ندوة تحت عنوان : "الطائفية السياسية"
نظم المركز الكاثوليكي للإعلام ندوة تحت عنوان: "الطائفية السياسية"، بدعوة من رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، المطران بشارة الراعي، شارك فيها: عضو كتلة التنمية والتحرير، النائب علي حسن خليل، عضو كتلة المستقبل، د. عمّار الحوري، نائب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، النائب جورج عداون، الدكتورة فاديا كيوان، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم وعدد كبير من الحضور والاعلاميين.بداية تحدث الأب عبده أبو كسم فقال: يشكل موضوع إلغاء الطائفية السياسية الشغل الشاغل للبنانيين في هذه الأيام، فمنهم من يريد أن يلغيها من النفوس أولاً قبل النصوص ومنهم من يريد أن يلغيها من النصوص وصولاً إلى إلغائها من النفوس، من خلال تشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية وتطبيق المادة 95 من الدستور كما نصّ اتفاق الطائف.
وسوف يحدثنا اليوم معالي الأستاذ النائب علي حسن خليل المعاون السياسي لدولة الرئيس بري، الذي أوضح ان إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق الخطة المرحلية ويقصد بالخطة المرحلية التحضير للمرحلة النفسية.
كما ويشاركنا اليوم الأستاذ جورج عدوان نائب رئيس الهيئة التنفيذية لحزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع الذي ايضاً له نظرة في تثبيت الطائفية السياسية أم إلغائها.
أما النائب الدكتور عمّار حوري الذي يمثل كتلة المستقبل يعتبر موضوع إلغاء الطائفية السياسية مسار وليس مجرد خطوة ويحتاج حكماً لإجماع وطني من جميع العائلات الروحية المكونة لمجتمعنا بلا استثناء كما ويجب تهيئة المناخ واقتناص اللحظة المناسبة لهذا الطرح.
كما يشارك معنا اليوم الدكتورة فاديا كيوان التي تعمقت في دراسة هذا الموضوع، بصفتها باحثة ولها وجهة نظر أكاديمية بعيدة عن أي خط سياسي.
ثمة تساؤلات سيجاوب عليها المنتدون، ما هي الطائفية السياسية؟ ماذا نقصد بإلغائها؟ ماذا نلغي منها؟ وما هو البديل عنها؟
أترك الكلام لأصحاب السعادة آملاً أن نضيء على هذا الموضوع بغية إعطاء صورة حقيقية عنه نقدمها من خلال هذا المركز الى كل اللبنانيين. وأهلاً وسهلاً بكم.
ثم تحدث المطران الراعي فقال: يسعدني ان ارحب، باسم اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام، بالسادة النواب والاستاذة الجامعية الذين يحيون هذه الندوة الصحفية، وبالاعلاميين والاعلاميات والطلاب الجامعيين وسائر الاصدقاء المشاركين. انه لقاء اسبوعي ينظمه المركز الكاثوليكي للاعلام، الجهاز التنفيذي للجنة الاسقفية، ويساهم باسم الكنيسة في تنوير الرأي العام وتكوينه موضوعياً حول احداث كنسية واجتماعية ووطنية، ربما تلتبس علينا مفاهيمها وأبعادها.
موضوع اليوم
«الطائفية السياسية» الذي يشكل حديث الساعة مذ طرح دولة رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري مشروع تأليف اللجنة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، المنصوص عليها في الدستور اللبناني المعدّل سنة 1990 وفقاً لوثيقة الوفاق الوطني الصادرة عن اتفاق الطائف 1989.
تتناول هذه الندوة حصرًا الاجابة على أسئلة ثلاثة:
1. ماذا تعني لفظة الطائفية السياسية؟
2. ماذا نلغي؟
3. وما هو البديل؟لن ندخل في جدال حول كيف ومتى ولماذا تتألف اللجنة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، ولا حول ألية عملها، ولا حول الوقت الملائم لتأليفها وبدء نشاطها. هذا كله منوط بقرار من المجلس النيابي والسلطة السياسية في الظرف المناسب.
إن اللجنة الأسقفية لوسائل الاعلام تأخذ على عاتقها بلورة تعليم الكنيسة حول مبادئ العمل السياسي وميزات لبنان، الذي ضمنته
«شرعة العمل السياسي» الصادر عنها في شهر آذار 2008.
يندرج موضوع "الطائفية السياسية" في معرض كلام «الشرعة» عن
«الميثاف الوطني للعيش المشترك والصيغة اللبنانية» (صفحة 29-30).
فالشكر للسادة النواب والاستاذة الجامعية على تلبية الدعوة وعلى مساهمتهم في الإجابة على الأسئلة الثلاثة المطروحة. والشكر لكم جميعاً.
ثم ألقى النائب علي حسن خليل الكلمة التالية:ايها السادة
في البداية، أولاً، يجب علينا الإشارة إلى أن النقاش اليوم يجب أن ينطلق من نصوص الدستور ووثيقة الوفاق الوطني التي تحدد دور وموقع لبنان، وتشكل العقد الضامن لعلاقات المكونات السياسية مع بعضها البعض وصلاحيات المؤسسات الدستورية.
ثانياً، ان مقاربتنا لبحث مسألة تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وفق ما نصت عليه المادة 95 من الدستور، لا يتعارض على الإطلاق مع الخلفية الثابتة بضرورة الحفاظ على صورة لبنان التنوع، وأدوار طوائفه وفعاليتها، والتي تشكل في مفرداتنا الثقافية والسياسية، وفق ما عبّر الامام السيد موسى الصدر، نوافذ حضارية هي نعمة للبنان، في مقابل الممارسة الطائفية التي تبقى النقمة على الوطن وتطوره، وعلى ضرورة الحفاظ على لبنان الذي لا معنى له بدون مسيحييه أو بدون مسلميه، وأن لا تفكير على الإطلاق بإلغاء الطوائف وأدوارها.
وهنا أشدد على مسألة أن طرح تشكيل هيئة الغاء الطائفية السياسية لا يحمل، بأية صورة، نية تهديد لإستقرار التوازنات التي رسمها الميثاق والدستور، بل في سياق مسؤولية التحضير للخروج من أزمات نظامنا السياسي وبما لا ينفصل عن تطور الحياة السياسية والإجتماع السياسي، والوعي الذي يفتحه نقاش هذه المسألة.
* اسمحوا لي أن اعيد التذكير ببعض الأمور التي أكدناها مراراً، وحسمها دولة الرئيس نبيه بري في مؤتمره الصحافي الأخير:
ـ إن المطروح هو تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وليس الإلغاء، الذي وفق نص وروح المادة الدستورية، وقناعتنا، يستوجب عملاً كبيراً على صعيد تحضير الأجواء والمناخات والظروف والتحضيرات القانونية والعملية للوصول إليه.
وإن المطروح هو التدرّج في الوصول لهذا الأمر بدءاً من النقاش حول التشكيل وفق النص، لتأتي معبّرة عن التمثيل الأشمل للبنانيين، وبعدها إعداد الأمور الواجب معالجتها، وفتح الحوار حولها، وبحث الخطط والبرامج وتقديم الإقتراحات التي ستخع لإرادة وطنية جامعة.
لهذا علينا حسم مسألة الخلط بين التشكيل، الذي يبقى واجباً دستورياً وفق المادة 95، لا يجب النقاش به إذا إلتزمنا بالنص الدستوري، وبين الغاء الطائفية.
علماً أن أصل التشكيل وقواعده فيه من الضمانات لمشاركة الجميع طائفياً وسياسياً.
ـ إن ما تريده هذه اللجنة هو تماماً ما ورد في النص: الإعداد والتمهيد وتقديم الإقتراحات.
وبالتالي فهناك فصل بين ما تقترحه، وما يقرر بواسطة الأطر الدستورية في الحكومة والمجلس النيابي. وهنا على كل الذين يطرحون هواجس مرتبطة بنتائج عملها أن يضعوها على جدول الأعمال لتكون مدار النقاش، ولا تبقى أوهاماً تُعقد فرصة تثبيت مشروع الدولة وتطورها. وهنا الإجابة على السؤال حول ماذا نعني ونريد من الغاء الطائفية، والذي سيكون متروكاً "للهيئة" لكي تحدده وفق الإقتراحات التي تتوصل إليها بعد نقاشها من كل الأطراف.
ونحن هنا نشدد على إلتزامنا بأن المسؤولية الوطنية تفرض تأمين الإطمئنان لجميع الطوائف والقوى في حفظ المشاركة في القرار السياسي بالشكل الذي يسمح بالحفاظ على النص الذي عبّر عنه الإرشاد الرسولي عام 1998، بأن لبنان أكثر من وطن وهو نموذج ورسالة حضارية في آن واحد، وبين تطوير النظام السياسي الذي يُخرجنا من العقد المُعَطِلة لطموحات الإنسان وقدراته، لأن البديل هو أن نُبقي حالة القلق والإرتباك والضياع هي السائدة، بدل النقاش المسؤول، الذي عدا عن أنه يأتي إلتزاماً بنص دستوري، فإنه يؤمن هذه المساحة الضرورية لتناول قضية شائكة تعيق ربما تنفيذ بنود أخرى من الدستور وتعطلها.
ـ إننا ننظر بإيجابية إلى الحيوية السياسية التي خلقها طرح تشكيل "الهيئة"، وما فتحه من نقاش تناول قضايا جوهرية تتعلق بالنظرة إلى لبنان ودوره وصيغته، وهذا بحدّ ذاته أمر إيجابي، إذا ما قونناه في إطار هيئة للنقاش. لكن ما يقلقنا هو ردود الفعل التي تتجاوز حقيقة ما يُطرح، والتي تتناول إفتراضات من مخيلتها لتبني عليها موقفاً يتناقض مع ما نصبو إليه.
وأننا بكل الأحوال نتطلع إلى العمل الجديّ من خلال هذه "الهيئة" بعيداً عن التناقض أو التحدي مع أي طرف، وبذل الجهد للبناء على المشترك، وبالتالي الوصول إلى الصيغة الأفضل التي تُطمئن الجميع. وسنكون جزءاً من هذه الصيغة المتوافق عليها، مهما كانت لأن الأولوية بالنسبة إلينا هي الحفاظ على لبنان وإستمرار دوره.
إن ما ورد على لسان البعض حول وجوب معالجة الكثير من النصوص قبل الوصول إلى إلغاء الطائفية السياسية لتأتي تتويجاً، إنما هو يتجاوز حقيقة اننا لا نطرح الإلغاء بل التشكيل، ومن يقول في نفس الوقت أن إلغاء الطائفية هو بمثابة إلغاء الدور المسيحي في البلد، يتجاوز أولاً حقيقة أن هذا المطلب كان للمسيحيين في بداية العمل بالميثاق الوطني عام 1943، وإن هذا النظام الطائفي لم يحمِ المسيحيين من الهجرة خارج لبنان، وثانياً هو يضع نتائج مسبقة لأبحاث "الهيئة" ونقاشها، ويفترض أنه سيصل إلى مسألة إلغاء المناصفة أو غيرها من الأمور الضامنة، وهذا ما نسمعه من أي فريق حتى الآن.
أما ربط المسألة بأمور أخرى تتجاوز النقاش الدستوري، إلى ربط المسألة بالإلتزام بالنصوص المتعلقة بالأنظمة الداخلية لمجلس الوزراء أو مجلس النواب، فهو ربط في غير محله، حيث تجاوز قاعدة قانونية لا يعني تجاهل تطبيق مادة دستورية، يجب أن يسأل من يرفض أو يؤخر تطبيقها.
ـ إن النقاش المطلوب اليوم هو كيف نضع الأسس لتشكيل "الهيئة" وإدارتها والمهام المطلوبة منها وجدول الأعمال، لنكون منسجمين مع قناعتنا بوطن المؤسسات والدستور والميثاق والاصلاح والتغيير. وبهذا نكون قد وضعنا أنفسنا في خانة الإنحياز إلى الميثاق والدستور، وصوبنا النقاش السياسي، وجعلنا إختلاف وجهات النظر غنى لتجربة ريادية تُقارب فيها مسألة شائكة شكلت نقطة خلاف أساسي بين اللبنانيين، لنصل معاً، بما نمثل من أحزاب وطوائف وتيارات، إلى مشترك نحسم معه ما نريد جميعاً ونجعله في أساس الدستور.
كما ألقى النائب الدكتور عمّار الحوري فقال :سيادة المطران بشارة الراعي المحترم ، الأب عبده أبو كسم المحترم ، الزميلان النائبان الأستاذ علي حسن خليل والمحامي جورج عدوان ، الدكتورة فاديا كيوان ، الحضور الكريم
إلغاء الطائفية السياسية وفقا لاتفاق الطائف في بند المبادىء العامة والاصلاحات ووفق الدستور في المادة 95: "هدف وطني اساسي
يقتضي العملَ على تحقيقه وفق خطة مرحلية ، وعلى مجلس النواب المنتخب على اساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين
اتخاذُ الاجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف وتشكيلُ
هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية ، تضم بالاضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصياتٍ سياسية وفكرية واجتماعية. مهمةُ الهيئة دراسةُ واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها الى مجلسي النواب والوزراء
ومتابعةُ تنفيذ الخطة المرحلية." ثم يذكر الاتفاق والدستور ما يجب فعله في المرحلة الانتقالية .
وانطلاقا من هذا النص نرى ، ومن حيث الشكل ، ان اتفاق الطائف والدستور حددا ثلاثة مراحل متعلقة بالغاء الطائفية السياسية:
المرحلة الاولى : العمل وفق خطة مرحلية ،
والمرحلة الثانية : تتضمن اتخاذ الاجراءات الملائمة من قبل المجلس النيابي لتحقيق هذا الهدف ، وفي ضوء اجتماع المجلس النيابي يظهر ما هو مناسب من خطوات بما فيها توقيت المرحلة اللاحقة.
قبل أن تأتي المرحلة الثالثة : والمتضمنة تشكيل الهيئة الوطنية.
أما من حيث المضمون ، وللاجابة على سؤال : ماذا نلغي ، وعلى سؤال ما هو البديل عنها ، نقول بداية ما قاله الرئيس الشهيد رفيق الحريري :
"لو بقي في لبنان مسيحي واحد تبقى المناصفة." فمن خلال هذه المناصفة أعطى المسيحي اللبناني نكهة لبنان وقدم قيمة حضارية تراكمية بدونها وبدون ميثاق العيش المشترك لما كان لبنان، فما يجب ألا نلغيه وأن نحافظ عليه بكل ما اوتينا من قوة هو المناصفةُ المعبرةُ عن ميثاق العيش المشترك. وما يجب أن نلغيه هو شوائب نظامنا الديمقراطي مع تفعيل هذا النظام ، والبديل ببساطة هو النظام الديمقراطي بكل تأكيد شرط حماية ميثاق العيش المشترك. وتأسيسا على ذلك نقول:
أولا: إن امورا أقل حساسية واهمية بكثير من هذا العنوان وكانت موضع خلاف بيننا كلبنانيين توافقنا على وضعها على طاولة الحوار الوطني ، وكان كل بند من بنودها بحاجة الى اجماع القوى السياسية الممَثَلَةِ على الطاولة ، وبالتالي فإن هذا الموضوع موضوع الغاء الطائفية السياسية يحتاج حكما لاجماع وطني من جميع العائلات الروحية المكونة لمجتمعنا بلا استثناء ، قبل الخوض فيه ، فهو مسار وليس مجرد خطوة بذاتها.واذا كانت هناك مواقف لا تحبذ هذا الموضوع الآن فهذا يعني انه في هذا الظرف ليس هناك اجماع وطني عليه ، والاصرار عليه من شأنه أن يشكل مادة خلاف لذا لا بد من تهيئة المناخ والارضية الصالحة على المستوى الوطني واقتناص اللحظة المناسبة للطرح.نعم إن الغاء الطائفية السياسية جزء من اتفاق الطائف ومن اقتناعنا السياسي لكن الأمر يتطلب تهيئة الظروف واختيار التوقيت المناسب لتجنب اية تداعيات سياسية يمكن ان تترتب عليه.
ثانيا: اذا كان هذا الموضوع سيؤدي الى انقسام وطني ، فلا يجوز ان يكون طرحه سببا لخلافٍ وطنيٍ جديد.
ثالثا: إن امورا حساسة بهذا الحجم تحتاج لتهيئة الظروف المناسبة على المستوى الوطني لطرحها.
رابعا: إن اعتراضنا على توقيت طرح تشكيل الهيئة الوطنية المدرجة فعلا في الدستور واتفاق الطائف ، لا يعني بأي حال من الأحوال الدعوة لإلغاء البند ، انما يعني تجنيب البلاد أي نزاعات وطنية سياسية والعملَ على تهيئة الظروف المناسبة لوضع بنود الاتفاق موضع التنفيذ .اننا نؤيد كل المساعي الآيلةِ لاستكمال تطبيق اتفاق الطائف لكن التطبيق يجب ان لا يكون انتقائيا بل معبرا عن التزام ثابت باحكامه نصا وروحا لذلك فان خطواتِنا في هذا الشأن العام يجب ان تراعيَ اسس ومتطلباتِ العيش المشترك. الهدف نبيلٌ ووطنيٌ ودستوريٌ ومرغوبٌ فيه لكنه يجب ان يترافق مع القناعات والممارسات التي تحضر لتقبّل هذه الخطوة باطمئنان وارتياح بعيدا عن الهواجس ، مما يجعلنا نقتنع بضرورة اختيارِ توقيت آخر لطرح هذا الموضوع الدقيق.
لا قيمة لكلام يتوجه للمسيحي ويقول له لا تخف ، فالقيمة كل القيمة هي حين يشعر المسيحي وكل لبناني بالأمن والأمان وعدمِ الخوف وحينها أستطيع أن أبني كلبناني على أسس ثابتة راسخة.ومن هنا فإن أولوية قيام الدولة تتقدم من وجهة نظرنا على أية اولوية اخرى.
نعم ، هذه الخطوة تحتاج الى تمهيد وفق خطة مرحلية ، وبعد أن نتوافق على الخطة نتخذ الاجراءات الملائمةِ لتحقيق هذا الهدف ، نصل بعدها الى البحث في تشكيل الهيئة الوطنية.
ما هو هذا التمهيد ، ببساطة نقول إن اتفاق الطائف وفي 18 موضعا منه إما انه لم ينفذ أو نفذ بصورة غير دقيقة أو انه بحاجة الى نقاش ، بدءا من المبادىء العامة ومرورا بالاصلاحات السياسية والاصلاحات الاخرى وابرزها اللامركزيةُ الادارية واعادةُ النظر في التقسيم الاداري بما يؤمن الانصهار الوطني وضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الارض والشعب والمؤسسات وقانونُ الانتخابات النيابية ووصولا لبسط سيادة الدولة على كامل الاراضي اللبنانية واستعادة سلطتها ، وبالتالي لا يمكن انتقاءُ الغاء الطائفية السياسية وبحثُها بعيدا عن باقي الاصلاحات ، والتمهيد يقتضي بحثَ سلة الاصلاحات كاملة.
نقطة أخيرة ، ووفق اتفاق الطائف والدستور ، وحين تنضج الظروف ويتحقق الإجماع الوطني ، فإن على المجلس النيابي حينها بحثَ تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية ، فمع كامل الاحترام لشخص رئيس المجلس،الأمر مناط بالمجلس النيابي ، ورئيس المجلس يتحدث باسم المجلس ولا يتحدث عنه.
وبعد ، فلنبحث عما يجمعنا ويعزز وحدتنا الوطنية ، ولنسأل الله تعالى أن يبارك لنا في هذا البلد الحبيب لبنان ، وان يجعل من تنوعنا نعمة لا نقمة ، وأن يجعلنا نستخلص العبر مما يجري حولنا في المنطقة ، وأن يجنبنا التجربة، فما عشناه من تجارب في لبنان يكفي ، حماكم الله وحما لبنان .
ثم القى النائب عدوان كلمة فقال:
I - ماذا يعني إلغاء الطائفة السياسية:
1 - بالمعنى الأكاديمي: - إن إلغاء الطائفية السياسية يعني عندما يصبح الموقع في الدولة غير مرتبط بطائفة صاحبه.
- يصبح أي موقع في الدولة غير مرتبط بالطائفة.
- يعني إلغاء طائفية المناصب والوظائف والحصص.
2 - بالمعنى السياسي: لماذا اليوم بالذات ويكف ينظر إليه؟ احمد جابر يقول: إن رف شعار إلغاء الطائفية السياسية يرمي إلى الذهاب بالخلل الواقعي الذي تراكم في السنوات المنصرمة إلى تكريسه كخلل "نصوصي" يصعب الارتداد عليه..... غلبة طائفية معينة، على حساب غلبة طائفية سابقة، وتمييز مذهبية معينة عن مذهبيات أخرى.
II - ماذا نلغي: - نلغي المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس النيابي.
- نلغي المناصفة في موظفي الفئة الأولى في الدولة –
- نلغي الديمقراطية التوافقية ليعمل محلها الديمقراطية العددية التي تعني طغيان مجموعة على أخرى.
- نلغي وفقاً للمعطيات والأجواء الراهنة في لبنان والمنطقة الشراكة المسيحية في الدولة.
III - ماذا هو البديل عنها: 1 - لطائفية السياسية في لبنان: هل هي المشكلة أم الحلّ؟ البديل عنها المحافظة على النموذج اللبناني والعيش المشترك لمشاركة الجميع وطمأنة مكونات الوطن وفتح الأبواب أمام قيام دولة الاطمئنان والعدل في لبنان.
كل ذلك من خلال تكريس الديمقراطية التوافقية وإرساء أسس المواطنية التي لا تتناقض مع هذه المبادئ.
فمؤسسات الدولة لجميع المواطنين وشرعت لخدمة المواطنين وعندما يتسلم المسؤول السلطة لأي طائفة انتمى يفترض به أن يتصرف من منطلق وطني شمولي، ولو كان ينتمي إلى طائفة معينة: فلا يعود يتصرف المسؤول على أساس أن الوظيفة التي يتولاها إنما يتولاها لحساب الطائفة - فمراعاة التوزيع العادل للوظائف بين الطوائف ليس يعني إطلاقاً توزيع مرافق الدولة عليها.
إن الطائفية السياسية هي عبارة عن مشاركة الطوائف في السلطة السياسية، لذلك فان المطالبة بإلغائها كمن يطالب بإلغاء التكوين المجتمعي الذي ينتمي إليه، لأن المشكلة ليست في وجودها بل في ممارستها، كما أن حلّها بسيط وهو بحاجة إلى تطوير الذهنية التي ما زالت موروثة منذ العهد العثماني من القرن التاسع عشر والتي ما زالت متحكّمة في عقلية المسؤولين في "الدولة" كنمط طبيعي للزعامة شبه الثابتة. إن المشكلة تكمن في جنوح السلطة السياسية نحو إساءة استخدام المركز للمصلحة العامة وتغليبها الخدمات الشخصية للزّمر clans، من توظيف، استئثار ورشوة بالإضافة إلى "التغطية والحماية" من كل محاسبة أو رقابة، مما أدى إلى نشوء شبكة من الفساد فيما بينها حيث تحوّلت إلى حلقة قوية باتت تعرف باسم "المجمّع السياسي- الإداري" الذي يتّحد بالمنفعة لمواجهة كلّ إصلاح بفعل الامتيازات التي حصل عليها، وقد تحوّل هؤلاء مع مرور الوقت إلى أرقام صعبة في المعادلات الطوائفية إذ يصبح المسّ أو التعرض لسمعتهم بمثابة إعلان الحرب على طوائفهم. وفي حين.
إذاً، إن الكرة في معالجة الخلل من الطائفية السياسية هي رهن التزام السياسيين ببناء الدولة الحديثة على قاعدة المؤسسات أي احترام معايير الكفاءة إدارياً بتفعيل المجالس أي الخدمة المدنية، التفتيش المركزي وديوان المحاسبة.
والمعالجة تسمح بالفصل تماماً بين ترجمة الواقع وتامين المشاركة وبناء المواطنية.
أما سياسيا فيجب فصل السلطات بحدّه الأدنى.
إنها طريقة لإشعار المكونات التي تؤلف الوطن أنها شريكة في إدارة شؤون الدولة بشكل ويؤمن العدالة والمساواة وبشكل يجعلها تشترك في عملية بناء الدولة والوطن.
أنها الطريقة الفعلية للعمل على أن لا تتناقض المشاركة مع المواطنية.
لقد قال الشيخ مهدي شمس الدين: " أن طبيعة النظام اللبناني تتميز بخصوصية معينة نتيجة التنوع الطائفي، وان إلغاء نظام الطائفية السياسية يحمل مغامرة قد تهدد مصير لبنان........"
لذلك أنا أوصي الشيعة اللبنانيين بشكلٍ خاص وجميع اللبنانيين مسلمين ومسيحيين أن يرفعوا من العمل السياسي والفكر السياسي مشروع إلغاء الطائفية السياسية لحين نضوج الطرح في لبنان والمحيط العربي في لبنان.
كما أجاب السيد حسن نصرالله في معرض التساؤل عن أي ديمقراطية تناسب لبنان: " أعلن بوضوح أن الديمقراطية التوافقية هي أفضل أنواع الديمقراطية لمجتمع مثل لبنان تتعدد طوائفه وتتنوع جماعاته الاثنية والثقافية.
كما قال العالم السياسي Andre Pijphart الذي بلور نظرية الديمقراطية التوافقية أن النظام اللبناني يشكل أفضل الأمثلة عن الديمقراطية التوافقية.
وهنا يجب أن نعمل كل شيء للمحافظة على استقرار النظام.
إن التجارب التي عاشها لبنان بين 1990 – 2005 تعطي فكرة عن ما قد يحدث في حال إلغاء الديمقراطية التوافقية، فتعيين في الانتخابات النيابية 1992 – وقوانين الانتخابات – وقانون التجنس – ووضع إدارات الدولة.
ولنفهم أبعاد وعمل الديمقراطية التوافقية، علينا أن نبدأ بالاتفاق على تفسير الدستور تفسيراً واحداً لنتمكن من تطبيق بنوده على ضؤ وحدة تفسيره. فإحدى الإشكاليات المطروحة في تفسير الدستور:
هل ستعمل الهيئة على إلغاء الطائفية السياسية فحسب، أم إنها ستعمل على إلغاء الطائفية برمتها؟ أساساً، هل من المستطاع إلغاء الطائفية السياسية من دون إلغاء الطائفية؟
الدستور لا يقدم إجابات شافية على هذه المسألة. فهناك في ميثاق الطائف وفي الدستور إشارات واضحة إلى الأمرين معاً، أي إلى ضرورة إلغاء الطائفية السياسية والى إلغاء الطائفية. ولكن، بين هذا وذاك فرق كبير. فإلغاء الطائفية السياسية يعني إلغاء طائفية المناصب والوظائف والحصص. وانحيازاً من قبل الدولة، عندما تسن قوانين الأحزاب والجمعيات والانتخابات والمجالس التمثيلية، إلى جانب الأحزاب والحركات والتكتلات العابرة للطوائف على حساب الكيانات الطائفية. والأصعب منه هو إلغاء الطائفية وهو يقتضي تعقبها ومطاردتها في سائر كيانات المجتمع الأهلي سواء في المحاكم الروحية أو في ميادين التربية والتعليم أو العمل الخيري، سينعكس بالضرورة على تشكيل الهيئة وعلى اختيار أعضائها.
نستنتج من كل ذلك انه علينا:
لنتمكن من تطبيق أي نظام يجب أن تفرض الدولة سلطتها وحدها على كامل التراب اللبناني – فقيام الدولة وتطبيق نظام معيّن يسبق تعديل النظام في أي منطق قانوني.
ولنتمكن من التعاطي مع الدستور يجب أن يكون لنا تفسيراً واحداً لبنوده.
وعند التوصل إلى كل ذلك نحن نؤيد الديمقراطية التوافقية لأنها تحترم تركيبة لبنان التعددية ونرى انه بالإمكان تطبيقها دون أن تتعارض مع المواطنية وتعزيزها وتعزيز الانتماء للوطن، على الأقل في الظروف الحالية.
وفي الختام كانت مداخلة للدكتورة فاديا كيوان بعنوان الطائفية السياسية : بين الإلغاء من النفوس أو من النصوص فقالت:استحوذ هذا الموضوع على حصة كبيرة من الاهتمام في الأسبوعين الأخيرين بعد تصريح دولة الرئيس نبيه بري وصدور الردود المختلفة عليه. واللافت ان أغلبية الردود كانت إما رافضة وإما متحفظة. واللافت أيضا" أن السجال حول الموضوع تميز بالعصبية بل أكثر بالتشنج.
برأينا هذا الموضوع يستأهل وقفة هادئة، علمية، تساهم في الإضاءة على المشكلة وعلى الحلول. المشكلة مزدوجة : فهي من جهة إن اعتماد توزيع المناصب حصصا" بين المذاهب والطوائف التي تشكل منها لبنان وتخصيص بعض المناصب لبعض الطوائف ، يعتبر بحد ذاته تمييزا" بين المواطنين يُخلُّ بمبدأ المساواة التامة بينهم في الحقوق والواجبات والذي ينص عليه الدستور اللبناني.
ومن جهة أخرى، فقد تطورت الحياة السياسية سلبا" في لبنان فتمذهب من لم يكن متمذهبا" وأصبح الوعي الطائفي بل المذهبي أكثر حدّة. وتطيفت الأحزاب وتمذهبت، وتماهت أحزاب بطوائف أو مذاهب وبالعكس تماهت مذاهب بأحزاب.
واستحضرت رموز وأحداث دينية ومرجعيات عقائدية مذهبية في العمل السياسي والوطني. وقامت حروب طائفية ومذهبية وجرى تهجير وتهجير مضاد وخطف وتصفية في كل المواقع ولم تتبلسم بعد كل الجراح. وبالإضافة إلى كل ذلك. تقلّب النظام السياسي اللبناني وكذلك المؤسسات الدستورية والمؤسسات والإدارات العامة من أزمة إلى أخرى أكثر حدة وتعقيدا" حتى انه يمكننا القول اليوم أن النظام متعثر والأمور " غير ماشية ".
هل أن السبب في كل ذلك هو الطائفية السياسية فنلغيها؟ وكيف؟
I – ماذا نعني بالطائفية السياسية؟
تعبير " الطائفية السياسية " يدل على مبدأ توزيع المناصب السياسية والإدارية في الدولة على قاعدة حصص محددة لمختلف المذاهب والطوائف التي يتشكل منها لبنان.
وقد نص الدستور اللبناني على مبدأ التوزيع الطائفي هذا في المادة 24 وفي المادة 95 منه. فالمادة 24 نصت على انه (...) إلى حين يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع المقاعد النيابية وفقا" للقواعد الآتية :
- بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين
- نسبيا" بين طوائف كل من الفئتين
- نسبيا" بين المناطق
-
أما المادة 95 فقد نصت على انه (...) على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.
وتضيف المادة 95 (...) مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.
وفي مرحلة انتقالية:
- تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة
- تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقا" لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها أو ما يعادلها وتكون تلك الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفية مع التقيد بمبدأ في الاختصاص والكفاءة (...)
يظهر مما تقدم في المادتين 24 و 95 إن التوزيع الطائفي بات مؤقتا" وانتقاليا". وبالتالي يجب فتح نقاش في مجلس النواب حول الآليات الواجب اعتمادها للانتقال إلى نظام لا طائفي والشروع في تشكيل الهيئة الوطنية المذكورة التي أعطاها الدستور مهاما" محددة ومحض استشارية.
II – المطروح إلغاؤه هو التوزيع الطائفي المناصب في البرلمان والحكومة وفي الإدارات والمؤسسات العامة. فهل نحن اليوم جاهزين لذلك؟
في الواقع يجب التأكد قبل ذلك من أن أجواء اللبنانيين أصبحت فعلا" أكثر انسجاما" وان الوحدة الوطنية اللبنانية باتت متينة وان كل اللبنانيين يشعرون بالاطمئنان إلى مصيرهم. فالإلغاء يجب أن يطال بدءا" الصور النمطية المتوارثة عن الآخر لدى مختلف الطوائف والمذاهب وان يتم التركيز على الانفتاح والاختلاط وان يلتقي اللبنانيون في مواقع نضالية وسياسية مشتركة بصرف النظر عن انتمائهم الطائفي.
وإذا كان النظام الطائفي قد اعتمد أصلا" فبهدف ضمان مشاركة المواطنين من مختلف الطوائف السياسية وفي تبوء المراكز العامة من دون إقصاء أو تهميش. فهل أن ذلك بات ممكنا" اليوم من دون الحصص المكرسة للمذاهب؟
الإجابة عن هذا لسؤال هي في الواقع وليس في النصوص: إنها في النفوس وفي السلوكيات الاجتماعية.
هل أن اللبنانيين يؤيدون تلقائيا" من ينسجم مع تفكيرهم وتطلعاتهم أم من هو من عشيرتهم وملَّتهم؟
هل أن اللبنانيين مختلطين طائفيا" في الأحزاب والقوى السياسية؟
هل أن اللبنانيين يقفون موقفا" واحدا" من العدو والصديق للبنان؟ وهل أن مواقفهم من الدول المحيطة هي نفسها على اختلاف انتماءاتهم المذهبية أم أن كل جماعة طائفية أو مذهبية لديها دةلا" صديقة وحليفة وأخرى عدوة؟
إن المشهد الجالي يُظهرتماما" أن السلوكيات السياسية والنفوس اليوم في مناخ نقي من التغيرات والتعصب والانغلاق والأسباب لذلك عديدة. فما العمل؟
هل ننتظر أن تأتي تنقية الأجواء تلقائيا"؟ بالطبع لا بل علينا أن نعمل لتنقية الأجواء وتطوير السلوكيات السياسية باتجاه المزيد من الاختلاط الطائفي في المؤسسات السياسية وتحرير النفوس من الضغينة والكراهية ودفع المواطنين إلى التلاقي الدائم في المؤسسات السياسية والمدنية، الإنسانية منها والاجتماعية والاقتصادية.
أن ما علينا إلغاؤه إذا" هو التعصب وروح الإقصاء والصور السلبية عن بعضنا البعض. وعلينا أن نستبدل هذه السلوكيات بسلوكيات منفتحة وبإرادة مشتركة لبناء الدولة التي تجسد طموحات اللبنانيين جميع اللبنانيين.
ما هو البديل عنها ؟
الدولة المدنية هي البديل إذا أحسننا اختيار الآليات الواجب اعتمادها لإلغاء السلوكيات الطائفية تدريجيا أي التعصب لأبناء المذهب أو الطائفة وتفضيلهم على سواهم من المواطنين الآخرين والذي يؤدي حكما إلى طغيان عامل العدد فيخل بمبدأ المشاركة السوية لجميع اللبنانيين في الحياة العامة.
وما يساهم بدون شك في خلق الأجواء المنفتحة هو رفع الحواجز النفسية بين المواطنين ووجود قوانين مدنية موحدة ترعى شؤونهم كافة بما فيها الأحوال الشخصية على أن يكون تطبيق القانون المدني للأحوال الشخصية الموحد تطبيقا اختياريا وذلك احتراما لحرية الآهلين في الخضوع للقانون الذي يشاءون.
إن المسألة تتعلق تحديدا بتطور تدريجيا للاقتناع لدى المؤمنين من كل دين بإمكانية بناء مجتمع وطني واحد موحد تحت سقف قوانين موحدة مع مواطنين آخرين ينتمون إلى دين آخر. إذ أن المواطنة في لبنان لا يمكن أن تقوم على أساس ديني أو طائفي ولا يمكن أن تقوم في لبنان دولة دينية أو طائفية لأن ذلك يتعارض مع أسباب وجود لبنان ورسالته ويؤسس على العكس لزواله.
وبخلاف الرأي السائد والذي يجنح إلى تعليق البحث بالموضوع ’ نرى ضرورة فتح نقاش في مجلس النواب حول هذا الموضوع فيتخذ مجلس النواب قرارا بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وتكون مهمتها اقتراح الآليات اللازمة لتحقيق ذلك. وفي وقت لاحق يتم اعتماد الآليات التي يقرها مجلس النواب ويتم اعتماد معايير ومؤشرات لقياس تطور السلوكيات الاجتماعية والسياسية للتأكد من اتجاهها إلى عدم التمييز والتعصب بل إلى الشراكة الحقيقية وعدم الإقصاء والاستبعاد على أساس طائفي أو مذهبي. من هذه المؤشرات نذكر على سبيل المثال مؤشر تطور تركيبة الأحزاب
والقوى السياسية نحو المزيد من الاختلاط المذهبي والطائفي’ وكذلك تركيبة المنظمات غير الحكومية ولاسيما منها الشبابية وكذلك سائر مؤسسات المجتمع المدني. من المؤشرات أيضا الاختلاط التدريجي في البرامج والأنشطة في المجالات الاجتماعية والثقافية والتربوية والسياسية والمدنية.
لكن هذه الأمور لا تحصل تلقائيا لاسيما وان هناك من يستفيد من تعزيز الاختلاف ومن تقوية النزعة المذهبية والطائفية ليبني عليها نفوذه السياسي في ظل نظام التوزيع الطائفي والمذهبي المعتمد حاليا.
وإذ نكتشف اليوم أن المحسوبية والفساد يتغذيان من البنية الطائفية للنظام وإذ نلاحظ أن النخب السياسية هي حاليا نخبا ممثلة كل منها لمذهب وهي متصارعة على النفوذ وعلى الموارد, لا بد وأن نقر بأنه في لحظة ما قد تتحول إلى شركة مساهمة تتوزع الموارد والمراكز مغانم توزعها بدورها على المحاسيب والزبائن في مذهبها على حساب سائر الموطنين’ من ذلك المذهب ومن سواه من المذاهب . يحصل كل ذلك فيما أن النظام السياسي اللبناني يكون قد افتقد آلية الرقابة والمحاسبة في ظل نظام تقاسم السلطة بدلا من تداولها.
منذ نشأة لبنان الكبير في العام 1920 وبخاصة منذ 1943 واللبنانيون يحلمون بدولة مدنية متطورة. حان الوقت للبحث معا في السبيل إلى إنشائها ولو رأفة بمستقبل شبابنا.