العدوان الاسرائيلي على غزة
في ضوء قواعد القانون الدولي الانساني
المحاكمة : الممكن والمستحيل
الدكتور عبد الحسين شعبان *ــــــــــــــ
* مفكر وباحث عراقي في القضايا الستراتيجية العربية والدولية، خبير في ميدان حقوق الانسان، والقانون الدولي له مؤلفات عديدة منها : النزاع العراقي- الايراني، عاصفة على بلاد الشمس، بانوراما حرب الخليج، الصراع الايديولوجي في العلاقات الدولية، القضايا الجديدة في الصراع العربي- الاسرائيلي، الاسلام والارهاب الدولي، الاسلام وحقوق الانسان، جامعة الدول العربية والمجتمع المدني، الاختفاء القسري في القانون الدولي، السيادة ومبدأ التدخل الانساني، الانسان هو الاصل، فقه التسامح في الفكر العربي- الاسلامي، جذور التيار الديمقراطي في العراق، المجتمع المدني: الوجه الآخر للسياسة، المعاهدة العراقية- الامريكية : من الاحتلال العسكري الى الاحتلال التعاقدي، وتحطيم المرايا: في الماركسية والاختلاف.
عوضاً عن المقدمة!
مع عملية الرصاص المسكوب أو "المنصهر" و" الثأر المبرر"(1) التي أطلقتها اسرائيل على حربها المفتوحة، تدفق الدم على جنبات الأسفل في قطاع غزة، وتوشحت بالموت مدينة فلسطينية جديدة مثلما حدث لمدن أخرى، وتدحرجت رؤوس الأطفال في الطرقات والملاعب والمدارس، وقفز السؤال مجدداً، خارج إطار الصراعات السياسية الفلسطينية والخلافات العربية والمشاريع والشعارات... هل هناك أمل هذه المرة في مقاضاة المرتكبين، لاسيما وأن حجم التضامن العالمي ارتفعت وتائره الى حدود كبيرة، والعالم كلّه شاهد ما ارتكب من جرائم بحق المدنيين الفلسطينيين؟
ولكن ما السبيل الى ذلك وكيف يمكن جلب المتهمين الى قفص الاتهام امتثالاً لمعايير وقيم العدالة وحكم القانون الدولي؟ وهل اقترب الحلم من الواقع أم ثمة عقبات جدية تحول دون ذلك؟ ثم كيف يمكن تذليل بعض الصعوبات العملية والاعتراضات الدولية لمقاربة العدالة؟ وبالتالي كيف يمكن بحث جدلية السياسي بالقانوني؟
لعل ذلك كان استعادةً لم تغادرني، لاسيما منذ أكثر من ربع قرن حين تكدّست في ذاكرتي ما ارتكبه الصهاينة في لبنان خلال الاجتياح الاسرائيلي العام 1982، خصوصاً ما حصل في صبرا وشاتيلا، حيث تم الانتقام من الفلسطينيين في مجزرة رهيبة راح ضحيتها نحو ألف مدني في ليلة قاسية ومرعبة 17-18 ايلول (سبتمبر) 1982، قتلوا بدم بارد، وهو ما ذكّرنا بمجازر دير ياسين وكفرقاسم ومدرسة بحر البقر ومعمل أبو زعبل والمجازر في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان، إضافة الى قصف المفاعل النووي العراقي وقصف مقرّات منظمة التحرير الفلسطينية في تونس وغيرها(2).
واشتغل العقل بعد المحنة عسى أن نرتقي بمساءلة حقيقية لما حدث لا على المستوى السياسي حسب، بل على المستوى القانوني، الأمر الذي تطلّب جمع وتنسيق وتصنيف الجرائم المرتكبة، تمهيداً لتقديم المهتمين بالارتكاب الى القضاء الدولي لادانتهم كجناة يستحقون العقاب. ولم يكن الأمر مجرد رغبة فردية، لكن المبادرة اتخذت هذا الطابع، الذي كان وما يزال يحتاج الى جهد جماعي وطاقات متنوّعة ومبدعة حقوقية ودبلوماسية وقانونية واعلامية حكومية وغير حكومية، فضلاً عن ارادة سياسية ضرورية.
وظلّت عقبات كثيرة تعترض العقل القانوني، سواءًا على الصعيد السياسي أو الواقعي، لاسيما توازن القوى على المستوى الدولي ودرجة الاستعداد الكافية لخوض مغامرة من هذا العيار، يضاف الى ذلك عدم حساب دور المجتمع المدني في الحشد والتعبئة، وبالتالي في تكوين رأي عام مساند للفكرة، فحتى الآن لم تُدرس مسألة ملاحقة شارون عندما كان ينوي زيارة بروكسل، والحلقة المفقودة التي حاول بعض شخصيات المجتمع العربي استثمارها، طالما هناك تقاعساً أو نكوصاً رسمياً أو حسابات خاصة، وأعني بذلك تقديم المرتكبين الى القضاء الدولي، خصوصاً وأن مبدأ العقوبة فردية، ولكن ذلك ضمناً سيعني تحميل اسرائيل " أدبياً " المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية عن كل ما حصل وما يحصل في الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، لاسيما بحق السكان المدنيين الابرياء والعزّل.
وإذا كان البحث العلمي يستوجب عرض الحقائق والمعطيات الواقعية في الظرف الملموس، لكنه في الوقت نفسه وإن عاكسته الظروف والتوازنات السياسية، فإنه سيستشرف آفاق المسقبل، وإذا اعتبر البعض أن محاكمة اسرائيل أو المرتكبين باسمها حلم بعيد المنال، فإن محاكمة مجرمي الحرب النازيين والقيادات العسكرية التي تسبّبت في الحروب والويلات في الحرب العالمية الثانية كانت هي الأخرى، حلماً أيضاً لم يتحقق الاّ بعد هزيمة المعسكر النازي- الفاشي! (المانيا- ايطاليا- اليابان).
ان مشروع " المحاكمة " هو عمل تحضيري لسيناريو قادم سيكون ضرورياً لرؤية المستقبل بكل تضاريسه وتشابكه، وإذا كان الحديث عن الشجر حسب الشاعر والمسرحي الالماني بريخت يعتبر " جناية"، لأنه ينبغي السكوت عن جرائم كثيرة، لهذا السبب يحق للباحث العلمي أن يحلم أيضاً، وكان الروائي الروسي مكسيم غوركي قد وصف أحد كبار القادة الثوريين في العالم، بأن نصف عقله يعيش في المستقبل، أي أن نصف تفكيره كان حالماً يفكّر بالمستقبل، ولا يمكن لأي باحث الاّ أن يفكر بالمستقبل، والمستقبل يعني فيما يعنيه الحلم بالتغيير، والحلم هو جزء من اليوتوبيا كما نقول في الفلسفة، ولعل في كل فلسفة حلماً والاّ ستصبح يباباً...، إذاً دعونا نحلم، ولعلنا في ذلك نبحث عن الحقيقة، وعن المثل والحب والمساواة والحرية، وكان اينشتاين قد قال : المُثل التي أنارت طريقي ومنحتني المرّة بعد المرة الشجاعة لمواجهة الحياة، هي الحب والجمال والحقيقة.
قبل ربع قرن كنت حالماً أيضاً، ولعلي ما زلت ازداد توغلاً في أحلامي، فالحلم وحده هو الذي يمنحنا هذه القدرة العجيبة على التواصل، رغم كل ما حصل ويحصل لنا، على المستوى العام والخاص، لكن قدرتنا على الحلم تعطينا نوعاً من الأصرار على المواصلة وثقة واطمئناناً لمواجهة التحديات ولرؤية أحلامنا وهي تتجدد على أرض الواقع، رغم أن كل ما حولنا مدعاة للتشاؤم، لكن التشاؤم لا يعني اليأس، انه يعني الاعتراف بأن التغيير ضرورة لا مفرّ منها!!
كان حلمي يتجسد في تقديم سيناريو لمحكمة القدس الدولية العليا(3)، الصورة التي كنت أراها تكبرُ كلّما توغلت اسرائيل في مشروعها العدواني- الاستيطاني الاستئصالي الالغائي، الاحلالي. ولم تشفع الاتفاقات الفلسطينية -الاسرائيلية التي عُرفت بـ "مدريد – أوسلو" ( 1991-1993) بتخفيض سقف الحلم، بل زادته اتقاداً ويقيناً وأملاً، فكلما اقترفت اسرائيل المزيد من الارتكابات والجرائم، كان الحلم يقترب من الواقع ويسير حثيثاً باتجاهه.
ان العدوان على غزة العام 2008-2009 وقبله العدوان على لبنان العام العام 2006، يجعل أمر ملاحقة الجناة قضائياً مشروعاً قائماً بل راهنياً وحتى البلدان العربية التي وقّعت على اتفاقيات سلام مع اسرائيل، لا ينبغي أن تصاب بالخدر بل عليها أن تتحلى بالمزيد من اليقظة لمواجهة الاحتمالات والتحديات المختلفة، لاسيما ما تبيّته اسرائيل ازاءها وما تحضّره من عدوان عليها أو على فلسطين والامة العربية، خصوصاً وأن اسرائيل بؤرة للتوتر ومشروع حرب دائمة في المنطقة، الأمر الذي يتطلب تهيئة المستلزمات الضرورية للشروع بملاحقة المتهمين الاسرائيليين، ولا بدّ من الاعداد الجيد للشروع به وجعله ممكناً، من خلال دراسة الواقع السياسي والقانوني الدولي، ومن خلال بعض المستلزمات والمعطيات المتوفرة، على أمل تطويرها، الأمر الذي يتطلب معرفة دقيقة وآليات مناسبة وكفاءات قانونية ضرورية وخطة محكمة تأخذ بنظر الاعتبار الممكنات في الظرف الملموس من خلال الوثائق القانونية الدولية، لا أن نسقط الرغبات على الواقع بإرادوية مفترضة!(4)
القانون الدولي الانساني وتصنيف الجرائم
يمكن تصنيف الجرائم الخطيرة والجسيمة حسب اتفاقيات جنيف الاربعة العام 1949 والبروتوكولين الملحقين بها العام 1977 الى 22 جريمة:
13 جريمة ورد ذكرها في المادتين 50 و53 من الاتفاقية الأولى والمادتين 44 و51 من الاتفاقية الثانية والمادة 130 من الاتفاقية الثالثة والمادة 147 من الاتفاقية الرابعة.
و9 جرائم وردت في البروتوكولين الملحقين، حيث تضمن البروتوكول الاول المادتين 51 و85 اعتبارها " انتهاكات جسيمة".
وقد اعتبرت هذه الجرائم الخطيرة والجسيمة بمثابة " جرائم حرب" التي هي جرائم ضد قوانين وعادات الحرب وتدخل فيها:
1- الجرائم ضد السلام.
2- جرائم الحرب.
3- الجرائم ضد الانسانية.
4- التآمر لارتكاب احدى هذه الجرائم(5).
وأوجبت اتفاقيات جنيف الاربعة وملاحقها، على الدول الموّقعة أن تعدل تشريعاتها لمعاقبة مرتكبي هذه الافعال.
ويمكن تعداد هذه الجرائم وفقا للتصنيف المذكور (6)
1- القتل العمد.
2- التعذيب.
3- التجارب البيولوجية التي تُجري على الأسرى.
4- إحداث الآم كبرى مقصودة.
5- إيذاء خطير ضد سلامة الجسد والصحة.
6- المعاملة غير الانسانية (الحاطّة بالكرامة).
7- تخريب المنشآت والممتلكات والاستيلاء عليها لأسباب لا تبررها الضرورات العسكرية.
8- إكراه الأشخاص على الخدمة في القوات المسلحة لدولة تعتبر عدواً لبلادهم.
9- حرمان شخص محمي من حقه في محاكمة قانونية عادلة وفقاً للمعاهدات الدولية.
10- ترحيل أشخاص بصورة غير مشروعة.
11- الاعتقال غير المشروع (التعسفي).
12- أخذ الرهائن.
13- سوء استعمال علم الصليب الأحمر وإشاراته أو الاعلام المماثلة.
14- جعل السكان المدنيين هدفاً للهجوم.
15- الهجوم العشوائي ضد السكان المدنيين والأعيان المدنية.
16- الهجوم ضد المرافق والمنشآت الهندسية التي تحتوي على مواد خطرة.
17- الهجوم ضد مناطق منزوعة السلاح أو مجردة من وسائل الدفاع.
18- الهجوم ضد أشخاص عاجزين عن القتال.
19- نقل السكان المدنيين لدولة الاحتلال الى الاراضي المحتلة، أو نقل سكان الاراضي المحتلة الى مناطق أخرى (حالات الاستيطان والترحيل نموذجا).
20- التأخير في إعادة أسرى الحرب أو المدنيين الى بلدانهم.
21- ممارسة التمييز العنصري (الابرتايد).
22- الهجوم على الاثار التاريخية وأماكن العبادة والصروح الثقافية وكل ما له علاقة بالتراث الثقافي والروحي للشعوب.
حيثيات العدوان والجرائم الدولية!
خلال حرب الـ 22 يوماً ضد غزة التي بدأت في 27 كانون الاول (ديسمبر) 2008 قامت اسرائيل بشن 2500 غارة عسكرية ضد المدنيين وإلقاء ما يزيد عن ألف طن من المتفجرات عن طريق البحر فقط، واستهدفت المدنيين بشكل عشوائي كما تعمّدت استهداف الملاجئ والمستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والمنشآت المدنية وتدمير البنية التحتية واستخدام الاسلحة المحرّمة دولياً، تلك التي عُرفت باسم " القنابل الفسفورية".
ولعل التصريحات الاسرائيلية الصريحة والضمنية الصادرة عن المسؤولين المتعلقة بنيّة اسرائيل في القضاء على "حماس" واستئصالها كهدف رئيسي للعدوان، ليست سوى الشروع عملياً بحرب إبادة وهي تعني: ارتكاب أي فعل بنيّة إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية اهلاكاً كلياً أو جزئياً.
وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بتاريخ 9/9/1946 بشأن إبادة الجنس البشري، اعتبرت بموجبه كل عمل من شأنه أن يؤدي الى الابادة جريمة دولية موجهة ضد الانسانية، وهو ما اخذ به نظام محكمة نورمبرغ وأحكامها، كما وافقت الجمعية العامة على اتفاقية لتحريم ابادة الجنس البشري، تلك التي يمكن أن تحدث بصور مختلفة، كالتآمر الذي يرمي الى القضاء على جماعات وطنية، بسبب خصائص جنسية أو دينية أو لغوية أو ما شابه ذلك، وهو ما اعتمدته المحكمة الجنائية الدولية التي تأسست في روما العام 1998 ودخلت حيّز التنفيذ العام 2002 أيضاً.
ان القانون الدولي المعاصر والقانون الدولي الانساني يعتبر تلك الأعمال جرائم خطيرة سواءًا ارتكبت في زمن الحرب او زمن السلم، وقد نصّت المادة الأولى من اتفاقية تحريم ابادة الجنس البشري العام 1954 على تعهد الدول بالامتناع عن القيام بها ومعاقبة مرتكبيها.
ولعل القتل الجماعي الذي تعرّض له السكان المدنيون في غزة يعدّ جريمة دولية، وهو ما اعتادت اسرائيل على ممارسته بمبررات ردود الفعل إزاء أعمال المقاومة، وتحت باب الدفاع عن النفس، وهو ما بررته في عملية الرصاص المنصهر أو المسكوب، والثأر المبرر عندما اجتاحت قطاع غزة بآلة عسكرية ضخمة بعد حصار شامل لبضعة أشهر، وقبلها تطويق وحصار جزئي دام أكثر من عامين ونصف.
والابادة الجماعية وفقاً للاتفاقيات الدولية ابتداءًا من الاتفاقية الدولية بخصوص منع التمييز بسبب الدين أو الجنس أو اتفاقية منع ابادة الجنس البشري في العام 1954 أو اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما العام 1998، تعني: الأعمال التي تُرتكب على أساس إبادة جماعة سلالية أو عرقية أو دينية، إبادة تامة أو جزئية، كالقتل وإلحاق الأضرار الجسدية أو النفسية وإحداث خلل عقلي أو الاخصاء أو اغتصاب الاطفال ونقلهم الى جماعات سلالية أو عرقية أخرى. ولعل التصريحات الاسرائيلية التي سبقت وهيأت لعملية اجتياح غزة استهدفت القضاء على السكان الفلسطينيين كجماعة تاريخية وسلالية بحجة اجتثاث " حماس".
أما جرائم الحرب بموجب القانون الدولي الانساني وهي النوع الثاني من الجرائم حسب تصنيف المحكمة الجنائية الدولية، فقد ارتكبت اسرائيل على نحو صارخ مختلف أصناف الجرائم الحربية، ولعل أكثر من سبعة آلاف ضحية بينهم 1232 شهيداً تؤكد ذلك وجلّهم من المدنيين. وقبل ذلك قامت بفرض الحصار ضد سكان غزة ومنعت عنهم الدواء والغذاء، وهو الأمر الذي استمر خلال فترة الحرب.
يعرّف القانون الدولي الجنائي، جرائم الحرب: بأنها الأفعال المخالفة لقوانين الحرب وأعرافها، التي يرتكبها الجنود أو الأفراد غير المحاربين التابعين لدولة العدو، كما جاء في مشروع الامم المتحدة الخاص بتقنين الجرائم التي تقع ضد سلم وأمن البشرية، وتناولت المادة الثانية عشرة الفقرة12، جرائم الحرب بالتأكيد على " أن الأفعال المرتكبة إخلالاً بقوانين الحرب وأعرافها، تكون جرائم خاضعة لهذا التقنين." (7)
ويمكن فيما يلي إدراج بعض الجرائم التي ارتكبها الصهاينة والتي تعتبر منافية لقوانين الحرب وأعرافها بشكل سافر، والتي تستحق العقاب.
1- استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، لا سيما القنابل الفسفورية.
2- الاعتداءات التي ترتكب بطريقة الغدر، حيث تتعارض تلك الأفعال مع اتفاقيات لاهاي وجنيف وملحقيها، اللتان حرمتا مثل تلك الأفعال. كما تحرّم الاتفاقيات الدولية، القتال أثناء وقف اطلاق النار وخلال فترات الهدنة، وهو ما لم تلتزم به اسرائيل في كل حروبها ضد البلدان العربية، ومنها حربها ضد غزة حيث واصلت عدوانها رغم قرار مجلس الأمن رقم 1860 العام 2009 القاضي بوقف القتال، وقرارها المنفرد بوقف اطلاق النار، الذي استمرت هي بخرقه رغم اعلانها، الأمر الذي يعتبر من باب الغدر الذي يعاقب عليه القانون الدولي الانساني.
3- الاعتداءات الموجهة ضد المدنيين والمقاتلين الذين أصبحوا في حالة عجز تمنعهم من مواصلة القتال، وقد ارتكبت اسرائيل أعمالاً بربرية منافية لقواعد وقوانين الحرب بهذا الشأن منها:
أ- مهاجمة المدنيين لاسيما الشيوخ والنساء والأطفال وقصف المنازل والمدارس والجوامع والكنائس ورياض الأطفال ومقرّات المنظمات الدولية والانسانية.
ب- مهاجمة الأماكن غير المدافع عنها.
ج- ضرب الأماكن، التي تتمتع بحماية خاصة كالمستشفيات والمرافق الأثرية والمتاحف والأماكن المقدسة والمراكز الاعلامية وغيرها.
4- قتل الرهائن، حيث تنص معظم القوانين العسكرية لمختلف الدول على تحريم قتل الرهائن، كما نصت اتفاقية الصليب الأحمر لسنة 1929 على تحريم كل فعل من أفعال القصاص ضد أسرى الحرب، واعتبرت محكمة نورمبرغ، قتل الرهائن جريمة من جرائم الحرب، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد قامت اسرائيل بجريمة قتل 250 رهينة في مذبحة دير ياسين و49 رهينة في مذبحة كفر قاسم ومئات من الأسرى المصريين في سيناء العام 1956 وفي العام 1967 ونحو 1000 انسان في مجازر صبرا وشاتيلا، ويعتبر قطاع غزة بكامله وجميع الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة "رهينة" وسكانها بمثابة " رهائن"، حيث تستوجب القوانين الدولية، لاسيما قوانين الحرب والاحتلال حمايتهم والحفاظ على حياتهم وممتلكاتهم، طبقاً لاتفاقيات جنيف العام 1949 وقواعد القانون الدولي الانساني.
5- سوء معاملة أسرى الحرب، حيث تحرّم الاتفاقيات الدولية، وبخاصة اتفاقية لاهاي العام 1907 واتفاقية جنيف العام 1906 والعام 1949 وكذلك البروتوكولين الملحقان بها العام 1977، المعاملة القاسية لأسرى الحرب . وتؤكد تلك الاتفاقيات على تحريم أي اعتداء يقع على شخصهم وشرفهم وأموالهم. كما تحرّم قتلهم وتعذيبهم أو حجزهم في أماكن غير صحية أو تشغيلهم في أعمال شاقة. ولعل هناك أمثلة كثيرة على هذا الصعيد، أهمها اختطاف رئيس البرلمان الفلسطيني الدكتور عزيز الدويك وعدد كبير من النواب والوزراء في حكومة غزة.
ان الشهادات التي قدمها المواطنون العرب الفلسطينيون واللبنانيون، أصبحت معروفة للرأي العام العالمي، لما فعله الاحتلال الاسرائيلي بحق السكان المدنيين أو الذين جرى اقتيادهم كأسرى وما تركه التعامل المخالف لقواعد القانون الدولي الانساني من نتائج وآثار لاانسانية عليهم.
6- سوء معاملة الجرحى والمرضى، فقد تضمنت الاتفاقيات الدولية وبخاصة اتفاقيات جنيف لعام 1949، موضوع تقديم حماية خاصة للجرحى والمرضى والمنكوبين بسبب الحرب، ولكن اسرائيل خلافاً لكل تلك الاتفاقيات، كانت تعامل الجرحى والمرضى بشكل مزرٍ، وفي أحيان كثيرة تقوم بتصفيتهم والتخلص منهم أو عدم تقديم الدواء اللازم لهم وجعلهم عرضة للهلاك، وهو ما كان صارخاً في عدوانها على غزة، خصوصاً وهي تعرف ماذا يعني اغلاق المعابر واقفال الحدود، الذي يعني موتاً بطيئاً وجماعياً، خصوصاً بقصف المستشفيات والمراكز الصحية.
أما الجرائم ضد الانسانية فهي الصنف الثالث من الجرائم حسب نظام روما، إذ لا يمكن قبول مزاعم اسرائيل بشأن مسألة الدفاع عن النفس حسب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، تلك التي لا تنطبق عليها بتاتاً.
تعتبر جرائم الاغتيال والاسترقاق والابادة والترحيل لأسباب سياسية أو عنصرية أو دينية أو ما شابهها، جرائم موجهة ضد الانسانية. وقد اعتبرت هذه الجرائم دولية أيضاً.
أما عمليات العقاب الجماعي Collective punishment لأسباب عنصرية وعرقية فهي سياسة مميزة على امتداد الدولة العبرية سواءًا بحق المواطنين العرب الفلسطينيين أو سكان الاراضي العربية المحتلة. وهو ما ظهر على نحو جلي في العدوان على غزة والعمل على معاقبة السكان المدنيين على نحو جماعي بحجة صواريخ حماس والمقاومة ضدها.
العقاب الجماعي يعني إنزال عقوبة على مجموعة من السكان الأبرياء بالرغم من علم السلطات الحاكمة أو المحتلة، ببراءة هؤلاء السكان، ولكن انتقاماً لحادث ما ضد السلطة الحاكمة أو المحتلة، قام به فرد أو بضعة أفراد سواءًا لمقاومة تلك السلطة أو التصدي لقوات الاحتلال!
أما الارهاب الجماعي Collective Terror فإن السلطات الاسرائيلية تمارسه على أوسع نطاق . فتقوم بأعمال تهديد جماعية وحملات تفتيش عشوائية لارهاب المواطنين واخراج الناس من منازلهم وسوقهم الى الساحات العامة وتعريضهم لقسوة الطبيعة وممارسة عمليات انتقام جماعية بحقهم كالتجويع، خصوصاً بفرض الحصار وقد حدث ذلك أيضاً في أثناء الاحتلال الاسرائيلي للبنان ومحاصرة مدينة بيروت وقطع التيار الكهربائي والمياه عنها وكذلك محاصرة المخيمات وتحويلها الى ما يشبه معسكرات الاعتقال، وهو ما حصل في غزة التي ارتدت ثوب الظلام وعانت من انقطاع التيار الكهربائي وشحة الغذاء والدواء والمياه.
ان القانون الدولي الذي يحرم اعمال الاغتيال والاسترقاق والابادة والترحيل لأسباب عنصرية أو دينية أو سياسية، فإنما يستهدف حماية شخص الانسان وصيانة القيمة والمُثل العليا والمبادئ الانسانية العامة، وهو ما ذهب اليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان العام 1948، واتفاقيات جنيف الاربعة العام 1949 وملحقيها العام 1977 وما أكدّه ميثاق هيئة الامم المتحدة.
أما الصنف الرابع من الجرائم فهو يتعلق بجريمة العدوان ذاتها وخرق قواعد القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة وتهديد السلم والأمن الدوليين.(
اسرائيل والدفاع عن النفس !!
أشرنا الى ما تناولته المادة السادسة من نظام محكمة نورمبرغ بشأن تعريف الجرائم الموجهة ضد السلم والأمن الدوليين. ولا بد هنا من التصدي لمزاعم وادعاءات " اسرائيل" بشأن " الدفاع عن النفس" مثلما تبرر الدعاية الصهيونية الديماغوجية، فحجة الدفاع عن النفس التي تتعكز عليها الصهيونية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة (المادة 51) مردودة من الاساس، لأنها لا يمكن أن تنطبق على دولة قامت أساساً على العدوان والاغتصاب مشردة شعباً بالقوة من أراضيه ومخالفة حتى تعهداتها باحترام ميثاق الامم المتحدة، التي كانت وراء تأسيسها لاسيما بصدور القرار رقم 181 العام 1947 الخاص بالتقسيم، والذي قامت اسرائيل بخرقه والتجاوز عليه، وكذلك القرار رقم 194 العام 1948 الخاص بحق العودة، ناهيكم عن قرارات مجلس الأمن رقم 242 العام 1967 والقرار رقم 338 العام 1973 بخصوص الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة. فأي قانون دولي ذلك الذي يبيح (تحت هذه الحجة الواهية) القيام بأعمال بربرية وممارسة جرائم وحشية؟
وتذهب المادة الثانية، الفقرة الأولى، من مشروع قانون الجرائم ضد سلامة وأمن البشرية لتحرّم مثل تلك الأعمال وتعدّها بشكل صريح من قبيل الحروب العدوانية. وتقاضي اتفاقيات جنيف مجرمي الحرب ومشعلي نيرانها، باعتبارهم متسببين في إثارتها.
ان القانون الدولي المعاصر، منذ ميثاق بريان كيلوك (ميثاق باريس العام 1928) أدان الحروب العدوانية، باعتبارها تشكّل جريمة بحق السلم والأمن الدوليين، وعليه فإن الجرائم التي سبّبها الجناة الاسرائيليون، الذين يتقلدون مناصب سياسية رفيعة (عسكرية ومدنية) أو مراكز هامة في الحياة المالية والصناعية أو الاقتصادية، يعدّون مجرمين بحق السلم والأمن الدوليين، وعلى هذا يُعتبر من مجرمي الحرب الكبار رؤوساء الدولة العبرية ورؤوساء الوزراء المتعاقبين وجميع الوزراء وكبار قادة الجيش، الذين رسموا خطط الغزو والاحتلال والاجتياح وقاموا بإشعال الحروب وممارسة العدوان.
ان " اسرائيل" ما تزال تتشبث بقواعد القانون الدولي التقليدي الذي كان يجيز الحق في الحرب، حيث كانت الحرب " عملاً مشروعاً دائماً، ينطلق من حق الدولة أن تأتيه، كلما كانت مصلحتها تقتضي ذلك" واسرائيل ظلت تتمسك باعتبار الحرب وسيلة لتحقيق مكاسب اقليمية وأساساً لتعديل النظام القانوني الدولي ولفض المنازعات الدولية وهو ما يناقض صراحة التطور الذي حصل في القانون الدولي، حيث فتح مبدأ تحريم الحرب العدوانية ( منذ ميثاق بريان كيلوك) المجال امام استقرار مبدأ جديد في العلاقات الدولية، يقوم على أساس حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية.
ولم تعد الحرب وسيلة صالحة تتوسل بها الدولة لتنفيذ سياستها القومية، وتحقيق أغراضها وأن لها ما يبررها. ولا يقيّد اللجوء اليها أي اعتبار خارج مصالحها الخاصة. لكن القانون الدولي تطور كثيراً فبدلاً من اعتبار الحرب حقاً مشروعاً أصبحت الحرب محرّمة وتشكل جريمة دولية. فلم يعد القانون الدولي "أداة لتسود به أوروبا على شعوب آسيا وأفريقيا " كما لم يعد يقتصر على تنظيم العلاقات بين " الدول المتحضرة" أو بلدان " العالم المسيحي" كما كان قبل الحرب العالمية الاولى(9).
وقد شهد التطور اللاحق للقانون الدولي المعاصر، وخصوصاً في ميثاق الامم المتحدة وقرارات الجمعية العامة أهمية مبدأ تحريم الحرب العدوانية، وحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، وجرى التأكيد على عدم الاعتراف بالنتائج التي يتمخّض عنها، الاستخدام غير الشرعي للقوة، وبخاصة بالنسبة لاحتلال أراضي الغير، كما تم تحميل المسؤوليات الجنائية للأفراد والحكام المسؤولين عن الجرائم التي يقترفونها بحق السلم والأمن الدوليين وبحق الانسانية.
ان ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المعاصرة، لا يمكنها تبرير عدوان اسرائيل أو تدعيم وجهة نظر الفقهاء والمنظرّين الحقوقيين الاسرائيليين، الذين حاولوا أن يجدوا غطاءًا قانونياً لاسرائيل بحجة الدفاع عن النفس.
فبموجب القانون الدولي المعاصر يمكن استخدام القوة بشكل شرعي وفقاً للحالات التالية:
1- حالة الدفاع عن النفس والاجراءات الوقائية، وهو ما حاولت اسرائيل أن تضلل الرأي العام العالمي، باستمرار تحت هذه الحجة. فماذا يقول ميثاق الامم المتحدة بشأن الدفاع عن النفس والاجراءات الوقائية؟ وهل يمكن لاسرائيل أن تستند في دعاواها الى تلك القواعد كيما تبرر عدوانها؟
ان الاجراءات الوقائية لا يمكن استخدامها الاّ من جانب مجلس الامن الدولي، حيث تؤكد المادة التاسعة والثلاثون : ان مجلس الأمن هو الذي يحدد وجود أي تهديد للسلام وأي خرق له أو أي عمل عدواني وبالتالي فهو يوصي أو يقرر اتخاذ تدابير من شأنها صيانة السلام واعادته عند خرقه وفقاً للمادتين 41 و42. وقد حاولت الولايات المتحدة بغزوها لأفغانستان 2002 واحتلالها للعراق 2003 تبرير ذلك بحجة الدفاع عن النفس إزاء انتهاك وشيك الوقوع، الأمر الذي سوّغ لها ما أسمته بالحرب الاستباقية والوقائية، التي لا سند لها في القانون الدولي.
أما بصدد الدفاع عن النفس، فإن المادة 51 من الميثاق تنص على أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن نفسها، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة أو تعرّضت لعدوان مسلح، وذلك لحين أن يتخذ مجلس الأمن التدابير الضرورية للمحافظة على السلم والأمن الدوليين.
وتضيف المادة المذكورة، أن الاجراءات المتخذة في إطار الدفاع عن النفس تبلّغ فوراً الى مجلس الأمن على أن لا تؤثر على سلطة المجلس وواجبه في التحرك في كل وقت وبموجب احكام الميثاق وبالطريقة التي يرتئيها مناسبة.
وهكذا يتضح ان المادة التي تتذرع اسرائيل بها لا تنطبق على الأعمال العدوانية التي قامت بها منذ تأسيسها، فهي لم تكن عرضة للعدوان في يوم من الايام لكي تدافع عن نفسها، كما أن أعمالها لم تكن رداً على عدوان أو هجوم مسلح، فضلاً عن أنها لم تبلّغ مجلس الأمن، ولا في أي مرة بالاجراءات التي تنوي اتخاذها، بل كانت تقوم بأعمالها " الغادرة" بصورة مباغتة، وبهذه الطريقة دمّرت المفاعل النووي العراقي وضربت مقر م.ت.ف في تونس وتنزل طائراتها حمولاتها على رؤوس السكان العرب في غزة.
2- بتخويل من الجهاز الخاص للأمم المتحدة مثلما يعرض الفصلان السابع والثامن من الميثاق، أو استخدام القوة ضد دول المحور (المادة 107 من الميثاق) وهذه الحالة هي الأخرى لا تنطبق على عدوان اسرائيل المتكرر على الشعوب العربية ولا تدعم وجهة نظرها أو تبرر غدرها.
3- النضال من أجل التحرر الوطني وحق تقرير المصير، حسبما تقرره مبادئ الميثاق وتعريف العدوان والاعلان عن تصفية الاستعمار وغيرها من قرارات الجمعية العامة والوثائق الدولية الأخرى. ولا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير وتكييف العدوان الاسرائيلي، بموجب هذا البند، فليست معركة اسرائيل من أجل التحرر الوطني أو حق تقرير المصير، بل من أجل التوسع والالحاق والضم والاغتصاب، وكجزء من الستراتيجية الامبريايلة- الصهيونية في المنطقة(10).
يمكن القول أن الجرائم الاسرائيلية مكتملة مادياً ومعنوياً بالأدلة والاسانيد والقرائن والشهود والصوت والصورة، وأركان الجريمة محددة وواضحة، الأمر الذي يتطلب تحريك اجراءات رفع دعاوى ضد المسؤولين الاسرائيليين، وهو ما يدعو الدول الاعضاء في نظام روما وبدعم عربي لرفع دعوى ضد القيادات الاسرائيلية المسؤولة.
أما أهم شهود الواقع والاثبات هو الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي صرّح بعد زيارته الميدانية الى غزة في 20 كانون الثاني (يناير) 2009 بأن الجيش الاسرائيلي قد أفرط في استخدام القوة والقنابل الفسفورية.
ولعل شهادة أطباء وخبراء منظمة الأنروا الدولية مهمة جداً، فقد كان هؤلاء الأطباء والعاملون في الاونروا على قناعة تامة بأن اسرائيل استعملت فعلاً قنابل الدمار الشامل ضد السكان المدنيين العزّل، وهو من المحرّمات في قوانين الحرب والقانون الدولي الانساني. ويمكن إضافة ما صرحت به منظمة " أطباء بلا حدود" ومنظمة العفو الدولية وهما منظمتان دوليتان محايدتان حول ارتكاب اسرائيل أعمالاً منافية للقانون الدولي الانساني واتفاقيات جنيف، لاسيما بحق السكان المدنيين واستخدامها للقنابل الفسفورية المحرّمة دولياً.
وثائق التجريم
أما أهم الوثائق الدولية(11) التي يمكن بموجبها إحالة اسرائيل الى القضاء الدولي فهي:
1- ميثاق بريان كيلوك (ميثاق باريس) العام 1928 الذي أدان الحرب العدوانية.
2- ميثاق الامم المتحدة المبرم في سان فرانسيسكو العام 1945.
3- اتفاقية لندن العام 1945 لمحاكمة مجرمي الحرب.
4- نظام محكمة نورمبرغ العسكرية العام 1946 .
5- أحكام محكمتي نورمبرغ وطوكيو.
6- اتفاقية الامم المتحدة لتحريم الاضطهاد بسبب الدين أو الجنس.
7- الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948.
8- العهدان الدوليان: الاول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادران العام 1966، واللذان دخلا حيز التنفيذ العام 1976.(وهما اتفاقيتان دوليتان شارعتان أي منشئتان لقواعد قانونية جديدة ومثبتتان لها).
9- اتفاقيات جنيف الاربعة العام 1949 والبروتوكولان الملحقان بها العام 1977 (الاول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة والثاني الخاص بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية).
10- اتفاقية الامم المتحدة بشأن إبادة الجنس البشري العام 1954.
11- مشروع التقنين الخاص بالجرائم المتعلقة بالسلم والأمن الدوليين (اعداد اللجنة القانونية التابعة للامم المتحدة).
12- اتفاقيات لاهاي العام 1899 والعام 1907.
13- اعلان الامم المتحدة حول علاقات الصداقة والتعاون في ضوء ميثاق الامم المتحدة الصادر في 24/10/1970 (المعروف باعلان التعايش السلمي وقواعد القانون الدولي).
14- قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الخاص، بتعريف العدوان في القانون الدولي العام 1974.
15- قرارات الامم المتحدة بخصوص مدينة القدس (قرار مجلس الامن العام 1980 برفض ضم القدس من جانب الكنيست الاسرائيلي).
16- الاعلان العالمي لتصفية الاستعمار ومنح الشعوب المُستعمَرة والتابعة استقلالها وحقها في تقرير مصيرها الصادر العام 1960.
17- مقررات مؤتمر هلسنكي العام 1975 للامن والتعاون الاوروبي والتي أدخلت مبادئ أساسية جديدة في العلاقات الدولية باعتبارها مبادئ مستقلة وهي :
1- احترام حرمة الحدود وعدم جواز خرقها.
2- احترام وحدة الاراضي والاستقلال السياسي للدول .
3- احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية.
18- قرار مجلس الأمن رقم 242 العام 1967.
19- قرار مجلس الامن رقم 338 العام 1973 .
20- قرار الامم المتحدة بشأن ضم اسرائيل مرتفعات الجولان السورية العام 1981.
21- القرارات الدولية لمكافحة الارهاب وهي : 1368 و 1378 و1390 والتي صدرت على التوالي بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الارهابية الاجرامية، في 12 و28 أيلول (سبتمبر) 2001 و 16 كانون الثاني (يناير) 2002.
22- قرار مؤتمر ديربن المنعقد في أواخر آب (اغسطس) ، أوائل أيلول (سبتمبر) العام 2001، الذي دمغ الصهيونية وممارسات اسرائيل بالعنصرية.
وفي ضوء هذه الوثائق يمكن تكييف التهم التي ارتكبتها اسرائيل في غزة وتجريمها باقتفاء أثر أحد الخيارات القانونية التي تم عرضها، واستناداً الى تصنيف الجرائم حيث يمكن اسناد التهم التالية لاسرائيل وقادتها من الذين رسموا خطط الغزو والتآمر ونفّذوا أعمال العدوان وأصدروا الاوامر للقيام بالمجازر الوحشية.
وهذه التهم هي:
1- الجرائم الموجهة ضد السلم والأمن الدوليين ( جريمة العدوان ).
2- جرائم الحرب.
3- الجرائم الموجهة ضد الانسانية .
4- جرائم ابادة الجنس البشري.
وقد عرفت المادة السادسة من نظام محكمة نورمبرغ العسكرية الجرائم ضد السلم العالمي بأنها(12):
1- تدبير أو تحضير أو اثارة أو متابعة حرب عدوانية.
2- تدبير أو تحضير أو إثارة حرب خرقاً للمعاهدات والالتزامات الدولية.
3- الاشتراك في خطة مدبرة أو تآمر لارتكاب أحد الاشكال السابقة.
ولعل هذه الاعمال جميعها تنطبق على ممارسات اسرائيل في السابق والحاضر، لاسيما في غزة، الامر الذي يقتضي جهداً جماعياً لملاحقتها، وهو ما حدا بالباحث الى تصور قيام (محكمة القدس الدولية العليا)، وإذا كان ذلك حلماً فدعونا نحلم مرة أخرى في البحث عن الحقيقة بل نغامر من أجلها.
خيارات الملاحقة القانونية والآليات المتاحة!!
بعد هذا العرض ما هو السبيل لتوجيه الاتهامات الى مرتكبي الجرائم في غزة، وهل يمكن تجريمَهم طبقاً للقانون الدولي الانساني؟
لعل هناك أكثر من خيار قانوني دولي يمكن اعتماده لملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية وجرائم الحرب وجريمة العدوان وتهديد السلم والأمن الدوليين، ولكن هذه الخيارات تعترضها عقبات سياسية بالدرجة الاساسية وعقبات قانونية أيضاً، ولعل ذلك يتمثل بمواقف الولايات المتحدة والقوى المتنفذة في نظام العلاقات الدولية التي حالت على مدى 60 عاماً من ملاحقة اسرائيل وتجريمها قضائياً بموجب أحكام القانون الدولي.
ومثل هذه المواقف استفحلت بتفرد الولايات المتحدة الامريكية وهيمنتها على الامم المتحدة، خصوصاً عند انتهاء عهد الحرب الباردة وتحوّل الصراع الآيديولوجي من شكل الى آخر، لاسيما بعد انهيار النظام الاشتراكي العالمي وانحلال الاتحاد السوفيتي، الأمر الذي مهّد لاعتبار الاسلام هو العدو الاول والخطر الأكبر بعد ظفر الليبرالية الجديدة من الهيمنة على العالم.
اما الخيارات المتاحة هي:
1- الخيار الاول: هو الطلب من الامم المتحدة انشاء محكمة خاصة مؤقتة على غرار محكمة يوغسلافيا ورواند وسيراليون وكمبوديا والمحكمة الدولية لملاحقة قتلة الرئيس رفيق الحريري، التي هي محكمة خاصة لها طابع دولي. ولكن العقبة الأساسية التي قد تحول دون تحقيق ذلك هي: استخدام واشنطن حق الفيتو، وانحيازها لصالح اسرائيل، الأمر الذي يعرقل اتخاذ مثل هذا القرار، وهو ما ينبغي أخذه بالحسبان عند التفكير باتخاذ خطوة جدية ناجحة.
2- الخيار الثاني إحالة الأمر الى الجمعية العامة للامم المتحدة بانشاء محكمة خاصة من قبلها طبقاً لمبدأ " الاتحاد من أجل السلام" الصادر بقرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 377 في العام 1950 (بشأن كوريا). ورغم النزاع الفقهي بشأن القرار المذكور، الاّ انه يعدّ إحدى السوابق التي يمكن اعتمادها والبناء عليها، الأمر الذي يحتاج الى المزيد من الأنشطة لحشد وتعبئة الكثير من الطاقات للحصول على قرار يمكن بموجبه مقاضاة مرتكبي الجرائم.
ولكن هذا الخيار قد لا ينجح بالحصول على أغلبية في الامم المتحدة، وإن نجح فقد تمتنع الأمم المتحدة من تمويل المحكمة، لاسيما وأن الولايات المتحدة متحكمة بالتمويل، ومن المحتمل وهذا ما هو متوقع أن تمتنع من تقديم التمويل اللازم للامم المتحدة بهذا الخصوص، الأمر الذي قد تنهار معه امكانية تحقيق هذا الخيار.
3- الخيار الثالث العمل على إحالة اسرائيل الى المحكمة الجنائية الدولية، وهي محكمة دائمة، لاسيما بعد أن صدقت عليها أكثر من 100 دولة وهذا يتطلّب من الدول العربية الانضمام اليها والتصديق على ميثاقها بعد التوقيع عليه. ولعل نظام محكمة روما فيه بعض العقبات أيضاً.
ويمكن عرض أهم المبادئ الخمسة التي قامت عليها المحكمة الجنائية الدولية لكي يتم أخذها بنظر الاعتبار عند التحرك باتجاه رفع دعوى ضد المرتكبين الصهاينة.
المبدأ الاول : انها نظام قضائي دولي نشأ بارادة الدول الاطراف الموقعة والمُنشئة للمحكمة.
المبدأ الثاني : إن اختصاص المحكمة سيكون اختصاصا مستقبليا فقط، وليس في وارد إعماله بأثر رجعي .
المبدأ الثالث : ان اختصاص المحكمة " الدولي" سيكون مكملاً للاختصاص القضائي " الوطني"، أي ان الاولوية للاختصاص الوطني، ولكن المحكمة بامكانها ممارسة اختصاصاتها في حالتين، الاولى عند انهيار النظام القضائي والثانية عند رفضه او فشله من القيام بالتزاماته القانونية بالتحقيق ومحاكمة الاشخاص المتهمين بارتكاب جرائم.
المبدأ الرابع : اقتصر اختصاص المحكمة على ثلاث جرائم هي: جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم ابادة الجنس البشري، حسبما حددته المادة الخامسة من النظام الاساسي لمحكمة روما.
المبدأ الخامس: المسؤولية المُعاقب عليها هي المسؤولية الفردية (13).
وقد حددت اتفاقية روما أنه لا يجوز محاكمة هيئات أو دول، واقتصرت على محاكمة أفراد مسؤولين حتى وإن كانوا رؤساء دول أو رؤساء حكومات (رؤساء وزراء) والمسؤولين الآخرين، بمن فيهم القيادات العسكرية العليا، الأمر الذي يحتاج أن يتقدم أحد الأعضاء المصدقين على الاتفاقية بطلب لرئيس المحكمة الجنائية يحدد من خلاله أسماء المتهمين، وحيث يمكن محاكمة رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي أيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني ووزير الدفاع ايهود باراك، إضافة الى شيمون بيريز وعدد من القيادات العسكرية العليا ولعل من حق أحد " رعايا" الدولة المصدقة على الاتفاقية أن ترفع دعوى قضائية ضد المرتكبين كما يمكن الطلب إحالة المتهمين الى القضاء الدولي طبقاً لاتفاقية منع ابادة الجنس البشري التي يتم التوقيع عليها العام 1948.
وفي هذه الحالة يمكن محاكمة المتهمين في أي من الدول المعتدى عليها، ومع ان فلسطين ليست دولة في الوقت الحاضر، وهو الأمر الذي "تتذرع" به اسرائيل "قانونياً " كما يذهب الى ذلك العقل القانوني الاسرائيلي، وانها انسحبت من غزة منذ العام 2006، الاّ ان من حقها ان تحاكم المسؤولين الاسرائيليين بأسمائهم رغم أن تطبيق ذلك أمرٌ غير ممكن في الوقت الحاضر بسبب اختلال توازن القوى.
ولئن ظل اختصاص المحكمة يشوبه الكثير من النقص تبعا للصراع السياسي بين الدول، فقد انقسمت هذه الى فريقين رئيسين، الاول أراد للمحكمة صلاحيات واسعة ودرجة عالية من الاستقلالية. والثاني أراد تقليص صلاحياتها بحيث تكون خاضعة للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن ومبدأ أسبقية الدول على الافراد، الاّ أنها رغم كل شيء كانت ثمرة التطور في ميدان حقوق الانسان.
ان اتخاذ البلدان العربية والاسلامية مواقف موضوعية ازاء والانضمام والتصديق الى المحكمة ضرورة تُمليها عدم التغيّب عن مرجعية دولية مهمة بهذه الاهمية التاريخية والمستقبلية، وإذا كنّا نردد كثيراً موضوع مقاضاة مرتكبي الجرائم، فإن واحداً من الآليات التي يمكن اعتمادها هو نظام محكمة روما، الأمر الذي يتطلب الانضمام اليه والتصديق عليه، وبالتالي رفع الشكاوى وتحريك الدعاوى ضد المرتكبين. وهذا الخيار أيضاً معقد وتكتنفه الكثير من الصعوبات والعراقيل القانونية والعملية، لاسيما أن اللجوء الى المحكمة أمر لا يسمح به الآّ إذا قام مجلس الأمن بإحالة هذه الجرائم الى المحكمة الجنائية الدولية، وهو أمر غير ممكن حالياً ضمن الفيتو الامريكي.
4- الخيار الرابع هو الاختصاص العالمي، وسيكون من حق أية دولة طبقاً لاتفاقية جنيف الرابعة العام 1949، محاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم ضد الانسانية، بصرف النظر عن مكان وقوع هذه الجرائم، طبقاً لقوانين الدولة ذاتها. وقد قامت اسرائيل مؤخراً بتكليف محامين دفعت لهم أكثر من 3 ملايين دولار لمعرفة القوانين التي تنطبق على مسؤولين يمكن اتهامهم بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية، كما قامت من خلال ضغط امريكي لتعديل القانون البلجيكي. وهي تشن حالياً حملة ضد اسبانيا وتسعى لتغيير قوانينها خصوصاً بعد قبولها دعاوى ضد مسؤولين اسرائيليين. وكانت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني قد صرّحت بأنها تجري اتصالات مع اسبانيا بهدف تعديل قوانينها للحؤول دون استخدامها من جانب بعض منظمات المجتمع المدني في ملاحقة عدد من المسؤولين الاسرائيليين.
ورغم أن هذه الامكانية ما تزال متوفرة حتى الآن حيث ان هناك عدداً من الدول تسمح قوانينها ونظامها القانوني بمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب ومنها: كندا واسبانيا وألمانيا وهولندا وفرنسا وبريطانيا، الاّ أن الأمر لم يجرِ استثماره من جانب العرب على نحو مؤثر، فالحكومات لم تدخل هذا الباب بعد، أما المجتمع المدني فإمكاناته شحيحة وأهالي الضحايا بأوضاع صعبة ولا تسمح لهم اختيار هذا الطريق لتكاليفه الباهظة. ويتطلب الأمر أيضاً تعديل قوانين الجزاء والعقوبات العربية، لكي تقبل دعاوى ضد مسؤولين اسرائيليين متهمين بارتكاب جرائم، خصوصاً إذا مرّوا عبر أراضيها، إذ يتعين في هذه الحالة وجود تشريعات قانونية تسمح بتجريم ومحاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم،وهذا هو الاساس الذي استندت اليه المحاكم البلجيكية في قبول النظر في الدعاوى التي أقيمت ضد شارون باعتباره المتهم الاساسي في جرائم صبرا وشاتيلا 17-18 أيلول/سبتمبر 1982، علماً بأن اسرائيل هي أول من لجأ الى استخدام هذا " الحق" رغم أنها قامت بمخالفة صريحة وسافرة لقواعد القانون الدولي، عند اختطاف ايخمان من الارجنتين العام 1960 وقامت بنقله الى مطار بن غوريون، وأعلنت عن بدء محاكمته ثم قامت باعدامه (بعد صدور الحكم ضده)، وهي ما تزال تطارد أعداداً من المتهمين بارتكاب جرائم الابادة بحق اليهود.
لعل الاختصاص الجنائي الدولي يتيح نظرياً على الأقل لنحو 47 بلداً (معظم دول مجلس أوروبا) التقدم أمام المحاكم الوطنية ورفع دعاوى تطلب جلب المتهمين الى العدالة لمقاضاتهم، حتى وإن كان الجناة يتمتعون عن جنسية بلد آخر، حيث يمكن رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الوطنية لملاحقة المتهمين، وابلاغ المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بهذه الجرائم، حيث تقع هذه المسألة ضمن سلطاته واختصاصه، لاسيما بعد إخطار مجلس الأمن بذلك.
يكفي أن يحمل الضحية جنسية البلد الذي يرفع الدعوى أمام قضاء بلده، ليحق له مقاضاة المتورطين في جرائم يقدّمها ضد مجهول أو ضد شخص بذاته من المسؤولين الاسرائيليين، حتى وان كان يتمتع بحصانة، لأن هذه الأخيرة لا تعفيه عن المساءلة بارتكاب الجرائم.
ورغم عدم تفعيل هذه الآليات وعدم الرجوع اليها لدرجة كافية حتى الآن، الاّ ان الكثير من المسؤولين الاسرائيليين أصبحوا يخشون السفر الى اوروبا، تحاشياً لاحتمال إلقاء القبض عليهم، لاسيما إذا كان هناك من سيرفع أو رفع شكوى ضدهم بموجب الاختصاص الجنائي الدولي.
ان اللجوء الى هذا الخيار ممكن رغم أنه غير مضمون، لاسيما من خلال الضغوط السياسية والتعقيدات القانونية، التي قد تجعل الجناة يفلتون من يد العدالة.
5- الخيار الخامس اللجوء الى محكمة العدل الدولية ورغم أن اختصاص المحكمة هو الفصل في النزاعات الدولية(من الدول) التي تُعرض عليها وتفسير المعاهدات والاتفاقيات الدولية والنصوص القانونية وكذلك إصدار فتاوى استشارية، وبهذا المعنى فإن اختصاص المحكمة يتعلق بإصدار أحكام مدنية وليست جزائية على المتهمين، وهي " محكمة حقوقية " تقضي بالمسؤولية المدنية والتعويض، وهناك سابقة البوسنة حيث أقامت دعوى لطلب التعويض من صربيا للمجازر المرتكبة، وطلبت من محكمة العدل الدولية العام 1993 وقف المجازر وطلب التعويض. ولعل صدور أحكام بالتعويض المدني سيسهم لاحقاً بملاحقة المرتكبين عبر محكمة جنائية، لاتخاذ عقوبات ضدهم وتجريمهم طبقاً للقانون الدولي الا