارهم بطريقة صحية سليمة تحترم رؤاهم ووجودهم الإنساني وطبيعته.
6.   خلق فرص التفاعل بين التجاريب الإقليمية والأممية التي تعالج ما يعترض الحلول الأنجع.
7.   الاهتمام بهذه المناسبة ومنحها فرص أن ترتقي بآثارها الإيجابية عبر تفعيل ما يؤدي لتطبيق الهدف الإنساني الأبعد لها.


27
التعصب والكراهية وآليات تأثيرهما المرضي ومكافحتهما

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com
 
 
التعصب والكراهية ظاهرة لها جذورها وحالات تمظهرها في تاريخ البشرية. وقد ارتبطت الظاهرة بمفاهيم كالتمييز العنصري والقومي والديني والطائفي والجنسي ولعلّ كثيراً من الحروب والصراعات في تاريخنا نجمت عن واحد من أشكال التعصب للدين أو القومية أو غيرهما؛ وما زالت هذه الظاهرة تجتر تأثيراتها الخطيرة لتشكل آفة تنخر في وجودنا الإنساني وعلاقاتنا.. ولهذا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1981 إعلاناً وضعت فيه أسس القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز الذي يتسبب في عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان وحرياته الأساس أو يتقاطع مع فرص التمتع بها و\أو ممارستها على أساس من العدل والمساوة.
والتعصب: تشدّدٌ ومغالاة في ميل نحو أمر بعينه. والتعصّبُ لغةً من العصبية التي تعني أنْ يدعو المرءُ لنصرة عصبته المؤلَّفة ممن يشتد ويحتمي بهم فيتآلب معهم على مناوئيهم ظالمين أو مظلومين... والتعصب اصطلاحاً شعورٌ داخلي يدفعُ الإنسان للتشدّد إلى حدّ اعتقاده بأنَّه على صواب دائم فيما الآخرون دوماً يمثلون الباطل والخطأ والخطيئة من دون حجة على اعتقاده ذاك. ويتجسد هذا التمترس بممارسات وأفعال متزمتة تنطوي على ازدراء الآخر واحتقاره وعدم الاعتراف بحقوقه وإنسانيته إلى الدرجة التي تبيح للمتعصب عمله على تدمير الآخر وتحطيمه بلا أية رحمة.
والتعصب لا يتحدد بظاهرة نفسية فردية حسب بل يمثل مرضاً اجتماعياً يؤسس للكراهية والعدوانية في العلاقات العامة والخاصة، حيث يضع التعصب صاحبه بإيمان مضلل برؤى تمنعه من التوصل إلى أيّ حل للقضايا المحيطة به بطريقة موضوعية تحيا الواقع كما هو وليس كما تتوهم صورته بسبب انفصام المتعصب عن الحقيقة والواقع. وهكذا فقد كان التعصب دائماً أساساً خطيراً لدوامات الصراع التي تسببت في تعاسة البشرية، عبر اختلاق الحواجز بين مكوناتها ووقوفها سدّاً مرضياً ضد إمكانات التفاهم بين تلك المكونات..
إنّ التعصب بوصفه مغالاة وأحادية في التعاطي مع بيئة المتعصب ومحيطه، يتحول إلى كونه مرضاً يعيق النمو النفسي للإنسان فيثير اضطراباً كلياً عنده بخاصة في طابع إدارة العلاقات مع الآخر. وهنا يترسّخ الاتجاه السلبي المتضمن نظرة عدائية تجاه الجماعة الإنسانية ووجودها وحقوقها.. إن الاحتقان والعدائية والاضطراب العام في المشاعر التي تسيطر على المتعصب هي التي تخلق أرضية التفكير غير المنطقي وحال العناد أو الجمود في مواقفه، وكذلك تخلق أرضية الإفراط في التعميم وتحويل النسبي إلى المطلق، واستسهال ممارسة الظلم وتبريره، وسطوة الصيغ النمطية الأحادية في التعاملات، كما بحالات التعامل مع فئة أو مجموعة دينية أو قومية فيؤخذ الكل بجريرة الجزء حيث صراع التعصب والكراهية ينتشر بين المجموعات ولا يظل حصراً بأفراد..
إنّ هذه الآليات تجتمع عبر حال تبسيطٍ حدَّ التسطيح في قراءة الأمور وتنميطها ووضعها بقوالب جامدة، تنشطر بين ضفتين لاتسمح بوجود إيجابي خارجهما.. وبإطار هذه الآليات يقوم التعصب باستغلال آلية الإسقاط بوصفها حيلة لاشعورية لينسب بها متعصبو ضفةٍ العيوبَ والمثالب إلى أتباع الضفة الأخرى وهو ذاته ما يمارسه أتباع المجموعة المتمترسة تعصبياً في الضفة الثانية. وهذه الآلية هي التي تسمح بتنزيه كل طرف وتفريغ أسباب اضطرابه السايكوسوسيولوجي فيبرر له عدوانيته ويمنحه فرصة التحول من الدفاع إلى الهجوم والاعتداء على الآخر بروح ثأري انتقامي يتعلل بذرائع وحجج جوهرها أوهام التخندق المختلقة بإسقاطات التعصب... 
إذن، التعصب ينطوي على سمات مركبة سيكون مفيداً هنا تشخيصها مجدداً كي نلتفت إلى تفكيكها ووضع المعالجات لها في مرحلة لاحقة من قراءتنا هذه. وأول هذه السمات هي المغالاة والتشدد وثانيها مركزية ذات المتعصب وارتفاع أسهم الغرور الفارغ عنده مع تهميش للآخر وعدم الاعتراف بحقوقه ووجوده ومن ثمّ رفض الحوار معه [أيّ مع هذا الآخر] كونه طرفا محكوما عليه بالإلغاء والسمة الثالثة هي حال التسلط والجمود في التفكير ومن ثمّ مجافاة الموضوعية في تناول القضايا الخلافية وتبرير التمسك بالباطل ورابع السمات تتمثل في حال اللجوء إلى العنف تنفيذاً للمآرب والغايات..وهنا تشتعل حرائق الصراعات والصدامات المفتعلة بدوامة لا تقبل التوقف بين خنادق وأنماط متعددة لتمظهرات التعصب وعنصريته ومنطق الكراهية الذي يحمله...
واستكمالاً لتعريف التعصب فإننا سنوضح الأمر فيما يخلقه من شعور الكراهية كونها أعراض انسحابية يصاحبها اشمئزاز ونفور شديدين تتولد عنهما عداوة أو عدم تعاطف مع شخص ما أو فكرة ما أو ظاهرة بعينها، الأمر الذي يولّد رغبة في تجنب و\أو عزل أو تدمير الشيء أو الطرف المكروه. وقد يكون الطرف الذي يستهدفه التعصب وكراهيته متجسدا بــ فئة أو طبقة أو مجموعة من الناس و\أو أعضاء في إحداها. فالكراهية الناجمة عن تشدد بموقف وميل بعينه هي حال من التعصب الذي يفصم بين طرفين فيصل بهما حدّ الرغبة في خوض معركة مدمرة لأحدهما أو كليهما. إنّ نتيجة التدمير ناجمة عن كون آلية الكره تقتضي تفاعلا سلبياً مع الأمر المكروه بدل إصلاحه و\أو تغييره أو إبعاد تأثيراته السلبية علينا... ومن هنا جاء تعريف خطاب الكراهية كونه الخطاب الذي يدعو إلى أعمال العنف أو جرائم الكراهية باختلاق فضاء يتضمن جملة من الأحكام المسبقة مع زعزعة الأمن والأمان وإثارة الحقد وأشكال التهديد التي تشجع على ارتكاب جرائم الكراهية. وكما جوهر التعصب فإنّ خطاب الكراهية يتصف بالاستقطاب الشديد وبظواهر الازدراء والاستهانة بالآخر و\أو إرهابه وجعله تحت ضغوط التهديد المستمرة مع لائحة من ممارسات التشويه والتشهير والتسقيط وإثارة حالات التشظي والشقاق والقسوة والوحشية ليشكل ذلك  كله فضاء التعصب والكراهية ولغتهما الصدامية التي لا تسمح بأية فرصة للاتفاق والتفاهم الإنسانيين.  إن التعصب لا يحيا من دون عيشه على لغة الانفعال والاحتقان والابتعاد عن تحكيم العقل والحكمة وهو لا يكتفي بالتشويه بل ينتقل في مراحل تالية منه إلى اختلاق ما ليس موجوداً في واقع الحال عند الطرف المراد صب الكراهية عليه خدمة لمآرب التعصب بل ابعد من ذلك يرتكب جرائم ليلصقها بالآخر وليعمق الفرقة والتناقض بين طرفي التعصب وخندقيه المفتعلين المصطنعين.
 فنتيجة للتعصب تتبدى أمامنا ظواهر التمييز من مثل حالات: إحياء العبودية وجرائمها كما فعل الدواعش مع الآخرين، وترسيخ التنميط العرقي ومثل انعكاسات التعصب بحالات ممارسة الإعدامات والاغتيالات الثأرية سواء ما يخضع منها للقانون أم خارجه ومثل ذلك نشر خطابات الكره وممارسة جرائم الكراهية وأشكال الفصل أو العزل العنصري وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي مثلما جرى للكورد وللمسيحيين والأيزيدية والمندائيين.
لكن بالمقابل ظهرت حركات مناهضة للتمييز والتعصب مثلما حركات التحرر من العبودية وحركات تحرر المرأة وحركات الدفاع عن الحقوق والحريات لمختلف الأطياف المجتمعية: العمالية، النسوية، الطلابية، الشبابية، ومناهضة الفصل العنصري وغيرها في إطار محاولات البشرية لاستعادة المبادرة والانعتاق من تلك أمراض التعصب والكراهية.
 
إنّ هذا يحيلنا إلى قراءة أنواع أو أشكال التعصب كي يسهل علينا الانتقال إلى المعالجات التي سنقترحها. فهناك أشكال وألوان من التمييز والعنصرية المستمدة من التعصب مثلما التعصب الجنسي، الجيلي أو العمري، الديني، وهناك تعصب يقوم على التمييز أو الرهاب المثلي أو القدري أو الشكلي كالحجمي والطولي والعمري المنسحب من التقدم بالعمر والنخبوي وأية حالات أخرى معروفة أو قد تستجد فالأسباب مفتوحة للتمييز واختلاق أوهام التعصب. ولعلّ أبرز حالات التعصب وعنصريته البارزة في الميدان الإنساني بعامة والعراقي بخاصة هي الأشكال والحالات الآتية:
1.  التعصب الديني و\أو الطائفي: الأصل أن الإنسانية نظرت إلى جوهر الديانات والمذاهب من بوابة قيم التسامح والتعايش إلا أنّ الإكراه فيها وحالات العداء والصراع مع الآخر يعود لخطاب التعصّب القائم على منطق التشدد والتطرف ومركزية الأنا التي تلغي الآخر وهنا تتخلق حالات التخندق والعداء وصراعاتهما.  إنّ عرض رؤى دين أو مذهب ليست بحد ذاتها مشكلة تستدعي الصراع عندما توضع بصيغة حوار مع الآخر ولكنها تتحول إلى (غطاء) للتستر على دافع سياسي أو ثقافي مرضي متخفٍ لغاية بعينها.
 
2.  التعصب العرقي و\أو القومي أو القبلي: وهو التعصب الذي يسوّق لمنطقه على أساس التذرّع بالدفاع عمن ينتسب لعرق أو قومية أو قبيلة، وهو يتوهم أمراً ويضلِّل به أتباعه عبر التخندق الذي يعزل عصبته عن محيطها ويضعها في تعارض وتناقض وصراع مع هذا المحيط وما فيه من أبناء مجموعات قومية أو قبلية أخرى. ويمكن هنا ضرب الأمثلة على ما افتعلته قوى عروبية متشددة متطرفة من عداء لأبناء القوميات المحيطة مثلا ضد الفرس أو الترك أو الكورد.. ومثلما يحصل من محاولات إشعال الفتن بين الشعوب السامية مثلما العبرانيين والكنعانيين ومثلما العرب والأمازيغ وغيرها من احتقانات يحاول المتعصبون إشعالها بين أبناء تلك القوميات المتعايشة إنسانيا والمتجاورة جغرافياً...
 
3.  التعصب الفكري السياسي: وهو الانغلاق على تفكير أحادي يزدري الرأي الآخر ويرفض الاعتراف بصاحبه أو القبول بالحوار معه ومناقشته. وفي جوهر الأمر فإنّ هذا الشكل من التعصب يمثل إلغاءً للعقل ومنطقه الذي يدعو للاعتدال وللتفاعل بين التجاريب ومنجزها الفكري الذي يقرّ بالتنوع والتعددية ولا يقبل بالاستعلاء والفوقية ومصادرة الآخر ومن الحركات السياسية التي تعبر عن هذا: الحركات الشوفينية، النازية الجديدة، بيغيدا التي ظهرت مؤخرا والكوكلوس كلان. وتجدر الإشارة إلى أن التعصب السياسي يدفع صاحبه للتمسك برأي حزبه من دون مراجعة وتدبر معتقداً بصواب رؤية حزبه على وجه المطلق فيما باقي الأطراف والقوى السياسية عملاء لصالح أعداء الوطن والشعب أو الطائفة ولعل هذا في الغالب يحصل في بلدان التخلف ضعيفة التطور والبعيدة عن المدنية وغالباً ما يترافق الأمر بتغليفه بالدين كما هو الحال مع أحزاب الطائفية السياسية...
 
4.  التعصب الاجتماعي: مثلما حال تعصب النساء للنساء، والرجال للرجال والتمترس على أساس التمييز الجنسي، وعلى وضع الجنسين في حال اقتتال بدل التكافل والتكافؤ والمساواة، ومثلما التمييز والعنصرية ضد المهاجرين والجاليات ووضعهم بموضع أدنى... ونلحظ في ذات الإطار حال التعصب الرياضي لفريق دون غيره الأمر الذي لا يملك إلا التأثيرات السلبية التي تقلب القيم السامية للرياضة ويحيلها غلى صراعات مرضية تستثمر في الصراعات التجارية والسياسية. وأقسى من ذلك حال التعصب الطبقي حيث طبقة شغيلة اليد في المعامل والمزارع يوضعون بمستويات دنيا يجري تهميشها وازدراء من ينتمي إليها...
 
من جهة أخرى وبغاية إنضاج المعالجة المقترحة هنا وتجنب ظاهرتي التعصب والكراهية فضلا عما مرّ ذكره منها ضمنا في إطار هذه القراءة، لابد من الإشارة إلى تجربة تثبيت بعض الأحكام في الإطار الدستوري الأمر الذي منع الدولة أو أي طرف فيها من ممارسة أعمال التعصب أو التفضيل القومي أو الديني داخل حدودها. على أن تلك المعالجة تطلبت دائما وعيا بأهمية أن يجري إدانة تلك الخطابات الإعلامية التي سوّقت وتسوّق للأفضلية الدينية الطائفية واختلاق فضاء التمييز وآلية الكراهية بكل ما استندت إليه من سجل التاريخ المزيف المصطنع ومن افتعال مفردات خطاب الانقسام والتمترس وإسقاط الصواب المطلق على ذاك التضليل بقدسية دينية في محاولة منها لمنع العقل من مناقشة ذاك الخطاب... ومن الطبيعي أن يكون محو الأمية ومعالجة أمراض الجهل والتخلف ومكافحة الروح الانتهازي وآليات الفساد أدوات أخرى تمنع قوى التعصب من إرغام الجموع المستهدفة على اتباع رؤاها وخطاب الكراهية الذي تحاول بثه. وسيكون لتفعيل دور النخبة الواعية أثره في تلك المهام النوعية لمكافحة التعصب والكراهية...
 
إذن، فأية معالجة جدية وجوهرية تتصدى للتعصب يلزمها أن تتصدى للعوامل التي تتسبب به سواء منها العوامل الذاتية أم الموضوعية. ومن أجل التحرر من التعصب لابد من تعزيز معاني الإنسانية وقيمها في التسامح والإخاء وفي إنصاف المظلوم والاستجابة للحاجات اللازمة للجميع وتعزيز قيم العدالة الاجتماعية وإنهاء ظواهر الفقر والبطالة وانعدام العدالة بتوزيع الثروة. وتمكين منطق التعايش السلمي وتقبل الحوار بين الرؤى والأفكار والجماعات وثقافاتها ومعتقداتها..
ويظل هذا المصطلح وإشاراته إلى مجريات واقعنا بحاجة لقراءات نظرية وتطبيقية أخرى اشمل وأوسع بغاية تفعيل فرص التفاهم وتصحيح العلاقات بين المكونات المجتمعية في كل بلد وبين الشعوب والأمم والجماعات بما يعزز روح التعايش السلمي بأوسع نطاق.


28
المنتدى العراقي لحركة حقوق الإنسان ينظم:
             ((ندوة مهمة في بغداد صباح الجمعة 6 شباط بشارع المتنبي))
}}حماية حرية الاعتقاد وإقرار التنوع والتعددية في المجتمع العراقي سبيلنا لوقف الانتهاكات والجرائم بحق أتباع الديانات والمذاهب وتحقيق السلم الأهلي {{


إلى كل المعنيين باستعادة قيم الوطنية العراقية وعمق الروح الإنساني وتحقيق الإخاء والمساواة على أساس المواطنة ومناهضة التمييز بين أتباع الديانات والمذاهب ومكافحة حالات التعصب والتشدد وإفرازاتها المرضية..
وإلى كل المعنيين بالدفاع عن حرية الاعتقاد والتعايش السلمي بين الأطياف والمكونات الدينية والمذهبية في العراق
إلى المدافعين عن الحقوق والحريات ومنظماتهم

هذا نداء للاحتشاد في ((قاعة دار السلام المركز الثقافي العراقي)) بـــ((شارع المتنبي)) يوم ((الجمعة المصادف السادس من شباط)) على تمام الساعة العاشرة صباحا .
حيث ستنعقد هناك ندوة بمناسبة ((الأسبوع العالمي لحرية الاعتقاد وحق ممارسة الطقوس لأتباع الديانات كافة))
إن ما يمر به العراق اليوم بخاصة من خطاب تضليلي لبعض الجهات المعادية لمصالح الشعب العراقي تتطلب استثمار مثل هذه المناسبات لتوكيد حرص العراقيين على مصائر أبناء البلاد ودفاعهم عن جميع الأطياف والمكونات وعن أتباع الديانات والمذاهب الذين يتعرضون لجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة تتطلب وقفة مسؤولة من كل عراقي غيور على التلاحم الوطني الإنساني وعلى حرية المعتقد وعلى توفير الأمن والأمان للجميع من دون تمييز أو تعرض لعنف وترهيب وقمع ومصادرة واستباحة، مثلما يجري اليوم.
إن استقرار البلاد وتحولها إلى مسيرة البناء والتقدم تمر عبر التمسك بنسيج التنوع واحترام التعددية وتقديس قيم العدل والمساواة..

فلنكن جميعا هناك في الموعد توكيدا لخطاب التنوير الثقافي ولدوره في إعلاء كلمة الحق ودفاعه عن الحريات ومبدأ المواطنة والروح الإنساني السامي النبيل
وإلى ملتقى في الموعد لنكون القدوة أمميا بدل الحال المزري الذي يحاول الأعداء وضعنا فيه...

المرصد السومري لحقوق الإنسان
عضو المنتدى العراقي لحركة حقوق الإنسان

المناسبة ((الأسبوع العالمي لحرية الاعتقاد وحق ممارسة الطقوس والتعايش السلمي بين أتباع الديانات كافة))
الموعد: يوم الجمعة المصادف 6/2/2015
التوقيت: الساعة العاشرة صباحاً
المكان: شارع المتنبي قاعة دار السلام المركز الثقافي العراقي


29
(( بيـــــــــــــان ))
صادر عن لجنة التنسيق لجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان في العراق والخارج
بمناسبة مرور 66 عام على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

     تمر علينا في العاشر من كانون الأول الذكرى 66 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة في 10 كانون أول 1948, إذ وُلدت أهم وثيقة عالمية تمت صياغتها بلغة مبسطة يفهمها عامة البشر على هذه الأرض.
    إن مؤسسي الأمم المتحدة لم يكتفوا بوضع الأهداف الرئيسية المتعلقة بالدفاع والحفاظ عن السلم والأمن الدوليين فحسب، بل عمدوا لوضع أسس وقيم جديدة تدافع وتصون حرية وحقوق وكرامة الإنسان حينما وُجد وبدون تمييز في اللون والجنس والعرق والانتماء الديني والفكري والاجتماعي منطلقين من الحقائق المأساوية الدامية التي تزامنت ورافقت النازية والفاشية ونتائج الحرب العالمية الثانية من قتل وتعذيب وإبادة جماعية واستعمال القنبلة الذرية سيئة الصيت في ناكازاكي وهيروشيما حيث كان ضحية تلك الحرب المدمرة أكثر من 50 مليون إنسان.
     كل هذه الحقائق غير الإنسانية المأساوية قادتهم إلى التفكير بوضع أسس إنسانية جديدة من شأنها وضع حدا لمآسي الإنسان وقمعه واضطهاده وانتهاك حقوقه، ومعايير تُجنب تكرار ما حصل للبشرية في المستقبل أيضاً.
    وهكذا كانت الدعوة الملحة والضرورية لوضع ميثاق عالمي لحقوق الإنسان يتم الالتزام به على النطاق الدولي ويحد بالخصوص من أي تعسف وعنف وانتهاك حقوق الإنسان من قبل الحكومات لمواطنيها من (المكونات) القومية والدينية والطائفية والتصدي لها وردعها.
     فقد وصفت الجمعية العامة للأمم المتحدة ذلك بأنه الهام تاريخي:-
      إنه انجاز موحد ومشترك لكافة الشعوب والأمم، ويتوجب على كل فرد وكل هيئة في المجتمع وضع هذا الإعلان عصب العين باستمرار، وبُذل الجهد الكافي من أجل توطيد واحترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والثقافة واتخاذ إجراءات مطردة وطنية وعالمية لضمان الاعتراف بها ومراعاتها دولياً وبصورة فعالة بين شعوب الدول الأعضاء ذاتها.
      هكذا استطاع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن يُثبت وينشر العديد من المثل والقيم الإنسانية الحضارية في العلاقات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، علاقات ذات نزعات إنسانية تنويرية جديدة تعتمد وتجسد أهم المبادئ الآتية:-
1-    إن حقوق الإنسان هي حقوق عالمية وجدت لكل إنسان وبمعزل عن المكان والزمان .
2-    تُعد الحقوق الطبيعية من أهم حقوق الإنسان والتي يجب أن لا تتجزأ ولا تُغتصب.
3-    إن من مقدمة هذه الحقوق هو الحق في الحياة الحرة الكريمة.
4-    كما أن إلحاق الفقر المُدقع بالإنسان أينما كان وإشاعة الأمراض الفتاكة يقع ضمن انتهاكات حقوق الإنسان.
5-    وإن الحق في التنمية المستديمة والحق في البيئة الصحية هي من الحقوق المهمة أيضاً.
      إن حركة حقوق الإنسان العراقية الصاعدة التي جسدها لقاء برلين لجمعيات ومنظمات والناشطين في حقوق الإنسان العراقيين في الداخل والخارج الذي عُقد قبل شهر تماماً استلهم بقراءاته وتوصياته ألـ 31 فقرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومن الشرعة الدولية والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان. ومن هذه المقررات التي توصل لها المؤتمر:-
1-    إدانة عمليات النزوح القسري (بأسبابه الدينية والمذهبية والعرقية والسياسية) الحاصل في العراق والعمل على إيقافهما وإعادة النازحين إلى مناطقهم وتعويض ما تم تدميره وتخريبه من ممتلكاتهم على امتداد تاريخ الدولة العراقية الحديثة.
2-    اعتبار ما حدث للايزيديين والمسيحيين والشبك والمندائيين والكاكائيين وبقية المكونات العراقية المتضررة من هذه الجرائم المتمثلة بالإبادة الجماعية (الجينوسايد) وجرائم ضد الإنسانية.   
3-    مكافحة ظاهرة الفساد المستفحلة عبر تفعيل القوانين والمؤسسات المعنية بهذه القضية بوصفه أحد اعنف أشكال الاضطهاد الاقتصادي والتردي الأخلاقي ويمثل بنية مشتركة مع الإرهاب.
4-    الدعوة إلى إجراء مصالحة وطنية شاملة وجذرية بين أطراف النزاع السياسي في العراق بما يعيد الاعتبار للهوية الوطنية العراقية ويرسخ مبدأ المواطنة وقيم الاعتراف المتبادل والإخاء والمساواة والتسامح.
5-    تأكيد ضمان الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور العراقي ضمن قوانين حرية التعبير والتجمع والتظاهر بما يكفل حرية الفرد في الفكر والعقيدة والرأي.
      إن لجنة التنسيق إذ تنتهز هذه المناسبة الطيبة كي تُعرب عن تضامنها غير المحدود مع نضال شعبنا العراقي بكل مكوناته الإثنية والدينية والمذهبية ضد مجرمي ما يسمى بداعش وحاضناتها ومن يدعمها في الداخل ومن دول الجوار، كما نود أن نسجل وقفتنا إلى جانب أهلنا في كل بقعة في عراقنا المنكوب المبتلى بمجرمي العصر داعش وأخواتها.
 
 
                                                                             اللجنة التنسيقية لمنظمات حقوق الإنسان
                                                                                        في العراق والخارج
                                                                                      10 / كانون / 2014


30
تهاني المسرة والمجد بعيد رأس السنة البابلية (أكيتو)

احتفى العراقيون الأوائل بأطياف شعوبهم التي شادت حضارة الإنسانية وتراثها المجيد بأعياد غنية الدلالات على مضامين منجزهم المدني وثمار منطقهم المعرفي المجتمعي. ولقد حفر هذا الاحتفال الإنساني  بصمته عميقاً في مسيرة البشرية تأريخاً مخصوص الهوية.. وللعراقيين الأوائل بين جموع الشعوب مجد ذياك التراث الإنساني المضيء وسجل الحرف الأول ودولة المدينة الأولى.. وبالتأكيد كانت احتفالياتهم العديدة زاهية بالولادات المثمرة؛ وكان الاحتفال بولادة سنة جديدة مجسِّداً لـ ولادة الربيع والحياة، مكتحلة الأعين بهيجة بعيد أكيتو الذي بدأ بمدن سومر وبابل وآشور وحضارتها العريقة. وهكذا كان لآلاف السنوات والأعوام الاحتفال المقدس في "بيت أكيتو" الذي علا وسما بالاحتفال المجيد في رأس السنة البابلية الآشورية..
 
إنّهُ ليسرّنا في البرلمان الثقافي العراقي في المهجر، أنْ نشارك أطياف شعبنا العراقي كافة بإعادة مجد احتفالات أكيتو. مهنئين أطياف شعبنا من الكلدان الآشوريين السريان الذين شادوا مراحل مشرقة في مسيرة بناء تراث العراقيين وها هي اليوم تعيد الاحتفاء الذهبي بعيد أصيل لمجموع سكان الرافدين وبناة تاريخه ومجده، ليكون عيدهم المشترك جميعاً..
إنَّنا إذ نحتفل مع أخوة الوطن والإنسانية من مسيحيي العراق بهذه المناسبة المقدسة، لنعقد العزم والجهود الحثيثة من أجل استعادة مكانة السنة البابلية (الكلدانية الآشورية) وإعلانها رسمياً في قائمة المناسبات الوطنية العراقية وتبيتها في التقويم العراقي الحديث  تعزيزا لوعي مؤمل بتاريخنا وإحياءً للسفر الحضاري وروحه التنويري ومنطقه العقلي التنويري المتفتح...
ونحن نعمل على إيجاد أسس مناسبة للدراسات العلمية الدقيقة لتجد فرصتها في تعميد هذا الاحتفال وما يتبعه مما هو أبعد من التهاني الموسمية، إذ ينتظرنا فضلا عن إعادة إحياء الأجندة التاريخية وطنياً عراقياً، ينتظرنا ترسيخ قيم احترام مبادئ التآخي والمساواة في الوطن بجوهر إنساني يساوي بين المواطنين جميعاً ولا يختلق التمييز بينهم ويحمي وجودهم جميعا فتسمو مبادئ العدل والإنصاف والإخاء والمساواة في وطن الجميع.
 
مباركة أعياد العراقيين برأس السنة البابلية، مباركة أعياد مسيحيي العراق في أكيتو المقدسة ولتعلو سنابل الأفراح والمسرات في تيجان رؤوس المحتفلين بتجدد الولادة وعودة الحيوية  وبزوغ أكاليل قداح الشجر في ربيع ولود بعراق جديد... ولنُنشد سوياً في عامنا هذا لعراق ديموقراطي تعددي فديرالي موحد. ويداً بيد وكتفاً لكتف سنمضي سويا معمَّدين بأمواه الفراتين ولتقرع أجراس أكيتو آلاف سنواتنا التي سرنا فيها معاً مذ بدأت احتفالات سومر وبابل وأكد وآشور وحتى احتفالاتنا اليوم في  بغداد ونينوى والبصرة وميسان والناصرية والأنبار..
كل عام وأنتم يا مسحيي العراق، يا بُناة حضارته ومجد تاريخه، يا عنوان خطاب التسامح والتعايش السلمي الأخوي في وطن المحبة، كل عام وأنتم أيها الكلدان الآشوريون السريان بسلام وخير وأمان... 
ولنحتفي اليوم سويا ومعا برأس السنة البابلية أكيتو المقدسة.. وسنضع سويا أكاليل من أغصان الزيتون وتيجان من السنابل الخضر وسعف نخيلنا الذهبي ينمو في مرابع الوطن وبرعاية منكم أحبتنا وأخوتنا  في وطن الرافدين؛ فالعراق بأكمله بيت أكيتو المقدس بيتنا المشترك أزلا وأبدا..
عشتم بالفرح والخير وكل عيد وولادة الربيع بشمسه الباسمة في عنان سمائه الصافية بهياً بوجودكم الشامخ كتخيلنا وجبالنا الشماء.
 
أ.د. تیسیر الآلوسي
رئیس البرلمان الثقافي العراقي في المھجر
رئیس لجنة الأكادیمیین العراقیین في المھجر
لاهاي هولندا الأول من نيسان أبريل  2014

31
الرسالة السنوية لمسرحيي العراق في اليوم العالمي للمسرح 2014
 
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي*

بيت أكيتو خشبة المسرح العراقي الأول الذي جسّد تقديس المجتمع السومري ومدنيته ومنح الإنسان فرص الإبداع بمضامين سامية نبيلة وقيم جمالية مشهودة يستغيث اليوم ويطلق صرخات بوجه القبح وبشاعاته.
 
 
ها أنا ذا اليوم، أجدِّدُ حُلمي بأنْ يتحولَ هذا التقليدُ، الاحتفاليُّ كما تلك القدسية التي أسقطَها أسلافُنا على بيت أكيتو السومري.. وهي القدسيةُ التي منحَها مجتمعُنا المدني لوريثِ أكيتو مجسَّداً بالمسرحِ العراقي المعاصر، ليصيرَ احتفاليةً سنويةَ شعبية. واسمحوا لي اليوم، أنْ أؤكِّدَ احتفالنا معا وسوياً بكلِّ معالمِ وجودِنا المسرحي في داخل الوطن وفي المهجر؛ لتصدحَ موسيقا التمدن وقيم التسامح والسلام بأنشطةِ الارتقاء بوجودنا وإضفاء جماليات الأنسنة عليه؛ ولننقلَ بهديرِ احتفالياتِنا بهيّ التهاني والأمنيات إلى مسرحيي العالم كافة.
وإذا ما كان من المؤكّد أنَّ أعداءَ المدنيةِ والسلم مازالوا يحاولون مصادرة حريةَ التعبير الجمالي بقيمه الغنية الثرية إنسانيا واستلابها و\أو محوها؛ فأنّهُ من المؤكَّدِ أيضاً أنّ مسرحَنا ومسرحيينا لازالوا يثابرون بثباتٍ على مواصلةِ مسيرة التجدد والعطاء إبداعاً وإثراءً لمنجزهم. صحيح أنَّ أعداء الثقافة والتنوير قد أشاعوا حلكة ظلمةٍ يعتقدون أنَّها غطّت وتغطي جرائمهم إلا أنّه من الصحيح أيضاً أنَّ بشائر سطوع أضواء مسارحِنا لن تكون بعيدة، وسيُزاح غبار الزمن وعتمة تسللت إليها في غفلة.
إنّ مايسترو فننا الجميل مازال يتمسك بعصاه قويةً، ليؤدي طرقات المسرح الثلاث، مُعلِناً عن ارتفاع الستار عن فصول ما يجري في مسرح الحياة، فتلتهب أكف جمهورنا متناغمة مع قلوب تعزف سمفونية الحب الخالدة، وتنثر أزاهير الرازقي، لينتشر أريجُها مزيحاً روائحَ البارودِ، علامةَ العنفِ؛ والعفن، علامةَ الفساد؛ فتستعيدُ بساتينُ نخيلِنا زهوَها، بهيةً بجمهورٍ يتمسكُ بمحبتِكم وبقدسيةِ منجزِكم فيحصِّن صالات مسرحنا العصية على الانهزام.
اسمحوا لي ثانية بتوجيه هذه الكلمةِ، أوجِزُ فيها عاماً جديداً من تحدياتنا ومن فرصِ عطائنا الإبداعي لمسرحنا؛ تزدهي بتحيةِ مسرةٍ وسلامٍ لمسرحيي العالم مُؤكِّدةً تمسكنا بالأمل وبما نتطلع إليه وإياهم...
 
لقد شهد مسرح الحياة في كل مدينة وقصبة وقرية عراقية، وفي الشوارع والميادين، جملةً من الشدائد والهزات الكارثية؛ وبقي عراقنا بركاناً يغلي بسبب من قوى الظلام والجهل والتخلف، أدوات قوى الجريمة من ثلاثي (الطائفية، الفساد، الإرهاب) التي تبتغي مآرب التحكم المطلق بوجودنا. فمرّت وتمرّ علينا، جرائم فجاجة الهمجية الطارئة، وأشكال محاولاتها في المحاصرة والتضييق والمصادرة والاستلاب، لكل منجزنا تاريخاُ وحاضراُ.
ولقد شهد العام المنصرم جرائم تصفية جسدية ورحيل بعض من فناني المسرح، ومن بقي في هذي العتمة، تجري محاولات إقصائه واستبعاده من الدوائر الرسمية ومنعه من إشهار منجزه وتقديم دوره في الحراك المسرحي، بمقابل سطوة عناصر طارئة أو سطحية لا علاقة لها بالمسرح على كثير من مؤسساته. ولعل قرارات إدارية بمنع  مبدعين مميزين وعلامات مهمة بمسرحنا من دخول مؤسسة المسرح ببغداد وقرارات أخرى بمنع بعض فنون مسرحنا كما بمنع الرقص والغناء بمسارح البصرة وغيرهما من قرارات قراقوشية مرضية هي بعض علامات الصراع من أجل مسرحنا الجديد.
إنّ آيات وجودِ مسرحِنا واحتفالياتِهِ وتبادل التهاني والأمنيات في إطاره، تمتاح قسماتها من وجود المسرح بسعة عالمنا وبامتداده وتفاعل مكوناته، وتنبعُ من المبدأ الجمالي ممثلاً بالوحدة في التنوع، ومن ثمَّ في كسر القيود والحدود المصطنعة المفتعلة اليوم بين الشعوب والقوميات والأمم؛ من هنا وفي ضوء كل هذه الأرضية الراسخة بعمقها الإنساني المتفتح الذي يمثله المسرح، مسرح الحياة، ومسرح التجسيد والتعبير تعلو مهام إشعال قناديل هادية للبشرية متجهة بها نحو عالم السلام والحرية، عالم حقوق الإنسان وقيمه السوية. وتلكم هي آيات تهاني مسرحيي العراق لمسرحيي العالم بعيدهم.
لقد تطلع مسرحيونا إلى فرصة إعمار ما خربته همجية الظلاميين يوم صارت بغداد عاصمة الثقافة العربية لكن ذلك مرّ في إطار بائس بل جرت تداعيات انحدار آخر من التخريب بكل مستوياته! ومن هنا فإنّ احتفالنا اليوم في وقت يقوم على الأمل وبصيص مشاعل التنوير المؤملة المنتظرة، فإنّهُ أيضا يجسد صرخة استغاثة لما حلَّ لا بالمباني وصالات العرض حسب بل بما حلّ بالمبدعات والمبدعين من جرائم تصفوية وحشية بلا وازع من ضمير.
لقد تخْفتُ الجريمة الدموية ومازالت تفلت من التشخيص والمحاسبة، بسبب من عدم وجود من ينهض بمهام الحماية وتوفير الأمن والأمان ومقاضاة المجرمين. ولهذا وجدناها تمظهرت أيضا، بأشكال من إهمال متعمد لدُور العرض ومحاصرة الفرق والمحاولات الشابة من تقديم منجزها بشتى الطرق مثلما بفتاوى التكفير والتحريم وحظر إقامة الاحتفالات في أيّ من الأماكن العامة، دع عنك أشكال التعكز على اختلاق التهم والعراقيل التي تمنع المسرحيين من تقديم إبداعاتهم، وقد وصل الأمر اليوم لخروق سوداوية في قمة الوجود العلمي المعرفي، بتعيين أساتذة من خارج التخصص لكليات الفنون وأقسام المسرح تحديدا مع استبعاد الناشطين الأكاديميين المتخصصين عن تلك المسؤوليات...

إنّنا اليوم في هذا العام، نبعث برسالتنا السنوية بوصفها نداءً مخصوصاً من مسرحيي العراق يستصرخون الضمير الجمعي تجاه طغيان الفساد من جهة وقرينه الإرهاب من جهة أخرى وهما [أي الفساد والإرهاب] يستظلان بخيمة فلسفة ظلامية همجية لقوى الجهل والماضوية المتخلفة تلك التي طالما ادعت زوراً وبهتاناً القدسية الدينية وشاهِدنا لم يعد من سجلنا البعيد في القرون الوسطى ومحارقها الكارثية المفضوحة، بل من يومنا حيث محارق تلك القوى في بلادنا من البصرة حتى بغداد.
إنّنا بهذه الاحتفالية الأممية وفي لقاء مسرحيي العالم وتبادلهم أسمى فعاليات التضامن وتطوير المنجز الجمالي المسرحي لعالم جديد سعيد، يخلو من كل تلك الآلام ومسبباتها لـَـنعيد وضع عدسة الكشف لواقعنا المؤلم  وما يحياه مسرحيو العراق وما يتشوفون إليه في مسيرتهم مجسَّداً بالآتي:
 
1.     لقد أكد المنجز المسرحي العراقي الحديث عمق صلاتهم الحية بالشعب بكل مكوناته القائمة على احترام هوية التعددية والتنوع وعلى وحدتها وتشابك جسور الصلات الراسخة بينها، فكانت نصوص مسرحنا وعروضه الأكثر تمسكا بمعالجة القضايا الأعمق والأشمل لكل الصراعات الدائرة بمستوياتها المخصوصة والعامة وبتلك التي تعنى بكينونة الفرد والأخرى التي تنشغل بالشخصية المعنوية التي تمثل الطبقات والفئات والمجموعات القومية والدينية المكوّنة للمجتمع العراقي المعاصر.. ولعل فهرس المسرحية العراقية يوثق سجلا حافلا بمئات الأعمال التي تناولت البطولات الوطنية والانتصارات التاريخية المجيدة. ومن هنا فإنّ مهمة شاقة تنتظرنا لتوثيق تلك النصوص والكشف عن المتبقي مما أفلت من محارق القوى الظلامية وأفرانها التي التهمت النصّ ومبدعه!!
2.     إنّ محاولات طمس كل ما ينتمي للتمدن وما يمتّ للتنوير في ظل شيوع سطوة ظلامية لقوى التخلف والجهل تدفع مسرحيي العراق إلى التمسك بالوفاء لعهد (بيت أكيتو) والعمل على استعادة حلم إعادة بناء هذا المبنى الذي يعدّ من بين المباني الأقدم في التاريخ المسرحي عالميا.. فضلا عن التخطيط من أجل تحقيق حلم أنْ يتمَّ الاحتفال الأممي لمسرحيي العالم بين جدران مسرح أكيتو السومري العريق، مشيرين إلى مخاطر إهمال المباني والآثار الشاخصة حتى يومنا وتركها لعوامل الخراب والتدمير.. كما نؤكد في ات الوقت سعينا على أن يكون لكل مدينة وقرية ومدرسة ومؤسسة مسرحها الخاص...
3.     وبالضد مما تنعق به غربان الجهل والتخلف من تشويهٍ، فإنَّ قيمنا المسرحية ليست جماليات فارغة أو لهواً وتزجية وقت بل هي مفردة بارزة ومهمة من قيمنا الروحية الثقافية المعاصرة التي يمكن بوساطتها إعادة إعمار الروح الوطني وتفعيل مبادئ الوطنية والمواطنة في إطار الدولة المدنية لا الدينية المنكوبة بخطاب التضليل والمزاعم الواهية الدعيّة... ومن أجل ذلكم يتعهد مسرحيونا بمواصلة رسالة مسرحنا العراقي، الثقافية الجمالية والأبستمولوجية البانية لقيم الروح الإنساني، القادر على إعادة اللحمة بين المكونات المجتمعية وتلبية سمات احترام تعدديته وتنوعه قوميا دينيا وسياسيا وبمستويات التركيبة الاجتماعية العميقة من طلبة وشبيبة ونساء وعمال وفلاحين ومثقفين وأكاديميين...
4.     ومثلما العالم الفسيح في دول الديموقراطية والتقدم ومجتمعات التمدن والحضارة الحديثة، سيواكب المسرحيون العراقيون الجهود بأشكالها من أجل تحقيق حرية الإبداع ووقف جرائم المصادرة والاستلاب والتصفيات الإجرامية الهمجية البشعة...
5.     وتعميقا لجهودهم وتوحيدها ودعما لصلاتهم الأممية بمسرحيي العالم فإن مسرحيي العراق، يعملون على مضاعفة الجهود من أجل استعادة المركز العراقي للمسرح فاعليته وطنيا وإقليميا ودوليا. وسيكون جهدهم المؤثر عبر ((اتحاد مسرحي فاعل وروابط تخصصية للممثل ولنقاد المسرح)) ولكل بُناة العملية المسرحية إبداعا جماليا حقيقيا...
6.     ومسرحيونا لن يبخلوا بجهد من أجل تعزيز المساعي لتحقيق إقامة الاحتفاليات ومهرجانات الإبداع ومناسباته، احتفاء وتكريما وعناية بروادنا ومجددينا.. مؤكدين هنا بأن أوسمة بأسماء مبدعات ومبدعي مسرحنا: زينب والرماح والشبلي وجلال والعبودي والعاني وعبدالحميد ستطوق رقاب مبدعي المسرح ليس بعيدا مع اكتمال الجهود لمرسوم تلك الأوسمة المهمة وطنيا وإقليميا وعالميا...
7.     ونحن بهذه المناسبة الأممية الغالية لمسرحيي العالم؛ نؤكد حرصنا بهذه الرسالة السنوية على تمسك مسرحيينا العراقيين بمساعيهم الثابتة لتحقيق مبادرة كتابة مشروعات قوانين تعالج أوضاع المسرحيين وعرضها بأقرب سقف زمني متاح وبشكل استثنائي على البرلمان لتشريعها واستصدارها وعلى الحكومة لتطبيقها بوجه عاجل..
8.     وإننا لنأمل في جميع الجهات الأكاديمية والمتخصصة إلى تأسيس صحافة ورقية وألكترونية مسرحية ودوريات بحثية علمية متخصصة في الجامعات والمعاهد العلمية مع تعزيز أعمال التوثيق والنشر بسلاسل لمسرحياتنا التراثية والحديثة والمنتخبة أو سلاسل بحسب تبويبات مناسبة معروفة..
9.     ولربما تأخرنا أو حتى فشلنا في تأسيس الهيآت الأكاديمية المتخصصة الوطنية والمحلية والإقليمية المتخصصة، حتى اليوم، إلا أنّنا نجدد التنادي (الأكاديمي) اليوم من أجل الإسراع بهذا التوجه الملزم بغاية تطوير الأداء والارتقاء به.
10.              ونحن نواصل المشوار للارتقاء بفرص العيش الكريم لمسرحيينا والعناية بأوضاعهم وتحسين ظروف تفاصيل يومهم العادي؛ ونثابر لإلغاء النظرة الدونية وإزالتها سواء من بعض ما يشاع مستغلاً مجتمع التخلف أو ما بقي من ممارسات على المستوى الرسمي كما بتلك المصطلحات ومعانيها في جوازات السفر الخاصة بالفنان..
11.              من جهة مهمة أخرى، يجب الاهتمام بمسرحيينا الذين مازالوا يعانون في غربة المهاجر والمنافي، ونحن نسعى من أجل لفت الانتباه وتعزيز تلك الحماية المؤملة لتخصيص يوم للمسرح العراقي المهجري نتطلع فيه لأنْ يدعى إليه مسرحيونا للاحتفال في أروقة مسارحنا في بغداد وأربيل والبصرة وبقية محافظات الوطن البهية، مثلما ندعو إلى دعم مسرحنا في بيئته المهجرية لمزيد من التفاعل وتبادل التأثير الإبداعي بهويته الإنسانية المتفتحة..
12.              كما نريد في رسالتنا المسرحية بعامنا هذا، توكيد أهمية العناية بمسرحنا بلغات الوطن ومكونات شعبه: العربية، الكوردية، السريانية، التركمانية، وغيرها وبخطاب مسرحي تنويري معرّف لدى جمهوره المتنوع.
 
إنّ رسالتنا المسرحية اليوم، تحمل آملا وتطلعات متجددة لمسرحيينا في ظروف معقدة تتحكم بالوطن وتتهدد شعبه؛ الأمر الذي دفع باتجاه نضالات عنيدة ضد التهميش والإقصاء واستمرار دوامة المصادرة والاستلاب وأعمال التصفية الدموية والوحشية الظلامية المستندة لسلطة الطائفية السياسية وقواها المريضة وبمواجهة الفساد والإرهاب. وبهذه المناسبة العزيزة، نخطّ رسالتنا، في ذات الوقت الذي يحدونا الأمل فيه وطيدا بإمكان التغيير وبمواسم منجز مسرحي بهي الجمال غني المضامين والمستهدفات الإنسانية..
إنّ مسرحيي العراق يستقون الدروس والعبر من واقع الإنسان في بلادنا والعالم، وهم يشاركون مسرحيي العالم تجاريبهم الإنسانية ومسيرتهم من أجل الانعتاق عبر العمل المشترك معا وسويا، لرفع مخلفات الظلاميين وإنهاء وحشية عنفهم الهمجي المفرط ومعالجة بؤس أمراض التخلف وتنحية من يقف وراءها من الضلاليين من مسعوري زمن الجريمة ومافياته، مانحين الثقة لكل صوت نبيل أينما كان وجوده..
ونتشارك مع جموع مسرحيينا في المهاجر والمنافي للتقدم بجهودهم الإبداعية عبر ملتقياتهم وروابطهم المكافحة من أجل إزالة كل عوامل الاحباط واليأس وتثبيط الهمم... ونحن في اليوم العالمي للمسرح، نقف إجلالا لشهداء مسيرة صنع الجمال المضحين من أجل إشاعة فلسفة التسامح وقيم السلام خيمة للإبداع والحوار على ركح الحياة بين مكونات وجودنا لتحقيق أفضل فضاءات العيش وسبل تلبية المطالب الإنسانية.
ونقف احتراما وإجلالا لجهود الرواد الذين مازالت أنظارهم التي عشقت المسرح تتطلع لعطاء الأجيال الجديدة ودروسها؛ كما ننظر بثقة إلى الجيل الجديد يسمو ويرتقي بالمنجز بهوية مضافة لسجل احتفل بهويات نوعية كبيرة لعمالقة مسرح الإنسانية الذين يحيون إيقونات تاريخية باقية في الضمائر الحية..
وهذي أسمى آيات التهاني والتبريكات لشعوب منطقتنا والعالم بمنجزهم الحضاري وبإبداعات مسيراتهم ونحن نشاطرهم الاحتفال جميعا بإضاءة الشموع في محاريب بيت أكيتو السومري العراقي توكيداً لقدسية حقة تفرضها تضحيات طرزتها أجيالنا الجديدة في انتصارها لقيم الجمال على القبح والحرية على العبودية...
دعونا ونحن نوقد شموع الاحتفال بين جنبات معابدنا المسرحية المقدسة، نضع رسالتنا هذه وثيقة رسمية معتمدة تثبت آمالنا ومشاركتنا مسرحيي العالم في أحلامهم ومطالبهم إلى جانب تقديمنا تحية محبة وإجلال للمسرحيين المشرقين أملا وجمالا في أرجاء المعمورة وهم يوقدون سنويا مشاعل السلام والحرية.. بورك في أجيال العطاء المسرحي.. ولتسلم إبداعاتهم شموسا مشرقة في دروب الحرية والحياة الكريمة في العراق والعالم، ولتتكاتف الجهود جميعا ومعا وسويا نمضي إلى عالمنا الجديد... وكل عام ومسرحيونا كافة بألف خير.

* الدكتورتيسيرعبدالجبارالآلوسي:  أستاذ الأدب المسرحي: رئيس جامعة ابن رشد في هولندا - رئيس الجمعية العربية لأساتذة الأدب المسرحي
 
 
 
نأمل توقيع الحملة وتوسيع رقعة الأداء التضامني

http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=213
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=139953
شكرا لتسجيلكم تحاياكم للمسرحيين واستذكاراتكم ورسائلكم




32
مكافحة الإرهاب بين مسؤولية الدولة ودورها في الحسم وبين الانشغال بتجييره لمآرب بعض المسؤولين
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com
 

بات الإرهابُ ظاهرةً عالميةً، بالاستنادِ إلى طابعِ علاقاتٍ يُشاعُ فيها أسباب التناقضِ بدل تبادل المصالحِ والتعايش السلميّ وجسور الترابطِ والتكامل الإنساني، هذا دولياً؛ ومحلياً يشكّلُ ضعفُ الدولةِ وهزال أو تخلخل بنيةِ مؤسساتِها وربما انفلات الأمورِ أرضيةً خطيرةً لاختراقاتِ عناصرِ الإرهابِ وقواه للوضع العام. ولربما دعمَ هذا حالاً من الانشطاراتِ والتشظياتِ المقصودة المتعمدة ومن اختلاق الاصطراعات التناحرية  بأشكالها وألوانها، كما الطائفية والقومية وغيرها. وإذا ما أرادَ المرءُ أنْ يدرسَ الظاهرةَ في بلدٍ كالعراقِ فإنَّهُ لا يمكنُهُ أنْ ينظرَ إليها من زاويةٍ محليةٍ بحتةٍ محدودةٍ؛ ولكنَّهُ ينبغي أنْ يدرسَها بالارتباطِ بمحيطيها الإقليمي والدولي. ولكن من باب فحص محور من هذه الظاهرة أو زاويةٍ بعينِها سيجري التركيز هنا على موضوعِ مكافحةِ الإرهابِ بين مسؤوليةِ الدولة من جهة ودورها الرئيس الحاسم في حمايةِ الأمن العام  ومعالجة أشكالِ العنفِ وإزالة آثارهِ وبين حال الانشغال بتجيير المعركة مع الإرهاب لمآرب دعائية تحاول تجيير الأمر لمصلحة بعض المسؤولين على سبيل المثال لقضيةٍ انتخابيةٍ أو بصيغةٍ أخرى لقضيةِ إدامة التمسك بكرسيّ السلطة! وطبعا سيكون مهماً الإشارة إلى نتائج مثل هذه السياسة في التعامل مع أداءِ السلطة وتوجهاتِها في مكافحةِ الإرهابِ ومن ثمَّ فسحها المجال واسعاً لاختراقاتٍ إرهابيةٍ خطيرة...

لقد عصف، عراقياً، الإرهابُ بالشّعبِ حتى راحَ ضحيتهُ عشرات آلاف الأبرياء.. وربما رقم أكثر هولا، فضلا عن جرائم وفظاعاتٍ شنيعة جرت وتجري في ظلاله! ولعل العامل الخارجي لا يُنفى هنا بل يؤكَّد وجودُه سبباً خطيراً، لكنَّنا هنا بصدد البحث في مسؤولية الدولة تجاه مكافحة الإرهاب. فالدولة حكومة ومؤسسات رسمية وأخرى مدنية لابد أنْ تكونَ هي المسؤولُ الأول عن إدارةِ الشأن العام وتوفير الأمن والأمان وضبط الأوضاع في إطار قانوني يحرص على تطبيق الدستورِ، عقدا اجتماعياً، يحمي حقوقَ الناسِ الذين أقروا هذا العقد ضابطاً مشتركاً لوجودِهم. من هنا يجري عادةً حصر السلاح بالحكومة ويجري منع استخدام العنف من أيةِ جهةٍ خارج المؤسسات الرسمية للدولة، منعاً لانفلات الأمور وخروجها عن السيطرة.
ومن أجل ذلك، تُعِدُّ الدولةُ قواتها من جيشٍ وشرطة وأجهزةٍ أمنية بما تستطيع عبره حماية سيادتها وأمنها  خارجيا و داخليا؛ بضمان أمن الحدود من الاختراق ومن العدوان وضمان الوضع الداخلي من الانفلات والجريمة ومن اتساعهما حدّ التحول إلى ظاهرة الإرهاب... وبالنظرة الأولى إلى حدود الدولة العراقية نرصد أنَّ السنوات العشر المنصرمة تعرضت فيها المدن الحدودية للتخريب والاجتياح مرات ومرات.. وذهب ضحية ذلك ضحايا وقرابين من مواطني تلك المناطق نتيجة القصف المتكرر بالطيران والمدفعية والاختراقات بالأسلحة والتشكيلات أو الأصناف العسكرية الأخرى.. ولم تنقذ قوات الحكومةالاتحادية ببغداد مواطنيها من آثار تلك الاعتداءات الخارجية؛ كما لم تستطع الحكومةُ من معالجة اعتداءاتٍ أخرى اقتطعت من الوطن أراض ومساحات من المسطحات المائية الإقليمية حتى باتت بعض الأراضي العراقية، بخاصة الغنية بالثروة النفطية نهبا لدول أخرى، وحتى وصل الأمر لمرحلة يكاد فيها العراق يفقدُ منفذَهُ المائيَّ البحري الوحيد. وتنبغي الإشارة هنا إلى ما يجري من قضم من شرق شط العرب ومن تهديدات خطيرة عبر قطع شرايين وروافد مائية بتغيير مجاري عشرات منها من دون تحريك ساكن! كل هذه الأمور وغيرها هي إشارات قليلة من كثير مما أهملته الحكومة أو انشغلت عنه أو أدارته بطريقة غير سليمة ولم تستطع معالجة تهديدات خارجية على تخوم الوطن، فباتت الحدودُ مفتوحةً لعبورِ عناصرِ الإرهاب وقواه بلا ضابطٍ ولا رابط!!
ومسؤولية الحكومة داخليا، تقتضي وجود شرطةٍ وأجهزةٍ أمنية واستخبارية يمكنُها بسط هيبة الدولة وتوفير الأمن والأمان، ولكننا أمام مشهد من تركيبة أو خلطة مرضية لتشكيلات تلك المؤسسة المهمة. فهي تتركب من ميليشيات أو عناصر ميليشيات و\أو من عناصر غير مدربة مهنياً.. وهي لا تمتلك ثقافة قانونية تحترم إنسانية المواطن وحرياته وحقوقه  بل تمارس مهامها بطريقة عنفية بلا خطط مدروسة وبطريقة أوقعت الضحايا حتى بين صفوف تلك الأجهزة عندما أقحمتها الحكومة بمعارك لم تتدرب ولم تستعد لها.. كما زجتها في صراعات بأسس طائفية وعمليات ثأرية انتقامية بدل أنْ تكونَ مهاماً وطنية لإشاعة الطمأنينة والاستقرار... نذكر هذا بالإشارة إلى المطبات الخطيرة التي مارستها تلك المؤسسة في أكثر من موقعة ومحافظة..
نحن ندرك واجب النظر إلى الأمور بشمولية وأن تأخذ المعالجات بنظر الاعتبار الأولويات كما على سبيل المثال توحيد الجهود في المعارك الوطنية الكبرى.. لكننا ندرك أيضا أن بعض تلك المعارك ليست سوى ممارسة تقع في خطايا نوعية خطيرة لا تقف عند حدود إيقاع خسائر بين المواطنين ولا حتى عند توريط القوات في معارك خاسرة تفقد فيها ضحايا وتقدم خسائر مجانية بل هي أبعد من ذلك تحاصَر بحدود مهام دعائية ضيقة يراد لها أن تكون معركة فوز لخطاب الطائفية بإعلاء صوت من أصواتها وتسقيط آخر. غير أن مثل هذا التوجيه للمعارك من جهة تُفلتُ فيه قوى الإرهاب من الهزيمة فتبقى تعشعش في مخابئها بانتظار فرص أخرى كما لا تنهزم أجنحة الصراع الطائفي وكل ما في الأمر تعود الكَرَّة ليطغى الطائفيون ويغرسوا رايات انتصارهم بصدور الضحايا الأبرياء ممن صاروا كُرْهاً وقوداً لتلك المعارك التي احرفت باتجاهها من حسم المعركة مع الإرهاب وتطهير الوطن منه إلى ممارسات استعراضية خاوية لا تنهي إرهابا ولا توفر استقرارا ولا أمنا بقدر ما تمارس البلطجة ونشر الرعب والهلع من بعبع يفرضون أتاوة الحماية الوهمية منه بخضوعٍ لهذا الطرف أو ذاك.   



تهديدات المشاغلة





الدولة وتعطيل المؤسسات  تعطيل كلي   تعطيل جزئي   تشويه مهام   تغيير خطوط الانتاج  التحضير للانهيار
الدولة العميقة والخروقات الجانبية بين التركيز المعطل والمعالجة المناسبة التي لا تلغي الاولويات
نقل الصراعات باتجاه تخوم كوردستان

الانهيار اما تقسيم الى دويلات او كانتونات او زوال حيث تكون حصصا بملكية دول اخرى

33
النزاهة وظاهرة اختفاء ملفات الفساد!؟

   أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي*
 
ما مِن شك في أنَّ ظاهرةَ الفسادِ، سواء عالمياً أم عراقياً محلياً، لم تعد محصورة بكونها قضيةَ آليةِ اشتغالِ أفرادٍ أو مؤسساتٍ بطريقةٍ سلبية بل هي أبعد من ذلك، بخاصة في بعض البلدان، ومنها بلادنا، تصبح قضية أسلوب حياة، وثقافة سائدة! بسبب الإرث الثقيل من جهة، وبسبب طابع النظام العام، بالتحديد ذاك النظام الفوقي الذي يصادر المواطن وإرادته ويجعله عرضة للاعتداء وسلب حقوقه وحرياته، أو ذاك النظام الذي يفرض طابعا ثيوقراطيا بطرياركيا؛ إذ بجميع تلك الأحوال تدفع الظروف السائدة المواطن إلى مشاعر الانفصال عن بيئته ومسؤوليته تجاهها، كما تدفعه لممارسات تبقى مبررة قيميا لا فردياً حسب بل جمعياً أيضا، في ظل ما يشيع ويتفشى مجتمعيا.
إنّ الأمور السائدة اليوم تثير عقباتها المتجذرة بالضد من محاولات المعالجة، حتى بات العراق من بين أبرز البلدان في ظاهرة الفساد وأعلاها في إصابته بهذا المرض.. لكننا هنا لسنا بصدد معالجة شاملة بهذا المقال؛ وإنَّما نريد التركيز على جانب من قضايا الفساد في العراق الاتحادي، تحديدا منها، ظاهرة الحماية السياسية؛ حيث تتحول المؤسسة الحكومية والحزب السياسي وما يناظرهما من بنى مؤسسية مجتمعية إلى سلطة حماية لوجود الفساد ظاهرة عميقة الغور.
وللمتابع المتمعن أنْ يكتشف للوهلة الأولى وسريعاً، أنّ الدستور العراقي وعدداً من القوانين قد قنَّنت معالجة الفساد عبر مفوضية النزاهة وعبر محددات آليات مكافحته، كما يكتشف المرءُ ويتأكد من وجود مسؤولي الرقابة وكثير من مصدات الفساد؛ لكنها جميعاً ستبقى (شكلية) الوجود أو نظرية وحبرا على ورق من دون جدوى أو فعل جديّ مسؤول لأسباب عديدة منها إشارتنا إلى الأجواء (المتفشية – المتجذرة) لظاهرة الفساد...
من هنا لن يكون مستغرباً، تكرار تصريحات بعض المسؤولين عن استمرار الظاهرة من دون معالجة أو عن استفحالها إلى الحد الذي يطفو على السطح، حال امتلاكها مافيا تصفوية، تتحكم بمسارات أنشطتها لتصل حدَّ ظاهرة الحماية لعناصرها وفعالياتها...
وإذا ما رصدنا على سبيل المثال نسبة القضايا التي تمَّ استكمال ملفاتِها وإحالتها قضائياً، فسنجدها أكداساً كبيرة؛ لكن نسبة ما تمّ الإنجاز منها واتخاذ القرار بشأنِها لا يتجاوز الـ15% وطبعاً، أغلب هذه النسبة تقع في سلمٍ متدنٍ من تلك القضايا؛ حيث القضايا الكبيرة لا تشكل بينها أية نسبة حقيقية تذكر...
إنّ أغلب القضايا التي لم يتمّ حسمها، تتعلق بشخصيات محمية سياسيا، والكارثة ليست في الحصانة الرسمية أو المجتمعية لتلك الشخصيات؛ ولكنها أبعد من ذلك في الحماية التي تخترق القانون أو التي تقع فوقه بممارستها. ولطالما أكدت مفوضية النزاهة ولجنة النزاهة البرلمانية هذه الحقيقة، واتهمت الحكومة بعدم التعاون..
فلقد كشف أحد أعضاء لجنة النزاهة النيابية مؤخراً أنَّ:»هناك كثير من الملفات التي لم تحسم لحد الآن وحتى التي حسمت لم ترق لمستوى عدد ملفات الفساد التي لم تحسم.. وهي عادة تتعلق بأشخاص محميين سياسيا أو لهم تاثير على مجريات التحقيق، بالاضافة إلى اختفاء بعض الملفات التي يؤكد أنْ لا أحد يعرف أين ذهبت». [وكالة أين يوم 21 شباط في لقاء مع أحد أعضاء البرلمان عن لجنة النزاهة هناك[.
ويعترف كثير من العاملين في مجال النزاهة سواء الهيأة أم اللجنة البرلمانية، أنّ الأداء يبقى دون المستوى المطلوب الذي يجب أن تكون فيه بمستوى الأحداث وفي متابعة الأجهزة المعنية التي ترتبط باللجنة البرلمانية على سبيل المثال: كهيأة النزاهة وديوان الرقابة ومكاتب المفتشين العموميين وجميع الأجهزة التي تعمل بالشأن الرقابي».
والمعادلة التقليدية التي يجابهونها تتمثل في أنّ: ((عدم حسم الملفات)) يتأتي من ((عدم تعاون كثير من الجهات الإدارية والتنفيذية)) في الحكومة الاتحادية ببغداد والحكومات المحلية بالمحافظات.
وهكذا فإنَّ تأخر حسم كثير من ملفات الفساد وعدم إنجازها من قبل هيأة النزاهة أو القضاء يعود أولا إلى الضغوط التي تعرض لها القضاء من طرف أحزاب الطائفية السياسية وأذرعها المتحكمة بالمناصب والمسؤوليات الحكومية بما تمتلكه من ميليشيات لها السطوة بجميع الميادين، الأمر الذي أدى إلى تعطيل فعلي خطير في إصدار الأحكام بحق المتورطين.
ومما يمكن رصده هنا وبات يشكل ظاهرةً بارزة هو حال (اختفاء الملفات) التي يتمّ جمعها في قضية أو أخرى. وأكثر من ذلك هو أن الاختفاء يبقى مجهول الفاعل!؟ فإلى أين تذهب تلك الملفات ومن يمكنه أن يقوم بهذا الفعل نؤكد هنا على أنه فعل الإخفاء المتعمد المتقصد؟
لنستذكر تلك الهجمات الإرهابية؟ التي جرت على مؤسسات كبرى ووطنية استراتيجية لا يمكن الوصول إليها أو المساس بها من دون وجود تواطؤ أو تحالفات حكومية - ميليشياوية بأعلى مستوياتها.. ونتذكر أن الهجوم على مؤسسة بمستوى البنك المركزي، قد أدى لإتلاف وثائق بعينها محاولا إخفاء معلومات استراتيجية كبيرة، وهكذا فإن عديدا من تلك الهجمات والحرائق والسرقات التي تعرضت لها مؤسسات حكومية، لا يمكننا أن نستبعد عنها مهمة محاولة إخفاء الحقائق بشكل رئيس، وليس أيّ قصد آخر كالوقوف عند مآرب النهب والسرقة مثلا!؟؟
إنّ إشارتنا تتركز على تلك الملفات التي تخص الجهات الرقابية وتلك التي تجمعت وتتجمع لدى هيأة النزاهة من جهة ولدى القضاء ولجنة النزاهة البرلمانية على وفق التصريحات والمعلومات المتداولة.
ولابد بهذا الخصوص من الرجوع إلى توكيد أنّ وصول أيادي الجريمة إلى مستوى إخفاء ملفات الفساد في أعلى المؤسسات القضائية والتشريعية، وتحديدا منها ملفات قضايا كبرى تلك التي تخص مسؤولين بمستويات حكومية رسمية عليا، لا يعني سوى استفحال خطورة الجريمة حيث  تؤشر مستويات الفساد وصوله إلى (رأس الهرم)!
إنّ تقنية حفظ الملفات ومواضع وجودها لا تسمح بتدخلات عابرة أو غير محترفة، وعليه فإننا بصدد رصد تحوّل الأمور إلى عصابات منظمة ومافيات وصلت بآلياتها إلى ضم أعضاء من عناصر حكومية مسؤولة أو تجيير كبار المسؤولين بعلم منهم أو بغير علم، بالوصول إلى مكاتبهم.
وطبعا يشكل اختراق هذه المستويات بنيةً مؤسسيةً وآلياتِ عملٍ، لكن خطورتها الأبعد لا تكمن في تحولها إلى العمل البنيوي المؤسسي حسب بل تكمن في تأقلم المؤسسة الحكومية وتحول فعاليات ذاك الاختراق إلى قيم سلوكية وثقافة شائعة...
إنّ كثرة جرائم الفساد واعتياد المجتمع على مجابهة هذا التكرار في وقائعه، ينتقل إلى تعايش وسلبية مواقف، مثلما يتحول إلى أداء آلي متقبَّل من أطراف مجتمعية، ما يتحول به إلى سلوك شبه يومي أو يومي.. ومن ثمّ وجود قيمي وعنصر أساس فيما يسود من ثقافة شعبوية، أقصد العنصر السلوكي لا المعرفي العقلي من الثقافة، حيث الاستسلام للسلبية والخضوع لآليات اشتغال الفساد وعناصره ومؤسساته...
إنّ اكتفاء المسؤول بتصريحات براءة الذمة وإراحة الضمير والتنفيس أو تفريغ احتدام التوتر أمر يساهم - وإنْ بصورة غير مباشرة - في تعزيز الفساد! وإلا فإنّ الصحيح ألا تمضي التصريحات من دون متابعة وتقصي ومن دون آلية محاسبة منتجة، وأن تكون عنصر فعل حقيقي لا عنصر تفريغ وتنفيس.
ولابد من خطط جدية مسؤولة، وبدائل موضوعية تكشف جريمة إخفاء الملفات ومن وقف خلف كل حالة ملموسة بعينها.. وألا يجري تضييع أو تمييع الأمور والتنقل من قضية إلى أخرى بلا إنجازية تحسم كل قضية بمفرداتها وعناصرها.
والسؤال الذي نريد له إن يحمل رسالة معالجتنا هذه نضعه بهذي الصياغة: كيف يمكن اختفاء ملف من بين أيدي جهات هي الأعلى في العمل المؤسسي؟ وكيف يمكن إخفاء ملف محمي تقنيا وبآليات مخصوصة معقدة؟
وحيث لا يمكن وصول المواطن العادي إلى تلك الأماكن، وحيث لا يصل إلى هناك سوى من يمثل القيادات المسؤولة، فإنه يحق السؤال عمَّن يصل إلى تلك الملفات ويمتلك صلاحية فتحها [أي الملفات] وتداولها ومن ثمّ إمكان إخفائها؟؟؟
والإجابة التقنية الملموسة عن هذا السؤال هي ما ستمكننا من وضع المعالجة بعد أن نجد (رأس الشليلة) كما يقول العراقيون. وعندها ستكشف لنا توصلاتنا لا الفضائح المنفردة بل جملة عناصر شبكة الفساد التي عشعشت طويلا وصارت وجودا مؤسسيا لا يقف عند حدود الوطن بل يمتلك جسور ارتباطاته المافيوية خارج الحدود.. الأمر الذي يستدعي اللجوء إلى تبادل الخبرات والاستفادة من المؤسسات الدولية المعنية.
وعراقياً لا نقول الآن سوى: إنّ استشراء المرض وانتشاره يتطلب موقفا شعبيا وطنيا واعيا ومتابعة جدية وحربا عميقة في المستويات القيمية وفي نظم العمل وضوابطه وفي فرض سلطة القانون وسيادة الحقوق والواجبات بطريقة صحية صحيحة.
ولأن الأمر وصل مستويات متقدمة في هرم المسؤولية فإنه ينتظر فعلا نوعيا شاملا وواسعا لا يكتمل ولا ينجز من دون مواجهة سياسة حماية الفساد والفاسدين استراتيجيا، سواء منها تلك الحماية التي تأتي بالحصانة أم تلك التي تأتي بالبلطجة وإرعاب الآخر وابتزازه  بمختلف أشكال الضغوط وتنوعاتها...
وهنا أدعو لـ (حملة وطنية شاملة لمكافحة الفساد والمفسدين) ولاستعادة قيم ثقافية سامية أصيلة بالضد من ظواهر الفساد وعناصره ومنها ما مر بنا هنا، على أن تنهض بالمهمة أجهزة التعليم والثقافة ومنظمات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام والصحافة فضلا عن شمول قطاعات المجتمع  بتنوعاتها في المهمة والاستعانة التي أشرنا إليها بالخبرة الدولية.
 
 
* رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
tayseer54@hotmail.com

34
أجواء المنطقة واستراتيجيات العمل الكوردستاني
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
tayseer54@hotmail.com

انقضت سنة 2013 بكل ما حملته من شدائد وأوجاع ومشكلات تاركة لعام وليد كثيرا من العقد الكأداء. ولعل أبرز ما انتهت إليه سنة 13، هي حال التشرذم والانشطارات القائمة على تفعيل التناقضات بخلفيتها الطائفية وبفروضها العنفية القسرية المبنية على أنشطة ميليشياوية مدفوعة الأجر بسلوكيات البلطجة.
لقد ارتفعت أسهم سياسة المفخخات والعجلات المتفجرة عن بُعد أو بوساطة انتحاريين، كما تضخمت جرائم القتل العشوائي فتوجهت قوى الإرهاب في الدول المغاربية إلى تونس لتضمها إلى دائرة استهدافها بعنفها الدموي.. فيما واصلت ميليشيات الإرهاب بليبيا اقتناص الفرص وانتهازها لارتكاب مختلف الجرائم المثيرة للقلاقل بما يمكّنها من السطو على ما تريده من الثروة النفطية ومن كراسي السلطتين المحلية والوطنية.
ولم تبتعد مصر عن الصورة بل كانت مع نهاية السنة الفارطة في قلب الحدث عندما عادت قوى الأخوان المسلمين وعناصر التطرف الإرهابية للعبة العنف بعد أن كشفها الشعب وطردتها الجماهير بمظاهرات من عشرات ملايين المشاركين في ثورة 30 يونيو حزيران. ومازال الخليج العربي تحت تهديد من أطراف إقليمية ومحلية مفضوحة المآرب. بينما اتسعت الجريمة في منطقة الشام لتحاول الإجهاز على ما تبقى من بنية سوريا مع ولوج الميدان اللبناني؛ وعلى ذات الخط أسفرت داعش وأجنحة القاعدة الإرهابية الدولية عن وجهها في تظاهرة للقوة بدخولها الأنبار والفلوجة وتهديدها الذي وصل إلى تخوم العاصمة بغداد.
هذه الصورة لا يمكنها أن تُفسَّر بأعمال عناصر طائشة أو فردية مرضية. كما لا يمكن لأنشطتها الكبيرة والتحولات النوعية الأخيرة أن تسجل طابعا محليا محدودا. ولابد لنا من الاعتراف بأن جرائم قوى الإرهاب باتت تجري بوجود دعم لوجيستي إقليمي وباختراقات دولية واضحة العلامات..
وإذا كنا سنغض الطرف عن تطوع مئات وربما آلاف العناصر المتطرفة من بلدان أوروبا الغربية وأمريكا كون الأمر يجري بوقائع منفردة ولا تمثل سياسة فعلية لتلك الدول وشعوبها بأي حال من الأحوال؛ فإننا لا يمكن أن نتغافل عن فلسفة تحاول إثارة ما تمت تسميته الفوضى الخلاقة وسياسة غض الطرف التي تتبادل ميدانيا بعض مصالح مع دول إقليمية بمقابل تعتقده بعض قيادات دول غربية يقع في مصالحها الحيوية الاستراتيجية..
وقبل أن نوجه أصابع الاتهام إلى أيّ طرف نود توكيد الصورة الجارية والمحتملة في المنطقة. فاستمرار جرائم قوى الإرهاب يعني أن المنطقة دولا وشعوبا ستتعرض لمسلسل آخر من الاختراقات التي تسلك إثارة الفتن الطائفية وإيقاع الخسائر المادية والبشرية بما يحقق أسر المجتمعات المحلية وجعلها طوع تلك القوى المتشددة..
إن ما يجري يشكل استراتيجية تستهدف المنطقة ودولها وإلا فإن الصراعات المحلية والإقليمية برهنت على أن المجتمع الدولي قد أحكم قبضته في رفض أية حروب نظامية سواء بالأسلحة التقليدية أم الكتلوية الشاملة، الأمر الذي دفع بعدد من الدول ذات السطوة والتأثير على أن تخوض معاركها في ميادين بعيدة عنها.
فإيران والسعودية وتركيا وإسرائيل ودول أخرى، لا تريد بعد ما نجحت في تحقيقه لسلطة التشدد (الطائفي السياسي) أن تفقد تلك السلطة التي تدعي ممارستها الحياة المدنية، لكنها في واقع الحال لا يمكنها البقاء من دون إيجاد أرضية قلقة واصطناع البعبع بعد تشطير المجتمعات بين طرفين يتم افتعال الأزمات والاحترابات بينهما! ومن الأمور التي باتت تمارس بوضوح هو دفع الصراعات إلى ميادين هشة ولكنها بالتأكيد خارج البلد المعني.
ومن هنا فإنّ التهاب الأوضاع في العراق، سوريا، لبنان، وغيرها يجري في واقع الأمر بتغذية ودعم لوجيستي من تلك الأطراف وإن لم يكن يجري نيابة عنهما في جسمه الرئيس وفي أدائه ومستهدفاته المحلية المخصوصة. بمعنى كون ما يجري، يتمّ استغلاله وترحيل مفردات صراع إقليمي لتصب الزيت المضاف في نيران مشتعلة اصلا بقوى وعناصر الإرهاب...
إن الفكرة الجوهرية من هذه الإشارات تتجسد في أن استمرار التشظي والدع باتجاه الاحتقانات والتهاب الأوضاع واشتعالها لا يكمن في الصراعات الداخلية الجارية لوحدها بل كذلك في التدخلات وفي أشكال التمدد التي تنهض بها قوى إقليمية واخرى دولية.
فأما إقليميا فهي محاولة تنفيس وإبعاد المعركة الرئيسة عن المواجهة المباشرة سواء بين القوى الإقليمية أم بين كل طرف فيها والمجتمع الدولي والقوى الكبرى. وعلى سبيل المثال فإن إيران استطاعت طوال العقدين الأخيرين أن تدفع عنها الضغوط الإقليمية والدولية وتُحدِث تنفيسا يناسب نظامها ومحاولاته الإفلات من العقوبات أو التفاعلات الأممية؛ وقد فعلت إيران ذلك بوساطة أذرعها المباشرة والأخرى غير المباشرة التي أقام بعضها علاقات تبادل مصالح وتحالفات تكتيكية. وتلك الأمثلة التي نشير إليها تتضح بقراءة بعض العلاقات والتحالفات من قبيل الجسور مع حزب الله والميليشيات العاملة بالعراق بعد العام 2003 وحماس وغيرها...
إنّ الوضع العام السائد يشير إلى ضعف الدول وشيوع حالات عدم الاستقرار وهزال الأداء الحكومي مقابل انفلات الشارع ووقوعه أسيرا للقوى المتشددة من جهة ولخطاب طائفي [سياسي] تضليلي مع انكسار نسبي للقوى الوطنية الديموقراطية. ويمكننا الاطمئنان إلى الاستنتاج القائل: إنَّ لعبة الاختراقات المتبادلة وانتشار الجريمة باشكالها بخاصة منها تلك التي توقع ضحاياها من المواطنين المدنيين هي التي ستستمر لمدى ما كاستراتيجية لبعض القوى النافذة...
وللرد على هذه المجريات والوقائع المشحونة بالعنف والاصطراعات، سيكون على اي بلد أن يتخذ وسائل تحصين وجوده من جهة وأن يدخل في حال من التحالف أو من الاستثمار لأفضل العلاقات التي تتصدى للجريمة ولما تثيره من قلاقل واضطرابات.
ولقد نجحت كوردستان تحديدا في الخروج من المآزق الموضوعة في طريقها ونجت من الطائفية والإرهاب فتخلصت من الطائفية باعتمادها الاستراتيجي على نهج توكيد بناء الدولة المدنية ومؤسساتها الدستورية السليمة. والنهج المدني في كوردستان يتعمد وسط اتجاهات ثيوقراطية لحكومات بعض بلدان المنطقة منها جانب كبير من سياسات قيادة الحكومة الاتحادية ببغداد. ومع كل الضغوط الجارية فإن القضية أبعد تفصيلا وتعقيدا عند تعلق الأمر بالضخ الإعلامي والشحن الجاري الأمر الذي جوبه باهتمام استثنائي بثقافة المجتمع وتنويره إعلاميا سياسيا وبخطاب ثقافي تنويري واضح لا لبس فيه.
وتخلصت من الإرهاب بتعزيز جاهزية المؤسسات الحكومية ومنها الأمنية لكنها لم تعمد لنهج العسكرة والتجييش ولا إلى حصر الحلول بالمعالجة الأمنية منفردة بل استثمرت الخطاب الثقافي من جهة والتعبئة الشعبية بإطلاق الحريات ومنح الجماهير ثقة باعتماد التداول الديموقراطي مع معالجة أبرز خلفيات الإرهاب ممثلة بالجهل والتخلف والأمية من جهة وبالبطالة والفقر من جهة أخرى. فكانت نسب الأمية والبطالة والفقر هي الأدنى بفضل كثير من المشروعات والخطط البنيوية.
إذن الحل في مجابهة الاضطراب وانعدام الاستقرار يكمن في مواصلة استراتيجيات إيجابية تم تبنيها منها:
1. تعزيز المسيرة الاقتصادية بخطط الإصلاح وإطلاق المشروعات الاستثمارية في الميادين المنتجة من قبيل الزراعة والصناعة التي يتطلبها الوضع بكوردستان.
2. الارتقاء بالتعليم الأساس والجامعي والاتساع به بالترادف مع اهتمام مميز بالثقافة وخطابها ومؤسساتها. وطبعا تخصيص ميزانيات استثنائية بهذا المجال.
3. توظيف أفضل أشكال التطوير للأجهزة الحكومية المعنية منها الأمنية والعسكرية بما يجعلها بجاهزية متنامية من جهة وبما يدخلها في إطار مد الجسور للاستفادة من القوى الكبرى بهذه الميادين.
4. اعتماد نظم متطورة للحكم الرشيد واعتماد التكنوقراط في العمل والإنجاز مع اهتمام مخصوص بالتنمية البشرية بتفاصيلها كافة.
5. إدارة ملفات الأزمات على وفق استراتيجيات مدروسة مع تكتيكات تتناسب والحالات الجارية آنيا. الأمر الذي يتطلب مراكز بحوث وعلاقات مفتوحة على القوى والمكونات الشعبية المتنوعة.
6. عدم السماح لعناصر الخبث المرضي من التسلل إلى المجتمع الكوردستاني بخاصة تلك المغلفة زورا وبهتانا بالدين أو تلك التي تضمر أمرا وتظهر آخر ولكنها في النهاية تعادي مصالح شعب كوردستان.
7. اهتمام باستقطاب علاقات دولية واسعة وفتح جسور اتصال وتبادل مصالح بأسس ثابتة استراتيجيا.

إنّ جملة هذه الخيارات الثابتة أو الاستراتيجية ستعني تحقيق منجزات نوعية مستقرة وبعيدة المدى وأن اية خروقات لن يمكنها أن يتسع او يثير قلقا في ظرف عام ثابت الاستقرار.
وأول تباشير إدارة تلك الاستراتيجيات التوجه لتشكيل حكومة تعتمد التكنوراط وتتجنب فلسفة المحاصصة الضيقة وتضع في الاعتبار المهام والبرامج باولوية على التفاصيل الأخرى فضلا عن تجنبها أي احتمال للإقصاء أو الاستبعاد وطنيا. ومن التباشير الأخرى التي تؤشر سلامة الاتجاه اعتماد العقل العلمي ومراكز البحوث والدراسات مع تغييرات نوعية في مجال التعليمين الأساس والعالي مع فتح المجال للاستثمار غير المحصور بالشان العقاري بل الذي يلج مختلف فنون الصناعة الخفيفة والثقيلة وشؤون الزراعة سواء ما يخص المحاصيل الاستراتيجية أم المحاور الأخرى كما قضية تنمية الغابات والاهتمام بالبيئة وطبعا الاهتمام بمطالب الإنسان الكوردستاني بوصفها أولوية عليا في الشؤون الخدمية، الصحية وغيرها....
وإنه لمما يثير الغبطة والمسرة أن نجد كوردستان كما رمزها تاريخيا شمسا مشرقة بالخير والنجاحات المميزة الكبيرة. وتلكم صورة جديدة لكوردستان 2014 وما سيليها.


35
مكافحة الإرهاب بين مسؤولية الدولة ودورها في الحسم وبين الانشغال بتجييره لمآرب أخرى
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com
 

بات الإرهابُ ظاهرةً عالميةً، بالاستنادِ إلى طابعِ علاقاتٍ يُشاعُ فيها أسباب التناقضِ بدل تبادل المصالحِ والتعايش السلميّ وجسور الترابطِ والتكامل الإنساني، هذا دولياً؛ ومحلياً يشكّلُ ضعفُ الدولةِ وهزال أو تخلخل بنيةِ مؤسساتِها وربما انفلات الأمورِ أرضيةً خطيرةً لاختراقاتِ عناصرِ الإرهابِ وقواه للوضع العام. ولربما دعمَ هذا حالاً من الانشطاراتِ والتشظياتِ المقصودة المتعمدة ومن اختلاق الاصطراعات التناحرية  بأشكالها وألوانها، كما الطائفية والقومية وغيرها. وإذا ما أرادَ المرءُ أنْ يدرسَ الظاهرةَ في بلدٍ كالعراقِ فإنَّهُ لا يمكنُهُ أنْ ينظرَ إليها من زاويةٍ محليةٍ بحتةٍ محدودةٍ؛ ولكنَّهُ ينبغي أنْ يدرسَها بالارتباطِ بمحيطيها الإقليمي والدولي. ولكن من باب فحص محور من هذه الظاهرة أو زاويةٍ بعينِها سيجري التركيز هنا على موضوعِ مكافحةِ الإرهابِ بين مسؤوليةِ الدولة من جهة ودورها الرئيس الحاسم في حمايةِ الأمن العام  ومعالجة أشكالِ العنفِ وإزالة آثارهِ وبين حال الانشغال بتجيير المعركة مع الإرهاب لمآرب دعائية تحاول تجيير الأمر لمصلحة بعض المسؤولين على سبيل المثال لقضيةٍ انتخابيةٍ أو بصيغةٍ أخرى لقضيةِ إدامة التمسك بكرسيّ السلطة! وطبعا سيكون مهماً الإشارة إلى نتائج مثل هذه السياسة في التعامل مع أداءِ السلطة وتوجهاتِها في مكافحةِ الإرهابِ ومن ثمَّ فسحها المجال واسعاً لاختراقاتٍ إرهابيةٍ خطيرة...
 
لقد عصف، عراقياً، الإرهابُ بالشّعبِ حتى راحَ ضحيتهُ عشرات آلاف الأبرياء.. وربما رقم أكثر هولا، فضلا عن جرائم وفظاعاتٍ شنيعة جرت وتجري في ظلاله! ولعل العامل الخارجي لا يُنفى هنا بل يؤكَّد وجودُه سبباً خطيراً، لكنَّنا هنا بصدد البحث في مسؤولية الدولة تجاه مكافحة الإرهاب. فالدولة حكومة ومؤسسات رسمية وأخرى مدنية لابد أنْ تكونَ هي المسؤولُ الأول عن إدارةِ الشأن العام وتوفير الأمن والأمان وضبط الأوضاع في إطار قانوني يحرص على تطبيق الدستورِ، عقدا اجتماعياً، يحمي حقوقَ الناسِ الذين أقروا هذا العقد ضابطاً مشتركاً لوجودِهم. من هنا يجري عادةً حصر السلاح بالحكومة ويجري منع استخدام العنف من أيةِ جهةٍ خارج المؤسسات الرسمية للدولة، منعاً لانفلات الأمور وخروجها عن السيطرة.
ومن أجل ذلك، تُعِدُّ الدولةُ قواتها من جيشٍ وشرطة وأجهزةٍ أمنية بما تستطيع عبره حماية سيادتها وأمنها  خارجيا و داخليا؛ بضمان أمن الحدود من الاختراق ومن العدوان وضمان الوضع الداخلي من الانفلات والجريمة ومن اتساعهما حدّ التحول إلى ظاهرة الإرهاب... وبالنظرة الأولى إلى حدود الدولة العراقية نرصد أنَّ السنوات العشر المنصرمة تعرضت فيها المدن الحدودية للتخريب والاجتياح مرات ومرات.. وذهب ضحية ذلك ضحايا وقرابين من مواطني تلك المناطق نتيجة القصف المتكرر بالطيران والمدفعية والاختراقات بالأسلحة والتشكيلات أو الأصناف العسكرية الأخرى.. ولم تنقذ قوات الحكومةالاتحادية ببغداد مواطنيها من آثار تلك الاعتداءات الخارجية؛ كما لم تستطع الحكومةُ معالجة اعتداءاتٍ أخرى اقتطعت من الوطن أراض ومساحات من المسطحات المائية الإقليمية حتى باتت بعض الأراضي العراقية، بخاصة الغنية بالثروة النفطية جنوبا نهبا لدول أخرى، وحتى وصل الأمر لمرحلة يكاد فيها العراق يفقدُ منفذَهُ المائيَّ البحري الوحيد. وتنبغي الإشارة هنا إلى ما يجري من قضم من شرق شط العرب ومن تهديدات خطيرة عبر قطع شرايين وروافد مائية بتغيير مجاري عشرات منها من دون تحريك ساكن! كل هذه الأمور وغيرها هي إشارات قليلة من كثير مما أهملته الحكومة أو انشغلت عنه أو أدارته بطريقة غير سليمة ولم تستطع معالجة تهديدات خارجية على تخوم الوطن، فباتت الحدودُ مفتوحةً لعبورِ عناصرِ الإرهاب وقواه بلا ضابطٍ ولا رابط!!
ومسؤولية الحكومة داخليا، تقتضي وجود شرطةٍ وأجهزةٍ أمنية واستخبارية يمكنُها بسط هيبة الدولة وتوفير الأمن والأمان، ولكننا أمام مشهد من تركيبة أو خلطة مرضية لتشكيلات تلك المؤسسة المهمة. فهي تتركب من ميليشيات أو عناصر ميليشيات و\أو من عناصر غير مدربة مهنياً.. وهي لا تمتلك ثقافة قانونية تحترم إنسانية المواطن وحرياته وحقوقه  بل تمارس مهامها بطريقة عنفية بلا خطط مدروسة وبطريقة أوقعت الضحايا حتى بين صفوف تلك الأجهزة عندما أقحمتها الحكومة بمعارك لم تتدرب ولم تستعد لها.. كما زجتها في صراعات بأسس طائفية وعمليات ثأرية انتقامية بدل أنْ تكونَ مهاماً وطنية لإشاعة الطمأنينة والاستقرار... نذكر هذا بالإشارة إلى المطبات الخطيرة التي مارستها تلك المؤسسة في أكثر من موقعة ومحافظة..
نحن ندرك واجب النظر إلى الأمور بشمولية وأن تأخذ المعالجات بنظر الاعتبار الأولويات كما على سبيل المثال توحيد الجهود في المعارك الوطنية الكبرى.. لكننا ندرك أيضاً أنَّ بعضَ تلك المعارك ليست سوى ممارسة تقع في خطايا نوعية خطيرة، لا تقف عند حدود إيقاع خسائر بين المواطنين ولا حتى عند توريط القوات في معارك خاسرة تفقد فيها ضحايا وتقدم خسائر مجانية أمام قوى الإرهاب بل هي أبعد من ذلك تحاصَر بحدود مهام دعائية ضيقة يراد لها أن تكون معركة فوز لخطاب الطائفية بإعلاء صوتٍ من أصواتها وتسقيط آخر. غير أن مثل هذا التوجيه للمعارك سيؤدي فعلياً إلى افلات قوى الإرهاب من الهزيمة فتبقى تعشعش في مخابئها بانتظار فرص أخرى كما لا يُبقي على أجنحة الصراع الطائفي وهكذا فكل ما في الأمر سيبقى يتمثل في تجيير المعارك وتوجيهها بما يؤدي إلى طغيان الطائفيين، ليغرسوا مجددا رايات انتصارهم بصدور الضحايا الأبرياء ممن صاروا كُرْهاً وقوداً لمعاركهم التي انحرفت بالاتجاه من حسم المعركة مع الإرهاب وتطهير الوطن منه إلى ممارسات استعراضية خاوية لا تنهي إرهابا ولا توفر استقرارا ولا أمنا بقدر ما تمارس نشر الهلع من بعبع يمنحهم فرصة فرض أتاوة الحماية الوهمية من ذاك البعبع بصيغة تديم خضوع الجمهور المستهدف لهذا الطرف أو ذاك.
إنّ الانشغال والمشاغلة بتجيير المعركة، إذ ينحرف بالمعركة باتجاه مختلف نوعياً، يعطل مؤسسات الدولة المعنية بالأمن والاستقرار عن مهامها، ويتخلى عن مسؤولية مكافحة الإرهاب وتوفير الأمان ليركز على مهمة التمسك بالكرسي والانفراد بالسلطة وإن جاء على حساب حيوات الناس وحقوقهم وأولها الأمن، الاستقرار، الطمأنينة. فيما هذا الأداء السلبي أيا كانت أسبابه ودوافعه سيمارس أفعالا أخرى أو ردود فعل من قبيل شمول رقعة معاركه جنبات الوطن وجغرافيا أقاليمه ومحافظاته. ونحن نرصد فعلياً أنه بدل محاصرة قوى الإرهاب وعناصره المحدودة في مخابئه وزواياه المظلمة الضيقة يسمح له بالحراك والتنقل وتنجرّ قوات الحكومة في مطاردة يختار فيها أعداء الناس من الإرهابيين ميدان كل معركة، وفي الغالب يأتي هذا بسبب طبيعة تعامل القوات الحكومية وفتحها الفرص والثغرات كبيرة لصالح تلك العناصر الدموية البشعة!
ولقد شهدنا على سبيل المثال لا الحصر حالتين من هذا القبيل؛ عندما انسحبت القوات الرسمية من معارك دارت في الصحارى الغربية للبلاد لتترك الأبواب مشرعة على كل مصاريعها للإرهاب ليدخل مدن كالرمادي والفلوجة وهي المدن الآهلة الكثيفة بتعداد سكانها!! واليوم نلاحظ نقلة جغرافية أخرى غير محسوبة العواقب، فتنقل الميدان باتجاه مناطق حمرين وبعض مدنه بخاصة منها تلك التي تقع بميدان مناطق المادة 140 و\أو بتسمية أخرى على تخوم كوردستان. والقوات الاتحادية ترفض حتى في هذه المناطق أن تسمح للبيشمركة بالمشاركة في العمليات!؟
إنَّ الإبقاء على حال إدارة المعارك بطريقة أحادية بخططها السياسية وعشوائية التفاعل بخططها ميدانياً عسكرياً، إن لم نتهمها بتعمد توجيه الأمور توجيها يتقاطع ومصالح الشعب والوطن وسلامتهما، فهي تقع بحالات تقصير وبثغرات يلزم وقفها لإنهاء تداعياتها الخطيرة على الوطن والمواطنين.. وإلا فإن تراكم الأمور ليس له سوى نتيجة خطيرة واحدة تقع  في نطاق التوصيفات الآتية:
 فأما تعميق حال إضعاف الدولة بخواء مؤسساتها وأدوات ضبط الأوضاع فيها حداً يؤدي لانهيارها وزوالها لتصير ملكية تابعة لدول أخرى وأما وصولها حد التقسيم بين دويلات هزيلة ربما محتربة أو أنها تضمحل بطريقة التفكك بحدود كانتونات تدار مافيويا لمآرب ليس من بينها مصلحة مواطن.. ومثل هذا يذكرنا بالبديل أو الحل الفوقي القائم على الطغيان وتفريغ مؤسسات الدولة من محتواها لتكون مؤسسات تخدم الدكتاتورية وهو الأمر الذي قد لا يقف بمجريات الأمور عند مصادرة مصالح مواطني العراق خارج إقليم كوردستان بل قد يهدد بل هو بالفعل يهدد كوردستان وجودا وشعبا بمختلف احتمالات التهديدات سواء بدفع قوى الإرهاب وعناصره إلى داخل الإقليم أم بالوصول إلى مرحلة التصعيد من حجب المخصصات المالية واقتطاع نسب من حصة الإقليم من الميزانية ومن الحصار الاقتصادي الذي بدأ بالنفط والموازنة لينتقل بتهديده إلى مغامرات أبعد قد تذكّر بجرائم لم تمَّحِ ولم ينسها شعب كوردستان بعدُ...
ومن هنا لابد من التوكيد على أهمية بل خطورة تعطيل المؤسسات سواء التعطيل الكلي كما جرى في ميداني الصناعة والزراعة أم الجزئي أم بتشويه عمل المؤسسات وتغيير خطوط إنتاجها نوعيا بما يجعلها مؤسسات خدمة سياسة مرضية لا مؤسسات خدمة الإنسان والبلاد؛ وتحديدا نشير إلى المؤسسات الأمنية العسكرية وطريقة التسلح التدريب وانحرافاتها البنيوية. كما ينبغي الالتفات للعبة تبادل الاتهام بين أجنحة الطائفية وحصر إدارة السياسة العامة بين أيديهم لأن مؤدَّى ذلك يعني تسليم مفاتيح القرار بأيدي تسلب الشعب حقه في القرار وتأسره لقيادةٍ، شهدْنا طبيعة إدارتها العشر العجاف المنصرمة، بكل أورامها التي تفجر بعضها ولا ينبغي أن تتفجر الأخريات لمخاطر وقائعها... مثلما ينبغي التفطن أيضاً إلى لعبة فبركة بعض الوقائع ومحاولة مشاغلة الناس بعناصر تنتمي لما يطلق عليه مصطلح الدولة العميقة وبقايا النظام السابق بينما الخطر لا يكمن في العراق في تلك البقايا بقدر ما يكمن في الخطط والبرامج وكيفية إدارة السياسة العامة وهناك فرق كبير بين الاستراتيجي الشامل والكبير الرئيس من المخاطر وبين بعض خروقات جانبية ثانوية تجاه ما أشرناه هنا من واقع بعينه ومن مخاطره وتهديداته...
إنّ الالتفات إلى صورة شاملة للوضع وتجنب التركيز على الهامشي أو الثانوي والجزئي والالتفات إلى الأولويات هو ما سيمنحنا فرص النجاة بوضعنا برمته والتقدم نحو خطى جديدة من البناء وإعادة إعمار المخرب. ولعل من بين أبرز ملامح هذي الصورة الإيجابية أن ننظر إلى الدور الملموس والبنَّاء لكوردستان باتجاه الحلول الأنجع والأنضج وإلى تحصين كوردستان ضد أية خروقات أو هفوات يمكن أن تحصل، فمن جهة أفضل العلاقات الخارجية دوليا وإقليميا ومن جهة أفضل جسور التحالفات مع قوى بناء الدولة المدنية الديموقراطية الضمانة الأبرز للفديرالية ولمستقبل مسيرة التنمية والتقدم بكوردستان.. بينما سيظل بعبع البلاء والدمار يطل بتهديداته مع استمرار وجود النهج الطائفي من جهة وتلك السياسة الانفرادية وثغراتها من جهة أخرى.

36
أية عقبات تعترض التحالفات الوطنية العابرة للطائفية؟
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 
توطئة: موضوعيا بجميع الظروف يوجد لأي حراك مجتمعي دوافع وقوى تفعّل الجهد وبالمقابل توجد عقبات تعترض الحراك والتغيير وتعرقل احتمالات التنمية والتطور؛ ومثل هذا ممكن المعالجة والبحث في سبل تناوله وإيجاد الحلول بأفضل الأجواء وأكثرها سلامة على الرغم من لولبية الطابع بكل منعرجاته وتعقيداته. أما محليا، عراقيا، فقد جابه مجتمعنا وقواه التحررية العقبات بالتواءات مخصوصة كأداء تضخمت كثيرا بوجه قيم التحديث وتصاعدت بالضد من محاولات الانتقال النوعي  من الأحادية الإلغائية القمعية إلى التعددية واحترام الآخر وتبادل العلاقات البنائية.. وبالنتيجة فإنّ أغلب الدراسات بهذا الاتجاه باتت تحرث في أرض وعرة ملأى بالألغام وبات عليها أيضا، تجنب تعقيدات المواقف المسبقة التي تقوم على الشك وحتى انعدام الثقة وما يُختلق من اصطراعات في خضم أجواء تكتنفها الفوضى والتخندقات الطائفية المصطنعة بقصدية بعينها... في هذه الأجواء علينا أن نعالج محاولة جديدة أخرى للحراك المجتمعي الوطني العراقي في ضوء الانتخابات التي يمكن أن تجري في الثلاثين من نيسان أبريل 2014. 
 
 
إن الوجود المجتمعي في عصرنا لا يمكنه أن يكون مستقرا؛ ويُستجاب لمطالبه إلا في إطار بنية دولة مدنية وآليات عمل معاصرة. بينما سيقع هذا الوجود في آثار كارثية للتناقض بين العصر وأية قيم تحكَّمت به بطريقة ماضوية سلبية. ونحن نشير هنا إلى جملة ما أحاط ويحيط بالوضع العراقي بعد العام 2003. ففي تلك اللحظة التاريخية الحرجة جرى إسقاط هرم سلطة قمعية دموية، ولكن إزالة فلسفتها وآليات عملها لم تكن بخط مستقيم لأسباب شتى؛ ومن ثم فقد شهدنا تمزقات وتشظيات وأشكال اصطراع ربما لم تكن محسوبة في بعض مساراتها.
من هنا يمكننا ولوج مجريات الوضع، ليس من مدخل الاتكاء على ماض سواء بأمجاد تجربته النضالية أم بفلسفة تبرير المجريات التي تقف عند حدود إلقاء  التبعات على النظام القديم! ولكننا نلج بقراءتنا هذه، الواقعَ في ضوء طابعه المخصوص وما يكتنفه من قوى مصطرعة؛ وتحديدا هنا نركز على العقبات الفعلية التي تقف بوجه عراق السلام والتنمية والتقدم وبوجه قوى البرنامج الوطني العابر للطائفية...
إن المجتمع العراقي مثل كل المجتمعات الإنسانية، مجتمع يتطلع للاستقرار والسير بدروب عصرنا واستثمار آلياته الأحدث لخدمة وجوده وتلبية مطالبه وحاجاته. وهو مجتمع تعددي التركيب مذ أول ولادته في العراق القديم الذي بنى حضارة سومر في وادي الرافدين من منابعهما حتى مصبهما جغرافيا، وسجل أروع العلامات الحضارية تاريخيا ليكتب وثائق أول مدنية متحضرة في دولة المدينة الأولى. ومن هنا فقد مضى هذا المجتمع على رسم خصائص هويته التي اغتنت بالتنوع ومضت بتعميد فلسفة التعايش والإخاء واحترام الآخر.. إلا أنّ هذا المجتمع وبناه الإنسانية لم يعدم وجود مراحل طعنت في وجوده فولدت جراحات فاغرة مؤلمة، وفي الغالب كانت انكساراته عسكرية بسلطة العنف بينما بقيت ثقافته المدنية بجوهرها الإنساني تنبعث من جديد لتعيد الأمور إلى مساراتها الأنضج والأنجع والأكثر سلامة وصوابا!
ونحن هنا نؤكد على قراءة الوضع وتفاصيل منعرجاته، مع هذا الاضطرار لأكثر من مقدمة، حيث كل مقدمة منها تمهّد لمحور من محاور مادتنا في محاولة لتجنب ما أسميناه المواقف المسبقة التي تفصل بين المعالجة وجمهورها وكذلك بينها وبين المتلقى (الآخر) الذي يراد فتح الحوار معه موضوعيا. إذ القصدية في المعالجة لا تكمن في مهاجمة الماضي برمته سواء المبكر منه أم المتأخر ولا التعرض لمكون أو آخر في مجتمع اليوم ممن تمّ وضعهم في حال من التعارض المتوهم! مهمتنا تقف عند حدود أن نشير إلى ما يعترضنا والقوى الوطنية في الطريق نحو استعادة قويم التركيب والممارسة المجتمعية.
ولعلنا نلخص ما نريد الإشارة إليه في نقاط مجملة مختزلة بين الذاتي والموضوعي:
فذاتيا تتحكم بالمجتمع اليوم قوى لا نريد وصفها إلا في ضوء انعكاسات برامجها مجتمعيا وطابع ممارستها فعليا. فالانعكاسات يعيشها المجتمع بانكسارات وأمراض وأوجاع بلا مَن يعالجها أو يمسح دمعة من يَتَّمَتْهُ الجريمة أو نهبت من فمه كسرة الخبز أو سرقت الغفوة من عينه و\أو غرست في قلبه القلق والهلع وكل ذلك بقصد تعطيل العقل بأغشية التعتيم والتضليل وتلكم هي بعض الأفاعيل وبعض إفرازات برامج القوى التي أشرنا إليها. وهذه القوى تبقى نافذة لأنها تعتاش على اختلاق اصطراعات مجتمعية تحتمي خلف متاريسها مقدِّمةً الضحايا ممن تجنده بآلياتها من شراء واستعباد وبلطجة.
إذن العقبة الأولى التي تعترض التغيير النوعي يكمن في قوة ظاهرة للطائفية السياسية عبر تكريسها وجود جناحيها تنظيميا في وسط الأغلبية المجتمعية بوساطة تقسيم ماضوي الأسس يقوم على افتعال الاصطراع  والتناحر بين مكونين أو أكثر.. وما يهمنا هنا هو التركيز على توصيف العقبة بنيويا تنظيميا حيث يأسر جناحا الطائفية السياسية جمهورا كبيرا مغيب الوعي تتفشى فيه أمراض الأمية، الجهل والتخلف وإلا فإنّ السير خلف عناصر تضخ برامج التخلف وتتسبب في كل هذه التداعيات المرضية لا يمكن أن يوجد عند شخصية تمتلك المعرفة والثقافة ومن ثم إدراك الحقيقة.
إن الطائفية السياسية تستغل الدين والأعراف والتقاليد لاحتجاز جمهورها.. ومن هنا فإن بعض الرد يكمن في فضح الطابع السياسي لقادة الطائفية بدليل ما يجري للمواطن المغلوب على أمره وفي كشف حقيقة أنَّ الدين ليس طقسيات مرضية بل الدين بجوهر آخر غير الجوهر الداعي إلى التناحر والاقتتال والكراهية والحقد والانتقام والثأر، إنّه وصايا بالخير والتآخي والتحابب وإعمار البلاد وتحرير العباد. ومن ثم فإن فك عقدة تمثيل الله على الأرض وتجسيد الديني وقيمه والفصل بين ساسة الفساد والدين هو أول الطريق لتحرير الجمهور من أن يكون وقودا لحروب الطائفية السياسية ولاستعادة حقه في تنظيمات تعبر عن مطالبه وتقوده إلى مسيرة العمل، البناء، صنع التقدم فعليا واقعيا. وطبعا هذا لا يأتي إلا بقوة البديل فكريا تنظيميا برامجيا.. وهذه القوة تريد ارتقاء بمتانة التنظيم الوطني وسلاة أسس وجوده بنيويا...
 
وموضوعيا سنجد أن تعطيل الصناعة وتخريب الزراعة ووقف الدورة الاقتصادية وإشاعة البطالة والفقر والإغراق في انتشار الظلام حيث الأمية والجهل بمعنى تخريب التعليم وإهمال الصحة العامة وتلويث البيئة واستغلال خطاب ثقافي مرضي وسطوة شبه مطلقة على الإعلام وأدواته، سنجد كل ذلك علامات خطيرة للعقبات الموضوعية.. ولكن، إذا كان هذا هو بعض العقبات الموضوعية في بعديها الاقتصادي الاجتماعي فإن اختلاق سلسلة من المعارك في حلقات متعاقبة متوالدة هي اللعبة ببعدها الموضوعي (السياسي) لمشاغلة الأطراف وإدامة السطو على خياراتها عبر إدامة اختلاق بعبع التهديد الأمر الذي يساعدها على التظاهر بكونها الحامي الحارس والضامن للأمن والأمان على الأقل في المرحلة التي تتضبب فيها الصورة ويعلو فيها غبار المعارك المفتعلة. وهذه، إذن، هي بمجملها العقبات الكأداء التي تفصل بين المواطن والتنظيمات المعبرة عن آماله سواء كان الأمر بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ومن أجل ذلك فإنّ البديل الوطني العابر للطوائف، يبقى عليه أن يعالج ذاتيا أوضاعه بالارتقاء بوعي تنظيماته والتحول بها من الانجذاب الأولي العاطفي إلى قدرات التحصين الفكري السياسي الذي يعي الوضع وتفاصيله. ولربما لاحظنا هنا على سبيل المثال أن عناصر وطنية عديدة [قد] لا تدرك خطر استخدام المصطلحات السياسية من دون وضوح ودقة ومن دون احتراس من مطبات التشويه والتهجمات التضليلية وربما أوقعتها حال [عدم الالتفات لمحاولات التضبيب ومصيدة عدم الدقة] بمطبات معقدة وبحال خلط الأوراق التي تشكل آلية لصالح قوى الطائفية ضد القوى الوطنية. وهكذا فالتحالفات الوطنية الديموقراطية بحاجة (بنيويا ذاتيا) باستمرار إلى تكثيف الجهد والمشاركة في مناظرات معرفية في الخطاب السياسي ولاستشارة المتخصصين والاستناد إليهم في صياغة مفردات البرامج وضبط المصطلح وتجاوز العقبات. ومن الضروري هنا أن يتابع المتخصصون من العقل العلمي الوطني ما يظهر من عناصر خطاب البديل الوطني كي يجري التقويم والتعديل بالسرعة المناسبة قبيل الوقوع في فخاخ الأزمات.
إن حال وجود الخطأ والصواب والأغلاط موضوعيا هو حال طبيعي في الحراك الإنساني لا يثير الرهاب فهو في وقت يشكل فرصا ربما تنتهزها القوى المعادية للنيل من هذا البديل النوعي الإيجابي البنَّاء فإنه في الوقت ذاته فرصة إيجابية لتوكيد الممارسة بنهج ديموقراطي وبروح علمي موضوعي في معالجة الثغرات والنواقص من طرف هذا البديل.. وعلى الجهات المعنية توظيف الأمر لتقوية تنظيم البديل الوطني الديموقراطي بدل تركه نافذة للاختراق والتهجم والتشويه من قبل الآخر السلبي بالاستناد إلى دراسة هذه النقاط كلا بمحورها وبما ينبغي من تفاعل ومعالجة فضلا عن موضوع صياغة البرامج ومراجعة تفاصيلها بتلك الدقة العلمية المنتظرة.
إنّ هذه الإشارات الموجزة لإشكالات الذاتي والموضوعي من العقبات تظل بحاجة للمعالجة والقراءة العلمية من جميع الأطراف المعنية. وهنا سيكون لزاما تجنب حصر الخطاب بآلية إلقاء التبعة على الماضي من جهة وعلى جريمة الآخر من جهة أخرى.. وينبغي الاتجاه نحو إبراز قيم البديل وجوهره وأهدافه وآلياته تعريفا وتوضيحا وتدريبا لقواه وجمهوره على الانتقال من حال الاستسلام والسلبية إلى حال التصدي والإيجابية والعمل وبدل التركيز على إطلاق صيحات (لا للآخر السلبي ولا تنتخب من أوقعك بالأزمة)، ليكن الخيار والتركيز فيه على تدريب المواطن المقصود بالتغيير، تدريبه على الفعل والعمل وأعمال بناء بيته وطنه جنة له ولأخيه...
هنا فقط ستكمن قوة الجذب وتأثير البديل وصواب الأداء في طريق التغيير.. بقيت إشارة لابد منها، تتمثل في أن البديل الوطني الديموقراطي يمكنه استثمار أولويات تحالفات قد تتضمن ما لايمتلك الصفاء الذي يحمله لكن للضرورة أحكام ولابد من التعامل مع الواقع بطريقة أنضج وأكثر حكمة بدل الادعاءات والروح الراديكالي الذي سيعقد بل يزيد ويضيف عقبات أخرى.. وبانتظار تفاعلاتكم تبقى هذه المعالجة المتواضعة مقترحا يتطلع للاستكمال والإنضاج.


37
التغيير الديموغرافي من زاوية نظر قانونية حقوقية

تيسير عبدالجبار الآلوسي
               
إنّ قرار المحكمة الاتحادية يأتي في ضوء سؤال موجه من البرلمان العراقي ومن ثمّ فإنّ الإجابة تأتي مُلزمة للعمل بها وتوجيه المشروعات القانونية والأدائية الإجرائية في ضوء التفسير الذي تضعه المحكمة الاتحادية.
ولأنّ الأصل في الموضوع هو متابعة مجريات الأوضاع ميدانيا في المناطق التاريخية التي عاش فيها أبناء المكونات والأطياف القومية والدينية والأثنية؛ وشكّلوا وجودهم بهويتهم المخصوصة من جهة، وطبعوا تلك المناطق الجغرافية بطابع عيشهم وتفاصيل حياتهم، فإنّ المنتظر بعد القرار هو تعميمه بإرساله إلى الأجهزة التنفيذية عبر الحكومة العراقية وأدوات العمل فيها وإلى الجهات القضائية بصفة قانون يصدر عن البرلمان بصيغة محددة إجرائيا عمليا...
إنّ ما يجري من تغييرات ديموغرافية، لا يتم مصادفة وعشوائيا دائما بل يجري أحيانا بقصدية وربما وُجدت أطراف يهمها فعل ذلك بمخطط قد لا تستطيع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والمعنية الدفاع عن طابع تلك المناطق.. كما أن عدم وجود قانون إجرائي يخضع لمنطق الدستور وما ثبَّته بوضوح يفضي إلى التأويلات المبتسرة وفتح منافذ لقوى التغيير الديموغرافي المتعمدة وغير المتعمدة لفرض أوضاع جديدة في ضوء اختلاف القراءات..
وعليه فمن أجل حماية الهوية المخصوصة لابد من وجود قانون يتناول الأوضاع المحددة بمحدد قانوني إجرائي، يكون وسيلة لمنع التغييرات الديموغرافية باي شكل. وطبعا يجب أن يجري في ضوء القانون تفعيل تطبيقه بأثر رجوعي يزيل الحيف الذي وقع بالفعل من جهة ويتصدى للاحتمالات الجديدة..
إنما حتى يصدر القانون، يمكن لجهات حقوقية بمبادرة من منظمات المجتمع المدني اليوم أن تمارس جهدها بعرض القضايا التي جرت أمام المحاكم كي تقرأ في ضوء قرار المحكمة الاتحادية لتفسير الدستور ويستطيع القضاء أن يتخذ قرارا ويكون هذا القرار نموذجا قانونيا للقرارات التالية، وهو أمر قانوني دستوري متاح في الإجراءات القانونية بكثير من البلدان التي تعتمد تمكين مؤسسات الدولة وأنشطتها وحركتها في ضوء  اعتماد القرارات القضائية سارية الفعل والتطبيق في حينه.
إن الزاوية القانونية ستبقى السلاح الأمضى للتصدي للتغيير الديموغرافي ويأتي من بعد إلى جانبه العمل الحقوقي السياسي سواء من الأحزاب والحركات السياسية أم من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية..
عليه لابد من تضافر الجهود اليوم وبلا تأخير كي نمنع  حال استفحال الأزمة ونمنع تحولها إلى كارثة لا تطال جعرافيا العيش بل تطال الوجود البشري المخصوص!
وبالموجز نقول: يجب على الحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدني إيجاد تنسيق ربما يتم عبر منظمة مثل: هيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب فيي العراق أو لجنة مرشحة عن الجميع ويكون  الأعضاء من المحامين والحقوقيين المتخصصين الذين يمكنهم من جهة توحيد ملفات التغيير الديموغرافي ووضع قراءاتهم المستوفية لأسبابها الفعلية ولوسائل التصدي لها.. مع التوجه لتسريع إصدار القانون في ضوء القراءة الدستورية للمحكمة الاتحادية و\أو اعتماد قرار قضائي عملي مباشر لحين استكمال الإجراءات بشأن صدور القانون المقصود المستهدف.
وبالمناسبة فإن أي حالة تغيير ديموغرافي يمكن إيقافها ما لم يصدر القانون أو تحكم محكمة مختصة بواحد من تلك القضايا المرفوعة بالخصوص.
يبقى أن نؤكد أن أصدل المادة الدستورية قد وضع قراءة غير ملتبسة لقضية التغيير الديموغرافي ليس في ضوء الوقاع ومتطلباته حسب بل وفي ضوء معطيات الدستور وأركانه التي كفلت حقوق المواطنين والمجموعات القومية والدينية والمذهبية وأقامت العدل والمساواة بين جميع الأطراف الأمر الذي يضع بمقدم مسؤولياته حماية الجميع من اية مظلمة أو اعتداء أو تجاوز... وبخلاف هذا فإن المبادئ الدستورية هي الأخرى يمكن اعتمادها في أية قراءة قانونية حقوقية كونها أداة لحماية مختلف الأماكن من احتمالات التغيير الديموغرافي تحت ضغط من أية جهة كانت..
أجدد التوكيد على الصلاحية القانونية لجهات مجتمعية عديدة للتحدث باسم أبناء تلك المناطق على وفق المبادئ الدستورية والنموذج القضائي لحين إصدار القانون  وكذلك صحة الدفاع عن حقوق أبناء المدن والمناطق العراقية كافة ضد أية أنشطة تدخل في مفهوم التغيير الديموغرافي سواء كان هذا بنية التغيير المتعمد أم بغيره فالاطلاق في المنع الذي ورد دستوريا لا يقبل التأويل وكذلك إعمال صواب مطالب المواطنين من أبناء المكونات في الدفاع عن حق وجودهم  بمناطقهم التاريخية وبحماية تامة لهوية مناطقهم تلك بالاستناد إلى حق كل شعب بأرض وطنه وبيته ومدينته هي أس وجود وطن المكون القومي أو الطيف الديني والمذهبي...
إنّ أي شكل للتغيير الديموغرافي هو كمن يعتدي على تراب وطن ذي سيادة وهنا السيادة داخلية تنطلق من ضمان حقوق المجموعات المعنية في العيش بأمان ومن دون أية تجاوزات على أماكن الإقامة الأمر المكفول ليس في الدستور الوطني حسب بل في القوانين الدولية والقانون الإنساني ولوائح حقوق الإنسان والمنظمات الدولية الراعية للسيادة ولحقوق الشعوب ومنها تلك غير المنتظمة بدولة مستقلة.
يبقى موضوع التغيير الديموغرافي بحاجة لقراءة أبعد من محدد أو زاوية نظر كتلك التي تحدثنا فيها هنا، واثقين من جمع التصورات الوافية من أصوات معنية بهذه القضية من شخصياتنا الوطنية ومن الحركات والمنظمات المدنية كافة.
 
 
 


38
البرلمان الثقافي العراقي والمرصد السومري لحقوق الإنسان يدينان الجريمة الإرهابية بأربيل ويعدّانها موجهة ضد شعب كوردستان

مع تلك الفرحة الغامرة لشعب كوردستان وقيادته بنجاح الانتخابات وتأمين إجرائها بأجواء ديموقراطية سلمية وطمأنينة تامة؛ تُطل أفعى التربص السياسي المعادي، برأسها لتنفث نيران حقدها وغضبها بتفجيرٍ إجرامي دموي في أربيل.. وإذا كانت الجريمة الإرهابية قد اختارت الجهاز الأمني في استهداف ميداني، أو كما يراها بعضهم وكأنها رسالة مخصوصة بالأسايش! فإنّنا نقرأ حقيقتها كونها موجهة إلى قيادة حركة التحرر القومي الكوردية، القيادة التاريخية لكوردستان السلام والتقدم.. وهي في جوهرها رسالة قوى سياسية تتربص بكوردستان وقيادتها، قوى لا يسرها أن تبقى كوردستان آمنة مطمئنة ولا يريحها أن تبقى كوردستان البقعة المضيئة وصمام الأمان في العراق الفديرالي المبتلى بالإرهاب وجرائمه.. إنّ تلك الجريمة - وهي تجري في عاصمة كوردستان -  تمثل رسالة مشحونة بمرفقات من السم الزعاف موجها  ضد شعب كوردستان برمته. وتلك القوى المعادية تتوهم أنَّها تستطيع معاقبة شعب كوردستان لأنّهُ أعاد اختيار قيادته وجدَّدَ العهد معها على مواصلة المسيرة المشرقة بشمس كوردستان البهية..
إنَّ تلك الجريمة ربما تكون أداتها عناصر تابعة لقوى إرهاب دولي معروفة، من قبيل القاعدة ومثيلاتها من منظمات الإرهاب الوحشية؛ ولكنَّ ما يكشفه طابعها ومستهدفاتها البعيدة هو توقيت الجريمة وجملة علاماتها وملامحها، الأمر الذي يجعلنا لا نستبعد أنْ تكون بدوافع الانذار بإعلان حرب على كوردستان الجديدة، كوردستان الخيار الديموقراطي المدني، حيث رَفضَ الشعبُ تسليم رقبته لقوى الظلام أو تلك القوى التي تتسمى زيفا وادعاءً بالإسلام السياسي والتي تتجسد برامجها بما يتسق وتحالفاتها مع قوى إقليمية أو مع مراكز تجاذبات مفضوحة في البلاد!
وفي وقت يشخِّصُ البرلمانُ الثقافي والمرصدُ السومري تلك الجريمة بكونها  شرارةً للجريمة السياسية، ويرى فيها ضخاً لزخم الجريمة الإرهابية ومحاولة اختراق كوردستان الأمن والسلام؛ فإنَّنا في الوقت ذاته نثقُ بأنَّ كوردستان تبقى عصيةً على أعدائِها؛ بسبب من وحدة القوى الشعبية والتفافها حول قيادتها بوعي لأهمية اختيار طريق الدولة المدنية الديموقراطية وتبني اتجاهها الثابت. وهذا الخيار الواعي هو الذي أدام رايات السلام وأجواء الأمن والأمان عامرة في ربوع كوردستان البهية.
ونحن هنا، لا نكتفي بإدانة الجريمة الإرهابية ولا بالتوقف عند شجبها واستنكارها بل نتعهد بحلف متين راسخ مع قوى الحرية والسلام في كوردستان وبتقديم كل الجهود المتاحة لدينا، ثابتة مكينة لخدمة شعب كوردستان وقيادته ومع الإدارات المعنية بحفظ الأمن وسلامة الحياة لشعب يستحق روعة النتائج التي حصدها بوعيه وعميق إدراكه يوم جدَّد خياره وعهده مع قيادته التاريخية، مؤكِّدا الاستمرار بمسيرة البناء والتقدم وتطمين أجواء السلم والتنمية والارتقاء بكوردستان إلى مصاف التحضر والتمدن الأكثر حداثة بعصرنا.
إنَّنا نثقُ بأنَّ الأمانَ الذي تحقق ما جاء فقط بأجهزة متخصصة حسب بل جاء أيضا بفضل شيوع ثقافة التعايش والسلم الأهلي ورفض القيم والسلوكيات العدوانية العنفية ومقاومة دسائس الخبث وكيد الأعداء الذين حاولوا إشعال الحرائق أو اختلاق الاحتقانات والشحن المرضي، ولكنهم فشلوا وسيفشلون دوما أمام نباهة القيادة ووعي الشعب وصلابة إرادتيهما ووحدتهما. ومن هنا فإن دور الثقافة وبناء الوعي كان ويبقى الحصانة المكينة لكوردستان السلام والأمان إلى جانب نضج التجربة والخبرة المكينة لقوات البيشمركة والأسايش وتضحياتها وبطولاتها في مقارعة قوى التخريب والإرهاب.
ونحن إذ نترحم على الشهداء ونراهم في قائمة الخلود من أبطال كوردستان الميامين، لنرجو لأهاليهم الصبر والسلوان على هذا الفقد الغالي لفلذات الأكباد ونتقدم منهم ومن القيادة الكوردستانية بالتعازي الحرّى ومشاطرتهم الأسى لخسارة تلك الكوكبة من أبطال كوردستان. وفي ذات الوقت نشدّ على أيادي حُماة الأمن من كل الأجهزة المعنية وعلى أيادي القيادة الكوردستانية حيث رباطة الجأش والقرارات الحكيمة ووعي ما يجري بمحيط كوردستان وما يُوجَّه إليهم من رسائل إجرامية، يعرفون بدقة سبل الرد الأمثل عليها..
وهذي كبير الأمنيات لكوردستان الحرية، كوردستان السلام، كوردستان الأمن والأمان بانتصارات متجددة وبمواصلة مسيرة البناء والتقدم والتنمية. وليندحر المجرمون القتلة من الإرهابيين الأوباش وستندحر مخططاتهم ومن وراءهم من قوى العنف والدمار والعداء... والنصر لكوردستان ولثقافة السلام والطمأنينة والأمن والأمان.
 
 
    أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان
لاهاي هولندا 29 أيلول سبتمبر 2013

39
كل عام ومسيحيي الوطن والمهجر بخير

بمناسبة رأس السنة البابلية (أكيتو) والأعياد الفصحية المباركة

منذ آلاف الأعوام احتفلت شعوب وادي الرفدين معا وسويا بمناسبات عزيزة غالية؛ وسجلت تلك المسيرة من الأوصاب التي قابلتها المسرات والاحتفاليات في أجندة حملت بصماتها وصاغت إبداعها ونتاجها وبالتأكيد رسمت هويتها بأحرف من نور.. ومذ كانت الأواليات المبكرة لتراث البشرية مرسومة هنا في حضن الرافدين حيث الحرب الأول والمدرسة الأولى والقوانين الأولى، كانت المفكرة الأقدم تحفر سجلها بتواريخ غنية بمنجز تلك الشعوب ولعل من بين أقدمها تلك السنة البابلية التي أخذت من ((أكيتو)) المقدس اسمها.

وإنه لمن دواعي المسرة والشرف لنا في البرلمان الثقافي العراقي ونحن نجسد تلاحم ممثلي مختلف أطياف شعبنا وخطابهم الثقافي الحر المستقل، أن نساهم مع أطياف شعبنا العراقي كافة بالاحتفال بعيد أكيتو عيدا وطنيا عراقيا أصيلا مثلما كان منذ فجر الاحتفال به من الشعوب التي شادت حضارة وطن المجد وتراث الإنسانية. ونحن، اليوم، في البرلمان الثقافي، نشد بقوة على أكف ممثلي شعبنا من الكلدان والآشوريين السريان بوصفهم الأصل الذي أنجز مراحل بهية مهمة من تراث العراقيين القديم. إننا نحتفل وإياكم اليوم بعيد أصيل لسكان بيت نهرين وبناة حضارته ومجده..

إنّ مثقفي المهجر، إذ يحتفلون مع أخوتهم في الوطن والإنسانية من مسيحيي البلاد ليرون كل القدسية بأكيتو واحتفالاته وطقوسه، ومن أجل ذلك ينهضون لاستعادة مكانة السنة البابلية وتثبيتها رسميا في التقويم العراقي الحديث ترسيخا لوعي يتناسب وبهاء ذياك التاريخ واعتدادا بعمقهم الحضاري ومعاني الانتماء والهوية والدلالة التنويرية لمنطق التفتح الإنساني وأسس العيش الكريم القائم على الإخاء والمساواة في ظلاله...

وبهذه المناسبة المجيدة ندعو مجددا لإنجاز بحوث ولتحقيق دراسات علمية ملائمة بغاية ضبط هذا التاريخ دقة ووضوح أداء.. ومن ثمّ لتعميد الاحتفال وما يستتبعه مما هو أبعد من التهاني الموسمية، إذ تنتظرنا مهام  كبيرة لتعميق قيم الإخاء بروح وطني يلبي ويرسخ المساواة بين الجميع ويلغي التمييز بأشكاله ويحمي وجود المجموعات القومية والدينية بكامل الحقوق وتمامها. كما يُنهي نزيف الجرح الفاغر مذ ألف سنة ويعالج فضاءات المسيرة مما اكتنفها من أعمال إقصاء وتهميش ومصادرة واستلاب ليس للاحتفال بعيد قومي ديني حسب بل ولحيوات الناس وهوياتهم حتى بات ملايين مسيحيينا في أصقاع المنافي والمهاجر القصية فيما الوطن والديار تئن وجعا متطلعة ليوم تعود عامرة بالاحتفال بأهلها....

أيها الأحبة من مسيحيي العراق والشرق، يا نسائم النهرين الزكية، مباركة أعيادكم برأس السنة البابلية، مباركة أعياد مسيحيي الوطن بعيد أكيتو ولتتعالى زغاريد الفرح والمسرة في أكيتو القدسية، يعود من جديد في ربيع مشرق لعراق التآخي والسلام... ولننشد معا وسويا آيات الإخاء والمحبة والعدل والمساواة في عامنا هذا بعراقنا نختار له مسارا ديموقراطيا تعدديا فديراليا موحدا.

ويدا بيد لنمضي معمَّدين بأمواه الفراتين ولتقرع أجراس أكيتو الجديد بالخير والبناء معيدة اليوم زهو احتفالات أفراح سومر وبابل وأكد وآشور في مسيرات إعمار ببغداد ونينوى والبصرة وميسان والناصرية والأنبار تتغنى على موسيا أجراس كنائس الوطن وطقوسها البهية..

كل عام وأنتم بألف خير أخوتنا مسيحيو الوطن والشرق والعالم بأسره، إنكم، عنوان خطابات التسامح والسلام في أرض الإخاء والمحبة، خطابات الحياة حرة كريمة آمنة تسودها الطمأنينة. كل عام وأنتم أيها الكلدان الآشوريون السريان بسلام وخير وأمان... ولنحمل معا وسويا مشاعل الاحتفال برأس السنة الجديدة وبالأعياد الفصحية المباركة.. ولنرتدي سويا أكاليل من أغصان الزيتون النامية في سهوبنا الخضر... و سنقرع أجراس طقوس الاحتفال بأكيتو بيتنا المشترك أزلا وأبدا.. عشتم بالخير والمجد وكل عام وأنتم بخير وسلام.

أ.د. تیسیرعبدالجبارالآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئیس البرلمان الثقافي العراقي في المھجر

لاهاي هولندا  آذار 2013


40
بدء  استقبال  طلبات  الانتساب والتسجيل   لطلبتنا  في  العام الدراسي   2012 - 2013
صيغ دعم متنوعة ستحظى بها طلبات التسجيل

جامعة ابن رشد في هولندا مؤسسة أكاديمية علمية توظّف نظام التعليم الألكتروني في أنشطتها وآليات عملها وتعمل على الارتقاء بمستويات التعليم الجامعي الأولي والعالي وعلى تحديث أسس الاعتماد الأكاديمي بما يعزز العمق العلمي وإنجازيته في العمل الجامعي التدريسي منه والبحثي. وهي تتبنى طلبتها موجِّهة إياهم لدراسة أوضاع بلدانهم وقضاياها وظواهرها  المجتمعية بأسس علمية لإيجاد الحلول بمنطق عقلي معرفي بحت.. وهي لجملة هذه المهام تدعو المتخصصين للتفاعل مع مراكز البحث فيها ومع الدورية العلمية التي تنشر بحوث الزميلات والزملاء بعد تحكيمها واعتماد علميتها ومنهجيتها.. كما تدعوهم للانتساب والعمل فيها على وفق طبيعة العمل التعاوني الجرية  مرحليا فيها.. و تشرع جامعة ابن رشد اليوم بتسجيل الطلبة وحجز مقاعدهم للعام الدراسي منذ الآن .. ولمزيد من التفاصيل، يمكنكم الاطلاع على التفاصيل عبر مواقع الجامعة الرسمية وفي مواقع التواصل الاجتماعي فمرحبا وأهلا وسهلا بكم  ولنمضِ معا وسويا إلى أمام وبالموفقية والمجاح المضمون لطلبتنا بفضل جهودهم العلمية ومسيرة اجتهاد وتحصيل معرفي رصينة:
http://www.averroesuniversity.org/pages/register20102011.pdf
 
بعض اللقاءات المتلفزة والإذاعية والصحفية التي ساهمت بها جامعة ابن رشد
في لقاء فضائية العراقية مع الدكتور الآلوسي رئيس جامعة ابن رشد بشأن التعليم الألكتروني 
http://www.youtube.com/watch?v=qeHFD0lO0Mw&noredirect=1
 
في لقاء مجلة سيدتي مع الدكتور الآلوسي رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
http://www.sayidaty.net/article-view.php?aid=10970
 
تراجع المستوى الجامعي والبحث العلمي في العالم العربي
http://www.iraqhurr.org/content/article/1883236.html
 
رسالة لوزير التعليم العالي بشأن التعليم الأكتروني والاعتراف بشهادات جامعاته
http://www.iraqhurr.org/content/article/1681768.html
 وتجدون في الأسفل وبمتابعة مواقعنا كثيرا من تلك اللقاءات التي عالجت مسيرة التعليم العالي ودور جامعة ابن رشد فيها
 
للاتصال   
 
إدارة التسجيل
info@averroesuniversity.org
 
 
 
 
 
 
 
 
 
بريد الدكتور تيسير الآلوسي رئيس جامعة ابن رشد
tayseer54@hotmail.com
بريد رسمي رئيس الجامعة 
chancellor@averroesuniversity.org
 
الدكتور صباح قدوري نائب رئيس الجامعة
vicechancellor@averroesuniversity.org
kadduris@gmail.com
 
 
Tel.fax office : 0031 (0) 342 846411
Mob.tel. : 0617880910
http://www.averroesuniversity.org
للتفضل بالاطلاع على تفاصيل أخرى يمكنكم التفضل بدخول موقع الجامعة الرسمي و\أو التفضل بالمشاركة والانتساب لمجموعة أصدقاء جامعة ابن رشد وعضوية الصفحة الرسمية للجامعة
موقع جامعة ابن رشد في هولندا
http://www.averroesuniversity.org
 
 
 
مجموعة أصدقاء جامعة ابن رشد\ في شؤون التعليم والفكر التنويري بعامة حوارية
http://www.facebook.com/group.php?gid=117092787057&ref=mf
 
الصفحة الرسمية لجامعة ابن رشد في الفيس بوك
http://www.facebook.com/averroesuniversity1

 
مدونة جامعة ابن رشد \ في شؤون التعليم
http://averroesuniversity.wordpress.com/

 
حملة جامعتنا من أجل التعليم الألكتروني: من أجل حملة شاملة لشرعنة التعليم الألكتروني والاعتراف بمؤسساته واعتمادها رسميا
برجاء لحظة من وقتكم الثمين لتوقيع حملة تحديث التعليم العالي، ليست أثمن من موقف يتحقق بلمسة منكم هنا
http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=212

**********
********************
***********
 
 
شكرا لزياراتكم ولكل تعليقاتكم وتوصياتكم
نشكر لكم إضافتنا لمواقعكم الكريمة أو توزيعها ببريدكم مع الاعتزاز والتقدير
لبعض تفاصيل وكتابات بشأن التعليم الألكتروني يمكنكم الاطلاع على التفاصيل هنا بهذا الرابط
http://www.somerian-slates.com/EDUTALALOUSI.pdf

 
 


41
 
بيان مهم
الموقف الدستوري والحقوقي من شهادة أتباع الديانات أمام القضاء؟!
سيوزع بيان المرصد السومري لحقوق الإنسان هذا اليوم بشأن القضية والتضامن الحقوقي المطلوب فضلا عن الحلول الدستورية والحقوقية المؤملة
المديرية العامة لشؤون الايزيدية
طالعنا في بعض وسائل الإعلام خبر مفاده ، خصومة بين شركة ألمانية وأخرى كوردستانية في مدينة السليمانية ، قدر تعلق الأمر بنا نحن الايزيدية في هذه الخصومة وكما ورد عن لسان حال الشركة الالمانية بأن محكمة السليمانية قد أسقطت الدعوى لصالح الشركة الكوردستانية بحجة إعتماد نظيرتها الالمانية في شكواها على شهادة الايزيديين وبنظرهم - أي محامو الشركة الكوردستانية ومحكمة السليمانية - بأن شهادة الايزيديين غير معترف بها وأنهم غير مؤمنين !!! .
تفاصيل الخبر والبيان وملحقاته


المديرية العامة لشؤون الايزيدية

بيان

طالعنا في بعض وسائل الإعلام خبر مفاده ، خصومة بين شركة ألمانية وأخرى كوردستانية في مدينة السليمانية ، قدر تعلق الأمر بنا نحن الايزيدية في هذه الخصومة وكما ورد عن لسان حال الشركة الالمانية بأن محكمة السليمانية قد أسقطت الدعوى لصالح الشركة الكوردستانية بحجة إعتماد نظيرتها الالمانية في شكواها على شهادة الايزيديين وبنظرهم - أي محامو الشركة الكوردستانية ومحكمة السليمانية - بأن شهادة الايزيديين غير معترف بها وأنهم غير مؤمنين !!! .

إننا نرى ذلك سابقة في غاية الخطورة وتؤثر سلباً على واقع التعايش السلمي بين الاديان كما تعد قفزا خطيرا على مبادىء حقوق الانسان والاعراف الدولية ... لذلك سوف نقوم وبشكل جدي ومهني وعقلاني في متابعة القضية بمنحاها الاصولي والقانوني والبحث عن الاسس القانونية التي أستندت اليها المحكمة في قرارها أو أنها كانت مجرد أجتهاد شخصي من القاضي ومحاميه ، وأن ثبت لنا ذلك سوف نقوم بالملاحقة القانونية ومقاضاتهم أمام القضاء الكوردستاني .في الوقت عينه ندعوا كافة الاطراف الأيزيدية الى التحلي بالصبر وعدم أطلاق أحكام مسبقه . مع التقدير .

المكتب الاعلامي

للمديرية العامة لشؤون الايزيدية

24/1/2012



المرفقات :


- نص بيان و توضيح شركة FIP

بيان و توضيح من شركة FIP حول عملها في كردستان
الى:

- رئاسة جمهورية العراق
ـ رئاسة اقليم كوردستان
ـ برلمان كوردستان
وزارة العدل قي اقليم كوردستان¬ـ
ـ وزارة الخارجية الالمانية
ـ وزارة الاقتصاد الالمانية
ـ السفارة الالمانية في بغداد
ـ القنصلية الالمانية في هولير
ـ جمعية حقوق الانسان ـ الامم المتحدة
ـ لجنة حقوق الانسان في البرلمان الاوروبي
ـ امنستي انترناسيونال
ـ منظمة الدفاع عن الشعوب المضطهدة
ـ الامير تحسين بك
ـ بابا شيخ
ـ الاحزاب السياسية الكوردستانية
ـ المنظمات والجمعيات الايزيدية




بهدف الاستثمار في كردستان وجلب الاستثمارات والخبرات الاوربية اليها قررنا في عام 2010 بعد انعقاد مؤتمر في غرفة الصناعة والتجارة الالمانية بمشاركة اكثر من 50 شركة المانية الذهاب الى هتاك وبالتحديد اتخذنا مدينة سليمانية مقرا لشركتنا. كانت هناك عدة شركات المانية تنوي المجي بعدنا وذلك بعد دراستنا للسوق الكوردستاني. بداية وقبل المباشرة بمشاريع انتاجية اساسية تعاقدنا مع شركة (نبز) العاملة هناك على بناء 150 منزل سكني. بعد انجاز اكثر من 60% من المشروع المتعاقد عليه بدأت الشركة المذكورة اعلاه تتماطل في دفع السلف والمستحقات التي بذمتها وذلك حسب العقد المبرم معها وبالرغم من المحاولات والجهود التى بذلناها لم نتمكن للوصول الى حل مع تلك الشركة لذلك اضطررنا الى اللجوء الى الطرق القانونية واقامة دعوى قضائية عليها امام محكمة سليمانية. بعد اجراءات طويلة التي امتدت تقريبا الى سنة كاملة تفاجأنا بتقديم طلب من محامي شركة نبزالسيدان عبدالواحد طاهر العلاف ورنج مصطفى حسين الى المحكمة الموقرة يطعنان في شهادة الشهود بحجة انهم ايزيديين ولا يؤمنون بالقرآن والكتب السماوية. يقولان في مرافعتهم : ( ... وحيث ان جميع الشهود هم من الاخوة الايزيديين فلا نعرف كيف حلفتهم المحكمة الموقرة لا سيما وان القرآن والكتب السماوية الاخرى لا تدخل في عقيدتهم وديانتهم ولكل ذلك ولكون الشهود لم ترتقي الى مستوى شهادات تصلح للاثبات ...)
ان هذا السلوك الخطير كان صدمة لنا ككرد وايزيديين لم نستطع استيعابها وبنفس الوقت يعتبر مخالفة فظيعة للسلوك الديمقراطي وخرق فاضح لحقوق الانسان. ان تجريم واقصاء طيف من المجتمع والمساس باهليتهم القانونية مخالفة فظيعة لكل الشرائع والقوانين والدساتير العالمية وفي مقدمتها الدستوران العراقي والكوردستاني.

نناشد المسؤولين الكوردستانيين ومنظمات حقوق الانسان والشخصيات والهيئات المذكورة اعلاه كما نناشد كل انسان صاحب ضمير حي للتدخل السريع لرفع هذا الظلم الفظيع واعادة الحق لاصحابه.

 


42
التسامح في ندوة فكرية بمدينة لاهاي\هولندا
التسامح والعمل الوطني المشترك طريقنا لبناء العراق الجديد
مكتب إعلام جامعة ابن رشد في هولندا وإعلام البيت العراقي
تنظم جمعية البيت العراقي لاهاي \ هولندا وبالتعاون مع إدارة الشؤون الثقافية بجامعة ابن رشد في هولندا و رابطة بابل للكتّاب والفنانين العراقيين في هولندا، ندوة فكرية بعنوان (التسامح والعمل المشترك طريقنا لبناء العراق الجديد)...
ستنعقد الندوة يوم السبت المصادف... 17/ ديسمبر /2011، الساعة السابعة والربع مساءً ... تفتح القاعة الساعة السابعة مساءً وفي العنوان المبين أدناه:
ستتضمن الندوة محورين:
المحور الأول: مفهوم التسامح وآليات إشاعته كسلوك حياتي
الدكتور تيسير الآلوسي 25-30 دقيقة.
المحور الثاني: التسامح واحترام الآخر
الصحفي الكاتب جاسم المطير 20-25 دقيقة.
يدير الندوة والحوار الدكتور سلام الأعرجي 
 

 

 
________________________________________
________________________________________
 
 

 
ننتظر تفضلكم بنشر النص الآتي:

ندوة فكرية في لاهاي/هولندا
تحت شعار
(التسامح والعمل الوطني المشترك طريقنا لبناء العراق الجديد)
تنظم جمعية البيت العراقي لاهاي \ هولندا وبالتعاون مع إدارة الشؤون الثقافية بجامعة ابن رشد في هولندا و رابطة بابل للكتّاب والفنانين العراقيين في هولندا، ندوة فكرية بعنوان (التسامح والعمل المشترك طريقنا لبناء العراق الجديد)...
ستنعقد الندوة يوم السبت المصادف 17/ ديسمبر /2011، الساعة السابعة والربع مساءً ... تفتح القاعة الساعة السابعة مساءً وفي العنوان المبين أدناه:
ستتضمن الندوة محورين:
المحور الأول: مفهوم التسامح وآليات إشاعته كسلوك حياتي
الدكتور تيسير الآلوسي 25-30 دقيقة .
المحور الثاني: التسامح واحترام الآخر
الصحفي الكاتب جاسم المطير 20-25 دقيقة.
يدير الندوة والحوار الدكتور سلام الأعرجي
فترة للاستراحة
بعدها تتم مداخلات ممثلي الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني مغ تلقي أسئلة الحضور الكريم ومداخلاتهم.
الصديقات والأصدقاء من أبناء الجالية العراقية المقيمين في هولندا، إنّ مشاركتكم في هذه الندوة الفكرية وإعداد بيانها الختامي سيكون بمثابة الدعوة الجادة والمخلصة من أجل العمل الوطني المشترك ونبذ التشرذم والتنافر الذي كلف الشعب والوطن المزيد المزيد من الأرواح البريئة والطاقات والإمكانات المادية على حد سواء.
كونوا معنا في هذه الندوة الفكرية المهمة ... مشاركتكم ومساهمتكم بالتأكيد ستكون مفيدة وجوهرية. فأهلا وسهلاً في بيتكم العراقي
العنوان
Escamplaan 63M
GA Den Haag 2547
Tel: 0616255700
وللوصول إلى القاعة ترام 4 وترام 6 من المحطة المركزية والنزول في منطقة Tienhovenslaan القاعة مقابل المحطة مباشرة وعلى الشارع العام ... الوقوف مجانا قرب أسواق Albert hijn والكنيسة المقابلة له ... وهي قريبة مشي 5 دقائق عن القاعة .
الهيأة الإدارية لجمعية البيت العراقي\لاهاي\هولندا                   X                              إدارة الشؤون الثقافية بجامعة ابن رشد في هولندا
الهيأة الإدارية لرابطة بابل للكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
 
   
 
 

43
كوردستان والحداثة في البناء ومسيرة التقدم
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر�
chancellor@averroesuniversity.org

 
تمضي مسيرة البناء في كوردستان في تعاظم خطوات الإعمار وغنى مفرداتها وتركيبها بطريقة تتكامل فيها العناصر وتتلاحم إيجابا. فسياسيا برزت خطة الإصلاح والتغيير بوصفها انعكاسا لإرادة القيادات المنتخبة وتمثيلا لطموحات القوى الشعبية وما وضعته من ثقة في قيادتها.. إنّ الأوضاع الجديدة تسير بوقع حثيث نحو آفاق مفاهيم المؤسسات الديموقراطية وآلياتها ممتاحة من تجاريب الدول الديموقراطية العريقة.. ��
ومن هنا فإنّ التوقعات تؤكد نجاحات نوعية لن تقف عند مفردة بناء مجمع سكني أو مشروع خدمي أو إنتاجي حسب بل ستكون في آليات العيش وتعاطي الوجود المجتمعي المدني والرسمي مع هذه المتغيرات النوعية.. فما الذي يمنحنا مثل هذه القراءة؟
إنّ الدافع وراء هذه القراءة يكمن في توظيف تجاريب وخبرات عريقة من جهة وفي اعتماد توازنات جدية مهمة تخص أولويات مفردات التخطيط وفي اعتماد التكنوقراط والعقل العلمي في المجتمع.. ولعل من بين أبرز الأمور هو ذياك الاهتمام والأولوية بشأن� منح التعليم� بخاصة منه التعليم العالي ومراكز البحث العلمي خصوصية ومكانة مناسبة.. ومتابعة هذا الأمر بالعمل على دراسات لأدوات التغيير والتطوير واستخدام نظم الحداثة في الجهود العامة وتحديدا هنا في مجال التعليم العالي...
إن قراءة التجاريب الموجودة في الدول المتقدمة ودراسة وسائل توظيفها كوردستانيا بات معلما مهما.. فتلك التجاريب تتعامل مع واقع السوق المعاصر وما ينتظره من مخرجات التعليم العالي الأحدث في ضوء قيم السبق في البنى الاقتصا � اجتماعية وما تتطلبه من مشروعات وآليات بناء.. وكوردستان الجديدة تحولت نحو نظم اقتصاد جديد يتطلع لمتغيرات تستجيب لحاجات المجتمع بما ينقله باتجاه عالمنا المعاصر... ومثل هذا يتطلب قوى إنتاجية �مختلفة بخاصة منها عنصر القوى البشرية وما تتطلبه من تنمية عميقة وجوهرية...
وطبعا تلك التنمية ربما تأتي أولا من التعليم الأساس التخصصي المهني وأيضا من طبيعة الثقافة العامة السائدة وما تمتلكه من زخم فعلي ولكنها لن تكون وافية كافية بهذه المفردات ما لم تُرفد بنظم التعليم العالي التخصصي الذي يقرأ حاجات السوق بدقة.
ومن الطبيعي أن تجابه عمليات التحديث عقبات تخص الإمكانات المادية ماليا بشريا؛ فلا الطاقة الاستيعابية للجامعات الموجودة بقادرة على استيعاب الزخم الكبير لخريجي الثانوية العامة [الإعداديات] ولا إمكانات التغيير التقليدية في الجامعات القائمة بقادرة على ملاحقة السرعة المؤملة في التغيير إذا ما بقيت في نطاق طبيعة آليات العمل المعتاد فيها� وإذا ما تقيدت بمحددات روتينية تقليدية مفروضة مركزيا فوقيا من بغداد...
وقد بات اليوم متأخرا أن تنتظر ((أربيل)) تلك المتغيرات المتلكئة المتباطئة في ((بغداد)) بخاصة في مجال التعليم العام والتعليم العالي.. فتلكم القضية ممكنة قانونيا وإجرائيا في فديرالية كوردستان المتسارعة في عنصر تطورها وتقدمها...
إنّ نظام التعليم برمته بحاجة لمجلس أعلى للتعليم يمتلك الصلاحيات في الأداء والحركة وإلى مؤتمر دوري الانعقاد بشأن رسم خطى التغيير ينعقد بمستويين سنوي ونصف سنوي� لمتابعة مفردات عمله.. ويكون من بين أعضاء المجلس الأعلى للتعليم والمؤتمر خبراء دوليين ومنهم من الأصول الكوردستانية والعراقية لقربهم من الواقع وطبيعته وحاجاته...
ومن الطبيعي أن يكون اتخاذ النظم البديلة وسيلة للتقليل من الكلف المادية والبشرية ما يساعد على حل إشكالات التغيير المتسارع والمحتاج للعامل الزمني وأسقفه المتاحة لمطاردة سوق العمل.. وهنا سيكون التعليم الألكتروني النظام التعليمي ذو الأفضلية في� تلبية� حاجات السوق ومطالب التطور والتغيير...
ولدى الإدارة الكوردستانية بالخصوص مؤسسات صديقة وجامعات عاملة تمتلك زخم التبني من جهة التعليم الكوردستاني العالي وتلبية مطالب الواقع المتعاظمة... على سبيل المثال ((جامعة ابن رشد في هولندا)) التي تمثل تجربة رائدة في التعليم الألكتروني من جهة �مثلما تمتلك مراكز بحثية وخطط صارت اليوم قيد التنفيذ في دراسة الواقع الكوردستاني والعمل على تلبية مطالبه علميا أكاديميا في مخرجات البحث العلمي والدراسة في هذه المؤسسة الجامعية الفتية.. وفي إعداد برامج مهمة للتحديث والتطوير والتعليم المستمر بما يوفر موارد مالية كبيرة للإقليم وتنمية بشرية متقدمة مميزة في مختلف مناحي سوق العمل الجديدة والتوظيف والمؤسسات العاملة في كوردستان...
 
إنّ إجراءات جدية منتظرة يمكن تكثيفها في الآتي:
1. �قرار بتفعيل وتشكيل مجلس التعليم العالي المرتبط باستقلالية ببرلمان الإقليم ورئاستي الحكومة والإقليم..
2. �تشكيل لجان التطوير العليا لدراسة الأوضاع في الجامعات ومراكز البحوث والمنتظر من جديدها ومن آفاق التغييرات فيها وآلياته..
3. �انعقاد المؤتمر السنوي وترتيب هيأة إدارته المرتبطة بمجلس التعليم الأعلى وبلجنة متابعة مؤقتة على أن يتسم باستمرارية الانعقاد ومتابعة إجراءات التنفيذ سواء منها الاستراتيجية أم المنظورة العاجلة..
4. �إقرار تحديث القوانين وتطويرها مع إدخال نظام التعليم الألكتروني تحديدا في إطارها...
5. �إصدار قانون التعليم الألكتروني وتشريعه في� برلمان الإقليم عاجلا للأهمية.. علما أن دولا عديدة في المنطقة� قد اصدرت هذا القانون بمراسيم سامية فيها... وربما كانت بغداد تدرس هذا الأمر لكن ببطء وعراقيل الروتين الذي تعاني منه المؤسسات للأسباب المعروفة وهي الأسباب التي لا علاقة لها بالتعليم وبمسيرة البناء والتقدم..
 
ويمكن هنا بالخصوص الاستعانة بجامعات وخبرات دولية وبمؤسسات عاملة كـ جامعة ابن رشد في هولندا، بسبب من جاهزية مفردات ومقترحات ومشروعات واكتمالها منذ سنوات.. ولعل هذه القراءة هي رسالة من الرسائل العديدة التي تتطلع إلى أن تكون خارج الروتيني والتقليدي وهي موجهة إلى جهات التعليم عامة وإلى أعلى مصادر القرار الكوردستاني التي نتوسم فيها حيوية التعامل والقرار وفعله غير الروتيني والحداثي الذي يمتد عميقا في جوهر القضايا كما هو الأمر واقعيا منذ انطلاقة المسيرة الكوردستانية المظفرة...


44
الأقاليم والنظام الفديرالي في العراق الجديد؟
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في العلوم السياسية
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
tayseer54@hotmail.com

 
لقد جاء إقرار العلاقة الفديرالية لإقليم كوردستان في إطار الدولة العراقية تجسيدا لمخاض� طويل ولخيار الشعب العراقي بمكونيه الرئيسين الذي يمثل الكورد� جناحه الفاعل الآخر وهو المكون� الذي خرج من تجربة الأنظمة المركزية بآلام حروب ومعارك طاحنة وافتقاد ثقة لأنّ صيغ العلاقة السابقة لم يحظ عبرها بالأمان والاستقرار والسلام يوما، بقدر ما كانت أثقلته، جرائم تلك المراحل، بمئات آلاف الضحايا؛ الأمر الذي مرَّ حسمه النهائي عبر صيغة العلاقة الفديرالية...
وإذا كان تثبيت مبدأ النظام الفديرالي أساسا للدولة العراقية؛ فإنّ ذلكم جاء ليحكم تلك العلاقة التي تعرضت عبر تاريخها لشروخ الاحتراب� التي آلمت العراقيين جميعا وأوقعت المآسي والكوارث الاستثنائية في أبناء كوردستان.. فيما لا توجد حالات نظيرة لإقليم كوردستان عراقيا..� ومن زاويتَي النظر إلى الفديرالية يجري الحديث أولا عن وجودها الفعلي بالمشابهة بين إقليم كوردستان وأي إقليم مقترح جديد وهذا فهم مغلوط لطبيعة خيار شعب كوردستان للصيغة الفديرالية، فحواه عودة للتهميش وإضعاف وربما إلغاء لحق تقرير المصير بتصوير هذي العلاقة الفديرالية كأنها منحة من (المركز) يمكن إدارتها مركزيا فوقيا بالطريقة التي تراها الحكومة الاتحادية وفي أي وقت تشاء!
وهذه زاوية نظر قاصرة لمعادلة العلاقة الفديرالية لإقليم كوردستان في العراق الجديد التي قامت على حق تقرير المصير وحق الاختيار الحر، لكن بالمقابل فإنّ النظر إلى تلك العلاقة باكتمال ونضج لا يعني تمزيق أوصال وحدة أرض وادي الرافدين التي عاشت متحدة تاريخيا منذ دول الحضارة السومرية البابلية حتى يومنا ومن ثمّ فهي لا تضرب الوحدة المتينة بين شعوب وادي الخير والتعايش الاختياري المكين، بل تعمّد تلك الوحدة وتمنحها قوة ورسوخا ومنعة لأنها تتخذ من مبدأ الاختيار لا الإكراه أداة للاستمرار...
أما الزاوية الأخرى للنظر للأقاليم فهي تلك التي لا تدرك تفاصيلها القانونية وآليات وجودها وضروراتها الفعلية، ولكنها تنطلق في الدعوة إليها من بوابة الوقوف بوجه أخطاء الحكومة الاتحادية وكأنّ الحل لمجريات الأوضاع يتمثل في تقليم أظافر المركز التي باتت مخالب مؤلمة..وفي الحقيقة هذا يقع في إطار صراعات ضيقة الأفق وليس في إطار الحل. ومن أجل ذلك بتنا نرى أن كل (مسؤول) يطالب بإقليم لمحافظة أو أخرى صار يتحدث عن وجود (التنوع) في محافظته وعن وجود ((الثروات)) الوافية لإعالة أبناء المحافظة وكأنه يتحدث عن مقدمات بناء دولة بمواجهة الآخر ((عدوانيا!!))!!!؟ وطبعا هنا يقع أبناء المحافظات بين كماشتي إفراط المركز وتفريط إدارة المحافظة ويتحولوا إلى ضحايا صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل لها...
إنّ هذه المواقف توقع في مطبات سياسية لها أول وليس لها آخر؛ إنها بلا خاتمة سليمة، وهي ذاتها التي ستوقع ليس أبناء المحافظة بل أبناء البلد في اتجاهات احتراب وتقسيم لا باتجاهات� خيارات صيغ إدارية مناسبة للعمل والعيش في إطار الدولة.. إنهم يتحدثون عن أقلمة العراق [صنع أقاليم] من دون إعداد الوعي الكافي لبنى الأقاليم الإدارية الجغرافية، ما يوقع في هاوية تمكين روح التمزيق الطائفي السائدة اليوم في البلاد من رقاب الشعب ليضعهم في مجابهة عدائية انقسامية� وهي خطوات عجلى باتجاه كوارث الاحتراب والهزيمة التي يتشظى فيها البلد بين إقطاعات يحكمها اقطاعيون جدد بأردية جديدة..
إن لكل محافظة وأهلها حقوق في كل الميادين الحياتية والعراقيون اليوم �وبشكل متساو، تتحكم بهم أزمة فشل الحكومة الاتحادية في الإدارة وفي رسم برامج التنمية وتلبية المطالب الحيوية الدنيا للعيش الكريم. لكن بديلهم للخلاص من هذا الاستغلال الموزع عليهم بالتساوي لا يكمن في التشظي ولا في درجة الابتعاد عن المركز (الاتحادي) والانفصام عنه، بل يكمن في المساهمة الجدية الموحدة في تغييره واستبدال نهجه وخططه ومعالجة أمراضه...
إن فلسفة الهروب إلى الأمام ربما تعطي شكليا مظهريا صورة للحل؛ ولكنها في جوهرها تستشرف الوصول إلى هاوية الهزيمة التاريخية ومحو الوجود الوطني من الخارطة لزمن لا يعلم أحد مداه إذا ما بدأنا السير باتجاهه..
وفي حقيقة الأمر تُزايد (قوى) في الحكومة الاتحادية وتتحدث عن الوحدة الوطنية لفظيا وترفض مقترحات الأقاليم فيما هي عمليا فعليا عملت على الدفع نحو هذا بإرادة وتخطيط ومن دونهما، وذلك كله لخطل السياسات التي عملت بها تلك القوى التي جسدت جوهر الفكر الطائفي المتخلف.. إن تلك القوى تلعب بالنار بما رسمته لمسار البلاد والعباد!
والبديل، الحقيقي هو عدم الإذعان لمطلقات من يتحكم بالقرار مركزيا فحيثما فشل يمكن تغييره ديموقراطيا.. فالدستور تحدث عن الديموقراطية وآلياتها مثلما تحدث عن الفديرالية التي ربما لم يستكمل الوضوح المناسب في محدداتها.. وإذا كان الوعي السياسي القانوني لم يكتمل في النظر إلى آليات الديموقراطية وممارستها فكيف بنا نتجه إلى مفردات خيارات تحف بها مزالق ومخاطر جمة في توقيت تنفيذها؟ �ونحن متأكدون من عدم جاهزية الأوضاع لممارستها بل اكفهرار الأوضاع بما يستغل هذه الاستخدامات باتجاهات معاكسة لتطلعات من أطلقها بحسن النية والطيبة وحسن النية وحدهما لا يكفيان في العمل السياسي...
لقد شخصت القوى التنويرية الواعية في البلاد أن الحل يكمن في إعداد قانوني ناضج وصائب لانتخابات نزيهة وفي تبني حكومة عمل وبناء حكومة تكنوقراط فعليا لا واجهة أخرى جديدة تمثل أحزابا وسياساتها المعبرة عن الكهنوت السياسي وطائفيته المقيتة التي عانى منها الشعب بمشاغلة الدولة ومؤسساتها بضيق الأفق وبالصراعات التي نكبت البلاد بكوارثها...
إنّ رأي رجل الدولة الحكيم الحصيف يقوم على إكمال شروط الإعداد للإحصاء السكاني ولتفريغ لجان ((متخصصة)) لإعداد قانون الأحزاب والانتخابات على أسس الدولة المدنية لا خارجها، وعرضه على الاستفتاء الشعبي أو إقراره برلمانيا في سقف زمني لا يبتعد عن سقف الأشهر المعدودة وتشكيل هيأة انتخابات مستقلة حقا ومهنية حقا ومن ثم منح القضاء بعده المهني الحقيقي ليمارس الدور في إجراء انتخابات تأتي بالبديل الذي يؤمِّن:
1.      �إلغاء نتائج السياسة الطائفية في المجالات الحزبية والحكومية؛ المحاصصة مثلا، وهذا تسبقه تطبيقات في الأداء عبر صياغة القوانين المهيئة للانتخابات الحقيقية النوعية التي تأتي بالخيار الشعبي ديموقراطيا وليس على مقاس تفصيلات مخطط لها من قوى تتحكم بالسلطة والمال..
2.      �وضع برامج جدية فاعلة بمستويي الأمن الوطني والجيش وأدوارهما وحظر الميليشيات وأشكال السلاح خارج إطار الدولة.. مع تخليصهما من الاختراقات بكل أشكالها وأولها مرجعية منتسبيها لإدارة وظيفية مهنية سليمة لا لجهات خارجها، وإعمال القانون بهذا الشأن...
3.      �إطلاق عمليات إعمار البلاد بخطط استراتيجية تركز على البنى التحتية والأمور الخدمية وفي مجالات الكهرباء، الصحة، التعليم، البيئة، المياه والزراعة، الصناعات الثقيلة والتحويلية بما يتلائم ومطالب الشعب وحاجاته الفعلية...
4.      �إطلاق الحريات وحماية الحقوق وصيانة التنوع القومي والديني المذهبي ورعاية جميع المكونات والأطياف على أساسين فردي (المواطنة) وجمعي (الهويات المخصوصة قوميا دينيا ثقافيا) بالموازنة بينهما على أسس قانونية دستورية.. والعمل على إزالة كل مخلفات فلسفة الطائفية والاحتراب الذي خلقته وانعدام الثقة والحساسيات وتحديدا هنا تسخير أجهزة في الدولة لأعمال انتقامية لا قانونية أدت ودفعت إلى بديل الهروب باتجاه تأسيس إقليم، وهو ليس حلا كما قرأنا هنا...
 
إنّ تهيئة الأرض بعناصرها الموضوعية العامة والوعي الذاتي تحديدا يمكن في ضوئه أن نتحدث عن أشكال وخيارات جديدة في الإدارة.. إذ الوضع الأزموي لأي بلد يدعوه للتخطيط الموحد المركزي وربما التنفيذ اللامركزي مع آليات مناسبة للمراقبة والمتابعة بما يضمن سلامة المسيرة لتلبية خطواتها.. ونحن نشاهد ونعرف يقينا حجم الفساد في اللامركزية التي حملتها مجالس المحافظات وأجهزتها والمشكلة ليست في الحكومة الاتحادية وفي المركزية� لوحدها بل في النظام المستخدم وفي الخطط وفي من ينهض بها...
إنّ صلاحيات المحافظات اليوم تفي بما يطالب به دعاة الأقاليم من جهة اللامركزية بينما المشاكل السائدة ومعاناة الناس تكمن في أخطاء فاحشة بحق القانون وسيادته وبحق المواطنين ومطالبهم وبحق البلاد وحاجتها في إطلاق إعادة الأعمار بعد ثمان سنوات من فرهود الطائفية الفساد الإرهاب..
فهل سيعلو صوت المواطن ويأخذ زمام المبادرة ويوقف من يتاجرون به سواء ممن وقف مع الدعوة لإنشاء أقاليم أم من وقف ضدها وكل لحساباته الخاصة؟

45
في اليوم العالمي للتسامح
�من أجل الاستقرار والسلم الأهليين لشعوبنا وبين بلداننا كافة

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 
يتأسس التسامح على الاعتراف بالآخر واحترام وجوده على أساس من المساواة والعدل، والتفاعل إيجابا مع حقوقه وحاجاته، وفي ضوء ذلك فإن التسامح� يمثل فلسفة تقوم على قبول التعددية والتنوع في الثقافات وفي الهويات التي تميّز المجموعات البشرية قوميا أثنيا عرقيا دينيا مذهبيا واجتماعيا وفكريا سياسيا وبكل تلك الصفات التي تمثل بصمات الإنسان فردا أو جماعة، الأمر الذي يتطلب حظرا لأشكال التمييز على أي من تلكم الأسس وتجاوزا أو ظلما يقع من طرف على آخر لأي سبب مما ورد هنا...
إنّ ممارسة التسامح يشكل الأساس لإشاعة ثقافة السلام ومحو ثقافة العنف والحرب والعدوان.. وهي لا تنحصر بكونها سمة أخلاقية سلوكية بل التزاما سياسيا وقانونيا بات واجبا يفرضه القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقات الدولية الملحقة به كما في إعلان اليوم العالمي للتسامح وما تضمنه من قيم مجسدة بصيغة قانونية...
على أن التسامح المطلوب لا يعني البتة التنازل عن الحقوق؛ أو الخنوع لقوة أو سلطة أو طرف أو آخر يمارس تجاوزا أو اعتداء على طرف.. وقد يمتد إلى ممارسته حتى مع المتعصب لكن بحدود لا تقبل تحديد الاستقرار والسلم الأهليين.. ومن ممارسات التسامح ما يعبّر عن الأنشطة والمعايير أو القيم التي تؤكد حظر أشكال التمييز العنصري، العرقي، القومي والديني. وبالتقاطع مع هذا يستخدم مصطلح "التعصب" للتعبير عن التمييز في المجالات المحظورة.
إنّ أول ظهور لمصطلح "التسامح" كان في إطار محاولات تجاوز الأزمة التي دخلت البشرية فيها بسبب من حروب الطائفية وآلتها الجهنمية الطاحنة في القرون الوسطى، ولاحقا توطدت في تجاريب إنسانية مهمة ربما كان من بين آخرها� ما جرى في جنوب أفريقيا.. �وما مورس مع الجماعات والأحزاب السياسية في ذلك الإطار.
وبين ممارسة التسامح وعدّه تساهلا غير مقبول يثور الجدل بشأن حدود المفهوم والممارسة وسقفها في كل حالة بعينها.. حتى أننا أحيانا نجد أن من يقبل بفلسفة التسامح على مضض قد يعدّ ما يتسامح معه بتقنين وبأسقف ومحددات فوقية، أمرا شاذا ربما يستحق المعاقبة أو وضع المسافات الحاجزة معه على الرغم من (تجرعه) فكرة التسامح بحدود ضيقة، وكأنّه يتفضل بعفو مما يعتقد أنه حق يملكه! �ومن هنا دفع بعضهم باتجاه الرؤية التي تمارس مفاهيم التحضر أو التمدن وقبول التعددية والتنوع بأوسع مساحة رفضا للتحديد والأسقف الخجلى بل الباحثة عن ذرائع للتمييز وإجازة التعصب� أو أيّ شكل له...
إن التسامح هنا في حقيقته هو الأساس المكين لما تفرضه حقوق الإنسان وحقيقة تعددية البصمات الخاصة للهويات الشخصية والجمعية إنسانيا، أي أنه أساس مبدأ التعددية والقبول بها بل تعميدها والعمل على أساس لا الاكتفاء بالاعتراف بالتعددية والتنوع حسب بل احترامها والتعايش مع متطلباتها وفروضها فعليا.. مثلا تنفيذ مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وممارسته حياتيا، ومثلا إنهاء سلطة الاستبداد والطغيان والتمييز والقمع وإحلال مبادئ احترام حقوق الغير في ممارسة ثقافاتهم وهوياتهم وما تتوافر عليه من مفردات وطبائع.
�وهكذا فعلى مستوى الدول ينبغي لها المصادقة على الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي تنص على الحقوق والحاجات والمطالب الإنسانية كاملة تامة.. وعليها أن تسن التشريعات الملائمة لحظر التجاوز والاعتداء والقمع. كما عليها التمسك بمبادئ التعايش السلمي مع الجيران وألا تهدد السلم الدولي وأن ترعى حال التفاهم والصداقة بين الشعوب وأن تجنّب العالم مصادر الهزات الراديكالية والحروب..
من جهة تالية فإنّ التداخل الاقتصاسياسي بين بلدان العالم ومناطقها الاقتصادية وتحالفاتها السياسية قد أوجد الميادين التي ربما إذا لم يتم ضبطها ولّدت احتكاكات واحترابات غير مبررة.. مثلا نشوء جاليات مهاجرة في بعض البلدان التي باتت تجابه أزمات ما ووفرت فرصا لظهور التمييز ومعاداة الأجانب ومشاعر الكراهية، فكل هذا يتطلب من الدول قرارات حازمة باتجاه إشاعة فلسفة التسامح وقوانيها...
على أن التسامح يبقى منطلقه تربوي نفسي يتأصل في الأنفس من المراحل التعليمية الأولى ومن داخل الأسر والعوائل.. الأمر الذي يتطلب تنشيط الفعاليات الثقافية المناسبة تفعيلا لهذه الفلسفة الإنسانية التي تعود لتحضر الإنسان وتمدنه.. ولابد هنا من عناية جدية بالعلاقات البشرية من أولها وأكثرها تفصيلا حتى آخرها وأكثرها تعقيدا اي من الأحوال الفردية الشخصية والعائلية مرورا بالتجمعات من مدارس وجامعات ومعاهد وإلى المجموعات القومية والشعوب والدول...
فإذا تعرف الفرد إلى حقوقه وواجباته، عبر مناهج التعليم المدرسية والجامعية أوجدنا فرصا أكبر للتسامح.. وإذا ركزنا بحوثنا النفسية والاجتماعية والسياسية على أسباب سلوكيات العنف والعداء وأشكال الاحتراب وتوصلنا إلى أفضل السبل الكفيلة بمعالجتها وسبل حلّ النزاعات فتحنا آفاقا أخرى لممارسة التسامح سلوكا شخصيا جمعيا...
وإنه بإمكاننا تحقيق هذه الممارسة عبر المنتديات والحركات والجمعيات والروابط الحقوقية منها والثقافية والتربوية وعبر المؤسسات التعليمية بمناهجها الدراسية وتدريسييها وإداراتها.. وربما أفادنا على سبيل المثال هنا عقد مؤتمرات وطنية في كل بلد من بلدان التغيير التي عانت من أزمنة الدكتاتورية والقمع وفلسفات العنف والإيقاع بين مكوناتها لكي يتم اتخاذ الإجراءات العملية والخطوات المرسومة فعليا وببرمجة تتناسب وخصوصية المجتمعات والدول التي نعنيها هنا...
وربما مؤتمرات حوار الأديان والمذاهب ومؤتمرات ومسابقات مدرسية ومكافآت وجوائز مخصوصة لممارسات اللاعنف والتسامح ستكون دافعا قويا لتمتين الوحدة الوطنية وتطبيع الأجواء وتفعيل مسيرة السلم الأهلي؛ مثلما من جهة أخرى ينبغي قبول اللاجئ وإكرامه والتعامل الإنساني معه ومثله المهاجر وأي من أبناء الجاليات وكذلك من المرضى بمرض بعينه وغيرها من أمثلة وما يصادفونه جميعا من أشكال تعامل يعود للتعصب والعنف والتمييز..
إن مناقشة خلفية التعدد القومي والديني ومن ثم غنى التنوع الثقافي الروحي والحاجة لإبراز حالات التفاعل مثلا تبادل التهاني ومشاطرة الانفعالات ومشاعر الأسى لجميع الأطراف؛ أمر مهم لتخفيف التوترات.. ونحن نعرف أن أزمات أقتصادية وما تنتجه من بطالة وغيرها توتر أجواء التعامل بين أطراف ومكونات المجتمع سواء الأصائل أم المهاجرين وغير ذلك حالات الاعتداء والتمييز في التوظيف وفي غيره وحالات هشاشة مؤسسات الدولة بخاصة منها التي تحتاج لدمقرطتها وتفعيل آليات المساواة وإنصاف الحقوق.. كل ذلك مما يلزم التنبه عليه..
إذن فالتربية ومهارات الحوار والاتصال وخلق ميادين التفاعل إيجابا وعوامل التحفيز والتشجيع الملائمة لهذا الاتجاه الفلسفي السلوكي سواء بمستويات تخص قادة الرأي العام أم في الجمعيات والأحزاب والحركات هو مما يصب في تطمين حقيقة التسامح وإشاعته وتعميمه...
وعمليا فإن هذه الفلسفة تتطلع لجهود جدية مسؤولة أجد من المناسب أن تبادر أعلى المؤسسات وعيا وقدرات بحثية معرفية ممثلة في الجامعات ببلدان منطقة الشرق الأوسط مثلا لتعيين كرسي التسامح في كلياتها المتخصصة، مثلما تمارسه على سبيل المثال هنا جامعة ابن رشد في هولندا في كرسي أستاذية لفلسفة التسامح بكلية الآداب قسم الفلسفة.. ومثلما تتطلع ذات الجامعة لتعميده في أنشطتها ومؤتمراتها المتخصصة التي تنوي عقدها في كل من مصر والعراق في برنامج السنة 2012...
كما يؤمل هنا عبر هذه القراءة أن توجد القوى والأطراف الاجتماعية والرسمية فرص اللقاءات والرحلات والسفرات ومنها ما تقيمها الجاليات بتنوعات أطيافها لتعزيز سبل اللقاء والمشاركة المباشرة بين جميع التنوعات الإنسانية.. ولطالما كنتُ شخصيا أضع أولوية مخصوصة وعليا لمشاركة أطياف عراقية دينية وقومية وفكرية متنوعة بهوياتها في احتفالاتها وأشدد على الحضور فيها تعزيزا لمعنى المساواة واحترام الآخر وقيمه وهويته وطبائعه ومفردات طقوسه وثقافته.. وسيكون من دواعي المسرة أن تتسع الظاهرة لتشمل لا النخب بل جمهور وجودنا الجمعي العام...
وستبقى من معاني التسامح حالات العفو والصفح والغفران والرحمة وحالات تغليب الصلات الإنسانية على التقاطع والتصالح والتلاحم على التنافر والتباغض.. كما سيبقى التسامح سلوكا رئيسا مهما في العائلة وفي محيط الصداقة والجماعة في مدرسة أو منتدى أو جمعية أو رابطة..
وفي خلاصة قراءتنا هذه في فلسفة التسامح ودعوتنا إلى اعتمادها ركنا رئيسا في حياتنا اليوم نشير إلى أنّ: "النفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح" كما يقول جواهر لال نهرو. وفي الحقيقة فإنك إن سامحت أعداءك فذلك هو ما سيضايقهم؛ "فلا شيء يضايقهم أكثر من ذلك" كما يقول أوسكار وايلد وطبعا ربما يكون ذلك مدخلا للتهدئة وتحويلهم إلى أصدقاء.. يقول دوغلاس هورتون: "في سعيك للانتقام احفر قبرين.. أحدهما لك" فيما يعبر تولستوي عن التسامح بقوله: "عظمة الرجال تقاس بمدى استعدادهم للعفو والتسامح عن �الذين أساؤوا إليهم". ويحذر فيلسوف الروح المدني السلمي غاندي من استمرار العداء والاحتراب بقوله: "إذا قابلت الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة؟". ونحن نقول مع برتراند رسل: "الحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل الأخطاء التي يرتكبها غيرنا في حقنا أو في تغذية روح العداء بين الناس". فلنكن من يبادر في التسامح ونبني حياة إنسانية هانئة مستقرة...

46
حكومة التكنوقراط هل تشكل حلا للأزمة العراقية؟
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

في عصرنا باتت العلوم والتكنولوجيا وآلياتها تدخل في مفردات الحياة وتفاصيلها كافة. ولا يمكن أن تمضي دورات البناء وعجلة الاقتصاد من دون كفاءات خبيرة، كما أن إدارة وحدات الإنتاج العامة والخاصة بكل تنويعاتها لا تتم من دون متخصصين لا يكتفى بمطالبتهم بحمل الشهادات العلمية حسب وإنما يشترط فيهم الخبرة والدراية...
ومن هنا فإنّ القيادات في الدول المتقدمة ما عادت مجرد زعامات سياسية بالمعنى التقليدي للمصطلح، ولكنها صارت قيادات إدارة المعرفة والحداثة التي تستند إلى تلك العقول العلمية الخبيرة لإدارة المسيرة وتوجيهها بالطريقة المثلى. وقدمت إدارات تلك النظم ((التكنوقراط)) ليكونوا في صدر الإدارة وقمتها من أجل تلبية مطالب العصر وتقانته في القيادة.. فهل تصلح حكومة تكنوقراط حلا للأوضاع في العراق الجديد؟ وفي حال الرد إيجابا: ما هي طبيعة حكومة التكنوقراط؟ وما خصوصيتها عراقيا؟
 
لابد من الإشارة إلى أنّ الأوضاع عراقيا، تتنامى وتستفحل فيها مفردات أزموية، الأمر الذي يتطلب النظر في خلفية تلك الأزمة! ومن ثمّ إمكان الانتقال إلى التساؤل عن طبيعة الحلول والبدائل ومنها فكرة حكومة تكنوقراط عراقية؟
فلقد احتاج العراق طوال السنوات المنصرمة لدراسات بحثية جادة تقرأ حجم الخراب في بنيته التحتية والدمار الذي شمل مختلف المناحي العامة والخاصة. وفي ضوء ذلك إيجاد الأولويات ونقطة الانطلاق لتفعيل الدورة الاقتصادية وإعادة الإعمار..
لكن هذا لم يحصل! إذ عاش العراق ظرفا من الصراعات السياسية بمرجعية (بعض) زعامات ضيّقت من إمكانات أيّ خطاب حزبي فوق ما هو عليه من ضيق أفق في الخلفية الفكرية السياسية.  وأنتجت تلك الصراعات وأسسها القائمة على سياسة المحاصصة الطائفية، الأثر السلبي الذي عانى منه العراق منذ العام 2003 حتى يومنا هذا، خلا وضعا إيجابيا نسبيا ينبغي الإشارة إليه في إقليم كوردستان.
فإذا استمرت تلك السجالات [لا الحوارات] على ذات الآلية القائمة على صراع [زعامات] تصادر الحركات السياسية وجمهورها وتفرض عليها طابع التقاطع والتناقض وتلغي الدستور بل تلغي حتى التوافقات السياسية التي حاولت التقدم بالوضع تدريجا نحو آفاق الحل، إذا استمرت بالصيغة تلك ذاتها فإنها ستُبقي على العراق محتجزا لمصلحة  جهات تجد فيه مغنما لخدمة مآربها لا بلدا وشعبا ينبغي أن تخدمه على وفق منطق التكليف لأية حكومة منتخبة!؟
وتوصيفا لمجريات الأمور فإن العصا التي أوقفت حركة الحياة برمتها في البلاد لم تقف عند حدود قمة هرم الحكومة بل نزلت في تقسيماتها الوظيفية إلى مستويات إدارة، وصلت إلى أدنى وظيفة عامة أو خاصة. ولتغطية مئات آلاف فرص العمل والمسؤوليات، دفعت القوى التي تدير الحكومة الاتحادية بعناصر نفعية  وأمية جاهلة وفي أفضل الأحوال دفعت بشخصيات تحمل شهادات متواضعة تنقصها الأهلية الفعلية للتصدي لمسؤوليات بناء دولة  بحجم العراق وبحجم ما أصابه من خراب ودمار شاملين..
من هنا فإنّ ((رأس الشليلة)) كما يقول العراقيون تبدأ من وقف احتكار الوظائف على أسس وخلفيات لا علاقة لها بالكفاءة والخبرة وبالأداء.. من منطق تفترضه منطلقات الوظيفة وإجراءاتها العملية.. إذ كيف يشتغل  حامل شهادة بتخصص في إدارة تخصص مغاير، على سبيل المثال لا الحصر، وطبعا السؤال الأسبق هو كيف يدير أمي جاهل أو نصف متعلم مؤسسة حديثة؟!!
وحتى نستطيع تشغيل كل كفاءة ومتخصص في عمله المناسب لابد من الشروع من رأس الهرم.. لأن ((السجال)) الكارثي يتعلق بمفهوم المحاصصة الخاص بالكنهوت السياسي الذي ما فتئ يحتمي بالغطاء  الديني وادعاء تمثيل (طائفة) وحمايتها والحقيقة، حتى في هذا الإطار، ليست كذلك. وبالتمعن بجملة ما ذكرنا ربما يكون الحل البديل متمثلا باعتماد حكومة من التكنوقراط...
أما من هم التكنوقراط ومن هم عراقيا اليوم.. وأين نجدهم؟ فنقول: إنّ التكنوقراط عادة ما يمثلون العقل العلمي في البلاد..وفي الأداء السياسي العام يدير حكومة التكنوقراط الفنيون أو المتخصصون من المهندسين والاقتصاديين ومن مجموع المشتغلين بمختلف العلوم والمعارف، فهم من يستطيع أن يضع الدراسات الشاملة لقراءة الوضع برمته ومن ثم وضع الخطط العامة والتفصيلية لمعالجة وسائل تسيير الحياة على وفق تعقيدات تفرضها مستويات التطور الحديثة من جهة وظروف البلاد من جهة ثانية، فضلا عن إشكالية تجاوز البيروقراطية التي تخلقها التوظيفات السياسية..
والتكنوقراط  هنا يمثلون النخبة الأكثر خبرة وثقافة وطبعا الأكثر علما وتخصصا في مجال المهام التي تنتظرهم، وغالبا ما يكونوا غير منتمين للأحزاب أو أقل انشغالا بها، إذا ما طبقنا الأمر عراقيا. إنهم يعبّرون عن حكم الفئة العلمية الفنية بعيدا عن المشاغلات السلبية للسجالات أو الصراعات الحزبية التي لا تغني ولا تسمن بل التي توقع البلدان في الأزمات لمصلحة هذه الزعامة أو ذاك الحزب أو التيار. ومن هنا تحديدا يمكن القول: إنهم بديل سلطة الأحزاب والزعامات السياسية أيا كانت خلفياتها ومرجعياتها تحديدا في لحظات الاختناقات والاحتقانات..
إنّ الحل عراقيا بهذه الطريقة ربما سيكون مقبولا من الأطراف المصطرعة خضوعا منها لإرادة الشعب ومصالحه في تحريك مسارات البناء والعمل بعد أن تعطلت الحياة لثماني سنوات بلا طائل للدواعي والنتائج المنتظرة الآتية:
1.  تأتي حكومة التكنوقراط، تلبية لآليات اشتغال الدورة الاقتصادية التي تتطلب كسرا للقرار السياسي البحت لصالح القرار التخصصي  الوظيفي الميداني على وفق طبيعة العمل في مختلف القطاعات.. حيث التكنوقراط أبعد عن الانشغال بالحزبي الضيق، وقد يكونوا مستقلين تماما لا علاقة لهم بأي اتجاه حزبي أو تيار أو حركة سياسية..
2.  وتأتي حكومة التكنوقراط، كسرا لمفهوم المحاصصة السلبي الذي عطل الأداء المنتظر من الحكومة، في حوارات تخص بنيتها المحاصصاتية لا برامجها ولا مسيرة الأداء والإنجاز فيها...
3.   وتمثل حكومة التكنوقراط، خروجا من سطوة بعض العناصر غير الكفء أمام مسؤوليات العمل وحجمها النوعي.. إذ التكنوقراط ليسوا أميين جهلة بل هم العقل العلمي وهم ليسوا مجرد حاملي شهادات بل خبراء ذوي دراية وقدرات إبداعية في تفاعلاتهم مع واقع الحال ببحوثهم العلمية وبممارساتهم وتجاريبهم العملية...
 
على أنّ هذه الحكومة في قمة تركيبها يمكن أن تكون بتفاعل بين زعامات سياسية محدودة العدد في الوزارات السيادية مع وكلاء ومعاونين  يرسمون الخطط والبرامج ولا تقف دون تنفيذهم لها أية عقبات حزبية.. فيما كل الوزارات الباقية يقف على رأسها التكنوقراط مثلما يشكلون تركيبتها الوظيفية بمختلف مستويات الإدارة والعمل..
وعليه فإنّ الحديث عن حكومة التكنوقراط ليس حديثا عن حصة وزارية بل عن طبيعة التركيبة التي ستتطلب أولا إعادة هيكلة من جهة وقراءة التخصصات التي ستنطلق الأعمال بها وتكافلها برامجيا أدائيا مع استقطاب الخبرات المتخصصة وتفعيل أدوارها بضمانات العمل الحر الذي لا يحكمه إلا برامج علمية ومحددات الواجب الوظيفي المنتظر..
إنّ مثل هذا الاتجاه سيكون عامل معالجة لأشكال الفساد والمحسوبية والمنسوبية بكل صيغها.. فيما سيكون خطوة فعلية لتشغيل العمالة العراقية من جهة والكفاءات والخبرات في ميادينها المناسبة لكل كفاءة.. وبالتأكيد سيكون هذا نقلا للوضع العراقي من حال التخلف والانشغال بترهات أرهقت الخزينة ببهرج الطقسيات المنعقدة على مدار العام فيما تعمل ليل نهار على كتمان حقيقة الفساد المالي والتغطية على جرائمه..
وستجري عملية استثمار فعلية صائبة لمئات مليارات الدولارات وترليونات الدنانير بما يعود على العراق بمشروعات ملموسة منها على سبيل المثال تشغيل الكهرباء الوطنية في سقف زمني أقصر وبقدرات كاملة تغطي الحاجة المحلية وتستعد للتطلعات التالية وطنيا.. ولدينا الكفاءات الوطنية أيضا في مجال إدارة آبار النفط وحقوله مثلما لدينا مخططين لمشروعات الغاز واستثماره وكذلك في قطاعات الزراعة والصناعة.. ويمكننا الإشارة مباشرة إلى أولوية تحديث التعليم الأساس والجامعي وتفعيل مراكز البحوث وإطلاق أنظمة التعليم الجديدة كالتعليم الألكتروني التي ما زال يعرقلها تخلف نظام المحاصصة وما يفرزه فعليا وتخلف النظرة للتعليم بعامة...
إذن هناك أسباب جوهرية ونتائج عميقة الغور تدعو لتوظيف التكنوقراط إذا ما أخلصت النيات باتجاه الحل العلمي الأسلم والأنضج للأزمة العراقية.. فهلا ناقشنا هذا الاتجاه وتفاصيله؟؟   

47
نص البيان
 
بيان البرلمان الثقافي العراقي في المهجر والمرصد السومري لحقوق الإنسان:

تضامنا مع  مطالب المظاهرات الشعبية في العراق
انطلقت في فبراير شباط الماضي تظاهرات واسعة شملت جميع المدن والمحافظات العراقية الرئيسة؛ وقد جاءت تلك التظاهرات احتجاجا على تدهور مجمل الأوضاع العامة والخاصة في البلاد.. ورفضا قاطعا لسياسة الطائفية السياسية واتساع الفساد وسطوة عنف الإرهاب الدموي...وطوال أسابيع متتالية قدمت الجماهير مطالبها واضحة جلية إلا أنها جوبهت بالإهمال والتغافل تارة وبالتضييق والقمع أو بمحاولات الاختراق واعتداءات بلطجية من جانب عناصر محسوبة على أحزاب وزعامات حكومية متنفذة...
وفي أعلى مستويات الحكومة طلب رئيس مجلس الوزراء مهلة المائة يوم التي مرت بلا أية تفاعلات جدية  ملموسة؛ ثم طلب التمديد لمدة أخرى من دون أن ينعكس هذا على أية متغيرات في الأوضاع التي ما فتئت تتدهور شهرا فآخر وأسبوعا بعد أسبوع! وهكذا انتهت عديد من المهل بإهمال حكومي مهول لمتطلبات حياة المواطن المغلوب على أمره...
غير أن القيادات الشعبية وقيادات منظمات المجتمع المدني والأحزاب الديموقراطية، التي تشارك الشعب وعيه لمجريات الأمور وتداعيات إهمال المؤسسات لمطالبه وحقوقه واعتداءاتها على حرياته؛ تلك القيادات الوطنية الشريفة لا يمكنها أن تقبل بحال الإهمال لمصالح الشعب الحيوية.. ومن هنا فقد اتخذت بالمشاركة مع القيادات الميدانية لشبيبة الاحتجاجات قرار التظاهر مجددا وبقوة ضد تلك الحال السلبية المريضة من الانشغال في صراعات محاصصاتية بين القوى الحكومية المتنفذة  فيما الشعب يخضع لأبشع أشكال المعاناة!
إننا إذ نتضامن مع شعبنا في مطالبه، نؤازر حقه في التظاهر والتعبير عن تلك المطالب بأشكال النضالات السلمية من أجل فرض إرادته في التغيير الحقيقي لأوضاعه ووقف حمامات الدم والتقتيل الجارية لانفلات الأوضاع الأمنية ووقف الخراب في مجالات العمل من صناعة وزراعة ومن بيئة باتت خطرا على أشكال الحياة الطبيعية بعد تحويل مجاري عشرات الروافد وقطع مياه عدد من الأنهر المهمة وانخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات إلى مستويات متدنية خطيرة فضلا عن نتائج تدهور الأجور والبطالة  وانتشار الأمراض وأشكال الفساد المالي والإداري التي وصلت لأعلى مستويات مؤسسات الدولة!
وغير تلكم الكوارث هناك استمرار للاعتداءات على السيادة العراقية وبعمق عشرات الكيلومترات التي تطاول مواطنينا وممتلكاتهم بلا أي رد فعلي! وهناك أزمات لها أول وليس لها آخر!
  فماذا يتبقى للمواطن في مثل هكذا أجواء غير الوعود الكاذبة وبيع الأوهام التي ما عاد ممكنا لهذا المواطن المبتلى أن يجابهها بإمكانته الهزيلة...؟
اليوم هو الجمعة التاسع من أيلول سبتمبر وهو التاريخ الذي اختاره المواطنون العراقيون نساء ورجالا شيبا وشبابا، ليكون علامة جدية لرفع الصوت عاليا إعلانا منهم أن العراق، بأغلب مدنه، بلاد منكوبة تتطلب جملة من إجراءات الدعم والإنقاذ وطنيا ودوليا.. وليكون هذا اليوم علامة لاستعادة السلطة والسيادة بيد الشعب الذي ما عاد يثق بحكومة انشغلت بالمحاصصة ومرّ في ظل سلطتها كل أشكال الفساد واتسعت ممارسات الطائفية السياسية وفلسفتها وبرامجها المثيرة للاحتقان والاحتراب..
وبهذا فإنَّ التظاهرات الاحتجاجية تعلن سقوط شرعية حكومة لم تبرر الثقة التي أودعتها إياها أصوات الشعب وسجلت أعمق أشكال الفشل وأوسعه في مختلف الميادين ولم تستطع لا ضبط الأمن الذي أفضى حتى اليوم لمآس كارثية نظرا لتركيزه بيد شخصية واحدة على الرغم من ضرورة تسنمه من كفاءات كان يمكنها أن تنهض بالمسؤولية؛ ولم تستطع هذي الحكومة من ضبط الدورة الاقتصادية وفاعليتها ولا كفلت حركة دبلوماسية مناسبة في ملفات عصية تضمنت محاولة خنق المنفذ البحري المخنوق أصلا  والاعتداءات المتصلة المستمرة المستهترة بحيوات مواطنينا وبالسيادة وبسلامة الأراضي العراقية وغيرها من القضايا الشائكة العالقة!
إنّنا نتضامن مع المطالب الرئيسة للتظاهرات في  سحب الثقة من المؤسستين التنفيذية والتشريعية لعجزهما عن أداء مهامهما وفشل برامجهما في  تلبية تطلعات الشعب؛ ومن ثمّ الطلب إليهما أن يتخذا الإجراءات الكفيلة بالآتي:
1. إعداد وتشريع قانون الانتخابات مجددا بطريقة تلغي أشكال القصور فيه وتستجيب لنظام انتخابي ديموقراطي يمثل الوضع العراقي بظروفه المخصوصة..
2. إعداد وتشريع قانون الأحزاب على أسس مدنية وعلى وفق المتعارف عليه في الديموقراطيات الحديثة..
3. تشريع قانون مجلس الاتحاد على وفق ما نص عليه الدستور كيما تجري الانتخابات للهيأة التشريعية مكتملة غير منقوصة مثلما جرى في الدورات السابقة.. وكيما يلتحق ممثلو المكونات العراقية بالبرلمان بنسبة تحترم وجودهم الفعلي..
4. التحضير لتركيبة مستقلة للمفوضية العليا للانتخابات بما توافق عليه جميع القوى والحركات الوطنية من داخل البرلمان وخارجه ممن يؤمنون بالعملية السياسية وبالخيار السلمي للمسيرة..
5. منح القضاء استقلاليته وتمكينه من أداء مهامه على أمثل وجه للعدالة...
6. العمل على تلبية المطالب العاجلة في الحقوق والحريات وضمان الأمن وسلامة العمل العام وتلبية المطالب الخدمية العاجلة فورا وتأمين إطلاق سراح المعتقلين غير المحكومين بقضايا الإرهاب وحماية أشكال التعبير ومنها حق التظاهر من دون اجترار السياسات القمعية لنظم الدكتاتورية ...
7. استقالة الحكومة وحل البرلمان والدعوة للانتخابات على وفق الاستعدادات الفعلية المكتملة التي تقرها جميع القوى الوطنية بمشاركة ملموسة وفعلية لقوى التيار الديموقراطي المبعدة حاليا قسرا من العمل العام..
نجدد هنا وقفتنا التضامنية مستنكرين كل ما اُرتُكِب من أعمال بوليسية قمعية بحق المتظاهرين ومؤكدين على واجب ضمان سلامة المتظاهرين وتأمين حقهم كاملا في التعبير من دون ألاعيب  وتضييقات سبق ممارستها في الأشهر المنصرمة لمسيرة الاحتجاجات الشعبية..
مؤكدين هنا أن سيادة الدستور والشرعية تبقى بيد الشعب وهي اليوم تعود إليه بفشل الحكومة بمهامها طوال سنوات عجاف. ونحن في البرلمان الثقافي العراقي والمرصد السومري لحقوق الإنسان، نعلن لجملة هذه الأسباب أننا سنلجأ إلى كل المحافل والمنظمات الإقليمية والدولية لتطمين دعم مطالب الشعب والمتظاهرين..
إننا إذ نتمسك بالعملية السياسية ونشدد على سلمية  الأنشطة الشعبية، لنؤكد في الوقت ذاته على أننا لسنا في  وارد حركة ردود فعل ثأرية أو انتقامية تجاه طرف أو آخر ولسنا في حال من النهلستية العدمية التي ترى كل شيء باللون الأسود بل نثق بوجود عناصر نزيهة في هياكل الدولة وهي تكافح بإمكانتها المتاحة بإخلاص من أجل مشاركة الشعب في تطهير المسيرة؛ ومن هنا فنحن نتضامن مع الجهود التي تنصب على الإتيان ببديل وطني ديموقراطي يركز على الخلل الهيكلي الفادح في برامج الحكومة  مقدِّما البديل الرافض لاستمرار هذا النهج التخريبي الخطير.. ومتطلعين أولا وبشكل عاجل للتركيز على القضايا الحقوقية بوجه رئيس وملموس...
ندعو جميع القوى الشعبية للاحتشاد في الميادين والساحات واثقين من تضامن وطيد لقوى الديموقراطية إقليميا وأمميا مع شعبنا.. سلمت قوى التنوير والتقدم، داخل مؤسسات دولتنا وخارجها وعاشت قوى الديموقراطية والسلام، وليبقى شعبنا موحدا بكل فئاته في مسيرته من أجل تحقيق الحلم الوطني في العراق الديموقراطي الفديرالي الموحد..
 
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان
لاهاي هولندا 07.09.2011
 
  http://www.somerian-slates.com
                       





48
الأخوة في المنظمة الآثورية الديمقراطية

هذه تحية لتلك الولادة التي تنطلق بقيم الديموقراطية والعصرنة والحداثة لتمد جسورها عريقة حيث الجذور التاريخية والهوية بمستوياتها وقيمها.. نعلن مؤازرتنا لكم في مسيرتكم حيث وحدة الأهداف ونبلها وسموها وحيث تحقيق الحريات والمطالب والحقوق.. عشتم وبالموفقية والسؤدد وأكليل الغار والنجاح.. ولتحيا مسيرة التغيير الحقيقي في سوريا ولتمضِ مسيرتكم بالخير ..
أ.د. تيسير الآلوسي \ رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر


49
بدء تسجيل الطلبة بجامعة ابن رشد

تشتغل إدارات جامعة ابن رشد في هولندا وأقسامها بمراجعة ملفات الطلبة لتسجيلهم على وفق رغباتهم والتخصصات التي يتطلعون إلى استكمال دراساتهم فيها، وذلك للسنة الدراسية الجديدة 2011-2012.. هنا دعوة لهذي المناسبة  كيما نحتفي بها معا وسويا من أجل غد علمي أسمى وأمثل.. جامعة ابن رشد تُعنى بالرصانة العلمية من جهة وبتحديث التعليم العالي وإدخال التعليم الألكتروني إلى نظمنا التعليمية وكانت الرائدة في حمل راية الدعوة للتعليم الألكتروني وشرعنته في بلدان المنطقة.. والجامعة تضع برامجها التي تستوعب ضمنا غالبية برامج الجامعات المهمة شرقأوسطيا إلى جانب حداثة مناهج أبرز الجامعات عالميا.. وهي تتجه إلى جمهورها من الباحثين كيما تدعم جهودهم البحثية العلمية بمختلف التخصصات وتوجه طلبتها لدراسة  التخصصات التي تتلاءم وحاجات السوق المحلي والعالمي وتتفق ومطالب الواقع وأسئلته.. والجامعة تمتكل برامج طموح لتبني إشكالات رئيسة مهمة وتتطلع لتضافر الجهود معها للاتساع بمنجزها.. نرحب بجميع أسئلتكم واستفساراتكم في جلستنا التي ستنعقد بغرفة ألواح سومرية معاصرة بالبالتالك مساء الأحد الرابع عشر من آب أغسطس 2011.. ويمكنكم طلب اللقاء المباشر مع أحد ممثلي إدارة الجامعة والاتصال المباشر عبر البريد الألكتروني أيضا يوميا.. للاتصال والاستفسار عن طريق إيميل قسم التسجيل:
info@averroesuniversity.org

وهذا هو رابط صفحة التسجيل:
http://www.averroesuniversity.org/au/index.php?option=com_content&view=section&id=3&Itemid=45
وهذا رابط الجامعة الرسمي:
http://www.averroesuniversity.org/
وهذا رابط صفحة الجامعة في الفيس بوك
http://www.facebook.com/averroesuniversity1
 
وهذا هو رابط مجموعة أصدقاء جامعة ابن رشد في الفيس بوك
http://www.facebook.com/group.php?gid=117092787057&ref=ts
 
 
 
 
دعوة للقاء معرفي ثقافي في غرفة ألواح سومرية معاصرة  14 آب أغسطس
 رابط الدعوة
http://www.facebook.com/event.php?eid=128397447247287
 
 مكان الدعوة
Modern Somerian Slates / Education / Other / Paltalk rooms
برجاء تفضلكم بدخول  الرابط والاطلاع على الدعوة الموجهة إليكم بمناسبة بدء التسجيل بجامعة ابن رشد
 
احترامنا

إدارة مكتب إعلام جامعة ابن رشد في هولندا

50
أهمية المجلات البحثية.. مجلة ابن رشد العلمية نموذجا دعوة للعمل المشترك


أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي 
     

عملت جامعة ابن رشد في هولندا على تعميد جهودها بوساطة برامج أكاديمية متنوعة. وكان من بين ذلك التخطيط لإصدار دورية علمية تُعنى بنشر البحوث التي ينجزها أساتذة الجامعة واستضافة عدد من بحوث الزميلات والزملاء من خارج الجامعة.. ونحن هنا نترسم خطى المؤسسات الأكاديمية العريقة التي نحاول أن نكون امتدادا معرفيا لبرامجها الغنية ولخطط رعاية البحث العلمي في تراثنا المشرق..
ولقد ألزمنا أنفسنا في مجلة ابن رشد أن نختار من بين البحوث التي تصلنا تلك التي تبحث بمشرط العلوم موضوعات ميدانية معيشة وظواهر في الحياة العامة لمجتمعاتنا.. وإذا كان صحيحا أنّ أغلب التخصصات التي نحتضنها بجامعتنا هي أقرب للنظري منه للتطبيقي العملي، فإنّه من الصحيح أيضا تطويع هذه العلوم كيما تدرس المواد الأقرب صلة بالإنسان في عصرنا..
فعلوم تقع في تخصصات مثل علم النفس، الاجتماع، القانون، السياسة، الإعلام، اللغة والأدب وفضاءات المسرح وشؤون التربية والتعليم والاقتصاد وإدارة الأعمال وغيرها يمكنها أن تتناول جوانب تطبيقية تمس تفاصيل اليوم العادي للإنسان؛ وألا تبقى حبيسة الملمح النظري المحدود وإن كنا نرى في النظري ما يفيد ويخدم أيضا..
ونحن ندرك حجم الضغط علينا بخاصة من جهة عدم تمكننا حاليا من طباعة المجلة؛ حيث خيارنا الثابت أن نطبعها ورقية بأقرب فرصة.. ولكننا نخطط لتغطية الأمر عبر المساهمات الرمزية التي وضعناها لمن ينشر بحثه وهو من خارج منتسبي الجامعة.. فضلا عن أشكال الدعم المتوقعة من جهات راعية للعمل الأكاديمي وللبحوث التي تخدم حل المشكلات المجتمعية العامة..
إننا هنا ندعو مؤسساتنا الرسمية والأهلية المعنية بتطوير حلول معرفية رصينة أن تضع يدها معنا دعما وتفاعلا.. ليس تشبها بنظام التفاعل بين الشركات والمؤسسات العامة من جهة وبين الجامعات في الغرب والدول المتقدمة ولكن باتخاذ قرار موضوعي رشيد بتبني جهود البحث العلمي ووضعها في خدمة التنمية..
كما نجدد دعوتنا لجميع زميلاتنا وزملائنا العاملين في الجامعات وفي مراكز البحث العلمي الأكاديمية لرفدنا بأعمالهم البحثية التي تنسجم وتوجهنا في الأداء بما يخدم دراسة مشكلات مجتمعاتنا في داخل الوطن أم في المهجر. ويمكن للباحثة أو الباحث تناول إشكالية في بلد آخر لقربه منها وتفاعله المباشر مع الظاهرة المدروسة..
ولدينا لهذا العام ثلاثة أعداد سيصدر الأول منها في موعد قريب ، فيما يصدر الثالث والرابع في الخريف والشتاء القابلين؛ بمحورين أحدهما في الشأن الاقتصادي تكريما للعالم الجليل المفكر الاقتصادي إبراهيم كبة فيما يصدر الآخر في تطوير التعليم العالي ويكون تكريما للعالم الجليل عبدالجبار عبدالله... ونحن نتطلع لسرعة تفاعل الزميلات والزملاء في رفد هذه الأعداد بمقالاتهم العلمية وبحوثهم التي تخضع للتحكيم المتعارف عليه..
إنّنا إذ نحيي زميلاتنا وزملائنا الذين ساهموا في العددين الأول والثاني لنأمل من الجميع أن يطمئنوا لحجم الحرية العلمية التامة الكاملة تجاه أدائهم ومنجزهم؛ ولكننا في ذات الوقت ولظروف العمل نثق بالتزامهم كافة بتلك الشروط المضمونية العلمية للبحث وكذلك ببعض الجوانب الشكلية المتعارف عليها في الدوريات العلمية المحكَّمة..
ونرجو تفضلكم هنا بالاطلاع على العددين الأول والثاني من دوريتنا؛ كما ندعوكم للاطلاع على تفاصيل المشاركة ونشر بحوثكم وآلية ذلك ومحدداته في الروابط المنشورة في أدناه:

رابط العدد الأول:
http://www.averroesuniversity.org/pages/JOURNALofAVERROESUNIVERSITY01.pdf

رابط العدد الثاني:
http://www.averroesuniversity.org/pages/JOURNALofAVERROESUNIVERSITY02.pdf

رابط محددات النشر في مجلة ابن رشد وآليته:
http://www.averroesuniversity.org/pages/AVERMAG2011.htm


ترسل البحوث إلى عنوان رئيس التحرير أ.د. تيسير الآلوسي. وتوجه جميع المراسلات إلى العنوان البريدي لجامعة ابن رشد في هولندا. أو إلى البريد الألكتروني لرئيس الجامعة أو لهيأة تحريرمجلة جامعة ابن رشد..

chancellor@averroesuniversity.org
ibnrushdmag@averroesuniversity.org

AVERROES MAGAZINE
A quarterly periodical arbiter scientific journal
مجلة ابن رشد
الدورية العلمية المحكَّمة لجامعة ابن رشد في هولندا
TELFAX: 0031 (0)342 846411


شكرا لتفضلكم بالزيارة والتفاعل برؤاكم الموضوعية



51
البرلمان الثقافي العراقي في المهجر: بيان تضامني مع الشبيبة المنتفضة في سوريا

2011 / 4 / 19
في سوريا اليوم، مثلما في عموم المنطقة تتنامى حركة جماهيرية واسعة بمطالبها الإنسانية السامية.. وتفرض تلك الحركة متابعة دقيقة لنرى فيها بأعين الشعب الفاحصة مجريات الأوضاع بعمومها وخصوصها، بهمومها وبانتصاراتها التي باتت إرهاصاتها تنبجس من بشائر تلكم الانتفاضات الشعبية...

ومحرّك هذه الانتفاضات هم شبيبتنا الواعدة ووقودها تضحياتهم التي تمثل أعلى وأغلى القرابين؛ فهي تقتطع منا أجسادا وأرواحا؛ مَن لا ننساه بل مَن ستخلدهم الذاكرة الجمعية دليلا هاديا للمسيرة.

وأمام هذا المشهد المهول، فإنَّ الشعب لا يمكنه أن يقف عند حدود الفرجة؛ فارتفاع القرابين إلى حيث الشهادة وتنامي أعداد الضحايا شهداء وجرحى ومصابين، لَــهو جريمة لا تغتفر.. وهو الحدث الجلل الذي لن نكتفي ببيانات الإدانة والشجب بشأنه.. وإنما ينبغي أن نتداعى لمعاضدة الجهود ووحدتها من أجل وقف حمامات الدم ومطحنة الآلة الجهنمية بفرض إرادة الحياة والحرية...

لقد حاول النظام السوري عبر تكرار ممارسته وإجراءاته الترقيعية ذر الرماد في عيون (البعض).. ودفع بتغييرات شكلية على تشكيلته الحكومية بتغيير بعض وجوه؛ كما حاول ترحيل بعض جرائمه بتحميلها لبضع أنفار. وفي القضية الكوردية حيث جملة من المطالب الجوهرية التي تبدأ بالقضايا المطلبية الحقوقية والتي يتشاطر فيها الكورد وجميع أبناء سوريا ولكنها لا تنتهي بقضية سامية كالاعتراف الرسمي بهوية الكورد ووجودهم القومي وحقوقهم المكفولة في المواثيق والقوانين الدولية...

إنَّ الشبيبة الكوردية المنتفضة وتضحياتها الجسام لا يمكنها أن تتوقف في حراكها الجماهيري الحاشد لما يلقيه النظام من فتات من مثل القانون 49 الذي أصدروه بتاريخ 7 نيسان 2011.. فهي من الوعي ما ترى فيه أن الخلل الحقيقي موجود في طبيعة النظام القائم على إلحاق الدولة ومؤسساتها بحزب شمولي دكتاتوري وإفراغها من وظائفها في خدمة المجتمع.. كما تكمن في الطبيعة القمعية والأداء البوليسي المؤسس على إرهاب الدولة.. وتلكم السمات عفا عليها الزمن وبات حتميا تغييرها جوهريا جذريا...

إنَّ الحل الذي نراه، مثلما ترفع الشبيبة الكوردية (شعارات معالجته) متكاتفة مع مجموع الشبيبة السورية، يكمن في تخلي النظام عن هذه الطبيعة وعن فلسفة القمع والتحول عبر مرحلة انتقالية إلى إعداد الأجواء لتسليم السلطة للشعب ولمن يقرر انتخابه ديموقراطيا، بعيدا عن التسلط والقمع والطغيان..

إننا إذ نعلن تضامننا الوطيد والكامل مع شبيبتنا المنتفضة، نطالب أن تتوقف السلطات السورية عن أنشطة المماطلة والتسويف كونها الغطاء التضليلي لجرائم التصفيات الدموية البشعة لمظاهرات الشعب السلمية.. ونشارك المحتجين وطلائعهم في أن الحل يكمن في البديل الديموقراطي بتغيير جذري يقوم على مشاركة حقيقية من شرائح المجتمع السوري كافة، بما يلبي الانعتاق والتحرر وبناء الدولة المدنية الديموقراطية بعد عقود من الهيمنة والإستبداد.

ومن أجل ذلك فإن أي حوار ذا مصداقية لن يأتي إلا عبر ممثلي هذه الجموع الهادرة في الميادين وطلائعها السياسية، وخاصة الشعب الكوردي وشبيبته وطلائعه والرضوخ لإرادة التظاهر السلمي...

إننا ندعو قوى الحرية والسلام، قوى الديموقراطية والتقدم لمزيد من التضامن مع الشبيبة الكوردية في غرب كوردستان وعموم الشبيبة السورية من أجل وقف ألاعيب النظام وجرائمه ومن أجل وقف تدهور الأوضاع ووقف سفك الدماء؛ وهو الأمر الذي سيؤدي حتما لانتصار إرادة الشعب في الحل الحقيقي الملبي لمطالب الاعتراف بالهوية الكوردية وتلبية الحقوق السياسية الثقافية الاجتماعية ومعالجة الغبن والمآسي التي تعرض لها الكورد وتسجيل ذلك دستوريا...

وسيتعين من أجل ذلك، لا الاكتفاء بإلغاء قانون الطوارئ بل وضع البديل الدستوري الذي يكفل كل تلك المطالب ويسجلها دستوريا ويتقدم لبناء المؤسسات القانونية التي ترعى الاستجابة الفعلية لمطالب الشعب..

تحية لشهداء الحرية والديموقرطية في غرب كوردستان وفي أرجاء سوريا كافة، وندعو لمزيد من التضامن مطالبين المجتمع الدولي بالضغط على النظام السوري من أجل معالجة جدية مسؤولة تكفل الكف عن تصويب الرصاص الحي إلى صدور الشبيبة المحتجة، ومؤكدين أن زمن الضيم والظلم والاستبداد قد ولى بلا رجعة.. وأن إرادة الشعوب ستنتصر مهما كانت التضحيات.. واثقين من أن أصواتكم ستضع بصماتها هنا معنا في هذا البيان التضامني..

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

52
الطائفية السياسية في العراق الجديد

تيسير عبدالجبار الآلوسي
 

في العراق الديموقراطي الفديرالي الجديد: تسمو ثقافة التعددية والتنوع والوحدة الوطنية


ومضات وإضاءات مفيدة:
تحية لإدارة هذه الأماسي الثقافية وتوجهها الوطني.
تحية للحضور الذي من دونه لا تكون من نتيجة للحوار المفتوح
تحية للرسمي وللشعبي في لقاء يغير من صورة العلائق السلبية بين مؤسسات الدولة والمجتمع ويغير من الأدوار ويدفع بها إلى أمام
تحية لتعميد الحوار الموضوعي الهادئ وخطاب التسامح وأن نقبل بالنقد مهما تعمق وبدا في إصابته جوهر ما نؤمن به فلربما الحقيقة لا تكمن بين أيدينا ولنبدأ حوارنا بموضوعية التعاطي لا شخصنة ولا فردنة ولا يحط من قيمة إنسان أنه يتبنى الرأي الآخر لأنه سيجد فيه الصواب بل يعلي من شانه أنه يحمل منطقا متفتحا ونحن العراقيين لطالما كنا اصحاب منطق عقلي
ولن ينفعنا مجاملات تبادل الكلمات الروتينية المعهودة فيما تختفي المصارحة والمكاشفة الجوهرية

الأحبة الأعزاء
بسؤال ما الثقافة؟ وبالإجابة عنه سيفضي الأمر إلى تسهيل مهمة فتح قنوات حوار حقيقية لا زيف فيها ولا تمظهر

فالثقافة هي:
1. المركب الذي يشمل المعرفة الإنسانية وتراكمها والقيم الأخلاقية والقوانين والأعراف والمعتقدات ومنتجات الآداب والفنون وجملة الإمكانات والعادات الموجهة لسلوك أبناء مجتمع بعينه.
2. والثقافة تمثل تاريخيا عامل التقاليد أو الإرث التراكمي والوليد الجديد الذي سيؤسس للتالي أيضا. وهي عملية تربوية نفسية من جهة اكتسابها وتعلمها وتناقلها وتفاعلها ما يمنحها قدرة التكيف والتبني العائدة لخصائص الإنسان الفرد والجماعة..
3. على أنه من المهم دوما مع حال الاعتراف بالتنوع والثراء في الثقافات أن نعود إلى القواسم المشتركة إنسانيا لطابع تطورها جذورا وولادة ومستقبلا وتطلعا بشريا موحدا.. فالثقافة توجه روحي للسيطرة على الطبيعي العشوائي وتدعيم القيمي الجمعي المشترك للوجود الإنساني حيث الأصل الاجتماعي لتلك القيم والأعراف والتقاليد المكوِّنة للثقافة...
على أنَّ هذا لا يعني لا الانفصال التعارضي بين الثقافات المتعددة ولا الاندماج بطريقة إلغاء شخصية الثقافات التعددية وتنوعها واستقلاليتها لكننا بعامة نجابه بثقافتين إحداهما الثقافة الإنسانية ثابتة التطور مفتوحته والأخرى هي الثقافة المغلقة الجامدة بمقابل الثقافة الحركية المفتوحة الي نتحدث عنها... وعلينا أن نتذكر هذا المدخل بقصد الإفادة من الحديث عن التنوع والتعددية من جهة وعن الوحدة في التنوع مصطلحا لا يلغي التعدد واستقلالية شخصيات أطراف هذا التعدد وحقهم في التعبير المشروط بمحددات موضوعية للمنطق العقلي وللوجود الإنساني وفرضياته...
من هنا سيكون لي تعريج هنا وآخر هناك بحسب الضرورة إلى معارف مساعدة لتوضيح الاصطلاح لربما سيساعدنا علم اللغة والمعاجم وعلم النفس والاجتماع وبالتأكيد علم السياسة وهكذا...


مدخل في جذور الطائفية ومفهومها
الطائفية لغة: مصدر صناعي أو اصطلاح مشتق من لفظ طاف، يطوف طوافا، فهو طائف وبهذا فالطائف يبقى ملازما ملتصقا بما يطوف أو يدور في فلكه؛ كما الجزء من كل لا فكاك له منه. وإذا كان الأمر ماديا يرتبط بدوران الجزء في إطار الكل، فإن الأمر سيتخذ المنحى ذاته بقدر تعلق الأمر بالطائفي فكرا وهو اللفظ الذي يشير إلى كل ما ينسب إلى الطائفة. وطبعا نقصد بالطائفة: جماعة من الناس أو فرقة منهم كقولك:(طائفة من المؤمنين أو طائفة من الساسة أو طائفة من المفكرين) وهكذا يكون القصد هنا جماعة أو فرقة منهم على أن يكون الرابط بين مكونات الطائفة ارتباط كل طرف (شخص) فيها بطريقة التبعية السلبية.. وكيما نؤكد حقيقة الارتباط والتبعية نلاحظ الدلالة الأخرى للطائفة كونها: بعض الشيء أو قطعة منه.. كقولك طائفة من الليل أي بعض منه [أذكـِّر أن العرب استخدمت طائفة من الليل أكثر من استخدامها طائفة من النهار ربما لدلالة سلبية أو لنقل للسلب في الحركة حيث الطائف تابع لما يطوف حوله وفي إطاره مُنـْشـَدّ إليه بتسليم تام في الأداء يلغي أي دور نقدي أو مراجعة من الجزء للكل ومركزه].. وبهذا [نستنتج] أنَّ الطائفي هو شخص متعصِّب لطائفة تنغلق على مركز أو اعتقاد أو نمط تفكير ويرد [بحيادية] في المعجم العربي الأساسي ص803 أنه المتعصب لطائفة ذات مذهب معين. والطائفية مصدر يتضمن محتوى لمفهوم التعصب لطائفة ذات مذهب معين [ومرة أخرى كما يقول المعجم لأننا بصدد الاستقراء والاستنتاج لاحقا لمفهوم ربما يكون مختلفا عن معالجة المعاجم اللغوية المحدودة في القراءة فكريا أو سياسيا بالإشارة إلى سمات الانغلاق والسلب في الأداء] إذ التعصب هنا ليس لمذهب بمعنى اختيار الاعتقاد أو الإيمان باجتهاد (ديني) كما هو تعريف المذهب وإنما التعصب بالانشداد والتبعية السلبية واستلاب لإرادة الطائفي في مواجهة حركة الطائفية؛ على طريقة انصر أخاك ظالما أو مظلوما أو على طريقة بيت الشعر:
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
يقول برهان غليون في مؤلفه "الطائفية في الدولة والمجتمع": إن الطائفية تنتمي إلى ميدان السياسة لا إلى مجال الدين والعقيدة، وأنها تشكل سوقا موازية، أي [سوقا] سوداء للسياسة، أكثر مما تعكس إرادة تعميم قيم أو مبادئ أو مذاهب دينية لجماعة خاصة".
إذن، الطائفية فكرا سياسيا ليست تعبيرا عن التعدد المذهبي الديني، إذ أن قراءة تاريخنا القديم والحديث يشير بوضوح إلى وجود المجتمعات متعددة الطوائف الدينية أو الإثنية من دون أن يكون ذلك قد أدى إلى نشوء دولة طائفية أو سيادة الطائفية على الحياة السياسية، ومن ثمَّ تقديم الولاء الطائفي على الولاء للدولة وعموم المجتمع الإنساني المتكافئ وقانونه العادل الممثل للجميع والسائد عليهم بالتساوي.
لقد سجَّل المجتمع البشري منذ ولادة حضاراته الأولى تعددية دينية حتى كان لكل عائلة [كبيرة] إلهها ودينها ولكل جماعة، بمعنى طائفة من المجموعة البشرية أو القوم، (دين) أو (مذهب) ولكن سنّة التطور في المجتمع ومن ثم في النظام الاقتصا-اجتماعي العام اتجهت إلى قيم التحضر والتمدن أي إلى ولادة مجتمع دولة المدينة وما أعقبه من تطورات قامت على ولادة قوانين هذه الدولة المدنية التي قدمت الولاء للوجود المدني على أي ولاء آخر...
ومع ولادة الديانات التوحيدية الكبرى الإبراهيمية وغيرها وسيادة تعاليمها ولدت معها فرص الاتساع في قراءات نصوصها الرئيسة بمعنى فرص الاجتهاد (الديني) وهو الأمر الذي ولدت في إطاره المذاهب الدينية بقاعدة الاجتهاد لتسهيل الفهم والأداء؛ والاجتهاد هنا فعل إيجاب لا سلب.. وهذا بخلاف مفهوم الطائفة إذ هي فعل سلب لا إيجاب. والبحث عن علاقة بين المؤمن ونصه الديني تمر أما عبر آلية إيجاب بالمرور عبر المذهب بمعنى الاجتهاد ما يتيح رفض إلزامية الإحادية المذهبية لأن الإشكالية هنا تعني البحث عن مساعد لإدراك نص بأفضلية وأدائه بأسهل الممكنات المتاحة [مثال؟]. وأما عبر آلية سلب بالمرور عبر الطائفي بمعنى التبعية والانغلاق وإلزامية أحادية الطريق الطائفي المتخذ لأن الإشكالية هنا تتحول إلى احتماء سلبي بمظلة الطائفة في وقت افتقاد [شاغر] حماية دولة المؤسسة وقوانين المجتمع المدني العامة..
يقول بهذا الصدد الدكتور علي محمد فخرو في مقاله (جدلية ممارسـة الطائفية): "ولم تسلم آخر الرسالات السماوية من المصير نفسه. فانبثقت من الدين الاسلامي الواحد شتى المذاهب المعروفة، وهي في الأساس مبنية على اختلافات بشرية في قراءة النص الأصلي وفي ممارسة أساليب تطبيق النص في الواقع. فوجود المذاهب والمدارس الفكرية الدينية أمر مقبول، بل مطلوب، وبالتالي لا يعني وجود الطائفية، فالطائفية لا تنبني على الاختلاف في الرأي وانما تنبني على التعصب المبتذل للرأي. انها ترفض التعايش مع الآخر وتهدف الى إقصائه أو تهميشه وهي لا تقبل المشاركة العادلة وإنما تمارس الاستحواذ على كل شيء."

متى ظهرت الطائفية؟ ما جذورها التاريخية؟ وكيف ظهرت؟ نترك التفصيل فيه لدراسات أوسع وأعمق بحثيا لفرصة مناسبة أخرى. ولكن باختصار نقول إجابة عن هذه الأسئلة: إنه في الوضع الذي تراجعت فيه المساواة بين الحاكم والمحكوم وفي الوقت الذي بحثت فيه القوى المتحكمة بالسلطة عن مبررات تمرير تجاوزاتها وظلمها عبر تقسيم المجتمع ووضع مكوناته في تعارضات وتناقضات لتوليد التناحر المُشاغِل وفي زمن احتاج الناس للاحتماء بمجموعات منغلقة في إطار مهنها كما في طائفة الحدادين، النجارين، الصاغة وغيرهم [هناك أسباب تاريخية للأمر]في هذا الوقت زرعت أول بذور الطائفية مستغلة استغلاق الخلاف على مستوى مصالح السوق التي تحركها؛ بنظام كم أكسب منك لمجموعتي التي تحميني وتوفر لي التعليم والتدريب فضلا عن الحماية النقابية والتأمينات اللازمة.. كما زرعت البذور الأولى للطائفية مستغلة بشكل أبعد وأشمل خطرا استغلاق الخلاف المذهبي محوّلة إياه إلى انقسام تناقضي بين المؤمنين بدين. بالمناسبة هذه الإشكالية ستتخذ حال تفاقم خطير عندما يستغلها محبو كرسي السلطة المتصارعون عليه فيتشبثون بوسائل تبرير أحقيتهم في السلطان ويوم ظهرت تاريخيا هذه الحال ولدت دويلات الطوائف في القرن الخامس الهجري كما هو معروف.. وتبعها الاحتراب والاقتتال الأمر الذي ألغى أي اهتمام بمؤسسات البناء وخدمة المجتمع الذي تشرذم وانكفى لتقوم بدائل أخرى تمثلت في ولادة عصر النهضة الأوروبي على أنقاض عتمة السلطة الكهنوتية لكنيسة القرون الوسطى ودويلات الطوائف المتهالكة لبقايا الدولتين العباسية والأموية. [بالمناسبة لابد من التذكير هنا بالحروب الدينية المذهبية الطائفية التي عانت منها الأمرَّين دول أوروبا قبيل نقلتها الحديثة]
وفي عصرنا الحديث ومع ازدياد حالات الاستبداد وقسوة الطغيان وهصره الأمور باتجاه التشظي والتقسيم احتمت مكونات اجتماعية بالقبيلة وأخرى بالطائفة بسبب هشاشة الوجود القبلي لديها لأسباب تاريخية [طبيعة التشكيلة الاقتصا اجتماعية- الاقطاع في بعض أقاليم الوطن] وبسبب من هزال قراءة ظاهرة التعددية الدينية والمذهبية اجتماعيا (في إطار المجتمع) وعدم القدرة على قراءة معنى الطائفية السياسية بوصفها آلية مرضية تتقاطع عدائيا والتعددية ولا تعبر عنها أي لا تعبرعن التعددية في المجتمع..
غير أنّ بعض تداعيات التجربة الحياتية العملية أثر في الوعي الجمعي (المرتبك أصلا)، فجعل أثر تلك التجاريب مجتمع الطائفة يشعر بحماقة العلاقات الطائفية وماضويتها ومرضيتها، لكنه لم يستطع التخلص من تمكنها من سلوكياته وأدائه وطبعا من مستوى فهمه وتحليله المرتبك أو غير الناضج.. الأمر الذي دفع للعبة [الازدواجية] وطاقية التخفي والظهور بمظهر التمسك بالروح الوطني ومسمياته (شكليا) على مستوى الفرد المواطن البسيط وعلى مستوى السياسي أو الزعيم أو الحزب السياسي، ونقول اسميا شكليا أي بصورة مفرغة من كل (جوهر وطني) ومن كل (معنى وطني) حقيقي!
ومن الطبيعي هنا أن تستغل الطائفية السياسية الفرصة لتتمكن من الأوضاع ومسك زمام أمور السلطة وتوجيهها لمآربها ومصالحها الضيقة بإشاعة متجددة الولادة لحال القبول السلبي بالتعايش مع الممارسات الطائفية على مستوى الدولة ومؤسساتها المريضة.
يساعدها [الطائفية السياسية وزعاماتها] هنا غياب العدالة في الدفع باتجاه اللجوء للحماية العجلى المباشرة (للطائفة) وعدم انتظار قيام مؤسسة الدولة أو المجتمع التي قد لا تأتي في عمر الفرد وعائلته وهو أمر يعززه مفهوم (الشعلينة لازم) أو ما مسؤوليتي ولست أنا الذي سيغير العالم، بمعنى القبول بتداعيات الانقسام الطائفي ونتائجه مع معرفته بخطل آلياته وكارثيتها عليه من جهة من جهاتها أي من جهة حقوقه وتفاصيل يومه العادي. [بمعنى مساهمة الزعامة الطائفية في إشاعة انعدام العدل بقصد واضح لإدامة استيلاد اللجوء إلى أحضان الطائفية مع تعزيز لمبدأ التبرير بشأن ما تسميه ردود فعل المظلومين]
ولأن الطائفية سياسية بالجوهر، فلا يمكن القبول بتبرير وجودها كونها بالضرورة والحتم مرتبطة بالدين والطائفة وأنها مجرد (رد فعل مظلوم) وقع عليه حيف أو ظلم بسبب انتمائه إلى مذهب أو طائفة.. لكن ما يحصل هو أن الطائفية السياسية تعتاش وتتغذى على وجود أحداث ووقائع تصطبغ بالصراع على أساس الانتماء للمذهب والطائفة وتنمو باستغلال مثل هذه الأجواء [ أمثلة على اختراع وقائع تاريخية موضوعة لا سند تاريخي موثوق على صحتها لتأجيج الأمور عبر اختلاق تلك الجذور وكذلك اختلاق تفسيرات وتفاصيل تأويلية للوقائع المعاصرة بما يؤدي الدور ذاته وتلك مسؤولية الساسة والإعلام]... وما قد يزيد الطين بلة أن يجري تصوير موقف الطوائف الأخرى وكأنه مهادن للظلم الواقع على طائفة بعينها أو يقف سلبيا متفرجا تجاه المظالم التي تقع على أساس طائفي.. وهذا التصوير لا يقصد إثارة رد الفعل الطائفي وتعزيز خطابه حسب بل أبعد من ذلك كسب شرعية وجود الطائفية السياسية كونها الحل البديل في أجواء وجود المظالم والتعسف بمنطلقات طائفية الأسباب والدواعي[ أذكر بحكاية المبالغات والتأويلات لتوصيف جميع السنة بمهادنة وصمت عن المظالم التي لحقت بالشيعة وهو تصوير يغمط حقيقة أن جرائم الطاغية وقعت بحق الشعب العراقي بكل أطيافه بل أنه أحرق نفسه بخطله ومغامراته]..
وأعود للقول: إنّ التجربة الوطنية العراقية وكذلك تجاريب عدد من دول المنطقة أكدت أن مكونات المجتمع لم تتصرف بمنطلقات طائفية بل رفضت ذلك وتبنت الأساس الوطني في مسيرتها القديمة والمعاصرة كما أن القوى الوطنية الممثلة لأطياف المجتمع وطنيا إنسانيا ساهمت إيجابيا في المشاركة بكل أنشطة الدفاع عن حقوق المواطنين ومكونات المجتمع على الصعيد الوطني المفتوح على الجميع بلا استثناء أو تمييز.. ولم يكن الشيعي يتحدث بروح طائفي في دفاعه عن أخيه في الوطن سواء السني أم المسيحي أم الأيزيدي ولم يكن السني ينطلق من روح طائفي في دفاعه عن أخيه في الوطن سواء الشيعي أم المندائي أم الكاكائي أم من أي مكون ديني أو مذهبي كان.. ومثل هذا حصل في مصر بمسلميها وأقباطها أو بسوريا ولبنان وفي دول الخليج العربي ما يجعلنا نصل إلى نتيجة مفادها أن الطائفية ليست شيعية أو سنية [مثلما لم تكن كاثوليكية أو أرثودوكسية أو بروتستانتية] وهي لا تنتمي إلى أي مجموعة دينية أو مذهبية إلا من جهة تضليلية أي خلق الغطاء الديني الطائفي للفعل السياسي ومحاولة شرعنة أدواته وأفعاله..
يقول الدكتور فخرو: "إن ما سينفي وجود المشهد الأول المتمثل في وجود طائفة مظلومة وينفي الحاجة إلى المشهد الثاني المتمثل في وجود طوائف متعاطفة هو قيام الحياة السياسية على مبادىء وممارسات الديمقراطية. بوجود ديمقراطية عادلة وانتقال المجتمع إلى مبدأ المواطنة التي تحكم ممارستها القوانين المطبقة على الجميع والمساوية للجميع في الحقوق والواجبات".
وقد نترك تفاصيل التعريف بالطائفية واسسها السياسية لا الدينية لمواضع أخرى من هذا السمينار

تجربة الطائفية السياسية وممارساتها
[[شوية تحملوا الأمر هنا لأنه لا ينصب على معاداة أحد بقدر ما ينصب على نقد إفرازات الطائفية]]

لنلاحظ بعض المساقات والممارسات التي تأتي بها الطائفية السياسية ومنها كارثية صراعات ساستها وزعاماتها كونها صراعا غابويا لا يحكمه قانون ولا يرعوي لحرمة. إنّ سياسة الطائفية السياسية تخلق أرضية تراجعات خطيرة وبدل توظيف الفرص التاريخية في عصر الثورة التكنولوجية والعولمة واندماج الاقتصادات وتفاعلها البنيوي لاطلاق عملية إعادة إعمار الذات الوطني المخرّب، يتمّ في ظل الطائفية السياسية إطلاق عوامل التخلف والانكفاء الماضوي باتجاه مرحلة مظلمة في تاريخ البشرية هي مرحلة دويلات (الطوائف) التي أثبتت التجربة الإنسانية لا خطلها حسب بل دموية وبشاعة آثارها التي تركتها لنا تلك التجربة.. دعونا نحاول أن نسجل هنا بعض ما نجم عنها بالآتي:
1. في وضع البلدان النامية حاليا خلقت هذه السياسة تراجع الوضع الاقتصادي في البلاد وتحديدا في مستويي الزراعة والصناعة إلى أدنى مستوى بسبب من الانشغال عن مشروعات التحديث والتطوير. دعونا نتذكر أن الاقتصاد السائد والممكن على وفق خطط وقدرات (الطائفية السياسية) هو الاقتصاد الريعي الطفيلي وأن الأهمية في أغلب الأنشطة تنطلق من تحقيق أكبر سطو لصالح المتحكمين بالكراسي والامتيازات[هل يمكن أن نسترجع النموذج الأندلسي تاريخيا وأن نتحدث عن نموذج أفريقي وعن النموذج العراقي راهنيا؟]
2. وتخلق فلسفة الطائفية السياسية حكومة هزيلة لا تستطيع العمل بشكل مؤسساتي جمعي وهي لا تستطيع أيضا الإشراف على مؤسسات الدولة كون هذه المؤسسات تنفصل عن بعضها بعضا وربما تتقاطع في أداءات تتناقض في الخطط المرسومة وفي التوجهات وآليات العمل لا تتوافر فيها أية فرصة للتكامل ما يمنع إمكانات النجاح لأي مشروع أو مؤسسة. [ربما من هنا الخشية من التصريح بطائفية المرجعية والاستحياء من تلك الإجرءاءات والممارسات الطائفية التي تشي بالحقيقة في بعض الأحيان]
3. آليات الحركة والعمل هي آليات بطرياركية أبوية تُبرز مرجعية (ربما الصنمية) وتنهض بمهام تلميع الصورة ومنحها فرص الوجاهة والزعامة عبر سوق الحسنات والمكارم وهدايا ذر الرماد في العيون في وقت تتحكم بالمشهد بشكل نهائي حاسم ولا تسمح لأية مؤسسة دستورية أن تتحرك بمواجهة حركتها أو بالتوازي معها... وفي هذه الأجواء يجري خلق الزعامات العصماء وإيجاد أرضية الصنمية والتبعية المطلقة ولغة الإذعان لتلك الرموز العليا بوصفها الملاذ والملجأ الوحيد بلا وجود لبديل موضوعي... [هل يمكن الحديث عن تعطيل دور البرلمان في اتخاذ قرار بشأن عقدة تشكيل الحكومة العراقية؟]..
4. وتخلق الطائفية السياسية ثوابت منهجية في افتعال مستمر لوجود بعبع للتهديد وإثارة الهلع والرعب في الحياة العامة.. وهو ما يساعد على الدفع باتجاه اللجوء في كل تفاصيل الحياة إلى الركون لحماية سلبية من جهة وإلى تحليل المجريات بالغيبيات واللاهوت بعيدا عن أية حلول علمية بمعنى تعطيل العقل العلمي وإشاعة التخلف والحط من مكانة التعليم ومؤسسات البحث العلمي..[هل يمكن الحديث عن اوضاع التعليم في العراق الجديد]
5. والطائفية السياسية تشيع فلسفة التبرير لكل ما يصب في خانة فلسفتها ومصالحها الضيقة من أشكال التعذيب والانتقام تجاه المخالفين إلى تعطيل آليات العمل المؤسساتي الديموقراطي كالتداول السلمي للسلطة برفع شعارات مضللة بأحقية طرف طائفي وزعاماته من دون ممثلي المجتمع المدني وطنيا...
6. كما تشيع الطائفية السياسية فلسفات الفكر الماضوي السلفي سواء باختلاق سلفية مقيتة مرفوضة تمثل بعبعا همجيا عنفيا يتقاطع مع استدعاء طقسي لمظلومية تاريخية لا بقصد دراستها والاتعاظ منها كما يدعو المنطق العقلي بل لاستثارة أشكال الاحتراب والاقتتال والروح الانتقامي الثأري الذي لا يفضي إلا إلى حرب أهلية تستعيد منطق حرب البسوس وداحس والغبراء (الجاهلية) فكرا ولكنها تؤدي إلى حروب الإبادة الجماعية المعاصرة كارثيةَ َ وبشاعة..
7. والطائفية السياسية أحادية المنطق تلغي الآخر ولا تعترف به لأنها تقوم على التقسيم مبدأ أولا ومن ثم على الأنا الذي لا يقبل حتى بوجود منافس ولا نقول آخر.. إن وجودها يقوم على مفهوم ((بقائي أنا ودوني الموت))... كما أنها بهذا الأنا الجديد تمثل النموذج الأسوأ للطغاة كون الأنا هذه تحتمي بالمقدس الديني وتجمع في قبضتها كل السلطات الدينية الأخروية إلى جانب الدنوية بمفاصلها التنفيذية والتشريعية والقضائية..
8. وهي بفلسفتها تحمي الفساد وتؤسس له بأوسع وأشمل بواباته لأنها تدافع عن حاشيتها وتحميهم وتضعهم فوق القانون أي قانون كان.
9. وبعد فمن تجربة الطائفية السياسية وممارستها محليا نرصد الآتي:
أ‌. تشكيل الميليشيات والعصابات المنظمة المسلحة التي تمارس أشكال العنف من خطف وترهيب وترويع وتقتيل وتصفيات بشعة.. [جرى الادعاء بخروقات فردية وتبريرها بردود فعل متشنجة فضلا عن عدم الإعلان عن أغلب إن لم نقل كل الجرائم المرتكبة، مثال اغتيالات طاولت العقل العراقي وزعامات من أطراف مكونات المجتمع العراقي-- أما هزال المؤسسة الأمنية أو سطوة فلسفة الطائفية واختراقها تلك المؤسسة نظرا للحجم النوعي الكبير الذي لا يبرر بالفردي ]
ب‌. افتعال الحرب الأهلية والصراعات الدموية بين مكونات المجتمع على أسس طائفية.. بالقيام بعمليات مزدوجة على طرفي المعادلة بما يصوّر الأمر بأنه اعتداء من طرف مجتمعي ضد آخر.. مع تعزيز الاحتقان الطائفي بكل الممارسات التعبوية المخطط لها بمكر ودهاء.. [وقائع 2006]
ت‌. إشاعة المحاصصة في دوائر الدولة، تحويل المسؤوليات الرسمية إلى وجاهات وكراس مع تثبيت ملكية كل منصب ومنها المسؤوليات السيادية وتبعيتها لطرف على أساس طائفي بحت.. وفي الوقت ذاته منع أي خطاب وطني من الظهور كبديل موضوعي للتقدم بالعملية السياسية وتطويرها وإنضاج مسيرتها.
ث‌. إثارة نعرات مناطقية ومحاولة إشاعة الروح الانفصالي التقسيمي بين محافظات الوطن وأقاليمه.. ووضع الأمور بطريقة تتعارض والتكاملية والخطط الوطنية للتطور وتوزيع الثروة..
ج‌. إشاعة الخشية والرعب من توجيه أي نقد لفرد في المجموعة فما بالك عندما يوجه النقد لإجراء اتخذه زعيم في مجموعة سياسية، هنا النقد محظور ممنوع بسبب من عامل العصبة ورابطة العصبية الطائفية ومن استبدال الرهط وتمييعه بالزعيم المرجع ومن ثمّ التزمت والهلع من قبول أو الاستماع لنقد مهما التزم التهدئة والموضوعية.. وفي هذا تعطيل خطير





ولمزيد من تسليط الضوء واختزالا للوقت لنبحث الأمر ببعض أوجهه الآتية:
الطائفية السياسية وحقوق الإنسان
كيف يمكننا فهم حقوق الإنسان في ضوء الطائفية السياسية؟ وكيف يمكننا تحقيقها وتلبيتها؟
ربما سيكون مفيدا هنا التذكير بأن ما نجم عن فلسفة الطائفية السياسية من أجواء العنف الدموي وتوفير أغطية الفساد بأعلى مستوياته النوعية عالميا هو العقبة الكأداء أمام أي تفكير بحقوق الإنسان..
فالبحث عن توفير أمن المواطن لا ينطلق من وجود بنية مؤسساتية قادرة على التعاطي مهامها ومسؤولياتها وطنيا ودليلنا الوضع العام في بلدان مثل لبنان وبعض دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط ومنها العراق بالتأكيد.. إذ المؤسسة الأمنية تقف عند تخوم الانقسام الطائفي ولا تستطيع اتخاذ قرار مهني حرفي في إطار مسؤولياتها عندما يصل الأمر إلى الحدود التي رسمها التقسيم الطائفي سواء جغرافيا على الأرض كما في بيروت الغربية وبقية الضواحي والتقسيمات أم سياسيا عندما يصل الأمر لشخصية محمية من أحد الأطراف والأمثلة هنا تمتد حتى تصل لا أحيانا بل كثيرا إلى أدنى أدوات التنفيذ والصراع من جنود وأفراد القوى المتضاربة.. دع عنك مسألة الأمن الوطني بمستوى شلل المؤسسة الأمنية أمام اختراقات لاحصر لها..
ولنتجه باتجاه وزارة العدل وسجونها والسجناء عندما يكونوا بالآلاف وعشرات الآلاف وتجري عمليات التعذيب المحظورة دوليا كما تجري عمليات الاغتصاب وحتى القتل أو الاغتيال بطريقة منهجية منظمة في رصد واضح لتنفيذ حالات انتقام بشعة...
وكيف هي حقوق التعليم في مدرسة بلا مناهج علمية وفي جامعة تسطو على قاعات المحاضرة عمليات إرهاب الأساتذة إذا ما تجاوزوا خطوط الجهل المضروبة على المعارف المسموح بها في قاعة الدرس والبحث العلمي.. [وللحديث هنا تفاصيل] مثلا ممارسة فرض إجراء طقوس العزاء في رياض أطفال ومدارس في مراحل مبكرة من العمر بكل التداعيات النفسية التربوية والقيمية التي ستنجم عن هذه الممارسات.. وما جرى بشأن تعيين رئاسات جامعات أو لافتات السواد على جميع جدران الصفوف والقاعات غيرها في احتلال غير مسبوق وأسلمة مطلقة للأجواء طائفيا ما يثير رعبا وهلعا انقساميا واضحا..
ومحاولة أسلمة المؤسسات والمكونات المجتمعية المختلفة كما في إرهاب أبناء المجموعات الدينية الأخرى من مسيحيين ومندائيين وأيزديين وبهائيين وكاكائيين وشبك ويهود ومما جرى عمليات قتل واختطاف واغتصاب وترويع وتهديد وابتزاز بكل أشكال هذه الأفاعيل وحشية وبشاعة.. أما أسلمة المؤسسات فيمكن للناظر أن يلاحظ ممارسة الصلوات حتى خارج مواعيدها وفي أماكن مفتوحة مقصود اختيارها لعرقلة عمل المؤسسة المدنية وليس ممارسة الطقس الديني ذاته.. وهذه مجددا أمور تجري بمنهجية وبأوامر القوى التي تحتفظ بقوة التسلط على الناس..
وفي شأن الصحة العامة فإن التلوث البيئي الأخطر عالميا من بقايا اشعاع ومن مخلفات باتت بعض الدول تدفع بها عبر وديان الأنهار المقطوعة مياهها وعدم وجود استيعاب حقيقي للمستشفيات سواء من غرف عمليات أو غرف وأسرّة المرضى أو المختبرات والمرافق الملحقة فضلا عن تهجير قسري للمتخصصين
والظروف المعاشية ومعاناة الأزمات الغذائية وتوريد مستهلكات خارج الصلاحية أو ملوثة أو مخلوطة وثغرات الحصة التموينية ورفع العقوبات عن متهمين بقرارات غير قضائية ومثالنا هنا أن جرائم الفساد في وزارة التجارة انتهت بلا مدان
أما الأرامل والأيتام فليس لهم حتى رب يحميهم إذ لا حرمة لله أمام يشاعات الانتهاكات الجارية وتجارة الرقيق الأبيض باتت مشخورة في دمشق وغيرها...........


ومثل هذا وغيره حق المواطن في الشفافية وهو لا يعلم أية إحصائية عن مجريات الموازنات سوى قراءة أرقام بطريقة جعجعة بلا طحن إذ 300 مليار تم صرفها ولا أثر لمتغير لا في المكهرباء ولا في الماء

وحقوق التنظيم المهني النقابي تقمع بقوانين الطاغية المهزوم بطريقة منع التنظيم النقابي في وزارة النفط على أساس أن لا وجود للعمال والجميع موظفين وعلى طريقة منع نقابات الكهرباء كافة لأنها على وفق معالي الوزير تتعارض ومسيرة الانتاج!!؟ فيما يجري ترتيب تنظيمات على الطريقة البعثفاشية بإلحاقها بأحزاب السلطة الدينية الطائفية

الطائفية السياسية وحقوق المواطن (إلغاء المواطنة)
لا مواطنة في دولة الطائفية السياسية إذ المواطن تابع لحلقة أضيق بوضوح هي تبعيته لجهة طائفية وهو لا يتبع حتى طائفته لأن الطائفية السياسية تختزل المجموع في حزبها وفي زعامتها وتضع هؤلاء بديلا عن الجمهور


تعارض الطائفية السياسية والوحدة الوطنية

إن فشل قوة سياسية في إدارة الدولة (وطنيا) يمثل عجزها تجاه إمكان تحقيق سياسة موضوعية وطنية سليمة، بمعنى يمثل فشلها المخصوص بها أكثر مما يمثل أو يعبر عن تخلف مكونات المجتمع وسيادة الأميتين الأبجدية والمدنية أو ادعاء السبب في سيادة التعصب لهذا المذهب أو ذاك كما أنه لا يعبر عن عدم وجود الكفايات البشرية والمادية للتطور [العراق يملك قدرات علمية متقدمة كما يملك ثروات هائلة ومجموع الميزانية للسنوات العجاف كانت مغطاة من الثروة التي دخلت دع عنك الدعم الدولي]. وكيما تتحقق انطلاقة متغيرات جدية في واقعنا كما يقول الدكتور فخرو: "ليس المطلوب أن يتحرر المجتمع المدني من عصبياته أو تضامناته الطبيعية المتعددة، الدينية أو المذهبية أو الإثنية التي تعكس واقع الحال، خاصة في مجتمعات تقليدية، أو خارجة حديثا من التقاليد، وإنما أن تتحرر النخبة السياسية من تماهياتها الجزئية لتتمكن من تجسيد مثال الوطنية وأن تحرر معها الدولة ومؤسساتها من احتمال ارتهانها للعصبيات الخاصة، حتى تتحول بفضل سياساتها الوطنية إلى دولة أمة، أي دولة مواطنيها."
لقد تأسست دول المنطقة من دون أن تتعرض لتهديد من التعددية التي اتسمت بها بكل مستوياتها القومية والدينية والطائفية وبهذا وقفت مكونات المجتمع موقفا موحدا من القضايا الرئيسة حينها.. وقد تأسست بانطلاقة وطنية في وقت ساد مجتمعاتها في مطلع التأسيس ضيم التقاليد البالية إلى جانب ضغوط النظام العام في بعض المفاصل، وعلى الرغم من الطبيعة التعددية ومن ظروف التخلف فإن أبرز التشكيلات الحزبية السياسية والنقابية تشكلت على أساس النضال الوطني لتحقيق الاستقلال والشروع بجهود النهضة والتقدم. وما زالت تلك القوى وجمهورها الشعبي العريض في مسيرة الدفاع عن القيم الوطنية ورفض النزعات التقسيمية التي باتت تشكل عامل ضغط خطير بسبب من التناغم مع قوى الدعم اللوجيستي ومخالب التدخلات الأجنبية الدولية والإقليمية.. [تذكير بعصبة مكافحة الاستعمار والاستثمار ومسميات حزب الشعب والوطني الديموقراطي وبرامج تلك الأحزاب وممارستها]
إنّ التمسك بالبعد الوطني ورفض التبعية يقف على تقاطع مع قوة الدعاية التي تحملها الطائفية السياسية بزعمها التعبير عن أتباع المذهب وأبناء الطائفة وبأن تنسيقها مع نظم سياسية إقليمية يعبر عن مصلحة أبناء الطائفة على حساب وجودها الوطني الذي يمثل استغلالا مزعوما لها.. ولكن ممن يأتي الاستغلال على المستوى الوطني عندما تكون أحزاب الطائفية ذاتها هي من يحكم البلاد والعباد؟ لا يجيبون [أو يتعكزون على مبررات لا تقوى على إقناع أمي] لأن القصد تمرير لعبة التدخل بحصان طروادة...
إن تراث النضال الوطني ما زال من القوة بما لا يقبل المحو والإغفال وما زال المجتمع حي الذاكرة قوي التمسك بمبادئ الوطنية ورفض التقسيمات والتشظيات التي تتعارض وتطلعاته في عالم يتجه إلى التوحيد والاندماجات ومن هنا نجح مشروع الفديرالية عراقيا بقدر تعلقه بكوردستان لإيمان الشعب بصواب هذا الاتجاه وصحة التجاريب المعاصرة بشأنه مثلما يستجيب موضوعيا بصواب ودقة في العراق لكن الفدرلة بمعنى التشظي على أساس طائفي رفضتها جموع الشعب العراقي سواء بالتصويتات التي جرت كما في البصرة أم في مستويات ووسائل أخرى حتى أننا بتنا أمام تراجع بارز و بيِّن لأصوات حركات عوَّلت على معزوفة الفديرالية الطائفية فتراجعت عنها وإن كان ذلك ربما بشكل مؤقت...
إن دمج آليات الحياة اليومية للشعب بآليات اشتغال مؤسسات الدولة بوساطة منطق الطائفية وفلسفتها التي تمارسها الحركات السياسية الحاكمة وادعاء أن ذلك يمثل التعددية الطائفية تحديدا، أمر من التزييف والخطورة بما لا يقبل حتى توصيف أنه ادعاء تضليلي... فهذه الفلسفة تعني عمليا تعارضا فعليا هو الأخطر مع الوحدة الوطنية ويعني بالملموس تفكيك وحدة المجتمع وعلاقات مكوناته وطنيا وجعل الحركات المتحكمة بمؤسسات الدولة، طائفة تحتكر السلطة والثروة بصورة مطلقة، وتضع نفسها بديلا للشعب وبمواجهة تطلعاته ومطالبه وحقوقه وهي تمارس جهدها لتشظية الواقع ومشاغلته بصراعات هامشية فيما يجري تعطيل كل حركة شعبية من تنظيمات نقابية وحزبية وطنية ومن جمعيات ومؤسسات مجتمع مدني أو إفراغها من محتواها ومن إمكانات التأثير بل أية إمكانية للعمل إلا من فسحة ضيقة عبر حركات احتكار السلطة أي حركة الطائفية السياسية وهي أحادية نخبوية فوقية مهما تعددت مفردات وأشكال تمظهرها.. [مطلوب التذكير هنا بدور وعي أعضاء الحركات في التصدي لانحراف الطائفية عن الوطني ومطالبه والتذكير بدور أعضاء المؤسسات التشريعية والقضائية ودعمهم في جهودهم لا تركهم يواجهون مصيرا مجهولا من التعنيف والتصفية]
وهكذا فالطائفية لم تنبع من مؤسسات دولة الاستقلال الوطني، بل دخلت من منافذ غير محلية وغير وطنية أي من خارج الدولة الوطنية ومجتمعها الموحد، لكن بالتأكيد دخلت في استغلال للأزمة المستفحلة على مستوى الدولة الوطنية بعد متغيرات فلسفة السلطة منذ سبعينات القرن المنصرم كما في صعود البعثفاشية في العراق أو تعزز أشكال السلطة القمعية وصيغ دكتاتورية الطغاة وتفريغ مؤسسات الدولة من قيم العمل الدستوري والصلة بتلبية الحقوق والحاجات، ولكن الطائفية لم تكن يومها الأزمة الرئيسة ولا هي كذلك اليوم في عديد من البلدان. وفي ضوء هذه القراءة لا يمكن دراسة الطائفية بمعزل عن عمليات الدفاع عن تكريس مكاسب (الغنيمة) وامتيازاتها ولا بمعزل عن الأوضاع السياسية العامة لا الأرضية المذهبية الدينية كما يجري تصوير الأمور مغالطة وتضليلا. والطائفية السياسية لا تمتلك آليات مستقلة في أدائها أو وحدة فكرية منهجية ولا يمكنها التقدم أكثر في الوسط الشعبي إلا بالعمل تحت طاقية التخفي وإلا بارتداء الأقنعة وتمرير المآرب من وراء حجاب. ومن هنا فهي توكيدا تعارض مع الوحدة الوطنية والمبادئ الوطنية وما تختفي خلفه هو مسميات وبراقع وهي براقع ليست سهلة الكشف إذ أن بعض الحركات تتمسك بقوة بمسمى (الوطني) وأبعد من ذلك تستعير برامج القوى الديموقراطية الوطنية لتعلنها برامج وطنية لها كما ترفع شعارات وطنية لكنها جميعها تبقى مجرد ألفاظ وحبرا على يافطات الدعاية الكاذبة.. وببساطة يسأل المواطن نفسه هل يملك كهرباء وماء نظيفا وهل يملك تعليما وصحة أو مرتبا يعيله كما يسأل نفسه عن دوره في توجيه الأمور وحسمها أم أن الأمور بيد الزعامات التي تستبدل أصواته وآليات وجوده المؤسساتية عبر البرلمان وعبر النقابات وعبر الأحزاب وعضويتها وعبر مؤسسات المجتمع المدني؟ يسأل هل استتبت أوضاعه وهل أمن على حاله وهل لدمه ثمن بل لحياته بمجملها قيمة؟ والجواب سيأتي ليتحدث عن الحقيقة بسطوع الشمس وبما لايحجبه برقع ولا حجاب وتلكم بعض نتائج الطائفية على الأرض...



الطائفية السياسية وجوهر الفديرالية- نفهمها في التقسيم والتشظي لا في الوحدة والتعاضد


الطائفية السياسية والمعرفة - طبيعة الوعي ومعاداة الثقافة والتنوير
لننطلق من فقرة نقرأها في ويكيبديا بعنوان السياسة والطائفية: ونصها يقول: "معظم الأحيان تكون "الطائفية" السياسية مكرسة من ساسة ليس لديهم التزام ديني أو مذهبي بل هو موقف انتهازي للحصول على "عصبية" كما يسميها بن خلدون أو شعبية كما يطلق عليها في عصرنا هذا ليكون الانتهازي السياسي قادرا على الوصول إلى السلطة. فمجرد الانتماء إلى طائفة أو فقرة أو مذهب لا يجعل الإنسان المنتمي إلى تلك الطائفة طائفيا كما لا يجعله طائفيا عمله لتحسين أوضاع طائفته أو المنطقة التي يعيشون فيها من دون إضرار بحق الآخرين، ولكن الطائفية فكرا والطائفي وجودا هو الذي يعوّل على رفض الطوائف الأخرى وغمطها حقوقها أو هو الذي يُكسب طائفته تلك الحقوق التي لغيرها تعاليا عليها أو تجاهلا لها وتعصبا ضدها والقصد هنا من الطائفة لا جمهور مذهب بعينه بل جماعة تتحكم بالسلطة وتديرها لمصالحها مستبدلة وجودها الفوقي بالآخرين.
من هنا كان الفكر الطائفي يتعارض وأي شكل للوعي يمكن أن يفضح ممارساته ويزيل الأقنعة التي يتستر بها الطائفي.. وبالمناسبة الطائفي بالأساس عنصر متخلف بوعيه لا يحمل ثقافة أكثر من قاعدة بيانات معلوماتية تمرر انتهازيته ومآربه المخصوصة. إذ يدير كل شيء بالأوامر السلطانية العليا النافذة بلا مناقشة وإلا استل سيف التكفير.. والتكفيرهنا بنوعيه التكفير الديني واسترجاعه أساليب القصاص السلفية وإقامة الحدود الدموية الإرهابية والتكفير الفكري المستلب لحق النقد والمراجعة والاقتراح وهو التكفير التعطيلي لكل منطق عقلي ولكل أداء تنويري يعتمد الحكمة والتجربة والأساس الثقافي للوعي الإنساني.


الطائفية السياسية وإلغاء مبدا احترام الآخر والتنوع
الطائفية هي على طريقة ((كل العراقيين هم بعثيون وإن لم ينتموا)) أو على طريقة ((أنا صاحب حق أباشره لا يبدأ غيري في حقه حتى أنتهي من حقي الذي لا ينتهي)). بمعنى لا مكان لحق الآخر إلا ببقايا مدعوة لانتظار الذي لن يأتي.. نفي الآخر ونفي صوابه بالمطلق وزعم أن الحقوق كلها من حصتي التي أستعيدها كما أشاء وأعيد توزيعها كما أشاء وبالتأكيد من حقي بوصفي طائفيا ألا أبقي على نتفة حق للآخر والمبرر رد الثأر والانتقام وانعدام البصر والبصيرة لدى الطائفي الانتهازي المريض كما فعلت النازية والشوفينيات القومية التي أغلت الآخر أو وضعته موضع الأدنى في الترتيب الاستعلائي المعروف..
الطائفية دينيا هي في أن أصحاب دين هم أصحاب الحقيقة وغيرهم الباطل وهم شعب الله المختار وغيرهم أعداؤه.. وهي مذهبيا كما تزعم الطائفية في فكرها كذلك حيث أن طائفة مصطفاة من الله والبقية إلى لعنته وغضبه في تبرير لاستلاب الحقوق وحصرها في الطائفة أي في نخبة السلطة الحاكمة التي تستبدل وجودها حتى بطائفتها المزعومة الاصطفاء..

خلاصة
الطائفية السياسية تعارض مع فلسفة العراق الجديد في الوحدة الوطنية والفديرالية وإلغاء لاحترام التعددية والتنوع

التمعن في الخارطة الديمغرافية للوطن ليس بحاجة لكثير عناء كيما يلاحظ التعددية في تكوين المجتمع بمستوياتها كافة وهو ليس بحاجة لجهد كبير كيما ينظر في العمق التاريخي الذي اغتنى بهذه التعددية في عطائه الحضاري عندما ساد الاحترام بين الأطراف على أساس من الوجود الإنساني المستند لمجتمع المدينة وآليات وجوده ومسيرة أنشطته وفعالياته.. وبخلاف ذلك حيثما انحرف باتجاه إغلاق دوائر الطوائف ووضعها في تعارض المصالح وآليات الوجود صارت الأوضاع إلى التأزم والاحتقان والتراجع..
وهكذا أثبتت التجاريب الإنسانية في كل الأديان أن التعاطي مع المذاهب كونها اجتهادات تحترم بوصفها محاولات ووسائل لتسهيل فهم النصوص الأساس لأي دين، هو أمر إيجابي وأن التحول بالمذاهب إلى إيمان بأفضليات تأتي لحساب طرف منغلق على حساب الأطراف الأخرى المهمشة قصدا وقسرا هو بمثابة إدارة التعددية إدارة سلبية خطيرة تتحول بالتعددية من الإغناء إلى التخريب والهدم والسلب مطلقا.
إن التعاطي مع المذهبية من بوابة حصرها في إطارها الديني البحت ومنع الهبوط بالمذهب اجتهادا عقليا بشريا مخصوصا بالنص الديني والارتقاء بوجود المجموعة الدينية وتقسيماتها (الطوائف) أمر يتطلب مزيدا من الهدوء والصبر مجتهدين في الحياد الموضوعي الذي يتطلب هو الآخر خروجا من الثوب الديني إلى الثوب المدني بقدر تعلق الأمر بحقوق المجموعة البشرية وحاجاتها ومنها المرتبطة بالقيم الروحية الدينية لها.
بمعنى أن الحل المناسب للتصدي لأي احتمال في ممارسة الطائفية بوصفها وجودا سياسيا اجتماعيا هو منع الخلط التضليلي بين الديني والدنيوي في مسار الحكم والسلطة. إذ تبقى السلطة المدنية أساس الاتفاق على ممارسة مبادئ العدل والمساواة ومنع التمييز وقطع الطريق على الأثرة والأفضليات القائمة لطرف على حساب أطراف أخرى.
والعقدة الحقيقية تكمن في تسليم السلطة لطائفة أو أخرى أو لسطوة الطائفية السياسية يعني عرقلة خطيرة لآليات عمل الدولة ومؤسساتها وتجييرها بعد تفريغها من محتواها لصالح مآرب ضيقة تخضع لنخبة طائفية تستبدل لا المجتمع وتعدديته بل حتى الطائفة التي تدعي تمثيلها والتعبير عنها.. وهي بهذا تعود لطغيان أقلية على الأكثرية الشعبية التي لا تتمثل في إدارة الدولة حيثما سادت مؤسسات تلك الدولة الطائفية السياسية..
إن الاعتقاد بأن مجتمعات دول المنطقة أسيرة القبلية والطائفية هو اعتقاد غير مبني على الإحصاء ودراسة الظواهر علميا بل ينبني على التضاغطات الفكرية السياسية وما يسود منها في الواقع وهو ايضا تضليل ربما مقصود في بعض الأحيان.. كما أن ميل المجتمع لسيادة بنية فوقية وفلسفتها لا يعود إلا لمسار الدولة ودرجة مفارقتها التعبير عن المجتمع وتلبية حاجاته ومن هنا يقترب المواطن من الدولة أو يبتعد بحسب هذه الحقيقة ومن هنا ازدادت أو تراجعت حالات البحث عن الحماية القبلية والطائفية، الأمر الذي يبيح لنا القول أن المشكل لم يكن دوما في التعددية داخل المجتمع (الوطني) بل في سياقات الحكم وفلسفته وإجراءاته الفعلية...





أسئلة:
تطالب بعض التعقيبات أن يتحدث الشيعي عن أخطاء الشيعة والسني يتحدث عن أخطاء السنة وهذا مع ثقة بالنية الصادقة الطيبة لدوافعه من باب التهدئة وتقليل الخلافات والتقاطعات إلا أنه تمرير من زاوية أخرى للطائفية السياسية وتوكيد على المدى الاستراتيجي لمعنى كونها تمثيل للطائفة وهنا المخاطر بعيدة المدى أو الأعمق غورا.. والصائب أن يجري التأكيد على الفصل بين نقد جرائم الطائفية السياسية وبين تبني مصالح أبناء هذه الطائفة أو تلك.. وربما بطريقة تكتيكية وبشكل مؤقت سنحتاج لبعض مهادنة محسوبة التهديدات والانزلاقات إلا أن ذلك يبقى محدودا وسرعان ما يجب الإقلاع عنه...
وتطالب بعض التعقيبات بالموازنة بين فضح طائفي وآخر على أساس الاعتقاد بوجود طائفي شيعي وآخر طائفي سني ولابد هنا من توكيد مزلق التقسيم الذي يجره الطائفي السياسي حتى للكتاب والمنظرين عندما يدفع باتجاه فرض القبول بتمظهراته الزائفة بادعاء الانتماء لطائفة أو تمثيل أخرى والتعبير عنها.. المزلق الآخر هو المساواة بين بين جريمتين يرتكبهما طرفان سياسيان وتختلف توصيفات تلكما الجريمتين وكأننا نطالب بالمساواة في القصاص من سارق الملايين وسارق الفلس والمشكلة هنا أن الحديث في السياسة بحاجة لسلم أولويات في كل شيء في المسؤولية الجنائية عن جريمة أو وضع وفي حجم الجرم المرتكب ونوعه ومستواه فكيف يمكن سياسيا أن تحاسب من يمسك بزمام الأمور عن وضع يتحمل كامل المسؤولية عن توجيهه وتأمينه بذات ما تحاسب طرفا آخر خارج المسؤولية وتوجيه الأوضاع.. إنها معالجة مريضة أن تطلب من الضحية أن تخاطب طرفين طائفيين أحدهما يمسك المسؤولية والآخر خارج دائرة المسؤولية بذات الخطاب.. أو أن تعاقب لا تقل بريئا ولكن من لا علاقة له بجريمة ومسؤوليتها وتترك المسؤول الحقيقي عن تأمين الوضع ضد وقوع تلك الجريمة..
إن المشكلة هنا ستجر إلى مساواة قسرية بأن نقد مثالب طرف يلزمه نقد مقابل بذات الحجم والنوع للطرف الآخر.. وعند البحث لن تجد أي اثنين متساويين في السمات إيجابا وسلبا.. ولكل منهما إيجابياته وثغراته وحجومهما المختلفة نويا وكميا.. وفي ضوء ذلك يتحدث خطاب النقد الموضوعي بقدر تعلق الأمر بالمذاهب والطوائف على أن النقد للطائفية السياسية يبقى مفصولا عن أي شكل نقدي آخر كما لمعالجة القضايا الاجتهادية الدينية المذهبية التي تتطلب متخصصيها من داخل المذهب وخارجه...
ويجري السؤال والتحدي من الطائفي نفسه فيقول إنه يحمل اسم الوطني ويتخذ برامج وطنية فلماذا يفرض عليه توصيف الطائفي وفي هذا تخفي وقصور في فهم الوطني من الطائفي أو تعمد للتخفي والتضليل هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا لم يكن في هذا وذاك طائفيان فمن الطائفي ومن يثير كل هذا العجيج والضجيج أم أن الشعب وآلامه وجراحاته وعذاباته كاذب دعي والصادق هو الطائفي المتخفي كما الذئب بفروة الحَمَل!! [نقول الحسين انتل بالكهرباء ومات - تعبيرا عن التساؤل الاحتجاجي عن جرائم تتكرر يوميا تحديدا منها الطائفية: من تهجير وتقتيل وأشكال تهديد وابتزاز] كيما نكشف حقيقة الطائفي نسأله عن تنظيمه الحركي ومرجعيته الفكرية الفلسفية وسيتضح الفصل الطائفي في التعاطي مع عضوية تنظيمه كما سيتضح تعاطيه مع أي الأفكار والفلسفات أو التوجهات الطقسية (الدينية) بالانغلاق على ممارسات بعينها من دون غيرها. وإجرائيا لا يتم تمرير فعلي لمفردة برامجية تتعارض وذلك الروح المغلق على تعاليم بعينها كما تجري الممارسات والإجراءات بوضوح لا يحتاج لاستعادة من إعلاء المشهد الطقسي الطائفي لا الديني من حيث الجوهر.. إذ المفترض أن تكون المذاهب اجتهادات تلتقي بجوهر واحد لكن الطوائف اختلاف انفصالي وتعارض وتقاطع غير محسوب العواقب...

وعلى أقل تقدير هناك لجوء لمرجعية الطائفة التي تجمد الوطني لحساب الطائفي فتفتح بوابات التعاطي مع الأجنبي مع إخلاله الاستراتيجي الخطير على حساب مصالح الوطن وتحوله إلى تدخلات وأعمال استغلالية وهنا لأي نقد موضوعي لابد من التوكيد على عدم وجود عداء مع الإنسان مع الحركة والتنظيم ولكن مع البرامج التي مؤداها المزالق والمخاطر
كيف تنظر الطائفية وفكرها إلى القومي والوطني؟ من هذا السؤال سنجد التعاطي مصلحي انتهازي وتكتيكي ينتقل إلى النقيض فيفجر الأزمات والمخاطر والمغامرات لنلاحظ فرضيات الخوف لدى السني من وقوع الشيعي أسير تقديم علاقته المذهبية على الوطنية وعلى القومية وهو ذاته خشية الشيعي من وقوع السني أسير تقديم علاقته المذهبية على الوطنية ولكن الأسئلة تكمن في تذكير وحدة السني والشيعي في الانتماء القومي ووحدة الشيعي والسني في الدين ووحدتهما في الوجود الإنساني و

53

اليوم العالمي للمسرح
ندوة عامة

تلقى فيها كلمات باسم منظمات وفرق وروابط مسرحية، وتناقش فيها استذكارات من العام المنصرم ومن خمسين عاما من تاريخ التأسيس لاحتفالية اليوم العالمي للمسرح.. الأمسية الاحتفالية فيها فرص للقاء ولتبادل التحية وفيها رحابة الانفتاح على مجموع ممثلي الحركة المسرحية أمميا عالميا وشرق أوسطيا بكل ما يضم من شعوب وقوميات ومجموعات أثنية غنية بمسيرتها
أنت: تنوي الحضور‏ • نرجو أن تترك المشاركة برسالة  أو بتوقيع اسمك في المناسبة بالضغط على أنوي الحضور أو قد أحضر مع الترحاب والشكر، آملين لكم يوما طيبا حافلا بالحيوية وبإبداعات الجمال المسرحي  • مناسبة عامة

 
خيارات الاستجابة لهذه المناسبة:نعم • لا • قد يحضر: ويرجى بخصوص تأكيد الحضور من عدمه المرور على رابط المناسبة في الفيس بوك وهو:

الزمان الأحد    27 مارس • 07:00 مساءً - 09:00 مساءً بتوقيت وسط وشمال أوروبا السادسة مساء بتوقيت غرينتش
________________________________________
المكان   غرفة ألواح سومرية معاصرة على شبكة الأنترنت
________________________________________
تم الإنشاء من قبل   Tayseer A. A. Al-Alousi

________________________________________
المزيد من المعلومات   Modern Somerian Slates 1 MSS room at paltalk

يمكنكم الدخول إلى غرفة مؤسسة ألواح سومرية معاصرة على وفق الجدول المعلن:
Open Paltalk program Then go to Browse room
Then choose Category: Middle East
...Subcategory: Iraq
Room name: Modern Somerian Slates 1

للاطلاع على المزيد يمكن إرسال سؤالك عبر صفحتي الشخصية هنا في الفيس بوك

 
مع الاعتزاز والتقدير، نرحب بإرسال كلماتكم المنتخبة المختارة لهذا اليوم كيما تدرج في جدول الكلمات التي ستلقى بالمناسبة، وتعمم على بريد موقع ألواح بابلية الثقافي وبريد الجمعية العربية لأساتذة الأدب المسرحي
يمكن استخدام إيميل صفحة دكتور الآلوسي المشار إليها هنا أو بريده الألكتروني مع ترحيبنا الحار وتقديرنا...
مرحبا بكل زوار الغرفة بدءا بمسرحيينا من الرواد والمبدعين الجدد وليس انتهاء بمحبيهم وعشاق المسرح في أمسية احتفالية نقرأ فيها رسائل التحية والاستذكار.. ونؤشر ما يمكن من مطالب المسرحيين والأكاديميين المتخصصين في المسرح.. كونوا على موعد للقاء بأحبتكم المسرحيينمشاهدة المزيد
•         
‎Tayseer A. A. Al-Alousi‎
ما رأيك في مساهمة ولو بكلمة تلقيها وتعليق تتفاعل به بالمناسبة؟

54
رسائل مفتوحة وتفاعلات مع ما يجري تحت نصب التحرير: 
2. أخطاء النظام السياسي في العراق جوهرية

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية
ناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني

tayseer54@hotmail.com

يتحدث عدد من الكتّاب عن واجب الوقوف عند الخط  العراقي الأحمر، متمثلا في (حصيلة الانتخابات) فيحظرون كل مطالبة لا تقف عند حدود انتظار تفاعل (الحكومة المنتخبة) وترقيعات أحزاب الطائفية التي تتصدر المشهد وتتحكم به... وهم ينذرون المحرومين من أبناء الشعب من أنهم أمام خيارين: فأما الوقوف خلف أحزاب الطائفية االحاكمة أو هم مع البعث والقوى المعادية للعراق!
ويمرر مثل هذا البعض من الكتّاب، آراءهم بشواهد وأمثلة تخلط الأمور لتضيع فيها الشليلة (القضية ومعاناة الناس)  لا رأس الشليلة وحده (أي الحل ومبدأه)..  فمن جهة يلعب بعضهم لعبة التخويف من عودة البعث ومن سطوة السنّة ومن يقف خلفهم من العربان، ليكشف في معالجته عن أمرين:
الأول يكشف فيه عن الروح الطائفي الذي يقسّم فيه العراقيين بين طائفتين واضعا إياهما في تعارض واحتراب وتناحر على حد تصويره حال العلاقة بين أتباع مذهبين لدين واحد ولوجود وطني واحد ولأصل اجتماعي تختلط فيه الأنساب والعوائل بخلاف ذاك التصوير المختلق... والأمر الثاني يكشف فيه عن عدائية تجاه شعوب المنطقة ودولها ويضع العراقيين والعراق بمجابهة مع دول الجوار العربية تحديدا وبعلاقات صراع وتناقض معها بدل علاقات الإخاء والتعاون التي تحظى باهتمام الشعوب وتطلعها إلى التعايش السلمي على أقل تقدير..
إنّ مثل هؤلاء الكتّاب وسادتهم ساسة الطائفية يضعون أنفسهم بديلا للشعب ومن يتقاطع مع طائفيتهم المريضة يزعمون تقاطعه مع جموع الأغلبية ويضعونه في خانة أعداء الشيعة مثلما يضع الطائفيون المدّعون تمثيل السنة من يخالفهم في خانة العداء للسنة! وفي حقيقة أمر الطائفيين وأمراضهم أنهم لا يمثلون أتباع المذاهب الشيعية والسنية  وهم لا يمكن أن يكونوا بديلا لجمهور العراقيين من أتباع المذهبين.. إذ لا يوجد منطق يقلب الأمور ليكون الأصل ممثلا بأحزاب الطائفية وقادتها والتابع هم أبناء المذهب الديني وجمهوره.. كما أن أتباع المذهب الديني بالأصل لم يفوضوا أحزاب الطائفية للحديث باسمهم فهم سياسيا  يعيشون في عصر المدنية ومجتمعها ومؤسساتها لا في عصر دويلات الطوائف المنقرض من قرون؛ ومن ثمَّ فالمواطنون لا ينتمون جميعا لحزب واحد أو زعامة أو مرجعية بل ينتمون إلى أحزاب وجمعيات ونقابات واتحادات مدنية ترفض الفكر الطائفي في جوهره ومن جذوره.. وقد ولّى زمن الحزب الواحد والطاغية الذي يختزل الشعب في وجوده وسطوته ونزعاته.. فزمن السلطة الديموقراطية هو زمن التعددية والتداولية.. ولا يجوز تمرير ألاعيب مصادرة روح التنوع في مجتمع عراقي يتسم بمشهد غني بتنوعه  وتعدديته قوميا دينيا مذهبيا اجتماعيا وسياسيا...
 
بعامة الأصل عندنا في الوضع العراقي وما آلت إليه الأحوال يكمن في تساؤلات المواطن المبتلى التي تفضي إلى تشخيص جوهرية الخلل في السياسات والأداءات الجارية، فحكومة أحزاب الطائفية السياسية خصصت ميزانيات بمئات المليارات للخدمات ولإطلاق عجلة الاقتصاد والتشغيل وهي أي الحكومة ذاتها تقول: إن تلك الميزانيات لم ينفذ منها إلا نسب هامشية ولم تقل لنا تلك الحكومة أين ذهبت أموال ميزانية السنوات التي لم تنفذ فيها سوى ستة بالمائة [6%] فقط لا غير يعني قريبا من الصفر؟ كما لم تقل لنا أين ذهبت الأموال المخصصة للإعمار في السنوات الأخرى التي تزعم التنفيذ فيها بوقت لم يشهد أي مشروع بأي قطاع ظهورا وتنفيذا فعليا؟!!
إن نسبة الفساد الأولى وحتى الثانية عالميا لا يمكن أن تكون عائدة بسبب رشوة لموظف صغير ولا يمكن أن تكون بسبب خطأ لموظف متوسط ولا يمكنها أن تكون لمشكلة حسابية غير واضحة؛ فـمعادلة 1+1=2 وتخصيص مئات مليارات ولا تبليط ولا صرف صحي ولا ماء صالح للشرب ولا كهرباء ولا زراعة ولا رِيّ ولا مدارس ولا جامعات ولا تعليم ولا مستشفيات ولا صحة ولا معامل ولا مصانع ولا صناعة ولا عمل مع ملايين العاطلين وتخريب للأرض والبساتين ولاضمحلال النخيل من بلده الأول في العالم.. ومآسي تبدأ سجلاتها ولا تنتهي وتريدون الشعب أن ينتظر نفس الشخصيات التي تسببت بكل هذه الخسائر في الأرواح والممتلكات؟ لماذا ينتظرهم؟ وإلى متى؟  وهل يَعِدُ أحد المحللين المدافعين عن أحزاب الطائفية وحكومتها بأن كبار فاسديها قد شبعوا من السرقات ومن نهب الثروات الوطنية؟ وهل سيتكفلون بأن يبدأ مشوار الالتفات إلى الناس المغلوبين؟ أم يعدون بأنهم فهموا الدرس كما فهمه بن علي وسيشرعون بتغيير في المنهج بجوهره؟
ولكن كيف يمكن للشعب أن يصدق وعدا وقد أثببت اليام التصاقا مرعبا بالكرسي أودى بحوالي السنة حتى يومنا في أمر تشكيل الحكومة والتنازع على كراسيها وكراسي المديرين العامين ونوابهم وحتى على التوظيف في أدنى المستويات الوظيفية..؟!! كيف يصدق الشعب والفساد يتنامى والانهيار وتدهور الأحوال يستمر انحدارا؟!
وهل في ظل الروح الحزبي المريض الذي يرسل بنواب و وزراء بلا شهادات وإدارات بلا تخصص وموظفين بلا كفاءة، يمكن أن تمضي عجلة الاقتصاد والحياة العامة؟ وهل في ظل هذه التعيينات التي لا تنظر لتخصص ولا كفاءة ولا منطق لتحديث ولا لعصرنة يمكن أن يدار بلد مهم كالعراق.. ؟؟  يعني هل دخل (المعينون بالمحاصصة والتزكيات الحزبية) مدارس محو الأمية فتعلموا شيئا لإدارة البلاد والعباد بطريقة تلاحق آليات اقتصاد سوق العولمة..؟!  هل من الجائز تعيين شخص وزيرا على علماء البلاد وخبرائه وأساتذته من قمة العقل العراقي وهو لم يتسلم من قبل حتى رئاسة قسم في معهد؟
إن جوهرية الخلل في الأداء تتطلب تغييرا لا ترقيعا، وإزالة الفساد يتطلب استئصالا لا طبطبة وترضيات.. فالترضيات أدت إلى تضخم الوزارة حتى كدنا نصل الخمسين وزارة وسنصل بالنواب للرئاسات إلى أعداد لها أول وليس لها آخر! أما التغيير فيجب أن يعالج:
أولا الدستور الذي ينتظر التعديل منذ إقراره والوعد بتعديلاته في ظرف ستة أشهر من تاريخ إقراره.. فهو يحوي العديد من المتناقضات التي تضع البلاد على حافة هاوية التعطيل والانقسامات.. كما يمتلئ بنصوص تمثل ألغام الخطاب السياسي على حساب النصوص القانونية الدستورية التي كان ينبغي أن يصاغ بها ولأجلها.. فضلا عن عدم تنفيذ عشرات المواد التي وردت فيه ودعت لاستكمال الهيآت الدستورية في البلاد وتصحيح مجريات الوضع على الأرض كما حصل للمادة 140 التي ماطل بها من ماطل.. فيما هذه العشرات من المطالب القانونية الدستورية تعبر عن خلل جوهري في تلبية مطالب الشعب ومكوناته كافة...
ثانيا جرت الانتخابات شكلية على طريقة تفصيل قانونها بما لاءم القوى الموروثة عن مجلس الحكم والتي استغلت ظرف التغيير الخارجي في البلاد لتتحكم بالدولة ومؤسساتها؛ فضلا عن خطل إجراء تلك الانتخابات من دون قانون أحزاب ومن دون قوانين مؤسساتية مدنية ومن دون استكمال أهم أجنحة البرلمان العراقي نصفه الثاني ممثلا بمجلس الاتحاد المعبر عن مكونات الشعب.. وطبعا مع إغفال مطلق لمؤسسات خطيرة في المشهد العام كمؤسسة القضاء وقوانينها؛ وجملة هذه الأمور أخطر من التزوير نفسه الذي لم يَفُتْ تلك القوى فمارسته بوجهه القبيح باستغلال كل أشكال توجيه الناخب العراقي قسرا باتجاه مغاير لتطلعاته، في إرهابه بميليشيات ومافيات وعصابات وفي إرهابه من جهة أخرى بوساطة التكفير وفتاوى حظر الجنة عليه إذا صوت لغير الطائفي فضلا عن أشكال الإرهاب النفسي الاجتماعي وغيره بطريقة اختلاق بعبع البعث وفعاليات الاجتثاث الموائمة لاستراتيجية القمع الفكري السياسي..
ثالثا  طريقة الترهيب والترغيب في أرزاق الناس وتشغيلهم أو تركهم على أرصفة البطالة وصرف المرتبات المتعددة تمريرا لجريمة سرقة المال العام وإسكات الأصوات بإطعامها الفتات وتشغيلها الوهمي مقابل حرمان شبيبتنا وخريجي الجامعات والمعاهد من العمل..
رابعا إشاعة الفساد الاجتماعي والعلاقات المرضية واستغلال واستباحة المجتمع بخاصة المرأة العراقية من مئات آلاف الأرامل والأيتام ما وصل لحد الاستغلال الجنسي وتجارة الرقيق الأبيض داخليا وخارجيا [الأمر المسكوت عنه].. ومن ثم ابتزاز المجتمع بطريقة مافيوية رخيصة ولكنها كارثية خطيرة، أمام مظاهر التقوى والتمسك الديني الكاذب لمجموعة من المفسدين في الحياة العامة..
إذن فنحن أمام تركيبة خطيرة لفشل سياسي اجتماعي اقتصادي.. فهل هذا أمر يقبل أن نصمت عنه ونمرره لعيون مسؤول إن لم نقل ارتكب الجرائم هذه كلها فلا يمكن أن نتجنب القول بأنه فشل في إدارة الدولة ومنعها من الانعراج باتجاه الفساد والسقوط المريع الذي بات يهدد بما هو أسوأ من الكوارث التي يحياها العراقيون بمآسيهم اليوم!
إنّ الخشية من التغيير هي حال قلق ذرائعي غير مبرر، لأن من يتجه إلى الإصلاح عليه أن يعرف أفضل وسائل الإصلاح وأقلها كلفة بكل المعايير.. ونحن دولة الفساد الأولى والدولة الأخطر على حريات التعبير كما سجل الأمر في مجال ما يتعرض له الصحفي والإعلامي لكنني هنا ألفت النظر إلى ما يتعرض له كل عالم وأكاديمي ومتخصص بل كل متعلم وكل متنور يعي ظرفه وآلية التغيير.. إنه قمع الآلة الجهنمية لزمن الظلامية الوحشية في القرون الوسطى وعصر دويلات الطوائف التي أكلت ملايين البشر بلا رحمة!
لا خشية من إعلان شعار التغيير لأنه حق دستوري تعاقدي للشعب، وهو لا يستهدف انتقاما من أحد ولكنه يستهدف تقويم الأمور ومعالجة ثغراتها واستبدالها بما يلبي حاجات الناس وغقامة نظام مدني ديموقراطي كما أراده الشعب وكما اختاره يوم اختار العملية السياسية ورفض العنف.. والتغيير هذا ياتي اليوم سلميا بتظاهرات واحتجاجات تدعو لتسكيل لجان دستورية احترافية لتعديلات الدستور ولتنفيذ المعطل من المطالب الدستورية وسنّ القوانين المعطلة لاستكمال المؤسسات والدخول في انتخابات برلمانية مدنية بقانون أحزاب يحترم منطق العصر والدولة المدنية ويعبر عن فئات الشعب لا عن افتعالات ماضوية من زمن دويلات الطوائف المعروفة  بتاريخها الماساوي الأسود..
إصلاح النظام هنا هو تغيير جوهري يتمسك بالتدرج وفرض إرادة الشعب لتحقيق تطلعاته في دولة تستجيب لكل حاجاته ومطالبه..


55
حركة احتجاج الشبيبة العراقية على أوضاعها

هتاف واحد: يسقط الفساد .. يسقط المفسدون

تسقط الطائفية السياسية أم  الفساد والإرهاب


أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في الشؤون السياسية

ناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني


tayseer54@hotmail.com

 

توطئة: الأصل في وطنية الإنسان والتزامه المسار الأكثر صوابا ليس خضوعه لحكومة أو قيادة أيا كان مصدر تلك الحكومة أو القيادة. فالأصل للشعب وصوته وقراره فهو المعيار والقياس.. وعندما لا تستطيع إدارة أن تلبي مطالب الشعب والواجبات المكلفة بها فأما تستقيل على وفق الإجراءات القانونية أو يُعالج أمرها شعبيا.. وفي وقت يحق للشعب أن يغير ممثليه لا يحق لهؤلاء أن يستحوذوا على السلطة ويخوِّنوا الشعب لعدم خضوعه لفساد جهة أو أخرى.. وفي وقت تتجه الاحتجاجات الشعبية لإسقاط حكومة فإنها لا تريد إشاعة الفوضى بل تريد ((تطهير العملية السياسية بطريقة سلمية)) بعيدا عن العسكر والجيوش والميليشيات.. ومن هنا فإنّ من حق الشبيبة العراقية ممارسة أنشطتها الاحتجاجية على وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق والأعراف القانونية الإنسانية المقرة أمميا اليوم. والشبيبة العراقية ليست من العبيد ولا الشعب العراقي من القطيع الخانع كيما يسوقونه في مواكب تيار يسود اليوم ولكن خضوع السلطة لهذا التيار أودت بحيوات عشرات آلاف العراقيين ودفعت ملايين الشباب للبطالة والتعطل وخسارة وجودهم الإنساني؛ كما أن العراقي اليوم يلمس بأم عينه حجم الفساد السائد في ظل حكومة الطائفية السياسية وتوزيعها الحصص على بضع أنفار من المحروسين في قلاع معروفة اللون والرائحة.. وبالمحصلة لا يجوز حظر حركة الاحتجاج الشعبية الشبابية الطلابية فهي حق من الحقوق الثابتة الأصيلة، وهي ليست معاداة للعملية السياسية والاستقرار بل تثبيتا له وتطويرا ولكن تطهيرا وتنقية من الفساد  الذي ما عاد مقبولا بأي شكل..

الاحتجاجات المنتظرة:

تنادت مجموعات من الشبيبة العراقية للقاءات احتجاجية في بغداد وعدد من المحافظات العراقية.. ويمكننا هنا أن نقرأ طبيعة الحركة وأهدافها كما نقرأ أساليبها وآليات عملها.. فمن جهة تتسم هذه الحركة بالاستقلالية عن الأحزاب السياسية التقليدية ومن جهة أخرى تنتمي لمنطلق يتسم بروح الشباب المتدفق؛ و ربما ستضم متضامنين من أجيال عمرية أخرى ومن قوى حزبية بخاصة منها الديموقراطية، لكن الحركة تحتفظ بقوتها في كونها حركة الشبيبة من الشغيلة ومن طلبة المدارس والمعاهد والجامعات ممن يعنيها إدامة فعل الثورة الشبابية الجارية في المنطقة واستثمارها لتغيير الأوضاع وتعديل مساراتها بما ينسجم مع ما وصل إليه عالمنا من المعاصر من احترام لآدمية البشر ومن تلبية لحقوقه وتطلعاته...

إن حركة الشبيبة هذه التي بدأت اليوم من نواتات متفرقة تستخدم شبكة التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) وغيره، سرعان من تتحول من شرارة هنا وأخرى هناك إلى حركة  جماهيرية واسعة وموحدة.. لأن إحساس الجميع أفرادا وجماعات الناجم عن معاناتهم هو إحساس واحد.. حيث تعاني شبيبتنا من بطالة واسعة ومن استلاب لحقوقها في الحياة الحرة الكريمة..

فهم يقمعون يوميا وفي كل لحظة ليس في فشل الحكومة الاتحادية حسب بل في خطل الحكومات المحلية في المحافظات.. فلا رعاية صحية لا فردية ولا عائلية ولا بيئية إذ عاد هؤلاء الشباب ليحيوا فيما يشبه الحضائر الخربة ووسط أزقة وسبل لا يمكن تسميتها طرقات إذ تملأها المياه الآسنة والأزبال وأكوام القاذورات والنفايات الممرضة والأنكى من ذلك تُسرق مليارات الدولارات وبلا رحمة ولا خجل وبلا من يُحاسِب أو يحاسَب: في مثل هذا ليس للشبيبة سوى أن تتصدى لمسؤولية الحساب!

الطلبة في المدارس والمعاهد والكليات لا يملكون أبنية تناسب قدسية أماكن التحصيل العلمي وأهمية العلم  فهي بين خرائب وأطلال قديمة وبين خالية من المختبرات والملحقات الخدمية وبين أكواخ لا تقي حر صيف ولا تحمي من برد شتاء وأمطاره.. والمقاولات اللصوصية تجري (عيني عينك) وعلى رؤوس الأشهاد والطلبة يذكرون مقاولة دهان المدارس ومقاولة أبنية تختفي أموالها فيبنيها الأهالي من أموالهم وبأياديهم من طين [الناصرية نموذجا]  أو صرائف من سعف التخيل [العمارة نموذجا] !

أما الكتب والمناهج فقد غزت المدارس والجامعات مفردات اهتمت بصور المفسدين الجدد متبرقعين بعباءات وأعمة الأجداد فيما الأبناء من بناتنا وأبنائنا شبه عراة في أسمالهم! واهتمت باجترار موضوعات عفا الدهر عليها فيما العلوم المعاصرة لدى أقران شبيبتنا وطلبتنا وصلت بهم إلى أفضل مكملات حيواتهم وعيشهم.. وفي وقت يتطلع الطلبة للتحصيل العلمي الأحدث يجري إكراههم على تقبل الترهات التضليلية التي لا تنتمي إلى دين حق.. ويُعاد إنتاج أجيال لا تحمل سوى الجهل أمس بفلسفة  دكتاتورية الطاغية واليوم بفسلفة دكتاتورية دينية [تتستر بالدين والدين منها براء.ز فالعلم لا يمنعه دين ولا يُدرَّس بترهات تضليلية للطائفية السياسية...

وما عادت شبيبتنا ولا أيا من طلبتنا يصدقون أن الإيمان بالأنبياء والأولياء الصالحين يعني انصرافهم عن الدرس العلمي والانشغال بترهات طقسية مصطنعة تملأ حيوات طلبتنا بالأحزان والمقاتل فيما قاعات الدرس خالية من فعلها..

لقد أكره النظام البائد شبيبتنا وطلبتنا على السير بالملايين في مسيراته للبيعة للطاغية ونظامه  ولم يحظ الشعب إلا على مزيد من الحرمان ومزيد من الآلام والتضحيات واليوم يدفعون شبيبتنا وطلبتنا  بالملايين وليس سنويا بل شهريا وربما ستكون أسبوعيا في مشاغلة طقسية تضليلية فيما الشبيبة تبكي على أوضاعها واستمرار الحرمان والقمع.. وفيما يتنعم المفسدون تحت أستار العباءات والجلابيب والأعمة وخلف أسوار قصور معروفة تنعدم أسباب الحياة الكريمة للشبيبة والطلبة وعوائلهم..

وفيما يجري علنا وجهارا نهارا سرقة مئات مليارات الدولارات لا تجد الشبيبة سوى فتات الفلسان والدنانير التي لا تشتري خبزا ولا تقيت جائعا دع عنك تلبية مظاهر العيش الإنساني الكريم في عصرنا..

أشهر يتصارع فيها المفسدون ممن يسمون أنفسهم قادة العراق الجديد من أجل تشكيل إدارة حكومية والصراع يجري على قسمة ومحاصصة بينهم وليس للشعب من هذا الصراع حتى لقمة عيشه!! واشهر جديدة من صراع على قسمة ثانية وثالثة ورابعة والحبل على الجرار كما يقول المثل الشعبي..

من يحسم الأمور؟

ليس غير انتفاضة شبيبتنا وطلبتنا التي تريد إنهاء جريمة البطالة، تريد إنهاء جريمة الفساد الكبرى ليس سرقة معدم للدينار بل سرقة رؤوس الفساد لمئات ملايين الدولارات واليوروات في تساوق مع مافيا دولية لنهب خيرات ستنتهي ويتركونا للعراء!!

لا تنتظروا أن يعطف السارق عليكم.. لا تنتظروا أن يحنّ المجرم قاتل أبيكم عليكم.. أيتها الشبيبة النابضة بالحياة، انظروا لزملائكم في تونس ومصر وفي بلاد المنطقة ماذا فعلوا؟

لا تخشوا من حديد ونار فأنتم تعيشون يوميا تحت تهديد الحديد والنار (الإرهابي) المتحالف مع قوى الطائفية والفساد التي تتحكم بكم اليوم...

لا تعتبروا لتضليل وفتاوى ترهبكم بأن المحتج من أجل لقمة عيشه سيدخل النار.. فحاكمكم اليوم ليس وكيل الله على الأرضض وحاكمكم اليوم ليس حتى رجلا نزيها .. لم تأتي القطط الجائعة وتأكل مليارات مليارات الثروات الغنية بها البلاد بل المفسدون هم أنفسهم من مروا اليوم في غفلة منكم إلى برلمان وحكومة من قوى المحاصصة..

لن يعيد مسار بلادكم ولن يمنع تجييششكم إلى معسكرات الموت المجاني سوى انتفاضتكم السلمية .. فصوت الشعب اقوى من القلة المحمية بحراب الإرهاب ودولارات الفساد وتضليل الطائفية السياسية التي تدعي تمثيل الدين واحتكار وكالة تنوب عن الله بينكم..

لا يصدقنّ عاقل منكم حكاية من ينوب عن الله ومن يمثل الدين ليحكمكم ويزدريكم وينكل بكم كما ترون وتعيشون يوميا.. فالله لا يقبل بوسيط لتصله دعواتكم وليصله إيمانكم.. والدين الحق لا يقبل نهبكم وابتزازكم وإهانتكم في دنياكم.. وأنتم قرأتم أن الله كرَّم الإنسان وأعزه ومنحه حرية الخيار ليعمر الأرض..

فيما هذه المرجعيات السياسية التي تدعي أنها تعتمر عمائم الدين تستبيحكم.. تنهبكم .. أودت بحيوات آلاف مؤلفة منكم إلى الهلاك وهي تمرغ وجودكم بأوحال التخلف والدمار والأوبئة بلا رحمة..

كفى للآلام والأوجاع.. كفى للاستغلال.. كفى للفساد والإرهاب .. انتفضوا سلميا من أجل تطهير مسيرتكم وبناء بيوتكم واستثمار ثرواتكم في خدمتكم أنتم من داخل الوطن حيث أنينكم ومن المهاجر القصية التي تتضامن معكم حيث أنين الغربة واوجاع التشرذم واستغلال الزمن...

أيها الطلبة أيتها الشبيبة النابضة بالخير:

لا يغشكم قائل بلعبة الخيانة فحين كنا نقارع الطاغية الدكتاتور كان يقول عنا خونة عملاء للأجنبي واليوم سيقولون لكم إذا انتفضتم فأنتم خونة للوطن والدين فهل الوطن هو أشلاء الخراب الذي تحيون فيه! وهل الدين يقبل ببطالتكم وبأسمال فقركم؟

أنتم أوفياء لدينكم كما قال الصحابي الجليل الإمام لو كان الفقر رجلا لقتلته وكما في القول المأثور له أن عجبت لرجل يرى الاستغلال يسستبيحه ولا يخرج لقتاله!!

لا يضللكم أدعياء التدين ولا شطار السياسة من عياري الزمن المريض الموبوء بأشكالهم من الفاسدين الكبار؟

انتفاضتكم اليوم هي الأسلوب لمعالجة ما اعوج من مسيرة العملية السياسية.. أنتم أصحاب العملية السياسية الحقيقيين وأنتم من سيتحمل لواء تعديلها وتطهيرها من المفسدين.. لا تتركوا الأمور سائبة

 

حددوا مطالبكم:

1.  رفض الطائفية السياسية..

2.  تعديل الدستور وتنقيته مما شابه من دخيل النصوص المعادية للديموقراطية ولمطالبكم

3.  سن التشريعات والقوانين التي تبني مؤسساتكم المدنية وتستكملها..

4.  وقف المطاردات الظلامية بذرائع دينية مزعومة وإطلاق حريات التعبير..

5.  إنهاء البطالة فورا..

6.  إنهاء كتابة ميزانيات الأعوام المنصرمة وإعلانها وإخضاعها للنقاشش العام وكشف المستور من الضائع المالي المهدور والمسؤول عنه ومحاسبته ..

7.  إقالة كل مشارك في إهدار المال العام  ومحاسبته قانونيا ومتابعة استعادة المنهوب من مليارات الأموال أينما كانت.. وتجرييم نهب المال العام بأقسى العقوبات..

8.  إعادة أسقف الرواتب في الهيآت كافة لأوضاعها المعتادة الصحيحة .., وتعديل أجور المواطنين بما يليق بالحدود التي توفر كريم العيش..

9.  معالجة مششكلات المواصلات والطرقات وشبكات الصرف الصحي.. تحدثوا عنها فهي وسطكم الذي تحيون فيه..

10.                حسسم فوري لأزمة الكهرباء والماء الصالح للشرب..

11.               تشغيل المصانع العراقية.

12.                حماية الفلاح العراقي وأرضه الزراعية..

13.               الدفاع عن سيادة الوطن في مياهه ومنابعها ومصباتها..

14.               رصد ميزانيات للثقافة وأنشطتها كافة  ورعاية المبدعين

15.               رصد ميزانيات للتعليم ووضعه في الأولوية

16.               تريدون مدارس وجامعات لائقة بكم أبناء سومر وبغداد العلوم والآداب والفنون

17.               انتفضوا لمناهج علمية راقية..

18.               انتفضوا لتحديث التعليم واحترام العلم وأهله

19.               انتفضوا لديموقراطية التعليم

20.               انتفضوا لاحترام قيمكم وحرياتكم الشخصية وضد القمع الأخلاقي المزعوم

21.               انزلوا إلى الساحات والميادين وغنوا للحياة الإنسانية الكريمة

22.               اجعلوا من سلمية مظاهراتكم ومن حناجركم تصدح بالأناشيد طريقا للحرية والسلام والديموقراطية

ولي بقية معكم حيث أنتم تصنعون وتخططون وتنفذون فأنتم أدرى وأنتم الذين تحيون آلامكم وأوجاعكم وأوصاب يومكم

من أجل الحياة الكريمة لا تنخدعوا بلعبة التهديد الخارجي وعمالة الداخلي وقشمريات أكل الدهر عليها وشرب

كفى للبؤس والفقر والبطالة والمرض وليبدأ عصر الحرية والسلام والديموقراطية

اصرخوا بعالي الصوت ولن تخسروا غير قيودكم وسيتقشع الظلام وستجدوا أن أسوار القلاع التي تحكمكم اليوم تلبي مطالبكم وتستعيد حقوقكم المسلوبة

 

إلى انتفاضة الشبيبة والطلبة


ودعونا نشارككم أنشودة رجعوا التلامذة يا عم حمزة للجد ثاني

فيكم الخير يا ورد الجناين وليكن ربيع العام ربيعكم في عراق الديموقراطية الحقة

اكنسوا قيم الانتقام والثأر التي أوقعت بينكم فشقت صفوفكم.. وحِّدوا صفوفكم في  بغداد والبصرة والناصرية والعمارة والمثنى وواسط ونينوى وتكريت وديالى والأنبار وكربلاء والنجف إلى حيث يعلو صوت الحرية وبناء عراقكم أنتم.. العراق بيتكم ولا بيت لكم سواه، عامرا بكم وبسواعدكم وبلا لصوص ولا مضللين...

إلى الملتقى في الانتفاضة.. ادخلوا إلى وسائل الاتصال الحديثة كيما تتعرفوا لزميلاتكم وزملائكم وتنسقوا وتوحدوا الجهود.. توجهوا إلى ساحات مدنكم وميادينها فهناك الملتقى

 

بعض مواقع من بين عشرات تضم عشرات آلاف من الشبيبة العراقية:

طلاب الإعدادية يريدون التغيير:

http://www.facebook.com/profile.php?id=100002058958590

 

اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية

http://www.facebook.com/group.php?gid=104060129635314&ref=ts

 

الغضب العراقي

http://www.facebook.com/profile.php?id=100002040417892&ref=ts

 

الغضب العراقي الثائر

http://www.facebook.com/profile.php?id=100001609736192&ref=ts

نريد ثورة عراقية

http://www.facebook.com/pages/nryd-thwrt-raqyt/186239914731172?ref=ts

 

الثورة الزرقاء

http://www.facebook.com/home.php?sk=group_182330091806275&ref=ts

 

الثورة الزرقاء

http://www.facebook.com/profile.php?id=100001966973322&ref=ts

 

56
رسائل مفتوحة وتفاعلات مع ما يجري تحت نصب التحرير: 
1.    الواقع هو الحكم ومفتاح القرار

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية
ناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني

tayseer54@hotmail.com


أعزائي
أقرا من بين ما أقرأ نصائح يطلقها بعض الأخوة تضع للمحتجين حدودا وشروطا يمثل فيها المسؤول الموجود اليوم الخط الأحمر الذي يحاولون فيه أن يلزموا المحتجين من عدم المساس به. وأن تقف الاحتجاجات عند مطالب يلقونها بوساطة ورقة من فوق أسوار قلاع المسؤولين وهو يؤكد أنهم سيطلعون عليها.. أما المواطن المغلوب على أمره مهضوم الحقوق  المعتدى على كرامته، فيطالبونه بأن يعطي فرصا مضافة كيما يفسح المجال للمسؤول الذي بادر بــ (منحه) مكرمة بحجم 15000 دينار فلديه المزيد من المكرمات الشبيهة!!
تصوروا الحكاية (إذن) يفرضونها قسرا علينا فــ (هؤلاء) هم (مسؤولو) الشعب؛ والمسموح الوحيد لهذا الشعب يجب أن يبقى في إطار هذه الكوكبة الملائكية التي هبطت بمكرمة سماوية فلا يجوز المساس بالقدسية [المزيفة] المسقطة عليهم..؟! ولأنّ هذه الكوكبة [المعصومة من الخطأ المنزهة من الخطايا؟؟!!] جاءت بــ(الانتخابات) فعلى الشعب ألا يمارس أيَّ احتجاج  يتجاوز الخط الأحمر..
ويبدو أن الديموقراطية العراقية [على وفق هؤلاء] مقبول منها وفيها انتخابات مُفصَّلة على مقاس  ممثلي القلعة الخضراء الذين جاؤوا وما ((ينطوها)) على حد تصريح دولة السيد... وكل مفردات الديموقراطية وآلياتها الأخرى غير مسموح بها إلا بشروط ومقاسات لا يجوز العبور خلفها!
الديموقراطية لكل الشعوب الأوروبية وغير الأوروبية ومنها الشرق أوسطية تمتلئ تفتحا بآلياتها كافة ومن ضمنها حق تغيير الحكومة بكل طاقمها، حتى  قبل انتهاء المدة الانتخابية؛ لكن العراقيين ممنوع أن يتحدثوا عن مساواتهم بالديموقراطيات بعمقها ونضجها ولا بالشعوب الأخرى!!

إن أية (حركة) تحكمها ظروف الإنسان نفسه  ومحيطه الذي يحيا فيه.. ففي وضع مزر كما في (عراق الثروات) لا يمكن أن يكون السبب في نكبات المواطن سوى (الفساد الذي ينهب تلك الثروات)؛ لأن القضية لا تتعلق بدنانير الرشوة وسرقة الصغار المضطرين هنا وهناك.. بل القضية الرئيسة الأساس في ماساة الناس تتعلق بمئات المليارات التي  يمكن الاطلاع على أرقامها الفلكية بالتحديد عبر ذات الإعلام الرسمي لمن يتحكم بالأمور حاليا ولن نتحدث عن أراجيف ومزاعم واتهامات....

بالمقابل فإنَّ المواطن المبتلى يُشاغـَل بـ لعبة الطائفية السياسية وبهذه اللعبة يجري تعطيل دوره الفعلي عن التفكير والفعل  ويجري مصادرته في وجوده بآليتي التكفير الديني والتكفير [الحظر] السياسي..

في ظل هذا الوضع مَن يعيش أسوأ من الكفاف وأردأ من معيشة الحيوان [جلّ العراقي عن هذا الوصف] لن يكون بيده من أدوات تغيير سوى بحثه منطقيا عقليا عن الحل؟
 
والآن ما الحل؟ وإلى مَن يتجه الشعب المحروم؟ أليس الحل كامنا في استخدام آليات الديموقراطية واستكمال مفرداتها بما يلبي تطهير عمليته السياسية؟ أليس ممارسة الحق بإنضاج مسيرته  باتجاه الديموقراطية هو أداة الحل؟ هذا هو توجه الشعب منذ اختار العملية السياسية السلمية ورفض العنف وها هو الشعب يعبر عن وعيه في إدارة مسيرته سلميا وبأدوات الديموقراطية وآلياتها..

ولكن إلى من يتجه في استكمال آليات العمل الديموقراطي السلمي؟
فأما أن يتجه إلى الفاسد المتسبب في أوضاعه المزرية يستعطفه ويستحلفه بـ (مقدساته) كيما يستجيب على طريقة (خاطب المسؤولين [المتدينين؟!] بشعارات دينية تستدر العطف وتجد القبول عندهم.. وهذه أضحوكة ومهزلة بات الشعب يعرفها ومجّ اللعبة.. فأركان الفساد ليس لديهم مقدس يستحلفهم الشعب به ولا يوجد لديهم وازع ديني أو ضميري، إذ من لديه تمسك بقيم دينية ولا نقول تدينا صادقا لا يحتاجون لاستعطاف لأن الدين في الأصل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهؤلاء أوغلوا في الفساد حتى باتت ميزانيات الدولة بمئات المليارات وثورات البلاد والعباد لا يحظى منها الشعب حتى بفتات الأمس؟؟!!!
ومن المعيب لعاقل ذي بصيرة أن ينصح الشعب بإعلان الخضوع والخشوع لمسؤول فاسد كيما يحظى بمكرمة على طريقة الـ عشرة دولارات التي ألقيت إليهم بضغط مظاهرات شعوب أخرى، و رشوة [مهينة] كيما يتجنبوا الاحتجاج؟!!

إذن معيب أن يقبل شعب بالذل والهوان والخنوع والركوع حتى أن هذا كفر بكل القيم الدينية والمدنية الإنسانية... فليتجه الشعب إلى أصحاب الحكمة والحل والربط .. فهل هذا ممكن ومفيد في معالجة الأمور القائمة من كوارث طاولت ملايين العراقيين؟
إن النظر إلى أصحاب العقل والحكمة سيكشف أنَّ مئات بل آلاف من  ممثلي العقل العراقي الذين عادوا للتغيير والبناء وللعمل على إنقاذ الوضع العام من المآزق، قد تمت تصفيتهم بالاغتيالات وبأشكال التصفية البشعة الأخرى...  ومَن بقي متصلا بوطنه وشعبه عبر  جسور متنوعة ليقدم استشاراته و رؤاه،  فإنه لا يُسمع، على مستوى القرار الرسمي، له صوت بل يعاني من الإلغاء والتهميش والتعمية على وجوده ويجري إنكار هذا الوجود من أصله على قدم وساق؟!
وهاكم أمر الثقافة والمثقفين؛ فالهجوم متصل عليهم وإغلاق لكل منافذ أنشطتهم في الداخل والخارج وميزانية الثقافة لا تمثل حتى الفتات في بلد كالصومال ولا نقول كالعراق حيث يدور حديثنا ولن أتحدث عن التعليم وميزانيته المعدمة وما يعيشه، فأنتم من طلبة وشبيبة ومن أساتذة ومن جموع الشعب أدرى  بالحقائق.. وفيكم صاحب حق عندما يقول: عن أي حاجات روحية من تعليم وثقافة تتحدث والعراقي معدم تحت خط الفقر  لايجد لقمة عيشه؟!!!
هذا حال العقل العراقي ورجاله بين تصفية واغتيالات وبين ابتزاز وتهجير وتعتيم وإنكار! فهل انتظار أن يحظى هذا المنفذ بالحرية هو الحل كي يلتجئ الشعب إليه؟ طبعا كلا

ماذا تبقى غير تظاهر الشعب بنفسه وبضغط مباشر من انتفاضة له كيما يعيد الأمور إلى نصابها؟ وكيما يوجه عمليته السياسية ويطهرها ويكنس الفساد منها؟ لم يتبق للشعب سوى النزول بنفسه  لحسم الأمور...
أيها السادة، ليس للجياع سوى أصواتهم قبل مماتهم وكارثية استعبادهم واستباحة مزيد من وجودهم
 
والشعب يصرخ بوجوه من يتفنن في فذلكة الشروط والحدود والخطوط الصفراء والحمراء: أن ْ كفى تأليها لكل من جلس على  كرسي الواجب الحكومي والشأن العام...
وعراقيا في حالتنا المخصوصة، فإن من يجلس اليوم على كرسي المسؤولية، قد أثبت ببرهان واقعنا التراجيدي الكارثي ولأكثر من سبع سنين، جهله التام في أحسن الأحوال إن لم نقل فساده في إدارة الشأن العام..
لنترك الشعب يتكلم فهذا حقه بكل المعايير؛ فعسى أن ينقذ الاحتجاج الشعبي السلمي ما تبقى ويعيد المسيرة إلى حيث الشروع  بالبناء

لست في معالجتي ورؤيتي هذه ضد شخص [زعيم أو سياسي أو وجيه من الأعيان الجدد] ولا ضد حزب أو تنظيم يحترم الشعب ودستوره، لست ضد أحد أو طرف بمعنى الدعوة لانتقام أو ثأر، لأنني أرفض قيم الثأر التي يُفترض أنها انتهت منذ قرون بعيدة. فالبديل الذي ندعو إليه ونشارك الشعب واحتجاجاته فيه، يجب أن يكون البديل المدني الديموقراطي وآلياته السلمية توكيدا وطيدا وثابتا ونهائيا.. وأن يكون هدف الأنشطة الاحتجاجية السلمية، هو البديل موضوعيا عقلانيا. ولكنني مثلما أغلب المحتجين من شبيبة العراق وشعبه، فقط وفقط تضع نقطة نهائية حاسمة، لتبدأ عبارة واحدة هي أنني وأغلبية المحتجين "مع التغيير من أجل حياة كريمة للعراقي وكفى بؤسا وجرائم ترتكب بحقه"...

لقد بلغ السيل الزبى
ولا يعقل أنْ نرى في عراق اليوم؛ لا نهب الثروة الوطنية في السبع العجاف حسب بل أن يستبيحنا والشعب، بدل الطاغية طغاة وبدل الفاسد فاسدون وبدل نموذج عدي بتنا بألف منه يغتصبون ويفسدون في الوطن...أليست هذه هي حال المنتفضين!!!

 
أيها الأحبة ممن يقرأ ويبحث ويناقش عن البديل، لنقف مع من أطلقها صرخة؛ لا احتجاجا للاحتجاج بل للتغيير والإتيان بالبديل:
كفى فسادا  فلا الطائفية نريد (بديلنا عنها هو الوطني الديموقراطي) ولا الإرهاب نقبل به وسيلة لمعالجة الأمور والإتيان ببديل للشعب فكلاهما [الطائفية والإرهاب] كان ويبقى كارثة على شعبنا...

أما حكاية الدفاع المبطن عن حكومة المحاصصة الطائفية وديمومتها بالتعكز على الظرف الذي لا يحتمل والشعب المتعب من الحروب  والملل من النضال؛ فإن رده سيأتي من الواقع الذي نحياه ومن الشبيبة والطلبة والشغيلة والعاطلين ومن ساكني العراء بلا بيوت تأويهم ومن الأرامل والأيتام ومن أطفال الشوارع والجياع والمحرومين، من محتجين يتحركون بوعي ظروفهم واكتشافهم سبل الحل الأنجع والوسيلة الأنسب..


إنَّ أولئك الذين سيهتفون لسكان القلعة الخضراء، سيتحولون إلى طبالين وذرائعيين يديمون مسيرة الفساد أطول مدة، حين يترك كلُّ صوت طبيعة اللحظة التاريخية الجارية ليخرج من تأثيرها ودورها في إحياء روح الحركة والفعل ومن مؤازرة الأنشطة المطلبية المحلية والمهنية والقطاعية الفئوية وتلك الوطنية الكبرى...

إنَّ التغيير المنشود ليس ثأرا بإخراج شخصية واستبدالها بأخرى انتقاما. بل تغييرا ينقذ حتى المسؤول من سلطة الفساد وتأثيراتها، بإعفائه من المسؤولية التي لا يستطيع النهوض بأعبائها بصدقية وأمانة.. والمسؤول الذي يريد أن يغيره الشعب ليس عليه من أمر سوى أن يختار بين ركوب موجة الفساد والدفاع عنه وارتكاب جريمة التمسك والالتصاق بالكرسي أو ركوب موجة الانتفاض والتغيير والجلوس مع الشعب في قطاره يوم يوافق الناسَ مطالبَهم ويستجيب لها؛ لأن المهمة الاحتجاجية لم تأتِ  للثأر منه بل لتعديل المسيرة من أجل مصلحة الجميع وفي إطار الشرعية الدستورية وفي إطار احترام قوانين مجتمع دولة مدنية تحترم شعبها...
 
سلميا وسلميا فقط لا غير يأتي الاحتجاج والانتفاض  وبروح مدني متحضر وديموقراطي ناضج أصيل، يتحرك الشعب العراقي من أجل وجوده وحرياته وحقوقه...
 
ومن هنا ننتظر من إعلامنا العراقي فضائيات وصحافة تغطية الاحتجاجات الشعبية للشبيبة والطلبة والشغيلة والفلاحين والمثقفين والأرامل والعاطلين.. وعلى ممثلي العقل العراقي توظيف مساحات مواقعهم وبريدهم الكبير في الإنترنت لصالح توسيع الصلات بين شبيبتنا ونضالها الديموقراطي السلمي.. ستواجهنا عثرات جمة وربما ستخفق الحركة في موضع أو آخر ولكن الأساس يكمن في أن شرارة اليوم لن تفقد جذوتها حيثما بقي الاستغلال ينشب أظفاره الوحشية في جسد الوطن والشعب... فلا تيأسوا......
ولا تحاصروا شعاراتكم بتغيير مسؤول صغير، فقضيتكم هناك في رأس المشكلة والماساة:
لابد من دستور يستجيب لكل معاني الدولة المدنية الديموقراطية ويحفظ لجميع أبناء شعبنا حقوقهم ويحميها ويبعد التفرقة ويلغي انعدام المساواة  بين المواطنين  وتحديدا على أسس أغلبيات وأقليات على أسس كورد تركمان كلدان آشوريين سريان أرمن صابئة مسيحيين أيزيديين مندائيين كاكائيين شبك يهود وعلى أسس تصطنع وتختلق وتفتعل الذرائع لتتحكم بالعراقي جميعنا عراقيون نؤمن وندافع عن الإخاء والوطنية والمساواة التامة..
لابد من استكمال مؤسسات الدولة المدنية وقوانين تلك المؤسسات وأن يتم وقف نهائي وحاسم للمحاصصات والتقسيمات وعلى رأسها شرذمة الشعب بين طائفة وأخرى ووضعه في احتراب وخانات التشظي بين إقطاعات طائفية التي أعادت الإقطاع والسراكيل المتحكمين بالناس بادعاءات دينية وغيرها..
هتافاتنا وشعاراتنا الرئيسة:
عاش عراق المدنية تسقط أحزاب الطائفية
عاش عراق الديموقراطية تسقط قوى الطائفية
 الشعب يريد إنهاء الطائفية والفساد والإرهاب

ومودتي لمن يقرأ رسالتي بقصد التفاعل والإقناع أو الاقتناع بما يوحدنا على سواء الكلمة وحكيمها؛ فالقضية قضية هدر حقوق الناس وكرامتهم ولن يعيدها التبجح بشخصية وزعيم في زمن بات بحاجة لباحث في علم وحكيم في اختصاص ومدير في إدارة نشاط وليس لأي ادعاء وتزييف آخر فما عاد التضليل بقادر على التعمية لأن المصاب جلل أصبح مفضوحا  لا يغطيه غطاء..

إنّ الواقع الذي يعيشه العراقي هو الحكم وهو من يوجه الناس لمطالبها العادلة المشروعة.. كفوا عن هراء التمسك بشخصية أو أخرى وانظروا إلى واقع الناس وأحوالهم.. بدءا من الخدمات وليس انتهاء بحاجات مادية وروحية وكل ما يجري قشمريات الضحك على الناس.. إن الفساد في رأس الهرم.. ومن رأى منكم منكرا فليغيره...
مباركة حركة احتجاجاتكم أيها العراقيون.. لأنكم أهل للحياة الحرة الكريمة في عراق ديموقراطي فديرالي موحد في دولة عراقية مدنية المؤسسات مهمتها الأولى والأخيرة الاستجابة لعقد وطني عراقي يساوي بين جميع بناته وأبنائه بلا تمييز من أيّ شكل ولون وسبب.. 

57
حول النداء من أجل حركة ديموقراطية جماهيرية متحدة في العراق
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية
ناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني
tayseer54@hotmail.com

توطئة
كان للحركة الديموقراطية العراقية بتياراتها كافة وجودُها منذ مطلع تشكيل الدولة الوطنية.. بل كان اليسار الديموقراطي مبادرا رئيسا لا في تشكيل منظماته المستقلة وإنما في دعم تشكيل المنظمات الوطنية الديموقراطية الأخرى وتفعيلها. وهذا المشهد تقرأه جميع الوثائق التي تتناول التاريح الحديث والمعاصر للحركة السياسية في العراق.
ولقد تصدت الحركة الديموقراطية لمهامها الوطنية التحررية وللمعارك المطلبية التي تعبر عن تطلعات الشعب العراقي وفئاته العريضة طوال عقود بعيدة؛ واحتفظ اليسار الديموقراطي [ومجموع التيارات الديموقراطية] في العراق بمكانه وسمعته بين الجماهير الشعبية على الرغم من المصاعب الجمة التي اعترضت البلاد والحياة السياسية فيها..
ولابد هنا من الاعتراف بأن ضمورا  ملموسا قد عانت منه التنظيمات الديموقراطية في ضوء التراجعات الخطيرة في مستويات التعليم والثقافة العامة وأعمال التجهيل وإشاعة الأميتين الحضارية والأبجدية بالترافق مع أبشع جرائم القمع السياسي والتصفيات الدموية الهمجية لقوى المعارضة الديموقراطية.. وقد استمر هذا القمع وتلك الجرائم التصفوية القمعية أكثر من ثلاثة عقود متصلة..
وفي مثل تلك الظروف، ما كان لأية حركة سياسية تعتمد الوعي والمنطق العقلي التنويري، أن تستمر في العمل الحر أو في الاتصال بجمهورها. وبهذا اختفت النضالات السياسية تحت الأرض كما يستخدم المصطلح  العمل الحزبي السريّ.. وانقطعت فعليا الصلات المباشرة بين الديموقراطيين والفئات الشعبية الواسعة.. كما تمزقت التنظيمات وعانت من التشتت والضعف ومن الاختراقات والاعتداءات القمعية بعيدة الأثر..
ومع التحولات الجذرية في العراق ما بعد 2003، تطلع الشعب العراقي وقواه الحية إلى تغييرات في النظام السياسي وفي تعاطيه مع الحريات والحقوق العامة. واعتمد الديموقراطيون في محاولات استعادة التنظيم وجمهوره على ما تحتفظ به الذاكرة الشعبية لهم من أمجاد نضالية ومن قيم ومبادئ سامية يتصفون بها، ويدافعون عنها، وعلى الروح النضالي الرصين والشفاف وعمق الالتصاق بمطالب الناس.. إلا أن جملة الأوضاع التي جرت طوال السنوات السبع المنصرمة لم تتسم بالهدوء ومنطق التدرج الموضوعي في الانتقال السلمي نحو احترام  عملية سياسية سلمية مستقرة، كما شابها كثير من الفعاليات المانعة لانتظام الجماهير في حركات سياسية ونقابية  جماهيرية صحية صحيحة..
فلقد كانت الميليشيات المسلحة والعصابات والمافيات ومعها (بعض) قوى وعناصر وضعتها ظروف المتغيرات في رأس الهرم والسلطة الحكومية وشارك في الأمر عدم التمكن من بناء مؤسسات بديلة والنقص الفادح في التشريعات الدستورية الواجبة ومن ثمّ في استيلاد المؤسسات الضرورية فضلا عن تشوّش وتشوّه تلك التي وُلِدت على  أنقاض حل مؤسسات الدولة القديمة ، كانت جميع هذه الأمور ممرا خطيرا لسطوة قوى وعناصر من الفساد القائم على تحالف مالي سياسي مرّ في غفلة من الزمن فاستغلّ الأوضاع أبشع استغلال..
ويمكننا أن نشير بوضوح وبشكل مباشر إلى إجراء الاستفتاءات والانتخابات في ظلال حراب ميليشياوية واستغلال مرضي للرموز الدينية التي ظلت مكبوتة طوال عقود وسنوات؛ والإشارة إلى إجراء الانتخابات مع عدم وجود قانون ((مدني)) للأحزاب وبتفصيل لقانون الانتخابات على مقاس القوى التي تصدرت المشهد بفضل خطة الحاكم الأجنبي (بريمر) وما رسمه من تقسيم الشعب على أسس مجتمع من القرن الثاني عشر لا من القرن الحادي والعشرين أي على أساس تقسيمات دويلات الطوائف وأحزاب الطائفية السياسية..
وهكذا، بقي الشعب مغيبا (بمختلف الوسائل والإجراءات) عن القرار والانتخاب الواعي وبعيدا عن صلاته بأحزاب مدنية تمثل مطالبه المباشرة.. فالأحزاب القائمة التي تتسيد الموقف وتتحكم بالسلطة هي أحزاب الطائفية السياسية التي تشاغل الشعب ببرامج تضليلية لم تستجب لأي مطلب من مطالب الشعب وفئاته الفقيرة المعدمة..
وما زال الشعب [وبغير حاجة لوصف من أحد] يرنو إلى أوضاعه البائسة فلا خدمات ولا اتصالات ولا مواصلات ولا من طرقات ولا وسائط نقل ولا هواتف ولا إنترنت وأنكى من ذلك لا كهرباء ولا ماء صحي ولا عناية بالصرف الصحي دع عنك الكوارث البيئية من تلوث وأمراض وجرائم طاولت حيوات الناس وتفاصيل يومهم العادي.. فيمكنك أن تضيف هنا سوء الرعاية الصحية وتدهورها وانحدار خطير في التعليم ومؤسساته وتهميش أبعد لمؤسسات الثقافة وحِصارات فعلية لكل الأنشطة الإعلامية الحرة الخارجة عن سطوة الجهة المتحكمة بالمشهد..
وبدت في الأشهر الأخيرة تغيرات نوعية وتداعيات أخطر وأبعد:  منها على سبيل المثال توسيع الهجمات على المجموعات القومية والدينية في (عمليات تطهير) إجرامية فاضحة بلا أية تفاعلات من السلطات المسؤولة أو بعجز مريع في الأمر وهجمات وتضييقات سافرة على مقرات الأحزاب والنقابات والاتحادات والمنتديات التي لا تتماشى والفلسفة الظلامية..
فلقد تعرض الأساتذة والتكنوقراط العراقي لحملة اغتيالات طاولت الآلاف منهم كما تعرض ويتعرض المثقفون والمبدعون من أدباء وفنانين لحملة ممنهجة في العاصمة ومحافظات الوسط والجنوب.. ويجري إغلاق المنتديات الثقافية الأدبية والرياضية والترفيهية بطريقة متصاعدة مستخدمين مختلف الحجج والذرائع وبوساطة خطط تتضافر فيها جهود أحزاب الطائفية السياسية وميليشياتها والدوائر الحكومية التي تخضع لتوجهاتها الحزبية..
وبالتأكيد فإن هذه الأجواء لم تكن ولن تكون مناسبة للحياة السياسية الصحية الصحيحة وهي لا توفر فرصة جدية للقوى الديموقراطية للعمل ..  وما نراه في أوضاع القوى الديموقراطية تعرضها ليس للقمع وحده والمضايقات حسب بل لأمرين آخرين:
أولهما يتمثل في تصنيع دكاكين تحت مسميات الديموقراطية والوطنية كيما يجري تشتيت التنظيمات وشرذمتها وانعكاس هذا في جمهور القوى الديموقراطية..
وثانيهما يكمن في ضعف التنظميات الديموقراطية بنيويا في تركيبتها وتشظي تلك التنظيمات على أسس أيديولوجية فكرية وأخرى سياسية وثالثة تنظيمية خاصة..
 
 
المشهد السياسي العام السائد والرد:
أمام هذا المشهد، وأمام تنامي الوعي الجماهيري وتمكن الحركة الديموقراطية من دراسة تجاريبها ولملكة أوضاعها وأمورها، كان لابد من ردّ. وجاء الأمر ببيانات وبلاغات ومطالب تدعو للارتقاء بالتنظيم الديموقراطي. ومن الطبيعي أن نرى انعكاس التشظي التنظيمي بالتعدد في الدعوات والمذكرات، وربما تشابهت أغلب تلك البيانات في مراميها مع أنها لم تختلف كثيرا حتى في صياغاتها..
ومن هنا، جاءت حملة وحدة القوى الديموقراطية وتطوير آليات عملها واستعادة مكانها القيادي جماهيريا ومساهمتها في حل معضلات الوطن والناس في ((النداء من أجل الاتحاد الديموقراطي)) الذي صاغته ((مجموعة المبادرة لوحدة القوى الديموقراطية)) وتوجهت به مائة شخصية من النخبة الثقافية والسياسية الديموقراطية إلى القوى والشخصيات كيما تلتئم  حول طاولة البحث الفعلي العملي  لتوحيد القوى المدنية العلمانية والديموقراطية بتياراتها كافة...
إنَّ جوهر النداء من أجل الاتحاد الديموقراطي يتمثل في حتمية  ملزمة للعمل التنظيمي الموحد بمستوياته، ونحن هنا في هذا النداء لا نعني إلزام أحد بشروط مسبقة.. فنحن - تحديدا - نؤكد على احتفاظ التنظيمات السياسية والشخصيات الديموقراطية المدعوة للاتحاد باستقلاليتها بمعنى أنّ كلّ قوة وكل شخصية ديموقراطية وهي تتجه للحوار والتنسيق ومن ثم تحقيق الاتحاد المنشود ليست ملزمة بحل نفسها أو بالتجاوز على استقلاليتها..
وفي وقت نجد أنّ من حق الجميع التداول في قراءة النداء وتفاصيله ومحدداته ونتائجه نرى أنَّ صيغة الاتحاد المنتظرة ربما تتمثل بالتصورات المقترحة الآتية:
1.    اتحاد لقوى اليسار الديموقراطي؛ يمثل هذا الاتحاد قوى قريبة  بعضُها من بعض وتجد تماسكا نسبيا أمتن يمكنه أن يتعمد ويكون نواة و\أو دفعا لاتحاد أوسع...
2.   اتحاد لقوى الحركة الديموقراطية بتياراتها اليسارية والليبرالية.. وتحالف وطني ديموقراطي موسع للقوى التي تؤمن بالدولة المدنية وأسسها العلمانية بقصد فصل الدين عن الدولة ومؤسساتها..
وفي ضوء هذه المستويات التحالفية أرى أنَّ النداء الذي توجهنا به يمكن أنْ يُقرأ بتوجهه إلى دوائر وحلقات من القوى الديموقراطية:
أولها قوى اليسار الديموقراطي
ثانيها القوى الديموقراطية الوطنية حيث تنضم إليه بالضرورة حركة التحرر القومي التقدمية الكوردية بما لها من حجم ودور في الظرف الراهن وغيرها من القوى التي تجد مصالحها في إعلاء شأن  الدولة المدنية ومؤسساتها وقوانينها، ذلك أن الوضع العراقي سيبقى في مسار التدهور وتداعياته المأساوية الكارثية طالما بقيت قوى الإسلام السياسي (الطائفية) بجوهرها تتحكم بالمشهد.
ومن هذه القوى التي يناشدها هذا النداء: الحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي والحركة الاشتراكية العربية وقوى الحركة القومية التحررية الكوردية والأحزاب والحركات الديمقراطية الكلدانية الآشورية السريانية التركمانية والأحزاب والجماعات الوطنية الديموقراطية والقاسمية وعدد من الشخصيات المستقلة ذات التأثير الشعبي المعروفة بتاريخها الوطني الديموقراطي إلى جانب الحركات والنقابات العمالية والفلاحية والطلابية والشبابية ومنظمات المثقفين ومبدعي الآداب والفنون...
 
وربما يلاحظ المتمعن المعني أن أصحاب هذا النداء يتطلعون إلى وقف مسلسل الحملات والبلاغات والبيانات الداعية للاتحاد فذلك بات من نافلة القول ومن المعيب الاستمرار في إطلاق صرخات بلا أصداء وبلا أفعال.. ونحن نعتقد أن استمرار تكرر النداءات هو مضيعة للوقت والجهد بل نكسة فعلية ستزداد نتائجها المأساوية وانعكاسات آثارها السلبية على أوضاع قوى اليسار والديموقراطية ومستقبلها ومن ثمّ إدخال البلاد وأهلها في نفق تاريخي مظلم لا مجال منظور للخروج من مأزقه..
لقد أزف الوقت وفاتت اللحظة التاريخية منذ زمن للتحدث عن موعد الاتحاد وأهميته.. ولكن تأخر الاتحاد أقل سلبية وكارثية من عدم تحقيقه.. ونداء من أجل الاتحاد الديموقراطي ينبه بتركيز [وتحديدا] على حتمية الانتقال من الدعوات والنداءات إلى العمل والإجراء الفعلي...
ويبدو لنا أن أول طريق التحول إلى الفعل  والعمل يبدأ من وضع برامج وأسقف زمنية  للتنفيذ.. ونحن ندعو إلى الآتي:
1.   أن يبدأ فورا تشكيل لجان التفاوض في كل حزب سياسي وحركة ومنظمة ونقابة.. وأن توضع بيد هذه اللجان خارطة طريق واسقف للعمل...
2.   أن يعلن ((الآن)) كل طرف ببيان رسمي [نؤكد الآن] عن اتفاقه مع فكرة أن النداء من أجل الاتحاد الديموقراطي هو نداء التحول إلى الفعل الميداني ومباشرة إجراءات التنفيذ..
3.   ندعو لتعزيز مسيرة مؤتمرات مناطقية في محافظات العراق كافة وفي دول المهجر لتشكيل نواتات تحضيرية لمؤتمرين موسعين في المهجر وفي داخل الوطن يفضيان للمؤتمر التأسيسي الأول للحركة الديموقراطية العراقية..
ومن أجل ذلك يمكن الاستعانة بعدد من الشخصيات التي بادرت للنداء وتلك التي تحمل خبرات تنظيمية وسياسية مشهودة على أنه يجب التوكيد دوما وتكرارا أن مجموعة المبادرة لم تكن بديلا عن أحد ولا تنوي أن تكون تنظيما ولا تمثل نواة أو جهة لفعل تنظيمي مباشر.. وهي مجموعة أعلنت نداءها من منطلق تفعيل الحركة باتجاه الاتحاد الديموقراطي فقط...
إذن، ندعو هنا الآن وليس غدا إلى الآتي من الخطوات:
أولا: توقيع النداء أن يشرع كل حزب سياسي ديموقراطي يؤمن بالعراق المدني الديموقراطي رسميا وبالاسم بتوقيع النداء وإضافة بيانه المؤكِّد على توجهه إلى خارطة طريق للإجراءات...
وسيكون توقيع النداء  بشكل مشترك من جميع الحركات والأحزاب الديموقراطية فرصة جدية حقيقية وملموسة لتوكيد منطلق فعلي عملي لإنهاء تكرار النداءات بلا استجابات عملية..  كما سيكون ميدانا للقاء في أرضية الاستجابة لنداء جماهيري انطلق من المستقلين من أصوات الشعب الحية وضميره الديموقراطي الحي..
ثانيا: أن يدعو كل حزب ديموقراطي والشخصيات ذات الثقل السياسي جماهيرهم من الأعضاء والأصدقاء والمؤازرين لتوقيع النداء بوصفه  حملة وطنية للقاء الديموقراطي..
ثالثا: أن يجري تفعيل ودعم الاجتماعات الموسعة والمؤتمرات الديموقراطية المناطقية التي شرعت بالعمل وأن يدخل فيها الجميع على أساس من التخلي عن الشروط المسبقة وأن يتنادى للقاء جميع الديموقراطيين بغض النظر عن الملاحظات المتعلقة بكل طرف تجاه أطراف أخرى تشارك في الاجتماعات والملتقيات الابتدائية..
رابعا: أن يتم اعتماد المؤتمرات التحضيرية في كل محافظة ودولة مهجر ويجري التحضير لمنوسعين أو مؤتمرين في الخارج والداخل يكونان تحضيريين للمؤتمر الوطني الديموقراطي التأسيسي...
خامسا: لا ترسم البرامج مسبقا ولكنها تتجمع من اللقاءات الديموقراطية ومن كل المقترحات والدراسات الشعبية المباشرة من ميادين اللقاء الحية مع الجماهير.. فيما توضه صيغ موحدة بأيدي المؤتمرات والمتخصصين والباحثين كيما يوحدوا البرامج في دراسات علمية دقيقة لتعرض على المؤتمر التاسيسي وتقر نهائيا بشكل ديموقراطي وبالتصويت..

 
ومن قبل ومن بعد فهذا عنوان لقائنا وحملتنا تفضلوا بالدخول وإضافة أصواتكم من أجل عراق مدني ديموقراطي فديرالي موحد:
http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=260
 
ونعدكم بمواصلة تقديم القراءات مع ما يستجد من تساؤلات وحوارات كما نضع هنا بين أيديكم جانبا مما جرى من حوار بالخصوص وهو مجرد نموذج من عشرات ومئات من الأعمال والقراءات الحية الأبعد رصانة وعمقا آملين وضع لمساتكم وإضافاتكم التي أثق شخصيا ونثق معا وسويا بأنها ستكون كبيرة وحيوية ونوعية بخاصة في الظرف الحالي من أجواء الانتفاضات الشعبية والهبات الديموقراطية المطالبة بدساتير دولة مدنية ديموقراطية حقيقية، والعراقيون أولى بحمل هذه الرسالة المهمة وولوج التغييرات من أجل الديموقراطية.. وأتطلع إلى أصوات شبيبتنا الناهضة اليوم لتوقيع بعشرات الآلاف ليقولوا ها نحن موجودون وصوتنا أقوى وأعلى ...فإلى جميع الطلاب والشباب، إلى جميع القوى المتطلعة لحاضر يحترم إنسانيتها ووجودها من نساء ورجال إليكم جميعا بلا استثناء دعوتنا لتعلنوا اللقاء هنا في ميدان العمل الديموقراطي بتوقيع النداء من أجل الاتحاد الديموقراطي لنلتقي في أقرب يوم في ساحة التحرير ببغداد عاصمة ما نزرعه اليوم لنحصد غدا خيراته..
فلم يستجب لمطالبنا في مدن عامرة نظيفة وحياة كريمة من أدارنا طوال سبع سنين عجاف فلنتقدم لندير أنفسنا ديموقراطيا ونبني بيوتنا ومدننا وبلادنا التي نزهو بها وتزهو بنا.. ليس لنا سوى اللقاء الديموقراطي.. وأول الطريق توقيع هذا اللقاء بلا تردد وبلا حسابات توهمنا بأي أمر بل بحساب واحد هو حساب الحقل ذاته حساب وطننا، العراق الديموقراطي بكل عراقيينا المعنيين بندائنا..
وما لم يوقع المسيحي والأيزيدي والمندائي والشبكي والكاكائي؛ وما لم يوقع الأرمني الكلداني الآشوري السرياني الآرامي الصابئي التركماني الكوردي؛ وما لم يوقع العراقيون الديموقراطيون جميعا بوصفهم عراقيين ديموقراطيين أولا وآخرا فلن نفعل شيئا..
نحن سويا ومعا وبغير ذلك لا نكون. لا ننتظرنّ أحدا يحررنا أو يمنحنا وطنا عامرا.. فمن يعمر العراق ويبني الدولة المدنية التي تحتضن الجميع وتساوي بينهم وتحقق وتلبي مطالبهم وحقوقهم، ليس غير الديموقراطيين..
إن مؤتمر الديموقراطية ليس مؤتمرا نخبويا من أعلى بل هو مؤتمر شعبي جماهيري لا يتحقق إلا بدفع كل ديموقراطي في العراق.. لنتوقف للحظة ونوقع النداء لخطورة الأمر والمطلب.. واليوم نبدأ بهذا العمل الابتدائي البسيط مظهرا ولكنه الكبير جوهرا وأهمية وثقلا نوعيا ففي الغد القريب سنلتقي في ميدان التحرير معا وسويا لنعلن وجودنا ولنقول: إن العراقيين يملكون هوية مدنية منذ آلاف السنين وأن الأحفاد ليسوا أقل شأنا من الأجداد وهم من قدرات الفعل بما يرتقي لبناء أروع نماذج الديموقراطية والتقدم والتحديث...
موعدي مع قارئي باسمه منقوشا على النداء ليكون قوة فعل ونواة لولادة الاتحاد الديموقراطي العراقي 
وإلى لقاء بكلمة جديدة تعلن لكم حجما نوعيا ومساهمات نوعية كبيرة ومميزة للحركة الديموقراطية وأنصارها... وتفضلوا بالتوقيع هنا:
http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=260
انتهى الجزء (الأول والثاني) من قراءة في النداء من أجل الاتحاد الديموقراطي العراقي
 
 
 
 
مواد مرتبطة أشرنا لوضعها بين أيديكم:
ألواح بابلية: توضيح ضروري
توضيح من المبادرين والمشاركين في إصدار نداء للاتحاد: نداء الى القوى والشخصيات الديمقراطية العراقية
نشر الأستاذ موسى فرج مقالاً في موقع الناس يرى كثرة التحرك صوب تأسيس كيانات سياسية جديدة. وجاء على ذكر النداء الذي صدر عن 110 شخصية عراقية, نسائية ورجالية, ويجري الآن التوقيع عليه من عدد متزايد من العراقيات والعراقيين في داخل البلد وخارجه على موقع الحوار المتمدن والذي نشر ايضاً على مواقع عراقية كثيرة لغرض الإطلاع والتأييد.  إن الموقعين على هذا البيان لا ينوون تشكيل أي تنظيم او كيان سياسي جديد بأي حال, فالتنظيمات والكيانات السياسية الديمقراطية كثيرة للغاية، بل إن النداء موجه إلى كافة القوى والأحزاب والكتل والجماعات والشخصيات الديمقراطية العراقية من أجل مواصلة اللقاءات والحوارات للوصول إلى وضع برنامج عمل مشترك وقواعد عمل مشترك على صعيد العراق كله. أي الأخذ بصيغة متقدمة من صيغ التحالف الديمقراطي بين القوى الديمقراطية والعلمانية الديمقراطية العراقية التي تستطيع بموجبها خوض الانتخابات القادمة بقائمة موحدة, إضافة إلى اتخاذ المواقف المناسبة إزاء السياسات التي سوف تمارس في العراق من قبل الحكومة الجديدة المشكلة.  لهذا اقتضى التنويه
الموقعون على نداء الاتحاد
 
مقالة الدكتور قاسم حسين صالح بشأن النداء ومقترحات لتفعيله مع مناقشة مفرداته وتفاعل يعالج بعض ما ورد في المقالة

 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=239390
 
النداء بداية طريق العمل
العزيز أخا وصديقا الأستاذ الدكتور قاسم حسين صالح المحترم
مودتي وتحياتي لك ولجهدك المميز في توظيف الأدوات المعرفية المتخصصة لآليات الإصلاح والتقدم. بودي باختصار التوكيد على أن النداء في وقت انطلق من مبادرة للأستاذ الدكتور كاظم حبيب إلا أنها مبادرة حظيت بمناقشات جماعية مسبقة قبل انطلاقها وقد تم اعتماد رأي أكثر من مائة شخصية ومنظمة ديموقراطية كيما ينطلق النداء متجها إلى القوى الديموقراطية والرأي العام وجمهور التيار الديموقراطي تحديدا. وإذا ما راجعت الأمر فسترى هذا بوضوح من جهة تجنب الجهد الفردي الشخصي والاتجاه للعمل الجمعي المشترك فضلا عن توجه النداء إلى تفعيل هذا الروح الجماعي في التنسيق والاتحاد...
الأمر الآخر أن النداء وتوجهات الموقعين عليه أراد ألا يكون بديلا عن قوى التيار الديموقراطي وألا يكون متقاطعا مع أية مبادرات وأنشطة نظيرة تشترك ومضمون ندائنا ومن هنا كما ترى أننا لم نقبل لأنفسنا أن نكون تنظيما أو تجمعا أو بديلا من أي شكل سوى أننا بادرنا بهذا النداء للقاء تال موسع يجمع القوى الديموقراطية العاملة فعليا وميدانيا على الأرض..
أما من جهة البرنامج وآليات العمل فقد كنتُ شخصيا وربما آخرين من موقعي النداء كيما نتقدم بخطة أو خارطة طريق تتضمن مبادئ عامة مساعدة لتفعيل النداء وتوجهه العملي الميداني.. لكنني أتفق حتى الآن على أن الخطوة الأولى تكمن في توقيع النداء من القوى الديموقراطية المعنية بمضمون هذا النداء ببيانات مؤمل أن تصدر عنها وبجهد تحشيدي [ربما بجانب منه انتخابي على المدى البعيد2014] وبالتأكيد ستكون من الخطوات التالية تشكيل لجنة تحضيرية سواء من عشرة أو من أكثر كيما تتابع الإجراءات التالية.. ولأننا لسنا بديلا لأحد فسنبقى عونا بكامل الاستعداد لتقديم ما يتطلبه الواجب منا.. ومن بين ذلك مقترحات برامجية وتصورات عمل ينسق أمورا تنظيمية لكن من دون أن نكون قبل أو فوق القوى الفاعلة المعنية مباشرة بالجهد قبلنا.. من جهة أخرى فإن النداء لم يقل: إن خسارة القوى الديموقراطية مسببة بقوى أخرى تتحكم بالساحة ((حصرا)) وليس في النداء ((استعداء)) وإنما جوهر النداء أن تتصدى القوى الديموقراطية لمهامها بطريقة أو بآليات مؤهلة للنهوض بمهمة الإجابة عن أسئلة المرحلة التي أخفقت القوى التي تدير المسؤولية اليوم في معالجتها لأسباب بالتأكيد لنا وجهة نظر نحن قوى التيار الديموقراطي فيها.. وبالتأكيد تبقى معالجات وبرامج قوى التيار الديموقراطي سلمية الأسس والمسار ولا تتضمن أي استعداء على الآخر بل نجد الحل في بديلنا برامجيا سلميا وباعتماد آليات ديموقراطية منها التداولية والخيار الانتخابي..
إننا وانطلاقا من إدراك موضع الضعف وأسباب البلاء الذي يحل بالبلاد أطلقنا هذا النداء السلمي لقوى التيار الديموقراطي.. مشددين هنا على الاستفادة من كل طاقات الوطن المعرفية وكفاءاته وعقله العلمي..
ثقتي أخي العزيز أن صوتك هو أحد أعمدة مسيرة تيارنا الديموقراطي بكل مفردات تقدمه إلى أمام وثقتي أن ما تقترحه وجميع الأحبة سيكون في الجوهر من الخطوات اللاحقة..  تمنيات بتوسيع دائرة التوقيع على النداء منظماتيا وعلى مستوى الشخصيات الأكاديمية والسياسية وقوى التكنوقراط العراقي إلى جانب أوسع وجود جماهيري..
 تمنيات بتوسيع دائرة التوقيع على النداء منظماتيا وعلى مستوى الشخصيات الأكاديمية والسياسية وقوى التكنوقراط العراقي إلى جانب أوسع وجود جماهيري إذ أن النداء يمثل لا دعوة للتوقيع تنتهي بوضع الإمضاء الشخصي بل تفعيلا لدور جمهور تيارنا في قول الكلمة الفصل واستعادة خيارنا لا العاطفي الانفعالي بل العقلي بكل حكمة فيمن يمثل الحل في هذه المرحلة وما سيليها تجنيبا للوطن والناس لمزيد من الآلام الجارية..
مباركة جهود الجميع بلا استثناء حيثما كان السعي للبناء والتقدم وكرامة الإنسان وليكن نجم التيار الديموقراطي ساطعا مع بدء عام جديد من تطلعات العراقيين لخيرهم وأمانهم وسلامتهم وحرياتهم ..

مودتي لك أخي العزيز ولكل الأحبة المخلصين لوطن السلام والديموقراطية
أ.د. تيسير الآلوسي
البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
 
تفاعل الدكتور قاسم حسين صالح:    الأخ الكريم والصديق العزيز دكتور تيسير
النوايا صادقة والأفكار في سياق واحد ..والاختلاف عملياتي ليس الا.   أنا أقترح ان يصار الى تشكيل لجنة تحضيرية من داخل العراق وخارجه لإغناء ما تقدمتم به من مقترحات وما تضمنه نداء الأخ الكبير الدكتور كاظم حبيب ونداؤنا .. وتكليف الأخ رزكار عقراوي بالتنسيق لعقد هذا اللقاء في الخارج اولا
تحياتي واحتراماتي ..فبكم وبأمثالكم سيكون العراق بخير
 
رد  د. الآلوسي:   الأخ العزيز الدكتور قاسم حسين صالح             احترامي وتقديري .. نبقى سويا ومعا
 
 
نداء للإتحاد نداء الى القوى والشخصيات الديمقراطية العراقية
حملة وحدة القوى الديموقراطية وتطوير آليات عملها واستعادة مكانها القيادي جماهيريا ومساهمتها في حل معضلات الوطن والناس
مجموعة المبادرة لوحدة القوى الديموقراطية
رابط الحملة للتفضل بالمشاركة في التوقيع عليها

http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=260
في أدناه نص النداء للاطلاع عليه هنا:
نداء الى القوى والشخصيات الديمقراطية العراقية
أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة (آذار 2010) وأزمة تشكيل الحكومة التي استمرت نحو ثمانية أشهر ، أن بقاء قوى التيار الديمقراطي والعلماني الديمقراطي في بلادنا ضعيفة ومتفرقة له آثار سلبية للغاية على أوضاع البلاد العامة وعلى حياة الأكثرية الساحقة من شعبنا ، التي ما فتئت تتطلع إلى نهاية سريعة لعهد الآلام والمحن والكوارث الطويل.
فالقوى التي ما زالت تتسيّد المشهد السياسي عمدت إلى تهميش واختزال تمثيل القوى الديمقراطية والعلمانية الديمقراطية في العملية السياسية بالإصرار على إجراء الانتخابات الأخيرة وفقا لقانون غير دستوري، كما قضت المحكمة الاتحادية، وفي غياب قانون منظم للعمل الحزبي، وقاعدة بيانات دقيقة لا يمكن لها أن تتوفر من دون الإحصاء السكاني العام الذي أُدخلته الأهواء والمرامي السياسية في مسلسل التأجيل. وهذه القوى قدمت مصالحها الحزبية والطائفية والفئوية والقومية والعشائرية والشخصية الضيقة على المصالح الوطنية فدخلت في جدالات ومناكفات بيزنطية بشأن تشكيل الحكومة تواصلت أشهرا طويلة، متجاوزة على الدستور ، ومتناسية هموم وتطلعات المواطنين حتى إذا اتفقت فإنها فعلت ذلك مع الاحتفاظ بنظام المحاصصة غير الديمقراطي.. بل وغيّبت المرأة العراقية من التشكيلة الوزارية الحالية. وقبل أن يلتئم البرلمان الجديد وان تتشكل الحكومة الجديدة بدأت هذه القوى بالانقلاب على مبادئ الدستور والهجوم على الحريات الشخصية والعامة التي ضمنها هذا الدستور، غير متردّدة في ممارسة سياسات تعسفية واتخاذ إجراءات مناهضة للحرية الفردية والديمقراطية والعلمانية ومتجاوزة بفظاظة على حقوق الإنسان والثقافة الديمقراطية والمدنية وعلى الشخصيات الثقافية المرموقة في بلادنا والتي حفظت لشعبنا إرثه الحضاري وشاركته مقاومته دكتاتورية صدام العاتية، وقدمت على هذا الطريق تضحيات جسيمة.   إن كل هذه المظاهر، هي نذر شؤم بإعادة إنتاج الدكتاتورية، وفقا لنموذج الدولة الدينية التي لا مجال فيها للديمقراطية والتمدن والحريات والحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية.   إننا مجموعة من المثقفين والسياسيين والشخصيات الاجتماعية تؤمن بان خلاص العراق وحلّ مشكلاته المزمنة وبلوغ شعبنا ما يصبو إليه من الأمن والسلام والاستقرار والتقدم والتنمية المستدامة لا يحققها إلا نظام ديمقراطي فيدرالي علماني حقيقي، وتؤمن أيضا بان الديمقراطية لا يبني صرحها ويثبت دعائمها ويحفظ كيانها إلا الديمقراطيون، ولذا فإننا ، بندائنا هذا، نهيب بالأحزاب والقوى الديمقراطية والعلمانية الديمقراطية العراقية وبالمنظمات والشخصيات الديمقراطية المستقلة من كل قوميات العراق وأتباع أديانه ومذاهبه ومناطقه، إلى تعبئة قواها وتوحيد صفوفها لتشكيل كتلة سياسية متحدة تطرح برنامجا للخلاص الوطني، تخوض على أساسه انتخابات مجالس المحافظات والبلديات والانتخابات البرلمانية القادمة في قائمة موحدة. وإذ ننوه بالمساعي التي بادر اليها ويواصلها عدد من القوى والشخصيات الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني في هذا الاتجاه، فاننا نتطلع الى انخراط كل الديمقراطيين في الحركة الساعية إلى تكتل القوى الديمقراطية لتحويلها الى حركة كبيرة وفعالة كيما تكون قادرة على إحداث التغيير المطلوب في المعادلة السياسية المختلة القائمة حاليا. إننا نهيب بالجميع من اجل عقد مؤتمر قريب يحقق الرغبة المتعاظمة نحو كتلة ديمقراطية وعلمانية ديمقراطية واسعة في العراق.  إننا نشعر الآن بان كل التضحيّات الغالية التي قدمهّا شعبنا على مدى عقود من الزمن لنيل حريته وكرامته ورفاهه مهددة بان تذهب هدراً في ظل بوادر الإنقضاض على المبادئ الدستورية، إذ نخشى أن تستغل القوى المتنفذة في السلطة عدم وجود تمثيل للقوى الديمقراطية في هيئات الدولة التشريعية والتنفيذية ، فتُقدم على تغيير الدستور وإصدار تشريعات وقرارات تنتقص أكثر من الحقوق المدنية وتقلّص من الحريات المحدودة التي يمنحها الدستور الحالي الذي كان من المفترض تعديل العشرات من مواده وبنوده باتجاه التوسع في ممارسة الحقوق والحريات المدنية.  انه نداء مخلص منا إلى حركتنا الديمقراطية وكل القوى المدنية ، ملاذنا وملاذ شعبنا الأخير من خطر نكوص الأوضاع في بلادنا إلى حقبة جديدة من العسف والاستبداد والدكتاتورية والمحاصصات الطائفية والدينية والقومية.

الموقعون: رتبت الأسماء حسب الحروف الأبجدية للأسم الأول
72- د. فليح الحداد طبيب استشاري
73- فيصل لعيبي فنان تشكيلي المملكة المتحدة
74- قاسم الشبلي إعلامي
75- د. قاسم العكاشي مهندس أستشاري
76- قاسم حول فنان ومخرج وكاتب مسرحي
77- د. كاترين ميخائيل كاتبة
78- كاروان كريم أحمد فنان
79- د. كاظم المقدادي طبيب وباحث
80- أ. د. كاظم حبيب أستاذ جامعي سابق وكاتب
81- د. كامل الشطري أكاديمي وكاتب
82- د. كامل العضاض مستشار اقتصادي
83- كامل زومايا ناشط في مجال حقوق الإنسان
84- كفاح صليوة بيتون معاون طبيب
85- كفاح محمود كريم اعلامي
86- لطفي حاتم أكاديمي وباحث
87- لطيفة الدليمي كاتبة
88- ليلى عثمان مدرسة متقاعدة
89- د. مؤيد عبد الستار كاتب
90- مثنى محمود إحصائي
91- محمد الكحط إعلامي
92- د. محمد خلف كاتب وصحفي
93- محمد علي الشبيبي مهندس مدني واستاذ جامعي سابق
94- د. محمود الحكيم طبيب وناشط في قضايا المجتمع المدني
95- مديح الصادق أكاديمي, كاتب وفنان مسرحي
96- د. مصدق الحبيب فنان تشكيلي وباحث وكاتب
97- أ. د. منذر الفضل أستاذ جامعي ومستشار قانوني ونائب سابق
98- د. منيرة أحمد أوميد أكاديمية وناشطة في مجال حقوق الإنسان
99- د. مهند أحمد البراك طبيب وكاتب
100- موسى الخميسي فنان تشكيلي وكاتب
101- د. نبيل عادل حطاب صيدلاني
102- نجيب محي الدين نقيب المعلمين في العام 1960
103- نزار ياسر الصگر الناطق الرسمي للتجمع الديمقراطي المندائي, عضو المجلس العراقي للسلم والتضامن
103- نسرين زوين ناشطة في مجال المجتمع المدني وحقوق الإنسان
104- نصير الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي
105- نصير الشجر ناشط في حقوق الانسان -بغداد – العراق
106- د. نعمان جبار أكاديمي
107- نهاد القاضي مهندس
108- هاشم الشبلي وزير عدل سابق
109- يوسف العاني فنان وكاتب مسرحي
110- ييلماز جاويد كاتب
    35- د. رياض الأمير كاتب
36- د. زهدي الداوودي مؤرخ وكاتب وروائي
37- زهير الجزائري كاتب وصحفي
38- سعاد محمد علي مدرسة متقاعدة<BR





--

58
الأحزاب والحركات الدينية:
إفراز للأوضاع المرضية ولانعدام مؤسسات المجتمع المدني؟


أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية
ناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني
tayseer54@hotmail.com

 
1
تنامى دور الخطاب السياسي ذي المرجعية الدينية في العقود الأخيرة، الأمر الذي يتطلب وقفات جدية مسؤولة لدراسته وقراءة  جانبيه من جهتي الأسباب والنتائج. ومن الواضح تماما أنّ تدني الأوضاع العامة وتراجع مأساوي في تلبية المطالب والحاجات قد جرى لأسباب تتعلق  بالأزمات الاقتصادية العالمية وضغط العولمة مشوّهة  المنافذ في ولوج بلداننا بتأثيراتها حيث استغلال القوى الاقتصادية الكبرى لضعفنا لترحيل أزماتها وامتصاص ما يمكن من ثروات وغيرها لصالح معالجة أزماتها العامة...
أما الأسباب الأسبق في مشكلات تدهور أوضاع الشعوب فيعود إلى طبيعة النظم السياسية المتحكمة بإدارة استراتيجيات تلك البلدان إذا كان من استراتيجيات في ظل البرامج المجيرة لعمليات النهب المافيوية الخطيرة التي تجري لصالح بعض طغاة والحاشية من أتباع من محركي الاقتصاد الطفيلي الهش...
وفي هذه الأجواء حيث الحرمان والاحباط وعميق اليأس مضافا إليه مستويات خطيرة من الجهل والتخلف وانقطاع عن العالم الخارجي حيث يقبع جلّ بنات الشعوب وأبنائه خلف أسوار الوطن \ السجن؛ تعلو مأسسة الدولة البوليسية القمعية التي لا فضاء لحركة المجتمع المدني ولا لمؤسساته ولا مجال لحركة التنوير والتحديث إلا منافذ ضيقة من أضواء عولمة العصر مما يصل متقطعا  قاصرا عن الفعل البنيوي المؤثر..
إنّ محدد الاحباط واليأس من الحصول على مطلب إنساني من الحقوق والحريات مضافا إليه عامل الجهل بمعارف العصر وآليات العمل المدني المؤسساتي يدفع (المواطن) إلى عالم الحلم خارج واقعه بعيدا عن حياته اليومية وتفاصيلها ويحوله إلى مجرد مُنتظِر لمغادرة حياة البؤس إلى (العالم الآخر) عالم الموت حيث الغيب الذي لا يخضع لعلم إنسان..
هنا في هذه اللحظة لا يتبقى سوى الخطاب الوحيد الذي يمتلك ذاك المواطن أنفاسه فيه كيما يتحدث مناجيا ربه العادل لينصفه ويستجب لمطالبه وليخلصه من مظالمه التي تعلو على إمكاناته المتواضعة الضعيفة في مواجهة الطغاة مستلبي حقوقه ووجوده..
وفي هذه اللحظة بالذات التي يفترض ألا يكون بين هذا المواطن الإنسان ومعتقده الديني [وربّه] أية وساطة وأية مؤثرات، ويفترض أن يستخدم النص الديني المقدس بعيدا عن تشويهات عالمه المشوَّه؛ في هذه اللحظة يقع فريسة مرة أخرى لدجل الأدعياء ممن يسمون أنفسهم رجال دين وهؤلاء أصواتهم أعلى من أصوات الأتقياء من رجال الدين الصادقين إيمانا، المتمسكين بخطاب الزهد واحترام الإنسان بأمر ديني مقدس..
والأخطر والأنكى هنا هو بروز من  يسطو  على الحياة العامة والسلطة السياسية الدنيوية بحركات منظمة مافيويا أي بالبلطجة وبأنشطة العصابات وبرامجها وآلياتها حيث صوت القوة وسياطها تلهب أجساد وأرواح الناس البسطاء المغلوبين على أمرهم...وهؤلاء من بضع متطفلين على الحياة العامة لا يملكون من المعارف والخبرات شيئا سوى ما يمكنهم من إخضاع أوسع جمهور لتوجيههم ولمآربهم الدنيوية الرخيصة.. والذريعة دائما هنا أوامر [ونواهي] دينية مقدسة، بتعريف لأنفسهم على أنهم ممثلي (الله) على الأرض..
ويقع مجددا هذا المواطن المستلَب المصادَر أسير عبودية القمع والإرهاب وهذه المرة بذرائع الخطاب الديني المسيّس أو بسلطة الخطاب السياسي الديني.. وبالتأكيد هذا الخطاب سيقوم على إفرازات متوالدة، الجديد في الظاهرة هو ما أصبح يعرف بالطائفية السياسية..
2
إنّ توجه المجتمعات في الدولة الوطنية إلى القبول بمرور التعاطي مع أحزاب الطائفية السياسية فكرا وعملا سيجر هذه الدول إلى التفتت والانهيار وسيأخذها في رحلة تاريخية ربما لحقب زمنية بعيدة تخضع فيها لحرائق مدمرة ولصراعات ليس وقودها غير حيوات الأبرياء ومصالحهم وحقوقهم المستلبة..
وببساطة، ربما سيجري رد [بعضهم] على هذه الكلمات وهذه القراءة بالتكفير وبمعاداة الله والدين فيما هذا الرد وخطابه هو ذاته خطاب الطغاة دوما.  فمن لا يخضع لابتزازهم وسطوتهم يكون خائنا للوطن لأنه خائن للطاغية.. والوطن هو الطاغية نفسه وعند التيارات الاستغلالية الطفيلية الخطاب التكفيري التخويني الاتهامي هو ذاته لمن لا يخضع، الذي يبقى مطالبا بالحقوق والحريات.. ولا جديد فيه سوى أسماء لذات المسميات خيانة وكفر أي تجريم لمعاقبة من يطالب بحق إنساني وإبعاد تأثيراته المنطقية الموضوعية على الناس...
 إنّ الزمن اليوم، هو زمن الدولة المدنية التي تستخدم العقل ومنطقه والمعارف والعلوم لتقديم الخدمات للناس.. فاستثمار حكيم للثروات يعني تلبية المطالب باتزان ورشاد وإنصاف.. وهذا يتطلب إدارة همها الأول وضع البرامج بشفافية كيما يكون المواطن معدا ومستعدا معرفيا لمناقشتها وتبنيها وتعديلها وتغييرها حيثما تطلبت مصالحه وعمليات البناء المؤسسي لخدمته..
أما الأحزاب التي تتخذ المظهر الديني ومن ثمّ تلتزم جوهر (الطائفية السياسية) فلا صواب في التعاطي معها.. إذ الخطاب الديني تحتضنه جمعيات مدنية تنشأ بحرية تامة وتمتلك حقوق العمل والشاط الحر في مجتمع مدني بحت لا يقبل الخضوع لممثلي الطائفية السياسية ولا يقبل بالمرة تحويل الدين والاعتقاد به إلى خطاب سياسي استغلالي يخلق التشظي والانشطار في المجتمع ويؤسس للصراعات وللاحتراب  والتقاتل.. بخلاف الجمعيات الدينية التي تلتزم بالنظام المدني للدولة ولمؤسساتها فهي جمعيات تعبر عن التعددية وعن التنوع وعن التمسك بأصول الخطاب الديني كونه رسالة روحية يمكنها أن تمارس طقوسها وأن تنشر خطابها الديني الاعتقادي مدنيا مؤسساتيا بعيدا عن الصراعات التصفوية [ربما الدموية] التي تؤلّب الناس بعضهم ضد بعض.. أي أن الصيغة المدنية للتنظيم تزيل فرص الصراع ضيق الأفق..
إن استبدال نظم الطغيان والدكتاتورية في الدول الوطنية إذا ما جاء بنظام مدني وبعقد اجتماعي مدني يحترم الإنسان وحقوقه ويعمل على تنظيمه في مؤسسات مجتمع مدني صحية صحيحة، سيكون الحل الأمثل من دون أحزاب الطائفية السياسية التي تسمي نفسها ممثلة (لله) على الأرض ومعبرة عن الدين وخطابه...
وللدولة المدنية أن تسنّ قوانينها ومنها قانون المؤسسات المدنية من جمعيات واتحادات ونقابات ومنظمات وبالتأكيد من أحزاب حيث الأحزاب السياسية ملزمة بالخضوع للجوهر المدني للدولة ما يعني عدم تسجيل الأحزاب العنصرية والشمولية وما بمثل هذا الوصف ويتضمن توصيف الشمولية تلك التي تدعي كلية خطابها وشموليته بل وقدسيته المنزهة في ضوء ادعائها بتمثيل الخطاب الديني (الإلهي) بين الناس...
 
إن عمليات التجهيل ونزع أي شكل للثقافة وللتنوير العقلي كانت مهمتها دائما  إخضاع الناس لرعب الخطاب السياسي (الديني) التكفيري.. والتكفيرية ليست إسلامية ولا مسيحية بل تتبع كلها الفكر السياسي لأي دين يُزعَم تمثيله.. وهي هنا في بلدان المنطقة ليست سنيّة ولا شيعية فمفاتيح جنان اليوم هي بيد المتسلط الذي يرمي الفتات لأتباعه برشاوى من مستوى غطاء نوم (بطانية) ومدفأة وما شابه ومفاتيح جنان الآخرة هي الأخرى بأيدي هؤلاء الطغاة من قادة مافيات أحزاب الطائفية السياسية والأداة هي أنّ المواطن المخدوع بهذا الخطاب مأسور بتهديد تكفيره إذا لم يؤمن بأهداف قادة خطاب الطائفية سنيا أم شيعيا..
ألم يقولوا للمواطن أن مفاتيح الجنة موجودة لدى هذا المذهب وهذه الفرقة الدينية وتأويلاتها؟ فمن لا يخضع لأوامر مرجعيته ونواهيها - وهي أي المرجعية إياها، (طائفية سياسية) في جوهرها وحقيقتها- لن يدخل الجنة وسيعده الله كافرا به لأنه خرج على نوابه على الأرض..
تلك هي اللعبة وعليه، فإنه إذا كانت ظروف عدم وجود مجتمع مدني تدفع إلى لعبة أحزاب الطائفية السياسية أو ما تسمي نفسها الأحزاب والحركات الدينية، فإن ظروف الديموقراطية واحترام التعددية وانطلاق مجتمع مدني لتنظيم مؤسساته كافة لا يسمح بقبول أحزاب تتعارض وقيم الوجود المدني المؤسساتي للدولة ومكونات العمل في ظلالها.. لأن ذلك سيكون اختراقا لقوى الاستغلال وبقاياه لنضالات وطنية  من أجل الحقوق المدنية للشعب...
بمعنى هناك مستويان مطلوبان للدولة الوطنية (المعاصرة الجديدة) التي يريد فيها الشعب أن يبني مؤسسات دولته..
أولهما: ألا يجري سرقتها بشرعنة وجود أحزاب الدين السياسي (الطائفية) بالمحصلة...
وثانيهما: أن تخضع جميع الأحزاب [بلا استثناء] بكل تنوعاتها لمبدأ ((مدنية الدولة)) وعقدها الاجتماعي أو دستورها..
وهذا لا يلغي وجود جمعيات وتنظيمات دينية تمارس أنشطتها في ظلال الدولة المدنية واحترام دستورها المدني ونظامها المدني.. أي التي لا تتعارض بل لا تعرقل مسيرة مدنية المجتمع أي مسؤوليته عن ممارسة حقوقه في رسم آليات التقدم وتلبية مطالبه بعيدا عن فلسفة تقمعه أو تكفره سياسيا أم دينيا.. حيث المجتمع المدني يساوي بين الجميع وينصفهم ويمنحهم الحريات والحقوق مكتملة فيما أي فكر شمولي كما ذلك الذي يدعي الدين هو الحل، سيتجه بدءا إلى مصادرة عقل المواطن ومنعه من حق التفكير والمشاركة في رسم حياته وتوجيهها كما سيتجه إلى طائفية التقسيم ثم على أساس الفرق الأصغر إلى الشرذمة وعلى أساس التعاليم المخصوصة والفتاوى المنغلقة التي لا تكتفي بالتكفير ستفضي إلى جريمة الحجر والمصادرة والاستلاب والقمع والاغتيال والتصفية ومنها التصفية الدموية البشعة وربما تجاريب بعض دول المنطقة جلية..
إنَّ معالجة الأمور بهدوء تعني أن نقبل معا وسويا بتعدديتنا وبمبدأ وجودنا المدني وبرفض آليات التمزيق والتقسيم وفرض منطق الاحتراب لتبرير الحلول القائمة على التشظي والتقسيم والتفتيت الذي سيجعلنا في زمن العولمة والوحدات الاقتصادية السياسية الكبرى مجرد لا أقزام بل أرقام بلا قيمة ولا من يحسب لها أي حساب...
يمكن لمن يريد تشكيل جمعية دينية أن يمارس عمله بحرية ولكن لا يمكن أن يكوّن حزبا سياسيا مثلما جميع الأحزاب العنصرية الشمولية التي أفضت إلى الفاشية والقمع والحروب ومهالك الجرائم البشرية.. وفي المجتمع المدني ستبقى الحقوق مكفولة بما يضمن الحريات العامة ووجود الدولة الوطنية ومصالح شعبها أولا وفوق كل اعتبار..

59
رسالة البرلمان الثقافي العراقي بشأن الوضع الثقافي العام في العراق


البرلمان الثقافي العراقي في المهجر يدعو  لكسر الصمت الرسمي بشأن مجريات أنشطة رسمية معادية للتعددية والتنوع وللتنوير الثقافي ومؤسساته
 
العراقيون يرفضون استمرار حلقات الاعتداء بحق العقل الجمعي العراقي ممثلا بنخبة مبدعيهم ومرجعياتهم الثقافية
ويؤكدون بأنّ كل مثقف عراقي يمثل نخلة ضاربة الجذور عظيمة الثمار

 
دَرَسَ أعضاءُ البرلمان الثقافي العراقي في المهجر أوضاع المثقف العراقي في داخل الوطن بمتابعات مباشرة وعبر جسوره المفتوحة مع جميع ميادين الوطن الناشطة ثقافيا؛ وقد وجد أنّ الأشهر الأخيرة قد سجلت كثيرا من التجاوزات والاعتداءات والتضييقات وكذلك ارتكاب جرائم الابتزاز والتصفية الدموية البشعة بحق منتجي الثقافة في العراق..
ويمكننا أن نُبرز هنا على سبيل الذكر لا الحصر، ما تعرض له نادي اتحاد الأدباء والكتاب ومؤسسة المدى للثقافة والفنون وجمعية آشوربانيبال بما تضمن بشكل فج سافر تصريح عناصر رسمية مسؤولة بأنّه لا مكان للتعددية والتنوع في عراق يريدونه أحادي الهوية قوميا ودينيا مذهبيا وعلى وفق فلسفة الطائفية السياسية المنغلقة من جهة، الموتورة المتشددة من جهة أخرى..
 
وقد تجرأ المعتدون في الآونة الأخيرة بالإعلان إلى جانب أفعالهم التي تمثلت بحلقات متصلة من تضييقات وتجاوزات ومن اعتداءات سافرة، فأعلنوا أنهم يمثلون السلطة السياسية والبلدية في البلاد كما في واقعتي اتحاد الأدباء وجمعية آشور.. ونحن نشير هنا كذلك إلى السجل الأسوأ عالميا في بلادنا فيما يخص عمل الصحفيين والإعلاميين وما تعرضوا له من منع وحظر ومن تضييقات ومصادرة ومن جرائم ابتزاز وتصفية.. سواء بملاحقات مفتعلة الذرائع عند إغلاق صحيفة أو فضائية ومقاضاتها (مثال: مؤسسة المدى وصحيفة العالم وفضائية البغدادية) ما تسبب في خسائر مادية  وبشرية وإعاقة الأنشطة الإعلامية الحرة في مناخ كان شعبنا يتطلع فيه إلى الحريات واحترام حق الاختلاف ورفض مفاهيم احتكار الحقيقة وإلغاء منطق الوصاية وطغيان دكتاتورية أخرى جديدة...
وبشكل ثابت صار المشهد العراقي الحالي يتسم بالآتي:
 
1.    التضييق على حق الصحفيين والإعلاميين في الحركة والتنقل وفي أداء المهام الرسمية.. والتمييز بينهم بمتخلف الشؤون والمستويات ومنها على سبيل المثال: المكافآت والحوافز المتاحة..
2.    إعادة سياسة حزبنة العمل الثقافي بمجمله بمنع كل مختلف في الرأي من العمل وابتزازه ومصادرته وربما وصل الأمر في عدد من الحالات إلى التصفية الجسدية وإلى محاولات اختلاق مؤسسات بديلة..
3.    افتعال مشكلات  واختلاقها وترتيب محاكمات قضائية غير عادلة في واحد من أساليب التضييق والمطاردة ما شمل كثيرا من المثقفين والمبدعين والأكاديميين ومؤسساتهم...
4.   إغلاق مكاتب صحف وفضائيات بطرق تعسفية وأوامر قهرية لا تتلاءم ونصوص الدستور والقوانين واللوائح المرعية..
5.    الاعتداءات المبيتة المبرمجة بمختلف أشكالها، الفردية والجمعية منها، على المثقفين من أدباء وكتاب وأكاديميين وفنانين وإعلاميين وغيرهم..
6.    تعمق وتوسع الحملات الإجرامية في التضييق على بنات وأبناء المجموعات القومية والدينية وحجب كل وسائل النشاط والتعبير عنهم بخاصة هنا منع منتدياتهم الاجتماعية الثقافية، ما أفضى إلى هجرات كبيرة لهؤلاء سواء منها بوجهتها الخارجية أم الداخلية.. وتضمن هذا مشهد استخدام جريمة التطهير القومي والديني ليس لأحياء محدودة بل لمدن ومحافظات بأكملها مترافقا مع إشاعة فلسفة التكفير وتحقير الآخر ومحاولة إلغاء وجوده بكل الأشكال...

 
إنَّ هذه الحقائق والوقائع الخطيرة لا ينبغي أن يكتفي الردّ عليها بمذكرات الاحتجاج وبيانات الشجب والإدانة فقط، على ما في هذه الأنشطة من أهمية تعكس تعبير قطاعات المجتمع وفئاته العريضة عن رؤاهم وحقوقهم بل ينبغي بالمقابل اتخاذ جملة من الإجراءات الفورية العاجلة وأخرى البعيدة لمعالجة ما نجم عن كل ذلك من نتائج مرضية وجراحات فاغرة كبيرة..
 
ونحن في البرلمان الثقافي العراقي في المهجر إذ نؤكد موقفنا الثابت في الحرص على خيار العملية السياسية بوصفه الخيار الأمثل لعراقنا الجديد؛ نؤمن في الوقت ذاته ونؤكد على أنّ هذه العملية تبقى بحاجة لتطوير ولمراجعات جدية في كل خطوة ومرحلة فيها وذلكم من أجل أن تلبي عملية كشف الأخطاء والثغرات فرصة وضع البدائل الجدية الفاعلة للمعالجة والإنضاج والتطوير والتقدم وبخلافه سيجري تعريض البلاد لأبشع هزات مأساوية غير محسوبة العواقب وباتت تنذر بكوارث مهولة...
 
ومن هنا فإننا نضع أيدينا بأيدي جميع الخيرين والعناصر الإيجابية في هذه المسيرة من أجل تحقيق الأهداف المنشودة في إعلاء راية العراق الديموقراطي التعددي الفديرالي؛ وفي توكيد ثقافته الوطنية الغنية بتنوعها، الثرية بتعبيرها عن طبيعة العراق التعددية في المكونات القومية والدينية وفي حريات الجميع بلا استثناء في امتلاك حقوق التعبير الإنساني الأمثل وفي تفعيل الأدوار في عملية البناء على أساس من المساواة والعدل..
إننا بالإشارة إلى جميع بياناتنا وما صدر عن المنظمات والاتحادات الثقافية العراقية الصديقة، نؤكد شجبنا وإدانتنا تلك الجرائم والاعتداءات مطالبين هنا بالإجراءات الآتية:
 
1.   أن يصدر وبشكل مباشر مع أي اعتداء موقف رسمي واضح عن مؤسسات الحكومة ومسؤوليها، بما لا يكتفي بالإدانة بشكلها العام القائم على تمييع القضايا والوقائع.. إذ نجد أنّ مسألة البيانات والتصريحات تصدر طبيعيا عن  نقابات ومنظمات واتحادات تعبر عن الموقف الشعبي العام وهو أمر مطلوب من الجهات الرسمية أيضا؛ لكن هذه الجهات الرسمية الحكومية معنية فضلا عن البيانات والتصريحات باتخاذ الإجراءات الفورية العاجلة في الرد على كل واقعة اعتداء أو تضييق أو جريمة ووضع الحلول العملية المناسبة ومنع تراكم الوقائع بالطريقة الدراماتيكية الجارية؛ إذ تبقى هي المسؤولة الأولى عن المهام والإجراءات الميدانية..
2.   وتأسيسا على هذا فإننا نطالب بتوضيحات رسمية من رئاسة الحكومة والجهات المعنية بشأن التصعيد المتنامي لهذه الجرائم ونؤكد هنا واجب كسر الصمت [السلبي] الذي ميز الموقف الرسمي بكل مستوياته طوال المدة الأخيرة.. كما نطالب باعتماد الحلول المقترحة من جانب النخبة الأكاديمية والثقافية في البلاد مثلما نطالب بتأمين الحلول العاجلة منها والبعيدة لجرائم التهجير والتصفية الجارية بحق الطيف العراقي قوميا دينيا مذهبيا فكريا..
3.   ونؤكد في القرارات العاجلة على توفير الحماية الوافية ووقف اشكال المضايقات والاعتداءات بخاصة تلك المتأتية من جهات تمثل الحكومة أو عددا من المجالس البلدية أو عناصر فيها.. وفي المدى البعيد نؤكد على واجب تفعيل أنشطة المؤسسات والوزارات المعنية تحديدا المعنية بالثقافة والتعليم والتربية والإعلام ومدها  بأولويات الميزانية العامة وربما تطلب الأمر دعما استثنائيا لحين مراجعة الميزانية بطريقة موضوعية مناسبة..
4.   نؤكد أن دعم حرية ممارسة الطقوس الروحية بتفاصيلها الاجتماعية الدينية الثقافية لا تقف عند الأقوال والتصريحات العابرة بل تتطلب إجراءات عملية ميدانية على الأرض ومن دون ذلك ستمضي أيادي الجريمة المعادية لعراق التنوع القومي الديني، المتناقضة مع عراق الديموقراطية والسلام فيما ستتراجع قيم التعايش والتقدم أمام هكذا هجمة همجية هوجاء..   
5.   ننتظر من جميع الأحزاب المعنية بمتابعة أعضائها وممثليها في دوائر الدولة والمؤسسات البلدية أن تعلن عن محاسبتها الشديدة لأولئك الذين يقومون بالتجاوزات والاعتداءات وتقديمهم للعدالة بعيدا عن الانحياز الحزبي الضيق..
 
أيها الأحبة من مثقفي العراق ونخبته الواعية، إننا ندعوكم لتفعيل أشكال التنسيق وتنظيم حركة الثقافة العراقية في المجلس الوطني للثقافة والفنون والعلوم  وتحديد السقف الزمني للقاء في العام الجاري من أجل هذه المهمة السامية النبيلة والتحول لفاعلية الدور الثقافي على المستوى الوطني من جهة تفعيل مسيرة وحدة القوى الديموقراطية والأنشطة والحريات المدنية في العراق.. وندعوكم لتفعيل وسائل الدفاع عن وجودنا الوطني القائم على احترام مكونات الشعب العراقي وأطيافه وحقوقهم في التعبير والتعايش على أساس من العدل والإخاء والمساواة...
 
ونتطلع إلى تحويل هذه الدعوات من برامج على الورق إلى أعمال وأنشطة فاعلة مستندين في هذه المهمة إلى تضافر الجهد ورحابة الصدر واتساع الميدان الوطني لقبول الآخر والتفاعل معه إيجابا..
 
وليكن موسم العام 2011 موسم الفاعلية في مختلف ميادين الإبداع والمعرفة، حيث كل مثقف عراقي يمثل نخلة ضاربة الجذور عظيمة الثمار.. وليس بغير العمل يندحر الظلام وقواه المريضة.. فإلى الفعل والحركة الثقافية الأنشط وطنيا...
 
 
 
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس  البرلمان الثقافي العراقي  في  المهجر
مستشار رابطة  الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
رئيس لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر
لاهاي 15 يناير كانون الثاني 2011


60
رسالتنا في السنة الهجرية الجديدة.. تهنئة وآمال وتطلعات


أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

تحل السنة الهجرية الجديدة محملة بالمتناقضات من آلام وأوجاع وأوصاب ومن أفراح آمال وطيدة بالتقدم إلى عالم جديد يسوده السلم والانعتاق من سطوة الجناة والقتلة من الطغاة وقوى الإرهاب الدموي التي باتت تمضي بفرقها الانتحارية رافعة رايات فلسفة الموت والسوداوية وإيقاع أقسى الخسائر في يوميات الإنسان المسالم مسلما كان أم غير مسلم... ويتشرذم ويتشظى المسلمون بين طوائف تنغلق على نفسها فتفضي إلى عزلتها بعضها عن بعضها الآخر بل تتحول بأوضاعها إلى اختلاق الحساسيات والتوجس وإلى خطاب استفزازي يتقدم فيه روح الاتهام والعدائية ومن ثمّ الاحتراب والتقاطع الدمويين!

إن الأغلبية الصامتة من المسلمين، تتطلع للتحول بمثل هذه المناسبات الحولية كما رأس السنة الهجرية إلى أوجهها المشرقة المبتسمة الملأى بالآمال في تحقيق المسرات ورفع معنويات أبنائها وبناتها وتلبية مطالبهم في الحياة الحرة الكريمة التي لا يشوبها ظلم أو حيف أو ضيم..

إننا إذ نتبادل اليوم التهنئة بميلاد عام هجري جديد يفتتح زمن المسرات بانتهاء سنة هجرية تختتم زمن الآلام والصراعات والتناقضات؛ لنتطلع إلى تعزيز وعي المسلمين التنويري كيما تغادر الأغلبية الصامتة السلبية وأوضاع الاستغلال والآلام وتتخذ الموقف المتنور من قضاياها التي باتت في مفترق طرق بين زمن أكثر سوداوية وبشاعة وآخر أكثر أمنا وسلاما وتحررا من قيود الجمود والتخلف، تلك التي فرضتها مافيات الدم والموت وتقاليد زمن الظلمة والماضوية..

إن التهنئة بعام هجري سعيد تستوحي قيمها من قيم الهجرة الأولى في خلقها التلاحم بين أبناء الديانات الإبراهيمية وتعميده بأفضل العلاقات الإنسانية الصادقة القائمة على احترام الجوار والعيش المشترك وهو ما ينبغي تمثله اليوم في وعينا وفي ممارساتنا وفي تأمين سبل عيش آمن يرفض ويدين كل أشكال العنف والرعب والترهيب بأشكاله المادية التصفوية الدموية والمعنوية بضغوطها الهمجية على وعي الناس ووضعهم كرها تحت فلسفة القطيع في مسيرة من الاقتتال والتدمير والتخريب...

نهنئ جميع مسلمي الأرض بعام هجري جديد.. ونتطلع وإياهم إلى وعي جديد مختلف نوعيا، يُعلي قيم التسامح والإخاء والتعايش السلمي.. كما يُعلي فلسفة احترام الآخر وقبول التعددية والتنوع سواء في الرؤى والمعالجات والاجتهادات أم في الوجود الإنساني ومن ثم يتحول بالمسلمين من الفرقة والتشرذم بين طوائف منغلقة محتربة إلى تعددية مذهبية تجتهد لتسهيل النص وتطبيقاته وتتداخل متلاحمة في أعمق تجليات الاتحاد والخشوع الديني القويم في تبني القيم السمحاء لرسالة المهاجرين الأوائل في دين التسامح والسلام وإكرام الإنسان المستخلف على الأرض ليعمرها ولينهي الخراب والقوى الساعية في دروبه...

أيها الأحبة من مسلمي جميع الشعوب

تبادلوا التهاني لأن الهجرة الأولى جاءت ببشائر الخير وليس عكسه وابتدرت استقبال المهاجرين بأناشيد المحبة والوداد والتعاضد.. فأعْلِنوا تمسككم بقيم دينية صحية صحيحة تتمثل في تحقيق أفضل عمار في وجودكم.. وأنتم في مختلف بلدانكم ليكن عامكم هذا عام قرار شجاع برفض التبعية لكائن من كان ممن قد يودي بكم إلى الاحتقانات والاحتراب ومن أولئك الذين يصورون الدين طقوسا تمتلئ آلاما واستعبادا للنفس وجلدا لها في ذنوب لم ترتكبها وفي بكائيات ونواح حرّمه الدين نفسه وأمر الإنسان أن يحيا حياته فلا حزن فوق ثلاث "الحديث النبوي الشريف الذي يوصي بألا يبقى عزاء أكثر من ثلاث ليال"فيما يريد لنا بعضهم أن نحيا العمر أحزانا وأن نوقع بأنفسنا الألم ليل نهار وسنة بعد أخرى والحق أن العمر لبارئه أُمِر الإنسان أن يملأه خيرا ومسرة ويريد أولئك أن يجعلوا من أيام السنة شدائد قاسية حزينة سوداء.. فكل فرد منكم يملك عقله وحنكته عبر تجاريبه وهو يرى ما يحل به يوميا ويمكنه اتخاذ القرار الحاسم في ركوب طريق الصواب والرشاد والفطنة..

توجهوا إلى صلاح الأنفس والبيئة وخذوا قراركم في العمل والبناء [فعامل يعمل خير من ألف عابد"حديث نبوي شريف"] ففي العمل والبناء سعادتكم ومسراتكم وميراث تتركونه لبناتكم وأبنائكم.. فلقد أُنْهِكت الأنفس من أجواء ترقب الواقعة السوداء تعقب الأخرى الكأداء؛ وتاقت اليوم إلى مصالحة مع الذات وبناء جسور المحبة وتبادل أعمق مشاعر الثقة..

إنَّ الدين لله وكلُُ يعرف طريقه إلى ربه الذي لا يقبل وساطة في الوصول إليه.. أما بيوتنا أوطاننا فهي الأرض التي اُسْتُخلِف الإنسان عليها يعمرها فيجني ما يزرع وزرعكم الثقة والتسامح والمصالحة والوعي بصواب القرار هو أول تباشير عامكم الواعد خيرا..

أجمل التهاني وأروع الأماني بعام هجري جديد

وليكن عامكم هذا عام إعمار الذوات الموجوعة وبيوتها المخربة فتسكنوا أروع جنان تشيدها أيديكم، أيدي البركة..

ومبارك عامكم عاد عليكم باليُمن والخير والبركات





أ.د. تيسير عبيدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

مستشار رابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا


61
ندين ثقافة العنف وجرائم الإرهاب  الدموية ونطالب بتفاعل فوري ومعالجة بعيدة المدى
الخلود لشهداء شعبنا من سكان الوطن الأصليين والموت للقتلة

بيان: البرلمان الثقافي العراقي يدين جريمة الإرهاب بحق مسيحيي العراق ويدعو لإجراءات عاجلة لحمايتهم
تواصل قوى الإرهاب في العراق جرائمها التي تدخل عبر أبرز محاورها في إطار عملية إبادة سكان البلاد الأصليين وتحديدا هنا الكلدان  الآشوريون السريان من مسيحيي الوطن بمختلف مذاهبهم الدينية؛ وبالتأكيد تطال الجريمة مجموع الطيف العراقي من صابئة مندائيين وأيزيديين وغيرهم. إلا أن استمرار  جريمة التصفيات الدموية بحق  مسيحيي العراق تبقى بارزة بطريقة خطيرة فهي مخططة بمستويات عمليات التهديد والابتزاز والتهجير القسري وإخلاء مناطق سكناهم ومحافظات بكاملها منهم مع تهديم وتخريب دور العبادة والمؤسسات المسيحية وأبعد مخاطرا  الإمعان في التصفيات الدموية البشعة..
إن اختيار دور الكنائس مسرحا لجرائم القتل الجماعي لا يشير فقط إلى همجية الجريمة وطابعها ومن يقف وراءها بل كذلك يؤكد الثغرات الخطيرة التي مازالت تعيشها المؤسسة الأمنية العراقية من اختراقات في صفوفها ومن نواقص في الكفاءة والتجهيزات، مع أننا لن نتوانى عن دعم مؤسسات الدولة و نشيد بهذه المؤسسة تحديدا وبأهميتها ونعاضد جهودها وتضحيات منتسبيها، ويؤكد هذا المسار التصفوي المرعب أيضا أنّ الجريمة ليست بين أخوة الوطن وهويتهم الحضارية إنسانية الجوهر بل هي جريمة عابرة للحدود التي ما زالت غير مؤمَّنَة ولا محروسة بما يكفي لا من الجانب العراقي بظروف مؤسساته المعروفة ولا من جانب  عدد من دول الجوار بتماهلها أو غضها الطرف عن أشكال دعم لوجيستي للقوى الإرهابية...
إننا أعضاء البرلمان الثقافي العراقي في المهجر ورابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا، إذ نشجب الجريمة النكراء  وندين استمرار إبقاع أفدح الآلام في أبناء الوطن بخاصة هنا من  المسيحيين نذكِّر ببياناتنا السابقة بهذا الشأن ونؤكد أن الحل يكمن في تطهير مؤسسات الدولة من الخروقات وتطويرها على أساس مدني لا يخضع لفلسفة المحاصصة وبإنهاء حال وضع الشخوص غير الأكفاء في مهام ليس لهم بتخصصها صلة وإبعاد سلطة الميليشيات المؤتمرة لقيادات أحزاب الطائفية وامتداداتها الإقليمية عن أنشطة وتلك المؤسسة الوطنية الأمنية ومهامها إلى جانب إشاعة ثقافة السلم والتسامح والشروع بتوطيد مفهوم المصالحة الوطنية الحقة..
ونضع هنا في بياننا هذا جانبا من توصيات خطاب الثقافة الوطنية من أجل السلم الأهلي والانعتاق من فروض التهديدات وتحقيق الديموقراطية والعيش الحر الكريم لجميع أبناء الوطن:

إنَّ وضع المسيحيين العراقيين ومعهم أبناء المجموعات الدينية الأخرى تحت سيف التهديد والإرهاب واستمرار وقوع جريمة الإبادة الجماعية تلك بلا وقفة مسؤولة من الحكومة ومن دون إجراءات ملموسة دوليا، يعني شراكة في جريمة بحق الإنسانية ولن يجدي وقفة دقيقة صمت أو بيان شجب من الجهات المسؤولة فهذه الأمور هي من نافلة القول وهي مما ينهض بها الأبرياء والبسطاء ومن ليس لهم سلطة الفعل والمسؤولية... ولكن المنتظر من المسؤولين اليوم:
 
1. أن تعترف الحكومة العراقية بحجم إمكاناتها في التعاطي مع الظرف الأمني وتتعاطى مع متطلباته في ضوء خطة نوعية تستند إلى دعم دولي ملموس بخصوص الحماية الأمنية للمواطن وتحديدا هنا أبناء العراق من المسيحيين المهددين اليوم بجولة جديدة من أعمال التصفية الدموية النكراء...
 2. وكيما يجري تفعيل الرد المناسب والارتقاء لمستوى المسؤولية يلزم التوجه الفوري لتكثيف الحماية لدور العبادة والكنائس والمراكز والمباني والأماكن المعنية ومنها تلك التي تحتفظ بكثافة سكانية مهمة لمسيحيي العراق...
 3. إصدار قرارات فورية بتشديد عقوبة المجرمين الإرهابيين الذين تطال جرائمهم هذه المجموعات القومية والدينية وهنا في حالة التهديد الواردة التي تطال مسيحيي العراق... وبالمثل كل من المندائيين والأيزيديين.
4. الدعوة لمؤتمر وطني عراقي وآخر دولي يُعنى بالمجموعات القومية والدينية العراقية على أن يكون هذا المؤتمر منعقدا بشكل دوري أو طارئ بحسب تطورات الأوضاع ومتابعة المستجدات أولا بأول بما يسبق المجرمين ويوقف جرائمهم...
5. فورا وبلا مماطلة أو تلكؤ البحث في إنشاء وزارة المجموعات القومية والدينية ودوائرها الرسمية التي تتصدى للمهام بشكل مباشر وبعيدا عن أشكال الإهمال والإغفال والتراخي في التعاطي مع مكونات الوطن وما يتعرضون له.. فقد تمَّ تشريد أكثر من 85% من المندائيين وأكثر من 50% من مسيحيي العراق حتى باتت مدن عراقية كانت تحيا فيها أكثريات من هذه المجموعات الدينية شبه خالية منهم وذلك بين التصفية الجسدية والترحيل القسري وجنون الاستغلال والمطاردة الوحشية.. فماذا تنتظر الحكومة العراقية هل تنتظر التطهير العرقي الديني القومي ليكتمل ومن ثمَّ تبدأ حملة التطهير المذهبي الطائفي ليصير العراق بقية من أرض جرداء ومجموعة طائفية مستغلة مستباحة يجري الانفراد بها!؟
 6. هذه دعوة للمنظمات الدولية المعنية للتدخل العاجل لا في استقبال النازحين واللاجئين وهذه قضية واجبة إنسانيا بل في حماية المتبقي من المتشبثين ببيوتهم ويريدون العيش بأمان وسلام في وطنهم الذي لا يستطيعون العيش بعيدا عنه... وأول أشكال التدخل تحمل المسؤولية بتفعيل جهود الحكومة العراقية ودعم خطة رسمية مسؤولة والدفع بالقوى الدولية المعنية للتصدي لمسؤولياتها طالما قواتها موجودة على الأرض في العراق...
 7. العودة لممثلي الطيف العراقي المهدد من مؤسسات مدنية ومراجع دينية وأخذ مشورته ورأيه في الحلول الممكنة والمتاحة ومنحه فرص التعبير واستقبال معالجاته وتنفيذها ميدانيا..
 8. على القوى الوطنية كافة التصدي لمسؤولياتها في إعلان موقف صريح وحازم وحاسم وإعلان برنامج حماية وطني لا يقبل التأويل أو التأجيل تتبناه تلك القوى وتعمل في ضوء مفردات متفق عليها إجرائيا بخاصة في انعقاد المجلس السياسي الوطني وإعلان موقفه بالخصوص...
9. ومن تلك القوى الوطنية المنتظر منها الموقف الحازم، منظمات المجتمع المدني المعنية والمراجع الدينية الإسلامية تحديدا التي إذا كان لها من موقف ديني وإنساني ووطني اليوم فعليها إصدار فتاوى تحريم الدم العراقي وتحديدا تحريم التعرض لأتباع الديانات كافة والدعوة للتعايش... ومن ضمن الموقف أن تكون لديهم إجراءات فورية عاجلة وواضحة في استقبال ممثلي المجموعات الدينية واللقاء المعلن بهم وإصدار بيان مشترك بين أتباع الديانات في ظلال موقف التعايش السلمي والتعاضد والتكاتف بين الجميع.. ونحن ندعو هنا للتحضير العاجل لملتقى المراجع الدينية الأولى وليس ممثليها لمختلف الديانات المتعايشة في العراق وكذلك ممثلو المؤسسات المدنية التي تعنى برعاية التعايش الديني في البلاد...
10. استحداث غرفة برلمانية مخصوصة [مع تفعيل جلسة طارئة للبرلمان] وأخرى حكومية طارئة لحين استكمال الهياكل الضروروية المقترحة بشأن تركيبة البرلمان العراقي وتمثيل القوى القومية والدينية كافة بطريقة منطقية صائبة...
11. أن تتشكل فورا وفود للقاء السفراء والمسؤولين بأعلى المستويات والهيآت المختصة ويجري هناك تقديم مطالب محددة بشأن المؤمل من كل جهة والأسقف المعتمدة المنتظر تنفيذها...
إنَّ كتابنا وصحفيينا ومفكرينا وفنانينا الديموقراطيين العراقيين يقفون وقفة ثابتة بوجه الجريمة ولا يكتفون بالإدانة وهم ينهضون بمهمات متابعة الوقائع ليقدموا ما ينبغي في مسيرة بناء عراقنا الجديد عراق التعددية والحريات والتسامح بالضد من زمن المصادرة والقمع ومن زمن الفوضى والجريمة ونحن واثقون من انتصار إرادة السلام والحرية والديموقراطية ونقف مع الحكومة سواء حكومة تصريف الأعمال أم الحكومة المؤمل وقف المماطلة والتسويف في تشكيلها ومع كل قوى شعبنا وتياراته الدينية والسياسية في وحدة وطنية من أجل عراق ديموقراطي تعددي فديرالي موحد يحيا فيه المسيحي الكلداني، الآشوري والسرياني والأرمني ومن كل المذاهب حياة مواطن حر يمتلك كامل حقوقه في وطنه العراق وطن آبائه وأجداده وعلى قدم المساواة مع جميع العراقيين من كل قومياته ودياناته وتياراته الفكرية والسياسية
هذه كلمة هي الفعل متى ما تبناها مسؤول أو منظمة أو حركة محليا أو إقليميا أو دوليا؛ ولقد طفح الكيل وصرنا أمام مباشرة مهامنا في التصدي والدفاع عن حيوات الناس وحقوقهم في الوجود أحياء وبأمان وليس الترحم على الضحايا ولا حتى الاكتفاء بالتعاطف المجرد من الفعل، وهذا ما نتوجه به للجميع (من العراقيين كافة ومن منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والجهات الدولية والإقليمية المعنية) كيما يتحملوا المسؤولية الآن وليس بعد فوات الأوان..
 




أ.د. تيسير الآلوسي
البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
رابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
لاهاي هولندا  أوائل نوفمبر نشرين ثاني 2010



62
لطائفية السياسية في العراق الجديد
في العراق الديموقراطي الفديرالي الجديد:  تسمو ثقافة التعددية والتنوع والوحدة الوطنية

 

أ.د.  تيسير  عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا \ رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر



 

ومضات وإضاءات مفيدة:

تحية لإدارة هذه الأماسي الثقافية وتوجهها الوطني.

تحية للحضور الذي من دونه لا تكون من نتيجة للحوار المفتوح

تحية للرسمي وللشعبي في لقاء يغير من صورة العلائق السلبية بين مؤسسات الدولة والمجتمع ويغير من الأدوار ويدفع بها إلى أمام

تحية لتعميد الحوار الموضوعي الهادئ وخطاب التسامح وأن نقبل بالنقد مهما تعمق وبدا في إصابته جوهر ما نؤمن به فلربما الحقيقة لا تكمن بين أيدينا ولنبدأ حوارنا بموضوعية التعاطي لا شخصنة ولا فردنة ولا يحط من قيمة إنسان أنه يتبنى الرأي الآخر لأنه سيجد فيه الصواب بل يعلي من شانه أنه يحمل منطقا متفتحا ونحن العراقيين لطالما كنا اصحاب منطق عقلي

ولن ينفعنا مجاملات تبادل الكلمات الروتينية المعهودة فيما تختفي المصارحة والمكاشفة الجوهرية

 

الأحبة الأعزاء

بسؤال ما الثقافة؟ وبالإجابة عنه سيفضي الأمر إلى تسهيل مهمة فتح قنوات حوار حقيقية لا زيف فيها ولا تمظهر

 

فالثقافة هي:

1. المركب الذي يشمل المعرفة الإنسانية وتراكمها والقيم الأخلاقية والقوانين والأعراف والمعتقدات ومنتجات الآداب والفنون وجملة الإمكانات والعادات الموجهة لسلوك أبناء مجتمع بعينه.

2. والثقافة تمثل تاريخيا عامل التقاليد أو الإرث التراكمي والوليد الجديد الذي سيؤسس للتالي أيضا. وهي عملية تربوية نفسية من جهة اكتسابها وتعلمها وتناقلها وتفاعلها ما يمنحها قدرة التكيف والتبني العائدة لخصائص الإنسان الفرد والجماعة..

3. على أنه من المهم دوما مع حال الاعتراف بالتنوع والثراء في الثقافات أن نعود إلى القواسم المشتركة إنسانيا لطابع تطورها جذورا وولادة ومستقبلا وتطلعا بشريا موحدا.. فالثقافة توجه روحي للسيطرة على الطبيعي العشوائي وتدعيم القيمي الجمعي المشترك للوجود الإنساني حيث الأصل الاجتماعي لتلك القيم والأعراف والتقاليد المكوِّنة للثقافة...

على أنَّ هذا لا يعني لا الانفصال التعارضي بين الثقافات المتعددة ولا الاندماج بطريقة إلغاء شخصية الثقافات التعددية وتنوعها واستقلاليتها لكننا بعامة نجابه بثقافتين إحداهما الثقافة الإنسانية ثابتة التطور مفتوحته والأخرى هي الثقافة المغلقة الجامدة بمقابل الثقافة الحركية المفتوحة الي نتحدث عنها... وعلينا أن نتذكر هذا المدخل بقصد الإفادة من الحديث عن التنوع والتعددية من جهة وعن الوحدة في التنوع مصطلحا لا يلغي التعدد واستقلالية شخصيات أطراف هذا التعدد وحقهم في التعبير المشروط بمحددات موضوعية للمنطق العقلي وللوجود الإنساني وفرضياته...

من هنا سيكون لي تعريج هنا وآخر هناك بحسب الضرورة إلى معارف مساعدة لتوضيح الاصطلاح لربما سيساعدنا علم اللغة والمعاجم وعلم النفس والاجتماع وبالتأكيد علم السياسة وهكذا...

 

 

مدخل في جذور الطائفية ومفهومها
الطائفية لغة: مصدر صناعي أو اصطلاح مشتق من لفظ طاف، يطوف طوافا، فهو طائف وبهذا فالطائف يبقى ملازما ملتصقا بما يطوف أو يدور في فلكه؛ كما الجزء من كل لا فكاك له منه. وإذا كان الأمر ماديا يرتبط بدوران الجزء في إطار الكل، فإن الأمر سيتخذ المنحى ذاته بقدر تعلق الأمر بالطائفي فكرا وهو اللفظ الذي يشير إلى كل ما ينسب إلى الطائفة. وطبعا نقصد بالطائفة: جماعة من الناس أو فرقة منهم كقولك:(طائفة من المؤمنين أو طائفة من الساسة أو طائفة من المفكرين) وهكذا يكون القصد هنا جماعة أو فرقة منهم على أن يكون الرابط بين مكونات الطائفة ارتباط كل طرف (شخص) فيها بطريقة التبعية السلبية.. وكيما نؤكد حقيقة الارتباط والتبعية نلاحظ الدلالة الأخرى للطائفة كونها: بعض الشيء أو قطعة منه.. كقولك طائفة من الليل أي بعض منه [أذكـِّر أن العرب استخدمت طائفة من الليل أكثر من استخدامها طائفة من النهار ربما لدلالة سلبية أو لنقل للسلب في الحركة حيث الطائف تابع لما يطوف حوله وفي إطاره مُنـْشـَدّ إليه بتسليم تام في الأداء يلغي أي دور نقدي أو مراجعة من الجزء للكل ومركزه]..  وبهذا [نستنتج] أنَّ الطائفي هو شخص متعصِّب لطائفة تنغلق على مركز أو اعتقاد أو نمط تفكير ويرد [بحيادية] في المعجم العربي الأساسي ص803 أنه المتعصب لطائفة ذات مذهب معين. والطائفية مصدر يتضمن محتوى لمفهوم التعصب لطائفة ذات مذهب معين [ومرة أخرى كما يقول المعجم لأننا بصدد الاستقراء والاستنتاج لاحقا لمفهوم ربما يكون مختلفا عن معالجة المعاجم اللغوية المحدودة في القراءة فكريا أو سياسيا بالإشارة إلى سمات الانغلاق والسلب في الأداء] إذ التعصب هنا ليس لمذهب بمعنى اختيار الاعتقاد أو الإيمان باجتهاد (ديني) كما هو تعريف المذهب وإنما التعصب بالانشداد والتبعية السلبية واستلاب لإرادة الطائفي في مواجهة حركة الطائفية؛ على طريقة انصر أخاك ظالما أو مظلوما أو على طريقة بيت الشعر:

وما أنا إلا من غزية إن غوت      غويت وإن ترشد غزية أرشد

يقول برهان غليون في مؤلفه "الطائفية في الدولة والمجتمع": إن الطائفية تنتمي إلى ميدان السياسة لا إلى مجال الدين والعقيدة، وأنها تشكل سوقا موازية، أي [سوقا] سوداء للسياسة، أكثر مما تعكس إرادة تعميم قيم أو مبادئ أو مذاهب دينية لجماعة خاصة".

إذن، الطائفية فكرا سياسيا ليست  تعبيرا عن التعدد المذهبي الديني، إذ أن قراءة تاريخنا القديم والحديث يشير بوضوح إلى وجود المجتمعات متعددة الطوائف الدينية أو الإثنية من دون أن يكون ذلك قد أدى إلى نشوء دولة طائفية أو سيادة الطائفية على الحياة السياسية، ومن ثمَّ تقديم الولاء الطائفي على الولاء للدولة وعموم المجتمع الإنساني المتكافئ وقانونه العادل الممثل للجميع والسائد عليهم بالتساوي.

لقد سجَّل المجتمع البشري منذ ولادة حضاراته الأولى تعددية دينية حتى كان لكل عائلة [كبيرة] إلهها ودينها ولكل جماعة، بمعنى طائفة من المجموعة البشرية أو القوم، (دين) أو (مذهب) ولكن سنّة التطور في المجتمع ومن ثم في النظام الاقتصا-اجتماعي العام اتجهت إلى قيم التحضر والتمدن أي إلى ولادة مجتمع دولة المدينة وما أعقبه من تطورات قامت على ولادة قوانين هذه الدولة المدنية التي قدمت الولاء للوجود المدني على أي ولاء آخر...

ومع ولادة الديانات التوحيدية الكبرى الإبراهيمية وغيرها وسيادة تعاليمها ولدت معها فرص الاتساع في قراءات نصوصها الرئيسة بمعنى فرص الاجتهاد (الديني) وهو الأمر الذي ولدت في إطاره المذاهب الدينية  بقاعدة الاجتهاد لتسهيل الفهم والأداء؛ والاجتهاد هنا فعل إيجاب لا سلب.. وهذا بخلاف مفهوم الطائفة إذ هي فعل سلب لا إيجاب. والبحث عن علاقة بين المؤمن ونصه الديني  تمر أما عبر آلية إيجاب بالمرور عبر المذهب بمعنى الاجتهاد ما يتيح رفض إلزامية الإحادية المذهبية لأن الإشكالية هنا تعني البحث عن مساعد لإدراك نص بأفضلية وأدائه بأسهل الممكنات المتاحة [مثال؟]. وأما عبر آلية سلب بالمرور عبر الطائفي بمعنى التبعية والانغلاق وإلزامية أحادية الطريق الطائفي المتخذ لأن الإشكالية هنا تتحول إلى احتماء سلبي بمظلة الطائفة في وقت افتقاد [شاغر] حماية دولة المؤسسة وقوانين المجتمع المدني العامة..

يقول بهذا الصدد الدكتور علي محمد فخرو في مقاله (جدلية ممارسـة الطائفية): "ولم تسلم آخر الرسالات السماوية من المصير نفسه. فانبثقت من الدين الاسلامي الواحد شتى المذاهب المعروفة، وهي في الأساس مبنية على اختلافات بشرية في قراءة النص الأصلي وفي ممارسة أساليب تطبيق النص في الواقع. فوجود المذاهب والمدارس الفكرية الدينية أمر مقبول، بل مطلوب، وبالتالي لا يعني وجود الطائفية، فالطائفية لا تنبني على الاختلاف في الرأي وانما تنبني على التعصب المبتذل للرأي. انها ترفض التعايش مع الآخر وتهدف الى إقصائه أو تهميشه وهي لا تقبل المشاركة العادلة وإنما تمارس الاستحواذ على كل شيء."

 

متى ظهرت الطائفية؟ ما جذورها التاريخية؟ وكيف ظهرت؟ نترك التفصيل فيه لدراسات أوسع وأعمق بحثيا لفرصة مناسبة أخرى. ولكن باختصار نقول إجابة عن هذه الأسئلة: إنه في الوضع الذي تراجعت فيه المساواة بين الحاكم والمحكوم وفي الوقت الذي بحثت فيه القوى المتحكمة بالسلطة عن مبررات تمرير تجاوزاتها وظلمها عبر تقسيم المجتمع ووضع مكوناته في تعارضات وتناقضات لتوليد التناحر المُشاغِل وفي زمن احتاج الناس للاحتماء بمجموعات منغلقة في إطار مهنها كما في طائفة الحدادين، النجارين، الصاغة وغيرهم [هناك أسباب تاريخية للأمر]في هذا الوقت زرعت أول بذور الطائفية مستغلة استغلاق الخلاف على مستوى مصالح السوق التي تحركها؛ بنظام كم أكسب منك لمجموعتي التي تحميني وتوفر لي التعليم والتدريب فضلا عن الحماية النقابية والتأمينات اللازمة.. كما زرعت البذور الأولى للطائفية مستغلة بشكل أبعد وأشمل خطرا استغلاق الخلاف المذهبي محوّلة إياه إلى انقسام تناقضي بين المؤمنين بدين. بالمناسبة هذه الإشكالية ستتخذ حال تفاقم خطير عندما يستغلها محبو كرسي السلطة المتصارعون عليه فيتشبثون بوسائل تبرير أحقيتهم في السلطان ويوم ظهرت تاريخيا هذه الحال ولدت دويلات الطوائف في القرن الخامس الهجري كما هو معروف.. وتبعها الاحتراب والاقتتال الأمر الذي ألغى أي اهتمام بمؤسسات البناء وخدمة المجتمع الذي تشرذم وانكفى لتقوم بدائل أخرى تمثلت في ولادة عصر النهضة الأوروبي على أنقاض عتمة السلطة الكهنوتية لكنيسة القرون الوسطى ودويلات الطوائف المتهالكة لبقايا الدولتين العباسية والأموية. [بالمناسبة لابد من التذكير هنا بالحروب الدينية المذهبية الطائفية التي عانت منها الأمرَّين دول أوروبا قبيل نقلتها الحديثة]

وفي عصرنا الحديث ومع ازدياد حالات الاستبداد وقسوة الطغيان وهصره الأمور باتجاه التشظي والتقسيم احتمت مكونات اجتماعية بالقبيلة وأخرى بالطائفة بسبب هشاشة الوجود القبلي لديها لأسباب تاريخية [طبيعة التشكيلة الاقتصا اجتماعية\ الاقطاع في بعض أقاليم الوطن] وبسبب من هزال قراءة ظاهرة التعددية الدينية والمذهبية اجتماعيا (في إطار المجتمع) وعدم القدرة على قراءة معنى الطائفية السياسية بوصفها آلية مرضية تتقاطع عدائيا والتعددية ولا تعبر عنها أي لا تعبرعن التعددية في المجتمع.. 

غير أنّ بعض تداعيات التجربة الحياتية العملية أثر في الوعي الجمعي (المرتبك أصلا)، فجعل أثر تلك التجاريب مجتمع الطائفة يشعر بحماقة العلاقات الطائفية وماضويتها ومرضيتها، لكنه لم يستطع التخلص من تمكنها من سلوكياته وأدائه وطبعا من مستوى فهمه وتحليله المرتبك أو غير الناضج.. الأمر الذي دفع للعبة [الازدواجية] وطاقية التخفي والظهور بمظهر التمسك بالروح الوطني ومسمياته (شكليا) على مستوى الفرد المواطن البسيط وعلى مستوى السياسي أو الزعيم أو الحزب السياسي، ونقول اسميا شكليا أي بصورة مفرغة من كل (جوهر وطني) ومن كل (معنى وطني) حقيقي!

ومن الطبيعي هنا أن تستغل الطائفية السياسية الفرصة لتتمكن من الأوضاع  ومسك زمام أمور السلطة وتوجيهها لمآربها ومصالحها الضيقة بإشاعة متجددة الولادة لحال القبول السلبي بالتعايش مع الممارسات الطائفية على مستوى الدولة ومؤسساتها المريضة.

يساعدها [الطائفية السياسية وزعاماتها] هنا غياب العدالة في الدفع باتجاه اللجوء للحماية العجلى المباشرة (للطائفة) وعدم انتظار قيام مؤسسة الدولة أو المجتمع التي قد لا تأتي في عمر الفرد وعائلته وهو أمر يعززه مفهوم (الشعلينة لازم) أو ما مسؤوليتي ولست أنا الذي سيغير العالم، بمعنى القبول بتداعيات الانقسام الطائفي ونتائجه مع معرفته بخطل آلياته وكارثيتها عليه من جهة من جهاتها أي من جهة حقوقه وتفاصيل يومه العادي. [بمعنى مساهمة الزعامة الطائفية في إشاعة انعدام العدل بقصد واضح لإدامة استيلاد اللجوء إلى أحضان الطائفية مع تعزيز لمبدأ التبرير بشأن ما تسميه ردود فعل المظلومين]

ولأن الطائفية سياسية بالجوهر، فلا يمكن القبول بتبرير وجودها كونها بالضرورة والحتم مرتبطة بالدين والطائفة وأنها مجرد (رد فعل مظلوم) وقع عليه حيف أو ظلم بسبب انتمائه إلى مذهب أو طائفة.. لكن ما يحصل هو أن الطائفية السياسية تعتاش وتتغذى على وجود أحداث ووقائع تصطبغ بالصراع على أساس الانتماء للمذهب والطائفة وتنمو باستغلال مثل هذه الأجواء [ أمثلة على اختراع وقائع تاريخية موضوعة لا سند تاريخي موثوق على صحتها لتأجيج الأمور عبر اختلاق تلك الجذور وكذلك اختلاق تفسيرات وتفاصيل تأويلية للوقائع المعاصرة بما يؤدي الدور ذاته وتلك مسؤولية الساسة والإعلام]... وما قد يزيد الطين بلة أن يجري تصوير موقف الطوائف الأخرى وكأنه مهادن للظلم الواقع على طائفة بعينها أو يقف سلبيا متفرجا تجاه المظالم التي تقع على أساس طائفي.. وهذا التصوير لا يقصد إثارة رد الفعل الطائفي وتعزيز خطابه حسب بل أبعد من ذلك كسب شرعية وجود الطائفية السياسية كونها الحل البديل في أجواء وجود المظالم والتعسف بمنطلقات طائفية الأسباب والدواعي[ أذكر بحكاية المبالغات والتأويلات لتوصيف جميع السنة بمهادنة وصمت عن المظالم التي لحقت بالشيعة وهو تصوير يغمط حقيقة أن جرائم الطاغية وقعت بحق الشعب العراقي بكل أطيافه بل أنه أحرق نفسه بخطله ومغامراته]..

وأعود للقول: إنّ التجربة الوطنية العراقية وكذلك تجاريب عدد من دول المنطقة أكدت أن مكونات المجتمع لم تتصرف بمنطلقات طائفية بل رفضت ذلك وتبنت الأساس الوطني في مسيرتها القديمة والمعاصرة كما أن القوى الوطنية الممثلة لأطياف المجتمع وطنيا إنسانيا ساهمت إيجابيا في المشاركة بكل أنشطة الدفاع عن حقوق المواطنين ومكونات المجتمع  على الصعيد الوطني المفتوح على الجميع بلا استثناء أو تمييز.. ولم يكن الشيعي يتحدث بروح طائفي في دفاعه عن أخيه في الوطن سواء السني أم المسيحي أم الأيزيدي ولم يكن السني ينطلق من روح طائفي في دفاعه عن أخيه في الوطن سواء الشيعي أم المندائي أم الكاكائي أم من أي مكون ديني أو مذهبي كان.. ومثل هذا حصل في مصر بمسلميها وأقباطها أو بسوريا ولبنان وفي دول الخليج العربي ما يجعلنا نصل إلى نتيجة مفادها أن الطائفية ليست شيعية أو سنية [مثلما لم تكن كاثوليكية أو أرثودوكسية أو بروتستانتية] وهي لا تنتمي إلى أي مجموعة دينية أو مذهبية إلا من جهة تضليلية أي خلق الغطاء الديني الطائفي للفعل السياسي ومحاولة شرعنة أدواته وأفعاله..

يقول الدكتور فخرو:  "إن ما سينفي وجود المشهد الأول المتمثل في وجود طائفة مظلومة وينفي الحاجة إلى المشهد الثاني المتمثل في وجود طوائف متعاطفة هو قيام الحياة السياسية على مبادىء وممارسات الديمقراطية. بوجود ديمقراطية عادلة وانتقال المجتمع إلى مبدأ المواطنة التي تحكم ممارستها القوانين المطبقة على الجميع والمساوية للجميع في الحقوق والواجبات".

وقد نترك تفاصيل التعريف بالطائفية واسسها السياسية لا الدينية لمواضع أخرى من هذا السمينار


تجربة الطائفية السياسية وممارساتها
[[شوية تحملوا الأمر هنا لأنه لا ينصب على معاداة أحد بقدر ما ينصب على نقد إفرازات الطائفية]]


لنلاحظ بعض المساقات والممارسات التي تأتي بها الطائفية السياسية ومنها كارثية صراعات ساستها وزعاماتها كونها صراعا غابويا لا يحكمه قانون ولا يرعوي لحرمة.  إنّ سياسة الطائفية السياسية تخلق أرضية تراجعات خطيرة وبدل توظيف الفرص التاريخية في عصر الثورة التكنولوجية والعولمة واندماج الاقتصادات وتفاعلها البنيوي لاطلاق عملية إعادة إعمار الذات الوطني المخرّب، يتمّ في ظل الطائفية السياسية إطلاق عوامل التخلف والانكفاء الماضوي باتجاه مرحلة مظلمة في تاريخ البشرية هي مرحلة دويلات (الطوائف) التي أثبتت التجربة الإنسانية لا خطلها حسب بل دموية وبشاعة آثارها التي تركتها لنا تلك التجربة.. دعونا نحاول أن نسجل هنا بعض ما نجم عنها بالآتي:

1. في وضع البلدان النامية حاليا خلقت هذه السياسة تراجع الوضع الاقتصادي في البلاد وتحديدا في مستويي الزراعة والصناعة إلى أدنى مستوى بسبب من الانشغال عن مشروعات التحديث والتطوير. دعونا نتذكر أن الاقتصاد السائد والممكن على وفق خطط وقدرات (الطائفية السياسية) هو الاقتصاد الريعي الطفيلي وأن الأهمية في أغلب الأنشطة تنطلق من تحقيق أكبر سطو لصالح المتحكمين بالكراسي والامتيازات[هل يمكن أن نسترجع النموذج الأندلسي تاريخيا وأن نتحدث عن نموذج أفريقي وعن النموذج العراقي راهنيا؟]

2. وتخلق فلسفة الطائفية السياسية حكومة هزيلة لا تستطيع العمل بشكل مؤسساتي جمعي وهي لا تستطيع أيضا الإشراف على مؤسسات الدولة كون هذه المؤسسات تنفصل عن بعضها بعضا وربما تتقاطع في أداءات تتناقض في الخطط المرسومة وفي التوجهات وآليات العمل لا تتوافر فيها أية فرصة للتكامل ما يمنع إمكانات النجاح لأي مشروع أو مؤسسة. [ربما من هنا الخشية من التصريح بطائفية المرجعية والاستحياء من تلك الإجرءاءات والممارسات الطائفية التي تشي بالحقيقة في بعض الأحيان]

3. آليات الحركة والعمل هي آليات بطرياركية أبوية تُبرز مرجعية (ربما الصنمية) وتنهض بمهام تلميع الصورة ومنحها فرص الوجاهة والزعامة عبر سوق الحسنات والمكارم وهدايا ذر الرماد في العيون في وقت تتحكم  بالمشهد بشكل نهائي حاسم ولا تسمح لأية مؤسسة دستورية أن تتحرك بمواجهة حركتها أو بالتوازي معها... وفي هذه الأجواء يجري خلق الزعامات العصماء وإيجاد أرضية الصنمية والتبعية المطلقة ولغة الإذعان لتلك الرموز العليا بوصفها الملاذ والملجأ الوحيد بلا وجود لبديل موضوعي... [هل يمكن الحديث عن تعطيل دور البرلمان في اتخاذ قرار بشأن عقدة تشكيل الحكومة العراقية؟]..

4. وتخلق الطائفية السياسية ثوابت منهجية في افتعال مستمر لوجود بعبع للتهديد وإثارة الهلع والرعب في الحياة العامة.. وهو ما يساعد على الدفع باتجاه اللجوء في كل تفاصيل الحياة إلى الركون لحماية سلبية من جهة وإلى تحليل المجريات بالغيبيات واللاهوت بعيدا عن أية حلول علمية بمعنى تعطيل العقل العلمي وإشاعة التخلف والحط من مكانة التعليم ومؤسسات البحث العلمي..[هل يمكن الحديث عن اوضاع التعليم في العراق الجديد]

5. والطائفية السياسية تشيع فلسفة التبرير لكل ما يصب في خانة فلسفتها ومصالحها الضيقة من أشكال التعذيب والانتقام تجاه المخالفين إلى تعطيل آليات العمل المؤسساتي الديموقراطي كالتداول السلمي للسلطة برفع شعارات مضللة بأحقية طرف طائفي وزعاماته من دون ممثلي المجتمع المدني وطنيا...

6. كما تشيع الطائفية السياسية فلسفات الفكر الماضوي السلفي سواء باختلاق سلفية مقيتة مرفوضة تمثل بعبعا همجيا عنفيا يتقاطع مع استدعاء طقسي لمظلومية تاريخية لا بقصد دراستها والاتعاظ منها كما يدعو المنطق العقلي بل لاستثارة أشكال الاحتراب والاقتتال والروح الانتقامي الثأري الذي لا يفضي إلا إلى حرب أهلية تستعيد منطق حرب البسوس وداحس والغبراء (الجاهلية) فكرا ولكنها تؤدي إلى حروب الإبادة الجماعية المعاصرة كارثيةَ َ وبشاعة..

7.  والطائفية السياسية أحادية المنطق تلغي الآخر ولا تعترف به لأنها تقوم على التقسيم مبدأ أولا ومن ثم على الأنا الذي لا يقبل حتى بوجود منافس ولا نقول آخر.. إن وجودها يقوم على مفهوم ((بقائي أنا ودوني الموت))... كما أنها بهذا الأنا الجديد  تمثل النموذج الأسوأ للطغاة كون الأنا هذه تحتمي بالمقدس الديني وتجمع في قبضتها كل السلطات الدينية الأخروية إلى جانب الدنوية بمفاصلها التنفيذية والتشريعية والقضائية..

8. وهي بفلسفتها تحمي الفساد وتؤسس له بأوسع وأشمل بواباته لأنها تدافع عن حاشيتها وتحميهم وتضعهم فوق القانون أي قانون كان.

9.  وبعد فمن تجربة الطائفية السياسية وممارستها محليا نرصد الآتي:

أ‌.    تشكيل الميليشيات والعصابات المنظمة المسلحة التي تمارس أشكال العنف من خطف وترهيب وترويع وتقتيل وتصفيات بشعة.. [جرى الادعاء بخروقات فردية وتبريرها بردود فعل متشنجة فضلا عن عدم الإعلان عن أغلب إن لم نقل كل الجرائم المرتكبة، مثال اغتيالات طاولت العقل العراقي وزعامات من أطراف مكونات المجتمع العراقي\\ أما هزال المؤسسة الأمنية أو سطوة فلسفة الطائفية واختراقها تلك المؤسسة نظرا للحجم النوعي الكبير الذي لا يبرر بالفردي ]

ب‌.       افتعال الحرب الأهلية والصراعات الدموية بين مكونات المجتمع على أسس طائفية.. بالقيام بعمليات مزدوجة على طرفي المعادلة بما يصوّر الأمر بأنه اعتداء من طرف مجتمعي ضد آخر.. مع تعزيز الاحتقان الطائفي بكل الممارسات التعبوية المخطط لها بمكر ودهاء.. [وقائع 2006]

ت‌.       إشاعة المحاصصة في دوائر الدولة، تحويل المسؤوليات الرسمية إلى وجاهات وكراس مع تثبيت ملكية كل منصب ومنها المسؤوليات السيادية وتبعيتها لطرف على أساس طائفي بحت.. وفي الوقت ذاته منع أي خطاب وطني من الظهور كبديل موضوعي للتقدم بالعملية السياسية وتطويرها وإنضاج مسيرتها.

ث‌.       إثارة نعرات مناطقية ومحاولة  إشاعة الروح الانفصالي التقسيمي بين محافظات الوطن وأقاليمه.. ووضع الأمور بطريقة تتعارض والتكاملية والخطط الوطنية للتطور وتوزيع الثروة..

ج‌. إشاعة الخشية والرعب من توجيه أي نقد لفرد في المجموعة فما بالك عندما يوجه النقد لإجراء اتخذه زعيم في مجموعة سياسية، هنا النقد محظور ممنوع بسبب من عامل العصبة ورابطة العصبية الطائفية ومن استبدال الرهط وتمييعه بالزعيم المرجع ومن ثمّ التزمت والهلع من قبول أو الاستماع لنقد مهما التزم التهدئة والموضوعية.. وفي هذا تعطيل خطير

 

 

 



ولمزيد من تسليط الضوء واختزالا للوقت لنبحث الأمر ببعض أوجهه الآتية:
الطائفية السياسية وحقوق الإنسان

كيف يمكننا فهم حقوق الإنسان في ضوء الطائفية السياسية؟ وكيف يمكننا تحقيقها وتلبيتها؟

ربما سيكون مفيدا هنا التذكير بأن ما نجم عن فلسفة الطائفية السياسية من أجواء العنف الدموي وتوفير أغطية الفساد بأعلى مستوياته النوعية عالميا هو العقبة الكأداء أمام أي تفكير بحقوق الإنسان..

فالبحث عن توفير أمن المواطن لا ينطلق من وجود بنية مؤسساتية قادرة على التعاطي مهامها ومسؤولياتها وطنيا ودليلنا الوضع العام في بلدان مثل لبنان وبعض دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط ومنها العراق بالتأكيد.. إذ المؤسسة الأمنية تقف عند تخوم الانقسام الطائفي ولا تستطيع اتخاذ قرار مهني حرفي في إطار مسؤولياتها عندما يصل الأمر إلى الحدود التي رسمها التقسيم الطائفي سواء جغرافيا على الأرض كما في بيروت الغربية وبقية الضواحي والتقسيمات أم سياسيا عندما يصل الأمر لشخصية محمية من أحد الأطراف والأمثلة هنا تمتد حتى تصل لا أحيانا بل كثيرا إلى أدنى أدوات التنفيذ والصراع من جنود وأفراد القوى المتضاربة.. دع عنك مسألة الأمن الوطني بمستوى شلل المؤسسة الأمنية أمام اختراقات لاحصر لها..

ولنتجه باتجاه وزارة العدل وسجونها والسجناء عندما يكونوا بالآلاف وعشرات الآلاف وتجري عمليات التعذيب المحظورة دوليا كما تجري عمليات الاغتصاب وحتى القتل أو الاغتيال بطريقة منهجية منظمة في رصد واضح  لتنفيذ حالات انتقام بشعة...

وكيف هي حقوق التعليم في مدرسة بلا مناهج علمية وفي جامعة تسطو على قاعات المحاضرة عمليات إرهاب الأساتذة  إذا ما تجاوزوا خطوط الجهل المضروبة  على المعارف المسموح بها في قاعة الدرس والبحث العلمي.. [وللحديث هنا تفاصيل] مثلا ممارسة فرض إجراء طقوس العزاء في رياض أطفال ومدارس في مراحل مبكرة من العمر بكل التداعيات النفسية التربوية والقيمية التي ستنجم عن هذه الممارسات.. وما جرى بشأن تعيين رئاسات جامعات أو لافتات السواد على جميع جدران الصفوف والقاعات غيرها في احتلال غير مسبوق وأسلمة مطلقة للأجواء طائفيا ما يثير رعبا وهلعا انقساميا واضحا..

ومحاولة أسلمة المؤسسات والمكونات المجتمعية المختلفة كما في إرهاب أبناء المجموعات الدينية الأخرى من مسيحيين ومندائيين وأيزديين وبهائيين وكاكائيين وشبك ويهود ومما جرى عمليات قتل واختطاف واغتصاب وترويع وتهديد وابتزاز بكل أشكال هذه الأفاعيل وحشية وبشاعة.. أما أسلمة المؤسسات فيمكن للناظر أن يلاحظ ممارسة الصلوات حتى خارج مواعيدها وفي أماكن مفتوحة مقصود اختيارها لعرقلة عمل المؤسسة المدنية وليس ممارسة الطقس الديني ذاته.. وهذه مجددا أمور تجري بمنهجية وبأوامر القوى التي تحتفظ بقوة التسلط على الناس..

وفي شأن الصحة العامة فإن التلوث البيئي الأخطر عالميا من بقايا اشعاع ومن مخلفات باتت بعض الدول تدفع بها عبر وديان الأنهار المقطوعة مياهها وعدم وجود استيعاب حقيقي للمستشفيات سواء من غرف عمليات أو غرف وأسرّة المرضى أو المختبرات والمرافق الملحقة فضلا عن تهجير قسري للمتخصصين

والظروف المعاشية ومعاناة الأزمات الغذائية وتوريد مستهلكات خارج الصلاحية أو ملوثة أو مخلوطة وثغرات الحصة التموينية ورفع العقوبات عن متهمين بقرارات غير قضائية ومثالنا هنا أن جرائم الفساد في وزارة التجارة انتهت بلا مدان

أما الأرامل والأيتام فليس لهم حتى رب يحميهم إذ لا حرمة لله أمام يشاعات الانتهاكات الجارية وتجارة الرقيق الأبيض باتت مشخورة في دمشق وغيرها...........

 

 

ومثل هذا وغيره حق المواطن في الشفافية وهو لا يعلم أية إحصائية عن مجريات الموازنات سوى قراءة أرقام  بطريقة جعجعة بلا طحن إذ 300 مليار تم صرفها ولا أثر لمتغير لا في المكهرباء ولا في الماء

 

وحقوق التنظيم المهني النقابي تقمع بقوانين الطاغية المهزوم بطريقة منع التنظيم النقابي في وزارة النفط على أساس أن لا وجود للعمال والجميع موظفين وعلى طريقة منع نقابات الكهرباء كافة لأنها على وفق معالي الوزير تتعارض ومسيرة الانتاج!!؟ فيما يجري ترتيب تنظيمات على الطريقة البعثفاشية بإلحاقها بأحزاب السلطة الدينية الطائفية





الطائفية السياسية وحقوق المواطن (إلغاء المواطنة)

لا مواطنة في دولة الطائفية السياسية إذ المواطن تابع لحلقة أضيق بوضوح هي تبعيته لجهة طائفية وهو لا يتبع حتى طائفته لأن الطائفية السياسية تختزل المجموع في حزبها وفي زعامتها وتضع هؤلاء بديلا عن الجمهور

 

 

تعارض الطائفية السياسية والوحدة الوطنية
 

إن فشل قوة سياسية في إدارة الدولة (وطنيا) يمثل عجزها تجاه إمكان تحقيق  سياسة موضوعية وطنية سليمة، بمعنى يمثل فشلها المخصوص بها أكثر مما يمثل أو يعبر عن تخلف مكونات المجتمع وسيادة الأميتين الأبجدية والمدنية أو ادعاء السبب في سيادة التعصب لهذا المذهب أو ذاك كما أنه لا يعبر عن عدم وجود الكفايات البشرية والمادية للتطور [العراق يملك قدرات علمية متقدمة كما يملك ثروات هائلة ومجموع الميزانية للسنوات العجاف كانت مغطاة من الثروة التي دخلت دع عنك الدعم الدولي]. وكيما تتحقق انطلاقة متغيرات جدية في واقعنا كما يقول الدكتور فخرو: "ليس المطلوب أن يتحرر المجتمع المدني من عصبياته أو تضامناته الطبيعية المتعددة، الدينية أو المذهبية أو الإثنية التي تعكس واقع الحال، خاصة في مجتمعات تقليدية، أو خارجة حديثا من التقاليد، وإنما أن تتحرر النخبة السياسية من تماهياتها الجزئية لتتمكن من تجسيد مثال الوطنية وأن تحرر معها الدولة ومؤسساتها من احتمال ارتهانها للعصبيات الخاصة، حتى تتحول بفضل سياساتها الوطنية إلى دولة أمة، أي دولة مواطنيها."

لقد تأسست دول المنطقة من دون أن تتعرض لتهديد من التعددية التي اتسمت بها بكل مستوياتها القومية والدينية والطائفية وبهذا وقفت مكونات المجتمع موقفا موحدا من القضايا الرئيسة حينها.. وقد تأسست بانطلاقة وطنية في وقت ساد مجتمعاتها في مطلع التأسيس ضيم التقاليد البالية إلى جانب ضغوط النظام العام في بعض المفاصل، وعلى الرغم من الطبيعة التعددية ومن ظروف التخلف فإن أبرز التشكيلات الحزبية السياسية والنقابية تشكلت على أساس النضال الوطني لتحقيق الاستقلال والشروع بجهود النهضة والتقدم. وما زالت تلك القوى وجمهورها الشعبي العريض في مسيرة الدفاع عن القيم الوطنية ورفض النزعات التقسيمية التي باتت تشكل عامل ضغط  خطير بسبب من التناغم مع قوى الدعم اللوجيستي ومخالب التدخلات الأجنبية الدولية والإقليمية.. [تذكير بعصبة مكافحة الاستعمار والاستثمار ومسميات حزب الشعب والوطني الديموقراطي وبرامج تلك الأحزاب وممارستها]

إنّ التمسك بالبعد الوطني ورفض التبعية يقف على تقاطع مع قوة الدعاية التي تحملها الطائفية السياسية بزعمها التعبير عن أتباع المذهب وأبناء الطائفة وبأن تنسيقها مع نظم سياسية إقليمية يعبر عن مصلحة  أبناء الطائفة  على حساب وجودها الوطني الذي يمثل استغلالا مزعوما لها.. ولكن ممن يأتي الاستغلال على المستوى الوطني عندما تكون أحزاب الطائفية ذاتها هي من يحكم البلاد والعباد؟ لا يجيبون [أو يتعكزون على مبررات لا تقوى على إقناع أمي] لأن القصد تمرير لعبة التدخل بحصان طروادة...

إن تراث النضال الوطني ما زال من القوة بما لا يقبل المحو والإغفال وما زال المجتمع حي الذاكرة قوي التمسك بمبادئ الوطنية ورفض التقسيمات والتشظيات التي تتعارض وتطلعاته في عالم يتجه إلى التوحيد والاندماجات ومن هنا نجح مشروع الفديرالية عراقيا بقدر تعلقه بكوردستان لإيمان الشعب بصواب هذا الاتجاه وصحة التجاريب المعاصرة بشأنه مثلما يستجيب موضوعيا بصواب ودقة في العراق لكن الفدرلة  بمعنى التشظي على أساس طائفي رفضتها جموع الشعب العراقي سواء بالتصويتات التي جرت كما في البصرة أم في مستويات  ووسائل أخرى حتى أننا بتنا أمام تراجع بارز و بيِّن لأصوات حركات عوَّلت على معزوفة الفديرالية الطائفية فتراجعت عنها وإن كان ذلك ربما بشكل مؤقت...

إن دمج آليات الحياة اليومية للشعب بآليات اشتغال مؤسسات الدولة بوساطة منطق الطائفية وفلسفتها التي تمارسها الحركات السياسية الحاكمة وادعاء أن ذلك يمثل  التعددية الطائفية تحديدا، أمر من التزييف والخطورة بما لا يقبل حتى توصيف أنه ادعاء تضليلي... فهذه الفلسفة تعني عمليا تعارضا فعليا هو الأخطر مع الوحدة الوطنية ويعني بالملموس تفكيك وحدة المجتمع وعلاقات مكوناته وطنيا  وجعل الحركات المتحكمة بمؤسسات الدولة، طائفة تحتكر السلطة والثروة بصورة مطلقة، وتضع نفسها بديلا للشعب وبمواجهة تطلعاته ومطالبه وحقوقه وهي تمارس جهدها لتشظية الواقع ومشاغلته بصراعات هامشية فيما يجري تعطيل كل حركة شعبية من تنظيمات نقابية وحزبية وطنية ومن جمعيات ومؤسسات مجتمع مدني أو إفراغها من محتواها ومن إمكانات التأثير بل أية إمكانية للعمل إلا من فسحة ضيقة عبر حركات احتكار السلطة أي حركة الطائفية السياسية وهي أحادية نخبوية فوقية مهما تعددت مفردات وأشكال تمظهرها.. [مطلوب التذكير هنا بدور وعي أعضاء الحركات في التصدي لانحراف الطائفية عن الوطني ومطالبه والتذكير بدور أعضاء المؤسسات التشريعية والقضائية ودعمهم في جهودهم لا تركهم يواجهون مصيرا مجهولا من التعنيف والتصفية]

وهكذا فالطائفية لم تنبع من مؤسسات دولة الاستقلال الوطني، بل دخلت من منافذ غير محلية وغير وطنية أي من خارج الدولة الوطنية ومجتمعها الموحد، لكن بالتأكيد دخلت في استغلال للأزمة المستفحلة على مستوى الدولة الوطنية بعد متغيرات فلسفة السلطة منذ سبعينات القرن المنصرم كما في صعود البعثفاشية في العراق أو تعزز أشكال السلطة القمعية وصيغ  دكتاتورية الطغاة وتفريغ مؤسسات الدولة من قيم العمل الدستوري والصلة بتلبية الحقوق والحاجات، ولكن الطائفية لم تكن يومها الأزمة الرئيسة ولا هي كذلك اليوم في عديد من البلدان. وفي ضوء هذه القراءة لا يمكن دراسة الطائفية بمعزل عن عمليات الدفاع عن تكريس مكاسب (الغنيمة) وامتيازاتها ولا بمعزل عن الأوضاع السياسية العامة لا الأرضية المذهبية الدينية كما يجري تصوير الأمور مغالطة وتضليلا. والطائفية السياسية  لا تمتلك آليات مستقلة في أدائها أو وحدة فكرية منهجية ولا يمكنها التقدم أكثر في الوسط الشعبي إلا  بالعمل تحت طاقية التخفي وإلا بارتداء الأقنعة وتمرير المآرب من وراء حجاب. ومن هنا فهي توكيدا تعارض مع الوحدة الوطنية والمبادئ الوطنية وما تختفي خلفه هو مسميات وبراقع وهي براقع ليست سهلة الكشف إذ أن بعض الحركات تتمسك بقوة بمسمى (الوطني) وأبعد من ذلك تستعير برامج القوى الديموقراطية الوطنية  لتعلنها برامج وطنية لها كما  ترفع شعارات وطنية لكنها جميعها تبقى مجرد ألفاظ وحبرا على يافطات الدعاية الكاذبة.. وببساطة يسأل المواطن نفسه هل يملك كهرباء وماء نظيفا وهل يملك تعليما وصحة أو مرتبا يعيله كما يسأل نفسه عن دوره في توجيه الأمور وحسمها أم أن الأمور بيد الزعامات التي تستبدل أصواته وآليات وجوده المؤسساتية عبر البرلمان وعبر النقابات وعبر الأحزاب وعضويتها وعبر مؤسسات المجتمع المدني؟ يسأل هل استتبت أوضاعه وهل أمن على حاله وهل لدمه ثمن بل لحياته بمجملها قيمة؟ والجواب سيأتي ليتحدث عن الحقيقة بسطوع الشمس وبما لايحجبه برقع ولا حجاب وتلكم بعض نتائج الطائفية على الأرض...

 


 
الطائفية السياسية وجوهر الفديرالية\ نفهمها في التقسيم والتشظي لا في الوحدة والتعاضد


 
الطائفية السياسية والمعرفة \ طبيعة الوعي ومعاداة الثقافة والتنوير

لننطلق من فقرة نقرأها في ويكيبديا بعنوان السياسة والطائفية: ونصها يقول: "معظم الأحيان تكون "الطائفية" السياسية مكرسة من ساسة ليس لديهم التزام ديني أو مذهبي بل هو موقف انتهازي للحصول على "عصبية" كما يسميها بن خلدون أو شعبية كما يطلق عليها في عصرنا هذا ليكون الانتهازي السياسي قادرا على الوصول إلى السلطة. فمجرد الانتماء إلى طائفة أو فقرة أو مذهب لا يجعل الإنسان المنتمي إلى تلك الطائفة طائفيا كما لا يجعله طائفيا عمله لتحسين أوضاع طائفته أو المنطقة التي يعيشون فيها من دون إضرار بحق الآخرين، ولكن الطائفية فكرا والطائفي وجودا هو الذي يعوّل على رفض الطوائف الأخرى وغمطها حقوقها أو هو الذي يُكسب طائفته تلك الحقوق التي لغيرها تعاليا عليها أو تجاهلا لها وتعصبا ضدها والقصد هنا من الطائفة لا جمهور مذهب بعينه بل جماعة  تتحكم بالسلطة وتديرها لمصالحها مستبدلة وجودها الفوقي بالآخرين.

من هنا كان الفكر الطائفي يتعارض وأي شكل للوعي يمكن أن يفضح ممارساته ويزيل الأقنعة التي يتستر بها الطائفي.. وبالمناسبة الطائفي بالأساس عنصر متخلف بوعيه  لا يحمل ثقافة أكثر من قاعدة بيانات معلوماتية تمرر انتهازيته ومآربه المخصوصة. إذ يدير كل شيء بالأوامر السلطانية العليا النافذة بلا مناقشة وإلا استل سيف التكفير.. والتكفيرهنا بنوعيه التكفير الديني واسترجاعه أساليب القصاص السلفية  وإقامة الحدود الدموية الإرهابية والتكفير الفكري المستلب لحق النقد والمراجعة والاقتراح وهو التكفير التعطيلي لكل منطق عقلي ولكل أداء تنويري يعتمد الحكمة والتجربة والأساس الثقافي للوعي الإنساني.


 
الطائفية السياسية وإلغاء مبدا احترام الآخر والتنوع

الطائفية هي على طريقة ((كل العراقيين هم بعثيون وإن لم ينتموا)) أو على طريقة ((أنا صاحب حق أباشره لا يبدأ غيري في حقه حتى أنتهي من حقي الذي لا ينتهي)). بمعنى لا مكان لحق الآخر إلا ببقايا مدعوة لانتظار الذي لن يأتي.. نفي الآخر ونفي صوابه بالمطلق وزعم أن الحقوق كلها من حصتي التي أستعيدها كما أشاء وأعيد توزيعها كما أشاء وبالتأكيد من حقي بوصفي طائفيا ألا أبقي على نتفة حق للآخر والمبرر رد الثأر والانتقام وانعدام البصر والبصيرة لدى الطائفي الانتهازي المريض كما فعلت النازية والشوفينيات القومية التي أغلت الآخر أو وضعته موضع الأدنى في الترتيب الاستعلائي المعروف..

الطائفية دينيا هي في أن أصحاب دين هم أصحاب الحقيقة وغيرهم الباطل وهم  شعب الله المختار وغيرهم أعداؤه.. وهي مذهبيا كما تزعم الطائفية في فكرها كذلك حيث أن طائفة مصطفاة من الله والبقية إلى لعنته وغضبه في تبرير لاستلاب الحقوق وحصرها في الطائفة أي في  نخبة السلطة الحاكمة التي تستبدل وجودها حتى بطائفتها المزعومة الاصطفاء..


خلاصة
الطائفية السياسية تعارض مع فلسفة العراق الجديد في الوحدة الوطنية والفديرالية وإلغاء لاحترام التعددية والتنوع


التمعن في الخارطة الديمغرافية للوطن ليس بحاجة لكثير عناء كيما يلاحظ التعددية في تكوين المجتمع بمستوياتها كافة وهو ليس بحاجة لجهد كبير كيما ينظر في العمق التاريخي الذي اغتنى بهذه التعددية في عطائه الحضاري عندما ساد الاحترام بين الأطراف على أساس من الوجود الإنساني المستند لمجتمع المدينة وآليات وجوده ومسيرة أنشطته وفعالياته..  وبخلاف ذلك حيثما انحرف باتجاه إغلاق دوائر الطوائف ووضعها في تعارض المصالح وآليات الوجود صارت الأوضاع إلى التأزم والاحتقان والتراجع..

وهكذا أثبتت التجاريب الإنسانية في كل الأديان أن التعاطي مع المذاهب كونها اجتهادات تحترم  بوصفها محاولات ووسائل لتسهيل فهم النصوص الأساس لأي دين، هو أمر إيجابي وأن التحول بالمذاهب إلى إيمان بأفضليات تأتي لحساب طرف منغلق على حساب الأطراف الأخرى المهمشة قصدا وقسرا هو بمثابة إدارة التعددية إدارة سلبية خطيرة تتحول بالتعددية من الإغناء إلى التخريب والهدم والسلب مطلقا.

إن التعاطي مع المذهبية من بوابة حصرها في إطارها الديني البحت ومنع الهبوط بالمذهب اجتهادا عقليا بشريا مخصوصا بالنص الديني والارتقاء بوجود المجموعة الدينية وتقسيماتها (الطوائف) أمر يتطلب مزيدا من الهدوء والصبر مجتهدين في الحياد الموضوعي الذي يتطلب هو الآخر خروجا من الثوب الديني إلى الثوب المدني بقدر تعلق الأمر بحقوق المجموعة البشرية وحاجاتها ومنها المرتبطة بالقيم الروحية الدينية لها.   

بمعنى أن الحل المناسب للتصدي لأي احتمال في ممارسة الطائفية بوصفها وجودا سياسيا اجتماعيا هو منع الخلط التضليلي بين الديني والدنيوي في مسار الحكم والسلطة. إذ تبقى السلطة المدنية أساس الاتفاق على ممارسة مبادئ العدل والمساواة ومنع التمييز وقطع الطريق على الأثرة والأفضليات القائمة لطرف على حساب أطراف أخرى.

والعقدة الحقيقية تكمن في تسليم السلطة لطائفة أو أخرى أو لسطوة الطائفية السياسية يعني  عرقلة خطيرة لآليات عمل الدولة ومؤسساتها وتجييرها بعد تفريغها من محتواها لصالح مآرب ضيقة تخضع لنخبة طائفية تستبدل لا المجتمع وتعدديته بل حتى الطائفة التي تدعي تمثيلها والتعبير عنها.. وهي بهذا تعود لطغيان أقلية على الأكثرية الشعبية التي لا تتمثل في إدارة الدولة حيثما سادت مؤسسات تلك الدولة الطائفية السياسية..

إن الاعتقاد بأن مجتمعات دول المنطقة أسيرة القبلية والطائفية هو اعتقاد غير مبني على الإحصاء ودراسة الظواهر علميا بل ينبني على التضاغطات الفكرية السياسية وما يسود منها في الواقع وهو ايضا تضليل ربما مقصود في بعض الأحيان.. كما أن ميل المجتمع لسيادة بنية فوقية وفلسفتها لا يعود إلا لمسار الدولة ودرجة مفارقتها التعبير عن المجتمع وتلبية حاجاته ومن هنا يقترب المواطن من الدولة أو يبتعد بحسب هذه الحقيقة ومن هنا ازدادت أو تراجعت حالات البحث عن الحماية القبلية والطائفية، الأمر الذي يبيح لنا القول أن المشكل لم يكن دوما في التعددية داخل المجتمع (الوطني) بل في سياقات الحكم وفلسفته وإجراءاته الفعلية...

 

 

 

 

 

أسئلة:

تطالب بعض التعقيبات أن يتحدث الشيعي عن أخطاء الشيعة والسني يتحدث عن أخطاء السنة وهذا مع ثقة بالنية الصادقة الطيبة لدوافعه من باب التهدئة وتقليل الخلافات والتقاطعات إلا أنه تمرير من زاوية أخرى للطائفية السياسية وتوكيد على المدى الاستراتيجي لمعنى كونها تمثيل للطائفة وهنا المخاطر بعيدة المدى أو الأعمق غورا.. والصائب أن يجري التأكيد على الفصل بين نقد جرائم الطائفية السياسية وبين تبني مصالح أبناء هذه الطائفة أو تلك.. وربما بطريقة تكتيكية وبشكل مؤقت سنحتاج لبعض مهادنة محسوبة التهديدات والانزلاقات إلا أن ذلك يبقى محدودا وسرعان ما يجب الإقلاع عنه...

وتطالب بعض التعقيبات بالموازنة بين فضح طائفي وآخر على أساس الاعتقاد بوجود طائفي شيعي وآخر طائفي سني ولابد هنا من توكيد مزلق التقسيم الذي يجره الطائفي السياسي حتى للكتاب والمنظرين عندما يدفع باتجاه فرض القبول بتمظهراته الزائفة بادعاء الانتماء لطائفة أو تمثيل أخرى والتعبير عنها.. المزلق الآخر هو المساواة بين بين جريمتين يرتكبهما طرفان سياسيان وتختلف توصيفات تلكما الجريمتين وكأننا نطالب بالمساواة في القصاص من سارق الملايين وسارق الفلس والمشكلة هنا أن الحديث في السياسة بحاجة لسلم أولويات في كل شيء في المسؤولية الجنائية عن جريمة أو وضع وفي حجم الجرم المرتكب ونوعه ومستواه فكيف يمكن سياسيا أن تحاسب من يمسك بزمام الأمور عن وضع يتحمل كامل المسؤولية عن توجيهه وتأمينه بذات ما تحاسب طرفا آخر خارج المسؤولية وتوجيه الأوضاع.. إنها معالجة مريضة أن تطلب من الضحية أن تخاطب طرفين طائفيين أحدهما يمسك المسؤولية والآخر خارج دائرة المسؤولية بذات الخطاب.. أو أن تعاقب لا تقل بريئا ولكن من لا علاقة له بجريمة ومسؤوليتها وتترك المسؤول الحقيقي عن تأمين الوضع ضد وقوع تلك الجريمة..

إن المشكلة هنا ستجر إلى مساواة قسرية بأن نقد مثالب طرف يلزمه نقد مقابل بذات الحجم والنوع للطرف الآخر.. وعند البحث لن تجد أي اثنين متساويين في السمات إيجابا وسلبا.. ولكل منهما إيجابياته وثغراته وحجومهما المختلفة نويا وكميا.. وفي ضوء ذلك يتحدث خطاب النقد الموضوعي بقدر تعلق الأمر بالمذاهب والطوائف على أن النقد للطائفية السياسية يبقى مفصولا عن أي شكل نقدي آخر كما لمعالجة القضايا الاجتهادية الدينية المذهبية التي تتطلب متخصصيها من داخل المذهب وخارجه...

ويجري السؤال والتحدي من الطائفي نفسه فيقول إنه يحمل اسم الوطني ويتخذ برامج وطنية فلماذا يفرض عليه توصيف الطائفي وفي هذا تخفي وقصور في فهم الوطني من الطائفي أو تعمد للتخفي والتضليل هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا لم يكن في هذا وذاك طائفيان فمن الطائفي ومن يثير كل هذا العجيج والضجيج أم أن الشعب وآلامه وجراحاته وعذاباته كاذب دعي والصادق هو الطائفي المتخفي كما الذئب بفروة الحَمَل!! [نقول الحسين انتل بالكهرباء ومات \ تعبيرا عن التساؤل الاحتجاجي عن جرائم تتكرر يوميا تحديدا منها الطائفية: من تهجير وتقتيل وأشكال تهديد وابتزاز] كيما نكشف حقيقة الطائفي نسأله عن تنظيمه الحركي ومرجعيته الفكرية الفلسفية وسيتضح الفصل الطائفي في التعاطي مع عضوية تنظيمه كما سيتضح تعاطيه مع أي الأفكار والفلسفات أو التوجهات الطقسية (الدينية) بالانغلاق على ممارسات بعينها من دون غيرها. وإجرائيا لا يتم تمرير فعلي لمفردة برامجية تتعارض وذلك الروح المغلق على تعاليم بعينها كما تجري الممارسات والإجراءات بوضوح لا يحتاج لاستعادة من إعلاء المشهد الطقسي الطائفي لا الديني من حيث الجوهر.. إذ المفترض أن تكون المذاهب اجتهادات تلتقي بجوهر واحد لكن الطوائف اختلاف انفصالي وتعار

63
افتتاح مشروع الخريف الثقافي الوطني في لاهاي لسنة 2010

عرض ومتابعة: إعلام المعهد الكوردي للدراسات والبحوث ومؤسسة ألواح سومرية

في مبادرة مهمة ينظم الاتحاد الوطني الكوردستاني في هولندا  بالتعاون مع المعهد الكوردي للدراسات والبحوث في هولندا مشروع الخريف الثقافي 2010. وقد اعتمد في إعداد برامج هذا الموسم الخطابين الثقافي والوطني كيما يكونا محوري جملة من الأنشطة التي تتضمن السمينارات والحوارات والأعمال الأدبية والفنية الوثائقية المرافقة. وتأتي هذه المبادرة توكيدا آخر من جانب الاتحاد الوطني الكوردستاني على أهمية الخيار الوطني العراقي من جهة وعلى اهتمام بارز بدور المثقف وخطابه الثقافي في رفد الحياة العامة بما يغنيها ويجنبها الهزات المعقدة بخاصة في أجواء الاحتقانات السياسية التي يجري فيها إعلاء خطاب الاتهامات وتعريض الثقة في العلاقات الوطنية لمشكلات غير محمودة العواقب. 
ويوم أمس الأحد الثالث من أكتوبر تمّ افتتاح مشروع الخريف الثقافي 2010 بحضور لافت من كوادر الاتحاد الوطني وجمهور الجالية من مختلف الأطياف والمكونات القومية والدينية ومختلف الهويات الفكرية والسياسية. وبرز بوضوح تضافر الجهد لتوفير أجواء لقاء بخطاب ثقافي يحترم التعددية ويفتح منافذ جديدة للحوار وجسورا جدية للعلائق بين الأطراف كافة.
وقد حظيت المبادرة برعاية رسمية بحضور السيد سفير جمهورية العراق الفيدرالي الدكتور سعد عبدالمجيد العلي  والملحق الثقافي الدكتور مفيد تركي وطاقم السفارة منهم القنصل الاستاذ عباس الخفاجي وقام  الدكتور سعد عبدالمجيد العلي  سفير جمهورية العراق بمشاركة مهمة بحضوره لافتتاح الموسم الثقافي الوطني حيث ألقى كلمته في افتتاح الفعاليات عبر فيها عن تشرفه بالحضور وشكر أعضاء الاتحاد الوطني الكوردستاني وبشخص الاستاذ عبد الله سور بوسكاني مسؤول تنظيمات الاتحاد الوطني الكوردستاني في بنيلوكس وأكد على  أهمية مد الجسور وفتح نوافذ الحوارات على أساس من الإخاء والمساواة بما يعزز لحمة العراقيين في داخل الوطن والمهجر وركز على فكرة التحاور وأهميتها ونوعية التحاور فلم يتفق مع الحوار التعجيزي ولا مع حوار المناورات ولا مع الحوار التسلطي ولا مع الحوار المسدود الذي تغلق فيه الأبواب وليس مع حوار إلغاء الآخر وأكد بأن الشعب العراقي بحاجة الى التحاور المتسامح الهادف الى وحدة العراق الجديد. وأكد أيضا أن يقف الجميع بقوة ضد كل من يريد أن يعيدنا الى الماضي  وويلاته والى الأسلوب الشوفيني الديكتاتوري والأعمال التعسفية للنظام البغيض السابق مشيرا إلى جرائمه ومن ذلك قصفه مدينة حلبجه بالكيماوي، واقر بأن العراقيين هم الذين يقررون بناء بلادهم.   ثم ألقى مسؤول تنظيمات بنيلوكس للاتحاد الوطني الاستاذ عبد الله سور بوسكاني كلمة ترحيبية جسدت خطاب الموسم الثقافي ومحاوره ودوافعه النبيلة وأكد على أن الثقافة هي منبع تطور الشعوب وتقدمها وهي الطريق الأسرع والأنضج الى تفهم الآخر وأكد بأنّ الكورد لم يقفوا  متفرجين على الإشاعات القائلة بأنهم يسعون الى الانفصال وتقسيم العراق فها نحن في الاتحاد الوطني الكوردستاني  نجمع العراق والجالية العراقية من خلال مشروع الخريف الثقافي الوطني مؤكدين رفضضنا عمليا مثل هذه الاشاعات وأكد على كوادر الاتحاد الوطني الكوردستاني الاستفادة من هذا المشروع والسمينارات الثقافية  التخصصية... وبعدها جاءت كلمة ممثل اللجنة العليا لتنظيمات الخارج للاتحاد الوطني الاستاذ سردار عبد الكريم الذي بدأ كلمته بالترحيب بالسيد السفير والمثقفين والحضور الكرام وأوضح فيها جانبا من تاريخ مؤلم للشعب الكوردي والشعب العراقي مع الانظمة الدكتاتورية السابقة ولكنه أكد أن الحاضر اهم وأن المستقبل اكثر أهمية وما على الجميع إلا العمل من أجل  مستقبل زاهر يروي ظمأ الشعب مع المعاناة السابقة  وأكد أيضا أن العراق الجديد هو دولة موحدة لا دولة واحدة مركزية رأسية وأثنى على العمل الجماعي لفسيفساء الشعب العراقي للخروج بثمرة تعزيز لحمة التوحيد على اسس وطنية فديرالية متينة.
وأرسل الاستاذ عبد الرزاق الحكيم رئيس البيت العراق في هولندا باسم البيت العراقي برقية تهنئة ومؤازرة لمثل هذه الخطوة للأتحاد الوطني الكوردستاني  الهادفة الى لَم شمل العراقي والراعية للثقافة ..
من جهة أخرى جرى عرض فلم وثائقي حافل باللمسات المؤثرة التي تعكس نضالات الشعب الكوردي ودور الاتحاد الوطني الكوردستاني  الإيجابي البناء.. وقد عبر الفلم بإيجابية عن دور الخطاب الثقافي ومنه في مجال الإبداع السينمائي في قراءة المشهد الحياتي وتقديم المعالجات الجمالية الفنية الغنية بمحتواها الملتزمة بقضايا الوطن والناس.
بعدها أعلن عن بدء أول سمينار في الموسم الثقافي الذي اختير فيه موضوع مهم من الموضوعات التي تجابه الشعب العراقي ومسيرته في بناء ثقافة وطنية مختلفة عن تلك التي استلبته إرادته وحرياته في التعبير والتغيير.
قدم الأستاذ نهاد القاضي كلمة موجزة باسم المعهد الكوردي للدراسات والبحوث في هولندا  حول التهيئة لهذا الموسم الثقافي والطموح لحجم نوعي مميز شاكرا الجهات الأكاديمية التي عاضدته في هذه الانطلاقة ومثنيا على الفضائيات وممثلي الصحافة المطبوعة والألكترونية لتغطيتهم الفعاليات بخاصة في الافتتاح. ثم انتقل لتقديم تعريف بالسمينار الذي كان بعنوان ((الطائفية السياسية في العراق الجديد)) معرِّفا بالأستاذ الدكتور تيسير الآلوسي في مساهماته السياسية والأكاديمية  وكونه أحد الشخصيات الوطنية والأكاديمية التي عملت وتعمل بثبات نصيرا فاعلا لنضالات الشعب العراقي ومكوناته القومية والدينية وهو الشخصية الوطنية الذي يحمل لقب (صديق الشعب الكوردي) لجهوده وكتاباته دفاعا عن الحقوق الثابتة للكورد وتطلعاتهم. كما أشار إلى جهوده في نشر خطاب التسامح والسلام وتعزيز مسيرة ثقافة ديموقراطية تجمع العراقيين في طريق البناء والتقدم وكذلك تعالج قضايا المنطقة والإنسانية بطريقة موضوعية بناءة... ثم ترك الكلمة لبروفيسور الآلوسي كيما يبدأ السمينار الافتتاحي في موسم الثقافة الوطنية خريف 2010...
بدأ الدكتور الآلوسي بتحية؛ رفض أن تعدّ مجاملة بروتوكولية معتادة مؤكدا أن توجها نحو رعاية خطاب الثقافة وتوفير إطلالات جدية له،  أمر مهم وحيوي في مرحلة بحاجة للارتقاء بخطابات أقل احتداما وانفعالا وذلكم ما يمكن أن نجده في الخطاب الثقافي بموضوعيته وهدوء أجواء معالجاته..
ومن ثم حيّا جهود كوادر الاتحاد الوطني ووعد بلقاءات أخرى معهم من أجل أفضل العلاقات مع الخطابين الثقافي والوطني فضلا عن معالجة آليات الدفاع عن الحقوق الثابتة للكورد ولمجموع أطياف الشعب العراقي.. وأكد تقديره العالي لمجموع قوى التحرر الكوردية وتحديدا هنا في المهجر بين أبناء الجاليات بما يحتضن عوامل اللقاء والتعبير عن التعاضد والتفاعل إيجابا بين الجميع... وبهذه المناسبة حيا ولادة المعهد الكوردي للدراسات وجهده المميز بالتعاون مع حزبي الاتحاد الوطني الكوردستاني  والحزب الديمقراطي الكوردستاني لتنظيم مواسم ثقافية مميزة مع تقدير لجهد ملموس من جانب الأستاذ نهاد القاضي رئيس المعهد بهذا الخصوص.
وقد أكد الآلوسي بأن هذا اللقاء ثقافيا يمثل عناية مهمة وجدية من جانبه بشكل شخصي وبوصفه رئيسا لجامعة ابن رشد والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر بالمعرفة وبالتخصص الأكاديمي ودورهما في التقدم بأوضاعنا إلى أمام وفي حل معضلاتنا المعقدة.
ومن هنا فإنّه في هذا السمينار المُعَدّ مخصوصا لافتتاح المشروع الثقافي الوطني لخرييف 2010 يؤكد على أن الإشكالية التي سيجري الحوار فيها ليس من شأنها التعرض الشخصي لأحد أو الإساءة أو اتهام طرف أو آخر بـ (الطائفية) ولكن إشكالية كالطائفية السياسية التي نحن بصدد دراستها هنا، تمثل وضعا هدد وحدة شعوب المنطقة ومكونات مجتمعاتها ووضعهم سياسيا على حافة هاوية خطيرة بسبب من احتدام التفاعلات السلبية المغذاة بطريقة مقصودة أو غير مقصودة. وبالتأكيد هنا ربما يوجد من ألتبس لديه الأمر أو حمل  البرامج التي اختبرها على الأرض وأدخلت العراق في ظروفه التراجيدية ما يتطلب شجاعة جدية في التعاطي مع الآخر كيما تتحرك الأجواء تداوليا من جهة وربما يعود ببرامج جديدة استفادت من التجارب وأدخلت تغييرات جوهرية في ضوء إيمان حقيقي للجميع ورغبة منهم في التقدم إلى حيث تحقيق تطلعاتهم في العيش الكريم الآمن..
وبعد انتهاء الآلوسي من عرض مادة السمينار [التي تجدون تفاصيلها في الرابط المرفق] فتح باب الحوار والأسئلة فورد تثمين لهذا الاتجاه الثقافي الأكاديمي وما تقدم به من معالجات أغنت المسار باتجاه ترصين علاقات السلم والتعاون وخطاب التسامح وطرحت أسئلة وملاحظات نقدية تضمنت تحذيرا من ولادة دكتاتورية الأغلبية أو حسبما اسماها الكاتب الأستاذ جاسم المطير الدكتاتورية الشعبية الذي قال أيضا إن الطائفية اليوم هي العدو الأول لمسيرة التطور في بلادنا. فيما أكد الدكتور كامل الشطري أن الطائفية وليد مشوه من الطائفة ودعا إلى وعي ديموقراطي يتناسب والتصدي لهذه المشكلة. وتساءل الأستاذ محمد قره داغي عن أي فشل تحدث الدكتور الآلوسي في برامج الطائفية وما موقف الأستاذ المحاضر من أي اسم لسياسي أو غير سياسي ورد في أثناء المحاضرة ذكره؟ وتحدث المبدع أحمد شرجي  مشيرا لاعتقاده بأن الطائفية هي من ترويج الإعلام المعادي للتغيير في العراق الجديد مؤكدا من جهة أخرى مسؤوليتنا جميعا في تمرير مثل هذه الكارثة  ومشيرا إلى أن الطائفية هي وليد سنوات السبعينات والثمانينات.. وكانت هناك أسئلة في الاصطلاح لغة من مثل سؤال السيدة مُجده عن الفرق بين السلب والسلبي من منطلق خوض الباحث في سميناره بإشكالية المصطلح لغة.. وتحدث  الإعلامي كريم بدر مشيرا إلى أن المحاضر وقف على النتيجة وكان عليه العودة إلى جذور في التاريخ المعاصر للمشكلة  وقال لقد ساهم المثقفون في الانشطار الطائفي وأشار إلى نموذج الانتفاضة وضرورة البحث في حقيقتها وخارطتها محذرا من خطورة الانحدار باتجاه التقسيم وطرح تساؤل عن هوية المواطن في بلدان الشرق الأوسط وأكد بالخصوص الاستاذ الكاتب والصحفي كاوا رشيد على غياب المواطنة مع إشارة إلى بروز فعلي لسطوة طائفة على أخرى وسأل الأستاذ مصطفى عن توصيف الأكاديمي الوطني لواجبات المواطن وحقوقه في دولة المواطنة وهل يوجد حل للأزمة الحالية في العراق؟ وتساءل الأستاذ القاضي رئيس المعهد الكوردي للدراسات والبحوث الذي أدار الجلسة هل يمكن القول بوجود طائفيتين هما الطائفية الشيعية والطائفية السنية كما تساءل عن علاقة الطائفية بالإرهاب وأيهما يولد الآخر فيما ورد سؤال عن العلاقة بين الطائفية والمذهبية وعلاقة الأولى بالشوفينية؟
وجاءت إجابات الأستاذ الآلوسي مؤكدة لحقيقة أن ما قدمه تلخص بمعالجة المدخل الثقافي النظري للطائفية السياسية  مختزلا بقية المادة في ضوء الوقت المتاح. فيما ركزت االأسئلة على جوانب تمثل مدخلا أو معالجات سياسية بحتة.. ومع ذلك فإن حق الإجابة عن تلك التساؤلات والملاحظات النقدية والحوار معها محترم ومقدر وطلب فرصة للتفاعل مجيبا بالآتي:
بدءا جدد التحية للحضور وللتفاعل الواسع مع الموضوعة قيد التناول ثم اشار إلى أننا بحاجة للاهتمام بالمصطلح وباستخدامنا له بطريقة موضوعية دقيقة إذ لا يجوز توصيف الشعوب بالسمات السلبية المتناقضة مع وجودها وتطلعاتها إنسانيا كمثل استخدام مصطلح الدكتاتورية الشعبية لربما ينبغي وضع توضيحات مضافة كما يمكن استخدام مصطلحات أخرى تعبيرا عن وضع سياسي بعينه لتجنب الالتباس في المصطلح.. ثم أعاد التذكير بأن الجوهري في معالجته أن الطائفية سياسية الوجود والآليات ولا تعبر عن التعددية المذهبية أو غيرها ومن ثم فلا يجوز القول إن الطائفية وليد مشوه للطائفة على أساس أنها ليست تعبيرا عن المجموعة البشرية المؤمنة بفكرة أو اعتقاد وهذا بحاجة لتدقيق وأكد أن احترام التعددية بكل أشكالها لا يقر وجود الطائفية كونها ادعاء تضليلي وفلسفة سياسية منغلقة تختلق التعارضات والتقاطعات على أسس ماضوية سلبية... أما عن اي فشل جرى في البلاد فإن الأستاذ الآلوسي قال علينا أن نقر أن من أضر بالعراق الجديد والعراقيين هو مثلث الطائفية الفساد الإرهاب وأن الانطلاق إلى عراق جديد ديمقراطي يحترم التعددية يلزم أن يعترف بالوضع المأساوي الذي آل إليه الوضع من جهة تحكم البرامج الطائفية التي أفرزت النتائج القائمة من ملايين من الأرامل والأيتام وجياع تحت خط الفقر والبطالة وتعطل الصناعة وخراب الزراعة وآفة الفساد التي أودت بـ300 مليار بلا نتيجة على الأرض فضلا عن مشكلات حقوق الإنسان والظروف العامة والخروقات الجارية... وعن فكرة أننا نطرح موضوعة هي من ترويج الإعلام المعادي فقد أشار المحاضر إلى أننا نمتلك الجرأة والصراحة كيما نتحدث عما نعاني منه وفي الوقت ذاته نمتلك الحصانة كيما نتجنب الوقوع في فخاخ الإعلام المعادي ومن الصائب تماما أن نتعامل مع شعبنا بخطابنا الثقافي بروح مباشر شفاف يكشف الحقائق ويضعها بين يديه ارتقاء بالوعي العام ومعالجة للمشكلات وتجاوزا لها.. أما الخشية من الأبواق المعادية ومن ثم الصمت على معالجة حقيقة أو أخرى فإن ذلكم سيمرر الجريمة ويزيد من ضحاياها من أبناء شعبنا.. وبشأن جذور الطائفية اشار إلى أنها ليست وليدة السبعينات كما أشير إلى ذلك ولكنها ترافق مراحل تاريخية بشروط معروفة جرت الاشارة إليها في أثناء عرض مادة السمينار.. وبهذا فإن المحاضرة لم تقف على النتيجة تاركة السبب كما لوحظ من أحد المتداخلين لأن المادة أو المعالجة انصبت على مفردة واحدة تعلقت بالتعريف النظري بمدخل ثقافي بحت وبالتأكيد عندما نريد أن نتحدث عن التاريخ السياسي المعاصر لمشكلة الطائفية السياسية فسنعود إلى ذكر تلك الجذور بدقة تاريخية أو بتوثيق لا يغفل تسلسل الأحداث والوقائع وهو ما لم يكن هذا السمينار معنيا به مباشرة بقدر المادة التي أتيح تقديمها في السقف الزمني المحدود.. لكن من جهة أخرى بدا واضحا من بعض الأصوات خشيتها من توجه مقصود في التعرض لقوى سياسية معينة وخشية أصوات أخرى من مناقشة مشكلة الطائفية بعد 2003  وكأنه مهاجمة لـ (العراق الجديد وقواه الوطنية الديموقراطية).. وعليه فقد أكد المحاضر أن هذا يطفو بسبب من انعدام الثقة بين أطراف ومكونات جرى بث الفرقة والخلاف فيما بينها كما جرى العبث بأدوات تعاطيها مع السلطة السياسية الجديدة ومسيرة الاحتدامات والتمترس في خنادق الاعتقاد بأن الدفاع عن العراق الجديد مربوط قسرا بالدفاع عن طرف أو آخر أو عن امتيازاته.. وهكذا فإن الحلول تبدأ بتعميد الثقة وفتح جسور العلاقات الأيجابية واختبار البرامج بمحك الواقع ونتائجه فيه والانتقال بشجاعة بترك الأخطاء ومعالجتها وإقرار التداولية في الحياة العامة وقد أكد الآلوسي مرات عديدة على أهمية تذكر أن الطائفية لا تنتمي لدين مثلما لا تنتمي أيضا إلى المذاهب وهي لا تعبر عن التعددية في الاجتهادات والمذاهب ومن هنا فلا وجود لطائفية شيعية وطائفية سنية ولكن هناك طائفية سياسية واحدة في آلياتها ومفردات برامجها وطبيعة فلسفتها تحمل أدوات تضليل بالتعكز على كذبة تمثيل هذه الطائفة أو تلك فيما تضرب هي جميع المصالح عرض الحائط ومنها إهمالها المقصود حتى لتطلعات الطائفة التي تزعم تمثيلها بدليل أنه لا الأحزاب التي ادعت دفاعها عن السنة قد افادت السنة ولا الأحزاب التي ادعت دفاعها عن الشيعة قد افادت الشيعة والوضع الحقيقي ماضِ ِ إلى مزيد من التداعيات الخطيرة بحق أبناء الشعب العراقي جميعا بلا تمييز من أطراف الطائفية السياسية... وحول بروز الطائفية بعد 2003  بهذا الوضوح قال الآلوسي إن العامل الخارجي القائم على التدخلات وإثارة تلك النعرات وانكشاف الأوضاع على ممارسات تم استغلال بعضها بطريقة سلبية فضلا عن طبيعة أدوات التغيير التي جرت ووجود قوى أجنبية وأجنداتها كان السبب الفعلي مع الأخذ بالحسبان الأرضية والمخلفات التي جاءت إرثا عن العقود الأخيرة المعروفة..
وأخيرا حيا بروفيسور تيسير الآلوسي الحضورين الرسمي والشعبي ومشاركاتهم الفعلية وشكر كوادر الاتحاد الوطني وأعضائه والمعهد الكوردي للدراسات والبحوث وتسلم باقة ورد ليهدي لونها الأبيض لنقاء القلوب المتصافحة التي حضرت السمينار.. 
يذكر أن الجلسة أشير فيها لوجود اقتراح بمتابعة معرفية متخصصة لنتائج هذا الموسم سواء بتوثيقه في إصدار كراس بالسمينارات والتوثيق بتسجيلات مرئية وصوتية واختبارات مخصوصة بالكادر والأعضاء المتابعين بشكل ثابت مستمر وانتظار ما سيفرز من توصيات ونتائج لاحقة بعد الاكتمال.
 
وتجدون هنا  في الرابط في أدناه عرض المدخل الثقافي في إشكالية ((الطائفية في العراق الجديد)) كما وردت في نصها الأصلي
http://www.somerian-slates.com/p700seminar.pdf
http://www.somerian-slates.com/p700seminar.htm
 
التقرير بالصور يرجى الانتقال إلى الرابط المنشور بصيغةpdf
http://www.somerian-slates.com/v235seminar.pdf

64

طلبتنا الأعزاء
تحية طيبة وتمنيات لكم بالتوفيق والسؤدد
إلى كل الطلبة الذين لم يستطيعوا فتح ملف استمارة التسجيل بسبب عدم توافر برامج لقراءة الــ
PDF
في أجهزة الكومبيوتر لديهم
يمكنكم هنا تعبئة هذه الملفات بحسب المرحلة التي تتطلعون للدراسة فيها للعام الدراسي القابل 2010-2011 وإعادة الإرسال بالبريد الألكتروني  إلى الإيميل الآتي
info@averroesuniversity.org
وهو إيميل  إدارة الجامعة \ قسم التسجيل فيها
ولأولئك الذين أرسلوا بالبريد العادي أو ينوون الإرسال بالبريد العادي يمكنهم [للسرعة أيضا وللحصول على الإجابة المبدئية] يمكنهم إرسال نسخة ألكترونية  للحصول على القبول  الأولي لحين ورود بقية الاستمارات  المعتمدة
 
يمكنكم الإرسال بصيغة صور مستسنسخة لكافة وثائقكم على أن تصل لاحقا الأصول المعتمدة من الوثائق بخاصة منها الشهادة المدرسية أو الجامعية السابقة للمرحلة المطلوب التسجيل فيها.. يمكنكم الاتصال بالبريد في أعلاه (بريد \إيميل قسم التسجيل) لأية استفاسارات بشأن ظهور النتائج التي بدأت إرسالها إلى الطلبة المتقدمين منذ منتصف يوليو تموز المنصرم للوجية الأولى من الطلبة المتقدمين وستظهر النتائج الجديدة تباعا بعد دراسة ملف كل طالب واتخاذ القرار النهائي وإعلامه قبيل منتصف أيلول سبتمبر حيث تاريخ بدء الدراسة في الجامعة
لسرعة الاتصال يرجى تعبئة هذه الاستمارة وإعادة توجيهها إلى بريد قسم التسجيل بالجامعة
كما يمكنكم الحصول على إجابات توكيد بالتسلم وبآخر أخبار وصول استماراتكم المرسلة
شاكرين تعاونكم ورحابة الصدر في استقبال هذه الرسالة التي قد لا تكون موجهة لبعض مستلميها مباشرة بهذا البريد
مع أطيب تحايانا


65
الخطاب التبريري ومسؤولية الكشف عن الحقائق
تيسير عبدالجبار الآلوسي
tayseer54@hotmail.com

ومضة: تتنامى خطابات تبادل الاتهامات في أن هذا صوت لتلك الجهة الطائفية وذاك للجهة المقابلة أو المضادة.. وفي خضم هذه المناوشات الكلامية ينمو خطاب تبريري لصناع سلطة الطائفية السياسية في عراقنا الجديد...
 
وقبيل الدخول في تحليل موجز للخطاب التبريري إياه أقول: بغاية أن يُقرأ هذا التحليل (الموجز) بدقة وموضوعية يلزم توكيد اتفاقنا المبدئي على أن خيار العملية السياسية وليس الفعاليات العنفية الدموية هو الطريق الأسلم لمسيرة عراق جديد يتطلع للسلم والاستقرار والتقدم. وهذا الخيار هو المعبر عن إرادة العراقيين وقرارهم الجوهري بالاستمرار في طريق تنقية المسيرة وتطويرها سلميا ديموقراطيا. ويلزم توكيد أن عملنا الرئيس شعبيا ورسميا يقف على النقيض من مثلث الطائفية الفساد الإرهاب وهو [أي عملنا] لا يكتفي بإدانة هذا المثلث بل يعمل من أجل (معالجته: إزالته ونتائجه) جذريا ونهائيا... أسوق هذا لأؤكد أنه ليس كل من انتقد مسؤولا حكوميا وفلسفته الطائفية السياسية يقع في خانة معاداة العملية السياسية كما يتم توزيع الخانات على وفق تقسيمات تشرعن للطائفية السياسية وتريد لها الديمومة والاستمرار...
وفي ضوء هذه الكلمات العجلى نشير إلى أن من تحكَّم بالمشهد العراقي ومسيرة العملية السياسية [بشكل أساس وغالب] هو الخطاب الطائفي وسلطته الأمر الذي واصل إيقاع أفدح الخسائر بشعبنا وبلادنا...  ومن هنا فإننا لا نصادف من ممثلي أحزاب الطائفية السياسية وفلسفتهم سوى الخطاب الدعائي الاستهلاكي للتنفيس ولتمرير إجراءاتهم التي يمثل (كثير) منها (جرائم) بحق الوطن والشعب..
ويشبه هذا الخطاب في آليته ما كان يبثه صباح مساء إعلام الطاغية من انشغاله في الدفاع عن الأمن القومي وصراعه مع العدو الخارجي الصهيوني والغربي وما شابه من عبارات ملّ سماجتها المواطن العادي.. حيث تبرر سلطة الطائفية اليوم انشغالها بمكافحة الإرهاب عن تقديم الخدمات وإعادة إعمار البلاد!!
يعرف الشعب العراقي من ذاكرة حية أنه كان لذاك الخطاب الاستهلاكي الإعلامي الأجوف مؤازروه من طبالي الطاغية من أمثال أبو العلوج ونظرائه اليوم حيث يتكرر المشهد فيؤازر الخطاب الدعائي الفج (لسلطة الطائفية) شلة (جديدة قديمة) ممن امتهنوا التطبيل للسلاطين وانتقلوا اليوم [ببساطة] من التطبيل لطاغية للتطبيل وإلى ممالأة حكام  ومسؤولين جدد!
ومهمة هذه الجوقة من الطبالين تنصب في تعميد خطاب الطائفية الدعائي الذي بات يغذي أجهزة إعلامه بمصطلحات المظلومية الطائفية  [المفبركة مما لا يدخل في مظالم العراقيين بالتأكيد] حيث نتيجة هذه السياسة وهذا الخطاب ليس سوى تقسيم المجتمع بين طائفتين مظلومة وظالمة؛ مضطهدة صاحبة ثأر [هنا لا يتحدث الخطاب الطائفي عن حق بل ثأر بقصد مبيت] وظالمة صاحبة جرم ينتظر الانتقام لا القصاص [كما ترسمه البشرية ونظمها المدنية بقوانينها]! وحبك الأمور بهكذا طريقة هو الذي يمهد [بتعمد وقصد] كما تبتغي سلطة الطائفية لأعلى درجات الاحتقان والاحتراب ومن ثم تفجر الانقسام باقتتال دموي يشغل المواطن عن جرائم ساسة الطائفية الملتصقين بالكراسي كما طفا وافتضح طوال الأشهر الأخيرة...
 ويستمر فعل تغذية الوعي العام بهذا الخطاب المرضي بما يهيئ لإشعال نيران (الثأر والانتقام) في ظلال الاحتراب والعنف وشديد التوتر الذي لا يسمح للإنسان بإعمال عقله بل يخلق أجواء تعطيله والاندفاع في ردود أفعال عنفية وحشية! حيث رد الفعل ناجم عن تفاعل سلبي لا إيجاب فيه ولا قدرة على التفكر وإعمال العقل لاتخاذ القرار الأسلم والأكثر صوابا وحكمة!
وهكذا فمن أجل إدامة سلطة الطائفية واستمرار مسلسل النهب في ثروات الناس وخيراتهم يطفو في الأجواء ((خطاب تبريري)) لما يجري من مآس وكوارث.. فمسؤولية (كل) ما يجري وهنا يتم اختزال كل الوقائع والأحداث لتُلحق بأفعال بقايا البعثفاشية والقاعدة؟ وعادة ما يضاف إلى القائمة مسلسل الشتائم والتهجم على من يسميهم ذاك الخطاب المرضي (العربان) الذين يوصمون بكونهم داعمي تلك الوحوش الانتحارية الإرهابية في محاولة للإيغال أكثر في تقسيم المجتمع بين (سلطة) تدعي تمثيلها الغالبية الشيعية و (معارضة) تزعم حصرهم بأقلية سنّية!!
فيما الحقيقة لا يحصد الشيعي من سماعه هذه الجعجعة خيرا بل ويلا وثبورا ومزيدا من النكبات مثله في ذلك مثل أخيه العراقي السني أو المسيحي أو المندائي أو الأيزيدي ولا فرق بين عراقي وآخر في حصادهما آلام الطائفية السياسية وجرائمها في مشاركة الإرهاب فعلته..
وإذا كان صحيحا وصائبا أن نتعرف إلى أعداء الشعب العراقي من الإرهابيين القتلة فإن من الصحيح والصائب أن نتساءل عن دور (السلطة) في مطاردة هؤلاء الإرهابيين ومنعهم من إيقاع أبشع الأذى ببنات وأبناء شعبنا وفي تشخيصهم بالملموس لا بالتوصيفات الهلامية وكأنهم أشباح تتجول بلا من يمسك ظلا لها!؟؟؟
فربما كان مقبولا من بعض كتّاب الصحافة ومحللي الفضائيات أن يتحدثوا مرارا وتكرارا عن جرائم الإرهابيين من بقايا البعثفاشية والقاعدة بمقدار تكرر جرائم الإرهاب وشركائه؛ ولكن هل من الصحيح لمسؤول رسمي عن الأمن وحيوات الناس وتلبية مطالبهم أن يظهر كل مرة وبعد كل جريمة تقتيل في المواطنين الأبرياء ((ليكرر)) ذات اللازمة الإعلامية في صياغة بيانات وليخسأ الخاسئون ودحر العلوج بلون جديد وربما عبارة تبدو جديدة لكنه لا يختلف فيها سوى بعض التفاصيل والألفاظ؟؟
 
المواطن يعرف أن الجريمة إرهابية وان من يقوم بها هم الإرهابيون الدمويون القتلة وهو ليس بحاجة لعبارة تصف له المشهد فوتوغرافيا فهو يعيش اللحظة ذاتها.. ولكنه لا ينتظر من المسؤول بيانات إدانة سياسية بل ينتظر منه أن يقوم بمهامه الحرفية المهنية ويطارد هذا الإرهابي ويمسكه بجرمه المشهود بل حتى قبل أن يرتكب الجريمة منعا للإرهاب من أن يحقق أهدافه، وإلا فإن على هذا المسؤول الأمني أما أن يستقيل من هذه المسؤولية أو يحاسب عن تقصيره وعجزه وربما مشاركته في تمرير الجريمة بلا عقاب أو بلا وضع نهاية لها على أقل تقدير إن لم نقل أن مهمته الرئيسة تكمن في تحقيق الأمن واستباق المجرمين ومنع وقوع الجريمة..
أما اكتفاء المسؤولين بتكرار بياناتهم اليومية في إدانة البعثفاشية والقاعدة فلا يعبر عن فشلهم حسب بل يعبر عن مشاركتهم في الجريمة عبر توفير فرص إفلات قوى الإرهاب وتطمينهم بأنهم لن يجدوا أية صعوبة في ارتكاب جرائمهم أمام انعدام وجود أية جهود أمنية تتناسب والمنتظر أو ترتقي ومستوى المسؤولية!! والأنكى يكمن في محاولة خطابهم الإعلامي غش المواطن بالتبجح بأنهم أمسكوا مجرما في جريمته وسرعان ما يتحدثون عن الإمساك بآخر عن ذات الجريمة وبلا حياء يكررون الأمر مرات ومرات..
 عليه ينبغي الالتفات إلى أن سمفونية تعليق خسائر الشعب في الأرواح والممتلكات على شماعة الإرهاب لا  يمكن القبول بها من لسان مسؤول عن التحقيق في الجريمة ومسؤول عن الكشف عن منفذيها وأدواتهم ووسائلهم.. وتكرار الاكتفاء ببيانات الإدانة لا يعفي هؤلاء من مسؤولياتهم الوظيفية ومن المساءلة بشأن تحقيق الأمن والأمان..
وبالمقابل ينبغي على الضمائر الحية للكتاب والمحللين المتخصصين في الشؤون الأمنية والسياسية أن يتناولوا الحقائق لا بالاكتفاء بترديد سمفونية الإعلام بخاصة (الرسمي المرجعية) وأن يبحثوا عن وسائل الحث على مطاردة الجناة ولطالما أدت الصحافة وأجهزة الإعلام أدوارا مهمة في الكشف عن مكامن الفساد والجريمة في بلدان العالم المختلفة..
ولابد هنا من مغادرة خطاب التبرير والاكتفاء بالحديث الوصفي لمجريات الوقائع كمعلق على مباراة رياضية وبلا مشاعر.. وعلى أصحاب الخطاب التبريري أن يقلعوا عن مداهنة المسؤولين وممالأتهم وأن يباشروا مسؤولياتهم في التحقيق بمستويات أداء الحكومة بأعلى مسؤوليها وأن يباشروا بدراسة أشكال التقصير والثغرات فذلكم ما سيدعم العناصر الوطنية في داخل الحكومة ويزيل العناصر المرضية الطائفية كما يزيل العناصر غير الكفوءة وغير الجدية وتلك التي لا تحمل مشاعر المسؤولية وضمير أداء الواجب..
 
إن الاعتقاد أن نقد المسؤول هو معاداة للعملية السياسية هو ما أوقع المسيرة في مطبات سطوة العناصر الهزيلة غير القادرة على أداء المهام المناطة بالمنصب الذي تحتله.. وهو الذي أوقع المسيرة بمزيد من التراكمات الماساوية.. نحن في زمن ينبغي أن تكون الأولوية (والثابت الحاسم والنهائي)  لمطالب المواطن وحقوقه ولحاجات إعادة الإعمار وبناء البلاد...
وكل ما عدا ذلك ليس سوى مشاركة في جريمة تخريب البلاد وسبي العباد.. لابد من أن يغادر الصوت منا طريقة التحليق مع السرب والعزف مع منشدي الطائفية السياسية داعمة الإرهاب وسندهما الفساد. بل ينبغي تعميد خطاب إيجابي يؤكد أن لكل صوت وطني حق النقد داخل الحركات السياسية وألا تترك الأمور بيد فرد أو أفراد ليسوسوا التنظيم منفردين وأن يكون له الرأي الواضح في تصحيح المسار وفي تقديم المعالجات الأنضج والأصوب ومثله في نقد المؤسسات والمسؤولين فيها بما يدخل في معاضدة  فلسفة التطوير والتصحيح والتطهير والمعالجة وليس السكوت عن الخطأ مجاملة لمن نودّ علاقة معه إلا إيقاعا بالمسيرة وحتى بالشخص المعني الذي يتم التودد إليه..
أيها الإعلاميون.. أيها الساسة انتفضوا على خطاب التبرير والمداهنة والمجاملات السلبية النتائج وانتقلوا إلى خطاب النقد البناء.. فخطاب التبرير هو تكريس لا لسلطة الطائفية السياسية ممن يمتلك هذا الصوت أو ذاك مصلحة خاصة مع هكذا سلطة بل (خطاب التبرير) مشاركة في تكريس جرائم الإرهاب ومافيات الفساد وبهذا تتجه الحركة نحو الهاوية ونحو قاع الكارثة.. فهل من صحوة لرفض هذا الخطاب التبريري والانتهاء منه؟؟؟؟؟؟

66

الانقلاب على الدستور تهديد للعملية السياسية
تيسير عبدالجبار الآلوسي

ومضة:
هذه كلمات وتداعيات من واقع مجريات الكارثة التي نحياها في العراق اليوم؛ عساها تجد تحليلا موضوعيا دقيقا من سادة الخطاب الوطني وممثليه..
توطئة:
انتهت الانتخابات البرلمانية العراقية قبل أشهر.. وما زال أمر تشكيل الحكومة معتقلا بإرادة عدد من الشخصيات التي تتحكم بالقرار اليوم. وعلى الرغم من أن الانتخابات جرت على وفق مقاسات تضخمت بالثغرات والخروقات الحقوقية إلا أنّ الجهات الحزبية وتحديدا زعاماتها تواصل محاولاتها لمزيد من إحكام وجودها في قمة السلطة وترفض مبدأ التداولية وإنْ تبرقعت بأقنعة اللعبة السياسية..
وينبغي أن نتذكر بجدية أن الأحزاب دخلت الانتخابات بلا قانون أحزاب وهو ما ترتب عليه تسيير تلك التنظيمات والحركات بوساطة رئاسات فردية تتحكم فوقيا بالجميع الأمر الذي منح تلك الزعامات سلطة القرار مستبدلة الحزب برئيسه أو زعيمه بمعنى إزاحة الحزب وتعطيل أدوار أعضائه وتنصيب الرئيس مكانهم جميعا.. ولعل ما يؤكد هذه السمة هو عدم وجود أية صلاحيات حتى للوفود المفاوضة ما يجعل اللجان ملزمة ومحددة بمهمة الصياغة للقرارات الرأسية الواردة إليها بهيأة تعليمات وأوامر قطعية...
وقد دخلت تلك الأحزاب بقانون انتخابات تمّ تفصيله على مقاس يستبعد الأحزاب الوطنية المدنية (العلمانية) عبر تفاصيل الأمور الإجرائية المقنونة التي استبعدت مئات آلاف أصوات المهجر فضلا عن توجيه التهديدات العنفية المسلحة (ميليشيات أحزاب الطائفية السياسية) والعقائدية الدينية بذريعة المرجعية وتوصياتها أو أوامرها بالتكفير مرة وبقطع فتات (الرزق) مرات وهكذا... ولا حاجة بنا للعودة إلى تفاصيل الدائرة الوطنية والدوائر المتعددة وغيرها من إشكالات قانونية أخرى..؟!!

تعطيل أهم آلية للعمل الديموقراطي (تعطيل العمل بالتداولية):

أسوق هذه المقدمة العجلى المختزلة كيما أشير إلى أنه من الطبيعي ألا نفاجأ باستمرار محاولات حصر السلطة بأحزاب الطائفية السياسية وتعطيل مبدأ التداول السلمي على وفق نتائج الانتخابات.
إنَّ أبرز آليات العمل البرلماني ومسيرة الانتخابات ومفردات العمل الديموقراطي تكمن في مبدأ التداولية.. فإذا تمَّ عرقلته فإنّ ذلك سيمثل مشكلة معقدة في الحياة العامة فما بالكم ومبدأ التداولية معطل تماما وهو ليس في وارد التطبيق عند أحزاب الطائفية!
لقد اتفقت الحركات الحزبية للطائفية السياسية على مبدأ عدم السماح بخروج رئاسة الحكومة [السلطة] منها؛ ومن هنا جاء التحالف الوطني بين الائتلاف والقانون لا ليكون كتلة منسجمة ولكن فقط لمنع خروج الرئاسة من أيديهم وقطع الطريق على الكتلة الفائزة في ترشيح رئيس الوزراء في وقت هم أنفسهم لا يوجد لديهم اتفاق على بديل!
إذن تم تشكيل التحالف لأمر واحد يتمثل بمنع الكتلة التي تعلن رفضها للتقسيمات الطائفية التناقضية وتحاول أن تتجه  بالعراق إلى نموذج الدولة المدنية الدستورية..  وإبقاء زمام الأمور بسلطة يتحكم بها طغيان (الأغلبية البرلمانية؟) بما يزعم إزاحة نظام (استبداد الطاغية) الفرد غير أنّ بديل هذا الزعم ليس غير (استبداد الزعامات الطائفية السياسية)!
أما سمة الطائفية السياسية فليست تهمة موجهة لحركة أو أخرى بل هي واقع ملموس شهدت السنوات السبع العجاف عليه حيث التحكم بإدارات الدولة والفساد الذي عُدَّ الأول عالميا بنهب الثروة الوطنية حتى بات المواطن البسيط يتساءل اليوم عمّن يجيبه عن مآل الـ300 مليار في آخر ميزانية للحكومة دع عنك أشكال التهريب والسرقة والنهب والتخريب؛ فلا ماء ولاكهرباء ولا صناعة ولا زراعة ولا خدمات صحية ولا تعليم ولا أي شكل من أشكال ديمومة الحياة البشرية وتفاصيل اليوم العادي للمواطن، فأين كل تلك الأموال التي تبني بلدانا! والأقرب لفضح الطبيعة الطائفية أنَّ السنوات السبع العجاف شهدت موتا مجانيا وفرضا قسريا للصراعات بمظاهرها ((الطائفية)) وتقتيلا وتصفية طاولت العلماء والخبرات الوطنية مثلما وجهت عنفها الدموي الوحشي إلى المجموعات القومية والدينية حتى كادت البلاد تخلو منهم!
لقد ساد مشهد إثارة الصراعات وأشكال الاحتراب بين مجموعات تدعي تمثيل الطوائف العراقية (ومظلوميات طافية مزعومة) وهي تدفع باتجاه الجريمة عن قصد وغيره فكانت تلكم هي الطائفية السياسية التي تريد اليوم مواصلة سلطتها وتحكمها بالقرار الوطني العراقي واستبعاد أية فرصة لانتقال السلطة إلى جهة وطنية علمانية تعيد للدولة مكانتها وتطهرها من أشكال الاختراقات والفساد وتتمكن من بناء المؤسسات الدستورية (الوطنية) المتطلع إليها شعبيا...

الانقلاب على الدستور استكمال لاستباحة الدولة ومؤسساتها:
إنّ رفض تسليم السلطة سلميا وتعطيل مبدأ التداولية لا يمكن إلا أن يمثل أعلى جريمة بحق الدستور ووجود الدولة المدنية وآلية العمل الديموقراطي فيها.. وتعطيل التداولية هو انقلاب قد لا يكون بمظاهر مسلحة ولكنه انقلاب بالإكراه على سلطة الآلية الدستورية..
ولا يمكن للعبة تشكيل التحالف الأكبر أن تغطي (هذا الانقلاب) اليوم لأن هذا التحالف جاء ليُبعد الفائز في الانتخابات فقط لاغير من دون أن يمتلك البديل.. فإن سلمنا له بأنه يمارس حقه وإذا عددناه فائزا بالكتلة الأكبر فأين مرشحه؟ ومعروف أنه إذا فشل تحالف أو كتلة في تشكيل الحكومة في السقف الزمني فإن البديل هو اللجوء إلى الكتلة التالية ومن بعد ذلك العودة للتصويت الشعبي بانتخابات.. لكن منطق الممارسات لهذه الحركات (الزعامات الأفراد) لم يقم إلا على أساس الرفض والمنع وقطع الطريق على التداولية وعلى تسليم السلطة لجهة يشكّون في انتمائها للطائفية السياسية أو بدقة تبعدهم هم ممثلو الطائفية السياسية عن التحكم الفعلي بالسلطة والدولة..
إنّ الانقلاب على الدستور يمثل استكمالا لنهج استباحة القوانين وتجيير مؤسسات الدولة لمصالح الاستبداد الجديد.. لمصلحة إشاعة الفكر التقسيمي المرضي واستعداء مكونات الشعب بعضها ضد بعض واستغلال التناقضات والاحتراب لتمرير ألاعيب الفساد وأشكال الجريمة التي استباحت البلاد والعباد..

الانقلاب على الدستور تهديد بنسف العملية السياسية:

إنّ الانقلاب على الدستور وتعطيل مفردات العمل الديموقراطي يتجه بعيدا في تهديد العملية السياسية ونسفها نهائيا.. وهو ذات الهدف الذي تحارب من أجله قوى الإرهاب الدموية.. ولطالما حذر الواعون من شعبنا من أن أعداء العملية السياسية لا يمثلهم الإرهاب وحده بل هم مثلث من الطائفية والفساد والإرهاب، يتعاورون على الهدم والتخريب وكل يلعب دوره وينهش حصته في تنافس مرضي رخيص..
ولننظر إلى سياسة بعض حركات الطائفية السياسية فهي لا تقوم على الاقتراب من الكتلة التي تحقق مطالب لها بل تقوم على النقيض من آلية العمل الطبيعي والأداء السياسي الصحي الصحيح والسليم قانونيا دستوريا، بوضوح تقوم على  الرفض والحظر ووضع الخطوط الحمراء.. فهي لها خط أحمر حتى مع حليفها في قطع الطريق على التداولية والتسليم بفوز قائمة بعينها.. ولم تعرف الآلية البرلمانية في نظام مستقر خطاب الخطوط الحمراء والرفض والتشدد إلا وكانت النتائج الانهيار والتخريب في المسيرة السياسية..
إن منطق الأمور في الواقع العراقي يشير إلى وجوب الالتزام بالاحتكام إلى الشرعية الدستورية بعقد جلسات البرلمان واستكمال الإجراءات القانونية باستخدام آليات معهودة متعارف عليها كالتصويت وعمل اللجان وأشكال التفاوض مع الالتزام بالأسقف الزمنية والقوانين المعمول بها..
غير أن الجاري هو رفض العودة للبرلمان وضمنا رفض استكمال انتخاب رئاسته وتشكيل لجانه وتفعيل دوره في مراقبة الأداء وانتخاب الرئاسة ورئاسة الحكومة..
عليه يجب اليوم اتخاذ الموقف الحاسم من أعضاء الحركات السياسية كافة بالوقوف بوجه الزعامات المماطِلة تحقيقا لمصلحتها ومن أعضاء البرلمان بالتجمع لعقد جلسة طارئة تحسم أمر رئاسته وممارسة أعماله كاملة وإلا فإن هؤلاء يشاركون ذات الاتجاه التخريبي لبعض أفراد يصرون على رفض التداولية..
إن رعاية العملية السياسية يلزمها تعميد القبول بتطور مسارها في تشكيل مؤسسات الدولة على وفق آليات الديموقراطية.. وبخلافه فإن أي ادعاء بالتزام تطوير مسيرة العملية السياسية هو ادعاء مزيف يفضحه جوهره المتعارض مع البدايات الأولى لبناء مؤسسات الدولة وتطبيع العمل بأليات قانونية وعلى رأسها آلية  تداول السلطة..


خلاصة ونتائج:
بالخلاصة فإن مجريات الوضع تشير إلى انقلاب على الدستور بتأخير متعمد لا يعير لمصالح الشعب والوطن أي اهتمام ولا يعطي الأولوية إلا لمآرب ومبتغيات فردية مخصوصة  بمسؤول حزبي حكومي [زعامة دولة القانون].. وهذا يمثل خطر الالتفاف على العملية السياسية برمتها ونسفها  بما يعني نسف السلم الاجتماعي وتقسيم الشعب بين طوائف محتربة بالإكراه بوساطة قوى العنف والإرهاب...
من هنا وجب فورا العودة إلى دعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في فرض سلطة القانون وكسر حال الجمود المقصود في منع مؤسسات الدولة من العمل القانوني الدستوري.. بتعطيل البرلمان وبالاحتكام لحكومة تصريف الأعمال غير المسؤولة من جهة وغير القادرة على تسيير أبسط مهامها في رعاية الأمن والاستقرار في البلاد.. حيث تتصاعد الأعمال الإرهابية الدموية البشعة وحيث تتعاظم التهديدات لحيوات المواطنين العراقيين..
إنّ أزمات الكهرباء التي باتت شبه معدومة والمياه الملوثة التي باتت مصدر ربع السكان في أفضل الأحوال حسب تقديرات الحكومة ذاتها وأزمات الخدمات الصحية وأزمات السوق وعدم تلبية احتياجات المواطن الغذائية ولو بحدها الأدنى ؛ كل تلك الأزمات، هي علامة على كارثية ما يتجه بنا إليه ساسة الانقلاب على الدستور...
والأمور لن تقف بالتأكيد عند هذه الحال بل ستؤدي أما لانتفاضة شعبية عارمة أو لأشكال من الانقسام والتشظي والحروب الطائفية الفئوية بما يمثل (لبننة أو صوملة) العراق أو شرذمته وجعله كانتونات تابعة لدول الإقليم وما يطال المواطن سوى العبودية والإذلال والوقوع صيدا سهلا لمن يتاجر بآخر ما تبقى له من فتات حياة العبيد!!!

أما بعد:
فلن يستحي من لا حياء له، ولا يمكن للشعب أن ينتظر طويلا، ولابد من حركة مجتمع مدني وحركة سياسية وطنية مسؤولة تتصدى لتعطيل الدستور والانقلاب عليه..
ونحن بلا جيش ولا شرطة بلا قوات حفظ أمن ولا حماية دولية، مشرعة بوابات البلاد لكل من هب ودب ولمسؤولين لا يحتكمون لعظة ولا يتحملون مسؤولية المآسي

والدجل الإعلامي بشان اعتقال مجرم وتطهير مؤسسة من فساد لا يعدو عن كونه ذر رماد في عيون لمزيد من ضباب وعماء يبعد تلك العيون عن المجرم الحقيقي..
انظروا بعين فاحصة فما زال بعض الضياء موجودا قبل أن تضيع فرصة انقاذ العملية السياسية من تخريبها وتخريب الوجود الوطني العراقي بأكمله!!!؟

67
تداعيات تأخير تشكيل الحكومة العراقية والمغامرة الخطرة؟


تيسير عبدالجبار الآلوسي
tayseer54@hotmail.com
 
أشهر مضت والسجالات الجارية بشأن تشكيل الحكومة بين المراوحة السلبية في مكانها والتنقلات المحدودة خارج جغرافيا ميدان إنتاج حكومة وطنية حيث الاتصالات الإقليمية وضغوطها وتدخلاتها قائمة على قدم وساق. لقد ركنت (بعض) الشخصيات (المعنية) إلى المراهنة على عامل الوقت لتحقيق رغباتها بخاصة في كسب رئاسة الوزارة؛ فيما قبل (البرلمانيون المنتخبون) تحييدهم عن أي عامل تأثير في زحزحة الجمود والتعاطي مع الحل الأنضج...

إن المشكل الرئيس اليوم لدى القوى البرلمانية الفائزة في الانتخابات، يتمظهر في أزمة من يرأس الحكومة.. وبذلك فهي تهمل بوضوح تام مشكلات الناخب وتتجاهل حقوقه وحاجاته الضرورية الماسة العاجلة منها والآجلة. وبالنتيجة تبرز أزمة تعطيل آليات العمل الدستوري بتعطيل عمل البرلمان وأعضائه في التعاطي مع الإشكالية.

ومن السهولة بمكان، من أجل الحل الأمثل، النظر إلى تجاريب وقوانين نظيرة أخرى بالخصوص والتبصر في جوهر ما تدل عليه مفردات الدستور العراقي بعيدا عن تأويلات قانونية مفتعلة تأتي تحت ضغوط تشوّه دور القضاء في حسم الأمور التي تعلق بين مؤسسات الدولة وممثليها.. والأمر هنا يتعلق بموضوع الكتلة الأكبر؟

فلو أن الإيمان بالتداولية كان من النضج بدرجة كافية لما صرنا إلى تمسك رئيس الحكومة المنتهية ولايته بهذه الطريقة وكان يمكن للعبة الحزبية أن تمضي من بوابة البرلمان ومنحه الصلاحيات (الدستورية الحقة) في التعامل مع اختيار شخص رئيس الوزراء وبالتأكيد سيكون الحل الموضوعي المناسب كامنا في منح فرصة محاولة تشكيل الحكومة لـ(القائمة الفائزة) كما يؤكد منطق الأمور وآليات العمل في كل برلمانات العالم وفي الانتخابات الجارية فيه..

لقد شكل تمسك السيد المالكي شخصيا بالسلطة طعنة لمفهوم التداولية وللعمل الدستوري وجاءت محاولة الحل التلفيقي بتأويل المقصود مَن (الكتلة الأكبر) لتعقد المشهد من جهة الحصيلة ولكن الأخطر والأبعد لتهدد سلطة الدستور من جهة ونزاهة القضاء العراقي في علاقته بالخطابات الوطنية الأخرى بمعنى التشويش على العلاقة بين السياسي والقانوني القضائي وربما الانزلاق لما هو أبعد من مجانبة الصواب بـِهزّ العملية السياسية والاستقرار المنشود وطنيا..

إن حال استغلاق الحوارات بمطالب وشروط ثابتة محصورة بزعامة كتلتين واستمرار الأمور بهذا الركود، وإن بدت بمشهد حوار أو سجال بين طرفين، يشوش على مسيرة العملية السياسية ويعقدها وأكثر من ذلك يضعها بمواجهة تهديدات ومغامرات خطيرة ستضر بالاستقرار وربما تذهب أبعد من توقعات أطراف السجال الحالي المراهنين على عامل الوقت وهو ذاته العامل الذي سيطيح بتطلعات الناخب في برلمان اختاره وربما سيلغي العمل البرلماني بسلطة عسكرية انقلابية طارئة...

وحتى بعيدا عن مثل هذا الاحتمال المغامر (وهو احتمال قائم ربما يتبدّى بأشكال غير محسوبة).. أقول حتى بعيدا عن هذا الاحتمال بكل أشكاله وفروضه فإن حال السجال بين زعامات الكتل البرلمانية بعيدا عن قبة البرلمان لا يقف عند تعطيل دور البرلمانيين المنتخبين بل يدفع باتجاه حلول تلبي مطالب زعامتين وربما تحظى بالغطاء التصويتي الكافي ولكنها تتجاوز على مطلب تأمين الإجماع الوطني وخيار حكومة الشراكة الوطنية و وحدة التراب الوطني..

والأمر هنا لا يتعلق بحكومة تتمثل فيها القوى والحركات الموجودة في البرلمان بل بحكومة تستجيب للظرف العراقي المعقد ولمطلب الشراكة التي لا تقصي أحدا في العملية السياسية التي تبقى هي أيضا بحاجة لنباهة جدية مسؤولة تجاه ما يحيق بها من تهديدات.. وتبقى فلسفة الاتفاق الوطني محسوبة للتقدم تدريجا إلى أمام وبناء جسور الثقة بين أطرافها أي تعميد الوحدة الوطنية وعدم تجاوز عناصر كينونتها..

وهكذا فإن مشكلة التأخير والتأجيل يمكن أن تنقلب، إذا ما واصلت كتلة دولة القانون على التعاطي مع فروضها وتفسيراتها في تجاهل النتائج الانتخابية من جهة، وفي رفض التداولية والامتناع عن القبول بالآليات البرلمانية الدستورية، من جهة أخرى.

كما أن دور الكتل البرلمانية الأخرى ينبغي أن يغادر، في تعاطيه مع المشكلة، مسائل استغلال الفرصة كيما يبحث عن مكاسب فرض الشروط في ثنايا الصراع بين زعيمين وقائمتين.. وأن يدخل طرفاها في الضغط باتجاه الحل مثلما تفعل القائمة الكوردستانية بجهدها المنصب على الأساس الوطني العراقي أولا.

إن القوانين واللوائح وآليات العمل البرلماني واضحة المفردات فبالعودة إلى فضاءات الحوار السليم سنجد بوضوح مسألة الأسقف الزمنية القانونية التي ستكسر مغالق الأمور إذا ما التزمناها.. وكيما نخرج من نفق الأزمات المضافة والمغامرات غير المحسوبة،علينا أن نحتكم للدستور والقانون واللوائح وإذا كان من ثغرة أو نقص فإن وضعنا العراقي ما زال يستحق المراجعة بطريقة الانفتاح على القوى الوطنية كافة بغض النظر عن الأحجام البرلمانية ودخولها فيه من عدمه.. بمعنى العودة للتوافقات السياسية لتجاوز الاختناقات على قاعدة أن العملية السياسية هي الأشمل في التعبير عن المشهد العراقي وهي الهدف الرئيس الأكبر الذي يعني مصالح الناس ومطالبهم..

وفي هذا الإطار، يمكن للقوى الوطنية أن تنظر إلى تجاريب أخرى وأن تستجلب القراءات القانونية المناسبة التي تفضي إلى معالجة ما يعرقل تسيير الأمور إذ ليس القانون إلا وسيلة لتأدية المهام بطريقة تبني وتخدم الناس بمعنى أن القانون ليس وسيلة لخدمة نوازع صراعات الوجود الفوقي؛ وتوكيدا فالقانون يضبط حركة هذا الوجود ويوجهه لتأدية مهامه في خدمة المجتمع ومن هنا فإن البحث الإيجابي الجدي في الثغرات القانونية هو أول الطريق لسدها بمعالجات مناسبة وهذا هو ما يملك الأولوية وليست الأولوية لتأويل القانون وليّ الأذرع لصالح مكسب كتلة أو أخرى..

وبعامة وفي الظرف القائم عراقيا وتحريكا للأجواء ومنعا لتعثر العملية السياسية ومن أجل استقرار الأوضاع وجب القيام بالآتي:

1. تفعيل أدوار البرلمانيين وتحويل صلاحياتهم إلى أداء مؤسساتي عمليا؛ والامتناع عن فكرة التأجيلات ربما المتكررة أو المفتوحة لجلسات البرلمان..

2. ضرورة البحث عن مخارج توافقية مشتركة تسهم فيها جميع القوى والكتل البرلمانية وغير البرلمانية وربما العودة لدور المؤتمر الوطني الطارئ للتصدي لاختناقات أزموية خطيرة..

3. الاستفادة من الخبرات القانونية الدولية بشأن الحل بإشراف كل من المتخصصين والمحكمة الدستورية مع منحهم الصلاحيات الوافية والاستقلالية في تبني المعالجات المناسبة للمشكلة (تحديدا هنا معضلة رئاسة الحكومة).

4. التفكير بأمرين مباشرين بشكل عاجل يكمنان في تبني برنامج عمل يتناول الحاجات المباشرة العاجلة لتسيير الحياة بطريقة تستجيب لمطالب الناس والتوجه لدراسة مرشحين تكنوقراط للوزارات المعنية بمثل هذا الخيار..

5. العودة إلى مبدأ استشارة الشخصيات الوطنية الخبيرة والمتخصصة وربما تأليف لجنة خبراء بالعودة لمؤتمر وطني عاجل قابل للانعقاد الطارئ..

6. النظر بإيجابية تجاه الأسقف الزمنية ومنع أي احتمال لتجاوزها بالتقدم بحلول وبدائل مقبولة قبيل مواعيد تلك الأسقف النهائية.. مع التفكير بصلاحيات وتوازنات مؤقتة لحين استصدار القرارات الدستورية المناسبة..

7. القبول الفوري بانتخاب رئيسي الجمهورية والبرلمان ونوابهما بعيدا عن أية حسابات مخصوصة بالتشكيل الحكومي..

إن هذه المعالجة الموجزة مجرد إشارات ولكنها تنبئ بما يختفي تحتها من غليان شعبي ربما يكون تفجره أخطر من المتوقع.. إذ ما عاد في جعبة المواطن المغلوب على أمره ما يقدمه.. ولسان حاله يردد: بين اللعب السياسي للحصول على مكاسب وانتزاع مسؤولية لصالح كتلة وبين سلطة القانون ومحدداته بون شاسع لم يملأ إلا بأزمات جاءت على حسابه هو المواطن البسيط.. والمشكلة تكمن في حكومة برنامج وطني وليس في من يرأس الحكومة وأي حزب يشكلها.. فهل دق جرس الإنذار بحق لدى المعنيين أم سيمضون في تعريض العملية السياسية ومطالب الناس لتهديدات مغامراتهم؟
 

68
آليات العمل الحزبي في الحياة البرلمانية

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

تسعى الحركات والأحزاب السياسية لأكبر عدد من المقاعد البرلمانية في محاولة للانتقال إلى وضع برامجها موضع التطبيق العملي. ولربما تشكلت ائتلافات انتخابية توحيدا لجهود القوى المتقاربة في رؤاها وبرامجها.. ومن الطبيعي بشأن آليات العمل أن تمارس القوى الحزبية حق المنافسة السلمية في سعيها لكسب جمهور الناخبين وإقناعهم بما رسمته من أساليب للبناء ولتقديم الخدمات الأفضل للمواطنين ومطالبهم وحقوقهم.

لكن هذه القوى ذاتها التي تدخل حلبة الانتخابات متنافسة  عبر آليات العمل الديموقراطي سلميا، هي ذاتها القوى التي تدخل البرلمان بوصفه الهيأة التشريعية التي ستؤدي مهامها الرقابية على أداء الهيأة التنفيذية (الحكومة) وأجهزتها العاملة.. ومن ثمَّ فإنّ آليات عملها في البرلمان ستتحول بالضرورة من حال (التنافس) وربما الصراع كما تشهده الحملات الانتخابية إلى وضع جديد مختلف..

إذ أن المهام التشريعية من جهة والرقابية الإجرائية من جهة أخرى تتطلب أساليب مختلفة، تلتزم بمنهج عمل يخضع لنصوص الدستور والقوانين النافذة.. كما تلتزم بالانتقال من حال التنافس الساخن إلى حال التعاضد والعمل المشترك  المنصبّ على بحث موضوعي لكل مشروع أو مفردة من مفردات عمل الحكومة...

بمعنى أن المعارضة البرلمانية لا تعني حربا (راديكالية) الآليات والفلسفة بل تعني مشاركة واعية وتعاونا أكيدا مع الأطراف الحكومية لتنفيذ البرامج وتسهيل الإجراءات البنائية؛ فالأساس في العمل البرلماني هو أساس تعاوني تعاضدي والجميع مسؤول عن تنفيذ خطط البناء والتقدم...

صحيح أن الجدل والحوار البرلماني يمكن أن يكون نقديا ومن الطبيعي أن يكون متابعا مراقبا، إلا أنه من الصحيح بل من المُلزِم للقوى (جميعا بضمنها (المعارضة) أن تلتزم بواجبها في العمل المشترك وبمعاضدة جهود البناء بعد أن يتم حسم النقاشات البرلمانية وإقرار مشروع أو آخر..

إنَّ أي أسلوب للعمل الراديكالي خارج مؤسسة البرلمان بما يتقاطع ومسيرة البناء هو في الحقيقة من الأعمال التي تتحمل مسؤولية عرقلة البناء وإيقاف مسيرة تطوير الخدمات والتعارض مع إمكانات تلبية مطالب الجمهور.. وهو أسلوب عمل حزبي سياسي يتعارض ومبدأ العمل البرلماني والخضوع لآليات الديموقراطية ومفردات منهجها الإجرائي..

من هنا ينبغي للقوى والحركات السياسية اليوم، أن تعيد التثقيف والإعداد لجهازها الحزبي وأن تتبنى آليات العمل الديموقراطي البرلماني على وفق معطياته وقوانينه ومنهج آلياته الإجرائية وألا تدخل في انتقائية تأخذ ما تريد وتطبقه وترفض ما لا يأتي وأهوائها ولا تلتزم به.. وإلا فإن من أولى متطلبات العمل عند إجازة حزب أن يتعهد في ظل أجواء الديموقراطية بالالتزام بآليات العمل الرسمي السليم كاملة تامة..

وعلى سبيل المثال، سيكون لقوى المعارضة أن تناقش وتحاور وتنتقد في قبة البرلمان ملتزمة بالآليات المنظَّمة بقوانين ولوائح معتمدة ومتفق عليها.. ولكن  ينبغي في هذا الإطار أن تنظر إلى  واجباتها في الانتقال للتنفيذ المشترك للبرامج التي تم إقرارها..

ربما سيكون عليها في إطار الحريات العامة أن تدعو جماهيرها  للتعبير عن رؤيتها ومطالبها وبحدود منظمة هي الأخرى بوسائل التعبير السلمي الذي لا يتعارض مع التزامها الواجب والمسؤول بمهمة المشاركة في تسيير العمل الحكومي على وفق البرامج المقرّة وبهذا لا يوجد هنا ما يسمح باعتراض تنفيذ المشروعات الحكومية وعرقلة مسيرتها لأي سبب كان...

 

إن فكرة المعارضة البرلمانية لا تقبل التقاطعات الحادة أو الراديكالية المعرقلة لمسيرة أنشطة أجهزة الحكومة ومؤسساتها.. ولا تجيز آليات العمل البرلماني \ الديموقراطي وقوف طرف (برلماني معارض) ضد الجهد المؤسسي الرسمي.. وهذا أمر طبيعي وصحيح  منتظر.

إذ المحك أن نسمح للبرامج أن توضع موضع التطبيق والجمهور هو من يحدد قبوله بالنتائج من عدمه عبر آليات التصويت والانتخاب الدورية.. ومهمة المعارضة لا تبتعد عن فكرة توفير قناعة  أوسع جمهور برأيها النقدي تجاه مجريات الأمور والبديل الذي تعتقد بأنه الأفضل لهذا الجمهور ومجددا فإن الصوت الانتخابي هو الحكم والفيصل الأخير في الاختيار..

وعمليا ومن دراسة الحال العامة لقوى حزبية معارضة في كوردستان نجد أن وعيا جديدا بدأ يولد ويتعزز ولكن من السابق لأوانه الحديث عن نضج تلك القوى وقبولها بالنتائج من جهة وقناعتها بالعمل على وفق ما تفرضه آليات الأداء البرلماني من جهة أخرى..

ومن مثل مواضع الخلل التي نشير إليها هنا، ما أدى بالمحصلة لممارسات انفعالية واحتدامات واحتقانات يتمثيلها من حيث جوهرها حال الطفولة أو المراهقة السياسية وهي حال أفضت في بعض الأحيان لعرقلة الأداء أو لإرباك في ذهن المتلقي الذي ينتظر دروسه من النخب السياسية الواعية..

إن عددا من القرارات والأداءات الحزبية بقيت حبيسة الأساليب الكلاسية العتيقة التي تعبر عن حال التناقض بين القيادات النضالية والسلطة القمعية. فيما نحن في عهد يختلف نوعيا ويطالبنا في وقت قبلنا بآلياته أن نستكمل ذلك بقناعة تامة كيما نطبق ما ينتظرنا من أساليب جديدة مسؤولة عن إنضاج التجربة والانتقال بجمهورنا إلى أوضاع نوعية جديدة تختلف في سياقاتها ومن ثم في نتائجها..

إنّ دور الحاجات والمطالب الشعبية ووعي الجمهور بآليات الوصول إليها بخاصة في ظل خياره التوجه لتعزيز نظام ديموقراطي برلماني، إن ذلكم لكفيل في توكيد الناخب لخياره من بين القوى التي تلبي برامجها حقوقه الأساس. ولكن في ذات الوقت سيكون من أسباب العرقلة وإثارة التعقيدات  والمشكلات غير محسوبة العواقب استمرار قوى بعينها بأساليب العمل بعيدا عن آليات الديموقراطية ووسائل عملها وإنجازها..

ويبقى السؤال الرئيس اليوم يكمن في: هل فكرت تلك القوى بمراجعة أساليبها؟ وهل ستتبنى منهجا جديا مسؤولا في التفاعل مع الوضع الجديد؟ وهل ستقرأ الأمور على وفق العمل المؤسسي القانوني الدستوري؟ وهل ستقرأ طبيعتها وقراراتها ووسائل تعاطيها مع الوضع الجديد من فهم ناضج لمعنى المعارضة في إطار العمل البرلماني الدستوري؟  والجواب المؤمل من قوى المعارضة ذاتها ينبغي أن يكون إيجابيا كيما تمضي السفينة آمنة في الاتجاه الأكثر صوابا.

 

69
حقوق الأكاديمي العراقي في المهجر؟
رسالة مفتوحة إلى من يعنيهم الأمر
تيسير عبدالجبار الآلوسي
tayseer54@hotmail.com

في ظروف عراقية معقدة توجه أكاديميون عراقيون إلى منافيهم طوال العقود الأخيرة. ففي بدايات ونهايات الستينات والسبعينات تعرض الأساتذة لحملات اعتقال ومضايقات وصل بعضها حدّ تنفيذ التصفيات والاغتيالات والإعدامات.. ثم تمّ استغلال الحروب العبثية لمواصلة نهج التصفية والتقتيل.. وتحت ضغوط التسعينات وانهيار قطاعات واسعة منها التعليم دُفِعت وجبات أخرى لمنافي جديدة.. ومنذ العام 2003 جاءت ماكنة موت أسود أخرى فكانت حملات التصفية والاغتيالات التي طاولت مئات وآلاف من الأساتذة والمتخصصين ومجموع الأكاديميين العراقيين... مسيرة من العنف.. من أبسط أشكاله حتى أعقدها وأبعدها وحشية ودموية. وما زالت الآلة الجهنمية تواصل عمليات الذبح البشعة..
وفي ضوء هذا المشهد، يوجد اليوم في المهاجر القصية، آلاف إن لم يكونوا عشرات آلاف من الأكاديميين من علماء ومتخصصين بمختلف المجالات ومن أساتذة جامعة وخبراء ومستشارين من العقل العراقي اللامع عالميا، المنتج إبداعا معرفيا علميا مهما...
إنّ بعض هؤلاء يمارسون أعمالهم في تخصصاتهم على وفق حاجة المؤسسات الدولية لتشغيلهم.. فيما يعاني جلّهم من واقع تشغيلهم قسرا في غير تخصصاتهم أو أنّهم يعانون من البطالة التي ضربت العالم بكليتها وشمولها.. وفي جميع الأحوال وبالنتيجة المتحصلة، فإنّ ما يجري هو عملية تصفية لإمكاناتهم وطاقاتهم العلمية حيث بترك الصلة مع العمل والدراسة لسنوات متوالية مؤداه في النهاية قتل فعلي عملي لتلك الطاقات العلمية التي تم بذل جهود مجتمعية رسمية وشعبية، عامة وخاصة من أجل إعدادها، وبغض النظر عن عشرات آلاف الدولارات المصروفة على إداد العالم أو الأستاذ الجامعي فإنّ جهودا مضنية من عمر الفرد والمجتمع لا يمكن تعويضها بقرار أو بإجراء وسيقتضي لإعادة الإعداد البديلة أن نخسر سنوات أخرى وأن نبدأ من جديد لنطارد التطورات المتسارعة عالميا...
وبات من نافلة القول الحديث في مثل هذه الأمور أو الانشغال بإعادة التناول؛ بعد أن تم قتلها إحصاء وتحليلا. واليوم، بعد أن بدأ رفع العقيرة بالحديث عن (العراق الجديد)، عراق حقوق الإنسان، عراق رعاية المواطن والعناية بمطالبه وتلبية حاجاته.. فإنّ ما ينبغي التوقف عنده هو ما تحقق لصفوة من مواطني العراق ممن تعتمد عليهم عمليات إعادة الإعمار وبناء العراق الجديد كيما يجري تلبية مطالب المواطنين في تفاصيل اجتياجاتهم؟
نقصد هنا، ما الرعاية التي حظي بها العلماء والمتخصصون والأساتذة من العقل العراقي النخبوي؟ وما الخطط التي تمّ وضعها لاستثمار وجودهم بهذا الحجم النوعي المميز في العراق الجديد ومسيرة إزالة الخراب والدمار منه؟
الصحيح أن كل الأخبار الواردة تشير إلى استمرار التصفيات الدموية ومواصلة عمليات الاختطاف والاغتيال والضغط باتجاه دفع هذه النخبة للتوجه إلى المنافي ومنع تلك الموجودة في المهجر من العودة أو حتى التفكير بصلة ما بالوطن..
كما أن واقع التشريعات الجارية واللوائح المعمول بها وسياسات التوظيف الجديدة تواصل قمعا رسميا ممنهجا للخبرات والعقول المميزة المعروفة ومنع تشغيلها بالإحالة إلى التقاعد وقطع العلاقة بينها ومراكز البحث العلمي و\أو جهات الإنتاج المعرفي.. وقد اصطف طوال السنوات الست المنصرمة مئات وآلاف من العائدين للوطن في طوابير طلب العمل فلم يجدوا سوى الإهمال وحتى التعنيف والزجر والإهانة المقصودة المباشرة وغيرها. ومع عودتهم خائبين إلى مهاجرهم (يحمدون الله على نجاتهم من التصفيات الجارية) فقد تمّ إلحاق وجبات متتالية جديدة بهم أو بصفوف التقاعد الإجباري؟
إنّ كل هذا المشهد المأساوي لم يفت في عضد التمسك بمحاولات خدمة الوطن من جهة والمحافظة على أفضل العلاقات بالهوية والمجتمع العراقيين. واستطاع بعض هؤلاء أن يؤسسوا مراكز بحثية وشركات إنتاج ومؤسسات أكاديمية علمية للتدريب ولربط العراق بالمؤسسات العلمية العالمية ومثلها مؤسسات أكاديمية جامعية تحاول ولوج الوطن عبر نوافذ التكنولوجيا الأكثر تطورا لتحديث التعليم العالي العراقي وتطويره...
ولم يجد هؤلاء مرة أخرى سوى الصد واختلاق العراقيل ومنع فرص وصولهم إلى الميادين العراقية بمسميات عديدة مختلفة فالشركات يجب أن تخضع لآليات الفساد السائدة وإلا منعت مطلقا من المشاركة في جذب قوى الإنتاج والاستثمار الفاعلة ومراكز البحث والمؤسسات الأكاديمية لا شرعية لعملها لأنها تعمل بتكنولوجيا لم يصدر لها تشريع في العراق الجديد بعد، وطبعا لم تخضع لمساومات ساسة اليوم!!
وليس لنا في نهاية المطاف وقبل أن ننتقل إلى المطالب والحاجات سوى أن نعرض لما يعاني منه مواطنو العراق من نخبته العليا وعقله العلمي؟
1.  ��يعاني أصحاب التخصصات العلمية العليا في الغالب من بطالة �أما مطلقة بسبب من عدم توافر فرص العمل في تخصصاتهم في أماكن إقامتهم، أو يعانون من بطالة بوجه آخر حيث يمارسون أعمالا هامشية أو لا تتصل بتخصصاتهم المعرفية العليا.
2.  يعاني كثير من هؤلاء من ظروف صحية غير مؤاتية ويتعرضون في أحيان كثيرة لأزمات هددت حيواتهم وتوفي بعضهم بسبب من الإهمال أو فقدانهم الرعاية الكافية لأسباب لسنا بصدد التفصيل بها هنا. وما مرّ من الجهات الحكومية جاء بمطالبات احتجاجية وتضامنية لم يُستجب فيها إلا لحالات فردية محدودة بطريقة العطايا والمواقف الدعائية الاستعراضية..
3.  المعاناة من أزمات نفسية واجتماعية بسبب من العزلة والانقطاع عن الوطن ومجتمعهم الأم، وأحيانا حتى عن فرص الاتصال بالجاليات. ومن المعقد شرح أمثلة بهذا الشأن حيث يجري تقديم بعض جهلة وأميين واهتمام بمكانتهم لأسباب ودواعي تعرفها جهات امتلاك الأموال وتدويرها في وسط الجالية بخاصة من ((بعض)) معممي الجالية ومجلببيها ممن تأتيهم الأموال طوفانا بلا حساب في وقت يجري التعتيم على علمائنا ووجودهم.. كما أن إمكانات الجهات المتنورة وفرص دعمها من التدني ما يمثل الفتات أمام ملايين تمرر (لآخرين) بآليات مختلفة......
وفي ضوء هذا الإيجاز والإجمال، يمكن الحديث عن بعض حلول وتطلعات، ينبغي العمل من أجلها سويا ومعا حيث لا خارج وداخل ولكن مجتمع عراقي واحد يتوزع وينتشر جغرافيا ويتركز ويتحد إنتاجا وعملا :
1.  ينبغي عمل إحصاء رسمي بالوجود المهجري للمتخصصين والطاقات العلمية من خبراء واستشاريين ومن علماء وأساتذة.
2.  أن توضع هذه الإحصاءات بيد المؤسسات الحكومية والخاصة و جهات الاستثمار الأجنبي بما يُلزم هذه الجهات بإدخال هذا الوجود النوعي في خطط العمل السنوية القصيرة والاستراتيجية البعيدة.
3.  إيجاد آليات عامة وأخرى مخصوصة بكل قطاع إنتاجي أو معرفي تعليمي وتدريبي وذلك للتعاطي مع هذه الطاقات..
4.  إيجاد خطط مالية وأن يجري رصد ميزانيات (أموال محددة) بغرض تفعيل الصلات واستثمار هذه الطاقات.
5.  أن يجري توفير فرص دعم الجهود المؤسسية والفردية للطاقات العلمية في المهجر بخاصة وتحديدا منها ما يخدم جهتين: الأولى ممثلة بالجاليات العراقية في مهاجرها والأخرى تلك التي تصب في خدمة الشعب في داخل الوطن..
6.  إصدار التشريعات والقوانين الساندة للجهود المؤسسية لعراقيي المهجر من مثل تشريع قانون التعليم الألكتروني وتسجيل تلك المؤسسات بما يعتمد تلك الجهود ويعمّد تطور مسيرتها وإشراكها في عمليات التحديث والاستثمار في إعادة البناء في داخل الوطن.
7.  إيجاد اتفاقات التعاون مع المؤسسات الدولية بما يكفل جذب خبراتها عبر دعم تشغيل علمائنا وأساتذتنا فيها بغرض تفعيل أدوارهم في الإشراف على بعثاتنا العلمية �المتجهة للتدريب والأعمال البحثية المخصوصة باستثمار المختبرات والأجهزة ومنظومة التعليم المتطورة في البلدان الأوروبية وفي الأمريكتين.
8.  منح الحقوق التقاعدية بتوفير الغطاءئن القانوني والمالي للكفاءات العلمية من الأساتذة المهجريين.
9.  توفير صندوق الرعاية والدعم للمهجريين من الأساتذة والعلماء بمسمى صندوق الأزمات والطوارئ التي تستدعي التفاعلات العاجلة بدل صيغة العطايا والمكارم الاضطرارية...
10.          إيجاد جوائز ومحفزات مادية وأدبية لهذه الكوكبة من الذين عانوا الأمرَّين في منافيهم ومهاجرهم، ولم ينقطعوا عن العطاء للوطن والناس.
11.          من أبسط القواعد الاحتفاء بعوائل الراحلين وعدم تركهم لمعاناة التنكر والإهمال والاحتفاء بشعب يكن التقدير والاعتزاز لمبدعيه.. ومن بين الأمور المؤسية حتى يومنا هذا، وجود أعلام وقامات كبيرة منحت للعراق هوية و أعطته رايات الفخر والعز، فيما ترقد رفاتهم في مقابر الغرباء بالمنافي والمهاجر.. فلا هم� اُحْتُفِل بهم أعلاما خالدين ولا رفاتهم أُعيدت للوطن...
 
 
وبعيدا عن هذه الإيماضات السريعة، يمكن أن نسجل على سبيل المثال وبشكل مخصوص في قطاع التعليم العالي، أهمية أن تتجه جامعة عراقية أو أخرى بإسناد الإشراف الثاني لعدد من طلبة الدراسات العليا فيها، للأساتذة العراقيين في المهجر. وأن تستثمر وجودهم في بلد أو آخر لإيجاد اتفاقات تعاون مع مؤسسة أو شركة أو جهة بعينها. وهذا بالتأكيد بحاجة لتخصيصات مالية وخطط بمستويات وتخصصات متنوعة مختلفة...
كما يمكن للمناقشات العلمية لرسائل الماجستير والدكتوراه الجارية في الجامعات العراقية في داخل الوطن أن تستعين بالطاقات العلمية الموجودة في المهجر.. وأن يجري الدعوة لمؤتمرات تخصصية سنوية تشمل مجموع الباحثين المعتمدين والفاعلين في جهودهم.. وأن تنعقد هذه المؤتمرات بجزءين أو شطرين أحدهما في مدينة عراقية والآخر في المهجر بما يتيح فرص استقطاب الجهود المهجرية والأجنبية وإدخالها في جهود التطور والتحديث ومسيرتهما..
ومن الطبيعي أن تتاح فرص طباعة البحوث ودعم إنجازها وتكليف جهات وأفراد بها مع أوسع حركة طباعة للكتب والمؤلفات� بمقابل استحقاقاتها المالية والأدبية وإيصال المطبوعات المحلية بخاصة منها البحثية للمؤسسات العراقية المهجرية..
إن عناية كل مؤسسة عراقية في داخل الوطن بفتح منافذ وجسور تجاه من يعنيهم التخصص في العلاقة بين الطرفين سيكون له أفضل النتائج على صحوة استثمار الطاقات.. و ردع تلك السياسة التي حاولت و ما زالت تعمل على قطع العلاقة مع النخبة العلمية للعراقيين بقصد إشاعة الظلام والتخلف في داخل العراق الجديد..؟!
كما أن سياسة استراتيجية ملموسة بالخصوص ستعني بحق أننا نقلل من الكلف المادية في توفير البناة الحقيقيين ومنع ترحيل أموالنا خارج مستحقيها من شعبنا وتوفير الكلفة الزمنية لإعداد الخبراء الموجودين أصلا وتهملهم السياسات الحالية أو تغفل عنهم.
إن وجود ملايين العراقيين في المهجر يستدعي واجبا وطنيا على أية حكومة عراقية أن تعنى بهم وبمطالبهم وحاجاتهم.. ومثلما أضعف الدول إمكانات وطاقات [و لا نقول أغناها] تعتني بأبنائها أينما ذهبوا فإن على العراق الغني بثرواته وإمكاناته أن يحقق واجب رعاية أبنائه أينما كانوا.. وأن يعوضهم عن زمن قسى عليهم وقذف بهم إلى منافي الاضطرار يوما.. وأقل شيء يكمن في تعويضهم بما تبقى من أعمارهم بعد أن خسروا جلّ العمر في معاناة المنافي القسرية...
هذا بعامة الأمر، فكيف بنا ونحن نتحدث عن علماء بـِ (قامات شامخة) صرف الشعب على إعدادهم من دمه وتضحياته ومن أعمار أبنائه؟ ألا يستحق هذا وقفة وطنية كبرى لمراجعة الموقف والخطط والاستراتيجيات والسياسات؟
ذلكم ما نضعه بين يدي النقابات والمنظمات والاتحادات القطاعية المهنية [و ربما الأحزاب] كيما تتصدى للأمر وتضعه في برامجها المطلبية وتدخله في برامج الحكومة وأجهزتها وفي خطط المؤسسات وسياساتها من أجل التحديث والتطور من جهة ومن أجل استرداد حقوق علمائنا وتلبية مطالبهم الإنسانية بعد زمن التعسف والاضطهاد والضيم والظلم.. فهل نحن فاعلون؟؟
إن هذه الكلمة موجهة لكل مؤسسة جامعية عراقية ومركز بحثي علمي عراقي ولكل نقابة ومنظمة عراقية ولكل جهة مسؤولة وعلى رأسها جهات التشريع والجهة التنفيذية (الحكومة) التي ينبغي أن ترسم خططها مما يوضع على طاولتها من مطالب وحاجات واقعية مباشرة..
وهذه الرسالة المفتوحة ليست (كدية أو تسولا) لتطلب بل هي حق تطالب الجميع بتحمل المسؤولية تجاه تلبيته.. وأول الغيث التفاعل هنا علنا وأمام جمهرة علمائنا وأساتذتنا للرد والإجابة أو للاستجابة وتلبية ما يجري تنضيجه معا وسويا من موضوعي الرأي والمطلب...؟؟ فهل من تفاعل؟


70
موقع ألكتروني توثيقي للمنجز الأدبي الفني العراقي

منذ زمن ومحاولات توثيق الكتاب العراقي دائبة مستمرة، بخاصة منه الإبداعي كما في النصوص الروائية والقصصية والمسرحية التي تعتدي عليها الأيام وظروفها الصعبة وتعقيدات الاضطرابات ولجج الصراعات وآلامها.. وقد قدمت وبالتأكيد نهض آخرون أيضا وقدموا مقترحات بشأن مؤسسة للتوثيق ومكتبة عامرة بخزين ثروتنا الإبداعية..
إلا أن حلا مناسبا جديا عمليا لم يظهر على الرغم من مرور عقود على هذه المحاولات ومقترحاتها من مشروعات عملية.. وحتى حينما ظهرت دوائر صغيرة هنا أو هناك وبمحاولات فردية كما حصل مع جهد الراحل المفرجي في مركز التوثيق بدائرة السينما والمسرح ذهب جهده أدراج حرائق معروفة في ثنايا العمليات العسكرية الحربية إبان العام 2003 وما أعقبه!؟
ربما لن يكون صعبا معقدا اليوم، الطلب من أولئك المحتفظين بنسخ من نصوص نادرة من تراثنا الأدبي والمسرحي.. يمكن على سبيل المثال أن تتأسس دائرة صغيرة في وزارة الثقافة الاتحادية تعنى بمتابعة أمر جمع تراثنا وتحويله إلى مادة منشورة على النت حيث الطلبة والباحثين ومن يتطلع لقراءة النص العراقي في مختلف بقاع الأرض وأولهم ملايين العراقيين البعيدين عن الوطن من الذين ما زالوا يبحثون عن صلات بوطنهم وبهويتهم الثقافية الإبداعية...
إن هذا الطلب يستحق أن نفرز له استجابة جدية مسؤولة وميزانية مخصوصة لمجموعة من الموظفين للطباعة ولتحويل النصوص إلى مادة قابلة للنشر على شبكة الإنترنت في موقع يعنى بالنص العراقي.. وهذا ما ورد إلى ذهني بعد أن تكررت طلبات باحثين وقراء ومعنيين بالنص ولم أجد سانحة للعودة إلى مكتبتي التي أتلفتها نوائب المحارق السياسية وغير السياسية في داخل الوطن فضلا عن تواصل الظروف المعقدة الصعبة هناك.. وجاءت إلى الذهن في وقت تمر إلى خاطري مشاهد السلب والنهب والإتلاف والحرق التي طاولت مكتباتنا الوطنية العامة.. كما أستذكر على سبيل المثال كيف أن النسخة الأخيرة من أول نص مسرحي عراقي (لطيف وخوشابا) قد جرى إعدامها وقصتها كما أنباء إعدامات عديد وكثير من النصوص الإبداعية التي وصلت إليها الأيادي الآثمة قبل أن يستطيع قديس في محاريب الثقافة أن ينقذها!
أيها السادة، في وزارة الثقافة، وفي مؤسسات الثقافة المعنية، أقترح مجددا عليكم اليوم ولكن هذه المرة لستم بحاجة لمبنى ضخم ولا لجهود طائلة.. أقترح أن توجدوا في مؤسساتكم معنيين بمتابعة الحصول على مسلسل الكتب العراقية في الأدب والمسرح وفي غيرهما منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى نهاية القرن العشرين كيما يحيلوها إلى نصوص مقروءة على شبكة الإنترنت لتصل إلى من يطلبها سواء بمبالغ وأجور رمزية أم مجانا منذ البداية أم بعد مدة.. إذ يمكن التفكير بصيغ تمويلية لسد العجز الذي تحكي عنه دوائر الثقافة ووزارتها..
لنبدأ من نصوصنا المسرحية وليشارك جميع من يعنيه الأمر بوضع ما لديه اليوم بين يدي هكذا مبادرة.. وبوركت الجهود جميعا بلا استثناء..
يمكن لوزارة الثقافة ببغداد أن تبدأ ويمكن لمؤسسات مثل مؤسسة المدى أن تبدأ ويمكن لمؤسسات إقليم كوردستان أن تبدأ ومثل هؤلاء جميعا يمكن لجهات تمثيل الكتابة باللغات المحلية بعدد أطياف العراقيين ومثلهم لجمعيات الثقافة ومؤسساته في الوطن والمهجر أن يشاركوا سويا في تفعيل الفكرة بوضع المشروع تطبيقيا بيد لجنة مسؤولة تتوزع مهامها بين جمع المواد وتصويرها أو طباعتها مجددا على شكل ملفات لنقلها إلى النت.. ويمكن للمواقع الألكترونية والصحف ومواقعها على شبكة النت أن تفعل ذلك.. الأمر ليس معقدا؟
تعالوا نعيد لمسيرة الإبداع وجودها ونضعها بين يدي من يقرأ ويبحث ويتناول بالدرس والمعالجة ومن يتابع كيما نقدم مبدعينا وإبداعاتهم للعالم وقبل ذلك وبعده لجمهورنا ولنا نحن في الوطن والمهجر.. وبورك في عراق (جديد) أهله هم بُناته لا ينتظرون صدقة مسؤول سطا على كرسي أو مسؤولية وانشغل بخصوصياته على حساب المهام والمسؤوليات التي نأمل لها أن تعلو وتسمو وتصير عالم الفعل والعمل والإنتاج..
من سيعيد إليّ النسخ التي احترقت ويرمم ما تبقى لتكون شاهدا على الجريمة والتحدي من أجل البقاء والخلود لإبداعنا؟ مبادرات لا نريد لها أن تموت بلا تفاعل.. دعوتي لكل من يحتفظ بورقة وسطر أن يصوره ويحيله لملف منشور حتى نجتمع ونوحد الجهد ونفرض الفعل الذي نريد على مؤسساتنا الرسمية..
كما أن الدعوة تثق بوجود عناصر جدية واعية في مؤسساتنا الرسمية وأن خططا للعمل والبناء ستتفاعل وتظهر بجهدها المميز المؤمل.. ولنا عودة ومتابعة.



71
دور المعارضة في ضبط تطبيق الدستور
ما العمل في مطب أزمة تشكيل الحكومة؟


تيسير عبدالجبار الآلوسي
tayseer54@hotmail.com
 
هل انتهى دور المعارضة التي لم تفز بمقاعد البرلمان؟ وهل باتت مهمتها مركونة تنتظر الجولة الانتخابية التالية؟ ما دورها تجاه مجريات الحوار الجاري بشأن تشكيل الحكومة؟ ما موقفها بل ما مهمتها تجاه إهمال مطالب الناخبين وتجاهل حقوقهم من حكومة تصريف الأعمال ومن ساسة الحوار بشأن التشكيل الحكومي الجديد؟
أسئلة قد تبرز من بين ركام الأزمات الجارية التي تراكم الأحمال والأثقال والمشكلات على كاهل ذاك الذي خرج يتحدى ظروفه وآلامه وأوصابه لينتخب مجددا خياره في استمرار العملية السياسية.. وعلى الرغم من كل الأولويات إلا أن هذي الأسئلة تخرج بقوة لتتطلع إلى إجابات.. إذ ما من خيار في أجواء الحديث عن حكومة شراكة وطنية وعن تحالف إنقاذ واسع إلا خيار مشاركة برامجية شاملة للإجابة عن مطالب الواقع ومدخلاته ومخرجاته.
وكيما تتم البرهنة على مصداقية فكرة حكومة الشراكة الوطنية ينبغي التوجه لجميع القوى الوطنية وتداول أفكارها ومعالجاتها في حل الأزمة.. فالعملية السياسية أوسع من أن تقتصر على القوى البرلمانية وسيكون لإشراك تلك القوى التي دخلت الانتخابات وإن كانت لم تفز بمقاعد، تطويرا وتفعيلا وجذبا لقوة دفع وتغيير في المشهد الراكد أمام استغلاق حوارات محددة بأفق مشروطة لقوتين أو أكثر من تلك الفائزة بمقاعد البرلمان..
إن استمرار الأمور بهذا الركود وإن بدت بمشهد حوار أو سجال بين طرفين، يشوش على مسيرة العملية السياسية ويعقدها وأكثر من ذلك يضعها بمواجهة تهديدات ستضر بالاستقرار كثيرا. بينما ولوج القوى الوطنية من خارج المشهد البرلماني سيضفي فرصا جدية لتحريك الأجواء وينبغي هنا القول إن تدخلات القوى الإقليمية والدولية ستضعف مع تعزز أدوار القوى الداخلية في التصدي للمشكلات والدخول على خط الحوار بمقترحات ومعالجات قد تفضي لحلول مناسبة.. بمعنى صعود العمل الداخلي الوطني على حساب العوامل الخارجية وتدخلاتها بأجنداتها المتعارضة مع الأجندة الوطنية الصائبة..
فبدءا وبعد انعقاد جلسة البرلمان صار واجبا على جميع النواب سواء بمستوى عضويتهم في كتلهم أم بمستوى عضوية البرلمان أن ينفتحوا على الحوار والتأثير فيه بدل انتظار  إدارة الأمور مركزيا فوقيا.. فذلكم ما يحصر الأمور في زاوية مستغلقة بين شخصيتين أو طرفين برؤيتيهما الخاصتين ويفردن الأمور.
في حين أن العمل الدستوري يعني وقف السلطة الفردية والعمل الفردي وأسلوبه والتحرك مؤسساتيا.. وإذا كان البرلمان السابق قد أدى اشتغاله بتلك الطريقة المحكومة بمرجعيات الزعامة فإن البرلمان الحالي عليه أن يبرر انتخابه بمبادرات جمعية وحوارات للكتل والأعضاء وحق ممارسة الدور الجمعي المشترك واتخاذ القرارات بطريقة موضوعية مؤسساتية جمعيا وسويا بلا وصاية فردية..
إن كل نائب يربط نفسه وحركته بإرادة زعيم الكتلة يحول الكتلة ويختزلها بفرد كما يختزل البرلمان بحزب محكوم بزعامة، فيما مهمة النائب ووعيه ينبغي أن يرتقيان لتحول نوعي حيث العمل المؤسساتي وآلياته القانونية الدستورية.
إذ هناك فضاء للحوار بين ممثلي الكتل وزعاماتها وأسقف زمنية يعودون في أثنائها وبعدها إلى زملائهم ويستخدمون آليات معروفة عديدة لتجاوز مواضع التوقف.. إن من يكسر مغالق الأمور هو الأسقف القانونية.. وبين اللعب السياسي للحصول على مكاسب وانتزاع مسؤولية لصالح كتلة وبين سلطة القانون ومحدداته بون شاسع لا يملأ إلا بأزمات تأتي على حساب المواطن..
وكيما نخرج من نفق الأزمات المضافة علينا أن نحتكم للدستور والقانون واللوائح وإذا كان من ثغرة أو نقص فإن وضعنا العراقي ما زال يستحق المراجعة بطريقة الانفتاح على القوى الوطنية كافة بغض النظر عن الأحجام البرلمانية ودخولها فيه من عدمه.. بمعنى العودة للتوافقات السياسية لتجاوز الاختناقات..
ويمكن للقوى الوطنية أن تنظر إلى تجاريب أخرى وأن تستجلب القراءات القانونية المناسبة التي تفضي إلى معالجة ما يعرقل تسيير الأمور إذ ليس القانون إلا وسيلة لتأدية المهام بطريقة تبني وتخدم الناس بمعنى أن القانون ليس وسيلة لخدمة نوازع صراعات الوجود الفوقي؛ وتوكيدا فالقانون يضبط حركة هذا الوجود ويوجهه لتأدية مهامه في خدمة المجتمع ومن هنا فإن البحث في الثغرات القانونية التي تعقد الأمور هو أول الطريق لسدها بمعالجات مناسبة وهذا هو  ما يملك الأولوية وليست الأولوية لتأويل القانون وليّ الأذرع لصالح مكسب كتلة أو أخرى..
وبعامة وفي الظرف القائم عراقيا وتحريكا للأجواء ومنعا لتعثر العملية السياسية ومن أجل استقرار الأوضاع وجب القيام بالآتي:
1. تفعيل أدوار البرلمانيين وتحويل صلاحياتهم إلى أداء مؤسساتي عمليا.
2. الانفتاح على القوى الوطنية من خارج عضوية البرلمان والاستماع لحلولها بهذا الخصوص.. ومثل هذا الدور يبقى من واجب تلك القوى أمام جمهورها وإلا حكمت على وجودها بالموت النهائي أمام سكوتها على مجريات الأوضاع سواء من ذلك الموقف من الصراعات في الهرم السياسي أم من أزمات المواطن في غياب حكومة أعمال مقتدرة..
3. البحث في مخارج توافقية مشتركة تساهم فيها جميع القوى والكتل البرلمانية وغير البرلمانية والعودة لدور المؤتمر الوطني الطارئ للتصدي لاختناقات أزموية خطيرة..
4. الاستفادة من الخبرات القانونية الدولية بشأن الحل بإشراف متخصصين والمحكمة الدستورية مع منحهم الصلاحيات الوافية والاستقلالية في  تبني المعالجات المناسبة للمشكلة (تحديدا هنا معضلة تشكيل الحكومة).
5. التفكير بأمرين مباشرين بشكل عاجل يكمنان في تبني برنامج عمل يتناول الحاجات المباشرة العاجلة لتسيير الحياة بطريقة تستجيب لمطالب الناس والتوجه لدراسة مرشحين تكنوقراط للوزارات المعنية بمثل هذا الخيار..
6. العودة إلى مبدأ استشارة الشخصيات الوطنية الخبيرة والمتخصصة وربما تأليف لجنة خبراء بالعودة للمؤتمر الوطني الطارئ المقترح..
7. النظر بإيجابية تجاه الأسقف الزمنية ومنع أي احتمال لتجاوزها بالتقدم بحلول وبدائل مقبولة قبيل مواعيد تلك الأسقف النهائية..
 
إنها مجرد إشارات ولكنها تنبئ بما يختفي تحتها من غليان شعبي ربما يكون تفجره أبعد من انتفاضة الكهرباء.. إذ ما عاد في جعبة المواطن المغلوب على أمره ما يقدمه على مذبح مصالح المتنفذين وصراعاتهم...
 
 

72
تقرير عن احتفالية اليوبيل الماسي لصديق الكورد البروفيسور كاظم حبيب

وزارة الثقافة والشباب في إقليم كوردستان قلدته الميدالية الذهبية تكريما لجهوده

 

 

احتفلت وزارة الثقافة والشباب في إقليم كوردستان، في السادس عشر من حزيران يونيو الجاري بتكريم المفكر العراقيي الأممي  الأكاديمي وصديق الشعب الكوردي، البروفيسور الدكتور كاظم حبيب بمنحه الميدالية الذهبية،  تكريما لدوره الكبير الداعم للقضية الكوردية منذ ستينات القرن االماضي و لنضاله الدؤوب في حركة التحرر الوطني للشعب العراقي، من خلال نشاطاته الفكرية، ومقالاته، وكتبه، وبحوثه المتعلقة بهذا الصدد، وعبر صلابة الإرادة والتحدي النضالي من خلف قضبان الحديد في سجون النظامين الملكي والدكتاتوري.

وقد تمَّ تكريم  البروفيسور كاظم أيضا لكونه پيشمرگه الأنصار، پيشمرگه الفكر اليساري في سبعينات وثمانينات القرن العشرين،  إذ حمل السلاح مع رفاقه في جبال كوردستان وساهم في قيادة الأنشطة الكفاحية في وسط العراق وجنوبه في جهد وطني مميز لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية المتعاقبة...

كُرم الدكتور كاظم حبيب لمواقفه الكبيرة والكثيرة المدافعة عن حقوق شعب كوردستان ولجهوده الفاعلة في العمل على إزالة المآسي التي تعرض لها، ذاكرين هنا  من تلك الجهود كتبه وبحوثه المتعلقة بالدفاع عن حقوق ضحايا الأنفال، وضحايا حلبچة وغيرها من مدن العراق و كوردستان..

ولجملة هذه الأسباب وأخريات غيرها تفاعل عدد من المثقفين والأدباء مع مؤسسات حكومة إقليم كوردستان و وزارة الثقافة والشباب في الإقليم، في إطار مشروعات الثقافة؛ ومن خلال التمازج بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني وبين مثقفي الوطن والمهجر، لتثمر حال هذه التمازج والتفاعل بين  وزارة الثقافة والشباب ولجنة تكريم الأدباء والمثقفين العراقيين، وتؤدي إلى إقامة احتفالية تكريم الدكتور كاظم حبيب متضمنة مؤتمرا ثقافيا وأنشطة مهرجان متنوع يرتقي لمستوى الحدث والمناسبة.

فمنذ أكثر من أربعة أشهر، عملت مؤسسات الوزارة من خلال لجنة عليا شكلت من قبل معالي السيد وزير الثقافة والشباب الدكتور كاوا محمود شاكر وبرئاسة الدكتور شمال حويزي المدير العام  لشؤون الثقافة والشباب في أربيل، وعضوية كل من الأستاذ آزاد دارتاش مدير العلاقات  العامة في وزارة الثقافة والشباب في إقليم كوردستان، والأستاذ نوزاد بولص حكيم مدير العلاقات العربية، والآنسة آفان عمر مسؤولة شؤون الحسابات، والسيد فريد أحمد العضو عن الشؤون الإدارية، والسيد أمين العضو في الشؤون الإدارية.

لقد عملت هذه اللجنة جهدها للنهوض بالمهمة، موظِّفة الصلاحيات التي منحت إياها  لتجاوز الروتين والعراقيل كافة.. الأمر الذي ساعد على إنجاح أعمال المؤتمر الثقافي وأنشطة المهرجان ومفردات احتفاليته. ومما دعم هذه النتائج الإيجابية تلك الجهود الكبيرة غير الحكومية التي بذلتها لجنة تكريم الأدباء والأكاديميين والمثقفين التي تشكلت من (البروفيسور تيسير الآلوسي، و الكاتب والإعلامي الأستاذ دانا جلال، والكاتب الأستاذ أحمد رجب، والمهندس الاستشاري نهاد القاضي) فضلا عن عشرات مؤازريها من مبدعينا ومثقفينا وأكاديميينا في داخل العراق وخارجه..

 

تفاصيل من أجواء الاحتفالية وفعالياتها:

 

بعد إقرار مقترح لجنة تكريم الأكاديميين والمثقفين تمَّ  تشكيل اللجنة العليا للاحتفالية وجرت الجهود بالتنسيق بين اللجنتين، حيث باشرت الوزارة أولا بتوجيه الدعوات إلى المسؤولين والمثقفين والشخصيات العربية والكوردية، وقد حلت الوفود في أرض كوردستان الطيبة، أرض الأخوة العربية الكوردية منذ الثالث عشر من حزيران بوصول الضيوف من خارج الوطن وقد كان من ضمن المدعوين السادة والسيدات: من لبنان الشخصية الأممية  المعروفة  المفكر اليساري الأستاذ كريم مروة وعقيلته السيدة نجوى دزي...  وسماحة العلامة الأستاذ هاني فحص الشخصية الدينية المتفتحة والمؤمنة بضرورة التغيير... ومن عراقيي المهجر الأوروبي: البروفيسور تيسير الآلوسي والمهندس الاستشاري نهاد القاضي  والشاعرة الوطنية المهاجرة قسرا والناشطة في حقوق الإنسان السيدة بلقيس حميد والفنانة التشكيلية والناشطة السياسية السيدة عفيفة العيبي والكاتب الأستاذ دانا جلال والكاتب الأستاذ أحمد رجب و الكاتب الكوردي الناشط السياسي الأستاذ عوني الداوودي.

أما من داخل الوطن فقد حضر ضيوف الاحتفالية من عدد من المحافظات، نذكر منهم الأديب والناقد الأستاذ فاضل ثامر رئيس اتحاد الأدباء، والكاتب الصحفي الدكتور فائق بطي والدكتور جمال العتابي مدير دائرة الثقافة الكوردية والكاتب الصحفي الأستاذ زهير الجزائري والباحث الأكاديمي الدكتور عقيل الناصري والدكتور معتز عناد غزوان عن جمعية الثقافة كما كان من ضمن المدعوين أيضا الكاتب والمؤرخ الكوردي البروفيسور الدكتور كمال مظهر والأستاذ جوهر نامق، رئيس البرلمان في إقليم كوردستان الأسبق ومحافظ أربيل الأستاذ هادي    وقائمقام حلبجة المحامي كوران أدهم كاكائي والأستاذ كاروان عقراوي مدير عام فضائية كوردستان والدكتورة نرمين من المعهد الكوردي في ألمانيا والأستاذ عيدو بابا شيخ من الأخوة الأيزيدية والأستاذ جمال شعبان  والأستاذ سلمان سعيد ساده رئيس جمعية الثقافة المندائية والأستاذ خيري بۆزاني المدير العام للشؤون الأيزيدية.. إلى جانب حضور كبير آخر من الأكاديميين والمعنيين بشؤون الثقافة والإبداع الأدبي والفكري..      

 

*************

في يوم 15-06-2010 توجهت نخبة من المثقفين والأدباء المدعوين إلى المهرجان لزيارة معالي وزير الثقافة والشباب الدكتور كاوا محمود شاكر في مقر الوزارة. وقد حضر اللقاء كل من الكاتب اللبناني الكبير كريم مروه وحرمه السيدة نجوى دزي، وسماحة العلامة السيد هاني فحص، والمهندس الاستشاري نهاد القاضي، والسيدة الشاعرة بلقيس حميد، وكان في استقبالهم الدكتور شمال حويزي رئيس اللجنة العليا للمهرجان المدير العام للثقافة الكوردية في أربيل, والأستاذ آزاد دارتاش مدير العلاقات العامة في ديوان الوزارة، والسيد نوزاد بولص حكيم مسؤول العلاقات العربية، وبعد الترحيب من قبلهم توجه الحضور إلى غرفة معالي الوزير الذي استقبلهم بحفاوة وترحيب كبيرين. وفي جلسة لمدة ناهزت الساعة تناول الجميع فيها موضوعات مختلفة بشأن القضية الكوردية ودور الحكومة الفيدرالية والإقليم في دعم الثقافة ورعايتها. بعدها دعا السيد الوزير المدعوين لوجبة غداء عمل أقيمت على شرف المدعوين واستمرت الجلسة لساعة أخرى من المناقشات والحوارات الفاعلة مع التمتع ببعض الكلمات الودية بشأن الأكلات التقليدية الكوردية. وقد اثنى المدعوون على جهد الدكتور كاوا محمود ووزارته وعلى الاستقبال والترحيب الطيبين.

 

اليوم الاول للمهرجان

 

في اليوم الأول لأنشطة الاحتفالية بدأ أعمال المؤتمر الثقافي الرسمي وذلك يوم 16-06-2010 وقد حضر جلسة الافتتاح جمهور كبير وشخصيات كثيرة، فمن القيادة الكوردية وزير الثقافة والشباب الدكتور كاوا محمود، والسيد محافظ أربيل، والأستاذ عدنان المفتي رئيس البرلمان الكوردستاني السابق، والأستاذ ناصح غفور، والأستاذ محمد قادر من الحزب الديمقراطي الكوردستاني، والسيد كريم أحمد(عضوالمكتب السياسي في الحزب الشيوعي العراقي سابقا) وعقيلته، والأستاذ فرهاد عوني رئيس جمعية الصحافة الكوردستانية، والأستاذ كاروان عقراوي مدير فضائية كوردستان تڤ..

 بدأ الافتتاح بالنشيد الوطني الاتحادي وبالنشيد الوطني لأقليم كوردستان والوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الحركة الوطنية التحررية الكوردية، تلتها كلمات المسؤولين من ضمنهم  كلمة محافظ أربيل الأستاذ نوزاد هادي، الذي رحب بالضيوف وتمنى لهم طيب الإقامة في عاصمة الإقليم أربيل العظيمة، ثم كلمة اللجنة العليا للمهرجان في وزارة الثقافة والشباب وألقاها رئيس اللجنة الدكتور شمال حويزي، الذي أوضح في كلمته أسباب هذا التكريم وأسهب في وصف الشخصية المكرمة بشخص الدكتور كاظم حبيب لمواقفه الجليلة من القضية الكوردية، وتطرق إلى دور لجنة تكريم الأكاديميين والمثقفين والتنسيق معهما، ثم ألقى كلمة رئاسة حكومة أقليم كوردستان معالي وزير الثقافة والشباب في إقليم كوردستان والناطق الرسمي باسم رئاسة الوزراء في إقليم كوردستان الدكتور كاوا محمود، حيث تطرق إلى دور رئاسة الوزراء والحكومة ومواقفها الإيجابية البناءة في تشجيع ومساندة مثل هذه الاحتفاليات، وتطرق أيضا إلى  مواقف الدكتور كاظم حبيب الوطنية المناصرة للقضية الكوردية. بعدها جاءت كلمة لجنة المبادرة لتكريم الأكاديميين والمثقفين، ألقاها الكاتب الپيشمركه الشخصية الكوردية الوطنية الأستاذ أحمد رجب نيابة عن أعضاء اللجنة، وقد تطرق في كلمته إلى أهمية هذا التكريم وهذه الشخصية المكرمة المعروفة بأمميتها وإنسانيتها وتطرقت كلمة اللجنة أيضا إلى دور وزارة الثقافة والشباب في إقليم كوردستان في إنجاز هذا التكريم وقدم شكر اللجنة وأعضائها وشكر الأدباء والمثقفين فيها لجهود الوزارة ومؤسساتها، وخاصة السيد الوزير الدكتور كاوا محمود وأعضاء اللجنة العليا للمهرجان الدكتور شمال حويزي رئيس اللجنة والأستاذ آزاد دارتاش والأستاذ نوزاد بولص حكيم مدير العلاقات العربية، والآنسة آفان عمر، والسيد فريد أحمد، والسيد أمين وكل من ساهم بإحياء هذا المهرجان، كما أكدت كلمة لجنة التكريم ضرورة ديمومة هذا النوع من الاحتفاليات والمؤتمرات الثقافية وهذا العمل الجماعي التعاضدي بين الوزارة ومنظمات المجتمع المدني تحديدا هنا لجنة تكريم الأدباء والأكاديميين والمثقفين الموجودة في المهجر...

تلت فقرة الكلمات الرسمية، قصيدة عن مأساة شعب كوردستان التي أبدعت الشاعرة بلقيس حميد في إلقائها.. فجعلت من قوافيها  ضمادة على جروح المؤنفلين في كوردستان العراق، بل سلطت كلمات قصيدتها لتكون الأنوار الكاشفة لحقوق الإنسان المهضومة في زمن عذابات الأنفلة وجرائمها. لقد أجادت الشاعرة بلقيس بقصيدتها النابعة من عمق آلام الأمهات والأرامل وشباب وشيوخ كوردستان وصفق الحضور كثيرا للشاعرة التي هزت مشاعر الحضور.

ومن الكلمات الرسمية والقصائد انتقلت احتفالية الافتتاح إلى عمق الشعب الكوردي، إلى الفلكلور الكوردي والرقصات والدبكات التي قدمت من قبل فرقة الفنون الشعبية الكوردية، حيث قدمت لوحتين مع موسيقا تراثية أطربت الجمهور ومنحته فرصة معانقة ثقافية جليلة فصفقوا طويلا لهذا الإبداع ولهذا التراث الثرّ الغني..

 

بعد ذلك جاءت فقرات تكريمية قدم فيها السيد قائمقام حلبجة المحامي الأستاذ كوران كاكائي هديتين  تكريميتين واحدة إلى الدكتور كاظم حبيب لكتاباته المهمة عن قضية حلبجة ومعاناتها والقضية الكوردية

وقدم الهدية الثانية إلى الشاعرة السيدة بلقيس حميد حسن لكتابتها الشعرية المميزة التي اختيرت من بين 250 شاعرا عالميا  لتنشر في كتاب منظمة العفو الدولي تحديدا قصيدتها عن الأنفال وحلبجة وهي  قصيدة عالمية عميقة المعاني لها دورها في إيصال مأساة حلبجة إلى دول العالم. بعدها تفضل السيد كوران كاكائي قائمقام حلبجة بكلمة موجزة موجهة إلى الحضور عبر بها عن شكره الكبير وامتنانه للوزارة والحضور على هذا النوع من التكريم للصادقين والعاملين على إيصال صوت ضحايا الدكتاتورية الى أروقة وفضاءات العالم الأوسع وللمعلومة فإن السيد كوران كاكائي هو محامي ضحايا حلبجة في جلسات محاكمة الطاغية صدام حسين في قضية الأنفال.

اتسمت احتفالية الافتتاح بتغطية إعلامية كاملة لفعاليات المهرجان ونقل مباشر على فضائية كوردستان تڤ وهي مبادرة رائعة نفذتها القناة وعلى رأسها الأستاذ كاروان عقراوي والتفاتة جليلة تدل على نضج التعامل مع أنشطة الثقافة ورقيه والاهتمام بالأعمال الثقافية ومتابعتها بكل حرص وقد وجهت لجنة التكريم شكرها الجزيل لهذه المبادرة وكذلك قدمت الوزارة شكرها وامتنانها لهذه التغطية الإعلامية..

 

****************

 

وفي الجلسة المسائية لليوم الأول للمهرجان

 

بدأت الجلسة في الساعة الرابعة عصرا، حيث حضرها جمهور الثقافة والأدب بحثا عن حوارات ومعالجات ثقافية جديدة بخاصة عن الشخصية المكرمة الدكتور كاظم حبيب، وبحثا عما هو مخفي في دفاتر و أوراق وذكريات أصدقائه.

وقد بدأت الأمسية بسمينار البروفيسور الدكتور تيسير الآلوسي.. وقد أدار ندوته وقدمه الكاتب الأستاذ دانا جلال، أبدع البروفيسور الآلوسي في ندوته التي قدمها بصورة أكاديمية عالية التقنية والثقافة  للجمهور متطرقا فيها عن حياة الدكتور كاظم حبيب وموازينه المرئية وغير المرئية. لقد أثنى البروفيسور تيسير الآلوسي على شخصية صديقه العزيز كاظم حبيب مسجلا مواقفه الوطنية والاجتماعية والفكرية التجديدية المهمة، ولم يقف سمينار  الآلوسي عند آيات المديح المستحقة لسجل حافل عرض أبرز محطاته ومحاوره بل قدم بعض ما أحاط المعالجات الفكرية المجدِّدة من آراء وملاحظات مما تطلب التوضيح والحوار، وتطرق البروفيسور السومري إلى قضايا ومحاور كثيرة من تلك التي تناولها المفكر البروفيسور حبيب مثل الإسلام المسيس وسلبيات طروحاته وإدارته الحكومية وتعارضه مع قيم التحرر الاجتماعي وانعكاسات ذلك على حقوق المرأة المضطهدة اليوم بخاصة مناطق في وسط العراق وجنوبه.

بعدها فتح مدير الجلسة الأستاذ دانا جلال باب المناقشة والمساءلة والمداخلات، فكانت هناك نخبة من المتداخلين أمثال الأستاذ فاضل ثامر، وعيدو بابا شيخ، والدكتورة نرمين من المعهد الكوردي في ألمانيا.

 

ثم تلت محاضرة البروفيسور تيسير الآلوسي، محاضرة البروفيسور الدكتور كمال مظهر، الذي  قدمه للحضور أيضا الأستاذ الكاتب دانا جلال، وقد تطرق البروفيسور كمال مظهر في مداخلته إلى علاقته الشخصية القديمة مع الدكتور كاظم حبيب التي تعود إلى عقود القرن الماضي ومواقف الدكتور كاظم حبيب الجريئة والوطنية آنذاك حينما كان طالبا، كما   تطرق أيضا الى بحوث وكتابات الدكتور كاظم حبيب وأشار البروفيسور كمال إلى  موقف حكومة الإقليم وخاصة وزارة الثقافة واستعداها الجاد لتكريم هذه الشخصيات التي أضاعت زهرة شبابها بحثا عن حرية شعب، واقترح البروفيسور كمال مظهر على الوزارة أن يكون التكريم الثاني من حصة صديق آخر للشعب الكوردي وهي الشخصية القانونية والسياسية القاضي زهير كاظم عبود.  بعدها فتح الأستاذ دانا جلال باب المداخلات التي أغنت المحاضرة ومن المتداخلين كان الأستاذ فاضل ثامر وتيسير الآلوسي وآخرون.

 

في الجزء الثاني من الأمسية انتقلت إدارة الجلسات إلى المهندس الاستشاري نهاد القاضي، حيث جاءت كلمات الأستاذ عيدو بابا شيخ الشخصية الأيزيدية المعروفة وقد  ألقى في كلمته الضوء على سمات أخرى لشخصية المكرّم البروفيسور كاظم حبيب، حيث مواقفه الكبيرة الساندة للأيزيديين والمناهضة للإرهاب المتعمد الذي طاولهم، وترجم الاستاذ عيدو بابا شيخ نضال البروفيسور كاظم حبيب الى الحضور الكريم وانسانيته العالية وأيضا فتح باب المداخلات والأسئلة وكان من ضمن المتداخلين البروفيسور كمال مظهر والأستاذ فاضل ثامر، والأخت الدكتورة نرمين وغيرهم.

واصل السيد نهاد القاضي إدارة الجلسة للضيف الثاني وهو السياسي المثقف وحامل الفكر اليساري والهمّ الوطني الكاتب الأستاذ زهير الجزائري، وبعد أن قدمه للجمهور، بدأ الأستاذ زهير بسرد وقائع جميلة ومعاناة كبيرة كان قد عاشها مع البروفيسور كاظم في أثناء نضالهم في حركة الانصار في كوردستان العراق. لقد كان أسلوب الاستاذ الجزائري في سرد هذه الاحداث أسلوباً روائياً رائعاً قريباً من قلوب الحضور.. فقد تحدث بأسلوب غني بثقافته عن مآسي تلك الفترة وعن فوارقها وخطورتها، وأكد الجزائري على طرق متابعة البروفيسور كاظم حبيب للكوادر العاملة معه في حينها ومتابعته المستمرة للصغيرة والكبيرة. بعد ذلك فتح الاستاذ  القاضي أبواب المداخلات والنقاشات، وقد شارك الكثير في هذه المداخلات مؤكدين فيها على روعة تقديم الجزائري للوقائع، وكان من ضمنهم البروفيسور كاظم حبيب نفسه والذي أضاف بعض المواقف الطريفة التي عاشت معهم في تلك الفترة.

بعد ذلك قدم الدكتور شمال حويزي شيئا من ذكرياته مع البروفيسور وأيام النضال السلبي، وأشار الى مواقف يومية عاشها معه الى هذا اليوم، والتي أسعدته الآن في أن يكون رئيس لجنة رعاية هذا المهرجان والاحتفال بالدكتور كاظم حبيب لما للدكتور كاظم حبيب من منزلة كبيرة لديه..

وبهذه الكلمات للدكتور شمال حويزي تمَّ إنهاء أنشطة اليوم الأول للمهرجان ...

 

**************

 

في مساء اليوم ذاته، ساهمت لجنة المبادرة لتكريم الأكاديميين والأدباء والمثقفين في الاستجابة لعقد اجتماع للمدعوين في قاعة فندق جبار پالاس وجاء الاجتماع بدعوة من الأمانة العامة للتجمع العربي لنصرة القضية الكوردية، لغرض تعريف المدعوين بأهداف الأمانة ومشاريعها وآمالها وبهدف الاستفادة من أراء الحضور ومداخلاتهم،  وقد افتتح السيد نهاد القاضي عن لجنة المبادرة الاجتماع  بالترحيب بالحضور وتقديم السيد أمين عام التجمع الدكتور كاظم حبيب لغرض تقديم تعريف واضح بالامانة العامة ومهامها وأنشطتها وتطلعاتها، وقدم أيضا المعوقات والمشاكل التي يعاني منها أعضاء الامانة، وبعدها قدم البروفيسور تيسير الآلوسي عضو الامانة العامة مواضيع أخرى عن دور الامانة وجهود أعضائها ومعاناتهم مشيرا لأبرز ما يتطلعون لتحقيقه من عقد الصلات ميدانيا بين الأعضاء وجمهورهم الواسع والتوجه لعقد المؤتمر الاذي أشار إليه الأمين العام، تلته الاستاذة عفيفة العيبي عضوة الامانة مؤكدة تاييدها لمواقف الامانة، كذلك قدم الدكتور عقيل الناصري نبذة مختصرة عن بعض المواقف المتعلقة بالامانة، ثم فتح باب المناقشة والمداخلات.

وقد سجلت الامانة العامة ما ورد في تلك المداخلات التي أضافت للأجتماع لحمة التآخي الكوردي العربي وتقديم مقترحات تفعيلية ملموسة.. ومن السادة والسيدات المتداخلين الدكتور جمال العتابي، والشاعرة بلقيس حميد حسن، والكاتب الاستاذ دانا جلال، والمحامي الاستاذ كوران كاكائي قائمقام حلبجة والذي قدم دعوة خاصة للحضور جميعا الى حلبجة في اليوم الثالث للمهرجان وللاسف ولضيق الوقت ولارتباطات الوفد بلقاءات أخرى تأجلت الدعوة لوقت آخر.

أنهى الاجتماع  الدكتور كاظم حبيب الامين العام بكلمة شكر للجميع على امل التواصل والعمل لتطوير الجهد وتفعيله حيث تمنى المزيد من التفاعل بين من تخصه القضية الكردية وبين من يتضامن مع الشعب الكردي.

 

*****************

 

اليوم الثاني للمهرجان

 

في الساعة العاشرة صباحا بدأت مراسيم احتفالية تكريم البروفيسور كاظم حبيب بكلمة الشخصية اللبنانية السياسية المعروفة بوطنيتها الاستاذ المفكر كريم مروه، الصديق القريب فكرا ونضالا من الدكتور كاظم حبيب، والذي واكبه وعايشه خلال سنوات طويلة. قام بتقديم الاستاذ كريم مروة الاستاذ الاعلامي كفاح محمود كريم وكانت كلمة الاستاذ كريم مليئة بالفكر والثقافة داعمة الى الفكر اليساري الجديد الذي يراه الاستاذ كريم مروه طريقاً طويلاً وشائكاً لنصرة الشعوب المضطهدة. لقد أوضح الاستاذ مروة الكثير من جوانب علاقاته مع الدكتور كاظم حبيب والاستاذ فخري كريم وغيرهم من الساسة الوطنيين في العراق وأثنى على موقف وزارة الثقافة والشباب على هذا الموقف الجليل الداعي الى التلاحم الكوردي العربي، الهادف الى تحطيم أطواق الفتنة الداعية الى خندقة الكراهية في قلوب العراقيين. بعدها فتح الاستاذ كفاح باب المداخلات والاسئلة حيث شارك جمع كبير في هذه المداخلات من المثقفين والادباء والحاضرين ومن ضمنهم الدكتور عقيل الناصري، والاستاذ الكاتب دانا جلال، والاستاذ الكاتب عوني الداوودي

تلتها كلمة سماحة العلامة هاني فحص الشخصية اللبنانية الدينية المتفتحة والمخالفة رأيا وفكرا للتشدد الديني، وكانت كلمته مليئة بالبلاغة والحكمة والوصف الجرئ لمواقف قيادات اليسار ونضالهم الدؤوب ضد الدكتاتورية والشوفينية وأسهب في وصف المثقف العراقي الكبير فخري كريم وأطرى بمواقفه الجليلة وراح  سماحته بتتويج نشاطات ومقالات وبحوث الحبيب كاظم حبيب بالرقي والسمو الانساني وبعدها فتح باب المداخلات والاسئلة ومن ضمن المتداخلين الدكتور عقيل الناصري، والبروفيسور تيسير الالوسي, والدكتور كمال مظهر، والاستاذ فاضل ثامر وغيرهم.


تلت ذلك كلمة الاستاذ جوهر نامق، الشخصية الكوردية المعروفة والرئيس السابق للبرلمان الكوردستاني، وقد تطرق فيها الى علاقته الحميمة مع الدكتور كاظم حبيب وعن سني النضال في مرحلة الدراسة في الجامعة المستنصرية حيث تعرف على  الدكتور كاظم حبيب الذي كان أستاذاً فيها، وكيف كانت الانشطة السياسية تدار في حينها.  ثم تطرق الى بحوث وكتب ومقالات الدكتور كاظم حبيب ودورها في أسناد القضية الكوردية والعراقية ودور اليسار العراقي في الحركة الوطنية العراقية.

وتلت ذلك كلمة الدكتور جمال العتابي مدير عام الثقافة في وزارة الثقافة في الحكومة الاتحادية وبدأ بوصف كلمة سماحة العلامة هاني فحص ومافيها من بلاغة وشعر وتطرق بعدها الى أعمال الدكتور كاظم حبيب ومواقفه الانسانية والوطنية ودوره في إسناد القضية الكوردية وصراعاتها مع الحكومات المتتالية. بعدها فتح مجال المداخلات والاسئلة.

ثم تلا ذلك كلمة الاستاذ الكاتب عوني الداوودي، وكانت الكلمة  متزامنة مع الحالة التي يعيشها البلد في هذا الوقت، ومشكلة انتخاب رئيس للحكومة العراقية، وأشار إلى أنه لو خُير ليختار رئيسا للحكومة العراقية لاختار الدكتور كاظم حبيب، لأنه ابن العراق وحامل ألمه، ولأنه العربي، الكوردي، التركماني، الاثوري،الكلداني، الايزيدي، المندائي، لأنه الشيعي، والسني، لأنه الوطني اليساري، لأنه الانسان الذي يحمل الانسانية في قلبه ويسكن الوطن فيه ويعشق الارض وله من العطاء ما يؤهله أن يعلو في السماء ومثل هكذا شخصية هي صمام الامان للحكومة العراقية. ثم تطرق الى مواقف الدكتور كاظم بأسلوبه الخاص وبطريقته الرائعة التي صفق لها الحضور كثيرا، ثم أجاب الاستاذ عوني الداوودي على أسئلة ومداخلات الجميع.

 

بعدها قدمت عريفة الحفل نبذة مختصرة عن حياة البروفيسور كاظم حبيب نشاطاته وسيرته الذاتية والنضالية.

 

ثم جرت مراسم تقليد بورفيسور حبيب الميدالية الذهبية.. وقد قلد السيد وزير الثقافة والشباب في إقليم كوردستان الميدالية الذهبية للوزارة الى البروفيسور كاظم حبيب وتعالى تصفيق الحضور وفرحتهم حيث أن هذا التكريم ليس لشخص الدكتور كاظم حبيب فحسب، بل للإنسانية ولأصدقاء الكورد في النضال من أجل الحرية وللمثقفين والثقافة. إنها ميدالية الجميع حينما تقلد في عنق من ناضل من أجل الثقافة والتلاقح الثقافي والنضال الوطني حينما تعلق في عنق من مجد الإنسان والانسانية والاباء ورمز الاخاء. أنها ميدالية التلاحم الكوردي العربي، التلاحم الانساني التوافقي والتأزر السياسي. ولم تكن الميدالية وحدها هدية الوزارة بل قامت الوزارة أيضا بطبع كتاب " لمحات من نضال حركة النضال الوطني للشعب الكوردي في كوردستان العراق " وبجزئين وهو الطبعة الثانية وكل جزء يحتوي على 500 صفحة يتطرق فيها الدكتور الى القضية الكوردية من كل جوانبها، وقد تم توزيع الكتاب بجزئيه على الحضور بعد ان وضع الدكتور كاظم حبيب توقيعه على الكتاب.  

وبعد ذلك قدم الدكتور كاظم حبيب كلمة خاصة بهذا المهرجان شكر فيها الشعب الكوردي ووزارة الثقافة والشباب  ومعالي وزيرها الدكتور كاوا محمود ومؤسساتها الوزارية واعضاء لجنة رعاية المهرجان وخاصة الدكتور شمال حويزي والاستاذ آزاد دارتاش وكل العاملين على إنجاح هذا المهرجان، كما قدم الدكتور كاظم حبيب شكره الى لجنة تكريم الادباء والمثقفين ( لجنة المبادرة ) لما لها من دور كبير في تحريك هذه الفكرة ونشاطها الدؤوب في إسناد المهرجان وتكريم المثقف، وقد عبر الدكتور عن سعادته بهذا التكريم ليس لكون التكريم لشخصه بل لأنه تكريم للثقافة والمثقف، تكريم للنضال والوطنية، وفي نهاية كلمته عبر الدكتور عن شكره لكل الاخوات والاخوة المشاركين في كلمات او سيمنارات أو حضور في هذا الحفل وعلق على بعض النقاط التي وجهت له في سيمناراتهم وكلماتهم، كما عبر عن وجهة نظره فيها فقط من باب توضيح المواقف.  


تلا ذلك توزيع دروع الوزارة على مجموعة من المثقفين والادباء لدورهم الكبير في مجال الثقافة ومنهم البروفيسور كمال مظهر، الاستاذ جوهر نامق، الاستاذ الكاتب فائق بطي، الدكتور جمال العتابي، الاستاذ فاضل ثامر، الاستاذة الشاعرة بلقيس حميد، الاستاذة الفنانة التشكيلية عفيفة العيبي، البروفيسور تيسير الالوسي، الاستاذ الكتاب أحمد رجب، الاستاذ الكاتب دانا جلال، الاستاذ الكاتب عوني الداوودي، والمهندس الاستشاري الكاتب نهاد القاضي

وبعد هذا التكريم أهدت لجنة تكريم الادباء والمثقفين وهي لجنة مؤلفة من مجموعة كبيرة من المثقفين والادباء في داخل العراق وخارجه اجتمعوا على تبني مشروع لجنة مبادرة تكريم الدكتور كاظم حبيب فأهدت اللجنة معالي السيد وزيرالثقافة والشباب لأقليم كوردستان الدكتور كاوا محمود درع اللجنة وقدمها له الاستاذ المهندس الاستشاري نهاد القاضي وقدم البروفيسور تيسير الآلوسي درع اللجنة الى السيد الدكتور شمال حويزي رئيس اللجنة العليا للمهرجان مع كلمة موجزة أكد فيها تعانق أبناء الوطن في الداخل والمهجر ووحدة مسيرتهم عربا كوردا مثنيا على عمق الوعي ورقيه لشعب كوردستان وتفاعل مكين للمسؤولين الرسميين مع مسار الثقافة ومنجزها وقدم السيد دانا جلال درع اللجنة الى الاستاذ آزاد داتاش عضو لجنة رعاية المهرجان وقدم الاستاذ الكاتب أحمد رجب درع اللجنة الى الدكتور كاظم حبيب وهو تكريم الثقافة والمثقفين له وتمنت هذه اللجنة أن تستمر الوزارة بهذا العمل المهم في تكريم الثقافة والمثقف وبالتكاتف مع المثقفين والأدباء أنفسهم

وانتهى المهرجان بكلمة الختام التي ألقيت من قبل الدكتور شمال حويزي رئيس اللجنة العليا للمهرجان شكر فيها كل العاملين على إنجاح الاحتفالية ومؤتمرها الثقافي وأنشطتها  وشكر الحضور على مثابرتهم واحتفائهم بضيوف كوردستان...

 

 

 يوم 18-06-2010

 

رغبت وزارة الثقافة والشباب في اطلاع المدعوين على المناطق السياحية في كوردستان العراق والتقدم الحاصل فيها، وقد خصص لهم يوم لجولة في ربوع وطنهم إقليم كوردستان، حيث توجهت مجموعة منهم الى قضاء عقرة، وأول من التقوا به هناك هو النصب الشامخ لابن عقرة البار المناضل والمثقف الراحل ناجي عقراوي، وكان في استقبال الوفد عند مدخل المدينة الاستاذ المهندس كامران قاسم رئيس بلدية عقرة، وكذلك الاستاذ ماجد أحمد مدير المركز الثقافي في عقرة، والاستاذ أحمد محمد شريف مدير الثقافة والفن في عقرة، والاستاذ عبد الرحمن شعبان المربي الفاضل والشخصية السياسية المعروفة.

توجه الوفد بعد ذلك الى المركز الثقافي في عقرة حيث موقعه العظيم الواقع في أعلى جبال عقرة. في ذلك المركز يستطيع المرء رؤية مدينة عقرة ومعالمها بوضوح،  وقد تم أخذ الصور التذكارية. في داخل أروقة المركز الثقافي في عقرة ألقت الشاعرة بلقيس حميد  حسن مجموعة من قصائدها الشعرية حول القضية الكوردية.. لقد تطرق رئيس المركز الثقافي في عقرة الاستاذ ماجد أحمد الى دور هذا المركز في أسناد الثقافة واحتضانه المثقفين والثقافة الكوردية مشيرا لتاريخ المركز وسجل مؤسسيه النضالي في مقارعة الدكتاتورية وطغيانها.

ثم توجه الحضور بصحبة رئيس بلدية عقرة المهندس كامران في جولة في سوق المدينة ومعالمها التاريخية والشعبية ثم انتقلوا إلى شلال سيبيه في عقرة، حيث خرير شلالات المياه وروعة المناظر الخلابة، ولوحظ أن المصيف كان يكتظ بالزوار العرب من بغداد وغيرها من المحافظات العراقية وهم قادمون لكي يهربوا من حرارة الصيف اللاهبة، ويتمتعوا بأجواء كوردستان ومياها ومناظرها الجميلة وكان هناك مأدبة غداء مهيأة للضيوف تنتظرهم.

ثم دعا السيد رئيس بلدية عقرة الضيوف للتوجه معه الى مصايف أخرى في نفس المنطقة،  فتوجه الجميع الى مصيف گلي زنطه، وكويسكي. وبعد التمتع بالمناظر والاطلاع على طبيعة الخدمات ومستواها المميز توجه الوفد الى سد بخمة، مرورا بجبال قنديل، ومنها الى شقلاوه، وبعدها الى أربيل عاصمة كوردستان حيث قضى الجميع يوما حافلا بمشاهدات  الطبيعة الخلابة الجميلة في جبال كوردستان.

 

وكان من بين الدعوات الكريمة في احتفاء الشخصيات الدينية والسياسية بالمكرّم حبيب و وفود الاحتفالية تلك التي تم بها زيارة الشيخان ومعبد لالش وقبول دعوة الغداء في بيت رجل الدين بابا شيخ.. وفي مدينة أربيل كانت هناك دعوتان كريمتان على شرف الأستاذ الدكتور كاظم حبيب وجاءت الأولى من السيد عدنان المفتي وكانت الدعوة الأخرى من الأستاذ جوهر نامق وقد حضر اللقاءين معالي وزير الثقافة والشباب الدكتور كاوه محمود إلى جانب عدد من الشخصيات السياسية والأكاديمية... وقد سادت أحاديث ودية تناولت طبيعة كوردستان الخلابة وذكريات البيشمركة وحركة العمران الجديدة ومسيرة بناء مميزة فضلا عن موضوعات تراثية منوعة...

 

ويوم آخر من المحبة

في يوم  19-06-2010 توجهت مجموعة من المثقفين الى محافظة السليمانية في اقليم كوردستان وكان منهم الاستاذ الكاتب دانا جلال، والاستاذة عفيفة العيبي، والاستاذة الشاعرة بلقيس حميد حسن، والاستاذ نهاد القاضي، ليلتقوا لساعات قليلة مع السيد قائمقام حلبجة الاستاذ كوران كاكائي، الذي توجه الى السليمانية قادما من حلبجة حال علمه بوصول هذه المجموعة ليقوم بدوره الاخوي بأستضافة الجميع في السليمانية ودار في اللقاء مناقشة الكثير من النقاط المتعلقة بوضع حلبجة وسكانها وضحايا الانفال فيها على امل ان تقوم هذه المجموعة وبالتنسيق مع الاخوات والاخوة المثقفين في المهجر وبالتعاون مع قائمقامية حلبجة ومؤسساتها بعمل جماعي يبرز المأساة والهول الذي اصابها وسكانها وبيئتها والضغط على البرلمان الاوروبي باظهار هذه الكارثة والمظلومية وايقاف النزف الدموي للشعب الكوردستاني.

*******************

 

نقترح على ادارة قناة كوردستان تيڤ ولإغناء عملها الإعلامي والثقافي إضافة التسجيل الكامل لهذه الاحتفالية على  صفحتها الالكترونية لكي تكون أرشيفا يستقي منه المثقف ووثيقة مهمة على مر الزمن..

 

 

 عن لجنة تكريم الأكاديميين والأدباء والمثقفين

 منسق اللجنة المهندس الاستشاري نهاد القاضي

 


http://www.babil-nl.org/ARBIL161706.pdf
 
 

73
ملاحظة تمهيدية
هاتان قراءتان في الوضع العراقي، لربما تفيد عبر تفاعلكم في تحديد مواضع الخلل للانتقال إلى تطمين الأوضاع.. وليس في القراءتين ما يتقاطع مع طرف بطريقة الاستبعاد أو الإقصاء أو التجني، بقدر ما فيهما من محاولة إقناع فإن أتت بتبني اغلبية للرؤية فذلكم القصد للوصول إلى حل وإن كان من رد أو ملاحظة أو نقد أو استبدال بالكامل فإنه حق مكفول لأن الهدف ليس في المادة بل في النتيجة من ورائها.. وأركز هنا على أن فلسفة الدولة المدنية الوطنية الوجود والآليات لا تعني بأي حال عدم احترام الدين والمذاهب والاجتهادات ولا تعني تهميشا لدور رجال الدين أو استهانة بهم من أي وجه كان ولكنها تبقى دعوة لمنع خلط الخطابات من جهة ومنع أشكال التضليل والمزاعم والادعاءات حتى صار بتنا نشاهد جهلة يتزيون بزي رجل الدين زورا وبهتانا ويمرروا مآربهم وبالتأكيد فإن رجال الدين المنصفين العدول لن يقبلوا أنفسهم بهذا التشويش والتضليل.. كما أن مجموع المخلصين يرفضون أن يكونوا غطاء للأدعياء من ساسة من يسمون أنفسهم ممثلي الله على الأرض في اعتداء واضح حتى على الخطاب الديني السليم القويم.. وهم يحاولون بدجلهم السياسي أن يمرروا مستهدفاتهم ونوازعهم.. أملي أن أقرأ دائما على أساس أنني أقترح وأتحاور وعلى اساس أنني لا أقبل قطعا التجاوز أو الاعتداء بخاصة بتوكيدي على المدني الوطني الإنساني بمقابل أدعياء الخطاب الديني ولا أقصد هنا بتاتا رجال الدين ومهامهم المخصوصة الذين نكن لهم الاحترام. هذه مقدمة أكتبها منعا لأي تشوش في فهم المراد برجاء نشرها لاطلاع مختلف قراء الخطاب السياسي العقلاني. وشكري وتقديري لجميع الآراء المتفقة والمختلفة
الآلوسي

 
 

 
قراءات في ضوء مجريات الأوضاع العراقية العامة اليوم
ازدواجية خطاب بعض القوى السياسية وآثاره السلبية
استمرار فلسفة التقية يتعارض والتطلعات إلى الديموقراطية!؟
مطلوب:حكومة شراكة وطنية تنظيما وبرنامجا ورقابة جماهيرية منظمة فاعلة

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ناشط في مجال حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com

 
((1)) أسئلة المواطن ومطالب الأسقف القانونية غير انشغالات الكتل الفائزة

لكل حركة سياسية الحق في التزام ما تشاء من برامج، وأن تعتنق ما ترى من فلسفات وأيديولوجيات. والفيصل في قبول الحركة من عدمه في النظام الديموقراطي، هو الانتخابات ونتائج التصويت. وبعد تسلم المسؤولية الرسمية  ستكون الأفعال والمنجزات هي الحَكَم.
انتهت الانتخابات العراقية إلى نتائجها المعروفة..  فماذا كان تفاعل كل حركة أو تيار أو ائتلاف سياسي؟ وماذا يمثل كل موقف لهذه الائتلافات؟ وأين يجد العراقي مواضع التقصير ومنافذ التهديد وأين يوافق الإجراءات الجارية؟
إنَّ هذه الأسئلة ليست أداء تنظيريا أو عابرا فهي تولد من رحم معاناة الناس وآلامهم وتطلعاتهم لحلول موضوعية عاجلة لهمومهم التي لا تقبل التأجيل أو انتظار ما تسفر عنه سجالات طاولة الكتل وانشغالاتها بمصالحها الضيقة.. وللإجابة عن هذه الأسئلة ينبغي قراءة جملة من المواقف الرئيسة عبر قراءة التصريحات والبيانات وعدد من الإجراءات والأفعال المتخذة من الحركات والأحزاب السياسية (الكبيرة) طوال الأسابيع المنصرمة، وما مثلته كل مفردة من معاني وإشارات.
 
1.   فأولا نجد رفضا لنتائج الانتخابات من أغلب [إن لم نقل جميع] المشاركين فيها.. تحديدا الاعتراض الصريح على النسب المتحصلة. والذريعة [أو السبب] يتمثل بالقصور في ضبط العدَ وسلامة إجراءاته وضمنا الطعن في  نزاهة بعض تفاصيل العملية الانتخابية سواء عن أخطاء غير مقصودة أو ارتكابات مقصودة تتهم بها جهات مختلفة...
2.  وفعليا تمّ رفض أغلب الطعون والاعتراضات والطلبات بخاصة منها رفض (أغلب) ما تقدمت به الكتل (المهمشة) المحجمة والمصادرة مسبقا عبر صياغة قانون الانتخابات وتحديدا إشكالية القاسم الوطني والتعويضية والفائز الأكبر [إلى جانب إلغاء عشرات آلاف الأصوات واستبعاد أخرى أكثر بخاصة من أصوات المهجر فضلا عن إحباط مشاركة فئات مهمة واسعة ودفعها لعدم المشاركة].. فيما جرى بالمقابل لاحقا [وبشكل رئيس] قبول الطعن الأوحد المعنية به قائمة (دولة رئيس الوزراء).. وهو الأمر الذي نجم عنه فعليا تأخير عملية إقرار النتائج وتوفير السقف الزمني للسجالات والحوارات بشأن المشكلة التي احتلت الأولوية عند الكتل المتنفذة وهي إشكالية رئاسة الوزراء وتسمية رئيس الوزراء.
وفي الأمرين كانت المسألة تشير إلى حال من استغلال آلية الانتخابات ودخولها كرها، فإن أتت منسجمة وما تريده الكتلة أقرت به واتهمت الكتل الأخرى بتمردها على الديموقراطية وإن لم تحظ بالنتيجة المرغوبة فإنها تعترض متهمة الآخر بالتزوير والتلاعب..  وهذا ما أقرت به وأعلنته حتى أصوات من داخل هذه الكتل من دون أي حرج من جمهور الناخبين!
كما أن السلطة التنفيذية ما زالت مؤثرة في جميع الاتجاهات والمؤسسات بنسب متباينة. وقد جاء بعض التفاعل مستجيبا لضغوط ليست سهلة ونتيجة لتأثير توازنات و\أو نواقص في بنية المؤسسات.. ويمكننا قراءة توكيد المفوضية على النتائج النهائية ثم إقرار القضاء والمحكمة المعنية لطعن دولة القانون واضطرار المفوضية لإعادة العدّ (الجزئي) بأنه أدى إلى مجرد تعطيل إقرار النتائج النهائية وتأخير واجب الذهاب إلى انعقاد البرلمان والإجراءات المنتظرة بأسقف زمنية من تسمية الرئاسة ومن يؤلف الحكومة على وفق الآليات المعتمدة..
هذا منح كتلا بعينها فرص المناورة و ربما تغيير الاستحقاق الانتخابي عبر استغلال أية إجراءات مقنونة كما في قرارات المساءلة والعدالة التي كان يمكن أن تحجِّم نتائج "العراقية" أو عبر محاولة الاندماج التي لم تتم فعليا فظهرت للجمهور، بالاتفاق على توليد ائتلاف (تنسيق من دون اسم ولا برنامج ولا ترتيبات تنظيمية محددة معلنة حسبما تقتضيه شفافية العمل على وفق آليات الديموقراطية)؛ هذا الائتلاف [التنسيق] الجديد لا مهمة محددة له سوى المعلن من محاولة تكوين (كتلة) هي الأكبر برلمانيا لتجاوز حق كتلة برلمانية معروفة في تشكيل الحكومة؛ والأمر ما زال جاريا في السجالات التي تنصب بالأساس على هدف ((حصر)) رئاسة الوزراء في كتلة عبرت أغلب تصريحاتها عن توجهات طائفية (فضلا عن ممارستها طوال السنوات المنصرمة) وهي لا تتردد من الإعلان الصريح بهذا الخصوص وأبعد من ذلك في الامتناع عن التنازل عن منصب رئيس الوزراء وتقديم تسميات وشروط (قطعية) مسبقة بشأنها.. وطبعا المشكلة تكمن في توفير الأجواء للعودة إلى الطائفي وإلى احتقاناته سواء بقصد أم من دونه.
بعامة فإنه لا اعتراض على أن تتحد أية كتلة مع أية كتلة أخرى بل يبقى هذا حق مكفول قانونيا.. ولا اعتراض على الطعون سواء في النتائج أم في المشروعية الانتخابية لجهةِ ِ  في تأليف الحكومة. ولكن الاعتراض هنا على مضامين الاتجاهات والأفعال ونتائج الأداء لهذه الكتلة أو تلك.
فمن الجهة الأساس ليس تحليل الأمور بهذه القراءة المتعارضة والفلسفة الطائفية ولا البحث عن حل جدي يلبي مطالب الشعب وخياراته، هو كما يقول بعضهم  يمثل ميلا مسبقا لطرف على حساب آخر أو تمثيلا لـ (العراقية) بمقابل (القانون) أو يمثل أي ميل آخر بالضد من رأي المجادلين بيزنطيا ممن لا تتفق الحلول ومآربهم أو من يمثلونهم ومستهدفاتهم على لغة (أخذناها وبعد ما ننطيها!). الجهة الأهم عندنا أننا جميعا في مركب واحد فكيف يمكن قراءة المشهد وكيف نجد رأس الشليلة ونحل العقدة؟
 
 
((2)) لا حجم حقيقي للوطني الديموقراطي

وقبل الانتقال إلى إجابة عن سؤالنا الأخير لنقرأ أوضاع صوت يكاد يختفي من المشهد العام بالنتيجة المتحصلة. فواحدة من مفردات مشكلتنا اليوم تكمن في عدم تمكن القوى الديموقراطية الحقة من الوصول إلى البرلمان لأسباب  ذاتية وموضوعية كثيرة منها تنظيمية ومنها تخص القدرات المادية وآليات خطابها وإشكالية وصولها إلى الجمهور فضلا عن تفصيل القانون الانتخابي بالطريقة المعروفة إلى جانب عدم وجود قانون أحزاب دع عنك المال السياسي واستغلال أجهزة الحكومة والخطاب الديني وتوظيف المرجعيات..
وهذا ما حصدت نتيجته في الجنوب والوسط حركات طائفية  بإظهارها خطاب التحول إلى الوطني وادعاء تبني برامج وطنية (ديموقراطية!). أي بازدواجية الخطاب بين مبطن مخفي تقية وظاهر معلن تضليلا. وحصدت في منطقة الغربية قوى (علمانية؟)، النتيجة بتوظيف خطاب استعادة العمق والوحدة الوطنيين إلى جانب استثمار عوامل العزف على أوتار قومجية في بعض مناطق و (طائفية سنية) في مناطق أخرى فتجمَّعَ في إطارها ما حصدت به أصواتها..هنا لا يمكن إلا الإقرار بالنتيجة مع ضرورة توكيد أسبابها وتبيّنها ودراستها وتقديم الحصيلة توضيحا لجمهور الناخبين...
وبشأن أسباب هذه النتيجة الانتخابية، نقول إنها لا تعود إلى ما وصفه بعضهم إلى تخلف العقل العراقي وجهل المواطن (وفي إطلاق هذا تجنِ ِ واضح) فقد يكون هذا له دور ولكنه سيبقى  جد محدود أو نسبيا وفي مواضع ضيقة يمكن حسابها ودراسة حجمها الحقيقي.. لكن الآلية الانتخابية نفسها تمتلك ثغراتها (أحيانا) الخطيرة في ظل عدم جاهزية المرحلة الانتقالية لصعود القوى الأنضج و\أو الأفضل لإدارة الدولة وقيادتها..
لنلاحظ الآتي:
1.  سطوة الفساد بأشكاله: لقد كان هناك أعلى نسبة فساد عالميا.. ألم يوفر هذا الغطاء الكافي لوحده لتمرير استغلال كثير من (الأمور) ليس أقلها المال السياسي واستغلال النفوذ في دوائر الدولة وإعلامها الرسمي وما شابه.. 
2.  سيادة آليات التفكير القدري – الأسطوري: فلقد كان هناك سطوة لفلسفة (الإسلام السياسي) ما وفر غطاء لاستغلال (الطقسيات) الدينية ومنظمومة الأبنية والجلسات واللقاءات من عزاءات وجوامع وحسينيات وبالتأكيد من (مرجعيات) و زعامات دينية بحسب المذاهب والطوائف..
3.  سطوة أشكال الإرهاب: الإرهاب بأشكاله العنفية التصفوية الدموية وتهديداته والأنكى تأثيرا يكمن في الإرهابين الاجتماعي النفسي من ضغوط معقدة استغلت العلاقات العائلية (مثلا لتبعية المرأة) والعشائرية القرابية فضلا عن ضغوط الاحباط والتردد واليأس التي عانى منها جمهور المؤمنين بالدولة المدنية الديموقراطية..
4.  طبيعة بعض مفردات آليات الانتخابات: كما في ضخ تشكيلات الترشح الفردي والجمعي (المستقل؟) بالتحديد في مقابل جهة بعينها وكان الحجم الكبير من هذا الضخ المبالغ به يتبنى المشروع الوطني الديموقراطي عن عمد وسابق تخطيط  ببعضه وعن قصور في الفهم في غالبيته الأخرى بما شتت أصوات هذا التيار بالذات..
إن هذا وغيره من تفاصيل له دوره في المشهد الانتخابي وهذا ما ليس موضع دراسته تفصيلا هنا ولكنه يبقى المفيد والخطير في كشف الحقيقة لجمهور الناخبين بشأن ازدواجية خطاب الكتل التي مرت عبر قناة الانتخاب وهي اليوم منشغلة بوضع خطط المحاصصة وإعادة مشهد التقسيم الطائفي بتكتيكات وباستراتيجية واضحة المعالم عندهم مخفية على الآخر.. وهذه مكامن المخاطر التي تتهدد استمرار ترك ميدان العمل لإدارة حكومية من جهة لم تثبت كفاءتها في السنوات المنصرمة ومن جهة أخرى ما زالت تتمسك بفلسفتها وبرامجها المؤدية للاحتقانات وإلى فشل يتبعه آخر طبعا لمقاصد ومستهدفات...
 
 
 
((3)) أية حكومة ممكنة اليوم

لا يمكن لنا أن نكون طوباويين خياليين في قراءة المشهد وننتظر حكومة عمل وطني ديموقراطي بكتل تحمل الجوهر المزدوج تحديدا الذي يستبطن بآلية التقية مستهدفات ليس بينها مطالب الجمهور وحقوقه..
ولكن الممكن المتاح حتى  اللحظة يتمثل في الدفع باتجاه تشكيل حكومة شراكة وطنية ستضطر عبر التضاغط بين أطرافها وعبر مراقبة كل طرف للآخر إلى كبح جماح بعض التفاصيل والتوجهات التي لا تنفع المواطن وحاجاته..
والأهم بالتأكيد هو الدفع باتجاه أن تتبنى برنامجا يكون الأقرب إلى الوطني وإلى إمكانات تحقيق الاستجابة المناسبة لتطلعات الشعب وفئاته التي عانت طويلا في السنوات المنصرمة.. وسيكون أهم محاور هذا البرنامج منصبا على تأمين السلامة والاستقرار والأمن في محور وتحقيق إطلاق فعلي للدورة الاقتصادية زراعيا صناعيا ومن ثمّ تشغيليا بما يزيح كاهل البطالة ومشكلاتها... وبالتأكيد في ضوء ذلك سيكون للجانب الخدمي من صحة وتعليم وطرقات وكهرباء وماء ركنا موازيا بارزا ورئيسا مهما..
وعليه فحكومة الشراكة الوطنية ليست حكومة الأزمات السياسية المستعصية المستمرة المتجددة وليست حكومة الصراعات بين أطرافها والتنافس سواء في الحصص أم في (الكسب) الفئوي الخاص؛ إنها حكومة برنامج عمل وأسقف زمنية للمطالب الثلاثة: أمن، دوران عجلة الاقتصاد وتلبية الخدمات...
ومن أجل ذلك فإن الجمهور ليس معنيا اليوم بمن سيكون رئيسا للوزراء كـ (حصة) ولا بعدد وزارات كل كتلة ولكنه معني تنظيميا بالدفع باتجاه أن تقدم الكتل وزراء تكنوقراط لأغلب الوزارات بل لجميع وزارات ذات الصلة بالمواطن وحياته مباشرة, ويمكن للكتل أن توجد وزارة مصغرة بتوزيعات سياسية مشتركة لإدارة الحكومة كاملة..
وتنظيميا لابد من آليات لا تقف عقبة بوجه برنامج وطني منتظر يتقدم به كل وزير للسنوات الأربع والحكومة لعشرية واشتغال استراتيجي مع أسقف زمنية للتنفيذ يجري العمل به بعيدا عن أية هزات ومتغيرات حزبية سياسية..
 
 
 

((4)) دور المواطن في حماية تصويته والدفاع عن مطالبه ومستقبل خياراته

إن مطالب كالتي أشرنا إليها لن تأتي من فراغ أو من تبرعات أو تنازلات تمنحها أية كتلة  بل سيكون الركن الأهم في المرحلة الجديدة هو تفعيل الشارع ونضالاته. لننظر إلى عمال البلدان الديموقراطية المستقرة الغنية بدخلها وإنتاجها القومي الوطني. كيف يخرجون إلى الشارع في التوقيت الملائم ليسقطوا أية مشروعات تتناقض ومصالحهم.
إن شغيلتنا وشعبنا بجل قطاعاته بحاجة عاجلة لإعادة تنظيم وترتيب لنقاباته ومنظماته المهنية الجماهيرية وتفعيل برامجها في التعاطي مع دراسات لمطالب اليوم العادي للعراقي..
ومن هنا فسيكون لكل قرار ولكل برنامج ومشروع يوضع حكوميا تفاعلا جماهيريا تقوده الحركات الوطنية الديموقراطية المقصاة عن البرلمان وكذلك العناصر الإيجابية الموجودة في البرلمان داخل جميع الكتل وتنسق تلك التفاعلات الشعبية وترتب إجراءاته النقابات والاتحادات المعنية..
لقد كنا دعونا لدخول الانتخابات بقوة ولكننا كنا قلنا شرطا وظيفيا أيضا: يمثل في أن على الناخب الذي يقرر الدخول في الانتخابات أن يكون مستعدا للدفاع عن صوته وعن مطالبه وحاجاته.. واليوم جاءت مرحلة الدفاع تلك؛ ليس بالكتابة الصحافية حسب ولا بالمتابعات الإعلامية وإنما بعقد اللقاءات والمؤتمرات التخصصية والجماهيرية ونقل الأمر إلى الشارع عند الاقتضاء..
إن الحرب ضد مثلث (الفساد الطائفية الإرهاب) لن ينجح بجهد حكومي محدود ولا بآليات بعض أدواتها ضالعة [بشكل مباشر أو غير مباشر، مقصود أو غير مقصود] في أحد أضلاع هذا المثلث.. إن نجاح بناء العراق الديموقراطي الجديد يتطلب حركة المعارضة السلمية بأوسع واشمل أداءاتها.. كما يتطلب تفعيل النقد البناء من داخل العملية السياسية وتبادل الرأي والرأي الآخر بما يخدم تعزيز مسار العملية السياسية وينضجها ويفعل أسسها المدنية الديموقراطية..
وعلى حركة النقد هذه، مثلما حركة المعارضة التي ستنزل إلى الشارع عند الضرورة أن يكون ضابطها أمتن التزام بالعملية السياسية وبسلمية الجهود والتحركات. وباعتماد أشكال التعبير الديموقراطي الأنضج وهذا ما يتطلب دربة وصواب أداء وتنظيم متمكن.. ولهذه القراءة متابعة عند الاقضاء.
 

74
من أجل حملة دفاع دولية لحماية المجموعات القومية والدينية القديمة في العراق
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان
21\08\2008
tayseer54@hotmail.com

تمضي الأيام والوضع العراقي العام بين هدوء نسبي حذر مشوب بتفاعلات متشنجة وآخر يعود القهقري بجملة الأمور بسبب من تحدد الوضع بعمليات ترقيعية لا تطال جوهر المشكلة.. في وقت تنشغل أجهزة الدولة والحكومة بظروف عدم جاهزيتها والانشغال باستكمال مؤسساتها ومحاولة إنضاج مفرداتها أو الدفاع عن المتحقق من تلك الأجهزة وتطويره في ظرف ينافس ويسابق هذه المسيرة فعل اختراق بعيد الأثر من أصابع أجنبية إقليمية ودولية متنوعة الأجندات والمطالب والأهداف فضلا عن عناصر في أطراف عراقية تحمل برامج مريضة...

وبعامة تلتهب الأوضاع، لتصبَّ جام غضبها على أولويات كما في تحمل أبناء المجموعات القومية والدينية لأكثر أشكال المعاناة وظروف الاستلاب والاستغلال بأبشع صوره.. والنكاية في الأمر هو أنَّ هذه المجموعات الأصيلة تاريخا وانتماءَ َ لا تعاني من أزمات واختناقات معيشية حادة كما كان الوضع قبيل السنوات الخمس الأخيرة حسب بل صارت تتعرض لمجزرة تدخل في باب الهولوكوست أو الإبادة الجماعية...

حيث يمكننا بقراءة مشهد التقتيل والأضاحي التي يدفعونها من دماء وحيوات بنتاتهم وأبنائهم، أن نكتشف حجم الكارثة المحيقة بهم... إذ أنَّ التصفيات الجسدية الدموية المهولة بالنسبة للحجم العددي لمن تبقى متمسكا ببيته وموئل حياته تشكل تهديدا جديا لوجود هذه المجموعات في العراق وعيشها فيه بأية طريقة...

فإذا قرأت إحصاءات جمعيات حقوق الإنسان المتخصصة فستجد أن نسبة النزوح الداخلي [لمن تبقى من هؤلاء] بلغت أكثر من 95% في بعض المحافظات الجنوبية كما في البصرة عند تعلق الأمر بالأرمن أو غيرهم من المسيحييين الكلدان الآشوريين وكما في العمارة أو ميسان عند تعلق الأمر بالصابئة المندائيين وهكذا بشأن محافظات مثل الناصرية (ذي قار) أو كما بشأن التطهير العرقي والطائفي في ضواحي وأحياء المدن المهمة كالعاصمة بغداد...

وفي الغالب لا يركز الإعلام [الرسمي وغير الرسمي] إلا على ما تركز عليه السياسة العامة بشأن الصراع الطائفي بين الغالبيتين من الشيعة والسنة ومجريات صراع الميليشيات التي تدعي تمثيل هاتين الطائفتين زورا وبهتانا... وهكذا يجري طمس حقيقة مجريات الأوضاع كما تدور رحى الطحن الهمجية بحق مئات ألوف هذه المجموعات التي ما زال يأبى مسؤولو الحكومة إلا أن يسموها الأقليات إمعانا في التهميش وفي استخدام اصطلاحات الاستغلال والاستلاب والمصادرة...

إنَّ عامل الوقت والإهمال أو التغافل أو حتى الانشغال بأولويات ملايين النازحين في الداخل والخارج في السنوات العجاف المأساوية هذه سيكون سيف جلاد بل ماكنة إبادة أخرى لن نصحو حتى نجد أنفسنا وقد ارتكبنا جريمة إبادة جديدة بحق عدد من المجموعات البشرية بلا ذنب لهؤلاء سوى كونهم من أبناء العراق الأصليين من المسيحيين من كل مجموعاتهم المذهبية والقومية ومن الصابئة المندائيين ومن الأيزيديين ومن اليهود ومن الشبك والبهائيين ومن كل الأطياف القومية والدينية المقهورة...!

ما بالنا ونحن الذين ندعي أن العراق لا يكون صحيحا معافى بلا أهله الموحدين بقلوبهم المؤتلفة بكل مشاربهم وتنوعاتهم وتعدد كينوناتهم القومية والدينية والمذهبية والطائفية...؟! ما بال الزعامات الدينية التي تدعي تمثيل [الأغلبية] المسلمة تتبرقع بقناع يزعم الدفاع عن جيرة المسيحي والمندائي والأيزيدي فيما تسكت غاضَّة َ َ الطرف عن جريمة الإبادة الأخيرة وهي تتغافل حتى عن واجب الجوار الديني المعلن مقابل الجزية المفروضة تاريخيا ويعيدونها اليوم بطرائق أخرى؟!

ما بال رجال دين الكهنوت الإسلاموي الجديد [السياسي] يتشدقون بفتاوى تاريخية ما أنزل الله بها من سلطان ففتوى تُعنى بحلاقة الشعر واللحية والشارب ومرورا بفتاوى أشكال اللباس مما للرجال من قصير القمصان وطويل الجلابيب للنسوان وليس انتهاء بفتاوى زواجات المتعة والمسيار والعرفي والمسفار والميسار بتقليب ما يأتينا به الأولئك...

وما بعد كل هذا الانشغال بالهامشي إلا براقع تخفي جرائم مهولة  يُحظر الحديث عنها؛ ومن يتحدث فيها ليس مصيره إلا كمصير من صار في خبر كان بل يصير نسيا منسيا بلا ذكر ولا اسم ولا أثر لإنسان في زمان أو مكان...

ومن هنا فإنَّ دعوتي تنصبّ على الآتي:

1.  تشكيل لجنة تنسيق تتابع كل تفاصيل أنشطة المنظمات والجمعيات والروابط والأحزاب بخصوص حقوق الإنسان ومصير أبناء هذه المجموعات القومية والدينية... على أن تتركب لجنة التنسيق من برلمان أو مؤتمر عام يضم ممثلين لجميع الأطراف المقصودة...

2.  البدء بتدقيق الإحصاءات الرسمية والشعبية بشأن ما يجري من جرائم وتوثيقها مع كل تفاصيل الإجراءات القانونية القضائية والمتابعات السياسية والرسمية بشأنها...

3.  على أن يجري حسم إحصاء رسمي شامل في داخل العراق وخارجه لهذه المجموعات القومية والدينية وتوزيعهم الديموغرافي السابق والحالي وأسباب التغيير وإمكانات المعالجة لحالات النزوح والتهجير وآلياتها والأسقف الزمنية المنطقية للتنفيذ...

4.  وضع الخطط الشاملة لآليات الحماية بما يشمل المهاجرين والمهجرين والنازحين مؤقتا ويتابع شؤونهم في مهاجرهم وأماكن النزوح والعمل على صيانة حقوقهم المادية والأدبية المعنوية ومن ذلك حقهم في المسكن الأول بكل تفاصيل الأمر... وتستقبل الشكاوى وتفاصيل الأمور لجنة عمل رسمية تعلن عن عناوينها للجميع...

5.  الطلب إلى المنظمة الدولية لتشكيل لجنة متابعة مخصوصة بالمجموعات القومية والدينية العراقية كلا على انفراد واستقلالية بشؤونه ومطالبه وحاجاته كاملة تامة مع التقاء تنسيقي لاحق.. والعمل على استصدار قرار أممي بالخصوص يشرّع لهذه اللجنة وأنشطتها..

6.  البدء بحملة دولية ووطنية واسعة يشترك فيها ممثلو جميع المجموعات القومية والدينية والمذهبية ويحشدون له الجهود الوافية بهذا الاتجاه...

7.  الالتفات إلى أنه بلا تجمع يرتقي لمستوى المسؤولية سيظل الأمر مجرد محاولات فردية أو متشظية لا يمكنها التصدي لجريمة الإبادة التي ستأتي على آخر مسيحي ومندائي ويهودي وأيزيدي وشبكي وبهائي في العراق وسيكون هذا المصير الكارثي هو الخطر الحقيقي الذي نجابهه حيث التصفية الدموية بلا رحمة... ومن هنا وجب البحث في مؤتمر للقاء تحت عنوان "مصير المجموعات القومية والدينية العراقية"...

8.  إنَّ حق تقرير المصير والحقوق القومية والدينية والثقافية الروحية والمادية على أساس من المساواة والعدل والإنصاف لأمر لا يمكن المساومة عليه وحتى بشأن النكوص الدستوري عن القبول بالمساواة التامة بين جميع الشعوب والمجموعات القومية والدينية العراقية فإنَّ نضالنا يلزم أن يقف على أرضية القوانين والشرائع الإنسانية التي أقرت تلك الحقوق كاملة كما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقوانين أممية للمنظمة الدولية ولمؤتمرات معنية...

وبغية التوصل لتشكيل لجنة التنسيق أدعو للآتي:

1.     تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر تخصصي ينعقد في بروكسل بدعم البرلمان الأوروبي وأية جهة نصيرة لحقوق الإنسان وحق تقرير المصير...

2.     ينبثق عن المؤتمر لجنة التنسيق التي تعقد اتصالاتها الأممية والوطنية وتتكفل بمتابعة مقررات متوافق عليها ومتضمنة بشرعية أممية عبر قرار أممي بالخصوص..

3.     تعمل اللجنة التحضيرية لحين انعقاد المؤتمر بوصفها لجنة تنسيق مؤقتة تعقد الاتصالات المؤملة وتنهض بمسؤولية الأنشطة المتاحة.. ويمكن بهذا الخصوص الالتفات إلى وجود منظمة للدفاع عن حقوق المجموعات القومية والدينية في العراق ولديها أمانة عامة يمكنها أن تفعّل الجهد وتتصل بالجهات المعنية في برنامج من مفردات وإجراءات عملية يتم الاتفاق على أولوياته...

هذه الدعوة يمكنها أن تتحول إلى واقع عملي مفيد لأبناء المجموعات القومية والدينية في العراق فقط عندما يتم التفاعل معها. وأول الأمر بإرسال عناوين كل منظمة وجمعية ورابطة ومنتدى وحزب وحركة بلا استثناء ممن يعنيهم أمر المساهمة في الحملة الدولية المشار إليها وممن يرى مسؤوليته في الدفاع عن حقوق الناس وحيواتهم ومصائرهم وكراماتهم..

ولن يكون هذا تنازلا من طرف أحد ومكانته وحجمه فليس من الصائب تقديم العربة على الحصان والأجدى أولا هو تجميع تلك العناوين بوصفها إعلانا عن اتفاق على حق الحياة لأبناء هذه المجموعات وواجب حماية وجود يكاد ينتهي بهذه المجزرة الدموية التصفوية وما من ضمير يرتقي لمستوى المسؤولية... وأعتقد أن كل من يتلكأ في إرسال عنوانه وتعريفا وإعلانا عن وجوده وموافقته المساهمة في الحملة سيكون مشاركا في الجريمة بسبب هذا التلكؤ أو التغافل لأي سبب أو ذريعة تدعوه لعدم التفاعل...

فإذا كانت الجريمة مستمرة وإذا كنا نتفق أن نهايتها تعني إبادة جماعية مطلقة ونهائية ينقرض بعدها كل وجود لهذه المجموعات بمعنى تصفية مطلقة لمجموعات بشرية كاملة وإذا كنا نتفق على أنه لا بد من عمل فوري وحاسم وشامل ولا مجال لأعمال ترقيعية مؤجلة فإن الصائب هو التنادي للقاء تحت مسمى "مؤتمر مصير المجموعات القومية والدينية العراقية" ..

إنَّ المصير العراقي هو مصير تعددي يقوم على احترام التنوع والمساواة والعدل بين جميع الفرقاء الذين يشكلون المشهد العراقي مذ كانت أول حضارة إنسانية في ربوع وادي الرافدين.. ولهذا سيكون مؤتمر مصير المجموعات القومية والدينية العراقية هو مؤتمر تنفيذي لا مجرد مؤتمر إعلان لاحترام التنوع والتعددية في إطار المشهد العراقي الوطني بجوهره الإنساني المشرق والمشرّف...

دعونا نضع البداية من هنا:

1.  أن تُرسل عناوين المنظمات والجمعيات والأحزاب كبيرة وصغيرة قديمة وجديدة فاعلة حيوية أو تجابه مصاعب؛ جميعا يرسلون موجزا بالاسم والعنوان للاتصال والتفاعل... وفي مرحلة لاحقة لإبداء الآراء والمقترحات وأشكال التصورات المفيدة للتحرك...
e-mail:    info@babil-nl.org
وهذا هو إيميل مؤقت سيحيل ما يصله إلى ملف خاص بالمؤتمر والحملة الأممية والإيميل يعود لرابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر.

2.  وحتى الشخصيات المعنوية والأدبية والحقيقية سيكون واجبا أن ترسل عناوينها وما يمكن أن تساهم به سواء في النهوض بمهام اتصال مع منظمات وجهات رسمية أو أوسع توزيع جماهيري للحملة...

3.  المرحلة التالية تنهض اللجنة التحضيرية بمفردها أو بالتنسيق مع الأمانة العامة للدفاع عن حقوق المجموعات القومية والدينية [إذا تحققت الموافقة]  بمهمة ترتيب خطة العمل باتجاه تفعيل الحملة بوضع مؤشرات محددة لها والتحضير للمؤتمر..

4.  استكمال أوراق العمل للمؤتمر وإعلان يُسمى "الإعلان الأممي لحماية الشعوب العراقية" أو "الإعلان الأممي لحماية المجموعات القومية والدينية العراقية القديمة"...

5.  سيكون مفيدا الاتصال بالحكومة العراقية لجهة التعرف إلى إجراءاتها الجدية المنتظرة وتعريفها بمطالب فعلية حقة لهذه المجموعات.. كما في مطلب تغيير الدستور بما يستجيب لتشكيل البرلمان العراقي من قسمين هما المجلس الوطني والمجلس الاتحادي وبشأن تشكيل وزارة للمجموعات القومية والدينية تستجيب لمتابعة القضايا المعقدة المطروحة...

من المفيد أن أشير هنا إلى أنه سيتم في مرحلة تالية تقديم صيغة مقترحة     لــ "الإعلان الأممي لحماية المجموعات القومية والدينية العراقية القديمة".. بعد استكمال التداول مع أطراف القضية فضلا عن أية إجراءات تظهر بعد استكمال الاتصالات..

إنَّ العمل وحده هو الكفيل بضمان النجاح لأية حركة أو قضية ولأية مستهدفات موضوعية كما في حقوق الناس والمجموعات البشرية... ومقترح حملة دولية لا يتعارض وطرف وطني مسؤول بقدر ما يدعم الجهود ويحشدها من أجل خير الجميع وسلامتهم ومستقبلهم الواعد المشرق سويا وبروح الإخاء والعدل والمساواة...

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
مستشار رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا

 
Prof.Dr. Tayseer A. Al-Alousi
Chancellor of Averroes university in Hollamd
LORSWEG  4,      3771 GH
BARNEVELD
THE   NETHERLANDS
 Tel. :   0031 (0) 342 840208
Mob.tel. :         0617880910
http://www.averroesuniversity.org
    http://www.somerian-slates.com
http://www.babil-nl.org

رئيس الجمعية العربية لأساتذة الأدب العربي الحديث
رئيس الجمعية العربية لأساتذة الأدب المسرحي
رئيس الجمعية الهولندية لأساتذة اللغة العربية
رئيس لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر
عضو أمنستي وناشط في مجال حقوق الإنسان
باحث أكاديمي في العلوم السياسية

ينبغي أن نوحد مشروعاتنا ونعمل على توكيدها بأمور إجرائية تنفيذية عمليا تطبيقيا وإلا فسنبقى حبيسي الجهود النظرية العاطفية لابد من الفعل من العمل من اتخاذ الإجراء النافذ.. شكرا لجهودكم وثقتي وأملي بالنجاح والسؤدد



75
الفنانة فريدة: بدر الأمسية الأولى في أسبوع الموسيقا العربية بهولندا

تعليق: ألواح سومرية معاصرة
 
 
في إطار أسبوع الموسيقا العربية الذي تنظمه مؤسسة KLEUR IN CULTUUR أحيت الفنانة العراقية فريدة محمد علي ليلة مميزة احتشد لها جمهور غفير من متذوقي فنون الإبداع الغناسيقي العربي من الهولنديين ومن جمهور الجاليات العربية والشرقية المقيمة في هولندا. في البدء كان للمؤسسة المنظمة محاضرة موجزة للتعريف بفن المقام العراقي وبألوان من الغناء العراقي.. وطبعا أوضح المحاضر التركيبة الفنية للمقام وجانبا من تاريخه.. مشيرا إلى كونه وليد قرون ممتدة خلت في الحواضر العراقية تحديدا كون هذا الفن ابن المدينة العراقية الزاهية بألوان إبداعها الغناسيقي مذ انتقل أبرز مبدعيها باتجاه الأندلس حاملين معهم جماليات ما أبدعوا؛ مؤثرين في المحيط الأوسع لفنون الموسيقا والغناء... كما أشار إلى معاني مصطلحات التحرير والأوصال والميانات والتسليم في إطار البنية الفنية للمقام مجيبا عن عدد من الأسئلة حول إمكان خلق التفاعل المناسب بين المتلقي المعاصر ومنه الجمهور الغربي الأوروبي وهذا الفن واجتياز حالتي فهم الكلمة المغناة والتآلف مع نمط الأداء مشيرا هنا لاحتشاد تأثير فعل الشحن العاطفي والتعبير الروحي وجماليات هذي الهوية المرتكزة في عالميتها إلى خصوصيتها ومحليتها بتفاصيل دقيقة. ونحن نمعن هنا في المتابعة هذه تأشيرا للبعدج الثقافي العميق لمثل هذه الاحتفاليات وعمقها في تكوين الذاكرة الإنسانية بجماليات الذائقة مترافقة مع القيم الاجتماعية وأشكال تناولها فنيا بالتحديد...
الفنان محمد حسين كمر قائد الفرقة الموسيقية المرافقة (التي تعنى وتهتم بالمقام العراقي أولا) هو الذي يرسم  عادة برامج العمل بالتفاعل مع الفنانة فريدة، قدم لنا برامج عديدة في حفلات كبيرة سابقة كانت قد سجلت لنا إحياء تراث غنائي عراقي مهم بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.. في هذه الاحتفالية الكبيرة (بمدينة فينندال بخلدرلاند وسط هولندا) اتجه لتقديم برنامج من سجل الأغنية العراقية في عصرها الذهبي للنصف الثاني من القرن العشرين.. ومعروف كم هو دور الأغنية العراقية في الأغنية العربية آنذاك.. وكيف كان نجوم الأغنية يبدعون موسيقاهم التي جمعت بين جذور ألوان الغناء العراقي التاريخية البعيدة وحاضرها المبدع المشرق.
في البرنامج، جرى انتقاء أغنيات لفنانات عراقيات كانت ولادتهن الفنية بدأت نهاية النصف الأول من القرن الماضي فيما صعد نجمهن في خمسينات وستينات القرن. فـ زهور حسين (1924-1964) هي تلك الفنانة التي عرفناها المبدعة في لوني غناء الريف والمدينة معا وهي التي اشتهرت بمقام دشت وهنا جاء اختيار أغنية (وين ابن الحلال*). وعفيفة اسكندر (1927-) هي الحية بأغانيها (المدينية) حتى يومنا وهنا كان اختيار أغنية (جوز منهم*).. ولكن في اختيار أغاني من هاتين الفنانتين لم يكن سهلا وعاديا بسبب من غنى ما لديهما من إبداع ومن هوية وطابع خاص بهما مثلما هو مميز بهويته العراقية وتأثيراته على محيطه وفحوى ذاك التاريخ والمسيرة التي تفاعلت ليس بالجماليات الغناسيقية حسب بل بالأبعاد الاجتماعية السياسية أيضا، ولا نبخس الخيارات الأخرى مكانها ومكانتها بقدر تعلق الأمر بما اختاراه لبرنامجهما من أغاني وحيدة خليل واختيار تراثي محدد بـ (سبحان الجمعنا بغير ميعاد) ولميعة توفيق وتحديدا هنا  مقام  لامي في أغنية (هذا الحلو جاتلني ياعمة) ولنلاحظ هنا الإحالة إلى أيام العز والرفاه ومن ثم الغنج واستدعاء الأحاسيس المرهفة للعلاقات الاجتماعية الأجمل في حركتها إنسانيا بشفيف المشاعر وهو الخيار الذكي الذي دعَّمه الفنان (كمر) بفواصل موسيقية مهمة كما في موسيقا أم العيون السود من تراث العظيم ناظم الغزالي وكما في خيار المربعات (الخفيفة) بنقدها غير المباشر وتناولها موضوعات اجتماعية بطريقة تثير الحبور وتمنح الومضات و\أو العظات المفيدة...
وبعد ذلكم؛ ماذا جاءت به حفلة فريدة (بدر) أمسية الافتتاح لأسبوع الموسيقا العربية في هولندا ببرنامجها المختار؟ ينبغي هنا قبيل الإجابة، أن نقرأ حجم التأثير بدءا من تفاعل جمهور التلقي ودرجة انجذابه وانفعاله بما قُدِّم له.. وهو المؤشر الأول المهم حيث انسجمت أكف الجمهور الأوروبي مع إيقاعات الأغنية والأداء الذي سطا على القاعة بإحساس مرهف فلوَّن أجواءها بموسيقا قد تكون من بين أولى البرامج التي تزور هذا الجمهور المدرك لمعنى حضور حفل شرقي بكل المعاني..
ولمن حضر ومن سيستمع للحفلة سيجد كيف تحركت القاعة بأكف جمهورها مع انسيابية إيقاعات القلوب المنجذبة إلى الصوت المعبر لفنانتنا الكبيرة ولأداء الفرقة الموسيقية.. فأما الموسيقا فقد كانت رسائل السنطور والقانون والناي بارزة أرهف الجمهور إصغاءَ َ إليها فصفق طويلا لتقاسيم موسيقية مبدعة أشارت لاحترافية وتميز إبداعي لكل فنان منهم. وكان للإيقاعات بألوان من مدن العراق وأداءاتها تأثيرها؛ فيما لابد من الإشادة بأنامل المبدع محمد كمر وقيادته الفرقة (وقد عزف هنا على الكمان) بما يليق وكبار الموسيقيين.. ولابد هنا أن نسجل له جماليات عمله الخاص في أغنية  (عليش تغيب*) وهي من ألحانه بكل مفرداتها التي سجلت علامة مميزة عراقيا بخاصة وهي الفائزة بجائزة مهمة في منتصف الثمانينات..
وبالعودة إلى قامة المقام الأولى السيدة فريدة سنسجل في إجابتنا عن سؤالنا حجم إضافتها ونوعها.. فقد أثبت مجددا حجم إبداعها ومكانها ومكانتها الفنية عندما أدت أغنيات مميزة بمفردات كبيرات الأغنية العراقية بـ (لمساتها الخاصة) مضفية من حنجرتها ومن أسلوبها الغنائي ما يمكن أن يقول: إن الأغنية العراقية ما زالت في موئل وجودها وقدرات عطائها وإمكانات التجديد فيها بما يبقي تأثيرها في محيطها وما يجعلها حية مستمرة لتعيد العلاقة بين الجمهور وفن الغناء العراقي لاعبا دوره الاجتماعي السياسي الجديد..
بمعنى أن ينهض بمهمة إزالة حالات الاحباط والملل والألم وتسريع زمن لملمة الجراح وكفكفة المآقي من أوصاب الزمن الذي يخرج للتو منه مجتمعنا في الوطن والمهجر.. كما يعيد مساحة الفرح كبيرة بالضد من منافذ الوجع. ولعل وجودا مميزا إبداعيا هو وحده الكفيل بتوفير وسائل الجذب الحقيقية فذاكرة جمهورنا حية ذكية وثرية ولا يمكن أن يحظى بشهادتها إلا  الصوت الأبهى كما صدحت به المبدعة السيدة فريدة مشيرة إلى موازنة في اهتمامها بين شكل الأغنية ومضمونها وفي اللعب بالأحرف ومخارجها وتلاوينها ويمكن متابعة الأداء بحركية ومسار لحني لعلاقات سلمية متماسكة تمنحك أثر نقلاتها الفنية الأخاذة في إطار تجديد أدائي لحني مع المحافظة على حالة الجو العراقي المحلي الريفي والمديني، القديم والمعاصر أو التراثي المحلى الموشى بالحديث الذي لا يتوسد على الكلاسي ولحظته التاريخية الخاصة بل المنفتح على جديد الأغنيةي المستجيبة للذائقة الحاضرة على أساس تفكير الفنانة فريدة في اثناء أدائها بلحظة التلقي والعلاقة مع القاعة وجمهورها كحصيلة نهائية للحفل جماليا ثقافيا.. وأترك التفصيل هنا للمتخصصين للتعليق النقدي على تلك الإضافات الفنية المخصوصة لأُبْحرَ في المعطيات الدلالية لنجاح مميز للأمسية الألمع..
وأذكـّر هنا بأن اختيار برنامج من التراث القريب للأغنية العراقية له أبعد من مدلولات الاختيار الموسيقي الأدائي المحدد بأمر جمالي غناسيقي، فهو يحمل دلالات استعادة الزمن الجميل بمعاني الرخاء والرفاه ومعطيات الفن وآثاره الاجتماعية يوم لم تكن الأماسي الليلية إلا الملتقى الاجتماعي الراقي الذي يسمو بمفردات برامجه ومعانيها وخطابها النبيل.. ونحن نمتاح عبر خيار (كمر وفريدة) برنامجهما من هذا التراث الحي بما يعيد توكيد الثقة بأننا منتجون وما زال بيننا مبدعون يحملون قيم الإبداع والثقافة الجمالية والاجتماعية الباسقة كنخيل الوطن وتحدياته لعوامل الزمن..
جماليات التقيناها بالأمس جمعت الريفي بالمديني،  وأفردت للأغنية الكلاسية موضعها ولإيقاعات البصرة وبغداد مكانيهما، فاشتركت أكف الجمهور بـ بصريِّ الإيقاع وتثنَّت الأذرع مع مربعات بغدادية ووصلات من (قفشات) السهرات الجميلة والليالي البهية لعراق الأمس بعراقيي اليوم وجمهور الفن المهجري والغربي. وبين ألوان الأغنية العراقية المتنوعة بحسب اللحن مرة وبحسب المدينة مرة أخرى وبين ألوان الأداءات عاليها وبطيئها وسريعها وبين الإيقاعات الشعبية وكلاسيات أوركسترالية، تنقلـْنا على أمل لقاءات متجددة مع الفن العراقي ومع بدر الأغنية وسيدة المقام المبدعة المتألقة فريدة، ومع خيارات هذي الفرقة التي تجمع الجالغي البغدادي التقليدي والفرقة الموسيقية الحديثة وبنيتيهمنا وأداءهما.
هذه كانت سهرة أخرى جديدة متجددة للأغنية العراقية في المهجر ورسالتها باسم مبدعيها وباسم الجالية لأهلنا في الوطن ولعلاقاتنا مع المجتمع الإنساني نعطي فيه تألقا وصناعة للجمال ولمعانيه الدلالية السامية النبيلة. فتحية للسيدة فريدة وللسيد محمد كمر ولعازف السنطور الأول وسام أيوب ولعازفي القانون الفنان جميل الأسدي  والناي الفنان عدنان شنان ولعازفي الرق المبدع عبداللطيف العبيدي والطبلة  أنمار العوفي والطار إيهاب العزاوي وهم بمجموعهم يكونون أعضاء الفرقة الأجمل تراثيا وحداثيا... 
 
 
 
 
برنامج حفل  فينندال
سيدة المقام العراقي فريدة
بقيادة الفنان
محمد حسين كمر   آلة الكمان
والفرقة الموسيقية
وسام العزاوي            سنطور
جميل الأسدي              قانون
عدنان شنان                  ناي
عبد اللطيف العبيدي         رق
أنمار العوفي               طبلة
إيهاب العزاوي              طار
 
البرنامج

 
1- موسيقا  دشت وين ابن الحلال من تراث زهور حسين ومن ألحان عباس جميل وكلمات عبد الكريم العلاف
سبحان الجمعنا بغير ميعاد غناء -- من تراث  وحيدة خليل   
موسيقا  أم العيون السود -- من تراث  ناظم الغزالي
****************
2. عليش تغيب عني  من ألحان وتوزيع  محمد حسين كمر  وكلملت  محمد المحاويلي
أغنية مجرد   كلام   من تراث   رياض  أحمد    وألحان جعفر الخفاف  وكلمات طاهر سلمان
**********************
3- أغنية جوز  منهم  من تراث   عفيفة أسكندر     ألحان وكلمات  خزعل مهدي
***********************************
4- عالشوملي  من  تراث  القديم   الأعداد الموسيقي   محمد حسين كمر
*********************
مقام  لامي   وأغنية هذا الحلو كاتلني يا عمة  من تراث   لميعة توفيق   ألحان  محمد نوشي
**********************
6- دلل لول يالولد يبني موسيقى  الخشابة
ويل   قلبي  شهل المصيبة  من التراث القديم   الأعداد  الموسيقي محمد حسين كمر
*************************
المربعات 7.  يمة انباك رجلي   + خدري الجاي  خدري    سودة علية  الماخذت حياوي
 

76
الحرمان من المشاركة في الانتخابات
 بين الأصول القانونية ودوافع الصراع على السلطة
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
tayseer54@hotmail.com

 
في الطريق إلى الانتخابات العراقية وظفت قوى سياسية عديدة مساحة تأثيرها في القرار الوطني بمختلف مستويات العمل المؤسساتي الرسمي وغيره.. وعلى سبيل المثال عملت طوال وجودها في المسؤولية على تقاسم المسؤوليات الوظيفية بحسب سلطتها وتنفذها فاحتلت مواقع المسؤولية لا الوزارية حسب بل وأغلب مفاصل المسؤوليات الحكومية حتى حدود الدرجات الوظيفية الدنيا...
ويعرف المواطن العادي معنى التزكية الحزبية شرطا لحصوله على وظيفة  يستحق على أقل تقدير التنافس عليها في ضوء آليات إعلان رسمي لاختيار الأكفأ، الأنسب والأنزه.. ولطالما نظم العراقيون احتجاجاتهم على فلسفة المحاصصة وتوزيع الوظائف على أناس لا علاقة لهم بالكفاءة ولا بالتخصص  المطلوب... وهو ما تمَّ تأشيره في انتخابات مجالس المحافظات التي توجهت بالتصويت لمن تقدم بمشروعات تطهير المؤسسات واعتماد معايير دولة القانون...
وما توقف الأمر عند هذه الحدود.. فبغاية العودة عبر الانتخابات التشريعية الجديدة جرى تفصيل قانون الانتخابات بطريقة أثارت غضب المواطن العراقي لعلمه بأن محاولات مصادرة صوته قد تمت شرعنتها سلفا خلافا لإراداتهم وللدستور الذي أقرّوه. وهكذا فإن ملايين الأصوات ستذهب بطريقة مقننة لصالح القوى المسيطرة على مفاصل مؤسسات الدولة العراقية حاليا.. وهي قوى عرف الشعب حجم إيذاء (فلسفتها وأدائها) لأوضاعه وتعارضها مع تطلعاته وحاجاته ومطالبه...
وهكذا باتت الأمور مهيأة لانتخابات تكتنفها الكثير من الثغرات والنواقص.. ولكن القوى الوطنية مصرّة على التمسك بحق المواطن في خيار العملية السياسية وفي السير بتطويرها سلميا وتنزيهها وتطهيرها من مثالبها وما يعترضها تدريجا وسلميا ومن داخلها...
ومن هنا صار على الجهات القضائية الانتباه إلى الدور المعوّل عليها كونها الجهة التي ينبغي أن ترتقي إلى مستوى المسؤولية والتعبير عن تطلعات الشعب بفئاته العريضة إلى تحقيق عمليات التطهير ومنع إعادة العناصر التي ثبت بالدليل القاطع ممارستها ما يخالف المصالح الوطنية العليا..
ونتذكر جميعا اكتشاف عناصر واصلت العمل في أجهزة أمنية مخابراتية أجنبية إقليمية أو دولية فيما تحتل مناصب ومسؤوليات برلمانية وحكومية مهمة! ونعرف سويا أن بعضهم تلطخت أياديهم بجرائم التطهير العرقي الطائفي بشكل شخصي أو من خلال مسؤوليته في ميليشيات طائفية معروفة وآخرين أشارت الحقائق الرسمية إلى مشاركتهم بالفساد وجرائمه الكبرى ولا نشير هنا إلى سارق الدينار بل إلى من هو أكبر بما لا يقارن.. ومن ضمن الجرائم التي يطالها القانون بهذا الخصوص أيضا التستر على هؤلاء المجرمين المفسدين وتهريبهم كما جرى في جريمة مصرف الزوية وغيرها..
فيما هناك عناصر أخرى ممن يجب تقديمها للمحاكمة بناء على جرائم لا تسقط بالتقادم لأنها جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة لمجموعات متنوعة من شعبنا ولجرائم تصفية دموية وأعمال عنفية مختلفة طاولت مناضلي شعبنا وقواه الديموقراطية في مرحلة النظام السابق، بالتحديد من تسلل منهم عبر المداهنة ولبس الأقنعة الملونة والانضواء في أحزاب سياسية عديدة تعمل اليوم في ظل الحريات التي تطلع إليها شعبنا..
إنَّ قضية التحقق من صدقية هؤلاء ونزاهتهم وتوافر الشروط المدنية السليمة لمشاركتهم في الترشيح للبرلمان العراقي تعتمد على قضاء نزيه وحيادي عادل لا يقرأ الأمور ويفحصها بعين طائفية أو فئوية أو حزبية بل بعين وطنية إنسانية قانونية بالمقام الأول والأخير.. ومن يمارس مهمته القضائية بهذه الموضوعية المنصفة لن يخدم الوطن بإطار الخدمة الوطنية العامة حسب بل سيخدم حركته التي يميل إليها حيثما طهَّرها من العناصر السلبية المريضة.. فيما سيكون تغليب الميل الحزبي والفئوي الطائفي (بطريقة انصر أخاك ظالما أو مظلوما) لا معاداة للوطن والآخر بل إضرارا بالذات أيضا...
فالصحيح الصائب أن يجري تعميد الحركات السياسية وممثليها بالأكفاء الأوفياء النزيهين واستبعاد من ثبت تورطه بجريمة أو تم تشحيص عدم كفاءته أو انتفاء نزاهته وأمانته حسب سيرته الذاتية وشهرته أمام العامة.. وللحركات والأحزاب التي باتت تزعم مغادرة البرامج الطائفية وتركها لها وتعلن الالتزام بمصالح الشعب والروح الوطني، أن تؤكد هذا الادعاء بتقديم لا البرامج التي تتحدث عن الوطنية بكلام دعائي سيُنسف في صبيحة إعلان نتائج الانتخابات بل بتقديم وجوه وطنية جديدة غير تلك التي مارست أنشطتها في ميليشيات الحرب الطائفية والعمل السايق (وربما الحالي) في أجهزة مخابراتية أجنبية...
طبعا يجب عدم استثناء شخصية من عرض السيرة الذاتية على القضاء والجهات المسؤولة عن الانتخابات.. ولكن يجب أيضا ألا ندخل في نفق تجيير سلطة التدقيق في السير الذاتية لصالح قوة حزبية أو أخرى وهنا يبرز اليوم حال استغلال الوجود في سدة السلطة لتصفية الحسابات مع الخصوم.
فمثلا لا ينبغي للتدقيق أن يمضي على أسس غير دستورية وغير قانونية.. ولنتذكر هنا مشكلة اجتثاث البعث التي باتت تستخدم لجهة على حساب أخرى كما باتت تستغل بطريقة لا تستبعد (فكر) البعث الشمولي  الفاشي ولا آليات عمله حيث الهدف في العراق الجديد فكر وطني ديموقراطي سلمي يحتضن الحريات وسمو حقوق المواطن العراقي إنسانا بكامل الحقوق.. وعبر هذه الآلية التي عانى من تكرار استغلالها وتشغيلها في عمل (مسؤولين ومؤسسات حكومية) باتت إعادة إنتاج ذات اللهجة الاستغلالية المعادية لمصالح المواطن ما لا يوقفه استبعاد شخوص والتظاهر بمعاداة البعثفاشية بهذه الاستبعادات غير الصائبة..
والصائب هنا أن نعمد إلى ثقافة مختلفة نوعيا عن تلك التي يمكنها أن تكرر أفعال البعث الإقصائية التي ظلت تجري على التهمة وعلى الهوية؛ وأن نمارس آليات عملنا على أسس قانونية دستورية. بمعنى من لم يشمله  قرار قضائي يجرِّمه ويدينه لا نكتفي بالتهم ولا بالإقصاء وسيلة  لإبعاده.. ولنعمد إلى القانون وإلى القضاء كيما يأخذ حقوقنا وحقوق الشعب العراقي.
يجب ألا نعيد آليات الزمن الإقصائي للعمل. كما يجب ألا نوقع العملية السياسية في مطبات تكثير أعدائها في وقت نحتاج لتطمينها وتطويرها وتعزيز جمهورها وتوسيعه.. ومن نختلف معه سياسيا وفكريا لا يمكن أن نحتكم في صراعنا السياسي معه إلى آلية الإقصاء غير الدستورية غير القانونية... فهذا يدفع بجمهور عراقي إلى أحضان الآخر الذي يدعو لاستبدال العملية السياسية وإحلال العنف ومزيد من دواماته بديلا.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، نحن بحاجة لتحريك القضاء العراقي ليحاكم أي متهم بخيانة الوطن والشعب  بلا استثناء وأن تصدر القرارات العادلة التي تستند للوقائع فتكون حصننا المكين ضد فلسفة الثأر والانتقام وضد فلسفة التطهير اللاإنسانية التي تسمح للحاكم بإلغاء الآخر وإقصائه ومصادرته على وفق فلسفة من ليس مع الحاكم ليس مع الوطن والشعب.. ومن ليس مع الحاكم خائن بحكم (قانون الحاكم وقراراته) تلك الفلسفة التي تختزل مقياس الوطنية بهذا الذي يحكمني اليوم ظلما..
فقد يكون الحاكم ذاته هو الخائن وهو المعتدي كما في الطاغية المهزوم.. إن دولة مؤسساتية تحتكم إلى الدستور والقانون لا تسمح باستبعاد المواطنين عن المساهمة في الحياة المدنية وفي العيش المشترك  أيا كانت أفكارهم طالما التزموا بالقانون وطبقوه وساروا على وفق شروطه التي أقرها المجتمع..
ويلزمنا منذ الآن أن نواصل المثابرة والعمل على عزل الأفكار المرضية المعادية لمصالح شعبنا وألا نتستر باستبعاد الشخصيات بل أن نأتي بها (أي الشخصيات) التي قضى القانون  بانطباق شروط الكفاءة والسلامة المدنية وعدم وجود إدانة قضائية لها.. فكل ما عدا ذلك هو توتير للأجواء ودفع بقوى منها فئات شعبية لأحضان التشدد والعزلة ومفارقة العملية السياسية وهي من ثمّ جريمة بحق الوطن والمواطن لأنها تدفع لانقسامات في الوسط الشعبي ولافتعال صراعات طائفية وغيرها..
ومرة أخرى نذكر نموذجا لمجريات الأمور اليوم. فمع  أنني شخصيا لست ممن يرون صواب انتخاب شخصية صالح المطلك إلا أنني أرى في مثال محاولة استبعاده بالطريقة التي جرت نموذجا مثاليا للممارسات اللاقانونية التي تعد خطوة (سواء بقصد أم بغيره) في طريق إفشال العملية السياسية والتحضير لمسلسل آخر من المشكلات والعنف والتوتر في أثناء وما بعد الانتخابات..
يلزمنا هنا مراجعة جدية مسؤولة ومنع تحكم طلبات قوى إقليمية أو ضغوطها في قرارات عراقية.. ويلزمنا ألا نقبل قرارات انفعالية مندفعة أو متشددة منحرفة عن القانون ومطالبه وسلطته.. وعلينا أن نتحكم في توجهاتنا وأن ننزه عضوية حركاتنا ونستبدلها بعضوية شخصيات وطنية تمثل الكفاءة والنزاهة ومنع ازدواج التبعية بين العراق وأية مرجعية أخرى..
كما يلزمنا أن نحدد عضوية البرلمان بشخصيات عراقية صميم، وطنية الأهواء والأهداف، ما يفرض ألا يكون عضو البرلمان قد سبق أن عمل لصالح جهات أجنبية (مخابراتية تحديدا) وتلكم طامتنا الكبرى الأساس..
إن علينا أن نلتزم سويا بالأصول القانونية للتعاطي مع قضية حرمان شخصية أو مشاركة أخرى وأن نبعد المسألة عن الانحياز لطرف في الصراع السياسي مبقين القرار بيد القضاء المستقل وعدالته، أي بيد المصالح الوطنية العليا.
وبالطبع لا متهم هنا ولا اتهام إلا بمسوغات حقيقية يتبناها القضاء. ولنعجِّل من إصدار قوانين ملزمة للسلوك الانتخابي وللأحزاب وتشكيلها وعضويتها ولوقف التدخلات والمصادر غير الوطنية.. فهلا التفتنا إلى الأمر بروح مسؤول؟ وهلا تداركنا الأمر في الوقت المناسب وقبل لات ساعة مندم؟
 
 

77
الواجب الوطني في الدفاع عن حقوق المجموعات القومية والدينية واحترام الآخر وتطبيق مبدأ المساواة والإخاء

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
tayseer54@hotmail.com

مذ تأسيس أول دولة في التاريخ البشري، وتحديدا في دولة المدينة في الحضارة السومرية ثم فيما تأسس من وجود حضاري ودول ما بين النهرين حيث مشاركة تامة بين شعوب أبناء هذه الدولة العتيدة التي قدمت للعالم أولى أسس التنظيم وقوانين الحكم وسجلات حقوق الإنسان ومنها حقوق المجموعات البشرية المتنوعة الألسن والهويات الإنسانية..
وبقي العراق وريث هذه الدولة ومجد حضارتها يحتضن الأطياف القومية والدينية وتعدد المعتقدات والمذاهب والاجتهادات، محافظا على سجل التفاعل الإيجابي البناء القائم على الطيبة والتسامح والتعايش السلمي وعلى احترام الأنا والآخر وتبادل العلائق الإنسانية من منطلق المساواة والعدل والإنصاف ومن منطلق ممارسة كل ما يؤكد عمق الإخاء بين جميع الانتماءات الدينية وأشكال التعددية في إطار الوطن الواحد...
لقد مورست علاقات الجيرة والجلوس على سفرة واحدة ومائدة واحدة وطبق طعام واحد وتبودلت كل أشكال العلاقات الإنسانية في الأفراح والأتراح واشترك العراقيون من منابتهم المتعددة في السكن الواحد وفي المشروعات التي جمعتهم سويا وانتسبوا لذات الأحزاب الوطنية والجمعيات الوطنية والمنظمات الوطنية والمدرسة ذاتها والجامعة نفسها والدائرة الحكومية والخاصة الواحدة..
كما تعانقت تضحيات وطنية من ألوان الطيف القومي والديني والمذهبي من دون التفكير بمثل هذي التقسيمات والتوقف عندها بوصفها شكلا معيقا أو مطلوبا التفكير به لأي سبب سلبي.. وكان العراقي في أي مجال يوجد فيه يدخل مباشرة في الإشكالية أو الموضوع أو النشاط ومفردات عمله وآليات تفعيله من دون أي توقف عند موضوع الانتماء القومي الديني المذهبي...
إذن كان الجوهر الإنساني البحت والوجود الوطني هو ديدن العراقي في علاقاته بأخيه العراقي.. وما كان يوما يفكر بإشكالية اسمها العلاقة بين مسلم ومسيحي وأيزيدي ومندائي ويهودي بطريقة تثير العراقيل أو العقبات أو المشكلات من أي مستوى أو نمط..
ومن ينظر إلى خريطة السكن وجغرافيا العيش كما سجل ذلك التاريخ وكما هو في عيشنا المعاصر والحديث سيجد بوضوح مثل هذا التشابك والتداخل في النسيج الوطني للعراقيين والجوهر الإنساني الذي يرفض وضع عقبة اسمها التعددية الدينية المذهبية..
وهكذا صوّت العراقيون على دساتيرهم وقوانينهم الناظمة لحيواتهم على أساس التوكيد على مبدأ المساواة والعدل والإخاء.. ومن هنا صرنا أمام مسؤولية الدفاع عن تراثنا ومبادئ عيشنا التي اخترناها على أساس لا الإقرار بالمبدأ فقط وإنما على أساس العيش على وفقه وفي ضوء مضامينه السامية النبيلة...
وفي ظرف العراق الجديد، تصاعد لأسباب باتت معروفة نهج التمييز العرقي القومي الديني المذهبي الطائفي؛ ما دعا العراقيين ويدعوهم للانتباه إلى تداعيات مثل هذه السياسية وفلسفتها العنصرية الشوفينية وما ستؤديه من نتائج كارثية لا على صعيد الانقسام واختلاق أو افتعال العقبات والعراقيل بل على صعيد إيجاد فرص الطمأنينة والعيش الآمن للجميع..
من هنا كان لابد من الوقوف بوضوح وبصوت عال ضد أية محاولات تنال من قيم الدستور والقوانين التي اتفق العراقيون على تطمينها لحقوقهم العادلة في المساواة والتكافؤ والعدل في فرص العيش وفي العلائق السليمة بينهم..
وصار لزاما التوكيد على وطنية العلائق وعلى الجوهر الإنساني الواحد الذي لا يعيق حق عراقي عن أداء مهمة أو وظيفة أو واجب أو تسنم مسؤولية وطنية عامة أيا كان انتماؤه القومي أو الديني حيث المساواة أساس المبادئ والقيم في الشأن العام...
ومن هنا ننتظر تحويل كل حدث يتجاوز على مبدأ المساواة إلى قضية رأي عام..
كونها تمس الإجماع الوطني وتتعارض مع الوجود المشترك الآمن.. وقد حدث في الآونة الأخيرة أن علت أبواق نشاز في الحياة العامة مستغلة (بعض) المنابر الدينية عن جهل وتخلف وعن مقاصد سياسية مريضة وهي لا تمتّ إلى الدين الحق بصلة؛ كما هو الحال مع تعالي صراخ (متشددين) في أحزاب الإسلام السياسي مستغلين الجوامع وخطب الجمعة ليفتعلوا أزمات ضد تسنم عراقيين من ديانات غير دينهم للمسؤولية العامة..
وتحديدا في كوردستان العراق  جرى بمدينة حلبجة التحريض ضد القائم مقام الجديد المعين في ضوء خبراته وشهاداته وكفاءته ونزاهته من قبل حكومة الإقليم.. وإذا ما تركنا مثل هذا التحريض يمر فإنه يمكن أن يتكرر في مواضع أخرى من بلادنا كما سيفضي هذا إلى ترك الإقليم لممارسات التشدد الإسلاموي المعادي بجوهره لمبادئ الدستور وحقوق الإنسان والمعادي للوسطية والاعتدال ولجوهر العلاقات السليمة بين أبناء الديانات كافة على أساس إنساني الجوهر..
إن الحملة المعلنة اليوم لا ينبغي أن تبقى محدودة لا بأبناء المدينة ولا بأصدقائهم بل ينبغي أن تمتد إلى أرجاء الوطن وجميع العراقيين من مختلف الأعراق والقوميات والديانات والمذاهب كيما يثبتوا أن عمق الوحدة الوطنية ما زال حيا  وما زال قادرا على التصدي لهذه الخروقات السياسية للمتشددين ومنعهم من فرض قيمهم المرضية على مجتمعنا..
إنّ مثل هذه الأنشطة هي بالونات اختبار وتحديات ستتفاقم وتودي بالاستقرار ليس في إقليم كوردستان حسب بل في البلاد وبالمنطقة.. ومن هنا وجب التصدي الحازم لأي ظهور هنا أو هناك لمثل هذه الجرائم بحق الإنسانية والدستور وحقوق المواطنين وإنصافهم..
وإذا ما كان حجم التصدي نوعيا ومميزا وكبيرا فإن ذلكم سيكون إشارة جدية مسؤولة من المجتمع ليقول للمتشددين كفى ولا مجال لوجود أنشطة التخريب في النسيج الاجتماعي ولا مجال لفرض مبادئكم التكفيرية التحريمية وأفعالكم الضلالية المعادية للوجود الوطني الإنساني وقيمهما..
وإنني هنا أذكِّر بأن مشاهد التشدد التقسيمية المرضية صارت مشهدا يتسع ويتكرر في أرجاء الوطن الواحد فبتنا نسمع عن منع (طبيب متشدد) مريض الفكر والفؤاد، لمسلم من أن يتبرع بدمه أو عضو سليم لأخيه المسيحي أو الأيزيدي وصرنا نسمع ونرى حالات حظر السكن في حي أو مدينة لمسيحيين أو صابئة مندائيين فأما أن يُسْلموا أو يرحلوا أو تتم تصفيتهم الدموية البشعة! وأصبحنا على مشاهد همجية ليس لها لا أول ولا آخر..
لن يوقف هذا مطالبة حقوقي أو منظمة عظيمة الأهداف ولا العنف وصراعاته ولكن من يوقفه هو الصوت الشعبي الأوسع والأكبر والأكثر وحدة وإصرارا على التصدي..
إن ممارستنا ثقافة التسامح والتعايش السلمي كما كان تاريخنا الممتد آلاف السنوات الشداد وما اكتنفها من انكسارات عنفية للدولة العراقية وحضارة وادي الرافدين، إن ذلكم هو انتصار ثقافتنا الإنسانية الجوهر والمقاصد والمبادئ كما حصل دوما وعاد مجتمعنا الموحد بنسيجه التعددي وأطيافه وألوانه وتنوعه..
اليوم سيداتي سادتي، أنتظر منكم أن تؤكدوا هذا الموقف التاريخي المنتظر وتكون تحدياتنا في المواقف المنتشرة هنا وهناك ذات موقف عميق مميز كبير بمستوى المؤمل منّا جميعا وليس صعبا توسيع حملتنا من أجل أن تمضي سفينتنا بسلام وترسو في موانئ الوطن بأمان وأول المطالبين بموقف التوكيد هذا هم العراقيين من المسلمين والعرب بوصف التهمة تتجه لتصم جباههم بالتشدد ضد الآخر المنسي الذي يُضام يوميا من (متشددين) يدعون زورا وبهتانا تمثيلهم للمسلمين ولدينهم ومبادئه الحنيفة السمحاء وما هم كذلك..
فالثقافة أيها العراقيون النجباء، هي محصلة ممارساتنا وهي نتاج إيجابيتنا أي مشاركتنا الآخر همومه ومشكلاته وأفراحه وأتراحه.. فهلا وضعنا أسماءنا هنا حيث يُنتظر أن نؤكد فلسفة التسامح وثقافة التعايش السلمي بيننا نحن العراقيين من دون تمييز قومي أو ديني أو مذهبي أو غيره.. هلا وضعنا توقيعنا وإمضاءنا حيث يُنتظر منا أن نؤكد رفضنا لأفراد من المهووسين المتشددين  المرضى من جهلة الفكر والدين ممن يريدون أن يفرضوا علينا فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان؟!
هلا وقفنا وقفتنا الوطنية التي تعلن بوضوح أننا عراقيون أولا وآخرا وأننا متساوون ولسنا بحاجة لجهلة يسوسون قيادنا كما هؤلاء المرضى الذين ما أن تجلببوا واعتمروا الأعمة حتى تخيلوا أنهم صاروا مراجع بديلة عن الأسوياء من المراجع الوطنية والدينية والفكرية!
تفضلوا لمناصرة كل ما هو إنساني سليم ولكل ماهو وطني سليم ولكل ما ينتمي للمنطق العقلي التنويري ولكل ما يؤكد سلامة إيماننا بمبادئ العدل والتسامح والسلام ولكل ما يؤدي بنا لتوكيد إخائنا ووحدتنا..
وبين أيديكم نموذج من حملاتنا وما يحدث اليوم من وقائع.. ضعوا لا توقيعاتكم وإمضاءاتكم حسب بل تعليقاتكم التي تنبع من فلسفة الوسطية والاعتدال وإلإيمان بوحدتنا الوطنية الإنسانية في إطار احترام تام لتعدديتنا وتنوع أطيافنا.. وتلكم هي حكمة حملة يُنتظر ألا تكون باسم واقعة لمواطن عراقي  كاكائي حسب بل هي لمبدأ المساواة بين مواطني العراق كافة نؤكد تسامينا به وإيماننا به بلا منازع ولا تردد..
 
حملة تضامن من أجل تطبيق المساواة والعدل في تسنم أبناء المجموعات القومية والدينية المناصب الحكومية
تضامنوا مع تسلم المحامي السيد كوران أدهم مسؤولية قائم مقام حلبجة
في موقف حكومي سليم، قررت حكومة إقليم كوردستان تعيين المحامي كوران أدهم بمسؤولية قائم مقام مدينة حلبجة.. وذلك بعد هروب القائمقام السابق عقب اختلاسه مبالغ مالية من المشاريع التي كانت قيد التنفيذ في المدينة. وبعد مطالبة عدد من ذوي الشهداء وأبناء المدينة بتعيين المحامي السيد كوران أدهم بديلا رسميا جديدا، بالاستناد إلى تاريخ هذه الشخصية النزيهة الكفوءة، وكونه أحد المحامين الذين حضروا محاكمات قضية الأنفال وقضية التطهير العرقي ضد الكورد وكونه رئيس هيأة المحامين في قضية قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية وقضية كانى عاشقان التي راح ضحيتها عدد كبير من أهالي حلبجة.. بعد تلك المطالبة العادلة السديدة، قامت حكومة الإقليم بتبليغه بقرار تعيينه قائم مقام حلبجة على وفق القانون وبناء على ما كفله الدستور من مساواة وعدالة في تسنم المناصب الحكومية من قبل جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والدينية...
 إلا أنه بمجرد وصول خبر هذا التعيين الإداري السليم، اندفع (بعض) المفسدين الذين لم يجدوا شيئا ضد المحامي نزيه السيرة نظيف اليد والناشط في مكافحة الفساد وإحالة عدد من المفسدين ومن أزلام النظام السابق إلى القضاء، اندفعوا لتحريض ثلاثة ممن يسمون بـ(الملالي) ليستغلوا المنابر الدينية في الجوامع المساجد وغيرها محاولين إثارة نعرات الفرقة والشقاق بين أبناء المدينة بذريعة أن هذا المحامي من الديانة ((الكاكائية)) ولا يجوز تعيينه قائمقاما على المسلمين كما حدث في خطب الجمعة 25/12/2009 وأنشطة تحريضية أخرى..
إن هذا النشاط التحريضي ينافي أبسط حقوق الإنسان والمواطنة ويتعارض وما يكفله الدستور في حق تسنم جميع المناصب الحكومية الرسمية بلا تمييز عرقي أو ديني.. وفي ضوء ذلك، نطالب الأصوات الحرة النزيهة لتوقيع هذه المذكرة التي تؤكد حقوق جميع المكونات القومية والدينية في العمل بدوائر الدولة وتسنم المناصب والمسؤوليات في ضوء الكفاءة والنزاهة ولتكن مساندتنا للمحامي كوران أدهم مفردة في التصدي لحملات التحريض المثيرة لنعرات التمييز الديني والاحتراب بين أبناء الوطن الواحد لذرائع دينية طائفية فيما أهدافها تبقى في حقيقتها محاولة لإبعاد الشخصيات النزيهة الكفوءة عن تسلم المسؤوليات وهو ما سيفضي لمزيد من أعمال الفساد والمفسدين. ولنواصل العمل من أجل وقف حملات التحريض المرضية كافة ومتابعة القائمين بها قانونيا واجتماعيا سياسيا بوصفهم يمارسون أنشطة تتقاطع والدستور وحقوق الإنسان والمساواة بين المواطنين وفضلا عن ذلك فإن تلك الحملات لن تؤدي إلا إلى الاحتراب وزعزعة الاستقرار والسلم الأهليين وضرب العلائق المتينة بين نسيج المجتمع الواحد... وممباركة جهود التصدي لهذي الجريمة والارتقاء بوعي التعايش المشترك بين أبناء مجتمعنا ذي الطابع التعددي المتنوع...


أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي البرلمان الثقافي العراقي في المهجرجامعة ابن رشد في هولندارابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
أ. علي محمود سياسي
أ. دلشاد خضر
لتوقيع الحملة يرجى التفضل بالدخول في هذا الرابط:
http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=190



78
الحريات الدينية والصراع السياسي بين التشدد والتسامح

حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا نموذجا

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

أثيرت ضجة كبيرة حول نتائج الاستفتاء السويسري بشأن حظر بناء مآذن جديدة هناك. وكثيرا ما سمعنا تهديدات مقابلة بمنع الكنائس في بلدان (إسلامية).. فضلا عن تأويلات متطرفة  تلوي أعناق الحقائق كيما تصل إلى مبتغاها في رسم هدف أو آخر في الصراع السياسي الذي تفتعله بالضد من مصالح الشعوب وتطلعاتها للقاء والتعايش السلمي والتفاعل الإيجابي القائم على تعزيز الثقة بينها وعلى توظيف خطاب التسامح والسلام...

لقد جاء الانعطاف بتصاعد حجم الخشية والخوف من أسلمة أوروبا واختراقها بالخطاب السياسي المتشنج للتطرف الإسلاموي في ضوء نشاط متصاعد لليمين المتطرف أوروبيا؛ ذاك التصاعد الذي يعود إلى خطاب تضليلي يستند إلى الجمع بين الرموز الدينية والأنشطة الإرهابية للمتطرفين (الإسلامويين) ولسياسات (بعض) الدول (الإسلامية) المتشددة وأخطائهما في التصعيد وفي توتير الأجواء مع الآخر...

لقد ظل هاجس التطرف الإسلاموي عاملا خطيرا بيد المتشددين من اليمين الأوروبي كيما يرعبوا به الشعوب الأوروربية.. وهذا التطرف الإسلاموي هو واقع ينتشر بتنظيماته الإرهابية في بلدان العالم الإسلامي من طالبان أفغانستان وباكستان إلى أنصار القاعدة وخلاياها الإرهابية في بلدان  شرق أوسطية إلى الجماعات المتطرفة المتشددة من إسلاموي الجزائر والمغرب إلى حزب الله وحماس وليس انتهاء بإرهابيي اليمن والصومال والجنجويد وغيرهم..

كما تتمثل حالات الرعب والهلع التي تسود المجتمع الأوروبي في رسائل سلبية تتلقاها من عدد من النظم التي تتحكم ببلدان (إسلامية) كما في رسائل التسلح المبالغ فيه ومن ذلك أسلحة كيمياوية وبيولوجية ونووية تصر عليها تلك النظم بالضد من إرادة المجتمع الدولي وبالضد من مصالح شعوبها وتطلعاتها للتعايش السلمي..

فضلا عن ذلك فإن درجة تنظيم الجاليات العربية المسلمة ومستويات الوعي فيها ودرجة الفاعلية ومستوى الاندماج والتفاعل مع محيطها ما زال قاصرا وليس بالنضج المناسب للتأثير، بخاصة في ضوء عدم وجود دعم جدي حقيقي للقوى العلمانية المعتدلة فيها بمقابل تمرير أشكال صلات أو دعم للقوى المتشددة فيها ما يعكس نموذجا سلبيا خطيرا بتأثيراته في محيطه.

إذن فنجاح اليمين المتشدد أوروبيا لا يأتي من فراغ ولا يتم لمجرد دعاية بلا أساس؛ بل يتم عبر استغلال وقائع ملموسة تمثل (هدايا) من المتشددين الإسلامويين لتعزيز تصاعد وتيرة الصراعات وانقسام المجتمع الدولي على أساس مزيد من التشنجات والمخاطر بتفجر حروب إقليمية وغيرها.. كما تذكي عنجهية طرفي الصراع حالات العنصرية والحذر (غير المبرر في كثير من الأحيان) من وجود الجاليات المسلمة والعربية والشرق أوسطية في أوروبا.

إنّ عوامل القلق ودوافعه تتصاعد بتصاعد خطاب التوتر والتشنج وبالتصعيد القادم من الشرق حيث وباء التطرف والإرهاب على أشدّه..

لقد ذاقت أوروبا الأمرَّين من الصراعات الدينية الطائفية وحروبهما ومن العنصرية الفاشية وكوارثها.. وحتى عبرت أوروبا نحو السلم والديموقراطية دفعت الأثمان الباهضة من دماء شعوبها.. ولهذا فإنّ أي طرف  يذكـّرها باحتمال سطوة قوة تعيدها إلى هذي الأجواء سيحصد تصويتا لافتا لصالحه لأن ذلك يعبّر عن خشية فعلية من حدوث ما يمكنه تهديد السلم والأمن الذي صنعته تضحيات تلك الشعوب في طريقها للتقدم نحو الديموقراطية ونظامها المكين..

ومع ذلك ينبغي لنا التأكد من أن مستوى الثقافة ودرجة الوعي السياسي لشعوب أوروبا ليسا كما كان لحظة الخروج من صدمة آخر الحروب الكونية التي عصفت بأوروبا تحديدا.. وهذا ما يسمح باختراق هذا الوعي من القوى العنصرية ومن اليمين (الأوروبي) المتشدد وحتى من صعود نجم الفاشية الأوروبية مجددا..

إنّ هجوما دبلوماسيا وإعلاميا (إسلامويا) على الموقف الرسمي العربي كونه يتعاطى بهدوء وموضوعية مع إشكالية صدور قرارات سلبية ناجمة عن تصاعد اليمين المتشدد أوروبيا، هو واحد من مفردات التشدد والتطرف الإسلاموي الذي لا يؤدي إلا إلى مزيد من تداعيات سلبية تبقى تضخ في ماكنة الصراع والأزمة المفتعلة طاقات مضافة..

وما ينبغي في مثل هذه الأحوال هو تعزيز خطاب التعايش السلمي بين النظم الرسمية والتجمعات الدولية المختلفة في أيديلوجياتها وأفكارها ونظرياتها السياسية والاقتصا اجتماعية ويمكن لرسالة استراتيجية للنظم الرسمية العربية والإسلامية بمؤتمر من مؤتمراتها أن تؤكد مثل هذا الاتجاه.. وسيكون لتطمين الثقة بخاصة بين الجاليات العربية والمسلمة  ومحيطها الأوروبي الذي تحيا في كنفه ليس بالاندماج حسب بل بالعيش على أساس وضوح خيار الانتماء إلى هذا المحيط جنسية رسمية فرصته المكينة لتعزيز الطريق نحو أفضل ممارسة لفلسفة التعددية والتنوع في بنية المجتمع الأوروبي الجديد...

وبدل الانقسام المفتعل على أساس وضع المجموعات الدينية المختلفة في مواجهة بعضها بعضا، نجعل من هذه المجموعات أبناء شعب واحد متعدد الأعراق متعدد الثقافات والقيم الروحية، يمارس جميع الطقوس والتقاليد الدينية والروحية الثقافية بحرية يكفلها الدستور الأوروبي بأسسه العلمانية ومبادئ الديموقراطية السياسية والاجتماعية السائدة هنا...

وطريقنا إلى هذا أن تكون امتدادات الجاليات وجذور هويتها القومية والدينية إيجابية الجسور في نقل رسائل التسامح والسلام والتعبير عن معادن الشعوب وتطلعاتها إلى التعايش والتفاعل إيجابيا.. ومن مصلحة الجاليات أن تؤكد حرصها على استقرار الأجواء وعلى تطوير أواصر العيش الإنساني المشترك وتطمين منافذ العلائق وتطويرها لتعزيز الثقة ولإزالة أية حالات تشوش أو التباس قد يتم استغلالها لافتعال الفرقة والاحتراب والمواقف العنصرية..

إنّ مساهمة جدية فاعلة في الحياة السياسية بما يعزز دور القوى المعتدلة المناصرة للتعددية والتنوع وللتعايش السلمي تظل مطلوبة على الأقل بالقدرات التصويتية لصالح تلك القوى الحية في المجتمع الأوروبي.. ويتطلب هذا منا دفعا لتغيير أدوارنا التفاعلية وطبيعتها ولإزالة الحواجز بين الجاليات ومجتمعاتها الجديدة..

ولابد هنا من مراجعة سياستنا في مد أيدي العون والدعم والمساندة  بعدم التوقف عند دعم المؤسسة (الدينية) من جوامع وجمعيات ملحقة بها وما يصلها من أموال وكتب وما شابه وإنما التوجه الرئيس لدعم الجمعيات المدنية الأهلية الثقافية والاجتماعية بأنشطتها وفعالياتها التي تحتضن الجاليات بطريقة موضوعية صحية صائبة وتدفعها لمزيد من الاندماج مع الآخر مع الاحتفاظ بجذور الهوية القومية الدينية الثقافية؛ ولدينا أمثلة هنا جمعيات ثقافية اجتماعية وأخرى مؤسسات ومراكز معرفية بحثية وعلمية تبقى بحاجة للدعم.. بينما التركيز على أشكال الدعم المتحدد بالمؤسسة (الدينية) البحتة سيزيد من القلق ويسمح بمرور بعض أشكال التشدد والتطرف لأسباب مقصودة أو غير مقصودة ما يثير التعقيدات الواضحة...

 والأمر الآخر الذي يلزم أن نكون على درجة من الوضوح فيه هو منع تسييس الخطاب الديني وتحديدا حال أسلمة الخطاب السياسي والدبلوماسي الرسمي والشعبي؛ فالشعوب الأوروبية التي قطعت شوطا من مئات السنين في الفصل بين الدولة والدين وفي علمنة  حياتها لا يمكنها إلا أن تساند قواها الحزبية المتشددة في معارضة هذا الخطاب السياسي (المؤسلم) الذي تراه يعيدها إلى مجاهل القرون الوسطى..

وللمسلمين من الجاليات القاطنة في أوروبا أن يمارسوا طقوسهم الدينية كافة في ظل الحريات وأن يمارسوا العمل السياسي باستقلالية إنما في ظل قبول بالتعددية وبالآخر وبحرياته وبخياراته وبامتناع ملموس عن إخضاع المدني الرسمي المجتمعي للديني، على أساس أن الدين لله والوطن للجميع أو على أساس ألا عودة للدولة الدينية بعد أن اختارت شعوب أوروبا بشكل حاسم ونهائي نظامها العلماني المدني الديموقراطي...

إنّ أي خطابات متشنجة وأية رسائل محافظة مغلقة وأية تقاطعات تناقضية ستدخل العلاقات في اختناقات أزموية غير سليمة.. وستخلق اختناقات متفاقمة تحضّر لأزمات واسعة أسهلها التصعيد العنصري والاحتراب في المجتمع الأوروبي وأبرزه تضييقات غير قليلة على الجاليات الشرقية العربية والمسلمة..

من هنا بات واجبا التعرف إلى مجريات الواقع وقراءته بموضوعية وهدوء والتعاطي معه من منظور استراتيجيات وخطط بعيدة المدى بما يدعم مواقف الديموقراطيين وأنصار السلم والتعايش الإيجابي ويفعّل العلاقات الإيجابية ويزيح فرص العنصريين والفاشست من العودة عبر منفذ الرعب وسيادة الهلع من الآخر المسلم بسبب (الإسلاموي) المتشدد ولندرك الأمور قبل فوات إمكانات السيطرة عليها..

وواجبنا مشترك لا نلقيه على عاتق النظم الأوروبية وعلى خروقات دستورية في إصدار قوانين متشددة تأتي فقط بسبب تنامي الخوف والهلع من الرموز (السياسية) للإسلام السياسي، حيث ينبغي أن نشاطر النظام الرسمي الأوروبي في تطمين أجواء التفاعل والاندماج فالجاليات التي توجهت للعيش هناك هي أيضا مسؤوليتنا نحن في النظام الشرق أوسطي العربي والمسلم..

وتأكيدا لا توجد خشية أوروبية شعبية من المسلم ولا من سياسي يؤمن بدينه ويمارس طقوسه الدينية ولكن بمعزل عن (أسلمة) فكره السياسي. فطبيعة الأوروبي تؤكد حرصه على سلامة نظام علماني مدني يستبعد العودة لتهديدات دولة دينية ومخاطر ما نجم عنها من مذابح ومهالك وكوارث في تاريخه (كما في القرون الوسطى) وكما يرى من فواجع دموية للنظام (الديني) في بعض الدول الإسلامية.

وعليه فرفض المجتمع الأوروبي الرسمي والشعبي ليس للدين ولا لرموزه.. والقانون والمجتمع الأوربيان يحميان هذه الحريات ولكن الرفض ينصب على رموز الخطاب السياسي المتشدد المتطرف، وهنا تحديدا ((الأسلمة)) ببعدها السياسي لا الديني بمعنى متحصل من رسائل (الإسلامويين) أنفسهم المتضمنة لكل ما هو متشنج متشدد مثير للاحتراب والقلق و زعزعة للأمن والسلم الأهليين.

وللتأكد من هذه الحقائق نشير هنا إلى موقف الفاتيكان من قرار حظر بناء المآذن بل وموقف جماعات يهودية وطبعا أخرى مسيحية واسعة فضلا عن قوى علمانية ديموقراطية وهي جميعها مواقف أكدت الحرص على ممارسة الطقوس الدينية وعلى الحفاظ على خصوصية الهوية واستقلاليتها كما في معمار المآذن.. لكنه لا يوجد طرف واحد يقبل بالتشدد الإسلاموي أو بأسلمة الحياة العامة بالمعنى السياسي لا الديني.. فمن يريد أن يسلم من أي دين أو من اللادينيين لا أحد يعترضه ومن يؤسس أحزاب (وإن كانت بخلفية دينية من أي دين كان) تلتزم بالقوانين العلمانية المدنية للدولة وأا يعمل على أسلمتها وإخضاعها لفكرة الدعوة للدولة الدينية يمكنه ذلك وقد حصل هذا بالفعل...

إذن لا قضية حظر المآذن ولا منع ارتداء الخمار أو البرقع (وليس الحجاب) هي قضايا منع ممارسة طقوس دينية فهذا أمر يبقى غير متاح أوروبيا لأن أوروبا ترفض المصادرة والمنع للحريات بأشكالها.. وإنما حصل هذا في ضوء التفاعلات الجارية عالميا تحديدا عبر رسائل المتطرفين في العالم الإسلامي ما يخدم قوى التطرف في أوروبا لتكسب أنصارا وتصويتا لصالح قراراتِ ِ،  بعضها يتقاطع وما يكفله الدستور أوروبيا..

ومع دعوتنا للموضوعية والاعتدال والوسطية ومع دعوتنا للإيجابية في التفاعل مع الآخر ومراجعة سياسات الدول المعنية شرق أوسطيا (العربية والمسلمة) نعمل هنا في الوسط الأوروبي كيما نشحذ الوعي بأهمية التعاطي بهدوء وتجنب طروحات اليمين المحافظ  ما يفضي إلى صعود القوى العنصرية  ويهيِّئ  لاحتمال عودة القوى الفاشية أو تنامي وجودها في الوسط الأوروبي الأمر الذي لا يعني إلا مخاطر تهديد الاستقرار والسلم أوروبيا فهذه القوى بحسب التجربة العملية لم تتجه بأوروبا إلا إلى الحروب العبثية الكارثية..

ونعوّل في جهودنا مع جميع الأطراف على وعي قوى السلم والحريات العامة بمعاني الإجراءات الكفيلة بضمان أفضل حالات التعايش واحباط ممارسات المتشددين من جميع  الأطراف... وليكن ديدننا وفلسفتنا تعزيز الثقة بين الجميع وتنمية خطاب التسامح واحترام الآخر وخياراته...

 

79
المرصد السومري لحقوق الإنسان
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
ناشط في مجال حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com

في عالمنا المعاصر لا يحيا إنسان بلا غطاء مؤسساتي ومن دون رعاية أو حماية جمعية منظمة تنظيما مؤسسيا يتناسب والدولة المعاصرة وتطور الحياة الإنسانية وعولمتها.. وتجتاح حالات استغلال الإنسان حمى التعديات والتجاوزات المغطاة بسلطة المافيات الدولية والقوى التي تعلو سلطتها فوق الحدود الوطنية ومحليا تبرز حالات الاستغلال هي الأخرى بتمويهات وأشكال من الأغطية والحيل التي تعبث بحيوات الناس ومصالحهم وحقوقهم الإنسانية..
وبمقابل كل أشكال الاستلاب والمصادرة والتجاوز والاعتداء على حقوق الإنسان الفرد والجماعة يتطلب الأمر مراصد حقوقية مستقلة تتابع تلك الحالات العدوانية الاستغلالية وتحصيها واضعة نصب العين أمر تحديد المسؤولية ومتابعة الجهود القانونية السلمية لإزالة أي حال من أحوال الاعتداء والعدوان..
ومن الطبيعي أن توجد جهود فعلية لناشطي حقوق الإنسان الفاعلين لكن تلك الجهود ستبقى محدودة الأثر وقد تضيع إذا ما بقيت بحدود الجهد الفردي.. ما يتطلب تعزيز مثل هذا النشاط بتحويله لجهد مؤسساتي جمعي تشترك فيه الأعمال التطوعية التعاضدية كيما تنتظم بعمل موحد مشترك يمكن أن تتسع دائرته وتصل إلى ابعد مواضع الخلل والثغرات والاعتداءات حتى تصل إلى حيث تتخفى كاشفة إياها مبيّنة  أول الطريق للوصول إلى الحلول الناجعة ومن ثمّ تطمين الحقوق العادلة المشروعة...
ولسنوات عمل كاتب هذه الأسطر على التعاطي مع شؤون حقوق الإنسان متفاعلا مع حقوق الأفراد ومشاركا في حملات الدفاع عن الجماعات القومية والدينية التي باتت تحت رحمة الاستضعاف والمصادرة والتصفية بكل مستوياتها المادية والمعنوية... ولكن تطوير هذا الجهد وتوسيع آثاره الإيجابية تبقى بحاجة لمأسسته وطلب الرفد الجماعي لكل شاردة وواردة كيما يتم متابعتها بدقة وبما تستحق من موقف مناسب وتلبية المطالب..
إنَّ عددا من الحالات كانت وما زالت تتطلع للمؤازرة والتدخل والمتابعة.. إذ ترد مئات الرسائل للبريد الشخصي، وعلى مدار العام في مناشدة حقوقية لا يمكن للجهد الفردي أن يغطي التفاعل معها مع أنها جميعا تمتلك كامل المشروعية والحقوق الإنسانية كيما تتم الاستجابة لها فعليا...
ومازالت مثلما  كانت أياما معقدة صعبة وعميقة الجراح أيام الصراعات الطائفية والحرب المستعرة في العراق، بالإشارة هنا إلى الاعتداءات التي طاولت بنات وأبناء المجموعات القومية والدينية من أيزيدية وصابئة مندائيين ومن مسيحيين ومن أرمن وكلدان آشوريين سريان ومن تركمان وكورد ومن الكورد الفيلية ومن مختلف الجماعات المتعايشة التي يراد لها الاحتراب بغية تصفيتها.. كما أن العراق بأكمله شعبا وأرضا صار مسرحا لانتهاكات وبلا من يتحدث باسمه وحقوقه ما تطلب حملات وطنية ودولية لفضح الانتهاكات العدوانية وتدخلات من عناصر من دول الجوار أو عبرها ومن قطع المياه وتجفيف مجاريها ومنابعها ومن تهديد الحياة بكل تفاصيلها بالتلويث البيئي بأشكاله وسرقة ثرواته المادية والثقافية سواء باحتلال آبار النفط أم السمسرة بمواطنيه أم سرقة أم حرق معالمه التراثية ووثائقه ومنجزاته.. وكل تلك وغيرها حقوق ثابتة تبقى بحاجة لرصد الانتهاكات بشأنها والدفاع عن مستحقيها...
وكانت أيام الاعتداءات على غزة وشعبها تتطلع بعيون الإخاء الآدمي وقوانين الشرعة الإنسانية كيما توقف نزيف الدم المباح بأسلحة محرمة.. وتتجه مطالب الحقوق شمالا حيث لبنان وأجوائه وجنوبا حيث حرب اليمن التي يشعلونها بحجج وذرائع مستمدة من المطامع الإقليمية ومن مشكل الديموقراطية السياسية والاجتماعية لتعبر إلى حيث دارفور وجنوب الشودان وشعبهما المستباح بكل المقاييس بمستويات هي الأسوأ همجية ودموية بخاصة في ظل عصابات الجتجويد ومن يقف وراءها...
وتعاني فئات مهنية واجتماعية واسعة من ضغوط الاضطرابات والظروف السياسية وصراعاتها في بلدان عديدة شرق أوسطيا وعالميا.. وحتى أوروبيا تقع أخطاء وممارسات بعضها يتسم بالعنصرية وبالاعتداء على حقوق الشغيلة المهاجرين وعلى أبناء الجاليات القديمة من الجيل الثالث والحديثة النشأة من أبناء الجيل الأول للهجرة الجديدة..
وما يرد من طلبات المساعدة يظل بحاجة لتفعيل الجهد بالاشتراك مع المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية والمحلية.. وبعض هذه المظمات بخاصة منها محلية الطابع تتشكل لدواقع  دعائية حزبية ضيقة ما يجعلها شريكا مباشرا في التغطية على انتهاك حقوق الإنسان كما في بعض ما يتسمى بمنظمات حقوق الإنسان (العراقية) وهي الأذرع الطولى في التضليل وفي فلسفة النفاق وممالأة الأحزاب التي تقف وراء التشكيل والتوجيه الفوقي..
إن تعقيدات من هذا النمط وغيره تراكم العراقيل بوجه العمل الحقوقي في بلدان الشرق وكذلك في البلدان الأوروبية التي تحتاج فيها الجاليات الجديدة إلى التعاطي مع منظمات مجتمع مدني حقيقية فاعلة تنصفهم وتتكفل في الدفاع عن حقوقهم بطريقة قانونية مشروعة وبصواب الأساليب وصحيحها بما يكفل حل المشكلات وإزالة المعاناة وفي ذات الوقت يحترم القوانين الديموقراطية في دول الاتحاد الأوروبي...
إنّ مجهودا جديا مؤثرا في المجال الحقوقي يتطلب:
1.     تنظيم العمل وتخطيطه مؤسساتيا بما يكفل التفاعل مع المطالب وحجم الانتهاكات  المتسعة مخاطره..
2.    عقد أشكال الصلات والعلاقات بين ناشطي حقوق الإنسان ومنظماته محليا عراقيا بما يحقق وحدة جهودها ويقوِّي من تأثيرها.. لحين توحيد تلك الجهود بطريقة مناسبة تنظيميا..
3.     عقد الصلات والعلاقات مع المنظمات الإقليمية والدولية وتبادل المعلومات المناسبة والمتاحة بما يكفل تعزيز الفعل الحقوقي وأثره..
4.     خلق الأدوات والآليات الفاعلة للتعريف بقوانين حقوق الإنسان وبوضعها على المستويين المحلي والدولي ومن ذلك إدخال مادة حقوق الإنسان مدرسيا وجامعيا وفي القنوات الإعلامية والصحافية وفي محافل العمل المنظماتي الجمعي...
5.     رصد الميزانيات المناسبة للعمل الحقوقي وجوائز الجهود المميزة تعزيزا للتفاعل الأنسب أفرادا وجماعات مع العمل الحقوقي...
6.     توسيع الصلات جماهيريا وفتح قنوات الاتصال المضمون المؤمَّن عدم إذاعة مصادر المعلومات أو تعريضها لمخاطر الكشف للقوى الاستغلالية المعادية لحركة حقوق الإنسان...
7.     نقل الجهد الشخصي المتواضع في مناصرة حقوق الإنسان والشعوب من محدوديته الفردية إلى الانتظام في عمل مؤسسي تسانده الأيادي البيضاء والقلوب العامرة بالإيمان بحقوق الإنسان الثابتة بلا منقصة أو مثلبة... وسيجري اعتماد هذا التوجه في ضوء التفاعلات الواردة بعد هذا النداء..
 
إن جملة هذه الملاحظات والمعالجات وتوصيات تطوير العمل،  وطبعا في ضوء العامل الأساس ممثلا في ضغط الاتصالات الفردية والجمعية بشأن القضايا الحقوقية، دعتنا للتوجه إلى مستوى جديد من العمل يتضمن إعلانا ثابتا بفتح آفاق الاتصال بالأفراد والجماعات لتزويدنا بالمعلومات وبالمطالب الحقوقية ليسجل رصدا يرتقي لمستوى الحدث ويوسع دائرته مستجيبا لأكبر حجم مطلبي متاح...
وبمناسبة بدء العام الجديد وفي وقت نتمنى تحقيق الآمال والتطلعات والمطالب، نأمل أن نجد التفاعل المؤمل من الكل في التجمع سويا لضبط إيقاع الجهد الحقوقي بما يمكننا من المساعدة المتاحة في محاولة حل المعضلات وبما يصل بنا لشاطئ الأمان..
هذه دعوة لتوجيه الرسائل التي تعنى برصد الانتهاكات الحقوقية الفردية والجمعية للبريد المثبت مع هذه القراءة بأمل أن يكون لدينا تقرير مناسب بحجم المطالب الإنسانية المتسعة المتشعبة فصلسل وفي نهاية العام إلى جانب نقل ومبادلة ما يردنا مع المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بغية تفعيل حالات الوصول إلى نتائج إيجابية والاستجابة للمطالب الإنسانية العادلة... ومباركة جهود جميع الفاعلين الناشطين حقوقيا...
*   فكرة "المرصد السومري لحقوق الإنسان" تؤمن بوجود الجهات الحقوقية الفاعلة وتؤمن أيضا بأهمية الإضافة عليها وتفعيلها وتوسيعها بفتح ملف آخر ليكون منفذا جديدا داعما، وليستقبل من كل شخصية سواء الفرد (كل إنسان إناثا أم ذكورا) أم المؤسسة (كل المنظمات والجمعيات والفئات والجماعات وممثليها) ما يرسلونه تطوعيا تعاضديا بشكل مؤقت أو دائم من وقائع حقوقية وكل ما يتصل بحقوق الفرد والجماعات القومية والدينية مما يحدث في أرض الواقع نتيجة خطأ مقصود أو غير مقصود أو نتيجة أعمال استغلال أو ابتزاز أو تهديد أو خروقات أو تجاوزات أو اعتداءات مما يتعارض ومفردات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والشرعة الدولية... وستتركز مهمة المرصد على كشف تلك الحقائق ووضعها بين أيدي المعنيين دوليا إقليميا محليا وبما يكفل الوصول لحلول ومعالجات منتظرة.. وطبعا يكفل المرصد، فور بدء العمل الرسمي، الالتزام بالقوانين واللوائح المرعية الكفيلة بتدقيق المعلومة من جهة وبإيصالها الأسرع للجهات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وبمنع تعريض مصادره لأي شكل من أشكال الضغوط لنقلهم المعلومة إليه...

80
احتلال بئر الفكة

مشاغلة مؤقتة أم استراتيجية قضم  عدائية ثابتة؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي*

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

tayseer54@hotmail.com

 

توطئة سريعة موجزة:

في مناقشة قضايا العراق (الجديد) صار لزاما الحذر من أية مفردات قد تنزلق تفسيراتها بل تأويلاتها باتجاهات تُبعد الحوار والمعالجة عن الهدف الرئيس وتخرجه من صلب الموضوع.. إذ بات كثير من الكتّاب الموضوعيين – وعلى الرغم من كل التأني والتدقيق والحذر -  وبمجرد تناولهم واقعة بعينها عرضة للاتهامات الباطلة والتضليلية تلك التي تحاول وضعهم في خانة دولة إقليمية أو أخرى ففلان عميل إيراني أو بالعكس عميل عروبي وهكذا تنتهي المناقشة مختزلة بهذي التهمة فيما تنتفي مناقشة الموضوع الرئيس؟ ولا عجب في مثل هذا الخطاب غير المستقيم فهو أدخل في حملة مقصودة في الغالب كيما يختفي الرأي الصائب ويوقف عن التأثير في جمهوره...

لكننا في محاولة لتجنب مثل هذه اللغة وتجنب تيه مَن يستهدفون التضليل أو يقعون عن غير قصد أحيانا فريسة خطابه، ندعو إلى حصر أية مناقشة بجوهر الموضوع المتمثل في الواقعة قيد المعالجة.. وهنا في معالجتنا هذه يتمثل الموضوع بسلسلة من الوقائع العدوانية والتجاوزات وأشكال التدخل والاختراق في العراق تلك المحددة والمتوجة بنموذج بعينه هو احتلال بئر الفكة.. كما ندعو إلى أمر ثانِ ِ أهم في قراءتنا وهو تأكيد الحرص على معالجة القضية موضوعيا وبدقة تستند إلى الوقائع على الأرض بالملموس وبطريقة لا تتجه ولا تدعو إلى أية حلول عنفية بأي وجه كانت. وندعو كذلك [وبناء على منطق العقل العلمي الحصيف] إلى توكيد إيماننا المشترك بوحدة نسيج المجتمع العراقي شعبا يحترم تعددية أطيافه القومية والدينية والمذهبية ويحيا بروح العدل والمساواة بين أبنائه جميعا على أساس الهوية الإنسانية الجوهر وعلى أساس مرجعية (الوطني العراقي) والرفض التام القاطع لتهمة (العمالة) تجاه أي طيف عراقي؛ وهي تهمة عادة ما يفترضها بعضهم في تأويلات تخلط الأوراق ليتجنبوا مناقشة الحقائق وفضحها.. وتوكيدنا الرابع في توطئتنا لمعالجتنا هذه يتمثل في موقفنا الثابت في توكيد علاقات التعايش السلمي وحسن الجوار وبناء جسور الإخاء بين شعوب المنطقة على أساس المواثيق الدولية واحترام المصالح المشتركة ورفض استخدام القوة في علاقات الجوار واللجوء بالأساس إلى الحلول الدبلوماسية والحوار في القضايا العالقة...

 

قراءة في مسلسل الاعتداءات:

 نبدأ قراءتنا بسجل حافل لسلسلة من الخروقات التي طاولت الحدود العراقية من (قوات) الجارة إيران. فلطالما شهدت الحدود الشمالية الشرقية من مدن كوردستان وقراها اعتداءات مسلحة بمختلف أنواع الأسلحة وتوغلات تذرعت دائما بمطاردة (العصاة المتمردين حسب مصطلحهم؟!). وتغييرات على الأرض في العلامات الحدودية رصدها المواطنون من أبناء المناطق الشرقية  للعراق ومعروفة (أيضا) أخبار أم الرصاص ومشكلات المتغيرات في شط العرب وشاطئيه، وليس أخيرا استكمال سلسلة التجاوزات برفع العلم الإيراني على البئر الرابع لحقل الفكة؟

الاعتداءات ليست متوقفة وهي سلسلة متصلة كان من بين أخطرها تغيير مجاري عدد من الأنهر وحجب بعضها نهائيا عن دولة المصب (العراق) خلافا للأعراف الدولية؛ فالوند بقي وادِ ِ بلا مياه النهر الذي وجهوه إلى اتجاهات جديدة أخرى، وأكبر منه وأهم هو نهر الكارون، وما جرَّهُ ويجره تغيير مجراه بالكمال والتمام من مشكلات خطيرة  هددت الحياة في مدينة الثغر العراقي (البصرة) بملايين سكانها..

وفوق ذلك وإمعانا في السياسات التي إن لم تسجل اعتداء سافرا مباشرا فهي تسجل تهديدات غير مباشرة بإنشاء مشروعات نووية وأخرى كيمياوية  حتى بات تصريف النفايات باتجاه المدن العراقية المتاخمة يهدد حيوات أبناء المدن العراقية الجنوبية وكل شكل للحياة هناك بالذات تهديد الثروتين الحيوانية والنباتية! وبالمرة نذكـِّر هنا بتلك الأفعال التي هاجمت الثروة السمكية والطيور في الأهوار قبيل مدة قصيرة، مما يعرفه أبناء المنطقة جيدا...

إنَّ إحصاء موجزا لمثل هذه الممارسات العدائية الصغيرة منها والكبيرة وتهديداتها لأمن العراق لن يقف عند هذا السجل حسب بل يفتضح الأمر بمقدار مراجعة ما أعلنته القوات الأجنبية وبعض الأرصاد المعتمدة لوجود الأنشطة الاستخبارية وأعمال الدعم اللوجيستي بالمال والسلاح للميليشيات داخل الأراضي العراقي، وخلق أشكال الغطاء والتخفي من أنشطة تجارية وأخرى تحتمي في ظلال واجهات من (بعض) منظمات مجتمع مدني أو (بعض) أحزاب سياسية أو على وجه الدقة عناصر محددة فيها...

فصار للجارة إيران [لسلطتها السياسية] الأذرع التي وصلت إلى الحد الذي جرى تغطية كل تلك الاعتداءات مثلما جرت وتجري محاولات تمريرها والتعتيم عليها بتصريحات (رسمية) نيابة عن المسؤولين الإيرانيين!!! إذ لم يحصل في العرف الدبلوماسي أن انبرى وزير أو مسؤول من دولة للتغطية على عدوان دولة أخرى على شعبه وسيادة أرض دولته، سوى ما حصل ويحصل من (شخصيات) بعينها في المشهد الرسمي العراقي!

ففي وقت يفضح الإعلام وصوت المواطن ما يجري من عدوان سافر يصرّ (مسؤولون) عراقيون على عدم وجود مثل هذا العدوان والأدهى أن مثل هؤلاء (من المسؤولين العراقيين) يوغلون في إصرارهم على نفي العدوان على الرغم من اعتراف مسؤولي إيران أنفسهم بحدوثه!؟ ويمكننا تمييز (بعض) هؤلاء في عضوية البرلمان العراقي وهم ممن انتمى لما يسمى جيش القدس أو فيلق القدس وآخرون في مسؤوليات حكومية وهم لعهد غير بعيد ممن خدم في اطلاعات غير الخافية تركيبتها ومهامها...

ولطالما جرى التبرير الرخيص وإطلاق أعذار أقبح من ذنب بعدما يجري لا افتضاح التجاوزات وأشكال العدوان بل الاعتراف الصارخ به من جهة مسؤولي العدوان والتجاوز وهكذا صرنا في اعتياد على وجود أصوات [تبقى محددة محدودة] رسمية مسؤولة في الحكومة العراقية تدافع باستمرار عن إيران وأعمالها العدوانية في داخل الأراضي العراقية وتبرر لهم وتحاول تسويغ ممارساتهم حتى مع وجود أصوات رسمية إيرانية تعترف بجريمة العدوان...

 

ويمكن على سبيل المثال أن نتابع حديث بعض المسؤولين عن (حقول نفطية مشتركة) تبريرا لجريمة العدوان واحتلال أراض عراقية.. وفيما المصطلح يشير إلى إمكان استثمار مشترك للحقل كل طرف من داخل أراضي دولته، يحاول المسؤول العراقي أن يبرر الاحتلال بهذا المصطلح بخلاف معانيه ومحدداته وهو ما يعني استغفالا واضحا للشعب  ومحاولة لتمرير الجريمة أو التغطية عليها.. وحصل هذا في (بعض) تصريحات لـ(بعض) مسؤولين كبار في وزارة النفط بالخصوص.

وقد نفى [أيضا] على سبيل المثال ناطق مسؤول في الحكومة العراقية الاحتلال الإيراني وعندما تأكد افتضاح الواقعة عاد ليتحدث عن انسحاب لم يتم على أرض الواقع والمؤكد ميدانيا اليوم وجود القوات الإيرانية على مبعدة خمسين مترا من البئر المحتل فيما تقف القوات العراقية على بعد 300 متر عن البئر العراقي علما أن هذا البئر يقع داخل الأراضي العراقية بمسافة بيِّنة، فكيف نفسر الأمر؟!

 

 

بعد كل هذه الحقائق؛ كيف نفسّر سلسلة الوقائع العدوانية الإيرانية؟  أهي مجرد أخطاء والتباسات بسبب بعض القطعات العسكرية أو بسبب بعض القراءات غير المتعمدة من أطراف في الحكومة الإيرانية؟ أهي مجرد شطحات عناصر متشددة لا سلطة للحكومة الإيرانية عليها؟

بمراجعة سريعة لفلسفة السلطة العليا في إيران نجدها تعلن بوضوح توجهها لتصدير تلك الفلسفة وإنشاء إمبراطورية تمتد من أعماق آسيا لتعبر الحدود  العراقية تحديدا فيه تتجه إلى كربلاء والنجف حيث فلسفة التقية المعتمدة رسميا وهي طاقية التخفي وراء شعارات الطائفة والمذهب والدين وكل هذا من المطامع المفضوحة براء...  ويرصد المتابع تصريحات رسمية إيرانية تتحدث عن تبعية لا الأراضي العراقية بل دولة عربية بأكملها (البحرين) حيث مازالوا يحتفظون بممثل لها في مجالسهم الإيرانية الرسمية العليا وطبعا ما زال احتلال الجزر الإماراتية الثلاث وبات من نافلة القول الحديث عن العلاقات (غير الطبيعية) مع أذرع في لبنان واليمن وفلسطين وبلدان عربية كمصر والمغرب وغيرها...

وذكر هذه الأمثلة هو محاولة لتسليط الضوء على جوهر فلسفة السلطة الإيرانية.. ولتسجيل شامل دقيق لهذه الفلسفة التي تعتمد الروح العدواني تجاه المنطقة وخلق القلاقل وبعثرة الجهود وشرذمة الوضع وتفتيت الوحدة الوطنية في بلدان الجوار تسهيلا لتدخلاتها. ولمن يريد توصيف السلطة الإيرانية عليه أن يتجه لقراءة موقف الشعوب الإيرانية في انتفاضتها الجماهيرية الواسعة الجارية اليوم وطبيعة القمع الدموي لكل صوت يطالب بحقوقه المشروعة..

فلا القوميات ولا المجموعات الدينية والمذهبية تحظى بحقوقها المشروعة والثورات تتوالى مطالبة بحقوق الكورد والعرب وغيرهم.. أما حقوق الإنسان فقد وصلت إلى المستوى المتدني الذي باتت فيه أجهزة القمع تضرب حتى عناصر من داخل النظام ذاته.. وتوسعت عمليات القتل اليومي والاعتقالات وطاولت مرجعيات دينية وسياسية كبيرة ومهمة هناك جملة أحداث تكشف حقيقة النظام وفساده وعدائه لشعبه ولشعوب المنطقة والعالم...

إنّ هذه الحقائق تجعلنا نتساءل عن سرّ الدفاع عن السلطة الإيرانية من (بعض) من الساسة العراقيين (الجدد) وبعض ممن يحسب نفسه على قائمة الكتّاب (العراقيين)؟ ونحن بالمناسبة لا يعنينا هنا سوى أمرين هما:

1.  البحث في وسائل تكفل سلامة شعبنا وسيادة العراق واستقرار المنطقة وابتعادها عن الهزات المفتعلة وعن المطامع واختلاق الأحقاد والاحتراب وروح العداء..

2.  التضامن السلمي الإنساني مع الشعوب الإيرانية في نضالها التحرري وتطلعاتها في التأسيس لعلاقات صحية سليمة مع الجوار.. وبما لا يخرج عن الموقف الأدبي المعنوي في هذا التضامن ولا يسجل أي شكل من أشكال التدخل في خيارات الشعوب الإيرانية وقرارها المستقل تماما..

 ومن الطبيعي أن يكون لكل فعل رد فعل مناسب؛ فالقمع السلطوي العنفي الدموي تجابهه انتفاضة الشارع الإيراني المطالبة بالحقوق الديموقراطية العادلة وبالتأكيد تنتظر الشعوب الإيرانية  تضامنا فاعلا من الأشقاء والأصدقاء.. الأمر الذي يجب أن يلتزم ويتحدد بالشرعة الدولية وقوانين حقوق الإنسان ولا يتجاوزها وهو ما أشرنا إليه بحدود التضامن ومفرداته وأساليبه..

وفيما يخص العراق ودول المنطقة وشعوبها فبمقابل استراتيجية العدوان ومفرداتها في التدخل ومحاولة شرذمة الأوضاع وهزّ استقرارها ينبغي أن توجد استراتيجية جماعية للعراق ولدول المنطقة ترسم وسائل الرد (السلمي) الذي يقرأ حجم التهديدات وطبيعتها ليضع المعالجات الكفيلة برد الحقوق من جهة ومنع التجاوزات والأعمال العدائية ويطمِّن في الوقت ذاته علاقات حسن الجوار ويجعلها الفلسفة البديلة للعدوانية ولروح العنف والعداء لدى الآخر..

ومن ضمن استراتيجية الدفاع والحلول السلمية يلزم تنقية الوطن من الامتدادات والأذرع التابعة وتعميد ثقافة الوحدة الوطنية والمرجعية الوطنية الثابتة التي تتمسك بالعدل والمساواة والإخاء وبالتوجه للآخر بأيدي علاقات التعايش السلمي والتعاون لمصلحة شعوب المنطقة ودولها..

 

على أنه ينبغي القول: إنّ التوكيد على الحلول السلمية لا يأتي من ضعف الحال (بخاصة في الوضع العراقي) ولا يأتي من التعب من الحروب بل من إيمان مبدئي ثابت برفض تلك الحروب  (العبثية) وإيمان راسخ بالبدائل للغة العنف والاحتراب وإشعال الفتن وأشكال الاقتتال الداخلي  كما يجري في دعوتنا للحلول التي تعتمد توفير السلم والاستقرار والتنمية  وتوفير المزيد من  الإجراءات الديموقراطية لصالح شعوب المنطقة بالضد من فعاليات (قوى سلطوية إيرانية تحديدا) في دعمها الإرهاب عراقيا وشقها الصف الوطني فلسطينيا وإشعالها أو تغذيتها حربا طاحنة في اليمن وتهديدها الأمن والسلم الأهليين في عدد من دول المنطقة وفي كونها بنك الإرهاب الدولي الذي يبقى بهذه السياسات الرعناء من بين مصادر ذاك الإرهاب الأخطر عالميا..

ألا نحتاج لحذر جدي مسؤول يمنع تلك التدخلات والأعمال العدوانية، ولا يكتفي بالقراءات السياسية أو بالبيانات والتصريحات الحزبية بل يبحث في الخطة الاستراتيجية المناسبة أم أننا سنبقى أسرى الخشية من مفردات خطط التضليل وخلط الأوراق..

لا أعتقد إلا بواجب الثقة التامة بأهلنا من العراقيين بكل أطيافهم  بلا استثناء في الدفاع عن وجودهم وحقوقهم الوطنية والتصدي لأعدائهم.. وتلك تجربة احتلال بئر الفكة التي لا ينبغي أن تمر مرورا عابرا فتكون الثغرة التي تتسع حتى تشمل البلاد وتسبي العباد... فالحذر  الحذر!

81
إعلامنا وبعض برامجه السياسية؟

برامج حوارية ولقاءات ببعض شخصيات (سياسية) نموذجا

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

tayseer54@hotmail.com   

 

 

يتابع العراقيون ولادة فضائيات جديدة، منذ العام 2003 والمسيرة مستمرة. كما يتابعون ولادة هيآت إعلامية وتغييرات دورية وطارئة، عادية ومفاجئة.. مثلما تعودوا  كذلك متابعة برنامج أو آخر أو شخصية إعلامية أو أخرى. والجمهور بعادته يعطي انطباعاته وتقييماته وتقويماته للأغلب مما يتابعه..

شخصيا أود بهذه الومضة أن أتحدث عن ملاحظة كثرما صرتُ ألاحظها. ممثلة في اشتغال جمع غير محدود في (الهمّ السياسي) و (العمل الحزبي) وصرنا بين يوم وليلة نشاهد عشرات ومئات من (الساسة) ممن يسميهم المصطلح الشعبي الدارج (نص ردن: نصف كمّ) وفي حقيقة الخبرات التي يحملونها لا تعدو عن علاقات انعقدت في فسحة الفراغ الزمني بين 2003 – 2009...

ووقع إعلامنا في حيص بيص مَن يستقبله ليتحدث باسم هذه الجهة أو تلك الفئة أو ذاك الحزب أو الحركة؟ فالناطقون باسم هذه التنظيمات لم يدرسوا في تخصص أو معهد أو جامعة وأحيانا ولا حتى في مدرسة.. اللهم سوى مدرسة (مريدي) التي اُشتُهِرت في العقدين الأخيرين بمنحها كل أنواع الشهادات والتخريجات حسب الطلب وحسب الدفع....

وبعد أن ينهض معد البرنامج بجهده وتحضيراته واستعداداته وبعد أن  تنطلق إشارة بدء برنامج سياسي أو حواري يكتشف الجمهور أيّ ورطة يتابعها.

فأسئلة الإعلامي في وادِ ِ وإجابات (السياسي المفترض أنه سياسي) في ضفاف وديان أخرى! وما يقدمه ضيوف البرامج (السياسيون) لا يندرج لا في تحليل ولا في معالجة؛ وأبعد ما يمكننا أن ندرج (كلامهم) فيه يدخل في وصف الواقع من بوابات  شعاراتية تتحدث عن إرهابية التفجيرات وعدائها مع الاستقرار ومصالح الوطن والمواطن.. وكأن هذا إضافة أو كشفا سحريا لمجهول.. ولمن يصر عليه الإعلامي أن يتحدث عن تشخيص الأعداء ومن يقوم بهذه التفجيرات يجيب بأنهم الإرهابيون وبالتأكيد يضيف توضيحا لتشخيصه العلمي الدقيق عبارةَ "الإرهابيون من القاعدة والبعث"!؟

صحيح أن هذا يدخل في خطاب السياسي، وصحيح أن بعض مهمة السياسي تكمن في التوكيد على الحقائق، وصحيح أن الحقيقة تبقى واحدة، ولكن اشتغال الإعلامي وأسئلته لا تكمن في رصد انطباعات تكررُ وصفَ المشهد وتستمر في استدعاء خطاب إعلامي مستهلك مجَّه الجمهور..

إذ أن هذا الجمهور سيقبل من أي من أفراده أن يتحدث عن انطباعاته ووصف معاناته ولكنه لن يتقبل أن يتحدث سياسي أو محلل سياسي أو كاتب سياسي أو ما شئت من التوصيفات المنتشرة اليوم مكررا أقوالا وصفية شائعة بتعويم لا تحديد أو تشخيص فيه ولا فائدة ترتجى من وراء الانشغال بمتابعته...

السياسة، يا سادتي علم مثلها مثل أي علم آخر كعلم النفس يفيد المتخصص في تشخيص الأمراض وعلاجها وكـعلم الاجتماع يعالج قضايا المجتمع ومكوناته وكـعلم الكيمياء فيه معادلات واختبارات وإجراءات تحليلية لها ضوابطها النظرية وقواعد اشتغالها وآليات عملها..

ولهذا العلم لا التخصص الدراسي حسب  بل الخبراء الذين يمرون عبر مسيرة من التعاطي مع مفردات علم السياسة ومع تجاريب هذا العلم وتعاطيه مع الوقائع ونتائج تلك التجاريب من إضافات ومتغيرات في الاستقراء والاستنتاج..

السياسة لها أقسام علمية حالها كحال أيّ من الأقسام الأخرى التي يدرسونها في بطون الكتب والمؤلفات وعلى وفق ما سطرته الخبرات العلمية والعقول التي أنجبتها فنون السياسة  وميادينها المحلية والدولية..

والسياسة ليست العمل التنظيمي الحزبي والانخراط في حزب لا يمتلك برنامجا حزبيا وزعيمه من الأميين لا حضاريا بل أبجديا أيضا، حزب قياداته عناصر تجهل لا العلوم السياسية بل وأي شكل معرفي آخر حتى أن بعضهم لا يعرف أن ينسب  دولة ما إلى قارتها؟ وفي مثل هكذا حزب لا يوجد تثقيف أو برامج توعية وحوارات سياسية بل كل الموجود أن هذا الحزب له زعيم  يأمر وينهى وأن ممثلي هذا الحزب يتقاضون عن تنفيذ تلك الأوامر مرتبات خيالية!

وبالعودة لما أثار في ذهني هذا الأمر، أشير إلى ممثلي بعض أحزاب في البرلمان العراقي وما ظهروا به من طاعة تفوق الخيال فهم يصوتون لفقرة في قانون الانتخابات ويعودون في دقائق ليصوتوا لخلافها بإشارة ثانية! [وبلا استحياء أو خجل] والأمر [الماصخ كما يقول المحكي العراقي] أن ممثلا رفيعا للسلطة وأحزابها يصرح بأمر وفي دقائق يعود ليصرح بنقيضه وعلى وفق الطلب! وأن شخصيات بمستوى وزاري تنفي احتلال أراض عراقية في وقت تؤكده مصادر الدولة المحتلة!!

وفي ظلال مثل هذه الحال؛ تشجَّعَ بعض من عبر عن رأيه في موقع ألكتروني أو نشرت له مطبوعة تسمي نفسها صحيفة أو جريدة ربع عمود في صفحة طبخة اليوم  ووضعوا تحت أسمائهم توصيفات من نمط كاتب سياسي أو محلل سياسي أو ما شابه...

وبشيء من التعديل نشير إلى بعض أعضاء الأحزاب السياسية المعارضة ذات السمعة الطيبة ممن عملوا في أحزابهم طوال سنوات بعيدة اعتقدوا أنه في خضم شيوع ظهور ((جهلة)) في عدد من الفضائيات،  سيحق لهم أن يتقدموا للتعليق السياسي بوصفهم ساسة خبراء يحلون محل متخصصي العلوم السياسية؟

وهكذا مجّ الشعب حال استغبائه واستغفاله ومحاولة الضحك عليه بتقديم هذه الجهالات بصيغة الخبراء.. وصرنا نجد أن المواطن العادي يسخر باستمرار من هؤلاء ويعدّل عليهم كيفية التلفظ باسم أو مصطلح أو عبارة أو فكرة...

إن رفض ((الكلمجية أي محبي الكلام بلا معاني ولا مضامين)) سيتحول أبعد من ذلك إلى رفض الإعلاميين وبيوتهم الإعلامية لا البرامج حسب بل الفضائيات ذاتها ويتجه لبدائل قد لا تكون محلية خاصة به معبرة عنه ولكن قد يكون بعضها أفضل من العبث الذي يتعرض له الإنسان العراقي من بعض ممثلي إعلامه وبعض فضائياته..

إن اعتماد مجموعة محدودة من الأسماء الخبيرة المتخصصة بحق هو أفضل بالمطلق من محاولة التنويع في الشخوص المستضافين ولو جاؤوا بالمئات والآلاف بلا قيمة سوى ((كلمنة: كلام بلا طائل لاعمق أو دلالة فيه)) تجعل المتلقي يثور غضبا ويلتجئ لإعلام مغاير قد لا يكون بديلا موضوعيا ولا مناسبا ولا مفيدا كما نحسب ونظن...

أيها السادة الذين امتلكتم أموال الانتاج الإعلامي لا تغفلوا طويلا؛ فالنتيجة لن تكون حتى ولا في مصلحة استدرار أرباح لتجارة (الكلمنة المرضية) الخاسرة التي تمضون بها.. البحث والاشتغال المضاعف بجد واجتهاد سيمنحكم فرص استقبال متخصصي العلوم السياسية المؤمل الوصول إليهم وهم موجودون...

 

وبمحاولة الفرز والتمحيص لقراءة أوضاعنا بهذا الخصوص فستكون كالآتي:

نسبة 75% لقاءات عرجاء بشخوص لا يفقهون من علم السياسة سوى الصراخ بشعارات زعمائهم (ولا نقول أحزابهم) وما يبتغيه الزعماء وتسويق أوامرهم ونواهيههم حسب الطلب.. و20%  من بعض ذوي الخبرات في العمل الحزبي من المعارضين (القدامى)  وكوادر جامعية من تخصصات مختلفة أقحمت في مجال التحليل السياسي في ضوء تجاريب غير مكتملة وغير متخصصة... فيما لن يبقى سوى 05% من متخصصين لا يظهرون سوى في نتف هامشية وحسب خطط إعلامية تقدمهم بطريقة تلغي أي دور فاعل لهم ولا تسمح بنقل تصوراتهم وتحليلاتهم بطريقة وافية أما لقصور في الإعداد للبرامج أو لتعمّد في طريقة التقديم المشوهة أو بسبب  محدودية المساحة المتاحة في وسط عجيج وضجيج لزعيق الجهلة...

أتحدث وفي نفسي حسرة من سوء طالع المتلقي المستلب المصادر المحاصر بهذي البرامج التي لا تغني.. ولا تسمن.. وأتأسى لإعلامي يجهد ويجتهد ليقع في فخ الشخوص الذين يلتقيهم.. وأشاطر المتخصص في علم السياسة آلامه وأوجاعه أن تخصصه تم اختراقه من كل هب ودب مستثنين من ذلك انطباعات بعضهم عن طيب خاطر....

بعامة، أرجو لهؤلاء الإعلاميين أن يمتلكوا فرصة البحث المتأني عن الشخصيات المعنية بالعلوم السياسية وبالخبرة الفكرية السياسية والنضج في التجربة وفي امتلاك الأداة.. كما يمكنهم أن يستفيدوا من بعض ضيوفهم في التركيز على تخصصاتهم ودخولها في الشأن العام وفي ما يتعلق بمحاولات رسم مشروعات البناء والتغيير والإجابة عن أسئلة واقعنا..

مثلا أن نسأل الطبيب في الشأن الصحي ومشروعات متاحة في التغيير والمهندس في مشروعات البناء بتخصصاته الهندسية والعسكري والأمني والمبدع في الأدب والفن كل في تخصصه.. كما أنني أفترض فيمن يأتي لبرنامج أن يعدّ ويحضر ويكون جاهزا برؤية وافية تستند إلى حقائق وإخصاءات ومفردات منهجية لها مفرداتها  وتجتمع في هدف كلي شمولي بغاية أو مقصد ملموس... أما أن نسلق الجميع بسؤالنا (السياسي) ونريد من النجار والحداد والبناء والمعلم والطبيب والمهندس أن يجيبوا نيابة عن المتخصص في العلوم السياسية وميادين التخصص السياسي، فأمر أسوأ من غريب ولن نجد إجابة لهذا السلق سوى انطباعات قد نتفق عليها ومضامينها ولكنها لن تجدي ولن تضيف وبمواصلة الإعادة والتكرار ستثير مقاطعة تامة معها طبعا فضلا عن عما تثيره من احباط في كل مرة تتكرر وعما تنتجه من آلام ومواجع.

وفي موضع آخر قد تتوافر فرصة الحديث عن زوايا أخرى من الموضوع تخص الإعلامي نفسه. وللمعالجة بقية.

82
المرأة بين الثقافة السائدة وقراءة بعض أعمال الدراما العربية

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي*

tayseer54@hotmail.com

المحددات القيمية للإنسان البدائي في المجتمع البشري القديم لم تكن هي ذاتها كما في مرحلة المتغيرات التي ظهر في ضوئها المجتمع الذكوري وثقافته وما نجم عن ذلك من حالات تمييز ومصادرة حقوق واستلاب وجود.. ومع ذلك فليس من أحد مَن يتحدث عن العودة إلى مرحلة ما قبل التاريخ البشري عندما كانت تجري الأمور بمقلوب حالها اليوم...؟

المطلوب اليوم، يكمن في قراءة عادلة تعيد التوازن للحياة البشرية وتوقف مسلسل الاستلاب والمصادرة وحالات التمييز والقهر التي يمارسها المجتمع بحق المرأة. فمذ أول ولادتها يكفهر وجه (الأب) من كون الوليد (ة) أنثى أو يشعر بثقل ما جاءه من مسؤولية.. وفي مراحل لاحقة متتابعة من عمرها تصادف الطفلة فالفتاة والشابة فالمرأة أشكالا لها أول وليس لها آخر من الاستغلال...

الأم يمكن أن يتحكم بها ابنها الذي بالكاد بلغ العاشرة من العمر، والأخت يتحكم بها أخوتها الأصغر مثلما الأكبر منها. والزوجة تابعة قابعة تنتظر ولي النعمنة وقراره.. وحتى ابنة العشيرة  عندما تفقد (وليها) يظهر لها ولي من أقربائها.. المهم أن تكون تحت جناح رجل وفي ظل رعايته وولايته عليها...

المرأة مهضومة الحقوق منذ أن تُمنح اسمها، فهي أما تازي وكافي وبسهن وكل ما يراد فيه معنى تمني أن تكون الأخيرة ليأتي الولد الذكر أو أنها مجرد ريحانة وردة  وما دل على جماليات سطحية للمتعة فقط لا غير وحتى عندما يُراد تحسين التسمية فهي علاهن وتسواهن أي بالمقارنة مع جنسها الأنثوي لا تتعداه..

وفي المدرسة الابتدائية يعلمونهن الخياطة والتطريز والطبخ والأعمال الخدمية والمنزلية فقط لا غير.. بخلاف تعليم الأولاد الذكور من فنون وأشكال ألعاب رياضية وغيرها. وفي البيت يُنادى على الفتاة للخدمة وهي الكبرى بين أخوتها فعليها أن تتعلم التربية والأعمال منزلية الخدمية مبكرا...

عندما يتطلب الأمر فالفتى هو من يتهيأ له أن يخرج للعمل فيما هي التي يُفرض عليها أن تترك المدرسة والتعليم أولا.. والضغوط النفسية التي تتعرض لها عائليا بسبب من أشكال التمييز سترافقها بنتائجها حتى إلى بيتها وهي (المفروض) سيدة بيتها بعد الزواج..

وفي العلاقة بين الذكر والأنثى تبقى الفوقية والاستعلائية واضحة بيِّن الطرفين كما تبقى السطوة والأمر والنهي والأسبقية للذكور على  حساب الإناث.. والعلاقة بينهما وفي سجل المبادرة والأولوية والشروع بفعل يجري تثبيت الإيجاب للذكر والسلب للأنثى.. وتتأكد الإيجابية الذكورية والسلبية الأنثوية في طول العلاقة بينهما وعرضها..

وستخلق هذه السمة جوهرين إنسانيين مختلفين أحدهما يقع في دائرة القدح والشرارة التي تطلق الفعل وله الحصاد في ضوء شرارته تلك فيما الطرف الآخر وهو في ثقافتنا السائدة بالتأكيد (الأنثى) يقع على هذا الطرف أي على الأنثى الفعل بثقيله وصعبه ومعقده وليس له من ثمار جهده سوى ما سيرمي به مالك المنتج وقرار تقسيمه وتوزيعه واستثماره...

ولن تختلف القوانين ولا العادات والتقاليد البالية عن تفاصيل ذكرناها هنا فهي مصاغة بذكورية التوجه والإرادة ومن ثم لن تكون سوى توكيدا لفلسفة هذي الثقافة السلبية المرضية...

هذه الثقافة تتبدى في الدراما العربية بآليات كثيرة وصور أكثر مثلما تتبدى في التربية وقيمها السلوكية السائدة عندنا. صرنا اليوم لا نتابع سوى عروض اللحم الحي  أو تجارة الجمال والجنس أو الرقيق بمعنى آخر. والمرأة طفلة أو فتاة أو سيدة هي في الأغلب الأعم النموذج الساقط والحية التي تغوي الرجل وتلبي المطالب الحيوانية أو الرغبات الداعرة ليس إلا..

وتسود هذه (المعالجات) حيث نتابع الشاذ بوصفه القاعدة فيما يندر لنا أن نصادف نموذجا إيجابيا للمعالجة الدرامية فتصير وكأن الأساس القيمي السليم  لا يمثل النادر حسب بل الحال الشاذة..!؟ وتنقلب الأمور...

والمشكلة لا تنتهي عند استباحة حقوق المرأة وإهانتها فهذه الفلسفة في الحقيقة تستهين بالرجل وثقافته وقيمه وتجعل منه مجرد وحش آدمي لا يوجد في ذهنه سوى ازدراء القيم الإيجابية والإمعان في ممارسة حاجات غرائز حيوانية لا يكبحها سوى اغتصاب طفلة أو اعتداء على فتاة أو التهام حق سيدة...

وتصبح اللذة الوحشية مرضية مازوخية تتمتع بتعذيب الفريسة.. وتلك صورة الإنسان الشرير المسمى رجلا أو ذكرا. وهكذا فكل ذكر أما أن يكون فحلا همجيا أو لا وجود له في قراءة ثقافية إبداعية وتحديدا في أغلب أعمال الدراما العربية..

ويؤكد هذا سوق الفلم العربي والمسلسل العربي والتمثيلية العربية والمسرحية العربية (في كثير منها وليس بالمطلق لوجود أعمال جدية مهمة وعلامات ذات أثر مهم وكبير...

وطبعا وبالتأكيد فــ  سوق الأغنية العربية هو أسوأ في قيم الانحطاط حتى أن الشاعر أو كاتب الكلمات يخجل من إيراد كلمة فيُجري الملحن معالجته لتقديم الكلمة بإيحاءات صوتية بعينها ويُجري المخرج معالجته ليقدم لنا قصة بصرية بائسة رخيصة لا علاقة لها بكلمات الأغنية ولا بأداءاتها ولا تخرج عن بضع لقطات أو مشاهد (لأنثى) تتلوى على فراش أحمر وثير بانتظار (الفارس) الأغبر...

وبحجة الجرأة والشجاعة  يقدمون لنا الحالات الشاذة بتفاصيل ليس المتلقي بحاجة لها إذا ما كان القصد تقديم معالجة للحالة بقصد فضحها وإدانتها والانتهاء منها.. ولكنك تجد التركيز يجري على عرض الخطيئة بفعلها المباشر وتكرار ذلك تطبيعا لوجودها وتطويعا لاستسلام الرافضين في التعاطي مع هذا الوجود...

ويتابع المشاهد العربي اليوم وسيلة جديدة من تلك التي تعزز حال التطبيع  بطريقة المعايشة اليومية التي تدخل بيوتنا وتفاصيل حيواتنا ولحظاتها الأكثر استرخاء.. إذ يتم إنتاج مسلسل بمئات الحلقات وعلى مدار سنة أو أكثر يعايش المرء (من جميع أفراد العائلة) شخصية تتحرك  وتحيا معه يوميا ويجري طوال عشرات من الحلقات الأولى تقديم الشخصية بوصفها شخصية محببة إنسانية قريبة من النفس تستحق المناصرة والوقوف معها وبعد تحقيق هذا الهدف يدخلون الشخصية الدرامية، وعادة ما تكون فتاة جميلة، في مآزق وأفعال سلوكية وضيعة أو رديئة من الرذائل الأخلاقية أو الأفعال التي تتعارض والقيم الإيجابية للإنسان السوي..

وتتم فبركة ممارسة الأخطاء وتبريرها بطرق ملتوية وتضليلية كيما يجري الحفاظ على التعاطف مع الشخصية المحبوبة والقبول بما فعلته  من سلوك مشين والتعايش معه واستسهال حصوله في الحياة العامة والخاصة. وأكثر ما نجد تمرير هذه الآلية عبر المسلسلات المدبلجة المكسيكية وهذه الأيام عبر مسلسلات تركية  وعدد من مسلسلات سورية ومصرية...

إذن نحن بمجابهة مع أشكال وصيغ تتمظهر ليس في صيغة معالجة بل في صيغة معايشة لتطبيع يسهـِّل القبول بتمرير الجرائم الأخلاقية التي تستبيح  لا المرأة وحدها بل والرجل أيضا؛ كونها في وقت تقدم المرأة المغرية  الوديعة تقدم معها الرجل الوحش الذكوري الذي لا يعنيه ولا يفكر بأبعد من فحولته وهو ليس مسؤولا عن أي نتيجة فالمسؤول هي تلك المرأة التي أوقعته في حبائلها(بإغواءاتها)..

وهكذا فإننا بمجابهة ومعايشة فعلية وبالتفصيل الممل مع امرأة سلبية ورجل مثلها سلبي، إنه المجتمع السلبي الذي يجب أن نقبل به لأنه النموذج الواقعي كما تقول لنا تلك المسلسلات بأشكال مباشرة وأخرى غير مباشرة..

أمثلة مكرورة شكلا ومضمونا بقصد تعزيز حال المعايشة  المفروضة على المتلقي السلبي وهو المتلقي الأكبر نسبة بين جمهور التفاعل مع التلفزة ومنتجها وسيعرف القارئ الكريم كثيرا من تلك الأمثلة بأسماء مسلسلاتها ومن هذه الأمثلة:

1.      فتاة (بمقاييس جمالية مختارة) تقع في غرام زوج أختها أو زوج صديقتها وتغويه...

2.      وفتى يقع في  غرام أخت زوجته أو صديقتها على أن ذلك عادة ما يُرفق بدور (لها) أو لا يخلو من هذا الدور..

3.      علاقات تثمر بنينا وبنات خارج إطار الزوجية والطرف المذنب في الأمر غالبا ما يكون الفتاة وعادة ما يجري التبرير للفتى وتمرير فعلته من دون أي محاسبة..

4.      علاقات سابقة تتجدد في لقاءات بعد فراق مفتعل وأطرافها لهم عوائل سعيدة مستقرة ومع ذلك يعيدون ممارسة تلك العلاقات القديمة وارتكاب (المخادعات) أو (الخيانات) في كنف زواجاتهم المستقرة طوال سنوات وعقود وكالعادة تكون المرأة هي المبادرة لإغواء الرجل (المسكين) الذي يتمنع ويمتنع لولا ضغوط طبعا يمكن ملاحظة الافتعال وما يراد تمريره بقصد أو بغيره ومن بعض التبريرات أنه تحمل طوال تلك السنوات زواجا مفروضا عليه أو زوجة ثقيلة الدم أو ما شابه من توصيفات..

5.      الزوجة الثانية والثالثة والرابعة وعلاقات ما ملكت أيمانكم ولكن القضية محكومة بفوائد يقدمها  الرجل للمرأة وحِكم ومعالجات وحلول أما (هي) فهي الضرة الخبيثة والمخطِّطة المتآمرة على صاحبتها ومحيطها...

6.      زواجات العرفي والمسيار والمسفار والفريند والمصباع والمسياق والمهراب والمحجاج والمطيار والمصياف والمتعة وتبريراتها  وتداخلاتها في الحياة الأسرية العادية وتسبيبها بمنع الرذيلة وتُقدم على أنها إنقاذ لأفعال المرأة وهي ليست سوى ممارسات  تشرعن أفعال الرجال الذكورية..

7.      تبريرات للاعتداءات الجنسية داخل العوائل والقرابة والصداقة والجيرة وفي مجال الدراسة ويجري تحميل البنات الفتيات نتائج تلك الفعال...

8.      حياة (وعلاقات) الخادمات وعاملات البيوت والسكرتيرات  وفي مجالات العمل المختلفة وبالتأكيد أدوارهن الإغوائية...

9.      حيوات الأسر والعائلات من الطبقتين المتوسطة والأرستقراطية واستمرار الطبيعة العرجاء للأنثى تلك التي توقع دائما بالنبلاء وذوي الأنفس السامية، على وفق تصوير المعالجات الدرامية..

10.      حركة الحياة محكومة بمؤامرات تحوكها النساء أو تُستخدم فيها الأنثى كما في دراما الجاسوسية والجريمة والرومانسية وغيرها...

الملخص المفيد يتمثل في توجيه الأمور وطبعها بثقافة سلبية تختزل الأمور في إشكالية محدودة واحدة وهي ثقافة بقيم لا تدين المرأة لوحدها بل والرجل ومن ثم المجتمع حيث تضع الجميع في قبضة قيم سلبية وعلاقات مرضية لمجرد (تمرير فلسفة ذكورية) جوهرها التمييز المرضي. والأمر لا يقف عند تدني أجور المرأة تجاه الرجل في ذات الأعمال والمنتج ولا في تدني مكانتها أو موقعها أو تكبيلها بقيود دائمة فهي لا تكتفي بهذا بل تلغي وجود المرأة الإنساني وتحيلها لأداة أو شيء من أشياء الرجل المتخلف ومفردة من مفردات ملكيته وبهذا يتجمد العقل ويأخذ سياقات عمل متدنية متخلفة تشمل المجتمع بأكمله..

لنقل لا....        ولنتحرك في دراسات نقدية ليس للأدب والفن ولكن لمجمل الفلسفة التي يقوم عليها الحراك الاجتماعي المستند لأنثوية دنيا وذكورية عليا...    وليكن بديلنا الموضوعي في احترام إنسانية الإنسان امرأة أم رجلا بالتساوي وبلا تمييز...

وللمعالجة بقية عند توافر التفاعلات من القارئ الكريم.

 

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر \ رئيس جامعة ابن رشد في هولندا \ مستشار رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا

83
في العام الميلادي الجديد

آمال السلم والأمان وكبير الأماني والتهاني في العام الميلادي الجديد

 

بمناسبة عيد الميلاد المجيد وحلول العام الجديد، تطوف فضاءاتنا أناشيد السلام والمحبة وترفرف ملائكة الراحلين رُسُلَ مودة لتنسج  آمالا كبيرة تتطلع إلى انعتاق جموع بالملايين من سطوة الألم وأوجاع السنة التي انقضت بكل ما مرت به علينا من أوصاب. إنَّ معاني الميلاد القدسي ستبقى عبقة بخلاص البشرية جمعاء من فتنة الاحتراب والألم، فاتحة بوابات السير في طريق المقاصد النبيلة السامية، عبر منافذ اللقاء والتفاعل بين بني البشر بأطيافهم وألوانهم ومعتقداتهم، أخوة يحملون على جباههم إرادة العدل والمساواة والتصافي والوداد...

إنّ الاحتفاء بميلاد السيد المسيح، المخلِّص، الفادي يجمعنا بأطيافنا كافة في بوتقة حياة ملؤها التسامح وخطابات السلام والحرية متمنين جميعا وسويا أن يكون العام الجديد، عاما للبركة والسلامة ولاحتفالات فرح بخير غامر عميم ولوحدة الكلمة بين مسيحيي وطن الكنيسة الأبهى بعطائها، بين مسيحيي وطن الرافدين؛ فيكونوا الوجود الواحد المتين بأسس خطابه في السلم والحرية وفي الاعتقاد الواحد بخطاب المحبة والتسامح ويخرجوا إلى أخوتهم العراقيين وإلى البشرية جمعاء برسالة صادقة تعبر عن نقاء القلوب وصفائها وصدقها كما هي في حقيقتها أفئدة مسيحيي بلاد النهرين مشرقة كشمس تموز البابلية  الخالدة..

 اليوم نبارك لأخوتنا في الوطن والإنسانية أعيادهم المجيدة ونشاطرهم أهداف السير في طريق المحبة والتسامح والسلام و نجد أن تطلعاتهم هي ذاتها تطلعاتنا وأيدينا بأيديهم لنبني وطننا، جنة من جنان التعددية والتنوع واحترام الآخر والاحتفال به أخا عزيزا.. وإعلاء شأن أفراحه وكلمة طقوسه وتحقيق أمنياته العادلة المشروعة في العيش الكريم الحر الآمن المستقر..

فــ كل عام وأنتم بخير، تشيدون الأرض التي أعلى وجود حضارتها الأولى أسلافنا أجدادنا من بني سومر وبابل وأكد وآشور، لنتنادى اليوم محتفين بعام جديد من أعياد العمل سويا والتعاضد معا كتفا بكتف، وبناء بيوتنا عالية الجدران متقاسمين فيها الحياة الإنسانية بأحلى جنائنها. وكما جنائن بابل الأعلى يومها ستكون جنائن بغداد ونينوى والبصرة  الأعلى اليوم، بمسيحيي الوطن من كل مجموعاتهم القومية ومن كل مذاهبهم وطوائفهم؛ فهم تاريخنا وسِفره الخالد ووجودنا الذي نحياه بطمأنينة القلوب العامرة بالإيمان بإخائنا مهم ومساواتنا بهم؛ وهم معنا يمهّدون لمستقبلنا الزاهر...

فتقبلوا منا عميق الأمنيات بكريم الأيام ومجيدها.. وأن يأتي عامكم الجديد بكل ما تمنيتم من طيب التطلعات والطموحات. ولننشد سويا تباركت سماؤنا صافية كفيروز أمواه الحياة وعلى الأرض السلام.. وباقات أزاهير بيض لكل مسيحيي بلادنا والشرق والعالم ولعراقيينا جميعا والبشرية الخير والسؤدد والبركة..     

وكل عام وأنتم بمجيد السعادة والمسرات...

 

أ.د. تيسير الآلوسي

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

مستشار رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا

لاهاي هولندا  18 ديسمبر كانون الأول 2009

 

84
بمناسبة اليوم العالمي للعمال المهاجرين وأسرهم: ماذا فعلنا لمؤازرة شغيلتنا في المهجر؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي*

أكاديمي عراقي \ ناشط في مجال حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

 

وضعت المنظمات الدولية تواريخ احتفالية  لمختلف الفئات الإنسانية ولكن المعنى الرئيس يبقى واحدا في مقاصد تلك المناسبات.. إنه محاولة جذب أفضل أشكال الدعم والمؤازرة لحل المعضلات والعقبات التي تجابه الجميع حياتيا والدفع باتجاه غد أفضل للبشرية...

وفي إطار سلسلة من الأيام الاحتفالية بما يتعلق بحقوق الطفل وبالسلام العالمي وبرفع أشكال التمييز ضد المرأة، يُحتفى في الثامن عشر من كانون أول ديسمبر الجاري باليوم العالمي لحماية العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.. الذي يمثل الذكرى 19 لصدور الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم المقرة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18.12.1990 والتي دخلت حيز التنفيذ في تموز يوليو 2003... ومن بين الدول الشرق أوسطية لم توقع الاتفاقية المعنية حتى اليوم سوى ست دول عربية هي موريتانيا والمغرب والجزائر ومصر وليبيا وسوريا من بين 23 دولة..

العراق من بين الدول التي لم توقع بعد على اتفاقية حماية الشغيلة في المهجر على الرغم من أن الجاليات العراقية صار تعدادها اليوم بالملايين، وعلى الرغم من أنّ هذي الجاليات تضم بالأساس ملايين من الشغيلة وأفراد أسرهم الذين يبقون بحاجة إلى الحماية القانونية الوافية.

فبدءا من شروط العمل والتمييز بالأجور بين عمال الدول المضيفة والمهاجرين توجد أمور كثيرة يصطدم بها العامل منها كيف يحظى بالرعاية الصحية وكيف يدبر أمور سكنه وعائلته وكيف سيجد الغطاء القانوني لعيشه وأفراد العائلة بما يؤمِّن لهم الخدمات من تعليم ورعاية صحية ومن تأمين نهاية الخدمة وإعانة البطالة بخاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والظروف المالية المعقدة عالميا.. ومعروف كيف تتزايد اليوم نزعات التمييز والعنصرية وكره الأجانب، إلى جانب أوضاع العمل المزرية؛ وتعرض نسبة كبيرة من الشغيلة  للاحتجاز والإهانة والممارسات التي تحط من الكرامة الإنسانية وتتصاعد الأمور سوءا  بقدر تعلقها بالنساء والأطفال بما يعرضهم لشتى أشكال الاستغلال والعنف الجنسي وحتى تعرضهن لجرائم القتل بذريعة غسل العار فيما يجري تركهن في حالات أخرى ليقعن ضحايا بأيدي شبكات التهريب والاتجار بالبشر ومنهم الأطفال القاصرين.  ولطالما ابتلعت مياه البحر مئات العراقيين المهاجرين ولطالما تعرض مئات ألوف منهم لمآسي الهجرة القسرية ونتائجها بمجابهة مع معضلات البطالة والفقر والعوز والتمييز العنصري ومختلف أشكال الابتزاز والاستغلال؛ هذا بخلاف مشكلات الإقامة التي  يزداد بشأنها تضييق الخناق على المهاجرين واللاجئين وأضافت إلى أزماتهم أزمات جديدة اتفاقاتُ (الحكومة العراقية) بشأن إعادتهم قسريا من دول اللجوء والهجرة، بدل البحث في قضاياهم بطريقة إنسانية جدية مسؤولة. وغير هذا وذاك يُحرم المهاجرون من المشاركة السياسية على الصعيد الوطني ويجري وضع تشريعات تحد من حقوقهم وتصادرها كما حصل في مضامين قانون الانتخابات الأخير.

وإذا كان عراقيو المهجر قد غسلوا أيديهم من النظام السابق بسبب من كون معظمهم أساسا خرج لأسباب ودواعي (أمنية) أو للمطاردات السياسية التي عانوا منها، فإنّ أغلبهم اليوم وهو يقارع شروط العيش المعقدة في منفاه أو مهجره، ينظر بقوة إلى ما يمكن أن يؤازره في بحثه بل صراعه من أجل البقاء والنهوض بأعباء معيشة أسرته...

ولكن، كيف هذا وزملائه من شغيلة الداخل يئنون من بقايا القوانين المتخلفة التي ألغت وجودهم الطبقي بتحويلهم إلى مسميات (الموظفين) الأمر الذي تسلح به معالي وزير النفط في معركته ضد شغيلة حقول النفط المطالبين بحقوقهم النقابية وما يتبعها وهذا على سبيل المثال لا الحصر..

كيف يمكن لشغيلة المهجر أن ينتظموا في نقابات وروابط واتحادات وجمعيات وهم لا يحظون بأي شكل من أشكال الدعم الأدبي والمادي من ظهيرهم في داخل الوطن؟ كيف ستصلح الأمور ويستطيعون المطالبة بحق وليس لهم من نصير أو مؤازر؟  إنهم العرضة الأولى لأي استغناءات وحالات طرد وفصل من العمل وهم الأكثر عرضة للشروط المجحفة المذلة في التشغيل والأكثر عرضة للأجور المتدنية لمجرد كونهم من العمال  الأجانب...

ولأنّ هؤلاء يخدمون ويعيشون في المهجر اليوم في ظروف مخصوصة معقدة وصعبة فإن دراسة حالاتهم دراسة دقيقة موضوعية شاملة منتظرة من الجهات الرسمية والنقابية المعنية.. وسيتطلب من القوى والعناصر المتخصصة أن ترفع الصوت عاليا بمطلب التحقق من أوضاع العمال المهاجرين والتعرف إلى مطالبهم عن كثب وتلبية ما يمكن تلبيته بشكل فوري عاجل بخاصة عند تعلق الأمر بشؤون مصيرية طارئة تحيق بحيواتهم وتتهدد وجودهم...

ولعل من أولى الأمور أن يجري إحصاء دقيق لعراقيي الخارج وحصر لمهنهم المؤقتة والدائمة.. وأن يجري تسجيل ظروف إقاماتهم وطبيعتها وقراءة احتمالات عودتهم في ضوء أسباب العيش في المنفى أو المهجر القسري أو الاختياري..

كما ينبغي أن توجد مراكز دراسات متخصصة لقراءة ظروف العيش وتأثيراتها الاجتماعية والنفسية والعلائق بالوطن الأم وبتطورات الأمور الخدمية من نمط خدمات التعليم والصحة والتأمينات اللازمة للطوارئ..

ولنا أن نذكِّر بأن طلبتنا الموفدين الذين مازالوا بذمة متابعة الجهات الرسمية في داخل الوطن قد وقعوا في ضوائق مستمرة  ماليا وحُجب عنهم مرتباتهم ومستحقاتهم المالية، فكيف الأمر باولئك الذين فروا في ليلة ظلماء تحت جنح التهديد بالموت وبعذابات ضغوط الميليشيات والمافيات والعصابات المسلحة!؟

مع ذلك يجب التذكير هنا، بأن على النقابات العمالية العراقية أن توجد منافذ وأذرع لها تمثل فروعا لشغيلة المنافي والمهاجر، وأن تضع الخطط المناسبة للتعاطي التنظيمي معهم فضلا عن عقد الأنشطة وأشكال التضامن والمؤازرة اللازمة في عرض مشكلاتهم على الجهات المعنية ما سيشكل الفرصة الأنسب لدفع الحكومة العراقية باتجاه تبني حاجات هؤلاء المواطنين وإعادة ترتيب أوضاعهم تدريجا لربطهم بالوطن وتوفير فرص عودتهم الاختيارية عند نضج الظروف...

إنَّ من بين أبرز الحاجات المهمة في ربط شغيلة الخارج يتمثل في توفير التعليم المدرسي والجامعي لأبنائهم أسوة بحقوق كل عراقي كما هو حاله في داخل الوطن.. وتبقى ذريعة وجوده خارج البلاد حجة باطلة لأن ذلك لا يُسقط عنه هويته الوطنية وانتاسبه للعراق وحقوقه عليه.. وليس سليما معاقبة هذا المواطن بقطع الخدمات ومنع تلبية حقوقه لأنه اضطر للهروب بعائلته بعيدا عن جحيم الظروف المعقدة في الداخل...

وبالمناسبة فإنَّ أغلب بلدان العالم التي لها شغيلة في المهجر تبقى على صلة بأبنائها وتجذبهم بتسهيلات كبيرة كثيرة للإبقاء على تلك الصلات وبما يحقق الفائدة للطرفين. في وقت تطفو على السطح بين الفينة والأخرى صرخات همجية تتهجم على عراقيي المهجر وتتهمهم بأسوأ النعوت في محاولة للتخلص من الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق الحكومة ومؤسساتها المعنية..

ولعل مما يسهل أمر التعليم وأشكاله توظيف  آلاف من الخريجين بمختلف التخصصات ممن يعيشون في كنف الجاليات المهجرية فضلا عن إمكان افتتاح فروع جامعية واستخدام التعليم الألكتروني وتوظيف الاستثمارات الأكاديمية المناسبة لهذا الأمر.. ومن جهة سيكون وجود مكاتب متخصصة في القنصليات العراقية وصناديق دعم للطوارئ أمرا مهما وعاجلا في التعاطي مع تلبية حقوق شغيلة المهجر..

إنّ هذه القضية ستظل إشكالية تضيف زخما تراكميا من المشكلات النفسية والاجتماعية وفي التعاطي مع الهوية الوطنية بحساسية بعد أن يستشعر المواطن بأنه جرى اقتلاعه من بيته في الوطن ويتم تركه لضواري زمن المهجر ومسكنه فتنقطع السبل بطريقة سلبية سيترتب عليها (الكثير) من المشكلات التي لن تبقى بعيدة عن التأثير على الوضع العراقي في الداخل سلبيا...

وما يمكن اليوم الدعوة إليه يتمثل في التصديق على الاتفاقات والمعاهدات الدولية بالخصوص.. والشروع بتشكيل تنظيمات وتركيبات مؤسسية مناسبة لمتابعة الأمر ومعالجته بوسائل موضوعية ناجعة سديدة.. وأن تتم معالجة هذه الإشكالية الحديثة على واقع مجتمعنا في التشريعات العمالية وفي القوانين المرتبطة وتلكم مهمة قد تجابه صعوبات من أي نمط إلا أنها أهون من تركها على عواهنها بلا معالجة ما يخلق التراكمات التي أشرنا إليها وإلى مخاطرها...

ونذكِّر هنا ببعض المطالب المستندة إلى  الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم من مثل:

1.  الحق في الحياة الحرة الكريمة للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم ) المادة 9(.

2.  الحق في الحماية من جميع أشكال التعذيب والمعاملات السيئة والمهينة والحاطة بالكرامة. )المادة 10(.

3.  الحق في الحرية والأمان والحماية الفعلية للدولة من العنف والأضرار الجسيمة والتهديدات... )المادة 16(.

4.  الحق في التمتع بمحاكمة عادلة في حال التعرض لاعتقال) المادة 18(.

5.   الحق في عدم التعرض للطرد الجماعي... ) المادة 22(.

6.  الحق في الحصول على الرعاية الصحية والعلاج الطبي الطارئ في الحالات المستعجلة ) المادة 28(.

7.  الحق في دخول أطفال المهاجرين المؤسسات المدرسية والجامعية العامة  المبغطاة بدعم حكومي )المادة 30(.

8.  الحق في التمتع بمعاملة متساوية مع عمال البلد المضيف سواء في الأجر أم ظروف التشغيل... )المادة 25 ).

للاطلاع على الاتفاقية يرجى الذهاب لهذا الرابط:      http//:www.somerian-slates.com/v185idhr.htm   

 

 

*       رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر  \ رئيس جامعة ابن رشد في هولندا  \  مستشار رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا

85
قراءة في بعض مفردات عمل وزارة الثقافة
التحول النوعي المؤمَّل من انغلاق الدائرة (البغدادية) للوزارة إلى انفتاح الدائرة (العراقية) لها!؟
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي*

 
نحن في السنة السابعة وما زال مثقفو العراق يحلمون متطلعين (بمعنى الفعل وممارسة الجهد وعدم الاكتفاء بالحلم)، حيث ترنو الأعين إلى "مجلس وطني للثقافة" في العراق. مثلما يحاولون الانتصار لوزارتهم كيما تبقى بعيدة عن مشكلات العراق [الجديد] بخاصة منها (السياسية) تلك التي يحصد فيها الصراع الحزبي والمحاصصات أغلبيته المتحكّمة السائدة! بدعم العناصر الحية الفاعلة فيها وبوسائل موضوعية مناسبة أخرى...
 
مَن يتمعن في وزارة (الثقافة) سيُصدم من كونها (على العموم) جزءا من (حكومة التوافق) وممارستها  وأنشطتها وليس جزءا من مشروع  إعادة  إحياء الثقافة  وغنى فعالياتها وعمقها الإنساني وجوهر الهوية الوطنية بكل ما فيها من تنوع وتعدد في المشارب والروافد والمصبات...
وللحقيقة والدقة لابد من القول: إنَّ الوزارة تحتضن بعض الطاقات الثقافية والشخصيات التي تحاول جاهدة أن تفعل شيئا ولكنها تبقى مكبلة  بسلطتين رئيستين:
1.  إدارة طارئة على الثقافة من تلك التي تتعاطى مع محاصصة من العمائم (وغير العمائم) ومصالحها الفئوية الضيقة، وتحتل بعض المسؤوليات لتمارس عبر قراراتها وحركتها الدور الأكبر في عرقلة المشروع الثقافي الحقيقي المؤمل.
2.  وعلى الرغم من هذه الإدارة التابعة أو الممالئة للحكومة وفلسفتها (السياسية) تمعن خطة الحكومة (المنتخبة) في تهميش كل ما له علاقة بالمعرفة.. فتمحض وزارة الثقافة ميزانية لا تسمن ولا تغني من (جوع)!؟ وليس هذا بعجيب إذ أن الميزانية الحكومية تنظر شزرا إلى وزارة التربية وإلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وإلى وزارة التكنولوجيا والعلوم وإلى كل ما يهمّ العقل العراقي ومنحه فرصة الحركة الصحية السليمة بعد عقود وسنوات من زمن حصار وإفقار ومصادرة واستلاب وتصفية!؟
تداعى هذا وبعض ملاحظات إلى الذهن وأنا أراجع مع بعض أصدقاء محاولات المثقف العراقي وتجمعاته الثقافية في الوطن والمهجر من أجل تفعيل ما ترسَّموه من خطط لولادة المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون وخطط تفعيل وزارة الثقافة وأنشطتها.. وتحديدا عندما تطلعتُ لبضع محاولات جدية على سبيل المثال محاولات عقد مهرجانات للثقافة؟
وللذاكرة كنتُ شخصيا، من بين آخرين، قد دعوت في مطلع المتغيرات الدراماتيكية في عراق ما بعد 2003 إلى الشروع بمنح استقلالية حقة للثقافة ومؤسساتها ومنحها الدعم المناسب لحجمها ودورها الأبرز في الحياة العامة.. وفي الإطار كانت دعوتي لعقد كرنفالات جماهيرية بمواسم أعياد العراقيين وأفراحهم في محاولة لإزالة الغمة وسوداوية الأجواء الماضوية وتلك التي كنّا نرى تبييت (بعض القوى الجديدة الدخيلة) للعراقيين أرادوا اصطناعها وفعلوها..
وبدل أن يحتفي العراقيين بالمتغير الجديد، وبدل أن يحتفوا بعودة أبنائهم المهجَّرين، وبدل أن يحتفوا بإعادة إحياء حقوقهم المستلبة ليمارسوا الحياة الإنسانية بأفراحها وانتصاراتها وأعياد العمل والبناء والولادات المجيدة؛ بدل كل ذلك صاروا إلى طغيان مفرط (بولغ فيه) حتى غطى كل السنة بسوداوية طقسية وكأن الحياة انعقدت على مدارها لنبكي طوال أيام السنة أسلافنا أجدادنا الذين رحلوا وهم الذين أوصونا بكلماتهم وأفعالهم بأن نحيا وجودنا بروح إنساني صادق وعقل صحيح سليم بخلاف ما يُفرض اليوم على الحياة العامة للعراقيين من عزاءات متصلة مستمرة...
ومع ذلك فقد نفذ بعض مثقفي الوطن ومنهم تحديدا ممثلو ثقافة المجموعات القومية والدينية العراقية المتآخية ممن ظلت أزمنة الدكتاتورية والطغيان تستلبهم حق الحياة والفعل عقودا طويلة..
فانعقد في بغداد على سبيل المثال مهرجان للثقافة الكوردية بميزانية ليست من (كيس) وزارة الثقافة [الاتحادية] في بغداد.. ومع ذلك فالعجيب الغريب انعقد المهرجان بلا جمهور!!!
وعند الحديث عن الأسباب ستتوارد أسئلة كثيرة من نمط أين كانت دائرة الثقافة الكوردية في الوزارة البغدادية؟ وما الظروف التي منعتها من النهوض بواجب الربط بين المبدعين وجماهيرهم؟ وأين كانت الدوائر الإعلامية للوزارة الاتحادية؟ وأين كانت الصحف والفضائيات المعنية بهذه الأنشطة؟ أليس مجيء مبدعي كوردستان ومثقفيه إلى بغداد خطوة محورية مهمة لتفعيل الوحدة الوطنية التي يُفترض أن الحكومة المنتخبة تتحدث عنها وأن مهمة وزارة الثقافة الاتحادية تصب وتتمحور فيها؟
هل كانت الصورة ستكون كذلك وتبقى قاعة الاحتفالية فارغة كما بدت لو كان من خبر مناسب عنها؟ وإذا كان جمهور ما سيعزف عن الاحتفالية لأي سبب أو تبرير، فهل كان مئات ألوف الكورد ممن يعيشون في بغداد سيعزفون عن هذا النشاط الذي يعبر عن جمالياتهم واحتفالهم بالحياة؟ هل بالفعل لا توجد جماهير لاحتفالية كبيرة ومهمة كهذه؟
ثم ألا توجد جهات إعلامية حزبية تساند إعلاء كلمة الثقافة التعددية ومصادر تنوع الهوية في إطار وحدتها الوطنية الإنسانية؟ ألا يوجد من يناصر احتفاليات المجموعات المسيحية، المندائية، الأيزيدية؛ والكلدانية الآشورية السريانية والتركمانية والأرمنية والصابئية؟ الأدهى من ذلك أن الاحتفالية كانت تمثل أحد جناحي العراق اللذين سجلهما الدستور بوصفهما مكوني العراق الفديرالي الجديد؟ الاحتفالية مثلت ليس وزارة الثقافة الكوردستانية حسب بل فلسفة توكيد الروح الفديرالي الوطني العراقي  وطبيعته الثقافية الغنية بتنوعاتها.. فلماذا تنعقد الاحتفالية هكذا بلا جمهورها بل بعدد محدود من ممثلي المسؤولية الرسمية والحزبية في بغداد أي حتى بلا معنيين بالنشاط الثقافي من نخبة ومسؤولين؟!
سؤال لم أستطع توجيهه لأيّ طرف رسمي أو شعبي (محدد) في حينه.. في محاولة متأنية للاطلاع على ظروف دائرة الثقافة الكوردية في الوزارة الاتحادية قبل السؤال وقبل نتائج التفاعل وقبل احتمالات الإجابة وطبيعتها...
ولكن مع ذياك التأني وفي محاولة لرصد الحقيقة وعند الاقتراب والتعرّف إلى أوضاع تلك الدائرة التي أشرنا إليها سيفضي إلى نتيجة تؤكد القول: إنّ تسمية وزارة الثقافة الاتحادية بالوزارة البغدادية سيكون أكثر من صادق ودقيق.. فهي بحق محاصرة لا تستطيع مدّ يدها إلى محافظات البلاد ولا حتى إلى ضواحي العاصمة البعيدة عن مقرها! والعلة ما زالت في المخصصات!!؟
ولكن الأدهى يتكشف عندما تأتي بمنجز وبميزانية ليست من جيب الوزارة (البغدادية) ولكن النتيجة تكون كما ظهر في احتفالية بغداد التي بقيت فيها المقاعد فارغة فيما احتفالية حزب في ذات القاعة غصت كراسيها بجمهوره بل إنّ عرضا مسرحيا دام بجمهور غفير (ملء تلك القاعة) طوال أكثر من شهرين!!!
المسألة عند الرصد ستحتاج إلى مراجعة، بخاصة مع اكتشافنا أن دائرة الثقافة الكوردية في وزارة الثقافة البغدادية ما زالت مقصية مهمشة لحد  يصل بتدنيه إلى ما هو أسوأ من زمن الدكتاتورية!؟ فلا الدوريات ولا المطبوعات والكتب ولا الاحتفاليات والبرامج والأنشطة بمتاحة بأية طريقة ويمكن لقارئي اليوم أن يسأل المعنيين عن الأرقام المدهشة في ميزانية تلك الدائرة وإمكانات حركتها والعناية بأنشطتها؟
طبعا، هذا بخصوص دائرة الثقافة الكوردية فما بالك بثقافة سريانية أو تركمانية أو مندائية؟ هل يمكن أن نسمي وزارة الثقافة الاتحادية هذه وزارة الثقافة العراقية؟ هل يمكن بمثل هذه الأوضاع أن نسميها بالفعل وزارة فديرالية؟ وزارة تُعنى بالتعددية القومية والدينية، اللغوية الثقافية؟ هل يمكن تسميتها وزارة عراقية  تُعنى بكل العراقيين على أساس من المساواة والإخاء والعدل في حين لا مقارنة تُذكر بين ما ترصده وبين رصيد ميزانية اتحاد أدباء دهوك ومبناه ونتاجاته وأنشطته تعادل عشرات المرات ميزانية دائرة مختصة على المستوى الاتحادي؟
المثقف العراقي يخجل من هذي الثغرات الخطيرة التي تتقصد مواصلة التهميش والاستلاب وعرقلة الجهود الوطنية للعناية بأنشطة العقل الإبداعي العراقي بكل أطيافه.. ولكنه بريء من سطوة (السياسي) على (الثقافي) في الوزارة (البغدادية) التي ينبغي لها ألا تبقى بحدود بغداد كونها وزارة اتحادية تشمل [افتراضيا] جميع العراقيين بمساواة وعدل!؟
وملخص السؤال الاحتجاج الذي يثور في استنتاجنا هنا يقول: لماذا هذا الإجحاف والإمعان في تهميش ميزانية دائرة الثقافة الكوردية على سبيل المثال؟ ولماذا التراجع في دعم خططها وأنشطتها؟ ولماذا هذا الانكفاء عن الاستجابة للبرامج الآتية من جموع مثقفي الوطن بأطيافهم ومنابع هوياتهم الثقافية الإبداعية؟ إنَّ هذه الأسئلة تولد من هنا في المهجر.. فما بالنا بأولئك الذين يعيشون الهمّ يوميا؟
الأسئلة ستتحدث عن مشروعات وصلت الوزارة البغدادية ومسؤوليها من مشروع المجلس الوطني للثقافة وحتى مشروعات تحديث المؤسسة الثقافية في مجالات السينما والمسرح والتراث والمتاحف والفلكلور ومديريات الثقافة للسريان، للتركمان، للكورد، لكل لغة ووجود يلزم أن نعلي احترامنا وأن نحقق اعترافنا الوطني والإنساني به..
فهل سنسمع غدا مثلا بمديرية ناشطة فاعلة للثقافة الصابئية المندائية؟ التركمانية؟ والسريانية؟ أضع هذا السؤال على أساس أن الثقافتين العربية والكوردية ستحظيان بالميزانية وبالدعم المنشودين وبالفاعلية والنشاط.. وعلى أساس أن سنّة التقدم والتطور ومسيرة الزمن وتراكمه سيؤدي إلى تعزيز الاهتمام بثقافات الوطن بلغاته، بمنتجه الذي يحترم الجميع ويزيل غمام زمن التخلف والمصادرة والتهميش...
لا نريد خطابات دعائية بخاصة في مرحلة الانتخابات.. ولا نريد ديماغوجية تضحك على الذقون تعلن أمرا وتضمر آخر. وما عاد مثل هذا يمرّ على المواطن، أو يسكِّن بعضا من آلامه وأوجاعه وأوصابه..
ننتظر فعليا إقرار مطالب وبرامج وتطلعات وطموحات بخطط عملية للبناء والتقدم.. نتطلع لأن نرى  برلمانا ثقافيا عراقيا حيا فاعلا في الوطن والمهجر، ينعقد مؤتمره باستقلالية تنظيمية وبغطاء مالي رسمي مناسب بخاصة في اتجاه إيجاد صندوق للدعم سواء في الأزمات والطوارئ التي تصادف المبدعين أم في دعم مشروعاتهم الإبداعية.. نتطلع لوجود روابط واتحادات ثقافية لأدباء وفناني المجموعات القومية والدينية وأن نجد الجمعيات التخصصية مدعومة مفعلة في إطار مجلس وطني للثقافة والآداب والفنون من مثل جمعية مندائية جمعية أيزيدية جمعية تركمانية جمعية أرمنية جمعية شبكية جمعية يهودية جمعية مسيحية جمعية سريانية كلدانية آشورية وجمعيات كوردية وأخرى عربية بمساحة الوطن ومهاجره القصية..
ننتظر مثلا مبادرات رسمية كتلك التي جاءت إلى برلين داعمة جهدا ثقافيا مهما وأن تتحول إلى ممارسة وطنية رسمية متصلة في أبرز تجمعاتنا المهجرية كما في لندن ولاهاي واستوكهولم وغيرها.. وأن نجد خططا سنوية لاحتفاليات كرنفالية شعبية واسعة كما في الاحتفالية السومرية الجذور في 14 تموز الدالة على عيد الحياة وتتويج ثمار ربيعها ومهرجانية كما في أعياد العمل والحصاد وشجرة العراق والعالم الأولى لنعيد احتفالية وعيدا للنخلة  التي تكاد تغادرنا مكسوفة مكسورة إلى دول صحراوية تتحول اليوم بها إلى خضرة وسواد بدل خضرة وادي الرافدين و (سواد) غاباته... نتطلع لاحتفاليات تكريم الأحياء وطنيا بعد أن بادرت وزارة الثقافة الكوردستانية للشروع باحتفاليات الوفاء التكريمية هذه..
فهل سنكرّم الزهاوي والرصافي؟ وهل سيطول انتظارنا لتكريم الجواهري ولو أن هذا يأتي بعد رحيله؟ هل سنكرم السياب والبياتي والملائكة؟ هل سنكرم عبدالجبار عبدالله؟ هل سنكرم علماء وأدباء وفنانين ما زالوا يقارعون الألم والمرض والقهر في منافيهم ومهاجرهم أو بين جدران بيوتهم العتيقة؟ هل سنمضي في إعلاء شأن احتفاليات الفرح؟ هل سنوجد فرصا لميزانيات استعادة تراثنا المنهوب؟ وهل سنمضي في عناية مخصوصة بآثارنا؟ ومكتباتنا؟ وهل سنلتفت إلى دور العبادة المندائية والأيزيدية واليهودية والمسيحية وهذه جميعا نمتلك فيها مراكز ((حج)) أتباعها والمؤمنين بها هنا في بلادنا وعلى أدنى تقدير لأسباب ودواعِ ِ سياحية ومادية وثقافية مدنية؛ لنتجه إلى استثمارات دولية فيها مفسحين مجالا، فاتحين بوابات جدية كبرى ليكون ملتقى الديانات هنا تعبيرا عن الحوار بينها واللقاء والتفاعل كما كانت هذي الأرض ميدانا للتسامح والسلام والتفاعل الإيجابي البناء..
هل وهل وهل وكيف ولماذا، بدأت في كلمتنا هذه بواقعة استثارت كل هذي الأسئلة ولكنها لم تنتهِ كما ترون إلا على أسئلة كبرى تهمّ الفكر الذي يسود اليوم والخطط الاستراتيجية البعيدة على المستوى الوطني والإنساني وعلى مستوى التعاطي مع الحقائق بعيدا عن التبريرات والترقيعات والدفاع عن فعل هذا ومنجز ذاك بخلفية سياسية محاصرة بالمحاصصة وبأزمة الدعم والاهتمام وبأولويات حكومية حزبية متعارضة مع أولوية العقل ومنطقه تعليما وثقافة...
وهل من مجيب؟ في جزئية أو كلية مما ورد هنا، بخاصة من تلك العناصر الإيجابية التي تثابر في محاولة للبناء من داخل الوزارة ومؤسساتها.. وللحديث بقية.
 
للاطلاع على مشروعات ثقافية سابقة يرجى التفضل بدخول الروابط الآتية:
http://www.somerian-slates.com/p373.htm   مشروعات للثقافة للتطوير والتأسيس                                                                 
http://www.somerian-slates.com/p563jcm.htmالمقدسات الدينية  بين خطاب التسامح والتفاعل افيجابي وفلسفة التنوير الثقافي                 
http://somerian-slates.com/C016.htmكرنفالات سومرية  في مدن العراق كافة
                                                                     
 
 
*       رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر  \ رئيس جامعة ابن رشد في هولندا  \  مستشار رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
 
 

86
حقوق العراقيين في اليوم العالمي لحقوق الإنسان
  أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث سياسي أكاديمي\ناشط في مجال حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com

في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كل التفاصيل التي تخص مطالب الإنسان وحاجاته وحقوقه كاملة تامة بلا استثناءات أو مصادرة أو استلاب.. وقد صارت هذي الوثيقة عنوانا كيما يتعرف الناس إلى ما ينبغي أن يكفله لهم  القانون أولا وما يلزم أن توفره لهم حكوماتهم الوطنية والمحلية...
وبصرف النظر عن قائمة تلك الحقوق الواردة في الإعلان العالمي؛ فإنَّ كل إنسان يتطلع إلى تلبية ما يحفظ له حياته وسلامته ودفع أية ضغوط قد يتعرض لها وتوفير الغذاء والدواء ومفردات صحته النفسية والبدنية وكفالة تعليمه وحاجاته الروحية الثقافية... وتلكم جميعا مما  تفرضها ظروف العيش في راهن عصرنا الحديث.
وبين النموذج المثالي لحقوق الإنسان وواقع حال العراقيين بون شاسع لا يمكن حسابه بسهولة لجملة تعقيدات نعيشها ويعيشها العراقي. فعلى الرغم من الاستبشار بنهاية نظام الدكتاتورية وطغيان الفرد إلا أن العراق الجديد لم يبرر حتى هذه اللحظة أيّ حال استبشار بتطمين حقوق العراقيين  بل ذهبت تلك الحقوق أدراج الريح وعبث العابثين..
فلقد شابت قائمة حقوق العراقيين ليس على وفق واقع الحال المأساوي لهم حسب بل على وفق التقارير الرسمية  الحكومية والدولية، ثغرات لها أول ولكن ليس في الأفق لها من نهاية يمكن قراءتها! إذ تقول المنظمة الدولية فيما أورده تقرير العفو الدولية السنوي: إن حوالي الأربعة ملايين عراقي لا يحصلون على الطعام الكافي وإن نحو 40% لا يحصلون على مياه صالحة للشرب ونحو ثلث السكان لا يحظون بالرعاية الصحية الملائمة..
ويكاد النظام التعليمي ينهار لعدم توافر الكتب المطلوبة والمدرسين الذين يغطون الحاجة فضلا عن تعرض الطلبة والأساتذة للضغط الشديد عبر عمليات العنف من تهديدات وأشكال الابتزاز  وعمليات الخطف والتفجيرات والتصفيات والاغتيالات..
وليس للعراقي من عدل ينصفه أمام هول التجاوزات على حقوقه سوى القضاء الذي يقولون: إنه صار مستقلا حرا؟ بخاصة بعد مظاهر نقل السلطة من  قوات الاحتلال للسلطة المحلية ولكن الأمر حتى عند صدور قرارات قضائية عادلة تذهب هباء وأدراج الرياح بسبب من سطوة السلطة التنفيذية وسلطة جهات عديدة تفرض سطوتها على حساب قرارات القضاة مُلقية بالقانون في سلة المهملات...!
ومن جهة مضافة فإن تكرر الانتهاكات على أيدي الميليشيات المسلحة تسجل جرائم جسيمة وهي تدعي تمثيلها جماعات دينية وأحزاب ممثلة في البرلمان.. وسجلت التقارير أن من بين انتهاكات الجماعات المسلحة الاختطاف والتعذيب والقتل وعمليات تفجير عشوائية استهدفت المدنيين بالأساس وبتركيز واضح على المجموعات القومية والدينية من مسيحيين وأيزيديين ومندائيين  وعلى أعضاء جمعيات مهنية من النخبة المتعلمة من أساتذة جامعات وعلماء وأطباء ومهندسين ومحامين وصحفيين فضلا عن استهداف النساء...
وفي وقت تتراخى السلطة التنفيذية عن فرض ما يساعد على حماية أرواح المواطنين تُصدِر أحكاما بالإعدام  في محاكمات لا تتوافر فيها المعايير الدولية  للعدالة كما أن  حجم الإعدامات غير معلن بأرقامه الحقيقية ويجري التدخل بأسس سياسية على حساب سلطة القضاء والعدالة.. وتجري اعتقالات واسعة بلا ضوابط قانونية ويجري الاحتجاز التعسفي ولمدد طويلة كثير منها بعمر الحكومة نفسها..
ويجري بشكل منظم التجاوز والاعتداء على السجناء من تعذيب بالأسلاك الكهربائية وخراطيم المياه والتعليق لفترات طويلة وكسر الأطراف والصعق بالكهرباء ونزع الأظافر وثقب الجسم بمثقاب وجرى اغتصاب سجناء وسجينات في سجون الداخلية وجرت حالات الإعدام والتصفية خارج الإجراءات القضائية  وعلى أسس طائفية سياسية الغايات..
وتعرضت النسوة العراقيات للضغوط من تهديدات واعتداءات لأتفه الأسباب من مثل طبيعة الزِّي الذي يرتدينه أو لأسباب تتعلق بالعلاقات الأسرية وبسلطة الرجل المطلقة التي تبيح له إيقاع مطلق العقوبات ما قد يصل حدّ القتل بلا روادع قانونية بخاصة  في ظرف استخدام ذرائع (غسل العار) وما شابه من حجج  للتغطية ولشرعنة جرائم القتل البشعة تلك!
وتعاني بغداد والبصرة وأغلب محافظات البلاد من نقص في الطاقة ومن عجز في توفير المياه الصالحة للشرب ومن ثغرات خطيرة في مجال الصرف الصحي فضلا عن تلوث بيئي ينذر بكوارث وعواقب إنسانية خطيرة.. فمثلا لا توجد كفاية مناسبة وتخصصية لإصابات السرطان المتفاقمة بحجم حدوثها حتى باتت بمئات الألوف ومثيلاتها من الولادات المشوهة ومن الإصابات بالأوبئة والأمراض المزمنة التي صارت رديفا شائعا لحياة العراقي,,,
إن مجريات الأمور تتم بطريقة فاجعة تدخل في جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة شاملة للعراقيين وبخاصة لبعض فئاتهم من مجموعات قومية ودينية تُدعى الأقليات ويمكن المرور على الآتي في تقرير موجز للوقائع:
1.   تدعي الحكومة العراقية دعم القضاء والالتزام بالقانون والدستور فيما تجري اعتقالات جماعية وفردية بلا أية أوامر قضائية ويجري الاحتجاز لمدد لا علاقة لها بقانون فضلا عن أشكال التعذيب الواردة في التقارير الرسمية...
2.  تدعي الحكومة تحسن الوضع الأمني بفضل جهودها المتقدمة!؟ فيما جرت فقط في الأسابيع الأخيرة جرائم الأحد والثلاثاء والأربعاء الدامية ما حصد أرواح مئات وأصاب مئات أكثر أخرى فضلا عن الخسائر المادية والنفسية.. والموقف ما زال يلعب بطريقة انتخابية لا علاقة لها بضبط الأمور وحسمها...
3.  وتزعم الحكومة حماية المواطن وتوفير سلامته فيما جرت اغتيالات بكيفيات جنائية لم تفتح الجهات المسؤولة تحقيقا فيها أو أنها اكتفت بالإعلان عن بدء التحقيق بلا نتائج؛ متهاونة  مستهترة بأرواح المدنيين والضحايا ومنهم شخصيات ثقافية وأكاديمية وسياسية معروفة حاولت التصدي للفساد والخطايا والثغرات الجارية في الحكومة وأجهزتها...
4.  تدعي الحكومة انتهاء موجة القتل على الهوية وما زالت رموز عشائر ومواطنين يتعرضون لهجمات معلنة بهذا النمط من الجريمة من دون اية مواجهة فعلية..
5.  وتدعي الحكومة الالتزام بالدستور وكفالة المساواة فيما المرأة ما زالت تتعرض لشتى صنوف الجريمة من حجر منزلي وسطوة سلوكيات التخلف من أفعال الضرب والجلد والاعتداء والاغتصاب وحتى جرائم القتل والتصفية غسلا لعار لم ترتكبه ولمجرد وشاية أو حالة شك أو حال غضب لمعتوه متشدد من رجال الأسرة، وبالضد من كل الشرائع الدينية والمدنية..
6.  تدعي الحكومة نهوضها بحماية الحياة وكرامة الإنسان وحقوق الطفولة فيما تنتشر الجريمة بخاصة في أشكال اختطاف الأطفال وبيعهم أو بيع أعضاء من أجسادهم والمتاجرة بهم ومن ذلك في سوق (تجارة الجنس) حيث يوجد بشكل علني في مدن دول الجوار عشرات ألوف المتاجر بهم في هذه التجارة المحرمة..  فضلا عن حرمان هؤلاء (الأطفال) من الأمان الأسري الاجتماعي ومن توفير حاجاتهم الإنسانية وسوقهم كرها نتيجة الاضطرار للدخول في سوق العمل وابتزازهم هناك بشكل مضاعف..
7.  إن نسبة عالية من الطلبة يتركون الدراسة مبكرا تصل إلى أكثر من ثلث الطلبة والأمر يزداد بين الإناث بسبب التمييز الجنسي والخوف المضاعف من العوائل مع تقدم عمر الفتاة.. إلى جانب تدني مستويات التعليم وانهيار النظام بشكل عام.. حتى بات المتخرج أشبه بالأمي في تخصص الشهادة التي يحملها في نهاية مطاف عملية تسمى شكليا تعليمية...
8.  تتعرض الشبيبة للبطالة ما يدفعها إلى ولوج عوالم مرضية  واستغلالية  بشعة.
9.  يتعرض المتخصصون للتصفية أو الخضوع للهجرة القسرية ويأتي في مقدمة هؤلاء أساتذة الجامعات والصحفيين حتى صار العراق الأخطر عالميا في مجال عمل الإعلاميين والصحفيين.. ولم تكشف الحكومة عن أية حالة جنائية - ومن وقف وراءها - من تلك العمليات التي جرت طوال العام المنصرم أو سنوات عملها وولايتها الرسمية..
10.             يتعرض السجناء للعنف الجسدي والنفسي والجنسي بخاصة منهم النساء والأطفال، وتستند أغلب قرارات النطق بالحكم إلى اعترافات منتزعة تحت التعذيب في ظروف الاستغلال الطائفي للمسؤولية الحكومية أو سوء استخدام السلطة...
11.             إنّ من أخطر ما تتاسس عليه انتهاكات حقوق الإنسان العراقي هو وقوع السلطة  بأيدي طائفية متشنجة مريضة تتعارض أفكارها وبرامجها وجوهر الدولة الحديث القائم على علمنة الحياة والمجتمع المدني.. وبهذا فهي تفسح بهذا الطابع المتعارض مع الدستور أوسع المجالات لاستباحة حقوق الناس..
12.             والأمر الخطير الآخر هو وقوع المسؤوليات الرئيسة والقيادات العليا بأيدي جهات غير ذات اختصاص وهزيلة الخبرات  أو معدومة المعارف والمعلومات المهنية ما أودى إلى فوضى وتفشي الفساد والمحسوبية  وانفلات الأوضاع من السيطرة الأمر الذي جاءت نتائجه على حساب مصالح المواطن وحقوقه أولا وآخرا...
13.             تمارس السلطات ذات الخلفية الدينية الطائفية تشجيعا ممنهجا لإذكاء التقاليد البالية وتعزيز سطوة التخلف الاجتماعي بذريعة الحفاظ على أخلاق المرأة والمجتمع وهي بهذا الفعل تدفع لمزيد من القيود التي تسلب المرأة حقوقها والمجتمع حرياته الإنسانية السليمة..
14.             تتقاطع فلسفة القوى الحاكمة وأداتها الحكومية مع حريات المجموعات القومية والدينية المتعددة فتسلبهم حقوقهم في ممارسة طقوسهم وشؤون الهوية ومفرداتها وتفرض تهميشا ومطاردة تجبرهم على النزوح الداخلي والتهجير القسري الخارجي إلى دول اللجوء.. وهكذا تتعرض هذه المجموعات لجريمة إبادة جماعية فعليا وعلى أرض الواقع..
15.             المهجرون في بلدان اللجوء ما زالوا يعانون ومع ذلك تعقد الحكومة العراقية اتفاقات إعادة قسرية على الرغم من المآسي الجارية ومن تعرض  هؤلاء لتهديد التصفية والموت... وتحصي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ما يفوق الأربعة ملايين مهجَّر ونازح بواقع 2.77 مليون في الداخل ومثلهم في كل من الأردن وسوريا.. وهؤلاء ممن يكابدون في مختلف المجالات الحياتية..
16.             ما زالت مدن عراقية تتعرض لنكبات خطيرة بلا استجابة فعلية للمعالجة كما في البصرة التي أصدرت نداءات استغاثة لم تتفاعل معها الحكومة العراقية إلا سلبيا حيث منعت أي شكل من أشكال التعبير والاحتجاج التي بادر بها أبناء المدينة..
17.             كما تغفل الحكومة المخاطر البعيدة لنضوب المياه ولقطع دول جوار لمصادر المياه وتحويل الأنهر عن مجاريها الطبيعية كما حصل من إيران وتركيا وسوريا..
18.             وتهمل الحكومة التعاطي مع مواقف التهديد  التي تقوم بها دولة الجوار الشرقي بشأن بناء محطات نووية وأخرى من معامل كيمياوية وتلقي نفاياتها في  اتجاه الأهوار والأراضي العراقية ما يهدد سكان المنطقة..
19.             في مجال التعليم والتدريب والتأهيل تهمل الحكومة كل القطاعات من الطفولة ومرورا بالشبيبة وبالنساء وحتى بقية الشرائح التي يتطلب الأمر إعادة تأهيلها وإدماجها في الحياة المدنية كما في حال عناصر الميليشيات التي ينبغي تدريبها على الأعمال المدنية إبعادا لها عن الانخراط في سلك يتهدد وجودها فيه الأمن الوطني وحيوات الناس ويعرضهم لنتائج ممارسات وصراعات غير محمودة العواقب..
20.             ما زالت الحياة الثقافية وقوى الإبداع الأدبي والفني الجمالي والفكري بعيدة عن الحصول على اي شكل من أشكال الدعم ويتعرض المبدعون لهجمة شرسة فضلا عن بقاء المكتبات ومراكز الفنون في حال من الإهمال حتى أن وزارة الثقافة تئن من تدني رصيدها في ميزانية الحكومة وكأن الدولة بلا ثروات طائلة...
21.             ما زال الشعب لا يملك ثروته بسبب من سوء التوزيع وتفشي الفساد المالي وسرقات الثروة وإحالتها لمصادر لسوق الابتزاز المافيوي الدولي..
22.             تتعرض الأحزاب العلمانية والديموقراطية والليبرالية لمضايقات واضحة كما يجري محاصرة أية جمعيات أو روابط أو نقابات ديموقراطية الاتجاه.. وفي ظل عدم إقرار قوانين منظمات المجتمع المدني يجري التضييق على كل ما يولد على أسس عصرانية حداثوية صحيحة..
23.             تعمدت الحكومة سن قوانين تتسم بلا دستوريتها كما أحجمت عن سن قوانين بالعشرات كيما تبقى بعيدة عن تشكيل مؤسسات الدولة التي يمكن أن تحاسبها وتتابع أنشطتها... ومن أبرز ذلك عدم سن قانون الأحزاب وعدم سنّ قانون مجلس الاتحاد والتدخلات والضغوط على القضاء ومؤسساته بما يتاوز على الحقوق العامة والخاصة..
ويمكن إذا ما اتجهنا أكثر وأعمق أن نسجل عديدا من التفاصيل الخطيرة من تلك التي تصادر حقوق العراقيين وتهمشهم وتجعلهم مجرد أرقاما رخيصة في حسابات حكومة لم تعبأ يوما لمسلسل الآلام والتضحيات التي يدفعها المواطن وهي تتاجر بتلك الآلام وتلعب بها في إطار الصراعات بين أحزابها على كراسي تحقيق مصالح الفساد الذي صار السمة الدولية للعراق الجديد..
ولمزيد من التفصيل في الأرقام والأوضاع نضع بين يدي القارئ الكريم تقريرنا في العام المنصرم الذي ما زال يحتفظ بتكرار المشهد إحصاءَ َ ومشهدا إنسانيا يستغيث طلبا للعدل والإنصاف وإقرار حقوق العراقيين في عهد يُراد له أن يوقف زمن المصادرة والاستلاب والاستغلال ويبدأ مرحلة معالجة آثار الماضي ونكباته ويزيل غمة الراهن وينتقل بالعراقيين لعالم الاستقرار والسلم الأهلي والأمن والأمان..
إن أولى وأهم أمور التوجه إلى انتخابات السنة الجديدة هي التخلص من تلك الحكومة التي لم تحفظ للعراقي حرمة ولم تحترم له سمعة أو كرامة ولم تلبي له مطلبا أو تفي بحق من حقوقه الإنسانية والمجيء ببديل مدني يحترم حقوق الإنسان العراقي ويعلي مكانته ويحفظ سلامته ويلبي حاجاته ويبني بلاده وبيته بثرواته الغنية بدل سرقتها وتضييعها... وكيما يتجاوز العراقي ألاعيب من سنّ قانون الانتخاب بطريقة تضمن عودته على العراقي اليوم أن يتفكر جيدا فيمن سيضع اسمه في ورقة الانتخاب وتحديدا الاسم نظيف اليد طاهر النفس نزيه الفكر صادق الرؤية سليم البرنامج وكفوء الدربة والخبرة قادرا على إحداث التغيير المنتظر منه وتلبيية حقوق العراقيين..
فهلا توجه العراقي لقطع الصلة مع أضاليل التمثيل الطائفي التي أثخنته جراحا وسلبته حقوقه كافة؟ ذلكم ما ستقوله نتائج توظيف وعيه الإيجابي في رحلة حسم الموقف بصوته لصالح كرامته وحقوقه وحقوق أبنائه وبناته...
 
رابط تقرير الدكتور الآلوسي في اليوم العالمي لحقوق الإنسان 2008:
http://www.somerian-slates.com/p575hr.htm

87
بيان البرلمان الثقافي العراقي في المهجر بشأن مضمون قانون الانتخابات العراقي الجديد

مبادئ الديموقراطية ودستورية القرارات.. في مهب ريح استبداد "الأغلبية البرلمانية"؟!

 

في استمرار لنهج استغلال أغلبية "أحزاب الإسلام السياسي الطائفية" في (البرلمان العراقي) ولما أفرزته القائمة المغلقة من تمرير ضَعف الكفاءة وهزال الأداء ومفارقته المنطق القانوني الدستوري، أقرّ مجلس النواب قانون الانتخاب الجديد.. ولكل من تابع جلسة الأمس الثامن من نوفمبر تشرين ثاني، يمكنه الحكم على الخروقات القانونية وعلى الأداء الضعيف و(الهرج) الذي مرَّر الإقرار في عُجالة بيِّنة في مظهرها وما نجم وسينجم عنها من مخاطر وتداعيات.

لقد سبق جلسة الإقرار سجالات صاخبة تعمّدت وضع قضية كركوك إشكالا عقديا كيما تستغل الأمر لمطامع انتخابية تضمن التمسك بالأغلبية لجهة فلسفة (الطائفية المرضية) وأحزابها، تلك التي كان الشارع العراقي قد أكّد رفضه لها الأمر الذي أشارت إليه نتائج انتخابات مجالس المحافظات والذي أشار إليه عزوف الشعب بالأغلبية الساحقة عن تحديث سجلاته الانتخابية الجديدة..

إنَّ أمورا إجرائية في مفردات الأداء التي كانت سياقات جلسة الإقرار قد مارستها؛ من قبيل التصويت وإقرار فقرة أو مادة ثم إعادة التصويت وإقرار نقيضها أو صيغة أخرى لها.. ومن قبيل حجب أصوات برلمانية أرادت تسجيل نقاط نظام أو اقتراحات بديلة ومن مثل طريقة إدارة الجلسة وتمرير القانون؛ إنَّ كل ذلك لا يقارن بمقدار الخلل في دستورية ما صدر وفي التراجع عن مطالب ظلت منتظرة من البرلمان!

ففي وقت لم يُصدِر البرلمان تشريع استكمال بنية الهيأة التشريعية كما نصَّ عليه الدستور كفالة لحقوق المجموعات القومية والدينية والمكوِّنات العراقية كافة بعدالة ومساواة ؛ وضمانا لحماية النظام الديموقراطي والفديرالية ومنع الانجراف بعيدا عن العملية السياسية أو الانقلاب عليها، ذهب أبعد من ذلك (في المادة الأولى من القانون) بتقليص عدد المقاعد التعويضية [إلى الثلث: من 45 مقعدا إلى 15 مقعدا فقط!!] وهي المقاعد المخصصة بالأساس للقوائم التي لا تحقق القاسم الانتخابي بمستوى المحافظات (لتفاصيل إجرائية تقنية) في وقت تحققه بل تمتلكه على المستوى الوطني... وهذا ما يسجل [مجددا] تراجعا يسيء للمكونات القومية والدينية بتحجيمها وتهميشها في أقلية (8 مقاعد فقط لا غير!) وهو ما لا يرقى لنسبة وجود هذي المجموعات وطنيا؛ مثلما لا يتناسب عدد المقاعد المتبقية (7مقاعد؟!) مع نسبة تقارب الـ20% من مجموع العراقيين [أكثر من 4.5 مليون نسمة]! 

وإمعانا في محاولات احتكار السلطات والانفراد بها، جرى صياغة المادة الثالثة من قانون الانتخاب بما يلغي عمليا حال التعددية وتمثيل التنوع الذي يعبر عن الطيف العراقي، حيث تمّ تكرار منح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة الرئيسة والاستيلاء على ملايين الأصوات الشعبية وإحالتها عمدا لقوى لا تمثلها ولم تنتخبها أو تصوِّت لها؟! وبخلاف مبادئ الديموقراطية وبالتعارض مع إرادة الناخب ومع أشكال الاحتجاج الشعبي وفي تجاوز فاضح على روح الدستور ونصوص مواده تمّ تمرير هذه المادة لانتزاع آخر المقاعد التي يحظى بها جمهور الناخبين في ظل قانون انتخابي مفصّل بطريقة تحرمهم فعليا من إمكان إيصال ممثليهم إلى البرلمان...

إنَّ سجل السنوات المنصرمة من استبداد [الأغلبية] البرلمانية التي جاءت بآليات  لم تهيِّئ المساواة في فرص التنافس الانتخابي قد  أوضحت بما  لا يقبل الشك  سياسة [استبداد الأغلبية] وخرقها الدستور وانتقائيتها في سنّ التشريعات والقوانين ومنع استكمال الهيئات التشريعية التي تعبر عن المكونات العراقية القومية والدينية وحرمان الطبقات والفئات الاجتماعية العريضة من إمكانات المشاركة الفعلية الكاملة والتضييق على تشكيل تنظيماتها.. كما حجّمت من دور المحكمة الدستورية وتجاهلت قرارات قضائية وحاولت تجيير القضاء في بعض حالات؛ هذا فضلا عن سياسة المحاصصة في التعيينات وشغل مناصب الأجهزة التنفيذية بعيدا عن مبدأ الكفاءة والوطنية ومشاركة أطياف المجتمع.

إنَّ القوى الديموقراطية المدنية من العمال والطبقة المتوسطة ومن النساء والشبيبة وهم الأغلبية الحقيقية لمجتمعنا ما زالوا جميعا محجوبي الإمكانات المناسبة عن دفع ممثليهم إلى  (نصف الهيأة التشريعية التي سيجري انتخابها) فيما القسم الآخر الذي يمثلهم مباشرة ما زال بلا إقرار لقانون يَشرع في تنفيذه لاستكمال الهيأة التشريعية.. وهكذا يحرم الشعب العراقي من التعبير عن تركيبته المدنية المعاصرة ويجري حصر التمثيل في قوى فوقية مفروضة تعبر عن تمثيل مشوّه للتركيبة الطائفية التشطيرية المرفوضة شعبيا وغير المتناسبة مع طبيعة الدولة المعاصرة ومع منطق الدستور المدني لعراق ديموقراطي فديرالي  متطلع إليه...

إنَّ إجراء الانتخابات بأقل من خُمْس الناخبين لن يبقى بحدود الإجراء الشكلي الفوقي فقط، ولكنه سيفضي إلى تداعيات أخطر من عزوف الناخب عن التصويت وتشكيل مجلس نواب بعيد عن التمثيل الصادق لإرادة الشعب. ومن هنا فإنّنا هنا ندعو [على وفق الإجراءات القانونية المتبعة] مجلس الرئاسة لرد القانون لإجراء التعديلات المناسبة المنتظرة من أجل صياغته بما يكفل الانسجام مع الدستور والمصداقية والإتيان بتمثيل حقيقي سليم للتعددية والتنوع وما ينسجم وتركيبة المجتمع العراقي المدنية المعاصرة؛ كما نطالب قوى المجتمع المدني الديموقراطية بالاستعداد القانوني للتقدم بطلب رسمي إلى المحكمة الاتحادية لحسم الموضوع عند الضرورة..

مثلما نأمل أن تعي القوى الديموقراطية وتنظيماتها طبيعة ما جرى ويجري حولها فتتحد وتضع البرامج الإجرائية الكفيلة بقيادة التعبيرات الشعبية الصائبة الملائمة وأن تكون الفعل لا ردّ الفعل في مسيرة تفعيل العملية السياسية وتصويب مسارها الذي بات ينحرف أكثر فأكثر بعيدا عن تطلعات الفئات الشعبية في الممارسة الديموقراطية..

إننا نعمل ونتطلع إلى تعاضد الجهود للنهوض بمهام عقد ندوات جماهيرية واحتفاليات شعبية وأشكال للتظاهر السلمي والأنشطة المدنية التي تفضح حال التراجع والنقوص عن مسيرة تعزيز العملية السياسية وتطويرها واستكمال بناء مؤسسات الدولة العراقية الملبية لما أقره الشعب العراقي في  الدستور.

ونثق بأن قوى الخير والديموقراطية هي المنتصرة في النهاية لأنها وليدة الإرادة الشعبية ولأنّ ظهيرها المكين يكمن هناك في الوسط الجماهيري الأوسع والأكثر وعيا بمهام المرحلة وآليات العلاج والبناء وإعادة الإعمار وطنيا... واثقين من أن القيادات التحررية الوطنية والديموقراطية المدنية وقوى الثقافة التنويرية الشعبية ستلتحم لتعالج الموقف بالحكمة وبما يوجهها لخدمة مصالح الشعب والوطن...

 

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

مستشار رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا


لاهاي هولندا التاسع من نوفمبر تشرين الثاني 2009

 


88
م \ مذكرة عاجلة من أجل إنقاذ أهالي البصرة العراقية من كارثة الإبادة الجماعية
معالي الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة السيد بان كي مون المحترم
دولة رئيس الحكومة العراقية السيد نوري المالكي المحترم
تحية طيبة
وبعد

 
تواردت الأنباء من داخل مدينة البصرة، تفيد بمعالم بداية كارثة إنسانية خطيرة قد تؤدي لإبادة جماعية لأهالي المدينة وقد بدأت تلك النتائج الخطيرة حاليا  بمناطق جنوبية في المحافظة.. وإذا كان بعض الأهالي قد شرعوا بالنزوح بعد علامات مريبة بشأن موت أصاب الزرع والضرع وبعض المواطنين، فإنّ إمكانات النزوح ليست متوافرة للجميع ولا تمثل الحل الأمثل لمواجهة الكارثة التي ستطال عاجلا أهالي المحافظة كافة...
 
إنّ ما يجري هناك ليس حجبا لمياه الكارون والانخفاض بها من مستوياتها المعتادة إلى مستويات تتسبب بكارثة إنسانية مؤكدة فقط.. فالأمر تعدى ملوحة المياه وتحول البصرة من مدينة نهرية إلى مدينة بحرية المياه فجأة وبلا استعدادات بمشروعات التحلية المعروفة في المدن البحرية؛ الأمر بات أخطر من ذلك بسبب من المواد الكيمياوية الخطيرة التي ترد فيما تبقى من مياه ترسلها مصبات الأنهر السابقة من معامل التلويث..
 
وبات الأهالي يشهدون يوميا قتلا للمزارع والمواشي فماتت الكائنات والأحياء الدقيقة من غذاء الثروة السمكية التي أبيدت هي الأخرى بعد أن كانت تتوافر بعشرات آلاف الأطنان.. وما عاد الأهالي يمكنهم العيش أو توفير مياه الشرب الذي كانوا بتناولونه من مياه شط العرب حتى من دون مادة الكلور المعقمة...
 
إن الكارثة التي تحصل بمجمل تأثيراتها البيئية والاجتماعية والإنسانية تنذر بجريمة إبادة جماعية، في وقت تمنع السلطات المحلية أية تظاهرات سلمية بات الأهالي يطالبون بها لإيصال الصوت مباشرة من ميدان الصراع بين الحياة والموت في كل ثانية تمضي من حيواتهم.. وأبعد من ذلك فإن الإجراءات المتخذة ليست أكثر من قرارات بلا فعل ميداني يجلب رشفة الحياة من الماء للعطشى من الأهالي فضلا عن ضعف الإمكانات الحقيقية للحكومة لمعالجة الاحتمالات المأساوية...
 
إن الخط الفاصل بين حياة الإنسان البصري ومقتله بات بيد إجراءات ستحيق بهذا الإنسان كونها لا تتفاعل مع الحاجة الفورية المباشرة للماء ومع حجم هذه الحاجة الحقيقي. وباتت تصريحات بعض مسؤولي المدينة تشير بوضوح إلى مخاطر مثل هذا التساهل والإهمال وضعف إمكانات التصدي للمشكلة.. وصار أهالي المدينة تحت رحمة ملوحة الماء وقصور المتوافر الصالح للاستهلاك الآدمي إلى جانب الملوثات الكيمياوية التي باتت تتسبب في إصابة السكان بأمراض وبائية كحمى مالطا والكوليرا والتيفوئيد وغيرها مما سيخرج عن السيطرة في مدى  غير بعيد..
 
وبالإشارة إلى أزمة المياه في عراق اليوم، فإن تجفيف الأهوار والأنهار من قبل كل من تركيا وإيران وسوريا يعني ارتكاب جريمة بحق الإنسانية وليس الشعب العراقي وحده لأن المتغيرات البيئية ستتجه إلى أوضاع أكبر من حدودها الجغرافية المحلية... ومن هنا فإن قضية المياه ليست قضية لعبة تضاغطات سياسية في خواتيمها بل هي حرب ضد الإنسانية يتطلب وضعها بهذا المعنى المركب المعقد على طاولة مجلس الأمن فورا وإدخالها في سلطة البند السابع من جهة تنفيذ القرار الفوري بإطلاق المياه بحجم الخرق النوعي الموصف قانونيا لحروب الإبادة الشاملة...
 
لقد خرجت القضية من دائرة مسؤولية الحكومة العراقية وقدراتها على التعاطي مع حياة تلك الملايين من المواطنين وتعريضهم للإبادة الجماعية وكارثة التخريب البيئية وكلتا الكارثتان ستنطلق بتأثيراتهما إقليميا وعالميا بطريقة أخطر من تلك التي يغمض (البعض) أعينهم عنها.. مع تذكيرنا بمسائل النزوح من الريف إلى المدينة وأعبائه الديموغرافية ومتطلباته ومشكلاته وبمشكلات الأوبئة واستيلاد جراثيم وفيروسات جديدة وانتقالها المؤكد في المحيط  وبموجة أخرى من النزوح إلى دول الجوار بمعضلاته الجديدة..
 
 
وفي ضوء تشخيصنا لحجم الكارثة فإننا من نخبة التكنوقراط والمتخصصين وقادة الثقافة والفكر العراقيين، نطالب بتحمل مسؤولياتكم من الآتي من الفعاليات المؤملة منعا لضحايا أكبر لهذه الكارثة:
 
1.      نطالب بإعلان منطقة البصرة والمحافظات المجاورة منطقة منكوبة.
2.      وبإيصال مياه الشرب والاستخدام الآدمي بكميات كافية فورا.
3.      وأن تتخذ الحكومة العراقية والجهات الأممية الإجراءات العاجلة الكفيلة بتلبية المطالب الإنسانية الفورية..
4.      أن تتجه الحكومة العراقية بوفود فنية متخصصة بجميع المجالات التي تشملها الأزمة لفتح حوارات عاجلة وأخرى استراتيجية مع الدول المعنية ومع مجلس الأمن الدولي بمشروع واضح المطالب العاجلة والآجلة..
5.      ونحن هنا نتجه بمطلبنا المباشر العاجل هذا إلى معاليكم سيادة الأمين العام للأمم المتحدة لتنهضوا بمسؤولياتكم القانونية والإنسانية بدعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد والتدخل العاجل بخصوص معالجة الوضع الكارثي في منطقة منكوبة تتعرض لاحتمالات الإبادة الجماعية في حرب المياه الناجمة عن ضغوط اختلال التوازن الاستراتيجي في المنطقة.. وإجرائيا الجارية عبر تغيير مصبات الأنهر وحجب الكميات الطبيعية ونسب الحصص للدول المتشاطئة والمشتركة في مسارات الأنهر فضلا عن القصور المأساوي في تلبية المطالب العاجلة من جهة وفي تعريض السكان للأوبئة الفتاكة من جهة أخرى كما أسلفنا التوضيح وفي ضوء التقارير الواردة ميدانيا...
6.      نطالب بأن تجري المشروعات الخاصة ببناء السدود والزراعة والرّي في تلك الدول المجاورة للعراق على وفق الاتفاقات والقوانين الدولية المخصوصة سواء منها المبرمة ثنائيا أم المقرة في المواثيق الدولية...
7.      نطالب بإطلاق فوري للمياه من الأنهر المحولة عن مساراتها الطبيعية.
8.       نطالب بتشكيل لجان تحقيق فنية متخصصة (محلية عراقية وأخرى دولية) تتعلق بالآثار البيئية والاجتماعية والإنسانية الصحية الحياتية بمختلف مظاهرها ونتائجها الكارثية وهنا نحيل مطلبنا بخاصة لمعاليكم سيادة الأمين العام لتوجيه عاجل بلجنة أممية متخصصة مباشرة أو عبر ممثلية الأمم المتحدة في العراق...
9.      نطالب الحكومة العراقية بتقديم الإحصاءات الرسمية لنتائج حرب المياه على الأرض وعرضها على الشعب العراقي والعالم  والتوقف عن التعاطي مع الكارثة من منطلقات العلاقات الحزبية واللعبة السياسية...
 
 
إننا في وقت نعلن وقوفنا مع أهلنا في محنتهم بين الحياة والموت نؤكد حرصنا على التعاطي مع المعضلة المأساوية بموضوعية وبعيدا عن أية حسابات سياسية وأننا سنتابع الأمر هذا على وفق ما يلبي مصالح أهلنا وكل شعوب المنطقة ويحميها وبيئتها من أية نوازل أو هزات.. ونحن نضع جميع الأطراف أمام مسؤولياتها التاريخية الفورية العاجلة واثقين من تعاطيكم النبيل والمسؤول مع هذي المطالب الإنسانية...
 
تقبلوا معاليكم فائق التقدير والاحترام
 
 
                                     
                                                 أ.د. تيسير الآلوسي
                                              رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
                                              مستشار رابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
                                             رئيس لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر
                     
 
 
tayseer54@hotmail.com
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
نداء من أجل إنقاذ أهالي البصرة الفيحاء من كارثة الإبادة الجماعية
من أجل إنقاذ الحياة في العراق
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
ناشط في مجال حقوق الإنسان

تواردت الأنباء من داخل مدينة البصرة، تفيد بمعالم بداية كارثة إنسانية خطيرة قد تؤدي لإبادة جماعية لأهالي المدينة بدأت حاليا  بمناطق جنوبية المحافظة.. وإذا كان بعض الأهالي قد شرعوا بالنزوح بعد علامات خطيرة بشأن موت أصاب الزرع والضرع وبعض المواطنين، فإنّ إمكانات النزوح ليست متوافرة للجميع ولا تمثل الحل الأمثل لمواجهة الكارثة التي ستطال عاجلا أهالي المحافظة كافة...
 
إنّ ما يجري هناك ليس حجبا لمياه الكارون والانخفاض بها من مستوياتها المعتادة إلى مستويات تتسبب بكارثة إنسانية مؤكدة.. فالأمر تعدى ملوحة المياه وتحول البصرة من مدينة نهرية إلى مدينة بحرية المياه فجأة بلا استعدادات بمشروعات التحلية المعروفة في المدن البحرية؛ فالأمر بات أخطر بسبب من المواد الكيمياوية الخطيرة التي ترد فيما تبقى من مياه ترسلها مصبات الأنهر السابقة من معامل التلويث..
وبات الأهالي يشهدون يوميا قتلا للمزارع والمواشي وماتت الكائنات والأحياء الدقيقة من غذاء الثرةوة السمكية التي أبيدت هي الأخرى بعد أن كانت تتوافر بعشرات آلاف الأطنان.. وما عاد الأهالي يمكنهم العيش أو توفير مياه الشرب الذي كانوا بتناولونه من مياه شط العرب حتى من دون مادة الكلور المعقمة...
إن الكارثة التي تحصل بمجمل تأثيراتها البيئية والاجتماعية والإنسانية تنذر بجريمة إبادة جماعية، في وقت تمنع السلطات المحلية أية تظاهرات سلمية بات الأهالي يطالبون بها لإيصال الصوت مباشرة من ميدان الصراع بين الحياة والموت في كل ثانية تمضي من حيواتهم وحيوات بنات البصرة وأبنائها.. وأبعد من ذلك فإن الإجراءات المتخذة ليست أكثر من قرارات بلا فعل ميداني يجلب رشفة الحياة من الماء للعطشى من الأهالي...
إن الخط الفاصل بين حياة الإنسان البصري ومقتله بات بيد إجراءات ستحيق بهذا الإنسان كونها لا تتفاعل مع الحاجة الفورية المباشرة للماء ومع حجم هذه الحاجة الحقيقي. وباتت تصريحات بعض مسؤولي المدينة تشير بوضوح إلى مخاطر مثل هذا التساهل والإهمال وأحيانا العبث السياسي واللعب بمصائر الناس وحيواتهم في إطار الخضوع لخلفية من العلاقات الإقليمية والدولية..
إن قطرات المياه التي تريد إيران إرسالها عبر حاويات أو أنبوب هي كما تلك القطرات التي تسربها بما تبقى من مياه الكارون لتحمل الملوثات الكيمياوية التي باتت تتسبب في إصابة السكان بأمراض حمى مالطا والكوليرا والتيفوئيد وأوبئة لا حصر لها.. وعليه فإن الحلول تكمن في إجراء فوري عاجل بوقف حجب المياه وتحويلها عن مساراتها الطبيعية سواء في الكارون أم في غيره من عشرات الأنهر المشتركة بين العراق وإيران..
وبالإشارة إلى أزمة المياه في عراق اليوم، فإن تجفيف الأهوار والأنهار من قبل كل من تركيا وإيران وسوريا يعني ارتكاب جريمة بحق الإنسانية وليس الشعب العراقي لأن المتغيرات البيئية ستتجه إلى أوضاع أكبر من حدودها الجغرافية المحلية...
ومن هنا فإن قضية المياه ليست قضية لعبة تضاغطات سياسية في خواتيمها بل هي حرب ضد الإنسانية يتطلب وضعها بهذا المعنى السياسي على طاولة مجلس الأمن فورا وإدخالها في سلطة البند السابع من جهة الأمر بتنفيذ القرار الفوري بإطلاق المياه..
لقد خرجت القضية من دائرة مسؤولية الحكومة العراقية وقدراتها على التعاطي مع حياة ملايين العراقيين وكارثة إبادة جماعية بحقهم وكارثة تخريب بيئية. وكلتا الكارثتان ستنطلق بتأثيراتهما إقليميا وعالميا بطريقة أخطر من تلك التي يغمض (البعض) أعينهم عنها..
وهذا إذا ما تركنا مسائل نزوح من الريف إلى المدينة وأعبائه الديموغرافية ومتطلباته ومشكلاته وإذا ما تركنا مشكلات الأوبئة واستيلاد جراثيم وفيروسات جديدة وانتقالها المؤكد في المحيط وإذا ما تركنا موجة أخرى من النزوح إلى دول الجوار بمعضلاته الجديدة..
 
وفي ضوء تشخيصنا هذا لحجم الكارثة فإن كل منصف يدافع عن حقوق الإنسان في الحياة الكريمة، يطالب منعا لضحايا أكبر لهذه الكارثة بالآتي:
 
1.  إعلان منطقة البصرة والمحافظات المجاورة منطقة منكوبة.
2.  وبإيصال مياه الشرب والاستخدام الآدمي بكميات كافية فورا.
3.  وأن تتخذ الحكومة العراقية والجهات الأممية الإجراءات العاجلة الكفيلة بتلبية المطالب الإنسانية الفورية..
4.  أن تتجه الحكومة العراقية بوفود فنية متخصصة بجميع المجالات التي تشملها الأزمة لفتح حوارات عاجلة وأخرى استراتيجية مع الدول المعنية ومع مجلس الأمن الدولي بمشروع واضح المطالب العاجلة والآجلة..
5.  ونحن هنا نتجه بمطلبنا المباشر العاجل هذا إلى معالي الأمين العام للأمم المتحدة للنهوض بمسؤولياته القانونية والإنسانية بدعوة مجلس الأمن الدولي للانعقاد والتدخل العاجل بخصوص معالجة الوضع الكارثي في منطقة منكوبة تتعرض لاحتمالات الإبادة الجماعية في حرب المياه الناجمة عن ضغوط اختلال التوازن الاستراتيجي في المنطقة.. وإجرائيا الجارية عبر تغيير مصبات الأنهر وحجب الكميات الطبيعية ونسب الحصص للدول المتشاطئة والمشتركة في مسارات الأنهر فضلا عن القصور المأساوي في تلبية المطالب العاجلة من جهة وفي تعريض السكان للأوبئة الفتاكة من جهة أخرى كما أسلفنا التوضيح وفي ضوء التقارير الواردة ميدانيا...
6.  نطالب بأن تجري المشروعات الخاصة ببناء السدود والزراعة والرّي في تلك الدول المجاورة للعراق على وفق الاتفاقات والقوانين الدولية المخصوصة سواء منها المبرمة ثنائيا أم المقرة في المواثيق الدولية...
7.  نطالب بإطلاق فوري للمياه من الأنهر المحولة عن مساراتها الطبيعية.
8.   نطالب بتشكيل لجان تحقيق فنية متخصصة (محلية عراقية وأخرى دولية) تتعلق بالآثار البيئية والاجتماعية والإنسانية الصحية الحياتية بمختلف مظاهرها ونتائجها الكارثية وهنا نحيل مطلبنا بخاصة لمعالي الأمين العام لتوجيه عاجل بلجنة أممية متخصصة مباشرة أو عبر ممثلية الأمم المتحدة في العراق...
9.  نطالب الحكومة العراقية بتقديم الإحصاءات الرسمية لنتائج حرب المياه على الأرض وعرضها على الشعب العراقي والعالم  والتوقف عن التعاطي مع الكارثة من منطلقات العلاقات الحزبية واللعبة السياسية...
 
 
إننا في وقت نعلن وقوفنا مع أهلنا في محنتهم بين الحياة والموت نؤكد حرصنا على التعاطي مع المعضلة المأساوية بموضوعية وبعيدا عن أية حسابات سياسية وأننا سنتابع الأمر هذا على وفق ما يلبي مصالح أهلنا وكل شعوب المنطقة ويحميها وبيئتها من أية نوازل أو هزات.. ونحن نضع جميع الأطراف أمام مسؤولياتها التاريخية الفورية العاجلة واثقين من التعاطي النبيل والمسؤول مع هذي المطالب الإنسانية... ونعد بتحويل هذا النداء إلى حملة واسعة توكيدا لحجم الكارثة وما ينبغي النهوض به من جهد مركب لإيجاد الحل الفوري والعاجل لها وهو أقصى ما نبتغيه...
 
 
بعض معلومات من مختلف وكالات الأنباء والصحف والمؤسسات الرسمية والمدنية:

 
•          وكالات\طريق الشعب: حذر اعلاميون وسياسيون من حدوث اضطرابات وتظاهرات عفوية في مدينة البصرة على خلفية مشكلة ملوحة المياه واستمرار انقطاع مياه الشرب والسقي. 
•          طالب المجلس السياسي للمدينة باعلان البصرة مدينة منكوبة،
•          قالت مصادر ان دول الجوار تتخذ اجراءات حدودية لمواجهة احتمالات نزوح سكاني واسع من المدينة. وقالت (الملف برس ) أن النزوح الداخلي يشير إلى " مغادرة سكان الفاو، وانتقالهم لقضاء أبي الخصيب عن طريق التنقل بالـ (اللنشات) عن طريق شط العرب، لان السلطات المحلية والعسكرية، تمنعهم من التنقل برا لأسباب (سياسية) من دون الأخذ بنظر الأعتبار حال المدينة التي يجب عدها مدينة منكوبة"
* قال مراسل إذاعة المانية من داخل مدينة البصرة في تقرير نشر في موقع الاذاعة "اشخاص كثيرون في الادارة والمنظمات الانسانية حذروا من ان المدينة مقبلة على كارثة انسانية  يصعب تقدير نتائجها بعد ان امعنت ايران في اجراءاتها تجفيف الانهر التي تزود المدينة بالمياه".
•          أن "مشكلة شحة المياه وملوحتها إذا استمرت، ستنتج كثيرا من الأمراض والأوبئة، وسيكون تأثيرها اشد من الأعمال الإرهابية".
•          دخلت بعض مناطق البصرة وخصوصا قضاء الفاو والمناطق الجنوبية من المحافظة مرحلة الخطر، بعد أن غادرته أكثر من 110 عائلة مؤخرا بحسب إحصائية دولية مع التوقع بهجرة الكثير منها قريبا، بسبب أزمة الماء المالح.
•          وقالت الملف برس بأن الفلاحين تركوا بيوتهم بعد هلاك أشجار (الحناء) والمحاصيل الأخرى في بساتينهم، كما يستغيث مربو الأسماك في الفاو والسيبة المجاورة من هلاك مئات الآلاف من أسماك (الكارب) في المزارع الخاصة بتربية الأسماك هناك، وإن الهلاك شمل المجهريات والطفيليات الغذائية التي تتغذى عليها الأسماك هذه. في حين إن السلطات المحلية تتجاهل كل مايحدث فيها، وتكتفي  بالوعود التي ليس لها أية صحة على ارض الواقع في حين انها تعرف المسبب لهذه الكارثة، وتشير التقارير الرسمية إلى أن نسبة الملوحة في مياه شط العرب عند نقطة السيبة (50 كلم جنوب البصرة) تجاوزت 28 ألف جزء من المليون،وتتجاوز الرقم هذا عند نقطة الفاو ،فيما يجب أن يكون المعدل المفترض والمسموح به هو أقل من 500 جزء من المليون، إذ إن المعدلات في مياه البحر تتراوح بين أل 38-48 .
 
 
•          وحسب الملف برس تقول مصادر المنظمات التابعة للأمم المتحدة العاملة في الجنوب (الهجرة، والتوطين والصليب الأحمر ومنظمة إدارة مشاريع الإغاثة وغيرها ) أنها التقت أعضاء من مجلس المحافظة، وهي تنتظر تقديم طلبات رسمية من الحكومة المحلية للتدخل،لأن القضية أصبحت تهدد بوقوع كارثة إنسانية،فيما تؤكد مصادر أخرى من داخل مبنى الحكومة المحلية إلى أنها (الحكومة) غير قادرة على عمل شيء،
 
 
•          ويؤكد عدد من أهالي الفاو والسيبة إن السلطات المحلية منعتهم من إقامة تظاهرة أمام مقر السلطة المحلية في البصرة احتجاجا على الوضع المأساوي الذي يعيشون به وخصوصا مع تذمرهم من كل الوعود الحكومية بل إن بعضهم يتهم السلطات المحلية بأنها تريد معاقبتهم لأسباب مجهولة.
•          وأوردت شبكة النبأ: تحذيرات من كارثة بسبب الانخفاض الحاد في مياه الفرات وحذر مسؤول عراقي رفيع المستوى من «كارثة» اقتصادية وبيئية وشيكة في حال استمرار معدلات الانخفاض الحاد في تدفق مياه نهر الفرات الذي تسيطر تركيا على مقدراته ويعبر سورية قبل وصوله الى هذا البلد.
•          ويقول مدير عام المركز الوطني لادارة الموارد المائية عون ذياب عبدالله ان «معدل تدفق مياه الفرات عند الحدود العراقية - السورية قبل اعوام عدة كان 950 مترا مكعبا في الثانية، فيما يبلغ حاليا 230 فقط»، اي ان نسبة الانخفاض تبلغ حوالي 75 في المئة.
•          ويؤكد ان «مشكلة الفرات سببها تشييد عدد كبير من السدود في تركيا حيث هناك خمسة، بينها سد اتاتورك العظيم. اما في سورية فهناك سدان على المجرى الرئيسي للنهر».
•          واقامت ايران سدودا على روافدها فيما يتهمها مسؤولون عراقيون بتحويل مسار بعض هذه الروافد الى الداخل الايراني بدلا من العراق. ويشير المسؤول الى تدني مستوى تدفق المياه من ايران اثر تغيير مجرى نهر الكارون الذي يصب في شط العرب ونهر الكرخ الذي يغذي هور الحويزة، الواقع بين ايران ومحافظتي ميسان والبصرة في العراق. كما شيدت ايران سدودا على روافد دجلة ما ادى الى انخفاض منسوب المياه في مجرى نهر الزاب الاعلى، القادم من ايران.
•          وفيما يتعلق بدجلة، يشير الى ان «معدل مياهه يبلغ حاليا 55 في المئة من المعدل العام (...) وقد تكون هناك شحة اذا انجزت تركيا سد «اليسو» المتوقع اكماله عام 2012 بطاقة استيعابية حجمها 11 بليون متر مكعب».
•          و اكدت وزارة البلديات والاشغال قبل فترة «انقطاع كامل للمياه الواردة من نهر الكارون القادم من ايران ما ادى الى عدم صلاحية مياه الشرب في منطقه الفاو وتسبب بتلوث وملوحة عالية في المياه الخام».
•          تلوث وملوحة عالية في شط العرب نتجية قطع مياه الانهار القادمة من ايران      وحذرت وزارة البلديات والأشغال العامة العراقية الاحد من ظهور "تلوث ونسبة املاح عالية" في شط العرب نتيجة قطع ايران مياه الانهر والجداول القادمة من اراضيها.
 
                                     
                                     
 

89
مرشحو القوائم الانتخابية
بين أعضاء التنظيم والوجوه الخبيرة والجماهيرية المعروفة
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
tayseer54@hotmail.com

 
 
في عديد من بلدان العالم التي تمارس اللعبة الانتخابية تضع الأحزاب السياسية وجوها خبيرة و جماهيرية معروفة ولها ثقلها على أوسع نطاق شعبي. إذ ترشح أحزاب من أقصى اليسار الديموقراطي وجوها من التكنوقراط  أو حتى  من أصحاب الملكية الكبيرة بلا حرج بل بثقة بالفوز وصواب الاختيار.
وقد حصل أن فازت حتى الأحزاب الشيوعية في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية بفضل حسن اختيار مرشحيها من الشخصيات التي تحمل الخبرة فضلا عن امتلاكها الاحترام الشعبي الكافي لفوزها المميز الكبير والحاسم بالانتخابات.
إنّ اختيار المرشح في العملية الانتخابية ليس ملزما أن يكون من أعضاء الحزب تنظيميا. وليس مطلوبا منه أن يكون تابعا بآلية الخضوع المطلق لفلسفة  القيادة التنظيمية للحزب أو الحركة. بل الصحيح أن يجد التنظيم الفاصل بين القائد التنظيمي الذي يدير عمل منظمات الحزب وحركته الداخلية من جهة وبين القائد الجماهيري الذي يحظى بقدراته المخصوصة في العلاقة مع أصوات الناخبين...
والصحيح أبعد من هذا أن يوجد في التنظيم سكرتير للحزب يكون مسؤولا عن أنشطته التنظيمية وأمينا عاما أو رئيسا يمثل الواجهة الجماهيرية والقيادة الاعتبارية التي تربط الحزب بجمهوره.. ويبدو لي اليوم أن لا وجود لشخصية كارزمية شعبية بهذا التوصيف في أي من الأحزاب السياسية حاليا؛ فضلا عن أن الأحزاب السياسية (راهنا) لا تمتلك فلسفاتها قبولا لتسليط الضوء على المفكرين والفلاسفة ولا تعمل في حسبانها آليات عمل لتعريف الجمهور بالعلماء والأكاديميين في منافسة غير موضوعية تحاصر هؤلاء من التكنوقراط والقادة من المنظرين الاقتصاديين الاجتماعيين وفي محاولة لاحتلال الصدارة في المشهد العام وتزعمه من قبل القيادات التنظيمية الحزبية...
وفي ظرف كهذا، أي في ظرف لا يبرز فيه قائد يمتلك الخبرة في القيادة الجماهيرية وفي إدارة مؤسسات الدولة الرئيسة ، ينحسر اهتمام الناخب بقضية المشاركة في الانتخابات لعدم قناعته بالمرشحين من قيادات الأحزاب السياسية ممن يقدمون أنفسهم بدلاء للقادة الحقيقيين من المفكرين والتكنوقراط والمتخصصين...
إنّ أي حركة سياسية وتنظيم حزبي يدخل الانتخابات ويتخذ قراره بإشغال سكرتير حزبه في العمل البرلماني أو تقديم أعضاء التنظيم بوصفهم مرشحين لمجرد عضويتهم في الحزب.. ينسى أمورا مهمة وخطيرة تتمثل في أن الكفاءة لا تأتي من عضوية الحزب السياسي بل من جملة أمور موضوعية معرفية ومن خبرات ليست أولها عضوية الحزب...
صحيح أن بعض الأحزاب السياسية تعنى بالتثقيف  وبعقد اجتماعات توعوية إلا أن هذا لا يعفي من حقيقة أن الزمن قد تغير وأن مهام الإدارة في المؤسسات الرسمية التشريعية والحكومية لم تعد كما كانت قبل عشرات السنين بل صار يُعدّ لها المسؤول إعدادا مهنيا دراسيا متقدما ومتخصصا بشكل دقيق..
وصرنا بحاجة للتعاطي مع العلوم السياسية في الجامعات مثلما نتعاطى مع العلوم الاقتصادية والاجتماعية والفروع العلمية التي تتطلب دراسات تطبيقية بحتة أو علوم نظرية صرفة وكل في مجال التخصص من تلك التي اصطلحنا على تسمية المختصين بها بالتكنوقراط...
ولم يعد ترشيح قائد جماهيري للعمل التشريعي بوارد القول بصوابه أن يكون مجرد شخص يقود التنظيم ويوجهه لأسباب تتعلق بأمانته وإخلاصه للتنظيم ولمبادئه ولـــ (زعاماته).. وعلى الرغم من أن بعض الجمهور العراقي ما زال يصوّت لزعامة دينية سياسية أو لتيار ما بحسب الأهواء ومن دون رجوع للبرامج مثلا ولنضجها ولا  لمن سيقوم بتنفيذها، الأمر الذي يعني قلة اهتمام بعض الجمهور الانتخابي بإشكالية المرشح وإمكاناته في الإدارة والقيادة..
إلا أن التجربة الانتخابية وتكرر عمليات  المشاركة بالتصويت ونتائج ذلك ميدانيا يمنح الجمهور الأنضج في التعاطي مع تصويته لمرشح دون آخر فرصا وخبرات مضافة في تدقيق أمر تصويته في كل مرة جديدة...
من هنا فإن الانتخابات التالية عراقيا ستحظى بمراجعات واسعة من الجمهور لقائمة المرشحين لسببين أولهما الخبرة في التعاطي مع الأسماء وثانيهما خيبة الأمل مع أغلب الأحزاب والحركات التي قدمت مرشحين بلا إمكانات مناسبة لشغل منصب إدارة الدولة تشريعيا قضائيا تنفيذيا...
إن حال الفشل الذريع الذي منيت به تلك القوى في استيزار متخصصين أكفاء أو ترشيح أعضاء برلمان مناسبين للمهمة التشريعية دفع بالجمهور للتردد حتى في مسألة تجديد قيده الانتخابي بمعنى إعلان تذمره واحتجاجه على سياسة الترشيح ولو مؤقتا...
وحزبيا انحسر جمهور التيار الديني وأحزابه  واتجه بعيدا عن فكرة إغماض الأعين في قرار السير وراء زعامة تتكئ على اسم عائلة أو على ماضِ ِ أو خطاب مضلل.. وصار أوضح في التصويت لمرشح وبات يطالب بالتوجه للتكنوقراط وللوجاهات الشعبية الرصينة...
من هنا ينبغي التوكيد على أن المرشح لقيادة أية قائمة إذا لم يمتلك الخلفية المعرفية التخصصية أكاديميا جامعيا والثقافية الإبداعية بما يتضمن سيرة من العطاء الفكري من دراسات وبحوث ومؤلفات ومن الخبرات التراكمية في تخصص بعينه فضلا عن معرفة الجمهور به واحترامه لمنجزه ولشخصه ولسلوكه، فهذا سيعني خسارة أكيدة لهذا الجمهور وصوته..
إذ يصر الجمهور اليوم على التصويت هذه المرة لخيار المدارسة والتمحيص ومراجعة ماكنة توجيه الرأي العام وكشف الأمور له وتبيانها بوضوح.. ففي المرة السابقة انشغل بالخيار بين العنف والعملية السياسية واضطر اضطرارا لخيارات المرشحين بالقائمة المغلقة التي غشته وخدعته بعد تضليله..
اليوم هذا الصوت الانتخابي يبحث عن الكفاءة التي يمكنها أن تنهض بخدمته فتسن القوانين وتستكمل بناء المؤسسات وترتقي بالخدمات وتجاوز الأزمات وهذا لن ينهض به مسؤول تنظيمي ناشط في حزبه ومنظمته وأمين على مبادئها بل من يقوم به ليس سوى المتخصص والمهيأ المعد لوظيفته مضافا إلى ذلك حامل الخبرات ممن أشرت الجماهير إليه بالبنان وعرفت درجة تميزه وإبداعه في عمله ومسؤوليته..
إن شروط المرشح إذن لا تكون مختزلة في العضوية الحزبية والاخلاص للتنظيم وشؤونه فهذه أمور تخص الحزب ومطالبه المخصوصة.. أما ما يخص الشعب ومطالبه، الناخب وحاجاته فيتطلب وجود عضو الهيأة التشريعية (البرلمان) الذي يمتلك الخلفية التخصصية المعرفية التي تجعله يدافع بعلومه التي تحل المعضلات معرفيا تقنيا تخصصيا وليس بالوهم وبتوزيعه أضاليل الوعود الكاذبة..
 ومن بين ممارسي الحياة العامة والنضال الوطني والتضحية ومن الخبراء بأعمال الإدارة والتنظيم والقيادة الجماهيرية ومن الضالعين بإدارة شؤون الدولة ومن حملة البرامج الناضجة الصائبة، من بين هؤلاء سيكون رئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورئيس الدولة والوزير والمسؤول العام وليس من بين أصحاب الأعمة والبرانيط والجلابيب غالية الأثمان سوقيا ولكنها رخيصته في الأكتاف التي تحملها..
العقل والعلم والخبرة هي المحددات للترشيح وليس المال والجاه المتأتي من سلطة ميليشياوية وليس من حكاية (المنية) التي يفرضها تيار أو حزب أتاوة لأعضائه و (مايسميه تضحياتهم) مثلما مر طوال السنوات المنصرمة حيث ظل الناخب يسمع رد المسؤولين كلما تقدم بمطلب شعبي بأن ما يؤخذ للمسؤول هو حصته وحقه ثمنا جزاء (لنضالاته) (التاريخية!) وبات الشعب يدفع جزية تلك (النضالات!؟) ضريبة لا بماله حسب بل بدمه وحياته وما زال ساسة جباية تلك الضريبة يمنون على الشعب ويطالبون بهذه ((المنية)) من جهد العراقيين وخبزهم ودمائهم!!
أما الرد الشعبي للناخب فلابد أن يكون من الناخب نفسه أن لا منية ولا ضريبة يدفعها لأحد ولا مساومة على  قراره في أن يوضع المسؤول المناسب في المسؤولية المناسبة والمتخصص الخبير الأمين في الوظيفة المناسبة والمناضل العارف الوطني والزعامة الحقيقية الشعبية لا الهزالات وأشباه الرجال هي المخولة لقيادة المرحلة الجديدة والتي سيتم التصويت لها..
ومع أن جمهورا  من الناخبين يرون أن المرحلة ليست مؤهلة بعد لتقديم مثل هذه الشخصيات بما يكفي ويرون أن الانتخابات ستكون على طريقة تريد أرنبا خذ أرنبا تريد غزالا خذ أرنبا.. إلا أن هذا الاعتقاد مبالغ فيه ومتطرف في حمل سمات الاحباط وخيبة الأمل وهو غير صحيح.. إذ ينبغي أن يفكر الناخب بوجود قوى وشخصيات لها مكانتها وقد يختلف معها فكريا سياسيا لكنه لن يختلف معها في البرنامج التطبيقي لخدمة البناء وإعادة الإعمار ولا معها في التصدي للمشكلات التي تعاني منها البلاد ويئن منها العباد.. وينبغي أن يصوت هذا الناخب لتلك القوى والشخصيات بالبحث عنها فمن يريد تصحيح الأوضاع عليه التسجيل والتصويت والدفاع عن صوته وإلا فإنه بعزوفه سيصوت بشكل غير مباشر لاستمرار ما سبب خيبة أمله..
 
عظة منتظرة لكل الأحزاب أن ترفض آليات اختيارها السابقة القائمة على الروح الحزبي الضيق وأن تتغير لا بادعاء التغيير والتضليل بارتداء جلابيب جديدة وأسماء جديدة [لن تنفع البراقع وإن كان البرقع أجدى بهؤلاء وأضاليلهم] بل تتغير بمعالجة الأمراض وتغيير الآليات والبرامج واختيار من يمكنه تنفيذها عن حق.. وإلا فإن الأجراس قد قرعت ولن تتكرر الخيارات السابقة والجمهور أوعى من لدغه من جحر مرتين... ولن يمكن تضليله لا بتخويف بمرجعية ولا بتهويش بأسلحة ميليشيات ولا بإغراء ببطانيات أو مدافئ......... والفطنة في الاتعاظ حقا..
 
 
 

90
بيان البرلمان الثقافي العراقي في المهجر بشأن حرية البحث الأكاديمي في الجامعة العراقية

عادت قضية حرية البحث العلمي واستقلالية الجامعة العراقية بقوة في ضوء الاستعدادات الجارية في قسم اللغة العربية بكلية التربية جامعة تكريت، لإصدار قرار يرفض بموجبه خطة الباحثة  خديجة محمد لأطروحتها التي تنوي دراسة نصوص الشاعر حسب الشيخ جعفر. وقد بررت تصريحات عميد الكلية وعدد من أساتذة القسم هذا القرار بأنه يعود إلى مبدأ رفض "دراسة الأحياء ونصوصهم" فيما تؤكد الوقائع والسجالات التي جرت أن القرار يتأسس على موقف سياسي فكري يقوم على كون الشاعر المنوي دراسة نصوصه ينحدر من طائفة بعينها ويلتزم فكرا يساريا ويمجد الحياة واللذة الدنيوية على وفق تعبير المشرف على الطالبة في مشروعها البحثي...
إنّ البرلمان الثقافي العراقي في المهجر إذ يعبر عن استنكاره وشجبه لهذه الممارسات المنافية لقيم التمدن وللمشروع النهضوي الوطني والإنساني، ليؤكد أن إدانة هذا القرار تظل مسؤولية المثقفين العراقيين أينما كانوا وهي إدانة ترتـِّب مسؤولية كبيرة على الأكاديمي العراقي ومن ذلك:
1.       مسؤولية نهوضه بمهمة تنقية اللوائح والقوانين من ترسبات زمن الطغيان والمصادرة.. وتعديل قوانين التعليم العالي على وفق مراجعة شاملة ناضجة لها وبناءَ َ على خطاب التحديث والتطور الجاري عالميا..
2.       ومسؤولية عمله من أجل توفير الضمانات لكفالة استقلالية الجامعة وقرار مؤسساتها وأقسامها العلمية.. وكذلك توفير الضمانات الكفيلة بحرية الأكاديمي العراقي وحقوقه في عمله وأداء واجباته وتلك الكفيلة بحرية البحث العلمي من أية ضغوط خارج آليات الجهد الأكاديمي.
لقد تسببت لغة القمع السياسي دائما في تهجير مبدعينا وأكاديميينا ونفيهم إلى مهاجر قصية، وكانت سببا خطيرا في التراجعات  المأساوية والانحدار الكارثي في مستويات التعليم والبحث العلمي وفي المنتج الثقافي الإبداعي في داخل الوطن.. وهي إذ تعود اليوم نتيجة تلك الترسبات واستغلال الخطاب الطائفي المتخلف، فإنّها تعود ومعها كل آلام ذلك الماضي وكوارثه من جهة تكرار القمع الفكري ومصادرة الحريات العامة ومنها حرية البحث العلمي وحقوقه في استثمار آلياته الصحية الصحيحة في العمل من أجل مشروعات إنسانية غنية بطبيعتها وجوهرها...
وسيكون لصمتنا اليوم أو تكاسلنا عن التصدي الحازم، تمريرا لمشروع التخلف وقمع خطاب الثقافة التنويري، خطاب الجامعة ورصانته العلمية وموضوعيته.. كما سيؤدي، في ظروف تغييب جل العلماء والأساتذة أصحاب الخبرات والروح الأكاديمي الرصين، إلى تعزيز سلطة القوى المحافظة ونهجها في الاستلاب والقهر وحظر كل جهد عقلي إنساني متحرر بخاصة والجامعة تمثل العقل الجمعي للمجتمع...
ونحن في وقت نقبل الاختلاف ونؤمن بالتنوع وندافع عن حق التغاير والتعددية؛ لا يمكننا إلا أن نقف بقوة ضد أية حال من المصادرة والحظر كما جرى ويجري اليوم في بعض أروقة الجامعة العراقية.. ومثال جامعة تكريت ليس سوى النموذج الأبسط للوقائع الجارية..
نطالب نحن أعضاء البرلمان الثقافي العراقي في المهجر متضامنين مع أصوات زميلاتنا وزملائنا في اتحاد الكتاب والأدباء بتحديث قوانين التعليم العالي والجامعة العراقية وتطوير اللوائح وحماية حقوق الباحثين وحرياتهم وتوفير الأجواء المناسبة لحريات الجميع في البحث العلمي الرصين غير المقموع بتوجيهات أو وصايات خارج أكاديمية... وذلكم لن يتوافر باستمرار استباحة الحرم الجامعي من قوى طائفية مسلحة ولا بسطوة عناصر طالبية تتبع لهذه القوى العنفية التي تستبيح الجامعة وتضعها في خدمة توجهاتها الخاصة..
نحن ندين عسكرة التنظيمات الطالبية وجعلها أدوات قمعية في أيدي جهات حزبية طائفية، كما نرفض حال تجيير مؤسسات التعليم العالي وأنشطتها لأمور طقوسية لا علاقة لها بثقافة صحية مؤملة في الحياة الجامعية الجديدة.. وفي إطار حماية الجامعة العراقية نطالب هنا بحماية حقوق الطلبة والأساتذة في تشكيل تنظيماتهم المهنية ديموقراطيا بعيدا عن التأثيرات والتدخلات غير السوية.. كما نطالب وزارة التعليم العالي بعقد مؤتمر مفتوح لمراجعة شاملة لمسيرة الجامعة وعوامل تطويرها وتحديثها وحمايتها ومنع التدخلات السياسية الحزبية في أنشطتها وأعمالها العلمية المحضة..
ومن جهتنا نقترح البدء بحملة وطنية لحماية العقل العراقي والمؤسسة الجامعية وتحديثها تشترك فيها جميع القوى التنويرية وفي ذات الوقت نثق بأن خطاب الثقافة والمثقفين العراقيين والأكاديميين سيسمو مترفعا على التداعيات المرضية ويقدم البديل الأنضج الذي يأبى الوقوع في فخ الخطاب الطائفي وآلياته ومستهدفاته ويبتعد عن فردنة الأمور وشخصنتها ويدخل في صميم ما هو جمعي مؤسساتي... وسنكون سويا مع كل خطوة إيجابية ومع كل زميلة وزميل دعما للجهد الأمين في التخلص من براثن الإيقاعِ بين الأكاديميين أو جذبهم لصراعات مضرة بهم ومعرقلة لمسيرة التحديث والتطور في جهودهم..
 
أ.د. تيسير الآلوسي
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
رئيس لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر
لاهاي هولندا 15 أيلول سبتمبر 2009
 
 
 
http://www.babil-nl.org/v168edu.htm

 

91
العراق: بين إدانة الإرهاب وتشخيص الأسباب يكمن المجرم و وسائل العلاج؟
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في العلوم السياسية
tayseer54@hotmail.com

 
 
بدءا لابد من التوكيد على أنَّ ما يجري في العراق عنوانه تحالف "الإرهاب والطائفية والفساد" وأن التفجيرات هي مفردة من مفردات الإرهاب وأفعال الجريمة التي تطال العراقيين صباح مساء. ولابد من القول: إنَّ حجم التفجيرات  وبشاعتها يظل عنوانا للأهداف التي يحملها ولــلّحظة التي يختارها...
ولمن يريد أن يقرأ الأوضاع بدقة وموضوعية. عليه أن يكون خارج إطار المشاطرة السياسية المغرضة والدعائية، وخارج المجاملات المستهلكة والبيانات الشخصية والحزبية وبعض الخطب الرسمية... فعليه بالتأكيد أن يرصد خطابات ترحيل الأزمة باستغلال لغة الاتهامات المجانية وتمرير الجرائم بالتبريرات العقيمة. فهذه سياسة تعزز بطريقة مقصودة مباشرة وأخرى غير مباشرة حال تطبيع التعايش مع مسلسل حرب إبادة جديدة بحق الشعب العراقي بعد أن طويت صفحة الحروب العبثية ومسلسل الموت المجاني الأسود بسقوط الطاغية وسياساته وسلطته..
إنَّ من حق المواطن الإنسان أن يدين تلك الجرائم بشدة ومن حقه أن يشير إلى أنها تمثل عنوان الإرهاب وجرائمه المرتكبة ضد الإنسانية ومن حقه الخشية من إعادته لمربعات ماضوية مقلقة.. وذلكم بالمحصلة أمر دقيق وصائب. ومن حقه في ضوء هذا المشهد أن يطالب بالحماية وبتوفير الأمن والسلم وبتوفير مطالبه وحاجاته الإنسانية التي لا تتحقق بغير الأمان والاستقرار..
وبين حيرة بعض المواطنين وقلقهم من حكاية المربع الأول أو مربع النظام السابق ومن ثمَّ توهمهم أن دعم العراق وحماية العراقيين تكمن في وهم دعم المسؤولين المقصرين الحاليين سواء منهم الطائفيين أم المفسدين أو ممن لهم بهذه الصورة أو تلك علاقة بالجريمة الجارية في ضوء حقيقة الاختراقات الخطيرة في مؤسسات الدولة بل في بنية المجتمع العراقي في ظروفه غير المستقرة.وبين منطق العقل والبحث عن خيارات بديلة: لا يقبل عاقل بين البينين هذا، أن يخرج المسؤول الأمني والقيادات المعنية على الناس ببيانات إدانة الجريمة وترحيل فاجعتها بالاكتفاء بوضع المسؤولية في رقبة الإرهاب! ذلك أننا نقبل من المواطن كل التصورات التي يحاول تحديد المتهم فيها ولكننا لا نقبل من المسؤول أن يبقى في دائرة الخطاب السياسي المجاني القائم على الوقوف عند حدود اتهام قوى معادية بالجريمة من دون تشخيص جنائي حاسم...
فالمواطن البسيط يقول للشرطي أن بيته قد سُرِق ويرد الشرطي المسؤول إن من قام بالسرقة هو الحرامي اللص؛ فماذا يضيف هذا الجواب للمواطن المجني عليه؟ وماذا يفيده هذا التشخيص إذا لم يقم الشرطي المسؤول بالبحث الجنائي المطلوب ويمسك باللص ويحاسبه على أقل تقدير...
إنّ هذا المواطن في المرة التالية سيتجه إلى ذات الشرطي ليقول له: إنّه حاول صد الحرامي اللص عن سرقة جديدة وهو حقه حيث لا حامي له وحيث حق الدفاع عن النفس، ولكن النتيجة في هذا الاشتباك الجديد كانت مقتل أحد أبنائه وجرح زوجته.. ويرد الشرطي بأن هذا عمل مجرم يدينه القانون.. فهل سيعيد كلامُ  الشرطي الابنَ إلى الحياة أو يضمد جراح الزوجة المصابة؟! والحكومة ومسؤولي الأمن لدينا يمارسون لعبة الكلام والتبريرات ذاتها اليوم بلا أي اختلاف...
وفي وقت صار المواطن يعي دوره في الضغط على المسؤول وعلى القوى التي تقود العملية السياسية، أدخلوه في معمان جدل بيزنطي وسفسطة بلا طائل فعندما يتحدث هذا المواطن في ضوء الإحصاءات والأرقام عن تدخل إقليمي محدد ومفضوح صاروا يقابلونه بطريقة من يتحدث عن الحرامي المجرم الذي سطا على الملايين فيما يطالبونه أن يكون منصفا وموضوعيا وعادلا ومنطقيا! لماذا؟ لأنه يتحدث عن لص مجرم ولا يذكر الآخر.. والآخر هذا هو من أخذ أو سرق (الدينار الفقير)  تحت قسوة الاضطرار.. و (رباط الكلام) هنا يجري عن لصين ومجرمين وطرفين لهما أصابع التدخل في الحياة اليومية للعراقيين.. ولكن من يذكر طرفا سياسيا مسؤولا رئيسا عن الأوضاع البائسة يذكّرونه بمسؤولية السارق الصغير أو بصيغة أخرى بمسؤولية بقية الأطراف ولو أنها هامشية الدور في المشهد الدموي البشع السائد.. ومن يذكر تدخلا إقليميا مهولا فضيعا (إيران) يذكرونه بهول مجيء (نفر) من الجانب (العربي)! واللغو ليس لغير تمييع الجريمة وتضييع دم العراقي المغلوب على أمره بلا ثمن!!
 
إنَّ المسؤول عن توفير الماء معني بشروط توفير الأدوات والظروف التي تتركز في توفير الماء لا غير. وعليه أن يكون متخصصا مختصا بالتركيز على هذه المسؤولية بخطة عملية وبسقف يندرج بتحقيق مطلب توفير الماء ولا يحدد هذا السقف سوى قدرة المواطن الإنسان على انتظار هذه الحاجة وبخلافه ستحل كارثة مرضه وفنائه...  والأمر ذاته يجري مع أية حاجة أو مطلب آخر  فالمسؤول عن توفير الأمن ينبغي أن يمتلك القدرات التخصصية والأدوات التي تساعده على تلبية هذه الحاجة وتطمينها أي تطمين الأمن والسلم الأهلي وإلا فإنَّ النتيجة ستطال المواطن الإنسان في وجوده، في حياته وعيشه.. وما يدفعه ليس غير حياته ليترك أرملته وأمه وبناته ثكالى نهبا للمافيات ولجرائمها أو ليحيا بآلام  التحسر على من يفقده من عائلته وأهله ومحيطه الإنساني...
وعلى الرغم من كل ذلك ما زلنا نسمع التبريرات السمجة وخطابات الاتهام التي تكتفي بالتوزع بين القاعدة  والبعثيين ومن يساندهم، ممن تسميه أبواق الوهم والتوهم والتضليل، العرب التكفيريين الأوباش. والمشكلة هنا أنَّ تلك الأصوات تكتفي ببياناتها لتجعلنا ننتظر واقعة كارثية مأساوية أخرى ونبكي وجبة جديدة من ضحايانا، ولا حتى مِن مسؤول يتحدث عن لجنة تحقيقية مختصة وعن نتيجة للجنة السابقة التي تشكلت بضغط الصوت الشعبي؟!! وتصوروا أن أحد قادة الميليشيات يقول: أنا لا أدعو للجنة تحقيقية لأنها لن تصل إلى نتيجة! كيف؟ ولماذا؟ وهو بوصفه أعلى مسؤول لجنة أمنية يتركنا نهبا للاحتمالات والتأويلات وليس من حلّ سوى كلمات...
إنَّ المطلوب من المسؤول (أي مسؤول) ليس استعادة بيانات الطاغية وأبواقه التي كانت تزعق ليل نهار بأنّنا "لن نترك الكرسي ولن نسلّم السلطة" و"سنقاتل حتى آخر عراقي" والقصد أنهم سيقاتلون بآخر عراقي؛ إلى أن صار هذا  الــ (آخرعراقي) رقما سهلا رخيصا في كل بيانات السابقين واللاحقين وهو ليس أكثر من ورقة في كل الحروب العبثية القديمة والجديدة بكل براقعها وأثوابها وألوانها حيث التضحية بكبش الفداء وليس بأنفسهم ولا من يخصهم ويعنيهم من أغوال الزمن الجديد(الغول بالوعة المال والبشر) والكبش هنا هو المواطن الذي نتحدث عنه بخبر كان..
المطلوب مِن المسؤول في ظل كل الأنظمة أن ينهض بمسؤوليته في توفير ما هو مسؤول عنه.. وبمناقشة المسؤول الأمني اليوم نجده قد:
 
1.    تحدث عن جاهزية القوات العراقية لمسؤولية الدفاع عن الأمن العراقي الداخلي والخارجي.. في ذات الوقت الذي تحدثت الأرقام عن ضعف هذه الجاهزية وعدم امتلاك الخبرات والأدوات [الأسلحة وغيرها] الوافية لمهمة ضخمة في ظرف مخصوص محتدم... ونعلم أنّ العدد ليس في النهاية ممثلا للحقيقة إذ نسبة الحجم النوعي الفاعل لهذه القوات قد لا يتجاوز الـ 20% منها. فضلا عن أن هذه النسبة لا تمتلك التسليح ولا العتاد المناسبين للمهمات الأمنية ولحجم انتشارها في ميادين كبيرة ومعقدة وبحدود مفتوحة على دعم لوجستي مهول..
2.    يتحدث المسؤول الأمني وخطابه بعنجهية وتكبر وبادعاء واعتداد مبالغ به..  بمقابل واقع مختلف نوعيا وهو بهذا يغطي بقصد أو بغيره على الحقيقة ويطمسها محاولا تضليل الرأي العام المحلي والدولي، الشعبي والرسمي بشأن الأوضاع.. وعادة هذا الخطاب تتمثل في التقليل من حجم الجريمة ونتائجها الكارثية وإحالة المسؤولية وحصرها بالمجرم العميل (التكفيري والبعثي الصدامي) وبالأصابع الأجنبية (العربية لا غير) على وفق الخطاب الرسمي وبخلفيته الطائفية عامدة التضليل.
3.    إنَّ هذا المسؤول الأمني يخلو خطابه من إدراك حاجة الوضع لتفاعل جميع القوى الوطنية الحية وعلى أساس المصالحة مع الآخر تلك المصالحة التي تشترط سلفا القناعات الذاتية السليمة  والآليات المناسبة بخاصة والمرحلة الانتقالية هذه بحاجة لتضافر الجهود ووحدتها.
4.    ويخلو خطاب هذا المسؤول الحكومي من إدراك حجم الاختراق الحقيقي وطبيعته ومن يقف وراءه.. ومع أن الأصوات الوطنية الخبيرة والمعنية كانت قد تحدثت عن مسائل الاختراق بمستوياته وأنماطه إلا أن التعامل معه مازال يقوم على فكرة أحادية النظرة  تسمح بالإبقاء على وجود الاختراق الحقيقي الأخطر وآثاره، وخطاب المسؤول هذا يحصر الأمور بأسس منها الطائفي ومنها الانتقامي الثأري وهكذا لا تنقطع أسماعنا عن تلقي معزوفة (قادة سنّة وبعثيين صداميين) ممن تسللوا إلى الأجهزة الأمنية؟! فتتعمق المشكلات الطائفية وخطاباتها من جهة وتنتسى جريمة الاختراق وحجمها التراجيدي من جهة أخرى...
5.    ويخلو خطاب المسؤول الأمني من معالجة جدية مسؤولة لإشكالية ثقافة العنف في إدارة العلاقات بين القوى السياسية حتى المؤتلفة في حركة أو حزب أو تيار.. وأية سجالات محورية رئيسة تنقل الأمر من السجال ولا نقول الحوار إلى  استخدام العنف الدموي وسيلة لتصفية الحسابات والإبقاء على الغنيمة الأولى ومحاولة كسب مغانم جديدة من كعكعة العراق الجديد..
6.    يخلو الخطاب الأمني من أية خطط استراتيجية تستثمر القوات الأجنبية عبر القنوات الدبلوماسية المعنية ويقف عند دق طبول الانتصار بإخراج تلك القوات والتطبيل لانتصار آخر بانسحابها من المدن واستعادة سيادة تتوسد على حقيقة أن تلك القوات لا تقوم بمهامها وواجباتها التي يفرضها القانون الدولي وطبيعة الظروف الميدانية وهي لم تقم بأكثر من إعادة انتشار كانت نتيجته كشف الغطاء عمليا عن حقيقة جاهزية المسؤولين وإداراتهم الأمنية..
 
 
إنَّ قضية الأمن العراقي الوطني، قضية وطنية رئيسة وفي أعلى قائمة الأولويات. وهي أيضا مهمة إقليمية ودولية لعوامل تأثير العراق في علاقاته لأسباب جغرافية وسياسية ولظروف تاريخية معروفة منها ما يتعلق بمسؤولية  المجتمع الدولي رسميا عن قراراته  ذات الصلة وعن وجود القوات الأجنبية في ضوء ذلك ومستوى أو درجة نهوضها بمسؤولياتها التي يفرضها الوضع والقانون..
وفي ظرف الفشل الميداني البارز للعيان وإن حاولت أبواق بعينها التقليل من حجمه وآثاره الخطيرة التي توقع بالعراقيين أفدح الخسائر البشرية والمادية، وفي ظرف العجز البادي في المؤسسات المعنية ينبغي على المعنيين تحمل المسؤولية لا باستقالة الوزير ولا باستقالة حكومته بل بموقف شجاع يستأصل المشكلة من جذورها باعتراف أحزاب الطائفية بفشل برامجها وآلياتها في حكم البلاد والعباد وفي الانتقال لمرحلة جديدة تستند على قوانين دستورية ينبغي استكمال صدورها بجهود مضاعفة منتظرة..
 
إنَّ الاحباط وانكسار الثقة بين المواطن وأجهزة الحكومة لا يقود إلى غير امتناعه عن التعاون مع جهاز لا يشعر إلا بانفصامه عن مصالحه وحياته في الصميم.. ومثلما تخلى بالأمس القريب عن السلطة التي قادته إلى مهالك حروب عبثية  قدمته قربانا مجانيا لخطلها، سيفعل ذلك اليوم وغدا... ولن تنفع دعوات قاصرة للاتصال الهاتفي المباشر بـ (قائد) يتفرغ ويترك واجباته وعمله الرسمي ليتلقى تلك الاتصالات منتظرا المواطن المغلوب على أمره كيما يتعرف إلى الجاني ويتصل لإعلامه به اي ليقوم بما يجب أن تقوم به الأجهزة المعنية!!
إنَّ الجهد الاستخباري المعلوماتي مطلوب وضرورة واجبة ولكنه جهد يقوم على عوامل حرفية مهنية محسوبة بدقة لا تنهض بها إلا أجهزة مدربة ومتخصصة بحاجة لخبرات وممارسات ميدانية ولأشكال من الدراسة الدقيقة ومن الخطط الذكية وليس إلى شخوص يتسلمون المهام بمبدأ المحاصصة بلا كفاءة ولا خلفية معرفية حتى لو جرى منحهم الرتب العسكرية بأعلى درجاتها والصلاحيات بأبعد مدياتها؛ وتلكم بحد ذاتها مشكلة أخرى..
إنَّ درجة تعقيد الأمور بين مسائل تقنية وظيفية استخبارية وأخرى تعود لدرجة نضج الخطط، وصوابها من خطلها؛ وإلى الاختراقات العميقة وحصولها نتيجة أخطاء كارثية لسياسة بناء أخطر الأجهزة الوطنية في عراق اليوم، وكذلك لثقافتي العنف والانتقام والتنافس المرضي بين نخب الحكم لدواعي تنظر إلى أهدافها الضيقة المحصورة بمنافعها وبقائها في الكرسي على حساب مصالح الناس وحيواتهم؛ مثلما لدواعي تتعلق بفشل الحكومة وتأخرها حدّ تفويت الفرص التاريخية في مجال المصالحة مع الذات والآخر من مثل المصالحة الوطنية وحل المشكلات العالقة بين بغداد وأربيل وقضايا الثروة الوطنية وحسم الموقف في رسم صلاحيات المحافظات والنزعات المرضية في حكاية رسم ((حدود)) جديدة [بين الدويلات عفوا] المحافظات الجنوبية والوسطى  والغربية وعدم توافر  الإدراك المناسب لخصوصية كوردستان وما يتطلبه إقرار هذي الخصوصية من حسم بقضية المادة 140 وغيرها من أمور.. إنَّ هذا وجملة أمور مهمة بارزة أخرى تظل الحقيقة الساطعة لدى الناس في كونها السبب الذي لا يعالجه إلا حال وجود بدائل موضوعية وخيارات شعبية بديلة في الانتخابات القابلة. أما فوريا وعاجلا فبقيام القوات الدولية بمسؤولياتها كاملة...
أما موضوعات الاختراقات والمصالحة الوطنية والتحالفات السياسية وبقاء أحزاب أو زوالها أو انشطارها وتشظيها ينبغي ان يبقى محكوما بقانون سليم للأحزاب وبقوانين انتخابية وآليات عمل تتناسب والوضع العراقي وبناء مؤسسات الدولة المعاصرة ووقف تشكيلات ما قبل الدولة ونتائجها المرضية..
ونحن في النهاية بحاجة لصبر أبعد من صبر أيوب في التعاطي مع بعضنا البعض وأن نقبل بمبدأ الكفاءة في تسلم المسؤولية وأن نؤمن بواجب الاعتراف بفشل في أداء مهمة ونتركها تداوليا مع توكيد أمورنا بالتعاضد والتفاعل الوطني بروج لا يستثني طرفا من مهمة البناء.. ويكفينا ادعاء وتظاهرا وعلينا الإقرار بالحقائق كيما نصل إلى شاطئ الأمان جميعا وسويا بالخير والبركة...
إدانة غاضبة للجريمة ومواساة لأهالي الضحايا ولشعبنا في مأساته ودعوة للهدوء والموضوعية ولفهم أن استبدال مسؤول بآخر لا شخصنة فيه ولكن لأجل البحث عن الأكفأ بين المسؤولين والأنجع بين الحلول ونجاح مسؤول وحلوله سيعود على الجميع بالخير وخطأ أحدهم وسياساته بحاجة لموقف شجاع للاعتراف بالفشل وعدم التضحية بالآخرين لمجرد العنجهية والادعاء والتمسك بكرسي ليس من حق له فيه غير تكليف الناخب له ولمرحلة محددة بسقف زمني يراجع فيه الناخب الحسابات بقطع النظر عن تناحرات النخب السياسية ونضجها من عدمه وبعيدا المصالح الخاصة  لتلك النخب وقريبا من الهمّ الشعبي العام المأسور بخيارات بلا بدائل حتى هذه اللحظة وبانتظار فرج القوانين بالإفراج عن المؤمل وإصداره في موعده بلا تأخر يضيع فرصة العلاج والإنقاذ...
ولهذه المعالجة بقية
 
 
المقال في الموقع الرسمي للدكتور تيسير الآلوسي: ألواح سومرية معاصرةMSS
 http://www.somerian-slates.com/p617.htm

 
 

92
إلى من يهمه الأمر: التعليم الألكتروني ليس وهما بل حقيقة ساطعة!
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com
Chancellor@averroesuniversity.org

 
قالت أصوات صحافة عراقية  محلية وأخرى على شبكة الأنترنت: إنَّ وزارة التعليم العالي في العراق تنوي إغلاق مكاتب جامعات التعليم عن بُعد وقد صدر قرار بالخصوص وتم الإيعاز لوزارة الداخلية للتنفيذ. وقد تمّ تبرير القرار بأنّ هذه الجامعات هي "بؤرة للنصب والاحتيال" وأن القرار يأتي "حفاظا على حقوق الطلبة والأساتذة" وأن الوزارة "تحاول قدر الإمكان نزع الصفة القانونية عن هذه المؤسسات" كما تتشدد الوزارة في حصر منح الشهادات العليا بمؤسسات التعليم العالي الحكومية الرسمية "حرصا على الرصانة العلمية والشهادات الأكاديمية،".. وفي إطار تصريحات مسؤولة في الوزارة التي أوردتها صحيفة الصباح العراقية لفتت النظر إلى "عدم وجود قانون ينظم آليات الإدارة وضوابط القبول في هذه الكليات والجامعات أو التعامل مع الشهادات الممنوحة من قبلها إلى الطلبة". وكان أحد مستشاري وزارة التعليم العالي في تعليق سابق قد أشار إلى توجه الوزارة للاعتراف بإحدى هذه الجامعات على موقع الحوار المتمدن.. من جهة أخرى اهتمت بعض الأصوات بما أوردته صحافة إنترنيتية تحديدا لإذاعة هولندا بشأن تساؤل نائب برلماني من حزب هولندي معارض عما أُسْمي "تكاثر الجامعات التي أسسها أكاديميون عراقيون مقيمون في هولندا حتى بلغ عددها سبع جامعات"  وأن النائب سيطالب خطيا وزير التعليم الهولندي بحظر منح شهادات وهمية..
إلى هنا ونلاحظ أن الجدل والسجالات المثارة ظلت في دائرة تشير بعضها إلى بعض للتضخيم ولدعم زعم بوجود موقف عام مضاد للتعليم الألكتروني وتحديدا المؤسَّس بجهود عراقية مهجرية. وبتفكيك الأمور نلاحظ أن موقف وزارة التعليم العالي العراقية جاء بمعزل عما تقدمت به جامعات للتعليم الألكتروني بمشروعات تبدأ بافتتاح دائرة مختصة بالتعليم عن بُعد مع لائحة رسمية بالخصوص ومن ثمَّ تسجيل الجامعات في ضوء القوانين التي تنظم العمل وتتابع مسيرته؛ كما هو معمول به ليس في بلدان أوروبا حسب بل وفي دول المنطقة أيضا... وقد تقدم صاحب هذه القراءة بورقة مماثلة إلى لجنة التعليم في البرلمان العراقي.. فلماذا الإهمال والإغفال لهذه الخطوات القانونية الإجرائية الصحية الصحيحة؟ واللجوء بالمقابل إلى الحظر ومصادرة محاولات التنمية والتطوير والتقدم بلا مبرر منطقي أو موضوعي؟؟!
الأمر الآخر هل يجوز قانونا لممثل جهة رسمية أن يطلق اتهاما أو توصيفا بعبارة "بؤرة للنصب والاحتيال" بلا أدلة قاطعة؟ وإذا توافرت تلك الأدلة بما يتصل وشخص بعينه أو جامعة أو مؤسسة بالتحديد فهل يجوز له قانونا أن يعمم التهمة على كل الجامعات العاملة وعلى جميع العاملين فيها؟؟! ألا يحق لهذه الجامعات ولممثليها والعاملين فيها أن يقاضوا الشخص على تصريحاته التعميمية تلك؟ إنَّ اتهام شخص بلا دليل يخالف القانون؛ والتعامل مع خطأ أو جريمة ارتكبها شخص أو أكثر في مؤسسة وتعميم تبعاته الأخلاقية والقانونية على المؤسسة بأكملها أمر غير صحيح قانونا فما بالكم بتعميم الأمر على مجموع المؤسسات العاملة بنظام التعليم الألكتروني وأخذها بجريرة لا علاقة لها بتلك التهمة أو الجريرة في وقت نجد على النقيض من ذلك حرصا أكيدا من عدد مهم من تلك الجامعات وإلزاما منها لجميع عامليها على الارتقاء بتطبيق اللوائح التعليمية بدقة تامة...!
أما الحرص على الطلبة والأساتذة فهو ينطلق من تطمين حاجاتهم والاستجابة لمتطلباتهم وتطلعاتهم. فحوالي ثلث إن لم نقل أكثر من خريجي الثانويات العامة (السادس الإعدادي) هم خارج دائرة استيعاب الجامعات والمعاهد فضلا عن آلاف من المتطلعين للدراسات العليا وغيرهم أكثر ممن حرمتهم عقود الظروف والمطاردات السياسية من متابعة دراستهم.. والتعليم المفتوح والتعليم عن بُعد يلبي معالجة هذه الحاجة ويحل مشكل بقاء شبيبتنا خارج الانشغال الحقيقي لهم في اكتساب المعارف والعلوم.. فضلا عن تركهم على قارعة الطريق بلا إعداد سيجعلهم يتجهون اتجاهات تضر بالمجتمع وبهم أنفسهم بخاصة في مرحلتنا هذه.. من جهة أخرى نحن نعرف البطالة بين حمَلَة الشهادات العليا وعدم توظيف الطاقات والخبرات العلمية المقيمة في الخارج (وتلك التي عادت أو تحاول العودة) ما يدفع لخسارة تلك الطاقات فإن خدمت فستخدم مجتمعات أخرى غير مجتمعها الذي بذل وضحى من أجل أن يوجدها وفي كثير من الأحيان يجري توظيفها خارج التخصص وإن بقيت في إطار البطالة فإنها ستخسر ما كسبته من معارف وعلوم وهو ما يمثل تصفية لتلك العقول لتستكمل عمليات الاغتيالات المشؤومة التي صفَّت المئات.. فأي حقوق ترعاها قرارات حظر جامعات التعليم الألكتروني  ومنع وصول خدماتها العلمية للبلاد التي هي بأمسّ الحاجة لكل جهد؟؟
وبمراجعة عبارة أن الوزارة "تحاول نزع الصفة القانونية عن هذه المؤسسات" فلستُ أدري أين موضوعيتها؟ وأين صوابها؟ فهل مهمة  وزارة التعليم العالي تكمن في "نزع الصفة القانونية عن مؤسسات" تنشئها عقول علمية وخبرات أكاديمية وطنية مهمة؟ أم أن المهمة الحقة تكمن في تبني مشروعات العقل العلمي العراقي ودعمه وتفعيله وشرعنته وتوفير الإمكانات التي تؤدي به للوصول إلى جمهوره من الطلبة والأساتذة بما يفضي للنتائج التي تبني وليس تلك التي تهدم أو تعرقل في أفضل أحوالها؟ أقول أليس وجود وزارة للتعليم وظيفته البناء ومتابعة تطبيق الضوابط وليس المطاردة والحظر ووقف المشروعات الأكاديمية الصائبة بخاصة هنا مشروعات التعليم الألكتروني التي أطلقت اليونسكو جهودا خاصة لدعمها في المدة الأخيرة...؟!
 
وأما الجانب المتناقض فتصريحات تختلف مع النتائج التي جرت بالأمس تلك التي تقول إن الوزارة تدرس الملفات وأنها اختارت جامعة بعينها وهو أمر فيه أمل وفيه احتمال للتقدم وأقوال أخرى تشير إلى عدم وجود لوائح ما يعني إمكان ولادة فرص مناسبة للبحث في وضع لوائح وقوانين ناظمة يتم في ضوئها التعاطي مع التعليم عن بُعد... ولكن الأمور [التصريحات المتناقضة] كما يبدو هي مجرد تجاذبات في إطار صراعات أو تنافس أو انشغالات أخرى ولا قرار مدروس بالخصوص.. على أمل أن توجد مواقف استراتيجية تتيح التعاطي الموضوعي العقلاني مع نظام تعليمي صار موجودا لا في البلدان المتقدمة حسب بل وفي كثير من البدلدان النامية أو المحيطة بنا...
 
ويمكن متابعة مسلسل التصريحات الذي طاول الجامعات والمشروعات العلمية العراقية بمواقف أما مسبقة  وأما مستعجلة ولم تنظر في عمق المشروع ودواعيه العلمية من جهة والإنسانية من جهة أخرى.. ومثل هذا من يصف ولادة جامعات عراقية بسمة التكاثر بالدلالة السلبية للمفردة بدل البحث في درجة التزام تلك التجاريب بضوابط التعليم عن بُعد وعلى وفق أفضل السبل المؤدية للدقة والرصانة.
 
ومع ذلك فإننا هنا ينبغي أن نؤكد أن أية ولادة حديثة تتعرض لنواقص وثغرات وحاجة للرعاية وللدعم كيما تصل للنضج والتكامل بدل التصفية في وقت لم تكد المشروعات تنطلق بحداثة تجربتها.. ومن قبل ومن بعد لا يمكن أن نأخذ الانطلاقة مأخذا سلبيا وبنيـِّات عرجاء أو معوجة فيما علينا تذكر أن من نتعامل معهم هم أكاديميون وأساتذة وممن له خبرات مهمة في العمل الجامعي.. والمقصودين بالخدمة هم أبناء البلد وبناته ممن نحتاج لإعدادهم وإنضاج طاقات البناء والعطاء لديهم..
 
إنني أجدد دعوتي لدوائر وزارة التعليم العالي ولمعالي الوزير وللجنة التعليم في البرلمان لأنْ يتخذوا جميعا قرارا مبادرا شجاعا ويأخذوا على عواتقهم دراسة المشروعات المقدمة بشأن لوائح التعليم الألكتروني وتسجيل تلك المؤسسات العلمية خدمة لطلبتنا وأساتذتهم وتطويرا للتعليم العالي العراقي الذي يعاني من نواقص وسلبيات تكاد تطيح بمكانته التي حصدها طوال مسيرة الدولة العراقية منذ تأسيسها... وبخلافه سيبقى قرار الحظر مجرد تحامل وموقف مسبق أو مستعجل لا يحترم جهود الأكاديمي العراقي ولا يريد للتعليم العالي في العراق تغييرا وتطورا منشودا في ظل عملية سياسية ومسيرة جديدة تتطلب مساهمة العقل العراقي بكل طاقاته.. ولن نترك السانحة هذه تنسينا التذكير بأن مساطب التعطل والبطالة طاولت خيرة العلماء والأكاديميين الذين حاولوا صب جهودهم بالعودة وتحمل أوصاب ومعاناة  كراسي الانتظار على باب الوزير وأبواب جامعات لم تنظر في طلباتهم حتى الآن إلا شزرا...
 
وبالتأكيد، يا أصحاب المعالي والسعادة المسؤولين، تبقى جامعات التعليم الألكتروني بإداراتها الأكاديمية وبطاقاتها العلمية وبرامجها التعليمية وبأساتذتها حقيقة وليس وهما! ومن ثمَّ فهي ليست بؤرة للنصب كما يتهمها صوت أو آخر تشويها وتجاوزا قانونيا وأخلاقيا. إنها منبع العطاء العلمي الأفضل وإعداد الطلبة على خير وجه وتشغيل القدرات العلمية في البحث واستقراء الواقع وإيجاد الإجابات التي تساعد المجتمع على تبيّن الحلول لمعضلاته بدل ترك الناس في ضلال الجهل والتخلف والتعطل والبطالة... نحن هنا حقيقة ولسنا وهما.. نحن هنا؛  وليتفضل كل منصف وكل مشرِّع وكل قانوني وكل مسؤول ليراجع برامجنا العلمية وجهودنا التدريسية والبحثية وطرائق الأداء وصواب الإجراءات والتزامها بالشروط الأكاديمية الحقة؛ اتصلوا بالطلبة وادخلوا غرف المحاضرات وراجعوا السير الذاتية للأساتذة والمحاضرين ودققوا فيما يتطلبه التعليم الألكتروني........... يومها ستتأكد عبارتنا نحن حقيقة ولسنا وهما.. نحن مؤسسة علمية بقوانين معروفة عالميا وإقليميا ولسنا أسماء وهمية للنصب وكل ما في الأمر أن الوزارة لم تنجز مهمتها ولم تقم بدورها في تسجيل هذي المؤسسات وتبنـِّي اللوائح لإتمام الإجراءات الرسمية. وعليه فإن المنتظر هو مراجعة عاجلة وجدية مسؤولة ووقف التجاهل وإلغاء الحظر فورا..  نحن حقيقة أكاديمية علمية وإنسانية  ولسنا وهما يأصحاب المعالي والسعادة!!!
 

93
كوردستان العراق والانتخابات المنتظرة  3
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

 
 
في التحالفات المؤملة اليوم ينتظر المواطن من الحركات والأحزاب السياسية أن تتقدم  بمعالجاتها ولتدخل اليوم مستقلة أو في تحالفات مرحلية انتخابية أو استراتيجية بعيدة.. ولكن الأهم يكمن في التعاطي مع الانتخابات على وفق معطيات لا تناسبات أو توازنات النتائج بل على وفق إرادة التغيير المشترك من أجل تلبية مطالب هذا المواطن..
 
وفي المرحلة الحالية مازالت الظروف غير مهيأة لأن تتصدى قوة واحدة بمفردها لمهمة إعادة إعمار المخرب وبناء الهياكل والركائز الأساس لمجتمع يخرج من أوضاع مريرة طاولته لأكثر من أربعة عقود...
 
ومن هنا فإن على جميع هذه القوى اليوم أن تتعاطى مع روح المنافسة الانتخابية لا من تخندق تناقضي إقصائي بينها بل من منطلق يتأسس على التفاعل البناء بينها. بمعنى النظر لما بعد الانتخابات وللجهد المشترك في عملية البناء المنتظرة...
 
إن مسؤولية الفائز أن يفي بوعوده ويعمل على تنفيذ ما تقدم به من برامج وعلى القوى غير الفائزة أن تشترك في مهمة البناء بما يعود على المواطن بتطمين احتياجاته ووقوفها بطريقة تناقضية لا يقف بدلالته عند راديكاليتها وتشددها بل يعني أنها ليست معنية بمطالب المواطن بقدر مصالحها الفئوية الحزبية الضيقة.. ومن هنا أنتظر وينتظر المواطن أن ترتقي جميع القوى إلى مستوى المسؤولية أمام المواطن ومطالبه... فالسلطة واجب يتكلف به الحزب أو التحالف أو الزعامة ولابد من الإيفاء بالالتزامات..
إن فكرة أحزاب معارضة وإئتلاف المعارضة والاستقلالية في العمل الحزبي السياسي لا تعني التناقض الوجودي في حالة ممارسة الديموقراطية. وعلى تلك الأحزاب الجديدة أو الصغيرة في حجمها الانتخابي أن تنظر إلى أن توسعها جماهيريا وانتخابيا لا ينبغي أن يأتي من التصعيد والاحتدام في الخطابات.
 
إن كسب التصويت يأتي من مقدار صلابة وحسم هذا صحيح ولكن من درجة المرونة والتفاعل مع الآخر بمقدار ما تفرضه الظروف أي مصالح المواطن من تمسك بأولوية تلك المصالح لا أولوية الفوز وحسابات الربح والخسارة..
 
إن حكمة الهدوء والدبلوماسية في تمرير مشكلة أو أخرى لا تعني المهاودة والانحراف عن النضال الجماهيري. ولكنها بحاجة أيضا للحذر من منزلقات ما يبدو عند جمهور العامة سكوتا على الخطأ أو مداهنة للمخطئ..
 
ولكن من الضروري اليوم وكما في أي مرحلة انتخابية من كشف الحساب أمام المواطن بما فعله المرشح وبتاريخه وببرنامجه الجديد الذي يستفيد من أخطاء الماضي ويتسلح بتطلعات الغد وتصويباته...
إن الصراع الوجودي هو بين المواطن ومصالحه وقواه التحررية والسياسية كافة في طرف والمصاعب والمشكلات والثغرات التي تعترض الجميع في جانب مقابل. على أن يتمّ معالجة أية ثعرة تخص العلاقات بين القوى السياسية الموجودة في البرلمان وفي ميدان العمل والبناء...
 
فقط أذكر بمشهد العلاقات بين الأحزاب السياسية في الدول الديموقراطية المتقدمة وكيف يجري الحوار بينها حتى في حالة الاحتدام الذي ينتهي دائما عند خط أحمر لا يتجاوزه أي طرف هو خط القانون الدستوري الذي يحكم الجميع ويضبط أفعالهم وتوجهاتهم وسلوكياتهم... وتلكم تجربة حرية بالتمسك والتبني من قبلنا ونحن نخطو في أول طريقنا نحو الديموقراطية...
 
لست منحازا في قراءة التجربة الكوردستانية لحزب بعينه. ولكنني منحاز بالتأكيد للمواطن ومطالبه وتطلعاته وللوضع يتقدم نحو آفاق ديموقراطية وطيدة.. ومنحاز لإئتلاف علماني ديموقراطي مدني النزعة والفلسفة يحمي مصالح المواطن ويرعاها.. كما يمكنه التصدي لعمليات البناء وتنقية الأجواء من ظواهر الفساد أينما كانت ومن الصغرات والنواقص أينما اكتُشِفت...
 
أنا أذكر بأن محاولات التخريب وفصم العرى بين الجماهير وزعاماتها التاريخية محاولة تعادي الديموقراطية والتقدم بها فهي من جهة تريد إزاحة السمة التحررية التقدمية منها وتنزع جوهرها الذي توجه دائما للمواطن.. وأنا هنا أضع قراءة لا أفرض رؤية حيث مسيرة العمل الديموقراطي والعملية الانتخابية لا تقوم على جدلية التناقض الوجودي الإقصائي الإلغائي بل على تداول وتبادل العمل ووحدة الجهد لاستكمال صورة الوطن والمجتمع الذي لا يتشكل من لون أو طرف أو جهة أوة أية أحادية تستبعد الآخر أو ترى في ذاتها الصواب وتريد إسقاط حركة تحررية أو زعامة بالكامل لحساب توهمها صوابه وهو مجرد وهم لا يتناغم ومفردات العمل السياسي في ظل الديموقراطية والتداولية...
 
أما التغيير المنشود فيكمن في عملية إصلاحية مكينة ومتينة الأسس تستند لتحالف جميع القوى سواء تلك التي داخل المؤسسة الحكومية أم خارجها لمطاردة الخلل وتقويم البرامج وتقديم البدائل عبر القنوات المؤسسية للديموقراطية وتعزيز التزامنا بها وتمسكنا بفعل البناء والتعاضد بيننا جميعا من دون حاجة لتضخيم أحجامنا كما يحصل من قوى جديدة ناشئة أو تحاول الاصطفاف في مسيرة التغيير ولكن بآليات غير محسوبة جيدا...وتمنياتنا للجميع ممن يحمل همَّ المواطن ومطالبه بالدخول في برلمان الجديد لحمل مسؤولية البناء والتقدم سويا ويدا بيد...
 
وللحديث بقية...

94
البرلمان الثقافي العراقي في المهجر يدين بشدة جرائم إبادة مسيحيي العراق ويقدم رؤية للحل
خطوات من أجل وقف جريمة الإبادة الجماعية لبُناة حضارة العراق وتاريخه والمكون الأساس لوجوده المعاصر‏


بدءا يقف أعضاء البرلمان الثقافي العراقي في المهجر وقفة حزن وألم تجاه الضحايا في مسلسل جريمة الإبادة الجماعية التي ما فتئت متصلة بحق مسيحيي العراق بكل أطيافهم ومكوناتهم القومية والمذهبية. ويدين البرلمان الثقافي بشدة الجريمة الجديدة والحملة المسعورة لكلاب الإرهاب السائبة ويؤكد على أنَّ الجريمة ما كانت لتأخذ هذه الحال من الاستمرارية والاتساع في سمة الإبادة لولا الغطاء الذي يوفره الظرف العام السائد في البلاد وتحديدا انشغال مؤسسات الدولة بخروقات مستشرية فيه وبفلسفة الطائفية القاعدة الأهم للفساد وللإرهاب..
وإذا لم تكن هذه أول جريمة (في إطار الإبادة الجماعية) فإننا نشير إلى شمولها مجموعات شعبنا القومية والدينية من المسيحيين (كلدان آشوريين سريان وأرمن  ومن  الصابئة المندائيين ومن الأيزيديين وغيرهم؛ وهي قطعا في ظل المعطيات الراهنة ليست الأخيرة..  فما بالإدانات أيا كان حجمها ولا بالتمني وحدهما، يمكن أن توقف مثل هذه الجريمة التصفوية النكراء.. إنَّ القانون والمدافعين عن حقوق الإنسان والجماعات القومية والدينية يقفون في تحدِ ِ؛ لا مع حال إدانة مؤملة منتظرة كيما لا تتكرر الجريمة بل في مسؤولية تحدِ ِ مع استمرار عملية إجرامية مهولة بحق الإنسانية وبحق الإنسان في عراق اليوم!
ومع ذلك فنحن لا نجد من جهة مسؤولة تنهض بمهمة جدية فعلية وإجرائية وذات أثر ونتيجة في التصدي للجريمة وفي تحمّل مسؤولية حماية الناس البسطاء من أن يطالهم ما طاول أخوتهم في القومية والدين، ولم نرَ طوال السنوات المنصرمة، مَن يحدد آليات التصدي للجريمة وسبل وقفها إجرائيا وفعليا... وكل ما يجري بألم، هو مجرد توصيفُ استمرارية الجرائم واتصالها وتكررها، ومناشدات بلا أمل؛ لأنها مناشدة موجهة لغير ذي مسؤولية ولا قدرة ولا لإرادة القرار لوقف الجريمة في ضوء أولويات تلك الجهة المسؤولة وانشغالاتها واكتفائها بتصريحات ومشاطرات معيب الوقوف عندها..


يا أبناء  الإنسانية والوطن ويا أبناء شعبنا ونخيه المثقفة الواعية،

* ينبغي لنا أن نتعاضد أولا في اتصالات مستمرة وبانبثاق هيأة تنسيق لتوحيد الرؤى والمعالجات والتوصيات لصبها في خطط إجرائية محددة وبأسقف تنفيذية مبرمجة، بعيدا عن الوعود والتصريحات التي لن تعيد لضحية حياتها بعد أن يقتنصها غدر التفجيرات والاغتيالات ولن تعوض الضحايا عن خسائرهم ولا تعالج للوطن جراحاته...
 * وينبغي لنا تبني حملة عالمية أممية للدفاع عن حقوق المجموعات القومية والدينية العرقية الأثنية في الشرق الأوسط والعراق تحديدا، بالضد من هجمات من خارج حدود بلادنا، منسقة منظمة للإرهاب الدولي وأخرى عشوائية مخطط لها أن تمضي لهدف مرسوم وبات واضحا لكل ذي عقل سوي.. على أن هذه الحملة تجري على وفق تبني مطالب المجموعات القومية والدينية بدءا من الحقوق الإنسانية الثابتة وليس انتهاء بآخر ما لدى البشرية من حقوق المساواة والعدل ومطالب الحياة بتفاصيلها كاملة..

* وأن تتضمن الجهود المنسقة تبني دعم مراكز البحث العلمي والدراسات التخصصية الميدانية لأبناء هذه المجموعات عراقيا وليس انتهاء بانتشارهم شرق أوسطيا بل عالميا بكل ما يعترض سبل حيواتهم ومسيرة عيشهم، وأن يجري التثقيف الصريح المباشر بمعنى التعددية وبمعنى احترام الآخر وحقه في الحياة والعدل والمساواة فيها وتتحمل بهذا النخبة المثقفة هذه المهمة بأولوية مخصوصة راهنيا..
* ولابد من استحداث وزارة المجموعات القومية والدينية في العراق كما جرت الإشارة دائما بالخصوص لمتابعة الأمور بمسؤولية مباشرة مع تأسيس منظمة متخصصة شرق أوسطيا بكل الصلاحيات والمهام والمسؤوليات المنتظرة من هذه الجهات المستحدثة لمعالجة ما يمكن ومتابعة إصلاح الأوضاع جذريا وبالخصوص بوجود قوى الثقافة والمنطق العقلي التنويري من المتخصصين وإناطة أدوارهم بهم لا بالجهلة ممن تمر من تحت عباءاتهم أسلحة الجريمة ومخططاتها..
* استحداث غرفة برلمانية (هيكل برلماني اتحادي) في العراق يمثل نسبة رئيسة مهمة (بين الثلث والنصف) من مجموع مجلس الأمة العراقي الذي يتركب من البرلمان الوطني والبرلمان الاتحادي وتلك قضية يلزم تنفيذها الآن في هذه الدورة الانتخابية  استكمالا لهيآت التشريع الوطنية وتعزيز لدور هذه المكونات الوطنية الرئيسة والمهمة بوقف التعالي والنظرة الشوفينية الفوقية بمسمى الأقليات تهميشا وإقصاء.. وأن ترفض المجموعات القومية والدينية العراقية المشاركة في انتخابات بلا قانون جديد (يلغي القوانين المفصلة على مقاس المحاصصات) وبلا استكمال للهيآت التشريعية التي نصّ عليها الدستور وبما يحقق العدالة والإنصاف فعليا...
* انعقاد مؤتمر وطني عراقي طارئ عاجل خاص بالمجموعات القومية والدينية بكل أطيافها ومكوناتها ويكون الانعقاد سنويا دوريا لمتابعة تشريع القرارات ورسم الخطط المناسبة وآليات تنفيذها؛ وأن تتبنى الدعم الجهات الدولية والمنظمات الأممية المعنية..
* تشكيل قوات أمنية مؤقتة ومخصوصة بحماية المعابد والكنائس وأبنائها وبناتها من المجموعات القومية والدينية كافة وتكون بتركيبة مدنية مخصوصة ولكن بصلاحيات حماية وافية كافية وبدعم من قوات خبيرة (أجنبية) على أن تبقى هذه الأجهزة في إطار الأجهزة الوطنية وإدارتها..
* تشكيل لجان قضائية مختصة ومضاعفة عقوبات المشاركة في أية جريمة تتعرض لأبناء (وبنات) هذه المجموعات القومية الأصيلة في تركيب بنية المجتمع العراقي..
* الكشف عن نتائج التحقيقات علنا أمام البرلمان الاتحادي وإعلان النتائج للشعب على وفق قرارات متخذة من البرلمان الاتحادي؛ وبخلافه فإن عدم الكشف عن الحقائق يعني تمريرا متعمدا للجريمة ومواصلة لأنهر الدماء ومزيدا من آلام التدمير والتخريب..
 

أيها  الأحبة في عراق التسامح والحضارة المجيدة التي شادها شعب العراق البابلي الكلداني الآشوري السرياني إننا لا نلفتُ النظر إلى الإدانات الواجبة حسب بل نجدد توكيدنا على مفردات عمل لإنهاء ما تتواصل بحق هذا الشعب الأصيل باني المجد وتراث الإنسانية من جريمة إبادة صارخة؛  تستهدف إفراغ العراق من أهله ومن مشهده التعددي وترمي إلى تغيير طبيعته وتركيبته الديموغرافية لخدمة نوايا مبيتة خطيرة ولأهداف ليست عصية على الفطنة الشعبية لأهلنا في العراق الأبيّ...
فلا تكتفوا بالإدانة ببيان عابر لا تكلف أغلب وسائل الإعلام نفسها لتبنيه  أو بثه في ثواني معدودة بل توجهوا إلى مراجعة المشروعات المقترحة للتصدي للجريمة وإلا فإننا سنكون من بين أدوات تمريرها بضعفنا وفتورنا وسلبيتنا أو بصمت يلفنا، بعد أن نترحم على ضحايانا. 
قولوا كفى بإرادة صلبة وبتبني أيّ خطوات عملية للتصدي الفعلي بما يؤمِّن حيوات المتوجسين كل ثانية ولحظة من هجوم غادر كما جرى ويجري أمام أعيننا.

ولتكن دماء الضحايا متدفقة فينا رفضا واحتجاجا أمينا لا يسمح بوقوع ضحايا جدد مرة أخرى
ولنسأل أنفسنا: إذا كنّا لا نتحمل مسؤولية الدفاع عن أنفسنا وأهلنا.. وإذا كانت الحكومة ليست مسؤولة عن تأمين حيوات الناس؛ فمن إذن سيكون المسؤول؟ وليكن الجواب: إن منظمة حقوقية تدين ومنظمة إنسانية تشجب وأخرى ترفض  وغيرها تحتج أمر مقبول وصحيح ومؤمل أما أن تقف الحكومة والجهات المعنية المسؤولة دون النهوض بمهماتها ولا تقدم أكثر من تصريحات لا تغني ولا تسمن ولا تحمي إنسانا أعزلا مسالما فذلكم أمر مرفوض تماما وعلى مثل هذه الحكومة أن تجيب إجرائيا:
 * بالكشف عن الجناة المجرمين القتلة فورا و بلا تأخير..؟!!
 * أن توفر الحماية التامة بقواها وببرامج ترتقي للمهمة وبالاستناد إلى وجود قوى إقليمية ودولية يجري توظيفها بطريقة مناسبة لهذي المسؤولية..
 * وبغير هذا فإنها ليست الحكومة التي تستحق ثقة البقاء في صدر المسؤولية وللشعب أن يختار حكومة جديدة ملزمة بتحقيق مطالبه وتطلعاته..

الموت للقتلة، لتوقف جريمة إبادة مسيحيي العراق، وهذه دعوة صريحة مباشرة لكي لا تكتفي القوى المعنية بالمناشدات الخجولة فذلكم وصمة عار بجبين الإنسانية ممثلا بما يجري من عمليات نحر لكل القيم ومصادرة وذبح  حتى لحق الحياة..
والبقاء للكلمة الحرة ممثلة في الإنسان الحر وحياته الآمنة الكريمة.



أ.د. تيسير الآلوسي
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
لاهاي - هولندا في الرابع عشر من تموز يوليو 2009

95
العمل المؤسساتي الجمعوي بين قوى التنوير والحياة الإنسانية الكريمة وأعدائها
1. ماذا يمنع وحدة العمل المهني أو التنسيق فيما بين مؤسساته؟
2. لماذا يتحول التعدد الواجب إلى التشظي المرفوض؟
3. كيف يجري تمرير مخططات العقول الشريرة بين أبناء الجاليات
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في العلوم السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com

 
 
 
انتشرت الجاليات العراقية في مهاجر بمختلف بلدان العالم وقاراته. ومنذ ثلاثة عقود عملت النخبة وجهات الاختصاص على تأسيس منظماتها في تخصصات العمل المؤسسي المدني داخل المجتمعات التي يحيون في كنفها. وأبرز تلك التنظيمات كانت روابط المثقفين والمبدعين واتحاداتهم وجمعياتهم. وقد تعددت أسس التنظيم منها ما يولد لتنسيق الجهود في مدينة أو دولة أو قارة؛ ومنها ما يتأسس تنظيما يجمع تخصصا مهنيا أو إبداعيا كما في مجالات الكتّاب والفنانين من صحفيين وإعلاميين وأكاديميين ومن موسيقيين وتشكيليين ومسرحيين ومن اقتصاديين وإداريين ومهندسين وأطباء مثلما تشكلت تنظيمات تُعنى بالشأن الإنساني كما بجمعيات أو منظمات حقوق الإنسان وفي الإطار نشأت جمعيات اهتمت بالكورد أو التركمان والكلدان الآشوريين السريان والأيزيديين والمندائيين...
هذه الحالة تعدّ طبيعية إذا ما أمعنا فيها من جهة نهوضها بمهام قطاعية تخصصية مهنية وإبداعية أو فئوية أو إنسانية تخدم الجاليات ومكوناتها وتفاعلاتها مع محيطها وتعزيز علائقها بالآخر وتفعيل بناتها وأبنائها وخدمة أشكال أنشطتهم.  ومن الطبيعي بحدود هذه المسؤوليات والمهام أن تعمل تلك التجمعات التنظيمية على تنسيق الجهود داخليا ونقلها بجهدها الجمعي المؤسساتي إلى حال من التفاعل مع بقية التجمعات التنظيمية بغاية توحيد الطاقات والقدرات وتفعيل الأثر وتوسيع الأسس الجمعوية وتعزيز سماتها وطبيعتها أو جوهر مستهدفاتها...
إلا أن الأمر سيكون معكوسا أو مقلوبا رأسا على عقب عندما تتحول تلك المؤسسات إلى تجمعات شللية أو تخضع لحال الفردنة والتشظي والتشتت؛ في إطار من الصراعات المرضية التي تنتقل لأسباب عديدة منها ولوج عناصر مخرِّبة على العمل الجمعوي بقصد وتخطيط وأصابع من جهات بعينها أو بغير قصد وبسبب من صعود طارئ لعناصر جاهلة لموقع المسؤولية.. وهناك أسباب موضوعية تتعلق بالخلفية  الساذجة أو البسيطة عن عمل مؤسسات المجتمع المدني (التخلف)، وأسباب من نمط تحول التنافس البناء إلى صراعات مرضية تناقضية إتلافية..
 
فماذا نفعل بشأن حالات الانقسامات المرضية والتشظي والشللية وروح الفردنة وتعطيل العمل الجمعي المؤسساتي الصحي الصحيح؟ مبدئيا هذه القراءة السريعة ترحب وتدعم حال التعددية والتمثيل التخصصي الدقيق في إطارات تنظيمية محددة المهام والطابع والاحتفاظ باستقلالية صريحة؛ فذلكم ما يعزز تفعيل العمل ويدفعه إلى أمام. لكننا بالتأكيد نريد هنا أن تحتفظ حالات الاستقلالية بخطوط التفاعل التنسيقي مع الآخر المثيل أو النظير في المدن الأخرى والبلدان الأخرى لمجابهة مهام نوعية مختلفة في ظروف أخرى لا تكون محددة أو محدودة بالعمل في حدود مدينة أو فئة أو مجموعة..
 
فمنظمات حقوق الإنسان يُفترض ألا تكون مسيَّسة بالمعنى الحزبي الضيق لهذه السمة وينبغي أن تعمل بانفتاح تام وإيمان كامل بحقوق الإنسان غير منقوصة ولا تتوقف عند الوصول لخطوط حمر يضعها حزب أو آخر في ضوء أفكاره السياسية أو معتقداته (الأيديولوجية).. ومع ذلك فالذي نراه أن الجالية العراقية التي سجلت منظمات حقوق الإنسان مفتوحة حرة سليمة البنية تجابه اليوم انشطارات جاءت حيث  تذكرت تنظيمات تابعة لأحزاب دينية طائفية الجوهر بخاصة بعد صعود نجمها في العراق، أنها بحاجة لتنظيمات [مستقلة!] منفصلة تدافع عن حقوق (إنسانية) على وفق وصفات أحزابها ورؤاها وبما لا يسمح بالحديث عن حقوق الإنسان كما يعرفها العالم في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي الشرائع الدينية [غير المحرّفة (حزبويا سياسيا] والقوانين الإنسانية وبما لا يسمح بالحديث عن حقوق الإنسان خارج إطار الوصفات المعتمدة لدى مرجعيات تلك القوى الحزبية التي تفرض سلطانها بادعاء تمثيلها الدين وقدسيته وحدها دون غيرها..
 
إذن فالمانع الأول لوحدة العمل والسبب في التشطير هو دخول أحزاب التقسيم على أساس من تسييس الدين واختلاق الفروق الطائفية وتشطير الجاليات على أساس مرضي بين قوة طائفية وأخرى نظيرتها.. ولا ندري ماذا يفرض هذا التقسيم الطائفي السياسي في بلدان ذات قوانين مدنية علمانية وكانت قد أدارت ظهرها للتقسيمات على أسس دينية أو طائفية أو عنصرية منذ مئات السنين! وما نعرفه أن نقل هذا التقسيم يتعارض وطبيعة المجتمعات المدنية وتطلعاتها لإدماج الجاليات بآليات العيش المدنية المتحضرة المعاصرة ومنع إعادة المجتمع الإنساني لما سبَّب له الكوارث التي مازالات تمثل عامل إرهاب وترويع...
المشكل أن من يسجل رسميا منظمته الحقوقية أو المهنية أو الثقافية يجيرها حزبيا ولكنه لا يكتفي بها بل يصر على اجترار أفكار مما عفا عليها الزمن بل أصدر التجربة الإنسانية المدنية المحدثة قرارا بعدم العودة إليها بفعل تمثيلها لأسباب الخطر على الاستقرار وتهديد الأمن والسلم. فإذا استطاعت قوى الطائفية أن تعيد العراق إلى دولة بأسس دويلات الطوائف التي مضى على آخرها دهرا كاملا.. فماذا يمنح ممثلي هذه القوى فرصة الظهور في المجتمع المدني الأوروبي؟ في الحقيقة الأمر يعود لفرصة العيش الانعزالي في غيتوات لا تتمسك بقواعد ماضوية سلبية حسب بل محكومة  بما هو أبعد من تقاليد بالية بل بقواعد وقوانين قيادات متطرفة أو منحرفة متشنجة ستتفاقم في ظروف معينة لتمثل خطرا جسيما ليس على المجتمعات المتمدنة حسب بل على الجاليات الأجنبية ومنها العراقية التي تتعرض لهذا الخرق المعادي للعيش الإنساني وقوانينه الضابطة المعاصرة...
ولعل مما يظهر للعيان اليوم ويطفو على السطح مماحكات الحديث لا عن الحجاب بل عن النقاب وعن مظاهر أخرى لا علاقة لها بحقوق الإنسان وجوهرها بقدر ما لها من علاقة مع حالات الانحراف والعمل المخطط لإثارة اضطرابات وردود فعل متشنجة تخدم الأغراض البعيدة لتشطير لا الجاليات بل المجتمعات الأوروبية والتعرض لأسسها المدنية المستقرة... ومن هنا ينبغي أن تساهم القوى الحية الفاعلة المتنورة من بنات الجاليات وأبنائها عن التمسك بالقيم الإيجابية المتفتحة السامية والنبيلة التي اكتسبتها بفعل العيش في المجتمع الجديد...
وسيكون أمر الانضمام لتجمعات تخضع للحزبنة والشللية وأيديولوجيا التخلف وقيم دويلات الطائفية أو ما قبل الدولة الحديثة، ممثلا لتعزيز قوى التخلف والانحراف وليس التمسك بالدين أو المذهب أو القيم الأصيلة للهوية التي ينتمي إليها هؤلاء.. وفي الحقيقة فليس من يعلّم الناس تعاليم دينهم وأسس قيمهم وتقاليدهم جهلة ممن لا يعرفون القراءة والكتابة أو ممن يجهلون القوانين الإنسانية وقيمها النبيلة. ولابد من التصدي لحالات الاختراق التي تدعمها بنوك الإرهاب والتطرف عندما توفر القدرات المالية المادية لتفعيل أنشطة ولمّ أو تجميع الجمهور حولها...
فوعي المواطن يقوم على دفعه الاشتراك في منظمة ديموقراطية مدنية تندرج وطبيعة المجتمع الإنساني الحديث وقيم الدولة المعاصرة  التي لا يمكن العودة بها لمحظورات ما أدى لحروب دموية زمنا طويلا. في حين سيكون لا دفعه الاشتراك في منظمات التطرف بل مجرد وجوده فيها وقبوله الرشى وأشكال الترغيب من نمط توفير وسائط نقله لتجمع أو آخر وإطعامه  وتوفير أجور إقامته طوال انجرافه لأداء مهمة مبيتة مخطط لها من هذه الجهات، إن ذلكم هو في النتيجة سيخدم مصالح أعداء الإنسانية من المتطرفين الذين يستغلون العواطف والانفعالات الإنسانية ويستغلون بساطة  بعض الناس مثلما يوظفون كون الحديث عن الدين وعن أئمته ومرجعياته أمر لا يتيح على وفق خطابهم الخاص فرصة السؤال والجدل العقلي.. وطبعا هم أبعد من ذلك يستغلون سمات المحبة والمودة والأخوة والروح العائلي  في التحشيد لأنشطة منتهاها تخريبي...
 
لقد أخذت هذا السبب بأولوية وبمثال تحد بحقوق الإنسان لكن الأمر يتسع ليشمل جميع أنشطة مؤسسات المجتمع المدني وصرنا نجدهم يوسعون إطار الدعوة المسيَّسة المتحزبة لقادة يمتلكون فرص التحكم ببنك الإرهاب بادعاء المرجعية الدينية وتمثيل المقدس الذي لا يجيز الحوار ويمنع السؤال ويحظر التفاعل مع الآخر حتى يوفر وسائل التحكم بالجاليات وتوجيهها حيث تريد سياساته البعيدة..  وإذا كنّا لسنا ضد أي نوع من التنظيم الخاضع لمفاهيم الدولة الحديثة التي توفر مثل هذه الفرص ديموقراطيا، فإننا في الوقت ذاته نحذر من فلسفة التقية وطاقيات التخفي لأهداف تخريبية بعيدة...
 
إن على القوى المدنية الديموقراطية العلمانية أن تلتفت إلى مثل هذا البعد وأن تنهض من صراعات ضيقة تتعلق بتسليم المنظمات والجمعيات بأيادي عناصر أما لا تمتلك الكفاءة أو أنها مريضة بتصوراتها الفردية والشللية.. وتلك مسؤولية المثقفين والمبدعين كافة والأكاديميين، بل مسؤولية بنات الجالية وأبنائها بلا استثناء.. والأمر هنا يتطلب وعيا متقدما يدفع للانخراط في الأنشطة النوعية والارتقاء بها لما يستجيب والتفاعل مع المجتمع المحيط.. والتعبير عن الهوية لا بوساطة أفراد وجمعيات محدودة ضسقة بل بوساطة فعل الجالية..
صحيح أن أبناء الجالية يقعون اليوم تحت وطأة ظروف قاسية من جهة الضغوط النفسية والاجتماعية واختلاف التوجهات بين أمسهم ويومهم، وصحيح أن هؤلاء يخضعون لضغوط مادية ملموسة صعبة في ظل الأزمة الاقتصادية وتفاصيل اليوم العادي، إلا أنه من الصحيح أيضا أن وجودنا جميعا وحضور أيّ منا في الأنشطة الجمعوية لا يكتفي بتوفير فوائد طبيعة النشاط  حسب بل يوفر دورا واعيا لنا في التصدي لمسؤولية الاندماج بإدراك جدي مسؤول لما ينتظرنا.. وإلا فإننا سنترك لجيل التالي مشكلات معقدة لا حلّ لها... ولن يجدي أن يكون الفرد من أحفادنا منسلخا من جلده مندمجا في الآخر لأن هذا الآخر سيكون بمحك آليات الصراع التي تفرضها قوى التخلف وتعدّ لها اليوم وتحرث لها التربة لتنمو في الغدد عقدة بلا حل...
 
وإذ أؤكد أهمية التعددية والتنوع فإنني لا أرى صوابا بقبول التشظي والتشرذم أو بالوقوف سلبيا دون المساهمة بوقفه والفاصل بين الاثنين ليس شعرة بين صائب ونقيضه بل سورا سميكا وسلسلة من الوديان الملأى بالذئاب... أيها السادة إن القبول بالتعدد يبقى دائما بحاجة للاكتمال بالعمل من أجل التفاعل والوحدة واحترام الآخر... أليس كذلك..؟ إن المجتمع الإنساني المعاصر يجسشد بمشهد من التنوع؛ فهل هذا التنوع والتعدد سيحيا بالاحتراب والصراع أم بالتعايش السلمي وبالتفاعل بين الجميع إيجابيا؟ وضمنا نحن ومجتمعنا الجديد المنتظر الذي نؤسس له يتركب من مشهد تعددي والسؤال ذاته هل سنمضي باحتراب واصطراع أم نبقى بحاجة للوحدة كيما نحقق الاستقرار من أجل البناء والتقدم..؟
 
هذه ليست أسئلة منفصلة عن موضوعنا بل هي في صلبه.. إذ أن تعرفنا إلى المخاطر المحيقة نتيجة تساهلنا بل قبولنا بما يقوم به هذا الشخص وتلك الإدارة من سياسات لا تنسجم وعيشنا السليم في مجتمعات المدنية هو مشاركة بإعداد الأوضاع لمساوئ ومخاطر بعيدة الأثر على جالياتنا وعلى مجتمعنا الأصل...
 
من هنا كان رصد أسباب التحول من تعدد وتنوع جميل بجوهره الإنساني الواحد الموحد، إلى التشظي والاحتراب سيكون أمرا عاجلا مهما.. وأنا أعتقد أن من هذه الأسباب أيضا ترك الجالية الجمعيات لأفراد أو شلل تديرها بأهواء مرضية لا علاقة لها بالجالية ومصالحها.. وبعودة الجمهور لن يكون لهذه الحفنة من إمكان التصرف والتوجيه القسري الفوقي السلبي وبالعمل الجمعي تُلغى ثغرة العمل الفردي ونواقصه وأخطائه وتتسع دوائر التعاضد والتفاعل فتمحي فرص الشللية وتحكمها بالبرامج والأنشطة..
 
لنلاحظ أن حضور مؤتمر عندما لا يتجاوز العشرين أو الثلاين شخصا يهيئ لدور أو نفوذ الشلة على إعادة انتخاب نفس الأفراد ونفس البرامج المرضية أو الناقصة السلبية فيما حضور جمهور المؤتمر والهيأة العامة بطريقة واسعة يعزز الرؤى الإيجابية وسلطة الرقابة الشعبية وسلطتها في متابعة مصالحها ووضع برامجها وأهدافها... شخصيا أعرف الصعوبة التي تعترض مثل هذا الحضور في ظروف تباعد جغرافي والكلفة من زوايا منها المادية ومنها عامل الارتباط والعمل وغير ذلك من موانع.. لكن ألا ينبغي أن نمنح أنفسنا فرصة كيما نقول نحن نستحق العيش بمستوى إنساني متقدم يليق بنا...
 
والآن لنعيد تسجيلا مختصرا لأبرز أسباب  [وخلفيات أو أرضيات]  التشظي والاصطراع:
1.  ضعف المنظمات  ومحدودية الفاعلين فيها، و حال الاتكالية وتركز الأداء والحركة على أفراد معدودين..
2.  ضعف الصلات بجمهور التخصص...
3.  ضعف مستوى الأنشطة وهزالها النوعي..
4.  ضعف العلاقات الاجتماعية  و \ أو  ظهور أمراض  اجتماعية من نمط ظواهر القيل والقال واختلاق الأمور والاصطراعات المفتعلة..
5.  ضعف خبرات أغلب المتنفذين في  توجيه دفة العمل الجمعوي ما يسمح باستغلالهم في تمرير مفردات وشخوص على حساب العمل المؤسساتي...
6.  ضعف برامج العمل وهزال الدعم المادي المتاح في الظروف الحالية ما يدعو لقطيعة وسلبية في التفاعل وفسح المجال للآخر المرضي كيما يحتل الميدان..
7.  وجود قوى متصيدة لهذي الثغرات وامتلاكها قدرات الاختراق ومن ثمَّ تسيّد المسار بإدارات فردية غير صحية وقوى شللية بائسة..
 
إنَّ حالات تدني الوعي التنظيمي تبقى ظاهرة مميزة في منعطفات التحول من مرحلة التخلف إلى مرحلة التأسيس والبناء.. وهي سمة بحاجة لمعالجة جدية بوضعها في أولوية مناسبة من جهة رعاية المجتمع ومكوناته لها.. وعدم انتظار الدعم الفوقي غير المهيأ إلا بشروط لا تتلاءم وحاجات الناس وتطلعاتهم.. فأي وعي ننتظر من جمهورنا؟ واي قرار نؤمله في الإرادات التنظيمية الموجودة كيما تتخلى عن أساليب التفكير القاصرة المحصورة بهموم الأفراد أو الشلل؟ ومتى يمكننا البدء بالتحول النوعي بالخصوص؟ وما شروط مثل هذا التحول؟ وهل سيبقى المال السياسي يحكم بسلطته وتنفذه عالم التنظيم والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني بالطريقة التي تخدم البقاء في وجاهة القرار وسلطوته وسلطته؟ أم سيتمكن العمل الاجتماعي الجمعي بوعي وإرادة مبرمجة موضوعيا وعلميا بما يتفق والتقدم الإنساني؟
إنَّ هذه الأسئلة وهذا المرور المختزل السريع على تلك الثغرات والنواقص والأمراض والتدخلات والاختراقات إنما تأتي مؤشرا أوليا لوقف مسلسل التراجع التنظيمي والخلل والقصور لصالح تقدم سطوة التنظيمات المعادية لتطلعات البشرية ولجالياتنا وهي التي تقع على عاتقها مسؤوليات دعم الإنسان في داخل الوطن لا استجلاب أمراضه، مثلما يقع على عاتقها ملاحقة المجتمع الإنساني وتقدمه للتفاعل معه بالمستوى الذي يضع الجاليات بمصاف التمتع بالحياة الكريمة المحيطة بها... وما خلا ذلك ستتضاعف الهموم والمآسي وتتصاعد المشكلات ومعها أزمات الاختناق وردود الفعل السلبية والانجرار إلى حيث الأسوأ من الأفعال في ظل برامج تنظيمات استغلالية نهازة للفرص.. فيما القوى التي يقع عليها مسؤولية التصدي لتنظيم الحياة تنظيما ساميا نبيلا متراخية وسط مستنقع استسلام واسترخاء بعيدا عن الإحساس بحجم المواجهة الإنسانية..
لا تتقوقعوا متشرنقين ولا تنسحبوا منعزلين فتلكم لن تخلصكم من تفاقم العنف والضغوط عليكم ولكن ثابروا وغيِّروا ما بأنفسكم عسى أن تجدوا وسائل أجدى للوصول إلى أفضليات الحياة الإنسانية المتطورة وتنظيماتها الأنجع وإذا كان الاستسلام نتيجته الهزيمة لا غير فإنَّ المحاولة على أقل تقدير فيها احتمال للتوفيق والسؤدد والخير، وهذا أمر يستحق التبني.. فزمننا زمن التنظيم والعمل المؤسسي الجمعي وليس سواه غير الخسران..
 
 
 
 

96
رسالة المسرحيين العراقيين بيوم المسرح العالمي:
اليوم تورق سنديانة المسرح العراقي الحديث
ويُعاد بناء بيت أكيتو السومري شامخا كما كان مهدا وتراثا إنسانيا خالدا


في مسرح الحياة.. مع زمجرة مجنزرات االحرب، هدرت حناجر الإنسانية متطلعة ببصيرتها إلى حيث موئل تراث الإنسانية. وحيث بيت أكيتو، المسرح السومري الأقدم عالميا يتوسد اليوم أرض الرافدين حزينا، ملتحفا سماء ملبدة بغبار أزمنة مثقلة بالمعاناة.. وعلى الرغم من مدلهم الخطوب التي  أوقفت عروض بيت أكيتو وكادت تطمره في غياهب النسيان إلا أنَّ المسرح العراقي عاد ليولد من جديد كعنقاء أساطيره  الباقية، في رحلة الانبعاث العراقي الذي شرع ربيع نهضته في النصف الثاني من القرن التاسع وتحديدا بولادة "لطيف وخوشابا" في العام 1992 كأول مسرحية عراقية معاصرة. وهي سليلة المسرحية السومرية الأخلاقية الملتزمة  بقيم مجتمع التحضر والتمدن..
وإذا كان المسرح العراقي قد جابه عقبات زمن التخلف من إقصاء وتهميش ومن ازدراء تحكمه ذهنية مريضة، فإنّه في الحقيقة وُلِد شامخا بأهدافه؛ كونه تعبيرا عن قيم النهضة ووجهها الحضاري المشرق بالتنوير وقيم التقدم الاجتماعي والدفاع عن حرية الإنسان وحقوقه.. ومن هنا  قدم المسرح العراقي إبداعه لا حصرا في مناقشات موضوعية فكرية بحتة بل عبر قيم إبداعية تعبيرية جمالية مميزة.. فاتسم بملحميةِ ِ وروح تسجيلي جايل ولادة درامية شبيهة وكانت أول مسرحية لمسرح اللامعقول (العبث) على يدي المبدع يوسف العاني في العام 1949 سابقا بها الولادة الأوروبية لهذا الجنس الدرامي.. وصار المسرح العراقي يتقدم ببنيته الدرامية  وقيمه الإبداعية بثبات، ليتحدى المصاعب والأوصاب العصية ومنها تدخلات الرقيب وعنف السلطات السياسية وغيرها تجاه فناني المسرح..

لقد اعتنى العالم الحديث بالمسرح والمسرحيين وكرَّمَهم وأعلى من مكاناتهم ومسؤولياتهم في إشادة المدنية والحياة العامة كون ما يقدمونه يدخل في أبرز الحاجات الروحية ضرورة في ثقافة عصرنا.. فدرس الأكاديميون والمتخصصون النموذج (الغربي للمسرحية) المحتفى به بوصفه مسرح النشأة الأول فيما أغفِل مسرح النشأة الحقيقي حيث الحضارة السومرية موئل تراث الإنسانية.. ويُغفَل اليوم أمر ريادة إبداعنا العراقي بل يحاصر النشاط المسرحي ويُهمل بما يزيد الفنان المسرحي أعباء وأحمالا غير منصفة.
وما زال المسرحي العراقي بلا قوانين وتشريعات تحميه؛ وهو يئن تحت مطرقة سياسة التمويل الذاتي الذي يكرهه على ترك إبداعه المسرحي الحقيقي منشغلا  بلقمة العيش أو بمشاطرة أنشطة أخرى تخلط الأمور وتشوهها.. والفنان المسرحي العراقي يعاني اليوم من حصار فنه في إهمال خطير لمباني المسارح لا التراثية السومرية والبابلية والآشورية حسب بل والحديثة المعاصرة أيضا.. فضلا عن تعمّد قوى الإرهاب للمسرح والمسرحيين وجمهورهما في وقت يجابهان العنف الدموي بلا حماية جدية مسؤولة من السلطات...
إن المسرحي العراقي وجموع المثقفين والمبدعين وجمهور المسرح العريض يطالب اليوم بإلغاء مبدأ التمويل الذاتي وسنّ القوانين والتشريعات التي ترعى الفنان المسرحي في حياته العملية وعند تقاعده وفي ملمات يومه وتفاصيل أوصابه وأزماته وبتوفير الحماية الأمنية من التهديدات والهجمات الإرهابية.. وبالتأكيد في رسم الاستراتيجيات المناسبة لمشروع إحياء بيت أكيتو السومري واستثماره مسرحيا وفي مجموع الشؤون الحيوية الأخرى..
فالفن المسرحي ليس عبثا أو لهوا فارغا،  إذ أن دوره يمثل ركنا أساسا في إعادة الروح الوطني وتفعيل قيم الوطنية والمواطنة والإنسانية بمفردات وجودها الصميم.. ولقد انبثقت أنشطة شعبية اجتماعية وسياسية كبيرة من بين جدران مسرحنا العراقي الحديث، وقدم مسرحنا العراقي خطابا جماليا ثقافيا مهما.. حتى بتنا بمجابهة عطاءات ومهمات أبستمولوجية اخترقت الحياة العامة وتفاصيل أيامنا العديدة المتنوعة عبر قيم مسرحنا الإبداعية... وصرنا بصدد معجم متكامل جديد عبر ما قدّمه خطابه بكل كنوز مدارس مسرحنا المتنوعة وتمثيله المسؤول للطيف العراقي قوميا ودينيا وسياسيا وبمستويات التركيبة الاجتماعية العميقة من طلبة وشبيبة ونساء وعمال وفلاحين ومثقفين وأكاديميين..
ولكنَّ كل ذلك لم يأتِ من فراغ وبلا تضحيات نجمت عن ظروف التهميش والإهمال واالمطاردة البوليسية وقمع الصوت النبيل.. ومثلما أرعب إبداع شابلن وبسكاتور وبريخت قوى التخلف والاستغلال ومثلما أقلقت مسارح الأوتشرك والتسجيلي والتغريبي قوى الفساد والدكتاتوريات فقد كان يوسف العاني وزينب وناهدة الرماح وسامي عبدالحميد والعبودي وجلال ونور الدين فارس وكانت مسرحيات أنا أمك ياشاكر والخرابة والمفتاح ومدارس مسرحية عراقية كبيرة تشكل أفعالا نبيلة وشموسا مضيئة لمكافحة سطوة صانعي الظلم والظلمة وإزاحة سلطانهم الجهنمي..

واليوم في وقت تستباح الأجواء ليغدوا الفنان المسرحي عرضة لأبشع جرائم التصفية وأخطرها جسديا ماديا وعلى كل مستويات المطاردة والإقصاء والاستلاب بمختلف فعاليات الجريمة ومستوياتها، يلزم العمل من أجل تعزيز الجهود المنظمة لمسرحيينا وتفعيل المركز العراقي للمسرح واستعادة عافيته وتعزيز صلاته عالميا وإقليميا بما يعود على مسرحيينا بأعمق حملات التضامن المؤملة اليوم وهم في ظل هذه الهجمة الوباء من مختلف فعاليات الجريمة..
وبالتأكيد لابد من تفعيل اتحاد مسرحي حقيقي وروابط تخصصية للممثل ولكل بُناة العملية المسرحية إبداعا جماليا حقيقيا ولابد اليوم من تأكيد وجود روابط من نمط رابطة نقاد المسرح في العراق وإقامة الاحتفاليات ومهرجانات الإبداع ومناسباته، احتفاء وتكريما وعناية بروادنا ومجددينا والبحث عن كل السبل التي يمكننا عبرها أن نغذي مسيرة جديدة وجدية فاعلة لتبقى أضواء صالات العرض مشتعلة كواكب وشموس منيرة مضيئة في حياتنا...
ومن خلال روابط العمل المسرحي بتخصصاته المتنوعة سيكون على مسرحيينا أن يبادروا لكتابة مشاريع قوانين تعالج أوضاعهم وعرضها على  السلطات التشريعية والتنفيذية بدل انتظار أن يتقدم لهم طرف ما بهذا العمل المهم.. وسيكون لصحافة متخصصة ولهيئات أكاديمية ودوريات بحثية علمية فرص أخرى لمشوار الفعل الإبداعي المتصل المستمر المتجدد وإمكان صياغة تلك المشروعات والدفاع عن مسألة إقرارها وتعميدها وتشريعها..
إننا اليوم وبمناسبة يوم المسرح العالمي (27 آذار مارس) ليحدونا الأمل لموسم مسرحي آخر من البذل والعطاء ولقرارات مكتسبة  منجزة لمسرح عراقي حي نابض بالحيوية.. محيِّين هنا بالمناسبة مسرحيينا الذين ما زالوا يتحدون الظلمة وما تحتها وخلفها من جرائم الضلاليين من مسعوري زمن الجريمة واستباحة كل ما يمتّ للعقل وللمنطق والتنوير والحياة الإنسانية الكريمة.. ولجموع مسرحيينا في المهاجر والمنافي أن يساهموا في شد أزر زملائهم وزميلاتهم في داخل الوطن بتفعيل ملتقياتهم وروابطهم بجميع الوسائل التي يمكن أن تغني حركة المسرح ومنتجه الإبداعي وتدعم ثروتنا المسرحية وما توصلنا إليه لنزيل في طريقنا كل عوامل الاحباط وتثبيط الهمم...
إنَّ مجتمعنا ينتظر منّا نحن المسرحيين أن نواصل مسيرة قرن وربع القرن من بشارات تطور مجتمعنا ورقيه وللسير به حثيثا إلى الأمام الأمر الذي يؤمل في مسرحنا أن يجدد دوره الحضاري المدني في إشادة رؤية وجودنا العراقي وهويتنا الوطنية الإنسانية المتفتحة.. وسيكون لتلاحم جغرافيا الوطن وسيلة لشعاع المجد الخالد في رعاية مهرجانات النور المسرحي في أرجاء عراقنا وهناك في أحضان جبالنا الشماء الآمنة وفي ربوع بيت أكيتو في مدن سومر الخالدة، ستهدر مجددا قاعات مسرح عراقي أصيل بلغات الوطن وشعبه؛ العربية والكوردية والسريانية الكلدانية الآشورية والتركمانية وبخطاب مسرحي تنويري معرّف لدى جمهوره المنتظر بشغف...
ولابد سنلتقي قريبا في مسرح بغداد واليوم والشعبي والوطني والرشيد والأكاديمية ومعهد الفنون ومسارح وقاعات العروض الرحبة بأهلها الممتلئة المتلألئة بهم وستبقى أضواء مسارحنا المتفتحة ساطعة دوما.. ويوم نلتقي سيكون التكريم الأوفى لمسيرة مسرحنا ومسرحيينا وكواكبهما وشموسهما ليتأكد عمق اللحمة بين جمهور المسرح من أبناء شعبنا وبُناته من فنانات وفناني مسرحنا العراقي  حاملي رسائل السلام في زمن العنف وهم المقدمة الأروع لغدنا الأفضل عراقيا وعالميا...
 
في يوم المسرح العالمي وفي أحضان مسرحيي العالم وصدورهم الرحبة  نحيي بهذه المناسبة هدير حناجر المسرحيين وسلطان أقلامهم ورسائل خطاباتهم التي تعيد لحيواتنا جمالياتها الحقة مؤكدين على أنَّ انتصار الجمال على  القبح لا يأتي إلا بأدوات خلق الجمال متفاعلا مع الحياة الحرة للبشرية ووقع مسيرتها المعاصرة صوب انعتاقها النهائي مهما ادلهمت خطوب الزمن العاتية واشتدت عواصفها كما هو حال الواقع العراقي وما يحيط بمسرحيينا في الوطن والشتات...وتحية محبة وإجلال وبورك في جيلي الرواد والمجددين ولتسلم إبداعاتهم أداة مشرقة لشمس الحرية والحياة الكريمة....
                         
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي.. أستاذ الأدب المسرحي \ رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر.. رئيس الجمعية العربية لأساتذة الأدب المسرحي
لاهاي - هولندا  27 آذار مارس 2009

tayseer54@hotmail.com

97
من أجل تطوير التعليم العالي
رؤية في أوضاع التعليم التقليدي المنتظم والتعليم الألكتروني

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد  في هولندا
Chancellor@averroesuniversity.org

رافق مسيرة التعليم العالي العراقية باستمرار أفق من تفكير الخبراء والمعنيين وبحثهم الدائب في إمكانات التغيير والتطوير... ونعتقد هنا أن أمر نجاح هذه السمة يظل مرهونا بحجم الاستقصاءات والإحصاءات التي تدرس الأوضاع الميدانية  عن كثب... وبما يُرصد لها من طاقات مادية وأدبية.
إنَّ فكرة وجود مراكز البحث والتطوير وهيآت الدرس والتخطيط  وتوفير المستلزمات الأولية بين أيديها، لأمر مهم في تحقيق المهمة المناطة بجهة مختصة لدفع أجواء التعليم العالي إلى أمام، في ضوء الحاجات الفعلية ميدانيا محليا وفي ضوء مسيرته عالميا. ولمتابعة أمور وزارة التعليم العالي والجامعة العراقية بين المدخلات والمخرجات الموجودة فيها، ودراسة أسباب التراجع والأمراض التي تعاني منها، ينبغي التوكيد على أنّ الأسباب لا تنحصر في إطار طلبة التعليم العالي ومحيطهم المخصوص فالطلبة القادمون من المدرسة يحملون معهم خللا تكوينيا في خلفياتهم المعرفية بسبب من هزال مستوى التربية والتعليم المدرسيين...
وخير دليل، مستويات النجاح عمليا في ضوء الوقائع التي تشير إلى أمية طلبة الابتدائية وتخلف المعلومات التي يحظون بها.. وهزال مستوى الطالب في الثانوية العامة، حتى أن العائلة العراقية باتت تعاني من إرسال بناتها وأبنائها للمدرسة العامة.. أضف إلى ذلك توجه آلاف الطلبة إلى المدارس الدينية الخاصة وهي أماكن ليست لاكتساب العلوم بقدر ما هي لتفريخ الفكر المتزمت والتطرف الطائفي بدل الحصول على المعارف والعلوم التي تخدم الحاجات الحية المباشرة لتفاصيل اليوم الإنساني العادي.. فتجربة تلك المدارس لا تبشر بأية أمور معرفية علمية بالمعنى العام للرؤية، وهي تفضي لإشكالات اجتماعية معرفية خطيرة. والأنكى هنا، عندما ينتقل نظام التعليم الحوزوي الديني هذا إلى إطار الجامعة المدنية سواء في السطو على آلية العمل أو اختراق المفردات والمناهج أو في سيادة الكتاب المنهجي أو المراجع العلمية التي لا تحتفظ بعلميتها إلا بالاسم فقط... وفي أفضل أحوال التعليم التقليدي المنتظم (لدينا) هو سيره المتهادي بكسل حركته وتراجعه بخلاف سير التعليم المنتظم هذا (عالميا) باتجاه الانتقال إلى التعليم الألكتروني بوصفه نظاما يستجيب لاشتراطات العصر ويهيئ لاستقبال الغد بمتطلباته وفروضه المعرفية...
وبغاية النظر الجدي نضع هنا أبرز العقبات والثغرات التي يعاني منها التعليم العالي (الجامعي) في العراق ونلخص الأمر إيجازا بالآتي من المحاور مع إشارات أو ومضات سريعة تقارن بالتعليم الألكتروني:
 
01.       تدني ميزانيات التعليم العالي سواء في دعم الجامعة ومؤسساتها البحثية أم في التعاطي مع مجمل تفاصيل التعليم العالي محليا... فلم تتجاوز ميزانية التعليم في منتصف تسعينات القرن المنصرم الـ 0.03% وهو لم يرتقِ لنسبة أكثر تميزا عنها حاليا بما يستجيب للحاجة الفعلية سواء للواقع أم للتطلعات أم لتعويض النقص المهول لمسيرة العقود الأخيرة... وضعف الميزانية سيبقى عاملا كابحا لأية خطة استراتيجية أو مرحلية ومانعا دون تحقيق أبسط خطط التنمية والتطوير؛ دع عنك تشجيع البحث العلمي وآفاق تطوير التعليم العالي برمته...
* وفي جميع الأحوال سيكون دخول استثمارات التعليم الألكتروني في الجهد الجامعي دافعا جديا لتفعيل أوضاعه...
 
02.       انقطاع الصلة بمختلف مستوياتها وأنماطها، بين الجامعات العراقية أنفسها؛ وبين الجامعة العراقية وتلك الموجودة في محيطها الإقليمي والدولي... ومعروف كم هي أهمية التنسيق في دراسة الظواهر علميا وفي رسم الخطط والحلول وتوزيع المسؤوليات التكافلية وفي تبادل الخبرات والاستشارات بما يلبي اختصار بعض مفردات العمل وتجاوز ما ضاع من زمن وما يحتمل إضاعته في ضوء العمل الفردي المحدود؛ وبديله الموضوعي المتمثل في المراكز البحثية المشتركة بين الجامعات، وفيما ذكرناه من تبادل الخبرات بين تدريسييها...
    * وبالإشارة هنا إلى جهود التعليم الألكتروني والجامعات المؤسسة حديثا سنجد أنها في ظرف قصير استطاعت أن تنهض بعقود تعاون مع عشرات الجامعات إقليما ودوليا بما يكفل أن تقوم بدور التفعيلي في أن تكون جسرا بين بيئتها الدولية حيث مقراتها وبين الجامعة العراقية في داخل الوطن... فضلا عن استقطاب جهود الأساتذة العاملين فيها لصالح الجهد الجامعي الوطني المحلي...
 
03.       تعرّض الجامعة العراقية للتخريب المبرمج لعقود طويلة ثم تجدد مشكلاتها في السنوات الأخيرة في أجواء خطيرة استهدفتها في الصميم. بخاصة من هذا ما تعلق بتدخلات الدولة واستباحة الحرم الجامعي وتوجيهها بما يتلاءم وسطوة هذه القوة الحزبية أو الميليشياوية أو تلك...
    * في وقت تربأ أغلب مشروعات التعليم الألكتروني بنفسها عن قبول أية حالة تدخل أو اختراق من أية جهة...
 
04.       تعرّض العقل العلمي وتحديدا الأستاذ الجامعي العراقي لحملات تصفية جسدية وغير جسدية.. حيث تمَّ في إطار التصفية الجسدية اغتيال مئات بل ألوف من العلماء والأساتذة في مختلف التخصصات العلمية البحتة والإنسانية؛ وجرى في إطار التصفية غير الجسدية، الدفع بآلاف آخرين للهجرة القسرية و\أو تعريضهم للبطالة والتعطل عن ممارسة المهنة وأداء رسالتهم العلمية ما يُفقدهم فرصة الاستمرارية والاتصال البحثي.. إنَّ وجود التدريسي في مهجره معزولا متبطلا يحجب خبراته ويدفع بها للتقلص والتراجع والاضمحلال تدريجا حتى تموت تلك الطاقة الحية بإعدام الخبرات المتراكمة المتحصلة بدل تطويرها وتفعيلها...
    * ونشير هنا إلى أن جامعات التعليم الألكتروني تظل محاولة جدية مسؤولة لانتشال الوضع من خراب نهائي مؤكد بتوظيف الطاقات العلمية وتشغيلها في تخصصاتها وجذبها لدائرة البحث العلمي مجددا، ما يتطلب تشجيع هذه المحاولات ودعمها وجذب جهودها للخطط الوطنية لا عراقيا فحسب وإقليميا من جميع أصحاب النظرة الاستراتيجية السديدة..
 
05.       إفقار المكتبة الجامعية البحثية بمنع توريد المصادر الحديثة والمميزة ثم حرق المكتبات الرئيسة المتوافرة ونهب أخريات.. وعدم تزويدها بالجديد بعد حملات الهدم والإفقار وإشعال الحرائق والنهب الشامل... فيما يجري تمرير مراجع سطحية ومتخلفة أو قديمة لا تساير التقدم العلمي العاصف الحاصل عالميا.. وتُترَك عمليات توظيف المكتبة بمصادرها الحديثة وتُترك أيضا مُهمَلة المكتبة الألكترونية والدوريات البحثية الأحدث...
   *وبخلاف هذا الواقع المزري تنتج المكتبة الألكترونية للتعليم الافتراضي (عن بعد) مصادر علمية محدثة جديدة وتراكم جهدها العلمي الرصين...
 
06.       طوال عقود مضت، ساد تعيين إدارات حزبية المرجعية وفرض الأساتذة ذوي الانتماء لفلسفة النظام، وتوبع الأمر في السنوات الأخيرة باستبدال متحزب للنظام السابق بمتحزب للأحزاب ذات الحظوة والسلطة من ذات التوجهات المتعارضة مع تطلعات التعليم العالي والبحث العلمي... وبالنتيجة تظل الخسارة واحدة في استبعاد الكفاءات العلمية الأكاديمية عن إدارة الجامعة وعن المحاضرة الجامعية وعن البحث العلمي الرصين... ويمكننا القول إنّنا سنكون (بسبب أشكال الفساد داخل الجامعة وفي محيطها) بصدد إدارة تعتمد المحسوبية والتبعية في قرارها وضعف خبراتها ومهاراتها بما يتطلب تغييرا جذريا يدخل بعضه في مسألة استقلالية الجامعة والآخر في التحديث والتجديد بإيجاد مراجعة لهندسة سايكو- سوسيولوجية أبستمية تقرأ الموجود وتضع البدائل في سلوكيات وعادات إدارية حية مختلفة نوعيا ترفض الفردنة والفوقية القهرية من جهة وتُحسن الإصغاء للآخر من جهة أخرى وتفهم مشكلاته ومطالبه وتدخل في سياق العمل المؤسسي الجمعي القائم على حركية المهارات وتطورها المتصل المستمر تنميةَ َ لرأس المال البشري... ونؤكد هنا أن هذا يتعارض وسلوكيات الولاء السياسي الحزبي الضيق والمركزية الحادة التي تتقاطع ومطلب اللامركزية والاستقلالية التي تمثل قاعدة الإبداع وانعتاقه من المحددات السلبية القسرية... كما ينبغي لنا وضع أولوية لمعالجة ظاهرة الفساد الإداري وغيره بإيجاد جهاز الرقابة الإدارية المناسب...
    * تتعاطى تجاريب التعليم الألكتروني مع محاولات تحسين إدارتها بحيوية وتتقدم باتجاه مؤسسة تجاريبها وإشاعة دمقرطة العمل وجماعيته، وهذا سيفيد بالتأكيد في تعزيز هذه الرؤية كما أن إدخال التعليم الألكتروني في مسيرة التعليم العالي وطنيا يعزز ظاهرة رفض الفردنة وأمراضها في مستوى الإدارة ويدفع باتجاه تصحيح المسارات عند وقوع أية أخطاء...
 
07.       تدريسيا: يمكننا أيضا هنا تسجيل نسبة عدد حَمَلـَة الدكتوراه الجدد و حَمَلـَة شهادة الماجستير بنسبة بين 70 و85% وبين هؤلاء من لا يحمل شهادة حقيقية (شهادته مزورة) أو تمَّ تخريجه بترتيبات غير موضوعية وغير علمية أو لم تلتزم الرصانة والأمانة العلمية الوافية.. ما يدفع للضعف والتردي في المستوى المعرفي للأستاذ.. وفي هزال مخرجاته ومخرجات الجامعة العراقية راهنيا... فيما ينبغي في الظرف العادي الطبيعي الاهتمام بمستوى التدريسي وبالترقيات العلمية ومضمونها القائم على تشجيع البحث العلمي لديه وتفرغه له ودعم حضور المؤتمرات وتبادل المعالجات وأشكال تناول القضايا والإشكالات العلمية الميدانية والنظرية في ظلال الحريات الأكاديمية التامة التي تسمح للأستاذ بالعمل والإبداع والتقدم وتوفر الحماية الكافية المشرعنة بلوائح وقوانين جديدة تحترم العلم والعلماء وتستند في سنّها لإرادة حرة وعمق أو منطق عقلي صحي سليم...
    * وفي إطار المقارنة بين حال جامعة التعليم التقليدي المنتظم وما تبدو عليه أوضاعها فعليا من نسبة مرتفعة من كادر تدريسي لا يحمل إلا شهادة الماجستير ولا يحمل الدرجات العلمية المتقدمة بنسبة تفوق الـ3\4 الكلي سيدفعنا هذا للقول إن جامعات التعليم الألكتروني التي تحتفظ بنسبة معكوسة تمثل 3\4 كادرها من العلماء من حمَلَة الدكتوراه ودرجات الأستاذية سيعني أفضلية للتعليم الألكتروني من هذه الناحية أيضا...
08.       إشغال الطلبة بأنشطة غير علمية ولا علاقة لها بكسب المعارف والعلوم أو ممارسة الحياة الشبابية الصحية السليمة.. وتركهم لضغوط ظروف معاشية واجتماعية مرضية خطيرة... لا تسمح لهم بالمتابعة أو الإنجازية العلمية المناطة بهم. وإبعادهم عن الاشتراك في الإدارة والتخطيط أما بالمنع والعزل وعدم المشاركة فعليا أو بإدخال العناصر الأكثر هزالا في هذه العملية الأمر الذي يلغي فاعلية تلك المشاركة سلفا مثلما يُلغي دمقرطة التعليم في مجمل مسار التعليم الجامعي... وفي بيئة غير مهيأة للتعليم تنتج مخرجات خاوية علميا معرفيا ثقافيا وتبقى هذه المخرجات (الطلبة) بعيدة عن تطلعات المجتمع ومطالبه في خريجين ناشطين يخدمون تطوير مفاصل الحياة العامة من اقتصادية واجتماعية وغيرها...
    * تعمل نظم التعليم الألكتروني على إشراك الطلبة في جهود بحثية علمية وتوفير فرص أو أجواء المشاركة العلمية بطريقة واسعة حيث انفتاح الأجواء الافتراضية بسعة لا تحدها حدود إدارية أو سياسية أو طبيعية...
 
09.       تردي أوضاع الأبنية وعدم كفاية القاعات ونقص الخدمات فيها.. وعدم وجود قدرات استيعابية لقاعات الدرس والمحاضرة... وهذا أمر يتيح لنا توكيد أهمية التوجه للتعليم الألكتروني حلا مناسبا بالخصوص...
    * تعالج جامعات التعليم الألكتروني هذه الإشكالية كونها لا تحتاج لأبنية بطريقة التعليم الألكتروني وهي تختزل الأمر لأبعد حد متاح ما يعطيها أفضلية كبيرة بالخصوص...
 
 
10.       تخلف المختبرات وأجهزتها وافتقارها للأدوات المناسبة للتطبيقات الحديثة فيما توصلت إليه الكشوف العلمية..
 
11.       تخلف المناهج الدراسية وطرائق التدريس وهزال استخدام تكنولوجيا المعلومات بل رفض التعاطي مع نظام التعليم الألكتروني واستبعاده من نظام التعليم بشكل كلي.. حتى أن الأنترنت وجهاز الكومبيوتر ما زال خارج الأداء الفعلي الرئيس للجامعة العراقية.. والسمة السائدة في التعاطي مع الكومبيوتر ومن ثمَّ مع التعليم الألكتروني هي سمة [التكفير] و [التجريم] كونه أمرا محرما محظورا أو مبعدا بالدرجة القصوى في ضوء انعدام ثقافة الوعي المنهجي والقبول بالحداثة ومنطق التجديد... في وقت يلزم أن نعدّ كوادر التدريس وطلبتهم على استخدام نظام المعلوماتية وتزويدهم بأجهزة الكومبيوتر اللازمة كأرضية لمرحلة تالية بعد ربط الجامعات بالأنترنت وبشبكات البحث العلمي المعروفة، لتنتقل الأمور لاحقا إلى مرحلة تطوير البرمجة ذاتها للتوظيفات المناسبة للدرس المستهدف والتجربة المنتظر إجراؤها...
          * إن التعليم الألكتروني يسمح بمتابعة آخر منتج علمي ومؤلف بحثي رصين وهو يصل إلى مصادره بطرائق أفضل من تلك التي تتبعها نظم التعليم التقليدي...
 
12.       عدم توافر الخطط الاستراتيجية للعمل والافتقار للمقاييس والمعايير المثبتة دوليا للتعليم العالي.. الأمر الذي يتطلب إيجاد فريق عمل لدراسة النظام على جميع الصُعُد والمستويات وتحديد الإيجابي والسلبي ومقارنته بالتجاريب العالمية.. ومن ثم لابد من إيجاد وحدة متخصصة بتطوير التعليم ومراجعة مناهجه وخططه ومفاصله بعامة لتحسين الأداء استراتيجيا ومرحليا... وستكون المهمة الرئيسة منصبة على ضرورة رسم البرامج بما يرتقي لمستوى هضم المتغيرات العلمية والتكنولوجية ويستجيب لاحتياجات سوق العمل المحلي ومتطلباته وطنيا...
 
 
******************
إنَّ المنتظر من حلول على مستوى التعليم العالي بمجمله لا يكمن أو لا ينتهي بفعاليات ترقيعية إصلاحية. وإنّما يتجه إلى الآتي:
 
01.       فأولا لابد من تشكيل هيأة التخطيط الاستراتيجي... ومعالجة مسألة ترتيب مراحل التغيير والتطوير وحال تشتت الأهداف وحال وضع الأنشطة بتعارض فيما بينها... وهذه الهيأة لن تقف عند حدود وزارة التعليم العالي ذاتها بل تحتاج إشراك الجامعات والخبراء والوزارات الأخرى بممثليها المعنيين بموضوع رسم الخطط الاستراتيجية المنتظرة...
 
02.       تغيير الإدارات وتطويرها.. وإيجاد تشكيلات رقابية إدارية علمية المنهج والوسيلة كيما لا تكون من جهة أخرى أداة تدخل أو خرق للاستقلالية بقدر ما تقوم بمهامها المؤملة وظيفيا سواء في قياس الإنجازية ومستوى الأداء أم في متابعة أشكال النواقص والفساد المحتملة... وموضوع القياس ومعاييره سيبقى من الأهمية بما لا يقبل تأجيل وضع المحددات والبدء بقراءة دورية مستمرة لترتيب تسلسل الجامعات ومستوياتها في مختلف مفاصل عملها عراقيا وبالمقارنة مع الجامعات إقليميا وعالميا في إطار تغذية روح المنافسة التفعيلية البناءة...
 
03.       تحقيق استقلالية تامة لعمل الجامعة في جميع المجالات سواء في شؤونها المالية  أم الإدارية وفي برامجها العلمية والبحثية وغير ذلك من تفاصيل وجودها مؤسسة للتعليم العالي والبحث العلمي.. فالجامعة تحتفظ بحقها في اختيار هيآتها التدريسية والإدارية وفي رسم برامجها وخطط أدائها الوظيفي وفي تحديد أهدافها البعيدة والقريبة وفي رسم آليات عملها بما يتناسب وواقع الحاجات الميدانية لمخرجات هذي المؤسسة التعليمية...
 
04.       بغية تحقيق أفضل أشكال التقدم، يجري إدخال صيغ من التعليم الألكتروني لنظام التعليم التقليدي المنتظم الذي ينبغي البحث في آليات تطويره وتحديثه بشكل جذري شامل لا ترقيعي إصلاحي..
 
05.       إيجاد لجنة تنسيق واستقبال الدراسات والمعالجات التطويرية في وزارة التعليم بما يتابع المتغيرات عالميا ووسائل الاستفادة منها..
 
06.       تأسيس هيأة وطنية تُعنى بمعادلة الشهادات وتقويمها الدرجات العلمية في ضوء التحصيل الفعلي بالاستناد إلى تجاريب أخرى تلتفت على سبيل المثال لا الحصر إلى مسألة محتويات المنهج وتمظهراته بنتائج العملية التعليمية ونوعية مخرجاتها، مسألة محددات الامتحانات من أسئلة واختبارات وآليات تقويم، والمستوى العلمي الأكاديمي بمعدله العام ومسألة التقويم النوعي لهذا المستوى في كل قسم علمي وآليات متابعته وإجرائه..
 
07.       وضع الميزانيات المناسبة لأفضل أداء ولخطط التطوير وآفاق العمل المستقبلي... ومن الطبيعي هنا أن نشير إلى الحاجة الماسة للعناية بالأستاذ الجامعي وأنشطته البحثية وغير البحثية.. ولمساواته في الراتب وفي الامتيازات بزملائه في البلدان المتطورة، وإتاحة الفرص له للمشاركة في المؤتمرات العلمية ومنحه فرص التفرغ العلمي.. وبالمناسبة وجب هنا الالتفات إلى أن استعادة آلاف من المهجرين من الأساتذة والعلماء لن يكون صحيحا على أساس إعادة اقتلاعه من استقراره (المهجري) بعد عقود من التضحيات التي دفعها من عمره وعمر أفراد عائلته ليطالب بالعودة القسرية وتضحيات أخرى من حياته (وماذا تبقى منها؟!) ليساهم مجددا في العمل والبناء فيما الصائب هنا يكمن في اتخاذ وسائل التعليم الألكتروني طرائق مناسبة لاستقطاب جهود هذه الكوكبة الرائدة وإدخالها في جهود التنمية والبناء مع توفير الغطاء المالي (استعادة الحقوق بعيدا عن روتين الإجراءات وعقباته) بعد أن بقي الأستاذ العراقي طوال سنوات عجاف يدفع بلا مقابل وبلا حصوله على جزء يسير من حقوقه...
 
08.       توفير الحريات الأكاديمية وإشاعة ديموقراطية التعليم بكل مفاصله.. مع توفير الفرص المناسبة وسبل العيش والأمان والاستقرار للتدريسي أولا وللكادر الإداري وللطلبة بعامة... ولأنَّ مواضيع إدارة التعليم العالي وطرائقه وتقويمه نوعيا وكميا وفلسفات البحث العلمي هي إشكاليات تدخل في جوهر مسؤولية المنتسبين كافة؛ لذا كان واجبا إشراك الأساتذة وكذلك جمهور الطلبة في سبر أغوارها وتقديم الحلول والمعالجات،  فهي ليست إشكاليات محصورة بفئة محدودة من الإداريين، وعليه فاستقطاب الجميع ودمقرطة الحياة الجامعية سيساعد على بدء عملية البناء بعيدا عن أية وصاية أو تدخل من مؤسسات الحكومة وما شابه.
 
09.       توفير الأجواء التنظيمية وتعديل اللوائح والقوانين بما يتناسب وضمان أفضل سبل العمل الرصين لتشجيع البحث العلمي وتحسين العملية التعليمية ورفع مستوى الإنجازية نوعيا وكميا...
 
10.       وضع الخطط المناسبة لتفعيل دور القطاع الخاص من جهة وضبط مسارات عمله في مجال التعليم. ويكمن هذا في موضوعي الجامعات الأهلية من جهة وموضوع توظيف الاستثمارات وأشكال الدعوم التي توفرها الشركات الصناعية وغيرها للبحث العلمي المرتبط بحل مشكلاتها التكنولوجية أو العائدة لمعالجات علمية بحتة... وسيكون مفيدا هنا أنْ نتقدم باتجاه نقل البحوث التطبيقية الميدانية إلى عالم العمل والاستثمار الانتاجي الممكن بعقد صلات جدية بين خطط التنمية الصناعية الزراعية والاجتماعية وأنشطة البحث الميداني التطبيقي المشار إليها.. 
 
11.       العناية بمخرجات التعليم والبحث في توجيه هذه المخرجات نوعيا بما يتفق وسوق العمل ومن ثمَّ في إيجاد فرص العمل لاحقا بالتنسيق مع خطط الوزارات الحكومية من جهة والشركات وجهات توفير فرص العمل من جهة أخرى واستحداث المطلوب من الأقسام العلمية وإلغاء أخرى في ضوء دراسات ناضجة بالخصوص...
 
12.       إنشاء جامعات التعليم الافتراضي أو التعليم الألكتروني وإيجاد مديرية أو هيأة مختصة بالتعليم الألكتروني في وزارة التعليم العالي.. إذ سيبقى التعليم الألكتروني بالمحصلة  يمتلك الدور الأول بمرحلتنا هذه في تطوير فاعلية جدية حقة للتعليم العالي وفي معالجة إشكالية الضغوط  المتعاظمة على المؤسسات التعليمية التقليدية. وسيكون لتأخير الاعتراف بالتعليم الألكتروني دوره في اختراقات سلبية وتراجعات تراكم المرضي بما يجعلنا نصحو متأخرين فنجابه بمشكلات إضافية معقدة ليست في مصلحة أي طرف سوى جهة توسيع حالات تفريخ التخلف وأدواته... ولننظر جديا إلى أن دولا مجاورة ونامية بعضها أكثر تخلفا من أن يُذكر للمقارنة، هذه الدول قد ولجت عالم التعليم الألكتروني وباتت تسارع في عطائه واستثماره لصالح مسابقة الزمن والمحددات الأخرى.. فماذا يدعونا لركوب مسالك عصية متخلفة ونحن نمتلك إرادة القرار الأكثر سدادا وحكمة وإيجابية؟!
 
 
 
 
 
ملاحظات وتوصيات موجزة:
 
1.  كان هدف هذه الدراسة منصبا على تطوير التعليم بعامة والحض على اعتماد التعليم الألكتروني في إطار التعليم العالي العراقي لأن أي تأخير في هذا المجال هو مراكمة لثغرات غير محمودة العواقب عراقيا ليس في التعليم العالي بل في مختلف المجالات المرتبطة الأخرى...
2.  وإذا كان في هذه الورقة ما يشترك مع أوراق ومعالجات أخرى فإنّ ذلك يعدّ من التراكم المتوقع لتوكيد أهمية ما نكتبه ومصداقيته وصواب توجهاته. ولعل ذلكم ما يدعو لفتح حوار تنفيذي إجرائي للمقترحات والتوصيات المرصودة هنا...
3.   وأغلب هذه التوصيات المقترحة هي توصيات دقيقة وإجرائية تنظر لإمكانات التنفيذ ولآلياته ما يستدعي التفاعل معها مباشرة والبحث في تبنيها وتحويلها إلى مفردات عمل في خطط وزارة التعليم العالي وفي استراتيجيات الجامعة العراقية... كيما نخرج من دائرة السجال الحكائي البحت وندخل دائرة العمل والتطبيق...
4.  وهذه الورقة هي دعوة للتغيير الشامل من دون التقاطع مع أية تغييرات جزئية أو مرحلية أو إصلاحية موجودة فعليا...
5.  وفي ضوء ما تقدم تطلب هذه الورقة توجها عاجلا لتوحيد القراءات السابقة للباحثين والمؤتمرات والتوصيات من لجان وأساتذة وخبراء بجهد تنهض به لجنة معتمدة في زارة التعليم وتكون مستقلة بخصوص متابعة خطة التغيير الاستراتيجي الشامل...

 
رسالة مفتوحة موجزة إلى المسؤولين المعنيين بقضية التعليم العالي في العراق:
يُعدّ التعليم واحدا من بين أولويات الشعوب والدول في خطط البناء والتقدم.. وصارت أية دولة تتحدث عن قوتها تشير إلى رأسمالها البشري وتنميته بوصف ذلك على رأس قائمة ثرواتها وخططها التنموية.. وفي العراق الجديد ستحتل قضية إعادة الإعمار وبنائه الأولوية بلا منازع.. وسيكون للتعليم بعامة وللتعليم العالي ومنه التعليم الألكتروني بوجه الخصوص الأهمية القصوى في أية توجهات استراتيجية ترسمها الحكومة العراقية ووزارة التعليم العالي إذا ما توخى المخطِّط توجها جديا مسؤولا لتفعيل مسيرة عملية البناء..
وفي ضوء ذلك أتقدم هنا إلى شخص وزير التعليم العالي وعبره إذا ما تطلب الأمر قرارا استثنائيا، أتقدم إلى رئيس الحكومة العراقية وإلى رئاستي الدولة والبرلمان ورئاسة إقليم كوردستان كونهم المعنيين بقضية وطنية مهمة كقضية التعليم ومستقبل مسيرته وتحديثه، بطلب رسمي لتشكيل إدارة عامة للتعليم الألكتروني وتسجيله في وزارة التعليم العالي العراقية وفي مجلس التعليم العالي بكوردستان..
ولأجل تحقيق هذا المطلب أقترح مراحل التنفيذ الآتية:
1.                                                  تشكيل لجنة تحضيرية مختصة لدراسة آليات تشكيل هذه الإدارة..
2.                                                  إعداد لائحة تنظيمية للتعليم الألكتروني في ضوء الموجود عالميا...
3.                                                  إعلان تشكيل إدارة عامة للتعليم الألكتروني في وزارة التعليم العالي.
4.                                                  إقرار طلبات التسجيل لجامعات التعليم الألكتروني في ضوء تلك اللائحة..
5.                                                  الالتزام بسقف زمني يتحدد بالدورة التشريعية الجارية للبرلمان العراقي الذي سيكون مسؤولا لحظة التلكؤ بالاستجابة لهذا الطلب أو رفضه.. كون الرفض [إذا حصل] سيمثل لا موقفا سلبيا حسب بل إضرارا متعمدا بالمصالح العليا للوطن والشعب ذلك أن التعليم الألكتروني لم يعد مجرد ظاهرة عالمية ونظاما تعليميا رصينا جديدا بل صار موجودا فعليا في العراق ويعمل فيه آلاف الأساتذة وينتسب إليه مئات آلاف الطلبة وفضلا عن هذا وذاك تمثل الأمية فيه ظاهرة صارخة من الجهل بمسيرة التعليم العالي ومستجداتها عالميا وإقليميا...
 
إنَّ هذه الرسالة الموجزة الموجهة إلى مكاتب المسؤولين المعنيين تنتظر تفاعلا إيجابيا وفتحا لحوار جدي يرتقي لمستوى المسؤولية المناطة بنا وطنيا ولدينا الثقة التامة بأن هذا المطلب الذي يعبر عن كل هذه الجموع المنتسبة للتعليم الألكتروني، يحظى بتأييد المسؤولين عن التعليم العالي ودعمهم وتبنيهم له؛ وأنهم سيسرِّعوا الجهود لتقنينه وتشريع اللوائح المناسبة التي تضبط العمل فيه وتبعده مثلما تبعد كل نظم التعليم العالي الأخرى عن أية تراجعات أو اختراقات غير مقبولة...
 
مباركة جهود الجميع ومواقفهم التي تنطلق من الالتزام الثابت بمصالح الإنسانية المجسَّدة بالعمل العلمي الأنضج والأكثر صوابا...
أ.د. تيسير الآلوسي
 
 

98
انتخابات مجالس المحافظات
الدرس المستفاد بين خياري العلمنة والطائفية
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
محلل سياسي أكاديمي
tayseer54@hotmail.com

جرت انتخابات مجالس المحافظات لتؤشر خطوة أخرى في العملية السياسية الجارية في العراق. وقد عدَّها طرف إنجازا إيجابيا ومؤشرا مهما لنجاح مميز في العملية السياسية فيما هوَّل طرف آخر تصوره عدَّا إياها مؤشرا على مقدار الخلل والنقص.. وفي جميع الأحوال ينبغي أن نقول إنّ معدل المشاركة الانتخابية عالميا يظل بالنسبة التي ظهرت في مشاركة العراقيين فيها... وينبغي هنا أن نقول ايضا: إن سبب عدم مشاركة حوالي الـ 50% يعود لعوامل مختلفة منها العادي المبرر كما في عدم قناعة الشخص بالمشاركة العامة ودرجة وعيه الفردي المتدني بأهمية المشاركة ومسؤوليته الجمعية مع محيطه في اتخاذ القرار العام والخضوع لضوط اللحظة ولانفعال رد الفعل حتى تجاه من يؤيدهم ويشاركهم الموقف والبرنامج... ويعود أيضا لدرجة الاحباط التي ظهرت نتيجة عدم الاقتناع في نتائج الانتخابات (التشريعية) السابقة وما شابها من ثغرات ونواقص صغيرة أو خطيرة والضغوط التي تعرض لها الناخب في ظل أوضاع غير مستقرة يومها فخشي أن تتكرر بالمستوى ذاته فيعيد شرعنة من لم ينتخبهم... وفي كل الأحوال فإنَّ نسبة عدم المشاركة هذه تظل عالية جدا بالتحديد في وسط القوى الديموقراطية واليسارية منها تحديدا بسبب عوامل الاحباط التي أشرنا إليها من جهة وعوامل أخرى خارجة عن الإمكانات كما في مسألة قوائم الناخبين وآليات الأداء التي حرمت مئات ألوف المعدمين الفقراء وأبناء المجموعات القومية والدينية (التي يسمونها ظلما الأقليات) وهو ما أثر على تناسب القوى وحجومها النهائية...
لكن بجملة القول يمكن التأكيد على أن الانتخابات سجلت تراجع الاختيار على أساس ديني مذهبي وتراجع تأييد الأحزاب الطائفية وظهر هذا جليا ليس في قراءة نظرية موضوعية متأنية وحيادية حسب بل في النتائج الانتخابية عمليا... وقد عملت القوى التي عقدت صلاتها بالناخب العراقي في مطلع العملية السياسية على أسس طائفية، عملت على تغيير وسائل ظهورها وصلاتها بالناخب فاتخذت من تسميات غير دينية شكلا خارجيا للصلة معه من نمط ائتلاف دولة القانون وكتلة الأحرار والمستقلون وما شابه من تسميات تحتضن قوى إسلامية طائفية في برامجها وطبيعة تركيبها... كما عكفت تلك القوى على استغلال خطة تقديم مرشحين بمسمى المستقلين سواء بالتحالف المعلن أم من دون وجود صلات معلنة مع المرشحين في أثناء الحملة الانتخابية.. وهذا ما يعني خشية صريحة من المدّ الشعبي الجماهيري الواسع الذي بدا قبيل الانتخابات واستوعبته بنجاح (نسبي) الأحزاب الدينية في خطتها تلك... فمنعت هزيمة انتخابية ساحقة وعادت للمسؤولية مجددا وإن بحجم أضعف نسبيا...
لقد حصدت القوى الإسلامية بتحالفها مع مسمى مستقلين نسبة مهمة من التصويت كما حصدت بتغيير عناوينها وأسمائها من تلك التي تشير للطائفي الديني إلى التي تتغطى بالعلماني نسبة أخرى فيما حصدت كذلك من تجيير بعض النجاحات (الحكومية) لصالحها تلك النجاحات التي تحققت من وحدة النسيج الوطني ونضالات وجهود القوى الوطنية الديموقراطية العلمانية منها تحديدا وليس لبرامج القوى الطائفية التي رفضتها جموع غفيرة كما أكدته النتائج الأولية... وطبعا ستحصد من نجاح مستقلين تماما عنها في الحملة يوم تعيد التحالف معهم بعد ظهور النتائج على وفق الخطة المرسومة...
إنَّ اللعبة الديموقراطية لا يمكن أن تأتي دائما بما يتفق وتطلعات الناخب وطموحات القوى الحية والديموقراطية بل تتيح (أحيانا) عبر آلياتها فرصا لنفوذ قوى غير ديموقراطية أو أخرى ليست في قائمة خيار الناخبين ولكنها تعرف أصول اللعبة فتمرّ في ضوء خطط وحسابات مناسبة لها كتلك التي أشرنا إليها في أعلاه.. ولكن مع تعدد التجاريب والعمليات الانتخابية تعطي التراكمات معارف ومعلومات ووعيا وخبرة بالعملية الانتخابية كما تفرز ردودا مناسبة لجميع أطراف العملية الانتخابية ومن سيدرس التجربة ويضع الخطط الميدانية الأنسب والأفضل يكسب الجولة التالية...
 
وعلى صعيد النتائج التي نقرأها اليوم نسجل توكيدا صريحا لخيار الناخب الذي ابتعد عن قبول فلسفة الحزب الديني، ما يتطلب أن ينعكس هذا على مطلب التعديلات الدستورية المناسبة [بالخصوص] أي على مطلب سنّ قانون الأحزاب على أسس ديموقراطية لدولة حديثة في بنيتها لا تقبل مؤسسات ما قبل الدولة المعاصرة [كما في شرذمة وتشظي الطائفي والعشائري] المفروضة قسرا على العراق الجديد. كما نستنتج من التجربة الانتخابية أن القوى العلمانية عادت لصدارة المشهد السياسي وللظهور بما يطابق الواقع وخيارات المواطن العراقي الحقيقية بلا تزييف أو تشويه وتشويش..
من هنا ينبغي عقد الصلات مجددا مع الناخب الذي حجب صوته [الـ50% الصامتة] بسبب الاحباط ولأية أسباب أخرى كيما يدلي بصوته بفعالية في الانتخابات البرلمانية المقبلة وهي قاب قوسين أو أدنى وعلى مسافة مدة الحملة الانتخابية؛ ما يتطلب دراسة وخططا جدية منذ الآن.. وسيكون مهما ومفيدا أن يتم تعزيز العمل الديموقراطي وآلياته بالقبول بالآخر وبمبدأ التداولية وبالتوجه للناخب وخياره بعيدا عن لغة أن من يفوز اليوم يمكنه أو يبيح لنفسه أن ينفي الخاسر في الجولة التي فاز فيها..
إن فكرة التداولية التي تعني صعود طرف لسدة المسؤولية لا تعني إلغاء دور الطرف الآخر ولكنها تعني فسح المجال له ليدرس الأخطاء التي ارتكبها بما دفعت قناعة الناخب لاختيار طرف آخر ليسلمه مسؤولية الإدارة في المرحلة المعينة.. ومن هنا فإن العلاقة بين الفائز انتخابيا والخاسر فيها تظل علاقة إنسانية طبيعية وعلاقة قانونية سليمة قائمة على المساواة وعلى المسؤولية في تعزيز احترام وجود الآخر والقبول به وبالتحاور معه من منطلق الإفادة والاستفادة.. [وسيفيدنا أن نتحدث بخطاب التخصص المهني في إطار برامج المحافظات كيما ننفذ مشروعات لصالح الناخب بعيدا عن تسييس العمل البلدي وتضييع مصالح الناس في هذه الفلسفة العقيمة فالائتلاف والتعاضد في الجهود مطلب رئيس مستفاد من هذي الانتخابات]..
إن درس الناخب العراقي الذي رفض صيغة الطائفية ووجدها غير صائبة في التعبير عنه ينبغي أن يستفيد منه الحزب الديني مثلما يستفيد منه الحزب العلماني. وينبغي أن يُفهم منه أنه موجه لمصلحة العراقيين جميعا بلا استثناء يؤسَّس على الاختلاف وإقصاء الآخر المختلِف مع الفائز.. أيا كان الفائز أو الخاسر انتخابيا. إذ الانتخاب مجرد آلية لتسيير دفة إدارة العمل العام ببرنامج يعود على الجميع بالخير ولا يستثني من هذا الخير طرفا...
إنَّ الفكرة التي مرقت هذه المرة بمرور حزب بعينه بآلية انتخابية وفاز بخطته لن تمر ثانية على الناخب وهي لن تبقى ناجحة إلى الأبد حتى عندما تتكرر النتيجة لأكثر من مرة.. وعليه فلابد من أخذ الدرس ليس لأجل الفوز بالسلطة ولكن كيما نفهم أن الجوهري في الأمر لا حساب الفوز والخسارة بقدر ما هو حساب قبول الناخب ببرنامج الفائز من عدمه.. ومن ثمّ ما ينبغي أن نتعلمه هو مقدار استجابتنا لمطالب الناخبين التي يعبرون عنها بتصويتهم.. التصويت الذي لا يظهر بالضرورة في النتيجة وجوهرها ولكنه يظهر في خلفية الدرس الذي تعبر عنه النتيجة ذاتها... أي بقراءة ما خلف النتيجة وليس ما يطفو منها على السطح.
إن ميل الناخب للعلمانية في العراق الجديد يعني رفضه لبرامج السنوات المنصرمة التي مثلتها برامج الأحزاب الطائفية وعليه فالعامل الوطني والعامل الديموقراطي هما العاملان اللذان اختارهما الناخب العراقي وفي ضوء معطياتهما يريد البرامج التي سيتم العمل بها.. فهل يمكن لحزب طائفي غيَّرَ واجهته واسمه من دون تغيير في جوهره أن ينهض بالمهمة أو بأداء الهدف الذي أراده الناخب وطنيا ديموقراطيا، السؤال موجه أيضا لأعضاء تلك الأحزاب أنفسهم؟!
إن المشهد سيكون مكشوفا اليوم بمجرد عودة الأطراف ذاتها للسلطة وهي عودة غير قوية وغير حاسمة يشاركها صعود جدي ومقبول للأصوات الوطنية الديموقراطية التي ستقف ندا مسؤولا يدافع عن الأهداف التي أرادها الناخب وسيكون الواقع حكما ومحكا يقرأ في ضوئه الناخب ما أراده..  الأمر الذي سيدفعه لتعزيز اختياره الذي بدا واضحا في النتيجة وهو ما سيدفع مجددا القوى التي حكمت لتغير لا الاسم بل البرامج كذلك إذا ما أرادت البقاء في إدارة العمل العام...
إنَّ كل طرف يزعم مصداقيته وصلته مع الناخب سيتوجب عليه أن يقدم دراسات وافية لانتخابات مجالس المحافظات ويقرأ الأمور بموضوعية ويتابع مسار الأداء والعمل في الأشهر القابلة كيما يرسم الخطط المناسبة التي توضح الأمور جلية أمام الناخب وتسهل أمر اختياره وتصويته فهو من جهته يعرف أهدافه ويعي ما يريد بدقة ولكنه ينتظر من الأطراف المعنية تقديم برامجها واضحة جلية وبشكل عملي يتفق وتطلعاته...
وأعتقد أن الجامعات ومراكز البحث المتخصصة والأكاديميين المعنيين هم الطرف الذي ينبغي التعويل عليه في قراءة التجربة ورسم الخطط كيما تسير سفينة البلاد إلى موانئها بسلامة وأمان.. فهل ستتجه الأحزاب الوطنية العراقية المؤمنة بالوطن والشعب ومصالحهما إلى مثل هذه القراءة المؤملة المنتظرة أم أن بعضها سيبقى بحوزة قرار زعيم أو قيادة سياسية ببرامج متحنطة أو بعيدة عن الاحتكام للواقع وتجاريبه؟ وأي الأحزاب ستتقدم بالتجربة الديموقراطية التي تحترم الناخب إلى أمام وأيها التي ستحاول حجبه ومصادرته بوسائلها الخاصة؟
ذلكم ما سنقرأ تفاصيله ونطلع عليه قريبا............

99
مقابلة صحفية مع الاستاذ الدكتور تيسير الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

جامعة ابن رشد في هولندا هي هيأة علمية توظف التعليم الألكتروني وتسعى الى تفعيل التعليم المتخصص والدراسات البحثية في العلوم الإنسانية وعلوم اللغة العربية وآدابها والمجالات المعرفية المرتبطة بهما؛  ومن أجل ذلك تسعى لأداء المهام المتعلقة بتخريج الكـــــفاءات العلمية المتخصصة.
التقت صحيفة الفرات برئيس جامعة ابن رشد وأجرت معه لقاءاً صحفياً لتعريف القراء بالجامعة والوقوف على رسالة الجامعة العلمية وأهدافها والكليات والاقسام التابعة لها وغير ذلك من المعلومات.

 
أ. د.  تيسير الآلوسي رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
 
                     
 
شعار جامعة ابن رشد

 
* الفرات: نرحب بالأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي الشخصية الثقافية والأكاديمي المعروف، رئيس جامعة ابن رشد ويسرّنا توجيه بعض الأسئلة إليه حول الجامعة وأهدافها والكليات والأقسام التي تضمها والطريقة المتبعة في التدريس والتفاعل مع الطلاب فيها.
 
نبدأ بسؤال حول بلورة فكرة تأسيس جامعة ابن رشد، وما هي الأشواط التي قطعتها الجامعة في سبيل النهوض بمهامها؟

لقد بدأت فكرة تأسيس جامعة للتعليم الألكتروني منذ سنوات وقمتُ مع زملاء آخرين بتنفيذ الفكرة؛ ونهض آخرون بتقليد الفكرة.. ولكن في أغلب تلك الأحوال توجهت المشروعات الناجزة نحو حلول جزئية لإشكالات التقدم والتطور وتقديم الخدمات التعليمية المميزة فضلا عن عدم توافر القدرة الوافية لديها لاستيعاب جموع بمئات الألوف للطلبة المتطلعين لاستكمال دراساتهم ما يتيح الأمل بافتتاح جامعات جديدة الأمر الذي يدعو كذلك لتعزيز فرص التنافس الإيجابي لتطوير الأداء والتقدم بالخدمات التعليمية..
وكيما نحقق أسس جدية مكتملة وناضجة لنموذج التعليم الألكتروني؛ وكيما نفتح المجال كاملا للخبرات العلمية أن تدلي بما لديها؛ وكيما نضع الآليات الصحيحة في مسارها الأنضج والأكثر تقدما مستفيدين من التجاريب العالمية ولجملة دواعي أخرى؛ فقد تقدمنا بمشروعنا لتأسيس جامعة ابن رشد التي قطعت الأشواط المهمة من جهة البرامج العلمية للأقسام وضبط اللوائح وهيآت الإدارة ولجان التخصص والتوجيه والبحث والتقويم وقطعنا شوطا رئيسا وأساسا في مسألة تثبيت اسم الجامعة وشرعنا بتوقيع عقود التعاون والتوأمة مع الجامعات النظيرة فضلا عن جاهزية كادر التدريس للعمل ودخول مرحلة التسجيل الفعلي للطلبة للبدء بالدراسة...
 
* الفرات: أين هو مقر جامعة ابن رشد وكيف تتم الدراسة فيها وما هي طرق التواصل بين الأساتذة والطلاب؟
مقر جامعة ابن رشد في هولندا لأن تسجيلها الرسمي المعتمد هنا في مقاطعة خلدرلاند وسط البلاد.. وفي الوقت الذي نعمل على التحول لمقر أوسع سيطبع خصوصية الهوية الحضارية المتفاعلة بين الفلسفتين على ضفتي الأبيض المتوسط، نجد أنفسنا غير متعجلين بل نميل للتقدم الرصين المتأني تدريجا.. وبالتأكيد نفكر بوضع أسس مناسبة للدمج بين نظامي التعليم التقليدي المنتظم والألكتروني في بعض الفروع والأقسام...
إنَّ الدراسة الآن في جامعة ابن رشد تتم بطريقة التعليم الألكتروني الذي يعني عقد الصلات المباشرة بين الجامعة وطلبتها عبر أشكال المراسلة والاتصال بالإنترنت سواء في تبادل الوثائق والحقائب الدراسية أم في جلسات الحوار والاجتماعات والمحاضرات العلمية التي تنعقد في غرف مخصوصة بالجامعة في البالتالك... وللطالب أن يحصل على كتبه المنهجية من الجامعة كما يحصل على محاضرات وأشكال اتصال مع الأساتذة بما يتيح له فهم المواد العلمية واستيعابها قبيل أداء الامتحانات التقويمية الملزمة...
 
الفرات: هل لكم أن تحدثونا عن كليات وأقسام جامعة ابن رشد؟ وما هي الشروط المطلوبة للتسجيل في المراحل الدراسية المختلفة التي توفرها الجامعة؟ و متى تبدأ الدراسة في الجامعة؟
 
في جامعة ابن رشد كليات الآداب وعلوم اللغة العربية وهي تتضمن أقسام الأدب العربي والنقد الأدبي وعلم اللغة والنحو العربي مع فروع علم النفس والتربية وقسم الفلسفة وينتظر افتتاح أقساما للغات الشرق أوسطية كاللغة الكوردية ولغات أوروبية كالأنجليزية والهولندية وغيرها، كذلك علم الاجتماع والتاريخ والجغرافيا ونحن نصب الجهود الحثيثة لخيارات مهمة كقسم للآثار وللتوثيق والمكتبات... وتُعنى جامعة ابن رشد برصد التخصصات الدقيقة ما جعلها تفتتح كلية للإعلام بأقسام الصحافة وفروعها المطبوعة الورقية والألكترونية وللإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة..  وكلية الفنون بأقسام المسرح والسينما والموسيقا.. وسيكون لطلبتنا نسب من التدريس للتطبيق في مؤسسات إعلامية كفضائية الحرية على سبيل المثال وصحف كصحيفة الأهالي العراقية.. ولدينا توجهات لعقد أشكال التعاون لتفعيل التطبيق العملي في مختلف البلدان التي يأتينا منها الطلبة.. كما اهتمت جامعتنا بكليتي القانون وإدارة الأعمال وفي الأولى سيجد الطلبة أقسام القانون بفروعه الدولي، العام والخاص والعلوم السياسية بفروعها.. وفي الإدارة والاقتصاد سيجد أقسام إدارة الأعمال والمحاسبة والاقتصاد والمالية والبنوك وغيرها من التخصصات الدقيقة المتفرعة عن هذه الأقسام على وفق حاجة السوق المحلية والعالمية وتطلعات الطلبة..
وبشأن الشروط المطلوبة التي يمكن الاطلاع على تفاصيلها في الموقع الرسمي للجامعة يمكن القول إن الجامعة تدقق في الشهادات المدرسية والجامعية أساسا للتسجيل فلابد من الشهادة المدرسية (الثانوية العامة) قبل دخول الدراسات الأولية وكذلك البكلوريوس الجامعي للدخول في الدراسات العليا مع إمكان تغيير التخصصات على وفق لوائح معتمدة في التعليم العالي رسميا.. ونحن هنا لا ننظر إلى معدل الطالب أو عمره أو سنة تخرجه إنما ننظر إلى ما يدعم تحقيق تطلعاته من مثل حساب خبراته العملية المعرفية في مسيرته الدراسية بنظام مؤسسي معمول به دوليا ويلتزم بضوابط التعليم الجامعي بالكامل... باختصار إن كل حامل مؤهل رسمي معتمد لولوج الجامعة للدراسات الأولية أو العليا يمكنه ذلك بصرف النظر عن المحددات التي تحتاجها الجامعات التقليدية لأسباب تتعلق بالقدرة الاستيعابية وما إلى ذلك مما أعاق ويعيق طلبتنا من مواصلة دراساتهم..
من جهة أخرى الدراسة للفصل الجديد تبدأ الشهر المقبل شباط فبراير مع اكتمال تسجيل طلبة الأقسام العلمية الجدد..
 
* الفرات: هناك جامعات تتبع نظام التعليم عن بعد أو التعليم المفتوح أو ما يطلق عليه بالتعليم الألكتروني سبقت جامعة ابن رشد في تأسيسها، هل هناك ما يميز جامعتكم عن تلك الجامعات من حيث الأساليب المتبعة في العمل الأكاديمي والإدراة والمناهج التعليمية والشفافية في التعامل مع الطلاب والأساتذة؟  
إنّنا لا نجد أنفسنا بالمقارنة السلبية مع الآخر؛ ولكننا نجد أنفسنا نتعاطى مع أشكال الإدارة الحديثة بخاصة منها تلك التي تعتمد الشفافية والوضوح.. والموضوعية القائمة على دراسة الحالة وتدقيقها قبل اتخاذ القرار؛ مع توكيد مبدأ العمل المؤسساتي الجمعي والقطيعة التامة مع أيّ احتمال للإجراءات الفردية الفوقية أو الرأسية التي تتعارض ومعنى العمل الأكاديمي الجامعي.. ونحن نتيح لطلبتنا (علاوة على الهيأة العامة من الأساتذة) الدخول بالأسلوب المناسب في إطار إدارة العمل وتوجيهه بما يلبي مسيرة صحية صائبة الخطوات.. وتجري العلاقات بين الجميع في إطار اللوائح والنظم والقوانين ولا تسجيل بلا ضبط دقيق للوثائق ولا عمل بلا عقد ولا قرار بلا تداول ودراسة.. وهكذا فإننا نستوعب تجاريب الماضي وخزينه والآخر وخبراته كيما نتجنب أكثر ما يمكن من النواقص والأخطاء والعثرات ونضمن أدق مسيرة وأكثرها حرصا والتزاما بمعطيات الدرس العلمي ومستواه المتقدم ومصالح المنتسبين كافة...
 
 
* الفرات: رغم تطور نظام التعليم عن بعد وما أفضته ضرورات العصر من اتباع أساليب حديثة في التعليم بالاستفادة من التقدم التكنولوجي في مجال سرعة تبادل المعلومات ودور الإنترنيت وشبكة الاتصالات العالمية في الربط بين بقاع العالم،  وبالرغم من وجود العديد من المؤسسات التعليمية التي تتبنى التعليم المفتوح أو التعليم الافتراضي أو الألكتروني في الدول المتقدمة، إلا أنه ما يزال هناك جهات رسمية وغير رسمية وخاصة في البلدان العربية لا تعير اهتماماً بنظام التعليم الألكتروني أو تشك في مصداقية المؤسسات التي تتبع مثل هذا النظام. ما هو رأيكم بهذا الصدد وماهي برأيكم الأساليب السليمة للتحقق من رصانة المؤسسة التعليمية والمناهج الدراسية المتبعة فيها.
 
لقد مضى على مسيرة التعليم الألكتروني سنوات غير قليلة وقد تم اعتماده دوليا وصرنا نجد مؤسسات استيعاب قطاع العمل تقبل خريجي التعليم الألكتروني من دون تردد أو شروط مضافة.. كما أن دولا أفريقية وآسيوية غير الدول الأوربية والعالم المتقدم صارت تتعاطى مع هذا النظام التعليمي.. وفوق هذا وذاك صار لزاما للجامعات العالمية الرصينة التي تتبع النظام التقليدي أن تستخدم نسبة من أنشطتها وتدريسها وامتحاناتها بتوظيف التعليم الألكتروني.. وبعد كل هذا التقدم والاتساع المميز في مساحة التعليم الألكتروني، وبعد التقدم الملموس في استخدام الإنترنت في البلدان العربية شاهدنا اعتراف 12 دولة منها بهذا النظام وبخريجيه وافتتحت جامعات تعليم ألكتروني في عدد من تلك البلدان كما أن اتحاد الجامعات العربية تحديدا توجه بتوصية مهمة في اعتماد هذا النظام من جهة وفي الاعتراف به وبخريجيه.. ونعتقد أنه لن تمضِ سنوات معدودة وسيكون الاعتراف بهذا التعليم نظاما مناسبا ومهما ورئيسا للتعليم في جميع البلدان العربية.. المشكلة تكمن في صراع ورفض يتأسس على أوهام وافتراضات غير موضوعية سرعان ما تنجلي بالحوار وبالنتائج العملية ومن بينها ما نعتمده في جامعة ابن رشد من عقد جلسات حوار علمي بين طلبتنا وطلبة التعليم المنتظم ومسابقات تنافسية تطور قدرات الجميع وتعرِّف بقدرات طلبتنا ومكانتهم وإمكاناتهم المميزة تجاه أقرانهم...
إنّ فكرة التوأمة والتفاعل بين المؤسستين التقليدية والمحدثة لأمر يساعد على تعزيز الرصانة مع أننا نمتلك لجان تقويم وإعادة مراجعة ورصد للمحاضرة وطاقات الأساتذة واختبار المستوى وعدد من التفاصيل التي ترصد مسار العملية التعليمية وتطورات الإدارة الأكاديمية والارتقاء بها بالدراسات والبحوث وتشجيع عملية التطوير والتقدم بشكل رئيس.. مع تدقيق لوائحنا بالاستناد إلى تطورات الأوضاع لدى كبريات الجامعات.. وقد سعينا منذ اللحظة الأولى لكي نؤسس مقياسا شرق أوسطي لتسلسل الجامعات سيساعدنا على رصد مسيرتنا والآخرين إيجابيا..
 
* الفرات: من الواضح إن مسألة الاعتراف بأية مؤسسة تعليمية تتطلب الوقوف على المناهج الدراسية ومدى جودتها والطرائق السليمة لايصال المعلومات ونظام الامتحانات والتقييم المتبع فيها وما إلى ذلك وهذا يتطلب مرور مدة زمنية مناسبة؟ ولكن كثيراً ما يشغل بال المتقدمين للتسجيل لديكم السؤال الشائع: هل الشهادة التي تمنحها الجامعة معترف بها؟  هل لكم أن تحدثونا عن الإجراءات والخطوات التي أقدمتم عليها بهذا الشأن؟
 
نحن نجد أن دقة المنهج والبرامج العلمية وضمان مضوعية الإدارة وصحة المسيرة التعليمية هو الأساس للمتخرج في جامعتنا ليكون المضارع لجميع خريجي الجامعات الأخرى.. أما مشكلة الاعتراف بالشهادة فهي ليست مشكلة مخصوصة بجامعتنا، إذ تتوقف وزارات التعليم ومؤسسات العمل التعاطي أمام الشهادات الأجنبية كافة.. ولكن ذلك لا يعني قطعا أنها ترفضها أو لا تعترف بها بل هناك في كل وزارة لجان متخصصة لمعادلة الشهادات ومن ثمَّ لقبولها والتعاطي مع نتائجها رسميا... ومن هنا فإنّنا نرى أن خريجينا مثلهم مثل خريجي جميع الجامعات وبنظامي التعليم التقليدي والألكتروني سيحظون بالقبول والتفاعل الإيجابي في ضوء النتائج التي تحققها مسيرة الجامعة من جهة وفي ضوء التطورات المؤملة في البلدان التي ما زالت مترددة تجاه التعليم الألكتروني.. والمسألة مسألة وقت قد لا يتعدى السنوات الثلاث القابلة بعد دراسة وتمحيص من الجهات المعنية.. وأؤكد أننا من جهتنا نمضي في التعاطي مع أية إجراءات مطلوبة كيما نضيفها لقائمة ما نلتزم به لصالح طلبتنا أولا وآخرا وطبعا هذا يعني  في جوهره توكيد صواب توجهنا ونجاحه في تخريج طلبة العلم بأفضل السبل وأقومها.. وبالمناسبة ستكون مؤتمراتنا العلمية واتصالاتنا مع الجهات المعنية وتوأمة جامعتنا مع جامعات معروفة فرصا مضافة لتحقيق أوسع ما يمكن من حال الاعتراف والمعادلة والقبول محليا وإقليميا ودوليا... وأود توكيد أن شهادة التعليم الألكتروني صار معمولا بها في بلدان تتزايد باستمرار سواء المتقدمة أم النامية...
 
* الفرات: هل تودّون إضافة أي شئ آخر أو تقديم إيضاحات ضرورية أخرى؟ 
 
نحن نود هنا أن نتقدم بالشكر لصحيفتكم ونتطلع لأن ينهض الإعلام الصحفي والقنوات الفضائية لتعريف المجتمع بالتعليم الألكتروني كيما نختزل الزمن لصالح بناتنا وأبنائنا الطلبة. ونشير إلى أن جامعة ابن رشد في هولندا التي تتخذ من التعليم الألكتروني نظاما ومنهجا تعليميا تستفيد من التعليم المنتظم وتزاوج بين النظامين، كما أنها لا تكتفي بالتعليم بل تفتح مجالات أنشطة من نمط البحوث والدراسات بخاصة منها الميدانية وتعزيز فرص النشر وطباعة الأعمال العلمية إلى جانب المؤتمرات التنموية العلمية الإقليمية والدولية لنقل المعارف والخبرات من البلدان المتقدمة ومن مصادرها إلى بلداننا كافة.. وبودنا أن نشير إلى السمعة التي سرعان ما اكتسبتها جامعة ابن رشد والعلاقات الطيبة مع المؤسسات العلمية في عديد من البلدان.. وبالتأكيد هذا ناجم عن الحجم النوعي للأساتذة العاملين فيها وللوائحها والنظام الحيوي الفاعل المتبع في أنشطتها كافة... ونحن نغتنم الفرصة لنؤكد أننا نبقى على صلة حية جدية تخطيطا ومعالجة لما يجابه مجتمعاتنا من مشكلات وينهض علماؤنا وباحثونا بمهام كبيرة في التفاعل مع هذه القضايا والشؤون... آملين من جميع الأطراف معاضدة جهودنا كيما تتحول لعمل أوسع وأشمل بروحه الجمعي المؤسساتي لتؤتي ثمارها ونتائجها المشرقة المبتغاة... ونذكر هنا بأن جامعتنا اقترحت وثيقة أكاديمية تبحث في آليات ضمان النزاهة ومنع التلاعبات كما أسست مع آخرين اتحادا لجامعات التعليم الألكتروني أوربيا في بروكسل توكيدا على متابعة دقيقة لشروط التعليم ومساره الصحي الصائب.. ولدينا تفعيل لجمعيات أكاديمية لأساتذة التخصص ونشرف على دفعها إلى النور على مستوى البلدان الشرق أوسطية كافة.. وسيجد المتابع كثيرا من التفاصيل ذات الأثر المميز في الارتقاء بالتعليم العالي وفي كوننا سببا مهما للاعتراف بالتعليم الألكتروني بوصفه نظاما رئيسا ومهما على مستوى بلداننا المشارقية والمغاربية وبين جالياتنا المنتشرة في المهاجر المختلفة القصية...
 
الفرات:  في الختام نوجه شكرنا للاستاذ الدكتورالآلوسي لهذا اللقاء، وللمزيد من التفاعل والاطلاع ندعو المهتمين من القراء الى زيارة موقع الجامعة على الإنترنت والعنوان هو:
                                                                                                http:www.averroesuniversity.org               
 
كما وان للجامعة ممثليات في داخل العراق وعدد من الدول الاوربية والولايات المتحدة وأستراليا. وللاستفسار والمعلومات عن الجامعة والكليات والاقسام التابعة لها وكيفية التسجيل والدراسة فيها، يمكن الاتصال بممثل جامعة ابن رشد في أستراليا الدكتور صلاح كََرميان على الهاتف 0413566071 أو البريد الالكتروني: info@averroesuniversity.org

100
الجامعات العراقية وبعض معطيات الاستقلالية والعمل

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
Chancellor@averroesuniversity.org

 
 
الجامعة العراقية وريثة المدرسة السومرية التي مثلت المحفل العلمي التعليمي الأول في تراث الإنسانية قاطبة.. وهي وريثة المدرسة الفلسفية الوسيطة على عهد الحضارة العربية وعاصمة المعارف والعلوم في بغداد دار الحكمة وبيتها المأهول الناشط الفاعل، وتحديدا في هذا العهد وُلِدت أول جامعة عراقية ممثلة بــِ "المستنصرية" حاضرة العلم والدرسين الفكري الفلسفي والعلمي الصرف.. وعلى الرغم من التراجع والانزواء خلف مدارس تفقيس التخلف، مدارس الملائية البليدة إلا أنَّ المكتبة المعرفية العلمية لم تألُ جهدا في مثابرةِ ِ واصلتْ إنجاب علماء ومفكرين ومكتبة وطنية إنسانية الجوهر حتى عهد ولادة الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن المنصرم...
ويوم وُلِدت الدولة الوطنية العراقية كان عهد النهضة وبوادر تفتح جديد قد عزز أسُسَه، فوجدنا المدرسة العراقية تثور على الملائية والكتاتيب وتنجب جيلا مختلفا نوعيا؛ لتتصاعد وتائر التقدم وتدخل المرأة في ميدان التعليم... وتصبح الحاجة الماسة دعوة عملية ملموسة لتأسيس معاهد وكليات تتحول في سنوات معدودة إلى جامعة بغداد وتولد تدريجا جامعات العراق كالموصل والبصرة والمستنصرية لتصير اليوم بعدد محافظات البلاد وأكثر...
غير أنَّ الدرب لم تكن سالكة معبدة لعقلاء العراق وحكمائه ولا لجامعاته ومعاهده العلمية وكان من أخطر ما جابه هذه المؤسسة اختراق الحرم الجامعي والاعتداءات المستمرة على استقلاليتها بل تجييرها حقبة غير قصيرة وإخضاعها للسياسي الحزبي على حساب العلمي المعرفي.. حتى صارت الجامعةُ موئلا يتحكم في أنشطته برنامج وأفراد ليس بين أولوياتهم الجوهر العلمي.. وتمَّ تسريح العلماء والأساتذة وإبعادهم عن الخدمة أو تهجيرهم قسريا أو إحالتهم إلى إقامات إجبارية بعيدة عن أيّ عمل معرفي...
 
اليوم يحاول العراقيون استرداد المبادرة بعد أن جاء التغيير العام بتداخلات وتعقيدات مركبة وملتبسة.. وهم في إطار الظرف القائم يصارعون من أجل تثبيت قيمهم وسمات مجتمع تراث الإنسانية المحب للعلم ولنور المعارف وقيم العلماء وآدابهم.. وفي مثل ظرف مطاردة ظلامية وصراع مرير أسفرت فيه قوى الجهل والتخلف عن كل وآخر أسلحتها التصفوية الدموية محرِّكةَ َ آلتها الجهنمية، يبقى الأستاذ العراقي شامخا مضيئا في مثابرته وعطائه العلمي، وتبقى الجامعة العراقية منيرة بتلك الجهود المعرفية السديدة...
والسؤال المطروح علينا الآن: ما مدى دور الجامعة العراقية في الحياة العامة لعراق اليوم والغد؟ والإجابة تتضح عبر اعترافنا بأنّ هذه المؤسسة ليست بعيدة عن كل مجريات الأمراض التي أصابت العراق على جميع الصُعُد والمستويات... وما زالت حالة اختراق الجامعة مستمرة وتعطيل استقلاليتها متصلا وإن تغيرت العنوانات فالأحزاب الحاكمة اليوم تقع في أخطاء غير مقبولة كونها تتعاطى مع فرض رؤاها وفلسفاتها بآلية التدخل والتحكم... وهكذا تتغير قوى التدخل من بائسي الأمن العام والأمن السياسي ورجال جنح الظلام والمخابرات والجيش الشعبي إلى عناصر [أجنبية] متسترة اخترقت جهاز أمن الدولة العراقية وبعض من صبيان أو زعران الميليشيات وأشقياء المافيات وعناصر العصابات المنظمة الذين يخرجون على إرادة أحزابهم في سلوكياتهم أو الذين يكررون أخطاء الماضي لضعف في تكوينهم وإمكانات أدائهم وتعاطيهم مع مؤسسات المجتمع والدولة كالجامعة مثلا، وهذه القراءة كما يراها القارئ لا تهاجم طرفا بقدر ما تحاول أن تريه الثغرات والأخطاء وحتى الجرائم التي تـُرتكب في ظلال اسمه بسبب أو آخر ما يتطلب إعادة التأهيل والتثقيف وتعديل الخطط والسياسات...
والحال [فعليا وفي ميدان الأمر الواقع] أن الأستاذ لا يمكنه أداء محاضرته من دون محاذير مسبقة ومن دون أشكال من الشروط والمحدّدات التي تحف محاضرته وأداءه عمله العلمي التعليمي والبحثي... والمؤسسة الجامعية لا يمكنها أن تمضي باستقلالية في ظرف وجود عناصر إدارية وطالبية وتدريسية لا تكتفي بتبني سياسة أحزاب بعينها، كأحزاب الأذرعة المتحكمة في هذا الميدان أو ذاك بحسب أدواتها ومكان سلطتها، ولكنها تذهب أبعد من ذلك بتنفيذ تدخلات أولويتها فتمرر أمراض الخطاب السياسي ونواهيه وسطوة شروطه غير المعرفية وغير التعليمية والبحثية وغير المنضبطة بمنطق عقلي كما في حالتنا التي تدرس أوضاع الجامعة ؛ وأبعد منه وتنفيذا لخطط السطو على الأجواء تمارس أنشطة عنفية من نمط التهديد والابتزاز والاختطاف الأمر الذي يصل حدّ التصفية والاغتيال في ظرف الانفلات والتجاوز وضعف الكادر السياسي وتشوش برامج العمل للأحزاب ما يدفعها لكسب على حساب استقلالية الجامعة وحرمتها وقوانينها...
إنَّ الجامعة العراقية اليوم أسيرة ما هو أضخم هولا من اضطراب الوضع الأمني.. إذ حال التكفير السياسي صارت له أدوات جديدة من مثل إسقاط (قدسية) مضلـِّلة، مدعاة أو مزعومة، تبيح لبعض صبيان السياسة الجدد أو بعض زعران اللحى والأعمة والجلابيب المستغلة أدوات أو أغطية ساترة ورموزا لإسقاط قدسية إلهية على تصرفاتهم وعلى خطاباتهم وخططهم وأوامرهم باسم [أمر السيد المقدس!]. وفي ظرف كهذا يتجدد أو يتكرر [في الغالب الأعم\ليس بالمطلق] أمر تعيين المحابين والذين يخضعون لشروطهم وفلسفتهم وخططهم.. وتصير لغة المحاصصة الطائفية ولغة المحاباة والرشاوى ولغة المحسوبية والمنسوبية وسيلة للتعيين بدل الكفاءة والتخصص والمناسبة للحاجة...
كما لا يرتقي سلّم المسؤولية شخص عارف خبير وإنّما تتحكم بالأمور سياسة التطهير على طريقة النظم السابقة عندما كانت [تطرد] من التعليم كل من لا يتفق وسياستها ويمرّر ألاعيبها.. والبديل اليوم، بوجوده مخترِقاَ َ عديدا من أجهزة الدولة، يمارس المبدأ ذاته في التطهير على أسس سياسية بله حزبية محدودة ضيقة وأكثر منه بحسب تسلسل القرابة والمحسوبية والرِّشا المقدمة.. وصرنا نسمع عن خبرات خارج العمل تعاني من البطالة والتعطل فيما الجامعة ما زالت بحاجة لكفاءات مضافة وخبراء ومتمرسين.. ومن يُفلِت من هذه العوائق ويدخل العمل الجامعي يبقى تحت طائلة التهديد بالتصفية أو في أدنى الحالات بالمحاصرة والتضييق ومنع فرصه في تقديم خبراته ومعارفه لطلبته أو قطع طريق البحث العلمي لديه...
 
إنَّ عديدا من الجامعات المهمة الأبرز ما زالت تعاني من قلة الكادر العلمي المتخصص؛ بسبب من التصفيات الدموية وسياسة التهجير القسري التي طاولت آلاف العلماء والأساتذة فضلا عن عدم وجود فرصة مناسبة لتخريج دفعات جديدة بالحجم الذي يخرج فيه المتقاعدون من الجامعة.. وصرنا نشهد جامعات نسبة النقص فيها تتجاوز حافة الأزمة فيتضخم عدد طلبة الأستاذ الواحد لحجم غير مسبوق... وعلاوة على ذلك صارت نسبة حَمَلَة شهادة الماجستير في جامعات بعينها تتجاوز الـ 80% بل صرنا نسمع ونعرف بوجود أفراد لا يحملون شهادات صحيحة في كادر التدريس!! فضلا عن الانخفاض الخطير والتدني في مستويات كفاءة التدريسي الذي تخرج في ظروف معقدة افتقد فيها في أقل تقدير للمصدر الأحدث والأغنى في زمن حرائق المكتبات على طريقة هولاكو في زمن سقوط بغداد الأول...
ويمكننا الجزم بأنّ خطط الجامعات العراقية اليوم لا يمكنها أن تتجه بملموسية جذرية وجدية مناسبة نحو التعاطي مع أشكال دعم البحث العلمي وترصين العلاقة بالمجتمع العراقي.. وهي بهذا ما زالت بعيدة عن معايشة ظروف المجتمع ومتطلباته وبعيدة عن تقديم الدراسات الميدانية الاستراتيجية البعيدة والمباشرة الآنية.. فاستراتيجيا أو في إطار الأطاريح والرسائل العلمية شاع اليوم في عنوانات تلك الدراسات سماع مصطلحات ماضوية منقرضة أو طقوسية  غيبية لا تمس بأي حال ما يتطلبه العراق الجديد من العناية بفكرة بناء الإنسان وإعادة الإعمار.. إذ ما علاقة عشرات بل مئات الدراسات التي تعنون بقضايا ومسائل ومشكلات مضى عليها 14 قرنا ولماذا تكون الأولوية لعنوانات رخيصة من زمن التخلف وعصر الانحطاط فيما لا يتم توجيه الطلبة لجهود دراسة مشكلات المجتمع اليوم والغد...؟؟ وآنيا لم نسمع إلا ما ندر وبجهود فردية ومحدودة ومحاصرة في التعاطي مع مجريات الأوضاع.. وإلا كيف نوصِّف الوضع في وقت لا نسمع ولا نقرأ ولا نشاهد ولا نلمس جهدا للجامعة العراقية تتناول فيه المتغيرات المباشرة لتقترح المعالجات..
مثلا هل نهض مركز دراسات في جامعة عراقية بقراءة الرأي العام في قضية أو أخرى؟ وهل دفع الطلبة إلى ممارسة جهود ميدانية بالخصوص، وهم الجيل الأكثر حيوية والمعول عليه في تحريك البركة الراكدة الآسنة؟ أم أنهم يريدون مشاغلة هؤلاء وحصر أذهانهم فقط وتحديدا وحصرا في أمور وأنشطة من نمط احتفاليات العزاءات الطقسية ولا غير، وهي أمور تبقى من حق كل إنسان ولكنها كالرهبنة المحظورة دينا وشرعا وكالتطرف في أمر ينقلب للضد وهي في الصميم قتل لأي حديث في حياة الإنسان وحاضره لصالح العيش على تعذيب وجلد للذات لجريمة لم يقترفها ولا حتى الجد التاسع عشر للطالب المغلوب على أمره والمسيَّر كرها في طوابير التعذيب بدل طوابير البحث الميداني والالتصاق بيوميات أهله ومصالحهم!
كنتُ أنتظر اليوم على سبيل المثال عشرات بل مئات القراءات والبحوث في جامعاتنا مما يتناول قراءة الرأي العام في انتخابات مجالس المحافظات وما يعتريها من مثالب ونواقص وإيجابيات.. وأنتظر وأبناء شعبنا معالجات الجامعة العراقية لمشكلاتنا المباشرة.. وفي الأمس القريب كان آباؤنا يقولون ويشددون على أن نفيد من علمنا في حياتنا وفي تطبيقها في تفاصيل يومنا العادي.. ويطالبوننا بتقديم ما تعلمناه وخبرناه لمعالجة أمر أو آخر.. وكانوا يتعجبون من تردد الواحد منّا في الاستجابة لنقل العلوم النظرية ليوميات عملية ويرون ذلك تقصيرا منّا في فهم المعارف والعلوم وإدراكها وهضمها واثقين من أن الجامعة تعطي الأفضل...
 
أقول: إن الجامعة العراقية اليوم تحتاج لمزيد من التضامن والتأييد وجذب الخبرات وأشكال الدعم لتطويرها وتحريك أجوائها بما يمنحها الاستقلالية التامة مؤسسةَ َ علمية َ َ تأنف وتسمو على الخضوع للسياسي الحزبي ولا تسمح بتدخلات مرضية وهذا أول طريقها لتحريك أجوائها ورسم خططها العلمية التي تفكر أساسا بالمجتمع وظروفه ومشكلاته وآليات معالجتها... وهذا سيأتي من مثابرة الكادر العلمي العراقي في المهجر ومن تعزيز صلاته وصلات المؤسسات التي أنشأها بالجامعة العراقية في داخل الوطن.. وطبعا جذب الخبرات الأجنبية إلى جانب خبرات المهجريين بوسائل مناسبة من مثل مؤتمر وطني علمي للمهجريين، يكون دوريَّ الانعقاد؛ ومن مثل جهة علمية تنسق جهود  المؤسسات الجامعية والبحثية في الخارج وتصب في خدمة التطور العلمي في جامعتنا وتحديث نظم التعليم فيها سواء على مستوى الجامعة الرسمية الحكومية أم الأهلية أم تلك التي تعتمد نظام التعليم الألكتروني...
 
وفي جميع الأحوال لابد من التفكير بالآليات التي تضع المسار في نصابه وسِكـَّتِه الصحيحة حيث الربط بين الجهود العلمية النظرية من جهة وبين واقع المجتمع وحاجاته ومطالبه. وذلكم لن يأتي من طريق بائس تتبع فيه الجامعة فلسفة هذا الحزبي أو ذاك ممن يخدمون أجندات مرضية محليا وإقليميا ودوليا... إنَّ السياسي الصادق يمكنه دعم الجامعة بحرصه على استقلاليتها وبلقائه بها بوصفها المعمل المنتج للخطط العلمية الدقيقة والمستشفى الذي يتطبب فيه المجتمع من أمراضه وليس بوصف الجامعيين الأكاديميين جمهور "مصفكاتية: من التصفيق" للسياسي الذي يجمعهم في صالة فنادق الدرجة الممتازة كما حصل في الآونة الأخيرة من توجه مسؤولين حكوميين وحزبيين نحو الأكاديميين في محاولة [ديكورية التفاصيل] لتحسين الصورة في لحظة انتخابية مارقة....
 
إنَّ عمل الجامعة سواء كان في التدريس ونقل العلوم والمعارف أم في البحث والدراسة والتمحيص للظواهر والمشكلات، يبقى قاصرا بلا استقلالية حقة تامة من جهة وبلا ارتقاء بمستوى الأدوات ممثلة في إدارة كفوءة وأستاذ متمكن ومحاضرة غنية ومكتبة ثرّة ومنتسبين أحرار في توجيه جهودهم وتفعيلها وصبها على ما يخدم المجتمع فعليا... وتلكم تظل لدراسة شاملة وسلسلة مؤتمرات موسعة في كل جامعة وعلى مستوى جامعات البلاد وكوادر الوطن في الداخل والخارج وبعيدا عن الأطر والمحددات التقليدية المحكومة بسياسات قاصرة كما التي تؤديها برامج حزبية تطفو منتفخة بدعائيتها وديماغوجيتها فيما الجوهر ما زال بركة راكدة تنتظر الحصى التي تُرمى فيها لتحرك الساكن المتجمد المتكلس...
وليس أخيرا لابد من التوكيد على وجود عناصر تحمل الكفاءة ما زالت بين جدران جامعاتنا وطلبة ينبضون حيوية وهمة في البحث والتقصي العلميين وما زال لدينا كوادر تدير ولديها الخطط الرصينة وكل ما يلزمنا مثابرة أبعد ولقاء للجهود كافة وتجميع لها في إطار خطة شاملة وتغييرات جذرية مع احترام مسؤول وحقيقي للحرم الجامعي وإبعاد له عما يشوب استقلاليته وحرمته... وما بعده من نتائج لن يكون أقل من دخول المنافسة على المراكز الأولى عالميا بين الجامعات المرموقة بفضل خبرات غنية كبيرة لعلمائنا وإداريينا... فلتنطلق الجهود متضافرة موحدة للتحديث ولصناعة التقدم لا بين جدران الجامعة حسب بل بإشعاعها على كل أرجاء الوطن وهذه دعوة لكل المؤسسات كيما تتبنى دراسات وبحوثا جامعية خاصة بها ولن تجد مردودا أقل من أعلى ربح علمي يمكن تسجيله بالخصوص...
ولقضية الربط بين التمويل من مؤسسات اقتصادية خارج جامعية وجهود البحث الأكاديمي وفقرات أخرى قراءات مخصوصة قابلة.

101
انتخابات مجالس المحافظات بين الظرف غير المؤاتي وخيار الناخب

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
محلل سياسي أكاديمي \ ناشط في مجال حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com
[1]
أسبوع واحد ويتجه الناخب العراقي لتحديد خياراته من بين آلاف المترشحين وعشرات الكيانات المعروفة المتجذرة والجديدة الطامحة والأخرى الموضوعة تحت علامات الاستفهام والتعجب.. أما الظرف العام فهو الظرف العراقي المحلي والإقليمي والدولي بكل ما في هذه البيئة المتنوعة من متناقضات تعصف بالعراقي نفسه وبيومياته العادية. فمحليا ما زالت آثار مسيرة سنوات عجاف من الصراع مع الإرهاب وقواه وما زالت تعلق في الذهن آثار التخريب والتجهيل التي امتدت لعقود زمنية طويلة ومعروف أن لا ديموقراطية حقة بلا معرفة وبلا تنوير واطلاع مناسب.. هذا إلى جانب سنوات من تدمير القوى السياسية وتنظيماتها وضرب إمكانات اتصالها ما دفعها بضغوط دموية تصفوية إلى الركون للعمل السري وتقاليده التي لم تستطع بعدُ من مغادرة ثقافتها في المدة القصيرة من انتهاء نظام القمع والمصادرة... وطبعا هذا سبب آخر لحرمان الناخب من التعرف إلى قواه الوطنية الديموقراطية الحقة التي دافعت عنه بحق طوال العقود المنصرمة بخاصة أن معدل العمر في العراق لم يتجاوز اليوم الـ35 سنة ما يعني بوضوح مرجعية التكوين وطبيعة مرجعية المعلومات المتوافرة لديه... فإذا أضفنا إلى ذلكم ضغوط سنوات التغيير من إرهاب وحملات تصفية جسدية ومطاردة عنفية بغيضة هجَّرت مزيدا من من العقول والخبرات العراقية فإنّنا سنبقى بمجابهة جدية خطيرة لمشهد كارثي لا يُحسد عليه إنسان في أيّ بقعة من كوننا فما بالك بالعراقي بلا أدوات اتصال مناسبة بين المرشح النزيه المحاصر والناخب الأمين الباحث عن حقوقه ومرشحيه الحقيقيين!!
الناخب العراقي ما زال يئن إذن من جملة ضغوط مؤثرة تتحكم في خياراته؛ منها ثقافة تشكيلات ما قبل الدولة المعاصرة  حيث هيّأ النظام السابق لأدوار العشيرة والقبيلة والطائفة وزاد في الأمر الخراب المؤسسي وانهيار بنية الدولة وتركيباتها وخسائر ثقافة الحداثة نتيجة تحطيم متصل للتنظيمات السياسية والاجتماعية وهزال الخبرات المتاحة وضعف فرص عمل مؤسسات المجتمع المدني ومحاصرتها... ويمكننا على سبيل المثال أن نشير هنا إلى القيود والعقبات بل الهجمات الموجهة ضد تنظيمات المرأة العراقية ومنعها من العمل في ظروف مناسبة... كما يمكننا أن نشير إلى الفساد المستشري بما يمرر شخوصا بشهادات مزورة على حساب الكفاءات العلمية الحقة ولحساب جهلة لا إمكانات لهم في إدارة أنفسهم كيما يوجهوا مشروعات الخدمات والبناء وإعادة الإعمار!
إنَّ الآلية الجارية اليوم في توجيه الناخب تكمن في حكم التهديد بأشكاله العنفي المسلح والاقتصادي المادي في ظرف الأزمة السائدة والاجتماعي المستند إلى التستر خلف التقاليد البالية من جهة ووراء الادعاء بتمثيل المقدس الديني والمظلمة الطائفية.. وبهذا فالناخب الذي يفلت من من الرشوة يجابه بالتكفير الديني ويُذكر دائما بمخاطر خيار يخرج على التمثيل الطائفي وهو واقع في هذا بين ضغطين اعتقادي يتعلق بالجنة والنار والتكفير ونفسي يخص التخويف والترهيب من سطوة جديدة ومظلمة تتكرر في حال اختياره الكفاءة على حساب الطائفي، فإذا أفلت من هذين الضغطين وقع تحت طائلة ضغوط التعنيف وتهديدات التصفية أو الابتزاز بكثير من مفردات حياته ووجوده وأمنه وعائلته...
 
وفي ظروف كهذه تجري الانتخابات مجددا.. لكننا نتذكر أن العراقي في عزّ التهاب دور الإرهاب اختار العملية السياسية السلمية في الانتخابات الأولى؛ وهو التحدي الأول.. ونراهن على أن وعي الناخب العراقي اليوم بعد جهنم السنوات الخمس المنصرمة من إرهاب وفساد وطائفية سيسجل لنفسه هذه المرة واقعة جديدة برفض الطائفية التي أثخنته جراحا وتضحيات ذهبت قرابين سدى لتلك الجريمة التي حاولت تقسيمه بين أطراف متعادية فيما يدرك العراقي متانة لحمته ووحدته الوطنية وأهمية تساميه على الوقائع والتفاصيل الهامشية التي يريدون تضخيمها لمآرب مرضية تتقاطع ومصالحه...
إنَّ قطع دابر الإرهاب لم يأتِ إلا عبر جدية وروح وطني مسؤول للعراقيين ومرض الطائفية والتقسيم والشرذمة والتشظي التي تهدد الوطن والشعب يتطلب ذات الموقف المتسامي والفطنة العميقة لما يراد للعراق وشعبه من هزيمة تجعله تابعا ذليلا إذا ما تمّ تمرير الخيارات الطائفية إياها.. وما عاد من وقت يُضاع في التفكير فقد تجرع المواطن الأزمات وصار العراق يشتري البنزين وهو بلد النفط من دول الجوار التي تسرق نفطه لتعيد له الفتات والضئيل مما لا يسد حاجة! فهل يقبل العراقي بهذا؟
وخطاب عديد من مجالس المحافظات (منتهية الصلاحية) ظل طوال الوقت يتحدث ويطيل الكلام بلا طائل، وجعجعة كما يقولون بلا طحن نهايتها مأساوية.. فللمشاغلة نجد محافظة تتحدث عن طلب الفدرلة وأخرى تتحدث عن اعتراض شاحنات النفط المارة بين محافظتين متجاورتين والتنفيذ ظل لسنوات أربع لا يتجاوز الـ10% وعندما جرى استهلاك الموارد المالية المخصصة للمشروعات حسب تباهي بعض المجالس بنسب بين 80 -90% في السنة الأخيرة لم يصل المواطن لا ماء ولا كهرباء ولا تبليط ولا مدارس ولا مستوصفات فأين ذهبت تلك الأموال؟؟؟ لا إجابة إلا في جيوب الفساد ورعاته.........................وما يعرفه جيدا المواطن الناخب اليوم!
طيب هذه المقدمة التي تصف الأحوال السائدة لنختزلها في الآتي:
1.  ظروف أمنية مهزوزة واستقرار أمني نسبي هش يعتمد في بعضه على تحديات وطنية شعبية وأخرى على مخادعات أو مناورات القوى الإرهابية وحلفائها من أبطال الطائفية والفساد بأشكاله.  وفي جميع الأحوال سيبقى الوضع في إطار لعبة تهدئة مؤقتة هشة وغير حاسمة أو قابلة للتفجر وعودة دورة الجريمة والعنف الدموي.. إلى جانب انشغال المحرك الرئيس لخلخلة أوضاع العراق بالضغطين الإقليمي والدولي الجاري... ومعروفة نتائج التفاته مجددا باتجاهنا....
2.   ظروف اقتصادية مادية معقدة وصعبة للمواطن سواء بنسبة البطالة وعدم توافر بدائل الضمان الاجتماعي الوافية ونسبة تصل الـ 50% من الشعب تحت مستوى خط الفقر وهزال الأجور في مجابهة مع مطالب الحياة اليومية من لقمة العيش ومرورا بحبة الدواء وليس انتهاء بحاجات ولوازم مختلف الخدمات الحياتية الضرورية لعيش كريم ولو بحده الأفقر من الأدنى إنسانيا...
3.  عملية تجهيل وتضليل وفي الأولى هناك الأمية المستشرية أبجديا وحضاريا أو ثقافيا وتراجع الوعي السياسي فيما يجري تعبئة الوعي العام بأضاليل تستخدم آليات الضغوط الحياتية وسوداوية الواقع وآلام الواقع المعاش كيما يتم توجيه الذهنية لثقافة الماورائيات وإشغال الناس بالطقوس الدينية وبالتفريغ النفسي السلبي عبر التركيز على استعادة مظلومية الماضي للتعمية على مظلومية الحاضر ومنطق الاستغلال الجاري وسرقة لا لقمة عيش المواطن بل حياته نفسها...
 
 
وفي متابعة تفصيلية لواقع الحال لم تقم المفوضية بدورها في التوعية بما يرتقي إلى درجة الوقوف بوجه إعلام التضليل والجهالة بدليل سطوة فضائيات أحزاب التسييس الديني الطائفية [هل تابع دراستها مركز بحثي وقرأ الاستراتيجيات القادمة من وراء الحدود على سبيل المثال؟].. وما يمتلكونه من إمكانات مالية ومادية من تلفزة وإذاعات وصحف ومطبوعات وصل الأمر فيها إلى حد توريد مئات الأطنان من المطبوعات الداعمة من تلك التي تستغل الشعار الديني وخطابه وتفاصيل آليات اتصاله  وتاثيراته الضاغطة على المواطن... والقمع الذي يواجهه العلمانيون بدءا من تمزيق لافتات الدعاية القليلة النادرة وحتى التهديد وأشكال الابتزاز والوعيد والمحاصرة... ولا من عقوبة تطاول أي معتدِ ِ متجاوز بل تحذيرات عادة ما يتم تمريرها بالمساواة بين المعتدي المتجاوز والضحية المعتدى عليه!!
 
والردّ الشعبي المؤمل يكمن في الآتي:
1.  ألا يطمئن المواطن الناخب إلى المتحقق من التهدئة بوصفه نجاحا لأداء الأحزاب الطائفية الحاكمة وبرامجها.. فلطالما جرت التهدئة وعادت الكرَّة أشد وأخطر على رأس المواطن ومصالحه.. وعليه ألا ينجر وراء التطمينات ويترك حقيقة وجود عشرات الاغتيالات والتهديدات بها ومثلها من اختطاف ومساومات ابتزاز وراء الكواليس وألا ينخدع بتزويقات البرامج اليوم فهي طلاء لنفس القوى الطائفية الفاسدة التي حكمته طوال السنوات العجاف الصعبة المنصرمة متذكرا بقاء الميليشيات المسلحة والمافيات التي تهدد حياته وأبناءه باستمرار.
2.  ألآ ينخدع بالشعارات والبرامج المزوقة يعني أنَّ حديث قوى الإسلام السياسي (الطائفية) عن تغيير في المنهج من مثل تقديم برامج جديدة بشأن المرأة تذكرنا بأن زعيم هذه الحركة وائتلافها (الموحد) هو ذاته الذي أصدر القرار سيء الصيت الرقم 137 بعد أن ألغى قرار ثورة 14 تموز ذا الرقم188 للعام 59 بدل الاستجابة لتطويره وتعديله على وفق مطالب النسوة العراقيات اللواتي وقع عليهن الضغط الأول لمرجعيات الأوضاع العراقية سواء في ظل نظام القمع أم في السنوات الخمس لزمن الرعب والإرهاب والطائفية... وهذه القوى ذاتها هي التي اشتركت في صراعات المافيات والميليشيات وعمليات التقتيل على الهوية وما زالت تحتفظ بقواها المسلحة وإن تغيرت آليات ممارسة الجريمة باتجاه استخدام الاغتيالات بكاتم الصوت بدل المتفجرات وأصواتها الهادرة... وهي ذاتها التي تتحكم بوزارة الداخلية والمؤسسات الأمنية من دون أن تكشف عن تفاصيل ولو جريمة واحدة حتى تلك التي انفضحت أسرارها على الملأ وأمام أنظار الجميع، في مسيرة للتسويات والاتفاقات [بين القوى الطائفية المتصارعة المؤتلفة يوما والمتفككة في آخر] على حساب أرواح المواطنين ومصالحهم... والقضية ليست شعارات ولا برامج مزوقة بقدر ما هي حقيقة من يقوم بتنفيذ الخطط بوصفها أهدافا لصالح مطالب الناس..
3.  والردّ يكمن أيضا في ألا تمرّ على الناخب فعاليات الرشوة المبطنة من أنشطة تجري قبيل الانتخابات عبر الجمعيات وملتقيات تستغل تجمعات طقسية دينية أو غير دينية فأجنحة الفساد تبقى هي هي تظلل مثل هذه الأفعال المضللة المخادعة.. وعودة قوى الفساد الأمية في التعاطي مع مشروعات البناء الخبيرة بكل أحابيل السرقة والنهب والاستغلال يعني مدة مضافة من تعطيل الحياة لحساب هذه القوى واستلاب نهائي للبسطاء المنزوين خلف أستار الفقر المدقع...
4. الردّ يكمن في أن نختار الكفاءات العلمية المعروفة للناس والموجودة في إطار قوى علمانية وطنية ديموقراطية عرفها الشعب بالنزاهة طوال مسيرتها وفي جميع الأيام الخوالي الصعبة للسنوات المنتهية من حكم الفساد وتسيده الموقف... وهذه الكفاءات هي التي تستطيع أن ترسم المشروعات وأن تنفذها وليس من المعقول أن يجلس معمم على كرسي الطبيب ليعالج مريضا ولا أن يجلس معمم على كرسي مهندس ليخطط بناية مدرسة أو مستشفى أو ليدير تبليط شارع أو ماكنة في معمل وليس من العقل أو الحكمة أو الرشاد أن تحكمنا عاطفة أو آصرة أو علاقة قرابية لنختار شخصا غير مناسب لنضعه في مجلس المحافظة ونتوقع غدا أننا إذا طالبناه بالوعد والعهد سيستطيع أن يفي به.. إذ كيف يفي شخص بأمر يجهل رسمه ولا نقول يمكنه تنفيذه؟
5.  إذن شعار اختيار الناخب يجب أن يكون الكفاءة والنزاهة والمصداقية وهذه لا توجد إلا في شخص عارف متعلم متخصص يمتلك ضميرا نظيفا يصحو وينام على المصداقية والنزاهة وطبعا متضمنا قدرته على التخطيط والتنفيذ عبر ما يملك من كفاءة... فليبحث الناخب عن هذه الشخصية في محيطه ومحافظته.. ولكن المسألة هنا ليست حزورة نضعه أمامها ونحن حياديون تجاهها.. بل ما يعنينا في مساعدة الناخب على الاختيار البحث والتقصي في ما وراء المرشحين وقوائمهم ونقترح على الناخب العراقي ألا يتردد في اختيار أغلب قوائم العلمانية الوطنية الديموقراطية والليبرالية كونها المنقذ من استمرار سلطة قوائم التشرذم والمافيات وعصابات الفساد والفكر الطائفي الذي كاد يطيح بحلم العراقيين الذي تطلعوا إليه طويلا...
6.  لا تختلط عليكم الأمور عند تعلق أمر الخيار بين صاحب شهادة وآخر بل انظروا إلى جهته الحزبية وخلفيته؛ فمن استند أو انتمى منهم إلى القوى الطائفية فستجدونه أما مزور الشهادة أو مطعون بنزاهته أو صاحب مبدأ (التقية) المعروف في إضمار شر بكم فضحتموه طوال السنوات الخمس ولا حاجة لتجربة أخرى من الألم ومعه... إن كل صوت لناخب هو جذر يؤسس لمبنى عراق اليوم والغد فمن لم يضعه في موضعه شارك في الهدم والتخريب والجريمة بحق نفسه أولا وبحق أخوته تاليا..
7.  توجهوا إلى صناديق الاقتراع بلا خشية ولا تردد فإنها وسيلتكم اليوم لصد أذرعة الاخطبوط الثلاثي المتصيد الإرهاب والطائفية والفساد.. مارسوا اليوم سلطتكم فالديموقراطية تعني التداول ولابد من التغيير فإذا لم تمارسوا فكرة التداول وتغيير الأوجه وأبقيتم على الذوات أنفسهم وقعتم في ثغرات أخطر من تلك التي كنتم تحت قيودها طوال عقود وسنوات... انظروا ماذا فعلت (الأغلبية) لقد استبدت بحكمها وأصدرت أحكاما بإبعاد خمس الشعب العراقي من حقوقه في متابعة لجريمة تصفية العراق من جواهره ولآلئه من المندائيين والأيزيديين ومن المسيحيين بكل قومياتهم ومذاهبهم وتعاملت معهم كجاليات طارئة دخيلة مهمشة من أقليات عددية مستضافة في حدود وقيود اسمها (الست كراسي) من بين 444 كرسي!! فهل يرضى عراقي لأخيه بالتهميش والمصادرة والاستلاب بهذه الطريقة الفجة وهل يرضى بمواصلة جريمة الإبداة والتصفية لإنسان لمجرد أنه من قومية أو من دين غير قوميته ودينه أم أننا عراقيون في زمن المساواة والإخاء بحق؟ وهل يرضى عراقي أن ينظر شزرا لأم ولدته أو أخت أسندته أو زوجة شاركته حياته أو زميلة تبني معه؛ هل يرضى بازدراء أكثر من نصغ المجتمع لأي سبب أو ذريعة سوى ذرائع برامج الجهل والتخلف ومعاداة العراقيين ومصالحهم وتطلعاتهم في العدل والإنصاف؟!!
 
ذلكم ظرف الناخب المعقد الصعب الذي صنعته وتصنعه قوى محلية بتوجيه إقليمي مباشر مفضوح ممثل في الإسلام السياسي الذي يكفر العراقيين ويستلبهم عقيدتهم ليستبدلها بمبادئ دين الحزب الطائفي وموجهيه في إيران وفي غيرها .. وهاهو خيار الناخب واضحا جليا في الكفاءة من العقل العراقي والنزاهة والمصادقية من البرامج الوطنية الديموقراطية لقوى العلمانية التي تؤمن بالشعب وحقه في الحياة الحرة الكريمة.. وهذا هو العراقي يختار بكل تحدِ ِ وإباء ورشاد من يحقق له تطلعاته بعيدا عن أسره بقيود الإرهاب واستلابه بمحددات الطائفية ومصادرته بأضاليل الفساد...
 
ولنا عودة ومتابعة

102
غزة الضحايا والمطالب الإنسانية العاجلة
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
محلل سياسي أكاديمي \ ناشط في مجال حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com
 
[1]

طوال أسابيع من محرقة الهولوكوست، إبادةَ َ جماعية طاولت كلَّ طفل وامرأة وشيخ، وكلَّ زاوية من الأبنية والبيوت والمدارس وحتى المستشفيات والملاجئ؛ طوال تلك الأيام من جحيم جرائم ضد الإنسانية كانت غزة بكل حبة تراب منها تتشرَّب بدماء الضحايا ويعلو فيها نحيب الأطفال والثكالى فيما تملأ فضاءها سحب الغازات السامة، ليتطلع العالم لأي حلّ منقذ للإنسان المحاصر في دائرة الموت الأسود الذي سطا على الحياة جغرافياَ َ هناك في غزة وتفاعل إنسانياَ َ هنا في وجدان العالم وضميره!
 
غزّة والخراب في الأبنية يمكن إعمارها.. ولكنَّ القضية لن تمضي، بحق، في صالح الفلسطيني المبتلى إلا عندما يأتي الحلُّ في إطار احترامِ ِ لوجوده وحقوقه ومطالبه.. إنَّنا اليوم بمجابهة مع لحظة ينبغي أن نتحول فيها بأسرع ما يمكن إلى التفاعل مع المطالب الملحة العاجلة، وأولها قضية الجرحى والمستشفيات والرعاية الصحية الفورية المؤملة وهذا يستتبع فوريا التعاطي مع مسألتي الكهرباء والماء وتحريك شؤون الطاقة عاجلا..
وبالتسلسل في الأولويات؛ لا يمكن لأهالي غزة المنكوبة الانتظار أكثر بخصوص تفاصيل من نمط توفير الأغذية والأدوية على نحو لا تأخير فيه... وطبعا لابد من التعاطي هنا مع مسائل رفع الأنقاض من جهة والتعامل مع كل ما من شأنه إزالة تلويث البيئة ووقف نشر الأوبئة ورفع أيّ تهديد لحيوات الناس وصحتهم...
وكيما لا نعيد تجربة مريرة بائسة وبلا دخول في لوم أو نقد للتجربة السابقة والوضع الذي دخله الفلسطينيون، ينبغي أخذ الدرس من أنَّ الانقسام السياسي في الإرادة وفي القرار العملي يظل العامل الرئيس في الإمعان بمزيد من التضحية بالإنسان ومطالبه ومصيره... وعليه فلابد من التعاطي مع قضية تلك الأنفس التي زهقت ويمكن أنْ تـُزهق بروح فاعل وصادق في تقديم أولوية الأمر على حساب المكاسب الضيقة فئويا وحزبيا وعقائديا... وتنتظر غزة وأهلها وجميع الأخيار من جميع أطراف الواقع الميداني أن يُقبِلوا على العمل من منطلق التنسيق ووحدة القرار ومركزيته بيد سلطة وطنية تبدأ حاليا بلجان تنسيق على الأرض في إطار السلطة الوطنية الفلسطينية أو حكومة طوارئ استجابة لإعلان القطاع منطقة منكوبة...
 
إنَّ استغلال طريق الانقسام وسلطة القوة على الأرض والتفكير بمكسب ميداني حزبي اليوم يعني تضييع فرص إنقاذ حيوات الناس وتعريضهم لمخاطر مضاعفة وإرباك الوضع لصالح العدوان وأدواته.. وعليه فإنَّ البداية والنهاية يجب أن تكون بالتفكير العملي بمتابعة الخطوات التي تتعاطى مع تطمين الأوضاع ومع تهدئة بعيدة المدى تـُفتح ضمنها المعابر وتؤمَّن المطالب بحسب الأولويات التي ترسمها الوقائع وخطة جدية مسؤولة من السلطة ومن كل من يعمل لتحقيق مصالح الفلسطينيين وتطمين مستقبلهم في دولة مستقلة تضمن الهوية والمطامح والأهداف...
وعليه فأول الأمر هو قراءة عاجلة محددة المطالب والإجراءات فلسطينيا من السلطة التي يجب أن تـُفعـَّل مؤسساتها فورا؛ وأن تكون هناك حيث الإنسان المغلوب على أمره وبلا انتظار لما يدخل في تفاهمات سياسية ومصالحة وما شابه، فذلكم أمر يأتي تاليا ولاحقا.. وعلى منظمات الأمم المتحدة أن تتجه فورا إلى حيث ميدان عملها في منطقة منكوبة تتطلب نقل الجهد الدولي بالكامل وعلى وجه عاجل للتعاطي مع مفردات العمل...
كما أن موضوع إسرائيل واستكمال الانسحاب وموضوع حماس والمصالحة يجب ألا يتقاطع سلبيا مع مسارات الوقائع الفعلية حيث حيوات الناس لا المصابين حسب بل المهددين (أيضا) بسبب الكارثة التي تحيق بهم في كل لحظة..
إن قضية أمن القطاع وتنظيم ظروف العمل والفعاليات الاقتصادية تحديدا منها سوق رغيف الخبز وتوفير الغذاء والدواء والخدمات العاجلة هي مسؤولية مؤسسات السلطة..    والمجتمع الدولي يتعاطى مع الإنسان المواطن في إطار مؤسسات الدولة وليس في غيرها ما يحتاج لحكمة الفصائل [...] كيما تغتنم الظرف تعزيزا لمسار الوحدة وتكاتف الجهود بعيدا عن آليات التعطيل التي نجمت عنها تداعيات خطيرة منها مسببات النكبة الكارثية...
 
وعليه فإنَّ بيان السلطة ووزارة تصريف الأعمال تتطلب معاضدة أولى من جميع الأطراف الوطنية والمحلية المعنية ومن أطراف عربية ودولية لتنتقل إلى ميدان الحاجات الإنسانية المباشرة وليكن ذلكم صخرة البدء والتأسيس عليه للاحق من الإجراءات المؤملة...
وسيكون أي فعل أو طرف خارج الاستجابة الفورية لمثل هذا التحرك، جهة تعتدي على حياة الفلسطينيين في غزة اليوم، وفي كامل الدولة غدا؛ إذ أنها تعمل على التشطير والتشظي بما يدفع لمزيد من الخراب ومحو الحلم الفلسطيني وإبعاده ردحا زمنيا آخر على حساب الدم الفلسطيني وعلى حساب المطالب الإنسانية الفلسطينية، طبعا بمبررات وذرائع معوجة تتعكز على مصطلحات لا تقف عند كونها لا تغني ولا تسد رمق أحد بل تذهب أبعد لتشكل سببا مضافا لبلاء يتواصل ويستمر سيفه يحصد رقاب الناس...
 
ولن يكون لجهة أن تقنع ذبيح عقائديتها وسياستها بأنها تضحي بحياته من أجل أمر (عادل)!! فمن يركب فلسفة الشهادة والتضحية من أجل الإنسان عليه أن يقدم نفسه هو الذي اختار هذا الطريق بقناعته وإرادته من أجل الإنسانية لا أن يقدم الإنسانية قربانا لتصوراته وخططه وعنجهياته التي ظلت مختبئة طوال دوران الآلة الجهنمية  التي حصدت أرواح الأبرياء بلا رحمة ولا إنسانية..
إنَّ موضع الخيارات بين أساليب النضال وتحديدا منه تبني العنف والسلاح من أجل تحقيق هدف أو آخر لن يكون موضع جدل لحظة تعرضه لحياة الإنسان ومطالبه وحاجاته ومصيره بل يجب وقف أية أفعال أيا كانت حيثما تقاطعت وحياة الفلسطيني وحتى في أمر أصحاب الخيار الدبلوماسي السياسي ينبغي أن يرتقوا لمستوى إجرائي فعلي يستجيب لتطمين المطالب كافة ولا عذر لأي طرف وأية فلسفة أو سياسة... وما بعد ذلك فنحن مع هذا الفلسطيني في اختياره أية قوة سياسية وأي نظام سياسي يرى فيه أمله وحلمه ومصالحه وتلبية مطالبه... إذ يبقى حق تقرير المصير وحق السيادة والاستقلال وحق الحياة الحرة الكريمة وحقوق الخيارات كافة محكومة حصرا بالفسطيني نفسه..
 
 
 
غزة الضحايا والمطالب الإنسانية العاجلة
غزة الناهضة من بين الركام ومطالب التعليم العالي الآنية المباشرة

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com
 
[2]


 
في إطار التخريب والدمار لآلة الحرب العدوانية لم تترك الجريمة مجالا لم تلجه بفعلها الأهوج.. وإذا كنّا نقف إجلالا أمام رهبة الخسارة الإنسانية وفاجعتها الأليمة في كل طفل وامرأة وشيخ ورجل غادرنا ليقع صريع الإبادة قربانا أو جريحا يتشبث بيننا بحقه في الوجود صحيحا معافى، إذا كنّا نضع الإنسان أولا وآخرا فإن ذلكم لا يمنع من التفكير بأعمق درجات التوازن والصبر والتحمل في متنوع المطالب لمعالجة آثار الجريمة الكارثية...
ومن ذلك بعد شؤون الصحة والخدمات مطلب توفير التعليم الأساس والعالي لأبناء غزة.. معلنين أنَّ تضامننا لن يقف عند حدود الكلم والمشاعر التي تتفاعل مع زميلاتنا وزملائنا وطلبتنا هناك. فقضية التعليم ليست قضية محدودة بالدرس المعرفي العلمي وليست محصورة بجدران المدرسة والمعهد.. وإلا لما تعرضت آلة العدوان والجريمة لهذه المؤسسة...
إنَّ خلق حياة حرة كريمة يظل بحاجة لعقل علمي تنويري؛ ويظل بحاجة لمن ينهض بعمليات التأسيس والبناء ولفعل التخطيط والتنفيذ اللذين لا يملكهما إلا من استطاع فكّ أميته الأبجدية والحضارية... إنَّ شعب فلسطين في غزة مثلما في غيرها لن يبقى معوِّلا على خبراء ومتخصصين ينوبون عنه في إدارة مرافق الحياة وعجلة دورتها الاقتصادية منها على سبيل المثال.. ولكنه يتطلع لتعزيز تحصيل بناته وأبنائه للعلوم والمعارف حتى يستقل بنفسه ويكون مسؤولا مباشرا في كل تفاصيل العمل الذي تتطلبه مؤسسته الجمعية بكل مفاصلها...

من يعلّم تلاميذ المدارس؟ وأين؟ وبأية أدوات ومخابر؟ وكيف؟ من يدرّس طلبة العلوم والتخصصات وفي أية مؤسسة للتعليم العالي؟ ومن أين أساتذة التخصص؟ وما مصادرهم العلمية ومناهجهم وكتبهم؟
في شأن الأبنية: سيجد أبناء غزة أن المدارس منشغلة اليوم بإيواء اللاجئين الذين تم تخريب ديارهم! وسيجد طلبة الجامعة أنّ كل شيء صار أرضا خرابا يبابا بعد أشكال القصف الهمجي الذي ضرب عن عمد وقصد تلك الأبنية! فأين سيتجه تلاميذ المدارس وماذا سيقصد طلاب الجامعة؟
أساتذة وإداريون ذهبوا ضحية التقتيل وجراح التعطيل والإعاقة وآخرون اليوم تضطرهم ظروف الحياة لانشغال من نوع زمن النكبة الكارثي الذي لا يمكننا أن نطلب من أحد أن يخرج منه بجهده الفردي الخاص من دون حلول تساعده وتدعمه في حياته وتفاصيلها المركبة المعقدة اليوم..
أدوات وملفات وأصول من مفردات العمل اُعْدِمت بنيران المحارق التي لم تترك شيئا لم تأكله بنهمها الجنوني.. فمن أين يبدأ الإداري؟ وكيف يجري ترتيب العمل وإجراءاته وروتين التعاطي مع كل حالة وملفها المحترق...!! وثائق لا نسخ لها وكتب لا بديل عنها من سيعيد ما ذهب؟
إذا أردنا أن نقف مع زميلاتنا وزملائنا، وإذا أردنا لملمة الجراح، وإذا كان لنا من وقفة جدية مسؤولة في باب التعليم تحديدا من بين المفردات الأخرى التي تحتاج كل واحدة منها لخطة عمل مخصوصة، فيجب أن نفكر في الآتي:
1.    تشكيل لجنة تقصي الحقائق ودراستها على الأرض ميدانيا لإحصاء مديات الدمار من جهة والخسائر التي نجمت عن المحرقة بجميع المستويات من أفراد وأبنية وأدوات ومستلزمات تكميلية...
2.    إحصاء عدد تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات وأحجام توزعهم وإقامتهم في القطاع..
3.    دراسة الحجم المؤمل أو المطلوب من الإدارات والتدريسيين في كل مرحلة وتحديد العجز من المتوافر...
4.    دراسة المتطلبات من أبنية ومختبرات وأجهزة وأدوات ومستلزمات تكميلية...
5.    دراسة الحاجة إلى المكتبات وإلى الكتب والمراجع...
6.    دراسة حاجات الطلبة والأساتذة الحياتية التي تساعدهم على سدّ متطلبات العيش وأوليات التوجه للدرس والتحصيل العلمي...

وفي ظرف دراسة ميدانية منتظرة على وجه عاجل يجب فورا على الجامعات ومؤسسات التعليم أن ترسل فورا ما يسد المجالات التي خسرتها المؤسسات التعليمية من أجهزة ومراجع وكتب وأدوات مطلوبة.. وأن تتكفل بطبع عاجل للكتب المنهجية وإعادة إرسالها على وجه السرعة أو توفير أدوات الطباعة فورا في غزة بحسب الأفضل أداء والأنجع في معالجة هذا الجانب..

وينبغي لأية خطة إعادة إعمار ألا تتلكأ عن التركيز على أهمية وأولوية أبنية المدارس والجامعات والتخطيط لحجمها المستقبلي مثلما التفكير بالاستجابة العاجلة للحاضر الآني.. إن فرص البناء لا تتكرر ولا تقبل تقطيع الأوصال فمن لا ينظر أبعد من أرنبة أنفه سيجد نفسه دائما في مآزق التالي من المطالب والضغوط.. ولابد هنا من النظر إلى فرصة البناء الراهنة لتؤسس لغد يحظى بالاستيعاب والاستعداد الوافيين...

إن أمر التعليم ومنه بالذات التعليم العالي هو من الإلحاح والخطورة ما يجعل مسألة معالجته بأولوية مناسبة قضية حيوية بل سيشكل التواني بها خطرا يعيد دورة إنتاج الجهل والتخلف ومن ثمّ إنتاج أمراض اجتماعية وسياسية لا يمكن للمجتمع النهوض منها بلا كوارث إنسانية ليس أقلها التشدد والتطرف والظلامية وعلاقات اجتماعية مرضية ومن ثم سياسية تمتلئ خطلا وإهمالا لمصالح الإنسان وحقوقه...

وعليه فإنَّ انتقال وفود التعليم العالي إلى غزة لقراءة الأوضاع عن كثب ولتنسيق الجهود ووضعها في خطة وفي جهود دقيقة التنظيم هو أمر منتظر ليحتذى من القطاعات الأخرى.. وستكون الدعوة لمؤتمرات تنظيمية استقصائية سواء في داخل القطاع أم في الضفة أم في بلدان الجوار وفي البلدان الصديقة قضية مناسبة لا لإعلان التعاطف الذي لن ينفع فلسطينيي غزة بشيء إلا إذا ما أُرفِق بفعل وعمل مؤثر في الميدان وواقع الحال...

إننا في وقت نتمنى انتظام الدراسة مجددا وعودة الحركة في مسار البحث العلمي نأمل أن نجد المنفذ المتاح المناسب كيما نبحث في أساليب الدعم لجهود جهاز التربية والتعليم في القطاع وفي كامل مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية...

ويُنتظر من الجميع سواء في التعليم التقليدي المنتظم أم جامعات التعليم الألكتروني أن تقدم المحاضرات المناسبة لطلبة الجامعات في غزة بالتنسيق مع إداراتها بعد توافر الفرص المناسبة لعقد الصلات المباشرة عبر الأنترنت أو التلفزة والإذاعة وغيرها وعلى وفق خطة مبرمجة عاجلة يمكن للسلطة الفلسطينية أن تعلن عنها وينبغي لإدارات الجامعات الفلسطينية تقديم التصورات المؤملة للعلاج...

إنَّ دعم التعليم العالي يمكن أن يتيح أيضا فرصا للحديث عن دعم قطاعات الثقافة والإبداع في مجالات المكتبات والمسارح والسينما ودوائر الإعلام وأجهزته: فهلا جرى تنسيق الأمور وتنظيم دراستها موضوعيا وميدانيا؟؟

تلكم أسئلة نطرحها على زميلاتنا وزملائنا في الجامعات الفلسطينية أولا، آملين أن تتجه المطالب الآنية المباشرة والعاجلة إلى حيث الإمكانات المادية المتاحة من مشروعَي الدعم العربي والدولي بالخصوص... ونحن ندعو منظمة اليونسكو واتحادات الجامعات العربية والأوربية والعالمية والجهات الجامعية ومؤسسات القرار في مجال  التعليم العالي للتفاعل مع القضية كونها قضية مباشرة ملحة لا يمكن التواني في التعاطي معها...  وندعو الجامعات العربية لإعلان مبدأ توأمتها مع جامعات فلسطين كافة وعقد اتفاقات التعاون المنتظرة في الإطار.. 

103
رسالة نعي وتعزية
 في رحيل المفكر العربي محمود أمين العالم

برحيل المفكر العربي محمود أمين العالم رحلت معه واحدة من عبقريات الفكر اليساري المنتج لثقافة التنوير ومسيرة الدفاع عن حقوق الإنسان ومصالحه وتطلعاته في الحياة الحرة الكريمة وفي الديموقراطية.. رحلت طاقة معطاء من شمس فكرية ساطعة ظلت تمنح الحياة قدرات المقاومة ورفض التداعيات السلبية والرد على أساليب القمع والمصادرة والاستلاب في يوميات السياسة العربية تحديدا في مصر مذ خمسيناتها مرورا بعقود تالية محمَّلة بأعباء الصراعات والتناقضات التي حكمت المرحلة...
إنَّ رحيل هذا المفكر الإنساني الكبير إشارة لرحيل مدافع آخر ظل حريصا على الثبات المبدئي الأمين لإعلاء كلمة الفكر التقدمي الوفي للحرية المسؤولة ولتطلعات أبناء الشعب ومفكريه الذين طالما وقعوا أسرى التهميش وراء جدران السجون والمعتقلات كما عاناها هو نفسه لسنين طويلة ولكنها لم تثنِ عزيمته عن ولوج مسيرة البناء ودعم كل ما هو إيجابي وصحيح في المسيرة...
لقد شغل محمود أمين العالم مناصب ومسؤوليات فأدى فيها مهامه بعبقرية مميزة ما لفت إليه أنظار أعداء الإنسان وحريته فزجوه في غياهب زنازينهم؛ لكن ألمعيته دائما كانت تنتصر ليصل بضيائه إلى بلدان ومؤسسات أكاديمية أعلت مكانة العلم ومنطق العقل التنويري، فدعته جامعات عالمية كبيرة في بريطانيا وفرنسا ليحاضر في أروقتها مانحا من قدراته الفذة في النقد الفكري الفلسفي المعاصر..
وبقي الفقيد الراحل مشدودا إلى وطنه وشعبه فعاود العمل الفكري المثابر ليبدع مؤلفاته الكبيرة وأبرزها ما تمثل في نتاج سلسلة "قضايا فكرية" و"اليسار العربي" وعدد كبير من المؤلفات التي جمعت بين الأدب والثقافة والفكر السياسي وتحليلاته الفلسفية العميقة...
إنَّ محمود أمين العالم يظل نموذجا يُقتدى ويؤخذ منه كونه المنهل المجرّب الذي ستبقى مؤلفاته دروسا، ومواقفه عبرا، وعطاءه منبرا وينبوعا للأوفياء على مبادئ الدفاع عن الحريات والديموقراطية والسلم ومبادئ التقدم الاجتماعي وحقوق الإنسان وانعتاق الدرس الفكري من قيود التخلف ومناهج أسطرة الحياة وحكمها بفروض الجهل وألاعيب التخفي بجلابيب القرون المنقرضة ورؤاها الظلامية...
ترحل يا أيها المفكر العربي المصري الإنساني بعمقه ومعدنه، لكنك تترك إرثا نضاليا وفكريا وأدبيا ثقافيا يبقى أرضية متينة راسخة لمناضلي اليوم ومفكريه من مختلف التيارات والمناهج وأبناء الشعب المصري وشعوب العربية والإنسانية جمعاء...
عزاؤنا لأسرته ومحبيه، لأقربائه وأصدقائه، لزملائه وتلامذته، ولأكاديميي مصر واتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين في فقدك ورحيلك. والبقاء لتراثك السامي؛ والخلود والذكر الطيب لاسمك الساطع نجما فكريا فلسفيا يضيء لأتباعك دروب العمل والبناء الثقافي النبيل...

أ.د. تيسير الآلوسي
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

لاهاي هولندا 11 كانون ثاني يناير 2009




 
سيرة حياة الفقيد   من إرشيف مؤسسة ابن رشد للفكر الحر: برلين
سيرة حياة
http://www.ibn-rushd.org/arabic/AlemCv.htm
محمود أمين العالم
نبذة عن حياته
- ولد في 18 فبراير في حي الدرب الأحمر في القاهرة.
- بدأ دراسته الاولى في كتّاب الشيخ السعدني في مدخل حارة السكرية.
ثم في مدرسة الرضوانية الاولية في حي القرية، ثم في مدرسة النحاسين الابتدائية بحي الجمالية، ثم في مدرسة الإسماعيلية الثانوية الأهلية بحي السيدة زينب، ثم مدرسة الحلمية الثانوية بالقرب من حي القلعة.
- التحق بعد شهادة الثانوية (الباكلوريا) بقسم الفلسفة - كلية الآداب - جامعة فؤاد الاول (القاهرة اليوم)، حصل على شهادة الليسانس.
- طوال دراسته بمرحلة الليسانس كان يعمل موظفاً إدارياً في ديوان وزارة التربية والتعليم (آنذاك) انتقل بعد ذلك إلى موظف مخازن أيضاً في مدرسة الأورمان الابتدائية القريبة من الجامعة في منظقة الدقي ثم إلى وظيفة إدارية داخل كلية الآداب ليكون أقرب إلى مكان دراسته، وبعد حصوله على الليسانس ترقى إلى وظيفة مترجم ومنظم محاضرات في الكلية فأمين مكتبة قسم الجغرافيا.
- حصل على درجة الماجستير من الكلية نفسها في موضوع (فلسفة المصادفة الموضوعية في الفيزياء الحديثة ودلالتها الفلسفية) حصل بها على جائزة الشيخ مصطفى عبد الرازق في الفلسفة وسجل بحثاً للدكتوراة حول الضرورة في العلوم الانسانية. تم تعيينه في قسم الفلسفة بعد حصوله على الماجستير مدرساً مساعداً للمنطق ومناهج العلوم.
- تم فصله في نفس العام أي 1954 مع عدد آخر من الاساتذة والمدرسين من مختلف كليات جامعة القاهرة لأسباب سياسية، كما تم فصله من الاعداد لرسالة الدكتوراه . بعد فصله عمل في إعطاء دروس خاصة في الفلسفة والمنطق واللغتين الانجليزية والفرنسية حتى التحق بمجلة روز اليوسف مسؤولاً عن افتتاحيتها السياسية التي كان يغلب عليها الطابع النقدي للاوضاع غير الديموقراطية. كما أخذ يكتب فيها مقالات في النقد الأدبي التي كان قد بدأها قبل فصله من الجامعة في جريدة الوفد المصري بمقال مشترك مع صديقه د. عبد العظيم أنيس رداً على مقال الدكتور طه حسين في جريدة الجمهورية حول مفهوم الأدب. وبهذا المقال بدأت معركة نظرية في مجال الأدب كان لها تأثير على المستوى العربي عامة وفي تنمية الاتجاه الواقعي الجدلي في النقد الأدبي.
- استدعته مؤسسة التحرير التي كانت تمثل في الخمسينات المؤسسة الاعلامية للدولة، وكان يرأسها السيد أنور السادات، للانتقال إليها لاصدار مجلة أسبوعية عربية مع الاستاذ أحمد حمروش، ويبدو أن الأمر كان بهدف إبعاده عن كتاباته النقدية في روز اليوسف، إذ لم تصدر المجلة التي أعدها الاستاذ أحمد حمروش ومحمود العالم برغم إصدار عددين تجريبييتين منها.
- في إثناء ذلك وقع العدوان الثلاثي عام 56 فحاول الاستاذ حمروش والعالِم إصدار جريدة يومية باسم المعركة من دار مؤسسة التحرير نفسها ولكنها صودرت في المطبعة عند الانتهاء من طبعها.
- تم نقله إلى مجلة الرسالة الجديدة مديراً لتحريرها وهو الاستاذ أحمد حمروش تحت رياسة الاستاذ يوسف السباعي، وكانت المجلة تصدر عن مؤسسة التحرير، وفي هذه المجلة بدأ سلسلة من الكتابات النقدية.
- في 58 قامت الوحدة المصرية السورية التي كان متحمساً لها وكتب مقالاً عنها في الرسالة الجديدة بعنوان ميلاد المواطن العربي في تحيتها. ولكنه كان يختلف مع منهج تحقيقها ونشر بياناً سرياً بتوقيع كل من سيد (وهو الاسم السري للدكتور عبد العظيم أنيس) وفريد (وهو اسمه السري) يحيي الوحدة. وينتقد أنها لا تراعي الخصائص الموضوعية للمجتمع السوري. وكان البيان يطالب بتحسين شروط الوحدة ديمقراطياً فضلاً عن مراعاه الاختلافات الاقتصادية فيما يطبق عليها من قوانين. وصدر هذا البيان بهذين التوقيعين السريين ولكن باسم "الحزب الشيوعي المصري" الذي كان قد تشكل هذا العام موحداً كل التنظيمات الماركسية في مصر لأول مرة يعد الحزب القديم عام 1924م.
- تم فصله من عمله في الرسالة الجديدة وفي مؤسسة التحرير عامة.
- في أواخر نوفمبر 58 دعاه الرئيس أنور السادات إلى اجتماع دام من العاشرة مساء حتى فجر اليوم التالي طالبه السيد السادات بحل الحزب الشيوعي المصري وباندراج أفراد في التنظيم الرسمي للنظام. وصاحب هذا الطلب بتهديد ورعيد، ورفض الطلب مع تقديم البديل هو اقتراح بالتواجد داخل التنظيم الرسمي ولكن كتنظيم مستقل لا كأفراد، وبهذا يتحول التنظيم الرسمي إلى جبهة تضم مختلف التنظيمات الوطنية والديموقراطية وانتهى اللقاء إلى لا شئ.
- مع أواخر نوفمبر بعد ذلك اللقاء بدأت حملة اعتقالات واسعة للشيوعيين المصريين وفي فجر يوم أول يتاير 1959 تم اعتقالة في منزله فرحلة طويلة من سجن الواحات الخارجية إلى العودة إلى سجن قراميدان بالقاهرة، حي القلعة، إلى سجن الحضرة بالاسكندرية، حيث انعقدت محاكمة عسكرية، قام فيها مع رفاقه بالدفاع عن الأهداف التقدمية والقومية لثورة 23 يوليه مع انتقاد اسلوبها غير الديموقراطي سواء داخلياً أو عربياً.
- بعد شهر أو أكثر من المحاكمة أمام المحكمة العسكرية قررت المحكمة عودتهم إلى سجن قراميدان بالقاهرة. ويبدو أن هذا كان قرارأً بالانتظار إلى حين صدور الاحكام كما تخيل الجميع، وهكذا تم انتقالهم إلى سجن قراميدان في عربات ثلاث ثم ما لبثوا أن انتقلوا إلى سجن أبو زعبل، أوردي لبمان طره شمال القاهرة، حيث ألبسوا ملابس السجن وفرض عليهم تحت التعذيب العمل في الجبل لتفجير حجارته البازلية بالديناميت ثم تقطيعها إلى أحجام صغيرة لرصف الشوارع. وكان عملاً شاقاً وتعذيباً أكثر مشقة ومهانة فاز هو منه جانياً كبيراً لمشاركته مع بعض زملائه في التمرد والتحدي لهذه الأوضاع التي نتج عنها استشهاد شهدي عطية الشافي ود. فريد حجاد وموت آخرين لسوء الأوضاع الصحية الخاصة.
- نتيجة لتسلل أخبار مذبحة أبي زعبل إلى الخارج أوقف التعذيب وتم نقل الرفاق دميعاً إلى سجن الواحات الخارجية، وهو منهم. وكانت نتائج المحاكمة قد أبلغت لهم واختلفت الاحكام بين السجن عشر سنوات أو البراءة وكان نصيبه البراءة. ولكن هذا لم يعفه من الاستمرار في الحبس مع المحكوم عليهم والانتقال معهم إلى سجن الواحات الخارجية حيث استبدل بالعمل في الجبل العمل في زراعة الصحراء. وتم الافراج عنه في صدور القرار بالافراج العام عن المسجونين والمعتقلين الشيوعيين جميعاً منتصف عام 1964.
•  كانت السياسة الناصرية قد دخلت في صدام مع السياسة الامريكية آنذاك وفي تحالف عمل مع السياسة السوفيتية التي أسهمت في بناء السد العالي، بعد رفض أمريكا. وخلال فترة التواجد في سجن الواحات، كان قد أعلن الميثاق وتم تأميم الشركات الرأسمالية الكبيرة والملكيات الزراعية الكبيرة كذلك، وتشكل الاتحاد الاشتراكي مع تشكيل الطليعة الاشتراكية وهو التنظيم السري في قلب الاتحاد الاشتراكي. وكان قد تم اتفاق على اندماج الشيوعيين سواء في الاتحاد أو التنظيم، بعد مناقشات طويلة بين النظام الناصري والشيوعيين أثناء التواجد في السجن ثم بعد الافراج عنهم. وكان من نصيبه هو عند الافراج عنه تعيينه محرراً في مجلة المصور واختياره عضواً في التنظيم الطليعي ثم عضواً بعد ذلك في أمانته المركزية.
•  عمل محرراً أدبياً في مجلة " المصور " الأسبوعية, ثم ما لبث أن عُيِّن بعد ذلك رئيساً لمجلس ادارة هيئة لكتاب، ثم شركة الكاتب العربي، ثم رئيساً لمجلس ادارة مؤسسة المسرح، ثم رئيساً لمجلس ادارة أخبار اليوم، ثم حدثت بعض الصراعات السياسية التي أفضت إلى فصله من أخبار اليوم ثم تعينه بعد فترة مسؤولاً عن مؤسسة المسرح، بل إتاحة الفرصة له لحديث سياسي بعد نشرة أخبار الساعة التاسعة مساء كل يوم خميس. وطوال هذه الفترة كان يمارس مسؤوليته في أمانة التنظيم الطليعي مسؤولاً عن نشرتها الداخلية وعن خطتها التثقيفية.
•  ويموت عبدالناصر، ويتم اختيار السادات خلفاً له ويبدأ صدام جديد داخل السلطة الجديدة حول سياستها التي أخذت تتناقض شيئاً فشيئاً مع السياسة السابقة في عهد عبد الناصر، ويقف هو موقفاً معارضاً صريحاً في اجتماع اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي الذي كان عضواً فيهابالانتخاب الشعبي إلى جانب عضويته في أمانة لتنظيم الطليعي.
•  ويتم اعتقاله مع من أسماهم السادات بمراكز القوى داخل النظام ويُقدم إلى التحقيق ويُتّهم بالخيانة العظمى مع بقية الزملاء الآخرين مثل علي صبري وشعراوي جمعة ومحمد فائق وغيرهم، ولكنه في التحقيق يَتَّهِم بدلاً أن يكون مُتَّهماً. -ولهذا فيما يبدو- يجد نفسه ذات يوم وهو يعدّ في زنزانته كلمته الأخيرة قبل شنقه كما كان يتصوّر، ( وكانت قد بدأت المشانق في السودان)، وإذا بباب زنزانته يُفتح وتُعاد له ملابسه، ويجد نفسه خارج معتقل القلعة، ليركب تكسياً إلى منزله.
•  ويُقدّم باقي الزملاء الناصريين للمحاكمة دونه، ويطلبونه للشهادة أثناء المحاكمة. ويذهب للشهادة في صالحهم. ويتسائل المحامون: أين ملفه من القضية رغم انه كان مسجوناً معهم كذلك. ويتبين أن ملفه أُستبعد تماماً بسبب ما جاء في التحقيق من كشف الأسرار في سلوك السادات السياسي، وتجنّب الزملاء الآخرون ذكرها؟
•  في اليوم التالي للإفراج عنه، يأتي محقق من وزارة الثقافة إلى منزله ليحقق معه في أسباب تخلّفه عن عمله كمسؤول عن مؤسسة المسرح! وكان السؤال جزءاً من مهزلة. فهم كانوا يعرفون أنه كان في سجونهم! المهم، يتم تأسيساً على هذا التحقيق احالته إلى المعاش باقتراح من الأستاذ الوزير الجديد للثقافة أنذاك "يوسف السباعي" وموافقة رئيس الجمهورية أنور السادات.
•  ويُستدعى من كلية St. Anthony's College في أكسفورد لينضم إلى أسرتها باعتباره Senior Associate Member ، فيسافر إلى إنجلترا- بعد منعه من السفر لمدة عام، ويقوم هناك بالمشاركة في بعض السمينارات حول الفكر العربي المعاصر.
•  ثم اتصل به صديقه الأستاذ جاك بيراك لِيَقترح عليه المجيء إلى باريس، فيترك أكسفورد إلى باريس ليُعيّن في جامعة باريس 8، مدرّساً للفكر العربي. ويظل بها منذ 1973 حتى عام 1984 يقوم بالتدريس بها، وحضور والمشاركة في سيمنارات جاك بيرك، وإعطاء درس في النقد الأدبي التطبيقي لمدة عام لطلبة الأجريجاسيون أيضاً لمدة عام آخر.
•  خلال هذه الفترة في باريس أنشأ مع بعض الرفاق المصريين مجلة شهرية هي " اليسار العربي " للدفاع عن الوحدة العربية والديمقراطية والتحرر السياسي والاقتصادي. وشارك في الجبهة الوطنية المصرية المناهضة للسياسة الساداتية عندما بدأ مشروعه للصلح مع إسرائيل، مما أفضى إلى أن يُقدّم غيابياً لمحكمة "العيب" ويحكم عليه بحرمانه من حقوقه المدنية والسياسية ويتعرض للتقديم للمحاكمة في حالة عودته إلى مصر، ثم وضع تحت الحراسة هو وأسرته. تُصادر أملاكه ثم تُردّ لأسرته، فلم تكن أكثر من عربة قديمة ماركة " رمسيس". وتُفك الحراسة عن أسرته.
•  ويموت السادات وتبدأ مرحلة جديدة، يتصور هو أنها ستكون مجالاً لنشاط سياسي وديمقراطي أرحب، فيستقيل من الجامعة الفرنسية ويقرر العودة إلىمصر، فيعود إليها عام 1984 م.
•  يتفرّغ فور عودته لاصدار كتاب غير دوري هو " قضايا فكرية " لعدم القدرة المالية، فضلاً عن عدم أهليته المدنية لاصدار مجلة أو جريدة. ولا يرتفع عنه الحظر المدني والقانوني إلا بعد إلغاء قانون العيب منذ بضع سنين.
•  يتفرغ اليوم لاصدار الكتاب غير الدوري " قضايا فكرية " الذي صدر من حتى الآن عشرون عدداً في موضوعات فكرية مختلفة، كما اختير مقرراً للجنة الفلسفة في المجلس الأعلى للثقافة، فضلاً عن أنه عضو في نقابة الصحفيين، وعضو في اتحاد الكُتّاب، وكان نائباً لرئيس رابطة المثقفين المصريين التي كان يرأسها سعد الدين وهبة. 
•  أصدر عدداً من الكُتب في مجالات النقد الادبي والفلسفة والفكر عامة، كما صدر له ديوانان شعريان. ومرفق بهذا تفصيل للاصدرات.
•  حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1998
وظائف شغرها :
•  مدرس في قسم الفلسفة - كلية الآداب - جامعة القاهرة.
•  رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للكتاب.
•  رئيس مجلس إدارة مؤسسة المسرح والموسيقى والفنون الشعبية.
•  رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم.
•  Senior Associate Member St. Anthony College - Oxford Univ. 
 
عضو زميل في كلية القديس أنطوني-جامعة أكسفورد - إنجلترا
•  Maitre Assistant بجامعة باريس 8 - فرنسا 
الهيئات المشترك فيها :
•  عضو اتحاد الكتّاب المصريين.
•  عضو نقابة الصحفيين المصريين.
•  مقرر لجنة الفلسفة في المجلس الأعلى للثقافة.

العمل الحالي :
•  مشرف على اصدار كتاب ثقافي غير دوري بعنوان " قضايا فكرية " من اجل تأصيل العقلانية والديمقراطية والإبداع.

أهم مؤلفاته :
•  ألوان من القصة المصرية- دار النديم- 1955 تقديم د. طه حسين
•  في الثقافة المصرية بالاشتراك مع د. عبدالعظيم أنيس- طبعة ثالثة 1989 -القاهرة.
•  معارك فكرية : دار الهلال 1970- ترجمة روسية 1974-موسكو.
•  الثقافة والثورة : دار الآداب-1970-بيروت.
•  تأملات في عالم نجيب مجفوظ : 1970 القاهرة- الهيئة العامة المصرية للتاليف والنشر.
•  فلسفة المصادفة : 1971- دار المعارف- القاهرة.
•  هربرث ماركيوز أو فلسفة الطريق المسدود : 1972- دار الآداب-بيروت.
•  الانسان موقف : 1972- المؤسة العربية للدراسات-بيروت.
•  الرحلة إلى الآخرين : 1974- دار روز اليوسف-القاهرة.
•  الوجه والقناع في المسرح العربي المعاصر ك 1973-دار الآداب-بيروت.
•  البحث عن أوروبا : 1975 - المؤسسة العربية للدراسات-بيروت.
•  توفيق الحكيم مفكِّراً فناناً : 1994 - دار قضايا فكرية-القاهرة.
•  ثلاثية الرفض والهزيمة : دراسة نقدية لثلاث روايات لصنع الله ابراهيم - 1985-دار المستقبل العربي-القاهرة.
•  الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر : طبعة ثانية - دار الثقافة الجديدة- 1988-القاهرة.
•  الماركسيون العرب والوحدة العربي : دار الثقافة الجديدة - 1988.
•  مفاهيم وقضايا إشكالية : دار الثقافة الجديدة - 1989 .
•  البنية والدلالة - في الرواية العربية المعاصرة 1994-دار المستقبل العربي.
•  الفكر العربي بين الخصوصية والكونية : دار المستقبل العربي - 1996 .
•  مواقف نقدية من التراث : دار قضايا فكرية - 1997 .
•  الإبداع والدلالة : مقاربات نظرية وتطبيقية-دار المستقبل العربي - 1997.
•  أغنية الإنسان : ديوان شعر- دار التحرير 1970 .
•  كتاب " من نقد الحاضر إلى إبداع المستقبل "، مساهمة في بناء نهضة عربية جديدة - المستقبل العربي 2001 .
•  عشرات الدراسات والمقالات والمحاضرات في مجلات مصرية وعربية وأجنبية.

104
ظاهرة الفساد والتعليم وتطوره في العراق
 
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com

 
في دولة تبدأ رحلة بناء الذات ومؤسساتها الوليدة بعد أن تمَّ نخر مؤسساتها وتجييرها إلى هياكل إقطاعية خاصة بالحاكم بأمره الذي تركها مجرد أنقاض وخرائب بائسة؛ في دولة تمَّ اختراقها في أعمق بناها حتى جرى تغيير بعض أوضاعها الديموغرافية وتركيبة سكانها بإدخال آلاف مؤلفة من الغرباء وتزويدهم بورقة [عفوا] وثيقة الجنسية العراقية*وصعودا باتجاه اختراق مؤسساتها الأهم تحديدا منها الأمنية وتلك التي تتحكم بمفاصلها الرئيسة**، في دولة كهذه يصير الفساد بالحجم النوعي الذي يرصده المقياس الدولي على بعد الشقة والمسافة كونه الفساد الأعلى عالميا...
بلى العراق بكل تاريخه القديم والمعاصر المجيد بروعة شعبه وأطيافه المشرقة أملا وخيرا وعطاء هو ذاته الذي يطغى الفساد فيه بلا مبالغة ليحصد الأولوية العالمية... وفي مثل هذه الظروف ومع انهيار البنى والتشكيلات الاقتصادية الطبيعية وتراجعها لصالح الاقتصاد الطفيلي تنهار البنى الاجتماعية وترتد لمرحلة النكوص والهزيمة فتنهزم معها القيم الصحية الصحيحة...
ويصير الصائب محاصرا مستلبا يعاني أحمال الأزمة وأوصابها كيما يزيل من الطريق أوشال الخراب وخسائر الروح وهزائم الضمير وقيمه...
إنَّ المشكلة تبدأ موضوعية بظروف قاصمة قاهرة فتصنع إنسانا منهكا بل حطام إنسان... وهذا ينخره الخواء الروحي حيث لا ثقافة بل لا تعليم ولا معرفة ولا قيم تضبط سلوكه وحركته سوى شروط ومحددات سلبية مرضية تطيح به في الاتجاه الذي تدفعه إليه بعصفها الأهوج...
في بلادنا الإعصار منّا وفينا...فلا القانون بقادر على فرض نفسه ولا من يحميه بقادر على حراسة نفسه... وفي بلاد لا يُحترم فيها القانون كما ينبغي وتنتهك فيها الحرمات بلا رقيب قادر ولا حسيب ناضج وتسطو عصابات منظمة وغير منظمة ومافيات محلية وأخرى دولية وميليشيات سرية علنية لأحزاب كبيرة وصغيرة، تسير الأمور بقوانين "حارة كلمن إيدو إلو" أي بالانفلات الشامل للأوضاع والقيم...
ومؤسسة التعليم واحدة من مؤسسات الدولة الوليدة، أصابها الاختراق والاحتراق والتشويه والتسفيه والإمراض والإجهاض والترهيب والتخريب... فقد تم اختراقها بتسييسها لفلسفة الطائفية السائدة فلسفة تقديس الطقوسيات شكليا تتخفى بجلباب أزمنة غابرة لتـُخفي مصائب أيامنا الحاضرة.. فأنت ترى تمسكا ذرائعيا بالقشور والانحرافات والمظاهر الخادعة التي ما أنزل الله بها من سلطان لمشاغلة الناس بمظلومية قرون خلت وإبعادهم عن مظلومياتهم التي يحيون بؤسها وقسوتها بل وإبادتها فيهم وبناتهم وأبنائهم...
إنَّ المدرسة ملزمة بدروس التربية التي يسمونها اليوم (دينية) وهي لا ترقى لآية مقدسة من الدين الصحيح بقدر ما هي تشويهات لذر الرماد في العيون وإمراض أنفس طلبة هذه المدارس بحالة تعذيب الذات وجلدها عن جريمة لم يرتكبها لا هؤلاء الطلبة ولا آباؤهم ولا أجدادهم وهم من المعذبين في الأرض أبا عن جد... فلماذا إكراههم على النواح وسلخ جلودهم بأيديهم وبأدوات مطموغة بـ"سخت إيران"... ألم يحرّم ذلك ويقطع بمنعه علماء الدين ومراجعه؟ فلماذا يتمسك به السياسيون (المعممون الجدد)؟*** ولماذا تحديدا يفرضونه قسرا على طلبة من أطفال  المدارس فيلبسونهم ما لا ينبغي وبأساليب تربوية مرضية خطيرة؟! أليس هذا إفسادا أو شكلا آخر من الفساد؟
هكذا يجري الاهتمام بالتربية السياسية الجديدة وبدل درس المجتمع القومي ومقررات القيادة العليا يُفرض مقرر التربية الطائفية بطقسياتها الأسطورية المرضية وطبعا الأوامر تتخفى بكونها ممثلة لأمر السيد المطلق الإرادة وكثيرا ما تكون بلا علم من القيادة المعنية... وبعد ذلك لا علوم ولا معارف ولا هم يحزنون...
والمدرسة والمعهد والجامعة ما عادت مؤسسات للعلم والمعرفة بل هي في كثير من الأحيان مؤسسات يحكمها  زعر من ميليشيا الحزب الفلاني أو العلاني**** بحسب الحصة المرسومة.. وطبعا يكون لبعض (المعلمين) سلطة التوجيه طالما كانوا من الحصة والحزب أو خضعوا لأوامرها وما عدا ذلك كما كانت الأمور حيث التزام الصمت مخافة التصفية أو قطع الرزق...
لا توجد محاضرة حرة ولا يمكن لأستاذ أن يتحدث عن حقيقة علمية وقد يستطيع الحديث عن الأرض تدور ولكنه لا يستطيع أن يقول: إنها ملك الناس ومنبت خيراتهم وموئل معيشتهم لأنها من أملاك السيد أو محاصصيه ممن اقتسموا حتى ملكية رقاب البشر... ولطالما تمت تصفية الأستاذ الذي يخرج عن سطوة الآلة الجهنمية الجديدة القديمة...
من أين نتحدث عن الفساد في التعليم؟ من طريقة التفاخر ببناء المدارس الطينية في بلد النفط والثروات والخيرات؟ وتصير منّة من القائد الجديد للبسطاء الغوغاء الذين لا يستحقون حتى هذا الفتات؟ أم من الجامعات التي تخلو من المكتبات والمختبرات؟ فإذا ما وجدنا مكتبة وجدنا بقايا مزق كتيبات محروقة الجوانب أو تلك المقررات المكتوبة أما بالفارسية أو بجوهر من نخب تحكم هناك... واحسبوا نسب الكتب الموجودة وقيسوا ما لدينا من مصادر...
إنَّ تحكـّم المسؤول في المدرسة أو الجامعة وصل حتى المدرسة العراقية في البلاد الأوروبية واسألوا أبناءنا في المهجر.. فما بالكم بالمدرسة في داخل الوطن! والمكتبة وصلت مطبوعاتها ذات الاتجاه الخاص بفقهاء اليمين الديني الإيراني حتى مكتبات ما تسمي نفسها [جامعات] وهي مؤسسات وسيطة لاجترار تلك الكتب والمنشورات الضلالية إلى ملايين الهاربين من بناتنا وأبنائنا في مهاجرهم... فكيف بالمكتبة في داخل الوطن!
وللمختبرات حكاية فساد أخرى فإذا وجدنا بقية جهاز معطل جرى تشغيله فأين المواد الوافية الكافية للتجاريب العلمية؟ ومن يمكنه التشغيل أو الاستعمال من دون محظورات وممنوعات ومحرمات؟! وطبعا ليس لطالبة الطبية أن تدخل درس التشريح كما طالب الطبية والعكس منطبق تماما على التصور الأول.. ولسنا ندري أي خيال مرضي يحكم التعليم مُبعِِدا عناصره الرئيسة الأهم..
فهجوم على المنهج الذي ما تبقى منه لا مصدر سليم ولا حتى مستلة مقبولة وهي محفوفة بالمحذورات والمحظورات؛ ولا أستاذ معدّ ومتمكن يمكنه العمل بمنطقه العلمي السليم، ومن ثمَّ لا محاضرة صحيحة ناضجة  حيث يتم قمع عنصريها الأهم أيّ المنهج والأستاذ مع ملاحظة أن هذه اللا لا تقوم على المطلقات والتشاؤمية...
ولأن عديدا ممن يسمونهم أساتذة هم من حاملي شهادات السوق طبعا لا أقصد التخصص الاقتصادي ولكنني أقصد الشهادات المختومة في سوق مريدي وما استولد اليوم من أسواق متخصصة.. وهؤلاء هم من جيش مافيات الفساد الجديدة وهم يتحكمون بالوضع ومثلما اشتروا شهاداتهم الفاسدة زورا يبيعون الشهادات والدرجات بأثمان بخس وساء ما يفعلون، وبالتأكيد مطلوب وقفة لمراجعة الأمر ومعالجته هنا...
وهناك أساتذة لا يستطيعون صد هذه العمليات السوقية لضغوط من تهديد بالاختطاف وقطع الرزق والتسريح من العمل وضرب العائلة وضغوط نفسية واجتماعية من التكفير والإساءة،  بتهم الفساد والتشهير وتهم التكفير السياسي الرائجة اليوم وحتى التصفية أو على أقل تقدير التهجير في يوم أسود أظلم وإن كان اليوم في وضح النهار وظهيرته... وهناك أساتذة يمشون جنب الحيط وآخرون يمضون آخر العمر والعملية بعامة فساد قسري مع سبق الإصرار؛ فمن يحمي هؤلاء كيما يؤدوا واجباتهم بأفضل الطرائق.........؟
 
إنَّ من يشتري الأسئلة لابنه أو ابنته يساعد في الجريمة! وإن من لا يتابع أبناءه في دراستهم يساهم في الجريمة! ومن لا ينظر في دروس ابنه ومحاضراته وفي علاقاته وبمن يحتمي، يشارك في الجريمة! ومن يقبل لنفسه أن يكون عضوا ناشطا أو صامتا في حزب من أحزاب الطائفية وتغيير المناهج سياسيا يشارك في الجريمة! ومن يبصم لفلسفة الطائفية داخل حزبه و\أو خارجه يشارك في الجريمة! ومن يصمت في مفسدة قد لا يمكنه أن يوقف صمته عن مفاسد ستخترقه هو بالذات يوم لا مجال إلا لــِـ "لات ساعة مندم"...
القضية ينبغي أن تخاض بنضال عنيد يشترك فيه الأهالي والطلبة والتدريسيون وإدارات المؤسسات فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. ولن تستنزل السماء التغيير مع المطر.. ولكن البركة لا تأتي إلا بالحركة...
 
القضية تبدأ بالإصرار على وضع استراتيجيات ثابتة وشاملة تنسجم والدستور وقيم القانون الذي يحمي حقوق الناس وقيمهم الإيجابية ويكون السقف الإنساني الذي يمثل المعارف الحقة الصحيحة...
إن المخطئين ليسوا دائما مجرمين أشرار يجب إبادتهم ولكنهم قد يكونوا ممن وقعوا في الخطأ إنسانيا لنقص أو لقصور معرفي أو غيره أو دُفِعوا إليه لتضليلِ ِ أو إكراه وقسر أو أُجبِروا تحت ضغوط عنفية كما إن إدانتنا للخطأ لا تعني دعوتنا لإبادة المخطئ ولا تعني أننا نتناقض بطريقة المَحق والسَّحق بل تعني أننا ضد الخطأ تماما لإزالته نهائيا وجذريا ولكننا مع المخطئ حيثما أصلح خطأه...
 
وفلسفة العداء ليست من التعليم والتربية وفلسفة المناحة ليست منه كذلك وبديلنا فلسفة التسامح ونسيان الماضي والاتعاظ به ومنه واستيلاد فلسفة التسامح على أنقاضه كيما تنمو وتحيا فينا وبيننا توكيد لمضمون التعليم ودوره ومستهدفاته... فإصلاح التعليم يجب أن يقوم على هذه الرؤى الإنسانية السمحاء...
 
عليه يمكن تشخيص أشكال الفساد بمتعلقات تتمثل في:

1.  الفساد في نهب المخصصات في الميزانية للأبنية أو في توزيع الحصص بين المشروعات التعليمية بطريقة صحيحة ما يتيح فرص الانتهاز والقنص...
2.  الفساد في سرقة أموال مخصصة لتوفير الخدمات والتجهيزات، حتى أننا صرنا بصدد بناء مدارس طينية أو تصليحات أسوأ من ناقصة كما في سرقة أصباغ جدران مدارس أو استخدام بدائل مضرة صحيا أو التقصير بعامة في تزويد مدرسة أو كلية أو معهد بالمطلوب الضروري...
3.  الفساد في العلاقات بين الطلبة أنفسهم عندما يتم استغلالهم من ممثلي العصابات وميليشيات محددة وبينهم وبين الأساتذة عندما يستغل الطالب انتماءه هذا في ابتزاز المعلم أو الأستاذ والفساد يجرّ هنا إلى أمر آخر:
4.  والأمر الآخر يكمن في الحصول على الأسئلة الامتحانية وفي الحصول على درجات ونتائج مميزة  أو في الحصول على بحوث علمية وحتى شهادات علمية  جامعية... وضمنا الحصول على شهادات وزارية مدرسية مهمة...
5.  الفساد الذي يخفي تمرير طبيعة المصادر الدراسية وتجهيزات المكتبة وإخفاء أخرى لا تتلاءم وتوجهات من يقوم بهذه الجريمة... وطبعا إبقاء المكتبة خاوية أو ضئيلة في تزويد الطلبة باحتياجاتهم...
6.  الفساد في حجم المحاضرة في زمنها وتوقيتها وفي مضمونها ومحتواها وفي علاقتها الحقة بالمادة العلمية...
7.  الفساد في توظيف المختبرات وإجراء التجاريب العملية أو الميدانية بما يمرر الأمور بطريقة لا تمكن الطالب من تحويل معارفه النظرية إلى التطبيق...
8.  الفساد الإداري في هيكل المسؤوليات حتى وصل الأمر إلى تعيينات بمستويات مهمة وعليا في وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي بطرق ملتوية كما حصل على سبيل المثال لا الحصر في المدة الواقعة بين توقف وزير التعليم العالي وعودته لعمله لظروف العلاقات السياسية داخل الحكومة...
9.  الفساد في قضايا البعثات والزمالات الدراسية وتمرير ما يخدم المحسوبيات وغيرها من أمور تتداولها الأوساط المعنية...
10.           الفساد في التعاطي مع تكليف مسؤول أو أستاذ أو ترقياتهم الإدارية أو العلمية...
11.           الفساد في أمور تقديم المؤلفات والكتب والبحوث للطبع والتعضيد وما أشبه..
12.           الفساد في نسب القبول وتمرير من ليس له حق على حساب من له الحق وحرمان نسبة مهمة من الطلبة من حقوقهم في التعليم المتخصص والعالي في ضوء الحجوم  أو الطاقات الاستيعابية غير المسؤولة...
 
إنَّ هذا وغيره يجري بذرائع الاستفادة المادية والابتزاز لأسباب فكرية سياسية أو فرض سطوة جهة ونفوذ أخرى أو لدواعي الانفلات في تنفيذ القانون وسطوة أفراد لا كفاءة ولا حتى شهادة حقيقية يمتلكونها لتسلم مسؤولية أو أخرى.. حتى صرنا أمام أشباه أميين يحاضرون في مواد علمية! فكيف السبيل لحل المشكل المعقد؟ وقبل الدخول في مقترحات أولية للحل ينبغي القول: إن هذه القراءة تريد التوكيد على أن الحل سيكون أفضل بوجود استراتيجيات شاملة لا تقف عند حدود التعليم العالي نفسه كما أن القراءة هذه تعرف وتؤكد على أن الأمر لا يكمن في اتهام القيادات بالمطلق أو مفاصل محددة فلا لغة الاتهام بصحيحة ولا خطاب الاحتراب والإيقاع بالآخر وإلقاء المسؤولية على أكتافه بمفيد لحل جذري..
فنحن جميعا نتعاضد ونتفاعل لتوحيد الجهود وإن اختلفت الرؤى كيما نجد السبيل الأمثل لغد أفضل... وكما أوردنا فحتى المخطئ لا نقف منه موقف الإدانة والتصفية والإقصاء ولكننا نتخذ من خطاب التفاعل الإيجابي البناء وسيلة لإزالة الخطأ واستبداله حيث ثبات الصائب باتفاق الجميع. فالذي حاول فأخطأ والذي جاء بالبديل فأصاب، كلاهما يقصدان القيم الإنسانية الصحية الصحيحة ولكنهما لن يصلا من دون تعاضدهما وتفاعلهما إذا ما انشغلا في صراع التقاطع وخطابات الاتهام وإلقاء المسؤولية والتنصل منها كل لمصلحة ضيقة محدودة؛ فيما يمكنهما أن يفلحا في الحصول على ما يناسبهما معا من دون آلام أو نتائج الاصطراعات...
 
وبالعودة للمعالجات المقترحة فإن جملة إجراءات تنتظرنا في هذا المجال:
 
1.  فأولا نحتاج لاسترتيجيات في التعليم وخطط تدرس الحجم الحقيقي المتوافر من مؤسسات تعليم وما تمتلكه من قدرات استيعابية أو قدرات لأداء الواجب التعليمي ذاته...
2.  وفي ضوء دراسة الحجم السكاني والطلب الحالي والمستقبلي يجري رصد النقص الفعلي الذي ينبغي تلافيه بخطتين مؤقتة عاجلة وأخرى بعيدة مؤملة...
3.  تطهير الجامعات والمدارس من أصحاب الشهادات المزورة والكفاءات القاصرة..
4.  منع تسييس المدرسة والجامعة، ومنع دخول أية فلسفة حزبية أو فئوية إليهما..
5.  منع الفكر العنصري والطائفي والشوفيني الاستعلائي وتعميق الرؤية العلمية الصحيحة الممتلكة للحياد الإيجابي ومنطق التفكير العقلي التنويري..
6.  البحث في تطوير الأستاذ وكفاءته وإدخاله في دورات تفعيل مناسبة.. وتوفير حاجاته الإنسانية كيما يبقى بمنأى عن التفكير بضغوطها عليه وطبعا توفير الحماية الأمنية والاستقرار المناسب الذي يحميه من الابتزاز...
7.  البحث في تطوير المحاضرة وأدواتها بدءا بالأستاذ المحاضر وليس انتهاء بالمواد التي يحتاجها لأداء محاضرته وطبيعة الفصول الدراسية وحجمها من جهة عدد الطلبة وطريقة جذب انتباههم إلى المجاضرة..
8.  تطوير الأبنية والتجهيزات ومنع ظواهر الغش السائدة وما تتسبب فيه من أشكال القصور والثغرات...
9.   تطوير المكتبات والمختبرات وتجهيزاتهما...
10.           تطوير أسس البحث العلمي وربطه بظروف المجتمع ميدانيا...
11.           تطوير المناهج وإتاحة الفرصة لجعل المفردات مرتبطة بحاجات المجتمع من معارف وعلوم..
12.           افتتاح الكليات والأقسام العلمية على وفق ظروف اليوم والغد ورسم خطط تتناسب والتقسيمات المؤملة من التعليم العالي وكذلك من مدارس توفر الكوادر الوسطية التي تستجيب لمتطلبات المرحلة...
13.           وضع المسابقات العلمية وغيرها والجوائز التقديرية التي تشجع البحث العلمي والأفضليات في العمل والإنجاز على مستوى التعليم العالي والمدرسي...
14.           وضع الميزانيات الوافية ذات الأولوية للتعليم العالي تجاه الأمور والمفردات الأخرى في خطط الحكومة...
15.           إدخال التعليم الألكتروني رسميا في استكمال أساليب الجامعات التقليدية المنتظمة والاعتراف للتعليم الألكتروني المستقل نظاما تعليما مهما يساعد في تقليل الكلف المادية من جهة وتعزيز فرص التعليم وإتاحتها للطلبة الذين يبقون في أعمالهم إلى جانب مواصلة تطوير قدراتهم العلمية...
16.           توفير الربط المناسب بين وزارة التعليم العالي وبين بقية أجهزة الدولة بما يوفر فرصا مضافة لصالح تفعيل دور هذه الوزارة وتنقية أجوائها لأجل اسلم النتائج...
17.           إيجاد خطة مركزية خاصة بوزارة التعليم إلى جانب دور هيأة النزاهة في مطاردة بؤر الفساد ومحوها... على أن يكون لها جهاز إداري إلى جانب الأجهزة والمعنيين الذين ينهضون بأنشطتهم في مجالات العمل بمختلف مؤسسات الوزارة وقطاعاتها...
18.           توسيع دائرة التعاون مع الجامعات في بلدان الجوار وعالميا وإدخال خطة تطوير وتنمية تضع هدفا مبدئيا يرتقي بالجامعة العراقية إلى مصاف الدخول في جداول الجامعات الأولى عالميا ويبدأ الأمر بالتأسيس لمقياس عراقي محلي على مستوى كل الجامعات العراقية وعلى مستوى جامعات الأقاليم وجامعات التخصص القطاعي وبين الكليات والأقسام والأبحاث والعمل من بعد على التأسيس لمقياس شرق أوسطي أو دعم هذا المشروع الذي بادرت به جهة معروفة حاليا...
19.           الإفادة من المنظمات الدولية والجامعات في أداء بحوث التطوير وفي تنفيذ مشروعات ميدانية واستراتيجية بخاصة في الاستثمارات الكبيرة وتلك التي تحتاج لخبرات غير متوافرة بسبب هجرة العقول أو لغير ذلك من أسباب..
20.           عقد المؤتمرات وتوفير المؤسسات المناسبة لجذب تأثير العقول المهاجرة مثلا عبر مؤسسات أو جامعات التعليم الألكتروني بمقراتها المهجرية لصالح المعالجة التي تتطلع لهذا الغد الخالي من أشكال الفساد التي طرأت على أوضاعنا...
 
*     تحفظ: هذا لا يقصد بتاتا صحة مسألة إعادة المهجَّرين العراقيين الأصائل
**   تحفظ: هذا يستثني المخلصين المعروفين بالتأكيد
*** تحفظ: ليس المقصود شمول العمامة حيثما كانت في إطرها أو حدودها المقبولة الصحيحة
**** وجود زعران وطفيليون ومعتدون في جهة أو أخرى لا يلغي إمكان أن تكون جهة مقبولة من المجتمع بفضل مسيرة تنقيتها من الداخل وتفاعلها مع القوانين بموضوعية ومصداقية وصواب...

 
***** تحفظ عام:  لا يوجد في مضمون هذه المعالجة أيّ تعرض سلبي لأية جهة دينية أو سياسية أو اجتماعية بأية صفة سلبية قد يتوهمها طرف أو قارئ.. ولا نزعم لأنفسنا إلا أن نؤكد حقيقة واحدة هي أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح وأن المخطئ ليس بالضرورة مجرما وفي جميع الأحوال سيبقى العلاج كامنا في خطاب التسامح من جهة وفي خطاب التصحيح والتقويم والركون إلى الصواب ومنطق العقل والحكمة مقابل فوضى الجهالة والتخلف... وهذا لا يأتي بوجود خطابات الاتهام والتعريض بل يأتي بخطابات التفاعل الإيجابي البناء بين الجميع ومن يقع في خطا أو خطيئة يمكنه تجنبها والعودة عنها على وفق ما تحكم به القيم الإنسانية وقوانين تطبيق الصائب منها... وهذا بالأساس موجود في بيت الحكمة ودار العلم والمعرفة وجهاز العقل البشري في إطار التعليم مؤسسة نزيهة بعيدة عن الفساد والإفساد من أي لون وشكل...

105
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان:
مطالب ملحة وإجراءات تنتظر الأفعال لا الأقوال

 
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث سياسي أكاديمي\ناشط في مجال حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com

 
بدءا أود التوضيح أن هذه الكلمات هي مجرد تداعيات تتحرك في فضاءات ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومحاولة عرض مواده ومبادئه تعزيزا لثقافة حقوق الإنسان لدينا.. مع المرور على تجليات تلك العناوين العريضة في الواقع العراقي في السنوات الخمس المنصرمة...  ومع وجود تطورات إيجابية عديدة ينبغي التأكيد على وجودها إلا أن التركيز على الجوانب السلبية منتظر هنا ومطلوب بغاية إزالته والأتيان بالإيجابي مما نأمل استنتاجه في ضوء ما يرد في السياق.. وينبغي الإشارة إلى كثير من عناصر الصحة في واقعنا وعناصر استيلاد الخير والحصول على حقوق مضافة لتصل إلى الصورة النموذجية لما أراده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ولكننا يجب ألا نخشى من التعرض لمجريات الثغرات والنواقص والأخطاء والجرائم كذلك؛ مما جرى ويجري في حياتنا...
****
جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليؤكد أنَّ أساس الحرية والعدل والسلام في العالم تأتي من  إقرار ما لجميع البشر من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة للجميع؛ وقد أثبتت التجربة الإنسانية بأنّ تجاهل حقوق الإنسان قد أفضى إلى أعمال أثارت بهمجيتها الضمير الإنساني، ما أكد أهمية المناداة  لبزوغ عالم يتمتع فيه الإنسان بحرية القول والعقيدة وبالتحرر من الخوف والفاقة، والعيش في أجواء التقدم الاجتماعي وتحسين مستويات الحياة في جو من الحرية أفسح، وفي أجواء تنمية العلاقات الودية بين الأمم،  مع تمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانوني على أساس من القواسم المشتركة والفهم المشترك لهذه الحقوق كيما لا يضطر إنسان أو آخر للتمرد على الطغيان والاضطهاد وعلى معاملة الآخر غير السوية له... وفي ضوء ذلك كانت مفردات هذا الإعلان الأمر الذي يتطلب دائما المراجعة ووضعه بين يدي أبناء الأمة بغاية التعرف إلى الواجبات والحقوق والبحث في سبل التنفيذ والتطبيق بأفضل الطرق المتاحة...
 
لقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن الناس كافة يولدون أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق ما يفرض قيم الإخاء بينهم(م1)  وأنَّ  لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر وفضلا عن ذلك لا يجوز التمييز علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلا أو موضوعا تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أم خاضعا لأي قيد آخر على سيادته (م2)...
فيما نحن نرصد يوميا أشكالا كثيرة من التمييز التي يتعرض لها الإنسان في وطنه أو مهجره أو بلد تجنسه أو البلد الذي لجأ إليه أو توجه للعمل فيه.. إذ ما زالت العنصرية عنيدة في وجودها وفعلها الإجرامي ومثل ذلك الموقف من الآخر بسبب لون  البشرة ولاحظوا هنا مجريات الأمر في دارفور وجنوب السودان والنوبة وفي ثقافة التخلف التي تربط بين مفردتي العبد (والعبودية) وصاحب البشرة السوداء كالمتداول عند بعضهم في العراق! بخلاف ما جاءت به المادة الرابعة التي نصها: لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده، ويحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما
أما التمييز على أساس من الجنس فقضية المرأة ما زالت تئن من عهود طويلة من الضيم والاستلاب والمعاناة؛ فهي لا تمتلك أوليات حقوق الإنسان لمجرد كون هذا الإنسان من النساء! وكما ترون فهي لا تمتلك حق الدراسة أو العمل أو التصرف واتخاذ القرار كما للرجل.. وثقافتنا ما زالت منذ آلاف السنين ثقافة ذكورية بحتة تصادر كلَّ شيء لصالح الرجل وتؤوِّله ذكوريا فحتى اللغة في أصل مفرداتها لا يقولون: إنها كانت تساوي بين الإنسان والإنسان بل يقولون إنها ذكورية الأداء.. والمرأة تابع ذليل يتحكم بحياتها [الرجل] حتى لو كان ابن عشر سنوات فهو القيِّم على أمّه التي ولدته ويجري تأويل الأمور دينيا بغير ما أريد للرؤية الدينية في أصلها لتمرير تقاليد وعادات بالية أو كما قلنا ثقافة التخلف التي لا تنتمي لدين بقدر ما تنتمي لطبيعة الذهنية البائسة المرضية..
وإذا ما رصدنا حال المرأة في مجتمعات تعاني من ظواهر العنف كما حالها في الصومال والعراق وفلسطين فإنَّنا سنجده الأسوأ عالميا.. فهي تتعرض لأبشع حالات الاستغلال والاستعباد والإذلال.. فإهانة الأم التي كرمت بالجنة تحت أقدامها أمر يتفشى وإذلال الأخت والزوجة أوسع..لقد بيعت المرأة في سوق النخاسة واتسع استغلالها البدني الجنسي وتقبع تحت ضغط الخوف والهلع من الاغتصاب الذي تصاعدت أرقامه بلا سجلات ولا رصد ولا إدانة وصارت تجارة الاختطاف تذكر بالنسب والأرقام وتمَّ تصدير آلاف منهن للمتاجرة في بلدان أخرى (راجع دعوة المادة الرابعة)...
إنَّ المرأة الممتهنة في كرامتها هي ذاتها التي يجبرونها على التظاهر في الشوارع ملفوفة بكتل من أقمشة معتمة سوداء مما يلتحفه البشر في الأجواء الصقيعية وهي ترفع شعار الإكراه والاستلاب بأن "أعيدونا إلى بيوتنا" وهكذا تلاحظون إلى أي حد يجري الاستغلال والمصادرة حتى يتم استلاب ما لدى الشخصية من إرادة وقرار فتتحدث بلسان غير لسانها وبإرادة غير إرادتها على الرغم مما في هذا من إذلال وامتهان كرامة ما أمر به دين ولا سنّه تشريع...
فمن يحمي المرأة  في بلد تسود فيه الفوضى ويسطو عليه العنف؟ ومن يحميها في بيتِ ِ، السيادة المطلقة فيه لصوت ذكوري يعمل ما بدا له وعليها أن تصمت وتسكت حتى عندما تـُستلب من أعز ما تملك؟  من يحميها في ظرف ترفع الأحزاب فيه خطاباَ َ لثقافة التخلف؟ ومن يحميها حتى من نفسها عندما تضطر للتمرد على ذاتها والآخر حيث لا وعي أمام بشاعة الاستلاب والمصادرة سوى ردود الفعل السلبية التي تتبادل التأثيرات المرضية مع محيطها العنفي المريض..؟ وهل بعد هذا القليل من فيض البشاعة، حديث عن المادة الثانية (والتمييز على أساس الجنس) وحقوق المرأة لا في المساواة بل في إنصاف أبسط حقوقها؟
إنَّ البنت تولد (مكروهة!) كما يسود في وعي نفسي واجتماعي نهرت عنه الديانات (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت) ومع ذلك ما زالت الأمور على ماهي عليه.. والبنت تُحرم من المدرسة فالأولوية لإرسال الولد والتبرير جاهز اليوم خوفا عليها من الخطف والفضيحة أو لأنها في النهاية ربة بيت وزوجة وأم وكأن ربة البيت والزوجة والأم مفروض عليها ألا تتعلم! وأن تكون جاهلة أمية! والبنت هي أول من يترك الدراسة ويتسرب منها فقد كبرت ونضجت وصار خطرا أن تستمر في المرواح إلى الدرس.. والبنت الطفلة التي تتعرض لاعتداءات منزلية وفي الشارع هي الطريدة الأضعف والجناح المهيض المكسور الذي لا يمكنه أنْ يخبر أحدا عن أي اعتداء أو تحرش من أيّ نوع لأنه في كل الأحوال سيكون سلاحا ضدها ومعروف أنَّ المغتصبة يجري تصفيتها وقتلها بدل معاقبة الجاني بل صرنا نسمع عن تصفية لمجرد أنّ فتاة تحدثت مع جار أو زميل دراسة أو عمل في وضح النهار وأمام العامة! وخطاب "البنت عار" وثقافة "العار والعورة" هذه تبقى في صدارة الحواجز التي تعلو ولا يعلى عليها في ثقافة التخلف... وفي العمل ستبقى هامشية لأنها امرأة وفي النقابة والرابطة والاتحاد والحزب الترشيح للرجل لأنه الأوفر حظا في الحركة وفي التعاطي مع العلاقات.. والقائمة تطول ولا من مجيب عمّن يوفر الحماية القانونية في ظل فلسفة التخلف التي تتحكم بالرجل الحاكم الآمر الناهي في بيته  وبالسياسي الحاكم في دولته بسطوة الذكورية من دون النساء المحسوبات عبيد العصر...
أما التمييز للغة أو الرأي السياسي ففيه إشارة لتعرض أبناء الأغلبيات العددية لأبناء (الأقليات) العددية وفيه سطوة السياسي من لون على آخر من فكر مختلف؛ وعدم الاعتراف به وبحقه في الوجود ما يدفع لسلوك مسالك التمرد والعنف وخطابات الصراع التصفوي الخطير.. ومثل هذا عندما يتعلق الأمر بدين ومجموعة دينية صغيرة وما تلاقيه من ازدراء وتهميش وإهانة وطبعا من عنف ومع أن بعض هذه المجموعات ليست أقليات بل هي مكونات مهمة تطبع وجود الدولة بسمة التعددية والتنوع كما في العراق فإن المسيحي [لاحظ أيضا القبطي في مصر والدرزي في أماكن أخرى] والمندائي والأيزيدي قد تعرضوا لمطاردة تصفوية دموية لم تقف عند التهجير والإبادة المعنوية ومحاولة قسرهم على ترك دينهم بالعنف والقوة كما في تزويج نساء هذه المجموعات قسرا من (إسلامويين) أو الاغتصاب والاختطاف والابتزاز في ضوء ذلك بل توجه الأمر للقتل بالجملة أو بجرائم الإبادة الجماعية الجارية في مدن عراقية مهمة وكبيرة كالبصرة والموصل والعمارة والناصرية وغيرها! فأي حقوق ومن يحميها إذا كان من يقوم بالجريمة يستظل بفكر الأحزاب الإسلاموية الطائفية ويحظى بدعمها وتشجيعها ومناصرتها!!
 
يقول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه (م3) ويقول: لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة (م5) وهو ما لا يجده العراقي في ظل الانفلات الأمني وضعف مؤسساته الأمنية العسكرية المسؤولة عن حمايته.. إلى حد أن منظمات حقوقية رصدت تصفية وتعذيب وابتزاز واغتصاب حتى داخل [معتقلات] هذه المؤسسات وهو أمر كان سجلا ثابتا قبيل مدة وجيزة بسبب عمق الاختراق في هذه الأجهزة؟!
ولست أدري كيف يُنظر إلى قول الإعلان: لكل إنسان، في كل مكان، الحق بأن يعترف له بالشخصية القانونية (م6) والعراقي من أية فئة من فئات التمييز لا شخصية قانونية له فلا المرأة وهي  ثلثا المجتمع ولا المسيحي والأيزيدي والمندائي وغيرهم بأصحاب شخصية قانونية مساوية لأبناء الأغلبية العددية في كثير من الأمور وهذا خلاف ما قالته المادة 7 من أنَّ "الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز"..
إنَّ عبارة سواء تعني أن يرشح لأي منصب وألا يُخضع لحصة وأنكى من ذلك حصة الأقلية بمقدار أتفه من التهميش وعدم ذكرها أفضل من ذكرها كما في قضية الكراسي الستة المعروفة لتمثيل هذه المجموعات العراقية الأساسية  ممن يطلقون عليهم (الأقليات) في العراق.. والمساواة تعني غدا على سبيل المثال أن الحكومة التي تتشكل من 20 وزيرا قد يكونوا جميعهم من المسيحيين أو من المندائيين أو من الأيزديين لأن الأفضل من بين الموجودين لشغل الحقائب الوزارية هو من هذه المجموعات ولو أن الأحزاب السياسية رشحت بلا تمييز ولا محاصصة أغلبية وأقلية فسيظهر برلمان من شخصيات مسيحية أيزيدية مندائية ولكن عقدة التهميش والتمييز والنظر للشخصية بلا مساواة حقيقية هو ما يشوه الفلسفة التي تتحكم اليوم بالوضع العام.. فمن يعيد كفة الميزان للعدل والمساواة؟؟ ويحقق دعوة الإعلان العالمي بله ثقافة التسامح الإنسانية التي وُجِدت منذ الرسالات والشرائع السماوية وتراث الإنسانية في هذه الأرض المعطاء فكرا وقوانين وفلسفة تنويرية  تحررية عريقة..
فإذا أضفنا إلى ذلك قول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياه الدستور أو القانون." (م8) فإننا سنجابه مشكلات كبيرة إذ أن كفالة وصول هذا الشخص للمحكمة غير متوافرة ميدانيا وفعليا في زمن يمكننا الحديث عن القضاء في الدولة الإسلامية (هنا في العراق الوسيط) قبل قرون أنصف أحوال رعيته من مختلف الأطياف بخلاف سلطة أحزاب الطائفية التي لا ترى(اليوم)  في هؤلاء إلا تهديدا لسلطتها...
ومما يشيع اليوم الاعتقالات الكيفية في بلدان الشرق الأوسط في كثير من الأحيان بخلاف المادة التي تتحدث عن ذلك بقولها: "لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا" (م9) ولننظر إلى مدة الاعتقال بخلاف الدستور وبخلاف قوانين حقوق الإنسان إذ بعض المعتقلين ما زالوا بلا محاكمة مذ سنوات.. وعادة ما يتم الاعتقال بناء على شبهة أو تقرير كيدي وعادت حليمة كما يقولون لعادتها القديمة وكأننا لم نغير نظاما في العراق مثلا بل شخوصا... ونحن نلجأ هنا إلى المواد التالية من الإعلان لتوكيد حقوق الإنسان أينما كان وبخاصة هنا بودنا التوكيد على مجريات الأوضاع في بلد أراد شعبه وهو يتخلص من نظام استبدادي مطلق أن يتجه ديموقراطيا ولكنه ما زال بعيدا لأسباب عديدة ومن المفيد تسجيل مواد الإعلان التي تقول إنَّ: "لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة محايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه"(م10) وأنَّ "1. كل شخص متهم بجريمة يعد بريئا إلى أن يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه. 2.  لا يدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل جرما بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لا توقع عليه أية عقوبة أشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل "(م11)..
ونذكر هنا بمجريات الأوضاع في بلدان شرق أوسطية كما يجري في إيران من استلاب لحقوق المعتقلين وتعريضهم للتعذيب والتصفية وأحكام الإعدام التي لم تبالِ بنداءات عالمية بالضد من تلك الإجراءات؛ كما نذكر بما يجري في السجون الإسرائيلية للأسرى الفلسطينيين من رجال ونساء ومن خرق لكل المواثيق الدولية والإنسانية بشكل فاضح وبالتعارض مع هذه المواد التي تثبت حقوق الحياة والكرامة والمساواة والحريات والحقوق القانونية بمنع استمرار الاحتجاز والاعتقال وبمحاكمات مدنية عادلة الأمر الذي لا نرى إلا بشاعات مهولة بخلافه! ومن الطبيعي هنا أن تجري ردود فعل خطيرة حتى يتم التدخل وتصحيح المسار ووضع الحلول النهائية بالخصوص...
 
م12: لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته، ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات..
فكم نشهد من تشويه تحت مظلة الصراع الانتخابي ومصالح الحزب على الآخر وكم شاهدنا من تعرض للشخصيات الوطنية التي لا تخضع للتيارات الطائفية من تشويه سمعة وافتعال مكائد وأحابيل بالخصوص.. وكم هي إحصاءات الاقتحام للبيوت الآمنة وكيف يتم فتح البريد؟! وصرنا اليوم نعرف ظواهر التدخل على البريد الألكتروني وحجزه باتجاه الرقيب!     
 ولسنا بحاجة للتذكير بجريمة تطليق الأزواج وتشريع ظاهرة التطليق عبر تكفير الزوج لغايات في نفس المكفرين فضلا عن منع الزواجات المختلطة عند تحول شخص من دين لآخر حتى بتنا نسمع بتهجمات على الزواج بين اثنين من نفس الديانة ولكنهما من مذهبين مختلفين!! ما لم يكن موجودا في حياتنا العراقية بمثل هذه التفصيلات الطائفية المرضية المرفوضة من خطاب الآخر (الأجنبي) الدخيل... وهل توجد حياة خاصة محمية في ظل اقتحام كل أشكال التدخلات عراقيا وعالميا حاليا؟؟؟
 
م13: 1.لكل فرد حق في حرية التنقل وفى اختيار محل إقامة داخل حدود الدولة\2. لكل فرد حق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده،وفى العودة إلى بلده.
م14: 1. لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصا من الاضطهاد \  2. لا يمكن التذرع بهذا الحق إذا كانت هناك ملاحقة ناشئة بالفعل عن جريمة غير سياسية أو عن أعمال تناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها

 
إن وصف الوضع العراقي الحالي معقد تماما إذ الاحتراب الذي جرى بناء على تدخلات سافرة في شؤونه وبأدوات ميليشياوية طائفية كان سببا في الفصل والتطهير في الأحياء والمدن حتى بتنا نسمع عن محاذير لا تحد بل توقف نهائيا إمكان الانتقال بين الأماكن بحرية وصار العراقي محكوما بظروف طارئة مفروضة قسرا بسبب من جرائم تهجير سابقة وحالية فيما يحار المهجَّرون كيف يمكنهم العودة إلى بيوتهم وأماكنهم بلا كفالة جدية مسؤولة بالخصوص والتجأ العراقي للخارج فيما جابه قوانين محلية وأخرى من دول وصلها تمنع دخوله أراضيها وتحرمه حق التوجه إلى ما يراه مناسبا له... 
 وفي العودة لا توجد الظروف المساعدة الحقة لتلبيتها لا المادية ولا المعنوية وما يطلق في الإعلام ليس سوى بالونات سرعان ما تتطاير وتختفي ليقع في مصيدة جديدة بين الرحيل والعودة والبقاء معلقا بعد ذلك لا هو في بيته ولا هو في ملجأ ليبقى بلا حماية لا للإقامة ولا للتنقل... ولنتذكر أن مسائل مثل هذه تتطلب أمور مادية وغطاء قانونيا وأدبيا يزيح الضغوط النفسية والاجتماعية وغيرها...  فمن المسؤول هنا؟ لاضطرار هجر البيت تحت ضغط التطهير الطائفي؟ ومن المسؤول عن إعادة البيت لِمُهجَّر يحاول العودة بعد أن نكبته ظروف التهجير القسري وبعد فقدان ما لديه من أموال للعيش ولا نقول لاستعادة بيت يملكه بل يؤجره؟؟؟
لقد طلبت رئاسة الحكومة العراقية رسميا من دول العالم ألا تستقبل العراقي وأن تعيده إلى البلاد وبهذا فهي لا وفرت الحماية والأمان والظروف المناسبة للعيش ولا سمحت له بإيجاد بديل يلجأ إليه وكأن الحكومة تصدر قرارا بمنع العراقي من المغادرة بطريقة ملتوية وهي في ذات الوقت لم تقدم الوسائل الوافية الكافية لعودته عند رغبته أو عند إعادته من دول أخرى بل وجدنا دول أوروبية تدفع أجور الإعادة التي تجري في الحقيقة بلا رغبة أو خيار من العراقي ويمكن أن نقول قسرا والعراقي يعاني من ظروفه المهجرية  بلا من يتابع أوضاعه فيما لا تتلكأ أية حكومة عن متابعة ظروف أبنائها حتى عندما يحتاجون لعون في مساعدة حيوان يمتلكونه وُجِد في ظرف غير ملائم في أثناء السفر!!!
 
 
م15: 1. لكل فرد حق التمتع بجنسية ما \ 2. لا يجوز، تعسفا، حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته
الجنسية العراقية حق للعراقي ولكن، هل أعيدت الجنسية لمن تم إسقاطها عنهم جميعا؟ ولماذا تم [في بعض الأحيان] إدخال بدلاء فيما العراقيون الأصلاء الذين أسقط النظام جنسياتهم ما زالوا يتنقلون بين المؤسسات العراقية يطالبون بحقوقهم.. وطبعا لماذا يتابع العراقي في منفاه وهو يحاول وقف زمن استلابه ومعاناته لإعادته إلى حيث المكان الذي فر بعائلته منه؟ هل يكفي أن نشير إلى الكورد الفيلية واستمرار قضيتهم حتى اليوم؟؟
 
م16: 1. للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين وهما يتساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله \ 2. لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملا لا إكراه فيه \ 3. الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة
هل بالفعل يجري محليا احترام حق اختيار الزوج والزوجة؟ ألا ينتظر المجتمع حلا لنتائج الدراسات التي تجريها المنظمات المتخصصة بشأن مشكلات الزواج؟ أليس ما يُسمى "العنوسة" [تأخر الزواج]  اليوم بمشكلة اجتماعية معقدة؟ ألا ننتظر من وراء ذلك مشكلات أخرى أعقد؟ ألا يمثل منع الزواج بين المذاهب والديانات معرقلا ضد الحريات؟ وهل حقا يجري رعاية الأسرة العراقية بما يفي لتوفير الأمن الاجتماعي لها؟ ما المؤسسات التي ترصد الأمر وهل لها ما يكفي من أدوات وإمكانات في معالجة ما ينتظرها؟ أسئلة تذكر بالحقيقة التي يعيشها العراقي وتتحدث عن مسؤولية المعنيين بحقوق الإنسان في العراق.. وفي المهجر من المسؤول عن رعاية العراقية والعراقي وخيارهما في الزواج وفي تكوين أسرة بخاصة في ظل ضغوط المهاجر وطبيعة ظروفها وما تطرحه من مشكلات مضافة؟؟ زمن يعالج مسكلات ارتفاع نسبة الطلاق هناك ومعاناة الأطفال وما يلحق بكل هذا من تعقيدات؟
 
م17: 1. لكل فرد حق التملك، بمفرده أو بالاشتراك مع غيره \ 2. لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا
عن أية ملكية نتحدث ونحن ما زلنا لم نحل ملكية بيوت المهجرين وبساتينهم وأملاكهم المتنوعة؟ وعن أية ملكية نتحدث ونحن لا نمتلك نظاما مستقرا للعمل البنكي والقروض المطلوبة بالخصوص.. وعن أية ملكية الحديث وما زال تكرار القسر في بيع ملكية لأن مسؤولا ومرجعا في تيار ديني يأمر وينهى وهو [السيد] الذي يمنع أحدا من الاقتراب من أملاكه التي احتلها هو من مغتصبيها السابقين ومسؤولي نظام انهزم؟ الأملاك الخاصة بالدولة والأملاك الخاصة بالأفراد وأنماط التجاوزات وفوضى التربيت على الأكتف وتمشية الأمور والسكوت عن هذا لصالح ذاك.. أم نتحدث عن حق ملكية فكرية لا قانون لها في بلاد ما زالت لم تطلق قانون حماية منتظر وهي لآلاف خلت كانت أم القانون وأباه......
 
م18: لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة وأمام الملأ أو على حده
وأمام هذه المادة ينبغي سرد مجريات الأوضاع التي طاولت المجموعات الدينية من المندائيين والأيزديين والمسيحيين ومجموعات دينية ومذهبية أخرى فقد تعرض هؤلاء لجرائم بدأت بالمضايقات والتحرشات ومرت باعتداءات جسدية واغتصاب وانتهاك حرمات دينية بتخريب الكنائس وهدمها وتدمير المعابد والتقتيل الجماعي بما يمثل إبادة جماعية إلى جانب أعمال التهجير القسري والمطاردة ومنع إقامة الشعائر والطقوس والاحتفالات الدينية وتعريض أبناء هذه المجموعات الدينية للإرهاب النفسي ومنع الكتب الدينية وحق النشر والتعريف بالديانة وتعاليمها..
كما يجري حظر مطلق من أغلب الأطراف لتغيير الديانة أو المذهب أو فرض هذا التغيير بالإكراه من جهة مقابلة.. ويمنع أبناء هذه المجموعات الدينية من زيارة مقدساتهم كما يحصل بخصوص اليهود والمسيحيين وغيرهما.. ولم يجر التفاعل مع أية مقترحات بشأن فتح المجال لمثل هذه الممارسات الطقسية كمشروع فتح مجال الحج ليهود العالم لـ(العزير) في المدينة المسماة باسمه جنوب العراق... ويمنع أي تعليم ديني غير تلك المدارس الخاصة المغلقة لقوى التشدد والتطرف الطائفي التي تخرج دفعات للتشنج والإرهاب فيما الصحيح يكمن في قبول التعليم الديني تحت مظلة العلنية والشرعية التي يمكنها متابعته بطريقة تمنع توجيهه توجيها يتعارض وحقوق الناس والاعتدال والتعايش السلمي الإيجابي البناء...
 
م19: لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود
م20: 1. لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية\ 2. لا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما

 
إن حرية الرأي هي المقدمة الأولى للديموقراطية وهو الأمر الذي ينبغي كفالته بالفعل لا بالاستعراضات الكلامية الإعلانية إذ كيف يمكن كفالة حرية الرأي والأماكن والأحياء مغلقة بالقوة لهذا الطرف أو ذاك ومحجور على الناس أن يتبعوا هذه الدكانة لما يسمى حزبا طائفيا أو لتلك وتجري المذابح بين طرفي ميليشيات الأحزاب الدينية لتسيّد الموقف حتى أن مسؤولين حكوميين يبيتون دعم هذه الجهة أو تلك بحسب ميولهم فتصير الناصرية لحزب والعمارة لآخر والبصرة لتقسيمات نفوذ وأحياء العاصمة بينهم وهكذا فأي حرية رأي ومقرات الأحزاب الوطنية غير المندرجة في حماية ميليشيات وعصابات تتعرض للحرق والاعتداء والمطاردة والمحاصرة بل أن أحزابا تفتح مقراتها بناء على إجازة من أحزاب ميليشياوية وليس إجازة رسمية حكومية  فمن يستطيع أن يعبّر عن رأيه في ظل مثل هذه المقاصل المشرعة بوجه الناس.. أكثر من ذلك لا يحق للناخب التصويت لجهة لأنه لن يرضى عنه الإمام الفلاني أو الشهيد الفلاني وأنه سيدخل النار إذا ما صوت لغير حزب المرجعية (الدينية) وبالإرهاب النفسي والفكري والديني السياسي يجري مصادرة حق إبداء الرأي واعتناقه والتعبير عنه ...   لا يوجد ممنوع قانونا ولكن سيكون بطلا من يخرج على السّاطين على الشارع ومافياتهم على الطريقة المكارثية ولكن المتبرقعة هنا بجلباب الدين والطائفة.....................
 
 
 
 
م21: 1. لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية \ 2. لكل شخص، بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده \ 3. إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت
 
هل يحق بالفعل لكل عراقي أن يشارك في إدارة بلده؟ هل لأي مواطن حق في الاعتراض والانتقاد والوصول لسلطة القرار؟ إذا كان هذا صحيحا فكيف يمكنه أن يقوم بذلك وهو المضطر للهاث خلف لقمة عيشه بل خلف وسائل البحث عن أمان أهله ونفسه؟ لقد تركت الحكومة المواطن بطريقة اذهب أنت وربك يا موسى فليذهب المواطن إلى قدره فالسلطة مشغولة بأمور أهم منه بما لا يقارن!!
هل حقا يتساوى عضو الحزب الطائفي والخاضع للسيد والمرجع مع أي شخص آخر ليس إسلامويا ولا يشمل هذا عبارة حق كليس مسلما فقط؟ وهل يمكن لمسيحي أو أيزيدي أو مندائي أن يتقلد منصبا عاما حقا؟ هل يحق للمواطن العراقي أصلا أن يتقلد منصبا عاما بلا تزكية خاصة ولا نشير هنا لمحددات القانون أبدا؟؟؟؟؟ أما سؤالنا عن التصويت وحمايته فإن خروقات انتخابات الأصابع البنفسجية تشير إلى أن وريقات التصويت لم تكن جميعها من لون تلك الأصابع بل جاءت بنسبة غير قليلة بأصابع إقليمية الوجود اللوجيستي ومافيوية التحكم...
 
م22: لكل شخص، بوصفه عضوا في المجتمع، حق الضمان الاجتماعي، ومن حقه أن توفر له، من خلال المجهود القومي والتعاون الدولي، وبما يتفق مع هيكل كل دولة ومواردها، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته في حرية
 
هل حقا مكفول الضمان الاجتماعي لكل مواطنة ومواطن؟ ويصل مرتب الكفاف لهما؟ ألم يمت في العام الفائت أناس من الجوع والمرض والفاقة والعوز؟ ألم تسجل الإحصاءات مستويات تحت خط الفقر كما لو أننا في دولة إفريقية الموارد الهزيلة؟؟ أليس نصف المجتمع العراقي في خط الفقر وربعهم تحته وأن أزمات جدية تعصف به؟؟ فأين حقوق الشعب في ملكيته وثرواته؟ وأين الميزانية الطائلة من إشباع يتيم جائع أو حرة ثكلى؟؟؟؟؟
 
 
م23: 1 . لكل شخص حق العمل، وفى حرية اختيار عمله، وفى شروط عمل عادلة ومرضية وفى الحماية من البطالة\ 2. لجميع الأفراد، دون أي تمييز، الحق في أجر متساو على العمل المتساوي\ 3. لكل فرد يعمل حق في مكافأة عادلة ومرضية تكفل له ولأسرته عيشة لائقة بالكرامة البشرية، وتستكمل، عند الاقتضاء، بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية\ 4. لكل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه
 
حق العمل عراقيا في ظل مؤسسة دولة تقتسم الوظائف بالمحاصصة أولا وبالتزكيات الحزبية الفئوية ثانية وبالمحسوبية ثالثا وبالرشاوى رابعا وطبعا خامسا وليس أخيرا بالابتزاز والشروط المخصوصة واستثماريا وفي القطاع الخاص تبقى الاستثمارات الطفيلية لا تمنح عدالة خيار للعمل وفي ظل أجواء كهذه لا عمل لأصحاب الشهادات والتخصص ولا عمل للتكنوقراط لا في وزارة ولا إدارة عامة ولا حتى وظيفة عادية لأن كل شيء محجوز ومفصل على الشخص الجاهل ولكنه الممتلك لأداة توظيف مما مر ذكره.. والحكومة في توجه ليبرالي وتحت شعار الخصخصة لا علاقة لها بكفالة العمل لآلاف المرميين على الأرصفة من خريجي الجامعات حتى أن أصحاب شهادات طبية يتظاهرون من أجل حقهم في العمل الرسمي في ظل نقص وشح في الكفاءات الطبية ولا من يستجيب للتفكير بتشغيلهم؟!!
دع عنك قضية الأجور المقيسة حكوميا بمعايير زمن الدينار يساوي ألف فلس مقابل الفلس الذي يساوي اليوم دينارا.. وقس على ذلك مجموعات الاستثمار ورصد أجور لأعمال بطريقة كيفية لا علاقة لقوانين الاقتصاد بها... ومن يمكنه أن يتدخل في رأي صاحب العمل وقراره في زمن دعه يعمل دعه يمر والقصد في دعه يمر هو حرية المستثمر فقط  في استباحة للقانون وعدالته... أما كيف تستكمل حقوق ضعيف الأجر فبعمل إضافي يفوق طاقته وليس بحماية حتى بتلك الشبيهة بالحماية الموجودة في دول الراسمال نفسها..
وليس لهذا المواطن المستلب حق أن يشكل نقابة أو جمعية أو مؤسسة تدافع عنه إلا بوسيلتين واحدة لاحتوائه وابتلاع مطالبه والضحك على الذقون أو بتهميش ومحاصرة وتضييع لصوت الجهة التي تتشكل بعيدا عن خيمة المصادرة والاستلاب.. وطبعا خلا ذلك ممنوع أن نسمح لجهة فاعلة أو لشخصية ناشطة أن يعلو صوتها وسط عجيج وضجيج مشاغلة الناس بأمور أخرى غير مصالحهم وتنظيم أنفسهم بطريقة متمدنة حضارية..
 
 
 
م24: لكل شخص حق في الراحة وأوقات الفراغ، وخصوصا في تحديد معقول لساعات العمل وفى إجازات دورية مأجورة
الراحة والفراغ الخاص بمتعة الإنسان والتفاته إلى ذاته ما هذا التبطر أيها العراقي البطران حد الثمالة؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!! ولا تعليق
 
 
م25: 1 . لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه \ 2. للأمومة والطفولة حق في رعاية ومساعدة خاصتين، ولجميع الأطفال حق التمتع بذات الحماية الاجتماعية سواء ولدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار
 
هل حقا يجري حماية الصحة والعناية بها وطنيا إذن لنتساءل عن مياه الشرب وتوفيرها للناس؟ ولنتساءل عن مياه الصرف الصحي ومقدار إيذائها لهم؟ ولنتساءل عن توافر الأدوية ؟ وعن وجودها على الأرصفة بدل الصيدليات؟ وعن تاريخ الصلاحية؟ وعن سد حاجة ذوي الأمراض المزمنة؟ وعن أجهزة المستشفيات والمختبرات؟ وعن إمكان معالجة بعض الأمراض وإجراء بعض العمليات؟ وعن بيع أعضاء الجسم بطرق غير شرعية اضطرارا؟ وعن حالات التلوث والتسمم؟ وعن حالات الإهمال التي قتلت مواطنين أو أصابتهم ببلوى مرضية كما في مئات أصيبوا بالأيدز بسبب الأبر القادمة عبر جارتنا الشرقية [الشقيقة كما صار يسميها بعضهم!!] وعن قصور التأسيس لمراكز السرطان ومستشفياته بعد أن صار السرطان لظروف بيئية أعقبت الحروب المتوالية المرض الذي يحيق بحيوات مئات ألوف العراقيين ولأجيال عديدة؟؟ علما أن التلوث الإشعاعي صار على ارتفاع قياسي لا يسمح بالعيش البشري الآمن في العراق والشعب بأجمعه معرّض للإصابة في ضوء ذلك فضلا عن تلوث أرضه ومياهه ومن ثم منتوجاته الزراعية والحيوانية بمسببات السرطان.. أي رعاية صحية و أي حق نتحدث عنه ووزارة الصحة لوقت قريب وكر لمجموعات مسلحة لجهة [وطنية!] عراقية تسمى جيش المهـ....! وهي ليست بعيدة اليوم عن محاصصة أخرى لا علاقة لها بالطب نفسه ولا بالرعاية الصحية؟ ونحن نسأل هنا ما إحصاءات الوزارة ومدى مطابقتها للواقع في وباء الكوليرا الأخير؟ وما خطتها لأي رعاية من أي شكل ومدى كفاءة واستيعاب أي مركز صحي أو مستشفى لحجم الطلب والأوضاع في أية مدينة عراقية؟؟ وما ميزانية الرعاية الصحية ومقدار أو نسبة استجابتها للوضع الذي ينتظرها واقعيا؟ وسؤال ليس أخيرا ما مصداقية شهادات أو كفاءات المسؤولين الطبيين والصحيين [في عديد من الحالات] في هذه الوزارة التخصصية التي تعنى بحياة الناس؟؟؟
 
 
م26: 1 . لكل شخص حق في التعليم ويجب أن يوفر التعليم مجانا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية ويكون التعليم الابتدائي إلزاما ويكون التعليم الفني والمهني متاحا للعموم ويكون التعليم العالي متاحا للجميع تبعا لكفاءتهم \ 2. يجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية كما يجب أن يعزز التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم وجميع الفئات العنصرية أو الدينية، وأن يؤيد الأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة لحفظ السلام \ 3. للآباء، على سبيل الأولوية، حق اختيار نوع التعليم الذي يعطى لأولادهم
 
كيف نتحدث عن حق التعليم والطفل مجبر على العمل لإعاشة أمه وأخته؟ وكيف نتحدث عن حق التعليم ويتسرب من المدرسة الابتدائية أكثر من نصف مليون طفل قبل إتمامها ولا يلتحق بها إلا ما نسبته 86% من الأطفال المستحقين ويوجد حسب الإحصاءات الحكومية 21% من الفتيات خارج الابتدائية و24% من الصبيان خارجها وحسب الإحصاءات الرسمية أيضا فنسبة البنات في المدرسة هي 38% فيما نسبتهن في المجتمع حوالي 60% ونسبة الأمية بلغت حوالي 15% وهي في الريف 25% أما نسب الحصول على الشهادات في عراق ما بعد 2003 فهي 33% الابتدائية و11% المتوسطة والإعدادية بحوالي 16% للحضر و6% للريف ودبلوما المعاهد  أو الشهادة الجامعية الأولية والعليا فيشكل الحاصلون عليها  نسبة 8% بتقدير 11% للحضر و3% للريف.. والسؤال هل يمثل هذا كفالة حق التعليم؟؟
في ظل وزارة (التربية)  تبني المدارس الطينية ولا تعنى بمختبر أو أجهزة مناسبة ولا بمصدر أو مرجع أو منهج وتسود حالات الفساد والغش والتزوير وضعف المستوى الدراسي ومخرجات هزيلة إلى جانب تخلف سياسة العمل ونمطيتها وجمودها وتعريجها على الطقوسي والمذهبي والعنصري والعرقي ولابد ماديا من التذكير بميزانية التعليم وظروف مدارس برقم 1812662 (حوالي مليونين) مرافق صحية مهجورة و3008 مرافق صحية للأساتذة مغلقة وغير صالحة و3427 مدرسة منهوبة و274 مدرسة محروقة و719 مدمرة و5929 مدرسة فيها أضرار من الدرجة الأولى و1541 بأضرار من الدرجة الثانية و2098 من الدرجة الثالثة و5332 بلا مجاري و2540 بلا كهرباء و3728 بلا ماء و4103 بسقوف فيها تسريب ولاحظوا أن أكثر من ثلث خريجي الثانوية العامة (الإعدادية) لا يحصلون على دراسة متخصصة في معهد أو جامعة وأن الجامعات ليس فيها كفاية من الأساتذة الذين تم تصفية مئات منهم ونفي قسري لآلاف آخرين لأنهم خارج سطوة الأحزاب الطائفية وفلسفتها التي تمارس فرضها على المحاضرة الجامعية والحرم الجامعي..
والطالب لا يستطيع اختيار بحثه إلا إذا كان محصورا بموضوعات محددة وصرنا نشهد عشرات البحوث للماجستير والدكتوراه عنوانها فضائل الإمام فلان وعظمة الجهد المعرفي لعلان ومع احترام كل إنسان ومكانته ورؤيته فإن فرض أو قسر وأكراه وتوجيه هذه الخيارات تماثل تماما تلك الأطاريح التي كانت تتحدث عن البلاغة في خطب القائد .... والحكمة والسداد في نهجه وفلسفته! هذا إذا كان له من فلسفة أو نظرية أو سياسة............... 
التعليم حق للطفل العراقي والباحث العراقي ولكن أي تعليم في فوضى افتتاح المدارس الدينية  على الطريقة الأفغانية والباكستانية التي خرجت آلاف الإرهابيين والطائفيين؟ وأي تعليم والإجازات تمنح لما يسمونه جامعات خاصة أو أهلية وهي صوامع لحملة شهادات مزورة ورخصهم لمجرد كونهم من حزب بعينه ومن جهة مدعومة من الجارة [الشقيقة]؟ وطبعا جرى ويجري حجب الإجازة عن جهود العلماء والأساتذة العراقيين ممن يطبقون شروط التعليم ومصداقيته لأنهم بلا دعم بالملايين من [الشقيقة] وبلا خضوع لتوجهات ممثلي [الشقيقة] وهذا اختراق يجب وقفه وطنيا فيما حق التعليم يجب كفالته ودعمه من الدولة بخلاف النهج المرضي السائد... وهذه الصورة يقابلها أخرى إيجابية نشاهدها في دول الخليج ودول شرق أوسطية عديدة والمقارنة فقط للتذكير هنا...
وطبعا مستهدفات التعليم من تكامل الشخصية وبنائها على أسس حقوق الإنسان وكفالتها وإبعاد العنصرية والطائفية واشكال التمييز ومنع قشمريات أمراض الزمن الرديء من السطو على المشهد العام هو ما ينبغي أن توضع أكبر الميزانيات لتحقيقه.. ولننظر إلى أن التعليم العالي مدعوم في بلدان رأسمالية حتى أن مجرد التفكير بتقليل ميزانيته يدعو لاحتجاج بمئات ألوف المتظاهرين ولا تخفيض في النهاية بل مزيدا من الدعم؟؟؟
مطلوب وجود رياض الأطفال ووجود المدارس الابتدائية والمتوسطة وإلزامية التعليم الأساس وتوفيره واتاحته في المراحل التالية ودعمه وتعزيز نهج الارتفاع بنسب التعليم الوسطي المتخصص والعالي وتطوير مضامينه وفلسفته ومحتوياته والارتقاء بالمنهج وتحديثه واعتماد الأساليب الرصينة والتعاون  والانفتاح على المنجز الإنساني المعاصر وتوفير القواعد الرئيسة للاعتراف بأنماط التعليم الأحدث واعتماد تدقيق العمل لتطهيره من الفساد في مختلف المراحل والمؤسسات...
 
 
م27: 1 . لكل شخص حق المشاركة الحرة في حياة المجتمع الثقافية، وفى الاستمتاع بالفنون، والإسهام في التقدم العلمي وفى الفوائد التي تنجم عنه \ 2. لكل شخص حق في حماية المصالح المعنوية والمادية المترتبة على أي إنتاج علمي أو أدبي أو فني من صنعه
 
الثقافة والفنون والآداب هي القيمة الروحية الرئيسة لوجود الإنسان وقبل مئات وآلاف السنين كان للسومريين والبابليين تراث يحدثنا عن منجز أسَّس للبشرية ما هو أروع وأبدع فكيف لنا اليوم أن نتراجع إلى الوراء فالتماثيل ترفع من الشوارع ويجري تكسيرها وتحطيمها وتحريمها وقاعات الفنون التشكيلية محاصرة ودور العرض السينمائي تحولت إلى أماكن أنقاض ومخازن ومحال غريبة على طبيعتها ودور المسرح بين خاوية ولا رعاية وبين مدمرة وبين مهددة ممنوع الوصول  إليها والانتاج السنمائي لدينا كأنه الصفر سوى مجموعة أفلام يصارع منتجوها ومبدعوها من أجل عمل أو آخر بدعم أجنبي لا غير والفضائيات بأيدِ ِ أما حزبية تمرر ما يتفق ورؤيتها أو هزيلة بأيدي من لا معرفة له بإعلام أو لا يوظف [لديه] سوى من يخضع ويباع ويشترى إلا ما ندر من الاستثناءات المشرقة التي تنتظر التغيير والتوسع
أين الشاعرة والأديبة والفنانة في داخل الوطن ومن يطبع للمبدعين من الكتّاب؟ ومن ينشر لهم؟ ومن يصل المبدع بالمتلقي؟ هل تم كفالة الثقافة الشعبية ودعم المنتج الثقافي والسماح بالاحتفاليات المهرجانية والكرنفالية أم ما زلنا بمحاصرة فلسفة شبيهة بتابوات الماضي المريض؟؟؟
 
 
م28: لكل فرد حق التمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن أن تتحقق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققا تاما
م29: 1 . على كل فرد واجبات إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل \ 2. لا يخضع أي فرد، في ممارسة حقوقه وحرياته، إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفا منها، حصرا ضمان الاعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاء الجميع في مجتمع ديمقراطي \ 3. لا يجوز في أي حال أن تمارس هذه الحقوق على نحو يناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها

 
كيف يوجد الآخر في زمن لا يقف عند عدم احترام وجوده بل يقبع على جبل متفجرات وأغطية قمع وتصفية له؟ وثقافة الاتهام والتشكيك وانعدام الثقة وعدم معرفة حقي من حق غيري وجرائم مستمرة متصلة بحق هذا الآخر؟؟!
 
 
م30: ليس في هذا الإعلان أي نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أية دولة أو جماعة، أو أي فرد، أي حق في القيام بأي نشاط أو بأي فعل يهدف إلى هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص
 
 
ومن بعد ومن قبل فكل يؤول بما يخدم سطوته ومصادرته للآخر والجريمة الكامنة في التأويل هي الجريمة الأنكى التي لا مناص من إزالتها كيما نصل حق الإنسان وتحريره من عبوديته لكلمة مواطن التي تعني حق الدولة في قمعه كما كان الاقطاعي يقمع الفلاح وقبله المالك يقمع العبد ومتى سنصل إلى محتوى للمواطنة والمواطن يحمل قيم الإيجاب والتقدم والحياة الحرة الكريمة الآمنة لوجوده إنسانا بكامل الحقوق...............؟
 





106
الثقافة العراقية بين الأمس والغد: مسيرة التعددية وغنى التنوع واحترام الآخر؟
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا  
tayseer54@hotmail.com


يعرّفون الثقافة بمجموع الأعراف والتقاليد والقيم السلوكية الأخلاقية والمعارف والخبرات ومحددات السير بمنطق عقلي مؤنسن... وتمتزج كل هذه المكونات التي تشكل تعريف الثقافة لِتـُوجـِد نهرا قد يجري طويلا وبامتداد تاريخي عريق بالقدر الذي يعكس حجمه جغرافيا أقصد في مدى منتجه المحسوس إنسانيا حيث جغرافيا الوجود البشري المخصوص...
من هنا يمكننا وضع اتفاق تام مع تلك المقولة التي سجلت انتصار الثقافة العراقية القديمة (السومرية) على كل مَن دخل ميدانها المادي (العراق) القديم الذي أعلى وجود أول شكل للتنظيم البشري المتحضر المتمدن ممثلا بدولة المدينة وتطوراتها التالية المعروفة...
وطبعا ترتَّب على ذلك وجود المؤسسات المجتمعية للدولة حيث المعلم والقاضي والإداري وحيث ظهور المكتبة والفصل المدرسي أو المدرسة والقوانين والأنظمة الضابطة لأنشطة الناس وتفاعلاتهم.. وصب إبداعاتهم المعرفية والسلوكية الأدائية في بوتقة مجتمع سومر الإنساني معين الهوية المعرفية الثقافية المتفتحة المعطاء...
ولأن تلك الثقافة تشكلت على أسس إنسانية صحيحة ورسَّخت طابعها التوليدي التطوري بسبب من صفاء الصلة مع الجذور الأولى التي عُنِيت بالإنسان هدفا ووسيلة فقد ظلت منتصرة في أدائها جاذبة للآخر مقنعة له بالتعاطي معها إيجابيا وتبني مفرداتها وهضم آليات عملها...
ولقد جاءت نتائج هذا باندماج الداخلين على المجتمع السومري المستقل الهوية في وجوده والتفاعل معه بآلية استخدام خطابه لغة ومضمونا فبقيت السومرية لألف عام تالية لغة الحياة على الرغم من  دخول السلالات الجزرية (السامية في الهجرات الأولى) على العراق وقيام بابل الحضارة ممتاحة من عراقة سومر وشخصيتها الحضارية المميزة...
وبالتأكيد كان لهذا أهميته في توطيد الشخصية العراقية القديمة التي دامت لآلاف من السنوات والأعوام، مدنية شامخة معطاء بثقافتها بكل ما فيها من معارف وتقاليد أكـَّدت معاني المنطق العقلي المتفتح في إشادة الحضارة الإنسانية بأسسها الصائبة المتينة.. تلكم حضارتنا في بابل وأكد وآشور...
وعلى الرغم من هزيمة عسكرية أودت بتلك الحضارة الشامخة لانكسار مؤقت بوجود الاحتلال من بلاد فارس إلا أن امتدادا جزريا مُعتادا (عربي هذه المرة) لأرض الرافدين أعطى فرصة أخرى ومرة جديدة لتقول الثقافة العراقية: إنها لا تنكسر وأنها المنتصرة بمنطق ثقافتها القويم الصحيح..
فوجدنا مذاهب معرفية شتى تتحدث في الفلسفة الجديدة وفي إنشاء بيت الحكمة والجامعة المستنصرية وبقيام أشكال إبداعية في الأدب والفن ما كانت لتقبل التقليد الآلي البحت في التعاطي مع اللغة العربية وثروتها الغنية المتمكنة ولكنها التي امتاحت من الاستيلاد العراقي الوسيط بكل غناه الثقافي وتقاليده التنويرية المتفتحة بمنطقها الذي لاقى تفتحا معطاء من خطاب غني في مجالات الآداب والمعارف والقيم الإنسانية...

وتدور الدوائر برحلة قرون معتمة من الاحتلال الأجنبي [من فارسي وعثماني] في نهاياته لتولد الدولة العراقية الحديثة ليس من تجميع شتات ممزق بل من نسيج متعاضد متفاعل من التنوع والتعدد في الوجود الواحد للعراقيين مذ كانوا في العراقين القديم (السومري) والوسيط (العربي الإسلامي) وحتى قيام العراق الحديث المعاصر بهذه التركيبة من الأطياف القومية والدينية المتفاعلة في قيمها ومفردات ثقافتها العامة...

لقد أثبت العراقيون عبر عقود وجود مجتمعهم في بوتقة الدولة المعاصرة  أنهم نسيج موحَّد لا يقبل التقسيم وأنهم نسيج متعدد غني بتنوعه لا يقبل إلغاء طيف فيه أو محوه من مشهده بل ليس العراق بهويته الحقة إلا خلاصة هذه المكونات ونتاجاتها بقواسمها المشتركة وتحديدا ثقافته الوطنية الواحدة...
ويمكننا الإشارة إلى كل تلك الدراسات المنصفة التي تتحدث عن الشخصية العراقية بما فيها من منطق عقلي متفتح متنور محب للمعرفة حتى أننا لا نجد عائلة ولو كانت في مجاهل القرى والأرياف إلا وتبعث بناتها وأبنائها إلى مدارس التعليم والتفقه وكسب العلوم وهو وعي ثقافي متقدم...
ومن الطبيعي لمجتمع محب للعلم ونوره ألا يكتفي بإرسال أبنائه للدرس والتحصيل العلمي بل من هويته أنه منتج الشعر والأدب والفن، ومع كل هذه كانت قيم تقديس المعرفة وصلت لحظر اجتماعي على أيّ مساس بنزاهة التعليم ومكانة المعلم وحكمت على الخارجين على هذا بأقصى العقوبات الاجتماعية والقانونية...
وعلى الرغم من القمع والتجهيل في مرحلة بعينها فقد ساد لتلك المرحلة الانتاج الفطري الشعبي سواء منه اللهجي الشفاهي غير المدون أو التشكيلي الفطري غير الأكاديمي الموثق... وسادت قيم إيجابية عليا للتحضر والتمدن كالتسامح وثقافة التعايش السلمي بين الأطياف المختلفة وثقافة احترام الآخر والاعتزاز باستقلاليته على الرغم من محاولات شق الصفوف واختلاق الاحتراب واختراق وحدة النسيج.. كما وُلِدت التشكيلات التنظيمية المحدثة مباشرة مع ولادة الدولة العراقية لتكون دليلا آخر على مصداق شموخ الثقافة العراقية وجذورها وعلو متونها وقيمها المعرفية..
لقد كان وجود الحركات الأدبية والفنية والنقابية والاتحادات والمنظمات الاجتماعية والسياسية مؤشر رقي الوعي الشعبي وتقدمه لمستويات التعاطي مع الدولة المعاصرة... ويمكننا التأشير على ولادة قصيدة التفعيلة على سبيل المثال كقضية أيديولوجية مهمة متقدمة  قبل أن تكون قضية فنية أدبية محددة في مجال التجديد والتحديث الشعري...

ومن هنا كانت المعركة الجديدة في ظل التطورات المعاصرة في تركيز القوى الدخيلة على عراق الحداثة تكمن في قمع أجهزة التعليم وتخريب هذه الأجهزة العلمية سواء منها المدرسية والجامعية أم الممثلة بالمكتبة والاتصال المعرفي وأبعد من ذلك خيضت معارك مهمة وكبيرة وبطرائق مختلفة ضد الحركة الفنية والمسرحية تحديدا بمحاولات دفع المسرح إلى جدران الكابريهات ولطخ التشويهات به [مطلع القرن الماضي ومنتصفه] أو محاولة إفراغه من محتواه ومهامه حوالي نهاية القرن الماضي وتحديدا في ثمانيناته (وطبعا لم تنجح المحاولات إياها).. وظلت أعمال التخريب في الوعي الشعبي من جهة محاولات العبث به؛ فتارة باختلاق التندر والتنكيت الذي يذكي السخرية من أطياف عراقية أو أية فقرات تحاول تهشيم جسور العلائق بين مكونات الشعب وضرب خطاب التسامح وسمات الإيجاب بين الشعب وأطيافه ومكوناته.. وهو عبث على مستوى الثقافة تحديدا..

إنَّ من بين أخطر ما قامت به القوى المعادية للشخصية الإنسانية المتفتحة في الهوية العراقية ومنطقها العقلي المتفتح هي مسألة تخريب ذهنية العمل المؤسساتي وتعزيز قيم الفعل الفردي العزلوي التقسيمي وتفعيل دور الشللية المرضية بدل الحركات الفكرية والأدبية السليمة...
وكان للمحاولات العدائية تلك نصيبها من تسيّد المشهد بفعل إفراغ مؤسسات الدولة والمجتمع من قيمها الإيجابية الحقة وتجييرها لمؤسسات حراسة وخدمة للنظام القمعي الذي طارد كل ما هو ثقافي ومعرفي وعقلي إنساني الجوهر...
ولو درس الباحثون سلسلة الجريمة المنظمة لإرهاب الدولة وسلطتها القمعية في السنوات الثلاثين الأخيرة ومحاولات قوى الاختراق في السنوات الخمس الأخيرة لوجدوا أن أبرز حلقة كانت تكمن في إرهاب العقل العراقي واستهدافه أولا من بين جميع الجرائم الأخرى وأولوياتها...
لقد تمَّ تهجير قسري لخيرة النخب العراقية في السبعينات من أجهزة التعليم والثقافة العراقية وقد سبق للنظام محاولاته تجريم وتحريم وجود أي معلم أو أستاذ في المدارس والجامعات لا يخضع لتوجيهه ومنع وحظر اتحادات الطلبة التي ثارت على نهجه وخرجت على سياساته ومنع صدور أي منتج شعري أو أدبي أو إدخاله من الخارج ومنع صدور الصحف غير تلك التي تخضع لرؤيته التخريبية الرخيصة وطبعا تابع عبر أجهزة رقابته كل مكتبة عامة وخاصة وحتى كل مكتبة بيتية كان  يتعرض أصحابها للاعتقال لوجود كتاب محظور فيها.. ومنع الأفلام والمسرحيات وفنون الموسيقا والغناء الشعبية وسطا على كل ناحية يمكنها أن تعبر عن ثقافة إنسانية سليمة فجيـَّر النقابات والاتحادات لوجوده...

ماذا تبقـَّى للشعب بعد ذلك وكيف خرجنا من تلك المعركة؟ الإجابة ستوحي بتوصيف حاضرنا الثقافي ومستقبلنا أيضا... إننا اليوم في حال من أزمات جدية بمقابل مشهد دموي تصفوي قمعي من الإرهاب المنظم والانفلاتات الأمنية السائدة..
ولا تعايش بين فقدان الاستقرار وبين الثقافة.. ولا تعايش بين حياة العزلة والفردنة وبين الثقافة... ولا تعايش بين الثقافة وبين تردي التنظيمات الخاصة بها من نقابات وروابط واتحادات ومن تجمعات فنية وأدبية ومعرفية ومن مؤسسات أكاديمية ومعاهد علمية..
ومشكلتنا الأولى اليوم هي في آلية بناء المؤسسة الصحيحة تعليميا (ولا ينحصر هذا في المدرسة والجامعة فقط) وإعادة الثروة الوطنية من مكتبة مدمرة محروقة مبادة ومن معالم فنية وآثار وإحياء حركة جدية فاعلة لتمكين الشعب من تراثه وثروته الغنية بعيدا عن التسطيح القائم على الطقسية الدينية البحتة والإيقونية التقديسية الجامدة والانتقال من منطق التفكير الأسطوري المرضي المستلِب لمنطق التفكير العقلي العلمي...
إنَّ استمرار تداعيات التفريغ والتسطيح واستمرار العبث بحركة الثقافة واختراقها وتجييرها ومحاصرتها واستلابها الحرية الحقيقية للفعل والانتاج، لأمر من الخطورة بمكان؛ يظل يهدد لا حاضرنا المباشر بل ومستقبلنا القريب والبعيد..
كما أن بقاء حال الشرذمة وانقسام حركة الثقافة وتشظيها في تجمعات عليلة أو شلل مرضية بديلا للروابط الفاعلة هو الآخر سيمثل ضربة في مقتل من وجودنا العراقي الصميم...
وسيأتي يوم يتحدث فيه أناس عن وجود تاريخي لنا وانمحاق معاصر لغدنا حتى لا يكون لنا من وجود إلا مسمى في كتب التاريخ، وما لجيلنا أن يكون ممثلا لمرحلة القطع بين نهر التاريخ القديم والوسيط والمعاصر وبين الغد القادم لأنه جيل يعي ما يدور حوله ولكن عليه ألا يكتفي بوعي الظاهرة وقراءتها أو تفسيرها بل ينبغي ويجب أن يتصدى للتغيير والفعل الحق...
إنَّ أنشطة رائعة ومهمة تجري على المستوى الفردي والتراكم العام يتجه إيجابيا؛ وما تبقى سوى تحويل هذا التراكم الكمي المتعدد المتنوع إلى حصيلة نوعية موحدة تُعلي من شأن حركة الثقافة العراقية مؤسساتيا وجمعيا مؤثرين بذلك على خط السير العام للمجتمع ولتقاليده..
ومقاييسنا هنا تتعدد فمثلا سطوة التفكير الأسطوري ومنطقه أو الديني الطقسي السطحي يعني أن حركة الثقافة ما زالت أضعف من التأثير والتقدم على السياسي القمعي ودوره في توجيه ذهن المجتمع في غالبيته.. والثقافة لا ينبغي أن تنتظر القرار السياسي وإن كانت تتبادل التأثير معه..
علينا أن نعرف مدخلات القرار المنتظر وآلية تحقيقه وكسبه كيما نسطيع تعزيز قدرات حركة الثقافة من أول الطريق ممثلا في الفعاليات الأولية الابتدائية وحتى كبريات الأمور فيه من إقامة مهرجان واحتفالية وكرنفال شعبي وحتى التجمعات الأدبية والشعرية والفنية وما يوسع من اتصال المنتج الثقافي بالمواطن العراقي ويمنحه فرصته في غذاء الروح...

ولعلي هنا أود التوكيد على جملة أمور مفقطة اختزالا وتمهيدا للدارس والباحث في الشأن الثقافي العراقي ولاحتمالات المناقشة والحوار الأوسع في هذا الميدان المهم والحيوي:

1.   فأولا لابد من معالجة الخروقات في تولي مسؤوليات الثقافة في مؤسسات الدولة من شخوص كثيرا ما كانوا بلا كفاءة أو بلا قناعة إيجابية بالجوهر الإنساني التنةويري للثقافة أو حتى كونهم في حقيقة وجودهم دخلاء بقصد التخريب المتعمد...
2.   تفعيل وجود الروابط والاتحادات وتنسيق العلائق فيما بينها وتطهيرها من أمراض الفردنة والشللية ودعم تلك المؤسسات الجمعية تنظيميا وماديا بما يتيح فرص الأداء الأنجع والنظر للمتاح وعدم الركون للسكون واليأس من حال المراوحة والتراجع أحيانا..
3.   إيجاد المسابقات والمنافسات والجوائز التشجيعية الوطنية والمحلية على مستوى الانتاج بإطار هويات الطيف العراقي من المنتج في لغات حية كالكوردية والسريانية والتركمانية وغيرها...
4.   العناية بثقافة تعددية وخطاباتها وتعزيز مساحة الدعم لمؤسسات الثقافة المحلية في المحافظات والأقاليم العراقية وكذلك تحديدا في اللغات العراقية المتعددة في إطار خصوصيات الهوية للمجموعات القومية والدينية كافة وبلا استثناءات أو تهميش أو تجيير ومتاجرة فارغة.. واعتقاد مؤتمرات بحثية دورية بالخصوص...
5.   تحديث مؤسسة التعليم الأولي والعالي وإدخال أنماط التعليم الأحدث من مثل التعليم الألكتروني ومن الطبيعي الإشارة لإشكالية المناهج والخطاب التنويري ومنع تشويه خطاب التعليم بتسييسه أو بغير ذلك من تدخلات مرضية...
6.   تحديث المكتبة واستعادة مكانتها وإدخال التكنولوجيا الأحدث والاتصال الأهم مع مثيلاتها عالميا... مثل مشروع المكتية الوطنية الذي يضم المعارف منذ سومر الحضارة ومرورا بدار الحكمة البغدادية وحتى آخر عمل مكتبي متخصص عالميا مما نأمل أن يتاح لنا وضعه بين أيدي جمهور المعرفة والخبرة والثقافة...
7.   عناية بمستوى نوعي جديد بالتراث وبالآثار واستحداث استراتيجيات في إطار شامل للثقافة العراقية، على أن قضية الآثار المنهوبة تبقى قضية جوهرية ويبقى أيضا أمر إحياء المواقع الأثرية منعتقا من النواهي والمحظورات الطارئة وغير الموضوعية كما هو الحال مع العوامل الدينية والمواقف المسبقة فيها...
8.   التنسيق مع المنظمات الدولية والإقليمية المختصة بالتربية والثقافة والآداب والفنون وتوظيفها في حملات وطنية واسعة ومهمة...
9.   مفاعلة جهدنا بالآخر عبر مهرجانات محلية ومشاركات إقليمية ودولية...
10.                العناية بثقافة عراقية مهجرية وبمؤسساتها وربطها بالمنتج المحلي الوطني وعدم التخلي عن منظمات الثقافة وجمعياتها وتجمعات الإبداع أينما كانت ومن دون مسبقات وشروط بيروقراطية أو حكومية أو أجندات حزبية أو فئوية تمثل عارضا مانعا للعناية المؤملة...
11.                تفعيل أدوار الفضائيات ووسائل الإعلام وتعزيز القدرات الانتاجية والاتجاه للتلفزة والسينما في مشروعات عملية لانتاج إبداعي ثقافي بدل التصريحات والكلام الذي لا يغني ولا يسمن....
وخلاصة الإجابة عن تساؤلنا: هل للثقافة مستقبل في وطن المجد الثقافي السومري؟ تشير إلى أننا بقدر وجود ثوابت استراتيجية وخطط موضوعية دقيقة وبقدر ظهور ثقافة التنوير والتسامح واحترام الآخر والغنى في توطيد التعددية والتنوع يكون لنا القدر ذاته من النجاح والتوفيق وكسب المستقبل بروح إيجابي بناء أنقى وأفضل... وللهمِّ الثقافي بقية مناقشة وحوار بالتأكيد بحسب التعليقات الواردة والتفاعلات مع أصواتكم الحية المعطاء......................

107
إضعاف سلطة القانون والدولة خطر على السلام العالمي؟
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com

لقد أكدت الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة مسألة دور الدولة وأهميته في توجيه الاقتصاد توجيها يمارس الشفافية من جهة ويتجنب مظاهر الفساد التي جرى تمريرها في أنشطة الشركات والمؤسسات الكبرى بخاصة منها الصيرفية... فلقد منحت الليبرالية أو الرأسمالية الحرة بل المنفلتة من القيود والمحددات المنظّمة، أقول منحت الفرصة  لسطوة الشركات ومن ثمَّ فرصتها في تمرير أشكال ومظاهر الفساد والثغرات التي أدت لكل هذه الأزمة الاقتصادية التي باتت تهدد بكوارث أفظع...
إنَّ محاولات ترحيل مسؤولية الأزمة ما عاد ممكنا تسريبها على حساب نظام اقتصادي مغاير كما كان في عهد وجود النظام الاشتراكي مثلا ولا عاد ممكنا ترحيلها على حساب الدول النامية من دون استباحة مطلقة تتعرض لمصائر لا السيادة والاستقلال النسبي الذي تتمتع به بل حتى الفتات الذي تحظى به تلك الدول من مردود أنشطتها وثرواتها بخاصة امتلاك الطاقة من نفط وغاز وغيرهما...
ولأن قوى معينة في داخل النظام الرأسمالي تجد أن الانفلات وعدم الشفافية كانت سببا حقيقيا للأزمة، فقد رأت في نموذج استعادة تدخل الدولة أمرا مناسبا للحل. وكما هو معروف فقد تمّ ضخ ترليونات عديدة من جيوب دافعي الضرائب لمعالجة نتائج الأزمة ومحاولة الوصول للاستقرار المفقود... وهذه مرة أخرى إشارة إلى أنّه لا يمكن للرأسمالية المنفلتة أن تكون طريقا صائبة لمسيرة الاقتصاد وقوانينه المطلوبة... كما أكدت على أهمية دور الدولة في ظروف الاقتصاد الرأسمالي لضبطه ولجم نوازعه الوحشية...
لقد كان إضعاف سلطة الدولة وحكم القانون فيها وسيلة للرأسمالية المنفلتة من عقالها لمزيد من سلوكيات استغلالية همجية نشاهدها بأم العين اليوم. ولكن القضية لا تنتهي عند حدود ما مرقت به من أزمة اقتصادية تحديدا الجوانب المالية فيها...
فإضعاف سلطة القانون والدولة من جهة أخرى يودي بالاستقرار إلى مهالك الزعزعة الأمنية عندما تنفلت بالمقابل قوى البطالة (في إطار تمزق اجتماعي مركب) في أشكال من الردود غير المنضبطة وعندما تتسع الأسباب والأسس التي تمنح فرصا جديدة لتوسع العصابات المنظمة محليا وعالميا...
وطبعا سيكون المشهد أخطر من مشاكل أفراد يتمردون على أوضاعهم البائسة.. بخاصة عندما يتعلق الأمر بتحول تلك العصابات إلى قوى مسلحة ذات نفوذ يقارع الدول وأنشطتها كما في تهديد ممرات التجارة الدولية وكما في وصول أسلحة ثقيلة لتشكيلات أكبر من حجم الدولة الوطنية وبأيدي دول تتحكم بها أنظمة توتاليتارية همجية ذات سطوة إقليمية...
ويمكننا هنا الإشارة بوضوح (في مثال نود التركيز عليه) إلى صعود نجم القراصنة الجدد في البحار والمحيطات وفي المياه الدولية التي توجد بخاصة بمقابل سواحل الدول التي تشرذمت وتشظت سلطتها لصالح جهات ليست أكبر من عصابات منظمة ومافيات أو قوى حزبية متصارعة على تسيـّد الموقف لصالح سرقات مادية رخيصة على حساب مصالح شعب بأكمله ولدينا هنا نموذج الصومال...
ولم يكن ممكنا للقراصنة هؤلاء أن تكون لهم القدرة لاصطياد سفن دول صغيرة أو حتى كبيرة في عرض البحر لولا اضمحلال سلطة الدولة في الصومال وهشاشة وجودها وقوتها الهزيلة حتى أنها لا تتمكن من الدفاع عن نفسها أمام الاجتياحات المتكررة من دون دعم خارجي...
 وعليه فإنَّ الأزمة في جوهرها تقوم على أساس أن فلسفة انفلات الأمور لصالح الرأسمالية الحرة واضمحلال الدولة  وتراجع دورها بما لايقف عند حدود ولادة الأزمة الاقتصادية ونتائجها التي لم تظهر كاملة حتى الآن بل بما يؤدي إلى انفلات الأوضاع الأمنية محليا أولا ولكنها ستشكل تاليا خطرا جديا مريعا على السلام العالمي نفسه وليس على قضية التجارة الدولية وتأمين الممرات الآمنة لها..
عليه فإنَّ أزمة الاقتصاد ليست محصورة في المؤسسات المالية الأمريكية أو الأوربية أيضا وإنما تتسع لتشمل الاقتصاد العالمي من جهة وطبيعة الفلسفة التي تحكم التوجه غلى المستوى الوطني والدولي.. ولابد لأية دولة من مواجهة مسؤولياتها في إطار الإفادة من الإفرازات التي أشارت إليها بوضوح الأزمة الأخيرة كونها أزمة شاملة وعميقة الغور...
وسيكون من المفيد الدعوة لمؤتمر عالمي يتناول بالبحث العلمي الدقيق مسارات ما جرى حتى الآن وما تخفيه التطورات اللاحقة إذا ما استمرت الأمور بطريقة الترقيع والمداهنة من بعض الحكومات لقوى الرأسمالية العالمية التي ما زالت تدافع عن حرية انفلات السوق بالطريقة التي تكاد تودي بنا جميعا لحرب من نوع مختلف لن ترحم أو تستثني أحدا...
إن المؤتمر العالمي المعني بحاجة لصلاحيات أبعد من قضية تناول الأزمة بالتحليل والدراسة واتخاذ التوصيات، لأن الوقوف عند حدود المنجز اللفظي وخطابه لا يكفي لتجنيبنا المآ ل الكارثي المحتمل نتيجة تدهور الأوضاع الجاري بتسارع غير منظور...
لكن الجوهر المستقرأ يتمثل ليس في استبدال رأسمالي باشتراكي (طوباويا) ولا العكس وإنما في التعاطي مع مسار الأزمة وتداعياتها في مستوياتها الاقتصادية منها والأمنية... فإذا جاءت الترقيعات الاقتصادية لتوفر فرص تباطؤ تلك التداعيات فإنها لا يمكنها أن تحسم الأمر في تداعيات الأمور الأمنية..
بخاصة بشأن القرارات أو ردود الفعل الاستعراضية بإرسال قوات منفردة لكل دولة كبرى باتجاه السواحل الصومالية حيث ظاهرة القرصنة هي الأبرز هناك.. والحل يكمن في مواجهة شاملة ومنسقة ولكن قبلها وبعدها تظل الأمور بحاجة لمراجعة فلسفة اضمحلال الدولة وسلطة القانون لصالح الشركات والمؤسسات المالية فهي السبب الأخطر الكامن وراء هذي التداعيات المعقدة وينبغي العودة لتقوية مؤسسات الدولة وسلطة القانون فيها، كيما نستطيع تجنب الانحدار لأزمة ستـُهشِّم الأوضاع وتدخلنا في نفق مظلم لعقود بعيدة لا يمكن الخلاص منها قبل إهدار تضحيات بشرية جسيمة...
ولن يكون طرف بمأمن من هذه التداعيات فالمنطق ينبهنا إلى الاحتياط بجدية وبروح مسؤول إلى مجريات الوضع العام وتفاصيل مظاهره التي تبدو أو تبرز هنا وهناك... فهل من جهة دولية أو مبادرة فاعلة يمكنها التصدي بهذي المسؤولية على المستويين الاقتصادي والأمني أم أننا دخلنا في أول النفق ولم يعد بالإمكان الاستدارة أو التراجع لأخذ العبرة والتعامل بطريقة مختلفة..؟!
هذا سيعتمد على القيادات الحالية الأهم عالميا وعلى درجة نضج الحركات السياسية الأبرز وعلى قدرات العقل البشري راهنيا على تقديم الفلسفة الموضوعية البديلة.. ولننظر محاولين بلا كلل وعسانا نفلح في إعلاء منطق العقل والصواب...

108
الدستور الدائم بين ثباته ومحاولات العودة لآليات التغييرات الفوقية غير المشروعة
الأستاذ الدكتور تيسير الآلوسي
tayseer54@hotmail.com


ينبغي التوكيد على حقيقة كون الدستور الدائم يستمد ثباته واستقرار مواده من مرجعيته التي صوتت له بصيغته المعتمدة. وفي أي بلد وفي أية ظروف يبقى الدستور المقرّ بالتصويت الشعبي ثابتا لا يقر شرعية أي تغيير يخرج على الآليات المنصوص عليها في إطار نصوصه الثابتة.. وحكم ظهور قوانين وتغييرات في مواده غير مسموح به من دون التزام بجوهره وبنصه روحا ومضمونا أولا وآخرا...
لقد صيغ الدستور العراقي الدائم وجرى إقراره شعبيا بالتصويت بآليات ديموقراطية.. والأغلبية التي أقرته لم تكن صغيرة أو هامشية؛ وهي لم تكن مضطرة أو مكرهة كيما نعمد للمراجعة العشوائية.. فالاستفتاء على الدستور حسم أمر ثباته وشرعيته ومرجعيته النهائية ممثلة بالصوت الشعبي ديموقراطيا...
ومع ذلك ينبغي الالتفات إلى أن تطور الأوضاع وتقدمها إيجابا أم سلبا يفرض في كل مرحلة أن تجري مراجعة جزئية تتعلق بالاستجابة للمتغيرات التي يفرضها الواقع.. وبالمناسبة فقد وضع الشارع العراقي احتياطه بخصوص مثل هذه المتغيرات وسجل ضرورة العودة لاستكمال أمور كانت خلافية أو ثبتت صيغ متعددة لرؤى متعددة تتطلب الحسم في وقت لاحق...
على أن ذلك يبقى في إطار ثوابت الدستور من جهة الاحتفاظ للشعب وللصوت الانتخابي بحقه في إقرار أو عدم إقرار أي تغيير وعلى عدم التعارض مع مبادئ رئيسة من مثل الديموقراطية والفديرالية واحترام التعددية الأثنية القومية الدينية في العراق الجديد على اساس من المساواة والإخاء والعدل...

وفي ضوء مثل هذه الحقائق، ما عاد صحيحا لأي كان من الزعامات أو التيارات السياسية أن يتحدث عن تغييرات كيفية تتفق والتعبير عن توازنات القوة في المرحلة الراهنة أو في المستقبل.. إن إخضاع التعديلات الدستورية للمزاج السياسي أو لرغبات زعامات مع عميق الاحترام لهذه الزعامة أو تلك لا يمكن أن يكون مشروعا أو صحيحا، لا دستوريا ولا منطقيا...
إنَّ من يكتب الدستور هو رجل قانون متخصص بالاستناد إلى الاستشارات في مختلف التخصصات المعرفية المطلوبة وهو يكتبه استجابة لمصالح جميع بنات وأبناء الوطن وكافتهم بلا استثناء أو تهميش أو استلاب... على أن يقر الصيغة الرئيسة أو المعدلة صوت الناس أو ممثليهم بحسب المسألة التي يجري التعرض لها..
عليه، لا يمكن قبول تصريحات بعض الساسة بشأن التغييرات الدستورية على أساس ما يرونه من تفسيرات وصيغ تناول من زوايا لا قانونية ولا دستورية.. ولمن يريد التغيير يجب أن يلتزم العودة للمحكمة الدستورية وللبرلمان على وفق الآليات المقرة وفي الأمور الجوهرية المحورية الرئيسة لا يمكن الاكتفاء بقرار الأغلبية البرلمانية (الراهنة أو في أي مرحلة) وبأية نسبة كانت من دون العودة لاستفتاء شعبي واجب وملزم..
وفي القضايا التي تتعلق بحقوق المجموعات القومية والدينية الرئيسة وغيرها لا يجري اتخاذ قرار بأغلبية وطنية (على المستوى العراقي العام) لأنها تعني في الخلاصة أو النتيجة اعتماد رأي أغلبية عددية للمجموعة الكبيرة بمعنى ضمني لدكتاتورية الأكبر وقمع الأصغر بالحساب الرياضي لا الإنساني ولا ذلك الذي شرعته المواثيق الدولية والأممية والشعبية الصريحة..
إذ لم يعد بالإمكان حتى على وفق الدستور العراقي ذاته قبول تهميش مجموعة قومية أو دينية وإنكار حقوقها باستغلال غير مبرر بل غير مشرعن للفروق العددية في حجم المكون على المستوى الوطني أو استغلال توازنات القوى السياسية..
ولأن بعض القوى السياسية ترسم برامجها في ضوء منطق القوة وفي ضوء تراث أعرج من منطق الحكم والسلطة ولأنها تمتلك في اللحظة القائمة بعض الظروف الدافعة التي تحقق لها ما ترغب فيه من مستهدفات غير سوية فهي تطرح اليوم فكرة تغيير دستوري لشرعنة برامجها السياسية وجعلها مبادئ ثابتة دستوريا تحكم بها الآخر..

وكثيرا ما سمعنا عن مماطلات تخص المادة 140 كيما يجري إسقاطها (بلعبة سياسية) وشرعنة تغيير بالضد من مضمون هذه المادة وطبعا بالضد من الرؤية الحقة لها من جهة رفع الحيف الذي وقع وتعديل الأمور بطريقة إحقاق الحق والعدل لجميع الأطراف.. وعليه فإن التأخر بسبب من مماطلة وتسويف أو بسبب من حكم الظروف الطارئة لا يسقط الحقوق التي تضمنها المادة 140 والمنطق والدستور وحقيقة تآخي أبناء الوطن الواحد تؤكد وجوب تطبيق المادة ومنع إخضاعها للعبة السياسية...

ومثل هذا يتعلق الأمر بتوزيع المسؤوليات والصلاحيات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومات الإقليم في كوردستان والحكومات المحلية في المحافظات.. وهذه المسألة محسومة دستوريا ومحسومة ضمن منطق المواثيق الدولية والشرعية التي تم التصويت عليها ديموقراطيا..
إذ لا مراجعة لفديرالية كوردستان ووجودها ولا لسلطات ديموقراطية موجودة في المحافظات.. والحل في مثل حال الاختلاف والتعدد لا يكمن في إلغاء الديموقراطية ومفرداتها وآلياتها والنزوع لمنطق القوة والعنف والمركزة التي مضى زمنها.. بل يكمن في تعزيز سلطة الديموقراطية وقوتها الحقة وبالتأكيد في تعزيز منطق قوة سلطة القانون والدستور واحترامهما..
إن احترام الدستور والقانون وتنفيذ مبادئه وتفاصيله هو المنطق الأفضل لعبورنا إلى مرحلة انطلاق البناء وإعادة الإعمار بينما التفكير بعنف الدولة ومركزيتها سيكون أبعد من تراجع عن هدفنا الشعبي الديموقراطي وعودة لفلك الطاغية وأخطائه الفادحة...

ومن يدافع عن منطق الدستور وثبات المكتسبات مع الدفع باتجاه تطويرها وتعزيزها هو الشعب العراقي بأطيافه وسيكون تضامن الأغلبية العربية والكوردية أمرا مطلوبا لدعم المجموعات العراقية القومية والدينية الأخرى وأي تساهل في الأمر كونه لا يعني هذه الأغلبية سيعود بالظلم ذاته على الأغلبية الكبرى ذاتها بتمكينها الطاغية أن يفرض دكتاتورية جديدة بتعديلات دستورية غير مسوغة وغير صحيحة إنسانيا وقانونيا..

وبانتظار أية تعديلات على أساس من الحوار الوطني النزيه الذي يُعلي من شأن الشرعية وثبات الدستور جوهرا والتقدم بمكتسبات الجميع وطنيا وقوميا وإنسانيا، سيكون علينا التصدي المشترك لدعاة التغييرات المزاجية التي لا تخدم إلا فلسفة العداء للشعب وللديموقراطية بمسميات وشعارات قد تكون جذابة بأغلفتها ولكنها مقيتة خطيرة بجوهرها..

لنتمسك بالدستور بمبادئه الديموقراطية ولنتقدم به في أي تغيير في ضوء احترام مصالح العراقيين ومكونات الشعب كافة بلا استثناء أو إقصاء...



109
جامعة ابن رشد في هولندا: انطلاقة أكاديمية رصينة واعدة
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com

 
 
جامعة ابن رشد في هولندا: انطلاقة أكاديمية واعدة تتأسس بجهود العلماء والأساتذة من العراق ومن بلدان الشرق الأوسط والمهجرين الأوروبي والأمريكي. وهي تعوّل في جهدها الرئيس على رأس المال البشري أي على قيمة العقل العلمي ومكانته في التعاطي مع المتغيرات العاصفة في أنظمة العمل ومنها في مجال أنظمة التعليم الحديث...
إنَّ سيطرة التكنولوجيا وتحديدا دور الإنترنت على مسار إنجاز المهام والوظائف البشرية يدوعنا لمطاردة مثل هذا الدور وتوظيفه جديا وبطريقة ترتقي للتطورات الجذرية في الاستخدامات البشرية.. حتى صرنا نسمع بالحكومات الألكترونية وبالتسويق والتبادل السلعي وعقد المؤتمرات والأنشطة الرسمية الكبرى؛ جميعا عبر الإنترنت وشبكته المعقدة...
وفي إطار التعليم صارت الجامعات الرصينة المهمة عالميا تقيس مستوياتها وترتيب مكانتها بمقدار توظيف هذه التكنولوجيا الجديدة في أدائها.. وانتقلت دول ومؤسسات عالمية لاستخدام نظام التعليم الألكتروني لأسباب موضوعية مهمة... منها اختصار الكلفة أمام توسع الحجم السكاني العالمي وتزايد أعداد الطلبة، وأمام رغبات ملايين منهم في متابعة تعليمهم من دون ترك أعمالهم ووظائهم، وأمام مطلب توفير كلفة التنقل من بلد لآخر وبين المدن بما يفيد في توفير الوقت والجهد والطاقة لصالح أداء مهام أخرى تنصب في مختلف شؤون الحياة وتفاصيلها...
وقد دخل التعليم الألكتروني بلدان الشرق الأوسط جميعا وإن تخلفت بعضها عن مسألة الاعتراف به أو معادلة شهاداته أو إدخاله في قائمة أولوياتها في التعاطي مع استراتيجيات تحديث التعليم العالي في هذه البلدان... وعدم وجود استراتيجيات جدية تتناول الموضوع من جوانبه المختلفة والبقاء بعيدا عن المساهمة على أقل تقدير في دعم التجاريب الوليدة وتوظيفها ومفاعلتها بالأنظمة التعليمية الموجودة سيكون له نتائج كارثية على المديين المنظور والبعيد... وسيدخلنا في أمية لا نستطيع النهوض منها بسهولة فالأمر مثل المرض تتعقد أمور معالجته عندما تتأخر تلك المعالجة وقد يفوت وقت المعالجة عندما نصحو متأخرين...
 
ولابد لنا هنا بعيدا عن التقصير الذي نرصده [عند البعض] من تثمين أدوار رائعة مشرقة لجهود عدد من الحكومات الخليجية بهذا الخصوص ودعمها الواضح الملموس للتعليم الألكتروني، وبالتأكيد لدور اتحاد الجامعات العربية في تبني استراتيجية فاعلة بالخصوص مع قبول عضوية الجامعات التي تعمل بنظام التعليم الألكتروني والتوصية بمعادلة شهاداتها عربيا...
وعلى الصعيد المغاربي والمصري والسوري ودول شرق أوسطية هناك تجاريب مهمة في التعليم الألكتروني وإنشاء ما يُتداول تسميته التعليم الافتراضي.. ويقابله عراقيا حيوية (الأكاديميين المعنيين) بالتعاطي مع انطلاقة التعليم الألكتروني لكن في الغالب بعيدا عن الإطار الرسمي الحكومي وفي مقرات مهجرية..
والمهم هنا أن ننبه على أهمية وجود سلطة وزارة التعليم العالي واتحاد الجامعات وطنيا سواء في العراق أم في كل بلد عربي وشرق أوسطي.. لأن ذلك سيتابع مسائل التقييس ومعيارية الجودة والالتزام باللوائح والقوانين المرعية لمسيرة التعليم العالي الأنزه والأرقى...
إذلك أنََّّ ظواهر سلبية عديدة يمكن أن تكتنف التجربة وهي تجربة حديثة جديدة، وستتسع حال هذه الثغرات ببقاء التعليم الألكتروني بعيدا عن التسجيل الرسمي... بخاصة مسائل حاجة هذه المؤسسات للدعم المالي الذي يفسح فرصا لاستغلالها من جهات رأس المال أو التأثير عليها مثلها في هذا مثل أية مؤسسة تعليمية أو غير تعليمية أخرى مؤكدين على أنَّ أمر (الفساد) هنا لا يخص التعليم الألكتروني لوحده..
فبقاء مؤسسة (التعليم الألكتروني) محاصرة بظروفها المحدودة الضيقة بخاصة في ما يُضرب من حصار بتصريحات أسوأ من تقليدية محافظة من مسؤولين من نمط عدم الاعتراف بشهادات التعليم الألكتروني وتشويه سمعة التجاريب (كافة) بلا تمييز ولا استثناء وخلط الأوراق بين الرديء الفاسد وبين الإيجابي النقي (بالمطلق) وقطع الطريق على انتساب الطلبة لهذه الجامعات بدواعي مختلفة؛ كل هذا يدخل في إفساد طريق التعليم بعامة وإفشال العمل الحقيقي المشرّف الذي يتصدى للمسؤولية فيه خيرة أساتذة الجامعات العراقية والإقليمية والدولية...
ولكن العمل جارِ ِ بحيوية ويتقدم بخطوات حثيثة بفضل إصرار مشروعات التعليم الألكتروني  لثقة بصحة بل بصواب ودقة هذا المسار وبأن خريجي التعليم الألكتروني هم من سيملك المستقبل ويُخرِجنا من أمية في زمن لغته هي هذا العقل المركب للإنسانية في شبكة تكنولوجيا الإنترنت ومن ليس له مكان في هذا العقل ليس له وجود أو حق في حياة اليوم والغد القريب... وسيختفي منطق التشكيك والتشكك تدريجا من الميدان بعد أن تظهر للنور نتائج المشروعات الجدية الملتزمة...
 
من هذا المنطلق تابعنا ولادة تجاريب عديدة على مستوى يُعنى بالبلدان العربية والعراق منها تحديدا وتعمّدت تلك التجاريب بغنى قرأ الإيجابي والسلبي.. لتأتي ولادة جامعة ابن رشد في هولندا المحاولة الأنضج والأتم لتجاوز سلبيات التجاريب السابقة وتدعيم إيجابياتها بتوظيف أفضل ما وصلت إليه هذه التكنولوجيا والتعليم الألكتروني عالميا.. وطبعا بالاستناد إلى خبرات علمية لأساتذة العلوم الإنسانية العاملين فيها بجمع بين خبرات العقود الطويلة لعلمائها وحيوية شبيبة المعارف والعلوم من الباحثين الجدد الذين استقوا معارفهم في كبريات التجاريب العلمية العالمية المميزة ببحوثهم التي حازت على مكانها ومكانتها المميزة عالميا..
 
إنَّ من سيتحدث عن غنى هذه التجربة العلمية المميزة ومصداقيتها هو كادر التدريس والعقل العلمي ومشروعات الجامعة البحثية وبرامجها العلمية من مقررات مختارة بالمقارنة بين كل أنظمة التعليم التقليدي النظامية بطول باعها والتعليم في الجامعات المصنفة عالميا بترتيب أولويتها وطبيعة العلوم الحديثة والمكتشفات فيها.. ومن سيتحدث هو الولوج إلى خطة العمل بل إلى العمل ذاته الواثق من تأسسه على قواعد راسخة ثابتة من جهة اعتماد الخبرات المتقدمة وصبها في بوتقة جامعة ابن رشد وخصوصيتها.. شعارنا هنا هو منطق ابن رشد التنويري وعقله العلمي ووجوده جسرا بين حضارتي الشرق والغرب وجذورهما وها نحن نعول على أن نكون جسر ابن رشد الجديد بين طلاب المعراف وتطلعاتهم الكبيرة..
أما كيف؟  فسيكون بعض ذلك في الأنشطة المشتركة مع الجامعات الأوروبية وفي عقد المؤتمرات العلمية وإطلاق فرص البحث العلمي الجدي المؤسس على أحدث ما توصل إليه التعليم العالي ومراكز البحوث والدراسات.. وسيكون لنا غير بعيد مؤتمر اللغة العربية والتنمية وسيعنى بالمتغيرات العالمية التي دفعت للاهتمام باللغة العربية ورصد ظاهرة فتح الفضائيات والصحف الدولية بالعربية ومراكز البحوث العالمية والجهات الدبلوماسية والمكتبات التي ما عادت تخلو من اهتمام بالخصوص... وسيعنى بدور اللغة في التفاعل مع الآخر ونقل الخبرات وتنشيط أدوار أبناء الجاليات المهجرية في توجيه الرسائل العلمية نحو أكثر من عشرين بلدا ناطقا بالعربية وعشرات مناطق الهجرة التي تضم ملايين الناطقين بالعربية المتطلعين لينهلوا العلوم  الأحدث.. والجامعة بالمناسبة لن تغفل إشكالية اللغات القومية الأخرى في المنطقة بخاصة منها الكوردية والأمازيغية والسريانية وغيرها مما يتاح دعمها وتفعيل أدوارها المعرفية ومحو الأمية العلمية هنا في زمن أغفل هذه المجموعات المهمة وحقوقها في التعليم العالي...
ومؤتمرات مهمة أخرى مثل مؤتمر التعليم الألكتروني ومستقبله في العراق والشرق الأوسط ومن ضمنه مسائل الحكومات الألكترونية وأفضليات التطبيقات المخصوصة وآليات الوصول إليها وتحصيلها..
 
هل هذا كل شيء؟ طبعا ليس كل ما في جعبة جامعة ابن رشد للتعليم الألكتروني فهي تسعى لاستكمال وجودها على الأرض في محافظات عراقية عديدة وفي بلدان عربية ومراكز وفروع فيها.. كما أنها تعمل على تقديم جهدها في معاضدة فلسفة البناء والتحديث في البلدان العربية وإقامة المشروعات المؤملة بالاستناد إلى علائق مع كبريات الجهات المؤسسية المختصة أوروبيا..
وملتقانا في ميدان العمل فاليوم يتوالى انتساب العلماء والأساتذة بجهدهم الأساس ويتطلع طلبة العلم لإيجاد مقعد لهم فيها ويتقدمون أفواجا ريادية لها أفضليات وأولويات كونها الافتتاح لمشروع الحداثة ونحن ننطلق نوعيا في اللحظة التي أعلناها ولكن معا وسويا مع كل جهد مخلص في هذا الميدان وإن وضعنا لأنفسنا ثوابت السبق والريادة في شؤون عديدة...
 
مباركة الأيادي البيضاء لكادر جامعة ابن رشد في هولندا والمعهد الأوروبي العالي لدراسات العربية فيها فهو الكادر العلمي الأحرص على مبادئ التحديث والرصانة وإزاحة ظلام التخريف والمتاجرة في كل أنظمة التعليم وليس في التعليم الألكتروني حسب.. ومن يلتقي هذه المجموعة المشرقة بنور تجاريبها سيتعرف إلى مصداقية الفعل؛  و الكلمة عندنا هي الأخرى فعل وعمل مباشر...
 
مباركة أجيال طلبة جامعة ابن رشد في هولندا وهم يسجلون لأنفسهم ريادة الدرس المعرفي الرصين وتحصيل العلوم بأحدث ما فيها وروعة المبادرة ببحوث جديدة حديثة بإشراف أعلام التخصصات المتنوعة...
 
وهذه دعوتنا مفتوحة لتلجوا مؤسسة تريد أن تتميز بكم أساتذة وطلبة وكوادر علمية وبحثية وإدارية وبلوائح تلتزم تطلعاتكم ومصالحكم وتتقدم بتغير الظرف العلمي عالميا... إننا نرصد بكم وبأدواتنا أحدث المتغيرات لنبقي على الريادة والتقدم بين ايديكم في لحظته المناسبة الأولى...
ها نحن نحتفي بمن معنا ونرحب بمن يلتحق بين الأوائل مميزا وبمن سيأتينا بعد مراجعة وتيقن من أن هدفه سيكون معنا أقرب وأنجع... نحن شرعنا بالعمل ولن نتخلى عنكم في أية لحظة قررتم الالتحاق بنا ونترك لكم أيدينا مفتوحة متطلعين لأن نضع ما نملك من خبرات وأدوات بين أيديكم  جميعا...
 
 
 
ولقراءة موجزة في تجربة جامعة ابن رشد نشير هنا بإيجاز إلى أقسام الجامعة العاملة:
1.                                                      مركز البحوث والدراسات الذي يعنى برعاية الباحثين والدارسين لمختلف المشروعات التي تتخذ من مبادرة معالجة مشكلات بلدان الشرق الأوسط معالجة علمية مناسبة..
2.                                                      الأقسام العلمية في الكليات الاختصاص من قانون ووعلوم سياسية وإدارة أعمال واقتصاد وعلوم المحاسبة والمالية والبنوك (في زمن تعصف يثوابته الأزمات وتنتظر المعالجات الأحدث في مجالها) وآداب (من مثل علوم النفس والتربية واللغات والفلسفة وغيرها حيث الحاجة لإعادة إعمار الذات) وعلوم اللغة العربية والإعلام والفنون (في زمن بحاجة لاستنهاض التفكير العقلي ومنطقه التنويري الصحي الصحيح)...
3.                                                      معهد دراسات العربية المتخصص وسيعنى أيضا بتعزيز تعليم العربية وسيتم توسيعه لدراسة اللغات المحلية في بلدان الشرق الأوسط..
4.                                                      إدارة المؤتمرات العلمية..
5.                                                      دورية البحث العلمي المحكـَّمة...
6.                                                      دار الطباعة والنشر...
7.                                                      مركز التعليم المستمر والدورات العلمية في مجالات إعداد الكوادر التخصصية بالتحديد لدعم المؤسسات الصحفية والإعلامية والفضائيات وفي مجالات الإدارة والقانون...
8.                                                      نستعد لمعرض دولي للكتاب العربي في أوروبا...
9.                                                      مركز مختص بمتابعة ترتيب الجامعات في بلدان الشرق الأوسط على وفق أحدث المعايير العالمية.. لتعزيز تفعيل التقدم وإدخال جامعات المنطقة في سلّم الترتيب العالمي...
10.                                               مركز الدعم والمساعدة للتصحيح والتقويم للبحوث والمشروعات والكتب والمؤلفات في التخصصات الموجودة في الجامعة...
11.                                               مركز مساعدة الباحثين وتوجيههم وتدريبهم على أداء أعمالهم البحثية بطريقة ناضجة متطورة.. وستيع تنفيذ مشروع الجوائز التقديرية للعلوم والآداب....
 
   لمتابعة أنشطة جامعة ابن رشد في هولندا يمكن الذهاب إلى الموقع الألكتروني الأولي:
                                 http://www.averroesuniversityorg
 
وللاتصال بنا يمكن استخدام البريد الألكتروني:
info@averroesuniversity.org
 
مرحبا بكم ونأمل أن تكون هذه اللمحة هي مصافحتنا الأولى وعهدنا الثابت معكم...
 
 

110
التعليم الألكتروني وعقد الصلات مع طلبة العلم بمختلف قومياتهم ولغاتهم؟!
بلدان الشرق والعراق نموذجا

 
الأستاذ الدكتور تيسير الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com

في أغلب بلدان الشرق الأوسط هناك تعدد أثني قومي وديني. وهناك حال من نسب إهمال أو تهميش لأبناء المجموعات القومية والدينية في مختلف الميادين الحياتية. وفي التعليم بعامة والتعليم العالي بخاصة تتعاظم أعداد الطلبة الذين يفقدون فرصهم في مواصلة تعليمهم سواء بلغاتهم القومية أم بأية لغة أخرى. دع عنك أن بعض اللغات تكاد تنقرض بسبب من حال المحاصرة والإقصاء، وبسبب من فعل التجهيل والأمية أو عدم وجود كوادر علمية تدرّس بتلك اللغات أو ترعاها وأبناءها. ونجد الأمازيغية ولغة الأزواد الطوارق تتعرض لضغوط ذاك الإهمال الذي نشير إليه وأبناؤها شعب له وجوده الحي في حاضرنا. والمجموعات القومية الشرق أوسطية المسيحية من أقباط ومن الكلدان السريان الآشوريين بلسانهم ولهجات اللغة التي يتحدثون هم أيضا في حال من التهميش المشار إليه.. أما عند تعلق الأمر بمجموعات قومية دينية أخرى كما في حال الصابئة المندائيين والتركمان والأرمن فإنَّنا سنجد تعتيما بعيدا يضرب سورا حواليهم.. وبالحديث تفصيلا يمكننا أن نشير إلى جناح العراق الفديرالي الثاني يعانون من مصاعب وتعقيدات بشأن استخدام لغتهم أقصد هنا الكورد واللغة الكوردية وما يجب من موقف علمي لغوي بالخصوص...
إنَّ وجود كل هذه المجموعات بلغاتها وألسنتها ووجود الحاجة الماسة للعناية بثقافات مستقلة وتراث ثرّ غني بإنائه اللغوي المستقل يفرض وقفة مسؤولة من جهات البحث العلمي والتعليم العالي أن تتخذ قرارها الصائب في التعاطي مع هذه اللغات والدفع باتجاه دراستها والعناية بتراثها وبالمنتج من النصوص فيها فضلا عن النهوض بمسؤولية تقعيد لغوي وتأسيس أبجدي لما كاد يضيع تماما عن الاستقرار الأبجدي بسبب قرون أو عقود من الإهمال المتعمد... كما ينبغي الالتفات إلى إدخال التعليم بمختلف المعارف المعاصرة ليكون طوع بنان أبناء جميع هذه المجموعات القومية والدينية بلا تقصير أو مواصلة لمصادرة حق ثابت أساس في الحياة الإنسانية الكريمة...
ولعل بعض عوامل الإهمال تعود إلى قصور فاضح في القدرة الاستيعابية لمؤسسات التعليم التقليدي المنتظم لملايين من طلبة العلم في ظروف تنموية مرتبكة. ومن هنا فإنه من الأهمية بمكان أن نبحث عن حلّ جدي مسؤول لتلافي هذا القصور الشديد عبر أشكال التعليم الحديثة (أشكال التعليم عن بُعد) التي يمكنها أن تصل إلى أبعد المناطق النائية المهملة أو التي لا تمتلك البنية التحتية الوافية لإنشاء مؤسسات تعليم بحاجة لأبنية وتجهيزات مكلفة أو غير متاح إشادتها في ظروف غير مؤاتية... ومن الطبيعي أن يكون التعليم الألكتروني أحد أهم الأنماط المفيدة في حلّ هذه المعضلة، والاستجابة لحاجات طلبة العلم من كل هذه المجموعات (اللغوية: بقدر تعلق الأمر بهذه الإشكالية) ومطالبهم وحقوقهم في التعليم...
إنَّ التعليم الألكتروني الذي تباشره اليوم كوادر العلم والمعرفة من علماء وأساتذة يتجه في أهم أهدافه لتلبية تطلعات مئات آلاف الطلبة في الدول الشرق أوسطية بأطياف أبنائها ومن غير عقبات التمييز العنصري أو الشوفيني الاستعلائي وفعاليات الاستبعاد والإقصاء التي مورست في أكثر من ظرف ومكان.. وها قد صار اليوم للتكنولوجيا أن تتدخل لحل معضلات كالتي نشخصها هنا..
 
وإذا كانت بعض مشروعات التعليم الألكتروني قد دخلت في سوق التنافس والربح وأخرى في مجالات الاستجابة لتوجهات تتطابق وحالات الثقافة الإقصائية السائدة فإن بعض مشروعات التعليم الألكتروني الجديدة تتطلع أن تسجل ريادتها في الاستجابة لحقوق طلبة العلم. ونسجل بثقة لمشروع جامعة ابن رشد في هولندا أن تكون الجسر الحضاري بين وجودين تعايشا ويتعايشان على ضفاف المتوسط شمالا وجنوبا.. وأن تكون جامعة ابن رشد جسرا بين الطلبة وتطلعاتهم وطموحاتهم والوسيلة الأهم التي تضع مبدأ المساواة بين أبناء الشعوب وتعميد حقوقهم نصب أعينها...
جامعة ابن رشد تحمل جوهر التوجه العلمي المتنور كما كان الفيلسوف ابن رشد في منجزه وهي تُعنى بالعربية ومنجزها العلمي المعرفي التنويري التحديثي ما يصبّ عميقا في هذا الهدف النبيل باللقاء مع جميع الطلبة من مختلف المجموعات المتعايشة هنا في هذه البلدان. والنموذج النيِّر المشع هناك في العراق حيث يتطلع الطلبة لتثبيت العلائق بينهم عبر جامعة ابن رشد بلا تمييز أو إغفال وغمط لحق طرف على حساب آخر.. هنا في هذه التجربة سيكون للطلبة أن يتخذوا القرار في التعبير عن ثقافاتهم وعن معارفهم ودراسة تراث قومياتهم ومجموعاتهم الدينية بالطريقة التي تساهم في تعزيز التفاعل الإنساني الصادق الأمين الحريص على العدل والإنصاف والمساواة وإزالة الحيف التاريخي ومسار المظالم والاعتداء..
 
إن روح الاستقلال في الخطاب العلمي الأكاديمي لجامعة ابن رشد تنبع من حرصها على توطيد فلسفة التنوير وخطاب البحث العلمي الرصين ورفض أشكال المغالطات التي تاجرت بكل شيء ومن ذلك التعليم بله الإنسان نفسه. بينما خيار هذه الجامعة بدأ من الخلفية المعرفية وجوهر ذهنية الأساتذة وطبيعة اللوائح التي تضبط العمل منحازة للعلم وللحقيقة العلمية ولطلبة العلم بمختلف انتماءاتهم الإنسانية القومية والدينية والفكرية.
في ضوء هذه التوجهات نجدنا نلتزم التمسك بالقوانين الضابطة للعملية التعليمية وتلك التي تنفتح على المجتمع الإنساني بقيمه الحرة المنعتقة من ربقة أو نير التمييز والإقصاء. وهذا أمر جوهري مهم بسبب من أن الدراسات الموجودة في التعليم الألكتروني هي دراسات العلوم الإنسانية وليست العلوم التطبيقية الصرفة ما يعني صلة إضافية وطيدة بالإنسان وانتماءاته وتوجهاته ومعالجاته لقضاياه على وفق منطق عقلي علمي...
وبالطبع سيكون من يقرر نجاح ابن رشد جامعة َ َ بهذه المقاييس ليس الورق والخطط ولا النيات الطيبة وحدها بل هيأة التدريس والإدارة وكذلك بالتأكيد الطلبة أنفسهم بإقبالهم على توكيد دورهم الفاعل في تطبيق اللوائح وفي التعاطي مع المشروع من جهة توطيد مصداقية التطبيق العملي لما يُرفع من شعارات ومبادئ والمشاركة في العملية التعليمية من جهة توجيه البحوث نحو غايات هي في صميم الحاجات الحقة لمجتمعنا بكل أطيافه وما ينتظره من تطلعات وآمال...
 
وسيكون صدور البحوث والمعالجات التي تعود للعملية التعليمية  وللمؤتمرات والأنشطة البحثية بما ينظر إلى واقعنا ومتطلباته ومجرياته أمر يمثل غاية النجاح والتوفيق في إنجاز المستهدف في العلاقة بين جامعة التعليم الألكتروني وطلبتها في مختلف أرجاء بلدان المنطقة وفي النواحي والقصبات القصية من تلك البلدان مما لم تصله بعد خدمة التعليم العالي.. وبالمناسبة سيكون هذا ربطا لتلك الأماكن - التي كادت تقفر -  بعالمنا في أعلى قمم المدن الحية الناشطة والفاعلة في جهودها الإنسانية الكبيرة...
أليس وساما ساميا أن ينضم إلينا ابن قرية كوردستانية بعيدة أو فراتية من أقاصي فروع الشط والهور في الناصرية والعمارة  أو من أبعد نجع في الأنبار والموصل أو في تلك القرى النائية في لبنان أو اليمن أو عمان والسودان من النوبة ومن دارفور ومن صحراء الأزواد في البلدان المغاربية ومن أية بلدان مهجرية.. ؟ إنه بحق الوسام الأرفع لأنه الوسام الإنساني بذاته حيث طلبة العلم هم أوسمة العلماء والأساتذة الأجلاء وهم يعملون هنا معنا في التعليم الألكتروني بنموذجنا المشرق 'جامعة ابن رشد' التي تضمنا كافة في بوتقة واحدة للتعلم والتزود بالمعارف وها نحن عربا وكوردا وتركمانا وكلدانا سريانا آشوريين وأرمن وصابئة مندائيين وأقباط ونوبيين ومن دارفور وجنوب السودان ومن الأزواد الطوارق والأمازيغ ومن كل تلك المجموعات القومية والدينية التي شادت حضارات هذه المنطقة لتؤسس لتراث الإنسانية وها هي تعود المشاركة الفاعلة في مسيرة البناء مجددا لتعلي الريادة في مشروعنا جميعا...
 
ليكن ملتقى الجميع ها هنا حيث التجربة العملية الملموسة تتحول بفضل تعاضد جهودنا مشتركة متفاعلة وليس حلما في الهواء... إنه بحق ما نخطو به سويا لنبني لأنفسنا مؤسسة علمية تمثل الصرح المستقبلي الأنجع والذي نتقدم به سويا بروح المساواة والتآخي والتآلف وإزالة عقبات الاستلاب والمصادرة واللامساواة... وتلك الحجر الأساس التي ننطلق في التأسيس والبناء عليها حتى يشمخ شاهقا بنيان جامعتنا وتكون نموذجا لعديد من الجامعات في نمط التعليم الألكتروني في زمن هذا التعليم بأفضلياته وما يلبيه من متطلبات وحاجات...
 
 
 
http://www.averroesuniversity.org
موقع جامعة ابن رشد في هولندا
 
 

111
تضاغطات بين أطراف التعليم العالي

وضغوط سلبية مباشرة وغير مباشرة على التعليم الألكتروني؟!


 

الأستاذ الدكتور تيسير الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

tayseer54@hotmail.com


في كل محاولة للتحديث والتجديد يطفو صراع بين القديم الكلاسي والجديد المحدث؛ وأبرز سبب لهذا الصراع وجود عناصر متشددة متشنجة في كلا الاتجاهين.. فعناصر محافظة تتمسك بالدفاع عن تقاليد جامدة في فسلفة القديم.. يدعمها وجود عناصر مشوشة الرؤية في التعرف إلى الجديد، بسبب من حداثة عهده وعدم تمكنه من تقديم نفسه بالصورة المثلى في الحيز الزمني الضيق فضلا عن دواعي موضوعية وذاتية لحالات الالتباس والتشويش القائمة...

إنَّ جهودا مضنية ينبغي أن يبذلها الوليد كيما يثبّت أقدامه ويعلن عن نفسه بطريقة وافية ملائمة تجذب إليه جمهوره المستهدف.. ويضاعف تلك الجهود للتعريف والتقدم أننا في التعليم العالي نجد قوة التقليدي ومتانة أرضيته بسبب من طبيعة البنى التحتية التي يمتلكها وتاريخه والتقاليد الراسخة الجذور في الحياة التعليمية مقابل هشاشة البداية (بخاصة عربيا أو شرق أوسطيا) في التعليم الألكتروني فضلا عن أثر الميل الإنساني السائد للركون إلى الموجود والقبول بالمعروف بدل ولوج طرائق جديدة لم يجرِ تجريبها أو اختبارها بشكل نهائي وحاسم...

إنَّ بذرة التعليم الألكتروني ما زالت تنمو وتتفتح لأول وهلة لها حتى على الصعيد العالمي وهي وإن وجدت لنفسها أماكن استقرار وانطلاق والتأسيس بطريقة موضوعية ناجحة، إلا أن حالات الفساد التي استشرت في التعليم والاختراقات التجارية التي تضحي بالروح الأكاديمي العلمي تظل ممثلة لضغط جدي وعرقلة خطيرة بوجه مشوار النمو والتقدم بالتعليم الألكتروني..

ويكبر هذا الأمر بخاصة في البلدان النامية التي يمكن لبعض التصريحات أن تصل أسماع جمهور التعليم فتشكل ضغطا نفسيا سلبيا من جهة وحواجز مرضية تضرب حول التعليم الألكتروني... وهذا فوق قضية عدم اعتراف وزارات التعليم العالي في بعض البلدان النامية بالتعليم الألكتروني من دون مسوغ علمي موضوعي.

إنَّنا إذن أمام الحالات الآتية:

1.         أحاديث وإشاعات في الإعلام والصحافة بالضد من التعليم الألكتروني جوهرا وطريقة للعمل التعليمي العالي...

2.         توظيف حالات الفساد الجارية في المتاجرة ببيع الشهادات والغش في التقويم والاختبار وما شابه في إطار الحملة الضاغطة على مشروعات التعليم الألكتروني..

3.        أو حتى الاكتفاء بالحديث عن وجود حالات تزوير وغش ومتاجرة صريحة والتلميح بطريقة غير مباشرة بما يقطع الطريق على الطلبة في التوجه للتعليم الألكتروني تحت ضغوط الخشية من الوقوع في تجاريب للنصب والاحتيال وما أشبه...

4.          إنَّ بعض المشروعات في مجال التعليم الألكتروني ما زالت تنمو ببطء وتكتنفها ثغرات مثلما هو الحال مع التعليم التقليدي المنتظم؛ ولكن المشكل يكمن في أنَّ محاسبة تجربة التعليم الألكتروني أقسى من محاكمة التعليمي التقليدي لأسباب سبق ذكر بعضها.

 

إنَّ أيّ مسؤول يتحدث عن التعليم الألكتروني يحتاج لموقف ينظر إلى الأمور بشمولية ولالتزام مبدئي في التعاطي مع الحقائق التي يناقشها وعليه أن يشير إلى أن مسائل الفساد والمتاجرة بالشهادات والثغرات الجوهرية والهامشية تحصل في كلا نمطي التعليم التقليدي المنتظم والألكتروني وأن ما يتم التعرض له هو تجاريب محدودة حتى وإن اتسعت دائرة الغش والتزوير مقابل دوائر العمل الرصين وأن ذلك لا يلغي وجود السليم والصحي الصحيح...

 

إنَّ قضية بيع الشهادات هي قضية موجودة في مختلف أشكال التعليم ومكافحتها لا تتعارض مع وجود التعليم الألكتروني بل يشترك هذا النمط التعليمي (أي التعليم الألكتروني) وجهازه الإداري والعلمي في مكافحة أشكال الغش والتزوير والمتاجرة..

وسيكون من الأفضل أن تعترف وزارات التعليم العالي بهذا النمط المعاصر من التعليم كيما تتعزز فرص مكافحة الغش والمتاجرة بفضل إيجاد الحاضن الطبيعي لنمط التعليم الحديث (الألكتروني) والإشراف على مؤسساته عبر صلات مباشرة معه..

فيما الإبقاء على مؤسسات التعليم الألكتروني خارج دائرة العمل على الرغم من وجوده الفعلي.. وممارسة إنكار أو سياسة الإلغاء والإقصاء المتعمدة لهذا الوجود المادي الملموس هو إخراج للبلد ولجمهور طلبة العلم من دائرة تحصيل المعارف والعلوم بأحدث طرق التعليم المعاصرة التي أقرتها أبرز الدول التي تتصدر جامعاتها قائمة التعليم العالي عالميا...

فجامعات هارفارد ويال الأمريكيتين وأكسفورد وكامبرج البريطانيتين وأمستردام ونايميخن الهولنديتين وغيرها، هي جامعات تقليدية منتظمة تمثل القمة في التسلسل العالمي ومع ذلك فهي تستخدم بنسبة مميزة وواضحة أساليب التعليم الألكتروني في أداءاتها وتعقد أشكالا من التعاون مباشرة أو غير مباشرة بمؤسسات أو طرائق التعليم الألكتروني...

وحتى حوالي نصف البلدان الشرق أوسطية صارت تقر وتتعامل مع التعليم الألكتروني... ولكننا في عدد من البلدان الأخرى كما في العراق ما زلنا بعيدين عن دخول عالم التعليم الألكتروني داخليا فتصدى الأكاديميون العراقيون في بلدان المهجر لتأسيس مشروعات جدية مسؤولة بالخصوص ولتقديم تلك المشروعات أداة لخدمة أبناء المنطقة وتطورها ورقي أداءاتها التعليمية الجامعية...

 

ولأن مسألة التنافس (بخاصة هنا أوروبيا) بين الجامعات تظل قائمة ولأن مسائل من نمط التمييز والعنصرية وبحث بعض العناصر والقوى إلى تعطيل مشروعات علمية بعينها فضلا عن أمور تتعلق بالروتين وبإبعاد الأستاذ الجامعي المتميز عن القيام بمشروعاته المستقلة بل حتى دفعه للعمل في أنشطة خدمية أو هامشية بعيدا عن خبراته وشهاداته.. ولنظر جهات بعينها إلى مشروعات التعليم كونها يجب أن تصب أولا على أبناء البلدان المتقدمة الأوروبية والأمريكية أو على أقل تقدير على الجاليات لدمجها بسياسات محددة المعايير والأهداف مما لا يسمح بولادة مركز علمي مميز لأبناء بلدان الشرق..

وبالنظر إلى إهمال وزارات التعليم في البلدان الأصل لأصحاب مشروعات التعليم العالي الألكتروني كما في تجاريب جامعات أساتذة من بلدان الشرق الأوسط والعراق نموذجا على سبيل المثال لا الحصر.. لكل هذه الأسباب وغيرها تتعرض مشروعات التعليم الألكتروني المشروعة والموضوعية الرصينة لتضاغطات العلاقة مع إدارات التعليم التقليدي المنتظم من جهة ولضغوط شديدة من جهات تشوّه حقيقة أو طبيعة التعليم الألكتروني وتلصق به تهما تحاصره وتقطع طريق صلاته مع جمهور التعليم من طلبة العلوم والمعارف...

ولأن التعليم الألكتروني يأتي استجابة لتطورات الآليات التعليمية ومعالجة جدية سليمة ودقيقة وراقية لحجم الطلب للانتساب للجامعات ولكنه يبقى منتظرا لنجاحه أن يتصل بحجم مميز من جهة عدد الطلبة فإن المحاصرة التي تضيّق الخناق عليه في العدد الملتحق به تطعنه في مقتل حتى تكاد تقضي عليه أو تعرض العاملين فيه لأزمات مادية وحياتية بعيدة الغور في تأثيراتها...

 

وفي وقت يُنتظر من وزارات التعليم أن تعقد مؤتمراتها للإفادة من التجاريب الحديثة وفي الوقت الذي يُنتظر من الإعلام الوطني أن يعرض للتجاريب الإيجابية نجد إهمالا بيِّنا مستمرا لموضوع التعليم الجامعي الألكتروني ومساهمة في دعم ضغوط المحيط الأوروبي على تلك المشروعات  [حيث مقر أغلب تلك المشروعات التعليمية].. ويزيد الطين بلّة وجود عناصر محترمة ورسمية أوروبية بين ظهرانينا كما في العراق وهي تدلي بتصريحات صحفية وغير صحفية تتناول فيه حقائق صريحة وصحيحة بشأن وجود مشروعات وهمية وأخرى مزيفة مزورة ولكن إعلامنا يقدمها بطريقة سلبية مطلقة لا تشير إلى وجود تجاريب ومشروعات راقية ومعتبرة ومعترف بها وموثوق بأنشطتها العلمية الرصينة...

وبهذا يساهم بعض الإعلام في تسليط الضوء على التجاريب الفاشلة وكأنها كل شيء فيما يهمل تقديم المشروعات الرصينة والتعريف بها بما يمثل اعتداءَ َ صريحا على حقوق طلبة العلم في الانتساب إلى هذه الجامعات الرصينة للتعليم الألكتروني وبما يحارب العلماء والأساتذة المحترمين من أصحاب هذه المشروعات العلمية..

لقد عانى هؤلاء من كوكبة العلم الخبراء الأجلاء من زمن مطاردة النظم البائسة التي هجَّرتهم وعانوا من التهميش والإقصاء في بلدان المهاجر الأوروبية وعانوا من التعطل والتبطل ومن وضعهم قسريا في أعمال هامشية وها هم اليوم يُحارَبون بقصد ومن دونه على مستويين رسمي وزاري في بعض عناصر إدارة وزارة التعليم العالي ومن بعض عناصر إعلامية تمتلك أصواتها الصحفية والإعلامية!!

 

والصائب المنتظر اليوم يكمن في دراسة كل حالة باستقلالية؛ ومشروع كل جامعة بطريقة تدقق الأمور وتجلوها وتقدمها للعلن في إطار اعتراف رسمي بالتعليم الألكتروني  الذي ما عاد نمطا يمكن تجاهله إلا إذا كان المقصود الإبقاء على أوضاعنا خارج إطار التطور العالمي العاصف معرفيا والتمسك بطرق وآليات ما عادت كافية لتستجيب للتعليم العالي بكل احتياجاته وتشعبات المنتظر منه...

 

ولا يمكن القبول بوضع رؤوسنا في الرمال منعا لنا من النظر للحقائق الجارية حولنا. ولا ينبغي أن تكون الضغوط النفسية التي تصطنعها تصريحات أو مقالات أو تحقيقات صحفية بعينها، عائقا معرقلا للتعليم الألكتروني وحقه في الشرعية الرسمية والاعتراف به تعليما يدخلنا في مرحلة تعيشها الإنسانية بكل تطوراتها ودرجات تقدمها...

 

 

وبالانتقال إلى أمثلة عملية يمكن في قراءة لاحقة التفصيل في التعريف بها. يمكن القول: إنَّ أي تصريح بشأن مشروعات جامعات التعليم الألكتروني في بلد أوروبي أو غيره، لا تمثل المنتهى في التعامل مع تلك المشروعات ولا تنفي وجودها كونها توجد في مقرات ببلد ولديها تسجيل واعتراف في اتحادات جامعية دولية وعربية... فعلى سبيل المثال يتابع اتحاد الجامعات العربية (بموضوعية ورصانة) عددا من تلك الجامعات وقد قبل عضويتها في ضوء تدقيق في ملفاتها وأنشطتها وقد أصدر هذا الاتحاد الذي يضم أعرق الجامعات العربية منها القاهرة وبغداد والمستنصرية وأغلب الجامعات العربية ذات نظام التعليم التقليدي المنتظم، أصدر قرار بالتوصية بالاعتراف بشهادات تلك الجامعات المنضمة لعضويته من التي تتخذ من التعليم الألكتروني طريقة للتدريس عن بُعد... وكذلك توجد اتحادات جامعية دولية وإقليمية أوروبية وأورومتوسطية تضم بعض هذه الجامعات إلى جانب تسجيل بعضها الآخر لدى وزارات التعليم العالي في بلدان شرق أوسطية أو أوروبية  أو غيرها وفي ضوء هذه الحقائق لا ينبغي أن نقول: إن دولة كذا أو سفارتها أو شخصية معنية فيها لا تعرف بوجود هذه الجامعة أو تلك لكي يتم نفي وجود تلك المؤسسة وعدّها لاغية غير موجودة وينبغي التعرف إلى أية مؤسسة من أرقام التسجيل الرسمي والإشهار الضريبي والتعليمي بدقة قبل أن نتعاطى مع رأي أو وجهة نظر أو حتى توصيف سليم من جهة ولكنه لا يعنيه الحديث عن الوجه الآخر للقضية (فهو بحق غير مسؤول عن متابعة تقديم الأمر بكل أوجهه) كأن يُقال إن تلك الجامعة لا سجل تعليمي لها في بلد وذلك قد يكون صحيحا  ولكن السكوت عن تسجيلها الرسمي وعن تسجيلها العلمي في الاتحادات والوزارات التعليمية المعنية في بلدان أخرى هو الآخر أمر ينبغي التذكير به كيما تكتمل الصورة في النظر لأي مشروع علمي يمكنه أن يخدم طلبته وأساتذته (وهذه مهمة الإعلامي والصحفي الذي ينشر تلك التصريحات التي نشير إليها..

 

وبعد، فجامعات التعليم الألكتروني مثلها مثل جامعات التعليم التقليدي المنتظم من جهة الرصانة أو احتمال الاختراق والفساد وكل القضية أنها جامعات ما زالت بحاجة لرعاية ودعم من أهلها بدلا من تركها لرياح التضاغطات والضغوط التي تستهدفنا جميعا وتريد وضعنا في خانة التخلف وأمراضه... فهل نعي المؤمل فينا؟ وهل سنعقد مؤتمرا نوعيا متخصصا لحسم الأمور بدل تركها سبهللة مطلقين الحبل على الغارب لمن يتحكم فينا وبأبنائنا من طلبة العلم ومن العلماء الأجلاء؟

 

http://www.averroesuniversity.org

موقع جامعة ابن رشد في هولندا

 

 

113
العراق والمقدسات الدينية: المسيحية واليهودية مثالا
مطلوب رؤية استراتيجية تضمن مصالح الناس وتؤمّنها
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
ناشط في مجال حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com

 
يعيش العراقيون اليوم تحت ضغوط أزمات داخلية ولكنهم ليسوا بعيدين عن الأزمات الدولية المحيطة بهم.ولأن العالم مال اليوم إلى مشكلات تـُحمَّل محملا أو تأويلا دينيا في كثير من الأحيان فإنَّ للعراق نصيبا مهما في إمكان أن يشرع بحلول مناسبة في هذه القضية.. ولأن العالم كذلك صار يبحث عن وسائل جذب الاستثمارات فيما الأموال تنتكس بين ساعة وأخرى كما هي حال انهيار الأسواق المالية العالمية والإقليمية الجارية، لأنّ ذلكم واقعُ حالِ الأمور، فإنّ التفكير في ثروات استراتيجية مضافة يبقى مطلوبا على الرغم من وجود البترول بآخر قطرة منه في باطن الأرض العراقية.. وعلى الرغم من وجود ثروات متنوعة غنية أخرى..
إنَّ العراق موئل تراث الإنسانية وفيه من الآثار التي تحتفظ البشرية لها بأهمية ومكانة مميزتين مثلما فيه المعابد والمراقد الدينية الأكثر أهمية عالميا.. ففيه أماكن ومزارات دينية لأنبياء وكنائس تبقى في صميم الذاكرة الإنسانية المسيحية منها تحديدا وسيكون أولا وكمبدأ يعمق احترام العراقيين لمكوناتهم من المجموعات الدينية أن يفسحوا المجال واسعا للمسيحيين كيما يتحدثوا عن تلك الأماكن المقدسة ويستقدِموا مسيحيي العالم متحدثين عن عزة هذه الأماكن المقدسة المتأتية من علو مكانة المواطن العراقي المسيحي واحترام المجتمع لديانته ومعتقده في ضوء مبادئ المساواة والعدل والإنصاف..
إن القضية ليست مجرد قضية أزمات اقتصادية وجذب استثمارات وسياحة دينية تجذب الأموال للعراق بعامة ولكنها قضية توكيد مبدأ لأنفسنا وإعلانه للعالم.. أقصد مبدأ تساوي العراقيين وتآخيهم وعيشهم في حال من احترام بعضهم بعضا من جهة وفي حال من مواصلة مشوار كتابة المعارف والقيم السامية التي سطروها في سجل تراث الإنسانية هنا في أرض سومر المقدسة.. حيث بيوت أنبياء ومراقد ومقامات وأضرحة ومعابد وكنائس وأديرة مهمة نبعت منها الرسالة المسيحية وينبغي أن يُحفظ لمعتنقيها قدسية علائقهم بها..
ولا مجال للحديث عن زيارات لمسيحيي العالم هنا إلى موئل الأنبياء والكنائس التاريخية بلا رعاة لهذه الكنائس والأديرة وبلا أهلها من العراقيين المسيحيين أنفسهم.. أما وقد نشهد عدم حسم أمور من نمط الجرائم التصفوية الجارية بحق المسيحيين فقد تستمر الجرائم حتى نصحو على كارثة قطع عضو من الجسد العراقي بما يمثل قتلا مؤجلا للعراقيين وللوجود العراقي..
وفي ضوء هذه الحقيقة يبدو لي أن أول من ينبغي أن يهتم بأبنائه وببيوتهم وبمعابدهم وكنائسهم هم أهل البلاد حتى لو كان من بين خطوات الاهتمام دعوة الجهات الدولية المختصة للمساعدة لا في قضايا الاستقرار حسب بل وفي قضايا التعمير وحماية المباني وترميمها وليس أدرى بالكنيسة أكثر من أهلها من العراقيين المسيحيين ومن مسيحيي العالم وعلى رأسهم بابا الفاتيكان والبطاركة والمعنيين من مختلف مسؤولي الكنيسة عالميا... وهؤلاء لن نجد منهم إلآ سرعة استجابة لأنهم أصحاب رسالة سلام ومحبة وحاملي مشاعل التعايش بنور الإخاء الإنساني...
وفي السياق حيث مبدأ احترام مشاعر الناس وطقوسهم وعباداتهم ومن ثم توكيد أن العراقيين كانوا وما زالوا رسل وحدة البشرية وتعمقها في علاقات إيجابية بناءة، ينبغي أن يشرع العراقيون أولا بتطمين علاقات شعوب الشرق الأوسط جميعا وفتح باب يؤكد مصداقيتهم في مبدأ الإخاء والتعايش السلمي ويطمن حاجة ملايين البشر ممن يعتنقون ديانات لها مقدسات هنا بين ظهراني العراقيين ومن ذلك كون العزير محج يهود العالم...
والعزير في غنى عن تعريفي به ولكن الأمر بقدر تعلقه بالعراقيين، ينبغي أن أشير إلى موئل وجوده في مدينة العمارة ناحية العزير وبالتأكيد سيكون مفيدا لو أننا ابتنينا مطارا أو أكثر قريبا من هذا المحج وفنادق ليزوره المعتقدين به بعد أن نكون أزحنا عوامل منعهم من زيارته وأداء طقوسهم الدينية المقدسة... وحيث لكل مجموعة دينية حج سنوي يؤدونه يلزم أن نعطي لملايين يهود العالم حقهم في زيارة محجهم سنويا ولو مشروطا بحدود المكان المزار...
ومرة أخرى سيؤكد هذا فلسفتنا المتفتحة ومنطقنا العقلي المتنور ومبدئنا وقيمنا التي نتمسك بها في العيش بسلام وإخاء مع الآخر وفي احترامنا لمقدسات الآخر وطقوسه وحقوقه في ممارستها بلا عرقلة نكون نحن السبب فيها..
فإذا نهضنا اليوم بالأمر فسيحسب ذلك لنا وسيكون مردوده لنا وإذا أغفلناه وأهملناه فلن يأتي من وراء ذلك إلا ندامة على تأخر لن يمنع في النهاية ملايين البشر من إيجاد وسيلة لهم لأداء ما يستجيب لمعتقداتهم.. فلماذا نؤجل أمرا منتظرا كهذه المسألة التي سيكون في التعاطي معها واحدة من خطوات  أو جزئية من  مفردات الحل لمشاكل تعصف بنا..
إذ بوجود الثقلين المسيحي العالمي واليهودي العالمي سنعمِّد مسيرتنا لتطمين الأوضاع والاستجابة لحلول ذات آفاق استراتيجية ثابتة ومكينة.. ولابد أن نستذكر هنا توجه دول مهمة في المنطقة لحمل رايات الحوار بين الديانات [بخاصة منها الإبراهيمية أي النابعة هنا من أرض أور وبابل] وخلق أرضية التعايش بين المجموعات البشرية بما يفضي لمزيد من تبادل الاحترام وتحقيق العيش بلا عداوات تفتعل أسباب الاختلاف والتقاطع والتطاحن.. وفي زمن تتصاعد فيه وتائر تستخدم الإيقاع بين البشرية على أسس دينية، ينبغي للعراق أن يعلن مشروعا استراتيجيا في حمل رسالة الحوار والتسامح من هنا من حيث المعابد والكنيس والكنائس اليهودية والمسيحية الموجودة في أرض الرافدين...
 
وليس بعد معالجة مثل هذه القضية سوى استفتاء العراقيين أنفسهم في قبول هذا المشروع الوطني والإنساني والديني القائم على مبادئ التسامح والتعايش السلمي وقبول الآخر واستثمار ذلك في خير أبناء المنطقة وتطمين مطالبهم ومطالب ملايين ممن يعتنقون الديانة أو العقيدة ذاتها في بقاع الأرض كما أن لمسيحيي العراق حقهم في استقدام زائريهم وضيافتهم في موئل أنبيائهم ورسلهم وحق الكنيسة في حمل رسالتها لوحدة مسيحيي الشرق وتوجههم لمسيحيي الغرب يرسائل تفاهم وتعايش بعد أن صار يعيش في المهاجر الغربية عشرات ملايين من مسيحيي الشرق..
والقضية التي تخص مسيحيي الشرق ليست جريمة بحدود مطاردات في مدينة عراقية أو أخرى بل هي قضية تخص وجودهم في بلدان الشرق وانتشارهم في مهاجر قسرية قصية مذ أول مذابح طاولت الأجداد حتى آخر هولوكست ما زال يجري بحقهم.. أما القضية اليهودية فسيبقى جزء منها بيد التشدد والتطرف وسيفرز الأمر مشكلات وحروبا كما هو جارِ ِ ولكن توفير الحلول المناسبة وتطمين ممارسة الطقوس والعدل الذي سيعود على المؤمن بما يريد من زيارة وحج لن يكلف سوى استثمار يبني ويفيد ويغدق على أهله وعلى البشرية لا بماديات حسب بل وبمعاني لعالم جديد...
 
إنني أضع بين يدي أخوتي من العراقيين أن يبدأ مشروع استراتيجي يبدأ من بيت إبراهيم والعزير في الناصرية والعمارة أو أور والعزير ومن الكفل ومار متي وغير هذه الأماكن لبناء مطارات وفنادق لاستقبال الحجيج وحسب فقط لا غير فما الضير؟؟؟؟؟؟؟؟
 
هذه دعوة فوق الحواجز المؤدلجة والمسيَّسة ولننظر لما قامت به دول جوار؛ فإيران ويهودها والسعودية ومبادرة مليكها في حوار الديانات وهي مواقف وسياسات تمثل الأكثر صوابا في توجه اليوم وقيم الغد ولنبدأ:
 
شخصيا أدعو كل مواطن عراقي مسيحي أو يهودي بل وقبلهما المسلمين وكل العراقيين من مختلف الديانات ليقولوا كلمتهم: ألا تريد يا ابن ناحية العزير أن تقول موقفك الإنساني المتفتح في التعايش مع أخوتك من بقية الديانات؟ وفي غير هذا ألا تريد أن تأتي إليك استثمارات لها أول وليس لها لا آخر ولا نهاية فتحيي بها مدينتك المهملة وتعيش رغدا بعيدا عن آلام الفقر المدقع والحاجة والفاقة والمرض وأصناف المشكلات؟     كلها تنتهي بالتفكير بمشروع كهذا ينظر بمصداقية لهذه الثروة المطمورة تعبيرا عن استغلال لك وللآخر.. وليبدأ التصويت من لحظة قراءتك هذا المقترح أرسلوا التأييد وسنبدأ سويا..
أوجه دعوة التصويت هذه للمواطن البسيط وللكنيسة والكنيس وللحكومة المحلية في محيط كل أثر ديني مهم وللحكومة الوطنية ولممثلي الديانتين الميسيحية واليهودية في العالم.......وعساني أصبتُ كبد الحقيقة ليكون ذلك مفتاح أمان وسلام للجميع.
 

114
العراق مجتمع تعددي متنوع
مطلوب تأمين أوضاع المجموعات المهمَّشة دستوريا وميدانيا
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
ناشط في مجال حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com
 
إلى كل عراقي مسيحي ومسيحية من الذين يكتوون اليوم في عراء الملاجئ القسرية بلا معين


عندما تسجل الدراسات كون ما بين النهرين تمثل مهد البشرية وتراث الإنسانية المعرفي؛ فإنَّها تشير إلى مجموعة من الأعراق والشعوب التي تعاقبت سنوات الدهر والجميع في حال من التنوع والتعدد في إطار من وحدة الوجود مسيرة حضارية أثمرت أهم عامل للقيم الإنسانية الرصينة ممثلة في احترام الآخر والعيش معه على أسس من المساواة والإخاء والاعتراف التام الكامل بحريته واستقلال هويته المخصوصة في النطاق الإنساني الذي يحيا فيه.
ولقد بقي العراق القديم موئل حال من الثراء والخصب في تعايش أبنائه جميعا وإنتاجهم المادي والروحي الذي قدّم للإنسانية جمعاء صورة متفتحة متنورة.. وانتقل العراقيون كافة إلى تأسيس دولتهم المعاصرة مطلع القرن المنصرم ومن ثمَّ للترحاب بولادة العراق الجديد بُعَيْد العام 2003 وهم يستمدون العزم والخبرة والمعرفة من تراثهم المجيد ويتطلعون إلى مستقبل يمثل أعمق صور التلاحم والوحدة الوطنية...
وهكذا تجد أن ممثلي المجموعات القومية والأثنية والدينية والمذهبية جميعا قد أعلنوا أنهم يضعون بصمة الوفاق العراقية التي تثبت الحقوق المتساوية دستوريا ويعملون على تنفيذ ذلكم ميدانيا.. وهو ما لم يرُق لقوى دخيلة وأخرى توافدت في ظروف معروفة لتخترق الجسد العراقي فتمثل دور الفيروس في محاولته الانتقال للشروع بإعادة إعمار الذات المخربة طوال عقود من الألم والجراح...
إن الجرائم التي ارتكبها الإرهاب والقوى الحليفة له بحق شعبنا بكل أطيافه ركزت على محور اختراق طبيعة التكوين العراقي التعددي المتنوع ومن هنا فقد وجدنا جميع مراحل الصراع الدامي التي ظهرت في السنوات الخمس المنصرمة كانت بحلقتها الأولى تنصب على الضرب قويا لمحو هذه الحقيقة
فتعرضت المجموعات القومية والدينية العراقية الأصيلة لجريمة إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وكان الضحايا الأكثر وضوحا هم مسيحيو العراق من الكلدان الآشوريون السريان الأرمن وغيرهم من جميع مكونات الوجود المسيحي في العراق.. ومعهم الصابئة المندائيون والأيزيديون والشبك وجميع المكونات والأعراق والقوميات والطوائف التي تعايشت تاريخيا في وطن الخير والنماء والسلام..إنَّ كل هذه المجموعات التي تمثل مكونات أساسية للوجود العراقي كانت وما زالت تـُعلي من شأن الانتماء الوطني العراقي وتتمسك بوحدة التراب وبحقها الثابت في الحياة الحرة الكريمة بكامل حقوقها الإنسانية والقومية والدينية بلا انتقاص.. ومن حق شعبنا وتحديدا على جناحيه من عرب وكورد أن يرتقوا بمهمة وقف الهجمتين المعنوية والمادية على الوجود الحقيقي للعراقيين ممثلا بكل الأطياف المتعرضة لتلك الجرائم الهمجية...
وطبعا أول قائمة الأمور أن نتخلى عن استخدام مصطلحات التهميش والإلغاء وثقافة الإقصاء والاستلاب ممثلة في رأس القائمة المعتمد على مصطلح [(أقلية)] وينبغي هنا لمجموع الحركات السياسية المتنورة الانتهاء من استخدام المصطلح وتداوله والانتقال لخطاب يحترم الإنسان ووجود الأعراق والمجموعات القومية والدينية بإنصاف وإحقاق للعدل..
وطبعا وبشكل أكيد أن يجري تصحيح مسار العملية السياسية ومعالجة ما اعتراها من خلل في الصميم بتغييرات استراتيجية تتيح التعاطي مع دستور دائم دقيق في التعبير عن الوجود العراقي التعددي الذي لا يلبي نزوات فردية أو فئوية أو حزبوية أو أصابع إقليمية أو دولية بل يلبي مصالح الشعب العراقي تحديدا حيث الإخاء والمساواة والعدل...
إنَّ الحديث عن أقليات في الدستور هو إدامة واستمرارية في إغفال طبيعة المجتمع العراقي التعددية المتنوعة ومصادرة لوجود المجموعات القومية والدينية التي تمثل تأسيسا عميقا وجوهريا أساسا للمجتمع العراقي وليس كمالة عدد أو حسب النظرة الاستعلائية الفوقية والشوفينية التي تتحدث عن أغلبية متحكمة وعن أتباع يتم التعطف عليهم أو التصدق بكرسي تمثيلي أو بدعم مادي لا يغني ولا يسمن أو بما شابه من الخطابات العرجاء..
إنَّ مصداق التعبير عن عراق جديد يلزم أن نمضي به من هنا من حيث كتابة الدستور وإعادة النظر في المجالس التشريعية على مستوى الدولة أو الأقاليم والمحافظات والأقضية.. ولطالما كنتُ في إطار عراقيين نجباء آخرين أؤكد على أهمية تعديل تركيب البرلمان بطريقة يتألف من جناحين هما المجلس الوطني الذي يُنتخب بطريقة الدائرة الوطنية الواحدة ومجلس اتحادي يُنتخب من ممثلي المجموعات القومية والدينية المتعددة بنسب محسوبة لا تتحدث عن كرسي واثنين وعن فتات وعطايا بل تضع الحق حيث يأتي العدل بمشاركة الجميع في صياغة فلسفة البلاد بعيدا عن  أوهام الأغلبية المسيطرة وعنجهيتها وخنوع الأقلية المصادرة المستلبة ضحية أبدية...
ومن المجلسين ينعقد البرلمان العراقي وعقله التشريعي وهكذا في مجالس المحافظات أما برامج الأدلجة التي تعكس عقائد سطوة الأغلبية الحزبية التي تتمثل في مرحلة انتخابية تلك الأغلبية [الضيقة] تستلب معنى الأغلبية الوطنية الحقة وتصادر معنى الوجود التعددي المتنوع القائم على الحق الإنساني في المساواة وعلى العدل وإنصاف المجموعات القومية والدينية وحقها في كامل التراب الوطني بلا انتقاص..
وفيما هذه هي الرؤية المؤملة في عراق اليوم والغد، نجد أننا أمام مشهد أخطر من كارثي ولا مَن يُعلن المدن المستباحة بأنها منطقة منكوبة وبأن جريمة إبادة شاملة (هولوكوست) تجري؛    بالأمس كانت [ومازالت] بحق المندائيين وبعدهم [ومازالت]  بحق الأيزيديين واليوم بحق المسيحيين في الموصل بعد أن كادوا ينهونهم من البصرة ومن غيرها من مدنهم مدن العراقيين بأطيافهم جمعاء!!!
إنَّ الشعب العراقي ليس شعبا مغلوبا مكسورا فلطالما كُسِر عسكريا ولطالما اُغتُصِبت حقوق له.. ولكنه دوما كان ينتصر بثقافته وخياراته ويعود لتصويب المسار وتعديل الميزان واستعادة حقوقه.. فأما ثقافة الشعب العراقي فتكمن في تصميمه على خياره للعملية السياسية السلمية بعيدا عن نوازع الحروب الدموية وعسكرته وإدامة نزيفه وعميقا في صميم بحثه عن السلم الاجتماعي وترقب انطلاق قطار الدورة الاقتصادية وشريان الحياة والبناء..
وطبعا هذه المسألة تتطلب تضافر الجهود لتنقية مؤسسات الدولة من ظواهر الفساد ومن ظواهر الاختراق إلى الحد الذي تُستخدم فيه قوى أمنية وعسكرية في الحرب على الشعب وفي تمرير مثل هذه الجرائم ولمواصلة المسيرة لابد من تعزيز الثقة بين جميع القوى الوطنية وتصحيح التحالفات وتوسيعها والعودة لإعلاء كلمة المصالحة الوطنية..
ولابد وجوبا للحكومة من أن تعلن برنامج عمل واضح تدرسه الكفاءات العراقية في الوطن والمهجر وتبدأ بتنفيذه من فور إقراره شعبيا ورسميا.. أما وجريمة الإبادة جارية في مدن عراقية ليس آخرها الموصل بحق أولئك الذين يمثلون تاريخ العراق ويشتركون جوهريا في وجوده الجديد، فإنّ المؤمل إعلان موقف صارم حازم لا يقوم على مطاردة تكتيكية جزئية بل على استراتيجية واسعة شاملة وجوهرية تحسم الأمور تصاعديا بضبط ما لنا وما على الآخرين من القوى المفترض وجودها لدعمنا وتأمين سلامة الوطن..
لأن الحقيقة تشير إلى أن الكتل التي تتحكم بالأوضاع لم تقدم حتى هذه اللحظة أكثر من بيانات الشجب والاستنكار وهناك شخصيات (مرجعية) تتحكم في خيار بعض الناس الانتخابي وتتحكم حتى في عيشهم وأساليبه لكنها عندما يتعلق الأمر بحيوات الذين يمثلون سمة العراق وتاريخه وحاضره ومستقبله لا تعطينا حتى ولا كسرة خبز لمن يلتحفون الفضاء ويفترشون الأرض بتهجيرهم القسري بل بتقتيلهم حتى في ملاجئهم العارية.. وفي وقت تبني العمارات والسماكن في دول أخرى فإن تلك الجهات التي نشير إليها في أفضل الأحوال لا تقدم أبعد من نداءات وبيانات لا ترقى لما تفعله مثلا عند تكفيرها إنسانا (امرأة أو رجلا) في لباس ارتداه أو طريقة أكل اختارها!!!

و العراق من قبل ومن بعد: عرب وكورد وتركمان وكلدان وآشوريون سريان وأرمن وصابئة وأيزيديون مسلمون شيعة وسنة ومسيحيون كاثوليك وبروتستانت وأرثدوكس ويهود وبهائيون وشبك و مندائيون واحسِبْ جميع أطياف تراث الإنسانية وحاضرها ومستقبلها هنا في وطن التعددية والتنوع وجمالها في وحدتها الوطنية والإنسانية على أساس من المساواة والعدل... وذلكم هو ما يجري فيه من إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية تفرض علينا حكومة وشعبا إعلان استنفارنا لوقف الجريمة بكل الصُعُد والمستويات وعدم ترك الأمور بطريقة الترقيع الجزئية نخيط هنا وتتفتق هناك فلابد من استراتيجية حقيقية جدية شاملة وكفانا وعدا ووعيدا ولنبدأ فكل شيء موجود من النوايا ومن العقول ومن الآليات والأدوات والماديات وحتى الخطط والبرامج فماذا يؤخر عن حماية الشرف والضمير والحق والعدل وعن الشروع بعراقنا الجديد حقا؟؟؟


لا يُصلِح الدار إلا أهلها أولا وإلا خيارهم صحيح يد العون من جار وجيرننا ترك وفرس وعرب وجميعا هم شعوب محبة للسلم والحياة الحرة الكريمة وفيهم بلدان يمكننا أن ندير معها لغة حسن الجوار وتبادل العون زمن الشدائد ولكن الأمر فينا أولا وثانيا وثالثا
والجواب لدى من بيده إطلاق صفارة العمل.. وإلا فإنَّ الأوضاع ستذهب إلى خيارات ؟ ولات ساعة مندم!



115
الحقيبة الإعلامية لجامعة ابن رشد في هولندا

info@averroesuniversity.org


تبدأ جامعة ابن رشد في هولندا بهذا العدد نشر أخبارها وأنشطتها الأكاديمية والعلمية وكل ما يقدم بشفافية معلومات وافية عن الجامعة لجمهور التعليم العالي والبحث العلمي.. ومن أجل ذلك فقد تأسس فيها مكتب إعلامي متخصص لجمع مفردات الحقيبة الإعلامية بشكل دوري منتظم ونقله لمجموع المواقع الإعلامية والفضائيات والصحف المعنية بمتابعات متخصصة مثل تلك الموجودة في حقيبة جامعة ابن رشد في هولندا...


تأسست جامعة ابن رشد مطلع العام 2008 وهي تواصل مشوار العمل من أجل استكمال نشر جميع المعلومات والبيانات المطلوب وضعها بين أيدي منتسبيها وطلبتها وجمهورها العريض.. وأبرز عناصر عملها يكمن في تبنيها أبناء شعوب الشرق الأوسط  وجاليتهم الموجودة في المهاجر بمختلف أطيافهم ومكوناتهم حيث العرب والأمازيغ والأزواد الطوارق وأبناء دارفور وجنوب السودان  والنوبيين والآراميين والدروز وفي العراق: الكلدان الآشوريون السريان الأرمن التركمان  الكورد الفيلية الأيزيديون الشبك الصابئة المندائيون وجناحا عنقاء الوحدة الوطنية العراقية الكورد والعرب إذ تسعى هنا جامعة ابن رشد لتسليط الضوء على دور اللغة العربية في التنمية البشرية في مجموع هذه البلدان بملايينها التي تجاوزت عتبة الـ300 مليون نسمة وكذلك إضاءة جدية لدراسات مهمة في اللغة الكوردية وإمكاناتها في العطاء الإنساني في محيطها ولدى أبنائها بكل أنماط استخدامها ومستوياته اللغوية المعتمدة شعبيا ورسميا.. على أن يتم ذلك عبر منافذ الدراسات التخصصية في الجامعة وفي مؤتمراتها المخطط لعقدها كيما يصير لعلماء التخصصات المعرفية المتنوعة أدوارهم المناسبة بحجم جهودهم من دون أن يكون لعامل اللغة سلطة العائق بل سلطة التفاعل مع الحضارات الحديثة وتبادل التأثير بينهما...

نسوق هذه المقدمة لنضع مساهمة حقيبتنا الإعلامية في المستوى النوعي لمهام التعريف الموضوعي الشامل بمسيرة جامعة تحتفي بنهج عقد الصلات المعرفية بين حضارتين إنسانيتين تجاورتا وتفاعلتا يوما بجهد مستنير لابن رشد بوجهيه العربي والأوروبي...





   اتصال بين رئيس جامعة ابن رشد ومدير الأكاديمية العربية للتدريب والاستشارات في القاهرة
        في إطار الاتصالات العلمية الجارية بين جامعة ابن رشد والجامعات والمراكز الأكاديمية العربية والأوروبية، تلقت جامعة ابن رشد في هولندا اتصالا من الأستاذ المهندس عاطف الغندور - باسم الأكاديمية العربية في القاهرة - عبر فيه عن تهانيه لمناسبة افتتاح الجامعة؛ كما ورد اتصال آخر برسالة من المستشار العلمي في الأكاديمية الأستاذ الدكتور أحمد سالم بالمعنى ذاته. وقد قـُدِّمت دعوة لرئيس الجامعة أ.د. تيسير الآلوسي لزيارة الأكاديمية العربية بمصر والبحث في أسس التعاون بين جامعة ابن رشد في هولندا والأكاديمية العربية للتدريب والاستشارات في القاهرة. وقد شكر البروفيسور الآلوسي الأستاذ الغندور على تهانيهم ودعوتهم الكريمة ووعد بتلبيتها في أقرب فرصة..
المكتب الإعلامي في جامعة ابن رشد في هولندا

*********************************************************


جامعة ابن رشد في هولندا بين أبناء الجالية
   
من بين أهداف جامعة ابن رشد في هولندا تعزيز الأنشطة الواسعة التي تُعنى بتراث وتقاليد إنسانية عميقة المعنى في وجدان الجاليات ومنها الجالية العراقية بأطياف مجتمع الجالية.. وقد حضرت الجامعة ممثلة برئيسها أ.د. تيسير الآلوسي أمسية رمضانية بعد الإفطار وهي الأمسية التي حضرها جمع كبير حاشد من جمهور الجالية بدعوة من سعادة سفير الجمهورية العراقية في هولندا الأستاذ سيامند البناء.. وقد حضر الأمسية أيضا ممثلو الطيف القومي والديني العراقي من كلدان وأيزيدية ومن ممثلي أحزاب سياسية وجمعيات ومنظمات.. وفيها تبودلت الرؤى في آليات تطوير العلائق الوطنية وإنجاح مسيرة الحوار الموضوعي الرصين بين مجموع الطيف العراقي... 
تجدون في هذا الرابط صور من الاحتفالية أصل الخبر:
 
http://www.babil-nl.org/b40x001act.pdf
 
 
 
مكتب إعلام جامعة ابن رشد في هولندا


**********************************************



اتصالات مع رؤساء جامعات ومسؤولين فيها تحقيقا للتنسيق والتعاون بين ابن رشد وتلك الجامعات


وجرت اتصالات مع عدد من الجامعات الأخرى من بينها جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام وتمت مناقشة مستفيضة لأوضاع  جامعات التعليم الألكتروني والمفتوح واتفِق على تعزيز التنسيق وبخاصة في مسألة استكمال لوائح اتحاد لهذه الجامعات في الفضاء الأوروبي بما يكفل دعم موقعها وتعزيز مكانة الشهادات العلمية التي تمنحها وتوكيد سلطة لوائح التعليم العالي العربية منها والعالمية بما يكفل ترصين مسيرة الجامعات وتمسكها بالنظم واللوائح المعتمدة أوروبيا... كما تم التطرق لإمكانات التعاون في إطارات تفعيل المكتبة بين الجامعتين وأشكال التنسيق العلمي الأكاديمي واتفق على تجديد اللقاء بالخصوص...
وكان عدد من المسؤولين في جامعات عراقية معروفة قد اتصلوا داعمين مبادرة ابن رشد وأكدوا على آفاق التعاون معها بشكل مباشر وكذلك في إطار عقد الصلات بينها وبين تلك الجامعات وقد نُقلِت تلك الرغبة الطيبة في خلق آفاق التنسيق العلمي للإدارة المختصة  في جامعة ابن رشد لمتابعتها ونقلها إلى حيز التطبيق...

*************************************

من جهتها أعلنت إدارة جامعة ابن رشد في هولندا عن عدد من الأمور كما ورد في المادتين التاليتين:

إعلان
فتح باب الانتساب للتدريس في جامعة ابن رشد

تُعلن جامعة ابن رشد في هولندا عن فتح باب الانتساب للزميلات والزملاء من حمَلـَة الشهادات والدرجات العلمية العليا للعمل التعاوني التطوعي في العام الدراسي الجاري وفي جميع تخصصات الأقسام العلمية المعلن عنها في كليات علوم اللغة العربية وآدابها والآداب والإعلام والفنون إلى جانب قبول التخصصات الإنسانية المتنوعة الأخرى لكلية الدراسات العليا..
ويمكن للمتقدم أن يطلع على لوائح الجامعة في موقعنا الرسمي ويُتاح له طلب الوثائق والاستمارات وإجابة أسئلته بالتفاصيل التي يروم التعرف إليها...
نرحب سلفا بجميع الزميلات والزملاء ونؤكد حرصنا على خدمة تطلعاتهم ووضع توجههم لوضع طاقاتهم في عون طلبة العلم من جهة والبحث الأكاديمي العلمي الرصين من جهة أخرى. ويبقى عملنا المشترك متمسكا بالمبادئ العلمية السامية التي تنتمي لتراث الحضارة الإنسانية منذ سومر حيث المعلم الأول والفصل التعليمي الأول ومرورا بجسر المعارف والعلوم بين حضارتين ممثلا بابن رشد الذي نتخذ من اسمه رمزا لجامعتنا...
نحن نبدأ مبادرتنا على أساس من تعاضد الجهود وصبها في بوتقة العمل الذي يتعاظم تدريجا بفضل الإيمان بمبدأ المعرفة للجميع وحق البشرية في العلم الذي يزيح ظلام التخلف ويوسّع من إمكانات فرض خطاب الشفافية في حيواتنا ويفعّل قدرات الجميع على العطاء والمشاركة في بناء عالمنا الجديد عالم المعرفة والعلوم والتكنولوجيا والتحديث.. باذلين الجهد لإزاحة الغبن الذي استلب من الكثير من أهلنا حقهم هذا الأمر الذي يحققه وجودكم معنا...

يُرجى مراسلة الجامعة على أحد العناوين الآتية:
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا      : أ.د. تيسير الآلوسي
tayseer54@hotmail.com

نائب رئيس الجامعة (الشؤون العليمة): أ.د. عبدالإله الصائغ
assalam94@gmail.com

إدارة شؤون أعضاء هيأة التدريس     :
info@averroesuniversity.org

إدارة شؤون أعضاء هيأة التدريس

**************************************************

إعلان
فتح باب التسجيل للطلبة

بغية وضع الدراسات الإحصائية لاستيعاب الطلبة وتوفير الفرص الوافية لهم؛ تعلن إدارة القبول والتسجيل في جامعة ابن رشد في هولندا والمعهد الأوروبي العالي لدراسات العربية التابع لها عن فتح باب التسجيل للطلبة. حيث يمكنهم تقديم الأوراق والمستمسكات الرسمية المطلوبة على وفق ما معلن بالخصوص في موقع الجامعة الرسمي . ويمكن طلب الاستمارات بالاتصال بإدارة التسجيل واستكمال تعبئتها وإرسالها مع المرفقات المتعلقة بغرض دراسة الطلبات وإجابتها... ويمكن للمتقدمين الاطلاع على أية معلومات تخص القسم المرغوب وآليات التسجيل فيه بالاتصال المباشر بإدارات الجامعة فضلا عما يجدونه في موقع الجامعة من معلومات وتفاصيل حول مختلف الأمور وسيجدون دليل الطالب للعام الدراسي الجاري وصفحات تُعنى بقسم التسجيل والأقسام العلمية والإدارية المختلفة... وستقوم الجامعة بمنح أشكال من الدعم بحسب أولويات التسجيل وأسبقيته  في ضوء محددات اللوائح الموجودة في الجامعة...
أهلا وسهلا بطلبتنا النجباء الأعزاء..
وجامعة ابن رشد تبقى مؤسسة لاحتضان تطلعاتكم وتحقيقها عمليا...
إدارة قسم التسجيل في جامعة ابن رشد
****************************

وبمناسبة مئوية جامعة القاهرة وردتنا الدعوة الآتية التي نضعها بين يدي الزميلات والزملاء في مجال التخصص متمنين اتصالهم مباشرة بالعناوين المثبتة في المراسلة وستعمل جامعة ابن رشد على مناقشة ومتابعة اشتراك زميلاتنا وزملائنا العاملين فيها مع عميق تقديرنا للجميع:

   تحية طيبة وبعد ،
           بمناسبة مئوية جامعة القاهرة يعد قسم اللغة العربية وآدابها لمؤتمره الدولي حول "القضايا اللغوية والأدبية في الدراسات الإسلامية خلال القرن العشرين"، وذلك بهدف رصد الإنجازات العلمية التي تمت في هذا الميدان، ومراجعتها وتقييمها برؤية منهجية قائمة على فهم الماضي والحاضر واستشراف المستقبل .
           وبهذه المناسبة يسرنا دعوة سيادتكم ومن ترشحونه للمشاركة في هذا المؤتمر الذي سوف يبدأ بمشيئة الله تعالى في العاشرة من صباح السبت 21 فبراير2009م.
           ونرجو أن تصلنا ملخصات الأبحاث قبل نهاية شهر ديسمبر 2008م، على ألا تزيد عن 300 كلمة، علمًا بأن جامعة القاهرة سوف تتكفل بإقامة المشاركين أيام المؤتمر، أما نفقات السفر إلى القاهرة فيتحملها المشاركون أو الجهات التي يمثلونها.
          ويسعد قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة تلقى مكاتباتكم واستفساراتكم على تليفوني   0020235676335  و 0020235676334   وفاكس 0020235729659
وعلى البريد الإلكتروني  arabicconf@gmail.com 
           كما يشرفنا تلقى مقترحاتكم حول المحاور التالية وما ترون إضافته خلال شهرين من تاريخ مكاتباتنا.

محاور المؤتمر:
1-    الدراسات اللغوية، والبلاغية، والأسلوبية.
2-    الدراسات الأدبية، والقصصية، والنقدية، والشعبية، والصوفية.
3-    الدراسات المستقبلية ( المناهج العلمية المعاصرة، وفلسفات العلم ) .
4-    دراسات أعلام الدارسين .
          وتفضلوا سيادتكم بقبول عظيم التقدير والاحترام،

                                 رئيس شرف المؤتمر                                  رئيس المؤتمر

                                   أ.د.حسين نصار                               أ.د.مي يوسف خليف 
                                                                          رئيس مجلس قسم اللغة العربية وآدابها   




روابط مفيدة للاطلاع:
http://www.averroesuniversity.org/au/

رابط لقسم التسجيل للاطلاع على آليات التسجيل ومحدداته:
http://www.averroesuniversity.org/au/index.php/2008-09-23-19-37-19

رابط دليل الطالب وبعض لوائح جامعة ابن رشد:
http://www.somerian-slates.com/AVURES0004.pdf
                     
هذه أطيب تحايا المكتب الإعلامي
 بـ جامعة ابن رشد في هولندا


116
التعليم عن بُعد نظام تعليمي رصين ومطلوب
تجربة جامعة ابن رشد ودعوة مفتوحة للتعاون
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس جامعة ابن رشد في هولندا
tayseer54@hotmail.com


(1)

تأسست أول أشكال المدارس على وفق ما نقلته لنا سجلات تراث الإنسانية الموجودة عند السومريين باتصال (المعلم) بـ (تلميذه) مباشرة. وبعد هذه الآلاف من السنين؛ تتعاظم اليوم توجهات المجتمعات البشرية نحو مراجعة صيغ نقل الخبرات والعلوم ونشرها.. ففي عالم صارت تحكمه التكنولوجيا الحديثة وتربط بين جنباته بما يجعله مفتوحا على الجميع وبينهم؛ ولإنَّ عالمنا اليوم المحفوف بالتحديات يلزمنا بالتعاطي مع أدواته ووسائله وإلا أصبحنا نسيا منسيا.. فقد صار واجبا في يومنا أن نوظف هذه التقنيات ونستخدمها بما يجعلنا أبناء العصر الذين يدركون أشكال التحديث والتجديد في كل مكوناته ومفرداته ويحيطون بها جميعا...
إنَّ من أخطر عوامل إثبات الذات هو اكتساب المعارف والعلوم الحديثة والوصول بأوفر الخطط في مجالات حساب الزمن والمحددات المكانية وأشكال متنوعة من الكلفة المادية التي تتطلبها مسائل توفير الأبنية وتأثيثها وموضوع المواصلات والتنقل بين المدن والبلدان وكل ما يستتبع ذلك من شروط وتعقيدات.. وسيبقى العقل البشري هو الرأسمال الأكثر ثباتا وأهمية بخاصة في يومنا وفي مستقبلنا القريب والبعيد.. وهذا ما صارت الدراسة الجدية المسؤولة اليوم تقترح من أجله الحلول والبدائل المعاصرة وتحديدا هنا في ركيزة التعليم، استخدام "التعليم عن بُعد" وليدا آخر للتعليم بالمراسلة والتعليم المفتوح وشكلا مهما مناسبا وجديدا لمعالجة التحديات الاقتصادية والروتينية التقليدية المتنوعة...
لقد تسابقت في عصرنا قوى مهمة على تفعيل هذا النمط من أشكال التعليم وصار مهما أن تدخل قبل غيرها لتفعيل خبراتها ولحسم أمرها من مسائل عديدة تحيط بطرائق العيش المستقبلي وضمان هذا الغد؛ بدل القعود بانتظار أنْ يأتي قطار لاحق ليأخذ (المُنتظرين) معه بعد أن يكون قد مضى قطار العصر بعيدا ويكون المنتظِرين كأبناء قرية نائية متخلفة مهملة بأهلها المنسيين..!!
وفي خضم التداخلات والأوضاع القائمة، بادر عدد من العلماء والمفكرين والأساتذة العراقيين والعرب لكي يتصدوا لمهمة بناء هذا الصرح ووضعه بين أيدي أبناء بلدان الشرق الأوسط جميعا.. ولينقلوا فرص التجربة العلمية بوصفهم من الرواد الأوائل [عالميا] بين هذه الفعالية الاستثمارية التي تنقل المعارف والعلوم من دون الخضوع للكلف المادية ولأشكال التعقيدات التي تخص جذب العقول ونقلها وتأمين سكنها وإقامتها وعيشها أو روتين نقل الطلبة إلى بلدان ومهاجر قصية.. وانطلقت عملية تأسيس المراكز العلمية البحثية والجامعية متجهة إلى أبناء الوطن ليكتسبوا أحدث العلوم ويتصلوا بمحيط بعيد مكانا، تكتنف عملية الانتقال إليه مصاعب وتعقيدات في حالة الالتحاق بالتعليم التقليدي...
وصرنا اليوم نلمس يقينا وعمليا وجود عدد من الجامعات [التي تتخذ التعليم الألكتروني نظاما]؛ تلك الجامعات التي شرعت بجهودها المميزة لتُعنى بخدمة طلبة العلوم المتنوعة المختلفة ما يمكنه أن يلبي بعض الحاجة الحقيقية لعدد الطلبة الذي يقدر بالملايين في حوالي 30 بلدا في غرب آسيا وشمال أفريقيا وعدد آخر من بلدان القارات القصية التي تضم ملايين المهاجرين.. وإذا كانت غالبية هذه الملايين من ذوي الدخل المحدود وأبناء الطبقة المتوسطة فإنَّ قضية توفير مصاريف الانتقال والإقامة وغيرها قد صارت مُعالجة َ َ بوساطة التعليم الألكترني...
إننا وأغلب جامعات التعليم عن بُعد نجابه - كما هو واقع الحال - اعتراضات ضد التحديث في طرق التدريس والتعليم تكون أحيانا شديدة جدا.. ولكنّ ذلك سينتهي مع تقدم الوقت وإدراك حقيقة نظام التعليم الجديد أي نظام التعليم عن بُعد [الألكتروني].. وهو تعليم بالأساس يأتي استجابة لعمليات لا تخص توفير الكلفة الاقتصادية حسب بل يأتي استجابة لنقل أحدث العلوم والمتغيرات في الكشوف الحديثة والمعاصرة في زمن المتغيرات الجاري لا في السنوات والأشهر بل في الأسابيع والأيام ويأتي حاضنا للصلات المباشرة بين مراكز العلوم والبحث العلمي الموجودة في أماكن متباعدة ولكنها تحيا على مقربة من بعضها بعضا حيثما استخدمت واستثمرت وسائل الاتصال الحديثة كما يفعل التعليم الألكتروني..
وفي هذا السياق لا يمكننا إلا أن نقول إنَّ جامعات التعليم الألكتروني كما الجامعات التقليدية قد يكتنف عملها بعض الأخطاء، وستكون تلك الأخطاء أكبر إذا ما اسبعدنا القبول بها ووضعها تحت التسجيل الرسمي لوزارات التعليم العالي واتحادات الجامعات الرسمية.. وإذا كانت خطوة اتحاد الجامعات العربية وعدد كبير من البلدان العربية قد جاءت توكيدا لهذا المعنى باعترافها الرسمي بالجامعات الألكترونية وإدراجها في سجلها الرسمي واعتماد شهاداتها؛ فإنَّ عددا آخر من البلدان العربية ما زال يبدو وكأنه غير معني بالأمر ويعلن عدم اعترافه بهذا النظام التعليمي من دون مشاورة أو دراسة ملموسة وأسباب موضوعية أو تخضع لمنطق علمي صريح.. هذا الأمر يُنتظر أن يُدرس مجددا ويُعتمد المنطق البديل الذي يقرّ الواقع المتغير وكل ما هو صائب فيه وتحديدا الاعتراف بالتعليم عن بُعد وتسجيله رسميا ومتابعة تطبيق مؤسساته للشروط العلمية الرصينة كما هو الحال في بقية أنماط التعليم...
ومن المفيد التوكيد هنا على أن المتابعة لشروط التعليم تكمن في تطمين الثقة بأسس القبول ومصداقية التعاطي مع المدخلات بشأن قبول الطلبة الحاصلين على شهادات مدرسية وجامعية معتمدة ثم المناهج الدراسية العلمية المتكاملة التي تتبنى الدقة والرصانة والموضوعية والأساتذة الأكفاء والإدارة العلمية الأكاديمية الخبيرة المتمكنة فضلا عن جملة محددات أخرى مهمة إلى جانب متابعة المتخرجين وتمكينهم عبر نظام التعليم المستمر من أداء مهامهم الوظيفية والحياتية على أكمل وجه وأنضجه...


(2)

 ويمكن القول: إنَّ من بين المشروعات ذات الريادة والخبرة والتمسك بالمحددات العلمية الدقيقة للعمل الجامعي التي اُفتُتِحت مؤخرا هي جامعة ابن رشد في هولندا التي باشرت عملها التأسيسي منذ مطلع العام الجاري 2008..  وقد أنجزت أغلب الأمور من مفردات اللوائح والأنظمة وجداول المقررات العلمية.. مع تمكين علماء وأساتذة أفاضل وأجلاء من الاتصال بطلبتهم عبر اعتماد عملهم الذي اكتسى خبرة عبر عشرات سنوات العمل الجامعي العلمي المبدع وعبر خبراتهم في تأسيس كثير من مشروعات التعليم الألكتروني الأخرى.. وهم إذ يشرعون في تأسيس جامعة ابن رشد فلأجل تغطية سعة الطلب من جهة ولتعزيز التفعيل العلمي وتنشيط أدواته، وتصحيح بعض الثغرات على مستويات مختلفة من التعاطي مع المسيرة العلمية بكل أوجهها.. والاحتفاظ بأعمق العلاقات العملية والعلمية مع جميع الجهات التي تضع العلم في أعلى قائمة اهتماماتها..
 وكون جامعة ابن رشد في هولندا مؤسسة للتعليم العالي بطريقة (التعليم عن بُعد) أو ما اصطلح عليه التعليم الألكتروني، فقد وضعت لها موقعا رسميا على شبكة الأنترنت يمكن أن يتيح للجميع فرص الفائدة بعقد الصلات مع الأساتذة والإدارات العلمية وأخذ ما يرومون منه علميا عبر المكتبة الألكترونية والدورية البحثية العلمية وصفحات المقالات والبحوث وغيرها من المفردات التي ستستكمل قريبا بأتم صورة، مما سيكون له الأثر الجدي الفاعل في نقل الخبرات والمعارف لأوسع طالبيه...
إنَّ جامعة ابن رشد ليست مجرد مؤسسة للتعليم بالتوصيف المدرسي المحدود بل هي مؤسسة خبرة واستشارة ووضع الدراسات والخطط وعقد المؤتمرات العلمية المنصفة التي يمكن أن تتقدم بمجتمعاتنا وبطالبي العلوم إلى مصاف الحداثة وآخر ما وصلت إليه البشرية في أصقاع المعمورة.. وفي ضوء ذلك ستشهد الجامعة وقائع المؤتمر الأول للغة العربية ودورها في التنمية البشرية في ضوء جسر العلاقة بين الحضارتين العربية والأوروبية ووجود الجاليات المهجرية في أوروبا  حيث مقر جامعة ابن رشد في هولندا كما ستنهض بمؤتمرات في العلوم التربوية والنفسية والاجتماعية بما يخضع لفائدة المجتمعات النامية والمتقدمة على حد سواء وبما يفيد في التفاعل لجسر الفجوة وردمها وتفعيل أدوارنا في الحياة المعاصرة..
ولأن الخطط الموضوعة بهذا الشأن صارت جاهزة وتنتظر الانتقال للتنفيذ فإنّ عوامل عديدة تتطلب التضافر لهذا الانتقال كيما نرتقي لمستوى مسؤولية الحدث وواقعنا ومتطلباته اليوم.. وبالتأكيد سيكون لاستجابة وزارات التعليم العالي والجامعات في امتداد البلدان الشرق أوسطية والجهات المعنية المسؤولة ولدعمها مثل هذه الفعاليات دوره في النجاح المرجو من وراء جذب الطاقات العلمية وقراءاتها الدقيقة لوضعها في ميدانها الفعلي الحقيقي... ومثل هذا الأمر موجود بمسؤولين وجهات تعليمية عربية وغيرها تنظر بعين الاهتمام نحو ما يؤدي لطريق التفعيل الذي نتحدث عنه هنا بعجالة ونضعه بأوراق عمل ملموسة بين أيديهم..
وفي سياق التطبيق والعمل تبقى لاتصالات الأساتذة وانتسابهم لجامعة ابن رشد أو تعاونهم مع توجهاتها العلمية ولاتصال الجهات الرسمية والمعنيين واحتضانها لمشروعات العمل الموجودة بالفعل وتنتظر الانتقال للعمل بدفع جدي مادي ومعنوي، حيث يهمنا هنا بإيجاز ومباشرة الدعوة لعقد الصلات المباشرة والاتصال بنا؛ مرحبين (باسم أساتذة جامعة ابن رشد وإداراتها وطلبتها) بكلّ صوت نبيل شريف تهمه مصالح أبنائنا ومستقبلهم ومستقبل وجودنا الحضاري المخصوص بهويته الإنسانية التي ظلت وما زالت مشرقة ساطعة متفاعلة مع الآخر بطرائق موضوعية ورصانة المنطق العقلي التنويري الصحي الصحيح...


موقع جامعة ابن رشد في هولندا:           
  http://www.averroesuniversity.org
                   







117
اللغة والقيم الاجتماعية
نموذج حوار الطرشان وحوار العرسان وحكاية "الفلتر" و "التأويل"
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي \ ناشط في حقوق الإنسان
          17\09\2008
tayseer54@hotmail.com

 
يتداول الناس مفردة [أحب] بشيء من الريبة  والشك. ولكنهم لا يشعرون ذات الأمر إذا قال رجل أو قالت امرأة أحب الورد الأحمر أو الأصفر أو أحب أكلة الباميا أو الدولمة البغدادية المالحة أو البصرية المحلاة. ومفردة أحب هذه لفظ لغوي لا يثير الشك أيضا عندما يُقال: أحب الطيور وهي تشدو أو الطبيعة وهي تُسفِر عن إصباحات الجمال... إنّما تعالوا لنرى هذه الكلمة [أحب] إذا ما جاءت في سياقات أخرى؟!
تقول المرأة أحب المسرحية أو اللوحة الفلانية. وقد تقول: أحبّ الفنان السينمائي أو المسرحي الفلاني أو فلانا من المطربين أو المبدعين. ومثلها قد يقول رجل: أحب الفنانة المسرحية أو المطربة فلانة. فماذا يكون التفاعل في أحايين عديدة؟ إنَّ التفاعل مع هذا اللفظ [أحب] كثيراَ َ ما ينطلق من دائرة الشك المرضي الاجتماعي القائم على أمراض العلاقات الاجتماعية؛ بخاصة طبيعة أو جوهر العلاقة بين الرجل والمرأة من جهة.. وعلى الريبة من معنى الحب ذاته. إذ بقي الحب سلوكا مرفوضا في أغلبيات مجتمعية ما زالت تحيا بعقلية قبلية عتيقة!*
فما أصل العلاقة بين مفردة معجمية كلفظ أحب وبين السلوك الاجتماعي والقيم السلبية أو الإيجابية التي يعبر عنها...؟ هل يثير لفظ معجمي بعينه ردّا أو تفاعلا سلبيا لمجرد اللبس الدلالي في تفسير ما ينطوي عليه استخدامه في عبارة أو أخرى؟ أم أن القضية قضية تحميل وتأويل** مسبق ينطلق من ترسبات العلاقات غير الطبيعية أو المرضية التي تفرض مضامينها على اتجاهات قراءة شخص أو آخر للفظِ ِ أو عبارةِ ِ أو جملةِ ِ أو نص؟
لقد سارت العادة في مجتمعاتنا على تبادل الحديث والحوار في ضوء تلك الأحكام المسبقة، الأمر الذي أوصلنا لما يمكن أن نسميه حوار الطرشان... بصيغة ظاهرها تبادل الجمل والعبارات التي تشكل لفظا صيغة حوار ومناقشة لأمر فيما تمثل أو تجسد في مضامينها قيما وموضوعات تتوارد لأذهان المتحاورين في ضوء الفروض المسبقة لطرفي الحوار بعضهما تجاه بعض؛ ومن ثمَّ تأويلهما لكل عبارة ولكل كلمة بالطريقة التي تنسجم والتداعيات التي يراها المتلقي لا المقاصد التي يريدها مرسل الخطاب...
ولطالما أشار إعلامنا إلى أنَّ طلاقا قد حصل لمجرد عبارة قالتها زوجة في بطل مسلسل أو لولع زوج في مطربة. والحقيقة فإنَّ مثل هذه الأخبار تعكس أمورا شبيهة في الحياة العامة... فالمشكلة هنا تكمن في أصل العلاقات. ولنلاحظ أنَّ من يحبّ شخصا لا يسمع منه إلا الجميل وهذا ليس لأنه لا يقول إلا الجميل أو أنه لا يُخطئ، ولكن هذا يعود إلى أن أذن المحب تمتلك مرشـِّحات (Filters) وعندما تسمع ما لا تقبله تأوله أو على أقل تقدير تخترع له الأعذار والمبررات بما يمرره بلا أثر سلبي وقد يكون (حوار العرسان) الأكثر امتلاكا لـ (فلترFilter) المحبة الجميل من تسامح وإيجاد أعذار لمفردة أو أخرى...
والعكس يحصل عندما تنتهي مرحلة الودّ والصبا والخطوبة وتتقدم أيام الحياة الزوجية متهادية تصارع تفاصيل اليوم العادي مجابـِهةَ َ الاحباطات ومطبات الحياة العامة المحيطة؛ عندها تدخل بين البينين حواجز تعترض علاقة الود والحب وسلوك الاحترام والتقدير وتهبط المكانة الاستثنائية بل تنحدر لأقل من العادية، أي باتجاه الفواصل المتمثلة في سلسلة ((الأخت والأم والأخ والأب والأقارب والأصدقاء والمعارف وينبني من هؤلاء هرم من العوارض السلبية بل يأتي كلّ تاريخهم ليصير ذاك الماضي جزءا حيا فاعلا في يوميات أطراف الحياة وحواراتها))  وطبعا النتيجة هنا هي تأويل حتى العبارات الجميلة بريبة تتساءل عمّا يكمن وراءها ولماذا قيلت.. دع عنك أن المرشـِّحات (الفلتر) تتعطل نهائيا ويتم تصيد كل شاردة وواردة بقصد البحث عمّا يطمِّن الشك والريبة المتولدة في العلاقات المتقادمة...
إذن فأمر (أحب) المشكوك فيها يولد من الشرخ النفسي والاجتماعي بين أطراف العلاقة ومن استسلام وقبول بتأثيرات أطراف محيطة أو تدخلاتها ومن مسلسل الاحباطات وتراكم ما يباعد بين تلك الأطراف ويخلق أجواء الصمت التي تطمس الحوار المنطوق ليعلو صوت الحوار الداخلي الأطرش؛ أي التخلي عن لغة الحوار العادية وتبادل الحديث لصالح لغة الافتراضات القائمة على التأويل وليّ عنق الحقيقة لصالح الشكوك الظنية. فينقلب معنى أحب الودود الجميل إلى إشارة أو دلالة سلبية تثير المشكلات وبدلا من احترام ذائقة الآخر [أو الأخرى] في أمر يراه جميلا وبدلا من مشاطرة الآخر في متعته الجمالية وفيما استدعاه لاستخدام لفظة (أحب) تسير التأويلات بالأطراف المعنية نحو مزيد من التخاصم..
وهكذا فإذا أحبّ زوج لوحة أو مسرحية أو فنانة اعوجَّت الأمور وتأوَّلت بما يفي لتتفيه هذا الزوج المحب! إذ كيف يحب (أخرى) على زوجته!! وإذا قالت زوجة: أحب فنا أو مسرحا أو فنانا أو مطربا دع عنك قولها أحبّ فلانا تقديرا لسلوك أو منجز أو فضائل يتسم بها ويكون هذا الفلان شخصا معينا في محيط العائلة.. فذلكم من عظائم الأمور وجناية حتى لو بقيت مجرد مفردة  أو لفظا لغويا لا أرض له من خيالات الوهم المرضي...
واستطرادا، فقد يكون من جملة مثيرات التأويل أمورا أخرى من نمط الغيرة أو من نمط عدم استخدام اللفظ في يوميات الحياة العادية بين الزوجين أو بين طرفي حوار فيما يطفو استخدامه تجاه إبداع أو مبدع وغير هذه الأسباب ـ التي تبقى نفسية اجاتماعية معرفية ـ  عديدة كثيرة ولكنها جميعا  تمثل أسّ التأويل وتغيير قراءة المعنى ومنحه محتوى افتراضيا مغايرا للحقيقة المعجمية ودلالاتها..
اللغة من قبل ومن بعد أداة صوتية*** يستخدمها الناس لقضاء أغراضهم كما يقول العالم اللغوي ابن جني.. ولكنّ اللغة ستسير بنا مسارا غير مريح حيثما استخدمناها بطريقة معوجة لا تخضع لآليات استعمالها الصحيح.. وأول تلك الآليات والشروط تكمن في البحث عن المقصد الأدق لمرسل الخطاب أي الاستماع لما يردنا من لفظ وعبارة ونص، وقراءته على وفق ما أراد مرسله من معاني ومقاصد ودلالات.. فإذا ما التبس أمر فإن مواصلة الحوار تكمن في أن نسأل المتلقي عن معنى مفردة أو دلالة عبارة أو مقصد نص أرسله إلينا، حتى نصل للفهم الذي يتيح لنا أن نجيب عنه أو عليه بحسب المعنى الوارد إلينا في رسالة الآخر وليس بحسب تأويلنا لرسالة الآخر..
في مثل هذه الحال لن نجد طلاقا بين زوجين لأن أحدهما قال: أحبّ!!! ولن نجد خصاما بين طرفين أو طول طريق حوار بينهما و وعورته بسبب التأويل والتأسيس على استخدام حوار الطرشان بدل حوار العرسان... وليكن ما بين أي طرفي حوار أو علاقة ، حوار العرسان لا حوار الطرشان.. ولنؤسِّس للغة تحترم ذائقة الآخر فيما يُحب ويرغب ويهوى ويريد وليكن ذلك مدعاة لمشاطرته عميق الودّ ومتنامي المشاعر الجميلة القائم على وطيد الثقة. فبهذا يمكننا أن نقول: إنَّنا غيـَّرنا مفاهيم مرضية عتيقة إلى مفاهيم جديدة إيجابية صحية صحيحة ويصير الحب صحة لا مرضا ويصير من يقول: أحبّ، محبوباَ َ أكثر بمقدار ورود هذا اللفظ الأحب عندنا جميعا.........
 
هوامش وملاحظات ونتائج:
*     كانت العرب تجبر بنت العم على الزواج من ابن عمها؛ لكنها ترفض تزويجها منه لمجرد أن يشيع عنه أنه يحبها. وهكذا فقاعدة رفض الحب تتغلب على قاعدة التزويج لابن العم.. فالحب عيب وأمر فاضح مرفوض بتلك العقلية وقيم ذلك الزمن... وقد ترسخت فكرة العيب تلك حتى أيامنا من جملة قيم مرضية متوارثة أخرى...
**  ظلت إشكالية تأويل النص معضلة تثير المشكلات الخطيرة إلى درجة تكفير الناس بمعنى عدم الاكتفاء بتخطئتهم بل والحكم عليهم بعقوبات صارمة تصل حدّ التصفية أو الإعدام والموت. وهكذا فقاعدة التأويل تنطلق من اعتداد بتوهم الصواب لدى طرف يمنح نفسه حق الاستدلال والتفسير على وفق منطقه الخاص وقوانينه وفروضه المسبقة مهمِلا مقاصد الآخر الحقيقية. ومنعا لتعرضه للنقد وافتضاح وهمه يُصدر أحكاما تصادر حق الآخر في الرد وتوضيح الأمور ومعالجتها بما يصل كما أشرنا إلى حدّ التصفية. 
***   ليست اللغة بذاتها حمّالة أوجه.  فلكلّ صوت، تمَّ اختيار موضع معجمي ومعنى محدد.   ولكنّ القراءة والتفسير والتأويل هي التي تتحكم بصحة المعنى من مرضه،  ومن ثمّ في تأثيراته الإيجابية أو السلبية...   فلنقرأ ما يصل مسامعنا،  كما أريد له من مقاصد لا كما يريد ظن أو شك أو ريبة أنْ يأوّل الأمر..  فبالتبادل الصائب نقيم العلاقات الصائبة والعكس صحيح أيضا...
X   فائدة: هل للسياسيين [في زمن اضمحلال عناصر الثقة أو افتقادها أو انعدامها] أن يقيموا حوار العرسان لا حوار الطرشان بينهم.. أي الحوار الذي يصل الأفئدة وتنفتح مسالكه كافة بما يفي تبادل الرؤى وتداولها والمشاطرة أو المشاركة في التناول والمعالجة؟
 

118
سومريات
يكتبها : الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
2008/09/05
أستاذ الأدب المسرحي
tayseer54@hotmail.com
المسرحية العراقية: شؤون وشجون
[6]

 



توطئة عامة لدراسة مسرحية مرحلة تعدد الاتجاهات

في القسم الجديد من دراسة المسرحية العراقية من جهة نصها الدرامي المكتوب أو المنطوق سنتعرض لمتابعة قراءتنا التي تركز على الجوانب الأدبية الفنية للنصوص في وقت تحاول ألا تغفل العناصر النقدية الأخرى في قراءة المسرحية من دون تغليب تلك المفردات التي تعرّج على المضامين وتنشغل بالاختلافات الفكرية معها كما أوضحنا في معالجتنا في القسم الأول من هذه الدراسة..

ومن المفيد هنا أن نشير إلى أننا في هذه المرحلة سنجد وفرة أكبر في عدد النصوص وفرصا أوسع في عملية الاختيار في إطار  ما تعكسه التطورات النوعية في البنية وفيما تناولته مسرحية المرحلة من مضامين وقضايا.. وهذا يعني أننا سننتقل إلى قراءة تتضمن إشكالات جديدة أبعد من قضية الأهمية التاريخية أو شهادة ولادة المسرحية في العراق كما كان الأمر في قراءة مرحلة الولادة والنشأة.. وهكذا فنحن أمام حلقة جديدة من سلسلة حلقات تطور المسرحية العراقية المعاصرة...
وسيكون من بين تساؤلاتنا في قراءة هذه المرحلة أن نعيد أسئلة المرحلة الأولى من باب المقارنة وتلمس درجات التطور والتغيير.. فهل سنتلمس أو نجد ظواهر مرت معنا في مرحلة النشأة من نمط طبيعة الشكل وتركيبته فيما يخص المشهد والمنظر وعدد الفصول على سبيل المثال، وظواهر من مثل السرد القصصي والحبكة الروائية وكثرة عدد الشخصيات مع تساوي أهمية عدد منها، وسيادة الرومانسية  وإبراز شخصيات البطل القومي التاريخي والمثقف المتنور ابن الطبقة الوسطى مع خطاب المأساة الاجتماعية بنهاياتها المغلقة المحسومة وبما حفلت به من استخدام لعنصر المفاجأة...
وسيكون من تساؤلاتنا أيضا أن نبحث إذا ما عبرت مسرحية المرحلة الجديدة بطريقة فنية مناسبة ومخصوصة الهوية عما يحياه أبطالها مثلما حاولت الأمر ذاته بنسبة من التوفيق والنجاح مسرحية المرحلة الأولى...  ومن المفيد القول هنا: بأننا زمنيا نحدد المرحلة التي نحن بصدد دراستها من نهاية مرحلة النشأة (والفاصل بين المرحلتين هو الحرب العالمية الثانية) حتى نهاية الستينات..
كما نذكـِّر هنا بأن دراستنا الدرامية الطابع تبقى مؤسسة أولا ومبدئيا على التفكير بحفلة العرض، وظروفها، والغاية من العمل الدرامي، بما يشكل عددا من محددات البنية الدرامية. التي ستساعدنا على الكشف عن المحتوى الدرامي من جهة، وعن العلاقة الجدلية بين المؤثرات الخارجية والمكونات الداخلية للبنية من جهة أخرى.. فآلية العلاقات الداخلية لهذه المكوّنات ليست انعكاسا فوتوغرافيا محضا لمصادرها الواقعية (الخارجية)، بل آلية حيوية لأنَّها تُعدّ بمثابة حياة مصغرة أخرى على الركح [الخشبة] أو بعبارة أدق محاكاة فنية للحياة الإنسانية..
وفضلا عن محددات البنية هذه؛ فإنَّ الاتجاهات والمذاهب الأدبية والفنية تُعدّ هي الأخرى عاملا آخر من المحدّدات المؤثرة في الدراما وبنيتها، ولكن تأثير هـــــــذا العامل غير مباشر، لأنّه يباشر تأثيره أولا من خلال علاقته بأساليب المعالجة الدرامية لكل من عناصر البنية الشكلية والمضمونية ومن ثمَّ في آلية البنية الدرامية وصيرورتها.
ونحن نشير لهذا المؤثر باستقلالية نظرا لاصطباغ المرحلة بتعدد الاتجاهات  والمذاهب  وكذلك لدور المذاهب الأدبية والفنية هذه في إبراز انعكاس طبيعة العصر ومعالجاته، يقول الدكتور جميل نصيف بهذا الشأن: "لقد جسَّد كل مذهب أدبي.. لاسيما الرئيسة منها... الحالة المزاجية والذهنية والنفسية والعاطفية لحياة مجتمعاتها، كل في عصره. إنَّ دراسة تاريخ أيّ أدب من آداب أقطار أوروبا الغربية، ومعها آداب كل الأمم السائرة في طريق العصر الحديث، لا تتم اليوم بمعزل عن تاريخ المذاهب الأدبية فيها وتعاقبها منذ أواخر عصر النهضة إلى اليوم"(1).
وفي ضوء تحكم الأوضاع العامة لبلد بعينه بهذه المحدّدات الدرامية، ومنها المذاهب الأدبية، ، يصبح من الضروري تقديم عرض مجمل للمرحلة من حيث طبيعتها وخصائصها، لمزيد من سبر غور المؤثرات الأبعد في المسرحية التي ندرسها.

في البدء لابد من القول: إنَّ اختيار الحرب الكونية الثانية حداَ َ فاصلا بين مرحلتين في دراسة المسرحية العراقية لم يأتِ عبثا، فهذه الحرب قد شملت في تأثيرها مجتمعنا مثلما شملت المجتمعات الأخرى في مختلف أرجاء المعمورة. ولقد كان هذا التأثير عميقا وشاملا  لنواحي الحياة كافة، فكان جمهور مرحلة ما بعد الحرب واقعا في كمّاشة من الاتجاهات المتناقضة، تحت تأثير إزدياد حدة الصراع الاجتماعي والفكري في مجتمع ما بعد الحرب، المجتمع الذي تجاذبته ظروف الفقر والجهل والمرض.
لقد كوّنت هذه الظروف الاجتماعية والفكرية مناخا ملائما لصياغة أساليب التعبير الجديدة، مثلما خلقت القاعدة الأساس لولادة المذاهب والاتجاهات المناسبة لأجوائها. وأول هذه المذاهب والاتجاهات الجديدة التي سادت في مسرحية ما بعد الحرب هي: (الواقعية).
 وفي إطار المذهب الواقعي ركزت موضوعات المسرحية واهتماماتها على أجواء بلادنا ومجتمعنا والمشكلات التي جابهتهما. فبعملية إحصائية نجد أن الموضوع السياسي شكّل نسبة تزيد على ثلث الأعمال الدرامية التي ظهرت بين عام 1940 وعام 1967.. وهذا اللون الدرامي يمكن أن يخضع لجنس نطلق عليه اسم الدراما التعليمية أو الوعظية (Didactic drama). ويتسم هذا اللون الدرامي بمميزات يلخصها قول سام سمايلي [Sam Smiley] بأنها مسرحية"تختلف عن الأشكال التقليدية الثلاثة أي المأساة، الملهاة، والميلودراما (المشجاة) مكتسبة وجودا مستقلا. والاختلاف الأساس بين المسرحية الوعظية والأخرى التقليدية بأجناسها يكمن في جعل الفكرة جزءا نوعيا في تكوين المسرحية بما يجعلها تتخذ وضع العنصر التنظيمي الرئيس والأكثر أهمية فيها، العنصر الذي يسخِّر الأجزاء الأخرى في المسرحية الوعظية لخدمة تقديم الفكرة ؛ بينما الفكرة في المسرحية التقليدية ليست أكثر من مادة للشخصية والخطة"(2).
إذن فكون المسرحية الوعظية (Didactic) تـُخضِع بنيتها لسياق الفكرة (Thought)، أو الموضوع الذي تقدمه، يسوِّغ لنا بل يَفرض علينا أنْ نناقش هذا الموضوع وخطة حركته من خلال تتبع خطة البنية الدرامية بعموم الاتجاهات ومدى المرحلة التي نحن بصددها.
ونحن لا ننظر إلى المسرحية الواقعية وحدها ممثـِّلة لهذا الاتجاه الذي ساد الدراما العراقية بعد الحرب العالمية الثانية؛ فنظرة فاحصة على المسرحية الرمزية من شأنها أنْ تقنعنا بأن ظروف ولادتها ليست مشابهة لظروف ولادة هذا الاتجاه في أوروبا، حيث كانت الغاية في مسرحيتنا تقديم موضوعات ومعالجات سياسية تختفي وراء رموز وإبهام هي وسيلة للهروب من جور السلطات طوال هذه المرحلة.
وهذا ينطلق من كون زمن المسرحية هو ما يحدِّدُ نمطها. تقول مارغوري بولتن: "وعلى هذا فلابد من أنْ نربط جميع التمثيليات بالبيئة التاريخية التي كُتِبت فيها – هذه البيئة تشتمل على مسرح زمن التمثيلية، ومقاييس هذا الزمن الفنية والجو العام الذهني والأدبي – وبالأحرى الخلقي، ... "(03). حيث يحيلنا هذا الاقتباس فيما يتعلق بمسرحيتنا إلى تأكيد العلاقة الجدلية العميقة بين أجـــواء المرحلة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا من جهة وبنية المسرحية العراقية فنيا من جهة أخرى. وبقدر تعلق الأمر بهذه العلاقة فإنَّ الباحث هنا يؤجل التفصيل في هذا إلى حين عرض المداخلات التطبيقية، حيث يمكن عندها البرهنة عليها ومنحها أفقا علميا دقيقا.

إنَّ كل ماهو فكري وسياسي في أيّ مسرحية يعدّ دلالة لها، فليست هناك مسرحية من دون دلالة تمتلكها. وإنَّ فكرة المسرحية تكتسب قيمتها من تطابقها كليا مع طبيعتها الخاصة وفي علاقاتها القائمة أو الموجودة فعلا، وهذه لا تعدّ مسألة فكرية بحتة بمعنى أنها تعبير عن دلالة، تعبير عن رمز حيث يتحول الشيء المادي إلى دليل يعكس، في حدود معينة، واقعا معينا من وجهة نظر بعينها.
وعلى سبيل المثال، يتحول الخمر والخبز من بضاعة تداولية تعبر عن حاجات بشرية بعينها إلى رمز ديني عند المسيحي مثلا، فالخمر والخبز ليسا دليلا [مشفرا] في ذاتهما وإنما في التحول أو في العلاقة التي يدخلان فيها. أيّ أن لكل ما هو فكري قيمة دلالية (سيميائية) تعتمد وجود القيمة الاجتماعية وليس الأفراد مجتمعين من دون هذه القيمة؛ هذا من جهة الموضوع،
ومن جهة ثانية يعدّ النتاج المسرحي دلالة بالقياس إلى مادته التي يقدمها؛ فكلّ تحدث أو قول هو مكوّن لكل، ترتبط به دلالة ومعنى محددان أطلقنا عليهما الثيمة(Theme) أو الغرض الذي تكتسب فيه المسرحية قيمتها السيميائية، فإذا اتفقنا على أن الثيمة نسق معقد وحيوي من الأدلة، يخضع لشروط لحظة من التطور بعينها وأنَّ الدلالة هي الوسيلة(Instrument) التقنية لتحقيق هــــذه القيمة، فإنَّنا سنجابه حالة من التطابق بين المسرحية بوصفها نتاجا والدلالة بوصفها وسيلة أو الوجه الشكلي في مقابل تطابق المعنى أو الأيديولوجيا فكرةَ َ ومعالجةَ َ والثيمة التي تلخص مضمون المسرحية أو بعبارة أخرى وجهها المضموني.

وبعدُ، فليس الغرض من هذه المداخلة إضافة مسوِّغات للكشف عن العلاقة بين البنية الدرامية والمؤثرات الخارجية فيها، فنحن هنا لسنا بحاجة إلى مسوغات بقدر حاجتنا للكشف عن هذه العلاقة من ناحية وعن دور الكلمة في البنية من ناحية أخرى؛ إذ أن الكلمة هذه قد تكون مجردة بنفسها وقد تكون دالة مطابقة لتسمية معينة، ولا معنى للدلالة بحد ذاتها هنا لأنها ليست سوى قدرة أو إمكان على أن تؤشر معنى معينا ضمن ثيمة محسوسة.
وفي ضوء دراستنا هنا نلاحظ اتجاهين أحدهما يسير نحو الثيمة وبنيتها وفي هذه الحالة فإن الأمر سيتعلق ببحث الدلالة السياقية لكلمة معينة في شروط القول الملموس بالمعنى الواسع للعبارة أي بالمعنى التركيبي البنائي الداخل في العمل الدرامي وبنيته الكلية - ويسير الاتجاه الآخر نحو الدلالة وفي هذه الحالة سيتركز الأمر على بحث دلالة الكلمة داخل نسقها المعجمي بالمعنى الضيق لهذه العبارة أي في إطار دراسة بنية الحوار وانعكاس العواطف والانفعالات وطاقات الفعل الإنساني فيه أو في الكلمة المعجمية.
إنَّ ما يدعو إلى مثل هذا النحو من البحث أنَّ المسرحية لم تعد في هذه المرحلة تركز على الشخصية الإنسانية الفردية بل على الشخصية - المجتمع أو الفئة أو الجماعة - بما يعكس من خلالها الجو الاجتماعي العام من جهة وما يضفي على الكلمة قوة دلالية أبعد من وجودها المعجمي بل دخول هذه الكلمة في علاقات متشابكة يكون لها قوة بنائية (Structural power) ترفعها إلى مستوى بنيوي (Structural level) تركيبي جديد.

تبقى مسألة أخرى ستساعدنا [مثلما نقترحها أداة تحليلية درامية للآخرين] في بحث مسرحية المرحلة هي أقرب إلى المذاهب والاتجاهات. إنها أساليب وألوان فرضت وجودها على طبيعة المعالجة الدرامية فانقسمت المسرحية الجديدة على أبعاد تقع بين مفهوم المسرحية الاجتماعية والمسرحية السياسية على وفق خصائص محلية متميزة، فيما انحسرت المسرحية التاريخية إلى الظل لأسباب ذاتية وموضوعية. وأصبحت المسرحية التاريخية مادة موجهة إلى الأعمال المدرسية ومنحصرة فيها مع استثناءات جد محدودة، وبالمناسبة فإن هذا الواقع الجديد في توزيع الأعمال سيدعونا إلى تكثيف التفاتنا إلى الألوان الأكثر اتساعا مع إعطاء الألوان صغيرة الشأن، من حيث حجم وجودها النسبي داخل مسرحية المرحلة، نقول: إعطاؤها ما تستحقه من مناقشة.

مع ذلك فإنَّ هذا التقسيم البحثي سينطلق من دراسة الشخصية في تحولاتها الجديدة. ودراستنا هذه التي تبدأ بالشخصية تستند إلى سببين: فنحن نبدأ أولا بالشخصية بسبب الأهمية البنائية المتميزة لهذا العنصر الدرامي؛ وثانيا: بسبب تركيز مسرحيتنا العراقية على مناقشة هموم الشخصية \ الفرد أو الشخصية النمطية التي ترمز لفئة أو فكرة.
ولا يلغي هذا أهمية العناصر البنائية الأخرى حيث لا يقابل فهمنا للبناء الدرامي هنا الشكل المسرحي منفصلا عن مضمونه.. وإنما يقابل العمل المسرحي بالكامل، من حوار وصراع ومن فكرة وحدث وإيقاع وحبكة فضلا عن أمور بنائية كثيرة وَجدْتُ من المناسب إدراجها ووضعها في مبحث شامل بقصد الكشف عن كل منها، ليس مُجتزَءا منفصلا بل في علاقته مع العناصر كافة.. وطبعا بالمجمل تمثل هذه الآلية توكيدا لمسارنا الذي اعتمدناه في تحليل المسرحية كما ورد في القسم الأول من هذه الدراسة...






هوامش: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01) د. جميل نصيف، المذاهب الأدبية، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1990، ص7.
02)Sam Smiley, Play Writing, The structure of action, Printice Hall, INC, New Jersey, P.49.
03) مارغوري بولتن، تشريح المسرحية، دريني خشبة، الأنجلو المصرية، القاهرة، 1962، ص 283.





 
* حقوق النشر محفوظة للكاتب                                      www.somerian-slates.com
 

119
الموسوعية والتخصص
بين نور المعرفة وظلام الجهل في حالتي التخلف والتقدم التكنولوجيين
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي \ ناشط في حقوق الإنسان
          03\09\2008
tayseer54@hotmail.com

كان الروح الموسوعي لأصحاب المعرفة ومالكي فنون العلوم والآداب قائما معروفا حتى مطلع القرن العشرين.. فلقد تعرفنا إلى الفلاسفة والحكماء وهم يؤدون أنشطة معرفية متعددة متنوعة مذ ولادة البحث العلمي وسطوع إشعاع المنطق العقلي البشري بولادة الحضارة الإنسانية في مجتمع المدينة وما ظهر فيه من تراكم المعارف وبروز الثقافة. وقد سار الأمر حثيثا متناميا وبقي الجهد الموسوعي موجودا مميزا على الرغم من التطور المعرفي والتقدم في ميدان العلوم وتشعبها وتقدمها باتجاه التخصص واستقلال تلك العلوم في ميادينها الخاصة...
والسرّ في أمر توافر أرضية الجمع بين الأنشطة المعرفية العلمية المتنوعة والموسوعية يكمن في أن جوهر التقدم العلمي لم يكن مؤسَّسا على التعارض بين العلوم المختلفة الميادين بل كان يسير على أساس تضافر مفردات أي علم وتوظيفه لما لدى العلوم الأخرى.. فالفيزياء تأخذ من الرياضيات والبيولوجيا تأخذ من الكيمياء وهذه تأخذ من الميكانيكا وهي جميعا وغيرها من علوم تأخذ من بعضها بعضا ما يفيد في إشادة صرح العلم المتخصص واستيلاد مفرداته وقوانينه وآلياته.. وكيما يجري التقدم العلمي صحيحا لا يمكن لعلم أن يتخذ من ميدانه وجودا منفصلا عن وجود ميادين العلوم الأخرى.. والاستقلالية في ميدان علم لا تعني مطلقا الانفصال والعزلة بقدر ما تعني التركيز على جوهر نوعي مختلف مع روابط وامتدادات وطيدة مع البيئة المعرفية العلمية...
كما أن وجود علم وتطوره لا يكون بغير الحاجة إليه وتبادله التأثير والتفاعل مع بقية العلوم وميادينها. وتقدمنا في البحث المعرفي لعلم لا ينضج أو يُستكمل بدقة وتمام صورة من دون أن يحيا في إطار محيطه المعرفي المتنوع أي بأن يكون المتخصص مالكا لنظرة تشتمل على مفردات المحيط وتمتد حيث معطيات ذياك المحيط أو تلك البيئة المعرفية بما يفيد في وضوح الطريق وصورة الهدف وآليات الوصول ونهج التناول والمعالجة لمفردات أو مسائل العلم وقضاياه أو باصطلاح آخر امتلاك الموسوعية...
ومن هنا وجدْنا المعنيَّ بعلمِ ِ أو مادة معرفية بمستوى الدبلوما أو البكلوريوس والليسانس يقف عند حدود المعرفة بمفردات العلم  والمنتظر وظيفيا منه.. فيما يرقى الشخص باتجاه الموسوعية والنظرة الأشمل عندما يدخل مرحلة الدراسة الأكثر تخصصا لتشمل التخصص نفسه متجها نحو التركيز في الدقة ولكن في إطار منطق فلسفي (موسوعي) حيث تمَّت تسمية حَمَلـَة شهادة التخصص الدقيق(الدكتوراه) بعد التخصص العالي(الماجستير)، دكتوراه فلسفة PhD بمعنى أنه يحمل التخصص الدقيق ومعه النظرة الموسوعية الأشمل التي تتيح له مفاعلة معارفه وتوظيف علمه في خدمة بقية المعارف والعلوم ومن ثمَّ في خدمة البشرية...
والموسوعية بهذا المعنى ليست دخول كلّ من هبَّ ودب فيما يعنيه وما لا يعنيه حتى لوكان المرء عالما في ميدانه.. وهي ليست إدخال أنوفنا في الإجابة عن كلّ شيء وأيّ شيء وبأيّ شيء نقول أو نفعل. كما أنها ليست تداخلا بين العلوم أو بين المتخصصين، بطريقة يصير المهندس بمكان الطبيب والطبيب بمكان الفيزيائي وهذا بمكان الكيميائي أو الأخير بمكان الرياضي؛ والروائي بمكان الشاعر والشاعر بمكان الفنان والمطرب بمكان المسرحي وهكذا دواليك من خلط للأمور، وبالمحصلة، بما يشبه حالة وضعنا لجاهل بلا إعداد معرفي ولا يملك حتى المعارف والخبرات العامة في وظيفة أو مهنة تتطلب دراسة علمية متخصصة!

وبقطع النظر عن هذه المسألة؛ نؤكد أنَّ الموسوعية ظاهرة معرفية لازمة في كل زمان ومكان. ولا يمكننا تجاوزها لأي سبب وسيكون من التجني على الموضوعية والروح العلمي الرصين أن نهمل أو نغفل العناية بها تحت وطأة ضغط متأتِ ِ من ظاهرة الانبهار بالتقدم التكنولوجي في بلدان الرقي الصناعي التي تهتم أساسا بإعداد شغيلة تستجيب لحاجة السوق الصناعي من مهن ووظائف يكون فيها الشغيل أو العامل المطلوب مفردة من مفردات تشغيل الآلات والمصانع فهو لا يعرف أكثر من حدود حركة  جزئية صغيرة.  وتجد الشركات والدول المعنية أنه من الخسارة تزويده بمعلومات أكثر من تلك الحاجة المباشرة لتشغيله في نطاق جزئيته المخصوصة..

إنَّ الموسوعية تظل الخالق الحقيقي والجذر الأول لولادة التطور، ورؤية المسالك المناسبة لتوجيه مجموع المفردات التخصصية الدقيقة توجيها يتناسب وخدمة حاجات الإنسان ومتطلبات حياته وتفاصيلها. كما أن الموسوعية تمنح المفردات المعرفية المناسبة للارتقاء بذهنية العقل البشري ومنطقه الجمالي تحديدا.. فكلما تمكن الإنسان من خبرات معرفية أوسع وأشمل ومن منطق جمالي يختزن الخبرات البشرية المتقدمة عليه، صار هذا الإنسان يمتلك فرصا أكبر وأفضل للتمتع بجماليات الآداب والفنون وما توفره الحياة المعاصرة له من قيم ومنتجات.. ومبدئيا لابد من الإشارة إلى أن العلوم الإنسانية أكثر وضوحا في حاجتها للموسوعية من تلك العلوم التطبيقية الرياضية البحتة ولكنها لا تعدم الحاجة للموسوعية وتحصيلها...
ويمكننا توكيدا لهذه الحقيقة أن نلاحظ سذاجة [وندرة] المُتع التي يمتلكها إنسان بسيط بلا ثقافة ولا معارف وبعيد عن الموسوعية مقابل طبيعة المتع ونوعيتها ومستواها لدى ذلكم الذي يمتلك كل ذلك.. فامرؤ يضحك لمسرحية هزلية في موقف تقدمه أو عبارة تعرضها فيما الذي يملك خبرات جمالية ومعرفية سيتمتع بما هو أبعد من الضحكة العابرة. إذ يتمتع بالقيم البصرية وبالجماليات من ميزانسين وسينوغرافيا وتناسق إيقاع الصورة والصوت وهذا الأخير في تناسب الموسيقا والعبارة اللغوية.. كما سيكون لتلك المعرفة بفن المسرحية وخلفية المتلقي وثقافته التاريخية الأثر الإيجابي المميز بمقابل فقدانها...
وسيؤدي إنسان وظيفته بتميز وإيجابية وبتمام الخدمات للآخرين عندما يكون في مكانه المناسب بمقابل ظهور سلوكيات وأمراض مختلفة كثيرة لشخص وُضِع في مسؤولية لا يفقه من تسييرها سوى استغلال منصبه على حساب مطالب الناس وحاجاتهم..  إنَّ  الموسوعية بهذا إذن تبقى ضرورة لازمة لحيواتنا وهي في مجتمع التخلف أم في المجتمع التكنولوجي المتقدم واجبة الوجود لأنها أرضية تطويع العلوم وتوظيفها لخدمة الإنسان والإنسانية لا لخدمة نفر مستغِل لا يعنيه بني البشر وجمهورهم وعامتهم...
وسيكون عامل انبهار [البعض] بحكاية التخصص الدقيق والاستجابة لمطالب السوق على طريقة الدولة الغربية الحديثة أمرا فيه مقتل للتطور وابتعاد عن الخروج بمجتمعاتنا من تخلفها وفيه توكيد لنظام يعمل بطريقة الذي يملك قرشا يساوي قرشا ومن لا يملك مالا لا يملك أن يتمتع بخيرات الانتاج البشري المعاصر وهو لا يستطيع لا دخول مسرحية ولا شراء لوحة ولا اختيار وجبة طعام تناسب صحته وما يملكه ليس غير كفاف أن يحيا لينتج لغيره مسرات العصر وملذاته...
حكاية الموسوعية* والتخصص: أنهما مصطلحان لا يتعارضان في جوهرهما وكلما تقدم التخصص وارتقى وصار أكثر تفرعا ودقة صار أكثر حاجة لغيره وللتفاعل إيجابيا معه؛ وتوافرت فرص أكثر للتعاطي مع الموسوعية المعرفية بما يراكم الخبرات ومفردات الثقافة والاستاتيكا أو الجمالية التي تمنحه فرص العيش الإنساني بمنطق العصر والتمتع بخيراته وجمالياته... غير أن التعارض بينهما يظل مصطنعا كيما تـَحرِم النُظُمُ الاستغلالية القائمة جمهورَ العامة من امتلاك ما يجعلها تطالب بحاجات جديدة تولد مع ملكية الثقافة والجماليات التي تصرّ على البحث عمّا يلبيها فتحتج وتناضل لتحقيق مطالبها بما لا ينسجم وتركيز الثروة لدى فئة محدودة...
من جهة أخرى تبقى عملية الحرمان من الموسوعية أو من أولياتها ممثلة بالثقافة العامة والخبرات المعرفية المتنوعة قضية مرافقة لنظام البلدان الصناعية على الطريقة القائمة في أوروبا اليوم (النظام الرأسمالي) الذي يلح على السير بفلسفة التخصص التقني وعدم الحاجة لأية معارف أخرى بخاصة منها العلوم الإنسانية وما يدخل في منطق علم الجمال ورديفه وما يدخل في موسوعية المعرفة وتنوعها وغناها. وبهذا تصير ثقافة شراء المعلومة التي تعدّ الشخص لوظيفةِ ِ بأجر هي منتهى الحياة المتاحة هنا فيما يُحرم الجمهور مما هو أبعد وأشمل.. وتصبح القوانين الدائرة آلة جهنمية لا يمكن اختراقها أو تغييرها حيث الإنسان العبد للنظام والآلة وهو أيضا الضحية لهذه الآلة التصفوية الرهيبة. وتحت رعبِ ِ وقسر وإكراه لا ينظر الفرد إلى من يتحدث عن الموسوعية إلا من منظار بشتى المرشِّحات الـ (Filters) التي تبعده عن قبول منطق الموسوعية بسبب البراغماتية المطلوبة منه بل المفروضة على منطقه ليحيا ويعيش..
وهذا هو وجه آخر للتخلف الحضاري والثقافي وتراجع آخر للبشرية في مسيرتها اللولبية وهو نظير للتخلف الناجم عن الحرمان من مفردات التقدم التكنولوجي؛ والتخلف هنا في مجتمع التكنولوجيا والصناعة يستولد جهلا هو هذا الذي انتهينا إليه حيث قسرية الخنوع لمنطق التخصص التقني المجرد من أية قيم معرفية أو ثقافية عامة أو الذي انتهينا إليه بإشارتنا إلى المنبهرين بالتقدم التكنولوجي وبالمجتمع الذي اجتازنا بمسافات طويلة بعيدة (تقنيا) ولم يعد هؤلاء المنبهرون يحسّون بأكثر من الفارق ومن ثمَّ النكوص وعقدة التخلف التكنولوجي وما يُمنح من خدمات أوليات الحياة وكفافها.. وطبعا، يساعد على هذا الشعور درجة الفروق بالخدمات وطبيعة الحرمان بين مجتمعات التخلف والمجتمعات الصناعية الحديثة..

الجهل إذن قارئي الكريم ليس رديفا للتخلف التكنولوجي والحضاري حسب بل هو أيضا الرديف للنظم الصناعية التي تعتصر جهود البشرية لصالح قلة يتركز في يدها المال لأسباب شتى، فتحيا هي على أكتاف عبيد العمل والآلة الجهنمية؛ فيما بعضنا يقبل بالعيش على هامش عقدة النقص أو في ميدان الفرار أطول مدة ممكنة بعيدا عن دوران حزام الآلة الجهنمية علينا... وليكن غيرُنا هو الأول في مطحنة تلك الآلة التصفوية لتحقيق فرارنا المؤقت.. وتلك سنّة الحياة والقدر المكتوب علينا قسرا وكرها وعلينا تقبله وتمريره بكل سلبية وخنوع كما يصورون لنا..

وبعدُ، فهل أوضحت قارئي العزيز بعض حكاية الموسوعية التي يستغلها بعض من يجهل قراءتها قراءة موضوعية صحيحة ليهاجم مفكرا أو مثقفا فيما ينتج من متنوع الإبداع وغني الموضوعات فيخدم بذلك مسيرة التجهيل بوجهها الكالح الجديد؛ وجه الاعتقاد بأن اختصار حياة الناس ووقفها على معلومات تقنية محدودة هي كل ما في الأمر فيما غنى القيم الروحية الثقافية للإنسان مستبعدة إمعانا في استلابه ومصادرة حقوقه وحاجاته بخاصة منها الروحية.. وطبعا في غطاء كهذا يجري تمرير قبول طقسيات فارغة وأشكال إيمانية بالخرافة ومنطق التخلف - ليستكملوا مهمة التقنيع -  مستولدين ما يشغل ذهنية هذا المضلـَّل الواهم لصالح استمرار تربعهم على عرش حجز الخيرات كافة بين أيديهم...
والموسوعية إذن، هي ألا نتعالم على الموسوعي ونهاجمه فيما يكتب من تنوع وتعدد في مجالات إنتاجه فنحدّ من حركة الإبداع ومسيرة التقدم ولكنَّ هذا لا يعني ألا أن نناقش ما يكتب وينتج؛ وأن نتساءل هل حقق الشروط المعرفية أم أنه مجرد سفسطة فارغة؛ فإذا ما حقق شروط العلم والمعرفة، فذلكم التنوع والغنى وهو لبّ الحقيقة المنتظرة من الموسوعية والموسوعي؛ ونحن بهذا لا نتحدث عن  الأدعياء ممن يخلطون الحابل بالنابل وهؤلاء هم ممن لا حاجة لنا سوى إلى إخراجهم من قائمة من نقرأ له أو نسمع لكلمته أو نتفاعل وإياه... فيما يبقى لنا معرفة يقينية تستند إلى حقوق الناس في موسوعية لا تتناقض ولا تتعارض مع التخصص بقدر ما تمهد لحياة إنسانية كريمة أفضل عبر وجود إنساني رشيد سديد...


*          ننبه هنا إلى ضرورة عدم الخلط بين فكرة الموسوعية القائمة على النظرة الفلسفية وعلى الاشتمال على محيط معرفي مجاور للتخصص إلى جانب تعددية وتنوع في المعارف التي قد يتاح لشخص أن ينشط في مجالاتها في آن واحد من جهة؛ وبين الثقافة العامة والمعلومات الحياتية المكتسبة في مجرى تفاصيل العيش العادي..    حيث يركز موضوعنا على التعاطي مع الرؤية العامة الشمولية في تخصص مع امتلاك معارف وعلوم أخرى أو جزئيات منها بما يفعِّل الحركة في أنشطة متنوعة بخاصة في مجالات بحثية نظرية أو في العلوم الإنسانية وبعض العلوم التطبيقية أحيانا وبشروط تلتزم الدقة والموضوعية والروح العلمي في التناول والمعالجة...

120
المؤسسة العسكرية العراقية بين الأمس واليوم والغد
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان
          23\08\2008
tayseer54@hotmail.com

كان من أبرز مؤسسات الدولة العراقية الحديثة، تشكيل نواة الجيش العراقي في العام 1921؛ ومن ثمَّ التطورات التي رافقت مسيرته سواء من جهة عملية نموه وتحديثه أم من جهة السياسات التي حاول النظام السياسي فرضها عليه... ولطالما حاولت القيادة العليا للبلاد توجيه أمور الجيش خارج مهامه المحددة دستوريا...
وقد نجحت السلطة في أحيان عديدة في بسط قبضتها على قيادة الجيش عبر وسائل مختلفة منها على سبيل المثال منح الترقيات الاستثنائية الخاصة ووضع الشخوص التابعين لها في مواقع المسؤولية العليا للقيادات العسكرية تحقيقا لنهج الانقابات والتحكم بالحياة العامة بقبضة القوة والعنف..
ولكن الجيش العراقي لم يكن طوال تاريخه بمعزل عن تأثيرات القوى الوطنية والشعبية ولا بعيدا عن توجه أبناء الشعب العراقي من مختلف فئاته. إذ تقدم للانخراط في السلك العسكري حجم كبير ومهم من أبناء الفلاحين والعمال والطبقة الوسطى فضلا عن المخلصين من البرجوازية الوطنية أو الطبقات العليا...
وإذا كان صحيحا أنَّ كفة الصراع ظلت تتحكم بالجيش لصالح السلطات المتعاقبة، وأنه في عدة مرات تمَّ الزج بقطعات (محدودة) من الجيش العراقي في خوض معركة السلطة ضد الهبَّات والانتفاضات الشعبية كما حصل في قمع انتفاضة الشعب في خمسينات القرن المنصرم وفي انقلاب شباط 63 الدموي وكما حصل في ثمانيناته تحديدا في عمليات الأنفلة سيئة الصيت، فإنَّ من الصحيح أيضا أن الجيش لم يخلُ من القوى الشعبية النبيلة الملتزمة قضايا الوطن والناس وهي ذاتها التي قادت حركات الجيش لتصحيح الأوضاع...
لقد قارع الجيش العراقي قوى غاشمة أجنبية أو داخلية غريبة عليه.. وسار في عمليات البناء الذاتي من جهة المهنية والحرفية ومن جهة التزامه بدستورية وجوده ووفائه لمهامه المناطة به في حماية السيادة الوطنية على  المستويين الداخلي والخارجي... حتى صار الجيش العراقي واحدا من أبرز جيوش المنطقة في منعته وقوته وجاهزيته..
إلا أنَّ السياسات الرعناء للقيادة السياسية أودت بالجيش إلى الموقف المعروف، بخاصة في ضوء  قرارات الطاغية الأخير القاضية بالزجّ بالجيش العراقي في معارك مفتعلة وتداعيات تلك الحروب فضلا عن إزاحة القيادات النزيهة والمسلكية وتلك التي تمتلك الخبرتين العلمية المهنية والعسكرية الحرفية مستبدلا إياها بعناصر غير عسكرية وأولها شخص الطاغية نفسه...
المصيبة لا تكمن في تلك الجرائم وحدها ولكنها تُستكمَل بقرار حلّ الجيش العراقي كونه حسب القرار المعني يمثل قوة الطاغية المهزوم وهو ما ليس بصحيح قطعا. فالجيش العراقي بأغلب قطعاته رفض الدخول في متاهات المغامرات الأخيرة للطاغية ولكنه كان في ورطة انعدام القيادة المجربة بسبب من قطع رأسه وتسليمه لصبيان الرتب العسكرية المصنّعة.. فكانت مصيبة الهزيمة وما تعرض له من ضربات موجعة من جهة ومن مآس تالية بعد هزيمة الطاغية وقواته الخاصة، حتى أن أحدا اليوم لا يدري بالضبط كيف وأين جرى تهريب السلاح العراقي عدة وعتادا وهو ما يُقاس بالمليارات من ثروة الشعب العراقي...
 
*******
اليوم وبعد مضي خمس سنوات على هزيمة نظام الطاغية وسقوطه المدوّي، جرت محاولات لبناء جيش عراقي بديل. ويبدو من مسار الأحداث أنَّ بعض التجاريب لم تنفع قوى سياسية وزعامات بعينها فهي تصرّ على متابعة نهج أدلجة الجيش [إلزامه بأيديولوجيا محددة] وحزبنته [السطو على قيادته من قبل ممثلي أحزاب السلطة أو الحكومة]...
وبهذا يجري ترحيل الأزمة السياسية، وطبيعة أيديولوجيا  الأحزاب التي سطت على الوضع أي أيديولوجيا الخطاب الطائفي، وإدخالها في جسد القوات المسلحة الجديدة.. ومن أمثلة الأخطاء الكارثية الجارية اليوم:
01.             إدخال عناصر لا تصلح للمهنية العسكرية لأسباب شتى..
02.             إدخال الخطاب الطائفي سواء في بنية التعيينات أم في فلسفة توجيه القطعات وخططها وسياساتها...
03.             إجراء ترقيات عسكرية لا تستند إلى التدرج المهني والخبرات الحقيقية ولا تلتزم بالشروط المخصوصة لتلك الترقيات.. ويمكن لأي متابع أن يرى العجب العجاب في مثل هذه الحال. فقبيل سنوات خمس أو أقل طالعتنا شخصيات عسكرية برتبة ملازم وها هي اليوم طفرة واحدة تحمل رتبة لواء أو غيرها من الرتب فضلا عن منح عناصر أخرى رتبا منذ أول دخولها للجيش...!!!
04.             إدخال عناصر ميليشياوية في الجيش بحجة  وبغيرها ومعروفة الفروق بين طبيعة الجيوش وتركيبتها وتدريباتها وبين طبيعة الميليشيات وتركيبتها وأهدافها أيضا...
05.             الاتجاه لفرض قيادات حزبية محددة على القطعات المختلفة عبر إدخال العناصر السابق ذكرها ومنحها الرتب العسكرية التي تتناسب ووضعها في المسؤولية التي يريدها هذا الزعيم أو تلك القيادة...
06.             إهمال الاستخبارات العسكرية وفسح المجال لاختراقات أجنبية عادة ما تطالعنا الخطابات الحكومية بتبريراتها العرجاء في إبعاد فرد أو آخر بعد افتضاح أمره لأبناء قواتنا من الذين انتسبوا عن إيمان بقضية الوطن والشعب...
07.             إجراء التدريبات على وفق الأجندات الأجنبية وعروضها. فكل تبرع من أية دولة ومن أية جهة يُستجاب له بلا مقدمات ولا شروط إلا دواعي استغلال فرصة لتلقي تدريبات من دون التفكير في خلفية تلك العروض واحتمالاتها...
08.             التعامل مع دول تقليديا ما زالت تمتلك أجندات تتعارض والمصالح الوطنية العراقية وهي لا تخفي أهدافها تلك وإنْ تسترت أحيانا بذريعة النظام السابق وبقاياه...
09.              طبيعة التسليح العراقي الراهن وحجمه ونوعيته وهنا ليس الحديث عن محددات ما بعد الحرب ولكن عن ظواهر فساد خطيرة طالعتنا بها جهات عراقية عديدة وتحدثت عن (خردة) غير صالحة للاستعمال يجري تصريفها على حسابنا وبأموال طائلة..
10.             ترك متابعة ما جرى للسلاح العراقي من طائرات جثمت في بلدان مجاورة ومن عتاد ثقيل تحديدا لم تعلن الجهات الرسمية عن خططها في التعاطي مع القضية ومتابعتها مع قوات التحالف المسؤولة عن الأمر طوال مدة وجودها بخاصة في السنة والنصف الأولى أي عامي 2003-2005...
11.             إهمال التعاطي مع مشكلة حصر السلاح بالجيش العراقي فقط. وترك الأمور بلا حلول جذرية حاسمة، أو سبهللة بيد من هب ودب ممن يطلق على نفسه مسمى جيش وميليشيا وما شابه.. ومثالنا جيش المهدي والميليشيات الحزبية التي نشأت وتدربت وتجهزت وما زالت تتسلم مرتباتها من دول إقليمية معروفة والأمر لا يقف عند المرتبات تخترقها عناصر من جيش القدس الإيراني مباشرة... دع عنك عديد القوات أو العصابات اللاعبة هنا في التقتيل والتخريب...
12.             للظرف العراقي الخاص يُكلف الجيش اليوم بمهام فعلية لا تدخل حرفيا أو مهنيا بين واجباته المباشرة كما في أعمال وواجبات خاصة بالشرطة الوطنية وهو هنا لا يقوم بمهام مساندة بل بواجبات ميدانية كاملة تتطلب تدريبات مختلفة عن تلك التي يؤديها وتؤديها الجيوش التقليدية... وفي ضوء هذه الحقيقة يقع الجيش اليوم في مطبات غير محمودة العواقب إذا ما واصلت السياسة العامة زجه بهذه الطريقة التي لا تنتبه لطبيعة المهام ولا إلى متطلباتها وشروطها ونتائجها البعيدة...
13.             يجري تحميل بعض القطعات واجبات أكثر من طاقتها وطبيعة تدريباتها وتُستخدم أسلحة في ميادين غير ميادينها ما يوقع ضحايا أبرياء من المواطنين ومن الجيش وقد حصلت أن طالعتنا الأنباء بمثل هذه الحقائق وجرى طمسها ووقف الحديث عنها للملمة من يقف وراءها وتحديدا القيادة العامة للقوات المسلحة بشخص القائد العام والقيادات الميدانية التي منحت الرتب بلا استحقاق عسكري..
 
 
إنه إذ يجري تسجيل هذه الملاحظات بوصفها تصورا مبدئيا وانعكاسا لمجريات ما يتوافر من أنباء وأخبار فإنه في الوقت ذاته تدعو هذه الورقة جميع القوى الوطنية الحريصة إلى معالجة إشكالية الجيش الوطني العراقي والتحاور بشأنه من أجل التأسيس له بطريقة موضوعية صائبة تستند إلى الحرفية والمهنية العالية وإلى تجاوز كل تلك الثغرات التي ترقى لمصاف الجريمة بحق أبنائنا الذين نضعهم في مطحنة أخطاء السياسات الجارية...
 
وعليه أطالب البرلمان العراقي واللجان المختصة فيه ومن يعنيهم الأمر من قادة الجيش العراقي لدراسة الآتي:
 
1.  تحديد دور القائد العام بالقرار السياسي المستند لرأي قائدي الجيش المباشرين وهما رئيس الأركان ووزير الدفاع ومنع التدخلات المباشرة من القيادات السياسية من تلك التدخلات التي تتجاوز الصلاحيات وتخترق الأوضاع بما يعطل المسارات الصحية الصحيحة للقوات المسلحة..
2.  منع الانتماء الحزبي للعسكري طوال مدة خدمته ومنع أية تدخلات حزبية وقطع الطريق على فكرة التركيبات الطائفية والمحاصصات في القوات المسلحة وتثبيت مبدأ الوطنية وحماية الأمر دستوريا...
3.  منع إدخال الميليشيات كافة في السلك العسكري وبلا استثناءات لأي سبب على المدى الاستراتيجي ومعالجة الأمور في المرحلة الراهنة بشأن أية ظروف مخصوصة في أقاليم البلاد. بما يستجيب للتطورات الدستورية ولكفاءة عمل الجيش العراقي... ويمكن أن يُتاح لدخول أعضاء تلك الميليشيات للجيش بصفة فردية وبنفس الشروط التي يخضع لها جميع العراقيين من دون تمييز وهي شروط العسكرية ومتطلباتها وفروضها...
4.  مكافحة الفساد وأشكاله سواء في التعيينات أو الترقيات أو العقود الخاصة بالتدريب والتسليح وغيرهما...
5.  الارتقاء النوعي بكفاءة الجيش العراقي واعتماد العناصر الوطنية المدربة بهذا الشأن أو استقطاب الخبرات الموجودة ولو في الشؤون المتاحة بعيدا عن إعادة العناصر المعنية إلى أية قيادة في الجيش...
6.  الانتباه لجهة التدريب والتسليح ولشروط التعاقدات في المديات القريبة والبعيدة مع الأخذ بالعقيدة العسكرية المتبعة في الجيش العراقي طوال مراحل وجوده، بما يقدم المصلحة الوطنية ويعليها..
7.  تشكيل لجنة و\أو تفعيلها بشأن أسلحة الجيش العراقي وأين تسربت ومتابعة الأمور لحين حل آخر ما يتعلق بهذا الشأن..
8.  مراجعة قائمة التعيينات السابقة منذ بداية تشكيل الجيش الجديد ومراجعة الرتب العسكرية على وفق السيرة الخاصة بكل رتبة وإعادة دراسة الموقف واقتراح ما تراه القيادات التقليدية المعروفة بمسلكيتها وحرفيتها أو مهنيتها العسكرية الأمينة...
 
 
إنَّ كل ما ورد يقبل الجدل والمراجعة على وفق الحقائق التي يعرفها المعنيون المختصون ومن هم على تماس مباشر مع الموضوع.. ويمكن رفض أو قبول كل أو أجزاء أو بعض مما ورد في ضوء مبدأ واحد هو مبدأ تشكيل جيش وطني عراقي خارج فلسفة المحاصصات والخضوع لفلسفة تعيد علينا سياسة النظام المهزوم في التعاطي مع الجيش العراقي...
 
وبخلاف مثل هذا النهج الوطني وفي حال استمرار التذرع بأننا ما زلنا في البداية وبأننا ينبغي أن نمرر هذا الأمر استرضاء لهذا الطرف وذاك تطمينا لموافقة ذاك الآخر، فإن القضية تضع البلاد على كف عفريت واستقبال عاصفة بل إعصار لا يترك خلفه سوى قفر من الخراب والمتاهات.. فوجود جيش وطني حقيقي هو الحامي الأمين للسيادة ولحق الشعب في الحياة الحرة الكريمة بلا عبودية أو تبعية كما يحصل اليوم من اضطرار لقبول بوجود القوات الأجنبية لعدم جاهزية الجيش السادس في العالم لما قبل سنوات خمس...
 
إن هذه الكلمة التي تهمس بود في أذن كل ساسة العراق الجدد ستتحول إلى صرخة مدوية لا تقبل غدا حال الصمت والطمس؛ فشعبنا ما عاد يقبل أن يتسيد عليه فرد ومن يتحدث عن مجيئه بالانتخاب عليه أن يتذكر أن الانتخابات ليست بيعة أبدية كما كان يمرر الطاغية وأن الدورة الانتحابية آتية وهذه المرة سيصوت الشعب لا لخيار العملية السياسية التي حسم أمره لصالحها بل هذه المرة لتطهيرها ومعالجة الخيارات بما تمليه مشاهداته ومعايشته التي ذاق فيها الأمرين والجيش ليس أي فئة من الشعب فهو عامل الحسم والمبضع الذي تكمن مهمته في بتر كل فاسد يشخصه الشعب فحذار من التهاون مجددا يا كل القوى السياسية لابد من القبول باستقلالية الجيش وحرفيته وبشروط وجوده وطنيا...
 
 
 
 

121
من أجل حملة دفاع دولية
لحماية المجموعات القومية والدينية القديمة في العراق
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان
          21\08\2008
tayseer54@hotmail.com

تمضي الأيام والوضع العراقي العام بين هدوء نسبي حذر مشوب بتفاعلات متشنجة وآخر يعود القهقري بجملة الأمور بسبب من تحدد الوضع بعمليات ترقيعية لا تطال جوهر المشكلة.. في وقت تنشغل أجهزة الدولة والحكومة بظروف عدم جاهزيتها والانشغال باستكمال مؤسساتها ومحاولة إنضاج مفرداتها أو الدفاع عن المتحقق من تلك الأجهزة وتطويره في ظرف ينافس ويسابق هذه المسيرة فعل اختراق بعيد الأثر من أصابع أجنبية إقليمية ودولية متنوعة الأجندات والمطالب والأهداف فضلا عن عناصر في أطراف عراقية تحمل برامج مريضة...
وبعامة تلتهب الأوضاع، لتصبَّ جام غضبها على أولويات كما في تحمل أبناء المجموعات القومية والدينية لأكثر أشكال المعاناة وظروف الاستلاب والاستغلال بأبشع صوره.. والنكاية في الأمر هو أنَّ هذه المجموعات الأصيلة تاريخا وانتماءَ َ لا تعاني من أزمات واختناقات معيشية حادة كما كان الوضع قبيل السنوات الخمس الأخيرة حسب بل صارت تتعرض لمجزرة تدخل في باب الهولوكوست أو الإبادة الجماعية...
حيث يمكننا بقراءة مشهد التقتيل والأضاحي التي يدفعونها من دماء وحيوات بنتاتهم وأبنائهم، أن نكتشف حجم الكارثة المحيقة بهم... إذ أنَّ التصفيات الجسدية الدموية المهولة بالنسبة للحجم العددي لمن تبقى متمسكا ببيته وموئل حياته تشكل تهديدا جديا لوجود هذه المجموعات في العراق وعيشها فيه بأية طريقة...
فإذا قرأت إحصاءات جمعيات حقوق الإنسان المتخصصة فستجد أن نسبة النزوح الداخلي [لمن تبقى من هؤلاء] بلغت أكثر من 95% في بعض المحافظات الجنوبية كما في البصرة عند تعلق الأمر بالأرمن أو غيرهم من المسيحييين الكلدان الآشوريين وكما في العمارة أو ميسان عند تعلق الأمر بالصابئة المندائيين وهكذا بشأن محافظات مثل الناصرية (ذي قار) أو كما بشأن التطهير العرقي والطائفي في ضواحي وأحياء المدن المهمة كالعاصمة بغداد...
وفي الغالب لا يركز الإعلام [الرسمي وغير الرسمي] إلا على ما تركز عليه السياسة العامة بشأن الصراع الطائفي بين الغالبيتين من الشيعة والسنة ومجريات صراع الميليشيات التي تدعي تمثيل هاتين الطائفتين زورا وبهتانا... وهكذا يجري طمس حقيقة مجريات الأوضاع كما تدور رحى الطحن الهمجية بحق مئات ألوف هذه المجموعات التي ما زال يأبى مسؤولو الحكومة إلا أن يسموها الأقليات إمعانا في التهميش وفي استخدام اصطلاحات الاستغلال والاستلاب والمصادرة...
إنَّ عامل الوقت والإهمال أو التغافل أو حتى الانشغال بأولويات ملايين النازحين في الداخل والخارج في السنوات العجاف المأساوية هذه سيكون سيف جلاد بل ماكنة إبادة أخرى لن نصحو حتى نجد أنفسنا وقد ارتكبنا جريمة إبادة جديدة بحق عدد من المجموعات البشرية بلا ذنب لهؤلاء سوى كونهم من أبناء العراق الأصليين من المسيحيين من كل مجموعاتهم المذهبية والقومية ومن الصابئة المندائيين ومن الأيزيديين ومن اليهود ومن الشبك والبهائيين ومن كل الأطياف القومية والدينية المقهورة...!
ما بالنا ونحن الذين ندعي أن العراق لا يكون صحيحا معافى بلا أهله الموحدين بقلوبهم المؤتلفة بكل مشاربهم وتنوعاتهم وتعدد كينوناتهم القومية والدينية والمذهبية والطائفية...؟! ما بال الزعامات الدينية التي تدعي تمثيل [الأغلبية] المسلمة تتبرقع بقناع يزعم الدفاع عن جيرة المسيحي والمندائي والأيزيدي فيما تسكت غاضَّة َ َ الطرف عن جريمة الإبادة الأخيرة وهي تتغافل حتى عن واجب الجوار الديني المعلن مقابل الجزية المفروضة تاريخيا ويعيدونها اليوم بطرائق أخرى؟!
ما بال رجال دين الكهنوت الإسلاموي الجديد [السياسي] يتشدقون بفتاوى تاريخية ما أنزل الله بها من سلطان ففتوى تُعنى بحلاقة الشعر واللحية والشارب ومرورا بفتاوى أشكال اللباس مما للرجال من قصير القمصان وطويل الجلابيب للنسوان وليس انتهاء بفتاوى زواجات المتعة والمسيار والعرفي والمسفار والميسار بتقليب ما يأتينا به الأولئك...
وما بعد كل هذا الانشغال بالهامشي إلا براقع تخفي جرائم مهولة  يُحظر الحديث عنها؛ ومن يتحدث فيها ليس مصيره إلا كمصير من صار في خبر كان بل يصير نسيا منسيا بلا ذكر ولا اسم ولا أثر لإنسان في زمان أو مكان...
 
ومن هنا فإنَّ دعوتي تنصبّ على الآتي:
 
1.  تشكيل لجنة تنسيق تتابع كل تفاصيل أنشطة المنظمات والجمعيات والروابط والأحزاب بخصوص حقوق الإنسان ومصير أبناء هذه المجموعات القومية والدينية... على أن تتركب لجنة التنسيق من برلمان أو مؤتمر عام يضم ممثلين لجميع الأطراف المقصودة...
2.  البدء بتدقيق الإحصاءات الرسمية والشعبية بشأن ما يجري من جرائم وتوثيقها مع كل تفاصيل الإجراءات القانونية القضائية والمتابعات السياسية والرسمية بشأنها...
3.  على أن يجري حسم إحصاء رسمي شامل في داخل العراق وخارجه لهذه المجموعات القومية والدينية وتوزيعهم الديموغرافي السابق والحالي وأسباب التغيير وإمكانات المعالجة لحالات النزوح والتهجير وآلياتها والأسقف الزمنية المنطقية للتنفيذ...
4.  وضع الخطط الشاملة لآليات الحماية بما يشمل المهاجرين والمهجرين والنازحين مؤقتا ويتابع شؤونهم في مهاجرهم وأماكن النزوح والعمل على صيانة حقوقهم المادية والأدبية المعنوية ومن ذلك حقهم في المسكن الأول بكل تفاصيل الأمر... وتستقبل الشكاوى وتفاصيل الأمور لجنة عمل رسمية تعلن عن عناوينها للجميع...
5.  الطلب إلى المنظمة الدولية لتشكيل لجنة متابعة مخصوصة بالمجموعات القومية والدينية العراقية كلا على انفراد واستقلالية بشؤونه ومطالبه وحاجاته كاملة تامة مع التقاء تنسيقي لاحق.. والعمل على استصدار قرار أممي بالخصوص يشرّع لهذه اللجنة وأنشطتها..
6.  البدء بحملة دولية ووطنية واسعة يشترك فيها ممثلو جميع المجموعات القومية والدينية والمذهبية ويحشدون له الجهود الوافية بهذا الاتجاه...
7.  الالتفات إلى أنه بلا تجمع يرتقي لمستوى المسؤولية سيظل الأمر مجرد محاولات فردية أو متشظية لا يمكنها التصدي لجريمة الإبادة التي ستأتي على آخر مسيحي ومندائي ويهودي وأيزيدي وشبكي وبهائي في العراق وسيكون هذا المصير الكارثي هو الخطر الحقيقي الذي نجابهه حيث التصفية الدموية بلا رحمة... ومن هنا وجب البحث في مؤتمر للقاء تحت عنوان "مصير المجموعات القومية والدينية العراقية"...
8.  إنَّ حق تقرير المصير والحقوق القومية والدينية والثقافية الروحية والمادية على أساس من المساواة والعدل والإنصاف لأمر لا يمكن المساومة عليه وحتى بشأن النكوص الدستوري عن القبول بالمساواة التامة بين جميع الشعوب والمجموعات القومية والدينية العراقية فإنَّ نضالنا يلزم أن يقف على أرضية القوانين والشرائع الإنسانية التي أقرت تلك الحقوق كاملة كما في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقوانين أممية للمنظمة الدولية ولمؤتمرات معنية...
 
 
وبغية التوصل لتشكيل لجنة التنسيق أدعو للآتي:
 
1.     تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر تخصصي ينعقد في بروكسل بدعم البرلمان الأوروبي وأية جهة نصيرة لحقوق الإنسان وحق تقرير المصير...
2.     ينبثق عن المؤتمر لجنة التنسيق التي تعقد اتصالاتها الأممية والوطنية وتتكفل بمتابعة مقررات متوافق عليها ومتضمنة بشرعية أممية عبر قرار أممي بالخصوص..
3.     تعمل اللجنة التحضيرية لحين انعقاد المؤتمر بوصفها لجنة تنسيق مؤقتة تعقد الاتصالات المؤملة وتنهض بمسؤولية الأنشطة المتاحة.. ويمكن بهذا الخصوص الالتفات إلى وجود منظمة للدفاع عن حقوق المجموعات القومية والدينية في العراق ولديها أمانة عامة يمكنها أن تفعّل الجهد وتتصل بالجهات المعنية في برنامج من مفردات وإجراءات عملية يتم الاتفاق على أولوياته...
 
هذه الدعوة يمكنها أن تتحول إلى واقع عملي مفيد لأبناء المجموعات القومية والدينية في العراق فقط عندما يتم التفاعل معها. وأول الأمر بإرسال عناوين كل منظمة وجمعية ورابطة ومنتدى وحزب وحركة بلا استثناء ممن يعنيهم أمر المساهمة في الحملة الدولية المشار إليها وممن يرى مسؤوليته في الدفاع عن حقوق الناس وحيواتهم ومصائرهم وكراماتهم..
ولن يكون هذا تنازلا من طرف أحد ومكانته وحجمه فليس من الصائب تقديم العربة على الحصان والأجدى أولا هو تجميع تلك العناوين بوصفها إعلانا عن اتفاق على حق الحياة لأبناء هذه المجموعات وواجب حماية وجود يكاد ينتهي بهذه المجزرة الدموية التصفوية وما من ضمير يرتقي لمستوى المسؤولية... وأعتقد أن كل من يتلكأ في إرسال عنوانه وتعريفا وإعلانا عن وجوده وموافقته المساهمة في الحملة سيكون مشاركا في الجريمة بسبب هذا التلكؤ أو التغافل لأي سبب أو ذريعة تدعوه لعدم التفاعل...
 
فإذا كانت الجريمة مستمرة وإذا كنا نتفق أن نهايتها تعني إبادة جماعية مطلقة ونهائية ينقرض بعدها كل وجود لهذه المجموعات بمعنى تصفية مطلقة لمجموعات بشرية كاملة وإذا كنا نتفق على أنه لا بد من عمل فوري وحاسم وشامل ولا مجال لأعمال ترقيعية مؤجلة فإن الصائب هو التنادي للقاء تحت مسمى "مؤتمر مصير المجموعات القومية والدينية العراقية" ..
إنَّ المصير العراقي هو مصير تعددي يقوم على احترام التنوع والمساواة والعدل بين جميع الفرقاء الذين يشكلون المشهد العراقي مذ كانت أول حضارة إنسانية في ربوع وادي الرافدين.. ولهذا سيكون مؤتمر مصير المجموعات القومية والدينية العراقية هو مؤتمر تنفيذي لا مجرد مؤتمر إعلان لاحترام التنوع والتعددية في إطار المشهد العراقي الوطني بجوهره الإنساني المشرق والمشرّف...
دعونا نضع البداية من هنا:
1.  أن تُرسل عناوين المنظمات والجمعيات والأحزاب كبيرة وصغيرة قديمة وجديدة فاعلة حيوية أو تجابه مصاعب؛ جميعا يرسلون موجزا بالاسم والعنوان للاتصال والتفاعل... وفي مرحلة لاحقة لإبداء الآراء والمقترحات وأشكال التصورات المفيدة للتحرك...
e-mail:    info@babil-nl.org
وهذا هو إيميل مؤقت سيحيل ما يصله إلى ملف خاص بالمؤتمر والحملة الأممية وافيميل يعود لرابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر.
 
2.  وحتى الشخصيات المعنوية والأدبية والحقيقية سيكون واجبا أن ترسل عناوينها وما يمكن أن تساهم به سواء في النهوض بمهام اتصال مع منظمات وجهات رسمية أو أوسع توزيع جماهيري للحملة...
3.  المرحلة التالية تنهض اللجنة التحضيرية بمفردها أو بالتنسيق مع الأمانة العامة للدفاع عن حقوق المجموعات القومية والدينية [إذا تحققت الموافقة]  بمهمة ترتيب خطة العمل باتجاه تفعيل الحملة بوضع مؤشرات محددة لها والتحضير للمؤتمر..
4.  استكمال أوراق العمل للمؤتمر وإعلان يُسمى "الإعلان الأممي لحماية الشعوب العراقية" أو "الإعلان الأممي لحماية المجموعات القومية والدينية العراقية القديمة"...
5.  سيكون مفيدا الاتصال بالحكومة العراقية لجهة التعرف إلى إجراءاتها الجدية المنتظرة وتعريفها بمطالب فعلية حقة لهذه المجموعات.. كما في مطلب تغيير الدستور بما يستجيب لتشكيل البرلمان العراقي من قسمين هما المجلس الوطني والمجلس الاتحادي وبشأن تشكيل وزارة للمجموعات القومية والدينية تستجيب لمتابعة القضايا المعقدة المطروحة...
 
من المفيد أن أشير هنا إلى أنه سيتم في مرحلة تالية تقديم صيغة مقترحة     لــ "الإعلان الأممي لحماية المجموعات القومية والدينية العراقية القديمة".. بعد استكمال التداول مع أطراف القضية فضلا عن أية إجراءات تظهر بعد استكمال الاتصالات..
إنَّ العمل وحده هو الكفيل بضمان النجاح لأية حركة أو قضية ولأية مستهدفات موضوعية كما في حقوق الناس والمجموعات البشرية... ومقترح حملة دولية لا يتعارض وطرف وطني مسؤول بقدر ما يدعم الجهود ويحشدها من أجل خير الجميع وسلامتهم ومستقبلهم الواعد المشرق سويا وبروح الإخاء والعدل والمساواة...
 
 
 
 

122
المسرحية الكوردية في المهجر: "الخراب" لكاميران رؤوف نموذجا
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
2008/08
أستاذ الأدب المسرحي
tayseer54@hotmail.com

 
 
لم يتكلّس ويتجمد ذياك المسرحي المهاجر لظروف قسرية دفعته لهذي المسارح القصية.. وحال المسرحي الكوردي كحال زملائه المسرحيين من المبدعين في الوطن وفي المهاجِر.. إنَّه المكافح الفاعل دوما بحيوية ونشاط من أجل مواصلة مثابرة لانتاج مسرحي ثر غني التجربة.. لقد انعكس في كتابته عميق التعبير عن المعاناة وعن الهموم والمشكلات والموضوعات الحياتية التي ناقشها المسرح يوم وُلِد في جذوره السومرية أو الأغريقية ويوم صار ميدانا للتعبير عن ذهنية عقل النهضة التنويري في مسيرة البشرية في راهن عصرها.
من يتابع المسرح في عدد من الدول الأوروبية وغيرها سيجد المسرحي الكوردي يقدم تجربته سواء في مشاركته الأعمال المسرحية بلغات أخرى أم في تقديمه تجربته باللغة الكوردية نصا وعرضا.. ولنا في أسماء مهمة من المسرح الكوردي مثلا في هذا.. وكثير من هؤلاء المسرحيين نسوة ورجالا يتابعون دراساتهم الجامعية المتخصصة تعزيزا لتجاريبهم الإبداعية الأمر الذي يَعِدُ بتعميد تلك التجاريب وتطويرها ودفعها إلى مصاف التجاريب المميزة القادرة على العطاء الأفضل وعلى المنافسة الأبعد...
أذكر من بين التجاريب التي تابعتها هنا في المهجر تجربة الفنان الرائع كاميران رؤوف الذي قدم عددا من الأعمال الفنية سواء بالهولندية أم العربية إلى جانب تجاريبه المميزة بالكوردية...وبالكوردية قدم مسرحيته الخراب التي فازت يومها بتكريم رابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا وبأربع جوائز في المهرجان المسرحي الكوردي الثالث (هي جوائز: الإخراج والتمثيل والديكور والإنارة) وهي في الحقيقة تمثل تجربة مسرحية مهمة من حيث إعلانها عن تصميم المسرحي الكوردي على المواصلة مثابرا على الرغم من الظروف المحيطة القاسية في المنافي القصية...
وبشأن نص مسرحية الخراب أقول: إنني اطلعتُ على النصِّّ العربي فيما تابعتُ العرضَ المسرحي باللغةِ الكرديةِ، ولأنَّ العرضَ المسرحي كان قد ركَّز على الكلمةِ أداة مهمة بارزة في رسالة خطابه ومستهدفاته ولأهمية معالجة النص المسرحي، ينبغي لهذا السبب ومن بابِ الإنصافِ أنْ أقولَ: إنَّ ما يتعلق من ملاحظاتِِ تهمّ الترجمة أمر ينبغي تجاوزه هنا، فليس من الصائبِ تكوين قراءةِ ِ أو نقدِِ لعمل على أساس ترجمةِِ غير متخصصة بمعنى عند مراجعة النص العربي سنجد لغة يعتورها عديد من الملاحظات النحوية واللغوية المعجمية والصرفية وهو ما أتجاوزه للتركيز على جوانب أخرى..
فإذا لاحظنا أنَّ الجملة على وفق نصها بالعربية تحملت ثغرات عديدة فإنَّ "البنية الدرامية" وخطابها الجمالي هما ما يعنينا عند مناقشة هذه المسرحية مؤملين أن يناقش المختصون جوانب الأداء اللغوي بنصه الكوردي في موضع آخر.. وسلفاََ نسجِّل أنَّها [أي مسرحية الخراب] تقدم نفسها (حواريةَ َ) تتجنَّب اعتماد الوقائع وتتخذ من السرد والوصف وسيلة لتعبيرها الفني.. ويأتي ذلك على لسان الشخصية (المونو) ...
ومن المؤكّد أننا إذا استبعدْنا حاجة المسرحي للقدرات الإنتاجية عند تعدد الشخصيات؛ أقول إذا استبعدنا هذا السبب الخارجي في اللجوء إلى مسرحية من طراز (المونودراما)، فإنّ مثل هذا التوجه قد يكون من بعض دوافعه عمق الأزمة التي طاردت الإنسان العراقي بخاصة في أزمنة المنافي والمهاجر التي وضعته في اغترابِِ عن محيطِهِ أولا وعن نفسهِ ثانياََ كما عزلته لاحقاََ فجعلته في حالة من الانقطاع عن بيئته ومجتمعه الذي غادره قسرا وكرها مقتلعة إياه ونتاجه عن تلك البيئة الطبيعية فأعملت ماكنة السحق فيه...
كل ذلك هو ما شكل مُتصوَّر المثقف لأوضاع طحنت المواطن في زمن الطاغية ونظام الدكتاتورية السابق وفي أحيان عديدة اليوم في ظل سطوة المافيات وقوى الإرهاب من بقايا النظام المهزوم وأشباهه.. وهكذا لم يكن لا للمواطن ولا للمسرحي  العراقي والكوردي سوى الرحيل منفرداََ في عالم حُلُمي، عالم الواقع العبثي اللامعقول.. ولقد نزل المستحيل عن صهوة جواده وترجَّل ليخْلي الساحةَ لهمجية غير مسبوقة..
إنَّ كل هذا العنف وسلطته هو ما جسّد محاولات كاميران رؤوف كما في مسرحيته (ذكريات) ومثلها مسرحية (الخراب).. مكتفيا هنا بالتركيز على محاولة (مسرحية) الخراب للتعبير جماليا عن رؤية إنسانية عميقة المضامين، وعسانا بهذه القراءة الموجزة نسلط بعض الضوء على ما أرادت تلك المحاولة المسرحية الإعلان عنه ومعالجته مسرحيا من مثل إشْعال لهيب الاحتجاج والتعبير عن مكنونات الصدور بالضد من مشهد مرضي تسببت فيه قوى "الخراب" تلك.
مجددا ومرة أخرى تعزف القيثارة المسرحية [الكوردية] على أوتار حوارية الشجن الإنسانية؛ فالإنسان في الخراب ينطلق من عقوبة السجن التي تصادر حريته وتلغي حق التفكير عنده ليجابه سجن العقوبة سجنا أكبر، هو سجن الواقع المريض الذي انفصل عنه قسرا. وها هو يجابهه بقسوته وثقل جرمه عليه.. أليس كل ما قدمته المسرحية هو الخراب بعينه؟‍ لا شئ يساعد على وصف هذا الواقع سوى الواقع نفسه وهذا ما فعلته مسرحية كاميران "الخراب" بعرضها الذات الإنسانية بشخصية بطلها.
ولاستكمال دلالات النص ومعطياته نتحدث عن الإخراج الذي يمنحنا فرصا تفسيرية مضافة وأود أن أضع وصفا نقديا عاما بهذا الصدد يساعد على إبراز التجربة المسرحية [الكوردية] في المهجر بطريقة أوضح.. فــَــ عادة مخرجنا العراقي بعامة أن يستفيد من مدارس إخراجية متنوعة اعتمادا على روحِِ يجمع بين الكلاسي والحداثي أو بصيغة أخرى على روح تجريبي يبحث في توظيفِ الخبرات وألوان المدارس في خدمة توصيل الفكرة. ومن الطبيعي لمثل هذا الهدف أن يستبعدَ مدارس الإبهار واعتماد التقنياتِ المعقدة في تشفيرِ العملِ الدرامي كما عند فوخس وكريج وآبيا وجوفييه وجاستون..
وفي الوقت ذاته يُركِّز مخرجنا على الممثلِ بوصفِهِ خالقَ العرض مثلما هو الحال في تجريبية مييرهولد وتايروف وواقعية ستانسلافسكي ودوق ساكس مايننغن (جورج الثاني). وطبقتْ عروضُ مسرحية عراقية وكوردية عديدة هذا التوجه مثلما عملت على توظيف [ آلية قراءة قطعة مقتبسة] على لسان الممثل في أدائه لدوره على وفق ما جاء به غروتوفسكي ومسرحه الفقير.
ومثلما ستانسلافسكي راح مخرجنا (كاميران رؤوف) يمعن التركيز على قوة الفكرة عبر الأداء الصوتي وطاقاته التعبيرية متحدا بتوظيف توافقه مع الحركة الجسدية التي ظهرت دائما مستندة لامتلاك الحس الموسيقي في إيحاءات الإخراج والتمثيل عند كاميران وهذه سمة تمثل استفادة [من] وعودة إلى رؤى مييرهولد. وبتذكر ديكور الخراب سنتأكد من توجهه لكسر حاجزَ مسرحِ العلبةِ .. وكأنَّ جاك كوبو يُلتزَم في انفتاحِ الخشبةِ على الصالةِ وفي إلغاءِ إضاءةِ البروسينيوم لكي يتم محو الحاجزِ بين الممثلِ والجمهورِ وهو ذاتهُ الفعل الذي نعرفه في إبقاءِ مييرهولد على أنوارِ الصالةِ مفتوحة مشتعلة لرفعِ حرارةِ الجمهور وتفاعلهِ مع العرض..
 ومثل ذلك لاحظنا إفادة خطة كاميران الإخراجية في مسرحية الخراب من الحركةِ لتوليدِ الصورِ الحُلُميةِ ورفضِه الإبهار مع توظيفِ التقنيةِ لخدمةِ الكلمةِ حسب بيتوييف وبيتر بروك. ويمكننا القول إنَّ تلك الخطة الإخراجية قد عملت على استخدام رمزيةِ ِ دالةِ ِ عند تعلّق الأمر بالديكور[نذكِّر بجورج بيتوييف] ومع أن مسرحية كاميران (الخراب) كانت قد اعتمدت الممثل في تقديم العرض إلا أنها لم تذهب لما كان يفعله تايروف من إهمال قيمة التقنية والإبقاء على الخشبة حالةََ من المسطحات بلا زخارف بل عادت إلى توظيفات جورج الثاني وأنطوان المعبرة واقعيا من حيث الصلة بين الممثل وبيئته ـ الديكور ـ    ورمزيا في خدمة الفكرة وتقديمها عبر القيم البصرية أو في سينوغرافيا العرض.. وهي على أية حال مسرحية لم تكن غروتوفسكية مقترة (أو من المسرح الفقير) وإنْ كان الأمر على العموم محاولة من كاميران لتلافي الظروف الآنتاجية العسيرة وخوانقها الصعبة...
وفي مثل هذا الاختيار لظروف إنتاجية معقدة ذهبت مسرحية كاميران بعيدا عن قراءات من نمط تلك التي تحسب موقع الممثل وزاوية وقوفه أمامية أم بروفايل، جانبية أم لا.. وهكذا؛ حتى صار الاندماج بالصالة والجمهور وسيلة لتحقيق علاقة حيوية تُحَس بعيدا عن مشهد اللقاء المادي بالوقوف الأمامي بالمواجهة بين الممثل والمشاهِد إنها موجودة حيث  حيوية التنقلات وتغيير الحركة وسرعة تغيير الحالة وتنويعها لتلافي لحظات انعدام تلك المواجهة المطلوبة.
إنَّ جملة من المعطيات ستظل مغفلةََ عند الاكتفاء بمثل هذه القراءات النقدية الصحفية العجلى لأعمال نالت حرارة اللقاء ومصداقية الإبداع.. كما إنّ أمورا عديدة غير قابلة للحصر هنا تظل بحاجة للإضاءة والمناقشة ويظل النقد مطالبا بقراءتها بتأنِِ وهذا من شأنه الدفع بإبداعات فنانينا للتطور والترسّخ وتأصيل التجاريب المجدة. ومن الطبيعي أن تكون قراءة الأعمال الموجودة في المهجر هي مفردة مهمة ومفيدة يمكنها أن تقدم إضافات متنوعة وغنية لتجاريب مسرحية أخرى موجودة داخل الوطن كما سيكون لمثل هذه القراءات النقدية إيحاءات مساعدة لتوثيق التجاريب والتعرف إليها عن كثب قبل دعوتها للقاءات حيث جمهورها الذي ينتظرها أيضا هنا بين جدران المسرح المحلي في رحلة العودة واللقاء مجددا... ويقينا سيكون لمثل هذه الإضاءات فرصة لتسليط الضوء ساطعا شاملا على التجربة الجمالية الفكرية للمسرحية الكوردية بصورة شاملة وقد يساعد جمع القراءات والدراسات في مؤلف وطبعه ونشره وتوثيقه في المكتبة المعرفية التي انطلقت اليوم ولن تتوقف طالما وجدت نصيرا للثقافة والمعرفة وللآداب والفنون جميعا...
 
 منشورة في الصوت الآخر

123
المثقف العراقي بين مطرقة (الخارج) وسندان (الداخل)؟

حول انعقاد مؤتمر لإعادة المثقفين العراقيين؟!

إلى أنظار مثقفينا والجهات الرسمية المعنية

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي عراقي \ ناشط في مجال حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com
2008/08/14

 

 

 على وفق تقرير صحفي* ورد عن الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة العراقية (السيد جابر الجابري) قوله: " هناك حاجة لإعادة مثقفي العراق لبلادهم، بعد أن يتم تحقيق المصالحة بينهم وبين مثقفي الداخل "[وكأن المشكلة تكمن في مصالحة الخارج بالداخل بعد زعل]. وورد أيضا بشأن ما سماه مؤتمر المصالحة الثقافية بين مثقفي الخارج والداخل قوله"إن الوزارة انتهت من الإعداد لإقامة الأسبوع الثقافي للمصالحة الثقافية، الذي سيقام في دمشق خلال النصف الأول من الشهر الجاري، ستتم فيه دعوة جميع المثقفين العراقيين ومن كافة دول العالم، مؤكدا «سيكون لقاء مهما بين مثقفي الداخل والخارج، وسيعلن خلال اللقاء عن آليات جديدة لإعادتهــم، مثل تخصيص مبلغ 500 ألف دينار عراقي، أي ما يعادل 450 دولارا، لكل مثقف عائد وتنظيم رحلات مجانية لهم من البلدان الموجودين فيها للعراق، إضافة إلى تسهيل دخولهم من خلال التنسيق مع الجهات المعنية». ".

إنَّ أبرز ما يلفت النظر فيما أورده الخبر هو صياغته بطريقة تشير إلى تقرير مسبق لظاهرة الانقسام والتشظي بين خارج وداخل وإمعانه في قراءة الظاهرة ترسيخا لهذا الانشطار [المتوهم] من جهة وافتعالا لحال من التناقض والصراع والقطيعة بين طرفي (مثقفي الخارج ومثقفي الداخل) وهو ما يحتاج لوقفة مسؤولة كي لا يمر الأمر بلا مراجعة موضوعية متأنية لحقيقة هذا التقسيم من جهة ولصدقية تشخيص القطيعة والتناقض بين أطراف الثقافة العراقية؟

إنَّ الذي يتحدث عن خارج وداخل في الثقافة العراقية إنَّما يخلط أولا السياسي بالثقافي ويغلـِّبه عليه وثانيا لا يرى في المثقف والثقافة إلا ورقة أو لونا من ألوان التعبير عن التفكير السياسي البحت.. وهو لا يرى أيّ شكل لاستقلالية الثقافة وخطابها ولا لغناها وثراء خصوصيتها وهوية طبعت هذا الخطاب بقيمه الواضحة بعيدا عن هوس السياسي وخواء بعض توجهاته المتسمة بالتطبيل الإعلامي لجهة أو أخرى...

من هنا نجد من يتحدث عن خصام وقطيعة يتطلب تدخله لمصالحة طرفي  [الزعل] محصورا في توهمه الحديث عن الثقافي وهو في الحقيقة يتحدث عن شخوص بعينهم في خطابهم السياسي لا الثقافي ولا حتى المتمثل في إبداعاتهم الأدبية أو الجمالية ولسنا ضد هذا الشخص ونياته الطيبة أو غيرها بل مهمتنا ليست في التقاطع والتضاد ومبادلة أشكال التهجم أو تخطئة الآخر وإنَّما تنحصر مهمتنا هنا في محاولة إزالة  تشويه حقيقة الثقافة والمثقف العراقيين فقط...

 

إنَّ المصالحة مصطلح (في جوهر تداوله الراهن) سياسي مطلوب بحدود الخطاب السياسي نفسه وبحدود آلياته ومستهدفاته، وهي [أي المصالحة] رؤية موضوعية عندما توضع في ميدانها الصحيح وعندما تُفعَّل بدقة التشخيص؛ لتمثل علاجا لأزمة الانقسام التناقضي المتسبب في الاحتراب وفعل الخصام المرضي الذي لا ينعكس على المجتمع إلا بالآلام وأوصابها المعقدة... وبهذا يمكننا التعويل على دقة العبارة التي تقول: إنَّ التشخيص أساس العلاج. ولما كان التشخيص الذي نحن بصدده يخلط بين طبيعتي خطابين مستقلين عن بعضهما بعضا هما السياسي والثقافي ولما كان التشخيص يأتي بعلاج مرض لمشكلة في ميدان غير الميدان المقصود بمثل هذا العلاج.. فإنَّه من الدقة ألا نقبل بحديث المصالحة يمحتواها السياسي في أجواء الثقافي وطبيعته وهويته...

وقد أخطأ القول شكلا ومضمونا ذلك الذي تحدث عن "مصالحة ثقافية بالمعنى السياسي" وكأنَّ العراق ضيعة لأفكار يتم تفصيلها في ذهن يمتلئ بأوهام من نمط أيام زمان ومقاساته وما يقوله الطاغية أو أي نفر من أزلامه يخضع له الجميع ولتوصيفاته.. واليوم صار لنا تفصيل من نمط الصولات والجولات حيث لكل محافظة صولتها ومن نمط الصحوات حيث لكل منطقة (صحوتها) الخاصة ومن نمط المصالحات حيث مصالحة سياسية فواحدة عشائرية وثانية طائفية [بين طوائف الدين الواحد] وثالثة دينية [بين الأديان المختلفة] وخامسة وسادسة وهذه قد تكون سابعتها؛ لابد أن تكون هذه المرة والعهدة على الراوي [مصالحة ثقافية]!!

فإذا كان القصد إعادة بعض من موظفي أجهزة إعلام النظام السابق [ولن نقف سلبيا حتى من طباليه] فالأمر لا يمكن أن يندرج في مسمى مصالحة ثقافية. ولكنه يمكن أن يبقى في حدود خطاب سياسي يتحدث عن دعوة أولئك في إطار خطاب التسامح والعفو العام أو في إطار عملية مصالحة سياسية شاملة تتضمن فئات مختلفة، من تلك الفئات أولئك الذين أشرنا إليهم هنا... وفي هذا الموضع لا يمكن الحديث عن قطيعة بين خارج وداخل تعالجه مصالحة ثقافية بين الطرفين. لأنَّ الثقافة العراقية حافظت على نسيجها الواحد وطبيعتها وجوهرها على الرغم من ظروف الشتات والمنافي والمهاجر...

وحقيقة الثقافة العراقية والمثقف العراقي لم تنقسم تناحريا أو تناقضيا بين خارج وداخل في يوم من الأيام. حتى في زمن الطاغية ونظامه الدكتاتوري بقي المثقف العراقي يغترف من منهله الذي حمله معه بوصفه الأساس الذي تكونت ثقافته منه.. فالثقافة ليست معلومات معرفية (رياضية مجردة) بحتة ولا هي إبداعات أدبية شعرية أو قصصية أو روائية صرفة ولا هي أفكار مجملة هلامية ولكنها مجموعة قيم معرفية اجتماعية تتضمن تقاليد الناس وسلوكياتها ولا أظن أنَّ مثقفا عراقيا قد استبدل قيمه تلك كما يستبدل قميصه؛ لنقول عنه إنه قد تغير وانشطر منفصلا عن زميله مثقف الداخل، فوجب لإدارة حكومية [كوزارة الثقافة وموظفيها مثلا] أن تصالحهما بهذه الطروحات السياسية الساذجة...

إنَّ الثقافة ** تعني زراعة القيم الأفضل بالتعارض مع ترك العفوية الفطرية والعشوائية الطبيعية والاعتباطية في طرائق  العيش. وهي الإرث التراكمي مثلما هي القيم الأخلاقية والأعراف والمعتقدات ومن ثمّ هي السمة الجوهرية لوحدة أسلوب الحياة والسلوك الإنساني الجمعي المؤنسن لجماعة بشرية بعينها.. وليقل لي بعد ذلك أي طرف كيف له أن يقسِّم الثقافة العراقية تناحريا بين ثقافة الداخل وثقافة الخارج وفي ضوء ذلك مثقف الداخل ومثقف الخارج؟ هل يمكن تقسيم الإرث العراقي ثقافيا بين هذين القسمين لما يحيل للخصام والتناقض؟ هل أخذ مثقف الداخل إرثا سومريا بابليا كلدانيا آشوريا إسلاميا أو مسيحيا أو مندائيا غير ما أخذه مثقف الخارج؟؟ أليست الثقافة تعارضا مع العشوائية وإعادة تنظيم وأساسا لوحدة الأسلوب الحياتي للهوية الوطنية للثقافة العراقية..؟ وإذا كان هذا هو جوهر الثقافة والمثقف فمن أين جيئ بالانقسام وأكثر من ذلك من اين جيئ بالتعارض والخصام في وسط الثقافة بما يتطلب مصالحة (ثقافية)...؟؟!

الأمر لا يعدو عن فرض أسس خطاب على آخر؛ أي فلسفة الخطاب السياسي وآلياته على الخطاب الثقافي بما يخرّب الثاني ويشوّه طبيعته وهويته بهذا الفرض القسري.. ويعطل دوره الوظيفي الحقيقي سواء كان جغرافيا، في الداخل أم في الخارج... إذ أنَّ الهوية تظل واحدة من جهة الإرث الثقافي بجذوره التاريخية وتظل الثقافة واحدة في تمثيلها المعاصر لتجسّدها الوطني وفي القيم المشتركة أعرافا وطقوسا وتقاليدا.. وأيّ افتعال لتمزيق أو تشظية المشهد الثقافي الوطني هو تأسيس خاطئ لا ينتهي إلا إلى خطيئة بل جريمة بحق الثقافة والمثقف وطنيا وإنسانيا... فالمثقف لا ينطوي على حمل السمة الوطنية الواحدة حسب بل على الجوهر الإنساني بقواسمه المشتركة الموحدة التي تمثل التآلف والتآخي بطبيعة الثقافة ومكنون خطابها ومستهدفاته...

 

من هنا يمكننا اختصار طريق هذه المعالجة لنقول: إنَّ مضمون الخبر وأسلوب صياغته لا ينمّان إلا عن خطيئة التقسيم القائمة على فرض آليات الخطاب السياسي واستباحة ميدان الثقافة والمثقفين بكل خطايا (السياسي) وثغراته الراهنة بخاصة منها ظواهر التشرذم والانقسامات والصراعات بألوانِ أسُسِها المدّعاة من طائفية ودينية وعرقية قومية وغيرها.. وفي مسيرة الصراع لمكسب أو آخر، يزعم كل طرف أنه يستهدف توحيد الصفوف وتخليصها من الانقسام والفرقة والتشرذم مفترضا أن المعركة تجري بين مكونات الشعب وثقافته التي يتوهم انشطارها التناقضي المحتدم حربا على جبهات منها كما يروي إعلام القوى السياسية الحاكمة اليوم جبهة الداخل \ الخارج!!

إن الثقافة العراقية وحاملي راياتها المشرقة ما زالت غنية معطاء وعصية على الانهزام أمام لغة تسطيحها واستلابها طبيعتها الوطنية الإنسانية ولطالما هُزِم العراق (وادي الرافدين وحضارته السومرية) عسكريا ولكنه دوما كان ينتصر ثقافيا ويطوِّع غزاته ومن يتحكم فيه سياسيا.. وتلك عبارة وجدناها على اللوح المخطوط بلغة التراث الإنساني (السومرية) الأولى. وستنتصر الثقافة العراقية اليوم وتخرج شامخة كالعنقاء والجبل وشموخ النخلة ضاربة الجذور. وانتصار الثقافة العراقية والمثقف العراقي اليوم يكمن في رفض أداء السياسي ومحاولاته إدخال أمراض خطابه بل والعمل على تعديل المسار الوطني العام ومعالجته من أمراضه بمقدار مسؤولية الثقافي عن اي وجه من إشكاليات حاضرنا...

وانتصار الثقافة العراقية يتمثل أيضا في قوة أداء المثقف واستقلالية خطابه وآليات اشتغاله ومن ثمَّ في عطائه المميز المتقدم الذي ما زال يُعلي من قوة الوحدة الوطنية هوية عراقية راسخة لا تشرذمها أية مخططات وأحابيل... وعطاء المثقف العراقي يمكنه أن يصب الماء في بساتين الوطن لا يوقفه عن ذلك وجوده جغرافيا داخل الوطن أم خارجه.. فقيم الثقافة وفعلها لا تحده حدود الجغرافيا وهذه لا تمنعه أو تقطع أوصاله.

إنَّ التشويه الذي يأتي للثقافة كونها قيما روحية ومادية هو من بوابة فرض آليات خطابات أخرى لأسباب خارجة عن أهداف الثقافة وطبيعة خطابها كما في تسطيحها وتحويلها لبوق إعلامي دعائي بحت مثلما حصل بالأمس غير البعيد عندما تحكَّم الطاغية بالحياة العامة.. حيث فرض قسرا: أما هذا التسطيح وقبول مفاهيمه المرضية أو التصفية أو التهجير القسري. وقد نجا كثير من مثقفينا ومنتجهم عندما اضطروا لاتخاذ البلدان القصية موئلا ليواصلوا عطاءهم من هناك حتى تتوافر الظروف المناسبة كيما يقرروا العودة إلى موئل جذورهم وسبب عطائهم الدائم المستمر...

 

إن من بعض مفردات الثقافة وخطابها يتمثل في الإبداع الفلسفي الجمالي الأدبي منه والفني ولمثل هذا الإبداع شروطه ومحدداته من جهة امتلاك الحرية والاستقرار الأمني بل الحياتي بكل تفاصيله.. فهل توافرت هذي المحددات والشروط في داخل الوطن؟ إذن لماذا تستمر حملات التصفية الدموية لمئات من العلماء والأساتذة والمهندسين والأطباء والاختصاصيين من التكنوقراط العراقي ومن المثقفين والكتّاب والصحفيين والفنانين؟ هل يصح في ظرف عدم تطمين أبسط شروط الاستقرار ممثلة في الأمن والأمان أن تدعو جهة لإعادة عناصر الثقافة العراقية؟ أم هي مطاردة جديدة ومحاصرة تستهدف القضاء على من نجا وتقديمه لمذبح الصراعات السياسية المرضية الجارية...؟

هل من الصائب، استعجال إعادة آلاف من هؤلاء حتى لو توافرت أوليات تطمين أمنهم الشخصي ومن دون خطة جدية مسؤولة لتوظيفهم ومنع التبطل والتعطل المستشري اليوم في وسط خيرة أبناء شعبنا والنخبة العلمية والأدبية الثقافية منهم؟ ألا تشكل البطالة وعدم توفير فرص العمل المنتج للمبدعين جريمة مبيتة للقتل والتصفية؟ فإذا كانت النية صادقة وطنية وإنسانية مخلصة : ألا توجد حلول بديلة مناسبة يمكنها أن تحافظ على هذه الطاقات من جهة وتجيِّر أنشطتها لصالح الوطن عبر خطط مرسومة موضوعيا وبمنطق عقلي قويم ينتمي لخطاب الثقافة ويخدمه حقا؟

لقد طالب المثقفون العراقيون ..الأكاديميون منهم والمبدعون من أدباء وفنانين بحق الرعاية المادية والمعنوية ولكنهم واجهوا الرفض والازدراء وسوء المعاملة من (مسؤولين) في حكومات السنوات الخمس الأخيرة مثلما السابقين.. وتـُرك أعلام كبار أما لفرص رعاية من جهات ودول أخرى أو للتصفية الصامتة وإنهاء وجودهم وعطائهم.. فلماذا لا يجري العودة إليهم ولقرارات مؤتمراتهم الثقافية ومطالبهم وما رسموه من خطط ومعالجات؟

المثقفون العراقيون.. ليسوا بحاجة لفتات مادي رخيص بمستوى يهبط باستراتيجية عودتهم اإلى مجرد مؤتمر يتصيد أسماء بعينها ويحتفي بأسبوع [ثقافي!] يقول الخبر إياه أو بلاغ وزارة [الثقافة] أنه "سيتضمن إقامة معرض للكتاب وعرض مسرحية وفلم وثائقي ومعرض للرسم والصور الفوتوغرافية وتقديم عروض للفنون الشعبية وعرض للأزياء و..." ويا حيف ويا رخص الرخص كما يقول أهلنا في مثل هذه الأحوال؟!!!!

إنَّ تسويق حملة بعض المسؤولين في الحكومة الحالية القائمة على تصريحات ولقاءات سياسية واتفاقات يتم عقدها اليوم مع عدد من بلدان استقبلت العراقيين بالملايين والآلاف هو إضرار بالعراقيين داخل الوطن وخارجه. نظرا لأنه يقوم على أسس غير مدروسة وفيه من التعجل ما يوقع العراق في أزمات فوق تلك الموجودة.. إذ لا استعدادات حقيقية في سوق العمل ولا عجلة الاقتصاد العراقي يمكنها أن تستقبل كل هذه الملايين كما أن الوضع الأمني ذاته لم يطمن الاستقرار وهو على شفا هاوية إن لم تتم عملية تطويره بإدامة العملية السياسية وتطويرها أو دفعها لمراحل جديدة.. وإذا كان الأمر كذلك مع جمهور العراقيين المهجرين قسرا فما بالك مع النخبة العراقية من مثقفيه ومفكريه وعلمائه؟؟

أم أن أي مسؤول ممن يتصدى لهذه الدعوة يريد تكرار وضع أمثال العالم العراقي الذي كان يعمل في وكالة ناسا ووضعه نظام القمع والدكتاتورية في حينها في مزرعة للدواجن.. ولا عجب؟

إنَّ قضية عودة النخبة العراقية من تكنوقراط وعلماء وأساتذة وأدباء وكتّاب ومفكرين وفنانين بحاجة لصياغة استراتيجية مناسبة في إطار خطة شاملة في الوضع العراقي بعامة. وهذا يعتمد على دعم نزيه مستقل لقوى الثقافة العراقية كافة لكي تعقد مؤتمراتها وتنسق جهودها وتوحّدها.. كما يقتضي الأمر القبول بقرارات المثقفين العراقيين ومجالس وتجمعات التكنوقراط ووضعها موضع التنفيذ وبميزانيات حقيقية.. وبخلاف ذلك فإن الحديث عن مؤتمر لمثقفي (الخارج) كافة ينعقد في دمشق هو قطعا خديعة ستوقع ضحايا في ميدان الثقافة والمثقفين...

فالمؤتمر لا يمكنه أن ينعقد في مدينة لا يستطيع الوصول إليها كثير من مثقفينا لأسباب تتعلق بتأمين حيواتهم وما زال الدكتور الدجيلي لم يظهر وهو الذي اختفى في تلك المدينة ولم يعد له من أثر.. وهذا الأمر يعني حاجة واقع الحال لعقد مؤتمرات متعددة لا مؤتمر واحد بسبب من الانتشار الجغرافي وبسبب من الموانع السالف ذكرها.. أي تطمين أمن المثقف وحياته.. وفي الحقيقة إذا كانت الوزارة لا يعنيها أمنه هنا فكيف سيعنيها أمنه في داخل الوطن؟ وماذا وفرت له غير حفنة دولارات [ما يعادل 450 دولارا!!!]  تقول إنها ستمحنها له عند العودة باتجاه المجهول الذي تجمّله في تصريحاتها واتفاقاتها؟!

 

أيها السادة القضية ليست عودة مثقف أو تكنوقراط أو متخصص أو مبدع وهي ليست مصالحة مثقف مع زميله داخل الوطن أو خارجه وهي ليست كما يتوهم موظف حكومي ويعتقد بأنها قضية أمر إداري ينفذه بصرف مبلغ بخس ثمنا لتقديم مبدع قربانا وأضحية لمسؤول سياسي وخطته [العصماء] لتوجيه العملية السياسية.. القضية قضية استراتيج يعود فيه المسؤولون إلى العقل العراقي في داخل الوطن وخارجه وإلى ما يقدمه قادة هذا العقل العراقي من رؤى ومعالجات عبر الشروع الجدي المؤسس على منطق سليم في متابعة خطى متصلة مستمرة في العمل لإعادة بناء الحياة العراقة سليمة صحيحة ووضعها في خدمة أهلها...
 

ويمكننا بعد ذلك وبلا إطالة أن نسأل الجهة التي أدلت بالتصريحات ووضعت مثل هذه التصورات وصاغت مصطلحات المصالحة الثقافية وخطة إعادة المثقفين ولملمتهم (جميعا) في مؤتمر دمشق: من سألت في خطتها من منظمات الثقافة؟ وإلى من عادت من المثقفين والعلماء والأساتذة والمبدعين من أدباء وكتّاب وفنانين؟ ولماذا لم تراجع الدراسات والمشروعات المقدمة من البرلمانات والمنظمات والروابط الثقافية والأكاديمية الموجودة بالفعل؟ وأسئلة ستتصل لتشير إجاباتها إلى خطل وإلى مخاطر مثل هذه التوجهات ولكنها على أية حال محاولات سياسية في مسلسل التحكم والفرض والقسر على شؤون الحياة وخطاباتها وهو ما لا يمكن أن ينجح مع خطاب الثقافة والمثقفين.. اللهم إلا إذا جرت مراجعة الأمور بالعودة إلى أصحاب الشأن ومنطقهم ورؤيتهم ومشروعهم الثقافي بحق...

 

وإشارة أخيرة: أمل بألا تكون وزارة الثقافة أداة إدارية لتنفيذ مشروعات الساسة في وسط النخبة وأن تتم مراجعة مشروعات منظمات الثقافة والتوجه لدعم جدي لها ولوضعها موضع التنفيذ بدل إعادة فلسفة النظام المهزوم وخطابه الدعائي [ولو بغير قصد] على حساب عمق الثقافة وميادينها الحقيقية... وبورك في كل خطوة إيجابية بناءة بالخصوص ونحن أولا وآخرا لا نجد في معالجتنا هذه أي تقاطع مع شخص أو شخصية أو مسؤول أو جهة بقدر ما نحاول أن ندلي برأي لوضع الأمور في نصابها..

وفي الإطار هذه دعوة لجميع مثقفينا ليقولوا كلماتهم بالخصوص... وبالتأكيد سيكون لمنظمات الثقافة مواقفها التي ننتظر سماعها قريبا  مثلما نثق بأن وزارة الثقافة فيها من المخلصين الذين سيضعون أيديهم بأيدي جميع مثقفينا بطريقة ناجعة مفيدة صحيحة وصحية تعود بالخير على عراقنا وعلى ثقافتنا الوطنية ويتخلص المثقف العراقي من زمن مطرقة الخارج وسندان الداخل ليستقر منشغلا بعطائه الإبداعي فقط لا غير، مزيلا بشكل حاسم عقبات كفاف العيش وعلل الأمراض البدنية والضغوط النفسية والاجتماعية وغيرها نهائيا وإلى الأبد..

 

 

 

 

 

 

 

 

*نص الخبر

العراق يطلق مصالحة ثقافية ويسعى لإعادة مثقفي العراق من الخارج

04/08/2008

 

بغداد: نصير العلي :ارجع الكثير من المراقبين للشأن العراقي مسألة تحسن الأوضاع الأمنية إلى نجاح مشروع المصالحة الوطنية، الذي تبنته الحكومة بالتنسيق مع جهات عديدة، من أهمها العشائر العراقية ورجال الدين، وهذا ما شجع جهات أخرى على المطالبة بمصالحات أخرى، كان آخرها تلك التي أطلقتها وزارة الثقافة أخيرا وهي «المصالحة الثقافية»، بعد أن انتبهت إلى أن أكثر من 60% من مثقفي العراق يعيشون في الغربة. وبحسب الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة العراقية جابر الجابري، فان هناك حاجة لإعادة مثقفي العراق لبلادهم، بعد أن يتم تحقيق المصالحة بينهم وبين مثقفي الداخل. وأكد الجابري لـ«الشرق الأوسط»، أن آخر الاحصائيات المتوفرة لدى وزارته تؤكد وجود ما يقرب الـ60% من شريحة المثقفين العراقيين في الخارج ويمثلون نخبة الشعراء والرسامين والمسرحيين والممثلين والأكاديميين والكتاب والصحافيين ومن مختلف أنواع الثقافات الأخرى، وان اغلبهم غادر العراق بعد عام 2003 وتوزعوا بين مختلف الدول، وخاصة أوروبا وسورية والأردن، وأضاف «خلال عودتي من صربيا التقيت بعدد منهم واغلبهم أبدى رغبته بالعودة للعراق، وهذا ما شجعني على إطلاق مشروع جديد يمهد لهذا الأمر». وبين الجابري أن الوزارة انتهت من الإعداد لإقامة الأسبوع الثقافي للمصالحة الثقافية، الذي سيقام في دمشق خلال النصف الأول من الشهر الجاري، ستتم فيه دعوة جميع المثقفين العراقيين ومن كافة دول العالم، مؤكدا «سيكون لقاء مهما بين مثقفي الداخل والخارج، وسيعلن خلال اللقاء عن آليات جديدة لإعادتهــم، مثل تخصيص مبلغ 500 ألف دينار عراقي، أي ما يعادل 450 دولارا، لكل مثقف عائد وتنظيم رحلات مجانية لهم من البلدان الموجودين فيها للعراق، إضافة إلى تسهيل دخولهم من خلال التنسيق مع الجهات المعنية». وأكد مصدر مخول في وزارة الثقافة لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزارة وجهت دعوات لجميع المثقفين، بغض النظر عن توجهاتهم السابقة أو الحالية، لان الهدف وحسب المصدر هو «الثقافة وليس شيئا آخر، ولهذا ستحضر للأسبوع الثقافي شخصيات معروفة من أبرزها الشاعر العراقي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد، وسيكون من بين المدعوين للعودة لبلده لان العراق هو بلد الجميع وشريحة المثقفين تختلف عن بقية الشرائح، فهي الأقدر والأقرب على نسيان الماضي والبدء من جديد في عراق جديد تسوده المحبة». من جهته، قال جهاد زاير، المسؤول في دائرة السينما والمسرح العراقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأسبوع الثقافي العراقي في سورية كان المقرر له أن يبدأ الأسبوع القادم، لكن جملة من الأمور ساهمت في تأجيله لمنتصــف الشهر، منها تزامنه مع فعاليات أخرى ستقام في دمشق، منها إعلان دمشق عاصمة للثقافة العربية لهذا العام، ومهرجان الحبوبي في العراق. مضيفا ان تســلم وزير الثقافة العراقي الجديد لمهامه هذا الأسبوع كان ايضا وراء تأجيل الموعد. وأضاف زاير، أن الأسبوع سيتضمن إقامة معرض للكتاب وعرض مسرحية وفلم وثائقي ومعرض للرسم والصور الفوتوغرافية وتقديم عروض للفنون الشعبية وعرض للأزياء وغيرها، مضيفا ان الاسبوع الثقافي سيكون «أشبه بالفعاليات المشجعة على إعادة المثقف للعراق، والاهم من ذلك ستعقد ندوات نشرح من خلالها الوضع العراقي الحــالي، وكيفية تحوله من وضع خطر إلى آمن، وان الحياة عادت لسابق عهدها وليس هناك داع للتخوف من العودة». وبين زاير أن «وضع القطاع الفني في العراق اختلف تماما عن الأعوام القليلة الماضية، فهناك فرص فنية ضخمة جدا أمام الفنانين، وهناك دعم تقدمه الوزارة للمثقف في مختلف تخصصاته، وسيصار الى تقديم رواتب للمثقفين والفنانين لتحسين واقعهم الاقتصادي والمعيشي، وان فرص العيش داخل العراق أصبحت أفضل بكثير من الخارج». وكشف زاير عن قيام دائرة السينما والمشرح أخيرا بتوقيع اتفاقية عمل مع شبكة الاعلام العراقي والمتمثلة بقناة العراقية الفضائية، يقضي بان تمول الأخيرة أعمالا فنية على أن تكون دائرة السينما والمسرح المنتج المنفذ لها، وأضاف، «قريبا سيعلن عن البدء بإنتاج أعمال درامية وتلفزيونية ومسرحيات وأفلام قصيرة وغيرها، وهناك مذكرات تفاهم أخرى ستوقع مع فضائيات أخرى سيعلن عنها قريبا وبذات الاتجاه وجميعها تصب في مصلحة الفن العراقي وتقدمه والعودة بقوة للساحة الفنية العربية والعالمية، وأيضا هي فرص متاحة أمام الفنانين والمسرحيين للعمل داخل بلدهم وتحسين مستواهم المعيشي».

الاثنيـن 02 شعبـان 1429 هـ 4 اغسطس 2008 العدد 10842

جريدة الشرق الاوسط

 

 

http://www.somerian-slates.com/p431.htm     قراءة في تعريف الثقافة والمثقف يمكن العودة لهذا الرابط*

 

*** ويمكن العودة لــ (بعض) مشروعات الثقافة والمثقفين المقدمة في وقت سابق في الروابط الآتية:

http://www.somerian-slates.com/p373.htm

وبالتأكيد توجد مشروعات كبيرة ومهمة أخرى كما في الجهد المميز للجنة السداسية من كبار مثقفينا في هولندا ومنهم الأستاذان خليل شوقي وياسين النصير وجهد البروفيسور عبدالإله الصائغ مع كاتب هذه الأسطر وآخرين من أعلامنا المهمة وجهد جماعة البيان الثقافي ومنهم بروفيسور دكتور كاظم حبيب والأستاذ المؤرخ حامد الحمداني والأستاذ الأديب جاسم المطير والدكتورة كاترين ميخائيل والكاتب يوسف أبو الفوز  وجهد اتحادات الكتاب الكورد والمندائيين والكلدان الآشوريين السريان وجهد اتحاد الكتاب العراقيين في المهجر واتحاد الكتاب العراقيين في السويد ورابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر وجمعية الأكاديميين العراقيين في بريطانيا وفي الولايات المتحدة الأمريكية وعشرات من المنظمات والتشكيلات الثقافية البحتة والشخصيات الثقافية بكل ثقلها وطنيا وأمميا.. يمكن العودة لكل هذه الأصوات ولما توصلت إليه ووضعته من مشروعات.. أليس الأمر، لصادقي النية، سهلا وغير معقد؟ فلماذا نهمل أو نهمِّش كل هذه الأعلام ؟؟

124
الجمعية الهولندية لأساتذة اللغة العربية
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أستاذ الأدب العربي الحديث والنقد الأدبي
tayseer54@hotmail.com

يوجد في هولندا واحدة من أكبر المكتبات العالمية التي تضم أبرز المخطوطات العربية فضلا عن أبرز الدراسات الاستشراقية وتلك التي تخص دراسة علوم العربية وآدابها، حتى أنَّ أبرز الجامعات الهولندية تضمن اليوم أقساما مستقلة متخصصة لتدريس العربية وعلومها وآدابها كما في جامعة لايدن، أوترخت، ماسترخت، نايميخن، أمستردام، أمستردام الحرة وخروننغن إلى جانب عشرات المعاهد العليا التي تختص بالعربية...
وفي إطار مثل هذا النشاط الواسع الحافل بالحيوية يوجد عشرات بل مئات من الأكاديميين والأساتذة الذين يُعنون بتدريس العربية وآدابها في مستوييها الجامعي الأولي والعالي فضلا عن مئات من الكوادر المؤهلة والمعلمين على المستوى المدرسي... وبعض هؤلاء من الهولنديين الأصائل وبعضهم من الهولنديين من أصول أخرى، كالمغاربة والترك والعراقيين والمصريين وغيرهم...
ومثل هذا الحجم النوعي المميز ما زال من دون جمعية تنظم أمورهم وتهتم بأنشطتهم وبالدفاع عن مصالحهم وعن تفعيل أدوارهم في الحياة العامة بما يعود بالفائدة على حال التفاعل الإيجابي بين الناطقين بالعربية ومجتمعهم الهولندي الجديد.. وهؤلاء يمثلون حوالي المليونين بين الـ 16 مليون هولندي (أي حوالي 12% من الهولنديين). إنَّ تعزيز الاهتمام باللغات الأم للهولنديين الجدد يعني تفعيلا لمبدأ احترام الآخر الديموقراطي وتعزيزا لمبدأ تعدد الثقافات وتفعيلا له بما يفيد تطوير الذهنية المتفتحة المتنورة وبما يدخل في توطيد الثقة بين مكونات المجتمع الهولندي ويتيح التعاطي البنّاء مع الآخر...
وفي ظروف المتغيرات الدولية وظواهر التطرف وآثاره في تشنج بعض العلاقات سيكون لوجود أية أنشطة متعددة الثقافات توطيدا لتفاعل إيجابي ووقفا للذرائع التي قد يدعيها بعض الأنفار في محاولاتهم توتير الأجواء. وسيكون لوجود الجمعية هذه أثرها في تفعيل التنافس العلمي وتشجيع البحوث المعرفية التخصصية والارتقاء بحجم العلاقات الثقافية داخل المجتمع الهولندي وبينه وبين المجتمعات الأخرى في زمن عولمة الثقافة وتعمق الاتصالات بين الشعوب وبين ثقافاتها...
لقد ظهرت جمعية أساتذة علوم اللغة العربية وآدابها في عدد من البلدان الأقل اهتماما والأقل في حجم وجود  أساتذة تخصص العربية وليس صحيحا تأخر ظهور الجمعية الهولندية لأساتذة علوم اللغة العربية وآدابها وهم بهذا الحجم النوعي ولديهم كل هذا الجمهور ونسبته في الوسط الهولندي.. ومن المفيد لجمهرة أساتذة اللغة العربية الهولنديين أن يتوجهوا لتأسيس جمعيتهم الهولندية التخصصية رعاية لمصالحهم ولمفردات عملهم الوظيفي والاجتماعي الثقافي...
إذ من اهتمامات الجمعية عقد الصلات بين الأساتذة وتبادلهم الخبرات والتعرف إلى همومهم وانشغالاتهم واقتراح الحلول المساعدة لمعالجة ما قد يظهر بينهم كالبطالة أو الحاجة لمصادر بحوثهم العلمية واقتراح الحلول المناسبة لها واحتمال الإفادة من إصدار دورية أكاديمية محكَّمة لدراستهم على المستوى الهولندي وتفاعل تجاريبهم مع التجاريب الموجودة في البلدان الأخرى من الجمعيات النظيرة أو في إطار أنشطة الجامعات في البلدان الشرق ا,سطية العربية أو التي تهتم بتدريس العربية كالمؤتمرات التخصصية العلمية والدورات والمشروعات المنعقدة وبرامجها..
إنَّ مقترحي هذا يمكنه أن يكون مطبقا واقعيا بالدعوة لمؤتمر ينعقد برعاية إحدى الجامعات أو الجهات الداعمة للأنشطة الثقافية الاجتماعية الرسمية هنا في هولندا.. ويمكن لتشكيل لجنة تحضيرية أن تنهض بمهمة الإعداد والتحضير وتوفير الغطاء أو الدعم المناسب علما أن مشروع النظام الأساس للجمعية وبرامجها العلمية يمكن إرساله لمزيد من الدراسة وتفاعل الآراء قبل إقراره في المؤتمر التأسيسي المنتظر...
 
يرجى مراسلتي على إيميلي الشخصي:                         tayseer54@hotmail.com

125
في يوم الشهيد الآشوري: سِفْر الإبادة ومنطق الرد المنصف؟

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي عراقي \ ناشط في مجال حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

السابع من آب 2008 يوم الشهيد الآشوري


 

على وفق منطق الزمن الغابر دارت رحى مطحنة بشرية معاصرة بحق عديد من شعوب المنطقة.. وبعد أن كانت تلك الشعوب هي التي شادت البلاد ومدنها وزرعت قراها وأعلَت راية حضارتها صارت بعد جرائم هولوكوست دموية متكررة مجرد [أقلية!] بمنطق عنصريي اليوم. ويزيد [العنصريون] إيغالا بحرمان شعب عريق من بقايا فتات حقوقه، ممعنين في استلابه حتى من حقه في الحياة.. ومن هنا كان ما جرى بعد المتغيرات التي جاءت مع سنابك خيول الجزريين وراياتهم الدينية [قديما] ومع رصاصات وخناجر الغدر وإرهابها في سُميل ثلاثينات القرن الماضي ومع كل المحاولات التالية لإذابة وجود الشعب ومحوه في دوامات محيطه وعلى أرض قراه ومدنه..

وإذ تمَّ إشهار يوم الشهيد الآشوري، فإنَّ ذلك جاء تمسكا بقيمة دم الشهيد وحرمته المستباحة ومحاولة لوقف نزيف الدم الآشوري وهو آخر ما تبقى مما يمتلكه شعب معروف ببطولاته وبمكانته في إعلاء المعارف والعلوم وإشادة ثقافة عريقة وحضارة مجيدة يجري اليوم محاولة طمسها ومحو آثارها بإزالة الكنائس والمكتبات والرُّقُم والآثار الباقية وتهجير أبناء هذا الشعب وتشريده في ميادين وطنه الذي بناه بتضحيات أبنائه وفي أفضل الأحوال يجري عدّ أبناء هذا الشعب العريق أقلية يـُتثاقل من وجودها ويـُتعجب من مطالبها!!

في يوم الشهيد الآشوري [مثلما يدعو الجميع] يدعوني الإنصاف أن أتحدث عن كل تلك الجرائم التاريخية المتصلة المستمرة بحق بُناة عراق الجذور وهم أنفسهم الذين يطبعون العراق الحديث بسمة التنوع والتعددية وهي سمته الرئيسة اليوم حاضرا وليس في بطون الكتب الغابرة. ويدعوني الحق أن أقول: إنَّ منطق الرد على سِفر الإبادة التاريخية منها القديمة والمعاصرة لا يكون إلا بإنصاف هذا الشعب العريق حقه.. وذلكم ليس تمننا أو تعطفا أو حسنة أو صدقة من أحد.. بل هو منطق العدل الإنساني في المساواة والإخاء؛ ولا يمكن لمنطق عادل النظر لشعب بتعالِ ِ وفوقية وعنجهية حتى لو جاء ذلك من منطلق الحجم السكاني العددي الذي كانت ظروف الجريمة (جريمة الهولوكوست) هي السبب الحقيقي وراءه...

ومعروف أن الآشوريين إذا ما بحثنا عن حجمهم العددي ينتشرون في بقاع الأرض بما (يكاد) يعادل حجم الشعب العراقي بمكوناته كافة وهذا الشتات للشعب الآشوري لم يأتِ من محبة الـ14 مليون آشوري في التغرب وهو الشعب المتعلق بأرضه ووطنه ولكنه جاء من جريمة مطاردة واستلاب ومصادرة لا للقرى والقصبات والمدن بل ولحيوات الناس.. وبشاعة مجزرة سميل ما زالت حية ودماء الشهداء ما زالت طرية تروي أرض وطن الآشوريين..

في يوم الشهيد الآشوري لا نلتقي لنتبادل العزاءات ومشاعر الأسى والحزن ولكننا نقف أمام واجب مكين في الأنفس يتحدث عن آليات إعادة الحقوق وإنصاف الأحياء بوقف دوران مطحنة الإبادة الوحشية وتدوير عجلات العلاقات الأخوية التي أسس لها الآشوريون عندما كانت دولتهم هي حاضرة مجد العراقيين لسنوات من الخير والزهو والرفاه...

ومن أجل ذلك فإنني لأرجو أن يأتي يوم الشهيد في سنة قابلة وقد شرعنا بوضع الحلول المكينة الراسخة متمثلة بـ:

1.      داخليا للشعب العريق أن ينتهي من إشكالية الانقسامات التي لا تنتسب لوجوده الواحد شعبا عريقا ولكنها تنتسب لما لحق به عبر مراحل صراعه مع أعدائه الذين عملوا على استغلال سمات التنوع والتعدد في كل ما يتعلق بالفكر وتـَنقـّلِ عواصم حواضر هذا الشعب ومراكز ثقافته واقتصاده وإدارته وباللعب على وتر التعدد الكنسي والاعتقاد المذهبي الديني وبالمنتهى بالعزف على وتر التسميات تثبيتا لمحاولات تمزيق الشعب وتقسيمه وتشظيته.. وعليه فسيكون الردّ داخليا يكمن بإعلاء كلمة الوحدة والبحث عن حل لابد سيظهر يوما وحتى يأتي الحل يلزم تبادل التفاعل الإيجابي والاعتراف بجميع الأطراف والمكونات الاجتماعية والدينية المذهبية وبالتيارات الفكرية المتنوعة.. وذلكم تأسيس لحق الكلدان الآشوريين السريان في توكيد وحدة وجودهم وفي تجسيد ذلك ودائما تبقى الوحدة أمتن وأغنى بثراء تنوع كينونتها...

2.      على أن الأمر لا يقف بحدود الدولة العراقية الحديثة وإنما ينبغي لكل آشوري أن يعرف أين يمتد وجوده هنا في بلدان الشرق وحتى منتهى مغارب بلدان الشتات.. ما يتطلب البحث عميقا في محاولات الحل الجدية بما يعود على الشعب بوقف استلابه ومصادرته ومحاصرته وبتعزيز معنى وجوده تاريخيا وانعكاس ذلك جغرافيا على الأرض حيث الحياة الإنسانية الحقة بكل آلامها ومعاناتها وأوصاب الناس فيها وإشراقات حركتهم ووجودهم وعطائهم.. ومن هذا الوجود ستنعكس قوة مفيدة بالخير على جميع الأطراف المترامية للشعب...

3.      أما بالتفاعل مع موقف الآخر من جميع مكونات الوجود العراقي المعاصر (من غير الآشوريين) فيمكن تثبيت الحقوق واضحةَ َ معلنةَ َ صريحة عبر دراسة مطالب ثابتة وعادلة تقرأ المشكل المعضل بكل حيثياته سواء منها تلك المتعلقة بتعويض هذا الشعب العريق عما لحقه من تضحيات بشرية ومادية وحماية ممتلكاته لحين استتباب الأمور وعودة النازحين والمهجرين والمذابة قراهم ومدنهم لأية جهة... وتتحمل الجهات الرسمية العراقية وكل أطراف العلاقة مسؤولية وقف عمليات الإذابة والطحن بالتهجير القسري أو بالتعرض لحيوات الناس وتصفيات جسدية همجية تطاول أبناء الشعب فضلا عن عمليات الهدم والتخريب والمصادرة وغيرها...

4.      ويلزم على المدى الاستراتيجي أن تجري مراجعة الدستور العراقي لإدخال تعديلات على طريقة تكوين البرلمان العراقي بين جناحين يتكون منهما البرلمان هما مجلس وطني مباشر الانتخاب على المستوى الوطني ومجلس اتحادي للقوميات يتشكل من نسب متساوية أو متقاربة ومن المجلسين تأكيدا يتركب البرلمان العراقي ويمكن بعد إقرار الرؤية هذه التي تنصف مكونات العراق وأطيافه أن يجري الحديث عن الأرقام والحسابات المناسبة للتطبيق وبعيدا عن اختزال العراق بين الأغلبيات المكونة (الثلاثة!)... كما يلزم اليوم قبل الغد إدخال وزارة المجموعات القومية والدينية وفورا لأنها الجهة التي ستتابع بوضوح مجريات جريمة إبادة جارية يوميا في بلاد طغت عليها لغة الدم والحرائق والحروب العبثية.. ولا مجال لمسؤول أن يتردد في التعاطي مع هذه الحقيقة لأنها لا تحتمل التأجيل... إذ هل يصح أن تخضع حياة إنسان للبحث في أولويات مع ماديات عبثية مهما علا ثمنها وما بالنا عندما يتعلق الأمر ليس بحياة فرد بل بحيوات أبناء الشعب الآشوري ومجموع القوميات التي شادت جذور العراق ولا تحصد اليوم إلا مزيدا من الطحن...!!!

 

في يوم الشهيد الآشوري نستذكر كل أخت وأخ في الوطن وفي الإنسانية لنصلي له ممجدين دمه الزكي الطاهر الذي ارتوت منه أرض كانت مهد الحضارة البابلية الكلدانية الآشورية وستبقى لتعيد هذا المجد لأنه بغير إنصاف وعدل لا قائمة لعراق الهدوء والاستقرار والسلم والديموقراطية.. فهذي كلها سمات تحضـّر إنساني وتمدن بشري لا تستقيم الأمور فيه بوجود مظلوم مغتصَب الحق فكيف إذا ما استمرت جريمة التطهير العرقي!!

لقد صحا الآشوري صبيحة جريمة الغدر في سميل فاقدا خيرة رجاله من أبناء شعبنا وفاقدا هويته التي حاولوا طمسها بتغيير الأسماء وتشتيت الأبناء والنساء وسبيهم وصحا في السنوات الخمس الأخيرة على جريمة إبادة جماعية أخرى ومحو لقراه ومدنه وبيوته فهل سنصحو بعد حين وقد قبلنا صاغرين بمحوهم من الوجود! ونقول بعد ذلك حسبنا الله ونعم الوكيل متوقعين خيرا لأحد بسكوته على الجريمة منتظرا غفران إلهيا متوهما...

أيها العراقيون، كونوا يدا واحدة بيد أخوتكم في الوطن والتاريخ والجغرافيا.. أخوتنا اليوم وغدا، هم جمال صدورنا في المحبة وهم سداد عقولنا في الحكمة.. فبغير أخوتنا من الشعب الكلداني الآشوري السرياني لا نكون بحق لا عراقيين ولا نمتلك إنسانية صادقة نستحقها في حياة حرة كريمة نحياها...

 

وبعد، فلا عزاء للشهداء فــ هُم أحياء بيننا يَخِزون الضمائر كي لا تصمت وكي لا تنسى ولنكن سويا بلا معادلات الأرقام وحسابات التضليل لأغلبية باغية وأقلية مهضومة فنحن سواء في الحقوق الإنسانية لأننا سواء في الوجود البشري... وليعلو الخير ولتسمو قيم المحبة والسلام فلعلنا نعيد بعض حقوق منهوبة ثمنها دماؤنا جميعا ونهرها الواحد هو وجودنا العراقي....

ومحبة لكل من نطق بخطاب التصالح والتسامح وعلى أرض العراق السلام يوم نطمِّن أرواح ضحايانا  فتنام وادعة بإقرار الحق والعدل.

 

126
المعهد الأوروبي العالي لدراسات العربية

ودور اللغة العربية في بناء جسور الحوار والعلاقات البناءة مع شعوب أوروبا والعالم

 

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

الأول من تموز يوليو 2008

tayseer54@hotmail.com


 

تحظى اللغةُ العربيةُ اليوم بمكانةِ ِ متميزةِ ِ مهمةِ ِ في عالمِ ِ تتزايدُ فيهِ الرغبة ُ في التوجهِ إلى تعميقِ الاتصال وفهم الآخر ودراسته بعمقِ ِ وعن كثب.. ومن هنا يرصد المتخصصون حالة تعاظم الاهتمام بدراسة اللغة العربية من الأوروبيين وغيرهم.. مثلما يرصدون اهتماما جديا من أبناء الجاليات العربية وأبناء الجاليات الأخرى بقضية تعلّم العربية بكل ما تنطوي عليه من أهداف متنوعة مختلفة..

وبعد إجراء عدد من الدراسات بتؤدة وموضوعية وبخطوات ثابتة [عمليا منذ مطلع العام 2007]، تمَّ الانتهاء من  خطة عمل لمؤسسة متخصصة واتخاذ عدد من خطوات استكمال إنشائها بمسمى: "المعهد الأوروبي العالي لدراسات العربية" الذي سيعمل على تدريس اللغة العربية لمجموع الراغبين في تعلّمها وفي تطوير استخدامها في شؤون الحياة اليومية وتفاصيلها الرسمية وغير الرسمية..

يركز المعهد الأوروبي لدراسات العربية جهوده على تفعيل الدراسات البحثية في مجال علوم اللغة العربية وآدابها؛  ومن ذلك، اللقاء المكين مع المكتبة الأوروبية الثرة  بكنوز المخطوطات والأعمال والآثار العربية وإيجاد ميدان للحوار العلمي الموضوعي والتنويري مع الخطاب المعاصر للاستشراق والمستشرقين ومساعدتهم على تحسين لغتهم بحسب الحاجات والتوجهات المطلوبة.. وبالتأكيد فإن المعهد يسعى لتعليم تأسيسي للأبجدية العربية بمستوياتها الابتدائية الأولى وتوجيه الاهتمام الكافي بتفرعاته الأكاديمية النظرية والأدائية العملية لهذا المستوى التأسيسي لمختلف الفئات العمرية...  هذا إلى جانب تقديم الاستشارات والخبرات المطلوبة لجميع أقسام علوم اللغة العربية في الجامعات بخاصة منها الوليدة حديثا... وبهذا الخصوص لابد من الإشارة إلى أن بعض التجاريب الجامعية قد قصَّرت في منح الاهتمام الوافي للغة العربية وأقسامها العلمية على الرغم من كل الجهود المميزة لعلماء العربية وأساتذتها من أجل تفعيل تلك الأقسام ودراساتها...

وبعامة سيعمل المعهد التخصصي على محاولة تلبية مطالب جميع الجهات المعنية باللغة العربية في دول الاتحاد الأوروبي من جهة التقويم والدراسات وإجراء البحوث التخصصية المناسبة فضلا عن توفير الكوادر العلمية المتخصصة من أجل دعم  مختلف عمليات التدريس والبحث والاستشارة العلمية والمشاركة في لجان المناقشة والتقويم للكتب والتصحيح اللغوي التخصصي وملحقاته..

وسيجري المعهد الأوروبي لدراسات العربية مؤتمراته العلمية الموسعة بمشاركة كبار المعنيين باللغة العربية من ممثلي هذه اللغة الحية  من البلدان العربية والإسلامية إلى جانب  ممثلي العربية من الناطقين بها وغيرهم في البلدان الأوروبية لتدارس آفاق العربية ودورها في التنمية وفي عقد الصلات الحية التي تطبّع  أفضل العلائق بين الشعوب والمؤسسات الرسمية من جميع الأطراف وتساهم في بناء جسور الثقة والعلاقات الإيجابية البناءة حيث سيُعلن في فرصة مناسبة عن تفاصيل المؤتمر العلمي الأول بالخصوص...

إنَّ  وضوح وتعاظم الاهتمام باللغة العربية من جهة الحجم السكاني الكبير للناطقين بها ولدورهم في الحياة الإنسانية المعاصرة بخاصة من جهة ما يمثلون من بلدان انطلقت منها ثقافات عريقة بجذورها الحضارية بل جسدت تراث الإنسانية والناقل لنور المعارف في القرون الوسطى، إنَّ ذلك يمكن تلمسه في افتتاح الدول الكبرى لفضائيات ناطقة بالعربية فضلا عن الصحف والدوريات الدولية المعروفة كما هي الحال في دول كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا وألمانيا فضلا عن عدد مهم آخر من أنشطة الاتصال والعلاقات لعدد كبير من الدول التي تستخدم العربية لغة لها...

ومثل هذا التوجه لم يأتِ من فراغ بل جاء بناء على تعاطي هذه الدول مع واقع مهم لدور هذه اللغة الحية ولمكانة أبنائها وأدوارهم المستقبلية في مسيرة البشرية ليس من جهة الاقتصاد حسب بل ومن مختلف الدوافع المشجعة الأخرى على التعامل بهذي اللغة. ومن الطبيعي أن تكون الحوارات بين الشرق  والغرب في إطار تعدد الثقافات وتنوع مرجعياتها وألوان تعبيرها دافعا حيويا للاهتمام بالعربية...

وبمقابل هذا التوجه الجديد من الجهات الدولية صاحبة القرار في عصرنا لا نجد فاعلية جدية مناسبة ترقى لمثل هذا التعاطي من جانب الناطقين بلغة الضاد أو أنهم ربما تلكأت حال تفاعلاتهم مع الآخر؛ وأول هذا الآخر [الذي نمثله نحن الناطقين بالعربية المتحدرين من أصلابها]، أوله الاهتمام الصحي الصحيح برعاية تعليم العربية لأبناء الجاليات العربية التي صار تعدادها الفعلي اليوم في أوروبا يُحصى بالملايين ومن الخسارة أن يفقد أبناء هذه الجاليات أداة مهمة لارتباطهم بجذورهم الحضارية ليكونوا خير سفير للقاء الثقافي المتمدن المتحضر مع محيط عيشهم الجديد وليتفاعلوا مع هذا المحيط بطريقة موضوعية بناءة تتبادل التأثير إيجابيا بين الطرفين... إذ سيكون من المفيد نفسيا وبنيويا للشخصية المهاجرة لأبناء الجاليات [العربية] أن تمتلك أول مفاتيح خلفية التفاعل البناء والتعاطي مع الآخر بموضوعية وصواب علائق ناجعة؛ لا تضيع فيها الشخصية بطريقة الإلغاء لقيمة ثقافية وإحلال بدائل بآلية التحطيم وإشادة ستظهر مشوهة نتيجة مثل هذا الإلغاء للعربية...

من هنا ينبغي أن نبني توجهنا الاستراتيجي لتعزيز تعليم العربية وتفعيل التعاطي معها بعيدا عن حدود الأغراض الفردية والمستهدفات قصيرة النظر بخاصة منها تلك المرتبطة بحجم الماديات الرخيصة.. في وقت تمضي قاطرة الصراعات المعاصرة مؤشِّرة حال اندفاع دولي يكاد فيه أن تطغى خطابات خطيرة النتائج إذا ما أغفلنا القراءة بعيدة النظر لعواقبها.

والعربية من قبل ليست مجرد لغة يومية لتفاصيل أداءات العيش العادي بل هي حاضنة تراث لا يمكننا إلا أن نؤكد حجمه النوعي في تشكيل المعارف والعلوم ومنطقهما العقلي التنويري طوال قرون ممتدة، الأمر الذي نحن بحاجة إليه لاستنهاض الهمم ولاستعادة المبادرة من أجل يومنا ومطالبه وغدنا الأفضل ومستلزمات تحقيقه.. ولسنا نجد فردا ضعيفا بما يملك من ثروة لغوية يمكنه أن يستقرئ ويُعمِل الفكر بطريقة صائبة؛ إذ من أكيد الأمور أن الإنسان يملك من الثروة المعجمية وصحيح اللغة بمقدار نشاطه العقلي وتصبح رؤيته أقصر من أرنبة أنفه حيثما فقد تلك الثروة [اللغوية المعجمية] واضمحل نشاطه العقلي ليكون أميا أمية حضارية فضلا عن الأمية الأبجدية وربما المعرفية...

ولعل سعينا إلى تبني قيمنا والتمسك بحميد أمورنا وخصالنا لا يمكنه أن يرتقي درجة في سلم مسيرتنا من دون أن نفكر في احتفاظ جدي مسؤول بلغتنا وليس صحيحا أن نغفل ملايين من أبناء الجاليات يخسرون يوميا من معجمهم بدلا من أن يضبفوا إليه ويطوروا فينتفعوا من تلك اللغة ما يساعد على توفير فرص لكي يفيد بعض من هؤلاء دولهم الأم وشعوب تلك الدول يوما، عبر أشكال من العلاقات البناءة الغنية الممكنة أو المؤملة..

وفي هذا الإطار فإنَّ الفائدة من تعليم العربية ستكون مشتركة متبادلة للدول العربية وللدول المضيِّفة [دول المهجر]... ولعل بعض هذه الفائدة تكمن في طبيعة العلاقات الإيجابية بين ثقافتين وفي تعزيز خطاب التنوع والتعددية واحترامه بمنطق ديموقراطي يتعزز بتعزز وجود تلك الثقافات والارتقاء بها... من هنا سيكون مفيدا أن تتفاعل الأطراف المعنية في دعم هذه التجربة بوصفها عملا مؤسساتيا استراتيجيا بعيدا في نتائجه...

حيث سيكون مفيدا تنسيق العمل بين هذا المركز الأوروبي البحثي والتعليمي من جهة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي المعنية بتعدد الثقافات وشؤون التعليم وأنشطة العلاقات والحوار؛ وكذلك سيكون مهما أن تتصدى جامعة الدول العربية ومؤسساتها المعنية لدعم المشروع الاستراتيجي والتعاطي معه بعيدا عن حدود التجاريب الجامعية الموجودة بوصفها تجاريب أما تحددت بالشأن التعليمي البحت وأما اتسمت بسمة لا تمثل اللغة العربية فيها إلا بعدا هامشيا أو ثانويا في أفضل الأحوال ما يحاصر مساهمتها المؤملة ويلغي دورها في الفعل والتأثير أو أن تلك التجاريب الجامعية وقعت في إسار قصور التجربة والالتفات إلى أولويات أخرى تخص فلسفة "الجامعة" وتصوراتها ومستهدفاتها الخاصة...

وسيكون معنيا بالأمر مجموع المؤسسات الرسمية العربية وممثلياتها الرسمية والشعبية لكي ترفع راية توحيد الجهود ودعم التوجه كونه يشكل سابقة معرفية ذات أهداف عليا في الارتقاء بخدمة أبناء الجاليات العربية ومن ثمّ الشعوب العربية ومجموع شعوب الاتحاد الأوروبي... حيث يمثل المشروع استراتيجيا بوابة جديدة للقاء الحضاري بعد قرون من لقاء فاعل لأبناء العربية  كاد يضمحل وينتهي بعد ابن رشد ونظرائه حتى يومنا هذا...

لندفع باتجاه تحول الحلم إلى حقيقة واقعة وأن نمضي بجهودنا اليوم قبل الغد وقبل تراكم حجم الخسارة والفقد حتى يبلغ مبلغا لا علاج له... ولنشرع بجهود البناء سويا حيث هذا المشروع يؤكد العلاقات المشتركة وتعاضده وتعاونه مع جميع الأطراف ولا يقبل أن يوضع بأي شكل من الأشكال ضد أي طرف... وبورك في خير عمل مؤسساتي مشترك يُعلي من شأن التنوير العقلي في زمن تتراجع فيه الأمور ليسود مشهد قاتم وعتمة بل ظلمة إذا ما تركناها تستفحل ستقضي علينا أبدا. أو أننا نؤكد بوطيد مثابرتنا وعملنا مقدار قوة جذورنا ومتانة شخصيتنا وقدراتها الخلاقة المبدعة...

 

 

 

المهام المطلوبة وتلك الوظيفية المعروضة للخدمة في المعهد الأوروبي العالي لدراسات العربية:

 

 سواء منها التي تُقدَّم بشكل شخصي مباشر أم في إطار المعهد الأوروبي العالي لدراسات علوم اللغة العربية وآدابها (وهو في الحقيقة حتى هذه اللحظة في بدايات التأسيس كمشروع يبحث عن استكمال بنيته للافتتاح في مدة زمنية غير بعيدة)  حيث يمكن للمشروع تلبية المهام والمسؤوليات الأكاديمية العلمية الآتية:

 

أ‌.                              التدريس الجامعي في مجالات: علوم اللغة العربية وآدابها وبعض المجالات القريبة وذات العلاقة المباشرة بدراسات العربية...  مثال: الأدب العربي القديم والوسيط  والحديث، النقد الأدبي، نظرية الأدب والأنواع الأدبية، المذاهب الأدبية، الأدب المسرحي،  اللغة والإعلام والتحرير الصحفي...

 

ب‌.                       تقديم المساهمة الفعلية أو الاستشارات في مجال تدريس علوم اللغة العربية وآدابها...

 

ت‌.                       تقديم المساهمة الفعلية أو الاستشارات في مجالات التحرير الصحفي \الإعلامي..

 

ث‌.                       تقويم الكتب والبحوث العلمية في مجال التخصص للجامعات والمعاهد العلمية والدوريات والمجلات المحكَّمة...  ومساعدة دور النشر في جهد التقويم والمراجعة..

 

ج‌.                         التصحيح اللغوي للمواد بشكل عاجل أو آجل... وتدقيق الوثائق والمستندات ومراجعتها اللغوية المعجمية والاصطلاحية...

 

ح‌.                         تنظيم دورات تخصصية في مجالي تعليم العربية والإعلام [التلفزة والإذاعة والصحافة] وتطوير الأداء اللغوي فيهما للمراسلين والمحررين والمذيعين وغيرهم..

 

خ‌.                         تنظيم دورات في الكتابة الدرامية وتحديدا منها المسرحية...

 

د‌.                            تدريس اللغة العربية  [يمكن الأداء عبر الإنترنت في غرفة بالتالك مخصوصة وفي المقر بهولندا] وبمنهج عمل ومتابعة مناسبة لتعلّم مهارات الكتابة والإملاء والقواعد النحوية والأسلوبية للغة... ومن ذلك تعليم العربية لغير الناطقين بها للذين يتكلمون الأنجليزية أو الهولندية...

 

ذ‌.                            التدريب والمساعدة على تفهّم كيفية كتابة البحوث العلمية في الجامعات لمراحل البكلوريوس والدراسات العليا ولمراكز البحوث والمعاهد العلمية...

 

ر‌.                          عقد المؤتمرات العلمية وتنظيم اللقاءات والحوارات التخصصية بشأن دور اللغة العربية في الحياة العامة المعاصرة... بخاصة من ذلك في أوروبا اليوم.

 

ز‌.                          المجلة العلمية.... النشرة الدورية وتعنى بمتابعة كل ما يتعلق بالعربية في أوروبا...

 

س‌.                      الطباعة والنشر بالعربية أوروبيا... والتوثيق للمنتج العربي هنا. ولتوزيعه على طالبيه

 

ش‌.                      معرض الكتاب العربي في أوروبا.

 

http://www.somerian-slates.com

 

127
مدرسة اليسار العراقي الصحفية: التراث المجيد ورحلة التطور والتجديد ؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان

31\07\2008

tayseer54@hotmail.com


كلمة للاحتفالية ولصانعيها المحتفلين علنا اليوم في بغداد


 

اليوم الحادي والثلاثين من تموز يوليو 2008 هو العيد الثالث والسبعين الذي يُحتفَل به عيدا لصحافة اليسار الديموقراطي في العراق.. مؤرِّخا لصدور جريدة كفاح الشعب التي أعقبها صدور عدد آخر من الصحف والدوريات الأسبوعية والشهرية من مثل الشرارة والقاعدة واتحاد الشعب وخيرا طريق الشعب التي مرّ على صدورها حوالي الأربعة عقود ونصف. ولقد مثلت صحافة الحزب الشيوعي العراقي ما هو أكبر من المدرسة الصحفية التقليدية المحكومة بقوانين التعبير اللغوي وخطاب الإعلام القائم على صناعة الخبر أو الحدث الصحفي بطريقة الإثارة والجذب.. بل فارقت هذه الفلسفة الصحفية لتقدم وسائلها في جذب جمهورها النوعي والعام...

لقد وزَّعت تلك الصحف نسخا أكبر مما وزعت الصحف العلنية أمام تلك التي صدرت سرية وحققت الصحف العلنية انتشارا واسعا أكبر مما حققته أية جريدة أخرى على الرغم من طبيعة الظروف المحيطة من عقبات ومطاردة وحرب شعواء ضدها وضد محرريها والعاملين فيها... أما سرّ هذا الانتشار المميز فلا يكمن في الإثارة ولكنه يكمن في العلاقة الودية الصريحة مع جمهورها بسبب اعتماد الحقائق دقيقة شفافة وبسبب من كشف خبايا الضيم والظلم التي تقف وراء تعاسة الجمهور وأشكال استغلالهم...

لقد كانت الصحافة اليسارية مدرسة بكل الخطابات التي تناولتها وعُرِضت على صفحاتها. فقد كانت واضحة سهلة حتى في تقديم القضايا الفكرية المعقدة. إذ مالت إلى البساطة في الأداء وفي الامتناع عن الفذلكة والتقعر وفي استخدام لغة السهل الممتنع لغة تتناسب وأسلوب شعبي جماهيري يحترم الأخلاقيات الإيجابية المتجذرة في الحياة العراقية وإعلاء ذياك الإرث المعرفي الذي حفظته الذاكرة الشعبية جيلا فجيل مذ وُلِدت المكتبة السومرية في أرض الرافدين... ولقد تجنبت مدرسة الصحافة اليسارية المماحكات وأغلفة التضليل التي تسلفِن المادة بحلوى وهمية كاذبة فقدمت مرارة الواقع مزيحة عنه أستار العتمة فاضحة من يقف وراء ثغراته..

وذهبت صحافة اليسار والديموقراطية إلى حيث المحرومين المظلومين والبائسين فتوجهت إلى المرأة المطوية في نسيانات البيوت ومظالم التقاليد البالية وإلى حيث المرأة التي تحدَّت زمنها وظرفها القاسي المؤلم وخرجت تصارع من أجل تحررها الاقتصادي والاجتماعي ومن أجل دور لها في خيمة العمل السياسي الحر وبيَّنت مظالم الأولى وأعلت من نموذج الثانية. وتحدثت عن ظروف الطلبة والشبيبة والحرمانات والمطالب فيما حافظت بثبات على دفاعها المكين عن قضايا الشغيلة والفلاحين مبيِّنة مواضع الاستلاب والاستغلال والمعالجات..

لقد كان لصحافة اليسار ذكاء تعاملها مع مختلف الموضوعات ولم تتخلَّ عن مطالب الطبقة الوسطى وعن المثقفين والتكنوقراط الأكاديميين وغيرهم كما لم تضع الأمور بيد الاصطراعات العدمية العبثية منتبهة إلى التعامل مع كل ظاهرة بموضوعية ومنطق عقلي متنور.. ورافق كل تلك المواقف الفكرية الصائبة أسلوب عمل وحرفية مهنية صاغت وسائل وصول واتصال بناءة ناجعة، أفادت منها الصحافة العراقية المختلفة.. وهكذا لم يأتِ الإخراج الصحفي وكل مفرداته الفنية التقنية المطلوبة إلا بأسس جدية ترتقي بذائقة القارئ وتتفاعل معها إيجابيا وبروح بناء يوظف أحدث الخبرات الصحفية...

 

إن عامل الإخلاص والقرب من الناس ومن وقائع الأحداث الجارية بقي العامل الأهم في العلاقة مع القارئ. وكانت كل بقية المفردات في خدمة القارئ ذاته وفي الارتقاء بنوعية تلك الخدمة كان الصحفي اليسري ينكب دارسا متمحصا للتجاريب مدخرا المعارف ليخلق تجربته الخاصة ويصبها في الخدمة الصحفية للصحافة اليسارية، كما جرى ذلك دوما في العراق مذ عشرينات القرن الماضي ومذ يوم ولادة "كفاح الشعب" لتسجل تاريخا صار عيدا لصحافة اليسار الديموقراطي وهو العيد الذي يحتفي به العراقيون جميعا بوصفه واحدا من أهم وأبرز أعيادهم الثقافية العريقة..

ولظروف البلاد السياسية والمطاردات الأمنية القمعية ظل أغلب تلك الاحتفالات مختفية تحت الأرض (سرية) يقيمها الناس في بيوتهم وبساتينهم.. ولكنها بين الفينة والأخرى تتحدى التعقيدات لتخرج إلى العلن بحجم الدفق الجماهيري الملتف حول الحركة اليسارية وحول صحافة اليسار الديموقراطي تحديدا حيث هذي الصحافة ما زالت تمثل كلمة السرّ في العلاقة بين الجموع الشعبية وحركة الثقافة والفئات المتعلمة من جهة وبين الناطق باسمهم جميعا وباسم مصالحهم ومطالبهم وتطلعاتهم كافة...

إنَّ جملة وقائع رحلة صحافة اليسار قد تركت إرثا مجيدا على جميع الصُعُد ممثلة أبرز المدارس الصحفية العراقية وأعرقها وأثبتها جمهورا.. وليس من دليل نظري على الأمر بل الدليل هو لهفة الجمهور عبر تلك الرحلة للبحث عن الصحيفة وعلاقته بها حتى في أحلك الظروف ولعل صدور أول صحيفة بعد انعتاق بغداد من سلطة الطاغية واحد من أهم تلك الأدلة ألم تكن صحيفة اليسغار الديموقراطي "طريق الشعب" هي تلك الصحيفة الأولى في الصدور وهي الصحيفة الأقرب إلى الناس تلبي تطلعهم وبحثهم عن الخبر الأصدق وعن المعالجة الأنجع؟ 

غير أن الإرث الأروع للمدارس الصحفية ممثلا في الإرث المجيد لصحف اليسار والديموقراطية لا يمكنه أن يحتفظ بألقه من دون مواصلة مشوار التحديث والتجديد والتطور.. وفي زمن الأنترنت والتكنولوجيا الحديثة ينبغي الاهتمام الجدي الأبعد بالعودة إلى أفضل الخبرات في هذا المجال وإلى التوسع بالطاقات والكوادر المتخصصة التي درست وهضمت تلك الآليات الجديدة لكي تطوعها لجديد الانتاج الصحفي المبدع لهذه المدرسة..

لإنَّ هذه المدرسة الصحفية لا يمكنها المراوحة أو النوم على وسادة التراث المجيد المضمخ بالدم والتضحيات منذ أول شهيد خرَّ صريعا مدافعا عن حرية الكلمة وحق التعبير ومطلب الظرف الآمن لعمل السلطة الرابعة، ويجب لها أن تنتبه إلى ضرورة ابتعاث محرريها لمزيد من الدرس والتقصي مستفيدة من اتساع مجالات التخصص وتعمقها ومن إمكانات معايشة الحدث في لحظته ومكانه عبر أهم عيون المراسلة ممثلة في رفاق حركة اليسار وفي جماهيرهم نفسها وهي تبحث عن صوتها بمكبر صوت مدرسة اليسار الأنسب لأصواتهم...

بقي أن نقول: لنحتفل سويا ولننفتح على الآخر ولنقرأ بجميع الأحرف وكل اللغات تعبيرات التنوع والحريات في زمن الهتاف والحماس لنصرة الديموقراطية بأوسع أشكال وجودها وإذا ما حصل أي تلكؤ في لحظة بعينها تجاه مطاردة متغيرات عصرنا فإنَّ مدرسة اليسار الصحفية ستخسر أهم عنصر امتلكته طوال عمرها متجسِّدا في العلاقة مع محرريها من الكتّاب المتنورين والطاقات والخبرات الممثلة للناس ولأصواتهم الحرة بكل أطيافها وألوانها ومعالجاتها..

ويبدو لي أن احتمال ظهور التكلس والجمود والعيش على الإرث الطيب والذكريات يمكنه أن يطفو في لحظة أو أخرى ولكنه لا يمكن أن يحيا في مدرسة تطرِّي وترطِّب أجواءها باستمرار.. لأنها في وقت تمتلك الخبرات المعرفية تلك كلها تمتلك أيضا سمة الديمومة المستندة إلى التطوير والتحديث والتجديد.. وكما تثبت تجربة الاحتفال بعيد الصحافة اليسارية اليوم فإنَّها تحتفل بعيد ثقافي ولكنه شعبي لا يعزل النخبة من المثقفين والمفكرين والمنظرين عن الحياة العامة بل يندمج الجميع في احتفالية واحدة منسجمة بحق.. وتلك هي البذرة التي دعونا لها طويلا وها هي تتحقق اليوم على هدير موسيقا دبكات الشغيلة والطلبة والشبيبة والنسوة ومجموع الطيف الشعبي والمثقف العراقيين..

ومن هنا فإنَّ خلاصة كلمة احتفال اليوم وحكمته تكمن في الدرس التالي بمقدمة من أرث مجيد وبحث من رحلة سِفر خالد وحاضر يعدّ لغد من التقدم والتطور والتجديد.. ذلكم بعض الدين يرده تلامذة اليوم لأساتذة الأمس ممن نذر نفسه فأوقد مشاعل النور بكل رايات الصحافة الإنسانية الصادقة العراقية الوطنية الأمينة الوفية وتلكم هي بالأمس واليوم وتبقى لغد مشرق صحافة اليسار والديموقراطية ومدرستها العتيدة.

 

128

دعوة للتهدئة والتعامل بفعل الحكمة لا رد فعل التوتر والاحتقان
الناس تتطلع لتوفير الخبز والحرية ولا تقبل بعجالة تخطئ الهدف
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان
31\07\2008
tayseer54@hotmail.com

الدولة هي العراق وتاريخ الولادة المعاصرة هو العام 1921؛ أي مسيرة من عقود تسعة تعاقبت فيها النوائب والشدائد على أبناء وادي الحضارة الرافيدينية بكل مكوناته من شعوب ومجموعات قومية ودينية. وما كان يرتفع دوما هو مطلب الناس في الخبز وفي الانعتاق من نير النهب والاستلاب.. فلطالما جاء إلى سدة الحكم ما لا يملك خبرة إدارة الدولة الحديثة أو طاغية أرعن خاض حربه ضد الشعب قمعا وفتكا دمويا حدَّ ممارسة الإبادة الجماعية وبمختلف أسلحة الدمار والتقتيل.. وباستثناء فرص من الهَبـَّات الشعبية المشرقة ما كان متاحا أو ممكنا تحقيق مطلب شعبي عادل...
وهكذا تمَّ استلاب العراقيين حقوقهم طوال مسيرة الدولة العراقية وتمَّ استباحة الأمور حتى رقاب الناس ومصيرهم بضمن ذلك حصاد رؤوسهم وحيواتهم بلا وازع من ضمير... ولأنَّ الشعب كان يتطلع للحظة الخلاص من حكم الطاغية الأخير وزبانيته فقد جاء زوال هذا المستبد الدموي فرصة للحديث عن احتمال للتحول السلمي باتجاه الاستجابة لمطالب الناس في الحياة الحرة الكريمة..
لكن سرعان ما انقشع غبار معارك القوات الأجنبية على أرض العراق عن مؤسسة دولة وليدة ما زالت تكتنفها عواصف الفساد ومبتدأ الخطو والولادة وفي ضوء هذا راحت قوى بعينها تتحكم في الميدان بأسلحة فتك جديدة ممثلة بفعاليات الإرهاب الدموي البشع الذي لم يترك طرفا لم يَطـَلـْه أو تمتد وسائله الإجرامية إليه.. وصرنا تحت وطأة نير الموت (موت البشر وتقتيلهم) والدمار (دمار الحياة وإزهاقها) والخراب (خراب البيوت وهدمها) وعاثت القوى الإرهابية من كل صنف في البلاد فسادا...
فهل يمكن للناس أن تتحدث عن خبز معجون بغير دماء أطفال جُزَّت رؤوسهم أو دماء صبايا هُتِكت أعراضهنّ؟ وهل يمكن للناس أن تتحدث عن حرية تتوافر على أمن وأمان لثلاث ملايين أرملة وخمسة ملايين يتيما ونصف الشعب تحت خط الفقر وثلثي هذا الشعب عاطلا متبطلا عن كل عمل وتسعة أعشار النخبة المثقفة المتعلمة مهجَّرة منفية وبقايا من سبايا وعبيد فكر المغاور وظلمات الجهل والتخلف... هل وهل وهل؟
إنَّ المطلب اليوم بات بأولوية الخلاص الأخير من سطوة أي استلاب أو استغلال أو نير يكبـِّل الناس ويجرهم إلى سوق النخاسين يسمسرون لبيعهم فإن لم يأتِ الناس بثمن ذبحوهم كخرفان الأضاحي وليس حتى كعجولها ويا بخس ثمن دم العراقي المراق اليوم...!!! إنّ ظروف العراق اليوم ليست كما تصريحات بعضهم من تلك التي تمتلك وقاحة مطاردة المهجَّرين في بلدان اللجوء والتي تتوسل تلك البلدان لإعادتهم إلى (الحضيرة) حيث لن يجد المُعاد المستلب غير سماسرة النخاسة ومقاصل الموت المجاني..
المطلب اليوم ليس بغير أولوية الأمان ورغيف الخبز الخالي من دم الأبناء والبنات والزوجات والأمهات.. اليوم الناس تتظاهر من أجل لقمة العيش والخدمات التي صارت أثرا بعد عين لا يبصرها إلا أصحاب الثروات المنهوبة في ميادين السالوب والناهوب\ السلابة والنهابة\ وقل ما شئت من مصطلحاتِ سرقة قوت الناس..
فهل في هذه الأجواء يحتاج ابن محافظة البصرة بضعة أمتار من العمارة أو الناصرية ليعيش ويستقر وتـُلبى كل مطالبه؟ وهل يحتاج ابن النجف وكربلاء لأمتار من الأنبار والحلة ليحيا ويحقق حرياته وحقوقه؟ وأية مطالب  تحققها أولوية الانشغال بإعادة تعديل [ترسيم!]الحدود الإدارية بين المحافظات؟ وهل يحتاج ابن محافظة عراقية في الجنوب أو الوسط إلى مؤسسات مضافة جديدة بما تأتي بها له مؤسسات تشكيل إقليم من محافظتين أو ثلاثة أو خمسة أو تسعة؟ وماذا تأتي مؤسسات إدارية مضافة من استحداث إقليم أو غيره سوى تشكيلات بيروقراطية تزيد طين الفساد والنهب بلّة؟
ولو توسعنا في الأسئلة وشملنا العراق من ثغره الباسم إلى ربوع كوردستانه المشرقة ومن هوره في أقصى جنوبه إلى جباله الشمّ في أقصى شماله، فماذا ستكون؟ هل ستكون غير لقمة العيش والاستقرار بعيش آمن؟ ألا نشترك جميعا في تطلع واحد وحيد الأولوية هو أن نحيا في دولة المؤسسات التي تمثل الناس ومطالبه وتستجيب لتطلعاته وحقوقه؟ أليس ضيم الشعب اليوم يكمن في الخبز؟ هاتِ لي أية مدينة أو قصبة أو قرية ليست أولوياتها غير دخلها المالي أو رغيف الخبز ولقمة العيش النظيفة...
لقد هبّت الناس تطلب تلك اللقمة ثائرة على الفساد وسرقة ثرواتها في وضح النهار.. ولطالما شهدنا يوميا لغط الشارع وهياجه ضد الاستلاب والاستغلال وها هي الملايين المشردة في شتات الأرض بعض الدليل.. وها هي الملايين المنتفضة الصارخة طلبا لحليب لأطفالها ولخبز لجياعها دليلا آخر والأدلة من البيان والوضوح لا تحتاج فيه لذكر أو تكرار؛ فأولوية اليوم لأي عراقي ليس غير الخبز والأمن..

ولكل إنسان ولكل مسؤول أو زعيم اجتهاد في الحل ولكن لا يملك أحدا من الأناس البسطاء أو من المسؤولين والزعماء أن يصف الواقع بغير حقيقته.. ولا يملك أحدا أن يغير في الأولويات عندما تتعلق بحيوات الناس ومصائرهم، لأنَّ من يقرر الأولوية هنا تحديدا ليس غير واقع الحال لكل هؤلاء الناس مجتمعين.. وصوت الناس والأهالي من  الضحايا لا تنتهي طالما كانوا يأنـّون وجعا وألما مبرحا ليس من خواء معدة ولكن من فجيعة كرامة مستباحة ما بقي ثأر ضحايا الجوع والفساد بلا مجيب...
إنَّ تصريحات عدد من المسؤولين والزعماء اليوم وقرارات بعض هذا البعض صارت طامة تعود على الفقراء استغلالا فاحشا متناميا بقسوته حدّ الاقتلاع أو الثورة.. وصار انقلاب الحقائق وتغيير الأولويات سببا مضافا لمضاعفة الأزمات الخانقة وويلاتها الواقعة على رأس الضحايا الوحيدين (أي الجياع) وهذا بالمناسبة ليس لأنَّ المسؤول خائن أو عميل أو متآمِر أو أي وصف يدخل في خانة الاتهامات المجانية ولكنه في الحقيقة يقع في خانة أخرى تماما.. الأمر الذي يبقى بحاجة لوقفة شجاعة مسؤولة تتحلى بالصبر والحلم والتأني من جميع الأطراف وبمختلف المستويات...ما عادت الأوضاع تقبل مزيدا من التوتير.. وما عادت الأمور تقبل مزيدا من الشحن. ولا يمكن يوما قبول حال وضع العربة أمام الحصان ونريد بعدها للمسيرة أن تمضي... إنَّ المطلوب اليوم قبل الغد مزيدا من التماسك والتعاضد بين جميع العراقيين ومزيدا من قبول الآخر والانفتاح عليه.. وميلا جديا حقيقيا للاحتكام لصوت الواقع وما يفرضه من أولويات  وألا نبدّل الأولويات أو يتعاطى كل طرف مع أولوياته فتتطاحن الأطراف بسبب من اختلاف الأولويات وليس بسبب اختلاف المواقف وهذا يمثل زيتا مجانيا في حرائق تحول التنوع والتعددية المشرقة إلى اختلاف وتقاطع واحتراب أظلم...
 والمطلوب اليوم قبل الغد الاحتكام إلى صوت الناس وما يطلبونه وما تفرضه  حاجاتهم الحياتية الضرورية بأولوياتها  الواجبة.. وصوت الناس يمكن إحصاؤه وتثبيته احتراما لقيمة الصوت الإنساني وتقديسا للاحتكام إليه أما ونحن نقدر أعداد الناس جمعا موحدا وبكل طيف منفردا هكذا بلا دقة واعتمادا على افتراضات وتقديرات وتنافسات لا تحصل حتى مع الحيوانات في البلدان التي تحترم حقوق الناس بل وحقوق الحيوان...
ويوم نُجري الإحصاء ونضبط بناء مؤسساتنا ونطهرها من الفساد ويأتي من ننتخبهم لأداء مهام الدولة يمكننا الحديث عن أولويات أخرى مشتركة ويمكننا أن نتحدث عن تغييرات وانقلابات في مشهد الخريطة الإدارية لكل محافظة ولأي إقليم ويمكن الحديث عن وضع الحقوق المشروعة بما يتفق والعدل والإنصاف وبلا تردد بما يعيد الأوضاع لا إلى سابق عهدها حسب بل إلى خيار الناس جميعا بما يلبي جميع مطالبهم كافة لا يستثني طرفا من المعادلة..
إنَّ استعجال اتخاذ قرار قبل أوانه ووضعه في أولوية لا يقبلها الواقع.. أو استعجال اتخاذ قرار قبل إنضاج الظروف اللازمة لتطبيقه واستعجال أو استباق اتخاذ القرار من طرف واحد من دون تقدير ظروف الأطراف الشريكة الأخرى وأخذ رؤيتها. واتخاذ قرار بطريقة لا تعود للشرعية الدستورية من أي طرف كان سيُدخل البلاد والعباد في أتون مشكلات وتعقيدات لها أول ولكن ليس لها آخر سوى مزيد من الخسائر والتضحيات  والمشكلة الأبعد تعقيدا هي أن نجد أنفسنا جميعا بمجابهة مع طرف يتخذ قرارا بطريقة الحسم بقوة الأمر الواقع والسلاح والعنف معتقدا أن هذا سيفضي إلى الحل وبهذا الخروج على الدستور وبهذه الإحادية في اتخاذ القرار وبمنطق القوة والعنف المتخذ في ضوئه سندفع الآخرين لمنطق مشابه وإلى ردود فعل سلبية مقابلة ولا نحن نحقق هدف العدل ولا جميعنا سيهدأ له بال فيما الضحايا في ازدياد...
وفضلا عن ذلك فـــ ردّ الحكمة يقول: إنَّ أولوية الواقع تكمن في حاجات الناس وتلبية مطالبهم الحياتية أولا وليس في استعجال التوجه لكيانِ ِ أو البحث في الحدود الإدارية للكيان والأرض في النهاية ليست ملكا لا لفرد ولا لمجموعة بل لمحددات تاريخية وجغرافية سياسية تعيّنها الوقائع وتقرها الأجيال في كل مرحلة على وفق ما تراه مناسبا للجيل الذي يحيا وللأجيال التالية ولا مطلقات في الحياة سوى مصلحة الإنسان نفسه وحياته التي لا يملك أن يقرر مصيرها أحد غيره. وقضية العجالة واستباق نضج الظروف الملائمة ليست بحاجة لشرح أمام أي منطق عقلي متنور وصحيح في أية قضية أو إشكالية. أما الانفراد بقرار في وقت يوجد في قضية أطراف أخرى فلا يمكن لمنطق صحي صائب أن يقبله. وليس لاستخدام منطق القوة والعنف حاجة لكي يبحث إنسان في خطيئتها ومجانبتها الصواب..
إن المطلوب في عراق اليوم يكمن في عودة جدية سريعة لطاولة التفاوض برحابة صدر وانفتاح حقيقي على الآخر وتشكيل حكومة وحدة وطنية عمادها الخبراء والتكنوقراط يساعدها في رسم الأولويات والخطط والبرامج مجلس استشاري وطني من مئات من المتخصصين في مختلف مناحي الحياة على أن يجري بناء مؤسسات الدولة في ضوء تعديل دستوري عميق يضمن حقوق الأطياف العراقية كافة ولا يتعاطى مع القضية بتهميش أو تغاض وإهمال كما كان يجري دوما ولطالما تكرر اقتراح بناء برلمان من جناحين يضمهما هما الوطني والاتحادي تتمثل فيه جميع المكونات القومية والدينية بنسب متساوية وعادلة  وأن توجد وزارة القوميات مع استجابة لإعادة النظر في مجمل المسيرة ووقف لسباق المصالح الفئوية والحزبية الضيقة...
لا مجال لاستقرار أو حل جذري وإعادة الحق لأهله في ظل تجاذبات وصراعات تستغل منطق الفرض والإكراه حتى عندما يتعلق الأمر بالحصول على حق من الحقوق... لنمضِ سويا ومعا وبلا صراعات بل بأعمق تلاحم حيث جميعنا أبناء وطن واحد وروح إنساني واحد وأهداف تحقق للجميع مطالبهم فتعود بالخير علينا سويا ولا تنتقص من حق طيف أو طرف قدر أنملة لا في ثروة ولا في في أرض ولا في أيّ أمر.. فهلا توجهنا إلى حوار يحقق ما نصبو إليه جميعا وبأولويات ومنطق يتعاطى مع العراقيين ومصالحهم وحقوقهم وتطلعاتهم أولا وآخرا..



















129

أية سياسة نريد في واقعنا الراهن؟
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان
30\07\2008
tayseer54@hotmail.com

 
حساسيات وتخوين وانعدام ثقة وانفعالات فردانية ذاتية فيما يخص أمور موضوعية؛ كل هذا يجري في خلفية بعض مظاهر العلاقات بين شخصيات فاعلة وكذلك قوى وأحزاب وحركات سياسية. وقد يكون بعض هذا عائد إلى ضعف في إدارة العلاقات أو تراجع في حال الثقة بين بعض أطراف تلك العلاقات.. ولكن الحقيقة لا تغادر حدود اندفاع [البعض] باتجاه محاولة تحقيق أوسع المكاسب في إطار خطاب المحاصصات وتقاسم النفوذ ومراكزه بل ونواحيه وأطرافه وهوامشه...
ففي ظل حال من لغة حصتي وحصتك لا يمكننا إلا أن نتوقع احتكاكات في أية لحظة تتطلب ظهور متغيرات تتبع الحراك في المشهد العام وتفاصيله... إذ أن الأمور ما بقي فيها ما يحتمل التقسيم مثلما استنفدت تلك القوى جميع مفردات بل تفاصيل الحصص ولا يمكن والحال هذه أن تجري إعادة تقسيم الحصص من دون جلبة وانفعالات وفي أفضل الأحوال حوارات من المربع الأول لا تقبل خسارة كسرة من خبزة المحاصصة لأن أصل هذه السياسية (سياسة المحاصصة) يرتكز على طلب المزيد وهو ما لا يأتي إلا من حصة الآخر...
وفي ظل التقسيم القومي والطائفي لا وجود لتقسيمات أخرى وإن مثَّلت الواقع وجوهره فهي منفية ملغية ودخولها على الخط يعني أما إعادة تقسيم الحصص بفقدان مفردات من كل فريق لصالح الفريق الجديد وهو أمر غير سهل وصعب البلع أو استبدال فكرة المحاصصة نفسها والعمل بسياقات جديدة هي السياقات الوطنية التي لا ترى إلا واجب تعزيز حصة الشعب عبر منافذ القوى المخلصة المؤمنة بأن كل ما موجود هو حصة واحدة هي حصة الوطن الواحد والشعب الواحد... وأن الثروة والمسؤوليات والمناصب هي حق الشعب الذي تتصدى القوى الوطنية النبيلة لخدمته وأداء الواجب تجاهه...
وهكذا فنحن في الوسط الشعبي لا نرى ضرورة لانزعاج مسؤول أو تهديد طرف سياسي لآخر إلا بمقدار تعبيره عن رؤيته لحل إشكالية أو معالجة مشكلة بآليات العمل المؤسساتي في خيمة البرلمان الملتزم بالدستور وبمبادئ التوافقات الوطنية التي فرضتها طبيعة المرحلة من نمط أدوار العمل الوظيفي للمجلس السياسي الوطني ولهيأة الرئاسة ولقيادات الأحزاب والقوى الوطنية.. وبالعودة إلى القضاء والمحكمة الدستورية في حال الخروج على مسارات العمل المنضبط الملتزم دستوريا وبالعودة إلى المفاوضات والحوارات المباشرة بشأن أي اختلاف...
وينبغي في مجمل الوضع تجاوز حالات الانفعال لدى شخصية أو أخرى والحدة في تصريحاتها أو تعاطيها مع قضية بعينها والتركيز على جوهر المطالب وما يكمن وراءها.. لكي لا نضيف لتعقيدات المرحلة أزمات أخرى. كما ينبغي أن نتعاطى مع لحظة الجلوس إلى طاولة الحوار وليس إلى التصريحات التي تنطلق لأسباب إعلامية منها أو أخرى سياسية  أو غيرها. إذ فقط على طاولة الحوار وفقط عندما نضع آراءنا وتصوراتنا ومقترحاتنا على الورق يكون الأمر أهدأ وأكثر موضوعية وعقلانية...
إنني شخصيا في وقت أعترض على ظاهرة التصريحات الإعلامية الحادة أو المنفعلة فإنني لا أجدها تمثل مشكلة معقدة ولا أجدها جزءا من المشكلات التي نحن بمواجهتها... وعليه فإنه من العادي ألا نلتفت إلى ذاك الاحتدام الطارئ حتى أنَّ كثيرا مما يصب الزيت في الإعلام يأتي من محيط أبواق وأقلام النفاق والرياء وحال البيع والشراء وكثرما صرنا نجد هذا في زمن تشييء الأمور وتسويق الماديات على حساب المبادئ والقيم كما وفَّر الأنترنت وانفلات ظهور الصحف والفضائيات بلا شروط مهنية دخول الطارئين الذين يكتبون ويصرحون بلا خبرة ولا معرفة سوى معرفة إعادة إنتاج الجهل والتخلف القائمة على أنصاف المعلومات والمعارف المشوهة..
ألا ترون أنكم تُصدَمون بأصوات محللين سياسيين كل ما يملكونه أسماءهم التي نمقتها لهم جهات أو مواقع ألكترونية أو صحف رأسمالها الفلوس والفضائح؟ وأكثر من ذلك ألا تصدمكم شخوص تسنمت مناصبها بناء على شهادات مشتراة من سوق مريدي وأشباهه؟ وليس بعد هذا أن تلتفت إلى [ترهات]  ما يكتبه الطبالون والمنافقون ولا إلى تصريحات سوقة وأبواق ولكن عليك وعلينا أن نلتفت إلى القيادات الوطنية المسؤولة وإلى الأحزاب والحركات السياسية بوصفها مؤسسات تمثل جموع فئات شعبية وبالعودة إلى برامجها وقيمها وتاريخها ومستهدفاتها البعيدة..
هنا فقط نضع الثقل في الحوار الهادئ الموضوعي ونرتقي به إلى مصاف تمثيل مطالب الناس ونؤكد على حصتهم في الحياة الحرة الكريمة بكامل حقوقهم الإنسانية الفردية والجمعية...
ولمن يرى أن الأمور تمضي بناء على وجود كل حزب وحركة وعلى ثقلهما ينبغي له أن يؤمن بمنطق عقلي تنويري في التناول والمعالجة ولمن يرى أن الأمور تحكمها شروط موضوعية وأخرى ذاتية ينبغي له أن يتحدث في ضوء برامج تكون قد درست الواقع في مراكز للبحوث وبوساطة شخصيات وطنية وعقول مهنية محترفة من التكنوقراط ومن المتخصصين والأكاديميين وذوي الخبرات... وإمعانا في تبني هذه الرؤية ينبغي أن تُعرض تلك البرامج للتصويت على ما تحظى به من أغلبية بعد مفاعلة بعضها ببعض والخروج بالقواسم المتوافق عليها في ظل هدف أفضل منجز لأفضل حصة سيمتلكها الناس...
وعندما تكون الأمور سائرة في ضوء البرامج والدراسات وفي ضوء احترام القانون وتبادل الاحترام بين الرؤى جميعا وفي ضوء العدل والمساواة في حرية التعبير حينها لا مكان لا للمحاصصة ولا للانفعالات الفردانية ولا للتقاطعات ولا للتهديد والتهديد المضاد أو الابتزاز ولن يكون مجال للإقفال على أهداف حزبية أو حركية أو فئوية أو جهوية قومية أو طائفية مهما كان موضعها وأهميتها لأن البديل ليس حصة حزبية أو فئوية أو قومية أو طائفية لجهة مساوية أخرى بل البديل يكمن في القواسم المشتركة التي تعود على عموم الشعب بكل مكوناته وأطيافه ومن ثمَّ بالتأكيد ستعود على كل مكون أو طيف على حدة أو على انفراد...
أما حال التهشيم والتمزيق والتقسيم ولكل حصته فإن ذلك في وقت يحرم الآخر من تلك الحصة فإنَّه لا يعود بخير وفير على كاسب الحصة  نفسه ومع الأيام سيخسر الجميع كلَّ شيء وسيضيع وجودهم نهائيا ويمحون من الخارطة..
أما ونحن نتحدث عن قضايا وطنية فلا أظن أن أحدا يقبل بتضييع مستقبله مقابل حصة هزيلة ليومه باستثناء الشخوص المريضة التي أشرنا لضرورة تجنب أقاويلها وتصريحاتها المرضية التي تنبع من طبيعتها لا من طبيعة قوانا الوطنية كافة... ولا ينبغي تشييء تلك القضايا الوطنية المهمة وجعلها مجرد حصص للتنازع عليها إذ يلزم أن نرتقي لواجب المسؤولية ونغير من خطاباتنا ونلج الحل الأنضج الممثل في الحوار الوطني والمصالحة الوطنية القائمة على قبول الآخر واحترامه وعلى سحب الشروط المسبقة واعتماد استفتاء رأي الناس في القضايا الخلافية بعد توفير الضمانات الحقة لتعبيرهم عن أصواتهم... 
 
ومبدئيا يلزم وقف لغة التخوين ووضع العقد في المنشار ووقف كل تلك المطاردات الكلامية التي تتصيد في المياه العكرة حيث يجري تهييج الأجواء وافتعال صراعات بين أطياف الشعب في ضوء تصريح لفرد أو آخر أو حتى تقويله أو تأويل كلامه بما يتسق وتلك التوريطات المقصودة والمختلقة.. فهذا يهاجم الكورد عن بكرة أبيهم لأنه سمع تصريحا مؤوَّلا أو لأنه وجد في بيان ما لا يلائم تصوره وكأن الكورد شعبا كاملا مختزلا في تصريح شخص أو بيان حزب ويلغي المتقصِّد المعني كل تاريخ النضال الوطني والقومي والإنساني ويلغي كل الشروط الموضوعية لحركة الحياة ويضعها حسب اختزالاته وحساباته الدعية مقيدة بتصريح أو بيان حتى لو كان الأمر في برنامج عمل استراتيجي بالفعل يخطئ في تقديراته فإن مثل هذه الحسابات لا يمكن قبولها بالمرة... ومثل هذا ينطبق على الكلدان الآشوريين السريان وعلى التركمان وعلى مجموع الحركات السياسية من اليمين أو اليسار.. حيث لا يجوز قبول حال اختزالهم ومصادرتهم واعتماد التأويل والاتهامات وتجيير أو انتهاز فرصة تصريح منفعل أو آخر...
إذ يبقى الشعب وتبقى المجموعة القومية أو الدينية أو المذهبية جهة عليا لا تُختزل بحزب أو قيادة أو شخصية، فما بالنا عندما يجري الاختزال بحضيض التقدير ورخيصه يوم يتصارع جاهلان كل منهما يدعي تمثيل جهة شعبية وهما لا يرتقيان لتمثيل أنفسهما من دون محام أو خبير أو متخصص... وهنا أؤكد مجددا على وجوب وقف النظر في تلك الكتابات والأصوات التي يطلقها إعلام أجوف بلا دراية ولا معرفة والانصراف إلى مجموع قوانا الوطنية وشخصياتنا من الثقاة وهؤلاء مهما صدر عنهم فإنه يبقى في إطار نبل التوجهات والمقاصد وما يقع في خير المسيرة..
 
ولي في هذا المجال أن أتحدث عن نموذج جرى في المدة الأخيرة ذلك المتعلق بقانون انتخابات مجالس المحافظات وهو ما ينبغي فيه أن نعود إلى جملة التوافقات والقبول بسلطة الهيئات السياسية الوطنية بحدود الصلاحيات الممنوحة لها دستوريا وقانونيا ووقف التعرض لها من بوابات تضخيم الأمور ومدخلاتها المفبركة بقصدية تبرير رؤية قاصرة.. وعلى سبيل المثال الحديث عن حجم صلاحية هيأة الرئاسة والمجلس السياسي الوطني في رد بعض القوانين للمراجعة ولمزيد من الدراسة المتأنية ..
إن هذه الصلاحية تظل في هذه المرحلة ضرورة لتجاوز أخطاء كما تلك التي جرت في تمرير قانون انتخابات مجالس المحافظات بتصويت لم يلتزم الأسلوب المشخص دستوريا ولكن الأبعد في الأمر هو تضمن القانون المُمرَّر مفردات غير موضوعية من مثل الصيغة التي تعالج قضية رفع الشعارات والصور أو الرموز الدينية.. ولعل موقف مجلس الرئاسة هنا أكثر تقدما  وصحة لمستقبلنا ومجتمعنا من ذلكم الذي تم تمريره وعلينا أن نكون من الدقة بمكان لنتجنب الرجم في غير حق... واسمحوا لي أن أعترض على حال من وقوف [البعض] حيثما تبرر المواقف ذرائع غير موضوعية...
 
كالتصريح الذي يحتج على حجم سلطة هيأة الرئاسة بمواجهة ممثلي الشعب والأمر ليس كذلك بدليل أن رد القانون جرى على وفق القوانين المرعية من جهة وعلى وفق المبادئ التي تحكم مسار العملية السياسية في هذه المرحلة والهيآت العاملة فيها.. وأن رد القانون لا يعني سوى مزيد من الدراسة والتعمق لمصلحة تسيير الأمور بأفضلية تناسب البحث عن حل في وقت كان سيعني ترك الطبخة المستعجلة للقانون المعني مزيدا من التعقيدات... وعليه فإن هذا الرأي مردود شكلا وموضوعا كما يقول القانونيون...
ومن المفيد كخلاصة أن نبحث في لغة للتسامح والتصالح وفي خطاب للتفاعل والتكاتف وفي مسار للبناء والتقدم وليدافع كل منا عن حق الآخر في التعبير عن رأيه في مرحلة فيها الكثير مما يدخل في التمرينات على ممارسة آليات الديموقراطية ومن حقك أن تعترض وتقدم البديل وتناقش وتحاور ولكنك تستطيع أداء ذلك من دون تهديد أو ابتزاز أو قبول لتأويل يمهد لاتهام ولافتعال يشحن الأجواء..
ولنتذكر أن زمن سرقة حقوق الشعوب قد ولى إلى غير رجعة وليكن مبدأنا في التعاطي مع واقعنا هو تقديس تعددية التركيبة التي يتكون منها مجتمعنا واحترام الآخر وصوته والاستماع بل الإصغاء إليه حتى يكمل إيصال ما يريد من برامج وأهداف وقبول دراسة تلك البرامج وبالتأكيد تبنيها في حال كونها الأنضج بإقرار الخبراء والمتخصصين مخرجين هنا  العناصر المرضية ومتعاطين مع جوهر الإيجاب من خطاب المخلصين.. ولنتذكر أن فدرالية كوردستان وحقوق جميع الأطياف والمجموعات القومية والدينية العراقية هي ثابت مقدس لا يمكن المساس به وأن الديموقراطية ثابت لا يقبل المداهنة والمماحكات من أي طرف مثلما يسمح للجميع بحرية التعبير وأخذ الحقوق عبر آليات الديموقراطية وليس خارجها...
 
فلنعد جميعا إلى طاولة الوطن والشعب فقد ولت أيضا الوصاية والتمثيل الأوحد والأبدي وولى زمن القائد الضرورة والقائد الرمز فالعراق الجديد في وقت نزعم دخوله طريق التوجه نحو آليات الديموقراطية هو أيضا عراق التداولية ومن يفشل اليوم في تحقيق الحلول الناجعة فينبغي أن يأتي غيره وليس بالضرورة أن ننتظر انتهاء الدورة الانتخابية... والعبرة دوما لمن اعتبر.
 
 
 
 
 
يمكنكم الاطلاع على هذه المادة وغيرها في الموقع الشخصي للكاتب\ألواح سومرية معاصرة
http://www.somerian-slates.com/

130
التهاني الموجهة للمجموعات القومية والدينية العراقية   بين طبيعتها ومستهدفاتها وبين تجيير خطابها لتمرير الهولوكوست الجاري

 

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان

27\07\2008

tayseer54@hotmail.com


 

دأبت الأحزاب والشخصيات الوطنية وعدد كبير من الجمعيات والمنظمات الديموقراطية على إرسال برقيات التهاني بمناسبة الأعياد القومية والدينية لأطياف عراقية ساهمت في إشادة صرح حضارته وفي تكوين بنية المجتمع العراقي المعاصر.. وإذا كان الأمر طبيعيا وعاديا طوال العقود المنصرمة من تاريخ العراق الحديث وأنه يمثل الحال الصحية الصحيحة في توكيد تبادلية العلائق بين أبناء الوطن على أسس وطنية وإنسانية تتجاوز حال اعتزال الآخر وعزله وحال الانغلاق القائم على الحذر والخشية من المكروه، إذا كان ذلكم مقبول التعبير عن الرؤية التي أشرنا إليها فإنَّه اليوم ما عاد يرتقي إلى متطلبات المرحلة...

إنَّ مسألة إرسال التهنئة صارت اليوم موجودة في بعض أداءاتها من بعض الأطراف صيغة مفروضة عليهم سياسيا.. فبالكاد كانت قوى بعينها تتذكر عيدا أو تضعه في أجندتها فتلاحق الحدث بعد تذكيرها وعلى استحياء ترسل تهنئة تسجل جهلها بالمناسبة التي لا تعرف لها تاريخا دقيقا ولا تفاصيل يصل الأمر فيها إلى عدم معرفة الاسم أو عدم معرفة طبيعة المناسبة ومضامين شعائرها وأساليب مبادلة التهنئة مع أتباعها ومؤديها...

وعلى الرغم من أنَّ أجواء تبادل التهاني تؤكد خلق أجواء وشروط التفاعل الإيجابي البناء بين الأطياف العراقية.. إلا أن الأمر سيعاود تكريس العلائق السلبية عندما تهنئ مجموعة قومية أو دينية أو مذهبية بطريقة تفتقد لإشعارهم بمعرفة أصول وطقوس حتى يتبدل الأمر من إشعار هذا الطيف أو ذاك بالتهنئة إلى احتمال شعوره بالخيبة من روتينية التهنئة وبرودها وانطلاقها لدواعي ذرائعية وللتمظهر بطريقة كاذبة تخفي ممارسات أخرى تثير لا الحساسية بل مزيدا من القلق وكثيرا من الخشية من التالي من التصرفات...

فلطالما تعرفنا إلى ما يُرتكب من جرائم تصفوية وعمليات ابتزاز بالخطف والاغتصاب للحقوق والطقوس والشعائر وحتى للبشر كما جرى في التزويج القسري لفتيات مسيحيات أو صابئيات مندائيات وأيزيديات لشخوص متأسلمين من أتباع الإسلام السياسي وفي عديد من الحالات جرى الأمر من عصابات وعناصر مسلحة محلية مدعومة من قوى خارجية إقليمية أو غيرها كما حصل في استباحة الأرمن ومجموع مسيحيي البصرة أو الصابئة المندائيين في ميسان (العمارة) وفي ذي قار (الناصرية) موئل هذه المجموعة القومية الدينية فيما جرى تهديدهم من ظهور أي تصريح بشأن ما يجري من وقائع؟ ومع ذلك تظهر من هذه القوى المحلية تهاني وتبريكات في العلن!!!

 

وإذا تركنا هذه الحالات فإنّنا نريد هنا الحديث مع مرسلي التهاني من القوى الديموقراطية والعلمانية تلك التي تسعى لتعزيز أفضل العلائق التي تؤسَّس على الروح الوطني والإنساني الذي يرفض التمييز لأي ذريعة قومية منها أو دينية مذهبية وطائفية، وهنا ينبغي لهذه القوى أن تدرك أهمية خلق تراكم معرفي ونسق اجتماعي منتظر في العلاقات بين كل أطياف الشعب العراقي ومكوناته بروح من المساواة والإخاء والعدل وبروح من تعزيز فلسفة احترام الآخر ومفردات طقوسه ومعتقداته بشكل حقيقي ثابت وراسخ...

إنَّ تمرير المناسبات بتهانِ ِ من سطرين أو ثلاثة ومراكمة الأمر بطريقة (التفاطين) ومن يذكرني بالمناسبة للتخلص من واجب ينبغي لي أداءه بأية طريقة سيكون له انعكاساته مجددا بعد مدة قصيرة.. وسرعان ما يتحول خطاب القوى الديموقراطية والعلمانية إلى مفردة تجيِّرها القوى الإرهابية وقوى العزل والتصفية لتكون غطاءَ َ لأفعالها الشائنة.. إذ يجري الحديث عن تلك المجموعات وحيوات أبنائها ووجودها القومي والديني وكأن كلَّ شيء عادي وطبيعي بدليل ظاهرة تبادل التهاني بكل حرية وجرأة!

وعليه فإنَّ الطبيعي اليوم لنتحول من مرحلة إعلان توجه المجتمع العراقي بأطيافه إلى حال احترام الآخر وتبادل العلاقات الإيجابية البناءة وإلى حال الدفاع عن هذا الآخر بمنع السماح للقوى العنصرية والشوفينية من تجيير خطابنا في الإخاء والمساواة وفي مشاطرة الآخر أفراحه حقا وفعلا وفي تثبيت حق الآخر في الوجود بمنع ظاهرة واسعة للخداع والتضليل تجري في وقت يتم البطش بالمجموعات القومية والدينية بلا هوادة حيث تتواصل عمليات سحقهم بين التصفية البدنية والتصفية كرها بإجبار بعضهم بالاختطاف والتزويج القسري وإكراههم على ترك المعتقد والتنكر للقومية التي ينتمي إليها وفي أهون الشرور بالتهجير إلى منافي الغربة القسرية بعيدا عن موطن الآباء والأجداد...

إنَّ منطقا سليما لا يمكنه أن يقبل تهنئة من مسؤول حكومي سيادي أو غيره ومن مسؤول حزبي أو زعيم لمنظمة أو حركة، في وقت تجري جرائم التصفية تلك. وإذا كان أي طرف يريد تقديم التهاني فينبغي عليه أن يزور تلك المجموعات القومية والدينية في بيوتها ومنتدياتها ومعابدها وأن يطلع على ملفات المعاناة [إذا ما قُرِأ بنسبها الحقيقية] من حجم التهجير المهول الذي أصاب المسيحي كلدانيا آشوريا سريانيا أو أرمنيا أو كاثوليكيا أو بروتستانتيا أو أرثذوكسيا والصابئي المندائي والأيزيدي وأي طيف عراقي ما زال مطموس الاسم والهوية كرها وقسرا...

وعلى من يريد مبادلة التهاني لا أن يكتفي بأسطره التبريرية المُجيَّرة لجريمة إبادة جماعية ما زالت تجري يوميا في بلادنا بخاصة في السنوات الخمس الأخيرة وهي الجريمة المسكوت عنها بذريعة أن جميع العراقيين سواء في الموت المجاني وجرائم الإرهاب وبلا ذريعة في مرات أخرى حيث يجري تجاهل الواقع المرير في إطار من تبادل التنازلات بين القوى المتخاصمة سياسيا...!

إنَّ هلوكوستا كارثيا يجري بحق كل مجموعة قومية ودينية في بلادنا بخاصة ممن يسمونهم في جريمة أخرى [أقليات] أو [طوائف] وحجم الجريمة يصبح بحق واقعا تحت طائلة القانون الدولي بوصفها جريمة إبادة جماعية لولا أن الأمور تسير اليوم بطريقة المسكوت عنه وبطريقة تمرير الوضع في إطار ما يجري للعراقيين بعامة فيما الحقيقة ينبغي إعلانها بطريقة تسفر عن مساهمة حتى قوى الديموقراطية والتحرر والعدل في جريمة لا تُمنح الكفاية من تسليط الضوء عليها في خضم الأولويات التي تحملها كل جهة سياسية.. وأبعد ما لدى بعض القوى الشريفة هو مواساة في واقعة أو تهنئة في مناسبة لا يعرفون عنها حتى دقة تسميتها...

ألا ترون أن بعض التهاني ترد في مناسبة ما فيكتبون فيها الاسم خطأَ َ؟ وألا ترون أننا لو استفتينا مرسلي التهاني في درجة معرفتهم بالمناسبة والجهة التي يرسلون إليها فستكون النتيجة تحت الـ 50%؟ إذن لماذا لا تساهم صحافة تلك القوى بإجراء لقاءات وحوارات مباشرة مع أخوة في الوطن والإنسانية؟ ولماذا لا تساهم في كتابة متجددة لتاريخ عريق من الوجود البشري المتحضر لهذه المجموعات القومية والدينية؟ ولماذا لا تعقد المؤتمرات المتخصصة ولا تدرس برامج موضوعية وافية؟ ألا يشكل التعريف بالتاريخ والجغرافيا وبالتوزيع الديموغرافي بداية أولية للتعريف بحقيقة هذي المجموعات وبتطمين حقوقها في الحياة الحرة الكريمة؟

إنني أدعو في المستوى البعيد لتغييرات دستورية ولتشكيل البرلمان من قسمين واحد يمثل مجلس القوميات والآخر المجلس الوطني ومنهما سويا يتشكل البرلمان العراقي الأنضج والأمثل؛ وأدعو في المستوى العاجل الفوري ومجددا لوزارة للقوميات في الحكومة الحالية.. وأؤكد على أهمية وخطورة ترك القضية وكأنها مقترح مزاجي لفرد أو لطرف ما وأحمِّل القوى السياسية في البرلمان الحالي مسؤولية تبني المشروع النبيل لتغيير استراتيجي في النظر للقضية القومية والدينية في بلادنا ولمخاطر عدم التعاطي الفوري والعاجل وبالحجم المناسب مع مسؤولية جدية لإعلامنا للتعاطي مع هذه الرؤية من أجل الضغط حتى تحقيقها وتنفيذها بما يؤدي لإنجاز الاستراتيجية المؤملة..

وإذا كنتُ بدأتُ بمفردة التهاني الباردة فإنَّ هدفي الحقيقي يكمن في توضيح عمق الجريمة وسخونتها والحجم النوعي الكبير للقضية لكي ننتقل إلى واقع جديد.. وسأبقى متابعا مصرا على مطالب عراقيينا الخاضعين لجريمة الإبادة الجماعية حتى ينعتقوا منها ويتحقق لهم العيش بسلام وأمان وحرية تامة ستعني فيما تعنيه تغييرات دستورية وبرلمانية وحكومية تستجيب للحق والعدل على وفق شرعة الديانات والقوانين الإنسانية كافة...

 

131
اغتيال الخبرات والكفاءات العلمية بلا تصفية جسدية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي عراقي \ ناشط في حقوق الإنسان

20تموز 2008

tayseer54@hotmail.com

 

في كوستاريكا نعم في هذا البلد القصي بل في تشيلي وفي نيوزيلندا يوجد أساتذة عراقيون جامعيون وعلماء وخبراء في مجالات العلوم التطبيقية والنظرية، وما من أحد يحكي مرارة الاغتراب وما يكتنفها من أبشع حالات الاستغلال والابتزاز والتصفية! منذ عقود وهذه النخبة العراقية تتعرض للمطاردة والتصفية بكل أشكالها فاضطر مئات وآلاف منهم على ترك بلاد لم يترك قادتها طوال تلك العقود نهمهم للحروب العبثية ولوضع العلماء والأساتذة وقودا في محرقة حروبهم الكارثية...

ومع انتهاء حقبة وبدء أخرى بدأت ماكنة جهنمية جديدة تطال هؤلاء الأساتذة من تكنوقراط ومفكرين وعلماء وجاءت يد الإرهاب الدموي لتقضي على مئات وآلاف منهم فتصفيهم جسديا في هولوكوست العلماء العراقيين.. ونجا من نجا منهم بحياته ولكنه ما أن وصل أرض المنفى وبلدان الشتات القصية حتى بدأ مع معاناةِ لا الاغتراب وحده بل وتصفية وجوده العلمي حيث بتر علاقته بالبحث العلمي وقطع علاقته بمراكز البحوث والجامعات ومنعه من الاشتغال بشهادته أو توظيفها. وسنة فأخرى تتم تصفية المعارف التي اكتسبها أو يجري تقادم زمني عليها فلا تتابع المتغيرات ويكون الاغتيال العلمي هذه المرة..

يفقد الأستاذ والعالم والمفكر مكانته حيث يضطر دخول المخيمات ليُعامل معاملة الأميين والجهلة وهو مضطر لقبول السكن في أماكن تجمعه في كثير من الأحيان مع سوقة ومجرمين.. وفي ظل ضغوط  نفسية واجتماعية وفي ظل عامل الزمن وترك العمل الوظيفي تتداعى معلوماته إلى حيث النسيان تدريجا حتى يفقد الأساس المعرفي العلمي الذي بناه بجهود مركبة عظيمة في سنوات لا تقل عن العقود الثلاثة ليفقد ما بناه كما تتهدم عمارة ضخمة في ثوان بفعل زلزال أو تخريب أو عملية إزالة وهدم...

ومما يفعِّل عامل الزمن سلبيا الانقطاع اضطرارا عن الكتاب وعن كل مصدر للقراءة والاطلاع في التخصص حيث لا يملك العالم أو المفكر فرصته لاقتناء الكتاب أو متابعة مصدر عبر أنترنت لا يملك أساس الوصول إليه أو الحصول عليه في أغلب الأحيان.. وطبعا تضطر الغالبية أن تعمل في مجالات لا علاقة لها بالعمل الجامعي العلمي البحثي لأسباب تتعلق بشؤون من نمط الإقامة الرسمية وشروط اللغة في بلدان لا تتحدث الأنجليزية أو الفرنسية وشروط أسبقية ابن البلد أو اللغة الأم في ظروف البطالة التي تعانيها تلك البلدان التي ساقته حالته للوصول إليها...

وحتى عندما حاول عدد من هؤلاء الأساتذة والعلماء تأسيس مشروعات أكاديمية علمية بغاية تفعيل جهودهم وخدمة طلبة العلم وقعوا ضحايا  انعدام الدعم لإنشاء مشروعاتهم أو تعرضوا لحصارات وأشكال ابتزاز بين السياسي والبيروقراطي الإداري والمالي حتى أن بعض المشروعات تمّ سرقتها لتجييرها لمصالح فردية بدل وضعها على سكتها الطبيعية في خدمة العلماء وبحوثهم واحتضان جهودهم المعرفية...

وفي مثل هذي الصدمات كانت تتزايد أشكال حالات الاحباط وينعزل بعض العلماء وينزوي أساتذة بعيدا عن العمل الجمعي المؤسساتي المنتظر لإدامة عطائهم الأكاديمي المتخصص.. هذا بخلاف أنهم جرى قطعهم عن حاضنتهم الأساس أي الجامعة العراقية ومركز البحث العلمي الوطني حيث خبراتهم الفعلية وحيث فعلهم المعرفي ميدانيا وبيئته الصحيحة للعمل...

وبين رحلة النجاة من التصفية الجسدية و رحلة النجاة من التصفية العلمية ضاع ويضيع كثير من النتاج العلمي من بحوث ومؤلفات ودراسات وقراءات معرفية إن لم تكن تفيد عراقيا فهي قطعا تفيد إنسانيا ولكن ما من منفذ للظهور والولادة حتى القيصرية منها لأنه لا دار نشر ولا مطابع ولا مركز للبحث العلمي يحتضن هذا الجهد المنقطع المبتور كرها.. فكل هذه مما يطلب أموالا بدل أن يمنح الباحث حقه مقابل الطبع وليس من قدر ولو اليسير من المال لهذي الأمور لأن هذا العالم الجليل الذي بلغ عقده السابع أو الثامن ما كان يجزى حقه ليملك عقارا يبيعه أو حسابا بنكيا يستخدمه وفوق هذا وذاك هو مازال مسؤولا عن عائلة لم يستطع تلبية حاجاتها يوم كان يفنى من أجل العلم والوطن وها هو يفنى مجددا ليلبي متطلبات كفاف العيش في الغربة وفي أعمال هامشية من الأعمال المضنية فوق القدرات البدنية والصحية لهؤلاء!

ولا تقاعد يحظى به هذا الأستاذ بسبب من مداخلات قانونية وروتين وحسابات لا تنظر إلى وضعه بقدر ما تنظر إلى أمور أخرى.. ولا مكافأة نهاية خدمة ولا أية محاولة لإعادة ربط هذا الجمع من الآلاف المؤلفة من العلماء والمتخصصين بالوطن وكل ما أمام هذا المستلـَب المُعرَّض للتصفية الرحيمة (تصفية العقل لا الجسد) هو أما أن يعود مستشارا لقوى أجنبية تتحكم بالوضع العراقي أو أن يرتبط بحزب حاكم جديد أو يبقى حيث تصفيته (الرحيمة) انتظارا لمغادرته الحياة بصمت رهيب....

الجهلة وسوقة القوم تتصاعد أرصدتهم البنكية بين نهب وسلب وسرقة وفساد من كل نوع؛ والعلماء تتنامى الضغوط بحقهم ويتقدم بهم زمن النسيان والإهمال والإغفال والاستلاب والمحاصرة والتصفية.  والجهلة يحظون بالمال وغيره بلا قرار سوى قرار مزيد من الإمعان في الرذيلة والفساد الأعلى عالميا في وطن النبل والقيم والمبادئ، فيما العلماء والمفكرون في أفضل الأحوال يسمعون مكرر الوعود بالتفكير بدراسة قرار لن يأتي يوم عقد اجتماع يفكر في قرار لتشكيل لجنة تفكر في جهة يمكنها أن تضع الموضوع بيد لجنة ثالثة تفرّخ رابعة أو خامسة لتفكر بدراسة ومماطلة تلو مماطلة وتسويف يعقب آخر وننتهي بقرار روتيني يحفظ الموضوع بإعلان عن وفاة آخر العلماء والأساتذة العراقيين!!

هكذا هي الأحوال؛ مآسِ ِ وتراجيديات وليس من يفكر بوضع حد لها والمسؤول واضح، إنّه جهاز الحكومة العراقية ممثلا بوزارة التعليم العالي وأية جهة تختص بمراكز البحوث العلمية وبمن يربط الكوادر الوطنية بهذي الجهات وليس بالضرورة يعيدهم إلى داخل الوطن حيث لم تصل الظروف لإمكان استقبالهم وتطمين أمر عودتهم ..

ولكن هذا لا يمنع من وضع خطط مناسبة برعاية هذه الآلاف من الكوادر وربطها بجهاز البحث والتأليف ومنح كل بحث أو مؤلَّف أو كتاب أو دراسة ما يغطي الجهد العلمي ويسد حاجاته المادية التي لا يستطيع الباحث تحقيقها في مغتربه الذي يستغله في أعمال تطحنه نفسيا وتؤذيه اجتماعيا وتسحق جهوده وتبتر عطاءه فتحرمنا على أقل تقدير مما صرفه المجتمع على هذه الكفاءة ليعدها فلا ينتهي بها المطاف إلا بهذه التصفية البائسة!

 

أقترح لقاءَ َ يجمع كل اللجان والهيئات الأكاديمية العلمية بخاصة العالمة في خارج الوطن لتوحيد الجهود وتنسيقها ولوضع برامج كفيلة بإحصاء هؤلاء ورسم آلية ربطهم بالجامعة العراقية وبمراكز الوطن البحثية مستثمرين المكتبات والمراكز الموجودة في بلدان وجودهم.. على أن ترعى وزارة التعليم العالي مؤتمرا سنويا للكفاءات في كل ميدان وتخصص يخطط لصيغ العلالقة وآلية العمل بالارتباط مع خطط الجامعات العراقية والأنشطة المؤملة... وليس بالضرورة نقل هذا المؤتمر داخل الوطن إذ يمكن تفعيله في أماكن وجود العلماء العراقيين..

 

متى وكيف ومن سيمتلك شجاعة هذا القرار الإنساني الوطني الصادق بحق علمائنا.. لا أعتقد أن الأمر بحاجة لزعيم أو فرد أو شخص فإذا أقول (إذا) كانت الحكومة تعمل بطريقة مؤسساتية وإذا كانت منتخبة وتلبي مطالب منتخبيها وإذا كانت صادقة عهدها لمتابعة رعاياها وفي مقدمهم العلماء والمتخصصين في شؤون المعرفة وإذا كانت تروم وقف هدر الطاقات التي تمثل رأس المال الرئيس للعراق في يومه وفي غده وإذا تحقق اجتماع الإرادات الأكاديمية وغادرت سوق سرقة جهد العلماء والمتاجرة به وإذا (التي لانهاية لها) تنتهي فإن الإجابة على متى وكيف ومَن ستأتي وآمل عندها أن يكون امرؤ من هؤلاء الذين أتحدث عنهم موجودا ليطاله القرار المنصف ويُرَد عنه الإجحاف فيحتفي بالراحلين الذي جرى تصفيتهم جسديا أو معرفيا عقليا.................... والحليم تكفيه إشارة أنني بدأت بمعالجة موضوعية وأنهيت بتساؤل يعرفه جمع كبير مثلما يدرك فحواه الراسخون في العلــــــــــــ...م.

 

 

 

مقترحات أولية عجلى:

1.    عقد مؤتمر سنوي للكفاءات في كل ميدان تخصصي في العواصم الأوروبية والعربية التي ينتشر فيها العلماء والأساتذة العراقيون..

2.    تسجيل جميع الكفاءات وخريطة سابق أعمالها وأنشطتها داخل العراق وخارجه..

3.    دعم ورعاية المشروعات العلمية والاعتراف بها ومتابعة قياس مستويات عملها المعرفي مثل الجامعات ومراكز البحوث العلمية..

4.    رصد جوائز لأفضل المؤلفات والبحوث...

5.     رعاية جميع تلك الأنشطة وطباعة الكتب والدراسات ومكافأة أصحابها بميزانيات مخصوصة من الجامعات ودور النشر العراقية...

6.     إيجاد علاقة وظيفية [بأجر] للعلماء والأساتذة من نمط أستاذ زائر أو تكليف ببحث أو بتأليف للمناهج المدرسية والجامعية لقرب هؤلاء من مصادر علمية حديثة.. وكذلك نقل التجاريب العلمية والإدارية الأكاديمية بوساطة هؤلاء بتكليفهم بإجراء اللقاءات البحثية مع الجامعات العالمية وتجاريبها المتنوعة.. وأية علاقة متاحة ممكنة باستمرار إدامة الصلات بين العلماء والوطن ومؤسساته...

7.    تشكيل مكتب متخصص بالأمر في وزارة التعليم العالي وموظفي ارتباط في الوزارات المعنية للإفادة من هذه الخبرات...

 

هل من الصحيح أن نستكثر على هذه الطاقات مرتبا مقابل جهدها ينقذها من التصفية ويمتاح من قدراتها ليضيفه في عملية بناء الوطن المخرّب؟ أليست الفائدة في ألا نخسر رأس مالنا الذي بنيناه بدماء أبناء الوطن؟ أسئلة كثيرة لا تنتظر بقدر ما تثير اعتراضها على سلبية مقيتة قاتلة. وليُجبني أي مسؤول حكومي عمّا كتبت هنا.....................................................

 

132
حق التعليم للنازحين والمهجرين العراقيين

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان

18تموز 2008

tayseer54@hotmail.com


 

 

 

يوما فيوم تتفاقم مشاكل النازحين والمهجرين العراقيين سواء منهم من يقيم في داخل الوطن أم خارجه في بلدان عربية أم أوروبية وغيرها. وما يزيد معاناتهم [فضلا عن تفاقم الضغوط الحياتية] هو عامل الزمن حيث تمضي الأيام والأشهر والسنون عجافا ثقيلة ومطالب الحياة تتراكم لتتنامى معها مطالب وحاجات لا يمكن تلبيتها من دون غطاء مادي وموارد ثابتة للعيش في وقت لا توجد فرص حقيقية ثابتة للعمل حتى في تلك الأعمال الهامشية وبأجور بخسة تستغل ظروف الفاقة والحاجة ومحاصرة الزمن   لطالب العمل العراقي...

إنَّ حجم النازحين والمهجرين يصل في حده الأدنى في تقديرات المنظمات الدولية والرسمية العراقية والأجنبية إلى 4.5 مليون نسمة منهم حوالي المليونين في الداخل. أما تركيبة هذا الحجم السكاني الكبير الذي يماثل حجم شعوب من بلدان الجوار التي توجه إليها هؤلاء العراقيون فهي تتألف من تركيبة العائلة العراقية من نساء ورجال وأبنائهم وبناتهم. وبقراءة واقع النزوح سنجد أن نسبة الأعمار حتى 18 عاما تشكل أغلبية تليها نسبة الشبيبة من الفئة العمرية حتى الثلاثين وتتناقص النسبة مع التقدم بالعمر...

الأمر المهم هنا، نلخصه في التساؤل بشأن إجراء الإحصاءات الدقيقة لحركة النزوح واتجاهاتها وأسبابها إلى جانب إحصاءات تقرأ تركيبة النازحين والمهجرين بما يمكـِّن الجهات العراقية وغير العراقية من تشخيص الحاجات ورسم الخطط الجدية المسؤولة في الاستجابة للمطالب ومعالجة المشكلات الناجمة عن هذه الظاهرة القسرية بكل مفاصلها ومفرداتها الإنسانية الطبيعية وغير الطبيعية...

إنَّ من أخطر المشكلات التي ترافق ظاهرة الهجرة الجماعية وبهذا الحجم الكبير مع تقادم عامل الزمن وتفاقم ضغوطه هي تلك المتعلقة بتعليم الجيل الجديد.. إذ يكون الالتحاق بالمدرسة والجامعة من بين أول الحاجات التي يضطر المهجَّر لتركها أمام فروض الحياة ومطالب يومه غير العادي.. فالمعيل في العائلة النازحة في الغالب: أرملة فقدت زوجها في حروب عبثية أو في خضم جرائم الإرهاب والميليشيات والعصابات التي ظلت تحكم الشارع العراقي مذ سنين خمس خلت أو رجل جرت إصابته فما عاد يسطيع عملا يعود عليه بأجر مناسب أو شاب أو شابة بلا شهادة تفيد في عمل معقول أو مقبول... فمن يغطي نفقات التعليم وأجوره؟ ومن يُعنى بهذه الحاجة المهمة الخطيرة؟

 

لابد هنا أولا وبغاية تصور المعالجة المناسبة من الإشارة إلى أسباب ترك التعليم وهي بالمجمل تعود إلى أمور يتعرض لها النازح أو المهجَّر منها:

1.  وجوده في مكان غير عنوانه الدائم وبيته، وعادة ما يكون وضعه غير مستقر في أماكن النزوح سواء كانت في الداخل أم في الخارج لأنه يتنقل في ضوء الإمكانات المتاحة لاستقباله وتعاطي أماكن الاستقبال معه... وتجد النازح المهجَّر اليوم في هذا البيت بهذا الحي أو الضاحية وغدا في بيت آخر بمدينة أخرى بحسب ظروف كدحه من أجل لقمة العيش، أو بحسب فرصة اختبائه من مطارديه وما يتهدد أمنه وحيوات أبنائه وعائلته...

2.  عدم تمكنه من جلب الوثائق الرسمية المدرسية والجامعية لأبنائه وبناته لأن عملية التهجير القسري غالبا ما تكون تحت جنح الاضطرار والقسر وسمة الهروب للنجاة بالأبناء في ظروف قاسية لا تسمح بأخذ تلك الوثائق... بسبب عامل الوقت وعامل الحاجة لمبالغ مالية تتضاعف مع حالات الاستغلال والفساد فضلا عن عوامل عديدة أخرى أبرزها طبعا عامل تهديد حياة الإنسان نفسه..

3.  عدم توافر إمكانات مناسبة لاستيعاب الحجم العددي الكبير للنازحين في أماكن انتقالهم الجديدة فضلا عن أمور تتعلق بالقرار السياسي وبالقرار الإداري المهني من جهة رفض عملية توطين المهجرين في الأماكن الجديدة ومنعهم من بناء ظروف حياة مستقرة دائمة. فداخليا هناك مشكلات تتعلق بالتركيبة السكانية أو الطبيعة الديموغرافية للمحافظات ومشكلات تتعلق باللغة المستخدمة في المحافظة  وأخرى تتعلق بإشكالية الفرز الطائفي والديني أحيانا أو القومي والخشية من تداعيات مثل هذه الأمور... وفي البلدان العربية كسوريا والأردن ومصر والإمارات هناك عقبات ليست سهلة في معالجة تسجيل العراقيين في المدارس والجامعات..

4.  يعيش العراقيون في دول الجوار في تجمعات ذات كثافة سكانية كبيرة أمام طاقة استيعابية صغيرة وقدرات خدمية هزيلة فالأحياء الشعبية في مدن دمشق وحمص وحلب وعمَّان والقاهرة وفي أنقرة واسطنبول هي ذاتها في ظروف معاشية صعبة وعلى مستوى المدارس على الرغم من الاستجابة على مستوى القرار السياسي لحاجات مئات ألوف العراقيين في التعليم إلا أن المدارس في هذه البلدان تعاني في الأصل من مشكلة كثافة عدد الطلبة في الفصل الدراسي الواحد فلا مقاعد دراسية ولا إمكانات لتوفير الكتاب المدرسي فضلا عن ضعف إمكانات تلبية حاجات الطلبة من القرطاسية لضعف الموارد المالية للمدرسة غير المستعدة للميزانية الطارئة الجديدة وللعائلة العراقية وميزانيتها الخاوية...

5.  الشروط القانونية للقبول بخاصة بشأن التعليم الجامعي للأجانب ومنهم العراقيين حيث لا تستقبل جامعات بعض البلدان الطلبة العراقيين..

6.  مشكلة حجر العراقيين في مخيمات لا تسمح لهم بالالتحاق بالمدارس قبل حسم قضاياهم رسميا كما يجري في بلدان أوروبية ما يعني حرمان طلبتنا من التعليم لمدد تصل لسنوات انتظارهم نتائج معاملات لجوئهم أو تثبيت أمسائهم في قوائم المخيمات وبلدان الاستقبال...

 

من المسؤول عن تلبية حاجة التعليم؟ وكيف يمكننا وضع الحلول؟ إنَّ إجابة شافية وافية تكمن في الحل النهائي لمشكلات القضية العراقية ولكننا في هذه الحال لن نقف عند انتظار الحل النهائي إذ بحساب الزمن فإنَّ خمس سنوات منصرمة تعني أنّ جيلا من الأميين قد وُلِد وقد فـَقـَدَ مئات آلاف الطلبة الجدد فرصهم في التعليم إذ سنويا يبلغ السنّ القانوني للتعليم هذا الحجم من الأطفال ليضيفوا إلى قائمة زملائهم الذين تركوا مقاعدهم وهم في فصول الدراسة الابتدائية (التعليم الأساس) وآخرين غادروا تعليمهم المتوسط والثانوي أو الجامعي.. فمن أحصى هؤلاء أو فكَّر بإحصائهم؟

أجدني أعيد مقترحي السابق في وجوب وجود مكاتب رسمية للمهجرين تـُعنى بتسجيل تفاصيل أحوالهم المدنية وتقديمها للجهات المعنية للمعالجة وتلبية الحاجات ومنها التعليم... وحتى هذا المقترح لا ينبغي أن ننتظر تحققه إذ ينبغي لكل جمعية عراقية تعنى بالثقافة والمعارف وحتى بشؤون الحياة الاجتماعية أن تفتح اليوم قبل الغد سجلا توثيقيا وأن تساعد الكوادر العراقية المتخصصة بشؤون الإحصاء والتوثيق على توفير الاستمارات(الفورمات)  المناسبة وتوزيعها بأوسع قدر متاح ورقيا وعلى شبكة الأنترنت على أن تُعاد إلى مركز موحد في دولة الهجرة لتعزيز قراءة صحيحة في توثيق حركة العراقيين بما يلبي حاجاتهم ومطالبهم... وبهذا يكون لدينا المركز الإحصائي والتوثيقي للنازحين واللاجئين أو المهجرين...

من بعد يلزم أن نطالب وزارة التربية والتعليم العراقية في توفير المنهج الدراسي وقرطاسية وافية لجميع مخيمات الداخل وأن تنشئ مدارس مؤقتة وتوظيف من يمكن اعتماده في التعليم الابتدائي حتى إذا تطلب دورات سريعة مستغلين اليوم العطلة الصيفية لمعالجة الأمر في مستواه الداخلي وفي دول الجوار ينبغي رصد ميزانية لطلبتنا تتناسب وحجوم وجودهم دعما لجهود وزارات التربية والتعليم في كل من سوريا والأردن ومصر وغيرها بما يمكنه من توفير الفرصة للطلبة لمتابعة دروسهم ومنع انقطاعهم عنها...

إن عملية إيجاد مكتب التنسيق (في وزارة التربية والتعليم) مع الجهات التعليمية في دول الاستقبال لطلبتنا أمر بات مهمة أكبر من تكليفات فردية أو وظيفية شخصية وصار لزاما وجود دائرة متكاملة المهام تُعنى بمتابعة ظروف دراسة المهجرين.. لحين حسم أمر استقرارهم النهائي... ويمكن بالمرة تشغيل عديد من الكفاءات العلمية العراقية المعطلة للعمل بأجر في تدريس طلبتنا بعد تقويم الشهادات ومعالجة الأمر تنسيقيا سواء بافتتاح مدارس مؤقتة أم بإلحاقهم في مدارس دول الجوار تعزيزا لتلبية متطلبات الجدول الدراسي من تحميله بضغوط مضافة على أن تدفع الأجور من ميزانية طارئة بالخصوص... ومن نافلة القول أن نؤكد على أهمية تعاضد الجهود لتشغيل عراقيينا وإنقاذهم من العوز والكفاف في هذي البلدان وفي تسخير تلك الكفاءات لمعالجة الظاهرة في مجال التعليم وبالتأكيد ربط أبنائنا بوطنهم الأم وتعزيز الشعور بعلاقة متينة وبرعاية واجبة على الحكومة ستعني فرصا للحديث عن تصحيح العلاقة بالدولة العراقية وبإمكان تغير طبيعة تلك العلاقة إيجابيا...

 

إذن من المهم اليوم قبل الغد أن تنهض الحكومة بتشكيل مكتب متابعة عبر وازرة الهجرة ومكتب تنسيق بوزارة التربية والتعليم وأن يجري تشكيل لجنة لتشغيل الكفاءات العراقية في مدارس مؤقتة تستحدث أو بإلحاقهم بمدارس دول مجاورة تغطية للملاكات التعليمية بميزانية عراقية.

وسيكون ترك ابنائنا وبناتنا بلا تعليم جريمة ووصمة عار لن تمحى فهؤلاء مسؤولين من الدولة العراقية ومطالبهم في الحياة الكريمة ومن ذلك تلبية مطلب تعليمهم أمر يدخل في جوهر مسؤوليات الحكومة اليوم. ولسنا بعد هذا بحاجة للحديث عن أهمية التعليم في حاضرنا ومستقبلنا ومعنى ترك هذي الأجيال بلا تعليم ونهب الأمية والجهل وما يولده من أرضية لكل أمراض البشرية ومخاطر مثل هذا الإهمال والإغفال...

أضع هذه الأفكار بين يدي الوزارات المعنية واللجان المتخصصة في البرلمان العراقي وبين يدي المعنيين بالتربية والتعليم والكفاءات العراقية لكي تعد الخطط اللازمة لتفعيل ما يفيد في معالجة أزماتنا التي صارت تتراكم وتتعاظم على حساب العراقي المنهوب في أملاكه التي غادرها قسرا وحياته التي تُصادر منه كرها.. فهل من خطوة  فعلية عمليا أم نلجأ إلى المنظمات الدولية مرة أخرى بحثا عن هوامش حلول!! 

 

 

 

نموذج المدرسة المؤقتة:

1.    تأجير بناية أو بنايات متقاربة وبحسب الحاجة الفعلية للطلبات التي تقدّم لمكتب التعليم الذي يُنشأ لهذا الغرض..

2.    إعلان لتشغيل كفاءات عراقية مناسبة في الإدارة والتعليم بعقود سنوية..

3.    تشكيل لجنة متابعة يمكن لموظفيها أن يعملوا في مجالس المحافظات (في الداخل) أو في القنصليات أو مكاتب متخصصة (في بلدان الجوار) وتكون مهامها التنسيق مع وزارة التربية في الوطن وفي البلد المعني أو بتوجه مفتشين عراقيين لمتابعة تلك المدارس...

4.    توثق وزارة التربية والتعليم العراقية رسميا لمسيرة هذه المدارس ومتابعة نتائجها وتدقيقها بما يساهم في حل جزء مهم من المعضلة...

 

وفي مجال التعليم العالي:

الإفادة من التعليم بالمراسلة أو بتوظيف التعليم الألكتروني مع إجراء الامتحانات بالاتفاق مع الجامعات الرسمية لبلدان الجوار وأن يحظى الطلبة الجامعيون العراقيون بإعانات التعليم حتى اكتمال دراستهم.. والإفادة بالخصوص من جهود الأساتذة العراقيين في الخارج مقابل مكافآت عمل مناسبة... وهو أمر سيفيد في ربط الأستاذ العراقي بمهنته وببحوثه العلمية والعملية...

133
اللاجئون العراقيون
تطلع للحلّ المناسب وقلق مما يتهدد استقرارهم المؤقت
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
17تموز 2008
tayseer54@hotmail.com

 
بين الفينة والأخرى يحظى اللاجئ العراقي بمن يتحدث عنه؛ فيأخذ شهقة عسى يكون بعض الحديث في صالحه. ولكنه سرعان ما يتبين أنه ما من جديد يضمِّد الجراح سواء تلك التي حملها معه يوم أُكرِه على النزوح أو تلك التي طاولته في طريقه وفي مستقره الأخير. لقد  عصفت بهذا الإنسان ظروف الحياة فهصرته وعائلته حتى استباحت فيه لا قيم وجوده الإنساني حسب بل حتى وجوده الحياتي البشري حيث يتلقفه الموت بصمت رهيب. فلا مورد لعيشه سوى كدحه في ظل أبشع حالات الاستغلال وقيوده، ولا زاد لأهله وعائلته، ولا إمكان لاتصال مع قريب دع عنك الأصدقاء والمعارف، ولا فرصة لأبنائه وبناته في مواصلة التعليم بصورة طبيعية وبلا أكداس المشكلات وعويص المعاناة، ولا رعاية صحية لهم على الرغم من بضع محاولات فردية أو دولية تنزل كما تنزل قطرات متباعدة منفردة في يوم صيفي جاف ساخن على مئات ألوف الناس العطاشى!
وليس من بريق أمل جدي والدول التي تستضيف هذه الآلاف المؤلفة هي ذاتها في ضوائق وظروف معاناة شعوبها..  والمنظمات الدولية ما زالت لا تملك أمام هذي الجموع حلا جديا فاعلا بلا دعم أو مال..والحكومة العراقية لا تجد فرصتها للتعاطي مع المشكلات المتعاظمة المتفجرة التي تنهال من كل حدب وصوب، وهي الحكومة التي ما زالت تحبو في ميدان تشكيل مؤسساتها وليدةَ َ بعد أن وردت المسؤولية ولم تجد مؤسسة دولة بالمرة أو وجدتها أرضا يبابا خرابا فضلا عن مشكلات الحكومة نفسها تنظيميا وعلى مستوى الخبرة والكفاية لمواجهة معضلة كالمعضلة العراقية المستفحلة...
المشكلة تكمن في أمور عديدة منها أن الأوضاع العراقية ما زالت بعيدة عن رحلة الاستقرار وضبط الأمور والأمن والأمان وهي ما زالت في مشكلات هيكلة التنظيم الحكومي وبناء مؤسساته بطريقة تتناسب وحجم المسؤوليات ومستوى الكفاءات التي يحتاجها العراق الطبيعي للتصدي لقضاياه فكيف والأوضاع لم يجرِ تطبيعها بعد خمسِ ِ دمويةِ ِ عجاف! وعليه فإنَّ من الصائب البحث في أبرز إشكاليتين أي الأمن والإدارة الكفوءة النزيهة وكلاهما يترابطان في تضافر وجودهما سلبا أم إيجابا.. ولكننا كما يعيش المواطن ويحيا لا حصلنا على الأمن والاستقرار ولا حظينا بمؤسسة نزيهة في وصفِ ِ لأعلى ظاهرة فساد عالميا تعشعش في بلادنا...
في مثل هذه الأجواء المأزومة اجتماعيا واقتصاديا مع كل الاحتقانات الأمنية والسياسية يدعو بعض المسؤولين وهم في حضرة مسؤولي الدول الأجنبية يدعون لعودة اللاجئين ويتحدثون عن جاهزية واستعداد للعمل الفوري على إعادة العراقيين وفي أفضل الأحوال يرفقون مع هذه الدعوات مفردات تجميلية لأهمية التنسيق في تنفيذ هذه الإعادة.. وهكذا فالعراقي مُكرَه مجبر قسريا على الرحيل والنزوح كما فعلت معه أقسى ظروف الأزمة وأعتى مطاردة من ميليشيات ومافيات الجريمة وعصابات التقتيل والاختطاف والابتزاز وهو مجبر مُكرَه على العودة...
عندما جرى إجباره على ترك بيته والرحيل انتزعوا منه بعض بناته وأولاده وطبعا شيَّعوه بلا مال ولا زاد يقيه طرقات الرعب والابتزاز وهو يفلّ هاربا لأول حدود تتلقف بقية عائلته لتأويهم.. وهكذا ليفي متطلبات طرقات الرحيل وتيممه وجهة الشتات لم يُبقِ (مضطرا) أي قشة تعتب إلا وباعها ليلملم بعض مال يدفعه أتاوات تجنب بلاء طريق الابتزاز وأهوال التغرب... لقد باع بعضهم أعضاء من جسده الناحل واضطر آخر تحت القهر والرصاص وسطوة القوة والعنف أن يخسر من كرامته ولم يبقَ ما يماكه سوى ذكريات خير دفنتها أقدام الهمجية التي استباحت البلاد...
وها هو يصل بلدا يأوي عويلته أو من تبقى منها وما يكاد الأبناء يندمجون ويحظون بشيء من رعاية لا ترقى للحد الأدنى من الخطوط المحددة عالميا ليأتي مسؤول شبع حد التخمة ويتشدق بقرار له يطلب فيه من البلدان المضيفة إعادة العراقيين!! وتلك الدول لن تقول لا لأنها تريد بأية طريقة الخلاص من التزامات مضاعفة عليها ولأنها تخشى من هجرات إضافية أخرى إذا ما تساهلت أو تجاهلت تصريحات بمستوى مسؤولين كبار لإعادة مواطني دولة أخرى كالعراقيين... وهي لن تسأل عن ظروف الإعادة لأنها ترى أن ذلك ليس مسؤوليتها فمسؤولي البلد أنفسهم قرروا إعادة مواطنيهم ...
والسؤال الذي نضعه أمام الضمير الإنساني هو هل يمكن إعادة شخص فرّ من الموت إلى حيث الموت يتربص منتظرا عودته ليقع في شراكه هذه المرة بلا مخرج ولا منقذ؟ من الذي يتحمل مسؤولية توفير أمن يحمي حياة هذا المواطن ويمنحه فرصة عمل يحصل بها على قوت عياله ولا نقول توفير بيت أو مأوى كان قد اُنتُزِع منه يوم رى تهجيره قسرا؟ ولمن يقول المسؤول الذي دعا لإعادة هذا المواطن يوفر له ما تكفله الشرعة الإنسانية .. نجيب ببساطة وهل هذا المسؤول يستطيع حماية نفسه وبيته؟ وإذا وفرت القوات الأجنبية للمسؤول الحماية والوظيفة والمأوى فهل وفروا لمن تبقى من العراقيين أمنا وعملا وصحة وتعليما ليستطيعوا استقبال ملايين المهجرين؟
فأما الأمن فإنَّ القاصي والداني يعرف الوضع وللدول التي تستجيب لدعوة أي مسؤول عراقي لإعادة المهجَّرين اللاجئين أن ترسل أولا سفراءها وتفتح سفاراتها وقنصلياتها وتتأكد من المستوى الأمني وترسل شركات البناء والعمل في نفس طائرات إعادة اللاجئين وإلا فليعترفوا بواقع الأمر ولا يجازفوا في إعادة إنسان بل إرساله إلى جهنم الموت.... وأما القدرة الاستيعابية للاقتصاد العراقي فيكفي الحديث عن مقدار الفساد كونه الأول عالميا ومقدار البطالة كونها الأولى وفوق المنطق بمقدار أكثر من الثلثين وطبعا لا عجلة ولا دورة اقتصادية تدور اليوم فلا زراعة ولا صناعة ولا خدمات والموظفون المسجلون على دوائر الدولة أو من تبقى منهم يتقاضون مرتباتهم وهم في بيوتهم بلا عمل فأي قدرة استيعابية أعدها أي مسؤول يدعو لإعادة ملايين اللاجئين العراقيين..
وليس هذا حال الشغيلة والفلاحين والبسطاء بل الحال نفسها عندما يتعلق الأمر بالعلماء والأساتذة والمهندسين والأطباء فبغض النظر عن الإرهاب الموجه مخصوصا للعقل العراقي وآلاف الذين تمت تصفيتهم برصاص الغدر فإنَّ عودتهم اليوم في مثل هذه الظروف لا تعني أكثر من عملية وضعهم على حزام المطحنة الجهنمية لإبادة بني البشر ملتهمة خيرة علماء عالمنا.. فلا مركز بحثي ولا مختبر ولا معمل ولا مكان لجهدهم العلمي فإلى أين يريد اي مسؤول أن يعيدهم اليوم في مثل هذه الظروف التي لم يحمِهِم من غوائل الموت أو الابتزاز في أفضل الأحوال؟
وغير هذه الأسباب وتلك يبقى لنا أن نتحدث عن حق الإنسان في الاختيار بعد أن سقوه مرّ العذاب وعلقمه ويبقى له أن يقرر البقاء في مجتمع اندمج فيه وكسب فرص الحياة المستقرة الآمنة وفرص العمل له ولأبنائه.. ونحن أيضا نعرف أن قوانين حقوق الإنسان لا تسمح بإرسال إنسان إلى مكان يُحتمل أن يتعرض فيه للخطر بل هي لا تسمح بإرساله حتى إلى مكان ما لمجرد أنه لا يرغب في الذهاب إليه.. وعندما سنرسل العراقيين هذه المرة بالإكراه والقسر والإجبار مجددا إلى مكان لا يذكرهم إلا بالمآسي والجرائم التي نكبتهم في أبنائهم وبناتهم وأخواتهم وأمهاتهم فإننا نرسلهم لغربة جديدة ونكرههم على اندماج جديد ولكن هذه المرة بين اندماج يرحل بهم إلى العالم الآخر والموت أو إلى ركوب موجة الجريمة والعنف لأنهم لا يملكون في محيط بلا قوانين ولا حماية إلا أن ينخرطوا فيما هو موفور بالفعل...
إن الفكر الدبلوماسي المعاصر يسمح بالدفاع عن حقوق المواطنين في تلقي الرعاية كونهم لاجئي الاضطرار ومن مهمة الدبلوماسية العراقية توطيد هذه الحقيقة والدفاع عن رعاياها وتطمين استقبالهم في البلدان التي تحط بهم فيها سفن النجاة وليس من الصحيح للدبلوماسية العراقية أن تتحدث عن عودة فورية للظروف المعروفة التي تحدثنا عنها هنا كما أنها لا يمكنها الحديث المباشر وفي محافل بعينها حتى عن عودة آجلة لأن ذلك سيشجع البلدان المستضيفة علة التعاطي مع العراقي بطريقة التسويف والمماطلة التي تأخذ من عمره زهرته لتتركه يواجه في النهاية مصير الموت بائسا مستغلا يحيا الاستغلال البشع والضغزط التي تطحنه قلقا وخشية وعدم استقرار وعمر الإنسان ليس لعبة أو ملكية ليعزقها أي مسؤول حتى لو كان بدرجة فخامة أو دولة أو قدس اللهم سره فحياة الإنسان ملكه وحده وملك من وهبه الحياة وخلقه وهي ليست بتصرف أحد أو ملكيته...
إن مختلف بلدان العالم لها مواطنين في بلدان أجنبية وجميعها تتابع مواطنيها وترعاهم فما الذي سيجري لو أننا تحملنا مسؤولياتنا وعرفنا أصول اللعبة الدبلوماسية بل مسؤولية أن نتصدى لمهامنا تجاه رعايا العراق؟
لقد شردت الظروف القائمة في البلاد ملايين العراقيين ولم يعد بالإمكان إعادتهم جميعا لا حاليا ولا في المستقبل ولكن من المفيد التفكير بخطط لرعايتهم ومتابعة شؤونهم حيثما استقروا وتطمين حاجاتهم الإنسانية وخلق وسائل تشغيلهم وتوفير فرص الحياة الكريمة لهم بدل ابتزازهم مجددا وزتهديدهم بالإعادة القسرية أو التسبب في هذي الإعادة القسرية نتيجة رعونة تصرف دبلوماسي أو تصريح غير مسؤول وقرار غير مدروس..
وإنني هنا أدعو العقول العراقية من علماء ووجهاء الحكمة وسداد الرأي لتشكيل هيأة عراقية للعراقيين المهاجرين والمهجرين للدفاع عن حقوقهم وتمثيلهم في المستويين الوطني العراقي أمام الدولة العراقية وتقديم المطالب والحلول والمعالجات وطلب الدعم والرعاية المؤملة وأمام الدول التي تستقبل العراقيين وأمام المنظمات الدولية وبخلافه سيبقى العراقي بين حانة ومانة يتاجرون ويسمسرون به ويذبحونه أسوأ مما تُذبح الشياه...
صرخة لن تذهب في واد طالما وُجد العراقيون الغيارى ولنحمي أهلنا في شتاتهم ومهاجرهم لنشكل "الهيأة الدولية لعراقيي المهجر والشتات"... لا تتركوا الأمور بأيدي إن لم تكن أيدي القصاب الجزار فهي أيدي النخاس السمسار وإذا كان هؤلاء قلة فلنضع أيدينا نحن العراقيين بأيدي بعضنا بعضا من مواطنين ومهجرين ومهاجرين ومسؤولين شرفاء يتحدون الصعاب ويتصدون لمسؤولياتهم تجاه أنفسهم وتجاه أخوتهم ورعاياهم...
ثقتي وطيدة بأخيار العراق في كل مكان حيث يحيلون التطلع للحل إلى حل ملموس واقعي ويزيحون كوابيس القلق وآلامها بعيدا حيث يتحقق الاستقرار والأمان للجميع داخل الوطن وفي المهجر.. وليس من داعِ ِ للاعتقاد بأنه من اللازم الواجب أن نعيد العراقيين بخاصة في ظروف الغمة والأزمة بل الحل يكمن في قبول واقعنا والبحث عن الحلول الممكنة التي تؤمِّن الاستقرار والأمان والسلامة وسيكون هؤلاء ذخرا وعونا لمن بقي في الوطن يوم تستقر الأمور ليعاضدوا عمليات البناء ويفعِّلوا العلاقات النبيلة مع شعوب العالم ودوله في غد باهر قابل...
 

134
ثورة الرابع عشر من تموز.. العبر والدروس والعراق الجديد
 
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان
14\07\2008
tayseer54@hotmail.com

 
في اليوبيل الذهبي للذكرى الخمسين لثورة الشعب العراقي الوطنية الديموقراطية يستعيد العراقي ذاكرة صبيحة بزغت فيها شمس الرابع عشر من تموز 1958 لتعلن عن انطلاقة مسيرة التحولات الجدية في حياة البلاد والعباد.  ويستعيد أيضا توكيد أنّ تلك الثورة كانت قد عبرت عن نضج الحركة الجماهيرية وتعاظم تأثيرها من جهة وعن موضوعية الخيار الشعبي للحركة الوطنية في حسم أمر الصراع مع النظام السياسي الملكي  الذي بقيت إجراءاته بين تلك الضعيفة الهزيلة بما لم يَرقَ  لتلبية مطالب العراقيين وحاجاتهم وبين الرجعية المرتبطة بمصالح وأجندات أجنبية تعارضت والمصلحة الوطنية بكل ما تضمنته إجراءات النظام تلك من عداء للشعب ومطامحه وصولا في عديد من المراحل إلى درجة ممارسة العنف تجاه الشعب وتجاه قياداته الوطنية النزيهة كما في حال الإعدامات التي طاولت قيادات حركة اليسار الديموقراطي أو توجيه البنادق والمدافع الرشاشة بوجه المنتفضين...
 
لقد كان لحال القصور الفادح في تلبية حاجات الناس وعمليات استغلالهم الفاحش ومن ذلك ما طاول المعدمين والكادحين في أثناء الحرب الكونية الثانية وبُعيدها فضلا عن قمع إرادة الحركة الاجتماعية السياسية المتنورة بخاصة منها اليسارية الديموقراطية والإفراط في قمعها الدموي العنيف إلى جانب عملية ربط البلاد بالأجنبي وبأحلاف مسَّت السيادة والمصالح الوطنية العليا، لقد كان لكل ذلك أثره البالغ في تنامي الرفض الشعبي وحركات الاحتجاج كردّ فعل اعتمد وعيا ثوريا وقرارا مصيريا مهما بضرورة حسم الأمور لصالح الأغلبية المسحوقة من العمال والفلاحين والطبقة الوسطى ومن كوادر علمية وتكنوقراط ومثقفين ومبدعين...
 
وهكذا كانت ثورة الرابع عشر من تموز ردا قويا وصارما على أساس من حقيقة أنّ لكل فعل ردّ فعل مساوِ ِ أي أنَّ الشعب وقواه من أحزاب سياسية كانوا قد وجدوا أن العمل السياسي البرلماني قد استنفد إمكاناته عندما جرى تزوير إرادتهم وقمع أي احتجاج على فرض القوى المرغوب بها بالحديد والنار كما في مثال المدفعي وقمع الاحتجاجات الشعبية.. وعليه فالثورة تظل استجابة منطقية لواقع العراق باتجاه تحقيق تطلعات أبنائه وأهدافهم في التحرر واستكمال السيادة وبناء مؤسسات الدولة على أساس وطني ديموقراطي حقيقي.. ولم يكن خيار القوى الديموقراطية للحسم بهذه الطريقة إلا كخيار أخير وقسري تفرضه طبيعة الحدث وجوهره...
 وبالفعل فإنَّ مَن يقرأ منجزات ثورة الرابع عشر من تموز يوليو بموضوعية وحيادية سيجدها تغييرا جديا ونوعيا في مسيرة العراق ومرحلة جديدة  لم تقف عند حسم الضباط الأحرار للموقف في رأس هرم السلطة بل ظهرت الثورة وبدت  بفعاليات اقتصادية واجتماعية وسياسية عريضة وعميقة في الحياة العامة  وكافحت كل محاولات جرها للعنف الدموي حتى وصل الأمر في محاولة تفادي العنف لاستخدام شعار (عفا الله عمّا سلف) حتى تمَّ الإيقاع بقيادتها وبمنجزاتها ووقف التحولات الثورية بمجزرة معدّة مطبوخة ساهمت فيها جهات داخلية متضررة من سلطة الشعب والثورة بالتنسيق وبدعم فعلي مباشر من قوى أجنبية باتت معروفة تماما.
ولمن يقرأ سلطة سياسية ومفردات أنشطتها ومنجزاتها لا يقرأها من عدد من الضحايا أو بعض خسائر بطريقة تصيّد الأخطاء والثغرات وحتى هذه الأمور يعترف بها الثوريون وقوى اليسار الديموقراطي وهم يرفضونها قطعا ويعملون على تأمين عدم الوقوع بها بشتى ما يمكنهم من وسائل وكثيرا ما وقعوا ضحية هذه السياسة الإنسانية في جوهرها بسبب من طبيعة العنف والغدر في القوى المعادية لمطامح الشعب.. وبخلاف هذه الثغرات فإنَّ الثورة تُقاس بالقوانين العامة لمجريات مسيرتها وما حققته مثلما يمكن دوما التوكيد عليه في منجزات ثورة الرابع عشر من تموز من مثل: 
 
      1. إنجاز الإصلاح الزراعي وضرب النظام الاقطاعي المتخلف والنهوض بالريف وتحديث الزراعة وتحسين حياة الفلاحين سواء لسن القوانين الحارسة لمصالحهم أم بتوزيع الأرض على من يزرعها أم بتقديم الخدمات وتكوين الجمعيات والاتحادات القطاعية المعنية..
     2. الشروع بثورة صناعية حديثة مع استجابة لمطالب الشغيلة ومصالحهم وتطلعاتهم وسن قوانين العمل وتعديلها بما يتلاءم والمتغيرات واطلاق الحريات النقابية وتعزيز أدوار الشغيلة في الحياة العامة...
     3. انتزاع النسبة العظمى من الأرض العراقية من أيدي الشركات الأجنبية وتشريع قانون نفطي هيأ لتأسيس شركة النفط الوطنية ولتعديل موازين الأمور في هذا الشريان الحيوي..
     4. تعزيز فرص العمل السياسي والمهني الجماهيري وتشريع قانون الأحوال الشخصية الذي فتح المجال واسعا لتعزيز دور نصف المجتمع المعطل (أي المرأة) في الحياة العامة وإنصافها وتحقيق الانقلاب الاجتماعي المناسب لانعتاقها من القيود التي أنَّت بوطأة نيرها واستعبادها...
     4. الشروع بالعمل من أجل التحضير للانتقال للشرعية الدستورية والعمل المؤسساتي باتجاه  مجلسِ ِ وطني منتخب إلى جانب هيئات القضاء العادلة والجهاز التنفيذي المنضبط بقوانين تخدم مصلحة الشعب والوطن.. على الرغم من التلكؤ الذي صادف الأمر نتيجة الخشية والقلق من مظاهر الاحتراب التي طفت بسبب اندفاعات بعض القوى السياسية وتنفيذ أخرى لأجندات أجنبية...
     5. الخروج من كتلة الأسترليني وتحرير العملة والاقتصاد العراقيين وإنعاشه (معروف شعار عاش الزعيم الزيَّد العانة فلس أي زيادة قيمة العملة وقدرتها الشرائية) فضلا عن التحسن في الخدمات وأمور السكن والمعاشات والتعليم والصحة...
     6.  الخروج من حلف بغداد ورفض سياسة الأحلاف المخلة بالسيادة وبمصالح البلاد...
 
إنَّ هذه الدروس بكل ما حملته من إيجابيات ومن ثغرات ونواقص وعثرات سواء منها الذاتية أم الموضوعية، تعيد للذاكرة أهمية أن يعمل العراقيون بعد هذي العقود الخمسة على استعادة مسيرة ثورتهم الوطنية الديموقراطية ونهجها التحرري وعملهم على توكيد التوجهات الرئيسة لها في تحرير الاقتصاد ومفرداته من أية ارتباطات مخلة، كما في توكيد جوهر مفردات قانون النفط واعتماد الطاقات والكوادر الوطنية والخطط الاستراتيجية والتنفيذية التي  تتناسب وتحقيق أفضل الخدمات للمواطن العراقي. والامتناع عن إدخال العراق بارتباطات أمنية عسكرية تتعارض مع مصالحه حاضرا ومستقبلا..
وسيكون لمسيرة استكمال بناء مؤسسات الدولة والاستجابة لتطلعات الجماهير وحاجاتها وإطلاق الحريات الديموقراطية والعمل من أجل إنجاز المصالحة الوطنية بلا تلكؤ وجعلها أولوية تحدد من يدخل في طريق بناء العراق الجديد ومن يقف في صفوف أعداء تقدمه ومصالح أبنائه.. [سيكون لذلك كله] أبلغ الأثر في إعلان الانتصار لجهود أبناء الشعب العراقي اليوم لتحقيق المصالحة مع الذات ومع المحيطين الإقليمي والدولي بما يعيد الاستقرار والأمن ويكفل شروط مسيرة بناء سلمية  وطيدة الأركان...
 
إنَّ خمس سنوات لثورة تموز كانت وافية للانتقال لمرحلة بناء المؤسسات ولكنهم ذبحوها بمجازر دموية في شباط الأسود الملطخ بأحمر دماء أبناء الشعب بخاصة من اليسار الديموقراطي وحينها لم تكن فعاليات القمع الدموي ومجازر دفن الأحياء قد تمت بيد الفاشست ومن وراءهم من خلف الحدود لوحدهم بل شاركت في ذاك الهولوكوست الدموي السياسي الأول في التاريخ العراقي قوى الفتاوى المبرقعة بنقاب التضليل لا الدين ولا شرائع السماء والأرض وبدأت من يومها بعد خمس سنوات الثورة خمسين سنة من عمر المذابح التي حلت بشعبنا حتى جاءت السنوات الخمس الجديدة لعراق آخر كما يقول واقعه إنَّ الصراع فيه على أشده كونه الصراع الأشد والأعلى ذروة لأنه يمكن أن يكون للمرة الأخيرة وإلى الأبد عندما يهزم الطغيان ومخلفاته وعناصره الشاذة المرضية الممثلة بأرضية فكرية وتنظيمية من الطائفية والتكفيرية التي تهيئ للفاشستية الدموية التي لا كابح لها إلا إزالتها نهائيا...
 
وبالضد من هذه الغمة السوداء المبرقعة مرة أخرى بزيف الادعاءات الدينية الكاذبة والمضللة فإنَّ القوى الشعبية وفي مقدمها المثقفون والكتّاب والأكاديميون والتكنوقراط العراقيون من المؤمنين بمسيرة وطنية ديموقراطية ليشددون على رفض مشروعات التشرذم والتشظي الطائفية العرقية ورفض قيم المحاصصة المرضية ومحاولات مصادرة التحولات وتجييرها بعيدا عن مصالح أبناء الشعب؛ ويعملون من أجل عراق ديموقراطي فديرالي موحد يمثل بفلسفته هوية إنسانية الجوهر يفتخر بها جميع العراقيين أخوةَ َ متساوين متحدين من جميع المكونات والأطياف القومية والدينية والمذهبية والسياسية...
 
وهكذا فإنَّ عراقا جديدا لا يمكنه أن يقوم من غير تحقيق مبادئ بشرت بها ثورة الرابع عشر من تموز وافتتحت مسيرتها لولا جرائم الفتك بقياداتها الوطنية وطبعا ذلكم لن يتحقق إلا بالانتصار لفلسفة التنوير على أحابيل الظلام وادعاءات قواها وإلا بالانتصار لتفعيل دور العلوم والمعارف والفنون على أدوار الجهل والتخلف  والأباطيل  بإعلاء شأن الثقافة وقيم الإبداع الفكري الفلسفي والجمالي الفني والأدبي ووضع أدوات أجهزة التعليم والإعلام بأيدي المتنورين من أبناء شعبنا... مدركين اليوم ما للثقافة والمعارف من دور خطير الشأن في مسيرة حاضر الإنسانية ووطننا وشعبنا وفي بناء المستقبل الأفضل، متطلعين وعاملين من أجل سيادة ثقافة وطنية إنسانية مشرقة متنورة حيث ميدان العقل ميدانها لا ميدان الضلال والظلامية وفكر التحجر ومجاهل القرون الوسطى وعتمة التخلف وزمن العته والتردي... ولأن التعليم والإعلام وغيرهما من أدوات هي بيد من يسيطر على رأس المال وينهبه ليل نهار وبيد من يسطو على السلاح في زمن ضعف الدولة وانحلالها فإنَّ تنظيميا شعبيا متينا وصحيا صحيحا يمكنه أن يخوض معركة انتصار نور العلم والمنطق العقلي على الجهل والتخلف؛ ولكن بقاء التنظيم كلاسيا في كل أمراضه وثغراته يبقيه هو أيضا أداة أخرى بيد قوى العتمة والظلام وتحت عباءتها وفي ظل مخططاتها ومفردات مسيرتها... فهل نعي الدرس ونخرج من شرنقة الطيبة حدّ السذاجة في تنظيم جهودنا الوطنية؟
 
وبعدُّ، قد ينتهي أي خطاب سياسي أو فكري بالهتاف لشعار أو مبدأ أو هدف وغاية ولكن في مثل هذي القراءة [وإنْ كانت العجلى] سيكون مفيدا القول: إنَّ العمل [وليس الاكتفاء بالهتاف]  لدروس [ومبادئ] ثورة الرابع عشر من تموز هو ما يمكنه أن يحقق هدف الوطن الحر والشعب السعيد.. وطبعا لا يتم ذلك إلا في ظل دولة مدنية علمانية معطاء تلتزم أسمى ما أسفرت عنه نجاحات عصر النهضة وما أسست له مبادئ تراث الإنسانية الوليدة هنا بين جوانح وادي الرافدين السومرية فيما غزوة الظلمة الهمجية القادمة من منابع أو مهالك القفر الفكري إلى زوال بقدر تمسك أبناء شعبنا بتاريخهم المجيد في حمل راية اليسار والبرنامج الوطني الديموقراطي له وهو برنامج العلم والثقافة وعطائهما في مسيرة البناء حيث نؤكد جميعا وسويا أننا لا نسمح بتكرار لدغنا واستباحتنا ونؤكد تمسكنا بمبادئ ثورة تموز وتجاريبها الغنية لنبني العراق الجديد بحق بعيدا عن تضليل من بدأ الجريمة يوم ساهم في اغتيال الثورة بنفس خطابه المدعي قدسية التديّن ومن ثم حربه التكفيرية سواء التي ترفع راية سوداء أم خضراء والعبرة لمن اعتبر... 

135
من أجل مستقبل أفضل للطفل العراقي*
الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي عراقي \ ناشط في مجال حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com

 
تعاقبت على العراق ظروف مأساوية غير طبيعية كان فيها النظام قبل السقوط مستهترا بمصير الناس وحيواتهم وتفاصيل حاجاتهم ومطالبهم الإنسانية.. وأعقب ذلك تداعيات الإرهاب والمافيات والقوى الطفيلية التي استغلت التداعيات الخطيرة في اللحظة التاريخية لتحرر العراق من الدكتاتورية وحروبها العبثية ليدخل مرحلة سطوة قوى الموت الأسود الدموية الإرهابية وقوى الفساد المرضي بفعاليات مص الدم حتى آخر قطرة...!
وهكذا تضاعفت آلام الطفل العراقي ومعاناته مما نجم عن الولادات المشوَّهة خَلـْقيا بسبب الإشعاعات المتأتية من بقايا أسلحة تلك الحروب الهمجية والناجمة عن السرطنة وعن تدني الرعاية الصحية بل انعدامها في كثير من المواضع مثل فقدان اللقاحات والتطعيمات الضرورية اللازمة كما تؤشره  تصاعد نسبة شلل الأطفال وغيره مما تركه العالم المتحضر خلف ظهره منذ زمن..
ولم يخسر الطفل العراقي الرعاية الطبية حسب بل فقد كثيرا من أشكال الرعاية المنتظرة كما في ضعف بل اضمحلال رعاية التعليم حتى بات لا يسطيع الوصول إلى مدرسته ولا متابعة دراسته الجامعية أو التخصصية المهنية وهو إذ يجابه صعوبات مادية في حياته اليومية تصل حد الافتقار للتغذية الصحية الوافية؛ فهو كذلك يفتقر لإمكانات امتلاك الرداء المناسب وتوفير اللوازم المدرسية من قرطاسية وغيرها فضلا عن كارثة خلو الفصول الدراسية من مقاعد الدرس ولا نقول خلو المعاهد والكليات للمختبرات الحديثة وللمصادر العلمية مما ينبغي أن تُستكمل فيها العملية التعليمية...
وقد نجد أبنية مهددة بالسقوط أو حتى عدم وجود بناية تعليمية وصل الحد إلى مستوى تبني فيه حكومة دولة آخر قطرة نفط في العالم أبنية طينية في بعض القصبات والقرى والأحياء!!!
وقبل هذا وذاك يجابه طلبتنا من أبنائنا وبناتنا تهديدات تمنعهم من الالتحاق بمدارسهم سواء باضطرار كثير منهم لقسوة استغلال تشغيلهم من أجل لقمة العيش بتحول ملايين من أطفال العراق إلى معيلين لعوائلهم بعد أن صارت حوالي خمس ملايين امرأة عراقية أرملة فقدت زوجها في مسلسل الحروب المبتلاة بها بلادنا...
وبدلا من مسؤولية الدولة عن معيشة هذي الملايين من الأطفال وأمهاتهم وأخواتهم يجري مصادرة وجودهم فيُتركون لعملية استغلالهم بشعة مرة كأداء وابتزازهم كما في تجنيدهم لميادين الإرهاب وتفجير أجسادهم الغضة بأصابع خبيثة تترصدهم وتسيِّرهم بضغوط نفسية واجتماعية ومادية وروحية دينية الستار دنيئة الأهداف...
إنَّ شعور العراقيين ونظامهم الاجتماعي وتراثهم الحضاري المجيد الذي يتبنى أفضل القيم الإنسانية في رعاية الطفل وتوفير فرص التعليم مذ أنشأ أول مدرسة للتعليم في تاريخ الإنسانية ومذ أنشأ أول أبجدية وأول مكتبة ومذ وضع أول القوانين والشرائع؛ إنَّه ليُعلي بمسؤولية وجدية شأن العمل من أجل حاضر أسهل وغد أفضل لأطفال العراق...
ومن هنا فإنَّ من بين خيرة أبناء الوطن من دفع بجهده وماله وكل ما يملك لتحقيق جانب من مطالب الطفل العراقي فكان مثال إنشاء برلمان الطفل العراقي واحدا من أبرز التوجهات التي رعتها أيادي كريمة وعقول نيِّرة وأتوسم في مثل هذه التضحيات والأنشطة المميزة قدرات حقة يمكنها أن ترتقي بمسيرة الطفل العراقي وتمنحه فرصا تربوية سامية كما في تدريبه ليبني غده ديموقراطيا صحيا سليما..
إنَّ فكرة برلمان الطفل ليست لعبة أو حالة ترفيهية بل هي نشاط جدي مسؤول يرتقي لعملية تربوية وسياسية اجتماعية كبيرة المعاني في التحضير لإعداد الطفل لغاية مهمة كالممارسة الديموقراطية وهي عملية تربوية ينبغي أن تبدأ من مرحلة الطفولة وإلا دخلنا في دهاليز وتعقيدات غير سوية كما جرى ويجري في عديد من النماذج القائمة من ثغرات ونواقص بالخصوص..
كما ينبغي تذكر حقيقة دور برلمان الطفل في التعاطي مع تدريبهم على تحمل المسؤولية وهم الأقدار على ما تصنعه مخيلتهم وعقولهم من إبداعات وابتكارات تتناسب وطبيعة معاناتهم ومطالبهم وحاجاتهم..
كما ينبغي أن نتذكر كون برلمان الطفل فرصة تفتح أمامه وضع جرأته واندفاعه وطاقاته الحيوية الهائلة في مسارها الصحيح حيث يتناول شؤونه ويعالج معضلاته بنفسه ويقدم الحلول المناسبة عبر معايشة حية صادقة وأمينة... وهذا لا يقف عند حدود إبعاد شرور التضليل وجرِّ الأرجل والانزلاق إلى فعاليات مريضة بل يمنح البدائل الموضوعية للأنشطة المؤملة من طفلنا...
ونضيف أن برلمان الطفل الذي يمثل اليوم حدثا مهما سيكون من جهة مدرسة تربوية ومن جهة نموذج للبحث في تنامي روح مسؤول وفي عقد العلاقات بين مجموعات أطفال العراق من مختلف بيئاته ومدنه وأطيافه مكونا حشدا جماهيريا مشرقا بجهوده البناءة..
ولا ننسى العلاقات التي سيتيحها برلمان الطفل مع أطفال المنطقة والعالم وما يتيحه من حوار إيجابي وما يعكسه من تفعيل لجهود الطفل العراقي ويقدم إبداعاته أمام العالم ويمنحها قدرها وحقها في الحياة..
وإذا كنت بدأتُ بعرض الصورة المأساوية  للطفل العراقي ومعاناته المريرة وإذا كنتُ مررت على تجربته الرائدة بدعم الشخصيات الخيرة النبيلة في مجتمعنا فإنني أضع مطالب المجتمع العراقي أمام مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني لكي تنهض بها بمستوى مؤمل لدرجة تتناسب وتلبية تلك المطالب:
1.  فيجب بدءا وضع ميزانية مخصوصة بأنشطة الطفل العراقي النوعية  العائدة له...
2.  ويجب أن توجد جهة مسؤولة للتخطيط لبرامج تدخل في خدمة تسهيل أنشطته وحياته وظروفها...
3.  ولابد في كل جهة خدمية أن يجري تسجيل خدمات نوعية مخصوصة بالطفل كما في صحة الطفل ومؤسسات التربية والتعليم والترفيه والإبداع...
4.  دعم الفعاليات النوعية الكبرى للطفل وأولها برلمان الطفل العراقي في المحافظات وعلى مستوى الوطن...
5.  ومن دعم الفعاليات النوعية إنشاء مسرح محترف للطفل العراقي في كل محافظة وفي المستوى الوطني العام مع اهتمام جدي بهذا النشاط على مستوى تكوين المسرح المدرسي وتوفير الصالات والمتخصصين له..
6.  إيجاد برامج إعلامية متخصصة في الفضائيات والإذاعات المحلية سواء من جهة الكبار وتوجه رسائل برامجهم للطفل أم من تلك التي تعنى بوجود الطفل معدا ومقدما لتلك البرامج بما يرعى إبداعاتهم...
7.  توفير الحدائق والملاعب وأماكن الترفيه المناسبة في المدارس والأحياء والمدن..
8.  توفير الملاعب والأندية الرياضية والفنية المناسبة وتوسيع قدراتها طاقاتها والبدء بدوري يُعنى بالطفل في مختلف الرياضات البدنية والعقلية كما في أمثلة كرات القدم واليد والطائرة والسلة وكما في الشطرنج وما يناظر ذلك...
9.  إشراك الطفل العراقي في هذه الميادين في منافسات محلية وإعداده إعدادا متكاملا للمشاركة بالأنشطة الإقليمية والدولية...
10.       إنشاء المكتبات المدرسية والمحلية البلدية وتوفير أجهزة الحواسيب (الكومبيوتر) فيها وإقامة الدورات بشأن استخدام الكومبيوتر..
11.       توفير فرص لصحافة الطفل ولأقلامهم المبدعة..
12.       توفير جوائز على مستويات المدرسة  والمدينة والوطن في مجالات الأنشطة والإبداعات المتنوعة...
13.       فتح مراكز متابعة حقوق الطفل ميدانيا وتلبية شكاواهم ومطالبهم وإتاحة وجود القانونيين والحقوقيين الذين ينهضون بحمل تلك المطالب والتساؤلات للترافع أمام الجهات المعنية...
14.       إيجاد الحلول الجدية التي تلتفت للأيتام ولتحسين دور الرعاية المتخصصة ولأطفال الشوارع ولأولئك الذين وقعوا في فخ الجنح والجريمة بما يتناول أوضاعهم بالطريقة المناسبة..
15.       تشجيع الدراسات والبحوث التي تتناول قضايا الطفل على مستوى المعاهد والجامعات والمراكز البحثية المتخصصة...
16.       دعم تشكيل لجان واتحادات وجمعيات ومنظمات الطفل العراقي على مستويات المدرسة والحي والمدينة والوطن.. مثل اتحادات الرواد للفتية والفتيات والشبيبة الديموقراطية والطلبة وما إليها من جمعيات يمكن إنشاؤها رعاية للطفولة وأنشطتها...
17.       لابد من مركز وطني متخصص ومسؤول يُعنى بالطفل العراقي ومصالحه حاضرا ومستقبلا ويخطط لحياته حرة كريمة آمنة ويتناول معالجة كل تفاصيل مطالب الطفل وحاجاته وتطلعاته...
 
 
إنني لأرجو لجهود مثابرة شجاعة كما تلك التي يحملها شخوص مهمين ناشطين داخل الوطن وخارجه أن تثمر نتائج خير مثال الأستاذ الدكتور شفيق المهدي ودائرة أنشطته التخصصية بالطفل والأستاذ محمد رشيد وكل تلك الأنشطة المتنوعة بشأن الطفل العراقي عامة والأيتام بخاصة من تفاصيل مطالبهم وحتى تعقيدات الدفاع عن حقوقهم القانونية والدخول في دائرة إنشاء مؤسسات تلبي مطامح نوعية كبيرة كما في الجهد المميز لإيجاد برلمان الطفل ..
بورك كل مسعى نبيل يصب في التأسيس لمجتمع المستقبل الناضج الصحي الصحيح عبر تربية سليمة وتسيير صائب لخطى الطفل العراقي.. وبورك في أطفالنا الذين يتحملون بجرأة وشجاعة وعقل علمي متنور يرى الصحيح بقدرات ناضجة واعية وهم يخططون لأنفسهم مسيرة طامحة واعدة نتأمل فيها كل الخير...
وأشد على أياديكم و أضع جهدي المتواضع معكم لتنسيق تلك المسيرة وتفعيلها وتقديمها للعالم أجمع صورة ناصعة مميزة باتت تؤتي ثمارها شموسا وكواكب بأطفالنا الرائعين بنات وأبناء وبمن يحلم معهم ويحمل العبء عنهم داخل الوطن أولا وخارجه حيث مساعي الدعم الحثيث والفعال...
 
 
* كلمة موجهة للمؤتمر المنعقد بمدينة العمارة العراقية لانتخاب أول برلمان للطفل العراقي بجهود دار القصة العراقية والسيد محمد رشيد...

137
المنبر الحر / سومريات
« في: 17:35 04/07/2008  »
سومريات
يكتبها: الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
2008/07/05
أستاذ الأدب المسرحي
tayseer54@hotmail.com
 
توثيق النصوص المسرحية العراقية
[[إعادة تقديم مشروع إحياء النص المسرحي العراقي]]

 
معروف ما للتوثيق من أهمية في أي مجال معرفي بما يوفره من فرص بين أيدي الباحثين للتعاطي مع النشأة ومراحل التطور وتراكم التجربة وبما يفيد في شؤون ومجالات عديدة.. وإدراكا للأهمية الكبيرة بالخصوص في المجال المسرحي جرت منذ سنوات بعيدة محاولات لطبع عدد من النصوص المسرحية المنسية فأفلتَ من الضياع بعضها عبر توثيقه في مكتبات عامة أو شخصية.. الأمر الذي ساعد لاحقا مراكز التوثيق والمكتبة العراقية على الاحتفاظ بعدد من تلك النصوص ووضعها بين أيدي الباحثين والمختصين..
إنَّ حقيقة ضعف طباعة النص الدرامي تعود في الغالب إلى:-
1.   ضعف حركة الطباعة وتخلفها في بواكير كتابة النص العراقي في نهاية القرن التاسع عشر.. والكلفة النسبية العالية لعملية الطبع...
2.   فضلا عن الإغفال والإهمال لعملية طباعة النص المسرحي تحديدا بسبب من عدم عدِّه ضمن الأعمال الأدبية (المهمة) أو التي تستحق الطباعة على وفق الرؤية السائدة في المحيط الثقافي آنذاك، حيث تعرَّض الأدب المسرحي للازدراء والتهميش من النقاد والأدباء في ظروف سيادة النزعة المحافظة التي كانت تُعلي من شأن الشعر على حساب الأنواع الأدبية الأخرى.. بل هي أحيانا لم تصنِّف النصوص المسرحية ضمن أجناس الأدب وأنواعه...
3.   عدم وجود اتحادات أو روابط لكتّاب المسرحية وعدم قبولهم في الاتحادات الأدبية المعنية ومن ثمَّ طابع العزلة الذي أحاط بالكاتب المسرحي...
4.   النص المسرحي كُتِب دائما من أجل العرض المسرحي وعند تقديمه كانت تجري عليه عمليات تشريحية وتغييرات على وفق طبيعة العرض ورؤية المخرج فينتهون من النص ويلقونه جانبا بعد الانتهاء من العرض المسرحي بطريقة لا يجري فيها توثيقه...
5.   تخلف الوعي بأهمية عملية التوثيق بخاصة في ظروف كانت تتم فيها الكتابة المسرحية في ظروف من التضاغطات الاجتماعية والأدبية التي أبعدت عملية الطباعة وتوثيق النص إلى هامش الأنشطة...
 
الكارثة الجديدة التي حلّت بالنص المسرحي العراقي هي محرقة هولاكوية جديدة في إطار هولوكست الكتاب والوثيقة الوطنية العراقية عندما تمَّ إشعال الحرائق في المكتبة الوطنية وفي المكتبات العامة ومراكز البحوث والتوثيق في الجامعات والمؤسسات الرسمية حتى اعتقد بعضنا أنَّه ما عاد لدينا أثر لكتاب أو مخطوطة أو وثيقة نادرة.. ولكن الحقيقة غير تلك.. إذ يمكننا أن نفترض على وفق الوقائع ومجريات الأمور أن بعضا من نوادر المؤلفات وثمينها قد ذهب بين أيدي أولئك الذين أخذوها لسبب ما من هناك  قبيل تلك الجريمة مباشرة..
وفي ضوء الدرس المستقى من تلك الجريمة الأشنع بعد قتل البشر أنفسهم أصبح لابد من استعادة فعل التوثيق ولملمة تلك النصوص ووريقاتها المبعثرة وإعادة نشرها بطريقة منظمة دقيقة... ويمكننا أن نبدأ مشروعا ثقافيا مسرحيا برصد ميزانية لوزارة الثقافة مخصوصة بمشروع إحياء تراث النص المسرحي العراقي حيث ننشئ موقعا رسميا على شبكة الأنترنت لنشر النصوص بعد جمعها وتوثيقها وتصنيفها فضلا عن إمكان طبع تلك النصوص وتوزيعها على الجهات المعنية بها...
ويمكن لهذا الغرض أن تتضافر جهود المعنيين بالأمر بتشكيل لجنة (التراث المسرحي العراقي) لهذي المهمة يدعمها كل صاحب همة ورغبة في خدمة مسيرة الأدب المسرحي والمعارف الإنسانية التي تدخل في تنوير المسيرة وإعلاء رايات التمدن وحفظ تراث الإنسانية ذخرا للنمو والتقدم... وتجري أولا عملية جمع النصوص وتصنيفها ومن ثمَّ طبعها في سلاسل على سبيل المثال: سلسلة إحياء التراث الدرامي؛ سلسلة الروائع أو النصوص المتميّزة؛ سلسلة مسرحية الفصل الواحد؛ وسلسلة النصوص الحديثة التي تصارع عتمة الظروف المحيطة المحبـِطة...
وينبغي تفعيلا للأمر اعتماد عملية توثيق وفهرسة علمية دقيقة والرجوع إلى أبرز المساهمين في هذا الإطار.. فلقد أصبحت عملية التوثيق والفهرسة ضرورة، من دونها، ستظل الدراسات والبحوث تراوح في مكانها وتجابه مصاعب جمة بخاصة عندما يعمل كل باحث بمعزل عن الآخرين وعن أرضية العمل وعن أولياته وجداوله التأسيسية، حيث افتقار المكتبة إلى وجود ما يشير إلى البحوث وإلى النصوص ومواضعها.. وتأسيسا على ذلك فنحن بحاجة إلى مركز وطني للتوثيق ولحفظ النصوص يمتلك الإمكانات الوافية لدعم جهود الباحثين. وإلا فإنّه في حالة عدم فتحه لجهود البحث والدراسة سيبقى محض متحف لعرض قليل من نماذج الماضي.
وسيكون من المفيد التعاطي مع مشروعات الدعم والتنشيط كإجراء مسابقات وتعزيز التنافس الإيجابي البناء على رفد المركز المعني والوقوف مع أعضائه لما يجمع فيه أكبر حجم متاح من الأعمال لإظهارها... كما سيكون داعما مهما العناية بدورية متخصصة بنشر النصوص التراثية والحديثة سواء منها المطبوعة الورقية أم الألكترونية فتلك من الأدوات الفاعلة لتوسيع صلات المتلقي بخاصة منهم المعنيين بالنصوص المحلية العراقية... فضلا عن فتح بوابات الاتصال عربيا وعالميا...
إنَّ مزيدا من الفاعلية سيكون متاحا مع وجود منتديات في جميع المحافظات والمهاجر لجمع النصوص والعناية بها فضلا عن وجود هيأة وطنية عليا لتقويم النصوص ومنحها الجوائز المناسبة والمكافآت المؤملة التي تدفع من يحتفظ بتلك النصوص القديمة لإشهار وجودها وتقديمها بما يتناسب وحجم التفاعل مع الدوافع وعوامل التشجيع والدعم ومع وجود خطة ثابتة ورصيد مناسب من الأدوات المادية والبشرية لتنفيذ المشروع...
علما أن عددا من المواقع المسرحية والشخصيات المعنية قد بدأت بجمع ما لديها من متاح من نصوص عراقية وغيرها بخاصة منها التي كُتِبت حديثا وستكون هذه المنافذ أداة أخرى مفيدة لتفعيل رحلة جمع التراث المسرحي... أذكر هنا أن أبرز من عمل بحجم نوعي مميز في التوثيق هو المرحوم أحمد فياض المفرجي ولكن ظروفا معروفة قد ذهبت بجهوده الجبارة أدراج الرياح ولكن من المفيد التعرف إلى من كان قريبا منه ومن دائرة التوثيق في المدة الأخيرة كيما نفيد مما تبقى...
هناك فهارس معروفة لعدد محدود من الأساتذة المعنيين كما الأستاذين الدكتور علي الزبيدي والدكتور عمر الطالب سيحتاجها أي باحث في التوثيق للمسرحية ولكن قد يكون أبرز فهرس شامل للنص المسرحي العراقي [وقد يكون فريدا وحيدا في بابه لأنه يختص بالنص المسرحي العراقي فقط ولا يعنى ببقية الأنشطة المسرحية في العراق] هو فهرس الآلوسي للمسرحية العراقية وأؤكد هنا على أنه يتناول النصوص أدبا مسرحيا ولا علاقة له بالعروض أو بالنصوص غير العراقية...
عليه أجدني هنا مهتما بتقديم هذه الورقة إلى الجهات المسرحية المختصة وتحديدا إلى الدوائر المعنية داخل وزارة الثقافة العراقية كونها المعنية بعمل جمعي كبير مسؤول يمكنه أن يرتقي لمستوى المسؤولية المناطة بمثل هكذا مهمة ويكون بديلا عن الأنشطة الفردية المحدودة على أهميتها... فهل من مجيب؟؟؟
 
آمل أن تجد هذه المقترحات من يفعّلها رسميا وإلا فإنني أدعو من يملك نصا مسرحيا من أية مرحلة تاريخية  وبأية لغة من اللغات المحكية المستخدمة عراقيا [سواء العربية أم الكوردية أم التركمانية أم السريانية أم غيرها] أن يرسل وصفا به لكي تتم عملية تسجيله وتوثيقه على أن يحتفظ بالنسخة الأصل مع إرسال نسخة للنشر إذا تفضل بالأمر.. وعمليا بهذه الجزئية سيعمل موقع ألواح بابلية والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر على التعاطي مع القضية توثيقا مؤقتا لحين أخذ المهمة من جهة وطنية عليا مسؤولة وتمتلك الأدوات المناسبة لاستكمال وسائل الوصول للهدف المتوخى وسيجري القبول بكل أشكال التعاون وأبواب التفاعل مفتوحة مشرعة مع جميع المعنيين...
 
 
 
للمراسلة مع كاتب الورقة أو على إيميل ألواح بابلية
info@babil-nl.org
 
 
 

138
ومضات موجزة في المصطلح السايكولوجي وبعض سمات شخصية الفرد (العراقي)

استكتاب مؤمَّل لمتخصصي علمَي النفس والاجتماع

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي


باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان
26\06\2008
tayseer54@hotmail.com

 
تعاني العائلة العراقية من ضغوط حياتية معقدة وتراكمات مثيرة للإحباط وفقدان الأمل. وتجابه هذه العائلة كثيرا من المشكلات والأوصاب التي تجعل من حيوات أبنائها جميعا في أزمات اجتماعية ونفسية غير سهلة. فنتيجة لتدني مستوى الدخل وللمشكلات الاقتصادية المادية تحديدا ولفقدان رصيد التأمين المادي والأدبي الذي يغطي حاجات العائلة ونتيجة لكثير من الضغوط اليومية تنقطع السبل بالعائلة العراقية والفرد العراقي ليبقون في حال من الحصار والاستلاب والضغوط المفرطة العنيفة الأمر الذي تتبدى نتائجه في حالات مختلفة أغلبها تقع في خانة الانحراف والتشوه والانسحاب أو الانكفاء والاكتئاب والنكوص وغيرها من آليات الدفاع اللاشعوري بعد أن صارت وسائل التعامل مع الضغوط غير مجدية بسبب من تناهي حالات الضغط البالغ المفرط ..
و[حيث الحلول لا تكمن دائما في البرامج السياسية والاقتصادية حسب بل تحتاج أيضا لجهود الأدوات المعرفية العلمية الأخرى]،  أجدني هنا في حال من الاضطرار لدعوة المتخصصين في علم النفس تحديدا لاستكتابهم في بعض المفردات التي سأمر عليها سريعا هنا (لأني لستُ متخصصا) ولكن مروري عليها يدخل في إطار حث المتخصصين وتفعيل أدوارهم والبحث عن إجاباتهم المؤملة حيث يُنتظر من العلماء والأساتذة والمتخصصين وحتى من المتسائلين ممن يضعون أنفسهم على أول طريق التخصص ليدلوا بدلوهم ويجيبوا بطريقة علمية دقيقة من معارفهم على ما تفرضه الوقائع والظروف من أسئلة ومطالب...
 
ومن المعروف أنه في حياة كل فرد منّا وكل جماعة إنسانية حال من التفاعلات والتعرض للضغوط بهذا القدر البسيط أو ذاك المعقد الكبير. وفي ضوء قانون الفعل وردّ الفعل يجري التعاطي مع تلك الضغوط للتخلص من تأثيراتها أو تحجيمها وتخفيف وطأتها بما يسميه علم النفس (فيما يخص الإنسان الفرد أو الجماعة فيما يخص خطابات معرفية أخرى) آليات التفاعل مع الضغوط وآليات الدفاع، كجزء من أشكال ردود الفعل والاستجابات للضغوط المحيطة. وعلى هذا فالدفاع اصطلاح ظهر [كما تشير الدراسات المتخصصة] في منتصف العقد الأخير من القرن التاسع عشر في دراسة لمؤسس علم النفس سيجموند فرويد مشيرا به إلى: الحيل التي يستخدمها الأنا ضد تلك الضغوط المؤلمة أو التي لا قِبل له على تحملها أو التصدي لها؛
وبهذا تكون القصدية من وراء هذي الميكانزمات [الآليات] عملية حماية الذات مما يُقلقها ويثير المخاوف الشديدة أو الحادة عندها. وفي الإطار المعجمي في مجال التحليل السايكولوجي يعرَّف الدفاع بكونه: مجمل الفعاليات الهادفة لتخفيف أو إزالة كل ما من شأنه أن يعرّض كينونة الإنسان للخطر، وعليه فهذي الفعاليات [آليات الدفاع...] تروم [فيما يخص الإنسان الفرد الأمر الذي قد يفيد أيضا في الحديث عن الأنا الجمعي في تناول آخر] خفض التوترات السايكولوجية الداخلية، بغية توفيرالانسجام للجهاز النفسي لديه وخلق الاستقرار واستعادة التوازن بُعيد حالة الانفعال الداخلي وتأثره بالضغوط الخارجية ومتطلبات بيئة الشخصية أو محيطها العنفي في علاقته مع تلك الشخصية أو أناها. وهي [أي الآليات الدفاعية] بهذا تعمل على توفير حال التكيف عند الشعور بالتهديد محاولة العمل من أجل إيجاد شكل مقابل للحماية من الاضطرابات أو المخاطر أو الاحباطات وأشكال الإرهاق بسبب حدة الانفعال والتفاعل والخسائر الواقعة في المستويات الإدراكية الواعية أو الواقعية الحية لوجود الشخصية؛
 
 وتتعدد آليات الدفاع بحسب المرحلة العمرية ودرجات الكفاية والخبرات النفسية وبحسب طبيعة الضغوط  وأشكال القلق (*) الناجمة عنها. إنَّ ميكانزمات الدفاع  هي فعاليات عقلية تعكس مظهرا من مظاهر شخصية الإنسان الفرد في محاولته التكيّف (**) مع الضغوط الحادة من أجل معالجة الصراعات السايكولوجية  العنيفة التي تعتمل في ذاته.. وفي الحقيقة هناك ممران أحدهما شعوري واع والآخر لاشعوري في التعامل مع الضغوط أو تحريك آليات الدفاع..وفي الممر الأول تعبر آليات أو وسائل التعامل (Coping strategies) عن نشاطات يعيها الإنسان وتعبر عن تفاعل قدراته الإدراكية مع الموقف؛ في حين تعني آليات الدفاع (Mechanisms of defense) تلك العمليات العقلية اللا شعورية.

إنَّ هذا الحديث عن آليات التعامل وآليات الدفاع وكما ذكرنا للتو يؤكد أن التفاعلات مع الضغوط هي:
1.       أما تفاعلات شعورية تتمثل في وسائل الإنسان الواعي في تناوله مشاكله وضغوط أو تفاصيل أوصاب يومه المثيرة المقلقة بوساطة إرادته وفعله الواعي عبر صلابة الموقف أو عبر استبدال هدف بآخر أو بأية معالجات منطقية أو واقعية  مناسبة ومتاحة وفي هذه الحال نسميها وسائل التعامل مع الضغوط أو التصدي لتلك الضغوط. وهذه التفاعلات تتنامى وتصير أفضل حالا مع تنمية صلابة الإرادة وقوة الشخصية ومنحها الثقة المناسبة من محيطها.. إنَّ التعامل مع الضغوط تأتي عبر أساليب تختلف باختلاف الأفراد أنفسهم. وهذي الأساليب هي، كما يُلاحظ علماء النفس والمتخصصون، وسيلة تعديل أو إزالة ما يكمن وراء زيادة حدة المشكلة التي تسبب الضغط. أو هي وسيلة التحكم الإدراكي الواعي وفعل استدعاء الخبرات الخاصة لتحييد المشكلة. وهي في موضع آخر  وسيلة التحكم بالنتائج الانفعالية للمشكلة في إطار سقف الاستجابة الموفقة للحل. ولكننا في الحقيقة أمام أزمات متصلة متراكمة على صعيد العائلة وهي المحيط الأول للشخصية وكذلك على صعيد كل مفاصل المحيط الأخرى من دائرة العمل والتعليم والصداقات والمنظمات وغيرها. وبشأن المؤسسة الاجتماعية المباشرة في الاتصال بالفرد أي (العائلة) فقد تمّ نخرها واختراقها واستلاب قيمها الإيجابية مذ جعل النظام السياسي من أفرادها توابع خنوعة له يستكتبها التقارير ضد أفرادها جاعلا منهم عيونه الاستخبارية ما أفقد الثقة بينهم [بين أفراد العائلة الواحدة] وهزّ العلاقة الصميمة فيها... أما الغالبية التي بقيت نزيهة نظيفة فإنَّها تقبع تحت تأثيرات السحق المادي وغيره الذي يكبل أطراف العائلة عن التعاطي مع العلاقات الإنسانية الطبيعية بسبب من نير مشاغلتها بلقمة صعبة المنال؛ ولكن الأنكى الجديد المضاف هو سحقها بالإنشغال بقضايا التهديدات اليومية ليس بالقتل والموت الممثل لجزئية أو مفردة من الآلة الجهنمية اليومية إذ بقية المفردات من التعقيد والألم ما يتجاوز طاقات الإنسان الفرد في التصدي له... من هنا تتحيّد وتبتعد وسائل التعامل مع الضغوط لتصبح كل مفردة عقلية واعية حال مجمدة مستلبة لا دور جدي لها...
2.       وأما تكون تفاعلات الفرد لاشعورية تتبدى للمرء حيثما يعجز وعيه الفردي وإمكاناته الخاصة عن حل مشكلة أو تحدِ ِ أو ضغط يحيط به كما هي الحال الحقيقية لواقعنا اليومي في داخل الوطن وخارجه؛ إذ يتحول ميدان الفعل وآليات الدفاع في مثل هذي الحال إلى اللاشعور محاولا (هذا العراقي المغصوب المصادر) هنا تحصين نفسه ضد ما أثار قلقه وشخَّص ضغطا أو تهديدا له مسببا توتره إلى حد الشعور بالألم وبعنف الضغوط التي لا يستطيع تجنبها بإجراءاته الواعية ويعجز شعوريا عن معالجتها أو تجنبها أو تخفيفها واختزالها.. والبديل يكمن في تصدي لاشعوره للأمر بوسائل دفاعية تعمل على استعادة التوازن النفسي والراحة وعلى إزالة القلق والتخفيف من آثار الشعور بالفشل والحرمان أو آلام حال الشعور بالذنب مثلا تجاه ذاته أو تجاه أفراد عائلته. وتتبدى آليات الدفاع [أي الآليات اللاشعورية] لدى العراقي أكثر من غيره بسبب من طول مدة الاستغلال واتساع مدى السحق والضغوط المهولة التي تعرض ويتعرض لها في استباحة يومية متصلة مستمرة له...

وبغاية التوضيح العام وبعض تطبيقات وبغاية استكتاب المتخصصين نسجل هنا بعضا من أساليب أو وسائل التعامل مع الضغوط وميكانزمات الدفاع وننتظر أسئلة القراء مثلما ننتظر ونتأمل من المعنيين أن يجيبوا عنها بتوسع ودقة وموضوعية علمية:

ميكانيزمات التعامل مع الضغوط (إرادية شعورية):
* يمكن أن نسجل هنا: التصدي للمشكلة \ طلب المساندة الاجتماعية \ طلب الإسناد الانفعالي \ ضبط النفس \الخيال والتمني \التجنب والهروب \ العدوان \الإبدال. وأنا أترك هذه العناوين لتكون أسئلة بمتناول المتخصصين ليقدموا أمثلتهم في التعاطي معها تطبيقيا وكيفية تفعيلها والارتقاء بها لمساعدة الأفراد والعائلات في التصدي للضغوط المحيطة بهم ولموضع آخر من هذه المعالجة الموجزة السريعة...

ميكانيزمات [آليات] الدفاع(لاشعورية):
* من المفيد التأكيد على أن عديد من هذه الاصطلاحات التي نسجلها هنا تتداخل فيما بينها؛ وقد تختلط بسبب ذلك، حال التوضيحات وأشكال التناول ما يستدعي تدقيق المتخصصين ومعالجتهم الأمور على وفق ما ورد في بحوث العلماء وفي نتائج التطبيقات الميدانية... ونحن لدينا توصيفات علماء تتفق في الجوهري الغالب وتتنوع أو تختلف في بعض الأمور وهو ما نتركه لمعالجة المختص.. ونكتفي بذكر هذه القائمة من بعض الآليات الدفاعية مثل: التبرير \ النكوص \ الكبت \ التعويض \التحويل \ التكوين العكسي \ التوحد \ التقمص .. المماثلة أو التطابق \ الخيال \ التسامي(الإعلاء أوالتصعيد) \  الإسقاط...
 
التبرير وفيه يقوم الفرد بتبرير دوافعه وأفعاله اللامعقولة تبريرا يدعي المنطق ويتقمصه وبعبارة أخرى يختلق الذرائع والأسباب، وهو من نوع الكذب يُستخدم دفاعيا...  والتبرير هو الاحتياط أو الأرضية اللاشعورية لممارسةِ  أو فعل الكذب، وقد يكون [التبرير] من جهة أخرى تفسير [مقبول] لسلوك لا يحظى  بالقبول. مثال ذلك، أنْ يترك زوج زوجته في المنزل ويخرج للتفريج عن نفسه، فيما هو يخادع نفسه بقوله بأن زوجته تخجل أو لا ترغب بالخروج أو ما شابه من تبريرات... والحقيقة تكمن في هروبه من مواجهة الحظر الاجتماعي والموانع المادية ومن مجابهة التداخلات النفسية والاجتماعية التي يحملها ذاك الزوج إلى جانب ما قد يكون سببا خارجيا من جهة الضغوط الناجمة عن تداعيات العلاقة المتوترة بينه وبين الآخر أو الناجمة عن ضغوط أخرى تستلبه قدرة البقاء في المنزل أو  مشاطرة الآخر فعاليته بدل هروبه ومن ثم اضطراره للتبرير وسيلةَ َ دفاعية لممارسة الكذب أو لتمرير سلوك سلبي بعينه\\ ينبغي هنا ملاحظة التداخل بين النفسي والاجتماعي وبين ما هو خارجي موضوعي وما هو داخلي نفسي لاشعوري للتعرف إلى الأدوار وتحديد زوايا التناول ومداخل المعالجة أي للتكامل بين علمي النفس والاجتماع بالخصوص...  كما ينبغي لنا البحث في قراءة بعض سلوكيات شخصيات سياسية في تبريراتها لفعلها السلبي وهي البريرات التي تخفي النقص المرضي في سلوك تلك الشخصية فضلا عن النتيجة الأبعد في تمرير الأداء السياسي بكل ما سيجرّه من نتائج سلبية ومصائب...
النكوص وهو ما يمثل الرجوع والتقهقر إلى الوراء، وهو كذلك أما رجوع للخصلة أو السمة النفسية من الشعور إلى ما تحت الشعور وإلى اللاشعور تحديدا، أو هو رجوع (زمني) يتبدى في استعمال الفرد لآليات طفولية أو في عودته إلى مرحلة سابقة فتحل هنا أنماط التعبير البدائية محل أنماط التعبير المألوفة للمرحلة العمرية، ويتم اللجوء لهذه الحيلة أو الآلية الدفاعية للتخفيف عما يعانيه الفرد في راهن يومه من خسائر وانكسارات نفسية، فيستعيد ماضيه كونه المليء بالأمان والاستقرار. وعليه فالنكوص بهذا التوصيف استجابة شائعة للإحباط. ويرى فرويد أنّ النكوص يشير إلى مرحلة سابقة للكبت، فالأخير ينطوي عنده على فاعلية وحركة أكثر... وعليه فالكارثة تتسع وتمتد عندما يتحول النكوص إلى تفجرات تنحرف بالسلوك الاجتماعي فتجد تعبيراتها في مسالك سلبية تبدأ بسيطة ولا تنتهي بمحمود عاقبة...  ومن نافلة القول أن الشخصية التي تتسم بالنكوص تبقى شخصية غير قادرة على الفعل الإيجابي وعلى فعل البناء والإبداع فهي شخصية تحيا في عالم ماضوي غير مؤهل للفعل المنطقي الصحي الصحيح...
الكبت: هو آلية دفاعية تمثل انتقال فعل شعوري ليصبح لاشعوريا فهو محاولة أخرى للهروب من مواجهة الواقع.. وكثيرا ما يجد المرء حرمانا من مطلب أو رغبة أو حاجة نتيجة ضيق الحال المادي أو الظروف الطارئة التي يحياها العراقي بعامة داخل الوطن أو في المنافي وبلدان الشتات أو نتيجة قائمة الحرمانات وأشكال الحظر والمنع والتحريم الجديدة.
ولأنَّ الشخص رجلا او امرأة شيبا أم شبابا لا يستطيع التصدي اليوم لكل حظر بقدراته الفردية فإنَّنا سنجد حالات الكبت شائعة متسعة. وعلينا الالتفات لقائمة الحرمانات التي تدفع يوميا وفي كل لحظة لحالات كبت تتراكم وتتعاظم بحجمها النفسي حتى تنفجر في صيغة تدميرية للفرد ولمحيطه.. وفي هذه الإشكالية ينبغي للمتخصصين أن يتناولوا أمثلة تفصيلية ويلتقطوها يوميا من واقعنا ليكتبوا بشأنها ويحاولوا وضع البدائل المتاحة الممكنة على أقل تقدير تعريف الناس بها وخلق وعي أو ثقافة نفسية مناسبة لأنّ العوائل لا يُتاح لها فعل أو إنجاز هذه المهمة ولأن آلية التأثير النفسي والتثقيف تظل بحاجة لصيغ مناسبة في التغذية ورفد الذهنية العامة بها... فقراءة مادة في جريدة أو اطلاع عليها عبر التلفاز هي أبعد تأثيرا في النفس من أن يجري نقلها بوساطة صيغ وعظية عائلية مباشرة...
والقضية في مثل هذه الآليات ليست في حالها الفردي وفيما يعتمل داخل الأنا وهي ليست بحجمها العائلي المحدود بل في تداعيات الخصلة الدفاعية في نسيج العلاقات الاجتماعية وفي التعاطي مع المحيط المباشر وغير المباشر للشخصية ما يفرز آثارا غير هينة النتائج تجاه جهود الفرد وأدائه مهامه الاجتماعية العامة أو وظائفيته سواء على مستوى المجتمع المدني أم على مستوى العمل المؤسساتي الجمعي في مجمل حركة مؤسسات الدولة... والمعنى هنا يكمن في سلسلة التراكمات في كبت موقف فآخر وفي التعاطي مع إشكالية فأخرى حتى تنفجر قدرات الشخص على تحمل كبت الأمور وتكون العاقبة أبعد من وجودها الفردي وتتكسر عندها حدود مشكلات الأنا [الفردي] اللاشعورية لتنجم لدينا عن هذا التحطم الفردي مشكلات عامة معقدة متداخلة... والقصد هنا في الانحرافات السلوكية وفي تبني قيم تدميرية وليس القصد في متابعة السمات المرضية الفردية وإن كانت موضع أهمية كبيرة.. ولكنها تظل في إطار تعاطي الفرد والمتخصص فيما نحن بصدد الحديث عن إفرازات الحالة أو الآلية الدفاعية المعنية على صعيد علاقة الفرد بمحيطه ومقدار سلامة بنية المجتمع في ضوء ذلك...

التحويل أو النقل والبدل بأبسط مثال هنا بتكسير قدح بدلا من ضرب الشخص المثير للغضب أو تحويل رغبة غريزية إلى رافد اجتماعي يحظى بقبول أكبر ويتسم بالابتكار كما في عملية الخلق الفني (مثلا الرسم كما يقول فرويد).   ولكن عدم إشباع الحالة يخلق توترات بحاجة لإزاحة لا تحصل وافية ما يسبب سلوكا بعينه ناجما عن تراكمات عدم التفريغ أو الإشباع..
إننا عراقيا اليوم قد تجاوزنا نسبة الخمسين بالمائة في البطالة وفي الفقر وفي الحرمانات المادية والروحية بسبب من اختزال سلطة [العمامة السياسية] الحاكمة فعليا  للقيم الروحية بطقوسيات مقننة بإسقاطات دينية مزيفة تاركين رحابة الأنشطة المدنية الثقافية الروحية الجمالية بل واضعين إياها في خانة المنع والتحريم والتكفير.. بسبب من هذا الاختزال لا يمكن إشباع كثير من الرغبات والحاجات النفسية الروحية للعراقي فيبقى متروكا لتوترات تنتقل به من مستوى (الحالة) السابقة للمرض إلى مستوى (المرض) نفسه بسبب التراكم والاستمرار بتوجيهات قسرية مرضية لمن يتحكم بالسلطتين الدينية والمدنية \السياسية والثقافية...
التكوين العكسي ويُقصد به التبني اللاشعوري لتصرف أو سلوكِ ِ، هو بخلاف المشاعر والنوايا أو الرغبات الحقة. كأن يكون للمبالغة في حال الاحتشام في الشأن الجنسي في بعض الأحيان رد فعل لتبدِ ِ ملحّ في هذا الشأن (الجنسي) مما لا يستسيغه أو يقبله الشخص. إنَّ تحميل الطفل والمراهق والشاب والفرد العراقي تعليمات دينية متزمتة بنقل أخلاقيات ورؤى وفلسفات بعينها وإسقاط سمة دينية عليها لفرضها على الناس سيجعلهم فضلا عن حال الشعور بالذنب في موضع آخر من التأثيرات النفسية يجدون أنفسهم في حال من تبني سلوك لا ينسجم والحاجات الروحية والرغبات والخصال التي يستدعيها الوجود الطبيعي للإنسان. وفي هذا الموضع ينبغي الفصل بين المبالغة في توجيه الفرد بقيم تتناقض والاستقامة السوية للنفس البشرية وطبيعتها وبين طلب الالتزام بقيم موضوعية... ومن أخطر الأمثلة الشائعة على المغالطات التربوية وفي مجال بناء الشخصية هي تلك المتعلقة بالشأن الجنسي وما زاد تعقيد نتائج تلك المغالطات هو الانشطار بين الواقع الحقيقي وبين التوجيه القمعي المتشدد والقائم على عقلية ساذجة من المنع والحظر غير المسبب لا منطقيا موضوعيا ولا حتى دينيا عند النظر لمنطق الخطاب الديني الصحيح... ويمكننا أن نذكر أمثلة من حالات الحظر على الحلاقين ومحلات الزينة على سبيل المثال أو على محلات أو فرق الموسيقا أو على الرياضات مثل الملاكمة أو كرة القدم وعلى فرض أزياء وطرز ألبسة ما عرفها المجتمع العراقي في عصره الحديث والعودة بنا لارتداء أزياء من أزمنة انقرضت في بنيتها وبيئتها ومتطلباتها وصارت المظاهر الخارجية هي كل شيء عند المتحكمين بمقاليد السلطة فتجاوزوا بذلك ما يعتمل في النفس الإنسانية من مشاعر ومن تفاعلات لا تجد من يحترم لها قيمة أو وجودا أمام تظاهرات مشروع، خطابه الخارجي ديني وهو في جوهره خطاب سياسي قمعي ليس نتيجته عندما يعجز الفرد عن التعاطي مع مطالبه القسرية سوى ما نشير إليه هنا من هذي الآليات الدفاعية اللاشعورية!
التقمص أو التطابق وتتم بتمثل سمات شخص آخر وجعلها مكونا أو نموذجا لشخصيته.. والمماثلة أو التطابق هو التبني اللاشعوري لخصال أو سمات ونشاطات شخص آخر في الغالب من أجل تخفيف ألم الخسارة أو الفراق. على سبيل المثال، يمكن أن تقوم أرملة بأعمال كان يقوم بها زوجها الراحل، أو أنها تستعمل الأشياء نفسها التي كان يستعملها من دون تقصد واع بالأمر. ونحن هنا بصدد ردود فعل لاشعورية تبعد الشخص عن التعاطي مع واقعه وبيئته بطريقة موضوعية منتظرة على الرغم من أن ما يقوم به يخفف عليه وطأة الألم.. ولكننا بحاجة للانتباه إلى نتائج ترك الشخصية لآليات دفاعية لاشعورية لا تكون بالضرورة مجدية بنتائجها العامة وإن أفادت فرديا في حدود حلمية أو مفترضة فهذه آليات تطمينية داخلية ولكنها قد تتعارض مع المنتظر اجتماعيا من الفرد وهي في الحقيقة تضعه في موضع الاحباط وفقدان الأمل وفي مفارقة قدرات الخلق والإبداع أو العمل والمشاركة في البناء الجدي الموضوعي العام... إذ العمل الاجتماعي يتطلب شخصيات مستقلة صاحبة قرار وفعل وليس نسخا ضعيفة تعتمد على [أو تسيّرها] آليات نفسية لاشعورية... ويكثر استخدام هذا الميكانيزم الدفاعي لدى الشخصيات التي تتسم بوظائفيتها ذات الأنماط العقلية من مثل الشخصية الفصامية أو البرانوية (صاحبة هذيانات العظمة والاضطهاد) أو الشخصية المتسمة بالهوس. وليس المقصود  بهذه الأمثلة أن هذه الشخصية مريضة بل هي أساسا شخصية ليست مرضية وإنما نمط سلوكها وتكوينها الداخلي أخذ هذه السمات بسبب من طبيعة الضغوط التي تتعرض لها ولكن المشكلة في النتائج المنعكسة في طبيعة الشخصية وأدائها.
التســامي ( الإعــلاء أو التصعيد): وهي آلية دفاعية يستخدمها الفرد عندما تضيق به الدنيا وتحاصره فيتعاظم التوتر حتى أشدّه. ويمثل استخدام آلية التسامي إشارة واضحة إلى الصحة النفسية المميزة. وبوساطة الإعلاء أو التصعيد يرتقي أو ينتقل الفرد بسلوكه العدواني المكبوت إلى فعل آخر مقبول فرديا وجمعيا، ويمكن عدّ ذياك التمسك بالمبادئ وبالقيم الإبداعية الفكرية والجمالية أمر يعود في بعض أسبابه إلى حالة التسامي تلك. ولكن يبقى للتسامي ممران: أحدهما سلبي عندما يتحول الفرد إلى العزوف عن الحياة والانقطاع لممارسة الدين من بوابة طقوسية بحتة.. وإيجابي بمقدار ظهور القدرات الإبداعية في مختلف مجالات الفكر والمنطق العقلي؛ وبعامة تبقى هذه الآلية الدفاعية عاملا لتخفيف وطأة الصراعات والتوتر بتحويل آثارها باتجاه مجالات مفيدة صائبة ومقدَّرة من المحيط الاجتماعي. إنَّ القوى السياسية التي تتستر بالدين تستغل توجه الشخصية العراقية للتسامي بتقديم صكوك البراءة وادعاء إمكان إبعادها عن الشعور بالذنب أو الأثم تجاه الذات الفردي والجمعي عبر تقديمها فلسفة الانغماس في طقوسيات مزيفة مرسومة بطريقة تخترق الذهنية المتسامية لكنها في الحقيقة تأسرها أو توقعها في قيود بديلة. ويحصل هذا من بوابتي استعادة مفردات طقوسية كالعزاءات والأفراح المقامة على شخصيات تاريخية دينية محبوبة وإسقاط سمات التعبد والقدسية عليها وجعلها واجبا دينيا بديلا [مطلقا] عن العمل في زمن لم توفر تلك الأحزاب [الإسلاموية] الحاكمة فرص العمل لثلثي الشعب المشمول ببركات البطالة.. حيث يُزعم أن [الزيارة] و [اللطم] و [والتطبير] و [إيذاء النفس بجلدها] وطقوسيات أخرى شبيهة تكفـِّر عن [كل] الذنوب!! فتـُعلي تلك القوى من شأن الأفعال الطقسية سامحة بترك العمل والحركة وأفعال البناء والإبداع بلا شعور بذنب!! وهذه مفردة في واقعنا نحن بحاجة لتملّي الأمور ودراستها بمنطق علمي مناسب ودقيق لنضعها بين أيدي أبناء الشعب واضحة مفهومة ولنحول دون مواصلة مطاردة الإنسان العراقي حتى في داخل آليات دفاعه النفسية الداخلية الباطنة حيث تتصل رحلة العسف والاستلاب والاستغلال وتعاظم هول الضغوط بحصارين خارجي استباح كل شيء وداخلي هذه المرة صار يبحث عن وسائل امتلاك مفاتيح الناس حتى في أنفسهم وبواطن مسالكهم التي يحاولون بها التخلص من تناهي حجم تلك الضغوط ولكن من دون جدوى بسبب من حال الاستغلال والاختراق الجديدين...
و من ضمن ما يستتبع القراءة والدراسة المفيدة بهذا الخصوص موضوع الإسقاط. projection: وهو ما يعني إطلاق الأفكار والانفعالات الموجودة في داخل الفرد خارج ذاته؛ أي يسقطها شخص على المحيطين به ويتبدى الأمر في أشكال عديدة، منها: الغرور المفرط، والغيرة الزوجية، والأنانية الجشعة والشك المرضي وهذيان الاضطهاد؛...   

وسأترك للحلقة التالية من هذا الموضوع فرصة للتوسع في قراءة مفردات جديدة منها تحديدا مادة (الإسقاط) وتطبيقها على بعض سلوكيات مرضية في حيواتنا؛ واضعا بين يدي المتخصصين فرصة التداخل والتعليق وتقديم الدراسة المتأنية المفصلة والمعتمدة على أصول علمية دقيقة مع تطبيقاتهم بشأن هذه الآليات بطريقة تساعد جمهور القراء على زيادة وعيه بالمعارف السايكولوجية والسوسيولوجية بما يدعم إمكاناته على التصدي الواعي لمشكلاته من جهة وعلى التعرف إلى الحلول المناسبة بالخصوص...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   :
* القلق حالة خاصة من الضيق يجري تفريغه عبر ممرات محدودة .. وهو رد فعل على تهديد مثلما يمثل الخوف استجابة انفعالية  للخطرسواء كان الخطر حقيقيا أم متوقعا مفترضا، والقلق إنذار بالخطر، ينبيء الأنا أن شيئا ما ينبغي فعله بطرق منطقية عقلانية (واقعية) أو أخرى غير واقعية تتمثل في آليات الدفاع التي أشرنا إليها...  وكما نلاحظ  فالقلق أما واقعي ناجم عن تهديد ملموس موجود في محيط الشخص. أو أخلاقي متمثل في الخوف من الضمير أو الناجم عن الصراع مع الأنا الأعلى.. أو القلق العصابي  المتمثل في الخوف من خروج الرغبات عن الانضباط، ويشتمل على الخوف من العقاب المستتبع لذلك..
** التكيف تكون كلتا حالتي الآليات، أما تكيفية adaptive أو غير تكيفية  maladaptive، تتضمن الأولى (التكيفية) تجنب المواقف التي تسبب الألم distress ، واتخاذ الموقف المناسب من المصاعب. وتتضمن غير التكيفية تأثيرا مؤقتا في تخفيف الاستجابات الانفعالية للضغوط، ما يجعلها غير مفيدة في المدى البعيد. وأمثلة الأخيرة حالات الإفراط في تناول الكحول أو العقاقير، والسلوك المتكلف histrionic behavior ، وإيذاء النفس المخطط له. ويمكن لما هو تكيفي أن يتحول إلى غير تكيفي إذا ما استُعمِل طويلا؛ بمعنى كون سلوك التجنب يمثل استجابة مناسبة في حينه ولكنه بمضي الوقت سيتعارض وحل المشكلات أو تخفيف الضغوط...

139
مسرحية اللامعقول برداء الواقعية الرمزية
طقوس وحشية: بين شعرية الأداء وجماليات المعانم المسرحية

بقلم: الأستاذ الدكتور تيسير الآلوسي
                             أستاذ الأدب المسرحي
tayseer54@hotmail.com
                         


* من أجل تسليط الضوء على مبدعينا العراقيين من جهة وعلى تجاريبهم الإبداعية المميزة وتفعيل ديمومة العطاء ونتائج استمرارية الفعل الإبداعي .. ومن أجل تقديم التقويم النقدي الذي يُعلي من شأن التجربة ويبيّن مفردات التطور والنمو ومن أجل المساهمة النظرية التحليلية في قراءة ملامح المدارس الإبداعية المسرحية تحديدا هنا، ووضعها في مكانها ومكانتها الفكرية والجمالية المناسبة أقدِّم هذه المداخلة البحثية للقراء والمهتمين والمتخصصين... شاكرا للجميع دورهم في إبداء الرأي والتفاعل العلمي والفني الجمالي بالخصوص...
 
   

                                           
وحشية هي تلك العوالم التي نحياها بغير جماليات حتى لو كانت جماليات "القبح" التي ندرسها في بعض اتجاهات الشعر الاحتجاجية أو الصور المسرحية المتمردة الجديدتين...  وها نحن نبحر اليوم في سفائن الأدب والفن يجتمعان في جمالية نص جديد يستولِد لنفسه خصوصية التعبير من اعتمادِ ِ لشعريةِ ِ في أداء خطابه اللغوي وتعميدِ ِ لجمالية في أداء خطابه المسرحي البصري.
المسرحية بين أيدينا هي "طقوس وحشية" وكاتبها هو العنيد في تمرده وروحه المسرحي المجدِّد المسرحي الأكاديمي قاسم مطرود وهو صاحب للروح نوافذ أخرى ورثاء الفجر  والجرافات لا تعرف الحزن، هذه وغيرها نصوص مسرحية أخذت مكانتها وحملت تشخيصها المذهبي لا من انتماء قسري أو إلحاق وتبعية تلتزم شروط مدرسة أو اتجاه بقدر ما كان لها من هويتها المخصوصة عطاؤها ومحدداتها...
وللولوج إلى عوالم السيد مطرود و"طقوسه الوحشية" ينبغي أن نستعيد عددا من معطيات الخلفية الفلسفية لاتجاه التمرد والاحتجاج في المسرح الحديث حيث الغضب والاحتجاج والقسوة وحيث اللامعقول أو العبث [ABSURD] اصطلاحا معبّرا عن اتجاه مسرحي كان مطواعا تعبيريا لحالات الإحباط بمجابهة المصير البشري والشعور بعبثية الفعل الإنساني أمام مصيره المحتوم بأساه وتراجيدياه الأزلية الأبدية!
فمنذ حدود القرن العشرين بداية ومنتهى، كانت الحروب الكونية والانقسامات الداخلية ومن ثمَّ الحروب الأهلية وتلك الإقليمية المهولة تفتك بحقوق الإنسان وكامل وجوده وبتمام تفاصيله؛ ولقد كانت تلك المشاهد المأساوية تسطو على العلاقات البشرية وتهيمن على الذاكرة الجمعية والفردية ضاغطة عليها حدَّ السحق!
ولقد نجم عن هذه الأجواء في إطار المنتج الثقافي والجمالي عدد من أشكال التعبير الأدبي والفني ومدارسهما الجمالية المستندة إلى تيارات فكرية وفلسفية وعقائد أيديولوجية اجتاحت مجتمع القرن العشرين وهيَّأت لأجواء الألفية الثالثة التي نحياها اليوم..
وكان من ذلك سريالية صورة الحياة وعبثيتها أو لا معقولها؛ فإيقاع التخريب والتدمير والضغط المتناهي المهول بالتأكيد خلق ويخلق اللاتناغم في إيقاع الحياة وموسيقاها أو امتناع الانسجام مع المنطق العقلي ورفض التناسق والتناسب كونهما قيمتين جماليتين يجري سحقهما أو تجاوزهما على صعيدي البنية ومضامينها..
وهكذا وجدنا المسرح ينطق في استجابته التعبيرية عن مدرسة اللامعقول المعبرة عن "ورطة الإنسان في الكون" كما يقول جون رسل بتلر في معجم بنجوين للمسرح أو كما يشخصه ألبير كامو في أسطورة سيزيف بالقول: "إنَّ مصير الإنسانية يمثل [انعدام هدف في وجود غير منسجم مع محيطه أو لا معقول في بنائه حركته أو معطيات علاقاته بالآخر...]"
إنَّ مشكلة البحث في الهدف المنشود إنسانيا أو المصير المؤمل أو المنتظر أو المحتوم تكمن في وعي مبدعي الأدب والفن بأنَّه يظل هدفا أو مصيرا محكوما بالتأزم حدّ ضغط الانفجار وتلك هي الخصيصة التي ركز عليها مسرح الغضب والاحتجاج والقسوة الذي مثله النقد بأنبوبة غاز مضغوطة...
 فيما يتسع مسرح اللامعقول لأمور أبعد من زاوية توصيفية، محددة بالشد والتوتر.. فصموئيل بيكيت ويوجين أيونسكو وآداموف وهارلود بنتر يمنحوننا فرصا للتعاطي مع شفرات مضمونية تتحكم بالشكل الفني لأعمالهم ومن ثم يمنحوننا قيما جمالية تحمل تناقضات وجودنا فنحن نستمتع بقراءة درامية بصرية تتناول واقعنا كما هو من جهة انشطاره وتقاطعه معنا وعليه هناك منطق في لا منطق التناول الدرامي أو بالأحرى في لا معقول التجربة المسرحية المقدمة ومعالجتها لعميق مأساتنا البشرية المعاصرة..
ولدينا إذا ما عدنا للحالة العراقية أكثر من توصيف ضغط أنبوبة الغاز حيث المشهد العراقي المليء بالحروب وأشكال السحق والاستباحة والاستهتار بكل وجود إنساني وهو ما عاشه المبدع العراقي المسرحي وجسَّده بوضوح في أعماله وإن بتنوعات بوهيمية أحيانا كجزء من الاستجابة للوضع كما هو عليه..
ولقد أوجد مثل ذاك الوضع فسحة متسعة لمفاجآت الشكل الدرامي ليس للجمهور المسرحي حسب بل للنقاد أنفسهم.. حتى أن نقاد المسرح الإنجليزي أشاروا إلى أنَّ كتاب المسرح جعلوا من أعمالهم "مركز تجمع لصراع الخيال البشري الدائم ضد القناعة الدينية وعدم الاكتراث الخلقي والامّعية الاجتماعية" [مقدمة الدراما التجريبية، لندن، 63، صفحة 9 عن موسوعة المصطلح النقدي مج2 الصفحة 18]  ما يلتقي معه دراما "طقوس وحشية" من جهة تكسير الثوابت والمطلقات والبديهيات المتكلسة كما سنرى في قراءتنا العمل ذاته..
ولعل هذا التمرد المزدوج شكلا ومضمونا يشتمل على التوظيف اللغوي الذي يتميز به مسرح اللامعقول حيث عميق الصلة والارتباط من جهة اللغة وهو ما يشبه رؤية إبسن بالخصوص في الخلق الشعري في كلام الواقع البسيط غير المستلب كما يعبر كينيث ميور في كتابه المسرح المعاصر [الصفحة113 ].. ومن جهة البناء والتشكيل تأتي حالة تعدد الشخوص منصبة في جوهر العمل الدرامي وكأنه مونولوجا يتشظى في التعددية الظاهرة أو الطافية بصريا..
ونحن سنقرأ شعرية العبارة عند قاسم مطرود ووحدة الشخصية في تعدديتها وتشظيها، مثلما سنتلمس كون ما يصادف جِدّة في الشكل سيصادف تجديدا في التناول حيث نجابه بموضوعة الالتزام طبعا ليس الحديث هنا عن الالتزام السياسي الحزبي المحض بل الالتزام بمسألة بعينها أي إيفاؤها حقها إذ ليس معنى افتقار اللامعقول الدرامي إلى الموضوع أو وحدته التقليدية وإلى الخاص بدل العام وبدل التعويم والتعميم بمتعارض مع البحث عن الأثر في المتلقي ومن ثم الكشف عن موقف جوهري لا يقل في المغزى الاجتماعي عن المسرح الواقعي الملتزم.. بل إننا يمكن أن نقول: إن العموم في اهتمامات اللامعقول بموضوعه هو ترشيح لثبات أعمق وأطول من تلك الأعمال التي تعكس واقعيا وبشكل مباشر موضوعها ما يجعلها عرضة للتقلبات السياسية منها والاجتماعية...
وهنا نستذكر القيمة الإبداعية لأعمال تسوق معطياتها الجمالية بمثل هذي الصياغة التي نجدها في طقوس وحشية وعدد من أعمال مطرود الأخرى.. حتى عندما نجابه بتلك الصعوبة في خلق التفاعل مع (التعاطف) مع شخصيات مسرح اللامعقول، لأنها دوما تحمل دوافع خفية وتصنع أفعالا بهالة من الضباب والعتمة وهو الأمر الذي يحتاج منا إلى نباهة التلقي والارتقاء للفعل إيجابيا في التفاعل مع تلك الشخصيات ومن ثم الانتقال إلى موضوعاتها ومقاصدها التي قد نُفاجأ في لحظة وصولنا إلى المنتهى الزمني للمسرحية حيث تبقى تلك الشخصيات تقدم وتفتح لنا آفاقا جديدة للتناول والمعالجة وحوارا جديدا يُخلق في دواخلنا لاتخاذ قرار بشأن لاحق مصيرنا أو تفاصيل غدنا ووقائعه المؤملة أو المنتظرة...
 
إنَّ مثل هذا التحليل هو ما يحيلنا لقراءة شبيهة بتلك التي أجراها نقاد المسرح الإنجليزي عند تناولهم مسرحي الغضب والعبث في ستينات القرن المنصرم وهم يشيرون في قراءاتهم إلى فساد المسرح عبر تكسير وحداته التقليدية بالقدر ذاته الذي وجهوا قراءاتهم إلى فساد العالم المنعكس على المسرح بلغتي الغضب واللامعقول بما يفيد الانتظام أو الانسجام بين الذي جرى تحطيمه واقعيا والذي جرى تصويره مسرحيا..
 
فلا مسرح اللامعقول يحطم اعتباطيا القوانين الحياتية وقوانين التعبير عنها جماليا ولا مطرود في طقوسه الوحشية يخرج اعتباطيا على قيمه. وفرق كبير بين الاعتباط والعبث هنا..
إنَّ "طقوس وحشية" تقدم تشخيصها لفساد العالم المحيط وقسوته كما هي مميزات دراما مسرح العبث في تعويضها بمشهد داخلي عن العالم الخارجي؛ حيث يغيب لأول وهلة ومن دون تمعنِ ِ التفريق الواضح بين الوهم والحقيقة ونجابه بموقف متحرر تجاه الزمن إذ يتمدد ويتقلص بحسب المتطلبات الذاتية..
فنحن نرصد هلامية في التحولات الشكلية ولكنها تظل محافظة على طاقة منحنا مفاتيح قراءة الاستعارات المنظورة ويظل الاستخدام اللغوي دقيقا في طقوس وحشية مثلما هو في مسرح العبث عامة لأن اللغة هنا هي الضابط الوحيد تقريبا لإيقاع المسرحية والمسيطر الأول على فوضوية تجربته..
لقد أكد هذا التصور العام في مسرح اللامعقول السيد مارتن أسلن في كتابه المعروف عندما عاد بنا إلى حيث الكوميديا ديللارتي وبريخت وآرتو وكافكا وجويس وهو ما كان مقبولا في النقد الإنجليزي؛ ولكن ما لم يكن مقبولا هو ابتعاد السيد أسلن ليقول إن لدى شكسبير وغوته وأبسن بشارات اللامعقول أيضا والرفض يتأتى من موقف كلاسي في الاحتجاج على أن يكون الأوائل الكلاسيون الكبار جذورا وأرضية مؤهِّلة أو مقدمة لظهور التالين وهنا القصد  لمدرسة اللامعقول حيث بيكيت ويونسكو...
ولكن، لِمَ لا يكون مبدع معاصر له من الأثر الإبداعي ما يضارع أو يتجاوز القديم والأقدم؟ ولماذا نضع التعارض بالضد من التطور التصاعدي؟ ولماذا نُسقِط القدسية على الأول ونمتهن أو نعتدي على حق الحديث والمعاصر؟
علينا لنثبت قيمة نقدية أو جمالية أن نأتي بما ينبغي أن يؤكد ما ذهبنا أو نذهب إليه..

وبالخصوص فقد انصب جزء من النقد على ضبط الحبكة والبحث عن مقدار الاهتمام بها وعن توصيف الشخصيات العبثية بأنها دمى آلية وهو أمر بحاجة إلى نظر.. إذ اللامعقول خرج على آلية تعبيرية تعكس في الغالب أحلاما وكوابيس هي صيغة [جمالية] فرويدية في التعاطي مع المحيط أو بجملة أخرى صيغة إعمال الوعي الباطن في معالجة حيواتنا حيث يجري هنا إظهار اللامعقول إلى الوجود والتجسيد الحي على الركح ليوضع أمام بصرنا وبصيرتنا بعيدا عن تنميقه باللغة المعقولة الكلاسية العتيقة...
 
إن لغة مطرود وبنيته في "طقوس وحشية" تتمثل هذا التوصيف بوضوح فعندما ننتهي من القراءة سنجد معنى الكابوس ومعنى لغة تحوم في عالم اللاشعور والعقل الباطن.. فطقوس وحشية لا تتخلى عن التزام جوهر النقد لجوهر الوجود الإنساني وليس للعارض فيه.
وعليه فإن القارئ للنص يجد الشخصية فيه منتزعة انتزاعا تمزيقيا (انفصاليا) عن التافه العارض في وضع علاقاتها بالمجتمع وسياقه التاريخي أي "التشخيص  العراقي هنا" لمرحلة زمنية في تاريخ الشخوص التي تظل باستمرار على صلة بالجوهري فيما يخص وجودها وهويتها إنسانيا مع ثيمة تخص العراقي ونكباته وآثار الحروب التي تهتك جدران استقراره الإنساني وطمأنينته...
 
هنا نعاود البحث عن مفاتيح للشفرات التي تساعد على قراءة العبارات الموجزة (الإيجاز البلاغي) والمقصود هنا كل من خطابي اللغة السمعية واللغة البصرية حيث يوضع التحدي كما يقول أسلن للجمهور في أن يجد المعنى في اللامعنى وأن يواجه الوضع بوعي تام لا أن يحس به في غموض وتعمية وأن يدرك العبثية في حقيقتها وجوهرها لا في معطيات التأويل غير الموضوعي...
إنَّ التوقف هنيهة أمام "طقوس وحشية" تطلب منا أن نمتلك أدوات التحليل والمعالجة كما لو كنّا بصدد تشريح دراما واقعية رمزية ولكن الأمر يظل في حدود الـ (كما لو كنّا... وليس بالضبط أو بالمطابقة التامة..) إذ معايير هذه المسرحية مثلما دراما اللامعقول تكمن في تجريبيتها وتجديدها حتى نتحدث عن وجودها المسرحي الدرامي أو تكمن في الابتكار في التناول التعبيري وفي تداخل الصور الشعرية ومن ثم في التميز والإبداع في الربط بين المشاهد البصرية في حركتها وفي ميزانسينها العميق أي في التوزيع للشفرات أو الكودات الضرورية لتعميق مسار موحد للأثر ولا نقول لوحدة الموضوع الذي يبقى موجودا فقط عبر متابعة الشخصية ومنتجها الأدائي اللغوي أي مختفِ ِ هناك في الخلفية التي يخلقها الانطباع الناجم عن وحدة الأثر المشار إليه...
صحيح أننا أمام ديمومة من حالة القلق وامتلاء بالحيرة من انعدام منافذ الحل لأزمة الشخصيات في المسرحية.. وأمام ضياع أو تشظِ ِ في أوهام ومسالك متعددة مختلفة.. إلا أننا في الوقت نفسه نجد شخصيات "طقوس وحشية" تمتلك التصميم والعزيمة لمواجهة الحيرة والوهم في إشارة جدية لمجابهة الواقع ذاته وهنا تظهر قيمة الإيحاء والدفع بإشكالية الأثر في التلقي والمتلقي بديلا عن تعويم الموضوع وعمّا نجم عن تمزيق وحدته التقليدية العتيقة...
ونحن نحيا بهذه الوسائل الدرامية تجريبية لحظات قراءة (واحتمال حفلة عرض) في النص الدرامي لنعيش عبرها ومن خلالها تجربة صوفية هي الوحيدة في التعبير الجمالي هذه التي تساعدنا على الضحك من واقعنا وتراجيدياه، بالتحديد كون أفعالنا هنا تقع تحت حصار توجيهها ضد ما لا يمكن تجنبه ما يجعلها مجرد عبث لا طائل من ورائه وهنا تكمن تراجيديا العصر التي تطلقها مسرحية اللامعقول، بالخصوص هنا مسرحيتنا طقوس وحشية التي تمثل صرخة صمت أخرس في عوالم تراجيديا عراق الأمس واليوم؟
 
ومما يمكننا تلمسه في طقوس وحشية مجيء علاقات الكلمات بعضها ببعض بشكل متحرك متغير ولكنه ليس اعتباطيا كما يحصل في عدد من مسرحيات العبث ويمكن الرجوع إلى دائرية الحوار في "طقوس وحشية" وإلى تبادليته وتساويه أحيانا وتكراريته ولكننا باستمرار نجد تراتبية تمتلك في جوهرها وبنيتها العميقة ما ينسج وحدة أو علائقية من نمط بنائي ما..
ولعل كون الشخصية في طقوس وحشية تمثل اختيار قضية لتعادل أو تساوي بنيويا تلك القضية في آلية حركتها ومسار تناولها ومعالجتها، لعل ذلك هو ما يعيد للغة امتلاك الكودات المناسبة والوحدة الداخلية والتنقلات العبثية ولكن ليس الاعتباطية بالتأكيد.. 
وأيا كان اختلاف الشخصيات مع خالقها في المعالجة وفي التناول وجملة الحركة فإنَّ خطابها أو لغتها لا يمكن أن تقف عند حدود اليأس من الحياة والإحباط بقدر ما تنفتح على الأمل في حياة أخرى بديلة لتلك التراجيدية البائسة...
ومن الطبيعي أن يكون مطرود في خطاب مسرحيته "طقوس وحشية" متعاملا بذكاء عندما يتمثل مضمون ما قاله أسلن في كون مسرح العبث لا يجادل بل يعرض وطبعا هو لا يتمثل الفكرة مجردة ولا بشكل تطابقي تماثلي بل بإبداع  يجعله يضع الحوار ونصه اللغوي في موضع رصين بنيويا وفي حال من التأهيل لعرض تام لصور حسية حياتية ستشكل لاحقا حفلة العرض أو الحياة المتجسدة في ذهن المتلقي القارئ..
وبتناول مباشر لطقوس وحشية سنجد في تعليقات المؤلف المبدع توكيدا على اللامعنى وعلى هذه (اللا) قبل كل ما هو صحيح وصحي في حياة الإنسان سواء بشكل مباشر كما يرد في توصيف السيد مطرود عندما يستخدم مفردة "اللامعنى" أم بشكل غير مباشر عندما يستخدم مفردات "القلق والخوف وغيرهما" قاصدا اللااستقرار واللاطمأنينة  مثبِّتا التعارض مع منطق الصائب إنسانيا...
ومن هنا فإنَّ شخصياته في "طقوس وحشية " تذهب إلى أداء الحوار في الآن الواحد وليس مهما ألا يصل المتلقي لما تنطق به تلك الشخصيات أحيانا؛ ولكنه يريد فقط أن يشير إلى حركة تدب في شخصياته ليقول إنها موجودة بيولوجيا ولكنها مسلوبة مسحوقة الهوية البشرية بالمعنى لا البيولوجي البحت بل الوجودي الفسلفي. إذ نحن أمام أصوات يتم مداخلتها إتلافيا عن عمد كما هو الحال في لا معقول المسرحية أداء تجسيديا وفلسفة. ولكن السؤال الذي يظل يؤكد وجوده يكمن في القول: إذا كانت العبارات التي يريد من شخصياته أن تنطقها مضببة لا تصل كما هي، فلماذا كانت تلك العبارات منتقاة ولم يتم تركها للارتجال؟ وإذا كانت كذلك فلماذا الدقة في مسار تلك العبارات وتنقلاتها في البنية العميقة للعمل؟
وفي الحقيقة لابد هنا من العودة إلى كون لا معقول ABSURD  المسرحية الحديثة قد شق لنفسه خصائص جديدة فلم يعد يعتمد منطقا عبثيا معوَّما بل  صار للهدف الدرامي الموضوعي حضورا واضحا فصار يبحث عن تنسيق في بنيته العميقة عبر تشفير مقصود لمسار تلك البنية حيث نصل مع النهاية الفيزيائية والبنائية الشكلية الممثلة في العمل المسرحي المعين إلى افتراضات مفتوحة قد تكون بعدد حالات التلقي ولكنها المحسومة من جهة الإشارة التي تحيلنا إليها معالجة النص وتناوله مادته. وبالتأكيد تظل تلك الإشارة وجودية المنحى كما أسلفنا القول وإنْ تعددت صور التعامل مع تلك القيم من إقرار بالهزيمة والقدرية في منحاها ولكن مع إبقاء لفرصة الإصرار على التصدي لها وللتالي من معركة الحياة والوجود..
إننا بهذه الحقيقة نشارك الشخصيات حالة تشظيها من بعضها البعض وتوالدها وتنقلها بإيقونة سيجسدها الممثل على الركح [أو خيالنا في تبنيه التصوير الدرامي للكاتب].. وبذلك تتحقق متابعتنا وجود الهدف ووحدة الأثر في خلفية وجود تلك الشخصيات وحركتها عبر مسار الوقائع التي تشكل الفكرة المنتظرة من لا معقول "طقوس وحشية" ورموزها..ولدينا في طقوس وحشية مستويات عديدة لمتابعتنا مسار الحدث الدرامي فيها:
فالفضاء المسرحي الموصوف في النص هو خلق لتلك الأجواء التي يريد الكاتب نقلنا إليها لنلتقي شخصياته هناك بل لنراقب معه وجودنا فيها قبل وجود شخصياته. ومن هنا نتعرف إلى خصوصية ديكور طقوس وحشية بامتلائه بحشد لا ينتهي من الإيقونات المناسبة لرؤية المسرحية.. ولاحظوا معي على سبيل المثال العربة السرير أو السرير العربة وما عليها من إكسسوارات بكل ما تحمله من معطيات دلالية بما ينقلنا الأمر ذاته مع بقية الإشارات من مثل رمي الكتب عند قدمي المرأة لحظة تقمصها دور المعلمة ورمي الحبل أمامها عند الحديث عن الإعدام وظهور إشارات أخرى تنهض بدور تقريري تفسيري في مفردات الحدث وجزئياته...
أما المستوى الآخر لرسالة مسرحية طقوس وحشية وخطابها فيصلنا عبر اللغة \ الحوار، فالتعبير اللغوي تعبير موجز مختزل يظهر بعبارة اللغة البرقية وهو هنا مقطَّع الأوصال؛ الجملة فيه يُحذف منها حتى المسند إليه أو ركنها وعمادها الأساس بغايات مقصودة بالتأكيد ومع ذلك تظل تلك الجملة إبلاغية تزودنا بكفاية دلالية بالحجم الذي يختار أخذه الكاتب من شخصياته المستقلة...
وبانتقالة لمستوى آخر من المسرحية نستقرئ مشاهدها وما تعكسه من بنية ففي المشهد الاستهلالي لها يُسمِعنا الكاتب أصواتا من خلف العتمة حتى يُنار لنا الركح نكون قد تعرفنا إلى صوتي المرأة والرجل وهما يتصلان ببعضهما متقاطعين في أسلوبية أنتَ وأنتِ التي تُشهِر التعارض في موضع والتداخل الاندماجي في آخر.. وبدخولنا الجزء الثاني من المشهد الاستهلالي تكشف لنا العبارة فيه أننا بصدد علاقة عامة لا خاصة جمعية لا فردية شخصية وهو ما يدخل في ضوابط رسم الشخصية في مدرسة العبث...
وتتبادل الأيقونتان [الشخصيتان بل الشخصيات التي سيتم تقمصها لاحقا] عبارات تشير إلى رمزية الدخول إلى المكان حتى يتم تشفير فضاء العرض أو العمل (طقوس وحشية) فلقد دخلا من ثقب باب الحياة.. دخلا إلى الحياة ذاتها من شدة وأزمة واختناق، من بوابة مضغوطة فتركا المنافذ كلها ودخلا عالمهما من موضع التلصص على هذا العالم أو أنهما دخلا من حيث ينبغي أن يكون مفتاح الباب فكأنهما عين الكاتب على عالم معوَّم مجهول يريد الكشف عنه بلعبته المسرحية أو أنهما استبدلا مفاتيح ألغاز هذا العالم المتخفي فحلا محلها..
في هذا الموضع يبدأ رسم الوضعية الأساسية للمسرحية في خلفية الكودات أو الشفرات التي تمثل دوالا أو أدوات حمل المقاصد المنتظرة من الأثر المتولد عن لقائهما مع المتلقي قارئا أو مشاهدا..
أما البحث عن معجم لفك لغة الحوار فليس معقدا على الرغم من تقطيع أوصال العبارة وتمزيقها بتوزيعها بين صوتي المرأة والرجل.. فبجمع جزئيات النص الموزعة سنجد ما يريدان قوله لبناء نسيج الفكرة الذي يمكننا رسمه أو تلقي أثره واضحا بمتابعة مسار المشاهد.. على أن ذاك الجمع لا يمكنه النجاح في توفير المعجم الدلالي آليا بل بمفاعلة جزئيات الحوار فيما بينها وبتداخل مع الخطاب البصري المتشكل من أوضاع التجسيد وعلاقاتها مع الفضاء المرسوم بخصوصية كما أشرنا..
فضلا عن ذلك سنشهد بقراءة النص الدرامي طقوس وحشية ولادة شخصية ناطقة داخلنا من مجموع تلك الحوارات ودلالتها المركبة وهي شخصية تنجم عن تفاعلنا مع العمل وعن إحالتنا إلى نواقصنا الوجودية عبر اشتراكنا جميعا في الوقائع حتى منها تلك المتعارضة مع وجودنا ذاته.. ولكننا هنا نكون قد دخلنا اللعبة التي لا قِبل لنا أن نخرج منها بعد أن مرَّ سيف الزمن الممتد أو الزمن الذي اشتركنا خلاله باللعبة..
ولكن بالضد من شرك اللعبة المسرحية تظل حقيقة حرية وجود الإنسان تحمِّله مسؤولية المحافظة على تلك الحرية في الوجود الإنساني البشري ولكن المربوطة قدريا في القيم الوجودية ولعبتها خارج إرادته وداخل إرادة القدرية كما في سطوة الزمن الذي يمضي بلا إمكان استعادة أو إعادة..
وهذا ما تسعى شخصيات طقوس وحشية إليه وهي تناطح القدرية في الجدران المتوهمة لحصارها المزعوم.. ولابد هنا من التوكيد على فضاء مطرود في طقوسه الوحشية كونه فضاء محاصرا بالجدران وألبواب المغلقة التي لا يتم اختراقها على أسطوريا كما حال الدخول من ثقوب التلصص! فهناك دوما رفض للامعقول عند إدراجه في السياق المنطقي لتسلسل الوقائع في الحياة البشرية لأن كل شئ سيكون مفهوما مع الزمن وسَتـَحسِم المنجزاتُ الحضارية للعقل العلمي كلَّ شئ فتكسر وهم قدرية الفعل الإنساني وتبعيته وهزيمته...
إن الصوت المتحقق دراميا يظل بين امرأة ورجل وهو ما يأتي فقط استجابة لحالة إسقاط فلسفي بحت وإلا فإن الصوتين يمكن أن يكونا بين رجل ورجل أو امرأة وامرأة ولكن ليس بين إنسان وشئ ما آخر أي أن الحوار الدائر أمامنا ليس بين الإنسان والكون وسُدُمِهِ أو كائنات الطبيعة بقدر ما هو بين الإنسان في هذا الكون ومصيره المرسوم بإرادته حيث الإنسان ذاته هو من يكون طاغية مرة وعبدا خانعا مرة أخرى ولكن في هذا الانقسام تُخلق عوالم متناقضة لا تلتقي بل تظل متوازية على أحدهما أن يزول ليبقى الآخر وتلك إشكالية حرية الإنسان وأزمته فيها..
وفي المسرحية يتلبس حوارها حالات الأقنعة والتخفي حيث يكون فيها الطرف المستغِل العدائي هو المحتاج للتخفي تحت طاقية الأقنعة المزوقة من أجل إطالة أمد خطوط الاستغلال ونهمها لاستلاب المجموع..
ومن هنا جاء خيار الكاتب لوضع المرأة على وفق الذاكرة الجمعية للبشرية لتمثيل الإنسان المستلب المقموع كما واقعها في تاريخ البشرية فيما الرجل بموضع الخشونة والقمع والعدوانية كما حال مجيئه أبا وزوجا وأخا وبقناع شرطي حارس للمرأة من متعطش لدم البشرية الذي يكونه فيما بعد...
وسنلاحق في المشهد الذي يعقب المشهد الاستهلالي الافتتاحي استكمال رسم الوضعية الأساسية حيث يقدم الرجل نفسه حاميا حارسا للمرأة من شر الرجل\الجريمة المتعطش للدم وسنجد أن مسار الوضعية الأساسية بهذه الطريقة من تخفِّي الرجل هي مقدمة للكشف الذي سنصل إليه عندما نتعرف إلى حقيقته وإلى تخفيه لتنفجر الوضعية الأساسية وتقع المرأة الرمز في مصيدة الحبكة أو مكيدة الاستغلال في نهاية العمل وكأن الأمر مرة أخرى مؤداه دوما إلى إحباط وخيبة..
ومنذ هذا المشهد سنجد أنفسنا أمام  تتابع منطقي للأحداث برمزية أقرب إلى الواقعية وفي استطالة للعرض لا يسوِّغها سوى أمر وجودها البنائي لحاجة تالية تدخل في عملية حبك إيقاع الفكرة ومسارها بين نسج المكيدة المصيدة وبناء الوضعية الأساسية من جهة والاتجاه نحو الحل الدرامي من جهة أخرى؛ وهذا المسار محكوم لغةَ َ بواقعية ملغومة بشفرات معجم المفردات المختارة لإغناء ذاكرة المتلقي وحرثها لما تروم حصاده المسرحية من  وراء ما زرعته من قيم ومعلومات..
ومع ذلك فنحن لا نغادر لامعقول أو عبثية البناء فالشخصية تعلن في المشهد التالي عبثيتها حيث هي جملة من الشخصيات بل جهاز كامل من الوجود الإنساني فقد جسَّد الرجل قائد حرس وصانع أحذية ومستشارا وسائس خيل وعامل بناء وشارك في حروب بلاده مثلما هو أيضا المنفي المشرد والمهاجر إلى أصقاع الأرض الباكي دوما على تفاصيل حياته..
والأحداث التي تصل إلينا في لحظة التعريف بهذا المركب تعميق لتشظي الشخصية ولطابعها الجمعي المتشظي وجوديا عن الإنسان الفرد مثلما هو المنتمي إلى الوجود الجمعي المتعدد المتنوع.. وبعامة فإن المشاهد التالية تتضمن لغة منسابة لبناء تتابع واقعي فيما يوظف الكاتب في بنية مسرحيته لعبة المسرحية داخل المسرحية وهي آلية تجد حاجتها في كيفية بناء الحدث الدرامي بالدخول في تعقيد جديد على صعيد مسار الفعل الصاعد عندما توضع شخصية المرأة بعد اكتمال نسج الوضعية الأساسية بصور تجعلنا نتعاطف معها ولنوضع نحن أيضا أمام مركب الشخصية العبثية عند كليهما المرأة بوصفها الآنف الذكر والرجل بأدائه شخصية الجريمة كائنا ودلالة أو بأدائه دور (القاتل المنتظر) على وفق الحبكة...
وستتصل مسارات الحدث عبر تشكيلات متداخلة وتبادلات في الأدوار وتقمص لعديد الشخوص بما يتيح مزيدا من العمق في إدارة اللعبة المصيدة حتى ننتهي إلى الوقوع في الفخ شكلا أي في بنية اللعبة المسرحية وهو المتوهم المتخيل والواقعة الفكرة التي تمثل قدرية الأحداث والمصير البشري الممثل للحقيقة المقابلة للوهم.. ولكن بين لعبتي الوهم والحقيقة في "طقوس وحشية" نكون قد استنفدنا أسئلتنا الوجودية القدرية لتقرير حقيقة التصدي المنتظر منّا لمشكلات واقعنا وهي حقيقة يفرضها عيشنا مع (أمل) التغيير وانتصار إرادة حرية الإنسان على عبثية الاحباط والاستسلام ومن ثم تقمص مهمة رفض إسقاط العبثية على الفعل الإنساني الإيجابي...
وخلا ذلك كان علينا عرض حبكة العمل والمرور على شخصياته والتعريف بها ولكننا آثرنا بخصوص "طقوس وحشية" أن نترك للقارئ تمعّنه في القراءة لما لذلك من انسجام مع توفير فرص مضافة للمتعة في العوم بين أسطر شعرية النص مثلما هي إبحار في بنيته وجماليات التصوير والقيم البصرية المتاحة في رسوم الكاتب لحركة شخوصه في ميدان عوالمها أفقيا وفي فضائها عموديا..
إنَّ نصّ "طقوس وحشية" بحاجة لقراءة تشريحية مخصوصة لنستجيب لأهمية ملموسة في الحداثة والتجديد فيه وللتجريبية في معطياته البصرية السمعية أو في بنيته المركبة كما مرَّ سريعا وباختصار في قراءتنا هذه. وبالمرة نقطع بأن نص قاسم مطرود يتقدم من عمل مسرحي لآخر وهو يعطي لكل نص توكيدا لكيفية كتابته وشيئا من الخصوصية المضافة والاستقلالية للنص الجديد ما يعني وضوحا في اتجاهه إلى بناء شخصية لها هويتها في الدراما العراقية والنص المسرحي العربي بعامة وهذا ما يجعلنا نأمل في نص السيد مطرود كثيرا من التطورات البعيدة...



كتبت هذه المداخلة البحثية التخصصية مقدمة لمسرحية الكاتب قاسم مطرود التي صدرت في كتاب قبل مدة قصيرة وللاطلاع على نص المسرحية يمكن العودة للرابط الآتي:
http://www.kasimmatrood.com/Nsoos9.htm


140
الاتفاقات الأمنية العسكرية مع العراق وقضية السيادة والاستقلال والمسؤولية؟
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان
          11\06\2008
tayseer54@hotmail.com

تناقلت وكالات الأخبار نبأ عقد اتفاق دفاعي مشترك بين أطراف في الحكومة العراقية وإيران. يأتي ذلك في وقت تصاعدت حدة السجالات بصدد الاتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبمراجعة سريعة لجميع أنشطة (مراكز القرار) في الحكومة العراقية في السنوات الخمس الأخيرة فسنجد أنَّ أبرز ما جرى هو الصمت المطبق على القصف المتصل المستمر للجانبين الإيراني والتركي الذي طاول الأراضي العراقية سواء على الحدود أم في العمق العراقي! وما زالت جريمة اختراق السيادة العراقية وتهديد سلامة التراب العراقي ووحدته وأمن العراقيين وتعريضهم لشتى المخاطر حال مستمرة حتى لحظة توقيع الاتفاق الدفاعي الأمني المشترك وحتى يومنا هذا.
وطبعا لا تنسى الذاكرة العراقية أن المسؤولين من أصحاب الكلمة والقرار في الحكومة قد كانوا في استقبال واحتفاء بممثلي تركيا في وقت كان جيشها يجتاح الأراضي العراقية كما تفاعلوا مع الجانب الإيراني في وقت كانت مدفعيتهم تدك القرى والمدن معرِّضة أبناءها لكل المخاطر.. وأكثر من ذلك تمَّ عقد الاتفاقات مع تلك الوفود في مجالات التعاون المختلفة منها ما جاء تلبية لدواعي وأسباب داخلية تخص البلدين الجارين وليس للعراق فيها لا ناقة ولا جمل... كما في حال فرض قيادة الجارة تركيا شرط مشاركة الحكومة العراقية في مطاردة قوات حزب العمال ومشاطرة التوجهات اللاديموقراطية في التعاطي مع قضايا الشعب في تركيا بما دانته الحكومات الأوروبية والديموقراطية عامة وعملت وتعمل ه9ذه القوى على تحقيق المنجز الديموقراطي في تركيا بعيدا عن النهج الاستعلائي الشوفيني الجاري...
وها نحن ندخل في اتفاقية أمنية بشكل يفاجئ حتى بعض مراكز القرار العراقي كما في تصريحات رئاسة أركان الجيش العراقي التي أعلنت بوضوح أن مجيء الاتفاق بعيدا عن مشاورتها يدفعها للتشكيك به وبما وراءه من نوايا وأبعاد!؟ هذا فضلا عن  توقيع الاتفاق بعيدا عن البرلمان العراقي ودوره الرقابي على أداء الحكومة.. فإذا كان هذا قد حدث مع إيران، فما الذي ننتظره بشأن الاتفاقية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية؟

إنَّ أغلب ما جرى تمريره من اتفاقات وقرارات قد تمَّ بذريعة طبيعة التوازنات والظرف العراقي الخاص أو على وفق التعقيدات التي تحيط بهذه الحادثة أو تلك... ولكن المشكل الحقيقي لا يكمن في الطارئ العابر بل فيما يُبيَّت من نوايا ومراسيم ستكبِّل العراق طويلا بقيود أقلها وأصغرها شأنا عقد الاتفاقات الثنائية الإقليمية والدولية ولن يكون أخطرها شؤون الحدود العالقة مع جيران العراق أو قضايا مثل قضية المياه وسرقة حقول البترول العراقي والمعادن الاستراتيجية الثمينة الأخرى...
إنَّ الخطر الحقيقي يكمن في أمور استراتيجية بعيدة المدى تتعلق بأن يكون العراق أو لا يكون؟ وبأن نجد لأنفسنا فرصة للعيش بأمان واستقلالية نمتلك فيها إرادتنا وحقنا في الحياة الحرة الكريمة بعد أن نزف منّا لا النفط ولا ثروات البلاد وتهجير ملايين العباد بل قطرات الدم التي تجري في عروق من بقي مكافحا متشبثا بالوطن والناس وحقه في الحياة...

لقد قلتُ مع شعبنا وممثليه بأنَّ راهن وضعنا لا يسمح للحكومة بعقد اتفاقات استراتيجية وأنه إذا أُريد أن يتم عقد أية اتفاقية فيجب فيها:-
1.  ألا تُدخِل العراق في أيّ حلف عسكري أو ارتباطات عسكرية أو أمنية إقليمية أو دولية.. فلقد ولى زمن الأحلاف العسكرية وولى معه زمن التبرع برقاب العراقيين لمعارك وحروب عبثية عصفت بهم وأكلت بهم الدهر وأشاعت القهر والذلّ. وما تطلع إليه العراقيون بعد رحيل زمن الطاغية هو ألا يعود إليهم بطاغية وألا يعود إليهم بفلسفة الطغاة التي جرَّت وتجرّ بالعراقيين إلى ميادين الموت والقهر...
2.  ألا تتم أية اتفاقية من دون حال الإجماع بالعودة إلى جميع القوى الوطنية المؤمنة بالعملية السياسية سواء كانت داخل الحكومة أم خارجها وأخذ موافقتها تامة واضحة وتوقيعها أولا وقبل تمرير الاتفاقية...
3.  أن يجري نشر نص الاتفاقية بكل شفافية وأن يتم تسجيل بند فيها يشير إلى عدم وجود ملاحق أو فقرات سرية غير معلنة...
4.  وليس أخيرا أن يجري لكل قرار استرتيجي استفتاء الشعب العراقي عليه؛ ومن ذلك الاستفتاء على الاتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية قبل مصادقة البرلمان عليها وبعد التداول القانوني المسؤول بخصوصها..
وبخلاف هذه الشروط فلا موافقة ولا شرعية لأية إجراءات متخذة بشأن أي اتفاق أمني عسكري دفاعي أو غيره ومع أية جهة..

وينبغي هنا أن نؤكد على أن عقد اتفاقية أمنية كالتي جرت مع الجانب الإيراني لا يمثل تجاوزا على المسؤولين المعنيين في الإدارة الحكومية كما في رئاسة الأركان العراقية بل يمثل تجاوزا بيّنا على البرلمان العراقي ومهامه وتجاوزا لصلاحية الحكومة وحدود ما يمكنها فعله ما يمثل خرقا دستوريا يوجب على البرلمان مساءلة المعنيين بشخص معالي وزير الدفاع ودولة رئيس الوزراء قد تصل المحاسبة البرلمانية فيها لحدود طرح الثقة ووقف إجراءات تلك الاتفاقية...
إنَّ من حقي وحق العراقيين أن يستأنفوا لدى المحكمة الدستورية العليا وعبر البرلمانيين الشرفاء ليوقفوا أية محاولة للتفريط بحقوق العراقيين أو لإخضاعهم لاتفاقيات تخل بمصالحهم الوطنية العليا أو تعرّضهم لويلات الارتباطات بأحلاف عسكرية أو أمنية إقليمية أو دولية بما يضر بهم وبمستقبلهم...
إنَّ العراقيين اليوم من الوعي ما يذهب باتجاه تمتين الجهود وصبِّها في الإطار الذي يحمي مصالحهم ويدافع عنها وعن مستقبلهم. ولا يمكن لهذا أن يتم بالانقسام والتشظي والتشرذم، فنحن هنا لا نتصيد لمسؤول حكومي؛ بل في قضية تجري بين العراقيين في طرف وأي جهة أجنبية تتوحد الجهود ولا نسمح لأحد بابتزاز مسؤول أو جهة حكومية أو الاستفراد به لتمرير اتفاق أو غيره مما يضر بالعراقيين...
فالعراق الجديد قد وضع أصبعه البنفسجي على صفحة بيضاء للبدء بمشروع بناء مؤسساته الديموقراطية التي لا نتخلى عنها وإذا كنّا نعاني من خلل هنا أو ضعف هناك فإننا مع مؤسستنا الحكومية نعمل ونمضي سويا ونصوِّب ونقوِّم المسيرة سويا ولا نتعرض لمسؤول يخطئ ولكننا نعفيه من ثقل المهمة لنضع البديل القادر على تحقيق تلك المهمة الوطنية وهو ما لن يكون عداء مع طرف أو انقسام في الموقف بقدر ما سيكون عملا جمعيا مؤسساتيا وثقتنا ستتوطد وتتنامى مع تطهير مؤسساتنا تلك من الفساد ومن الأخطاء ومن النواقص والهنات ومن كل ما يمكن أن يعرّضنا لخطر من أي نوع...
والعراق الجديد قبل هذا وبعده غير مستعد أبدا للتفريط بقرار الشعب [وتكليفه مؤسسات دولته بالمهمة الوطنية] في تبني مسيرة سلمية ثابتة راسخة مع جميع جيرانه وأنه لن يُقدِم على اتفاق عسكري مع طرف يمكن أن يفسره طرف آخر بأنه تهديد له أو اعتداء على العلاقات الاستراتيجية وعلى الخلفية الأساس لوجود عراق تعددي ديموقراطي فديرالي يؤمن بوحدة وجوده واندماجه السلمي مع محيطه المتنوع ويتفاعل مع المحيط بما تمليه الشرائع والقوانين الدولية ونهجها السلمي...
وفي وقت خاضت إيران حروبا عبثية مع العراق وهددت باتفاق سابق طيفا عراقيا (التسهيلات المطلوبة باتفاق الجزائر ضد الكورد والأمر يحصل مجددا بقصف كوردستان العراق ومحاولة قمع مطالب الكورد في إيران).  كما أن دولا عربية عديدة تتعرض لاختراقات إيرانية تستهدف أمنها الوطني وهيويتها مثلما تمضي إيران بمشروعها النووي مهددة أمن المنطقة والعالم. وعلى طرف آخر تواصل في الجهة الأخرى تركيا حربها لقمع مطالب الكورد العادلة وفي جميع الأحوال يجري تعاطي بعض مسؤولي القرار بطريقة تتعارض وهذه الحقائق..
لذا ننتظر من الدبلوماسية العراقية موقفا بناء وموضوعيا في التصدي لمسؤوليتها المكلفة بها لكي توقف أية إجراءات تربط العراق بطريقة ستلغي مصالحه وتمحو وجوده لتجعل من ذلك بوابة تهدد الخريطة الجيوسياسية في المنطقة وتهيئ لمشروع يهدد السلام العالمي برمته... أو على أقل تقدير يمشي عكس تيار مصالح شعوب المنطقة وأمنها ومستقبلها.
وشعبنا ينتظر من قياداته في الحركة الوطنية أن ترتقي لمستوى المسؤولية في لحظة تاريخية لا تحتمل الصمت أو تأجيل إعلان الصوت فعلا لا كلمة محدودة بخطابات شعاراتية...


 
Prof. Dr. TAYSEER A. AL-ALOUSI
Mob. Tel. :   0617880910
http://www.somerian-slates.com
http://www.babil-nl.org

142
ولادة النص العربي لبرنامج الاشتراكية الديموقراطية الألماني الجديد
الدكتور لطيف الوكيل يترجم البرنامج لأول مرة إلى العربية

الحديث عن الاشتراكية الديموقراطية ومسيرتها ليس أمرا سهلا بسيطا بل يتطلب من الجهد الشيء الكثير؛ ذلك أنها مرت بمراحل الولادة والتأسيس مع تنامي الحركة العمالية وبحثها عن الديموقراطية والعدالة مذ أجرت محاولاتها بشأن التحول بمفهوم المساواة للثورة الفرنسية إلى مفهوم العدالة متضمنا فكرة لامساواة عادلة ومرورا بالانشطار بيين اشتراكية ديموقراطية  ثورية الاتجاه ممثلة في البلاشفة ومن ثمَّ في الحركة الشيوعية واشتراكية ديموقراطية ممثلة في الأممية الثانية والاتجاه المُختلِط بالليبرالية... وفي تلك الأجواء التي انتهى بها القرن التاسع عشر وابتدأ بها القرن العشرين كانت الأحزاب السياسية والحركات النقابية ومنها تحديدا الحركة النسوية ونضالات المرأة في كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية قد أفرزت تأثيرات مهمة في التحامها مع الحركة الاشتراكية الديموقراطية بأقسامها المختلفة...
 
ولقد كان للحركة الاشتراكية الديموقراطية توجهها الذي اكتسى بغطاء نقدي داخلي جرى تحميله بمضامين رفض فكرة صراع الطبقات وانتفاء الديموقراطية التي تستهدف المساواة بين بني البشر في المجتمعات الطبقية، فكان انفتاح الحركة على مالكي وسائل الانتاج من الطبقة الوسطى آنذاك وهو ما حدَّد المحتوى المشروط للمساواة عند منظري الاشتراكية الديموقراطية وحركتها السياسية.. ممثلا في  متغير مفهوم المساواة عندهم بقطع النظر عن طبيعة النضالات الإنسانية وجوهرها آنذاك.. فتمثلت عندهم المساواة في المشاركة السياسية مشروطة أو متحددة بالإدماج الاقتصا- اجتماعي والثقافي والديني والقضاء على ما يسمى التهميش بأنواعه إلى جانب المساواة بنقاط الانطلاق في ميادين التنافس عبر فكرة مساواة المواطنين بأدوات أنشطتهم بخاصة منها الفكرية المعرفية. ومن هنا أولت الاشتراكية الديموقراطية أو الديموقراطية الاجتماعية اهتمامها المميز بالتعليم ومجانيته وفرصه... ووجد منظروها وقادتها أن التضامن على وفق رؤاهم هو الكفيل بحماية الفقراء من غول اقتصاد السوق ووحشيته كما في (الإعانات المتأتية من المفردات الضريبية مثلا وأشكال التنظيم لمؤسسات المجتمع المدني)..
لقد حاولت الاشتراكية الديموقراطية أن تقدم مشروعها في الدولة الاجتماعية واقتصاد السوق الاجتماعي بالاستناد إلى  التجربة الألمانية وتحديدا بالاشتراك مع  معالجات جرت في خمسينات القرن المنصرم من قادة بارزين آنذاك في الحزب الديموقراطي المسيحي [المحافظ] الذي دعا إلى الليبرالية الجديدة وتقليص دور الدولة في الاقتصاد والخدمات الاجتماعية بعد أن أسس مع الأحزاب الأخرى بما فيها الحزب الاشتراكي الديموقراطي للدولة الاجتماعية الحديثة بدعوته لتحقيق ما أسماه الدولة المسيحية الاجتماعية.
ولكن ما يثير الاستغراب هنا يكمن في: أنَّ تلك التجربة جاءت مع مؤسس السياسة الاجتماعية في الدولة الألمانية أي بسمارك؛ حيث أجيز في 1883 قانون التأمين الصحي وفي 1884 أجيز قانون التأمين في إصابات العمل وفي  1889 جاء  قانون التأمين في حالة الإعاقة والشيخوخة وتلا ذلك بعقود في العام 1927 قانون التأمين ضد العطالة. وفي حقيقة الأمر فإن كل تلك الخطوات جرت في ظل بروز تأثيرات الماركسية وتقدم نضالات  الشغيلة وتنظيماتها ومكاسبها عبر الكفاح المطلبي والسياسي. في حين كان أهم سبب لتوجه اقتصاد السوق الاجتماعي في عهد أدينهاور (المحافظ) هو المجابهة مع تأثيرات الاتحاد السوفيتي وألمانيا الديموقراطية، إلى جانب ظروف ما بعد الحرب العالمية الكونية الثانية التى أدت في بعض مفرداتها إلى انتعاش في الاقتصاد الرأسمالي الأمر الذي فتح المجال لخطط الدولة الاجتماعية في مجانية التعليم وشبكات التأمين والضمان الاجتماعي وغيرها. 
وهكذا استمرت حالة التمسك بالدولة الاجتماعية على الرغم من التطورات اللاحقة ووحشية قوانين اقتصاد السوق الذي تعتمده قوى المحافظين من الليبراليين الجدد.. وفي ضوئها كان الانقسام الحاد بين كثير من قواعد الاشتراكية الديموقراطية وقياداتها ما جعل كل من بلير وشرويدر يدعوان إلى ما أسمياه الطريق الثالث وهي ثاني مراجعة تشطر الحركة بعد المراجعة الأولى في مطلع القرن العشرين قبيل ثورة أكتوبر الاشتراكية...
إنَّ اعتماد الاشتراكية الديموقراطية لرؤية برينشتين تجاه عبارة ماركس الثورية التي نصها:"لا تستطيع الطبقة العاملة الاكتفاء بالاستيلاء على آلة الدولة جاهزة واستعمالها لأهدافها الخاصة" تلك الرؤية التي قرأت العبارة بنقيضها عندما قال إنَّ ماركس لم يطالب الشغيلة بإحداث التغيير الجذري في جهاز الدولة.. إنّما  يمثل محاولة لتمرير تلك المعالجات الإصلاحية للاشتراكية الديموقراطية التي لا يُرى فيها ما يفي بكبح جماح النظام الرأسمالي وقسوة قوانينه...
 
لكننا في ظروفنا االقائمة عالميا وعراقيا، نبقى بحاجة للحوار الجدي الذي يقرأ أدبيات الاشتراكية بطريقة موضوعية ويتناول التجاريب الغنية التي عبرت عنها مسيرة حوالي القرنين من الزمن. ويعالج الثغرات التي أدت لتأخر الحلول الناجعة لمشكلات البشرية وأبقت على النظم التي أشعلت الحروب العالمية والإقليمية الكبرى وما زالت تستبيح بقوانينها ميادين جديدة حتى سحقت العالم وهصرته في بوتقة الآلة الجهنمية الجديدة مجدِّدةَ َ تلك التي حلت بالمجتمع البشري في القرون الوسطى..
ولا يمكننا نحن الداعين للمنطق العقلي والقراءة الأكاديمية الدقيقة الرصينة والموضوعية إلا أن ندعو لأوسع حالات تبادل الرؤى والحلول عبر حوار يستند إلى النصوص التأسيسية للحركات وأفكارها وفلسفاتها ونظرياتها.. وأبرز تلك الحركات التي تحتل اليوم ميدان العمل السياسي أوروبيا وعالميا هي الاشتراكية الديموقراطية بما تقدمه لنا اليوم في مشروعاتها وبرامجها..
 
وفي هذا الإطار عكف الدكتور لطيف الوكيل الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية على ترجمة واحد من أبرز مشروعات الاشتراكية الديموقراطية وبرامجها التي تتناول الوضعين الألماني وتجربته والدولي بعمومه في إطار العولمة.. ووضع الدكتور الوكيل بين أيدينا [في إطار تدريسه المادة جامعيا] برنامج الاشتراكية الديموقراطية الألماني باللغة العربية في وقت يمر العراق تحديدا مثلما الوضع عالميا [وإن كان بحدة قاسية في العراق] بمرحلة مهمة بحاجة لمراجعة قراءة وسائل الوصول لديموقراطية تشتمل على احتواء أقسام اجتماعية واسعة تتحالف فيها طبقات اجتماعية مؤجـِّلة تناحرها الطبقي لصالح حل المشكلات الأعقد التي تجابه البلاد من انهيار مؤسسات الدولة نفسها إلى ولادة مؤسسات جديدة تشوبها بل تنخرها حالات الفساد والقصور والأمراض التي تكبح ولادة الديموقراطية وآلياتها...
إنَّ قراءة برنامج الاشتراكية الديموقراطية قراءة نقدية موضوعية مستقيمة تظل ضرورة تحتفظ بأهميتها ومكانتها في تحريك أجواء الولادة الجدية لمؤسسات الديموقراطية في بلادنا التي تسعى لتوظيف هذه الآلية من أجل محو آثار عقود من التخلف والدكتاتورية وسنوات من طغيان الميليشيات والعصابات والمافيات التي تخترق الدولة نفسها...
عليه ستبقى هذه الترجمة تمتلك أهميتها للساسة والاقتصاديين في بلادنا  وللمعنيين بالقدر الذي يتم تناولها على وفق ظروف البلاد الآنية وحاجاتها وطبيعة تركيبة البنية التحتية للشعب العراقي وللبناء الفوقي أيضا ولحركاته السياسية والاجتماعية ولمؤسسات المجتمع المدني الوليدة.. وهذه بمجموعها بحاجة جدية لمثل هذه القراءة..
 
وإنه لمن المفيد أيضا أن ننظر لدعوة الدكتور الوكيل للحركة السياسية العراقية كيما تتصدى للتعبير عن الأقسام المعنية من المجتمع العراقي بخطاب الاشتراكية الديموقراطية وتكوين حزب يعتمد هذا الخطاب بما يلبي طبيعة التنوع الموجود في مجتمعنا من جهة وبما يفيد من التجاريب الإنسانية ويمتاح منها ما يفيد على المستوى السياسي تحديدا... وأذكـِّر هنا بأن عددا من الأحزاب الوطنية العراقية ترتبط بعضوية مع الاشتراكية الدولية وتلتزم بقراراتها وتتفاعل معها ما ينبغي الالتفات إليه في التعاطي مع دعوة الدكتور الوكيل من باب تفعيل الخلفية البرامجية فكريا واقتصاديا وسياسيا بالوصول للنموذج الاشتراكي الديموقراطي في أصول تجربته ومنتهى ما توصلت إليه في المرحلة الأخيرة الراهنة...
 
أبارك للدكتور لطيف الوكيل جهده، ويهمني بالمناسبة أن أشيد بلغته الصافية ومحاولته اختيار العبارات الأوضح في التعبير عن الفكرة أو الإشكالية بمقابل النص الأصل وعمله الدائب المتصل لأشهر عديدة في الترجمة في محاولة جدية لجعل النص يلتزم التقابل الحي المباشر مع منح النص معطياته الدلالية بمضامينه ومعالجاته على وفق حيوية أسلوب العربية وسعته لاستيعاب اللفتات الدقيقة للنص بلغته الأصل..
وأتمنى أن يحظى النص المترجم بمراجعات سياسية وقراءات أكاديمية وتناول موضوعي يدفع لمناقشة التجربة الاشتراكية الديموقراطية في وجودها أو نموذجها الألماني والحوار بما يفضي لنتائج مفيدة على صعيد تجاريبنا العراقية أم في البلدان العربية.. وآمل له أن يجد الإجازة الرسمية لطبع النص المترجم ونشره في مطبوع عربي النسخة في القريب إلى جانب النشر الألكتروني وداخل قاعة الدرس...
وللاطلاع على النص يُرجى العودة للرابط الآتي:  
http://vdwk.com/latifbook.htm
 

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أستاذ الأدب العربي والنقد الأدبي
باحث أكاديمي في العلوم السياسية
رئيس البرلمان الثقافي العراقي  في المهجر

 tayseer54@hotmail.com

 
 
 
 
 
 
 
 
 

143
بمناسبة المؤتمر العام السابع للمنظمة العراقية لحقوق الإنسان في هولندا

الموقف من الهجمات التصفوية الدموية ضد المجموعات القومية والدينية في العراق

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان

          25\04\2008

tayseer54@hotmail.com


 

 

يتعرض العراق وشعبه لهجمة مركبة من قوى الإرهاب الدولية ومن مجموعة من المافيات والميليشيات وقوى التطرف الديني الإسلاموي... ولكنَّ الأمر يمتد أبعد في مخاطره عندما يتعلق الأمر بالمجموعات الدينية والقومية التي مثلت العراقيين الأوائل من بُناة حضارته، ماضيه المجيد العريق منذ سومر وبابل وآشور ومنذ الميديين والكلدان وما زالت تمثل اليوم جوهر العراق الحديث عبر تمثيل هويته القائمة على تنوعه الأثني القومي الديني...

فلا وجود لعراق من دون نسيجه الاجتماعي القائم على التنوع الثقافي وعلى التعددية  في التركيبة (القومية والدينية). حيث العربي مع الكوردي والتركماني والكلداني الآشوري السرياني والصابئي والأرمني وحيث المسلم السني والشيعي مع المسيحي الكاثوليكي والبروتستانتي والأرثدوكسي والمندائي والأيزيدي واليهودي؛ وحيث كل فسيفساء الوجود المذهبي الديني والقومي بكل اللغات والخطابات الإنسانية التي تجمع العراقيين في وحدة وطنية صار عمرها اليوم عمر تراث الإنسانية وحضارتها في العشرة آلاف عام خلَت...

من هنا فإنَّ خطط قوى التطرف والفكر الديني الطائفي من سلفية وإرهابية وغيرهما، تلك التي تتقصد تركيز الاعتداءات على المسيحي وعلى المندائي وعلى الأيزيدي إنَّما هي محاولة لضرب جوهر الوجود العراقي القائم على التنوع والتعددية ومن ثمَّ فهي تمثل عدوانا على هذه الحقيقة وعدوانا على العراق بتمام شعبه الأمر الذي يستدعي أعمق وحدة وتفاعل في التصدي لهذه الهجمات الإرهابية الدموية التصفوية...

إنَّ الدفاع عن المسيحي والمندائي والأيزيدي لا تقف عند حدود مهمة الدفاع عن حقوق أيّ منهم بل تتعدى إلى حيث الدفاع عن القيم الحضارية الثقافية التي ترسخت في وجدان مجتمعنا العراقي وهو دفاع عن القيم الإنسانية في التآخي والمساواة وحق تقرير المصير فضلا عن تطبيق حقوق الإنسان بتفاصيلها وجوهرها...

والمشكل في تشخيص الجريمة التي تجري في العراق هو في اعتقاد بعضهم أنها جريمة عابرة أو أنها تقع في سياق ما يجري للعراق عامة وهو أمر غير دقيق، إذ الصحيح في الأمر أن يجري تشخيص الجريمة في كونها على مستويات نوعية وقانونية محددة وكالآتي:

1.     فهي أولا جرائم إبادة جماعية [جينوسايد] كونها تطاول المجموعة الدينية أو القومية المعيّنة المحددة بطريقة إيقاع القتل الجماعي المتصل المستمر مذ خمس سنوات تحديدا في تلك المجموعات بتخطيط وسبق ترصد!

2.     جرائم التهجير القسري سواء منه الخارجي مثلما فعلت سلطة القوى الإرهابية المسلحة بدفع أبناء المجموعات الدينية والقومية إلى ترك الوطن والهجرة إلى خارج البلاد، أو بدفعهم للهجرة القسرية الداخلية أو النزوح تحت سيف الإكراه كما في جريمة التغيير الديموغرافي للمدن والمحافظات العراقية كما في التعرض المباشر للمسيحيين وإخلاء أكبر محافظة بعد العاصمة بغداد [البصرة] من سكانها من المسيحيين وكما في إخلاء محافظة مهمة كـ[العمارة] من المندائيين وهي عمليات القصد من ورائها أسلمة تلك المناطق وإخضاعها لقوانين السلفية والتطرف والطائفية، وما تزال تلك الجرائم تجري اليوم بطريقة صراعات قد تودي تداعياتها لمشكلات خطيرة إن لم يجرِ معالجتها بحكمة وموضوعية..

3.     جرائم ضد الإنسانية ممثلة في السحق النفسي والحرب ضد الهويتين القومية والدينية\المذهبية ومحاولة تغيير هويات المجموعات الدينية والقومية إلى العربية تحديدا وأسلمتها بإخضاعها للفكر الديني الطائفي والمتشدد والتكفيري وهي سياسة ثابتة للقوى السياسية التي تتحكم بالشارع السياسي العراقي اليوم... ولقد طاولت هذه الجريمة العراقيين من الكلدان الآشوريين السريان والأرمن والصابئة المندائيين والأيزيديين بشكل مباشر ومخطط له.. وهذه الجريمة في الحقيقة تندرج فيما يشخصه القانون الدولي جريمة إبادة الجنس البشري ومظاهرها في الإبادة أو التصفية الجسدية وفي الإبادة البيولوجية من تعقيم الرجال وإجهاض النساء مثلما حصل بالأمس مع الكورد وتحديدا منهم البارزانيين وهناك الإبادة الثقافية من اعتداء على الثقافة القومية وتقف عملية منع التعامل بلغة المجموعة في رأس الاعتداءات بالخصوص.. والاعتداء على الهوية المخصوصة.. وهكذا فقد وقعت الإبادة المادية بالقتل والاعتداء الجسماني وإعاقة التناسل أو حتى بطريقة بشعة رزلة أخرى كما في عمليات الاغتصاب الهمجية وتوابعها، كما يجري اليوم في كثير من المدن العراقية من دون أن يتم التعرض لها بوضوح وهو ما يلزم لنا وللمجتمع الدولي الالتفات إليه بدراسة مقارنة للجريمة بغية منع مواصلتها والاستمرار فيها.. ووقعت الإبادة المعنوية كالاعتداء النفسي والإخضاع لظروف العيش المهينة والنقل لظروف معيشة مختلفة لغة وتقاليدا كما يمكن هنا الإشارة لجريمة بشعة تتمثل في استعباد عوائل وأفرادها والاتجار بهم في سابقة الرقيق الأبيض في عصرنا بوصفها وصمة عار في جبين زمننا حتى يجري الانتهاء من المحاكمات العادلة وضبط الأوضاع العامة ما قد يقدم بعضا من الحل ويقدم شيئا من الإنصاف للضحايا إذ لن يعوض الضحايا بحق ما سُرِق منهم ومن حيواتهم الإنسانية...

إنني هنا أهيب بزميلاتي وزملائي في المنظمة العراقية لحقوق الإنسان وهي تعقد على هامش مؤتمرها العام السابع جلساتها المخصوصة بالتضامن مع عراقيينا من المسيحيين والمندائيين والأيزيديين أن تشخص نمط الجريمة ومسمياتها القانونية كيما تقدم توضيحها المدروس لحجم الجريمة وتضعه بين يدي المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان فضلا عن تقديم قراءتها للجريمة بطريقة تسطيع معها تقديم الحلول الناجعة لها في ضوء القراءة الصحيحة قانونيا وحقوقيا... وأن ترتقي بمهمتها التضامنية بتشكيل لجنة صياغة لبيان تضامني وصبه في مذكرة وحملة تواقيع وطنية ودولية توجّه للجهات والمنظمات الدولية مع اقتراح إجراءات محددة بالخصوص لتنفيذها ووضعها في ميدان أو أرضية الواقع... كما ينبغي المطالبة القضائية بتقديم نتائج التحقيقات بكل الجرائم المرتكبة ومن بينها ما وقع مؤخرا من جريمة بحق المطران فرج رحو... فمن دون إعلان النتائج الفعلية وبحفظ التحقيقات وقيدها ضد مجهول لن تقف جرائم الإبادة ومسلسلها... ولابد بالتأكيد من التوجه لإشاعة ثقافة متنورة جديدة تلغي استخدام مصطلح أقليات المستغل لجهة تهميش أبناء الوطن وبُناة حضارته الأصليين، وكل ذلك عبر إشاعة ثقافة حقوق الإنسان والتعريف بالقوانين الثابتة على الصعيدين العالمي والمحلي بالخصوص..
 وفي إطار أعمال المنظمة ذاتها، أنتظر التعاطي مع أهمية انتخاب هيأة جديدة لإدارة المنظمة تتشكل بممثلين عن المجموعات القومية والدينية ومنحهم حق المشاركة الفعلية في قيادة أعمال المنظمة مثلما أتطلع لوجود حقيقي للمرأة في الهيأة الإدارية الجديدة مع التزام أكيد بانتخاب أصحاب الأعمال المأثورة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والخبرة مع تقديم المتخصصين في القانون والمجال الحقوقي في هذه الانتخابات من دون أن يعني ذلك انتقاصا من جهد زميلة أو زميل في مرحلة سابقة...

وسيكون مفيدا إعادة صياغة برامج المنظمة على وفق المستجدات والمتغيرات في الأوضاع العراقية إذ يلزم القول بووح إن تأييد العملية السياسية ليس قرينا لتأييد أخطاء أغلب وزارات الحكومة وتقصيرها في التعاطي مع حقوق الإنسان وأخص بالذكر هنا الوزارات التي تقف على تماس مباشر مع هذه المهمة...

فمن المهم تفعيل وزارة حقوق الإنسان وتفعيل وزارة المرأة وتفعيل الوزارات الخدمية وبرامجها في التعاطي مع حقوق الإنسان الثابتة في حق التعليم والصحة وغيرهما... كما ينبغي التأكد من سلامة ما يجري في أروقة وزارة الداخلية وممارسات الشرطة العراقية ومنع اغلاختراقات الأجنبية والانحرافات المحلية في التعاطي مع حقوق الناس ومصالحهم...

ويلزم التحدث بوضوح عن دستورية القوانين وعن قانونية الإجراءات المتخذة وعن صواب الممارسات الحكومية وغيرها وعن درجة الاهتمام  بالمرافق التي تعنى بمنظمات المجتمع المدني العراقية الممثلة للمجموعات القومية والدينية..

ولابد هنا من التوكيد على أهمية مطلب تشكيل البرلمان الوطني العراقي من هيأتين هما المجلس الوطني والمجلس الاتحادي حيث يُنتخب الأول مباشرة وعلى الصعيد الوطني فيما يمثل المجلس الاتحادي المجموعات القومية والدينية بشكل متساو وأن توجد  وزارة للقوميات تتابع قضية المجموعات القومية والدينية في العراق الديموقراطي الفديالي الجديد...

 

وإذا كانت هذه العجالة تتقدم بمثل هذه النقاط العاجلة فإنها تتطلع لبحوث ومشاركات جدية مسؤولة وفاعلة تتحدث عن موقف واضح ودقيق في شؤون:

01.  الموقف من ظاهرة التهجير القسري...

02. الموقف من ظاهرة النزوح الجماعي...

03. الموقف من ظاهرة اغتيالات الأساتذة والعلماء..

04. الموقف من ظاهرة فرض أزياء بعينها بالإكراه (الحجاب الإيراني مثالا)...

05. الموقف من ظواهر التفجيرات والتصفيات العشوائية..

06. الموقف من انتشار سطوة الميلشيات والمافيات ومنع الحريات العامة بوساطة أنشطتها...

07. الموقف من الاعتداءات المتكررة المتفاقمة على المجموعات الدينية المكونة للنسيج العراقي..

08. الموقف من الحقوق المهضومة المستباحة للمرأة..

09.  الموقف من حقوق الرعاية الصحية، العمل، التعليم..

10. الموقف من حقوق الطفل وظواهر الاستغلال الجنسي والتشغيل القهري القسري لهم والحرمانات المتنوعة لهم فضلا عن إجبارهم على سلوك الطرق الإجرامية عبر العصابات المنظمة وغيرها..

11. الموقف من استباحة اللاجئ العراقي في دول الجوار وبلدان الشتات القصية... مع إفراد مهمة لدراسة المصطلح القانوني للنازح والشتيت والمهاجر والمنفي في العراق لأهمية التحديد الدقيق وتشخيص الحقوق والمعالجات...

12. تقرير الاستجابة لمطالب الجالية في هولندا وحاجاتها ( إشكالية  القرارات وتغيراتها وما يقع من حيف بسبب ذلك، إلى جانب العلاقة مع البلديات وحقوق العمل والتعليم وفرصه وآليات الاستجابة لتلك الحقوق علما أن منظمة الـ VVN تنهض بأغلب المهام الميدانية ولا وجود لدور يعاضدها من طرف منظمتنا...

(((((((((((((((الأيتام والأرامل!!!!!!!!!!!!!!!)))))))))))))))))))))

هذه مشكلة خطيرة أخرى نحن بحاجة للتعاطي معها بجدية لحجمها الكمي والنوعي حيث ملايين من العراقيات والعراقيين يخضعون لنتائج سلبية للمشكلة...

 

* هناك مستجدات تتعلق بخطأ توجهات حكومية رسمية عراقية بتوقيعها على قبول إعادة اللاجئين العراقيين ما يفسح للدول المضيفة فرصا لإبعاد مجموعات عراقية بطريقة ستمثل إضافة مخاطر تتهدد هؤلاء من جهة وحيواتهم ومستقبلهم وتضيف كذلك مشاكل جمة للوضع العراقي غير قابل لإضافة مشكلات أخرى جديدة...

 

إنَّ أشكال المقترحات تغتني بالمناقشة والانفتاح الحقيقي على الأعضاء وعلى الحديث الحر الصريح الذي يجري خارج اللقاءات الرسمية وبعيدا عن قاعات المؤتمرات ونحن أجدر بأن نتحمل العبء الحقيقي ونلج فسحة حرة حقيقة ونشجع التعاطي على نقل الرؤى إلى حيث قاعات مؤتمراتنا بتفعيل حقيقي...






144
معالجة مشكلة  الميليشيات أم مطاردة أعضائها وأنصارها؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

          23\04\2008

tayseer54@hotmail.com


الميليشيات بخاصة منها التابعة للحركات الحزبية في العراق هي القوة المسلحة التي تشكلت بين زمني المعارضة للنظام الدكتاتوري أو سنوات سقوط نظام الطاغية الخمس الماضية.. وهي بجميع الأحوال ترى أن وجودها وأساليبها العنفية المسلحة هي الحل في المرحلة التي وُلِدت فيها... ولا يمكن لأحد أن يتعامل معها من منطلق لغة الاتهامات والتعريض السلبي حتى عندما تختلف المنطلقات. والصحيح يكمن في الموقف من تعاطيها مع المصلحة الوطنية العليا في المرحلة القائمة...

والمتابع منّا يجد اليوم تزايد نسبة أعضاء تلك الميليشيات التي تعتقد بأن حلَّها والانتقال إلى الأنشطة السلمية هو الطريق الأسلم والأصوب في التعاطي مع المرحلة والتوجه إلى فعاليات مختلفة نوعيا تضمن في النهاية الانخراط في العملية السياسية السلمية وتطمين الحاجات العامة في تهدئة الأوضاع وتركيز المهام الأمنية بيد مؤسسات الدولة وحدها.. وهذا في الحقيقة لم يأتِ إلا من سببين:

  الأول: يكمن في وطنية الخلفية التي ينتمي إليها أغلب أعضاء الميليشيات ومستهدفاتهم...

  الثاني: يكمن في تعاظم الضغوط الشعبية ضد حالات توظيف تلك الميليشيات عبر إغراقها بالاختراقات والضغوط والأحابيل باتجاه خلخل الوضع الأمني، الأمر الذي ما عاد ممكنا القبول باستمرار وجود أو عمل تلك القوى المسلحة خارج إطار القوانين ومؤسسات الدولة الرسمية..

 

مؤتمر وطني لرسم خريطة طريق حلّ الميليشيات:

إنَّ المطلب الرئيس اليوم يكمن في عقد مؤتمر وطني تحضره جميع القوى السياسية المعنية مباشرة بوجود ميليشيات مسلحة خاصة بها وممثلين عن تلك الميليشيات لتدارس الآليات التي تتفق على خريطة طريق حل الميليشيات وحصر أي نشاط مسلح بمؤسسات الدولة من جهة وبالشرعية القانونية الدستورية في المجتمع.. وسبب الدعوة لمؤتمر وطني يجمع مختلف الأطراف هو لمنع أن يجري توظيف المؤسسة الحكومية لصالح جهة على أخرى أو حتى مجرد السماح بالشعور بهذا الحيف..

ضرب ميليشيا وغض الطرف عن أخرى:


إذ يرى الصدريون [خاصة بعد أحداث البصرة] أن الحكومة تحابي البدريين وآخرين فيما تنزل فيهم طعنا وضربا ومطاردة على الرغم من الإعلان الكلامي من أن الدولة تطارد الخارجين على القانون فقط وهي لا تطارد تيارا بعينه كما التيار الصدري تحديدا.. ولكن المتابع للاصطدامات الجارية بين القوات الوطنية شرطة وجيشا من جهة وبين قوات أخرى يلاحظ بوضوح أنها تجري بين الصدريين من جهة وبين قوات ترفع راية الحكومة ومؤسسات الدولة وتتضمن بالملموس أفعالا تقع في خانة القوات البدرية وغيرها... ومثل هذا ينطوي على أمرين غير سليمين:

الأول: إثارة الإحساس بالحيف الواقع على طرف لحساب آخر ما يثير ردود فعل تتشدد أكثر في التخندق الفئوي أو الجهوي..

الثاني: عدم ترك فرصة لخيار السلم أو التحول للحياة المدنية ونزع السلاح ما يدفع لأمر واحد فقط يكمن في عدم مغادرة السلاح واتخاذ الخطط البديلة لمواصلة العنف بطرائق متجددة بسبب لغة المحاصرة والمطاردة وقطع طريق الخيارات...

 

الحوار والإقتاع أفضل السبل وأنجع الحلول:

إنّ الحلَّ الحقيقي لا يمكن أن يبدأ بالمعالجات العنفية المتشددة وترك الحوار ولا يمكن أن يبدأ بطرف ويسكت أو يصمت عن آخر لأنَّ هذا حتى لو كان يتضمن خطة المتابعة اللاحقة للطرف التالي فإنه لن يفلت من تفسيرات تترك آثارها السلبية على جمهرة غير قليلة من أتباع التيار الأول في مسيرة حل الميليشيات فكيف بنا والحل يجري بطريقة المعارك والأعمال العنفية المسلحة وأحيانا بإفراط في استخدام القوة بما يكون ضحيته [أي ضحية الإفراط] المواطن العراقي الأعزل وأعضاء الميليشيات الذين ينخرطون فيها لا إيمانا بالعنف بقدر ما هو استجابة لأوضاع منفلتة لا يد مباشرة للأعضاء البسطاء فيها...

لقد دعونا وأصوات أكاديمية وطنية عديدة للتعامل مع الميليشيات بآلية حلها بالتدريج وعلى وفق خطة تطمن نزع أسلحة تلك القوى بمقابل تدريب عناصرها على الانتقال إلى الأنشطة المدنية تحديدا لأن نقل تلك العناصر إلى الجيش والشرطة سينقل معه صراعات وانشطارات وتشظي في هذي المؤسسة الأمنية الوطنية العليا وهو ما لا تحتمله الظروف القائمة ولا طريق تقرير مصير العراق ومستقبله...

 

توفير الوظائف المدنية والبدائل الملائمة لعناصر الميليشيات المنحلة:

إن أفضل الحلول تكمن في التدرج بخطة متزامنة لجميع الميليشيات في نزع الأسلحة الثقيلة ومن ثم المتوسطة فالخفيفة وعلى مراحل قد تمتد لمسافة أشهر من بداية الفعاليات وفي الوقت ذاته يجري تعويض تلك الحركات ماديا مقابل تلك الأسلحة ويجري قيدهم في سجل الانتقال للتدريب على العمل في المهن المدنية المناسبة للفئات العمرية والتعليمية والقابليات والرغبات في الانخراط بعمل أو مهنة بعينها وقد يكون الأمر بدعم مشروعات خاصة صغيرة للفرد أو لمجموعة أو لمجموعات بحسب الخطط الملائمة...

 

إذن صار واضحا أن أي نية صادقة لمعالجة مشكلة الميليشيات لا يجري بوضعها في حالة اصطراع وقتال مسلح مع قوات الشرطة بل بوضعها أولا وقبل كل شيء بمجابهة مع مسؤلياتها الوطنية وبعملية تتوافر فيها فرص الإقناع بجاهزية الجيش الوطني والشرطة لأداء المهام وباستقلالية المؤسستين  ووطنية توجههما مع الأخذ بمواقف أعضاء تلك القوى المسلحة الإيجابية البناءة منها، بخاصة تلك التي تميل إلى التهدئة وإلى الحلول السلمية ذلك أن الحلول القمعية حتى إذا انتهت في الوضع الآني العاجل إلى انكسار قوة ميليشيا أمام قوة أخرى كقوة الشرطة فإنها سترتد بآليات بديلة محصلتها استمرار مخاطر الأعمال العنفية والتحول لمعارك عصابات من نوع آخر، لا يمكن أن يكون ضحيتها غير الوضع الأمني العام والمواطن العراقي االبريء...

إنَّ المطلوب اليوم أما مؤتمر وطني عام لجميع القوى تتفرع عنه مؤتمرات مختصة أحدها يتعلق بوضع خطة طريق وطنية مشتركة لحل جميع الميليشيات بلا استثناء وفي جميع أراضي الفديرالية العراقية على أساس من التدرج بتعزيز عوامل الثقة بين جميع القوى بالاستناد إلى خطة تطمن الجميع في آليات التنفيذ والتقدم نحو الانتقال لدولة المؤسسات الوطنية غير الخاضعة إلا لسلطة القانون والدستور ولا غير...

 

فهل سنستمع إلى مواقف صحيحة في توجهات الحكومة ومراجعة برلمانية لخططها بما يكفل منع افتعال أو اختلاق معارك جديدة وخطابات بطولية للانتصار على المارقين وإعلاء شأن البطل الفائز!

إنَّ ذلك ممكن ومتاح فقط في ظل تحول نوعي في توجهات أعضاء الميليشيات أنفسهم وضغطهم على القيادات لكي تتخذ طريق الحل السلمي الناجع الذي ينتقل بهم نحو العمل المنتج المدني الذي يخدمهم ويخدم مصالح أبنائهم ومستقبل الوطن الذي يبنون... وليسأل كل منّا نفسه: وماذا بعد؟ قتال متصل مستمر هل سيفضي لحياة طبيعية نحياها نحن بني البشر كما أرادت لنا شرائع السماء وهي تستخلفنا على الأرض لنعمرها لا لنخربها ونهدمها.. وقوانين الأرض التي تريدنا نبني الخير ليسعد بني الإنسان في عيش آمن مستقر.. فهل للميليشيات والبنادق والهاونات سبيل للبناء وأي بناء ومتى نبدأ؟

 

خلفية نقيضة عن الميليشيا بدأ العراقيون يغادرونها لغير رجعة:

إنَّ المنضوون تحت الميليشيات أدركوا كم جرى استغلال خلفياتهم الدينية وإيمانهم بطقوسهم وشعائرهم وما هي الحقيقة التي بدأت بها أغلب قواعد الميليشيات وأرضيتها.. فالمصدر الرئيس لتمويل الميليشيات بقي أجنبيا  والمصدر الرئيس لتسليح الميليشيات بقي أجنبيا غريبا على العراق والعراقيين والتدريب العسكري بقي مرتبطا بالأجنبي وبالمحددات التي أرادها وأبعد من ذلك فإن القيادات الاستراتيجية ظلت أجنبية في مرجعية التخطيط ومدياته المتوسطة والبعيدة وأحيانا التكتيكية الميدانية..

ومن الطبيعي أن تستغل تلك القوى الأجنبية نسائل من نمط الفراغ والخواء الفكري السياسي لصبية وفتية صغار في تجربة الحياة ولكنهم الأشد حمايا لتحقيق تطلعات والنظر إلى مستهدفات مزوقة ولكنها مجرد خدع وأضاليل بل أفادت القوى الموجِّهة الأجنبية من وضع بعض العناصر الشابة الفتية قليلة الخبرة على رأس قوى مسلحة واسعة الحجم كبيرته مستغلة حالات الاندفاع والانفعال وهزال الخبرات والمعالجات معتمدة على توجيه ردود الأفعال عن بعد إلى جانب توظيف أولئك الذين وُلِدوا في دول الجوار وتربوا فيها وارتبطوا روحيا وفكريا بمصالحها ومطامعها...

لكن هذه الصورة لم تبقَ على ما هي عليه وكما قلنا فهؤلاء  في أغلب قواهم بخاصة من القواعد أدركوا يوما فآخر أنَّ لغة السلب والنهب والتقتيل والاصطراع وخطاب السلاح ومسيرة العنف لا تصب في خدمة وجودهم وحيواتهم دع عنك أحوال أهاليهم وشعبهم ووطنهم وتراكمت خبرات وطنية صارت لا تتصارع على فتات المصالح الفردية والأهواء وما تدره من مفردات مادية رخيصة ومؤقتة بل صارت تبحث عن أهداف وطنية عراقية وتتطلع لمصالح غير فردية بل جمعية تحقق على الأرض المفيد في إعادة بناء البيت العراقي لأهله بعيدا عن البقاء صنيعة لأجنبي من أية جهة كانت...

 

عاش السلام وعاش العراقي من كل طيف وقومية ودين ومذهب وفئة:

أيها الأحبة من العراقيين الأصائل من كل القوى والتيارات الفكرية والسياسية ومن كل الميليشيات والأجنحة المسلحة للأحزاب والحركات الوطنية العراقية.. جميعنا وسويا نحب الحياة، حياة السلم والحرية وجميعنا لنا مصلحة في أن نعيش أخوة متحدين نعاضد بعضنا بعضا لنبني خير بلاد مثلما كانت الجنائن المعلقة ولدينا كل الخير ويكفينا ويزيد لأجيالنا القابلة وللبشرية معنا فلنعزز طريق العمل والبناء والسلم والمدنية والاستقرار بدل أية مفردة للعنف والسلاح ولنشرع في لقاء وطني عام ومخصوص نعالج فيه الكيفيات والآليات ولا تردد في توجهنا جميعا بلا استثناء وبلا إقصاء أو استبعاد أو تسلط..

وعشتم جميعا البدري والصدري، الإسلامي والعلماني، العربي والكوردي والتركماني والآشوري، المسيحي والمندائي والأيزيدي جميعا سواء في وطن الجميع [[وليكن فقط]] من يخرج على إجماع طريق السلام  هو الوحيد الذي ستتكفل به قوة الحكومة وحكومة الشعب وليس جهة بعينها ولا على حساب أية جهة..

فلقد بدأ العد الأخير للشروع في مسيرة الوحدة الوطنية الراسخة وفي الاعتراف بالوحدة في التنوع وجماليات الحياة عراقية خالصة نبني بثرواتنا وطنا لنا ولأبنائنا هو جنة الله على الأرض وها أنتم تتركون صيدا ماديا بخسا لا يغني ولا يسمن ولا يجعلنا نحيا إلا في خرائب فيما المستفيد هو من يستغلنا ويستغل تمسكنا بسلاح الطعن في وجودنا وفي أنفسنا وأخوتنا.. فإلى لقاء وطني على أرضية التسامح والسلام والإخاء والوئام

145
منظمات حقوق الإنسان ودورها في الحياة العامة؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

          22\04\2008

tayseer54@hotmail.com

 

 

 

في ظروف تعقد النظم السياسية والتطورات المركبة للنظم الاقتصا-اجتماعية تتعاظم أهمية الدور المعرفي ووظيفة العلماء والمتخصصين من أصحاب الخبرات أو التكنوقراط... فمن دون التخصص العلمي والخبرة المعرفية النظرية والتطبيقية لا يمكن اليوم تسيير دفة أمر جمعي عام بشكل سليم و واف...

وبالنظر لطبيعة العولمة وتقدمها وسيادة قوانينها؛ حتى أنَّ أبعد المناطق تخلفا صارت تخضع اليوم لتلك القوانين التي تضع العالم في بوتقة العولمة وتحويلها العالم لقرية صغيرة من جهة حجم التقارب والاندماج؛ بالنظر لهذا، ما عاد العالم الحديث المعاصر يمكنه العيش بعيدا عن التكنولوجيا الحديثة وآليات اشتغالها...

وإذا ما انتقلنا إلى موضع بحثنا هنا فسنجد أنَّ القصد من هذا المدخل هو توكيد خطورة أو أهمية المعرفة العلمية في حياتنا وأهمية تنامي دور التنظيم بمفرداته المركبة المتطورة في تسيير حيواتنا..

إنَّ مؤسسات المجتمع المدني هي التركيبة التنظيمية الملائمة لطبيعة المجتمع الإنساني المعاصر.. وواحدة من هذه المؤسسات هي تنظيمات حقوق الإنسان التي يُراد منها أن تنهض بعبء حل المشكلات العارضة أو الناجمة عن تطورات مجتمع العولمة الجديد...

إذ القضية ليست قضية صراعات دموية بقدر ما هي عمل دائب من أجل الحصول على الحلول المناسبة الملائمة لما يعترض حياة إنسان في تفاصيل يومه العادي وفي أوصاب جهوده ومسار حياته... ومن هنا يتم الحصول على حقوق الإنسان الفرد أو الجماعة من منفذ العمل المثابر لوضع الخطط والتصورات أو الحلول الأنسب من غير حاجة لفرض لغة عنفية أو تقاطعات تناقضية  محتدمة بالانفعالات والاصطراعات الحادة...

ففي دولة القانون الديموقراطية تحديدا تنجم عن حركة العلاقات العامة أخطاء أو نواقص أو ثغرات وظيفية توضع في خانة التجاوز على حقوق فرد أو فئة أو جماعة ما يتطلب هنا العودة للحقوقيين أو متخصصي القانون لكي يوضحوا - في ضوء القوانين المعمول بها أو آليات العلاقات العامة وثوابت حقوق الإنسان وحقوق الجماعات الإنسانية -  ما الذي جرى من اختراق لحقوق الإنسان الفرد أو الجماعة وما الحلول البديلة لاستعادة تلك الحقوق...

ومن أجل ذلك فإنَّ  حقوق الإنسان ومنظماتها المتخصصة تتلخص مهامها في محورين (معرفيين بالتأكيد) هما حقوق الإنسان الفرد وحقوق الإنسان الجماعة وما يتحدث عن حقوق الإنسان الفرد يوجد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتتحدث عنه جميع المنظمات المختصة من منظمات العفو الدولية واللاجئين التابعة للأمم المتحدة  ومثلها جميع المنظمات الحقوقية كمنظمات حقوق الإنسان دوليا أو إقليميا أو في دولة أو مجموعة إنسانية بعينها.. وتوجد حقوق الإنسان الجماعة في عديد المواثيق والاتفاقات الدولية والإقليمية وهي تعالج أمور حقوق تقرير المصير للقوميات والجماعات الدينية كما في حقوق الكورد والتركمان والصابئة والكلدان الآشور السريان والأرمن وكما في المسيحيين والمندائيين والأزيدية واليهود والشبك وغيرهم من الجماعات الدينية في العراق والفئات الاجتماعية ومكونات المجتمع الإنساني كما في الشغيلة والطلبة والشبيبة والنساء وغيرهم...

إنَّ الفصل بين حقوق الإنسان الفرد والإنسان الجماعة أمر يستلزم وقفة لما يجرّه من إشكالات ليس في فهم جوهر حقوق الإنسان بل لمخاطر تمرير جرائم بحق الإنسان بحجة أن حقوق الإنسان الفرد ليست من مهام منظمة حقوق الإنسان؟! وأن القضايا الفردية هي قضايا شخصية خارجة أو بعيدة عن ضرورة التدخل المباشر من منظمة حقوق الإنسان؟

أسوق هذه الرؤية ردا على رسالة لرئيس منظمة حقوق الإنسان العراقية في إحدى البلدان الأوروبية الذي يرى أن مهمة الدفاع عن حقوق الإنسان الفرد لا يدخل في مهام منظمته وأنه بالأصل عندما كانت [منظمته!] تمنح بعض العراقيين تأييدات بشأن أوضاعهم كان يجري ذلك بشكل شخصي وكدعم [شخصي]!!

وإذا تركنا السياق الخاص لرسالة المعني فإننا هنا بحاجة لتوطيد الثقة بين العراقيين أفرادا وجماعات بمنظمات المجتمع المدني وبلوائحها التي تلتزم بالقوانين الدولية وهنا منها الخاصة بكفالة دفاع المنظمات عن حقوق الأفراد والجماعات بالروح ذاته وبالآليات الصحية التي تكفلها الشرائع والقوانين الدولية.. وإلا فإن من حق أبناء الجاليات العراقية أن ينفضوا من حول منظمة مسجلة [طابو] باسم فرد أو أفراد وتخضع لتفسيراتهم وممارساتهم الخاصة بشأن حقوق الإنسان..

إنَّ الصحيح في مهام منظمة حقوق الإنسان يكمن في التحام مباشر مع جمهور الناس والتعرف إلى قضاياهم الفردية والجمعية وتعريف الناس بحقوقهم التي تكفلها القوانين سواء باللقاءات المباشرة أم بعقد الندوات وتوجيه الرسائل والبيانات التي تلفت النظر إلى تلك الحقوق..

ومن المفيد هنا أن يرتقي المعنيون بالشأن الحقوقي لمستوى معرفي مناسب ولو أوليا وأن يكونوا على مستوى ثقافي ملائم للتصدي للمهام التي يتحملونها.. إذ يلزم أن يعرف عضو الهيأة الإدارية بشكل أكيد وتام قوانين حقوق الإنسان الأساس والمواثيق والاتفاقات الدولية كما يعرف آليات العمل الحقوقي وأن يكون قريبا من أنشطة حقوق الإنسان قانونيا إن لم نقل أنه حقوقي متخصص...

وإلا وردتنا أو عشنا خاضعين لآراء ومفاهيم خاصة ناجمة عن تدني المعرفة الحقوقية بما يجعل المنظمة المعنية بعيدة عن مهامها الحقيقية من جهة وبعيدة عن  تلبية مطالب الناس في حقوقهم..

وعلى سبيل المثال ما زال بعضهم يستخدم مصطلح [أقليات] على الجماعات العرقية أو القومية أو الدينية التي تمثل تاريخ البلاد ومنشأ الحضارة فيها مثلما [المفروض] أنْ تحيا تلك الجماعات الإنسانية اليوم بكامل معطى المساواة بعيدا عن مصطلح أقليات الذي طالما أدى للتهميش والاعتداء على حقوق تلك الجماعات [القومية والدينية] وطبعا من نافلة القول الإشارة هنا إلى قرار أممي بالخصوص يجهله أعضاء هيأة إدارية لمنظمة حقوقية كمنظمة حقوق الإنسان العراقية في أحد البلدان الأوروبية..

إلى جانب ذلك يتصدى لمهمة إدارة منظمات حقوقية أناس لم نسمع لهم عن مهمة حقوقية   جدية مسؤولة أو لم نعرف لهم خلفية حقوقية وهم  لم يكتبوا يوما في أمر لحقوق الإنسان بخلاف كلمات إنشائية مكرورة في مناسبة أو أخرى لا ترقى لحمل مهمة الدفاع عن حقوق مجموعة إنسانية أو حتى حقوق فرد.. لافتقارها الحديث الحقوقي القانوني التخصصي ولافتقارها للمادة الحقوقية المخصوصة...

ومن أجل النهوض بمهام حقوق الإنسان عراقيا ينبغي أن يتجه أعضاء المنظمة العراقية لحقوق الإنسان لاختيار الإدارة من الحقوقيين أو ممن لهم النشاط الحقوقي القانوني وأصحاب الخبرة والعلاقات الجدية المسؤولة بمنظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية والمحلية  وأن يشيروا إلى تطبيع برامج المنظمة الحقوقية لكي تنهض بمهامها على وفق آليات أداء دقيقة بالارتباط بالجمهور الحقيقي للناس..

وما ينتهي إليه موضوعنا يكمن في تبادل الرؤى والمعالجات والتوكيد على ما يصح بدلا من الانشغال بالشخصي والهامشي ووضع الأمور في نصابها لكي نرتقي بمهامنا ومسؤولياتنا في زمن لا يعرف تقدما بغير نور المعرفة والدرس والخبرات الحياتية الموضوعية...

وبورك في مسيرة مجموع زميلاتنا وزملائنا وهم يحملون لواء حقوق الإنسان عاليا عبر منظماتهم الحقوقية مؤمنين بحق بأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح...

 

 


146
المجد للذكرى الستين لتأسيس اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراقية

 

أيتها الجماهير الطلابية

 

في مثل هذا اليوم وقبل ستين عاما احتشد ما يربو على مائة مندوب يمثلون إرادة الطلبة في المرافق الدراسية لأغلب محافظات العراق و أقضيته ونواحيه وليعلنوا في الرابع عشر من نيسان عام 1948 ومن  ساحة السباع في بغداد عن تأسيس أول اتحاد للطلبة العراقيين كتتويج للنشاط المثابر والجهد الكبير الذي بذلته الطلائع الطلابية والتي ربطت الليل بالنهار من أجل أن ينبثق هذا الوليد الذي أصبح لاحقاً اتحاد الطلبة العراقي العام كياناً هاماً في مسيرة الحركة الطلابية والوطنية العراقية، وفي قيادة جموع الطلبة من أجل حقوقهم الدراسية والأكاديمية وفي أصعب المراحل وأدقها فتداخل تاريخه الحافل بالعبر والدروس البطولية بتاريخ شعبنا وحركته الوطنية والديمقراطية وبشكل يصعب الفصل بينهما.

 

لقد عمل اتحادنا المناضل، منذ تأسيسه، على ربط نضالاته المطلبية المهنية بما هو وطني وديمقراطي مؤكدا على أنه جزء لا يتجزأ من حركة الشعب الوطنية  وقد تجلى ذلك  في مناسبات كثيرة، في مقدمتها مشاركته النشيطة  في دعم ثورة 14 تموز 1958 والمعارك التي خاضها شعبنا ضد النظام الملكي والأنظمة الدكتاتورية التي سادت منذ انقلاب شباط الدموي في عام 1963 وما تلاه     

 

أيتها الزميلات ..........أيها الزملاء

 

يمر وطننا اليوم بمخاض عسير وبمرحلة دقيقة من تاريخه المعاصر، حيث يدور صراعٌ بين القوى التواقة للديمقراطية والساعية إلى بناء دولة القانون والمؤسسات الدستورية وبين تلك التي تحاول استعادة الاستبداد وبأشكال جديدة مما يتطلب تضافر، جهود كل أبناء الوطن العزيز وتعزيز تلاحم شعبنا بكل تلاوينه سعياً لخلق مقومات الحياة الحرة الكريمة وإيجاد المرتكزات الصحيحة لرحيل القوات المتعددة الجنسية وتحقيق الاستقلال والسيادة الناجزين.

 

إن اتحادكم اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق وكما هو مشهود له يعمل من أجل وحدة الحركة الطلابية المتمثلة  بوحدة الأهداف وتوحيد الرؤى من أجل إيجاد شكل من أشكال التنسيق والتعاون بين الاتحادات والمنظمات الطلابية الناشطة على الساحة العراقية قبل وبعد 2003 والساعية لنشر قيم السلام والديمقراطية والتقدم.

 

إن تجربة السنوات المنصرمة تؤكد وبشكل قاطع على صحة هذا التوجه وتبرهن على أنه يكتسب أهمية كبيرة في ظل الظروف البالغة التعقيد التي نمر بها و من جهة أخرى  يناشد اتحادنا الحكومة العراقية  على العمل من أجل توفير الحماية لأعضاء الهيأة التدريسية وفي المراحل الدراسية كافة وكذلك بذل الجهود من أجل خلق مرتكزات ومستلزمات النهوض بالعملية التربوية والتعليمية وتطويرها لتكون بمستوى التحديات الجديدة التي تواجهها البلاد والعمليات التربوية.

 

لتتوحد الجهود في سبيل حياة طلابية حرية ومستقبل أفضل المجد الخلود لشهداء الحركة الطلابية العراقية عاش اتحاد المناضل والمدافع الأمين عن المصالح المشروعة لطلبة العراق.

 

اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق

بغداد منتصف نيسان 2008

147
تاريخ:   12\04\2008 
رقم  :    14 س س 04

رسالة إلى طلبة العراق وإلى الجهات الوطنية والدولية المعنية
بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية

14 نيسان أبريل 2008



يوم وُلِد اتحاد الطلبة العام بمؤتمرالسباع الخالد في الرابع عشر من نيسان أبريل 1948، كان طلبة العراق قد قطعوا مسيرة عقود من العمل التنظيمي بين المدارس والمعاهد والجامعات التي كانت تعاود مسيرة حضارة عراقية تمتد عشرة آلاف عام من سطوع أول ضياء معرفي في التراث الإنساني لأول فصل دراسي وأول مدرسة، ومئات السنوات لواحدة من أوائل الجامعات عالميا هي الجامعة المستنصرية...
وكانوا يعلنون وصول درجة  وعيهم التنظيمي لأبعد المديات، مؤكدين بتحولهم إلى تشكيل اتحاد عام للطلبة أنَّهم الأجدر بتحمل مسؤولياتهم تجاه أنفسهم وتجاه المجتمع العراقي الذي كان خارجا للتو من رحم الحرب الكونية الثانية ومن كل آلامها وجراحاتها.. ومن هنا كانت آليات الولادة قد جرت بتحالف وطيد مع شغيلة العراق وبحمايتهم لمؤتمر الطلبة الأول... ومن هنا [أيضا] جاءت برامج الاتحاد الوليد لتدافع لا عن مطالب الطلبة المهنية حسب بل ولتشاطر المطالب الوطنية العامة في الحياة الديموقراطية وفي العيش الآمن المستقر...
إنَّ تهانينا نحن كتّاب وصحفيي ومبدعي الآداب والفنون العراقيين لطلبة العراق بمناسبة ولادة أول اتحاد لهم وهي المناسبة  التي تمثل عيد الطلبة العراقيين، لا تقف عند التبريكات والتمنيات وإنَّما تشاطرهم  خطابهم الذي يرسلونه اليوم إلى طلبة المنطقة والعالم معلنين فيه مكين جهودهم  وراسخ أنشطتهم ووطيد آمالهم في تحقيق الأهداف التي من أجلها وُجِد اتحاهم اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية...
لقد بقي هذا الاتحاد في أحلك الظروف في طليعة مسيرة الاتحادات وكان دوما في المقدمة يقود النضالات وطنيا وعالميا من أجل غد أفضل، وكان طلبة العراق عبر تنظيمهم في اتحاد الطلبة العام يغذون السير من أجل وحدة مسيرة كفاح الطلبة مؤكدين على أعمق علائق التلاحم النضالي بين التنظيمات الديموقراطية لطلبة العالم...
وهم اليوم إذ يجدون أنفسهم بين مخالب  سطوة قوى الإرهاب والعصابات المنظمة وتلك الميليشيات التي تتحكم في الشارع العراقي والحياة العامة ليتطلعون إلى تضامن عالمي يرتقي لمستوى الأوضاع الكارثية التي يحيونها راهنيا بعد عقود من التضحيات والنشاط المثابر المؤثر...
إنَّ عقودا من التخريب لنظام الطاغية تلته السنوات الخمس الأخيرة (العجاف) من التعطل في كل مؤسسة علمية أدّت إلى أعمال النهب والهدم والتخريب وإلى توقف تام خطير لأية جهود يمكنها أن تستوعب الطلبة وتستجيب لمطالبهم الأساس.. وفي ظروف كهذه تردى مستوى التعليم بكل مستوياته وفروعه وجابه الطلبة أوضاعا من تخلف المحاضرة العلمية وخواء الدرس ومفرداته وتوجه البرامج التعليمية هذه المرة نحو أسلمة المنهج وإشاعة  أجواء الطقوسية الدينية والفلسفة المرضية الطائفية  فضلا عن الافتقار للكتاب المنهجي والمرجعي على حد سواء وخلو المختبرات ومعامل التجاريب العلمية من الأجهزة والمواد المطلوبة لدراساتهم...
إنَّ كل هذه النواقص الحادة ما عادت همّا وحيدا مقلقا بل وجد الطلبة أنفسهم أمام تداعيات توسع حالات الفقر نتيجة البطالة وتعطل نسبة تزيد على ثلثي طاقات العمل من الآباء وأولياء الأمور، ما دفع لترك الدراسة وإكراه الأطفال على العمل لإعالة أسرهم التي أصابها شبح البطالة أو لإعانة ملايين من الأرامل بلا معيل..
وفاقمت مشكلة النزوح والتهجير داخليا وخارجيا الأزمة فوجدنا مئات الألوف من طلبة العراق خارج مقاعد الدراسة بسبب من ابتعادهم عن بيوتهم ومدارسهم وعيشهم في مخيمات بلا خدمات مناسبة داخليا.   وفي دول الجوار حيث ملايين عراقية أخرى لم تستطع تلك الدول توفير فرص مقاعد الدراسة (الوافية) لمثل هذه المجاميع  من عشرات ومئات الألوف...
وتتصاعد سلطة قوى الإرهاب خارج المؤسسة التعليمية وداخلها [على الرغم من بع حالات من الهدوء أو الاستقرار الهش الذي عادة ما يتفجر بين الفينة والأخرى ويُخشى من اندلاع انفجار كبير قابل] حيث يجري في ظل فقدان الأمن والأمان منع الطلبة من ممارسة حيواتهم الطبيعية لا في تحصيل العلم ولا في ممارسة الأنشطة المعرفية والاجتماعية المناسبة بل وصل الحد إلى التحكم فيما تلبس الطالبة أو حتى يرتديه الطالب وتقف عناصر إرهابية في بوابات الجامعات والمعاهد والمدارس لتخطف أو تقتل من تشاء بلا حسيب أو رقيب وتبتز الطلبة وأهاليهم لمآرب مادية رخيصة أو لما يطوِّع  استغلال الطلبة لمصالح تلك العناصر الإرهابية وقياداتها من القوى التي تتستر في الغالب بالدين وبالقدسية والمرجعيات الدينية وهي ليست أكثر من شراذم نظمت نفسها في ميليشيات  تستظل بالأحزاب الدينية الطائفية المصطرعة على النفوذ والسلطة...
لقد جرى اغتيال مئات وآلاف من الأساتذة والعلماء والتدريسيين والمتخصصين ولكن الأمر لم يقف عند حدود هؤلاء وهم من ألمع طاقات البلاد العلمية بل امتد ويمتد متصاعدا ليطال الطلبة حيث صار أمر الاختطاف والتهديد الابتزازي والقتل والتصفية الجسدية للطلبة حالة أوسع من الخطر الكارثي الذي مهد الأجواء لسطوة منطق الإرهاب بين الطلبة إذ يعيشون اليوم وعوائلهم قلقا ورعبا متصلا بلا نهاية...
وفي سوابق نذكـِّر بها من قبيل الاعتداء السافر الذي تضمن القتل والتنكيل والضرب للطالبات والطلبة وهم في رحلة اجتماعية ترفيهية لجامعة البصرة وذلكم أمام أنظار قوى الأمن المحلية ومن قبيل منع طلبة جامعة ذي قار من الاحتفال بيوم تخرجهم والاعتداء على احتفاليتهم وبمعرفة وعلم الجهات المختصة في الجامعة والأمن المحلي ومن قبيل التفجيرات الإرهابية المتكررة على بوابات الجامعات وداخل الحرم الجامعي ومن قبيل تخريب مدرسة الباليه ومعاهد الفنون وتعطيل العمل بها ومن قبيل مئات الاعتداءات على الطلبة سواء في الحرم الجامعي أم خارجه وفي المدرسة والمكتبة والمختبر أم في غيرها..
إنَّ كل ذلك جرى ويجري لطالباتنا اللواتي يتعرضن قبل وأكثر من زملائهن للاعتداء وللابتزاز ومن ثمَّ لإبعادهن عن مقاعد الدرس ومع ذلك يصر طلبتنا على التصدي للجريمة المرتكبة بحقهم ويواصلون المثابرة لتحصيل العلوم والمعارف وللمشاركة في توجيه العمل الوطني توجيها يعزز من لغة السلم والحريات والدفاع عن حقوق العراقيين في الحياة المستقرة وتطبيع أجواء الحياة كافة..
ولعل ذلك يتطلب أبعد أنشطة التضامن وأوسعها تنوعا، بدءا من المساهمة في توفير المقاعد الدراسية للنازحين بالملايين بدعم من دول الجوار والمنظمات الدولية المسؤولة وبخطة واضحة ومناسبة بالخصوص... إلى دعم ترميم المباني وبناء الجديد وتوفير المستلزمات من الأثاث والقرطاسية واللوازم المختبرية وغيرها، إلى دعم تطلعات طلبتنا في الحصول على أجهزة الكومبيوتر في مدارسهم وجامعاتهم بما يجعلهم يتابعون تطورات التعليم في عصرنا ولا يتركهم نهبا للتخلف والتردي والإفقار العلمي المعرفي في عصر التكنولوجيا الحديثة...
وتبقى مهمة تطبيع الحياة في الجامعات والمدارس وحماية الحريات وإشاعة الاستقرار وتوفير المسلتزمات من مسؤولية مؤسسات الدولة وقوى المجتمع المدني إذ يلزم إعلان خطط واهتمام جدي مسؤول يترقي لمستوى الحاجات والمطالب ويوفرها بوصفها أولوية لا يمكن للعراق الجديد أن يغادر أوضاعه الملتهبة من دونها... فالطلبة شريحة مهمة لا يمكن بغير هذه الاستجابة المؤملة أن تستقر الأوضاع العامة وسينخلق عراقا متخلفا  ونخرِّج أفواجا من الأميين ومن المتعاطين مع الإرهاب وأمراض الطائفية وغيرها بما لا يعقد المشكلات ويفاقمها بطريقة كارثية...
من هنا فإنَّ الاحتفاء بيوم الطلبة العراقيين يقدم تهانيه مشدِّدا على مواصلة  كفاح الطلبة ونضالهم  ومتطلعا لتغيير هذا الواقع المتردي المؤلم وهو يحتفي بالعيد مؤكدا التزام خطوات أول اتحاد عام لطلبة العراق في العمل والتقدم الثابت نحو آماله وأهدافه....

إنَّ اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ومنظماته وفروعه يعلن باسم طلبة طلبة العراق أن بوابات المعاهد والكليات والمدارس لن تُغلق  وأنَّ  جامعات بغداد والمستنصرية والموصل والبصرة والأنبار وذي قار وواسط وكربلاء والنجف وصلاح الدين والسليمانية ودهوك وكل جامعة وكل مدرسة في كل مدينة وكل حي ومئات وآلاف من الأساتذة والعلماء والطاقات العلمية المبدعة جميعهم سيبقون وراياتهم مرفوعة وبواباتهم مشرعة وأصواتهم تهدر في قاعات الدرس التي تمثل خيمة باتساع ميادين الوطن وبيوته وسوحه ومهاجره القصية... وأن اتحاد الطلبة العام يتابع ملتزما قضايا طلبة العراق داخل الوطن وخارجه في أبعد أماكن نزوحهم وهجراتهم...

فيا طلبة العالم، إن طلبة العراق اليوم يمرون بظروف عصيبة قاهرة وهم يتطلعون إلى عميق تضامنكم في شتى مجالات مسيرة التحصيل العلمي وحيواتهم وتفاصيل أنشطتهم المهنية الديموقراطية والوطنية.. وهم ينظرون إليكم ولمشاطرتكم نضالاتهم وتضامنكم بوصفكم زميلات وزملاء طريق واحدة في اتجاه الارتقاء بحيوات البشرية جمعاء ...

الانتصار للسلم والديموقراطية والبقاء للإنسان مبدعا للخير منتجا للمعرفة وصانعا لحياة حرة كريمة يتسامى فيها الناس بأنشطتهم المعرفية وإبداعاتهم وفنونهم وخطاباتها الإنسانية الأصيلة... وليعش طلبتنا جميعا وطلبة العراق وتنظيمهم الأول ممثلا في اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية  الرائد في مسيرة الحركة الطلابية الوطنية والعالمية وإلى غد أفضل تبنيه عقول طلبتنا وسواعدهم النيِّرة...


أ.د. تيسير الآلوسي
رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر

148
عيد الفصح قيامة لتمجيد التضحيات من أجل السلم والاستقرار تهنئة من القلب
بالعيد الكبير محبة وحياة

في عيد الفصح الكبير يحتفل العراقيون بـِبُناة تاريخهم وجذور حضارتهم هم الشعب
الكلداني الآشوري السرياني الذي شاد هنا المجدَ والفرح والحضارة التي قامت على
تعددية وتنوع يحمل قيم التآخي والمساواة والتعايش بأمان وسلام. في هذا العيد
تكون قيامة المقدس لمجد الفداء من أجل الناس ومبادئ المحبة والتسامح. فهنيئا
العيد للفرح والإخاء وعميق أمنيات الخير والعطاء سعادةَ َ ورفاهاَ َ
ولْـْـيَعُدْ  بالسلم والأمن والأمان على العراقيين من جميع أبناء طيفنا
المسيحي بقومياته وطوائفه من أهل الود والحب السامي.  ولتتعزز وحدتنا وقيم
تفاعلنا الوطيدة أخوة نمثل بعضنا لبعض الظهير والعضيد وساعد الحماية والظلال
الوارفة؛ وهذي باقات من الورود البيضاء لكل أخت أو أخ في المسيحية محبة
وسلاما.. وآمال عريضة في الاستقرار في عراقنا والمنطقة وفي عالمنا حيث
الإنسانية التي ترفل بالتنوع تحظى بجماليات التعايش بين جميع ألواننا وأطيافنا
بروح التسامح والود وعيد مجيد سعيد للجميع ولتقرع أجراس المحبة أبدا....



 أ.د.
تيسير الآلوسي
 
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
 
رئيس رابطة الكتاب والفنانين العراقيين في هولندا
 
رئيس لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر

149
> العراق الجديد وعلاقاته بدول الجوار
> اختفاء الرؤية الاستراتيجية وضعف الخطاب التكتيكي
>
> الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
> أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
> 08\03\2008
> tayseer54@hotmail.com
>
> للدبلوماسية العراقية أنْ تتحدث عن منجزها مثلها مثل بقية وزارات الحكومة
> التي تتحدث عن منجزها حيث الأمن والاستقرار والصحة والطاقة والتعليم وكل
> أشكال الخدمات البلدية على وفق صيحات إعلامية وأصوات الناطقين باسم الوزارات
> وباسم الحكومة يؤكد أن كل شيء عال وتمام التمام!؟
> فإذا تركنا  الظلمة التي تلف المدن والأحياء والضواحي والصقيع الذي يقبع في
> قلب  البيوت والأكواخ العشوائية الوليدة والأمراض المزمنة والوبائية والحادة
> التي تفتك بالناس، وتكميم الأفواه بطرق مستحدثة وبسلطة التصفيات والموت
> اليومي المجاني بأيدي المافيات والعصابات المنظمة وبعض الميليشيات؛ إذا تركنا
> كل ذلك فلماذا لا تتحدث الدبلوماسية العراقية عن منجزها؟؟
> وللتأسيس لموضوعنا هذا لابد من التأكيد على أمرين: الأول ثبات خيار العملية
> السياسية السلمية من أبناء الشعب العراقي كونه الخيار الأنجع لبناء مؤسسات
> الدولة الوطنية وإعادة إعمار العراق المخرّب.. والآخر يكمن في سعة التشوهات
> في منطلق هذه العملية وعمق الثغرات في مسيرتها سواء بالبرامج أم الأدوات أم
> الأفكار...
> وللحقيقة فإنَّ المسيرة امتلكت مفردات إيجابية تستند إلى صحة ذاك الخيار
> الشعبي وإلى العناصر السليمة في أدوات العمل ونضالاتها التي تتنامى يوميا في
> اتجاه توسيع تنظيم الأنشطة المؤملة لتطهير مؤسسة هي وريثة عقود من التشويه
> والمسخ والتفريغ من قيم العمل الجمعي المؤسساتي...
> ومن هذي الإيجابيات [بشأن وزارة الخارجية] انطلاقة البيت العراقي في بلدان
> العالم بعيدا عن خطاب المطاردة البوليسية وعمليات التصفية الجسدية وأعمال
> التسقيط الأخلاقي السياسي وغيرها وصار العراقي يزور سفارة بلاده بشيء من
> الثقة على حياته وببعض الرضا على احتمال إنجاز معاملاته وإجراءاته الرسمية
> المطلوبة...
> ولكن من باب المشاركة في عملية التطهير المنتظرة  والنقد البناء ومعالجة
> المشكلات العويصة العالقة في حياتنا بالإكراه.. نضع تصورا لخريطة المشكلات
> التي نعتقد الحاجة هنا لتغييرها جديا وهي كما تتمثل في المحاور الآتية من دون
> أن نجد للمسؤولين المعنيين فرصة تصويب المشهد وتقويمه على وفق ما تتوافر عليه
> من معلومات معاشة ميدانيا:
>
> 1.  التركيبة التنظيمية الوظيفية: التي اخترقتها بضع عناصر من زمن النظام
> السابق.. وهي في الغالب عناصر ذات دور مرضي بسبب من اعتمادها الأساليب
> الملتوية في التعامل مع العراقي ومع حاجاته ومطالبه.. من جهة أخرى رشح عن
> التعيينات القائمة على المحاصصة عناصر أُخَر لا يمتلكون الخبرات الدبلوماسية
> بل لا يملكون أصول العمل الدبلوماسي الصحيح لخلفياتهم الوظيفية المغايرة أو
> لأميتهم في هذا التخصص [الدبلوماسي] وجهلهم بآليات ميدان الدبلوماسية. وهذا
> يشمل هيكل الخارجية العراقية داخل الوطن وخارجه وعلى مختلف المستويات.. لكننا
> ينبغي أن نشير باهتمام لوجود شخصيات دبلوماسية نشطت بحيوية وبأفضل آليات
> العمل وأصوله بما يلزم الانتباه لدعم منجزهم وتوسيع آفاق تأثيرهم وقطع طريق
> خلط الأوراق والحابل بالنابل في النقد الموجه للخارجية والدبلوماسية العراقية
> بما يخصص ولا يعمم ويحدد ولا يعوِّم.
> 2.  تعدد المرجعيات البدلوماسية: البرامج والخطط التي تلتزمها ممثلياتنا
> الدبلوماسية في الخارج تعود لتعددية منها إدارة الخارجية ومنها الجهات
> الحزبية والمرجعية للشخصية المعنية إلى جانب الرؤى والاجتهادات الفردية
> وقدرات الحركة والتفاعل مع الحدث بشكل مباشر. ونتيجة هذه التعددية وحالة
> التشظي في مرجعية الخطاب الدبلوماسي ستنعكس بالتأكيد على المتحصل من توجهاتنا
> الجديدة..
> 3.  شلل آليات عمل الحكومة وتنظيم أدائها وانعكاساته على الوزارات: الحكومة
> تحيا على وفق تحرك كل وزارة كونها حكومة مستقلة أو حكومة داخل حكومة. ولا
> نعتقد هنا أن لرئاسة الحكومة إمكانات ضبط أمور الوزارات بمحورية مشتركة موحدة
> نظرا لطبيعة التباينات في خطاب وزراء الحكومة ومرجعياتهم الحزبية السياسية من
> جهة ولطبيعة نظام العمل وآلياته في الحكومة الحالية.. حيث لا هي حكومة وحدة
> وطنية ولا حتى حكومة تحالف محاصصة يتفق على برنامج محدد بقدر ما هي حكومة
> تصريف أعمال يمضي الأمر الاستراتيجي فيها برؤية الأقوى في ميدان القرار
> المحدد [هنا المنهج الطائفي وفلسفته] فيما تتحكم بالأعمال والأنشطة رياح
> الصراعات الميدانية  وأصداء تأثير قوى الشارع السياسي من ميليشيات ومافيات
> وعصابات منظمة ومن ثمَّ من فساد مستشر بحجم نوعي كبير، وينسحب هذا [نسبيا]
> على وزارة الخارجية...
> 4.  اختفاء الاستراتيج الدبلوماسي: يختفي الاستراتيج على الصعيد الحكومي
> العام كما يختفي على صعيد الخارجية وعلى أقل تقدير فنحن لم نلمس استراتيجا
> محددا لتوجهات الخارجية العراقية بقطع النظر عن التصريحات التي لا يمكنها أن
> تعبر عن الدراسات المتأنية والخطط المرسومة في دوائرها المتخصصة والمنعكسة في
> طبيعة الأداء... وفي ضوء هذه الحقيقة لا نعرف إذا كنّا ذوي توجه رئيس نحو
> المحيط العربي أم الإيراني أم أية أولويات أخرى..؟
> 5.  تخبط تكتيكات الأداء التفصيلي: وفي ضوء هذا ظهر في مرات عديدة حالات
> التفاعل الآني والعمل بطريقة ردود الفعل الطارئة. وحتى هذه الإجراءات [الآنية
> الطارئة] تبقى مترددة خجولة أو واهية يُضر ضعفها أكثر مما ينفع وبالتأكيد
> تأتي بصفة تفاعلات متأخرة عن موعدها لأنها لا تأتي إلا بعد ضغوط وحملات أو
> أسباب شبيهة.. فضلا عن اتـّسامها وتحددها في مجرد تصريحات صحفية أو معالجات
> فردية لأمر أو حدث أو قضية..
>
> وفي جميع الأحوال وبشأن موضوعنا نجد أنَّ الإشكال الرئيس الأول يتعلق بطريقة
> تنسيق العمل وآليات تفاعل المسؤولين عن السياسة الخارجية أو الدبلوماسية
> العراقية.. وانطلاقا من أرضية عدم نضج العمل المؤسساتي من جهة وتشتت صيغة
> العمل الجمعي وتجسّده في صيغة كل شخصية تدلي بما تراه مناسبا في الظرف المحدد
> محاولة وجاهدة هنا أن ترضي جهتين: الأولى وهي ما لها الأولوية ممثلة في
> موقفها الخاص والأخرى ممثلة في ما يتنحى في ترتيب الأسبقية نقصد أمر التنسيق
> مع الآخر من المسؤولين ومن مَأْسَسة آلية العمل...
> إنَّ هذه الآلية إشارة واضحة إلى افتقاد الاستراتيجية في قراءة الوضع.. وهي
> ما ينبغي أنْ نعود - إذا ما قـُُصِد الحل - إلى معالجة تركيبة الحكومة ونظام
> العمل والأداء فيها وإلى وضع برنامج حكومي وطني يُحترم من جميع أطرافها مع
> متابعة الإنجازية وقراءة التطبيقات بأداء جمعي مؤسساتي وضبط أداء الوزارات
> وخططها التي ستُرسم في ضوء الخطة الحكومية الموحدة ومتابعة احتمالات التعديل
> على وفق مجرى الحدث والإنجازية مع تطوير الكفاءات وقبله اختيارها [أي
> الكفاءات] على وفق مبدأ الإنسان المناسب في المكان أو المسؤولية المناسبة...
> وبخلاف ذلك سنظل ندور في حلقة مفرغة فاسحين المجال للعبث وللاختراقات والفساد
> بكل معطياته... ومن المهم هنا أن نشير إلى الفرصة المؤاتية اليوم لكي يلعب
> البرلمان دوره بتوجيه رسالة تحدد سقفا زمنيا لتقديم المكلـَّف لحقائب الحكومة
> سواء على أساس حكومة وحدة (وطنية) شاملة أو حكومة أغلبية أو حكومة تكنوقراط
> أو حكومة بتركيبة تجمع بين أكثر من احتمال المهم هنا الحسم وعدم فسح مزيد من
> إضاعة لا الوقت بل حيوات العراقيين أنفسهم...
> الأمر الآخر أن يجري حسم قضية ضبط البرنامج الحكومي وبرامج الوزارات كافة
> وإلزام الجميع بتقديم ذلك للبرلمان وإعلان ما ينبغي إعلانه تحقيقا للشفافية
> ومبادئ الديموقراطية لتساهم جهات وطنية وشعبية في رصد طبيعة البرامج الوزارية
> ومتابعة نسب التنفيذ وأسباب النجاح والاخفاق وتحديد الموقف من كل ذلك...
> وبشأن وزارة الخارجية بوصفها وزارة سيادية لا يمكن انتظار التوليفة الحكومية
> وبرامج عملها ولابد من لقاء مجلس الرئاسة ومجلس الأمن الوطني مع وزير
> الخارجية لتحديد الخطوط العريضة الرئيسة للعمل..
> على سبيل المثال رسم أولوية العلاقات وسلّم توجه أنشطة الخارجية والمسؤولين
> الممثلين للعراق (الرئيس ورئيس الوزراء) حيث يجري وضع الإطار البعيد والمرحلي
> بالخصوص على أن تجيب تلك المحاور عن الأسئلة المهمة الآتية:
> 1.  العلاقة بالمحيط العربي الطبيعة والأسبقية أو الأولوية؟
> 2.  العلاقة بالمحيط الإسلامي الطبيعة والأولوية؟
> 3.  العلاقة بدول الجوار الطبيعة والأولوية؟ وتفاصيل مرحلية الأداء مع كل
> دولة وتحديدا هنا: إيران، تركيا، السعودية، سوريا والكويت فالأردن... ما
> خصوصية العلاقة؟ ما المفردات الرئيسة المثارة في إطار العلاقة الثنائية
> وتأثيرها على بقية العلائق من جهة وعلى أولويات الأداء الدبلوماسي...؟
> 4.  العلاقات الدولية والإقليمية مع التجمعات الاقتصادية والسياسية
> والعسكرية؟ مع الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الأفريقي والتجمعات الآسيوية ومع كل
> دولة بحسب محددات ترسمها الوزارة بالخصوص؟
>
> لقد أوضحت أبرز الأشنطة الأخيرة ثغرات غير هينة في السياسة الخارجية فزيارة
> الرئيس الإيراني السيد نجاد عُدَّت خللا كبيرا عندما جاءت مفرداتها ببرنامج
> إيراني بالتمام فيما لم تجد الأجندة العراقية موقعا لها بين مفردات الزيارة
> من نمط الحدود، آبار النفط  التي سبق للخارجية أن تقدمت بشأنها ببيانات
> احتجاج وطلبات معالجة فيما وقف وزير أو مسؤول آخر في الحكومة العراقية ينافح
> عن عدم وجود اختراق للحدود وعدم تجاوز إيران على آبار النفط.. مرة بالنفي
> المطلق ومرات بالجزئيوالبين بين  وبالمداهنة بطريقة تسمية الحقول بالمشتركة!!
> إنَّ أمرا كهذا لا ينبغي أن يخرج عن مسؤولية الخارجية بقدر تعلق الأمر
> بالخطاب الدبلوماسي مع دولة أخرى (أجنبية) وقبل كل ذلك وحتى عندما يوجد أمر
> يخص تلك الدولة الأخرى فمسؤولوها هم المعنيون بالدفاع عن تلك الدولة وتمثيل
> مصالحها كما تتحدث البروتوكولات واللياقة أو الأصول الدبلوماسية وليس صحيحا
> لمسؤولي الدولة العراقية أن ينبري شخص بمستوى وزير ليدافع عن دولة أخرى
> بمجابهة دولته التي يمثلها ويتحمل مسؤولية العمل فيها أمام شعبه العراقي
> وبرلمانه المنتخب الصامت عن مثل هكذا قضية وطنية..؟؟؟
> إنَّ أمرا كهذا يمثل فضيحة أبعد من دبلوماسية عندما يستمرئ بعضهم التطوع لهذه
> المهمة التي تخلّ بالالتزام الوطني ضميريا\أخلاقيا ودستوريا\قانونيا بما
> ينبغي فيه التوقف عند القضية بجدية ومساءلة من يمكن أنْ يرتكبَ مثل هذا
> الفعل...
> {إنَّ الدرس الدبلوماسي مهم ولابد من تعلّم بروتوكولات العمل الوزاري وأصوله
> وتوزيع المسؤوليات وحدود التعاطي مع موضوعات كهذه..}
> ولكن الأمور لا تقف عند هذا الحدّ بل سنجدها تذهب إلى حيث تعرض الشعب العراقي
> والدولة العراقية لاستباحة الحدود والتجاوز على السيادة ووحدة الأراضي وتعريض
> المواطنين لمخاطر الحروب بنقل العمليات الحربية بجيوش جرارة إلى داخل الأرض
> العراقية تحت حجج واهية أو ذرائع لطالما أكد الجانب العراقي فيها على التزامه
> المسؤول عن حلها سلميا أو بالطرق المناسبة وبالحوار بين الطرفين.. إلا أننا
> شهدنا قصفا عنيفا لقرانا من الجارة إيران واجتياحا عسكريا من الحارة تركيا..
> وأبسط قواعد الأصول الدبلوماسية تتحدث عن وقف أي حوار أو لقاء مباشر مع
> المعتدي ما لم يسبقه وقف العدوان وسحب القوات وتطمين حيوات المواطنين ورفع
> مخاطر العمليات الحربية عن الأرض العراقية ومنع تهديد السيادة ووحدة التراب
> الوطني وسلامته.. لكننا استقبلنا أعلى مسؤولي الدولتين الرئيس الإيراني ووزير
> خارجية تركيا وتم التعامل بطبيعية تامة مع توقيت دعوة الرئيس التركي التي
> قبلت وسيتم تلبيتها قريبا!!
> الأدهى أنَّ الزيارة الإيرانية لم تكتفِ بعدم السماح بتناول مفردات الأجندة
> العراقية وفرض أجندتها ولكنها مقابل فتات المليار (طعم السمك) حققت اتفاقات
> ستلج عبرها رسميا إلى السوق العراقي بل الداخل العراقي ببوابات مشرعة لتضيف
> إلى عشرات ألوف عناصرها العاملة الغطاء الرسمي المشرعن لتوجيه أنشطتهم داخل
> العراق...فهل هذه دبلوماسية مقبولة؟!
> وتوكيدا لخطيئة هذا التوجه نشير إلى قائمة طويلة من التراكمات والمعلومات
> التي تمثلت في اعتقال الضباط ومخططي عمليات الإرهاب الإيرانيين وفتح ممرات
> وقنوات الأسلحة ومنافذ تجارة المخدرات التي لم يعرفها العراق يوما على الرغم
> من كل المحاولات السابقة؟!! هذا إلى جانب قضية اتفاقية الجزائر1975 ومشكلة شط
> العرب وتاريخ حدودنا الجنوبية وما تم نهشه وشرعنة كل تقدم إبراني في مدننا
> وقرانا؟
> إنَّ هذه الــ لماذا تبقى شاخصة في الأجندة العراقية أمام زيارة غير صحيحة
> التوقيت ولا صائبة الأجندة ولا مفيدة النتائج.. الأمر الذي سيعود على
> العلاقات بنتائج وبتعقيدات وسلبيات غير محمودة.
> والـــ  لماذا التالية ليست أقل شأنا وخطورة في مجرياتها لأنها تتساءل عن
> مهمة [بل مسؤولية] منصب الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الخارجية والسفير العراقي
> في تركيا والمسؤولين المعنيين للإجابة عن أداء أدوارهم بمجابهة تعرض السيادة
> الوطنية وسلامة ووحدة التراب العراقي وقبله بالتأكيد أمن مواطنينا وتطمين
> حيواتهم من التعرض لكوارث الفناء ومخاطر الأعمال الحربية للغزو التركي
> للعراق؟!
> وكيف يمكننا أن نقرأ التفاعل العادي البارد وكأن شيئا لم يكن في التعاطي مع
> الاجتياح التركي والدبلوماسية التركية التي لم تضع في اعتبارها أية أصول
> دبلوماسية عندما صرح وزير خارجيتها أن جيش تركيا سيستمر في الاجتياح حتى
> تنتهي مهامه (التركية) في العراق!!! وكيف يمكن التجاوب مع دعوة لمبادلة
> الموقف التركي العدواني بزيارة ودية من الرئيس العراقي؟!
> ولو كان ذلك في إطار أجندة احترام الطرفين المتبادل والمساواة بينهما وبأجندة
> حل القضية حلا سلميا عادلا يطمن مصالح البلدين، لكان الأمر واردا وسليما
> بوجهه الدبلوماسي وبأوجهه الأخرى ولكن الأمر يجري في ظل (وضوح) تركي في
> الاستمرار بعنجهية استخدام القوات العسكرية والعمليات الحربية داخل الأراضي
> العراقية!!
> وهذه المواقف الدبلوماسية السلبية لا تنحصر في الأمر الدبلوماسي وحده لا شكلا
> ولا موضوعا بل هي أدخل في قضايا قانونية وقضائية عراقية مسؤول عنها البرلمان
> العراقي والحكومة والرئاسات... وينبغي مناقشتها بروح مسؤول لتجاوز غير الصائب
> وتفعيل الإيجابي بما يخدم مصالح العراق من جهة ويبادل المصالح مع الآخر
> بطريقة دبلوماسية صحية صحيحة...
>
> ونحن قبل كل ذلك وبعده بحاجة لمراجعات مستمرة ولمزيد من قبول النقد البناء
> بما يدخل في مفاعلة الإرادات الوطنية وتحمل المسؤولية ميدانيا كما تجري
> الوقائع والأحداث حيث لا ينطلق النقد من خلفية نظرية طوباوية ولا يبرر السلوك
> العملي غير الصائب بتعقيدات الواقع وبوجود تفاصيل لا يعرفها الناقد ليتكلم
> ويحكم.. وعندما يتبادل الطرفان (المسؤول والناقد)  الاحترام ورؤية التعرف إلى
> جهدهما سنجد طاقات مضافة جديدة لصلابة الموقف الوطني العراقي وقوة الموقف في
> المنصب السيادي والدبلوماسي بما يحصّن الوضع ويدفعه لغايات متطورة مفيدة وهو
> ما نتطلع إليه من وراء هذه القراءة السريعة في ضوء آخر المواقف المتخذة من
> القيادات الدبلوماسية والسيادية العراقية.. ونحن نقف إلى جانب (المسؤوليات \
> القيادات) تلك جميعا من منطلق  وطني يدعم مؤسسات الدولة العراقية وبنية العمل
> في الحكومة مؤسسة شرعية تظل بحاجة للتفاعل مع الرأي العام الذي جاء بها لمدة
> محددة ولمهمة سامية نبيلة محددة...
>
> وتبقى هذي الرسالة تشد على أيدي المخلصين الموجودين في مؤسسات الدولة الوطنية
> العراقية وفي الخارجية العراقية بكل مؤسساتهما ومرجعياتهما لتطهير البنية
> وتوجيهها توجيها صائبا سديدا لما يخدم مصالح الشعب والوطن ولا يمس مكانة
> مسؤول إنسانيا ووطنيا حتى عندما يُراجَع معه خطأ بعينه لأن المسؤول وكل شخصية
> يجتهدون وقد يخطئون ولكن احتمال الخطأ لا ينتقص من قدر أحد ولكن الخطأ بل
> الخطيئة أن نمتنع على التفاعل النقدي البناء مع المفكرين والساسة والمتخصصين
> ومع عامة الشعب...
>
> لمزيد من دراسات الكاتب ومقالاته:
> http://www.somerian-slates.com
>

150
خطابا التسامح والتطرف

قضية فلم فيلدرز نموذجا

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

05\03\2008

tayseer54@hotmail.com

   

 

 

امتلكت البشرية خطابها في التعايش السلمي البنّاء عبر مسيرة وجودها.. ولكنّ تلك المسيرة لم تخلُ من حالات تقاطعت مع قيم هذا الخطاب عندما كانت تظهر لغة التشدّد والتطرّف. والأصل في الحياة الإنسانية أن تأخذ بكل ما يدعِّم العلائق الإيجابية ويمنحها فرص الهدوء والاستقرار.. وهذا ما أكدت عليه الديانات والشرائع والقوانين، إذ نقرأ في النص المقدس"وخلقناكم قبائل و شعوبا لتعارفوا".. وفي مجال لغة التفاعل والتخاطب جاءت الآية الكريمة لتقول: "وجادلهم بالتي هي أحسن"..

وها نحن نجابه اليوم عواصف التشدّد والتطرف تحيط بمسيرة العلاقات بين شعوبنا.. حيث تمارس العناصر القليلة والمجموعات  الصغيرة الضيقة أفعالها؛ مستغلة قوانين الحريات العامة وإتاحة الفرص واسعة للتعبير لكي تدلي بخطابات تقع بين التشنج وعدم فهم الآخر وبين التحريض على الكراهية والعنصرية والدعوة لوقف الحوارات الوليدة للـّقاء والتفاعل الإيجابيين بين الثقافات البشرية المتعددة المتنوعة...

وقد طفا على السطح في الآونة الأخيرة خطاب في عدد من الدول الأوروبية قدّم معالجاته التعبيرية الجمالية والفكرية في أشكال من الرسوم والكتابات التي لا يمكن إلا أنْ تُحسب في إطار التطرف من جهة والعنصرية والحض على خطاب العداء والتناقضات السلبية بين الثقافات.. ويُتوقَّع ظهور فلم سينمائي آخر يتعرض من منظور شخصي لمقدسات دينية إسلامية!

ولقد كانت ردود الفعل على هذا الخطاب بين الحكمة والمنطق العقلي الهادئ في الردّ وفي معالجة الواقعة بموضوعية تلغي تأثيراتها السلبية من جهة تجنّب البشرية أزمات سلوك فردي أو سياسة مجموعة متطرفة ضيقة، وبين ردود انفعالية لا تعبر سوى عن الغضب والوقوع في فخّ تعبيرات التشدد والتطرف لذاك الشخص أو لتلك المجموعة حيث الهدف هو جرّ الأطراف لاصطدام بأعلى شحنات التوتر..

وفي وقت ما زلنا لم نعالج بعدُ آثار مشكلة الرسوم الكاريكاتورية التي نُشِرت في الدنمارك يجري الاستعداد لعرض فلم في هولندا، يتعرض للقضية ذاتها بخطاب يصب الزيت في نار خطابات الانفعال والتشدد وقطع طريق الحوار الإيجابي بين الثقافات وداخل المجتمعات البشرية القائمة على التنوع والتعددية وعلى رفض العنصرية ولغة الكراهية...

لقد اعتاد المجتمع الأوروبي ومنه الهولندي على كفالة حرية التعبير واحترام الآخر والتعايش السلمي البنَّاء، وتلك هي القاعدة. إلا أن ذلك لم يمنع من حالات فردية لظهور قيم العنصرية والفاشية بما يدفع بالكراهية للظهور ومن ثمَّ لحصول الانفعالات والاصطدامات...

ومن أجل الانتهاء من هذه المشكلة ينبغي لجميع الأطراف أن تتحمل مسؤولياتها في التصدي لخطاب الكراهية العنصري فكلما تفاعلت المجموعات المتعددة المختلفة في جذورها الثقافية إيجابيا ضاقت مساحة الحجج والذرائع للعناصر التي ترفض هذا التعاطي الحضاري المتمدن بين تلك المجموعات...

إنَّ الحوار والتفاعل يجري بين الشعوب والدول ذات الأنظمة المختلفة على أساس من المساواة وعدم التدخل وعلاقات تبادل المصالح والتعايش السلمي.. وهو يجري داخل إطار الدولة بين المجتمعات الأصلية وبين الجاليات والجماعات التي استقرت عبر ظواهر الهجرة والاستقرار لشتى الأسباب والدواعي..

وصحيح أن مسيرة الحوار بين الشرق والغرب وبين الإسلام والمسيحية واليهودية وغيرها من الديانات ما زالت تكتنفها مظاهر التشنج والتقطع والتوقفات في ضوء صراع (مصالح) وأطماع لجهات لا تمتلك دبلوماسية المنطق القويم، إلا أنه من الصحيح بشكل أكبر أن نرصد ظهور تلك التقاطعات والتناقضات داخل المجتمعات المعاصرة وتحديدا هنا الأوروبية الحديثة...

فمن المعروف أنَّ أوروبا استقبلت [بخاصة في العقود الأخيرة] حجما كبيرا من المهاجرين الأفارقة والآسيويين ومنهم العرب والمسلمين الأمر الذي أدى لوجود جاليات ليست صغيرة اندمجت بعد ولادة أكثر من جيل لتشكل مجتمعا أوروبيا جديدا يقوم على التعددية والتنوع في المنابع الثقافية...

ولم تكن حالة التفاعل والاندماج سهلة أو خالية من التعقيدات والمشكلات بخاصة مع وجود قوى الرفض الناشئة عن تجدد حالات استقبال مهاجرين جدد خارج قدرات تلك البلدان أو تلك التي لم تستسغ قبول التعددية الثقافية...

إنَّ المطلوب لتطمين أجواء التفاعل والاندماج بطريقة هادئة صحية وصحيحة يتحمل مسؤوليته طرفا التفاعل من المجتمعات الأصلية والجاليات ومن هنا تنشأ حالات التكافل الإيجابي التي تضمن تجنيب جميع الأطراف نتائج التجاوزات أو الخروقات وعدم احترام الآخر أو تحقيره والاستهانة به ما تنجم عنه صراعات لا يمكن تقدير نتائجها ومدياتها في المستويات المنظورة والبعيدة..

 ولنأخذ مثالا على الأمر ما يجري اليوم في هولندا بشأن فلم السيد خيرت فيلدرز المثير للجدل [قبل أن يُعرَض] والسيد فيلدرز ذاته يعتمد باستمرار على التصريحات النارية المثيرة والحادة وعلى استخدام لغة متشددة متطرفة في خطابه..

لقد ذهب السيد فيلدرز بعيدا في نهجه بما ينطوي على تعرّض لمقدسات لدى المسلمين وهو ما أثار ويثير تعقيدات وردود فعل من بعضهم قد لا تكون هادئة  وبمثل تطرفه في التناول قد لا نفجأ بمتطرفين من الجهة الأخرى وهو ما ينجم عنه تفاعلات سلبية خطيرة يمكنها أن توقع ضحايا أبرياء لا علاقة لهم بتصرف فيلدرز والآخرين...

إنَّ لغة فيلدرز تطعن حالة التعايش السلمي في المجتمع الهولندي وتقطع الطريق على الحوار الهادئ بين مجموعات هذا المجتمع المنتمية إلى ثقافات مختلفة الجذور والسمات لأنَّ أداء فيلدرز يتجاوز الحقوق التي توفرها حرية التعبير التي لا تتضمن بأيّ حال من الأحوال القبول بالاستهانة بالآخر أو إزدرائه وتحقيره عبر خطاب العنصرية الشوفيني وفاشية آلياته في التعامل مع ذاك الآخر...

إنَّ عناصر المجتمع الهولندي الأوسع والأثبت هي تلك التي تتجه نحو التفاعل الإيجابي والحوار الرصين ولمنطق العلاقات التكاملية البناءة والإقرار بالتعددية والتنوع الثقافيين في المجتمع؛ ومن هنا فقد وجدنا جميع مستويات المجتمع قد تحركت لمعالجة الأمر عبر:

1.    فالحكومة بشخص السيد رئيس الوزراء  يان بيتر بالكنندة قد نشط سياسيا وإعلاميا للتعبير عن موقف يؤكد رفض الاستهانة بالمجموعات الدينية ومعتقداتها  كافة مشسرا إلى الموقف الثابت بشأن احترام الجميع وضمان حرياتهم. وقد شارك وزراء عدة منهم وزراء العدل والداخلية والخارجية في الموقف ناصحين فلدرز لعدم عرض الفلم وللتفكير مليا  بعواقب الأمر...

2.    وسجلت النخبة السياسية والزعامات والشخصيات المعروفة موقفها عبر بيان أسموه "التشخيص والبناء".. وفيه تزعم القائد النقابي المعروف دوكلة تيربسترا  حركة تقف بالضد من مواقف فيلدرز المتطرفة وتدعو للتسامح والتعايش والحوار الموضوعي الهادئ مشيرين إلى أنَّ:" هولندا تكاد تختنق بحشرها في حلقة ضيقة من اللاتسامح واللامبالاة" وقال حوالي 58 من الموقعين في بيانهم"من حسن الحظ أننا نعيش في بلد يُسمح فيه للجميع أن يقولوا ما يشاؤون. لكن هذه الحرية يجب أن لا يُساء استخدامها للإساءة للآخرين فهذا لن يؤدي إلى الحل بل إلى جعلها أسوأ وهو سير في طريق مسدود"..

3.    كما تحركت جماعات المجتمع المدني لرفع أكثر من دعوى ضد السيد فلدرز كما في الدعوى المرفوعة من المحامي خيرارد سبونغ ومعه عشرات من الطلبة..

4.    وشعبيا وتحديدا من قبل الجاليات تابعنا عدد من الأنشطة والمواقف. فقد مثلت تصريحات النائب السابق عن حركة الخضر اليسارية السيد محمد ربّاع موقفا مهما عندما دعا إلى الهدوء والتحلي بالحكمة والموضوعية في الرد السلمي والقانوني لأبناء الجالية المغربية الهولندية (حوالي 200 منظمة وحمعية).. والعمل على مقاضاة فيلدرز قانونيا والتعبير عن المواقف بعيدا عن التشنج والانفعال...

 

  إنَّ التعامل مع المشكلة التي يثيرها شخص فرد لا ينبغي أن يجري توسيعها لتأخذ طابع التضخيم المرضي الذي لا يؤدي لحل أو إجابة ورد صائب على طروحات السيد فيلدرز.. إذ أن أيّ رد متشنج منفعل يعني تثبيتا لطروحات فيلدرز وفلمه فيما سيعني الرد المتأني المتدبر انعكاسا للوجه الحقيقي للمسلمين في دينهم المعتدل حيث "الدين الوسط" و"لا غلو في الدين"...

ومثلما لا نجد التشنج والانفعال دفاعا سليما أو صحيحا عن صواب معتقد وحقه في الاحترام لا نجد كذلك أنَّ التطرف بالمعطى العام لوجوده يمكن أن ينتهي بالردود المتطرفة.. وبدل انتهائه أو حل ما ينجم عنه ستزداد النيران بالردود المتطرفة اشتعالا وتتعمق الجراح البشرية وتتعقد أكثر...

 

و لا يوجد أي سبب يدعو للرد الشديد لا في تلك الأفعال التي تدخل في مجال الشغب والتخريب والتدمير ولا في العقوبات والردود الجماعية المبالغ فيها مثلما هو حال التهديد بمعاقبة هولندا حكومة وشعبا إذ أن هولندا ليست فيلدرز وقد تأكد بوضوح الفرق بين موقفي الحكومة ووزرائها وأحزابها وموقف فيلدرز وتبين بوضوح موقف النخب والزعامات السياسية والاجتماعية للهولنديين وكذلك المواقف الشعبية الواسعة التي لم تقبل ولا تسمح بالتجاوز على الآخر أيا كان... فكيف ولماذا يؤذ طرف بجريرة آخر؟ بل كيف يمكن أن نسمح لجهة أن تعاقب شعبا بجريرة متطرفين فيه؟

ألا يبرر هذا الموقف الوضع مقلوبا عندما يعاقبون شعوبنا بسبب متطرفين بيننا؟

إنَّ المشكل الحقيقي ليس في فلم متطرف لشخصية فرد ونوازعه أو أهدافه بل في المبالغة ووالردود المتشنجة المتطرفة الأوسع حجما حدّ التضخم وفي منح هذا الفرد فرصا أوسع لتشويه المعتقد الديني والمؤمنين به وفي توفير الفرص سانحة لتحقيق الاصطدام الذي يرومه بكل ما سيجره ذلك من ضحايا أبرياء نتيجة التفاعلات السلبية الخطيرة للردود المتشنجة..

وينبغي ألا نستهين اليوم بما للتصريحات النارية لبعض الشخصيات العامة من ممثلي المسلمين داخل هولندا وخارجها من مثل "كلنا فداء المقدس" و "إلا الرسول(ص).." وعبارات تحريضية منفعلة شبيهة وأخطر من ذلك تصريحات شخصيات بدرجة مفتي أحد البلدان الإسلامية [تصريحات مفتي سوريا في بروكسل] فهي تؤجج الأمور لا في تلك البلدان حسب [بكل ما تجره من تفاعلات قد تؤدي لاعتداءات على ضيوف آمنين لا علاقة لهم بفيلدرز وقيمه وتصرفات] بل وتنعكس على مواطني هولندا من الجاليات ممن تحرضه تلك التصريحات على الدخول في سلوك أنشطة وردود غير محمودة العواقب..

 

إن الأصل في علائق الشعوب والمجموعات الدينية يكمن في التعاضد والعاون والتعائيش السلمي وكل ما يشذ عن ذلك تعالجه البشرية بالحكمة وبما لا يعرض تلك العلاقات للهزات أو التخريب أو حتى الفتور.. فلا يمكن لما يشذ عن القاعدة الأصل أن يلغي الصواب في العلاقات أو يعطل الحكمة في إدارتها الأمور...

وحسناَ َ فعلت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي بقبول فيلم هولندي للمشاركة بعد أن قرأت الوضع على وفق حقيقته لا على وفق منطق السيد فيلدرز والمتطرفين من جهته ومن الجهات الأخرى لأشكال التعبير العنصري الشوفيني الفاشي...

 

وللحكمة والموعظة أن نقول: إنَّ التطرف لا يُكافح بالتطرف.. وإنَّ العلائق البشرية عمادها التفاعل الإيجابي والتعايش السلمي واحترام الحريات التي تشتمل على احترام الآخر وترفض إزدراءه وتحقيره... وإنَّ الحلَّ في قضية المتطرفين في أية دولة يكمن في مساءلتهم قضائيا وإخضاعهم لسلطة القانون لوقف تداعيات أنشطتهم السلبية المستهجنة الخطيرة..

 

* هذه دعوة لكي نتصدى سويا للتطرف ولمنع أية تداعيات سلبية في العلاقات الودية البناءة بيننا جميعا، وهي دعوة تتوجه إلى جمعيات جالياتنا ومنظماتها الموجودة ولسفارات بلداننا في هولندا وأوروبا لكي تكون خير سفير لأعمق العلاقات الإيجابية البناءة ولكي لا تنتظر الأحداث وتقف متفرجة عليها.. مثلما هي دعوة لممثلي شعوبنا وبلداننا لكي لا يصبوا الزيت على نار الكراهية التي يريد أفراد محدودي الأفق والتفكير أن يشعلونها كما في مثال فيلدرز...

151
من طاغية إلى طغاة وحكم اليوم مأسور بأيدي نخاسي الميليشيات

بديلنا بناء مؤسسات الدولة في عملية سلمية صحيحة نزيهة والحكم بأيدي الشعب

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

من دفاتري الخاصة د.ت

tayseer54@hotmail.com
   

 

 

من أجل حل الميليشيات ووقف تحكمها في الشارع السياسي والوضع العام...

من أجل الانتهاء من الفساد وتطهير مؤسسات الدولة والمجتمع المدني...

لنستثمر الوضوح والشفافية والوطنية في أعمالنا وأنشطتنا...

 

تجربتهم: غادر هتلر الفاشي الذي أباد عشرات ملايين البشر الأبرياء من دون لحظة حسرة أو من يطالب بشفقة عليه... أما كيف جرت محاكمة الفاشست والانتهاء منهم ومن جرائمهم فليس من يعيد المراجعة فيها، بخاصة مع سنوات إعادة البناء وإشادة الحياة مجددا في الألمانيتين وفي البلاد الأوروبية.. وليس من سرّ كبير أو خطير وراء مضيّ البشرية بلا لحظة التفات إلى تلك الرّمة؛ فالناس لملمت أشلاء الضحايا واستطاعت دفنها واحترام التراب الذي اغتسل بدماء البراءة والسمو البشري وأوقفت الإنسانية مزيد تضحيات بدم بارد واتجهت إلى حظر كل ما يمكن أن يعيدها للحرب حتى لو اقتضت مصالح وأفضت قرارات وظروف محيطة بذلك.. فلا مجال لشيء اسمه حرب ودماء ومآس وكوارث أخرى مجددا.. وتلك حال شعوب أوروبا من يومها وحتى يومنا...

كارثتنا: أما في أرض الرسل ورسالات السلام في بلاد الخضرة والنماء والحياة والجمال بلاد أول حرف وأول مدرسة وأول مكتبة وأول غرسة فلاح وأول حقل وأول عجلة وأول دولة فقد رحل عنها صدام الطاغية الدموي الذي أباد مئات ألوف البشر بل ملايينها بحساب ضحايا حروبه العبثية إلى جانب جرائمه المهولة بحق الشعب العراقي بأطيافه كافة.. ولكن الجرح الفاغر والألم الممض أنّه يرحل ويبقى في الحلق غصة أنَّ الناس حتى الآن لم تستطع لا أنْ تلملم الجراح ولا أن تدفن الضحايا في تراب يمكن أن تعمّر فيه أو تزرع! فهذا التراب هو الآخر تلوث بما ينبعث منه من بقايا تثير روائح إفساد الحياة البشرية، وها هي الجرائم تحصد مزيدا ومزيدا وتصرخ هل من مزيد! حتى قدّم الشعب قرابين جديدة بمئات ألوف أخرى وما زال!!

واللعبة تقول: ها، منحناكم حريتكم من صدام.. ويرسلون معها قهقهات تحالفية تسكينية. وها، منحناكم صناديق وأحبار انتخابية بنفسجية وحمراء ومن كل شكل ولون ويرسلون معها مسكنات نتائج العمليات القيصرية القسرية للانتخابات والاستفتاءات. وها، منحناكم حرياتكم في ممارسة طقوسكم الدينية  ويرسلون معها حواجيز الانقسامات الطائفية (والحاجوز هو الذي يقف بين متخاصمين). ماذا منحونا من جيوبهم: لا شيء بالمرة...ولا شيء سنأخذه من خيراتنا في ظل وجود فسيفساء النخاسين.

فالانتخابات في بلدانهم ذاتها ليست حرة وتحكمها الأموال بل دماء وبلاوي الغيلة وأهوال الدهر وما يمنحونه هو حق أن يشتم ويسبّ ولا مشكلة طالما الأمر في مهاترة انفعالية يفرغ بعدها المنفعل همه ويعود لخيباته ساكنا بلا فعل سوى تقبل السحق ونتائج ديموقراطية إطعامه الخبز الأسود وهو المطارد يوميا ليقدم أسبابه في بقائه على الإعانة الآتية من ضرائب زملائه المستـَغـَلين وليس من كيس الأغبياء عفوا الأغنياء........

أما نحن فليس لنا خسارة الانتخابات وحسب بل وعلينا ألا نتحدث عن اليوم الأسود [لا الخبز الأسود] بل اليوم الأسود الذي ولِدنا فيه في أرض النفط والزرع والضرع فلا يحق لنا أن نسبَّ أو نشتم فذلك من المحرمات القانونية في ظل قوانين الديموقراطية العراقية الملائية المعممة [من العمائم]...

لا يحق لنا أن نتحدث عن الفساد الإداري وعن سرقة الثروات يوميا وعن الانفلاشية التي تتمتع بها ميليشيات الأحزاب الحاكمة وعن الحصانة البرلمانية والدبلوماسية التي تتمتع بها قوى تتحكم بكل السلطات فيما هي الأولى في خروجها على سلطة منطق العدل وقوانين البشرية السوية...

إذن من حق الحكام الجدد الحصانة وعمل كل شيء بالطريقة التي يرونها قانونية - وما هي كذلك - ولو قيد شعرة فيما حق الرعاع عفوا الشعب أن يكون غفلا مغفلا مستغفلا وأن يُساق إلى حيث يُراد له أن يصوت للعملية السلمية وفي حقيقة الأمر أنه يصوت لسرقة العملية السلمية من الأدعياء الدخلاء العملاء أو أن يقبل قسرا الذهاب إلى مقاصل التفجير اليومي ولا صوت احتجاج يُقبل منه بل صوت صراخه - وهو يتفجر- مستكره وجوبا لدى التكفيري ولدى الطائفي ولكل أسبابه...

قالوا أشهر وتبدأ عمليات إعادة الإعمار وعندما انتهت الأشهر بدأت ولكن ما بدأ ليس عمليات إعادة الإعمار بل عمليات إبادة الأعمار متجددة متصلة... وقالوا أشهر ونضبط الأمور ومرت الأشهر وانفلشت الأمور ولم يأتنا غير الويل والثبور... وقالوا  اصبروا حتى تأتي الحكومة الدائمية المنتخبة لا المؤقتة المعينة وجاءت هذه وذهبت تلك وصارت الدائمية أسوأ حالا من المؤقتة.. وقالوا إنها الخطة الأمنية التالية وذهبت خطة وجاءت أخرى فجاءت معها بما هو أردأ وأسوأ..

ولكل حال مبرر وذريعة ووعد و وعيد ولا جاء العيد ولا تحرر العبيد! وانظروا هاهم يحمون المتهمين بجرائم ويعلنون أنهم حلّ من التدخل في الأمور الداخلية وغدا عندما ينتهون من أمورهم سيخرج كل فريق مستفيد ويقول هاكم هذي بلادكم لماذا لا تضبطونها ألم نمنحكم الحرية واستقلال الإرادة؟؟!!!

أيها الناس فلنسمع ولنعِ لا حل إلا بأيدينا والعملية السياسية التي اخترناها لا تنبني بغير سواعدنا وعقولنا؛ وضبط أمورنا لا يأتي بقوى غيرنا وحين قلنا: إننا نحن الذين نغير الطاغية ورفضنا الحرب كنا على حق ولكننا على غير حق ألا نمضي في مسيرة العملية السياسية بطريقة صحيحة صائبة..

فالحياة ليست حرية لممارسة طقوس تعبدية إذ "عامل يعمل خير من ألف عابد" و "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فإن كان منّا من يضع ممارسة طقوس العبادة في كفة بمجابهة ممارسة حياته ويقدم الطقوس على العمل وقضاء حاجاته وحاجات أهله وأناسه فإن المسلم كما قال الرسول (ص) لا رهبنة عنده أي لا انقطاع للتعبد وأداء الطقوس..

لنبنِ (نبني) أولا حياتنا ولنحمِ (نحمي) حيوات أبنائنا ونسائنا ولنتذكر أن العازة والحاجة قد فاقت واتسعت حتى تفجرت علينا فسادا قبل أن تتفجر علينا أجساد الانتحاريين قنابل تحصد الأجساد فحصدتنا الحاجة في أرواحنا وأخلاقنا وصرنا إلى نوازع حاجتي أنا قبل حاجة أخي وفوق حاجة جاري أو صديقي..

وصرنا نشتجر على فتات ونقتتل داخل عوائلنا على لقمة من بقايا مزابل القلاع الخضراء والسوداء فيما نترك أصحاب الأعمة المزيفة والياقات الزاهية الملونة يسرقون ملياراتنا ويجزّون رؤوس بناتنا بعد اغتصابهن أمام أعين الأهالي...

فما تميز به عدي من عمار؟ وما تميز به قصي من قدي؟ وما فرق أن يُقال لي ولك أننا خاضعون لأمر "القائد المؤمن" أم "السيد المؤتمن"؟ الأول اغتصب وقتل واستهتر وأخضع من يريد لما يريد والثاني لا فرق في كل صفة سوى أنه صار متعددا فبعد أن كان طاغية وعائلته صاروا اليوم طغاة وزبانيتهم وميليشياتهم..

كنّا نعرف من يضرب فينا وكيف ولكن الجديد أننا لم نعد نعرف من منهم يضرب وكيف!!!!!!!!!!

وعقبى لنا يوم يغادرونا بعد أن يقضوا وطرا في بلادنا من أمريكان وإنجليز وطليان ومن ترك وفرس  وأفغان وحتى من هند وباكستان فلا تستغربوا.. يومها طوبى لمن لم ينكس الرأس في فجيعة تخصه ويومها نعرف أن الكأس التي تنكسر لا صلاح لها...

هنيئا لمن ينشغل بحب آل البيت وأسماؤهم في السماء طاهرة تأنّ من غباء المتفجع المولول الباكي فيما حب آل بيته من زوج وأبناء وبنات ووالدين لا يدعوه لذرف دمعة عليهم ولا نقول  ما قاله الأئمة الذين نبكيهم ليل نهار بأن يخرج الرجل مقاتلا من أجل لقمة خبز لهم! هنيئا للولهان بتعذيب ذاته على جريمة ارتكبها مجرمو عصر لا يمت إليهم بصلة وتركوه جيلا بعد جيل يعيش المازوشية وتعذيب النفس باسمهم وبدلا عنهم..   

هل تحررنا من صدام لنمارس طقوس البكاء واللطم ونقيم الأحزان ونهارات الجراح وليالي الأتراح؟ هل تحررنا من صدام لننقسم على طوائف ومزق متناحرة متحاربة؟ هل تحررنا منه لكي نبيع أطفالنا ببلاش للجريمة والمخدرات وكل موبقات الأرض وقاذوراتها؟

ها نحن تحررنا وملايين تهجرت في الداخل والخارج وها نحن تحررنا ومن تلك الملايين عشرات ألوف بل مئات ألوف وطأن سوق النخاسين ومواخير البغاء بإكراه الحاجة وبقسر المافيات التي تنمو بيننا وفي تربتنا نحن المتحررين من زمن الطاغية!!!

ماذا ننتظر لعمليتنا السياسية؟ أليس هذا فشلا؟!!!!!!!!!!سبحان الله أبعد الشرف سؤال عن فشل أيها العراقيون؟ ألسنا متحررين؟ ألسنا أحرارا؟ إذن لنجد حلا.. إذن لنبحث مع أنفسنا عن بديل.. إذن لنقل كلمة مجرد كلمة ولعلها تكون الفعل كما قرأنا في بطون كتبنا المهمة: في البدء كانت الكلمة..

ياعراقيين: أليس فيكم من يقول لنحتج، لنتظاهر، لنستبدل المسؤولين الذين كلفناهم!؟ لم يفلحوا في شيء لنغير الحكومة..   أم عدنا إلى الزعامات المقدسة؟   ألم ترفضوا الزعيم الأوحد فتركتموه يُقتل في 8 شباط الأسود؟ ألم ترفضوا صداما الطاغية المستبد الدموي وتفرحوا لرحيله الأبدي؟  أليس ذلك مما كان رفضا لقدسية شخص وتقدما نحو حكم الشعب ومن يمثله عادلا نزيها نظيفا طاهرا؟!! أم أنكم على الرغم من القتل اليومي وعلى الرغم من الاختطاف اليومي في حلكة الليل وعلى الرغم من الاغتصاب في وضح النهار وأمام الأعين والأشهار.. على الرغم من  بيعكم في أسواق النخاسة والمتاجرة بثرواتكم بل بكم أنفسكم يا بلاش.. على الرغم من كل ذلك وما زالت الحكومة تروق لكم والحكيمي والجعفري والمالكي والدليمي زعماء مقدسين لكم؟!!!

إذن طوبى لنا في عبوديتنا وفي تقاذفنا بين أيدي النخاسين تعبث بنا وتمس شرف كل ساكت خانع منّا.. وليست دعوتي إلا لكي نحتضن مسيرتنا السلمية التي بدأناها وسرقوها منّا لنعيدها إلى نصابها ولنتذكر أننا عوائل من سنة وشيعة تزاوجنا وصرنا كرامة وغطاء وشرفا لبعضنا بعضا..

لنصحُ من هجعة البؤس والتخاذل ونعيد بناء مؤسساتنا من برلمان وحكومة وقضاء فما عاد في الجعبة من رضعة رضيع وما عاد لنا من أستار تغطي عورات أبنائنا وبناتنا وبئس القوم من بات أهله بلا زاد يسد رمق طفل أو يقيم أود شيخ أو بات بلا غطاء يستر ..............

أدري يا جياع عرايا أنَّ الإحباط قد تغلغل في الدواخل وأن الاستنزاف والتعب والأوصاب قد أخذت مأخذها وأن الجرح الفاغر ما زال ينضح آخر قطرة من جسد هزل وذبل ولكنني أدري ألا خيار لنا بغير تصحيح الحال وتعديل المآل..

لا نتركن الأمور على عواهنها أنتم يامن في داخل البيت ليس لكم سوى العمل والبناء أما بناء مؤسساتنا وأما نترك الأمور...إذ نحن ننشغل بالفتات وبمن يشترينا في سوق النخاسة فيما نترك لقادة الميليشيات فرص أنْ يتحكموا بحيواتنا حيث يُباع كل شيء ببلاش!!! وغدا لن نجد لا عربي ولا كردي ولا تركماني ولا كلداني آشوري سرياني ولا صابئي ولا أرمني ولن نجد لا شيعي ولا سنيّ ولا مسيحي ولا مندائي ولا يهودي ولا أيزيدي ولن نجد من أي فريق أو لون من العراقيين يسود في العراق إلا الطغاة ونخاسيّ الميليشيات ممن لت يتركوا لفقير خرقة يسستر بها نفسه!!!!!!!

 

 

*إِلـْيـِوِنْ تالي الليل لابد على أسباب: تداعيات انفعالية من مواويل آخر الليل!

www.somerian-slates.com

 

152
حرية تعبير أم سطوة المتسترين بالدين؟!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           21\02\2008

tayseer54@hotmail.com


حاول بعض مسؤولين في بعض الجامعات العراقية أن يطلب إزالة الشعارات الدينية وأشكال التعبير الطقسي الديني من الحرم الجامعي ومن قاعات الدرس  فكانت النتيجة تصفيتهم الجسدية أو في أفضل الحالات ابتزازهم ومصادرتهم بالتهديد.. وحاول مسؤولون أن يزيلوا ذلك من مؤسساتهم فجابهوا ما جابه العلماء والأساتذة.. ومرّت الأمور من دون تعليق لا من رئيس حزب ديني ولا من ممثلي الكتل الطائفية في الحكومة والبرلمان...

بالأمس أمر معالي وزير الصناعة العراقية  فوزي الحريري بإزالة لافتات كتبت عليها شعارات دينية من على جدران الوزراة وأروقتها فثارت سجالات محتدمة  ودفعت قوى بعينها بجمع من المتظاهرين بزعم أن رفع تلك الشعارات والمظاهر هو ضرب من الحجر على التعبير وحريته!؟

ولكن، عن أيّ حرية تعبير يتحدث خطاب الأحزاب الدينية ومن تدفع بهم بالخصوص؟ أليس هو ذاته الطريق ذو الاتجاه الواحد؟! اتجاه  تغطية الطريق بكل جزئية منه باللافتات السود وشعارات دينية طقسية طائفية وعدم ترك أية مساحة أو فرصة أو مجال لأي رؤية أو تعبير آخر للظهور..

وهذي الأحزاب والقوى المتسترة بالدين وخطاب الطائفية هي ذاتها [والوحيدة أيضا] التي تمتلك ميليشيات التسيّد على الشارع وتكميم الأفواه ومنع أي شكل للتعبير لا ينضوي تحت مشروعها وخطابها حتى أنها دخلت في صراعات بعضها مع بعض لأن كل فريق يدّعي أنه الممثل الوحيد لله على الأرض!!!

ولأننا والمجتمع العراقي بأطيافه صرنا الضحية في مثل هذا الصراع؛ ولأننا والمجتمع العراقي بأطيافه لسنا ضد الدين ونرى أنّ اعتناقه يظل مقدسا ومبجلا.. ولأنَّ الدين علاقة روحية بين الإنسان و ربّه، فإنَّ أحدا لا يمكنه أن يضع نفسه وسيطا بين هذا الإنسان والله، ولا يمكن لبشر أن يكون نائبا إلاهيا على الأرض يحكمها قسرا وتخضع لإرادته وسلطانه كرها وواجبا ملزما!!

ولأنَّ الاعتقاد والإيمان الروحي متعدد الأديان، متعدد المذاهب، متعدد الاجتهادات، غني الطقوس متنوعها حدّ الاختلاف والتقاطع؛ فإنَّه لا يجوز فرض رؤية أو اعتقاد أو إيمان على آخر.. ولقد ورد في النص الديني المقدس أن لا إكراه في الدين.. ولكم دينكم ولي ديني...

ولأنَّ الدين النصيحة، ولأنَّه يبقى أمرا روحيا بين الإنسان وربه فلا يجوز أنْ يفرض إنسان ما يراه ويعتقد به على الآخرين. ومن ثمَّ لا يجوز له أن يجيِّر مؤسسة اجتماعية مشتركة بين الجميع لدين أو مذهب أو معتقد أو إيمان بعينه لمجموعة أو فئة واحدة بعينها..

ولأنَّ مؤسسات الدولة هي صيغة للعلاقات بين الناس المستقلي الإرادة، الأحرار في رؤاهم ومعتقداتهم، المتساوين في وجودهم.. فإنَّ تلك المؤسسات بحاجة لضمان حياديتها وابتعادها عن الخضوع لأي مؤثـِّر اعتقادي ديني لطرف أو آخر حيث مؤسسة الدولة تخضع لقانون مشترك متوافق عليه..

ولضمان علاقة حرة تؤدي مهامها بروح المساواة والعدل والإخاء يجب تحرير مؤسسات الدولة من كل صيغة عمل تفرض رؤية بعينها.. أو تعبيرا طقسيا دينيا أو سياسيا قسريا.

فللتعبير عن الاعتقادات الدينية أو السياسية أو الاجتماعية أو الممارسات الطقسية لمجموعة دينية أو طائفية يلزم أن يخضع التعبير للقواسم المشتركة مع الآخر بحيث ما يمكن لطرف أداؤه متاح للطرف الآخر بالتساوي...

وهكذا لا يمكن السماح لطرف أن يمتد في مساحة تعبير ديني على حساب الآخر في موضعين:

1.   موضع مؤسسات الدولة كافة حيث يلزم تنزيهها من أية علاقة تبعية للخطاب الديني تحديدا؛ نظرا لخصوصية وحساسية هذا الخطاب الاعتقادي وللأسباب التي مرّ ذكرها وطرائق التعبير المذهبي الطائفي وما إلى ذلك...

2.   موضع يقع في كل الميادين المتاحة الأخرى التي تظل مشروطة بحجم متساو من التعبير حتى لو توافرت لطرف إمكانات مادية لاحتلال جميع الجدران والشوارع فذلكم غير وارد في مجال التعبير.. فلرفع اللافتات في المناسبات الرسمية وغير الرسمية أصول. يلزم أن تتحدد بشروط وقوانين تضمن التساوي في التعبير فتتحدد أماكن الإعلان السياسي والديني ولكل مكانه وحجمه ولكل ضريبته المعينة المحددة بقانون وإلا سيتحول التعبير لممارسة منافسات سلبية تضطهد الآخر وتخرق الديموقراطية...

3.   وعليه يجب اليوم قبل الغد أن تقوم مؤسسات الدولة بمهامها في وضع الشروط واللوائح التي تضبط صيغ التعبير بما يجعلها متاحة بالتساوي والعدل وبطرائق صائبة وصحية وبعيدا عن تجيير وإخضاع وإلحاق بإكراه أو قسر.. وبدلا من أحادية الخطاب السياسي المعبر عنه بالدكتاتورية نجد الخطاب الأحادي السياسي الجديد المميز بغلافه الديني وإدعائه بتمثيل الديني في حين تمريره السياسي بكل مفرداته ومستهدفاته..

 

إنَّ قضية ممارسة الطقوس الدينية تظل قضية اجتماعية دينية بحتة لا يجب تمرير فرض فلسفة سياسية بعينها تحت ستار خطابها الاعتقادي ولا يمكن أن تكون قضية إخضاع مؤسسات الدولة وإشاعة الغطاء المطلق للحياة العامة بالرداء الديني إلا قضية أداء سياسي حزبي يتعمد استغلال الدين وخطابه لمصالح سياسية بعينها والصواب لا يمكن أن يكون إلا بإبعاد هذا الغطاء المزعوم لكي تتوافر فرص التعبير الحقة المتساوية لجميع المواطنين بلا اعتداء من أي نمط وعلى أية فلسفة تأسس...

وفي ضوء ذلك يلزم للبرلمان أن يصدر القانون المحدِّد لهذا الأمر وأن تلتزم المؤسسات الرسمية للحكومة بتنفيذه بدقة وألا يجري خلط الأوراق بما يعني وجوب مراجعة جميع الأحزاب لخطابها وأدائها لتجنيب الوضع العراقي مزيدا من التدهور...

فهل سترتقي الزعامات الموجودة لمستوى هذه المسؤولية؟ وهل ستعمل الأحزاب على أداء واجبها الوطني على حساب المصالح الحزبية الضيقة؟ أم أن الأمر يلزمه قانون وسلطة وطنية حقة حازمة في تنفيذه إلى جانب الوعي الوطني الذي يُلزِم القيادات بوقف تلك الممارسات؟؟؟

153
الصحفيون في العراق.. الحقوق والحماية المطلوبة

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           21\02\2008

tayseer54@hotmail.com


 

أنْ يعمل الصحافي في ظروف الطوارئ، أو أنْ يعمل في ظروف معقدة وصعبة فذلكم خياره حيث الصحافة مهنة المتاعب؛ وواجبه الذي يلتزم بأدائه. أما أن يخضع هذا الصحافي لعقبات وعوارض غير قانونية وغير إنسانية فذلكم مما لا يمكن القبول به.. فأعمال الابتزاز عبر أشكال من الضغوط والتهديدات عبر قنوات الفساد والترهيب المافيوية، كل ذلك مما يرصده الصحافي في العراق. وأعمال الاختطاف والاغتيال أو التهديد بهما صارت من الأمور المعاشة بشكل شبه يومي في الأوضاع العراقية الملتهبة اليوم...

والمشكل في قضية استهداف الصحافيين تكمن في عوامل: منها عدم استكمال أيّة حالة تحقيق في القضايا المرفوعة بالخصوص، أو عدم الكشف عمَّن يقف وراء الأفعال الجنائية بشكل قضائي قانوني مكتمل.. ما أفسح ويفسح المجال واسعا أمام مواصلة تلك الجرائم والجنايات. وفيما يُعرف أحيانا المجرم أو من يقف وراء الجريمة يجري إهمال المعلومات أو الحقائق المعروفة؛ وتمرّ الأحداث في أفضل الأحوال بتصريحات شجب من الجهات التي يُنتظر منها أن تكون فاعلة وحاسمة في مثل هكذا مجريات خطيرة تمس حيوات أبناء الوطن، تحديدا في مجال سلطتهم الرابعة...

إنَّ حالة الاستمرار في الغطاء المكشوف وعدم توفير الحماية الأمنية لحيوات العاملين في السلطة الرابعة (الصحافة) تولّد تداعيات غير محمودة العواقب. من جهة استفحال سطوة المفسدين وقوى العنف المسلح. حيث لايقف الأمر عند حدود عرقلة عملة سلطة متابعة الواقع ورصده وكشف خباياه، بل تذهب أبعد من ذلك في تمكين المجرم من ضحاياه وتحكمه بتوجيه الأوضاع في الاتجاه الذي يخدم مطامعه وأفعاله الجنائية...

ومن هنا صار واجب توفير الغطاء الأمني الأنجع للصحافيين أمرا يستدعي ارتقاء المؤسسات المختصة لمستوى المهام المناطة بها.. فمجرد تهديد هذه الشريحة يمثل جريمة خطرة وبوابة لتمرير كوارث لا نهاية لمسلسل نتائجها اللاحقة، فما بالنا إذا ما كانت الجريمة أبعد من التهديد حيث صارت تطال رؤوس \ حيوات الصحافيين الشرفاء الذين لم يطأطئوا رؤوسهم للتهديد!؟!

وفي هذا الإطار ينبغي الالتفات إلى توفير أجواء العمل الحر وعتقه من أية لغة للقسر والإكراه أو الابتزاز سواء ما جاء عبر استغلال النفوذ والسلطة مثلما يحصل بالاعتداءات المبررة بذرائع مختلقة (كما في اعتداءات الحمايات الشخصية مثال حماية عمار الحكيم على الصحافيين في كربلاء أو حمايات المؤسسات والمنشآت مثال منشآت نفطية في البصرة) أم عبر استغلال لغة التهديد والعنف بالاختطاف وحتى بالتصفية الجسدية التي تجري بطريقة بشعة كما شهدت الساحة العراقية في الآونة الأخيرة وطوال الأعوام الخمسة المنصرمة..

إنَّ السؤال هنا يتجه إلى المسؤولين الأعلى منصبا: هل يعتقدون أن مجرد توجيه خطابات مفبركة لتبرير ما جرى حتى من دون اعتذار رسمي ومن دون تحمل مسؤولية ما جرى ويجري، يكفي لتجاوز مثل تلك الأفعال الجنائية؟؟ وهل تكفي عقوبة التوبيخ أو التنبيه المتراخية لمنع تكرار تلك الأفعال؟

نحن نعتقد في ضوء ما جرى من سلسلة الأحداث المؤلمة بل المأساوية أن الأمر يستفحل ويتصاعد وهو سياسة ثابتة وأوامر صادرة من (مسؤولين) أنفسهم وأن كل ما يعلنون من كلمات معسولة عن الحقوق وتوفير أجواء الحريات والأمن والأمان ليس إلا دعاية رخيصة في للإعلانات المجانية مع إصرار من جهتهم على مواصلة سياساتهم الثابتة في الاختباء وراء تلك الحمايات وفي إطلاق أيدي قوى ميليشياوية ومافيوية بسبب من التراخي في متابعة الجريمة ومن التعاطي معها من خلال مقايضات حزبية أو فئوية محسوبة لا تسمح بالإعلان عن الفاعلين أو المتورطين ومن يقف وراء أولئك جميعا...

وباستنتاج أولي لا يمكن أن يقبل متفحص راشد أن يفسر هذا المسلسل بعيدا عن مراكز الفساد بكل أشكاله داخل مؤسسات الدولة وبعيدا عن سلطة تتحكم بالشارع هي سلطة قوى العنف بأشكاله الميليشياوية والمافيوية والعصابات المنظمة فضلا عن أشكال التراشق المسلح الدائرة ميدانيا.. وإلا فهل يُعقل أن يكون مسلسل العنف ضد الصحافيين هو مجرد نزاعات شخصية أو مصادفات بكل عشرات ومئات الضحايا التي يريدون أن تذهب هباءَ َ بلا من ينصفهم حقوقهم؟؟

وعليه فإنَّ كل من يعلن وقوفه مع حقوق الصحافي وتأمين حياته وحرياته في العمل الآمن عليه أن يدخل في مسيرة القبول بتفعيل القضاء الجنائي وتوسيع أدواته وإمكاناته وسلطته والإعلان الملزم عن نتائج كل تحقيق وكل جريمة أو جناية بشكل واضح ومكاشفة أكيدة بكل شفافية لتنفيذ العقوبات العادلة وإنصاف الضحايا.. مع إدخال شروط جزائية مضافة نظرا لأن الوضع الحالي في العراق هو وضع طوارئ وحالة استثنائية ونظرا لأن من تتجه إليهم الجريمة هم أدوات المجتمع للكشف عن خبايا الفساد والعنف وقواهما...

وعليه، لابد لمنظمات الصحافيين أن تتقدم بمشروعها بالخصوص تأمينا لحيوات الصحافيين وحقوقهم وألا تكتفي بإدانة أو شجب ينتهي إلى أرفف النسيان فيما الضحية لا تكون مقصية لوحدها بل تنتظر ضحايا أخرى جديدة بلا وازع من ضمير يتحرك لوقف المسلسل. ومقابلهم يضحك المجرم ويستمر في غيه وجرائمه بلا حسيب أو رقيب...

إنَّ هذا يمثل طامة خطرة في تمادي قوى الفساد وفي عشعشة أجواء الجريمة وفي مسيرة تنخر في الوجود العراقي لتجعل منه هزال وفجأة يختفي نهائيا حيث ينتهي مصاصوه من شفط آخر قطرة دم لا نفط في هذا الوطن .. وليس هذا بخيال لتفعيل النظر في قضية الاعتداءات على الصحافيين أو جرائم تصفيتنهم بل واقع مؤسِ ِ لابد من التوقف عنده بدراسات مناسبة تضع الحلول الحاسمة الصارمة...

فأمهات الصحافيين الذين جرى تصفيتهم وزوجاتهم وأخواتهم وأطفالهم لا يشبعهم كلام معسول ولا يغنيهم وعود بكف الحمايات عن رؤوس الأبناء أو وعود منع المجرمين من أن يطالونهم فذلكم مما أشبعهم إياه السلف من مسؤولي النظام المقبور.. وليس من حل مقبول إلا استكمال جهاز قضائي عادل للقرار المؤمل في كل جريمة وواقعة وحدث حيث لا استثناء من سلطة القانون ولا تقويض لإجراءات عادلة...

ومن الطبيعي هنا أن نؤكد أنه ليس من المعقول أن تقف الأمور عند تصريحات المسؤولين وبياناتهم وخطبهم فإذا كان المسؤول يكتفي بالبيانات ويطالب ويُسائل، فمن سيكون صاحب القرار والحسم؟ ومن ستوضع في رقبته مسؤولية العمل والأداء؟ ولا يمكن هنا أن تذهب الأمور سدى بين بيان يصدر من مكتب محافظ وآخر يصدر من مكتب رئاسة الوزراء أو ديوان وزارة إذ ينبغي لممثلي الصحافيين أن يصروا على متابعة إجراءات عملية تبدأ فور أية واقعة ولا يتركوا الأمور للوعود والبيانات..

إنَّ دم الضحايا وحقوقهم لا تعود بتركها للروتين الحكومي فكيف بنا والوضع القائم فيه من الخلل والثغرات ما يشارك في تعميد مسلك الجريمة وسطوتها! نضع ثقتنا بأن مظاهرات الصحافيين والإعلاميين عامة بدأت لتقول كلمتها وتعيد الحقوق وتشارك جديا وبمسؤولية تامة في إنصاف منتسبيها بالضد من شريع الغاب والاعتداءات السافرة....

154
الكورد الفيلية.. الحل الوطني المنتظر

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           12\02\2008

tayseer54@hotmail.com

 

الطيف العراقي مركَّب اجتماعي أثني قومي عميق الجذور تاريخيا، ولأنَّ هذه البلاد كانت الموئل للتراث الإنساني الحضاري ولأنَّها الأرض المعطاء وأبناؤها الأكثر إنتاجا، فقد تعايشت فيها جماعات إنسانية وشكَّلت أطياف كينونة المجتمع العراقي القديم.. ولقد بقي موزائيك المجتمع العراقي محافظا على وحدته متمسّكا بتنوعه الثرّ في ضوء استقرار علائق النسيج المجتمعي وتعمّدها عبر التاريخين القديم والمعاصر... وأنتَ لا تجد كتابا أو دراسة أو بحثا أو سجلا أو وثيقة لا تمرّ على إشارات واضحة أكيدة على طبيعة التنوع في إطار الشخصية العراقية...

إنَّ هذه السمة [التنوع] لـَتُمثِّل عمودا ثابتا في الهوية الوطنية العراقية. وهي تشير إلى أنَّ التعاطي مع أيّ من أطياف المجتمع العراقي لن تكون بطريقة عزل طيف أو آخر أو التشكيك في عراقيته وانتمائه؛ فذلكم لن يضرب طيفا عراقيا لوحده ولن يمزق اللحمة الوطنية العراقية لوحدها بل سيضرب في العمق، الوجودَ الوطني العراقي بأكمله..

وفي هذا الإطار، إذا كنّا نقرأ مواقف النُظُم السابقة.. فإنَّنا لا يمكن أنْ نقبلَ مواصلة تلك المواقف السلبية الخطيرة التي تؤسس لتمزيق بنية الشعب العراقي ووحدته الوطنية القائمة على مبدأ التنوع المتداخل المتلاحم النسيج. ومن هنا سنقرأ قضايا الوطنية العراقية هويةَ َتعتز وتفتخر بنسيجها هذا، مسجِّلةَ َ وجود العرب والكورد والتركمان والكلدان الآشوريين السريان والصابئة والأرمن ووجود الشيعة والسنة والكاثوليك والأرثودوكس والمندائيين والأيزيديين واليهود وهي تسجل بفخر بين مفردات النسيج الوطني العراقي هذه جميعا، الكورد الفيلية الذين ينتمون للوجود العراقي وللوطنية العراقية...

لقد سجل الكورد الفيلية وطنيتهم وانتماءهم لا عبر إعلانات أو مواقف أو أعمال بعينها حسب بل عبر طبيعة الهوية التي يحملون في خصائص تركيبهم النفسي الاجتماعي وفي فلسفتهم فكرا وسياسة وفي سجل تاريخهم ووثائق تثبيت هذا التاريخ وجودا إنسانيا وقوميا وبالتأكيد وطنيا في الانتساب للهوية الوطنية العراقية بوضوح في كل مفردات عيشهم وعطائهم وحركتهم وتطلعاتهم...

ولكن؛ على الرغم من وضوح هذه الحقيقة فإنَّ ما وقع عليهم من حيف وما نالهم من جرائم اعتداء على حقوقهم الإنسانية والوطنية ما زالت تطاردهم بسياط الجلد والتعذيب والاستهانة. فما زالت القوانين التي طاولتهم ظلما واستباحة تفعل فعلها حتى في أجواء إلغاء قرار نكبة الوطنية العراقية يوم ترحيلهم القسري وإعدام وتصفية خيرة الشبيبة العراقية من أبناء الكورد الفيلية المتمثل بإلغاء قرار [مجلس قيادة الثورة] المنحل سيء الصيت...

وللمتابع الحريص أنْ يلاحظ أنَّ الكوردي الفيلي ما زال يُنظر إليه رسميا كونه من التبعية الأجنبية (الإيرانية) وأنه بهذا منزوع الهوية والجنسية وإذا أُعيدت إليه الجنسية العراقية فهو بلا شهادة الجنسية التي من دونها لا يحمل العراقي جواز السفر الوطني العراقي.. ومشكلة التبعية المنقسمة بين الإيرانية والعثمانية في جوهرها إلغاء لأولوية الشخصية العراقية وهويتها الحضارية بل هوية الوجود التاريخي الماضي والحاضر...

وخلف أسوار هذه الرؤية السلبية الخطيرة تقبع مشكلات لا تقف عند حدود معاناة الكورد الفيلية وجراحاتهم بل ومشكلات الوطنية العراقية ونسيج المجتمع العراقي اليوم بمستوييه الفوقي لطبقات الحكم السياسي والتحتي لبنية طبقاته وفئاته المكوِّنة.. حيث تتشوه البنية بتمزقات قسرية وبفعل النتائج الناجمة عن القرارات الظالمة الممتدة في آثارها حتى يومنا..

والأنكى من كل ذلك أنْ نجد من يستغل الأمر داخل البلاد وخارجها. فــ دول إقليمية أدخلت أصابعها لتغيير البنية السكانية والدفع بجالية مصطنعة اليوم تحت ذريعة إعادة الكورد الفيلية إلى بلادهم وجنَّست بطرق شتى أرقاما كبيرة من بدلاء الكورد الفيلية فيما أبناء العراق من الكورد الفيلية الحقيقيين ما زالوا منسيين في مخيمات بائسة في هذه الدولة الجارة أو غيرها بكل معنى المعاناة الجارحة والإنسانية الكليمة المبتلاة مستلبة الحقوق مهضومتها بلا مَن يقول: إنَّ أولئك من مسؤولية الدولة العراقية حكومة ومنظمات ومجتمع مدني...

إنَّ حلَّ قضية الكورد الفيلية سيكون من هذه الناحية فضلا عن الاستجابة الفورية العاجلة المؤملة لمطالبهم العادلة الثابتة الإنسانية والوطنية، سيكون قطعا لطرق النفوذ والاختراق الحاصلة التي يمكنها أنْ تستمرَ طويلا موسِّعة من فضاء الجرح الغائر في بلادنا المبتلاة بجروحها الأخرى راهنيا ومنعا لنتائج هذا الاختراق [السكاني \ الديموغرافي] مستقبلا... وبالتاكيد هنا منعا صريحا لاستغلال العراقيين من الكورد الفيلية من أيّ طامع ومن ثمَّ منع أيّ شكل من أشكال استمرار الجريمة بحقهم...

لقد جاءت  كارثة الترحيل القسري بنتائج نفسية واجتماعية وسياسية خطيرة. منها تلك الجروح الغائرة في أنفس الأطفال والنساء والشيوخ وردود الفعل السلبية القهرية لتلك المظالم إلى جانب حالة توسيع دائرة الطلاق وتشطير الأسر العراقية المتداخلة من أكثر من طيف عراقي والنتائج المزرية لتخلف التعليم والحرمان منه في ظل أجواء عدم الاستقرار والتجول في بلدان العالم بلا وثيقة أو جواز سفر أو مرجعية تتبنى هذه المجموعة الإنسانية منزوعة الجنسية..

إنَّ صورة التعاطي مع الكوردي الفيلي ستظل تحمل أخطر النتائج إذا لم يعبر المجتمع العراقي بمؤسساته الرسمية والشعبية عن موقف جدي منتظر يرتقي لمستوى القضية حيث سيكون هذا الموقف الردّ الأسمى لتصحيح العلائق واستعادة الروح الوطني وعودة الحقوق الثابتة ما سيعطي دفقا وحيوية بخلاف مشاعر النكاية والاستياء التي ستولدها حالة التلكؤ في التعاطي مع حقوق المظلومين الأمر الذي يعمّق الجرح والثغرة بين أطراف العلاقة  وطنيا وإنسانيا...

إذ كيف يمكن لمواطن عراقي يقف أمام موظفي السفارات أو في داخل الوطن مبهوتا متعجبا من  طبيعة السرّ الذي يقف وراء عدم منحه جواز السفر العراقي وهو العراقي ابن العراقي دما ومبادئا وتطلعات وهو العراقي الهوى والتفكير والشعور وهو العراقي الانتماء والوجود!! وكيف له أمام مشكل وريقة ما يُسمى شهادة الجنسية عثمانية النسب أن يُخرَج من انتمائه الحق؟!

إنَّ استمرار قضية الكورد الفيلية ليست إشكالية أوراق رسمية.. وهي ليست قضية قرارات رسمية سواء انتمت للأمس أم ليومنا بل هي قضية قيم إنسانية وحقوق عيش بكرامة وعدل ومساواة بلا مظالم. ويوم تُحَل هذه القضية سيكون الانتصار للروح الوطني العراقي وسيكون أمر تلبية مطالب إنسانية ما عاد يمكن القبول بالسكوت عليها أو محاولات طمسها من مختلف الفرقاء طمعا في ممارسات سياسية ومستهدفات مرضية بائسة سواء من داخل الوطن أو من خارجه ومن قوى إقليمية ودولية لها مآربها..

ويبقى الكورد الفيليون أبناء العراق الأصائل يمتلكون حقوقهم الإنسانية والوطنية التي لا تقبل الجدل والمماطلة والتسويف أو وضعهم على طاولة المصالح الأنانية لقوى دعية تتاجر بقضيتهم أو لقوى معادية لكينونة المجتمع العراقي في نسيجه المتنوع التعددي المشرق عبر تاريخه في وحدته وهويته الوطنية العليا...

ومن هذا المنطلق فإنَّ حل القضية لا يكمن في إجراءات مادية محدودة بقضية عقارية أو مالية وهي مسألة ينبغي حلها بالتأكيد، ولكنه يكمن في التصدي للقضية بمستوى حجمها النوعي لنبدأبـِ:-

 

1.  تشكيل مركز وطني عراقي أعلى لقضية الكورد الفيلية.. وتعود جميع الأوراق الرسمية والسجلات والوثائق إليه لكي ينهض بمهمة دراسة القضايا واقتراح التشريعات المناسبة للبرلمان الوطني العراقي وللحكومة الاتحادية..

2.  تشكيل مركز مستقل لإجراء الإحصاءات الضرورية للكورد الفيلية وفي مختلف مفردات الإحصاء اللازمة لمتابعة حل القضايا العالقة...

3.  افتتاح مركز دراسات الكورد الفيلية يتناول توثيق أوضاعهم ومعالجة المشكلات التي نجمت عن القرارات التعسفية القسرية السابقة والحالية..

4.  تشكيل منظمات ومؤسسات مجتمع مدني تخصصية وقطاعية تُعنى بمختلف شرائح الكورد الفيلية بخاصة منهم النساء لتبني مطالبهم جميعا والعمل على تشخيصها واقتراح الحلول العاجلة لها... ومن الجهة الرسمية ينبغي دعم تلك المؤسسات وتفعيل أدوارها في قراءة المشهد بدقة وموضوعية وعن كثب معايشة...

5.  تثبيت اسم الكورد الفيلية طيفا عراقيا أساسا حيثما ورد ذكر المكونات والأطياف العراقية في الوثائق الرسمية المعتمدة...

6.  معالجة مشكلة جواز السفر العراقي للكوردي الفيلي بغض النظر عن شهادة الجنسية لحين معالجة مشكلة ثنائية الجنسية وشهادة الجنسية المطلوبة من العراقي لإثبات انتمائه الوطني.. والعمل بالأداء الأمثل والتوقيت المناسب لحل هذه الثنائية في تعريف العراقي وإخضاعه لأوراق ثبوتية غير عراقية(عثمانية \ إيرانية) على حساب أولوية وجوده وانتمائه الوطني العراقي الحقيقي...

7.  منح الكورد الفيلية الحقوق الثقافية وجملة المتطلبات المخصوصة لدعم الأنشطة ولتفعيل الدور الوطني لهم...

8.  إصدار التشريعات اللازمة وتحديدا القانون الذي يكبح أشكال التمييز بحقهم في التشريعات والقوانين العراقية من مخلفات الماضي أو ما صدر من دون قراءة وافية وشاملة راهنا وتجاوز على حقوقهم، على أن يكون القانون مقدما على ما عداه من تلك التي تواصل توكيد أصناف الظلم الواقع على العراقي كونه كورديا فيليا فقط...

9.  اعتماد الوثائق العراقية المصادرة من مخلفات أجهزة الأمن والمخابرات وأجهزة الحكومات العراقية السابقة لتدقيق مسائل الأوراق الثبوتية الرسمية بخاصة منها بشأن المسفَّرين قسرا والمنزوعة عنهم الجنسية العراقية.. والإفادة من إمكانات المنظمات الدولية ووثائقها المعتمدة بالخصوص...

10.             تشكيل جهة مختصة من وزارتي المالية والداخلية لقراءة إشكالات الأمور العقارية بدقة وموضوعية وحلها حلا قانونيا عاجلا ومنع التلكؤ في هذه القضية.. على أن تُرفع أية عقبات قد تنشأ غلى اللجنتين الحكومية والبرلمانية لحسمها نهائيا وبلا تسويف أو تأخير..

 

إنَّ هذه القضية تنطلق اليوم عبر فعاليات ومؤتمرات ووفود كوردية فيلية وأخرى وطنية عراقية تحمل هذا الهمّ الوطني. ولكن الأجدى في النهاية للخلاص من روتين الممارسات البيروقراطية والوقوع مجددا ضحايا الخلافات السياسية أو التنيظيمية يكمن في العمل الوطني الذي ينتظم في التنسيق بين جميع الأطراف من دون استثناء وأن تمضي الأنشطة على وفق برنامج عمل شامل وموحد يتأسس على مفردات إجرائية لتلك الحركات والتفاعلات بكل هوياتها المتنوعة الوطنية العامة أو الكوردية الفيلية المخصوصة..

كما إن القرارات والإجراءات المؤملة ستبقى قاصرة من دون مركز وطني مختص ومن دون مراكز دراسات معتمدة ومدعومة بالخصوص وعليه ليبادر الأخوة الكورد الفيلية بتقديم مشروع المركز الوطني للكورد الفيلية لإقراره في البرلمان عاجلا ولتقديم مشروعات مركز الدراسات واللجنة الحكومية المختصة من المالية والداخلية للحكومة العراقية لإصداره واعتماد العمل به.. ولتكون جهة رسمية محددة مختصة هي جهة المتابعة والحسم حتى ننتهي من لغة كتبنا وكتابكم ولغة السجالات السياسية المطلبية التي تدور في دوامة بلا مستقر...

بغير هذه التوجهات الحاسمة المهمة سنبقى في إشكالات تتوالد لتنتج مزيدا من التعقيدات والشروخ الخطيرة في نسيج المجتمع العراقي وفي زيادة مظالم أبنائه من الكورد الفيلية...

 

وبالمناسبة فإنني أعوّل هنا على وفد وطني من الشخصيات العراقية المعروفة والمؤتمنة لتقديم التصور الأنضج والأشمل لهذه القضية ومتابعة حسمها وحل القضايا العالقة من تلك التي ما زالت تهصر أبناءنا العراقيين من الكورد الفيلية يوميا ألما وجراحا ومعاناة وظلما... ولعل الحل عندها سيبقى بين أيدي الزعامات العراقية لتقرر مشاطرة هذا الوفد المركب من الأطياف العراقية كافة حلوله المستقاة من الجرح والألم ومن الدراسة المتمعنة ومن رؤى وطنية متفاعلة لا متطاحنة...

ولنتطلع لدعم مهمة الوفد الوطني العراقي لحل قضية الكورد الفيلية نهائيا...

155
الشتات والشتيت؟ وعراقيو المنافي والمهاجر؟؟؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           31\01\2008
tayseer54@hotmail.com

 

 

حال العراق والعراقيين سطع دوما باسم سومر وبابل وآشور وما قدمته حيث المدرسة البشرية الأولى والمكتبة البشرية الأولى ونور تراث الإنسانية الأول.. وحيث بغداد دار الحكمة وعودة العقل العراقي بعد جفوة من الزمن وبدء مسيرة التنوير البشري مرة أخرى من هنا حيث الجامعة المستنصرية تجمع العلماء وجهود البحث العلمي وحيث مجموع العراقيين يحيون هنا في حواضرهم في حال من البناء والعمل وجهود العلم في أجواء من الاستقرار وصناعة السلم والمحبة والتقدم...

ثم تأتي المآسي بسقوط البلاد والعباد أسرى العصمللي حتى يأتي الأنجليز وتقوم المملكة وتدور جنازير الموت بقوائم مرسلة عبر المحيطات لاغتيال قائمة أولى من 1700 عراقي متهمين بقيادة العراق بسفينة الديموقراطية واليسار فيكون شباط الأسود كما يصفونه وهو الأحمر بدماء الأحياء محقتهم الآلة الجهنمية للفاشية الستينية فالسبعينية بكل حروبها الدموية الفتاكة ثم تبدأ لعنة تلك الآلة الجهنمية نتائجها الكارثية المهولة حتى يومنا!!؟

فكما يسَّاقط من المطحنة بعض الحَبّ بعيدا عن طحنها، يتسلل هاربا بعض العراقيين لينجو بأبنائه والنسوة والبنات والشيوخ مبتعدا بهم عن بساتين ديالى وأزاهير أم الربيعين وظلال نخيل البصرة وشجيرات واحات الأنبار وشطآن الفراتين والشط وجمال قصب الأهوار وبعيدا عن خضرة السهوب والجبال؛ بعيدا حيث أبعد نقطة يمكنها أن تحمي سلامة حياة بريئة من زئير الشر وأنفاسه الكريهة ومخالبه المتوحشة...

ليست هذي الكلمات إلا محاولة للحديث بصوت الأنفس والأرواح الطاهرة لأولئك العراقيين كما الحلم شفافة مخيلته ولكنه واقع الألم كما الكابوس لا يُدرس من أبواب الجنان بقدر ما يُدرس من بوابات جهنم التوحش والقسوة والألم... ها نحن اليوم وكل البشرية معنا لا نعرف للعراقي الذي غادر وطنه توصيفا أهو مهاجر أم مهجَّر أم منفي أم نازح أم شتيت؟؟؟

والقضية سيداتي سادتي ليست قضية تسمية بقدر ما هي محاولة للتعرف إلى حقيقة هذا الإنسان وجوهره وطبيعته وقراءة سلوكه وتفاعلاته مع الآخر من بني جلدته ومن غيرهم مثلما التعرف إلى حقوقه الإنسانية نفسية واجتماعية وسياسية واقتصادية... وطبيعي تماما أن نجد فروقا بيـِّنة بين كل مسمى: بين المهاجر والمهجر والمنفي والشتيت....

وبالحديث عن أغلبية العراقيين الذي تركوا الوطن سنقرأ بينهم كل تلك المسميات وسنضيف إليها النازح والتارك والمغادِر وأشكال السفر والبعد عن الديار لأسباب شتى.... وبدءا لابد من تعريف المصطلحات المستخدمة اليوم في المعجم المعرفي السياسي منه والاجتماعي والاقتصادي وأبرز تلك المصطلحات هي:

المهاجر والمنفي والنازح وأخريات من نمط الراحل المغادر المسافر التارك المعتزل المبتعد وجميع المفردات الأخيرة ليست من الاصطلاح المقصود بهذه القراءة بقدر ما هي من المعجم المساعد لتفسير المصطلحات إياها....

فأما المُهاجِر: فيأتي لغة من هَاجَر يهاجر فهو مهاجر أي ابتعد عن الشيء أو الأمر أو المكان [هجره] وهجّرَ أي أخرج من البلاد أو الدار وأبعد امرأ عن أهله وناسه.. والمهاجر من ترك بلده إلى آخر غيره بقصد الاستقرار لأمر أو سبب دفعه للهجرة... والمَهْجر مكان يقصده المهاجر للاستقرار والإقامة والمهجور المتروك استعماله والهجرة خروج وانتقال من بلاد لأخرى سعيا وراء أمر... ولا تكون الهجرة بالضرورة طلبا للأمن وتجنبا لأمر طارئ فقد تكون خيارا يقصد استبدال إقامة وثقافة ووجود.. ولكن هذا ليس كما في حالة التهجير ولا كما في النفي ومثله...

ولقد شهدت الهجرات توسعا كميا ما ولَّد الجاليات وحال تعدد الثقافات، كما تولدت ردود فعل وليس تفاعلات بمعنى السلب كما في الحركات المعادية لاستقبال المهاجرين أو بعضا منهم وللتعايش مع ذوي الأصول الأجنبية من الجاليات أو بعضا منهم وبعيدا صارت العنصرية أوضح مشهدا في التعاطي مع المهاجرين والهجرة ومع آثار ولادة الجاليات... بخاصة تلك الحالات التي تمسكت بتطرف وتشدد بتفاصيل ما حملته معها من خلفيات ثقافية بالمعنى الواسع لمصطلح ثقافة...

وفي الحقيقة، لا يسع المرء إلا أن يشير إلى حالة الاستقرار والتعايش بطريقة ما من قبل المهاجر ومحيطه الجديد، لكن العزلة والانفصام عن هذه البيئة أكثر ما نشهده في أناس لا يوجد في مقاصدهم الاستقرار النهائي والاندماج بالمحيط الجديد بل يبقون بين الإفادة من المستقر [لا المهجر] وما يمنحهم من أفضليات مع الاحتفاظ بطرز العيش التقليدية التي وفدت معهم وما زالت تحيا بين أضلعهم وفي أنفسهم وأساليب عيشهم...

هنا سنتحدث بالخصوص عن غيتوات الشتات: فمن مفردة شتَّ: افترق، وشتتِ الدار بفلان بعدت عنه.. وشت الوجد بقلبه أثاره وبلبل أفكاره [ومن ذلك سمات الشتيت النفسية والاجتماعية والسياسية بلبلة ولا استقرار]. وشتت الأشياء فرقها ويقولون: شتت الله شملهم وأشتَّ إشتاتا: فرقهم؛  وأشتات مفردها شتّ. وشتت الضوء الأبيض إلى مفرداته من الألوان.. وشتان ما بينهما بعد وعظم الفرق بينهما.  شتيت وجمعها شتى  قوم شتيت \ شتى أي متفرق صار جمعهم شتيتا...

والشتيت إنسان بَعُدَ عن موطنه وأهله كرها وقهرا مع سمة مفارقته الشتيت العراقي الآخر في المستقر الجديد ما قد يعني أنه مفارِق مؤقت ينزع للعودة ويتطلع إليها في إيمان ثابت راسخ في دواخله حيث ينقطع الاستعداد النفسي لديه للقبول بحال الاستقرار في مهجره، وإنْ تعاطى مع هذه الحال الجديدة بطريقة مشابهة للمهاجر.. لكنه يبقى في حال من الانفصام بين تطلع نفسي مكين مسيطر على أهوائه ورغباته وخلجات وضعه النفسي باتجاه موئله الأول وبين واقع يوفر له المستقر الملائم لراهنه أو يفرض عليه هذا البقاء... وهذه الحال في الحقيقة تدفع باتجاه عزلة داخلية وغربة تعمِّق سمات الفردنة والقطيعة والتشكك بهذه الدرجة أو تلك ما يمزق الوجود الاجتماعي للمعني ويبعده عن الانسجام والتفاعل مع نظرائه وأكثر من ذلك وضع الحواجز عن محيطه الجديد وحتى مع أبناء جاليته متحسسا [سلبيا] كثيرا من الأنشطة والفعاليات العامة...

وكما يبدو فإنَّ سمة كثير من العراقيين تضعهم في توصيف أبناء الشتات لا المهاجرين وإن بدا اليوم حالا من التفكير بالانتقال إلى سمات المهاجر وحسم أوضاعهم بصورة نهائية في دواخلهم النفسية... لكن الوضع العراقي في السنوات الخمس الأخيرة لم يستقر لاستيعاب الهجرة السبعينية وجذب بعضها باتجاه العودة فسرعان ما انتكس ليدفع بمجموعة عراقية جديدة تحت ضعوط عنفية قاسية.. ولكن المجموع الجديدة تنقسم بين مهاجر ومهجَّر وشتيت وبين أغلبية نازحة..

وسمة النزوح نستنتجها من عودتنا للمعجم إذ أنَّ نزح نزوحا فهو نازح تعني: بَعُدَ الشخصُ عن داره أو أرضه.. ونزح من الريف إلى المدينة أي انتقل إليها.  والنزوح عن الدار قهرا!  ومقاومة النزوح بتوفير فرص عمل وخلقها..  وللبئر نزحها حتى قلَّ ماؤها ونفد.. والفعل نزح لا يتحدث عن الفرد كما تجمهر القوم إذ هو رحيل قسري بقصد ترك حال سلبية لحال أفضل وهو ترك يعني ألا عودة إلا بتغير الشروط والظروف التي دفعت للنزوح مع متغيرات جدية مشجعة...

 ويمكن الحديث عن مئات ألوف النازحين من العراق في أعقاب 2003 من الذين تركوا منازلهم [أكثر من أربعة ملايين نسمة] ممن استقروا بين محافظات أخرى أو في سوريا والأردن ومصر أو من استطاع الذهاب بعيدا إلى أقاصي البدائل من بلدان كوكبنا... وسيكون من الخطر أن تحاك بشأنهم ضغوط وآليات قسرية لإعادتهم في وضع لم تتغير شروطه جديا.. لأن رد الفعل للمستنزف في محاولات صنع حياته لن يكون إلا رد إنفجاريا أخطر شأنا على الوضع ذاته... إنَّ حال النزوح يعني الاحتجاج الجمعي على وضع ما يتطلب دراسة مخصوصة في وسائل الإعادة بقناعة وبوجود شروط ملائمة غير التي حصل في ضوئها النزوح وسيكون لدور الدولة ومنظمات الأمم المتحدة أهمية منتظرة في التعاطي مع هذي الحال عراقيا...

وبين هؤلاء جميعا يبقى المنفيون بخاصة المنفي السياسي مهصورا بكل مساوئ الآلة الجهنمية للضغط على الإنسان... والمنفي هو المنكر وجوده فنفى الشيء أنكره ونفى الشخص أبعده منكرا عليه فكره ووجوده، وطرده من داره وموطنه..  وتنافى الشيئان تعارضا وتخالفا لكن التنافي غير النفي الذي يدل على سطوة طرف وكلية قدرته في فرض أمر على الطرف الآخر وهو المنفي أو المحكوم بالنفي عن داره و وطنه..  ومن نفايات القوم من أراذلهم  لكن النفاية تمتلك سلطة القسر والنفي فتحكم وتتحكم فيما المنفي إنسان مقموع مستلب مسروق من تلك النفاية صاحبة السلطة فهو موجب قيما ووجودا مستلب سلطة القرار مبعد عن موئله...

ولعل كثيرا من عراقيينا يقعون تحت خيمة النفي والمنفي وهذا الشخص يمتلك من الإيجاب في التعاطي مع وضعه النفسي ومع محيطه الموضوعي بتفاعل يناء يأخذ ويعطي إنسانيا سواء أ  عاد إلى موطنه أم استمر في منفاه...................

 

وللحديث بقية تسأل القارئ الكريم تعليقه ورؤيته لوضعه ولوضع الجاليات العراقية حاضرا ومستقبلا وفي أية خانة يمكنه أن يوصِّف على وفق رؤيته وطبيعة المصطلح مجموع عراقيي الخارج في نسب يتصورها بين مهاجر ومنفي ونازح وشتيت؟ وكيف يقرأ حالة العراقي في اندماجه الإيجابي أو ذوبانه السلبي في الآخر أو قطيعته وانفصامه وعزلته في غيتو مخصوص؟؟؟ وحتى تتجمع رؤى القراء سنتابع القراءة والإحصاءات والتحليل النفسي الاجتماعي المناسب...

156
حركة الثقافة العراقية وبعض مجريات أوضاع المثقفين؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           30\01\2008

tayseer54@hotmail.com

 

 

عُرِف العراق بأنه موئل الكتاب وسوقه، إذ أنَّ العراقي شغوف بالقراءة حتى لم تكفِهِ مطابعه وإنتاجها، وهو أساسا لا يكتفي بمنتجه المعرفي على الرغم من تنوعه بل اتجه دائما لقراءة النتاج الثقافي الإنساني ما جعل المكتبة العراقية غنية دائما ممتلئة الرفوف بأنواع الكتب الصادرة في محيطه الإقليمي القريب والدولي البعيد...

وليس غريبا على العراقي بأطيافه ولغاته القومية المتعددة مثل هذا الأمر فهو سليل أجيال أسَّست أول مدرسة وكتبت أول حرف وبَنَت أول مكتبة وكانت عاصمة عالمية للمعرفة حيث زمن دار الحكمة والجامعة المستنصرية..

ولقد اعتنى العراقيون بسوق الكتب وبمكتباتهم العامة والخاصة والشخصية.. لكنَّ ذلك لم يكن إلا مفردة بين مفردات حركة الثقافة لديهم.. إذ أنَّ أسس حركة الثقافة موجودة في عناية الأسرة العراقية بإرسال أبنائها وبناتها إلى المدرسة وهي الأسرة التي توفر من قوتها البسيط بنزره اليسير نسبة مميزة لشراء الكتاب.. وهي الأسرة ذاتها التي تنقل جينات الموروث الثقافي الثرّ للأجيال الجديدة...

وكان لهذا الاتساع والاهتمام الشعبي الكبير بالثقافة نتائجه في تصدّر عمالقة المعرفة العلمية والأدبية ونتاج الثقافة إقليميا وإنسانيا.. فمن منّا لا يعرف عبدالجبار عبدالله العراقي بنتاجه العلمي وهو الصابئي المندائي المتنور الذي ظل يحتفي بعراقيته وسمو روحه الوطني هلى كل السمات الأخرى لمفردات هويته؛  ومن منّا لا يعرف عبدالله كوران العراقي بنتاجه الشعري الكوردي الخالد أو محمد مهدي الجواهري العراقي بنتاجه الشعري العربي الغزير الخالد.. وكلاهما يرفعان رايات العراق واسمه عاليا...

والثقافة ممثلة بنتاج أدبي أو معرفي أو بموروث القيم والتقاليد البناءة بهويتها الشعبية تظل سمة لأنسنة أنشطة البشرية ورقيِّها وسموها بمنطقها العقلي التنويري ومُثُله الجمعية المشتركة التي تُعلي من الوجود الاجتماعي للإنسان من دون أنْ تُهمل أو تغفل وجوده الفردي المبدع والمندمج بالجماعة البشرية...

إذن، لقد احتفى العراقيون بالثقافة إكراما لمنطقها التنويري وإعلائها للعقل وإنتاجه وأثره في توجيه السلوك الاجتماعي بأوسع قيمه.. وبات المجتمع العراقي يُكرم مثقفيه وينزلهم المنزلة العليا منتظرا دوما أنْ يعود ذلك عليه بالصحة وبمعالجة معضلاته ورسم الخطوط الاستراتيجية الكبرى لمسيرته وهويته...

ولم يكن لوجاهة في المجتمع العراقي أنْ تتقدم على وجاهة الحكيم فيهم أي المثقف صاحب رجاحة العقل وسعة المعرفة ورحابة الصدر وعظيم الخبرة... وذلكم يؤكد أهمية الردّ من جانب المثقف كما هي التقاليد الثقافية الرصينة لتاريخ الثقافة العراقية بعطاء جدي حقيقي ينطبع بلسما في كل مفاصل يوميات العراقي...

وبعد هذه الكلمات العجلى لابد من توكيد تلك المقولة التاريخية التي رأت في ديمومة انتصار الثقافة العراقية أيام سومر وآلاف سنين الشدائد التي كان العراق فيها ينكسر عسكريا ولكنه يغلب ثقافيا وينتصر لوجوده وهويته معاودا باستمرار مواصلة مسيرته بفضل تلك الخلفية أو ذياك الأساس الثقافي المتين...

فهل سينطبق هذا التاريخ وعراقته على حاضرنا ومستقبلنا؟ وهل حركة الثقافة العراقية ما زالت بخير وقادرة على مواصلة مسيرتها المخصوصة؟ وما إشكالاتها القائمة اليوم؟

ينبغي قبيل الإجابة عن مثل هذه الأسئلة أنْ نشير إلى أنَّ الثقافة الإنسانية في ظل مراحل نشأة المجتمع البشري انطبعت بالتنوع بحسب إمكانات الاتصال وطبيعة ذاك التفاعل والمتاح له بطريقة مباشرة وغير مباشرة.. فيما هي اليوم تمتاح من حالة التداخل والتقارب والاتصال المباشر بما يكفي للحديث عن الوحدة الإنسانية الكونية التامة في التنوع والاستقلال لكل هوية تمتلك فرصها للعطاء ذاتيا وموضوعيا...

ونحن نقرأ أوضاع المثقف العراقي، أسّ الثقافة العراقية، وهو في شتات المنافي يساهم بدوره المميز على أساس ما امتلكه من خلفية متينة وقادرة على العطاء والتأثير وهو كذلك نسبيا في الإطار المكاني العراقي بسبب من محاصرته بأدوات معاداة الثقافة وآليات اشتغالها...

إنَّ حركة الثقافة عامة والعراقية خاصة ليست منجزا شعريا على أهمية هذه المفردة وهي ليست منجزا معرفيا في ميدان تخصصي بعينه وهي ليست مفردات لعلم نفس أو اجتماع أو لعلم أدبي أو لظواهر سلوكية وأدائية اجتماعية بعينها بل هي كل ذلك مجتمعا... 

وعليه فما دام العراق وطنا يشيده (شعب) فلابد لهذا الشعب من نتاج ثقافي يطبع وجوده ومستويات عيشه وآليات حركته... كما ينبغي أن نؤمن بأنَّ مثقفي هذا الشعب يمتلكون الفعاليات والفاعلية في العطاء بمقدار ما يُتاح لهم من فرص العمل وفرص التقديم والعطاء...

ولأنَّ الشعوب لا تموت، ولأنَّ حركة عطائها الثقافي لا تنقطع.. فإنَّ لهذه المرحلة على أزمويتها وتراجيديتها فرصَ العطاء الثقافي بمعنى وجود العلائق الإنسانية الصحية الصحيحة والسلوكيات القويمة وإنْ تنَحَّتْ بفعل سيادة منطق الجور والظلم وعتيِّ سطوة الطغيان وقسوة العنف والمصادرة المسلحة للطبيعي في يوميات المواطن العراقي...

ألا ننظر إلى رسوخ العلاقة بين الإنسان العراقي ووطنه واسمه وهويته؟ ألا ننظر إلى ثبات العلائق الاجتماعية الوطنية على الرغم من عنف قوتين همجيتين وهول تخريبهما وتعرضهما لهذه العلائق: الإرهاب والطائفية؟ ألا ننظر إلى عمق جذور القيم السامية لوجود المجتمع العراقي موحدا معتزا بغناه في تنوعه وتعدديته.. وفي احترامه لمكوناته جمعية وفردية؟

لكن ما يطفو على السطح ليس بالضرورة هو ما يمثل السمة الجوهرية لوجود إنساني بعينه كما في العراق.. وإنما سبب ظهوره وسيادته إنَّما يكمن في فرصة العنف والقوة السلبية في السطو المؤقت على الحياة الإنسانية ومفرداتها إلى جانب وجود أمراض تصيب الثقافة وحركتها ومنتجيها مثلما تصيب الجراثيم الجسم بأمراض بعينها....

وللحقيقة لابد لنا من الاعتراف بوجود مثل هذه الأمراض في حياتنا الثقافية: حركةَ َ وشخوصا حقيقية ومعنوية [مثقفين ومبدعين وجمعيات وروابط ومنظمات].. وفي ضوء هذا الاعتراف سيمكن قراءة الوضع القائم بتفاصيل قدرات التقدم وعقبات التراجع والاحباط...

لقد انجلت يوميات العراقي البسيط عن ظروف قاسية من العنف وسطوة القوى المسلحة ما أدى إلى مشاغلته بالتهديد الخطير للآلة الجهنمية التي تستبيح حياته مهددةَ َ إياه وعائلته ومحيطه بالخراب والدمار المأساويين... وفي ظل مثل هذه الحال نجد العراقي يعاني في محاولاته  التشبث بأية قيمة من قيم الاستقرار الإنساني والبناء عليها لقيم العلائق الصحية المنتظرة..

ومن ذلك ما يخص تشبث العراقي بمكانة العلماء والحكماء  المثقفين فيه وإنزالهم منزلة التميّز على الرغم من غبار الراهن وهزات الواقع يوميا وفي كل ساعة بفعل متفجرات لا الموت الجسدي لأبناء العراق بل والخراب الروحي..

إذ من أين يمكن للعين البحث في جماليات القبح مضافا عليها تراجيديا العنف الدموي التي تستبيح الجسد بعدد ولكنها في الحقيقة تستبيح الروح بأعداد مضاعفة ومفتوحة على ما لا نهاية أي حتى منتهى الوجود الكامل للعراقيين...

هذه واحدة من أخطر عراقيل أو عقبات الحياة الثقافية.. وكل ما هو موجود بالفعل ليس سوى تشبث ببقايا صور استعدادا لانبعاث قابل مجددا وولادة حيوية تالية. إذ لا تعايش بين الثقافة واللا- استقرار وما يمكن أن نسميه تجاوزا ثقافة العنف والدم والجريمة هو توكيد لحقيقة انتفاء قيم إنسانية صادقة تعتمد خطاب الثقافة...

إنَّ الذي يجري هو تشويه متعمد وضرب لحركة الثقافة وعطائها وإمكان مواصلتها مسيرتها، طبعا لمصلحة طغيان لا تهمّه  إلا مصالحه الخاصة بالمطلق.. في سابقة للعودة لزمن العبودية بطريقة أبشع...

فما التشوهات التي نرصدها في حركة الثقافة العراقية؟ وما العقبات التي تنال من مثقفينا؟

إنَّ أخطر تلك التشوهات هي تلك المتعلقة بمفاهيم دخلت حركة الثقافة والثقافة نفسها من بوابة زمن طويل من السحق وعقود من الهيمنة لفلسفة المصادرة والاستلاب ومن ثمَّ رؤى لتفريغ الثقافة من جوهرها الإنساني وتسطيحها وجعلها تتناغم ورغبات مرضية لطبقة تحكمت بالحياة العامة وبيوميات الناس فدفعت بكل بهرجة وتطبيل وأشغال الإبهار الشكلاني لتمثل التناول الذي طفا وسيطر على المشهد الثقافي بعامة..

وإذا كنّا نؤكد أنَّ ذلك لم يلغِ الثقافة الحقيقية وجوهرها على الرغم من تحييدها وتنحيتها ووضعها على أرصفة التهميش.. فإنَّنا في الوقت ذاته نعترف بسيادة السطحي والمرضي المشوّه وبروزه بكل ما لهذا المشهد من آثار سلبية خطيرة..

ويمكننا هنا أنْ نرصدَ خطاب الفردنة والشللية والاصطراعات بين موضات وأشكال طارئة وتنافسا محتدما بين تلك الأطراف على أسس سباق مادي رخيص، لا يلتفت إلى \ ولا يهتم بـِــ الجوهري لمادة الثقافة الإنسانية من قيم روحية ومنطق عقلي موضوعي يستهدف الجمعي والفردي بطريقة متزنة صحيحة..

وفي ظل هذا المشهد تحديدا تظهر حالة تقديم خطابات دخيلة على الخطاب الثقافي نظرا لتسطيح هذا الخطاب وتفريغه من جوهره ومحتواه وتطغى آليات الخطابات الدخيلة على آليات الخطاب الثقافي مغيِّبة ذلك أو مهمِّشة حتى لا نرى من ممارسات حركة الثقافة إلا ممارسات داخلة في الخطابات الأخرى وآلياتها كما هو حال تغليب السياسي على الثقافي بوعي أو من دونه وبمعرفة أو من دونها وهو الأمر الذي لا يُتاح راهنيا فرصة معالجته جذريا.. بل نعيش آلامه وجراحه الفاغرة وتداعياته بمزيد من الاحباطات والتفتقات المرضية...

وإذا سألني سائل عن سرّ طغيان السياسي على الثقافي فإنني أقول: إنَّ ذلك يعود لقرب السياسي من المباشر ومن الإجرائي والعملي التطبيقي في يوميات الإنسان العادي منه إلى بُعد الثقافي عن العملانية الإجرائية ودخوله في التنظيري الفلسفي فضلا عن حاجة فرص نتائجه لمديات زمنية بعيدة قبل أن تبدو متمظهرة في شكل سلوكي أو عادة أو تقليد أو شعيرة أو ما شابه...

فالثقافة ليست قرارا إداريا ولا تخضع لمثل هذه الأمور الإجرائية؛ وحركة الثقافة محكومة بحركة المجتمع البشري وعوامل فاعليته أو تلكؤه وعرقلته وما يكتنفه من ثغرات... وفي ضوء ذلك سنجد النتيجة في مجتمع جرت عملية تشويه القيم فيه متجهة نحو كفة التشويه أو واقعة في كفة الاستسهال من جهة وسمات الهروب فضلا عن خلط الأوراق والخطابات بطريقة غير موضوعية...

في مثل هذه الأجواء نلاحظ أن الجماعة الثقافية لا تظهر في ضوء جوهر إبداعي وقيم روحية عميقة بقدر ما تظهر على أسس لقاء شللي [من الشلّة أيّ الجماعة المرضية أو الطارئة] طارئ سرعان ما ينهار بالانتقال للممارسة الحياتية... وبدل من التعبير عن الجماعة التي تنسجم ومذهب أدبي أو فني أو فكري أو آلية أو طريقة للتعبير عن نشاط أو فعل إنساني عميق سنصطدم بشلّة لا جامع بينها إلا حالات من الادعاء أو المستهدفات العرضية المؤقتة.. وتلكم من عقبات حركة الثقافة وتنظيمها...

وهذه الأجواء هي بالضبط ما تحتوي على فردنة الأمور وظهور الحساسيات المرضية ونوازع الاختلاف والتشظي والتقاطعات والاصطدامات التناقضية بين أغراض الأفراد وتطلعاتهم ورغباتهم ومواقفهم الشخصية في الأنشطة والعلاقات  وهذا ما ينعكس سلبا على تطور العلاقات الاجتماعية واستقرارها وعلى توافر أجواء تطور الحياة الروحية الثقافية...

فيما يكون من الطبيعي أن تميل حركة الثقافة لتشكيل أطر تنظيمية مناسبة لها بسبب من العلاقة المكينة بين الثقافة والعمل الجمعي المنظم بوصفه العمل الأنسب للتعبير عن فعالية الخلق الثقافي، ولكنها لن تنجح في هذا من دون ضوابط ومحددات حضارية تتناسب والمستوى الراقي المميز لمعنى ثقافة ومن دون تجنّب ما أشرنا إليه من أمراض الشللية والفردنة أو الشخصنة المرضية في أغلب أحوالها...

ويمكن التمثيل لقضية محاولات العمل من أجل ولادة تنظيم للثقافة العراقية بصيغ الروابط والجمعيات والمؤسسات والبرلمانات والجماعات الثقافية بأية مناهج أو آليات عمل، فنجد أنَّ أغلب تلك المحاولات باءت بالنهايات السريعة والتوقف عن مواصلة المشوار حتى بات كثير ممن تابع تلك التجاريب في حالة إحباط وهلع من ولادة أية تجربة جديدة...

ونضيف هنا ظهور نتائج عرضية من نمط التشكك والظنية بالآخر الذي يواصل مشوار التحدي والمحاولة فيـَـصِل إلى موضع التأويل ومن ثم اتخاذ موقف خاطئ في ضوء المنطلق التأويلي المعوج الخاطئ.. وتتحطم علائق جدية وتنخلق حواجز تطفو منها حال التمزق ومشهد التشتت والتشرذم..

وبخلاصة القول فإنَّ مجموع تلك السمات المرضية متأتية من شتات جغرافي للمثقف العراقي وتوزع بيئة الحاضن الثقافي بين ثقافات تختلف تماما في خلفياتها القيمية وأشكال تمظهرها. كما أن الجاليات العراقية التي يتصل بها المثقف ومنتجه لم تستقر بعد بوصفها كيانا بهوية مخصوصة ويمكنها أن تتوجه لهذا المنتج أو تعقد الصلات معه...

إنَّ جملة الشروط المادية بالمعنى الواسع للمصطلح تظل عبر تشوهاتها غير قادرة عل توفير الحاضن المجتمعي لحركة ثقافية بالمستوى المميز نفسه للمثقف العراقي.. ومن هنا فإنَّ الثغرة أو المسافة بينهما تظل شاسعة بعيدة لا يمكن أن يتحقق في ظلها نجاح جدي منشود..

إنَّ العلاج المنتظر لن يكون إلا بكفالة علاقة متينة مع وطن مستقر الأوضاع ومنظمات وجمعيات ثقافية وطنية يدعمها واقع حافل بالعلائق الصحية الصائبة بين الشعب جمهورا للفعالية الثقافية ومنتجها القيمي..

وتطبيق هذه الحالة يكمن في فروع لحركة الثقافة وتجلياتها سواء تنظيما موحدا أو مستقلا مدعوما بما يكفي له لإدامة دورة الانتاج والإبداع في مجالات الثقافة كافة...

وكل ما عدا ذلك سيبقى عقبة تثير الإحباط واليأس أو في أفضل أحواله مجرد ومضة طارئة تمضي بلا نتائج ذات شأن وديمومة ما سيعني انقطاع مسيرة حركة الثقافة بهويتها العراقية.. وذلكم ما سيكون سابقة خطيرة أولى بعد تاريخ 10آلاف عام من العطاء!!!

 

ولهذه المقاربة متابعة مثلما يطلب كاتبها أولا: رؤى الآخرين في  أسئلة حركة الثقافة العراقية؟

157
ما الذي جرى بشأن تغيير العلم العراقي؟ أهمية آلية الاختيار؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           17\01\2008

tayseer54@hotmail.com

 

وردت الأنباء من داخل الوطن بوجود نية تغيير قراءة الرموز الموجودة في العلم العراقي واستخدام ألوان جديدة! وعرض الأمر على البرلمان العراقي للإقرار.. وبهذا يعتقد من تقدم بهذه الجزئيات أنه انتهى من إشكالية تغيير العلم وانتهى من مشكلة رفعه في عموم الوطن...

إنَّ هذه المحاولات الملفقة تشير إلى الطرف الذي لا يقف وراء أزمة رفع العلم العراقي حسب بل ووراء المشكلات المفتعلة نتيجة سياسة يصر عليها المعنيون بإدارة الوضع العراقي بعمومه... كما أن الإشكالية لن تنتهي برفع النموذج الذي سيُفرض في الغد في ربوع الوطن جميعها...

 

فأزمة العلم العراقي ليست خلافا شخصيا أو حزبيا وهي ليست قرينة لمشكلة تفسير رموزه حسب بل إلى آلية تصميمه واختيار تلك الرموز وعائدية الشفرات الدالة فيه.. وليس من المنطقي أن نعود لنفس الآلية في طريقة اختيار علم العراق وجميع العراقيين... إذ أنَّ آلية اختيار العلم لا يمكنها أن تعود بنا إلى خيارات أفراد أو مجموعة منهم كما حصل مع العراقيين في مراحل منصرمة..

إنَّ  حصر الأمور في مجرد قراءة الرموز ومن ثمَّ وقفها على إعادة تلفيق القراءة  سيبقي على الأزمة مفتوحة الأبواب أمام احتمالات تفسيرات مغايرة لهذا الطرف أو ذاك وهو حق مكفول للجميع؛ لنعود مجددا للبحث عمّا يفيد في حل المشكل المتولِّد أو يجنبنا أزمة جديدة أخرى متوقعة...

 

أما الحل الحقيقي فيكمن في الابتعاد عن آفاق التفسيرات الحزبية أو الفئوية الضيقة ومنع حصر القرار في أفراد أو أحزاب بمعنى إخراج قضية العلم العراقي من دائرة المحاصصة التي تتحكم بالوضع العراقي بعد أن فرضت المحاصصة وجودها بديلا للدكتاتورية وكلاهما من أمراضنا المستعصية...

الحل يكمن في تشكيل لجنة من المتخصصين: من المفكرين والفلاسفة والمؤرخين ومن الفنانين التشكيليين تحديدا، للإشراف على عملية اختيار نموذج من بين نماذج عديدة مقترحة يجري دراساتها بدقة وتُعتمد مبدئيا بقراءات وطنية عراقية دقيقةسواء في اللجنة المعنية أم في البرلمان أو بالتصويت العام أيضا حيثما كان متاحا الأمر في الأوضاع المعينة لحظة إقرار الصيغة المختارة...

إن الاعتراض يبقى موجودا حيثما جرى اختزال سلطة القرار بزعامات حزبية سياسية أو بأفراد يمالئونهم الرؤية الأيديولوجية السياسية ويطوِّعون القيم الفنية التعبيرية بما ينسجم معهم...

ولابد لكل قضية وطنية عامة أن تعود لرؤية شعبية عريضة واسعة لا تستلب أحدا أو فئة أو قسما من أبناء الشعب بل أن تعبر عنهم وعن اتفاقهم الجمعي بممارسة أوسع آليات الديموقراطية..

فإذا كنّا نحن أبناء الشعب مغلوبين على أمرنا حتى في اختيار الرمز الذي يعبر عنّا ونرفعه فوق رؤوسنا باعتزاز، فأية ديموقراطية تحققت بإزاحة دكتاتورية الطغيان؟ هل هي حقا ديموقراطية الحصص والمحاصصة.. سنوافق على الأمر إذا كانت حصتنا نحن جياع العراق ومنكوبوه ومشردوه في الشتات والمنافي وضحايا آلامه ومآسيه، حصة الأغلبية المقهورة أي حصة القرار لا حصة الخنوع والخضوع لكل ما يقوله من يعتلي كرسي السلطة منذ حصة الطاغية المستبد وحتى حصص آخر من احتل هذا الكرسي اللعين...

لا قبول بعلم ملفق من أي طرف إلا طرف الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته وعبر آليتي الديموقراطية الحقة لا ديموقراطية المحاصصات المرضية بل ديموقراطية احترام صوت الشعب وعبر آلية توظيف المبدعين والمفكرين المعنيين بالصياغة والاختيار بطريقة صحيحة صائبة...

وكل ما عدا ذلك سيظل مجرد تلفيق بقصد اختلاق أزمات مستمرة من جهة ومشاغلتنا بعيدا عن المشكل الحقيقي الجاري في الوطن وبحق الشعب... ويبقى السؤال عن سر الإصرار على عدم التغيير الحقيقي وعلى التمسك بالقرار بيد أنفار لإدارة فلسفة إخضاعنا للطائفية وحصص زعاماتها لا أبناء أطيافها المصادرين...

إنَّ أي علم عراقي جديد وبديل ينبغي أن يتم اختياره عبر هاتين الآليتين بما يلبي مطامح الشعب الوطنية وليس بما يلبي رغبات أو رؤى وأفكار زعامات الواقع العراقي المريض بالطائفية والمصادرة والاستلاب وأشكال الاستغلال..

فهل نحتفظ بأمل أن نمارس موقفا جديا وطنيا مسؤولا أم يستمر من يدير الوضع في نهج الابتعاد عن فلسفة الديموقراطية وحقوق العراقيين؟؟؟

158
نداء من أجل صيانة نصب الحرية وحمايته

في تحذيرات أطلقها مدير بلدية الرصافة في بغداد دق ناقوس خطر يتهدد أهم المعالم الفنية المعاصرة في العراق: الانهيار يتهدد نصب الحرية!! ونصب الحرية هو أثر ومعلم فني يجسد مسيرة تراث الحضارة الإنسانية في وادي الرافدين حيث العراق منذ سومر وحتى ثورة الشعب الوطنية التحررية في عراق اليوم وهو من بين أبرز المعالم الفنية الموثقة عالميا...
إنَّ نصب الحرية في بغداد ليس عملا فنيا جماليا مجردا بل هو واحد من رموز الثقافة والإبداع الذي يلخص مسيرة شعب حافلة بالآلام والأفراح، وهو إشارة من إشارات التعبير عن عن الهوية العراقية كونها هوية ثقافة ومعرفة وقيم جمالية تختزنها الذاكرة العراقية وتصطبح بها يوميا شامخة بموقف شعبي واسع يتمسك بمنجزه الذي يطبع مدنيته وحضارته بالضد من كل عوامل الظلمة والتراجع...
وفي الوقت الذي تحدى نصب الحرية بفضل الموقف الشعبي المميز كل محاولات الاغتيال والهدم، يقف اليوم معوِّلا على التحدي الحقيقي لكل الفنانين والمبدعين والمثقفين وأبناء الشعب حيث ينتظر الاهتمام الكافي الوافي لمنع محاولات محوه وتهديمه بطرائق مباشرة وأخرى غير مباشرة كما في حالة الإهمال المخزية والتقصير في أعمال الصيانة...
إنَّ نصب الحرية هو الأبرز بين عديد من رموز الإبداع في عراق اليوم وسيكون للانتباه الفوري لأهمية صيانته شعلة تُرفع لتبيِّن ما ينبغي الالتفات إليه في الإطار. ونحن في رابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا وفي البرلمان الثقافي العراقي في المهجر نطلق نداءنا هذا من أجل لفت عناية المنظمات الدولية ومنها اليونسكو وأية جهات ذات اختصاص للتوجه العاجل ووضع الدراسات المناسبة للنهوض بمهامها تجاه هذا المعلم الإنساني المميز..
ونحن بهذا النداء لا نهمل الإهابة بالمسؤولين العراقيين والمعنيين من القيام بواجباتهم في حماية نصب الحرية وبقية المعالم الجمالية الإبداعية في وطننا من تلك التي تعرضت لهجمات إرهابية مباشرة لتدميرها فضلا عن الرؤى الظلامية التي تتعرض لشحن الأجواء ودفعها في طريق الإرهاب ذاته عبر تكفير الأعمال الفنية بطرق تأويلية لا علاقة لها بدين صحيح ولا برأي حصيف ولا وسطية ولا اعتدال بقدر ما لها من همجية تستمدها من التطرف والتشدد والانحراف عن إجماع إنساني متنور وغالبية دينية معتدلة متفتحة واستهداف لضرب العقل العراقي بكل مفرداته...
ويبقى نداؤنا مفتوحا لكل من يهمه الأمر للعمل من أجل صيانة النصب وحمايته في ظروف تجري محاولات تمرير الجرائم الأخطر حيث التجهيل والتعتيم والظلمة التي يجري تحت جنحها كل ما يغتال إبداع العقل الإنساني الصحيح السليم..
إننا نهيب بالجميع لاتخاذ موقف حازم صارم وعاجل فيما يتعلق برموز منجزات شعبنا لكي لا يأتي اليوم ونجد أنفسنا في بيداء قفر لا وجود لمِعلم العقل البشري فيها!!!

أ.د. تيسير الآلوسي
رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر


للتوقيع على النداء يُرجى إرسال الأسماء بعنوان (نداء لصيانة نصب الحرية) على إيميل الرابطة الآتي:
info@babil-nl.org

159
بين الفعل والانفعال في علائقنا ومعالجاتنا

ماذا ينتظر بعضنا من بعض؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2007  12\ \22

tayseer54@hotmail.com

 

 

يتفاعل بعضنا مع وقائع الأمور بطريقة محتدمة تعود لسطوة  قوة ردّ الفعل أو علو التأثر والانفعال على حساب الهدوء والمنطق العقلي المتحكم بمجريات التفاعل.. وقد يكون هذا من باب عمق الصلة والارتباط أو تناول الأمور عبر الإحساس ومعالجتها التي تدخل في النفسي وفي الحالة الذاتية وإخضاعها لروح الفردنة ولسلوك مشخصِن للقضايا العامة...

إنّنا هنا بحاجة للفصل بين ما هو شخصي ذاتي وما هو عام موضوعي.. ومن ثمَّ بحاجة لضبط ردود الفعل المختلفة نوعيا بيين ما هو خاص فردي وما هو عام جمعي.. وإذا كان من حقنا في الحالة الشخصية الخاصة أن نسمح لفسحة الانفعال أن تكون أوسع وأن يُفضي الإحساس ورد الفعل الخصاص إلى طريقة تناول ومعالجة مشروطة بهذه الأمور؛ إذا كان كل ذلك مقبولا أو مسموحا به بدرجة ما بسبب من كونه شأنا شخصيا، فإنَّ الشروط إياها لا يمكن أن يكون مسموحا بها أ و مقبولة عندما يتعلق الأمر بالشأن العام الجمعي....

بوضوح لكلّ منّا الحق في أن يسأل أو يتساءل عن السرّ وراء انفعال شخص في ردِّه أو تفاعله مع قضية جمعية أو عامة.. لأنَّ المسألة لا تتعلق بدرجة علاقة الشخصية بالموضوع العام ودرجة حساسيته لديه ولكنها تتعلق بإشكالية موضوعية المعالجة ومنطقها العقلي من عدمهما عند التناول ومحاولة إيجاد الحلّ.

من هنا ينبغي أن نركز على التثقيف بأهمية الفصل بين الذاتي والموضوعي، بين الفردي الشخصي والجمعي العام.. وسيكون هذا الفصل مجرد وضع الأمور في مواضعها المناسبة وليس محاولة للقطييعة ومنع العامل الشعوري الذاتي في التفاعل والإحساس بقضية أو أخرى بخاصة منها القضايا الإنسانية غير الرياضية البحتة...

إنَّ الحديث عن إدخال المنطق في تناولنا الأمور وتفعيل المعالجة الجمالية بالمعنى الواسع للمصطلح يعني أن نضبط توجهنا ومساراتنا مزيلين منها كل شوائب التفاعلات التأثرية الانفعالية وهي التفاعلات التي عادة ما تُنسي أطراف الحوار جوهرَهُ لتجعلهم مكرهين على الوقوف عند حدود قشرية مظهرية تتعلق بالأسلوب وإفرازاته السلبية طبعا كونه أسلوب تناول فردي انفعالي محدود...

وقد يضيع هذا السلوب في التعاطي مع قضية حتى نسبة الاتفاق الأولي أو المبدئي الموجودة بل حتى احتمال حالة الاتفاق في أمر يزول بسبب من هذا التعاطي الانفعالي في معالجة العلائق والوقائع والأمور...

فشخص ما يحتد ويحتدم لديه روحه الانفعالي فيدخل في سياق الفرض القسري المبني على توهم أو افتراض قد لا يكون موجودا يقابله الأسلوب ذاته وتتصاعد حالة الاحتدام والتفاعل السلبي (العصبي) فنسقط في اختلاف فخلاف فصراع (انفعالي) فقطيعة ووقف للحوار...

وهكذا لا بين شخصين أو طرفين بل بين شخص وقضية يتناولها يُسقِط عليها انفعاله فيرفض التعاطي مع القضية ويعدّها أمرا معاديا أو نقيضا لوجوده واهتماماته وهي ليست كذلك.. فنجد أناسا لا يقبلون بأمر كونهم وضعوه في مسلَّمَات رفضهم المسبق...

فهل ينتظر بعضنا من بعضنا الآخر أن يساجله أم يحاوره؟ وهل ينتظر أن يتفاعل معه ومع قضاياه أم أن يحتدم ويشتجر معه ويتقاطع مع اهتماماته وقضاياه؟

طبعا ينتظر كل منّا أن يجد من الآخر الفعل لا رد الفعل والتفاعل لا الانفعال والهدوء لا الغضب والحياد لا الانحياز ومنطق العظة الحكيم لا منطق الاستعلاء الفارغ.. وطبعا ينتظر الصبر والتمعن والتؤدة  مثلما ينتظر الكشف عن الخطأ بقصد المعالجة لا الاستهانة وبقصد البناء لا الهدم...

كم منّا النسبة التي تجد هذا؟ أجدني أمام مشهد من ثورة انفعال متصل مستمر يتوالد عن تعاظم في حدة ذاك الانفعال السلبي والغضب الهدّام وأجدني أمام أناس يدخلون الجدل والنقاش والحوار في أمر ليس بقصد الانتهاء منه تناولا ومعالجة بل هكذا في أفضل حال لأمر سفسطائي بلا طائل... كلام  في كلام في كلام ولا عجب..

فغضبنا من كل شيء مهما تبسط وسهل يعود إلى أننا نال من التعب حدّ الاستنزاف ونال منّا الكلام والخطابات الجوفاء وهي الجعجعة بلا طحن.. حتى صرنا نغضب من قبل أن يبدأ الآخر حديثه أو حواره أو فعله.. فردّ فعلنا جاهز لكي يعرض نفسه ويعبر أو يعلن عن كونها [استوت: اكتمل طبخها على نار حامية] اُستُنزِفت وهو تعبير عن إحساس أو عاطفة أو ما يعتلج ويعتمل في الأنفس لا عمّا ينبغي من حكمة أو درس أو عظة وهذه جميعها موجودة لولا أن ما يمنعها من الظهور ليس غير استسلام للانفعال وفورته فكأنَّ النفسَ تقول لحالها: من حقي أن أثور مرة أو أخرى لأفرِّغ ما فيَّ من غضب وتوتر وشدّ وما شُحِنتُ به طوال زمن استنزافي واستلابي..

فهل التفريغ بأن نثور في غضب أعمى يُلغي البصيرة ويسلب العقل ويمنع المنطق ويصادر الحكمة ويُبعد السداد ويمحق الرشاد؟ وقفة هنيهة من لحظة الزمن ونرى أننا نساهم في تقديم أفضل خدمة لمن يصادرنا حقا ويستلبنا ويستغلنا ليجعلنا لا في انتظار الآخر بل في انتظار أنفسنا أن تهدأ وترعوي ولكنها لا تفعل وكثيرا ما رافقنا الندم بيننا وبين أنفسنا أو على أقل تقدير لا التقريع لأنفسنا بل معاتبتها بصمت سرعان ما يهرب لغضبة جديدة بلا سبب للغضب الحق فيكون الغضب الباطل...

كلنا يحمل روح المحبة والود والمصداقية والوفاء والاحترام ويحمل أيضا طاقات الإبداع والفعل والقدرة على البناء ونحن بالفعل نبني ونبدع فرديا وبالاشتراك مع الآخر الغريب عنّا ولكننا نعطِّل كل هذا عندما يتعلق الأمر بفعلنا الجمعي الموضوعي المشترك وعندما يتعلق الأمر بالآخر إنسانا أو موضوعا أو قضية..

أليس هذا الموضوع بحاجة لدوركم ايها العارفون في علم النفس وعلم الاجتماع: ما رأيكم في تناول هذه الظاهرة في إجابات بعينها وفي نماذج تساعد الناس اليوم على التعاطي لتغيير ما في الأنفس.. حيث "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وحيث أن "اعملوا فسيرى اللهُ..."  إذ العمل علينا نحن الأفراد والجماعات وليس على الغيب وبلا عمل وفعل يتعطل المنطق وتسود الخطيئة بحق أنفسسنا وبحق غيرنا..

فهل منّا من حسم أمره وصار قراره أن يطارد أصحابه ومحيطه بالهجمات والثأريات والانتقام؟ وهل منّا من صار يبني لنفسه مجده وسور حديقته أو بيته بهدم سور الآخر؟ وهل من الصواب أن نعتاش على ردّ الفعل وعلى الغضبة التي تهدم أو تقطع فيما الحياة فعل وبناء..؟

لمن رضي لذاته أن يستمر في حلبة الهبش والنبش حيث القال والقيل وافتعال رذيل المقال بحق الآخر وحيث الاعتياش على الهدم فينتهي بلا بناء يبيت فيه لا نقول سوى: إنَّ الإنسانَ الفعلُ لا ردّه وإن الحق الحكمة لا العاطفة مريضةَ َ...

فهلا ارعوينا ووجدنا في انصاتنا للحكمة والرشاد فسحتنا لنقول إننا الأفضل لأننا ننصت ولأننا من بعد نعمل فلا نكونن هدما أو ردّ فعل سلبي انفعالي؟

وسنراجع مع السائل والمعلق في هذا الموضوع أمثلة حياتية قد تفيدنا إن أصبنا هنا أم أخطأنا فالعبرة في نتيجة الجدل بيين ما يقترحه التناول هنا وبين من يقرأ ويحاور...

160
المؤسسات الجامعية: بين رأس المال المالي ورأس المال البشري؟

 

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

12/12/2007

tayseer54@hotmail.com

 

 

تمَّ في السنوات الأخيرة تأسيس عدد من المؤسسات الجامعية الأهلية التي تتخذ من أشكال التعليمين المفتوح والألكتروني طرائق للعمل. وقد كانت تلك التجاريب تعتمد الجهد الفردي الخاص في مجال تمويل نقطة الشروع في عمل تلك المؤسسات.. وفي هذه العُجالة نعالج مسألة التمويل في تلك المؤسسات ودوره أو أثره في توجيه السياسات العامة للمؤسسة.

إنَّ أبرز مسألة تتحكم في توجيه تلك السياسات تكمن في طابع الملكية الفردي الخاص من جهة تسجيل المؤسسة ومن ثمَّ تحكّم المالك في توجيه تلك السياسات بطريقة فردية ما يُفضي إلى أخطاء جمة في الواقع العملي للمؤسسة العلمية الجوهر والأنشطة.. ويتضاعف الأثر السلبي لهذه الممارسات إذا ما عرفنا أننا نتعامل مع الروح الجمعي لا الفردي للعمل وطابع الفريق والتخطيط العلمي الملزم في مثل تلك المؤسسات، المستند لمنطق اللوائح والقوانين وطبيعة العمل الأكاديمي الجامعي وتضمنه العمل العقلي السديد...

ونحن هنا كثيرا ما نجد أنَّ ذلك يتمّ عبر جمع المالك أو المموِّل بين سمة الملكية ومسؤوليتها من الجهة المادية المالية وسمة إدارة المؤسسة الجامعية؛ وعبر موقعه هذا يوجِّه الأعمال والأنشطة الإدارية والشؤون الخاصة بالتعيينات والرفد أو الفصل من العمل بطريقة مزاجية فردية تماما هذا فضلا عن التجاوز السافر بالتدخل غير المقبول في الشأن العلمي البحت...

وما يساعد مثل هذا الموقف السلبي الخطير وجود شخوص دخلاء على العمل الجامعي من حَمَلَة "شهادات عليا" بحاجة لمراجعة وتأكد.. وهؤلاء يمررون إجراءات وقرارات ويُضفون عليها الطابع الرسمي، الأمر الذي يغطي على ممارسات تمثل لبّ الجريمة قانونا عبر مثل هذه التغطية ومحاباة المالك لمصالح هي الأخرى مادية رخيصة...

وبمراجعة جوهر هذه الإشكالية يمكن تسليط الضوء على حجم دور رأس المال المالي ونسبته في واقع الحال لأية مؤسسة تعليم ألكتروني تجاه نسبة رأس المال البشري؟ ومن ثمَّ التعليق على أهمية أو حجم القدرة التصويتية لممثل رأس المال المالي في إدارة المؤسسة أو تسجيلها حقيقة مشروعا اقتصاديا باسمه الشخصي الفردي...

إنَّ جملة الكلفة المصروفة من المالك صاحب رأس المال المالي تتركز على مرحلة الانطلاق والشروع وتكون نسبتها هنا واضحة من جهة توفير بعض المفردات الضرورية من مثل المقر شراء أو إيجارا وبعض التجهيزات اللازمة التي لا تتجاوز بضع أجهزة كومبويتر ومكاتب عمل فضلا عن أجور التسجيل التي لا تكاد تُذكر ومع التقدم بالعملية التعليمية في شؤونها الإدارية والعلمية تتضاءل نسبة مساهمة رأس المال المالي إلى حدّ تنعكس الأمور وتبدأ حالة جني واردات ربحية لصالح صاحب رأس المال مع تركيز واضح لسلطة القرار بيده...

ومن هنا ينبغي الحديث عن نسبة مساهمة رأس المالي المالي في تغطية أنشطة المؤسسة وتصريف مهامها تجاه رأس المال البشري.. ولنلاحظ هنا إغفال مشروعات عديدة لحقيقة مساهمة جدية كبيرة ورئيسة في تسيير جملة العملية من قبل رأس المال البشري. إذ يمثل هنا العمل الذي يقوم به الأساتذة والإداريون ومجموع العاملين رأسمالا مساهما عبر صيغة العمل.. يمكن ألا نحسب هذه المساهمة في حال وجود صيغة العمل بأجر تام أو حتى جزئي، ولكن عندما يعمل هؤلاء بصيغة العمل بلا أجر سيكون لمساهمتهم العينية هذه قيمة مادية مختزنة تساوي مقدار الأجر الحقيقي في المدة الزمنية المودعة فيها تلك المبالغ...

وبحساب هذه المبالغ لمؤسسة يعمل فيها مائة أستاذ  في مدة خمس سنوات سيجد أبسط محاسب أن مساهمة كهذه تساوي بين عشرة ملايين يورو إلى 12 مليون يورو في السنوات الخمس على أساس أن الأستاذ يمارس عملا واحدا فقط وفي ساعات العمل الرسمية فقط وبأجر الحد الأدنى المتعارف عليه في مقرات تلك المؤسسات في أوروبا؛ في حين أن الحقيقة مارس ويمارس هؤلاء الأساتذة أعمالا وأنشطة لا حصر لها وبعضهم يقوم بمهمات إدارات بالكامل في عمله!!؟

وبحسبة أخرى يجمع صاحب رأس المال المالي من كل أستاذ يعمل بحد أدنى يساوي 1500 يورو شهريا في السنوات الخمس ما يعادل 90000 يورو (تسعون ألفا من عملة اليورو) فإذا وجدنا أن المؤسسات الموجودة تعمل على أساس تكليف الأستاذ بأعمال إدارية وغيرها وبمهمات متعددة كل واحدة منها تمثل عملا مستقلا بعينه ينبغي دفع أجر عليه فإنَّ  صاحب رأس المال بهذا يوفر مبالغ هي أضعاف هذا الرقم من كل أستاذ لوحده بوجهده الكامل المقدم والمؤسسة لا تدفع سوى فتات تمسيه مكافأة مقطوعة تقدمها في نهاية كل فصل دراسي أو نهاية كل سنة دراسية لا يتجاوز في أغلب الأحوال الألف دولار أو 600 يورو بما يعني مائة يورو في الشهر بدل أجر الحد الأدنى!!!

وما يدعو لهذه الحسبة هو قياس موازنة مسؤولة لمقدار مساهمة رأس المال البشري هذا تجاه المبالغ التي رصدها رأس المال المالي وسنجد أن صاحب رأس المال المالي بهذه الطريقة لم يرصد إلا أقل من 10% من الأصول المالية لوجود مؤسسة أكاديمية جامعية..

وما يُلفت الانتباه هنا هو أن الأموال والصرفيات التي تجري طوال السنوات الخمس منذ لحظة الشروع بالتأسيس والعمل تتحول للاستفادة المباشرة بالاعتماد على الوارد الأساس من رسوم الدراسة التي تتم جبايتها من الطلبة وهذه تمثل بدءا من السنة الدراسية الثانية نسبة لا تقل عن 95% من صرفيات العمل ويمكن قراءة هذا بمراجعة ميزانيات بعض تلك المؤسسات العاملة اليوم عبر مقراتها في أوروبا ممثلة في تأجير شقة أو مكاتب لها لا تتجاوز أجور مشروعات دكاكينية تتطلب صرفيات مادية أكبر من مشروع مؤسسة جامعية تسدّ صرفياتها من الطلبة أنفسهم...

في مثل هذه القراءة لابد من واحد من أمرين: أنْ يدفع المالك أجور العاملين وقبل ذلك أن يوفر عقودا رسمية للعمل ويجري وقف التعامل بالعقود الشفاهية أو الكتابية المنقوصة أو المشوهة... والخيار الآخر وهو ما فرضته وتفرضه طبيعة العمل التطوعي بالتحول إلى ملكية مساهمة مشتركة بين مجموع من عمل في رحلة التأسيس وهذه الصيغة هي الأنسب قانونا...

ومن الطبيعي أن ينعكس هذا على تحديد الدور المزاجي الفردي الذي يتحكم سلطة دكاكينية في رقاب علماء وأساتذة جامعيين مستغلا مواقفهم الوطنية والإنسانية والأكاديمية في التطوع لدعم مشروعات مؤسسات العلم الجامعية والخروج بها إلى النور بأهداف علمية تنضبط بالقوانين وتلتزم بها بخلاف الوقائع التي أشارت إلى تداعي التجاريب القائمة بسبب الثغرات التي يتم فيها التجاوز على الحقوق المادية والأدبية وعلى القوانين واللوائح المعمول بها عالميا ومحليا...

إنّه من الخطر الاستعجال في التعاطي مع هذه التجاريب من جهة لا الاعتراف الرسمي بثمار هذه المؤسسات حسب بل من جهة تسجيلها رسميا من دون أن تتقدم بلوائحها الرسمية وبآليات عملها وهياكلها ومقدار الالتزام بالقوانين المرعية.. مع استمرار الرقابة والمتابعة من الجهات التي تسجل تلك المؤسسات وتعترف بها كما في اتحاد الجامعات العالمي واتحاد الجامعات العربية...

إذ من المحتمل ألا تظهر الثغرات والأخطاء والتجاوزات إلا بعد مسيرة سنوات حيث تبدأ السجالات تعطي الصورة المناسبة الحقيقية لمجريات التقدم في هذه المؤسسة أو تلك.. وعلى سبيل المثال فإنَّ مؤسسة تعاطت في علائقها مع أساتذة فيها من منظور طائفي ديني ما دفع بعضهم إلى الخروج واستيلاد مؤسسة أخرى ترفض هذا النهج، وفي أخرى تمَّ إبعاد أبرز أربعة مؤسسين [من بين ستة اشتركوا في الرحلة]  في مطلع السنة الثانية فيما تمَّ إبعاد الخامس في مطلع السنة الرابعة ليبقى الأمر محصورا في شخص واحد يتفرد في كل شيء مستندا إلى تفويت الأمور علائقيا........

فماذا يُرتجى من مؤسسات تُدار بهذه الطريقة؟ أعتقد أن الخيار الصحيح هو الفصل بين المالك وبين العمل الأكاديمي حتى في حال وجود شهادة علمية يحملها.. لأنه في النهاية سيتدخل في الشاردة والواردة وبطرق ستجد لها من يغطيها والكيفية التي يجري تمريرها.. أو أن يجري جعل هذه المؤسسات ملكية مساهمة لا تنتمي لفرد ولا تنحصر به... وهذا حق بأبسط الحسابات بالخصوص كما أوردنا في أعلاه...

الأمر الأكثر أهمية وأولوية هو أن المؤسسة الجامعية ليست شركة إنتاج أو دكانا أو وكالة تجارية بل هي مؤسسة نوعية للعقل البشري المعاصر الذي ما عاد بالإمكان التعاطي معه من منظور محددات آليات إنتاج التخلف أو آليات السوق البضائعي البسيط.. فحركة المؤسسة الجامعية تمثل عملا أكثر تعقيدا من أن تُدار بطرائق رأسية كما يحصل في بيت وعائلة بطرياركيا أو في دكانة.. والصحيح ألا نقبل مواصلة مشوار العمل المؤسسي لتلك التي يثبت تجاوزها لآليات إجازة العمل وشروطه بما يرقى لاحترام العقل والعلم وبالتأكيد الإنسان قبل هذه وبعده...

 

هذه مجرد أسطر تداعت إلى الذهن في ضوء ظهور تجاريب تظل بحاجة لرعاية ودعم وتفعيل وتقويم وتصويب بما يتناسب وآفاق المستقبل المؤمل.. ولن نجد صواب أو صحيح الطريق ما دمنا نجامل في أمور لا يمكن القبول بتمرير خطيئة أو جريرة تنال من الطالب ومن الأستاذ ومن العلم... وهذه تمنيات للجميع بالتوفيق وبالعمل الملتزم بالقوانين واللوائح واحترام رجاحة العقل وسداده................................. وللقراءة بقية في قابل الأيام

161
متغيرات منتظرة من أحزاب الإسلام السياسي

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

06/12/2007

tayseer54@hotmail.com


 

 

تدهور المشهد العراقي العام مذ تسلَّمت أحزاب الإسلام السياسي السلطة وتحديدا مذ تحكَّمت وتسيَّدت ميليشيات تلك الأحزاب على الشارع السياسي العراقي. وليس لعراقي إلا أنْ يتحدث عن المذابح والمجازر والمآسي الكارثية المهولة التي حاقت به طوال السنوات الأربع الماضية...

فيما أشارت الدراسات الموضوعية إلى أهمية البدء بمشروع وطني شامل يشرع بتشكيل جيش وطني الأسس والآليات والمستهدفات وشرطة عراقية غير مخترقة ولا مجيَّرة لهذه الفئة أو تلك... وطبعا لن يستطيع طرف أن ينهض بهذه المهمة في ظل سيادة مطلقة للميليشيات الطائفية والحزبية التي تمارس أنشطتها بطريقة مافيوية وعبر تصفيات دموية بكل الأشكال الفردية الشخصية والجماعية على طريقة الهولوكوست...

 وبات العراق مغارة معتمة تتحكم فيه خفافيش الظلام... غذاؤها لا تكفيه أنابيب البترول التي تصب في جيوب زعامات وحوشية القيادات بل كان لابد لهم من الدم العراقي لا يُراق بهمجية وحسب بل ويجري امتصاصه بمختلف الطرق والوسائل!! لقد بتنا موئل الرعب الواقعي فباتت أفلام الخيال والرعب هزلية رخيصة تجاه الواقع العراقي..

وما ينبغي ذكره هنا أن نسجل شهادة العراقي المغلوب على أمره في جهة تلك الحملة الفاشية بحق العراقيين عموما وعلى رأسهم العقل العراقي من علماء ومفكرين وفلاسفة واقتصاديين وزعامات وطنية.. حيث تتجه أصابع العراقي الضحية إلى تلك الميليشيات وإلى تـَنفـُّذ جهات إقليمية ودولية في توجيه أنشطة تلك القوى التصفوية الدموية...

والحكم الموضوعي المتعقل لا يتهم لا أعضاء أحزاب الإسلام السياسي ولا أنصارهم فغالبية من هؤلاء لا حول لهم ولا قوة وليس لهم في المعركة لا ناقة ولا جمل.. كلا ما تعشَّموه وتمنوه أن تكون تلك الأحزاب البديل الذي يُخرجهم من زمن الظلم والحيف والاستغلال الأبشع وأن يحقق لهم مطالبهم في الحياة الحرة الكريمة؟ ولكنهم سرعان ما نبيَّنوا أن تلك ليست سوى أوهام وأضاليل خسروا معها حتى ما كانوا يملكون من بقية أعمارهم وأبنائهم وكرامة عوائلهم وشرفها المدنس بالرصاص والسكاكين وأحبال المشانق ونير عبوديتهم للطغاة جميعا...

وهكذا ما بقي للعراقي إلا أن يرفع الغشاوة وأغطية التضليلي ليخرج في مظاهرات واسعة رافضا تلك السلطة التي ما كفاها دموية الطاغية المهزوم وبقاياه فشغَّلَتْ الآلة الجهنمية التي أوقفها زمن النهضة البشرية قبل قرون.. واستعادتها لتدير مطحنتها الكارثية مجددا وهذه المرة حبوب تلك المطحنة العراقيون بكل أطيافهم...

وحتى المرجعية الدينية الحقة لا السياسية المتظاهرة ادعاءَ َ عبر أعمة الزيف وجلابيب الضلال، حتى تلك المرجعيات رفعت غطاء الدعم لأحزاب التأسلم السياسي سواء من باب التخلص من جرائمها أم من فشلها في إدارة الأمور وتثبيت الاستقرار، والأصوب التخلص من تبعية أو جريرة تلك الأفعال المشينة التي ما عاد عراقي يجهلها...

ومع أن قوى إقليمية ما زالت تراهن على بقاء تلك الأحزاب وأن فلسفتها البرغماتية تتلفع بغطاء تبادل العلائق مع قوى دولية عبر قنوات تنفيذ مصالح مقابل كرسي البقاء؛ ومع أن هذا الأمر يُبقي على سلوك قوى علمانية سياسة َ التحالفات [وإن كانت المؤقتة والجزئية]، إلا أن الأمر بات يتداعى وباتت تلك الأحزاب تتشقق من الداخل..

فبين الانقسامات التنظيمية في التحالفات وفي الأحزاب نفسها [كما جرى في تفكك واضح في تحالف الائتلاف الشيعي وجبهة التوافق وكما جرى على الصعيد الحزبي في إطار حزب الدعوة أو غيره من الأمثلة عديد ومعروف] وبين التناحرات في المصالح وانكشاف فضاءات تلك التناقضات الضيقة على حساب جمهور الضحايا من أبناء الشعب بأطيافه جميعا، بين هذا وذاك كانت حالة الاحتراب والاقتتال تجري دموية بشعة حتى على صعيد القيادة الحزبية الواحدة ويمكنك القياس على بقية الصُعُد...

ولكن المأساة ليست في احتراب هؤلاء وتضارب أطماعهم واحتدامها وتضخمها البيِّن، المأساة الكارثة أنَّهم ما عادوا ينظرون إلى أية فئة أو قوة ولا إلى اية مؤسسة للدولة أو لمنظمة دولية أو غيرها وصاروا يتصرفون في أبناء الشعب كأنه قطيع أنعام يعتاشون على دمه المهدور وشرفه المسفوح......!!!!

ولكل من ينظر إلى التهدئة الحالية التي تتحدث عنها وسائل الإعلام أكثر مما يحسها أبناء الشعب البسطاء الذين من تجاريبهم يعرفون أن ذاك الهدوء الذي تمتلكه العاصفة المتخفية المنتظرة وليس ما يمكن الحديث عنه حقا، ما يجعلنا نقول: إنَّ ذلك لأمر لا يخفى على عاقل إذ بين ليلة وضحاها تجري مفاوضات إقليمية دولية لينجم عنها تهدئة موضعية جزئية مقابل إتاحة فرصة اغتنام نتائج جريمة الآلة الجهنمية وحركتها الهولوكوستية في توزيع يُنصف أطراف الجريمة ويواصل استلاب الناس حقوقهم وغصة كرامة جريحة وشرف مهدور!!

 

في المتاح لدى الشعب العراقي ليس أكثر من العمل الوطيد والثابت من أجل نزع سلاح الميليشيات في خارطة طريق واضحة وبأسقف زمنية محددة.. وتنقية وزارتي الدفاع والداخلية من دخيل ومريض وتابع لهذه الفئة الميليشياوية أو تلك ما نحن بحاجة فيه لمؤتمر وطني شامل من أجل هاتين الفقرتين...

وعلى أحزاب الإسلام السياسي إذا كانت تريد البقاء أن تتجه لإعلان صريح بتصفية قواها المسلحة نهائيا حيث لم تعد هناك من ضرورات لبقاء تلك الميليشيا على أن تجري الاتفاقات بالخصوص بوجود مراقبين عراقيين وغير عراقيين ممن يرى فيه العراقيون الإنصاف والحكمة والجدية في مناصرة الحل الوطني العراقي...

وفي ضوء ذلك يمكن القول: إنَّ السنتين المقبلتين للوصول إلى انتخابات وآلية عمل ديموقراطي أو شبه ديموقراطي تتضمن تحقيق هدف إنهاء الميليشيات وترسيخ سلطة الجيش والشرطة الوطنيين غير المخترقين والمميزين بالكفاءة والحرفية العالية...

ولابد هنا من التوكيد على إبعاد كل القوى المسلحة ونهائيا عن الدخول في الجيش الوطني والشرطة وأن يجري تأهيل تلك القوى للاندماج في مؤسسات المجتمع المدني بطريقة موضوعية وبمنطق عقلي منصف وصائب يستند لخبرات دولية وجهود مضاعفة لتحقيق مسيرة نوعية مدنية مختلفة جديدة..

فيما ينبغي من الآن وصاعدا أن يجري تسويق هذه الأهداف الشعبية الوطنية وتركيز العمل من أجلها بوضوح وأن تجري عملية تحشيد القوى الوطنية عامة حول هذا التوجه حتى إذا وصلنا إلى التصويت من جديد سيكون أمر الصوت لا خيار العملية السلمية الذي تأكد في الانتخابات المنصرمة بل خيار السلم الذي يُخرِج كل الأحزاب والقوى التي كان لها ضلعها في تخريب المشهد العراقي بالدموية التي عاشها المواطن الضحية طوال السنوات المنصرمة..

ويكون كل من يصرّ على الإبقاء على قوة مسلحة أو مافيا أو ميليشيا أو ما شابه خارج الخيار الشعبي الوطني لأن الناس ما عاد لديهم ما يقدمونه لأفواه الطغاة التي لا تمتلئ ولمطاحنهم الجهنمية التي لا تتوقف عن نهمها وجشعها وفضاعاتها...

لنبدأ الحملة من أجل خيار السلم والأمن لا العمليات الحربية التصفوية الانتقامية من شعبنا كما تفعل القوى الإرهابية؛ خيار العمل على أسس وطنية لا تقسيمية تخريبية كما تفعل القوى الطائفية وأحزابها.. ولأننا لا نريد لأحد أن يخرج أو يُعزل أو يُصفى يمكن لأية قوة من حركة الإسلام السياسي أن تعمل على شرط واحد هو خضوعها للقانون حيث نزع السلاح وحلِّ الميليشيات والعصابات المدججة عنفا...

إنَّ مطلب وقف الأعمال المسلحة وتفكيك قواعدها والتخلي عن أجنحة القتال أمر واجب يجب الضغط اليوم قبل اي وقت لاحق لتنفيذه إعلانا عن مصداقية العودة للرشد والحكمة والسلم والمصالحة.. وكل من يتحدث عن المصالحة الوطنية ولا يبدأ فورا بهذا المطلب يحاول تضليل الناس والآخرين في مساعيه ونواياه...

ولا ذريعة للإبقاء على عنصر مسلح واحد أمام وجود أشكال الحماية والمواثيق والمعاهدات الوطنية والدولية... ولا يمكننا الحديث عن مصداقية أو عن ثقة متبادلة أولية لافتتاح مسيرة المصالحة بل إنَّ كل ما جرى الإعلان عنه لا يخرج عن تسويق فاشل لمشروعات أحزاب الإسلام السياسي بمختلف ادعاءاتها التمثيلية للسنة أو للشيعة أو لغيرهما وهي ليست إلا تمثيليات فارغة لا جدوى من ورائها بل قيمتها تكمن فقط في تمرير الجريمة لا الحدّ منها...

وعليه فإن المصالحة ستأتي فقط عندما يجري تفكيك القوى المسلحة الرئيسة التي بسببها جرت إبادة حوالي المليون عراقي منذ العام 2003 وحتى الآن.. ولمن يتحدث عن اية ذريعة لا كلام لنا ولا خيار لنا إلا تسقيطه وأتباعه وجرائمهما بحق شعبنا..

هذا هو المنتظر: وليس من دعوة أخرى لأحزاب الإسلام السياسي فلا نريدها أن تتخلى عن روحها الديني وبرنامجها الطائفي وفلسفتها السياسية غير الوطنية ولكننا نريد فقط تخليها عن السلاح وتفكيك أصوله ومفرداته والدخول في خيار السلم والأمن الوطنيين...

الباقي يتحدث عنه العراقي في العمل الوطني وتحمّل مسؤولية مسيرة العملية السياسية السلمية وخياراتها في إعادة إعمار الذات العراقي الوطني الجريح المستلب............

162
المجتمع العراقي بين تقاليده وثوابته وبين أدعياء التديّن

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

04/12/2007

tayseer54@hotmail.com


 

في تاريخ مجتمع وادي الرافدين كانت الجذور الأولى لطفولة العقل الإنساني وكانت البذور التي نمت مكوِّنة بدايات المنطق عقلي وأنشطته التي شكلّت تراث الإنسانية العقلي الأول. وفي تاريخه الوسيط حاضرة الدنيا وشاغلتها في كل أنشطة الثقافة والمدنية من الفنون ومفرداتها إلى الفلسفة والعلوم ومنجزاتها.. وحضارةَ َ تكونت تقاليد وثوابت للمجتمع العراقي طوال عشرة آلاف سنة من الشدائد والمحن وهي العشرة آلاف من أعوام زاهرة بالعطاء والانتصار للعقل ولأنشنة الحياة البشرية وتمدنها وتقدمها الحضاري..

ولأنَّ مجتمع وادي الرافدين الممثل الأصدق للمنطق العقلي ولحضارة البشرية وتراثها الثقافي المعرفي فهو الحاضن للتنوع والتعدد في تقاليده ومحدداته ومعتقداته ليمثل غنى قيمه وثرائها بكل ما يتعاطاه الإنسان فردا وجماعة من أنشطة في تفاصيل يومياته العادية والعميقة... ومذ أول ظهور للمعتقد حيث الأسطورة آلية للتفكير والتفسير والإجابة عن أسئلته الكونية والعادية وحيث التحول من السحر إلى الدين وجدنا التعاليم التي يؤمن بها العراقي السومري إنَّما هي تعاليم الإصلاح والتمدن والتسامح ووحدة النموذج حيث لا تمييز ولا تعنصر ولا قبول للغة العنف والدم والتشدد...

وهكذا كان المندائيون وكان الزرادشتيون وهكذا اليهود والمسيحيون في توكيد على ثوابت السلم والانعتاق وهكذا يأتي الإسلام دينا محمديا بمجتهديه وتنويرييه ليزدهر مجتمع بغداد والبصرة والموصل بمنتج العقل الإنساني في ظلال تعايش الديانات وتفاعل أبنائها.. فنكون أمام مشهد للتقدم في العلوم والفنون والآداب.. في الثقافات وتنوعاتها وأطياف الحياة بألوان قوس قزح والوجود.. ولم يجد العراقي فرقا بينه وبين جاره إلا بمقادر التسابق لأداء الخير وتقديم فروض الود والعلائق الإنسانية المشرقة محبة وسلاما...

ولم يكن العراق الحديث والمعاصر إلا استكمالا لمسيرة الوحدة والتفاعل الإيجابي البناء بين أبنائه حتى أن تشكيل منظمات المجتمع المدني من نقابات وروابط واتحادات طبقية وفئوية ومهنية وسياسية لم يميّز بين عراقي وآخر بل لم يلتفت لتثبيت التقسيمات في إطار الكينونة الوطنية العراقية لأنه وجد في مجموع العراقيين واحدا بشريا يتساوى في الحقوق والواجبات وفي جميع تفاصيل يومياتنا العادية.. 

والمجتمع العراقي مجتمع متفتح في ضوء تاريخه الحضاري، لم تبرز فيه يوما قضية أو إشكالية كمسألة التفرقة في أمر ديني أو طائفي أو اعتقادي بصورة عامة. فهو مجتمع يعتمد المنطق العقلي التنويري كما في رؤية أيّ من مفكريه وفلاسفته وأيّ من مجتهديه في مجالات الدين والمعتقد؛ فهؤلاء جميعا أكدوا مسيرة الاجتهاد والتفتح والتنوِّر كما أكدوا مفاهيم احترام الآخر والوقوف معه في مستوى واحد من الحق والواجب ومن الفعل وردِّهِ...

نجدنا إذن في مسيرة واضحة للبسطاء وعامة الناس وللمفكرين والقادة الاجتماعيين والسياسيين حافظت دوما على موضوعية التفاعل ومصداقية التعاضد والتكافل والتعاون والتعايش السلمي الإنساني/ لكنّ ذلك لم يخلُ في أيّ عصر أو مرحلة من منغصات بحسب طبيعة السلطة التي تتحكم في الحياة العامة...

وحيثما كانت تلك السلطة معوجة مستغِلة جاءت بسلبياتها ومن ذلك محاولة فرض سيادة العتمة مستفيدة من سلطة منطق عقلية التخلف وآلية خطاب ديني [خارج متطرف] وهو المنطق الذي يقوم على الفرض والقسر والإكراه... وطبعا منطق مصادرة العقل الإنساني وآلية اشتغاله بتعطيله واستلاب حريته في العمل لجهة منطق الأوامرية...

هنا بالتحديد تكون السلطة بيد مرجع فوقي تصدر عنه أوامر تُسقِط على آليتها القدسية لستتلب أي فعل عقلي وبهذه الصفات المرجع غير المجتهد فالمجتهد كان تنويريا يضيف ويُعمِل العقل ويدفع إليه بخلاف مسمى المرجع على أيامنا ومهامه التأويلية التي تُخضِع كل شيء لأوامرية تخدم سلطة رجال الدين أو سلطة الكهنوت المعتزل المعتكف إلا من صلة بالناس يسطو بوساطتها على أوضاعهم...

وفي حديثنا هنا، نتكلم على رجال دين الأحزاب السياسية الذين يدعون تمثيل الدين نفسه مكفـِّرين كل من عداهم وفي أقل تقدير فهم ينصِّبون أنفسهم ممثلين لله على الأرض وبقية المجتمع تابع لتأويلاتهم بل ويخرج رجال الدين الحقيقيين من السياق طالما كانوا خارج فلسفة سياساتهم الحزبية ومصالحهم المادية الرخيصة...

إنَّ وجود حزب ديني الادعاء يتستر ببرامج ظاهرها ديني وجوهرها سياسي بمصالح دنيوية بحتة يقوم على أساس أنه وقياداته ومرجعياته المتسترة بالدين وخطابه هم ممثلوا الحق والله على الأرض وغيرهم مجرد ضالّين يجب عليهم أن يتبعوا هذه القيادة المرجعية المصطبغة بالدين وجوهرها مصالح طبقية مادية بالتمام والكمال..

وعلى المجتمع العراقي بمكوناته الدينية كافة أن يلاحظ هذه الحقيقة التي تدعيها الأحزاب الدينية وقياداتها ومرجعياتها الدينية التي تحميها وتشكل غطائها وبرامجها المزوقة بالعبارات الدينية لفظا والسياسية جوهرا. وأن يفضح هذا الأمر ويفك الارتباط بتلك القيادات التي تضع نفسها ممثلة لله ولقدسيته وتضع المجتمع بكافته وعقوله وعلمائه في مواجهة مع تأويلاتهم أو خضوع لها.. حيث المواجهة تعني حكم التكفير ومن ثمَّ التصفية والخضوع لا يعني إلا الاتباع بلا مناقشة وبلا استخدام لمنطق العقل...

ولا مندوحة من سؤالنا: هل كان المجتمع العراقي بكل أطيافه الدينية عاقا بقيمه ومثله وثوابته؟ وهل كان المجتمع العراقي بلا منطق عقلي وخطاب تنويري؟ وهل كان المجتمع العراقي يميز بين أطيافه؟ وهل سلَّم المجتمع العراقي يوما لسلطة تبتزه أو تظلمه وتستلبه أيا كانت ادعاءاتها؟

هل كان المجتمع العراقي من العوج ما تطلب وجود أدعياء التدين وتمثيل القدسية الإلهية لتأوّل لهم آيات معتقداتهم وتخضعها لفلسفة حزبية ضيقة؟ وهل بحق يمثل هؤلاء خطابا معصوما مقدسا لكي يكونوا الوحيدين الذين يمثلون دينا سماويا أو آخر وغيرهم [كل المجتمع وعلمائه] على ضلال؟

وهل كان المجتمع العراقي في العراق الحديث مجتمع ضلال وخطيئة طوال قرون وعقود وجوده؟ وهل كان وهو يسيِّر تفاصيل حيوات أبنائه بمنطق العقل والتنوير والعلمنة وقوانينها وقواعد العمل الحياتي البشرية الصائبة بلا دين وفي ضلال من الثوابت الأخلاقية ليأتِ زعران سياسة وصبية بلا خبرة عقلية ولا خلفية فكرية أو دينية قويمة ويعدِّلوا عليه؟

من يقول إنَّ منطق برامج أحزاب التديّن السياسية هي القراءة الحقة للدين ولمرجعياته وثوابته؟ ومن يقول إنَّهم أصحاب القراءة الوحيدة الصائبة للدين؟ ومن يقول إنَّ الحياة قضية دينية لا تخضع لغير النص الديني؟

ومن باب الحديث عن الواقع العراقي نشير لرؤية أحزاب الإسلام السياسي التي تحكم اليوم الشارع بقبضة التكفير وإرهاب الطائفية الدينية: ونقول إنَّ أحاديث السنّة النبوية الشريفة تقول اعمل لدنياك كأنَّك تعيش أبدا... وتقول ساعة لقلبك...وتتحدث عن كل ما هو دنيوي بلغة الحياة اليومية وليس بفرض قسري لخطاب ديني شعائري طقوسي على ما هو دنيوي.. أي أنها تفصل بين الحياة الإنسانية ودنيوية تفاصيلها وقوانين العيش فيها وممارسات الحياة البشرية وبين لغة الطقس الديني وخطابه...

فيما لغة أحزاب التأسلم السياسي تتحدث عن خطاب واحد ولا مجال لخطاب غيره لأن كل ما عدا الأمر الديني هو كفر ويجب قمعه بكل الوسائل وطبعا أولها وآخرها عندهم القمع بالعنف الدموي... لا وجود لحياة إنسانية ودنيا وحياة بشرية فكل شيء مستلب مقموع مصادر وهم طبعا يمارسون كل الموبقات والشرور والخطايا خلف جدران القصور ودخان البخور.........

ألم يحن الوقت بعد أيها الغيارى من أبناء المجتمع العراقي لكي تتوقفوا عن تكفير تاريخكم النقي الزكي؟ ألم يحن الوقت لكي توقفوا تكفير المجتمع العراقي بأطيافه وهو يمضي ممارسا لحياته مستقلة ومرافقة لمعتقداته ودياناته وقيمه وثوابته من دون إخضاع أمر لأمر بطريقة انتقامية استغلالية قمعية؟؟ ألم يحن الوقت للقول كفى لأدعياء العمامة المقدسة والجلباب المقدس والمظهر المقدس ادعاء فيما الجوهر بات معروفا من حيث الناس مقموعين في حيواتهم لأداء فروض عبادة بشر مثلهم!!!

ألا أعلنوا الانعتاق من التبعية لكذب وزور على الديانات والمذاهب الصحيحة.. وانتفضوا على تبعية وعلى تكبيل، واكسروا قيود العبودية وأغلالها.. أنتم الذين ولدتكم أمهاتكم أحرارا لماذا يصيِّركم نفر من أحزاب التأسلم عبيدا لهم ولمطامعهم؟

لا يغدرنكم لا التأويل ولَيَّ أعناق الحقائق ولا القسر والإكراه فإنْ أنتم حررتكم دواخلكم من خزعبلات مزيفة في منطق الطقوس التي يسخرونها لاستعبادكم واذلالكم وإن عدتم إلى حيث مسيرة آلآف سنوات ثوابت مجتمع التحضر والتمدن والأخلاق الكريمة الحميدة والاعتقاد الصحيح البعيد عن التأويل والتطرف والتشدد والانحراف، كسبتم حيواتكم وحيوات أبنائكم وسيرة مجتمع عراق الحياة والحرية وصحيح الثوابت والاعتقاد..

أما الدين وأما المذهب وأما الطائفة فلن يمثله مرضى التأويل وأبناء زمن الانحطاط ومرجعيات تسييس الدين  وقادة الضلال فأنتم أهل الاعتدال وإنما الدين الوسط وأنتم أصحاب الاجتهاد والالتزام وليس صحيحا أن الغالبية العظى على ضلال وتلك الأنفار القادمة إلينا من مجاهل زمن الظلمة هم أصحاب الحق وليس صحيحا أن أغلبية المؤمنين وأغلبية علمائهم المعتدلين المتنورين هم على ضلال وأن أفخاخ الشر والظلمة على حق؟؟!!!!؟

الصحيح أن مجتمعنا مؤمن لا بأن يرتدي الكفن ليل نهار!! مما لم يحصل هذا حتى في حياة الأنبياء جميعا والأولياء الصالحين!!؟ فلماذا نرتدي جلابيب زمن غير زمننا؟ وهل الدين جلباب الظلاميين؟ لماذا نكبل أنفسنا بشكليات التأويليين الأدعياء وهل الدين مجرد طقوس وعبادات والحديث الشريف يقول عامل يعمل خير من ألف عابد والنص المقدس يتضمن إشادة بالعمل والحياة البشرية: وقل اعملوا فسيرى الله ورسوله والمؤمنون... ؟ لماذا يكفنوننا ويستلبون حياة منع النص المقدس وخزها أو جرحها أو إيلامها؟

لا تقبلوا أن تكونوا أعضاء أو داعمين لأحزاب تطعمكم يوما ولكنها تشتري حيواتكم كاملة وقيمكم وثوابتكم وتشتري الشرف والكرامة وتتاجر بها لأن من يبيع حياته وعقله لا يمكنه أن يحمي عفته وكرامته أمام سطوة المشتري ونوازعه وأهوائه........

لا معنى لوجود أحزاب الإسلام السياسي والتدين إلا تأويل الأمور لادعاء تمثيل المقدس على الأرض وتكفير الآخرين ومصادرتهم وإخضاعهم لرؤاهم المادية الرخيصة بغطاء ديني غير صائب قطعا.. إذ لا وجود لمعتقد صحيح صائب يتعارض مع حياة الإنسان ويأمر بتعذيبها وإيلامها ويغجر فيها القنابل البشرية والمفخخات أو يسطو عليها بميليشيات الموت المسلحة ولا صحة لجيش لله أو لأوليائه يكفِّن البشرية في حياتها ويصادر وجودها ولا صحة لرأي يأمر باتباع معتوهين أو مرضى أو زعران وأشقياء..

الصحيح الوحيد إجماع الناس والمجتمع واستخدام العقل الذي أمرنا النص الديني الصحيح بأن نُعمِله لتعمير الأرض وصنع جنانها والعيش فيها كرماء أحرار.........

فمن أراد أن يكون عبدا للشر طمعا في [علف] أحزاب التأسلم فليس إلا من الضعف والهزال حدّ المرض وليس بيننا نحن أبناء المجتمع العراقي إلا الأحرار الأباة وإنَّ غدنا لهو الأفضل الأجمل حيث لا مكان اليوم لأدعياء القدسية ومرجعيات الزيف والمجتمع العراقي هو من يحيا ويبني ويعمّر وليس بعيدا انعتقاه من إسار تلك الأنفار وشرورها وسطوتها...

أمل الأبناء وتطلعهم أن يضع الآباء صوتهم حيث العلمنة والمنطق العقلي والتنوير وحيث برامج إعمار الوطن والناس والعمل والعمل ليس غير هو أول طريق العبادة الصادقة وليست طقوس يتستر خلفها المستغلون المجرمون.. فهل نحن فاعلون؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

163
الجامعة العراقية بين العقلين التنويري والظلامي


الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

01/12/2007

tayseer54@hotmail.com

 
 أول ولادة العقل معلِّما كان في غرفة فلاح سومري، ثم تتابع الأمر فولدت المكتبة الآشورية وجاءت دار الحكمة فالجامعة المستنصرية لتعتمد جميع هذه المؤسسات منطق التنوير العقلي وتفعيل التراكم العلمي المتنامي في أرض العلوم وتراث البشرية المعرفي.. لكن ذلك لم يكن من دون عقبات وأوصاب ومحاولات مهولة لاغتيال مبدع الحرف الساطع نورا ومصادرة الحرف ومنعه من أنْ يكون الكلمة الفعل، حيث تيقنا دوما أنه في البدء كانت الكلمة...

وعاود العقل العراقي نشاطه لتتأسس الجامعة العراقية الحديثة ولكنها تبقى بين شدّ وجذب بين التنوير والظلام.. وتصطرع الأفكار وتنتصر إرادة العلم ومنطق العقل إلا أن شراذم الظلام وأشباحه كانت تعود بين الفينة والأخرى لتفرض بقوة همجية سطوتها على مؤسسة البحث العلمي ومنطقه التنويري العلماني... وكان ذلك بجرائم من نمط اغتيال الطلبة واغتيال الأساتذة واغتيال رأس الجامعة ومصادرة حرياتها في العمل ومحاصرة جهودها العلمية بل واستلابها بالمرة...

هذه المرة، وفي ظل هجمة دموية شرسة جرى استهداف مكثف ومباشر توجه لا لتخويف العقل الجامعي بل لتصفيته بين طريق الدم والاغتيالات التي فاق حجمها الكارثي زَمَني هولاكو وهتلر... فلقد تمت تصفية جسدية لمئات وآلاف من العقول المبدعة التي لا يمكن تعويضها وهذا فوق حالة استباحة الحرم الجامعي وتحويله إلى ثكنات لزعران ميليشيات أحزاب التأسلم السياسي وطبعا فضلا عن محارق المكتبات مما تبقى مما لم تطله أيادي النهب والسرقة والتخريب... حتى يمكننا القول اليوم: إنَّ حجم الخراب والتدمير في الممتلكات والأصول الجامعية كان الجريمة الأكثر هولا بعد جريمة مئات آلاف الضحايا العراقيين بينهم آلاف مؤلفة من العلماء والأساتذة والباحثين والمتخصصين...

كل ذلك يأتي في جريمة مبيتة لفرض الظلمة على الواقع العراقي بحجة دعية رخيصة تتمثل في ارتداء العمامة السياسية لا الدينية لأن الدين أيّ دين لم يكن يوما جوهره العمامة السوداء أو الخضراء أو الطربوش ولكنه قيم التسامح والإخاء والسلم والانعتاق فيما عمامة الأدعياء من أحزاب التأسلم وميليشياتهم المتحكمة بالأمور اليوم هي رمز الجريمة يجري التخفي وراءها لا لفرض الظلمة والانتهاء من الأمر بل لقتل كل سمة إنسانية صحيحة قويمة..

إنَّ كثرة كاثرة من الآيات في النص الديني تؤكد قدسية الوجود الإنساني وجوهر عمله العقلي العلمي وهي ما يجري طمسه من معممي التيارات الدينية السياسية فيما يجري تأويل آيات أخرى لتبرير جرائمهم بمساريها الظلاميين الطائفي والتكفيري وجوهرهما الإرهابيين وأدواتهما الدموية في تصفية أي بصيص للنور...

لاحظوا معي مظاهر أنشطة أتباع تلك القوى الظلامية.. فأول أمرهم استخدام العنف والتبكيت والمصادرة والاستلاب والمنع والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور وسرعان ما تجري تصفية أية شخصية علمية لا تروق لهم فلا يمكن لأستاذ أن يتجاوز سلطة أولئك المتحكمين بالحرم الجامعي وداخل الفصول الدراسية ممن يرتدون أزياء النازية وغيرها...

ولاحظوا معي منع الرحلات الترفيهية وتعرّض من يقوم بها للاعتداء والضرب والإهانة والتصفية الجسدية والأدبية بتشويه السمعة والحط من المكانة والقدر [مثال أحداث حديقة الأندلس في البصرة] .. كما أرجو ملاحظة منع أية أعمال أو أنشطة فنية أو احتفالية [مثال منع احتفال التخرج لطلبة جامعة ذي قار على الرغم من التنازل عن أية أغنية أو أنشودة والإبقاء على احتفالية مجردة من كل مظاهر الفرح مجرد لقاء رسمي] وطبعا التصفية والرد هنا أيضا بالعنف والاعتداءات المتنوعة الأشكال... وحين ندخل الصفوف فإننا سنجد مراقبين يتابعون الطلبة في أسئلتهم ويتابعون الأساتذة في إجاباتهم وليس ما لا يروق لهم وحده مصادر بل وحتى ما لا يفهمونه...

من هنا ارتدت الجامعة العراقية عمامة الادعاء الظلامية وجرى تعتيم الأجواء وممارسة كل الموبقات والجرائم في ظل عتمة العمامة السوداء والخضراء مع أنهم يظهرون بطريقة من يفرض ارتداء الحجاب الإيراني وبرقعة المرأة بطريقة والرجل بطريقة أخرى بخلاف ما يمارسون حقا خلف كواليس العتمة والظلام..

والذي تجدر الإشارة إليه اليوم بعد هذا المشهد داخل الوطن يقع في حلبة افتتاح مؤسسات جامعية خارج الوطن يعتمد في بعض مشروعاته على نمط التعليم الألكتروني وبعضه التقليدي، ولأن هذه المؤسسات تضمنت أهدافا تنويرية علمانية ولأنها صارت تحتضن العراقيين الشغوفين بالعلم وبالمنطق العقلي فقد طاردت قوى الظلام هذه المؤسسات الوليدة عبر مسلكين وهو أمر يخضع لخطة واسعة في تصفية علماء العراق ومسيرة العمل العلمي وأية محاولة تنويرية محتملة لإدامة ضوء المعرفة وإيصاله للعراق حتى لو كان عبر نافذة المهجَّرين فذلك أيضا من المحرمات الممنوعات المكفرات إذ من جرى تهجيره ليس ليبقى فاعلا أو حيا بل ليموت عبر منفذ آخر غير التصفية الجسدية التي لم يستطيعوا تنفيذها فيه..

وهكذا جرت في الأصقاع البعيدة للمنافي مطاردة من نمط جديد تكمن في اختراق تلك المؤسسات للسطو عليها في ليل أظلم وتوجيه دفة إدارتها باتجاه فلسفة الظلمة والتخلف.. وحين لم تنفع الإغراءات ولا التهديدات توجهوا لإقصاء العناصر التنويرية عن الإدارة وتسلـّم المهام في الأقسام العلمية وغيرها... لقد قدمت حركة إسلاموية ذات جيش معروف دولارات الإغراء من أجل أن يُمنَح زعيمها الشاب الذي لم يُنهِ بعد مدرسته الدينية الحوزوية شهادة الدكتوراه ومبالغ طائلة لكي ينعقد مؤتمر بحضور قادة تلك الجهة في أوروبا ويومها رفض التنويريون تلك الإغواءات فتم تهديدهم ولأنهم لم يخضعوا لتلك التوجهات جرت أحابيل إبعادهم عن موقع المسؤولية في مؤسسة عراقية للتعليم الألكتروني بأوروبا واليوم بعد مدة قصيرة جدا من ذاك الإقصاء يجري الضغط على طلبة لتوجيه رسائلهم البحثية العلمية بتوجهات ظلامية كما تجري أحداث تعتدي على أطياف من شعبنا لتزرع الفرقة الطائفية والقومية!!!

ولا عجب في الأمر فإنَّ المصلحة المالية والشخصية في الحصول على مكانة بين ناهبي بلاد الخيرات تكمن في زيادة العتمة وتحولها إلى ظلمة قاتمة هندس هي ما سيمرر الجريمة بحق شعبنا.. ومن هنا نجد أن الأمور في الجامعة العراقية بعامة داخل الوطن وخارجه تمثلت في:

1.       محارق المكتبات ومراكز البحث العلمي وأجهزتها ومعداتها...

2.       النهب والسلب في تلك المؤسسة الجامعية العريقة..

3.       تعطيل العمل فيها بأشكال مختلفة من إرهاب الطلبة ومنعهم وأساتذتهم من الوصول للجامعات إلى منعهم من دخول الفصول الدراسية إلى منعهم من الدرس الحقيقي والتجارب المخبرية المناسبة [ولنسأل أستاذ درس التشريح على سبيل المثال في كلية طبية عراقية ومشكلاته مع أسلمة الدرس ووضع عمامة الزيف على رأسه]...

4.       تصفية الطلبة وتنظيماتهم الاتحادية ومطالبهم في تلقي العلوم والمعارف...

5.       بالتأكيد الجريمة التي تقف على رأس جرائم العصر في تصفية العلماء والأساتذة جسديا وبحثيا علميا..

6.       احتلال الجامعات واختراق حرمها والسطو على أنشطتها وحصرها بفعاليات أحزاب الإسلام السياسي حتى تحولت بعض مسميات الجامعات إلى مجرد مباني للعزاءات والمقاتل والأحزان وآلياتها الطقسية ليس حبا بالشهداء بل استغلالا لرداء التزلف والتودد لمآرب باتت مفضوحة...

7.       منح الجامعات والإدارات التي تلتزم بهذه الرؤى المرضية مكانة مميزة وإغراءات فضلا عن التهديد وفي حال عدم الخضوع التصفية وسياسة الإقصاء للقوى التنويرية والسطو على رئاسات تلك الجامعات حتى وصل الأمر إلى بلاد المهجر!

8.       تحويل المناهج وتشويهها واعتماد مفردات لا تمت للمنطق العقلي بصلة وفرض أدلجة أسلمة سياسية طائفية تحديدا بما هو أنكى وأكثر إجرامية من سياسة الطاغية المهزوم...

 

ولابد هنا من التوكيد على أن الاصطراع بين النور والظلام سيبقى ما دامت قوى الظلام هي التي تتحكم في سلطة القرار وتمتلك جيوشها الإرهابية التي تسطو على الشارع ودواخل البيوت والمنازل وحرماتها وحرمات الجامعات ودور العلم بل هي تنصب محاكم تفتيش في عقول الطلبة والباحثين والأساتذة والناس لتصطاد كل من يتطلع للنور ومنطق العقل والمعرفة.........

فماذا نحن فاعلون؟؟؟؟

 

 


164
الوسطية والاعتدال البديل للقطبية والتطرف

لا مصالحة  حقيقية بلا اعتراف بالآخر النقيض

ولا حياة صحية صحيحة بلا منطق الحياة الإنسانية وشروط بنائها

 

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

24\11\2007

tayseer54@hotmail.com


 

 

 

 

شخصيا وبحدود خبرتي ومعرفتي المتواضعتين أعترف أنَّنا لم نستطع حتى اللحظة في هذه المرحلة التاريخية أنْ نقنع أو نكسب جمهرة واسعة من الشبيبة الفاعلة من تلك التي صارت تنظر إلى الحياة من بوابة الاحباط وفقدان الأمل حيث اتجهت لا إلى احتقار الحياة الإنسانية بل وإلى القطيعة معها وهجرها مع توسّع ذاك الحقد الداخلي والتذمر الشديد إلى درجة التحول لمرحلة تالية في حياة تلك الجموع حيث لغة الانتقام تدفع لحالة مرضية تتوهم عالما آخر يدعوها للانتحار والمرور إليه عبر آلية القنبلة البشرية التي تتفجر غيظا وحقدا وانتقاما...

وبالمقابل نرصد القوى المؤمنة بالحياة تردّ بآلية لكل فعل ردّ فعل يساويه بالمقدار ويعاكسه بالاتجاه كما تقول المعرفة العلمية البشرية.. وهنا يكون الانفصام والتقاطع بين طرفين إنسانيين من منطلقات السياسة ودواعيها ومن منطلقات الاختلاف الفكري السياسي البحت.. وفي ضوء كل فعل يجري رد الفعل محكوما بشروطه..

أقصد [من زاوية بعينها] أنّ القوى الإيجابية في الحياة البشرية تحصر نفسها في إطار ردّ الفعل عندما تتعامل مع هذه القوى التخريبية بفعلها الانتقامي المرضي الأهوج.. ومن هنا تظل الأمور بعيدا عن أية آليات للقاء والحوار الموضوعي الهادئ ومن ثمَّ التغيير والاقناع والمعالجة..

فما كان يوما ردّ الفعل علاجا أو فعلا إيجابيا بخاصة عندما يكون ردّ الفعل مربوطا بقوانين الفعل السلبي كما الأفعال الانتقامية المرضية.. لأنّه [أي رد الفعل] سيكون محكوما في أقل تقدير بشروط السلبية من عنف وشدّة ومن وقوع في أسر القطبية والانفصام والتشدد أو التطرف على الجهة النقيضة الأخرى للطرف [السلبي] أو الأول...

إنَّ جموع الشبيبة المضللة أو أسيرة أمراض المجتمع والحياة البشرية المحكومة بقوانين المرحلة التاريخية ليست مخلوقات فضائية غريبة هبطت على عالمنا وحيواتنا بل هم أبناء مجتمعنا نفسه الذي نحيا فيه.. وهم في الحقيقة واقعون تحت إسار أوضاع نفسية واجتماعية وسياسية ناجمة عن خصائص محيطهم وعن الأسباب والدوافع الموضوعية والذاتية التي تحولهم لوحوش ضارية لا تعرف إلا لغة الانتقام والدم..

وطالما كنّا الطرف النقيض أو وضعنا أنفسنا في المستوى ذاته والآلية ذاتها أو حصرنا أنفسنا في التقابل والتضاد والتقاطع؛ فإنَّنا نساهم بهذا القدر أو ذاك في أنْ نكونَ جزءا من دوافع اختلاق هذه الظواهر المرضية وتوسيعها أو تمكينها من الاستمرار والفعل كما يريد من يقف وراء هذه الجريمة بحق البشرية وبحق السماء والديانات السمحاء وبحق الفلسفات الإنسانية السلمية التي تدعو جميعها إلى احترام الوجود الإنساني والحياة البشرية والعيش على الأرض التي اُستُخلِف عليها البشر لإعمارها لا لهدمها وتخريبها ولا لقتل الأنفس التي حرّمت الديانات والشرائع مسّها بسوء...

ولسوء التوازنات ما زالت القوى الحكيمة [الوسطية المعتدلة] في وضع مهمَّش أو ضيق بعيد عن سلطة القرار.. فقوى الوسط والاعتدال لا تمتلك القدرات أو الإمكانات لضبط حالات الاقتتال الدموي سواء في الفعل الإجرامي المرضي للموتورين والحاقدين على حياة يستحقرونها لكثرة ما يركزون على جانبها الأسود الكالح وثغراتها ونواقصها وعيوبها ولعدم وجود مُحاوِر أو مُقنِع لهم يزيل عنهم غمامة الضلال وسطوة العقول المريضة عليهم..

فنحن لا يمكن أنْ نتحدث عن حوار إلا  و وضعت له بعض الأطراف المنحازة للحياة البشرية السليمة شروط استثناء أوساط عنيدة متشددة بطريقة تقطع سبل التغيير واحتواء الظاهرة بطريقة موضوعية محكومة بشروط المنطق العقلي الموضوعي وهم بذلك كما سبقت الإشارة يضعون تفاعلهم مع هذا الآخر تحديدا مشروطا برد الفعل ومن ثمَّ بشروط فلسفة عنفية دموية اقصائية لا تسمح لنا بتجفيف منابع قوى الإرهاب المرضية بقدر ما تمنحهم فرص التوسع والبقاء..

إنَّ حالة إخراج تفاعلنا أو معالجتنا للظاهرة الواقعة في إطار التشدد والتطرف والعمليات الإرهابية من سماته المتطرفة المقابلة ومن خطاب العنف والاقتتال لا يعني أنَّنا نمارس رومانسية حالمة وعواطف إنسانية ساذجة في التعاطي مع المجرمين ولكنّنا أمام واجب أنْ نتمالك أعصابنا وانفعالاتنا مع الظاهرة في أعتى لحظاتها أزموية واشتدادا...

ومن المنطقي أنْ يجري الحوار الذي نتحدث عنه في إطار شروط العقل وضوابطه الموضوعية ولكن ليس على أساس ترك انفلات الأمور.. فالمريض بحاجة لمعالجات جدية فيها من الشدّ والجذب والضبط والقوة ما ينبغي ألا ينسينا طابع هذا المرض ودهاليز ألاعيبه لتمرير فرص بقائه ونشاطه..

وكما يرى قارئ هذه الأسطر فإنني لا أستند إلى مواقف حزبية أو فئوية ضيقة في التعاطي مع المجموعات التي يستند إليها الإرهاب في آلياته؛ بل أستند إلى قوانين العلوم الإنسانية والمعارف التراكمية التي تدرس الظواهر بدقة وموضوعية، بعيدا عن تلك المسبقات التي تشطر المجتمع على طرفين متعارضين فئويا متقاطعين [بتطرف واحتدام دموي] بلغة الخطاب السياسي البحت..

 

فيما نحن بحاجة جدية حقيقية للاعتراف بالآخر النقيض.. الآخر الذي يمكننا أن نكون له نحن الفعل وهو ردّ الفعل بحيث يقع في حركته في إطار شروطنا وشروط الحياة البشرية للتطور والتقدم. وهذا أمر ممكن ومتاح لأنَّ الأغلبية هي أغلبية مؤمنة بلغة الحياة السلمية الموضوعية: حياة البناء لا الهدم، حياة الصحة لا المرض، حياة المنطق العقلي لا التمرد والضلال...

هنا نبدأ رحلة تجفيف منابع القوى الإرهابية بحق ونسير في طريق طمأنة المجتمع الإنساني.. بخلاف بقائنا خلف لغة العنتريات والاقتتال وحرب الدم والموت التي لا نهاية لها طالما شاركنا فيها وكنّا موردا من مواردها لوجستيا بل وحتى فعليا بوضع أنفسنا طرفا مباشرا في رحاها فنكون أحد قطبي الرحى وهو ما تنتظره قوى الدمار نفسها لكي يستمر غطائها في الوجود...

المواد الأساس لقطبي الرحى، هم الناس الأبرياء. فلنوقف المطحنة بألا نكون إحدى مفردتيها أو طرفيها فالرحى يا سادتي لا تعمل بطرف واحد... لنخرج من لعبة الاستقطاب وآلية استيلاد متصل مستمر لطرفين نقيضين..

وبديلنا لن يكون غير استيعاب الآخر ومعالجته كما نعالج مدمني المخدرات ونحتضنهم لإعادتهم إلى الحياة السوية بدلا من محاصرتهم ومنعهم من استعادة صحتهم وانتمائهم للمجتمع السوي.. مجتمع الأسوياء..

ولأن المدمن بحاجة لخصوصية في العلاج وليس للتفاعل العاطفي الانفعالي فإنَّ الحال الآخر للمتطرف المحبط الذي يكاد يشرع بعمليات الانتقام والتخريب الدموي بحاجة لإعادة الأمل وإقناع  أو ما يسمونه غسيل دماغ كما غسيل الدم عند المدمن من دون استثناء جزاء الجرائم كما يتحمل المدمن آلام غسيله وتحوله لكائن إنساني صالح، فتلك لا نريد لعلم الاجتماع ولعلم النفس أن يزعم حقه في مصادرة العلوم السياسية والقانونية في معالجاتها هي الأخرى...

ولعلني في هذه الكلمة أؤكد على أن التوفيق في خلق حياة إنسانية كريمة تتأسس على:     

1.  الامتناع عن القطبية والتطرف في اتجاهين متعاكسين في الحياة الإنسانية العامة..

2.  إيجاد أوسع ميدان للاعتدال والوسطية أو الموضوعية والهدوء والمنطق العقلي في التعامل مع الظواهر كافة في ظل أية مرحلة..

3.   وعلى إيجاد فرص أوفر وأكبر لتحول القوى الإيجابية للعمل بشروط الفعل الإيجابي لا العمل بشروط ردّ الفعل السلبي...

4.  وخلق أرضية القبول بالآخر الذي لا يكون بالضرورة مفصَّلا على مقاسات السائد أو الحاكم أو المنتظر أو المؤمل، بل من الواجب أن يكون قبولنا بالآخر الحقيقي الذي قد يقابلنا ويتقاطع معنا...

5.  تعزيز فرص التنوع وحوار أو تفاعل المختلفين حقا من منطلق نسبية الأمور والحقائق والأفكار في صوابها وخطئها.. أي بالامتناع عن فرض مسبق لصواب مطلق لرؤية أو أخرى...

6.  اعتماد حقيقي تام لاحترام حق خيار نمط الحياة للفرد والجماعة من دون استثناءات إقصائية أو إلغائية بتوسيع دائرة العيش المشترك بين الأفراد والجماعات مع حماية الحقوق التي لا تنتقص من الآخر أو تتجاوز عليه أو على القواسم المشتركة العظمى...

 

إنَّ توكيد هذه اللغة وخطابها الفلسفي وتوجهنا فيها إلى أوسع جمهور وانفتاحنا على علائق متنوعة غنية في شروط منطقها العقلي سيعني بداية نوعية جديدة لحسم معركة البشرية بين الفعلين الإيجابي البنّاء والسلبي الهدَّام، بين الصحي والمرضي،  بين المصيب والمضلل المخطئ.. حينها فقط سيمكننا القول: إنَّنا انتصرنا للبشرية على قوى الدمار فيها.. إذ المفيد أن نقي المجتمع كما نقي الجسد بديلا عن انتظار تفاقم الورم المرضي لنتحدث عن البتر والكيّ وكل ما شابه من العلاجات المؤلمة وما تحمله من عوارض...

165
الأزمة التركية الكوردية وترحيلها نحو العراق وآفاق حلول

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

29\10\2007

tayseer54@hotmail.com

 

 

 

 

   تستمر تداعيات موقف القادة الترك  في التوجه لاجتياح أراض عراقية... ولابد هنا قبل معالجة الموضوع، من التوكيد على جملة حقائق في الإطار: أولها رسوخ وحدة شعوب المنطقة وأبناء القوميات المتعايشة في بلدان إقليم الشرق الأوسط الجديد، على خلفية مشتركات غنية وكثيرة وذات تاريخ ممتد طويل...

ومن ذلك العلائق الجدية العميقة بين الشعبين الكوردي والتركي.. سواء في البلدين الجارين العراق وتركيا الحديثين أي مذ ولادتهما المعاصرة، أم في إطار تركيا نفسها حيث وشائج العلاقات الوطنية والإنسانية والدينية واضحة راسخة بعمق تاريخهما البعيد والوسيط...

إن الشعبين الكوردي والتركي يجدان تطلعاتهما المستقبلية ذات آفاق موحدة إنسانيا وهما يشاركان في بناء هذا المستقبل سويا على خلفية وحدة المصير.. ما يعطي فرصا لتطوير الأجواء السلمية البناءة لحاضرهما...

وبخلاف ذلك يقع المحظور فقط على صعيد الشحن السلبي من قبل بعض قيادات تتوهم خلاف هذا التطلع، بخاصة تلك التي تنتمي لفكر شوفيني قومي استعلائي أو لعنصرية مقيتة مجّها الفكر الإنساني ورفضها بل حرَّمَها ووضعها في قائمة الاستبعاد والحظر...

ونحن نجد تلك القوى التي تمتلك بعض فرصها في سطوة على الإعلام وتجد زرعها يثمر في وسط التهاب المشاعر والانفعالات وتصعيد التوتر والشحن القومي وخطاب التحديات العنترية مانعة فرص الهدوء وخطاب السلم والحوار بمنطق العقل والمصالح الإنسانية المشتركة... وهي بهذا تظل في دائرتها الضيقة الأفق والجمهور.

إنَّ هذه التوجهات تتعارض مع حقيقة أن المرجعية الدينية الواحدة ظلت لزمن طويل لا تتعاطى مع الانتماء القومي لتلك المرجعية حتى أن أمثال الشيخ سعيد ابن عشرينات القرن المنصرم الكوردي كان هو المرجع ليس للكورد بل وللترك أيضا بلا حساسية أو تمييز وهذا يعني وحدة نسيج الدولة التركية على هذه الخلفية.. فيما الاستعداء القومي المفتعل يتقاطع مع هذه الحقيقة الراسخة تاريخا وحاضرا ومستقبلا، فهل من الترك مَن يقبل خطاب الاستعداء مع أبناء مجموعته الدينية ومن يشترك معهم في هذه السمة التي تمثل عصبا أساسا لمجتمع الدولة التركية سواء لمن ينتسب للترك أم للكورد...؟

وفي ضوء الإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن تحكِّم  القوىالتركية والكوردية موقفهما عند النزول للشارع الملتهب ومن ثمَّ ليتخذا موقفهما في ضوء هذه الوحدة العميقة الغور في وجدانهما وفي طباعهما المشتركة ليؤكدا تلك الوحدة وذياك التفاعل الوطيدين، سواء كان الذي نتحدث عنه من التيار العلماني أم الإسلامي فهما مكونان من مكونات المجتمع التركي والكوردي بطابعهما المشترك الموحد هذا...

كما يذكر الوجود المشترك حالات بنّاءة من العلاقات بين الطرفين وفضلا عن ذلك فإنَّ الأرضية التي يقبلها منطق العلمنة ليست تلك التي تزيد الفصل العنصري أو القومي المتشدد فتجارب الشعوب  ونظمها العلمانية حسمت هذا الأمر في ضوء تجاريب البشرية وحروبها الدموية العبثية التي أطاحت بكل إيجابي للبناء الإنساني ما جعل العظة الأكيدة هي في التفاعل الإيجابي البناء لا في غيره...

إذن لا الأساس الديني المشترك يدعو لغير ما ورد في النص الديني المقدس "وخلقناكم قبائل وشعوب لتعارفوا" أي لتتعايشوا وتتفاعلوا سلميا وهو أساس موجود في التكوينين التركي والكوردي. ولا الأساس العلماني يسمح بالشحن القومي والاستعداء على أساسه بعد تجاريب التاريخ البشري والحروب الكارثية البشعة التي حصلت في ضوء اتباع القوى المتشددة قوميا الشوفينية والعنصرية..

ونذكر هنا أن تركيا تتجه للانتساب للاتحاد الأوروبي. وهو الاتحاد الذي قام بديلا للاقتتال وقام للتآخي ولمحو الفواصل بين الشعوب والقوميات ووقف آثار التقاطع أو الاختلاف والحساسيات وأسباب الشقاق والحروب..

ومن هنا فإنَّ المنتظر من جماهير المجموعتين القوميتين الكوردية والتركية ومن قياداتهما الاجتماعية والسياسية أن يتوجها إلى أعمق أشكال التهدئة والانتهاء قطعيا من أي أسباب للشحن قصير النظر الذي لن يؤتي إلا الدمار ولغة الانتقام والثأر الدمويين وعلى مدى زمني بعيد.

فيما المطلوب ضبط النفس وتحريك قدرات منظمات المجتمع المدني للعمل السلمي ولتوكيد التوجه نحو أية حلول ليس من مفرداتها العنف والحلول العسكرية لا المفرطة ولا العادية.. وبها سيحظى التركي بموضوعية الرأي وبدولة قوية تقوم على الحريات والإخاء والكوردي سيحظى بالتأييد الأوسع بخاصة منه المضاف دوليا..

 

من جهة ثانية ما كانت أمة حرة وهي تستعبد أمة أخرى.. وتلك حكمة معروفة للبشرية وما استقرت أوضاع أمة وهي تستعلي على أخرى وتستغلها أو تتحكم بها وتلغي خصوصيتها.. وما  دام يوما سلطان أمة تستعبد أخرى.  وبثبات دوما تحررت الشعوب والأمم والقوميات من ربقة عسف العبودية قصر الزمن أو امتد...

إنَّ رفض الشوفينية والاستعلاء ينبغي أن يرافقه موقف مبدئي ثابت بالمساواة وبالاعتراف والعمل بمبدأ الإخاء وإقرار حق تقرير المصير لكل الشعوب على قدم المساواة وبالوضوح الكافي والتام. وفي وقت تُدافع الشعوب عن وجودها الوطني ينبغي لها أن تدافع بالحرص ذاته عن مكونات ذاك الوجود الوطني من أثنيات وقوميات ومجموعات دينية وغيرها...

والقوى الحية لدى الشعب التركي تحترم هويتها الدينية وتؤمن بمبادئها العلمانية ومسيرة التحديث والعصرنة التي تقوم على أسس الديموقراطية وفلسفتها في بناء الدولة ما يتيح أوسع جمهور يتعاطى مع احترام تعايشه مع الكورد من منطلق احترام حقوقهم وإنصافهم بتحقيق العدل والمساواة والإخاء..

وتلك من منطلقات تركيا الحديثة التي وُلِدت بديلا لأية أخطاء ماضوية ونهض بها أبناؤها بالأمس القريب ويسيرون بها اليوم نحو اللقاء الحضاري الجديد بالانتماء لعالم بلدان الديموقراطيات في أوروبا ما بعد الحربين الكونيتين...

وفي ضوء هذه المسيرة صارت طلائع الترك ترى في إقرار التعايش مع الكورد حقيقة تمهد للأشكال البنيوية المؤسساتية المناسبة لمثل هذا التعايش القائم على  تبادل الاحترام وحقوق الإخاء والمساواة بين الطرفين...

ومن هنا فإنَّ صوت هذه القوى يتحمل المسؤولية اليوم لكي يعلو في اللحظة الحاسمة المنتظرة وليس في أية لحظة أخرى مؤجلة. ومثلما يجري تجييش العسكر والتوجه لتحشيد القوى خلف قيادة تنتهج خطاب العنف والاحتراب ينبغي تحشيد مقابل لقوى السلم والتهدئة والوحدة الوطنية على أسس ديموقراطية ومن ثمَّ على أسلوب استخدام لغة الحوار ومناقشة السبل والأشكال المؤسساتية الكفيلة لمسيرة تركيا الأوروبية، تركيا التي تؤشر رقي مجتمعها وتعاطيه مع الديموقراطيات الوطيدة..

ولأن كل ولادة تحتاج لرعاية فإنَّ مسؤولية الإعلام الدولي وتحديدا الأوروبي والشرق أوسطي والقيادات في هاتين المنطقتين صارت اليوم من الضرورة ما ينبغي فيها دعم خطاب مسؤول للتهدئة ولمنع التمادي والتداعيات السلبية الخطيرة المحتملة جراء ترك الأمور تسير باتجاه الاحتقان..

وأول مسؤولية تكمن في وقف النفاق الدبلوماسي الذي يمنح القيادات التي تتعاطى مع الحلول العسكرية والعنف المفرط لحل المعضلة وتمرير إشارات الضوء الأخضر لتلك القيادات لتتورط في العملية العسكرية الدموية الواسعة.. من مثل أنَّ قوات التحالف وتحديدا الولايات المتحدة لن تتدخل بين طرفي النزاع(تصريحات أمريكية)  ومن مثل إنَّنا ندعم القيادة التركية وحسمها العسكري... (تصريحات إيرانية) وكلا الحالتين تفوِّت تلك المواقف في لغة مهمشة تتحدث عن الحلول الدبلوماسية دفعا وتغطية لجوهر التوجه وضوئه الأخضر للعنف...

وبقدر تعلق الأمر بالوضع العراقي المشحون والملتهب فإنَّ هذا يستدعي:

1.  موقفا رسميا واضحا وحاسما للأمم المتحدة من التوجهات التي تصر على لغة العنف المفرط.. وينبغي هنا أن يصدر بيان يعالج جذور المشكلة من أساسها فضلا عن الواجبات تجاه العراق الجديد وأوضاعه المخصوصة.. تحديدا منها في ضوء العلاقة بالأمم المتحدة...

2.  موقفا أوروبيا واضحا وصريحا من الحلول المطروحة من بعض قيادات تركيا العسكرتارية.. لا يسمح بالتمادي في أساليب العنف المفرط...

3.  موقفا منتظرا من جامعة الدول العربية مؤسسة رسمية إقليمية مسؤولة مع تفعيل للدور الإقليمي العربي من العراق ومن القضية الكوردية بعمومها في مختلف أرجاء وجود الكورد... يتظر لمخاطر الأوضاع حاضرا ولا ينسى التفكير اسلاتراتيجي المستقبلي في العلاقة بين الأمتين العربية والكوردية..

4.  تفعيل منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية التركية والكوردية وتنشيط فعاليات جماهيرية لمقابلة التحشيد السلبي بتعبئة موضوعية مناسبة..

5.  تتحمل قوات التحالف مسؤولية واجبة وقطعية في التصدي لأي اعتداءات وتجاوزات تهدد الحدود العراقية وتهدد أبناء العراق وكذلك تلك التي تهدد لجوء أنفس بشرية هاربة من مطحنة العنف وإرهاب الدولة أو التي ترفع مطالب إنسانية مثل حقوق البشر ومثل حق تقرير المصير لشعب وأمة بخاصة في ضوء اتفاقات دولية معقودة وعلى خلفية وعود رسمية جرى إغفالها فكانت هذه المشكلات الخطيرة..

6.  موقف رسمي للحكومة العراقية يتوجه لاستخدام كل الطرق المناسبة مؤسَّسا على مبدأ الدفاع عن أبناء الشعب العراقي بأطيافه وعلى رفض مبدأ التمييز بين مكونات العراق على خلفية أي تقاطعات بين القيادات السياسية...

إنَّ المشكل اليوم يقوم بين طرفين الأول يملك القوة والسلاح وخطاب العنف كما في بعض قيادات تدير الأزمة سواء من الترك أم من غيرهم ويقف مع هذا الطرف أو يساعده في نهجه كل حال التداعيات الأزموية وتصاعد لغة التحشيد والشحن الشوفيني العدائي وفوضى وارتباك الأوضاع في المنطقة [من مثل الإرهاب الذي يعصف بالعراق]  إلى جانب إعلام غير مسؤول في تعاطيه مع الأزمة مع قيادات ذات دبلوماسية منافقة تعطي الضوء الأخضر لعمليات عسكرية وعنف منفرط منفلت...

فيما الطرف الآخر يتمثل في أبناء شعوب المنطقة وقياداتها الحكيمة التي تتبنى بثبات لغة السلم والتهدئة ومنطق الحكمة والتفاعل الإيجابي ولكن هذه القوى بمطالبها الإنسانية والقومية المنصفة لا تمتلك في الأجواء الحالية إمكانات توجيه دفة الأمور ولكنها تمتلك فرصها للقاء وتوحيد الجهود وصبها فيما يخدم الحلول الصحيحة الصائبة التي تعالج القضية من جذورها وتنتهي من تداعياتها وتعقيداتها...

ومن هنا فإنّ جزءا مهما من الحل يكمن في:

1.   وقف التصريحات العلنية المتشنجة من أطراف النزاع كافة.

2.   الدخول في مفاوضات مبرمجة تستند لأسقف زمنية في التعاطي مع مفردات القضية..

3.   التعاطي مع القضية كونها قضية تركية داخلية. وأن العراق غير معني بها بشكل مباشر ومن ثمَّ وقف أية توجهات لفرض أية صيغة قسرية وبأية طريقة لتوريط العراق بالقضية..

4.   في إطار فلسفة ديموقراطية وضع حلول جوهرية للقضية الكوردية والتأسيس لعلاقة بصيغة مؤسساتية مناسبة مع كوردستان تركيا..

5.   صياغة اتفاقات وقرارات للعفو العام الحقيقي غير المشروط أو المحدد باستثناءات... والاعتراف الرسمي بحزب العمال الكوردستاني وبرامجه ومشروعاته ومقترحاته السلمية مقابل نزع سلاحه نهائيا...

6.   القبول برعاية دولية وتسجيل مسار الحل في إطار الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لكل من القضية الكوردية في تركيا وقضية الاجتياح التركي ووجود القوات التركية في الأراضي العراقية ومن ذلك أيضا معالجة وجود القوات الكوردية لحزب العمال في إطار الحل الشامل..

 

 

إنَّ قبول الطرف العراقي بكل مكوناته وتأكيده على الحلول السلمية وتجنب العنف والحلول العسكرية لا يعني أن العراقيين صاروا خارج إمكانات الدفاع عن أنفسهم حتى بوجود حال من الاختلافات السياسية أو التقاطعات بينهم أو حتى في ضوء ظرفهم الخاص من جهة الوضع السيادي أو من جهة مسائل وجود إمكانات عسكرية أو عدم وجودها عراقيا وعدم وجود نية أو رؤية مناسبة لدور القوات الأجنبية في التصدي لمسؤولية حماية الأرض العراقية..

ولابد من تذكر أن مصير أي مغامرة عسكرية لن يكون أفضل من مصائر الحروب العبثية التي جربتها البشرية ولم تجد منها غير الخراب ولم تجنِ سوى المآسي والعودة في النهاية لجادة الصواب ولكن بعد تضحيات وآلام ومجازر.. والعاقل والحكيم من يتخذ الطريق الأقوم والأسلم في التوجه إلى الحلول الأنجع المفيدة لجميع الأطراف الخيِّرة وأولهم شعوب المنطقة من ترك وكُرد وعرب...

ولابد من تذكر أنه مهما كانت ظروف العجز النسبي أو السلبية المؤقتة عراقيا أم عربيا فإن الوضع لن يستمر وهو يمتلك أرضية فعل وحركة إيجاب ليست بعيدة  عن الظهور المميز في استجابتها المؤملة..

وأول تلك التفاعلات سينعكس على أول لقاء بين دول الجوار في تركيا ذاتها كما سيكون له أبلغ الأثر على مستقبل التعاطي مع شرق أوسط جديد لا يقبل لغة الهيمنة ولغة إغفال الديموقراطية وحقوق الشعوب بخاصة في تقرير مصائرها...

والعبرة تبقى في وحدة مصير المنطقة ودولها وقوة أرضية حركة الشعوب وتنامي دورها في تحديد المسيرة وفي استخدام آليات السلم والحوار والانتصار لخطاب العقل بدل لغة العنف وموجته ممثلة في بعض برامج منظمات أو في إرهاب الدولة.. وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح ولابد من تنازلات الحكماء من أجل الخير والإنسان... ومن أجل تجنيب الشعوب مآسي احتراب القيادات والإدارات...

166
مديّات التهديدات التركية: الخلفيات، الدوافع، التداعيات والنتائج المحتلمة؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

19\10\2007

tayseer54@hotmail.com


 

 

 

تصاعدت التهديدات التركية بانتهاك السيادة الوطنية للعراق ومن ثمَّ تحميل العراقيين كوارث الاجتياح العسكري بحجج وذرائع مفتعلة تكررت باستمرار. والجديد في الأمر هو الاتفاق بين العسكر والساسة في تركيا وعلى أعلى المستويات، متمثلا في إصدار برلمان دولة [تركيا] قرارا لشرعنة اجتياح أراضي دولة أخرى [العراق]، كما في قرار البرلمان التركي بالخصوص...

ونحن هنا نود التوكيد على مبدأ السيادة الوطنية المكفول دوليا والذي تنص قوانين الدول وحقوق الشعوب على حمايته وعلى مسؤولية الحكومات الوطنية في الدفاع عنه كونه يمثل ركيزة مهام أية حكومة في الدفاع لا عن مبدأ السيادة نظريا بل ما يكمن فيه ويتضمنه من دفاع عن مصالح الشعب وحقوقه وأمنه في حاضره ومستقبله..

إنَّ أمر الدفاع عن السيادة الوطنية من الخطورة والأهمية ما يضعه في موضع الأولوية العليا حيث يجري تأجيل أية أمور مهما علت أهميتها لحين تطمين السيادة وتوكيد استقرار شأنها بشكل وطيد؛ فالتفريط بالسيادة ليس أمرا عابرا بقدر ما يعني ضياع وجود الدولة وسيادتها على أرضها وفقدان حرية الإرادة في تقرير شؤونها وبقطع النظر عن الخسائر المادية والمعنوية الجسيمة لاختراق السيادة فإن حاضر الوطن ومستقبل المواطنين لن يعود بأيديهم وسيساقون عبيدا لسلطان أجنبي جديد! بكل معنى العبودية من نهب الثروة والتحكم بمصير الناس أنفسهم بوصفهم تابعين أذلاء للجهة التي اخترقت السيادة.........

وفي الوقت الذي نؤازر فيه كل خطوة لأداء المهام والمسوؤليات الوطنية للحكومة العراقية فإنَّ ما نلمسه اليوم من ساسة حكومة المحاصصة الطائفية أنها تنكث العهد والقسم بالالتزام بالدستور وبتأدية المهام الوطنية المنوطة بها؛ فهي فضلا عن فشلها في توفير الأمن والأمان داخليا تؤكد ممالأتها لقوى إقليمية في التعدي على البلاد ومصادرة حقوق العباد.. ولقد كان لأطراف التنفذ في الحكومة سوابق بدأت في تبرع أحد [زعمائهم] بـ 100 مليار دولار تعويضات للسادة في طهران عند أول يوم جلس فيه على كرسي رئاسة مجلس الحكم ولم يُصدِر ائتلافه الذي يقود الحكومة أيّ بيان ولو لفظيا وعلى استحياء للهجمات الإيرانية على القرى والقصبات الحدودية العراقية قُبيل مدة غير بعيدة..

وهذا الائتلاف ممثـَّلا في شخص السيد رئيس الوزراء اليوم يتحدث بطريقة غير مسبوقة لمسؤول عام في دولة إذ بدلا من التصدي لعنجهية دولة جارة في اختراقها للسيادة وللقوانين الدولية وبدلا من التوجه إلى أضعف الإيمان والحلول بالذهاب إلى المجتمع الدولي، ينشغل باختلافه السياسي مع حليف له في الحكومة ويتحدث عن الكورد بنعرة استعلائية حسبما نـُقِل عنه [إعلاميا] وليس في الكواليس من "أنَّ الكورد لا يتذكرون أنهم عراقيون إلا في الأزمات!"...؟؟؟

ولو كان موظفا في دولة الواق واق قد صرح بهذا في لحظة تعرُّض سيادة دولة الواق واق لتهديد لكان خضع للمساءلة والتحقيق معه على ما يمثله هذا التصريح من مشاركة في تعزيز المخاطر عبر إبراز لغة الاختلاف في لحظة مقدسة لا يجري فيها الحديث إلا عن وحدة وطنية مطلقة لحين تجاوز الأزمة...

ولكن قيادة الائتلاف تأبى إلا أن تؤكد بُعْد قادتها وبرامجها عن إدارة الأزمات بطريقة موضوعية تخدم الوطن والشعب.. فساستها لا يملكون الخبرة ولا يخضعون لأداء حتى البروتوكولات الشكلية بالمحافظة على صمت على أقل تقدير بشأن الاختلافات في لحظات كهذه.. ولم يلجأ طرف منهم لاستشارة الخبراء والمتخصصين ولم يتركوا لهؤلاء فرص التصدي لمعالجة الأمور..

وحتى لو كانت قيادة أحزاب كوردية أو غيرها لديها توجهات وبرامج غير صائبة وتتعارض مع المشروع الفديرالي الوطني العراقي وحتى لو كانت القيادة الكوردية المنتخبة لإقليم كوردستان لديها برامج ورؤى أبعد من مُختَلَف عليها؛ فإنَّ الوقت ليس وقت مزايدة وليس وقت طرح مثل هذه الرؤى التي لا تمثل تصريحا إعلاميا عابرا بقدر ما تمثل نزعة وبرنامجا ميكافيليا في تعزيز لغة التضاغط لاكتساب حصة من الغنيمة في وقت لاحق مناسب لهذه الجهة أو تلك..

وتتكشف هنا حقيقة إمكانات هذه الشخصية أو تلك وهذا التكتل أو ذاك؛ ما يتطلب في [الوقت المناسب] بعد عبور الأزمة مراجعة التكليفات السياسية والوطنية العامة حيث لكل حادث حديث.. وحيث ينبغي مراجعة أسس التحالفات ومنطق إدارة الدولة العراقية وضوابط الالتزام بالمسؤولية وتنفيذ القانون على مَن يهددها أو يقصِّر بطريقة خطيرة فاضحة بحقها...

عليه فإن الواجب الوطني اليوم يفرض وحدة الرؤية في الالتزام القاطع والأكيد بمبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية العراقية ورفض أية تدخلات أجنبية من أيّ طرف كان ومهما كانت الظروف.

إذ أنَّ أي اتفاقية كما في الاتفاقات والتفاهمات التي أجراها السيد رئيس الوزراء ووزير داخليته مع الجانب التركي وأية تصريحات من مسؤول سيادي ستسجل على حساب العراق حاضره ومستقبله؛ وستصبّ في إطار تهديد سلامة أراضيه وأمن شعبه وسيجري فرض أجندات غير وطنية على أبنائه هذا إذا بقي العراق ولم تـُمَس وحدة ترابه وسيادته...

إنَّنا  نمتلك كل الخبرات والكفاءات والمؤسسات لمتابعة تنفيذ سلطة القانون وسيادة الدستور ما يتطلب متابعة مستمرة دائبة لمسار الأحداث من جميع أطراف المسؤولية وتحمل ما ينجم عن طريقة الأداء وتنفيذ البرامج وإدارة الدولة إدارة صحية صحيحة تمنع التهديد والتدخلات الأجنبية التي ليس لها إلا أن تزيد تعقيدات الأزمة العراقية...

إنَّ تصدي مسؤولين عراقيين لتبرير التدخلات التركية ومزايداتهم سمح لدول أخرى أن تتحدث عن مثل هذه التدخلات ونحن هنا مواطني العراق نحمِّل المسؤولية كاملة ورسميا لأية تداعيات ومخاطر تتهدد أبناء شعبنا ووطننا كما ندعو دول الجوار لتحمل مسؤولياتها في الحرص على سلامة العلاقات وحماية مبدأ الجوار وصيانة المشتركات والعمل على تجنيب المنطقة مزيدا من التداعيات السلبية في تهديد السلم والاستقرار فمزيد من عنف الأزمة العراقية يمكن أن ينتقل بطريقة سلبية غير مسيطر عليها بينما سيكون استقرار كل دولة من الإقليم تعزيزا لاستقراره وأمنه وتقدمه...

ولابد هنا من موقف رسمي للجامعة العربية وللمنظمات الإقليمية والدولية في التصدي لمسؤولياتها تجاه الشعب العراقي وتجاه التهديدات التي ستنجم عن حالة خرق سيادة دولة واختراق حدودها وتعريض أبنائها لمخاطر العمليات الحربية فضلا عن أشكال التدخل الأخرى...

إنَّ موضوع مكافحة الإرهاب والتعاون الدولي بشأن التصدي له ينبغي ألا يمرِّر خلطا للأوراق يغطي حالات مصادرة حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والحفاظ على السلم والاستقرار الدوليين وهو المبدأ الأسمى للتعاون الدولي المنشود.. وبشأن قضية حزب العمال العمال الكوردستاني يمكن أن نشير إلى أن الحزب نفسه قد شرع بتقديم عديد المبادرات السلمية التي تتخلى عن السلاح ورفض عمليات العنف وقد تمثلت تلك المبادرات في مشروعات سلمية للشعب الكوردي لا في الانفصال بل في التمتع بحقوقه الإنسانية المكفولة دوليا أسوة ببقية شعوب الأرض وأسوة بمكونات تركيا...

لكنَّ الردود من جانب القيادة التركية ظلت سلبية بل عنفية استخدمت كل أشكال القوة المسلحة لقمع القوى المطالبة بحقوق الكورد في تركيا.. فهل ستوجه القوى التركية المتشددة قوتها ضد الاتحاد الأوروبي الذي يطالبها بنفس المطالب الكوردية في تحقيق مبادئ الديموقراطية؟ وهل ستوجه عنفها ضد المجتمع الدولي الذي يطالبها بتحقيق إرادة المجتمع الإنساني في عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار من قبرص حتى العراق ومرورا بسوريا وليس انتهاء بالجوار؟!! وما الموقف الإقليمي والأوروبي والدولي  من هذه السياسة المتمردة على الشرعية؟

 

والمشكلة الحالية قبل ذلك وبعده تكمن في قبول مسؤولين عراقيين لتشخيص قوى تركية لطبيعة حزب العمال ومطالبه: وهي مطالب فرضها منطق القانون الدولي وحقوق الشعوب  وهي كذلك مطالب تفرضها شروط الاتحاد الأوروبي في الديموقراطية وقرارات المجتمع الدولي في عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى التي ظلت مغفلة مهملة من تركيا...

ومن هنا يلزمنا في إطار الأزمة حاليا بقدر تعلق الأمر بالعراق توكيد فهم جذور القضية القائمة بعيدا عن الأجندة السياسية لمسؤولين عراقيين بعينهم، حيث أجندة هؤلاء الساسة المحليين أما متعارضة مع المصالح الوطنية ما يسمح لهم باستغلال الظرف الوطني الخطير لتضاغط محسوب من أجل تحقيق أهداف فئوية أو حزبية ضيقة أو أنها لا تدرك قراءة الأمور لقصورها ووقوعها بما يتعارض مع الدستور العراقي والقوانين الدولية...

فحتى لو افترضنا إرهابية الطابع لحزب العمال فإن المنطق والقانون لا يسمحان بتعريض المواطنين العراقيين لمزيد من المذابح والتقتيل والاستباحة ومنطق العنف والقوة المسلحة المفرطة تحديدا، كما يحصل في طبيعة تجييش القوى التركية وحجمها النوعي الضخم واستخدامها للأسلحة المحرمة وقصفها للمناطق المدنية وللحقول والمصانع وتأزيمها للأمور أكثر مما هي عليه وإشعال آخر منطقة آمنة في العراق...

إنّ أيّ مواطن عراقي إذ يقف اليوم مصطفا مع أخوته بجميع الأطياف والقوى ويشدد على التكاتف مع أية جهود لتجنيب العراق وشعبه مخاطر التهديدات فإنَّه أيضا يرفض مثل تلك السياسة التي تسترخص حيوات الناس وتهمل حقوقهم ويجدها تتمادى لأبعد من التضحية بالسيادة الوطنية لتتجاوز كلَّ الخطوط الحمر؛ وهذا المواطن ومعه كل أنصار السلم وحقوق الإنسان لَيُحمِّلون المسؤولين الحكوميين اليوم عما ينجم عن أيّ اعتداء على العراقيين وعلى العراق ويحتفظون بحقوقهم في الوقت المناسب للتقدم أمام المحاكم الدستورية الوطنية والدولية المختصة بشأن ما يترتب على هذا التوجه العنفي من مخاطر..

وعليه فلابد هنا من قراءة الأزمة التي يجري تصعيدها من الجانب التركي من جهة كونها تتعلق بخرق فاضح للسيادة الوطنية العراقية وباستخدام مفرط للقوة ينتهك الشرعة الدولية وقوانينها كما يتعرض لمواطنين مسالمين آمنين في حيواتهم وممتلكاتهم مثلما يعرِّض منطقة آمنة لتهديد استقرارها النسبي وهو ما يُشعِل فتيل نزاعات محلية من نمط مخطط له عبر أدوات أخرى، هذا إلى جانب كونه لا يحل المشكلة الأصل في حقوق الكورد وتطلعهم لمستقبل أفضل...

والإشارة هنا تكمن في التهديدات التركية عبر محاولات ترحيل أزماتها الداخلية ومقايضة أمور بعينها في مقابل شروط دولية معروفة ومن ثمَّ ولوجها في مطالبات متكررة بما تسميه ولاية الموصل في محاولة لمواصلة قضم عدواني لأراض عراقية مثلما فعلت سابقا مع العراق ومع سوريا وغيرهما.. وهي في مفردة أخرى من الأجندة التركية محاولة لفرض رؤيتها في قضية داخلية عراقية تخص موضوع الأقاليم والفديرالية وطبيعة تركيبها، وهو أمر يقرّره أبناء الشعب العراقي ومكوناته وأطيافه المتحدة..

ومن الطبيعي أن تعتمد مفردة التدخل الخارجي [التركي] على الدفع باتجاه افتعال الاختلافات بين الأطياف العراقية وتزلفها وادعائها الدفاع عن طرف بعينه [المقصود هنا التركمان] وتحميل مظالمه برقبة أخوته من العراقيين الآخرين. فيما يجد العراقيون جميعا ومنهم التركمان أنَّ الأولويات العليا عندهم تكمن في وحدتهم الوطنية وسيادتهم واستقلالهم الوطني وكذلك في احترام أوطد العلائق الوطنية العراقية وأمتنها بين مجموع الطيف العراقي الذي يحدِّد بنفسه وعبر مفكريه وساسته الوطنيين وقادته ما يريد وآليات تحقيق ما يصبو ويتطلع إليه حيث قوى شعبنا ليست قاصرا في قراءة أمورها وإدارتها بأفضل السبل...

ومن زاوية أخرى تبقى قضية إدانة حزب العمال في أنشطته بحاجة لمراجعة موضوعية هادئة إذ القضية تعني المعادل الموضوعي للشعب الكوردي في كوردستان بتركيا ومطالبه الإنسانية المشروعة وتكمن في الحلول والمشروعات السلمية التي تقدموا بها باستمرار فيما القوة التركية المفرطة هي التي دفعت وتدفع لردود فعل تضعها بعض القوى في خانة الإرهاب فيما جوهرها لا يكمن إلا في التحرر القومي وحق تقرير المصير المكفول في القانون الدولي وفي الاتفاقات التي انعقدت بُعَيْد الحرب الكونية الأولى ومرحلة قيام الدول المعاصرة الحديثة ومنها دول المنطقة تحديدا...

إنَّ أفضل الحلول اليوم لهذه القضية تكمن في توجه العراق إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لما يمثله اجتياح القوات التركية أو التلويح المتكرر به من انتهاك لا لسيادة دولة بل من تهديد لأمن المنطقة والعالم ولما سيجره من أزمات وحروب من أقل تداعياتها ضحايا بشرية ومادية لا تعوَّض وحرق لكل ما سنـَّته البشرية من قوانين وشرائع..

على أن يجري تشكيل لجنة دولية تدرس الملف كاملا ومن جميع جوانبه حيث حزب العمال ووضع اللاجئين إنسانيا إلى الأراضي العراقية من مواطني تركيا الكورد ومطالبهم كافة من جهة وموقف القيادة التركية وتهديداتها وخرقها للمواثيق والقرارات الدولية. لينتهي المجتمع الدولي إلى حلول وقرارات نهائية تستجيب وتنضوي لخيمة الشرعة الإنسانية والقوانين والقرارات الدولية...

 

أما عراقيا فإنَّه من غير الصائب فتح أية مفردة في الأجندات السياسية غير مفردة أمتن وحدة وطنية وأبعد اصطفاف بين جميع القوى المخلصة والمسؤولة وينبغي هنا أن يجري التشاور بين العراقيين كافة في القيادات السياسية وأولهم مسؤولية مجلس الأمن الوطني والتئامه العاجل لتوحيد الرؤية في معالجة الأزمة المفتعلة من الجارة تركيا..

وينبغي هنا شجب القرار التركي الذي يستهين بالعراق ويتدخل في شؤونه ويخرق سيادته مثلما ينبغي قراءة الأمور عراقيا بخاصة بشأن وجود لاجئين من كورد تركيا دفعتهم القسوة المفرطة والعمليات الحربية التركية للجوء إلى الأراضي العراقي.. مع تطبيق مبدأ عدم انطلاق أية فعاليات مسلحة [إرهابية] من الأراضي العراقية ضد دول الجوار... على ألا يتعارض ذلك مع قراءة طبيعة حركات التحرر القومي والديموقراطي السلمي ومساندة مطالبها كما تفرض ذلك علينا الشرعة الإنسانية والقانون والقرارات الدولية والدستور العراقي ذاته...

وفي هذه اللحظات يلزمنا إبراز كل ما هو إيجابي لدى مجموع الأطراف العراقية من أحزاب سياسية وقوى مجتمع مدني ومن مسؤولين وقيادات حكومية.. وسيكون واجب دعم كل خطوة بنَّاءة إيجابية لأي طرف أمر منتظر من الجميع حيث ينبغي تأجيل الحوارات والسجالات والصراعات الأخرى لصالح دعم رؤية وطنية موحدة تعنى بالعراق وبحقوقه ومكانته وسيادته ووحدة ترابه...

وبالتأكيد سيكون تأجيل أمر داخلي لحساب لحظة الدفاع ضد التهديدات الخارجية مسألة مؤملة لا تعني إلغاء ذلك الأمر ولا تعني إهماله أو تهميشه ورفعه من مفردات الأجندة الوطنية.. ولكن الأولويات تفرض ترتيبا منطقيا لن يتقاطع مع ما للعراقيين جميعا من حقوق محفوظة في كل مجالات الحياة...

ويبقى على هذه الكلمة أنْ تسجل احترامها لكل المواقف الوطنية السديدة من مختلف الأطراف بلا استثناء وأولها شعبنا في كوردستان العراق وقياداته السياسية - حيث نقطة التماس الساخنة -  في توكيدهم على الوحدة الوطنية العراقية في هذا الظرف الدقيق ونحن جميعا ندرك سويا أن بروز مطالب وحوارات في شؤون بعينها في مرحلة معينة لا يعني أن هذا الطرف  قد أغفل أو نسي أمر الانتماء للعراق بقدر ما يعني كون لكل مرحلة موضوعاتها ولكل حادث حديث؛ وأن مجموع الطيف العراقي يحترم انتماءه وهويته الوطنية العراقية ويحرص على ممارسة وجوده الوطني على وفق أفضل السبل وليس مصيبا الضرب على وتر يقع خارج الهوية الوطنية... ونبقى سويا اليوم ودائما في وحدتنا الوطنية ووحدة وجودنا ومساراتنا الوطنية....

167
العراقيون بين الفديرالية والتقسيم

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

05\10\2007

tayseer54@hotmail.com

 

تطلع العراقيون بُعَيد سقوط الدكتاتورية إلى بناء عراق جديد تُحترم فيه المواطنة ويُعاد العدل في ميزان مكوناته وأطيافه من مختلف المجموعات القومية والدينية والمذهبية والسياسية، وقد جاء مبدأ الفديرالية حلا موضوعيا توافق عليه العراقيون وسجلوه دستوريا وسيلةَ َ حضارية لدولة عراقية جديدة في بنيتها ووسائل تنظيمها وبنائها ديموقراطي الاتجاه...

غير أن هذا المبدأ الدستوري أقصد "الفديرالية" يظل بين أجندتين متناقضتين هما: الأجندة الوطنية التي تسعى لتلبية تطلعات المجموعات القومية والدينية لما يعزز مسار تعايشها السلمي البنّاء وهو الأمر المتوافق عليه عراقيا؛ والأجندة الأجنبية ذات الطابع الذي يستهدف أمورا تتقاطع تناقضيا مع طموحات مكوِّنات المجتمع العراقي، المرفوض من شعبنا ومن قواه الوطنية السليمة..

وقد جاء أمر تقسيم العراق [فديراليا؟] في قرار مجلس الشيوخ الأمريكي ليصب الزيت في نار التعقيدات الجارية بالخصوص من جهة وجود قوى محلية مدعومة إقليميا تسعى لمثل هذا النموذج الموصَّف في القرار الأمريكي.. 

لقد كانت استجابة القوى العراقية للقرار متباينة ولكن أغلبها صبَّ في التعاطي معه من منطلقات تلك القوى وأهدافها وقلقها من تداعيات الأمور راهنيا ومستقبليا.. ومن هنا فقد عبرت شخصيات عن دعمها للقرار أما قلقا من تفويت الفرصة للتوكيد على مبدأ الفديرالية ولخلفية عدم توافر الثقة الكافية في احتمال تراجع أطراف عراقية أخرى عن مبدأ الفديرالية المثبَّت دستوريا أو تعبيرا عن محاولة تفعيل موقف دولي محدد من قضية مستقبل العراق ومبدأ الفديرالية فيه في ضوء ضغوط إقليمية سلبية معادية للفديرالية في كوردستان تحديدا كما في الموقف التركي...

ومع تفهم تام للقضية الكوردية ولإقليم كوردستان ولأهمية الاستجابة الثابتة لحقوق الشعب الكوردي في تقرير مصيره وفي خياره الاتحاد فديراليا في الدولة العراقية فقد جاءت تصريحات بعض الشخصيات الكوردية وترحيبها بقرار الكونغرس منصبة على الحالة الكوردستانية من جهة ومؤكدة على مبدأ الفديرالية مع تجنب الحديث عن مسألتين: كون المشروع يُدرس في مؤسسات دولة أجنبية بما يفضي لمنطق تبعية وتوكيد انتهاك سيادة دولة من دولة أخرى يجب على وفق القانون الدولي ألا تُجري أية تغييرات على الأرض حتى خروجها من البلاد.. والمسألة الأخرى تكمن في تجاوز خطورة استخدام مصطلح التقسيم [تحديدا الطائفي الخلفية] بتفريغ مبدأ الفديرالية من محتواه وآلياته لصالح فرض قسري للتقسيم ميدانيا بكل ما لحال التقسيم من قوى تنتهز الفرص لتمريره وهي المدعومة إقليميا والممتلكة لأرضية الأزمة العراقية الناشبة مخالبها في واقعنا الراهن...

ومن المهم هنا أن نؤكد تسجيل جملة ملاحظات بخصوص مسؤولية الطرف الأمريكي [والقوى الدولية المعنية بوجود القوات الأجنبية في العراق كالأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية] عن الحفاظ على سلامة الدولة العراقية ووحدة ترابها الوطني ومنع تمزيقها أو تعريضها لمشكلات أمنية تمس سيادتها وقيم الشعب ومبادئه وأساليب عيشه وخصوصيته في هويته... فالقوانين الدولية تمنع قوات الاحتلال من أية تغييرات على الأرض أيا كان نمطها...

وسؤالنا هنا: في أيّ بنود القانون الدولي ناقش الكونغرس الأمريكي قرار سيادي عراقي؟ وهذا هو الاعتراض الأبرز أسبقيةَ َ على القرار الذي كنا أشرنا لضرورة عدم إغفاله من أي طرف عراقي عند التفاعل مع القرار. بمعنى وجوب رفض تطبيع التدخلات الأجنبية وتعزيز ممارسة السيادة الوطنية العراقية من جميع مؤسسات الدولة العراقية والقوى السياسية والزعامات العراقية المعنية بالخطاب الرسمي...

الأمر الآخر يتعلق بتساؤلنا عن درجة معرفة الجانب الأمريكي أو أي طرف أجنبي لطبيعة المجتمع العراقي ومكوِّناته ودراسة هويته المخصوصة والتداخل والتفاعل بين هذه المكونات القومية والدينية.. ومن الواضح أن قرار الكونغرس يعكس الإجابة التي نشير إليها عندما يفرِّغ الخيار السيادي الوطني العراقي لمبدأ الفديرالية ويعيد تحميله بمضمون  التقسيم على أسس طائفية عرقية من دون أنْ يلاحظ بوضوح كافِ ِ أن نسبة 35% من العوائل العراقية تتشكل من زوجين أحدهما سني المذهب والآخر شيعي وأن نسبة مماثلة أخرى تتشكل من المذهبين حيث العشيرة الواحدة فيها قسم شيعي وآخر سني أي أن أكثر من ثلثي [الأغلبية السكانية] أي المسلمين بمذاهبهم المتعددة يشكلون تداخلا عائليا أو قرابيا لا يمكن بداهة تفكيكه بين التقسيمين الجغرافيين واحد للشيعة وآخر للسنة.. على أساس أننا لن نتمكن من إرسال الزوج لإقليم والزوجة لإقليم آخر أو أن نبحث عن تأشيرات إقامة لكل منهما على أساس التبعية الزوجية أو نحل مشكلات اقتصادية وإدارية من أمور الملكية وما إليها من خيالات سيجرها قرار التقسيم المتوهَّم إيجابيته؟؟

إنَّ الصراع الجمهوري الديموقراطي أمريكيا أو حتى داخل المعسكر الأمريكي الواحد للخروج من أزمة استمرار الحاجة لوجود قوات أمريكية لحماية الأوضاع الملتهبة المتدهورة في العراق، يمكنه أن يضع ما يضع من تصورات وخطط للوضع العراقي المأزوم؛ لكنه لا يمكن أن يعبِّر بالضرورة عن الحلول المثلى للأزمة العراقية... وأنه للوصول إلى حل يمهّد لخروج القوات لابد من العودة لإرادة الشعب العراقي ومؤسساته الدستورية السيادية وقراءته الصائبة للأمور... وبالمناسبة لو لم تكن الويلات المتحدة الأمريكية توجد داخل العراق بكل ثقلها العسكري لما كان لأمر ما يدور داخلها تجاهنا مطلوب التفاعل معه بكل هذا الحجم ولكن مناقشة أمر التقسيم وإن كان غير ملزم لا يمكنه أن يمر من دون تعبير صريح وشديد اللهجة من جانب العراقيين أيا كانت التغطيات التي يمرر بها مثل هكذا قرار خطير...

مؤكدين مجددا أنّ حلّ التقسيم [المطروح باسم الكونغرس الأمريكي أو باسم أطراف فيه] يحاول اكتساب شرعيته بتسمية أو غطاء الفديرالية يتناسى أو يغفل وحدة المجتمع العراقي ومكوناته وأنَّ هذه المكونات ليست في حال من الاحتقان والتصارع كما يحاول بعضهم تصويره وما كانت يوما كذلك. وأن الحقيقة تكمن في فرض طبقة سياسية تعيش حالة الاصطراع على خلفية برامجها تلك التي فرضت قسرا نظام المحاصصة الطائفي الأثني وهي التي تعمل ليل نهار على ضرب وحدة النسيج العراقي ولكنها لم ولن تستطيع ذلك على الرغم من مسلسل حملات متصلة للميليشيا الطائفية التي تسطو على الأوضاع وتعمل على التطهير العرقي الطائفي للوصول إلى فصل تام يحقق لها نوازعها التي تعبر عن برامجها تلك التي دهورت الوضع ففشلت في حل القضية العراقية وفشلت في الاستجابة لمطالب الشعب العراقي بكل مكوّناته بضمنه المكون الطائفي الذي تدعي هذه القوة أو تلك الدفاع عن تطلعاته... ومن ثمَّ فالحل ليس في التقسيم بل في نزع فتيله بإزالة سطوة تلك الطبقة الميليشياوية العنفية في الجنوب والوسط العراقيين...

ونحن العراقيين جميعا، بناء على هذا الفشل في البرامج التي تعمل على فرض رؤيتها الطائفية التقسيمية لا يمكننا القبول بفديرالية مفرغة من محتواها ومعبأة بمضامين مختلفة نوعيا عن  آليات الفديراليات المعروفة في التجاريب الإنسانية الكلاسية والمعاصرة؛ الفديرالية المعبأة بنقيض طبيعة المجتمع العراقي والمتعارضة مع تطمين حاجات نسيجه الموحّد، ومن ثمَّ التي لا تستجيب لتحقيق مطالب مكوناته ومصالح الشعب بكافته..

وإلى جانب كل ذلك سيكون لإضعاف أو تفتيت العراق بين كانتونات منفصلة أثره على تسهيل التدخلات الإقليمية والدولية فيه وعلى توفير أرضية تقسيمه ومن ثمَّ شرذمته إلى دويلات تمهّد لحرب أهلية عبر تمكين البرنامج الطائفي المتطرف من الواقع العراقي الأمر الذي سينعكس على منطقة الشرق الأوسط بتوازنات إقليمية خطيرة تتبادل الآثار السلبية المدمرة للأمن والاستقرار ما يهدد السلم العالمي وإثارة أزمات خطيرة على مستويات السوق والاقتصاد الدوليين والتبادل التجاري المحلي والدولي بخاصة بشأن الإفادة من الثروات النفطية لصالح شعوب المنطقة والشعب العراقي تحديدا... وهذا وحده سبب كافِ ِ للولايات المتحدة إذا ما أرادت البحث عن فرصة لخروجها المبكر من العراق أن تلفت إليه لتتأكد من أ، التقسيم ليس مقدمة لخروجها بل مقدمة لتورطها في مستنقع خطير من الفعاليات المتفاقمة خطرا عليها وعلى البلاد والمنطقة...

 

عليه، لابد للعراقيين من تأكيدهم على الأسس الآتية:

1.    استقلال العراق ووحدته وسيادته ومنع التدخلات الإقليمية والأجنبية في خطاباتهم الوطنية وتوجهاتهم كافة وفي بناء علاقاتهم مع أية أطراف غير عراقية...

2.    بناء جسور الثقة الوطيدة في توكيد الاعتراف بفديرالية كوردستان ومبدئية وجودها وتطويره وتمكين إقليم كوردستان من الحقوق الدستورية الصريحة الصحيحة الثابتة بتطبيق الفقرات التي مازالت تنتظر التنفيذ والحلّ...

3.    التوكيد على أنَّ مبدأ الفديرالية أمر دستوري يجري تنفيذه على وفق متطلبات الواقع والظروف الراهنية القائمة وليس على وفق أرقام حسابية لتواريخ تـَسقط قدسيتـُها عندما تتعارض مع مصالح الشعب وفئاته.. فالخطأ ليس في المبدأ المتوافق عليه ولكن الخطأ أن يوضع الأمر الصحيح في موضع غير موضعه أما بسبب الصيغة أو الآلية كما في مقترح الفديرالية الطائفية وهي الصيغة التي تعني في جوهرها وحقيقتها العودة لدويلات الطوائف التي انقرضت تاريخيا ولكنها آلية قوى بعينها لاختراق الوضع العراقي وشرذمته وتقسيمه؛ أو بسبب من اختيار التوقيت غير الصحيح بالعمل على تنفيذ فدرلة العراق في وقت يحتاج لمعالجة أولويات أخرى أصلح لتعزيز مسيرته وبناء مؤسسات دولة العراق الجديد بدلا من العمل بآليات وأسقف زمنية لا نظر للواقع ولمصالح العراقيين الحقيقية...

4.    الالتفات إلى أهمية إصدار البيانات المناسبة التي تنظر إلى الأمور باستراتيجية وبُعد نظر وحذر من الوقوع في لبس الخطابات بما يثير التشاحن والاحتقان ومن التطرف الذي يشطر المواقف بين الأطراف فيُباعدها ويمهد لمخاطر أكثر مما هو جارِ ِ..

5.    الحذر التام من الوقوع فريسة الاختلافات المؤسسة على الافتراضات وحالات التوهم وانعدام الثقة بينما المطلوب اليوم مزيدا من التلاحم والوحدة والتنسيق إن لم نقل تسامحا ومصالحة وطنية ثابتة الجذور لتفعيل مسيرة وطنية سليمة...

 

وبعامة فإنَّ هذا الموضع بحاجة لمناقشات جدية أوسع تفصيلا نظرا لما يشكله من مخاطر مهولة على مستقبل العراق والمنطقة بخلاف ما تطلع إليه العراقيون وما عوّل عليه جيرانهم من أهمية وجود عراق قوي يمثل المدخل لتوازنات إقليمية مطلوبة...

168
منع المسلسلات والأعمال الفنية والإرهاب الفكري التكفيري؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أستاذ الأدب المسرحي \ ناشط في حقوق الإنسان

04\10\2007

tayseer54@hotmail.com

 

بين الفينة والأخرى يُنجز المبدعون عملا فنيا سواء كان مسلسلا إذاعيا أو تلفزيونيا أم فلما سينمائيا أم مسرحية أم عرضا غنائيا وما أن يتجهون إلى التقديم والعرض حتى تجابههم أسياف المنع والحظر لأسباب ودواع غالبا ما لا تجد لها أي أساس من الصحة والصواب.

أتذكر يوم كان المسرحيون العراقيون يقدمون نصوصهم أو يتقدمون بالعروض شبه الجاهزة فيقمعهم الرقيب الرسمي من منطلق هذا لا يساير فكر هذه الحكومة أو ذاك القائد الهمام أو أنها ليست في وقتها حيث الحكومة منشغلة بمعاركها القومية البطولية؟!!

وأتذكر أن فلسفة الرقابة الرسمية لم تترك عملا فنيا يمر سواء كان عربيا أم أجنبيا من دون مقص الرقيب الذي يعمل مخيلته المريضة فيجعل من تحفة فنية أوصالا مقطعة لا تنتمي للأصل الإبداعي الذي أراد لها مبدعوها أن تكون خلقا جماليا يعيد تنظيم الأذهان ويمتعها بما أتى به، فكنّا لا نرى العمل الإبداعي بل صورة مشوهة منه تأتينا على وفق [رحمة] المقص وتخيلاته وأوهامه!

وعادة ما يكون موظفو الرقابة من أولئك الذين لا يتمتعون بمؤهل أكاديمي علمي أو إبداعي فني ولا هم من الطبقة المتعلمة بقدر ما هم شرطة فكرية سياسية تتبع أجهزة الأمن السياسي للسلطة الحاكمة.. وما يهمها في المقام الأول واسبقية أحكامها تتأسس على منع التعرض للحاكم أو حكومته وأبواقه الدعائية وماعدا ذلك فليحنرق المجتمع...

اليوم، تتصاعد مجددا وسنويا هذه الحملات التضليلية متكئة على حيطان الأحزاب الدينية طائفية التوجهات وعلى طبالي تلك القوى المتطرفة وسلطتها ذات الجوهر الظلامي وطبعا مسوِّقة أفكارها في أوسع الأدوات الإعلامية انتشارا بالاستناد إلى إمكاناتها المالية وطاقاتها التعبوية اللوجستية...

إنَّ المتتبع لما جرى التعرض له محليا وعربيا وعالميا سيجد أن أغلب المحظورات كانت متعلقة بمنع أية معالجة فكرية جمالية مختلفة وأن المنع والحظر يجري بالاستناد إلى تزييف الحقائق وتأويل الأمور بطريقة مشوهة عمدا مع سبق الإصرار..

وهكذا صار الناس تحت سيف الترهيب الفكري عبر استغلال القدسية وإسقاطها ادّعاءَ َ وتضليلا على شخوص هم بشر مثلنا أو على أمور دنيوية من حياة الإنسان ومفردات يومياته العادية بالقول: إنَّ هذه الفكرة أو ذاك المشهد يهين قدسية بعينها وهم فوق ذلك يطورون هجومهم بالقول: إنَّ الأمر يتعرض لأكثر من مليار متدين أو مؤمن..

وفي جانب القدسية معروف ألا قدسية لغير المطلق الخالق وأنَّ إسقاط  القدسية على البشر أمر يدعو للسخرية ومحاولة لاستغفال البسطاء بخاصة ونحن نطلع على النص الديني الذي يقول: "إنَّما أنا بشر مثلكم" والذي يقول: "لِم تحرمون ما أحلّ الله" وكما في " وأمرهم شورى بينهم" بما يفيد ألا عِصمة للبشر...

وبما يفيد أنَّ حرية الرأي والمراجعة مكفولة وبما يفيد ألا نتوقف عند حال بعينها وألا نلغي الاجتهاد والتجديد وألا نوقف إِعمال الفكر بالمعنى العقلي الرشيد السديد.. وهكذا فلا يمكن لنا أنْ نقبلَ أن يكون جاهلا أو نصف متعلم المفتي الذي يمنع ويقطع ويحظر علينا أمرنا فكأنه الممثل الوحيد للمقدس على الأرض؟!

ولا يمكن لنا أن نترك الميدان واسعا لشخوص نكرات يظهرون على التلفاز قائلين: إنَّ الفلم الفلاني أو المسلسل العلاني ممنوع لأنه يمس مشاعر هذه الجماعة أو تلك على وفق تقويماتهم المشوهة فيكون كل فريق العمل الإبداعي فكريا وجماليا على خطأ وضلال وهذا النكرة نصف المتعلم السيف المسلط والرقيب الأريب!

ينبغي لنا في الوقت الذي نتعامل مع مختلف الرؤى والمعالجات بروح منفتح موضوعي يستوعب  الاختلاف ليصل إلى الأرجح والأصوب، ينبغي لنا أن نتصدى لمن يتحدث ومكانه ومكانته علميا وفكريا وحتى إذا امتلك خلفية ومكانة فعندها يمكننا الموازنة بين رأي الفرد ورأي الجماعة وبين رأي عالِم واجتهاده وآراء علماء واجتهاداتهم فيكون موقفنا مبنيا على موازنة عقلية حكيمة!

إنَّ أغلب حالات المنع الأخيرة التي جرت كانت في ضوء استباق فردي وتأويل وتمحك وكانت تنطلق من غرف معتمة للأحزاب الدينية الطائفية أو الجماعات المتشددة المتطرفة ولم تصدر عن جهات يُحتكم إليها وإلى رأيها الرشيد...

وطبيعي أن تكون تلك المنطلقات تأسياسا دعائيا لتلك الجماعات والأحزاب وتمكينا لها من خلق أرضية لا إرهاب شخصية متنورة مبدعة ولا الوقوف عند حجب عمل مجموعة من المفكرين والمتخصصين المبدعين بل إرهاب المجتمع نفسه ومنعه من حقه في المتابعة والتدارس الأمر بنفسه وتقرير ما يراه صائبا صحيحا وصحيا من غيره وطبعا التعامل مع المجتمع لا من فوقية وباستصغار بل وبملكية واستعباد للمجتمع ومصادرة لحرياته وبتكفيره وإخضاعه لسوط بل سيف بل قنابل الموت الإرهابية!!!

هذه هي مكامن ما يجري من عمليات منع بعض المسلسلات والأفلام، وتلك هي الأهداف الحقيقية بينما نحن نجدها سهلة أن نلغي هذا العمل أو ذاك ونتدخل رسميا وعلى أعلى المستويات لتنفيذ مثل هذه المصادرة وهذه الأعمال التكفيرية من دون مراجعة لخلفية الأمر بسعة وتمعن وتدبر كما يوجب النص الديني المقدس الوحيد وليس كما يفرض دعاة التضليل السياسيون في وجودهم ومصالحهم المعتمرون لطاقيات التخفي الديني كما يوهمون الناس في برامج أحزابهم..

 

المطلب الشعبي الحقيقي الذي نعبر عنه بأعلى صوت وأوضحه وأكثره تعقلا هو توسيع دائرة حرية التعبير وحماية العلماء والمبدعين والمفكرين من غلواء التطرف والتشدد وهجمات زعران الأبواق  الإعلامية للجماعات التي باتت الخطر الأول الداهم على البشرية اليوم، فإنَّما الدين الوسط و لا غلو في الدين فلماذا نمكّن أولئك المتطرفين أكثر من السطو على الناس ومصادرتهم واستلابهم حرياتهم وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!!

إنَّ ما يجري من التعرض للفنانين ولإبداعاتهم يجري في ظلال مخططات استراتيجية بعيدة لقيادات التطرف ومن وراءهم حيث يمعنون في تعتيم الأجواء باتجاه تلك الجماعات بأدوات أبواقها من أنصاف المتعلمين الذين لا يحملون حتى شهادات مدرسة دينية أو بفملسف متعلم مدفوع الأجر أو صاحب توجه متشدد!!

لنبدأ حملة تنويرية جدية مسؤولة وندافع عن الإبداع الفني الجمالي الذي ما أنزل الله به من سلطان تحريم أو حظر.. ولندافع عن حرية التعبير وحرية الفكر والاجتهاد بما يسير بنا في ظلال العقل ومنطقه لا في ظلال العتمة وظلامها..

وإذا كانت الآية تذكرنا بـ "إنَّما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ" فهذا يعني أن نتبع العلماء لا الجهلاء والتقية وافيمان تأتي مع العلم وأهله.. وأنْ نعمِّر الأرض وأن نجني ثمارها ونستمتع بالحياة فذلكم أيضا من أوامر النص الديني المقدس ولا يحظره علينا نص أنصاف المتعلمين أو نص المتشددين المتطرفين...

وتوكيدا لابد أن ندافع عن الإبداع والفن والجمال وأن نحمي التفكير الإنساني بكفالة حريته ومنع مصادرته ووقف أولئك الضلاليين الذين لا يريدون إلآ مزيدا من استلابنا واستعبادنا لمصالحهم الدنيوية الرخيصة بظلال محاولاتهم إسقاط القدسية على تصرفاتهم وفتاواهم وما لأحد منهم حق الافتاء!؟

أيها السادة لكل أمر قواعد وثوابت وأوامر ونواه فهل نريد لأنفسنا أن نضيع الأصول ومنطق العقل وصحيح القراءة للنص الديني وصحيح الموقف من احترام شخصية فيما الجلال والقدسية لا نسقطها على أحد إلا الواحد الخالق ولا غير...

ومن هنا فإنني أدعو لمراجعة قرارات وقف عروض المسلسلات ومراجعة الأمر مع الأفلام والمسرحيات ومع عديد من الأعمال الفنية الصحيحة ولنبدأ حملة التحرر والانعتاق من فكر التشدد والتطرف ومن سلطة كهنوت  الأدعياء وهم بعض أنفار لا غير قوتهم في التضليل وفي الظلامية والمرور في ظلال العتمة وفي استغلال الجهل والتخلف وفي استغلال مشاعر الناس وعواطفهم وفي استغلال إيمانهم الحق بإيهامهم عبر تأويلات وتشويهات وهكذا لابد من تلك المراجعة العقلية العتيدة المؤملة..

ومن الطبيعي أن يكون التصدي مؤازَرا من المجتمع ومن المفكرين والمبدعين والعلماء وأن يجد كل عمل طريقه للحياة لنعمِّر ذواتنا ونبنيها صحيحة سليمة فندفن التشويه ونقضي على أمراض كما في التطرف والتشدد وأرضية العنف والإرهاب...

169
مشهد حقوق الإنسان في العراق الجديد!؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

26\09\2007

tayseer54@hotmail.com

 

في الحديثِ عن حقوق الإنسانِ يؤجلُ المرءُ أيةَ قضيةِ ِ أخرى؛ لأنَّ الأمرَ يتعلقُ بأولويةِ ِ لا تدانيها أية أولويات أو أسبقيات أخرى. وعندما يكونُ الأمرُ متعلقاَ َ بحقوقِ الحياةِ الأساسية، لا يمكنُ لهُ إلا أنْ يُعلنَ عن اهتمامِ ِ إنساني مخصوصِ ِ  بأعلى ما يكون الانتباه لتلبيةِ الحاجة المعنية. هذا طبعا والأمر يتعلقُ بحالةِ ِ فرديةِ ِ لإنسانِ ِ هو مواطن في بقعة أو دولة بعينها..

ولكن، عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان التي تهمّ مجموعة أو فئة أو طيفا أو حتى مجتمعا بأسره، فإنَّ القضية تُصبح مختلفة تماما في درجة حاجتها لنوع من التركيز والاهتمام وأولوية الرعاية.. والحديث هنا يتعلق بأمور لا يمكن حصرها بقدر حديثنا عن حقوق الإنسان في بلاد تتعرض لدزينة من جبهات المعارك والهجمات الإرهابية كما هو الحال في عراق اليوم!

فبدءا من صغائر الأمور سنلاحظ أنَّ العراقي اليوم لا يجد فرصة وافية للحصول على رعاية صحية مقبولة. وهذا الأمر يبدأ معه من قصور التغذية للطفل والمسنّ وللمرأة والرجل.. ألا نحسّ اليوم كم من العوائل تبيت بأنين جوعها وعدم قدرتها الحصول على رغيف الخبز؟ ألا نتحدث عن أطفال لا يجدون ما يرضعونه في أثداء جفت من فقر غذاء الأم؟ ولم يجد الأب ما يلبي به تلك الحاجة لأنه بلا نقود بلا مال بلا فلوس الغذاء في وقت كان مسرحنا يتحدث عن فلوس الدواء في الخمسينات!؟ فأيّ حال وصل إليه عراق النفط والخيرات ومعدل الدخل السنوي لحوالي 54% من العراقيين لم يتجاوزْ الـ41 دولارا سنويا [هذا بعدَ أنْ تحسّن!] أي بما ينفق منه بضع سنتات ليومه وضروراته دع عنك حاجاته الثابتة الدائمة؟!!! ولا غرابة إذن أن يكون معدل العمر في العراق قد انخفض إلى الـ35 عاما [لا بل سنة لأننا نستخدم لفظ السنة لما امتلأ بالشدائد والأوصاب من أعمارنا]؟!

والمتحدث في العراق عن حقوق الناس في الغذاء - وهو حق أساس بالتأكيد لأنه يتعلق بإدامة الحياة، يتحدث وفي ذهنه لا مسألة قلة المال وضعف الحال بل يتحدث أيضا عن طبيعة الغذاء الذي يشتريه المواطن العراقي هذا إذا ما تدبّر أمر أثمانه...؟ 

والقضية هنا هذه المرة تتعلق باستيراد مواد تالفة ومنتهية المفعول فاسدة أو مخلوطة بمواد سمية كما في فضيحة الحنطة ببرادة الحديد وكما في أشكال من المواد التي تمثل علفا (غذاء) للحيوان أو في تمرير مواد مضرة بل خطرة على الصحة العامة للإنسان.. ومَنْ يمكنه كشف هذه الحقائق المنتهِكة لحقوق العراقيين - ولا نقول فضح بدل كشف- حتى لا نستخدم أساليب يُسْقِطون عليها توصيف الإثارة وتهمة توفير أرضية للأعداء (وهنا نتسائل بالمناسبة: أيّ أعداء؟ ومن هم الأعداء؟ وأعداء لمن؟*)!!

وحتى إذا زرع المواطن أرضا عراقية، فمَن يضمن له أنْ تكون تلك الأرض وتلك النبتة ليست محملة بإشعاع الحروب العبثية [للطاغية] ولقوى جرَّبت في العراق كلَّ أنماط أسلحة اليورانيوم المنضب وغير المنضب..؟  ومَن الذي سيُجيبنا عن درجة التلوث في الأرض وفي الأجواء العراقية التي صارت جهة رسمية دولية تقول: إنَّ التلوث أعلى من قامة الإنسان نفسه بمتر وتحتوي على ما يسبب السرطنة لمن يعيش في هذه الأرض وأمراض أخرى لم يكتشفوا بعد ماهيتها وتحديدا بهذه النسبة وهذا الارتفاع سرطانات الدماغ!

وبمناسبة التلوث والتأثيرات على صحة العراقي [ولن أطالب في هذا المقال تحديدا بمحاكمة من تسبب به]، أجد من الأولوية في الحقوق البشرية الحديث الآن عمَّن يمكنه توفير المستشفيات اللازمة والمتخصصة في التصدي لما تسببه من أمراض حالات تلوث البيئة وحالات الأغذية الفاسدة المستوردة والمصنعة محليا بلا مؤسسات قياس النوعية ولا مؤسسات الدفاع عن حقوق البشر في غذاء نظيف!؟

   ولكي نحكي بوضوح أكثر فإنَّ الموجود من مؤسسات الخدمة الصحية لا يسد الحاجات الناجمة عن العمليات الإرهابية، حتى أن المستشفيات مضطرة لطلب الدعم الطارئ مع كل عملية إرهابية كما أنها لا تمتلك الأجهزة التي يحتاجها أي مستشفى والتي صارت اليوم موجودة في دولة الواق واق ولكنها مفقودة في بلاد العراق؟!

والناس تقضي وتموت لهذه النواقص المهمة ولا من يتحدث عن جريمة بل هو أمر كان مقضيا!!! إذ هل يمكن لمواطن أنْ يقاضي المستشفى لإهمال في الرعاية ولنقص في المواد والأجهزة عندما تتسبب في موت أبيه ومعيله الوحيد في هذي الحياة؟ وهل أصلا يمتلك إمكانات المقاضاة؟؟ وأين هي المؤسسة القضائية التي يمكنها تحمل مسؤولية 25 مليون نسمة قضية مضروب العدد بعدد الحاجات الضرورية للحياة لا الكمالية فيها؟!

وأسئلة من مثل: أين المختبرات الطبية؟ وأين غرف العمليات؟ وما الذي توافر لها؟ وما الموانع التي تحول من دون تجهيز المستشفيات وبناء الجديد أو حتى ترميم المخرَّب؟ نتنازل عنها وعن تلك الحقوق فيها، ولكن يجابهنا بعد هذا التنازل مشكل بسيط جدا(!) ألا وهو افتقار مؤسستنا الصحية للمتخصصين ولأساتذة الطب والخبراء في مجالاته وطبعا لابد سمعتم بتعرض الأطباء جميعا وليس المتخصصون لوحدهم لأبشع مطاردة وعمليات تصفية: لماذا؟ ما علاقة الطب ورسالة السلام التي يحملها بتلك الهجمة المنظمة ضدهم؟ ومن يسطيع تفسير هذه الظاهرة؟ ومن يمكنه حلها اليوم؟

تفضلوا معي لنتساءل عن حقوق أخرى ولا تتذكروا أبدا أماكن الراحة الإنسانية من حدائق عامة ومن منتديات ومقاه فهذه من المحرمات ولكن تذكروا معي دور المسرح والسينما وقاعات التشكيل والموسيقا.. ما الذي حلَّ بها ومن أمر بإغلاقها؟ ومن أصدر فرمانه القروسطي بتكفير العاملين فيها والمرتادين لها؟ وأين هم أفضل فناني العالم والمنطقة من المبدعين العراقيين في مختلف أشكال الإبداع والفنون التي تعيد تهذيب الأنفس وتصقلها وترطب الأجواء فتؤنسنها وتستجيب للحاجات الروحية الراقية السامية؟ من الذي قمع الغناء والموسيقا واستبدلها بأصوات المفرقعات والمتفجرات وأزيز الرصاص وزمجرة المجنزرات وغيرها؟ أليس هذا استلاب لحق إنساني في أن نرقى بأنفسنا ونسمو بأرواحنا ونهذب قيمنا ونثقفها؟

أليس هذا قتلا صريحا للمعرفة وللعارف المتعلم بتفريغ دماغه من كل معلومة ومن كل تعليم ومن كل تهذيب ومن كل تثقيف؟ أليس هذا بقتلِ ِ وإعداد أرض الغاب والجريمة؟

من أين يأتي أب بأثمان الكساء والغذاء؟ إذا كانت البطالة تضرب أركان المجتمع؟ من أين يأتي بذلك والبطالة تجاوزت ثلثي الشعب؟ أليس هذا دفعا له نحو ارتكاب الجريمة؟ أليس هذا دفعا لتفسخ العائلة وتفككها وقتلا لها؟ أليس في هذا دفع باتجاه الانحراف والتشوهات الأخلاقية السلوكية؟ حق العمل ليس أمرا القصد منه سد حاجة الإنسان لملء فراغ بل هو حق للحصول على مصادر رزقه وعيشه وفي بلادنا مصدر العيش الوحيد في العائلة.. فمن يسد الرمق بلا عمل المعيل؟

وغير الغذاء والدواء والكساء وغير كل الماديات والمعنويات نتساءل للتذكير بحقوق الناس في مجتمع يحمل رسالة القيم ومكارم الأخلاق.. من يسطيع مطالبة إنسان عراقي رجلا أو امرأة للعيش بلا كرامة والعيش في زمنِ ِ هدْرُ العِرض فيه الأبخس ثمناَ َ عند السلطة التي تتحكم بالشارع وفي بطون البيوت أيضا؟!

في العراق اليوم وزارة لحقوق الإنسان، ولكننا نرى ونعايش ونسمع ونقرأ عن مطاردة أو تصفية لإنسان أو آخر لأنه تقدم ليقاضي معتدِ ِ آثم بالجرم المشهود.. فماذا فعلت في هذا؟ وفي العراق حكومة تعلن استهداف مصالح الناس خيرا ويوميا يصطبح المواطن كما في [المسطر] أي تجمع العمل والكسبة بمتفجرات تحيق بأرواحهم ومن ينجو يعود ليجد منزله وعائلته قد تمَّ نسفها ومن ينجو لا ينجو من قلق ضغود لحظة انتظار الجريمة التي ستقتنصه أو أحد أفراد عائلته...................

في العراق قوانين حقوق الإنسان نودي بها منذ نيسان 2003 ليتمَّ تسلّم العراقي من طغيان جديد يسطو على الشارع والبيت أيضا ولا من حكومة توقف هذه المصائب ولا من وزارة تحقق في أمر فكل ما يجري ضد مجهول اسمه أزلام النظام والإرهاب التكفيري.. فإذا كانت بيانات أبواق الحكومة قد اعتقلت عشرات ألأوف الإرهابيين وقتلت آلاف منهم وحاصرت بقيتهم فمن يقوم بالجرائم اليومية؟ أما أن تلك الأبواق لا تصدقنا القول أو أننا لا نعقل أو ندرك [مجانين] نتوهم الأمور أو أن الشعب بملايينه التي تركت بيوتها تهيم في أصقاع الأرض والأخرى التي لا تجد ما يمكـِّنها من ترك تلك البيوت منتظرة الموت هو شعب كذاب يفتري على الحكومة!!

ولكنني أيها السادة وقد أرحتكم في كشف المستور والدخول في الكلام المحظور لا أكتمكم أنني ما زلت أتساءل لماذا يصفق الإنسان لقاتله ويصوّت لمستغلِّه منتخبا إياه بل أكثر من ذلك لماذا يقدم المغدور رؤوس أبنائه وبناته أضاحي للمرجع الذي يفتي بذبحهم على موائد أسياده من ديرة الجيران شرقا أو غربا؟

ما الذي ينتظره هذا المواطن المسلوب حريته ليقول كلمته؟ متى يقولها؟ ومتى يخلع عنه سكينة الجهل والخنوع والركوع بعبارة [الشعلينة لازم وآني ياهو مالتي] متى تنتهي الفردنة والشخصنة والهروبية وروح اللامسؤولية؟ فنتخذ كلمة سواء عهدا عراقيا للتسامح والتصالح  ونعيد للعراقيين حقوقهم بعيدا عن أدعياء الزعامة والسيادة والمرجعية والدعوية...

اليوم يمتلك دستورا للحريات.. [المفروض] واليوم يمتلك حرية الكلمة وحق التصويت وحق الانتساب والانتماء ولا من يجبره على التبعية لهذا السيد المزعوم أو لتلك العمامة القناع.... اليوم يجب أن يقول العراقي كلمته ويعلن رأيه ويقول كفى هدرا للحق الأساس في الحياة وكفى استهتارا بكرامة العراقي وتضحية به وذبحا لعِرضه وقتلا لوجوده وكفلا محاولات لإلحاق حاضره ومستقبله بماضيه المأساوي ولن يقولها أحد نيابة عن العراقيين ولن تأتينا ونحن لا نمارس حتى أضعف الأيمان لابد من قولة حق وفعلة حق وواجب حق لنعود متحدين وليعود العراق عراقا...

وطالما لم يكن لنا كلمة، وطالما كنا منشغلين باحترابنا وبفئويتنا ومحاصصاتها وطالما اتبعنا زعامات زمن الطائفية والتكفيرية فليس لنا قائمة.. حرياتنا وحقوقنا مكمنها فينا فلا تنتظروا أحدا ولا تتلفتوا لا وراءَ َ ولا جانبا، فقط أمامكم وفيكم وبأيديكم وعقولكم.. حينها سيقف الإرهاب والتقتيل والاختطاف والاغتصاب وستنطلق مسيرة العملية السياسية السلمية عراقية وطنية تخصكم منكم وفيكم وإليكم وسيعود الحق لأهله، وما ضاع حق وراءه مطالِب..............................................

 

 

* عادة العدو هنا هو العدو في عين الطائفي  وفلسفته. فمن يكره الطائفية والتكفيرية ويناصب قادتها المكافحة والنضال يكون عدوا بحسب أبواق هؤلاء للطائفة وهذا الأمر صحيح نسبة إليهم وإلى أوهامهم وضلالاتهم؟! لأنَّهم في الحقيقة لا يتحدثون عن الطائفة إلا باختزالها في السيد \ المرجع \ القائد \ الزعيم والحاشية التي تطبل له طبعا!!؟ وهنا لا حديث لعدو الشعب ولا لعدو الطائفة لأن الشعب وأي طيف فيه ليس من اهتمام الطائفي وقيادته ولا عجب في ذلك...

* ليس البحث عن حقوق العراقيين بقاصد استخدام لغة التقاتل ولا لغة الاتهام ولا ينبغي أن يكون من اختصام بين طرف وآخر ولكن ما ينبغي هو عميق التسامح والتصالح وخطاب تداول المسؤولية والإدارة وتفاعل الرئيس مع المرؤوس لتحريك العجلة وللانتهاء ببرنامج من البرامج إلى حيث غاية كل مخلص لاسم العراق ولهويته ولحقوق العراقيين... ولنوقِف جريمة الالتصاق بالكرسي، وجريمة التضليل وبراقعه وأقنعته ولنكن الأكثر شفافية مع بعضنا بعضا ولنفعِّل مؤسسات مجتمعنا المدني الجمعية لا الفردية والحاملة خطاب السلم والمحبة والإخاء لا ضغائن زرعها نظام انتهى فلا تتحملوا كوارثها ولا تحملوا أوزارها بل ليكن حملنا راية لحقوقنا لا نهمل حقا لعراقي إلا كان حقنا الذي نذود عنه.  فلا يتحسس عراقي من قوة خطاب يدافع عن تلك الحقوق وصرامة لهجته وشدة حماسته لأن المقصود بالتأكيد والذي تنصب عليه أسهم هذا الخطاب هو عدو العراقيين المستلِب لحقوقهم أما العراقي فحتى عندما يخطئ فحقه ألا نعاديه بل نؤازره ونؤاخيه لتقويم خطئه واستبداله حيث الصواب وحيث حقوق أهله وأصحابه وحيث حقوق العراقيين حقوقه أيضا...

170
الفديرالية بين مبدأ تعميق الديموقراطية وآمال نهَّازي الفرص والتخريب؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

16\09\2007

tayseer54@hotmail.com

 

كتب السياسيون والمتخصصون كثيرا بشأن التطلع لعراق فديرالي وبشأن توظيف الفديرالية لتحقيق تطلعات شعبية راسخة بخاصة في ضوء تثبيت الفديرالية مبدأ دستوريا وسمة للجمهورية العراقية الجديدة.. وقد تقدمت قوى سياسية تعدّ أساسية في مسيرة العراق الجديد بمشروعات تنفيذية على وفق برامجها الحزبية وتطلعاتها لفرض صيغة بعينها لتطبيق مبدأ الفديرالية...

وما ينبغي الخوض به اليوم هو في شروط تنفيذ مبدأ الفديرالية في عموم العراق وتحديدا في جنوبه ووسطه؟ بوصف فديرالية إقليم كوردستان حالة مفروغ منها ومؤسسة على تجاريب واقعية وتمتلك ظروفها الموضوعية المخصوصة فضلا عن التوافق عليها بأغلبية توفر الغطاء الشرعي لتوطيدها والعمل بها على وفق مجريات الواقع الميداني المخصوص...

فما مشكلة توسيع حال تنفيذ الفديرالية عراقيا باتجاه الوسط والجنوب؟ وهل سيكون من الصائب الحديث عن مثل هذه الحال فوريا كما تبيّت قوى سياسية معينة النزوع لفرض الأمر الواقع ميدانيا عبر العمل الفعلي خارج إطار المدارسة والحوار الوطني وخارج الشرعية القانونية الدستورية كدأبها في أغلب أنشطتها!؟

ينبغي لنا هنا القول: إنَّ الفديرالية مبدأَ َ أمر متفق عليه وهو بالمعطى العام سيكون فرصة لتوطيد الديموقراطية وتعميقها في الحياة العراقية الجديدة.. ولكن هذا من جهة العموم والأمور مبدئيا. أما من جهة الواقع فأي ديموقراطية موجودة  ليجري الحديث عن تطويرها؟! وأي ظروف يمكنها أنْ تحمي الدولة العراقية وهي في أعمق شرخ في تاريخها المعاصر من جهة انتقاص السيادة الوطنية خارجيا وداخليا!؟ وأي ظروف يمكنها أن تحمي الوحدة الوطنية في ظل حال الانقسامات القائمة وسطوة ميليشيات الطائفية وعصابات المصالح الحزبية الضيقة ومافياتها التي باتت تتمتع بصلاحيات الدولة وحكومتها سواء بشكل مباشر عبر وجودها ميدانيا وسطوتها فيه أم غير مباشر عبر اختراق أجهزة الحكومة على أعلى المستويات..؟

إنَّ أولئك الذين يتحدثون عن الفديرالية وتشكيلها في الجنوب والوسط يتعكزون على لغتهم وخطاباتهم الطائفية تحديدا في التعاطي مع الأمور مثيرين فكرة خطر [عودة؟!] حكم [أقلية] مزعومة يسمونها الأقلية السنية [لأغلبية] مدّعاة يسمونها الأغلبية الشيعية.  وفي جميع الأحوال تظل البرامج الطائفية تلك مرفوضة جملة وتفصيلا وقد أعلن الشعب موقفه من الأمر مرارا وتكرارا بأنشطته وفاعلياته المتنوعة حتى باتت الأحزاب الطائفية تخشى التصريح المباشر برؤاها وبرامجها وصارت تتحدث عن برامج وطنية عبر تعبئة جهازها الطائفي!!

ومن التضليل والاستغفال الحديث عن برامج وحدة وطنية عبر أجهزة تقسيمية طائفية تلك الأجهزة والقوى الحزبية التي لم تثبت غير الفشل الذريع في التصدي لمعضلات واقع العراق ما بعد خراب العقود الأخيرة.. وعليه فإنَّ الصحيح المنتظر من جميع القوى إذا ما كانت تمتلك مصداقية التوجه يكمن في الاعتراف الصريح بفشل معالجاتها والتوجه للبدائل حتى لو كان يعني وقف برامج الطائفية المقيتة (التي تتبناها) وبدء برامج الوحدة الوطنية (التي تخشاها!)..

وطبعا لابد لذلك من بدء مسيرة الوحدة الوطنية بعيدا عن التزييف والتخفي وراء أقنعة الغش والتضليل؛ فما عاد خطاب الأبطال القوميين أو الوطنيين أو الدينيين يجدي أو ينطلي على معدم يعاني الأمرَّين في يومياته الملتهبة قيضا والمنجمدة زمن البرد والصقيع!

الأمل الحقيقي في الحديث عن الفديرالية هو باعتماد برامج بعيدة عن الأسقف المتكلسة أو المتجمدة في ضوء مصالح من كتب تواريخ تنفيذها لتحقيق مآرب مرضية خاصة لا تلبي أي مصلحة وطنية.. فالحديث عن الأسقف الزمنية المطلقة غير القابلة للجدل أمر جربه شعبنا عندما قبل بالانتخابات من أجل إعلاء شأن صوته والتعبير عن إرادته فيما جرى اغتيال ذياك التعبير بفرض موعد الانتخابات (من جهة بعينها) على الرغم من عدم استكمال الاستعداد لها من جهة إخراج سطوة العصابات والمافيات والميليشيات التي استباحت كل شيء؛ إلى جانب توظيف بل استغلال المرجعيات الدينية وخروقات خطيرة أخرى وصلت حدّ استبدال صناديق الصوت الشعبي بصناديق زعيق سلطة رصاص الميليشيات وامتداداتها الإقليمية وغيرها...

ومجددا كان الحديث عن الأسقف والمواعيد المفروضة قسرا بأجندات كلها موجودة وحاضرة إلا أجندة واحدة تختفي ونهائيا لا يُسمح لها بفرصة الوجود تلك هي الأجندة الوطنية العراقية! وقدرنا اليوم ألا ندخل في لعبة (سنوفر الشروط الصحية الصائبة فقط وقـِّعوا على التنفيذ في السقف الزمني؟) فسوف المستقبلية هذه هي خديعة أخرى: ولا يمكن التوقيع على تنفيذ أو إجراء من دون توافر الشروط مسبقا لتنفيذ أي أمر أو برنامج وطني..

ولا قدسية للسقف الزمني أو لغيره؛  المقدس الوحيد المقبول اليوم وغدا هو  شروط الشعب ومحدِّداته ومصالح الناس والتوجهات التي تخدم تحقيق تلك المصالح بأفضل الوسائل والأدوات وبعيدا عن إضافة آلام جديدة فوق ما طفح الكيل بها...

وننبه هنا القيادات السياسية وأبناء شعبنا على ما يجري خلف الكواليس من أنشطة وأعمال على قدم وساق حيث يجري اليوم تطبيق التهيئة لفديرالية المحاصصة والتقسيم لا فديرالية تعميق توجهات العراقيين الديموقراطية عبر بناء تشكيلات وتنظيمات ميدانية وترتيب الأمور لمصلحة فرض الأمر الواقع بتمكين القوى التقسيمية الطائفية من الأجهزة الانقسامية (القصد ما يسمونه أجهزة حكومة المحافظة؟؟!) في محافظات الجنوب والوسط العراقي..

وكما ترون فإنَّ كل المجريات تتم حتى من دون العودة لحكومة المحاصصة التي يقودونها جنبا إلى جنب ولكن بتطاحن خفي في الغالب حتى هذه اللحظة على حصص تحقق أوهام برامج أحزاب الطوائف التي جاءت في لحظة عاصفة بالسفينة العراقية المتهالكة المتعبة..

فمرة تمنع محافظة مرور شاحنات النفط ومرة تسطو أخرى عليها وفي ثالثة أو رابعة يعلنون مجالس وحكومات عاملة بانفصالية تامة ترفض التعاطي مع الحكومة الاتحادية؟! وجميع وسائل الإعلام والقوى المحلية الشعبية ونصيراتها تحيا في ظلال مجالس المحاصصة الحزبية الأبعد تقسيما من محاصصة الطوائف وحكومة التقسيم والمحاصصة التي سمّت نفسها في بدء مشوارها حكومة وحدة وطنية ولم نعد نسمع من يعيد علينا الاسطوانة بعد الفضائح والنكسات والانقسامات لم تحمِ لا مسيحيا ولا مندائيا ولا أيزيديا ولا سنيا بل ولا حتى شيعيا كما تدعي أنها تمثل طائفة الأغلبية التي ما زالت تعيش المرار والشرار!!

أفي ظل هذه الأوضاع الكارثية يمكن الحديث عن تطبيق الفديرالية واللامركزية؟ ألم يقرأ أحد جهابذة وضع برامج المحاصصة والتقسيم أن الظروف اللاهبة الطارئة في أي بلد حتى لو كان الواق واق سيعني اتخاذ إجراءات وقف العمل بالدستور وبالديموقراطية وبالحياة المنفلشة لكي تمركز الأمور وتعيد الضبط والحل والربط  قبل أن تواصل النظر باستهتار إلى مجريات الأمور؟

أي جهل وضلال يمكن الدعوة في ظله لمزيد من اللامركزية في عراق اللهيب من الجنوب والوسط في زمن انفلات الأمور في هذه المناطق حد تشريد خُمس الشعب وترهيب جموعه وقمع نخبه كافة ومصادرة الحريات جميعا بل استلاب حق الحياة فلا أمن ولا أمان ولا عمل ولا مصدر عيش والجموع تمضي في مسيرة غاب تأكلها قبل أن يحصل فرد من هذي الجموع على قوت أبنائه أو يسطيع حماية أو ستر بناته!!

ماذا يريد المضلل من وراء دعواته باسم حماية [الأغلبية!؟] الشيعية أو [الأقلية!؟] السنية؟ إن الطائفي الدعي سواء نسب نفسه زورا إلى الشيعة أم السنة لا ينتسب إلا لمصالح طائفية فئوية ضيقة تتناقض مع زعمه المقنَّع به وتخدم طرفا واحدا هو المستغِل البشع من أولئك الذين يتحكمون اليوم بالشارع والحياة ورقاب الناس في ظل غيبة السلطة المركزية والحكومة الاتحادية الحقة ودولة الوحدة الوطنية المغيبة قسرا وقهرا...

فلكي نتحدث عن برامج فديرالية الوسط والجنوب ولكي نتحدث عن اللامركزية وأشكال فدرلة الحياة العراقية ينبغي أولا أن توجد سلطة اتحادية حقة سلطة دولة قوية بمؤسستها فكيف وهي لا تمتلك أصلا اليوم مؤسسة وطنية حقيقية.. وكل ما موجود هو أشكال من التشوهات التي تحمل اسم العراق قناعا فيما هي مؤسسات أسوأ من مخترقة حيث يسطو عليها كل دخيل من شرق البلاد وغربها؟!

إنَّ المنتظر من قوانا السياسية الوطنية الحقة أن تلتفت لفضح مجريات أمور التقسيم الميداني الفعلي وتعمل على وقف تداعياته وأن تتحمل قوات الاحتلال مسؤولياتها تجاه ترك العراق أو تسليمه نهبا وفريسة لعناصر باتت اليوم تخضع بما عملت لحق مقاضاتها رسميا أمام القضاء الوطني المنتظر أن يعود يوما..

ومن الطبيعي ألا تُقرأ هذه الكلمات إلا من جهة تحذيرها من مخاطر ومغبة تداعيات السنوات الخمس المنصرمة وما سبقها من عقود وألا تُقرأ إلا في ضوء احترام وطيد لفديرالية كوردستان وتقدمها ولوتدريجا نحو بناء مؤسسات دولة تتجه لتنفيذ تطلعات أبناء الشعب فيما اللعب يجري هناك في الوسط والجنوب على حبال استكمال جريمة ذبح أبناء الشعب وأولهم أبناء شيعة العراق الأحرار الأماجد وطليعة الروح الوطني العراقي وجذوره الحضارية العريقة...

لنعلن بوضوح أهمية وقف التداعيات الخطرة ومنها أفكار وضع السلاح بايدي قوى ستندفع أو تُدفَع غدا لعملية التقصسيم السعيدة لطائفيين من شرق العراق وغربه من أدعياء الدفاع عن شيعة العراق كذبا وسنته نفاقا.. لنتأكد من أن الطريق الوعرة التي سلكناها بحاجة لتقويم باستمرار ولاستعداد للتعاطي مع الجريمة التي يعاني منها شعبنا من الإرهابيين والطائفيين وهما سواء في الجريمة..

لا فديرالية لا في وسط العراق ولا في غربه ولا شرقه ولا جنوبه حتى تستقر الأوضاع ويجري تطمين الشعب وطبقاته وفئاته ويعود المهجرون إلى بيوتهم بكل طمأنينة وسلام وتدور عجلة العمل والبناء وإعادة الإعمار وتنبني مؤسسات الدولة الوطنية الموحدة المستقرة القوية عندها بلى وألف نعم سنمضي لتعزيز مؤسساتنا الوطنية وتطويرها ديموقراطيا ومن ذلك اختيار الشكل الفديرالي المناسب الذي يمنح فرص توسيع الديموقراطية وتعميقها بوجود من وما يحميها لا بوجود سلطة التضليل والنهب وتسويق الأجندات التي تتقاطع ومصالح الناس وتحويلهم إلى قطعان تأتمر بأوامر أشقياء جيوش وميليشيات الخراب الوطني.......

171
علماء العراق

الراحلون قبل الأوان وما قبل التصفية الجسدية؟!!!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

02\09\2007

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


 

في زمن الدكتاتورية عصف بالعلم والعلماء حال استغلال كل شيء وتسخيره من أجل أطماع الطاغية ونزعاته، حتى صار إلى تصفية كل من يقف بوجه تلك النزعات الهمجية، وأول ضحاياه كان العلم والعلماء... وبُعيد سقوط نظام السطو والقسر جاءت تداعيات محلية وإقليمية ودولية لتواصل مشوار التصفيات بأنماطها وأنواعها...

فلقد كان لكل جهة المأرب في مطاردة العلماء والأساتذة والطبقة المثقفة المتعلمة.. فمن جهة وقفت بعض هذه الأطراف وراء توسيع مكانة المعممين من أصحاب أوهام أزمنة الكهوف الظلامية المنقرضة، وتثبيت وجودهم بعد مرحلة انتشارهم الأولى التي عوَّلت على ظواهر الأمية والتخلف والتضليل؛ الأمر الذي ينبغي لهم لمواصلة تشبثهم أن ينهضوا بمهمة عرقلة كل أشكال التعليم والتنوير الثقافي بالضرب على المدرسة [لضرب التعليم] والمؤسسة الثقافية [لضرب التنوير الثقافي] وطبعا أبعد من هذا وذاك ضرب القيادات العلمية التنويرية العليا ممثلة في العلماء والمفكرين وأساتذة الجامعات وتفريغ هذه الأخيرة من أعمدتها الحقيقية بما يحقق إمكان السيطرة عليها والسطو على عقول ما يتبقى من طلبتها ومنتسبيها وقطع فرص تأثيرها في محيطها ولعب دورها الحقيقي...

ومن جهة كان لقوى إقليمية أخرى أن تصفي حساباتها مع أية حالة لمنافستها علميا – تكنولوجيا بما يلبي سطوتها على المنطقة من هذه الناحية تحديدا تكنولوجيا التسليح وقاعدتها العلمية المطلوبة. وطبيعي أن تحاول أمرين استمالة علماء ومتخصصين وتوظيفهم في مشروعاتها داخل أراضيها وفي إطار الأرض العراقية أو تصفيتهم عند فشل محاولاتهم تلك...

ومن الطبيعي أن تتداخل في مثل هذه المحاولات أنشطة معادية منها أو ذات طابع مصلحي نفعي يستهدف تحقيق مشروعات بعينها قد لا يرتبط بعضها بالضرورة بالأعمال العدوانية ولكنه يرتبط بتحقيق مكاسب على حساب ثروة العراق في عقله العلمي وطاقاته وخبرات علمائه وأساتذته.. وهذا الأمر فسح مجالا واسعا لقوى غير الدول الإقليمية المعروفة بالقطيعة أو العداء التقليدي كإسرائيل وإيران..

ومن هنا صار المثل العراقي  في ظل هذه الأجواء المنفلتة ليقول: "حتى الواق واق صار لها  يد تتدخل بها في العراق" وصار لكل من هب ودب إمكانات في الوصول إلى ما يريد داخل عراق بلا مظلة حماية وطنية تمتلك مصداقية الفعل الوطني المخلص..

وبقي العراقيون بلا غطاء وبلا مؤسسة وطنية رسمية تستطيع تحمل المسؤولية في توفير وسائل الدفاع عن العراق أو أعلامه ومفكريه ومتخصصيه دع عنك أطياف الشعب الواسعة...

وتُرِك هؤلاء بلا حماية من غوائل زمن مثلث العصابات والمافيات والميليشيات؛ فالعصابات همها الأول أطماع السرقة والنهب والسلب والمافيات همّها التجارة بكل شيء [حتى الإنسان] من أجل رأسمالها هدفها الأول.. والحالتان عصابات ومافيات هما حالتان منظمتان والجديد فيهما أنهما صارتا أكبر  وأوسع في التشابكات الإقليمية والدولية حتى أن العراق اليوم يمثل واحة تلك المافيات الدولية ومرتعها فضلا عن كونه ميدانها الأرحب ومصدرها المادي الأضخم...

أما الميليشيات وهي ثالثة أثافي التحكم بميدان الجريمة في العراق فهي الأطول باعا من جهة حجم قواها المسلحة وما تحظى به من أغطية تشرعن حركتها وتفسح لها الميدان واسعا لممارسة أنشطتها التصفوية تحديدا..

وإذ يتركز حديثنا هنا عن تصفية العلماء والمفكرين وجملة العقل العراقي من الأساتذة والمتخصصين، فإنَّنا نشير إلى أنَّ هذه الميليشيات لم تعد تخفي سرا أنها تمتلك قوائم تصفية بالخصوص وهكذا تسرّبت تلك القوائم بقصد ومن دون قصد...

وفي فوضى الاغتيالات والاختطافات والمطاردات والتهديدات التي تعقبها أفعال تنفذ مضامينها، تعرف العلماء إلى ما يتهددهم من مستقبل تصفوي.. وهو الأمر الذي دفع بكثير منهم لركوب رحلة الهجرة الجديدة حيث لم تدم رحلة عودتهم للمشاركة في بناء الوطن وإعادة إعمار الذات بعد زمن هجرة امتدت لعقود...

وبدأ العالم والأستاذ الجامعي والصفوة المتعلمة المثقفة من أطباء ومهندسين وأدباء وكتّاب وفنانين بالرحيل مجددا ومرة أخرى على حساب قوتهم اليومي وآخر ما امتلكوه من جهود أعمارهم يبيعونه في سوق الخراب ليكسبوا بقية من عمر لعوائلهم وبقية من حيواتهم يمنحون البشرية ما يمكنهم في أرض تبحث عن طاقاتهم...

 

فمَن لعالم جليل تجاوز العقود السبعة من عمره يجول بلا أرض ولا جواز سفر تقبله به دولة؟ ومن لأستاذ لا يملك أجر طريق الهجير والهجرة وقوت الأبناء لولا بقية ممن يطمع في علمه وعقله يوظفه بأبخس الأجور والأثمان؟ ومن لهؤلاء لا يجدون  لا مأوى ولا قوت يومهم ولا أجر علاج أمراض الزمن التي غزت أعضاء البدن فأحالته أداة تعذيب لذياك الروح النابض بحياة العطاء والإبداع؟

مَن لعالم أعطى من دون أن يفكر بآخر العمر وحمايته من غدر الزمن ولم يفكر في حياته ومن يعطيه غذاءه وعلاجه.. أعطى ولم يفكر بمن يعيل عائلته يوم يصير بلا عمل ولا أجر ولا يقيم في وطنه حيث أهل يحمونه؟ من له يعوضه عن بذله عمره كاملا ويسد رمق أبنائه ليتوسد الأرض مغادرا براحة بال وطمأنينة على أهله يحيون حياة كريمة..؟؟

مَن لعالِم لم يهرب بحثا عمّا يقيه رصاصة الغدر وعصيّ الذل والمهانة وأسياف الغيلة بل خرج لمزيد من عطاء لولا أنَّه وجد نكرانا حتى في الأصقاع المهجرية الجديدة ومزيدا من ذل ومطاعن في روحه قبل جسده؟

ألا ترون ما يعانيه العالِم الأستاذ المثقف؟ ألا ترون إمعان قوانين دول الهجرة والمنافي في استقباله لاجئا لا إنسانا مفكرا يعطي ويقود ويوجه بل محاصرا مكبلا بقيود العيش وضنكه المفروض عليه قسرا وكرها؟

ألا ترون أنهم يواصلون مطاردة مفكرينا وأساتذتنا فيضعونهم حيث يمضون بقية سنوات، بعيدا عن تخصصاتهم وأبحاثهم وعطاء علومهم  وخبراتهم الجليلة؟

ومَن يُحيي فيهم الأمل غير مجتمع يعزّ العلم والعلماء.. ويُعلي من شأن المبدع والعالِم.. ويحترم في الحياة عطاء المعلم فيجلّه ويضعه في مكانه ومكانته؟ وأين هذا المجتمع المفكك المبتلى المسطو عليه من ثلاثي العصابات المافيات الميليشيات؟؟!

ولأن الناس البسطاء الفقراء ما زالوا بعيدين عن أن يكون مصدر القرار، فسنبقى حيث العقل العراقي مصادرا مطاردا مغتالا! والعقل العراقي ممثلا في العلماء والمتخصصين والأساتذة ليس المئات التي تمّ تصفيتها جسديا حسب بل هم الآلاف المحبطة المحاصرة الممنوعة من الحركة والتفكير والعمل بوقف مؤسساتها ووقفهم عن العمل.. وعشرات الآلاف ممن تمَّ تهجيرهم إلى منافي الشتات في أصقاع الأرض حيث يتكفل في مطاردتهم شبح العيش الكفاف وذلّه وقسوة آلام الأمراض بلا قدرات علاج..

أو طبعا أن يجري تصفيتهم بطريقة أخرى قانونية مريحة تماما، وهو أن يشتغلوا في أدنى الأعمال التي تمنعهم من ممارسة تخصصاتهم وعطاءاتهم العلمية لتمَّحي قدراتهم وكفاءاتهم سنة بعد أخرى ولتمَّحي جهود سنوات ومليارات من الأموال التي صُبَّت على تهيئتهم وتكوينهم وتـُرمى في سلة مهملات المجتمعات [الديموقراطية] التي لا تحيا فيها بلا عمل والعمل هنا ليس سوى ما تقرره ميادين التمييز العنصري، ميادين المصادرة على وفق [شرائع حقوق الإنسان]، فمقابل أن تحيا [آمناَ َ] على حياتك عليك أن تنسى أنك عالم أو مهندس أو كاتب أو مفكر أو حتى متعلم.. وليس لعالِم أو أستاذ إلا يتعلم بضع كلمات من لغات المنافي وأن يحظى بشهادات تلك المنافي التي تهيئه في تنظيف أزبالهم والقمامة!؟؟

إنَّهم يصادرون العقل لأنَّ الاندماج عندهم يعني ألا يعلو علم عالم جليل أوعقله على قوانينهم الإنسانية [تماما]! ولأن العلماء والأساتذة تحديدا مطالبون بهذا الاندماج فعليهم أولا أن يقبلوا بأيّ عمل خارج اختصاصهم فهم في مجتمع جديد يجب أن يقبلوا بقوانينه أو أن يعودوا إلى بلادهم بلاد القتل والموت! وهكذا فالتصفية أكيدة إنْ بقي أحدهم في بلاده فموت جسدي وعقلي طبعا وإنْ هاجر لبلاد [الحرية والأمان] فموت روحي مجبر مكره عليه..

وهكذا وجبت تصفيته وتصفية ما يحمل من خبرة أو تعليم أو ثقافة أو تخصص.. ووجبت تصفية شهاداته العلمية التي أخذها من هذي الدول ذاتها ويومها ساوموه للبقاء عندهم ولخدمتهم فلم يقبل وهم اليوم يصفون حساباتهم معه وينتقمون بكل إنسانية!؟ وهدوء وقانونية؟!!!

من يحمي علماءنا وأساتذة الجامعات؟ إنَّهم أنفسهم يقاومون وباء التصفيات الجسدية والعلمية ويقيمون مشروعاتهم لخدمة الإنسانية ولخدمة طلبة العلم من المهجرين قسرا من أبنائهم وأبناء الشعوب الأخرى.. ولكنهم حتى في مشروعاتهم هذه يُطاردون للتصفية.. وممن أولا وقبل كل طرف وجهة:  من حكوماتهم [الوطنية] العتيدة...

ها هم علماء العراق وأساتذة الجامعات العراقية بمئات وآلاف يتم تصفيتهم جسديا في الوطن وفي المهاجر والمنافي علميا أولا وجسديا ثانيا حيث ينتهي بهم العمر وتنتهي بهم آلامهم وأوصابهم وجراحات الزمن الرديء وأمراضه إلى التصفية بأزمة قلبية أو جلطة دماغية أو شلل أو مرض عضال يطحن فيهم الجسد الناحل..

فلا من يفكر بقانون لرعايتهم ومتابعتهم وتعقب الشؤون التي تقيهم مطاعن بلدان الشتات وأوصاب الزمن ولا من يتركهم وشأنهم لكي يجدوا فرصة أو أخرى لحياة عزيزة كريمة بعد زمن العطاء..

 

ها هم مئات منهم بلا نتائج استقرار أو إقامة في وطن بديل، وبلا جواز سفر أو هوية يستعينون بها وتؤهلهم لعمل أو مستقر.. ها هم بالآلاف بلا حق لحياة آمنة مستقرة وبلا من يعطيهم شعث أجر بعد أن أفنوا حيواتهم في عطاء بلا مقابل..

كم مفكر وعالِم وأستاذ ومبدع اليوم في مستشفيات وفي غرف الإنعاش المركَّز وتحت العمليات الجراحية التي تكلفهم آلافا من دولارات لا يملكونها؟؟ وكم منهم اليوم في منافيهم بلا رواتب تسد الرمق الأدنى؟ وكم منهم بكبريائه يرفض ذل الاستعطاء ولو من حكومة يجب أن تنهض بواجبها في الأمر؟؟ وكم منهم اليوم بلا إمكانات حركة أو سفر لأنَّهم بلا جواز ولا إقامة رسمية أو مكتملة وبلادهم تتنكر لهم بجفاء؟؟ كم من هؤلاء وأولئك اليوم يقارعون آلام العيش وصندوق التقاعد أو صندوق الدعم والرعاية الواجبة على الوطن ما زال بين أدراج الحفظ المقيتة وبين سلال مهملات المسؤولين الجدد الذين ....؟؟؟

هؤلاء هم الراحلون قبل أوانهم وهم الذين يوضعون اليوم على مصاطب انتظار التصفية الأخيرة حيث المنافي مصاطب القتل الرحيم والبطيء وحيث المنافي والمهاجر أدوات بل رصاصات [الرحمة] وحيث المنافي عناوين النكاية وسجون التعذيب والإقامات الجبرية القسرية بطريقة أو شكل مختلف.. هؤلاء هم الراحلون قبل الأوان حيث اغتيالهم بمنعهم من العمل والإبداع وبمنعم من العيش الكريم...؟! هؤلاء هم الراحلون قبل الأوان لأنهم لا يجدون فتات أموال من ثروات بلادهم التي صنعوها بعلومهم وجهودهم ليعالجوا مرضا ألمَّ بهم.. فأستاذ يموت لأنهم لم يلتفتوا لنداء أتحاد الأدباء ويرسلونه للعلاج وآخر يقضي لأنه لم يقرأ أحدهم حاله وحالته ولماذا ينشغل بحال عالِم أو مبدع وهو في صراع مثلث السرقة والاغتيال سرقة أموال الناس والوطن واغتيال حيوات من لا يخضع لقوانين مثلث الجريمة (العصابات والمافيات والميليشيات)...!

وغيرهما ينتهي في صالة عمليات تنتظر الدفع أو لا عملية تُجرى؟ ورابع وخامس بعد المائة وبعد الألف وبعد الـــ...؟؟ وحتى ينتهون من تمام التصفية ليخلو الجو لجاهل يحمل لقب البروفيسورية والعالمية (الدكتوراه) وهو لم يحصل على الابتدائية ولا عجب.............؟؟؟

 

ترحموا على علمائكم وأساتذة الجامعات والباحثين والباحثات والمفكرين والمفكرات والمبدعين والمبدعات.. لأنَّ هؤلاء أمام أعينكم  وبكل وضوح موضوعون على أرفف ومصاطب للموت وما من امرئ يرف له جفن وتتحرك له ريشة لتوقيع حملة تضامن صار لها سنوات وهي تتوقف عند بضع عشرات وبضع مئات فيما نحن بحاجة لملايين مجتمعنا وأناسنا يُعلون رايات العقل العراقي بجذوره السومرية وحاضره الإنساني الكبير... وما من مسؤول يغذ السير ويحرك الهمة ويشرع بعمل فوق أو بعد قول ليستجيب لمشروعات الحياة والعلم..

وإذا كانت وزارات السنوات المنصرمة قد أهملت تلك المشروعات فهل ستأتي بدائل قبل أن يفلت من بين أيدينا فوج آخر من علمائنا كما راح ضحية هذا الزمن البغيض الرخيص أفواج من خيرة علماء الأرض؟؟؟

 

تلك جريمة من جرائم المثلث الحقيقي لا المصنَّع طائفيا مثلث بلاء الوطن والناس العصابات حيث لا مؤسسات للدولة والمافيات حيث لا قوى ضابطة للأوضاع والميليشيات حيث لا حكومة ولا دولة مؤسسات بل دولة الغاب والمحاصصة والطائفيات وهاهم يحتفلون على جبل من جثث قادة المعارف والعلوم وجبال من أبناء شعبنا من الشيعة والسنة ومن المسيحيين والأيزيديين والصابئيين المندائيين ومن أطياف معدومة أسماءها..

وإنَّنا لنمضي في عمل دائب حتى نسطيع إعلاء كلمة الحق في علمائنا:

 

فاكتبوا أيها الأحبة في أخوتكم وزملائكم ولو كلمة من الذكريات ولا تتركوا رحيلهم يمضي بصمت...

واكتبوا في مشروعات العمل المشرقة المقارعة لتعقيدات زمن الرداءة

واكتبوا في مشروعات رعاية العلم والعلماء ومشروعات إنقاذ حيواتهم من ربقة الألم وجراح تودي بهم إلى مهالك

واكتبوا حيث ينبغي أن يكون لكم بنك المعلومات التي تحفظ سيركم الرصينة وأوليات أنشطتكم وحيث ينبغي أن يكون التوثيق لكل حركة تمضون بها إلى أعالي الخير والعطاء..

واكتبوا حيث تتصدون بأنفسكم لقضاياكم ولا تركنوا لمن يريد أن يركنكم وعلومكم بعيدا عن الحياة..

واكتبوا للحرية والانعتاق والاستقرار وللعطاء مستمرا متصلا

لتعلو أصواتكم وسيكتب التاريخ أنكم لم تذهبوا ضحية سهلة لأوباش زمنكم بل سيكنس التاريخ بجهودكم وكلمتكم الأعلى والأبقى أولئك الأوباش ويبقى العلم والعلماء والعقل العراقي المنير مذ سومر وحتى موصول الزمن رائعه ومشرقه...


172
العراقيون في دول الجوار

مرة أخرى تحت جنازير الآلة الجهنمية وطواحين البشر المأساوية؟!!!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

06\09\2007

tayseer54@hotmail.com

 

مرة أخرى ومجددا تعلن دول جوار عن نيتها التعاطي مع دخول العراقيين إلى أراضيها بالتأشيرة المؤقتة فضلا عن جملة  إجراءات تقييدية أخرى بشأن وجود العراقي وطبيعة عيشه على أراضيها. ومرة أخرى تكون الأفضليات لصالح أصحاب الأموال واستثنائهم من بعض تلك القرارات. وإذا كان من الطبيعي أنْ تتخذ أية دولة القرارات التي تراها لمصلحة الشعب والوطن فإنَّه من الصحيح أيضا أن تجد تلك القرارات فرصتها للمراجعة والتفاعل بقرارات بعينها من طرف الحكومة العراقية تعمل على النهوض بمسؤوليتها تجاه العراقيين المهجَّرين من بيوتهم أو من الوطن..

وفي الوقت الذي تحدثنا فيه عن لزوم فتح مكاتب لمتابعة مشكلات العراقيين في كل من سوريا والأردن ومصر بسبب من الحجم المميز لوجودهم هناك فإنَّ الاستجابة ما زالت بالخصوص دون الحد الذي يمكننا من قبول ردود الفعل السلبية في تعاطي الحكومة العراقية الرسمي مع هذه القضية الوطنية الكبرى.. فحجم بالملايين من مواطني العراق ينتشرون اضطرارا في هذه البلدان يلزمنا التوقف مرات لنضع الأمر بين أولويات أخرى على درجة من الخطورة والحاجات التي تستدعيها الضرورة..

عليه وجب على السفارات العراقية في هذه البلدان سريعا التعاطي مع الأمر بفتح مكاتب متخصصة مستقلة لمتابعة أمور النازحين والمهجَّرين والأمر لا يتحمَّل التأجيل والتسويف فحيوات الناس ومصائرهم تحت رحمة الظروف المعقدة المتداخلة التي تطيح بتلك العوائل وأبنائها بين سقوط الآباء والمسنين صرعى الظروف الصحية  وبين ضياع أبناء وبنات في لجج الاستغلال والجريمة وتفشي العلاقات المرضية وتعاطي أشكال السلوك البائسة فضلا عن فقدان الرعايتين الصحية والتعليمية...

وإذا كان بعضهم سيذهب إلى مدارس محدودة الإمكانات فإن الغالبية لن تجد فرصتها تلك بسبب من تعقيدات أمور التأشيرات وطبيعة الإقامة ومتعلقات الأوراق الرسمية ومتابعتها من جهة مسؤولة عراقية غير موجودة عمليا..

من الجهة الأخرى تبقى قضية المسؤولية المادية والجهة التي ستدفع لعراقيي الدول الثلاث قضية شائكة! فلا الحكومة العراقية خصصت في ميزانيتها مبلغا لمعالجة أزمة النزوح والتهجير ولا الدول التي استقبلت هذا الحجم الكبير بمستطاعها بمفردها التعاطي مع هذا الدخول المتنامي المفتوح ولا الدول العربية أقرت مشروعا للتعاطي مع الأزمة وطبعا ليس لنا أن نطلب من الجهات الدولية ومنظماتها أن تفرِّغ أنشطتها من أجل حالة واحدة كالحالة العراقية...

إنَّ المطلوب أن نجد على وفق آليات عمل الحكومة العراقية الحالي المتداخل مع جهات الدعم الدولي، حلا مناسبا بتخصيصات عاجلة في الميزانية لكي نتدارك أزمات عواقبها لن تمتلك فرصة المعالجة إذا ما مرَّ الوقت.. كما يجب إلزاما تشكيل خلية عمل طارئة باسم المهجَّرين سواء داخل الوطن من المحتمين مؤقتا بمحافظات أخرى غير محافظاتهم محملينها أعباء وتداخلات طارئة فوق ما هي فيه... على أن تكون تلك الخلية خلية طوارئ بمستوى يقف على رأسه ثلاث وزارات هي المهجرين وحقوق الإنسان والمالية فضلا عن أية جهات مطلوبة أخرى كممثلي الخارجية والتعليم والصحة..

وكما في عديد من دعوات المعنيين بحقوق الإنسان يلزم اليوم قبل الغد أن تتعاضد جهود إقليمية عربية وغيرها للتعاطي مع الحالة  ووضع الحلول الناجعة في استقبال هذه الأفواج الضخمة بخاصة في ظروف شتاء قابل بكل ما يحمله من غيوم الطبيعة والحياة الممطرة غضبا وآلاما على تلك الملايين...

ونقصد هنا الجهات الفاعلة والرسمية المعنية في الدول التي استقبلت العراقيين مشكورة وجهة جامعة الدول العربية ولجانها المعنية بالقضية العراقية، إذ قضية ملايين العراقيين في ظروفهم تلك هي مفردة ذات أولويات من الخطورة بمكان إغفالها أو التلكؤ في التفاعل معها...

ونحن في وقت نحمِّل فيه رسميا جميع الجهات المعنية مسؤولياتها تجاه ملايين العراقيين في المخيمات وفي حالات الاستقبال التي لا تغطي الضرورات الأساس للعيش، نعرف أهمية عقد الاتصالات العاجلة مع مختلف دول العالم لدعم أنشطة معالجة تلك الأزمة المأساوية وجراحات الناس الفاغرة طلبا لعلاج يشفيها..

ونوجه هنا رسائل عاجلة طارئة لكل الدول والمنظمات الدولية والإقليمية للتدخل الفوري المباشر في متابعة ظروف العيش اللاإنسانية والافتقار للخدمات بكل أشكالها من صحية وتعليمية وخدماتية حياتية ضرورية.. واثقين من أننا في وقت نعلن مجددا وتكرارا أن العراق منطقة أزمة وطوارئ يبقى بحاجة لتفاعلات إنسانية مهمة ومنها حالة أولوية المهجرين داخل الوطن وخارجه فهم في أبسط الإحصاءات ناهزوا الخمسة ملايين إنسان...

فلتتضافر جهود منظماتنا العراقية المتخصصة بشؤون حقوق الإنسان وتتابع مسؤولياتها ومهامها في عقد الاتصالات المناسبة بالخصوص.. إلى جانب ما ينبغي أن تنهض به سفارات العراق وسفرائه الرسميين والشعبيين وبفاعلية جدية بقدر أو حجم الكارثة المحيقة بنا وبأهلنا... ولا ينبغي لبعضنا الانشغال في خطابات تحميل هذا الطرف العربي أو الأجنبي مسؤولية تقع في أعناقنا نحن العراقيين ماديا ومعنويا.. فالأمور لا تنتظر رؤى ومفاوضات وسفسطات أحيانا وتجريحا بالآخرين فيما نحن منشغلون عن مهامنا في أداء رسوم الكارثة الطارئة التي ستنقشع بتضافر الجهود وبتقديرنا العميق لأيدي المساعدة من دول الجوار المعنية ودول العالم والمنظمات المختصة...  فإلى العمل الفوري العاجل وبوركت في كل يد معطاء تضع الجهد فوق الجخد لتمسح على رأس طفل أو شيخ أو سيدة.................

 

تصور أولي طارئ: أن تتشكل خلايا عمل من ممثلي حقوق الإنسان في بلدان المهاجر تنهض بمسؤولية الاتصال الإعلامي والرسمي لتحريك الأنشطة المناسبة تجاه القضية وأن يجري التنسيق بين الجهات الشعبية للجاليات والرسمية للسفارات العراقية بما يرتقي لمستوى أداء المهام وحتى التنسيق مع سفارات الجامعة العربية والأمم المتحدة لما يفضي لمعالجة جدية مسؤولة..

ومن المقترحات إرسال أشكال دعم عاجلة من الأدوية والقرطاسية والأدوات المدرسية فضلا عن إرسال وفود طبية وتعليمية بحجم مناسب بشكل دوري لدعم جهود الدول الثلاث وداخل العراق في المحافظات الجنوبية وفي إقليم كوردستان... من جهة أخرى على الجهات الرسمية المعنية رسم الدراسات والمحددات التي توضح الحاجات العاجلة مع وضع الاستراتيجيات المناسبة للتعاطي مع الأزمة..

173
اللاجئون العراقيون

مسؤولية الحكومة العراقية وأوضاعهم في الأردن وسورية


الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

26آب2007

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


 

بين مصائر مجهولة ومزايدات غير محمودة العواقب، تمضي أوضاع المهجرين العراقيين أو النازحين من جحيم الإرهاب الدموي المستشري استهتارا في داخل الوطن.. وفوق ضيم ترك الديار إلى مخيمات بائسة أو أوضاع قلقة غير مستقرة تكتنفها مصاعب وتعقيدات وأمراض سياسية واجتماعية وتفاصيل يوميات غير عادية بالمرة؛ فوق كل ذلك تتداول قوى سياسية وتدفع أقلام ىمأجوريها لمزايدات رخيصة منها ما يقع في خدمة مصالح تلك الأحزاب والحركات وقياداتها ومنها ما يقع في دائرة تأثيرات الصراعات الإقليمية والمرجعيات غير الوطنية...

وإذا أجلنا البحث في هذه الإشكالية المرضية وكثرما نجد في عراقنا الجديد مخلفات إشكاليات مرضية عادية وخطيرة وما بينهما، ننتقل إلى أنَّ منطق الشرائع وقوانين حقوق الإنسان والقوانين الدولية السارية تشير إلى مرجعية كل إنسان إلى جنسيته وحقه على بلاده وحكومة بلاده في أن تتبنى حلّ مشكلاته وأن تبقى في أداء تام كامل لمسؤوليتها تجاهه وهو في أبعد نقطة من أرجاء الأرض القصية خارج وطنه...

وكل دولة تحترم اسسمها وقيمها وقوانينها وفلسفة رعاية المواطنين وتحقيق الالتزام الكامل بالمسؤولية عنهم، تقف مع مواطنها في سرائه وضرائه وفي حقوقه واستحقاقاته حتى عندما يرتكب جريمة بحق أية جهة خارج وطنه.. تتابع الدولة وحكومة تلك الدولة مجريات أمور مواطنها وتتصدى بكامل الهمة والالتزام لمسؤوليتها حتى تعيده إلى وطنه حيث مستقره وعلاج مشكلاته النهائي..

فما الذي فعلته حكومتنا العتيدة لجمهوريتنا العراقية الجديدة؟ مع أننا نشعر في سؤالنا هذا نستبق أمورا وأوضاعا حيث أن حكومتنا بين عجزها وفشلها في حماية الوضع الوطني عامة ومهامه الرئيسة وبين انتهاء صلاحيتها وخروجها عن تاريخ الفعل الميداني بتعطلها عن أداء المهام المباشرة وانتظار قرار التغيير، لا يمكنها أن تمدّ يد عون أو فعل ميداني لمن صاروا بمجابهة أقدار المصير المجهول في بلدان الشتات والنزوح والهجرة...

مع ذلك فإنَّ هذا لا يعفيها من التزامات معنوية أدبية على المستوى السياسي وبدل من انشغالها في مطاردات فردية لهذا المجرم أو ذاك ومخاطبة هذه الدولة أو تلك لتسليمه وهو أمر مطلوب في وقته الآتي بظروف مناسبة؛ ينبغي عليها بدلا من ذلك أن تتعاطى مع الأزمة الإنسانية التي تساهم هي بفشلها على أقل تقدير في تعقيدها [متجاوزين اتهام بعض أطرافها في اختلاق أزمة المهجرين الجدد]..

أما مساهمتها في الأمر فيكمن في توجيه المسؤولين في وزارتي الهجرة وحقوق الإنسان والوزارات المعنية الأخرى لفتح مكاتب عمل تنهض بالمهام الجدية الفعلية المناسبة المؤملة؛ ولتكن أول هذه المكاتب في كل من الجارتين سورية والأردن.. ومن المهام المعول عليها أن توزضع الدراسات الإحصائية والاستطلاعية الاستقرائية لطبيعة أوضاع اللاجئين..

ومن الطبيعي أنه في حال مطالبتنا الدول التي استقبلت هذه الملايين بمسائل توفير الاستقرار أمنا وأمانا وشروط العيش الصحي من خدمات السكن والإيواء إلى خدمات التعليم والصحة، من الطبيعي والصحيح أيضا أن نطالب مكاتبنا الرسمية بمهام مباشرة في التعاطي مع مواطنينا وظروف معيشتهم وماديا ينبغي وجوبا والتزاما رسميا أن يتم تخصيص مفردة رئيسة في ميزانية الحكومة لهذه الأفواج المليونية..

وتحديدا في الجانب المادي يجب أن يستحي أولئك الذين يتحدثون عن مطالب رعاية مادية بخاصة في تلك الأقلام التي تستهدف سوريا والأردن ليس بمطالب تلتزم مبادئ الجيرة وحقوق الإنسان والقوانين والأعراف الدولية المتوافق عليها بل ببئس تهجمات تعكس توجهات فردية أو فئوية تخص تصفية بعض الحركات السياسية لحسابات بعينها لصالح جهات إقليمية أو برامج أثبتت خطلها.. بدليل وجود هذه الملايين بعيدا عن ديارها: لماذا؟

إنني هنا لا أهمل الأخطاء وحتى الجرائم المرتكبة بحق نازحينا العراقيين ووقوعهم تحت طائلة غول الزمن ومضايقات ومطاردات بعضها من جهات رسمية كما حصل في الجارة الشقيقة سورية وهو الأمر الذي يؤكد ما نذهب إليه من أهمية تشكيل مكاتب العمل المخصوصة ومتابعة مهام الحكومة العراقية تجاه مواطنيها فضلا عن حوارنا المباشر عبر مؤسسات المجتمع المدني العراقية والعربية والدولية مع المسؤولين تسهيلا لمواطنينا الأبرياء وبعيدا عن نفاق خدمة الأجندات الإقليمية وغيرها وبعيدا عن المزايديات وطبعا بعيدا عن كتاب العبث الأنترنيتي والصحف الصفراء التي تساهم بدورها في مزيد من تعقيد الأمور..

إننا بهذا الصدد نرى إلى جانب فتح مكاتب العمل المعنية بشؤون المهجرين في البلدين الجارين وتخصيص مفردة ترتقي للمسؤولية في الميزانية، نؤكد على أهمية التشاور مع الدول المعنية ومؤسساتها ومع المنظمة الدولية وما رصدته من ميزانيات وخطط موضوعية للتعاطي مع الحالة الإنسانية بعيدا عن لغة السياسة وخطابها وتهجمات قد يحسبها [بعضهم] على شعبنا وقواه ومؤسساته النزيهة منها تحديدا...

 

ونحن في موضع الإشارة إلى التجاوزات والاعتداءات والأخطاء بحق عراقيينا، لنؤكد من جهتنا على بحثنا الموضوعي مع الجهات المسؤولة لحلها وللتعاطي القانوني الإنساني معها  شاكرين لكل الدول المستضيفة لأهلنا مواقفها الإنسانية على المستويات الشعبية والرسمية وواضعين مسؤوليتنا موضعها لأخذ المهمة المناطة بنا حيث اقتضى الأمر...

 

وبودي أن أسجل شخصيا وحدة المصير الإنساني في مستوياته الوطنية والإقليمية والدولية وعمق العلاقات بين عراقيينا ومستضيفيهم وكذلك مطالبتنا الجهات الرسمية للتعاطي مع القضية من جهة بعدها الإنساني أولا ومن جهة الحوار الرسمي المنتظر على المستوى الرسمي الذي تستدعيه الظروف الميدانية الفعلية بما يسهل على جميع الأطراف التعامل مع الإشكالية بمنطق الحلول الصائبة المفيدة..

 

ولنستبعد تلك الأصوات من جميع الأطراف والمرجعيات التي تتعاطى بطريقة اختلاق الاختلافات وتعقيد الأزمة أكثر مما هي معقدة ومأساوية بما يحمله خطابها من انفعالات وردود فعل سلبية على مجريات الوضع المتداخل فضلا عن ولوجها أنفاق الحسابات الرخيصة وأفلاكها المريبة على حساب الحقائق التي لا تنتظر تلك الإضافات المرضية بقدر ما تتطلع إلى معالجات فورية عاجلة لكثير من الحالات...

 

لنعكف على دراسات جادة فاعلة للأزمة ولنضع الأمور بين أيدي المتخصصين لا المزايدين السياسيين ومن يدور في أفلاكهم.. ولنعلن بشفافية عن خططنا ونضع الدواء حيث الجرح الفاغر مطالبا إيانا بالعلاج.. حيث الشيوخ ومعاناتهم الروحية والبدنية الصحية وحيث الأطفال وآلام مطالبهم وعيونهم المفتوحة على محيط يريد ويأخذ من وجودهم وحاجاتهم ولنقف وقفة مسؤولة إلى نسائنا بنات عراقنا اللواتي صرن تحت تكاليف الزمن وأوصابه وحملهنَّ رزايا وجراح لن تندمل بلسان قلم يصبّ جام غضبه وشتائمه على الآخرين... وفقط حين نتصدى لمهامنا ومسؤولياتنا يمكننا الحديث عن الآخر ومسؤوليته وممارساته..

أيها السادة النبلاء، ألا فلنمضِ سويا ويدا بيد من أجل أن نقرأ بموضوعية وأن نحاور بموضوعية ومنطق عقلي سليم وأن نتصدى لمسؤولياتنا بلا تردد وتلك هي القضية ودفاعنا عن أهلنا حيث حل مشكلاتهم وتلبية مطالبهم وحاجاتهم الإنسانية المباشرة لا المتاجرة بنقطة كراكمتهم وكرامتنا بالمزايدة وبالتصابي وقشمريات الكلم...

ولصوت المهجرين ومطالبهم بقية دائما حتى تندمل الجراح بعودة العراق لأهله آمنا بهم ولهم....

174
من يقودنا شخصيات أم أحزاب وحركات؟ الحل في حكومة إنقاذ بديلة

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

23آب2007

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


 

 

[1:  للحديث بقية إن سُمِح لنا وما خاننا الدهر]

 

تتفاعل الأزمة العراقية وتمضي بمركب طوارئ معقدة متصاعدة الوتيرة ، مركـَّبتها.. وما الذي يجري خلف جدران الاجتماعات؟ ليس معقدا تبيّن ما يجري إذا ما قرأنا نتائج ماراثون الحوارات والمخاصمات والمقاطعات؛ وإذا ما قرأنا نتيجة توكيد فلسفة المحاصصة سيئة الصيت ولكنها هذه المرة لا على صعيد طائفي يتسع لأبناء الطائفة وأحزابها بل على صعيد الشخصيات والقيادات العليا بشكل بيِّن واضح!!

لنقرأ التحالف الرباعي الذي اختزل الأمور في قضيتين لا ثالث لهما: الأولى تمثلت في حصر العملية السياسية في دائرة الحكومة فقط لا غير والأخرى في حصرها في أحزاب حاكمة وفي بعض قياداتها تحديدا. *

وبهذه القراءة نكون في انفصال خطير بين قيادة العملية السياسية الحالية من جهة وبين جموع الذين صوتوا لصالح العملية السياسية ودمقرطة الحياة والتأسيس لبنية دولة عراقية مختلفة نوعيا...

وهذا الاختلاف النوعي يستمد وجوده من سلطة صوت الناخب وتحقق إرادته وتطلعاته؛ فيما نحن لا نرى هذه الإرادة في مجمل مسيرة الحكومة وإجراءاتها والبرلمان وأنشطته بل لا نرى حتى حماية لوجود هذا المبتلى بالإرهاب الدموي  يوميا وليس من مغيث!؟

إنَّ القضية عبرت خطها الأحمر الأول في أن الحكومة لم تؤدِّ مهامها المنوطة  ليس بسبب تركيبتها حسب وإنَّما حتى في برامجها وإجراءاتها وجملة ما قامت به طوال السنوات المنصرمة.. وأكثر من ذلك أنها عبرت الخطوط الحمر الأخيرة لها إذ لم تحقق حتى لوجودها الأمن الكافي لحماية منتسبيها وفوق ذلك لم توفر لوجودها الاستقرار الوظيفي حتى أنها اليوم في انشطارات بخروج 17 وزيرا وبشلل في حركتها لم تسعفه الحلول المستعجلة في تكوين تحالف الإنقاذ الرباعي الذي سرعان ما شعر أعضاؤه بخطورة توجههم الرباعي ليس على جملة العملية السياسية ومسيرتها ولا على الحكومة وإجراءاتها حسب بل وعلى وجود الرباعي الحزبي والحركي وعلى مصداقية التوجه وهو الأمر الذي دفع لإعادة النظر في قراءة الإجراءات المتخذة من مربع الصفر ولكن هذه المرة بوجود شرخ مضاف آخر يجرح درجة الثقة المهزوزة أصلا...

إنَّ الوضع الحالي لا يمكنه تقبل حالات ترقيع وإصلاحات جزئية مصطنعة.. وإذا كان هذا ممكنا في بداية الأمر فإنه لم يعد ممكنا ولا متاحا اليوم.. وبين الجهل السياسي وتعمد الاستمرار في التعاطي مع المصالح الفئوية الحزبية الضيقة سيكون مقتل الوجود الوطني العراقي..

ولابد لنا اليوم وبعيدا عن إشكالية الثقة المهتزة بين القوى الفاعلة بمسيرة العملية السياسية، أقول لابد من بل يجب فورا النزول عن حكاية المطالب الفئوية والتوقف عند الإجراء المصيري الحاسم بمعالجة الأزمة أو العقدة الحكومية التي تمثل كبريات العقد في العملية السياسية وفي إدارتها باتجاه صحيح صائب..

والحل يكمن في حارطة عاجلة تتمثل في:

تعديل المجلس السياسي للأمن الوطني ببنيته الداخلية وشموله الطيف العراقي الواسع وفي أدائه من جهة الصلاحيات التي يمتلكها في إدارة العملية السياسية نفسها..

تعديل صلاحيات الرئاسة ومجلسها وصلاحيات رئاسة الوزارة ومجلسها وأداء المجلس الوزاري ونظام عمله وآليات اتخاذ قراراته بما يتلاءم والعمل الجمعي المشترك مع الأخذ بأهمية وخصوصية صوت الرئاسة ودورها في حسم حالات الاختلاف في ضوء البرنامج وليس في ضوء الرؤى الشخصية...

تفعيل البرلمان العراقي بالدعوة لتشكيل مجلس القوميات والمجموعات العراقية بنسب متعادلة متكافئة ليمثل ذلك الشطر الثاني من البرلمان وليتركب البرلمان الوطني من المجلس الوطني المنتخب مباشرة الموجود حاليا ومن مجلس القوميات مع مزيد من الصلاحيات الفاعلة المؤثرة..

[وبالطبع لابد من عائدية الصوت البرلماني للناخب الشعبي لا إلى الرأي الحزبي الضيق وتلك مهمة تحسمها آليات العمل داخل البرلمان ومقدار صلاحيات الأعضاء فضلا عن دورات التطوير وعن تفعيل اللجان البرلمانية التخصصية وأدائها...]

تشكيل حكومة وحدة وطنية في بنية الوزارة عامة مع اعتماد أسس التعاطي مع تشكيلة من التكنوقراط وبالجمع بين المرجعية السياسية للأحزاب البرلمانية ووزرائها وعامل التخصص العلمي وحركة الوزير بوصفه تكنوقراطا في أدائه سيكون المخرج المنتظر..

فأما المرجعية السياسية فتُعنى بمناصب رئاسة الوزارة والنواب ووزارات سيادية محددة فيما بقية الطاقم يكون معتمدا بناء على تخصصه وليس فئته أو طائفته أو ما شابه من التوزيعات المرضية والمحاصصات المقيتة..

إنَّ الشعب ينتظر اليوم من البرلمان أن يبرر بقية مسؤولية أنيطت به بالدعوة لجلسة ثقة خاصة بالحكومة الحالية وأن يمارس صلاحياته التشريعية الدستورية لا انتظار أوامر القيادات الحزبية التي تتحكم اليوم بالوضع العراقي وتحاصره في قبضة مطالبها الخاصة..

ولن يبدأ التحرر من هذه القبضة طالما أحال البرلمانيون القضية لجلسات الحوار المغلقة بين القيادات.. كما لن ننتهي على خير في ظل الأزمة الحالية ونتائج العقد المختلقة التي تولد في كل خطوة محاصصة وإجراء قيادي ..

وسيكون من باب أولى ولصالح النيات الطيبة للقيادات ولصالح إخراجهم من دائرة محدودية أطراف الحوار التوجه للبرلمان بجلسة ثقة تستبدل الحكومة في حزمة اتفاق على جملة الإجراءات المؤملة التي أشرنا إليها في موضع سابق من هذه القراءة..

وليس القصد من الحلول الموضوعية مصادرة موقع قيادي أو التعرض له لا إنسانيا ولا وظيفيا في مكانته ومكانه ومسوؤليته.. كما أنه ليس من المقاصد التي تلتفت إليها حركة الحلول أن نوجد شروخا بين القوى الحزبية بقدر ما يدعونا الواقع للتعاطي مع مخاطره الكارثية..

وإذا كانت كل قيادة حزبية تمتلك تلك الإرادة الوطنية وإذا كانت كل قيادة حزبية تمتلك الجرأة لدمقرطة حياة الحزب وألا تكتفي بالإيمان بالمبدأ الديموقراطي وإنما أن تعلن بشفافية مرجعيتها لإرادة القيادة الحزبية والقاعدة الحزبية وأن تعمل على وفق برنامج حزبي محدد معلن وموثق، فإنه من المفيد اليوم قبل الغد أن نبدأ مرحلة جديدة نوعيا في العمل السياسي الوطني..

وبخلاف ذلك فإننا سنجد أنفسنا في مقبرة النفق المظلم وفي مهب ريح لا تعصف بنا بوصفنا عراقيين بل ستعصف بنا بوصفنا شراذم  منشطرة بين هويات ودويلات متصارعة تابعة خاضعة بالمطلق لجهات لن تعطي نفرا منا ولا فتات موائدها!!؟

هل من صحوة بعيدة عن إعلانات التحذير وبعيدة عن المراجعات الجزئية والوقفات العجلى مع تداعيات الموقف المأزوم المتفجر؟ هل من موقف نبيل يعود لمصالح عراق للعراقيين جميعا ولمصالحهم تستمد صحتها من شمولية الحل وجذريته؟

لا تنتظروا أيها الساسة الحزبيون حلولا  تمطرها السماء حتى ولا في الخيال. مسؤوليتنا جميعا أن نبدأ الفعل المنتظر..يومها ستتعمد مكانة القيادات الوطنية وتتعمد مصالح الأطياف العراقية جميعا وتتعمد مسيرة العملية السياسية بإعادتها لمن صوّت لها خيارا استراتيجيا متطلعا لبناء مؤسسة الدولة العراقية الجديدة دولة الديموقراطية والفديرالية...

 

لنمضي سويا من أجل هذا الغد... وما خلف هذه الأسطر ولم تتحدث عنه كلنا يدريه ويدري أن للعراقي لا حق الذهاب للمحكمة الدستورية بشأن الحكومة بل وقد تظهر بدائل لن يكون لطرف بعدها حديث عن معالجة حيث يكون الوقت أزف بل مضى وانقضى!!!!

وهذه دعوة لأعضاء الحركات والأحزاب السياسية لتقول كلمتها في زمن الكل يزعم فيه ديموقراطية نهجه وفلسفته وأدائه.. إذن هل الشعب وأعضاء الحركات وهل المفكرون والمثقفون والمتخصصون والأكاديميون هم الجهلة وهم الكسالى عن التصدي لمسؤولياتهم وتركها بيد قيادات تتحمل وزر أمور أكبر منها ومنهم؟

أين حركة مؤسسات المجتمع المدني أما زالت مريضة بأزماتها؟؟ لتبدأ حركة التفعيل من هنا من بيننا نحن ضحايا الأزممة الطاحنة ولن يكون من حل إلا مع الحركة الشعبية الواسعة وبالتحديد داخل الحركات والأحزاب والمؤسسات الاجتماعية والسياسية.. فماذا نحن فاعلون؟

يُنتظر منا أن نطالب القيادات بلقاءات مباشرة للقرار وليس للتشاور حسب وأن توضع البرامج كل في مجاله.. فماذا تنتظرون؟؟ وبعد الخشارة القادمة ليس للعراقي أن يقول عن نفسه إنه عراقي بل له أن يقول إنه عبد فلان: عبدإيران أو عبدتركيا أو أو عبدسورية عبد السودان أو عبد الصومال حتى.. ويومها ليس من عراق ولا من عراقي إلا في ذاكرة عبيد لا صوت لهم حتى بينهم وبين أنفسهم ....

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هل تمثل هذه الأحزاب من زعمت تمثيلهم هل يمثل المجلس الإسلامي الأعلى كل الشيعة؟ هل يمثل حزب المالكي كل الشيعة بل هل يمثل كل أحزاب الدعوة المنشطرة؟ لا جدال أن أمر التمثيل مختزل على المستوى الحزبي وحتى على مستوى الزعامات..

* الأمر الآخر حصر العمل السياسي في أفراد وشخوص حتى أن الحركة أو الحزب لا يرسل من يمثله بل الشخصية القائدة هي التي تبعث من يمثلها وهكذا يرسل الأب ابنه ووريثه في أملاكه الشخصية العائلية ليمثله لا باسمه وباسم حركته بل باسم الشعب وسبحان الله في أننا إذا قبلنا أن يكون الأب قائدا فما علاقة الأمر بالابن وهل ملَّكناه علينا ليرثنا بين أملاكه ويرسل ابنه.. أليس هذا ما حصل في إرسال عبدالعزيز لابنه عمار.. وقد جف العراق عن أن يعطي قادة ومفكرين لنقف عند أبناء من امتلكوا قيادنا ومقدراتنا!!!!!!!!!!!؟؟

175
المسؤول والنقد بين رؤى العمل الفردي والعمل المؤسساتي

الفردنة أو الشخصنة والموضوعية في العمل


الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

21\08\2007

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


 

 

 

[1]

 

يجري اليوم صراع عميق لإعادة ترتيب أوضاع النظام العام والعلاقات العامة في إطار البيت العراقي.. وقد جرى في غفلة من الزمن تمرير شخوص غير مناسبين لمسؤوليات بعينها وهو ما جرى رصده في ميدان العمل؛ ونحن نعرف سويا ما كان من زمن التغييب الذي عُطِّل فيه منطق العقل العلمي الموضوعي الأمر الذي منح فرصا أخرى لتعطيل آخر للطاقات العلمية ومنعها من أخذ مكانها ومكانتها الصحيحة..

والمشكلة اليوم في الخلط بين المجرم والمقصِّر وبين غير القادر على إدارة مسؤوليته بكفاءة لمجيئه إليها بطريقة خضعت لفلسفة المحاصصة [سيئة الصيت] والفلسفات المرضية الأخرى في سياسة التعيين وتوزيع المسؤوليات والمناصب من أعلى الهرم حتى أدناه.. ويجري أيضا التعرّض للشخصيات العامة بطريقة التشهير والتجريح والمهاجمة بأسلوب التقاطع العدمي الذي يقرأ الأمور بلغة الاتهام والإلغاء ومحاولة الإقصاء والتهميش والتعرض [إذلال] لهذه الشخصية أو تلك...

 

وهكذا يُهاجَم عدد كبير من المسؤولين بطريقة مشخصنة أي في وجودهم الإنساني وليس في طريقة أدائهم لتكليفاتهم وبرامجهم في العمل... والفرق بين أن يجري تجريحهم وأن يجري انتقاد برامجهم يكمن في الفرق بين العمل الفردي والشخصنة من جهة والعمل المؤسساتي والروح الجمعي من جهة أخرى..

 وفي الأول [أي في الشخصنة] لا يكون الأمر إلا صراعات مرضية فردية أو شخصية تتعارض ومعاني الإخاء الإنساني والروح البناء في العلاقات الاجتماعية الإنسانية فضلا عن وقوعها في دائرة يطالها القانون ويُحاسِب عليها حمايةَ َ للفرد الإنسان من تهجمات تتعرض لشخصه.. فيما فلسفة العمل المؤسساتي تستدعي معالجة الثغرات والنواقص موضوعيا والابتعاد عمّا يمس الإنسان من إساءة وتجريح وقدح وذم فيه...

في الأولى سيستمر أمر تلك النواقص والثغرات وسندخل نفق صراعات لا تخدم سوى الأنفار التي تسللت إلى مفاصل العمل المؤسساتي وقيادة مؤسسات الدولة بما يمنحها فرصا متجددة لمواصلة عبثها وجريمتها بينما يقع ضحية هذا الأداء النقدي السلبي مواطنين يمتلكون الحق في الحياة بعيدا عن لغة التجريح والتشهير..

أما سرّ الفرصة العبثية فيكمن في أنّ الناقد السلبي وآليات نقده لا يمثل المعالجة الرصينة الشافية كما الحال عندما تعطي مريضا دواءَ َ لمرض غير مرضه!؟ والصحة ليس في البرامج الصحية الصحيحة ولا في النيات الحسنة والأهداف السامية حسب بل في آليات تحقيقها أيضا..

ومن هنا كان علينا أن نميّز بين آليتين في التعامل مع ما يجري في مؤسسات دولتنا التي ما كادت تولد بعد، بعد دمار وتخريب امتد أمده طويلا وهو يتجدد يوميا الآن بشراسة واضحة...

 

[2]

نموذج في التعاطي مع هاتين الآليتين: خيار السفراء؟؟

 

تمّ في إطار تسلّم السلطة وإدارة دفة مؤسسة الدولة العراقية تصدي قيادات من أحزاب وقوى مختلفة ومتنوعة في برامجها وأدائها وفي فلسفاتها.. وحتى اليوم لم تستقر مؤسسة الدولة  لا بناء ولا أداء بدليل الأوضاع العامة التي يعيشها العراقي. وفي مثل هذه الأجواء تسلّم مناصب عامة ومسؤوليات قيادية شخوصا وشخصيات مختلفة الرؤى والإمكانات.. ومرّ في إطار الدوائر الحكومية وتفاصيل الوظائف والأشغال العامة عدد كبير من طاقات العمل التي عطلتها حروب عبثية مدمِّرة وتجهيل مرير بسبب من عقود العطالة والبطالة...

نتناول هنا مسألة تنصيب وزراء وسفراء في الحكومات المتعاقبة للأربع سنوات الأخيرة، فمن الممكن أن يكون قد مرَّ شخوص تسللوا في غفلة وهناك شخوص لهم تاريخ يتقاطع ومصالح الشعب العراقي وفي حالات أغلب من هذه الحالة يمكن أن يكون مرّ عدد من الشخوص الذين لا يملكون الكفاءة المؤملة لشغل هذه المسؤولية أو ذاك المنصب..  وأتفق مع تلك الرؤى التي تبحث عن الحل والبديل فهذا أمر طبيعي..

ولكن هل يبدأ الحل بشخصنة الأمور والتجريح؟ وهل تشخيص الحالة يتطلب التشهير بهذه الشخصية أو تلك؟ وهل من العلاج في شيء ممارسة إثارة الغبار والمعارك الهامشية بما يعيد معارك العبث التي أطاحت بمصير مئات آلاف أبناء شعبنا ضحايا أبرياء لها؟ وهل إغداق مزيد من النقد السلبي الجارح يوفر فرصة للتغيير الإيجابي المنشود؟ وهل فعلا يكون التصدي التعريضي الحاد بالشخوص وسيلة لاستبدال الصح بالخطأ [لغة المتروك هو ما بعد الباء]؟

إنّ عديدا من الذين يتألمون لما يجري، ويرون الجريمة المرتكبة بحق أبناء شعبنا ومصالحه في استمرار وجود شخوص على رأس المسؤوليات من دون كفاءة؛ يمارسون ردّ الفعل النقدي السلبي هذا بطريقة [آلية] سلبية تستخدم الشخصنة في التعرض معتقدين أن حدة أو شدة المجابهة هي ما سيمنع هؤلاء عن مواصلة استغلال المنصب والمسؤولية.. وهكذا نراهم يخوضون حربا من الكلمات التعريضية مثيرين غبار معارك التشهير التي لا تخضع لأكثر من سلطة القانون التي ستنقل الأمور بعيدا عن وجهتها المنتظرة وينقلب الميزان!

وإذا استثنينا المتسللين عن عمد ولسابق إصرار لارتكاب جريمة استغلال المسؤولية والإضرار بمصالح الناس والوطن وما ينبغي أن يخضعوا له من حكم القانون وليس انتقامنا القائم على الفردنة والشخصنة.. وإذا استثنينا أولئك الذين يخوضون معاركهم الخاصة في التنافس على مصلحة ذاتية فردية في حرب سرقة المناصب والكراسي لأطماع مرضية؛ فإنَّنا باستثناء هؤلاء بصدد  مجموعة من الناس الذين وقعوا في مصيدة إمكاناتهم الهزيلة أو الضعيفة في التصدي لمهام مسؤولياتهم الأكبر من طاقاتهم ما يستدعي البحث بأسلوب متحضر متمدن في التعاطي مع الأمر ومحاسبة التقصير والخطأ بموضوعية تستبدل الشخص من دون تجريحه أو التعريض به أو التشهير وما إلى ذلك كما يلزمنا ألا نخلط بين المجرم والمعادي لمصالح الناس والوطن و بين المقصر أو المحاول النهوض بمهمة ولكنه يعجز عن أدائها لسبب أو آخر..

وفي حالات عديدة يكون الفشل لأسباب موضوعية خارجة عن إرادة الفرد المسؤول ما يتطلب تضافر الجهود الجمعية في البحث عن البدائل لا في الأشخاص بل في الآليات وطرائق المعالجة..

ومن هنا فإن ما يجري اليوم من أسلوب التهجم من أفراد بعينهم من جهة ومن مقاطعة أنشطة هذه السفارة العراقية أو تلك ومهاجمة أدائها بقصد التعرض لمسؤوليها من السفير والوزير المفوض إلى القناصل والموظفين لا يصب إلا في خانة الآليات المرضية ذاتها التي ستوفر الفرص المضافة للمتسللين للبقاء في مناصبهم عبثيا ولن تسير بنا إلى أمام خطوة واحدة..

المطلوب اليوم هو التعاطي مع السفارات العراقية مثلما مع المؤسسات العراقية داخل الوطن بروح موضوعي للبناء عبر كشف الأخطاء والجرائم والنواقص باستخدام لغة القانون وخطابه وآلياته.. وأن نمنح قضاءنا فرصته التاريخية ليبرر وجوده وأن نمنح أنفسنا حقها في الحديث عن مستوى مدني حضاري ومنطق عقلي متمدن نمتلكه شعبا وقيادات اجتماعية وسياسية وفعاليات أكاديمية تخصصية ...

إنَّ أي مؤسسة ومنها السفارة العراقية هي ملك الشعب العراقي وممثليته يعمق دورها اليوم وجود جاليات ضخمة تتعاطى معها ما يتطلب ألا نترك الأمر لفرد ممثل في سفير أو وزير مفوض أو قنصل أو جيش موظفين فهم حتى في حال التضحية بأنفسهم لا يمكنهم التصدي لوحدهم للمهام والمسؤوليات ما يوجب أن نمضي سويا في أداء تلك المهام والنهوض بها تجاه الجاليات وتجاه شعبنا وتجاه تمثيل بلادنا رسميا بأعلى منطق البروتوكولات التي وصلتها مؤسسة الدولة المعاصرة..

وسيكون من المجدي الحديث عن مشكلاتنا ونواقصنا بيننا بلا طرائق الفضائح وبما يخضع للقانون من جهة وما يجعلنا الأجدر بحمل اسم الوطن العراقي والهوية العراقية بما يعود علينا بالخير وبمعالجة ناجعة تخضع للموضوعية من متابعة الجريمة وحتى سد الثغرات والنواقص الهامشية..

إنَّ وجودنا في قلب المؤسسة ومتابعتنا لها ووقف لغة التشنجات والانفعالات والتقاطعات والمقاطعات والعزل والمحاصرة ومحاولات الإقصاء والإلغاء لهو أمر مرضي لا يليق بنا وبمنطقنا الموضوعي المتحضر.. ومن المجدي والمفيد أن نتخذ مواقف الإيجاب من الأنشطة التي تمثل مرجعيتها للناس من الجالية والشعب مع الحيطة والحذر من حالات التجيير لصالح فرد أو شخص انتهازي متسلل لهذه المسؤولية أو تلك.  ومفكرو جالياتنا وقادتها يمكنهم الالتفات للأمر من دون الوقوع في أفخاخ اللعب والتصيد المرضي..

أما حصر أبناء الجالية في زاوية المعارك المشخصنة والفعل ورد الفعل المرضيين فأمر لن يجدينا وسيضعنا في خانة متخلفة من النظر القاصر  في التعاطي مع العمل المؤسساتي للدولة المعاصرة الحديثة.. ولن يجدينا الحديث عندها عن طاقاتنا الكبيرة [التي نساهم بهذه الآليات المفردنة في تعطيلها] ولن يجدينا نياتنا الحسنة وطيبتنا ولا مقاصدنا النبيلة فنحن حينها في مصيدة عدو الشعب والإنسان الممثل في الآليات المرضية التي تلغي العمل الجمعي الخاضع لخطاب القانون وفلسفته الصحية الصحيحة...

 

لنعالج [بدلا من لغة نهاجم السلبية] سويا بخطاب موضوعي كل ثغراتنا وما يعترضنا من جرائم ولنتحد يدا بيد للتصدي الحازم لكل ذلك ولا نهادن ولكن باستخدام لغة العقل لا لغة الانفعال. وبهذا نقطع الطريق على تواصل الخطايا والجرائم مثلما نعالج أنفسنا من أدران زمن علقت بنا؛ لنبدأ صفحة مسيرتنا نحن أبناء الشعب المتحرر من قيود الاستغلال التي علقت بنا أنفسنا نحن الذات الجمعي بصفات من أمراض الأمس وخطاياه...

النقد السلبي لن يفلح في المعالجة والنقد الإيجابي يعني أن نعود لقمة الهرم ونعالج فيه ما ينبغي ودائما بوجود قضاء عادل نزيه وبوجود هرم إداري صحي وصحيح بما نستطيع فيه وعبره معالجة ما ينتظرنا ويأمل فينا العمل الحريص المتسامي على لغة الحط من الآخر لخطأه أو لعدم كفاءته وحتى عندما يكون الأمر يخص نزاهة فرد فينبغي أن يمر عبر القانون وسلطته لما يعزز مبدأ احترام الإنسان كونه القيمة الأسمى في حياتنا...

فهل سنجد فرصتنا في احترام بعضنا بعضا؟ وفي التعاطي الموضوعي لا المفردن المشخصن مع الحالة؟  وفي النقد الإيجابي البناء لا التجريح ولا الاتهام والتعريض؟ وهل سنجدنا في مسيرتنا نتعاطى مع حالتين جزئية محدودة محددة تتطلب التعاطي المباشر وكلية شاملة تتطلب النظر الاستراتيجي البعيد لمعنى التغيير؟ ولكل حادث حديث وبقية............

176
مسؤولية حماية المجموعات القومية والدينية في العراق

عدم الاكتفاء بالشجب والإدانة والتحول لمشروعات ميدانية عملية للحماية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

16\08\2007

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


 

 

ليس المعقد وصف مجريات الجريمة الشاملة بحق العراقيين بجميع أطيافهم ولا حتى تركيز العين على مشهد الجريمة المركبة المضاعفة التي تقع على أبناء من يُطلق عليهم توصيف الأقليات القومية أو الدينية وهم شعوب عريقة شادت الحياة في وادي النماء وتراث الإنسانية الخالد التي ما زالت تحيا بروح ذياك الأزل الزاهي بفعل البناء الحضاري المجيد حاملة راياته البيض في يومنا الذي تعصف به ريح فتملأ أجوائه غبار الطحن الآدمي الذي لا يخلـِّف غير بشاعة المشهد من لحم بشري مهروس ودم تجري به الأنهار!!

في ظل هذا المشهد، لا مجال لقبول التبرير.. ولا مجال لانتظار سفسطة بؤس السياسات المرضية ومزادات أو حسابات المحاصصات والمصالح العائدة لهذه الفئة أو تلك ممن يقودون الركب اليوم. ولا مسامحة لجهة أو قوة سياسية أم دينية لتتنصل من مسؤولية مجازر الذبح الجماعي والفتك الجماعي بالعراقيين من [الأقليات] وهم عراقيو الجذور وتاريخ الماضي التليد بعمليات البناء والتأسيس والحاضر الجريح المبتلى بجرائم الإبادة...

لا مجال تحديدا للقيادة السياسية للتلكؤ في متابعة الأمر ومعالجته وللمرجعيات الدينية الإسلامية السنية والشيعية من موقف موحد واضح لا يقف عند الإدانة الإعلامية المعلنة والسلبية والسكونية والصمت خلف ستار يحجب الميدان والجريمة الواقعة فيه... فمن دون موقف عملي يتصدى للجريمة ومن دون إجراءات كفيلة بوقف الجريمة فورا ستكون تلك المرجعيات في خضم الشريك في تمرير المقاتل الخطيرة...

وبغاية من الوضوح والفاعلية ينبغي للمرجعيات الرئيسة سنية وشيعية أن تعلن فتاوى تحريم الدم العراقي عامة وتحريم دم المجموعات الدينية تحديدا الأيزيدية والمندائية بخصوصية واضحة والمسيحية واليهودية لما يتعرض له أبناء هذه الديانات من جريمة إبادة جماعية منظمة... ولابد من التأكيد على خروج من يقوم بمثل هذه الجريمة عن منطق الإسلام بمذاهبه الصحيحة جميعا وبجوهر فكره وأصوله وقواعده..

ومن واجبات تلك المراجع الدينية أن تتبادل العلاقات المباشرة وتبادل الزيارات مع القيادات الدينية لهذه المجموعات وتعقد معها الحوارات المباشرة والعقود والعهود السلمية وأن يجري التركيز على النصوص الدينية الإسلامية التي تغلِّب روح السلم وعوامل التآخي والاتفاق ومنع بل تحريم إيذاء الآخر فكيف بنا وحال قتله وإبادته الوحشية الجارية!؟

وإنه لمن دواعي الأمل بلغة السلم والمساواة بين جميع الأديان أن تبدأ الحملة من فورها اليوم بزيارات ميدانية لتلك المرجعيات وإعلان لا التصريحات الصحفية بل وثيقة عهد بالأمان والتآخي بين الجميع بخاصة في أجواء ما وقع بحق أبناء الأيزيدية من جريمة راح ضحيتها بالأمس مئات من الأبرياء وهم يمثلون نسبة كبيرة إذا ما قيسوا بالأرقام تجاه الوجود الأيزيدي اليوم في عراق المذبحة عراق المحطنة والآلة الجهنمية للإرهاب ومن يمرره ويصمت عما يرتكب...

 

أما سياسيا؛ فإنَّه لينبغي للقيادة السياسية ممثلة بالحركات والقوى والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني أن تصير فورا لعقد مؤتمر القوميات والأديان المتعايشة في العراق والتحضير له للانعقاد في غضون مدة لا تتجاوز الأشهر الثلاثة وأن يكون من بين أبرز نتائجه شرعنة الاعتراف بالتعددية وبالمساواة عبر إيجاد مجلس القوميات والمجموعات الدينية العراقية بوصفه برلمانا يمثل نصف البرلمان الوطني وأن يجري انتخابه وتشكيله للقيام بمهامه الكبرى عراقيا...

على أن الأمور المباشرة ينبغي أن تبدأ من طلب المساعدة الدولية لتوفير الحماية ولتشكيل مؤسسة أمنية عسكرية بقيادات أبناء تلك المجموعات في المناطق التي يعيشون فيها بكثافة أكبر.. مع تصعيد الحملة الإعلامية والسياسية بالخصوص وتوفير الغطاء الكافي ماديا وأمنيا لدعم الأنشطة الاجتماعية والسياسية لهذه المجموعات الدينية العريقة الأصيلة...

ويمكن هنا الإفادة من خبرات إقليمية ودولية ومن منظمات كالأمم المتحدة لعقد تلك الأنشطة والفعاليات ولعقد مؤتمرات وطنية ودولية مخصوصة للتداول بشأن ما جرى ويجري من حالات محاصرة واستلاب ومن حالات إبادة جماعية وفردية ومن حالات تجاوز قانونية ومشكلات ناجمة عن طبيعة الثقافات السائدة وسلبياتها الخطيرة من تلك التي تتزايد بسبب الإثارة والتشنج الجاريين في الوضع العام... كما هو حال ردود الفعل السلبية اجتماعيا ودينيا والنكوص والتراجع عن عوامل التطورات الحديثة في التنوير والتقدم..

وفي إطار فعالياتها عقد ممثلو المجموعات الدينية ومتنوروهم عددا من الأنشطة والمؤتمرات المخصوصة ولكنها فضلا عن كونها ظلت حبيسة دائرة ضيقة لسباب شتى موضوعية وذاتية، تظل إلى حاجة للدعم والتطوير وتناول مقرراتها بالتشجيع والدعم وليس الرعاية من منطلق الاستعلاء والفوقية.. وعليه فإنَّ الخطوة المباشرة التالية تُعنى بالتصدي للجريمة أمنيا وردع حالات التقاعس والتقصير واللجوء إلى تفعيل قوى الحماية بجدية ومسؤولية تتناسب والواقع الميداني مع تشكيل لجان تقصي حقائق وطنية ودولية وكشف نتائجها فورا ...

ولأجل تحقيق مثل هذه الإجراءات ينبغي التحول إلى تبني المعالجات المدروسة من متخصصين عبر هيئات ولجان ومسؤوليات وفاعليات على صلة مباشرة بالأيزيديين ومناطق تتسم بكثافة وجودهم سكانيا. ومعنى تبني تلك المعالجات أن يُصار إلى لجنة اختصاص في برلمان إقليم كوردستان مهمتها متابعة الوضع الطارئ للأيزيدية وتتشكل بثلثي أعضائها من أيزيديين من تشكيلات المجتمع المدني والمسؤولين ومن بقية من المتخصصين المساعدين لقراءة الوضع وتقديم المشروعات الكفيلة بالمعالجة الجذرية..

ومن جهة وطنية تتشكل لجنة برلمانية وأخرى حكومية مثيلة لديها أعضاء ارتباط مع اللجنة الكوردستانية وتتابع الدراسات الميدانية التخصصية  وتقدمها للحكومة لغرض العمل والتنفيذ الفوري المباشر..

على أننا إذا ما بقينا بعيدا عن هذه الرؤية العملية وعن الإجراءات الميدانية الكفيلة بالمعالجة الجدية المؤثرة سنبقى في دائرة لا الاكتفاء ببيانات ودراسات المكاتب المغلقة ورومانسية التعاطف الورقي الذي يتغذى على الأوهام بل سنكون شراء أو شهود سلبيين على جريمة تتنامى وتتصاعد بوحشية وبوتيرة أخطر من إيقاع الآلام والجراح بل إبادة نهائية لنشهد انقراض مجموعة بشرية أمام أعيننا بلا صرخة حق وبلا شعور إنساني يتناسب والجريمة وحجمها النوعي الخطير بعد أن فات قطار الحسابات الكمية العادية ومجددا لا نكتفي بالحماسة وفورات رد الفعل الآني...

بلى ندين الجريمة ونشجبها وذلك أمر مؤكد ومهم ولكننا بوعي يرتقي لمستوى المسؤولية نعلن عن تقدمنا لإجراءات ميدانية مناسبة للمعالجة برفع كلمتنا هذه لمقامات أعضاء برلماني كوردستان الحبيبة والبرلمان العراقي.. وننتظر إجابة رسمية مخصوصة. أو نتحول لشكاية رسمية إلى المنظمات الدولية لحماية أهلنا من العراقيين الذين يتعرضون للجريمة مرة لعراقيتهم ومرة لهويتهم المخصوصة أيزيديين وغيرهم...

وهذه يدي بأيديكم أيها الأحبة يا أصلاء العراق وجذوره تاريخا وحاضرا وتعاز حرى لأنفسنا في الضحايا الأبرياء من أيزيدية السلام والمحبة والتآخي ووداعة الروح أصحاب شجرة الأمل اليانعة والحياة الخضراء الدائمة حتى نعيد الحق والسلام والأمن والطمأنينة مجددا لكم وللعراقيين جميعا....

177
العملية السياسية في ضوء الأزمة الحكومية

 الثابت والمتغير في العملية السياسية والأوضاع الحكومية


الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

14\08\2007

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


 

 

تختلط أوراق قراءة الوضع في العراق في ضوء حالة الضبابية الناجمة عن غبار الميدان المستعر وعن الكم الهائل من التداخلات السلبية فضلا عن عملية التضليل والخداع وهذا يجري بمرافقة مع ظروف وجود القوات الأجنبية ومع حالة التقية وحجم الأسرار الناجم عن انعدام الثقة بين التيارات العاملة...

طيب، في مثل هذه الحال أجد أنَّ المطلوب من القوى الواعية المتنورة أن تكون واضحة مباشرة في خطابها وفي استخداماتها للمصطلح عامة والسياسي منه بخاصة.. وأنْ تكون تلك القوى إضاءة جدية وفعلية في الميدان العملي تساعد بها جمهورا واسعا ليس غيره ضحية للإرهاب من جهة وللمعطيات السياسية وتفاصيل مجرياتها من جهة أخرى..

لاحظوا معي أن بيانات بعض القوى السياسية احتوت على مغالطة في التعاطي مع المصطلح والمشكلة ليست لغوية وإلا لكنّا أهملناها تماما.. ولكن المشكلة في النتائج المترتبة على طبيعة أخذ المصطلح بمعنى بعينه.. فقوة سياسية تتخذ موقفا بالبقاء في حكومة المالكي لأنها ترى ذلك بقاء في العملية السياسية ومحافظة عليها! وهو أمر ينطوي على مغالطة...

فالعملية السياسية شيء والحكومة وإجراءاتها شيء آخر.. ومن يريد المحافظة على العملية السياسية وتطويرها ليس ملزما بالقبول بإجراءات المالكي تحديدا والطرف المهيمن على خطط الحكومة ومجريات قراراتها وإجراءاتها. مع أنه من حق كل طرف أن يتخذ الموقف الذي يراه على وفق برامجه وفي ضوء ذلك يتخذ الشعب موقفه من تلك القوة ومصداقيتها وصواب قراراتها وبرامجها...

عليه، أبدأ مداخلتي اليوم بالقول: إنَّ العملية السياسية تظل الثابت الأساس في الوضع العراقي.. وهي القاسم المشترك لأغلب العراقيين وتياراتهم السياسية سواء منها ذات الجذور التاريخية والخبرات العريقة أم وليدة عراق اليوم وإفرازات العملية السياسية وتعقيداتها.. على النقيض من أغلب القوى التدميرية التي اتخذت طريق العنف المسلح أو بمصطلح آخر [الإرهاب] وسيلتها لمآربها.. وأقول أغلب لأستثني فئة صغيرة حجما تقع أولوياتها خارج العملية السياسية السلمية أو في إطار التضاغطات العنفية الخاطئة من أصلها في التعاطي مع القضية العراقية مع أنها تتوهم كونها مقاومة وطنية...

والعملية السياسية تتضمن الآتي:

1.                                            أولوية تشكيل مؤسسات الدولة ممثلة في وزارة مهام طارئة تتلخص في: ضبط الأمن وتصفية مخلفات الأمس المرضية والشروع بإعداد أرضية انطلاق مشروعات إعادة الإعمار...[والسؤال هنا: كم هي المدة التي يجب على الشعب الجريح انتظارها لتستطيع حكومة المالكي أو الحكومة المنتخبة أو أي مسمى كما في الوحدة الوطنية – أي وحدة وأربع فئات خارجها- أن تضبط الأمور؟ وكم هو الوقت المطلوب لجاهزية قوى الأمن؟ وكم هو المطلوب لتحرير الشارع من سلطة الخارجين على القانون من غير الإرهابيين أزلام الماضي أقصد للانتهاء من المافيا والقوى المسلحة من خارج سلطة الدولة (الميليشيا)...؟] وأي وزارة يمكنها أداء هذه المهام؟

2.                                            توطيد سلطة القانون والقضاء وتنقية دستور دائم مستفتى عليه فضلا عن التوافق بشأنه... [السؤال: هل توجد محكمة اتحادية دستورية؟ هل يوجد اتفاق بشأن مجلس القضاء الأعلى؟ هل يجري التعاطي مع القانون في ضوء عراق ديموقراطي فديرالي جديد أم ما زالت قوانين الأمس لم يُلغَ كثير مما كان معادِ ِ لفئات الشعب العريضة كما في مثال قانون الموظفين وإلغاء وجود العمال ومن ثمَّ نقاباتهم؟!! أذكِّر بالموقف من إضرابات عمال النفط بموقف الوزير وقوله إنهم نقابات غير مشروعة مستندا إلى قانون سابق مشبوه وموقف رئيس الوزراء الذي لم يستطع تحريك القوات لوقف الإرهاب ولكنه يستطيع توجيهها إلى العمال المضربين كما حكومة جميل المدفعي أيام انتفاضة الخمسينات]

3.                                            استكمال بنية المؤسسة التشريعية في برلمان وطني يتكون من الجمعية الوطنية والبرلمان الاتحادي لمجالس القوميات إلى جانب مجلس إقليم كوردستان.. ومعنى استكمال يصب في الكشف عن شلل البرلمان عن أداء مهامه لأسباب عديدة منها طبيعته من جهة نظامه الداخلي وتركيبته الناقصة نقص الشطر الخاص بالبرلمان الاتحادي ومستوى الأعضاء في كثير من الأحيان ومرجعياتهم الشخصية من جهة إقامتهم الدائمة حقيقة فضلا عن صلاحيات المجلس المحددة المحدودة والمصادر أو المجمد بعضها على محدوديتها تلك..

4.                                            مجلس الأمن الوطني الطبيعة ونوع الفعل أو السلطة ومستوى الحضور فيه  وهو المجلس الذي يقود فعليا الأمور عندما تتعلق بالعلاقات الوطنية بين مختلف التيارات والكتل ولكنه هو الآخر بعيد عن السلطة لأن دفتها بيد طرف محدد معروف...

5.                                            التعاطي مع القوات الأجنبية ومع الاختراقات الأجنبية ومع الأصابع الأجنبية المباشرة وغير المباشرة عبر قواها الخاصة وعبر منفذي سياساتها في العراق... والسؤال ينصب على الأخطر تهديدا للوجود الوطني العراقي.. هل منطق العسكرتارية الغربية (أمريكا) أخطر أم منطق الوجود الإقليمي بفلسفته وسياساته (إيران) مع ملاحظة التغييرات الديموغرافية التي تجاوزت الملايين والقوى المسلحة التي تجاوزت الربع مليون  ومخططات الابتلاع التي تجاوزت مراحلها الوسيطة.......

العملية السياسية إذن، ليست مجرد مؤسسة حكومية بأي مستوى كان منها ومن ثمَّ لا تعني الحكومة ووزاراتها والمشاركة فيها أم لا. وبالمناسبة يمكن أن تمضي العملية السياسية بحكومة وحدة وطنية وهو أفضل الحلول ويمكن أن تمضي بالحكومة التي قامت وهي من الحلول العرجاء في ضوء مرضية سياسة المحاصصة وثغراتها ويمكن للعملية السياسية أن تمضي بحكومة تحالف ثلاثي أو ثنائي أو حتى بحكومة الأغلبية الانتخابية. عليه لا يمكننا قبول الخلط بين ثابت العملية السياسية والالتزام بهذا الثابت أساسا وطنيا وبين الموقف من الحكومة مشاركة فيها أم خروجا منها وعليها...

هذا في المعطى الأول أي بالإشارة إلى العلاقة بين المشاركة في العملية السياسية والمشاركة في الحكومة من عدمها... إذ الحكومة جزئية من مسار تلك العملية الشاملة. وليس بالضرورة من يخرج من الحكومة يقف بالضد من العملية السياسية أو يعرقلها.. كما ليس بالضرورة أن من يشارك في الحكومة يعني أنه يدعم العملية السياسية... ففي الأولى يمكن أن يجد طرف خارج الحكومة فرصا أفضل للتعبير عن إشكاليات بعينها بطريقة تكون ضاغط على أداء الحكومة لدفعها نحو أفضليات لصالح العملية السياسية ودمقرطة الحياة... وفي الثانية قد يكون أداء الطرف المتفرد بالقرار معرقلا للعملية السياسية ومثبطا لمسيرتها...

 

في ضوء ذلك ما الثابت في العملية السياسية؟ وما المتغير؟ لنبدأ للإجابة من المتغير ونقول: إنَّ المتغير يكمن في الأدوات العاملة على مستوى التنفيذ سواء في السلطة التنفيذية الحكومة ووزرائها أم في أي سلطة أخرى كالقضائية والتشريعية. ومعروف أنه في أية دولة في العالم يجري تغيير وزير أو أكثر أو الحكومة عند الفشل في أداء المهمة أو الإخفاق في معالجة أزمة وهو أمر طبيعي أو عادي.. لكن نظام الدولة لا يجري تغييره بتلك السهولة ولا يتم إلا يمرجعية شعبية واسعة الدور في التعاطي مع التغييرات الهيكلية الكبرى في الدستور وفي التشريعي كما في الاستفتاءات والانتخابات وبشروط نسب تمثيلية تتجاوز الثلثين لإقرار إشكالية وطنية كبرى..

المتغير لدينا في العملية السياسية ينبغي ألا يشذ عن مجريات العمليات السياسية في أيّ بلد في العالم يُحترم فيه الإنسان وحقوقه ومصالحه... المتغير يكمن في القائم على المسؤولية وليس في المسؤولية ذاتها.. أي في المنصب وإلا حوّلنا المنصب أو الحكومة إلى عقدة المنشار التي توقف العملية وتفجرها بدلا من أن تحلها... وطبعا يتغير مع المسؤول  برنامجه الذي أخفق بعد حالات تكرار تكليفه وإخفاقه أو تعقد الأزمة حد الاختناق والطريق المسدود..

وفي حالتنا العراقية و (على مستوى المتغير) على السلطة أو القيادة التي تدير العملية السياسية أن تصل بأسرع وقت إلى حلول مناسبة في تكليف طرف أو أطراف بالمسؤولية مجددا  ومراقبة التنفيذ مجددا للانتقال إلى مرحلة الفعل المفيد ذي الجدوى أو التغيير في المستوى التنفيذي كاملا وحتى في المستوى التشريعي عندما تبدو أفق قيادة الكتل الموجودة غير مفتوحة حيث يلزم العودة للخيار الشعبي بالخصوص في الحال العادية الطبيعية...

 

 

ومرة أخرى في حالتنا نحتاج إلى خارطة طريق جدية وبرنامج وطني موحد يقوم على أساس دمقرطة الحياة وهو الأمر الذي يتعارض مع سلطة القوى المسلحة في الشارع السياسي والاجتماعي وعلى سلطة القوى المتنفذة في مجال التحكم بالمجتمع ومساراته.. كما يجري فسح المجال واسعا أمام أصحاب الفتاوى التكفيرية والفتاوى التي تتعرض لنصف المجتمع فتعطله ولأقسام أساس من مكونات مجتمعنا كما في المجموعات القومية والدينية التي تتعرض بكل وحشية للإرهاب مرتين مرة لعراقيتها ومرة لخصوصيتها القومية أو الدينية أو المذهبية...

 

 

أما الثوابت في العملية السياسية فتكمن في الالتزام المبدئي بمسيرتها وبتطويرها وبمنع أية محاولة لعرقلتها عبر العمل الحثيث على تجاوز العقبات التي تعترض حال تشكيل مؤسسات الدولة بمكافحة الفساد على مختلف المستويات ومنه التمسك بكرسي الحكم على الرغم من الفشل. وتطهير إدارات الدولة والعمل بأولوية سلطة القانون ومحاسبة حالات اختراق القانون بتطوير العمل المؤسساتي ومنع الفردنة والمحسوبية وإلغاء نظام المحاصصة والتحول الفوري إلى العمل على أساس تفعيل دور التخصص والتكنوقراط في الأداء المؤسساتي... ونلخص وسائل دعم ثوابت العملية السياسية في:

1.  معالجة الثغرات الدستورية من جهة تطبيق المتوافق عليه وطنيا وتخليص الدستور من تلك المواد والفقرات التي ظلت إشارة لتناقضات ولحالة التجاذبات والتوازنات لحظة سنه وتشريعه...

2.  تطبيق خارطة طريق حل الميليشيات المسلحة ومركزة السلطة والسلاح بيد مؤسسة الدولة الوطنية لوحدها... مع معالجة إشكالات الثقة والخصوصية لكل حالة... لا تشكيك هنا في التاريخ الوطني المشرف لكل قوة ميليشياوية ولكن الإيمان بالعملية السياسية لأمر والإبقاء على الميليشيا أمر نقيض...

3.  تطهير مؤسسات الدولة بكل مستوياتها

4.  معالجة النقص في تشكيلات المؤسستين القضائية والتشريعية وانتخاب برلمان اتحادي للمجموعات والأطياف العراقية القومية وهي العربية والكوردية فالكلدانية الاشورية السريانية والتركمانية والصابئية والأرمنية والأيزيدية واليهودية على أن يمثل هذا التشكيل جناح من أجنحة البرلمان الوطني العراقي إذ جناحه الأول ممثل بالانتخاب المباشر على أساس التمثيل الوطني العام...

5.  تفعيل القيادة السياسية ممثلة بمجلس الأمن الوطني ومنحه الصلاحيات الوافية لأداء دوره في جماعية العمل المشترك..

6.  العمل بخطة محكمة للتخلص من الاختراقات الإقليمية والدولية بمختلف المستويات الرسمية والشعبية..

7.  العمل على وضع خارطة طريق بين بناء مؤسسة أمنية عسكرية وخروج للقوات الأجنبية على وفق أجندة وطنية عراقية ..

8.  استخدام إعلام وطني مناسب وتوسيع دائرة المشاركة من قبل مؤسسات المجتمع المدني...

 

تلكم هي معادلة ليست معقدة لفك طلاسم المجهول سياسيا عبر التضليل والخداع والتشويش فيما أمر المداخلات الجارية على المستوى الحكومي لا تعكس سوى القشرة أو الصورة الطافية لما يجري خلف الكواليس ولما يمضي تحت السطح من تيار تصفية العراق أو تصفية الحساب مع العراقيين...

 

أما ثوابتهم التي يجب أن يتمسكوا فيها

 

فهي                  هوية عراقية وطنية        بتعدديتها    [حكاية إدخال هويات عروبية وفارسية...]

                       وحدة وطنية عراقية          [حكاية استغلال مشروعات ومبادئ صحيحة لمستهدفات خاطئة كما في فدرلة الجنوب والوسط]

                       حقوق الإنسان العراقي وفي الأولويات حقوق المرأة   [حكاية المرأة]

                        حقوق المجموعات القومية والدينية مخصوصة مستقلة [حكاية القوميات]

                       الثروة الوطنية الاستراتيجية  [حكاية قانون النفط]

 

والبقية تأتي مع أسئلتكم وتداخلاتكم شاكرا لكم لطف الاستماع والتفاعل

 

·      أسئلة بشأن موقف القوائم الصدرية والوفاقية والعراقية بخصوص العمل الحكومي..

·      الحكومة لا تعمل بتفرد رئاستها والكتلة الأبرز بل تعمل بفضل سلطة شخوص وأساليب مثل بولاني والسيدة الحديدية ومثل الأوامر التي تأتي باسم السيد أو تمرر بقوة الميليشيا ومثل هذا هو ما ينبغي أن يكون له الحل في الأفق لمعالجة أزمة الثقة وأزمة اختلاف البرامج والمعالجات وأزمة توازن المحاصصات بمختلفها من المحاصصة بالمسؤوليات والوظائف إلى المحاصصة بالثروات

 

 

 





Prof. Dr. TAYSEER A. AL-ALOUSI

LORSWEG    4

3771  GH        BARNEVELD

 THE    NETHERLANDS

Tel: 0031 (0) 342  840208
Mob. Tel. :   0616448994
http://www.somerian-slates.com

http://www.babil-nl.org



178
العراقي المسيحي        و        يوم الشهيد الآشوري

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

07\08\2007

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


 

 

العراق اسم آخر بل وجه آخر لوجوده الحضاري التاريخي ولحاضره الذي يؤسس لغد الممتاح من جذوره.. وجذوره تلك لا مراء فيها وعليها فهي سومرية لآلاف من الأعوام [نستخدم العام والأعوام بمعنى الخير والعطاء] والسنوات [ونستخدم السنة والسنين والسنوات بمعنى الشدائد والانكسارات] وهي بابلية كلدانية آشورية لأخرى مماثلة من مسيرة بناء هذا الصرح الذي نحيا في أفيائه وباسمه... وليس بمنصف ولا بمصيب من لا يرى العراق بكينونته الآشورية محيلا على أوهام الأقلية والأغلبية وواقع الحال وحلم المآل حيث تشتهي بعض الأنفس الغريبة على العيش البشري والمعطى الإنساني وقوانينه...

في العراق الحديث المعاصر جرت اشكال من الاستلابات والمصادرات وأنماط القمع والإبادة، وإذا راجعنا دفاتر هذا العراق بحكايات السلطات المتعاقبة سنجد أولها ينفتح على مذابح أكثرها همجية في ثلث القرن المنصرم [تحديدا سنة 1933] مذابح سميل!! ويا لهول القصص والحكايات من أعاجيب الجرائم ما جرى فيها!

ولسيرة من الفتك الجماعي وجرائم الإبادة التي أوقعت في الآشوريين وفي مسيحيي العراق الفضائع المهولة، فقد خلَّدت الذاكرة الجمعية تلك الفضائع مذ أول تغييرات العراق الوسيط وحتى أول تغييرات العراق المعاصر والحديث.. ونكاية مزيدة ظهرت في يومنا جرائم أخرى باسم الإرهاب الدموي وتعطشه لدماء أبناء وادي الرافدين وبناة حضارته ومنها ما يريد الانتقام لحسابات تاريخية منقرضة [مذ بابل] ومنها ما يعود لأيديولوجيات معاصرة جوهرها الدم والفتك بالبشرية...

ولعل أنسب خيار لمسيحيي العراق والشرق أن يكون لجرائم سميل منطلقا لتوكيد أن القضية لا تتعلق بأمور تاريخية منقرضة ولتوكيد أن الأمر يتعلق بشعب حي موجود ما زال يبدع وينتج ويبني ويعلي من شأن مسيرة الإنسان وحياته الكريمة.. شعب آشور من الكلدان الآشوريين السريان هو شعب يحيا بين ظهرانينا بين وادي الرافدين وبين سفوح جباله وامتدادات سهوبه وأهواره...

ولأن اختيار هذه الذكرى الأليمة لم يأتِ في إطار بكائية الجراح والمآسي فإنَّ الشعب الآشوري هنا اختارها لتوكيد حب الحياة وتشبثه بما يتيح له حقوقه وينصفه وصرنا نجده يحتفي بالذكرى في احتفاليات للرياضة والفنون ولأشكال الإبداع في الخطابات الجمالية والإنسانية المتنوعة اجتماعيا وسياسيا وفكريا ولم يتوقف عند حال اجترار الماساة الثقيلة جرحا عندما لم تقف عند من تم ذبحه بطرق همجية إرهابية في إرهاب الدولة وإرهاب العصابات المافيوية، بل شاء هذا الشعب الخلاق أن يوجد له خصوصيته في الاحتفاء بالذكرى..

وصار ذلك مضرب مثل للقول إن الشهداء أحياء يرزقون ويمنحوننا التجاريب والمثل للحياة.. لقد قرعت أجراس الكنائس بيوم الشهيد الآشوري إيذانا بعطاء آخر للحياة وولادة أخرى لها. وإعلانا عن وجود الكنيسة الحية في عراق الحياة والربيع ..  وإعلانا لوجود الشعب بكل مفردات حياة البشر وتفاصيل يومياتهم العادية...

كما دقت نواقيس الآشوريين أسطورة أزلية خالدة باقية معلنة احتفالية ضد الموت الأسود وضد الموت المجاني وضد المصادرات ومحاولات ترحيل آخر الملايين من هذا الشعب الذي نعرف له أكثر من 14 مليون مهاجر في شتات العالم بسبب من مذابح الأمس القريب. وطبعا هذا الإعلان ناقوس ربيع جديد لحياة أبدية لشعب لا يٌُهر لإرادته الفذة في الخلق والتجديد ومنح الجنان الباقية لأجياله المتجددة..

لكي لا نبقى عند الوصف ننتظر كلمات حق من كل الأحزاب الوطنية ووقفة عندما يُرتكب اليوم بحق الآشوري المسيحي من محاولات تهميش ومحاولات إبادة وتشريد ومصادرة، ومن كل المرجعيات بمختلف الخطكابات السياسية والفكرية والدينية لقول كلمة الحق ولوضع برامج جدية مسؤولة توقف جريمة كنهر عارم غاضب يحاول جرف شجيرات الحضارة الآشورية من تربة تبادلت التمسك والثبات مع الآشوريين...

لابد من العودة لقراءة كل المشروعات المسؤولة المنصفة التي تحل مشكل محاربة المسيحي دينا والآشوري الكلداني السرياني قومية ووجودا إنسانيا حقا..

لنفتح اليوم قبل الغد وبهذه المناسبة الجلل أوراق اعتراف بجوهر تلك الجريمة وما يلحقها اليوم ونبدأ مشروعا وطنيا للحل بالتداول في مختلف البرامج وأولها ما يقوله الآشوري الذي يحيا بيننا حاملا آلامه وآلامنا مضاعفة كمسيح يتجه لصلبه ولكن هذه المرة ممثلا في شعب لا يموت...

لنبدأ البحث في ولادة برلمان وطني للقوميات المتآخية متساوية النسب في تقرير المصير العراقي كما كانت شعوب سومر المبدعة لقوانين الحياة ولننتخب هذا البرلمان الاتحادي استكمالا لديموقراطية ننتظر ولادتها وهي لن تولد ما لم تبدأ بمكونات عراقنا المعاصر والحديث ولنقرأ في مشروعات تجريم الاعتداء على المسيحي العراقي بمضاعفة الجرم كما يتحمل هو الجريمة مضاعفة مرتين مرة لمسيحيته وآشوريته ومرة لعراقيته..

انعلي من كلمة الحق ونكون عراقيين سواء وأسوياء نصيب هدفنا في العيش الوطني ما فوق التطرف وهمجية الإرهاب وما بعدها وإلا فإننا في طريق آلام مفتوح لا انفتاح لأفق عيشنا المستقر من غير معالجة مشكلنا الوطني فالعقدة ليست في أقلية بل في كل عراقيينا وأطيافهم حيث اعترفوا ببعضهم بعضا وإلا لن يكونوا عراقيين ولن يضمنوا غدهم لا يومهم المفقود...

محبة لذكرى الشهيد الآشوري والحياة الأبدية للبطون التي بقرتها سكين إرهاب سميل الباقية على الرغم من الجريمة وسيبقى عراقنا وعراقيونا وآشوريونا كلا واحدا يعاضد كل جزء فيهم الجزء الآخر من الجسد الواحد حتى يكون لنا السلم والحرية والديموقراطية والعيش الرغيد لأجيالنا والقادمة أبدا....

179
هيروشيما والتجاريب المستفادة!!!

 

الشرق الأوسط ميدانا للشروع بإزالة أسلحة النووي كافة

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

06\08\2007

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


 

هيروشيما اسم ظل باقيا في ذاكرة الأجيال التي تعاقبت على المشهد الإنساني مذ لحظة الجريمة التي أخذت معها أرواحا بريئة بذريعة حماية تلك الأرواح من شرور الفاشية!!؟ ولم نعرف حتى يومنا هذا كيف نحمي روحا نزهقها بل نمحو كل أثر لها في ثوان معدودات!؟

كان ذلك يوم تمَّ إلقاء القنبلة الذرية الأولى في أول استخدام همجي لأسلحة الدمار الشامل في السادس من آب أغسطس على مدينة هيروشيما اليابانية...
بعد كل تلك العقود يرى بعض العسكريين أن الأمور تمَّ نسيانها وطمسها ويستخدومن اليوم في أراضِ ِ أخرى اليورانيوم بأنماط أسلحة تركت أعرق واد للزرع والنماء بورا لأكثر من 125000 سنة قحط وكل هذه السنوات من الإشعاع الذي ستشبع منه أجيال أبناء الوادي ومحيطهم!!!

من المسؤول؟ لم يعد هو السؤال الشافي الكافي ولكن صرخات ضحايا هيروشيما ما كادت تهدأ وتسكت ولكنها تختلط اليوم بصرخات جديدة من ضحايا مثل هذه الأسلحة التي ينبغي وقف تصنيعها فورا وتفكيك كل أشكالها إذ لم تنهِ قنبلة الذرة على هيروشيما الحرب الكونية الثانية ولا مآسيها ولن ينهِ هذا السلاح ولا عنفه ولا أشكال العنف الهمجي دوامة الصراعات والمآسي بل سيزيدها إيلاما وضربا وطعنا في البشرية ووجودها..

 

ينبغي تعزيز الحملة الدولية ضد الأسلحة الكتلوية أسلحة التدمير الشامل وأولها السلاح النووي ولأننا من وادي الرافدين المصاب ولأننا في منطقة الشرق الأوسط التي تتصاعد فيها وتائر وإن جرت أحيانا خلف الكواليس : نطالب ونعمل على وضع برامج تكون جهة متخصصة إقليميا من دول المنطقة وخبرائها تبدأ دراسة مشروع إخلاء المنطقة من السلاح النووي ومنع التصعيد بشأنه وتتشكل اللجنة بقسميها في الاستخدامات العسكرية والمدنية ولا يتم استثناء أي دولة في المنقطة من هذه اللجنة ومن قرار إخلائها من تلك الأسلحة الفتاكة التي يعد امتلاكها جريمة ضد الإنسانية..

 

وبوضع قانون وتنفيذه على وفق خارطة طريق مناسبة ستكون المنقطة أ،موجا للسلام بدل كونها نقطة التوتر الإقليمي والعالمي نمنع احتمالات نشوب حروب محلية وكبرى جديدة فضلا عن منع تأثيرات القتل الجماعي ونبدأ مشروع معالجة الأرض المصابة بما يعيد الحياة والأمل لأهلها..

 

هل نستفيد من هيروشيما في وقفة الذكرى 62 لهول الكارثة ومأساويتها؟ أم تمر تلك الذكرى بليدة بذهول صدمتها للبشرية؟ هل يبدأ الشرق أوسطيون مسيرة بذرة السلام وإزالة أسلحة الدمار النووي ويضعوا عقدا يكون نواة مماثلة عالميا؟

يمكننا أن نبدأ من علمائنا المتخصصين لننطلق بمؤتمر مخصوص يجري التحضير له الآن ويختار الذكرى السنوية التالية لينطلق في مركب الحلول...
أو يمكن للجنة من دول المنطقة بخاصة النووية لتنهض بمسؤولياتها بالخصوص وقد يكون للأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة دورها بشأن بدء المسيرة وحل معضلة النووي في أجسادنا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتغيير وجه الوضع القائم...

 

إنها رؤية وحلم عسانا نتعاضد للشروع به عملا لا شعارا وقولا

تحية لضحايا هيروشيما تحية لضحايا النووي في كل مكان

وعهدا  أن  نتحرك سويا من أجل غد خال من النووي سلاحا وتأثيرا مرضيا.

 

www.babil-nl.org

 

180
رحلتي إلى الدنمارك

ولقاءات مع  أبناء الجالية العراقية والدروس المستفادة

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

06\08\2007

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


 

 

طوال أسبوعين من تموز الرمز العراقي لتراث الحضارة الإنسانية ولمجد الشعب وانتصاراته والعنوان الكبير للحياة وربيعها الأخضر، احتفل أبناء الرافدين وعراق الثورة المجيدة بتموز جديد متطلعين لاستعادة مسيرة ثورة أرادت لهم النهوض مجددا بتاريخ تلك الجذور التي صنعت تراث الإنسانية مدنية وحضارة...

ومذ منتصف تموز كان لنا أن ننهض بجهدنا المتواضع في إطار احتفالية ضخمة للجالية العراقية في هولندا أقيمت لأول مرة بهذا الحجم في الهواء الطلق بـ لاهاي بعنوان "العراق محبة" رداَ َ على زمن العبث والإرهاب وأمراضهما التي تحاول واهمة طمس جوهر العراق ومعدنه في حب الحياة وربيعها والسلم والديموقراطية ولن تسطيع..

وفي الأيام التالية توجهنا إلى بلدان الشمال الأوروبي حيث الدنمارك وجاليتنا العراقية لنلتقي على الخير والمحبة وحيث لقاء أحبتنا من أبناء الجالية كان المعبِّر الرائع عن السمات العراقية في الرحابة وروح الضيافة وكرم الأنفس إذ تسكن حال لقائك الأحبة في الأعين والصدور..

وتنافس الجميع من المضيفين من أعضاء جمعية الديموقراطيين العراقيين في الدنمارك إلى أبناء الجالية المنتشرين بين كوبنهاغن والمدن الأخرى ليس للاستضافة وحسب بل وللامتياح من تبادل الرؤى والمعالجات التي يمكنها أن تؤدي أفضل المتاح لدعم أبناء العراق داخل الوطن وفي المهجر..

ومن الطبيعي هنا في هذا المجال أن نتقدم بجزيل الشكر والتقدير لجميع الأحبة الأعزاء نساء ورجالا أعضاء في الجمعيات وخارجها لتلك الحفاوة ولكرم الاستقبال على الصعيدين الشخصي والرسمي...

 

*وفي إطار ندوة بمناسبة الرابع عشر من تموز كان لقاء أبناء الجالية بمحاضرة تضمنت في جزئها الأول موجزا في أسباب عدّ 14 تموز ثورة وطنية ديموقراطية وفي الدواعي التي أزاحتها من المشهد قبل أن تؤتي أُكلها لصالح الشعب العراقي وفئاتها العريضة...

فيما فصَّلت في جزئها الثاني بشأن التحالفات السياسية وتأثيرها في مستقبل الوطن ومسيرة العملية السياسية حيث كانت فصلت في مجالات الأسس الفكرية والاجتماعية لأي تحالف ومستوييه الاستراتيجي والتكتيكي وأثر التعاطي مع التحالف في مجال وضعه بمستوى استراتيجي أم تكتيكي كما ورد في إطار التساؤلات التي وجهها الحضور عدد من الأمور المتعلقة بالتحالفات المطروحة اليوم وآفاق التطورات المحتملة بشأنها..

وكان قد حضر الأمسية عدد مميز نوعيا من النساء ومن ممثلي الأحزاب العراقية والكوردستانية من بينها الاتحاد الوطني والحزب الديموقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي وممثلي اتجاهات وفعاليات عراقية سياسية واجتماعية متنوعة [تجدون تفاصيل ذلك في عرض موقع الناس للندوة ونص المداخلة الأولي في أسفل هذا العرض الموجز]

 

 

*وفي نشاط آخر كان لنا مناقشة من نمط آخر غير الخطاب السياسي ممثلة في الخطاب العلمي الأكاديمي عندما جرت في العاصمة كوبنهاغن مناقشة رسالة ماجستير في الأدب العربي موضوعها النقد العربي الأنثوي وهي المادة التي تشير إلى تطلع المرأة العراقية لاحتلال موقعها ومكانتها الطبيعية حيث تتحدى ظروف الانكماش والتراجع التي تساهم في فرضها ظروف سلبية قاسية يمر بها بلد الحضارة والعلوم..

وقد دافعت السيدة دجلة السماوي سليلة العائلة الأدبية المعروفة عن رؤاها في رسالتها لتوكيد أحقية المرأة في تقديم رؤيتها ومعالجتها المخصوصة أدبا ونقدا أمام مناقشة علمية بعيدة في جديتها وشدتها في البحث عن تدقيق النص العلمي  من جانب عدد من الأساتذة منهم كاتب هذه الأسطر الدكتور الآلوسي..

فكانت تلك المناقشة كبيرة في طبيعتها وجوهرها وفي عطائها العلمي واحتفت بمسيرة أكاديمية مهمة للمرأة العراقية حيث الممتحَن هو طالبة والمادة قيد الدراسة هي النقد النسوي والأنموذج المختار للدراسة هي ناقدة عراقية فكان هذا المثلث العلمي رسالة المرأة العراقية بخطاب علمي لتوكيد هويتها وشخصيتها الفاعلة في حياتنا الإنسانية.. [ يمكن متابعة التفاصيل في عرض موقع الأكاديمية للمناقشة مع التسجيل الصوتي الكامل ونص الرسالة عبر الروابط الآتية]

http://www.ao-academy.org/wesima_articles/index-20070728-1390.html

http://www.babil-nl.org/

 

 

*وفي يوم آخر من رحلة الدنمارك كان لنا أن نحظى بشرف لقاء الأحبة من أبناء المهجر الدنماركي من العراقيين وهو يحتفلون بمناسبة اجتماعية المهم منها هنا أنها تؤكد تلك الحال من تمسك بالهوية العراقية ليس في إطار الخطابين السياسي والعلمي اللذين عرضنا لهما هنا بل والاجتماعي حيث كان عرسا تغنى به الحاضرون والحاضرات بالأغاني التراثية العراقية وبالدبكات من ضفاف الفراتين والأهازيج من هورنا والسهل والجبل..

 واحتضن جيل الأمس [شيوخ الأربعينات والخمسينات] جيل اليوم من أبناء السبعينات والثمانينات وما بعدها] لينقلوا إليهم تقاليد المجتمع العراقي في أفراحهم ويمارسوا لغة المسرات والمحبة مؤكدين حب الحياة والبقاء فاعلين ولا يكتفون بالتأثير في محيطهم  ولو كان إيجابا بل يخلقون الظروف ويصنعونها لحيواتهم عراقية الهوية والهوى.. ولَـكـَم سيبقى رائعا تلك الاحتفاليات بأفراح بناتنا وأبنائنا وهم يؤسسون لحوياتهم في غرباتهم ومهاجرهم ولكن في خيمة ذويهم سيبقون الأحرص على نجاعة مسيرتهم وبناء بيوت العز بأخلاقيات عراقية وبمباهج يبقى الروح العراقي وهجا وشمسا وبروك لمن اختار مناسبات عراقنا المجيدة كما تموزنا مناسبة لتأسيس بيت عراقي الجذور مهما بعدت مسافات الأماكن...

 

رحلتنا إلى المهجر الدنماركي تجربة عراقية أخرى تؤكد علو راية حضارية وخيمة عراقية راسخة هي بيت العراقيين الممتد حيثما كان أبناء عراق الرافدين عراق سومر الأزل والمستقبل عراق الأمس المشرق والغد الأفضل....

 

 

ملاحظة: هناك تعليقات ضافية ومهمة ومناقشات جرت في القاعة يمكن متابعتها من خلال تغطية موقع الناس وعدد من المواقع الأخرى...

 

"أثر العلاقات بين الأحزاب والتيارات السياسية على متغيرات الوضع العراقي الراهن"

تيسير الالوسي

 

تقديم في ذكرى 14 تموز


تمرّ الذكرى التاسعة والأربعون لثورة الرابع عشر من تموز 1958 في ظروف عراقية معقدة متشابكة. فمن جهة تحرر العراق من نظام الطغيان الدكتاتوري, ومن جهة أخرى يفتقد العراق إلى ظروف الأمن والأمان وظروف تكامل بنية مؤسسات إعادة إعمار بنية تحتية طاولها التخريب حوالي أربعة عقود من حكم بعثفاشي ومن حروبه العبثية ضد الجيران وضد أبناء شعب الحضارة والبناء!!!

إنَّ شعبنا العراقي لم ينسَ انتماؤه إلى جذور تاريخية منحت للبشرية المعرفة ووسائل البناء في شتى مناحي الحياة. وباقِ ِ في ذاكرته مجد التضحيات الجسام ومعانيها في القتدم نحو مسيرة إزالة العثرات الخطيرة التي ظهرت في تاريخه الطويل العريق.. ومن تاريخه المعاصر يستذكر دوما ثوراته التحررية مذ ثورة العشرين الوطنية التي نهض بها أبناء عراقنا من عربه وكرده ومن مسلميه ومسيحييه ومن شيعته وسنـَّته ومن كل أطيافه وتنوعاتها العريضة...

ومما يستذكره معاني ثورة الرابع عشر من تموز التي حررت البلاد من قيود تمليكها للشركات الأجنبية بخاصة إلغاء امتيازات شركات النفط التي أدارت أكثر من 99% من الأرض العراقية لمصالحها الخاصة وخرجنا من كتلة الاسترليني متحررين من ربط عملتنا بطريقة سلبية سيئة وتمَّ تحرير الفلاح من ربقة العلاقات الاقطاعية وظهرت قوانين منصفة لحقوق العراقي والعراقية ومنها قانون الأحوال الشخصية الذي حاول بعضهم إلغاؤه واستبداله بقرار يعود بالمرأة إلى زمن الحريم والعبودية...ولا تنتهي قوائم منجزات ثورة الرابع عشر من تموز ولكن الدرس المُستفاد منها ليس في استعادة تلك القرارات والقوانين على ما هي عليه من نصوص استجابت في حينه لمصالح شعبنا ووطننا ولكن في تمثل الهدف أيّ الاستجابة لمصالح الجماهير العريضة وإشراكها في العمل لإدارة الحياة العامة وحيثما انحرف  الأمر وجدنا مصائب ومجابهات خطيرة تودي بكل منجزاتنا كما أصاب الثورة حينما ابتعدت عن قاعدتها الجماهيرية.. ولكن الأمر من جهة أخرى يكمن في درس ضرورة إلتفات الجماهير العريضة لكيفية حماية منجزاتها وتقدمها إلى أمام حيث حماية المنجز ومنع الرجوع إلى الوراء لأية أسباب من جهة تقطـّع الأوصال وتمزّقها..

.إنَّ ما يمكن أنْ نفيد منه هنا هو ضرورة تلاحمنا جميعا ومنع تمزيق جهودنا وتشتتها ومنع عزل قوة وطنية ما والحرص على التنسيق بل توحيد الجهود كافة بخاصة حين يتعلق الأمر بوحدة روافد العراق الأساسية الجوهرية من كلدوآشور وأرمن وتركمان وكرد وعرب من أيزيديين وصابئة ومسيحيين ومسلمين ومن شيعة وسنة.. ذلك
أنّ مسألة الوحدة الوطنية هي الزاوية الحقيقة المتينة التي نستند إليها بوصفها قارب نجاة من أزماتنا ومما يحيق بنا من تهديدات بل من حافة هاوية وكارثة لا قيام لنا بعدها ولا وجود لعراق في غد التشتت والتمزق.. حينها لا وجود لأقسامه ولا لمصالح روافده صغرت أو كبرت في الحجم والوجود...ولكنها تلك الروافد القومية والأثنية والدينية والمذهبية ستنال كل ما ينبغي وما تريد في ظل عراق الوحدة  التعددي التداولي.. أيّ في عراق ديموقراطي فديرالي موحد..

عراق يحترم تعدديته ويبارك تنوع أطيافه ويمنحها استقلالية الشخصية وحريات ممارساتها لكل حقوقها وحق لعب أدوارها الإيجابية البناءة في مسيرة بناء عراق جديد يستجيب لجيله الحالي وللأجيال القادمة..نحن بحاجة لعراق يستجيب لدروس منجزات ثورة الرابع عشر من تموز من جهة ويستفيد من دروس الخسائر القاسية التي منيت بها الثورة ومن ثمَّ مُنِيَ بها شعبنا حيث لم يذبح الطغاة البعثفاشية زعيم الثورة بل ذبحوا أمانيها وتطلعات شعبنا في
التحرر والديموقراطية ومنعوا على شعبنا استكمال مسيرة بناء جمهورية ديموقراطية تقوم على الانتخابات الحرة النزيهة التي يشارك فيها كل الطيف العراقي ...ومن هنا كان لتلك الثورة التي حققت النصر لشعبنا أهمية خاصة ومميزة في تاريخه المعاصر إنَّها ثورة وطنية للتحرر والديموقراطية ولتحقيق استقلالنا الناجز. إنَّ حدثا بهذا الحجم وبأغلبية حققها على صعيد قناعة الجماهير الشعبية به وبالتفافها حوله تعني أهمية استذكارها بوصفها عيدا وطنيا أساسا وثابتا يظل في ذاكرة الاستعادة السنوية على تاريخنا اللاحق القادم..

وعليه فمن الجدير بروح المسؤولية الوطنية جعل عيد جمهوريتنا الجديدة مؤسَّسا على أول جمهورية عراقية منحت لشعبنا فرصة التحرر والاستقلال وليبقَ عيد ثورة الرابع عشر من تموز عيدنا الوطني حتى مرحلة تاريخية بعيدة من حياة عراقنا حيث يمكن لكل جيل أنْ يختار محداته لرسم العيد الوطني ..ونحن اليوم بحاجة للأخذ بعيد الرابع عشر من تموز والتفاعل معه والإفادة منه لوضوح عوامل التفاعل مع دروس الثورة المستفادة والعبر المهمة التي من دونها لا يمكننا إلا أن نقع سريعا في كبوات جديدة فيما سيكون من اللازم الإفادة من ثورتنا التحررية الوطنية لمواصلة مشوار ترسيخ الخروج من دائرة الاستعباد والطغيان وأفعاله التخريبية وما جرَّه علينا من دمار ومصائب...

وسيكون من المفيد بعد أربعة عقود من الزمن التي مرّت أنْ يراجع العراقيون معاَ
َ تجاريب تلك الثورة الوطنية الكبرى وأنْ يقرأوا سويا ما جاء منها وما كان عليها وأنْ يتفاعلوا مع مع قراءة مخصوصة للأخطاء التي اُرتـُكِبت من كل جهة سياسية وألآ يكون الإرث السياسي الحزبي نصا مقدسا لا يُمَس بل أنْ نلتزم جميعا وسائل مراجعتنا الذات قبل الآخر ما سينعكس إيجابا على كل مفردات التفاعل بيننا من دون تشنجات أو توترات لها من التقادم الزمني ما ينبغي ألا نتمسك بعروة الاختلاف بقدر ما ينبغي تمسكنا بعرى الأخوّة الوطنية ..إنَّ تقديم الانتماء للوطن على الانتماء الحزبي هو ترسيخ لروح حزبي جديد يجعل من الحزب السياسي حزبا وطنيا صائب المسيرة صحيح البرامج وإلا فإنَّ أية قوة تقدِّم الروح الحزبي الضيق سيكون على أقل تقدير في المدى المنظور خسارتها أكيدة وزوالها بقرار من الناخب العراقي الذي ماعاد يخفى عليه أمر وما عاد يقبل بخيارات تضعه في مسارات غير وطنية..لأنَّ العراقي يعرف يقينا ما جرّه ذياك الروح الضيق من متاعب وخسائر ومصائب فالعراقي يتجه إلى تلك القوى والفعاليات التي تأخذ بيد وحدته الوطنية وببرامج تعود عليه بالوئام والتفاعل وتبادل احترام جميع أطياف العراق الوطنية الصادقة المنتمية إلى وجوده الموحد المؤمنة بالفديرالية والديموقراطية..هنا يبرز أمام العراقي وأمام القوى السياسية ضرورة الالتفات إلى أهمية إشادة صرح منظمات المجتمع المدني الكفيلة بترسيخ تمدننا وتحضرنا وتقدمنا إلأى عراق نستظل برايته ولا يفكر عراقي بحيف أو ظلم أو اعتداء عليه من وجوده في عراق جديد هو عراق الديموقراطية الحقة ... إنَّ منظمات المجتمع المدني هي حجر زاوية ورقيب وطني على برامج الإدارة [الحكومة] التي سيظل وجودها بوصفها إدارة لخدمة تنفيذ برامج الشعب وقواه وخياراته وليس لتزعّم الطغيان من جديد..ولعلنا بعد ذلك وقبله لا نحيد عن دروب ثورة الرابع عشر من تموز بعد أنْ كنّا ابتعدنا طويلا عن محدداتها وضوابط فسلفتها التحررية الوطنية فلنعُدْ إلى أجواء الروح الديموقراطي التحرري في ظلال فجمهورية فديرالية لعراقنا الجديد وعيدنا الوطني في الرابع عشر من تموز...

 

 

 

 

"أثر العلاقات بين الأحزاب والتيارات السياسية على متغيرات الوضع العراقي الراهن"

التحالفات وأثرها


التحالفات أمر جوهري في الحياة الإنسانية لأنه يمر عبر كل مدخلات العلاقات الإنسانية الفردية [العلاقة مع الذات وديا وتصالحيا أوضديا] والجمعية [العلاقة مع الآخر إيجابا أم سلبا] فليس من عيش فردي لإنسان مذ بدأت مسيرة التجمعات للكائن الحي وهو ينشيء الجماعة التي ينتمي إليها كينونة بيولوجية ثم كينونة حامية أو اجتماعية؛ أي منذ صار لزاما عليه أن يبدأ التفكير بمحيطيه الجامد والحي وصار يعترف للآخر بحقه في الوجود وفي الحصول على حاجاته الحياتية بلا تعقيدات... وهكذا صرنا نؤكد على المصالحة مع الذات على الرغم من الاحباطات وأشكال الوهن والتراجعات وصرنا نؤكد على قراءة دقيقة للواقع الموضوعي المحيط بما يمكننا من وقف حالات التوحد أو الانعزال ومن ثمَّ التقاطع والتضاد سلبيا مع الآخر الذي لا ينبغي أن نتخذ منه حالة مطلقة من العداء بوصفنا مركزا للحياة الصحية السليمة...

وعلينا نحن الذين نؤمن بفكر بعينه أو ننتمي لطبقة بعينها ألا نقع فريسة التقاطع والصراع التناحري المرضي إذ يمكننا أنْ نحلّ الصراعات القائمة بطريقة هادئة موضوعية تبني لا تهدم وتعضد مسيرة البشرية لا توقفها ولا تعرقلها... ولكل موقف أو وضع تاريخي يمكن أن نوجد مسلكا تحالفيا مناسبا فمثلا لمرحلة تاريخية عريضة ينبغي للشغيلة من الطبقة العاملة أن يرسخوا تحالفهم مه الفلاحين وأن يمضوا في مسيرة مشتركة البرامج بنائيا ومثل هذا التحالف يخلق المقدمات المناسبة لتعزيز ديموقراطية التوجه لدى الفلاحين والمجتمع عموما... وطبعا لضبط مجرى العلاقات داخل مجتمع بعينه وبينه وبين بقية المجتمعات الإنسانية على وفق تبادل متوازن للمصالح وللعلاقات المعبرة عنها...

إن حالة الانشطار أو الانقسام النفسي بين الرضا وعدمه لدى الفرد تضعه بين حال من المصالحة أو شعوره بالحقد والكره ومخاصمة تلك الذات بما يعبر عن مرض بعينه.. وعلى المستوى الفردي توجد العلاقات الفردية الفردية والفردية العائلية بمستوياتها التي تبدأ بأسرة الفرد ومحيطه الصداقي والمهني والاجتماعي القبلي العشائري وهذه جميعها تحكمها شروط يقرأها علم الاجتماع بقوانينه..

ما يهمنا هنا يكمن في العلائق السياسية وهي العلائق التي تقوم على مصالحة مع الذات أولا عندما يبدأ الحديث عن النقد الذاتي سلبيا حيث جلد الذات لما اقترفته حركة أو جهة سياسية من أخطاء سواء لقصور ذاتي أم لضغوط الواقع المحيط.. وتقوم ثانيا على الموقف من الآخر إيجابيا أم سلبيا. وفي جميع الأحوال فإن عوامل عديدة تتحكم في كل أشكال العلاقات القائمة وتلك التي يمكن أن تقوم في مرحلة تالية...

الموقف عندما ينبني على إشكالية فردية أو محدودة وليست استراتيجية: للتعليق

 

خلفية تحليلية لمرجعية التحالفات ومنطقها

إنَّ الفعاليات الاقتصادية تخلق عبر تقسيم العمل وعبر تقسيم الملكية تقسيما طبقيا تظهر عبره سمات اقتصا اجتماعية ومن ثمّ توجد الحاجة لتعبيرات سياسية وتمظهرات في برامج تمثل هذه الطبقة أو تلك... ومن الطبيعي أن نتذكر هنا وجود الأحزاب السياسية شكلا مناسبا لهذه الحقيقة... ولكي نستطيع الحديث عن قراءة موضوعية علمية للعلاقات بين الأحزاب السياسية يجب أن نقرأ الخلفية التي تمثلها تلك الأحزاب كل بصورته المستقلة...

مع الأخذ بعين الاعتبار الحالات الاستثنائية من نمط كون التشكيلة ما قبل الرأسمالية يوجد فيها من التعدد والتشرذم في فعاليات الاقتصاد وكذلك الفعاليات الاجتماعية ما ينعكس أيضا على الأوضاع الانتقالية القلقة التي تفرز حالات تعدد وانشطارات وتشكيلات هامشية لا ترقى حقيقة لمستوى البناء الحزبي المعبر عن تشكيلة اقتصا اجتماعية...

* مثالنا هنا الواقع العراقي الراهن بكل تلك التشكيلات التي تنمو جنينية أما معبرة عن مصالح فردية ضيقة ولا تمثل سوى خيمة أو مظلة لعمل مافيوي لعصابات الفساد بأشكاله أو أنها في أفضل حالاتها تبقى جنينية التعبير السياسي عن حالة انتقالية غير مستقرة لم تنضج بعد سياسيا على الرغم من طبيعة التطورات التي جرت في البلاد..

 

* فمنذ قرن من الزمن ظهرت التشكيلات النقابية والحزبية المعبرة عن ولادة الطبقة العاملة وتلك المعبرة عن البرجوازية الوطنية.. لكن تراكم الثروة وتطور أدوات الانتاج لم يجر بطريقة ثابتة مستقرة نتيجة الهزات الكبيرة والخضوع لسلطة فوقية حارقة أو طاردة لمعطيات التطور الطبيعي للاقتصاد يساند هذا العامل الخارجي سواء في نهب الثروات أم في منع ثبات تراكم إنتاجي أو تطوير لوسائل الانتاج... 

هذا فضلا عن أجواء الاتجاه نحو العولمة التي تُقاد بصيغة الأمركة ومتعددة الجنسيات وأجواء علاقة المركز والأطراف ومن ثمَّ أجواء التشوهات في التطور الاقتصادي وما ينجم عنه من منع التطور الاجتماعي السياسي..

ْX[مثال العامل الخارجي مسيرة أمركة العولمة وإخضاعها للشركات متعددة الجنسيات\ اقرأ إضراب عمال بلجيكا وأمريكا]X

 

لاحظوا محاولات دائبة مستمرة لخنق أي مؤسسة علمية في بلدان العالم الثالث ولاحظوا الحملة الشرسة التي استهدفت مئات بل آلاف من الأساتذة والعلماء ومؤسساتهم الأكاديمية العلمية بين التصفية الجسدية وبين التهجير وبين التعطيل والمحاصرة في زوايا منع البحث العلمي وأدواته... فماذا يتبقى غير ولادة تشكيلات قاصرة مشوهة على صعيد التعبير الحقيقي للحزب السياسي عن جهة أو أخرى داخل التركيبة الاجتماعية...

 

فإذا استثنينا مثل حال الشرذمة هذا وركزنا على التفاعل مع القوى الرئيسة الفاعلة فإننا بحاجة لأدق قراءة في التعاطي مع موضوع التحالفات.. والأسئلة المحورية ينبغي اختيارها بدقة هي الأخرى. فأولا هل نجد هذه الطبقة أو تلك قد نضجت للتعبير عن وجودها الوطني المحلي المستقل؟ أم أنها ما زالت بعيدة عن النضج ومن ثمَّ عن الاستقلالية الوطنية والتعبير عن مصالحها داخل الوجود الوطني المحدد؟ وهل في ظرف واقعنا الدولي الجديد المصطبغ بالعولمة يمكن لهذه الطبقة أو تلك أن تمضي بالاستناد إلى خصوصية استقلاليتها الوطنية أم ستمضي بالاستناد إلى علاقة مشوهة مع الخارج؟ وطبعا الحديث يجري عن الطفيلي في النمو الطبقي عندما نتحدث لا عن برجوازية وطنية بل عن برجوازية كومبرادورية أو عن امتدادات تلك الطبقة مع مصالح خارج وطنية وغير مستقلة الإرادة والقرار اقتصاديا وسياسيا...

في مثل هذه الحال سنتحدث عن شروط مختلفة للتعاطي مع علاقات بعينها مع ممثلي تلك الطبقة أو شبهها.. بخاصة بشأن برامج تحالف وطني المصالح والتوجهات...

**إن من يحكم من الطبقات عبر ممثله يعمل على منع التحالفات المحتملة التي يمكنها أن تزحزحه من المشهد السياسي الرئيس ومن السيطرة المطلقة على مقاليد الوضع... إلى الحد الذي يخترق عبر لعبة تحالفات بديلة من اختراق الاستقلال التنظيمي للأحزاب الثورية وغيرها وكذلك تعطيل العمل بالشروط الفكرية السياسية لتلك التنظيمات بفرض شروطه الخاصة فكريا وسياسيا بما يمنع الآخر من التقدم نحو مصالح طبقته ويصادر فكرة كفاح تضامن أو تحالف وتناضل من أجل التقدم بمسيرة العمل المشترك نحو تطلعات قوى المرحلة وغدها

 

من جهة أخرى تسطو القوى المسيطرة على قواعد الأطراف الأخرى وتستلبها مشروعيتها ومنطق وجودها ما يفرز فوزا لقوى الغلبة المسيطرة [انتخابيا مثلا] فيما ينبغي أن تكون التحالفات بعيدة عن الفوقية كي تساهم القوى الشعبية بجدية ومسؤولية في التعاطي مع مفردات العمل السياسي في ظل التحالف ولا تنساق مع قوة غالبة ضد قوة تعبر عنها تختفي تنظيميا أو تنعزل عن قواعدها

 

[حالة انتخابات فرنسا وفوز اليمين على حساب اليسار وحالة كسب القوى الشعبية على أسس طائفية ومنع التفاف الشغيلة والمظلمين حول أحزاب وطنية]

 

وطبعا في قراءة التحالفات هناك تحالفات استراتيجية وأخرى تكتيكية والأخيرة تـُعنى بالظرف الراهني واللحظة التاريخية بما يتلاءم وشروطها من جهة طبيعة التكتيك بمستويات انتخابية أم بمستويات ظرف طارئ أو ما شابه فيما الاستراتيجي يُعنى بمنطق سياسي عام (اجتماعي) يستند لتحقيق مستهدفات طبقية أعم وأشمل وأبعد في منظور تحقيقها... ولكل حالة خصوصيتها وشروطها...

[ تعليق ]

 

وفي ضوء تلك الشروط يمكن أن توجد تنازلات مقبولة وأخرى غير محمودة ولا مقبولة وتلك المقبولة التي يجوز التعامل بها تفرضها ظروف موضوعية فيما تلك التي تعود لتخاذل أو ضعف أو تردد أو مداهنة وتزلف أو لمكاسب رخيصة فهي تنازلات خيانية غير مقبولة ولا يجوز الرضوخ لها... على أن ذلك لا يعني البتة حرق المراحل ومحاولة القفز على شروط الواقع ورفع شعارات يسارية طفولية من نمط لا مساومة

[ تعليق ]

 

 

بعض ما يتحكم بالتحالفات السياسية العراقية اليوم:

 

   ضعف العامل الذاتي: وعدم نضج التجربة الحزبية القائمة بين أحزاب قديمة خضعت أو تلقت ضربات عاتية وعاشت تحت الأرض في ظروف العمل السري غير الديموقراطي [اضطرارا] وأحزاب وليدة بين التعبير عن امتدادات إقليمية وأخرى تمثل حال من التشظي والانقسامات المرضية وفي جميع الأحوال يجري قمع التعددية الفكرية كما يجري محوها بسلطة الرأي الأحادي وفلسفته فضلا عن حالة إخضاع الفكري الستراتيجي للسياسي العابر أو الطارئ وتجري مصادرة وتحريم وحظر بطريقة تقتل التطور ورحلة الإنضاج كما يجري اتخاذ القرار بالخصوص فوقيا بما يؤدي لا إلى مجرد قمع الآخر وخلخلة مسيرة التحالفات وتعريضها لهزات طارئة باستمرار بل وجعلها حالة مزاجية آنية مشروطة مرضيا.. وعدا عن ذلك فإن *الطبيعة العصبية بمرجعيتها الطائفية تتعارض والتكوينات الوطنية فهي تشكيلات اجتماعية ماقبل دولتية وما قبل وطنية ملخص نتائجها هيمنة واستبداد من طرف على آخر... وطبعا هذه الطائفية بمرجعيتها ترتهن عادة إقليميا ودوليا في قرارها ما يتيح لنا هنا الحديث عن العامل الموضوعي المحيط

 

إن العامل الموضوعي بخاصة منه الخارجي يمثل التأثير السلبي من جهة القطب الأوحد ومن جهة فلسفة الشركات متعددة الجنسية التي تطمح جميعها إلى تطبيبق فلسفة السوق وإلى خلق حال من التشظي والانقسامات والشرذمة بما يتيح الوضع لمنظور مرضي في وجود القوى السياسية المتحكمة به... وأبرز قوتين خارجيتين تتحكمان في المنطقة هما أمريكا وإيران وهما لايسعيان لمشاغلى أية قوة إقليمية أخرى أو استنزافها بعيدا عن مخططاتهما  سواء في شرق أوسط جديد أم في هلال طائفي من أي لون...

 

* إن العوامل الخارجية لا ترى في المشروع الوطني الديموقراطي سبيلا ومنفذا لها لسوق شرق أوسطية بقدر ما ترى فيه تهديدا لمسيرة أمركة العولمة وخدمة مصالحها ولهذا فقد خرجت علينا بمشروع الطائفية السياسية التي تستبدل الديموقراطية بمسارها الوطني التطوري الطبيعي لتضع بديلها في ديموقراطية أثنية دينية طائفية فجة لا تمنح فرصة القرار بيد القوى الشعبية الواسعة بل تحصرها في مرجعيات ضيقة يمكنها بوساطتها التحكم بمسار القرارات السياسية لزمن طويل قابل..

 

والبديل في ظل هيمنة من هذا النمط يكمن في مشروع ديموقراطي وطني معتدل يستطيع أن يجمع قوى اليسار والديموقراطية بطريقة بعيدة عن مساري الليبرالية والطائفية السياسية وهما تياران يمضيان بقوة الامتداد الخارجي من جهة وطبيعة الجهل والتخلف الذي ساد لردح بعيد من الزمن فضلا عن سطوة العنف والإرهاب الفكري والسياسي بكل فروعه المسلحة وغير المسلحة

 

على أن هذا البديل يحتاج لوسائل جدية فاعلة من نمط منظمات المجتمع المدني المتطورة لا الهامشية الشكلية واستخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل جوهري مؤثر

 

 

إن مشكلة واقعنا العراقي تكمن في أزمات متشابكة وقوى متحكمة فيه فأزمة اقتصادية، حيث تعطل الإنتاج الوطني في أغلب مؤسسات القطاع العام بسبب آلية النهب، ولم يكتفِ الناهبون بذلك بل تُقدم مشاريع حكومية ليبرالية لبيعه بقصد التصفية النهائية، وبروز قطاع خاص خدماتي وتجاري في معظمه ممثل للشركات العالمية، وهو غير قادر على حل أية مشكلة اقتصادية عامة بل زاد منها ومن آثارها الاجتماعية على الفقراء، مع ضغوط خارجية بخصوص تطبيق برامج الخصخصة وإعادة هيكلة الاقتصاديات بما يؤدي إلى تدمير القطاع العام والخاص الوطني معاً. وتتعقد الأزمة بسبب عدم القدرة على رفض الخارج الامبريالي أو الاستمرار بالداخل الأمني المنهار.

وهناك أزمة اجتماعية: تبدو عبر الانهيار الخطير للطبقة الوسطى واضمحلالها بين التصفيات الجسدية وعمليات التهجير القسري والمحاصرة وفعاليات إفشال مشروعاتها وتعميق الاحباطات  التي تعيشها مع ما يرافق ذلك من تزايد عدد الفقراء والبطالة والأمية وانخفاض مستوى المعيشة وتلاشي الخدمات الصحية والتعليم وشؤون الكهرباء و المياه وغيرها . ويتلازم مع هذه الأجواء حال من تصاعد الطائفية السياسية والاثنية السياسية كحيز للعمل الأهلي و كرد فعل متوقع على الأوضاع إلى جانب أشكال من التأثر السلبي لما يحدث في العالم، ممزوجا بجرعات إحباط عام وتذمر وتشاؤم غير محدودين، والخطورة هنا أشمل تكمن في  استثمار عالٍ للجماعات السياسية الدينية لهذا الوضع بدعم أجنبي

[ تعليق ]

 

 

إن كل ذلك يرافقه واقع رديء لمؤسسة دولة توقف فيها التطور أما بسبب الفساد المستشري أو بسبب التركيبة الطائفية أو لأية أشكال من الخلل المقصود تصنيعه في مؤسسة الدولة وما يُشاع فيها من عقلية العمل الفردي المتعارض مع منطق العمل الجمعي المؤسساتي وهو الأمر المدعوم من جهة الهيمنة الأمريكية المعروفة التي تعمّق عمل التيارات والتنظيمات الدينية الطائفية تحديدا لمزيد من حرق أوراق الدولة الوطنية وفكرها ومكوناتها التي تخدم شعوبها فعليا لا بالشعارات والكلمات الفارغة التي لم يقبض منها مواطن حتى موته العادي ودفنه العادي فصرنا أمام مشهد الموت اليومي بطريقة التفجيرات والاستباحة ودفن الأشلاء بمكائن تنظيف أماكن التفجير!!

 

إن خلاصنا  يكمن بعيدا عن هذا المشروع التصفوي الذي سيحيق بنا ويجعلنا مشروعا للمحق بعد استنزاف ثرواتنا ودخولنا عنق العقدة المستعصية في مسار التطور التاريخي حيث تنكشف أمكنتنا خارجه

[ تعليق ]

لابد من التأكيد على موقف الجماهير ببدئها التظاهر ضد المشروع الطائفي وإحساس الحركات الطائفية بالمشكل بما دفعها لرفع شعارات ومسميات علمانية تجنبا لهزيمة متوقعة في المدى المنظور

 

وفي الحديث عن البديل وأسس للتحالفات التكتيكية أو الاستراتيجية ايضا في بعض مواضعها ينبغي أن نتذكر أن وضع أهداف أكبر من حجم القدرات الذاتية والشروط الموضوعية سيعني فشل مؤكد وإحباط مضاف كما ينبغي أن نكون واضحين في أهدافنا في ظل خلط الأوراق يمكن قراءة ما نريد كي نستطيع تعبئة أوسع جماهيرنا لأننا بلا تعبئة سنخسر أكثر ونتراجع أكثر ويكون التراكم لصالح التراجع ما يضاعف من المسؤوليات التالية

ولابد من الحديث هنا عن آليات مواجهة أشكال القمع بطريقة تجمع بين التؤدة والتأني وبين الفعل والتأثير

لقد تم مبدئيا عبر عامل الحرب ودخول القوى الأجنبية وفلسفتها التي حكمت في السنة الأولى على أقل تقدير  اضاعة الفرصة التاريخية التي كانت البيئة المحلية والاقليمية والعالمية مواتية لدستور ولقوانين وتشريعات عصرية واصبح الكلام عن قوانين عصرية في البيئة الحالية صعب المنال, فالقوى التي تستغل حكم الاموات للاحياء وحلفاؤها يستغلون الكلام عن الديمقراطية وحقوق الانسان على طريقة حصان طروادة, يريدون من الديمقراطية الجانب الشكلي فقط المتمثل في فرضه لانتخابات تفرز عددا من الاصوات كافيا للفوز مرة واحدة للانقضاض بعد ذلك على كل مفاهيم العصرنة والديمقراطية والغاء مجرد الكلام عن الحرية الفردية وعن العصرنة في القوانين والتشريعات خصوصا الاحوال الشخصية كجزء رئيس ومهم تابع للقانون الاساس اي الدستور العصري. لهذا فإن معوقات التقدم والاستقرار والحرية والعصرنة تتزايد في مناخ اليأس والاحباط وشتى اشكال الانتهازية والفساد والازدواجية.

 

 

 

حكاية شيعة العراق وسنته والقصد الأحزاب الطائفية  [توضيح]

 

أحزاب طائفية شيعية وأخرى طائفية سنية بين تحالفات مستعجلة طارئة وأخرى تحالفات مشبوهة استجابة لمصالح مرضية  باتت مفضوحة



تناقلت تقارير خبرية على "الانترنيت" خبر تعطل التحالف والتكتل الذي قاده الدكتور علاوي بمعية جبهة التوافق وبعض رموز النظام السابق وبدعم اقليمي عربي وتناقلت خبرا آخر يتعلق بتعطل "التحالف الرباعي" الذي كان ينبغي أن يضم حرب الدعوة والمجلس الاسلامي الاعلى والحزبين الكرديين والذي واجه انتقادا من قبل التيار الصدري الذي عده غير شرعي وقد  يعود هذا الفشل لعدم شمولية التحالف وتهميشه لعدد كبير من الفعاليات [الشيعية] دينية وسياسية بعضها ليبرالية حيث ان التحالف الجديد على الرغم من دعوته لتكون"الابواب مفتوحة لانضمام الاخرين الى التحالف" الا انه كان في جوهره "احتكاريا" باستبعاده التيار الصدري وتيار المؤتمر الوطني بزعامة الدكتور الجلبي و حزب الفضيلة او تيار الامام الشيرازي والمدرسيين وغيره من التيارات التي ترفع شعار شيعيتها مع ملاحظة ان التحالف الجديد لا يحمل تسمية التحالف على أساس "ديني" عبر إشراك حزبين كرديين علمانيين.

وقد عد بعضهم ان حصر التحالف في الاطراف الاربعة امر منطقي وطبيعي لاعتبارات سياسية ولعلاقات اقليمية ودولية و لموقعها الرسمي في الحكم وقيادتها للدولة


أي تحالف نريد وكيف يمكن تحقيقه راهنيا...

أسس العلمنة: ليس رفض قوى أخرى فقد دخلت قوى دينية مجتمعية في ثورة العشرين ولكن ليس على أسس شعارات دينية واسبقية الديني وإلغاء السياسي إذن المطلوب قيادة سياسية علمانية وبرامج علمانية

أسس الوطنية  ليس للطائفي فيه من وجود حركي

أسس المصالح الطبقية والشعبية الموقف من قضايا المرأة والمطالب االحياتية المعيشية


الحديث عن الأحزاب على وفق مسمياتها وبرامجها :      تفصيل

لاحظوا محاصرة قوة ليبرالية حد عدم فوزها بكرسي عندما لم تستجب لكل مطالب برامجهم الجلبي

فكيف بقوة سياسية وطنية كالحزب الشيوعي العراقي على سبيل المثال بين اشتراكية ديموقراطية ولبرلة البرامج والبعد الثوري في التعاطي مع الواقع استقلالية أيديولوجية بين الاستراتيجي والمرحلي لكن لا قبول بمرحلية كما في حالة رسم برنامج بالمطلق لانتفاضة انتهت بشهر

منظمات المجتمع المدني ودورها في التحالفات وتفعيل العمل الوطني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

14 تموز الوطن \ التاريخ \ الثورة

و

الجالية العراقية في هولندا ومهرجانها الكرنفالي الأول

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
2007/07/16

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:

 

 

1. مهرجان 14 تموز الثورة

مرّ الرابع عشر من تموز يوليو هذا العام وقد تداخلت أمور عديدة بشأنه منها ما ورد بقرار للحكومة العراقية التي قررت تجاوز هذا التاريخ الذي مثَّل منعطفا وطنيا مهما بل تأسيسا لبنية الدولة الوطنية العراقية الحقة لأول مرة في تاريخها.. وذلك باتخاذها من يوم آخر عيدا وطنيا رسميا مواصلة بذلك قرارا سابقا لنظام الطاغية الدكتاتور في محاولته نقل العيد الوطني تغطية على العيد الذي تحتفي به جماهير شعبنا كل عام ونكاية بها وبمنجزها التاريخي المعاصر الذي سطعت بشمسه ثورة 14 تموز...

ويعكس هذا ضيق أفق حزبي ونظرة قاصرة للحدث مثلما يعكس بُعد القرار المتخذ عن الخيار الوطني عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن الأغلبية على وفق هويتها الوطنية العراقية لا على وفق أغلبية مصنَّعة على وفق لغة الطبقة السياسية الجديدة ومنهجها الطائفي المنغلق الانعزالي والتقسيمي.. والقرار أيضا يمثل هروبا من استعادة مسيرة الشعب العراقي هويته الوطنية الحقة وسماته التي تمثل جوهره في الوحدة الوطنية ومعدنه في الخيمة العراقية وفي قواسمه المشتركة في الديموقراطية والسلم والفديرالية...

وتفاعلا مع هذا التاريخ الوطني المهم أكدت الجاليات العراقية في مهجرها هذا العام على الاحتفال المخصوص بهذي الثورة الوطنية فعقدت سلسلة من الندوات الجماهيرية والاحتفالات الكرنفالية رافضة بذلك محاولات طمس هذا التاريخ ونهجه باتجاه تحقيق الديموقراطية وبناء الدولة الوطنية الحقة... مثلما رفضت إدخال لغة الشكوك والظنون في صدور أبنائها كافة ورفضت التحليلات التي حاولت إدخال أمور مرضية أو توهمت ما أُشيع بالخصوص للإيقاع بين العراقي وأخيه أو بين الشعبي والرسمي أحيانا...

وكان من بين أبرز تلك الاحتفاليات التي عُنيَت بتوحيد المشهد العراقي وإبراز حقيقته في هوية عراقية راسخة احتفاليتان: الاحتفالية الأولى التي نهض بها اتحاد الجمعيات الديموقراطية العراقية في هولندا في أمسية الرابع عشر من تموز بمدينة لاهاي الذي تضمن أساسا ندوة جماهيرية حاشدة قدم فيها الشخصية الوطنية الأستاذ حامد الحمداني مداخلته الضافية التي أشارت إلى أسباب الثورة ونتائجها ومصيرها وإمكانات استعادة مسيرتها مؤكدا على وطنية الثورة وشعبيتها بالاستناد إلى منجزها من قانون الإصلاح الزراعي والأحوال الشخصية وتحرير الأرض من سطوة شركات النفط وتأسيس الشركة الوطنية إلى تحرير العامل والفلاح والمرأة والعمل على التمهيد لديموقراطية حقة ولفديرالية متينة بين جناحي الوطن كوردا وعربا إلى جانب انعتاق العراق من حلف بغداد والاسترليني وغيرها من الأدوات التي لم تكن ميزة لانقلاب عسكري بقدر ما كانت مؤشرا للثورة الوطنية الديموقراطية التي سارعت مؤامرات معروفة لإجهاضها بانقلاب دموي فاشي في شباط 63....

وطبعا تضمنت الاحتفالية دور الأديب الشاعر كما في قصائد تم إنشادها من شعراء حفروا كلماتهم على ألواح الوطن وأفئدة العشق له.. وكذا صدحت حناجر الحضور مع الفنان سامر عينكاوي وآخرين في أغاني من زمن الثورة فيما ترنمت أجواء لاهاي بعبق آلات التخت البغدادية ومنها سنطور الفنان وسام العزاوي بسحر الرافدين وشهادة ابنة الوطن وغيرهما من ألحان مجد العراق وأهله..

ولم تكن عدسة عين العراق بعيدة عمّا ازدهت به جدران معارض خلدت كل شيء في تاريخ 14 تموز من الزعيم وحياته وشعارات الثورة حتى تفاصيل الشناشيل البغدادية وجنبات شطآن البصرة وزوارق الهور وأكواخه وشموخ النخلة العراقية وصراعها من أجل البقاء والعودة مثمرة بالخير والنصر في عراق جديد...

 

2. مهرجان العراق محبة

كل ما مرّ من احتفالية للرابع عشر من تموز جاء وسط تلاحم كرنفالي للجالية العراقية يجري لأول مرة في الساحات المفتوحة لمدينة السلام الهولندية – لاهاي \ دنهاخ- إذ احتفت الجالية يومي الرابع عشر من تموز والخامس عشر منه باسم العراق محبة مؤكدة لكل الأصدقاء الأوروبيين الذين استشعروا قلقا من الانقسامات المفترضة والاحتكاكات المحتملة والآلام المتوهمة لانشطارات لا وجود لها في جسم شعبنا وجالياته في المهجر...

ومضى اليومان سريعا إذ كان الجمهور يصر طالبا المزيد من الفنانين وفرقهم المبدعة وبمراجعة بسيطة لبرامج الاحتفاليات سنجد أن العراق المصغر قد كان حاضرا في كل مفردة هنا في مدينة لاهاي فالعرب والكورد والتركمان والكلدان الآشور السريان والصابئة والأيزيديين والمسلمين سنة وشيعة والمسيحيين كاثوليك وبروتستانت والمندائيين واليهود.. وانفتحت الأفئدة على بعضها بعضا لم تسأل من أية فئة أو دين أو قومية أو مذهب أو طائفة وتحدث الجميع بكل لهجات العراق ولغاته في بوتقة خطاب عراقي وطني الهوية والمرجعية، لا مرجعية تعلو عليه أو تسبقه كما هو عهد العراقيين دوما وأبدا...

لقد افترض بعض ضيوفنا من الهولنديين أيّ احتمال إلا أنهم لم يشهدوا إلا عراقية الحضور ومصداق العلائق الوشيجة ووحدة الهوية وعميق روح السلم والتآلف والتآخي وشهدوا أن العراقيين أصحاب إبداع لحضارة ولسلوك راق متمدن ومثلما شهدوا الأزياء التقليدية والفلكلور الوطني بكل ألوانه وأطيافه شهدوا رقي فنه الموسيقي والغنائي المعبر عن حاضر يختزن الأمل ويكسر شوكة الألم مبشرا بأفراح تتسع لفضاء الحياة الجديدة..

لقد غنَّت الشبيبة العراقية من أطفال وزهور وفتيات وفتية وشبان وشابات ورقصوا على أنغام المحبة والحلم بعراق يعودون إليه ليحتفلوا هناك في ربوعه مثلما حملوه هنا بين الأضلع وفي الأرواح المتطلعة إلى شمس تموز العراق. وكان عشرات الفنانين والفنانات بأروع ما لديهم وبكل لغات الوطن المطرزة لفسيفساء الأهل يرسلون بما قدموا رسائل الأمل لعراق مستقر يحيا بالهناء والسلم والحرية..

لقد ترنم أطفال فرقة السلام من أبناء كوردستان الحبيبة ورقص أطفال مركز الثقافة الكوردية مع أطفال لايدن ولاهاي العرب والتوركمان والكلدان السريان وأبدع ستار الساعدي بتلوينات إيقاع الوجد لعراقنا وتغنى المبدع محمد البيك بشواطي الفرات ونخيلاته الوارفة وتلاله الخضر بعطاء أهل الدبكة والجوبي اللتين تهزان الأرض طربا وفرحا ورقص سامو البغدادي ومعه كلدو آشور العراق المحبة.. وكان الجمهور على موعد مع المبدع المميز فنان السنطور الأول المطرب وسام العزاوي وفرقة أيام زمان لتعود لسويعة من زمن لاهاي إلى أيام بغدادية وأخرى من الناصرية وثالثة فرابعة من مدن عراق العطاء جميعا... وكل ذلك ما زال يحيا في الأنفس طربا و شدواَ َ فترقص سعادة ومسرات.  ويتبع مع وبعد هذه الفرق جمع من مبدعي الوطن ففرقة نوروز وجماعة ميديا وشاعرات الحب والتغزل بالوطن والناس حيث فينوس فائق والسراج ولاوين .......

فيما كان ختام الرابع عشر من تموز بصوت فنانة المقام العراقي الأولى فريدة التي رقصت لها شجيرات أكبر ميدان للفرح والكرنفالات في لاهاي.. وأطربت بما قدمت من تراث الأغنية العراقية جمعا كبيرا احتشد للتفاعل والطرب والرقص على إيقاعات فرقة الأصول الموسيقية العراقية الباقية مجدا وليس سرا يُذاع أن تلك الفرقة وعلى رأسها محمد كمر الذي يمثل عازفا من طراز السلطنة الفنية الراقية ما يجعل الاستجابة كما تلك الليلة التي أشرقت لتتغنى بتموز العطاء وسومر المجد..

أما في اليوم التالي فقد احتشد مزيد من جديد جمهور الجالية العراقية من أقصى شمالها حتى أقصى جنوبها ليلتقي الأحبة وليعلنوا أن العراق محبة وسلام وخير وعطاء وأنه ليس العنف الدموي ولا الإرهاب وعناصره الظلامية ولا الطائفية والشرذمة والانقسام كما تصوره وهماَ َ مفترضا بعض الفضائيات..

وتبدأ الرقصات بفرقة دانا التي تنبض مع أبناء الجالية في جميع مدنهم ثم الفنان فراس وفرقة كركوك ففرقة النوارس وشعراء المحبة باللهجة الشعبية الدارجة وأزياء بإبداعات ساحرة للناشطة السيدة سلوى بدن ومجددا مع شعر من أجوائنا العراقية وجماعة كركوك وجماعة آزادي والفنان رزكار ثم تقدم الفنانة المبدعة ميديا رؤوف وفرقة إينانا معزوفة مسرحية كأنها أغنية بعنوان "دم شرقي" وينطلق بعدها الفنان دلشاد بجمهوره العربي والكوردي والتوركماني  فتكون هذي التجربة عماد الخيمة العراقية البهية

 

ويكون مسك ختام المهرجان الكرنفالي الكبير فنان الشعب العراقي المبدع جعفر حسن الذي لم يكن خياره اعتباطا بل جاء توكيدا لتاريخ عريق من الارتباط بين الفن والالتزام بقضايا الناس والوطن وتهنئة مقصودة بعيد الثورة وبُعََيد تهنئة الفنان بعيد الرابع عشر من تموز التي قوبلت بتحية أكف المدرجات الممتلئة تماما انطلقت حنجرة الرائع جعفر حسن بكلمات الخالد محمد مهدي الجواهري لتحية شطآن دجلة الخير فكانت مدرجات غصت بجمهورها تُسمِع مدينة السلام الهولندية أغاني حناجر هذا الجمهور مع فنان الشعب وليرددوا سويا أيضا أغان في حب بغداد وعشقها [يافرح أيامي يا كل أحلامي الشوق بينا زاد يا حبي يا بغداد] وليعلو صوت الحناجر مرة أخرى [هربجي كورد وعرب رمز النضال] وتتجاوز السهرة المواعيد مصرة على احتفالية المحبة والسلام..

وهو ما أكدته الكلمة الرسمية ملخصة بخطاب سعادة سفير الجمهورية العراقية بقوله إن المهرجان عبر عن رموز شعبية عميقة مشتركة "بدجلة والفرات بالتشاي والجرداغ بالباجة وجالغي بغداد باللاوند والسيكاه بالرصافي والجواهري وكوران بفريدة وجعفر" وتأكد أمر تلك الهوية الواحدة لعراقيي الوطن والمهجر بإنشاد جماعي علا في أرجاء الميدان المفتوح وفضاء المدينة لنشيد "موطني موطني" فهل أحلى وأبهى من هذا اللقاء...

وهل أروع من عقد العزم على أن يكون اللقاء في العام القابل كرنفالا لا يقف عند العراقيين والعراقيات من أبناء الجالية بل ينفتح ليستقبل مئات ألوف الهولنديين وجميع الأصدقاء من مختلف الجاليات والهويات.. وحتى نلتقي عيدكم سعيد وكل عام وأنتم بخير تنتصرون للخير والسلم والديموقراطية....   

 

ولقول خلاصة في هذه التجربة فإنَّ اللقاء الوطني الهوية الديموقراطي الجوهر ابتعد عن الشعاراتية وعن رفع رايات سياسية قد تعني الانشطار  وقد توحي بالتقسيمات الطائفية التي تمثل الطبقة السياسية لا الشعب فيما أُريد للاحتفال بالثورة وبالعراق محبة أن يبقى بعيدا عن انقسامات الطبقة السياسية الجديدة وعن أمراض الواقع ومخلفات الماضي ليبرز وجه العراقيين الموحد وحقيقة الوطن الهوية رافض الانقسام.. والجميع في بوتقة واحدة، سفينة واحدة هي سفينة الإبداع العراقي ثقافة وجمالا وفنونا تعبر عن المعدن العراقي الناصع المشرق بشموس للخير والعطاء لا تحجبها الظنون بل تعمّدها أجواء الثقة الراسخة بين جميع العراقيين لا استثناء ولا إقصاء ولا تهميش بل ساعد يشد أزر ساعد آخر وقلب ينبض على معزوفة قلب آخر والكل ينشد للعراق محبة للعراق الديموقراطي الفديرالي الجديد. فغدا سننظر وراءنا لا بغضب بل بوجد لهذه النسمات النورانية لأهل العراق محبة وسلام.........

181
14 تموز الوطن \ التاريخ \ الثورة

و

الجالية العراقية في هولندا ومهرجانها الكرنفالي الأول

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
2007/07/16

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:



1. مهرجان 14 تموز الثورة
مرّ الرابع عشر من تموز يوليو هذا العام وقد تداخلت أمور عديدة بشأنه منها ما ورد بقرار للحكومة العراقية التي قررت تجاوز هذا التاريخ الذي مثَّل منعطفا وطنيا مهما بل تأسيسا لبنية الدولة الوطنية العراقية الحقة لأول مرة في تاريخها.. وذلك باتخاذها من يوم آخر عيدا وطنيا رسميا مواصلة بذلك قرارا سابقا لنظام الطاغية الدكتاتور في محاولته نقل العيد الوطني تغطية على العيد الذي تحتفي به جماهير شعبنا كل عام ونكاية بها وبمنجزها التاريخي المعاصر الذي سطعت بشمسه ثورة 14 تموز...

ويعكس هذا ضيق أفق حزبي ونظرة قاصرة للحدث مثلما يعكس بُعد القرار المتخذ عن الخيار الوطني عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن الأغلبية على وفق هويتها الوطنية العراقية لا على وفق أغلبية مصنَّعة على وفق لغة الطبقة السياسية الجديدة ومنهجها الطائفي المنغلق الانعزالي والتقسيمي.. والقرار أيضا يمثل هروبا من استعادة مسيرة الشعب العراقي هويته الوطنية الحقة وسماته التي تمثل جوهره في الوحدة الوطنية ومعدنه في الخيمة العراقية وفي قواسمه المشتركة في الديموقراطية والسلم والفديرالية...

وتفاعلا مع هذا التاريخ الوطني المهم أكدت الجاليات العراقية في مهجرها هذا العام على الاحتفال المخصوص بهذي الثورة الوطنية فعقدت سلسلة من الندوات الجماهيرية والاحتفالات الكرنفالية رافضة بذلك محاولات طمس هذا التاريخ ونهجه باتجاه تحقيق الديموقراطية وبناء الدولة الوطنية الحقة... مثلما رفضت إدخال لغة الشكوك والظنون في صدور أبنائها كافة ورفضت التحليلات التي حاولت إدخال أمور مرضية أو توهمت ما أُشيع بالخصوص للإيقاع بين العراقي وأخيه أو بين الشعبي والرسمي أحيانا...

وكان من بين أبرز تلك الاحتفاليات التي عُنيَت بتوحيد المشهد العراقي وإبراز حقيقته في هوية عراقية راسخة احتفاليتان: الاحتفالية الأولى التي نهض بها اتحاد الجمعيات الديموقراطية العراقية في هولندا في أمسية الرابع عشر من تموز بمدينة لاهاي الذي تضمن أساسا ندوة جماهيرية حاشدة قدم فيها الشخصية الوطنية الأستاذ حامد الحمداني مداخلته الضافية التي أشارت إلى أسباب الثورة ونتائجها ومصيرها وإمكانات استعادة مسيرتها مؤكدا على وطنية الثورة وشعبيتها بالاستناد إلى منجزها من قانون الإصلاح الزراعي والأحوال الشخصية وتحرير الأرض من سطوة شركات النفط وتأسيس الشركة الوطنية إلى تحرير العامل والفلاح والمرأة والعمل على التمهيد لديموقراطية حقة ولفديرالية متينة بين جناحي الوطن كوردا وعربا إلى جانب انعتاق العراق من حلف بغداد والاسترليني وغيرها من الأدوات التي لم تكن ميزة لانقلاب عسكري بقدر ما كانت مؤشرا للثورة الوطنية الديموقراطية التي سارعت مؤامرات معروفة لإجهاضها بانقلاب دموي فاشي في شباط 63....

وطبعا تضمنت الاحتفالية دور الأديب الشاعر كما في قصائد تم إنشادها من شعراء حفروا كلماتهم على ألواح الوطن وأفئدة العشق له.. وكذا صدحت حناجر الحضور مع الفنان سامر عينكاوي وآخرين في أغاني من زمن الثورة فيما ترنمت أجواء لاهاي بعبق آلات التخت البغدادية ومنها سنطور الفنان وسام العزاوي بسحر الرافدين وشهادة ابنة الوطن وغيرهما من ألحان مجد العراق وأهله..

ولم تكن عدسة عين العراق بعيدة عمّا ازدهت به جدران معارض خلدت كل شيء في تاريخ 14 تموز من الزعيم وحياته وشعارات الثورة حتى تفاصيل الشناشيل البغدادية وجنبات شطآن البصرة وزوارق الهور وأكواخه وشموخ النخلة العراقية وصراعها من أجل البقاء والعودة مثمرة بالخير والنصر في عراق جديد...

 

2. مهرجان العراق محبة

كل ما مرّ من احتفالية للرابع عشر من تموز جاء وسط تلاحم كرنفالي للجالية العراقية يجري لأول مرة في الساحات المفتوحة لمدينة السلام الهولندية – لاهاي \ دنهاخ- إذ احتفت الجالية يومي الرابع عشر من تموز والخامس عشر منه باسم العراق محبة مؤكدة لكل الأصدقاء الأوروبيين الذين استشعروا قلقا من الانقسامات المفترضة والاحتكاكات المحتملة والآلام المتوهمة لانشطارات لا وجود لها في جسم شعبنا وجالياته في المهجر...

ومضى اليومان سريعا إذ كان الجمهور يصر طالبا المزيد من الفنانين وفرقهم المبدعة وبمراجعة بسيطة لبرامج الاحتفاليات سنجد أن العراق المصغر قد كان حاضرا في كل مفردة هنا في مدينة لاهاي فالعرب والكورد والتركمان والكلدان الآشور السريان والصابئة والأيزيديين والمسلمين سنة وشيعة والمسيحيين كاثوليك وبروتستانت والمندائيين واليهود.. وانفتحت الأفئدة على بعضها بعضا لم تسأل من أية فئة أو دين أو قومية أو مذهب أو طائفة وتحدث الجميع بكل لهجات العراق ولغاته في بوتقة خطاب عراقي وطني الهوية والمرجعية، لا مرجعية تعلو عليه أو تسبقه كما هو عهد العراقيين دوما وأبدا...

لقد افترض بعض ضيوفنا من الهولنديين أيّ احتمال إلا أنهم لم يشهدوا إلا عراقية الحضور ومصداق العلائق الوشيجة ووحدة الهوية وعميق روح السلم والتآلف والتآخي وشهدوا أن العراقيين أصحاب إبداع لحضارة ولسلوك راق متمدن ومثلما شهدوا الأزياء التقليدية والفلكلور الوطني بكل ألوانه وأطيافه شهدوا رقي فنه الموسيقي والغنائي المعبر عن حاضر يختزن الأمل ويكسر شوكة الألم مبشرا بأفراح تتسع لفضاء الحياة الجديدة..

لقد غنَّت الشبيبة العراقية من أطفال وزهور وفتيات وفتية وشبان وشابات ورقصوا على أنغام المحبة والحلم بعراق يعودون إليه ليحتفلوا هناك في ربوعه مثلما حملوه هنا بين الأضلع وفي الأرواح المتطلعة إلى شمس تموز العراق. وكان عشرات الفنانين والفنانات بأروع ما لديهم وبكل لغات الوطن المطرزة لفسيفساء الأهل يرسلون بما قدموا رسائل الأمل لعراق مستقر يحيا بالهناء والسلم والحرية..

لقد ترنم أطفال فرقة السلام من أبناء كوردستان الحبيبة ورقص أطفال مركز الثقافة الكوردية مع أطفال لايدن ولاهاي العرب والتوركمان والكلدان السريان وأبدع ستار الساعدي بتلوينات إيقاع الوجد لعراقنا وتغنى المبدع محمد البيك بشواطي الفرات ونخيلاته الوارفة وتلاله الخضر بعطاء أهل الدبكة والجوبي اللتين تهزان الأرض طربا وفرحا ورقص سامو البغدادي ومعه كلدو آشور العراق المحبة.. وكان الجمهور على موعد مع المبدع المميز فنان السنطور الأول المطرب وسام العزاوي وفرقة أيام زمان لتعود لسويعة من زمن لاهاي إلى أيام بغدادية وأخرى من الناصرية وثالثة فرابعة من مدن عراق العطاء جميعا... وكل ذلك ما زال يحيا في الأنفس طربا و شدواَ َ فترقص سعادة ومسرات.  ويتبع مع وبعد هذه الفرق جمع من مبدعي الوطن ففرقة نوروز وجماعة ميديا وشاعرات الحب والتغزل بالوطن والناس حيث فينوس فائق والسراج ولاوين .......

فيما كان ختام الرابع عشر من تموز بصوت فنانة المقام العراقي الأولى فريدة التي رقصت لها شجيرات أكبر ميدان للفرح والكرنفالات في لاهاي.. وأطربت بما قدمت من تراث الأغنية العراقية جمعا كبيرا احتشد للتفاعل والطرب والرقص على إيقاعات فرقة الأصول الموسيقية العراقية الباقية مجدا وليس سرا يُذاع أن تلك الفرقة وعلى رأسها محمد كمر الذي يمثل عازفا من طراز السلطنة الفنية الراقية ما يجعل الاستجابة كما تلك الليلة التي أشرقت لتتغنى بتموز العطاء وسومر المجد..

أما في اليوم التالي فقد احتشد مزيد من جديد جمهور الجالية العراقية من أقصى شمالها حتى أقصى جنوبها ليلتقي الأحبة وليعلنوا أن العراق محبة وسلام وخير وعطاء وأنه ليس العنف الدموي ولا الإرهاب وعناصره الظلامية ولا الطائفية والشرذمة والانقسام كما تصوره وهماَ َ مفترضا بعض الفضائيات..

وتبدأ الرقصات بفرقة دانا التي تنبض مع أبناء الجالية في جميع مدنهم ثم الفنان فراس وفرقة كركوك ففرقة النوارس وشعراء المحبة باللهجة الشعبية الدارجة وأزياء بإبداعات ساحرة للناشطة السيدة سلوى بدن ومجددا مع شعر من أجوائنا العراقية وجماعة كركوك وجماعة آزادي والفنان رزكار ثم تقدم الفنانة المبدعة ميديا رؤوف وفرقة إينانا معزوفة مسرحية كأنها أغنية بعنوان "دم شرقي" وينطلق بعدها الفنان دلشاد بجمهوره العربي والكوردي والتوركماني  فتكون هذي التجربة عماد الخيمة العراقية البهية

 

ويكون مسك ختام المهرجان الكرنفالي الكبير فنان الشعب العراقي المبدع جعفر حسن الذي لم يكن خياره اعتباطا بل جاء توكيدا لتاريخ عريق من الارتباط بين الفن والالتزام بقضايا الناس والوطن وتهنئة مقصودة بعيد الثورة وبُعََيد تهنئة الفنان بعيد الرابع عشر من تموز التي قوبلت بتحية أكف المدرجات الممتلئة تماما انطلقت حنجرة الرائع جعفر حسن بكلمات الخالد محمد مهدي الجواهري لتحية شطآن دجلة الخير فكانت مدرجات غصت بجمهورها تُسمِع مدينة السلام الهولندية أغاني حناجر هذا الجمهور مع فنان الشعب وليرددوا سويا أيضا أغان في حب بغداد وعشقها [يافرح أيامي يا كل أحلامي الشوق بينا زاد يا حبي يا بغداد] وليعلو صوت الحناجر مرة أخرى [هربجي كورد وعرب رمز النضال] وتتجاوز السهرة المواعيد مصرة على احتفالية المحبة والسلام..

وهو ما أكدته الكلمة الرسمية ملخصة بخطاب سعادة سفير الجمهورية العراقية بقوله إن المهرجان عبر عن رموز شعبية عميقة مشتركة "بدجلة والفرات بالتشاي والجرداغ بالباجة وجالغي بغداد باللاوند والسيكاه بالرصافي والجواهري وكوران بفريدة وجعفر" وتأكد أمر تلك الهوية الواحدة لعراقيي الوطن والمهجر بإنشاد جماعي علا في أرجاء الميدان المفتوح وفضاء المدينة لنشيد "موطني موطني" فهل أحلى وأبهى من هذا اللقاء...

وهل أروع من عقد العزم على أن يكون اللقاء في العام القابل كرنفالا لا يقف عند العراقيين والعراقيات من أبناء الجالية بل ينفتح ليستقبل مئات ألوف الهولنديين وجميع الأصدقاء من مختلف الجاليات والهويات.. وحتى نلتقي عيدكم سعيد وكل عام وأنتم بخير تنتصرون للخير والسلم والديموقراطية....   

 

ولقول خلاصة في هذه التجربة فإنَّ اللقاء الوطني الهوية الديموقراطي الجوهر ابتعد عن الشعاراتية وعن رفع رايات سياسية قد تعني الانشطار  وقد توحي بالتقسيمات الطائفية التي تمثل الطبقة السياسية لا الشعب فيما أُريد للاحتفال بالثورة وبالعراق محبة أن يبقى بعيدا عن انقسامات الطبقة السياسية الجديدة وعن أمراض الواقع ومخلفات الماضي ليبرز وجه العراقيين الموحد وحقيقة الوطن الهوية رافض الانقسام.. والجميع في بوتقة واحدة، سفينة واحدة هي سفينة الإبداع العراقي ثقافة وجمالا وفنونا تعبر عن المعدن العراقي الناصع المشرق بشموس للخير والعطاء لا تحجبها الظنون بل تعمّدها أجواء الثقة الراسخة بين جميع العراقيين لا استثناء ولا إقصاء ولا تهميش بل ساعد يشد أزر ساعد آخر وقلب ينبض على معزوفة قلب آخر والكل ينشد للعراق محبة للعراق الديموقراطي الفديرالي الجديد. فغدا سننظر وراءنا لا بغضب بل بوجد لهذه النسمات النورانية لأهل العراق محبة وسلام.........

182
العلم العراقي بين خيارات اليوم والغد
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
2007/07/12
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


بعد سقوط نظام الدكتاتورية وتشكيل مؤسسة الدولة العراقية الجديدة جرت 
متغيرات عديدة منها إلغاء قوانين خطَّها قلمُ الطاغية الفرد ومنها إعادة 
تشكيل مؤسسات أو تأهيلها.. وكان منطق التغيير بعامة، يُفترض أن يمثل 
تطورا لصالح التعبير عن رأي الناس ومطالبهم.. لكن أغلب ما جرى تمَّ تحت 
خيمة أحزاب بعينها تخبطت بمستهدفاتها أو جرى تحت مظلة  المؤسسات التي 
تمَّ السطو عليها مجددا بكل أمراض الفساد التي اكتسحت الأجواء العامة..
وصرنا لا نستطيع الحديث عن أي مطلب شعبي من دون التفكير بمجريات سلطة 
الدولة الجديدة المنشغلة بمنطق استكمال التغييرات في ضوء خطاب المحاصصة 
وفي ضوء المصالح الحزبية الضيقة.. وما بدأ يظهر اليوم بعد كل هذه السنوات 
هو الانتقال للتصفيات بين أطراف التحالفات التي جرت مطلع التغيير...
وبالتركيز على آلية المحاصصة وجدنا صياغة للدستور بما كنّا حذرنا من 
الوقوع به وهو كتابته بلغة الخطاب السياسي ما طبعه بعبرات إنشائية تمثل 
خطاب المحاصصة حتى وردت مواد وفقرات متناقضة بحسب تعبيرها عن حصة هذا 
التيار أو تلك الفئة! فيما تقلصت لغة الصياغة القانونية وصرنا نجد 
المحاصصة تجري في كل مفردة من حياة العراق الجديد..
فتحولنا لوضع طائفي مريض وهو ما أفضى ويفضي في الغد المنظور إلى أعمال 
تصفية للحسابات بين مقتسمي العراق بوصفه غنيمة لا وطنا ولا هوية... 
والفرق بين وضع البلد بصفة غنيمة ووضعه بصفة وطن فارق استراتيجي تقوم 
عليه خطط وتصورات بنيوية مختلفة جوهريا وجذريا...
ولأن المحاصصة موجودة بهذه الطريقة كما ذكرنا في كل المفردات فإنَّها [أي 
المحاصصة] دخلت على مسألة اختيار العلم العراقي وشعار الجمهورية وإذا 
كانوا تركوا الشعار في ضوء توافق الأحزاب الأولي على شعار 14 تموز [وهو 
أمر غير واضح وغير مثبَّت بقرار] فإنَّ العلم ظل في حال من الاصطراع على 
صيغته أو شكله!؟؟
لقد رفعت جماهير عراقية في المهجر طوال السنوات المنصرمة علم 14 تموز أو 
أنها شكلت من العلم العراقي قبيل إضافة العبارة المكتوبة بخط الطاغية 
صيغة للتعامل معها... ولكن الأمر اليوم صار أكثر تعقيدا وصار سؤالنا نحن: 
ما الذي يمنع الدولة من تحرير هذه الجماهير من رمز الطاغية وحكمه؟ فيما 
صار سؤال الآخر: إذا كانت الدولة العراقية الجديدة قد تحررت من الطاغية 
وإذا كانت الدولة العراقية الجديدة قد اتخذت من الديموقراطية طريقا وآلية 
لمؤسساتها، فلماذا لا ترفع الجماهير العلم الذي اختارته مؤسسات الدولة 
العراقية الجديدة؟؟!
في الحقيقة هناك تناقضات كبيرة موجودة في رحم مرحلة الانتقال من غول 
طغيان العقود المنصرمة؛ ومن غول الفساد والمحاصصة والطائفية والإرهاب 
ونحن ما زلنا في مرحلة صراعات تطهير دولتنا ومؤسساتها من صيغ سطت عليها 
ومن بقايا مرضية ومن أشكال الفساد فضلا عن طبيعة المرحلة التي تحكمها 
أوضاع شاذة تفرضها عوامل متداخلة أبرزها حالتي الإرهاب والطائفية وطبيعة 
العلاقة بين السلطة والقوات الأجنبية..
في هذا الخضم لم تستطع الجهة  المحسوبة مع الرؤية الشعبية أن تحسم أمورا 
شكلية تعبيرية رمزية كما في مسألة العلم أمام سطوة وتنفذ قوى بعينها على 
أجهزة الدولة ومسارها... وعلى الرغم من وجود أمور مهمة وجوهرية أخرى 
سيكون حسمها حلا لأغلب المعضلات والإشكالات إلا أن موضوع العلم يبقى 
موضعا مهما في رمزيته وتعبيره عن إرادة الرأي العام أو أغلبيته...
ونحن نشاهد أن اللعب بهذا الموضوع وتأجيله برفض المقترحات التي تقدم بها 
مبدعونا العراقيون والتوقف عن معالجة إشكاليته والإبقاء على الصيغة 
المفروضة قسرا على إرادة الناس وأوسع الفئات الشعبية سيكون عامل ضغط سلبي 
خطير يدفع باتجاه تعميق الصراع بين حب واحترام رموز الهوية الوطنية 
ورفعها عاليا في المحافل والأنشطة وبين رفض تلك الرموز التي لا يجدها 
أبناء الشعب ممثلة لرؤيتهم بقدر ما يجدونها ممثلة للطاغية الذي فرضها 
عليهم ولجرائمه بحقهم...
ومثل هذا الموقف يكرر جريمة القسر والفرض بالإكراه كما حصل من مؤسسات 
الطاغية التي كانت تقرر وتنفّذ  ما يراه الطاغية الفرد.. وعليه فليس من 
مبرر ولا نقول مسوّغ لهذا الإصرار على الإبقاء على رقعة ترمز لزمن ينبغي 
أن يجري تغيير  رموزه واستبدالها بإعلاء خيارات الشعب أو أغلبيته بإعلاء 
رمز يمثل العراق التعددي بأطيافه ويحترم وجودهم جميعا لا أن يركز على رمز 
مجموعة من دون أخرى...
كما يلزم أن نحرر العلم العراقي من الرموز التي لا تدخل في التعبير عن 
الإنسان ودولته المدنية ووجوده البشري البحت كما في الرموز الدينية وكأن 
الأمر يمثل راية دينية أو فكرا دينيا أو جهة دينية أو أمرا عقيديا 
دينيا.. إذ العلم رمز للدولة وللشعب ولهويته المدنية الإنسانية فيما 
إضفاء الدلالات الدينية أمر يُخرِج الشكل من تمثيل الدولة ومؤسساتها..
ألا نرانا اليوم نختلف في الحديث عن شكل العلم؟ ألا نرى بعض الناس يذهبون 
إلى حد تمزيقه أو حرقه تعبيرا عن موقف سياسي أو ما أشبه؟ ألآ نرى دولا 
تنكس علما أو تطرحه جانبا لسبب دبلوماسي مثلا؟ إذن لمن يريد احترام السمة 
الدينية، عليه ألا يبقى مصرّا على وضع عبارات ستؤدي إلى مشكلات لا علاقة 
لها بالاختلاف السياسي أو الدبلوماسي  وعلينا أن نبقي العلم بعيدا عن 
الأمور الدنيوية المدنية...
أما إشكال الصياغة فليس عقدة في بلد فيه عشرات بل مئات من خيرة المبدعين 
فكرا وفلسفة وتعبيرا جماليا تشكيليا ويمكن لأية لجنة متخصصة منصفة 
وموضوعية لا ترتبط بأغراض حزبية ضيقة ولا تنفذ رغبات زعامات لا تفقه في 
السياسة والفكر بقدر ما تفقه في تنفيذ أجندات مرضية خارجية أو\و محلية، 
يمكن لمثل هذه اللجنة أن تنهي الأمر في أيام أو أسابيع أو حتى شهور ولكن 
ليس في سنوات كما جرى ويُراد للأمر أن يجري......
لابد للبرلمان أن يتخلى عن حزبيته ومرجعياتها التي لا تنظر إلى المرجعية 
الشعبية وأن يطلق من القمقم قضية العلم وننتهي منه وأمامنا كثير من 
الإبداعات التي يمكنها أن تكون حلا مناسبا.. وإنني أضع طلبي هذا أمام 
الأعضاء ليتم تشكيل لجنة برلمانية وأخرى حكومية في وزارة الثقافة وتجمع 
ما جرى بالخصوص وتعيد الدراسة بوساطة المتخصصين وتنتهي لقرار يجري 
التصويت عليه وننتهي من علم لا يرفعه أغلب أبناء شعبنا وننتهي من أزمة 
الفرض والقسر التي تجري بحقنا نحن العراقيين عندما نحتل وعندما نتحدث 
رسميا في محفل أو مناسبة...
ومن الطبيعي أن تنهض منظمات المجتمع المدني وقواه الفاعلة للتعبير عن هذا 
الأمر بوضوح وبصلابة الموقف أمام تكلس رأي بعينه وجموده تعبيرا عن أمور 
مبيتة لضيق أفق وأمور أخرى... ولتنطلق حملة بالخصوص للضغط على البرلمان 
والحكومة ولتوجيه الأمور حيث إرادة الناس ومطالبها...
وبعض أسئلة هذه الحملة:  هل ترى أحزاب الحكم والحكومة أنها نشوى 
بإملاءاتها علينا ما يراه أفراد موجودون في السلطة لسنتين قادمتين؟ 
ولماذا لا ينفذون إرادة من جاء بهم للمسؤولية ويراجعوا هذه القضية 
الشكلية المهمة؟  ولماذا لا يُنظر إلى كون هذا الإصرار يتعارض مع أطياف 
مهمة وأساس في بلادنا وهي أطياف تمثل تاريخنا نحن العراقيين من المسيحيين 
والمندائيين والأيزيديين ومن الكلدان الآشوريين السريان ومن الصابئة ومن 
التركمان ومن جناح عراقنا الثاني الشعب الكوردي الذي اُعتُدي عليه في ظل 
راية الخراب والموت والسادية ومن أطياف واسعة من العراقيين بعموم وجودهم؟ 
  وإذا كانوا عاجزين عن حل مثل هذه القضية ومعالجتها فماذا سيعالجون إذن 
من أمور جوهرية؟ ومتى سننتهي من هذه الإشكالية؟؟؟؟
لا ضير لشعبنا من الصبر على عديد المشكلات التي تصنعها هذه الإشكالية 
المفتعلة من المصرين على راية الطغاة وذكرياتهم السوداء ولكن علينا النظر 
لنتائج الغد فضلا عن آلام اليوم والتعبير عن إرادة الشعب وأهدافه بوضوح 
حتى يعيد التصويت الشعبي الحق لمن يمثل إرادته وأهدافه وإن غدا لناظره 
لقريب.....................................

183
مصطلحات طائفية بين التداول والمعالجة

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
2007/07/10

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


مصطلحات تنحتها أقلام الهجمة الصفراء على وطن الخضرة والنماء وسرعان ما تتداولها أقلام مبتدئة أو نصف متعلمة لتشكّل البوق الرسمي للجهات المعنية بإثارة الطائفية وأمراضها في عراق اليوم وما يُرسم لغده. المصطلحات مفردة في منهج قولبة الناس ووضعهم في أسرى عقلية محددة بذهنية طائفية مريضة.. مستغلة العواطف والانفعالات والمظالم لتمضي هي في الاتجاه الذي تريد..

كيف تتحكم القوى الطائفية بالشارع؟ طبعا لديها منافذ عديدة أولها السلاح والميليشيا الحزبية التي ترهب الشارع وتتصدى لتسييره كما تشاء، وعبر إرهاب الناس بجيوش العصابات الميليشياوية تخلق الانصياع لأوامر الزعامات الطائفية المتسيِّدة. ولكن المنفذ الآخر لا يكمن في العنف بل في إعلام مخصوص ينثر الغشاوات وأساليب الغش والاختفاء والتضليل بما يعزز من وجود أوسع جمهور حول هذه الزعامة الطائفية أو تلك...

ومن الطبيعي سيكون خطاب إعلام الطائفية مستندا لتصورات استغلالية تضليلية من نمط:

1.    خلط الأوراق بما يجعل أيّ فضح أو تعرية للزعامة الطائفية ولمخططاتها المضرة بمسيرة الناس والوطن هو هجوم على أبناء الطائفة. فترى إعلام الزعامات الحزبية الطائفية يردد باستمرار أن فلانا ثابت في مهاجمته الطائفة الفلانية والحقيقة ليست إلا مهاجمة فلان هذا للزعامة التي تدعي الحرص على مصالح تلك الطائفة وخدم تلك الزعامات وخطابهم يؤكد ويكرر زعمه بكون زيد ضد الشيعة أو عمرو ضد السنة؟! وطبعا تقوم هذه القراءة على تصوير مهاجمة الفرد الزعيم أو القيادة لحزب أو تيار تعني مهاجمة جمهور ذلك التيار بل أبناء الطائفة المعنية.. فالرد على زعامة سنية يعني مهاجمة السنة كافة؛ والرد على زعامة المجلس الشيعي أو برلمانه [حيث صار أفراد يتصدرون المشهد عبر لعبة برلمان أو مجلس مضاف إليه مصطلح شيعي!!!]  أو انتقاد قيادة تيار الحكيمي أو الصدري على وفق تصوير هذا الخطاب يعني مهاجمة الشيعة كافة.. وهذا أمر غير صحيح بالمرة إلا عند خطاب الطائفيين وأمراض مناهجهم الموبوءة... إذ لا يمكن أن نلخص الناس ورؤاهم ونختزلهم في رأي فرد أو مجموعة أفراد؛ فحصانة الرأي ديموقراطيته أي استناده إلى أصوات عامة الناس وإشراك أبعد وأبسط عضو في الفئة أو الطبقة أو المجموعة الدينية أو القومية. ولا يعوّض رأي الفرد عن رأي الجماعة ومن حق كل فرد في المجموعة أن يبدي تصوره وأن يُحترم تعبيره  عن رأيه وأن ينتقد من جرى تكليفه بمهمة الزعامة من دون أن يُستلب حقوقه..

2.    الإرهاب الفكري والنفسي بتخوين كل من يتجرأ على إعلاء صوت النقد بمنطق الديموقراطية وآالياتها.. أو تكفيره إن كان من فئة أو مجموعة دينية أو قومية أخرى... وهكذا يستخدم الطائفي مصطلح التكفير أو مصطلح التخوين والعمالة ليكون سلاحا ماضيا خطيرا في منع أي فرد تسوّل له نفسه بالنقد الموضوعي! وبدلا من أن يكون مصطلح عميل خائن بالنسبة إلى الموقف من الوطن والناس يصبح المصطلح مستعملا بالنسبة للموقف من الزعيم أو القيادة الطائفية المريضة.. وتلتبس الأمور بالتأسيس على المبدأ السابق بخلط ورقة زعيم شيعي يعني الشيعة كلهم أو زعيم سني يختزل السنة كلهم؟!!

3.    العيش على مصطلحات مصنعة من نمط أنَّ إطلاق مصطلح شيعي يرافقه صفوي فارسي وأنَّ إطلاق مصطلح سني يرافقه تكفيري إرهابي أو يرافقه صدامي من زمن حكم (الأقلية) السنية وبهذا يجري تمرير أمور عديدة خطيرة تحت هذه الاستخدامات الاصطلاحية في خطاب مرضى الطائفية ومناهجهم إذ مظلومية الشيعة برقبة السنّة كافة بلا استثناء وأن حكم الطاغية الدكتاتور هو حكم الأقلية السنّية! وأننا لابد أن ننقسم على وفق هذا التفكير الطائفي بين طوائف عنصرية نقية الدم والنسب وعلى نسبة الـ 35% من العوائل العراقية التي تتركب من طرفي الشيعي والسني أن تنشطر ويجري تطليق الأزواج وتصفية الأبناء من تلك العوائل المزدوجة الانتماء المذهبي.. أما نسبة 30% الثانية من  العراقيين التي تنتسب إلى أسر أو عشائر مختلطة فيجري تقسيمها على الأرض ومنع لقائها وهكذا يفرضون قسرا أن يكون ثلثا الشعب العراقي بأمرة الفكر الطائفي التقسيمي المريض!!

4.    الحديث عن آل البيت يجري وكأنه أمر محكوم بالمذهب الشيعي ومحبة آل البيت محصورة بهذا المذهب! كما أن السيد أو نسب الأشراف لا يكون عند الفكر الطائفي إلا شيعيا والمرجع يعني المرجع الشيعي فقط، والفكرة ليست من باب حصر الخمس وغيره ولكن باب تعميق اللغة الطائفية ذاتها، وكل هذا خطل لا يقبله الدين الواحد ولا يقبله اجتهاد مذهبي صحيح.. ولم يدخل في أصل التفكير الديني إلا من بوابة السياسة ودهاقنتها المرضى بالفكر الطائفي الموبوء... وسواء كان السيد المتحكم بالأمور شيعيا أم سنيا وسواء انطلق الخطاب من عقدة التكفير [السنية كما يجري حصرها خطأ] أم من عقدة المظلومية [الشيعية كما يجري حصرها خطأ]  فإن هذه الإشكالية في جوهرها لا تفيد إلا الطائفيين [من أية ملة خرجوا وعلى أية ملة حسبوا أنفسهم زورا وبهتانا] ذلك أنهم بهذا الخطاب يحاولون إشغال الناس عن معضلاتهم بالتفكير في شؤون ليست من مشاغل الفكر الإنساني ولا تدخل في مجالات معالجة هموم الناس كما هو شأن من يكون السيد وما نسبه وكيف تتم خدمته ويؤدى له واجب الخمس وغيره..........

5.    ثم ما ذنب امرئ على وفق هذا الفكر التقسيمي الطبقي أن يكون من العامة لا من السادة.. فيجري الحجر على مكانته وهو العالم التقي الذي تشهد له الناس بالحكمة والأدب أمام السيد الذي يصادر العوام ويحكمهم أكان عقلا يدعي الرشاد والسداد أم مراهقا زعرا مريض النوايا والأفكار وكل ما يؤهل هذا السيد للحكم والأمر والنهي هو نسبه البعيد لما قبل 1400 عام وربما لا يدري طرف إذا كان أمر نسبه صحيحا أم لا  وربما لا يدري إذا كان مريضا عقليا أو نفسيا وربما لايدري محيطه أهو تقي ورع أم فاسق ماجن!! لكن المشكلة أن نستخف بعالم جليل لأنه من العامة وأن نسمو بمراهق مريض لأنه يزعم النسب الشريف حتى لو صدق فيه وأيقنا من اختلاله العقلي فكما ترون المشكلة في مصطلح صار يسودنا ويسوسنا اليوم عبر عبارة هذا [بأمر السيد].................

 

إنني أدعو الكتاب الموضوعيين والعلمانيين الذين يحترمون العقل وآفاق بصيرته وآليات عمله ومنطق حكمه أن ينهضوا برصد المقالات السائدة اليوم ويخرجوا لنا بإحصاء العبارات والمصطلحات الطائفية التي ينبغي ضبطها متلبسة بجريمتها ومحاكمتها ومن يقف وراءها أمام العقل الشعبي السديد لنسمو بنور العقل الإنساني الرشيد... وذلك بعض العلاج ومنطلقه الأول. 

 

184
سومريات
يكتبها:
 الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
2007/07/01

أستاذ الأدب المسرحي

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


 

المسرحية العراقية: شؤون وشجون

[1]

يشكل الركح المسرحي ميدان الحياة الإنسانية بتلوناتها وتنوعاتها؛ والمسرح بهذه الأرضية يمثل صرح الثقافة البشرية والخلاصة الفلسفية الفنية لمسيرة التمدن والتحضر.. فالمسرح وليد مجتمع المدينة، مجتمع تقسيم العمل، مجتمع تطور الوعي الإنساني ورقيِّه وهو المعبر الجمالي ببنيته الخاصة عن تلك التغيرات العميقة في مسيرة التعبير الإنساني عن رغباته وتطلعاته وأحلامه...

ولأنَّ أول ولادة لدولة المدينة كانت في أرض سومر وحضارتها، فقد كانت ولادة المسرحية هنا حيث شيدت المسارح الأولى وتمَّت كتابة النصوص التي مثلت البذرة المرهصة للمسرح العالمي. ولكن، من شجون الزمن ضعف الدراسات السومرية حتى أنّ المركز العالمي للدراسات السومرية المنتظر ما زال يحبو بعيدا عن أيّ شكل للدعم لانطلاق دراساته الجدية المؤملة..

ولأنَّ العراق الوسيط كان يخضع لعتمة تراجعت به لأزمنة الكهوف والبوادي فقد افتقد طويلا للتعبير المسرحي ولم يكن ممكنا ولا متاحا لأي شكل للتعبير والإبداع أن يوجد في ظلال تلك المرحلة من الحياة في العراق الوسيط، حتى جاءت النواتات الأوَل لنهضته الحديثة..

ففي منتصف القرن التاسع عشر كانت أجواء الحراك الاجتماعي قد بدأت أولى خطواتها، وإن بطريقة بطيئة متثاقلة بسبب من طول زمن السبات وطبيعة الحكم التي سادت على المستويين المؤسساتي الدولتي والاجتماعي العام بما تحكَّمت فيه من تقاليد مرضية مفروضة قسرا.. ويوم بدأت أولى لمسات التفاعل مع فن التعبير الدرامي المسرحي عبر أنشطة تنويرية معروفة، كانت ولادة فن التعبير المسرحي المعاصر...

أما أول النصوص فكانت بلغاتها الأصل "الأجنبية" كالفرنسية والأنجليزية وغيرها؛ ثم صرنا نترجم للغات المحلية وكانت العربية متأخرة في ما تمَّ الترجمة إليه من اللغات المحلية في العراق، إذ سبقتها السريانية في هذا الأمر.. ولابد لنا هنا من الاعتراف بما لتلك المسيرة من أهمية تأسيسية ومن إطلاقها شرارة البدء للكتابة بآليات التعبير الجمالي للبنية الدرامية..

ومن المفيد هنا أن نشير إلى أنه كانت كتابات ليست قليلة قد أنجزت ولم تصلنا مثلما وصلت النصوص الأولى للمسرحية العراقية وسنلاحظ ذلك عبر قراءة فهرس المسرحية العراقية، إذ أنه ليس من المنطق أن نقول: إنَّ المسرحية الأولى وُلِدت هكذا فكانت موثَّقة مسجلة ووصلتنا من دون مقدمات ومحاولات أخرى غيرها.. وحتى هذه المسرحية وهي مسرحية "لطيف وخوشابا 1892" قد جرى فيها سجال طويل وحتى زمن متأخر، فأشارت أغلب تلك الكتابات التي وصلتنا إلى أنها ليست إلا مسرحية مترجمة...

وكان سرّ الحديث عن تلك المسرحية كونها مترجمة أو في أفضل الأحوال مقتبسة بأغلب مادتها وكل تفاصيل بنيتها، يعود إلى تناقل التوصيف من كاتب لآخر ومن أبرز وآخر من كتب في الأمر كل من الأستاذين علي الزبيدي وعمر الطالب في كتابيهما بالعنوان ذاته "المسرحية العربية في العراق" وفيهما أكدا على كون "لطيف وخوشابا" هي مسرحية مترجمة، وكرر آخرون ما قالاه بالخصوص...

وحتى نأتي للتفصيل بشأن هذه المسرحية التي تمثل منطلق الأعمال الدرامية العراقية، ينبغي أن نشير إلى أن مسرحنا العراقي لم يولد في محيط سهل يتقبله.. إذ كانت طبيعة التقاليد السائدة تحظر التمثيل بل الفنون عامة وتسخر منه في حين وتقمعه في أحيان أخرى. ولهذا مثَّل المسرح ثورة اجتماعية فكرية مرادفا فعاليات التجديد في فنون التعبير الأخرى كما في الشعر العراقي...

وتحمَّل المسرحيون الأوائل متاعب ومطاردات ومحاصرة وأعمال همجية وصلت حدّ التصفية الجسدية. وفوق هذا وذاك كان المبدع العراقي يقبع خلف عتمة منعت عنه الكتاب وصلات التثاقف واكتساب المعارف؛ إلا أن ذلك كان مترافقا مع الشرارات الأوَل لنهضة المجتمع العراقي من سباته..

ومن الطبيعي في ظل توافر فرص السفر والاتصال بالآخر العربي والأوروبي ممثلين في الأعمال المسرحية بسوريا ولبنان  ومصر وإيطاليا وإنكلترا وفرنسا كان للآباء الدومنيكان ولعدد من أبناء الطيف العراقي المسيحي واليهودي أدوارهم الريادية المعروفة والموثقة في التاريخ المسرحي.. ولم يكن هذا إلا خطوة من أخرى تاليات نهض بها العراقيون بأطيافهم جميعها في كتابة النص الدرامي...

وقبل الدخول في صلب بدايات المسرحية العراقية الجدية نشير إلى أنه من الطبيعي وجود نشاط لها بين جدران بعض الملاهي الليلية وأماكن الاسترخاء والتسلية؛ حيث نمت أعمال تمثل طبيعة تلك الأماكن والمنتديات وتلائم طبيعة جمهورها والعاملين فيها. وقد كان لمثل هذه الأنشطة نتائج بوجهين أحدهما سلبي يتعلق بوصم الفنان المسرحي بكونه ابن النوادي الليلية الرخيصة وما كان يجرّه هذا التوصيف من متاعب وأوصاب ومعرقلات، وآخر إيجابي عبر مراكمة الخبرات في الأداء وفي الكتابة ورصيدها البنيوي الجمالي والمضموني...

لقد صرنا نقرأ ونستمع للقصيدة المتحررة بمضامينها وصار أديبنا ينظر ببواكير وعيه إلى طبيعة الصراعات الجارية ومنحاها والمتغيرات في البنية الاجتماعية بظهور طبقات جديدة من الشغيلة ومن الفئات المثقفة فضلا عن الاطلاع على النظريات التي شكلت وعي الإنسان المعاصر من مثل ما جاء به ماركس وفرويد وداروين وفريزر في الاقتصاد والسيكولوجيا والبايولوجيا والأنثروبولوجي..

إنَّ كلَّ ذلك كان المقدمة التي أوقدت شعلة التحرر من اسار الأشكال التقليدية في الكتابة.. وسنجد أول ثورة في مجال الشعر لاحقا بعد تركمات إيجابية وافية عندما تنطلق قصيدة التفعيلة والشعر الحر من هنا من أرض الشعر والأدب والفنون. أما في مجال الكتابة الجديدة في مجالات السرد فتنطلق القصة بألوانها وتلحق بها بُعيد عقود قليلة الرواية العراقية.. ومن بين كتّاب فنون القول المتنوعة ومن رديفهم في إبداع النص الجديد تبزغ أولى خيوط فجر المسرحية العراقية...

لقد كُتِبت عشرات بل مئات النصوص منذ ولادة أول نص مسرحي عراقي في نهايات القرن التاسع عشر. واحتفظ إرشيف المكتبة المسرحية العراقية بعديد من تلك النتاجات؛ على الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت به غب حرب مارس إبريل 2003 وانفلات الأوضاع وحرائق بغداد وأعمال السلب والنهب والاعتداءات التصفوية التدميرية التي تعرضت لها المكتبات ومؤسسات الثقافة والفنون من أصابع مرضية دخيلة كما حصل في حرق المكتبة الوطنية ومكتبة التوثيق المسرحي في مؤسسة السينما والمسرح وغيرهما...

إنَّ أبرز تلك الأعمال تمثلت في نمطين مسرحيين هما المسرحية التاريخية لما لها من دور في استعادة مجد التاريخ وزهوه والمسرحية الاجتماعية التي تمَّ توظيفها للتعاطي مع القيم الأخلاقية ومعالجة المشكلات التي عانى منها المجتمع بقيوده وتقاليده البالية التي تعرض لها المسرح العراقي بكل جرأة وروح تنويري.. وهنا ثبت بفهرس تلك المسرحيات التاريخية والاجتماعية:

فهرس المسرحية التاريخية في مرحلة النشأة
ت
 اسم المسرحية
 اسم المؤلّف
 عام الصدور
 
01
 يوسف الحسن
 حنا حبشي
 1883
 
02
 نبوخذ نصر
 الخوري هرمز تورسو المارديني
 1889
 
03
 خراب بابل
 الخوري أنطوان زيوني
 1908
 
04
 الأميران الشهيدان
 المطران جرجيس قندلا
 1910
 
05
 النعمان بن المنذر
 محمد مهدي البصير
 1919
 
06
 دولة الدخلاء
 محمد مهدي البصير
 1924
 
07
 فتح مصر
 يحيى ق
 1924
 
08
 مشاهد الفضيلة
 سليمان الصائغ
 1931
 
09
 الزباء
 سليمان الصائغ
 1933
 
10
 الأمير الحمداني
 سليمان الصائغ
 1933
 
11
 الحسين (مسرحية شعرية)
 محمد الرضا شرف الدين
 1933
 
12
 القادسية
 يحيى ق
 1935
 
13
 فتح الشام
 يحيى ق
 1936
 
14
 شهامة العرب
 نسيم حلول
 1938
 
15
 صقر قريش
 عبدالله حلمي إبراهيم
 1939
 
16
 عودة سمير أميس
 عبداللطيف الشهابي
 1939
 

                                       

      أما  النمط الرئيس الثاني فهي المسرحية الاجتماعية ومنها يبرز موضوعان أولهما يتعلق بالقضية السياسية المباشرة والمتعلقة بالثورة الوطنية والقومية ضد الأتراك وضد الاستعمار الجديد أما الموضوعة الثانية فتتعلق بهموم الشباب وطموحاتهم والمشاكل العائلية من علاقات وظروف محيطة بها.

وهذه المسرحيات هي:ــ

فهرس المسرحية الاجتماعية في مرحلة النشأة
 

ت اسم المسرحية
 اسم المؤلّف
 التاريخ
 
01
 لطيف وخوشابا
 نعوم فتح الله السحار
 1892([1])
 
02
 استشهاد نرسيس
 سليم حسون
 1904
 
03
 شعّو
 سليم حسون
 1905
 
04
 البرئ المقتول
 حنا رسام
 1911
 
05
 الفتاة العراقية
 نديم الإطرقجي
 1925
 
06
 الصرّاف أبو روبين
 نوري ثابت (حبزبوز)
 1927
 
07
 الإخلاص والخيانة
 سلمان يعقوب
 1927
 
08
 القرط الذهبي
 حنا رسام
 1929
 
09
 إحدوثة الباميا
 حنا رسام
 1930
 
10
 وحيدة
 علوان أبوشرارة (الشابندر)
 1930
 
11
 الجندي الباسل
 جميل رمزي القطان
 1931
 
12
 العائلة المنكوبة
 نديم الإطرقجي
 1932
 
13
 عاقبة الطيش
 إبراهيم حقي محمد
 1932
 
14
 مثلنا الأعلى
 عبدالمجيد عباس
 1934
 
15
 آباء السوء
 نعيم إلياهو
 1934 (4)
 
16
 ضحية العفاف
 جميل رمزي القطان
 1934
 
17
 جميل صدقي الزهاوي
 حسين الظريفي
 1934
 
18
 قيس ولبنى (شعرية)
 خضر الطائي
 1934
 
19
 أفندي من كذب
 نديم الإطرقجي
 1935
 
20
 طعنة في القلب
 سليم بطي
 1936
 
21
 الأقدار
 سليم بطي
 1936
 
22
 فلسطين المجاهدة
 حنا رسام
 1936
 
23
 الاعتراف
 نديم الإطرقجي
 1938
 
24
 تقريع الضمير
 سليم بطي
 1938
 
25
 أنا الجندي
 عبدالله حلمي إبراهيم
 1938
 
26
 كاترين
 صفاء مصطفى
 1938
 
27
 مسرحيتان
 رسول عبدالوهاب العسكري
 1939
 
28
 التضحية
 إلياهو خضوري
 1939
 
29
 الكشاف
 محمود لطفي
 1939
 
30
 غرام الفارس
 محمد طاهر توفيق
 1939
 
31
 ضحايا اليوم
 سليم بطي
 1939
 

 

 

* حقوق النشر محفوظة للكاتب                                                 
وموقع المجلس العراقي للثقافة

 

 

 

   

 

 http://www.almajlis.org/

 

رابط المادة:

http://www.almajlis.org/inp/view.asp?ID=113

 --------------------------------------------------------------------------------

3 ـ  مسرحية لطيف وخوشابا أول نص درامي محلي تقع عليه يد الباحثين ولهذا فقد عدّ تاريخ الولادة للدراما العراقية على الرغم مما دار بصدده من مناقشات وآراء مختلفة.

4 ـ   المسرحيات (30,24,16,15) وجدناها في أماكن متفرقة وتتوزع الأصول والصور المستنسخة بين عدد من المكتبات الشخصية.

185
من طاغية إلى طغاة وحكم اليوم مأسور بأيدي نخاسي الميليشيات

بديلنا بناء مؤسسات الدولة في عملية سلمية صحيحة نزيهة والحكم بأيدي الشعب

 

تجربتهم: غادر هتلر الفاشي الذي أباد عشرات ملايين البشر الأبرياء من دون لحظة حسرة أو من يطالب بشفقة عليه... أما كيف جرت محاكمة الفاشست والانتهاء منهم ومن جرائمهم فليس من يعيد المراجعة فيها، بخاصة مع سنوات إعادة البناء وإشادة الحياة مجددا في الألمانيتين وفي البلاد الأوروبية.. وليس من سرّ كبير أو خطير وراء مضيّ البشرية بلا لحظة التفات إلى تلك الرّمة؛ فالناس لملمت أشلاء الضحايا واستطاعت دفنها واحترام التراب الذي اغتسل بدماء البراءة والسمو البشري وأوقفت الإنسانية مزيد تضحيات بدم بارد واتجهت إلى حظر كل ما يمكن أن يعيدها للحرب حتى لو اقتضت مصالح وأفضت قرارات وظروف محيطة بذلك.. فلا مجال لشيء اسمه حرب ودماء ومآس وكوارث أخرى مجددا.. وتلك حال شعوب أوروبا من يومها وحتى يومنا...

كارثتنا: أما في أرض الرسل ورسالات السلام في بلاد الخضرة والنماء والحياة والجمال بلاد أول حرف وأول مدرسة وأول مكتبة وأول غرسة فلاح وأول حقل وأول عجلة وأول دولة فقد رحل عنها صدام الطاغية الدموي الذي أباد مئات ألوف البشر بل ملايينها بحساب ضحايا حروبه العبثية إلى جانب جرائمه المهولة بحق الشعب العراقي بأطيافه كافة.. ولكن الجرح الفاغر والألم الممض أنّه يرحل ويبقى في الحلق غصة أنَّ الناس حتى الآن لم تستطع لا أنْ تلملم الجراح ولا أن تدفن الضحايا في تراب يمكن أن تعمّر فيه أو تزرع! فهذا التراب هو الآخر تلوث بما ينبعث منه من بقايا تثير روائح إفساد الحياة البشرية، وها هي الجرائم تحصد مزيدا ومزيدا وتصرخ هل من مزيد! حتى قدّم الشعب قرابين جديدة بمئات ألوف أخرى وما زال!!

واللعبة تقول: ها، منحناكم حريتكم من صدام.. ويرسلون معها قهقهات تحالفية تسكينية. وها، منحناكم صناديق وأحبار انتخابية بنفسجية وحمراء ومن كل شكل ولون ويرسلون معها مسكنات نتائج العمليات القيصرية القسرية للانتخابات والاستفتاءات. وها، منحناكم حرياتكم في ممارسة طقوسكم الدينية  ويرسلون معها حواجيز الانقسامات الطائفية (والحاجوز هو الذي يقف بين متخاصمين). ماذا منحونا من جيوبهم: لا شيء بالمرة...ولا شيء سنأخذه من خيراتنا في ظل وجود فسيفساء النخاسين.

فالانتخابات في بلدانهم ذاتها ليست حرة وتحكمها الأموال بل دماء وبلاوي الغيلة وأهوال الدهر وما يمنحونه هو حق أن يشتم ويسبّ ولا مشكلة طالما الأمر في مهاترة انفعالية يفرغ بعدها المنفعل همه ويعود لخيباته ساكنا بلا فعل سوى تقبل السحق ونتائج ديموقراطية إطعامه الخبز الأسود وهو المطارد يوميا ليقدم أسبابه في بقائه على الإعانة الآتية من ضرائب زملائه المستـَغـَلين وليس من كيس الأغبياء عفوا الأغنياء........

أما نحن فليس لنا خسارة الانتخابات وحسب بل وعلينا ألا نتحدث عن اليوم الأسود [لا الخبز الأسود] بل اليوم الأسود الذي ولِدنا فيه في أرض النفط والزرع والضرع فلا يحق لنا أن نسبَّ أو نشتم فذلك من المحرمات القانونية في ظل قوانين الديموقراطية العراقية الملائية المعممة [من العمائم]...

لا يحق لنا أن نتحدث عن الفساد الإداري وعن سرقة الثروات يوميا وعن الانفلاشية التي تتمتع بها ميليشيات الأحزاب الحاكمة وعن الحصانة البرلمانية والدبلوماسية التي تتمتع بها قوى تتحكم بكل السلطات فيما هي الأولى في خروجها على سلطة منطق العدل وقوانين البشرية السوية...

إذن من حق الحكام الجدد الحصانة وعمل كل شيء بالطريقة التي يرونها قانونية - وما هي كذلك - ولو قيد شعرة فيما حق الرعاع عفوا الشعب أن يكون غفلا مغفلا مستغفلا وأن يُساق إلى حيث يُراد له أن يصوت للعملية السلمية وفي حقيقة الأمر أنه يصوت لسرقة العملية السلمية من الأدعياء الدخلاء العملاء أو أن يقبل قسرا الذهاب إلى مقاصل التفجير اليومي ولا صوت احتجاج يُقبل منه بل صوت صراخه وهو يتفجر مستكره وجوبا لدى التكفيري ولدى الطائفي ولكل أسبابه...

قالوا أشهر وتبدأ عمليات إعادة الإعمار وعندما انتهت الأشهر بدأت ولكن ما بدأ ليس عمليات إعادة الإعمار بل عمليات إبادة الأعمار متجددة متصلة... وقالوا أشهر ونضبط الأمور ومرت الأشهر وانفلشت الأمور ولم يأتنا غير الويل والثبور... وقالوا  اصبروا حتى تأتي الحكومة الدائمية المنتخبة لا المؤقتة المعينة وذهبت هذه وجاءت تلك وصارت الدائمية أسوأ حالا من المؤقتة.. وقالوا إنها الخطة الأمنية التالية وذهبت خطة وجاءت أخرى فجاءت معها بما هو أردأ وأسوأ..

ولكل حال مبرر وذريعة ووعد و وعيد ولا جاء العيد ولا تحرر العبيد! وانظروا هاهم يحمون المتهمين بجرائم ويعلنون أنهم حلّ من التدخل في الأمور الداخلية وغدا عندما ينتهون من أمورهم سيخرج كل فريق مستفيد ويقول هاكم هذي بلادكم لماذا لا تضبطونها ألم نمنحكم الحرية واستقلال الإرادة؟؟!!!

أيها الناس فلنسمع ولنعِ لا حل إلا بأيدينا والعملية السياسية التي اخترناها لا تنبني بغير سواعدنا وعقولنا؛ وضبط أمورنا لا يأتي بقوى غيرنا وحين قلنا: إننا نحن الذين نغير الطاغية ورفضنا الحرب كنا على حق ولكننا على غير حق ألا نمضي في مسيرة العملية السياسية بطريقة صحيحة صائبة..

فالحياة ليست حرية لممارسة طقوس تعبدية إذ "عامل يعمل خير من ألف عابد" و "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" فإن كان منّا من يضع ممارسة طقوس العبادة في كفة بمجابهة ممارسة حياته ويقدم الطقوس على العمل وقضاء حاجاته وحاجات أهله وأناسه فإن المسلم كما قال الرسول (ص) لا رهبنة عنده أي لا انقطاع للتعبد وأداء الطقوس..

لنبنِ (نبني) أولا حياتنا ولنحمِ (نحمي) حيوات أبنائنا ونسائنا ولنتذكر أن العازة والحاجة قد فاقت واتسعت حتى تفجرت علينا فسادا قبل أن تتفجر علينا أجساد الانتحاريين قنابل تحصد الأجساد فحصدتنا الحاجة في أرواحنا وأخلاقنا وصرنا إلى نوازع حاجتي أنا قبل حاجة أخي وفوق حاجة جاري أو صديقي..

وصرنا نشتجر على فتات ونقتتل داخل عوائلنا على لقمة من بقايا مزابل القلاع الخضراء والسوداء فيما نترك أصحاب الأعمة المزيفة والياقات الزاهية الملونة يسرقون ملياراتنا ويجزّون رؤوس بناتنا بعد اغتصابهن أمام أعين الأهالي...

فما تميز به عدي من عمار؟ وما تميز به قصي من قدي؟ وما فرق أن يُقال لي ولك أننا خاضعون لأمر "القائد المؤمن" أم "السيد المؤتمن"؟ الأول اغتصب وقتل واستهتر وأخضع من يريد لما يريد والثاني لا فرق في كل صفة سوى أنه صار متعددا فبعد أن كان طاغية وعائلته صاروا اليوم طغاة وزبانيتهم وميليشياتهم..

كنّا نعرف من يضرب فينا وكيف ولكن الجديد أننا لم نعد نعرف من منهم يضرب وكيف!!!!!!!!!!

وعقبى لنا يوم يغادرونا بعد أن يقضوا وطرا في بلادنا من أمريكان وإنجليز وطليان ومن ترك وفرس  وأفغان وحتى من هند وباكستان فلا تستغربوا.. يومها طوبى لمن لم ينكس الرأس في فجيعة تخصه ويومها نعرف أن الكأس التي تنكسر لا صلاح لها...

هنيئا لمن ينشغل بحب آل البيت وأسماؤهم في السماء طاهرة تأنّ من غباء المتفجع المولول الباكي فيما حب آل بيته من زوج وأبناء وبنات ووالدين لا يدعوه لذرف دمعة عليهم ولا نقول  ما قاله الأئمة الذين نبكيهم ليل نهار بأن يخرج الرجل مقاتلا من أجل لقمة خبز لهم! هنيئا للولهان بتعذيب ذاته على جريمة ارتكبها مجرمو عصر لا يمت إليهم بصلة وتركوه جيلا بعد جيل يعيش المازوشية وتعذيب النفس..   

هل تحررنا من صدام لنمارس طقوس البكاء واللطم ونقيم الأحزان ونهارات الجراح وليالي الأتراح؟ هل تحررنا من صدام لننقسم على طوائف ومزق متناحرة متحاربة؟ هل تحررنا منه لكي نبيع أطفالنا ببلاش للجريمة والمخدرات وكل موبقات الأرض وقاذوراتها؟

ها نحن تحررنا وملايين تهجرت في الداخل والخارج وها نحن تحررنا ومن تلك الملايين عشرات ألوف بل مئات ألوف وطأن سوق النخاسين ومواخير البغاء بإكراه الحاجة وبقسر المافيات التي تنمو بيننا وفي تربتنا نحن المتحررين من زمن الطاغية!!!

ماذا ننتظر لعمليتنا السياسية؟ أليس هذا فشلا؟!!!!!!!!!!سبحان الله أبعد الشرف سؤال عن فشل أيها العراقيون؟ ألسنا متحررين؟ ألسنا أحرارا؟ إذن لنجد حلا.. إذن لنبحث مع أنفسنا عن بديل.. إذن لنقل كلمة مجرد كلمة ولعلها تكون الفعل كما قرأنا في البدء كانت الكلمة..

ياعراقيين: أليس فيكم من يقول لنحتج، لنتظاهر، لنستبدل المسؤولين الذين كلفناهم!؟ لم يفلحوا في شيء لنغير الحكومة..   أم عدنا إلى الزعامات المقدسة؟   ألم ترفضوا الزعيم الأوحد فتركتموه يُقتل في 8 شباط الأسود؟ ألم ترفضوا صداما الطاغية المستبد الدموي وتفرحوا لرحيله الأبدي؟  أليس ذلك مما كان رفضا لقدسية شخص وتقدما لحكم الشعب ومن يمثله عادلا نزيها نظيفا طاهرا؟!! أم أنكم على الرغم من القتل اليومي وعلى الرغم من الاختطاف اليومي في حلكة الليل وعلى الرغم من الاغتصاب في وضح النهار وأمام الأعين والأشهار.. على الرغم من  بيعكم في أسواق النخاسة والمتاجرة بثرواتكم بل بكم أنفسكم يا بلاش.. على الرغم من كل ذلك وما زالت الحكومة تروق لكم والحكيمي والجعفري والدليمي زعماء مقدسين لكم؟!!!

إذن طوبى لنا في عبوديتنا وفي تقاذفنا بين أيدي النخاسين تعبث بنا وتمس شرف كل ساكت خانع منّا.. وليست دعوتي إلا لكي نحتضن مسيرتنا السلمية التي بدأناها وسرقوها منّا لنعيدها إلى نصابها ولنتذكر أننا عوائل من سنة وشيعة تزاوجنا وصرنا كرامة وغطاء وشرفا لبعضنا بعضا..

لنصحُ من هجعة البؤس والتخاذل ونعيد بناء مؤسساتنا من برلمان وحكومة وقضاء فما عاد في الجعبة من رضعة رضيع وما عاد لنا من أستار تغطي عورات أبنائنا وبناتنا وبئس القوم من بات أهله بلا زاد يسد رمق طفل أو يقيم أود شيخ أو بات بلا غطاء يستر ..............

أدري يا جياع عرايا أنَّ الإحباط قد تغلغل في الدواخل وأن الاستنزاف والتعب والأوصاب قد أخذت مأخذها وأن الجرح الفاغر ما زال ينضح آخر قطرة من جسد هزل وذبل ولكنني أدري ألا خيار لنا بغير تصحيح الحال وتعديل المآل..

لا نتركن الأمور على عواهنها أنتم يامن في داخل البيت ليس لكم سوى العمل والبناء أما بناء مؤسساتنا وأما نترك الأمور...إذ نحن ننشغل بالفتات وبمن يشترينا في سوق النخاسة فيما نترك لقادة الميليشيات يتحكمون بحيواتنا حيث يُباع كل شيء ببلاش!!!

186
أهمية بيانات استنكار الجرائم 

والمهمات المؤملة من الحكومة

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
2007/06/15

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:

 

ما من شك بشأن أهمية إصدار بيانات الشجب والاستنكار لجريمة أو فعلة شنعاء تستهدف المجتمع الإنساني أو جزءا منه. إذ لابد أن يكون لكل واقعة رؤية تعالجها. ولكل رؤية توجه ومنطلق يخدم البشرية أو يقف بالضد من مصالحها ويتقاطع مع أهدافها.. ومن الطبيعي أن يكون الخطاب ونوعه وحجمه عاملا مبدئيا للتعبير عن الفعل التالي أو ردّ الفعل المنتظر...

وهكذا وجد منطق الأحداث خطابات الردّ على الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية بحسب حجم الجريمة ونوعها وظرف استغلالها مكانا وزمانا.. ومن المنطق أن نرى تنادي القوى الممثلة للشعب العراقي بكل أطيافه وألواه ومكوناته وهي تتقدم بخطابها الواضح والدقيق والمتعاظم في درجة ردِّه على تلك الجرائم التي صارت تنال من أبناء شعبنا ومصالحهم يوميا..

ولأنَّ الجريمة التي تجري في العراق صارت مشهدا يوميا متصلا؛ ولأنّ الجريمة الجارية باتت مركبا مهولا من سلسلة جرائم تنوعت مستهدفاتها، فإنَّ الردَّ لم يعد يكتفي بحالة الشجب والاستنكار وفعاليات الإدانة. وصرنا أمام خيارين أما مواصلة بيانات بخطاب الكلمة العاجزة عن الفعل أو التحول إلى ميدان الردّ العملي المتطلع إليه من ضحايا الجرائم اليومية...

إنَّ كل منظمة وكل حزب أو تيار سياسي وكل مؤسسات المجتمع المدني هي جهات مطالبة في تحشيد ميداني فعلي للطاقات لصبها في برنامج عمل مكافحة أسس الجريمة والانتهاء منها مرة وإلى الأبد. وطبعا هذا لا يأتي تطوعيا ومن مجموع أبناء الشعب وينقطع الأمر بل لابد له من خطة جدية فاعلة من مؤسسة الدولة الرئيسة ممثلة في الحكومة ومهماتها المنتظرة.

إنَّ إدانة الجريمة ليست سوى كلمة مواساة للآخر وعزاء للأنفس ولن تكون ذات قيمة ما لم تتحول مباشرة إلى الفعل. والفعل هنا يكمن بوضوح في النهوض بتجهيز الدولة بمؤسسات أمنية قوية كافية للتصدي لمهامها المعروفة.. ومن الطبيعي أن تكون تلك المؤسسة وطنية المرجعية تركيبا وأهدافا وعملا، وبغيره ستعجز عن تلبية مهامها الحقيقية كما جرى ويجري الآن في البلاد.

إذن فإنَّ من أولى مهام مجموع الحركة الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني اليوم أن يتقدموا بثبات وبلا تردد نحو البحث في مؤتمر وطني شامل تعاضد الجهود وتضافرها لتركيزها وصبها في دعم مشروع حكومة وطنية قادرة على بناء مؤسسات الدولة وأول ذلك مؤسسات الأمن الوطني بجوهرها ومفهومها الوطني الشامل لا بنظام المحاصصصات والتوزيعات التي تصطرع على دوائر وكراس ومسؤوليات يجري فيها تقاسم السلطة في الشوارع المخربة الموزعة نهبا وغنائم بين ميليشيات أحزاب تزعق ليل نهار بالوطنية وبإدانة الجرائم فيما الجريمة والمجرمين تنطلق غياديهم عبثا بالبلاد والعباد...

تلك هي مشكلتنا، عدم امتلاكنا لإرادة الفعل والعمل في أغلب تياراتنا السياسية والحزبية وتشوش الرؤية لدى مؤسسات المجتمع المدني، ومن ذلك مؤسسة العشيرة المفعلة تصنيعا وافتعالا خارج مداها الزمني وخارج طاقات فعلها حيث لا يمكن لهذه المؤسسسة أن تعمل جديا وبأثر ناجع لقيام مؤسسات الدولة العصرية؛ فالعمل القبلي عمل مدني ضمن ظرف بعينه وخصوصية محددة محدودة ولكنها لا يمكنها العمل في ميدان إنضاج بناء مؤسسة الدولة المعاصرة..

عليه من الذي سينهض بمهمة بناء مؤسسة الدولة؟  ومراقبتها؟ ليس غير مؤسسة مدنية حديثة تتلاءم في آليات خطابها وعملها مع زمننا ومعطياته وحاجات المجتمع الجديد.. كالنقابات والاتحادات والجمعيات وشبكة المجتمع المدني الطبقية الفئوية القطاعية والمهنية وهذه لا يمكنها العمل بلا غطائها القانوني الدستوري من جهة وبلا جرأة في التعاطي والحرية في الحديث والمعالجة أو التناول لأية قضية تجري اليوم..

وفي مجال ما يجري وجدنا توجه الحكومة لاستخدام لغة القسر والعنف مع الفئات الشعبية، العمالية تحديدا عندما تظاهرت وعندما أضربت وبدلا من البحث في مطالب الناس ومنها مطالبهم في الأمن وفي تطوير أجهزة كفوءة بالخصوص، بدلا من ذلك جرى استخدام قوات حماية أمن الوطن بمهام أجهزة أخرى وأُرسِلوا لمحاصرة المضربين وإلقاء القبض عليهم.. فماذا ننتظر بعد ذلك؟

المجرم يسرح ويمرح ونحن منشغلون في الحديث عن اختلافات مصالح حزبية وشخصية ضيقة وفي مطاردة معارضينا بطريقة أو آلية استغلتها الدكتاتورية المهزومة!

وبالتركيز على البيان الذي يصدر عن مؤسسة مدنية أو حزبية نجده يحفز على اليقظة والانتباه وعلى تحشيد مناسب بخاصة عندما يتخلى عن لغة خطابية سلبية تتميز بشدة الانفعال واستخدام الكلمات الوصفية الفخمة من نمط [أوباش، خسة، انحطاط وما شابه] فيما المطلوب خطاب يتكفل بـ:

1.           فضح الجريمة وتأشير احتمالات من يقف وراءها...

2.           العمل على تحشيد ميداني فاعل للجمهور وطاقات تفعيله..

3.           رسم الرؤية التي تتحول بتلك الطاقات من ردِّ الفعل إلى الفعل..

4.           وضع الخطة أو الآلية التي ينبغي تعاضد الجهود في ضوئها عمليا...

5.           فرض مطالب المجتمع وإعلانها وتبليغها للجهات الحكومية للعمل بها..

 

هنا ننتقل من البيان الكلمة وتحضيره لأرضية الفعل ومن ثمَّ من هذا البيان بالغ الأهمية في خطابه ونوعه وحجمه، إلى مرحلة أخرى ملزمة لمؤسسات الدولة وأعلاها مؤسسات الحكومة وخطابها وخططها وأفعالها. والسؤال: ماذا فعلت الحكومة عمليا بالخصوص؟

بقطع النظر عن مسألة طبيعة الحكومة وما عليها من ملاحظات.. وبقطع النظر عن الأخطاء وعن الظروف المحيطة والمعرقلة لمسيرة العملية السياسية ذاتها، يجب علينا أن نشدد مؤكدين على مهام الحكومة ومسؤولياتها الرسمية المباشرة فيما وقع ويقع في العراق.

إنَّ سطوة للقوى الإجرامية بكل أصنافها وتياراتها ودوافعها لا يمكن أن يكون بمعزل عن مسألتين رئيستين:

1.                                                                                المسألة الأولى: مسؤولية القوات الأجنبية في البلاد بوصفها القوات الأقدر ميدانيا، ذاتيا ولوجستيا على الحركة والفعل أو التعامل مع الوقائع بإمكانات وافية كافية.. وتتحمل تلك القوات شطرا مهما مما جرى ويجري.. ولا حاجة لإعادة مسائل الحقوق القانونية لدولة محتلة ولا إعادة الموقف من مسائل حل الجيش والقوى الأمنية سواء أصابت أم أخطأت...[أين اتفاقية برمجة الصلاحيات ومفردات الأداء؟]

2.                                                                                والمسألة الأخرى: تتمثل في مسؤولية الحكومة العراقية أمام شعبها عن توفير أبسط مطالب الناس أقصد الأمن والأمان...[أين برامج الحكومة وفعالياتها والتزاماتها وأسقف حركتها؟]

3.                                                                                المسألة الثالثة: تتمثل في وعي الناس وطريقة تعاملهم مع مؤسسة الحكومة ودوائرها المختلفة.. وهي قضية بحاجة لزمن لاستعادة الثقة ولتغيير طبيعة العلاقة ومن ثم الارتقاء لوضع نوعي جديد في المعاملة وآلية الفعل المنتظرة..[أين برامج جميع الأحزاب والمؤسسات المعنية؟]

 

عليه، لابد من قيام مجموع القوى العراقية بالتركيز على تغيير حالة التعاطي مع الحكومة الوطنية والتوكيد على مزيد من قدرات الفعل مع القانون ومؤسسات الحكومة الخاصعة له ولحاجات الناس والمرحلة. وهذه مهمة القوى الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني..

فيما الأمر الذي يمثل حالة الشروع بالفعل الأكبر والأوضح يكمن في تغيير نوعي لمؤسسات الحكومة بخاصة منها الأمنية العسكرية.. والشعب لا يمكنه أن يقبل تصريحات رئاسة الحكومة وممثليها وكأنها مجرد حركة سياسية أو مؤسسة مجتمع مدني كأية جمعية تصدر بيانا للشجب والاستنكار وكفى!!!

فيما مهماتها تمضي غفلا وإهمالا حدّ السخرية من الإنسان وحقوقه! إذ ماذا يعني أن يخرج أعلى مسؤول يدين جريمة مستفزة لأقصى مشاعر الناس، ليمضي هو بعد ذلك إلى مكتبه آمنا يتبادل الابتسامات مع هذا المسؤول أو ذاك الزائر؟ وكأن مهماته انتهت عند حد الإدانة بكلمات تشعل حرائق ولا تطفيها ولا تهدئها...

 

إن المطلوب العاجل الذي تمضي به الأيام ثقيلة بمزيد من ضحايا وآلام وجرائم في قلب الوطن وفي أرواح الناس الأبرياء، هو مؤتمر وطني حقيقي فاعل وبرنامج عمل واضح صارت الجماهير تعمل به فيما تواصل الحكومة [المنتخبة] بتجريد تلك الجماهير من سلاح الفعل وتجعلها عزلاء ضعيفة مفككة القوى.. والمطلوب هو تصدي الزعامات التي ارتهن الوطن بها وبقرارها اليوم للمهمات المعنية بأمن الوطن واستقراره وانتزاعه مع أسر الجريمة والمجرمين..

ولا يقبل كل ذي لبّ القبول بحالة الصفاقة والترهل والتراخي عن هذه المهمة، وهو أمر جار بعمد مع سبق الإصرار من القيادات التي تلتفت إلى صراعات ضيقة معنية بتوزيع الكراسي.. ناسية أن المهمة اليوم لا يمكنها التوقف ولو للحظة أمام هذه الإشكالية بينما المشكلة الرئيسة تلتهب نارا تحرق الأخضر بسعر اليابس...

وهنا ليس لي القول بتغيير شخص أو آخر ولا وزارة أو حتى حكومة بأخرى بقدر ما يهم هنا تفعيل دور الزعامات أمام مسؤوليات ومهام مجابهة الوضع في أقصر سقف زمني وإلا فإن الصوت الانتخابي آت ولابد له أن يرتقي لتكليف [انتخاب] قوى بديلة تسطيع النهوض بالمهام بدل صراعات بيع الوطن قطعة قطعة وذبح الناس فردا فردا وجماعة تلو أخرى..

ألا تمثل الجرائم المرتكبة بكل ما فيها من استفزاز قشة تقسم ظهر بعير التلهي بالمحاصصات والاصطراعات الفئوية والحزبية؟ ألا تكفي ليقول زعيمان لا أكثر كفى ولنبدأ؟ ألا تكفي صرخات الضحايا ونداءات أطياف العراق من شيعة وسنّة ومن مسيحيين ومندائيين ومن كلدان آشوريين سريان صابئة أيزيديين وشبك وتركمان وكورد وعرب ألا يكفي نداء كل هذه الملايين من أقليات وإغلبيات ليصحو نائم الحكومة والزعامات وترتقي لمسؤولياتها ومهامها؟

 

أنني في الوقت الذي أشارك كل أصوات أبناء الشعب بألوانها وأطيافها صرخات الضحايا الأبرياء الذي مروا صرعى الجرائم وصرخات الأولياء الصالحين بحثا عن كرامة منّا تحمي أضرحتهم وإذ أشارك كل نداءات المحبة والتآخي والوحدة ضد جرائم مفضوحة تضرب بعنف متهور متزايد لتثير شقاقا بيننا نحن أبناء وطن الوحدة ووحدة الإنسانية فينا...

 وإذ أشارك كل مطالب وحاجات المرحلة في مؤسسة تحمي الناس لا أقبل أبدا من مسؤول حكومي مشاركة بالكلمة فمهمة المسؤول ومهمة الحكومة ليست بيانات الشجب ولا نداءات للعمل بل هي المسؤولة عن الفعل والعمل وعندما تشرع به ستجدنا جميعا لا جاهزين للعمل ولدعمها بل ستجدنا نحن ضحايا الزمن الرديء هذا قبلها حيث ميدان العمل..

 وأول عمل لنا نحن نسير به اليوم أننا نشد على أيدي بعضنا بعضا ونؤازر بعضنا بعضا ونمضي في طريق تعضيد وحدتنا وتعميدها بتضحياتنا ونرتقي بوعينا إلى مستويات الفعل بالضد من إرادة الهمج من مجرمي اليوم وهم يضربون فينا وفي مآثرنا ظنا منهم أن ازدياد جرائمهم سيعطلنا ويشل الفعل فينا.. وبئس تجاريبهم وتجاريب البشرية تشير دوما إلى انتصار إرادة الشعوب في الخير والبناء والاستقرار وإعمار حياة السلم والديموقراطية والرحابة والتفاعل والتآخي...

  ننتظر اليوم قبل الغد من الحكومة والزعامات السياسية:

1.    مؤتمر الوحدة والمصالحة الفوري بناء على برنامج عمل جدي فاعل ومؤثر..

2.    خطة أمنية شاملة سبق للقوى الوطنية المتنوعة المختلفة أن تحدثت عن مفرداتها..

3.    بناء أجهزة الحكومة بخاصة الأمنية منها بميزانية مخصوصة وعاجلة وعلى أسس الوطنية الحقة..

4.    محددات ثابتة واضحة لحركة القوات الأجنبية وحركة القوات الحكومية وميدانيهما..

5.    حل الميليشيات بخطة تدريجية وإعادة تأهيل عناصرها مدنيا..

6.    معالجة مشكلة القوات الأمنية والعسكرية القديمة نهائيا..

7.    ضبط الحدود والوقوف أمام مهام محددة للأمم المتحدة وقواتها وتحميل الدول المجاورة المعنية مسؤوليات أيّ خرق..

8.    التحقيق في أية حالة إجرامية وإعلان نتائجه مهما كانت خلفيات تلك النتائج..

9.    جلب أجهزة تحقيق دولية متخصصة تساعد بالخصوص فور وقوع أية جريمة والإفادة منها في متابعة الأثر وفضح الجريمة والمجرمين..

10.             إعلان نتائج التحقيق في الجرائم السابقة ووقف حالة حفظ التحقيق لأسباب سياسية تعني الأحزاب المعنية بالحكم اليوم..

11.             تفعيل مجلس الأمن الوطني وإعلان قراراته بشأن الجرائم المرتكبة بخاصة أمام البرلمان..

12.             حصر مسألة حماية المقرات الحزبية والزعامات بالحكومة ومنع تداول السلاح بأنواعه بيد العامة..

13.             تفعيل أجهزة حماية أبرز مؤسسات تتعرض للانتهاك وهي الأكاديميات والجامعات ومؤسسات البحث العلمي والمؤسسات والمراقد الدينية كافة فضلا عن مؤسستي النفط بتفاصيلها والمؤسسة الثقافية ومنها ما خص الآثار والمكتبات ودور السينما والمسرح...

14.             تجريد السكان من الأسلحة والقيام بحملات دورية منتظمة وبخطة قصيرة الأجل بالخصوص..

15.             منع العسكريين والأمنيين حمل السلاح إلا في الواجبات الرسمية..

16.             يجري التدرج في تنفيذ هذه الأمور والمعالجات على وفق دراسة من متخصصين في هذه الشؤون...

17.             برامج العمل ومتابعتها والمحاسبة وتطبيق نتائجها على الجميع هو ما يجنبنا لغة الاتهامات العاجزة بخصوص مرجعية هذه الشخصية أو تلك لجهات إقليمية أو أجنبية ووجود أجندات تخترقنا ونحتاج للتطهير الشامل بالخصوص.. كما أنها هي التي تساعد حتى الشخصيات المسؤولة على تجنب الضغوط من أي نوع في مسيرة أدائها ونشاطها....

 

 

ومن المهم هنا أن تبدأ مؤسسات المجتمع المدني في تثبيت فقرة في برامجها بحثا عن الرؤى والمقترحات المناسبة لتعزيز أدوارها ومساهماتها في العمل لحماية الوطن والناس وفي تقديم التصور المناسب في كل محلة وفي كل محافظة وفي الوطن بأكمله.. وليكن مؤشر الأمن في الصحف والدراسات والبحوث في الدليل اليومي والقراءات المتصلة..

ولنمضِ أكثر رباطة جأش وتوازن وتفاعل ووحدة وطنية ولنفكر مليا كيف نصل بر الأمان بأقصر الطرق المؤملة.. وعلى هامش هذا الأمر سيكون عظيما يوم نجد شخصا أو حزبا أو زعيما سياسيا يقول لقد أخفقت أو فشلت أو أتنحى لأنني لم أستطع أداء المهمة ولن يكون ذلك إلا مفخرة للجرأة والشجاعة في التعاطي مع الواقع في وقت يجب محاسبة المسؤولين وتنحيتهم عن مسؤولياتهم في حال قصورهم كما يجري اليوم ويجب أن يوجد برنامج لمستهدفات بأسقف زمنية على أساسه نحاسب ونتابع ونعالج.. وليس من المعقول توقفنا عند ترك الأمور سبهلل!!!!!!؟

 

التالي أن تكون كلمتنا نحن المستقلين وأبناء الضحايا وأخوتهم وأبناء مجموع الطيف العراقي كلمة مسموعة للمحاسبة داخل أعلى مؤسسات الدولة وشخصيا أضع ما أكتبه بيد البرلمان العراقي والمحكمة الدستورية لمتابعة ما يجري وإبلاغ الشعب بموقف واضح ودقيق لا ينتسب لرؤية حزبية بقدر ما يتحدث عن موقف البرلمان البيت التشريعي المختار  عبر آلية توظيف أصوات الشعب... وبخلافه فإن لغة تفويت الجريمة ولفلفة الأمور وتضييعها وخلط الأوراق وخطاب المراهقة السياسية ستطيح بنا ولن يبقى لنا هوية قد يكون أغلبنا يريد بقاءها واستمرارها...

 

187
الخطاب (الإعلامي) لقوى اليسار والديموقراطية

بين أخطاء سطوة محدِّدات التنظيم والظروف المعقدة المحيطة

 

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
2007/06/14

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:

 

توطئة:
تتعاظم التغيرات وتتسارع في عالم اليوم خاضعة لقوانين موضوعية وذاتية مستجدة. من ذلك المزيد من التوجه لمركزة شديدة لرأسمال وتغييرات بعيدة الأثر في قوانين السوق وسطوة آلياتها وعنفها في توجيه الواقع الإنساني برمته. وفي إطار تراجع نظام القوانين الاشتراكية للعمل والسوق جرت متغيرات في التعاطي ما بين الفكرين الاشتراكي والرأسمالي وجمهورهما...

وفي الغالب جرت حالة ما بين اثنتين، الأولى تكمن في حيرة قطاعات واسعة من أمرها بخاصة في وسط الطبقة المثقفة أو المتعلمة الملتزمة قضايا الناس ومصالحهم؛ الحيرة في تحليل أسباب الهزيمة من جهة وفي قراءة النتائج الحقيقية القريبة والبعيدة.. أما الحالة الأخرى فتكمن في تشوّه رؤية أو التزام رؤية الغالب المنتصر في هذه المعركة الفكرية الأيديلوجية، لمصالح ودواعي لا فكاك منها.

وفي إطار الحالة الأولى وجد المرء ذاته أمام قراءة عاجزة أو مشلولة كما أنه فجأة واجه انهيارا مهولا في حجمه النوعي وفي الخضم لم تتوافر لديه فرص التحليل  وهو في وسط عملية الانهيار ذاتها. ولكن الحالة بين الموقفين الحائر بأمر انهيار نموذج النظام الاشتراكي والملتزم لنوذج الخيار الرأسمالي.. الوسط يكمن في أولئك الذين وجدوا في الأمور الخدمية الأولية من التأمين لحياة الإنسان في البلدان الرأسمالية صورة مشرقة للحياة البشرية، وهنا كان تشوه الصورة والرؤية..

فقد اتخِذت هذه الرؤية أو هذا الموقف بناء على مقارنة أما مع مستويات متدنية للأوضاع البشرية في البلدان المتخلفة أو بالمقارنة مع المستويات المادية غير الوافية في ظروف مغايرة للنظام في دولة رأسمالية.. فيما لم يجرِ قراءة هذه المسألة في إطار كون تلك الخدمات الدنيا إنما تأتي من منتجيها الحقيقيين وليست عطايا من جيوب الرأسماليين ونظام آليات السوق لديهم كما تأتي استجابة لإدامة حركة تلك الآليات ولا تأتي حتى في إطار تلبية حاجات الناس ومصالحهم الحيوية الرئيسة.. طبعا هذا فضلا عن كونها جاءت على خلفية توازنات في ظروف الصراع السابق بين نظامين ونقيضين وفي ضوء نضالات مطلبية جدية بدأت بتضحيات بشرية باهضة...

وما يؤكد قراءتنا هذه أننا نجابه ظروف الصراعات المطلبية التي باتت اليوم تتم في أضيق إمكاناتها على المستويين السياسي والاقتصادي. إذ ما عادت النُظُم الرأسمالية بحاجة للمنافسة [ولو مؤقتا] مع نظام [نقيض] آخر وما عادت بحاجة للحديث عن الصراع بين نظامين للسوق ورؤيتين فكريتين وبات يكفي [ولو نسبيا] أن يجري الإشارة عن النظام الاشتراكي المنهار ومساوئه التي سجلها من وجهة نظر رؤية قوى الرأسمال العالمي ليتم استلاب حق المناقشة وكأن ما يجري هو من المسلمات أو بالديهات التي لا تقبل الجدل..

وهكذا، فضيق في إمكانات الحركة ومصادرة وسحق بسبب ماكنة بشرية جهنمية تخنق كل نافذة وتسدها على كل شعاع وهكذا فهي عتمة لا يخرج من عباءتها أي صوت أو خطاب ومن ثم فلا خطاب إعلامي يمكنه أن يحمل الخطابات الإنسانية بتنوعاتها وألوانها ومتطلبات عرضها وتقديمها...

فهل يوجد لدى قوى اليسار والديموقراطية منافذ وأدوات لخطابها الإعلامي تحديدا مثلما لغيرها من أدوات؟ وهل توجد خطة مناسبة لتفعيل الخطاب الإعلامي وأدواته ووصولها إلى الجمهور الذي يصل إليه الآخر؟

رؤية 1:
تنظيميا كثيرا ما يجابهنا في النظم الداخلية لأحزاب اليسار ومنظماته محدِّدات من نمط منع الاتصال بالآخر أو وضعه في ضوابط وشروط قاسية ومنع العمل في أماكن ووظائف بعينها. وقد يكون في مسألة وضع شروط ومحدِّدات أمر مقبول بسبب منطق تجنب الاختراق التنظيمي واتخاذ الاحتياطات والتأمينات تجاه تهديدات عديدة محتملة.

لكن المشكل الحقيقي يكمن في محدِّدات التعاطي مع معالجة موضوع أو آخر. إذ ينبغي هنا البحث في الشروط والأسقف التي يجب للعضو الحزبي الخضوع لها لكي يبقى الموقف التنظيمي العام والرؤى البرامجية الفكرية والسياسية موحدة بأمر تنظيمي صارم...

فتُعلن تلك القوى الحزبية عن موقف مثالي بلون واحد عبر صحيفة مركزية ومكتب إعلامي مركزي وهذه هي الطريقة التي ظلت ثابتة مذ تشكلت قوى اليسار في أحزاب ومنظمات لتصادر إمكانات العطاء والبحث الموضوعي لدى أعضائها بتلك الأوامر أو السياقات التنظيمية المعمول بها طبعا من دون وجود قصدية في هذا الأمر ولكن لأسباب ودواع لسنا هنا تحديدا بصدد تناولها تفصيلا...

ويتسع هذا ليشكل جزءا من مفردات بعض الشخصيات التي استقلت تنظيميا عن العمل الحزبي لظروف ذاتية أو موضوعية. فنجد تلك الشخصيات لا ترى مناسبا أو من غير الصائب أن تلتقي هذه القناة الفضائية أو تلك الصحيفة بسبب من الاختلاف الفكري أو السياسي بالضبط بسبب من طائفية هذه القناة أو معاداة أخرى للنهج الديموقراطي الوطني.. وقد يكون في بعض تلك المواقف صوابا وصحة ولكن المشكل الذي نشير إليه هنا هو طبيعة الأسس والمنطلقات التي يجري في ضوئها اتخاذ موقف المقاطعة مع الآخر ومن ثمَّ محاصرة الذات والتقوقع والانعزال..

على سبيل المثال يقول يساري ديموقراطي لن أسمح لتلك الجهة [صحيفة أو فضائية مثلا] أن تجيِّر صوتي لصالحها فيقاطع تلك الجهة الإعلامية وهو في الحقيقة يغفل أنه يحاصر نفسه لأنه لا يمتلك أدوات أخرى للوصول لكي يمكنه التحدث عن مقاطعة هذه الجهة التي تمثل أداته للوصول إلى الناس برأيه وللوصول إليهم تعريفا بقوى اليسار وتقديما لمعالجات قوى الديموقراطية لقضايا الوطن والناس..

من جهة أخرى تفتح منظمات معينة أدواتها لأعضائها للتعبير والبحث والمناقشة ولكن الإشكالية في مثل هذه المحاولة تكمن في حدود أدوات المنظمة أو الحزب وفي أسقفه وفي صلاته الجماهيرية المطبوعة بمحدده الأيديولوجي السياسي فضلا عن سقف حدود أدوات العمل ومساحتها وميدانها. ففي أبعد الأحوال لن تصل رؤية المعني أبعد من الأعضاء وصلاتهم مخصوصة الطابع الفكري السياسي...

وبهذا يبقى فعل البحث والجدل والتعبير محاصرا في أطر تنظيمية وأدواتها وأسقفها حتى عندما تتحدث عن برامج واعدة وناضجة وصائبة.
رؤية 2:

وسؤالنا التالي هو:  ما السبيل إلى تجاوز الأسقف والأطر والمحدِّدات ببعدها التنظيمي الضيق المشار إليه هنا؟

الحقيقة، لابد من فسحة جدية تتحرر من إشكالية المحدِّدات التي تعني إلزام الأعضاء والمقربين بما يراعي وضع التنظيم وشروطه وما يراعي ظروفه المخصوصة ميدانيا.. ولابد من فتح أبواب العمل الإعلامي ومجالات البحث والتقصي والاستنتاج ونشر تلك المعالجات عبر منافذ أخرى قد لا تكون قريبة أو شريكة في الهمّ السياسي، ولكنها تكون في مجال يصل فيه التناول والعلاج إلى جمهور جديد يمكن أن يتم كسبه لرؤية قوى اليسار والديموقراطية... وستكون هذه المهمة، عملا حيويا لفك إسار جمهورنا الواقع تحت تأثير تلك الأداة الإعلامية ومن يسطو عليها ويوجهها...

إنَّ التعاطي بحرية ورحابة صدر مع وسائل الآخر والعمل على اختراق منافذه وكذلك على التفاعل معه في ميدانه وعلى أرضه وبين جمهوره، إنَّ ذلك سيكون مفتاح الخروج من شرنقة الحديث إلى الذات أو المونولوج الداخلي الذي يمثل في العمل الإنساني حالة انتحار تدريجي بطيء..

وعليه فإنّ قوى اليسار والديموقراطية أمام أمرين:

1.            منح حرية العمل والبحث والتفكير وجعل ذلك منهجا ثابتا متصلا ميدانيا وواقعيا وليس في الخطب والشعارات.. إذ هذه المسألة يعلنها اليساري واليميني، ولكن من منهما يمارسها عمليا وما الكيفية الناجحة لإدارتها؟ ذلكم  هو المطلوب.. الممارسة والكيفية وتوظيف إدارة صحيحة للأداء ولعائدية تلك الممارسة في الانعتاق والحرية.

2.            والأمر الآخر هو في ولوج ميادين جديدة بحق في عرض البحوث والنتائج والاتصال بجمهور واسع مع توفير آليات الاتصال بتطوير أدوات التنظيم وصلاتها وبالانفتاح على الأدوات والوسائل الأخرى والتعرف إلى منافذها وطرائق الوصول إليها بتقديم مختلف للذات.. ومن طرائق التقديم مقاربات المفكرين والباحثين الذين يجري اعتماد رؤاهم بالإشارة إليها في جهاز التنظيم من جهة وبالاقتراب أكثر من هؤلاء للتفاعل معهم ولأخذ مشورتهم وخبراتهم...

وببساطة فإن مثال عقد مؤتمر أحد قوى اليسار العراقي البارزة مؤخرا لم يأخذ كفايته ولا متابعته النوعية المنتظرة لا من الجهاز الحزبي ولا من إعلام الآخر ما يُبقي على حدود الاتصال بإطار أعضاء التنظيم وأصدقائه. فيما المطلوب من كل حركة سياسية أن تتصدى لقيادة المجتمع واقتراح حلولها بالوصول إلى كل أو أغلب مفاصل المجتمع المعني وأكثر من ذلك الحصول على ردود الفعل وقياس الرأي العام وموقفه من تلك الحلول والمعالجات لكسبه أو لأخذ ما يفيد للتعديل والتطوير..

وشخصيا لم أسمع بوجود مراكز قياس الرأي العام لا عند اليسار العراقي ولا عند غيره.. أما هذا [الغير] فلسنا نطالبه بشيء على أساس أنه نخبوي أوفئوي أوطائفي أو ما شابه من صفات العزلة والمصالح الضيقة. ولكن ما بال اليسار الديموقراطي وهو رافع شعار الفقراء والأغلبية والناس ومطالبهم.. ما باله منهم لا يؤسس مركز قراءة الرأي العام وينفتح على الجمهور الواسع؟

ولطالما تحدثنا عن ضرورة عدم انتظار مجيء الناس للحزب أو المنظمة؟ ووجوب الذهاب إليهم وإقناعهم بالتفاعل وأخذ رؤاهم.. ولطالما تحدثنا عن حق الناس في تفاصيل يومياتهم العادية من دون أن يكون عليهم واجب العمل التنظيمي أو مشاركة حزب في نشاط في وقت يوجد واجب عمل الحزبي بين الناس ولهم وفي خدمتهم على أساس ما تقوله برامج قوى اليسار والديموقراطية ذاتها..

وما وجدنا أي تفاعل مع أيّ من تلك المعالجات وتركت الأمور أحيانا سبهلل وتم التغاضي والتجاهل في أحيان أخرى فيما بقيت صالات الاجتماعات الحزبية وغيرها تردد شعارات الحرية والتوجه إلى الناس وتمثيلهم كافة من دون البحث في الآليات...
إنَّ من الخطورة أن نستكتب أعضاء المنظمة ونملأ الصحيفة بالصوت الواحد ونتوقف عن توظيف كبار المثقفين والمفكرين وأصحاب الباع والتجاريب الطويلة والتفاعل معهم واستكتابهم في محاور، لا في دورياتنا السنوية أو نصف السنوية [الشهرية اسما] ولكن في صحفنا اليومية وفي ندوات يتم عملها ومؤتمرات اقتصادية وبحثية منوعة يجري تنظيمها وذلكم ما ينبغي أن يكون أداة ننهض بها لجذب تلك القوى والعناصر الفاعلة والمؤثرة التي تحاصرها ظروف سلبية معروفة.. ومن لتلك الشخصيات والعناصر الناشطة غير قدرات المنظمات لكي ترتقي بأدوات تقديمها للناس عبر ممر الحزب أو المنظمة والطاقات المتوافرة لديهم...

لقد تقدم الزمن وصرنا نجد في تكنولوجيا الراهن ما يصل إلى أبعد الناس من أنترنت وإذاعة وتلفزة وفضائيات فضلا عن الصحف وآليات توزيعها التي لا تعتمد جهود التوزيع الفردي العتيقة..

أسئلة من نمط أية شركة توزيع تعاملتم معها؟ أية وسائل؟ ما طرائق الإعلان؟ وأين تم توزيعها وما قراءة المردود؟ وكم تم التخصيص للإعلان في هذه المجلة أو تلك الصحيفة؟ من المتخصص الذي تم تكليفه بهذه المهمة وهل هو فرد أم لجنة بعمل مؤسساتي؟ وأين مشروع الفضائية المنتظر منذ سنوات ثقال عجاف؟؟؟
رؤية 3:

إنَّ أكثر ما تعانيه الشخصيات الديموقراطية والناشطة في مجالات حقوق الإنسان والبحث في أمور علم الاجتماع والعلوم الإنسانية الأخرى وفي التخصصات البحثية المفيدة في مسيرة التطور، هو المحاصرة والاستلاب. وأغلب ما يتم بثه والتقديم له ورصد مليارات الدولارات هو مما يسمى ثقافة سطحية فارغة وانظروا كم هي ميزانية الكرنفالات والمهرجانات الخاصة بتجارة الرقيق الأبيض وغيره وما يشبهها أو يستغلها!

إذن فسوق النشر والإعلان والاتصال ليست قليلة الأموال ولكنها محتكرة لجهة بعينها. وفوق ذلك فإن بلدان التخلف أو ما سُمِّي العالم الثالث يجري اليوم فيها أكبر عملية تصفية جسدية وفكرية سياسية بطريقة الإبادة الجماعية لكل من خرجتهم مراكز العلوم والجامعات والمجتمعات متفتحة الرؤية..

فمئات الأساتذة والعلماء والصحفيين والكتاب والإعلاميين والفنانين والأطباء والمهندسين يجري اغتيالهم [عيني عينك] أمام أنظار من يحتاجهم اليوم وغدا حتى تغدو هذه الثروة البشرية غير قابلة التعويض هباء منثورا.. وبالمناسبة فإنَّ الدول التي صار بعضهم يقدسها لأنها تقدم [الغذاء والسكن] له تساهم في هذه الاغتيالات ولن أتهمها بشيء أكثر من اغتيال العقول بتشغيل علماء ومفكرين في تنظيف طرقات وبيوت وحدائق ولا أقول أمرا آخر ولا عجب!

طيب بين ضيق الأفق التنظيمي والعمل التقليدي المحدود وحكاية هذا يعجبني وذاك لا؛ وتسلط فرد [أو أفراد] على الحلقة أو الخلية أو المنظمة أو الحزب ومنع حريات العمل المفتوح وحظر التعاطي مع الآخر واستخدام سياسة التشهير بالرفاق الذين يختلفون مع ذاك الفرد أو حتى مع المنظمة (في ظروف أفضل)، ولغة التسقيط هي نقيض ما نحن بصدده ولكنها الصورة الأكثر قتامة وعتمة وتمثل سندانا لمحاصرة شعاع العمل الحر المتفتح وحَمَلة رايته من المفكرين أصحاب التجاريب الغنية فيما تمثل الظروف المحيطة المعقدة المطرقة التي تهصر بهم أو المنشار الذي يأكلهم في تقدمه وتراجعه!

النتائج:
الخطاب الإعلامي لقوى اليسار والديموقراطية ما زال مختزلا بشعاراتية صحيحة في جوهرها ولكنها منغلقة في أدوات فعلها وعملها حتى باتت تختنق بل وتخنق من يدور في فلكها.. ومن هنا وعلى سبيل المثال نجد أن الجمهور الواسع ما زال يحتفظ في الذاكرة لهذه القوى بصورة مثالية نزيهة ونظيفة عبر تاريخها ولكن واقع الحال يشير إلى تقدم مطالب الناس وحاجاتهم وارتقائهم لمستويات التصدي لها فيما قوى اليسار لم تحقق تنظيميا حجما يوازي سمعتها ويوازي صحة شعاراتها وتعبيرها عن مصالح الناس..

إنَّ المنتظر يكمن في آليات جدية كما في الأعمال المهرجانية والكرنفالية بالطريقة التي تتقبلها الظروف القائمة وأنشطة بحثية عبر مراكز علمية لقياس الرأي العام وللتفاعل معه حتى عندما لا تأتي النتائج بما يرغبه اليسار نفسه. وعبر عقد ندوات ومؤتمرات دورية ثابتة للمفكرين والباحثين وتقديمهم بطريقة مناسبة لهم.. وبالتأكيد لن يكون الأمر عبر استقبال احتفالي تقليدي بشخص فرد وتحشيد [20 أو 30 فردا بينهم أطفال العوائل الحاضرة] ليلقي كلمة مستعجلة الإعداد في هذا الجمع المتثائب المتطلع للتصفيق في نهاية جلسة تقليدية... الحديث يجري عن أوسع جمهور شعبي.....

إننا لا نجد مؤسسات بحث علمي مستقلة لهذه القوى كما لا نجد عديدا منهم يدعمون جهات تحاول العمل.. ولعلي شخصيا أجد أصواتا [من داخل تنظيمات اليسار العراقي وخارجه] تتحدث بسلبية عن مؤسسة تقدمية متنورة [المدى] باتت تمثل علامة مهمة وحيوية في الحياة الثقافية العراقية وبدل الدعم والتشجيع نجد مواقف التشنج القائمة على تقويمات سياسية أو تنظيمية بحتة تجاه تلك المؤسسة الكبيرة في فعلها حتى باتت بحجم نوعي مشرِّف.. ولكن المؤسسة بفعلها ستمضي تتطور وتتعاظم لأن الناس تبحث بشوق عن الحركة والانتاج؛ وتطورها هذا ثابت وراسخ لأنه يعتمد على التعاطي مع الجمهور الأوسع للحياة  لا على حدود ضيقة محاصرة أو مغلقة..
إنَّ الحديث عن وجود سلبيات في آليات العمل لا يعني بالمرة التقاطع مع فكر اليسار الديموقراطي العراقي ولا مع فلسفته وجوهرها التنويري التقدمي ولا يعني الوقوف سلبيا من منظماتها وأحزابها بقدر ما يعني الوقوف مع ضرورات التطوير والتغيير الإيجابي المؤمل للارتقاء إلى مستويات الفعل التي تستجيب لمطالب الناس وحاجاتهم وتوقف حالة الأمراض التي اخترقت التنظيمات بسبب وجود عناصر أو أفراد أو حالات مرضية يلزم معالجتها بعيدا عن الشخصنة والفردنة وعميقا حيث العمل المؤسساتي المساير لزمننا ومتغيراته الجذرية البعيدة...

188
حكومةالمالكي والقوى المتنفذةوعمال النفط

بين صراع المصالح المافيوية \ الحزبية الضيقة وخطل البرامج الحكومية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
2007/06/09

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


 

 تناقلت الأنباء خبر إضراب عمال النفط، في وقت رفضت الحكومة تلبية مطالبهم التي تقدموا بها.. والأخطر في الأمر هو التهديد باعتقال قادة نقابة العمال والدفع بقوات الجيش لمحاصرة قوى الشغيلة! وتتحدث الحكومة عن توجيه تهم تخريب الاقتصاد الوطني!

فإذا نحينا جانبا ومؤقتا مسائل من نمط صراعات مراكز النفوذ الحزبية والمافيوية بشأن حركة الصادرات وإيرادات النفط ! وإذا نحينا جانبا مشكلات تعترض عمليات إنتاج النفط وتسويقه برمتها؛ فإننا نركز هنا على الفعالية الأخيرة من جهة قرار الإضراب وموقف الحكومة بالخصوص؟

أما نقابات العمال فإنها ينبغي أن تتحدث بلسان مطالب أناس سحقتهم تفاصيل اليوم العادي للعراق الجديد. وبعيدا عن الإرهاب وقواه وعن قوى المافيات التي تحاول اختراق  القطاع وإخضاعه أو بعض مفاصله لسطوةتها ومستهدفاتها، نقول بعيدا عن كل ذلك بكل ما فيه من مخاطر.. نجد العامل وعائلته يعانيان من تفاصيل الأجور المتدنية التي لا تكاد تطارد الأوضاع ولا طبعا مخاطرها المخصوصة الراهنة...

طيب، السؤال هو من يدفع فاتورة الفروق بين القدرة الشرائية لأجر العامل وبين المتطلبات الحقيقية له ولأفراد عائلته والواقع الذي ينتظرهم بأفواه فاغرة تلتهم تلك الأجور وتجعلهم في بدء أيام الشهر في عوز وحاجة.. بدءا من الحاجة للغذاء ولسد خدمات الحياة اليومية وليس انتهاء بسد الحاجة لمشتريات العلاج والعناية بالصحة.. ولا تأمين صحي ولا أية تأمينات مجدية ووافية...

إنَّ من أولى أمور الدولة في عراق جديد في وقت لم تبدأ حركة إعادة الإعمار بعد خمس سنوات من التغيير والتطلع لزمن مختلف نوعيا وفي وقت لا تصرف الحكومة لا على جيش ولا على شرطة ولا على أية فعالية اقتصادية حقيقية ومهمة.. أي في ظروف تجميد الواردات والأموال أو الثروة الوطنية؛ إن من أولى واجباتها بخاصة في زمن الغلاء في كل شيء في العراق إلا لقيمة الإنسان، أن يجري التأمين الصحي وغيره ويجري تعديل سلّم الرواتب والأجور بطريقة موضوعية إن لم يكن عبر دراسة منطقية لأجهزة الدولة فعبر قراءة مطالب الاتحادات والنقابات...

أما موضوع الأنشطة السلمية للاتحادات والنقابات والأعمال المطلبية فهي جزء حيوي مهم من مسيرة تطبيق دولة القانون والعمل المؤسساتي وآليات الديموقراطية وسيكون لطريقة تعامل الحكومة ومؤسساتها مع تلك المطالب والأنشطة نتائجها الخطيرة سواء باتجاه تطمين المسيرة الديموقراطية أم باتجاه تعميق الشرخ بين مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة..

إن افتعال أو خلق مثل هذا الشرخ سيعني لا رفض الديموقراطية وآلياتها ولا عرقلة مسيرة عراق جديد وديموقراطي بل سيعني فيما يعنيه الحجر على مسيرة العملية السياسية وتشويهها ومن ثمَّ الدفع باتجاه تهيئة الأجواء لمزيد من الاحباطات ولمزيد من دوامة العنف وفي وقت يتم مصادرة السلم الأهلي وأنشطته سيكون الميدان مفتوحا واسعا أمام جرائم العنف الدموي التخريبية..

إن الرسالة الأهم اليوم لفعالية اتحادات عمال النفط تكمن في عمق الوعي وارتقائخ النوعي باستخدامه الفعاليات السلمية وآليات العمل الديموقراطي الناضجة في تفاعل مؤسسات الدولة العراقية ومن تمثله من فئات ومرجعيات شعبية ورسمية. وفي الوقت الذي نجد حقيقة الوعي الطبقي السياسي والنقابي المهني للشغيلة فإن هذا يمثل مؤشرا واضحا لتاريخ عمال النفط ووعيهم ونضجه منذ وقت مبكر عندما شكلوا نقاباتهم وبدأـ نضالاتهم تعلن عن مواقفهم الطبقية والوطنية المعروفة...

وما يجب أن تقفه الحكومة اليوم هو في استفادة من التجاريب السابقة في العلاقة بين الطرفين ويكفي التذكير ببطولات كاورباغي التي ما زالت نجما ساطعا في تاريخ الحركة العمالية.. كما أن الحديث عن حكومة وطنية منتخبة ديموقراطيا يرتب عليها مواقف تنسجم مع هذه الحقيقة وتستجيب لها وتدعم مسيرة تفعيل العمل المؤسساتي الديموقراطي...

وبخلاف مثل هذا الأمر فإن أية مضاعفات ونتائج لن تمضي في هذه التجربة أو تمر مرور الكرام. بل سيترتب عليها جرح يستعصي على العلاج وسيشكل حالة من الانفصام  والاصطراع السلبي الخطير.. فضلا عما يرتبه من نتائج بخصوص عدم معالجة أوضاع العمال وعوائلهم ومصائرهم ومطالهم!

 

باختزال القضية وحجمها النوعي الخطير تمثل إشكالية تتحدى المؤسسة الحزبية والحركات السياسية التي تدخل في الحكومة أو خارجها في العملية السياسية أم خارجها .. فكل من يحرص على مسيرة وطنية ديموقراطية سليمة يجب أن يعلن موقفه من القضية بوضوح وأن يتخذ موقفا عمليا اليوم قبل الغد أو قبل أية أعمال طائشة أو مستعجلة تهتك أو تهدم جدارا في مسيرة [للديموقراطية الحقة] لم تبدأ فعليا بعد...

 

ماذا تنتظر الأحزاب العمالية الطابع؟ ماذا تنتظر أحزاب اليسار والناس المسحوقين؟ ماذا تنتظر القوى الديموقراطية أو الليبرالية المؤسساتية الديموقراطية؟ هل ستترك الحركة النقابية وقادتها في زاوية المحاصرة بين مطرقة الأوضاع المتردية ومتطلباتها وسندان الحكومة وجيشها الذي ما زال بعيدا عن ضبط مهامه ولكنه كما يبدو يجري التهويش به ليكون سيفا مسلطا على رقاب الأخوة من أبناء الوطن..

أما حكاية تهديد أمن الوطن واقتصاد الوطن فإن من يهدده لا إضراب الشغيلة ومطالب الأفواه الجائعة العطشى بل استخدام الجيش الوطني في غير مهامه والعودة بدوامة سلطة القوة والعنف ولغة العصا بحق أبناء الشعب لا بحق جلاديه الذين يعيثون اليوم في الوطن تخريبا وتهشيما وتفجيرا...

وليكن الجيش الوطني في حماية الشعب والدولة لا في مهاجمته والانتقام من أنشطته القانونية السلمية الصحيحة...

بوركت سواعد الشغيلة سواعد البناء وبورك وعيهم وبورك في برامجهم النقابية الصريحة الصحيحة وإن جموع الشعب العراقي وشغيلة العالم مهم اليوم وغدا... فإذا كان لحكومة السيد المالكي تفسير بعينه فلتعلنه لكي يتبين الخيط الأبيض من الأسود ولتكون الأمور واضحة ولن تكفي حالة توجيه تهمة كما يجري في زمن الطغيان لنطلق لها التأييد والتهليل. ونحن مع مسيرة سلمية للبناء والتقدم وهو ما يتمثل اليوم في خطوات نقابات العمال...

189
العراق اليوم وغدا!!!

أين المشكل؟ وما الحل؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

31 2007/05/

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:

انتقل العراق في العام 2003 إلى أجواء جديدة  بتدخل مباشر لقوات التحالف الدولي تحديدا منها الأمريكية البريطانية. وإذا كان ذاك التدخل قد تسبب في إزاحة صدام حسين ومساعديه؛ فقد أخرج معهما أيضا الجيش العراقي وقوات [ضبط] الأمن فضلا عن ظاهرة تحلل مؤسسات الدولة وتعطلها شبه التام لأسباب مختلفة موضوعية وغيرها!

وطوال الأعوام الأربعة المنصرمة جرت متغيرات عميقة وخطيرة في الواقع العراقي. أبرزها تمثل في سطوة قوى بعينها على المشهد العراقي العام، ما أتاح لها إعادة توجيه دفة الأمور بطرائق عاشها الشعب العراقي طوال عقوده الأخيرة وتعوّد على آلياتها... 

لقد سطت تلك القوى [تحديدا قيادات الأحزاب الدينية] على الوضع من منافذ الواقع الجديد الآتية:

1.    تعاملها مع قوى الاحتلال من منفذ ما تمت تسميته المعارضة العراقية بالتحديد تلك التي وُلِدت قبيل إسقاط النظام الدكتاتوري.. وهذا ما هيَّأها لتصدّر الميدان وتسليمها مفاتيح الحياة العراقية...

2.    ارتباطها عقائديا وسياسيا [وأحيانا تنظيميا] مع نظام الإسلام السياسي الحاكم في إيران... ومن الطبيعي رصد منفذ العلائق الداعمة من مثل أمور كالتدريب العسكري ومتابعة التنظيم وإدارته  وترتيب أموره المالية وغيرها...

3.     تقديم الدعم اللوجيستي وتوفير الفتاوى والأسس الفكرية السياسية وتقديم الأجندات التي تعدّ الأرضية المناسبة لتعزيز المكاسب المتحصلة ميدانيا...

4.    استغلال مبدأ الخلط بين حزب [الإسلام] السياسي وبرامجه واعتقادات الناس الدينية - المذهبية منها تحديدا، لخلط الأوراق وتعميق التأثير في الجمهور... ويمكن القول: إن الحالة وصلت إلى حد التماهي بين القيادة والجمهور حيث تم التحدث بطريقة عفا عليها الزمن ممثلة بعبارة "إذا قال صدام قال العراق" والإعادة اليوم تتم بصيغة [هذا أمر السيد] وصيغة شيعة العراق يقولون وهم يقصدون حزبا طائفيا يقول بل زعيما فردا هو الذي يقول ويضللون باستبدالهم الزعيم وتركهم الناس ورؤاهم الحقيقية!

5.    استغلال حالة العدمية والفراغ الجدي في القيم الروحية الفكرية في ضوء التضليل من جهة وإعدادات النظام المهزوم [على سبيل المثال حملته (الإيمانية) المزعومة قبيل سقوطه] بالدخول بسلطة المقدس وأثره وتحديدا استغلال "المرجعية الدينية" فضلا عن ظهور مرجعيات سياسية معممة أسقطت القدسية على أوامرها ونواهيها على أساس كونها مرجعية دينية [مقدسة] أيضا...

6.    اعتماد سلطة العنف والمصادرة القسرية عبر ميليشيات لا تمتلك الرؤية المتفتحة والمدربة حصرا على أعمال البطش والتخريب كونها ميليشيات كانت تأسست لهدم قواعد السلطة المهزومة...

7.    ظاهرة انفلات الأمور بلا حدود وعدم وجود مؤسسات دولة، فسحَ المجال واسعا للعصابات والمافيات وآليات عملها في الخطف والاغتصاب وجرائم الاغتيال والتصفية  بأشكالها، وهذه تداخلت مع السلطة الجديدة الدولتية والحزبية...

8.    سعة حجم الشبيبة وحالة التجهيل التي تعرضت لها في إطار تجيل المجتمع ما ترك للمراهقة السياسية أن تظهر بوضوح حتى على مستوى القيادات كما في التيار الصدري وتيارات العنف المختلفة وحتى التصدي للإفتاء الفقهي من تلاميذ لم يحصلوا على شهادة [حتى] مدرسة دينية...

9.    التحالف مع قوى وطنية وعلمانية في ظل الأوضاع التي استدعت وجود حالة وحدة وطنية ذات قواعد واسعة وعريضة لإعادة الإعمار وتشكيل مؤسسات الدولة. إنَّ هذه الحالة مررت تلك القوى المرضية التي كان ينبغي لها أن تبقى في حدود حجم هامشي بينما نجابه وجودها الرئيس في المشهد.. حيث صعدت على أكتاف القوى الشعبية الحقة وفي أجواء الفراغ الذي خلقته ظروف انحسار مجالات حركة القوى الديموقراطية والعلمانية في ظل النظام الفاشي القمعي...

لقد وعت الجماهير الشعبية الواسعة مشكلتها بكل ما ترتب عليها من ضريبة انعدام الأمن ونتائج الإرهاب الدموي وفقر الخدمات وترديها والبطالة والفساد المتفشيين باستفحال. وتعرفت إلى كون برامج القوى المتحكمة في الوضع وسياسة الزعامات الطائفية هي التي أوصلتها لما آلت إليه من مهالك الهاوية التي هي فيها اليوم...

فتظاهرت في مواجهة التحالفات الطائفية وهتفت بسقوطها ورفضت استقبال زعامات الإسلام السياسي، وعبرت عن احتجاجاتها بأشكال متنوعة منها أشكال نوعية متقدمة من جهة التنظيم والتعبئة، ما يعني أن الحركة الجماهيرية فاعلة وتمتلك الوعي الكافي لرؤية الوضع إلا أن ذلك ما زال من جهة القيادات الحزبية أدنى من المؤمل فيه!

وبوضوح فالمشكل العراقي اليوم هو مشكل مؤسساتي وافتقاد لدولة مؤسساتية حقيقية تستجيب لمتطلبات العصر في التعاطي مع مجريات الوضع العام سواء على المستوى العالمي الإقليمي المعقد في آلياته أم على المستوى الإنساني البسيط في تفاصيله اليومية العادية...

وما يهمنا الآن  في عراق اليوم الإجابة عن تساؤلات عريضة وأخرى تفصيلية من مثل: ما العمل؟ وبمَ نبدأ؟    وما آلياتنا لاستعادة المبادرة ووضعها بيد أوسع جماهير الشعب؟ وكيف يتحقق ذلك؟  إنَّ الإجابة عن السؤال الأول لا تتاح إلا في ظل تفاصيل مركبة معقدة كثيرة تتمثل في رؤية واضحة لستراتيج من جهة وتكتيكات مرحلية منتظرة من جهة أخرى...

أما البدء فينبغي أن يكون من حيث هدفنا الكامن في إعادة مؤسسات الدولة وهيبتها ووضع احتكار السلطة في يد المؤسسة الوطنية للمجتمع العراقي ممثلة في هيكل مؤسسات دولة متكاملة تشريعيا وقضائيا وتنفيذيا. وهذه الأمور لم تأتِ ناضجة ولا حتى مقبولة عبر الانتخابات السابقة لأن هذه جرت في ظروف غير مؤاتية وجرى تحريفها من جهة بسطوة البلطجة والمصادرة الطائفية وعبر بوابة قدسية الدين وسلطته بفرض الزعامة السياسية مالكة لتلك القدسية الدينية!

إذن، من أين ستأتي الخطوة الأولى \ البداية؟ إنَّ الأمر لا يخلو من تعقيد وصعوبة؛ ولكنه ممكن عبر جبهة شعبية عريضة تضم القوى المتنورة العلمانية الديموقراطية. شريطة عدم التردد من الاحتفاظ باستقلالية تامة تمنع تسلل القوى الطائفية تحت أيّ مسمى إلى هذه الجبهة. وينبغي هنا أن تعمل هذه الجبهة العريضة من منطلق واقع الحال وتداعياته من جهة وأن تمتلك برنامجا وطنيا ديموقراطيا مختزلا واضحا ومباشرا...

ومثل هذا البرنامج ينبغي له ألا يتعدى حدود وصول القوى الديموقراطية بأغلبية مناسبة لتشكيل البرلمان والحكومة.. ومن ثمَّ إعادة ترتيبات تشكيل مؤسسات دولة نزيهة تمثل المجتمع بحيادية تامة وبحرفية تامة لا ترتبط بالروح الحزبي أو العقائدي الديني أو المذهبي أو أدلجة بعينها سوى رؤية كونها مؤسسات دولة تلبي مطالب مجموع المجتمع وفئات الشعب كافة وتنتمي للغة العصر وطابعه الحداثي...

وبناء على هكذا رؤية ينبغي أن تعمل الأحزاب الوطنية الديموقراطية كافة على الدعوة لمؤتمر تحضيري طارئ يرتقي لمستوى مسؤولية إعداد برنامج العمل المؤمل. وهذه الدعوة ملزمة لتلك القوى لأننا لسنا في حال العمل في ظروف اعتيادية أو طبيعية ما يتطلب حالة التعامل بلغة الطوارئ والعجالة الضرورية بل الحتمية...

ولتبدأ الآن مجالس التنسيق بين القوى السياسية الديموقراطية في دول المهجر وفي محافظات الوطن تحديدا باللقاء ودفع رؤاها للقيادات الحزبية وبصيغة أوضح للضغط باتجاه النهوض بمهمة عقد لقاء "العراق الديموقراطي".

والمهمة المفترضة للقاء عاجل طارئ لقوى "العراق الديموقراطي" يتضمن مهمة رسم الآليات لانتخابات مبكرة مشروطة بالآتي:

1.   حكومة وحدة وطنية مؤقتة توظف التكنوقراط في أدائها ومهمتها الأساس التحضير للانتخابات المبكرة...

2.   جهة إشراف مستقلة ومقرّة من أطراف العملية السياسية كافة مع وجود إشراف دولي مستقل ومحايد وله سلطة القرار بشأن مجريات العمل..

3.   منع بقايا الميلشيات من الوصول إلى مراكز الانتخابات، بمعنى البدء بحلّ تلك الميليشيات المعنية بأمر الحل وتحقيق ذلك قبيل البدء بالانتخابات ذاتها..

4.   قانون انتخابي يحظر جهتين من المشاركة: أحزاب تقوم على الفكر الديني المذهبي ومنع تلك التقاليد التي تعود لأرضية الدولة الدينية ومظاهر ولوج رجال الدين للحياة العامة وتوظيف سلطاتهم ومرجعياتهم الدينية للفصل في الشأن المدني العام ومنع رجال السياسة والإدارة المدنية العامة من الظهور بالعباءة التقليدية الأثرية أو الدينية  وووقف آليات منهج ولاية الفقيه المستتر بالتقية وبغيرها بخاصة بمراجعة الشخصيات السيادية لمراجع دينية في شؤون مدنية للدولة ومثل ذلك منع قوى تعود لسلطة النظام الفاشي المهزوم من التسلل بهذه الطريقة أو تلك وترك فرصة لقرار المعالجة مجددا لمؤتمرات وطنية مخصوصة [المصالحة] وللجهات التشريعية القابلة بعد مرور مدة زمنية متوافق عليها وطنيا...

5.   وضع محدِّدات لمنع التأثير السلبي لأية مرجعيات تُسْقِط على نفسها القدسية وتمارس دورا خارج ميدانها أو بطريقة غير قانونية أو غير مشروعة دستوريا وحصر سلطة المرجعيات الدينية في مجالاتها الفقهية المخصوصة وبحدود قوانين الدولة المدنية وشروطها...

6.   تعديل تشكيلات البرلمان الوطني بما يستجيب لبرلمان (500مقعد) من هيأتين هما المجلس الوطني (300مقعد) ومجلس الاتحاد(200مقعد)؛ الأول يقوم على التمثيل النسبي المباشر لمجموع سكان العراق والآخر يقوم على تركيبة تحفظ لكل مجموعة سكانية بنسبتها المساوية للآخر لتمثيلها على أساس أن تركيبة مجلس الاتحاد هي تركيبة تمثل الأطياف العراقية كافة من عرب 20% وكورد 20% وتركمان20% وكلدو آشور سريان 20% وصابئة مندائيين وأيزيديين وأرمن ويهود وغيرهم 20%.  [هذه الحالة من التساوي كون مجلس الاتحاد ينهض بمهام واختصاصات تتعلق بشؤون القوميات والمجموعات الدينية ومصالحها من باب هذه الخصوصية ما يتطلب أن يعبر كل طرف أو طيف عن مطالبه بنفسه مباشرة]..

 

إنَّ مشكلتنا في مؤسسات دولة طائفية دينية المضمون مذهبية الهوى تعود فلسفة العمل فيها إلى خلطة تجمع بين سلطة الماضوي المستجلِب لأزمنة غابرة من دواوين دولة القرون الوسطى وسلطة الخارجين عليها من عناصر الفساد وعصابات ومافيات وميليشيات بعضها محلي طارئ وآخر منظم وله امتدادات دولية إقليمية أو ما فوق الجنسية OVERSEAS وليس بديل هذه المشكلة إصلاحات جزئية ترقيعية لا تأتي بعلاج أو حل...

وإذا كانت الجماهير طالبت رفضت التشكيلة القائمة عبر مظاهرات صريحة الشعار فإن على البديل الديموقراطي أن يتصدى للمهمة لا أن يترك الفرصة مرة أخرى للعبة جديدة يجري التحضير لها عبر تغيير اسم هذا المجلس [الأعلى] أو شعار ذاك التيار [الصدري] أو قيادة ذاك الحزب [الدعوة] أو آلية تلك الميليشيا [المهدية\ البدرية]...

إنَّ تيار الإسلام السياسي بتعدد تشكيلاته يضم مجمعا متناقضا من المصالح الذاتوية ولكنه عندما يتعرض لموقف شعبي كالذي يجري سيوحد قواه وجهوده للمحافظة على أثرته وسطوته على السلطة لا السياسية بل والاجتماعية التي تصادر المجتمع ذاته..

ومن هنا تلك المجريات التغييرية التضليلية التي تمارسها تلك الأحزاب والقوى ومن هنا مواصلتها الحملة المشتركة الكامنة في جوهر جريمة هذا التيار وقواه المتطرفة ممثلة في إرهاب الإسلام السياسي التكفيري والطائفي وما جوهر تلك الحملة إلا متابعة اغتيال كل إنسان متعلم وأول هؤلاء العلماء والساتذة والأطباء والمهندسين والأدباء والفنانين والصحفيين  ومصادرة الطلبة أنفسهم ومنعهم من الوصول إلى الجامعات والمدارس بل حظر حركة النساء وحتى البنات الصغار والحجر عليهم في مقابر بيوت آبائهم وأزواجهم.. ومنعا للتعددية يجري مطاردة كل ما هو غير إسلامي على طريقة أحزاب الإسلام السياسي بذبح المسيحي أو ترحيله وذبح المندائي والأيزيدي واليهودي وطبعا مطاردة الكلداني الآشوري والأرمني والصابئي وهكذا بلا عجب!!!؟

فهل سننتظر يا قوى التنوير مزيدا من التراجع والانحدار والرجوع إلى سلطة مرجعيات القرون الوسطى؟ وهل سنواصل الخنوع لدويلات الطوائف؟ وهل كان فجر الحضارة في وادينا وبلاد سومر ليكون جيلنا مدفنا للتمدن والتحضر؟ هل نكتفي بالهجرة والرفض والشجب والتذمر ونترك الفعل والمبادأة لعصابات الموت تسطو على كل شيء في وطن السلام والديموقراطية؟

كلمتي هذه ليست لاحتجاج ولكنني أزعم أن فيها مقترحا وصوتا عساه يصيب فنتبناه سويا أو يتم تعديله أو تغييره ولكن لابد من الفعل والعمل. وهو في الوقت الذي يتجه إلى القوى الديموقراطية لا يستثني منه كل من يأتي ليشارك في تبني هذه المسيرة والتخلي عن برامج برهنت كونها القاتل الأخطر لوطن الحياة وربوع السلم والتعددية والتنوع والديموقراطية.........

ولعلي في انتظار تعليق يتضامن ولو باسطر أو يقترح بديلا لأننا من هنا نبدأ دحرجة كرة الثلج لتكون كرتنا العراقية الملتهبة المفعمة حركة وحيوية ونبضا بالأمل وكل البركة في الحركة وأول الفعل تململ وفي البدء كانت الكلمة.. وإني لمتطلع إلى رؤى الخير...

190
 

دفاعا عن الثقافة العراقية.. دفاعا عن المثقف العراقي!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

20 2007/05/

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


القسم الأول

للثقافة العراقية جذور تاريخية بعيدة، تعرَّف إليها العراقي وغيره. وقد سجلت المعارف الإنسانية حقيقة أن وادي الرافدين طوال عشرة آلاف عام شهد انكسارات [عسكرية] لكنه حتى في ظل تلك الهزائم "العسكرية" كان المنتصر ثقافيا وحضاريا.. ولم يتردد العراقيون في مسيرة حضارتهم وتفاصيل ثقافاتهم وغناها وتنوعها من السير قدما إلى أمام؛ ما أعاد دائما الوجه المشرق لثقافة التفتح والتنوير ولأسس الحضارة الإنسانية وتراثها الخالد.. وهكذا ما كانت الثقافة العراقية ولا المثقف العراقي الذي أبدعها بحاجة للتزويق أو الشهادات المرضية والتزكيات البائسة على طريقة الكتابات الصحفية العجلى والحبلى بأمراض [أعداء الثقافة العراقية المضيئة]!؟

وها نحن اليوم نقرأ بضع أسطر يكتبها أصحاب الأسماء المستعارة وأخرى المتشنجة الموتورة مهاجمين المثقف العراقي بله الثقافة العراقية في ظل اختلاق أزمة أو افتعال مشكلة.. وآخر ما صرنا نقرأ ونسمع ما تعلق بانعقاد مؤتمر للمثقفين والمفكرين والأكاديميين العراقيين في العاصمة الأردنية عمّان. وهو المؤتمر الذي قدم نفسه وأعضاءه كونه جزءا من مسيرة الثقافة العراقية ومنظماتها وكونه واحدا من روافدها  لا بديلا لأية منظمة  ثقافية عراقية ولا مختزلا لأيّ منها ولا لادّعاء التمثيل المطلق للثقافة والمثقف العراقيين...

إنَّ هذا التقديم المتسم بالتواضع يشير إلى حرص المجتمعين على توكيد احترام الآخر ممن لم يحضر المؤتمر، وعلى تقديس التعددية والتنوع في إطار الثقافة العراقية، وعلى تبجيل الحجم النوعي الكبير للمثقف العراقي من جهة الأعداد الموجودة في داخل الوطن أو المنتشرة في المهاجر ودول الشتات، الأمر الذي لا يمكن جمعهم في آن واحد...

ولكن المؤتمر انعقد على أساس أنَّ تأخير تأسيس مجلس للثقافة العراقية هو أمر غير مقبول عند توقف الحجج والذرائع على أبواب أما جمع [كلّ] المثقفين العراقيين أو لا اجتماع كما ظهر في أصوات بعينها!! وقد وجد أصحاب مشروع "المجلس العراقي للثقافة" أن الرحلة تبدأ بخطوة ولتكن هذه الخطوة من محاولة جادة للمّ الشمل في مجلس يُعنى بالثقافة وهموم المثقف والتصدي لأشكال المطاردات والمصادرات ومحاولات الاغتيال وأعمال التصفية الجسدية والمعنوية الأدبية... وهكذا كان انعقاد مؤتمر عمّان فرصة لتعاضد الخبرات وتوحيدها وصبها في معالجات أقرت نظاما تأسيسيا للعمل وأصدرت بلاغا موجزا يركز على الأمور الرئيسة التي تنتظر المثقف العراقي للعمل من أجل وضع الحلول والمعالجات والبدائل المؤملة لها فضلا عن مشروعات مهمة لمسيرة نوعية جديدة...

وقد تجاوز أعضاء المؤتمر كثيرا من لغة الخطاب السياسي وأمراضه من قبيل الالتفات إلى مسائل تتحدث عن [تزكية] المثقف والثقافة العراقيين، وهي إشكالية يُراد من ورائها نقل أمراض الواقع إلى داخل الجسم الثقافي بما يعرقل أية بادرة لتفعيل دور الثقافة والمثقف في تقديم البدائل للأزمة القائمة..

وقد كان لقاء النخبة الأكاديمية الإبداعية أرضية لتوكيد الهوية الوطنية للمثقف العراقي ووحدة أسسها وامتناعها على التفكيك والتفتيت وعلى الشرذمة والاصطراع على أسس سياسية مفتعلة من قبيل التقسيمات الطائفية وأمراضها والتقسيمات الحزبية الفئوية أو تلك القائمة على الاتهامات الباطلة وخلفياتها حتى عندما تدعي البحث في مصالحة مجتزأة عرجاء جوهرها الإلغاء وبدائل ناقصة....

ولاحظوا معي هنا أنَّ أية مبادرة عراقية للقاء وللتفاعل وتوحيد الجهود تتعرض إلى أسئلة التعريض والاتهام ومحاولة إغراق المبادرة بهذه الطريقة الخرقاء من العيش في أوهام نظريات مرضية من قبيل نظرية المؤامرة وأن أية مبادرة تبدأ، إنما تبدأ بتخطيط مؤامراتي من جهات دولية وإقليمية أو من عملاء محليين أو أوباش من بقايا مجرمي النظام السابق!!! وهكذا يبحثون عن فسحة للغة الشتيمة والتعريض والاتهام ليس غير...

لقد جرت حالات مهاجمة بصيغة المطلق للمؤتمر وأعضائه كافة بالاستناد إلى مهاجمة شخصية أو أخرى أو واقعة في حياة هذه الشخصية الثقافية أو تلك. وكانت أغلب الهجمات المرضية تستند إلى تفاصيل هامشية تجاه الجوهر النوعي لمهمة مؤتمر الثقافة العراقية.. كأن يجري الحديث عن زواج سابق لشخصية أو زيارة لأخرى أو لقاء لثالثة وكأن الدنيا تنتهي على أبواب تلك التفاصيل المُصاغة بطرائق تعريضية مشخصنة... والحق أقول: إنَّ تلك الهجمات والاتهامات التي تتعرض لشخصيات ثقافية عراقية هي التي تخدم أولا وآخرا جهات السلب والإضرار بعراق اليوم والغد...

لقد تحدثت أصوات لها رعاية في إعلام الصحف الصفراء؛ صحف الإثارة والفضائح عن عمالة شخصية أو أخرى ولكنها لم تتحدث [وهي لا تسطيع التحدث] عن موقف المؤتمر الواضح والصريح من الأزمة العراقية بكل مفرداتها؛ سواء في رفض الاحتلال الأجنبي للوطن أم في الموقف الشجاع والمميز من الميليشيات ومن قوى الإرهاب التي عاثت في الوطن فسادا وتخريبا وتدميرا وتحاول قطع الطريق على جهود أبنائه لإعادة إعماره وبناء صرحه الجديد وغده الأفضل والأجمل...

لقد جاء البيان الختامي بعد مناقشات مستفيضة من جميع الأصوات المتنوعة وحتى المختلفة لتؤكد على أن رفض الاحتلال مبدأ وطني لا خلاف عليه وهو ليس عقدة مرضية أو شعارا تضليليا كما يحصل في انشغال أطراف أو شخوص بالحديث عن مفردة الاحتلال بسذاجة وبعيدا عن قراءة الواقع وظروف المرحلة وتشابكاتها ومتطلباتها وأسس معالجة القضايا الملتهبة وطبيعة أولوياتها؛ ولكننا نحن المثقفين العراقيين لسنا في سياقات تلك المراهقة السياسية أو رؤى الطفولية والتطرف التي لا مصلحة لها في استقرار الوضع العراقي وتطمين ظروفه وحاجاته الأمنية بمساعدات دولية وإقليمية مطلوبة في اللحظة الراهنة بقوة وتحديدا مسألة وجود القوات الأجنبية في هذا الظرف الخاص..

ونحن ندرك أن مرحلتنا تحتضن من القوى المختلفة، قوى العنف الدموي المتسترة بشعارات [تدعي الوطنية] لكن شعاراتها تبقى مجرد تضليل في جوهرها والدليل برهان ساطع في مجريات الأمور على الأرض حيث الوطن الذي يُذبح يوميا أبناؤه بأيدي أولئك الأدعياء أو المضلَّلين أو المراهقين السياسيين ولا أستبعد في هذا الخطاب المشوّه حتى وجود أطراف طيبة النية صحيحتها لكن النية الحسنة وحدها لا تكفي......

ومن هنا فإنَّ قوى الثقافة الوطنية العراقية والأكاديميين والعلماء والمبدعين أدباء وفنانين بحاجة لصبر ونـَفـَس طويل هم الأقدر والأجدر على تحمل عبء السير به لمعالجة تلك المخلفات والتركة الثقيلة التي نجابه نتائجها الكارثية اليوم.. وعلى هذا التحليل وهذه القراءة جاء بيان مثقفينا في موقفه الحاسم الحازم من تلك التركة المرضية التي صارت تربة لمجتمع العنف والدموية والإرهاب...

وإذا أردنا بحق متابعة الخطابات التي رافقت المؤتمر سواء من داخله أم من خارجه فإننا سنلاحظ الأطراف الآتية:

1.  طرف سبقت الإشارة إليه في تغليبه لغة الخطاب السياسي على الثقافي والمعرفي الأكاديمي، وفي هذا لا اختزال الخطابات المعرفية وتنوعها وتلونها بل تسطيح حتى للخطاب السياسي نفسه؛ عندما يجري التعامل مع هذا الخطاب من نافذة ضيقة تطل على مفردة من مفردات هذا الخطاب كما يجري التعامل مع مفردة الاحتلال من جهة الوقوف عند مبدأ رفض الاحتلال والحق في مقاومته [بكل السبل]! وكأن الدنيا [وليس الخطاب السياسي وحده] تبدأ وتنتهي عند هذا المبدأ وعند هذه المفردة! وطبعا يدرك الإنسان العاقل أن الحياة غنية بمعطياتها ومتطلباتها وحاجاتها وأن الإنسان لا ينتحر عند أقدام مفردة من مفردات حياته....

2.  طرف يرى في استقلال الخطاب الثقافي أنه لا علاقة له بكل الخطابات المعرفية الأخرى حتى أنه لا يكتفي باستقلالية ذياك الخطاب بل يعدّ خطابه الثقافي منفصلا  تماما عن بقية الخطابات ويرى أن نناقش الثقافة في شأن واحد هو الشأن الإبداعي الأدبي والفني حسب؛ مُهمِلا تشابك العلائق المعرفية الإنسانية وأهمية تفاعلاتها وواقعية البحث في نتائج ذلك بموضوعية ومنطق عقلي مناسب...

3.  طرف من خارج المؤتمر ظل يصب جام انفعاله وغضبه من بوابة الاتهامات التضليلية سواء منها المتعلقة بإطلاق سمة العمالة على جميع أعضاء المؤتمر أم بمسائل تتعلق بالاتهامات الفضائحية ذات الهدف التسقيطي من نمط التعريض بشرف الشخصية أو بقبولها الرشاوى وبيع الضمير والكلمة مقابل مصالح مادية رخيصة! ومن الطبيعي أن يبحث مثل هذا الطرف عن أية زلة أو هفوة أو التباس أو تهمة في التاريخ الشخصي البحت للمثقف عضو المؤتمر.. ومن الحق أن نردّ هنا على هذه التخرصات بأن الثقافة تبقى نشاطا جمعيا يتصدى له أبناء المجتمع طوعا ما يستدعي بالمقابل الحرص على خصوصيات من يتقدم بهذا العمل الجمعي واحترام شؤونه الشخصية كمبدأ أول. ومن الإنصاف والمنطق الصحيح أن يتم التركيز في الحوارات على الصحيح الصائب من الخطأ في الرؤية أو الفكرة قيد المناقشة والحوار لا غير... فهل فعل المهاجمون والتزموا الحوار الموضوعي؟!! وهل حقا تحدثوا بمصداقية وأمانة أم امتلأت أحاديثهم وادعاءاتهم بالافتراءات؟

4.  والطرف الآخر يتمثل في أولئك الذين يبحثون عن وجودهم من باب المظاهر والحضور في الملتقيات فإنْ لم يكونوا في ملتقى طعنوا فيه.. وهؤلاء من المنتفعين والسطحيين والأفاقين وليس من فائدة في مناقشة معهم أو الوقوف عند تعاطيهم مع الهامشيات الفضفاضة الفقيرة...

5.  وما يهمني هنا بالضبط في إشارتي هذه أنْ أقدِّم احترامي وشكري لكل متسائل أو مناقش ومحاور أدلى برأيه أو تساؤله تطمينا لموقف أو معاضدة لفكرة موضوعية أو إغناء لمسيرة وهؤلاء نسبتهم مهمة كميا ونوعيا. ويلزم أن نقدم لهم التحية لتداخلاتهم ونحن ننتظر منهم بالتأكيد، بعد اطلاعهم على النظام الداخلي للمجلس الوليد وعلى البلاغ الختامي وعلى برامج ومشروعات العمل، أن يُبدوا آراءهم الموضوعية لتطوير مشروعات البناء والمساهمة في الإيجابي الصائب الذي ينبغي أن يكون لهم فيه جهدهم الأساس للتطوير والتقدم بالمشروعات الثقافية الوطنية النبيلة...

 

ولايوجد بعد هذا من يدعي أنه الأول والآخر فقد جرت محاولات كثيرة للعمل على تنظيم مثقفينا وستجري متصلة تلك المحاولات مستفيدة من دراسة عوامل الإخفاق ودوافع النجاح القابل.. وأجزم أن هذا التشكيل سيتقدم بفضل عوامل منها:

1.      الروح العملي التنفيذي لدى المبادرين واللجنة التحضيرية وتوافر عامل الدعم المادي المناسب على مدى السنة الأولى من عمر مسيرة المجلس العراقي للثقافة.. وقد أدرك المؤتمرون هذه الحقيقة فأعادوا انتخاب شخصيتين لمواقع الأداء والعمل هما الأمين العام والسيدة التي احتلت مهام المقرر ذلك أن السيد إراهيم الزبيدي والسيدة غادة بطي قد نهضا عمليا بمهام جدية ناشطة ومؤثرة. وما بعد شكر لعدد من الفاعلين ولأعضاء المؤتمر يبقى الفعل النوعي الأوسع كامنا فيما ينبغي أن يتم من خلال نوافذ جديدة أرحب ترفع عن الكاهل الفردي مهام المسيرة وتحولها للعمل الجمعي في أداء الأمانة العامة مباركين للشخصيتين عطاءهما وأداءهما طوال أنشطة التحضير للمؤتمر وفي أثنائه أيضا...

2.      التفاف أطياف متنوعة من مثقفينا في رؤاها وأفكارها وفي أنماط العطاء والتخصص. وتفاعل الجميع في إطار هوية وطنية عراقية واضحة مع توكيد وطيد على إعلاء شأن الخصوصيات القومية  الأثنية والحريات وعوامل احترام الآخر ما يمنح فرصا حقيقية لتلاقح الثقافات في الإطار الوطني الاتحادي وتفاعلها إنسانيا وبطرائق مشرقة...

3.      اعتماد العلمنة وعلى وفق جوهرها الصائب في احترام الديانات والمذاهب وتوفير الحقوق في الممارسات الحرة لثقافة التنوير والانعتاق من أية أشكال من المصادرات وحالات الإلغاء أو من اية سطوة للغة التكفير الديني والحظر السياسي ما يعطي معنى جدي لبناء مؤسسات الدولة الوطنية على أسس مدنية متينة الوجود فيها متاح للجميع على حد سواء إلا للأطراف التي تقوم على معاداة الإنسانية...

4.      المؤسسة الجديدة تحتضن الخطاب الثقافي والمثقف العراقي في خطابه المستقل من دون إغفال لبقية الخطابات والتفاعل معها على وفق أولويات التخصص هنا والاستقلالية لا الإنفصال والتقاطع...

5.      وجود آليات عمل مخطط لها ومدروسة وستحظى بالمتابعة على وفق برامج مرسومة بعد دراسة معمقة فضلا عن استقبال التجاريب والخبرات والتفاعل معها بما يؤمِّن مسيرة متوالية النجاحات..

 

وبعامة فإنَّ مؤتمر عمّان لم تنته أعماله بعد.. فقد جرت اتفاقات جدية من قبيل إصدار بيان عمان بعد الانتهاء من دراسات مخصوصة.. وتوضيب مشروعات والاتجاه لتنفيذها ما يحتاج لجهود أخرى حيث الأمور التطبيقية العملية بعد الجهود التخطيطية.. ومن الطبيعي أن نقول: إ، هذا لن يتعارض مع وجود مجالس للثقافة العراقية أو ولادة أخرى في الظرف الراهن من هلامية مؤسسة الدولة العراقية وتمزقها..

بل نجزم، أننا سنكون في حال من التوافق والتفاعل بين مجموع تلك المجالس العراقية للثقافة حتى تتوحد في أجواء مناسبة قابلة. إذ الأصل أن يكون للمثقفين العراقيين مجلس وطني واحد بفروعه التي تحتضن تنوع أطيافه ولغات أبناء الوطن إلى جانب النهوض بمهام العناية بمجموعات مثقفينا في مهاجرهم ومنافيهم القسرية والاختيارية..

وعليه سيكون من المهم الالتفات إلى تعاطينا جميعا بحرص وحذر مع هذه الحقيقة في تعددية مؤسساتنا الثقافية وطرائق تفاعلها وتوحيد جهودها من غير قبول بحالات التنافس والأهواء والمصالح الضيقة المضرة..

ويمكن الإشارة إلى أن منظماتنا قد استوعبت الدرس وجاءت بإيجابية الروح والتعاطي مع التجربة فوجدنا اتحاد الأدباء والكتّاب وعديد من المنظمات من داخل الوطن ووجدنا رابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر وغيرهما من منظمات الثقافة العراقية في خارج الوطن ووجدنا شخصياتنا الأكاديمية والثقافية تتضامن مع الفعل الموجود ميدانيا...

ولحديثنا بقية تصف أجواء المؤتمر والحلقات النقاشية الحوارية وما يمكن أن يعزز ويدعم ويعالج ما قد شاب من أمور ينبغي استكمالها.. فإلى لقاء.

 

191
مركز دراسات المجموعات القومية والدينية في الشرق الأوسط ومشروع مركز الدراسات السومرية
تيسير عبدالجبار الآلوسي
tayseer54@hotmail.com

أكاديمي ومحلّل سياسي - ناشط في حقوق الإنسان

11 2007/04/

عاشت في بلدان الشرق الأوسط مجموعات قومية ودينية متنوعة متعددة ولقد شادت تلك الشعوب مجد أولى الحضارات التي أنارت الحياة البشرية ونقلتها إلى عالم جديد من اعتماد المنطق العقلي في بناء الحياة الحرة الكريمة.. وولِدت دولة المدينة التي أعلت من قيم المعارف والعلوم ومن تثبيت حقوق البشر وحقوق الشعوب على وفق ما ورد في أولى الشرائع التي وردتنا مدونة في مسلات ما زالت تحتضنها اليوم كبريات المتاحف العالمية...

وكانت المدرسة الأولى والقرطاس والقلم وكان الحرف السومري وكانت مكتبة الشعوب السومرية التي راكمت إبداع العقل العراقي آنذاك. وصرنا شيئا فشيئا نقرأ في مراكز البحث والدرس حتى كانت بغداد يوما ودار الحكمة فيها مركز العالم بحوثا وعلوما ودراسات... ولم تكن مكتبة الأسكندرية أقل شهرة ومكانة ولم تكن شعوب دول شمال أفريقيا أقل إبداعا وشأنا بل كانت تقوم حواضر مشرقة وهويات شعوب ما زالت اليوم تحيا بقيمها وخصوصياتها الساطعة...

ولكن المشكل اليوم جاء على أنقاض نتائج الحروب الكونية الأولى والثانية وطبيعة الدول التي قامت مستمدة أصولها من رؤية أحادية تستند إلى القبول بواقع رسمه تاريخ ما بعد قيام الدولة العربية الإسلامية ورفضت جهات حكم في تلك الدولة كل ما عداها من رؤى وهويات وأفكار ومعطيات وجودية راسخة. وجرت أعمال قمعية مبررة بخلفية تدعي المرجعية الدينية والرؤية العروبية الشوفينية الاستعلائية...

وتمَّ اختلاق صراعات ومحاولة محو الوجود الشامخ للمجموعات القومية الأثنية والدينية التي تمتد إلى أعماق تاريخ المنطقة.. والمشكلة أن ما جرى من تصفيات ومحاولات محو أو محق الهويات والخصوصيات لم يكن يقف عند محو قيم اجتماعية أو أخلاقية أو تراثية ثقافية [حضارية البعد والمعنى] بل يذهب للتصفية الجسدية بطريقة الهلوكوست أحيانا كما هو الحال في كل من كردستان في العراق ودارفور في السودان...

وينبغي هنا أن نشدد على أن متغيرات عالمية جدية كبيرة حصلت في العقود الأخيرة وصرنا بمجابهة أفضل ضد كل أنواع تلك الجرائم.. وكانت الثورة التكنولوجية مساعدا في نقلة معرفية معلوماتية عميقة واسعة.. ما أدى إلى إتاحة فرص لدراسات موضوعية تدعم حركة التحرر والانعتاق من ربقة الاستغلال والمصادرة والاستلاب..

وبناء عليه وفي ضوء تتابع المؤتمرات المتخصصة بقضايا أبناء الشعوب المتعايشة في بلدان الشرق الأوسط.. وبناء على تراكم المنجز المعرفي الثقافي السياسي لأبناء تلك المجموعات القومية الأثنية والدينية، صار لزاما الاستجابة لضرورة إيجاد مراكز دراسات تُعنى بشؤون تلك المجموعات وتوثق لأنشطتها وتعمل للتحضير لمسيرة نوعية مختلفة تثبت المنجز وتتطلع للجديد بما يعزز من لغة الوئام والسلم والديموقراطية وسمة التعددية والتنوع واحترام ذلك على كل مستويات العمل والنشاط في هذه البلدان...

إنَّ ضرورة وجود مركز لدراسات المجموعات القومية والدينية في الشرق الأوسط صارت حتمية منتظرة اليوم.. وسيكون لمكانة هذا المركز في المستقبل غير البعيد أبرز الآثار الإيجابية المؤملة.. وهو ما يتطلب دعما جديا من الأطراف ذات العلاقة...

ويستهدف هذا المركز التخصصي البحثي شعوبا من مثل الكورد والكلدان الآشوريين السريان والصابئة المندائيين والأيزيديين والشبك وشعب جنوب السودان والفور [دار فور] والأزواد الطوارق والأمازيغ في بلدان شمال أفريقيا وهؤلاء جميعا وغيرهم جرى سحق ثوراتهم وقمع مسيرة شعوبهم ومنعهم من التحدث بلغاتهم أو ممارسة شعائرهم وطقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم وحتى من التسمية بأسمائهم القومية وهوياتهم المستقلة...

ومن الطبيعي أن يشتمل المركز على توثيق الدراسات المعرفية التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ورؤى معالجة المشكلات والعقبات والظروف المحيطة بهم بشكل متخصص بكل شعب أو مجموعة قومية أو أثنية أو دينية أو جماعيا بما يعود في النهاية على الأوضاع بحلول موضوعية رصينة تستجيب لتطلعات أبناء تلك الشعوب وتمنع عنهم أعمال التصفية والتنكيل وغيرهما من جرائم..

ويمكن لهيكل مركز الدراسات هذا أن يتشكل على أساس مجموعات الدول المغاربية ومجموعات وادي النيل ومجموعات وادي الرافدين كما تتشكل كل مجموعة من متخصصين في مجال بعينه بصيغة فريق عمل للبحث العلمي كأن يُصار للدراسات القانونية أو التاريخية والاجتماعية وغيرها...

وفي النهاية ينبغي أن توضع مساهمات مادية من مجموع تلك الدول المعنية بمثل هذا المركز إلى جانب منظمات الأمم المتحدة كاليونسكو وحقوق الإنسان.. على أنَّ المسألة لا تنتظر أن تتحرك تلك الجهات بل أن ينبثق المركز من أرضية مناسبة..

وفي الحقيقة فهذه مجرد رؤية موجزة أولية لمشروع متكامل معدّ من كاتب هذه الكلمات تهيئة لأجواء العمل اللاحق.. حيث توجد مساحة مهمة من الوثائق التي يلزم استكمالها لانطلاق الدعوة العملية لإرساء عمل المركز..

وعلى سبيل المثال تم وضع خيارين لمقر المركز هما أما في كردستان العراق أو في لاهاي ولكل خيار مسبباته ونتائجه الإيجابية اللاحقة. ففي كردستان توكيد لظاهرة التعددية والتنوع في العراق الجديد وتوطيد لمسيرة شرعت في ترسيخ معالم الانعتاق من زمن المصادرة فضلا عن أمور أخرى عديدة.. وفي لاهاي يكون القرب من الاتحاد الأوروبي والحريات وحجم الاتصال الإعلامي وجلب وسائل الدعم وفرص لتعاضد الجهود واستثمارها بسهولة أكبر بخاصة بشأن وجود ممثلي شعوب الدول المغاربية و وادي النيل...

وبشأن الصحف الأنترنيتية والدوريات البحثية العلمية المطبوعة هناك معالجة مخصوصة بصدد إطلاق الموقع الألكتروني المتضمن مساحات بكل قضية بعينها وتوفير قاعدة بيانات مناسبة تساهم في دعم الجهود الدراسية المطلوبة.. ومن الطبيعي أن يتم إطلاق حملة لجمع الوثائق والكتب والدراسات التي تمثل قاعدة تلك البيانات المنتظرة.



مشروع مركز الدراسات السومرية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي - ناشط في حقوق الإنسان

11 2007/04/

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:





هناك أمل وطيد بأن تنطلق في الأشهر القليلة المقبلة مسيرة مؤسسة ألواح سومرية بوصفها مركزا للدراسات السومرية القديمة والمعاصرة.. وتمثل هذه المحاولة تطويرا لرؤية تلكأت طويلا قبل الانطلاق في محاولة لتوكيد وجود الجمعية السومرية الدولية التي تُعنى بالسومريات بوصفها علما متخصصا يمتلك حدوده وميادين عمله وقراءاته المعرفية..

ومركز الدراسات السومرية سيكون الحاضنة العلمية لكل بحث يتناول ولادة الحضارة البشرية ومجتمع دولة المدينة عبر شعوب وادي الرافدين وحضارتها السومرية ونتاجاتها المعرفية والمدنية.. وهو المركز الذي سيطلق دورية بحثية أكاديمية متخصصة كما يعقد المؤتمرات بهذا الشأن سواء منها على المستوى العراقي البحت أم الدولي والإقليمي...

وستعمل الدراسات على معالجة مسارات تخصصية منها ما تستفيد من علم الاجتماع، الآثار، التاريخ، القانون والعلوم الاقتصا سياسية ومن باب أولى ستُعنى الدراسات وجهود المركز بقضية الآثار من السومريات ومتابعتها في الميادين التي انتقلت إليها خارج موئل وطنها الأول لأية أسباب كانت. ومن الطبيعي أن تصب الجهود في العمل على المحافظة على تلك الآثار بوصفها ثروة إنسانية بل تراث البشرية عامة.. بمعنى الدعوة للإبقاء على تلك الآثار في الأماكن التي تكون أنسب للمحافظة عليها في اللحظة المعينة..

وسينهض المركز بمحاولاته العملية الجادة للحث على تقديم دراسات وافية عن أماكن وجود اللقى والتحف السومرية والآثار بأجزائها أو كامل حالاتها ويسجل توثيقا رسميا معتمدا بطلب الدعم المؤمل لمثل هذه المشروعات من جهات مختصة دولية كاليونسكو والأمم المتحدة عامة في مشروعات دعمها للدراسات المتخصصة..

على أن كل هذه الدراسات لن تنحصر في المعطى الآثاري البحت ولا في المتابعة الجمالية لما هو أدخل في القديم وفي التراث وجذورنا الرافيدينية، بل سيذهب بعيدا للانتقال والبحث في الخصائص المشتركة للشعوب السومرية الرافدينية وللقواسم الثابتة بينها ولما يفيد في دعم مشتركاتها اليوم...

وبقراءة التجاريب تلك ستقدم الدراسات كل نتائجها العلمية البحثية لكي تكون وسائل ناجعة في مسيرة جديدة معاصرة تحظى بمعالجات لثغرات الأمس وتوضيح وتعميد لإيجابياته وعوامل دفع التقدم التي مرت مع الشعوب الرافدينية السومرية...

وعمليا ستتحول مؤسسة هي محاولة صغيرة سابقة ممثلة بألواح سومرية معاصرة وكذلك الجائزة التي لم ترَ النور وبقيت مشروعا على الورق حتى الآن لموانع عديدة، ستتحول إلى واقع مؤسساتي موسع وعملي يحتضن الطاقات والعلامات المهمة المختصة لتنطلق بمهمة مركز دراسات جدي فاعل ومؤثر وهو الحلم المؤمل أن يعود بشعاعه الساطع ليكون الزهرة السومرية المثمرة في يومنا ومن أجل غدنا الأفضل والأجمل...

وبورك في كل جهد داعم لكل خطوة عمل علمي تنويري...

192
مشروع لإعمار استراتيجي في كوردستان العراق؟؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

11 2007/04/

tayseer54@hotmail.com  E-MAIL:

 
في ظروف العراق القائمة، نجابه نحن الذين نعايش آلام التفجر وعدم الاستقرار الأمني مطلب الناس الأول الرئيس في الأمان والسلم وإبعاد شبح العنف ودوَّاماته الهمجية. ومن أجل تحقيق هذا المطلب نادت القوى الوطنية الديموقراطية بخطة أمنية يرافقها خطوات تنفيذية لستراتيجية تحريك الاقتصاد والبنى التحتية والفوقية للمجتمع بطرائق جدية فاعلة مؤثرة..

ومن العادي ألا نسطيع في ظل الظروف المحيطة المحبطة أن نطلق خطى البناء وعمليات إعادة الإعمار شاملة واسعة بطريقة مفتوحة بلا حدود ولا شروط، والسؤال المتشعب يكمن في أين تذهب الأموال المتحصلة من تصدير النفط ومن مصادر أخرى؟ هل نتركها مجمدة  تأخذ مصيرها في سوق الصراعات والخسائر في زمن بورصة المال الخاضعة لفلسفة المقامرة والمغامرة؟

كما يتضمن السؤال بحثا في حقيقة وجود بداية جدية مسؤولة لعمليات إعادة الإعمار؟ وفي إمكان وجود فرص حقيقية للعمل بكامل الطاقة؟

إنَّ المسألة الأولى التي نتحدث عنها تكمن في وجود موارد مالية مهولة يجب رصدها بدقة وبشفافية تامتين مطلقتين فهي أموال تخص الثروة التي نُهِبت طويلا ويُفترض اليوم أنه لم يعد هناك سبب أو ذريعة لاستمرار الاستنزاف والسرقة والنهب....

ويُفترَض أن يكون لحكومة منتخبة [على ما لهذا التوصيف من ملاحظات (كمسألة المحاصصة) وثغرات (كمسألة التأثير على العملية الانتخابية بمختلف أشكاله)...] استراتيجية وتفاصيل مرحلية أيضا لعمليات البناء وإعادة الدورة الاقتصادية لمسارها الطبيعي...

وحتى تتوافر تلك الاستراتيجية والخطط التكتيكية وحتى نصل إلى تطبيع الأوضاع العراقية عامة بكل تفاصيلها يمكن لنا أن نلتفت إلى حقيقة قائمة اليوم وهي حقيقة الاستقرار الأمني التام في منطقة كردستان فضلا عن الإدارات الحكومية ذات الخبرات الممتدة إلى زمن ليس وليد تغيير العام 2003...

ونجد نحن أيضا بقراءة سريعة عشرات ألوف من أبناء الوسط والجنوب العراقي يحيون في كردستان وجلهم طاقات علمية وايدي عاملة فاعلة معطلة جميعا إلا ما ندر منها... هذا إلى جانب حاجة الإقليم إلى مصادر مالية واسعة سواء لعمليات البناء والاستجابة للحاجات الإنسانية المباشرة أم لتعويض التدمير والخراب المريع من إرث الأمس القريب والبعيد...

من هنا أجد أنَّه من الممكن للحكومة بل من الواجب اليوم أن تبدأ فورا بصرف النسبة المالية المقررة للإقليم من جهة على أساس مقارنة الوضع الإنساني بأفضل صورة موجودة عالميا فإنساننا ابن العراق ليس أقل شأنا أو حاجات من غيره وليس أقل ثروة وغنى وبلادنا الأغنى عالميا في ثروات لا تقف عند النفط وحده..

كما يلزم للحكومة [المنتخبة] أن تنظر إلى حقوق أبناء كردستان في تعويضهم المعنوي وبالتأكيد المادي عن سنوات الحرمان والمصادرة بل والتخريب والتدمير الذي حاق بمدنهم وقراهم وثرواتهم وبيوتهم عبر الحروب العبثية المريرة وعبر إنزال العقوبات الوحشية بهم وبأهاليهم  وبممتلكاتهم...

إنَّ تظاهر أبناء كردستان مطالبين بحقوقهم هو عمل يحمل كل مشروعيته للتلبية الفورية العاجلة تحديدا من الحكومة الاتحادية المركزية في بغداد بالاستجابة لما أشرنا إليه من رصد الميزانيات الراهنة والتعويضية..

أما الأمر الآخر الذي نريد الخوض فيه هنا بعد مقدمتنا الأولى في هذه الدراسة فهو أننا ينبغي أن نوقف تجميد أرصدتنا وثرواتنا الوطنية  وأن نحيلها اليوم للبدء بخطط بناء وإعادة إعمار استثنائية تطلق فرص الاستثمار الخارجي والداخلي وتنقل شركات البناء العالمية إلى أرض عراقية آمنة جاهزة لكل فعاليات إعادة الإعمار..

لا ينقصها سوى إرادة القرار الحاسم بوضع كل الإمكانات المتاحة لتلك العملية بحيث نضع اليوم حصص الإعمار والبناء المجمدة عراقيا في مختلف أقليمه ومحافظاته بسبب أوضاعها الاستثنائية أمنيا؛ نضعها جميعا إلأى جانب الميزانية العادية والتعويضية لتكون تحت تصرّف عمليات البناء الكبرى في إقليم كردستان...

وبهذه الفعالية نستجيب لمطلب واقعي في بناء المنطقة ونلبي حاجاتها ونحيي ما تهدم ونعمِّر مشروعات وطنية مهمة ستكون الساعد الأساس في عمليات البناء التالية عندما تنطلق الفعاليات في بقية أنحاء العراق في ظروف آمنة مستقرة..

وستكون التجربة نموذجا للتأثير النفسي المناسب لبقية أنحاء الوطن كما أنها فعالية تعمل على تشغيل الطاقات المعطلة فعليا وهي تحيا في كنف الإقليم كما في المهجرين إليها من الوسط والجنوب...

وفضلا عن هذا وذاك فهي فعالية ستقدم ما هو أبعد من المشروعات الخدمية؛ إذ ستقدم بناء ركائز مهمة ومشروعات تأسيسية يمكن لاقتصاديينا تقدير أنواعها وأحجامها وما ستلبيه لاحقا لعملية إعادة بقية أقاليم ومحافظات العراق الجديد..

وبدلا من هجرة العقل العراقي واليد العاملة العراقية نبدأ مشروعا وطنيا تصب كل جهوده هنا في كردستان ولكنها في النتيجة النهائية ستعود بالخير على كردستان ومثلها على الجمهورية العراقية بكل تركيبتها وتنويعاتها...

وطبيعي أن تكون الخطة بأبعاد مركبة متنوعة وطنية ودولية.. وها أنا ذا أدعو برلمان كردستان لكي يتقدم بطلبه للبدء فورا بالعملية بجذب مؤسسات التخطيط الستراتيجية ويجري تحويل الأرصدة لتوضع موضع التنفيذ وتكون الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم ولجنة دولية عن الدول المانحة والمؤسسات المعنية مشتركة في العملية الشاملة وفي سقفها الزمني..

 حيث تكون الأشهر الستة الأولى مدة للدراسات والخطط والعطاءات والسنوات الثلاث التالية السقف الزمني للتنفيذ الأولي أو للمرحلة الأولى على أن تكون من هذه المرحلة أمور خدمية تعنى بشؤون السكن والمياه والصرف الصحي والتعليم والصحة والكهرباء والمواصلات ومنافذ التسويق والاتصالات إلى جانب بناء الركائز الكبرى للبنية التحتية والتفكير في المديات البعيدة...

ويمكن هنا أن يجري تقسيم المنطقة لميادين فعاليات متعاضدة تقدم الواحدة للأخرى الدعم اللوجيستي في عمليات البناء وإعادة الإعمار.. إن مشروعا كهذا لن يكون تطلعا بعيدا بل هو باليد وهو مطلب عاجل لا يحتمل التأجيل...

وبخلاف رؤية كهذه لا يوجد إلا ما ترونه من مماطلات وتسويفات ومن تجميد لا للأرصدة بل للطاقات وإعدام لهما في سوق السرقات التي صارت غولا أكبر من الثقوب السوداء في ابتلاع الثروات وفي قتل الطاقات كما هو جارِ ِ اليوم ومنذ أربع سنوات شداد عجاف!!

إنني لأنتظر لدعوتي أن تتحول إلى ورقة رسمية أمام برلمان كوردستان وأمام البرلمان الاتحادي الوطني لكي تنطلق الرؤية ميدانيا وتلبي واقع العمل المؤمل من فور الإقرار في أول جلسة تالية بدل من الحيرة في مشروعات كم يأخذ النائب في برلمان العراق ببغداد مرتبا  وما درجته الوظيفية وأين يختبئ أيام وجوده داخل الوطن...

إنني أرفع صوتي مطالبا بحق العراقيين جميعا في أن نبدأ العمليات الستراتيجية حيثما أتيح الأمر واليوم ليس لعين ترى إلا وتقول لنبدأ وننطلق من هنا من أرض كوردستان في أوسع عمليات بناء عالمية وثوراتنا تكفي وغدا يمكن لهذه الثروة أن تعود لتبدأ في بقاع أخرى من أرض الوطن...

كما أنها لن تتعارض في أية لحظة ممكنة متاحة للبدء بالفعاليات الستراتيجية بوجود خطط متزامنة تنتظر جاهزية البدء في بقية أرجاء البلاد... 

وأكرر معلنا لا تساؤلي بل اتهامي للمعنيين بالسرقة وبتوفير أجوائها وبإهمال مصالح الناس وتطلعاتهم إذا لم تبدأ عمليات تشغيل الموارد المالية بخطط شاملة أكبر من مارشال أوروبا بُعيد الحرب الكونية الثانية..................

ولننتظر ردا رسميا من مصادر القرار.

193
استراتيج الحكومة العراقية؟ ورؤية الحركة الوطنية العراقية!

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

25 2007/03/
tayseer54@hotmail.com E-MAIL:


إنَّ أيّ جهة سياسية تركب مسار الحدث العام تظل بحاجة لرؤية استراتيجية أو أهداف رئيسة عامة كبيرة وبعيدة وأخرى بالتأكيد قريبة وتكتيكية.. وهذه بديهة ليست بحاجة للتوقف ولكن ما نحتاج التوقف عنده يكمن في تساؤل هل لكل قوة سياسية وإدارة حكومية رؤى استراتيجية ناضجة؟ ذلك ما نبغي من أجل الإجابة عنه أن نقرأ وقائع الأمور وطبيعة التركيبة التي نناقش رؤيتها...

لقد كانت النية والأهداف أن ينجم عن الانتخابات وعن التوافقات السياسية حكومة وحدة وطنية لتجاوز الظروف الراهنية عراقيا؛ غير أنَّ  طبيعة الحكومة العراقية التي أتت لا يمكن وصفها بأنها حكومة وحدة وطنية بقدر ما هي حكومة محاصصة طائفية تصرفت على أساس ملكية الغالب للأمر والنهي وللثروة والأدهى من ذلك للبشر... ففي وقت تمَّ اقتسام ملكية البلد الوطنية جرى أيضا اقتسام مكونات المجتمع العراقي فملكية الشيعي تعود للأحزاب الطائفية الشيعية أما السني فبكل رحابة صدر لا تريد تلك الأحزاب الوافدة تملكه فهو عبء مرضي عليها إنه من ملكية الأحزاب السنية المقابلة إن لم يُقَل المعادية صراحة وجهارا نهارا أما المسيحي أو المندائي أو الأيزيدي فهو من مخلوعي!؟ أحزاب الطائفية المتسيّدة للوضع...

وإذا كنّا ما زلنا نرى أن الاستراتيج الحقيقي للحركة الوطنية يكمن في سياسة التهدئة والمصالحة والتسامح وفي مسيرة البحث عن الإمكانات المتاحة لتعزيز العملية السياسية وإنْ كان عبر تغيير نوعي فإنَّ الأمور التكتيكية تلزمنا بتبيان الخطل الخطير في استراتيج سمح بسطوة الميليشيات والأحزاب الطائفية على الحياة العامة في العراق.. وتمادي الأمر باتجاه بات يتهدد لا حاضر البلاد والعباد بل ومستقبل وجوده وهويته الوطنية كاملة..

وعليه فإنَّ ما ينتظر القوى الوطنية المخلصة جميعا والعقل العراقي المتمثل بمثقفيه وتكنوقراطه ومخططيه من المفكرين الاقتصاديين والسياسيين الأكاديميين، هو أن يُدلوا بدلوهم المؤثر وأن يتقدموا لتحمل مهامهم ومسؤولياتهم المؤملة فمن دونهم لايمكن أن نستمر في الاحتكام إلى شخوص طارئين باتوا يتحكمون بالفعل بكل مفاصل إدارة الدولة..

فإذا نظرت إلى أحدهم فلن تجد فيه لا الخبرة السياسية الدبلوماسية لرجل الدولة بل ولا حتى تمكنه من تجميع جملة مفيدة على أخرى بطريقة يستسيغها عقل صحيح.. ورجال الدولة ما زالوا في أعلى مستوياتهم يطلقون التصريحات من منطلق حزبي ضيق ليس محبة في أحزابهم ولا مجرد خضوع لفلسفاتها المرضية بل لأنهم لا  يملكون خبرة رجل الدولة ولا يعرفون الفرق بين الأداء السياسي الحزبي والأداء الحكومي للموظف العام وما تفرضه عليه بروتوكولات رجال الدولة وتقاليد أنشطتعم وأعمالهم...

وشخوص كأولئك باتت المرجعيات الحزبية العليا المتحكمة بدفة الأمور تدرك الحراجة في الإبقاء عليه وضعا صارت الجماهير تبدي امتعاضها ورفضها له حتى أنها استقبلت أعلى تلك الزعامات بالتظاهرات الاستنكارية الرافضة كما جرى في الكاظمية وكربلاء والبصرة معاقل بعض الأحزاب الطائفية كما تدعي! وفي محاولة تكتيكية جرى الحديث عن عجالة تشكيل الوزارة ونتذكر جميعا أنها أخذت من الوقت مأخذها فضلا عن أمور أخرى ليس موضع التعليق عليها هنا.. وجرى الحديث التسكيني عن قرب التغيير الوزاري وهذا القرب مضى عليه أشهر حتى لحظة كتابة هذه الأسطر..

ولكن السؤال أين استراتيج العمل لدى هذا الزعيم السياسي أو ذاك؟ ولماذا لا نسمع ولا نقرأ برنامجا حزبيا أو حكوميا محددا يجري العمل في ضوئه وتتم متابعته تنفيذيا وإجرائيا؟ إن القضية المركزية في بلادنا تكمن في نقلنا من الدكتاتورية إلى دولة المؤسسات الديموقراطية وإلى زمن يُرفع فيه الحيف عن أهلنا فماذا حلّ بديلا عن الدكتاتورية المزاحة؟

بلى تمَّ إزاحة الطاغية.. وبلى جرت محاكمته وإنزال القصاص فيه ولكن الحقيقة أننا لم نشهد إزاحة أبعد من هدم التمثال الصنم وأبعد من عملية ثأرية انتقامية حُصِرت في جريمة الدجيل فيما يجب أن نقدم المجرمين في محكمة متكاملة ناضجة تعرّي المجرم وتدينه في جرائمه الكبرى بالتحديد في أكبر جريمتين وهما جريمتا الأنفال والمقابر الجماعية وما لحقهما من جرائم النظام في حروب التدمير وعمليات التطهير العرقي والقومي والطائفي والسياسي وهذا ما لم يجرِ بطريقة موضوعية صائبة كما هي معروفة تداعيات الأحداث الجارية..

إنَّ العقلية التي تحكم الوضع حاليا وهي عقلية العمل الحزبي الطائفي وروح الانتقام الفردي والعائلي والطائفي ولغة الثأر الإجرامية هي التي يمضي مدعومة بغطاء من الأحزاب السياسية الطائفية ومن ميليشياتها المتحكمة بالأمور.. وإذا ما استمرت الأوضاع بهذه المسيرة فإنَّ رصاصة الرحمة تكون غير ذات فائدة في حينها لأننا سنكون في حكم الضحية التي أجهزوا عليها وانتهوا منها بعد ممارسة ساديتهم كما حصل مع المعتقلين بأيدي أزلام الداخلية الطائفيين عندما جرى التمثيل بهم بعد حفلات تعذيب إجرامية تمَّ فضحها في حينها وشعبنا اليوم يخضع لعمليات تشويه وتعذيب وتقتيل حتى ينتهوا إلى هدف لا يمكن أن يقع لامن قريب ولا من بعيد في خانة الهوية العراقية .. وحينها لن يكون للعراق وجود!

إنَّ من مصلحة العراقيين اليوم جميعا بضمنهم أعضاء الأحزاب الطائفية المتحكمة مرضيا بعراقنا أن ينظموا أنفسهم في مؤسسات مجتمع مدني سليمة صحيحة في هويتها وفي رؤاها وأن يجمعوا على رؤية استراتيجية مناسبة يلتقون عليها في هذه المرحلة الخطيرة ليجتازوها ولتأتي بعد ذلك الخطى التكتيكية والاستلاقلية لكل طرف  على وفق هويته المخصوصة أما اليوم فليس لنا من منجى من دون وحديتنا وتسامحنا ومصالحتنا بعد أن غرقنا في بحار الاقتتال الذي ما كان ليكون لولا فقدان الخطة الرئيسة الكبرى أو الاستراتيج المناسب وطنيا...

إنّ أغلب مجريات الواقع الراهن تكمن في خطوات تكتيكية تستجيب باستمرار للوقائع اليومية ولتفاصيل التضاغطات الإقليمية والدولية وللتوازنات القائمة في الميدان وهذه البراغماتية التي تميزت بها سياسة الحكومة إنما تعود لفقدان الفلسفة الجدية المسؤولة عن استهداف إعادة بناء الوطن المخرَّب واستبدال تلك الفلسفة بفلسفة الحزب الطائفي المنتصر وأحقيته في مغانم الانتصار حيث أمسى شعب العراق غنيمة سبية بكل معنى الكلمة..

كما أن حكومة من شخوص لم يخبروا يوما لغة العمل السياسي لا يمكنها أن تفكر على وفق استراتيجية صائبة أبعد من تحقيق مستهدفات مرضية جرى ويجري تسويقها بقوة السلاح ولغة التهديد والوعيد حتى عدنا أخيرا في مرحلة جديدة سافرة إلى اتهام كل من ينتقد آليات العمل القائمة والفساد المستشري والدموية والسادية السائدة في الشارع العراقي بأنه خائن من الإرهابيين التكفيريين على الرغم من تمسك هذا الناقد بجوهر العملية السايسية طريقا وحيدا للعراقيين... وهذه هي نفسها لغة الدكتاتور المخلوع ولكن هذه المرة بغطاء ديني يكفِّر التكفيريين!!!

أما الحركة الوطنية وقوى العقل العراقي الصحيح فما زالوا في ظرف ذاتي متعب أنهكته المطاردات البوليسية العاتية ولغة العنف الدموي الجديدة التي استباحته حتى قدم في مذبح التضحيات مئات بل ألوفا من خيرة العلماء والمفكرين والساسة والاقتصاديين وغيرهم من ممثلي العقل العراقي. وفي مثل هذا الظرف وتحت وقع سنابكه  يراد لهذا العقل أن يكون فاعلا وليس له إلا أن يواصل في الحقيقة عطاءه بتوحيد الجهود وإعلان مسيرة مؤسساتية تفعِّل العملية السلمية على أسس وطنية لا طائفية وعلى أسس للتوافق والتفاعل والمصالحة والتسامح والسلام الحقيقي ومن هنا فقط حيث عامل الكفاءة والإخلاص والوطنية وروح المواطنة والمساواة والإخاء في الوطن الموحد غير المقسم على أي من الأسس  سيكون الانتصار للعراق الجديد البديل لعراق كل الأمراض السابقة الراهنة..

بين ستراتيج البراغماتية التكتيكية المستجيبة للتوازنات الميدانية العنفية لحكومة المحاصصة واستراتيج الحركة الوطنية والعقل العراقي المتحضر المتمدن واد لا لقاء فيه ومخرجنا من الأزمة يكمن في وعي بالوضع الناشيء عن تلك الفلسفة المرضية وإلى أين قادتنا وإلى أين ستقودنا في حال استمرارها.. ولابد لنا من:

1.بناء تحالف وطني ديموقراطي علماني واسع يضم كل القوى المؤمنة بهذه الرؤية الاستراتيجية لبناء العراق البديل الديموقراطي الفديرالي الموحد...

2.  تعزيز مسيرة سياسة التسامح والتصالح والوحدة الوطنية الشاملة بعيدا عن لغة الثأر والانتقام والدموية السادية...

3.الفرز بين كل من يقف مع العملية السياسية السلمية المبنية على أسس وطنية لا محاصصة طائفية منجهة وبين القوى الإرهابية التي تتابع جرائم الضرب في أبناء شعبنا الأبرياء.. واتخاذ الإجراءات الحاسمة الكفيلة بوقف العنف..

4. إعادة قراءة الدستور من منظور العقل العراقي البديل وهو العقل العلمي الموضوعي الرصين المستند لخبرائه من العقول الأكاديمية المتخصصة الحقة ولا يجوز العودة إلى التوافقات التكتيكية التي تكتب الدستور بلغة سياسية حزبية ضيقة أو دينية بحتة تصادر الآخر وتعيد دوامة إمراض البلاد والعباد..

5. قانون أحزاب يتم فيه تحريم الحزب الفاشي العنصري والأحزاب الدينية الطائفية في منهجها على أقل تقدير لمدى زمني أو لمرحلة مؤقتة يرافق ذلك قانون انتخابي وهيأة انتخابية على أسس موضوعية صائبة..

6.   يجري تحريم كل شكل من اشكال التسلح والميليشيات الحزبية وغيرها وحل الموجودة وتأهيل عناصرها للعمل المدني لا العسكري... ويرافق ذلك خطة جدية مسؤولة لتشكيل الجيش الوطني والشرطة والمؤسسة الأمنية المخابراتية الكفوءة...

7. إطلاق عمليات البناء الاقتصادي الخدمي والركائزي فورا وتشغيل اليدي العاملة بكامل الطاقة مع توفير رواتب الإعانة والتقاعد الوافية...

8.مراجعة تشكيلات دوائر الدولة وتشكيل مراكز البحوث والتخطيط ومؤسسات المجتمع المدني على أسس وطنية يمتنع في المرحلة الراهنة قبول أية تشكيلات غير وطنية في تركيبتها...

9. تأليف حكومة وحدة وطنية حقة والبدء بتوفير الأرضية لانتخابات وطنية نزيهة عادلة لا تخضع لأية اعتبارات سبق أن تمّ تشخيصها في السنوات الأخيرة من مثل الخضوع لتأثيرات المرجعيات الدينية ولضغوط الميليشيات وسطوتها والمال السياسي ...إلخ

فقط في هذا الاستراتيج البديل يمكننا الحديث عن عراق يملك العراقيون فيه مصائرهم حقا ويحيون بعيدا عن لغة الموت الأسود الذي يستبيح يومياتهم ليس في بيوتهم بل حتى في غرف نوم أطفالهم..................

 هذه الدراسة كانت بالأساس مخصصة لموقع إيلاف قبل خمسة أيام وقد صدرت بعد إرسالها تصورات لمحللين دوليين تتطابق وما ورد فيها ونحن ننشر المادة كما تمَّ تحريرها وإرسالها لموقع إيلاف الذي نأمل أن يكون عدم إخبارنا بمانع عدم النشر سببا وجيها مع كل التقدير والاحترام لمواقع النشر جميعا...

194
آراء وملاحظات في تطوير التعليم العالي والجامعة في العراق
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي*
نائب رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:

 

[قمْ للمعلِّمِ وفِّهِ التبجيلا ـ كادَ المعلِّمُ أنْ يكونَ رسولا]
 

 توطئة

 

 يشكّل التعليم العالي في أيّ بلد العصب الأكثر حيوية في منطلقات البحث والدراسة كتأسيس لعملية التخطيط الموضوعي العلمي ومقدمة لإعمار البلاد وتطورها. وتتمثل الفلسفة التي يختارها المجتمع منهجا موظفا في توجهات التعليم العالي وربطه بالمجتمع ربطا مباشرا يكون بخلافه ذاك المجتمع قد سجل تخلفه عن الركب العلمي والعصرنة والتحديث الراهنين عالميا...

ومن الطبيعي أنْ نجد في الجامعة العراقية الجديدة نضالا عنيداَ َ من أجل تثبيت خيار شعبنا الديموقراطي لمؤسساته كافة. أما لماذا النضال العنيد؟ فلأنَّ ما يدور خلف أسوار تلك المؤسسة التعليمية البحثية هو انعكاس تام للصراع الدائر في عموم المجتمع...

لقد انهار صنم المصادرة والاستلاب صنم الديكتاتورية الطاغية ومؤسسات دولته البوليسية.. ولكن هزيمة القوى التي ربّاها النظام القمعي لا تعدم الأرضية المتمثلة في بقاياه فضلا عن ذلك يسطو على عراقنا مدّ القوى المتطرفة التي صارت تحتجز الناس رهائن لديها لاخضاعهم لفلسفتهم ولأوامرهم ومستهدفاتهم. وأخطر مجريات الإرهاب حملته المسعورة التي استهدفت التعليم العالي بشخص العلماء والأساتذة الذين جرى تنفيذ عمليات الاغتيال فيهم بالمئات ما أشاع حالة من الإرهاب والتهديد الخطير للمسيرة العلمية في الجامعة العراقية.. ومن هنا كان واقع المؤسسة التعليمية العراقية اليوم قائما على حالة من الاضظراب وعدم الاستقرار.

وبعامة تحكم مسيرة العملية التعليمية البحثية جملة أمور في الظروف الطبيعية ولكن في ظروف كالتي تشهدها الساحة العراقية ينبغي التوقف أولا عند بعض المؤشرات قبل التوجه لمعالجات تطوير التعليم العالي ومنطق تقعيداته..

وأول الأمور التي ينبغي الحديث عنها هي سلامة أجواء الجامعات وقدسية حرمها فحيثما أُهين الحرم الجامعي واُختُرِق ظلت الأجواء رهينة عدم الاستقرار والقلق وامتناع الأداء العلمي الموضوعي فيها.. وأبرز حالات الاستهانة بالحرم الجامعي دخول عناصر الشغب والميليشيات المسلحة والمافيات والعصابات وعبثها بكل شيء داخل أسوار الجامعة وتحكمها في كل إجراء وقرار وفعالية..

ومن الطبيعي هنا التوكيد على مسألة ضمان أمن الأساتذة والعمل على قطع الطريق على تلك الحملة التي تستهدف حيوات العلماء العراقيين وفضح مرتكبيها وتقديمهم للعدالة فورا في أولوية تعمل على إنزال الجزاء العادل بكل من تسوّل له نفسه الدخول في مثل هذه المعركة المعادية للعقل العراقي والضرب بشدة على مرتكبي الجريمة بوصفها أكبر من جريمة اغتيال أو قتل لمواطن عراقي بل هي جريمة بحق المجتمع ككل..

أما الخطوة التالية فتكمن في التحول الحقيقي من زمن المصادرة والاستلاب الذي عانته الجامعة العراقية والتعليم العالي والبحث العلمي زمن الطاغية؛ بإشاعة الديموقراطية في الأجواء العلمية الجامعية ومنع أية حالة اعتداء على حريات البحث العلمي تحت أية حجج مزعومة كما في محاولات تكفير باحث أو مصادرة بحث أو فرض قرارات تتأسس على منهج فكري أو عقائدي شمولي من أيّ طيف كان..

إنَّ ديموقراطية التعليم تعني إشاعة فرص التعليم للجميع وضمانها بشكل متساوِ ِ وفسح المجال لفرص العمل التدريسي لمجموع الأساتذة والعلماء من دون تمييز أو تدخلات غير منطق الشروط الوظيفية العلمية المعروفة عالميا... ومن الطبيعي أن يكون دعم مجانية التعليم العالي ودعم فرص أبناء الفئات صاحبة الدخل المحدود في اكتساب العلم وحل المشكلات التي تعترض هذا الحق، أمرا جديا مهما في تحقيق ديموقراطية حقيقية في مجال التعليم العالي..

كما إنَّ  دبموقراطية حقيقية لابد أن تستند إلى السلام الاجتماعي أولا وإلى قدسية العلم والعمل واحترام الآخر والتمرّس على الإنصات لصوته والتفاعل إيجابياَ َ مع تنوع الرؤى في أجواء التسامح ووقف الانفعالية والتنافس السلبي والفئوية والعصبية لأنماطها التقليدية (كالعشائرية أو القبلية والعنصرية والطائفية) والمعاصِرة (كالروح الحزبي الضيق والشللية ومظاهر معاندة الذات وركوب مركب الجهل بالضد من نور الحقيقة الساطعة خضوعا لتلك النوازع السلبية!) وهذا ما يدخل في صميم مشروع تحرير التعليم من كل أشكال القسر والإكراه والاستلاب...

 

ما الدور المؤمَّل من الأنتلجنسيا العراقية عامة ومؤسسة التعليم العالي العراقية (التكنوقراط) خاصة في دعم المسيرة؟

 

تتزايد مع الوقت الأهمية الملقاة على عاتق الأنتلجنسيا العراقية ومنهم بالتحديد الأكاديميون بخاصة ـ في الظرف الراهن ـ بوصفهم أصحاب العقل الذي سيُعنى بمعالجة المشكلات المعقدة على صعيد مستقبل الشخصية الوطنية وعلى صعيد وقف مهزلة الاستلاب والمصادرة التي مورست ردحا طويلا من الزمن بذرائع مختلقة مختلفة وفي معالجة مشكلات مسيرة الديموقراطية وقضاياها العقدية الجوهرية..

إنَّ من مهمات المعارف والعلوم وخطابهما اليوم، معالجة مباشرة فورية وسريعة لأوليات الإشكالات التي تجابهنا.. ولعلَّنا نستطيع ولوج تلك المعالجات عبر منافذ من نمط تكثيف العلاقة مع الجمهور [من قبل التكنوقراط والأساتذة عامة] وتفعيل تلك العلاقة بما يدير الخطاب بتواصل من غير انقطاع من جهة التتابع الزمني، بحسب كثافة الفعاليات؛ وعبر لغة موضوعية مناسبة تصل ذهن جمهور الثقافة والمعرفة والعلم  بل أوسع جمهور ممكن وتؤثر فيه وتثبت في الذهن بتوظيف الآليات المناسبة لتحقيق تلك النتيجة..

وعلينا كذلك التأسيس لعلاقة جدية مسؤولة بين الجامعة والتعليم العالي والبحث العلمي وبين مؤسسات المجتمع المدني وشركات ومؤسسات البناء وإعادة الإعمار والعمل العام بأشكاله... وتلك مهمة حيوية ينبغي أنْ يدركها المثقف والمتخصص الأكاديمي ولابد لهما هنا من تذكر ما للغة التفكير البياني لا البرهاني من سلطة على العقل البشري وعلى وعينا الجمعي في العراق في المرحلة الراهنة!؟ ما يؤهل لتوظيف الإبداع الأدبي والخطاب الثقافي المجاور للتعليم العالي والبحث العلمي في مهمة تعزيز ما نؤسس له من حياة متنورة جديدة وهذه إشارة مخصوصة بخطاب الإبداع الأدبي منه بوجه التحديد من دون إلغاء أو تقليل من شأن خطاب النقد والمعرفة العلمية وبقية الخطابات المعرفية المتنوعة الغنية...

وبخلاف ذلك فإنَّ السبق سيكون لخطاب الجهالة والظلامية التي تسطو على الذهن البشري بسرعة كبيرة فتلتهم بنيانه وتلفه بظلام وبطقوسية لا يمكن شفاؤه منها بعد عقود من البناء.. فالتخريب شدَّما يكون سريعا سهلا في آليات أدائه.. فيما البناء تعظم أمور معالجة أركانه وتفاصيله وحاجاته،  بخاصة بناء الروح.

ويتحمل أكاديميونا اليوم مسؤولية تاريخية بمواجهة مثل هكذا قضايا وأوضاع معقدة شائكة. حيث تكمن مهماتنا في البدء بتركيز الجهود التي تنادت هنا وهناك. وتطوير الأنشطة الفردية إلى فعاليات جمعية والتحول النوعي بها وذلك عبر توحيد جدي وحقيقي يصبّ في حملة دولية متكاملة محدَّدة المسار والخطوات ويتقاسم أكاديميونا عبر مراكز البحث العلمي المتخصصة وعبر مسارات الجامعات وتوجيه خططها العلمية لتطابق حاجات المجتمع العراقي وتطلعاته.. وفي هذا الإطار يمكن أنْ نقرأ مهام عامة أخرى بوصفها من أولويات عملنا الحالي:ــ

 

·        · عقد مؤتمرات البحث العلمي بخاصة مؤتمر وطني شامل للتعليم العالي لاعتماد ستراتيجية تتعمد بقراءات الباحثين والأكاديميين العراقيين ومداولاتهم ومناقشاتهم المطلوبة...     

·        عدم التوقف عند حدود استنكار الجرائم المرتكبة بحق التعليم العالي من مثل حرق المكتبات ودور التوثيق الوطنية ونهبها بل بردّ يقوم به مثقفونا وأكاديميونا بمخاطبة مبرمجة وبحملة وطنية ودولية منظمة وذلك عبر عقد الصلات مع المكتبات العالمية المعروفة وكذلك أية مساهمة كانت بالتبرع لمكتبات العراق الأساسية ومكتبات الجامعات والكليات وبالاتصال بالدوريات العلمية في الجامعات التي نحن على صلة بها لكي تنظّم دعما عينيا وماليا سنويا على أقل تقدير على مدى السنتين القادمتين.. وينبغي تعبئة الرأي العام العراقي بإقامة الصلات الوثقى بينه وبين المؤسسات المنهوبة بغية توفير أرضية جدية مناسبة وقاعدة للدفاع الوطني عن تراثنا بتوضيح أهمية هذا الفعل الخطير وعلاقته بحياتنا المعاصرة وبمستقبلنا..

 

·        ·  القيام باحتفاليات الثقافة والمعرفة في مختلف المدن والجامعات التي تحتضنها المحافظات العراقية وتوسيع أرضية المشاركة الجماهيرية والتفاعل بين الإنسان البسيط والآخر المنتمي للنخبة الوطنية الأكاديمية ومثل ذلك إقامتها على مستوى بلدان المهجر ومدنه مع دعوة الوفود الأكاديمية والعلمية من الداخل لتقديم البحوث والمشاركات في المحافل الدولية وذلك عبر عقد الصلات المناسبة لتنفيذ هذا النشاط الذي يحظى بأهمية للتفاعل والتلاقح بين الثقافات والمؤتمرات العلمية..

 

·        ·  ومن البدهي أنْ نرى أهمية المعارف والعلوم في صياغة مشروعنا العراقي الوطني الحضاري وخطورة تأثيره على كل الخطابات الوطنية بخاصة منها السياسية التي بدت اليوم أكثر ارتباكا أمام مشهد التغييرات الجذرية المزلزلة للكيان بمكوناته كافة بمعنى العمل الفاعل من أجل صياغة الهوية الوطنية لأمة عراقية تتشكل بعد مخاض طويل وولادة  متعسرة مخصوصة في مشكلاتها وعنف ما أصابت به مجتمعنا بسبب تلك الظروف الصعبة والمعقدة التي أحاطت بتلك التغييرات..

 

لوائح التعليم العالي العراقية.. بين تأسيس ماضوي وتحديث مستقبلي؟

 

لقد سُنَّت لوائح الجامعة العراقية والتعليم العالي في ظروف التوازنات التي خضعت لسطوة دكتاتورية الدولة والحكّام الذين عادة ما كانوا من جهلاء القوم أي من معاديّ العلم وأهله. فكانوا يتعمدون استيزار [جَهلة] لا ترقى شهاداتهم  أو خبراتهم لما يؤهل لإدارة مراكز البحث والجامعات والأكاديميات التي احتضنت خيرة علماء القرن المنصرم..

وسيكون من غير المعقول أنْ تستمر تلك اللوائح والقوانين التي سنَّها زمن الاستلاب والقسر والإكراه، زمن التخلف ومعاداة العلم وأهله. وليس من الصحيح ولا من الصحي الصائب أنْ نتعامل على وفق منطق ما سنَّه أزلام الظلمة والتضليل تحت يافطات احترام روح وطني أو قومي [مزيف]  أو قدسية روح ديني أو اعتقادي [مدَّعاة مزعومة]. فكل شيء اليوم متاح لأكاديميينا لكي يراجعوه ويُعمِلوا عقولهم النيِّرة لتغييره بكنس ضلالات الماضي المهزوم..

لقد نهض الأستاذ والأكاديمي العراقي بمهماته في افتتاح مشروعات مراكز البحث والأكاديميات والجامعات الأهلية التي تستخدم طريقة التعليم المفتوح والتعليم الألكتروني أو التعليم عن بُعد بتوظيف آليات التعليم الحديثة فيما بقينا نسمع بسلطة لوائح التعليم التقليدي بوسائله التقليدية الثابتة التي تكلست وتجمدت وتشوّهت بسياسات ماضوية وهي ذاتها اللوائح التي تقمع جهودا عظيمة لعلمائنا في الوطن والمهجر جهودا يجري بوساطتها إعمار جامعات وأكاديميات عراقية مهمة تمثل واحدا من علامات بلادنا البارزة اليوم وراية وسفارة معرفية حضارية وبوابة للخير والبناء لا يجوز بحال من الأحوال تغافلها أو إهمالها أو إخضاعها للوائح الخطيرة التي تركها الطاغية محفورة بإمضائه وإمضاء نظامه المتخلف..

ومن هنا وجب على مؤسسة التعليم العالي العراقية من مراكز بحثية ومعاهد علمية وجامعات أنْ تنهض بمهمة تنظيف أجوائها تماما وكتابة لوائحها الإدارية والأكاديمية بما يخدم مسيرة العلم وأهله ويصبّ في مصالح إعادة بناء الروح العراقي الوطني ويفتح آفاق التعليم العالي والبحث العلمي على أوسع مصاريع بواباته بلا تضييق وبلا تشويه وبلا مصادرة لحرية البحث ولحرية اكتساب نور العلم لبناء البلاد وقبلها نقاهة العباد وصحتهم المعرفية الروحية..

وما يُنتظر أنْ يحصل هو فسح المجال لتغيير تلك اللوائح التقليدية بما يتيح معالجة التشوهات في تلك اللوائح وما يتيح تحديثها وتطويرها وتقويمها فضلا عن فتح فرص الإفادة الأوسع من أساليب التعليم الحديثة سواء منها التعليم المفتوح أم التعليم الألكتروني بما يؤدي إلى أفضل نتائج المردود من تلك الأساليب المتطورة الحديثة..

 

 

 

 

شؤون أخرى للتعليم العالي والجامعات العراقية بحاجة لمناقشة وتعديل

 

كما يمكن هنا أن نضيف عددا من المحاور التي ينبغي معالجتها وتقويم مسارها وهي محاور تخص مشكلات الجامعة العراقية اليوم وأسئلة حاضر التعليم ومستقبله ونوجز تلك المحاور في نقاط  بغاية الإفادة منها في تصحيح مسار التعليم العالي في العراق..

 

المحور الأول ينصبَّ على منع أيّ شكل من أشكال المصادرة الحزبية والمطاردة والتضييق وما شابه... وطبعا هذا في إشارة إلى التدخلات من قوى مسلحة ومن جهات حزبية بعينها تمتلك تلك العناصر المسلحة!

المحور الثاني أشير فيه إلى ما تركه النظام القمعي من تخريب في البنية الأساس للجامعة فالركائز في حال بائس ما يتطلب إعادة ترميم الأبنية القديمة وتأهيلها وبناء الجديد ومن ذلك الاهتمام بالمختبرات والقاعات التخصصية والأدوات اللازمة ومن أخطرها أجهزة الكومبيوتر التي تُعدّ عماد الجامعة الحديثة...

المحور الثالث يتعلق في اهتمام الجامعة بتفعيل استخدام الكومبيوتر والعمل على تأهيل كوادرها وطلبتها على التعامل معه بأفضل الإمكانات المتاحة فضلا عن محاولة تجاوز حالة العدم التي وصلت في الإرث الذي أخذته الجامعة العراقية بعد انهيار النظام السابق ولكنها اليوم تحث الخطى من أجل جذب أفضل المصادر والكوادر إليها إلى جانب ما أوجدته في السنوات القليلة الماضية في ظروف معروفة..

المحور الرابع يتعلق بمعالجة مشكلة المصادر والمراجع العلمية الحديثة والثغرة الخطيرة التي تركتها السنوات العجاف لزمن الطاغية وقطعه الصلة بالمحيط الإقليمي والدولي في مجال الحصول على المصادر المناسبة للجامعة ومراكزها البحثية..

المحور الخامس يتمثل في تشجيع جدي مميز لمسيرة البعثات الدراسية والتفاعل مع المنجز العلمي الحضاري العالمي

المحور السادس يصب في مسألة  الاهتمام المناسب بعقد المؤتمرات العلمية بحرية تامة في ضوء تنقية الجو الجامعي من مشكلات تحزيبها ومصادرتها كما كان يحصل في العهد السابق.. والحكومة ملزمة بتقديم الدعم الجدي المناسب لكون الجامعة تظل الممثلة للعقل المدبِّر للمجتمع ولكونها الأداة لا للتخطيط حسب بل لمسيرة إعمار البلاد.. وينبغي للدعم أن يحظى بتخصيصات مالية كافية في مختلف المجالات المارة الذكر من البعثات والمؤتمرات العلمية ومراكز البحث العلمي وما تحتاجه من تفاصيل لأنشطتها...

وفي المحور السابع توكيد على أهمية التعاطي مع التبادلات الدولية في المؤتمرات وفي الاتفاقات التي تعقد مع الجامعات الأخرى..

المحور الثامن: استقلالية عمل الجامعات العلمي ومنح مجالسها الأكاديمية صلاحيات كافية في معالجة شؤونها وعلاقاتها..

المحور التاسع يتضمن موضوعة الاهتمام بالمحاضرة الجامعية ونوعيتها وتطوير مصادرها والأدوات المتوافرة لها تقنيا من جهة جوانب التوضيح العلمي والشروح والتفسيرات والتطبيقات المناسبة.. مع توفير الحيادية ومنع الانحياز الفئوي أو الحزبي الضيق ووضعه سيفا على عنق الحقيقة وعلى حساب موضوعية المحاضرة..

المحور العاشر ينصب على مسألة تطوير كفاءة الأساتذة وإمكاناتهم العلمية وتدريبهم على أحدث الطرق المتاحة عالميا في أداء المهام الموكولة إليهم... وفي الإطار لابد من التوكيد على احترام مكانة الأساتذة ومنازلهم السامية في الحياة العامة.. والعمل على المحافظة على الأساتذة الموجودين مع دعوة وجذب الأساتذة المهجريين أو الاستفادة من جهودهم بطرق متنوعة.. وعليه فمن الواجب التأسيس للجنة وطنية عراقية تضع الخطط المناسبة لإحصاء شامل لتلك الكفاءات عبر دعوة العراقيين للاتصال بتلك اللجنة بالخصوص ومن ثمَّ تضع برامج مناسبة لأشكال التعاطي مع عودة مؤقتة قصيرة المدى وأخرى متوسطة المدى وغيرها تامة نهائية. وهي أشكال تتكامل في الظرف الراهن والغرض منها الاستجابة للحاجات الآنية والمتوسطة من جهة وللإمكانات الحقيقية المتوافرة اليوم لاستيعاب عودة تلك الطاقات بما تفترضه من متطلبات وحاجات إنسانية طبيعية.. وبعامة فإنَّ هذا لن يتأتى من دون توفير الحاجات الحياتية وتأمينها لمجموع العلماء والأساتذة ورعايتهم رعاية شاملة داخل الوطن وخارجه...

المحور الحادي عشر: تعزيز الاهتمام بالبحوث العلمية لمزيد من تطوير كفاءة الأساتذة والعودة على المجتمع بفوائد جمة من هذا التطوير وتفعيل الاستخدامات والتوظيفات المناسبة بهذا الشأن.. وبالمرة لابد من الاهتمام بالمراكز البحثية ومنحها التخصيصات اللازمة التي تتيح لها إمكانات العمل المفتوح على أوسع مجالاته..

المحور الثاني عشر العمل على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بخاصة في الإدارات العلمية الجامعية وفي مراكز البحوث وإدارات وزارة التعليم العالي وتطوير الكفاءات الإدارية وخطط العمل الإداري الموضوعية الجديدة.. مع منع روح الشللية والمحسوبية في التعاطي مع ظاهرة التوظيف لصالح حزب أو مجموعة أو ما شابه.. وتطهير الجامعات من أصحاب الشهادات المزورة ومن الكوادر الهزيلة والضعيفة وتعزيزها بالكوادر العلمية الرصينة..

فيما سجّل المحور الثالث عشر معالجة مسألة المناهج الجامعية وتصحيح كل ما ينبغي تقويمه في زمن الحريات.. ومن ذلك إحداث تغييرات جذرية في المنهج ولابد من التشديد هنا على أنَّ تحديث المناهج يأتي من طريقين الأول منع الأدلجة وسيطرة الحزبية الضيقة وفسلفتها في المصادرة السياسية وفي عرقلة العلوم ومسيرتها.. والآخر يأتي من مواكبة الحداثة العلمية والمعرفية.. زمن ذلك ما يختص بآليات اشتغال المنهج وآليات التعليم لدينا والابتعاد على سبيل المثال عن لغة الإملاء والتلقين المتكلسة الماضوية وتشجيع تفعيل منطق البحث والتقصي والاستقراء والاستنتاج ما سيشكل عاملا جديا في معالجة عدد من الثغرات التي يمكن أن نضيف إليها مسائل تتعلق بشؤون تربوية سلوكية يلزم فتح قنواتها بشكل غير مباشر كما في إدخال نصوص الأدب والفن التي تنمِّي الذائقة الجمالية وتعمِّق الوعي بالبيئة المحيطة وأهمية العناية بها من جهة تأثيرها في حيواتنا حاضرا ومستقبلا فضلا عن توكيدها على قيم الغنى الروحي السليم وعلى تهدئة انفعالات الفرد المُحاط بتنشئة عنفية خطيرة حصلت وما زالت بأصابع مختلفة..

وهناك أمور عديدة غير أمور السلوكيات والممارسات الإنسانية اليومية من مثل آلية تشغيل العقل الفتي والشبابي الجديد ومنطقه وتعاطيه مع مفردات زمن مختلف نوعيا في انقلاب حقيقي باتجاه قيم السلم والديموقراطية والتسامح والمساواة والإخاء ولغة التحرر والانعتاق والحريات العامة وحقوق الإنسان والتفاعل الإيجابي البناء بين أفراد المجتمع بفلسفة الحوار والتعاضد والعمل المؤسساتي الجمعي ومنع النوازع الفردية المرضية المتعارضة مع مسيرة دستورية ديموقراطية فديرالية جديدة تماما على حياتنا العراقية.. وهو المستهدف النهائي من وراء أشكال التطوير والمعالجة في مختلف المجالات والشؤون ومنها ما انصب هنا في قراءتنا لأوضاع التعليم العالي ومعالجاتها...

 

* الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

نائب رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك

رئيس رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا

البرلمان الثقافي العراقي في المهجر ولجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر

 

 أكاديمي وناشط في حقوق الإنسان

tayseer54@hotmail.com

 

* المادة منشورة في مجلة الثقافة الجديدة العدد الأخير

195


أبادة الأمم من منظور متنوري الأمم المسيطرة
[/color]

 

الأستاذ الدكتور تيسير الآلوسي

أكاديمي ناشط في حقوق الإنسان

04\03\2007

 

في بلدان شمال أفريقيا وغرب آسيا عاشت حضارات إنسانية مهمة كان منها حضارات وادي الرافدين السومرية فالكلدانية البابلية والآشورية وفي وادي النيل عاشت الحضارة الفرعونية وتعايشت في هذه البلدان منذ قرون بعيدة شعوب وأمم عديدة منها الصابئة المندائيون والأيزيديون ومنها الكلدان الآشوريون السريان والميديون الكورد والتركمان والفينيقيون والعبرانيون والأقباط والنوبيون والأمازيغيون والأزواد الطوارق والفور وغيرُهم... كل هؤلاء انتشروا على مساحات واسعة من بلدان وُسِمت بالعربية بعد مجيء العرب وتوسع حضارتهم جغرافيا واستقرارها بتلك المواطن...

وفي منطق التاريخ كان لسيادة أمة وثقافتها وحضارتها دوره في التوازنات المستجدة وفي حكم العلاقات الراهنية لصالح المنتصر الغالب... كما كان لطبيعة العلائق الناجمة عن غلبة الحضارة العربية الإسلامية أن أوجدت فرصا جديدة لاحقا للحديث عن تشكـُّل أغلبيةِ ِ وأقلية جديدتين تدريجا حيث بدأت سلطة العربي تتمظهر في أشكال من الصراعات والتوجهات الستراتيجية البعيدة التي أفضت إلى جانبين، فأما الجانب السلبي منهما فقد تمثل في اندحار المجموعات السكانية الأصلية وهزيمتها عسكريا وتقوقعها ومصادرتها ثقافيا الأمر الذي ظهر جليا في حالتي سطوة العربية  واستعراب مجموعات كبيرة نتيجة عاملين متناقضين من التهميش والفوز بالسلطة... 

وأنا أتحدث هنا عن تاريخ قرون خلت ما زالت تحيا بآثارها عبر سيادة فلسفة الغالب ومحاصرة المغلوب بكل مجالات الحياة... ولنلاحظ أن المنطقة وشعوبَها قد انتفضت في العصر الحديث في ثورات قدمت فيها قرابين من التضحيات بمئات ألوف وملايين من أبنائها للتحرر من الاستعمار الأجنبي الذي رسم حدود الدول قبيل الحرب الكونية الأولى، في حدث خطير تقرر بوساطته مصير الشعوب الأصغر حجما سكانيا...

وللدارس المتمعن أن يقرأ عددا من قضايا التحرر  وطلب العدل والإنصاف ويمكننا بإيجاز هنا أن نسلط الضوء على قضايا جرى التستر عليها طويلا... فإذا بدأنا من البلاد المغاربية فسنجد قضية الأزواد والأمازيغ فأما شعب لأزواد الطوارق  فيناهز الـ  4 ملايين في تعداده، 85% منهم في مالي والنيجر ويشكلون حوالي 20% من إجمالي سكان البلدين ويحيا قسم مهم منهم  في الجزائر وليبيا. وكما ترون فإن استخدام تسمية الطوارق قد تلغي في الذهنية الشائعة للأغلبية العربية استقلالية هذا الشعب وخصوصيته وتنظر إليه كونه مجرد بُداة يشكلون قسما لهجيا عربيا ضالا في الصحارى.. ولم تسمع أو لم تستسِغْ الأذن العربية إيماجغن الأوزاد أو لغة تماشق وحرف تيفيناغ الفينيقي الذي يكتبون به!

وطبعا لم يُلتفت لدراسة مجتمع لأزواد وطبقاته من السادة \ إيماجغن وإينسلمن وطبقة الصنّاع \ إينادن وطبقة العامة \إيكلان كما ترفض فلسفة المجتمع العربي ما تحظى به المرأة الأزوادية من مكانة مميزة ما زالت تحيا من ميراث المجتمع الأمومي للطوارقيين. ذلك الشعب الذي ما زال يتمسك بتقاليده الحية والذي قاوم الاستعمار الفرنسي ببسالة واشتـُهر بهذا الشأن قتل الفرنسيين عام 1916 لرئيسهم الأمنوكال (الشيخ) فهرون قائد أولدمن (كل أترام).

ومنذ استقلال الدول التي وجد فيها الأزواد الطوارق وعاشوا منذ قرون التاريخ البعيدة وعلاقة الأنظمة المتعاقبة بهم غير ودية خاصة في مالي والنيجر.  وكان أول تحرك سياسي للطوارق الأزواد سنة 1963 مطالبين بحقوقهم السياسية في مالي، إلا أن حكومة الرئيس السابق مودبو كيتا قمعتهم بشدة وزجت بأغلب نشطائهم في السجون.

ومع بداية تسعينيات القرن الماضي نشطت حركات مسلحة للأزواد الطوارق في مالي والنيجر، وقامت الجزائر بوساطة بين مالي والمسلحين فتم توقيع اتفاق سلام بـ تمنراست في يناير/ كانون الثاني 1991، وهو اتفاق لم يحترم في الغالب. فعاد العنف ليتزايد من الجيش المالي الأمر الذي دفع الآلاف من الأزواد وعوائلهم للجوء إلى موريتانيا والجزائر وبوركينا فاسو. وعرف طوارق النيجر هجرة واسعة إلى ليبيا في عهد الرئيس السابق سيني كونتشي، الذي جرت بُعيد رحيله سنة 1987 محاولات للمصالحة بين المعارضين الأزواد الطوارق في ليبيا وخلفه الرئيس علي سيبو، غير أن مواجهات دامية عاد فقادها الجيش النيجري ألغت المحاولة ووأدتها سريعا وأشعلت حملة من القمع الساحق الذي تعرض له الثوار.

وعلى الرغم من رعاية دول مجاورة (الجزائر وبوركينا فاسو) لعدة اتفاقيات سلام بين الثوار الأزواد وحكومتي  مالي والنيجر، لم يصل الوضع بعد إلى حد السلام والاستقرار، فلا الأزواد \ الطوارق حصلوا على حكم ذاتي فضلا عن الاستقلال، ولا مالي والنيجر استطاعتا السيطرة على مناطق الأزواد \ الطوارق الواسعة الأرجاء صعبة المسالك.

 

 

والقضية التي تفرض نفسها ونختار الإشارة إليها هنا هي القضية الأمازيغية بعمومها.. فشعب الأمازيغ تاريخيا هم على وفق سطوة الرومان وسحقهم للشعوب التي اجتاحوها بربر بمعنى همج.. ولأن العرب هم أصحاب الغلبة التالية فقد استخدم معجمهم اللغوي مصطلح البربر بهذه الدلالة العنصرية المتعالية وكثرما نجد استمرار مصطلحات من هذا النمط في المعاجم الفلسفية والسياسية بدلالاتها السلبية الخطيرة التي تصادر ثقافات الشعوب وحضارتهم بالتحديد لدى الأمم المهيمنة الغالبة...

لقد كان لتشبث الأمازيغ بالثقافة الأم وإغلاقهم لمداخل قد تكون منفذا لشرور الغزو الروماني أو غيره الدور المهم في رفض محاولات طمس ثقافتهم المتوسطية التي تعرضت لغزوات متعاقبة. ولقد أظهر سكان شمال أفريقيا تلك الإرادة الصلبة في المقاومة، إدراكا منهم بل ومنعا من الانصهار في بوتقة المستعمر وثقافته، ما يؤدي بهم تدريجا إلى الانسلاخ عن الأصل الذي تعتز به كل هوية.

ومما تمسك به شعب الأمازيغ اسمهم الذي يشير إلى دلالة حرية الإنسان، فكانت تلك  الدلالة التاريخية والسياقية تحيل إلى أن أمازيغ هو الأب الروحي للأمازيغيين في إشارة اعتزاز باستقلالية الهوية. واعتمادا على ما ذهبت إليه الحقائق الثابتة وعلى الرغم من رؤى تحيل بأصل الأمازيغ إلى أوروبا بالاستناد لقراءة التماثل اللغوي مع لغة الوندال وأمور عرقية بعينها أو أخرى تشير إلى العمق الإفريقي أو المشرقي العربي إلا أن الراجح أن شعب الأمازيغ يمتلك استقلاليته وهويته من قرون تاريخية بعيدة ممثلا لموطنه المغاربي ولا يضير استقلاليته اختلاطه بالأعراق والهويات المجاورة طالما بقي متشبثا بهويته اللغوية والثقافية وحقوقه المشروعة التي يتمسك بالنضال من أجل تحقيقها أبناء هذا الشعب وحركاته التحررية...

 

أما إذا التفتنا إلى الجنوب قليلا فإننا سنجد  الاستعمار الحديث يضم سلطنة دار فور إلى السودان في رسمه للخريطة المعاصرة ودرءا لوقوف سلطان شعب الفور مع الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى... ودار فور   منطقة في غرب السودان، سميت بهذا الاسم تيمناً بشعب "الفور" الذين كان لهم سلطنة فيها قبل الاستعمار الإنجليزي... ويتركب سكانها من  الفور، الماساليت، الزغاوة ومن العرب وغيرهم. وشعب الفور يتعرض لمجزرة طاحنة وما تزال حرب الإبادة مستمرة على الرغم من كل الجهود.

ولقد استباحت القوى الغاشمة دارفور بكل أنواع الجريمة من أشكال الإبادة الجماعية ومن الاستلاب والاستغلال ومنه جرائم الاغتصاب الجماعي حتى أن عام  1995 وحده كانت وقعت فيه حوالي 355 ألف حالة اغتصاب أو تحرش جنسي، والمطـّلع على الدراسة التي تناولت هذه الجريمة يلحظ أن أغلب الحالات [حوالي  76.4%]وقعت  نهاراً على مرأى من الحكومة ومسمع، وليس في أوقات غفلة، ما قد يعني مسؤولية الدولة ومشاركتها في التستر على الجريمة.

وإقليم دارفور يمثل أكبر أقاليم السودان، وتبلغ مساحته أكثر من نصف مليون كيلو متر مربع ( 510 ألف كيلو متر مربع) التي تمثل خمس مساحة السودان وتقطنه عرقيات إفريقية وعربية؛ أهمها "الفور" التي جاءت تسمية الإقليم منها، و"الزغاوة"، و"المساليت"، وقبائل "البقارة" و"الرزيقات". ويعدّ شعب الفور من أكبر الجماعات العرقية الأفريقية التي تحيا هناك، ولأبناء الأقليم تاريخ طويل من الصراع حول الأراضي وحقوق الرعي مع الرعاة من القبائل العربية‏، ولكنّ هذا الصراع لم يظهر بصورة واضحة حتى السبعينات  حيث بدا ضعف الحكومة مع زيادة انتشار السلاح في الإقليم بخاصة وضعه بيد  عصابات جهوية محددة كانت تستغل النزاعات القبلية  العرقية‏.‏

حتى انقسم الأقليم عام 1994 نتيجة تلك الصراعات المتعاظمة على ثلاثة أقاليم متجاورة لكنها ظلت مختلطة الأعراق‏ حيث تبلغ نسبة الجماعات الإفريقية نحو‏ الثلثين  بينما تبلغ نسبة العرب الثلث علما أنه توجد في السودان حوالي 572 مجموعة عرقية تمثلهم أكثر من ثلاثين حركة تحرر.. ويبلغ عدد سكان إقليم دار فور نحو‏6.7‏ مليون نسمة،  يقطن منهم في الريف ‏75%‏ من السكان، بينما يمثل الرعاة الرحل حوالي‏ 15%‏، والباقون يقيمون في  المدن الرئيسة مثل الفاشر وجنينة، ونيالا، وزالنجي...وهذه إشارة واضحة لطبيعة الإهمال في توجيه التوزيع السكاني بين مناشط حياتية وعلى وفق ما يعود على الشعب بخدمات التطور والتمدن...

وتنقسم قبائل شعب دارفور على قسمين هما : "القبائل المستقرة" الموجودة في المناطق الريفية مثل "الفور" و"المساليت" و"الزغاوة"، و"الداجو" و"التنجر" و"التامة"، وهم من الأفارقة، ويتكلمون لغات محلية فضلا عن لهجات عربية، والقسم الثاني من شعب دارفور هم: "القبائل الرحل" التي تتنقل بحثا عن الماء والمراعي، وهي قبائل وفدت للمنطقة مثل: "أبالة" و"زيلات" و"محاميد" و"مهريه" و"بني حسين" و"الرزيقات" و"المعالية"، و غالبية هؤلاء عرب بينهم أفارقة أيضا.

وجذور الصراع  في دارفور تاريخية تعود لمئات السنين، لم ينجم بدءا عن اضطهاد عرقي أو ديني ولكنه نتج عن موقع الأقليم المتاخم لتشاد ومصر وليبيا وأفريقيا الوسطي ما جعله منطقة للقبائل الرحل التي ظلت مصدر قلق واعتداءات وصراعات عديدة في الأقليم... ولكن الأمر في السودان لا يقتصر على الصراعات في دارفور فحسب، فمنذ عام ‏1983‏ تشهد مناطق عديدة في السودان وبينها جبال النوبة التي تمتد علي مساحة ‏80‏ ألف كيلومتر في وسط السودان حربا أهلية بين أبناء  تلك المناطق والحكومات المتعاقبة في الشمال. وقد حصدت تلك الحروب أرواح أكثر من مليوني شخص‏.‏ ومازال سكان جبال النوبة يطالبون بحكم ذاتي يعقبه استفتاء لتقرير المصير‏.‏ دعك من الثورة في جنوب السودان وتمرد قبائل البجا‏ في شرقه...

 أما أصل الصراع بخاصة في دارفور فترجعها الحكومة لأسباب بيئية مثل الاختلاف على المراعي، لكن دارفور شهدت حركات تلو الأخرى منذ الستينات من القرن الماضي، فكان هناك حركة سوني و جبهة نهضة دارفور،‏ وجبهة الدكتور دريج وحرير وأخيرا حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان والتحالف السوداني الديمقراطي الفيدرالي‏،‏ وتحدثت أغلب تلك الحركات عن مسألة اقتسام الثروة بطريقة عادلة تعود على أبناء الأقليم بالخير وبمعالجة مشكلات القحط والجفاف وضآلة الموارد إلى جانب الانتهاء من تدفق الأسلحة على ميليشات محددة ومنع مشاركة شعب دارفور من تسلم السلطة حتى في إدارته كما جرى فيما سُمِّي يومها 1994 إعادة التنظيم الإداري لإقليم دارفور الذي اُستبعِدت فيه أغلبية الفور والمساليت وجرى تقويض دورهما في تقرير المصير...     

و نشبت الاشتباكات الطائفية المسلحة في عامي ‏1998 و‏1999‏ عندما بدأ العرب الرحل في النزوح مع قطعانهم نحو الجنوب حيث تمَّ إحراق ما يزيد على ‏60‏ قرية من قرى ‏المساليت‏ مقابل قرية عربية واحدة ‏..‏ وقتل من أبناء المساليت ستة أضعاف من قُتِل من العرب ونزح ‏(آلاف)‏ من أبناء المساليت إلى‏ تشاد‏  وتكررت الصدامات في العام ‏1999‏ واتسمت الاشتباكات الجديدة بالمزيد من سفك الدماء‏ حيث تعرضت ‏125‏ قرية من قرى المساليت للإحراق والهجمات‏ وسقط الكثير من الضحايا‏.‏

وفي أوائل عام ‏2003‏ دخل الصراع منعطفا جديدا، عندما قام جيش التحرير السوداني وحركة العدل والمساواة بمهاجمة أهداف حكومية في إقليم دارفور ليفضحوا وقوف الحكومة السودانية بالتحيز لصالح جهات بعينها ضد الأفارقة من شعبي الفور‏ والمساليت.‏ فلقد اُضطر شعب الفور نتيجة طول تلك الصراعات واتساعها في التصفيات الدموية وبطريقة الإبادة الجماعية لتنظيم نفسه في حركات سياسية عريضة مع أجنحتها العسكرية المقاومة، وتعدّ "جبهة تحرير السودان"‏ وجناحها العسكري "جيش تحرير السودان‏" التنظيم الأكثر نشاطا ويترأسها محامٍ سوداني هو عبد الواحد محمد نور الذي ينتمي إلى قبيلة الفور، بينما يحتل "أركو مناوي‏"‏ موقع أمينها العام، ومعظم القادة العسكريين في صفوف الحركة كانوا ضباطا سابقين في الجيشين السوداني والتشادي.  وتنتقد الحركة التهميش الذي تعرض له إقليم دارفور واستبعاد أبنائه من قسمة السلطة، وانعدام الخدمات الأساسية فيه، كما تنتقد هيمنة الوسط النيلي على أقدار السودان، وتنادي بحكم ذاتي موسع، وإعادة بناء السودان على أسس جديدة.

أما التنظيم الثاني فهو "حركة العدالة والمساواة"‏ التي يقودها‏ "خليل إبراهيم"‏، بينما يقود عملياتها العسكرية‏ "التيجاني سالم درو"‏ ‏.‏ وتدعو‏ "حركة العدالة والمساواة"‏ إلى فصل الدين عن الدولة وبناء سودان جديد مدني وديمقراطي، وتتحدث عن تحالف المهمشين ضد سلطة المركز وإتاحة دور أساس للمهمشين في عملية إعادة الصياغة هذه‏.‏

فيما التنظيم الثالث يتمثل في "حزب التحالف الفيدرالي"‏ الذي يتزعمه أحمد إبراهيم دريج، وهو سياسي سوداني من غرب السودان ينتمي إلى قبيلة الفور، لعب أدوارا بارزة في السياسة السودانية منذ النصف الثاني للستينيات إلا أن حزبه ظل متهما بالجهوية لتركيزه على مطالب دارفور.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن حركتي‏ "تحرير السودان"‏ و‏"‏العدالة والمساواة"‏ قامتا ببعض المعالجات  التصحيحية لإزالة صفة القبلية أو الإثنية عنهما لنضجهما وإدراكهما حاجات التطور السياسي الفكري المؤمل‏.  هذا بخلاف  ميليشيات الجنجويد [العربية] التي ما زالت تهاجم الثوار مدعومة بشكل أو آخر من السلطة.. وينسب إلى هذه الميليشيات قيامها  بعمليات قتل واغتصاب وتشويه ونهب وإحراق البيوت، وتشريد الأشخاص، وكان نتيجة ذلك أن فر نحو مليون نسمة من ديارهم بينما قتل ما لا يقل عن‏ (10)‏ آلاف شخص حسب إحصاءات الحكومة لكن الأرقام الدولية ترصد أوضاعا مهولة بالخصوص،‏ إلى جانب تعرض الآلاف لمخاطر الآفات الطبيعية وما ينجم عنها من المجاعة والأمراض التي تجتاح المخيمات .

 

 

هذا غيض من فيض في دول شمال أفريقيا العربية أما الدول المشارقية ومنها العراق فسنجد مشكلات شعوب وقوميات ومجموعات دينية كالصابئة المندائيين والأيزيديين ونجد شعب ناء الحضارة من بقايا سومرية ومن الكلدان الآشوريين السريان كما نجد التركمان ونجد جناح الوطن الآخر الشعب الكوردي...

 

ولنقرأ تباعا تلك القضايا ولنبدأ بقضية الصابئة المندائيين بجذورهم السومرية وتطلعات حاضرهم ومستقبلهم إنسانيا ووطنيا فالصابئة مجموعة قومية تشكلت من بين أولى المجموعات السومرية في أحضان هذا الإقليم الذي شهد ولادة الحضارة البشرية الأولى.. ومع امتداد الزمن يتحدث اليوم أبناء هذه المجموعة مستخدمين المندائية اسما علما لهم في إشارة لتراث ثقافي حضاري يحتضنونه ويواصلون مسيرة تعبيرهم عن شخصيتهم القومية والدينية...
              وما تنبغي الإشارة إليه هنا هو غنى تلك الشخصية ودورها المميز في الميدان المحيط بدل حالة الإنغلاق التي تعانيها مجموعات أكبر تعدادا سكانيا في أماكن أخرى من العالم. وهذا الغنى يتأتى من فاعلية الاندماج بالمحيط الوطني العراقي المعاصر وتقديم خيرة أبناء البلاد المبدعين والمفكرين المعروفين عراقيا وعالميا..

               ويهمنا هنا  تشخيص ما يقف وراء الحملات التصفوية الدموية الجارية وأعمال التهجير والإبعاد للمندائيين من وطن التصقوا به وبمسيرته التاريخية والوطنية المخصوصة عبر آلاف السنوات العجاف من دون أن ينفصموا عنه للحظة ..

                            والدفاع عن المندائية دفاع عن هوية عراقية.. ودفاع عن تاريخ العراق، ودفاع عن حضارته التي سجلت تراث البشرية في المسيرة المطبوعة بالسلم ونهجه وبالتعايش المتفتح المتفاعل إيجابا، وهو دفاع عن بقاء روح التنوير وروح الوحدة وروح التقدم والعطاء الأخوي لكل العراقيين يمتلكون حقوقهم الإنسانية كاملة ويؤدون واجباتهم تجاه بعضهم بعضا..

 

فإذا كان هذا ما أصاب المندائيين فإنَّ الأيزيدين مثلهم مثل الآخر ما زالوا يبحثون عن المكان والمكانة في العراق الجديد فلقد  تعايش الأيزيديون مع نسيج المجتمع العراقي عبر تاريخ بعيد وعريق. ولم يكن العراقيون يوما إلا في حال من الوئام والسلام وطيدة متمكنة من قلوبهم مع المجتمع الأيزيدي، على الرغم من محاولات عزل الأيزيديين سواء بتجهيل المجتمع العراقي معرفيا بهم أم بفرض السلطات الغاشمة لستار حولهم بما يمنع من تواصلهم مع مكوِّنات المجتمع العراقي عامة.. وهكذا بقيت اللحمة بين الأيزيدية وعموم المجتمع العراقي صحيحة على الرغم من أطواق العزل..
 

وللأيزيديبن وجود في دول المشرق العربي كما في سوريا حيث يمثلون أقلية تبحث لها عن هوية مغيبة لتزيح عنها التساؤلات والتشكك بحقوقها  ونصوصها المتداولة التي تميل إلى الاندثار قسرا  وتعدادهم بسوريا يصل إلى 50 ألف شخص على وفق إحصاء محكمة سيغمارينغين الألمانية  وهم ينتشرون على طرفي نهر الجراح بسوريا ببلدات القحطانية ودريجيك ومزكفت وأوتلجة وألارشا وتسكن الحسكة عشائر التورنا والدنا والملا والسوعانا  إلى جانب منطقة عامودا وعفرين وحلب وهو ما يجعلهم ببعض هذه المناطق أقرب لشمال كردستان حيث يلتقون مع تجمعاتهم في العراق ...

لقد تعرض الأيزيديون للاضطهاد  الذي  اضطرهم للتجمع في مناطق خاصة تجمعهم ككل الشعوب التي عانت من الاضطهاد مثل الدروز والعلويين في سوريا وعلاقاتهم بالآخرين قائمة على الحذر والخوف بحسب التجربة التاريخية لهم مع السلطة السياسية الدينية للإغلبية السائدة (لعرب المسلمين)... ولكن مع ذلك فإنهم يحبون التجمع والمناقشة الحرة والعيش مع الآخرين في سلام وأخوة ويتعاملون مع الغير بكل احترام وأدب والأيزيديون عشائر وقبائل وهم يعيشون بين الحياة البدوية في التعامل والحياة المدنية ونلحظ مجتمعهم ببعض الخصوصيات مثل كيفية الزواج ومثل الكريفانية فكما هو معروف يتألف المجتمع الأيزيدي من  ثلاث فئات:
 الشيخ  \ البير  \المريد ويحدث الزواج ضمن كل فئة  فلا يجوز لفئة من تلك الفئات الزواج من غير فئتها أو من أتباع الديانات الأخرى  وهم محرومون من التعليم على الرغم من شغفهم به ودينيا طقوسهم من المحظورات  حتى أنهم قانونيا يخضعون للديانة الإسلامية وأحكامها... وتعداد الأيزيديين في سوريا  حوالي 15000 ولهم مرجعية دينية (مجلس روحاني) في مركز الديانة الايزيدية في شمال العراق يرأسها أمير الايزيدية في العالم السيد تحسين سعيد بك ومحجهم الأول لالش الذي هوجم قبل مدة...

والأيزيديون في مركزهم بالعراق احتفظ لهم العراقيون بمكانة أخوّتهم ومكانهم، ولكن ذلك لم يكُ بيِّنا لأسباب تتعلق بالنظم المتعاقبة على عراقنا في ظروف جرى فيها حظر التعددية بجميع مستوياتها. ولقد اُرتـُكِبت جرائم عهد ذاك، وتجري متابعة لها ولعمليات إجرامية بحق الأيزيدية اليوم من قبل أولئك الذين ينتمون إلى فكر العزل والفصل العنصري الفاشي المهزوم..

فتقوم فرق إجرامية ومجموعات التطرف الأسلاموية وغيرها باغتيال ومطاردة متعمدة مفضوحة المقاصد. ولقد شهدت السنوات الأخيرة عددا من الجرائم المقصود بها أبناء عراقنا من الأيزيدية تحديدا..

 

المسيحيون

 

وبالمرور من هاتين المجموعتين القوميتين الدينيتين ننتقل لموجز في  المسيحي بحثه عن أمان المكان والمكانة وتفعيل مشاركته في الحياة العامة ولم يتوقف أمر المسيحي عند لون من الاضطهاد بل ضرب في عمق وجودهم عندما صاروا يتناقصون في نسب وجودهم بعد الهجرات القسرية لهم والتصفيات التي جرت بحقهم ففي لبنان تراجعت نسبة المسيحيين من 60% من تعداد السكان قبل عام 1975 إلى  %25اليوم، والأهم تراجع نفوذهم السياسي بشكل كبير وفي فلسطين تراجعت أعداد المسيحيين من 17% من تعداد السكان إلى أقل من 2% حاليا وبفعل أسلمة قضية فلسطين وسيطرة المتشددين على الشارع أُفرغت أحياء كاملة في بيت جالا وبيت لحم وبيت ساحور من سكانها المسيحيين، وتراجع عدد السكان المسيحيين في القدس من 50% عام 1920 إلى أقل من 10% في التسعينات... وفي وقت أصبح انزلاق العراق إلى مستنقع حرب طائفية أشبه بواقع الحال صار شبح تلك الحرب يهدد بجرالعراقيين جميعا إليها بما يتهدد بصورة خاصة مجتمع المسيحيين الصغير ويتوعده بالإبادة التامة.

إن المجموعات المسيحية في العراق تُـعَـد من بين أقدم الطوائف المسيحية التي مارست عقائدها الدينية في المنطقة منذ عهد السيد المسيح. إذ يرجع تاريخ الكنيسة الأشورية الرسولية إلى العام 34 بعد الميلاد على يد القديس بطرس. ويرجع تاريخ تأسيس الكنيسة الأشورية في الشرق إلى العام 33 بعد الميلاد على يد القديس توماس. واللغة الآرامية التي يتداولها المسيحيون في العراق اليوم هي نفس اللغة التي كان يتحدث بها هذان الرسولان ـ والمسيح ذاته.

وليس غريبا ذكر حملة الإبادة الجماعية الأرمينية التي شهدتها الفترة من 1914 إلى 1918، التي قُـتِل فيها ما يقرب من 750 ألف آشوري ـ وهو حوالي ثلثي تعدادهم آنذاك ـ على يد الأتراك العثمانيين.ولقد كانت مذابح سميل العام 1933 واقعة أخرى دفعت قسرا بالآشوريون للهجرة الإجبارية واستكمل الجريمة الطاغية بحرب الأنفال ليبيد قرى كلدانية آشورية بأكملها في كردستان فضلا عن الممارسات التضييقية من التسميات العربية والتعريب في السجل المدني إلى أمور التوظيف وما إليها ...

لقد كان تعدادهم في عام 1987 في العراق حوالي 1.5  مليون مسيحي. واليوم لم يتبق منهم في البلاد إلا حوالي 600 إلى 800 ألف يتركز أغلبهم في سهل الموصل.  فر منهم مؤخرا حوالي ستين ألفاً، وربما أكثر، وأثناء عام 2004 تسارع خروجهم مع بداية حملة التفجيرات الإرهابية ضد الكنائس المسيحية على يد إسلامويين. وطبقاً لتقرير حديث أصدرته الأمم المتحدة، أصبحت الأقليات الدينية في العراق تشكل "هدفاً منتظماً للتمييز، والمضايقات، بل والاضطهاد في بعض الأحيان، حيث تتعرض لحوادث تتراوح ما بين الترهيب إلى القتل، وحيث يُـسْـتهدف أعضاء الأقلية المسيحية بصورة خاصة".

 

الكورد وحملات الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها بمناسبة ذكرى جريمتي حلبجة والأنفال:

 

عاش الكورد في منطقة كردستان عبر تاريخ بعيد تنوعت فيها ظروفهم  العامة حتى وصلنا لعضرنا الحديث الذي تقرر فيه تقسيم كردستان على الدول المتجاورة  المعاصرة مع وعد بتحقيق دولة سرعان ما تمَّ سحبه باتفاقية لاحقة (سيفر) في عشرينات القرن الماضي.. ونهضت حركة التحرر القومي الكوردية بنضالات عنيدة وثورات قدمت فيها التضحيات الجسام فيما تم قمعها دمويا وتعرض الكورد لمذابح وفظائع كان أقساها وآخرها استخدام السلاح الكيمياوي ضد الشعب وإبادة آلاف القرى بساكنيها من النظام القمعي الديكتاتوري.. وللحديث عن هذه الذكرى ينبغي أن نصف الجريمة ونشحص بعذ مفرداتها:
فالأنفال من كبريات جرائم العصر الحديث عصر التحرر من عبودية النـُظـُم الفاشية وطغيان الدكتاتوريات بمختلف أشكالها. لقد كانت العقود الثلاثة الأخيرة سنوات الجمر من أجل ظهور شعارات الحرية وحقوق الإنسان وفي ظلالها حقوق الشعوب والقوميات المتطلعة إلى الاستقلال والتخلص من زمن التبعية والانتهاء إلى الأبد من كل مظاهرإلغاء الشخصية والهوية..

لقد خيضت الحرب ضد شعبنا الكوردي منذ إعلان آذار نفسه الذي كان انتصارا لنضالات القوى الوطنية العراقية ولكنَّه في الوقت ذاته تمَّ استغلاله ليكون غطاء لحرب الإبادة القذرة بذرائع مطاردة أعداء السلام والاستقرار والقانون وهو قانون العصابات الإجرامية وليس دولة الشعب ومصالحه. وهنا نسجل مشكلة انقسام قوى السلم والحرية وما تخلقه من ظروف غير طبيعية وتعقيدات للنضال الوطني التحرري...

ففي شهرين فقط من سنة 1978 تمَّ إبعاد 28 ألف عائلة أي حوالي 200ألف نسمة من القرى الحدودية وبدأت ما تُسمى اللجنة العليا لشؤون الشمال بقيادة الطاغية صدام نفسه والمأساة ستأتي بعد ذلك عندما يتم اعتقال آلاف من رجال المنطقة وصبيانها وشيوخها ونقلهم إلى جهة لم يُكتشَف أثرهم جديا حتى يومنا ولكن التقارير والوثائق المكتشفة في المقابر الجماعية تؤكد إعدامات بالجملة...

ومنذ آذار 1987 وحسب المرسوم 160 من مجلس قيادة الفاشست يبدأ علي كيمياوي حملته الإجرامية وتحت أمرته ما يسمى مكتب تنظيم الشمال والفيلقان الأول والخامس والقوات الخاصة وقوات الطوارئ وآخرين..وفي أيام معدودة جرى حرق القرى التي بُنيَت بجهود أهلها طوال عشرات السنين وقد عملت البلدوزرات على تنفيذ الأوامر مع طائرات الهليكوبتر وتمَّ في مرحلة أولية من تلك الحملة الواسعة هدم حوالي (703) قرية  منها 219  في أربيل و122 في كرميان و 320 في السليمانية وبادينان... وتمَّ توزيع أبناء قره ته به في الرمادي وفي حزيران 1987  تمّ بأوامر علي كيمياوي شمول ألف قرية أخرى باسم القرى المحظورة التي يجري محوها من الخارطة...

وفي أيلول سبتمبر 1987 كان قرار حجز الذكور بين أعمار 12  ـ  50  حسب علي كيمياوي  وهنا قائمة ببعض الضربات الكيمياوية التي تمت في إطار حملات الأنفال لكي نؤكد فيها على أنَّ مسألة الكيمياوي ليست التباسا أو جريمة من طرف غير معروف ولكنّها عملية اعتادت قوات الموت الصدامية على ممارستها مع أبناء شعبنا العراقي وبالذات مع شعبنا الكردي كما توضح هذه الأرقام:

15.04.1987 قصف [هه له وت\به ركه لو\كاني توسيروان\جنارته\اوزيه\نولجكه وكلها تابعة للسليمانية]

16.04.1987  قصف جوي وادي بيلسان شيخ وسان حيث موت كل سكانها الـ 400 نسمة [توتمه\كاني به رد\باليسان \ زيني \ بيراوه \ ئالانه \ دراش\ جبال آراس وده \ شيرو ساو سيوه وكلها تابعة لأربيل]

ضد مواقع الثوار في خه جه له رووك \ تويرتك \ دوبرا \ قه يوان \شاخه سور \ قوله بوشين أثناء ملحمة تحرير كردستان من جند الطاغية

17.04.1987 قصف جوي قزلر \سنكر \ ميولاكه \ وهي تابعة للسليمانية

18 إلى 20 ابريل 1987 أطنان من القنابل على الثوار في مرتفعات خه جه له رزوك \كويرنك \ دوبرا \ مريوان \ ماوه ت\ شاخه سور \ قوله بوسنين \جبال بيره مه كرون السليمانية

20 أبريل قصف جوي مدفعي لقرى باليسان

21 أبريل  مدينة قره داغ سليمانية

أول أيار قصف جوي مدفعي زيوه دهوك

5 أيار قصف جوي مدفعي حوالي 100 مائة قنبلة نازنين كاموسه ك  اسبينداره  علياده وه رى سماقولي 

23 أبريل   ماله كان  كوره شير  نه ندوره  +  في أربيل

25 أيار قرى باليسان كاني بهرد وه رى

6 حزيران  سفح جبل كيوه ره ش  سليمانية

7 إلى 8 حزيران قرى باليسان سماقولي  ته ره وان  بني حرير

 9 حزيران   قرى باليسان

27 حزيران قرى زيوى

3 أيلول  به رنه لو  سليمانية وأربيل

25 شباط     سليمانية أربيل

منتصف آذار 1988  قمة القصف

21 – 22 آذار مناطق حدودية

14  أكتوبر 88 ريزان في السليمانية شيخ بزين في كركوك

 

 

إنَّ جريمة الأنفال لا تقف عند حدود القتل والتصفية والإخفاء وما يُدعى جرائم الإبادة الجماعية ولكنها فوق ذلك تضمنت لمن لم تطاولهم جريمة الإبادة أيضا جرائم ضد الإنسانية من جهة الحجز التعسفي وتحقير السكان والتمييز العنصري وما ظهر في ضوء تلك الجريمة من إرهاب وما أثاره من قلق وخوف وخلق الرقيب الداخلي وانقطاع عن العمل الجمعي لانعدام الثقة لأمور من مثل وجود العملاء وغيرهم وهكذا فإن الاعتداء النفسي هو جزء من الجريمة التي شخصتها اتفاقية ضد التعذيب الدولية في موادها العاشرة والثالثة عشر..

ولعل الإشارة هنا تسجل ما يثيره الرعب والإرهاب من شل للقدرات العقلية بما يُفقِد الشخصية هويتها ويجعلها خاضعة تابعة لإرادة نظام الاستبداد والقمع والحقيقة هنا تكمن في مخاطر موالاة بعض النخب لما يسمونه العادل المستبد التي تجد بعض أصولها في فكر قوى متأسلمة تضليلية مثلها مثل استغلال النص الديني كما في مسمى الأنفال لحملة نقيضة لقيم الإسلام السمحاء. وهذه الموالاة التي تجد من يتبعها في أرضيةِ شخصيةِ ِ تتقبل الصيغ اللاعقلانية والغيبية ومعارضة الحركات الليبرالية كونها إفساد للمجتمع حسب التشويه والتضليل الذي عشنا بعض فصوله ونعيش فصول أخرى منها اليوم...

 ولابد لنا في إطار معالجة آثار تلك الجملات الإجرامية بعد سقوط مرتكبيها أسرى العدالة، لابد من مواصلة إجراء المحاكمات المطلوبة بحقهم لكي لا نترك فرصة لطرف آخر ليفكر بتكرار الجريمة المهولة تلك.. ولكي نمحو الآثار الناجمة عن وقوع الإبادة المادية بالقتل والاعتداء الجسماني وإعاقة التناسل.. والإبادة المعنوية كالاعتداء النفسي والإخضاع لظروف العيش المهينة والنقل لظروف معيشة مختلفة لغة وتقاليدا كما يمكن هنا الإشارة لجريمة بشعة تمثلت في بيع نسوة كرديات في سابقة الرقيق الأبيض في عصرنا بوصفها وصمة عار في جبين زمننا حتى يجري الانتهاء من المحاكمات العادلة التي تقدم شيئا من الإنصاف للضحايا إذ لن يعوض الضحايا ما سُرِق منهم...

ولابد هنا من تصنيف جملة من العواقب التي يمكن أن تنجم عن إهمال قراءة الجريمة والانتصاف للضحايا:

 

1.   العواقب الأخلاقية التربوية:  وما تتركه الجريمة من آثار نفسية تحفر عميقا في الأنفس عند الأبناء والزوجات وعند مجموع الشعب الكوردي.. وسيكون التأثير السلبي أكبر وأعمق إذا ما وجد هؤلاء قلة الاكتراث وعدم التعاطي مع حجم الكارثة الإنسانية التي حصلت بحق ذويهم والشعب الكوردي عامة.

2.   العواقب القانونية الدستورية: فجريمة الأنفال هي مجموعة متنوعة من الجرائم من الإبادة وضد الإنسانية وهي من ثمَّ ليست جريمة عادية بسيطة إنَّها جريمة لا تنتهي بالتقادم الزمني إذ ما زالت وتبقى آثارها من دون معالجة جدية بمستوى خطورتها وحجمها الحقيقي.. ولكننا هنا نشير إلى أنَّ العواقب الدستورية ستكمن في أنَّ إغفال الجريمة سيعني صعود نجم التعاطي مع المركزية بوصفها التعبير القانوني عن الوحدة الوطنية ومن ثمَّ استلاب الكورد وغيرهم أيضا من حقوقهم القومية حيثما تمَّ التقليل من حجم الجريمة وجرى إغفالها أو إهمال قراءتها الصحيحة..

3.    العواقب السياسية: حيث ستفضي حالة إهمال دراسة الجريمة وآثارها إلى القبول بطروحات رفض الفديرالية ومن ثمَّ رفض الحقوق القومية العادلة للكورد.. بينما لن يضمن تلك الحقوق إلا العيش في ظلال اعتراف مسؤول بحق الكورد في الوجود القومي المخصوص بهويته عبر إجراءات سياسية محددة ومنتظرة اليوم قبل الغد.. وهي هنا أي العلاجات ينبغي أنْ تصبَّ في إزالة الحساسيات في العلاقات بين الأطراف جميعا بخاصة بين أطراف سياسية عربية وأخرى كوردية أي بين أقسام الشعب العراقي وقواه السياسية الوطنية الصادقة وتقديمها الصحيح عبر مواقفها المسؤولة من هذه الجريمة النكراء.. ويقع على الشخصيات العربية بالتحديد مسؤولية مضاعفة في هذا المجال لما لهذا الأمر من خصوصية التأثير...

4.   العواقب الإنسانية :   حيث الضحايا بلا تعويض فحتى ضحية الجريمة العادية يجري تعويضها ولكننا هنا بصدد جريمة كبرى مركبة جرت بحق مئات آلاف الضحايا وبحق شعب بأكمله فأين التعويضات التي تسد جانبا من بقايا آثار الجريمة وهي لن تردَّ القتلى إلى حيواتهم ولكنها معنويا تعيد حقوقهم وماديا للشعب المُضام ما يُنتظـَر من تعويض جدي مناسب...

5.   العواقب القومية: تلك التي تقوم على جلد الذات وتأنيب الضمير القومي تجاه عملية التجاهل من الآخر والسكوت عليه من قوى القومية الكوردية ما يفضي إلى قطيعة تحفر مزيدا من التطرف القومي الذي لا يصب في الروح الانفصالي على المستوى العراقي في الظرف التاريخي الحالي بل إلى الانفصال العدائي بين القوميات المتآخية على المستوى التاريخي المقبل وهو أمر سنكون مسؤولين عنه حيثما أغفلنا التعاطي مع خطورة الجريمة وحجمها..لأنَّ إشكاليات الشعور بالقصور في الرد لضحايا الجريمة أمر سيصب في تعزيز التعصب القومي في زمن نحتاج لانفراج بين القوميات وتآخِ ِ وتوحّد ... بخاصة اليوم على الصعيد الوطني العراقي حيث من المصلحة البقاء في وحدة تاريخية مشهودة للوطن العراقي حتى تحين الظروف التاريخية الملائمة لأية متغيرات أخرى..

 

وبخصوص مؤتمر اليوم لتكن شرارة القرار منطلقة من هنا في دعوة صريحة واضحة بالخصوص بتشكيل مركز للدراسات والبحوث الوطنية العراقية لمعالجة الآثار والمشكلات الناجمة عن الجريمة ولتشكيل وزارة للقوميات العراقية تكون مسؤولة عن تصفية كل ما من شأنه التأثير سلبا على الوضع العراقي وعلى مستقبل القضايا والحقوق القومية المشروعة التي ترفض القسر في أي قرار على المستوى العراقي أو مستوى قومياته المتآخية اليوم في إطار السيادة العراقية والتي من حقها تحديد شكل العلاقة في كل مرحلة من المراحل اللاحقة...

 

 

خلاصة ونتائج:

 

إذن تتعرض المجموعات القومية والدينية في العراق لهجمات مستمرة تستهدف حيوات أبناء العراق من الكورد والتركمان والكلدان الآشوريين السريان والأرمن وغيرهم من الصابئة المندائيين والأيزيديين من أصول وادي الرافدين وبُناتِهِ الأوائل، كما يتعرضون لجرائم مختلفة أخرى من الخطف والتهديد والتعديات بالضرب والبلطجة ومهاجمة محالهم التجارية ومصادر عيشهم ورزقهم المشروعة وأكثر من ذلك وأخطر مهاجمتهم في بيوتهم الآمنة ورمي العوائل في الشوارع ومصادرة و [فرهدة] أملاكهم.. أما بيوت الله وأماكن العبادة فقد هوجمت وأُحرِقت وفُجِّرت حتى طاولت تلك الجرائم مواضع كثيرة إنْ لم تحسب بوصفها دور العبادة فهي من ثروة العراق الوطنية وسجله التاريخي العريق؟!!

الحق هنا أن مئات ألوف العراقيين المخلصين لبناء بلاد الرافدين رحلوا أو هم في طريق الرحيل بعيدا عن موطنهم لما يتعرضون له من هجمات إرهابية وهم في وضع مكشوف بلا حماية! ومن الطبيعي أن يكون هذا القرار فيه من الخطورة على التركيب السكاني لبلادنا التي اعتادت أنْ يكون وجود هذه الفسيفساء لأطياف البلاد سببا موضوعيا جديا لإثارة أجواء التسامح والاعتدال والتعايش بين مجموع مكوِّنات شعبنا على أساس من التعايش السلمي والتفاعل الإيجابي بين تلك المكوِّنات..

وهكذا سيكون مثل هذا الترحيل القسري سيكون سببا في تحضير أرضية التطرف وهيمنته وفي تحضير أرضية العداء والتنافر والاقتتال وفي مشكلات اجتماعية وسياسية واقتصادية في بلادنا.. كل ذلك بناء على أهواء ساديين من المجرمين العتاة الذين يزعمون دفاعا عن دين بعينه وهو براء منهم.. أما حقيقتهم فتكمن في إرهابية توجهاتهم العنفية الدموية المعادية لقيم الإنسانية والتسامح بين المجموعات البشرية المتعايشة بروح المواطنة الصحيحة..

إنَّ الجريمة أخطر من تلك التي جرت بحق يهود العراق عندما جرت عمليات [الفرهود] المعروفة بحقهم وتهجيرهم بما قدم خدمات مجانية لضرب الحركة الوطنية وإضعافها ووضعها في زوايا ضيقة في ميدان الفعل السياسي الوطني العراقي المحلي والإقليمي.. واليوم نحن نجابه ما هو أوسع لنسبة وجود العراقيين من مجموعات قومية متعددة تدين بالمسيحية والمندائية والأيزيدية وتنتمي للعراق مواطنةَ َ: مشاعرا واعتقادا.. وليس لنا بالخصوص إلا مزيدا من الدفع بواقعنا نحو وقف الجريمة وتوفير الحماية الحقة الكافية لأخوتنا من مواطني العراق...

 

أما كيف نعالج الأمر سواء في العراق أم على امتداد البلدان العربية جميعا؟ فبودي بعد هذا العرض الموجز السريع لهذه القضايا أن أتحدث عن عوامل العلاقة بين أمة الأغلبية الغالبة أو المنتصرة وبين مجموع شعوب هذه البلدان المسماة أقليات وينبغيهنا الآتي:

1.                                                                    إقامة علاقات التآخي على أساس من المساواة وإلغاء الهيمنة والمصادرة والاستلاب في العلاقة بين الأطراف كافة...

2.                                                                     ينبغي للحركات والتيارات السياسية والاجتماعية أن تُجري عمليات تطهيرذاتية ومراجعة للبرامج بما يجعل الوطنية والمواطنة أساسا معتمدا في العضوية والفعل وفي صياغة برامج الحياة البديلة برامج الديموقراطية الحقة..

3.                                                                    وما ينبغي أنْ يظهر بوضوح يتمثل في إدانة للسياسات الماضوية الخاطئة وللجرائم المرتكبة بالأمس وفي راهن أوضاعنا وفي اعتماد خطط موضوعية تمنح الحق لأهله من حيث نمنع أو نقطع الطريق على التدليس والمزايدة والأقنعة والبراقع..

4.                                                                    هنا يأتي دور ممثلي المجموعات القومية والدينية ليقول لا لأي تحالف مع قوى لا تتفق وروح التعدد والتنوع والتفاعل بين مكوِّنات شعوب هذه البلدان.. ومن الطبيعي أن يكون مكشوفا بوضوح نهج هذه القوى الطائفية فليس من منطق يجمع بين الطائفي والاعتدال والتنوّر! أما ما ينبغي الاستجابة له فهو مزيد من التحالف مع القوى العلمانية الديموقراطية فهي الضامن الحقيقي للحريات العامة وللعدالة ولحفظ أمن المواطن والوطن وحمايتهما سواء جرت الإشارة للتجربة العراقية أم لأي بلد آخر كما في السودان أو لبنان أو غيرهما...

5.                                                                    إنَّ الحل لا يقف عند التفكير في يومنا بل علينا وضع ستراتيج للغد وقد يكون من المناسب انتخاب برلمان قومي لأي مجموعة قومية دينية كما هو حال الكلدان الآشوريين السريان في العراق غيره..

6.                                                                    وسيكون لهذه التجربة العراقية في التحضير للبرلمان القومي أنْ  يبدأ عهدا جديدا حيث البرلمانات الاتحادية لكردستان العراق وللكلدو آشور ولبقية مكونات العراق ومن ثم يتشكل من ممثلي البرلمانات برلمان أو مجلس القوميات الذي يحفظ للجميع حقوقهم في رسم حاضر البلاد ومستقبلها ويوازن ما يجري في البرلمان الاتحادي المركزي..

7.                                                                    والصحيح في العلاقة بين مجموع الأطياف المكونة لكل بلد يكمن في إلغاء استغلال فكرة أغلبية وأقلية، فالمواطن كامل الحقوق أيا كانت مرجعياته الدينية أو القومية وعلى الجميع احترام التنوع والتعدد في البلاد لتكون حقوق الإنسان بعيدة عن  المزايدة أو أية منقصة من الآخر.. وهذا لن يتوافر بتحالفت القوى القومية ممن يسمونها الأقليات مع التيار اليدموقراطي والعلماني ضد الطائفية والانعزالية والشوفينية القومية لبعض القوى العروبية السلفية المنحى...

8.                                                                    كما لابد من الانتهاء من قضية التسميات القومية والتناسبات السياسية والدينية فهذه الشعوب مهددة وليس من قوة قادرة على إنقاذ الوضع ما لم تتحالف القوى المعنية اليوم قبل الغد على أمور جوهرية مباشرة ومع القوى الضامنة لوجود الشعوب الحقيقي في بلاد الأجداد ..

9.                                                                     وحتى يجري تطوير التشكيلات التشريعية والقضائية والتنفيذية على أسس وطنية توحد لا تفرّق وتعضد التفاعل لا تشطِّر ولا تقسِّم يلزم لنا أن نعمل بشكل جدي فاعل وبتوحيد لجهودنا بمعون مؤمل من القوى الدولية لكي تضغط وتمنع الأصابع المرضية في مجتمعاتنا من ممارسة أدوارها التخريبية لابد من:

أ‌.                 متابعة ممارسة طقوسهم وحياتهم الطبيعية بشعائها المخصوصة بكل حرية وأمان...

ب‌.            توفير الفرص لثقافتهم القومية والدينية المخصوصة بطبع كتبهم ونتاجهم بلا قيود ومصادرات..

ت‌.            منح العناية الوافية برعاية اللغة وتعليمها وبأبنية تُعنى بهوية الشعب المعني...

ث‌.            إعلان رجال الدين من المذاهب والمؤسسات الإسلامية حرمة الاعتداء على أصحاب الديانات الأخرى جميعا وإجراء لقاءات تطبيعية تعلن للملأ أن رجال الدين من كل الأطراف ضد ما يجري للمندائيين والأيزيديين والمسيحيين وغيرهم من قتل واستلاب حقوق..

ج‌.             تحفيز الأنشطة الثقافية والإعلامية المناسبة بالخصوص.

ح‌.             إدخال ما يساعد على توطيد العمل الوطني المشترك ويطبِّع العلاقات مؤكدا مسارها التاريخي الصحيح بين مجموع مكونات البلد الواحد..

خ‌.             الإفادة من مؤتمرات وطنية ودولية دورية يجري إعدادها بالخصوص لما يقدم الحلول المناسبة لحماية المجموعات القومية والدينية  وجعل حيواتهم آمنة مستقرة غير معرضة لأي ضغط سلبي بما يمنح الفرصة لتفعيل إبداعاتهم وأنشطتهم عامة..

د‌.                تفعيل تجاريب عدد من الحركات السياسية والثقافية والاجتماعية ولمؤسسات المجتمع المدني معالجتها بالخصوص على المستوى الوطني للبلاد عندما أوجدت منظمات وفروع شبه مستقلة تمثل الأطياف الموجودة في البلد المحدد..

ذ‌.                ويمكن للقوى الدينية [المعتدلة المتنوِّرة] أنْ تسحب البساط من تحت أقدام أولئك الذين يحرثون في أرض الاختلاف الديني معولين على فلسفة التكفير والتحريم وبهذا نقلل من مصيبة تسخير الديانات بطريقة تتعارض مع جوهرها في الجنوح للسلم والمجادلة كما يفعل المتشددون المتطرفون...

ر‌.              إزالة مصطلح أقليات التهميشي الظالم واستخدام أسماء المجموعات القومية والدينية بوضوح...

ز‌.              تعويض ضحايا جرائم الاعتداء المباشر وغيره وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والخولوكوست الشوفيني التي جرت بحق الشعوب المستعبدة المضطهدة كل حسب الظرف الوطني والقومي  والديني الخاص...

س‌.           فتح كل مجالات العمل السياسي والاجتماعي في المستوى الوطني العام بلا حدود وقيود قسرية لحساب طرف على آخر...

 

 

 

أرقام عراقية:

العرب (الشيعة والسنة)    &

196
بيان صادر عن الهيئة التأسيسية

لمؤتمر المثقفين العراقيين [في المهجر]

أيها المثقفون العراقيون في كل أنحاء العالم

     لما كانت الثقافة العراقية تمر اليوم بمأزق صعب خطير في داخل الوطن وأصقاع الشتات ، ولما غدا الواقع الثقافي العراقي مأساويا بشكل متهرئ ومخيف ، ولّما ذهب الكثير من المثقفين العراقيين ضحايا له ، ولما كانت قوافل المثقفين المهاجرين بعيدا عن تراب الوطن إلى المجهول تتزايد كل يوم.. ولما صارت مجموعة قيم الحداثة والاستنارة والتجدد للثقافة العراقية المعاصرة  تنسحق يوميا.. ما يحيل إلى انقطاع تواصل أجيال الثقافة، إلى جانب ندرة المبدعين ، ومات الكثير من الخلاقين ورحل كثير من الفنانين والمفكرين وتراجع العراق عن إنجاب المتميزين في ظل واقعه الكسيح اليوم .. ولما حاق بالعراق من عفونات التاريخ، وتبدد العقل، واستبيحت المؤسسات الثقافية حين امتلأت بالجهلة ، وسادت الطائفية ، وتكرّست المثاقفة ضمن أخطاء المحاصصة الطائفية والقومية واستعيدت ماضوية التقاليد البالية .. ولما انكفأ الحوار واختفت الجماعات والنقابات والبرامج ، وسادت مظاهر الفساد المالي والوظيفي .. ولما ضاعت حقوق المثقفين على أدعياء التطرف الديني والأشقياء المسلحين .. فانه بناء على كل ذلك المشهد المرعب من الخراب الشامل ، باتت الحاجة ماسة اليوم لتأسيس مؤتمر المثقفين العراقيين [في المهجر] من اجل معالجة حكيمة لأوضاعهم الصعبة وتقويم بنية الثقافة العراقية عامة، حيث تقضي الضرورة بحماية المثقف العراقي والاعتناء بدوره وتطوير إبداعاته والوعي بمشكلاته وتحصيل حقوقه وتوثيق علاقته بتراب الوطن وبجماهير شعبه كي يبقى عضوا فاعلا في بناء العراق الجديد.. ومشاركا فعالا في عملية التنوير الاجتماعي . ان مؤتمرنا يؤمن بمبادئ الحريات والعقل والشفافية والنظام والديمقراطية والعمل الجاد لتحقيق الاهداف الموضوعية المعلنة .

       وعليه، فاننا هنا نعلن عن : تأسيس مشروع مؤتمر المثقفين العراقيين في المهجر ، وننادي بالتعاضد الجمعي  بما يحقق الأهداف التي يسعى اليها المثقفون العراقيون قاطبة من دون أي تمييز طائفي او ديني او مذهبي او عرقي او عشائري او جهوي .. وسيعمل الناهضون بعقد المؤتمر التأسيسي الذي سيعالج بخطوات عملية الخطة التي رسموها لتحقيق الاهداف المعلنة، وسيصدر عن المؤتمر النظام الداخلي وتنبثق الامانة العامة والتحضير للمؤتمر الاول على وفق الضوابط  التنظيمية المتعارف  عليها .

        وفي إطار جدولة العمل ، نّود ان نحّدد الاسس والركائز التي سنعتمدها في هذا " المشروع " مؤكدين هنا على جوهر المؤتمر الذي سيعمل على ترسيخ الهوية الثقافية العراقية المستندة الى التفتح والتمدن والتحضر والعقل  وكون العضوية تستند إلى العلمانية والديموقراطية والوطنية المتنورة .. كما نؤكد على منع الاختراقات الطائفية والفاشية والشوفينية فكرا وعضويةَ وممارسة ، ذلك ان مؤتمرنا مستقل الارادة وعلمي المنهج وعراقي إنساني متفتح التفكير ، ولا يتبع أي جهة حزبية أو حكومية  ولا لأي أطراف خارجية أو داخلية بأيّ شكل من الأشكال ويحتفظ باستقلاليته التامة...

      وعليه ، وعلى وفق ما ورد في بياننا هذا،  يتمّ البدء بالعمل منذ هذه اللحظة المهمة  وعلى وفق المبادئ التأسيسية التي عرضناها.. راجين لمسيرتنا وقوف المثقفين العراقيين إلى جانبه وإسناده  لضمان النجاح والتوفيق لخطواتنا وسنعلن في الأجل المنظور تاريخ انعقاد المؤتمر التأسيسي ومنهاجه وجدول أعماله.. وأخيرا، نحيي كل المثقفين والمبدعين العراقيين المغتربين [في المهجر] ، ولنكن يدا واحدة من أجل استعادة  ثقافتنا العراقية وتطويرها  وان تمر بتحولات إيجابية بعيدا عن كل الإخفاقات ومواجهتها للتحديات القاتلة التي أصابت العراق الحبيب، وهو  يمر بأحرج مرحلة تاريخية عبر مسيرته الحضارية الحافلة. 

كتب يوم الأربعاء الموافق 14 شباط / فبراير 2007

الموقعوّن:

الأستاذ  جاسم المطير

الأستاذ  حامد الحمداني

الأستاذ  الدكتور سيار الجميل

الدكتورة كاترين ميخائيل

الأستاذ  الدكتور كاظم حبيب

الأستاذ  نوري العلي

الأستاذ الدكتور تيسير الآلوسي[/b][/font][/size]

197
التيار الصدري: مخاطر المراهقة السياسية!؟
[/color]

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2007  02\ \06

tayseer54@hotmail.com E-MAIL:

ظهرت في الساحة العراقية بُعَيْد العام 2003 كثرة كاثرة من الأحزاب والتيارات السياسية بين الاستجابة الانعكاسية لضغط زمن الاستلاب والمصادرة وقسوته وبين محاولة التعبير البدائية عن أنفاس الحرية في ظل الأجواء الجديدة وبين تصنيع بدفع من قوى بعينها إقليمية منها ودولية هذا من جهة وبين جهة أخرى تمثلت في عودة الروح لعديد من الأحزاب التاريخية الراسخة الجذور عندما اندفعت الجماهير صوب مكاتبها ومراكزها بكثافة متطلعة لإجابتها عن طبيعة الخطوة التالية؟

ولأن الساحة العراقية كانت مرضت وتشوهت عقودا طويلة  فإنَّ من بين الأمور التي تكشفت سريعا حالة ذهول جمهور واسع أغلبه من ذياك الذي تربى في ظل نظام منع عنه أية معلومة موضوعية صحيحة وأجرى عليه غسيلا فكريا سياسيا وتشويها أخلاقيا بالمعنى الواسع للمصطلح.. وقد استغلت القوى الإقليمية هذه الحقيقة في مسابقة مع الزمن والمتغيرات مستثمرة كل طاقاتها المالية والتنظيمية والمخابراتية التعبوية فضلا عن الأرضية الدينية المشوهة القائمة على تعتيم خطير على قراءة صحيحة لمفهوم المظلومية ولقضية الشعائر والطقوس الدينية وآلية ممارستها...

فكانت جملة هذه الأسباب بما لديها من تخريبات من مخلفات زمن طغيان الدكتاتورية ومن قوة اندفاع إقليمي منظم يتوافر على أبعد فرص الدعم اللوجيستي، كانت كافية لمدخل آخر من أنفاق الظلمة السوداء التي وضعت العراق في أتون محرقة جديدة بسطوة آله جهنمية لعذابات شعب مبتلى.. وكانت لعبة استغلال فكرة المرجعية وأمر السيد لتسطو على أذهان كثيرة.

إنَّ أيَّ مواطن عراقي يدلّك اليوم على معنى مطحنة الآلة الجهنمية الجديدة فور سؤالك له عنها؛ لأنه الوحيد الذي صار ضحيتها اليوم وهو الوحيد الذي بقي في تماس مباشر ولحظة بلحظة بتهديداتها وجرائمها.. وهي ليست سوى متعلقات تسييس الدين وخلط الأوراق× حيث تجد تلك الآلة وسطوتها عائدة إلى:

1.  استغلال اسم المرجعيات زورا وبهتانا وأخطر الأمثلة ما جرى في الانتخابات...

2.  استغلال الخطاب الديني لتحقيق مستهدفات سياسية بحتة مثل لغة التكفير ومن ثمَّ إهدار الدم..

3.  استغلال المقدس السماوي لحكم مَن في الأرض وما عليها بآليات تنفـِّذ مطامح دنيوية محضة...

4.  تحريف الدين وتفسيره وقراءته بطريقة تصب في مصالح سياسية حزبية ضيقة..

5.  استغلال الطقوس والشعائر الدينية وتوظيفها قسرا في اتجاه سياسي خاص بجهة بعينها..

6.  إلغاء مرجعية الدين في أهم نصوصه المقدسة والاكتفاء بقراءات مذهبية بله طائفية مرضية...

7.  إباحة العنف المسلح والهمجية الدموية بذرائع باتت مفضوحة اليوم منها ذاك التضليل عبر استغلال فكرة الجهاد والتغرير بمن لا يفقه  صحيح التفسير والقراءة!!

 

وهكذا توزعت مسؤوليات تيار الأسلمة السياسي بين فرقاء وتيارات متعددة كل ينهض بدور بعينه ويحتوي فئة اجتماعية بعينها.. ويهمنا بالتحديد هنا التركيز على خطاب ما سمِّي "التيار الصدري" وهو تيار يعود لمرجعية معروفة في فقهها وفلسفتها وتوجهاتها بشأن الإجابة الفكرية النظرية لإشكالات عقدية وفي أمور إجرائية من مثل التمسك بعربية المرجعية للمذهب أو الطائفة والحركية السياسية لتلك المرجعية [الناطقة]...

ولأن بناء مثل هذا التيار التزم المرجعية شخصا ممثلة في سلالة العائلة الصدرية لأسباب تعود لبنية القراءة الفكرية للتوجه فقد لجأ عدد من قادة التيار إلى الشاب الذي لم يكمل بعد دراسته في الحوزة وعاد [قادة] التيار ليتحدثوا بلغة التبعية المطلقة للسيد المرجع وهو القائد وإن لم يكن [الضرورة] إلا أنه يظل القائد المبجل الذي لا يدانى ويالسخرية الزمن أن يستبدل أولئك [القادة] القائد الضرورة الجاهل بالقائد الجديد المراهق الذي لم يكمل دراسة. وما الفرق والقائد الجديد يفتي في حرمة كرة القدم وفي أمور شبيهة ليتفتق لنا منه الحل في أزمات العراق الجديد!؟

ويالسخرية قدرنا نحن العراقيين ومن يسمون أنفسهم قادة تيار كبير يتمسحون بصبي لم يكمل مدرسته قائدا مفكرا وكأنَّ العراق خلا من المفكرين والعقلاء... هل تاهت الألباب وضلت الطريق حتى لم تجد مرجعا أو مفكرا أو عاقلا أو دارسا حتى تلتجئ لمراهق كي يقود المسيرة في أعقد ظروفها؟ سبحان الله وقد لجأنا إلى زعران السياسة ليكونوا قادة البلد الذي يجول آلاف من مفكريه المنافي مكفَّرين مطاردين مهدوري الدم مستباحي الحياة!!

ألا يستحي امرؤ لشيبته وهو يتمسح بصغير ليقوده؟ ألا يستحي امرؤ وهو يتحدث عن قائد مفبرك بصفاقة، لمجرد كونه من نسل عالم جليل! ألا يهين بهذا السلوك كل علم جده؟ ألا يسخر من مكانة العالم الجليل الذي أنجبه؟ ألم يبق عاقل ينطق بحق في زمن الضلال والظلام والجهالة؟؟!!!!!!!!!!!!؟

أليس من جنون زمننا أن نتحدث عن تيار يقف خلف هذا الصبي؟ ويتحدثون عن مكانة لهذا التيار؟  ويتحدثون عن سطوة له ودراية ومهابة؟؟ هل سيكون لعالِم منّا (أو مفكر أو حتى إنسان بسيط سويّ) أن يكون له وجه ومجلس مع بشر أسوياء ونحن نعمِّد قائدا من صبياننا علينا!!! استحوا أيها القوم واخجلوا من بقايا ضمير وغيرة وكرامة إنسان.. فلم ينضب العراق من نسائه ورجاله ليكون المراهقون والزعران قادة لبلد العشرة آلاف عام من الحضارة والعلم والتنوير؟؟

أليس من سبب مفضوح ليكون ما يُسمى جيش المهدي سيد الشارع؟ وهل بقي للشارع العراقي غير الصيَّع وحثالة القوم ليتحكموا فيه بعد أن كان من يخطئ ممن هم بعمر الصبي القائد يضربه بكف أول رجل يلاقيه ليعيده لرشده ولصواب السلوك!؟؟؟ أتتركون قياد البلاد بأيدي لم تعمدها مناجل زرع أو مطارق صناعة ولا حتى مسكة ريشة لا قلم؟ أتتركون البلاد بأيدي من باع أخته وأمه وزوجه وابنته وكل امرأة وحتى رجل لمن دسَّ في يده حلوى الترغيب وأنزل على قفاه عصا الترهيب؟

هل يمكن لبلد بحجم العراق تاريخا وجغرافيا، أرضا وبشرا \ وطنا وشعبا ليتسيده أولئك الذين لم يكونوا يوما غير قطاع طرق اجتمعوا على هدف السلب والنهب والبيع ببلاش لمن يمرر ألعابهم الصبوية في العبث بأمن الناس ومصائرهم؟؟

وهل سيدير رجل أو امرأة من هكذا تيار وزارة النفط أو الصناعة أو التكنولوجيا أو التربية أو التعليم وهو لا يعرف إلا التسبيح بقيادة ذاك الصبي وانتظار تمرير أمر له أو لسواه؟ ما الذي يعرفه رجل كل قيمه الفكرية محصورة في متى وكيف يقبّل يد الصبي ليحظى برضاه وليكون عضوا مهما في تيار المراهقة السياسية؟

 

هل يمكن لتيار بهذا التفكير قادته وبنوعية الخليط من السوقة والرعاع والسراق قوام أعضاء جيشه أوميليشياه أو عصابته، هل يمكن لهذا التيار أن يقودنا لبرّ أي برّ ولا نقول برّ أمان وإنقاذ من المحنة؟

 

ارحموا وطنا حمل وأنجب كبار المشرعين وأصول الأنبياء والمصلحين وعظماء العلوم والمعارف وأفاضل المفكرين وأركان الدنيا وسدنة حضارتها مذ أول صوت ترنم بكلمة وأول قلم خطها.. ارحموا شعب سومر وبابل وأكد وآشور فلا قائمة لنا ونحن بقبضة السيد المراهق أو المراهق السيد...

 

إنها أسوأ من مراهقة سياسية أنْ لا يجد شعب قادة له من كباره غير صبي لم ينهِ دراسة الحوزة فكيف بنا إذا قلنا المدرسة في زمن لا درس لعلم نبني به ونعيد مجدنا ليس بيته إلا مدارسه المتخصصة... إن شعبنا تقي حريص على معتقده صحيحا ولكنه أيضا من اعتقاده الصائب لا يرى في المراهقة صواب مسيرة بقدر ما يراها سخرية من كرامته وقيمه ومعتقده الحق فلينجوَنَّ من مجون السخرية وجريمتها من يقف وراء أوهام الضلالة والظلام ووراء لعبة خاسرة لا هي في معتقد صحيحة ولا هي في وجود إنساني بصائبة: فماذا يبقينا في فلك الجريمة التي تمتهننا وتستبيحنا وحيواتنا كاملة؟!!؟وهل من عراق ذاك الذي يمضي بأمرة سوقة القوم ورعاعه أم أن السيد قابع في معتكفه لا يدري من هم أتباعه وماذا يفعلون؟!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

 

ولعل هذه الصرخة تدوي في أفئدة من جاء بنواب على اسم شخص قضى وليس من يتحدث باسمه بمستوى قراءة سطر من كتابه فكيف نلحقه به تقديسا لما كان في شخص ليس لنا أن نسمح له بتدنيس ذاك الاسم... واللعب بمصائرنا هل غفلنا عما يدور اليوم ويُبيَّت لنا في غدنا؟ هل ضللنا الطريق؟ ألا نرى ما يجري فينا من عبث بطيش زعران السادية الجدد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وعسانا اتخذنا القرار بعد أنصرنا في قرار الـــ..........[/b][/font][/size]

198


الأستاذ الجامعي العربي وبعض ظروفه المحيطة؟!
[/color]
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي*

في بلداننا العربية، كثيرا ما نصادف فيها عوامل الاعتداء على تطبيع الأوضاع المؤسساتية للدولة وعلى تثبيت سلطة القوانين ومرجعية مؤسسات المجتمع المدني، ونجابه أيضا أول ما نجابه ضروبا من الاعتداء على العقل العلمي للمجتمع وعلى مؤسسة هذا العقل ومنطقه العلماني الحداثوي المعاصر بالمعنى الأشمل للعلمنة والتحديث لا بمعنى تفريغهما ووضعهما في تعارض مع قيم المجتمع ومعتقداته المكينة لأمور مبيَّتة معروفة...

ونحن هنا بصدد تشخيص بعضا من تلك التجاوزات الخطيرة التي يتعرض لها العقل العربي ممثلا بالأستاذ الجامعي الباحث  بآليات العلم ومنطقه عن وسائل تحقيق الرفاه والحياة الإنسانية المستقرة لمجتمعنا في عصر العلوم والمعارف والتكنولوجيا..

إذ نجد أول ما نجد مشكلات التدخل في مؤسسته وبيته العلمي أي الجامعات ومعاهد البحث العلمي وفي محاولة كبح سلطتها الموضوعية حيث يمثل التجاوز حداَ َ من الإهانة وقدرا من الاستباحة عبر التجاوز على قوانين الجامعات ولوائحها الموضوعية وعبر استلاب استقلالية شخصيتها المعنوية ومصادرة كثير من الحقوق..

فتعتدي إدارات بعض تلك الجامعات [قسرا] من خلال فروض خارجة عن الإرادة المستقلة على حريات البحث العلمي وعلى حجب النتائج المتوصل إليها بالبحث الحيادي الأكاديمي ومن ثم إجرائيا على أمور تتعلق بالترقيات العلمية شكليا وعلى حظر البحوث العلمية جوهريا ومنعها من النشر ومن التفعيل في الاستخدامات التي تدخل في بناء الحياة العامة للمجتمع ولمؤسساته المتنوعة..

ومن الاعتداءات ما يتعلق بتطبيقات وممارسات سلبية في أثناء انتقال الأستاذ من جامعة لأخرى ومن بلد لآخر سواء بشأن الحقوق المادية أم العينية في ضوء التعامل مع الدرجة العلمية ومع أمور تعاقدية أخرى.. فيدخل في شروط العقد الذي يكون فيه الطرف الأول ممثلا في إدارة بعض الجامعات أمور لا دخل لها بالعلم وبالمهمة الأكاديمية البحتة للأستاذ..

إن شروطا من نمط منع الأستاذ من ممارسة أيّ نوع من العلاقات البناءة مع مؤسسات المجتمع ومن ثمّ قطع الطريق على توظيف بحوثه في إعادة صياغة عمليات البناء الواسعة؛ ومن نمط منعه من الدخول في أية أنشطة غير أكاديمية من مثل دخوله في مؤسسات المجتمع المدني والتعبير عن رؤاه في الحياة العامة، إنَّ كلَّ ذلك يعني لا حجبه وقطع العلاقة بينه وبين المجتمع ومؤسساته بل قتل كل فرصة للتطور ومحاصرته في موضع يحرمه من التأثير في الحياة العامة بنائيا وتفاعلا إيجابيا كما هو المفترض في موقع العقل في إطار التركيب العام...

وبهذا فإننا بحاجة هنا لتوكيد عدد من الأمور المهمة في أية حملة للدفاع عن مشروع حضاري كمشروع الدفاع عن الأستاذ الجامعي العربي ومن ذلك:

01                 حرية البحث العلمي: إذ ينبغي أن تضمن المؤسسات الجامعية العربية للأستاذ كل فرص الحرية الحقيقية للبحث العلمي من دون شروط وقيود وكوابح لا تمثل إلا بنية التفكير الماضوية التي تفرض لغة التخلف التي جاءت إلينا عبر أزمنة التراجع والتبعية المباشرة وغير المباشرة لكل ما استلب هويتنا الإنسانية المتفتحة.. ومن تلك الضمامات ألا يتهدد البحث العلمي أية أمور معيقة معرقلة...

02                 استقلالية المؤسسة الأكاديمية: لابد من ضمان استقلالية المؤسسة الأكاديمية لتستطيع بالفعل تحقيق الضمانات في حرية البحث العلمي وحماية الأستاذ من التهديدات التي تجابهه هو وبحوثه أيا كانت...

03                 دعم مكانة الأستاذ وموقعه في المحيط المؤسساتي العام: إذ من دون النظر لمكانة مميزة للأستاذ الجامعي ستبقى عملية استباحته والاستهانة بقدره وبدوره المميز في عمليات البناء والتطوير والتغيير عاملا معرقلا خطيرا لأداء مهامه المنتظرة المؤملة... ولقد كرمت الديانات السمحاء والمعتقدات وتقاليد المجتمع الإنساني المتفتح عقلاء القوم وحكماءهم فكيف نسمح اليوم بتلك التجاوزات على مكانتهم بيننا في زمن التقدم والعلوم!؟

04                 توفير الحماية الأمنية لحياته بوضع حدّ للتهديدات التي يتعرض لها من جهة تكفيريين جهلة أو من جهات استغلاله في ظروفه الحياتية المباشرة... ومعروفة حالة التكفير وهدر دماء العلماء الباحثين على مستوى البلدان العربية كافة حتى أن كثيرا من الساتذة تركوا بلدانهم قسرا لهذه الأسباب التي تهددتهم وعوائلهم في حيواتهم بالتحديد...

05                 تلبية حقوق الأستاذ الجامعي المادية سواء منها المرتبطة بمعيشته وحياة أسرته أم المتعلقة بدعم أنشطته بوصفها أنشطة تخص تطوير الحياة العامة وإعادة بنائها إيجابيا... ومعروفة أهمية تفرغ الأستاذ للبحث العلمي ومنع إشغاله بلقمة العيش وضنك تفاصيل حياته اليومية ومعاناته في بؤس ما يتحصل عليه من فتات لا يسد رمق تحت خط الفقر.. ومقارنة بين أجور الأستاذ العربي في دولة متقدمة أو دولة إقليمية مجاورة غير عربية سنجد البون الشاسع بين الأجرين ولكن الطامة لا تكمن في هذا الفرق بل في كون الأجر الزهيد يجبره على الانشغال في أنشطة لتلبية متطلبات لقمة العيش وترك البحث العلمي المنتظر منه... والأكثر خطورة هو تدهور الحالة المادية لحدود جلبت دخلاء على مهنة الأستاذ الجامعي دفعت بهم لتشوهات الفساد لتلبية تلك الحاجات بما يضرب العملية الأكاديمية في الصميم والجوهر ويعيدنا لمواضع أشد فقرا علميا وأخطر في تهديد مستويات تخريج دفعات جديدة مريضة خاوية الوفاض..

06                 توفير فرص البحث العلمي من وسائل نشر ومختبرات وفرص دعم الحملات الميدانية لأنشطته: وتبني تلك الأنشطة من مؤسسات الدولة وشركات الانتاج بمختلف القطاعات الاقتصادية وغيرها، لأننا من دون هذا الدعم سنترك البحث في حدود ضيقة لا يمكنه الذهاب فيها إلى أبعد من أطر محددة محدودة لا تفي بالنهوض بمهام معالجة الخلل والتفاوت في حجم الفروق بين مجتمعنا وعصره في مجالات خطيرة الأهمية ما سيجعلنا عرضة للبقاء نهب مراكز قوى دولية وإقليمية.. وهذا هو مربط الفرس كما يقول العرب الأقحاح في مسألة دعم الجهود العلمية البحثية في المؤسسة الجامعية بالتحديد دعم الأستاذ الجامعي بهذا الخصوص...

07                 دعم الجامعة ذاتها وتوفير متطلباتها على وفق خططها الموضوعية بمنحها أولوية مناسبة في الخطط الوطنية المعتمدة.. بمعنى التخصيصات المالية وغيرها في الميزانية السنوية للدول العربية.. ومعروف الحجم الضئيل والمشين في تخصيصات التعليم العالي عامة ومن ثمّ وضع الأستاذ الجامعي خاصة..

08                  إنَّ دعم الأستاذ الجامعي العربي ينتظر دعم روابطه الأكاديمية وجمعياته ونقابة التدريسيين ودعم أنشطته غير الأكاديمية مثلما يتطلب قبل ذلك تفعيل عقد مؤتمرات البحث العلمي وتعزيز مكانة تلك المؤتمرات القطاعية التخصصية وتفعيل العلائق بين الجهات الرسمية الأكاديمية التخصصية على مستوى البلدان العربية كافة..

09                 ومن الطبيعي أن يكون لاتحاد الجامعات العربية وفروعه التخصصية على مستوى الكليات والأقسام العلمية موقع الاستماع لمقرراته ليس في إطار جامعة الدول العربية المحاصرة في محاولاتها حسب بل في أوسع نطاق على مستويات كل بلد عربي يلتزم بمقررات موضوعية صدرت وتصدر من الاتحاد الذي يرتقي يوما فآخر من أجل تعزيز مكانة الستاذ الجامعي وتطوير مؤسسته العلمية الأكاديمية البيت الجامعي...

10                 منح فرص استثنائية لاستدعاء الأستاذ الجامعي العربي من مهجره بعقد مؤتمرات سنوية بالخصوص للمهجريين في بلد عربي أو آخر بشكل متنقل دوري والعمل على استثمار بحوثه العلمية في بلدان عربية قبل المهجرية.. وأول هؤلاء أولئك الأساتذة الذين هُجِّروا قسرا بسبب تكفيرهم من جهلة القوم..

11                 عقد ملتقيات مشتركة بين أساتذة الجامعات العربية في مختلف التخصصات بشكل دوري والعمل على توحيد اللوائح العلمية بين تلك الجامعات بما يحفظ حقوق الأستاذ بالتحديد وأولا...

12                 دعم مشروعات الأستاذ الجامعي العربي سواء في الوطن أم في المهجر بتوفير فرص وافية بشأن طباعة البحوث والكتب والمؤلفات أم الدوريات العلمية أم بشأن توزيعها والارتقاء بها لمصاف ما يوجد من دعم في بلدان التقدم الكبرى...

13                 إيجاد جائزة ودرع لحرية البحث العلمي ولكل جهد في مختلف ميادين البحث والدراسة وأن تكون هذه الجائزة سنوية وبحجم يتناسب ومكانة الستاذ وبحثه وجهده العلميين...

 

 

    وليس لنا هنا بعد هذه الوقفة العجلى إلا أن نقول:  إنَّ الأستاذ الجامعي العربي يقف في جدول التدرج عالميا في البحث على أعلى مستوى ولكنه في درجة الاهتمام والرعاية والدعم يقبع في مؤخرة قوائم التقويم عالميا حتى أننا نجد الأستاذ الجامعي في وقت يقدم أروع البحوث ,اكثر النتائج العلمية تميزا، في الوقت ذاته يجلس في بيته محاصرا مستلبا مهموما بشؤون حياتية مادية تطحنه وتطحن معه عائلته وبيته... وابعد من ذلك فهو واقع تحت تهديد أخطر يمكن في الاختطاف والابتزاز وفي التهديد المستمر بالقتل والتصفية والإبادة كما يحصل في أكثر من بلد عربي... فهل بعد ذلك ما يمكن السكوت عليه؟؟؟

لنعمل على توسيع حملة إقليمية ودولية لدعم العقل العلمي العربي ممثلا في الأستاذ الجامعي في الوطن والمهجر وعسانا نسطيع تحقيق بعض نتيجة إيجابية في حملتنا واثقا من أن جعل الحملة مستمرة أمر مطلوب حتى يتحقق لها هدفها..

على أننا في هذه الحملة لا نقصد إلا أهداف إنسانية بحتة لا تعادي طرفا بل تعمل على تعميده إذ أننا بتحقيق الأهداف الطموح للأستاذ الجامعي نعمِّد مؤسسات دولة عصرانية محدثة مجددة تلبي مطامح الإنسان فيها وعليه فإن الحملة تدخل في إطار تعميد الدولة بتحديثها وتطوير مؤسسات مجتمعها المدني والارتقاء بها لمصاف العصر ومحدداته... وعلى مستوى الجماعات والفئات في المجتمع العربي بكل دوله يجري تعديل السمارات موضوعيا وتطهير المجتمع من الخلل الخطير الذي أصابه بإباحة سمات تعادي العقل ومنطقه الذي كرمته الديانات السماوية والمعتقدات والأعراف الاجتماعية الإنسانية المتفتحة...

ولنكن يدا بيد ونتصل باتحاد الجامعات العربية وبالجامعات العربية وبالأستاذ العربي في الوطن والمهجر ونجمع الرؤى والملاحظات بتشكيل لجنة بالخصوص ومن ثمّ لنضع توصيات الحملة وملخص قراراتها وما تتوصل إليه بصيغة موضوعية إجرائية محددة لكي لا نكون أصحاب أقوال لا أفعال.. وفبركات سياسية وخطابات فارغة في وقت نحن بحاجة للفعل وكل البركة في الحركة وبوركت خطوات حملة "واتا" بالخصوص لنكن سويا فيها...

 

 

نائب رئيس الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك \ رئيس رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا \ رئيس لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر

04 2007/02/

tayseer54@hotmail.com E-MAIL: [/b] [/font] [/size]

199
تاريخ:   02\02\2007   
رقم  :    01 ت س 02
م \ مذكرة عاجلة بشأن إقامة العراقيين في سوريا
معالي الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى المحترم
تحية طيبة
[/color]
وبعد
لا يخفى عليكم ما لتطورات الأوضاع في العراق من مشهد دموي وصراعات طرفاها الرئيسان هما قوى العنف الدموي بكل من يقف وراءها من جهة والمواطنين من أبناء الشعب العراقي بأطيافه المتنوعة من جهة أخرى..
وأنتم تتابعون تعاظم أزمة الطحن البشري التي استباحت كل شيء؛ ولم يعد أمامها من استثناء؛ الأمر الذي دفع لتعاظم هجرة المواطن العراقي إلى دول الجوار لينأى بنفسه وليجنّب أفراد عائلته من مسنين ونساء وأطفال مآسي تلك الآلة الجهنمية التي لم توفر أحدا منهم وقودا لمحرقتها في إبادة بشعة أخرى يتعرض لها العراقيون يوميا...
فإذا أضفنا إلى الأمر انعدام الخدمات الحياتية الضرورية وتعطل الأعمال وتزايد البطالة حتى وصلت أكثر من ثلثي طاقات العمل، فإننا سنلاحظ أي حجم مهول من الطحن الذي نعرّض له هذا الشعب الذي قدم للإنسانية مبادئ العلوم وأسس القوانين والتشريعات ونظام الدولة واحترام الإنسان وقيمه السامية!
اليوم وقد أقام في دول الجوار مئات ألوف العراقيين الذين فروا بأبنائهم وبناتهم من تلك المطحنة وآلتها الجهنمية، نتابع بقلق ما يمكن أن يؤدي إليه قرار الحكومة السورية بشأن إبعاد العراقيين من أراضيها وإعادتهم إلى أوضاع لم تعد حتى كما كانت عند تركهم لها حيث تضاعفت الأزمة في الأشهر الأخيرة وباتت لا يمكن إلا أن تبتلع بلهيبها كل مُبعَد مُعاد بلا رحمة...
نحن نتطلع هنا إلى دور فاعل وتدخل فوري عاجل لصالح وقف إجراءات الإبعاد التي ستكون بمثابة صبّ مزيد من الزيت في المحرقة العراقية التي لن تلتهم سياسيا أو مسؤولا حكوميا بقدر ما ستنتقم بوحشيتها الفظيعة من أولئك الذين فروا مؤقتا منها ويُمكن أن يُعادوا بناء على قرارات الإبعاد التي بدأ تطبيقها بالفعل...
إنَّ مئات ألوف العراقيين من نساء وأطفال ومسنين  ومن فئات الشعب وأطيافهم من مسلمين سنة وشيعة ومن مسيحيين بكل مكوناتهم ومن مجموع أطياف العراق المستباح بجريمتي الإرهاب والطائفية اللتين تدور رحاهما على أجساد العراقيين وأرواحهم، إنَّ كل هؤلاء ينتظرهم ويتهددهم العذاب والموت في حال الاستمرار والإصرار على تطبيق قرارات إبعادهم من سوريا..
ونحن نحمِّل مسؤولية النتائج الكارثية لأي تلكؤ عن العمل الجدي لوقف تلك الإجراءات واحتواء المشكلة بالمساعدة في معالجة مطالبهم في مستقرهم المؤقت ودعم الدولة السورية بشأن تلبية الحاجات الحياتية اللازمة والضرورية لحين إيجاد الحلول المؤملة للقضية العراقية المشتعلة حربا طائفية إرهابية...
ودعوني هنا أشدِّد على أهمية دور الجامعة العربية وخطورة مواقفها لا على مستقبل هذه القضية العاجلة ولا على الشأن العراقي بل وعلى مستقبل المنطقة واستقرارها ومصالح دولها وتطلعات شعوبها في ظرف تتكالب اليوم ستراتيجيات غريبة على المنطقة وأهلها وتطفو مسفرة عن مطامعها لا في العراق ولا في الانتقام من شعبه بل بعيدا حيث استهداف مجموع دول الجامعة العربية وشعوبها...
ندعو فيكم روح المسؤولية وجدية المواقف النبيلة للتدخل العاجل لوقف ترحيل العراقيين ووضعهم في مصير مطحنتهم وآلتها الجهنمية التي تتعطش عيون الطائفية والإرهاب السائدة اليوم بانتظار ملاقاتهم على أرض الرافدين المستباحة لمعن القتل والتعذيب فيهم... وثقتنا عالية بمواقفكم الإيجابية البناءة..
تقبلوا فائق التقدير والاحترام

 أ.د. تيسير الآلوسي
                                                                                 
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
                                                                             
رئيس رابطة الكتاب والفنانين العراقيين في هولندا
                                                                               
رئيس لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر
                                      [/b] [/font] [/size]
                                             

200
هل توجد تحالفات سرية غير معلنة وراء كواليس المؤسسة الحكومية العراقية؟

هل تعلن القوى السياسية غير ما تخفي من برامج سياسية؟
[/color]

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

30 2007/01/

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com


 

المتتبع للوضع العراقي بالتحديد منه، المتتبع لتصريحات المسؤولين الرسميين الذين يحتلون أعلى هرم السلطة الحكومية يجدها ملأى بالتوجهات [الإيجابية البناءة!] ولا يرى غير برامج تؤكد على السير في طريق "الوحدة الوطنية" ورفض البرامج الطائفية التقسيمية والتصدي للاستبداد ولغة العنف الدموي... وليس بعيدا حين يلتفت المتابع لا يجد بين جمهور تلقي تلك الخطابات إلا مزيدا من ويلات العنف من اختطافات واغتصابات وتصفيات واغتيالات بكل ما للمشهد الدموي من استباحة لأبسط قيم الوجود الإنساني.. فمن الذي يقف وراء ذلك؟

فريق الحكومة الأقوى نفوذا الذي ينسب تكوينه للطائفة الشيعية وبرامجه للمذهب الشيعي يتهم التكفيريين والصداميين؛ وفريق الحكومة الأضعف  والذي ينسب تكوينه للطائفة السنية يتهم الميليشيات والقوى المتنفذة التي تكاد تهمشه في السلطة، وليس بعيدا عن الفريقين تعبث معهما ومن دونهما قوى الإرهاب بكل تكويناتها وارتباطاتها بالوضع العراقي وبمستقبل الوطن والشعب...

فإذا كان الإرهابيون هم مقاومة وطنية ضد الاحتلال!؟ وفريق الميليشيات "المتنفذة المتسلطة على الشارع العراقي هم قوى تحاول ضبط الوضع ونصرة مظالم الأغلبية!؟ وفريق الأحزاب الطائفية التي تدعي شيعيتها أم سنيتها هم براء جميعا من دم العراقي؟!!! والقوات متعددة الجنسية باقية لحفظ الأمن ومنع الحرب الأهلية بين طرفين [متوادّين متحابّين!] كما تعلن تصريحاتهما!      فمن يكون السبب في المشهد الدموي إذن؟؟؟

وإذا كانت الحكومة بشخص دولة رئيس وزرائها تنوي حلّ الميليشيات واحتكار السلاح بيد الدولة ومؤسستها الحكومية التنفيذية وأن الميليشيات ذاتها وافقت على مبدأ الحلّ فما الذي يؤخر حلها والانتهاء من مشكلاتها الخطيرة؟

إن الإجابة لكل ذي بصيرة لا تحتاج لوثيقة نكتشفها أو يجري تسريبها لنقول هنا: إن الحقيقة تكمن في المشهد الخلفي المستتر لنوايها وبرامج القوى السياسية الطائفية حدّ النخاع.. وفيما يجري خلف الكواليس من تبادل أدوار وتعاون ستراتيجي وتكتيكي بخاصة بين الأحزاب التي لا توجد على الأرض إلا بفضل قواها المسلحة [وميليشياتها] التي تسطو على جملة الوضع العام حتى أنها تمارس دور الموجه لقوى الدولة ومؤسساتها الحكومية كافة...

لقد أعلنت شخصية وطنية عراقية اليوم عن ورود وثيقتين [وقد وردت الوثيقتان إليَّ أيضا] تشير لتصرف خطير يمثل تلك السياسة الكواليسية التي تؤكد ضلوع أعلى شخصيات قيادة الائتلاف (الطائفي الشيعي) والحكومة في التستر على قوى ميليشيا مسلحة ومساعدتها في الاختباء المؤقت تمريرا وتجنبا للاصطدام بموقف دولي وإرادة سياسية تريد إنهاء سطوة الميليشيا المسلحة وإعادة سلطة الدولة ومؤسستها الوطنية الحكومية.. وهذا أمر يذكرنا بكثير من القرارات السابقة القضائية والسياسية التي دانت شخوصا بعينهم بجرائم فيما ما زالوا متروكين اليوم يتصدرون المشهد السياسي العراقي بلا حسيب ولا رقيب!؟ 

وإذا كان المواطن العراقي المبتلى بسلطة الإرهاب الأعمى وقوى الظلام والتخلف من دكتاتورية طائفية غاشمة [تتستر بالدين] بديلة لطغيان الدكتاتورية المهزومة، يعرف حقيقة الجريمة والجاني فإنّ حكاية مثل هكذا وثائق صحَّت أم زُوِّرت لا تشير إلا إلى واقع الجريمة والمجرم وحقيقته.. وما يجري خلف كواليس العمل مستغلين لا الدين في مصادرة الناس وحقوقهم بل في استغلال مؤسسات الدولة عبر أكبر وأخطر اختراق يحصل لمؤسسة دولة في عالمنا المعاصر كما يجري في الوطن...

إنّ مسؤوليات الشخصيات الوطنية النزيهة في فضح الجريمة لا تكمن في البحث في أوراق ووثائق [قد تصدق أو لا تصدق] فالقرار الشعبي قد دان الجريمة الطائفية وتعرَّف إليها؛ حتى أن الطائفي لا يمكنه اليوم إلا إطلاق أبواق الزيف والمخادعة بإعلان أمر وهو يخفي بتقيَّتِه أمورا مهولة أخرى يراها يوميا المواطن العراقي في استلابه ومصادرته وسحقه اليومي بمطحنة تاريخية جهنمية تعيد زمن القرون الوسطى وظلامها وجرائمها المرعبة! ولكن مسؤولياتنا تكمن في البحث عن بدائل موضوعية مناسبة لوضع مرّ عليه إمكان الاحتمال ولم يعد للإنسان هناك فرصة للتفكير بخلاص أو تحرك لتخطي هول تلك الماكنة الجهنمية المسماة ميليشيا وسلطة رجال يدعون العمل باسم الدين وباسم الله المقدس على الأرض..

إنني لا أسأل السيد المالكي أن يجيبنا عن مصداق تلك الوثيقة التي تشير لمجريات الفعل خلف الكواليس وارتباطات مع السفارة الإيرانية وجهات أخرى [فقط]، ولكنني قبل ذلك أطالبه بتطبيقات فعلية وخطط على الأرض بشأن الشروع فورا بحلّ الميليشيات وإعلان خارطة طريق نقل السلطة منها إلى مؤسسات الدولة الوطنية وتطبيق بنود الدستور وسلطة القانون بالاستناد إلى المشروع الديموقراطي الوطني الممثل في البرامج التي أقرها الشعب من دون أن يخول عنه نيابة لا في مرجع ديني ولا في مرجع سياسي بل في توكيد على تداولية السلطة ومحاسبتها  في مؤسسة منتخبة على أسس سليمة لا تخضع لما خضعت له في المرات السابقة من تأثيرات خطيرة استلبت حرية القرار من المواطن عبر إدخال عناصر ثلاث قوى سلبية ممثلة في:

1.    سلطة المال السياسي الفضائحي..

2.     سلاح الميليشيات..

3.    ولم يكن ثالثها بأقل خطورة ممثلا في استغلال سلطة المرجعية الدينية [وقدسيتها]...

فهل من إجابة رسمية من السيد المالكي نفسه حول خطة أو خارطة طريق حلحلة الأوضاع التي عقـَّدتها قوى الطائفية المتحكمة بالسلطة اليوم عبر قواها الخاصة وعبر استغلالها جهاز الدولة الرسمي لمصالح حزبية ضيقة... ((ولسنا بحاجة للحديث عن بيع المناصب وحصرها بترشيحات حزبية ومحاصصات مفضوحة وما خلف ذلك من أعلى نسبة فساد [في العالم] وعلى مختلف الصُعد))... 

نحن لا نريد هنا إلا وضوحا وشفافية وخطوات جدية مسؤولة إذ أننا سنبقى على موقف دعم مسيرة بناء مؤسسات دولة عراقية جديدة ولكن هذا لا يدخل في خانة دعم المفسدين.. فنحن "ندعم الحكومة ولا ندعم الحكام" لأن البلاد بحاجة لحكومة ومؤسسات دولتية معاصرة ولكنها مبتلاة بمسؤولين أما تسِمُهُم الخيبة والخطل لعدم كفاءة وأما تسِمُهم قيم الفساد وبيع الضمير وأما تسمهم أمورا أبعد من ذلك في التعبير عن مصالح ليس لها علاقة بالوطنية والهوية العراقية من صلة!! أما المخلص من الوطنيين فإننا نجده محاصرا بلا وسائل عمل ولكننا نثق بأنه الأجدر ليواصل مشوار بناء المؤسسة العراقية الوطنية وهو موجود بالتأكيد ما يدعونا للأمل الوطيد في غد أفضل...

لنتكاتف من غير إلغاء ومصادرة وتقديم للمصالح الضيقة وسيكون لجميعنا مكانه في الوطن حيثما كان يصبّ في بنائه ورسم حاضره مستقبله، ولنتجنب الحديث في إقصاء أو استثناء أو مصادرة ولتكن الأولوية في كشف المستور والعمل بالمعلن وبمصداقية وطنية صريحة.. ولنجد خارطة طريق وطنية عراقية الهوية واقعية سديدة توقف الدم العراقي الزكي الذي يسيل اليوم أنهارا وبحارا........... ونأمل أن نجد الإجابة موضوعية شفافة صريحة وإنّ غدا لناظره قريب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

 

 

هاتان وثيقتان تشيران إلى أن خرق القانون يمكن أن يجري في أعلى مؤسسة وطنية عراقية ما يعرّض المواطن البسيط لإمكان أن يُصادر بسهولة ويستباح أمره في ظل مثل هكذا نهج... وإلا فلماذا نحول إعدام طاغية إلى حالة انتقامية فيها خلل قانوني فيما يستحق القصاص العادل باسم الشعب؟ وكيف لرئيس وزراء العراق أن يمرر أمورا كالتي تشير إليها الوثيقة الثانية بمخاطبة سفارة دولة جارة بتلك الطريقة التي لا تقف عند المساس بمصالح الوطن والشعب؟

أين التفسير والجواب؟؟[/b][/font][/size]

201
مؤتمر قادة الثقافة والفكر في العراق؟
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
21\10\2006
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

تتوالى الجهود الوطنية العراقية لمعالجة المشكلات والأزمات المستفحلة تلك التي تغور جراحها عميقا في قلب الشارع العراقي ومواطننا المبتلى... وآخر تلك الجهود مؤتمر مكة الذي ركز على الجهد الممكن أن تلعبه المرجعيات الدينية في التأثير على مجريات الحدث اليومي العراقي العام...

وهناك جهود حثيثة تبذلها القيادات السياسية الحكومية والحزبية عبر تفاعلاتها المتصلة بواقعنا اليومي وعبر اتصالات إقليمية ودولية داعية لأبعد الحلول المتاحة لوقف نزيف الدم العراقي.. ومع تباين إمكانات التأثير وقدرات العمل المتاح والمتوافر في الوطن وخارجه، إلا أن الرئيس المتوافق عليه هو أننا بحاجة للجهد الهامشي مثلما نحن بحاجة للجهد الستراتيجي بكل ثقله وطاقاته بسبب من حجم الأزمة التي نواجهها...

بمعنى أننا يلزم أن نعمل بجهد متصل مستمر من أجل وحدة قوانا لأكبر قدرة تأثيرية من جهة ولأوسع قاعدة وأعرضها للمشاركة والتفاعل بين مجموع العراقيين.. سواء منهم البسطاء من مواطني البلاد المغلوبين على أمرهم أم منهم القادة والنخب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية وليس بعيدا ولا غريبا أن نقول في الصميم نخبة الثقافة والفكر والتكنوقراط العراقي..

إنَّ عقد مؤتمرات الحل والربط والتأثير المؤمل للفئات الفاعلة ومنها الوجاهات الدينية والاجتماعية  يعني أنَّ الأكثر ضرورة اليوم بعد أنْ بقيت جهات بعينها في الواجهة ولم تستطع إنجاز الاستقرار المنتظر لوحدها؛ من الضروري واللازم حتما إشراك العقل العراقي ونخبته العليا في إدارة شؤون الأزمة والدخول بفعل أكبر وأقوى للمشاركة في وضع المعالجات المتطلع إليها..

وعليه يبدو لي اليوم أكثر مما مضى حاجة العراق والعراقيين لزعاماتهم الفكرية الثقافية وللتكنوقراط الحقيقي في مجالات الإبداع ورسم مسارات الحلول الجدية المسؤولة بالتفاعل مع بقية زعامات الوطن لكي يكون تسريع الحسم بأفضله وأنجعه لأن أزمة كالتي نعيشها لا يمكن أن تنتظر جهودا فردية أو جزئية أو ترقيعية..

ومن هنا فإنَّ المؤتمر الذي ينوي عقده مثقفو العراق والذي تشكلت لجنته التحضيرية بحاجة لتسليط الضوء عليه ودعمه وتفعيل توجهاته الوطنية في التعامل مع الوضع العراقي وحل أزمته العميقة..

وعلى الرغم مما لمسألة الدعم المادي واحتضان المؤتمر من تأثيرات محتملة أو متخيَّلة فس تقدير بعض الرؤى إلا أنَّ مثقفي العراق يبقون الأحرص على استقلاليتهم ووطنيتهم وهويتهم العراقية والإنسانية.. ولا يمكن اختراقهم بالطريقة التي تجري في مجالات وفئات نخبوية أخرى..

وعليه لا يتردد مثقفونا ولجنتهم التحضيرية من دعوة مسؤولة لمسألة تفعيل دعم المؤتمر والتسريع بموعد انعقاده والمساعدة على توكيد الارتباط الوطيد بين القيادة الثقافية الفكرية لأبناء الرافدين وبين مجموع أبناء وادي الحضارة والنماء بكل أطيافه ومكوناته القومية والدينية والسياسية والاجتماعية وأن مثقفي العراق يمثلون الهوية الحقيقية والراية التي من دونها ليس للعراق من مسيرة صائبة صحيحة..

وإذا كانت كل الشعوب تحتفي بمفكر أو أديب أو أكاديمي أو إعلامي يولد لها، فإنَّ عراقنا وشعبه ليس بالذي يهمل أعلامه الخفاقة في دنيا العلم والتقدم الإنساني ولطالما كان الجواهري الكبير شاعر الوطنية والكلمة الصادقة والمعبر عن ضمير الشعب راية للوطن وعلما لا يُعلى عليه حتى أن حادثة إسقاط الجنسية عنه في زمن الطاغية قد أثارت سخرية العراقيين لأن شخصية بحجم راية عراقية تمثل ضمير الناس لا يمكن أن تعرِّف به ورقة بل هو الذي يمنحها القيمة..

وفي زمن يحترم المواطن العراقي ويهتم بشؤونه ويعلي من شأنه فإن الإعلاء من شأن نخبته صفوته سيكون ألصق وأكثر جدية ووضوحا لدى الناس ولدى المسؤولين.. ومن هذه الحقائق يكون التطلع لدور مميز لوزارة الثقافة في دعم انعقاد المؤتمر ولدور مميز للزعامات العراقية لا في دعم مثقف أو مفكر أو أكاديمي فرد وهو أمر صحيح ومتوقع دائما بل في دعم عموم مسيرة الفعل الثقافي وتفعيل دوره عبر المؤتمر المنتظر في هذه الأجواء السائدة..

ومن منبر الكلمة الحرة المستقلة المؤمنة بالوطن والناس أدعو الزعامات العراقية لا إلى التوقف عند دعم انعقاد مؤتمر الزعامات الثقافية بل والحضور الفاعل فيه وإظهار أهمية انعقاده وتأثيره في الساحة العراقية والمنتظر من وراء انعقاده في تقديم الحلول الناجعة التي تسير بخطوط موازية متفاعلة مع الخطوط السياسية والاقتصادية والأمنية بتبادل التأثير العميق بخاصة ما لدور الثقافة والفكر من فعل روحي وطيد..

كما يلزم لقوى الثقافة العراقية ألا تبقى في حدود الميدان الوطني بل أن تجذب ممثلي القوى الدولية والإقليمية التي يمكنها أن تشارك في دعم العلاج لكل تلك الأمراض من المخلفات الماضوية ومن صراعات الألم والدم الجارية اليوم..

وحتى ينعقد مؤتمر رايات العراق وأعلامه وحتى نجد له الفعل المؤمل سيبقى احتفال العراقيين بثقافتهم ومثقفيهم أمرا راسخا وفاعلا في الترابط بين الأزمة ومن سيستطيع المساهمة الجدية الفاعلة في حلها ممثلا بمؤتمر الثقافة المنوي عقده قريبا..[/b][/size][/font]


202
من أجل ثقافة لعراق السلم والديموقراطية
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
18 2006/10
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

تتقدم بنا الأيام وتمضي حيث ظروف متداخلة معقدة من الآلام والمصاعب والجراح؛ حتى أننا صرنا نبيت يومنا على أخبار حزينة فنصحو على آخر بتفجيرات تكاد تغطي الوطن ومدنه وقصباته! فماذا نحن فاعلون؟

يبدو لي أن لغة سائدة اليوم تكمن في احترابات وصراعات وتقاطعات سياسية تحتدم منفعلة برائحة البارود والدم.. وليس ردنا الشعبي ورد مثقفينا إلا بمزيد من تمسك بالعملية السياسية ومزيد من دعم تشكيل مؤسسات دولتنا الجديدة.. دولة التوجه الوطني الديموقراطي واحترام مكونات شعبنا وحقوقها بعد زمن الاستلاب والمصادرة الذي انعتق منه أبناء شعب الحضارات العريقة..

ولأن الالتفات إلى الماضي وإلى تاريخنا المضيء ليس بكافِ ِ لكي يحمينا ويسلحنا بوسائل الدفاع عن حاضرنا ومستقبل أبنائنا، يلزم أن نتجه إلى آليات تعميق ثقافة غابت عن مشاهد الحياة العراقية لعقود من الزمن وهي تكاد تمَّحي اليوم في ظل دخان أسود كالح من غبار إزالة النظام القديم ومخلفات بقاياه وأفعالها المرضية...

إنَّ ثقافة السلم والأمن الاجتماعي، ثقافة التداعي لتوحيد الصفوف وتكاتف جهود البناء، ثقافة التعاضد واللقاء في أفراح أبناء الرافدين واحتفالاتهم بيومهم وطالع غدهم المشرق؛ هي الثقافة التي تمضي اليوم قدُما بغاية تحقيق الاستقرار الحقيقي لزمن السلم والحرية..

وثقافة السلم هذه بحاجة لوسائل تدعمها بالضد من قيم العنف والاصطدامات وبالضد من لغة السلاح وما يترتب عليها من تعبيرات مأساوية كارثية.. وهنا بالتحديد تُتاح لأبناء الرافدين فرص جديدة هم الذين يخلقونها وهم الذين يرعونها رغم الألم وعمق الجرح.. إنَّ العراقي منذ سومر القديمة ومرورا ببغداد العلوم والمعارف عاصمة المدنية يوما وحتى يومنا، هو المنتصر لهويته ووجوده المتمدن المتحضر على الرغم من حجم الانكسارات التي تعرض لها لظروف معقدة تاريخيا..

ومن هنا فالعراقي فردا والعراقي جماعة وبكل أطياف ومكونات المجتمع العراقي يمتلك باستمرار القدرات النفسية والفلسفية الاجتماعية  لتوليد وسائل إبداع جدية مسؤولة عن إعلاء شأن ثقافته الغنية التنوع، الغنية الرؤى والقيم الثرة في توجهاتها لعالم مؤنسن يحترم قيم حقوق الإنسان وأخلاقياته وتقديس مساحات نتاجه العقلي ومنطقه المتقدم..

اليوم تتنادى جهات الثقافة لعقد مؤتمرات الثقافة التي يدعمها العراقي ويتطلع إلى نجاحاتها.. واليوم تظهر في الأفق آليات احتفالية لتعزيز الوعي بهوية وطنية عراقية إنسانية كما في حملة أنا عراقي وقبلها وبعدها حملات وطنية عديدة معروفة.. أقترح في الإطار أن تنشط وزارة الثقافة إلى جانب مؤسسات أخرى احتفاليات بيوم عراق السلم والديموقراطية كل أول جمعة من كل شهر..

يتضمن اليوم أنشطة تؤكد لغة السلم بالضد من لغة العنف وأنشطة تعمِّد لغة التسامح والتآخي بالضد من لغة الانتقام والحقد ولغة التفاعل الإيجابي البنَّاء بين مجموعات شعبنا وفئاته الدينية والقومية ومختلف شرائح المجتمع العراقي بالضد من الانقسامات ودواعيها..

ويمكن لهذا اليوم من كل شهر أن يكون يوما للهدنة ويوما حراما لا يجوز فيه الرد على خطأ الأخ أو زلّته أو هفوته إلا بمقدار ما يؤدي إلى تعميق التفاهم والوئام والتلاحم والتعاضد وإلى مزيد من روح الهدوء والاستقرار ومن ثمَّ روح السلم والأمن والأمان..

على أن تتصاعد الأنشطة وتتراكم بنائيا وإيجابيا حتى ننتهي منها إلى احتفالية السلم والحرية والديموقراطية في اليوم الوطني للسلم ويكون اليوم موعدا للقاء جميع القوى بحرية وبإخاء ومساواة في خيرات بلاد النهرين.. لنعلن اليوم موعدنا في العام التالي في يوم السلم ولنتفق على السير في اتجاهه بمواعيد شهرية دورية ثابتة ولا ننسى دعوات الأئمة في الجوامع والحسينيات وفي الكنائس والمعابد وفي صفوف المدارس والجامعات وفصولهما وفي المعامل والحقول وفي بيوتنا وتجمعاتنا على اختلافها وليكن أول جمعة من كل شهر يوما للسلم والمحبة والتسامح...

 

هل ستقرأ وزارة الثقافة هذا؟  لي ثقة بأهلنا جميعا في مختلف أرجاء عراقنا ومختلف مهاجرنا ومنافينا القصية وبمختلف قوانا السياسية والاجتماعية والثقافية ولي ثقة وطيدة بأن وزارة الثقافة التي تتحمل جزءا مهما من مسؤوليات مسيرة العقل العراقي ستنهض بالمهمة على الرغم من جملة الصعاب والظروف المتشابكة المعقدة..

ولا أستثني من دعوتي وثقتي هذه عراقيا؛ فالجميع مدعوون لإعلاء شأن يوم السلم شهريا حتى نلتقي باحتفالية السلم الكبيرة وموعدنا يوما وطنيا بالخصوص.. ولا أترك في دعوتي هذه مساحة لتسجيل عراقي في موضع خارج هويته العراقية وخارج تطلعه للسلم والاستقرار والطمأنينة له ولأهله فجميعنا مدعو للتروي ولمنطق العقل ومنطق السلم والانعتاق من زمن سنسير جميعا من المؤمنين بالسلم طريقا لتطهير بلادنا منه لنحيا بروح الوئام والتسامح والسلام...[/b][/size][/font]

 


203
"من أجل أن نضحك؟!"
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

14 2006/10/
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

لماذا لا نضحك على الرغم من أوصاب الحياة ومصاعبها؟ هناك ما لا نهاية من وسائل التفعال والاستجابة مختزلة في اثنين ضاحك وحزين.. ما المانع من أن نضحك مع طفل ومشاكسة يافع ودردشة مع كهل أو عجوز فالحياة لعبة تسخر منّا وتطحننا إن لم نضحك فيها ومنها..

هناك قلة من أشرار يصنعون كل هذا الألم وهناك كثرة من بسطاء يستسلم وعيهم لثقافة السائد فتتشوه تصوراتهم ويحيون ويحسون ويتفاعلون على وفق منطق الشر أو الاستغلال ومحق الحياة الإنسانية ومشاعرها الرقيقة الضاحكة

هنا نجد أنفسنا بيادق في جيش الاستغلال الخاضع لفلسفة القلة فيما رؤى الحياة الفاضلة تظل محجورا عليها في سجون أنفسنا المشوهة بوعي السائد الاستغلالي ونبقى حبيسي تلك المظاهر تمسخنا فلا نضحك إلا عندما نملك قطعة معدنية تذهب بنا إلى السوق لنشبع حاجة تخص [معدة] أولادنا أولا وآخرا

لا نضحك إلا لقطعة معدنية أو ورقية تذهب بنا إلى دكان أو بائع هو الآخر لا يسطيع الفكاك من قوانين السوق في حركته المعيشية وفي مشاعره بالتأكيد التي تخضع كرها وقسرا لقوانين السوق

وها هي مشاعرنا أمست رهينة قوانين العرض والطلب سوقيا بأحط قوانين الاقتصاد الاستغلالية وبات في ظل هذه القوانين السائدة المسيطرة [الحزن والألم] وديعة واقعية لأنفسنا فيما الضحك والضاحك حلم وحالم طوباوي ليس لديه أرض يحط رحاله عليها

وحتى وطن الحب، الصديق أو الصديقة اللذين تبادلا خيار العشق وهما يافعان يتحدث هو عن صنع الحياة وتتحدث هي عن العيش على الحصير، يصير الأمر عسيرا عسير حيث الزواج هو الآخر يُقنـَّن بقوانين السوق ويصير الناس بقوانين الفلوس أو العملة أو النقد  في عيشهم مجرد عبيد...

لا تستسلموا لمَلَكَة الألم والحزن ولا تترددوا من ممارسة كل ما يعود للطبيعي في حياتنا تحت أحلك الظروف؛ لابد من أن نصنع الضحكة المجلجلة لا البسمة الحيية لا حياء في الفرح والاحتفال والسعادة فقد وَجِدنا لنحيا بأفراح العمل والإنجاز والبناء وتعمير الأرض... فلنمضِ في طريق الأفراح هادرة ضحاتنا من أننا لن نموت ولن يموت فينا الفرح الآتي إن لم يكن الفرح المشرق في وجودنا نتحدى الألم والحزن...

 لن نستسلم للنكد والكآبة فهي من تجارة قوانين السوق فينا نحن أبناء الإنسانية المعذبة بقوانين الاستغلال ولكنها الحبلى بضحكات تملأ فضاء الكون لا فضاء الأرض وحدها..

سنسخر من عدونا الذي يمرغ وجودنا بالتراب وسنهزأ من خيالاته المريضة ومن استهتاره بقيم الإنسان والإنسانية لنوجد بديلنا الذي تعلو فيه قيم الخير والفضيلة والصحة ومن ثم السعادة الغامرة وضحك ملء الأشداق لأيام حافلة بالعمل أبيضَ يبني فينا ولنا ولمجد أبنائنا في غد أفضل يشرق بشمسه البهية على الجميع في ظل العدل المساواة الإخاء.. ومن يضحك أخيرا يضحك طويلا..................

واضحكوا تضحك لكم الدنيا بأكملها وتنتصر بفرحكم الغامر إرادة الحياة والحب والسعادة.

ولهذه الهمسة بقية محبة وحوار...[/b][/size][/font]

204
المنبر السياسي / ]بصراحة؟؟!
« في: 03:03 14/10/2006  »
بصراحة؟؟!
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
14/10/2006
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

في الوضع العراقي الراهن اُبتليت القوى السياسية بضغوط عجيبة من داخل ومن خارج.. باختراقات وبتستر وأغطية وبوضوح سافر وبقباحة يدهنون وجهها بأصباغهم التزويقية التي يسمونها زورا وبهتانا صراحة! وفي جميع الأحوال تجري الأمور وتمضي الأيام بمسارات التوازنات القائمة على أسس الصراع الذي لا يرحم؛ الصراع الذي تفرض قوى الظلام والشر شروطه راهنيا أكثر من وضوح سلطة الأخيار وأنشطتهم الهادئة القائمة على التعقل والتحوط للتقليل بأكثر ما يمكن من الخسائر ومن الضحايا..

فترسم القوى الوطنية الديموقراطية برامجها القريبة على أساس خيار أهون الشرين بل أهون الشرور.. ولترجمة الأمر يمكننا الحديث عن حالة التصويت على الفديرالية ومشروع الأقاليم  تحديدا فهو من جهةِ ِ جرى بطريقة التمرير التوافقي بفرض شروط وشروط مقابلة لكي يمضي.  وحتى داخل قبة البرلمان جرى التصويت بطريقة تفضي للتعرف لصوت النائب المهدد المسلط على رقبته ابتزاز زعامات وقوى بعينها.. وإلا فلماذا لم يتم التصويت باستخدام أجهزة الكومبيوتر حيث لا يتم التعرف إلى من رفض ومن وافق أي بالتصويت السري؟

على كلّ، الفديرالية مبدئيا قرار سيادي عراقي تم تثبيته في الدستور بطريقة استجابت للتوازنات في الشارع السياسي لا إلى رغبة العراقيين الحقيقية في تعميق ديموقراطيتهم بآلية الفديرالية.. وقد جرى التوافق على إعادة قراءة الدستور وإعادة معالجة ما تأخر التوافق عليه حزبيا وجماهيريا.. ولكن الذين يخفون أسرارا غير طبيعية وراء استعجالهم لتنفيذ الفديرالية لم يستطيعوا إخفاء أحلامهم في التعاطي مع الفديرالية بوصفها وسيلة لمزيد من تمكينهم على رقاب الناس واستعبادهم بآلية [ديموقراطية]!؟ والدليل مشروع الأقاليم المقترح من الائتلاف وهو المشروع الذي رفضته قوى حتى من داخل الائتلاف......

وأصحاب هكذا مشروعات هم أنفسهم الذين يريدون الاستمرار في إجراء انتخابات صورية تضليلية طالما هم يملكون سلطة وجودهم بسبب من تركة الماضي المريض وبسبب من ضعف مؤسسات الدولة الوليدة ومن تسليمها سلطتها لصالح سلطة المافيات والعصابات التي تسمي نفسها ميليشيات وأحزاب.. وفوق ذلك تزعم لا تمثيلها الشعب وأغلبيته بالتحديد بل وهي تفرض نفسها بقدسية تمثيل الله على الأرض!!!

في ظل هذه الأوضاع وبكل تبجح يتحدثون عن الانتخابات ومنها التي [اكتسحوها]؛ ولا يهم أنهم سرقوها بسلطة ميليشياهم وبسلطة الادعاء بقدسية إلهية تؤيدهم عبر زعم تأييد المرجعية.. والمرجعية هي الأخرى سكتت ولعب بعض ممثليها بالرد والنفي وتوقيتاته لتوكيد تمرير الادعاءات والمزاعم وهو ما حصل فعليا..

واليوم يريدون الاحتكام لما يسمونه استفتاء وحتى انتخابات وهم واثقون من نتائج يملكون مقدرات التحكم فيها بقوة السلاح والقدسية المدعاة.. صحيح أن الجماهير اليوم تقدمت أشواطا في فضح تلاعباتهم وصحيح تحركات تلك الجماهير لرفض استقبال زعامات الأحزاب الطائفية وصحيح المظاهرات الغاضبة ضد سياسات الحكومة وقيادة الائتلاف بالتحديد [لنراجع هنا شعارات مثل: شمعتكم حرقت قلوبنا وآمالنا] كما في تحركات كربلاء والكاظمية والبصرة وهي كما يفترض تشكل معاقل مزعومة لهم.. إلا أنه من الصحيح أيضا أن حدود التلاعب والتأثير لا سقف لها لمن لا يستحي من الكذب عندما يصل زعمه إلى حد لعبه حدا لا يحترم فيه مقدسا  ولا قدسية ويزعم ويدعي ما يريده ضلالا وافتراء...

إنَّ التلاعبات الخطيرة بالانتخابات التي مضت وما تكشَّف لاحقا بالخصوص وتمرير أمور خطيرة عبر سياسة تهريب الثروة العراقية النفطية وغير النفطية ومنها أطنان نحاس الأسلاك الكهربائية وأموال طائلة [على سبيل المثال لا الحصر] ومنها آثار الحضارة السومرية والعراقية القديمة والضلوع في جرائم سطوة الميليشيات وأفاعيلها التي تدخل في جرائم ضد الإنسانية كما في الأعمال الانتقامية بالقتل على الهوية بسلطة لا الميليشيات الحزبية حسب بل سلطة توجيه أجهزة ومؤسسات تابعة للحكومة [الوطنية] لمجرد أن تلك المؤسسة أو غيرها تخضع لإرادة محاصصة فرضوها على العراق والعراقيين..

بصراحة: إن كل ذلك يجعل المرء لا يثق بتلك القوى ولا يمكنه الاستمرار في التعامل معها مباشرة وإذا ما بقي من قبول بوجودها فهو مشروط بحل عصاباتها المسلحة أو ميليشياها واحتكار الدولة لسلطة السلاح مع إعادة هيكلة مؤسسات الحكومة على أسس وطنية خالصة بعيدا عن المحاصصة وجوهريا حيث تطهير تلك المؤسسات من القوى الحزبية المعنية وتسيير شؤونها على وفق قوانين تخضع للدستور لا غير وتحترم المواطن والمواطنة والروح الوطني غير التقسيمي..

وهذا لا يأتي إلا من إخراج الحزبيين أو تحييدهم طوال مدة تسلمهم مسؤوليات في أجهزة الحكومة المحددة بالشأن الأمني والعسكري لأن عقيدة هذه الأجهزة وإيمانها وحده الدستور ولا غير. وفي حال ضبط شخص غير حيادي يُحاكم بجريمة خرق الدستور والاعتداء عليه وعلى روح المواطنة.. ولا ثقة بعد اليوم بغير ضبط الوضع على وفق خيار الشعب العراقي للديموقراطية مسارا وعقيدة سياسية اجتماعية..

وبصراحة لا ثقة بكل الزعامات الطائفية أيا كان ادعاؤها سواء زعمت أنها تمثل الشيعة أم زعمت أنها تمثل السنّة أم زعمت أنها تمثل جهة طائفية أو دينية أخرى.. وبصراحة لا ثقة بكل الأحزاب الطائفية أيا كان زعمها أو ادعاؤها. ومشكلة العراق بكل صراحة هي هذه الزعامات المفروضة عليه وهذه الأحزاب الدخيلة التي أدخلوها إلينا عبر بوابة تعزيز المحاصصة الطائفية وفرض لغة التقسيم الطائفي بخلاف إرادة العراقيين الذين تزاوجوا وتداخلوا وعاشوا سويا ليس بين الشيعة والسنّة حسب بل وبين الديانات المختلفة المتعددة..

إن لسان حال العراقي عرف ويعرف ما يريد قوله وهو بكل صراحة وبتمامها لا يثق بالطائفية والطائفيين وعصاباتهم أو ما يسمونها ميليشياتهم.. فلقد نهبوه وهو اليوم المبتلى بكل المشكلات التي جاؤوه بها. وإذا كان يغض الطرف عن حاجاته المادية وعدم إشباعها بدءا بنسبة البطالة الأعلى عالميا وليس انتهاء بحصته الغذائية التي ما زالوا يتصدقون بها عليه؛ فإنه بخصوص أمنه وحياته وحيوات أبنائه لا يمكنه أن يسكت مطلقا..

إن الهجرة اليومية بمعدلات خطيرة لا توجد في أي بلد آخر في العالم اليوم هي لغة احتجاج قد تكون سلبية ولا تحل الأزمة ولكنها لغة احتجاج يلزم التوقف عندها من قبل العراقيين الوطنيين ومن قبل المجتمع الدولي وبصراحة علينا وضع الأصبع على  الجرح بعمق الصراحة الحقة الأمينة لنقول هذا ما يجري ويلزم أن نتعامل بموضوعية وبقرار دولي بخصوص هجرة العراقيين بالتحديد..

والمسؤول هنا الإرهاب الداخلي [في داخل الوطن] ولكن الإرهاب ليس بلا سبب وليس من فراغ ولكنه في الحقيقة يتبادل التأثير مع لغة المنطق الطائفي المستبيح للعراق والعراقيين..

ولن يكون قرار أبناء شعبنا بهذا الشأن إلا مزيدا من التمسك بالعملية السياسية وتعزيز مسيرة بناء مؤسسات الديموقراطية ولكن بوضوح مع إدانة عالية الصوت للطائفية والإرهاب عدوَيّ العراقيين وعراق الديموقراطية التعددي التداولي الفديرالي.. من يقف مع العراقيين عليه أن يقف ضد الطائفية وبصراحة ضد وجود ميليشيا الأحزاب الطائفية وبصراحة أكثر وضوحا ضد وجود قوات بدر وقوات المهدي وقوات عمر وجيش محمد ونظيراتها الطائفية الأخرى جميعا بلا استثناء..

كما يلزم في تعديل الدستور أن يجري تطهير القوانين العراقية في ضوئه برفض تشكيل الأحزاب على أسس دينية أو طائفية كما يجري اليوم وكما يتم عبره التحكم بمسارات الأوضاع الراهنة..

ولنقل إلى أعضاء الميليشيات النجباء منهم بالتحديد: قارعتم بالأمس نظام الطاغية واليوم عليكم مقارعة بقية أعداء شعبنا وأولها الإرهاب والطائفية فاتجهوا للدعوة على وفق مخطط يلتزم تأهيلكم للدمج والتدريب لأنشطة العمل المدني وتأكيد ولادة دولة وطنية بمؤسسة عسكرية أمنية نزيهة عراقية الهوية ودستورية الأنشطة قانونيتها..

ويمكن لخطة متزامنة خطة طريق للحل العراقي بمباشرة عاجلة في إدخال أعضاء الميليشيات بمشروعات مدنية مع الإبقاء عليهم ضمن خطة محددة بسقف زمني قريبا من التدريب المسلح وسلاحهم المنزوع جانبا مؤقتا ثم الانتقال لاحقا لإبعادهم عن ملكية أية أسلحة وأية تدريبات عسكرية وأنشطة من هذا النمط.. أي عندما يجري استكمال تكوين أجهزة مؤسسات الدولة المعنية وطنيا..

وبخصوص الأحزاب الطائفية يمكنها أن تتجه لتغييرات هيكلية من نمط إعلان برامج واضحة تلتزم بالدستور وبمنطقه الوطني الديموقراطي وتزيل من برامجها كل الإشارات الطائفية المرضية المتعارضة مع الدستور وقوانين مؤسسات الديموقراطية.. إن خارطة طريق بهذا الاتجاه يلزم لكل زعامة سياسية اليوم ولكل حزب سياسي اليوم إذا كانا بحق وطنيين أن يتجها إلى أدائها ولنمضِ معا من أجل عراق الغد الأفضل عراق الجميع حتى عراق ضيوفنا من محبيه وعشاقه اللاجئين لوارف حياته الآمنة غدا...

وبصراحة فإنه لا ثقة بغير هذه الخطوات ولا عراق ولا عراقيين ولا كينونة أو قائمة لنا بغير هذه المسيرة التي تقف صفا واحدا بوجه الإرهاب والطائفية أو تضعنا أضحية لهما وننتهي إلى الأبد وهو ما يريده من يصر على الإبقاء على الأوضاع منفلتة من سلطة العراقيين وسيادتهم الداخلية قبل الخارجية!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! [/b] [/size] [/font]

 


205
السيادة والمرجعية بين الشعب والفقيه؟

د.تيسير الآلوسي
[04-10-2006]

يذكّرنا التاريخ الإنساني مذ ولادة الدولة أن جميع المصلحين وأن جميع الأنبياء والأولياء الصالحين كانوا يعايشون أبناء جلدتهم ويحيون حيواتهم ويتفاعلون معهم. وأنَّهم جميعا كانوا يمدون يد المشاركة في العمل اليومي للناس.. حتى أنهم كانوا يجنون أرزاقهم من جهدهم الخاص المباشر.
وفي التاريخ الإسلامي للدولة بالتحديد وجدنا أن النبي (ص) لم يكن معتكفا في صومعة ورفض الإسلام فكرة الرهبنة والانقطاع عن الحياة الإنسانية والعمل. وقد خرج النبي (ص) في تجارة تعود لسيدة [امرأة] من قريش وشارك في العمل بأشكاله في حياته بمراحلها وكان من تبسطه وتواضعه يخيط بيده الطاهرة ما يحتاج لإصلاح من ملبسه وأدواته ومثل هذا فعله الأنبياء الذين رعوا الأغنام وعملوا في مؤسسات دولة كوزير لفرعون على سبيل المثال لا الحصر وغير هذا عديد من الأمثلة.. ولم نسمع يوما في التاريخ الإسلامي عن الخلفاء والأئمة أنهم اعتكفوا وهم المرجعيات الكبار العظام في أزمنتهم..
وقد كانت الدولة تُدار في شؤونها المدنية مستقلة في مرجعيتها ومرجعية إداراتها وقضائها حتى أن تلك الشخصيات الإسلامية التي كانت مرجعا كانت تحضر بنفسها لتقف أمام قاض أو مرجع أو مسؤول للدولة. ولم تستنكف تلك الشخصيات المبجلة الطاهرة العظيمة أن تذهب مشيا ساعية بقدمها إلى حيث المسؤول وإلى حيث العمل يتطلب وجودها.. وصارت هذه المسألة قانونا وشِرعة بل النص المقدس يؤكد الأمر بلا لبس حيث لا رهبنة في الإسلام وحيث العمل مقدم على غيره من الفروع سوى ما نراه اليوم خلاف ذلك من فلسفة أحزاب التأسلم...
وللمزيد نشير إلى ما كان لإدارة شؤون الدنيا والدين من مشورة وتبادل رأي حتى بين النبي الأكرم (ص) وبين أصحابه وكان يقصدهم عندما يستدعي أمر ويقتضي. ولم تكن حكاية حصر الحكم والقضاء والإدارة والرئاسة في فرد وإلغاء المجموع المحيط من السادة والعامة موجودة حتى في حياة النبي المصطفى (ص) وخلفائه...
وللأديان ومنها الإسلام موقف تؤكد فيه على تطور الحياة وتقدمها ولزوم التعاطي مع المتغيرات والاجتهاد في معالجة المستجدات في ضوء روح النص ومقاصده في الحياة الإنسانية دائمة التغير مستمرته وهو ما أبيح لفقهاء الدين ما جعلنا نشهد لكل دين مذاهبه أي اجتهاداته لتبسيط تنفيذ تعاليمه..
ولكننا لا نغفل عن قراءة التاريخ بخاصة منه ذلك الذي يشير إلى مراحل مظلمة من التاريخ البشري حيث جرى إخضاع النصوص الدينية للتأويل واللوي بعيدا عن الجوهر الصائب وفي قلب الإعوجاج حيث حكم الخطاب السياسي الخاضع لمصالح الضلالة والظلام ومن تمثلهم من حكّام وطغاة وأصحاب مصالح نفعية. وفي هذه الأجواء ظهرت مصطلحات تحاول استغفال الناس في طقسية تُخضعهم لسلطة شخوص ومرجعيات من تلك الأجواء التاريخية..

وفي حاضرنا فإننا نشهد نُظما من نمط تركيز كل السلطات الدينية والدنيوية في يد مرجع بمُسمى ولاية الفقيه الذي يعود فيه حتى خيار الشعوب ليُخضَع لسلطة الفرد [المرجع] وأوامره ونواهيه!! ومثل هذا الأمر لا يمكننا إلا أن نحاكمه بالاستناد إلى ما يزعم تمثيله والعودة إليه ممثلا في الدين الإسلامي [مثلا] حيث لا نموذج في الإسلام الصحيح لحصر السلطات جميعا في فرد ولا نموذج لإلغاء مجموع القادة والمسؤولين كما في زمن النبوة والصحابة الأطهار...
فمن أين جاءت قدسية بشر وعصمته وعلوّه؟ ومن أين جاءت سلطته واعتلاؤه على جمهور الشعب وسيادته وعلى جمهور ممثلي الشعب المنتخبين وسلطتهم؟ وإلى أية فلسفة أو دين استـُند في كل ذلك؟ وحتى لو فرضنا افتراضا القبول بقدسية إنسان فرد لمرجعيته لمجموعة بعينها، فمن أين يأتي بحقه في حصر السلطات جميعا فيه وفي عودة الشعب بكل معنى وجوده السيادي على نفسه [وبكل مجموعاته وأطيافه التي تتعدد في اعتقاداتها وفي رؤاها الدينية والمذهبية فضلا عن حقوقها الدنيوية في الحريات المكفولة دستوريا] ليرجع إلى الفقيه الفرد فيما يعتكف ذاك الفقيه في مكانه بخلاف كل توصيفنا للتاريخ الإنساني والديني بالتحديد منه تاريخ نبينا الكريم (ص) وخروجه للناس وفيهم لقضاء حواجهم ومراجعة أمورهم واستشارة صحبه والمعنيين حتى من الأديان الأخرى وهو النبي المعظم بكل جلالته وقدره!؟
وكيف تنبني الثقة في فرد شخص معتكف لا يدري الناس ما وراء أمور الاعتكاف وهل هو في داره أو مكتبه أم في مكان آخر؟ وهل هو في اتصال مع الناس ومصالحهم أم في مشاغل واتصالات أخرى غريبة على الناس وعلى مصالحهم؟ وكيف يكون لمن في معمعة العمل وميادينه بكل خبرات الحياة العملية مشورة ومرجعية فيمن يعتكف وراء جدران معزولة عن ضياء ميادين الفعل والعمل؟ ومن اين تتنزل المشورة والحكمة على فرد بغير قراءة الواقع بعين الحكيم كما كان حكماء الحياة ومصلحيها والأنبياء والصالحين في سالف الزمن.. فكيف بنا ونحن في زمن العمل وتجاذب القرار في أرض الواقع لا في ميدان الخيال!؟
وفي واحدة من نتائج قراءة الحالة التي نحن بصددها نشير إلى عديد من الحالات الراهنة التي زار فيها [بعض] مسؤولي الدولة [المرجعية الدينية الشيعية] للتشاور والاستفادة من رؤاها في عدد من مجريات الأحداث الدائرة. وأمر التشاور لا يُختلف عليه مطلقا.. كما أن المرجعية ذاتها ليست منتقدة بخصوص أفعال غيرها...
ولكننا هنا نتساءل كيف يمكن أن نلغي سيادة الشعب على نفسه وهو الأمر المثبت في الدستور؟ وكيف نلغي سلطة الدستور والقانون وكيف نُتـْبِع مؤسسات الدولة المدنية العراقية التي تمثل سيادة الشعب لفقيه أو مرجع ديني؟ وفي أي نص دستوري تحول فيه العراق ليكون دولة ولاية الفقيه؟ وكيف يمكن أن يتحول مسؤول بدولة سجلت مسارها الديموقراطي التعددي التداولي في دستورها وفي قوانين مؤسساتها إلى دولة مرجعية الفقيه وولايته؟!
ألا يشكل هذا انقلابا وتعطيلا للدستور؟ ألا يشكل هذا تراجعا ونكوصا عن القوانين المرعية للتعددية ولاحترام المجموعات التي يتكون منها العراق؟
وهنا ومرة أخرى لا انتقاد للمرجعية الدينية لأي دين أو مذهب في توجه مسؤول إليهم ولكن المعالجة هنا تكمن في مسؤولية البرلمان وهو مرجعية الدولة لكي يقول كلمته: هل الدولة مرجعيتها تكمن خارجه بالتحديد في مرجعية دين ومذهب بعينه وإلغاء مجموع الديانات الأخرى؟ أم أن الدستور ثبَّت احترام مجموع الطيف العراقي واعتقاداته وأدخلها في موجبات سن القوانين حيثما استدعى الأمر؟
هل من الصائب أن يمضي مسؤول لمرجعية من دين ومن مذهب بعينه ولا يذهب لمرجعيات من مذهب آخر أو دين آخر؟ وهل من الصحيح فرض سلطة مرجعية مذهبية بعينها على مجموع المرجعيات الدينية والمذهبية الأخرى؟
المبدأ هنا ألا مرجعية فوق مرجعية توافق المجتمع العراقي بكل مكوناته على مرجعية الدستور والبرلمان المنتخب وأنه لا يجوز بالمرة لمسؤول في أثناء مسؤوليته وعمله في الحكومة ولا يصح أن يقوم بممارسة فلسفته واعتقاداته وإيمانه برؤى تتقاطع مع محددات مسؤوليته الممثلة في احترام القوانين ومرجعية الدستور في أداء المهام تلك..

إن الاستمرار في خرق الدستور والاستهانة بحق الشعب في احترام سيادته ممثلة في مرجعية مؤسسات الدولة وسيادتها على كل مواطني البلاد بمساواتهم جميعا أمام القانون لا يعلو فيهم فرد على آخر بأية حال من الأحوال ولأي سبب كان! إنّ ذلك لأمر يدعو لا إلى محاسبة المسؤول المعني بل إلى إقصائه عن مهامه لأنه نحا بها بعيدا عن العمل بمبادئ ومحددات وشروط مسؤوليته وأداء فروضها..

ويلزم هنا أن يتابع البرلمان الأمر بوضوح وشفافية وعدم تردد في منع تهميش مرجعية الدولة وهيبتها وموقعها لأن هيبة الدولة ومؤسساتها هي هيبة الشعب وسيادته حيثما التزمت بالقانون والدستور مرجعية عليا.. ويلزم التعاطي مع تمثيل روح الدستور والتوجه لدمقرطة الحياة العراقية الجديدة لا إلى اللعب عبر سلطة توازنات القوى [بخاصة سلطة تهديد الناس بمسلحي الأحزاب الطائفية] لفرض تغييرات في القوانين وفرض تغييرات في الدستور لصالح منطق أسلمة الدولة بفلسفة لا منطق الدين الإسلامي نفسه كما مر معنا ولا حتى بمنطق عدد من المرجعيات الدينية النابهة بل بمنطق أحزاب التأسلم و [مرجعياتها] وقرءاتها الطائفية ومصالحها الدنيوية البحتة التي منها إهانة سيادة الشعب وسلطته ونزوعه إلى العيش السلمي الديموقراطي التعددي وسلبه ثرواته ونهبها بسلطة ميليشيات مسلحة ومافيات معروفة...
ويبقى أن نسجل هنا أننا في الوقت الذي ندعو لمرجعية الدستور ومؤسسات الدولة وسلطتها نحترم حقوق كل مواطن عراقي ومن ذلك حقه في تزعم حركته السياسية أو مجموعته الدينية أو ممارسة طقوسه ومعتقداته والدعوة لها وتقديمها بوصفها معالجة ورؤية لحلول قضايا الساعة على أن يكون كل ذلك في إطار ما يكفله الدستور المتوافق عليه من آليات عمل في إطار الوطن الواحد والشعب الواحد المتساوي بكل فئاته وموطنيه ومجموعاته القومية والدينية وحقوقها تامة كاملة..
كما نسجل هنا أنّ العراق الجديد هو عراق ديموقراطي تعددي تداولي فديرالي موحد يحترم أبناءه جميعا على حد سواء وهو يعلي من شأن العلماء والأساتذة والمبدعين والمثقفين ويعتز بمنجزاتهم كما يحترم الزعامات والمرجعيات الاجتماعية والدينية على وجه الخصوص بالاستناد إلى ضمانات دستورية قانونية وإلى أعراف مجتمعنا وتقاليده وإلى قيم الديانات السمحاء في تبجيل المضحين الفاعلين العاملين من أبناء البشر وعلى رأسهم المصلحين والمرجعيات الحقة المبجلة..

ولسوف يكون لسيادة القانون ومرجعيات مؤسسات الدولة دور أساس في ضمان مثل ذاك الاحترام على أسس صحيحة صائبة بخلاف العلاقات التي يمررها بعض الأفراد من أحزاب وسياسيين بعينهم في ما يدفع باتجاه تخريب المسيرة الديموقراطية للعراق الفديرالي الموحد...

فهل سنجد من يسمعنا في البرلمان الذي جاء به شعبنا وسيغيره [إذا ما أراد] بآخر في السنوات القليلة المقبلة بما يعزز احترام التعددية والتداولية؟ أم سيتمادى أصحاب المسؤولية في تعزيز سلطتهم الانقلابية وفلسفاتهم السلبية بمخادعة تضليلية عبر اللعب على وتيرة الصلة مع مرجعية دينية بعينها؟؟؟

ولشعبنا البصر والبصيرة فيما يتخذ من موقف تجاه هذه القضية التي تتطلب كل الجرأة في التناول والتمسك بمعالجتها بموضوعية..
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
04 2006/10/
E-MAIL: tayseer54@hotmail.com[/b][/size][/font]

206
كلمات في رمضان: نمطية العقل بين سلطة الرتابة وسطوة التكرار؟!
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2006/09/26
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

يحتاج المرء منّا أن يخلو لنفسه في حالة من الهدوء والسكينة بخاصة عند سماع أداء بعض الإيقاعات أو النغمات الموسيقية أو التراتيل والأناشيد وحالات التغني المرفقة بالقص والاستذكار لواقعة أو حكابة بعينها.. وتحقق حالة الإنصات والاستماع كثيرا من أهدافها النفسية الروحية كونها مفردة من مفردات الغذاء الروحي والحاجات النفسية التي تتوافق مع البناء الذي وُجِدت فيه الشخصية الإنسانية.. ومن هنا كان تأثير الأوبرا في زمن بعينه ومكان بذاته إذ تربى الناس في ذاك الزمكان على نمطية محددة فاستجابت لتلقي الأوبرا براحة نفسية تامة..

ومثل ذلك حداء البدوي ومواويل الريفي ودبكات أبناء السهل والجبل ومثلها الالتفات بانتباه وتأثر عميقين إلى شجن الأداء في استذكارات الصوفية ومواليدهم وفي عزاءات ومقاتل صارت جزءا من الذائقة السمعية ومن جماليات التلقي بما يُشعِر براحة وتفريغ نفسي في حال الاستماع لتلك الأداءات وهو ما يمكن قراءته في أي تجمع للنسوة والملاية التي تقرأ عليهن بإيقاعها المعروف وفي أي تجمع لمواكب طقوس التعزية المشهورة في بلدان الشرق العربي..

إنَّ مسألة شيوع إيقاع بعينه بخاصة في حال التهادي والرتابة والتكرار ما يحيلنا إلى قراءة السبب الذي يقف وراء حالة تلقيه براحة نفسية حيث نعرف أن جماليات التلقي تعود في بعض ما تعود إليه إلى مسألة التوافق والتناسب والتوازن وهذه أمور تنسجم مع حالة توليدها المبنية على تكرار الاستماع إلى إيقاع بعينه حتى يُصبِح لازمة نفسية بل حاجة ثابتة يتطلب تحقيقها بين الفينة والأخرى..

المشكلة هنا ليست في نوع الإيقاع وطبيعته (الحزينة مثلا) فالحزن ذاته جزء من الطبيعة الإنسانية وحاجة نفسية يتم عبرها وعبر آليتها تفريغ الشدّ والتوتر بطريقة أو آلية  مطلوبة بحسب شروط بعينها.. المشكلة في الجوانب السلبية لحال التنميط حيث ثبات التوصيف وتكراره بطريقة تفرض القسر بآلية الاستلاب والاستبدال والإحلال حيث يتم استلاب مكونات الشخصية الإنسانية من جهة قبول التنوع والتعدد والتلون واستبدال الطبيعة البشرية الغنية بحالة الأحادية وبالتحديد منها غلبة طابع الحزن الثقيل وتطبيع الشخصية عليه بإحلال سمات التفاعل النفسي بروح القبول والتوافق لا الرفض للنمطية وسياقها..

ومن نافلة القول أن نقول: إنَّ شخصا من دول التقدم التكنولوجي لا يمكنه الانسجام مع إيقاعات طقوس التعزية بمثل العقل النمطي الذي أُكرِه على الاسترخاء بسلبية لتقبل حالة ثابتة أحادية عبر تطبيعه بسلخ شخصيته الإنسانية الثرة الغنية.. وعلينا هنا أن ندرس بالتفات ونباهة وبوساطة علماء النفس والاجتماع العراقيين حالات التنميط التي جرت على الشخصية العراقية بخاصة تلك شخصية الإنسان العادي البسيط امرأة أو رجلا ولو أن المرأة تعاني من أشكال التنيط التي تكاد تشل عقلها وتحجب عنه نور الفعل وحيوية الحركة وروح الوجود الإنساني القويم..

لقد وُلِد الإنسان حرا صفحة بيضاء صحيحة وهو ما تؤكده الديانات الإبراهيمية والأيديولوجيات والفلسفات الإنسانية المختلفة. لكن المشكل يمكن في كيفية بناء منطقه العقلي وفي مجتمعنا سادت طوال العقود الخمسة المنصرمة حالة من الاستبداد والترويع والهلع الناجم عنها وهذه كلها عوامل أساس في إ‘داد الشخصية لسلبها من قيمها وغناها الروحي.. وجاء هذا من طبيعة السلطة السياسية التي ظلت متعاقبة تقوم على دكتاتورية متنامية متصاعدة حتى دخلت سلطة الدكتاتورية وماكنتها الدولتية لتدخل لا بين الزوج وزوجه بل بين الفرد وذاته فصار الرقيب الداخلي يتحسب لكل نأمة فيحظرها ويمنعها حتى تُقتلع وتُمحى من الشخصية ليبقى الإطار الفارغ الخالي محشوا بإرادة السائد طغيانا وبهتانا..

وهناك سلطة دكتاتورية القيم الاجتماعية المتولدة عن مثل هكذا نظام وهي عادة ما تكون ارتدادا ورجوعا إلى ماضي الظلام والضلال نقوصا وانتكاسا بسبب من الاستلاب القيمي ما أدى إلى خواء الشخصية الاجتماعية وعزوفها عن الوجود الاجتماعي الراقي السامي وصرنا أمام أداء مرضي لحركة العلاقات الاجتماعية الجمعية والفردية..

وبهكذا تفريغ لا يتبقى سوى التنميط الأحادي للمنطق العقلي السائد وهو الأفق الذي يحجر على العقل البشري ويحدده بقيود وشروط فيما الأفق النفسي المشدود لا يُتاح التفريغ من توتره المستمر إلا عبر آليات [سلبية] في بعض أوجهها المعنى الذي نشير فيه إلى آليات تعتيم حيوات الناس وجعلها لا تسترخي إلا على إيقاعات بعينها عادة ما تكون إيقاعات رتيبة للحزن وتذكر   كل ما يحيل إلى الأسى والألم...

إنَّ عامل التكرار المتصل المستمر على مسمع الطفل وهو ينمو وعلى مسمع الفتى وهو يكبر والشاب \وهو يستقر على حالة بعينها  هو المقدمة التي تخلق أسس التوافق بين الشخصية وبين استقبالها لحن الشجن الحزين وإيقاع الرتابة الذي يُثقل كاهل الذات من دون أن تدري فيما مظهر الإحساس أنها ذات تفرّغ  أشجانها وآلامها.. وتلك أمور تعود إلى اختلاق حالة تنميط العقل وحجره في قوالب ثابتة رتيبة مكرورة..

ومن هنا فليس لنا اليوم في معالجة الأوضاع العامة أن نحرم مجموع جيل اليوم من معايشة حالة التوافق مع الشجن ولكن من الضروري أن نُوجِد وسائل جدية مناسبة لتنشيط الذاكرة الجمعية لتفعيل غنى الشخصية الإنسانية ثقافة ومنطقا عقليا يرفض الاستقرار والركون للرتابة وقبول التكرار الذي يستلبنا وجودنا البشري الحق.. ولابد من التعاطي مع قيم التغيير التي لا تصطدم مع الذائقة بقدر ما تعمل على شفائها من النغمة الأحادية بعنايتنا بتنوعات نغمية وبإيقاعات متنوعة وبتدريج قيمي جمالي يعيد للبنية النفسية الروحية العراقية حيويتها البعيدة وعمقها لا الانفعالي المحدود المشروط بل الوجداني الإنساني الثر المعتمد على الفاعلية ومنطق العقل المتمدن لا رد الفعل المتفجر المتطرف..

ومن هنا أجدني في أجواء رمضان ونفحاته الطيبة أدعو لتنويعات روحية نفسية بموسيقا الشروق والفرح والعمل والحركة والتغيير وهو ما ينتظر الفن العراقي ومبدعيه صورة صوتية تداعب الروح العراقي المنعتق للتو من أحادية الطغيان ولا ينبغي أن نسلمه لطغيان من أي نمط يُدَّعى بخاصة الاستلاب المغلف بادعاءات دينية مذكرين هنا بأن الديانات عُنيَت بتوكيد غنى النفس البشرية وتنوع قيمها الجمالية النفسية الروحية وثرائها ومنعت حجرها ودعت لانطلاقها في فسحة إعمار كل شيء والروح الإنساني فوق الأشياء وسيدها بلا منازع..

فلنرفض تنميط العقل وحجره وتقييده ولنبدأ ستراتيجنا للتنوير العقلي الروحي ولنبني شخصيتنا هيوتنا العراقية كما كانت في جذورنا الحضارية السامقة نورا مشعا وغنى روحيا لا يتقيد بمنطق الاحتباس والاستلاب والمصادرة وفرض قيم أحادية مشروطة.. ونحن أدرى بأنفسنا وحاجاتنا التي لا يجب تركها بعد اليوم رهينة حبيسة بلون ونمط يجلدنا فنتلذذ بألمنا وكربنا وحزننا.. ولنتنطلق حناجرنا بمعزوفة التنوع ضد التنميط والرتابة وسقم تكرارِ نواحِ ِ جائر يقتل فينا ما أودعه الله من جمال وخير وحيوية...

ولنا ملتقى في أمسية رمضانية كريمة أخرى... [/b][/size] [/font]

 


207
المندائيون
بين جذور العراق السومرية وتطلعات الحاضر والمستقبل الإنسانية والوطنية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلل سياسي\ ناشط في حقوق الإنسان
2006/09/02
tayseer54@hotmail.com E-MAIL:

              الصابئة مجموعة قومية تشكلت من بين أولى المجموعات السومرية في أحضان هذا الإقليم الذي شهد ولادة الحضارة البشرية الأولى.. ومع امتداد الزمن يتحدث اليوم أبناء هذه المجموعة مستخدمين المندائية اسما علما لهم في غشارة لتراث ثقافي حضاري يحتضنونه ويواصلون مسيرة تعبيرهم عن شخصيتهم القومية والدينية...

              وما تنبغي افشارة إليه هنا هو غنى تلك الشخصية ودورها المميز في الميدان المحيط بدل حالة الإنغلاق التي تعانيها مجموعات أكبر تعدادا سكانيا في أماكن أخرى من العالم. وهذا الغنى يتأتى من فاعلية الاندماج بالمحيط الوطني العراقي المعاصر وتقديم خيرة أبناء البلاد المبدعين والمفكرين المعروفين عراقيا وعالميا..

               ولقد كتب ويُكتب عن هذا الأمر شيئا كثيرا وكبيرا. وقد تصاعدت حملات الكتابة بالخصوص في ضوء تطورات أوضاع شاذة في وطن ما بين النهرين تلك التي استهدفت أطياف شعبنا العراقي من أصحاب الديانات العراقية القديمة ومن المجموعات التي ساهمت في بناء حضارة الإنسانية وتراثها التنويري المتمدن كما المندائية.. إلا أنَّ ما يهمنا هنا لا تلك الكتابات الجدية الطيبة المدافعة عن المندائيين ولا طبيعة توكيدها على هويتهم الإنسانية والقومية والوطنية...

              بل يهمنا هنا  تشخيص ما يقف وراء الحملات التصفوية الدموية وأعمال التهجير والإبعاد للمندائيين من وطن التصقوا به وبمسيرته التاريخية والوطنية المخصوصة عبر آلاف السنوات العجاف من دون أن ينفصموا عنه للحظة حتى أنَّ أحد أبرز علماء العراق رفض مغريات وتهديدات أرادت له الباقء خارج الوطن ولكنه أبى إلا أن يعود ليبني العراق ويقدم عطائه فيه وعبره وهو العالم الجليل المرحوم عبدالجبار عبدالله...

               المندائيون لا يكافحون من أجل حقهم الإنساني في البقاء ببيتهم العراقي بل يشددون النضال من أجل الدفاع عن حضارة العراق التي مثلت تاريخ المدنية بروحها التعددي وبتنوع أطيافها وبنسيجها المتآلف المتحد المتفاعل إيجابيا.. وهم إذ يطلبون النصرة والتأييد لا يطلبونها لكونهم ضحايا معركة شرسة مع أعدائهم لوحدهم بل يستنفرون المجتمع العراقي بنسيجه الوطني المعروف بغناه القومي الديني ليقف من جديد وباستمرارية وتواصل مع مسيرة عشرة آلاف عام من العطاء الموحد لمجموع القوى والمكونات العراقية الأصيلة..

              والدفاع عن المندائية دفاع عن هوية عراقية.. ودفاع عن تاريخ العراق، ودفاع عن حضارته التي سجلت تراث البشرية في المسيرة المطبوعة بالسلم ونهجه وبالتعايش المتفتح المتفاعل إيجابا، وهو دفاع عن بقاء روح التنوير وروح الوحدة وروح التقدم والعطاء الأخوي لكل العراقيين يمتلكون حقوقهم الإنسانية كاملة ويؤدون واجباتهم تجاه بعضهم بعضا.. فهل من ينتظر ويتوانى عن مهمة عراقية المعنى والمعطى لأنَّ فيه فكرة خاطئة في أنه ليس المعني بهجمة التصفية أو أنه بعيد عنها؟؟

              أثق أنَّ العراقيين سواء في الهوى والهدف والتعاطي مع ما يمكن أن يصيب طيف أو آخر وتلك سمة النسيج الوطني العراقي الموحد.. كما أن الثقافة السائدة في الفكر العراقي بالتحديد منه المعاصر منذ ولادة الدولة الوطنية بُعيد خروج القوات الأجنبية مطلع القرن الماضي؛ بقيت ثقافة تفاعل إيجابي ووحدة وطنية واهتمام بكل الطيف العراقي المتنوع وبالعمل على تحقيق مصالح المجموع من دون استثناء أو إقصاء بالضد من سياسات الحكام والطغاة...

             ونجح الخطاب الوطني في التصدي لكل محاولات تنحية القوى الحية الفاعلة لهذه المجموعة أو تلك وتقدم بذلك المندائيون ليكونوا من بين العراقيين الأوائل في البناء وفي التخطيط لعراق ديموقراطي متقدم يُعلي من شأن أبنائه ويخدم مصالحهم جميعا.. واليوم وقد دخل العراق الجديد مرحلة حاسمة  تقع بين ضغوط القوى الدخيلة عليه ومقاومة أبنائه لابد من تحديد جملة أمور مهمة لتعزيز تلك المقاومة والانتصار فيها للعراقيين ومنهم المندائيين...

             فينبغي العودة للدستور العراقي المستفتى عليه ومراجعته بما يغني فقرات  ومعطيات احترام المجموعات القومية والدينية المتآخية في هذا الوطن وبما يعزز من هوية وطنية تُعنى بروح المواطنة واحترام مبادئ العدل والمساواة بين تلك المجموعات وبين أبناء الوطن الواحد بشرا متساوين في الخقوق والواجبات بلا قيود ولا شروط ولا تسيد لطرف على آخر بسبب من تمييز يخضع لأساس أو ذريعة أو أخرى..

             ولأننا بصدد تفعيل مبدأ الفديرالية فنحن نقرأ وقد كنا قرأنا أمر الفديرالية على أساس من كونه فلسفة للتوحيد لا للتمزيق ومبدأ لاحترام حقوق المجموعات والأطياف العراقية جميعا لا على أسس للتمزيق والتشظي بل على أسس للتفعيل وتعضيد الجهود الوطنية المشتركة.. ومثل هذا يأتي من أمر مهم يتأسس على رفض دعوات التفتيت الطائفية والحلول المشوَّهة التي لا تفهم ولا تقرأ الفديرالية كما ينبغي لها أن تكون في عراقنا...

              فالأمر لا يعود إلى تقسيم الأرض والثروات وتفكيك البلاد والعباد ووضعهم في حال من التعارض والاصطدام والتشطير بل يأتي من خصوصية توزيع العراق والعراقيين فمن جهة الوطن لم يشهد التاريخ اتفاقا وطنيا إلا على الديموقراطية للعراق الموحد والفديرالية لكردستان وهو ما ينبغي السير فيه بطمأنينة وجدية تستكمل تطبيقاته المؤملة...

             وإذا كانت مسألة فديرالية كردستان قد تمت لظروف تاريخية معروفة وهي بحاجة لتطوير ودعم من جهة استكمال أمور التخطيط الإداري الجغرافي ومتعلقات المدن والقصبات المختلف بصددها وهو ما تحسمه النظرة الموضوعية للأمور والاستجابة للإحصاءات الرسمية المعروفة ولاستفتاء الرأي في تلك المناطق المخصوصة؛ فإنَّ أمر إشاعة الديموقراطية وتعزيز مؤسسات العمل الديموقراطي ما زالت دون المستوى المنتظر..

               صحيح أننا نمتلك جمعية وطنية منتخبة أيا كانت الثغرات إلا أنه من الصحيح أن التمثيل للعراقيين في تلك الجمعية لا يتناسب والحجم النوعي للتأثيرات العاملة لكل الأطياف العراقية التي أُصيَت عبر عقود من الزمن... وقد كان لتجاريب عدد من الحركات السياسية والثقافية والاجتماعية ولمؤسسات المجتمع المدني معالجتها بالخصوص عندما أوجدت منظمات وفروع شبه مستقلة تمكثل الأطياف العراقية..

                وقد كنّا اقترحنا أن يتشكل البرلمان العراقي من مستويين أو تشكيلين واحد بعضوية مباشرة لعموم الوطن وآخر بعضوية نسبية متساوية لمجموع الطيف العراقي أي برلمان اتحادي وهنا بالتحديد يكون للمندائيين وجودهم على المستوى التشريعي الوطني بحجمهم النوعي الحقيقي ولعل وجود برلمان اتحادي بهذه التركيبة التي ترتقي بمستوى تفعيل الوحدة الوطنية وترتقي بمستوى الاحترام لحجمهم الإنساني القويم هو حلّ يساهم في وقف جريمة التصفيات وتمرير بعض العناصر والقوى لجريمتها التشطيرية على أسس مرضية...

               وحتى يجري تطوير التشكيلات التشريعية والقضائية والتنفيذية العراقية على أسس وطنية توحد لا تفرّق وتعضد التفاعل لا تشطِّر ولا تقسِّم يلزم لنا أن نعمل بشكل جدي فاعل وبتوحيد لجهودنا بمعون مؤمل من القوى الدولية لكي تضغط وتمنع الأصابع الدخيلة على مجتمعنا لتمنح المندائيين بالتحديد فرصتهم في:

1.  متابعة ممارسة طقوسهم وحياتهم الطبيعية بشعائها المخصوصة بكل حرية وأمان...

2.  توفير الفرص لثقافتهم القومية والدينية المخصوصة بطبع كتبهم ونتاجهم بلا قيود ومصادرات..

3.  منح العناية الوافية برعاية اللغة وتعليمها وبأبنية تُعنى بهوية المندائيين..

4.  إعلان رجال الدين من المذاهب الإسلامية حرمة الاعتداء على المندائيين وإجراء لقاءات تطبيعية تعلن للملأ أن رجال الدين من كل الأطراف ضد ما يجري للمندائيين من قتل واستلاب حقوق..

5.  تحفيز الأنشطة الثقافية والإعلامية المناسبة بالخصوص.

6.  إدخال ما يساعد على توطيد العمل الوطني المشترك ويطبِّع العلاقات مؤكدا مسارها التاريخي الصحيح بين مجموع العراقيين ومنهم المندائيين..

7.  الإفادة من مؤتمرات وطنية ودولية دورية يجري إعدادها بالخصوص لما يقدم الحلول المناسبة لحماية المندائيين وجعل حيواتهم آمنة مستقربة غير معرضة لأي ضغط سلبي بما يمنح الفرصة لتفعيل إبداعاتهم وأنشطتهم عامة..

 

 

وسيبقى ملف العراقيين وأطيافهم وملف المندائيين بالتحديد مفتوحا حتى يجري تطبيع الأوضاع العامة على أنه يلزم قراءة كل ملف باستقلالية وحصوصية كما ملف المندائيين لأن مثل هذا التوجه يساعد على كشف حقيق أصل الجريمة المرتكبة بحق العراق والعراقيين.. وليس من عراقي أصيل وحقيقي من يساهم أو يمرر جرحا بحق المندائيين الذين أسسوا للتعايش السلمي وللطمأنينة وللحرية ولمبادئ الخير والعمل البناء ولوحدة الوطن ومسيرته وللمعرفة التنويرية.. فهل بعد هذا نترك تمسكنا بوجودهم بيننا نبراسا وشعلة عراقية حضارية لحياتنا المعاصرة والمقبلة..............................    [/b] [/size] [/font]
 

208
المنبر السياسي / العلم العراقي؟!
« في: 00:42 04/09/2006  »
العلم العراقي؟!
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2006/09/04
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

لكل شخص أو جمعية أو ناد أو مجموعة بشرية أو شعب أو دولة رمز وراية أو علم.. ويلزم عندما يتعلق الأمر بجماعة أن يكون الرمز متوافق عليه وديا لا بالإكراه والفرض القسر وأن يكون معبرا عن طبيعة المجموعة وأهدافها وتصوراتها وعن مكوِّناتها كافة.. وبخلاف ذلك يكون الرمز أو العلم هنا غير معبر عن المجموعة ولا يوصل رؤستها إلى الآخرين أو لا يعكس طبيعتها ووجودها...

من هنا كان للدول التي تختار أعلامها أن تنظر إلى المسألة من جهة رسالتها إلى الآخرين من بقية الدول والشعوب وأن تلتفت لمسألة تعبيرها على وفق خيارات الشعب بالتحديد.. ولقد عملت الدولة العراقية على اختيار علمها انطلاقا من نظام الحكم الذي وُجِد في مرحلة بعينها. فكان علم الملكية مرتبطا بفلسفتها أولا وآخرا حتى جاءت ثورة الرابع عشر من تموز لتحاول تسجيل المعطيات التاريخية لعراق الحضارة ولشخصية العراق المعاصرة في علم تموز المعروف وهو أول وآخر مرة يرتفع فيه علم يحاول أن يعكس رؤى الشعب العراقي لا المؤسسة الحكومية..

لكن الانقلاب الدموي المعروف في سنة 1963 جاء برمز يتلفع بقومويته ورؤيته المدّعاة في الانتساب للقومية العربية بهوية بعثفاشية دموية مفضوحة وتابع الطاغية المستبد المزاعم ليخط بيده رمزا دينيا إسلاميا وهو الأبعد عن الالتزام بالقيم الدينية السمحاء وبجوهر الدين في التسامح والسلم والتحرر. وهكذا خلَّف لنا النظام البعث فاشي واحدة من تركاته التي تشير إلى أبرز انقلاب دموي تصفوي استهدف بالمعلن اليسار الديموقراطي العراقي عبر المذابح التصفوية المعروفة وقوائم المخابرات الأجنبية التي سُلِّمت للانقلابيين لكي ينهضوا بالمذبحة الجماعية الأولى في تاريخ العراق الحديث وهكذا كانت راية 63 راية للهلوكوست الذي طاول الشيوعيين العراقيين وقوى اليسار الديموقراطي عامة في أول أمره لينتقل إلى بقية الشعب العراقي لاحقا..

ويأتي علم (ألله أكبر بخط الطاغية صدام) ليمثل جرائم الحروب والجرائم المهولة بحق شعوب ودول الجوار كما في الحرب مع إيران وكما في غزو الكويت والأنكى كما في جرائم استخدام  أسلحة الإبادة الشاملة بحق الشعب العراقي بمكوناته من أهل الجنوب والوسط ومن أهل كردستان في سلسلة الجرائم والفظاعات المهولة المؤكدة بالمقابر الجماعية المكتشفة اليوم...

لقد اصبحت تلك الراية رمزا لكل ما اُرتُكِب بحق شعبنا العراقي ومن هنا عمل المثقفون العراقيون والنخب السياسية الديموقراطية على اختيار شعار ثورة تموز والتوافق عليه وعلى رفع أول راية حاولت تقديم فروض الاحترام لرؤى شعبنا ولمكوِّناته راية تموز 58 في مؤتمراتهم الوطنية وعلى إنشاد نشيد وطني غير الذي اختارته الدكتاتورية الغاشمة.. وأنشدت حناجر الجاليات وأبناء شعبنا في ظلال تلك الراية  التاريخية ونذكر هنا مجريات أغلب مؤتمرات المعارضة الوطنية الديموقراطية العراقية العربية والكلدانية الآشورية والمندائية والكردية ومجموع أطياف الشعب العراقي..

وهكذا كان الديموقراطيون العراقيون ممثلو الشعب أول من عمل على تحقيق رؤية أبناء شعبنا العراقي في التعاطي مع راية مغايرة لراية رموز الطغيان والجريمة الملطخة أيديهم وأفكارهم بدماء مجموع أطياف الشعب العراقي جميعا من جنوبه إلى شماله ومن غربه إلى شرقه.. ورفع مثقفو العراق باستمرار راية الشعب العراقي قبل سقوط النظام وتسليمه العراق أرضا يبابا خرابا لقوات الاحتلال ومن ثمَّ للحكومة المنتخبة التي تطلع شعبنا فيها إلى تغيير كثير من الأمور الجوهرية وغيرها..

لقد عمل مجلس الحكم على تغيير رموز معاداة الشعب العراقي ومكوناته ولكن المحاولة فشلت بسبب من طبيعة التركيبة والتوجهات الانقشامية والانشغال بأمور تقاسم التركة والسلطة وبسبب من تفاصيل كثيرة بعضها معروف معلن.. وكان أحرى بالحكومة الجديدة أن تلتفت إلى صياغة خطابها الذي ينتمي للصوت الذي انتخبها لا للصوت الذي يتحكم بالأجواء العامة بقوة  أسلحة ميليشياوية متنافرة المصالح والرؤى... ومن ثمَّ اتخاذ شعار ونشيد وطني وراية أو علم عراقي يهدئ من أجواء الشحن المتفاقمة..

لكنها تغافلت الأمر ما قد يدخل في خدمة حسابات قوى بعينها.. ومعروف أن العلم العراقي يمثل بتشكيلته الحالية نظاما وسياسة معادية لمصالح مجموع الطيف العراقي ولكن قوى بعينها وهي قوى وزعامات معروفة بتوجهات أثبتت الأيام أطماعها الحقيقية وانشغالها في أمور الفساد المفضوح الذي نهب البلاد والعباد وفشلت حتى في تحقيق أقل تطلعات شعبنا وهو الحفاظ على حياته وأمنه وحل معضلات البطالة والجريمة وغيرها تلك القوى التي تريد الإبقاء على علم الجريمة بعبعا يهدد الناس ويستلبهم أحلامهم وتطلعاتهم ويُخضِعهم لفلسفة طائفية تتحكم بمسيرتهم من باب الزعم بالتمسك بدين..

إنَّ العراق بلد متعدد الأطياف ولقد اختارت قواه الشعبية مسيرة الديموقراطية أي احترام مجموع الطيف العراقي وبناء عليه فليس صحيحا أن يكون العلم العراقي ممثلا لمجموعة دينية ويستثني المجموعات الدينية الأخرى فمع المسلمين هناك المسيحيون واليهود والأيزيديون والمندائيون وكثير غيرهم فلماذا يكون العلم ممثلا لجهة دينية دون أخرى؟ ولنجمات الفكر القومي البعثي الخاصة بوحدة بعينها إشارة صريحة إلى فكر بعثفاشي معروفة جرائمه وما جرّه على العراقيين بفلسفة تلك الإشارة  القوموية ومن ثم فهذا يتعارض عند تثبيته لرؤية قوموية عروبية مع تعددية البنية العراقية من غير العرب من الكورد والكلدان الآشوريين السريان  والتركمان والصابئة وغيرهم.. فهل يجوز لعلم دولة تحترم أطيافها ومكوناتها أن تشير لفئة وتهمل أخرى؟

الكارثة أن تلك الرموز لا تشير لا إلى الدين ولا إلى القومية بل إلى جهة تزعم التدين والالتزام بدين وهي الأبعد عنه ومنه ومن ثوابته كما تشير لجهة لا تمثل القومية ولا القوميين ولا العرب التحديد لأنها كانت تمثل جهة زعمت كذبا انتماءها وهي الأبعد بل المعادية للعرب ولتطلعاتهم وهي التي خاضت الحروب وأعمال التمزيق والتشظي ضد العرب أنفسهم..

إذن يجب أن نمضي اليوم قبل الغد في تكليف مفكرينا ومثقفينا في دراسة فلسفة علمنا وفنانينا المبدعين المعروفين بجمالياتهم وتعبيريتهم الرائعة ليترسموا لنا علما نتوافق عليه فيمثلنا ويرتفع عاليا بأيدينا وبهاماتنا السامقة المنعتقة من ربقة الادعاء والزعم والتمثيل المخادع وليكن علمنا عراقيا صميما يمثل حقيقتنا كوننا أصحاب حضارة عشرة آلاف عام من الفكر التنويري ويمثل أطيافنا جميعا بلا استثناء أو إقصاء وعندها سنجد أن جميع مكونات شعبنا ودولتنا وعراقنا الجديد ترفعه عاليا حرا سيدا في كل شبر من أرض الوطن وفي كل نفس من أنفس أبنائه الأحرار..

وسنمحو ويجب أن نمحو كل ما يذكرنا جميعا أو يذكّر طيف عراقي أو فرد عراقي بضيم أو مظلمة أو تمييز أو اضطهاد ولن نتاعمل لا اليوم ولا غدا مع رموز فرضتها قسرا علينا قوى الطغيان التي أنشبت فينا أضفارها العدوانية فأحالت حيواتنا إلى جحيم بالأمس واليوم.. كما لن يكون لرموز الطغاة دور في تفريقنا وتمزيقنا واختلافنا ونحن نتفهم مواقف أي طرف عراقي من تلك الرموز البغيضة بوصفنا جميعا عراقيين أصلاء نحب بعضنا بعضا ونحترم بعضنا بعضا ونجلّ رؤى بعضنا بعضا..

ولن يُفرض رمز لقوى دمرت وأجرمت بحق كل أبناء شعبنا على طرف أو جهة وبئس القرار أن نمضي تحت رمز للطغيان ونحن نزعم أن جوهرنا الجديد يكمن في محو العداء والبغضاء ونريد السلم والعلياء.. وبئس أنْ يسمع أحد منّا لصياغات إعلامية تفرّق بيننا ولا تفهم لغتنا وطبيعتنا نحن العراقيين. ولنمضِِ سويا ومعا عراقيون لا نقبل بقسر وإكراه ونثبِّت أركان العراق الجديد التعددي الديموقراطي الفديرالي الموحد تحت راية الخير والعدل والمساواة والإخاء والتعاون وتضافر الجهود واحترام كل الأطياف ورؤاها وتجسيدها في رمز الدولة العراقية العلم العراقي الجديد...[/b][/size][/font]

209
الفديرالية بين رؤيتي الإيجاب والسلب؟؟
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
14/08/2006
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

بقي شعار الديموقراطية للعراق والفديرالية لكردستان شعارا وطنيا تلتف حوله أوسع القوى الوطنية وابعدها خبرة وتوجها نحو تحقيق طموحات أطياف شعبنا العريضة. وصار الحديث عن فتح ملفات الموضوعات السياسية الكبرى أمرا حيويا اليوم لأهمية رفع الغموض والأوهام ومحاولات الاستغلال السلبية لبعض الشعارات بما يُغرق العراق في مشكلات تخدم قوى استغلالية بعينها.. حيث نجد الفرصة التاريخية السانحة بعد رحيل الطاغية ونظامه لتوضيح الرؤى بما يعمق التفاف القوى الشعبية حول الأهداف التي تحقق لها مطامحها....

وفي مثل هذه الظروف صار لنا أنْ نلاحظ بسبب تلك العقود من التجهيل والتضليل المشكلات العويصة التي تعترض آليات الوصول لجمهورنا الواسع بخاصة في حال من تنامي حالات الأصوات التي تعبر عن الرأي والجدل ولكن مثل هذا التنامي يجري أحيانا اختراقه واستغلاله لا توظيفه أي تمرير حوارات تضليلية سواء عن قصد من قوى سياسية معينة أم عن جهل من أصوات جديدة شابة تحس بأوضاع الناس وتريد توظيف آلية التعبير عن الرأي ولكنها لا تمتلك لا الخبرة ولا المعرفة الكافيتين لتحليل الوضع العام..

ولنلاحظ هنا نقاطا يجري الحديث بصددها عن رؤيتين متعارضتين إيجابية وسلبية.. إيجابية بقدر تعلقها بالخيار الأدق والأسلم لموضع تطبيق الفديرالية حيث شروطها وظروفها الموضوعية كما في فديرالية كرستان بمقابل حالة استعجال غير موضوعية للحديث عن فديراليات أخرى بخاصة عندما يتعلق الأمر بالطائفية أساسا لاختلاق أرضية تكون ذريعة لفديرالية تمهد الطريق لدويلة تتحكم بها ميليشيات يلاحظ كل عاقل رشيد ما تفعله اليوم بالعراق شعبا وثروات...

فيتحدث بعض الكتّاب في هذا الإطار عن مجريات الأمور على وفق منطق التبسيط والتسطيح قدرما تعلق الأمر بجهة الدفاع عن رؤى يناصرونها وهم في الحقيقة لا يجاوزون آليات التفكير [الأسطوري] عندما يجعلون من رؤاهم مسلـَّمات بدهية لا يجوز مناقشتها عقليا.. ومن هنا نجد كاتبا يرى أن الفديرالية نظام سياسي "ليس بحاجة إلى تعريف" بخلاف القول بأهمية التثقيف والتوعية والتنوير في مجتمع يخرج لتوه من جهالة نظام سياسي قمَعَ كلَّ منطق عقلي وكل مناقشة وأي حوار، يخرج لتوه من ظلام وضلاضلة وتجهيل وتخلف يحتاج لمعالجته زمنا ليس بقليل في حسابات المنطق العقلي التنويري..

وإذا كانت الفديرالية ليست بحاجة لتعريف على وفق هذا الصوت فإن كل المصطلحات السياسية والاقتصادية الأخرى لن تكون كذلك بحاجة لتعريف ومن ثمَّ فلسنا [على وفق الصوت ذاته] بحاجة لا لعلم ولا لمنطق عقلي ولا لمعرفة؛ فالأمور حولنا بدهيات ومسلمات لا تحتاج إلا لأن يقولها الزعيم فتكون كذلك، وعلينا جمهور العامة أن ننفذ ونطيع!! الفرق الوحيد في الأمر أن الآمر كان دكتاتورا باسم القائد التاريخي فصار الآمر اليوم دكتاتورا باسم الدين ومن ثم آية عظمى [سياسية أو دينية] لا تجوز له إلا الطاعة العمياء وبخلافه نكفر فيُقام علينا الحدّ!!

وحكاية الفديرالية التي يتم تطبيقها في عشرات البلدان أنها في كل تلك البلدان آلية للنظام السياسي لتعزيز حل الإشكالات الحياتية في بلد أو شعب أو مجموعة دول التقت للتحالف من أجل تعميق التقارب وتعاضد الجهود وتوحيدها.. أما حكايتها عندنا في العراق فهي تقوم [من منطق الاستغلاليين الطائفيين] على أسس تقسيمية تشطيرية بتشظى فيها الشعب الواحد على قاعدة تجذير الانقسام طائفيا والاختلاف مذهبيا وحل مشكلات أو عقد زعامات دخيلة طارئة على حساب وحدة المجتمع وانسجامه، فمثل هذه الفديرالية الطائفية الساس تمثل قوى حزبية ميليشياوية مسلحة بالعنف الدموي وتريد فرض اختلافاتها وتنافساتها زاعمة أنها اختلافات بين طوائف منقسمة..

وتعالوا نقرأ الوضع العراقي فالقسم العربي من العراق في نسيجه يتشكل من أغلبية من العرب ومعهم مجموعات عراقية موجودة عبر تاريخ العراق وحضارته وهم يشكلون نسبة مهمة ووجودا حياتيا فاعلا وليسوا أقلية هامشية منعزلة أو مقطوعة في غيتوات كما الحال في نماذج أخرى في بلدان الشتات لبعض المجموعات البشرية. وهنا نذكر حالة من التفاعل والاندماج الموضوعي بين مجموع الطيف العراقي ومنهم الصابئة المندائيون ومنهم المسيحيون الكلدان الآشوريين السريان.. فإذا كان هؤلاء قد تفاعلوا ودخلوا في نسيج الوحدة الوطنية فما بال بعض القوى تفعِّل مرضا طارئا لتجعل منه قاعدة راسخة في مجتمع العراق الموحد النسيج، ألا وهو مرض الطائفية!؟

أليست القراءة الأولية لطبيعة القسم العربي تشير إلى نسيج تعددي وتنوع ثرّ للاجتهاد والتنوير العقلي في إطار قراءة الدين الذي تجتمع في إطاره أغلبية القسم العربي أي الدين الإسلامي والاجتهادات التي تعمل على تبسيط فرائضه ومنع التطرف والتشدد فيه، ونقصد بالاجتهادات  المذاهب التي تمثل التنوعات في القراءة العقلية.. أليست هذه الاجتهادات مهمتها قطع الطريق على التعقيد والدفع بحلول تعمق الوحدة وتمنع التمزق؟ إذن لماذا حمل لواء الاختلاف والتقاطع والتعارض والتحارب والتقاتل؟ وإذا كان الجوهر هو التوحد والتلاقي والتفاعل الإيجابي فماذا يمثل العكس؟ ألا يمثل إدعاء يتعارض مع الدين نفسه ومن ثم مع مصالح الناس مجتمعين؟

أليس من تمزيق الدين أن نزعم بانفصال المذهب عنه و التطرف في التفسيرات والقراءات والاجتهادات المذهبية حتى تصير لطائفة من البشر من دون غيرها ما يعزز الانقسام ويتعارض مع الوحدة في دين الله الواحد الموحَّد الموحِّد؟ إذن من يريد العكس وما أهدافه؟ وهل يقبل الدين الموحِّد أي رأي للتقسيم والتشطير؟ وهل يقبل التطرف والابتعاد في تعميق التعارض والاختلاف؟

إن حقيقة الأمر في مسألتين دينية ونرى أنها محسومة في رفض التطرف والتشدد والغلو في تعميق الاختلافات بقدر ما ينبغي لكل اجتهاد ديني ألا يُدخل الأمة في تقسيم وإنما في تعميق وحدتها وتبسيط حل معضلاتها ومشكلاتها وكل ما تجابه وبذا يكون المذهب توطيدا لحل يقرب الناس من بعضها ومن إيمانها بدين واحد لا تعميقا لتعارض واختلاف بينها.. والمستوى الآخر هو المستوى السياسي والأمر أن بعضهم يتجه لفرض فديرالية طائفية أو كما تقول الدروس التأسيس لدويلات الطوائف بكل ما لهذه التجربة بالتحديد في التاريخ الإسلامي من مشكلات ومثالب وأمراض ومخاطر أودت بحياة الدولة فقتلت فيها روح الحركة والتطور وجدلية الفعل الحضاري عندما كانت بغداد حاضرة العلم والمعارف والأندلس قبل دويلات الطوائف التي محت كل منطق عقلي فانهارت وولت بلا أثر دويلات الطوائف إلا تدميرها لكثير من منجزات حضارة دولة الأندلس الموحدة..

إن ترداد شخصية أو أخرى لمزاعم الإصرار على اختلاق دويلات الطوائف أمر يحتاج لموقف شعبي واعِ ِ منه كما يحتاج لدور مثقفي العراق ومتنوريه لكي يفضحوا ما وراءه ولكي يعمقوا من وعي الحلول السياسية البديلة لزمن الطغيان تلك الحلول التي لا تكمن في التفتت والشتت بل في مزيد من التفاعل الإيجابي الذي يبني ولا يهدم والذي يقدم ولا يؤخر والذي يحقق الطموحات ولا يلغيها...

وفي المستوى الاجتماعي من ذا الذي يتحدث عن نسبة تزيد عن 35% من العوائل العراقية المزدوجة الهوية المذهبية الشيعية السنية أي زوج وزوجة من مذهبين لا مذهب واحد ومن نسبة تزيد على الثلثين من المجموعتين الدينيتين تتخذ من المذهبين  معتقدا لها؟ وفي ضوء مثل هذه الحقيقة المكينة في وجود مجتمعنا، يحق لمن يتحدث عن الفديرالية في القسم العربي من العراق أن يعدّها حالة من التوجه المشبوه لأن الفديرالية بالخلفية الطائفية  لا تعني أمرا إيجابيا ولو بسيطا صغيرا ولا يذكـِّر هذا الهدف بكل إصرار القوى المعنية به إلا بدويلات الطوائف الهزيلة المرضية ومن الطبيعي أن تمضي تلك الدعوات لتلتقي بقصد أو من دونه مع حالة خدمة دولة الجوار الشرقي في مآربها وأطماعها..

إن أخشى ما تخشاه القوى المطالبة بفديرالية الطوائف هو الوحدة الوطنية التي تمكن العراق من بناء دولة ديموقراطية قوية بوحدتها ما يسرّع من الانتهاء من سلطة قواها أيّ الميليشيات والعصابات المافيوية ناهبة الخيرات ولهذا فهم يحضّرون للتربع على سلطة تسمح لهم بمواصلة نهب الثروة الوطنية ولن تكون تلك السلطة على المستوى الوطني الموحد الذي سرعان ما سيتجه نحو إزاحة أية قوة لا ترتضي برامجها كما في برامج التقسيم الطائفي..

وهذه ليست تهمة لطرف بقدر ما هي حالة من الإقرار والإصرار من تلك القوى المعنية على الإسفار عن برامجها بكل ما تتضمنه من مخاطر مقصود منها اللقاء مع أجندة أجنبية صريحة لطالما تقدمت بها السلطات السياسية للجارة إيران من ابتلاعها لشط العرب ومن تقدمها لشواطئنا على الخليج إلى أشكال السطو والسيطرة على بوابتنا الوحيدة على البحر إلى مسائل حقول النفط وما إلى ذلك.. وعليه فإن الشبهة في الفديرالية لا يكمن فيها كونها نظاما وآلية سياسية ولا في الدول التي تتخذها وتطبقها ولا في اختيارنا لها وتثبيتنا إياها في الدستور.. ولكنه يكمن في تطبيقه في ظروف وأرضية مختلفة تماما أي إقامته على أسس طائفية تمزق وتفرق وتمنع أي شكل من أشكال اللقاء وتحضر لدويلة طائفية وهذا أمر بيِّن في الواقع الحالي من جهة الحرب التي تشنها عصابات أو ميليشيات القوى المدافعة عن فديرالية طائفية فهل هذا لا يمثل شبهة في رأي عاقل حكيم؟ ومن بعد ذلك لن يكون الرقي الذي يتحدث بعضهم عنه ممثلا بفديرالية الدولة أو لا فديراليتها ولكنه يقوم على أساس صحة الآليات المتخذة للعمل السياسي ودقة الخيارات  للظرف المناسب وقد ياتي يوما نوظف الفديرالية نظاما في كل المحافظات العراقية ولكن بشروط موضوعية تضمن صحة التطبيق وسلامته وخدمته للعراقيين جميعا..

إنَّ من ينادي بالفديرالية طرفان طرف ينادي بها ويتخذها طريقا وهو محق في مناداته لأنه يقيم ندائه على أسس موضوعية يؤهلها واقع الحال وشروط قيام الفديرالية ونتائجها. وطرف ينادي بها ولا يوجد بين يديه أي سبب موضوعي حقيقي جدي يؤسس للفديرالية بما يجعلها مفيدة صحية صائبة في التطبيق وهو بالتأكيد يعني بين الخطل السياسي والجهل أو التضليل والتعمية على مآرب مبيتة قد لا تكون في إطار الأجندة الوطنية ..

وبالمناسبة فإنَّ تطبيقا في العراق للفديرالية في الظرف القائم يبقى صحيحا صائبا كما هو الحال بالتحديد لموضوعية شروط السير به وتوطيده في كردستان حيث حسمت الدراسات ومطالب الواقع تلك المسألة في مجموع رؤى الحركة الوطنية وقد خبرت الحركات الوطنية عامة صحة شعار الديموقراطية للعراق والفديرالية لكردستان وأحقية تطبيق الفديرالية بكردستان لا من منظور قومي ضيق أو عنصري كما يجري المماحكة فيه [من قبل قوى بعينها] بل من منظور صدقية وموضوعية التوجه.. بخلاف الأسس الطائفية المرضية للفديرالية المزعومة في جنوب الوطن ووسطه..

ومن هنا فليس لكاتب موضوعي أن يخشى قول الحقيقة وقد شخص مفكرونا وكتابنا السياسيون تلك الحقائق بكل جرأة وعندما سيخطئ شخص أو زعيم أو طرف فإن رد المنطق الموضوعي سيكون واضحا صريحا بلا خشية سوى أولئك الذين في قلوبهم مرض الخضوع لسلطتي الرصاصة والدولار.. أما لغة الاتهام فستظل لغة مرضية وليدة زمن القمع والطغيان وهي لغة شبيهة بلغة التكفير فكل من لا يخضع لوجهة نظر طرف هو عدو ذاك الطرف الذي يجب تسقيطه وهكذا هي لغة الاتهامات..

ولأن شخصا يقول هذه أجندة أعجمية أو عجمية فهذا ليس اتهاما عندما يقيم الدليل والدليل بشأن فديرالية الحكيم ورهطه يكمن في تطابق الأهداف بين

رؤية الحكيم ورؤية قوى إقليمية معروفة؛ وفي الخلفية التي يقيمها مطلب الفديرالية وفي عمليات الترحيل الطائفي من الجنوب والوسط وفي عملية التطهير العرقي والديني هناك، وفي عملية السطو المسلح من الميليشيات على الأجواء المحيطة.. وفي حجم الفديرالية وجغرافيتها المقصودة وفي التحضيرات من نمط مطالب تحديد جغرافية أو حدود محافظات يسمونها شيعية وأخرى يسمونها سنية [كربلاء والأنبار!؟] لماذا عندما يجري مثل هذا التشخيص يستحون منه ويأنفون ويخفون الرؤوس ليتحدثوا عن استقلالية لهم عن المشروع الإيراني؟ فيما يصرون في أجندتهم  على كل تلك المضامين بلا حياء مطبلين للضغط على الرأي العام بوسائلهم الخاصة؟

إن التهمة الموجهة لكل من يريد أجندة الوحدة الوطنية والمسار الديموقراطي ويرفض التقسيم الطائفي تتمثل في القول بأنه يرفض التغيير الجديد وينتمي إلى الطاغية ومثل هذا الاتهام أمر يُراد به خلط الأوراق فضلا عن التعمية والتضليل ومصادرة الرأي الوطني الديموقراطي وقمعه وتمكين سلطة الطائفيين عبر تكفيرهم لكل ضد سياسي يفضح مشروعاتهم..

إن التحدي الساذج من مرضى الفديرالية الطائفية لمن يأتي بما يؤكد شهوة السلطة والتربع على كرسيها بخاصة في دويلة طائفية في الجنوب، أمر أكثر من ساذج لأنه ليس من عاقل يقول بمبايعة أهل الجنوب والوسط لفديرالية دويلات الطوائف لأن الحقيقة تشير إلى أنه حتى التصويت الانتخابي قد تمت سرقة كثير منه بقوة السلاح وبسلطة العصابات والبلطجة والميليشياوية وهذه هي ورقة الدليل التي يتصورون أن أحدا لم يأتِ بها بعد.. وللذي يدري ما الوضع في العراق يجب أن يتذكر عبارة "أغلق الشارع بأمر [السيد]" وهذه هي أخطر علامة ولغة حتى من لغة "بأمر [الريس]" التي سامت العراقيين العذاب والمهانة وإلا من يكون أي فرد ليأمر شعبا بأكمله؟

 إن أية ديموقراطية لا يمكنها أن تكون تحت حراب الميليشيات بل ينبغي حراستها بسلطة الدولة الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني وقوتها الحقيقية لا سلطة عصابة ولا سلطة فرد ولا مرجع ولا ولاية فقيه.. فالديموقراطية سلطة الشعب وحده وخياره لا يكون صحيحا بغير وعي وثقافة وحريات تعبير؛ لا مصادرة بأشكال وفنون التقتيل وما شابه، ولنلاحظ أن مرجعيات سياسية قد قامت بتصفية خصومها لمجرد تعزيز سطوتها......

وبكل تأن ورشاد فإن من يسطو على الجنوب اليوم هو ميليشيات معروفة التكوين والتبعية ومعروف تمويلها السابق والحالي باعتراف قادتها ومعروفة أجندتها بكل وضوح ومعروفة حالات الولاء وفضائح سجون الجادرية واختراقات وزارة الداخلية بل تصريحات رسمية لإيران ذاتها تشير إلى هذا الأمر فأي مسخرة للدفاع عن جهة تسرق النفط العراقي لا بالبرميل ولا بالحاويات بل بالأنابيب المفتوحة الفاغرة الفم الموجهة إلى حقول إيران وإلى سفنها المنتظرة بصفوف طويلة للتحميل والبيع والوكيل الرسمي المعتمد شخص جرى توزيع وثائق تكليفه بالبيع وهو شاب ما زال بلا خبرة تشبه خبرات أبسط خبير عراقي فلماذا منحه توكيل بيع النفط العراقي هو بالتحديد ألأنه ابن الحكيم؟ وممَّ تخلصنا إذن إذا عدنا لسياسة صدام وابنه واليم الحكيم وابنه؟؟؟؟ وبالتأكيد سلطتهما  بوساطة ميليشيا بدر وغيرها من عصابات وقوى مسلحة؟؟

إن فكرة الفديرالية بين ولايات أو إمارات منفصلة هي عملية تجميع وتوحيد وتقارب كما في الإمارات المتحدة وغيرها ولكن أن تأتي لدولة موحدة ببنيتها الاجتماعية موحدة بوجودها السياسي الوطني الهوية لتقسمها بإدعاء الفديرالية إنْ هو إلا تحضير صريح للتقسيم لدويلات الطائفية وهو في الظرف الحالي خيار يعادي الديموقراطية ويعادي الوجود الوطني ويعادي مسيرة البناء ويعقد الأمور ففي وقت تتجه الدول والبنى المؤسساتية لها للتخفيف من التشكيلات الإدارية يتجه حاملو لواء الفديرالية الطائفية إلى تعقيدها وسيكون من السخرية الحديث عن علم ومعرفة وموضوعية عندما يتكلم شخص عن فديرالية طائفية الأساس واللغو المرضي هنا يكمن في رفض المناقشة الجدلية والتسليم ببديهات لمجرد إصرار شخص وضعوه على رأس مجموعة  ميليشياوية مسلحة ولست أدري كيف تلتقي حالة ميليشيا مع تعزيز المؤسسة المدنية وسلطة الدولة الديموقراطية ويتحدث أصحابها عن العلمية والموضوعية؟!!!

أما الحديث الذي يشير إلى الدستور العراقي الجديد فهو ناجم عن خلطة من التوازنات والضغوط السياسية المحلية والأجنبية وهو ينص على الوحدة الوطنية وعلى الفديرالية بصيغة تحاول تلبية المطالب الشعبية ولكنها لا تلبيها جميعا بسبب من الضغوط المعروفة حتى على عملية التصويت نفسها.. ومن ثم فإن عملية تفسير مادة يجري أحيانا بالتعارض مع تفسير مادة أخرى وهو ما ترك فرصة للحديث عن إمكانات التعديل بسلطة القوى الشعبية والوطنية ونضالها الديموقراطي السلمي غير الخاضع لإرادة العصابات المسلحة.

أما  تلك العصابات المسماة ميليشيا سواء زعمت أنها شيعية أم سنية فجميعها يجب أن تنتهي في ظل تعزز وتطور سلطة الدولة الوطنية الديموقراطية ولا فرق بين طرف وآخر ولكن التعكز على ذريعة أن كاتبا هاجم عصابة ولم يهاجم أخرى فالأمر يعود إلى أن كاتبا يعالج أمر العصابات التي تزعم الدفاع عن السنة ويترك معالجة تلك التي تزعم الدفاع عن الشيعة وليس على الأمر غبار والعكس صحيح المهم أننا لا نقف مع قوة مسلحة ضد أخرى بل نرفضها جميعا لأنها جميعا ضد وجودنا الوطني الموحد وضد المسيرة الديموقراطية ومؤداها خطير علينا ويخضع لأجندات أجنبية ومحلية مشبوهة لا علاقة لها بمصالح الناس إلا من جهة تخريب وضرب تلك المصالح...

وعليه فلنقف سويا بإخلاص بعيدا عن لغة الاتهامات  وقريبا في القلب مع الدفاع عن وحدتنا وأخوتنا العراقية الهوية لا الطائفية ولا الدينية ولا العرقية الأثنية.. وبعد فلكل حادث حديث حيث يجب وضع أجندة وطنية للأولويات ولنكن سندا لبعضنا بعضا ولنصوِّب ونقوِّم المسيرة بما يعزز هويتنا العراقية الصريحة المستقلة التي تحمي مصالحنا اليوم وتحضِّر لمستقبلنا المشرق وليكن لكل منّا خياره ولكن بما لا يوقعنا في مطبات الضرب في بعضنا بعضا بل بما يجعلنا قوة لوجودنا الإنساني الوطني المشترك ويحقق مطامحنا جميعا بكل توازن وعدالة.. ولتكن الفديرالية آلية نطبقها حيثما صحَّ أمر تطبيقها ومتى ما كان الوقت مناسبا والظرف مهيأ...[/b][/size][/font]

210
المسرحيون العراقيون ومهام المرحلة؟
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2006/08/03
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

توطئة

بدأ المسرح العراقي مسرحا لثقافة وطنية وإنسانية فاتخذ من القيم الاجتماعية والوطنية مسارا لنصوصه ولأساليب معالجته.. ومع تطور العمل الفني المسرحي ورقيِّه صار المسرح العراقي يلعب أدوارا مهمة على صعيد شحذ الوعي السياسي العام والمشاركة في التعبئة الجماهيرية حتى صارت الجماهير تخرج من قاعات المسرح في مظاهرات ناضجة الرؤى والمطالب، كما هو الحال فيما كان يحصل في أربعينات القرن المنصرم وخمسيناته..

ولم يتخلَّ المسرح العراقي عن مستوياته الفنية واهتمامه بالبنية الدرامية وبمنجزه على صعيد الإخراج والأداء والفنون التكميلية الأخرى ما عمَّق من مصداقية التأثير وتفتيح الرؤى جديا على مستوى مطالب العراقي الروحية متمثلة في مطالبه في زاده الثقافي الحي ملخَّصا في منجزات المسرح العراقي وروّاده..

وبالمقابل بقي المسرح والمسرحيون يتحملون هجمات من مختلف الأشكال والتوجهات ولكنها جميعا كانت تتقصد تشويه صورة المسرح والمسرحيين بغاية قطع العلاقة بينه وبين العراقيين بمساواة المسرحي المفكر والمبدع بمنتسبي  كابريهات رخيصة في سوقية أنشطتها ومنتجها وفي مستهدفاتها المعروفة ملخَّصة في آليات أدائها وما يلحق بعد هذا من تشويه لمنتج المسرح العراقي من رؤى مبدعة خلاقة تلتزم قيم المجتمع الروحية وترقى بأدائها لمستويات حضارية إنسانية عليا...

واليوم يجابه المسرحيون العراقيون هجمات ومصاعب مركبة في إطار ما يتعرض له عراق التغيير العراق التعددي المنشود من هجمات مختلفة المصادر متحدة الهدف.. ولأنَّ القوى التي تهاجم العراق تريد التعمية على ما تقوم به فإنَّها تقف بالضد من القيم الثقافية عامة ومن كل زاد روحي للعراقي، وفي الإطار تقف ضد وجود مسرح جاد يمارس دوره الحي التنويري ويساهم في خلق الوعي الثقافي الحضاري المميز لشعبنا..

وبالتأكيد يساهم في مسيرة بنائه في تسليط الضوء على القيم الجمالية للحياة ما يساعد على خلق الاستقرار النفسي والتوازنات المجتمعية التي يتعارض معها توجه أجواء العنف والدم والتقتيل أجواء الإرهاب ولغتها في إرعاب الناس ومطاردتهم ومنعهم بالتأكيد من ممارسة حياة إنسانية وادعة باستلاب فرص تمتعهم بحيواتهم الإنسانية التي تعني البحث عن الجمال والجميل وعن ثقافة السلم والاستقرار وروح الإبداع..

الحرام والحلام في الإبداع؟

لقد أمرت كل الشرائع والديانات المقدسة بأن يعمِّر الإنسان الأرض التي استخلفه الله عليها، والله جميل يجب الجمال ولكن أوباش التطرف والتشدد السلبي المريض يؤججون فتاوى بتحريم كل شيء جميل وكل صناعة للجمال وهي جزئية أو مفردة من مفردات تعمير الأرض والتمتع بخيرات ما تصنعه يد الإنسان، خليفة الله على الأرض حسب تعاليم الديانات كافة.. ولكن أصحاب المصالح المرضية لا يعجبهم ولا يناسبهم مثل هذه القيم السليمة..

وهم في ضوء فلسفتهم المريضة يحرِّمون قيم الجمال ويكفرون مبدعيها وفوق ذلك هم يستبيحون ما عمَّره الإنسان بأمر ربِّه فيهاجمونها ليل نهار بمتفجراتهم ومفخخاتهم فأين الإيمان الذي يدعون؟ وأين الدين الصحيح الذي يزعمون؟ وهل إجماع الأمة كله كفر وهم الأفراد الذين لم يحفظوا سورة أو آية بشكل صائب صحيح وحدهم المؤمنين الأقحاح؟

ليس الجواب إلا فضحا لكونهم أصحاب مصالح يحاولون تمرير عنفهم ودمويتهم وساديتهم ومازوخيتهم بقدسية زائفة، أولئك التكفيريون البائسون فكرا ومنطقا وأهدافا.. إنَّهم قبل أنْ يكونوا أعداء البشر والحياة والسلام والكرامة، هم أعداء الله والدين السمِح، دين السلم والاستقرار والتعمير لا دين التقتيل والتفجير والتخريب والتشويه واستلاب حيوات حرَّم الله قتلها قطعا وبتاتا!

ولكلِّ فرد ما زال يعتقد بفلسفة العنف الدموية التخريبية المبرَّرة بمقاومة جهة أو فئة أو المموَّهة المتخفية باسم مقاومة شريفة أو غيرها والمتوسِّلة قدسية الدين وتفسيراتهم نصوصه بلوي الحقيقة وتأويلها المعوج، لكل فرد ما زالت لديه غشاوة أو التباسا أو خلط أوراق، أنْ يراجعَ إجماع الأمة وعلماء القوم لكي يرى ببصيرة لا ببصر وليفتح عقله على تنوير حقِ ِ صائبِ ِ صحيّ صحيحِ ِ فيلتحق بصانعي الخير والعَمَار، مبدعي الجمال والاستقرار..

مَنْ يصنع مَنْ؟

هل السلم والاستقرار يصنع فرص الإبداع أم الإبداع يساهم في صنع الاستقرار والسلام؟ إنَّ المسارين صحيحان وفي نظرة سنجد معنى الأدب والفن ومساهمتهما في تفجير الثورات ودعم تعبئة الحياة بتصورات الخير وصنعه والتأثير في ترسيم الفعل المناسب للإنسان وهكذا كان أدباء الثورات الشعبية منذ زولا وهوجو وغوركي وبيلينسكي ومرورا بالزهاوي والرصافي والجواهري والسيّاب أبناء بغداد المحلات والضواحي الشعبية وأبناء النجف الثائرة والبصرة العريقة المفكرة المتبصرة أبناء وادي العَمَار والحضارة...

وهكذا أيضا كان رواد المسرح العراقي منذ نعوم فتح الله ومرورا بمبدعي العشرينات والثلاثينات الذين رسموا التاريخ القومي والوطني والسلوك والقيم الإيجابيتين لمجتمعنا العراقي.. وليس انتهاء برواد  الأربعينات والخمسينات الذين كانوا تأسيسا ثانيا لمسرح العراق فنا وجمالا وبناء وقيم إبداعية وبالتأكيد فكرا وثقافة وسياسة.. ولن ننسى مظاهرات شعبية ظلت تنطلق من مسارح تلك الحقبة الفائرة في حياة شعبنا بكل معالم غليانها..

ومن الطبيعي إذن في ظل هذه المعادلة أن نجد تبادل التأثير في مسار الإبداع الذي يمكن أن يكون في ظل الاستقرار والسلام حيث يتفرع الإنسان لحياته وقيمها الروحية الثقافية ومن ثمَّ  لإبداع قيم الجمال والمحبة والكرامة.. وبالمقابل في كون الإبداع ذاته يهيئ ما يدفع باتجاه التعبئة والتفكير بكيفيات البناء والتعمير ومقاومة الشرور ومصادره ومعالجة الأمراض الاجتماعية والمزالق الخطرة ومنها رفض الحروب البشعة التي تقمع الإنسان وقيمه النبيلة...

رواد المسرح وبُناته؟

وطبعا ليس منّا من ينسى جاسم العبودي في واقعيته ومنهجه لصنع الجمال وليس منّا من ينسى إبراهيم جلال بين واقعيته وتغريبيته وما كانت معالجاته وأدواته تدفع إليه.. وليس منّا من ينسى يوسف العاني الرائد الذي ما زال حيّا بيننا بكل عطائه وإبداعه وهو الذي شيَّد عالما من الأخلاقيات والسلوكيات الإنسانية بكل عمقها ونبلها وتنويريتها.. ألم تكن الخرابة تعبير عن ثقافة إنسانية متفتحة تجمع بين الوطني والقومي والإنساني. ألم تكن مسرحية أنا أمك ياشاكر وصورة جديدة والمفتاح تنبع من حيوات أبناء شعبنا فتعود عليهم بسراج الأدب والفن في ليل التخلف؟

أليست عشرات أعماله ومئات وقفاته على الركح علامة كما نصب الحرية وكما جلجلة المهلهل وصهللة المتنبي ونفحات ابن الفارض وتيجان الحلاج؟ بلى وهو طودنا الذي يشارك كبارا كخليل شوقي وسامي عبدالحميد وبدري حسون وقاسم محمد والراحلة نجمة الجبل والسهل زينب والصامدة ناهدة الرماح وجيل من لوامع كواكب زمننا الذين ينبغي أنْ تظهر بهم الأضواء والفضائيات العراقية والعربية والعالمية بدل أضواء تُسلَّط على قتلة ساديين لا يفقهون لا في دين ولا في دنيا..

أنتجه أمسية يومنا لرؤية الجمال والحب والمودة والخير وعَمَار الأنفس أم نقعي في بيوتنا خانعين لضغوط الدمويين المازوخيين؟ أنفكر في تكريم مبدع بالوقوف معه في إبداعه الجمال وخلقه الحياة والخير والعمار أم نخضع لسلطة رصاصة مخرِّب أو انتحاري إرهابي؟ أنُضيع حيواتنا في الرعب والخشية والتوهان والحيرة بين فتوى جاهل متخلف مريض عقليا ونفسيا وبين رؤى مثقف مبدع للجمال ولنور العقل وموضوعيته ورصانته وسداده؟

المسرح بيت العقل والجمال

لنقرأ مسرحية عراقية ونحكم .. لنشاهد مسرحية عراقية ونصدر قرارنا في الموازنة بين مشهدين. مشهد الخراب الذي يزعم قدسيته دينا [وهو ليس كذلك] ويدعي مقاومته الاحتلال [وهو الذي يديمه ويواصل مشوار وجوده بخلق الذرائع والمبررات].. لا نتردد لنجد لأنفسنا متنفسا للإبقاء على صلتنا بالحياة الإنسانية فحيثما نسينا القراءة والمشاهدة لمعالجة فنية جمالية مثقفة متنورة ابتعدنا عن وجودنا الإنساني ومتنا..

وحيثما أبقينا على رابطة بيننا وبين الإبداع فكرا وجمالا ربحنا المعركة ضد التخلف والجهل والظلام والتضليل وكل ما يتستر وراءه الإرهابيون وأعداء مجتمعنا العراقي الحر الكريم الأبي... ألا فلنعيد صلاتنا ولتحتشد جموعنا في قاعات مسرح عراقي عظيم بتاريخه وبمنجزه وبوجوده ودوره المؤثر في صنع خيارات الحياة الجديدة..

المسرح ليس مكان للهو وتضييع الوقت فهو باني العقل ومحييه ومفعِّله وهو التأسيس للحركة والتغيير والتعبئة وهو بالتأكيد يُجري كلَّ ذلك في إطار الجمال والفن والراحة النفسية والتفريغ من أعباء يومياتنا المعقدة فلنمنح~ أنفسنا فرصتها في العمَار وفي الاستقرار...

المسرح الأكثر أمانا للقاء الجماهيري اليوم:

وفي ظروفنا القائمة يمكن أن يلتقي الجمهور في مباني المسارح وقاعاته بأمن حيث يجري التوثق من امتناع دخول أي سلاح أو متفجرات أو ما شابه مما يهدد أمن الناس وسلامتهم وهو ليس مكانا مفتوحا كما الشارع وكما مناطق أخرى ويمكن لفرصة تأمين المبنى المسرحي أن تكون مفيدة لكي ندعو لتواصل الأعمال والأنشطة المسرحية الجادة لا التهريجية بالتأكيد وتلك التي تحترم الإنسان وعقله ومكانته وكرامته ولا تضحك عليه...

أما المسائل الأخرى فتكمن في دعم مؤمَّل من وزارة ثقافة تحرَّرت من دكتاتورية الطاغية وزبانيته وأبواقه وينبغي لها اليوم أن تكون قد انعتقت من سلطة التخويف وتهويمات الإرعاب وخطط الجهلة لتدخل اليوم في برامج مستمدة من رؤى القوى الحية في مجتمعنا ممثلة في واحدة من مفرداتها في المسرحيين العراقيين روادا ومجددين مبدعين.

مهام منتظر النهوض بها؟


ينبغي للمسرحيين العراقيين هنا أن يواصلوا مشوار الريادة وينهضوا بتقديم أعمال جدية مسؤولة تعالج مأساة اليوم وتعيد الطمأنينة وتخلق الفرص الإنسانية ولمحاتها المستقرة لتمنح تفاصيل اليوم العادي علامة من الهدوء والسكينة وسط همجية رعناء لقوى الجريمة من إرهاب دولة [الاختراقات الموجودة في مؤسسة الدولة الناشئة] ومن إرهاب الدخلاء على الوطن والعناصر المريضة السادية من مخلفات النظام المهزوم والتكفيريين الجهلة .

يلزم من أجل ذلك تصعيد برامج مهرجانية واسعة ومواسم مسرحية مجددا تستخدم نوافذ مثل مسرح الغرفة لجمهور أصغر وأماكن يمكن معالجة طاقاتها الاستيعابية وظروف الوضع العام ومسارح كبرى مجهزة بشروط الأمان وقريبة من الأحياء الشعبية مثل مسرح الخيمة بشروط حماية أكيدة ومسارح في المناطق الآمنة من عراقنا والتي سيتم تأمينها قريبا.. كما في كردستان الآمنة وكما في عديد من محافظات الجنوب والوسط وحتى في بغداد ومحافظات غزاها الإرهاب لأسباب شتى باتت معروفة..

المرحلة تسأل وتريد أجابات المثقف العراقي وليس السياسي لوحده من يخلق ويؤسس لأجواء الديموقراطية فالديموقراطية تربية وفلسفة ومعرفة يلزم توضيحها والمسرحي الكاتب والمخرج والممثل والديكورست والموسيقي ومديرو الإضاءة والتقنيات  كلهم مسؤولون لكي يطوِّعوا جهودهم في الإجابة وفي التحضير لعراق جديد عراق الأمل والسلام والكرامة والديموقراطية..

ومن مهمات مسرح اليوم خلق ثقافة التعددية التداولية واحترام حقوق الإنسان واحترام الآخر بمقدار احترام الذات واحترام العمل المؤسساتي والابتعاد عن الروح الفردي والمصالح الانتهازية المرضية الرخيصة وتلك قيم يلزم لها وسائل كبيرة لا تتوافر عند طرف قدر توافرها في المسرح ودور المسرحيين في النهوض بتلط المهمة ولا نقولن حتى حين فلقد قدم المسرح عروضه في ميادين القتال ولم يتوقف فما بالنا والناس يسألوننا أين المثقف؟ أين المسرحي؟

ها نحن هنا موجودون وهذي أعمالنا الإبداعية المميزة ومبدعونا الكبار وإنّا الفائزون بوجود أعلام مسرحنا من جيل الريادة يوسف العاني و سامي عبدالحميد وقاسم محمد  ومرورا بشفيق المهدي ومحمود أبو العباس  وعقيل مهدي حتى الجيل المبدع الجديد قاسم مطرود وأحمد شرجي ورسول الصغير وغيرهم العشرات من عظماء المسرح الإنساني الجديد...

ولنا وقفة مع تلك الأعلام ومع أعمالها وإبداعاتها ليكون للنقد المسرحي دوره التفاعلي في حركة مسرحية ناشطة اليوم ولنبدأ المشوار مجددا أيها المسرحيون العراقيون............................[/b][/size][/font]


211
العراق بين التغيير المؤمَّل ومطرقتي الإرهاب والطائفية؟
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2006/08/03
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

استبشر العراقيون بالتغيير الذي حصل منذ ثلاث سنوات؛ وتطلعوا بهزيمة نظام القمع
الدكتاتوري بتمكنهم من بناء البديل الديموقراطي التعددي التداولي الفديرالي
لعراق جديد. ولكن مجريات الأوضاع التي حصلت طوال السنوات الثلاث لم تكن بالمسار
الذي تطلع إليه أغلبية العراقيين..

لقد سجلت التجربة التاريخية أن الانتقال من نظام قمعي دموي كالذي حكم العراق
بالحديد والنار أمر يتطلب شروطا كثيرة لجعل ذاك الانتقال صيرورة وافية للمطالب
والتطلعات. إذ من المتوقع أن تعمل بقايا المؤسسة القمعية المهزومة لتخريب البيت
إنْ لم يكن لها فيه موطئ قدم ومصلحة تمثل بقاءها ووجودها في رفضها إخلاء
مواقعها النفعية المعروفة..

لقد قام النظام الدكتاتوري على تشكيلات قمعية ومؤسسة دموية في تشكيلة مؤسساتية
لدولة القمع وسياسة إرهاب الدولة لتطويع الأوضاع قسرا لمصلحة قطعان حاشية الحكم
القمعي الدكتاتوري. وليس لعاقل أن يعتقد أنه بإزاحة رأس النظام ستنتهي مؤسساته
التي قامت على صورة المنظمة الإرهابية القمعية.. وحضَّرت لمواصلة دورها
التخريبي في حال تعرضها لما حصل في التاسع من نيسان 2003...

إنَّ مؤسسات الدولة القمعية امتلكت فرصتها الأوسع والأعظم للتدريب ولتنظيم
نفسها في منظمات وتشكيلات إرهابية كما المؤسسة المخابراتية والأمنية وأجهزة
الشرطة وبعض قطعان دولة الإرهاب التي ضموها للجيش العراقي. وفي ظروف القمع
والاستلاب وسطوة إرهاب الدولة لم يكن الشعب على صلة مباشرة بمنظماته الحزبية
وحركاته الوطنية إلا بطريقة مضيَّق عليها من تنظيمات سرية محاصرة بكل الصُعُد..

وكان الانقطاع بين هيأة أركان حرب الشعب وطليعة الجماهير الشعبية سببا مهما
لترك الميدان بُعَيد هزيمة النظام الدكتاتوري لقواه وبقاياها مفتوحا على
مصاريعه لتعمل [قوى الظلام] بفؤوسها التخريبية مواصلة الضغط من أجل انتهاز
الفرص كعادتها للتسلق والبقاء في مقدمة كراسي نهب الشعب وثرواته واستلابه
حرياته.. إذ أن آليات العمل في ظل دولة القانون واحترام حقوق الإنسان في ظروف
انتقالية كما في العراق أمر معقد ويحمل كثيرا من الثغرات التي ينبغي حسابها..

ففي ظل المرحلة الانتقالية يلزم فرض حالة الطوارئ لمدة كافية يجري فيها منع أية
ثغرة تنفذ منها قوى منظمة تنظيما قويا ومسلحة بأحدث وأعقد أسلحة العنف والتخريب
وتمتلك أعقد البرامج التي تدربت عليها عقودا من الزمن فضلا عن كون مسألة الهدم
من السهولة بمكان بمقابل مسائل البناء. ولقد كان هاجس المعارضة العراقية
وبرامجها ملتفتا لمثل هذه المسألة ما جعلها تشير إلى مرحلة انتقالية وشروطها..

إلا أننا جابهنا نتيجة قيادة جهات أجنبية للتغيير أجندة غير أجندة المعارضة
الوطنية العراقية. فتمَّ حل أجهزة الدولة كافة في سابقة غير مدروسة بدقة.. كما
جرى تصفية  أجهزة الدولة المدنية بذريعة انتقامية أكثر منها معالجات جدية
مسؤولة لتوطيد أسس التحول المدني الديموقراطي. مضيفا إلى هذا مخلفات الفوضى
والتجهيل بالعمل المؤسساتي وبالتنظيم المتطور لأعمال دولة مدنية مؤسساتية
يدموقراطية...

ومن المشكلات العويصة أن بعض قطاعات التي دخلت للمعارضة العراقية قد دخلت
بإسناد إقليمي وبانتهاز للظروف الانتقالية المعقدة وتشكل حركات ومؤسسات
وتنظيمات نفعية متشظية عن واقع مرضي في ظل مسميات ديموقراطية، وخروج تلك القوى
على الإجماع الوطني لبرامج المعارضة العراقية والتسابق المتعجل لخدمة مصالح
القوى التي وقفت وراءها الأمر الذي  كان له دوره في تصعيد التمزق والتخلف عن
مواجهة مسؤوليات الواقع للاستجابة لمطالب الأغلبية..

ولعل أبرز الحالات التي أصابت العراق الجديد انتهاز خلفية التحضير الذي بدأه
الدكتاتور الطاغية بتفعيله دور الحركات الإسلاموية من مختلف التلونات المزيفة
التي تدعي تمثيل هذه الطائفة أو تلك عبر حملته الإيمانية قبيل هزيمته، وهذا
الانتهاز جاء على خلفيات التدخل الإقليمي بميليشيات تمَّ تدريبها لتكون قوى
[هدم] في النظام القديم فيما برامجها لا تستحي من إعلان مستهدفات طائفية
مفضوحة..

فوجد شعبنا العراقي الموحد في نسيجه الاجتماعي وفي مكونات أطيافه المتعددة وهي
المنسجمة الموحدة تاريخا وحاضرا، وجدت هذه الوحدة الوطنية نفسها أمام سلطة
تقسيمية طائفية تمثل مصالح قوى إقليمية قبل أن تمثل أي مصلحة لفئة عراقية أو
طائفة أو مجموعة مذهبية.. وزاد الطين بلّة أن هذه القوى هي التي تصدرت الميدان
بسبب من تسليمها السلطات الفعلية من القوات الأجنبية وبسبب من الدعم اللوجيستي
الإقليمي والتركيز الإعلامي والتحضيرات البنيوية السابقة على سقوط النظام..

إنَّ هذه القوى تلتقي مصالحها بشكل مباشر وغير مباشر مع قوى النظام القمعي
المخلوع ومن هنا فهي على الرغم من احترابها مع بعض قوى النظام المهزوم وأعمالها
الانتقامية (الدموية) في صراعها ذاك إلا أنها لا تمثل البديل الديموقراطي
بسياستها تلك وأن كل خطابات الادعاء المزيفة بانتهاجها فلسفة ديموقراطية لا
تعدو عن خطاب زعم وادعاء كما كان يفعل النظام الدكتاتوري نفسه؟

إنَّ المسلَّمة الوحيدة للبديل الحقيقي للنظام القمعي تكمن في منع حرق المراحل
وفي الجهة التي يمكنها أن تتحمل مسؤوليات مرحلة انتقالية حقيقية ومرحلة التأسيس
التي يلزم فيها أن تتعزز فلسفة الديموقراطية القائمة على وعي بآليات عملها
وتعريفا بقواها وهو ما لم يجر حقيقة طوال الأنشطة والفعاليات التي مرت في
السنوات الثلاث المنصرمة..

فلم تكن الأجواء مهيأة للانتخابات والاستفتاءات التي جرت بل خضعت تلك الفعاليات
المهمة لسلطة التأثير السلبي لمخلفات التشويه التي حصلت في ثلاث عقود وانقطاع
الصلة بين القوى الديموقراطية والقوى والفئات والمكونات الشعبية فضلا عن سلطة
دموية تتعارض بالمطلق مع الهيو الديموقراطية وآليات العمل بها هي سلطة
الميليشيات وتاثيراتها الكارثية..

من هنا واختزالا للمعالجة هذه فإن العراق بحاجة جدية بعد أن جرى تجاوز المرحلة
الانتقالية وشروطها ليس للعودة إلى الوراء لكي نبدأ من جديد بل إلى عقلية
متفتحة تستطيع تحمل المسؤولية عبر وسيلتين تتمثل في تنقية أجهزة ضبط أجواء
الانفلات وتطهيرها من الاختراقات وتدريبها مع معاونة جدية مسؤولة دوليا ووطنيا
من قوات أجنبية مدربة تخضع للخطة الوطنية العراقية.. وبالتأكيد سيكون أول مهمات
هذه القوات يكمن في حل الميليشيات والعصابات وجمع الأسلحة وفرض احتكارها من جهة
الدولة وحسب..

أما المسألة الثانية فتكمن في أوسع مساحة لتفعيل العقل العراقي ممثلا بالجامعات
والمراكز البحثية والمؤسسات الأكاديمية والحركات السياسية ومؤسسات المجتمع
المدني وأجهزة الإعلام العراقية الوطنية وكل ذلك ضمن حملة شاملة لتوكيد الروح
الوطين الموحد ورفض رؤى الطائفية وتحريمها من العمل لمرحلة بعيدة من مسيرة
التأسيس للديموقراطية ولدولتها البديلة..

إنَّ مسألة تحريم عمل القوى التي كانت سببا رئيسا في مأساتنا سواء منها التي
مثلت النظام الدكتاتوري القديم أم التي جاءت عقب هزيمته أمر لا مفر منه بمقدار
أهمية حملة المصالحة والتسامح العراقية القائمة وعلى جميع تلك القوى المخلصة أن
تكون واضحة في برامجها وفي توجهاتها وسياستها الرسمية المعتمدة للولوج لمسيرة
السلم والعملية السياسية بوجهها الصحيح..

ولا يمكننا أن نأمل بمعافاة لبلادنا ونحن نسلِّم الراية لرؤوس بعضها من الجهل
حتى أنه لا يسطيع تدبيج خطبة لافتتاح مؤسسة التشريع لبلاد التشريع والقوانين
وآخرون لا يفقهون من أمر مسؤوليتهم غير تمرير بعض السياسات المريضة التي تخدم
نوازع فردية انتهازية مرضية متعجلة وفوق ذلك تديم مسلسل العنف والفوضى والعبث
بمصالح الناس..

إنَّ هذه الحقائق تعني أن شعبنا تطلع لأمر ويواجه فعليا أمورا أخرى أساسها
طائفية رخيصة تستلب البلاد والعباد وحقوقهم وتعين الإرهاب على مواصلة دمويته
بحق بسطاء الناس وفقرائهم وليس غير هؤلاء بين فكي خطرين قادته أنفسهم الذين
يتحدثون عن الديموقراطية وعن عراق جديد مثلما تحدث غريمهم المهزوم عن ذلك..

وعلينا التفكير والعاقل الحكيم يعرف ما يلزم بهذا الشأن.. فهل سترتقي القوى
الديموقراطية قوى اليسار واليمين الليبرالية والعلمانية لمستوى المهام وتعقد
مؤتمراتها وتتبنى برامج الخلاص والإنقاذ الوطني أم أننا ما زلنا في مرحلة مبكرة
من الوصول لهذا النضج السياسي في الوعي العام ووعي حركات القوى البديلة
للدكتاتورية ومؤسساتها؟[/b][/size][/font]


212
سنديانة الصحافة الشيوعية العراقية تورق في زمن العواصف

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2006/07/31
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

واحدة من علامات العراقيين أنَّهم شعب يقرأ بشغف كبير. وهم يبحثون عن الكلمة بحثهم عن لقمة العيش، الأمر الذي مهَّد لأجواء قوية لرحلة الصحافة العراقية حتى في زمن العتمة وإهمال الحكومات المتعاقبة لمحو الأمية الأبجدية وللتعليم عامة في العراق.. فكان العراقيون لا يتوانون عن شراء الصحيفة ووضعها بأيدي مَنْ يسطيع القراءة منهم متطلعين لكل خبر أو نصّ أدبي أو ثقافي أو فكري أو سياسي أو اجتماعي أو لبيت شعر يلخص حكمة أو رأيا أو موقفا يمثل رؤاهم الحياتية...

ومن هنا فقد توجهوا للبحث عن تلك الصحف التي كان يتمّ توزيعها في الخفاء حيث الكلمة \ الحقيقة في ظروف مطاردة شعواء من سلطات تعاقبت على أجواء البلاد والتسيّد على رقاب العباد مقابل تلك الكلمة المداهِنة أو الكلمة المزيفة التي كانت تحاول إشاعة التضليل والتعمية على مجريات الأوضاع العامة... وهكذا كانت صحافة الحكومة والشركات والملاكين تتراكم في الأكشاك بمرتجعاتها المتضخمة فيما الصحف السريّة يتم تناقلها والتهامها وإعادة نسخها وتوزيعها في ضواحي الفقراء وحتى في الأرياف القصية...

وكان من أبرز تلك الصحف التي صدرت مذ الربع الأول من القرن العشرين هي الصحافة الشيوعية بما كانت تعبر عنه من مطالب كادحي العراقي من العمال والفلاحين والكسبة والمثقفين... وكان أبرز لوامع تلك الصحف التي انتشرت بين أيدي القراء هي الصحيفة الشيوعية الأولى التي صار يُحتفى بصدور عددها الأول عيدا صحفيا بارزا بعد عيد الصحافة العراقية ذلكم هو يوم صدور جريدة كفاح الشعب في الحادي والثلاثين من تموز يوليو 1935...

إنَّ الاحتفال بعيد الصحافة الشيوعية ليس احتفالا عاديا محدودا خاصا بالصحفيين، بل هو هو احتفال يتسم بالسعة والمشاركة الشعبية وبكونه احتفالا كرنفاليا جماهيريا تجري فيه ندوات فكرية سياسية وأنشطة اجتماعية وفنية إبداعية فضلا عن مناقشة أعمق مشكلات الواقع العراقي وظروفه المخصوصة في إطار من التفاعل بين مختلف وجهات النظر الشعبية ومستوياتها بسبب من تفتح الصحافة الشيوعية على تمثيل تلك الرؤى المتعددة المختلفة..

لقد عبرت صحافة مثل كفاح الشعب 1935 و جريدة الشرارة نهاية عام 1940  فجريدة القاعدة الصادرة مطلع 1943 عن أجواء الحرب الكونية الثانية ومطحنتها التي دارت بأيدي تجار الحرب على كواهل أبناء الشعب.. وواصلت تلك المسيرة صحف أخرى رفعت الصوت عاليا بفضح الجرائم المرتكبة بحق مصالح العراقيين ومطالبهم مثل: صحف العمل في العام 1944 و وحدة النضال والنجمة والاتحاد وشورش وجريدة الأساس وجريدة العصبة الناطقة باسم عصبة مكافحة الصهيونية بإشراف المحامي الشهيد محمد حسين أبو العيس فقدمت تلك المسيرة الصحفية ليس الزاد الخبري الثقافي حسب بل قدمت شهداء قرابين في مسيرة الشعب الكفاحية...

لقد شاع في الذاكرة الشعبية علاقة مباشرة بين كلمتي ثقافة وشيوعية وصار ذكر الشيوعيين يعني ذكر مصدر جوهري اساس وغذاء روحي للثقافة الشعبية العراقية.. كونهم كانوا الزاد الحقيقي للتعليم والتثقيف عبر أنشطتهم التنويرية  الممثلة لرؤى البسطاء وتصوراتهم وتطلعاتهم. ومن هنا كانت الأيدي تتلاقف صحفا أصدرها الشيوعيون في إطار من عمق اهتمامهم بالثقافة والإعلام حتى وهي صحف داخلية مخصوصة بالحزبيين من مثل الإنجاز و مناضل الحزب ونشرات أخرى صدرت في السجون مثل كفاح السجين الثوري 1954\1953..  وكان لصدور راية الشغيلة 1954  بشعار سلم وطيد.. وطن حر وشعب سعيد ردود فعل جدية على مستويات متنوعة كثيرة..

وقد لخَّص التطورات الضخمة للقاءِ بين الجماهير الشعبية ورؤى الشيوعيين الثقافية والسياسية حجم الاستقبال والدور المميز لجريدة اتحاد الشعب التي وُلِدت في 22 تموز 1956 وصارت بُعيد ثورة 14 تموز الجريدة الجماهيرية الأولى الأوسع توزيعا وانتشارا فكانت مدرسة صحفية غنية أثرَت الحياة حتى تغنَّت ألسنة الناس بإيقاع الأغنية الوطنية  [هيلا يا أبو جريدة] لشدّ العزم وتقوية الشكيمة مذكرين هنا بالشهيد عبدالجبار وهبي (أبو سعيد) ودوره في تلك العلامة الصحفية الشعبية المشرقة..

إذن هذه هي الصورة العريقة للصحافة الشيوعية العراقية.. إنَّها هناك حيث القراءة على أضواء الشموع الخافتة و"الفوانيس واللالات" تتم بأجواء سرية تامة ولكنَّ شعاع الحقيقة المستمد هنا بقي ينير ليل العراق ويشيع الأمل في أنفس العراقيين ويعيد الثقة ويلفّ الجموع حول شعارات العمل الأهم في كل مرحلة بعينها.. فجاءت  طريق الشعب  لتشكل المتابعة المشرِّفة لتلك المسيرة الرائعة والعلاقة الوطيدة بين الجماهير والصحافة الحقة المعبرة عن صوتها وتطلعها...

لقد كانت جماهيرية طريق الشعب قد تأتَّت من احتضان أوسع الأصوات المتنوعة المختلفة تجسد عبرها صوت من لا منفذ له ولا من يمنحه فرصة التعبير الجدية التي لا تخضع للتشويه والتأثيرات المرضية.. فمثلت الصحف الشيوعية بهذه السمات مسيرة توطيد لغة الديموقراطية في الحياة العامة مثرية تلك المسيرة بتجاريب تعمَّدت بدماء شهداء الصحافة الذين استرخصوا حيواتهم من أجل حياة كريمة مستقرة..

لقد أرعبت تلك الصحف المناضلة أعتى فاشية دموية حكمت العراق بالحديد والنار كما سلطة البعثفاشية وعصاباتها التي تحولت لسلطة الدكتاتورية وإرهاب دولة القمع طوال العقود الماضية... وكانت دوريات طريق الشعب وأسبوعية الفكر الجديد ومجلة الثقافة الجديدة الأساس الأكبر للتعبير عن مطالب العراقيين بدءا من أبسط مقوِّمات الحياة اليومية وتفاصيلها وحتى أبعد تلك المطالب وأوسعها كقبادة التحول السياسي من الدكتاتورية إلى الديموقراطية ما كان سببا لكون طريق الشعب أول صحيفة تصدر وتتداولها الأيدي بعد الإطاحة بالطاغية مباشرة...

     إنَّ من يحتفل اليوم بعيد الصحافة الشيوعية العراقية ليس الصحفيون العراقيون وحدهم بل يحتفي بهم كل أبناء عراق الحضارة والسلم والديموقراطية الذين يستذكرون بفخر واعتزاز مسيرة نضالية حافلة وسجل تاريخيا للصحافة الشيوعية مؤكدين تلك الرصانة والموضوعية ممثلة في تجربة ثرّة غنية لمسيرة تلك الصحف النجوم اللوامع في حياتنا العراقية.. ويسجل المحتفون بالعيد الصحفي الأبرز سمات تنوع الأصوات الوطنية المعبَّر عنها في تلك عيد صحافة اليسار الديموقراطية على اختلاف المشارب من أقصى اليسار إلى أعماق الاتجاهات السياسية والفكرية الأخرى..

وهم إذ يتذكرون بكلّ إجلال قرابين الصحافة الشيوعية الذين ارتفعوا بمطالب الشعب شهداء خالدين في قلوب جماهيرهم  يرون في كوكبة الشهداء وحاملي قلم الحق ونبراسه اليوم، يرون فيهم المنار الهادي للجيل الجديد وهو يواصل مسيرة العطاء عاقدا العزم على الوفاء الأكيد لمبادئ صحافة حرة نزيهة مدافعة عن قيم الشعب ومبادئه...

اليوم يقرأ العراقي الكلمة التي تعني اسمه وتعني مطالبه وتعني تطلعاته وتعني حاضره ومستقبله وهو يتابع بشغف تجاريب سبعة عقود من الكفاح والتفاني في خدمة الشعب والوطن حيث تورق سنديانة الصحافة الشيوعية العراقية في زمن العواصف وتثمر في زمن العقم وتقاوم كل محاولات قوى الإرهاب في التعتيم وفي إشاعة الظلمة والتضليل الجاري بأموال طائلة وراء  (ما يسمونه صحفا) المصنوع المزيف الذي يحاول إغراق الكلمة الحق معبر عنها في الصحيفة الجماهيرية طريق الشعب.

ولكن هيهات من تضليل شعب عاش جيلا بعد آخر على صلة وطيدة مباشرة مع هذه الصحف الشعبية والشعب هو من يؤكد مصداقية ذاته ويُعلي شأن أبنائه المكافحين في طريق الحقيقة التي لا حياد عنها إلا بتحقيق كل تطلعات جمهور شعبنا العراقي وهو يصبها في صحيفته الأولى نجمة الجبل والسهل إنَّها طريق الشعب.. الجريدة التي لا تتوقف عن قراءة خططها الصحفية في ضوء أصوات الناس  ومطالبهم وهي التي لا تتوقف عن مواصلة طريق الدراسة العلمية المتخصصة التي تهضم كل التجاريب العالمية الإنسانية لتضعها في خدمة تجربة طريق الشعب وكل الصحف الشيوعية العراقية ولتقدم بأفضل الصيغ الإعلامية وأرقى مستويات تجاريبها وتقنياتها كلمة الحق تامة كاملة واضحة مجلجلة تهدر بصوت البسطاء المحرومين محققة مطلب التعبير الحر بعيدا عن التزييف والتضليل والدجل.. وهنا فقط يجد القارئ نفسه حيث يعود ليقرأ أصابيح الحياة العراقية الأصيلة...

وبثقة عالية سيلتقي القارئ اليوم بكل حفاوة وتكريمِ بيوم الصحافة وعيدها وستقول الجريدة أنها وزعت اليوم بلا مرتجعات وأنَّ طلبا أكبر على نسختها وأن أصواتا جديدة تكتب فيها ودماء حية وقلوبا نابضة تنشد بأغانيها من جديد ولا يرى الناس أبا جريدة إلا في مَن يوزع طريق الشعب ويسير على هدى ضيائها مع فجر جديد وفكر جديد وثقافة جديدة في عراق جديد عراق تعددي تداولي متنوع الأطياف ديموقراطي فديرالي موحد يجمع الجبل والسهل في أخوّة أزلية أبدية تحيا بالمحبة والوئام والسلام.. [/b] [/size] [/font]

 

213
بعض مثالب إعلامنا ووضعنا الراهن وتشوهاتهما؟
[/size]


الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان


2006/07/28

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

 

كثيرة هي الجرائم المرتكبة بحق العراقيين اليوم، وكثيرة أنواعها وأهدافها، مثلما هي كثيرة الجهات والأسباب التي تقف وراء كثرة الجرائم المتفشية اليوم في بلاد الحضارة والسلم والخيرات. إنَّها حالة من الانفلات الأمني التي خرجت عن السيطرة، لأسباب منها الرئيس ومنها الثانوي؛ وما ينبغي على القوى الوطنية الديموقراطية التي تتصدى للوضع اليوم هو اتخاذ القرارات الحاسمة والعاجلة في تشخيص دقيق للوضع وأولويات أو أسبقيات العمل لمعالجته الجذرية..

ولأنَّ الإعلام هو واحد من أبرز مرجعيات تشكيل الرأي العام وتوجيهه، فإنَّه تقع على من يكتب فيه ويرسل رؤاه وتحليلاته عبره أنْ يتحرى الدقة والموضوعية وأنْ يلتزم الروح الوطني لا التقسيمي المرضي الطائفي منه والإرهابي فكلاهما دليل للتطرف والتشدد ومن ثمَّ لتوليد أرضية خصبة لأمراض تستبيح العراقيين وتستهتر في استلابهم واسترخاص حيواتهم وحقوقهم كافة...

إنَّ ظاهرة تعمّق حريات التعبير وتوسع الإمكانات المتاحة لها أمر رائع ومفيد.. ونحن نجد فيما نقرأه اليوم ضمن ظاهرة عامة حالة اتساع كمِّ الأصوات أو عددها من تلك (الأصوات) التي تعبر عن رؤاها وتصوراتها عبر الفضائيات وعبر شبكة الإنترنت وأجهزة الإعلام الأخرى.. غير أنَّ المشكل في مثل هذه الظاهرة لا يكمن في التوسع الإيجابي للتعبير عن الرأي ولكن يكمن في  تحزب المؤسسات الإعلامية ومؤسسات البحث والاستقصاء للرأي حتى أنّ أية فضائية معينة لا تترك إلا مساحة جد ضئيلة للصوت الآخر ليظهر عبرها وفوق ذلك فهي تضع هذه المساحة بطريقة مجيَّرة تماما لخدمة الخطة العامة [المتحزبة المرضية] لتصوراتها..

فهناك مراكز دراسات وإحصاء تورد أرقاما ونسبا إحصائية تؤكد توجها بعينه وترفض تقديم أية رؤية يمكن أنْ تناقض الخط العام لمسيرة الأمور وسطوة جهات بعينها على المشهد السياسي بوساطة العصا والجزرة وحال اختلال التوازنات في الحياة  العامة لصالح وضع مقصود بعينه.. والحال هنا يدفع لعدم الثقة في كبريات المراكز مثلما يرفض العاقل الرشيد القبول بتلك المؤسسات الهامشية مدفوعة الأجر في ما تقدمه مصنوعا لخدمة طبخة سياسية أو اجتماعية أو [علمية].. ولا نستثني من ذلك حالة نتائج انتخابات تجري تحت سلطة أو توجيه قوى العنف وميليشيات ومافيات ايا كان لونها...

 

وبالتركيز على بعض مثالب الجهاز الإعلامي ومنه المواقع الألكترونية نجد أنَّ حال التسابق من أجل التنويع بالأسماء قد جاء بخلط الحابل بالنابل على جمهور لم يسبق له التعرف لعلمائه ومفكريه وهو لأول مرة وفي ظل الانفتاح غير المحدود وغير المشروط بأسس موضوعية، يجري طمس الأَعلام المتخصصة بين فيض من الكتابات العادية والأصوات المبتدئة حتى لايعرف المرء أين يتجه ولمن؛ ما يؤدي لمحاصرة الأقلام المميزة الخبيرة بهذه الطريقة في عرض الدراسات تلك..

ومن يقرأ لمفكر أو متخصص يتابع بُعيد ذلك مباشرة بقراءة أصوات الرطانة التي تردد عبارات كبيرة وتستند إلى مصادر كتلك التي أشرنا إليها ولإحصاءاتها المفبركة للتو؛ ما يشوِّش على القارئ ويدفع به بالمحصلة النهائية للوقوع أسير التوجه المرضي العام.. بخاصة في ظل حالة التسطيح والاستلاب الفكري بلغة تصعيد خطاب المشاعر والانفعالات والمصالح الفئوية الضيقة وكأنها هي المقدَّمَة لكنها في حقيقة الأمر مغيَّبة تماما وبعيدة عن أبسط تلبية.. سوى بفرقعة الكلام وطغيان الوعود الكاذبة الدعية,, وتبرير عدم التنفيذ بعد ذلك جاهز وبارز للعيان..

لقد سبق لي ولعديد غيري أن اقترحنا تنقية المواقع من خلط الأوراق ومن تقديم القراءات بتلك الطريقة التي تشوِّش على الرأي العام.. وأن نتوقف فيما يجب التوقف عنه عن السماح للغة مرضية تخدم الروح الطائفي والإرهابي من المرور المتخفي المبيَّت المخططات والمعلن المبرَّر بأخطاء الآخر من دون خجل أو وجل من ظهور المسحة الطائفية على أساس الاكتفاء بالتبرير ولغة العين بالعين وأن خطأ [الآخر] يبرّر أنْ أمضي بما ينبغي ألا أفعله... وقد يجد الطائفي والإرهابي أسبابا يبحث لها عن الخلفية [الموضوعية] من مثل الحديث عن المظلومية التاريخية لفريق أو فئة أو عن أية ذرائع أخرى يتم إسقاط السببية الموضوعية عليها فيما هي لا تعدو عن تذرّع وإيهام وتضليل!

إنَّ ممّا يلزم البحث فيه هو لغة الإعلام لأنها بقصد أو بغير قصد تدفع باتجاه غير مرغوب فيه.. ولنأخذ هنا تلك اللغة غير المقصود من ورائها العبث الطائفي. وخلل اللغة الإعلامية (لغة التعبير عن رأي أو عن شعور أو موقف بعينه) يكمن في سذاجة كاتب وكونه مجرد مبتدئ في كتابة مادة يخط لأول مرة نصّاَ َ رغبة في مراهقة سياسية أو حبا في ظهور شخصي لأسباب يعرفها علماء النفس..

وإلى جانب هذه الحقيقة فإنّنا نشهد اليوم خللا معجميا فاضحا بسبب من تخلف جيل كامل عن القراءة وعن توسيع الثروة المعجمية فنسقط بسببه لا في خلل استخدام المصطلح في غير موضعه بل حتى في خلل استخدام اللغة استخداما مشوها.. وهذا لا يعود لضعف القراءة لوحده بل أحيانا لتعددية أسلوبية ومعجمية في استخدام المفردة اللغوية ما يعطي إفراطا في مستويات متدنية لصحة الدلالة المستهدفة وهو تفريط في جوهر المشترك المعجمي حتى لمعنى المفردة وأبعد منه لمعنى الصياغة الصرفية والنحوية لعبارة أو أخرى..

إنَّ تخلـّف المعرفة اللغوية يقع في مستويات عديدة ينبغي لنا تداركها لا في المدرسة حسب بل في البيت والشارع والسوق ومؤسسات مجتمعنا المتعددة. ولعلنا إذا ما أجرينا فحصا شاملا لهذا المعطى الخطير فسنجد أننا في كارثة كوننا بلا لسان إنساني يفي تلبية تناول حاجاتنا القائمة؛ آملا هنا أنْ أذكِّر المشرفين على المدرسة على أقل تقدير أن يكون لديهم إحصاء لعدد المفردات التي يمتلكها التلميذ (الإنسان) من لغته في كل مرحلة دراسية فهل يوجد هذا في مدرستنا؟ وهل يعرف مشرفو اليوم هذه الحقيقة بمعنى الالتفات العملي إليها؟

أيها السادة المشكلة في أن من لا يقرأ يقع في مثل هذه الخطيئة وأنه عندما يكتب سيكتب بحدود لا معرفته وخبراته الساذجة حسب بل بمستوى محدودية ثروته المعجمية ما يجعله يأخذ من يمينه ويساره تلك العبارات النمطية المكرورة الشائعة فيضعها كيفما عنَّ له الأمر ونأتي نحن لنقرأ له ونمضي في عبثية مرضية شوهاء..

وباستمرار في ذكر أمور أخرى تدخل في التطبيل للمَرَضي في إعلامنا فيكمن مثلا في تركيز كاتب أو آخر على ما يعتقده هو الرئيس في مشكل العراق القائم.. كأن يرى الطائفية مرضا أخطر يصيب العراق ومستقبله أكثر من الأعمال الإرهابية من تفجيرات انتحارية وقد يرى من هؤلاء أن هذه التفجيرات هي جزئية مكمِّلة لمخططات الطائفيين وبدفع خفي منهم فيهاجمُ هو طائفيين يدَّعون دفاعا عن مظلومية الشيعة ويترك بتركيزه على هذه الرؤية فضح جرائم الإرهابيين من الفئة الأخرى؟!

إنَّ هذه الحالة تحتاج لتنبيه ولكن لا يجب عدّها أو وضعها في خانة الروح الطائفي طالما جاءت تهاجم الروح الطائفي ومسببيه وعلينا استثمارها مع كتابات أخرى مقابلة ترى أنَّ المشكلة الرئيسة في الإرهاب التكفيري الزاعم الانتماء لأهل السنّة حيث أنّ الاتجاهين يعملان وإنْ من جهة المظهر على إدانة جريمتين كبريين بحق العراقيين وتأكيدا لابد من ملاقاتهما مع بعضهما وتفعيلهما بصبِّ تأثيرهما في خدمة فضح الجرائم كافة وفي العمل على الانتهاء من الجريمتين في البلاد..

إنَّ العقل السياسي السديد والهادئ في نشاطه وحركته ينبغي أن يعرف بِمَ يبدأ؟ وما العمل في كل مرحلة بعينها وفي كل مكان محدد؟ وإلا فإنَّ خوض الحرب على عشرات أو مئات الجبهات يشتت الجهد ويضعفه بما يجعل الأزمة في اتساع والحل في تراجع. فكلما صارت الصورة أكثر ضبابية تعقدت الأزمة واستعصت أكثر على الحل والعلاج..

ومما يدور اليوم من ذاك الذي نراه في ينصبّ على محاولة إعلاء شأن لغة الروح الوطني ولكنه يقع في أزمة ردِّ الفعل السلبي بمهاجمته أي طرف يتعرض لخبر ويركز عليه ويهمّش خبرا آخر ما يجعل كاتبا أو طرفا يرى في المسألة روحا طائفية أو تغليبا لطائفة أو انتسابا إلى ثقافة زمن مهزوم كزمن الطاغية.. ويقع الكاتب في محظور روح الاتهام ولغته وهي لغة تفرّق وتشتت لا تجمع ولا تلاقي وهي تهدم لا تبني فما أحرى بنا أن نبلغ رشاد توظيف بعض الأخطاء حيث ينبغي التركيز على مهمة اللقاء الوطني في زمن يكاد يضيِّع الهوية ويغلِّب هوية طائفية تمزيقية تدميرية..

إنَّ مهمتنا الرئيسة اليوم تكمن في منع تداعياتِ ِ تهدِّد الهوية الوطنية والحضارية العراقية التي دامت آلاف السنين منتصرةَ َ ثقافةَ َ ووجوداَ َ إنسانيا على الرغم من الهزائم العسكرية التي مرت بهذه الأرض عبر غزوات وحروب مرت بشعوب وادي الرافدين التي ظلت موحدة في وجودها المؤسساتي الإنساني الحر التعددي المتفاعل الموحد في جوهره.. فيما ينبغي أنْ نبقى على وعي بكل تلك التفاصيل والخطايا والجرائم الأخرى بتحييد المعركة مع الثانوي حتى حين وتوظيف بعضها لمصلحة الهدف الرئيس الذي نضع عنب العراقيين في سلته العراقية البحتة...

وينبغي هنا أن تتوافق الأصوات الكبيرة لكي تكتب بتخطيط مسبق وتنسيق وتوحيد بما يمنح تلك الأصوات التي ينبغي لها أن تتزعم الموقف بقوة وتأثير فتخلق الرأي العام الذي يصنع الحياة ويحاصر العنف والإرهاب ويمنع القوى المسلحة من الميليشيات والعصابات من التمادي في سرقتها أجواء الحياة العامة وتوجيهها توجيها مرضيا...

ولعلنا في معركتنا اليوم نؤكد أن خيارنا السلمي في عملية سياسية لا يعني أننا ضعفاء وواهمون حالمون بقدر ما يعني قوة دور الثقافي الحضاري لدينا ودوره في حسم معركنا السياسية باتجاه مشرق يؤكد استقرار الأوضاع على الرغم من بشاعة المشهد وهو ليس الأبشع في تاريخنا البعيد والقريب بعد حروب دموية ونكسات ومآس سبق للعراقيين أن مروا بها وانتصرت هويتهم الوطنية المعمَّدة بلغة الفكر والثقافة والحضارة والتمدن..

وسيبقى لنا وجودنا وهويتنا وقواسمنا الموحدة الغنية بتنوعها الثرية بتعدديتها العميقة الواسعة بأطيافها ومكوناتها العراقية الانتماء تاريخا وحاضرا ومستقبلا مشرقا سامقا بشموخ كيانه الباقي بحضارته... فلا ننسى ونحن نتحدث عن هذه الإشراقة أنها لا تدوم إلا بمجموع أطيافنا وألواننا وباحترام كامل تام لكل مكون لبلادنا كما كان ذلك عبر وجودنا ومجد تاريخنا الطويل..[/b]

214
بعض مثالب إعلامنا ووضعنا الراهن وتشوهاتهما؟
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2006/07/28

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

كثيرة هي الجرائم المرتكبة بحق العراقيين اليوم، وكثيرة أنواعها وأهدافها، مثلما هي كثيرة الجهات والأسباب التي تقف وراء كثرة الجرائم المتفشية اليوم في بلاد الحضارة والسلم والخيرات. إنَّها حالة من الانفلات الأمني التي خرجت عن السيطرة، لأسباب منها الرئيس ومنها الثانوي؛ وما ينبغي على القوى الوطنية الديموقراطية التي تتصدى للوضع اليوم هو اتخاذ القرارات الحاسمة والعاجلة في تشخيص دقيق للوضع وأولويات أو أسبقيات العمل لمعالجته الجذرية..

ولأنَّ الإعلام هو واحد من أبرز مرجعيات تشكيل الرأي العام وتوجيهه، فإنَّه تقع على من يكتب فيه ويرسل رؤاه وتحليلاته عبره أنْ يتحرى الدقة والموضوعية وأنْ يلتزم الروح الوطني لا التقسيمي المرضي الطائفي منه والإرهابي فكلاهما دليل للتطرف والتشدد ومن ثمَّ لتوليد أرضية خصبة لأمراض تستبيح العراقيين وتستهتر في استلابهم واسترخاص حيواتهم وحقوقهم كافة...

إنَّ ظاهرة تعمّق حريات التعبير وتوسع الإمكانات المتاحة لها أمر رائع ومفيد.. ونحن نجد فيما نقرأه اليوم ضمن ظاهرة عامة حالة اتساع كمِّ الأصوات أو عددها من تلك (الأصوات) التي تعبر عن رؤاها وتصوراتها عبر الفضائيات وعبر شبكة الإنترنت وأجهزة الإعلام الأخرى.. غير أنَّ المشكل في مثل هذه الظاهرة لا يكمن في التوسع الإيجابي للتعبير عن الرأي ولكن يكمن في  تحزب المؤسسات الإعلامية ومؤسسات البحث والاستقصاء للرأي حتى أنّ أية فضائية معينة لا تترك إلا مساحة جد ضئيلة للصوت الآخر ليظهر عبرها وفوق ذلك فهي تضع هذه المساحة بطريقة مجيَّرة تماما لخدمة الخطة العامة [المتحزبة المرضية] لتصوراتها..

فهناك مراكز دراسات وإحصاء تورد أرقاما ونسبا إحصائية تؤكد توجها بعينه وترفض تقديم أية رؤية يمكن أنْ تناقض الخط العام لمسيرة الأمور وسطوة جهات بعينها على المشهد السياسي بوساطة العصا والجزرة وحال اختلال التوازنات في الحياة  العامة لصالح وضع مقصود بعينه.. والحال هنا يدفع لعدم الثقة في كبريات المراكز مثلما يرفض العاقل الرشيد القبول بتلك المؤسسات الهامشية مدفوعة الأجر في ما تقدمه مصنوعا لخدمة طبخة سياسية أو اجتماعية أو [علمية].. ولا نستثني من ذلك حالة نتائج انتخابات تجري تحت سلطة أو توجيه قوى العنف وميليشيات ومافيات ايا كان لونها...

وبالتركيز على بعض مثالب الجهاز الإعلامي ومنه المواقع الألكترونية نجد أنَّ حال التسابق من أجل التنويع بالأسماء قد جاء بخلط الحابل بالنابل على جمهور لم يسبق له التعرف لعلمائه ومفكريه وهو لأول مرة وفي ظل الانفتاح غير المحدود وغير المشروط بأسس موضوعية، يجري طمس الأَعلام المتخصصة بين فيض من الكتابات العادية والأصوات المبتدئة حتى لايعرف المرء أين يتجه ولمن؛ ما يؤدي لمحاصرة الأقلام المميزة الخبيرة بهذه الطريقة في عرض الدراسات تلك..

ومن يقرأ لمفكر أو متخصص يتابع بُعيد ذلك مباشرة بقراءة أصوات الرطانة التي تردد عبارات كبيرة وتستند إلى مصادر كتلك التي أشرنا إليها ولإحصاءاتها المفبركة للتو؛ ما يشوِّش على القارئ ويدفع به بالمحصلة النهائية للوقوع أسير التوجه المرضي العام.. بخاصة في ظل حالة التسطيح والاستلاب الفكري بلغة تصعيد خطاب المشاعر والانفعالات والمصالح الفئوية الضيقة وكأنها هي المقدَّمَة لكنها في حقيقة الأمر مغيَّبة تماما وبعيدة عن أبسط تلبية.. سوى بفرقعة الكلام وطغيان الوعود الكاذبة الدعية,, وتبرير عدم التنفيذ بعد ذلك جاهز وبارز للعيان..

لقد سبق لي ولعديد غيري أن اقترحنا تنقية المواقع من خلط الأوراق ومن تقديم القراءات بتلك الطريقة التي تشوِّش على الرأي العام.. وأن نتوقف فيما يجب التوقف عنه عن السماح للغة مرضية تخدم الروح الطائفي والإرهابي من المرور المتخفي المبيَّت المخططات والمعلن المبرَّر بأخطاء الآخر من دون خجل أو وجل من ظهور المسحة الطائفية على أساس الاكتفاء بالتبرير ولغة العين بالعين وأن خطأ [الآخر] يبرّر أنْ أمضي بما ينبغي ألا أفعله... وقد يجد الطائفي والإرهابي أسبابا يبحث لها عن الخلفية [الموضوعية] من مثل الحديث عن المظلومية التاريخية لفريق أو فئة أو عن أية ذرائع أخرى يتم إسقاط السببية الموضوعية عليها فيما هي لا تعدو عن تذرّع وإيهام وتضليل!

إنَّ ممّا يلزم البحث فيه هو لغة الإعلام لأنها بقصد أو بغير قصد تدفع باتجاه غير مرغوب فيه.. ولنأخذ هنا تلك اللغة غير المقصود من ورائها العبث الطائفي. وخلل اللغة الإعلامية (لغة التعبير عن رأي أو عن شعور أو موقف بعينه) يكمن في سذاجة كاتب وكونه مجرد مبتدئ في كتابة مادة يخط لأول مرة نصّاَ َ رغبة في مراهقة سياسية أو حبا في ظهور شخصي لأسباب يعرفها علماء النفس..

وإلى جانب هذه الحقيقة فإنّنا نشهد اليوم خللا معجميا فاضحا بسبب من تخلف جيل كامل عن القراءة وعن توسيع الثروة المعجمية فنسقط بسببه لا في خلل استخدام المصطلح في غير موضعه بل حتى في خلل استخدام اللغة استخداما مشوها.. وهذا لا يعود لضعف القراءة لوحده بل أحيانا لتعددية أسلوبية ومعجمية في استخدام المفردة اللغوية ما يعطي إفراطا في مستويات متدنية لصحة الدلالة المستهدفة وهو تفريط في جوهر المشترك المعجمي حتى لمعنى المفردة وأبعد منه لمعنى الصياغة الصرفية والنحوية لعبارة أو أخرى..

إنَّ تخلـّف المعرفة اللغوية يقع في مستويات عديدة ينبغي لنا تداركها لا في المدرسة حسب بل في البيت والشارع والسوق ومؤسسات مجتمعنا المتعددة. ولعلنا إذا ما أجرينا فحصا شاملا لهذا المعطى الخطير فسنجد أننا في كارثة كوننا بلا لسان إنساني يفي تلبية تناول حاجاتنا القائمة؛ آملا هنا أنْ أذكِّر المشرفين على المدرسة على أقل تقدير أن يكون لديهم إحصاء لعدد المفردات التي يمتلكها التلميذ (الإنسان) من لغته في كل مرحلة دراسية فهل يوجد هذا في مدرستنا؟ وهل يعرف مشرفو اليوم هذه الحقيقة بمعنى الالتفات العملي إليها؟

أيها السادة المشكلة في أن من لا يقرأ يقع في مثل هذه الخطيئة وأنه عندما يكتب سيكتب بحدود لا معرفته وخبراته الساذجة حسب بل بمستوى محدودية ثروته المعجمية ما يجعله يأخذ من يمينه ويساره تلك العبارات النمطية المكرورة الشائعة فيضعها كيفما عنَّ له الأمر ونأتي نحن لنقرأ له ونمضي في عبثية مرضية شوهاء..

وباستمرار في ذكر أمور أخرى تدخل في التطبيل للمَرَضي في إعلامنا فيكمن مثلا في تركيز كاتب أو آخر على ما يعتقده هو الرئيس في مشكل العراق القائم.. كأن يرى الطائفية مرضا أخطر يصيب العراق ومستقبله أكثر من الأعمال الإرهابية من تفجيرات انتحارية وقد يرى من هؤلاء أن هذه التفجيرات هي جزئية مكمِّلة لمخططات الطائفيين وبدفع خفي منهم فيهاجمُ هو طائفيين يدَّعون دفاعا عن مظلومية الشيعة ويترك بتركيزه على هذه الرؤية فضح جرائم الإرهابيين من الفئة الأخرى؟!

إنَّ هذه الحالة تحتاج لتنبيه ولكن لا يجب عدّها أو وضعها في خانة الروح الطائفي طالما جاءت تهاجم الروح الطائفي ومسببيه وعلينا استثمارها مع كتابات أخرى مقابلة ترى أنَّ المشكلة الرئيسة في الإرهاب التكفيري الزاعم الانتماء لأهل السنّة حيث أنّ الاتجاهين يعملان وإنْ من جهة المظهر على إدانة جريمتين كبريين بحق العراقيين وتأكيدا لابد من ملاقاتهما مع بعضهما وتفعيلهما بصبِّ تأثيرهما في خدمة فضح الجرائم كافة وفي العمل على الانتهاء من الجريمتين في البلاد..

إنَّ العقل السياسي السديد والهادئ في نشاطه وحركته ينبغي أن يعرف بِمَ يبدأ؟ وما العمل في كل مرحلة بعينها وفي كل مكان محدد؟ وإلا فإنَّ خوض الحرب على عشرات أو مئات الجبهات يشتت الجهد ويضعفه بما يجعل الأزمة في اتساع والحل في تراجع. فكلما صارت الصورة أكثر ضبابية تعقدت الأزمة واستعصت أكثر على الحل والعلاج..

ومما يدور اليوم من ذاك الذي نراه في ينصبّ على محاولة إعلاء شأن لغة الروح الوطني ولكنه يقع في أزمة ردِّ الفعل السلبي بمهاجمته أي طرف يتعرض لخبر ويركز عليه ويهمّش خبرا آخر ما يجعل كاتبا أو طرفا يرى في المسألة روحا طائفية أو تغليبا لطائفة أو انتسابا إلى ثقافة زمن مهزوم كزمن الطاغية.. ويقع الكاتب في محظور روح الاتهام ولغته وهي لغة تفرّق وتشتت لا تجمع ولا تلاقي وهي تهدم لا تبني فما أحرى بنا أن نبلغ رشاد توظيف بعض الأخطاء حيث ينبغي التركيز على مهمة اللقاء الوطني في زمن يكاد يضيِّع الهوية ويغلِّب هوية طائفية تمزيقية تدميرية..

إنَّ مهمتنا الرئيسة اليوم تكمن في منع تداعياتِ ِ تهدِّد الهوية الوطنية والحضارية العراقية التي دامت آلاف السنين منتصرةَ َ ثقافةَ َ ووجوداَ َ إنسانيا على الرغم من الهزائم العسكرية التي مرت بهذه الأرض عبر غزوات وحروب مرت بشعوب وادي الرافدين التي ظلت موحدة في وجودها المؤسساتي الإنساني الحر التعددي المتفاعل الموحد في جوهره.. فيما ينبغي أنْ نبقى على وعي بكل تلك التفاصيل والخطايا والجرائم الأخرى بتحييد المعركة مع الثانوي حتى حين وتوظيف بعضها لمصلحة الهدف الرئيس الذي نضع عنب العراقيين في سلته العراقية البحتة...

وينبغي هنا أن تتوافق الأصوات الكبيرة لكي تكتب بتخطيط مسبق وتنسيق وتوحيد بما يمنح تلك الأصوات التي ينبغي لها أن تتزعم الموقف بقوة وتأثير فتخلق الرأي العام الذي يصنع الحياة ويحاصر العنف والإرهاب ويمنع القوى المسلحة من الميليشيات والعصابات من التمادي في سرقتها أجواء الحياة العامة وتوجيهها توجيها مرضيا...

ولعلنا في معركتنا اليوم نؤكد أن خيارنا السلمي في عملية سياسية لا يعني أننا ضعفاء وواهمون حالمون بقدر ما يعني قوة دور الثقافي الحضاري لدينا ودوره في حسم معركنا السياسية باتجاه مشرق يؤكد استقرار الأوضاع على الرغم من بشاعة المشهد وهو ليس الأبشع في تاريخنا البعيد والقريب بعد حروب دموية ونكسات ومآس سبق للعراقيين أن مروا بها وانتصرت هويتهم الوطنية المعمَّدة بلغة الفكر والثقافة والحضارة والتمدن..

وسيبقى لنا وجودنا وهويتنا وقواسمنا الموحدة الغنية بتنوعها الثرية بتعدديتها العميقة الواسعة بأطيافها ومكوناتها العراقية الانتماء تاريخا وحاضرا ومستقبلا مشرقا سامقا بشموخ كيانه الباقي بحضارته... فلا ننسى ونحن نتحدث عن هذه الإشراقة أنها لا تدوم إلا بمجموع أطيافنا وألواننا وباحترام كامل تام لكل مكون لبلادنا كما كان ذلك عبر وجودنا ومجد تاريخنا الطويل..[/b][/size][/font]

 


215
متى وكيف يُطلق سراحنا من قمقم
سطوة ذهنية العقدة وفسلفة الخشية من الاضطهاد القهري؟
[/color][/size]


   الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
           2006\  07 \ 03
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com 

مفهوم أن تسود أفكار بعينها في مرحلة بعينها أمر سبق أن أُشبِع بحثا.. فكل مرحلة بتشكيلتها الاقتصا – اجتماعية بكل توصيفات بنيتيها التحتية والفوقية تفرض سيادة طريقة تفكير تنسجم مع آليات العلاقات الخاضعة لقوانين التشكيلة والمرحلة التاريخية. وما خلـَّفه النظام القمعي السابق إلى جانب طبيعة المتغيرات في السنوات الثلاث المنصرمة هو تركيبة مشوَّهة من البنية الاقتصادية التي صعد فيها نجم نهَّازي الفرص وتجار الحروب والمواقف الطارئة بالتحديد سماسرة يسترخصون قيمة البشر وهم ينتشرون بمستويات اختراق أعلى مؤسسات ما يكوِّن الدولة اليوم  وأظهرت الأوضاع خلطة غريبة من العلاقات الاجتماعية من أنماط مختلف التشكيلات الاقطاعية وما قبل الرأسمالية تلك التي تحمل ثقافات مجتمعات زراعية وشبه صناعية  بكل ما في الأمر من تناقضات وصراعات وفقدان استقرار..
لقد سطا اليوم على الوضع العام حال من الارتباك السياسي  المُثار من جهات تفرض سطوتها المبرقعة بسلاحي القدسية الدينية الطائفية وبقوة الميليشيا المسلحة، ولقد طفا على السطح صوت بوق إعلامي خطير صار يؤذِّن ليل نهار في أسماع الناس بما يُعلن أمرا ويخفي آخر.. بالتأكيد استجابة لمصالح القوة التي سطت على الحياة العامة. إنَّ هذا الصوت المكرور يستهدف التعمية على ما يجري مواصلة لأطول وقت من الاستغلال وتضييعا لفرصة الكشف عن الحقيقة الراهنة... 
إنَّ ما تُرِك لنا من إرث على مختلف الصُعُد والمستويات أوجد لنا حال شيوع الجهل والتخلف والتشوهات الفكرية والسياسية، وأزمات في طبيعة الذهنية العامة وتهديدات وضغوط خطيرة للعقل الجمعي تجعله تحت حالة رُهاب من تجاريب الماضي القمعي الدموي.. وهنا يجري استغلال تلك التجاريب من جهة استدعاء المجازر الوحشية بحق الثورات الاجتماعية الإنسانية من أجل العدالة كما حصل عبر آلاف السنوات الشداد..
ولأن الذاكرة الشعبية لم تنسَ تلك الوقائع وهي لا تنسى بالتأكيد؛ ولأن الذاكرة الجمعية تحتفظ بالتجاريب، يجري اليوم توظيف استغلالي لتلك الآلية عبر استدعاء التجاريب التراجيدية المؤلمة لمزيد من تعميق حالة الرهاب والخشية والخوف من عودة تلك الآلام الجنونية.. ومن يمتلك مثل هذه المصلحة أيّ مصلحة خلق حال الرهاب الجنوني المرضي هو الذي يهمّه أنْ يحرّك أو يقف وراء تحريك أجواء الموت والدم...
ومن الطبيعي إبعادا للشبهات وتعميدا لخطة التعمية أنْ يكون هناك دوما بعبع العداء والعدو المستشرس الدموي، وأن يجري استغلال الأجواء والدفع بها باتجاه هذه الأوضاع القلقة غير المستقرة.. ومن هنا ينبغي التفكير بطريقة جدية ترتقي لمستوى يتصدى لحال الاختراق والسطو على الميدان السياسي العام وتتصدى لآلية سطوة الماكنة الإعلامية التي ظلت قرونا من الزمن تعزف على وتر تمزيق المجتمع الإنساني وإثارة لغة الحقد والضغينة ومن ثمَّ التحضير لثارات مفتعلة ليس لها من نتائج غير خدمة قوى الدم والموت والاستغلال..
فلقد قتل ابن آدم أخاه فترك فرصة لمن يفكر بلغة الثأر أن يمضي في مسلسل يخدم العنف والدم لا غير.. وشبيه هذا الأمر ذاته هو ما جرى من جرائم لاحقة فيأتي بعض الخبثاء ليصبوا الزيت في نار الفتن والاقتتال والتحارب كما كان في حرب داحس والغبراء التي أوقفتها الحكمة والعقلية السلمية في زمن غابر متخلف.. وأحرى بنا اليوم حقن الدماء ومنع التمزق ووقف التداعي والتوجه للاقتتال بقراءة تجاريب العقل والحمة والرشاد وليس العكس..
إنَّ بوق فضائيات دموع التماسيح هو ذاته بوق الأنظمة الاستغلالية وعصابات القتل ومافيات الجرائم والمتاجرة بحيوات البشر رخيصة... وهي تتكامل في فلسفتها مع ما يُسمى فضائيات النفخ في قربة الإرهاب ومسيرة الدم. أما مشكلتنا نحن أبناء الشعب المغلوب على أمره مع تلك الأصوات المنبعثة من أبواق فضائيات وصحف مطبوعة وأخرى إنترنيتية فتكمن في طبيعة المستهدفات؟
إنَّ مزيد التكرار والاجترار في بكائيات الحزن ولبس السواد وعزاءات لا تنتهي على مقتل بطل ضحة من أجل تثبيت الابتسامة والأفراح والتأسيس لمقدمات استقرار الحياة من أجل يعمّرها الإنسان ويبنيها كما أراد الرب وكما يريد الأخيار أن يبنوا الحياة صحيحة عقلانية فيما يريدها الأشرار كئيبة حزينة غير مستقرة منشغلة بالآلام والجراح بديلا عن الاستقرار والتفكير في البناء والعمار..
إنَّ فلسفة الكآبة والسكون وإخراس حناجر تصدح بتكبيرات العمل وإسكات الدعوات للبناء هي فلسفة غرس ثقافة الحقد والضغينة تلك التي تدعو للثأر من حفيد لم يسمع بما اقترفت يد جده التاسع عشر وليس له من اسم ذاك الجد ولا من فكره ولا من سلطته ودمه بل له من الاسم اسم آخر ومن الدم دم الخير والنقاء ومن الفكر فكر الخير ومن السياسة سياسة السلم ومن الإرادة إرادة الحياة والحب ولو بُعِث في زمن القاتل الذي يسمونه جده لوقف ضده ولتصدى له.. فهل هذا هو من نريد التربية على الثأر منه بعد مئات السنين؟!!
لقد تطهر دم الحفيد من دماء الحقد والاستهتار الذي كان قبل ألف وأربعمائة عام.. واستخدام مصطلحات ونحتها على شاكلة "بني أمية" و "أبي سفيان" ومسميات قبلية أخرى في ظل تشوهات العلاقات الاجتماعية ووجود بقايا من مخلفات مفتعلة للروح القبلي  هو أمر يدخل في لغة التربية على تمزيق المجتمع الإنساني وافتعال التشظي والتقسيم بطريقة تثير الأحقاد وفلسفتها وبدل حل العقد ومحوها يجري تثبيتها واختلاقها من جديد!
إنَّ  مواصلة النوم على وسادة تحتضن تحتها سكين الانتقام والصحو على بوق يكبِّر لأحاسيس الحقد والثأر لأمر يحتاج من باحثينا المخلصين، في مجالات علوم النفس والاجتماع والسياسة والفكر، لدراسات تتصدى لجريمة إشاعة حالات العيش بذهنية عقدة الاضطهاد والمظلومية الأزلية الأبدية..
لم يكتب الله لنا أن نحيا في عزاءات دائمة وحزن مستمر بل تؤكد الأديان على الانتهاء من الحزن سريعا والعودة للحياة والعمل والعيش في استقرار وفي مسيرة بناء ووسلم وخير وفرح.. فلماذا يؤكد من يسطون اليوم على الحياة العامة على نصب خيم العزاءات والأحزان ومنع رفع غير أعلام الألم والنواح والعويل وجلد الذات..
مَن من جيل اليوم شارك في قتل الحسين ليجلد ذاته؟ ومن من جيل اليوم شارك في التآمر عليه ليشعر بالخزي؟ وهل أراد الحسين لأحد من جيله أو من الأجيال اللاحقة أن يحيا حزينا متألما نادما؟ أم أنه استشهد من أجل أن يحيا الناس بالخير والسلم والمحبة؟ فلماذا نسمع لنعيق الغربان ونصم الآذان عن غناء البلابل وشدو الطبيعة؟ ولماذا نترك العمل والبناء والتربية على التآخي والتآلف والانسجام والتفاعل الإنساني البنّاء للنصرف إلى التربية الحقد والثأر؟ أليس الثأر مما حرّمه الدين المحمدي ورفضته الثورة الحسينية؟
هل يُحاسب قانون أو دين أو حكمة جماعة إنسانية أم الفرد على ما يرتكب وما يفعل؟ لماذا يريد [البعض] أن ينتقم  ويثأر ويُحاسب ويُحاكم أحفادا بعد 14 قرنا من الزمن؟ هل هذه الفلسفة صحيحة صائبة؟ وإذا كنّا نؤمن بدين يرفض ويحرم لغة الثأر والانتقام فكيف نربي بخلاف ذلك؟ ولنترك الصائب والخطأ لحين معالجة مصيبة فلسفة العقدة والعيش بها وبثافة المظلومية الأبدية.. فهل من الصحي وهل لعاقل أن يحيا بعقدة رهاب القلق من انبعاث قاتل مات من 14 قرنا؟
فإذا جرى الحديث عن قاتل جديد ولكل عصر [استغلالي] قتلته صرنا بعيدين عن لغة الرد الثأرية وصرنا إلى فلسفة علاج الحقد بالحب واسنبدال الضغينة والحرب بالسلم والتآخي.. فما بال السماع نصمها عن أنصار السلم  ونتركها مفتحوة على الآخر لدعاة الألم والحزن والاكتئاب والعزاءات؟؟
بالأمس واليوم وغدا يبقى الإنسان محبا لأخيه ولا جنة بلا ناس ولا خير بلا بشر يعملون ويفرحون ولا حياة بلا أفراح ففي قمة المأساة تزوج وعقد الفرح على الرغم من ألم اللحظة وفي قمة تراجيديا الحياة كان يبتسم أبطال الحرية ويسخرون من دعاة الحزن والألم وفي عمق الجراح كان التحدي الذي يطهرها ويشفيها فكان الفرح وكانت المسرات بلسم الحياة..
العراقي بالتحديد صاحب أغاني الحصاد حصاد خيراته التي جاءت بكده وعمله وصاحب حفلات الغناء والرقص القدسيين حيث معابده التي شادها بقوته وبفضل بنائه الشامخ الراسخ وبقدر مصاعب الحياة وهدمها لجهوده كان كل مرة يعيد البناء ويمضي فيه والعراقي صاحب الأفراح وأغانيها عبر العصور واليوم ما نحتاجه هو وعي بما مر بنا حيث كانوا يخفون أناشيد الفرح والحياة ويسمحون بأصوات الأنين والأحزان والبكائيات ويبثونها ليل نهار في مزيد من الإيغال بإشاعة فلسفة الحزن والكآبة  ووعينا الذي نريده اليوم هو وقف تلك الفلسفة وعقدة العيش بلغة القلق من الاضطهاد والمظلوميات لنحيا حياتنا الواحدة التي لا غيرها لنا فليس لنا إلا حياة واحدة واحدة فقط وواحدة لا غير توكيدا وليس لنا إلا أن نملأها خيرا وفرحا ومسرات وكفانا أحزانا وشجونا وآلاما وأنينا ولنشرع بامتلاك حيواتنا كما نريدها لا كما يخطط لها أعداء الحياة وأعداؤنا...
ولـْنـَنـْتـَهِ مصائب المظلوميات وفلسفة العقد والأحقاد والضغائن والثارات ومن ثمَّ افتعال التمزق والتشظي والاحتراب والاقتتال بين أخوة العائلة الواحدة متذكرين هنا أن العائلة العراقية الواحدة فيها من أصحاب الدين الواحد منَن يعتنق مذاهب مختلفة كأن تكون العائلة المسيحية الواحدة فيها من الكاثوليكي وغيره وفي العائلة المسلمة الواحدة في الشيعي وغيره فما مبرر نحت اصطلاحات التشاحن والاختلاف والتقاطع وتغذية أفكار الانتقام والثأر المحرمة أصلا في الديانات؟
ولماذا قبولنا بتسييرنا من أطراف العنف وتغذية مشاعر عقدة المظلومية الأزلية الأبدية ووساوس القهرية وأزماتها النفسية التي تعدّ وتحضِّر للتطاحن بين الأخوة؟؟!!!
الحل يكمن في واجب أن تسير كرنفالات الفرح في التحرر والانعتاق من نظام الاستغلال والقهر والاستلاب.. الحل يكمن في دراسات سياسية أكاديمية وعلمية نفسية واجتماعية تخص تلك المعضلات والبرامج التي تحملها الأحزاب السياسية ولنكن نحن المبادرين أعضاء تلك الحركات الوطنية والسياسية ومنها الديمية التوجه والطائفية لكي نراجع البرامج جميعا ونضع البدائل الصحية الصحيحة..
الحل أن يرتقي وعينا ونقول لأبنائنا نريد لكم العيش السلمي الآمن المطمئن ونريد لكم نزع الروح الانتقامي الدموي والتآخي ونريد لكم الحريات والحقوق الإنسانية كافة بلا تقليم ولا استلاب.. الحل أن تبدأ الشبيبة والطلبة والنساء والفتية والأطفال حملة عام كرنفال "السلم والحرية في العراق" ولتشترك في اللجنة التحضيرية لهذا الكرنفال كل الأطراف وللذي يرى أنه قادر على تحريك جمهور الشارع أن ينهض بمهمة التحشيد الجماهيري لأكبر لقاء شعبي اسمه"كرنفال السلم والحرية في العراق" وهو الكرنفال الذي يجب أن ينطلق بكل القوى موحدة بلا شعار ولا رداء ولا لافتة غير لافتة  السلم والحرية في العراق وغيرها لافتات الفرح والمسرة والاحتفال والاحتفاء بكل ما يعيد للعراقيين حقهم في الحياة الحرة الكريمة..
ولتجرِ في كل مدينة وفي كل مدرسة ومصنع وحقل وقرية ومحافظة وإقليم تمرينات أولية لذياك الكرنفال الذي ينتهي بأكبر احنفالية عالمية يقيمها العراقيون ضد الدم والإرهاب والعنف والضغينة والحقد والاختلاف، ليدخلوا بقرار شعبي سياسة جدية مسؤولة جديدة تفرض على كل الأحزاب والحركات والزعامات إرادة الشعب صاحب أول أغنية فرح أنشدتها الإنسانية في أول كرنفال إنساني للعمل والرزع والبناء ولحصاد ثمرات التعب والجهد المنتج خيرا ورفاها إنسانيا..
لكل عراقي الحق في كل أمر إنساني ولكن على كل عراقي واجب تجاه هذا الكرنفال الذي سنمحو فيه ما يفرضونه علينا من مآتم وأتراح وأحزان وعزاءات ومظالم فلننته من كل تلك الآلام ولنبدأ لأبنائنا رحلة حياة سعيدة جديدة بدل أن نترك لهم التخلف والألم والحزن.. فهل نحن فاعلون؟ أثق بأن إرادة الحياة أقوى وأبقى وستنبعث مشرقة بشمسها الساطعة محبة وسلما وعملا وبناء... وذلك بديلنا الذي نضعه في برامج اتحاد الطلبة واتحاد الشبيبة ورابطة المرأة وأحزاب الربيع والحياة في عراق المجد الحر وشعبه السعيد على الرغم من كل الخطوب......
 [/b]

216
حول مجلس الأمن الوطني؟؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
           2006\  06 \ 25
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com
 
اقترحنا في مرحلة سابقة مسألة تشكيل مجلس الأمن الوطني حلاَ َ موضوعيا مناسبا لأزمات عديدة مركبة، منها تجاوز إشكال توزيع المناصب والمسؤوليات وهي أعقد إشكالية فيما يتعلق بعدد من الأحزاب والفئات الطائفية الاتجاه؛ فيما الحقيقة تقول: إنَّ هذه الإشكالية هي أسهل إشكالية فيما يتعلق بمطالب الواقع وحاجاته المتعطشة لإجابة جدية مسؤولة تنقذ أرواح الأبرياء وتعالج أزمات الوضع المتردي...
وقد انتهينا، منذ مدة ثقيلة على المواطن قصيرة لصيادي الفرص ومنتهزيها، من أزمة التشكيل الوزاري التي مثلت أزمة رؤى ومصالح وبرامج، أغلبها مفردات سلبية ومخاطر تخص الأحزاب المسيطرة على الوضع بقوتين واحدة تعود لميليشيات وقوى مسلحة بالعنف والدم وأخرى مرتبطة بمخلفات التجهيل والمسخ الفكري والسياسي للعقل العراقي وهو ما تسبَّب في قطع الصلة بين القوى العراقية النبيلة وفئات الشعب العريضة لردح غير قصير من زمن الويلات وخلخل لغة التفاعلات المؤسساتية الديموقراطية وآفاق تحريكها الواقع الجديد...
إنَّ عديدا من المهام الخطيرة يجري التحاور بشأنها لاستكمال فرض تصورات القوى صاحبة النفوذ والسطوة؛ ولكنَّنا هنا نحاول تسليط الضوء على واحدة من تلك الشؤون ألا وهي مسألة استكمال تشكيل مجلس الأمن الوطني وتفعيل سلطته ومهامه.. ويعنينا هنا توكيد ما جاء في مقترحاتنا السابقة  المنسجمة مع مطالب الواقع وحاجاته وهي التي تأتي من منظور ابن الشارع البسيط المتأثر  بكل مفردات الأزمات التي تعصف به في ظل وضع الهاوية الذي نعيشه وليس حافتها!
ومرة أخرى نجد لغة اللعبة الانتخابية التي دخلناها من دون توفير شروطها الموضوعية لظروف معروفة، حيث مطالب كل فئة تدعو لمحاصصة أسّها الأعظم التقسيم الطائفي الذي يضع أبناء المجتمع العراقي في حال من التعارض والتشرذم بما يمهد لمخططات أبعد.. حيث يطفو على السطح بحث محموم عن تسلّم منصب الأمين العام لمجلس الأمن الوطني من هذه الفئة الطائفية أو تلك..
ينبغي قبل كل شيء أنْ نتفق على أنَّ جوهر العملية السياسية السلمية لا يمكن أن يمضي على أساس من هزالة وجود المؤسسة الحكومية وضعفها بخاصة في مجال وجوب ولزوم احتكار السلاح والقوة  من قبل الحكومة صاحبة السلطة والسيادة باسم الدستور والشعب؛ وألا يكون في الوطن أيّ شريك في مجالات الجيش الوطني الموحد والشرطة المحلية صاحبة السلطة والسيادة على الشارع العراقي باسم القانون والقضاء العراقيين.. كما سيكون لزاما ألا تتعدد مراكز القرار داخل المؤسسة الواحدة وألا نجد سلطات لقوى الاختراقات الأجنبية والمحلية بأي مسمى كان..
وهكذا سيكون أول مهام مجلس الأمن الوطني توحيد مركز القرار السياسي الأمني، بخلق آليات التنسيق بين وزارات الداخلية والدفاع والمخابرات الوطنية وبقية الجهات المختصة بما يعني خضوع تلك المؤسسات للمجلس سياسيا على الرغم من استقلاليتها تنفيذيا ووحدتها في إطار مجلس الوزراء وسياقات العمل فيه.. لكن مجلسا مسؤولا وجديا فاعلا لا يمكنه أن يقوم من دون هذه المهمة التأسيسية...
ولكي نؤكد حرصنا على تنفيذ هذه المهمة وعلى تفعيل دور مجلس الأمن الوطني وجب تحديد صلاحياته بوضوح لكي يسطيع أعضاؤه ورئاسته أداء المهام بدقة.. ومن هنا وجب أن نمضي نحو القول بأن مجلس الأمن الوطني سيكون العقل الستراتيجي العراقي الذي ينهض بوضع الخطط الأمنية وآليات وضعها على أرض الواقع..
وبصرف النظر عمَّن تقع سياسته في موضعِ ِ، بعضه يشكل مخاطر جدية كبيرة للوطن ولمجموع العراقيين، فإنَّ التركيز يقع اليوم على كسب التأييد الأوسع للرؤية الموضوعية التي يمكنها أن تبدأ رحلة الإنقاذ من أجل التوجه نحو مشروع إعادة إعمار الذات وبناء ما تهدَّم بل تعمير أرض السواد وإعادة وجهها المشرق حضارة روحية ومادية...
وفي مثل هذه المسيرة لا يوجد من يقف فوق القانون وفوق سلطته وسلطة مؤسسات المجتمع الأساسية فليس من مقدَّسِ ِ سيد مقابل شعب بفئاته ومواطنيه، تابع راكع بل الشعب كله هو السيد الذي يقرر عبر مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الحكومة التي تسير على وفق الدستور وقوانين تسنّها المؤسسات التشريعية وتضبط موازينها ومساراتها المؤسسات القضائية...
فإذا انتهينا هنا من تسجيل موجز لمحاور رئيسة تشكل أبرز مهام مجلس الأمن الوطني نجد أنه من المناسب التوكيد من جديد على أن تبقى تشكيلته غير مترهلة متسعة ويكفي أن يتأسس على أبرز قطاعات الحركة الوطنية وممثليها سياسيا وعلى مستشارين وخبراء متخصصين يساعدون في وضع الخطط العلمية السليمة  وعلى أن يكون رئيس الدولة رئيسا وأمينه العام من أكبر قائمة علمانية تلتزم توجها وطنيا غير منحاز لطائفة أو فكر طائفي أحادي انعزالي...
ذلك أنّ إشكالية الرئاسة والأمانة العامة تحدد إمكانات تطهير وزاراتنا من الاختراقات التي حلت بها حتى وصلت أعلى المؤسسة فيها.. وتمنع مواصلة توسيع قواعد الأصابع الأجنبية التي تغلغلت بعيدا حتى صارت تنفذ مهامها الإجرامية بحق أبناء شعبنا من مواقع رسمية عليا في الداخلية والدفاع..
هنا ستبدأ مسؤولية وطنية كبرى لمجلس الأمن الوطني بإعادة فرض إرادة القبضة القوية لدولة القانون واحترام حقوق الإنسان وأول أسس احترام حقوق العراقي الحفاظ على حياته وأمنه وتحقيق مطالبه... فهل سنلتفت إلى هذه الحقيقة؟ وهل سيكون لصوت الشعب العراقي دوره في رسم السياسات المنتظرة؟ وهل سيكون الاستحقاق الشعبي الصارخ فينا كفى دما وكفى استهتارا بمصيرنا؟
إنَّ الاستحقاق الأعلى وهو صاحب القدسية أن يحرم الدم العراقي المهدور وتعود القدسية للحرمات العراقية من حرمة البيت والمؤسسة الحكومية والمؤسسة التعليمية  والصحية والخدمية وبخلاصتها وموجزها حرمة العراقي وكل ما يخدم وجوده الآمن الحر الإنساني الكريم.. وهذا هو الاستحقاق الذي ينبني عليه اختيار رئيس مجلس الأمن الوطني بوصف مهمة هذا المجلس هي المهمة الوطنية الأولى بإجماع الصوت الشعبي.. فهل من يضع استحقاق بديلا للاستحقاق الشعبي؟!
لست أنتظر إجابة ولا أضع تحدِ ِ هنا إذ نأمل خيرا في مسارات العملية السياسية على الرغم من ظروف أوضاعنا الطارئة الشاذة.. ولن يسطيع اللاعبون في ظل غبار الأزمات ومطحنة العنف والدم أن يواصلوا ألاعيبهم التي تمادت في وضع العصي في دولاب تقدمنا قبل أن تنطلق حركة البناء بُعيد الانعتاق...
لنتلاحم ولنقف معا ولن يمنعنا الاختلاف فنحن من سيحيل التقاطع إلى تنوع وتعدد ديموقراطي في أفياء دولة المؤسسات الديموقراطية الفديرالية الموحدة... وإنّا لنمضي سويا وها نحن في إطارات تطوير باعنا وسلطتنا الشعبية في عمل مؤسسي مشروع يُنهي لغة العنف ويُلغي سطوة العصابات بإنهاء زمن اضمحلال سلطة الدولة وأيدينا في تكاتف ولو أخطأ بعضنا ولو كبونا مرة أو مرات وإنَّ غدا لناظره قريب..............................
 [/b]

217
الحقيقة والممكن والادعاء في الخطاب السياسي العراقي الراهن (2 )
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2006\  05 \ 30
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

أسئلتنا - هي أسئلة واقعنا - انصبَّت على مسؤولية من يقف وراء تفجر الأوضاع العراقية ومن يسطيع إعادة الأمل ومن نصدق خطابه وأين تكم الحققة من الادعاء وما الممكن المتاح لمعالجة الأوضاع؟ وقد قلنا إن المشكلة لم تكن مقتصرة على إزالة نظام الطاغية حسب مشيرين إلى أهمية العناية بمرحلة انتقالية منضبطة بسبب من عمق الشرخ الذي خلفه النظام التخريبي في أجواء مجتمعنا بكل المقاييس البشرية والمادية.. وإن الدليل على ما نقوله يكمن في طبيعة المشهد الذي لا يحتاج كثير عناء لتوصيفه بالانفلاشي بمعنى ما بعد المنفلت من الطوق والسيطرة إلى حد الخراب الشامل والوقوع في قعر الهاية!!

إنَّ مشكلة التغيير تكمن في الانقلاب السريع حيث جرى بتدخل قوات أجنبية لم تحسب الأمور بدقة بخاصة من جهة قراءة الوضع العراقي المخصوص ومطالبه وحاجاته. وكل ما قرأته انصبَّ على قدرات الدولة العظمى وقوات التحالف على السيطرة العسكرية وعلى دحر قوات الدكتاتور مع حياد حقيقي من جانب الشعب في المعركة التي جرت. أما الذي جرى إغفاله فكان كبيرا وجوهريا حتى أنه كاد يغرق المركب العراقي في تهلكة أبدية إنْ لم يغرقه بعدُ  بالفعل!

لقد جرى إغفال الحاجة  كبيرة الشأن والأهمية لمؤسسات الدولة ومنها تلك التي تهتم بالأمور الأمنية وتنفيذ سلطة القانون في دولة بالحجم السكاني للعراق وبالحجم الخطير لحالة فتح الحدود بلا أية حراسة لا جدية ولا عادية.. وقد يكون أمر حلّ الجيش العراقي قد جرى خطأ بغير قصد أو بسياسة مقصودة  مثلا بهدف جرّ العناصر الإرهابية إلى الميدان العراقي؛ ولكن النتيجة ظلت واحدة، خراب ومزيد من الدمار وتعقد الوضع وانفلاته من عقاله!

كما جرى إغفال القدرات الحقيقية للعناصر التي أطلقها الطاغية قبيل هزيمته مباشرة ودور العصابات المنظمة في تسميم الأجواء. هذا فضلا عن قدرات العناصر والمجموعات الإرهابية التي دخلت في ظل غطاء الانفلات الواسع للمنافذ الحدودية في ظل أوضاع خدمت حركتهم بطريقة أكثر من مثالية من جهات وجود الأسلحة والأعتدة التي تركها النظام المهزوم إلى جانب أموال طائلة لا يمكن إلا أنْ تكون ذهبت إلى جعب الإرهابيين السرقة...

أما الأمر الآخر الذي أشرنا إليه فيكمن في مخاطر الاختراقات الشاملة على جميع المستويات.. فالاختراق الأول مخابراتي الطبيعة والآخر عسكري عبر عاملي الميليشيا العراقية العائدة والمحمَّلة بأصابع الاختراق البعيد والعصابات المنظمة الموجهة مافيويا، إقليميا ودوليا.. ولم يعد لنا وزارة داخلية ودفاع بلا تأثيرات واضحة للقوى الإقليمية والدولية فيما تلعب بعض تلك الأجهزة بالكامل دورها في عمليات الاغتصاب والتقتيل والاختطاف والاغتيال والتخريب في أجوائنا المخربة أصلا! وتواصل الاختراقات مشهدها لتصل حدَّ التغييرات الديموغرافية بدفع عشرات ألوف بل مئات ألوف الإيرانيين حتى صار اللسان المتداول في بعض المناطق فارسيا وصارت العملة الإيرانية متداولة عاديا في بعض المحافظات بله في بعض أحياء بغداد العاصمة..

إنَّ المشكلة تتضاعف عندما نجد قوى عراقية بالتحديد إسلاموية التوجه تخضع بقياداتها وعديد من قواعدها ومن ثمَّ برامجها وخطابها السياسي تتحدث عن أولوية لمصالح دول إقليمية قبل أية مسؤوليات تجاه مصالح شعبنا وفئاته وأطيافه.. ومن هنا جاءت مخاطر تعميق الأزمة بلغة متخلفة للطائفية الممهورة بأصابع دول إقليمية تدعي سنيتها أوشيعيتها ودفاعها عن طائفة على حساب أخرى  عبر خطاب ديماغوجي من مثل الحديث ليل نهار عن مظلومية هذه الجهة أو تلك...

وهكذا جرى اختراق لا الوضع الديني المستقر الهادئ عبر قرون من الزمن بل الوضع الاجتماعي والسياسي الراهن وهزّه بعنف في قواعده ومن ثمَّ تهديد النسيج الاجتماعي ووضعه في حال من الاستفزاز والضائقة لدفعه إلى مزيد من التفجر بالعزل الطائفي حتى داخل المؤسسة العشائرية القبلية تحضيرا لأهداف لم تعد خافية..

ومن هنا فسيكون للعراقي أول أمره معالجة أمر الاختراقات التي صارت قواها لا تخشى التحدث بأعلى صوت وفي أعلى مستوى فهل غير سلطة القانون والدستور العراقي لحسم الأمر... وهل غير تطهير القوى والحركات السياسية من برامج القوى الإقليمية ومن العناصر التي تحرص على الاستماتة خدمة لأسياد خلف الحدود الوطنية... وهل غير ضبط عمل الأحزاب والحركات على وفق قانون وطني الهوية؟

إنَّ مَن يساعد على عملية التطهير هو إلزام تلك الحركات بآليات العمل الديموقراطي داخليا وبالخضوع للغة القانون من جهة إشراف القضاء الوطني.. إلى جانب تعزيز لغة العمل المؤسساتي وتحديد جدّي لأنشطة الأفراد وسلطاتهم.. وبطبيعة الأمر سيكون لآلية سلطة المؤسسة فوق سلطة الفرد وبخاصة سلطة مؤسسات المجتمع المدني الدور الأكثر فاعلية في تطبيع الوضع العام ومزيد من دفعه نحو الاستقرار.. فقوى الإرهاب والعنف والطائفية تدفع إلى إضعاف مؤسسات المجتمع المدني وتحللها وانهيارها التام المطلق فيما الرد لا يكون إلا بتقوية تلك الأجهزة والمؤسسات وتفعيل دورها...

إنَّ دمقرطة الحياة العراقية العامة لا تعني تفكيك العمل المؤسساتي ولا تتعارض مع تقوية سلطته بل تعني إشراك مزيد من الجمهور في تقرير المصير وتحديد التوجهات الصائبة لمسار الحكومة، السلطة الوحيدة بشرعية الدور الشعبي فيها.. وسيكون من مهام كل القوى السياسية الموجودة في الميدان والقوى الاجتماعية والمدنية وحتى منها تلك الفئوية والقبلية العشائرية لكي تحافظ على مصالح أبنائها في الإطار الوطني، أن تقف مع منطق تقوية الدولة ومؤسساتها ووضوح سلطتها وقوتها القانونية..

ومن هنا أيضا فنحن بحاجة لتوكيد عملية تثقيف وتوعية مسؤولة من قبل مجموع أجهزة الإعلام والثقافة والارتقاء بمهامهم وتوسيعها ودعمها في البرنامج الحكومي بقوة سواء بالدفاع عن المثقفين وحمايتهم وحراستهم من السهام الموجهة إليهم أم بدعم مشروعاتهم وتوفير الإمكانات الضرورية  واللازمة لتلك المشروعات والبرامج التي  تبدعها حركة الثقافة..

لدينا بدائل ستراتيجية يلزم الدفاع عنها:

1.                       معالجة إشكالية الميليشيات باعتماد المعالجة المناسبة على وفق منطق خصوصية إقليم كردستان وحركته القومية التحررية على أساس من رفض استمرار عمل البيشمركة بصفة ميليشيا والتحول بها إلى قوى نظامية لتعمل بشرط أن يجري تأهيلها بقيادة عسكرية وأمنية متخصصة ومهنية تنهض بالمهام والمسؤوليات المناطة بها على صعيد كردستان المحدد قانونا.. ويجري التعامل مع مجموع الميليشيات العراقية على الأساس القانوني الملزم للجميع بما يمنع عملها العسكري قطعا والتحول بها بتأهيلها للعمل في المجالات المدنية والعسكرية والأمنية بانتساب فردي لا يخضع إلى الارتباط الحزبي المسبق المشروط...

2.                          منع الأفكار والنزعات الطفولية في الخطاب السياسي واعتماد الدراسات البحثية والاستقصاءات الرسمية الحكومية المحايدة التي تنظر لمصالح العراق الديموقراطي الفديرالي الموحد لا العراق الطائفي المتشظي المجزَّأ وعليه يُحظر الدعاية لتفكيك الوطن ولتقسيمه على وفق منطق طائفي أو فئوي ضيق بالتحديد هنا الحديث في براقع وادعاءات فدرلة العراق في جنوبه ووسطه؟! على أنْ يعدّ هذا مسّاَ َ بالأمن الوطني وتُحال مشروعات الأحزاب والحركات بالخصوص إلى الجمعية الوطنية وهذه تشكل لها اللجان المتخصصة لدراستها وتقديم التصورات الموضوعية قبل التعرف لاستقصاء رأي المواطن بالخصوص..

3.                          معالجة سرقة الثروات الوطنية بكل أشكالها من النفط والمعادن إلى الآثار والأعمال الفكرية والثقافية مرورا بأية ركائز تتشكل منها الثروة الوطنية بمحاربة الفساد بخطة تساهم فيها الخبرات الدولية بشكل مباشر..

4.                 حل قضايا دستورية عالقة ومنها أيضا قضايا التعديلات المنتظرة في الدستور نفسه.. إلى جانب قضايا تفعيل المجالس البلدية وحل إشكالية المدن المشتركة بين الأقاليم العراقية حلا يستجيب لحالة التنوع من جهة وللحقائق التاريخية والراهنة التي تفرض الاستجابة لها موضوعيا وليس على وفق رؤى أو أهواء هذا الطرف أو ذاك..

5.     تحديد القوى الأجنبية الدخيلة ووقف أنشطتها قانونيا وتقليم أظفار الاختراقات الأمنية والمخابراتية وتلك التي تدفقت للإخلال بالتوازنات السكانية وفي مثل هذه الحالات لابد من الالتفات إلى مصالح العراقيين أولا مع مراعاة حقوق الإنسان بروح مسؤول..

6.      مساءلة الحكومة باستمرار بخصوص السياسات الخارجية المتبعة وطبيعة العلاقات مع المحيط الإقليمي والدولي ومساءلة كل فرد في أنشطته وتصرفاته ونتائج تنفيذه لبرنامج محدد... كما ينبغي تفعيل لجان النزاهة وتطوير عملها إلى جانب تفعيل لجان الرقابة وهيئاتها.. وهو الأمر الذي سيكون جزءا من فعاليات أشمل لتوضيب المسارات وتقويمها باستمرار..

7.       معالجة المشكلات الداخلية الاقتصادية منها والاجتماعية ومن ذلك مشكلات البطالة بتوفير فرص العمل المناسبة وتعديل ظروف القدرات الشرائية ووتوفير الحلول الفورية الناجعة لأزمات السكن والصحة والتعليم والخدمات العامة .

8.      عقد مؤتمر المصالحة الوطنية بلا استثناء إلا لقوى الجريمة والتقتيل وتلك الرافضة لمسار السلم والتسامح والتصالح الحقيقي القائم على العدل والإخاء والمساواة في وطن الحرية والوحدة والديموقراطية والتعددية والتداولية... على أن يتوافر من هذا المؤتمر قيادة وطنية مشتركة تتساوى فيها أصوات كل القوى المجتمعية للأطياف العراقية بخاصة منها قوى الديانات والقوميات القديمة التي درج المصطلح الظالم على تسميتها بالأقليات...

9.      وليس أخيرا أن تمتنع الأطراف كافة عن استغلال المناصب الحكومية والمسؤوليات الدستورية لتوجيه الدفة لمصالح حزبية ضيقة ومن ذلك  انتهاز الفرص في ليل أدلج لتمرير قرارات مصيرية وستراتيجية على حساب حاضر العراقيين ومستقبلهم. ولابد هنا من تأجيل القرارات المصيرية واتخاذها خارج المرحلة كونها مرحلة طوارئ وظروف استثنائية في جوهرها واللبيب يعرف من يسميها مرحلة العمل الدستوري الدائم والاستقرار السياسي وهي في حقيقتها مرحلة ملتهبة في هاوية جحيم العراقيين... وليس مناسبا أن تُتخَذ قرارات السلم في زمن الحرب وفي ظل الاحتلال الغربي منه والشرقي وفي ظل انفلات الأوضاع القانونية والدستورية وعدم وجود مؤسسات دولة حقا وصدقا فضلا عن إمكان تمرير الأمور المصيرية بطريقة المقايضات الطائفية والمصالح الضيقة بما لا يدخل في الحساب أية مصلحة وطنية...

 

إذن فنحن في تصوراتنا ورؤانا هذه إنما نقدم رؤية للمناقشة لمفكرينا وزعاماتنا السياسية والاجتماعية ليضعوا لمساتهم بالتحديد في طريق التسامح والمصالحة وإلغاء زمن الفرقة والاحتراب ومن يحاول تغذيته ومقترحنا على المواطن أن يواصل مشوار ليس لديه فيه خيار آخر بالتحديد مزيد من احترام سلطة القانون ودعم مؤسسات المجتمع المدني لأن طريقه هنا ليس بغير توكيد لغة التسامح من جهة ولغة القانون واحترامه من جهة أخرى وتلك هي مسيرتنا في ظرف معقد تماما..

ونليس ختاما لهذه الحلقة من سلسلة ما بين الحقيقة والادعاء أنْ نؤكد على أننا نحن الذين نعبر عن أنفسنا ومطامحنا وتطلعاتنا وليس أيا من الزعامات والمرجعيات لأن لغة الديموقراطية تعني أن نختار طريقنا ومسالكنا وليكن صوتنا مع كل يد تبني ومع كل صوت يعلو بنا ولنا في وطن حر سومريّ الجذور عراقي الهوية لا غريبها ولا أجنبيها.. ولنا عودة وحديث في الأمر...

يتبع[/b][/size][/font]


218
الحقيقة والممكن والادعاء
في الخطاب السياسي العراقي الراهن
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2006\  05 \ 28
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

مَنْ المسؤول عن كل هذا الهول من المشهد الدموي السائد في الحياة اليومية للعراقيين؟ ومَن القادر على إعادة الأمل في العودة للحياة الآمنة التي افتقدها العراقيون منذ عقود من الآلام والمشكلات؟ ومَن نصدِّق خطابه السياسي ووعوده ممَّن تسلَّم السلطة مذ سنوات ثلاث أسوأ من عجاف؟ أين الحقيقة وأين الادعاء وقناع إخفاء الكذب لجرائم يجري تمريرها؟ وما الممكن والمتاح وما وسائل العلاج الحقة في أوضاع اليوم عراقيا؟؟؟

الإجابة عن هذه الأسئلة لا يمكن أنْ تأتي في موجز حكائي فالتعقيدات القائمة اليوم هي نتيجة لعقود من الصراعات ومن الأحكام المريرة الاتي مسخت المسهد العراقي وحولته إلى هذه الأوضاع الكارثية ورهنته هناك في قعر الهاوية.. ومن سينتشل الوضع من هناك ليس قوة بعينها لوحدها ولا مخلِّص يحمل في كفيه إعجاز اسطوري لا وجود له! ونحن نعرف هنا أننا في الأمس كنّأ مقطوعين عن أهلنا في أيصال خطابنا إليهم، فما بالنا اليوم؟

الحقيقة أن المشكلة ليست في إزالة نظام الطاغية القمعي باسمه الصدامي البعثي فالمشكل في جوهره لا يكمن في فرد وحوشيته بل في طبيعة النظام الذي حكم وجوهر سياساته وآليات تسلطه... وفي حال إزالة اسم فقد يأتي بديل بل بدائل أسوأ. إذن التغيير يتطلب بديلا مختلفا نوعيا يكمن في نظام كامل من الآليات النقيضة.. حيث بديل الدكتاتورية والقمع ليس غير الديموقراطية وآلياتها جوهريا.

وهنا نتحدث عن الحريات الحقة ونظام عمل مؤسساتي في الحياة العامة يضمن الحقوق الإنسانية كافة.. كما أننا في الوقت الذي نتحدث عن الانعتاق من لغة الخطاب الشمولي وتسلطه الذي صادرنا بكل كينونتنا وتفاصيل آليات قمعه واستلابه لوجودنا العراقي الإنساني، ينبغي أن نتحدث في الوقت ذاته عن حريات حقيقية وانعتاق ميداني صحيح يوفر فرص الحياة الإنسانية الكريمة.. ولكن: هل حقا نحن نحيا مثل هذا الانعتاق؟

ما يجري يقول الآتي: هناك أوضاع (انفلاشية) بمعنى انفلات وهدم وتخريب ومحو لوجود واستئصال من الجذور. وأسبابه تكمن في سحق الدولة ومؤسساتها طوال العقود الأربعة الأخيرة واستكمال ذلك بوساطة أخطاء جوهرية في السنوات الثلاث الأخيرة وما يعمق تلك الكارثة يكمن في كون البديل يقوم اليوم على انعدام الثقة بين مجموع الأطراف العراقية واستخدامها ميليشيات وقوى مسلحة مخترقة تماما وبوضوح وفي أعلى هياكلها وبرامجها من قوى لا تكتفي بعدم وجود مصلحة عراقية صحيحة لها بل هي تتعارض وتتقاطع وتتناقض مع تلك المصالح العراقية الحقة...

وطبعا هذه أول القوى المؤثرة التي احتلت الميدان العراقي.. وتوصيفها يكمن في كونها قوى مسلحة مدربة على  ضرب أهدافها في سلطة عسكرية عاتية كسلطة نظام الطاغية المهزوم ولكنها ليست مدربة حقا على أن تكون قوى دفاع وطني وحرس وطني وبعض تلك القوى التي أعلنت وجودها لاحقا هي قوى مسلحة مافيوية وعصابات منظمة بأهداف لا تلتقي لا من قريب ولا من بعيد مع وجود استقرار أو مع مؤسسات دولة تحكم فهي قوى فوق الدولة..

القوى الأخرى التي دخلت منتهزة الظروف الانفلاشية (المنفلتة) هي بعض المهجرين من نظام الطاغية ولكن الذي عاد في ظل هذا السبب الموضوعي الصحيح هو قوى إقليمية مقصود من ورائها دفع أكبر حجم ممكن من التغييرات السكانية بالتحديد الفارسية لتشكل لاحقا واقع حال وأرضية خصبة يتم استغلالها لاطلاق مشروعات السلطة الإيرانية التي تعتقد أنها موجودة أبديا ونحن نحمل روحا مرحِّبا بكل إنسان يرى أن عيشه هنا في أرض الرافدين ولكننا في الوضع القائم لا نسطيع استقبال أحد في أجواء غير مستقرة وتسمح بضرب مصالح شعبنا ومن ثم تضرب استقرار المنطقة والعالم..

لقد دخلت هذه القوى وصارت تؤسس لمنطق وجودها بشراء المباني وبناء الدور والمؤسسات وتصفية وجود العراقيين في الكانتونات التي أقاموها بل أنهم توسعوا حتى احتلوا محافظات عراقية بالكامل في أبرز مصالح العمل الاقتصادية بالتحديد حيث لم يعد من معلم سياحي أو معمل أ مصنع أو حقل أو حتى مدرسة وجامعة إلا وصارت ملكا بأيديهم!!! وساهمت العناصر التي احتلت مؤسسات الدولة على دعم هذا التوجه حتى أن تلك (الأحزاب) باعت الجنسية العراقية لعشرات آلاف من القادمين بمقاصد بعيدة المدى.. 

إنَّ هذه الحقيقة هي التي تقودنا إلى كون الحل الحقيقي لا يمكن أن يكون إلا من خلال آلية تأسيس الدولة العراقية ومن خلال تنشيط عمل مؤسساتها النظيفة غير المخترقة.. وعلينا أن نتذكر أننا بحاجة لتعزيز الثقة بشعبنا بوصفه نسيجا متلاحما بخلاف السياسة الطائفية المفروضة قسرا علينا بقوة السياسة الدولية وأخطاء تصوراتها للحل وبقوة الميليشيات الداخلة إلينا من خلف الحدود وأحزابها الطائفية...

وعلينا أن نتذكر أن كل التغييرات التي تجري اليوم في ظل الاحتلال [المقنَّع] هي تغييرات محرمة في القوانين المحلية والدولية ويجب التوافق على أننا سنعود إليها غدا رسميا ونعيد التعامل معها على وفق ما يقوله شعبنا العراقي في استفتاءات مباشرة تخص الجنسية والهوية والملكية ملكية كل شبر عراقي يبتاعه الدخلاء ولن يكون لمثل هؤلاء من وجود في سماء العراق وأرضه يوم تستقر أوضاعنا حيث سيحاسب العراقيون كل من وضع يده في إثارة المشهد الدموي الراهن واعتراض مسيرتنا نحو عراق جديد تطلعنا إليه طويلا هو عراق التعددية الديموقراطي الفديرالي الموحد...

إذن نحن في مشهد دموي يحياه العراقي في الوطن ويحسه العراقي المهجري ونشترك فيه جميعا بكل آلامه وجراحه.. أما سبب الأمر فيبدأ من عقود التخريب لنظام الطاغية ولا ينتهي بسنوات الاحتلال بل يتصل ويمعن في الجريمة بوساطة أحزاب الطائفية وسياساتها التي تغطي بقناع خطابها وادعاءاتها تمثيل مصالح طائفة أو أخرى، تغطي على تدخلات وأصابع إقليمية مثلما تغذي بقوة ميليشياتها أوضاعا انفلاشية (تخريبية تدميرية دموية)...

لقد صار العراق في ظل الوضع الراهن مرتعا لأنشطة مخابرات أبعد الدول وأفقرها في عالمنا وليس الأمر حكرا على دول إقليمية أو كبرى بعيدة أو قريبة، نائية أو مجاورة! وصار العراقي لا يأمن على نفسه حتى في بيته! وهو يذهب إلى المعمل والجامعة واحتمال اغتياله أو اختطافه أو اغتصاب حق له واستلابه أكبر من أي يوم عاشه مرة في حياته الملأى بالمرارة والقسوة والعذابات...

لكن الحل لا يمكن أن يكون في بندقية أخرى تُضاف إلى ما هو موجود في الحياة اليومية بكل المتفجرات ولعلعة الرصاص إذ سيكون ذلك مساعدة جدية لمزيد من الفوضى في وقت نحن أحوج ما نكون إلى تكوين مؤسسات الدولة وتعميدها وتوطيد مسارات عملها.. لضبط الشارع العراقي وتعزيز الأمن وتمكين الإنسان من أمانه واستقرار يومياته.. وطبعا لابد من أن يكون الأمر معمدا بمخاض عسير ولكننا لابد من أن نواصل مسيرتنا بكل مصاعبها نحو العمل المؤسساتي بتطهير المؤسسات وبثقة بين أطراف العمل السياسي من باب التوافق والتسامح والمصالحة...

وأولا نصر جميعا على حل الميليشيات وإبعادها عن التأثير على الحياة العامة ومصادرة الرأي وحق التعبير فنحن لا نستطيع اليوم عقد اجتماع أو مظاهرة مهددة بميليشيا أو عصابة ولا يستطيع أستاذ أن يمارس مهامه حتى في توضيح مسألة رياضية أو فيزيائية بحتة من دون تعرض قوى ظلامية بائسة له ولا يستطيع امرؤ أن يلبس ما يريد أو يشرب دواء يحتاجه من دون تصريح من جاهل دعي يعتمر عمامة سوداء أوخضراء!!

وعلينا هنا أن نجرِّد الميادين كافة بلا استثناء ونزع أسلحة الناس بطريقة مرحلية حيث يجري توفير قوى أمنية لكل منطقة يبدأ إخلاؤها من السلاح بدءا من محاور من شمال العراق وجنوبه وشرقه.. وتكون الخطة أولا بضبط الحدود من قوات عراقية كافية تساندها قوت أجنبية دولية توافق على القيام بمهماتها كاملة تامة مع تعهد إقليمي من دول الجوار والدول الإقليمية بالمساعدة رسميا.. ويجري التحقيق في أي اختراق ويكون هناك عقوبات ملموسة معينة مسبقا لكل مسؤولية عن حالة الاختراق..

الخطوة التالية تكون بتوسيع قدرات الداخلية وتطهيرها من الاختراقات ومنع أي من قوى الأحزاب الموجودة وميليشياتها من الدخول لهذه القوة الوطنية للدولة العراقية ومؤسساتها.. وتـُمنح التدريبات والأسلحة الوافية والخطط المناسبة للبدء بحملة إخلاء البلاد من التسليح الفردي والجمعي حيث تبدأ عملية تنفيذ الخطة محافظة محافظة وناحية ناحية وكل منطقة يجري إخلاؤها يجري حمايتها بكثافة طارئة مع تسويرها بطوق أمني لحمايتها من الاختراق مجددا على أنْ تشدد العقوبات في تلك المناطق المحمية على كل من يثبت عودته لحمل السلاح لأي سبب كان... ويمكن الاستعانة بقوىولية بالخصوص تخضع لأمرة الخطط العراقية الخاصة بالدولة فقط.. ولا تخضع المؤسسة الحكومية في الدفاع والداخلية لأي سلطة للأحزاب القائمة...

ويجري مباشرة في كل ميدان يجري تطهيره البدء بمشروعات اقتصادية مهمة وتشغيل المرافق التعليمية والصحية والخدمية بكل طاقتها مع فتح الفرص لمشروعات لشركات أجنبية محمية أمنيا بالكامل ويكون التشغيل من أبناء المنطقة أولا ومن مناطق أخرى يدخلون في ظل حالة أمنية مخصوصة..

تسير هذه الخطى تدريجيا وباستمرار متسارع لمحاصرة أوكار الإرهاب والعنف الدمويين بكل مسمياتهما.. مع إعلان رسمي لكل أجنبي وغير عراقي بضرورة تسجيل سبب وجوده وطبيعة نشاطه وحركته وسكنه أو المغادرة الإلزامية الفورية.. وبالتأكيد يجري هذا مع احترام كامل للحق الرسمي في تأشير إقامة لكل صاحب حق فيها.. كما ينبغي التنبه للقادمين بغطاء التسلط الإيراني والدعم اللوجستي الكامل لهؤلاء من أطراف محلية وخارجية..

وينبغي هنا ألا نسجل اتهاما لحزب بعينه ولو حمل لغة الطائفية كما في الأحزاب والتيارات الدينية الطائفية ولا إلى جهات سجلت تكوين أحزابها مؤخرا غطاء لممارسات إقليمية أو دولية أو توجهات محلية ما.. ولكننا ينبغي أن نـُلزِم جميع هؤلاء بلغة الخطاب الرسمي الموحد المحمي دستوريا ولا طرف يعلو على القانون وسلطته..

وينبغي أن نتخلص من لغة هذا كان من حزب مهزوم وذاك من نظام قديم مأفون أو من قوى قادمة مع الوضع الجديد ونبدأ سياسة التسامح والتصالح بين العراقيين في ظل مسيرة بسط سلطة القانون.. وغدا بالتدريج يكون العراقيون هم الذين يقررون عبر استقرار مؤسسات دولتهم من يبقى ومن يُحظر ومن يُحاسب وكيف، وليس من الصائب أن نلجأ للغة الانتقام من متهم ركب مركب سياسة أو فلسفة لا نرضاها فنعودبهذي السياسة الانتقامية لنهيئ للوضع فرصة الدوران بنا إلى الخلف عبر لغة الانتقام والجريمة تلك فيما الصحيح أن نسير على وفق لغة مؤسساتية قانونية بديلة...

علينا وهذا مجرد مقترح للتداول والمناقشة أنْ نفرز بين الادعاء ولبس الأقنعة وبين الحقيقة التي يمثلها فرد أو مجموعة أو طرف! فمن العجب أن نمضي وراء دعيِّ ِ يتشدق بالدفاع عن مصالحنا أو مصالح طائفة ويتحدث عن مظلومية وهو لا يتقدم على ادعئه ذاك خطوة لمصلحة ولو فرد عراقي واحد حتى من الطائفة التي يدَّعي الدفاع عن مصالحها.. ولنلقِ بتلك الادعاءات جانبا ونستخدم لغة السلم والهدوء في التوجه لأهدافنا في تمكين مؤسسات دولة القانون من العمل..

ولنسحب ثقتنا واصواتنا الانتخابية من القوى الموجودة لنعيد حساباتنا نحو حل ولقعي لا يكون في الرحيل إلى سماء الأحلام والأوهام بل يحيا بيننا على أرض الواقع والحل الذي يحيا بنا ولنا يكمن فينا وفي أصواتنا ومواقفنا ولنعلن موقفا صريحا من أشكال الدعاية السياسية الرخيصة التي تفرض علينا تعبيرات طقسية من مزيد أحزان وآلام وتذكر لمظلوميات الدهر مذ سومر وحتى اليوم فيما أحزاننا ومآسينا اليومية منسية ولا من معبر عنها اليوم...

نحن من سيعبر عنها أنفسنا ومباشرة ولنتحدث بوضوح عن آمالنا وأحلامنا وتطلعاتنا وليكن صوتنا مع كل يد تبني وصوت يعلو بنا ولنا ومن أجل مطالبنا ومطالب أبنئانا وجيل ينمو في عراق جديد عراقي الهوية لا غريبها وأجنبيها.. ولنا عودة وحديث في الأمر...

يتبع[/b][/size][/font]

 

 


219
إلى الزعامات والقوى الوطنية والرئاسات العراقية الثلاث:
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2006\  05 \ 12
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

دَعْوَةٌ لِتفعيلِ مَسِيرةِ التّسَامُحِ والتّصَالحُِ وتَمْتِينِ الوَحْدَةِ الوَطَنِيَة
لنوقـِّع على حملة: "المشروع الوطني للتسامح والمصالحة العراقية"
لنُنـْشئ مكتب التنسيق للمشروع الوطني للتسامح والمصالحة العراقية

يكادُ العراقيون يصافحون خبرَ الانتهاءِ من تشكيلِ حكومتهم الدائمة ولو بولادة قيصرية متعسرة وبثغرات ليست خافية عن أحد من جهة طبيعة السِّجالات التي أنجبت تلك الحكومة.. كما يجد العراقيون اليوم فرصاَ َ تُتاح ومنافذ تتفتح بفعل أنشطة عدد من الشخصيات الوطنية المسؤولة في أعلى أجهزة الدولة وفي خارجها أيضا، وتجري في ضوء ذلك محاورات مع أطراف "عراقية" ما زالت ترفض الدخول في العملية السياسية حتى الآن...

كما تبدي قوى وطنية عديدة عبر برامجها وأنشطتها محاولات جادة من أجل إقناع أوسع الفئات بالمسيرة السلمية لتغيير الأوضاع إيجابيا بدلا من انحدارها في ما صار أبعد من الانفلات أو ما نحتنا له مصطلح "الانفلاش" بمعنى الانفلات غير المحدَّد مع عملية هدم واسعة وسحق مأساوي دامِ ِ..

لقد توسَّعت أرضيةُ تأييدِ العملية السلمية بالاستناد إلى تجاريبِ الواقع المُعاش وتداعياتِهِ.. فلقد صار المشهدُ الدموي، للاختطاف والاغتصاب والاغتيال والتقتيل الجماعي، أفظع مما تتناقله وكالات الأنباء؛ ما أدى إلى دفع (فضلا عن) أوسع جمهور، مجموعات عديدة جديدة إلى التفكير الجدي بحلول بديلة من نمط تفعيل مسار العملية السياسية والانخراط فيها من باب محاصرة دائرة العنف وقسوته الطاغية..

وصار بيِّنا واضحاَ َ أنَّه لابد من اتخاذ قرار قاطع يحسمُ المسار والوضع ويؤكد بدائل يمكنها أن تقطع الطريق على وقائع الأحداث المتردية ومن يقف وراءها.. ومن الطبيعي أنْ يكونَ البديلُ متمثلا في أعرض تحالفات تتسع قواعدها وعيونها لرصد تحركات القوى الدخيلة الأجنبية منها وبعض البؤر المحدودة التي قد تتبقى..

 

ولأنَّ المسيرة السلمية هذه بحاجة للدعم والمناصرة، سنضع آية موقفنا في الأمر وراية أنشطتنا  مشروعا وطنيا نسميه "المشروع الوطني للتسامح والمصالحة العراقية" لأنَّ أوضاعنا ما زالت في مرحلة الانطلاق والشروع والتأسيس لعراق جديد بحاجة لإعادة ترميم الذات من جراحها وتطهيرها من أدران زمن ثقيل ناء به الوضع العام فاحتاج إلى تحريك وتفعيل من مثقفيه ومفكريه وسياسييه.. ونضع بين أيدي عراقيينا حركات ومنظمات ووجودا شعبيا عريضا هذا المشروع للمضيّ به وبعراقنا نحو غد نتطلع إليه سويا..

إنَّ مسوّغ المشروع هو حاجتنا للعمل المشترك من جهة ولتوكيد هويتنا الوطنية الواحدة وجذورنا الحضارية من نَبـْعَي الفراتين؛ ولكي نؤكد اعترافنا اليوم بالآخر العراقي ونعلن مساواتنا جميعا بكل أطيافنا ومكوناتنا بلا منّة من طرف على آخر بل بممنونية روح عراقي ومصداقية توجه وحسن ثقة وطيب علاقة ووفاء عهد.. فقط من هذه السمات العراقية الأصيلة سيكون لنا أنْ نتقدم باتجاه الحل الحقيقي المؤمَّل فينا لا بغيرنا وكما هو مضمون الآية الكريمة "لا يغيِّر الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" أي أننا نبقى أنفسنا المسؤولين عمّا نريد وعن مساراتنا وتطوراتها ومجريات ما كان ويكون وسيكون لنا سويا بهويتنا العراقية الشامخة راية فوق قمة جبل وهي كذلك أم خرقة مهملة في قعر وادِ ِ سحيق وهو ما يسعى إليه أعداء العراق والعراقيين...

أما مقترحي في الأمر فيبدأ من تشكيل مكتب تنسيق تشترك فيه كل القوى العراقية بأطيافها الموجودة في البرلمان والحكومة أم خارجه والتي سارت في العملية السياسية أو بقيت حتى اللحظة خارجها.. لا شروط مسبقة إلا على من كان ركب أو يركب اليوم مركب الجريمة والتقتيل ومسارات العنف وهو ما تحكمه القوانين والأعراف "الوضعية" و "السماوية" وما يمكن فرزه بغير تعقيد من لغة الخطاب الخاص بمجموعة وجهة ما وبإجماع في الحكم والتشخيص لاستبعاد مثل تلك  الجهة أو المجموعة...

يكون هذا المكتب مدعوما من الحكومة وبإشراف الجمعية الوطنية ومتابعتها ولكنه بتوجيه مستقل من أعضائه وما يتوصلون إليه من مقررات.. وقد يقول قائل: إن المؤتمر الوطني المنشود موجود فلماذا مكتب التنسيق الوطني للتسامح والتصالح؟ ويكون الجواب كامنا في الجهة الرسمية التنفيذية التي تتابع شؤون تعضيد المؤتمر المعني وتفعيل خطواته لا يأتي إلا من خلال مثل هكذا مكتب مدعوم بآليات عملية تنفيذية وبإجراءات متصلة مستمرة لها ملموس إجراءاتها التطبيقية لخطابها ولفلسفتها ورؤاها ومشروعاتها..

ويمكن اقتراح  تركيبة للمكتب من عضوين أو ثلاثة أعضاء يمثلون كل مجموعة ولهم قوة تصويتية واحدة على أن يتم معادلة التركيبة بأعضاء من الشخصيات الوطنية والخبراء والمفكرين العراقيين المستقلين المشهود لهم بالنزاهة والمصداقية والخبرة وبالمتابعة في الشأن الوطني والارتباط بمصير العراقيين عبر تاريخهم الشخصي ومثل هؤلاء يعوَّل على وجودهم ليكونوا عامل تنشيط وتفعيل للحظات الجمود في الحوار ولحل التقاطعات واستشارتهم في مسائل عقدية بين الأطراف السياسية...

وهذا المجلس التمثيلي للعمل الوطني يؤدي أنشطته بجلسات دورية وبمتابعة عبر مكتب عمل مصغر مهمته اتصالية تنسيقية فيما المكتب العام لاتخاذ القرارات ورسم السياسات وتوجيه الاستشارات وتقديمها لمجموعات العمل من أجل إشاعة خطاب التصالح والتسامح.. على أن ينشط المكتب في عقد الملتقيات الوطنية والإقليمية والدولية المناسبة لحشد الدعم لمسار العملية السياسية وتبقى مهامه في الإطار الاستشاري ولكن المسموع صوته على أساس كونه المرجعية الوطنية البديلة للغة المحاصصة وخطابات التنافس والتسابق على توزيع العراق وخيراته ومكوناته الشعبية بطريقة مريضة...

إنّ عدم الالتفات إلى مشروعات إجرائية كهذه مما اقترحته الشخصيات الوطنية وحاولت رسم برامجه سيفوِّت علينا مزيدا من وقت ذهبي نفيس مهدور تذهب فيه سدى ضحايا بمزيد من القسوة والعنف الدموي والاستباحة لأبناء شعبنا وأهلنا.. فيما سيكون من الرشاد لسياسيينا وللجهات الوطنية ومنظماتها بكل تكوينات مجتمعنا المدني ومؤسساته أن يصغوا لرؤى مفكرينا الذين يعيشون في منافيهم ومهاجرهم ولكنهم يتنسمون هواء الوطن ويحيون في ظلال مصالح شعبه حرصا عليها وقلقا على استقرار أوضاع الأهل بمجموع مكوناتهم وأطيافهم بلا تمييز...

لقد سبق أن اقترحنا إلى جانب قوى وشخصيات وطنية أخرى تشكيل مجلس الأمن الوطني ومنحه الاستقلالية والسلطة الكافية لتسيير أمور مشتركة في شؤون الأمن وضبطه وقد باشرت الحكومة وقوى وطنية فيها للعمل على وفق جزئيات واسعة من المشروع.. وسنجد أمر تشكيل المجلس الاستشاري الوطني الموجود في مشروع سابق لنا بالخصوص أو مكتب التنسيق لشؤون التسامح والمصالحة المقترح هنا..

إذ سيكون مع مسار المؤتمر الوطني ومواصلة أعماله حاجة جدية لمكتب التنسيق المجاور لأنشطة الحكومة والجمعية الوطنية بوصفه مرجعية وطنية مشتركة لا تقوم على محاصصة ولا تقسيمات وتشطيرات أو تشظية وتتأسس على الكفاءة واستشارتها ما يؤكد رفض استبعاد كفاءاتنا وشخصياتنا الوطنية التي تتحسس هموم الوطن والناس عن كثب ولكنها اليوم تنتظر وسيلة تفعيل لدورها وليست هذه الوسيلة غير مكتب التنسيق الوطني هذا..

هل سنبدأ أم سنجد إضاعة لوقت ثمين آخر تاركين ضحايا جدد من أهلنا نخسرهم يوميا؟ هل سنتحدث سويا ونصغي لبعضنا بعضا أم نصم الآذان ويبقى حوار الطرشان سببا لمآسِ ِ جديدة أخرى؟ سنبدأ ولكن الإرادة تريد قرارا نافذا وعلى الفور.. يمكن للرئاسات الثلاث أن تتخذه أو تباشر به اليوم قبل الغد.. فلا ننتظرنَّ مزيدا من هدر جهود فمزيد من هدر دماء وحيوات بل لنكسب كل جهد ولنفعِّل أنشطتنا.. من جانبي شخصيا لدي مقترحاتي في شخصيات وطنية محددة وقائمة من مفكرينا بخبراتهم الغنية ولي متابعة في الأمر وتفاصيله الإجرائية..[/b][/size][/font]


220
إجراءات شعبية عراقية لمسيرة استقرار البلاد وتحقيق مصالح العباد
المهجريون مطالبون بمسيرات شموع لتنوير الدرب
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
22 2006/05/
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

تَعْمَلُ قيادات سياسية عراقية منذ ثلاث سنوات محاولة وجاهدة لوضع الخطط اللازمة واتخاذ الإجراءات الوافية لاستقرار الأوضاع في البلاد وتحقيق مصالح العباد؛ ولكن أغلب تلك الجهود لم تأتِ أُكُلها ولم تتقدم كثيرا بالخصوص بسبب من عديد من الثغرات والتعقيدات التي تجابه الأوضاع العراقية العامة.. وإذا كان من الصحيح ألا نفقد الثقة بعديد من أطراف الحركة الوطنية وأن نمضي في تعزيز تلك الثقة بين مجموع أطراف الحركات السياسية العراقية، فإنه من الصائب أيضا أن يكون للشعب كلمته ودوره المميز في معالجة الأوضاع...

والقصد في النهاية يكمن في كون الوضع العراقي وصل حدا من التشابك ما يستدعي توسيع قواعد العمل المشترك في الظرف الوطني المعقد.. حيث لا جهة منفردة بقادرة على حل التشابكات والتعقيدات المنفلتة تماما فضلا عن الاختراقات الخطيرة من جهات إقليمية وأخرى دولية..

إنَّ أي مجابهات مع بلاد وشعب كما يحصل في الحروب وفي الكوارث الكبرى تتطلب بدهيا تعاضد القوى والأطياف الوطنية عامة وتنحية بعض الصراعات الثانوية والهامشية جانبا لحين الانتهاء من تلك الكوارث ومآسيها ونتائجها.. وعراقنا اليوم يمر بتراجيديا مركبة معقدة تستبيح حيوات أبناء الوطن وكامل وجودهم ومصالحهم من دون استثناء فلا يجوز في ظل هذه الأوضاع التي تقدمت جراحها عميقا في الجسد العراقي أن يتم التغاضي عن هذه الحقيقة الدامية والبقاء في دائرة الخلافات الهامشية الضيقة من نمط مصالح قوى سياسية أو حزبية أو طائفية فئوية..

إنَّ الوضع يعلن عن نفسه مطالبا بإلحاح أكثر من أيّ وقت مضى وأبعد من أية أزمة سابقة بالتلاحم الوطني وبمزيد من سياسةِ ِ تحمِلُ لغةَ التعايش والتسامح وتوجّهِ المصالحة العراقية العراقية.. كما يطالبنا وضعنا المخصوص اليوم بتفعيل جهودنا في مؤسساتنا كافة من أحزاب وقوى بخاصة منها التي تعمل خارج الحكومة (بوصفها مؤسسات مجتمع مدني) لتكون أنشطتنا المدنية بمؤسسات عمل وطني عراقي يشدِّد على لغة الحوار السلمي والتفاعل المدني التكاملي لا الإتلافي البنائي لا الهدمي..

ومن الأمور المطلوبة هو تحديد وتركيز برامج الأحزاب السياسية عامة على مسألة لغة التسامح والمصالحة وما يجابهنا من كارثة وطنية شاملة تتطلب وحدتنا وتفاعلنا وتنحية تناحرات ثانوية أو هاشمية لحساب وجودنا الوطني العراق. كما ينبغي توجيه أبرز محاورنا للعمل المشترك وللتعاضد والتكاتف في تحمّل مسؤولية الحلول...

ولدينا نحن العراقيين تقويم للعام بمعنى الخير والعطاء والسلام والحياة وهو "العام" الذي يبدأ حسب لغة الحضارة السومرية، جذرنا التاريخي العريق وجذر فكرنا وثقافتنا الوطنية  بعمق منطقهما العقلي التنويري، العام الذي يبدأ بتموز الخير والنماء والولادة متمثلة بعودة ديموزي أو تموز للحياة وانطلاق ربيع حياته متحررا من سلطة الموت والجدب والسواد..

ولهذا أقترح أن نعلن عاما من التوجه لوحدتنا الوطنية ولهويتنا العراقية يبدأ من تموز العام الجاري وحتى تموز العام القابل عام السلام والأمن وانطلاق قطار العمل في بناء الوطن وإعادة إعمار الذات المخربة.. وليكن اسم العام بسبب من طبيعة الأزمة التي نمرّ بها "عام التسامح والمصالحة" بكل ما ينبغي أنْ يتضمنه من أنشطة وفعاليات..

ولينطلق الأمر، كما ورد في حوار لي مع صديق عزيز هو (الإعلامي الدكتور جواد المطوق)، لينطلق من أبعد منفى ومهجر لعراقي يحيا في الشتات ويبدأ السير بشمعة ليقف في السبت الأول أمام السفارة العراقية والسبت الثالث من الشهر في أبرز ميدان في المدن المهجرية وليتوسع الأمر ليوم مشترك في كل أنحاء العالم ندعو فيه العراقيين المهجريين ومعهم أصدقاؤهم من مختلف المهاجر لتكون مسيرات الشموع مسيرات سلمية للتسامح والتصالح وللعمل من أجل إقرار مسيرة السلام والأمن والأمان والشروع بإعادة الإعمار ولتفعيل انطلاق تلك المسيرات عراقيا...

ولتبدأ نسوة العراق ومنظماته وأطفال العراق بالمسيرات في اليوم المشترك كأن يكون هذا اليوم هو يوم منتصف تموز (14) الذي يمثل يوم الحصاد الأول في سومر التاريخية ويم الاحتفالات بثمار زرع الخير ونتاجه عليهم وعطائه لهم.. لنمضي في المقترح ونوسِّع دوائر العمل به ونضع له البرامج الكفيلة بتحقيقه وسنقبل من أجل ذلك كل الأيادي الممدودة الرسمية والشعبية لأن الأمر يتطلب جهود مشاركة حتى أطفالنا معنا فهل نفعل؟

لدينا نواتات العمل بهذا المشروع وسنبدأ ونحاول وعلى كل آخر عراقي أن يعي مسؤوليته ودوره في هذه المسيرات الوطنية المهمة.. التي ستغتني بمسمى اليوم العراقي في المهاجر ويوم الهوية العراقية في عام التسامح والمصالحة..

إلى الحكومة العراقية وإلى ممثلياتنا من سفارات وإلى منظمات وجمعيات وروابط في مهاجرنا المختلفة دعوة للدفع والعمل بالاتجاه والتنسيق مع البرلمان الثقافي العراقي في المهجر ورابطة بابل للكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين بوصفهما منطلق الاقتراح ولحين تشكيل لجنة التنسيق العراقية الكبرى بالخصوص مع لجان العمل في مكان مخصوص في العالم..

دعوة لشحن جهود الثاقفة الوطنية العراقية والمبدعين ليكون اليوم الوطني هو اليوم السومري العراقي منتصف تموز وهو يوم عراقي قديم لا اختلاف فيه ولا عليه وعسانا نضع للأمر أوزاره حيث أن مجموع القوى والحركات العراقية اتفقت بالأمس غير البعيد على أن الشمس السومرية هي شعارنا المتوافق عليه وليكن كذلك اليوم الوطني للتسامح والمصالحة.. للسلم والأمان .. وللعمل من أجل البناء وإعادة الإعمار شاملا كاملا العراقيين وعراقهم المجيد...[/b][/size][/font]

 

 

 

221
إلى الزعامات والقوى الوطنية والرئاسات العراقية الثلاث:
دَعْوَةٌ لِتفعيلِ مَسِيرةِ التّسَامُحِ والتّصَالحُِ وتَمْتِينِ الوَحْدَةِ الوَطَنِيَة
لنوقـِّع على حملة: "المشروع الوطني للتسامح والمصالحة العراقية"
لنُنـْشئ مكتب التنسيق للمشروع الوطني للتسامح والمصالحة العراقية
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2006\  05 \ 12
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

يكادُ العراقيون يصافحون خبرَ الانتهاءِ من تشكيلِ حكومتهم الدائمة ولو بولادة قيصرية متعسرة وبثغرات ليست خافية عن أحد من جهة طبيعة السِّجالات التي أنجبت تلك الحكومة.. كما يجد العراقيون اليوم فرصاَ َ تُتاح ومنافذ تتفتح بفعل أنشطة عدد من الشخصيات الوطنية المسؤولة في أعلى أجهزة الدولة وفي خارجها أيضا، وتجري في ضوء ذلك محاورات مع أطراف "عراقية" ما زالت ترفض الدخول في العملية السياسية حتى الآن...

كما تبدي قوى وطنية عديدة عبر برامجها وأنشطتها محاولات جادة من أجل إقناع أوسع الفئات بالمسيرة السلمية لتغيير الأوضاع إيجابيا بدلا من انحدارها في ما صار أبعد من الانفلات أو ما نحتنا له مصطلح "الانفلاش" بمعنى الانفلات غير المحدَّد مع عملية هدم واسعة وسحق مأساوي دامِ ِ..

لقد توسَّعت أرضيةُ تأييدِ العملية السلمية بالاستناد إلى تجاريبِ الواقع المُعاش وتداعياتِهِ.. فلقد صار المشهدُ الدموي، للاختطاف والاغتصاب والاغتيال والتقتيل الجماعي، أفظع مما تتناقله وكالات الأنباء؛ ما أدى إلى دفع (فضلا عن) أوسع جمهور، مجموعات عديدة جديدة إلى التفكير الجدي بحلول بديلة من نمط تفعيل مسار العملية السياسية والانخراط فيها من باب محاصرة دائرة العنف وقسوته الطاغية..

وصار بيِّنا واضحاَ َ أنَّه لابد من اتخاذ قرار قاطع يحسمُ المسار والوضع ويؤكد بدائل يمكنها أن تقطع الطريق على وقائع الأحداث المتردية ومن يقف وراءها.. ومن الطبيعي أنْ يكونَ البديلُ متمثلا في أعرض تحالفات تتسع قواعدها وعيونها لرصد تحركات القوى الدخيلة الأجنبية منها وبعض البؤر المحدودة التي قد تتبقى..

ولأنَّ المسيرة السلمية هذه بحاجة للدعم والمناصرة، سنضع آية موقفنا في الأمر وراية أنشطتنا  مشروعا وطنيا نسميه "المشروع الوطني للتسامح والمصالحة العراقية" لأنَّ أوضاعنا ما زالت في مرحلة الانطلاق والشروع والتأسيس لعراق جديد بحاجة لإعادة ترميم الذات من جراحها وتطهيرها من أدران زمن ثقيل ناء به الوضع العام فاحتاج إلى تحريك وتفعيل من مثقفيه ومفكريه وسياسييه.. ونضع بين أيدي عراقيينا حركات ومنظمات ووجودا شعبيا عريضا هذا المشروع للمضيّ به وبعراقنا نحو غد نتطلع إليه سويا..

إنَّ مسوّغ المشروع هو حاجتنا للعمل المشترك من جهة ولتوكيد هويتنا الوطنية الواحدة وجذورنا الحضارية من نَبـْعَي الفراتين؛ ولكي نؤكد اعترافنا اليوم بالآخر العراقي ونعلن مساواتنا جميعا بكل أطيافنا ومكوناتنا بلا منّة من طرف على آخر بل بممنونية روح عراقي ومصداقية توجه وحسن ثقة وطيب علاقة ووفاء عهد.. فقط من هذه السمات العراقية الأصيلة سيكون لنا أنْ نتقدم باتجاه الحل الحقيقي المؤمَّل فينا لا بغيرنا وكما هو مضمون الآية الكريمة "لا يغيِّر الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" أي أننا نبقى أنفسنا المسؤولين عمّا نريد وعن مساراتنا وتطوراتها ومجريات ما كان ويكون وسيكون لنا سويا بهويتنا العراقية الشامخة راية فوق قمة جبل وهي كذلك أم خرقة مهملة في قعر وادِ ِ سحيق وهو ما يسعى إليه أعداء العراق والعراقيين...

أما مقترحي في الأمر فيبدأ من تشكيل مكتب تنسيق تشترك فيه كل القوى العراقية بأطيافها الموجودة في البرلمان والحكومة أم خارجه والتي سارت في العملية السياسية أو بقيت حتى اللحظة خارجها.. لا شروط مسبقة إلا على من كان ركب أو يركب اليوم مركب الجريمة والتقتيل ومسارات العنف وهو ما تحكمه القوانين والأعراف "الوضعية" و "السماوية" وما يمكن فرزه بغير تعقيد من لغة الخطاب الخاص بمجموعة وجهة ما وبإجماع في الحكم والتشخيص لاستبعاد مثل تلك  الجهة أو المجموعة...

يكون هذا المكتب مدعوما من الحكومة وبإشراف الجمعية الوطنية ومتابعتها ولكنه بتوجيه مستقل من أعضائه وما يتوصلون إليه من مقررات.. وقد يقول قائل: إن المؤتمر الوطني المنشود موجود فلماذا مكتب التنسيق الوطني للتسامح والتصالح؟ ويكون الجواب كامنا في الجهة الرسمية التنفيذية التي تتابع شؤون تعضيد المؤتمر المعني وتفعيل خطواته لا يأتي إلا من خلال مثل هكذا مكتب مدعوم بآليات عملية تنفيذية وبإجراءات متصلة مستمرة لها ملموس إجراءاتها التطبيقية لخطابها ولفلسفتها ورؤاها ومشروعاتها..

ويمكن اقتراح  تركيبة للمكتب من عضوين أو ثلاثة أعضاء يمثلون كل مجموعة ولهم قوة تصويتية واحدة على أن يتم معادلة التركيبة بأعضاء من الشخصيات الوطنية والخبراء والمفكرين العراقيين المستقلين المشهود لهم بالنزاهة والمصداقية والخبرة وبالمتابعة في الشأن الوطني والارتباط بمصير العراقيين عبر تاريخهم الشخصي ومثل هؤلاء يعوَّل على وجودهم ليكونوا عامل تنشيط وتفعيل للحظات الجمود في الحوار ولحل التقاطعات واستشارتهم في مسائل عقدية بين الأطراف السياسية...

وهذا المجلس التمثيلي للعمل الوطني يؤدي أنشطته بجلسات دورية وبمتابعة عبر مكتب عمل مصغر مهمته اتصالية تنسيقية فيما المكتب العام لاتخاذ القرارات ورسم السياسات وتوجيه الاستشارات وتقديمها لمجموعات العمل من أجل إشاعة خطاب التصالح والتسامح.. على أن ينشط المكتب في عقد الملتقيات الوطنية والإقليمية والدولية المناسبة لحشد الدعم لمسار العملية السياسية وتبقى مهامه في الإطار الاستشاري ولكن المسموع صوته على أساس كونه المرجعية الوطنية البديلة للغة المحاصصة وخطابات التنافس والتسابق على توزيع العراق وخيراته ومكوناته الشعبية بطريقة مريضة...

إنّ عدم الالتفات إلى مشروعات إجرائية كهذه مما اقترحته الشخصيات الوطنية وحاولت رسم برامجه سيفوِّت علينا مزيدا من وقت ذهبي نفيس مهدور تذهب فيه سدى ضحايا بمزيد من القسوة والعنف الدموي والاستباحة لأبناء شعبنا وأهلنا.. فيما سيكون من الرشاد لسياسيينا وللجهات الوطنية ومنظماتها بكل تكوينات مجتمعنا المدني ومؤسساته أن يصغوا لرؤى مفكرينا الذين يعيشون في منافيهم ومهاجرهم ولكنهم يتنسمون هواء الوطن ويحيون في ظلال مصالح شعبه حرصا عليها وقلقا على استقرار أوضاع الأهل بمجموع مكوناتهم وأطيافهم بلا تمييز...

لقد سبق أن اقترحنا إلى جانب قوى وشخصيات وطنية أخرى تشكيل مجلس الأمن الوطني ومنحه الاستقلالية والسلطة الكافية لتسيير أمور مشتركة في شؤون الأمن وضبطه وقد باشرت الحكومة وقوى وطنية فيها للعمل على وفق جزئيات واسعة من المشروع.. وسنجد أمر تشكيل المجلس الاستشاري الوطني الموجود في مشروع سابق لنا بالخصوص أو مكتب التنسيق لشؤون التسامح والمصالحة المقترح هنا..

إذ سيكون مع مسار المؤتمر الوطني ومواصلة أعماله حاجة جدية لمكتب التنسيق المجاور لأنشطة الحكومة والجمعية الوطنية بوصفه مرجعية وطنية مشتركة لا تقوم على محاصصة ولا تقسيمات وتشطيرات أو تشظية وتتأسس على الكفاءة واستشارتها ما يؤكد رفض استبعاد كفاءاتنا وشخصياتنا الوطنية التي تتحسس هموم الوطن والناس عن كثب ولكنها اليوم تنتظر وسيلة تفعيل لدورها وليست هذه الوسيلة غير مكتب التنسيق الوطني هذا..

هل سنبدأ أم سنجد إضاعة لوقت ثمين آخر تاركين ضحايا جدد من أهلنا نخسرهم يوميا؟ هل سنتحدث سويا ونصغي لبعضنا بعضا أم نصم الآذان ويبقى حوار الطرشان سببا لمآسِ ِ جديدة أخرى؟ سنبدأ ولكن الإرادة تريد قرارا نافذا وعلى الفور.. يمكن للرئاسات الثلاث أن تتخذه أو تباشر به اليوم قبل الغد.. فلا ننتظرنَّ مزيدا من هدر جهود فمزيد من هدر دماء وحيوات بل لنكسب كل جهد ولنفعِّل أنشطتنا.. من جانبي شخصيا لدي مقترحاتي في شخصيات وطنية محددة وقائمة من مفكرينا بخبراتهم الغنية ولي متابعة في الأمر وتفاصيله الإجرائية..[/b][/size][/font]


222
دعوة للتصالح مع الذات
دعوات للتسامح والتواصل والتفاهم والعطاء للآخر

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
12\05\2006
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

وحشية وعنف دموي يحيق بأبناء وادي السلام والتسامح والعطاء، أهل بذل الغالي والنفيس للآخر كعهدنا بالعراقيين أحفاد سومر الحضارة التي بذلت وأعطت فأغنت واغتنت... ها نحن كلما قطعنا شوطا إلى الأمام في طريق الأمن والأمان والسلم والديموقراطية استشرست قوى دخيلة في غيِّها وفي انفلات عقالها وطغيان استبدادها وفي انفلاشية أنشطة التقتيل العشوائي والمخطَّط والتدمير على النطاقين الفردي المحدود والجمعي الكبير الشامل للجماعات والأحياء والضواحي والقرى.. فما إجابتنا وما رؤانا  ومعالجاتنا للأمر؟؟؟

إنَّ واقعنا العراقي الجديد بعد تحرر الشعب من ربقة عبودية الدكتاتورية وطغيان الفرد وحاشيته لا يتسم بالقدرة على المباشرة الفورية لإعادة إعمار الذات ولكنه يحمل بالتأكيد تلك الرغبة وذياك التفاعل المنتظر.. وعلينا أن نؤكد هذه الحقيقة في كون أبناء الشعب العراقي ظلوا في حال من التطلع إلى يوم الانعتاق من أجل المباشرة بحيواتهم وإعادة بنائها صحيا...

إنَّ العقدة الحقيقية لتلكؤ مسيرة عراقية صحيحة يكمن أولا في مشكل أمني بعيد الخطورة، وهذا المشكل يكمن في أمر يدركه أبناء حضارة تراث البشرية، في القانون، وفي تشكيل مؤسسات الدولة وضوابط تسيير أنشطتها. ومن الطبيعي أنْ يدرك العراقيون أنه لا دولة بلا قانون ولا دولة بلا احترام له وخضوع جدي صحيح لضوابطه؛ ولا دولة بلا عقد اتفاق جمعي مشترك يتقاسم فيه أبناء المجتمع العراقي وجودهم على أساس من حق الإنسان الفرد في الحياة الحرة الكريمة، وليس على أساس من إخضاعه لسلطات متشعبة كما تشكيلات ما قبل الدولة كسلطة الطائفة أو القبيلة أو الميليشيا أو الفئة السياسية أو ما شابه...

إنَّ عراقنا الجديد وجد نفسه في ظرف السنوات الثلاث الخالية في أزمة أكبر من خطيرة بسبب من [انفلاش] الأوضاع بطريقة لا حارس فيها لا للقانون ولا للأعراف ولا للقيم الجمعية المشتركة. فحتى القبيلة والطائفة اللتين يُدفع للاحتماء بهما وللتبعية لهما، لا سلطة لهما على مكوناتهما البشرية، إذ كل منهما يفتقد للسلطة بسبب من اندحار تشكيلاتهما في مجتمع كالمجتمع العراقي المعاصر... وليست بقايا تلك التشكيلتين إلا مجرد تصنيع مفتعل أو محاولات لاستيلادهما قيصريا في ظروف عالمية لم تعد تتقبل وجودهما في ظل منطق الدولة الحديث..

إذن، ماذا نريد في ظل هذه الأوضاع؟ وكيف نتجه للسيطرة على أوضاعنا؟ هل نقبل بما يتولد اليوم من روح فردي ونزعات مرَضية انعزالية بطريقة "الشعلينة لازم" و "نارهم تاكل حطبهم" أم أنه مطلوب منا جميعا تذكر أن النار التي تستعر اليوم في بيت الجيران ستأتي على بيتنا في الخطوة التالية.. وأن صمتنا عمّا يجري عند أخِ ِ أو صديق أو زميل سيقع معنا ولا من مستجيب لاستصراخنا لحظتها أو كما يقول المثل العربي القديم: لات ساعة مندم..

إنَّ تقطيع أوصال الوطن لا يكون من غير تقطيع أوصال الشعب.. والفعل الأخطر إذن يكمن في تمزيق وحدتنا الوطنية على مستوى مكونات الشعب.. ومن هنا كانت المقدمة الأولى للتصدي لمحاولات التفتيت والتقسيم أن نرتقي لمستوى مسؤولية العمل الاجتماعي العام من خلال تطوير مؤسسات دولتية ومؤسسات مجتمع مدني وطيدة تتحدى الشرذمة والتكوينات الطائفية..

وإذا كان لابد لنا من نشاط بالخصوص فهذا لا يأتي عبر مسار أعمال انفرادية بقدر ما يلزم معه توحيد المهام والصفوف.. بوضع أسبقيات وبرامج تخصّنا سويا.. وأول تلك المهام لا يكمن في التغني النظري بالوحدة الوطنية ومعالجة الأمور الأمنية وضبط الأوضاع ولكن يأتي بعيدا عن الغنائية المثالية الرومانسية في وسط معمان العمل والجهود المضنية الشاقة..

نحن بحاجة أولا أنْ نتجرع التعاطي مع أقسام سبق لها أن أخطأت بحقنا ومنها من ارتكب الجريمة أو الخطيئة! ونحن بحاجة لنتجرع السير معا لمرحلة انتقالية في ظروف ليس في أيدينا من بد سوى إشاعة حال من التسامح الذي يذهب بعيدا ليشمل قطاعات لم يكن العمل معها مقبولا في ظل ظروف مستقرة مغايرة لما نحن فيه..

لقد وُضِعنا في زاوية أو خانق لم يعد لدينا من خيارات كثيرة  ولا قليلة؛ ومن أجل ضبط الوضع العام نحن بحاجة لسياسة واضحة في لغة التسامح تصل حدّ التعاطي مع قوى كانت ليوم قريب تضرب فينا ألما وتجريحا..

ولنبدأ أولا من لغة القبول بمخلَّفات ما قبل الدولة من تشكيلات تمَّ تركها وسطنا من عشائرية وقبلية وفئوية وهذه ينبغي أن يتم تحييدها ووضعها في مسار إيجابي بدلا من التقاطع معها ومن ثم الاحتراب والتقاتل.. أما كيف؟ فالأمر يعني أن نقرَّ بكينونة أحزاب وتشكيلات ترفع سياسة أو برامج الدفاع عن هذه الطائفة أو تلك، وأن نتفاعل مع الظاهرة بطريقة فيها تبيان لأخطاء التشرذم والتشظي والتشطير من جهة وفيها كذلك قبول وإنْ كان حذرا وفيه كثير من الحيطة والنباهة لمجريات الأفعال والأنشطة الدائرة من تلك الأطراف اي أن تكون المرحلة الأولى ضبط حدود لوجود القوى المشار إليها هي شروط القانون واحترامه..

لماذا نحن بحاجة لهذه الثنائية؟ الإجابة تكمن في التفاف سلبي لقسم من أبناء الشعب حول تلك البرامج بطريقة تضليلية ما يعني حاجتنا لصبر أعمق في التعاطي مع الظاهرة لتوضيح الأمور وفضح الخطايا الجارية فضلا عن تبيان البرامج الموضوعية المناسبة البديلة.. وسيكون لمثل هذه المسيرة أن تقبل فقدانا لجمهور بعينه يرى في لغة القوة وسلطة العنف وسيلة لمكافحة الطائفية والقبلية والأنشطة المتشظية عنهما..

لقد عانت أقسام واسعة من فئات شعبنا من عملية تجهيل بمعطيات العصر وقوانينه وجرى تغييب العقل كثيرا بمنعه وحضر أي نشاط فكري لأبناء شعبنا وبقي المواطن العراقي سليب الإرادة بالكامل طوال عقود تربى فيها في ظل الضيم والألم والحجر السياسي والفكري ما أفقره إلى ممارسات العمل واتخاذ القرار بموضوعية ودقة..

ونظرا لظاهر العزل بين الشعب وقواه الوطنية فإن الوضع يتطلب مزيدا من الجهد للتعريف بتلك القوى وبمساراتها وبرامجها حيث تعمل القوى الديموقراطية واليسارية بخاصة في أجواء رديئة مريضة من جهة توظيف لغة الاحتراب والدم والتقاتل اليوم وهي اللغة التي صيغت ومورست بالأمس ضدهم كما يجري الفتك بكل شعلة أو ومضة ضياء بحجج وذرائع وأقنعة لها جذورها حيث النظم الاستغلالية السابقة وليس لها منتهى بغير مزيد من الوقت والجهد لكشف الحقائق والتعريف بمصداقية بالقوى الوطنية الحقيقية...

إنَّ طبيعة الأجواء المحيطة والتوازنات القائمة تفرض على القوى الوطنية كافة بكل تنوعاتها أنْ تتجه إلى لغة السلم والديموقراطية والتفاعل فيما بينها على قاعدة التسامح والتصالح وإلا فليس من نهاية جدية حقيقية تلوح في الأفق للعراقيين..

وكل أولئك الذين يرون أنهم يستطيعون حسم الأمور إلى جانبهم سيجدون مزيدا من الخسائر وهي ليست أقل من مزيد من الدماء هدرا بسبب سطوة لغة الاقتتال والاندفاع الأهوج الذي لا يحتكم لمنطق عقلي.. وإذا كان صحيحا أن نستبعد قوى الجريمة المافيوية وأن نحاصرهم بلغة القانون وقوته وسلطته فإنه من الصائب تماما أن نتذكر عملية فرز جدية بين القوى ذات الوجود الجماهيري وتلك التي ليس لها وجود بغير الرصاصة التي تملكها..

وطبعا سيتعين علينا أن نؤكد سعيا جديا مسؤولا لاتخاذ قرارنا في الاتجاه الصحيح خضوعا لمطالب فئات شعبية واسعة من جهة وستجابة فورية لحقن الدماء المهدورة وليس لدينا القدرات لا المحلية ولا المساندة لضبط الوضع ..

بما يعني أنه ليس بغير لغة التسامح والتصالح مع الذات الوطنية المصابة بأمراض زمن أهوج أرعن كزمن الدكتاتورية ومخلفاته وهي قراءة لا تحتاج لعالم اجتماع أو عالم نفس بقدر ما تحتاج لنظرة موضوعية هادئة.. فالذين يقتتلون اليوم كثير منهم من أبناء شعبنا العراقي  وليكن شعارنا الأول العراقي أولا فنعزل القوى الدخيلة ولا نترك لها فرصة سانحة لوجستيا للتمركز والضرب فينا..

علينا أن نعترف أولا بأمراضنا التي لحقت بذاتنا الوطنية أي بفئات شعبنا في ظروف الاستلاب والاستغلال السابقة وفي ظروف الاختلال اللاحقة نتيجة عدم ارتقاء قيادات السنوات الثلاث المنصرمة لمستوى الوضع وتداعياته لظروف معقدة ومبررة أحيانا..

ومن هذا الاعتراف سيكون علينا السير بحذر وسط الألغام والاحتكاكات والتفاعلات السلبية ولكنها المحاصرة بقرارنا الوطني وبمرجعيتنا الوطنية وقوانينها.. أما ما يرافق الأمر فمزيد من ضبط سلطة القانون بقرارات ستراتيجية على مستوى الدفاع والداخلية بتوحيد جهودهما وتطهيرهما  ومنع إدخال مجموعات متكتلة إليهما و إعادة غربلتهما على مستوى التكوين والتوزيع والبرامج وبالمقابل حلّ فعلي لميليشيات الأحزاب مع النظر لكل حالة بخصوصيتها وطبيعة الحل المناسب.. وتحويل عناصر تلك الميليشيات إلى أعمال مدنية مناسبة بإعادة التأهيل..

التزامن مع هذا الأمر يجب رعاية كل عراقي فورا بالكامل بتأمين معيشته الضرورية على وفق أعلى مستوى إنساني من سكن وصحة وتعليم وأمور خدمية عامة من كهرباء وماء وغيرهما.. والإعلان عن بدء حملة إعادة الإعمار بتوفير الضمانات المحلية والدولية بالخصوص وعلى وفق خطة تشغيل اليد العاملة العراقية وتأهيلها المناسب ..

بهذه اللغة الشاملة سنجد عراقنا الجديد المبني على أسس وطنية سلمية ديموقراطية فديرالية وليس التأسيس والانطلاق إلا من الانتهاء الفوري من تشكيل الحكومة وإطلاق مبادرة العمل الوطني المشترك أو التسامح والمصالحة والمباشرة الفورية في أداء نوعي مختلف عن مرحلة حكومات العبث بمصير العراقيين وتعميق الأزمة ومفاقمتها كما جرى يوم لم تلتفت القوى الداخلة في  تشكيلات السنوات المنصرمة إلا إلى حصتها الحزبية من نهب ثروات البلاد والعباد...

ولنقل سويا ومعا كفى لأخطاء الماضي وخطاياه وجرائمه ولنبدأ برزح التسامح والتصالح وإلا فإنه ليس إلا ومضة وننتهي من لمتنا وجمعتنا وهويتنا ووجودنا لا المشترك حسب بل حتى ذلك الذي يظن بعضهم أنهم حاصدوه من تشظية وشرذمة الوضع.. وحتى الذي سرق لن ينعم بما نهب .. فلماذا لا نوقف الجريمة بحق الذات الوطنية العراقية..

ألا نستفيد من تجاريب الحروب الأهلية والاقتتالات والأزمات التي لا تنتهي إلا بالسلم والاتفاق ولكن بعد جرائم ضحيتها الذات عندما ننظر إلى أنفسنا من جديد دوما فلن ننتهي إلا باضمحلالنا قتلا ببعضنا بعضا أو بوقفنا معا وسيا الجريمة.. ولأبناء شعبنا الخيار..

إنني هنا أخاطب كل فلاح خبير بأن الأرض لا نحصد منها إلا ما نزرعه وأخاطب كل عامل خبير بأن آلة انتاج الخيرات لا تُدار إلا بطاقة العمل الجمعي المشترك وإلى كل شيخ وحكمته ورشاده وإلى كل امرأة وحيوية إنجابها الحرية والسلم والديموقراطية وإلى كل إنسان بسيط لا يرى في وجوده في أمسه إلا هامشا مفروضا علي قسرا وعليه اليوم  واجب أن يمضي مشاركا في اتخاذ قرار أن يعرف زمننا من هم العراقيون كيف يكون وجودهم حضاريا كبيرا وعقلا مميزا رزينا ورشيدا وسديدا.. فهل من مجيب يوسِّع من دعوتي هذه؟؟ أكيدة ثقتي بالإيجاب وبأعظم مما تراه العين...[/b][/size][/font]

 


223
من أجل مشروع حقيقي متكامل للثقافة والمثقف العراقيين في الوطن والمهجر

أصدر عدد من المثقفين العراقيين المقيمين في المهجر بيانا اسموه "النص النهائي لمبادرة الأدباء والفنانين والصحفيين العراقيين في بلدان المهجر" وأرفقوا في ذيل البيان توقيع قائمة من المثقفين العراقيين منهم أولئك الذين سبق لهم أن قدموا مشاريع ثقافية سابقة وعملوا مع عشرات بل مئات الأصوات لترسيم تلك المشروعات والمضي بها من أجل الثقافة العراقية ومنتجيها المبدعين العراقيين، وبالتحديد اسم السيد فيصل لعيبي الذي عمل من منفاه في لندن على مواصلة مشوار مشروع ثقافي سبق له أن خاض غمار تنفيذه عدد من مثقفينا في منظمات سابقة عملت في إيطاليا وغيرها من بلدان المنافي.. وكاتب هذه الأسطر (د. تيسير الآلوسي) الذي عمل منذ الثمانينات على إيجاد صيغة للعمل الديموقراطي المستقل وعاود تقديم توصياته في مؤلفه عن المسرحية العراقية وتابع من أجل مشروع الثقافة العراقية في منتصف التسعينات (خارج الوطن) وعضَّد مقترحاته عبر رابطة بابل للكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا (مطلع الألفية الثالثة) وبعدها في مشروع البرلمان الثقافي العراقي في المهجر وهو المشروع الذي ساهم في انتخابات هيأته التنفيذية حوالي الخمسمائة شخصية انتخبت اثنين وعشرين شخصية ثقافية وعاود مع عدد من الزملاء بعد تلكؤ العمل فيه إلى تفعيله بمقترحات أُرسِلت إلى الجهات الرسمية وهو ما صادف إرسال مقترحات هيأة المبادرة (الهولندية) كما تسمي نفسها..

وهنا أود شخصيا التعليق على بعض المجريات التي رافقت تلك المقترحات حيث اطلعت مؤخرا على رسالة من أحد أعضاء مبادرة مجموعة هولندا السداسية إلى جريدة الصباح وفيها مهاجمة صريحة وانفعال غير مبرر على مشروع (الآلوسي) ووصفه بالفردية وكذلك وصف المُبادِر بالمشروع بمحب للألقاب وما إلى ذلك من مناقشة لا تستقيم أو لا تليق بشخصية يمكن أن تشرف على مشروع ثقافي كبير كالذي بين أيدينا فيما لغته لغة اتهامية واضحة؟؟!.. إذ المشروع جمعي تماما ويحمل هوية الثقافة ومنطق المثقفين العقلي كما اقترح السيد الآلوسي الأمر من منطق جمعي لا فردي...

ولأن السيد الآلوسي يود تأكيد الروح الجمعي فإنَّه يود هنا توكيد أن المشروع المقدم من قبله ليس وليد أشهر بل هو وليد سنوات طويلة وقد اشتركت فيه خبرات عديد من الزملاء المبدعين وهو ليس نسيج أفكار فرد بقدر ما اختزن بين طياته جهود المئات الذين ناقشوا المبادرة وصوَّتوا على انتخاب هيأتها التنفيذية المدعوة إلى مواصلة مشوارها تنفيذا لتعهدها أمام من انتخبوها قبيل سنوات..

وأود هنا التوكيد على أهمية النظر إلى مبادرة الزميل الكريم أحمد النعمان ومجموعته كاملة فهي مبادرة جدية مسؤولة كونها تعتمد الاستناد إلى تاريخ البرلمان الثقافي العراقي في المهجر بكل زملائه وأجرت الاتصال بعدد من المعنيين وهي لا تنظر من فوق إلى تاريخ تلك الجهود كما لا تفرض على الآخرين وصاية العمل حتى منه التأسيسي كما يحصل عندما يقول الزملاء في مبادرة السيد النصير في فقرتهم الأولى ما نصه: " أخذت لجنة المبادرة بعدد من المقترحات التي أرسلها المثقفون العراقيون للجنة المبادرة واضافوا ما يمكن ان يكون مفيدا على الورقة الأولى التي نشرت قبل شهر" ولاحظوا معي أنهم هم من يحدد الفائدة من غيرها.. والأمر هنا مهم للغاية يبدو لي أن استكماله يجري في نهاية الفقرات باقتراح استمرارهم في متابعة المبادرة من قبل ما أسموه هيأة المبادرة الهولندية والصحيح  لكي نتلافى  أية مثلبة أو ثغرة أن نناقش أصحاب المبادرات الأخرى ونشركهم مباشرة وليس بأسطر تؤخذ بالانتقاء الكيفي من أوراقهم لكي يجري اعتماد يحمل مصداقيته التمثيلية بخاصة وأن أسماء اثنين وعشرين زميلا قد تمَّ انتخابها قبيل سنوات قليلة للبرلمان الثقافي في المهجر وبعضهم يعمل اليوم في الوطن فيما يواصل آخرون جهودهم من مختلف منافيهم..

كما ينبغي عدم استعجال تعريف المثقف وحصره بالمبدع في مجالات الأدب والفن والصحافة وترك عديد من فروع الثقافة في إشارة هامشية ولكن مراجعة أوراق البرلمان الثقافي العراقي ونظامه الداخلي يمكن أن تستكمل المشروع القائم فليس أعضاء البرلمان وإدارته بواقفين ضد أي مشروع تكاملي توحيدي جديد ولكنهم يتأسون لأن بعض الزملاء  عندما يتصدون لمبادرة ينسون تراثا غنيا لمبادراتهم الجديدة.. والغريب أن الأقدم يقدمون كل التسهيلات والتعاون فيما الأحدث يردون في بعض ما يردون بالسلبية!؟  مواصلين تأكيدهم إلغاء الآخر وإن بطريقة ملتوية.. بسطر يشيرون لأخذهم ما ورد في مشروعات سابقة فيما يصرون على مسارهم باستبعاد عمل الآخرين من المنتخبين بآليات ديموقراطية واضحة وشفافة.. ومثل هذا يلغي مبدئية العمل السليم أو يثير عراقيل توحيد الجهود وهو ما نأمل أن يُزال بكل هدوء وبمزيد من منطق الحكمة والعقل الجمعي المتقدم للمثقفين...

ومن هنا يجب التأكيد على العبارات التي وردت بخصوص تعضيد الجهود في بلدان الشتات المختلفة والاتصال بمبادرين هنا وهناك وتوحيد الجهود بخاصة منها الموجودة فعليا على أرض الواقع والامتناع عن نعت بعض الجهود بطريقة سلبية من أجل تطوير ما متوافر بين الأيدي وتحصين التجربة الجديدة من النزعات الفردية التي أصابتنا في مقتل في أغلب الجهود السابقة...

ينبغي هنا التوكيد بخصوص الفقرات المتعلقة بالحاجو لعون الطبيب العراقي على وجود الجمعيات الطبية الرسمية العراقية الأوروبية كما في الجمعية الطبية العراقية الهولندية وهي تمتلك الكفاءة والمكانة الرسمية التي يمكن العودة إليها بخصوص الصندوق الصحي والمباشرة بتشخيص الحالات والأوضاع الصحية فضلا عن التشخيص الذي يتلقاه العراقي في مهجره من جهات طبية في بلدان الإقامة وعليه ينبغي تطوير الفقر و الخاصة بهذه المسألة والنظر إلى ما حولنا من جهات رسمية ينبغي التعاطي معها وبشئ من الحوار كان يمكن إغناء تلك الفقرة ولكن الزملاء يبدو أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء مراجعة المقترحات والمشروع الذي سبق إعلانه من قبل الدكتور الآلوسي وكان فيه كل مفردات البرلمان الثقافي العراقي وجهود رابطة الكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا..

عليه ومن أجل مصداقية العمل وصحة مسيرة العمل وصوابها لابد من مراجعة أصحاب المشروعات الأخرى والتداول معهم بشكل مباشر اي بدخولهم في لجنة التحضير والإعداد والمتابعة ووقف حصر تمثيل المبادرة بما اسماه الزملاء لجنة المبادرة في هولندا (أو اللجنة السداسية) ومن جهتي على الرغم من تمثيلي للبرلمان الثقافي العراقي في المهجر ورابطة بابل بمن فيها من كتّاب وصحفيين وفنانين ومبدعين إلا أنني أقدم قائمة باسماء الزملاء أعضاء المنظمتين بحجمهما الكبير بل بقائمة بكل الزملاء المنتمين إليها ليكونوا جميعا مسؤولين عن مسيرة ترسخ عملنا من أجل منظمة فاعلة لا إقصاء فيها لا في العلن ولا في الخفاء ولا تقوم على حساسيات العلاقات الشخصية والتنافس السلبي  بل الروح التعاضدي البناء التعاوني والتفاعل بين مجموع الجهود وحينها فقط يمكن للمسيرة أن تمضي بحق فيما تمرير البيانات الموقعة من دون اطلاع الموقعين عليها فأمر ينطوي فيما ينطوي عليه عملية إقصاء غير مفيدة لوحدة جهودنا وفاعليتها ومن جهتي على الرغم من اطلاعي عبر أحد الزملاء الفاعلين في البرلمان الثقافي والمنتخبين لإدارته على البيان أي ليس من اصحاب المبادرة وليس قبل الإعلان عنه إلا أنني أبقى على دعمي لكل جهد وطني مخلص لتوحيد الجهود وكما أكدت لزميلة من أعضاء المبادرة ولجميع أعضاء المبادرة في رد سابق لم أحصل على إجابة له، إنني أدعم المبادرة وسأعمل على وقف أي نشاط أو مبادرة يمكنها أن تعرقل جهد توحيد الأنشطة وصبها في جوهر النتائج المنتظرة وهذا ما أكدته أيضا للزملاء من أعضاء المبادرات الأخرى والمنظمات القائمة والعاملة بالفعل كما في رابطة الكتّاب والبرلمان الثقافي.. وأنتظر من الزملاء أن يكونوا عند مستوى المسؤولية الحقيقية للمثقف ليكونوا لا أصحاب مبادرة على الورق وحسب بل فاعلين من أجل تطوير جهودنا وترسيخها وتوحيدها بالتفاعل الإيجابي الحق مع الآخرين ومباشرة الحوار الصادق مع مجموع أعضاء المبادرات الأخرى والامتناع عن الفرضيات المسبقة ومنها فرض أعضاء المبادرة كونهم الوحيدين لتمثيل آلاف من مبدعينا في المهجر ولو على صعيد العمل التحضيري.. إذ يبقى الحق لمجموع الزملاء ليُبدو آرائهم في كل مفردة من الأنشطة التي تخصهم ...

 

 

وهذه بعض أوراق سابقة أبعد في خدمتها جمهور الثقافة بسبب من كونها خضعت لمناقشة علنية مباشرة من مئات من مبدعي الثقافة لننظر ونعتبر هل صحيح أن نبدأ من الصفر من دون أن نتصف بسمات الإقصاء والمصادرة لجهودنا الجمعية؟؟؟

إنني إذ أعرض بعض الأوراق إلى جانب ما سبق لي عرضه في مبادرة البرلمان الثقافي العراقي في المهجر التي أرسلتها إلى جهات رسمية عديدة أؤكد على أهمية وحدة الجهود والامتناع عن البدء من الصفر وتجاوز بعضنا بعضا وتكاتفنا وتعاضدنا ووقف الحساسيات الفردية وتوهم أو تصنيع أو تخليق الاختلافات وأمراضها.. لنبدأ سويا و لديَّ قوائم الزملاء أقدِّمُها لأعضاء المبادرة الجديدة ولأعضاء المبادرات في بلدان المهجر الأخرى فالمهم أن تنجلي جهودنا عن وحدة حقيقية ومنظمة فاعلة بصلات جدية بمنظماتنا في الوطن.. وبوركت كل مفردة لكل جهد حتى منها التي تختلف معنا مجتمعين لأن أول طريقنا للوحدة احترام الآخر وجهده وليس بيننا وبين مختلف الجهود وأمكنتها المختلفة إلا كل الود والاحترام والتقدير مهما صغر حجم المبادرة لأن حجمها النوعي الحقيقي بتفاعلها مع بقية الجهود فلنمضِ ببركة الفعل الثقافي الواعي الناشط الفاعل...

الدكتور تيسير الآلوسي

البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا

لجنة الأكاديميين العراقيين في المهجر

 

 

 

 

 

 

نـداء

من

البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

 

إلى الزملاءِ من النخبةِ الثقافيةِ ممثلي الأنتلجنسيا العراقية في الخارج من أكاديميين وكتـّاب وصحفيين وفنانين وكل مبدعي الفكر والثقافة العراقية

نقدِّمُ  نداءنا هذا من أجل أنْ تعلو كلمة الثقافة والمثقفين الذين يُشكـِّلون العقل العراقي الحاضر ولبّ حضارتنا اليوم.

نداءنا من أجل مجابهة أوضاع العراقي في غربته الجديدة حيث تشهد الساحة السياسية ظروفا وتعقيدات غير هيِّنة وحيث العراقي اليوم يتطلع إلى الخطاب الثقافي لكي يعيد الحياة إلى الروح العراقي المحاصَر وإلى العقل العراقي الذي ظل محجورا عليه طويلا وإلى الكينونة العراقية التي تنتظر منّا أنْ نعيد إليها منطق الفعل والتصالح  مع الذات والانفتاح من جديد على الآخر بروح موضوعي صحيح صائب..

لقد مر زمن الطغيان والتخلف ومصادرة الرأي الحر والكلمة النيِّرة وما ينبغي هنا اليوم هو تقديم البديل الجذري الذي ظل يصارع كل أوصاب الزمن المعتم, وهاهو مرة أخرى بمجابهة جدية خطيرة مع مشاريع ظلامية أشرس من تلك التي تكاد تـُخلي الساحة إلى الأب.ومن الطبيعي في ظل المستجدات أنْ يبحث المثقفون أوضاعهم في إطار يضمهم بكل حرية وبأعمق روح المحافظة على تنوع المشروع الثقافي العراقي وبأبعد تعددية يحملها خطاب الثقافة العراقية الجديدة بمعنى إطار تنظيمي لا يصادر صوتا بقدر ما يضم طاقته الإبداعية فيصبها حيث يجعل من العصي على محاولات الظلمة سرقة نور الحرية والانعتاق..

ونحن أعضاء الهيأة الاستشارية للبرلمان الثقافي العراقي في الخارج الذين قمتم بانتخابهم في أول سابقة انتخابية ديموقراطية ننهض بمسؤولية العهد والوعد ، وندعوكم للانضمام إلى هذا الصرح الثقافي الذي لم يضع نفسه بديلا عن البرلمانات والهيئات الثقافية العراقية في كل منفى أو مهجر وصله صوت الثقافة والمثقف العراقيين بل نؤكد على كوننا الإطار الأوسع الذي يمكن لكل تلك التشكيلات أنْ تعزز فيه الإطار الذي يجمعنا في غطار من التعددية والتنوع وحتى اختلاف الرؤى ولكن ما يجمعنا يظل أقوى وأمتن وأكثر ضرورة في يومنا وحاضرنا القاسي على شعبنا والذي يطرح علينا مسؤوليات جمة عديدة..

لذا نأمل أن يقرأ مثقفونا جميعا مشروعنا الثقافي ،الإطار التنسيقي والتجميعي لقوانا المبدعة ولخطابنا الراهن الذي لا يقف عند اللحظوية التارخية أو

التفاصيل المؤقتة بل يستشرف مستقبلا بعيدا على وفق آليات عمل خطابنا الثقافي غير المسيَّس ولكنه الذي يحمل طموحات أمة تولد من جديد وحضارة تتواصل بمديات لا تمَّحي لا بنار ولا بحديد..

ونثق بأنَّ مثقفنا العراقي ليس أدنى من مثقفي الحضارة البشرية المعاصرة ولا هو بقاصر عن التعبير عن خطابه بآلياته الخاصة ومن ثمَّ بتأثيره البعيد على مجريات الأحداث والوقائع القائمة جنبا إلى جنب مع فعل الخطابات الحضارية العراقية الأخرى من سياسة واجتماع واقتصاد وغيرها.. ومن هنا نثق باندفاعة مسؤولة للعمل المثابر عبر إطار مؤسساتي جزءا من تشكيلات مؤسسات مجتمعنا المدني الأخرى..

وأحرى بمثقفينا أنْ يكونوا في طليعة مَن يشكِّل مؤسسات المجتمع المدني بمختلف التخصصات ومنها الإطار الثقافي في برلمان لا يقل شأنا وتأثيرا عن البرلمانات الثقافية في مختلف أرجاء المعمورة.. ومن الطبيعي أنْ ندرك مهمات برلمان ثقافي بخاصة لنا نحن العراقيين المقيمين في الخارج وما يمكنه أنْ ينهض به إطارا للفعل والتأثير المخصوص..

 

نهيب بزملائنا كافة إعلان طلبات انضمامهم وتأييدهم وقراءاتهم التمحيصية في مهمات البرلمان وأهدافه وآليات عمله ونحن في الهيأة الاستشارية المنتخبة بصدد الأخذ بكل الرؤى والتصورات المقدمة من أعضاء البرلمان فضلا عن مهماتنا التي نلتزم بها بغية إدارة العمل الثقافي الحالي على أمل إجراءانتخابات جديدة في موعدها الذي يقرره أعضاء البرلمان..

وسيرسل الزملاء المسؤولون عن الشؤون التنظيمية استمارات الانضمام إلى أي زميل يطلب العضوية مع ملفات النظام الأساس (النظام الداخلي) وخطة العمل والأهداف (البرنامج).. وبغية متابعة استفساراتكم وتساؤلاتكم يمكن للزملاء الاتصال بأعضاء لجنة المتابعة وعناوينهم منشورة في موقع البرلمان الثقافي العراقي [ موقع البرلمان العراقي ] .

ليس للثقافة من فرص الاسترخاء وليس للمثقفين من التعطل والتكاسل ولكن لها من الحركة الدؤوب ، ومن الفعل المستمر المتواصل ومن الإبداع المتنامي المتعاظم ما يعني مزيدا من الحركة والفعل وكذلك التوحد والتعاضد والتكاتف وتلاقح الرؤى وتفاعلها من أجل عالمنا أفضل وأرقى وأسمى..

ندعوكم لهذا الفعل السامي النبيل للانضمام إلى برلمانكم إلى مؤسسة مجتمع مدني جديد ينهض من ركام الأزمات ومن ظلمات الحصارات للانضمام إلى إطار العمل والحركة والإبداع فكلنا من رواد الثقافة وأعلامها ومبدعيها الكبار حتى آخر مَن انضم إلى عالم الإبداع وصناعة الخطاب الثقافي, كلنا مسؤولون عن إدامة عشقنا للعراق؛ لعراق الثقافة والإبداع ولا يتمّ هذا بغير فعل مؤسساتي وإطار تجميعي حر ديموقراطي مستقل بالبعد الثقافي لكل هذه المصطلحات التي نصوغها آيات تزهو بإبداعات مثقفينا جميعا..

 

                  الهيأة الاستشارية في البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

 

 

 

 

مقترح
النظام الأساس للبرلمان الثقافي العراقي في الخارج [المهجر]

                 ورقة النظام الأساس [الداخلي]
 

البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
 

 [[ هذه ورقة تتضمن النظام الأساس (الداخلي) المقترح وهو قابل للتغير الجزئي أو الكامل بالاستبدال.....]]

 

 

الديباجة

نحن المثقفين العراقيين الذين اضطرتهم النوازل التي حلت بعراقنا زمن الدكتاتورية للهجرة إلى المنافي توافقنا على إقامة البرلمان الثقافي العراقي ليضم المثقفين العراقيين المقيمين في دول الشتات والمهجر. والبرلمان الثقافي العراقي هذا هو مؤسسة طوعية ذات طابع ثقافي في جوهرها, وهي تعمل على مساعدة المثقفين العراقيين على إيجاد المكانة الملائمة في المنظومة الثقافية والاجتماعية للبلدان التي يحيون فيها وإظهار الوجه المشرق للثقافة العراقية وهويتها الحضارية المتنوِّرة مؤكِّدة في مساعيها على توطيد الروابط الصداقية وفرص التعاون مع المنظمات الدولية النظيرة, ويدافع البرلمان الثقافي العراقي عن حقوق المثقفين من أدباء وكتّاب وصحفيين وفنانين وكافة المبدعين العراقيين المنضوين تحت لوائه؛ ويقوم بالنشاطات الثقافية أمام الجاليات العراقية وكذلك أمام الشعوب التي يحيا في كنفها مثقفونا ويتفاعلون مع مثقفيها وخطاباتهم الثقافية المخصوصة.

الباب الأول

 

الاسم :ـ انسجاما مع مكونات البرلمان وأهدافه وجغرافية التوزيع السكني لأعضائه تكون تسمية المنظمة على لنحو الآتي: البرلمان الثقافي العراقي في الخارج [المهجر].

هوية البرلمان :ـ مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني العراقي تتميز بخصوصيتها الثقافية المستقلة, تتسع للمثقفين العراقيين المقيمين خارج العراق كافة من الذين آمنوا بتنوع الثقافة العراقية وغناها وعمق جذورها الحضارية؛ وعملوا على رفدها بالجديد ودعم تطورها وتوسيع آفاقها والدفاع عن شخصيتها(مفرداتها) الإنسانية المتنورة المتفتحة وتنطبق عليهم شروط العضوية, بغض النظر عن معتقداتهم السياسية وانتماءاتهم القومية والدينية وليس من أهداف البرلمان الثقافي العراقي أية أرباح أو منافع مادية بحتة تخرج عن جوهر أنشطته الثقافية.

 

الباب الثاني

أهداف البرلمان:

1ـ العمل على دعم جهود الإبداع والمبدعين بما يواكب حركة الإبداع.. الإنسانية في مختلف بقاع العالم وتفاعلها البنَّاء وفسح المجال أمام المثقفين العراقيين لعرض نتاجاتهم وكسب المكانة المناسبة لإبداعهم بعد ابتعادهم عن مجتمعهم ووطنهم؛ ومشاركة مثقفينا بأنشطتهم وفعالياتهم لإقامة المهرجانات والندوات والأمسيات الثقافية

2 ـ العمل على دعم وحدة المثقفين وعملهم الجمعي بالضد من تلك القوى التي تريد لهم التشرذم والتقاطع وتعزيز روح الفردانية...

3 ـ إشاعة الروح الديمقراطي وخطابه الإيجابي وتجاوزأمراض التسطيح وتفريغ الخطاب الثقافي ومكافحة رؤى المصادرة والمنع والتحريم..

4 ـ توطيد أواصر العلاقات بين أعضاء البرلمان أنفسهم وبينهم وبين المنظمات العربية والأجنبية الرديفة... ويسعى البرلمان لإقامة صلات وصل مع المثقفين في الداخل وتقديم الدعم لهم.

5 ـ تقديم الصورة المشرقة المشرِّفة لثقافتنا وحضارتنا بكل خصوصياتها للعالم والدفاع عن شخصيتنا الثقافية المميزة

6ـ الدفاع عن أعضاء البرلمان بما ينسجم وأهدافه ومصالح الأعضاء وحقوقهم الإنسانية والأدبية في جميع المحافل ومساعدتهم بمعونة الهيئات المختصة.

7 ـ محاربة آثار التخريب التي مارستها الدكتاتورية في بلادنا ضد العمل الثقافي الحقيقي الذي يلتزم مصالح الشعب في الحياة الحرة الكريمة وفي صناعة الجمال والخير والفضيلة..

8 ـ   تعميق أواصر العلاقات بين أعضاء البرلمان بوساطة تنظيم أنشطة جماعية بإقامة الصالونات الثقافية الدورية للأعضاء من أجل تبادل التجاريب وتقوية العلاقات الصداقية والمهنية فيما بينهم.

9 ـ تعريف الوسط المهجري بحضارة وثقافات قوميات شعبنا العراقي المتعددة المتنوعة والانفتاح على تجارب الشعوب الأخرى في هذه المجالات.

10 ـ  توطيد أواصر الصداقة مع الوسط المهجري لمواجهة مظاهر العنصرية والتمييز القومي ومعاداة الأجانب في بلدان الشتات.

11 ـ   إصدار المطبوعات الدورية والتعاون مع الصحافة المحلية بمختلف اللغات والسعي لدعم الصحفيين والكتاب من أجل مواصلة النشر لأعمالهم وتوزيعها.

12 ـ  تحمّل مسؤولية الدفاع عن تراث وادي الرافدين والحفاظ على آثاره الباقية والعمل على إعادة المسروق منها إلى البلاد بأسرع وقت ممكن وجزء من المسروقات يتمثل في الإرشيف الوطني العراقي ومنه إرشيف التلفزة والإذاعة العراقية المرطوح هذه الساعة على الأوساط الثقافية العراقية المختصة.

13 ـ  التعريف الثقافي بمعالم تلك الحضارة الإنسانية بغية تنشيط السياحة الثقافية وما يجلبه ذلك على بلادنا من فوائد حضارية تتعلق بتبادل التأثير أولا وبإيجابيات أخرى..

الباب الثالث

العضوية:

 

1ـ  يحق لكل مثقف عراقي يؤمن بالديموقراطية وحرية الإبداع ومعاد لأشكال التسلّط والاستلاب أن يكون عضوا في البرلمان على أن يلتزم بالشروط الآتية...

شروط العضوية: بما لا يتعارض وحرية المبدع وخياراته الابداعية ينبغي على العضو أن يلتزم بشروط العضوية التي تتوافق مع مفهوم حماية الثقافة العراقية من ربطها القسري غير الموضوعي بالخطاب السياسي أيا كانت توجهاته الأمر الذي يفرغها من محتوياتها الإنسانية ويبعدها عن الهمِّ الإبداعي المباشر ليضعها في خانة الرقيب الأيديولوجي وخدمة أساليب المصادرة والطغيان على سبيل المثال كما كان يحصل في بلادنا بالأمس القريب. وتتلخص شروط العضوية في الآتي:

1ـ الإيمان بالطبيعة الإنسانية للثقافة العراقية وبتعدديتها وتنوع خلفيتها (الأثنية والدينية والقومية) ورفض ما يتعارض مع هذا الفهم من رؤى عنصرية وطائفية وقومية شوفينية.

2 ـ الإيمان بوحدة مسار المثقفين العراقيين والعمل على تعزيز ذلك في إطار البرلمان..

3 ـ دفع اشتراك العضوية [خمسة دولارات على سبيل المثال]

4 ـ الالتزام بأهداف البرلمان ومبادئه ويعمل على تحقيقها ويحافظ على سمعته وممتلكاته وتجنب كل ما من شأنه خرق هذه مبادئه أو المساس بها..

5ـ   يقدم طلبا "تحريريا" "موثقا" بنشاطه الإبداعي التخصصي.

6ـ يحظى بموافقة أغلبية أعضاء الهيأة الاستشارية مع تقديم مسوّغات مقنعة في حال رفض طلبه.

7ـ  يحق لغير العراقيين من المثقفين الانتماء للبرلمان بوصفهم أعضاء مؤازرين.

8ـ  يحق للأعضاء الترشيح والانتخاب للهيأة الاستشارية وهيئاتها الفرعية.

انتهاء العضوية أو إنهاؤها:

1ـ يحق للعضو أن ينهي عضويته متى شاء ذلك ويُعلِم العضو إدارة البرلمان بالأمر كما يحق له الاستقالة المسببة ويحتفظ بحقه في تقديم السبب لأول مؤتمر للبرلمان....

 

2ـ  تسحب العضوية عند خرق العضو أهداف البرلمان ونظامه أو الإساءة لسمعته أو التفريط بممتلكاته,على أن يتخذ القرار بعد دراية وتمحيص دقيقين من الهيأة الاستشارية وبالأغلبية المطلقة, ويحق للعضو حضور جلسة المناقشة, وله حق الاعتراض خلال مهلة محددة من تاريخ تبليغه بالقرار, وفي حال اعتراضه على قرار الهيأة الاستشارية تعرض قضيته على أول مؤتمر عام لاحق وتقرر عضويته بالأغلبية النسبية من أعضاء المؤتمر.

 

الباب الرابع

هيئات البرلمان:

 

1ـ  المؤتمر : 

هو أعلى سلطة في البرلمان, يرسم سياسته للمدة بين مؤتمرين ويتابع أنشطة البرلمان خلال تلك المدة عبر مناقشة تقارير الهيأة التنفيذية الإنجازية وإقرارها مع ما يراه من ملاحظات عليها..كما ينتخب هيئات البرلمان التنفيذية التي تمارس سلطتها بين مؤتمرين؛ محددا عدد أعضائها واللجان التي تتبعها حسب الضرورة. وينعقد المؤتمر كل سنتين مرة واحدة مع انعقاد طارئ يخضع للضرورة الظرفية المسببة. كما ينعقد اجتماع موسع للهيأة العامة بين مؤتمرين (خلال سنة) وينعقد المؤتمر في غرفة إنترنت أو بعقد عدد من الاجتماعات المحلية في عدد من البلدان المتجاورة ويقوم المؤتمر بـِ :

أـ رسم وإقرار سياسته البرلمان وتعديل نظامه الأساس ومناقشة تقارير الهيأة الاستشارية الإنجازي والمالي وورقة العمل وأية تقارير ضرورية أخرى..

ب ـ انتخاب الهيأة الاستشارية بالاقتراع السري وتحديد عدد أعضائها...

ج ـ عند مرور أكثر من شهرين على الموعد المقرر للمؤتمر السنوي يحق لثلثي أعضاء البرلمان الدعوة لعقد المؤتمر كما يجوز عقد مؤتمر عام استثنائي بدعوة من الهيأة الاستشارية أو بطلب من ثلثي أعضاء البرلمان.

د ـ  يكون النِّصاب كاملا بحضور الأغلبية المطلقة وعند عدم اكتمال النصاب يعد لاجتماع عام لاحق في مدة لا تقل عن الشهر ولا تتجاوز الشهرين ويُعدّ الحضور هو النصاب وتتخذ القرارات بالأغلبية النسبية. يُعدّ النصاب قانونيا بمن حضر إذا حصل تصويت أكثر من ثلثي الحاضرين على ألا يقلّ عدد الحضور عن 25 عضوا...

ه ـ يعدّل النظام الأساس (الداخلي] بأغلبية ثلثي أعضاء المؤتمر.

2ـ  الهيأة الاستشارية:

هي الهيأة المسؤولة عن متابعة تنفيذ قرارات مؤتمر البرلمان , تنتخب بالاقتراع السري المباشر من أعضاء المؤتمر .. وتتشكل من ثلاثون عضوا من دول مختلفة. وينتخب الرئيس والسكرتير من المؤتمر حسب أعلى تصويت والهيأة الاستشارية تدير العمل بين مؤتمرين حسب برامج  المتمر الأخير وتوصياته وتقدم  التقارير التي توضح ما قامت به إلى المؤتمر التالي...

أ ـ  يحدد كل مؤتمر أعضاء الهيأة الاستشارية وعددهم.

ب ـ عضو الهيأة الاستشارية يتحمل مسؤولية شخصية وتضامنية عن كل القرارات والأنشطة التي تقوم بها الهيأة الاستشارية.

ب ـ  تنتخب من بين أعضائها رئيسا ونائبا له وسكرتيرا  ومسؤولا للمالية. (يتم ذلك بالتصويت داخل الهيأة أو بالاستناد إلى قرارات المؤتمر ونسبة التصويت فيه). (ويتشكل من هؤلاء مكتب العمل أو السكرتارية التي تقوم بالمتابعة الإسبوعية للعمل ويوقع ثلاثة منهم على القرارات المتخذة ومنها الصرف المالي).

ج ـ تضع الهيأة الخطط التنفيذية لبرامج البرلمان وتوزّع المسؤوليات وتختار اللجان التخصصية المساعدة في إدارة أنشطة البرلمان بالتشاور مع أعضاء الهيأة العامة).

د ـ مهام أعضاء مكتب العمل أو السكرتارية (لجنة المتابعة):

1 ـ متابعة تنفيذ البرنامج بشكل مباشر ويومي..

2 ـ تمثيل أعضاء البرلمان وذلك بنقل تصوراتهم وآرائهم واقتراحاتهم للهيأة الاستشارية

3 ـ تجسيد رؤية أعضاء الهيأة العامة في متابعة نسبة الإنجاز واحترام رؤاهم المشتركة ووضعها موضع التنفيذ ..

4 ـ  معالجة المستجدات في الساحة الثقافية وإيصالها إلى أعضاء البرلمان في الوقت المناسب ..

5 ـ  اتخاذ المواقف وتقديم المقترحات والتصورات المناسبة وما ينبغي فعله تجاه أية متغيرات أو قضية تجابه البرلمان وذلك بتوافر روح المبادرة والفعل لديه..

6 ـ  لجان الاختصاص:

يتم توصيف أية لجنة يرى المؤتمر ضرورة تشكيلها ويوصي اللجنة الاستشارية بدعوة الأعضاء المناسبين للعمل فيها.ومن هذه اللجان المقترحة : اللجنة الإعلامية .

لجان الفروع: يكون للبرلمان فروع في كل دولة أوروبية تمثل لجان أو هيئات إدارية أو استشارية تنسق العمل وتقوده في تلك الدولة وتمثل المثقفين هناك ويمكن للمنظمات الموجودة بالفعل أن تنهض بمهمة التمثيل إذا ما كانت تضم كل المبدعين العراقيين في إطار تشكيلها في دولة أوروبية بالتحديد... أي تكون الهيأة الإدارية لتلك المنظمة هي الجهة الممثلة من دون صحة حالة تعدد أوانقسام أمر تمثيل المثقفين وابتعاده عن التوحيد أي بالعمل من أجل توحيد القوى والمنظمات بطريقة القناعة والتوافق الطوعي..

 

 

الباب الخامس:

متعلقات تنظيمية 

1ـ  يتم حلّ البرلمان في مؤتمر عام وبأغلبية ثلثي أعضائه مع إعلان النتائج وذكر الأسباب المسوّغة للقرار.

2ـ  تنتقل أملاك البرلمان ـ في حالة حلِّه ـ إلى أقرب هيأة عراقية مشابهة في تكوينها وأهدافها.

3ـ  يتحدد مفهوم المثقف أينما ورد في هذا النظام بكل مَنْ قدّم إنجازا فنيا أو نشر عملا أدبيا أو بحوثا أو دراسات أو مشهود له بقراءة نقدية يُعتدّ بها أو له مساهمة أكاديمية موثقة أو معروفة.

4ـ  شروط الترشيح لعضوية الهيأة الاستشارية

     ا ـ   أنْ يمتلك المرشح لعضوية الهيأة الاستشارية إنجازا ثقافيا أو فنيا أو أكاديميا.. وأنْ يمتلك السمعة الأدبية والإبداعية المميزة بين زملائه..

    ب ـ  ألا يكون المرشح منتمِ ِ إلى تنظيمات ارتبطت بالنظام الدكتاتوري البائد أو بجهات دولية دعمته في تدمير العراق شعبا وحضارة..

     ج ـ  أنْ يعتذر عن الترشح كل مَنْ أساء إلى الثقافة الوطنية العراقية وإلى المثقفين والفنانين العراقيين في حال ترشيحه من آخرين ..

      د ـ    أنْ يمنع ترشيح جديد لكل  عضو في البرلمان ثبت إساءته على النحو الآتي:

              ـ  تحقيق مكاسب شخصية بالمتاجرة بقضية الثقافة العراقية وإساءة استخدام اسم البرلمان.

              ـ  الإساءة للآخرين أفرادا وجماعات.

              ـ  الإنفراد بالقرارات وتجاوز الآخرين والتعامل الفوقي مع أعضاء البرلمان.

              ـ  إقامة التكتلات الشللية داخل البرلمان على أسس عرقية أو عنصرية...

              ـ  أساء استخدام مالية البرلمان بشكل نفعي شخصي..

    هـ ـ   أنْ يكون متفرغا للعمل في إطار الهيأة الاستشارية للبرلمان أو لديه إمكانات عمل المتفرغ..

     وـ    ألا يترشح العضو لأكثر من مرتين لعضوية الهيأة الاستشارية أو على الأقل يمتنع عن الترشيح في ثلاث دورات متعاقبة.

     زـ أنْ يحترم آراء اللجان الاختصاص الموجودة في إطار البرلمان.

 

 

 

 

 

هـ ـ لجنة الخبراء: يمكن حذف هذه الفقرة كونها مبكرة على العمل مع أنها مفيدة ... هناك عدد من الزملاء يودون العمل من خارج التنظيم المباشر المكلف بالأمور الإجرائية التفصيلية وما إليها.....

 

مشروع القانون الأساسي الخاص بلجنة الخبراء
في         البرلمان الثقافي العراقي في الخارج (المهجر)

 

مادة 1   : لجنة الخبراء  لجنة مختارة  تعمل في إطار هيئات البرلمان وتساعد على تعزيز أنشطته وفعالياته وتطويره.

مادة 2   : تتشكل اللجنة من عدد من الزملاء أعضاء البرلمان ممن تميزوا بعمق الخبرة  وسعة التجربة ومن المشهود لهم بالموضوعية وروح المسؤولية والحرص على مستقبل الثقافة في العراق مع أحد أعضاء الهيأة الاستشارية .. ويتم اختيار الأعضاء بالمداولة في أول اجتماع للهيأة الاستشارية وبالرجوع إلى آراء الهيأة العامة وأعضاء آخر مؤتمر للبرلمان.

مادة 3   : صلاحيات اللجنة : تتحدد سلطة لجنة الخبراء في إطار تقديم النصيحة أو المشورة عند الاعداد   لمشروع أو قرار أو نشاط تتخذه الهيأة الاستشارية. وللجنة الخبراء أنْ تطلب انعقاد الهيأة العامة للبرلمان(عبر الهيأة الاستشارية) إذا رأت ضرورة ماسة أو طارئة لمثل هذا الانعقاد وعليها أن تقدِّم ذلك   في ( ورقة ) مسبَّبة يحدَّد فيها موضوع الجلسة..

مادة 4   : مهام اللجنة وضوابط عملها :

             فقرة 1:  تجتمع لجنة الخبراء اجتماعا فصليا ـ كل ثلاثة أشهرـ وكذلك تدعى للاجتماع قبل الأنشطة المركزية للبرلمان , ويحضر أعضاؤها اجتماعات الهيأة الاستشارية عند الضرورة  وذلك بدعوة من تلك الهيأة..

            فقرة 2 :  تطّلعْ لجنة الخبراء على برامج البرلمان والقرارات المتخذة ولها أنْ تبدي المشورة في  ذلك.

            فقرة3  :  يُركن إلى مشاورة اللجنة بخصوص الإشكالات التي تصادف عمل البرلمان وعلى اللجنة أن  تتخذ قرارا جماعيا في الإشكالات العقدية التي تُسْأل بصددها .. وفي حالة عدم الاجتماع يُدوَّن القرار ويعمل العضو المكلَّف من الهيأة الاستشارية على استحصال المشورة أو القرار من الزملاء أعضاء لجنة الخبراء في صورة محضر مدوَّن ويحمل توقيعات أعضاء اللجنة.

          فقرة 4  :  تدوِّن لجنة الخبراء اجتماعاتها وتوصياتها واقتراحاتها في محاضر يتم تفريغها في ملخص عام وتُقدَّم في صيغة تصورات استشارية إلى اجتماع الهيأة العامة وإلى المؤتمر العام  للبرلمان.

مادة 5    : قرارات لجنة الخبراء توجَّه إلى الهيأة الاستشارية للبرلمان بعد إقرارها بالأغلبية وتنهض الهيأة  الاستشارية بمهمة الإفادة من هذه القرارات والتوصيات في حدود ما تسمح به ضوابط العمل داخل  البرلمان ونظامه الأساس [الداخلي].

مادة 6   :  لأعضاء لجنة الخبراء طلب المعلومات الضرورية في أية مفردة من عمل البرلمان وعلى الزميل المكلف من الهيأة الاستشارية نقل هذا الطلب وما يتضمنه من تساؤلات وتوفير الإجابة المطلوبة في حدود زمنية مناسبة.

مادة 7   :  للجنة الخبراء الطلب بتغيير أحد أعضائها على أن يحظى الطلب بإجماع الهيأة الاستشارية ولجنة الخبراء ويكون مسببا بشكل موضوعي..

مادة 8   :  تُخاطب الهيأة الاستشارية أعضاء لجنة الخبراء وتعلمهم بالتشكيل النهائي للهيأة وباسم العضو المكلف ويرفق مع الخطاب الأول صورة ضوابط العمل وشروطه مع نسخة النظام الأساس [الداخلي] ونسخة  البرنامج العام للبرلمان وهيكل الهيأة الاستشارية وتوزيع المسؤوليات فيها.. 

مادة 9   :  لا تتحمل لجنة الخبراء أية مسؤوليات قانونية بشأن قرارات الهيأة الاستشارية وذلك بناء على  مسؤوليتها بالمشورة التي تحمّلها مسؤولية اعتبارية أدبية فقط أمام المؤتمر العام تنتهي بتقديمها   ملخصا لتصوراتها بشأن عمل البرلمان وأنشطته وتوصياتها أو اقتراحاتها بصددها إلى ذلك  المؤتمر...   

 

 

 

 

 

 

تم كتابة هذا البرنامج قبل سنوات عند انتخاب البرلمان الثقافي العراقي في المهجر لهيئاته التنفيذية

 

الرجاء هنا يمكن التقديم والتأخير والحذف والاستبدال الجزئي أو الكلي كما ينبغي أن نتذكر أن هذه الورقة أخذت من ورقة الزميل أحمد رجب وعدد من آراء الزملاء الآخرين... لذا ينبغي الالتفات إلى هذه الإشارة قبل القراءة.. أقترح أيضا أنْ يكون السقف الزمني للمناقشة ليس أكثر من عشرة أيام أو أسبوعين بغاية الإعلان عن البرنامج والنظام الأساس ويمكننا دفع الدعوة للزملاء كافة قبل إقرار البرنامج والنظام على ~أساس أننا نملك قرارا بضرورة التوافق على أوليات ليس فيها من التعقيد حتى نتوقف ولدينا هنا ورقة يمكنها أن تُنسَف ولكن يجب أن نأتي ببديل في ظل السقف الزمني ...

برنامج البرلمان الثقافي العراقي

مهام عاجلة أمام المثقفين العراقيين

                         

 

                                   

  منذ أكثر من سنة وعراقنا يجابه ظروفا شديدة التعقيد متشابكة في آثارها السلبية التي طَفَتْ على السطح, فأولا عرَّضَ الطاغية المهزومُ بلادَنا لحربِِ جديدة لم يتركْ للشعبِ فرصة الإفادة من بعض نتائجها وبالتحديد حالة هزيمته وسقوطه وخلاص وادي الرافدين والإنسانية من وجوده المَرَضي الكارثي؛إذْ عاث أيتام نظامه المقبور في البلاد فسادا.. ومن ذلك جرائم كثيرة كان من بين أخطرها تعريض أمن المواطنين للمخاطر والاستمرار في تهديدهم في حياتهم, ونهب آثار سومر وبابل وأكد وآشور والعمل على تهريبها عبر عصابات منظمة هي التركة التي لم يألُ النظام الدكتاتوري البائد جهدا لتشكيلها وتركها تترعرع خدمة لمصالحه ومصالح أزلامه..

                             وفي ظل هذه الأوضاع الاستثنائية, تقف أمام ثقافتنا مهمات كبيرة.. وعليه فإنَّ مثقفينا يتحملون مسؤولية تاريخية بمواجهة مثل هكذا قضايا معقدة شائكة. ذلك أنَّ الأمر لن يقف عند مسألة إصدار بيانات شجب واستنكار للجرائم المرتكبة. فمن دون عودة كلِّ الآثار المنهوبة ومن دون إعادة إعمار كلِّ ما تمَّ تخريبه من صروح حضارتنا وثقافتنا العراقية, ذات الجذور التاريخية التي تمثل تراث الإنسانية جمعاء, لايمكن لعراقنا أنْ يستعيد مسار حركة تطوره وحياته الطبيعية. إنَّ مهماتنا تكمن في البدء بتركيز الجهود التي تنادت هنا وهناك بهذا الشأن. وتطوير الأنشطة الفردية إلى فعاليات جمعية والتحول النوعي بها وذلك عبر توحيد جدي وحقيقي يصبّ في حملة دولية متكاملة محدَّدة المسار والخطوات ويتقاسم مثقفونا وتجمّعاتهم النوعية الأدوار المتعاضدة المتكافلة .. وفي هذا الإطار يمكن أنْ نقرأ المهام الآتية بوصفها من أولويات عملنا الحالي:ــ

 

1ـ   أنْ يستجيب البرلمان للوضع القائم في بلادنا وأول ذلك أنْ تعقد سلسلة ندوات ومحاور نقاش تركز على ما يمكن أنْ يقدمه المثقفون للوطن والشعب, على أنْ يؤخذ بعين الاعتبار مسألة جدلية العلاقة في الحوار بين رؤيتين عراقيتين وما يعكسه ذلك من تصورات في كيفية صياغة مشروع إعادة إعمار بلادنا التي خرّبها النظام الدكتاتوري المنهار, الذي تواصل بقاياه المهزومة محاولات تخريبها اليوم..

2ـ   التأكيد على ضرورة التشديد بقوة على مسألة إظهار اهتمام حقيقي كافي بثقافات وادي الرافدين القديمة والاهتمام بالخصوص بالثقافة الكردية وبالكلدوـ آشورية وبكل تنوعات ثقافة بلادنا بلا استثناء أو إقصاء أو إغفال أو إهمال.. وبهذا الخصوص يجب إدراج أنشطة متنوعة تلبي تحقيق هذا الطموح العادل..

3ـ   اهتمام واجب بدور المرأة وتفعيله بشكل لا يقف عند الشعارات أو المجاملة ووضع فقرات تجميلية تكميلية للبرنامج العام بل لابد من وجودها بمقدار يستجيب لأهمية دورها في بناء صرح ثقافتنا وحضارتنا المتفتحة..

4ـ   عمل استبيانات متواصلة وذلك بتكليف شخص بالأمر أو لجنة لقياس اتجاهات الرأي العام الثقافي العراقي.. على أنْ يتم ذلك دوريا أو بما يستجيب للأحداث الجارية ..

5ـ    اتخاذ موقع للبرلمان [موقع البرلمان الثقافي الموجود حاليا على صفحات البرلمان العراقي وقد استمر موقع ألواح سومرية بعرض المبادرة فيما توقف البرلمان العراقي لحين تفعيل الأمر من جديد] ومقر معيَّن للمراسلة وليكن عنوان أحد الزملاء من أعضاء لجنة المتابعة وتزويده بالأجهزة المناسبة..

6ـ التوثيق لكل أعمال البرلمان السابقة واللاحقة وتكليف شخص أو لجنة بهذا الخصوص.. وإصدار كراس بهذه الأعمال..

7ـ إصدار أجندة عراقية هنا تتضمن تعريفا بعراقنا فضلا عن ملحق تعريفي بمبدعينا بكل التخصصات الأكاديمية والإعلامية والفنية المسرحية والتشكيلية والسينمائية والموسيقية وغيرها باللغتين العربية والكردية..

8ـ توحيد جهود الجمعيات والروابط والاتحادات الشبيهة من جهة الأهداف وذلك بغية زيادة التأثير وقدرات الإنجاز.. مع تجاوز سلبيات الماضي والاختلافات بخاصة منها غير الموضوعية أو الفردية\الشخصية في أبعادها.. على أنْ يكون زميل بعينه مسؤولا عن التنسيق لكي لا يتم الحديث عنها وتنسى بلا متابعة..

9ـ الاهتمام بمشروع تكريم المبدعين وفتح آفاقه على الداخل والمشروع موجود بين أيديكم مرفق مع هذه الورقة بغية الدراسة والإغناء والإقرار ..

10ـ العودة لدورية الأنشطة وإدامة الاتصال بجمهور البرلمان بشكل شهري في أقل تقدير كأنْ يُصار إلى ندوة الشهر في أول سبت من كل شهر على البالتولك.. مع تنويع الحوارات والملتقيات وإغنائها ..

11ـ   احتفالية الصحافة هي المفردة المهمة التي غابت أو غُيِّبت من برنامج الرابطة ولم يكن بإمكان مقترح ما أنْ يرى النور من دون دعم البرلمان وهو ما لم يحصل في واقع الأمر, هنا تنوِّه الورقة إلى خطورة الموضوع في حياتنا الجديدة ولذا تقترح أنْ يُصار إلى جلسة موّسعة تتناول الفقرات الآتية:

           ا ـ   دورياتنا بين الواقع والطموح يُدعى إليها هيئات تحرير الصحف العراقية في الخارج ((جريدة البيت العراقي \ مجلة ألواح بابلية معاصرة \ مجلة البلاتفورم العراقي \ بلاد الرافدين \ حمورابي من هولندا وأخريات من السويد وألمانيا وبريطانيا)) أو أية إصدارات عراقية معروفة في الخارج..

          ب ـ  مستقبل الصحافة العراقية في عالم متغيِّر..(عالم الإنترنت). وما مقترحات الحضور بشأن التطوير اللاحق ورفد صحافة الداخل بالدعم المناسب ومن ذلك النشر الصحفي في دورياتنا في باب يُتفق على تسميته بشكل موحّد في كل دورياتنا الصادرة هنا, فضلا عن التطوّع لإرسال المواد لإصدارات الداخل حتى انفتاح أفق جديد لها,التساؤل هنا هل يمكن لتجمع مواقع الإنترنت العراقية أنْ يقدم شيئا لو (لو فقط) جرت تغييرات تطويرية عليه؟

 

12 ـ   الحصول من المنظمات الدولية المختصة على قرار ـ يوزَّع على جميع الدول الأعضاء والمؤسسات ذات العلاقة مثل المتاحف وما إليها ـ ينصّ على منع تداول الآثار العراقية بيعا وشراء.

13 ـ   دعوة الدول التي لم توقع على المعاهدة الدولية لمنع الاتجّار بالآثار المسروقة, لكي توقع عليها, وهي حاليا حوالي 87 دولة (ومنها عدد من الدول الأوروبية) وذلك بحملة ضغط جدية وفاعلة بهذا الشأن.. ومن ذلك تطوير حملة جمع التواقيع لهذا الغرض..

14ـ   تشكيل لجنة من المثقفين العراقيين الاختصاص في كلّ أنحاء العالم حيثما أمكن ذلك تكون مهمتها دعم المؤسسات العراقية المختصة داخل بلادنا بخصوص استرجاع تلك الجواهر الثمينة المسروقة من تاج الرافدين..

15 ـ   تلتزم تلك اللجان بالاتصال بالمؤسسات المعنية ـ من متاحف ومزادات متخصصة ـ  وتتباحث معها في السبل الكفيلة بالكشف عن آثارنا المنهوبة وتوفير المعلومات الضرورية بالخصوص, مع إدخال مسألة قراءة سجلات القطع الموجودة بالفعل في عدد من المتاحف العالمية.

16 ـ    كما تنسّق تلك اللجان جهودها مع الخطط الموضوعة لهذا الهدف من قبل متاحفنا العراقية ومؤسسات الثقافة العراقية في الداخل والخارج..

17ـ    ويمكن بالخصوص إصدار أجندات سنوية باسم المنظمات العراقية في الدول الأوروبية وغيرها تحمل صور القطع الأثرية المسروقة, إعلانا عنها وتعريفا ومساعدة في ملاحقة سارقيها ومتابعة خطوات الكشف عن تلك الجرائم..

18ـ    عمل أفلام وثائقية ونشر الموجود منها والعمل على عرضها في الفضائيات العربية والأجنبية ووضع التعليقات المناسبة التي تدعم الحملة الدولية بالخصوص..

19 ـ   تتكفل دورياتنا والمواقع الموجودة على الإنترنت بعرض فقرات في الإطار نفسه ووضع الزوايا المناسبة ودعم الحملات الموجودة بالإمكانات المتاحة..

20 ـ    تلتزم المنظمات والجمعيات الثقافية العراقية وأعضاؤها بعقد الاتصالات الكافية بهذا الشأن وعلى سبيل المثال أنْ يلتزم كل مبدع بدعوة عشرة أشخاص للتوقيع على الحملات الموجودة..

وهي حملة لتوقيع الدول على معاهدة منع تداول الآثار المسروقة والتعامل بها؛ وحملة التضامن لإعادة الآثار العراقية المسروقة؛ وحملة تدعو لمحاكمة كل من لعب دورا في سرقة الآثار أو تدميرها أو تخريبها أمام القضاء العراقي بوصف ذلك جريمة بحق الوطن والشعب وجريمة ضد تراث الإنسانية وحضارتها..

21 ـ   وليس بعيدا عن هذه الجريمة أنْ نستذكر جريمة حرق المكتبات ودور التوثيق الوطنية وسرقة الإرشيف الوطني ومنه إرشيف الإعلام العراقي. وأنْ يقوم مثقفونا بمخاطبة مبرمجة بحملة منظمة وذلك عبر عقد الصلات مع المكتبات العالمية المعروفة وكذلك أية مساهمة كانت بالتبرع لمكتبات العراق الأساسية ومكتبات الجامعات والكليات وبالاتصال بالدوريات العلمية في الجامعات التي نحن على صلة بها لكي تنظّم دعما عينيا وماليا سنويا على أقل تقدير على مدى السنتين القادمتين .. 

22 ـ   دعم النتاجات المسرحية والسينمائية والتشكيلية وكل الأعمال الإبداعية حسب برنامج عمل يُتفـَق عليه وبتم تنفيذه بالتعاون مع المؤسسات ال

224
الطريق لولادة منظمة رعاية الثقافة العراقية في المهجر
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2006  02\ \08
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com
 
تتزايدُ جهودُ المثقفين العراقيين في المهجر وتتعاظم أنشطتهم من أجل تحقيق ولادة طبيعية صحية لمنظمة ترعى الثقافة العراقية ومسيرة الإبداع.. كما تشمل في رعايتها المبدع العراقي سواء من جيل الرواد أو المحدثين؛ ومن الطبيعي أنْ يتمَّ استنهاض الهمم في مرحلة جديدة يحياها العراق الجديد، وأنْ يتصاعد بذل الجهود لإعادة ترميم البيت الثقافي وتصحيح ما جرى تشويهه في بلادنا طوال العقود الأربعة الأخيرة..
وقد اُقتُرِح في الآونة الأخيرة مشروعات عديدة بالخصوص مثلما عالجت كتابات ودراسات بعينها الوضع الثقافي في العراقي بالتحديد منه مسيرة الإبداع الثقاقي العراقي في المهجر بالتعاضد مع يُقترَح اليوم في الوطن. وبالعودة إلى جوهر تلك المقترحات كانت الدعوة الأساس تستند إلى مؤتمر وطني عام لجمهور الإبداع الثقافي، بما يعود على المثقفين من تبني مشروع لإقامة برلمانهم الثقافي واتحادهم الذي يرعى شؤونهم كافة.. ومنها بالخصوص رعاية المبدعين في لحظاتهم الحرجة أو الطارئة..
فلقد ظهر جليا وضع المثقف العراقي، عندما تعرض في الآونة الأخيرة عديد من مثقفينا لأزمات حياتية هددت أوضاعهم الصحية لأسباب تتعلق بانتفاء القدرة على مجابهة  المتطلبات المادية أو الكلفة اللازمة لإجراء عملية جراحية أو تأمين رعاية أمر من أمور حيواتهم اليومية المهمة في ظروف المنافي القصية التي اُضطُروا للإقامة فيها...
ولأنَّه من المعيب لشعب ودولة كالعراق أنْ تمضي الأمور بطريقة إذا ما تكررت على الشاكلة التي حصلت في المدة الأخيرة فستكون صورة استجداء فيما يحق للمثقف العراقي بعد عقود العمر التي أفناها في خدمة الوطن وقضيته حتى وهو في مهجره ومنفاه، فإنه يحق له أن يحظى بترتيب مناسب لرعايته ليس بكدية ولا بمكرمة من أحد حتى لو كان هذا الأحد زعامة وطنية مخلصة وعمله عمل وطني نزيه.. لأنَّ الأصل في الأمر هو أن تنحو الأمور باتجاه تأمين الرعاية الكاملة التامة من جهة منظمة تختص بشؤون الثقافة والمثقفين، وهذه الجهة تظل مدعومة دعما رسميا صريحا ومنظما مرتبا بطريقة موضوعية كريمة..
ومن هنا كان مقترح كاتب هذه الكلمات المتنوع  في شؤونه وهموم عديدة عالجها، منصبا على صندوق رعاية المثقف المبدع الأكاديمي في الأزمات والطوارئ مثلما يتناول بمعالجته دعم شؤون حياتية مهمة أخرى للإبداع والمبدعين من مثل رعاية الأعمال الإبداعية ودعم المشاريع الثقافية الغنية بصيغ مختلفة من أشكال الدعم المادي والأدبي الاعتباري من مثل رصد الميزانيات لتلك المشروعات الإبداعية وتخصيص الجوائز الرسمية المميزة للمبدعين كما في مقترح جائزة سومر للعلوم والآداب والفنون...
ومن الطبيعي أن تأخذ المقترحات صيغتها الرسمية بالاعتماد الرسمي لها سواء بتعميد من إمضاء أعلام الثقافة الوطنية العراقية أم بواجب مفروض على مؤسسات الدولة العراقية الجديدة بكل معطيات تكوينها وتسيير أنشطتها.. لأن جعل الأمر بهذه الطريقة الرسمية هو الإمكانية المنتظرة (أشبه بالوحيدة) لوقوف المشروع على قدميه بدعم جدي مناسب لا يعقبه أيّ تحكم بتوجهات الثقافة بسبب من ذياك الدعم الحكومي منه...
وعليه سيكون من الصحيح من جهة المثقفين المبادرين بأي مشروع جديد أنْ بلتزموا بقراءة أهم التجاريب التي أنشأها المثقفون العراقيون طوال زمن الشتات والمنافي منذ العام 1978 بل منذ ستينات القرن الماضي وظهور جماعات الفن الحديث وما إليها.. مرورا بما بعد التسعينات والمحاولات الثقافية الأخيرة كما في البرلمانات والاتحادات الثقافية التي ظهرت في السنوات الأخيرة..
ذلك أنَّ تجاوز تلك المنظمات المهمة وتجاريبها أمر غير مقبول بالمرة فمنطق البداية من الصفر منطق لا ينسجم ولا يتسق مع جوهر الثقافة ومعطياتها حيث يستند ذياك الجوهر إلى تاريخ عريق متصل ومستمر من التجاريب الغنية.. كما أن ذاك التجاوز سيوقعنا في أزمة المحدودية والتشرذم والاختلاف.. في وقت نحن أحوج ما نكون لأن نتحول من زمن انفراط العقد والتشظي والتمزق إلى زمن الوحدة في كينونة قادرة على تلبية مطالبنا والاستجابة للحاجات الكبيرة للإبداع والمبدعين العراقيين..
كما ينبغي اليوم التأكيد في مشروعنا على منع كل أشكال الإقصاء والتهميش بمقابل تفرد مجموعة أو أفراد أو جهة أو شلّة أو ما شابه. فهذا الأمر الذي أصاب الحياة السياسية إذا ما دخل المشهد الثقافي سيصيبنا في مقتل لا رجاء في شفاء بعده؛ لما للوضع المستجد من طبيعة وخصائص، بعد زمن طويل ومسيرة أبعد من التجاريب الفردية والجمعية التي تحكمت بها ظروف الأمس المعروفة..
وهذا يحيلنا إلى لجان تحضيرية تشترك فيها القوى الثقافية الفاعلة من منظمات ومبدعين من الذين يحملون خزين التجاريب السابقة والقائمة لكي يسيروا بالمشروع إلى برِّ الأمان عبر قراءات موضوعية ترتقي لمستوى المسؤولية المؤملة. وتتحول للجنة تجمع كل ما يرسل لها لتقدم أوراقا متكاملة للمشروع إلى مؤتمر تاسيسي للمنظمة الثقافية العراقية الموحدة..
إنَّ التدرج في نسق العمل بدءا بجمع الرؤى وإعادة القراءة والصياغة وتوزيع مشروع مقترح وإعادة مناقشته ومن ثمَّ إعادة ترتيب الأوراق وعرضها على المؤتمر التاسيسي للإقرار هو أمر مطلوب بإلحاح وإلا فإنَّنا سنوقع أنفسنا في مطبّ الأحادية والفردانية والتشظي من جديد بما يحيق ليس بالمشروع بل بآمال الثقافة العراقية والمثقفين المبدعين بمخاطر بعيدة من إحباط وخيبة أمل قد لا ننهض بعدها بسهولة أو من دون عقبات كبيرة..
لنقلْ كفى لكل المشروعات الجزئية ولننتهِ من مشروعات لا ترقى لمستويات الإبداع والانتاج الثقافي العراقي ولنعدْ إلى الاحتفاء الكريم بعلمائنا وأكاديميينا ومبدعينا كما كان زمن التكريم السومري البابلي وكما كان زمن دار الحكمة والجامعة المستنصرية وكما نريده اليوم لمثقفنا ولثقافتنا حيث الموقع الذي يحيل إلى حقيقة مرجعية العقل العراقي لا للعراقيين حسب بل وللمنطقة والعالم.. وهم جديرين بهذا الموقع من خلال مساهماتهم العظيمة في حركة الثقافة الإنسانية المعاصرة..
ولكي يحترمنا أصحاب الخطابات الأخرى وبالتحديد ألا يتقدم علينا السياسي بطريقة سلبية ولكي نحظى بفرص جدية[ولنخلق بأنفسنا تلك الفرص]  لنقدم خطاب الثقافة ونثبِّت دوره الوطني الكبير  بل الأساس لانطلاق عملية إعادة إعمار الذات؛ لكي يتحقق ذلك لابد من كلمة موضوعية في مسيرة مقترح إنشاء منظمة الثقافة في الوطن والمهجر ومعالجة جمعية واعية بالخصوص...
إنَّ تكاملنا وتفاعلنا ومنعنا الإقصاء والتهميش وتقديمنا للغة جدية جديدة في خطابنا هو أمر أكثر من مفيد، فهو ملزم لنا جميعا وليحضر معنا في مشروعنا حتى روادنا الراحلين باستحضار رؤاهم وأفكارهم ووضعها معنا عند صياغة كل مفردة من مفردات مشاريعنا الثقافية المخلصة الوفية للحق ومنطقه.. وبخلافه لن تعدو أنشطتنا عن حركة تولد سقيمة لا تغني ولا تسمن..
فهل وجدنا لأنفسنا طريقا للقاء والتفاعل في كنف اسمنا العراقي وفكرنا الإنساني التنويري المتفتح؟ هذا ما ستؤكده أنشطتنا القابلة وأيامنا التي تكاد شموسها أن تنبلج عن صبح جديد عسانا نؤكد صحوه ونقشع عنه تلبد الغيوم ليكون سحابا يمتلئ بغيث التحضر والتمدن المؤمل في مشروعنا الجديد...
 
لمزيد من الاطلاع على مشروعات الثقافة المقترحة نرجو تفضلكم بزيارة الرابطين الآتيين:
 
http://www.somerian-slates.com/p374.htm
 
http://www.somerian-slates.com/p373.htm [/b] [/size][/font]
 
 

225
تجديد مطالبة رابطة بابل للكتّاب الديموقراطيين  العراقيين بتحرير الشخصية الوطنية العراقية شاكر الدجيلية والكشف عن مصيره وما جرى له بعد اختفائه في سوريا

تستمر قوى الشرِّ والإرهاب بأفاعيلها الإجرامية التي ترتكبها بحق أبناء العراق يوميا بخاصة منها التصفيات الجسدية التي تتعرض لها نخبة الفكر والثقافة من قادة المجتمع من الشخصيات الوطنية النبيلة التي تشكِّل العقل العراقي..  وتتعمق تلك الجريمة الكارثية وتتزايد بتلك المطاردات التي تقتفي  خطى أبناء عراقنا الأشراف وهم يجوبون منافيهم ومهاجرهم حيث تصر قوى الجريمة على متابعة التصفيات الدموية الجارية في الوطن بتلك التي يديرونها خارج التراب الوطني  في أقاصي المهاجر والمنافي...

 وكانت رابطة الكتّاب الديموقراطيين والبرلمان الثقافي العراقي قد أشارا إلى جريمة اختفاء الشخصية الوطنية العراقية الدكتور شاكر الدجيلي بُعيد هبوطه في مطار دمشق بقليل! ولم يرد لعائلته ولحزبه وللجهات المطالِبة به أية معلومات مفيدة منذ الحادي والثلاثين من آذار مارس الماضي يوم اختفائه وحتى يومنا هذا.. على الرغم من كثافة الحملة الوطنية والدولية والمناشدات الرسمية والشعبية الموجهة إلى السلطات العليا في سوريا..

وإذ نعبِّر هنا نحن أعضاء رابطة بابل للكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر عمّا يساورنا من شديد القلق على مصير زميلنا وحياته نشدِّد على وجوب التعاطي مع القضية بمستوى المسؤولية للكشف الفوري عن حقيقة اختفاء السياسي العراقي مستشار الجمعية الوطنية السيد الدجيلي في دمشق..

وفي الوقت الذي كنّا قد حملنا فيه الحكومة السورية مسؤولية ما جرى ويجري لزميلنا ووجوب إنهاء حالة الاختفاء أو طمس المعلومات، فإننا طالبنا الحكومة العراقية برئاساتها الثلاث وبوزارتي حقوق الإنسان والخارجية أن تتحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والتدخل الجدي وبأعلى مستوى لمتابعة القضية لدى الجهات المعنية حتى الانتهاء منها بالتمام؛ لكننا لم نتلق أية استجابة من اية جهة رسمية ولم تتابع معنا اية جهة وسائل الحل..

ومن هنا وتوكيدا لمسؤولياتنا الأخلاقية والأدبية فإننا نناشد كل الجهات المعنية بحقوق الإنسان أن تتصدى للقضية ونقترح أن تتشكل لجنة تحقيق بالخصوص للمتابعة بشأن الإجراءات المتخذة من الجهات المسؤولة في سوريا ولتفحص مصداقية العمل وشفافيته لإنهاء ماساة السيد الدجيلي وعائلته وزملائه بعد أن مضى وقت أكثر مما يمكن تحمله وقبوله في التعاطي مع احتجاز أو إخفاء مواطن عراقي مغيَّب...

ونحن أيضا نسائل منظمات الأمم النتحدة المتخصصة أن تنهض بمهامها ومسؤولياتها بالخصوص والتدخل العاجل للتحقيق في أسباب الاختفاء وفي جملة الإجراءات المتخذة والنتائج التي تم أو سيتم التوصل إليها بالخصوص...

ونناشد هنا بالمناسبة جميع منظماتنا وقوانا العراقية أن ترتقي لمستوى مسؤولياتها وتصعِّد من مطالبتها بالكشف عن مصير زميلنا وإنهاء مأساته.. ولتكن رسالتنا الجمعية والوطنية العراقية تأكيدا على توحدنا وتوافقنا على أعلى مستوى اهتمام عندما يتعلق الأمر بمصير العراقي وحقوقه ومصالحه..

ونحن أعضاء رابطة بابل للكتّاب والفنانين الديموقراطيين والبرلمان الثقافي العراقي نتعهد بمتابعة قضية الدكتور شاكر الدجيلي وقضية كل عراقي آخر مشدِّدين على الحرص والوفاء لحقوق العراقيين  من أجل غد أفضل، غد ملؤه الأمان والاستقرار ومن أجل منع الاعتداءات التي كانت تحصل لعراقيينا بسبب من إهمال سلطة الطاغية المهزوم لمصالح العراقي فيما نحن اليوم على موعد مع تكاتف العراقيين ووحدتهم وتضامن الشرفاء في كل أنحاء العالم مع عراقنا الديموقراطي الفديرالي الموحد، عراق حماية العراقيين وتأمين حيواتهم ومصالحهم وحقوقهم..

الدكتور تيسير الآلوسي
رئيس رابطة بابل للكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
لاهاي هولندا 24 ديسمبر2005[/b][/size][/font]

 

226
الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك
عطاء متواصل في بناء الإنسان

الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك هيأة علمية تختص بكل ما يتعلق بالتعليم العالي وتخريج الكفاءات العلمية المتخصصة والملتزمة بواجبها الأكاديمي العلمي والانساني، وتهيئتها للمساهمة في النهوض بالحضارة الإنسانية المعاصرة عامة والعراقية خاصة.

أنشئت الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك في مطلع العام الحالي (2005) بجهود فردية من لدن نخبة من العلماء والأكاديميين العراقيين في المهجر بوصفها مساهمة رائدة من قبل أبناء الوطن في إعادة بناء الإنسان العراقي الذي تعرض للتخريب والتغريب ردحاَ طويلاَ من الزمن ولتوفير فرصة حقيقية وجدية أمام أبناء الوطن لمواصلة تحصيلهم العلمي للمساهمة في غد عراق مشرق.

باشرت الأكاديمية العربية المفتوحة بقبول الطلبة في مجالات التخصص الإنساني وبفروع وخطط دراسية جمعت الحداثة مع المحافظة على الإرث الحضاري الموروث. وقد انتمى إلى الأكاديمية في الفصل الدراسي الأول  عدد كبير من الطلبة. و زودت الأكاديمية طلبتها بالحقائب التعليمية بمدة قياسية مناسبة من بدء الدراسة الفعلية.
كما باشر أساتذة الأكاديمية يإلقاء محاضراتهم التخصيصية على الغرف التعليمية التي استحدثتها الأكاديمية على الانترنيت،  ووفرت أساتذة من حملة الشهادات والالقاب العلمية الرفيعة  للاشراف على طلبة الدراسات العليا. كما سارعت في الاتصال بوزارة التعليم العالي العراقية لتسجيل الأكاديمية  بوصفها جامعة عرقية أهلية تعمل خارج التراب الوطني.
كما قدمت وثائق اعتمادها إلى كل من اتحاد الجامعات العربية ومجلس التعليم العالي في إقليم كردستان. وبناء على ذلك تسلمت الأكاديمية رسائل إيجابية من الأطراف كافة وهي تواصل اتصالاتها من أجل أن تنال الأكاديمية القبول والاعتراف الذي هو في الأفق من دون شك إلا أن التقاليد الأكاديمية تتطلب من قبل الجهات المعنية الدراسة والتفحص وجملة من الإجراءات الرسمية التي تتطلب الوقت كما يعلم من هو مطلع بهذا الشأن. ولعل أفضل دليل لقناعتنا باستكمال إجراءات الاعتراف الرسمي هو مواصلة العطاء والبناء بتطوير الفعاليات البحثية العلمية والدراسية.
ويمكن أن نذكر هنا توجه الأكاديمية لتأسيس مركز إعلامي خاص ودار للنشر فيها مع قرب إصدار دوريتها الأكاديمية المحكَّمة إلى جانب اشتراك أعضاء الهيأة التدريسية في مؤتمرات بحثية دولية وإقليمية وتقديمهم مقترحاتهم بالخصوص باسم الأكاديمية العربية المفتوحة مثل الشروع بتاسيس مركز الدراسات والبحوث البيئية التي تخدم أوضاع البئة في بلادنا وتقديم المعالجات المؤملة بالخصوص...
والتقى مسؤولو الأكاديمية بسفراء العراق في عدد من الدول الأوروبية للتنسيق وتقديم الخدمات العلمية الأكاديمية وتطوير العمل ووضعه في مساره الصحيح.  وواصلت الأكاديمية جهودها الحثيثة وسط المجتمع الأوروبي ومؤسساته الأكاديمية وقد استطاعت إقامة علائق طيبة مع البرلمان الدنماركي ممثلاَ بالسيد كلاوس بيغيو الذي وعد معالي رئيس الأكاديمية في لقائه الذي تم في مقر البرلمان في 17/11/2005 على دعم الأكاديمية في كل المجالات الممكنة بدءا من مطلع العام القادم بوصفها مؤسسة رائدة تهدف إلى التواصل والتكامل الحضاري للشعوب مثمناَ الجهود الكبيرة التي بذلت لإقامة مثل هكذا صرح تفتخر به الدانمارك لانطلاقه من أراضيها وإنشائه عليها. كما استطاعت الأكاديمية إيجاد روابط وصلات طيبة مع الجانب السويدي وبجهود أعضاء الهيئات التدريسية فيها حيث منحت إحدى الجهات السويدية مبنى في مدينة مالمو ومن دون مقابل ليكون مقر فرع الاكاديميه فيها.

بعد النجاحات المتواصله للاكأديمية افتتحت باب التسجيل للفصل الثاني في الأول من شهر نوفمبر 2005 ولغاية الاول من فبراير 2006 . لذلك تهيب الأكاديمية الراغبين في الدراسة الاتصال بها عبر الهواتف التاليه:

0045/46369591
0045/27337919
0045/21207799

ولزيادة المعلومات يمكن زيارة موقع الأكاديمية على الرابط الآتي:
www.ao-university.org

مع تحيات المكتب الإعلامي في الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك
[/b][/size][/font]

 

 

227
تصريحات قادة قوائم انتخابية وأنشطتهم تجاوزت الخطوط الحمر  لمصالح شعبنا!!؟

وجوابنا الشعبي القائمة العراقية الوطنية 731

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  12\ \11

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

أنْ تكون اتهامات موجهة لطرف أو شخصية مسألة ممكنة ومحتملة في إطار الهبوط بمستوى الحملة الانتخابية وتدني الثقة بين أطرافها ووجود أسباب ودواعي للأمر. وأنْ يأتي قادة قائمة انتخابية ويقرّون بكل وضوح وبلا لبس بعلاقاتهم الصريحة المتينة مع قوى إقليمية أمر يمكن التغاضي عنه لأنه ليس من أولويات شعبنا في راهنه.. ولكن أنْ يأتي هؤلاء القادة وهم الذين يتحكمون بمقاليد الدولة العراقية اليوم ليقولوا: إنَّ وجود أصابع لتلك القوى الإقليمية هو من مصلحة شعبنا فأمر أكثر من غريب وأصعب من أن يجد فرصة للتقبّل بل من الاستحالة بمكان لأي وطني تمرير التدخلات بمخاطرها المعروفة بله المفضوحة...

تمنيت لنفسي أن أكون يومها في موقع المناظرة لمساءلة (معالي وزير الأمن الوطني والقومي في عراق حكومة نسبة الفساد الأول عالميا ودولة الطوائف التي يجري تخليقها في ظلال تلك الحكومة).. وها أنا ذا أتحدث بناء على تصريحات سافرة تنص على قبول (توصيف) مقدم برنامج فضائية العربية بوجود تدخلات مخابراتية سياسية عسكرية...إلخ أنماط التدخلات ولكن تلك التدخلات على وفق معالي الوزير ليست مضرة وليست ضد الحكومة الصديقة بطاقمها كاملا لحكومة الملالي القابضة على أنفاس ورقاب شعوب إيران!!!

والأمر قبل تلك التصريحات مفضوح أمام أعين أبناء شعبنا العراقي يرونه في تفاصيل يومياتهم المعتادة حيث لم يعد بخافِ ِ على أحد وجود اطلاعات [المخابرات] الإيرانية تجوب وتصول في بلادنا وليس من رادع!! وكيف يكون الرادع والحكومة في أضعف توصيف لها صديقة للملالي وفي حقيقتها تحتضن عناصر تدافع عن حقوق إيران [الملالي] أكثر مما تتحدث مجرد حديث عن حقوق العراقيين!؟

ألم يبادر زعيم الائتلاف للتصدي لتعويضات الحرب التي طحنت شعبنا وشعوب إيران وتقديمها هدية للملالي المجلببين المعممين في أول يوم له لتسنمه منصب الرئاسة العراقية! ألم يبادر السيد إلى إعادة أكثر من نصف المجتمع لأغلال العبودية وعصر الحريم الغابر! ألم يبادر رئيس الحكومة في أول أيامه بأول قراراته إلى إطلاق سراح الإيرانيين! ولنتساءل هنا مجرد تساؤل لماذا كان سهلا العفو عن الإيراني فيما صعب على السيد معالجة أوضاع المعتقلين العراقيين لا إطلاق سراحهم؟ وبالمناسبة: أليس معتقلونا أولى بالنظر في أوضاعهم وهم جزء من رعية فخامة رئيس الوزراء........ ولكن كيف لأحد منّا يا أبناء شعبنا أن يتساءل عن حقوقه ونحن ندري سويا ما حصل من تعذيب ثم إعدام لأفراد من الجيش العراقي وتعذيب لمئات من السجناء في عراقنا الجديد الذي سعينا ونسعى من أجله؟؟؟؟

وتلك بعد كل كلام وقبله تظل مصيبة أن يدلي وزير الأمن الوطني بتصريح على الملأ يقول فيه نعم وبلى لدينا قوى أجنبية ولكنهم أصدقاؤنا لن يؤذونا فنحن أصدقاء لهم ويالسخرية القدر من مثل هذه الكلمات، هل الصداقة تعني أن يتدخل الصديق في شؤون بلادنا؟ وأن نترك له أن يخترق مؤسساتنا الأمنية ويجري التحقيقات التي يريدها من مواطنينا في سجوننا؟؟؟ هل الصداقة تعني أن يعتقل من يريد ويغتال من يريد ويستبيح ما يريد استباحته؟؟!!!

هل لعراقي نبيل شريف أن يقبل لنفسه أن يرى قوات دولة أخرى وشرطة دولة أخرى وميليشيا دولة أخرى وقوات أمن دولة أخرى تسرح وتمرح في بلاده وتتحكم فيه وبتفاصيل يومياته ولا يقول كلمة حق تنصف ذاته المصادرة المستلبة بخيمة راية الطائفية المريضة؟ ماذا سنقول لأبنائنا وبناتنا وسيدات خدورنا في [شراكة] قوى إيرانية للسلطة والحكم.. ألا يكفي الملالي ما لديهم من وكلاء من المليشيات التي ما زالوا يدفعون أجورها حتى يومنا؟؟؟ أم أنهم لا يثقون بوكلائهم فأتوا بأنفسهم ليخترقوا كل الخطوط الحمر والصفر ولا خضر في وطن الخضرة والسواد في ظلال الرايات السود!!!

إنَّ تصريح معالي  وزير الأمن الوطني بأنَّ تدخّل الجارة الصديقة إيران [القصد حكومة الملالي  إذ الشعوب لا يد لها لتتدخل] هو من مصلحتنا لا يقصد به سوى مصلحة الحكومة الطائفية القائمة بكل ممارساتها ومنها فضيحة تعذيب المعتقلين التي حاولوا التستر عليها مرة بأن [العدد] لا يستاهل!!!!! ومرة بأن المسألة تهمة لم تثبت بعد!!! وأخرى بأن المعتقلين المعنيين هم إرهابيون [فإذا كانوا إرهابيين فليأتوا بقرارات القضاء، حتى لو كان القضاء الإيراني الموجود معهم في أجهزة داخلية حكومة الملالي العراقية] لتبرير عبارة "إرهابيون يستحقون المزيد" من صنف ما تملكه الحكومة من أطايب التعذيب وأصنافه!!!

إنَّ هذه التصريحات لوحدها كافية للمحاسبة القانونية وإنني هنا أنا العراقي كاتب هذه الأسطر أطالب المدعي العام العراقي بأن يحيل معالي الوزير بصفته الوظيفية والشخصية للتحقيق والمحاكمة... كما إنني أطالبه بالعودة إلى تصريحات وأنشطة الشخصيات الطائفية في الائتلاف [الشيعي] ومحاسبتهم على جوهر ما جاء فيها بخصوص تعاملهم مع ملالي دولة أجنبية ودفاعهم عن مصالح أولئك الملالي وتمثيلهم لتلك المصالح في الميدان العراقي...

ولكنني على ثقة بأن الادعاء العام الشعبي العراقي [العراقي الأصيل]  أي أصوات أبناء شعبنا العراقي الصريحة الصحيحة النقية هي التي ستدين مثل هذه السلوكيات المعادية لوجود شعبنا ومصالحه والعراقي الفصيح [الفصيح حقا] هو الذي سيخرس تلكم التصريحات السافرة.

إنَّ أبناء شعبنا يتحملون مسؤولية أنفسهم ومسؤولية اتخاذ القرار الصائب في الخيار الصحيح بين أطراف الانتخابات بعد أن فرضت الظروف دخول القوى الدينية [الدينية ادعاءَ َ وزعما] الطائفية [الطائفية جوهرا وحقيقة] في وقت لا تسمح قوانين الديموقراطية والتداولية لأي طرف يُحتمَل أن يزعزع أوضاع البلاد بالدخول لحلبة الحياة العامة.. فالحرية هي للمواطن أولا وللتنظيمات المؤمنة بفلسفة الديموقراطية وليس لقوى تتزلف آليات الديموقراطية  لتطغى بُعيد تسلمها السلطة وتستبد...

ألا ترون أياما معدودة لسلطة زعيم أدار بها ظهر المجن لشعبنا وتحدث بمصالح أصدقائه الملالي! ألا ترون أشهر قلائل لسلطة الحكومة الطائفية وقد تركت الحبل على الغارب لمن دفعتهم من وراء الأستار وأمامها ليهددوا بانفصال الجنوب [الشيعي] وها هم يناورون القوى الوطنية العراقية ومنهم الكورد في الحديث عن أمن الجنوب وعن عاصمة للجنوب وعن قرارات بيِّنة واضحة كما في تهريبهم ثروات الجنوب ذاتها [النفط نعم النفط لا غير] إلى ملالي إيران عبر أنابيب مدّوها من البصرة وغير البصرة فاغرة مفتوحة يوميا وفي وضح النهار؟!!!

ولست أدري كيف لحكومة تسمح لمحافظ أن يهدد بالانفصال ولآخر أن يعلن العصيان ولثالث أن يقطع طرق المواصلات وهي تعلم علم اليقين أنه يجري تهريب الثروة الوطنية من هناك ويجري سرقة الناس الذين يزعمون أنهم يريدون الثروة لهم! كيف تكون للناس وهم يبددونها بين أيدي لا نزاهة تقربها ولا طهارة تصيبها...

 

نريد  أن نفتح تحقيقا نزيها وبوجود أطراف مسؤولة محلية ودولية وأن نسير في ظل حكومة مؤسسات تخضع لبرلمان عراقي أصيل يمثل الشعب العراقي لا يمثل لا الملالي ولا أصدقائهم و لا وكلائهم... نريد لشعبنا أن يمشي آمنا في طريقه وأن يبدأ رحلة البناء وكفى انشغالا بمتفجرات القتل وزرع الموت الأسود في بلادنا... نريد لشعبنا أن يختار لمؤسساته الديموقراطية قوى ديموقراطية لا ظلامية ولا ضلالية... نريد لشعبنا أن يطرد إلى الأبد القوى التي تؤسس للطغاة من كل لون وشكل سواء منها ذاك المهزوم المدعي كونه البطل القومي أو الجدد المدعين مرجعيتهم الدينية زيفا...

نريد لشعبنا ألا يسمح لقوى تمثل أجانب ولقوى تحضِّر لتطغى وتستبد بنا باسم الدين أو باسم غيره أن يتسلموا السلطة...  ليكفِّرونا أولئك التكفيريون الطائفيون فلقد كفرْنا حقا بالطغاة والطغيان وإلى الأبد أما ديننا ومذهبنا ومنهجنا وفلسفتنا وفكرنا فليس غير العراق للعراقيين وحقوق العراقي كاملة لا تنازل عن جزئية منها لابد أن تتحقق وفورا للكافة ولكل عراقي أصيل...

وجوابنا لهذه الأزمة ولغيرها: أننا ننتخب اليوم العراقية الوطنية 731 وقوائم الكردستانية والكلدانية الآشورية السريانية والصابئية المندائية والأيزيدية وكل قوائم الديموقراطية إلا قوائم الموت الزؤام، الموت القادم إلينا من الشرق فلن نقبل له أن يكون بيننا طاعونا.. فإلى بناء وطننا حرا سعيدا وليكن انتخابكم القائمة العراقية الوطنية 731 أول خطواتنا إلى غدنا المستقر الآمن الملئ سلما ونشاط عَمَارِ ِ وبناء...

وإذا كان الأدب والفن والثقافة والعلم ونور المعرفة والتحضر والتمدن هو ما تريدونه فليكن اختياركم العراقية الوطنية 731 ولتلزموا العراقية الوطنية غدا بكل ما ترونه لعراق الغد عراق السلم والحرية، عراق الأمن والأمان والديموقراطية... إذا كان الخير والنماء وعودة الثروات والرفاه للشعب لا لغيره ولا للسوقة والغرباء والمتسللين والمندسين فليكن خياركم الديموقراطيين العلمانيين الوطنيين وليس لخيار سواه طريقا يعيد لنا مجدنا ويبني لنا غدنا المشرق....

ومن أجل أن يسطيع العراقي النبيل الأصيل محاكمة  الذين سرقوه ومن أجل أن يسطيع وقف الخطف والقتل والاغتيال والتفجيرات والاستباحة والاغتصاب، من أجل كل ذلك لينطلق قطار الرحلة العراقية الوطنية ذات الرقم 731 وليبدأ قيادة عمليات تطهير بلادنا من كل أوحال الزمن وأدرانه وموعدنا يوم التصويت مع العراقية الوطنية 731...

 [/b]

228
الأمن، الخبز، السلم، الحريات وحقوق الإنسان... أفكار في استحقاقات لا يأتي بها إلا "الديموقراطيون"
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2005  12\ \08
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

انتهى العراقي من توكيد خياره في تعزيز مسار العملية السياسية في البلاد بتصويته الأول على الرغم من الأنشطة الإرهابية الدموية وتصويته الثاني على "دستور" يهيِّئ لاستتباب الأوضاع المؤسساتية وآلية العمل الديموقراطي.. وتلكم كانت أبرز موقفين يثبتهما العراقيون باتجاه عراق الغد الديموقراطي الفديرالي الموحد...

غير أن العملية الديموقراطية لم تكن يوما بالسهولة التي يعتقدها بعضهم متوقفة على آلية انتخابية فقط أو محصورة في التصويت بالتحديد.. وشاهِدُنا واقعُُ مرّ نعيشه جميعا. بدءا من الأزمات المعاشية وتفاصيل الحياة اليومية للمواطن وليس انتهاء بعمليات الاختطاف والاغتصاب والاغتيال اليومية؛ وأعمال الذبح والفتك بجميع فئات مجتمعنا حيث استباحة للسوق والحي الشعبيين و ليس من استثناء للمركز الأكاديمي الجامعي ولعلماء العراق، بُناته وقادته الحقيقيين...

وبالعودة لسؤالنا الرئيس نجد أن جملة الاستحقاقات من الخبز والأمن وحتى بقية الحقوق والحريات البشرية الأساسية، لا يكمن تحقيقها إلا في مواصلة الطريق الذي اخترناه سويا في تعزيز العملية السلمية ومسار الديموقراطية أي بتعميق المسار المؤسساتي واستمرار تحسينه وتطويره.. وهذا ينطلق من حقيقة أن الانتخابات الراهنة ستحدد لا غدنا القريب حسب بل ستؤثر عميقا حتى على المستقبل البعيد..

غير أنَّ  شعبَنا وجد نفسَه في خضمِ صراعِ ِ غير متكافئ وفي توازنات مختلة،  و وجدْنا أنفسَنا أمام أزمة مؤسساتية خطيرة حيث الخراب شبه مطبق فيها وحيث تطلب الأمر أن نبدأ لا من الصفر بل من منطقة سلبية مشوهة احتلتها أمراض الفساد والسطو والبلطجة حتى وصل الأمر قمة الإدارة!!؟

وبهذا التوصيف ستكمن معركتنا الوطنية لا في الخيار الابتدائي الأول للعملية السلمية ضد العنف والأعمال المسلحة كما حصل في الانتخابات الأولى حيث لم يتطلب الأمر أكثر من توكيد المشاركة في الانتخابات ذاتها ولم تركِّز القوى الديموقراطية على النتيجة الفئوية وعلى خارطة توزيع الأصوات الانتخابية...  وإنَّما تكمن اليوم معركة الشعب وقواه الوطنية الديموقراطية في الانتقال لمرحلة أكثر تقدما.. هي مرحلة فرض قوتها التصويتية وتحقيقها على أرض الواقع...

فنتيجة الانتخابات ستسير بنا إلى جهنم آخر أكثر إيغالا بظلاميته وباتاحته الفرص مضاعفة لقوى الضلال المتسترة بالدين وحاملة الأسْيُف حيث لم تعد تكفيها  الهراوات، هذا إذا ما سمحنا للبلطجة وقوى العصابات الدموية وميليشيات العنف أن تسرق مرة أخرى أصواتنا لتضعها في خانة قوى تخدم جهات إقليمية معروفة بأطماعها في بلادنا...

ومطلوب اليوم من أجل وقف آثار جحيم تلك القوى، مطلوب الارتقاء بمستوى اتصالاتنا بجمهورنا الحقيقي الواسع ذلك أن فشلنا في تعميد صلاتنا المباشرة حتى لو كان السبب البلطجة والتضليل كما يحصل هنا وهناك يعني هزيمة مسبقة لقوى السلم والديموقراطية. ومطلوب الاستعداد لعملية التصويت وتوفير ضماناتها التامة أمنا وأمانا لاتاحة الحريات المناسبة ولمنع المصادرة والاستلاب..

 

فهل حققنا الاتصالات الكافية بجمهورنا أم أننا بقينا ندور في حلقة مفرغة نطلق فيها خطاباتنا الموضوعية الصائبة ولكنها غير المسموعة وغير المتصلة بمتلقيها المؤمَّلين؟ وهل أجرينا الاتصالات بالجهات الدولية والمحلية الفاعلة والمؤثرة في الميدان العراقي لضبط مسار اليوم الانتخابي والتصويت الحر ومنع البلطجة؟

 

لقد تلكأت أنشطة القوى الديموقراطية لأسباب موضوعية وذاتية عديدة؛ ويمكن القول: إنَّها في هذا السياق لم تتصل - على سبيل المثال -  حتى بالمرجعيات الدينية التي تسكت هي الأخرى عن رفع صورها في الدعاية الانتخابيةّ ولم تتحدث تلك القوى الوطنية الحقة عن صمت المرجعيات المعنية أو تمريرها لاستخدام مطلق لاسمها في الأنشطة السياسية البحتة!!؟ فيما يجري التضليل بالخصوص بقوة من أطراف معروفة بادّعاء وقوف المرجعية الدينية معها والافتاء بتكفير المجتمع والفرد ومنعه من التصويت الحر وبهذا يفرّغون الانتخابات من مضامينها الديموقراطية ويحصرونها بخيار وحيد لا ثاني له فإن سمحوا بخيار فبين ظلامي وآخر من المجموعة ذاتها التي تستخدم الضغط الديني على الناخب..

وعليه فلابد من تفعيل حركة الاتصال بالجمهور ووقف حالات التراخي بالخصوص وتنشيط مزيد من الفعاليات المشتركة بين مجموع القوى الليبرالية والوطنية والديموقراطية وسطا ويسارا، من أجل عرض البرامج التي يمكنها إنقاذ شعبنا من محنته المستعصية وأزمته الخطيرة.. وعلى أقل تقدير من أجل أن يتعرف الناس إلى القائمة العراقية الوطنية التي تحمل برنامج الخيار الديموقراطي وهو الخيار المتلائم مع النهج الذي اختاره العراقيون بالأمس القريب جدا عندما صوتوا للعملية السلمية ضد العنف..

كما ينبغي للديموقراطيين أن يقتربوا من الناس ليتعرفوا إليهم ويتأكدوا من مصداقية توجهاتهم وبرامجهم وكونها الخيار الذي سيعيد الأمن والخبز النظيف والسكن اللائق والصحة والعمل وقائمة الاستحقاقات المنتظرة من شعبنا.. تلك الاستحقاقات التي تجسدها برامج قائمة يجري تضليل الناس تجاهها والتحضير لمنعهم من انتخابها...

إنَّنا هنا نقترح على جمهورنا العراقي وهو يتجه بُعيد أسبوع من الآن للتصويت ولحسم خياره؛ نقترح أن يختار القوائم الديموقراطية الوطنية التي تمثل التحالفات الجمعية الكبرى لا الزعامات الفردية وأن يتمعن في البحث عن الرقم الصحيح لقائمته وألا يترك للإغراءات أو الضغوط من مختلف الجهات والعناصر السلبية أن تؤثر على توكيده خياره الخاص في العملية الديموقراطية التي لا يمكن أن تستمر صحيحة صحية مفيدة بغير القوائم الديموقراطية الوطنية..

إذ كيف لخيارنا الديموقراطية طريقا لأمن بلادنا وأمان شعبنا ونضع على ورقة التصويت رقما لقوة أخرى؟ وكيف لقوى لا تؤمن فكريا وسياسيا بالديموقراطية أن تلعب اللعبة السياسية بطريقة مرضية للناخب؟

إنَّ مقترحنا لأبناء شعبنا العراقي أن ينتخبوا القائمة العراقية الوطنية الرقم 731 يكمن في كونها:  قائمة برنامج عمل لإعادة إعمار الذات المخربة كما أنها قائمة قوى تحالف انتخابي وليست قائمة فرد أو زعامة ما يعني اهتمامها بل توفيقها الأكيد في تطوير الأداء الحكومي والمؤسساتي بصورته العامة وتعميق الالتزام بالقانون وضبط الأوضاع المنفلتة وإدارتها بما يتيح للمواطن استحقاقاته كافة التي انتظرها طويلا..

 

وهذا بخلاف قوى التأسلم السياسي وحركاته التي تركن لعصابات تنتمي للعهد البائد ولميليشيات تأتمر بخطط قوى إقليمية ودولية رسمية ومافيوية حيث تأخذ تموبلها وقياداتها من تلك القوى الطامعة. وهكذا يُناط بها مهام منها التحضير لمنع الناخب من خياره الحقيقي حيث عجزت برامجهم – برامج قوائم التأسلم السياسي - عن اقناع الناخب العراقي وفشلت خطط قوائم التضليل الديني الطائفي كما هو بيِّن في إخفاق أنشطتهم وهم على رأس الحكومة وهذا هو الأمرالذي جعلهم يلجأون لتلك الأفعال  غير السوية وهم بذلك يعوِّلون على :-

1.   التضليل الدعائي:  التعكز على زعم وقوف المرجعية الدينية معهم.

2.   سياسة التكفير :  تكفير القوائم الوطنية والديموقراطية ومطاردة عناصرها ومضايقتهم والاعتداء عليهم وتنفيذ الحد الدموي بحق عناصر تلك القوائم النزيهة إلى حد يصل الاغتيال..

3.   محاصرة الآخر: إزالة الدعاية الانتخابية على الرغم من محدودية الإمكانات المادية المتاحة للقوى النزيهة.. في مقابل ذلك استغلال الماكنة الإعلامية والأموال المنهوبة من ثروات أبناء الشعب في دعاياتهم..

4.   اللجوء لسياسة العصا والجزرة:  باستغلال البلطجة وأعمال العنف الدموي في إشاعة الرعب في الجو الانتخابي ومحاولة إرعاب جمهور الناخبين بعد استهداف المرشحين.. ومحاولات رشوة بعض رؤساء العشائر بأموال مسروقة..

5.   الاستناد إلى دعم قوى إقليمية :  بكل ما تتيحه فرص تغلغل تلك القوى مخابراتيا وإعلاميا وماديا وعسكريا وبالجملة الحصول على الدعم اللوجستي المطلق من قوى أجنبية طامعة بثروات العراقيين بل تسرقه اليوم نهارا جهارا بدعم البلطجة الميليشياوية المتحكمة بالأوضاع كما يحصل في نفوط محافظات الجنوب العراقي..

 

إن كثيرا من الفئات الشعبية اكتشفت مقدار الاختراق للقوى التي دخلت معها عائدة إلى الوطن الحلم لتجد الوطن الواقع يتم تفجيره وتخريبه واستباحته بقوى تم لا اختراقها حسب بل تمَّ تغيير توجهاتها الستراتيجية إلى الحد الذي صارت فيه طوع بنان القوى الإقليمية التي أشرنا إليها. وتلك الفئات الشعبية مطالبة بحقها على ذاتها وتجاه شعبها بأكمله بالكف عن البقاء مع اسم على غير مسمى مع أسماء إسلاموية وهي ليست إلا قوى تحمل برامجها الطائفية التمزيقية التي لا تعود على عراقي أصيل بمنفعة لا من قريب ولا من بعيد..

وثقتنا أكيدة بأن افتضاح سياسة تلك القوى المرضية سيعيد جمهور القوى الديموقراطية للتصويت لها أي أن مجموع الفئات الشعبية ستعود للتصويت لوجودها ولمستقبلها بل ليومها ولخبز أطفالها غير مغشوش بالمواد السامة المسرطنة ودواء غير حامل للأيدز أو غيره وبالحريات والحقوق الأساس غير منقوصة ولا مشروطة بموافقة هذا السيد أو ذاك المرجع..

فإلى لحظة التصويت وجب مراجعة الذات ومناقشتها جديا فيمن يمكنه أن يأتي بكل تلك الاستحقاقات؟ هل هم الذين اختطوا طريق الفرض والقهر والتكفير والتجريم وإقامة الحدود بأسياف جلادين جدد قدامى؟ هل هم أدعياء التأسلم بأوجه طائفية مزعومة الانتساب لمذهب أو آخر؟

ليس من جدل على كون خيار الديموقراطية طريقا للعراق الجديد هو الخيار الشعبي.. ولكن أي  من القوى الموجودة يعبر عن هذا الخيار ويتيح له التقدم بهدوء وطمأنينة ويوطِّد أنشطة بناء الوطن وإعادة حقوق المواطن؟

ليس لعاقل أن يجيب بأنه يختار طريق الديموقراطية ويصوِّت لقوى مناهضة للديموقراطية لتسير بالعملية السياسية ضد التيار الذي اختاره!!! فكيف للعراقي الذي بقي محروما من حرياته عقودا طويلة بليدة أن يختار من يطيل تلك العقود بقرون جديدة من الظلام والتراجع؟

ألا ترون أن يوما واحدا لمسؤولية زعيم أبرز قائمة إسلاموية اتجه فيه لمحاولة إلغاء قانون الأحوال الشخصية والرجوع بنصف المجتمع (بله المجتمع كله) لعصر الحريم!!! ألا ترون أن شهرا واحدا للزعيم قد جعله يوقع على أداء مليارات لا تعد ولا تحصى لتعويض ملالي إيران في حين شعبنا ما زال لم بلتقط أنفاسه من مضض التجويع والحرمان!!!

ألا ترون أن أشهرا عديدة لرئيس حكومة أبرز تيار إسلاموي لم يحرك فيها ساكنا ضد سرقة نفطنا بعشرات المليارات لملالي الجارة مما لم يعد على إيراني واحد بخير غير القابعين في سدة الحكم!!! ألا ترون التعذيب في السجون والقتل والاغتيال للعلماء والأساتذة وتفجير المدارس ومعاهد العلم ومنع الموسيقا والفنون وكتم الأنفاس وإخراس الأصوات بذريعة أمر السيد!!!

ألا ترون الطائفية أخطر مرض جاؤوا به إلينا وهم يلهثون لتثبيته عند الطوائف كافة ليكون لوجودهم مشروعية بوجود قوى طائفية مقابلة تشرذم المجتمع وتقطّع أوصاله!!!  ألا ترون بلايا ورزايا الزمن القائم حيث يخرج الابن والأب بلا أمان لا في الشارع ولا في المدرسة ولا في الحقل أوالمعمل والأم بلا أمان في لا السوق ولا حتى في البيت الذي يريد بعض وزراء السيد أن يهدمونها على رؤوس من فيها!!

ليس بهؤلاء وبعنفهم وبلطجتهم يمكن أن نبني العراق أو نتقدم به ولو خطوة صغيرة واحدة بل بقوى الخير والسلم والحرية قوى الديموقراطية والوحدة الوطنية، قوى البناء وإعادة إعمار الذات المهدمة المخربة؛ لنضع اصواتنا في سلة مصالحنا الوطنية الشعبية .. إنها في مقترحنا عليكم في أن تلتقوا القائمة العراقية الوطنية 731 لكي يكون للعقل والحكمة والرشاد والاجتهاد وجود في يومنا بعد طال وثقل زمن الظلمة والعتمة والضلال...[/b][/size][/font]


229
لماذا ينشغل قادة ائتلاف 555  بالدفاع عن ملالي إيران ؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الألوسي

لماذا لا يذكروا في دفاعهم عن سياسات إيران الحكومية القائمة شعوب إيران ومطالبها وظروفها الصعبة؟لماذا لا يتذكروا شعبنا بفئاته جميعا ومطالب الشعب في الأمن والخبز والحرية؟لماذا تعمقت أزماتنا الاقتصادية حتى باتت المرأة العراقية جليسة أرصفة انتظار النفط في بلاد النفط والغاز ورغيف الخبز؟
لماذا يخرج الآباء بحثا عن بناتهم وعن صغارهم ومدارس هؤلاء لا تبعد سوى أمتار من منازلهم؟لماذا الخطف والاغتصاب والاغتيال والقتل جريمة عادية فرضت نفسها علينا اليوم؟
لماذا لا تستطيع حكومة الأمر بالمعروف؟ (أي معروف) والنهي عن المنكر (أي منكر) أن تضبط الأوضاع ولديها ميليشيات يديرها خبراء من دولة إيران وغيرها؟لماذا تعزف الحكومة على وتر مظالم طائفية وكأن العراقي ليس له مظلمة غير الحجر على نسائه في سجون الحريم والحجر على رجاله في سجون البطالة والحجر على أطيافه في سجون الأقاليم والمحافظات بالعزل الطائفي والعنصري؟؟؟؟
هناك أسئلة تلفظها شفاه الأطفال قبيل صعودهم إلى سماء الله الغاضبة على مجرمي اليوم المتسترين المتقنعين خلف تمائم ديمية طائفية مزعومة ولكن القائمة لتلك الأسئلة لدى شعبنا الذي يدري لمن يوجه السؤال وبماذا يأتي الجواب، فجواب شعبنا سيأتي يوم التصويت حين يقلب المجن وليقول كلمته الفصل في إجابة أسلئلة ليست حيرى بعد فضائح  معتقلات الجادرية وغيرها كثير.[/b][/size][/font]




230
فضائح الفساد والجريمة ومنطق التبرير الأعرج!
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
20/11/2005
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

يوما بعد آخر يكتشف أبناء شعبنا العراقي في ظروف عراقنا الجديد بطريقة فضائحية ما يختفي وراء أكمة الفساد والجريمة في داخل مؤسسات الدولة وخارجها.. ومن الطبيعي أن نجد أنفسنا في حال من الثغرات المتعددة المختلفة المتكاثرة. ولكن ما العمل ونحن نتحدث عن حكومة منتخبة؟! وعن نظام جديد؟ وآليات عمل مختلفة جديدة!

بالعودة إلى حقيقة مؤسسة الدولة سنجدها تعاني من فقر دم مستفحل وأوضاع سرطانية مستعصية بسبب من الخلفية التي تأسست وانبنت عليها تلك المؤسسة الحكومية.. فنحن للتو نخرج من نظام الفردنة والطغيان والاستلاب والمصادرة كما أننا لم ندخل التغيير من بوابة قوى ملائكية تهبط من الفضاء الخارجي  لتكنس كل أوساخ النظام العتيق ونفاياته العفنة...

كل ذلك يعيه المواطن العراقي ولكن ما لا يمكن أن يدخل في الاستيعاب والهضم أن يشحذ نفر من كتّاب أو أقلام كل الأزمنة لينبروا مدافعين مبررين كل خطأ وخطيئة للحكومة وليهاجموا أية محاولة تقويمية نقدية والسرّ الظاهر المعلن هو أن الحكومة منتخبة وأنها وطنية وأنها ديموقراطية وأنها قاربنا وسفينتنا إلى برِّ الأمان "المفقود حتى لتلك الأقلام التي تدبج المنافقة التقليدية المعروفة!"

كما أن الانقسام الطائفي والحزبي بدأ يطفو بوصفه أمرا واقعا يفرض ظله الثقيل على كل مساحة بلادنا وأهلنا في الوطن والمهجر.. فمن أقلام تتحدث عن وزير سابق تتهمه الحكومة وكأنه سارق البلاد الوحيد ومجرمها الذي ما بعده ولا قبله؟ وأخرى تتحدث عن الحكومة دفاعا وكأنها ملائكة الله في جنته لا يأتيهم الخطأ لا من قريب ولا من بعيد مسمية كل ما يأتيها من نقد بالهجوم على شعبنا ووطننا!!!؟

هكذا بالمطلق طرف مع وطرف ضد وكل يُشهِر سيف الجلاد التكفيري.. حتى صرنا نرى من ينبري لحملة هذا الطرف منتظرين الحملة المضادة بعد هنيهة.. ولآخذ مثلا في الاحتجاج الوطني العام الذي جرى لفضح جرائم التعذيب في معتقلات وزارة الداخلية العراقية!!

لقد بدا واضحا من الشواهد مصداقية النبأ، الواقعة باعترافات كلية أو جزئية  من المسؤولين أنفسهم بتوصيف ما جرى، وصار الأمر مؤكدا؛ الأمر الذي  يدعو لموقف بعينه من طرف المسؤولين في الحكومة وفي الداخلية وفي مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وبالتأكيد البرلمان العراقي والسلطة الرابعة..

 

 

لماذا سيكون لزاما علينا تحديد موقف.. لأننا أيها السادة لسنا بصدد قضية عادية  بل هي قضية ما يتحدث المبررون عنه من حرص على الوطن والشعب!  حيث الحرص على الشعب والوطن لا يأتي من بوابة الحرص على الحكومة ومؤسساتها وشخوصها أيا كانت تلك الشخوص مكانة وموقعا وتاريخا وهوية بل يأتي من خلال تطمين مصالحه وحقوقه ورفض كل ما يطال الناس والوطن..

أما حكاية الشماعة فهي آلية لم تدم لأصحابها من طبالي السلاطين والطاغية المهزوم. وعراقنا الجديد هو عراق المكاشفة وعراق عمل الحكومة بآلية العمل الجمعي المؤسساتي، العمل الملتزم بالقانون وضوابطه وليس الذي يقدم مصلحة فرد أو حزب أو حركة على حساب عراقي واحد فما بالك بشعبنا بأكمله يُستباح!!  فليذهب أولئك الطبالين جميعا إلى الجحيم عندما يتحولوا إلى أدوات جلد الناس وسرقة حقوقهم واستلابها ومصادرة حرياتهم...

لا يوجد مقدس في القائمة السياسية الجديدة لشعبنا سوى حقوق الإنسان الثابتة الراسخة ولننتهِ من عهود المصادرة بذرائع هذا خائن وذاك مجرم والثالث مرتد وغيرهم كيت وبعدهم كذا من سلسلة لا تنتهي من الحجج والمبررات والذرائع..

فكل شخص له مسؤولية محاسب على أدائها على وفق اللوائح والقوانين وعلى وفق الأمور الإجرائية التي لا تسمح بالتفرد والشخصنة ولا تقبل بالتجيير لصالح هذا ومنع الأمر عن ذاك.. من هنا كان علينا في جريمة كبرى كتعذيب الإنسان لأية ذريعة كانت أن نقف لا عند حدود الفضح والتعرية بل لابد من الذهاب أبعد من ذلك ليس بالمطالبة باستقالة وإزالة حصانة بل باتجاه أشد محاسبة قانونية لمقترفي تلك الجريمة ومن يقف وراءها ومن له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بإخفائها طوال المدة المنصرمة..

ولم يعد من المجدي الاكتفاء بالبيانات ولا من الصحيح القبول بتمييع الجريمة مهما كانت الأعذار المقدمة.. ومن السخرية أن من يعترف بالجريمة يقلل من شأنها لأنها أصابت عددا غير المعلن عنه وكأن البشر وحقوقهم يُحصَون بالــكم وقد قيل "لو أن شاة في أقصى دولتي تظلمت فأنا مسؤول عن رد المظلمة" فأين هذا من ذاك؟! وكيف يجري تقييم حق إنسان مظلوم؟ وكيف ينظر مسؤول خطير كوزير للداخلية في عراقنا الجديد عندما يتحدث تقليلا لشأن الجريمة باستهانة رخيصة سمجة بالإنسان حيث يحسب الرؤوس كحساب شياه أو أشياء!!!!؟

كان على أصدقاء الحكومة والسيد وزير الداخلية أن يسرّوه نصيحة بالاستقالة الفورية عقب كلماته [...] تلك فيما العجب العجاب أنهم يبررون له ويوافقونه أن العدد 172 وليس ألفا وهو يختزل فيقول العدد سبعة وليس 170!!! هكذا الإنسان العراقي ما زال رخيصا على وزير داخليته الذي يُفترض أنه المسؤول عن توفير الحماية لذياك العراقي..

وليس بوارد القول أن نتحدث باستفاضة عن دفاع رئيس الحكومة ووزير داخليته عن ملالي إيران واطلاعات وعن عدم تدخلهما في الشأن العراقي ولا ندري في أي مدرسة دبلوماسية تعلموا الدفاع عن أفعال دولة أخرى وهم في سدة سيادة دولة ثانية؟؟؟ ولماذا لا يدافع أحدهما عن حق العراقي وحقوق الإنسان ويقسم أغلظ الأيمان كما يفعل عندما يدافع عن تدخلات إقليمية همجية دموية بأن يعيد الحق لأهله  لماذا يصعب عليهم الحديث عن هذا بوضوح ودقة؟؟؟ أم أن ألسنتهم عقدتها مفاجأة الفضيحة وذهول اللحظة حتى راحوا يرمون الكلمات جزافا يمنة ويسرة؟؟؟؟؟؟

إن كل من يقدم جهة ما على عراقنا وعراقيينا يقع تحت طائلة الحساب ويجب إزاحته فورا من موقع المسؤولية التي خانها.. فلا مجاملة في مصالح الناس ولا وجه حق في الاعتداء على الناس الأبرياء المسالمين.. ولا مجال للتراخي في زمن عاث بالبلاد والعباد المجرمون واستشرت جرائمهم.. وإلا ليقل أحدكم: هل الحزم في محاولة، مجرد محاولة إعادة حقوق الناس أمر يمكن أن يعلقه بعضكم على شماعة البعث؟

وهل كل من ينتقد حكومة الانفلات الأمني واستشراء الفساد والجريمة هو من ذيول الصداميين؟ وهل تمرير جريمة دولة ومؤسساتها أمر صحيح لأن الدولة يرأسها حزبا "الدعوة والمجلس الأعلى" وكانت تلك الجريمة بالأمس القريب غير صحيحة لأن الحاكم طاغية آخر من غير الحزبين الطائفيين المذكورين؟

هل يحلّ للإسلامويين الطائفيين من أتباع الجارة المقدسة أن يرتكبوا بحق العراقي ما يشاؤون مما كانوا يزعمون معارضتهم له في ظل الطاغية المهزوم؟ وكيف يمكن أن نبرِّرَ لشخص أن يرتكب حراما أوجريمة وبأية ذريعة  وبأية حجة نمررها؟ من يستطيع أن يبرر لمجرم جريمته مهما كان اسمه يحمل من خالة مزعومة؟ وهل يوجد مثل هذا المنطق في ديانة أو قانون إنساني؟

 

أيها السادة على فرض أن البعثي الصدامي يشترك في تشويه حكومتكم ووزرائها؟ وعلى فرض أن قوى الإرهاب المزعومة المتوهمة تشوِّه حزبي الحكومة وتهاجمهما؟ فهل هذا الفرض يجيب حقا مستلبا لإنسان عراقي تمَّ تعذيبه؟ وهل وجود أعداء للحكومة يمنع محاولة تطويرها وتطهيرها وتقويمها؟ وهل وجود أعداء للحكومة يمنع انتقادها فيما ترتكب من جرائم؟ أم أن حكومة الطائفيين الجدد هي الأخرى معصومة منزهة لا يُمسّ لها طرف؟

أيها المعنيين من المرتعشين من انفضاح أمر سادتكم وهم أدوات مرتعشة بيد أسيادهم داخل الحدود وخارجها، ليس لكم أن تعتذروا عن جريمة فلا عذر بعد ولوج عالم الإجرام!  وليس لكم أن تتعذروا لتلك الجرائم وعوالمها ودهاليزها فلن يخفي شعاع شمس حقوق العراقيين غربال تحججكم وتمسككم بشماعة البعث الصدامي والبعث غير الصدامي والأعداء المحيطين بحكومتكم وما شابه من توليدات لا نعلم لها نهاية من الحجج والذرائع بل سيقرر لكم أمكنتكم ومواضعكم صوت الشعب العراقي الهادر...

لن يقبل منكم استغفار واستعذار لأن أقلامكم دنست مملكة النقاء الصحفية وعاودتم مدرسة تهاجمونها قولا وتمارسونها فعلا في تلميع قبيح وجه الجريمة.. والجريمة ليس لها إلا وجه واحد مستكره مستقبح وعلاج واحد مطلوب واجب التنفيذ فور لحظة افتضاح الجريمة والمجرم..

لا مجال لمزايدة انتخابية فحكومتكم جاءت انتخابيا على دماء العراقيين وببلطجة ميليشيات غدر ومن يدفع لها أجور أفاعيلها الشنعاء، جاءت بملء صناديق قبل أن يأتي إليها أبناء شعبنا، جاءت بحراب الطائفية وأقنعة الزيف الدينية الكاذبة المزعومة والأديان كلها براء من الأدعياء المزيفين. فلا ميليشيات بعد اليوم في دولة القانون المنتظرة، ولا وزارة باسم فرد أو حزب أو حركة بل كل المؤسسات من الشعب وباسم الشعب وللشعب...

ولا أملك بعد هذا، في تعريتي حجج الذرائع الواهية غير وعي العراقيين أي مصالح يدافعون عنها ومن يختاروا لتنفيذها لهم.. وليتبيَّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولننتهِ إلى الأبد من أدعياء وصاية "مرجعية" علينا فإذا كانت مرجعية اختارت هؤلاء فلنعرف ماذا جلبوا وماذا أعادوا من أساليب إرهاب الدولة الذي هزمناه بهزيمة الجلاد الطاغية فلا تعيدوا لنا طاغية آخر تحت أي مسمى لأنه لن يكتفِ بسرقة رجالنا ووضعهم في غياهب السجون والمعتقلات بل سيصفي كل شريف ليغتصب ليس حقه في الحياة بل عِرضه وشرفه في نسائه من بنات وأخوات وزوجات وأمهات ولن يحتفظ لكريم بعزيز موقع ونزيه موقف!!!

وها أنتم تشهدون التصفيات وتكشفون فضائح الأموال الوسخة من أجور ميليشيات الــ "غدر" والتقتيل والاغتيال والإيقاع الطائفي كل هذا الهول وهم لم يمضِ عليهم في سدة الحكم أشهر معدودة،  فكيف لو جاؤوا لسنوات؟!! إذن ليبِعْ كل شريف كرامته ولتسقط آخر قطرة "غيرة الرجال" لأن السيد يأمر وينهى بما يشتهي هو وبما يرغب أسياده شرق البلاد وغربها.[/b][/size][/font]

231
ألواح سومرية معاصرة … ألواح بابلية
"عقل علمي ... فكر تنويري"
www.babil-nl.org, www.somerian-slates.com
كل عام وأنتم بخير

تحيات قلبية تنبض بعطاء الرافدين وهديرهما في مسيرة الحق، من أجل الإنسانية التي أعطى لها عراقنا منذ سومر وأكد وبابل وآشور وحتى يومنا، ومن أجل العراقي المتطلع للخير والأمان والشغوف بالسلم والحرية والديموقراطية
 
وليكن كل عيد يوما من أيام التسامح والخير والرفاه القابل إلى جميع أهلنا وهم يستحقون ما هو أعمق من التهاني وأعظم من التمنيات فلكم أيها الأحبة الأكارم الأعزاء في ظلال رايات العطاء والوفاء كل التحايا الرقيقة العازفة أوبرا عراقنا الجديد عراق العراقيين...

ها أنا ذا بخطوط مسمارية أرسم لكم تمنياتي القلبية ولأهلنا جميعا في عراق الحضارة والمجد، عراق السلام والتمدن والديموقراطية.. وتشكرات بعدد نبضات وجيب القلب من عام إلى عام تعزفها أوتار الكلمات العراقية الممتدة بجذورها لأعياد العمل والفرح والبناء في وطن الرافدين، وطن النماء والزرع والحرث طيبا وخيرا ورفاها ..

فإلى كل الذين يحيون لحظات العشق في عيد المحبة والتسامح عيد إطفاء الظمأ واللوعة عيد الإحساس بالناس جميعا إلى الذين يحيون في بلادنا اليوم في وطننا ويضربون بجذورهم بعيدا في أزمنة لم تصبح غابرة إلا تحت غبار الجريمة التي ستزيجها أعياد أهلنا وهم في الوطن وهم يشدّون الأيادي مع بعضهم بعضا من أقصى المهاجر لأقصاها وإلى حيث قلبنا النابض عشقا في بغداد والبصرة ونينوى والأنبار وكردستان وكل شبر من أرض العطاء والوفاء...

آيات مقدسة من أطاييب التمنيات العطرة لأهلنا، حبنا وعشقنا في عراق التسامح والمحبة عراق الأمان والسلام والديموقراطية.  لكم أيها الأحبة في عراقنا الزاهر في غده القريب عراقنا الذي تبنونه لبنة فأخرى، كل الشكر لتهانيكم الغالية التي تعيدنا إلى ملاعب العمر الأول والأخير حيث أنتم تزرعون الجذور في تربة الوطن الغالي... تحية لكل حرف خطته أنامل الدفاع عن حقوق الإنسان من شعب العطاء ووطن الوفاء ولكل الأسماء المحتفلة رنينها في قلوبنا ووجيبها الخافق بعهدكم وعهدنا السومري

تحيات صادقة رحبة بقدر حبات تراب الوطن مذ سومر وآشور وحتى تتم لأهلنا وشعبنا والإنسانية الانتصار للفرح والرفاه والسلم والحرية والانعتاق من ربقة الألم في ظلال الديموقراطية وحقوق البشر.. لكم كل الحب والمودة وآمال بالخير والصحة وموفور العافية أيها الأصدقاء والصديقات الأحبة كافة من أبناء النور والحياة  الحرة الكريمة..
تقبلوا تهانينا القلبية وكانت أيامكم كلها أعياد.....

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس التحرير                   
2  نوفمبر  تشرين الثاني 2005
LORSWEG          4
3771GH     BARNEVELD
HOLLAND
info@somerian-slates.com
info@babil-nl.org
Tel: 0031 – (0) 342840208
Mob.tel:  0031 - (0) 616448994
[/b][/size][/font]

232
قبيل الانتخابات الوطنية العامة المنتظرة؟؟

1.    التحالفات والائتلافات الانتخابية
2.    البرامج والأهداف والخطط وآليات خوض الانتخابات...

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
31\10\2005
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

انتهت التجربة الثانية للعملية السياسية الجارية في العراق وهي الاستفتاء على الدستور بالإعلان عن إقراره بنعم الأغلبية الحرجة. وفي الحقيقة فإنَّ هذه الـ (نعم) تنقذ العراق والعملية السياسية والقوى الديموقراطية من ظروف غير مؤاتية كان يمكن أنْ تؤدي في حالة الـ (لا) لمزيد من التعقيد والاتجاه بنا إلى حافات أقصى اليمين والتطرف سواء على صعيد صياغة دستور بخطاب ديني بحت أسوأ مما يحتويه النموذج المُقرّ أم بوضع المجموع في مأزق سياسي كبير...

ومن الطبيعي هنا لكل القوى التي اختارت العملية السياسية السلمية أن تمضي لتؤكد خيارها السلمي الثابت من جهة وأن تعمل على تصعيد وتائر أدائها وتطويره لما يؤدي لنجاحات تفضي إلى تحقيق بعض التطلعات الإيجابية المؤملة استعدادا للمراحل التالية من العملية السياسية.. والمقصود هنا هو في تحقيق التآلفات المناسبة لفوز القوى الديموقراطية والليبرالية بوصفها البديل الحقيقي لحل مشكلات واقعنا العراقي وتوفير الاستقرار والسلام والتأسيس لانطلاقة عمليات إعادة الإعمار والبناء...

فما الذي جرى على صعيد الاستعداد للانتخابات الوطنية العامة الأولى في ظل الدستور العراقي [الدائم!] الجديد؟ لقد دعت الشخصيات الوطنية الديموقراطية واليسارية في معالجاتها الوضع العراقي إلى أوسع تحالف بين القوى الديموقراطية والليبرالية والقومية التقدمية والوطنية المتنورة؛ في محاولة لإيجاد أرضية تتناسب والاستحقاق الانتخابي الذي ينتظر مثل هذا التوجه من كل القوى الوطنية والديموقراطية... ولكن ما مقدار الاستجابة العملية للأمر؟

يمكن بقراءة أولية قبيل الانتخابات أن نستقرئ طبيعة الكيانات والتحالفات الانتخابية على وفق ما أعلنته تلك القوى عبر المفوضية العليا للانتخابات.. ونجد بشكل مبدئي الملاحظات العامة الآتية:

1.    إنَّ السمة العامة للتفتت والتفكك في الحركة السياسية وتنظيماتها ما زالت قائمة وتطبع الوضع السياسي عامة. وهو أمر يشمل القوى الديموقراطية والإسلاموية على حدّ سواء.. ويمكننا القول: إنَّ هذه السمة ستظل قائمة لمديات زمنية غير قليلة بسبب من حالة التخلف والتراجع في الحياة السياسية بعد عقود من القمع والاستلاب والمصادرة..

2.    ضعف العلاقة بين القوى الديموقراطية وتنظيماتها الأكثر أهمية من جهة وبين جماهيرها العريضة؛ لأسباب موضوعية وذاتية ولكن الأخطر يكمن في انطباع الحياة العامة بسمات سطوة العنف السياسي والدور الخطير للميليشيات في توجيه الشارع حتى أن واحدة من تلك الميليشيات تشارك في الانتخابات باسمها الصريح المباشر من دون اعتراض من أية جهة سياسية بما فيها المفوضية العليا للانتخابات!!!

3.    تشارك في الانتخابات الوطنية في عراق التمدن والتنوير وتراث الإنسانية الحضاري الأول قوى طائفية تقسيمية مرضية في برامجها بخلاف تشريعات الحماية الوطنية المناسبة التي تتخذها دول عديدة بمنع التشكيلات التي تقوم على الأسس الدينية، الطائفية، العنصرية وكل تلك التي تتضمن برامجها أهدافا سلبية تهدد المجتمع في حاضره أو مستقبله..

4.    هناك حالات تداخل بين مسميات ديموقراطية في إطار تحالف إسلاموي طائفي وإسلامية في إطار تحالف ديموقراطي عريض.. والأمر يشير إلى حال تخبط القوى السياسية العراقية وتخلفها عن الارتقاء إلى مستوى مستهدفاتها المخصوصة، وتعاطيها مع مسميات مختلفة لأسباب تتعلق بمحاباة الشخصية أو العلاقات المشوّهة في الحياة الحزبية..

5.    وجود لبس جدي بخصوص كثير من تنظيمات قروسطية أو ما قبل قروسطية كالتشكيلات العشائرية المتداخلة بالطائفية والقومجية والأبعد في الأمر تشظي تلك التنظيمات وتعددها بشكل ملموس، وتكمن خطورتها الحقيقية في حالة دخولها في تحالفات سياسية مع القوى المعممة المتجلببة بأردية لا تعبر إلا عن تزييف ومخادعة وتضليل...

6.    تشرذم التصويت بخاصة للقوى الديموقراطية والليبرالية والقومية ومنها القوى المعبرة عن المجموعات الدينية والقومية المنتمية للجذور التاريخية للعراق القديم.. ولكن الأمر من جهة ما موجود وإنْ بشكل أخفّ في الجهة المقابلة..

7. لقد تميزت الأوضاع في ظرف أقل من عام تطور نسبي محدود باتجاه الفرز الجدي بين القوى بحسب برامجها حيث أبعدت القوى الإسلاموية الطائفية الشيعية أغلب العتاصر الليبرالية من مثل حزب المؤتمر وشخصية الجلبي ومجموعة الكفاءات المستقلة... كما دخلت القوى التي تقدم برامج علمانية في حالة من الاقتراب من بعضها بتغليب أهمية الانقاذ الوطني من براثن ظلمة التيار الديني الطائفي المتشدد على الخلافات السياسية العائدة للتاريخ غير البعيد بين بعض أطراف تلك الشراكة...

 

والآن يمكننا أن نستقرئ بعضا من الحركات والتحالفات الانتخابية وسنحاول توصيفها وتوصيف ما تستند إليه انتخابيا من جهتي حجم القوة الانتخابية وحجم التنظيم وطبيعة توجهاته ومستهدفاته:

1.  القوى الصغيرة المشتتة: وهي عدد كبير من الشخصيات التي تدخل بصورة مستقلة منفصلة عن أي حزب أو حركة أو تيار منع قوى تشكلت حديثا محاولة اتخاذ برنامج بعينه ليكون واجهتها.. وفي الحقيقة فإنَّ أفضل تلك القوى هي تلك التي تقف عند افتقادها الثقة بالآخرين وبالتشكيلات التقليدية للحركة السياسية العراقية وهي تندفع للتعبير بنفسها عن تطلعات يدخل بعضها في المراهقة السياسية واختلاط المفاهيم وانعدام الثقة بالقوى السياسية الكبيرة.. أما تصورات تلك القوى الصغيرة المتاناثرة فتقع بين أقصى اليمين الديني مرورا بالوسط والاعتدال من مختلف التيارات وحتى القوى الديموقراطية والعلمانية اليسارية...

2.  القوى المحافظة وهي لا تخرج في الغالب عن موضعين ديني طائفي متشدد أوقومي ضيق الأفق محافظ وسنترك الأخير لموضع آخر.. وفي الغالب نجد تلك القوى تقوم على مبدأ التعالي على المجتمع وتكفيره في معتقداته وفي ممارسته الطقوس الدينية الخاصة التي تراها من منظورها هي التي يجب أن تسود؛ وتعزير المجتمع ولإقامة الحد عليه فيما يسمونه "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" طبعا بناء على تصورات أناس لم يحصلوا على التعليم الأولي ولا على الدراية الدينية الفقهية التي تؤهلهم للإفتاء ومن ثمَّ لتوجيه الجمهور و  سوْسِهِ وأبرز من يمثل الحالة حزب الفضيلة..

3.  القوى الدينية الطائفية التي تقيم برامجها على زعم أو ادعاء مظلومية طائفة وتحميل وزر ما وقع عليها تاريخا وحاضرا برقية طائفة أخرى وهي قوى تدرك أنها بغير هذا التخطيط لا يمكن أن تحيا وتبقى معتاشة.. وعليه فإن التقسيم الطائفي هو مفردة مهمة للغاية عندهم ولكن الخطورة تكمن في أن المحصلة النهائية تكمن في اختلاق التعادي والاحتراب بين مكونات المجتمع فضلا عن إلغاء قوى أساس مكونةللمجتمع غير الطائفتين الإسلاميتين الكبريين وأبرز ممثلي هذه الحالة هما المجلس الأعلى والدعوة الإسلامية...

4.  القوى الإسلامية الراية ولكنها المتكونة تنظيميا من شراذم بعضها من السوقة والأفاقين وبعضهم من بقايا تنظيمات الأجهزة القمعية للنزام المنهار وبعضها من بقايا التقية البعثية المتلفعة بعباءة الحملة الإيمانية وما إليها.. فضلا عن  مكونات عناصر المراهقة السياسية.. وأغلب ما يشمل هذه الحالة التيار الصدري الذي تمَّ تحميله أكثر مما ينبغي...

5.   القوى القومية المحافظة: وهي حركات سياسية واقعة تحت مظلة المتغيرات العامة الناجمة عن انهيار نظام لطالما ادعى حمله راية القومية والدفاع عنها فيما أوقع القوى القومية في مآزق كان لها اول ولم يكن لها آخر.. هذا عربيا أما كرديا وكلدانيا آشوريا سريانيا وتركمانيا وصابئيا وأرمنيا فالأمر يقع في إطار الانشطارات الداخلية والاختلافات المؤدلجة بخصوص الوضع القومي المخصوص وطبيعة الهوية ومحدداتها وقراءتها تاريخيا وحاضرا...

6.  القوى القومية المتفتحة التي وجدت برامجها الأنجع في الاندماج مع الحركة الوطنية الديموقراطية بعامة كونها المظلة المناسبة للاستجابة لمطالب المجموعات القومية بخاصة من غير العربية ولكنها ما زالت خارج التحالفات الديموقراطية ذاتها بسبب من أوضاع التحالفات التي ما زالت بعيدة عن الاستجابة للطموح...

7.  القوى الليبرالية والوطنية الديموقراطية: وهي قوى الوسط السياسي التي تتشكل للتو في بلادنا مع خلفية معاصرة غير واسعة التأثير. ومن هذه القوى قائمة المؤتمر الوطني العراقي وقائمة مثال الآلوسي للأمة العراقية..

8. أما يسار القوائم أو القوائم العَلمانية أو ما تُسمى قوائم الفئات الشعبية العريضة من الطبقات المسحوقة مسروقة الصوت مهضومة الحقوق عبر كل العقود الأخيرة فهي القوائم الديموقراطية بأطيافها من الاعتدال والليبرالية واليسار وهذه القائمة هي الأهم والأكثر حيوية إذا ما صادفت قدرة اتصال بجمهورها بآليات مناسبة... وأبرزها القائمة العراقية الوطنية التي تتضمن القائمة التي شاركت في الانتخابات الماضية باسم اتحاد الشعب ومحورها الحزب الشيوعي العراقي وحصدت أكثر من نصف مليون صوت في المجالس البلدية! وقائمتي العراقية وعراقيون إلى جانب قائمة الديموقراطيين المستقلين..

 

 

ينبغي هنا التوكيد على حقيقة أن القوى الديموقراطية هي الأكثر مجابهة مع مشكلات التنظيم بسبب من الخلفية التاريخية للضغط الموجه ضد هذه القوى وإلى أنها قوى سلمية العمل والأنشطة ما يجابهه بلطجة قوى مقنَّعَة بلغة سياسية ولكنها تظل قوى عنفية في جوهرها ما يعني بلطجتها وسطوتها على الأجواء السياسية القائمة..

وعليه فإنَّ المشهد الانتخابي يعرض لحال من التشتت والضعف التحالفي وحتى التقاطع.. لكن البديل ليس معقدا من جبهة ايسار والديموقراطية.. إذ أن تجنب التحالف والامتناع عنه لا يعني بالمرة عدم التصويت لجهة بعينها فمثلا هناك عدد من القوى التي تحمل اسم العمالي واليساري والشيوعي والماركسي وتختلف في تقويم الوضع وتمتنع بعضها عن دخول التحالف الديموقراطي ولكنها في النهاية من جهة التصويت لا يجوز لها أن ترتكب خطيئة عدم التصويت لأقرب الحركات بوضوح التوجه..

وهناك قوى ديموقراطية تدخل في جبهات متنافسة ولكنها بحاجة للتوافق على التنازل لبعضها بعضا في الدوائر التي تتنافس فيها ولا تحصل على أغلبية كافية ولكن تنازل طرف ديموقراطي لآخر أمر مهم لإزاحة طرف غير ديموقراطي ولإزاحة حجر عثرة من المشهد البرلماني فإن لم يحصل مثل هذا التوافق منذ الآن فإنَّ فورز قوى البلطجة بطريقة تسحق النفس الجماهيري الديموقراطي هو ما سيحصل ما يكون نذير خطر داهم للعراقيين وللعراق ومستقبله!!!

هنا بالتحديد يجب تعزيز موقف القوى الديموقراطية الكبرى وتفعيل القوى الديموقراطية الأخرى بالمنافسة مع النقيض وليس مع الحليف. ومن ثم يُخرِج الديموقراطي صاحبه؟! كما ينبغي أن يتم توضيح حقيقة القوى وتاريخها وهويتها وطبيعتها لما لذلك من كشف لأوراق اللعبة التشتيتية عندما تدفع القوى المنافسة لمسميات وهمية منافسة تلغي وحدة التصويت لجهة القوى الديموقراطية..

لذلك لزم أن تتقدم مجموع القوى الديموقراطية المتحالفة في قائمة بعينها أو المتقاربة والمتجاورة مع بعضها بعضا، بخطة عمل وآلية تضمن ترجيح الصوت الديموقراطي على أي صوت آخر.. ومن آليات العمل توفير مراقبين بكفاية ودراية تامتين بمتابعة التصويت والإحصاء... كما يجب توفير الحماية الحقيقية ومنع أية قوة ميليشياوية  وجهات بلطجة عنفية من التأثير على مجريات العملية الانتخابية وينبغي التحفظ  حتى على الجهات الحكومية المتحزبة المنحازة... 

العمل على التعاطي مع مجريات الأحداث في كل محافظة على وفق ما فيها من تناسب القوى والجهة التي تسيطر على الأوضاع الأمنية بالتحديد.. ومن هنا تأتي مسألة قراءة الأوضاع في الدائرة الانتخابية ومعالجة الظروف المحيطة بموضوعية كافية لضمان إجراء الانتخابات حرة نزيهة نظيفة من دون تأثيرات سلبية مَرَضية...

إنَّ تشكيل لجان الانتخابات يجب أن يرافقه انتباه جدي مسؤول للضمانات الكافية لمجريات الأمن وحرية الوصول بل لزوم الوصول إلى أوسع جمهور للحركة الديموقراطية وينبغي أن نتذكر العوامل الإقليمية في الأمر منذ هذه اللحظة ومن يقف إلى جانب من؟ وكم هو الدعم المهول من جهات إقليمية لنتائج بعينها في الانتخابات ومن أبسط أشكال الدعم تسخير الفضائيات ووسائل الاتصال. إلى جانب التضليل السافر بخصوص دعم المرجعيات الدينية لجهة ورفضها لأخرى بل ممارسة التكفير والتعزير وإقامة الحدّ على قوى وشخصيات بعينها لتحقيق مآرب مفضوحة...

وبعد فهذه قراءة أولية يمكن ويجب استكمالها وتقديمها للعراقيين كافة بعرض برامج القوى المتنافسة وآليات عملها ومواقعها الفكرية والسياسية وتعبيرها عن أية فئة وأية جهات من مكونات الطيف العراقي المتنوع المتعدد.... وهذا ما يوجب على تلك الفئات أن تعرض اسماء مرشحيها وسيرهم الذاتية وأن تقدم برامجها وخططها للناخب الآن قبل الغد..

يتبع2[/b][/size][/font]

 


233
الحملة العراقية من أجل تغيير الخطاب الإعلامي الألماني في التعاطي مع الواقع العراقي الراهن
النسخة العربية
رسالة مفتوحة موجهة إلى الإعلام الألماني

إن من يتابع أسلوب نشر الأخبار والتعليقات حول الأحداث الجارية في العراق في وسائل الإعلام الألمانية, يجد, وللأسف الشديد وبكل غرابة, أن غالبيتها تصف عمليات الاعتداء والاغتيال والقتل والتدمير وتخريب الاقتصاد العراقي وكأنها من أعمال المقاومة ضد قوات الاحتلال وعملائهم. إذ يطلق على القائمين بتلك الأعمال الشائنة بقوى "المقاومة والثوار ورجال الانتفاضة"!

ولكن الواقع العراقي يدلل على شيء آخر, إذ أن هذه الأفعال ليست سوى أعمالاً إرهابية يقوم بها إرهابيون لا غير. إنهم جناة يمارسون قتل وجرح العشرات والمئات من الناس الأبرياء ويزرعون الفوضى والحزن والألم في نفوس الناس ويخربون اقتصاد البلاد. كل ذلك يجري باسم مقاومة الاحتلال!

يفترض في القوى الديمقراطية أن تسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية, فهم إرهابيون من بقايا جلاوزة النظام السابق ومن أنصار المنظمات الإرهابية الإسلامية الأجنبية من عصابات بن لادن والزرقاوي وأنصار الإسلام, إضافة إلى أولئك المجرمين الذين أطلق النظام السابق سراحهم من السجن والذين يساهمون جميعاً بنشر الرعب والخوف في العراق وفي بلدان أخرى.

إن غالبية القوى الوطنية والديمقراطية العراقية تناضل بإصرار وقوة ضد الإرهاب وفي سبيل إنهاء الاحتلال أيضاً. ولكننا ننطلق من حقيقة أننا لا يمكن إنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد إلا عبر تأمين الأمن والاستقرار والحرية والديمقراطية وإقامة أجهزة الدولة المستقلة وإعادة بناء العراق المخرب. ومن أجل تحقيق ذلك يحتاج العراق إلى دعم دولي شامل, خاصة من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. إذ بدون ذلك ستستمر حمامات الدم والتجاوزات على حقوق الإنسان والقتل والفوضى والتمادي في زعزعة الأمن والاستقرار في العراق وفي المنطقة.             

نحن الموقعين أدناه نرى بأن من واجب ومهمات وسائل الإعلام في ألمانيا أن تأخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار. إذ أن إطلاق أي تسمية أخرى على القتلة المجرمين والانتحاريين وعصاباتهم السائبة غير الإرهاب, يساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في دعم قوى الإرهاب ويمنحها اعتباراً لا تستحقه بأي حال, ويبرر عمليات القتل الجارية في العراق ويساعد على انتشارها في المنطقة بأسرها, خاصة وأنها تتطلع إلى ذلك.

إننا نرجو ونأمل من المساهمين بتكوين الرأي العام في ألمانيا, من كل القوى الحرة والديمقراطية, أن تمارس مسؤوليتها في مكافحة الإرهاب الجاري في العراق وتساهم في وضع حد لعمليات قتل المزيد من الناس الأبرياء, وأن تمنع توفير إمكانية سوء استغلال أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة واستخدامها بما يتسبب في العبث بحياة الناس ومستقبل العراق الديمقراطي المنشود. إن العمليات الجارية في العراق ليست سوى إرهاباً وأن القائمين به ليسوا سوى إرهابيين قتلة.

النسخة الألمانية

 

 

 

Deutsche Fassung

 

Offener Brief

Wer die Berichterstattung in den deutschen Massenmedien über die Geschehen in Irak verfolgt, stellt mit Bedauern und Verwunderung fest, dass überwiegend Attentate, Anschl&auml;ge, Morde und Brandschatzungen als Akte des Widerstands gegen die Besatzer und ihre vermeintlichen Kollaborateure darstellen. Die Akteure werden als Kr&auml;fte des Widerstandes, als Rebellen und Aufst&auml;ndische bezeichnet. In WIrklichkeit handelt es sich dabei aber um Terrorakte, die ohne Zweifel von Terroristen ausgeübt wurden und werden. Es sind T&auml;ter, die t&auml;glich Dutzende unschuldige Menschen in den Tod schicken oder verletzen, Unruhe, Leid und Zerst&ouml;rung bringen und die Wirtschaft des Landes zu destabilisieren versuchen. Alles im Namen des Widerstandes gegen die fremde Besatzung.

Diese T&auml;ter müssen beim Namen genannt werden. Sie sind Terroristen und rekrutieren sich aus Schergen und unverbesserlichen Anh&auml;ngern der Saddam-Diktatur, aus Schwerverbrechern, die zu Tausenden vor dem Zusammenbruch des alten Regimes aus den Gef&auml;ngnissen entlassen worden sind. Nicht zuletzt sind es Anh&auml;nger und Mitglieder islamistisch-radikaler und ausl&auml;ndischer Terrororganisationen, deren Führer, wie Bin Laden, Al-Dhawahiri und Alsarqawi, nicht nur in Irak, sondern auch in anderen L&auml;ndern, Angst und Schrecken verbreiten.

 

Die überwiegende Mehrheit der demokratisch und patriotisch gesinnten irakischen Kr&auml;fte k&auml;mpfen hartn&auml;ckig gegen den Terror, aber auch für die Beendigung der Besetzung des Landes. Wir gehen jedoch davon aus , dass die Besetzung Iraks nur durch die Schaffung von Stabilit&auml;t und Sicherheit, Freiheit und Demokratie, souver&auml;nen Staatsorganen und durch  den Wiederaufbau beendet werden kann. Bis dahin braucht der Irak eine umfassende internationale Unterstützung, insbesondere durch die UNO.  Andernfalls führen die Errichtung von Blutb&auml;dern, Verletzung der Menschenrechte, Mord und Totschlag, Chaos und Anarchie zur weiteren Destabilisierung des Landes und zur Verl&auml;ngerung der Besetzung .

Wir sind der Meinung, dass diese Tatsachen auch in den Massenmedien berücksichtigt werden sollten. Eine andere Betitelung der M&ouml;rder, wie Killerschwadronen und Selbsmordattent&auml;ter, ist eine Aufwertung dieser Kr&auml;fte. Sie und ihre Hinterm&auml;nner werden dadurch hoff&auml;hig gemacht und deren Terrorakte gerechtfertigt. Diese Toleranz kann zur Eskalation des Terrorismus führen, der andere L&auml;nder, sei es im arabischen Raum oder in Europa, erfassen kann.

 

Wir erwarten, dass die Meinungsmacher in einem freiheitlichen und demokratischen System, wie es in Deutschland der Fall ist, ihrer Verantwortung gegenüber anderen friedliebenden und leidenden Menschen gerecht werden. Sie sind dazu verpflichtet, es zu verhindern, dass die Macht des Bildes, Tones und Wortes, bewusst oder unbewusst, von Feinden der Demokratie, der Freiheit und der Menschenrechte missbraucht und manipuliert wird.

Der Terrorismus wütet in Irak und die T&auml;ter sind Terroristen.   

 

التوقيع                                       العنوان                                                             الاسم

 

Unterschriftensammlung                                          Adresse                                 Unterschrift

01. Prof. Dr. Habib, Kadhim A.              PSF 400129, 12631 Berlin

 

02. Prof. Dr. Ibrahim Dakuki                Akademie Gesellschaft für

 Medienstudien und Dialog der Kulturen

03. Dr. Al-Biladi, Sadiq                          Chemniz

04. Dr. med. Ghalib Al-Ani                    Hamburg

05. Dr. Kredi, Mumtaz                          Leipzig

06. Dr. Al-Dahoodi, Zuhdi                     Leipzig

07. Dr. med. Halbus, Hassan s              Düsseldorf

08. Frau Zwain Anbar, Nesrin              Berlin

09. Ing. Al-Hamdani, Sabieh                 Berlin

10. Msc,eoc. Mahmood, Muthana        Berlin

11. Dr. Tayseer Al-Alousi                     Netherlands

12. Noori ali                                          Muenchen Germany

13. Fouad Mirza                                   Chairman of TRIII Corp. www.iraqiwriter.com
14. Dr. Abdulkhaliq Hussein,               England

15. Ahmad Rajab Rustom                    Sweden/   Anti terrorism

16. Ihsaan AlSamawy Holland             إحسان السماوي - هولندا     
17. Dr. Hussein Al-Rekabi                    WHV, Germany

18. محمد الأحمد                                           كاتب عراقي معروف
19.                          شاعرة وناشطة في حقوق الإنسان                                   بلقيس حميد حسن

20.          هولندا                                    عبدالأمير الحجاج

21. كاتبة قصصية  هولندا                                          ابتسام هادي

22. Dr. Riyadh Alamir                         AUSTRIA

23. Dr.Hussein AL-anssare                                                                       نحن معكم دائما من اجل عراق جديد  يطمح الى الامن والسلام والحرية والبناء ولتبقى اصوات الاعلام الحر عالية ابدا..   أخوكم  الدكتور حسين الانصاري
24. Afifa Aleiby                    عفيفة لعيبي Nederland- Iraq هولندا- العراق

25. Tarek Ahmo                                 Journalist. mitgelied DJV ...    Ich stimme zu...
26. Jamil Rofaelسـكوبيـا  ـ  مقـدونيـا صحافي  ـ  مراسل  جريدة  الحيـاة  في منطقـة  البلقـان          جميـل  روفـائيــل

27. Kawkab Hamza                            Melodist –Denmark
28. Dr.Hashim Nimah                         Holland
29. Arkan Abaas Alsamawi                Web Master of Bald Alrafdain رئيس ومحرر موسوعة بلاد الرافدين    www.ALrafdain.com 

30. Maaki Nuri Dargam                     Wuppertal    Anwalt
31. Shaker Jalil    شاكر جليل                     كراكوف بولندا                 
32. Muthanna Mahmood                   Lieber Kadhim,    beigefügt ist die ـbersetzung des Textes zur
 Unterschriftensammlung. Ich habe die ـbersetzung genau genommen. Du kannst es
 vielleivht dovh redaktionell auch Kndern. Das wre besser, denker ich. Grüe an
 Traudel und bleibt gesund.
33. abd temimi alukhwa44@yahoo.com          ان  الارهاب  واحد من ابرز امراض العصر فتكا بالانسان وعلى الانسانيه مواجهته بوضوح ووعي بالمسؤليه

34. مؤسسة الهدف الثقافي                            <saidwaeli@sbcglobal.net> www.tahayati.com

نؤيد مساعيكم...                                    عقيل الناصري.. باحث35.
36. Haithem Al-Hassani                   Toronto - Canada

37. Jasem  Haddad                            SWEDEN

38. Naji Wadhai                                <nwadhai@adgas.com>

39. Yasin al nasayyir                          The Netherlands

ألمانيا                                صبحي خدر حجو40.

اؤيد ما ذهب اليه الدكتور كاظم حبيب ، واضيف ان الاعلام الالماني مع الاسف ما زال واقعا تحت تاثير الاعلام العربي الرسمي الميال للتطرف والعنف وتقديم صور ونماذج مسخ عن الاحداث ، كما انه ( الاعلام الااماني ) ما زال وكأنه يعيش فترة صدام حسين ، وكأنه ايضا لم يتأثر بالاحداث والاخبار الهائلة عن البعث والارهاب والتكفيريين الذين اخذوا على عاتقهم محاربة كل ما هو انساني وخير في هذا العالم .

 
41. Saad Kadum                            kadumsaad@hotmail.com

عزيزي الدكتور كاظم المحترم تحية حارة..  أشكركم على إرسال نسخة من الرسالة المفتوحة الموجهة إلى وسائل الإعلام الألمانية راجيا إضافة اسمي د. مجيد جعفر42 إلى أسماء الموقعين عليها لاتفاقي مع مضمونها....  مع أطيب التمنيات   د. مجيد جعفر Dr. M. Jafar, Economist, Regional Planning

43. Saadi Miran                            Denmark

44. Seraab Abdul-Jabbar             Denmark

اضم صوتي الى صوتكم  واقول ان على قوى اليسار الالماني والقوى المحبه للسلام ان تشجب كل 45 khder abass                  <khderabass@yahoo.com   .  الاعمال الارهابيه  التي تطال  عامت ابناء الشعب العراقي  ليست بمقاومه  شريفه  وعار من الصحه للاءسف  نرى   ان بعض الصحف الالمانيه تشيد بالاعمال الارهابيه وتطلق تسميات عده  باسم المقاومه0  انني اشجب بشده هذا النفاق السياسي

46. Hind Saadi                           Student – Denmark

47. Ivan Tayseer                        Student – The Netherlands

48. Majid Fayadi                        k&ouml;ln

49. Kamel Zomaia                      Leibzig       
50. Khalil  Khatari                     K&ouml;ln

51. Mahmod  AL-hammidawi  Woppertal

52. جودت هوشيار     

الأستاذ الفاضل الدكتور تيسيير الألوسى المحترم

تحية اخوية صادقة... شكرا لدوام مراسلتكم .ارجو اضافة توقيعى الى هذه الحملة المباركة، واقترح القيام بحملة  مماثلة من اجل تغيير الخطاب الأعلامى الروسى المنحاز تماما  للقتلة الأرهابين فى العراق، وقد شرحت ذلك تفصيلا فى مقالى المعنون( المعايير المزدوجة للأعلام الروسى )  الذى نشر فى العديد من المواقع الألكترونية، قبل حوالى شهر  مع كل الود والأحترام... أخوكم : جودت هوشيار 

 

53. Basim Al-Alousi             Holland

54. Hassan Al-Bakkal         Engineer        Canada

55. Malik Ghulam               Engineer        Canada

56. Dr. Shuber, Barik  economist           Frankfurt/ Germany

          Lieber Abu Samer,

          anbei die Petition mit meiner Unterschrift. Mit meine besten Wuenschen auf bessere Zeiten fuer den Irak.

          Deiner

          Abu Yasmin

57.Mr. Saad D. Al-Saidy       The Netherlands
58. SAMAD TAKY
     Sehr verehrter Herr,
     Unser volk in IRAK leidet zur Zeit von ISLAM TERRORISTEN
     BAATHISTEN MET TIBAN
     Ich schliese mich met meinem helden VOLK in IRAK aan.
     Professor Dr med A TAKY
          DEN HAAG / HOLLAND

59.Hussein, Mufid M.            Ingen.                  Berlin
60.  Al-bayati, Akram              Ingen.                  Berlin

61.   Ardalan Ameen

     Sehr geehrte Damen und Herren  .. Ich bestنtige hiermit ihre offener Brief an Deutsche Massenmedien über Irak.

        Mit Freundlichen Grüكen .. Leipzig  …   Ardalan Ameen

62. Ali  Mahmud Mehamad   علي محمود محمد هولندا    Nederland

63.   Stichting chak   مركز حلبجة لمناهضة أنفلة وإبادة الشعب الكردي www.chak.info

 

64.  Associate prof. dr.  Eng. Shaker Jalil    <shakerjalil@yahoo.com>

65.  DR ABBAS H MOHAMMED                          <amohamed@emirates.net.ae>

66.  Haider Al Attia    Consultant Physician >>> Mafraq Hospital, P.O. Box 2951, Abu Dhabi, U.A.E. Tel: +97150-6137795
                                             <haideralattia@hotmail

67.  Naji Wadhai                                            <nwadhai@adgas.com

68.  NIHAD WAHEED.           مشرف في التربية الرياضية نهاد وحيد 

69.  Samir Sadiq               سمير صادق رئيس الملتقى العراقي   لايبزغ   

70.   Hadi Ahmed    هادي احمد     متقاعد                                         

71.  Hikmet Al-salim  حكمت السليم       متقاعد                               

72.  Hatem Hamoody Salih      حاتم حمودي صالح        عميد متقاعد

73.  Abdulhussein Hussein   عبد المجيد حسين            حقوقي         

74.  Dr. Abdul-Muni&iacute;m Annooz د.عبد المنعم  عنوز    محامي         

75.  Ando Anoshaman  أندو أنوشامان                                           

76.  Nejim Ubaid                    نجم عبيد                                                     

77.  Moustafa M. Gharib    مصطفى محمد غريب          شاعر وكاتب

78.  Mariwany, Yousif                    Freiburg-Germany

79.  Mariwany, Kany                      Freiburg-Germany

80.  Al-Alousi, Maysoon                 Freiburg-Germany

81.  Ing. Basim Sh. Ridha              Saarland

82.  Ala Mahdi Credit Manager/ Writer Sydney

 83. Azzam Alwash, Ph.D.      Engineer  Baghdad

84. Dr.Wifaq Al-Bagdadi   general parcitioner doctor Baghdad

85. د. هاشم سلمان  طبيب   المانيا

86. رزكار احمد مجيد مهندس  المانيا

87. محمد علي  النجار تاجر المانيا

88. Ban  Al-Alousi          Student/Holland

89. قاسم علي خضر - أعلامي عراقي مقيم في اوكرانيا

90.
أرسل توقيعك إلى:
info@babil-nl.org [/b][/size][/font]

234
قـُبـَيـْل الاستفتاء والانتخابات؟
الطائفية والفساد أخطر أعداء شعبنا اليوم وغدا!
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2005/10/06
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

تستبد  بالوضع العراقي  ظروف غير سوية جاءت عن تراكمات خطيرة بعض جذورها بعيدة تغوص في العمق التاريخي للشخصية العراقية التي تعرضت لتشويه في بنيتها نتيجة النظم الاستغلالية المتعاقبة وبعض الأسباب الأخرى تعود لعقود الدكتاتورية وطغيانها مثلما توجد أسباب ترجع إلى السنوات الثلاث الأخيرة بكل ما جاءت به من متناقضات بين التحرر من الاستبداد  والوقوع أسرى حرب طاحنة جديدة؟؟؟

لقد انتهزت القوى المعادية لمصالح شعبنا الفرصة وهو يخرج من حروب الطغاة ومطاحنهم ومعامل تشويههم بنية المجتمع العراقي كما انتهزت الأخطاء الكارثية التي جرت في فتح الحدود لبلاد كبيرة كوطن الرافدين وجعل أبوابها مشرعة على مصاريعها؛ الأمر الذي نفذت منه قوى التخريب والدمار فضلا عن بقايا الموت الأسود وطاعون البلاد والعباد بقايا نظام العصابات الشريرة وأجهزة القمع والسادية الدموية؛ نقول استغلت تلك القوى هذه الأوضاع لتستبيح عراقنا الجديد!!!

إنَّ أخطر تلك القوى التي صارت اليوم تتسيَّد الأوضاع هي القوى التقسيمية التشطيرية التي ديدنها تشظية شعبنا ومحاولة الإيقاع بين مكوِّناته وأطيافه على وفق فكر مريض هو الفكر الطائفي المتخلف.. وعليه صار العراقي اليوم لا يسمع إلا مصطلحات الطائفة والانتماء إليها والطائفي والتبعية له والطائفية والإكراه على الانتساب إليها وإعلان الاعتقاد بها قسرا؟!

وهؤلاء الطائفيون لا ينتمون إلى إلى شيعة ولا إلى سنّة بل هم مجموعة شوهاء مريضة تقع خارج المذاهب الدينية ولا تمثل طرفا صحيحا من المؤمنين بدين أو مذهب والمنتمين لطائفة.. ويعرف العراقيون ويعلمون علم اليقين أن وحدتهم متينة ونسيجهم الديني والوطني واحد بخلاف ادعاءات الطائفيين الدخلاء وأمراض أفكارهم الرخيصة المتسترة بالدين ومظلومية الطائفة التي يجري تشويه تفسيرها لا لمعالجتها ولا لحلها ولا للاستجابة لمظلومية مواطن بل لاستغلالها لمآرب صارت مفضوحة اليوم..

إنَّ فلسفة الطائفيون الجدد تقوم على مزيد من تكرار المفردة ومزيد من تكرار صياغات مرضية في الخطاب السياسي والفكري مستغلين التجهيل الذي صنعه الطاغية طوال عقود من الزمن ومستغلين العزف على وتر (مظلومية) هي حقيقة عميقة الحفر في وجدان العراقيين ولكنَّهم أي الطائفيون الجدد يحاولون تصوير أنفسهم المدافع عن معالجة تلك المظلومية وهو زور ما بعده زور...

إذ أنَّهم (أي الطائفيون) هم من تابَعَ مزيدَ استغلالِ ِ لأبناء شعبنا بمختلف مكوناته وأطيافه.. وأخطر أمر فيهم هو عمليات تقسيم شعبنا التي لا تقوم إلا على الدم والاقتتال، فهؤلاء متعطشون للدم ولآلام الناس التي يعتاشون عليها كما خفافيش الليل وكما السرطان... ولننظر إلى ما جلبته سياساتهم فلقد دخلوا ومعهم ميليشياتهم المسلحة التي لم يكتفوا بها فراحوا يمررون عناصر أجنبية لقوات حرس دول إقليمية ومخابرات تلك الدول وراحوا يهادنون عصابات الشرِّ والبطش والقتل!

وبقراءة مسيرة الحكومة الطائفية نجد أنَّ أول أمرها كان استبدالها حكومة وحدة وطنية فأقامت حكومة طائفية تشطيرية تقسيمية أبسط توصيف لها كونها حكومة محاصصة في كل شئ.. حيث عمليات من قبيل هذا لي وذاك لك حتى إذا وصل الأمر للوطن والناس جرى تمزيق الوطن العراقي الواحد الموحد منذ أزله على حصص موزعة بين الأحزاب الطائفية والشخوص الهزيلة المتحكمة بالبلاد والعباد...

فبالعودة إلى موضوع الوطن والمحافظات ذهبوا إلى أخطر أمر عندما صارت المجالس البلدية المأتمرة بأمر قواهم المسلحة تعقد الاتفاقات الدولية بذريعة كونها حكومة هذه المحافظة أو تلك [كما فعلت حكومة الناصرية!!!!!!!! مع إيطاليا وحكومة البصرة المنفصلة بكل مقاييس الحديث عن الانفصال وليس التشطير والتقسيم فقط!!!! ويستمر أولئك في غيهم والمخاطر التي يجرّونها على أبناء شعبنا في المحافظات المستباحة من قوى إقليمية مجاورة وكذلك المحافظات المأسورة!!

وبمراجعة سياسة حكومة الطوائف والمحاصصات التقسيمية نجدها لم تحرك ساكنا تجاه الاتفاقات التي عقدتها تلك [الحكومات!!!!] المجالس والشخوص الآمرين فيها وهي لم ترد على تهديدات محافظ البصرة(ولم تعالجها)  كما لم تمنع عمليات تهريب ثرواتنا الجارية يوميا وفي وضح النهار؛ وهي ثروات شعبنا سواء منهم أبناء المحافظات المستباحة  أم الماسورة؛ والمستباحة هنا أي المحكومة بقوى طائفية إيرانية والمأسورة أي المحكومة بقوى الإرهاب الدموي من طائفية أعراب من مختلف الجنسيات...

وبمراجعة الأمور الأمنية فإن سلطة الحكومة توقفت مشلولة عند تخوم خروقات ميليشيا الطائفية التي استبدت في الوزارات الأمنية وصارت توجهها حتى صرنا نسمع عن اعتقال أبرياء باسم وزارة الداخلية وإعدامهم وسط الساحات والميادين بلا حسيب ولا رقيب!!! وقوات الأمن تحكم المواطن بأمر [السيد!!!] ولكنها لا تصل بالمرة إلى أولئك الذين يسرحون ويمرحون بسياراتهم المفخخة وبأحزمتهم الناسفة وكأنَّنا في ميدان تصفية دموي مهول!!!

ولا نعرف لماذا تتزايد الأعمال الإرهابية ولماذا وكيف يمكن لتلك المدن التي يجري هدم البيوت على رؤوس ساكنيها [وتنظيفها] وسرعان ما يعود الطاعون والموت الزؤام ليحل على أهاليها!! ومن العجب أن تتكرر العمليات على المدن ذاتها ومن الأعجب أن تعاود العمليات الإرهابية إليها على الرغم من أن قوات الحكومة الطائفية تعلن بعد كل عملية تطهير لتلك الأماكن أنها انتهت من الأسلحة والإرهابيين هناك .. وسؤالنا من أين إذن تأتي الأسلحة بعد التطهير والتنظيف وكل ما يروق من وصف إعلامي وغير إعلامي للأمر!!!!!؟ هل يزرعونها في البساتين أم تمطر السماء عليهم متفجرات وأسلحة!!

القضية ليست أبعد من خيبة سياسة الطائفية وفشلها في إدارة الأمور لجهل في إداراتها ولمصالح نفعية تريدها في مزيد من إراقة الدم ومزيد من انفلات الأمور [حدَّ الانفلاشية: بمعنى الانفلات والتفليش أي الهدم]  للتغطية على أفعالها الإجرامية هي وذلكم هو الأخطر لأن أفعالها لا تكتفي بسرقة عمارة أو مدينة بل كل ثرواتنا وكل وجودنا أيضا حيث يستهدفون إنهاء العراق دولة ومجتمعا ليقتسمونه بين أعمّة ملاليهم وأسيادهم من كل فج عميق شرقا وغربا وشمالا....

وليس للطائفية أن تتمكن من شئ لولا اعتمادها على ما يستشري من فساد على أعلى المستويات ولا استثناء هنا لمنصب أو مسؤولية أو وزارة أو شخصية فكل هؤلاء مستهدفون يحاولون إرشاءهم ويحاولون إفسادهم.. وقد نجحوا في تفشي الفساد المالي والإداري وغيره في ظل أوضاع شاذة خلَّفها نظام الفساد والموت..

نحن اليوم إذن بين ناري الفساد والطائفية وأحدهما يكمل الآخر ويضفي عليه وله فرص التمكن من الأوضاع أكثر.. وإذا كنّا نريد مخرجا من الأزمة فلنكن أكثر وعيا بما يجري حولنا وكفانا من لعبة استغلال المرجعيات الدينية ولبس الأعمة زيفا وزورا وأبناء شعبنا في المدن والضواحي والقرى يعرفون أولئك من لابسي الأعمة والجلابيب وماذا كانوا يرتدون في الأمس القريب وماذا كانوا يفعلون أو بالتحديد يسرقون وينهبون ويقتلون ويغتصبون..

لسنا ضد لابس عمامة صادق ولا ضد مؤمن متقِ ِ صادق ولا ضد داعية لدين ومذهب صادق ولكننا هنا نرى أبناءنا يُذبَحون وبناتنا تُختطَف أو تُغتصب في ظل حكومة الطائفية بلا رادع وبلا علاج وبلا استجابة لمظلومية فرد فكيف وإلى متى يطلبون من شعبنا أن يصبر على تلك الأباطيل والجرائم التي يرتكبونها بحقه؟ وكم سيكفيهم من ثروات وطننا ومن قرابينه من أطفالنا ونسائنا ورجالنا خرافا على مذابح تضحياتهم من أجل وهم يمررون تحت أستاره جريمة اغتيال عراقنا ومن ثمَّ كل عراقيينا؟!!!!!!!

علينا أن نسير في طريق توطيد مؤسساتنا العراقية وحكومتنا العراقية وبرلماننا العراقي ودستورنا العراقي وقوانيننا العراقية وهويتنا العراقية ووجودنا العراقي... وكل ذلك لا يتفق مع الطائفيين ومع حكومة الطائفية فمن ينتصر لمظالمنا ويعالجها هي وحدتنا الوطنية العراقية بالتحديد. وأي عاقل يدري أن وقت الأزمات والشدائد تنهض حكومات وحدة وطنية وليس حكومات محاصصات وسياسات تقسيمية تشطيرية كما حصل ويحصل اليوم... وأي عاقل يدري أنَّه في الغد بعد إقرار الدستور سنتجه لانتخابات هي الأعم والأخطر في يومنا وغدنا المباشر القريب.. وأن من يمكنه أن يفوز في الظروف غير الطبيعية هو البلطجة ومن ثم الفساد والطائفية.. ولذا وجب على كل عراقية وعراقي ينهضوا بالتصدي للمهمة الوطنية العراقية الكبرى مهمة الاستجابة لمظالمهم بأنفسهم وأن يتجهوا إلى حيث وقف مدِّ هذه الأمراض حتى لو تطلب الأمر بتر ما فسد وهذا من شريعة البشرية وخبراتها..

ولا يزيح الطائفية والفساد إلا وحدة القوى الشعبية والوطنية وتقدم قوى الديموقراطية والسلام والحرية لحمل مشاعلها المضيئة وعدم الاكتفاء بنور خافت.. فهل نرتقي إلى مستوى المسؤولية من قضايا شعبنا وانعتاقه وأمنه وخبزه وكرامته وعِرضه؟ ذلكم ما سنقرأه في قريب الأيام على وفق تنادي القوى الديموقراطية ذاتها وقوى شعبنا الفاعلة الحية النابضة بالأمل والمستقبل الأفضل دوما.. فليس سواد الجلابيب والأعمة ما يمكنه أن يحجب شموس الحرية المتمثلة في كل مواطن عراقي أي عراقي الهوية والوجود والهوى وليس المختلط بالطائفي أولا والمضلَّل به آخرا كما يجري من تشويه لبعض عراقيينا بإلباسهم أردية الطائفية الرخيصة المقيتة.......!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟[/b][/size][/font]

235
الحقيقة والادعاء في أقاويل مهاجمة الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2005  10\ \05
tayseer54@hotmail.com

لست أدري لماذا يود الدكتور الكفيشي مواصلة ما سبق أنْ أُجيب عنه وعليه ولا أدري لماذا يصرّ على مواصلة حملة التعريض التي جرت معالجتها موضوعيا من قبل أساتذة الأكاديمية العربية المفتوحة وطلبتها أيضا ومن المحبين والمناصرين للمشاريع الوطنية... ولا ندري إذا كان قرأ  البيان الذي أصدره أساتذة الجامعة ووقعوا عليه مؤكدين حرصهم على مواصلة مسيرة بدأت لخدمة المتطلعين للعلم والمعرفة.. طبعا هنا مكمن التضليل الذي يتحدث عنه وخلط الأوراق القائمة على روح الانتقام لأسباب شخصية بحتة...

يقول الدكتور الكفيشي إن الجامعة لا تملك كادرا كفوءا ولا من حملة شهادة الدكتوراه بما يتناسب وكل قسم مفتوح فيها.. والرد ببساطة أن نعيد تذكيره بأن يمر من جديد على قوائم الأساتذة الموجودة علنا أمام الطلبة والمجموع من المتابعين فضلا عن وجود كثير من الطلبات للانتساب من أساتذة من حملة الدكتوراه ودرجة الأستاذية وأننا ما زلنا مع ذلك في أول الطريق حيث سيكون لدينا فيض مضاف من الأساتذة مع الأشهر والأعوام الخيرة القابلة فضلا عن اكتمال ما تحتاجه الأقسام لافتتاحها حاليا..

ومسألة تقويم أساتذتنا فإنَّ لهم شهادات خبرة فضلا عن شهاداتهم الجامعية العليا من عدد من الجامعات الرسمية التي عملوا فيها في مختلف البلدان العربية والأجنبية فضلا عن العراقية ومن العجب أن يرائي شخص بالقدر الذي نراه من الزميل تحت ضغوط مشكل شخصي يخصه وحده تماما..

لقد تسلمنا رسائل من مختلف الجهات الرسمية العراقية وغيرها كوزارة التعليم العالي واتحاد الجامعات ونعرف طبيعة الإجراءات الموجودة هناك وفي القريب سيكون الرد باكتمال الأوراق الرسمية فضلا عن مراسلات رسمية موجودة لدينا ونحن نحتفظ بها ليس للدعاية والإعلان والمتاجرة وهي مراسلات للتوأمة والتعاون مع عدد من الجامعات الرسمية العراقية والعربية والعالمية وبعضها يعرفه الدكتور الكفيشي ومن ذلك ما ذكره في أسطره التعريضية ولكننا عندما نعلن خبرا فإننا لا نعلنه بيننا بل نعلنه على الملأ وحين يكون الخبر كاذبا وجامعة ما تقول إننا لم نراسل وليس بيننا كذا وكيت حينها تأتي الفضيحة أما أن ينفي الدكتور الكفيشي الأمر فهو أسوأ من غريب وهو يعرف معنى المراسلة بخصوص التوأمة وأهميتها العلمية والأكاديمية أما أن يكذبها أو يقلل من شأنها فهذا من شأنه هو وحده في تهيؤاته المرضية لأن طالبا مبتدئا في الدراسة الجامعية يعرف أهمية التوأمة ومعناها..

وبعدُ، لم نقل إن السلطات الدانماركية سجلتنا جامعة مع معادلة الشهادة هكذا كما يحلو للكفيشي صياغته للتوطئة لنفيه ولكننا نعرف ويعرف الطالب المبتدئ وليس الدكتور، أن معادلة الشهادة تأتي مع تقدم الدراسة ونجاحها في تطوير الأداء وتسييره المنطقي الموضوعي... وبمراجعة عدد من الأمور الأكاديمية والعلمية وهي جميعا متوافرة في جامعتنا "الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك"...

و يكرر الدكتور الكفيشي موقفه ذاكرا عدد من الزملاء الذين ينفخ في حجمهم ليكونوا المؤسسين بالكامل حسب إيهامه قارئه في حين أن عشرات الأساتذة أعلنوا موقفهم في بيانهم الموقَّع لمواصلة العمل مع طلبتهم ومع مسيرة الجامعة وإن عددا من الزملاء الذين استقالوا على الرغم من تقديرنا لجهودهم وموقعهم لا يؤثرون على مسيرة العمل بالمطلق.. لأن الجامعة وأية مؤسسة لا يمكن أن تقوم على أفراد مهما كان شأنهم وموقعهم بل على مجموع قاعدة كبيرة من عشرات العاملين فيها..

وبخصوص ما يسجله عن الوقائع الإدارية والمالية فأي عاقل ينظر في اللائحتين الإدارية والمالية يجد أننا نملك من الشفافية بما لا يقبل الشك وضوحا كاملا.. كما إن موضوع المالية واضح لا لبس فيه وقد أجابت الجامعة الجهات الدانماركية بعد تقارير التشويه والتضليل التي أرسلها السيد المعني بهذه المكاتبة متهما رئيس الجامعة بلا دليل سوى محاولة عرقلة مسيرة الجامعة التي انتهت إلى فشل ذريع  بارتقاء الجامعة لمراحل جدية جديدة وعمل متصل دؤوب...

وغير هذا وذاك وردا على ما ذكره الدكتور عادل لم يشهِّر زميل من العاملين اليوم بالزملاء الذين تركوا العمل بل واصلنا جميعا حتى هذه اللحظة ونبقى على ترحيبنا بمؤاخاتهم وزمالتهم حيثما أرادوا العمل على وفق اللوائح الجامعية ولكن الذي ما زال يتعرض ويشهِّر بالجامعة وبالزملاء هو طرف فريد واحد هو السيد الكفيشي نفسه كما يقرأ القاصي والداني.. وبخصوص التهم فإن من يعمل على تخريب منجزات العراقيين هو من يخدم القوى المعادية للحياة وللمعرفة والعلم والتنوير ولسنا نضع أحدا في خانة بل هو من يضع نفسه في تلك الخانة ولن نضرب على يد أحد فيما يختار..

سنواصل بدورنا الرد على كل تهجم ولسنا في موضع المهاترة ولكن الرد الواجب يكمن في قبولنا التحدي من أجل طلبتنا والعاملين معنا ونحن سويا جميعنا من يقوم بالرد المشترك على كل التخرصات والقارئ هو من سيحكم على أي الكلام هو المهاترة وفي أيدينا ما نملكه عن تصرفات من هذا القبيل ولسنا بوارد القول أن نضيع وقت القارئ في تفريغ ما يرد في مهاتفة أو في مكاتبة وما إلى ذلك ولكن أملنا في رجل يحمل شهادة عليا أن يعود إلى الموضوعية وترك لغة المساجلة غير الموضوعية وترك التضليل والافتعال والامتناع عن مشاغلة القارئ في وقته الثمين ومشاغلتنا في وقت هناك من يحتاجنا فيه...

ألا يكفي هذا أيها الزميل العزيز فلقد أجبناك في كل ما تريد وغي كل ما سألتَ وتسأل وفي كل ما قلتَ وتقول وما زلت على روح تتهم فيه زملائك بدلا من معاضدتهم لتصويب الأخطاء والتقدم بخطوات الخير... ونحن نأمل أن تنتهي بكل ما تعرِّض به ببعض زملائنا ولنرتقِ إلى مستوى المسؤولية ونعرف أين موضع أقدامنا ونحن أكاديميون لنا تاريخنا أيها الزميل الكريم  ولكم بعد كل هذا كل التحية في صواب ما قمت به بالأمس من تزكية للجامعة وجهودها وعساك تنتهي من جديدك الذي يخالف أمسك من قول وفعل...[/b][/size][/font]

236
الكاتب العراقي المسرحي والشاعر والناقد أحمد الياسري يتعرض لاعتداء إرهابي في مقر إقامته بأستراليا
رابطة بابل للكتـّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا والبرلمان الثقافي العراقي في المهجر يدينان الاعتداء ويبدآن حملة تضامنية مع الزميل

يتعرض الأساتذة والمفكرون والأدباء والكتاب العراقيون لحملة شعواء من الجماعات الإرهابية داخل الوطن وخارجه.. وليس بخافِ ِ على أحد طبيعة تلك الحملة وأهدافها الظلامية من جهة محاولاتها إسكات صوت المثقف المبدع والأكاديمي العراقي ومنعه من التأثير في مسار الأحداث وقطع طريق عمليات إعادة الروح العراقي النابض الحي وإعادة إعمار الذات العراقية التي خربتها عقود من الضيم والحيف والمصادرة..

وما زالت طرية حية حملة التضامن مع الأساتذة العراقيين الذين تعرضوا ويتعرضون اليوم لأبشع عملية إرهابية استهدفت أرواح مئات الأساتذة والأرقام تدور بطريقة فاجعة بحقهم وحق العراقيين.. وتتوسع الحملة المسعورة للإرهابيين من عاصبات مافيوية ومن مجموعات عنفية مسيَّسة ومن تكفيريين وطائفيين متشددين مرضى لتحاول النيل من مثقفينا ومبدعينا..

وكان من آخر ما حدث نقلهم معركتهم الدموية التصفوية إلى خارج الوطن وبالأمس فقط حاولوا استهداف الفنان والكاتب المبدع المسرحي والشاعر والناقد الوطني الديموقراطي العراقي أحمد الياسري.. لقد شدَّ الياسري رحاله في ظل إرهاب الدولة البعثفاشية وحكم الطاغية مهزوم وواجه في منافيه منذ أن وطئت قدمه الجارة إيران ومرورا بمحطات بلدان عديدة حتى استقر في أستراليا القصية، واجه أهوالا غريبة وعظيمة كحال آلاف عراقيينا الذين التهمت مئات منهم قيعان المحيطات وما زالت أرواحهم تطوف حولنا مطالبة بالقصاص من السبب!

ولكن العراقيين الأباة لم يسلموا من مطاردة المتعطشين لدماء الشرفاء الذين ما انفكوا يساهمون مع أبناء وطنهم في إدارة دفة السفينة المدافعة عن حقوق العراقيين ومصالحهم وتطلعاتهم في الانعتاق التام من زمن المصادرة والظلام والجهل والتخلف.. وها هو الوطني الغيور الذي كتب للناس والوطن وصاغ أجمل أحرف الحياة للحرية والسلم والديموقراطية؛ ها هو الذي لم تخدعه مظاهر أو تغريه أموال مصرّاَ َ على مواصلة مشوار المبادئ السامية التي ركب سفينتها مع أحرار العراق، ها هو يعاني لا من قسوة المنفى القصي ومن أهوال البحار والمحيطات وظروف العيش بل من مطاردة الإرهابيين له...

لماذا يتعرض لمثل هذه المطاردة اللعينة؟ ببساطة لدموية الإرهاب وتعطشهم لوقف التقدم ومشعل الفكر التنويري الذي يحمله أبناء العراق الميامين كما هي راية يحملها السيد أحمد الياسري وهو يشرع في عمله الإبداعي الجديد، لعمل فلم يتعرض للإرهاب والإرهابيين بالفضح والتعرية، مواصلا مشواره في الطريق ذاته الذي كتب إبداعاته من أجل عراق الخير والنماء ومستوحيا تاريخه السومري الأصيل..

سنقرأ لك يا أحمد وستواصل المشوار إبداعا وخلقا للجمال والحياة كما كنت دوما وأنت الأهل للتصدي بلا تردد لمثل هذه الحملة الرخيصة.. وها أنت بين زملائك في مسيرة التنوير وإزاحة الظلام والتضليل وإسكات أبواق التجهيل ووقف مصادرة أصوات الأحرار..

وسيرى النور فلمك بل أفلامك التي حلمت بها وستفضح الإرهاب وقواه ومن كان يطارد العراقيين في منافيهم.. وسيكون للجمال الذي تبدعه موقعه في أنفس العراقيين وسيصل الصوت إلى الآخر في كل مكان..

الدكتور تيسير الآلوسي
رئيس رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

لإرسال تضامنكم وأصواتكم الداعمة للحملة يمكن استخدام إيميل الرابطة

info@babil-nl.org


أسماء الموقعين للتضامن:

1. الأستاذ الدكتور تيسير الآلوسي      أستاذ جامعي وناشط في حقوق الإنسان

2.

3.

4.

5.

6.

7.

كتابات ومراسلات مرتبطة بالموضوع:

الشرطة الاسترالية تفتح باب التحقيق في حادث هجوم مجهولين على منزل كاتب عراقي بسدني !

فتحت الشرطة الاسترالية ملف التحقيق في محاولة اعتداء وهجوم  مجهولين على منزل الكاتب العراقي احمد الياسري في مدينة فيرفيلد احدى ضواحي سدني والتي تسكنها جالية عراقية كبيرة  وتعتبر هذه الحادثة هي الاولى من نوعها التي تطال كتاب ومثقفين عراقيين في هذه القارة خصوصا بعد سقوط النظام السابق فقد تعرض كتاب عراقيون مقيمون في استراليا سابقا الى التهديد من قبل رموز وسفارة النظام البائد وقتئذ,وتمت حمايتهم من قبل الحكومة الاسترالية  يذكر ان الشرطة الاسترالية قد وجهت اصابع الاتهام الى اشخاص قاموا بتهديد الكاتب سابقا وقد استدعت قسما من المشكوك بعلاقتهم بالحادث  للتحقيق وللتأكد من هوية ونوايا الفاعلين, على ان فرضية ان يكون  الحادث  هجوما ارهابيا قائمة الى ان تنتهي مجريات التحقيق وقد رجحت بعض المصادر بان يكون للحادث علاقة بالفيلم السينمائي الذي ينوي الياسري عمله في الايام القادمة والذي سيشترك به نخبة من الممثلين العراقيين و يتحدث فيلم الياسري  عن ظاهرة الاختطاف وتداعيات هذه الثقافة الخطيرة على المجتمع العالمي باسره,وهو من تأليفه واخراج مخرج استرالي  .الياسري عضو اتحاد الكتاب والصحفيين المهجريين وشخصية ناشطة في الجالية العراقية الاسترالية وقد اعلنت بعض التجمعات العراقية في استراليا عن استيائها لظاهرة استهداف وتقصي الكوادر الثقافية العراقية في العالم ,,علما ان باب التحقيق لازال مفتوحا

والشرطة الاسترالية وضعت الكاتب تحت الحماية المشددة وستكشف مجريات التحقيق عن هوية وقصد الفاعلين في الايام القادمة .

سيدي الالوسي الكبير ليس لدي تعليق على هذا الموضوع الارهابيون وصلوا..!وساكون بانتظارهم وسافضحهم وساكمل مشروع فيلمي وسنصور مشاهده وان امطرت السماء غضبا ,,تحيتي لك ايها العراف والاستاذ الكبير وانا احد تلاميذك وادعوك للتعليق واستنجد بقلمك بروحك بسومريتك التي ,,لا تشيب ان تنصروا احمد الياسري على اعدائه الذين حاولوا قتله في بيته لان فكر ان يبدع وارجوا ارسال هذا الخبر لكل هذه الاسماء التي تعرفها دكتور تيسير انا امانة في عنقكم يا اخوتي وياكتاب العراق وحياتي هي رهينة بتعليقكم على قضيتي ولا اظن اني قصرت يوما في نصرة قضيتكم وتنكرت لوطنكم الذي هو وطني يا ابناء سومر يا ابناء الفرات ..يا ابناء علي والحسين .انصروا اخا لكم في القلم والمهنة ليس له اي ذنب سوى انه حاول ان يفكر بصوت معتدل وتقبل تحيتي استاذ تيسير وانا محتاجك يا استاذي

اخوك المستنجد بهمتك وبعراقيتك
احمد الياسري

-------------------------------------------------------
إلى ابن العراق البار وصاحب القلم السومري الذي لن يكلّ
إلى  أخي في هويتنا العراقية والابن في العلم والمعرفة إلى أحمد العراقي الياسري العزيز المحترم

تحية محبة ووفاء سومريين وتحية تهنئة لسلامتك من هجمات أعداء الحرية والسلم والديموقراطية

أكتب هذه الأسطر بسرعة ولست مندهشا مِن أنْ يقصدك أولئك الأوباش أعداء الحياة ولكنني أعدك اللحظة أن أبدأ حملة تضامنية معكم فأنتم في قلوب العراقيين ولن يترك الأحرار الشرفاء قلما إنسانيا مداغعا عن عراقنا لوحده هكذا وسط قحط صحارى الإرهابوتأكد أن الجميع سيكونوا معك في قضية الخير والعطاء من أجل غد العراقيين والإنسانية المشرق الآمن

لا تنس أن تحرص من غدر أولئك الأشرار واطمئن على أن صوت أخوتك واساتذتك وقرائك سيكون عاليا وقويا في التصدي لفحش العنف وأهله وقواه التخريبية وستبقى حاضرا أيها العزيز وصامدا قويا كما عهدتك دوما

لقد افتقدتك في الأيام الخالية وها أنت تعود كما أنت المبدئي راسخ المواقف قويها فواصِل أيها العزيز وسترى اليوم ما يسرك من كتّاب الخير ومواقف الدفاع عن الحرية والصوت النبيل كصوتكم الهادر إبداعا أدبيا وفكريا غنيا.
تحياتي في هذه اللحظة وإلى سماع صوتك قريبا جدا للاطمئنان عليك.

الموافي بعهده السومري  الدكتور تيسير الآلوسي[/b]

 




237
حملات للتعريض والتشهير بالأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك ؟!
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
2005  09\ \25
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

تأسست الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك بناء على توافق عدد من العلماء والأساتذة العراقيين في المهجر وإحساسهم بأهمية الاستجابة لحاجات عدد مهول من الطلبة والأساتذة الذين تمَّ تهجيرهم إلى منافي الشتات في ظل النظام القمعي الدموي المهزوم.. وبناء على توافر إمكانات العمل المؤسساتي الجمعي في الغربة لوقف نزيف الكفاءات وتضييعها في العطالة والتبطل ووقف عمليات التجهيل وحرمان آلاف الطلبة من مواصلة اغتراف العلوم والمعارف...

وبعد تضحيات وجهود مضنية من مجموعة التأسيس من الأساتذة العراقيين الذين وضعوا كفاءاتهم وخبراتهم طوعيا وتبرعوا بمجهوداتهم من دون مقابل، ظهرت الأكاديمية جامعة عراقية أهلية عاملة خارج التراب الوطني أي في خدمة آلاف الطلبة في المهاجر ومنافي الغربات السبع... وفي ضوء خططها فإن الأكاديمية العربية المفتوحة تسير من أجل توسيع مجالات القبول وافتتاح الأقسام التي يتوافر لها مستلزمات الافتتاح وتخطط أيضا لتوسيع مقرها ونقله في الوقت المناسب إلى مجال أرحب وأوسع لتغطية حاجات جامعة تجاوَبَ معها أساتذة العراق وطلبته من داخل الوطن وخارجه..

ولكن الجامعة لم تجابه المصاعب العادية الطبيعية في أجواء العمل حسب بل راحت ترصد كثيرا من العقبات والمخططات التي عملت على النيل منها منذ انطلاقها في محاولة لمنع أية خدمات تعيد الروح الفاعل لعشرات ألوف المتطلعين الشغوفين بالتحصيل الدراسي العلمي الجامعي... وكان يومها للجامعة موقفها من عملية تشطير الجهود واختلاق هياكل مشوَّهة مما حاول بعضهم اطلاق مسمى جامعة عليه..

وإذا كان أي عمل يمكن أن يفرز بعضا من الأمور الهامشية السلبية التي يتخلص منها عبر مسيرته من دون تأثير بعيد لها كما هو الحال في وقف شخص أو أكثر عن العمل وإبعادهم من طريق قد يسمح لهم بالعرقلة وإثارة المشكلات، فإنَّ هذا ما حصل مع الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك عندما أبعدت أحد العاملين فيها عن العمل بسبب من مخالفاته وأساليبه غير الموضوعية التي اتبعها ويتبعها اليوم في سلوكه مع  هذه "الجامعة العراقية" وهي منجز علماء العراق وأكاديمييه في المهجر..

ولابد هنا من الإشارة إلى أن من حق أي طرف أن يتصدى للثغرات أو الأخطاء أو أي أمر سلبي آخر ولكن لكل تناول ولكل معالجة  شروطا مناسبة يجب الالتزام بها.. أما اطلاق الاتهامات على عواهنها وبلا أدلة فهي مما ينطوي على سلوك مرضي سلبي وعلى ما يحكمه القانون بالمحاسبة والجزاء..

وعليه لابد هنا من القول إنَّ منجز الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك هو منجز جمعي للعقل الجامعي الأكاديمي العراقي وهو ليس ملكا فرديا بل منجزا وطنيا يخدم عراقيينا جميعا بعيدا عمَّا أخفق في معالجته الخطاب السياسي؛ أي هنا حيث الخطاب الأكاديمي العلمي وهو الخطاب الذي يقوم على التحليل الهادئ  الموضوعي لأية إشكالية، المستنِد إلى المنطق العقلي الرصين..

أسوق هذه الحقيقة للقول إنَّ ما يتعرض له أساتذة الأكاديمية وطلبتها والأكاديمية نفسها من حملة يقع في محاولة تشويهها والتعريض بها بوصفها منجزا وطنيا لكي يُجهِزوا على المنجز الأكاديمي وخطابه وحلوله الموضوعية وليقولوا إنَّ العراقيين فاشلين لا في خطابهم السياسي بل وفي كل خطاباتهم حتى في أعلاها اعتمادا للحكمة والعقل.. وبهذا يعمِّقوا أسباب الاحباط واليأس ويسرقوا من عيون العراقيين ألقها وفرحها بمرجعية تنقذهم هي مرجعية مثقفيهم وعقولهم الأكاديمية..

إنَّ اللغط غير المسؤول من طرف قوى بعينها و معزوفة عدد من الناشطين في معاداة تطلعات أبناء شعبنا في الوطن والمهجر مستغلة كوننا في بدء مسيرتنا ومستغلة حلقات ضعف من نمط وجود هذا الشخص [الذي بحمل شهادة عليا] وما زال مشدودا لزمن العراك والشخصنة وتشويه العمل الجمعي المؤسساتي بخلطه بأوراق الصراعات الفردية الموتورة؛ إنَّ ذلك جزء من محاولات ضرب مشاريعنا الوطنية الكبرى لإعادة إعمار الذات العراقية..

إنَّ الاعتقاد بأن روح الانتقام من شخص أمر مشروع له حيث الضرب تحت الحزام والإصابة في مقتل لمشروعاتنا الوطنية.. إنَّ هذا الاعتقاد هو عملية لا تحمل الخطل الأخلاقي والفكري بل تحمل روحا مسموما يصيب في مقتل مستقبلنا العراقي.. إذ ما علاقة حملة السيد (...) ضد الزميل رئيس الأكاديمية بمسألة تخريب الأكاديمية ووقفها عن العمل إن لم يكن الأمر روحا انتقاميا تخريبيا خطيرا...

وما علاقة أمر العلاقات الشخصية بكتابة التقارير التشويهية التعريضية إلى الجانب الأوروبي الداعم لمؤتمر "الكفاءات العراقية في المهجر ودورها في إعادة إعمار العراق" ومن ثمَّ حمل تلك الأطراف على تأجيل المؤتمر أو حتى  التبجح بإلغائه بناء على تلك المساعي التخريبية؟؟!!! وهل العمل على إلغاء مؤتمر يدعم عمليات إعمار وطننا الجريح هو انتصار لخير أو لما يفيد أهلنا وشعبنا؟؟!!!

 إنَّ تلك الأنفار المريضة بروح العداء لا يمكن أن تمضي في مخططاتها من دون رادع قانوني لأنَّ أكثر من خمسين أستاذا عاملا في الأكاديمية لا يمكنهم أن يكونوا جميعا خونة وأفاقين وشخص واحد صاحب الراية البيضاء كما كان زعيم الطغاة في دكتاتوريته المقيتة المهزومة!! كما أن هذه العشرات من الكوادر العلمية لا يمكنها أن تخضع للابتزاز والتخويف الرخيص بأحابيل الاتهامات عبر تقارير ومقالات تعريضية وتشهيرية..

إننا نحن الأكاديميين العراقيين نعلن بوضوح أننا أسسنا هذه الجامعة العراقية  "الأكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك" لكي نعيد الحياة ونحركها في وطننا المبتلى بأعمال التخريب والتدمير وفرقعات الاحتراب واخفاقات الخطاب السياسي ونحن نمضي بمسيرة وطيدة لتطوير أنشطة الأكاديمية وتوسيعها لصالح طلبتنا ومستقبلهم العلمي.. وإن فقاعات شخص أو أكثر لن توقف مسيرة عشرات العلماء والأساتذة ومؤسسة رسخت بين أضلع أبنائها من مؤسسيها وطلبتها..

إننا لانقف عند حدود خطاب الاستنكار السياسي لمن يحارب مشروعات العراقيين بل نحن نمضي باتجاه توكيد ما بدأناه من مسيرة لصالح الطلبة الذين وثقوا بعشرات الأسماء النجوم اللامعة في سماء عراقنا ودنيا العلم والمعرفة والعمل الجامعي.. وعليه لن نتوقف عند حملات رخيصة هزيلة تطاولت على قامة الأكاديميين العراقيين في شخص الأكاديمية العربية المفتوحة..

ومن لديه أي تساؤل موضوعي لن يفتقد لإجابة موضوعية منّا وإنَّ من لديه أي تقييم وتقويم إيجابي  لمسيرتنا لن يجد إلا مزيد الاهتمام والمتابعة ولكن أولئك الموغلين في هجمات سلبية تخريبية لن يجدوا منا انشغالا بل سنحيلهم باسم أكاديمية العراقيين الشرفاء إلى الجهات القانونية المختصة لمنع تأثيراتهم التي تحاول إثارة الاحباط وشعور الخسارة واليأس فينا ولن تنجح..

لنمضي سويا بعيدا عن أعمال التعريض والتخريب ولنمضي حيث العمل الجاد المسؤول الذي يعود على طلبتنا بكل الخير وليس القلق وإثارة نوازع الخسارة والخذلان.. ولن يعيق الأكاديمية عن عملها خروج نفر مخطئ أو استقالة أكثر من زميل لظروفه الخاصة وعليه لابد من مواصلة المسيرة مطمئنين إلى هيئات متكاملة لجامعتنا "الأكاديمية العربية المفتوحة في الدامارك" ولمحاججتها في توفير لوازم الدراسة وأساساتها وليس فيما قال فلان وادعى علان أو الإنصات للقال والقيل على الطريقة السياسية المهزوزة لا الأكاديمية الرصينة التي تقول من لديه مشكلة يفحصها بهدوء ورصانة ويعالجها بموضوعية وليس بالشوشرة كما يفعل بعضهم..

ثقتنا وطيدة بخطط الأكاديمية وبمسيرتها وبتقدمها وتطورها وبعشرات الأساتذة والعلماء والمفكرين الأكاديميين وبانتصارهم لطلبتهم ومستقبل هؤلاء الطلبة المؤمل والوطيد نجاحا وتوفيقا أكيدا..[/b][/size][/font]

238
الحوار وما يختفي وراءه؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2005  08\ \30
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

لكلِّ ظاهرة ومفهوم فلسفي لخطاب إنساني أبعاد متضمَّنة معلنة وأخرى مختفية أو مخبَّأة لسبب أو ذريعة ما. وجدلنا هذه المرة ينصب فيما يمكن للحوار الجاري بين أطرافه أن يمتلكه من مساحة معلنة وأخرى تجري وراء [الأسطر]. والحق يقال إنَّ الحوار يظل في جميع أحواله ممتلِكا معطيات الإفادة والاستفادة. على أن يعي المتقدم إليه وبه ما يُحتمل أن يُحاك ليس للمتحاور من خبايا ولكن ما يمكن للمحاوِر أن يعكسه من دون قصد من نتائج غير مرتجاة من وراء حواره..

وليس المقصود هنا إشاعة روح التشكك المرضي وانعدام الثقة بين مكونات المجتمع الإنساني. ولكنَّ المرتجى من هذه المداخلة يكمن في توضيح ما للعبارة اللغوية من معنى مباشر ظاهر وآخر متضمَّن مبطن.. وما لخطاب الحوار السلمي من مظهر أكيد في استهداف المفيد وإزاحة مواضع الألم ومعرقلات مسيرة الحياة المشتركة...

إنَّ خيار الحوار لا يمكن أن ينبني بغير اعتماد الثقة والمصارحة في أجوائه وفي إجراءاته.. وهذه لا تأتي بقفزة من ظاهرة القطيعة والاحتراب إلى التعاون بمنطق الحوار والتفاعل الإيجابي البنَّاء. ولكنها تأتي بتعزيز مفردات الحوار الكاشِفة باضوائها ظلمة المناطق المعتمة بين طرفي العملية..

وبقدر إزاحة مواضع الجهل ومحوها وبقدر تعميق مواضع التعارف والتعرّف بين الطرفين سيكون تقدم الثقة وأفق التفاعل أكثر حظا في النجاح ومعالجة آثار التخريب الناجمة عن مسافة القطيعة والبعد بينهما..

وبالمناسبة ينبغي هنا التذكير بكون الحوار وسيلة للتعريف والإضاءة ما يقتضي الصبر من أجل تحقق النتائج المرتجاة من ورائه وكل عملية بناء بحاجة لوقت إضافي ومن ثمَّ لقدرات تحمّل وأناة حتى يمكن الوصول إلى الأهداف المؤملة..

وتخبرنا الحكمة البشرية والمنطق العقلي بأنَّ مسيرة البناء بلغة الحوار وخطابه تعترضها عوامل هدم خطيرة سواء منها تشبث عناصر الاختلاف وإمكانات التفسير والتأويل الخاطئ بمواضعها بطريقة تظل تطرق من على نوافذ ميدان الحوار مسببة عراقيل جدية لا يُستهان بها..

ولكن ما نعلمه عن هذه العوامل الخارجية ليس بخطورة ما لا نعلمه عن تلك العوامل الذاتية الكامنة في لغة الخطاب بين طرفين.. إذ تعترض المتحاورين منغصات شتى تتعلق بطبيعة المصطلح الذي يستخدمه كل طرف وما تولَّد عبر التراكم السلبي الهدمي بين الطرفين من مواقف مسبقة تجاه استخدام مصطلح بعينه وأسلوبا أدائيا للغة الحوار.. وهذا الأمر يسير باستمرار بخلاف اتجاه التفاعل واللقاء..

وفضلا عن ذلك تظل حالة التحفظ والتردد والتوجس وهي عوامل منها نفسية ومنها ما يعود لمعاينة مضطرة للعودة إلى جذور العلاقات السابقة بين الأطراف باحثة عن مفاتيح قراءة المفردة والعبارة ومن ثمَّ طبيعة الرسالة الموجهة لتجيب هي بالآلية نفسها وتُقرَأ بآلية شبيهة..

من هنا وجب في منطلق الحوارات أن يجري التأسيس للغة مختلفة تعتمد القواسم المشتركة باستمرار وتمضي بها متوسعة بالإيجابي على حساب ما يمكن تأويله سلبيا.. ويفترض تقدم الحوار وتفعيله العمل الحثيث من أجل خلق الأجواء المحيطة الملائمة به. على ألا ننتظر ذلك بناء على قدرية متوهَّمة أو فعل يباشره الآخر.. بل يوجب الحوار على كل طرف أن يتسم برغبة المبادرة وتوجهها وروح المبادءة وتبادل خطوات التقدم بالمضاعفة.. وبمقدار تحقق هذا سنمنح فرص تعميد الثقة من جهة ومنطق المكاشفة والمصارحة المؤمل...

الكارثة الواقعة في الاتجاه المعاكس تكمن في تكشّف أمور من نمط تحيق بخطاب الحوار حيثما فسحنا من فرص للفعل السلبي الذي يثبط أو يحبط كما في التعاطي مع أحداث تخترق زمن الحوار وتجعله ملفوفا بدخان الأزمات ويبدو لي أننا عندما نفكر بحقيقة وجود الحوار سيكون سلاحا تربويا تثقيفيا للاحق من الأحداث ووقفا لزمن الاحتراب فإننا سنسير ونحن نهيِّئ أرضية صحية للمستقبل...

وإذا كان من حق بعضهم أن يشير إلى أفعال التخريب والعراقيل المثارة من حول أجواء العملية ومن حقهم أيضا التحذير مما يختفي وراء الأكمة إذ يناور طرف [ما] بغطاء الحوار ويخفي أحابيله من أجل [مطامع أو مكاسب] وقطع أشواط أخرى من الاستغلال؛ فإنَّه من حق المتطلعين لعالم مختلف عالم السلم والإخاء أن يشير لمعرفته بمجريات واقع الحال ولكنه يمضي في لقائه وفي خطابه التحاوري بوعي تام بحقيقة ما يجري على الأرض.

وهنا يمكننا أن نؤكد أن الداعم لمسيرة الحوار لا يمكن أن تكون رغبة قوى السلم والبناء حسب بل ووعيهم بما يجري حولهم من معارك خطيرة والكيفيات التي يجري فيها محاولة استغلال رغبة السلم وتوجه الحوار بغاية ذرّ الرماد في الأعين ومضي بعض قوى الاختلاف في خططها السلبية الهادمة.. على أنَّ الوعي وحده لا يكفي بل يتحتم الذهاب أبعد من وعي الظروف المحيطة، والتحول إلى العمل الصريح بالمكاشفة الصريحة العنيدة لعديد من الوقائع القائمة..

وفي ظرفنا العراقي يمكننا الحديث عن حوار بين أطراف الساحة العراقية على أسس ثابتة واضحة تتمثل في التقدم بالعملية السياسية ومضامينها وتوجهاتها الديموقراطية السلمية.. وهذا يقتضي لا الاكتفاء بتعميد الحوار ومواصلته بإصرار بل ينبغي أن يرافقه فضح لعمليات التسليح لقوى العنف ومصادره وتعرية أهداف من نمط تلك التي تعاضد إثارة فوضى الاحتراب من جهة وتدمر جسور التلاقي وتمنح أطرافاَ َ  قوةَ استغلالِ ِ أخرى بوساطة العنف الدموي وغيره وبوساطة الإكراه والقسر المستند إلى تلك القوى الهمجية التخريبية..

وهكذا يكون التعامل مع المختفي في مسار موازِ ِ للتعاطي مع توطيد مسيرة خطاب الحوار وفعاليته... وبغير هذه الحقيقة سيكون من السذاجة اعتماد منطق التنازلات واسترخاص تقديم فروض الواجبات والتضحيات للآخر وهو الأمر الذي يُضعِف نتائج الحوار ومردوداته الإيجابية بل يحوِّله إلى مجرد غطاء لقوى بعينها على حساب مجموع القوى الشعبية..

وفي هذه الحال نجد أنفسنا بعيدا عن فرصة تقديم ما تنتظره القوى الشعبية من ممثليها في ميدان الحوار العراقي العراقي.. وسيمثل تجاوز المختفي والتغاضي عن مجريات الواقع وطبيعة الصراعات الدائرة، خطورة بعيدة في التعاطي مع مجمل المسيرة التي يديرها أطراف الحوار.. 

بينما سيكون من الطبيعي أن نتذكر كون الحوار الدائر يجري بين قوى وقيادات وبرامج وفلسفات متعددة وهي في جميع الأحوال تخطئ وتصيب بمقدار احتكامها لمصالح الفئات الشعبية من جهة وإلى الخبرات والمصالح التي تمتلكها قوة بعينها ما يعني أننا أمام قوى تمثيلية للمجتمع بعضها يمثل مصالح ضيقة معادية للفئات الواسعة ولكنه يبقى جزءا من الحركة العامة وإدخاله إلى طاولة الحوار أمر يفيد في إحباط أية رؤى سلبية ومعالجات هدمية والمحافظة على طريق المعالجات الناجعة التي تعيد للإنسان حقوقه بدلا من إضافتها عوامل إرهاق جديدة..

وللقراءة هذه بقية كون ما قدمته هنا يمثل مجرد اقتراحات لتوسيع دراسة أسس الحوار وميدانه ومقتضياته وتعميقها وتعميمها.. ولنا ثقة بمستقبل خطاب الحوار ومسيرته في الميدان العراقي والإنساني..[/size]


239
الأذن وثقافة الحوار؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2005  08\ \25
E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

كيف يجري حوار الطرشان.. يعني أن يمضي الأمر حيث يعطي كل طرف للآخر أذنه "الطرشة" أي الصماء التي لا يسمعه فيها.. وأن يجري الحوار بطريقة يتكلم فيها طرف وهو لا يسمع لصاحبه ولو مفردة.. وبيت القصيد أن يُملي طرف على آخر ما يريده من دون أن ينظر حتى في استجابته أو تفاعله. فهو يطلق كلماته لا للحوار وتبادل الراي بل ليِأمر وينهى فقط...

ولا نجد حوار الطرشان إلا في مجتمع سادت فيه لغة الغوغاء وأمراض الجهل والتخلف.. حيث التربية هنا هي التربية القبلية الماضوية تلك التي تتحدث عن أهمية الإنسان ليس في وجوده الإنساني البشري البحت بل في منصبه وموقعه الوظيفي... حيث السيد ليس غير {اس العشيرة والبقية سواء في موقع التابعين المهمَّشين...

في تلك الأجواء يصير الطرف الناطق المتكلم الأساس بل الوحيد هو من بيده سلطة الرعية.  وفلسفة الراعي المالك وقطيعه هي التي تحكم الوضع... وفي أجواء القبيلة تشيع فلسفة الغزو؛  وأن تغزو لا أن تُغزى وأن تكون المبادر الأول وما يتبع ذلك من تربية البدء بالكلام وبغيره بل السطو عليه أو على أهم مساحة فيه..

أنا أتكلم إذن أنا موجود.. أنا أنطق كلاما أكثر إذن أنا أملك معرفة أكثر وثروة أكبر! أنا مكتفِ ِ بما لديَّ لا أحتاج لما لديك.. ما لديَّ هو الأفضل والأعلى والأقوى وما لديك هو الأسوأ والأدنى والأضعف فلماذا أستمع إليك؟ اصغِ لي أنت وتعلم مني وخذ مني طالما ما تأخذه هو الكلام وليس غير..

وفي أفضل أسباب توقف الأذن عن العمل أن  ليس لي من مصلحة في لسانك فأنا معزول أريد أن أتكلم وأن أحرك لساني وأنت تريد أن تفرض عليَّ ما لا أريد سماعه فسببي الآخر أني شبعت من الكلام ممن يحكموني وأنا أريد أن أبدي وجودي في لساني..

أليس الوجود أن تفعل؟ أنا لا أجد في تلقي الأذن فعلا بل أجد في إرسال الكلمات فعلا. فإذا كنت تحترمني فدعني أحكي وأتكلم وأنطق وأحرك لساني وشغِّلْ أنت أذنك.. أنا أريد أن تسمعني فلقد سمعت دائما.. وبالفعل فقد سمع دوما من رئيسه المباشر في دائرة العمل ومن رؤسائه غير المباشرين ومن الإذاعة ومن التلفزيون وعانى التخمة من أحاديث السيد "حفظه الله ورعاه" وهو يعاني من لسان زوجته السليطة وهي تعاني من لسان زوجها الآمر الناهي وجميعنا نعاني من ألسنة جميعنا.. حيث يطغى في زمننا أوامر لا نرضاها وأفعال لا نريدها وكلمات لا نحبها...

ما يدفعنا لحوار الطرشان كثير وما يدفعنا لإعطاء أذن الطرشة أكثر.. ولكن هل سيكون لنا من يسمعنا إذا تركنا لمبدأ الأذن الصماء أن يسود واعتمدناه مبدأ لسيل من هذيان ألسنة مصابة بحمى أن نسمع أصواتنا حتى لا نعترف بهزيمتها؟؟ أليس من السباب أن نجد لأنفسنا موطئا حيث وجدنا ألسنتنا تتحرك بعد أن عزَّ الفعل!!؟

إنَّ مؤشرات الأمس التربوية تفيد بأنَّ الأذن هي ردّ فعل لا فعل.. وهي سلب لا إيجاب وهي محو لنا لا بناء وهي إلغاء لوجودنا لا إثبات!!! ولكن كيف ذلك؟ هل حقا الأذن سلب لنا ولإرادتنا ولوجودنا؟

إذا طبقنا فلسفة الرئيس والمرؤوس، الآمر والمأمور، الناهي والمنهي، فإنَّ في بعض الأمر حقا ولكن إذا بحثنا عن وجودنا على أساس كوننا بشرا أناسا لا يتحقق لنا وجود بغير انسجامنا مع الآخر ولا يتحقق لنا وجود بغير تفاعل وتبادل مع الآخر وبغير عطاء وبذل مثلما نأخذ ونريد؛ فحينها يمكننا القول إننا لسنا بوارد القول أن نكتفي بألسنتنا بل لابد من تشغيل الأذن ..

وحينها سيكون للأذن دور الفعل لا ردّ الفعل وسيستوي دور الأذن مع دور اللسان. فلا لغة تولد أو تُكتسَب من غير الأذن ولا جوار يجري حقا ويُسمى [الحوار] بغير تبادل الدور وتفاعله ووحدته بين اللسان والأذن..

فكلنا بحاجة للآخر وليس فينا من يسطيع العيش بوجوده الخاص بعيدا وبمعزل عن الآخر.. نحن لا نوجد بوصفنا جزرا معزولة بل نحيا لأننا نولد من بشر ونلد بشرا ونؤاخي بشرا ويؤاخينا البشر...

وحتى نلبي ما تتطلبه منّا حاجتنا للوجود الإنساني فليس لنا أن نكثر كلاما ونقل سماعا فنطلق عنان اللسان ونلغي الآذان.. يجب حتما أن نفعِّل الأذن عندنا .. وحينها فقط سينطلق الحوار فاعلا مفيدا متحركا وحينها فقط يكون لوجودنا معنى ..

بلى، عند تشغيل الأذن فقط تنطلق فلسفة الحوار وثقافته وليس من حوار بلا أذن وليس من منطق لاحترام الآخر وإعلان تفاعلنا معه بغير تشغيل الأذن وتفعيل عملها والاستماع بله الإصغاء لأصحابنا..

إنَّ ادعاء الديموقراطية أمر ليس بممكن التخفي طويلا وراء وجوده زعما بغير أن نوجد فرصة حقيقية جدية لعمل الأذن أو الاستماع للآخر ولما ينطق به.. وأول طريق تشغيل الأذن تنظيفها مما يسدها ويقفل منافذ عملها..

ومن ذلك استصغار طرف وتهميشه واستهجان رأي وتسخيفه وتكفير حجة وإذلال لسان مرسِل حينها تغلق الأذن عن الاستماع لمثل هكذا شخص حيث نجد أنفسنا بغير حاجة لهامشي أو مهمَّش.. ألم نقرأ مثل البعوضة والجمل؟!! أو النملة والفيل؟ أو الفأر والأسد؟

حتى لا يغلق آذاننا شئ من ذاك وحتى نفتحها واسعة مرتاحة بعيدة عن غيض أو إزعاج من إنصات للسان العدو قبل الصديق وجب أن ننظف تلك المسالك بأدوات التسامح والتواضع والتفاعل الإيجابي مع الآخر..

ولا يقولن شخص إني الأقل حظا في الكلام والإدلاء بدلوي فخير الكلام ما قل ودل وليترك للفعل مساحة تجعل من كل كلمة إيجاز وكثافة تحوِّل تلك الكلمة لفعل عظيم وخير عميم... وليجد كل طرف السبب ليترك صاحبه هو المتكلم البادئ المسترسل وليبحث عن وسائل ما يوجز بها هو كلماته..

حينها سيكون التوازن بين دوري اللسان والأذن ممكنا بطريقة الإيجاب لا السلب ولن يطمس دور الأذن حيث رحاب الحوار وثقافته منطلقه الأذن لا اللسان..

وتحية لكل أذن أصغت لأصوات تنطق بها هذي الكلمات شاكرا فضل الإصغاء وكرم ما أ‘طتني عساها تنطق بما أخذت لمسامع أخرى فتحولها إلى لغة الحوار التي اضمحلت بين أصوات التفجير التي تصم آذاننا جميعا ولكنها التي لا تكتفي إلا بإخراس ألسنتنا جميعا فوجودنا جميعا ويومها لا نملك لا الآذان ولا (أضعف الإيمان) الألسنة أيضا...

تحيا الأذن أساسا لثقافة الحوار وهلموا نسمع بعضنا بعضا بكل الود والحب والتسامح... كما نسمع معزوفة تعجبنا أو غناء يجذبنا أو عندليبا يشدونا ويرقصنا.. حينها ستخلو الساحة من ثقافات الوحشية وأفعال السادية والدموية والصراخ والعياط والعويل ومناحات المقاتل والمغازي ليسود الوئام والتصالح والروح البشري الإنساني المهذب الكريم.. لنصغِ وشكرا جزيلا لإصغائكم... [/size]


240
من بعض مستلزمات الحوار الوطني العراقي المسؤول؟



الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
[/b]

           2005  08\ \27

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

تتصاعد آثار التدخلات الدولية والإقليمية في الميدان السياسي العراقي كما تتزايد ىثار تفاقم مسببات الاحتراب المفتعلة بين بعض الأطراف العراقية... وفي الوقت نفسه يوضع العراق على أكف عفاريت التفجيرات الإرهابية والأعمال التخريبية المقنعة والمبرقعة المتخفية، الأمر الذي يوجب على مجموع مكونات شعبنا تصعيد وتائر العمل من أجل خلق الأرضية الموجودة أصلا للحوار الوطني المسؤول بين مجموع تلك القوى باختلاف مكوناتها..

وعادة يُقال: إنَّه في ظروف الحروب تتعمق الأسباب التي تدعو للعمل بمبادئ الوحدة الوطنية والإدارة القائمة على وحدة الجهود كافة.. وعراقنا الجديد اليوم في أزمة أبعد من أزمة حرب عادية حيث الآوضاع القلقة غير المستقرة وانفلاتها من الطوق التنظيمي لإدارة دولة لم ترث من أمسها سوى الخراب ومزيد من أسباب الألم ما أوجب مضاعفة الجهد للعمل أكثر من الطاقة العادية لمن يريد إعادة الإعمار والبناء.. وفوق هذا وذاك عمَّ الخراب حتى بنية الشخصية العراقية عبر التشوهات التي افتعلها نظام الطاغية واختلال التوازنات الدولية والإقليمية وتوافر فرص مضافة للقوى الدخيلة وللاختراقات السلبية الخطيرة الاتي حدثت بُعيد دخول القوات الأجنبية البلاد..

وإلى جانب مثل هذا الوضع دخلت العراق عناصر وقوى متنوعة مختلفة بعضها ليس يهمه الهمّ الوطني الحقيقي، وإنْ كان يدخل في نطاق مكونات الجنسية العراقية ولا أقول الهوية العراقية..  فوجدنا أنفسنا وشعبنا  بين أطياف ومكونات جديدة ما فرض خصوصية  للحوار الوطني العراقي.. وعليه كان لهذا الحوار مستلزمات وقواعد عريضة وجب التذكير بها...

وأول تلك المستلزمات للحوار الوطني العراقي أن تتخلى جميع القوى عن الشروط المسبقة وعن فرض تلك المطالب  بله النواهي بناء على مزاعم تمثيل أغلبية سكانية أو سياسية على وفق منظور بعينه.. كأن يدعي حزب تمثيله طائفة أو مذهبا أو دينا أو مجموعة ما.. وبناء عليه يفرض شروطه بالاستناد إلى ما يسميه أغلبيته التي يمثلها.. ومثالنا هنا بعض الأحزاب القادمة من حديثا للعراق الجديد من حدودنا وراء حدودنا الشرقية مسلحة بميليشياها؟!

وبالعائدية سيكون أمر التمثيل أمرا مستبعدا من الإكراه والقسر ويصير التمثيل للأفكار والرؤى الوطنية العامة فكل طرف يقدم رؤيته على أساس خدمتها مجموع العراقيين وليس فئة أو طائفة بأسس تقسيمية يتشظى فيها العراقيون ويحتربون بدلا من لقائهم ومجالس حوارهم.. وعلينا هنا إذن أن نتخطى منع الآخر من تمثيل من نزعم تمثيله وأن نترك للرؤى والخطط والفسلفات أن تتصدى لاي منها يفرض نغسه موضوعيا حلا لمشكلات مجموع أقاليم العراق ومجموع العراقيين...

والأمر الآخر من مستلزمات الحوار إزالة مظاهر التسلح العسكري وحل الميليشيات التي تشكل عوامل خرق لأصول الحوار السلمي الوطني المنتظر.. وهنا ينبغي تحديد تلك الميليشيات بما يُسمى قوات "بدر" وما يُسمى "جيش المهدي"  والمجموعات المسلحة في الغرب العراقي أو في جنوبه من دون حالة استثناء.. والقصد الأخير هنا منع توظيف بله استغلال السلاح في فرض شروط أو توازنات بعينها في ميدان الحوار السياسي الوطني العراقي..

كما ينبغي أن يتم ضبط الأوضاع الأمنية بما يمنع التهديدات الخطيرة بالاختطاف أو الاغتيال أو الابتزاز تحت التهديد بأي شكل من أشكاله.. ومن ذلك توفير الفرص الكافية للحركات الخاصة بمؤسسات المجتمع كي تلعب دورها الحيوي المنتظر ومنها روابط واتحادات المرأة مخضومة الحقوق والشغيلة ونقاباتهم المختلفة المتنوعة وفئات الطلبة والشبيبة ومنحهم ما يساعدهم على تطوير أدوات حواراتهم وإمكاناتهم على التصدي لأمورهم بكفاية وجدية ووعي...

إنَّ أعمال المنع والتحريم والتكفير ومن ثمَّ إهدار الدم أمر صار في وطن الرافدين عاملا أشاع أعمق ظروف إرهاب الناس وأولهم النساء العراقيات اللواتي تعمقت شواهد استفلالهن بكل أشكاله وأنواعه.. وعليه كان واجبا أن يبادر رجال الدين المتنورين، رجال الدين الحقيقييين وليس الأدعياء وبخاصة المرجعيات الصادقة ويطلقوا فتاواهم المخصوصة بموضوعات انفلتت اليوم وصار يعبث بها كل من هب ودب فيُصدِر هذا الدعي الجاهل المتخفي بعمامة وعباءة فتواه ويأتي زميله لينفذ حكم التكفير بالقتل واستباحة دم من حرِّم إيذاؤهم وليس منع قتلهم فقط..

إنَّ الحوار الوطني العراقي ليس بحاجة لتوصيف أكثر من كونه حوار بين مواطني العراق الذين انتموا إليه وجودا بالتمام والكمال ومن ثمَّ أن يجري الحوار الوطني بين مكونات الطيف العراقي من دون استثناء ومن دون تمييز بين فرد وآخر وبين مجموعة وأخرى لأي سبب كان سواء منه السياسي أم الاجتماعي أم الاقتصادي وسواء منه الديني أم المذهبي أم الطائفي... ويكون مبدأ المساواة التامة بين الجميع أمر ثابت ومن مستلزمات الحوار حيث لا يتقدم طرف على آخر..

ولا ينبغي هنا إلا التذكير بأهمية ألا يكون طرف واعظا آمرا وآخر مستمعا يتلقى ما يرده من فوقه.. بل أن تستوي أطراف الحوار لا كبير ولا صغير إلا بمقدار ما يقدم من شروط عراقيته وانتماء أفكاره للوطن والشعب ولخدمة مصالحه بإقرار من الشعب نفسه وليس بقسر من مزاعم قيادة أو جهة أيا كانت سياسية أم دينية في مرجعية وجودها...

إن الحوار أساس بين أطراف عملية إدارة الأوضاع في البلاد وهذه الأطراف هي كل عراقي وجودا وانتماء ولا يحدد هذا طرف بل واقع الحال وطبيعته... من هنا لابد من أن يستعيد كل عراقي فرصته في قول كلمته أولا وفي إدارة خطابه الوطني ليصل مجموع العراقيين بدعم مؤسسات الدولة ولا يتركن جهاز الإعلام فئة أو مجموعة عراقية لا يصلها ويوصلها ويسمع صوتها بأية ذريعة أو حجة...

لقد ولى زمن العزل والإقصاء والاستلاب وجاء زمن البحث في أسباب اعتزال الحوار وامتناع عن الإدلاء بصوت لكي يكون لكل صوت فاعليته وممارسته لحقه في عملية الحوار التي تشكل منطلق فعل البناء والتقدم في بلادنا.. وهكذا سيكون لكل عراقي يزعم ديموقراطية التوجه أن ينشر في جريدته للآخر ولردوده ولاستجاباته مثلما يملك حقه مع هذا الآخر أن ينشر له صوته وسيكون من الصحيح أن تتقدم هذه العملية بخطى ثابتة وطيدة وإنْ كان الأمر تدريجا في تصاعد وتائره وبشكل متبادل متةازن لكسب مزيد من الثقة ...

والوصول لمرحلة من هذا النوع يعني أننا قطعنا الشوط الأعمق والأوضح في التعاطي مع روح الحوار وشروطه الموضوعية.. وسينتقل بنا الوضع من مرحلة التأسيس لحوار بنّاء إلى حوار نوعي متقدم المهام هو حوار مؤنسن الأهداف يرتقي لمصاف التفاعل الإيجابي الذي يبني ويتقدم وليس فيه من شوائب الماضي السلبية المرضية...

ومن مستلزمات نبحث عنها شرطا أو سببا لتعزيز الحوار الوطني شموليته لمكونات المجتمع وامتناعه عن روح الاتهام وفروضه المسبقة والتحول إلى حال من التعبير عن الذات العراقية الوطنية بمرجعية وطنية حيث يدور الحوار عن توجهات ورؤى وضمانات للجميع في تقديم تصوراتهم وإن أخطأت من وجهة نظر طرف ثانِ ِ وما يكون فيصلا في أمر صحة رأي ليس غير الاحتكام للواقع في تنفيذه وفي التعاطي معه .. وبالمرة ينبغي أن ننتهي من مشكلة انتزاع حق الدخول في الحوار بسبب اتهام بمرجعية أجنبية أو بخيانة أو بتمثيل جهة ليست عراقية وما إلى ذلك من اتهامات لا تستند إلأى أرض الواقع والاحتكام لمصادقية الأمور ومنطقها الموضوعي المحكك...

إنَّ قضية الحوار الوطني العراقي تتطلب اليوم مزيدا من التفكير والاهتمام من مجموع الحركات العاملة في الساحة السياسية العراقية .. وتفعيل التحالفات على أسس متناظرة مترادفة كأن يكون للحركة الديموقراطية مجلس حوارها وللحركة الليبرالية وللحركة اليسارية وللحركة العلمانية ولكل طيف سياسي أو فكري أو ديني على أن نجد لكل طرف موضعه على طاولة الحوار الوطني الشامل...

إن مهمة الحوار الوطني العراقي كبيرة ولأن مسألة النهوض بدعم هذا التوجه جد  كبيرة وهائلة من جهة متطلباتها الإجرائية المادية وغير المادية.. صار من مستلزمات الأمر أن تتصدى الدولة ومؤسساتها لهذه المهمة وتفرد لها ميزانيتها وخططها التي تبدأ مشوار التنفيذ للحوار الوطني العراقي الشامل.. فهل ستبدأ الحكومة العراقية المهمة أم البرلمان الحاليين أم القادمين.. لنبدأ حيمها تعميق الدراسات المؤملة في هذه القضية الوطنية الكبرى والخطيرة!؟؟؟


241
فديراليات تنفيذ مخططات إقليمية لا مصلحة للشعب العراقي فيها
"إنَّها ليست أكثر من مشروع سراكيل العهود البائدة بأيدي المعممين والجهلة ممن أفرزهم زمن الرداءة المهزوم وليس هدف ذاك المشروع سوى تقسيمنا على إقطاعيات ولكن هذه المرة لخدمة جهات إقليمية أولها ملالي إيران فتساهم في مزيد من إدامة استغلال شعوب إيران الصديقة مثلما تحلم بتشطير العراقيين وتقسيمهم وتشظيتهم منتظرة المزيد من محاولات إذلال العراقي واستعباده ونهبه واغتياله"
[/b]

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2005/08/20
tayseer54@hotmail.com

 

يقترحُ بعضُ الساسةِ اليوم في خضم مناقشاتِ صياغةِ الدستور مشروعاتِ ِ يعدُّها بعضُهم شكلا من أشكالِ المناورة السياسية لجني مزيدِ ِ من الحصص المَنـْوي تقسيم عراقنا الجديد عليها..  فيُسيِّرون مظاهرات  [الكتل السوداء] النسوية لتطالب بإلغاء حقوقهن!!! ولإعادتهنَّ إلى عصر الحريم ومقابر البيوت!!! ويحاولون احتلاب الثروة الوطنية وتوزيعها مصاريف جيب على أتباعهم باسم الاحتفاظ بها لمحافظات بعينها... وليس أخيرا ما نسمعه من مطالب في (الفديرالية) المزعوم حلها أو تمثيلها لمظلومية (شعب الجنوب)...

وفي الوقت الذي سجلنا ملاحظاتنا في موضوع نهب الثروة الوطنية أو بعثرتها بطريقة تهدد مستقبل البلاد ومصالح كل أبناء الشعب العراقي؛ نناقش هنا تلك الدعوة لما يفترضونه (الفديرالية) التي تمثل في حقيقتها نظاما من الحكم يفيد في توزيع المسؤوليات والمهام والسلطات بين الجهات الإقليمية والمركزية بطريقة تستجيب لمصالح المجموع مثلما تحقق مصالح المجموعات ذات الخصوصية المميزة وهي أي الفديرالية لا تقوم إلا  لسبب موضوعي بعينه...

فما الخصوصية التي تدعو زعامة سياسية للدعوة إلى الفديرالية في إقليم الجنوب والوسط الذي تزعم تمثيله؟ وبخلاف المناطق العراقية كافة؛ فقد توافق العراقيون على خصوصية منطقة كردستان وعلى ضرورة إقامة فديرالية كردستان منذ زمن بعيد..  ولم تأتِ مسألة الحكم الذاتي وخصوصية المنطقة الكردية من فراغ بل كانت وتبقى قائمة على أسس واضحة ومثبتة في القوانين الدولية منذ معاهدات سيفر ولوزان الخاصة بالقضية الكردية ومرورا بعدد من القرارات الأممية التي تناولت مصالح شعب كردستان وظروفه المخصوصة...

ولكنَّ التعامل مع الطروحات السياسية المحورية في حياة الشعب العراقي على أساس من استخدامها للمناورات الحزبية الضيقة أمر لا يعد جهلا سياسيا حسب بل وإيقاعا بالعراقيين في مزالق خطيرة عن عمد أو جهل كما نقرأ في واحدة من الاحتمالات، وهو أمر ممكن في ظروف صعود عناصر مجهولة وأخرى جاهلة سياسيا ومعرفيا إلى مواقع المسؤولية في مؤسسات الدولة وزعامة عدد من أحزاب الواجهة لأسباب طارئة في الوضع العراقي...

إنَّ أولئك يقدمون مشروعهم الفديرالي بغير دراية حقيقية ولا أية قراءة منصفة للوضع السياسي القائم في بلادنا بما تتضمنه الأوضاع من تهديدات إقليمية سافرة وصاروا يتحدثون عنها علنا؛ فضلا عن عمليات التسليح الجارية لقوات [بدر] بل وتسليح عدد من العصابات التي يجري تهيئتها ليل نهار في مناطق العراق المختلفة.. والاستهانة بتلك الأخبار التي جرى فضحها إعلاميا عن مجريات التسليح أمر لا يمرّ عن جهالة هذه المرة بل يمرّ ومعه عميق الاتكال على القوى الداعمة إقليميا لممهدات تشطير العراق وتفتيته وليست الخطوة التالية سوى الإجهاز على بقية مطامح شعب الجنوب وعلى كل مصالح الشعب العراقي وحقوقه في الحياة الحرة الكريمة وفي امتلاك ثرواته وسيادته الوطنية...

إنَّ العراق في ظل التهديدات الراهنة يحتاج لحكومة مركزية تستند إلى فاعليات القوى الشعبية ومؤسسات المجتمع المدنية.. وإلى وحدة متينة بين كل مكونات شعبنا تتصدى من منطلق القرار الحر المستقل لتلك التهديدات والمخاطر التي تكمن وراءها.. وبالتأكيد ليست الدعوة هنا لا إلى قوانين طوارئ ولا إلى استلاب الحريات والحقوق الإنسانية الكاملة لكل المواطنين العراقيين ولا إلى نيابة حكومة دكتاتورية عن الجموع الشعبية ولا إلى تقويتها بتلك المركزية الخارجة عن مصالح الناس بل الدعوة هنا تكمن في حكومة وحدة وطنية تستند إلى الحكم الديموقراطي البرلماني التعددي التداولي...

وسيكون توصيف الحكومة قائما على اختيارها بالانتخابات الوطنية الحرة النزيهة، وعلى أساس احترام تام لحقوق الإنسان العراقي على أساس تقديم المواطنة على كل المفاهيم الأخرى التي لن يجري تحييدها سلبيا أو استبعادها وتنحيتها بل سيتم احترامها والارتقاء بها إلى المصاف المناسب بها.. حيث تُحترَم الحقوق القومية والدينية على أساس من المساواة بين كل المجموعات وحمايتها من استبداد [أغلبية] أو تهميش [أقلية] وسيجري استبعاد مصطلح الأقلية هذا الذي طالما اُستُخدِم لتهميش مكونات الشعب العراقي وإثارة الشقاق ونعرات الاحتكاك السلبي ...

وبالعودة إلى أمر فديرالية الجنوب والوسط سنجد حجة دعاتها تقوم على ادعاء تمثيل مظلومية أهل الجنوب ومفردة مظلومية هذه نفسها بحاجة لمراجعة حيث يضع دعاة تمثيل (الشيعة)، السنّة في خندق واحد مع نظام الطاغية الدموي ويحيلون [مظلومية] الشيعة إلى مقاتل أهل السنّة؟!!! بالقول إن صدام استخدم السنة لضرب الشيعة وشخصيا أضع أكثر من علامة تعجب واستفهام واستغراب بل واستهجان لهذه العبارة المتخلفة بكل المقاييس.. إذ لا أعرف كيف تم استخدامي أنا بهوية عائلتي السنية لأحارب زوجتي بهوية عائلتها الشيعية مثلي مثل عشرات ألوف العراقيين وملايينهم؟!!؟ وأستخدمُ عبارة هوية عائلة لأنني وزوجتي لا نستخدم الهوية السنية ولا الشيعية في مخاطباتنا وفي تصوراتنا لقراءة هويتنا العراقية الإنسانية المتفتحة مثلما يستخدمها أغلب عراقيينا في داخل الوطن وخارجه بهذا الروح المتفتح والعقل المتنور...

إنَّ الحكاية المزعومة لخوف الشيعة من السنة هي حكاية أو حديث خرافة يراد بها تقسيم العراقيين طائفيا بشكل مرضي وفضلا عن ذلك يجري إغفال جميع مكونات عراقنا في ماضيه وحاضره إذ العراق عند أولئك أقصد الطائفيين الذين يزعمون عراقيتهم  هو عراق من شيعة وسنة فقط أما المسيحيون والمندائيون والأيزيديون والشبك واليهود وكل مكونات شعبنا فلا وجود لهم في مخيلة أولئك!

والأمر أبعد من هذه المقاييس فالعراق هو صفوة مختارة من الطائفيين الدخلاء على عراقنا الجديد في غفلة من زمن الأزمة لهم حرية النهب والسلب والتحكم والتعبير بمعنى إصدار أحكام التكفير والتعزير والتقرير والباقي هم  عبيد طغيان تلك القلة المارقة المجرمة المتخفية بمبدأ التقية وغيره عبيد ممثلي ملالي ومشايخ بعض دول الجوار من وكلاء مالكي الشركات متعددة الجنسية؛ وممثلي مافيات عصرنا التي تتبرقع بظلال حكومات ديموقراطية مُدّعاة مزعومة في موضع وملائية دينية في موضع آخر من عالمنا المعاصر!!

وعلى أية حال فإنَّنا لسنا في موضع تقويم تلك الفئة التي تحكمت في أكبر أمل للعراقيين وهي الانتخابات الوطنية بوساطة ميليشيات الموت والتقتيل ومافيات العنف ولكل طرف لونه من عسكرة الحياة العراقية وقمع الصوت الحر فيها.. ولكننا بصدد فديرالية مزعومة صاروا يطبلون لها بوصفخا المطلب الشعبي ولست أدري كيف صارت فديرالية الجنوب والوسط فجأة مطلبا شعبيا وكأن شعب الجنوب والوسط كان نائما ليصحو على هذا المطلب!!!

ولست أعرف من أين جاءت فرق الإحصاء لدى هؤلاء لقرروا مطالب الأغلبية!! ولكنني أدري أنني أنتمي إلى هذا الشعب وأملك علاقاتي الوطيدة بأهلي هناك وأعرف أننا سويا لم نفكر يوما وليس فينا من يفكر اليوم بالتحديد في ظروفنا القائمة أن يقسم العراق أشلاء ويشظيه هباء منثورا بين الدخلاء من أبناء الأعاجم ولا أقول هنا العجم لمن لا يعرف قراءة العربية ولغة العراقيين وفصاحة ألسنتهم..

أملك أن أقول أن الذين يتحدثون عن مجالس عليا للفديرالية ويصدِّر اسم أحد أبناء شيوخ الناصرية (آل حجام) فإنَّما يضع اسما لا يعرف من القراءة والكتابة سوى أحرفها الأبجدية وهو لم يكتب ولا يكتب لنفسه مقالا وأطالب بتقديمه في مناظرة بالخصوص أمام العراقيين وهو يتزعم مشاريع خطيرة باسم شعبنا!! فليس كل من كان أبوه شيخ عشيرة مجاهد كآل ريسان يمكنه التصدي لمشكلات البلاد والعباد ويخطط فنتبعه صاغرين بكل علمائنا ومفكرينا وأساتذتنا وشعبنا الواعي المتنور؟!!!

أيها السادة لا تذهبوا بعيدا وتحققوا من كل تلك الأسماء الدخيلة القادمة إلينا؟ وتيقنوا من كل اسم وتاريخه فإنما الفتى من قال ها أنا ذا وليس الفتى من قال كان أبي.. وليس صائبا أن نترك الأمور بيد جهلة ليقودونا .. ولنتذكر جميعا أن الجاهل صدام الذي لم يقرأ ويكتب ولم يحمل شهادة إلا بالأوامر العسكرية لأفراد احتلوا مؤسسات ليمنحوه تلك الألقاب الأكاديمية كذبا وزورا وتخلص من كل معلميه الذي عرفوا مستواه الحقيقي ووضعه الدراسي. وها هم أشباهه يزعمون ما ادّعاه من النسب الشريف والإيمان والتقوى وتمثيل الله على الأرض ويزعمون ما ادّعاه من التخطيط لمسيرة العراقيين والنيابة عنهم ليقول هو فيقول خلفه العراق واليوم يقول الأشقياء الدعاة الجهلة ويريدونا نقول خلفهم ما يقولون!!!!!!!!!

ها هم يقولون إنَّ الفديرالية مطلب شعبي وعلينا أن نصدق ويقولون أن [شعب] الجنوب يخشى السنّة ومقاتلهم ويريد الانفصال ويريدوننا أن نصدقهم ونتبعهم!!! ويقولون أن العراقيين يتقاتلون وأن السنّة ذبحوا الشيعة لحساب صدام ويريدوننا أن نصدقهم!!!! ويريدوننا أن نصدقهم أن السنّة يستضيفون الإرهابيين وسوقة بقايا صدام الهمجي ونحن الذين نُذبح يوميا و [التقية] الطائفية تتقنع وتتبرقع بما يخفي الجريمة الأكثر هولا بحق العراق والعراقيين بلا سنة ولا شيعة ولا كردا ولا تركمانا ولا كلدانا ولا ولا ولا بل كل العراقيين....

هذه هي بعض جريمة التقسيم والتشظي لكي يسهل ضم العراق لدول الشرق وغيرها وليبيعوا العراقيين في سوق نخاسة الملالي من معممي الزمن الردئ.. أقول بعض الجريمة وليس كلها وهذه هي الفديرالية المزعومة أما من يريدني أتحدث عن الفديرالية فليقرأ لي ما كتبته فيها وما هي حقا وصدقا واين يمكننا أن نطبقها وكيف؟

أما هنا وأنا أتحدث عن مسمى فديرالية المنطوق بألسنة غريبة عجيبة هجينة فلا يمكنني إلا أن أتحدث عن حقوق العراقيين في وحدتهم الوطنية وفي الدفاع عن وجودهم وهويتهم الحقة وفي الدفاع عن ثرواتهم وكيان دولتهم وأخشى ما أخشاه أن يخضع عراقنا الجديد كما حصل يوما في تاريخه يوم خضع للسلطة الغاشمة العسكرتارية وطغيان الدكتاتورية المقيتة ولمن ينسى فإن شعبنا لم يخضع لا عقلا ولا فكرا ولا حضارة على الرغم من كل ما تمَّ ممارسته بحقع من عنف وعسف وإذا حصل ونكب شعبنا فلن يستطيعوا محو هويته وحضارته وقيمه وهو ما نستند إليه لكي نقول إن العبرة في الخاتمة ..

ولكن لِمَ نتركهم يسطون علينا أيها الشعب الأبي لنعلن بصوت واحد ما نريده حقا رفضا لمشاريع قتلنا واغتيال عراقنا في شرذمته ومحاصصته الطائفية الدخيلة علينا ولنقلْ إننا مع وحدة العراق ومع رفض مشاريع فدرلة جنوبه ووسطه بطريقة مذلة تشطيرية تضعفنا وتمهد لمحو وجودنا العراقي!!!!!!!

 [/size]

242
كيف نكسب معركة الدستور؟

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  07\ \  02

E-MAIL:  t.ayseer54@hotmail.com

 

أجاب عدد كبير من الكتّاب والمفكرين والساسة العراقيين وأحزاب وطنية عدة عن سؤال: أيّ دستور نريد؟ وتوسَّعوا في الإجابة بما يفيد ضرورة وضع الثوابت التي تتطلع إليها القوى الوطنية والديموقراطية؛ من مثل الموقف من قضايا النظام السياسي الديموقراطي التعددي الفديرالي والموقف من العلمانية والدين وتوصيف الدولة في ضوء أحدهما.. كما تحدث عدد من الكتّاب والمحللين عن مسألة أن يُكتب الدستور بلغة سياسية مؤدلجة أم بلغة قانونية كما في الدساتير المعاصرة...

أما الوضع القائم في بلادنا فكما قرأنا وشهدنا جميعا كيف جرت الانتخابات الأولى من جهة الدور السلبي للميليشيات الحزبية ولبعض التأثيرات غير الموضوعية سواء منها التركة الثقيلة لنظام الاستلاب والاستغلال لطاغية زمنه، على سبيل المثال عدم تعرف المواطنين إلى الشخصيات العراقية وإلى الأحزاب الوطنية والديموقراطية بالحجم النوعي الصحيح لتلك القوى، ما شوَّه صورة الاختيار في ظروف التدخلات والتشوهات الخطيرة المحيطة بالعملية نفسها...

ومن الطبيعي أن يفيد العراقيون بخاصة القوى الديموقراطية والعلمانية وبالأخص منها اليسارية، من تلك التجربة حيث الانتقال الفجائي من دكتاتورية طاغية محت العلاقة بينها وبين جمهورها وضربت على أدوات وجودها وتنظيمها حتى أنَّها دخلت مفتتة ممزقة مشوهة ما أضاع عليها فرصة التعبير عن وزنها النوعي وعن تعبيرها عن جمهورها الحقيقي...

وأبرز التجاريب المستفادة هي في منع التعجل والتسرع في الدخول إلى الفعاليات الديموقراطية سواء منها الانتخابات أم الاستفتاءات أم التأسيس لقواعد مؤسسات المجتمع المدنية وقوانينها ومن أبرز ذلك العقد الاجتماعي الشامل لأبناء البلاد، أي الدستور الدائم.. لأنَّ العجالة في مثل هذه القضايا التأسيسية المهمة أمر يشير لمخاطر استغلال المواقف وتسهيل الاختراقات النقيضة للمصلحة الوطنية العامة!

أما كيف سيكون التناقض ونفي المصلحة الوطنية فيكمن في الحقائق الآتية: فمثلا لجنة صياغة الدستور تشكلت في البدء على أساس من المحاصصة الطائفية على وفق تشكيل الاصطفاف السياسي للجمعية وأبرز الحركات الممثلة فيها؛ في وقت تمَّ استبعاد نوعي للمرأة العراقية عن لجنة صياغة الدستور وللمثقف والأكاديمي المتخصص ومؤسساتهم المعبرة هذا فضلا عن استبعاد التمثيل الوطني الديموقراطي أو تحجيمه بطريقة استلبته حجمه الشعبي الحقيقي. المقصود هنا تغليب وجود القوى الطائفية على حساب القوى الوطنية!

فكيف يمكننا أن نطمئن إلى صياغة الدستور بلغة قانونية لا سياسية مؤدلجة؟ وأتعس من ذلك بلغة طائفية مفروضة على الوضع لأسباب الحراك الطارئ في الوضع العام للبلاد وعدم الاستقرار الناجم عن عقود من التخلف والطغيان والاستلاب وزمن يكتنفه هول التدخلات الدولية والإقليمية المتناقضة؟؟؟

وكيف يمكننا أن نختزل كتابة الدستور بطبخة  في ظل هياج النيران وغليان الأوضاع كما تشهده الساحة العراقية؟ نحن مع مزيد من التقدم في العملية السياسية ولكن ليس على أساس الطبخات السريعة التي تجري على أيدي من ليس لهم صلة حقة بالشعب العراقي إلا من باب الادعاء والتضليل الذي تمَّ تمرير بعض فصوله في ليل أظلم، أقصد في ظل سطوة الميليشيات والقوى المسلحة والضغط النفسي باستخدام المرجعيات الدينية والتستر خلف أقنعة عدة!

وإذا كان لابد من كتابة دستورنا الدائم فلابد من توافر شروط في الأمر من أهمها ما جرى توكيده ألا يتدخل فكر سياسي ومنه بالتحديد الطائفي التقسيمي ولا قوى سياسية تتستر خلف براقع التديّن والتأسلم.. وبالقطع فإن الدستور ينبغي له أن يكون عقدا اجتماعيا صرفا يُكتب بلغة قانونية لا فرض فيه ولا قسر ولا دكتاتورية جديدة ولو كانت مما يُزعم بما يُسمى الأغلبية السياسية..

إذ الدستور عقد بين الأفراد (البشر، المواطنين) بحقوقهم الإنسانية  الثابتة والجوهرية المسجلة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي المواثيق والشرائع الإنسانية بعد مسيرة نضالات الإنسان عبر مئات السنين وآلافها التي خلت.. وعليه فإنَّ كتابته يمكنها أن تستفيد من الخبرة القانونية للآخر ومن الخبرات التخصصية فضلا عن العودة الجدية المسؤولة إذ الشعوب هي التي تكتب دساتيرها بلغة أبنائها الذين أنجبتهم متخصصين في كل مناحي الحياة ومنها هنا الشأن القانوني الدستوري البحت.

فهل سيكتب الدستور شعبنا المغيّب خلف أسوار المحاصصة الطائفية؟ وهل سيكتبه بما يريد في ضوء سطوة الميليشيات على صناديق الاقتراع؟ وهل سيكتبه وقد سطت قوى الإرهاب على محافظات بالكامل ومنعتها من التصويت وهي ما زالت تعبث بحياة أبناء شعبنا؟ وهل  سنكتبه صحيحا وعلماؤنا وأساتذتنا ومفكرونا وساستنا المخلصون تحت سيف التهديد بالاختطاف والاغتيال والتصفية الجسدية فضلا عن المحاصرة بكل أشكالها؟ هل يمكن بعد ذلك إجراء استفتاء عادل ومنصف في الوقت المحدد؟

لكي نتحدث عن دستور دائم، ولكي نتحدث عن توافق شعبي كامل تام ولكي يكون الدستور عقدا لجميع المواطنين العراقيين سيكون صائبا ألا نغمط طرفا أو نصوِّت عليه بالأغلبية العادية أو نهمل طيفا أو نتجاوز عليه بحجة كتابة الدستور على وفق رؤية الأغلبية وفكرها السياسي أو الديني..

وعليه فإننا أما أن نمدد الوقت المناسب للكتابة والمناقشة وبهذا الخصوص لابد أن تضع اللجنة المكلفة الأمر سؤالا بالخصوص لتستفتِ حوله.. أو أن نوسِّع دائرة التمثيل ونعيد بناء اللجنة على أساس وطني لا طائفي وعلى أساس يعتمد وجود نصف المجتمع أي النساء وعلى أساس وجود متكافئ لكل الأطياف العراقية..

 وليس لـِطيفِ ِ أن يفرض أغلبيته لأن الأمر لا يتعلق بمحاصصة سياسية لسلطة تنفيذية أو ما شابه بل لعقد بين رؤيتين وفكرين وكينونتين عليهما تبادل الاعتراف على قدم المساواة وإلا لم يكن ما بينهما (العقد الدستوري الصائب) بل أمرا قسريا من طرف على آخر مستغلا ظرفا بعينه ومستلبا حقا من طرف لحساب آخر!!

بوضوح لابد من مراجعة على مستوى المسؤولية من قبل كل القوى العراقية النبيلة المخلصة وأخص هنا مسؤولية القوى الديموقراطية اليوم فاية قوة ترفع شعار الديموقراطية وحقوق الإنسان عليها فورا أن تتحد في جبهة عريضة هي جبهة حقوق العراقيين ووجودهم الوطني النوعي القائم على التعددية والتنوع وعلى احترام كل عراقي في وجوده بكل تفاصيله فكرا وسياسة واقتصادا وغير ذلك.. وأن تتوافق تلك القوى على تصور اليوم قبل الغد حيث لابد أن نكون فعلا لا ردّ فعل وأن نستبق الوقائع والأحداث لا أن تسبقنا وأن تسطو على واقع الحال وتوجهه الوجهة المضرة بشعبنا ومصير بلادنا بالكامل..

وبغير ذلك فقد ندخل العراق والعراقيين في أزمة أخرى غير أزماتنا القائمة بسبب من الإرث الكارثي لنظام الطغيان المهزوم ولبقاياه وتأثيراته السلبية الخطيرة وللتدخلات السافرة المتمكنة من أوضاع بلادنا...

 

243
الأحزاب الطائفية للإسلام السياسي
تناقض ونفي لمصالح  الشيعة والسنّة على حد سواء 




الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  06\ \  30

E-MAIL:  t.ayseer54@hotmail.com

 

 

بالعودة لتعريف الطائفة نجدها حالة من التجمع البشري المعبِّر عن مرحلة اقتصادية اجتماعية مرَّ بها المجتمع الإنساني قبل قرون بعيدة.. وبالإحالة للتاريخ غير البعيد كانت الطائفية ودويلاتها في الحضارة العربية الإسلامية تمثيلا لأسوأ مراحل الدولة سواء على مستوى البناء السياسي أم المدني وما يتبعه من طبيعة سلبية في الاستجابة لحقوق الإنسان...

ولا تظهر الحالة الطائفية إلا بسبب من استدعاء التاريخ المرضي السئ حيث أمكن الادعاء والزعم بما يمرِّر ألاعيب الأحزاب والتكوينات المافيوية التي تتقنع بالدفاع عن مصالح طائفة عبر التركيز عليها وعلى أوضاعها. بينما حقيقة الأمر في مثل تلك المزاعم تشي بعملية عزل وتفتيت للطائفة من جهة واستغلال بشع لاسمها ولمصالحها بما يصب في خدمة مستهدفات رخيصة ومآرب مرضية للمدعين بأمر الطائفة وتمثيلها..

وإذا حللنا حقيقة الأحزاب الطائفية من جهة علاقتها بالمجموعة البشرية التي تلتزم مذهبا دينيا بعينه فإننا لانجد أية علاقة موضوعية بتلك المجموعة الملتزمة مذهبا بعينه ولا بمصالحها. فالمجموعة البشرية المنتمية لمذهب  ومن ثمَّ المتميزة بوجودها المخصوص بوصفها طائفة تمثل بوجودها جزءا تكامليا في مجموعة أوسع تلتزم ديانة واحدة مشتركة ولكنها تتميز [ولا أقول تختلف] بخصوصية معالجاتها كمحاولة لحل إشكالية أو معالجة قضية بتصورها أَنَّ ذاك التناول يكمن فيه الحل الأمثل المناسب للجميع بضمنهم الآخر [مذهبا أو طائفة] في معالجته وتناوله المسألة أو الإشكالية ذاتها فهي لا تقترح معالجتها معزولة منفصلة..

ومن هنا لم يتحرج أبناء المذاهب لدين بعينه من القبول بالحل المناسب لأي مذهب بما يتلاءم واللحظة أو الظرف الذي يستدعون فيه تلك المعالجة ومن سبيل المثال لم يتحرج العراقي المسيحي من التزاوج على وفق مذاهب المسيحية المتعددة ولم يتحرج العراقي السملم من التزاوج بين أبناء مذاهب أو طوائف متعددة في الإسلام كأن يتزوج السني شيعية أو الشيعي سنية وعلى أي مذهب يتوافقان عليه لحظة خيارهما لأمر من الأمور كزواجهما مثلا..

وهذا يعني أن لا مشكلة تاريخية في تعدد الطوائف بناء على تعدد المذاهب ولا تعارض بينها لا من قريب ولا من بعيد.. أما الشمكلة الحقيقية البادية مظهرا فليست في أبناء الطوائف أو المذاهب الدينية بخاصة وقد اندمجوا في إطار المجتمع المدني ومؤسساته المعاصرة التي تنتمي لمستوى اقتصادي اجتماعي متطور يعود للقرن الحادي والعشرين وليس إلى أزمنة غابرة ..

وإنَّما المشكلة تكمن في إلحاح من أحزاب بعينها على الادعاء بانتمائها لهذه الطائفة أو تلك زعما باطلا  مخادعا وتضليليا يشكل الغطاء الذي يخفي حقيقة الأهداف التي يبتغيها الحزب الطائفي.. وفي الحقيقة فإنَّ تلك الأحزاب قد تفلح في عملية الغش والتخفي وتمرير أحابيلها باستغلال لغة التديِّن أو التأسلم الطائفي بالتحديد.. ومن هنا كان من مصلحة صراع تلك الأحزاب أن تدفع لظهور أحزاب للطوائف ولا تقبل بحالة أحزاب تابعة لطائفة واحدة بعينها لأنَّ ذلك لا ينثر ظلالا كافية للاختفاء والتضليل..

ولأنَّ الطائفية الحزبية [وغير الحزبية[ الأوسع وجودا وانتشارا اليوم، وردتنا هذه المرة بوضوح من الجارة الشرقية فإنَّ الأحزاب الطائفية المدعية بشيعيتها لن يهدأ لها بال قبل أن تدفع أكثر ما يمكن لتشكيل أحزاب طائفية تدعي تمثيلها السنّة بل إن برامج الحكومة الحالية حيث أغلبية الائتلاف فرضت بُعيد فرضها سلطتها سياسة المحاصصة الطائفية وأبعد من ذلك فإنَّها تبحث عن ممثلين طائفيين على شاكلتها لمن تعزلهم قسرا وتفصلهم بحدود وحواجز باسم السنّة العرب ليس تمييزا عن السنة الكرد أو الكرد السنة بل لتمييزهم عن العراقيين من المذهب الشيعي ولتدفع الشيعة طائفة نحو عزل أعمق عن هويتهم القومية والوطنية!!!

فإذا نحن سألنا أيَّ عراقيِِّ من أيِّ طيف عربيا كان أم كرديا سنيّا أم شيعيا: أين يجد مصالحه؟ أفي وطنه العراق وفي انتمائه إلى عراقيته أم في خروجه على هويته ووجوده وأبناء جلدته وتكامله وتفاعله معهم؟؟ فإنَّنا سنجد الإجابة سريعا في ذياك الانتماء الذي سرى فيه دما وروحا وضميرا وتكوينا عقليا فكريا؛ أي في عراقيته وليس في أي انتماء آخر يتشظى به تمزيقا وتهشيما..

وبهذا فهناك تعارض جدي بين العراقي وبين الطائفية الحزبية وغيرها؛ لأنها مرحلة انصرمت من تاريخه ولأنها فلسفةَ َ وسياسةَ َ تتعارض مع فسلفته وسياسته. العراقي وطني بطبعه ومنتمِ ِ لهويته الحضارية الإنسانية المتفتحة بالعودة إلى تاريخ حضارته السومرية  وبنية منطقه العقلي التنويري التطوري..

وهكذا فليس من أحزاب طائفية، سواء ادعت شيعيتها أم سنيّتها،  بممثلة حقا للسنّة أم الشيعة بل هي في تعارض واضح مع وجودهم الحياتي ومع تطلعاتهم لأن العراقي المسلم هو العراقي أولا وأخيرا وإسلامه لا يضعه في تعارض مع وطنيته بل يوجب عليه رفض الروح التقسيمي التمزيقي الطائفيِّ الجوهر الذي أتتنا به الأحزاب الطائفية من غير انتماء صحيح  لبلادنا..

إنَّ مصلحة العراقي الشيعي تلتقي بالتأكيد مع العراقي السني فهما الاثنان عراقيان ومصالحهما تكمن في عراقيتهما ووحدتهما الوطنية وتتكامل وتتفاعل مصالحهما وأهدافهما ولا تتحقق إلا بوحدتهما تلك. بينما مصالح الحزب الطائفي تتعارض بالتمام مع ذياك التفاعل والتكامل الإيجابيين للعراقيين الشيعي والسني وتقوم الطائفية على عزلهما عن بعضهما وعلى تعارضهما مع بعضهما بعضا وعلى ما هو أبعد من التقسيم أي مصالح الحزب الطائفي تكمن في استفزاز المشاعر والحض على العداوة والبغضاء وإثارة الفتن..

طبعا لابد من التذكير هنا بأنَّ التضليل ومحاولات الغش والتخفي حيث يُبرزون دفاعهم عن تمثيل الآخر ولكن على أي أساس؟ طبعا على أساس المحاصصة الطائفية التقسيمية! أي على أساس التمزيق والتفتيت ووضع المصالح في تناقض وإنْ من طرف خفي كما يتصورون..  وعليه فإنَّ الإجابة الحقيقية للشعب العراقي ولكل عراقي إنسانا متنورا متفتحا يريد مصالحه وأمنه وخبزه وعيشه بسلام وحرية ورخاء، إنَّ الإجابة تكمن في رفض الطائفية المتعارضة مع مصالحه دائما وأبدا..

فحتى دينيا لا يجوز للطائفية أن ترقى على الأصل إذ نقرأ في المقدس "وخلقناكم قبائل وشعوبا لتعارفوا" وليس للتناقض والتحارب والبغض والعداء بل للمودة وصلات الرحم والتكافل. فأين وجد الطائفيون مصالح طائفة بعينها على حساب طائفة أخرى؟ وكيف وجدوا مصالح طائفة بعزلها وتعزيز الفصل العنصري بينها؟ وتغليبهم أحد الأطراف على الآخر وخلقهم التناقض الوهمي بين طرفين متحابين متوادين؛ لم يجدوا ذلك إلا في عقلية مريضة ومستهدفات رخيصة لابد تخدم جهات ليس منها حتى الطائفة التي يزعمون تمثيلها وهم لا يزيدون على استغلال اسم الطائفة ومظالم أبنائها استغلالا مبيَّتا ليس له غير تقويض مصالح الجميع لصالح جهة غريبة على كل أبناء المجتمع وأطيافه..

وبالخلاصة نجد أحزاب الطائفية لا شيعية ولا سنية بل هي طائفية مجردة مخصوصة بهوية الفصل والعزل لتمثل وجودها المرضي فقط لا غير وهو الوجود المعادي لمصالح كل الأطراف وأولها الشيعة والسنّة فبقية أطياف البلاد والمجتمع.. وهي إذن  تبغي بالأساس ضرب المكوِّنات بعضها ببعض .. 

لا انتماء مذهبي للأحزاب الطائفية لأنَّ المذهب معالجة واجتهاد في تناول قضايا بعينها والاجتهاد عامل تفتح وتفاعل لا عامل انغلاق وعزلة وتعارض أما الطائفية فهي عامل انغلاق وعزل وفصل وتعارض وتحارب ومن ثم تمزيق وعداء.. إذن أحزاب الطائفية ليست سنية أو شيعية بل هي مجرد حالة من التمظهر والادعاء والكذب والتضليل لمصالح يمبغي فضحها في كل مفصل من مفاصل سياساتها التخريبية ..

والعراقيون أبناء الوحدة الوطنية والتفتح ورفض التفتيت والتشظي وهم الذين يملكون وسائل تحديهم للقوى التي تريد بهم النوازل والأمراض الماضوية المتخلفة .. ووحدتهم كفيلة بدحر التمزيق الطائفي وفلسفة المحاصصة الرخيصة وفلسفة التمثيل الطائفي التي ظاهرها الحرص على الآخر وجوهرها التمزيق واختلاق التناقض..

244
اختراق المؤسسة العراقية مرة أخرى؟


الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

18 2005/06/

E-MAIL:  tayseer541@hotmail.com

 
قبل سنتين من المخاض العسير لخروج العراق من كنف الدكتاتورية وطغيانها كان بعض الكتّاب والساسة قد أعلنوا لزوم الحذر الشديد من حالة الاختراقات الخطيرة لعراق اليوم والغد. واليوم بعد أكثر من سنتين نجد أنَّ القوى التي عملت على اختراق المؤسسة العراقية قد ذهبت أبعد في توجهها لتوطين حالات الاختراق والتسلل؛ فإذا كانت بالأمس عملت بوجل وفي حال من الفوضى وانعدام الخطط الثابتة، فإنًَّها اليوم تمكنت من توكيد مواطئ  الأقدام التي دفعتها في عمق المجتمع العراقي...

وليس غريبا مثل تلك النتائج السلبية.. فقد خرج شعبنا وقواه الحريصة من زمن الكبت والقسر والاستلاب ليدخل مرحلة جديدة من عراق الانفتاح من دون أن يمتلك مؤسساته التي يمكنها أن تدافع عن سيادته الخارجية والداخلية.. أي حماية حدوده التي فُتِحت على مصراعيها بعد هزيمة جيش الطاغية واضمحلاله فيما الأمن الوطني ذهب أدراج ريح العبث و"الانفلاشية" الهوجاء التي حلت بالبلاد...

وهكذا فإنَّ تشكيل تلك المؤسسة الدولتية وكل تشكيلات ومنظمات المجتمع المدني قد جرى بطريقة مشوَّهة للأسباب التي باتت معروفة ليس للمحلل السياسي المتخصص حسب بل للمواطن العراقي الذي يحصد نتائج الوضع القائم..

لقد تمَّ تغييب المواطن ومنظماته الوطنية عقودا من الزمن وها هو لأول مرة وقبل أن يبدأ مشوار التحرر والبناء الجديد يفقد فرصا غالية من أجل التأسيس السليم لقواعد إعادة إعمار العراق وبنائه جديدا مختلفا عن زمن البؤس والتخلف والاستلاب...

واليوم في ظل سطوة الإرهاب والمافيات والعصابات السياسية المسلحة من تلك التي تتسمى بالميليشيات يريدون من المواطن الأعزل أن يتقدم ولكن إلى ميدان حرب أخرى وأتون آلامها ليعيدوا دوامة استغلاله وهذه المرة بشعارات مختلفة مظهرا ولكنها تظل هي هي حيث الادعاء بتمثيل المقدس الإلهي.. ومثلما ادعى الطاغية بــ "حملة إيمانية" يدَّعي لابسو العمائم [المزيفون منهم والأدعياء بالتحديد] أنَّهم ممثلو الله ومرجعية البشر جميعا ومن ثم أصحاب القرار والأمر والنهي...

وهم في ظل تلك الأقنعة والأستار يتخفون لتمرير أوامرهم ونواهيهم التي لا تخدم سوى قوى إقليمية وجدت الفرصة سانحة لمثل هذا الاختراق الكبير!

لقد أرسلت قوى إقليمية من بعض دول الجوار عناصرها المخابراتية وجندرمتها وضباطها ليدخلوا "ميليشيات" وتشكيلات مسلحة  لقوى سياسية بعينها كما هو حال إيران وميليشيا عقدت مؤتمر لها مؤخرا.. ولم تسكت دول أخرى من غرب العراق ومن المنطقة فبعثت بأصابعها لتدخل في تشكيلات الدولة العراقية سواء مخابراتها أم شرطتها أم وزاراتها المختلفة...

ولم يقتصر الأمر على جهات إقليمية عربية أو فارسية بل تحدثت أعين الراصد السياسي عن اختراقات إقليمية ودولية أخرى ففي زمن البيع والشراء في ذمم ضعاف النفوس يمكن أن يحصل كل شئ ليس من باب الافتراض حسب بل من باب اليقين في أجوائنا العراقية القائمة..

إنَّ الحل يكمن في مزيد من تعزيز العمل المؤسساتي وترسيخه وتحسين الأداء المهاري والتقدم نحو الحد من دور الأفراد في توجيه الأنشطة وتصريف الأعمال ليكون كل فعل موجه بقانون ومحتكِم بضوابط ملزمة.. وستأتي مرحلة تطهير المؤسسات حيث نجحنا أو تمكنا من توطيد وجودها في حياتنا..

المسألة الأخرى المساعدة على الحل، نحن بصدد كتابة دستور وكذلك القوانين المؤسساتية الملحقة وبالتأكيد آليات صيانته واحترام القوانين وتوكيد دولة الالتزام بالقانون، وعليه فإننا يمكن أن ننجح في وقف الاختراقات حيث تمكنا ونجحنا في كتابة العقد الصحي الصحيح [الدستور]  بيننا...

وأبعد من هذا وذاك ،  على العراقي اليوم أن يكتب في الصحف وأن يوظف وسائل إعلامه لكي ينشط في فضح التلاعب الجاري في تعيين شخوص مشبوهين في أغلب مفاصل الدولة وهرمها المؤسساتي..

ونحن أمام ضرورة تدقيق هرم الدولة من قمته حتى أدناه لكي نتعرف إلى كل شخصية تشغل موقعا وظيفيا في هذا الهرم.. وعلينا أن نفضح تلك النفرات اللاعبة في المياه العكرة التي باعت كل شئ مقابل حفنة من الدولارات أو الدينارات لصالح قوى تقف وراءها وتبغي استلاب العراق قيمه ووجوده في  يومه وغده...

وليتأكد كل عراقي من أن المستهدف ليس النفط وليس الكبريت ولا النخيل والمزارع ولا الآثار والموارد المادية ولكن المستهدف هو الشخصية العراقية حيث تعمل قوى إقليمية ودولية  على الإجهاز على ما يرونه بقايا العراق!!

 

 

ويبقى السؤال قائما: كيف نحارب الاختراقات؟ ونحن لا نملك مؤسساتنا ولا قوانا المكتملة ولا وسائلنا المناسبة ... كيف نعالج أخطر مشكلاتنا بعد الطائفية التي غزتنا من جهتي الشرق ونظام الملالي والغرب ونظم العروبية القومانية؟

 هل يعتقد سياسي وطني مخلص أن وزارة ما تخلو من الاندساس والاختراق؟ هل يعتقد عراقي نزيه أن مؤسسة بعينها تخلو من الاختراق المخابراتي أو الأمني أو حتى من حالات الاختراق النمطية الأخرى؟

بالتأكيد هنا نشير إلى معنى أو حالة تعيين أشخاص بلا كفاءة ولا دراية ولا تخصص في حين يُبعد المتخصص والكفوء والحريص حتى صارت مؤسساتنا ترطن بالفارسي جهارا نهارا مثلما تلحن مؤسسات أخرى بهواجس الموت القادم إلينا من جهات أخرى!!

أيها العراقيون انتبهوا! لا تسكتوا على غزو مؤسساتكم ولا توافقوا على إدخال ميليشيا بقضها وقضيضها إلى جهاز الدولة لأن ذلك يمرِّر فينا مخاطر فوق ما نحن فيه.. وجب حل المافيات السياسية وجندرمتها المسلحة المسماة ميليشيا وطنية ولدينا هنا إشارة محددة في نموذج  الميليشيا الرديفة للحرس الثوري الإيراني لوضوح الاختراق فيها منه وبه...

ولدينا مافيات ما يسمونهم جيوش التدين سواء باسم المهدي أم باسم الأمر بالمعروف؟ والنهي عن المنكر؟! أم جيش الرافدين أم جيش محمد؟ أم أية جيوش \ هي في حقيقتها ليس أكثر من عصابات أو مافيات  بأي مسمى آخر..

أوقفوا مجرمي راهن حالنا المرهون بيد تلك العصابات التي عقدت العزم على تصفيتنا واحدا واحدا وأولنا العلماء والنخب والأساتذة والأطباء والمهندسون ولن يستثنى منّا أي فرد قادر على البناء والعمل كما حال تلك الاختراقات وهجومها الدموي التصفوي وهم يحصدون يوميا عشرات من أبناء عراقنا ...

حكاية الاختراقات بدأت ولابد من نهاية لها لكي يصحو العراق والعراقيين من زمن المرض الذي امتد طويلا.. ولكي يكون ذلك لابد من تشخيص كل مواضع الاختراق.. فمنها ما يمكن توقعه في القمة ومنها ما يدخل في المؤسسات المدنية من قيادات جهاز التخطيط والتعليم والصحة وغيرها ومنها ما يقف عند حدود الوظائف العامة بمستوياتها الدنيا والوسطى وهذه لها أهمية على مديات منظورة وغير منظورة.. ومن تلك الاختراقات ما يوجَّه إلى  أو يوجد في جهاز الأمن الوطني والمخابرات والجيش والشرطة وهذه الأخيرة ركزت عليها قوى إقليمية ودولية بوضوح ليس مستغربا  لما يكمن فيها من أهمية ومخاطر بعيدة...

وعلينا ألا ننسى أن أحزابا بالكامل تشكلت بدفع خارجي واختراق منه فضلا عن الاختراقات التي تعرضت لها  تلك القوى والحركات والمنظمات التقليدية بهذه الطريقة أو تلك وفي مختلف مستويات العمل وأنماطه..فليس من جهة عراقية لم تكن هدفا لعمليات الاختراق في ظل هذه الأحوال المنفلتة أو ما يمكن أن نؤسس لاصطلاح يمثل خطورة الحالة فنسميها الأوضاع "الانفلاشية"....

والمعالجة في مثل هذه الأحوال بأن يتجه الشعب عامة إلى مرجعياته الحقيقية من التكنوقراط ومن القوى السياسية ذات التاريخ النضالي العريق الملتزم بهموم الوطن والناس مع محاصرة لكل تلك القوى المستجدة على الساحة ولا تمتلك برنامجا معلنا ولا تشكيلا وطنيا راسخا...بما يسمح بتمرير تلك الاختراقات وعلى القوى الوطنية نفسها أن تلتفت إلى احتمالات الاختراقات والاندساسات المبيَّتة...

أما مؤسسات الدولة ومجتمعنا المدني فإن الرقيب المنتظر لحراسته وتنظيفه من الاختراقات فيكمن في تعزيز دور القانون وسلطته وإبعاد سلطة الفرد كذلك في متابعة السير الذاتية لكل المتقدمين لإشغال المناصب العامة والوظائف في مؤسسات الدولة ومجتمعها المدني...

245
رفض مصطلح "الأقليات" القومية والدينية في العراق الجديد

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي
أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان
04 2005/06/
E-MAIL:  tayseer541@hotmail.com

 تعايش في بلاد ما بين النهرين عبر التاريخ مجموعات عرقية أثنية وقومية ودينية..  وظلت تلك المجموعات البشرية في حال من التآخي والتآلف بل من الوحدة الوطنية الكاملة حتى وصلت في كثير من مراحلها إلى الاستخدام اللغوي الثقافي المشترك وبقيت شعوب سومر موحدة في إطار وطني حتى قيام الدولة العراقية الحديثة..

وتبادلت المكونات القومية والدينية العراقية مع احتفاظها بخصوصياتها وهوياتها، تبادلت العلاقات الاجتماعية وشكلت نسيجا واحدا من جهة  التفاعل والتداخل بين تلك المجموعات حتى أنَّ مئات آلاف العوائل العراقية متحدرة من محتلف مكونات الطيف العراقي من دون حرج أو تحفظ أو مشكلات حقيقية..

لقد كانت وما زالت المجموعات العراقية تحتفظ لبعضها بعضا كل الاحترام وكامل الاعتراف وتمامه بالشخصية التي تحمل كلُّ مجموعة عراقية هويتها وخصائصها.. ولم يمنع أو يعكر صفو مشاعر التآلف والمساواة وتبادل الاحترام التام الفروق العددية الكمية أو ما يُسمى أكثرية وأقلية...

فيوما ما كانت شعوب سومر هي الأصول التاريخية لبلاد الرافدين تبع ذلك أكثرية بابلية أكدية كلدانية آشورية سريانية حسب المراحل التاريخية التي تعاقبت في بيت نهرين؛ حتى يأتي العرب وغيرهم من القبائل والشعوب بالعودة إلى قيام الدولتين الأموية والعباسية وتتسع نسبتهم العددية..

وبقيام الدولة العراقية الحديثة منذ مطلع القرن الماضي، جرت متغيرات جدية خطيرة بسبب من السياسات الحكومية المتوالية، فجرى قمع حقيقي لكل المجموعات العراقية (التي أُطلِق عليها تجاوزا واعتداء، الأقليات!!) التي وُجِدت منذ آلاف السنين.. وكانت جرائم سميل وغيرها البادرة الأولى لترحيل الآشوريين السريان بعيدا عن موطنهم الأصل الذي شادوا فيه الحضارات الإنسانية الأولى. وبعدهم جرت عملية الفرهود بحق اليهود العراقيين، وتعاقبت جرائم التهجير الجماعي القسري وكان من آخر تلك الجرائم ترحيل الكرد الفيلية فالشتات الكبير المهول للشعب العراقي في عصره الحديث!!

إنَّ عمليات التقتيل والإبادة الجماعيتين والتهجير القسري بالإكراه وترحيل المجموعات من أماكن سكنها والتغيير الديموغرافي جرى بتعمّد وتقصّد للإخلال بالتوازنات بين المجموعات السكانية وقد رافق تلك التغييرات الإجرامية على مستوى البنية السكانية عمليات ضخ إعلامي مؤدلجة تخص محاولة تغيير الوعي وتطبيع الرأي العام لفلسفة شمولية شوفينية تستعدي مكونات الطيف العراقي المتنوعة المتعددة على بعضها بعضا!

وكان من أبرز تلك المحاولات المرضية غرس مصطلح أكثرية وأقلية في الذهنية الاجتماعية وهو الاصطلاح المؤدلج بقيم تقسيمية تحضِّر للإيقاع بين مكونات الشعب العراقي المنسجم الموحد. وقد تمَّ استغلال مصطلح الأكثرية من [الجهلة المتخلفين؟!!] وجرت بالفعل محاولات تعطيل تعليمهم وتنويرهم وتثقيفهم بطرق مختلفة حيث جريمة سحق البنية الفوقية المعرفية لقسم كبير من مجتمعنا العراقي الذي قاوم الأمر ولم ينقطع عن المعرفة على الرغم من كل محاولات النظم الدكتاتورية واستغلالها وبهذا كسر حاجز الجهل المزعوم..

فيما تعمقت الآلام والمصاعب مع تلك القوى الشعبية المهمة في وجودها إذ لا هوية حقيقية لعراق الأمس ولا اليوم ولا الغد من دونهم، ونحن نعرف مقدار الإهمال بل الاستغلال والقمع والسحق الذي تعرضت له قوى المسيحيين من الكلدان الآشوريين السريان الأرمن وكم هو حجم الجرائم التي ارتكبت بحق الكرد وحجمها تجاه التركمان، وكذلك تجاه الأيزيدية والصابئة المندائية و الشبك وبحق  كثير من المجموعات العرقية والدينية والقومية الأخرى في بلادنا..

وتمَّ رسميا اعتماد مصطلح الأقليات للتعامل مع تلك المجموعات العراقية المهمة التي يتحدد في ضوء وجودها هوية مجتمعنا العراقي التعددي المتنوع الأطياف.. والخطورة تكمن في مقدار التداول لمصطلح الأقليات سواء على المستوى الديني المذهبي أم على المستوى القومي.. والمشكل الأخطر هو في تفتت بعض المجموعات وحيرتها في تقديم الحلول المناسبة للتسمية التي تفيد في التعبير عن خصوصيتها؛ كما يحصل مع تحديد إشكالية الصابئة المندائية هل هم مجموعة دينية أم قومية أو هم طائفة تتبع جهة أوسع أخرى؟ ومع الكلدان الآشوريين السريان أو الكلدوآشوريين؟

إنَّ أول معالجاتنا لحل المشكلات التي افتعلتها الأنظمة الاستغلالية السابقة تكمن في تثبيت رسمي لتلك الهويات بالإشارة المباشرة لمكونات شعبنا العراقي بالاسم بوضوح مع رفض بل محو أو إزالة تامة لمصطلح أكثرية وأقلية وما ينبني عليهما من تفاوت في الحقوق أو انعدام في المساواة الحقوقية القانونية.. وسيكون تثبيت هذا الأمر واجبا في الدستور العراقي الجديد.. كما سيكون مبنيا على أساس من الإشارة إلى رفض الإخلال المرضي الإجرامي في العدل بين العراقيين وتوكيد البديل الدستوري في المساواة والعدل بين جميع المكونات من دون تقديم أو تأخير ومن دون تغليب مجموعة على أخرى على أساس التناسب الكمي...

ولأن الدستور هو العقد الذي يضمن عبره وفيه الإنسان الفرد (المواطن العراقي) حقوقه، فلابد من تجاوز أمر أكثرية وأقلية بما يتعلق  بالمساواة بين المتعاقدين للعيش في الوطن العراقي.. أما استمرار مصطلح أقليات فسيكون جريمة بكل المقاييس والمعايير وسيكون استمرارا للنهج العدائي الذي يدق أسفين بين مكونات شعبنا، وهو القنبلة الموقوتة التي ستقضي على الهوية الوطنية العراقية ذات النسيج التعددي المتنوع..

إذن نحن بصدد وقف تداول مصطلح أقليات من ثقافتنا. وأنا هنا لا أقترح ذلك على اللجنة التي تعمل على صياغة الدستور فحسب بل أرى ضرورة بل وجوب انطلاق حملة جدية مسؤولة لإزالة مصطلح أقليات من جميع أدبيات الصحف والدوريات والمواقع والكتب والمؤلفات بقدر الممكن والمتاح لإرادتنا وقرارنا بالخصوص..

هل سنستطيع تحقيق ذلك؟ الأمر ممكن بقدر العزيمة والإرادة وبقدر الارتقاء بوعينا والاهتمام بخطورة استخدام مصطلح أقلية تجاه مكونات شعبنا في الثقافة العامة والحوارات السياسية... وأول من ينبغي أن يزيل استخدام مصطلح أقلية هم أبناء المجموعات التي طالما تعرضوا لقسوة المصطلح واستلابهم شخصيتهم وهويتهم الحيوية والمهمة في حياتنا الوطنية العراقية..

 

إنَّ فروقا جدية بين الحديث عن إحصاءات وأرقام ونسب لأسباب موضوعية، وكذلك الحديث عن نسب تخص العمل السياسي وأحجام المكونات والأطياف لأسباب تخص تحديد خطط التنمية وما إلى ذلك، وبين تقرير استغلال مصطلح أقلية بطريقة تمنع المساواة  وتميل كفة الميزان لصالح جهة على حساب أخرى بغية تمرير مخططات بعينها.. والحل الوحيد في الحالة العراقية تكمن في إلغاء تداول المصطلح على الصُعُد القانونية الدستورية وعلى الصُّعُد الثقافية والاجتماعية العامة بما يعيد العدل وكفة التوازن والمساواة بشكل حاسم ونهائي... وعلينا هنا أنْ نعمل بمسؤولية عالية لتثبيت الأمر دستوريا قبل أن تفوت فرصة تاريخية ونفقدها لزمن طويل آخر لا يخضع أهلنا ممن يسمونهم ظلما الأقليات لظلم آخر فحسب بل نحن معهم سنعاني مرة أخرى ونخضع لفلسفة الاستغلال والعدائية وهو ما لا نرضاه نحن العراقيين جميعا سواء مسلمين أم مسيحيين عرب أم كرد كلدان آشوريين سريان أرمن أم تركمان وصابئة وغير هؤلاء من كل فسيفساء مجتمعنا العراقي السومري البابلي الجذور...   

صفحات: [1]