عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - جوتيار تمر

صفحات: [1]
1
حين يتحول الفساد الى حِرفَة.
جوتيار تمر/ كوردستان
4-5-2023
تتغير المسوغات الدلالية من حيث الظاهر حول ما يتعلق بالفساد، إلا انها في المضمون والمدلول تتفق وفق سياقات متناغمة ومتناظرة في بعض الأحيان، وغالبيتها تؤيد أن الفساد هو السبب الرئيسي للتفسخ الاجتماعي والانحلال والابتعاد عن القيم الإنسانية التي تعطي الانسان هويته، واختلافه عن باقي المخلوقات، فقد جاء تعريف الفساد من حيث اللغة: على انه ضد الصلاح ، أفسد الشيء أي أساء استعماله، فسَدَ الرجلُ: جانب الصواب، عكسه صلَح، وفسَدَ الحالُ أو الأمرُ أو الشَّيءُ: اضطرب، خرِب، أصابه الخلل(أحمد مختار عبد الحميد عمر معجم اللغة العربية المعاصرة، فسد"2/1634)،  اما مجمع اللغة العربية بالقاهرة، فقد عرف الفساد  على انه، التّلف والعطب وَالِاضْطِرَاب والخلل والجدب والقحط،( المعجم الوسيط، 2/688)، بينما عرفت معاجم أخرى لغوية الفساد بانه تحول الشيء من حالته الطبيعية الى حالة متفسخة( عماد صلاح عبدالرزاق، الفساد والإصلاح، ص32)، كما عرفه معجم اوكسفورد على انه انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة.
  أما تعريف الفساد اصطلاحاً فقد تعددت المصادر التي تناولت الفساد، وكانت النظرة اليه ومحاولة تعريفه من الباحثين تتأثر بالمنظور الذي ينطلق منه الراغب في تعريفه، وبتعدد الاشكال التي يتخذها وتعدد المجالات التي يمكن ان ينتشر فيها ، فعند الفقهاء أتى الفساد بمعنى بطلان العمل وعدم ترتب آثاره عليه، فالفساد اعظم من الظلم، لأن الظلم نقص: فإن من سرق مال الغير فقد نقص حق الغير، والفساد يقع على ذلك وعلى الابتداع واللهو واللعب( الكفوي، الكليات، ص692)، وعند القانونيين: هو خروج عن القانون والنظام (عدم الالتزام بهما) أو استغلال غيابهما من أجل تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية للفرد أو لجماعة معينة، فهو سلوك يخالف الواجبات الرسمية للمنصب العام تطلعا إلى تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية. وهناك اتفاق دولي على تعريف الفساد كما حددته "منظمة الشفافية الدولية" بأنه " كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته "، إساءة استخدام السلطة الرسمية الممنوحة له سواء في مجال المال العام أو النفوذ أو التهاون في تطبيق النظام أو المحاباة وكل ما يضر بالمصلحة العامة وتعظيم المصلحة الشخصية( آمنة محمد علي، الدور الرقابي للنساء في مجلس النواب العراقي واثره في مكافحة الفساد، المجلة السياسية والدولية، ص939)، وعليه يمكننا أن نعرف الفساد بصفة عامة على أنه: خلل يعتري الفعل يوقع الضرر بالنفس أو بالغير،(  امامة عماد حماشة، بيان مفهوم الفساد في سياق الآيات القرآنية والاحاديث النبوية وانواعه واسبابه، مجلة الجامعة للدراسات الإسلامية، ص769).
وبعيداً عن السياقات اللغوية والاصطلاحية والفقهية والقانونية للفساد، نجدنا أمام صور هي في الواقع تعاريف مباشرة للفساد، تعاريف تنم عن الفعل سواء السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وذلك من خلال رصد الواقع العياني الذي نعيشه وفق معايير الاجتماع، أو بعبارة ادق وفق المدلول السوسيولوجي، فما نجده من معطيات وافعال تصدر عن بعض الفئات ضمن الاطار العام للمجتمع لاسيما السلطة وارباب السلطة، تُعد في كينونتها المفهوم الحقيقي والصحيح لكل أنواع الفساد، حيث نلامس من تبعيات سلوكياتهم على المستويين (الفعل -القول )، انحلالاً واضحاً وابتعاداً سافراً عن الاخلاقيات الإنسانية، لاسيما فيما يتعلق بالنزاهة، والأمانة، ضمن الأطر العامة والخاصة، أو لنقل ضمن القطاع العام والمؤسساتي الوظيفي والخاص ( حول ذلك ينظر: سليمان عبد المنعم، قراءة في ملف الفساد – السوس – الذي ينخر في عظام مؤسستنا، مجلة الديمقراطية، ص101)، والغريب في الامر أن الفساد في صورته العامة أُلصق بكل ما يتعلق بالقطاع الوظيفي الحكومي والسياسي السلطوي، فضلاً عن الذين ينخرطون ضمن دوائر الانتماء الحزبي وهو شكل آخر من اشكال الوظيفية – الفساد - الذي يُعرف ب(تحت الجدار)، أو الفضائيون، فضلاً عن الحكومات والقائمين على امرها واربابها واذنابها، وقلما نجد الاجتماع ينظر الى الفساد خارج تلك الدوائر على الرغم من أن الفساد المهيمن على القطاع الخاص لاسيما التجار والطبقة الوسطى المهيمنة على السوق، قد تحول الى حِرفة لديهم، فاصبح هؤلاء الوجه الثاني للفساد الكبير، واثاره الاجتماعية اكبر من الاخر، وذلك لأن الكسب غير المشروع المقرون بالغش، فضلاً عن حالات الاحتيال التي شاعت وانتشرت بين الأوساط العامة، هي في الأصل من اهم أسباب التفكك الاجتماعي وانتشار الفساد بين شرائح المجتمع، فضلاً عن الانحلال والاستغلال بكل اوجهه، (حول ذلك ينظر: مايكل جونستون، متلازمات الفساد – الثروة، والسلطة، والديمقراطية، ص 36-37)، ذلك التفسخ الاجتماعي يولد في الأصل خلل واضح في بنية المجتمع، بدءاً بالأسرة، وانتهاءً بالدولة، حيث نرى التفكك والأنانية تعم أفراد المجتمع، ومن ثم يسود بين أفراده الحقد والحسد ومكيدة بعضهم للبعض،  فيصبح الفساد بصورته الاجتماعية تفككاً وفوضى ، ويؤدي الى ضعف يطرأ على العلاقات الاجتماعية في المجتمع أو مكونات النسق الاجتماعي، وتدهور الضوابط الاجتماعية، وانهيار القيم والأخلاق في المجتمع، واضطراب النفوس، وكثرة القلق والحقد على الآخرين، وغير هذا من النوازع التي تسعى إلى تخريب المجتمعات، وتؤدي في بعض الأحيان الى سفك الدماء وانتشار الجرائم المختلفة، ( ينظر :  دراسة بعنوان ، مواجهة الفساد الإداري من منظور إسلامي) .
عند اسقاط هذه المفاهيم على الواقع الذي نعيشه في مجتمعاتنا سنجد مدى تعمقها وتجذرها في كل البنى الاجتماعية وكل الشرائح دون ان نقيسها على شريحة واحدة، وبذلك يمكن القول أن الفساد تحول الى حِرفة يمتهنها اغلب فئات المجتمع، ولم تعد محتكرة على فئة دون أخرى، فالطبقة السياسية والحاكمة هي الواجهة المعروفة للفساد سواء الفساد السياسي أو الأخلاقي أو المالي أو الإداري وحتى الاجتماعي، وكل الاتهامات توجه اليها وأصبحت في مجتمعاتنا شمعة تقوم الفئات الاجتماعية الأخرى تحرق انحرافها وفسادها تحت مظلتها، والغريب اننا لا نستوعب الامر إلا بعد فوات الأوان، ودائماً نجدنا نعيب على الحكومات فسادها ونتجاهل النظر الى مكملات ذلك الفساد، والذي يؤثر بشكل كبير على جميع شرائح المجتمع، فالتاجر الذي يعايش المتحولات والمتغيرات الاجتماعية لا ينأى بنفسه عن استغلال واقع المجتمع المتردي، وتفشي الفقر بين فئاته لاسيما الطبقة العامة والكادحة، وحتى صغار الموظفين، فيحاول ان يتفق مع الشركات المنتجة الأجنبية على انتاج بضائع دون مستوى الجودة، وذلك لكسب بعض الأرباح، كما ان الصناعات المحلية ومالكيها، لا يتجنبون الاستغلال في صناعاتهم وتخريجها بأدنى مستويات الجودة، لكسب بعض الأرباح، حتى البائع العادي يغش في المعايير والموازين للكسب غير الشرعي، وقِسّ ذلك على جميع المجالات الأخرى، وذلك ما يثبت ان الفساد المنتشر بين فئات المجتمع ليس إلا مظهر حقيقي من مظاهر التفسخ الاجتماعي العام، والذي يشمل الحكومات وارباب الساسة والتجار والطبقات الأخرى، وبالتالي فان تفشي المحسوبية والوساطة والرشوة والابتزاز الوظيفي والاستغلال الوظيفي، وحتى إساءة استعمال السلطة، والإهمال الوظيفي، الاحتيال، النصب، الاختلاس، التزوير، غسيل الأموال، الاستيلاء على المال العام، العمولة، الغش، التدليس، التقصير، الإهدار، التهرب الضريبي، الانحلال الأخلاقي، تفشي المخدرات، والتباهي بالانحراف، وغيرها من اشكال الفساد تُعد بمجملها الواجهة الحقيقية للمجتمع ، وبالتالي يكون اغلب فئات المجتمع مشاركين في تأصيل الفساد وانتشاره وتأمين مصادره، (حول ذلك ينظر: طه فارس، أسس مكافحة الفساد الإداري والمالي في ضوء السنة النبوية، ص9).
إن تحول الفعل والقول من حيث المدلول الفسادي، ليس مجرداً من التحولات العامة التي تساهم بشكل واخر في ترسيخ مبادئ الفساد نفسه، فحين نتهم الحكومات والأحزاب والمؤسسات بالفساد، فإننا لسنا اقل فساداً منهم، لأننا نرى فسادهم باعين بصيرة، وندرك حجمها واثارها السلبية على حياتنا العامة، وعلى مستقبل بلداننا، والقضايا التي ننادي بها، ونعلم بأنها في النهاية ستؤدي الى ضياع المكتسبات التي بين أيدينا، وستعيدنا الى مرحلة العبودية والخضوع للمنظومات الإقليمية والدولية، لكننا نتجاهل كل ذلك، ونحاول بكل الوسائل الكسب غير المشروع، لذلك فان ما نقوم به نحن من أفعال تعطي شرعية لفساد غيرنا، بحيث اصبح الفساد مهنة نمتهنها، وحِرفة نزاولها على جميع الأصعدة.


2
الكوارث البيئية وحتميات الكوارث الطبيعية
جوتيار تمر/ إقليم كوردستان
25-2-2023
لاتعد الكارثة مصطلحاً قانونياً، وطريقة تصنيفها يؤثر على الموضوع، لذا يرى بعض الباحثين انه من المهم في اثناء تقدير المصطلح أن يفهم أن مجرد وقوع الكارثة بحد ذاتها لا يشكل نقطة الاهتمام المادي، ولكن تلك النقطة تتمثل في مجموعة كاملة من الجوانب الداخلة في الموضوع، وهي السبب، والذي يتشكل من فيئتين، الكوارث الطبيعية والتي تعد الزلزال منها، والكوارث الناجمة من الأنشطة البشرية، والتي أجد بأن التلاعب بالبيئة او البنية الجيولوجية والتي تُعرف على انها تضاريس الأرض حيث يكون للكتل الصخرية بعض الخصائص او الجوانب التي تشكل هيكلها – البنيات-  وهي ترتبط بجميع الحوادث التكوينية التي تسببها الحركات التكوينية وحركات المنشأ، فضلاً عن عامل الانبساطية، الذي يعد نتاج النشاط البركاني والحركات الزلزالية، ويتميز هذا ايضاً بتشويه الصخور، مما ينتج عنه تموجات وثنيات، لبعض المناطق كأنشاء سدود عملاقة على ارض تُعد واقعة على خط الزلزال من ضمنها، وذلك ما يحيلنا الى الجانب الاخر المتعلق  بالمدة، والتي تكون في الغالب مفاجئة أو بطيئة تدريجية الظهور، مما يجعلنا أمام جانب اخر وهو السياق، حيث تقع الكوارث في صورة طوارئ واحدة أو معقدة، وهذا الامر برمته ينطوي على البحث في مكنون الكارثة، والنظر في القضايا المتعلقة بمختلف مراحلها، أي مراحل ما قبل الكارثة واثناءها وبعدها، وذلك ما أكده تقرير لجنة القانون الدولي الى الجمعية العامة عن اعمال دورتها الستين.
ولعل ما يحدث الان من هزات أرضية متتالية تضرب أماكن مختلفة وكلها مرتبطة بالبنية الجيولوجية المعقدة في منطقة الشرق الأوسط بالذات تعد تكراراً لنتائج اعمال تمس البنية الجيولوجية للمنطقة لاسيما في تركيا التي قامت بإنشاء سدود عملاقة ليس على مستوى المنطقة فحسب انما على المستوى الدولي،  ويكمن مفهوم التكرار حول جدلية بناء السدود وتأثيرها على النشاط الزلزالي ما حصل في الصين سابقاً والتي وقعت تحت تأثير زلازل أودت بحياة الالاف من الأشخاص مع تدمير شامل لتلك الأماكن، وكان احد الخبراء الصينيين – وانج يانجشين – قد تساؤل وقتها لماذا تتكرر الزلازل في تلك المنطقة بالذات، وكان يقصد بها مدينة زهاوتونج التابعة لإقليم يونان، التي تم بناء سدود ضخمة مبرمجمة في تلك المنطقة الجبلية، ومن المعروف كما يشير احد الباحثين ان الخزانات الضخمة من المياه تسبب ضغطاً على القشرة الأرضية يمكنه أن يسبب الزلازل على الرغم من الارتباط بين الامرين يعصب اثباته، ومع ذلك فان التجربة الصينية اولدت الكثير من التساؤلات حول جدوى بناء السدود الضخمة، لاسيما بعد أن اكدت الدراسات بكون الآراء متفقة على أن ارتفاع منسوب المياه في المحطات المائية يمكن أن تقف وراء زيادة النشاط الحركي للقشرة الأرضية، وهذه الظاهرة مشابهة لتلك التي حدثت في تركيا خلال هذه الفترة ومازالت تحدث فيها وفي بعض الدول المجاورة ذات الامتداد الجيولوجي والارتباط بمخلفات تلك المسطحات والخزانات المائية الكبيرة، وذلك ما ذهب اليه علاء اللامي في دراسة له بعنوان "الجديد في العلاقة بين الزلازل واحتمالات انهيار السدود التركية"، حيث أكد من خلال مناقشة اراء بعض الخبراء الذين ذهبوا الى أن كمية الخزين المائي الضخم لتلك السدود والذي بلغ اكثر من 651 مليار متر مكعب اثرت على القشرة الأرضية وحتى على الأرض بالكامل، مشيراً الى أنه إذا زادت المياه فهذا يؤدي الى تمددها وزيادة كمية الماء الذي تخزنه، وايضاً تؤدي الى عملية تمدد أو توسع للكسور الموجودة في الاحواض الجوفية، وهذا يؤدي الى خلخلة أو تكسير لهذه الفوالق الزلزالية، مؤكداً بأن هذا ما حدث بالفعل.
تواجه عمليات بناء السدود الضخمة في تركيا تحديات كثيرة منها ما يتعلق بالتغيير الجيولوجي للقشرة الأرضية، وأخرى تتعلق بحجم المياه المخزونة التي وبحسب العديد من الآراء إن انهارت تلك السدود ستسبب بكوارث قد تصل حتى  الى مناطق الخليج في اقصى جنوب العراق، ومنها تحديات تتعلق بالمسائل البيئية والقانونية، وهي اجمالاً لم تزل مثار نقاشات وطروحات لا تتفق على نهج واحد، ولكنها كلها في المضمون تتفق على نقطة واحدة، أن تلك السدود لها علاقة وإن اختلف حجمها بالزلازل التي ضربت تركيا وباقي المناطق الواقعة على خط ذلك الزلزال أو ما يسمى بحركة الصدع الاناضولي الشرقي، وتؤكد الاحداث العامة ببعض النشاطات الزلزالية أن الصلة موجودة بين بناء السدود وحدوث الزلازل، ولكنها تؤكد في الوقت نفسه أن حجم تلك الزلازل لاتصل الى درجة 6 في اغلب الحالات، وتبقى تتراوح بين 3- 5 درجة على مقياس ريختر، ولكن ذلك الامر ايضاً كان نسبياً بالنسبة للبعض، لأنه في عام 1963 ضرب زلزال  ولاية ماهراشاترا في الهند وذلك بعد ارتفاع مناسيب المياه في البحيرة خلف سد كوينا، وكان قوة الزلزال 6.5 درجة، ولدينا في اسوان المصرية عام 1981حيث وقع زلزال بقوة 5.6، بعد انشاء السد العالي، وامتلاء بحيرة ناصر بالمياه، وفي فوكوشيما عام 2011، انهار سد فوجينومو في مدينة سوكاغاوا بعد وقت قليل يقارب العشرين دقيقة من زلزال توهوكو ، وهناك العديد من الأمثلة تؤيد نظرية تأثير السدود الضخمة على القشرة الأرضية وبالتالي تسبب في تصدعات في البنية الجيولوجية للأرض، وذلك من خلال تكسير الفوالق الزلزالية، وأثر ذلك على النقطة التكتونية وحركة الصفائح.
وعلى الرغم من أن تلك الزلازل تعد من الكوارث الطبيعية، إلا أن علاقتها الوثيقة بالحاق الاضرار بالبيئة من خلال بناء تلك السدود الضخمة وبذلك الحجم الهائل من كميات المياه المخزونة، تجعلنا ننظر الى الامر على أنه تهديد مباشر شأنه شأن المخاطر التكنولوجية وتطورها، وفي ذلك يقول مداح عبد اللطيف في دراسة اكاديمية له بعنوان مسؤولية الدولة عن الاضرار البيئية: " لقد عد التدهور البيئي أثر حتمي للتطور التكنولوجي، وهو ضريبة فرضت على العالم بأكمله دفعها مقابل التقدم الصناعي، هذا ولم تدرك البشرية الاثار السلبية للتدهور البيئي إلا في النصف الأخير من القرن العشرين بسبب الكوارث البيئية التي هزت العالم، الشيء الذي جعل الاهتمام بالقضايا البيئية يتصاعد بشكل كبير "،  وذلك ما يحيلنا الى البحث عن المنافذ القانونية التي تجعل من الاعمال محضورة إذا ما توفرت بعض القرائن بإنشائها، وهي بلاشك تقع مسؤوليتها على المجتمع الدولي، لاسيما فيما يتعلق بنظرية الخطأ كأساس لإقرار المسؤولية الدولية عن المساس بالبيئة ومن هذه النظرية تناسلت نظرية التعسف في استعمال الحق كأساس للمسؤولية الدولية عن الضرر بالبيئي، والأخيرة يقصد بها أن يستعمل الشخص الدولي حقه المشروع بطريقة لا يجلب منافع بقدر الاضرار التي تجذبها للغير،  ولحجم الاضرار المترتبة حول استخدام ذلك الحق الحقت قوانينها بالقوانين الدولية، وذلك ما يؤكده  الباحث بوغانم يوسف في رسالته الماجستير، بعنوان "المسائلة عن جرائهم البيئة في القانون الدولي" حيث يقول:" ويعتبر مبدأ التعسف في استعمال الحق مبدأ مؤسساً على العرف الدولي والقانون الطبيعي، وقد نقل هذا المبدأ من القوانين الوطنية الى القوانين الدولية لأنه لا يوفر الحماية للدول في علاقتها بغيرها.."، وعند النظر الى الواقع سنجد بأن القانون الدولي لم يزل في طور المسائلة حول تغاضيه عن ما يترتب على استخدام تركيا لحقها في المجال البيئي من جهة، وبناء السدود التي لا تلحق الضرر بالبنية الجيولوجية للمنطقة فحسب، انما تلحق اضراراً جسيمة بغالبية الدول التي تتأثر بحجم تلك الخزانات المائية الضخمة، والتي كما سبق وأن نوهنا تهدد استقرار غالبية الدول التي تقع جنوب شرق وغرب تركيا، مما قد يتسبب انهيار تلك الخزانات الضخمة في تدمير شامل لتلك الدول، ناهيك عن مساهمتها في النشاط الزلزالي الذي تحول خلال فترة وجيزة الى هاجس موت جديد يضاف الى ما هو موجود اصلاً للمنطقة.


3
صدر للكاتب والباحث الكوردستاني جوتيار تمر كتاب  ( مشكلة قطع الطريق عند الكورد في العصر الاسلامي الوسيط) دراسة سوسيولوجية تحليلية نقدية ، عن دار تموز (تموزي) بدمشق.
جوتيار تمر / كوردستان

 
نبذة مختصرة عن الكتاب:
مقدمة تعريفية
-مفاهيم وعرض
يؤكد فيبر –ماكس فيبر- احد رواد علم الاجتماع، ان علم الاجتماع هو علم اجتماع تاريخي حينما ينصب اهتمامه بالنتائج الفريدة على المفرد التاريخي، بحيث يكون نمط التأويل الذي يهدف اليه في ذلك الاطار هو التفسير عن طريق تفهم المعنى، وتكون المعطيات التي يحاول البحث عنها في معاني ذلك المفرد او شروطه الواقعية، فالسوسيولوجيا عنده العلم الذي يعني بفهم الفعل أو النشاط الاجتماعي وتأويله، وتفسير حدثه ونتيجته سببياً، بمعنى العلم الذي يحاول ان يدرس الفهم التأويلي للفعل الاجتماعي، من اجل الوصول الى تفسير علمي لمجراه وآثاره، ويشتمل الفعل الاجتماعي على كل مظاهر السلوك الانساني طالما يضفي عليها الافراد معناً ذاتياً، اي الفعل الذي له معنى الذي يمكن فهمه، والمعاني هي البواعث التي تحرك سلوك الافراد وتحوله الى سلوك اجتماعي.
ولا يمكن للباحث التاريخي اطلاق الاحكام على مجتمعات عرقية بالكامل، وفق نظريات تستند على العصبية القبلية والسيادة المطلقة واعتبارات طبقية من اجل اثبات تفوقه العرقي من جهة، ومن اجل الصاق صفة معينة ومحددة بشعب اخر ضمن دائرة المجتمع العام الذي يتسيده هؤلاء ليس لانهم اكثر تحضراً او تفوقاً او اذكى، انما فقط لانهم كانوا ممن حملوا في اول الامر التشريع، على الرغم من انهم لم يستطيعوا ان يتعاملوا مع التشريع نفسه بقيمه الذاتية، حيث ما لبثوا ان انغمسوا في الصراعات القبلية وابعدوا التشريع عن مضمونه، ومن ثم قاموا بتصنيف الاقوام بحسب ولائهم وخضوعهم للمنطق القبلي الذي يريدونه، حتى ان كتاباتهم وظفت لأجل ترسيخ مبدأ الفوقية للعنصر العربي القبلي على باقي العناصر الاخرى، وفي الوقت نفسه سُخرت تلك الكتابات لأجل تشكيل الرؤية السلطوية حول الاقوام الاخرى داخل المجتمع الاسلامي فتحولت الى أداة بيد السلطوية، حيث سلطت الضوء على جزئيات خارجة عن النسق الاجتماعي العام، وعممت مترتبات تلك الجزئيات لتتشكل في ذهنية الاجيال الصورة التي تريدها السلطة ان تُصقل عن الاقوام الاخرى.
وانطلاقاً مما سبق يهدف الكتاب اعطاء الصورة الاوضح من خلال التأكيد على ان مشكلة قطع الطريق عند الكورد كانت وسيلة عصر افرزتها عدة ظروف، وهي لم تكن حصراً بالكورد فقط انما كانت ظاهرة – جمعية- متجلية في حاضرة الخلافة العباسية نفسها وعاصمتها بغداد، وحتى على طريق الحجاج للحجاز، وباقي الامصار والبلدان والاقاليم، لذلك يمكن عدها من حيث المنطق العام او العالم الاسلامي بشرقه وغربه كظاهرة تفشت بين غالبية الاقوام المنضوية تحت لواء الدولة الاسلامية، وهنا للتأكيد فحسب، إننا نعدها ظاهرة لسرعة انتشارها بين الاقوام والامصار والقبائل، اي انها ظاهرة من ذلك المنطلق فقط، فهي من حيث البناء الاجتماعي لا يمكن عدها ظاهرة لكونها استمرت لعقود طويلة كسلوك اجتماعي ناجم عن مشكلة اجتماعية متعلقة بالمستوى المعيشي للأقوام افراداً كانوا أم جماعات، وقبائل وشعوب، فالكورد كأمة واقعة تحت الحكم الاسلامي عانوا من مشكلات اجتماعية جمة، واحدى اهم تلك المشكلات كانت الفقر وتدني المستوى المعيشي وفقدان الاستقرار والامن الغذائي والامن العام في مناطقهم جراء وقوعها على مفترق الطرق لاسيما كانت معبراً لجيوش الامبراطوريات والخلفاء والخارجين على السلطة، لذا فان انتشار قطع الطريق بين بعض القبائل وبعض الجماعات والافراد لا يمكن عدها ظاهرة بل العكس تماماً هي مشكلة اجتماعية لها اسبابها وظروفها الخاصة بالمجتمع الكوردي، وهي لا تستوفي احدى اهم الاسس في مفهوم الظاهرة من حيث سرعة الظهور وسرعة الزوال، باعتبار انها خضعت في المجتمع الكوردي لمنظومة علاقاتية تلازمية لصيرورة النظم السياسية والادارية للدولة تجاههم، الامر الذي دفعنا الى القول على ان قطع الطريق من حيث الانتشار في غالبية الاقاليم عُدت ظاهرة وقتها، ولكنها من حيث الاقوام وانتشارها بين فئات محددة من تلك الاقوام تُعد مشكلة اجتماعية ناجمة بالدرجة الاساس عن سوء الاوضاع الاقتصادية والمعيشية وانتشار الفقر بين الاوساط العامة بالذات، لذا تتطلب الدراسة توضيح مفهوم الظاهرة الاجتماعية والمشكلة الاجتماعية والفرق بينهما ومن ثم توضيح مفهوم قطع الطريق واحكامه في الفقه الاسلامي، مع تسليط الضوء على انتشار المشكلة في المجتمع الاسلامي بشكل عام دون الخوض في التفاصيل، والكوردي بشكل خاص، وبالتركيز على كيفية حكم الخاصة(السلطة والعلماء) على المشكلة عند الكورد من جهة، والوقوف على الاسباب التي كانت وراء انتشارها وتعميمها على الكورد من جهة اخرى، منتهجين بذلك المنهج السوسيولوجي والتاريخي والتحليلي النقدي احياناً للوصول الى النتائج المرجوة من الدراسة.
اعتمدت الدراسة على العديد من المصادر الاصيلة التي اوردت الكثير من النصوص حول موضوع قطع الطريق عند الكورد وعدته طبع ملازم لكينونة الانسان الكوردي حتى قبل ولادته، وتم توظيف تلك المعلومات بحسب اهميتها الموضوعية، وليس بحسب تسلسلها التاريخي، ومن اهم تلك المصادر، كتاب تاريخ الرسل والملوك المعروف بتاريخ الطبري لمؤلفه الطبري (ت 310هـ/ 923م)، و كتاب الكامل في التاريخ لأبن الاثير(ت630هـ/1232م) ومن ثم كتاب الاكتفاء للكلاعي (ت 634هـ/1237م) والتي من خلالها تم تتبع تاريخ خروج المسلمين لقطع الطريق على القوافل وكيفية تناول الحدث التاريخي ضمن هيكلة السلطة المركزية للخلافة الاسلامية العربية آنذاك مع ذكر النصوص المتعلقة بقطع الطريق عند الكورد ونظرتهم السلطوية اليها لاسيما الطبري وابن الاثير، كما اعتمدت الدراسة على بعض كتب السنن والتفسير والفقه للوقوف على الاحكام العامة الصادرة بحق قاطع الطريق واللصوص والسراق وغيرهم، والتي نذكرها بحسب اهميتها للدراسة، ككتاب احكام القرآن للجصاص (ت370هـ /980م)، وكتاب المصنف لابن ابي شيبة(ت 235هـ/849م)، وكتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري لأبن حجر العسقلاني(ت852هـ/1448م)، وكتب اخرى في نفس المجالات المذكورة، ومن جملة المصادر التي اعتمدتها الدراسة كتب البلدانيين والجغرافيين وكتب مؤرخي البلاط–السلاطين-، ككتاب معجم البلدان لياقوت الحموي(ت 626هـ/1228م)، وكتاب البلدان لمؤلفه اليعقوبي(ت292هـ/904م) وكتاب درر الفرائد المنظمة في اخبار الحاج وطريق مكة المعظمة لمؤلفه الجزيري (ت 977هـ /1570م)، وكتاب سيرة السلطان جلال الدين منكبرتي للنسوي(ت 639هـ/1241م)، فضلاً عن كتب عديدة اخرى في ذلك السياق.
كما اعتمدت دراستنا على مراجع اساسية فيما يتعلق بتحديد مفاهيم الظاهرة والمشكلة والظاهرة الاجتماعية والمشكلة الاجتماعية فوجدت الدراسة في كتاب المشكلات الاجتماعية لكل من "دلال ملحس استيتية و عمر موسى سرحان" مرجعاً مهماً لاسيما فيما يتعلق بتحديد المفاهيم وخصائصها، وكتاب المشاكل الاجتماعية والسلوك الانحرافي لمؤلفه محمد عاطف غيث، وكذلك كتاب علم المشكلات الاجتماعية لمؤلفه معن خليل عمر، وكتاب مبادئ علم الاجتماع لمؤلفه احمد رأفت عبدالجواد، فضلاً عن العديد من الكتب الاخرى في ذات الاختصاص، والدراسات الاكاديمية التي عنت بموضوع المشكلات الاجتماعية كالدراسة التي قدمها "طالب عبدالكريم كاظم القريشي" المعنونة بالظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم – تحليل اجتماعي- ، كما اغنت الدراسة العديد من البحوث والرسائل الاكاديمية والمنشورات والمقالات والدراسات على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن ذلك فقد وجدت الدراسة في المعلومات التي اوردتها المراجع المترجمة من الفارسية وكتب المستشرقين وبعض المراجع الكوردية ايضاً دفعة قوية لإتمام العمل لاسيما فيما يتعلق بالمفاهيم العامة للمشكلات الاجتماعية ككتاب علم الاجتماع لمؤلفه بوتو مور، وكتاب قواعد المنهج في علم الاجتماع لمؤلفه إميل دوركايم، وكتاب علم الاجتماع والتاريخ لمؤلفه بيتر بيرك، وكتاب تأملات في القراءة الانسانية للدين، لمؤلفه محمد مجتهد شبستري، وكتاب تاريخ اجتماعي ايران لمؤلفه مرتضى راوندي، وكتاب نظريات شيخ الاسلام ابن تيمية في السياسة والاجتماع لمؤلفه هنري لاوست، والعديد من الكتب والدراسات الاخرى.
تعد الدراسة الحالية مكملة للدراسات المذكورة، باعتماد اسلوب سوسيولوجي منهجي تحليلي نقدي ينطلق من تحديد مشكلة معينة اتسمت بمظهر الظاهرة من واقع المجتمع الاسلامي بشكل عام للتوصل الى مسبباتها في المجتمع الكوردي بشكل خاص، فضلاً عن محاولة ادراج المشكلة ضمن هيكلة الاحتياجات الاساسية للإنسان، محاولين بذلك ابعادها عن الدوائر التعميمية التي فرضتها المعرفة التاريخية الاسلامية.


4
لاوعي الشعوب طريق تسلط الحكومات
جوتيار تمر / كوردستان
27-3-2022
يرى فرويد ان اللاشعور او اللاوعي هو جميع ما تكبته النفس، حيث ان اللاشعور يعتبر من وجهة نظره واقعاً ديناميكياً مرتبط بتجربة العلاج الاكلينيكي، ويمكن لللاوعي ان يصبح معلوماً للوعي بفضل التحليل النفسي، وذلك عند حدوث تجاوز للمقامة والتي تظهر بدورها بعض المعاني اللاواعية للانتاجات النفسية، بذلك يكون كل انسان على – الخراب المسمى بالارض – يملك مستويات من العقل الواعي والعقل اللاوعي، فالعقل الواعي هو الذي يحكم تصرفات الانسان وقناعاته، بعبارة ادق هو مكان تخزين الاحداث، ومركز الانفعالات العاطفية السلبية والايجابية، اما العقل اللاوعي -الباطن – فيفهم بالحدس او البديهة، وهو متعلق بذات الانسان، وهو في الاغلب لايفرق بين الصواب والخطأ، على الرغم من كونه تابع للعقل الواعي، وينفذ ما يقرؤه الاخير، دون ان يبدي اية ردة فعل على اي امر يتلقاه، كما انه لايفضل شيئاً على اخر، وذلك ما يحيلنا الى النظر بصورة اعمق الى الوعي باعتباره يعبر عن حالة الادراك التي يصل اليها العقل من خلال تواصل الفرد مع المحيط، ويكون ذلك من خلال حواس الانسان، كالاحساس بالذات، والادراك الذاتي، والحالة الشعورية، والحكمة او العقلانية، والادراك الحسي بين الفرد والبيئة كما ورد في موسوعة العقيقي، بالتالي فالوعي هو مجموعة من الافكار، المعرفة، وحصيلة التجارب التي شكلت لدى الفرد مفاهيمه حول كل ما هو حوله، فحين يمارس الفرد انشطة ذهنية متعددة في الوقت ذاته فهو يعيش ضمن دائرة الوعي العفوي، وحين يقوم بالتركيز على نشاط ذهني يتطلب مستوى من الذكاء فهو يكون ضمن حدود الوعي التأملي، اما حين يتعرض لحالة فجائية لايمكن الاستدلال عليها فان ذلك الوعي يكون حدسياً، وحين يتعلق الامر بمنظومة من المعايير الاخلاقية التي تصدر احكامنا على ما حولنا، من حيث القبول والرفض فذلك ما يسمى بالوعي المعياري الاخلاقي (موسوعة العقيقي)، بالتالي نحن امام تراكميات معرفية واضحة حول الوعي، فاين يكمن اللاوعي او العقل الباطن، ان اللاشعور يشير الى كل ما يشكل شخصية الافراد دون اداركهم، وبعيداً عن تحكمهم، فاللاوعي مخزن لتجارب الافراد المترسبة نتيجة للكبت والقمع، مما ادى لبقاء ذلك المخزون بعيداً عن الذاكرة في اماكن لايدركها الفرد بوعيه، فاللاوعي يمكن ان يكون ايضاً مخزناً للطاقة الجنسية والنفسية والعدوانية( فيروز هماش، مفهوم الوعي واللاوعي في الفلسلفة)، وهنا نكون نحن امام عتبة الفكرة الاساس للمقال، الفردية، والجماعية، ضمن الاطار العام للعقل الواعي ولعقل اللاوعي، ووفقاً ل – كارل جوستاف يونغ – هناك انواع لللاوعي،كاللاوعي الشخصي الذي يتعلق بكل الجوانب المكبوتة والخفية التي نشأت عن التفاعل بين الشخص وبيئته، بما في ذلك الاشخاص الذين يتصلون به ، وهناك ايضاً اللاوعي الجماعي الذي يحتوي على عناصر تاريخية وجماعية تعدل الطريقة التي يفكر بها البشر ويشعرون ويتصرفون على وجه التحديد، وتشمل بنى نفسية مبنية على اسس اجتماعية موروثة تسمى النماذج الاصلية.
وذلك ما يوضح بشكل كبير التضاد بين الوعي واللاوعي عند الانسان على الرغم من كونهما مرتبطان بشدة بحاجات الانسان، فالوعي يمثل الشعور واليقظة بالنسبة للانسان وينفذ فعلياً ما هو مخزون في اللاوعي المكبوتة لدى الفرد، وذلك ما يجعلنا امام حقائق غريبة لاسيما للافراد والحكومات  في مجتمعاتنا التي نعيشها، فبدل ان يكون لهما اليد الطولى في تقدم المجتمعات نجدهما يخضعان لمنطق اللاوعي تلك الصور القديمة التي تعلقت في اللاشعور لديهم واصبحت احلاماً، وبعضها تحولت بفعل الوزاع الديني الى فكرة ميتافيزيقية واحياناً طوبائية يحملها الفرد فيجد نفسه دائماً يرجع للماضي ويبني حاضره وفق معطيات الماضي دون التفكير في الغد – المستقبل – الا من خلال منظور الميتافيزيقيا  - نقصد بها هنا الغيبيات- فلا يجد لنفسه مكاناً، ولا حافزاً مادياً ملموساً سوى بعض الحوافز المعنوية التي لاتوقف عجلة التطور، بذلك ينتظر الى ان يصبح الواقع ملائماً لفرزها لتكون سبباً في الفوضى وتأخر المجتمع، مبتعدين عن القيمة الفعلية والمحورية للوعي في تقدم المجتمعات ، يقول احمد عبد ربه في مقال له بعنوان محورية الوعي في تقدم الشعوب : في تاريخ كل الشعوب والحضارات لحظات تاريخية فارقة لايكون ما قبلها مثل ما بعدها ابداً، تلك اللحظات ترتبط عادة باحداث قومية ضخمة، كانتصار او هزيمة في حرب، ثورة شعبية او انتفاضة فئوية او طبقية، قرارات زعماء وملوك ورؤساء، او اطروحات اكاديمية او اكتشافات علمية تؤدي في النهاية الى تغييرات اجتماعية وسياسية وثقافية كبرى، لايشترط ان تكون النتائج المباشرة بالايجاب، بل قد تكون نتائج شديدة السلبية، لكن تكون المحصلة على الأجلين المتوسط والطويل ايجابية على نسبية الكلمة.
وهنا لانريد اعادة ما يحدث في مجتمعاتنا سوى من قِبل الافراد او الحكومات، بالطبع الامر برمته يتعلق بالوعي واللاوعي، ولكن مع ذلك السؤال الذي يتبادر للذهن من هو المسؤول عن خلق الوعي لللاوعي الشعبي والحكومي..؟، بحق الاجابة عن هكذا سؤال ليس بسهل، و ذلك لصعوبة اعطاء اجابة قطيعة لمفهوم الوعي واللاوعي الا من خلال المفاهيم التي سبق وان طرحناها والتي كانت وليدة دراسات في مجال علم النفس والسوسيولوجيا والفلسفة وغيرها من المجالات، ومع وضوح مساراتها الدلالية الا انها في الاجمال تجعلنا تحت مقصلة التناقض الحاصل في بنية مجتمعاتنا، فهل لاشعورنا اي المخزون الذي نمتلكه هو الذي يدفعنا للخضوع للحكام – الحكومات – بطوعية لامتناهية، حتى ننسى المطالبة بحقوقنا بصورة متحضرة تواكب القيمة الانسانية للانسان دون النزوح للفوضى والتخريب والدمار من حرق الممتلكات وسرقة المتاجر وقطع الطرق على المارة وشتم ونعت الاشخاص بكلمات بذيئة لاتتناسب انسانيتنا فضلاً عن بعث الغوغائية الاعلامية التي تؤثر سلباً على نفسية الفرد، وفي المقابل هل لاشعورية السلطان – الحكام – الحكومات مخزونها متوقف على ان تقتات على حقوق الشعب، وتهدر الاموال العامة في مصالحها الحزبية والشخصية بعيداً عن القيم الانسانية الوطنية التي تعطي للفرد ان يعيش على اقل تقدير فوق خط الفقر، وان يعيش الامن والاستقرار دون فوبيا الازمات التي تعصف به بسبب لاسياسة السياسة الحكومية..؟.
يقول عبدالكاظم محمد حسون وعي الشعوب كيف يخلق؟ إن زيادة وعي المواطن الى درجة تمكنه من ايجاد نفسه وايجاد الطريق الصحيح الذي يمنحه الحياة الكريمة لا يأتي بجهد المواطن وحده، وانما هي مسؤولية الحاكم ايضاً من خلال زيادة الاهتمام بالمواطن للاهتمام بالتعليم وتطوير مناهجه واحترام النظام الديمقراطي وفرض القانون المنصف الذي يتماشى مع متطلبات التطوير ومحاسبة المشعوذين والفاسدين والاهتمام بايجاد فرص العمل والتركيز على الاعلام الذي يساهم في نشر الوعي الخلاق وتعاون كل من الحكومة والشعب على وضع برامج الغرض منها رفع مستوى الوعي الجماهيري ورفع مستوى اداء الحكومة للنهوض بالبلد على كافة المستويات، وعلى المواطن ان حريص على انجاح هذه البرامج.
ومحصلة الرؤية اننا للاسف نعيش في مجتمعاتنا نسبة اللاوعي فيها تزيد بشكل واضح ومؤثر عن نسبة الوعي بشقيه الفردي والجماعي، او بعبارة ادق الفردي والحكومي، وذلك ما نحصد نتائجه ليس الان فحسب انما الان هو تحصيل حاصل للامس، كما سيكون الغد نتاج طبيعي لليوم، فالفرد لدينا يريد حقوقه ولكنه لايريد ان يعي ان الموجودات التي يسعى للحصول عليها تخضع لقوانين داخلية واخرى اقليمية واخرى خاضعة لمصالح المنظومة الدولية التي لايهمها سوى كسب مصالحها ليس على حساب الاراضي فحسب انما على حساب الاقوام والانسانية اجمعها، في حين الحكومات نفسها تعيش حالة من الفوضى العارمة بسبب عدم التخطيط المستقبلي والاعتماد على الكسب الاني، دون التفكير بالبدائل التي تمنحها الاستمرارية في حال انفلات الامور وتقلب مصالح الدول الاقليمية ومصالح المنظومة، وبذلك اللاوعي الجمعي الحكومي يؤثر على اللاوعي الفردي، وسلوكيات الطرفين تكون نتائجها كارثية، فالاخير – الفرد – يلجأ الى الفوضى وتساهم الشبكات الاعلامية الغوغائية في اثارة النعرات لديه فيتحول الى كائن مدمر للكيان، سواء من خلال تدمير الممتلكات وتخريبها وحرقها او حتى اللجوء الى البدائل غير المنطقية لديه لاسيما في اللجوء الى المناوئين لوجود كيانه القومي الوطني، في حين تلجأ الحكومات الى ادوات القمع والسجن لاعادة الامور لنصابها وعدم الانفلات الامني، ومحصلة ذلك استمرار الازمات، استمرار التفكك الاجتماعي، استمرار الخضوع لمنطق المصالح سواء الحزبية او مصالح المنظومة او دول الجوار، وبالتالي ضياع القيمة الفعلية للوجود الانساني داخل تلك الدائرة – الكيان -، ناهيك عن ضياع التفاهم بين اللاوعي الفردي والجمعي واتساع الهوة بينهما.
وذلك ما يفرض حتمية التناقض التي سبق وان نوهنا عنها فيما يتعلق بمفهوم الوعي واللاوعي، لأن علماء النفس مثلا في الغالب يلجأون الى مخاطبة اللاوعي لتشكيل وعي حقيقي للانسان، وفي المقابل ان الفصام السياسي الذي يعيشه المواطن لايتم التعامل معه من خلال مخاطبة لاوعيه – مخزونه – لخلق وعي لديه، فهو يعيش مشاكله اليومية بالمكايدة اللاعقلانية وليس بالتفكير وفي معطيات الموضوع، وفي المقابل لانجد في الانظمة الحاكمة ادراكاً لمواجهة اللاوعي بالوعي، بالعكس تماماً فان المواجهة تكون باللاوعي لللاوعي، يقول حسين ابو السباع في مقال له بعنوان تشكيل الوعي بمخاطبة اللاوعي: "ان الانظمة الاكثر وعياً هي التي تشجع القوى الناعمة لبث فنونها – مسرح الشارع انموذجاً - الى اللاوعي العام لشعوبها "، وهذا ما يجعلنا ندرك تماماً ان الفرد والحكومات لدينا لاتمتلك ادنى فكرة عن العقل التنبؤي النموذج الثوري المخالف لنموذج فرويد، يقول ستيف أيان ان العلميات التقائية تعلب دوراً مركزياً في العقل، وهو ما يسمح لنا بالتنبؤ بالاحداث بسرعة ودقة حالما تنشأ، اي اننا لانعيش فقط ضمن دوائر اللاشعور المخزونة لدينا، ونثيرها بسبب محفزات آنية، بالتالي فاننا نستوعب ما يفرزه اللاشعور بسرعة لكوننا نملك العقل التنبؤي الذي يجعلنا نلجأ لردة فعل تجاه ذلك الافراز اللاشعوري بسرعة، وهذا ما يجعلنا نرى بأن المخزونات التي لدينا سواء افراد او جماعات – حكومات – يمكننا ان نتنبأ بضامينها اذا ما ادركنا وجودنا الانساني بعيداً عن التكهنات الافتراضية الانتمائية المبغضة التي تحيدنا عن مسارنا الانساني الواعي، وهنا يمكننا استغلال مساحة اللاشعور اللاوعي، لخلق انموذج يسخر مقولات فرويد، ويؤكد على انطباعات ستيف أيان في الوقت نفسه، فكأفراد نساهم في تطوير المجتمع من خلال ممارساتنا الانسانية المتحضرة بعيداً عن الانحراف السلوكي المؤدي الى العنف، والمسبب في الوقت نفسه لمواجهتنا بالقوة والعنف، اي عدم اعطاء المبرر للمقابل الجمعي – الحكومي – باستخدام القوة، فان لجأت الاخرة للقوة وقتها تكون الصورة واضحة تماماً فيما يتعلق عدم امتلاك الحكومات تلك، الوعي اللازم للسير بالمجتمعات نحو ضفاف آمنة ومستقرة، ومن هناك يمكن للوعي الفردي ان يتخذ قراره المناسب من خلال الانتخابات مثلاً بعيداً عن الضغوطات والنعرات المتحزبة، فإن استطاع الفرد من خلق ذلك الانموذج الواعي للوعي الفردي فانه يساهم في اخضاع اللاوعي الجمعي لمنطق اخر، ليس مبني على المخزونات السلطوية الساعية لاخضاع الفرد بالقوة والحرب الناعمة وذلك بغسل مفاهيمه بالشعارات البراقة وغير ذلك، لأن عقله التنبؤي – الحكومي – سيجبره على اتخاذ مواقف تتناسب مع وعي الافراد لكي لايخرج الامر  عن سيطرته وتحدث الفوضى والانفلات والتخريب والتدمير، فيلجأ الى القمع والسجن.

5
الانحلال يشكو الانسان في مجتمعاتنا
جوتيار تمر/ كوردستان
29/6/2021
يقول نايف عبوش في مقال له بعنوان الكبسلة والانحلال الاخلاقي: بات الكل  يدرك خطورة انتشار ظاهرة المخدرات والكبسلة في اوساط الشباب مؤخراً، حيث تكمُن خطورتها كما يعلم الجميع في انها تلقي بظلال تداعياتها السلبية - التي تتنافى مع الآداب العامة - على المجتمع ككل، وليس على المدمن بتعاطيها فحسب، حيث يخسر المجتمع بالانحلال القيمي، ضياعَ شبابه المدمن، بهدر طاقتهم الكامنة، في حين يفترض تفجيرها في مجالات نافعة.
ومع ارجاعه-عبوش-  وارجاع الكثير من الباحثين المتخصصين اسباب انتشار تلك الظاهرة في مجتمعاتنا الى ضعف الوازع الديني من جهة، وانتشار التكنولوجيا من جهة اخرى، فضلاً عن ضعف البنية التربوية التعليمية، وانهيار القيم الاسرية وتفكيكها، وتلاشي دور الاعلام الايجابي، فاننا بحق امام اشكالية اكبر من تلك المسببات، والتي اتفق معها على انها من اسباب الانحلال الاجتماعي الذي باتت مجتمعاتنا تعيشها وفق نمطية ممنهجة ومدروسة، هدفها ابقاء الشباب والطاقات ضمن دوائر التيه والضياع على المستويين الذاتي والاجتماعي، وبعبارة ادق، فان المسببات الاكثر ايلاماً ليست فقط في غياب تلك الاسباب المذكورة فحسب، انما انحلال المجتمعات تبدأ بانحلال القيم الاساسية في بناء المجتمعات وضياع مقوماتها، بمعنى عدم اعتماد آلية بناء المجتمع الناجح، يقول جابر العماني في مقال له بعنوان المجتمع الناجح : المجتمع هو اكبر مجموعة بشرية تمتاز بالعلاقات الواسعة من جميع النواحي المختلفة، وحين نريد تطوير مجتمع لابد ان لا نكتفي بالبحث عن حقيقة الافراد باتجاهاتهم الخاصة، انما يجب البحث عن الافراد الذين سخروا امكانياتهم وتوجهاتهم، من اجل صناعة المجتمع الناجح المهتم بالمصلحة العامة، التي من خلالها يستطيع الجميع ان يرتقوا بالمجتمع، ويجعلوه مجتمعاً  ناجحا واعياً، بعيداً عن الانزلاقات والانحرافات الفكرية والنفسية.
وبذلك يمكن تلخيص احدى اهم الركائز في المجتمع الناجح " العدالة الانسانية" باعتبارها شاملة للجميع للحاكم والمحكوم، للغني والفقير، للقوي والضعيف، فان اردنا جني ثمار  وجودنا في دوائر اجتماعية محددة لنا، فالعدالة نظام اقتصادي اجتماعي رائع  وراقي، دائما الهدف منه هو ازالة  الفوارق الاقتصادية بين طبقات المجتمع، حتى ان كنت رافضاً لنظرية الطبقية، الا انها نظرية لامناص منها في ضوء الانسان نفسه، الذي حتى في سعيه لخلق انموذج اشتراكي يبقى يعيش تحت مظلة الحاكم والمحكوم، واصحاب السلطة والعاملين لتنفيذ مخططات السلطة نفسها.
فحين يحدد احد المختصين " ظاهر محسن هاني الجبوري" مقومات المجتمع يرتكز على في رؤيته على بعض المقومات تلك والتي يقصد بها الركائز او الاسس التي يرتكز عليها البناء الاجتماعي للمجتمع، واذا ما وجدت مثل تلك المقومات فان المجتمع يظهر للعيان، ويتمكن من القيام بالعمليات الاجتماعية وينمو ويتطور ويكون قادراً على اشباع احتياجات افراده واقامة علاقات مع المجتمعات الانسانية الاخرى، وتصنف مقومات المجتمع الانساني الى نوعين اساسيين، الاول: المقومات التكوينية، اي العناصر والعوامل التي ينبغي ان تتوفر في اي مجتمع او تجمع بشري لكي يتحول ذلك المجتمع من شكل غير منظم الى شكل منظم، وتتمثل بالارض والسكان والضوابط والقيم الاجتماعية، واللغة والتاريخ والمصير المشترك او الاهداف المتبادلة، اما الركيزة الثانية : فهي المقومات الوظيفية باعتبارها مجموعة الانساق الموجودة في المجتمع والتي تؤدي اغراض محددة، وبتكامل تلك الانساق يتكون البناء الاجتماعي او النسق الاجتماعي او النسيج الاجتماعي وتتحدد خصوصياته، ويحددها الجبوري في " المقومات الدينية ، السياسية، الثقافية، الاسرية، الاقتصادية، العسكرية...الخ" ، فضلاً عن مقومات جغرافية، سكانية ديموغرافية، وحضارية.
حقيقة امام تلك المقومات نجد انفسنا في عجز تام، ليس في تحقيق مرتكز واحد من تلك المرتكزات فحسب، انما في فهم وهضم آليات وموجبات ومفاهيم وحقائق تلك المرتكزات والمقومات، فدينياً، تحولت الاديان الى بؤر  تستقطب المتشددين لخلق انموذج خارج عن الاطر الانسانية في تعاملاتها، لاسيما في محاولتها لدعم وتثبيت عقائدها الساعية لفرض السلطة بالقوة والارهاب والتفجير وقطع الرؤوس والسبي وأسواق  النخاسة، او ما يمكنه عده بمفهومهم الترهيب والترغيب، في حين اتجه البعض الى مسايرة السلطات العلمانية ودعمها بدعوى الحفاظ على كيان الامة وعدم التسبب في التفرقة فتصبح الامة معرضة للغزو الفكري والعسكري والاقتصادي من قبل اعدائها، فاصبحوا وعاظاً للسلاطين بتعبير "علي الوردي" ، وبلاشك ما بين التيارين هناك فرضية التيه التي يعتنقها بعض الشباب العدمي الرافض والمعارض لكل شيء، وبالتالي اصبحنا نعيش ضعفاً ووهناً واضحاً في المرتكز الديني الذي كان بامكانه ان يكون مقوماً اساسياً في ضبط المجتمع اخلاقياً.
اما المرتكز السياسي، فحالة اللاسياسة التي تتبناها السلطات الحاكمة في مجتمعاتنا كفيلة بان يترك الواعي مجال السياسة اجمالاً، وحين اقول اللاسياسة فانا اقصدها بكل تمفصلاتها ودلالاتها التي قد لاتعجب الكثيرين ممن يدعون بانهم ساسة وسادة واحزاب عريقة ضحت وقدمت الكثير للوطن والامة والشعب وللارض ، ذلك كله اجمالاً مبني على مرتكز الخيال الجامح لتلك العينة التي تدعي السياسة، فاي شخص حتى وان لم يكن مختصاً او معنياً  بأمور  ادارة الدولة او ادارة المؤسسة السياسية يمكنه التعامل مع الواقع السياسي كهولاء المدعين بكونهم ساسة وسلطة، وحتى لانكون مجحفين نرشق الاخرين – المدعين – زوراً  وبهتاناً ،يمكننا الاستدلال على بعض الحقائق التي ساهمت وتساهم لحد الان بانحلال المجتمع، فبإعتقادي ان الانحلال الاجتماعي يبدأ بانحلال السياسة، لأن السياسة والتي هي السلطة حين تتحول الى اداة جمع وتهويل وترهيب حينها ينفلت الخيط الاول لركائز المجتمع، ويبدأ بالانحلال تدريجياً، والعينة السياسية المدعية التي نمتلكها في مجتمعاتنا خير شاهد على اواصر العلاقة بين الانحلال واللاسياسة، عدم وجود رؤية واضحة المعالم، عدم وجود خطط لانتشال المجتمع من هاوية الاختناق سواء المادي المعيشي او النفسي او الفساد الاداري، او تسلط فئات غير واعية جاهلة بامور السياسة على فئات المجتمع المثقفة والمنتجة والواعية، فضلاً عن استعباد الطبقات الاخرى العاملة، وبالتالي خلق انموذج مستهتر ومبتذل في آن واحد، يتحكم بموارد الشعب، يتحكم بافكاره، يتحكم بمعيشته، يتحكم بطموحاته، يتحكم بآليات الاقتصاد، يستخدم اساليب الترهيب والشدة والقسوة والاضطهاد في التعامل مع اشكالياته الداخلية في حين يكون كالنعجة المسالمة ام ألد اعدائه وذلك لكسب ودهم  ودعمهم لبقائه على كرسي السلطة على حساب مكتسبات الامة وقضيتها العادلة،  وفي المقابل يدعي في شعاراته المثالية – المثالية المتعالية – بانه انموذج يواكب التطورات على الساحة العالمية – العولمة -  لاسيما في بناء المشاريع والعمارات والناطحات والطرقات وغير ذلك التي تؤكد مقولة الاسمنت قبل الانسان، كل ذلك فرض انموذجاً جديداً لانحلال المجتمع تحت مدعيات لاقيمة لها ام قيمة الانسان نفسه، باعتبار ان الوجود يستمد اهميته من وجود الانسان فيه، والا فليكن للمريخ قيمة للكادحين والموظفين والساعين لحياة هادئة هانئه ملائمة لكينونتهم الانسانية، وعلى هذا الاساس فاننا امام الداعم الرسمي- الساسة -  للانحلال الاجتماعي، فلا انحلال بدون انحلال سلطوي غائب عن معاناة الاجتماع، غائب عن فهم نمطية الحياة ، غائب عن ملامسة مشاكل الاجتماع – القاعدة الجماهيرية – غائب عن القيام بمسؤولياتها تجاه مشاكل المجتمع.
اما المرتكزات الاقتصادي، والذي هو عمود الوجود ليس لمجتمع واحد فحسب انما للمفهوم الكوني البشري، فاننا في مجتمعاتنا امام انموذج هزيل للاقتصاد يعتمد على آلية مستهلكة، لايستفيد منها سوى القوى المتسلطة على رقاب الشعب والامة، فحولت الارض الى مستعمرات تتنافس عليها الشركات وتستخرج مواردها الاولية والتي هي ركيزة الاقتصاد الفعلي للمجتمع، متجاهلين تماماً القيم الاخلاقية التي تربطهم بفهم وادارك معاناة الشعب ومبتعدين عن اتباع الخطوات الناجحة لجعل الاقتصاد نقطة تحول في بناء المجتمع الناجح يقول   Joey Potrykus: يركز الاقتصاد الناجح والمتقدم على النمو الأخلاقي والبيئي والاجتماعي، كما أنه يحافظ على تنمية وتطوير جوانب الحياة جميعها الخاصة بالفرد، فالاقتصاد الناجح لا يقتصر فقط على الانتاج والاستهلاك، بل يسعى إلى توفير ثقافة سلوكية صحية للمواطنين، وبالإضافة إلى ذلك فهو يركز على زيادة رفاهية المواطنين بشكل مستدام، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي للدولة " ، وبمقارنة بسيطة عن المفهوم المطروح، والواقع الذي تعيشه مجتمعاتنا،سنلاحظ حجم الهوة بين مفهوم الاقتصاد الناجح، والاقتصاد الانتقائي المصلحوي الساعي لدعم اصحاب الشركات والسلطة والساسة المدعين على حساب القاعدة  الجماهيرية من جهة، وعلى حساب الدولة – الاقليم – من جهة اخرى، وبالتالي تحول الاقتصاد في مجتمعاتنا الى اداة انحلال مساهمة في ضياع الشباب وهدر طاقاته في اللجوء الى الهجرة من جهة، أو اللجوء الى براثين ما ينسيه وجوده ضمن دوائر وجغرافية تلك السلطات الساعية لهدم كل قيم الانسان الانسانية من جهة اخرى، وبالطبع المخدرات والمشروبات والدخانيات وغير ذلك هي وسائل متاحة تساعد السلطات الحاكمة على توفير تحت شعار رفاهية المجتمع وتطوره، والحقيقة الشعار الامثل هو ابقاء الطاقات والطموحات مدفونة وهدرها وعدم فسح المجال امامها لرفع صوتها، وذلك يدعم فرضيتنا القائلة بان الانحلال يبدأ من السلطوية.
وفي المجالات الاخرى او الركائز والمقومات الاخرى، كالثقافية التي تعتمد تماماً على الانصياع الاعمى للتقليد الخارجي بكل مجالاته وعدم وجود اية ابتكارات وابداعات داخلية نابعة من صميم المجتمع وبدعم اساسي من الساسة، اقصد بسبب تلك الآليات التي تتبعها السلطات سواء في مناهجها التعليمية او التربوية، وعدم حضنها للطاقات والابداعات وتنميتها، الامر الذي اثر سلباً على بنية المجتمع المفكك اصلاً بسبب جهالة التعامل مع القيم الاسرية الناجحة، وضياع القيم الاسرية لاسيما في تعاملات الاهل مع الاولاد والاولاد مع اولياء الامور، وابتعاد الطرفين عن الاخلاقيات اللازمة توفرها لتماسك الاسرة، ومسائل الزواج والطلاق والضغوطات الاسرية في ذلك المجال، كلها امور لايمكن فصلها عن البنى الاساسية في بناء المجتمعات والمتعلقة بالدرجة الاساس في توفير بيئة ملائمة آمنة مستقرة، بعيدة عن النزاعات المذهبية الطائفية الدينية السياسية الحزبية، والمصالح الاقتصادية النخبوية، وفي المجال العسكري تشتت القوة العسكرية بين ولاءات مذهبية طائفية حزبية وفق اجندات مفروضة عليها مسبقاً من الجوار الحالب لخيرات البلد سواء بدعم الفوضى  السياسية أو الفوضى المذهبية الدينية او الفوضى الحزبية، فاننا امام ممر سالك اخر مساهم للانحلال الاجتماعي، فضلاً عن ذلك فان المجالات الاخرى التي ذكرنها كالجغرافيا ايضا تساهم بشكل مخزي لانحلال المجتمع، وبالطبع ليس العيب في الجغرافيا نفسها، انما في توظيفها وفق آليات لاتدعم الاستمرارية سواء الاستمرارية المعيشية لفئات المجتمع بصورة عامة، دون المساس بالفئوية السلطوية التي مثلاً تتبنى سياسة البناء العشوائي غير المنظم والمؤثر سلباً على معيشة العديد من مكونات المجتمع سواء بفرض واقع مخزي عليهم وترهيبهم على عدم الاعتراض لتلك المساعي البنائية الانتقائية السلطوية المصلحوية او من خلال احجام حقوق الناس في العيش بكرامة في بيوتهم وذلك باقامة مشاريع خاصة لجهات خاصة لافراد خاصة في مناطقهم غير المؤهلة لتلك المشاريع، فيصيب الشلل بذلك جميع بنى ومكونات الشعب والارض والامة، وتتجه تدريجياً بكل بخطى متسارعة الى مراحل الانحلال النهائية، فيخسر الانسان نفسه، ويلجأ الى كل ممكنات التيه والضياع للابتعاد عن ذلك الواقع المخزي والمذل لانسانيته.
وذلك ما يجعلنا نتوصل الى مقولة ان الانحلال يشكو من الانسان، لانه الانسان المصلحوي اللاواعي اصبح يشكل تهديداً واضحاً على مفاهيم الانحلال نفسها، قبل ان يكون تهديداً على نفسه وجوده وارضه وشعبه وخيراته وموارده الطبيعية وقيمه الاخلاقية ،ونزاعته وطموحاته في خلق انموذج متطور متمكن من نفسه وواثق من ادواته وامكانياته وطاقاته على الخراب المسمى الارض.


6
سابينس: موجز تاريخ الانسان وترجمة مميزة للدكتور جكر عبدالله ريكاني
جوتيار تمر/ كوردستان
19-11-2020
استلمت قبل يومين النسخة التي اهداها لي الدكتور جكر عبدالله من والده الدكتور عبدالله جاسم الذي اتصل بي قبل ايام وقال بان نسختي محفوظة عنده، حقيقة كتجربة سابقة في قراءة احدى كتب الدكتور جكر او الابحرى ترجماته، احسست بضرورة ان اتحدى الظروف القسرية الني نعيشها سواء ما فرضه واقع كورونا او الدراسة المكثفة التي تأخذ الكثير من وقتنا حالياً، استلمت الكتاب وما ان عدت حتى بدأت بتصفح اولي للفهرست – محتويات الكتاب – لاخذ فكرة عامة عنه، خاصة وان الكتاب نفسه اخذ حيزاً اعلامياً كبيراً لاسيما بين الاوساط الثقافية والدينية، وحين اقول الثقافية وافصلها عن الدينية، لاافعل من باب الفصل بين الدين والثقافة، انما من باب نظرة الدين الى هكذا نظريات، وفي المقابل كيفية تدوالها بين الاوساط الثقافية سواء العلمانية او الالحادية او حتى العامة، فالنظرة بلاشك تختلف بشكل كبير، ففي الاوساط الدينية الحتمية والسبقية هي اساس الرؤية التي يتم تبنيها، في حين تتفاوت الرؤية في الاوساط الاخرى بين قبول وتداول وبين انحياز واكتراث وبين لامبالاة ، وفي الحصيلة لابد ان يكون لكل وسط رؤيته التي لانقوم ولانعطي الحق لانفسنا بالحكم عليها، او حتى تقيميها.
عودة الى الكتاب " سابينس: موجز تاريخ الانسان " لمؤلفه يوفال نوح هراري وهو كما يعرفه المتابعون للكتاب والمفكر وألاكاديمي الاسرائيلي والمؤرخ المتخصص في تاريخ العصر الوسيط بالجامعة العبرية في القدس، والغريب في عنوان الكتاب اني وجدت في بعض المواقع الالكترونية اسم "العاقل :تاريخ موجز للبشرية"، وضمن السلسة ذاتها "الانسان الاله: موجز تاريخ الغد"، وما يهم في الامر هو كتاب سابينس الذي بين يدي، حيث الترجمة التي اعتبرها دائما مدخلاً مهما للتغلب على اي تحدي يمكن ان يواجهه البحث العلمي، لان الترجمة في الغالب تطرح آليات يمكن من خلالها سد الفجوة المعرفية التي نعاني منها ليس في اقليم كوردستان فحسب انما في غالبية دول الشرق الاوسط، باعتبار ان الترجمة هنا بالذات اما مسيسة او منحازة لمذهب وطائفة على حساب الرؤية الاكاديمية والعلمية والحقائق التاريخية والانسانية، لذا كباحث تاريخي اكاديمي اجد في الترجمة رافداً مهماً يمكن من خلاله اثراء الحركة العلمية، فالبحث العلمي هو الوسيلة التي يمكن من خلالها ان نصل الى فهم دقيق للمشكلات التي نواجهها، وفي الوقت نفسه الوصول الى حل لتلك المشكلات واكتشاف حقائق جديدة ومن خلال الغوص في الماهيات التي ترافقها والعلل التي توجدها واستنباط القوانين والنظريات التي تساهم في اغناء الحركة العلمية بصورة عامة، وذلك ما لامسته من خلال قراءة الكتاب، الترجمة التي تعطينا الرؤية الناضجة حول المفاهيم والقدرة على تبسيطها للمتلقي كي يتعايش معها وفق ما هو مطروح دون انحياز او تجاوز للمنطق المخصوص، وبحق ذلك ليس بغريب على الدكتور جكر الذي اقدر سعيه الدائم لخلق انموذج كوردستاني شرقي يقتدى به ليس هنا فحسب انما حتى في اغترابه.
اما الكتاب فقد بقيت اقرأ فيه ليومين حتى لااقطع سلسلة الافكار التي تنتابني كمتلقي اولاً وكباحث ثانياً، ووجدتني اقف عند مفترق الطرق في الرؤية التي طرحها الكاتب، لاسيما اني استنبطت من النظرية التي يطرحها حول تاريخ البشرية ان هناك متغيرات اساسية تتحكم في مسألة تطور الانسانية، او بعبارة اخرى مرت البشرية بها، كالثورة المعرفية التي اعطتنا القدرة على ادراك الواقع والحقائق بشكل يتناسب ووجودنا الفعلي المغاير والمختلف عن الحيوانات، ومن ثم الثورة النيوليثية – الثورة الزراعية أو التحول الديموغرافي في العصر الحجري الحديث -  التي من خلالها خرجنا من طور اللااستقرار والتنقل والبحث والجمع والصيد  الى حالة من الاستقرار بسبب تعلمنا زراعة الارض، والمعترك الثوري الثالث هو الثورة العلمية التي دفعتنا كعنصر " عاقل " الى تطوير قابلياتنا المعرفية خارج دوائر مراقبة الاخر.
وهنا استحضر  ما قاله احد الكتاب " معتز ممدوح "  الانسانوية الجديدة: الوريث الاخير لمشروع التنوير الغربي، حول ما قاله هراري في كتابه الذي عنونه ب " الانسان الاله: موجز تاريخ الغد " : الانسانية في زماننا تجاوزت المجاعة والفقر والامراض والحروب، وصارت تواجه تحديات اخرى مختلفة في عصر مابعد الصناعة، ومن ابرز تلك التحديات الذكاء الاصطناعي، الذي يعتقد هراري انه من الممكن ان يؤدي الى زوال سيادة البشر واستعبادهم من قبل جيل جديد من الآليين. هذا فضلًا عن تحدي آخر ألا وهو محاولة هزيمة الموت، أي سعى الإنسان من خلال الطب الحديث لتجاوز الموت وتحقيق الخلود.
وهذا ما جعلني انحاز الى التاريخ كمدخل اكثر قيمة لفهم النظرية التي يطرحها هراري، فالتاريخ الذي طرحه من خلال كتابه بدءاً بيوم في حياة آدم وحواء، ومروراً بالطوفان – الفيضان – وسفينة نوح، ومن ثم تجليات التطور الانساني عبر الثورة الزراعية والتلازميات التي فرضها الواقع الجديد للانسان، ومن ثم الوقوف على معالم التطور الجسماني والمعرفي والانتاجي الانساني والاهرامات انموذجاً، وما اثار انتباهي هو طرحه لمفهوم لا عدالة التاريخ وفق منظور ربما لااتفق معه، ولكنه في الاجمال طرحٌ يثير في المتلقي التساؤل لاسيما انه لم يتوقف عند الطرح لذلك المفهوم فحسب بل ارفقه ببعض القرائن ومحاولات توحيد النوع البشري، ومن ثم محاولته لربط تلك المحاولة بمنظور السيطرة على البشرية عبر توظيفات مغايرة للرؤية نفسها – القمر الاصطناعي التجسسي -  وسطوة المال وتناسل الافكار – الايديولوجيات المتناحرة – الامبريالية والنظام العالمي الجديد والرأسمالية التي طرحها كعقيدة ومن ثم عقيدة السلام التي تؤرق الانسانية، ومن ثم على الرغم من طرحه لفكرة الوثنية والوحدوية – الخير والشر – الا ان منطقه فرض عليه الانصياع لمبدأ الانسانوية وطرح فكرة عبادة الاديان للانسانية، الا انه بنظري اخفق في خلق مسار متوازن يمكنه من خلاله الوقوف بجدلية اخرى غير المثالية، على حقيقة العوالم غير المهمينة، بعبارة ادق عوالم الجوع والفقر والمرض والطائفية والمذهبية واللااستقرار وحتى الصراعات الدموية المستمرة والتي لم تتوقف منذ قرون، وهذا ما سيتطلب في الحقيقة فرض ايديولوجية انسانوية غير التي ساقها هراري وغيره من دعاة الانسانية، وبالطبع ذلك سيفرض ثورة اخرى نتيجة نزوح البشرية نحو العدمية واحتمالية تحولهم الى السايبورج الذين يستحيل تقريباً التعرف عليهم على انهم الهومو سابينس، ومع ان الفكرة يسيطر عليها الخيال العلمي بالاخص فيما يتعلق بالتصميم البيولوجي او الهندسة البيولوجية وخلق انموذج من الاحياء والتكنولوجيا في جسم واحد، الامر الذي يفرض قناعات قد تخالط ذهنية الانسان في وقتنا الحاضر باعتباره يعيش حالة من الذهول حول الفرضيات التي لامسها خلال العقود الماضية لاسيما فيما يتعلق بطروحات الفيروسات التي تحولت الى حقائق جعلت العالم يعيش حالة من العدمية واليأس لاسيما انه وجد كيف حول الحيوان حياته الى صراع مع البقاء وكأن الحيوان اصبح الهاً فرض عليه واقعاً جديداً ربما لم يكن ليخطر على باله يوماً، لذا فانه يريد احياء اسطورة فرانكشتاين، السؤال هل هذا هو المستقبل المتوقع، او هل هذا هو مايريده الانسان، او لنصيغها بعبارة هراري " ماذا نريد أن نصبح في المستقبل ؟ ، بل ما الرغبة التي نريد تحقيقها..؟ " ... من لايخاف من هذا السؤال ، ربما لم يعطِ نفسه الوقت الكافي للتدبر فيه.



7
الانسان قبل العمران
جوتيار تمر/ كوردستان
13/10/2020
يعد دراسة الوجود البشري وفق معطيات الحاضر امراً شائكاً، لاسيما في خضم التحولات والتغييرات التي تحصل ليس على المستوى العقلي والفكري والذهني فحسب انما النتائج الحتمية لتلك المتغيرات والتي تشمل اغلب المجالات والاصعدة دون استثناء، ولكون الانسان كان ولم يزل المحور الاساس الذي يقوم عليه اية نهضة واي تقدم، فانه بات الان وبنظر الكثيرين مهدداً بفقد اولويته ضمن الاولويات السياسية للحكومات العاملة لاسيما في شرقنا الاوسط، حيث اصبح  مصير الانسان مرهوناً بالانتماء ليس المذهبي والديني والقومي فحسب بل الحزبي ايضاً، وسياسة التحزب في الشرق بالذات وفي غالبية دول العام امر ليس بجديد، ولكن السائد في المجتمعات المتعالية على النزعة الدونية للانسان نفسه، يمثل الانسان القيمة والحدث الاساس الذي تتحرك وفق مصلحته الاحزاب السياسية وغيرها، والغريب ان الشعاراتية في الشرق وجميع الدول الشرق اوسطية تمثل الواجهة الاساسية لنمطية التحزب لديها، وهي في جوهرها لاتخدم سوى فئوية قليلة على حساب الانسان العام، وبذلك تتخذ من الشعارات البراقة التي تظهر مدى اهتماما بالانسان اولاً، قيمة فعلية لحركتها المضمرة الساعية لفرض هيمنتها الحزبية الفئوية الناقمة على الاخرين ممن حولها ومنافسيها، فضلاً عن ذلك فانها تلبس رداء الدين وتظهر نفسها على انها ظل الله على الارض فتستند في اقوالها على المخلفات الدينية التي يمكنها ان تحرك وتهز النفوس في الشرق العام.
وفق المنظومة الدينية تقول د. سنا الحاج :" الانسان هو الاقرب الى الله من الطبيعة، وهو الاشرف والافضل والاسمى كذلك من سائر الموجودات الاخرى، قادر على ان يعمر هذا الكون ويجعل منه وجوداً متميزاً ، والانسان ايضا شخص فريد ، لايتكرر ولايمكن تبديله بغيره، وهو حر، وقادر على ان يتخذ موقفاً من تلقاء ذاته ويقرر بنفسه ما يريد ان يكون وجوده، كما وتدعوه بان يلبي نداء الله لأن يكون الانسان انساناً "، وبذلك تتضح الرؤية الدينية للانسان وفق التشريع الاصل الاساسي، ولكن الغريب ان الواقع لايثبت اي من ذلك نهائياً بالعكس تماما فهولاء الذين يرفعون شعار الانسان هو المحور الاساس في كل عملية سياسية او اقتصادية او اجتماعية، ينقلبون على انفسهم، ويسخرون الانسان لتحقيق مصالحهم الفئوية المذلة للانسان نفسه، وبذلك تتضارب وتتصاعد وتيرة التصادم بين المقولات والشعارات التي تطلقها تلك الجهات السياسية وحتى المنظمات المدنية، مع الواقع الحقيقي الذي يعيشه الانسان.
يقول محمد محفوظ : "ان الانسان يتحرك في الحياة من خلال افكاره، وحركة الافكار هي التي تمثل حركة الحياة، لأن حركة الحياة هي صورة ما نفكر به، لذلك كله فان التغيير على مستوى الطبائع والافكار والقناعات، هو قاعدة التغيير الاجتماعي والسياسي، فقضايا الاجتماع الانساني لاتتغير وتتحول الا بشرط التحول الداخلي الذاتي النفسي..." ويضيف في السياق ذاته ان الاختلافات العقدية والسياسية بين بني الانسان ليست مدعاة ومبررا لانتهاك حقوقه او التعدي على كرامته، بل هي مدعاة للحوار والتواصل وتنظيم الاختلافات وضبطها تحت سقف كرامة الانسان وصون حقوقه، ولكن الواقع يثبت عكس ذلك تماما، فالانسان حتى في افكاره اصبح مضطهداً غير قادر على الانتاج خارج اطار الحزبية الفئوية، وان كان بمقدوره التحرر منها فانه يبقى اسيراً للتحولات التي تسيطر على نمط حياته ومعيشته، وبذلك لايجد نفسه الا وهو ينحني للواقع المُرّ الذي لاتوجد بدائل منطقية له،  وهو بذلك خاضع للنمط السائد اجتماعياً داخل منظومة المجتمع نفسه، حتى وان بدا انه قادر على توظيف امكانياته لخدمة الانسان نفسه، ولكن دون جدوى فالقوانين تحتم عليه الخضوع للسائد، والمسيطر والغالب، يقول عبدالحق حريولي:" لئن كان الانسان يشترك مع الحيوان في الغرائز والحاجات الطبيعية فانه ينفرد عنه بكونه قادراً أو مرغماً في بعض الاحيان، على ضبط تلك الغرائز وتوجيهها بما يتوافق مع اعراف وتقاليد المجتمع الذي يعيش فيه، فالانسان يولد وينمو ويتفاعل وينضبط داخل نسق مجتمعي ذي قيم وقوانين ينبغي احترامها او التقيد بها" ، والانقياد يحتم عليه محاولة التوافق بين حاجاته الاساسية ووجوده الفعلي وبين المتطلبات الخارجية التي تفرضها المنصات الحزبية والسياسية عليه، وحينئذ يفقد الكثير من امكانياته الانتاجية، ومن يتمعن في التفسيرات والتعريفات الفلسفية للانسان سيدرك مدى الامكانيات التي يمتلكها، فالانسان كما يقول سينيكا " كائن مقدس بالنسبة للانسان "، وانه كان منذ بداية حركة العقل الانساني والفلسفة البشرية محط اهتمام الانسان نفسه، فمع كونه حيوان سياسي  ناطق كما وصفه ارسطو، او كونه حيوان عاقل كما اعتقد الرواقيون ثم السكولائيون، وانه كائن يفكر كما اكده ديكارت واضاف كانط على كونه يقرر ايضاً، ثم جاء ماركس ليعيد تشكيل ملامح الانسان باعتباره عاملاً، اما برغسون فاعتبره مبدعاً، فانه على الرغم من كل تلك التصنيفات التي يمتلكها الانسان كان مازال رهين الواقع المعاشي الذي يعيشه في شرقنا المنغمس في العدمية الابداعية، وكما يقول هوبز:" ان المجتمع الطبيعي هو مجتمع يسوده الفوضى والصراعات، بالتالي فالانسان كان ذئباً لأخيه الانسان، ورغبة من الافراد للخروج من هذه الحالة، ابقاء على انفسهم وحفاظاً على مصالحهم وجدوا أن السبيل لذلك هو الاتفاق فيما بينهم.."، فان مجتمعاتنا ترفض الخضوع لمنطق الاتفاق وتبقي على الصراع وفق منطق الذئبية الناقمة من الاخرين والحاقدة على اللامنتمين لحزبه السياسي الديني المذهبي الطائفي وحتى الفكري، وبذلك لانجد في المنظومات النهضوية التطورية ما يلائم قيمة الانسان كموجود فعال وحيوي، الامر الذي دفع باحدهم لكي يقول : "انه لاقيمة ولااحترام ولا مصداقية لاي نظام سياسي لايجعل الانسان اولاً محور ادائه، ومناط سعيه، ومقياس علاقته مع الناس او الشعب ومعيار نجاحه وبقائه، فالانسان هو المضمون الاعظم لكل نظام سياسي يحكم الناس، ويدير شؤونهم.."، (زين العابدين الركابي)، وبذلك فاننا اذا وقفنا على الوقائع سنجد بانه بالفعل لاتوجد انظمة سياسية فعلية تعطي للانسان تلك القيمة وتلك الاولوية التي تسمح له بان يكون الهدف الاسمى لاية عملية تنموية او نهضوية او تطورية اي لنقل بلغة الحاضر لاية صفقة سياسية اقتصادية، وذلك ما يحتم النظر الى الانسان حدثاً وقيمة معاً كما يقول حسن بيقي: " ومع كل هذه التعريفات للانسان، فانه لابد من ايجاد نسق شمولي مغاير للتجمعات الحيوانية التي قد تتصف بالكثير من تلك الصفات التي ذكرها اغلب هولاء الفلاسفة، لذا لابد من اعتبار الانسان حدثاً قبل ان تكون قيمة، نوعاً قبل ان تصير فضيلة، اذا استطاعت الانسانية ان تغدو قيمة او فضيلة بالمعنى الذي تكون فيه الانسانية نقيض اللاانسانية.." ،  فالانسان ليس امبراطورية داخل امبراطورية بتعبير سبينوزا، لكونه ينتمي الى الطبيعة ويتماشى وفق مقتضى نظامها، حتى عندما يبدو خرقاً وزعزعة له، وينتمي الى التاريخ سواء أكان صانعاً له أم صنيعته، وينتمي الى مجتمع ، والى عصر معين، والى حضارة معينة.
كل تلك المؤشرات تفضي بالنهاية الى خلق انموذج شرقي يمكنه ان يتبنى الانسان كحدث وقيمة عليا ووفق تلك الرؤية يضع اللبنة الاولى لبناء اساس متين للاولوية الوجودية الانسانية، ولقد جذبني التجربة التي اطلقتها دولة الامارات المتحدة تحت شعار الانسان قبل العمران، في عام 1971 والتي من خلالها يمكن الوقوف على الرؤية الانسانية لكون الانسان كائن مقدس، حيث مع العمل المضني للتنمية والنهضة الشاملة شكل المواطن الاماراتي ركيزة اساسية واولوية تامة وهدف رئيسي ضمن منظومة التطوير المستمرة، ولقد اثبتت الامارات ان توفير الرخاء والرفاهية والعيش الكريم للمواطنين هو الاساس الذي قد يقوم عليه اية نهضة، فالانسان كان بنظرهم هو اساس اية عملية حضارية، واهتمامهم بالانسان كعقيدة ورؤية تنموية كان بنظرهم ضرورياً باعتبار ان الانسان محور كل تقدم حقيقي مستمر ، ولقد اكد مؤسس دولة الامارات ذلك حين ذكر بأنه مهما اقمنا من مبان ومنشآت ومدارس ومستشفيات ومددنا من جسور واقمنا من زينات، فان ذلك كله يظل كياناً مادياً لاروح فيه وغير قادر على الاستمرار، وان روح كل ذلك الانسان القادر بفكره.. القادر بفنه وامكانياته على صيانة كل هذه المنشاآت والتقدم بها والنمو معها، فالانسان كان وسيبقى هو الثروة الحقيقية للامم وهو اساس نهضة الدول، لذا لايمكن الاخذ بالعمران وهو الجزء المادي فقط على انه تطور وتقدم وبناء ونهضة، اذا لم يسبقه تعليم نوعي عالي المستوى، وخدمات راقية وسكن ملائم وتأمين صحي شامل وبيئة مستدامة ومؤسسات تقيم العدل وتوفر الامن ونظم تنمي اصول المجتمع وتزيد من طاقاته وتحسن جودة مخرجاته وممارسات تصون الهوية وتعلي من شأن التعليم الفني والمهني وتعطي المعرفة دورها الحقيقي في المجتمع.. وبغض النظر عن مدى نجاح سياسة الاماراتيين من تحقيق ذلك الهدف الاسمى والمنشود باعتلاء الانسان القمة الوجودية لاي فعل وعمل للدولة فانها كوجهة نظر تعد وثيقة انسانية الانسان في المجتمعات الشرقية والتي لابد من اللجوء الى بنودها لوضع حد للحالة الفوضوية التي تعيشها المنطقة ككل، ولوضع حد للاستنزاف البشري المستمر من خلال الصراعات والحروب بين الفئات والاحزاب والطوائف بصورة عامة، والتي لاتملك سوى التباهي بالمنجزات العمرانية والطرق والجسور على اعتبار انها منصات تطورية نهضوية تقدمها الدولة للشعب، في حين ان الشعب نفسه لايجد قوته اليومي ولايجد لنفسه منظومة حياتية مستقرة ثابتة ومستمرة، العقول الاسمنتية التي تتحكم بمصادر القوت الشعبي لاتعلم ولاتدرك ان الانسان كحدث وقيمة ، كرامته تحتم عليه ان يوفر ابسط مستلزمات المعيشة لاهله قبل ان يتباهى ام الخلق بانه ينتمي الى دولة او مدينة فيها نطاحات سحاب، وذلك ما يستدعي التأسف على حكومات تتباهى بالعمران، وفتح الطرق ومد الجسور وبناء الفنادق والمرافق الترفيهية الاقتصادية الجالبة لهم بالاموال، والانسان الذي هو مسؤولية تلك الحكومات ينتظر اعلان الحكومة قائمة الرواتب مثلاً، كي يتنفس الصعداء مؤقتاً قبل ان يدخل معمعة الصراع الحياتي اليومي مرة اخرى لتأخر او استقطاع تلك الرواتب.
وكما يقول حسن بيقي: " انها إذن انسانية بلا اوهام ومرفأ حمائي، الانسان ليس ميتا : لا كنوع ، ولا كفكرة، ولا كمثال، بيد انه كائن فان، ولأنه كذلك ، فهذا سبب اضافي يسلتزم منا الدفاع عنه.." .


8
وأد الايديولوجيا في الشرق برداء اليوتوبيا
جوتيار تمر / كوردستان
26/8/2020
 قد لايختلف اثنان على انه حين صك المفكر الفرنسي أنطوان دستوت دي تراسي (١٧٥٤–١٨٣٦) كلمة "أيديولوجية" في عام ١٧٩٤ تقريباً، لتصف ما كان يأمل أن يكون علماً جديداً للأفكار، لم يكن يدرك بأن الكلمة ستأخذ تلك المسارات التي اتخذتها في وقتنا الحاضر، بعبارة اخرى لم يكن يدرك ان التوظيفات السلبية ستعمل على سلب قيمة الكلمة ومفهومها منها، لاسيما ان البعض بدأ باستغلالها لتضليل الناس لفرض معتقداته، وفق مزج لامنطقي ولا علمي بين مفهوم اليوتوبيا التي سبقتها بوقت طويل، ومفهوم الايديولوجيا، حتى تناسل منهما مفهوم مربك متعدد التأويلات، فاليوتوبيا استخدمت في مقابل الايديولوجيا باعتبارها مقابلاً لها، وباعتبارها مرادفاً لها، فضلاً عن تشوهات اخرى ساهمت بعض الجهات الفوضوية في فرضها على معطيات الايديولوجيا، كمحاولة زجها في ميدان الابستمولوجيا، الامر الذي حال دون الوقوف على الحقائق العيانية الموضوعية للايديولوجيا كما يقول د.محمود اسماعيل.
يحاول اصحاب الحركات الاجتماعية والسياسية وغيرها استغلال المصطلح لفرض هيمنتها على الناس، من خلال تحفيزها على الانقياد لرؤاها التي تطرحها، ولأنها تدرك بأنه كما يقول لينين لاحركة ثورية بدون نظرية ثورية، فانهم يقومون بمزج غريب ورهيب بين طوبائية مفهوم اليوتوبيا وبين جبرية او حتمية مفهوم الايديولوجيا، وذلك للوصول الى اهدافهم سواء في بث الافكار التي تخدم مصالحها واجنداتها الفئوية، او اثارة الفوضى والغوغائية داخل المجتمعات الساعية لنيل حقوقها في الغالب، وفي المجتمعات التي تعاني الطبقية في احيان اخرى، وحتى في المجتمعات الشبه مستقرة فان الغوغائية تجد لها منافذ لاسيما في مفاهيم المساواة وفصل السياسة عن الدين وغيرها من الامور التي تثير حفيظة التيارات المتشددة وتتخذ منها سبيلاً لاثارة الفوضى.
ولعل تعدد المفاهيم التي تتخذها الايديولوجيا نفسها تساعد هولاء على تسخيرها لاغراضهم باعتبار انها نسق من المعتقدات التي من خلالها يتم تفسير الواقع بعد تبسيطه تبسيطاً ضرورياً كما يقول المفكر عبدالوهاب المسيري، ويضيف بان الايديولوجيا نسق يعكس الواقع، وفي الوقت نفسه هي نسق يفسر بعض جوانب الواقع بعد تبسيطه تبسيطاً مخلاً، فالايديولوجية بنظره تصلح احياناً كدليل للسلوك الانساني، ولكنها لاتصلح احياناً اخرى، ومن هنا تبرز معارضة الفكر الايديولوجي بالفكر الموضوعي والعلمي الابستمولوجي، ومع تشعب الاراء حول مفهوم الايديولوجيا فانها تصف في الغالب على انها علم الأفكار وأصبحت تطلق الآن على علم الاجتماع السياسي تحديداً.
مفهوم الإيديولوجيا مفهوم متعدد الاستخدامات والتعريفات، فمثلا يعرفه قاموس علم الاجتماع بمفهوم محايد باعتباره نسقا من المعتقدات والمفاهيم (واقعية ومعيارية) تسعى إلى تفسير ظواهر اجتماعية معقدة من خلال منطق يوجه ويبسط الاختيارات  السياسية او الاجتماعية للافراد والجماعات، وهي من منظار اخر نظام الافكار المتداخلة كالمعتقدات والاساطير  التي تؤمن بها جماعة معينة أو مجتمع ما وتعكس مصالحها واهتماماتها الاجتماعية و الأخلاقية و الدينية و السياسية و الاقتصادية وتبررها في نفس الوقت.
وبذلك فالايديولوجية: هي مجموعة من المعتقدات و الأفكار التي تؤثر على نظرتنا لـلعالم، ويمكن القول أنها مجموعة من القيم و المشاعر التي نتمسك بها بشكل كبير، تلك المعتقدات و الأفكار غالباً تكون قريبة جداً لنا لدرجة أننا لا نشعر بوجودها، و نحن نظن أن معتقداتنا و أفكارنا هي الشئ الطبيعي و الحقيقي بشكل واضح، حتى لو كانت تلك المعتقدات خاطئة، فإن العقل يجعلك تعتقد  أنها الحقيقة، لأنها جزء من مجموعة أفكار تؤمن بها" التعريف متوفر على الشبكة" .
في حين ان اليوتوبيا هو مفهوم فلسفي ابتكره الكاتب البريطاني السير توماس مور في كتابه اليوتوبيا الذي نشره في عام 1516، ويدل المفهوم على الحضارة او المكان المثالي وهو مشتق من اللغة الاغريقية الذي يعني حرفياً المكان الذي لاجود له، ويصف الكاتب ذلك بالدولة المثالية حيث يكون كل شيء فيها مثالياً للبشر، وتكون جميع شرور المجتمع كالفقر والظلم والاجرام غير موجودة، اضافة الى افكار يصعب تطبيقها نظرياً لبعدها عن الواقع، وتعتبر تلك المثالية هي السلاح ذو الوجهين الذي يستغله اصحاب المزج الايديولوجي اليوتوبي، فالفقر والظلم والتسلط السياسي تعتبر من اهم الركائز التي تعتمدها تلك الفيئات الغوغائية لفرض منطقها اللامنطقي البعيد عن كل البعد عن الاسس العلمية والموضوعية في طرح ارائهم، وافكارهم التي لاتنتمي الى الواقع الا لكونها تجد في نفوس البعض مكاناً بسبب مواقفها العدائية تجاه الحكومات، أو لاسباب شخصية ناجمة عن النزاعات القبلية والعشائرية، او حتى احقاد شخصية.
لذلك لايمكن فصل الايديولوجيا عن مسارات الحياة داخل المجتمعات بكل تصنيفاتها، لاسيما حين ينظر اليها  من منظور الساسة الذين بدورهم يوظفونها على انها اكتشاف نابع من الصراع السياسي، وبفهوم ادق واوضح، ان المجموعات الحاكمة يمكن ان تصبح في تفكيرها شديدة الاهتمام بمصلحتها في احد المواقف، لدرجة انها لم تعد تستطيع رؤية حقائق معينة من شأنها ان تقوض احساسها بالسيطرة، ويعكس مفهوم التفكير اليوتوبي الاكتشاف المقابل النابع من الصراع السياسي، وهو ان مجموعات مقهورة معينة مهتمة، بقوة، فكرياً بتغيير وضع معني بالمجتمع، حتى انهم عن جهل منهم لايرون في ذلك الوضع سوى العناصر السلبية فقط، فلايقدر تفكيرهم على التشخيص السليم للوضع الحالي للمجتمع،لكونهم غير معنيين على الاطلاق بما يوجد فعلياً على ارض الواقع، بل يسعون بالفعل في تفكيرهم الى تغيير الوضع الحالي، كما يقول :  لايمان تاور سارجنت ،في كتابه اليوتوبية: مقدمة قصيرة جداً.
هنا فقط يمكننا ان ندرك كيف يقوم بعض الغوغائية باستغلال الطروحات الموضوعية عن الايديولوجيا واليوتوبيا لاغراضهم غير الواضحة، ففكرة تغيير الواقع بقوة، تعني بالضرورة وجود نظرية ثورية على جميع الاصعدة لخلق حركة ثورية، فكرية سياسية اقتصادية اجتماعية، ولكن  حين لاتوجد لدى تلك الفيئات تلك النظرية الشمولية، انما تحاول استغلال اليوتوبيا من خلال رصد الحالة الاجتماعية السائدة من الفقر وعدم وجود سلطة موحدة تتحكم بالبلاد مثلاً، فانها تحول تلك الافكار الى سلاح فوضوي يهدم الكثير من القيم الاخلاقية ويزيد من التنافر والتباعد بين الفيئات الاجتماعية لاسيما تلك التي توالي السلطات وتلك التي تعيش حالة الانعدام والفقر والتي تنحاز للفيئات الفوضوية الغوغائية، وذلك ما يزيد من انقسام المجتمعات على بعضها البعض وتزيد الهوة بين القاعدة والقيادة، فيتحول ذلك الشرخ الى معضلة مزمنة لايمكن علاجها بالشعارات والاقوال فقط، انما تحتاج الى وقت طويل كي يتم علاجها بالافعال التي تتناسب وتلك الاراء الفوضوية المنبعثة من سوء فهم الايديولوجيا ومزجها باليوتوبيا والابستمولوجيا.
يقول بول تيليخ " يدرك المؤمن باليوتوبية ان افكاره ليست واقعية، لكنه يؤمن انها ستصبح امراً واقعاً، اما الشخص الذي لديه ايديولوجية، فعادة ما لايدرك ذلك.."، وذلك ما يشكل الفارق بين سرعة انتشار الفكر اليوتوبي والعوائق التي تواجه الايديولوجيا في انتشارها، فالقناعة هنا لاتكفي لفرض الايدولوجيا، لكنها تحتاج الى موضوعية الطرح والتناسب الفكري والادائي العملي، في حين ان اليوتوبيا تثير ملكة الخيال اللامنتهي عند الافراد المنعدمين، فتنتشر بينهم لكونهم الشريحة الاكثر انتشاراً في البلاد، وبذلك تكون اليوتوبيا لديها حضور كبير وواسع بين الفيئات المنعدمة والتي يستغلها التيارات الفوضوية والغوغائية لبث فوضاهم داخل المجتمعات، وفي المقابل وكما يقول: زهير توفيق في مقال له منشور بعنوان ( الايديولوجيا واليوتوبيا)  في جريدة الرأي:  اكتسبت الايديولوجيا حضوراً طاغياً في السجال السياسي واصبح الصراع الايديولوجي بين الافكار المتعارضة امتداد للصراع الطبقي الشامل، واستعملت الايديولوجيا بدلالات متناقضة، فمرة هي منطومة فكرية عقائدية للتنظيمات الاصطناعية كالحزب والطبقة والدولة ودلالة وجودها وهويتها لتعريف ذاتها وغيرها بالسلب اي بمغايرة الاخر لتبرير الانقسام، واذكاء الصراع، وتعني كلمة الايديولوجيا علم الافكار، ورفع مستوى العلوم الاخلاقية والسياسية الى مرتبة العلوم الطبيعية، وفيما بعد اصبحت الايديولوجيا نقيض التجريد والمثالية بما يتناسب مع الفكر الوضعي التحليلي للثورة والتنوير، كما يفسر ذلك الباحث خليل احمد خليل في دراسة له بعنوان الإيديولوجيا في مساراتها ( من الوهم إلى العلم ).
انها الصورة التي تحاكي واقعنا الحالي في المجتمعات الشرقية بالاخص الشرق اوسطية، ومجتمعنا الكوردي يندرج ضمن دائرتها، فالايديولوجيا اصبحت خارجة عن مساراتها المنطقية، واصبحت رهينة الوهم النابع من سرعة انتشار اليوتوبيا الفوضوية بينها، فالفكر لم يعد يندمج مع العلم مثلما يندمج مع الوهم، حتى اصبحت ممارسات السلطة بعين الافراد الخاضعين لليوتوبيا كلها نابعة من فكر التسلط، والدكتاتورية، على ان الواقع والموضوعية تؤكد ان تلك الرؤية نسبية لأن الظروف الاقليمية والدولية والتجزأة الداخلية والتحزب الفوضوي هما من ركائز انعدام رؤية واضحة لاعمال السلطة، وذلك ما يؤكد ان الناس الراكبين لموجة اليوتوبيا الواهمة اختلطت عليهم المفاهيم والافكار حتى انهم باتوا لايفرقون بين الكثير من المفاهيم المتحكمة بجذور وجودهم، وبتفاصيل حياتهم التي يعيشونها، فالخلط بين تلك المفاهيم ساد كل المسالك والاصعدة، حتى انهم اصبحوا لايفرقون بين  نظام الحكم ، والنظام السياسي، باعتبار انهما نظامان مختلفان، يقول : د. مصطفى كامل السيد عن الفرق بين نظام الحكم والنظام السياسي: النظام السياسي هو طريقة ممارسة الشأن العام في المجتمع وهذا اوسع بكثير من نظام الحكم لان النظام السياسي يشمل هيئات اخرى لاتمارس سلطة الحكم، يسندها في النهاية خطة القهر في الدولة من خلال الشرطة والمحاكم والسجون، وجماعات الضغط داخل الدولة من المجموعات الاقتصادية والحزبية التي لاتشارك في الحكم، وحتى الرأي العام، انما هم يدخلون ضمن هيئات النظام السياسي داخل الدولة، وذلك ما يؤكد ان الفئات الغوغائية الفوضوية التي تستغل حالة الركود المنتشرة داخل صفوف شرائح المجتمع المتعددة تعد ركناً من اركان النظام السياسي العام،  اما نظام الحكم فهو يشير فقط الى مؤسسات الحكم الثلاث  السلطة التنفيذية التي تمثلها الحكومة بالمعنى الضيق، والسلطة التشريعية والتي يجب ان تكون منتخبة ويمثلها البرلمان والمجلس النيابي، والسلطة القضائية التي يدعوا اليها القضاة،ذلك هو نظام الحكم الذي يتأثر في الغالب بالمتغيرات الاقليمية والدولية والظروف الداخلية فضلاً عن الظروف العامة كالعلاقات الدولية ومترتبات المنظومة الدولية وحاجياتها، اما القواعد التي تخضع لها هذه الهيئات الثلاث، فهي التي تميز بين الدولة والحكومة، فالدولة أكثر اتساعا من الحكومة، حيث أن الدولة كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل أعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، كما يقول: د. عدنان كايد في دراسة له بعنوان الدولة بين المدنية والحاكمية، وهو ما يعني أن الحكومة ليست إلا جزءاً من الدولة. أي أن الحكومة هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها وهي بمثابة عقل الدولة. إلا أن الدولة كيان أكثر ديمومة (استمرارية) مقارنة بالحكومة المؤقتة بطبيعتها: حيث يفترض أن تتعاقب الحكومات، وقد يتعرض نظام الحكم للتغيير أو التعديل، مع استمرار النظام السياسي الأوسع والأكثر استقراراً ودواماً الذي تمثله الدولة.
وهنا كما يتم الخلط بين الايديولوجيا واليوتوبيا، يتم الخلط بين النظام السياسي ونظام الحكم، كما يتم الخلط بين الحكومة والدولة، ولايسعنا في مثل هذه الحالات الا ان نركز على مقولة الوعي الزائف الذي يصفه الباحث محمد امين بن جيلالي في دراسة له بعنوان الايديولوجيا واليوتوبيا في فكر مانهايم تأصيلات نظرية في الممارسة السياسية على ان هذا المفهوم ظهر في أحدث أشكاله، بعد إلغاء العوامل المتعالية والدينية، وبداية البحث عن معيار للأمر الواقع في مجال الممارسة، خصوصاً الممارسة السياسية، في حالة تستدعي مذهب البراغماتية،لكن في المقابل إذا قورنت بصياغتها الحديثة، فينقصها الإحساس بما هو تاريخي. الفكر والوجود لا يزالان يمثّلان قطبين ثابتين منفصلين، يحمل كل منهما تجاه الآخر علاقة ستاتيكية في عالم لا يتغير. أما الآن فقد بدأ الإحساس الجديد بالتاريخ يتغلغل وأضحى ممكناً تصور مفهوم ديناميكي للإيديولوجيا والأمر الواقع عبر الاعتقاد بأن مقولة التاريخ يعيد نفسه من باب التكرار اصبح ليس بالمفهوم الشائع والسائد عنه، الذي يتخذ من سطحية الحدث كدليل على التكرار، اتما من خلال الاعتماد على ادارك ماهية الاسباب والمسببات " العلل والمعلولات" ومن ثم رداستها واسقاط نتائجها على الواقع بعقلية الحاضر والتنبأ بالمستقبل وليس من خلال مفهوم الاستسلام  لنفس العوامل والمسببات ،و انتظار نفس النتائج القديمة والخضوع لمنطق المظلومية السابقة.
ان الخلل الذي يفرضه المنطق الوجودي في المجتمعات الشرقية بصورة عامة، هو عندما يحاول البعض جعل الوجود المتعالي وحِدَّة الوعي الزائف في منزلة متساوية، وبذلك نجد الدول تختبئ وراء اقنعة شعاراتية زائفة ومعنونة تحت غطاء الايديولوجيا، وحين تنفك عُرى تلك الشعارات تستغلها اليوتوبيا الغوغائية لفرض واقع وهمي بعيد كل البعد عن المنطق السياسي بنظامه، والسلطوي بنظامه، والحكومي بمفاهيمه، وحتى الاستقلالي بمفهوم الدولة، حيث تختلط الامور وفق نمط فوضوي مثير للجدل، لاسيما ان الطبقات المنعدمة والشرائح الناقدة تجد في وهم اليوتوبيا الفوضوية فرصة للتعبير عن سخطها، وعدم رضاها فتجد التيارات الغوغائية فرصتها لركوب الموجة تلك والقيام باستغلال الاحداث للدعاية الحزبية وفي الكثير من الاحيان تجد تلك التيارات غارقة في مشاكلها الاقتصادية وحتى طروحاتها المعادية للقضية مع الحكومات، على ذلك نجد تلك القيم الفوضوية التي تطرحها الغوغائية المترصدة للحدث  تتهاوى في مسرح السيادة الفعلية أو سلوك الدولة، وبالتالي تغدو الإيديولوجية التي تتبناها زائفة في قيمها ومبادئها، وبعيدة كل البعد عن معايير الحقيقة التي تنشد واقع حياة سياسية خالية من الصراعات الطائفية والحروب الاهلية، إذا لم تُؤدِّ الإيديولوجيا وظيفة بناء واقع اجتماعي متوازن، فهي لا محالة تقوم بوظيفة تبرير ذلك الواقع لمصلحة طبقة أو طائفة أو نخبة معينة،وذلك ما يعني إن الواقع الزائف يولد من رحم الوعي الزائف، كما يقول محمد امين بن جيلالي.
لذا الايديولوجيا واليوتوبيا هي التي تميز في المجتمعات ما بين المعنى الجزئي والمعنى الكلي  للايديولوجيا، ويقصد بالاول التزييف والكذب المقصود وغير المقصود عند الفرد لاسباب شعورية ولا شعورية، اما المعنى الكلي فيقصد به الاطار الفكري العام لطبقة او لمرحلة فكرية معينة، وذلك ما يظهر بصورة جلية في المجتمعات الشرق اوسطية المقامة على بنى بدوقراطية، استبدادية، فردية، الحزب الواحد يحكم المتعدد بلاشراكة، والتي تخفي سحرها الإيديولوجي وراء أقنعة صراع الدول ، الشركات، ويتخذ سحرُها الإيديو تكنولوجي طابع الإغواء للشعوب المنسحرة بإيديولوجياتها الممزوجة باليوتوبيا بل اليوتوبيا التي تغلفها بالادلجة، فاستغلال حتى الاديان لفرض ايديولوجيا مبنية على اليوتوبيا الواهمة اصبحت ركناً من اركان صيرورة المجتمعات الشرق الاوسيطة بصورة عامة، فكيف بالفقر والمظالم والكوراث التي تحدث للامم والشعوب، وكما يقول الاعلامي فارس خشان :"عندما نطمح إلى مسألة ما نُصاب بداء الحصان، فنرى الأمور أكبر مما هي في الواقع. وعندما نملك ما نطمح إليه يُصاب نظرنا بداء النسر، فيصبح الأمر البعيد قريباً، وكأن متراً واحداً يفصله عنا، دائماً نخطئ في الرؤية، عندما نعظم من حجم شيء نخضع له، وعندما نستصغره ننقض عليه. وفي الحالتين، نُصاب بعوارض الأوهام. عوارض تحرم الجميع لذة الحياة. المواطن العادي يراك أكبر مما أنت عليه، زعيمك يراك أصغر مما أنت عليه، أنت ترى المواطن العادي أصغر مما هو عليه، وترى زعيمك أكبر مما هو عليه. أوهام الرؤية تسحب نفسها على كل المناصب"، وعلى تلك الشاكلة تتحول مجتماعتنا من قطيع يساق بمنطق الايديولوجيا المسيسية الى قطعان تساق باليوتوبيا الواهمة، وفي جميع الحالات تبقى الشعوب هي الاضاحي التي تقدم للارض كي يثبت السلطوي او الغوغائي كرسيه.


9
هل نتعلم من التاريخ ؟
جوتيار تمر / كوردستان
6-8-2020
 يقول د.عبدالجبار العبيدي في مقال له منشور على موقع ايلاف تحت عنوان"  هل يدرس التاريخ للعبرة والموعظة أم للتجربة والاستذكار"، ويذكر في سياق حديثه عن الموضوع ان دراسة التاريخ يشمل الماضي والحاضر ولربما تكهنات المستقبل، لكن هذا المقياس يختلف باختلاف الزمان والمكان والناس، فالاختيار يجب ان يكون انتقائياً ومحدداً حتى ينطوي على تجربة معينة للحاضر والمستقبل وما يهم امور الناس والاوطان معاً، وحول منهجية قراءة التاريخ او التكهن التاريخي للعبرة والاتعاظ يقول ان منهجية العبرة والاتعاظ لاتصلح الا في حالات معينة وضيقة جداً حين تتشابه الاحداث والفترات الزمنية، وهذه حالات نادرة الحدوث لانها لاتتكرر بكل ظروفها ابداً، ومن هنا فان قراءة التاريخ للعبرة والاتعاظ ضرب من الوهم الذي لامعنى له ابداً، فالمقياس العلمي او المنهجي التاريخي يخضع للتغيير وليس للثبات.
وفي مقال سابق تحت جدلية العود الابدي للتاريخ كنت قد نوهت بان احالة وقائع الان الى الماضي لايمكن ان تأتي بنتائج مطلقة يمكن تعميمها على مراحل التاريخ الحالية او اللاحقة، لأن الثوابت انما تكمن في الحدث وما آل اليه الحدث فهو متوقف على جملة امور اخرى تكاملية في صناعة الحدث، وبذلك لانستغرب الان وفي وقتنا الحاضر ان يتجه الناس الى دئراة التاريخ للتخفي وراء انتكاساتهم في الحاضر، والتوجس من مستقبلهم الاتي، فمن خلال البحث عن اواصر ترافقية وتلازمية مطابقة لوضعهم الحالي يستجدي الناس بالتاريخ ليكرر المقولة التي تكررت منذ وعي الناس مقولة التاريخ يعيد نفسه، ويستميت الناس في الاستشهاد بالتاريخ ليغطوا جزء كبير من نواقصهم الحالية، وابتعادهم عن السبيل المؤدي لتحقيق اهدافهم سواء الانية او المستقبلية وبالتالي فان اعتماد مقولة العبرة والاتعاظ لايأتي هنا بدافع التبرير لما يقومون به من افعال واعمال وتصرفات وسلوكيات، او للاتعاظ والعبرة ولا حتى للتجربة والاستذكار، انما بدوافع اخرى اقوى، كدافع اليأس الوجودي القاتم، والمتمكن من عقل ونفوس الناس بحيث لم يعد بامكانهم التصرف بالموجود الاني وبما بين ايديهم بعيداً عن الانخراط في الماضي وربطه به، حتى يعطوا لانفسهم صفة رسمية باعتبارهم ينهلون من تاريخ الامة التي يلتحفون باسمها في محافلهم الداخلية والخارجية، وبالتالي فانهم يخضعون عقولهم لمنطق دفن بدفن اصحابه، وينأون بانفسهم عن مواجهة التكهنات المستقبلية التي تضع حاضرهم تحت المجهر، وتفضح مكنونات واقعهم المزدرء بالتمام.
الامم والجماعات وحتى الشخصيات المستقلة كما يقول د. العبيدي تنأى بنفسها عن تجارب الاخرين، واكثر ما يزعجها ان تسير في اعقاب الاخرين، وهو بذلك يضع حداً للتكهنات السبقية التي تفرضها وقائع الحاضر عبر اعادتها للماضي، وفي الحقيقة ليست العبرة والاتعاظ الا غاية لمن فقد وجوده الفعلي وسطوته وكينونته ومصداقيته، ليبرر من خلالها الوسائل التي يسعى لاستخدامها في طريق اعادة اثبات وجوده من جديد حتى وان خالف بذلك كل التوقعات، وغالبية الواقع ومضامين التجربة الحاضرة، فالساسة من جهة، ورجال الدين من جهة اخرى، هولاء اكثر الناس من يلجأون للتاريخ تحت شعار العبرة والاتعاظ، وفي الحقيقة هما اكثر الناس فقداناً لمصداقيتهم في الحاضر الذي نعيشه، واكثر من لايتعظون بالتاريخ.
فمع عمق الحدث التاريخي في الوجود الانساني، فانه كما سبق وان نوهنا يحمل صفتين تلازميتين وهما المكانية والزمنية، وباعتبار ان تلك الصفتين غير ثابتتين فانها توجب اتباع نهج غير الزامي في تحديد معالم الحاضر وفق نظرية التقارب والقياس بالماضي، لأنه حتى في التاريخ يتجنب اصحاب الرؤية الدينية مثلاً التعرض للحقائق التي من المفترض انها تعطي دروساً واعية لصيرورة العمل السياسي من جهة، ولصيرورة الوعظ الديني من جهة اخرى، فمع ان تلك الاحداث والوقائع واضحة  كوضوح الشمس لهم وللناس، الا انهم يتغاضون عنها، ويبرورن فعلتهم بالمس بالمقدسات، ولأن الناس امام الموجبات الدينية بالذات وحتى السياسية كالقطعان تسير حيث تُساق فانها لاتكلف نفسها للسؤال عن الماورائيات التي يتطلبها الحدث نفسه، ليس لكونه حدث نادر يتكرر في تاريخه الحالي، انما لكونه حدث قد يمس بنية عقله وتفكيره وايمانه بالماضي والحاضر وتكهنه بمستقبله الاتي.
لقد علمنا اصحاب الرأي والفهم والساسة ورجال الدين ان التاريخ مدخل اساسي للفهم والادارك عبرد وائر العبرة والاتعاظ والتجربة والاستذكار، و في الوقت نفسه وضعوا حدوداً للبحث في مضامين التاريخ نفسه، باعتباره لديهم محصن من التدخلات الخارجية التي قد تشوه معالمه الحصينة والمحصنة من كل نقع او جرف او تحريف او تصحيف، وفي الواقع التاريخ الذي اقرأه علمني اشياء اخرى تماماً، مثل ان لااتوقف عند حدود معينة، في البحث والتقصي وابداء الرأي، والبيان والتفسير والتأويل، وذلك ما يجعلني بعين هولاء مارداً خارجياً ارتوي من بحر الشراة، حيث كانوا يسمون مناطق سكن اجدادي الكورد بها سابقاً، وبين ان التمس لارائي التبرير والصفح، وبين ان اؤدي دوري في صيرورة حركة التاريخ، لابد من قرار شخصي، اتحمل مسؤوليته، انه الواقع ليس الافتراضي الذي فرضه علينا الساسة ورجالات الدين، انما هو الواقع العياني الذي لم يعد هناك من مفر اما بتقبله بشكله الفوضوي النهائي والرضوخ لمنطقه اللاواعي، او السير قدماً للبحث عن معقولية الحدث التاريخي وفق مدلولاته الحدثية بين الزمنية والمكانية وتطابقها مع الشعارات العامة التي يطلقونها بين الفينة والاخرى لجذب القطيع وتحريضه.
ففي التاريخ هناك ثوابت من حيث اصرار اهل العلم والتشريع والساسة عليها منها على سبيل المثال لا الحصر، مقولة "لافرق بين عربي واعجمي " تلك المقولة الدينية التاريخية التشريعية التي جردت من حيويتها وكينونتها واسقاطت بالتحيز لعنصر على حساب اخر في التاريخ، وهذا ما يتباحثه الكثيرين بين مؤيد للمقولة ورافض، في حين انها مقولة لم تأتي من الفراغ التاريخي انما هي تحصيل لوقائع متوالية ضمن الصراع السلطوي الديني منذ بداية التاريخ الاسلامي كمثال على مفهوم التاريخ يعيد نفسه، وان العبرة والاتعاظ هما من ركائز التاريخ، فالسبقية التي فرضتها مقولة " اللافرق" تقتضي بانها تخرق جدران الزمنكانية، وان ليست حصراً وحكراً على زمنية محددة، ولكنها في مهدها وأدت، وتحولت الى نزاع، استخدم الساسة ورجالات الدين كل الوسائل لتحقيق غايتهم في تهميش العناصر الاخرى في التاريخ الاسلامي،  لذا نرى بان القياس بمنظور السبقية هنا لاتأتي كونها فرضت من اللاحقين كواقع، انما اتت كمعلم تاريخي وحدث تاريخي، فان كان العبرة والاتعاظ الزامية في فهم التاريخ والعمل بموجباته ومترتباته فانه من نافل القول ان تلك الاحداث يجب الغض عنها، وعدم الخوض فيها، لكونها تمس المقدسات التاريخية لاسيما الدينية، وفي الحقيقة ان اكثر ما يؤرق الانسان الواعي هو تلك المترتبات اللاواعية التي يستنبطها دون ادراك، او وعي حقيقي بماهية الحدث نفسه، واسقاطه عبر سلسلة من التداخلات المرئية الواضحة العنان، ولكن مع ذلك لابد من التأمل والتوقف على مفهوم السبقيات التي نتحدث عنها، فليس كل سبقي مأخوذ به ومتعظ به ولا حتى مستفاد منه كتجربة واستذكار لكون الواقع السياسي بمنظوره الاني الحالي سواء بفوضويته وعشوائيته ولامنطقيته لايمكن ان يكون ناجماً من قراءة وفهم صحيح للتاريخ، لكونه لايمس الانسان في كينونته وعقله فحسب، بل يهدم كل مقدساته العقلية كانت ام الروحية، وحين نرفض مقولة ان الساسة يتعظون بالتاريخ، انما يحاولون ان يجعلون الاحكام السبقية المنتقاة بدقة ومصلحوية من التاريخ كوسيلة لقيادة القطيع نقولها عن قناعة بان الاحداث التاريخية فتحت اوجه للتأويل والتفسير ضمن حركية التاريخ المقدس المتغاضي عنه، وهولاء الساسة ورجالات الدين انما يستقون منها احكامهم السبقية ويستدلون بها حين يقعون في مواقف تصعب على عقولهم المتبلدة تفسير اعمالهم العشوائية والفوضوية المؤدية الى الخراب واراقة الدماء، فمثلاً يورد ابن قتيبة الدينوري في كتابه الامامة والسياسة في الجزء الاول ،الصفحة السادسة والستين دليل تاريخي متأصل في حركية مفهوم السبقية، لكنه مازال مخفياً عن الانظار، وبعيد عن التداول بحجة التغاضي عن مابدر من الصحابة، يقول عمار بن ياسر لعائشة حين رأتها تبكي مقتل عثمان بن عفان، "امس كنت تحرضين عليه واليوم تبكينه، وفي السياق ذاته، نحن امام الحدث السبقي غير الخاضع للتأويل لكونه يمس المقدسات، تقول عائشة لطلحة ، وما لعلي يستولي على رقابنا، لا ادخل المدينة ولعلي فيها سلطان"، لعل الخوض في الامر ينتهك حرمة الحدث نفسه لكونه واضح المعالم، سواء من سياقه التاريخي او التأويلي، فالحكم السبقي على الحاضر والتكهن بالمستقبل جاء وفق مدلول حي ومباشر من التاريخ، فعائشة حكمت على علي بن ابي طالب بالفشل منذ لحظة مقتل عثمان بن عفان، وقررت التمرد على السلطة منذ الوهلة الاولى، فهل كان في فعلها ذاك نتائج محددة، التاريخ يقول لنا بان من نتائج ذلك الفهم والحكم السبقي على الحدث التاريخي "مبايعة علي بن ابي طالب" معركة الجمل ومقتل الالاف من الناس، اذا الرؤية السبقية لاتأتي من فراغ فالساسة الان، ورجال الدين الان، وكما كانوا في الامس، يستمدون لغاياتهم الروح من التاريخ ويوظفونه بحسب رؤيتهم للقطيع، وذلك ما يفرض ان الاتعاظ والعبرة من التاريخ غير ثابت على نحو محدد، انما هو اداة يستخدمها اصحاب الطموح السياسي والديني لتحقيق غاياتهم وغايات الاجندات التي يمثلونها، والا فان الحكم على اية تجربة من خلال الاستناد على ان التاريخ الدموي سيعيد نفسه قبل اعطاء الفرصة للتجربة الجديدة بالعمل وفق آلياتها التي تريد ان تثبت نفسها من خلالها، يكاد ان يكون تصحيفاً وخرقاً للمنطق العقلي والتاريخي معاً، ومن هنا لايمكن الاستناد على وقائع التاريخ بزمنيتها القديمة ومكانيتها القديمة وبيئتها المختلفة وعقليات اهلها المختلفة، واسقاطها على الحاضر الاني والتكهن بالمستقبل، لان تلك العقليات انما كانت تفكر بحدود زمنيتها ومكانيتها، لذلك لايجوز ان نعيد حكم عائشة مثلاً على السلطة لانها كانت ام المؤمنين وهي لم تحكم من منطق الحسد او الكره والبغض، انما لمصلحة المسلمين انذاك، ونأتي في عصر اخر ومكان اخر، نعيد رسم معالم السلطة وفق تقاليد ذلك الزمن، وحتى نعيد مفهوم المعارضة وفق تقاليد تلك الحقبة، فالامر ليس سيان والتاريخ هنا لايعيد نفسه الا قسراً فالعقول هي التي تكرر الحدث وفق معطيات لاتخدم الحاضر والمستقبل، ولذلك تسبق الاحكام الافعال والقرارات، وتؤدي في النهاية الى المزيد من الفوضى والخراب، وعلى ذلك الاساس فاننا نقول بأن التاريخ ذا طابع حركي مستمر لايتوقف عند معلم واحد، وسبب واحد، انما يتعداها ويعانق الافق حيث اللانهاية، ولايمكن لمن يحمل فكر ما قبل نصف قرن ان يقيس كل الاحداث على ما كان يتعامل معه اثناء تلك الحقبة، فالمتغيرات التاريخية تستوجب التعامل مع الحاضر والتكهن بالمستقبل والاعداد والتخطيط للاتي وليس اعادة فرض الماضي.


10
الوباء ليس فيروساً فحسب
جوتيار تمر /كوردستان
6/6/2020
عرّفت منظمة الصحة العالمية الوباء بانه حالة انتشار لمرض معين، حيث يكون عدد حالات الاصابة اكبر مما هو متوقع في مجتمع محدد او مساحة جغرافية معينة، وذلك في زمن او موسم او حتى مدة زمنية محددة، وليس هناك حدود توقف الوباء، لانه قد يحدث في منطقة جغرافية محصورة او يمتد في عدة دول، وكذلك لاحصر للزمن الذي يتفشى فيه الوباء فقد يستمر عدة ايام او اسابيع وربما يستمر لسنوات، وعند البحث في التلازميات الوبائية سيجد الباحث مصطلحين شائعين مترافقين وهما وباء وتفش، ويرى بعض علماء الوبائيات ان المصطلحين متطابقان ، بينما يرى اخرين ان مصطلح وباء يصف حالة تشمل منطقة واسعة وترتبط بازمة كبيرة، اما التفشي فيعبر عن حالة انتشار مرضية في منطقة او مناطق محددة اصغر من الوباء.
وتقنياً يمكن تحديد اهم الاوبئة التي عصفت بالعالم منذ عام 1918-1919 لاسيما بعد نهاية الحرب العالمية الاولى، حيث حصلت 40 مليون حالة وفاة بالانفلونزا الاسبانية، تبعها بعد سنوات حالات وفاة اخرى قدرت بين مليون الى اربعة ملايين بسبب الاصابة بالانفلونزا الاسيوية التي كانت الصين بؤرة ذلك الوباء بين عامي 1957-1958، ثم بعد ما يقارب العشر سنوات ظهر انفلونزا هونغ كونغ وحصدت ايضا ما بين مليون الى مليوني شخص، اما الايدز والذي يعد الاكثر فتكاً فقد ظهرت انيابه في 1981 واصيب مايقارب 78 مليون شخص به وبحسب الاحصائيات توفي منهم 39 مليون، ولم تكتفي الاوبئة بذلك وانما استمرت في ظهورها وكأن الصين تأبى الابتعاد كثيراً عن دائرة الاضواء فقد ظهر في اقليم غوانغدونغ في جنوب الصين متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) في عام  2002-2003 واصيب ما يقارب 8000 شخص توفي منهم حوالي 800 ، وفي 2003 ايضا وفي هونغ كونغ ظهرت انفلونزا الطيور " اتش 5ان 1" ، وحصدت حوالي 400 حالة وفاة، وبعدها اعطت الاوبئة استراحة قصيرة للصين وتوجهت الانظار هذه المرة الى المكسيك ففي عام 2009 -2010، ظهرت انفلونزا الخنازير " اتش1 ان 1" قدرت منظمة الصحة العالمية عدد الوفيات بحوالي 18500، لكنها سرعان ما رفعتها الى بين 151 الفاً و 575 الفاً، ولتأخذ افريقيا حصتها فقد ظهر فيروس ايبولا في غنينا وامتد الى سيراليون وليبيريا بين اعوام 2014-2016، الذي يبدو بانه استمر اكثر من غيره،  وأدى الوباء الى وفاة ما يقارب 113325 شخص، وفي عام 2015- 2016 ظهر فيروس زيكا وكان رهيباً وذلك لانه ادى الى حدوث تشوهات خلقية لدى المواليد في امريكا الجنوبية، وقد تم ربط الفيروس بالاف حالات الاصابة بمرض الصعل لدى المواليد، وهو تشوه خلقي يكون فيه رأس الطفل اصغر من الطبيعي.
لقد اثارت هذه الاوبئة مخاوف كثيرة لدى البشر، لاسيما ان بين فترة واخرى وخلال فترة انتشار تلك الفيروسات كانت تظهر ملامح تفشي لفيروسات اخرى قد لاتكون بقوة وحجم دمار السابقة الذكر الا انها كانت تثير المخاوف والقلاقل لدى العالم وربما في مجتمعات وضمن جغرافيات محددة ولفترات زمنية محددة الا انها اجمالا كانت مفجعة كتفشي بكتيريا السالمونيلا في اميركا، وفيروس ماربورغ الذي يعد اكثر الفيروسات فتكاً لانه لايوجد علاج لها منذ اكتشافه في افريقيا، وفيروس هانتا في امريكا، وفيروس التهاب الكبد الوبائي، وفيروس حمى الضنك ،وحمى لاسا، والحمى الصفراء، وحمى القرم – الكونغو، والعديد من الفيروسات الاخرى التي اصبح الانسان مستهدفاً رئيسياً لها، والغريب ان غالبية تلك الفيروسات والاوبئة تنتقل من الحيوانات بكل تصنيفاتها واحجامها من البعوض الى القردة الى الدجاج والخفافيش وغيرها من الحيوانات الى الانسان، والاغرب ان الانسان قديما وحديثا لا يتعظ ولايتخذ الاجراءات اللازمة للحد من الاصابة بها، انما يمضي قدماً في همجيته تجاه شهوته في التعامل مع الحيوانات سواء شهوة الجسد او شهوة البطن "الجوع "، وذلك ما جعلنا نراجع مفاهيم قديمة وكأن تاريخ الانسان لايتعدى سوى كونه ملعوناً بدءَاً بما يسمى العاقل وهو في الاصل ليس الا قشرة غبية يكتشف الاشياء ويعيد تدويرها لتكون وباء ودمار له وتهديد دائم لوجوده، فتاريخياً الطاعون كان وباء يحصد وبحسب بعض الاحصائيات ما يقارب 5000 شخص سنوياً، والطاعون هو عدوى بكتيرية حادة  تنتقل في المقام الاول عن طريق البراغيث، حيث يعيش الكائن الحي الذي سبب الطاعون والمسمى ب" يرسينيا بيستيس " في القوارض الصغيرة وينتقل الكائن الحي الى الاشخاص الذين تلدغهم البراغيث التي تتغذى على القوراض المصابة، او الذين يتعاملون مع الحيونات المصابة.
ومن يتتبع الوجود الانساني سيدرك بانه اصبح بمرور الزمن كتلك البراغيث التي تتغذى على الافكار المصابة، فيصاب بها، ومن ثم ينقلها بدوره الى من حوله وفي حالة المجتمعات الحالية فانه في ظل العلاقات الاجتماعية الواهمة بين الاندماج والاختلاط المباشر والكثيف، وبين الانعزال واللامبالاة ، ومن ثم الشذوذ الفكري المتحد بالعقل التآمري المتمثل بنظريات وافكار  ناجمة عن الاضطهادات على مختلف الاصعدة، ينتج منها مجتمعات موبوءة في الاصل لذا حين يظهر فيروس فانه لن يبذل جهداً كبيراً ليصل الى مرحلة الوباء المتفشي، ولعل الواقع الحالي يثبت تلك الرؤية بشكل واضح وجلي، ففي اواخر 2019 وبداية 2020 ظهرت جائحة كورونا والتي عدت من زمرة واسعة من الفيروسات والتي تشمل فيروسات يمكن ان تتسب في مجموعة من الاعتلالات في البشر، تترواح ما بين نزلة البرد العادية وبين المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة، والغريب بل العجيب ان مصدرها يعود ايضاً الى الحيوانات على اقل تقدير، وذلك لوجود اراء عن غموض مصدر الفيروس، ولكن غالبية الاراء تذهب انه ظهر  في الصين بسبب التعامل البشري المباشر مع بعض انواع الحيونات البرية كالخفافيش وغيرها، وما ساعد على تفشي الفيروس كان الاحتكاك المباشر بين المصابين وذويهم او  مع من يتعاملون معهم، والشيء الاغرب انه تفشى بصورة لم يتوقعها اصحاب الاختصاص والشيء اكثر جدلاً انه لحد الان بعد مضي ما يقارب 6 اشهر، مازال البحث عن لقاح للحد من انتشاره او للحد من فتكه بالاشخاص جارياً دون اية نتائج معلنة بشكل رسمي ومعتمد من منظمة الصحة العالمية، وبغض النظر عن نظريات المؤامرة التي ترافق وجود الفيروس وسبب تفشيه وكيفية ظهوره، فان العلة الاكثر وباءاً من الوباء نفسه هو الانسان، حيث نجده يتعامل بنفس النهم الحيواني الشهواني الشرس مع الحيوانات المصدرة للفيروس، وفي الوقت نفسه لايهتم بما توصل اليه العقل البشري نفسه من تحليل الوضع والترشيد والتوجيه الذي يتصدر القنوات الاعلامية بجميع انواعها، باستثناء بعض القنوات التي دائما ما تنظر الى الفوضى من منظور الربح التجاري الاقتصادي، فان الغالبية العظمى تحذر الانسان من الوباء وتحدد معالمه وملامحه وكيفية الاصابة به، وتحذره من مغبة عدم الالتزام بالتوجيهات الصحية واخذ الاحتياطات اللازمة لتجنب اصابته واصابة من حوله ممن يدعي اهتمامه بهم، ومع كل ذلك النتائج ظاهرة للواعي واللاواعي، الفيروس في انتشار تصاعدي مهيب ومريب، والانسان يقع ضحية عقله اللاعقلاني في تحدي الوضع وتحدي الارشادات والتوجيهات، والمثير للانتباه ان الانسان يدرك بأن في الامر فاجعة كبيرة له ولمن حوله ولكنه لايتراجع، فيكرر الخطأ نفسه، وتقع الكوارث، اي وكأني به يلدغ من نفس الجُحر الف مرة دون وعي منه، فجميع الاشارات تؤكد ان الحيوانات كانت ولم تزل هي المصدر الاساسي لنقل وتفشي الفيروسات القاتلة للانسان، ولكن ذلك لم يجعل الانسان بعقله البشري ان يتوقف للحظة ويمنهج ويمنطق تعامله مع تلك الحيوانات، بل ان الانسان بكل همجيته اصبح مصاباً بالشره المرضي او اضطراب نهم الطعام، حتى اصبح يتباهى بهمجيته في اكل الحيونات بجميع اصنافها نياً "غير ناضج" ، دون اية احتياطات لازمة، وعلى الرغم من كل الصيحات التي اطلقت للحد من الانجراف المقيت وراء تلك الموجة الا ان الانسان لم يلتفت الى تلك الصيحات التي لاتصدر من جهة خاصة باوطانهم لتحولها بعض اجهزة الاعلام الى مادة عدائية وتحريضية، انما صادرة من منظمة الصحة العالمية بغض النظر كما سبق وان قلت لاصحاب نظرية المؤامرة فان المنظمة تبذل جهدها في التوعية والتوجيه وتقديم المساعدات.
من هناك نرى بان حصر  الفيروس او الوباء في تعريفات علمية مسبقة ليس كافياً لأن الوباء اكبر واعمق في الواقع من تلك التعريفات، فالوباء الاكثر فتكاً بالوجود والكون كان ولم يزل الانسان نفسه، الذي لاينصاع للمنطق العقلاني الذي من المفترض انه يتميز به عن غيره من المخلوقات ، فمجموع الاصابات بجائحة كورونا تؤكد ان الانسان لايعي الا ما يشتهيه حيث بلغت الاحصائيات للحالات المصابة الى اللحظة التي اكتب بها الان هذه المقالة ( 6.993.337) حالة، وعدد الوفيات بحسب الاحصائية المعلنة من منظمة الصحة العالمية ( 402.439) ، وعلى الرغم من حالات الشفاء ايضا في تزايد الا ان حالات الاصابات ايضاً في ازدياد مستمر، وكل ذلك اوجب علينا التوقف عند حدود انسانيتنا والبحث عن انفسنا والتساؤل في نفس الوقت اذا كنا نحن البشر مستعدين لان نتحمل عاقبة افعالنا وشهواتنا وكل رغباتنا أم اننا في انحدار جذري ومستمر نحو الهاوية التي نصنعنها بانفسنا لانفسنا..؟ .


11
كورونا تظهر ضعف الانسان وعياً وصحياً
جوتيار تمر/ كوردستان
24-3-2020
لقد وضع انتشار فايروس كورونا الجديد أوالحديث (COVID-19)  العالم في مختلف انحائه في موقف لايحسد عليه، وعلى الرغم من ان الفايروس كما تصفه المواقع الختصة بالصحة بانه يتكون في الاصل من مجموعة كبيرة من الفايروسات التي يمكن ان تصيب الحيوانات والبشر على حد سواء، حيث تسبب امراض الجهاز التنفسي سواء الخفيفة منها مثل نزلات البرد او الشديدة مثل الالتهاب الرئوي، الا انها في الاصل قد امتداد طبيعي لطبيعة الامراض الاخرى التي سبق وان وانتشرت في العالم بصورة عامة ، الانفلونزا الاسبانية 1918، الانفلونزا الاسيوية 1975، وانفلونزا الخنازير 2009، ولكن فيما يخص كورونا ففي الفترة بين 2002-2003 ظهر فايروس سارس ( المتلازمة التنفسية الوخيمة) والذي كان مثالاً على فايروس كورونا الذي انتقل من الحيوانات الى البشر، كما ظهرت في الشرق الاوسط في عام 2012 سلالة اخرى بارزة واحدث من فيروس كورونا تسمى MERS (متلازمة الشرق الاوسط التنفسية)، والتي بحسب المختصين انها انتقلت من " جمل " الى انسان وانتشرت بعدها بين البشر.
ولان كورونا اصبحت مهددة لغالبية دول العالم فيما يتعلق بالعدوى، فقط اطلق عليها جائحة فايروس كورونا، والجائحة تعني وباء ينتشر على تطاق شديد الاتساع يتجاوز الحدود الدولية، ومنظمة الصحة العالمية قسمت حدوث الجوانح الى ستة مراحل، تبدأ مع فايروس يصاب به على الاغلب الحيوانات، ثم حالات قلة لانتقال العدوى الى الانسان، ثم مرحلة انتقال المرض بين البشر من فرد لاخر مباشرة، فيتحول الى جانحة مع انتشاره عالميا و ضعف القدرة على  السيطرة عليه، ولايصنف مرض ما على انه جانحة بسبب انتشاره الواسع وقتله للعديد من الافراد، انما لابد ان يكون معديا ويمكن انتقاله من شخص لاخر ، وجانحة كورونا اعتبر جانحة عالمية لكونه جارية لمرض فايروس كورونا 2019 (
كوفيد-19) والذي يحدث بسبب كورونا 2 المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة، وكما هو معلوم اكتشف المرض في ديسمبر 2019 في مدينة ووهان وسط الصين وصنفه منظمة الصحة العالمية في 11 مارس 2020 جانحة، ويعتقد بان الفايروسنشأ لدى الحيوانات البرية وانتقل الى البشر من خلال الاختلاط بالحيوانات المصابة، وبدأ ظهور الحالات المصابة في الدول الاخرى بسبب نقل الفايروس من خلال السفر، والمتتبع للاحداث سيجد بانه بعد ظهوره في الصين لاسيما في مقاطعتي ووهان وهوبي، فان معدل انتشار المرض اظهر لامبالاة الدول الاخرى، وعدم جاهزية الانسان لتقبل مثل ذلك الوباء على الصعيدين الوعي والصحة معاً، فمن 13 يناير / كانون الثاني الى 31 يناير انتقل الفايروس الى  25 دولة في كل من قارة اسيا واوربا وامريكا، واصبح الفايروس يهدد العالم في جميع البلدان والاماكن، وبحسب المنظمة العالمية للصحة ان سرعة انتشار الفايروس كان مرتفعا جداً بحيث اثار قلق العالم باجمعه.
 والغريب في الامر ان كل الجهود التي بذلت من اجل توعية الناس بخطورة الفايروس استقبلت باللامبالاة في البداية وحين باتت تلك الدول وشعوبها تحت مقصلة الفايروس اصبحت تترنح بين الاسى واطلاق الحملات الدعائية من اجل الزام الناس بالبقاء في بيوتهم وعدم الاختلاط وعدم المصافحة والحذر من التجمعات ومن الاشخاص الذي تظهر عليهم بعض الاعراض كالكحة والحمى ومشكلات التنفس، وغيرها من الاعراض حيث باتت الاعلانات منتشرة بشكل واسع  في جميع وسائل الاعلام المرئية وحتى السمعية حيث باتت تركز على بث النصائع والتعلميات والاجراءات اللازمة اتباعها للحد من الاصابة بالفايروس.
ونحن في اقليم كوردستان العراق وفي العراق بصورة عامة، وقعنا تحت مقصلة اللامبالاة الايرانية، التي اخفت عن وسائل الاعلام اصابة العديد من الاشخاص في " قُم " والتي تحولت بين عشية وضحاها الى مصدر اساسي لتصدير الفايروس الى كل من الاقليم و بغداد، ولان الاقليم كان يعتمد تجاريا واقتصاديا وحتى صحياً على كل من ايران وتركيا بالدرجة الاساس، فقط تعرض الكثيرين ممن كانوا في ايران للاغراض المذكورة سابقاً للفايروس دون علمهم، وعادوا الى الاقليم والى بغداد ومالبثت ايران ان اعلنت عن الاصابات في غالبية مدنها، وبذلك تحول الامر الى صراع ومعركة لانهاية لها ضد تفشي الفايروس بين الناس، ولذلك نجد تصاعدا رهيبا للاصابات في كل من الاقليم لاسيما في السليمانية المتاخمة لايران وصاحبة المعبر الرئيسي معها، فضلا عن الزوار الذين يتوافدون على بغداد والنجف وكربلاء من اجل اقامة الشعائر الدينية .
ومن خلال تتبع تزايد اعداد الاصابات يمكن التوقف على عدة ملاحظات، منها انه على الرغم من كل الاجراءات الحكومية في الاقليم مثلا للحد من انتشار الفايروس ولتوعية الناس بخطورة الامر " حيث قامت بغلق المعابر الحدودية مع ايران، وتدريجيا اوقفت رحلات الطيران مع غالبية الدول المصابة ، ومن ثم علقت نهائيا، كما اغلقت المعابر مع بغداد وسوريا وتركيا، واغلقت المدراس والجوامع والكنائس والمعابد ومنعت التجمعات الكبيرة والغت الحلفلات والتعازي، والغت الاحتفالات براس السنة الكوردية " نوروز " ومن ثم اقرت منع التجوال بين المدن، ومن ثم بين الاقضية ومراكز المدن، ومن ثم داخل المدن والاقضية، واطلقت حملة دعائية قوية في جميع الوسائل الاعلامية كما ان سيارات الشرطة جابت الشوراع والمحلات لتوعية الناس بعدم الخروج الا للضرورة القصوى، والبقاء في البيوت، وظهر رئيس الوزراء ورئيس الاقليم ووزير الصحة والداخلية في اكثر من مرة على الشبكات الفضائية وطالبوا الناس بالالتزام بالتعليمات واتباع الاجراءات الوقائية اللازمة . وان اللامبالاة ستعرض الناس للخطر.."، الا انه من الغريب جدا ان قلة الوعي وصل بالكثيرين الى حد  المتجارة بارواح الناس من خلال ادخال البعض بصورة غير قانونية الى الاقليم وحين بدأ هولاء بالاختلاط بعوائلهم وبالناس فتحوا ممراً للفايروس الى داخل المدن الكوردية، ناهيك عن اشخاص اخرين استغلوا موقعهم الادراي واستطاعوا تجاوز الفحوصات وباتوا يشكلون تهديداً خطيراًوحقيقياً على المجتمع بصورة عامة.. وبذلك اثبت هولاء انهم لاينتمون الى البشر وانهم اشبه بآفات معدية داخل الافة نفسها، اي وباء داخل وباء، والملاحظ انهم لم يستوعبوا خطورة الامر وبدا الاستهتار واضحا من افعالهم واقوالهم، وتصرفاتهم حيث اجبروا الحكومة على اتباع اجراءات صارمة تجاههم، ومن غرائب الدلائل التي اظهرت انعدام الوعي لدى البعض انهم جاؤوا من ايران ولم يعرضوا انفسهم للفحوصات وذهبوا بين عوائلهم واختلطوا مع الناس وكأن شيئاً لم يحدث، هذا الامر خلق تذمرا واضحا بين العديد من الفيئات داخل المجتمع، وكذلك شكل تهديداً لاجراءات الحكومة الحازمة تجاه خطر تفشي الفايروس، وبالتالي تحولت مدننا في الاقليم من حالة الاحتراز والاحتياط الى مرحلة المواجهة ، ليس فقط مع المسافرين العائدين من ايران والدول الاخرى المصابة مثل المانيا كما حدث مع الحالة الوحيدة التي ظهرت في " دهوك " باعتبار انها نقلت من المانيا من قبل شخص لا واعي لامبالي غير مسؤول ومتهور ومستهتر، وفي باقي المدن كانت اغلبها من ايران ومن ثم انتقلت من الشخص لافراد عائلته وبذلك تفشى المرض. 
اما في بغداد فالامر اشبه بمعركة مذهبية فعلى الرغم من القرارات التي اصدرت من قبل الحكومة بمنع التجوال وكذلك اغلاق الجامعات والمدارس والمساجد ومنع التجمعات العامة والاختلاط المباشر وفرض حضر التجوال، الا ان قرارات الحكومة اصطدمت ببعض اللامباليين وبعض ناقصي الوعي حيث قاموا بتسيس القرارات وجعلوها في اطار مذهبي ، وتحدوا تلك القرارات من خلال استمرار وفود الزوار على المراقد الشيعية بالذات في كل من بغداد والنجف وكربلاء، ناهيك عن الحالات الاخرى من خلال تهريب الناس من الحدود داخل المدن العراقية والتي ادت الى تفشي المرض في جميع مدن العراق الا ما ندر، والغريب في الامر انه مازال هناك من ينظر الى الامر بابنه مؤامرة من قبل الدول الغربية لفرض هيمنتها على العراق،وعلى موارد العراق والى غير ذلك من الامور التي تنم عن قلة وعي من حيث هو وعي وقلة الوعي الصحي لدى هولاء، فضلاً عن الصيحات التي تطلق بين الفينة والاخرى من قبل سياسيين تابعين لايران فكرياً ومذهبيا ًومصلحوياً بعدم اغلاق المنافذ مع ايران وزوارها.
لقد اثبت فايروس كورونا ان العقل البشري مازال يحتاج الى صدمات اقوى كي يستفيق من غيبوبته، تلك الغيبوبة التي ادخل فيها جراء التصارع بين الجهل واللامبالاة، والتي نتج عنها شعباً مستهتراً بالعلم وبالوقائع والاحصائيات والمقابر،فتحولوا من بشر الى آفات بشر، كل ما يملكون هو العودة الى امجاد الماضي والتي هي بنظر التاريخ والواقع الانساني ليست الا رخام ممتزج باقدام لاتنتمي الى قوم واحد، انما هي وليدة اقوام تشاركوا الارض والانهار والحدود، ولكن مع ذلك لم يزل هولاء الجاهلين المستهترين بالارواح يملؤون رؤوس العامة البسطاء بتلك الترنيمات الكاذبة التي لاتقيهم من الاوبئة واخر تلك الاوبئة " فايروس كورونا " ، والذي يتابع شبكات التواصل الاجتماعي سيجد ضالته من الظلالة التي يقومون بنشرها بشكل يتعدى المنطق والعقل البشري الواعي.


12
تركيا العثمانية وسلطانها الجديد
جوتيار تمر / كوردستان
3/3/2020
تمارس تركيا بحق الكورد وشعوب المنطقة سياسة لاتنم عن حقد وكراهية ودكتاتورية فحسب بل تنم عن الثقافة التي نمت عليها الاجيال التركية من ساسة وشعب اعتنق الظلم والاضطهاد كوسيلة لتحقيق اغراضه على جميع الاصعدة، باسم الدين والقومية والتعالي والنظر الى الاخرين بدونية متناسين بانهم ليسوا سوى قنبلة حقد موبؤة، منبوذون انسانياً ودينياً واخلاقياً وسياسياً واصبحوا عبرة اقتصادياً لكل من تسول له نفسه بالخروج عن مصالح المنظومة الدولية.. تركيا التي تحاول بشتى الوسائل ان تظهر نفسها برداء السلطنة وورثة الخلافة الاسلامية تحولت بافعالها واخلاقياتها السياسية واللاانسانية الى صورة مشوهة لكل التعاليم والشعارات الدينية التي تنادي بها اعلامياً.. وفي الوقت نفسه حولت بافعالها انظار العالم الانساني الى لاانسانيتها قومياً.. حيث تشير الوقائع التاريخية والشواهد الحالية والجارية على ان تركيا الحالية هي امتداد طبيعي للرؤية التركية العثمانية ومن ثم الاتاتوركية التي تحاول اخفاء همجيتها ومذابحها والابادات الجماعية لمخالفيها ومعارضيها من حركات واقوام وامم.
ان ما تمارسه تركيا تجاه الكورد وشعوب المنطقة هو نسخة عن ما فعله البابا اينوسنت الثالث عام 1209 حين جهز حملة صليبية ضد الكاثرية" الالبينية وهي حركة دينية مسيحية ظهرت في منتصف القرن الثاني عشر "  فعندما شعرت البابوية بان تلك الحركة باتت تشكل خطراً عليها أمر البابوية قامت بتجهيز حملةعسكرية سميت بالحملة الصليبية الالبينية ووجهها الى جنوب فرنسا كان قوامها ثلاثين الف جندي من المشاة والفرسان، وكان اجرهم هو ما يحصلون عليه اسلاب وغنائم اضافة الى صك غفران يضمن لهم مكانا في الجنة، وحين سأل قائد الحملة ممثل البابا الذي يرافقهم كيف نميز الهراطقة من المسيحيين في المدن التي يدخلونها قبل اعمال السيف فيهم، قال لهم ممثل البابا.... اقتلهم جميعا واترك الله بعد ذلك يميز رعيته بينهم ، وهذا ما حصل فعلاً حيث احرقوا المدن وافنوا سكانها دون تمييز، وكان ممثل البابا يرسل الى البابا رسائل تثلج قلب الفاتيكان قائلا ان السيف لم يميز ضحاياه تبعا للجنس او السن او المكانة الاجتماعية، ودام هذا الصراع بينهم لما يقارب العشرين سنة..حيث انسحب الكاثاريون الى المناطق الوعرة والصعبة ومن هناك كانوا يشنون حرب عصابات ارهقت الجيش البابوي.
من ينظر الى ما يفعله اردوغان الان هو نسخة مصورة لما فعله البابا انذاك، حيث يجهز اردوغان منذ وصوله للحكم كل قواته وكل امكانياته لمنع الكورد من الحصول على حقوقهم المشروعة، فاصبح يجهز عساكره ويوجه منظومته الاعلامية واسلحته نحو المعارضة التي تشكل بنظره خطراً على مصالحه ومشروعه السلطوي فيما يتعلق باعادة امجاد السلطنة والخلافة..ولم يعد يفرق بين المواطنين العزل وممن يحملون السلاح، بل لم يراعي القوانين الدولية فيما يخص تجاوز الحدود وخرقها، حتى اصبح ينظر لنفسه نبياً يجب على الجميع الانحناء له، وكل ما يقوله ليس الا تنزيل يجب على الجميع العمل به، فداخلياً يسجن من يريد بغير حساب، وبدون محاكمات عادلة بل بدون محاكمات اصلاً، فقط تهم ملفقة للتخلص من معارضيه سواء من الكورد – امثال القادة الكورد عبدالله اوجلان - صلاح الدين ديمرتاش- او غيرهم، وخارجياً طائراته تحلق وتقتل في سوريا – صراعه مع روسيا على حساب الشعب السوري - وجنوب كوردستان وفي ليبيا دون ان يردعه احد محلياً او دولياً، فكأن الكل مشارك او منصاع له، ولقد برهنت الاحداث في جنوب كوردستان على مدى تعنت ارودعان  ودكتاتوريته بحيث لم يتعدى على القوانين فحسب بل طائراته ومدافعه تسببت في استشهاد العديد من الابرياء العزل، وكل هذا تحت شعار محاربة المنظمة الكوردية الارهابية بنظره، ولايوجد في العالم الحالي من هو اشد ارهاب منه، بل يعد بلا منازع الداعم الرئيسي لكل العمليات الارهابية في منطقة الشرق الاوسط كلها، وهو الذي بافعاله وتحركاته وتصريحاته يبرهن يوما بعد بانه ليس الا طاغية يلبس رداء الدين والقومية، وهو الوريث الحقيقي لكل الجرائم العثمانية – مذابح الارمن - في كل المناطق التي وقعت تحت ايديهم ، فعلى الرغم من مرور عشرات العقود مازال الكورد واغلب القوميات الاخرى تعاني من ويلات  ورثة الخلافة وتبعيات سياتهم الهمجية، وفي الوقت نفسه مازال هناك من يطبل للنظام الدكتاتوري التركي الحالي ، متجاهلين بالتمام مدى وحشيتهم في التعامل مع قضايا الاخرين، تلك الوحشية المستمدة من ارثهم الهمجي، حتى اصبحت ملاذاً لاكثر التنظيمات الارهابية.
حيث لم يعد خافياً على احد وحشية النظام التركي وانه المهد الاول لوحشية التنظيمات الارهابية لاسيما داعش فتركيا الحالية التي نراها امتداد لوحشية نظام الخلافة العثمانية التي باسم الدين انتهكت جميع الاعراف والقوانين الدولية والانسانية، سواء من خلال بطشها بالامم والاقوام التي لاتنتمي اليها، او من خلال الممارسات الاخرى داخل الاسر الحاكمة في دولة الخلافة، فهي التي اثبتت للعالم بأن السلطة والكرسي اقدس من الانسان في العالم الاسلامي وقتها حيث سنت قانوناً هو الابشع طيلة حكم السلالة العثمانية باسم الخلافة والاسلام، حيث ذبح الاب ابنه، واريقت دماء الاخوة فيما بينهم من اجل التنافس على الكرسي، وبحجة الحفاظ على استقرار الدولة وقتل الفتن والقضاء على اية اطماع بين الاخوة بعضهم ببعض، والاباء والابناء حول كرسي العرش، وبذلك ابيح للاب ان يقتل ابنه ليبق هو في السلطة، وقتلت السلطانة حفيدها لكي تهيمن هي على كرسي الحكم، كما ان الاخ قتل اشقائه وابنائهم ليخلي الساحة لنفسه بدون منافس على العرش، واستخدموا كما تشير المصادر التاريخية على اساليب ووسائل كثيرة للقيام باعمالهم الشنيعة تلك سواء من خلال الخيط الابيض المصنوع من الحرير الذي كان امراً سائدا انذاك ويستعمل في خنق الامراء حتى لو كانوا اطفالا رضع. فهذا السلطان مراد الاول(1362-1389م) جد السلطان محمد الفاتح(1444-1446م)، قتل شقيقه محمود بعد ان اصدر الفتوى من شيخ الاسلام وقتها، بحجة انه يريد الانقلاب على السلطان، ثم اخرج ابنه " ساوجي" على رأس حملة لمواجهة البيزنطيين فاغرت الجواري السلطان واوهمته بان ابنه يريد التحالف مع الاعداء فاعد له كمينا بفتوى ايضاً واعدمه، وعلى سنته سار السلاطين من بعد فهذا حفيده الذي يتغنى به الجميع السلطان محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية عام 1453م،  حيث تشير الكثير من الروايات على انه قام بقتل شقيقه الرضيع الامير احمد من زوجة ابيه خديجة خاتون عندما كان عمره " 6 " اشهر بحجة ان البيزنطيين يحاولون خطفه لتنصيبه سلطانا بعد ان يتخلصوا من الفاتح، وليبرر فعلته قام بسن قانون قتل الاخوة والابناء تحت مسمى " البغي "، واستكمالا للمسيرة قتل سليم الاول شقيقيه الاميرين احمد ولي العهد، وكوركود، اما سلطان السلاطين سليمان القانوني (1520-1566م) فقد خضع لتوهيمات حريمه لاسيما " هرم  - هويمام – التي اوهمته بان نجله الامير مصطفى المحبوب من العامة والخاصة  يريد الانقلاب عليه، فامر جلاديه بخنقه في خيمته، ولم يكتفي الاثنان لا السلطان ولا هويمام بذلك بل حرضته الاخيرة لقتل حفيده سليمان ابن مصطفى كي يتسنى لاحد اولادها للصعود على العرش، وانصاع السطان لحريمه بحجة اخماد الفتنة، وكل هذه الاعمال يتصدرها فتوى من شيخ الاسلام، واستمرت اعمال القتل داخل السلالة العثمانية لبعضهم البعض، حتى ان بعض المصادر تشير الى انه اتى اوقات لم يكن يوجد وريث للعرش.
سليم الثاني(1574-1595م) رابع ابناء السلطان سليمان القانوني حباً بالعرش قام بمحاربة اخيه بايزيد  " ابناء هويمام - الذي اضطر للهرب الى الصفويين فاوعز والده السلطان باعادته، وفي الطريق وحين علم سليم بمرض والده أغرَ حراسه فقاموا بقتله وابنائه اثناء عودته الى اسطنبول، اما الجريمة الابشع التي يؤكدها التاريخ ما قام به محمد الثالث الملقب بالعادل (1595-1903م) الذي ما ان تسلم كرسي العرش حتى قام بعدها بلحظات بتجهيز (20) قبراً، احدهم لابيه السلطان مراد الذي توفي، و(19) قبراً لاشقائه الامراء حيث تم خنقهم وكان بينهم (3) رضع و(5) اطفال اعمارهم بحسب المصادر لاتتراوح بين الثالثة الى السادسة، وبذلك اخلى الساحة لنفسه بدون منافسين، وفي الوقت نفسه لم يخرج عن المعتاد باعتباره عمل بالقانون الذي تم سنه من قبل لاخماد الفتنة " البغي " وعلى ذلك سار السلطان مراد الرابع فاتح بغداد ( 1623-1640م)الذي قتل اشقاءه الثلاث بعدما الغى القانون الذي سنه والده، حيث الغى تلك العادة السيئة وسن قانونا ينظم اعتلاء العرش وطرق وراثة السلطة درءاً للفتنة والقتال بين الاخوة والاباء والابناء، الا ان مراد الرابع نجله الغى ذلك القانون وطبق القديم، فقام بقتل اشقائه ( بايزيد – سليمان – قاسم )، ولم ينجو الا من بطشه الامير ابراهيم الذي قامت السطانة "كوسيم "  بحمياته خوفاً من انقراض آل عثمان، الا انها نفسها حين تسلم الامير ابراهيم(1640-1648م) العرش وهددها بالنفي ليتخلص من سطوتها على الحكم وتقليص صلاحياتها، قامت بتدبير مؤامرة لابنها واقنعت رجال الدين والباشوات بعزله ومن ثم اعدامه بعد عشرة ايام، وتشير المصادر بان شيخ الاسلام نفسه قاد الانقلاب وخنق في الاستانة بناءً على توصية الصدر الاعظم محمد باشا المولوي، وتنصيب حفيدها " محمد شاه زادة " صاحب الست سنوات حتى تكون هي الوصية عليه وتستمر في ادراتها للدولة العثمانية.
وكالعادة نجد في العالم الاسلامي بالذات من يطبل للسلاطين وينظر الى اعمالهم الى انها خير للامة ودعم لركيزة الاسلام وتقويته امام اعدائه الذي كانوا يتربصون به،  فيشرعون اعمال الخلفاء والسلاطين وحتى المدعين امثال ارودغان الذي يلبسون رداء الدين لتحقيق مقاصدهم وغاياتهم ، ولايخفى على احد ما يقوم به الان اردوغان من اعمال وحشية تجاه الشعوب الاخرى من الكورد وحتى العرب في سوريا وليبيا  والاقوام الاخرى - مسألة اطلاق اللاجئين نحو حدود اوربا - وكيف يحرض قطر على الوقوف بوجه الدول الاخرى التي لاتؤيده في اعماله كالسعودية والامارات ومصر والعديد من الدول الاخرى.
ان اعمال اردوغان وسياسة التبرير التي نجد الاعلام الاسلامي يتغنى به لاجل اعماله التي لاتتعدى لحد الان سوى التصريحات بشأن القضايا الاسلامية المهمة كقضية فلسطين باعتبار ان تركيا هي من الدول الحاضنة للتجارة والتطبيع مع اسرائيل، ان هذا الاعلام وكأنه يستمد تشريعاته من تلك التي قدمت لتبرير القانون الذي سنه محمد الفاتح، حيث ذهبت الاراء الاسلامية لتبرير اعمال فاتح القسطنطينية – احمد آق كوندوز و سعيد اوزتورك في كتابهم الدولة العثمانية المجهولة -  بان تطبيق واقامة الحد " البغي  " انما كان للحد من العصيان ضد الدولة ويمثل المرتكز الشرعي الاول لمسألة قتل الاخوة العصيان بالخروج على الدولة بالسلام وموالاة الاعداء، وتدخل هذه العقوبة بنظرهم في الاسلام ضمن جريمة البغي، الذي تتكون بنوده من محاولة الخروج على الامام او السلطان، ومحاولة الاستيلاء على الحكم بالسلاح والقوة والمغالبة، اي وجود هدف العصيان بشكل واضح، ومثلما وجد هولاء السلاطنة من يبرر اعمالهم وافعالهم الشنيعة التي اعتمدت على الاخذ بمبدأ الشك حتى في النيات كمرتكز لقتل الابناء، فقدم اعدم (16) امير بسبب ثوراتهم في حين قتل (7) منهم بسبب نياتهم للثورة ، من اصل ما يقارب (60) اميراً قد قتلوا من قبل ابائهم وامهاتهم واخوتهم واشقائهم، فاننا الان امام مشهد يكرر نفسه وذلك من خلال تصريحات  وتصرفات اردوغان الذي يحكم على نيات الاخرين ويراها لاتخدم الاسلام انما تخدم مصالح الغرب الصليبي واسرائيل، قيعزل من يشاء من اصحابه وقادته ويزج بمن يشاء في السجون بتهم باطلة وملفقة، ويبرر قتله للاطفال وحرقه للقرى وتدميره للمدن وخرقه لحدود الدول الاخرى ليس الا احتكاما بشرائع الاسلام ولحفظ الاسلام من مؤمرات الاعداء، وآخر  صولاته فتح الحدود امام الالاف من العوائل المهاجرة لغزو اوروبا كما يدعي ولتهديد امن واستقرارها – بعض هولاء المهاجرين يحمل علم تركيا ويهتف بالله اكبر  على حدود اليونان وبلغاريا- ، وفرض ايديولوجيته الدكتاتورية في تركيا – مع الكورد والمعارضين - و سوريا وليبيا والغريب ان هذا التطبيل لطالما وجد لنفسه اذان صاغية، وايدي تصفق ودعوات تتلى وصور ترفع في عالم قبلي مازل يعيش عصر السيف وقطع الرقاب، وتمجيد الاسلاف،  لم يستطع بعد كل هذه القرون ان يخرج من دائرته القبلية ويتسلح بمبدأ اكثر تماشياً مع حركية التاريخ في العالم الحاضر، وحقيقة ان التاريخ يسجل في الكثير من مراحله سير حكام امثال اردوغان، مع عدم التغافل عن ذكر النهايات التي آلت اليه امورهم لاسيما بعد ان يكون صلاحية وجودهم بالنسبة للمنظومة الدولية قد انتهت.

13
.

ولى عصر العنتريات الشرقية
جوتيار تمر/ كوردستان
29-1-2020
ليس بغريب علينا نحن الشرقيين ان نسمع في كل يوم يمر علينا بعض الشعارات التي تعتمد على قوة التعبير، ومتانة اللغة، وعلى الفراسة والشهامة والشجاعة الظاهرية، وفي الوقت نفسه على اشكالية تعدد التأويل ، بحيث ما ان يقع صاحبها في اشكالية مع جهة معينة داخلية كانت ام خارجية حتى يخرج للاعلام مفصلاً ومفصحاً بأنهم لم يفهموا القصد من وراء خطابه الذي لايريد به سوى خدمة الوطن، ناسياً ان العنتريات التي كان يتباهى بها لن تمر على الواعين مرور الكرام، وانما ستكون مأخذ عليه وعلى كل من يواليه.
العنتريات تلك الصفة التي تشتهر بها الاقوام الشرقية، وذلك المصطلح الذي كان ولم يزل هناك من يتباهى به، اصبحت وليمة ساخنة معدة مسبقاً من قبل جهات واجندات خارجية متحكمة بالداخل ضمن جغرافيات دول الشرق الاوسط بصورة خاصة، ودول العالم الثالث بشكل عام، فكلما تحركت نزعة تحررية في مكان ما حتى نجد اذناب الاجندات تخرج للاعلام بخطاب ناري تحريضي لااساس له ولا مقومات له ولا تخطيط فيه سوى العبث بعقول الشارع المسلوب الارادة، والغارق في الحياة دون سبيل نجاة، ولا اعرف لماذا لم يتوقف يوما احد من هولاء المنصاعين لتلك العنتريات امام ماهية الكلمة ليدرك تماما بانها انما كشعرة معاوية لاتستخدم اصطلاحاً الا للتحريض ولكسبهم ولجعلهم وقودا لاغراضهم وافكارهم الهدامة الممتلئة بالحقد والكراهية واللاانسانية لكل من لاينتمي اليهم.
العنتريات في معاجم اللغة تتفق على كلمة الشجاعة، ففي لسان العرب العنتر الشجاع، والعنترة الشجاعة في الحرب، وفي معجم الغني عنتر البطل، شجُعَ في الحرب، المغامر، وفي معجم اللغة العربية المعاصرة تعنتر فلان تشبه بعنترة في الشجاعة والاقدام، وفي المعجم الوسيط، شجُعَ في الحرب وسلك الشدائد، واغلب المعاجم كما سبق وان نوهت تتفق على صفة الشجاعة، فعنترة كما هو معلوم هو اسم رجل " عنترة بن معاوية بن شداد العبسي "، المهم في الامر ان غالبية الناس تنظر الى الامر من منظور الشجاعة والاقدام، وترى فيها الرجل القوي، وترى بان الساحة الشرق اوسطية تحتاج الى امثاله لاخراجها من ظلم الاجندات الخارجية، والتمزق الداخلي القبلي المذهبي الطائفي القومي اللاواعي، في حين لو وقف احدهم عند الكلمة بدقة وتمعن النظر فيها، لوجد ان الشجاعة التي تميز العنتريات هي في الاصل مرتبطة بشيء اخر وهو موجود في تلك المعاجم نفسها، فعنتر هو الذباب الازرق، كما في معجم الغني ومعجم الوسيط، وفي لسان العرب قيل العنتر الذباب الازرق، وقيل الاخضر، وتشبهه بالذباب جاء تصغيراً له وتحقيراً ، قيل في لسان العرب نفسه شبهه به لشدة اذاه، والغريب ان غالبية اصحاب العنتريات يتجاهلون هذا الامر اما تعمداً او اعتماداً على سذاجة الجماهير التي تتبع عنترياتهم، وبالتالي نجدهم سباقون في التحريض وسباقون في التهكم على الشارع ايضاً، حيث ان عنترياتهم لاتتعدى الخطابات الاعلامية ونزولهم للشارع لايكون الا بعد ان يتم تحصين الاماكن بالاسلحة والرجال، اما الشارع اللاواعي فانه يرمي بنفسه الى التهلكة ويقدم صدره للنار والرصاص لان عنترته قال له اخرج.
يقول علي الصراف في مقال له بعنوان " عنتريات لا عنتر فيها " ان مسألة العنتريات الحديثة هي انها لاتجافي الواقع من اجل البلاغة، بل من اجل السخافة، وهذه بحد ذاتها معترك هوائي ظلت بعض الدول تخوضه مع نفسها حتى انتهى بها الحال على انها لم تعد تعرف من الواقع واقعاً، ولم تعد تأبه للحقائق المادية بأي شيء، فبحسب " العنتريون الجدد " انهم اذا ما بالغوا في قدراتهم، فانهم يستطيعون ان يكسبوا دعم الجماهير المخدوعة بالشعارات، الا ان العالم الذي غدا قرية صغيرة لم يترك الا القليل من الفراغ للجهل، فالمعلومات متداولة على اوسع نطاق، والكل يعرف ما عي حقاً حدود الدعاية التي كلما بالغت في الادعاء اظهرت ضحالتها وضحالة الذي يقفون وراءها، وهذا ما يحدث في واقعنا الذي نراه احيانا كمحاكاة لعوالم الخيال العلمي جراء غموض الاحداث وسوداويتها، حيث اصحبت الجماهير تنقسم على نفسها، فهناك من يعي الامر ولاينقاد كالاعمى وراء تلك العنتريات الشعاراتية، ويحاول الصمود امام الاغراءات البلاغية، ويعلم بان العنتريات تلك ليست الا كطنين الذباب الازرق، وهناك من ينصاع اليها ويرى في الطنين طبول الحرب ضد اعداء الامة والدولة والدين والمذهب، فتتحول العنتريات تلك الى مجزرة تحدث على ارض الواقع، لان من يتبع العنتريات لايتوقف عند حدود القانون ولا التشريعات التي تبيح لهم في خروجهم للشارع امور وتحرم امور اخرى، امور تجعل من خروجه ظاهرة طبيعية سلمية واخرى تجعل من خروجه تهديداً على الامن القومي للدولة، حيث وقتها يرتفع دوي الرصاص ويسقط الالاف كما يحدث الان في اماكن متفرقة من الشرق الاوسط.
الحقائق حين تغلف بالعنتريات قد تجد الكثيرين ينخدعون بها، فيرون فيها طوق النجاة، لكنها في صورتها الاجمالية ليست الا ممراً لتلك الاجندات المتحكمة بعقول اصحابها، حيث يتحولون الى ممرات سلسلة سهلة لتمريرها لدولهم ولواقعهم العياني، وتدفع شعوبهم اللاواعية ثمن صفقاتهم مع تلك الاجندات، في حين البعض يتماسك ويراها بصورتها الاجمالية لكنه في الوقت نفسه يجد نفسه عاجزاً امام سطوة هولاء وعنتريتهم " أذاهم الشديد " صوت عنصريتهم، وعنجهيتهم، صوت حقدهم المذهبي الطائفي، صوت عصبيتهم القومية، فبذلك يحدث الخلل في موازين القوى داخل البلد الواحد، وتتجزأ المقدرات الداخلية وتنحاز في الغالب للاقوى سلاحاً وهدماً وتخريباً وتفريقاً وقتلاً، فتتحول البلاد الى ساحة فوضى ودخان اسود يلبس سماءها من كل صوب .
يقول محمد الشواهين في مقال له منشور في صحيفة الرأي بعنوان " العنتريات التي ولت " تعلمنا من التاريخ ان هناك ابطالاً ظل العرب يفتخرون بهم، في وقتنا الحاضر حتى لو ظهرت شخصية اسطورية كعنترة، فان الهزائم المتكررة التي منيت بها امة العرب خلال القرن الماضي، طمست كل المعاني الجميلة التي توصف البطولات والابطال، بيد ان ثمة اشخاصاً لاهم ابطال ولايحزنون ولايعرفون عن البطولات سوى الكلام الفارغ الخالي من اي مضمون، يريدون ان يكونوا في موقع الصدارة للتنظير على الاخرين فافكارهم السخيفة..."، وهذا بالطبع هو المفصل من الكلام، وبالطبع هنا ليس الغرض ان نخص العرب دون غيرهم من الاقوام الاخرى التي تسكن الشرق الاوسط، انما الرسالة موجهة للكل، لاسيما ان الاحداث التي تعصف بالمنطقة تعدت حدود الاعراب – العرب -  و الاتراك – الترك -  والفرس –ايران الحالية -  وحتى الكورد في بعض الاجزاء المحتلة من كوردستان – قمست كوردستان الى اربعة اجزاء بعد معاهدة لوزان 1923 بين كل من تركيا وايران والعراق وسوريا - .
ويبقى النداء الاسمى للواعين يجوب الازقة والاماكن المحترقة، والمكسوة بالدماء الزكية، الى متى ستبقون عبيداً للعنتريات التي يطلقها هولاء الذي لم يبيعوا اوطانكم فحسب، بل باعوكم انتم وباعوا قضاياكم وحياتكم لتلك الاجندات المتحكمة بهم، أ ليس الوقت قد آن لتؤمنوا بأن القضايا لم تعد تُحل بالولاء الاعمى، والانصياع الاعمى، ولا باتباع العنتريات، أ ليس الوقت قد آن لتعرفوا بأن عصر العنتريات قد ولى من غير رجعة..؟.


14
سيادة الدولة في الشرق الاوسط بين الوهم والواقع
جوتيار تمر / كوردستان
12-1-2020
اتسمت هذه الفترة من تاريخ منطقة الشرق الاوسط بصورة عامة والعراق بصورة خاصة بالمزيد من التوترات التي احدثتها التدخلات الواضحة والصريحة للقوى الاقليمية والدولية بشؤون دول المنطقة بشكل عام ودون حصر بالاخص تلك الدول التي لم تزل تعيش حالة من الفوضى السياسية وفراغ سياسي سيادي لاتحسد عليه، ومع تزايد الصراع بين تلك القوى الخارجية على دول المنطقة، اوجبت العملية العسكرية التي قامت بها الولايات الامريكية المتحدة تجاه بعض قادة الشيعة التابعين للحرس الثوري الايراني والحشد العراقي الشيعي الموالي تماماً لايران، اوضاعاً خاصة، حيث بلغ التوتر اقصاه، وتلى ذلك تصريحات وتهديدات ايرانية والاحزاب والمليشيات التابعة لها سوى داخل ايران او وخارجها لاسيما في كل من العراق وسوريا ولبنان وحتى اذناب ايران في فلسطين " حماس " ، فضلاً عن الموقف الدولي الذي وجدناه غير متوافق وغير واضح فيما يخص شرعية العملية لانها بلاشك ارضت الكثير من الدول باعتبار انها قضت على احد رموز الارهاب في المنطقة ككل، كما انها قصت اجنحة الحشد الشيعي العراقي وجعلت قادته الباقين يعيشون حالة من الفزع والذعر، ولم يكن خافياً على احد بأن تلك العملية كانت ردة فعل امريكية طبيعية تجاه ما كان قد قام به بعض قادة الحشد الشيعي والموالين لهم بالتوجه الى السفارة الامريكية في بغداد واقتحامها ، فكان ان جاء الرد الامريكي بشكل اكثر فعالية واعمق واكثر تأثيراً ليس فقط على العراق انما على ايران واتباعهم في المنطقة كلها.
نتج عن هذه التوترات عدة امور منها ماجرى داخل البرلمان العراقي الباحث عن السيادة الوطنية حيث خضع ممثلي الاحزاب الشيعية " غالبيتهم " للمنطق المذهبي الشيعي الموالي لطهران فبدل ان يبحثوا عن حلِ لمشاكل الشعب الخارج منذ اشهر للشارع في مظاهرات عارمة، وجدناهم يرددون " نعم نعم سليماني " في اشارة الى الجنرال قاسم سيلماني الايراني الذي استهدفته الطائرات الامريكية في تلك الضربة القاصمة للظهر فاردته مع ابو مهدي المهندس العراقي احد قادة الحشد الشيعي العراقي واخرين كانوا معهما، فضلاً عن قيام ايران باظهار عنترياتها من خلال اطلاق عدة صواريخ على ما سمته قواعد امريكية لاسيما في حدود اقليم كوردستان حيث اصابت تلك الصواريخ بعض الاماكن القريبة من مطار  " هه ولير " الدولي ، ومناطق اخرى بالقرب من ناحية برده ره ش الكوردية ، دون ان تسفر عن اية اصابات، كما انها اسقطت متعمدة احدى الطائرات الاوكرانية المدنية التي قضى فيها 176 شخص، وفي خضم هذه الاجواء المتوترة، والصراع المحتدم،  وجدنا الاحزاب الشيعية العراقية الموالية لايران يطالبون بعقد جلسة للبرلمان بهدف التصويت على اخراج القوات الامريكية من العراق، واجبار الحكومة العراقية على رفع مطلبهم بشكل رسمي للجهات المعنية على المستويين الدولي والامريكي، وتلى ذلك تصريحات وتهديدات  تتوعد القوات الاجنبية على ارض العراق، مع عدم نسيان بان ذلك العمل اللاسياسي – باعتباره حدث تحت ضغط ايراني صريح – احدث شرخاً في البنية السياسية والاجتماعية في العراق الفيدرالي، فكل من نواب الكورد والسنة لم يشاركوا في جلسة التصويت، مما يعني بوضوح ان الحاضرين كانوا ممن تم توجيههم من قبل ايران.
جرت كل هذه الاحداث بشكل سريع واخضعت المنطقة لقلق متزايد وخوف من ان تندلع الحرب بين امريكا وايران على ارض العراق، ولكن بلاشك ان الامر لم يكن الا مسرحية اخرى تهدف القوى الاقليمية والدولية من خلالها الى ترسيخ مصالحها بشكل اكثر على حساب شعوب المنطقة، وليس بغريب ان تخرج الشعوب للشارع ويبقى الساسة خلف المنصات المحمية ينددون ويحرضون  ويشيعون الفتنة بين اطياف الشعوب انفسها، كما انه ليس بغريب ان تخرج اذناب ايران في المنطقة لتعلن عن نفسها بشكل رسمي وتهدد الجهات التي تساند تواجد القوات الامريكية في العراق وفي المنطقة بشكل عام، منادين بحماية سيادة الوطن، والعمل على اخراج المحتلين للحفاظ على سيادة الدولة، والمناداة بالسيادة الوطنية المطلقة والى غير ذلك من الشعارات التي التحفت بها تلك الاحزاب الموالية لايران داخل العراق لتحريك الشارع العراقي، الذي وجدناه في ساحة التحرير اكثر ثبات وايمان بان هذه الشعارات لايراد منها سوى تفريغ الساحة لايران لكي تتحكم اكثر بكل موارد العراق، اي انها كانت بنظرهم كلمة حق يراد بها باطل، فمن يريد سيادة الدولة لايردد في جلسة رسمية للبرلمان نعم  لاحد قادة الحرس الثوري الايراني.
ولقد جعلتنا تلك الشعارات التي اطلقت تحت مسمى السيادة الوطنية، سيادة الدولة، السيادة المطلقة، الى النظر للموضوع بشكل اخر، ولعلنا من خلال الاسطر القادمة نعطي ملخصاً عن مفهوم السيادة، باعبتارها كما يراها " محسن افكيرين " تعتبر فكرة السيادة والاعتراف بها للدول من المبادئ المتفق عليها في ميثاق الامم المتحدة والاتفاقيات الدولية التي تصب في ذات الصدد، كم يرتبط مبدأ السيادة في قانون الامم المتحدة (القانون الدولي العام) مع انبثاق الدولة القومية الحديثة بعد معاهدة وستفاليا 1948 التي اقرت مبدأ السيادة (سيادة الدولة) باعتبار انها سلطة الدولة العليا والمطلقة على اقليمها – اي حدودها - ، اي حق الدولة في ممارسة وظائفها وصلاحياتها واختصاصاتها داخل اقليمها القومي دون تدخل من اية دولة اخرى (القانون الدولي العام)، وفي سياق الحديث عن الدولة يقول:  " محمد بلعيشة " اصبحت الدولة، وبحكم الصلاحيات الممنوحة لها، تتمتع بالسيادة التي تحدد علاقاتها بالدولة الأخرى؛ في فصل كل ماهو خارجي عن كل ما هو داخلي، واعتبرت القوانين والتشريعات التي سنتها الدول أثناء منشئها – سواء كان المنشأ ثورة أو انقلابًا أو انتقالًا- أن التدخل في شأنها الداخلي يعتبر أمرًا مرفوضًا يستدعي التصعيد والرد، وأصبح أمر التدخل في شؤون الدول، وإن خرقت المواثيق أو القوانين أمرًا صعب الحدوث، ان لم يكن مستحيلًا.( الدولة في الشرق الاوسط من القومية الى الهوية).
فالدولة بلاشك  كيان، وبناء استراتيجي، تضمن للمواطنين الأمن و الانتماء، وعبر العصور تطورت وفق متطلبات الفرد وفكره، لكن في الشرق الأوسط عصف بمفهوم الدولة وسيادتها، وساد منطق المرجعيات الدينية والعرقية، بدلًا من الدولة «الويستفالية»؛  لتشهد تصعيدًا يمكن توصيفه بالـ«حرب الباردة الشرق أوسطية»! توجهت من خلال هذه المنطلقات الجماعات العرقية والإثنية لتحمل مسؤولية بعض وظائف الدولة في تحقيق الأمن والمطالبة بالانفصال؛ وبالتالي الإنقاص من شرعية وسيادة الدولة في المنطقة ، وكما يقول "طلال العيسى": ان النظر الى مسألة سيادة الدولة وفق المذهب التقليدي يعطي الدولة حق الابتكار المطلق على اقليمها وشعبها دونما رقيب ولاحسيب على هذه السيادة ولكن الاخذ بالمذهب الحديث المعاصر الذي ينظر الى فكرة السيادة بواقع ما يشهده العالم من متغيرات بدأ يفرض نفسه حيث لم تعد هذه السيادة مطلقة بل على الاغلب لاتزال كذلك فقط على الاوراق او في نصوص المعاهدات والاتفاقيات الدولية بمعنى ان هذه النصوص مع مرور الزمن ماتت واصبحت مجرد حبراً على ورق، حيث نجد في ميثاق الامم المتحدة ابرز مظاهر التدخل في شؤون الدول والتي تحد من السلطات والصلاحيات السيادية للدول الذي جعل صلاحيات واختصاصات هذه المنظمة تشمل بالاضافة للنواحي السيادية والامنية والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها التي كانت تعتبر تقليديا من صميم الاختصاص الداخلي للدول ، ولقد استخدم حروشيوس مفهوم السيادة في كتابه قانون الشعوب ليدلل ان كل دولة تملك قرارها بنفسها وبذلك تصبح الدول متساوية السيادة وبذلك اكد على ان الدولة لها الحق في شن حروبها بدون مبرر او التنازل عن جزء من اقليمها او ضم اقليم من دولة اخرى وكل ذلك يعتبر هملاَ مشروعا في ظل مفهوم السيادة المطلقة، والواقع ان فكرة السيادة تقوم على انها مفهوم قانوني سياسي، بالمقصود بالسيادة : ان الدولة هي التنظيم السياسي الاجتماعي الذي يحق له وحده دون غيره ان يحتكر ادوات القوة التي يحتاجها، بما في ذلك ادوات القمع والاكراه لفرض سلطته على مجمل الاقليم الذي يشكل حدوده السياسية، وعلى الافراد الذي يقطنون هذا الاقليم.( السيادة بين مفهومها التقليدي والمعاصر).
على الرغم من وجود قوانين خاصة ومفاهيم سياسية خاصة تؤكد على وجود ما يسمى بسيادة الدولة، الا ان تلك المفاهيم وتلك القوانين ليست الا غطاء واضح للدول اصحاب المصالح  في المنطقة للتدخل بشكل واضح وتحت غطاء قانوني في شؤون الدول الاخرى، حيث ان هذه المفاهيم غير المتوافقة بين ما هو تقليدي ومعاصر، وبين ما هو مكتوب وما هو ماقعي ملموس، جعلت الشعوب تعيش حالة من الهذيان السياسي ولم تعد تعرف بشكل واضح ما هو سيادي مستقل وما هو سيادي مصلحوي وما هو سيادي تابعي، وبذلك دخلت شعوب المنطقة باكلمها في دوامة من موجبات المصطلحات التي لاتخدم سوى مصالح القوى الاقليمية والدولية دون اية اعتبارات لشعوب المنطقة، وهذا ما فرض وجهة نظر اخرى، حيث وجهت انتقادات كثيرة الى نظرية السيادة، حيث نجد بان هناك من يدعو الى استبدال مصطلح السيادة بمصطلح الاستقلال، فقد ذكر" هاشم بن عوض" ان السيادة مصطلح غير قانوني ولايشير الى اي معنى ثابت، ولكنه تعبير عاطفي بشكل كلي، كل شخص يعرف ان الدولة ذات سلطة، ولكن التأكيد على السيادة يؤدي الى المبالغة في سلطتها وتشجيعها على اساءة استخدامها.( السيادة بين مفهومها التقليدي وظاهرة التدويل).
وحين ننظر الى دول المنطقة من هذا المنظور الاستقلالي نجد عمق الهوة بين ما هو مدون ورقياً وبين الواقع العياني، فالعراق كأنموذج لايمكن ابداً ان نؤمن باستقلاليته لا ورقياً ولا سيادياً ولا واقعياً، لكونه ليس الا مستعمرة ايرانية من جهة، وساحة نزاعات بين القوى الاقليمية والدولية من جهة اخرى، ويفتقر الى اي نوع من انواع السيادة، فقراره السياسي ليس بيده، وتشريعاته لايتم تصديقها الا بمباركة اقليمية او دول ذات المصلحة، بل حتى انه يمكن ان نرى انموذجاً اخراً داخل ما يسمى بالسيادة الوطنية العراقية وهو ان العلاقات الخارجية التي تتبناها لاتقف على حاجات الشعب انما بما تفرضه عليه القوى الاقليمية كتركيا وايران، وهذا بالضبط ما حدث في موقف حكومة بغداد تجاه اقليم كوردستان أبان عملية استفتاء استقلال كوردستان 25-9-1917، حيث وافقت بغداد على دخول القوات التركية لعمق اراضي الاقليم التابع دستورياً لبغداد لضرب حزب العمال الكوردستاني المنتشر بشكل كبير في المناطق الحدودية، بالمقابل  ان تعلن تركيا معاداتها للاقليم والاستفتاء، في حين موقفها مع ايران واضح حيث ان الاخيرة وافقت على اغلاق المنافذ كلها بطلب من بغداد، بالطبع الامر ليس لان ايران خاضعة لبغداد ولكن لانها التي تعمل على وضع المسار الذي يجب ان تسير عليه بغداد، وبالتالي فان مفهوم السيادة المطلقة او الوطنية " الاستقلالية"  لم يكن موجوداً في اية مرحلة من مراحل تاريخ العراق المعاصر، لانها لم تكن  سوى اوامر خارجية تطبق داخل اروقة السياسة العراقية، وهذا ليس رأي شخصي انما هو واقع ملموس والناظر بعمق وبدون مذهبية او طائفية او عرقية قومية سيرى مدى خضوع العراق تحت تأثيرات هذه الجهات الاقليمية والدولية.
ولهذا نجد من حدد ماهية  "ميثاق مناحي العيساوي" الخرق السيادي الوطني وبحسب المفهوم السياسي من خلال ثلاث طرق: وهو إما اختراقها عن طريق الإغواء “من خلال توقيع الاتفاقيات السياسية والأمنية والاقتصادية والتحالفات العسكرية” وهذا مايحدث حالياً، أو اختراقها بالقوة العسكرية والأمنية “من خلال القوة الصلبة” كما حصل للعراق عام 2003، أو عن طريق اختراق مكونات الدولة الوطنية نفسها من الأسفل والتحكم بقواها الداخلية، وهي السياسة ذاتها التي تتبعها اليوم كثير من الدول الإقليمية ودول الجوار في العراق وسوريا، سواء من خلال دعمها للفصائل أو الحركات الداخلية المسلحة أو غيرها؛ من أجل أن تكون أداة سياسية وعسكرية متحركة وفقاً لأهدافها البراغماتية، وهذا الاختراق الأخير لمفهوم السيادة الوطنية يعد من أخطر أنواع الاحتلال الداخلي؛ لأنه يرتبط بروابط دينية أو مذهبية أو عرقية، مما يهدد الطيف الاجتماعي، ويضرب عملية الاستقرار السياسي في العمق.  (مستقبل السيادة الوطنية في ظل سياسة التحالفات والحرب على الارهاب).
والملاحظ لهذه لمفاهيم المطروحة حول السيادة الوطنية او سيادة الدولة سيجد بأن غالبية دول الشرق الاوسط تعيش تناقضاً واضحاً بين ما هو مدون في دساتيرها، وما هو مدون دولياً واقليمياً حول مفهوم السيادة الوطنية، وبين ما تقوم هي به من اعمال سياسية تذهب في كل اتجاهاتها الى الخضوع لمنطلق المذهب الديني او النزعة القبلية القومية، فكلما اشتدت الاوضاع داخلياً حتى تبرز الاصوات الخارجية التي تحرض اجنداتها الداخلية للقيام باعمال تعسفية تجاه المكونات الاخرى سواء من خلال تهميشها او محاربتها لكونها تطالب بحقوقها الدستورية المشروعة، او حتى من خلال ضربها بالقوة العسكرية، وبالتالي ينتج عن ذلك فوضى عارمة تهدد كيان الدولة الفاقدة في الاصل لسيادتها، وتهدد السلام المحلي والاقليمي والدولي معاً، فضلاً عن ظهور مدى ترابط القوى المنتهكة لحقوق السيادة الوطنية وتحالفاتها وتوحيد مساعيها وخطابها السياسي المعادي للمكونات الاخرى الرافضة للخضوع والتذليل، والداعمة للاستقلالية والحرية ، ولعل خطاب حسن نصرالله الايراني قبل ان يكون اللبناني وهجومه على حكومة اقليم كوردستان وعلى احد قادة الكورد البارزيين " البارزاني " ليس الا دليل محكم على تخبط هذه القوى " الموالية لايران " الخارقة لسيادة الدول الاخرى، والساعية لزعزعة اوضاع المنطقة ( لبنان – سوريا – العراق – اليمن )، كما انه دليل على فقدانهم لكل مقومات المقاومة الوطنية الحقيقية، وتمسكهم فقط بالخطابات والشعارات المحرضة التي لاتسمن ولاتغني عن جوع ، ونجد في رد حكومة اقليم كوردستان على نصرالله الايراني اللبناني ما يثبت الخرق السيادي الذي تمتهنه هذه القوى الموالية لايران " انك يا من لاتجرؤ على رفع رأسك خوفاً من اعدائك، مالذي يجعلك تتحرش بشعب لارابط يربطك به.."، موضحاً ان الرئيس بارزاني هو رمز صمود أمة وانت ايها الرعديد اصغر بكثير من أن تتطاول عليه..".


15
تظاهرات سلمية ام ثورية..؟
جوتيار تمر/كودرستان
5/12/2019
تعد المظاهرات السلمية احدى اهم انواع الاحتجاجات الشعبية كما يذهب اليه اسماعيل محمد البريشي في دراسة له عن المظاهرات السلمية بين المشروعية والابتداع، والتظاهر من حيث اللغة  كلمة مأخوذة من الظهير وتعني العون،واصطلاحاً تعني تجمع او سير عدد من الاشخاص بطريقة سلمية في مكان او طريق عام، بقصد التعبير عن رأي او الاحتجاج او المطالبة بتنفيذ مطالب معينة ومحددة، والتظاهر السلمي يعد احد ابرز الاساليب التي تستخدم للتغيير السلمي،  وعلى هذا الاساس هو تعبير جماعي عن الرأي، يهدف الى الضغط على جهة معينة، من اجل تحقيق مطلب معين، وقد تكون الغاية من التظاهر او الاحتجاج على او تأييد موقف او قرار معين، وحق التظاهر في المواثيق الدولية والقوانين المحلية امر منصوص عليه وفق مواثيق حقوق الانسان الدولية باعتباره جزء من حق التعبير عن الرأي او المشاركة السياسية، وقد اقرت اغلب دول العالم بحق التظاهر السلمي، والخلاف بينها هو في طبيعة القوانين المتعلقة بحق التظاهر السلمي، هل تنظم هذا الحق فقط، أم تلغيه فعلياً، كما يؤكد ذلك د.صبري محمد خليل في مقال له عن التغيير السلمي.
وتتفق اغلب المصادر القانونية ان السلمية  والتي تعني  - المسالمة -  كما وردت في معجم المعاني، وهي عقيدة تنفي اي مبرر للحرب وتعتبر ان كل النزعات بين الامم يجب ان تحسم بطريقة سلمية ، تعد ركن اساسي من اركان التظاهر، والسلمية بدورها تتخذ معايير  خاصة تجعل من المظاهرات قانونية لاسيما في الدول الديمقراطية، فمثلا ان يلتزم المتظاهرون بالامكان الخاصة بالتظاهرات التي لاتعيق سيرورة الحياة اليومية للافراد غير المتظاهرين ولا حتى المؤسسات الخدمية ولاتعطل الطرق ولاتخدش حياء الافراء بالفاظ نابية، كما انه من الضرورة ان تتوفر في اماكن التظاهر جميع المرافق والمسلتزمات التي لاتجعل من اماكن التظاهرات خراباً وموبؤة.
ومن الشروط الضرورية في التظاهرات السلمية في الدول الديمقراطية ان لاتؤثر في الاستقرار  والامن العام، وتكون بشكل حضاري ، والملاحظ في التظاهرات الشرق اوسطية بصورة عامة باستثناء تظاهرات لبنان الاخيرة، انها تسبب في اتلاف المال العام والخاص، حيث تتعرض بعض المؤسسات وبعض المقرات المخصصة للاحزاب السياسية وحتى بعض المحلات العامة للاتلاف كما انها تعيق مظاهر الحياة العامة من خلال اجبار بعض اصحاب المحلات لغلق محلاتهم خوفاً من استغلال التظاهرات والهجوم عليها وسلبها، وكذلك غالباً ما تسبب المظاهرات في تعطيل الطرق وحركة الجسور المؤدية الى المؤسسات الحكومية سواء الخدمية او غيرها، وبالتالي انها ترسم صورة سئية للدولة بسبب الامور التي ترافق التظاهر من حرق السيارات وحرق الاطارات وسد الطرق بالحواجز الكونكريتية ووالصخور والنفايات.
وبذلك لايمكن تصنيف تلك التظاهرات ضمن اية اعتبارات اصطىلاحية سياسية دولية او قانونية، غير انها تسبب الفوضى، فلاهي قادرة على البقاء ضمن الدوائر القانونية للتظاهر، ولا هي ثورة ، ففي علم الثورات يتم تعريف الثورة السلمية – كما ورد عن منظمة الحريات للتواصل بين موظفي قطاع العدل بالمغرب - على انها فعل مقاوم هدفه انهاء الاستبداد ويعتمد على المقاومة المدنية بهدف سلب السلطة قدرتها على اخضاع الشعب وذلك بدفعه للخروج للمطالبة بحقوقه واظهار العصيان المدني وايضاً سحب دعمه للنظام الحاكم، وفي اية دولة او مجتمع لاتستمد السلطة شرعيتها الا من خلال الدعم الشعبي لها، وذلك بعيداً عن العنف الذي يمثل اساساً في الهجوم العسكري وحرب العصابات والاغتيالات، ومن المفارقة ان نلامس بأن الشعوب الشرق اوسطية على الرغم من انها تدعي بانها تقود تظاهراتها سلمياً وبعيداً عن العنف الا انها سرعان ما تنخرط في اعمال التخريب من حرق السيارات واغلاق الطرق واستخدام الالفاظ النابذة والى غير ذلك، والمفارقة ايضاً انها في الغالب تخرج لمطلب صريح ومحدد، وسرعان ما يتحول ذلك المطلب الى مطاليب اخرى جزئية متفرقة تؤدي بالتالي الى عدم وجود نمط مستقر في الرؤية التظاهراتية ضمن دوائر ثابتة واهداف محددة، لكونها حتى حين تحصل على المطلب الرئيسي والذي خرجت في الاساس من اجله نجدها تستمر  في حركة العصيان ونفسر مطاليبها بتفسيرات اخرى تكون معقدة على المستوى السياسي باعتبار ان الدولة بسلطتيها التشريعية والتنفيذية لاتكون قادرة على تنفيذها لانها ستؤدي بالدولة الى السقوط ولايمكن تشكيل حكومة وطنية كما ينادي المتظاهرون بشخصيات لاتملك الدعم السياسي والمالي داخلياً واقليمياً ودولياً، لان الدول في الاساس قائمة على اعتبارات وطنية في قوالب دولية مكبلة بسلسلة من القوانين الدولية والمعاهدات التي ترسم لها ملامحها وقيمتها ككيان وسيادة.
على هذا الاساس يمكن النظر الى التظاهرات في الشرق الاوسط بصورة عامة وفي العراق الان بشكل خاص على انها خاضعة لتناقضات مطاليبية من جهة، ولضغوطات قانونية من جهة اخرى، فالتناقض في المطلب الاساسي الذي كان اسقاط الحكومة واستقالتها تحول الى  مطلب شعاراتي لايمكن تحقيقه على ارض الواقع، لانه في الاصل لا العراق ولا اية دولة اخرى في المنطقة كلها تمتلك تلك السيادة المطلقة بعيداً عن التدخلات الخارجية المتمثلة بالمنظومة الدولية ومصالح تلك المنظومة في المنطقة، لذا فان شعار نريد وطن امر اعتقد بانه أُطلق لاثارة العواطف الجياشة للشعب بالاخص الشرائح العاطلة عن العمل والشرائح المهمشة التي تنظر الى السلطة على انها السبب في ما هم فيه من فقر وبطالة وضياع، فتتحول تلك المشاعر الى عداء واضح تجاه الحكومة نفسها وقياداتها، ومن ثم الى الجهات الموالية والداعمة للحكومة داخلياً وخارجياً، فداخلياً تتجه انظار المتظاهرين الى المراكز والمقرات والمؤسسات الحزبية واحياناً الحكومية حيث تحرق وتنهب وتؤدي بالتالي الى وقوع ضحايا بين الجانبين، وخارجياً تتجه الانظار الى اكثر دولة مؤثرة على القرار السياسي الداخلي وتتدخل بشكل مباشر في سيادة الدولة فيبدأ المتظاهرون بالتنديد بها والمطالبة باخراجها من الدولة.
وهنا تبرز مفارقة اخر ففي حين يحتاج التغيير بالعنف بشكل اساسي للقدرة الجسدية والتفوق المادي فانه بالمقابل يحتاج التغيير باللاعنف الى الذكاء العقلي والتفوق الاخلاقي، فبالعقل يمكن ابتكار وسائل متجددة وضرورية لرفض النظام القائم المستبد، بينما يضمن التفوق الاخلاقي على الخصم اتساع تأييد الشعب وكسب التعاطف الدولي، فتتحول الثورة السلمية بخطوطها العريضة الى موضوع دولي وتدخل دولي اممي وفق القوانين المتفق عليها دولياً، والغريب في الامر انه لحد الان لم ترتقي التظاهرات الى مستوى الثورة بل ان الطبقة المثقفة والواعية والسياسية المعارضة نفسها لم تتفق على اطلاق تسمية موحدة على ما يحدث في العراق بالذات فبين قائل بالثورة واخر يردد شعار المتظاهرين نريد وطن واخرون يرون بان اسقاط الحكومة وتشكيل اخرى من الشعب داخل ساحة التحرير والى غير ذلك من الاقاويل والطروحات التي اطلقت خلال هذه الفترة حول التظاهرات في العراق.
وكوجهة نظر شخصية كان من المفروض ان يتم تكثيف العمل وفق آليات مقننة يتم من خلالها توجيه التظاهرات لهدف اساسي ومحدد وعدم السماح للتأويلات العامة ان تفسد الصورة الحقيقية التي خرجت من اجلها التظاهرات وهي استقالة الحكومة واعطاء المجال لتشكيل حكومة جديدة وفق الدستور والفترة المنصوص عليها دستورياً مع التأكيد على السقف الزمني المحدد لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات ودون انتظار المخاصصة والمحاصصة كي تحكم على الواقع السياسي من جديد، فضلاً عن جعل قانون التظاهر سلاحاً بيد الشعب لتهديد اية سلطة مستبدة، والعمل على نشر الوعي بين الجماهير بالابتعاد عن ما يعكر صفو التظاهرات قانونياً وضلك من خلال التأكيد على العمل المدني، فضلاً عن التأكيد بأن الشعب مستعد للخروج مرة اخرى اذا ما وجد بأن التدخل الخارجي والدعم الخارجي لجهة معينة هي التي حسمت امور تشكيل الحكومة.
ولكي يتحقق كل هذا على الجماهير الشعبية ان تؤمن بقدرة بلدها على الدخول في هذا المعترك السياسي وفق اسس حضارية، وهذا لايتطلب الوعي فحسب بل تقنين التظاهرات كي لاتكون سلاحاً بيد احزاب سياسية معارضة تحرك الجماهير متى ما شاءت، لذا فانه من الحكمة ان تعي الجماهير بان ممارسة حقوقها السياسية يجب ان تكون من خلال قنوات شرعية، فالقانون يكون هو الحكم، وان العدالة لاتقف عند باب اصحاب النفوذ والمال والسلاح، وانها لاتفرق بين جميع فيئات الشعب، كما يذهب اليه شادي طلعت في دراسته عن معنى التظاهر واركانه، فضلاً على ان يشمل قانون التظاهر تحديد اماكن خاصة كي لاتعطل الحياة اليومية المؤسساتية والفردية، على ان تكون تلك الاماكن مجهزة لاغراض ومتطلبات التظاهر، بالاضافة الى ان تعي الجماهير بأن تتظاهر وفق دوائر ومطاليب محددة وان لاتتأثر عاطفياً بالشعارات التي يطلقها البعض لربما هي في الاصل تأتي لاثارة الشغب والتخريب مما يمهد للسلطة بأن تستخدم العنف والسلاح تجاه المتظاهرين مدعية بان تلك التظاهرات خرجت عن مسارها واصبحت تهدد الامن القومي، وحين يتعلق الامر بالامن القومي فانه لاقوة ستردع تلك الحكومات من استخدام كل الوسائل لاسكات الاصوات والقضاء على من تراها تعارض سياستها، ومن جملة القوانين التي يفترض ان تلتزم بها المظاهرات هي ما يتعلق باحترام الاجهزة الامنية والشرطة لحقوق المتظاهرين طالما هم محافظون على القوانين المتعلقة بحق التظاهر، ولعل التأكيد على اهمية التزام التظاهرات بالسلمية فعلاً وقولاً، ضرورة قصوى، بحيث لاتتعرض للمؤسسات الحكومة ولاتقوم بحرق مراكز الاحزاب حتى وان بدت لها احزاب فاسدة ناقمة حاقدة، فاتلاف المال العام يعد قانونياً امرً دافعاً للسلطات باستخدام القوة تجاه المتظاهرين، وحتى القيام بالكتابة على الحوائط والمحالات العامة والاماكن الحكومية امر يستحسن الابتعاد عنه لانه قانونياً يدخل تحت سقف اتلاف المال العام، والابتعاد عن اتلاف مال عيني للدولة او للافراد امر حضاري ويساهم في خلق صورة حضارية للمتظاهرين امام الرأي العام العالمي وبالتالي من خلال تلك المظاهر يمكن للمنظمات والقوى الانسانية التحرك من اجل دعم حق المتظاهرين فعلياً، اما غير ذلك فانه يتم تقييد تلك المنظمات والقوى الانسانية من التحرك، لان في الاصل التظاهرات تعد خارجة عن القوانين المسننة دوليا، ويعتبر اي تعامل للسلطات مع تلك التظاهرات امر داخلي.


16
لماذا لاتتوافق الوطنية الشرقية مع القومية
جوتيار تمر / كوردستان
15-10-2019
يثير مفهوم كل من الوطنية والقومية جدلاً واسعاً بين الاوساط الثقافية العامة، وعلى الرغم من الصعوبات التي تعتري طريق اي باحث للوصول الى مفهوم حتمي ومطلق لكل من الوطنية والقومية، الا ان السياقات العامة لشرح وتفسير وتوضيح معالم المفهومين تساهم ولو بشكل نسبي الى فرض ايديولوجية مقننة ومقنعة الى حد ما عنهما، مع الاعتراف بعدم التعميم والفرض القسري لذلك، لان حالة الاختلاف في الاراء وحتى الدراسات الاكاديمية لم تستطع ان تفرض ذلك اجمالاً.
تُقر الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية اثناء تعريفها لمفهوم القومية على تنوع واختلاف الاراء والدراسات والبحوث حول مفهوم القومية، الذي يعتبر من المفاهيم التي برزت الى الوجود مع عصر النهضة، بعد ان اضحت الدول القومية هي الوحدات السياسية الفاعلة مع المحيط الدولي، وعلاقاته المتصارعة، اذا لم تفلح جهود الباحثين التي بذلت خلال قرن كامل في دراسة القومية والتي هي حسب راي بويد شيفرد" نوع من الولاء للجماعة، يحرك الانسان ويحفزه الى ابعد حد ممكن"،  في الوصول الى تعريف دقيق مقبول لها، فضلاً عن ذلك فقد ظهرت حول القومية العديد من النظريات التي اوضحت اراء مختلفة حول سبب الخلاف بشأنها وبذلك لا يوجد اتفاق قطعي مطلق ايضاً بشأن اسباب الاختلاف حول مفهوم القومية.
اما ما قد يتفق عليه بصورة عامة ، هو ما يمكن ان يكون حول شكل القومية النسقي تاريخياً باعتبارها تقدم اولوية لادعاءات الولاء الفردي والسيادة الكاملة كهدف دائم لبرنامجها السياسي، وعن ذلك يذهب ميستشافيك نيناد في نص له حول نظرية القومية وتعريفها وانواعها وعن الجدل الاخلاقي حولها، الى انه يستعمل لفظ القومية عموما لوصف ظاهرتين، الاولى: موقف اعضاء أمة ما حين يهتمون بهويتهم القومية، والثانية: الحراك الذي يتخذه اعضاء امة ما في السعي لتقرير المصير او الحفاظ عليها، تتجه الظاهرة الاولى الى مفهوم الهوية الوطنية والتي يقول عنها ميستشافيك بانها تعرف غالبا باعتبار الاصل المشترك او الاثنية او الروابط الثقافية، وخصوصا عما اذا يجب اعتبار عضوية الفرد في وطن ما ارادياً ام غير ارادي، اما الظاهرة الثانية فتثير اسئلة عما اذا يجب فهم تقرير المصير على انه يتضمن امتلاك دولة معترف بها مع سلطة كاملة على القضايا الداخلية والخارجية، ام ان المراد شيء اقل من هذا الاعتبار.
تلك الاشارات تحيلنا الى اهمية البحث عن تعاريف اخرى للقومية، لادراك مدى التفاوت والتعارض بين الرؤية المقدمة حولها من قبل الاكاديميين والمختصين، فالقومية عند البعض هي فكرة سياسية، وجهة نظر فلسفية ترى انه توجد لكل شعب قومية هوية مشتركة، ويوجد لها حق في ان تكون لها دولة خاصة بها، وبذلك فانها – القومية – مجموعة ذات خصائص متجانسة ومميزة، تتطلع الى تجسيد حقها في تقرير المصير ضمن دولة سيادية وفي رقعة ارض محددة، وذلك بخلاف بعض المجموعات الاثينة التي لاتتطلع الى اقامة دولة خاصة بها.
وهنا يتم اثارة العديد من التساؤلات التي يمكن استنباطئها من التعريف السابق لاسيما فيما يتعلق بالتقسيم الحاصل حول الجماعات الاثنية، الاولى الساعية لتحقيق حق المصير، والثانية التي لاتتطلع لتحقيق ذلك، حيث تفرض علينا البحث عن الرؤية الاجمالية التي تعطي الحق للبعض في المطالبة بحق تقرير المصير والبعض الاخر عدم الحق، وهذا ما يتوقف في الاصل على المجموعات الاثنية التي توجد لها اسس انتمائية فقط فان للقومية اسس انتمائية ومكتسبة ايضاً، يمكن للهوية المشتركة لابناء القومية الارتكاز الى اساسين: اثنية ثقافية وسياسية مدنية اي اسس اثنية واسس سياسية، وبذلك تشير احدى الدراسات ان القومية ترتكز على اساسين: الاول هو الاعتراف والرغبة في العيش المشترك لابناء القومية " الاعتراف والوعي " ، والثاني الرغبة في اقامة دولة ذات سيادة لابناء القومية، والاساسين في حالة الشرق تكاد تكون معدومة تماماً، لانه لايوجد في الاصل اية ادعاءات نابعة من القيم الاخلاقية البعيدة عن التسلط والقسرية حول امكانية العيش المشترك عبر الاعتراف بالاخر ووعي وجوده بعيداً عن الاستغلال والتهكم والسخرية والتنقيص من اهمية وجوده باعتباره كيان اثني تاريخي متزامن مع وجوده او في الاصل سابق لوجوده في منطقة استيطانه الاصلي غير المكتسب مثل المتسلط، وهذا ما يحيلنا بالتالي الى مفهوم اخر وهو ما يتعلق بالوطن الذي يتعلق بقضية القومية في شكلها العام وذلك عبر تحديد معالم الفضاء بين المجال الاثني – الثقافي ويشمل الجماعات الاثنية الثقافية او الامم، وبين مجال التنظيم السياسي،حيث تعتمد الاسس الاثنية- الثقافية على مقومات الاصل، اللغة، الثقافة والتاريخ واحيانا على الدين المشترك ايضاً، حيث ان هذه المقومات هي ما تميز قومية عن مجموعة اخرى.
وبالتالي فان ادراك معالم القومية ضمن الاطر المتاحة لاتتم عبر اثارة المفاهيم الوطنية واقعياً، انما عبر اشكاليات اخرى من وعي وتقبل حق الاخر في اقرار مصيره طبعاً وفق منطق الرغبة في تحقيق ذلك، وهذا ما يمنحنا فسحة للبحث عن مجموعة اطروحات نافذة تخدم الرؤية والمفهوم والتي تؤكد عليها الدراسات الاكاديمية حول القومية ومفاهيمها ، ومن تلك الاطروحات ماتذهب الى الطرح من منطلق القيمة الداخلية، اي اللغة والعادات والتقاليد والى غير ذلك، ومن ثم الطرح من منطلق الازدهار، وهذا يتوقف على المجتمع الاثنوغرافي ومدى قابليته للتطور والازدهار، ومن ثم الطرح من منطلق الهوية والفهم الاخلاقي لاسيما فيما يتعلق بقيم المساواة والعدالة وكذلك من منطلق التنوع اي الاندراج ضمن المساهمة الفعلية للثقافة العالمية، والى غير ذلك من الاطروحات التي تساهم بشكل واخر لفرض رؤية واضحة حول الاشكاليات التي تمنح كل من القومية والوطنية مسارات متباينة وفق تداعيات واضحة المعالم لاسيما فيما يتعلق بالمرتكز القائم على الاثنو-ثقافي، وليس القومي-السياسي.
لانه اذا ما ارتكزت هوية دولة ما بصورة رئيسية على اسس اثنية مشتركة مثل التاريخ والثقافة واللغة والاصل او حتى الدين احيانا فاننا نطلق عليه اسم دولة قومية اثنية ثقافية، في حين اذا ما ارتكزت على اسس سياسية مشتركة، مثل القيم، المبادئ والولاء للدولة القومية السياسية، فاننا نطلق عليها اسم دولة قومية سياسية.
وعلى هذا الاساس فان معرفة  انواع القوميات التي يتفق عليها مجموعة من الاكاديميين والباحثين بشأن قضايا القومية والقوميات الاثنية، لربما تساهم في فتح اعين بعض الدول ذات السيادة القمعية للاثنيات المطالبة بحق تقرير المصير، ومن تلك الانواع ،القومية الكلاسيكية : وهي البرنامج السياسي الذي يرى بان الخلق والحفاظ على دولة ذات سيادة كاملة ملك لجماعة اثنية – شعب أو امة – كواجب أولي لكل اعضاء الجماعة، كما ان الالتزام بالثقافة الاثنو قومية المتعارف عليها في كل القضايا الثقافية هي من الواجبات الضرورية,والنوع الاخر القومية الكونية: وهي البرنامج السياسي الذي يدعي بأن على كل جماعة اثنية قومية ان تمتلك دولة شرعية وعليها تعزيز مصالح تلك الدولة، اما النوع الثالث القومية التخصيصية: هو البرنامج السياسي الذي يدعي بأن يجب على امة اثنية قومية ما ان تحصل على دولة خاصة بها، دون ان يشمل الادعاء نفس كل الامم الاثنية.
وعند النظر الى السياقات العامة لطرح انواع القوميات فاننا بصدد رؤية واضحة حول ما يحدث مثلاً  للكورد ضمن الدول التي تسيطر اولاً على الموطن الاصلي "للقوم"، ومن ثم حول السياسة التي تمارسها هذه الدول تجاه رغبة الكورد كأنموذج عام للقوميات والاثنيات في الشرق الاوسط في تحقيق حق تقرير المصير، لاننا اعلامياً نجد بأن غالبية هذه الدول تؤمن بهذه المفاهيم وهذا التقسيم حول انواع القوميات وقد تفرض دراستها في مناهجها الاكاديمية، ولكنها في الحقيقة تمارس بحق الاثنيات – القوميات الاخرى التخصيص، حيث تعطي لنفسها حق الحذف او الازالة، وذلك بعدم السماح لها بالمطالبة بحق تقرير المصير، كما حدث مع الكورد في العراق بعد مطالبة الكورد بحق الاستقلال عبر اجراء استفتاء استقلال كوردستان في 25-9-2017، وبالطبع هذا الرفض نابع من اولويات مقننة سابقة تاريخياً حيث تعطي السلطات الحاكمة " الدكتاتورية " الحق لنفسها باستبعاد جماعة اثنية عن حق المطالبة بانشاء كيان مستقل، واعطاء جماعة اثنية اخرى الحق في انشاء كيان مستقل، كما حدث بعد مؤتمر سيفر ولوزان المعروفين للعالم، كسابقة تاريخية حيث اعطي للحجاز العربي وللارمن الحق واستبعد الكورد من المعادلة " الحق " في اقامة كيان مستقل والحقت الكورد بمنظومة القوميات الجائرة.
وفي السياق التاريخي الذي تتبناه السلطوية القومية العرقية القبلية الشرقية، فانها تستند في جملة اعمالها على تلميحات ومواقف وحوداث مكتسبة عبر تخالطها مع اوروبا، حيث قامت بانشاء رؤيتها على البقايا التي افرزتها التجارب الاوربية سابقاً فيما يخص اقامة دول قومية لقومية واحدة على ارض دولة قومية، فالشرقيون استفادوا من الممارسات الاوربية باعتبارهم اسياد الديمقراطية وقاموا باسقاط تلك الاحكام على الجماعات الاثنية التي تعيش وفق المنطق التاريخي في اماكنها الاصلية، ولكنها وفق منطق الدولة القومية السياسية خاضعة لسيطرة قوميات اخرى احتلت او استوطنت ارضها لاحقاً، وهذه القوميات الغالبة تقوم بفرض سلطتها وفق ما يتطلب حماية مصالحها " القومية " دون اية اعتبارات فعلية وليست قولية للاثنيات الاخرى صاحبة الحق ، ومن المصادر التي تستقي منها التشريعات الشرقية من الغربية ما يحدث للباسك والكتالون في اسبانيا حيث الاخيرة غير مستعدة لتتنازل عن ارض لها ليقوم الباسك باقامة دولة اثنية على تلك الارض، وكل من تركيا وايران وسوريا والعراق ايضاً لايتنازلون عن ارض الحقت بدولهم بعد تقسيمات مصلحوية اجريت دون اشراك اصحاب الحق " الكورد " فيها بعد الحرب العالمية الاولى بالذات وضمن اتفاقيات مسبقة، لايتنازلون للكورد باقامة دولة اثنية على تلك الاراضي.
اجمالاً لايمكن في الغالب والدائم احالة اسباب فشل تلك القوميات لتأسيس كيان مستقل الى ذلك السبب لوحده، الا انه لايمكن التغاضي عن كونه الاهم والابرز، لان هناك جملة اسباب اخرى تشير اليها الدراسات الاكاديمية، ساهمت في فشل تلك القوميات في اقامة دولة لهم، مثل الهجرة المتزايدة التي ادت الى دمج الشعوب، ومن ثم اهمية ادراك ماهية الفصل بين القومية والمواطنة، نظراً لان مواطني الدولة هم ابناء قوميات مختلفة او ابناء مجموعات اثنية مختلفة، حتى ان كانت هناك قومية مهيمنة واحدة.
وعلى ضوء ذلك تثير احدى الدراسات سؤالاً مهماً وهو، هل تتطلب السيادة السياسية داخل قُطر أو عليه اقامة دولة او شيئا اقل بأسا من الدولة، وتضيف بان الجواب التقليدي هو ان الدولة مطلوبة، اما الجواب الاكثر تحرراً فهو بأن شكلاً من اشكال الاستقلال السياسي يكفي، ولكن بالطبع يكون كافياً اذا ما كانت الدولة واعية للقيمة الفعلية للعنصر الاثني الاخرـ لاسيما في العدالة والمساواة والشراكة الفعلية الديمقراطية في الوطن، وكما يقول " معقل زهور عدي " يقدم المفهوم الديمقراطي حلا للعلاقة بين الوطنية القطرية والقومية، فالانتقال من الوطني نحو القومي على الصعيد السياسي لا يمكن ان يكون قسريا بل لا بد ان ينبع من ارادة شعبية ديمقراطية، والمؤسسات الديمقراطية التي تتيح ذلك الانتقال هي وحدها القادرة على حمايته وتصويبه،
وفي مقال منشور في مجلة ثوت كو الثقافية ترجمها أنس ابو عريش بعنوان لماذا يكون الانتماء للوطن اكثر اهمية وجدوى من الانتماء القومي قدم تعريفاً مقنعاً الى حد ما للوطنية : فعرفها على انها الشعور بحب الوطن، واعتبر اظهار الوطنية امراُ ضرورياً للمواطن الصالح من وجهة النظر النمطية وقد يعتبر الشعور المشترك بين المواطنين بالارتباط والوحدة هو عنصر اضافي، وهذا الارتباط يحدث عبر العِرق المشترك، او الثقافة المشتركة، او المعتقدات الدينية او التاريخ، وهذه التشخصيات الواضحة غائبة تماماً عن التشكيلات الاثنية والقومية في الشرق الاوسط بالذات، بل تكاد تكون معدومة اذا ما نظرنا اليها بعيداً عت الصيغة الشعاراتية للافكار التي تطرحها الجهات ذات السيادة السياسية المطلقة والتي تخشى انفلات الاثنيات الاخرى من تحت سلطتها، وفي السياق ذاته قدم رؤية واضحة حول الفرق بين الوطنية والقومية، واعتبر ان كل منهما يستند على قيم ومشاعر مختلفة، حيث الوطنية تستند الى قيم ايجابية حول حب الوطن مثل الحرية والعدالة والمساواة ويشعر الشخص الوطني بنظام التعاون المشترك بين المواطن والحكومة من اجل حياة افضل في دولتهم، ولااعتقد بان مثل هذا المفهوم يمكن ان يسود في اية دولة شرق اوسطية بالذات لاستنادها على القيم التي تذهب الى اثارة وادارك المخاطر التي تنجم عن استغلال مفهوم الوطنية، حين تصبح عقيدة سياسية الزامية، وعندما تستخدم من اجل اثارة مجموعات سكانية ضد مجموعات اخرى بما يقود الى تقويض القيم الاساسية للدولة، كما يحدث في السودان والجزائر والعراق وسوريا وتركيا وايران ، على النقيض من القومية التي تستند الى الشعور بالتفوق العرقي على الاخرين – النظرة القبلية والعصبية القومية للاتراك والاعراب والفرس - ، كما تستند على عدم الثقة بالامم الاخرى، وعدم الموافقة على الانضمام لها، بما يقود الى الافتراض بان الدول الاخرى او الاثنيات الثقافية الاخرى هي منافس لها، وهذا الى حد ما وصف دقيق للحالة العامة للاثنيات التي تعيش في الشرق الاوسط بصورة عامةـ حيث انها تعيش ضمن دائرة المخاطر الوطنية، والقومية، وليس ضمن دائرة المواطنة العادلة والمتساوية بالحقوق والواجبات، وذلك ما يفرض علينا الايمان بالتناقض والتعارض والاختلاف بين مفهومي الوطنية والقومية.
يشير كمال غبريال في مقال له بعنوان بين الوطنية والقومية الى الاختلاف الواضح بين المصطلحين الوطنية والقومية ويشير الى كيفية استغلال العروبيون  -كانموذج لمقالنا هذا - لهذا المصطلح كما لو كان حد الوطنية مستغرقا في حد القومية بلغة المنطق، بمعنى اخر ان القومية العربية بنظرهم تشمل اوطاناً عدة، بما يؤدي بالتبعية الى انتفاء التعارض او التضاد بين المفهومين باعتبار ان الوطنية جزءاً من كل هو القومية، ولكن المتتبع للواقع العياني ضمن الاطار العام في العالم العربي سيدرك بان سعيهم لفرض الايديولوجية الوطنية هي ليس الا غطاء لفرض الهيمنة السياسية القومية على الاثنيات الاخرى داخل دولهم والتي وبحسب المفاهيم الدولية يحق لها المطالبة بحق تقرير المصير واقامة دول اثنية لها لما تملكه من مقومات اثنو-ثقافية من جهة، ومن رغبة في اقامة دولة مستقلة، كالامازيغ في الجزائر، والفور في السودان، والكورد في العراق وما حولها، وعلى الرغم من ان المفهومين يشتركان في كليهما عبارة عن شعور واعي لدى الفرد بالانتماء الى كيان اكبر من الذات، الا ان ذلك لاينفي الاختلاف الكبير بينهما، فالوطنية  بحسب غبريال ، شعور متوهم " واعي " لدى الفرد بالانتماء الى امتداد جغرافي بكل ما يضمنه من معالم جغرافية وبشر، تربط بينهم منظومة من العلاقات على اساس الملكية المشتركة لهذا الكل المسمى وطن، وذلك عبر مفهوم المساواة في الحقوق والواجبات، ليس من قبيل المثل الاخلاقية العليا او التقوى، انما بتطبيق قاعدة المساواة واعتبار ان اي خلل في تطبيق تلك القاعدة هو خلل في ابناء الوطن. في حين ان القومية تعني انتساب الفرد الى كيان اكبر هو " القوم " اي الى مجموعة من البشر يربط بينهم رباط محدد، كالعِرق او الدين او امتلاك الموطن بالوراثة، او ما يمكن ان نقول عنه استيطان، وهي ليست علاقة مواطنة. في السياق ذاته يؤكد على الفرق بين مفهومي الوطن والمواطن، ففي حين يكون انتماء الفرد للحيز الجغرافي في حالة وطن، فان علاقة الفرد بالموطن تكون علاقة غير مباشرة، بل قابلة للتغير مادام سيظل برفقة القوم  ومثال ذلك، ضمن الاطار التاريخي العالمي المهاجرين الى امريكا الذين تحولوا من بريطانيين كانموذج الى امريكيين وساهموا في حروب الاستقلال، وفي الاطار الشرقي الانتماءات المذهبية اقصد الولاء المذهبي، فعلاقة هولاء مرافقة لمصدر المذهب وليس للدولة.
وبذلك تكون القومية قائمة على مفهوم مغاير للوطن، ويستبدله بادعاء القوم امتلاك الموطن، ذلك المكان الجغرافي الذي يستوطنه دائما افراد او مجموعات لايندرجون تماما ضمن تعريف القوم المهيمن على الموطن، تماما كما يحدث في كل من السودان والجزائر والعراق وتركيا وسوريا، وهذا ما يؤكد نقص الوعي الشرقي – العربي – بما يخص الديمقراطية، بخلاف الوعي السياسي الاوربي وسويسرا كانموذج التي تجتمع اربع قوميات كبرى على الاقل يعيشون في اندماج وتوافق كامل، بينما في الشرق الاوسط " القومية " تتبع نهج التضييق على الجماعات الاثنية الاخرى ، بل ان محاولات اضطهادهم و ابادتهم  عرقيا قائم ومستمر كما هو الحال الكورد في كل من العراق وتركيا وسوريا وايران، وفي من غير الكورد في جنوب السودان وغربه، ومن خلال طمس معالم هويتهم الاثنية والثقافية –الامازيغ - في الجزائر .


17
قراءة في نص " طيفك والليل" للاديب والشاعر الكوردي عصمت شاهين الدوسكي

جوتيار تمر

النص: طيفك والليل
عصمت شاهين دوسكي
أتوسل بالليل
أن يجلي طيف محياك رقا 
ويبيح لإحساسي
أن يكون بين يديك رفقا
مالي ابحث بين أنفاسك مناديا 
وأرجو من آهاتك رحمة وشوقا
على سريرك المعنى ترسم أحلامي
وأنا بعيد بين الجبال والشعاب
حائرا ابحث عن طرقا
*************
آه من وجع الغربة
إن تفجرت حرمانا وعذابا وحرقا
آه من ربيع بلا ورود
وجنة بلا خل ودود
وبحر لا اغرق فيه غرقا
آه من طيفك لا يتركني
عن ذكريات يُحدثني
كنتِ فيه شمسا وأنا كنتُ غسقا
تيممي جمالا وفي محراب الليل
كوني امرأة تمسي لليل عشقا
***********
أنا يا سيدتي لا أتكرر ثانية
فابحثي عني بين الروابي صدقا
كل حروفي وكلماتي العارية معلقة
يتباهى بها العشاق لهفة ورمقا
لا تحملي طيفك عبئا بلا رتوش
طيفك ينساب كالماء ريا ودفقا
أينما كنتِ بين جدران مغلقة
تفتح الأبواب أمامي رمشا وحدقا
أنا الحب والتاريخ والعشق والبحر
ومن مثلي يعشق عمقا ورقا ..؟
القراءة : جوتيار تمر
حين يتخذ العنوان" طيفك والليل" مساراً ايحائياً قصدياً يجبر المتلقي على البحث في الماورائيات، وهنا لااقصد بها الماورائيات الميتافيزيقية، انما الماورائيات الصورية والمشهدية التي يمكن من خلالها نسج خيوط الصورة لاسيما حين تكون الخيوط في الاصل وجدانية قابلة للتعددية التأويلية والتخيلية، وهذا ما يدفعنا الى تقطيع العنوان الى ثلاث مشاهد تكاملية تعمل على استكمال الرؤية او النسج الصوري بدقة " طيف" حيث لامجال الا للتخييل حول ماهية الطيف ومحاولة التنصص من السؤال البديهي حول الاطياف انفسها خارج الادبيات، ولكن الجواب هنا لايتوقف على المسلمات التي يمكن ان يبحث عنها المتلقي في الكتب لانه موجود في " ك " التي الحقت بالطيف لتصبح الرؤية واضحة، بعمقها الوجداني التخيلي، فالشاعر هنا يناجي ملامح محفورة في وجدانه، لذا تعيش الذات مرحلة التجميع وليس البحث، لاسيما ان الشاعر الزمنا بجغرافية زمنية محددة " الليل " حيث تم عطف " طيفك" عليها ، فجعلنا نركب الصور الاجمالية للعنوان ونعيش التخييل وفق معطيات الشاعر الوجداني الذي يناجي طيف الحبيبة في الليل حيث السكون يجمع بين ملامح الصورة المنشودة والوقت الذي يناجي به الشاعر حبيبته وطيفها.
أتوسل بالليل
أن يجلي طيف محياك رقا 
ويبيح لإحساسي
أن يكون بين يديك رفقا
مالي ابحث بين أنفاسك مناديا 
وأرجو من آهاتك رحمة وشوقا
على سريرك المعنى ترسم أحلامي
وأنا بعيد بين الجبال والشعاب
حائرا ابحث عن طرقا
للمناجاة هنا مدخل بلاغي واضح " أتوسل " ، والجمع بين التوسل والليل امر مرهف، وحساس ، لاسيما حين يكون الشاعر على يقين بالحالة التي يعيشها، واليقين هذا لايأتي من الرؤية المباشرة للاخر، انما الفراغ المتروك في روح الشاعر جراء البعد ، اي بعد يكون، لذا لايجد الشاعر هنا غير المناجاة والتوسل ومن ثم البحث والمناداة ومحاولة استرجاع بعض الصور واللحظات الصوفية التي قضاها الشاعر مع حبيبته فيتوغل بلغة مفعمة بالحيوية وجادة في الوصف الصوفي بين الانفاس والاهات، والسرير ، حتى يشعر بحجم الهوة التي تفصله عنها، وحجم المسافات التي تبعده عنها، فلايجد نفسه الا وهو يعبر عن حالته المستعصية من خلال الرسم البلاغي والبياني لموقعه الجغرافي من جهة، ولحالته النفسية من جهة اخرى " الجبال / حائراً ".
آه من وجع الغربة
إن تفجرت حرمانا وعذابا وحرقا
آه من ربيع بلا ورود
وجنة بلا خل ودود
وبحر لا اغرق فيه غرقا
آه من طيفك لا يتركني
عن ذكريات يُحدثني
كنتِ فيه شمسا وأنا كنتُ غسقا
تيممي جمالا وفي محراب الليل
كوني امرأة تمسي لليل عشقا
ذلك الرسم البياني والجغرافي يتفجر لوعة في الذات، وتهيج الروح لتعيش غربتها على الوجهين البراني والجواني ، غربة المكانية ، وغربة الروح ، فتحيل الذات من مرحلة البحث والتقصي، الى مرحلة الشكوى، فها هي تبث شكواها "آه من ربيع ... وجنة بلا.. وبحر..." والجمع بين الربيع والورد وبين الجنة والخل، والبحر  امر ليس بالهين، لاننا امام تضاد حاد بين الدالة والمدلول، ذلك التضاد يخلق تماهياً واضحاً في نفسية الشاعر من جهة، وفي امكانية التخييل من جهة المتلقي، وهذا ما يعطي فرصة واضحة لتعددية التأويل والتخييل، وذلك امر اعتبره قسرياً احياناً لان الشاعر يجبر المتلقي على تلقي منطقه المخصوص دون السماح له بالابتعاد عن مساره وطريقه الذي يرسمه، ولكنه في الوقت نفسه في هذا النص يجعلنا نتعايش ونتعامل مع الحالة على انها استكمالية لجلب ورسم ملامح الطيف نحن كمتلقين، فذكرياته هي الان البوابة التي نستعين نحن بها لخلق تلك الصورة، التي سبق وان نطق بتفاصيلها الطيف والليل، فنراها متقدة ضمن دائرة ذكرياته، ومتوهجة كالشمس ومتيمة بالجمال الليلي.
أنا يا سيدتي لا أتكرر ثانية
فابحثي عني بين الروابي صدقا
كل حروفي وكلماتي العارية معلقة
يتباهى بها العشاق لهفة ورمقا
لا تحملي طيفك عبئا بلا رتوش
طيفك ينساب كالماء ريا ودفقا
أينما كنتِ بين جدران مغلقة
تفتح الأبواب أمامي رمشا وحدقا
أنا الحب والتاريخ والعشق والبحر
ومن مثلي يعشق عمقا ورقا ..؟
تحول الشاعر من وصف حالته وتوغل الطيف في ليله ، ومناجاته لها، بأن يعيد رسم الطريق الى عالمه المرهف والحساس والمنتظر لكي تنبلج صورتها من جديد، الى حدود اللأنا ، محاولاً بذلك ان يكمل نسج صورته، بجمالها هي، وبروحه العاشقة الصوفية الساعية لخلق عوالمها الثنائية معها هي، فأتت دون تلميح وتواري تعلن انها لاتتكرر، وهذا بلاشك دليل مصداقية الشاعر مع ذاته اولاً ومع الاخر ثانياً، ومن ثم يتوجه الشاعر الى التشبيهات والوصفيات التي تحدد ملامح روحه وذاته بحيث نجده يغالي في وصف وجوده وحروفه، التي من خلالها يحاول ان يعطي انطباعاً للاخر وللمتلقي بانها لاتأتي من فراغ ومن اللاجدوى العابثة، انما هي امتداد فطري لروحه التي تستمد قواها من الحب والتاريخ والعشق والبحر معاً، وعلى الرغم من امكانية وجود حالة من التضاد ايضا في الجمع بين هذه المسميات، الا انها تشكل في النهائية الوجه التكاملي للصورة التي اراد الشاعر ان ينسجها ويجعلنا نعيش اللحظات التي سعى فيها لجمع خيوطها، وكأنه من خلال سعيه اراد ان يبرهن لنا مهاراته التجميعية ومهاراته العشقية ومهاراته الصوفية للاخر وللذات ايضا، ومن ثم اراد منا ان نؤمن بأن عشقه لايتوقف عند حدود الظاهريات، انما عشقه اعمق من نلامسه بالظاهر، وهذا ما يعيدنا مرة  اخرى الى العنوان، حيث فرض الشاعر علينا منذ البدء البحث في الماورائيات الصورية والبلاغية كي نستطيع مواكبة رؤاها للنهاية.


18
العشيرة والعشائرية وجهان مختلفان
جوتيار تمر / كوردستان
19-8-2019
تحتل العشيرة مكانة بارزة في المجتمعات لاسيما الشرقية، بحيث اصبحت كما يراها البعض هي احدى اهم الاشكاليات التي تمر بها بلدان المنطقة، لاسيما من حيث نفوذها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الديني المذهبي، ناهيك عن المجالات الاخرى كالعسكرية التي تحولت هي الاخرى الى مؤسسات عشائرية تمدها العشيرة نفسها بالكثير من الامدادات البشرية والمادية، وذلك ما يفرض على الدولة ان تتعامل معها وفق قواعد مغايرة تعتمد على التوافقية والمسايرة في اغلب الاحيان بعيداً كل البعد عن روح القانون الذي من المفترض ان يتسيد هو الواقع.
مرت البشرية سواء في الغرب ام الشرق بمراحل تاريخية تسيدت فيها العشيرة  والعشائرية مقاليد الامور، ففي الغرب كما يقول حسني عايش: وقبل قيام الدولة واندلاع الثورة الصناعية وظهور الاقتصاد والتعليم الحديثين، كانت العشيرة والعشائرية سائدة فيها، ولكن بعد التحولات التي ذكرناها حلت الدولة والاحزاب والتيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومؤسسات المجتمع المدني محل العشائر والعشائرية، على الرغم من ان العشرة كرابطة دم وقرابة بقيت ولكن فقط كشجرة يعرف المرء من خلالها من اين جاء والى اين ينتهي، وبذلك لم تزل هناك العديد من العشائر موجودة او معروفة بسلسلتها او بشجرتها المدونة وليس المدعاة بالتاريخ الشفوي الذي لاسند له وهي على الرغم من نفوذها السياسي والاقتصادي خاصعة للقانون والدولة.
وفي الشرق تختلف الموازين والمفاهيم، فالعشيرة " العشائر " لم تزل متحكمة بامورها الاجتماعية وروابطها الدموية وتعمل على حل مشاكلها بنفسها، وذلك ما يجعل امورها تتداخل في الكثير من الاحيان مع امور الدولة نفسها لاسيما فيما يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية، او حتى المسارات السياسية الانتخابية والى غير ذلك، ان هذا التداخل هو الذي اضفى على مفهوم العشيرة بعض المتغيرات الحالية، فحولتها الى وحدة اجتماعية فعالة ومهيمنة وفق منطق العشائرية، كما ان تلك التداخلات نفسها جعلت بعض العشائر تمارس سلطتها لاقامة وحدة عشائرية، هذا التحول غير من مفهوم العشيرة وجعلها تختلف كلياً عن ما سائد حولها وعن ما هي عليه في الاصل.
 فالعشيرة كما يراها د . محمد الخطيب في كتابه الاثنولوجيا " دراسة عن المجتمعات البدائية " : هي وحدة اجتماعية تعتبر امتداد للاسرة وتتميز بتسلسل قرابي معين يتفق مع نظام سكني خاص ولذلك فان العشيرة هي وحدة مكانية ويعتقد افراد العشيرة الواحدة في وجود جد واحد مشترك قام بتاسيس العشيرة واحياناً يكون ذلك الجد شخصية اسطورية ، وينقل د. محمد احمد غنيم في كتابه الضبط الاجتماعي والقانون العرفي " دراسة في الانثروبولوجيا الاجتماعية " عن العالم الاجتماعي الفرنسي "دوركايهم"  تعريفاً عن العشيرة على انها مجتمع تتعدد فيه الزمر الاجتماعية ولكنه لايزال يحتفظ بوحدته وتجانسه وعدم قبوله للانقسام الى عدة مجتمعات تتمايز على الرغم من انها تتكون من الاسر الصغيرة التي لاتكون اقساماً سياسية متمايزة.
وبذلك تبقى العشيرة ضمن جغرافيتها المكانية والزمنية وحدة قائمة، تساهم كثيراً في حل النزاعات الاجتماعية، كما تساهم في مد الدولة بالكثير من الطاقات والخبرات العملية، وهي طالما خاصعة للقانون فهي منتجة، فعالة، ومهمة لاستكمال عملية البناء التي تسعى اليه الدول، لاسيما في الشرق بصورة عامة والشرق الاوسط بصورة خاصة، فافراد العشيرة حين يخضعون لمؤسسات الدولة يساهمون في تطوريها، وهذا ما جعل علاء ناجي يذهب في دراسة اكاديمية له منشورة على الانترنيت بعنوان " الدور الاجتماعي للعشيرة في تحقيق السلم المجتمعي "،الى ان العشيرة كانت ومازالت وحدة سياسية واجتماعية واقتصادية  تمارس دوراً مهما في ضبط سلوك افراد المجتمع وكذلك تلعب دورا رئيساً في حفظ كيان المجتمع من الاخطار الخارجية، كما ان لها الدور الاكبر في فض النزاعات والصراعات وكذلك معالجة المشاكل التي تواجه الافراد، وهي تحافظ ايضا على تجانس وتماسك الافراد بصورة خاصة وباقي افراد المجتمع بصورة عامة. اذ ان العشيرة هي مؤسسة اجتماعية سياسية تهدف الى تحقيق الامن والاستقرار وبث الطمأنينة بين الافراد وزرع الألفة والمحبة وغرس المودة واصلاح والتكافل الاجتماعي ونبذ التطرف والعنف والصراع بينهم.
وعلى الرغم من قيامه بالخلط بين مفهوم العشيرة والعشائرية في دراسته الا انها اعطت رؤية واضحة حول اهمية الدور الذي يمكن ان تقوم به العشيرة داخل المجتمعات بصورة عامة، ومع ذلك يتوجب علينا البحث عن وجه الاختلاف الحقيقي بين تلك المفاهيم التي ذكرناها حول العشيرة و بين مفهوم العشائرية التي يراها حسني عايش على انها عقلية او اتجاه سياسي يسعى الى تحويل العشيرة الى نوع من الحزب السياسي في مواجهة العشائر الاخرى، والاحتكام اليها في العلاقات الاجتماعية والسياسية، بهذه العقلية او التحويلة تصبح العشائرية شكلاً من اشكال الايديولوجية يرجع اليها ويفسر بها كل امر مثل تشكيل الحكومات، والانتخابات البرلمانية، والبلدية والنقابية، والمقاضاة، والوظائف العامة، المدنية والعسكرية وربما الاستثمارات والاعمال في القطاع الخاص. اي كالايديوجيات الاخرى مثل الايديولوجية القومية والايدولوجيا الشيوعية والايدولوجية الاسلامية وهكذا، عندئذ تصبح كل عشيرة – بالعشائرية – حزبا في مواجهة بقية اجنحة الحزب العشائر الفرعية داخل العشيرة او العشائر الاخرى عداً ونقداً. ولقد  افرزت عن هذه التحولات مصطلحات اخرى في بعض الدول الشرق اوسطية مثل الدكة العشائرية والتي يُعرفها د. عامر صالح في مقال له بعنوان "الدكة العشائرية بين الارهاب واعادة انتاج العشيرة – ملاحظات سايكواجتماعية " على ان مفهومها يتخلص باقدام مسلحين ينتمون لعشيرة على تهديد عائلة من عشيرة اخرى، من خلال عملية اطلاق نار بمختلف الاسلحة..... على منزل المقصود، كتحذير شديد اللهجة لدفعها على الجلوس والتفاوض لتسوية الخلاف، وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف تتطور الامور لتؤدي الى وقوع ضحايا من الطرفين. وهذا بالضبط ما يخلق المفهوم الصحيح للعشائرية التي تتحول الى قوة سلبية على الساحة الاجتماعية، وتؤدي دوراً فوضوياً في المجتمع والدولة، ومما لاشك فيه ان هذه الظاهرة لاتخدم الرؤية الصحيحة للعشيرة كوحدة اجتماعية متماسكة انما تفكك العشيرة نفسها الى وحدات اخرى مغايرة تخدم مصالحها على حساب العشائر الاخرى وبذلك تُحول العشيرة وجودها الى عشائرية ساعية لفرض هيمنتها، وهذا لايحدث الا كنتيجة حتمية لضعف الدولة ووجود خلل في اجهزتها ومؤسساتها، حيث تصبح العشائرية مفهوماً وقانوناً في تلك الدولة ويرجع اليها حتى في الانتخابات وتوزيع المناصب والايرادات، وحين تعتمد الدولة في سن قوانينها على المرجعيات بصورة عامة تدخل في نفق مظلم لاتخرج منه الا بخسائر لايمكن تعويضها على جميع الاصعدة، فالتاريخ يؤكد على ان المرجعيات القبلية التي تضم داخل جغرافيتها العديد من العشائر، لم تستطع ان تسيطر على جميع تلك العشائر لاسيما التي امتلكت طموح السلطة والريادة فحولت مساراتها للتمرد والسعي للحصول على مكتسبات، وباتت تشكل تهديداً على النظام العشائري المتماسك داخل القبيلة نفسها، ما نتج عن ذلك فوضى داخل الدولة.
ووفق هذه المتحولات والمتغيرات التي طرأت على دور العشيرة – العشائرية – اصبحت الشعوب تنظر الى مفهوم العشيرة بسلبية وترجع اليها جميع الاخفاقات وجميع الانكسارات التي تحدث سواء على المستويات الجماعية او الفردية، على الرغم من ان الامر مجحف بحق تلك العشائر _ العشيرة – التي حافظت على كيانها ووحدتها الاجتماعية وتساهم بشكل ايجابي في مد الدولة بمقومات الاستمرارية من خلال دعمها والامتثال لسياستها وقوانينها،كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات، ولم ينخرطوا في تلك الاعمال التي تجعل منهم حزباً او ايديولوجية مناهضة للدولة، بالعكس تماما فانها تقدم نفسها انموذجا للتعايش السلمي. وهذا ما يفرض علينا البحث عن الظروف التي تحفز العشيرة لتقبل المتغيرات والتحولات السلبية، والتي تجعلها تتحول تدريجياً الى حزب سياسي او ايديولوجية فتخرج عن سلطة الدولة ولاتعترف بقوانينها، وتفرض وجودها بالقوة والسلاح كمكون اساسي ورئيسي للعملية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدولة.



19
جدلية العود الابدي للتاريخ
جوتيار تمر / كوردستان
1-8-2019
يعد التاريخ من الاولويات التي يهتم  به الانسان ويعمل على تدوينه لانه في وعيه العياني " الحاضر " يبحث عن منافذ يتسلل من خلالها الى مستقبله وهو يدرك بان ذلك الامر لن يتحقق دون العودة الى ماضيه ووعي تلك المراحل التي مر بها، وفلسفة التاريخ ليس الا مخاض هذا الوعي وهذه الرغبة للانسان في استنطاق ماضيه من خلال تلك الاثار التي خلفها على جميع الاصعدة، الحياتية اليومية ، الفكرية ، العمرانية ، وحتى الظواهر الطبيعية والى غير ذلك من تلك المخلفات الانسانية التي تعتبر في معطياتها مخلفات تاريخية. وهذا ما يمنطق بالتالي الرؤية الحداثية لمفهوم التاريخ او لنكون اكثر دقة فلسفة التاريخ وبعبارة اخرى مفهوم التاريخ في الفلسفة، باعتبار ان التاريخ فلسفياً ليس مجرد نقل ورواية وسرد الاحداث والوقائع ، انما هو دراسة  كُلية وتحليل تلك الاحداث وفق رؤية اكثر  عمقاً من الرؤية الظاهراتية ، ومن ثم تحليلها لادارك ماهية تلك الاحداث والاسباب التي كانت ورائها، ومدى التاثير الذي خلفه سابقاً وحديثاً على الانسان، ومن خلال ذلك يمكن النظر الى المستقبل وفق تداعيات نسبية، وهنا يكمن مكمن القول " نسبية " لان تلك التأثيرات في الحاضر يتحكم بها جملة متغيرات وتحولات غير قابلة للثبات، والقول بعدم قابليتها للثبات يأتي من خلال التحولات الاقليمية والدولية وفق الصراعات على جميع الاصعدة " القومية – الدينية المذهبية – الايديولوجية – الاقتصادية... " وبالتالي الرضوخ ل" بان مراحل التاريخ السابقة تحتم الحالية بكلية مطلقة امر غير مقبول، وغير منطقي" ، لأن القديم يمكنه فتح اعيننا على ما مررنا به لنصل الى هذه المرحلة الحالية، لكنها ليست شرطاً مطلقاً لان نبقى كما يفرض علينا تبعيات تلك المراحل، وهنا يأتي دور حركية المجتمعات التي تُقر دور الانسان في صناعة التاريخ ، وبالتالي فان الجدلية التي تفرضها احيانا الوقائع والاحداث وفق ما هو سائد " التاريخ يعيد نفسه " لايمكن اطلاقها وتعميمها اكاديمياً، فالشعوب التي تعمل على زيادة وعيها يمكنها اعادة تدوير المفهوم وفق قاعدة اخرى، وهي ان التاريخ لايتوقف عند نقطة التحول الوحيدة في حياة الشعوب، اي ان النقطة الاكثر تألقاً وعظمة عند الشعوب يمكنها ان البقاء كنقطة اكثر تألقاً وعظمة ولكن ليس الشرط ان تظهر النتائج بصورة فورية فالوقتية هنا خارجة عن زمنية تتعدى حدود الزمن الذي يحدد ملامحه الانسان بكامل وعيه، لذلك ادوات التطوير والنمو والسير نحو الحرية كما يراها هيجل تحتاج الى التأني في تأمل مفاهيم التاريخ وعدم الخضوع للمنطق السائد على انه قطعي ومطلق، التكرار يمكن ان يكون نقطة تحول مغايرة للشعوب حين يتعاملون مع المكررات بوعي اخر غير الذي تم التعامل معها سابقاً" التغيير "  وبذلك تحقق الشعوب نقلة موضوعية ومهمة في تاريخ وعيها البطيء للتاريخ نفسه، وللعملية التاريخية وصيرورتها ايضاً،وهذا هو ما يؤكده سارتر الذي يرى بأن التاريخ ليس قدراً او قوى تتحكم في الانسان، انما الانسان هو من يصنعه ويحوله عملياً ونظرياً، بمعنى اخر ان التاريخ يعتمد على وعي وارادة الانسان ، وهذا الوعي وتلك الارادة ليس شرطاً ان تظهر فجأة وبصورة واضحة المعالم لدى الشعوب، لكونها تحتاج الى الوقت الكافي للنمو والتطور وفق معطيات لاتنتمي للزمنية نفسها، فالانسان لايمكن ان يزرع بذرة ويتأمل ان تنبت في لحظتها، انما تحتاج الى نطاق زمني تتحكم به الظرفية من جهة، والبيئة من جهة اخرى، ومن خلال الامرين هذين يمكننا ان نحدد ملامح التاريخ بشكل اكثر وضوحاً، فالظرفية التي نسعى لتخطيها، يتحكم بها جملة متغيرات اقليمية ودولية وداخلية، وتلك المتغيرات هي وليدة الحركية، فالسائد ان الركود لايخلق متغيرات لاسيما على  مستوى الوعي، اما البيئة فلانها تمس المجتمعات وفق المتداول عنها والصادر منها، نجدها تحتم على الواعي والساعي لادراك او حتى تدوين تاريخيه ان يتأني في الحكم عليها، المجتمعات قد تكون في حالة سبات بنظر الكثيرين، وذلك حين ينظر اليها بمنظور شخصي ويسقط ما يمر به حياتياً شخصياً فكرياً عاطفياً على العام، وهنا تكمن الاشكالية التي تزداد سوءً يوما بعد  يوم  من خلال الانسلاخ التام من القيم الاجتماعية والبدء باتهام المجتمع بانه متخلف وغير واعي، ولعل النظر بعين اكثر عمقاً، والعمل بجدية لتحليل الوقائع والاحداث، ومن ثم الاخذ بنظر الاعتبار جملة المتغيرات على جميع الاصعدة، سيتبين للناظر بأن المجتمعات ليست راكدة، انما هي في نمو وتطور بطيء لاسيما مجتمعاتنا الشرقية لكونها تعيش وفق منطق مغاير للمجتمعات المتحررة من القيود الدينية والمذهبية والقبلية، وهذا التطور يجعلنا ان ننظر الى مسالة التكرار  وفق منطق اخر، ليس الذي يذهب على انه لايوجد شيء مختلف ومغاير في الحدث الاني الحاضر، بل هناك الكثير مما يجب ان نراه وراء الحدث نفسه، فعامل الخيانة مثلاً قد يكون متكرراً في تاريخ بعض الشعوب، لكنه في كل مرحلة يختلف عن سابقها، على الرغم من الهدف والنتائجية المتكررة وهي مثلاً زوال حركات تحررية لشعوب مضطهدة، والعامل المغاير يكمن في الوعي الذي يلتقط في كل مرحلة ذلك العمل الخياني ويسقطه على متغيرات ومتحولات مستقبلية، وهنا حتى ان لم يتغير الوضع انياً ولم تستطع تلك المجتمعات على التخلص من عقد الخيانة تلك، الا ان الوعي باسباب الخيانة ومن ثم الوعي بالنتائج المترتبة من الخيانة، ومن ثم تدويرها كمفهوم تاريخي يرافق ذلك الشعب بحد ذاته يعد تحولاَ مهماً، ويمكن عده ايضاً تغييراً ووعياً يمر بمرحلة تطور ونمو بطيء، وهذا ما يدفعنا الى القول بأن لكل حدث وواقعة تاريخية ملامح ظاهرية تتمثل بسرد اخبار تلك الحادثة والواقعة، وفي الوقت نفسه لها ملامح باطنية كما يؤكد ذلك ابن خلدون ، وهذه الملامح الباطنية تهدف الى التحقق ودراسة تلك الاحداث وتحليلها وفق معطيات آنية " الحاضر" وذلك ما يفتح لنا باب الكيفيات والاسباب، ومن ثم ملاحظة المتغيرات التي طرأت على جوهر الحدث او المتغيرات التي ترافق ماهية وكيفية التعامل مع الحدث، ومما لاشك فيه ان الشق الثاني " كيفية التعامل " يعد بحد ذاته نقلة موضوعية في الوعي وفي التطور والنمو لدى الشعوب بعيداً عن التفسير اللاهوتي الذي يقضي بأن التاريخ يسير وفقاً للارادة الالهية، او التفسير الدوري الذي يعتبر ان التاريخ يسير بمقتضى قانون العود الابدي،  فالتاريخ يخضع للعقل البشري المطلق الذي يتحكم في سيره ومجرياته فضلاً عن القيمة الاقتصادية التي تقود الصراعات وتؤثر على مجريات التاريخ، وهنا لايمكن الوقوف عند حتمية العود التاريخي والتكرار الا من خلال المتغيرات الترافقية التي تعطي لكل مرحلة قيمتها التاريخية من حيث التطور والنمو " الذي سبق وان قلنا عنه البطيء " ولكن ذلك لايمنع ابداً اننا نعيش وفق تداعيات متجددة، فبعض الشعوب مثلاً كانت تستخدم القبلية لحماية حدودها، لكنها تجاوزت ذلك الى توسيع حدودها، وتعاملت مع الخيانات وفق منطق خاص بها، ومن ثم تجاوزت العوائق لتبحث عن تأسيس الامارة ومنها الى الدولة ومنها الى الامبراطورية، هذا التطور لم يحدث بعيداً عن وقائع واحداث التاريخ المتكررة من خيانة وعوائق وحروب وفقر ومجاعات، لكنها لم تقف عند ملامح قانون العود الابدي ورضخت له، واستسلمت للواقع، بالعكس تماما، عوامل التكرار تلك نفسها تمر بمراحل تاريخية مغايرة ومختلفة وتتأثر هي الاخرى بالمتحولات الدولية والاقليمية لذلك لانجدها تصمد امام الرأي العام للشعوب، وبعيداً عن الصراعات الداخلية التي غالباً ما تكون بنظر الكثيرين هي السبب الاكثر تأثيراً لزوال المجتمعات، فاننا هنا بصدد معطيات ومقتضيات اخرى تضاف اليها لتكون بذلك مع الانحلال الداخلي قوة مضاعفة لهز الكيانات والمجتمعات، لكون المجتمعات التي تعاني داخلياً تهتز كثيراً بعدم وعي ابنائها بالضروريات التي تحتم عليهم لمساندتها، وعدم الانصياع للافكار الجانبية التي يتصورها هولاء بانها تمثل حرياتهم الشخصية وفي الحقيقة انها لاتتعدى كونها  الاخلال بالنظام والسخرية منه، بل حتى انها تجعل من النظام  هدفاً لهجماتهم، وبذلك تتسم المرحلة بالركود الظاهري وتبقى العجلة وكأنها تدور داخل دائرة ، فتظهر المقولات التي تمنطق ماهية العود الابدي للتاريخ، مع العلم بان التاريخ لم يتوقف بل ظل سائراً وانما عجلة التفكير لهولاء توقفت عند تلك النقطة التي يرونها سلبية " بنظرهم " الشخصي.

20
حكومتنا الجديدة "الرشيدة"
جوتيار تمر/ كوردستان
16-7-2019

نشرت الصحفية راشيل نوير مقالا بعنوان لماذا توجد حكومات فاشلة في عالمنا اليوم ؟ ، وذكرت في مقدمة مقالها ان المجتمعات الكبرى لاتنهض ولاتستقر من دون حكومة، حتى لو كانت هذه الحكومة عاجزة عن تحقيق تطلعات الشعب، وربما يرجع اصل المشكلة الى ان الكثير من هذه الحكومات لاتزال تتناول هموما كانت تؤرق المجتمع في القرن التاسع عشر، ولهذا فان اصلاح هذه الحكومات بات امراً حتمياً قد طال انتظاره، كما اضافت ان اغلب الحكومات في العالم رجعية، لاتواكب العصر الحالي، لكونها لم تزل تعكس هموم المجتمع في ذلك القرن المذكور مثل غلاء الاتصالات وصعوبة انتقال البيانات وصعوبات المعيشة، لذلك نجدها تتالف من وزارات واجهزة ذات هياكل تنظيمية هرمية التسلسل منغلقة على نفسها، تختص كل منها بوظائف محددة، وعلى الرغم من العالم اليوم اصبح اكثر ترابطا، وتسارعت وتيرة التطور، وزاد حجم البيانات بمعدلات غير مسبوقة، لكن حكوماتنا لاتزال تراوح مكانها، وهذا بالضبط ما دفع البعض الى القول بانه من سوء حظنا ان الحكومات الحديثة تشكلت منذ زمن بعيد ولم تعد تصلح للعصر الحديث من عدة نواحي، وبلاشك هذا لم يأتي من الفراغ او الوهم السياسي او حتى منطق الغباء السياسي المعارض دائما لكل الحكومات، انما اتت تلك الاقوال من منطق اخر صميمي متعلق بحركية الواقع الانساني داخل المجتمعات الحديثة والمعاصرة التي لم تعد تهاب من اسم الحكومات على اختلاف نوعياتها واختلاف سياساتها واختلاف الوسائل والاساليب التي تتبعها تجاه شعوبها، وبذلك فان المنطق السائد حول كون الحكومة يمكنها ان تفعل ما تشاء اصبح من الماضي البليد او لنقل اصبح من مخلفات القرن التاسع عشر، وحتى ان كانت قد نضجت في القرن العشرين، الا انها وصلت مرحلة الذبول الذهني والفكري والواقعي في وقتنا الحالي، لكونها لم تعد تمثل تطلعات الشعوب السائرة نحو تعاطي جرعات الوعي، وبما في ذلك محاولات تعاطي الوعي السياسي وان كان الامر مازال مقتصراً على النخبة دون العامة في الكثير من المسائل المتعلقة بالوعي السياسي.
وعلى هذا الاساس تتمخض عن ولادة الحكومات الجديدة عدة تساؤلات تتحكم بمصيرها من حيث تقبل الشعب لهاـ او اضافتها الى قائمة الحكومات اللاموجودة حتى وان كانت موجودة، وحين نقول لاموجودة، نقصد بذلك عدم ثقة الشعب بها، وعدم ايمان الشعب بها كحكومة تمثل تطلعاته،وبذلك يبقى فوبيا عدم الثقة بالحكومة امراً وارداً وسلاحاً ذو حدين، الاول انه يثير في عقل الحكومة الوعي بالمترتبات التي تقتضي وجودها كحكومة تمثل الشعب وتطلعاته، والثاني ان تتجاهل ذلك وتصبح مصدر سخرية وسخط الجماهير وتخلق عصراً جديداً من الفوضى التي وان كانت خلاقة تجاه الحكومات السابقة الا انها قد تتحول الى فوضوية تعبث بالقضية كلها وليس بمصالح وتسلط وجبروت الحكومة فحسب، وهذا بلاشك ما لاتريده الحكومة ولايحتاج اليه الشعب في ظل المتغيرات والتحولات المحلية والاقليمية والدولية.
ولاننا بصدد الحديث عن الحكومات الحديثة والمعاصرة فاننا نجدنا امام واقع ملموس ضمن السياقات السبقية التي تتبناها هذه الحكومات دون النظر الى الواقع بجدية وحكمة، ولعل النظر الى مقررات الجلسة الاولى لاحدى الحكومات المتشكلة حديثا يستوجب منا كواعين للعملية السياسية المحلية والعملية السياسية الاقليمية والدولية معا ان نسلط الضوء على اسباب فشل الحكومات السابقة في تحقيق الحلم المحلي، والحلم المستقبلي ، وحتى الحفاظ على المكتسبات، والتي اصبحت مهددة بالضياع التام، لاسيما مكتسبات الاستفتاء على استقلال كوردستان التاريخي، واعتقد بان امر الحكومة التي اتحدث عنها بات مكشوفاً، لكوني بصدد تسليط الضوء على مقررات حكومة اقليم كوردستان الجديدة، التي خرجت بعد مخاض عسير من صراعات داخلية وخارجية، ناهيك عن صراع استنزف الكثير من قوت الشعب الكوردي، واستنزف الكثير من حياته على المستويات المختلفة الاجتماعية والنفسية والاقتصادية وغيرها، هذه الحكومة الرشيدة التي تشكلت قبل ايام من المفترض انها ولدت من رحم الالم، لتكون نصيرة آلام الشعب، ولكنها للاسف خيبت في اولى جلساتها امال الشعب، بقراراتها التي لم تاتي ابدا لتدعم حقوق الشعب، ولتعيد للشعب ما تم اخذه منه طوال السنوات الماضية من الرواتب التي لااحد يعلم مصيرها، ولا الضرائب التي تراكمت بسبب نظام الادخار الذي اتبعته الحكومة السابقة اكيد في ظل ظروف سياسية اقتصادية صعبة، ولكن هذا لايمنع ابداً ان تتوضح الصورة للشعب عن مصير تلك الاموال التي ادخرتها الحكومة من رواتبهم واستحقاقاتهم الوظيفية، وبدل من ان تبدأ الحكومة الجديدة بمقولة ما ضاع سنعيده اليكم، بدأت باقرار ما يتوجب على الموظف وعلى الشعب فعله لاجلها، وليس ما يتوجب عليها كحكومة ان تفعله من اجل الموظف والشعب، فكانت قراراتها كلها في مصلحة الحكومة في اولى جلساتها، ولم نجد هناك ما يبشر بالخير للمواطن غير ما اقرته باهمية القضاء على الرشوة داخل المؤسسات وعدم الاهمال في سير معاملات المواطنين، وغير ذلك اتى بشكل متهكم لمشاعر الموظفين وعامة الشعب، فالحكومة لم تستطع الا ان تظهر المواطن على انه متسيب لايلتزم بالدوام الرسمي، وان عليه الالتزام بالدوام الرسمي وعدم الخروج من مؤسسته للقيام باية اعمال اخرى اثناء الدوام وغير ذلك من القرارات التي اراها كوجهة نظر شخصية سابقة لاوانها، لكون الحكومة لم تزل تدين للشعب والموظف " كل موظف " بالملايين التي لااحد يعرف مصيرها كما سبق وان نوهت لذلك ناهيك ان الشعب مازال يعيش فوبيا عدم دفع الرواتب، فوبيا الصراعات الداخلية الحزبية، فوبيا عدم الثقة بالحكومة التي تقر واجباتها وتنسى حقوق مواطنيها في اولى جلساتها، ومترتبات نظام الادخار في الاعوام السابقة التي القت بظلالها على حياة الشعب باكلمه، فغالبية الموظفين تراكمت عليهم الديوان، واصبحوا يحتاجون على الاقل لثلاث سنوات اخرى حتى يمكنهم استعادة بعض التوازن لحياتهم المادية والمعنوية .
لم يعد مخفياً على احد ان اسباب فشل الحكومات لم يعد فقط انها لم تزل تعيش على ما بنيت عليها في القرن التاسع عشر فحسب، انما لانها لاتريد ان تتجاوز تلك المرحلة لكون تلك المرحلة تحقق مقاصدها في الحفاظ على الكراسي من جهة، وزيادة ارصدت اموالها في البنوك من جهة اخرى، والشعوب تاتي كامور ثانوية لاقيمة لها امام القيم الاساسية السابقة، وهذا بلاشك ما يخلق اللاثقة، ويخلق عدم التوازن في فرض الواجبات واعطاء الحقوق لاسيما في حالتنا نحن في كوردستان حيث عانينا من تقاعس الحكومتين المركزية في بغداد والمحلية في الاقليم عن دفع مستحقات الموظفين والمواطنين، مع عدم نسيان الانشطة الاستفزازية التي تمارسها الحكومة نفسها محلياً تجاه المواطنين لاسيما فيما يتعلق بالضرائب الخدمية كاجور الكهرباء والماء وغيرها من الضرائب التي تأخذها قسراً من الشعب ولا تعطي املاً بتحسين معيشة الموطن، فحتى الفلاح لم يعد يؤمن بمقدرة الحكومة على احتواء محاصيله التي تذهب نصفها بدون ان يحصل ثمنها، لكون الحكومة الرشيدة وبسبب علاقاتها الخارجية والداخلية مع التجار الذين هم انفسهم جزء من تلك المنظومة لاتستطيع ان تقر مشروع قانون يعطي للبضاعة المحلية الاولوية، فضلاً عن الانتكاسات الاخرى التي كلها تخدم فقط السلطوية وتذبح الشعب بسكين القضية الكوردية وكوردستان اقوى، وهذا كله يدفعنا الى القول مناصرة للشعب مع عدم فقدان الامل بالحكومة بان تعيد ترتيب اوراقها من جديد وتقوم بتقييم مقرراتها قبل اطلاقها اعلامياً، فالشعب ينتظر ان يجد لمعضلته حلاً ولايحتاج الى تمارس الحكومة معها ممارسات تنم عن تسلط ودكتاتورية، فعصر التسلط والدكتاتورية دفن مع الطغاة الذين هم انفسهم كانوا يناضلون ضدهم.

21
الوعي السياسي الغائب
جوتيار تمر / كوردستان
28-6-2019
تنطلق اغلب الاراء والمقولات حول الوعي بصورة عامة والوعي السياسي بشكل خاص، وفق نمطية متكررة تتخذ من معطيات لونية بلاغية مغايرة شكلاً عن سابقتها كذريعة لفرض ممكناتها باسم التجديد والتطور، على الرغم من انها في الاصل تحمل المضمون نفسه، والنسق نفسه، والتوجه نفسه، بحيث يلاحظ المتابع الواعي ان تلك المقولات والاراء ليست الا كاسطوانة تكرر نفسها فما ان تنتهي حتى تبدأ بالدوران مرة اخرى، ولكن ربما بايقاع ظاهري مغاير يظهر لمن لديه الاستعداد بالتلقي بانها مختلفة، هذا الامر بات يؤرق العاملين على تطوير بنية الفرد داخل المجتمعات، ويؤرق في الوقت نفسه المختصين في المجالات الحياتية المنوعة والمختلفة من سياسة واقتصاد واجتماع، ولعل اكثر ما يؤرق حتى الشرائح المثقفة اصبح ما يتعلق بالوعي السياسي، حيث بات الكل محللين سياسيين، واصبح الكل من مكانه يطلق الاراء ويحكم على المسارات التي تتخذها الحكومات، وليس بمخفي عن المتابعين دور وسائل الاعلام اللاواعية ، والاعلام التجاري ، والاعلام الحزبي المعارض في هذه الاشكالية، بحيث تحولت المجتمعات التي لم تتبنى الوعي كمنطلق اساسي لصيرورتها التطورية اشبه بالمختبرات " فئران مختبرية " تمارس الدول الكبرى اختباراتها عليها وبمساندة واضحة من وسائل الاعلام التي لاتنتهج اية وسيلة اكاديمية في البحث عن مصدر الاشكالية وتقديم حلول منطقية تناسب الواقع ، لا للافكار الحزبية او حتى التوجهات الاقليمية والاجندات التي تعمل تلك القنوات الاعلامية تحت تصرفها، ووفق اهدافها، وذلك لأن مصطلح الوعي السياسي مرتبط من الناحية الواقعية بالوقائع والاخبار، باعتبارها افرازات قوى الواقع التي تقذف الى ساحة الاهتمام بقضايا متجددة.. تؤثر على الانسان تأثيراً مباشراً، ومن هنا يأتي الاهتمام الكبير بوسائل الاتصال " الاعلام " من قبل القوة المتعارضة والمتصارعة.. سواء في اوقات السلم ام في اوقات الحرب.. بل ويمكن ملاحظة ظاهرة الاعلام حتى في العلاقات الفردية والجماعية المحدودة ،(د.صلاح الدين النكدلي، الوعي السياسي ضرورة حيوية، مجلة الرائد، العدد 180،حزيران/يونيو 1996).
لايمكن حصر التعريفات فيما يتعلق بالوعي السياسي، لانها في الاصل تأتي وفق الرؤية الخاصة بالمجتمعات، ووفق الانظمة التي تتبناها تلك المجتمعات، ولكن غالباً ما توجد خيوط مشتركة بين تلك الاراء ، ومن تلك الاراء تعرف الوعي السياسي على انه مدى معرفة وادراك واهتمام الناس بالقضايا والمؤسسات والقيادات السياسية على مختلف المستويات المحلية والقومية والدولية فيما يرى البعض ان الوعي السياسي هو عملية تطورية لاكتساب المعلومات والقيم السياسية ومن هذه المعلومات يُكَون الفرد فهمه للمؤسسات والرموز والظواهر في البيئة السياسية من حوله، ليساعده على التطور والقيام بدور سياسي نشظ، باعتبار ان مرحلة الوعي هي التي يمكن ان تقود الفرد الى مرحلة اكثر تقدما، والتي تكمن في مرحلة الاهتمام والرغبة في متابعة المعلومات المتعلقة بقضايا البيئة السياسية، ومن ثم ليتطور ليصل الى مرحلة المشاركة السياسية، (عبدالله الفردي، الوعي السياسي في الاعلام،2010 ).
ويعرف الوعي السياسي على انه ايضا نمط من الافكار والقيم والاتجاهات التي تحدد من خلالها الاوضاع القائمة ويتجلى معها الشعور بالوجود الاجتماعي لطبقة او حركة اجتماعية متميزة، ومدى مواكبة موقفها السياسي لمفتضيات التغيير وتلبية اهدافها في السيطرة على المجتمع، كما يشار الى الوعي السياسي على انه حالة ذهنية تتمثل في ادراك الفرد للعالم من حوله على نحو عقلي او وجداني، ولاتتوقف تلك الاراء والافكار المتعلقة بالوعي السياسي عند تلك المحددات السابقة، بل تذهب الى ان الوعي السياسي عند المواطن والمجتمع هو نظرة الانسان تجاه محيطه وكيف يقرأه وما يتضمن هذه النظرة من معارف سياسية وقيم واتجاهات تتيح للانسان ان يدرك اوضاع مجتمعه ويحللها، ويحكم عليها، ويحدد موقفه منها والتي تدفعه الى العمل من اجل تغييرها وتطويرها والحفاظ عليها والابقاء على احسن الاوضاع المتطورة فيها بما يخدم مصلحة معينة وبالتالي تصبح الرؤية الشاملة للبيئة السياسية والاقتصادية والثقافية والوطنية والعالمية، ومن ادراك الواقع الداخلي المحلي والخارجي والاقليمي والعالمي والاحساس بالمسؤولية والتي جوهرها الالتزام بالثوابت الايجابية والاجتماعية القيمية والوطنية والانسانية والرغبة في التغيير مع الاحتفاظ بالثوابت الوطنية والاجتماعية والقيمية هي اهم المحددات للوعي السياسي،(د. محمد عيسى الكويتي ،الوعي السياسي واهميته لتطوير العملية الديمقراطية،جريدة اخبار الخليج، اكتوبر 2018 )،وعندما نتوقف لنقارن بين انفسنا داخل مجتمعاتنا وبين هذه المفاهيم المختلفة والمنوعة حول احدى اهم القضايا التطورية للبنى السياسية في المجتمعات الساعية لمواصلة ركب التطور العالمي، فاننا نجدنا امام احدى اهم المعضلات ايضاً لكوننا مازلنا نعيش طور ماقبل الوعي السياسي، ويتحكم بنا اما الاهواء والنزعات الاعلامية التي تحرك الرأي العام من جهة، او الحقد على المقابل لاسيما الحقد الحزبي الذي يتحول في غالب الامر الى وباء يجتاح مجتمعاتنا.
لذلك يعتبر الوعي السياسي عملية مركبة وتطورية لتداخل العديد من العمليات التكاملية الاخرى معها، ولعل جمع المعلومات وتشكيل الافكار وفق قاعدة منطقية وممنهجة تعبر بالفرد من منطقة الفوضى الاعلامية والفوضى الحزبية " المذهبية " الضيقة  وتجعله يتفاعل مع الاحداث ضمن بيئته وما يحيط به من احداث  ويعد ذلك من اهم وظائف الوعي السياسي.
تتداخل معطيات الوعي السياسي والثقافة غالبا في قوالب تساعد على انتاج رؤية اكثر شمولية، فالوعي السياسي اذ يصدر عن فكر، والفكر ينتج ثقافة معينة تؤسس لوعي سياسي يسود في المجتمع او في فئات معينة، واذا ما اعتبرنا ان الثقافة هي نتاج او تعبير عن مجموعة من الافكار والاشكال والقيم والهياكل السياسية المختلفة، فاننا نصل بالتالي الى نقطة تؤكد على ان الثقافة هي الاداة لخلق الوعي السياسي وتوجيهه، لذلك نجد بان المجتمعات الديمقراطية تجد في الوعي السياسي كمنطلق اساسي لها، وان اي انخفاض في مستوى الوعي السياسي للافراد والمواطنين يهدد الديمقراطية كمفهوم وسلوك، وبذلك يكون الوعي السياسي هو مصدر قيم من مصادر رفع مستويات الاحساس بضرورة المشاركة السياسية لدى الافراد، وذلك كي يبادروا في اتخاذ دور ايجابي في الحياة السياسية، من خلال المساهمة في وضع الاهداف العامة للمجتمع، وتقديم الاقتراحات، وجملة امور اخرى يمكنهم من خلالها المساهمة الفعالة في تطوير المجتمع، (الكويتي،الوعي السياسي؛ وينظر: فاروق يوسف احمد، السلوك السياسي،2010؛ صابر عبدربه، الاتجاهات النظرية فيتفسير الوعي السياسي،2002).
ووفق هذه الاسس يمكن ان نعتبر ان الوعي السياسي هو اكثر من ثقافة سياسية او مجرد مشاركة او تكوين راي وحوار وانشغال بقضايا المجتمع، فالوعي السياسي الحقيقي هو ان يشعر الانسان بانه ينتمي الى المجتمع " الوطن" ومن هذا المنطق يبدأ ببناء نفسه كفرد مساهم ومشارك في العملية التطويرية للمجتمع، وان لايكتفي بالسمع والمشاهدة " التلقي من الاعلام " بحيث تكون نظرته و رأيه مبنيان على اساس السمع والمشاهدة فقط، لانه بذلك لن يكون الا فأر تجارب تمارس تلك الوسائل اختباراتها عليه وفق اجنداتها التي تُملى عليها مسبقاً، ومن هذا المنطلق ندعوا الافراد داخل مجتمعاتنا الىى السعي والبحث من اجل اكتساب وخلق الوسائل التي تؤهله لكي يصبح فرداً منتجاً داخل المجتمع وان لايكون مجرد بوق اعلامي يستغله وسائل الاعلام والاطراف المتصارعة لبث سموم افكارها الهدامة التي تعيق سير العملية السياسية داخل المجتمع، لاسيما ونحن مدرك تماما ان وسائل الاعلام لدينا لاتبحث عن الانجازات السياسية اكثر مما تبحث عن الهفوات والتي تقع فيها الحكومات، بالطبع ليس من اجل اضفاء روح الديمقراطية والحرية الاعلامية انما فقط من اجل اثارة البلبلة والفوضى، بحيث تقوم بتضخيم بعض الامور اعلامياً وعبر جميع وسائل الاتصال الاجتماعي لاثارة السخط والغضب الجماهيري ضد الحكومات، بدل من طرح الاشكالية بشكل منطقي والبحث عن الحلول عبر الحوارات السياسية، والجماهير اللاواعية وعياً سياسياً تنصاع اليها وتصبح اداة لنشر الفوضى، ولذلك لايمكن للمجتمعات بافرادها ان تنضم لمواكب التطور والازدهار الا اذا ما تسلحت  وعياً وثقافة وعلماً من جهة، والابتعاد عن الببغائية الفكرية، والذبابية بحيث تنجذب فقط نحو المواد التي تزيد من تردي الاوضاع وانتشار الفوضى السياسية والاعلامية.


22
حرائق الطغاة دليل ضعفهم
جوتيار تمر/ كوردستان
11-6-2019
تشهد المناطق الكوردية في كل من جنوب وغرب وشرق كوردستان موجة حرائق تلتهم الاخضر واليابس من المحاصيل الزراعية، والقرى المتاخمة لها، وتحت الانظار الدولية والاقليمية دون اي حراك وسعي منها ومن المنظمات الدولية لوضع حد لتلك الحرائق التي التهمت لحد الان الاف الهكتارات من الاراضي الزارعية، وتتباين الاراء حول مسببي تلك الحرائق، بين من يرى انها من اعمال داعش الارهابي، واخرون يرونها انها ممنهجة ومنظمة وموجهة من قبل السلطات والحكومات المعادية للكورد في اجزاء كوردستان المقسمة، وهناك من يرى بانها مفتعلة من قبل بعض الاشخاص الخاضعين لاجندات فكرية وحزبية معادية للتوجهات الكوردية الساعية لنيل الاستقلال ونيل الحقوق القومية، وفي كل الاحوال يبقى هناك عامل مشترك وهو ان المتضرر الوحيد من تلك العمليات " الحرائق "  هو الكوردي او لنقل الفلاح الكوردي الذي كد واجتهد وصارع الوقت من اجل الزرع ليحصد فيما بعد ثمن ذلك الكد.
تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي فديوهات وصور ، تمنطق ما يحصل بشكل شبه قطعي، وليس هناك الا صوت واحد يعلو من خلال تلك الفديوهات وهو صوت الحقد الموجه للكورد سواء من الجنود الاتراك الذين يحاولون حرق المحاصيل المتاخمة للحدود، او من الدواعش الذين تبنوا اكثر من حريق كاحدى عملياتهم الجهادية المؤدية الى الجنة والمزيد من حور العين اللاتي ينتظرونهم هناك، او حتى من القرى العربية المتاخمة للقرى الكوردية لاسيما في جنوب كوردستان حيث كانت تلك القرى باهلها جزء من عمليات الدعشنة التي اجتاحت الكثير من المناطق الكوردية اثناء الحرب الضارية التي خاضها الكورد ضد امتداد جبروت وطغيان داعش، فضلاً عن الممارسات الايرانية في شرق كوردستان والتي هي الاخرى ليست الا جزء من عمليات الابادة الجماعية التي تمارسها هذه الجهات ضد الكورد.
حين انتشرت حرائق اسرائيل قبل سنوات لامست من الاعلام العربي بالذات توهجاً وبريقاً وكأن لسان حالهم وقتها كان يقول طالما لانستطيع ان نواجههم وجهاً لوجه، فلندعوا من الله – الرب ان ينتقم لنا منهم بالحرائق ولااخفيكم سراً اني حين كتبت مقالي (حرائق اسرائيل هل هو الانتصار العربي المنشود..؟..) كانت امام عيني تلك التغريدات وتلك المقالات وتلك المقابلات التي تنوعت في الوسائل الاعلامية سواء مواقع التواصل الاجتماعي ام المرئية والفضائية والسمعية، حيث كان غالب اعتقادهم بأن تلك الحرائق هي غضب السماء على اسرائيل والتي تبين فيما بعد بانها كانت غير ذلك اكيد، انما كانت غضب وحقد الانسان على الطبيعة وعلى الانسان المقابل لكونه لاينتمي لدينه وعرقه قوميته، وعلى ذلك المسار اشاهد واعي ما يحدث لنا الكورد، حيث تتضاعف الاحقاد يوماً بعد يوم تجاهنا لكوننا لاننتمي - للعرق والقومية -  ولكوننا نريد العيش بحرية واستقلال بعيداً عن الثورات التي حولت الربيع الى حلقة دم مثل قلوبهم الممتلئة بكل ما هو لاانساني تجاه كل من لاينتمي اليهم، بل ضد كل من لا يخضع لشهواتهم السلطوية ولشهواتهم الاقتصادية ولشهواتهم المذهبية الدينية.
ان ما يحدث للكورد وللمناطق الكوردية ليس الا خليط حقد متوارث من ( الفرس – الاتراك – الاعراب "العرب " ) الذين تاريخهم يشهد لهم افعالهم البشعة تجاه القوميات الاخرى ممن لاينتمون اليهم سواء باسم الحضارة او باسم القومية او باسم الدين ، (نحن هنا لانعمم القول بلاشك)، لكننا فقط نحاول اظهار عمقه التاريخي الذي بدأ بما كان يسمونه توسع الامبراطوريات الكبرى ( الفارسية ) صاحبة التاثير على اغلب المكونات الشرقية لاسيما اثناء صراعها المستميت مع الامبراطورية البيزنطية، ومن ثم صراع الامبراطوريات الفتية والتي تمثلت بالعرب المسلمين حيث هي الاخرى تبنت نفس النهج التوسعي ولكن ليس باسم نشر الحضارة لانها في الاصل اقتبست فيما بعد جل معالمها الحضارية سواء الادارية او المراسيم من الفرس والبيزنطينيين، انما باسم نشر الدين ولطاما استشهدت بمقولة اوردها احد الكتاب المجتهدين " عبدالزراق الجبران " حول العجوز التي قالت لقائد جيش الاسلام لم أكن اعلم بان لله لصوص ، هذا العمق التاريخي لمحاولة وأد الاخر لم تتوقف ليومنا هذا، وهو يلبس في كل مرة لباساً كريهاً ملطخاً بالمزيد والكثير من دماء الابرياء والفقراء " وقود الثورات " ، ولم تنتج الا البلاء والوباء للناس وللامم الاخرى التي لاتنتمي الى امتهم وعرقهم وقوميتهم ومذهبهم.
تتمثل عمليات " حرائق كوردستان " احدى المراحل التاريخية الهامة لعمليات الوأد القومي العرقي المذهبي الذي تتبناه تلك القوى وتلك الاعراق ضد الكورد، وهي لم تزل تحمل نفس العمق التوسعي ، حيث تركيا لم تزل تريد استرجاع ما فقدته جراء هزيمة العثمانيين الطغاة على يد الحلفاء، في حين الامة العربية المقسمة على نفسها تريد استرجاع بهرجة الخلافة الاسلامية وقت ما كانت محصورة في بني قريش وبني امية، اما الفرس هم الاقدم وهم من رفدوا الاخرين بمعطيات الثقافة والحضارة واسس النظم والادارة فكيف يسمحوا بمن ينادي بغير اسمهم، على هذه الشاكلة تبدع هذه الامم في خلق الافات للاخرين ممن لاينتمون اليها من الامم، سواء بالقتل المبرمج والمنظم وفق اجندات خاصة تتمثل بالحروب او زرع الفتنة او الاعتقالات وزج القادة والمناضلين الثوار  في السجون او الضرب بالاسلحة الكيماوية او اطلاق علميات الابادة الجماعية " الانفال " او من خلال الاضطهاد الاقتصادي وضرب الحصار حولهم، او التدخل السافر والمباشر في شؤونهم، بل وصل الامر بهم لتقديم التنازلات لاعدائهم وتقبل المذلة فقط لضرب الحركة التحررية الكوردية، واخيراً وليس اخراً حرق قوت الفقراء ، وبالطبع  لا تهمهم القيم الانسانية حين يختلقون هذه الافات، فكل الوسائل مباحة لوأد المخالفين المارقين الملحدين الانفصاليين، حتى ان اعراضهم واموالهم وارضهم غنائم للفاتحين الجدد، وكأنهم بذلك يريدون طمس معالم السعي الكوردي لنيل الحرية، متجاهلين بأن الكورد مروا بظروف اصعب من هذه وتجاوزوا الامر بصمودهم وعزة نفسهم، وان لاشيء سيثني الكوردي عن سعيه لنيل حريته، فكلما كان الطغاة اكثر دموية كان في اعتقاد الكوردي ان طغيانهم دليل ضعفهم ودليل استنزافهم الداخلي.


23
نرفض العشائرية.... ولكن..؟
جوتيار تمر / كوردستان
25-5-2019
تختلف المفاهيم التي تعتمدها المجتمعات حول العشيرة والعشائرية، كما تختلف الاراء ووجهات النظر اليها داخل فيئات المجتمع نفسه، ناهيك عن الاختلافات التي تبرز حولها ضمن دوائر اكبر كالدولة والدين والقومية، فالعشيرة هي وحدة قائمة اساسها رابطة الدم، وهي موجودة قديماً قدم المجتمعات، ولاتزال كالاسرة قائمة الى اليوم حتى في اكثر بلدان العالم تقدماً، انها اشبه باسرة كبيرة ممتدة يربطها الدم لانها آتية من اب واحد في المجتمع الابوي، او من أم واحدة في المجتمع الاموي، وذلك ما يخلق تماسكاً وتجانساً نسبياً حول التكاتف والتعاطف بينها، بحيث حين يسعى فرد من افرادها لنيل مكانة يجد عواصر تلك الرابطة تسانده وتدعمه، في حين ان العشائرية هي عقلية او اتجاه سياسي يسعى لتحويل العشيرة الى نوع من الحزب السياسي قي نواجهة العشائر الاخرى، والاحتكام اليها في العلاقات الاجتماعية والسياسية، وبهذه العقلية او التحويلة تصبح العشائرية شكلاً من اشكال الايديولوجية يرجع اليها ويفسر بها كل امر مثل تشكيل الحكومات، والانتخابات البرلمانية والنقابية وغيرها وحتى الوظائف العامة والمدنية والعسكرية والاستثمارات والاعمال، كما يقول  " حسني عايش" ، وبذلك تصبح العشائرية نسق قيمي وسلوكي، سلبي في مجمله، لانه يحاول التدخل في مختلف جوانب الحياة بما فيها الرسمية متجاوزاً القانون والدين والقيم الإنسانية والحضارية ويستعمل العنف والإرهاب والقسر في تنفيذ جزاءاته لتصبح العصا التي تعيق عجلة الحياة المدنية، كما يشير الدكتور حميد الهاشمي الى ذلك، وبذلك تؤثث عوالم العشائرية وفق معطيات مغايرة لاتتوقف عند حدود السعي والدعم والمساندة بغية الوصول لهدف معين لاحد افراد العشيرة، انما تتحول هنا الى آلة فتاكة لفرض الواقع الذي تريده على المؤسساتية الديمقراطية باستخدام كافة الوسائل دون اية اعتبارات وطنية او حزبية معينة ومحددة، لأن الهدف الاساس لديها او الوصول الى غايتها، وبذلك تحول الواقع الى ساحة صراع دائمة، لاحدود لطموحاتها، وقانون يردعها، ولاسلطة يوقفها، فضلاً عن كونها تغير معالم الواقع السائر نحو مواكبة المتحولات والمتغييرات الدولية الى واقع يتراوح بين الهمجية القبلية والتسلط القبلي نفسه على جميع مرافق الحياة، فلاتتأثر دوائر ومؤسسات الدولة فحسب انما تتأثر البنية الاجتماعية ايضاً بذلك، فحتى اختيار المرأة لاي منصب اداري يكون وفق تطلعات العشائرية ونسقها الفوضي، لا على اساس التفوق والكفاءة العلمية او التخصصية.
لايختلف اثنان على ان دور العشائرية لايظهر الا عند غياب الدولة وضعف المؤسسة القانونية فيها، ناهيك عن تدخل الزعامات القبلية في ادارة شؤون الدولة نفسها وذلك بفرض وجودها الاقتصادي والجماهيري، وهذه السمة هي الغالبة في اغلب المجتمعات لاسيماالشرقية منها، ونحن الكورد كأحدى تلك المجتمعات التي تعيش تحت وطأة الاحتلال منذ قرون طويلة مازلنا احدى روافد القوى العشائرية التي نعاني من وطأتها ايضاً فضلاً عن الاحتلال، فالقوة العشائرية في مجتمعنا الكوردي باتت تهدد التطور الحاصل في البنية السياسية والنقلة الاجتماعية الحاصلة بعد زوال النظام الدكتاتوري البائد، بحيث ان الشريحة الواعية من الكورد صارت تصدح بضرورة الوقوف امام هذه الموجة كي نحافظ على المستويات البارزة التي وصلت اليها القضية الكوردية ككل من جهة، والانجازات والمكتسبات الحضارية العمرانية لاسيما في جنوب كوردستان من جهة اخرى.
ان اهم ما يثر الجدل بين هذه الاوساط المثقفة والواعية هو عدم اكتفاء الاحزاب السلطوية بالمعطيات الوراثية التي فاقت مفهوم العشيرة نفسها لتحل محلها المفهوم الفوضوي العشائري، وذلك من خلال عدم السماح للعقول النافذة والمتقدة بقيادتها، ومن ثم محاولة رصد المعارضين لها وتصنفيهم وفق رؤية خاصة بهم من عميل وخائن وتابع وارهابي ومن ثم تصفيتهم بشتى الوسائل، فضلاً عن محاولتهم وبشكل غير مبرر ومشين ايضا فرض ايديولوجيتهم العشائرية على الواقع العياني، وذلك من خلال اعطاء ادوار ولو ثانوية لبعض الاشخاص ضمن دائرة العشيرة بروح العشائرية وتفعيل الالة الاعلامية للوقوف على فعالياتهم التي هي في كل احوالها لاتعد سوى حركات مكشوفة لاتسمن ولاتغني من جوع، فالمجتمع يعيش حالة فوبيا رهيبة منذ ما يقارب العقدين ليس فقط من امكانية تحول الصراع الحزبي السياسي الى حرب اهلية بين الاحزاب العشائرية المتنافسة، انما ان تتحول الصراعات داخل الحزب العشائري الواحد ايضاً الى دمار للتجربة السياسية الكوردية، وذلك من خلال قيام طرف منافس لقيادة الحزب على حساب الاخر بتوطيد العلاقات مع الجهات المعادية للكورد وتقديم تنازلات كالتي حدثت بعد الاستفتاء فتكون وبالاً على القضية الكوردية، فضلاً عن استغلال تلك الصراعات الحزبية العشائرية التنافسية لتبرير حالة التلكأ الحاصلة ضمن ادوار الحكومة نفسها والاوساط الحزبية الداعمة لها  في دفع مستحقات الشعب وطمس حقوقهم تحت غطاء الظروف الاقتصادية والصراع مع المركز، وليس بخافي على احد ان هذا السوط هو  نفس السوط الذي تستخدمه السلطوية لترهيب الشعب من جهة، ولفرض ايديولوجيتها العشائرية من جهة اخرى.
ان العشيرة كرابطة دموية اسرية ليست بعبء على المجتمعات الحضارية، بالعكس تماما فهي تعد البنية الاساس لها، ومن خلالها يتم توطيد العلاقات الاجتماعية وتظهر معالم الاداور القيادية والتي يمكن استنباطها واستغلالها في العمل المؤسساتي، بالطبع ليس على اساس العشيرة واسمها، وانما وفق معطيات الاداء الذي تقوم به بعض الفيئات داخل العشيرة وذلك بعد تقييمها وفق معايير خاصة تخدم المصلحة العامة، ولكن العبء الاساسي الذي تنتجه العشيرة هو حين تتحول اواصرها الى توجهات قبلية ذات حمية عصبية لتصبح بذلك صاحبة تطلعات خارجة عن النطاق التنافسي القانوني، فتحاول فرض نفسها بالقوة، وذلك ما يولد ردة فعل سلبية من عشائر اخرى، فينتج عن ذلك اجمالا قوى تلبس رداء الوطنية وهي في الاساس تقوص العملية التحررية الوطنية وتجعلها تسير وفق مصالحها الخاصة، واهدافها العشائرية المسيسة سواء ضد الاتجاهات العشائرية المنافسة او لجعل مملكتها الحزبية العشائرية محصنة من اية اختراقات قد تضعفها، بالطبع هذا كله على حساب الشعب وعلى حساب القضايا القومية الوطنية الاساسية .
من هذا المنطلق اصبحت الاصوات تصدح بوضوح ضد هذا الاتجاه العشائري داخل المجتمع الكوردستاني، واصبحت تكتب وتثير الجدول حول سلبيات العشائرية والولاء الاعمى لها، وتنادي بضرورة ارساء قواعد اكثر متانة للعمل الديمقراطي في كوردستان، كي نتجنب خرق القوانين واضعافها، ونعطي للحكومة الديمقراطية والبرلمان المنتخب والوزارات الحق في اداء واجباتهم المؤسساتية بعيداً عن التدخلات العشائرية والحزبية ، وكذلك نعطي للحراك الاجتماعي تلك المساحة اللازمة للخق الابداعي، دون اية قيود تفرضها الايديولوجيات العشائرية.



24
المنبر الحر / من هم البيشمركة
« في: 23:30 03/05/2019  »
من هم البيشمركة
جوتيار تمر / كوردستان
1/5/ 2019
البيشمركة هو المصطلح الذي يطلقه الكورد في كوردستان للاشارة الى القوات التي تحمي الوطن، ولقد مرت التسمية بمراحل كثيرة كي تصل الى المفهوم والشكل الحالي، سواء من حيث الاستخدام او المعنى ، ولذلك نجد بان للكلمة اهمية كبيرة عند الامة الكوردية لاسيما في جنوب كوردستان حيث تم استخدام المصطلح اول مرة هنا، وفيما بعد اصبح هناك بيشمركة في شرق وغرب كوردستان مع تحفظ على التسمية في الغرب الى جد ما وكذلك في شمال كوردستان لكون الفكر القومي الكوردي السائد هناك يميل الى مفهوم الثورية الماركسية لذلك هم يتبنون تسمية الثوار " شه رفان " اكثر. ومع ذلك يبقى للبيشمركة مكانتهم وقيمتهم الكبيرة لدى جميع ابناء الامة الكوردية، لكونهم منذ بداية ظهورهم عُرف عنهم ميلهم الى التضحية والعمل الدؤوب وبنكران الذات من اجل حرية وحقوق الامة الكوردية.
للبيشمركة معاني كثيرة، ولكون الاسم كوردي فانه صعب على المفسرين من غير الكورد فهم معنى الكلمة والاسم بشكل صحيح، فهناك من قال بانها تعني الفدائيين ، وهناك من فسرها على انها تعني المقاتلين الاشداء، والبعض قال بان البيشمركة اسم يطلقه الكورد على المقاتلين  الذين  " يواجهون الموت "، ولكن يبقى للكلمة بريقها ورونقها بلغتها الاصلية لانها بنظر اصحاب اللغة تطلق على الانسان الذي يعمل بنكران الذات مضحيا بحياته وكل ما يملك من اجل تحقيق اهداف امته وتحرير كوردستان من الاحتلال الذي فرض عليه وفق معاهدات وصفقات دولية واقليمية لاسيما بعد كل من مؤتمري سيفر ولوزان. فالبيشمركة باللغة الكوردية تتكون من مقطعين الاول " بيش " وتعني الامام، والثاني " مرك " وتعني الموت ، لذا يمكن تفسيرها على انها تحدي الموت او امام الموت، " تيمناً بتاريخهم الحافل بالمعارك والقتال والشجاعة والبسالة  وذلك في حربهم لنيل الحرية وإعلان دولتهم الخاصة .
 تذهب غالبية الاراء الى ان الظهور الحقيقي للبيشمركة كان بعد اعلان الملا مصطفى البارزاني الحرب على حكومة عبدالكريم قاسم بعد توتر العلاقة بينهما، وذلك حين تجاهل الاخير المطالب التي رفعها البارزاني باسم الكورد الى حكومته، ولكن ذلك لايعد الرأي الراجح من حيث الدلائل والقرائن التاريخية التي سبقت تلك المرحلة بعقود كثيرة. حيث يذهب البعض الى ان قوات البيشمركة هي من اقدم القوات المسلحة في ما يسمى بالعراق الحالي حيث يعود تأسيسها الى عشرينيات القرن العشرين، بمعنى قبل سقوط الدولة العثمانية وانهيارها، مع وجود دلائل تؤكد بانه كان للكورد قوات قبلية نشأت في تسعينيات القرن التاسع عشر، حيث غلب في تلك الحقبة الزمنية المفهوم القبلي القومي على اغلب القوميات في الشرق الاوسط، وهناك من يرى بأن الكورد كباقي شعوب العالم يكافحون من اجل بناء دولة خاصة بهم، والتخلص من التبعية التي فرضتها الاجندات الدولية والمصالح الدولية حين الحقتهم بدول عنصرية ذات طابع قومي شرس، فانهم كانوا ومازالوا يحتاجون الى قوات عسكرية منظمة ومدربة ومسلحة باسلحة متطورة، وهذه القوات هي التي سميت منذ تلك الحقبة بالبيشمركة، ويمكن ارجاع تشكيلها الى سنة 1889 حيث كانوا وقتها مجرد قوات قبائل لحماية حدود الدولة العثمانية، وبعدما سقوط الدولة العثمانية اصبحت تلك القوات اكثر تنظئما واقوى واكثر عدداً، لاسيما حين بدأ الكفاح الكوردي المسلح ضد المستعمرين لارضهم وضد اصحاب المصالح ممن قسموا كوردستان الى اربعة اجزاء بعد معاهدتي سيفر 1921 ولوزان 1923.
تظهر الحقائق التاريخية ان الكورد قاوموا الكثير من الدول الاجنبية ممن عملوا على تأصيل عملية التقسيم وابعاد الكورد عن مساعيهم لتأسيس دولة قومية مستقلة، وبعيداً عن الظروف والاسباب سواء الداخلية التي تخص الكورد انفسهم من تشتت وعدم وجود قيادة موحدة وكذلك التبعية لاجندات خارجية للحفاظ على المصالح الحزبية فان تاريخ البيشمركة لايمكن انكاره في خوض معارك طاحنة مع الاتراك من جهة، والفرس من جهة اخرى والاعراب -الدول العربية كالعراق وسوريا - من جهة اخرى ، فضلاً عن المعارك مع الانكليز حين كانوا يسيطرون على المنطقة الكوردية، ورسيا القيصرية ايضا، وعلى مر التاريخ والكفاح الكوردي المسلح فقط تواترت الاحداث وتغيرت المعطيات وبقي المقاتلون الكورد بنظر الامة الكوردية مقدسين، لذا من الصعب جدا تحديد الفترة التي يمكن اعتبارها التأسيس الحقيقي للبيشمركة باعتبار ان الكورد يطلقون على مقاتليهم تلك التسمية، ولكن مع ذلك ومن خلال تتبع الدلائل التاريخية للتسمية نفسها كمصطلح يمكن اعتبار الفترة التي سعت فيها الحركة التحررية الكوردية لنيل حقوقها في ما يمسى بدولة العراق الحالية هي البداية الفعلية لظهور التسمية وليس الكفاح المسلح ضد الحكومات المتعاقبة والاطراف التي احتلت كوردستان واراضي الكورد، ولذلك توجد اراء كثيرة حول كيفية ظهور التسمية حيث يرى الدكتور محمد زايد -  أستاذ الشؤون الكوردية بجامعة الأزهر -  إن أحد افراد  قوات البيشمرگه القدماء أخبره إنه في عام 1933م، كانت إيران تقوم بحملات عسكرية شديدة ضد الحركة الكوردية التحررية، فتدارس زعماء الحركة الأمر، وتوصلوا إلى أنه لا بد من تشكيل جيش وقوات نظامية بهدف تنسيق النضال من أجل التحرر ، واثناء نقاشهم حول التسمية قال البعض  “الفرسان”، وبعضهم قال “المقاتلون”، وبعضهم قال “الفدائيون”، وبعضهم قال “المناضلون”؛  في أثناء ذلك كان الساعي أو العامل الذي يعد القهوة لهم، ويدعى أحمد دسمال، يستمع لما يقولون، فحين دخل عليهم سألوه باعتباره ايضاً احد افراد البيشمركة فاقترح عليهم اسم: “بيشمرگه” حيث نال الاسم إعجابهم وموافقتهم، ومن هنا جاءت التسمية، وفي رأي اخر مقارب لهذه الرواية وفي نفس الفترة الزمنية اي اثناء الصراع المحتدم مع الايرانيين الفرس اجتمعت القيادة الكوردية للعمل على تنظيم قواتها واطلاق تسمية عليها، حيث كان القاضي محمد واصدقائه يخططون لتأسيس جمهورية كوردستان، وهناك واثناء التباحث ذكرت احدى النساء الكورديات اللاتي شاركن في العمل السياسي وقتها، ان احد افراد اسرتها قد ضحى بروحه من اجل القضية الكوردية " مه رك بيشكر " فاتفق الحاضرون على تسمية " بيشمركة" مستوحين من كلامها.. في حين هناك رأي اخر يذهب الى انه عندما تأسست قوات البيشمركة في بداية عشرينيات القرن العشرين، كمجموعات مقاتلة، قد شاع استخدام اسم البيشمركة بعد أن أطلقه السياسي والمثقف الكوردي إبراهيم أحمد على الجناح العسكري للحزب الديمقراطي الكوردي الذي شارك في تأسيسه مما يعني بعد عام 1946، لاسيما وان البارزاني مؤسس الحزب كان ممن التحق بما يقارب الالفين مقاتل من البيشمركة بجمهورية كوردستان في مهاباد التي ترأسها القاضي محمد، وهناك رأي اخر يذهب الى التسمية ظهرت الى الوجود في ايلول سبتمبر 1961، عندما ثار الملا مصطفى البارزاني ضد حكومة عبدالكريم قاسم، مطالباً بمعاملة المنطقة الكوردية معاملة خاصة والاهتمام بوضعها المتخلف اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً، على هذا الاساس فان غالبية الاراء تجعل من الحركة التحررية التي قادها البارزاني هي المحطة الابرز لظهور التسمية وذلك ما يدفعنا الى القول بان مشاركة البارزاني في دعم الحركات السياسية والمسلحة التي قادها الشيخ محمود الحفيد 1919 تعد البداية الحقيقية لظهور البيشمركة وتسميتهم على الصعيد المحلي " جنوب كوردستان " حيث ان تلك القوات ناضلت فيما بعد الحكومات العراقية في العهد الملكي كما ناضلت ضد الانكليز والحكومات العراقية في اكثر من معركة وانتفاضة، لاسيما بين اعوام 1940-1945، واستمرت في نضالها وكفاحها الى ان مابعد حكومة عبدالكريم قاسم. حيث شهدت قوات البيشمركة تطورات نوعية بعد التحاق عدد كبير من ضباط الجيش العراقي من الشيوعيين والقاسميين بها، فتطورت تشكيلات البيشمركة واتسعت.
استمر النضال والكفاح المسلح لقوات البيشمركة ضد الحكومات العراقية المتعاقبة، ومر ذلك النضال بمراحل تاريخية عديدة وبظروف داخلية واقليمية متغيرة ساهمت بشكل واخر في تقوية جبهات البيشمركة احياناً وفي احيان اخرى في اضعافها، لاسيما بعد اتفاقية الجزائر 1975 حيث تخلت ايران وقتها عن دعم البيشمركة في حربهم ضد الحكومة العراقية، ولكن ذلك لم يمنع ابدا ان تظهر بين فترة اخرى قطاعات من البيشمركة لضرب الاهداف العسكرية العراقية بالذات، معلنة وجودها وعدم انتهائها، لاسيما بعد ان ظهرت احزاب وحركات كوردية اخرى على الساحة في جنوب كوردستان، حيث اصبحت التوجهات الفكرية والأيدولوجية للبيشمركة ترتبط بالأحزاب والحركات التي تنتمي إليها، وتراوحت الأطر الفكرية  للاحزاب الكوردية بين القومية واليسارية والإسلامية، وتمثل إقامة دولة مستقلة للكورد الخيط الناظم بين كل هذه الأطر الأيدولوجية، والهدف السامي الذي مازال البيشمركةيناضل ويضحي بنفسه وباغلى ما لديه من اجل تحقيقه.


25
المنبر الحر / أنس حامل الورود
« في: 23:19 13/02/2019  »
أنس حامل الورود
جوتيار تمر/ كوردستان
5/2/2019
حين تتحول الحياة الى كأس من السم يتسرب ببطئ الى جميع اعضاء الجسد فتجعلها تتآكل من الداخل شيئاً فشيئاً، حتى يصبح الانسان بمرور الزمن مجرداً من كل مقومات البقاء بعدما يتجرد من الامل، فان الحياة نفسها تغدو آلة دمار، ووهم قاتل يتغذى عليه الانسان منذ صرخته الاولى الى اخر نفس له، ولعل ذلك فعلياً كان وراء انجراف الانسان منذ البدء الى التمرد لا على الاعراف فحسب بل حتى على الهته، وتلك الشرائع التي تقضي بأن يموت الانسان جوعاً افضل من أن يخضع لمنطق المقبول واللامقبول وفق تشريعات الالهة والمجتمع.
لقد حولت الحياة بانيابها مسارات وجود الانسان وفق معطيات سبقية وجعلته خاضعاً لمنطق الماهية التي تسبق وجوده الحر، لذا حين نشأ وادرك ووعى، وجد نفسه محاطاً بالعديد من التساؤلات التي لا اجوبة لها، فاصبح بلا رغبة منه بين فك قسوة العيش وعدميتها وبين الاخذ بالاختيار كي يجنب نفسه الموت فوق ارصفة البلهاء ممن ارتضى اللاخيار ووقع فريسة الحياة والجوع ومنطق المقبول واللامقبول،وكأنها الحياة منذ البدء فرضت على الوجود الانساني ان يؤمن بان خلاص الانسان لن يتأتى من خلال ادارة ظهره للعالم والهروب منه، وانما حتم عليه الانغماس في العالم حتى النهاية بوعي كامل لمسؤولياته ووجوده، ووفق مخاض تلك الرؤى تحولت حياة الشاب " أنس " من غياهب الجوع، والخوف من اقتراف الخطأ الى حياة تدخل الفرح في نفوس الاخرين ممن هم بنظر المجتمع منبوذون ليس لانهم يتجارون بارواح الناس واعراضهم، او لانهم مارقون سارقون، او ممن يتعدون على حقوق الاخرين او كاذبين، انما فقط لانهم قرروا واختاروا اللجوء الى ما يبعدهم عن عفونة هذا المجتمع المارق الذي يعيش على النفاق الاخلاقي والسياسي والاجتماعي، نعم أنس صورة حية لمن اراد العيش والانغماس في العالم لا الهرب منه، حتى لو كان مَن شجعه هو نفسه الذي يهرب من الحياة باللجوء الى السُكرّ احياناً.
كان في مقتبل عمره، حين فقد والده، ولم يجد غير امه التي ضحت من اجله بكل ما تملك، وحين نضج عوده قليلاً، كانت الام تعيش على فتات الحياة، تلك الحياة التي تحولت بنظرها الى مادة ظلامية، تلك المادة التي منها نفسها خلق جسد هذا البشر حتى قام بتحويل العالم كله الى فساد وخداع وموت وآلام ، حيث المرض والفقر، والجوع والبكاء، تُدخل في كل فجر المزيد من الموت البطيئ في روحها، ويجبرانها على الشرب من ذلك السم المسمى بالحياة، كان أنس كلما ينظر اليها يحترق في داخله وينظر الى كل صوب وهو يتمتم بحزن وحرقة انها امي ايتها السماء انها امي ايها البشر،حتى بُح صوته دون مجيب، تكالبت عليه الاقدار والظروف وكان عليه الاختيار بين رؤية امه تحتضر جوعاً ومرضاً، وبين دراسته ولم يتردد لحظة وقتها، حيث اختار ترك الدراسة وكل شيء والبحث عن لقمة عيش كي يعيل بها امه المريضة التي تريد الهرب من العالم، ولانه لم يكمل دراسته فلا فرصة لعمل منظم ودائمي، وانما عليه ان يعمل اجيراً يستغله اصحاب الجشع البشري كلٌ وفق حاجاته، وحين ادرك تماماً بانه لن يستطيع الصمود امام تلك المطبات البشرية الحياتية، لجأ الى ابواب احدى الجوامع يطلب من اصحاب الايمان المساعدة ولو بالقليل ليس لاجل ان يعيش هو كباقي البشر انما ليعيل امه التي تحتضر بعدما اعطته كل شيء من روحها وقلبها وحياتها، كم كان الامر صعباً في بدايته بالنسبة له، ولكن براً بوالدته رضي بالمذلة ورضي بنظرات الاخرين، لاشيء عنده كان اهم من يعود الى البيت حاملاَ دواء امه، او لقمة يسد بها جوعها، توالت الايام وأنس يدرك تماما بان اهل الايمان ينظرون اليه باستصغار، وانهم يتمتون.. هو شاب لماذا لايذهب ليجد لنفسه عملاً شريفاً، وهولاء هم انفسهم اذا طلب انس منهم ان يوظفوه في وظيفة " شريفة كما يدعون" او يمنحونه اي عمل كان سيقبل، ولكنهم هم في الاصل من سدوا امام وجهه كل السبل فلم يجد غير ما يقوم به الان الجلوس امام باب الجامع ليقتات من فتات روداه، هذا ان وجد بينهم من يدرك في الاصل لماذا هو يدخل الجامع.
في ليلة شتوية باردة ، حيث المطر يغسل آلام الارواح الحزينة، ويزيدها في الوقت نفسه اوجاع البقاء، ييأس أنس من جلوسه امام باب احدى الجوامع، فتحامل على نفسه وقام يتجول في احياء المدينة وشوراعها عله يجد من يمنحه فقط ما يشتري به خبزاً لامه، قادته خطواته الى احدى الشوارع الرئيسية في المدينة، حتى مَرّ امام احدى البارات، البرد كان يعصف به، لجوعه ، ولحزنه على جوع امه التي تنتظر عودته ولو برغيف خبز، وبينما كان يمر بخطى مثقلة امام احدى البارات التي تملئ ذلك الشارع خرج منها شاب في منتصف عقده الثلاثيني، كانت رائحة المشروبات تفوح منه، لم يكن سكيراً ولكنه كان بين الامرين، نظر الشاب الى أنس وهو يمر مطأطئ الرأس وواضعاً يديه تحت ابطيه، لم يكن يعرفه، لكن انسانيته كانت تعرف بان الذي يمر امامه انسان، قال له هل تشعر بالبرد...؟ ، هل انت جائع...؟ ، نظر أنس اليه والدموع في تلك الليلة الباردة تغزوا عيناه.. قال نعم.. قال تعال خذ هذا المال واذهب لتشتري به لنفسك طعاماً ولتعُد للبيت ولاتبقى على الشارع لان البرودة ستقتلك..اخذ أنس المال وشكره على ذلك.. ومضى للبيت حاملاً لامه ما يسد به جوعها ويخفف عنها ألم مرضها، ولكن أنس ظل متسغرباً مندهشاً، وهو يردد في نفسه مع نفسه لم يقل احداً لي يوماً وانا امام باب الجامع هل تشعر بالبرد..؟ هل تحتاج الى المال..؟ ، مالذي جعلك تترك دراستك وتعمل على طلب المال ..؟، تلك التساؤلات غيرت بعض ملامح أنس،حيث ادرك بأن اله ذلك الشاب ليس كاله رواد الجوامع، لان اله الاول منغمس في شؤون العالم والانسان، بينما اله الاخرين متعال على كل ما يجري في العالم المادي، فقرر ان يقف امام البارات بدل الجوامع، وبعد ايام قليلة اعطى لنفسه حق خرق الاعراف الاجتماعية التي تمنعه من دخول البارات فدخلها، وبدأ يطلب المال من الجالسين على تلك الطاولات، وذات يوم، ناداه احدهم، لم يكن يعرفان بعضهما البعض، سأله ما اسمك، قال أنس.. قال لماذا تعيش على الطلب.. قال لاساعد امي المريضة ولادفع ايجار البيت الذي يأويني مع امي.. صفن الشاب وتمتم في نفسه وهل من انسان يأخذ من امثالك وامك الايجار..؟، ثم اردف  قائلاً: هل اقول لك شيئا يفيدك بشكل اكثر في عملك ويجعلك تعيش حياة افضل .. قال أنس مستغرباً نعم تفضل..! ، قال خذ هذا المال واذهب لتشتري به بعض الورود وقارورة عطر، وحين تدخل هنا او في اي بار اخر، ضع على كل طاولة وردة دون طلب المال من اصحابها، ولاترش عليهم العطر الا اذا طلبوا منك ذلك وليكن العطر هادئاً خفيفاً، قد لايعطونك في اول الامر، ولكنهم حتى وان كانوا سكارى سيدركون حجم ما تقدمه انت لهم من احترام ومودة وحب،  وذات يوم سيدفعون لك ما يسد به رمقك.. ويخفف من مرض امك..وما قد تدفعه لجشع ذلك البشري الذي يطالبك بالايجار، كما ستحافظ به على شخصيتك كانسان كادح.. اخذ أنس منه المال وعيناه دامعتان،شكره كثيراً.. وحين حل المساء في اليوم التالي دخل أنس البارات بحلته الجديدة، وطريقة عمل مستحدثة، لم يعد يمد يده لطلب المال، انما كان يمد يده لزرع المحبة، وبدأ يوزع الورود على الجالسين فيها، ويوماً بعد يوم تحسنت احوال أنس واستطاع من شراء بيت قديم يأويه ويأوي امه، بدل الايجار ، وبقي رغم ذلك مستمراً في عمله، و ذات ليلة بينما هو يوزع الورود ، استغرب احد رواد البارات الجدد، عندما شاهده يضع الورد امامه ولم يطلب منه ثمنها او شيء، قال لاصحابه من هذا، وماذا يعمل..؟، قالوا له هذا أنس الذي يهدي الورود للاخرين دون ثمن، تعجب من امره، وقال لاصحابه ما قصته، وكيف لايطلب ثمنها، انه من حقه، هل يمكنني التحدث اليه.. قالوا لابأس، نادى احدهم أنس فاتاه، قال لأنس اذا لديك وقت يريد صديقنا الذي عاد من الغربة ان يتحدث اليك.. رد انس لكني اعمل وهذه ساعات عملي.. قال الشاب العائد.. كم تكسب خلال عملك في الليل..فرد عليه أنس برقم محدد.. قال تعال اجلس واحكي لي قصتك وانا ساعطيك ضعف ذلك الليلة.. فجلس أنس وبدأ يسرد عليه قصته، دمعت عيناه، وحضن رأس انس وقَبَله، سأله هل تعرف ذلك الشاب الذي ارشدك لطريقة عملك.. قال منذ تلك الليلة وانا ابحث عنه لاشكره لكني لم اجده وكأنه كان طيفاً ظهر خصيصاً ليرشدني الى هذا العمل ويختفي بعدها.. قال الشاب هناك سكير يدرك كيف يمنح الحياة لعاجز فقير بكلامه اكثر من مدعي لايعطي حتى الصدقة الا امام انظار الناس تمجيداً لذاته.. ان ذلك الشاب لهو مدرسة حتى لو كانت رائحة المشروبات تفوح منه.. واولئك المُدّعون انما مارقين يمنعون الناس من كسب قوتهم حتى لو كانوا ممن يسجدون لربهم في اليوم مائة مرة.
تلك المفارقة الغريبة .. والجزئية البسيطة التي حولت حياة أنس الى حياة افضل، لم تأتي من اصحاب النصيحة " انما الدين النصيحة " ، انما اتت ممن ينبذهم اصحاب النصيحة ، مَن كان يرتاد البارات التزم بانسانية المقابل واعطاه الكلمة التي تحيي فيه الامل بالوجود ، والاخرون نظروا اليه باستخفاف، ولعل نظراتهم ودعواتهم وتمتماتهم هي نفسها التي قادت أنس الى البارات دون ان يشرب، ولم تدفعه للجوامع ليستصغر الاخرين مثلهم، هكذا بكلمة من سكير تحولت حياة الشاب، ومضى يعمل باخلاص، ويقتني اجمل الورود ويلبس افضل ما لديه اثناء عمله، حتى انقلبت عليه الاقدار و تداركته المنية ذات ليلة حالكة الظلمة عندما دهسته سيارة غني " لايشرب " حين كان أنس يتنقل بين اماكن عمله ليكسب قوت حياته.. فاقيم له عزاء حضره اصحاب البارات ممن زرع أنس المحبة على طاولاتهم ولم يحضر من اقاربه واصحاب ..... الا القلة لأن أنس بنظرهم كان ممن يرتاد البارات.


26
مشكلة الكورد اشكالية للجوار
جوتيار تمر / كوردستان
 21/2/2018
يبقى مفهوم الاشكالية والمشكلة بين الاوساط الاكاديمية مسألة تداولية واراء تخدم المصطلحان نفسهما، وتؤكد في الوقت نفسه على مدى تداوله على الاصعدة المختلفة ، لاسيما السياسية التي غالبا ما تطرح مفهوم الاشكالية وفق تداعياتها المصلحوية القائمة على تحقيق غاياتها بشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ونحن الكورد اذا نعيش فوق جغرافية تعد من احدى اهم المناطق التي تتداول عليها مصالح القوى العظمى، نتعرض الى هزات متتالية بسبب تلك الدوامة المصلحوية ، وبذلك اصبح وعي مفهوم المشكلة والاشكالية لدينا ضرورة ملحة، كي نقف على الحدود الجغرافية لتلك الدوامة المصلحوية ، ولكي لانلقي دائما باسباب تراجعنا الى ساحة الاخرين لاسيما واننا مازلنا لانعي اذا ما كان وجودنا بهذا الوضع الراهن "أ هو " مشكلة خاصة بنا ام اشكالية من حولنا والمنظومة الدولية المصلحوية..؟ ، لكوننا ننظر الى الامور دائما كما هي عادة الشعوب في هذه المنطقة من منظور قومي جغرافي تاريخي بحت، ولم نستطع يوما تجاوز ذلك المنظور الى افاق ابعد، وحتى ان بدا للكثيرين بأن الشعاراتية المتمرسة التي تتبناها الانظمة في هذه المنطقة هي دليل على تجاوزهم لذلك المنظور، ولكن الواقع الفعلي يثبت دوما بطلان تلك الشعارات وعمق الحس القومي الجغرافي التاريخي للاقوام والانظمة المستبدة في هذه المنطقة " الشرق الاوسط".
اذا ما نعني بالمشكلة والاشكالية وفق تداولنا لهذه المفاهيم وكيف يمكن اسقاطها على واقعنا الكوردي بصورة تتناسب وصيرورة الاحداث من جميع النواحي والاصعدة ، تعد المشكلة ضمن الرؤية الاكاديمية قضية اقل شمولا، وتخص صاحبها على الاغلب، ولاننا نتكلم بصيغة الجمع القومي فيمكننا ان نقول بان المشكلة هنا تخص الكورد وحدهم بحيث تجعلهم يبحثون عن حلول لقضيتهم، او حتى بان يكونوا قد وضعوا لانفسهم اهداف محددة، ولكنهم يواجهون عوائق وعقبات لتحقيق ذلك وللوصول الى تلك الاهداف، وبذلك فاننا هنا نعيش تحت وطأة مفهوم المشكلة داخلياً، واقصد بداخلياً كوردستانياً قومياً ، ولااعتقد بانه قد يحتلف اثنان واعيان على هذا الامر، فمشكلتنا تخصنا على وجه الخصوص قبل ان تتحول الى اشكالية لغيرنا، لكوننا ووفق المنطق الجغرافي التاريخي وبحسب المصادر التاريخية نفسها متزامنيين في الوجود مع اقدم الاقوام التي سكنت المنطقة، وكما هم كانوا يبحثون للتوسع كنا نفعل المثل، ومن باب التوضيح فاذا كان السومريون قدماء، فقد ذكر هولاء في كتاباتهم واثارهم اسم سوبارتو واسم الميتانيين وهولاء وبحسب النظريات الاكاديمية هم اسلاف الكورد، اذا تواجدهم تزامني ولانحتاج الى البحث والاثبات لذلك لان الامر مفهوم ومدرك من قبل الاكاديميين غير المتعصبين وغير المهرطقين الذين دائما ما يبحثون عن طعن الاخرين وتهميشهم كدليل على وجودهم وهم لايدركون بانهم انما يحاولون اثبات وجودهم مما يعني ان وجودهم مشكوك فيه في الاصل كي يبحثوا عن ذلك، المهم بعيداً عن الحفريات التاريخية الجغرافية في المنطقة، نحن الكورد توارثنا مناطقنا وحاولنا كغيرنا ان نتوسع ونتحالف من اجل البقاء، وهذا الامر كان ولم يزل طبيعياً بعيداً عن غرضنا، الا اننا وكباقي شعوب المنطقة لم نفكر يوما قديما وحديثا بان وجودنا في الاصل مشكلتنا، والحفاظ على وجودنا ليست مهمة او مشكلة الاخرين، وبذلك تعدينا من خصوصية مشكلتنا الى اشكاليتنا للاخرين، وكنا ولم نزل نلقي باللوم على الاخرين في عدم تماسكنا وعدم حصولنا ووصولنا لاهدافنا الخاصة بنا.
من هذا المنطلق كي نستطيع بناء وجودنا مرة اخرى كقوة تحاول التوسع والامتداد او حتى كقوة تحاول استعادة ما سلب منها قسراً، علينا وهي المشكلة الاساس التي نعاني منها، والتي بلاشك لايختلف عليها اثنان، وهو اننا لانملك هدفاً موحداً واقعياً بعيداً عن الشعاراتية واثارة العاطفة الكوردية على ارض كوردستان، واظهار مظلوميتنا دائما وعلى اننا امة وقوم تعرضوا للظلم والتهجير والتهديد والتشتيت، فكل ما تعرضنا له ليس الا هدف للاقوام التي تجاورنا اقصد بهدف انهم كانوا مثلنا لديهم مشكلتهم الخاصة بهم، وقضيتهم الخاصة بهم، وسعوا لتحقيق اهدافهم لايهم على حساب من، المهم عندهم ان يتوسعوا، ان يدعموا قضيتهم، لذا مصالحهم وسعيهم لتحقيق تلك المصالح مرت على ارضنا، وواجهونا نحن الكورد، اي نحن كنا الطريق الذي مروا عليه لتحقيق تلك الاهداف التي تخدم قضيتهم، اذا هم حاولوا حل مشكلتهم غايتهم بتلك الوسائل سواء أكانت مشروعة او غير مشروعة، لكنهم استطاعوا من خلق عوالمهم الخاصة، وكياناتها القومية الخاصة، ام نحن الكورد فبقينا غير واعين لمشكلتنا، وبقينا نعلق الامال على المنظومة الدولية والقوى العظمى لتحقيق مقاصدنا واهدافنا مشتتين داخلياً لانملك قيادات واعية تستطيع ان توحدنا، او ان توجهنا نحن افاق مستقبلية تخدم قضيتنا وتحل مشكلتنا، وهذا ما يحدث لنا الان ايضا، فجل اهتماماتنا لم تزل منصبة على ما يمكن ان يقدمه الاخرون لنا، وسعينا لتحقيق اهدافنا يواجهه تحدي داخلي ورفض من القوى السياسية الكوردية غير المتلاحمة، بحيث لم نعد نعي بأن امكانية نجاح جزء كوردستاني قد يساهم في نجاح الاجزاء الاخرى مستقبلاً، بل اصبحت بعض القوى السياسية الكوردية توجه جل غضبها نحو الانجح منها سياسياً واقتصادياً وعلاقتياً، وعلى هذه الشاكلة تحولت مقاصدنا الى لعبة بيد اصحاب القوى والمصالح في المنطقة يتم توجيهنا للدخول في نزاعات كوردية – كوردية ، بدل ان نسخر تلك القوة وذلك الغضب تجاه اعداء الكورد انفسهم ممن بنوا حصونهم على رقابنا، وبذلك لم نعد نعي مشكلتنا الاساس، ولم نعد نبحث عن العلاجات والحلول، بل اصبحنا نتزاحم على الانتقاد والتقليل من بعضنا البعض، وحتى الاعمال البطولية التي يقوم بها ممن يحملون السلاح في كل اجزاء كوردستان اصبحوا اداة بيد المنظومة الدولية التي ما ان تحقق اهدافها في المنطقة حتى ما تلبث ان تتخلى عنهم.
ان وعي المشكلة ومن ثم البحث عن تداعيات المشكلة هي من اهم الامور التي يجب علينا نحن الكورد الوقوف عليها والعمل عليها، كي نستطيع من تحقيق اهدافنا وفق منطق القضية الاسمى " كوردستان " ، وكنت ومازلت مؤمن بان نجاح جزء يعني دعم للاجزاء الاخرى في المستقبل، ولايمكن الحكم على نجاحهم بانه اتى على حساب الاجزاء الاخرى، او ببناء علاقات اقتصادية او سياسية مع ممن يتسلط على الكورد في الاجزاء الاخرى لأن ذلك بعيد عن المنطق في فهم المشكلة، وخلق مساحة مهيئة للانطلاق عليها لتحقيق الغاية الاسمى.
ووفقاً لهذه التداعيات فان مفهوم المشكلة الكوردية " الكوردستانية " قد اصبح بحق عائقاً كوردياً للوصول الى الغاية الاسمى، ولكنه في الوقت نفسه تحول الى اشكالية للجوار وللمنظومة الدولية، فباعتبار ان الاشكالية كمفهوم تعني قضية عامة ومعقدة، وينضوي تحتها عدد من التساؤلات، وقد توجد اجوبة لبعضها ولكن غالبيتها تظل بدون اجوبة واضحة وملموسة، لذلك فهي تسبب جدلاً واسعاً يقابل بالرفض من قبل الكثيرين ممن يسعون لفرض وجودهم الدكتاتوري القومي، وبحسب هذه الرؤية مشكلة الكورد هي بالفعل اشكالية للجوار القومي، لان وجود الكورد حقيقة وواقع ملموس ومؤثر على الرغم من شتاتهم، لانهم متداخلون ضمن المكونات الاساسية والمؤثرة داخل منظوماتهم القومية السياسية والتشريعية، سواء في تركيا التي تستخدم كل الوسائل لقمع الكورد، او ايران التي لاتقل شراسة وارهاباً ضد الكورد، او العراق حيث الكورد اصبحوا ووفقاً للمنطق السياسي معادلة صعبة لايمكن تجاوز وجودهم لفرض اية ايديولوجيات متطرفة، وفي سوريا حيث الشتات الكوردي لايعني زوالهم وغيابهم كواقع ومعادلة في الرؤية المستقبلية لوجودها، وكما ان الكورد تحولوا شيئاً فشيئاً الى اشكالية دولية لاسيما ان المنظومة استغلتهم في فرض نظامها على المنطقة بالاخص في مواجهة الارهاب الذي هدد مصالحهم بشكل واضح، وبذلك فان مفهوم الكورد وكوردستان مثلما هو مشكلة كوردية_كوردية ، اصبح اشكالية دولية واقليمية ، بحيث اصبحت قضيتهم تطرح على طاولة " مائدة " القوى العظمى والمنظومة الدولية والامم المتحدة وضمن حوارات تلك القوى مع دول الجوار وكذلك بين القوى الاقليمية نفسها حين تتشاور وتبني رؤيتها العلاقاتية والسياسية والاقتصادية مع الاخرين، وبذلك لابد للكورد من ان يستغلوا هذه الفرصة كي يوحدوا جهودهم لتحقيق غايتهم الاسمى، وهنا لاادعوا الى التنازل عن المبادئ الحزبية او خلق كيان حزبي كوردي عالمي، لان الامر مازال مبكراً للحديث عنه، فالكورد لم يستطيعوا لاسيما في شمال وغرب كوردستان من فهم اهمية الاستقلالية في التحرك السياسي والعسكري لخلق انموذج يلائم الجغرافية والتاريخية التي يعيشون فيها، ولكن اقول بان يفهم كل جزء اهمية مشكلته الجغرافية ومن ثم البدء بعمل يلائم تلك الجغرافية بتاريختها الحركية التحررية، ومحاولة دعم الحركات الكوردية الاخرى دون انتقادها او التحرك ضدها، وبذلك نستطيع خلق نماذج منوعة كل واحدة منها تلائم جغرافيتها، وان استطاع انموذج من تحقيق غايته الاستقلالية يتم دعمه من قبل الاخرين واحترام قادته، لكي يتم وضع الحجر الاساس لمشروع اكبر قادم بلاشك.


27
هوية الكورد ودول الجوار
جوتيار تمر / كوردستان
28-12-2018
لم يعد خافيا على احد بان انكار هوية الكورد هو احد اهم المرتكزات التي تتعامل بها دول الجوار مع الكورد وابناء كوردستان في كل اجزائها، ولم يعد خافياً بان تلك الدول بانظمتها الدكتاتورية تستغل وتوظف كل وسائلها المباحة وغير المباحة من اجل الحاق الاذى بالكورد ليس فقط كسباً لود شعوبها المنصاعة لسياستها فحسب انما تماشياً مع الحقد الموروث لديهم تجاه الشعوب الاخرى التي لاتنتمي اليهم لغة وارضاً وقومية ، وهذا بالذات ما يشير اليه الواقع بدقة ووضوح، حيث ان الشعوب المطبلة لحكامها هي الشعوب نفسها التي تحقد مثل سلاطينها على الاخرين وبنفس الوتيرة ، مما يعني بانها لاتكسب الحقد من سلاطينها، انما الحقد قد نمى معهم وبات متجذرا في عقولهم التي تحجرت جراء انغماسها بدماء الابرياء والظلم والكراهية والانانية والنظرة الفوقية.
تشير اغلب الدلائل والمعطيات الحالية لاسيما بعد قيام الكورد باجراء اول استفتاء حقيقي ومدوي لهم في جنوب كوردستان بان الموروثات والجينات الحقدية لدى الكثير من الشعوب المتاخمة " فيئات شعبية واسعة ليس كلها "  للكورد ليست فرضية او مجرد اقاويل واتهامات نطلقها نحن الكورد من ابناء كوردستان، انما هي ثوابت حقيقية يتم التعامل بها معنا سواء من الذين آويناهم حين رفضهم ابناء جلدتهم ودمروا مدنهم وقراهم فلم يجدوا سوانا ليلجأوا اليهم، او ممن يمتعض حقداً لاننا اصبحنا على هذا المستوى من التطور لاسيما الانساني والعمراني معاً، فالبناء لدينا لم يكن فقط عمرانياً انما جاء البناء الانساني ملازماً لقرينه العمراني، بحيث لم نخرق قانوناً دولياً ولم نضطهد القوميات الاخرى داخل كوردستان، وبالعكس تماماً كنا معهم يداً واحداً في البناء والتعايش والمحبة، ومن ينكر ذلك فانه لايأتي الا بباطل، لأن الحقائق تثبت بان الكورد في كوردستان تعايشوا مع الكوردستانيين بشكل ايجابي ومثمر، سواء من الكلد والاشور والاثوريين والتركمان والعرب وغيرهم من القوميات الاخرى ناهيك عن التعايش الديني والذي يثبته ارباب الدين في كوردستان من جميع الاديان، وفضلاً عن كون كوردستان تبنت ايواء النازحين والهاربين من بطش المنظمات الارهابية الخارجية والداخلية معاً فحتى بعد تحرير مدنهم مازالوا يعيشون داخل كوردستان وهذا خير دليل على مدى التعايش الانساني الذي يتبناه الكورد تجاه القوميات والاقوام الاخرى.
ان هذا التطور الملموس في التعامل الانساني والعمراني جلب لكوردستان اعداء كثر من الدول المجاورة التي تقوم انظمتها الحاكمة باستعباد شعوبها وغرس التفرقة بين الفيئات الاجتماعية على اسس الانتماء العرقي من جهة وعلى اسس الانتماء المذهبي الديني من جهة اخرى، وبالتالي فانها باستعبادها لشعوبها بتلك الصورة البدائية ترفض ان ترى بقعة امل قريبة منها قد تثير شعوبها التي هي خارج دائرة الفيئات الحاقدة، وبالتالي قد تطالب بحقوقها المهدورة والمسروقة، وذلك بالضبط ما يؤرق مضاجع السلاطين والملالي والدكتاتوريين من حولنا.
لقد أظهرت التفاعلات مع الاحداث المتعلقة بكوردستان حقائق كثيرة تتعلق بانظمة الحكم والكثير من الفيئات الشعبية، فكما نوهنا سابقاً بمسألة الاستفتاء وكل الاجراءات التي اتبعت ضد الكورد وكوردستان وقتها، لم تتوقف تلك الاجراءات حتى بعد تجميد نتائج الاستفتاء، بل توالت الويلات على الكورد في جميع اجزاء كوردستان ، ففي الجنوب استعملت بغداد القوة العسكرية ضد الكورد كاعادة للتاريخ الدموي الذي فرضه حكام بغداد على الكورد منذ بداية تاسيس ما يسمى بدولة العراق والتي كانت في بداية امرها لاتضم جنوب كوردستان انما فقط ولايتي بغداد والبصرة حتى عام 1925 حيث باعت تركيا ولاية الموصل للعراق مقابل النفط ومن ثم مقابل المال، هذا التاريخ الدموي لم يتوقف الا خلال حقب قصيرة وسرعان ما كانت الدكتاتوريات السلطوية تعود لممارسة اضطهادها وعنفها الدموي ضد الكورد، وما حصل في الاونة الاخيرة من عمليات لما يسمى بالحشد الشعبي الشيعي العراقي الممزوج بالايراني خير دليل على ذلك، وفي غرب كوردستان تمارس السلطات الحاكمة سواء من المعارضة او الحكومة نفس الممارسات اللا اخلاقية واللاانسانية تجاه الكورد فعلى الرغم من ان الكورد هم القوة الاكثر حضوراً في محاربة الارهاب الا ان المجتمع الدولي والحكام كلهم واقفين بنفس الخندق ضدهم متناسين ومتجاهلين حجم الدمار الذي لحق بالكورد جراء دفاعهم عن ارضهم ووقوفهم ضد الامتداد الارهابي لجماعات النصرة الموالية لتركيا وداعش التي تساندها تركيا ايضا ضد الكورد، في حين نجد الحكومة اشبه بما تكون دمية بيد القوى العظمى كروسيا وبعض القوى الاقليمية كايران ، وفي ايران نفسها نجد ابشع الممارسات التي تتخذها دولة الملالي تجاه الكورد فليس فقط هناك كبت لحقوقهم انما تمارس العنف المنظم تجاههم وباستمرار والاعدامات التي تطال الكورد في جميع انحاء شرق كوردستان خير دليل على ذلك ناهيك عن تعمدهم في ممارسة الضغوطات على بغداد الموالية لهم لتقوم الاخيرة بالضغط على جنوب كوردستان وحكومتها بكل الوسائل والاشكال ، اما في شمال كوردستان فالصورة ابلغ من ان نتحدث عنها، حيث ان السلطات التركية لم تنسى شيئاً ممكنا ولا مباحاً او غير مباحاً الا وقد مارسته ضد الكورد فالتهجير الذي هو من اسس الانظمة الدكتاتورية في الاجزاء الاخرى ايضا مازال مستمراً، والقتل مازال مستمراً، وتهميش القومية الاكبر بعد الترك داخل الدولة مازال مستمراً، محاربة اللغة الكوردية ومحاربة اسم كوردستان ، ومحاربة الحقوق الكوردية كل ذلك مازال مستمراً والادلة لاتتوقف عند زج الساسة والقادة الكورد في السجون بتهم ملفقة وباطلة فحسب انما وصل بهم الحقد الى اعلى مستوياته  حيث اصبحوا يمارسون دكتاتوريتهم حتى ضد حريات التعبير فخاطبوا ادارة المواقع الالكترونية بازالة اسم وخارطة كوردستان منها، وبذلك اثبتوا بانهم الاكثر دناءة، والاكثر حقداً ، والاكثر دكتاتورية بدون منازع ومنافس، والغريب ان تلك المواقع ترضخ لها، وكأنها هي الاخرى اداة بشعة بيد الحاقدين على كوردستان محاولين معاً طمس معالم قوم ربما هم الاكبر من بين الاقوام  التي مازالت بلا دولة وكيان مستقل، والاغرب من ذلك ان معظم من  دولهم مبنية على اسس قومية مازالوا يرددون بان الدول لاتبنى على اسس قومية، وكأنهم فوق غبائهم يزيدونها سذاجة وبلاهة بدرجة ان يحللوا لانفسهم ذلك ويحرمونه على الاخرين.

28
بين وعي وادراك الواقع
جوتيار تمر / كوردستان
14-12-2018
تحتل الدراسات حول الفرق بين الوعي والادراك مساحة كبيرة في الاوساط النفسية " علم النفس " ، مما يتيح للباحث ان يقف على مفارقات عديدة يمكنه اسقطاها على الواقع بحدثه العام وعلى تجربته بتفاعله الخاص، وبالتالي فان امكانية الوصول الى استنتاجات مبطنة واخرى ظاهرة امر ممكن ضمن حدود الادارك والوعي على ان الامرين ليسا بنفس الدرجة والتماسك في كل الحالات، وهذا ما يفرض اشكالية البحث الاكاديمي في الفرق بينهما،وكي لانخوض في تلك المعيات والفروقات نختصر القول بان الوعي وبحسب بعض الدراسات له علاقة كبيرة بالحالة الروحانية وهنا لانقصد بها الروحانية الدينية انما الاشارة الى تلك الدرجة من الادراك حين يصبح العالم الفيزئائي غير عائقاً لحدود الفهم وبمعنى اخر ان يكون المرء مدركا للعالم الميتافيزيقي حيث تأخذ التفاعلات الروحية والتعلم مكان التجارب المعرفية الفيزئائية وبذلك حين ان تكون في حالة وعي تصبح اكثر عمقا وتوسعا من ان تكون في حالة ادراك ، لان الادراك يعتبر شرطا مسبقاً للوعي، لانه لايمكن ان نكون واعين لشيء ما ان نكن مدركين له اولاً، وبذلك يكون الادراك هو في الاساس مفهوم ذو ارتباط ملموس اي ان له دلالة ذات تعبير جسدي، فحين تدرك قيمة الاشياء تقرر اي خيار تتخذه تجاهها او اي فعل تمارسه وفق معطياتها الادراكية السبقية وهذا بالتالي وبحسب بعض الدراسات يقودنا الى القول بان تكون مدركا ليس بالضرورة ان يقابل او يساوي معنى ان تكون واعياً ، وخلاصة القول يمكننا ان ننظر الى الوعي على انه نافذة صغيرة تسمح لنا بالولوج الى بعض المعلومات الحسابية القائمة في دماغنا لكن ضمن محدودية تنسجم مع تجربتنا القائمة وحاجتنا البقائية وبالطبع وفق ادارك ناجم عن عمليات حسابية بهدف رسم قالب يحاكي الواقع الفيزئائي المحيط بنا، ومشاركة المعلومات بين جميع الاقسام الحسابية وبذلك نكون على عتبة مستويات مختلفة من الادراك وبالتالي يمكننا القول بان الانسان قادر على ادراك بعض ادراكه وهو ما يرمز اليه بالوعي، ومع اختلاف وجهات النظر حول السبقية بين الوعي والادراك نجد وضوحا في رسم معالم خارطتهما،حين نقول بان الادراك متعلق بالحسيات والوعي بالميتافيزيقيات، وبينهما يكمن الصراع الذاتي او ما نسميه الوعي الذاتي.
وبعيداً عن تلك التقاطعات النفسية حول توضيح الماهيات المتعلقة بكل من الادارك والوعي، فاننا واقعياً وضمن جغرافية تجربتنا الحية نحتاج الى فهم العمق الحقيقي للتجربة التي نخوضها ونمر بها وفق تداعيات الحالة اولاً، ومن ثم وفق المعطيات التلازمية للحالة، وبذلك فان وعي المرحلة بعمقه الروحي ضرورة ، ولكن الادراك الحسي بمجريات الاحداث وتأثيراتها على المستويين الاني والمستقبلي ضمن سيرورة الاحداث وصيرورتها تتطلب منا ادراكاً يخرجنا من الميتافيزيقيات الى الوقائع  " الاصابع " التي تحرك احجار الشطرنج، وبذلك نكون امام معضلة كبيرة لاتمس الوعي الذاتي فحسب انما تمس الوعي الجمعي ايضاً، لكوننا نمارس الفعل ذاته الذي قد يكون في الاصل اشكالية سبقية تشكلت بسبب تجربة خضناها، وبالتالي فاننا امام صراع هو مخاض لتجاربنا، مما يعني ان الصراعات التي نحن بصدد خوضها في الواقع هي في الاصل ليست نتيجة ادراكنا للموجودات بصورة مباشرة، انما من خلال خارطة ادراكية معينة تتخلق من الطور الثقافي والاجتماعي الذي نشأنا فيه، فحين نقول بأن الحكومات لاتقدم شيئا لشعوبها، وانها تسرق قوت الوطن وتهدره في امور لاتخدم لا القضية ولا الشعب ولا السعي لتحقيق الاهداف المستقبلية فهذا لايكون الا من خلال ادراكنا للتجارب السابقة التي نشأنا في بيئتها، وبذلك نكون كما يقول توماس كوهن ان ما يراه الانسان على سبيل المثال يعتمد على ما يراه طبعاً ولكن ايضا على ما تعلمه من تجارب الادراك البصري السابقة بحيث تصبح هذه الخارطة الادراكية التي تنمو وتتشكل مع الانسان حاجزا وموجها لا مفر منه عندما يدرك حقيقة الاشياء، لذا فان مانعانيه في واقعنا الكوردستاني المرير بصورة خاصة والشرقي بصورة عامة مثلاً وما نراه من انتهاكات بحقوقنا والضرب بالحديد والرصاص لطموحاتنا وهدم لكل افاق تطلعاتنا من قبل الانظمة الدكتاتورية التي تحكم تلك الاجزاء التي فرضت علينا في مؤتمر لوزان وبعد اعمال خط بروكسل فان ذلك لايأتي من فراغ ادراكي او من خلال صور مباشرة نلتقطها في حياتنا اليومية ونشاهدها على شاشات القنوات الفضائية، انما هي وقائع نمت من تجارب سبقية وتحولت يوما بعد يوم الى ادراك بصري ذهني حسي ذاتي حتى اصبحت حاجزاً بيننا وبين تلك الانظمة الدكتاتورية بل تعدت ذلك الى كونها اصبحت تشريعاً نتعامل من خلال فرضياتها واحتمالاتها مع تلك الاقوام التي تساند انظمتها في اضطهادنا ، ولعل ما يحدث الان في تركيا العنصرية خير دليل على تفاقم هذه المعضلة الادراكية بين النظام الدكتاتوري والكورد فمنذ تأسيس الدولة التركية العنصرية الغت لغات جميع القوميات التي تعيش ضمن جغرافيتها، وكانت ولم تزل تقول تركيا دولة يعيش فيها اقوام متعددة ولكن لغتها واحدة وهي التركية منتهكة بذلك كل القيم التعايشية بين الاقوام لاسيما الكورد والارمن والعرب الذين يعيشعون ضمن حدود ذلك الجحيم التركي، وبالطبع الدكتاتوريات تشرب من معين واحد، فسوريا لم تكن يوما بافضل حال في تعاملها مع الكورد وايران ايضا التي تمارس بحق الكورد وبحق العرب في جنوبها ابشع الممارسات القمعية من اعدام وسجن وضرب للمتظاهرين اما في العراق فمع تغيرات ظاهرية طفيفة على مستوى الحضور الكوردي بالذات لاعتبارات مصلحوية تتعلق بالمنظومة الدولية فان الحكومات العراقية كانت وستبقى تنتظر الفرص لقمع وضرب الكورد كما فعلت سابقا وحاضراً، وبذلك فاننا لسنا بصدد خلق توهيمات صورية حديثة انما هي احداثيات نمت وتعمقت جذورها في الوعي والادارك والذات حتى تحولت الى ما يشبه الفوبيا تجاه تلك الانظمة فكل ما نعيشه اليوم عشناه في الامس بنفس القيمة التنكرية لنا، وبنفس القيمة القمعية لنا، ولكن بشكل اكثر تطوراً.
 وهذا ليس بحال الشعب الكوردستاني فحسب انما هو حال اغلب الشعوب الشرق اوسطية التي تعاني من المعضلة ذاتها لاسيما مع انظمتها الدكتاتورية التي تفرض قوانينها بقوة عساكرها والمنظومة الاستخباراتية التي تملكها بعيداً كل البعد عن القيم الوطنية الهادفة لخلق مواطن يؤمن بقضيته ووطنه، هذه المعضلة التي تطورت وعياً وادراكاً تحولت الى رمح في خاصرة الاوطان نفسها، فليس هناك وطن لايهرب مواطنوه منه الى اوطان اخرى بعيدة سعياً للامان والسلام والعيش الانساني و بعيداً عن التعنت القومي والديني المذهبي والقبلي الانتمائي والسلطوي الدكتاتوري.


29
الوعي الاختياري لشعوب دول الجنوب
جوتيار تمر / كوردستان
18-11-20018
لم يعد خافياً على احد بأن الشعوب التي لاتمتلك انظمة حكم ديمقراطية تعيش في حالة من الفوضى على جميع المستويات الداخلية والخارجية، فضلاً عن كونها تعيش حالة من ضياع الامن والاستقرار  بدرجة ان فوبيا الازمات تلاحقها في كل لحظة تمر من تاريخها، ولاتقتصر  الازمات على صعيد محدد انما تُطال جميعها خاصة حين يتعلق الامر  بحاجيات الشعب، وذلك ما يفرض بقوة قضية الاختيار الشعبي لقادته ولمن يتحمل مسؤولياته امامهم.
 ان تلك الفرضيات التي دائما نتناقلها عبر الكتابات ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة  تعد  في الكثير من الاحيان رسائل مبطنة الى الشعب كي يدرك بأن الوقت قد حان لفهم العملية الديمقراطية وفق معايير مغايرة ، مفاهيم تستند على العمل لا على الاقول، على المنطق لا على الشعارات، فعلى الرغم من ايماننا باننا نعيش في واقع نحتاج فيه الى قاعدة متلاحمة وسلطة منظمة، نجدنا في الوقت نفسه نحاول تجاوز الكثير من الامور التي هي في مضمونها تشكل معالم السلطة وملامحها،
وبنظرة سريعة الى الانظمة السلطوية في الشرق الاوسط وغالبية دول الجنوب التي تتميز بتعدد مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية وعلى هذا الاساس سميت بدول الجنوب وفق خط  وهمي  يفصل الدول المتقدمة عن الدول الفقيرة منذ السبعينيات من القرن الماضي ، نجد هذه الدول تعيش حالة من الفوضى السلطوية بجميع تصنيفاتها سواء العلمانية منها او الثيوقراطية " الدينية " ، فليس هناك اية ضوابط تتحكم بها هذه الدول وهي منغمسة تماما في العدمية السلطوية ولايمكن اعتبار الدكتاتورية والقمع وحتى الاحتلال " الاستعمار " هي فقط الاسباب التي جعلت هذه الدول تعيش في تلك الدوامة الفوضوية، لان الشعوب ايضا تساهم وبشكل كبير ومباشر في ترسيخ تلك الانظمة وفق مسارات قد تكون مخططة لها من قبل تلك السلطوية احياناً، ومسارات اخرى تتعلق بوعي الشعوب بمفهوم السلطوية ضمن دائرة النعرات القبلية والانتماءات المذهبية والدينية .
ولو قارنا بين تلك الانظمة وبين غيرها في دول الشمال سنجد فارقاً واضحاً في البنية الاساسية التي تعتمدها الشعوب لمفهوم السلطوية، بحيث يكون الوعي في الاختيار هو الاساس في الشمال، والانتماء القبلي العشائري او حتى الجغرافي هو الاساس في الجنوب وبين الوعيين يكمن القيمة الفعلية للسلطوية نفسها، فحين تكون مختاراً لانك او حزبك يملك مشروعا قوميا يحافظ به على قوة الدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً وقتها سيكون ذلك الوعي الاختياري كالرقيب على جميع افعالك واعمالك وعلى ما تقدمه للدولة وما تنتجه للشعب،   وسيكون لديك اعتبارات قد يراها البعض قمعية لكنها تخدم في الاساس المصلحة العامة للدولة والتي هي فوق جميع الاعتبارات الاخرى فالامن القومي مثلا لايمكن المساومة عليه في هذه الدول، وقد تمارس الدولة احيانا قمع فيئة او جماعة او حزب او شخصيات من اجل تثبيت دعائم الامن القومي، وهذا ما قد يراه الاخرون لاسيما في دول الجنوب بانه ايضا قمع ودكتاتورية ولكنهم يتجاهلون تلك القاعدة الاساسية التي تبنى الدول المتقدمة عليها فيما يتعلق بالامن القومي لديها، فهذا الامن لايمس السيادة السلطوية فقط انما يمس الدولة باكملها وهذا ما يعني بالتالي ان حماية الشعب " الدولة " هي القيمة الفعلية للانطمة لديها، في حين تتجاوز دول الجنوب تلك القيمة الفعلية لانظمتها، التي الاساس الفعلي لديها هي قوام السلطوية وقدسية الاشخاص والاحزاب السلطوية بعيداً عن المعايير التي يمكن تتماسك بها الدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، ومن ذلك يظهر ماهية الاختيار لدى شعوب الجنوب بحيث اللاوعي الاختياري يتسبب في خلق جدران وهمية يتم من خلالها تقديس الاشخاص " السلطوية " وتمجيدهم بشكل يتنافى كلياً مع ما تقدمه السلطوية للشعوب ، فالشمالي يختار السلطة وفق معايير ما تقدمه السلطة للشعب لاسيما في اهم حقول الحياة لديهم ولدى جميع المجتمعات ،المؤسسات التعليمية والمؤسسات الصحية باعتبارهما اهم عنصرين لبناء الفرد والشعوب والاوطان، والتي تعتبر اكبر فارق بين كل من دول الشمال و دول الجنوب حيث شعوب الاخيرة تختار وفق مسار لا يخدم الا فيئة صغيرة من فيئات المجتمع، ناهيك عن تجاهلها لاهم مقومات الحياة لدى الشعوب لاسيما على الصعيدين التعليمي والصحي.
ان تلك الفوارق ليست عرضية او هامشية يمكن تجاوزها من اجل سيادة السلطوية، وليست منعدمة القيمة للشعوب، بالعكس تماما فهي التي ترسخ مبدأ الديمقراطية الشعبية قبل السلطوية ومن خلالها يتم غرس المفاهيم الاخرى التي تعطي الدولة قيمتها الفعلية سيادياً وشعبياً، فالفرد في دول الشمال يعيش مقتنعاً بالسلطوية لديه لانه في الاصل صحياً مُهيأ وذهنياً ونفسياً مؤهل،  وهذا ما تفتقر اليه دول الجنوب حيث الاولوية لديه تقديس السلطوية الدكتاتورية" القومية "  او الدينية، حتى ان خروجها احياناً على السلطوية ليس الا لترسيخ قيمة انتمائية حزبية او عشائرية او مذهبية دينية اخرى تأخذ مكان الاولى، مما يعني الخروج من دائرة دكتاتورية قديمة الى خلق وصنع دائرة دكتاتورية جديدة وفق معطيات مستحدثة ظاهرياً، لتحقيق اهداف ومصالح فيئة على حساب الفيئات الاخرى داخل المجتمع الجنوبي.


30
امراء في الدولة الايوبية اصدار جديد للكاتب الكوردستاني جوتيار تمر.
صدر عن دار تموز : تموزي للنشر والطباعة والتوزيع كتاب (امراء في الدولة الايوبية ) للكاتب الكوردستاني جوتيار تمر ، ويضم الكتاب سيرة اربعة امراء استلموا مناصب مهمة وخطيرة في الدولة الايوبية ، ولقد جاء في مقدمة الكتاب:
حين تحدثت عن احدى القبائل الكوردية في كتابي " الكورد القَيمُرية " التي برزت في العهد الايوبي وتبوأت مكانة عالية ضمن التشكيلات الادراية والعسكرية والسياسية داخل الدولة وقتها وبصورة مباشرة اكدت ان تأسيس الدولة الايوبية وظهورهم كانت ضرورة ملحة، فقد شكل الأيوبيون ركيزة أساسية للتاريخ الكوردي في أواخر القرن السادس الهجري وحتى منتصف القرن السابع الهجري/ الثاني عشر والثالث عشر الميلادي،  فبعد انضمامهم الى معسكر نورالدين زنكي، واستلامهم لمهام إدارية وعسكرية كبيرة  التف حولهم الكثير من الأمراء الكورد، كما التحقت أغلب القبائل والزعامات القبلية الصغيرة بهم، وتبوؤوا مناصب عسكرية مهمة ضمن التشكيل العسكري الذي كان يقوده الأمير اسد الدين شيركو بن شادي (ت 564هـ/ 1169م)، وقد مهد الأخير بدوره ببروز العديد من زعماء تلك القبائل الكوردية، الذين شاركوا معه في حملاته على مصر، كما كان لاستلام ابن اخيه صلاح الدين الأيوبي (567- 589هـ/ 1171-1193م)، مقاليد الوزارة في مصر من بعده، أهمية  كبيرة واثر واضح على الصعيدين الإسلامي بشكل عام، والأيوبي بشكل خاص، وذلك لانضمام اعداد اخرى من الأمراء الكورد إلى صفوف الجيش الأيوبي في عهده ، وشكلوا قوة عظيمة في وجه التحديات التي تعرضت لها الدولة الإسلامية وقتها من قبل الصليبيين من جهة، والمؤامرات التي تحاك ضد الأيوبيون من جهة أخرى.
ومع بروز تلك القيادات الكوردية من الامراء وزعماء القبائل كانت نظرة الدولة الايوبية عميقة ومعاصرة للاحداث، فقد ادرك الملوك من البيت الايوبي ان الاعتماد على الكورد فقط سيشكل عائقاً امام امتدادهم نحو المناطق الاخرى، وكذلك ستكون تحركات القبائل غير الكوردية من العرب والتركمان خطراً ملموساً على امن وسيادة الدولة ، فضلاً عن ان هناك بحق امراء لهم باع طويل في الامور السياسية والادارية ، كما ان لهم قاعدة قبلية واسعة يمكن باسناد بعض المهام الحساسة اليهم كسب ثقة تلك القبائل وتلك القاعدة، وسواء أكانت الخطوة هذه هادفة ومحققة لطموحات البيت الايوبي، ام انها كانت السبب وراء الانهيار السريع لهم، فان الملوك الايوبية قاموا منذ بدايات تأسيس دولتهم باسناد بعض المهام الخطرة والحساسة الى امراء غير كورد، ساهموا بشكل واخر في توسيع المدارك السياسية للدولة من جهة، واعطوا زخماً عسكرياً وقوة من جهة اخرى امثال الامير جهاركس الصلاحي وجمال الدين بن يغمور وشمس الدين لؤلؤ الذين شكلوا علامات فارقة في تاريخ الدولة الايوبية من الناحية العسكرية والقوة التي تميزوا بها، وكذلك من الناحية الادارية التي استطاعوا من خلال سير الاحداث كسب ثقة السلطات الايوبية، بحنكتهم السياسية، ونفاذ بصيرتهم، وقوة حضورهم في الاحداث، وفي الوقت نفسه كان هناك امراء اخرين امثال زين الدين الحافظي كانوا وباء على الملوك والدولة حتى ان امثالهم اثاروا تساؤلات كثيرة حول المعايير والمقاييس التي يتبناها بعض الملوك والامراء المسلمين  بصورة عامة وقتها في اختيار وزرائهم وامرائهم.
ومع ذلك لايمكن انكار الدور المهم الذي لعبه هولاء الامراء في سياقات ادارة الدولة من جهة، وفي اضفاء روح التشارك من جهة اخرى، فالايوبيون كانوا كورد هاجروا من مناطقهم الى الشام ومصر، وشكلوا دولة على اراضي غير كوردية، بالتالي فان الاستعانة ببعض الامراء من تلك المناطق كان له اهمية قصوى في تغيير السياسة المتبعة تجاه غير الكورد ضمن الدولة الايوبية، وكذلك في ارساء مبدأ التعايش السلمي على اسس متينة قائمة في الاصل على الانتماء الديني، وبتلك الصورة شكل الأيوبيون انعطافة مهمة وكبيرة في التاريخ الكوردي على وجه الخصوص، والإسلامي بصورة عامة خلال العصور الوسطى الإسلامية.


31
حين يكون الدستور لادستورياً
جوتيار تمر / كوردستان
3-10-2018
لم يعد الدستور في العراق الا واجهة لتحقيق الاهداف التي يسعى اليها الاجندات المتحكمة بالحكم في العراق، وخلافاً لكل القيم الدستورية المتعارف عليها دولياً نجد بأن الدستور العراقي وحده يتم تأويله وفق المصلحوية السلطوية دون الاخد باية اعتبارات قانونية وتشريعية ولا حتى شعبية، فحين يتعارض الدستور مصالح الفيئات المتحكمة يلجأون الى التأويل الظاهري او الضمني لبعض الفقرات بما يتناسب رغبتهم وهدفهم ومصلحتهم، وبالطبع هذا ليس مجرد مفارقة آنية او حدث عرضي حصل وانتهى الامر، انما هي مفارقة تتكرر كل مرة تعترض فقرة قانونية دستورية طريق اصحاب المصالح في العراق.
لايوجد في دولة شيء يعيق تطبيق دستورها الا اذا ما تعارض مادة دستورية مع الامن القومي وهدد الاستقرار في الدولة ضمن ظرف مستحدث وطارئ وغير  ثابت، وقتها تلجأ السلطة الى اتخاذ قرار استشاري مع المجلسين التشريعي والتنفيذي وبذلك يتم معالجة الامر وفق تشريع اخر يسمح للسلطة للقيام بما يحفظ امن الدولة واستقرارها، والغريب انه في العراق اصلاً الدولة لاسيادة لها، والامن المشهد الواقعي هو الذي يتحدث عن نفسه لما فيه من فوضى وتفجيرات وقتل وتهجير ومظاهرات واغتيالات تشمل جميع فيئات المجتمع بحيث لم تعد الاغتيالات حكراً على الساسة والقادة العسكريين والمسؤولين انما شملت المواطنيين ممن لهم دور فعال في خدمة المجتمع المدني والانساني وحتى الشخصيات الفنية وغيرهم ، هذا اللا استقرار لست انا من يصوغه بكلماته، انما هو واقع حي وعياني يمكن لغير الاعمى ان يراه ويسمع عنه، لذا لايمكن ان يبرر اي خرق للدستور على انه للحفاظ على الامن القومي والوطني، على هذا الاساس تأتي الخروقات الدستورية بشكل واضح وجلي خدمة للمصلحة السلطوية والاجندات الخارجية المتحكمة بتلك السلطوية والساعية لبث سمومها لتفرقة الشعب المتفرق اصلاً، ولهدم البنية الاجتماعية والاقتصادية المنهارة والمتهدمة في الاساس.
وحين يتحول الدستور في اي بلد الى وسيلة لتحقيق اغراض واهداف جماعات تريد ان تتفرد بالسلطة والسيطرة على موارد الدولة وقتها لايمكن اعتبار الدستور دستوراً وقانونا ملمزماً لجميع الجماعات السياسية والقومية والمذهبية، وبذلك تتحول الدولة غير المستقرة الى ساحة صراع يتجدد في كل مرحلة يتطلب الامر اللجوء الى الدستور للفصل في الخلافات ، وهذا بالضبط ما يحدث في الخراب المسمى بالعراق.
الخلافات تبدأ بالتفسيرات والتأويلات ، وهما يأتيان عندما تكون السلطة دكتاتورية تريد التحكم بكل شيء بالعنف والقوة، دون الحوار والتفاهم ، ولعل ما حدث قبل عام تقريباً في كوردستان هو نتاج طبيعي لتلك السلطوية الدكتاتورية الساعية لفرض ارادتها على جميع الجماعات العرقية والقومية داخل جغرافية ما يسمى بجمهورية العراق، واقصد بذلك الاستفتاء الكوردستاني للاستقلال ، ولكن هذا لم يكن الامر الوحيد فيما يتعلق بالخروقات الدستورية للسلطوية لأن الاستفتاء في الاصل كان نتاج السياسة الخاطئة للسلطوية المركزية تجاه الكورد ككل، في حين استمرت الخروقات بعد الاستفتاء حيث حاولت السلطوية ان تمارس العنف واستخدمت الجيش ضد جماعة معترف بها دستورياً، وتعدى الامر ذلك الى نشوب حرب وقتال، ومن ثم الى استخدام الدستور للضغط على الكورد من خلال منع الطيران واغلاق الحدود ومحاولة استعادة المناطق الكوردية المتنازع عليها، وكل ذلك باسم الدستور.
واليوم حين ننظر الى السلطوية المصلحوية  فاننا امام مشهد يتكرر لاسيما فيما يخص التفسير والتأويل لفقرات الدستور، فقد اختلفت الاراء حول صحة اختيار رئيس البرلمان العراقي الحالي وذلك لعدم بلوغه السن القانونية، فرأت بعض الجماعات انه خرق قانوني وفق نص المادة 138/3/أ والتي تشترط في اعضاء مجلس الرئاسة "رئاسة الجمهورية " ما يشترط في عضو مجلس النواب على ان يكون أتم الاربعين عاما من عمره بينما ريس البرلماني الحالي عمره 37 سنة، وحول نفس الفقرة يرى اخرون هذا القانون لايشمل رئيس البرلمان اليوم، لان الدستور قرر عمر الاربعين لرئيس الجمهورية وفق المادة (68)، وعمر الخامسة والثلاثين لرئيس مجلس الوزراء طبقا للمادة (77) من الدستور الفقرة اولاً، وعمر النائب والوزير الثلاثين – لاتوجد فقرة تخص الوزير انما هو استنتاج - ولم يحدد الدستور عمر رئيس مجلس النواب كما فعل مع رئيس الجمهورية، وبالطبع كل هذا موجود ضمن آلية صياغة الدستور، ولكن التضاد يبدأ حين يتم المحاصصة والمخاصصة بين الاطراف المتصارعة على السلطوية، فانهم يجعلون الرئيسات الثلاث مقترنة ببعضها لتحقق اغراضهم وتقسيماتهم السلطوية، ولكن حين يتعارض ذلك مع غموض في التفسيرات الدستورية فان الامر ليس مهماً بتاتاً طالما انه يحقق تلك الاهداف التي يريدونها ويسعون لتحقيقها.
وما حدث قبل يومين ايضا جاء مكملاً لتلك الغرضية المصلحوية في اختيار رئيس الجمهورية، حيث دستورياً يجب ان يكون من الكتلة الاكبر " بالطبع الكتلة الكوردية الاكبر" ولكن سار وفق تأويلات اخرى وهو المتعارف عليه سابقاً وكأن الدستور باكمله ليس الا اداة فوضوية لايعتمد عليه الا حين يتعارض الامر ويعيق تحقيق اغراض السلطوية وجماعات الضغط التي تظهر بين حين واخر لتقوم بدورها الوحشي في وأد ارادة الدستور والقانون وفرض قانون المصلحة، فاذا استندنا على المتعارف عليه علينا ان نفعل ذلك كلياً اذاً وليس جزئياً لانه من المتعارف عليه ايضاً ان يتم الاختيار ضمن القوائم الكوردية داخل البرلمان وليس ان يصوت جميع مكونات البرلمان على اختيار رئيس الجمهورية، لكن حقاً الامر لم يعد يتعلق بالدستور وفرضه وتحقيق مقاصده القانونية، انما اللادستور المسمى دستور في الخراب المسمى بدولة العراق ليس الا سيف بيد الاجندات الخارجية وجماعات الضغط الداخلية التي دائما تكون على اهبة الاستعداد للخرق وشق الصف الوحدوي الكوردي بالذات تلك الجماعات التي لاتنتمي الى القضية الا بالاسم وهي في الاصل ليست الا اداة نتنة بيد السلطوية المصلحوية العراقية و الخارجية.





32
لماذا الكورد وليس الاكراد
جوتيار تمر/ كوردستان
22-9-2018
تتشكل معالم التاريخ الكوردي الحديث ضمن مسارات متنوعة، ويخوض الكورد صراعاً ونضالاً منقطع النظير على جميع تلك المسارات من اجل الحصوص على حقوقهم كاملة، ولايخفى على احد ان الصراع السياسي محتدم بصورة كبيرة في الاجزاء الكوردستانية الاربع، وهو الصراع الذي يحمل مع السعي السياسي الحثيث الكفاح المسلح، وبعيداً عن النتائج التي حصل الكورد عليها من تجربتهم السياسية والمسلحة، فاننا نعيش وقع صراع اخر ضمني وترافقي، وهو الصراع الذي بات يشكل معالم الرؤية الكوردية للاخرين، ورؤية الاخرين للكورد او كما يقول د. حيدر لشكري " جدلية النحن والاخر "، وذلك عبر استقراءات مختلفة ومنوعة، فالكورد ينظرون الى من حولهم بالاخص الى مضطهديهم من دول الجوار على انهم لايسعون فقط لابادتهم قومياً، بل اصبحوا يؤمنون بانهم يسعون لطمس معالم وجودهم الحضاري والانساني واللغوي والجغرافي والاثنوغرافي، وهذا ما يدفع غالبية الكورد الى رفض تلك السياسات الدكتاتورية، ورفض التفاعل والتعامل مع الاجندات الخارجية تلك حتى ثقافياً، حيث ليس بغريب ان نسمع بين فترة واخرى جدالاً وسجالاً مثلاً حول تسمية الكورد، حيث يصر اعداء الكورد على فرض ايديولوجيتهم الناقصة " ذات الطابع العنصري"  على الواقع الكوردي من باب السلطوية وباب ان الكورد خاضعين لحكمهم، دون اية اعتبارات تاريخية ليس فقط لجذور التسمية التي لاتمت الى اية اصوليات لسانية ولغوية متعلقة بالكورد ، وانما الى حيثيات تاريخية وتلازميات اشتقاقية يراها غيرهم بصورة تتناسب اكثر مع الرؤية الكوردية نفسها، في حين ينظر اصحاب الفكر القومي العدائي للكورد على انها من صميم لغتهم القومية، وذلك بالضبط ما يشكل نقطة صراع اخرى بينهم وبين الكورد.
يصر كل من الاعراب والاتراك والفرس على تسمية الكورد بالاكراد، او حذف الواو وكتابتها بما يتناسب قواعد لغاتهم، وفي اصرارهم هذا لايؤكدون عدائيتهم فقط انما يؤكدون ان تمسكهم بلغتهم وجذورها واصولها هي اساس تقدمهم، في حين ينكرون على الكورد من الجانب الاخر على تمسكهم ايضا بتسميتهم التاريخية الاصلية والمنسجمة تماما مع رؤيتهم لكينونتهم ووجودهم القديم والوسيط والحديث والمعاصر، وهذا ما فرض على المدافعين عن الكورد بهذه الصيغة على خوض السجال مع الاخرين، وهذا ما فرض ايضاً انقساماً كوردياً حول استخدام الابجديات انفسها، فغالبية الكورد الان يستخدمون الابجدية اللاتينية والتي يقول عنها بولات جان " الابجدية الكوردية اللاتينية هي ضمن محاولات عديدة لايجاد ابجدية تتناسب مع اللغة الكوردية باصواتها وخصوصياتها وحركاتها، وكانت الابجدية اللاتينية الاوفر حظاً فهي متداولة منذ اكثر من 2700 سنة، وكذلك فهي كانت لغة التجارة والتقنية والسياسة ومظهر من مظاهر التطور الحضاري نهاية القرن التاسع عشر، بالاضافة الى احتكاك المثقفين الكورد بالحضارة الغربية.."، وحين نقول بالاغلبية ذلك اذا اعتبرنا ان الكورد في شمال كوردستان وغربها معا يشكلون النسبة الاكبر  او النصف على اقل تقدير، في حين ان الكورد في الجنوب والشرق يستخدم غالبيتهم وليس كلهم الابجدية العروبية والفارسية ( مع خصوصية حذف بعض الاحرف المهمة، مثلا من الاحرف العروبية – ص- ط،ض، ظ  واضافة احرف كوردية - پ – چ - ژ - گ ) متأثرين بالانتماء الديني اكثر فحين اقتحم المسلمون الاعراب البلدان والامصار سواء بدافع الفتوحات او السيطرة والاحتلال "هجرت الامم لغتها والسنتها في جميع تلك الامصار والممالك واتخذت اللسان العروبي لسانا لها " كما يقول ابن خلدون،، وهذا ما فرض عليهم اتباع اصوليات لسانية تخضع لقوانين القوميات الحاكمة -  في حالة الكورد اقحمت بعض الاحرف في الابجدية الكوردية (ح – ع – غ) - ، تلك القوميات التي لا تتميز بتعصبها اللغوي فقط انما القومي والمذهبي الديني ايضاً، كما تتميز بالانظمة الدكتاتورية التي تحكمها منذ تأسيس دولها، فضلاً عن كونها تتميز بالارهاب الفكري والعداء المستمر للكورد ومحاولة فرض ايديولوجيتها على الواقع الكوردي حتى في التسميات التي يطلقونها على الكورد، فمن خلال استقراء الاعلام العروبي  والتركي مثلاً نجدهم يصرون على تسمية الكورد بالاكراد متجاهلين ردود الافعال الكوردية تجاه الكلمة حيث اصرارهم ليس مبني على اصول قواعد لغوية فحسب انما على نظرتهم للكورد ومحاولة اثبات ان الكورد هم مجرد بدو بعيدين عن التحضر ( اكراد تلائم رؤيتهم للاعراب الذين بنظرهم بدو واقل حضارة )، وهذا ما يحاولون اثباته من خلال تعنتهم واصرارهم في حين يرفضون ان يسمهيم الكورد اعراب واتراك ومجوس لان في ذلك عنصرية قومية متوحشة من الكورد، وليس مخفياً الا على اعمى ان النظرة العروبية الاسلامية الاممية -"نظرياً" فقط لانها لم تتحول الى فعل عملي واقعي مستقر الا لفترات متقاطعة - كانت تعتمد على التسمية العرقية الاثنونوميكية في حين نجدها فيما يتعلق بالكورد حملت مفهوما ودلالات اجتماعية شمولية تعدت تلك التسمية التي تطلق على مجموعة بشر ية معينة، فلم يطلق الاعراب المسلمين والفرس المجوس تلك التسمية على الكورد فقط انما وكما يذهب اليه المؤرخ ابو الحسن حمزة الاصفهاني كانت الفرس تسمي الديلم اكراد طبرستان وتسمي العرب اكراد سورستان،وذلك بسبب تشابه البناء الاجتماعي لهذه المجموعات وفي المقابل كان الاعراب المسلمين يطلقون على غيرهم ايضا اسم الاعراب تنقيصاً من شأنهم وتأكيداً على بدويتهم كما فعل اغلب المؤرخين المسلمين وهذا ما يتضح من خلال رواية حادثة حرق النبي ابراهيم حين سال احدهم عبدالله بن عمر"....... فاكد الاخير بان الكورد هم اعراب فارس.."، وهذا ما جعلنا نجد ترادفاً غرضياً مقصوداً وقسرياً لاسم الاكراد والاعراب مما يجعل الامر وكأنه حتمي ديني، وفي الحقيقة ان الامر كله نابع من المحددات المعرفية التاريخية الاسلامية نفسها، وكما يقول لشكري ان " تعيين بداية التسمية بال (كُرد) ياتي استجابة لحاجة آنية الى معرفة اصل التسمية ، اي بمعنى اخر محاولة اعطاء اصل للتسمية كي يتسنى لهم بعد ذلك صياغتها وفق مآربهم واغراضهم ومعتقدهم سواء القومي الفوقي او الديني الاممي، حيث من هذا المنظور تجعل من تسمية الكورد لفظاً عربياً، وهي بلاشك كانت ضمن المحاولة الشمولية الرامية الى رؤية العالم والتفكير به عربياً اي قولبتها خاصة فيما يتعلق باشتقاقات الاسماء كي تكون معروفة ضمن تلك اللغة، ومن ثم تصبح جزءاً مقبولاً في الواقع الاجتماعي.
وتثبت الدراسات التاريخية ان الكورد لم يكونوا بعيدين عن سمات التحضر والاستقرار خلال تاريخهم بالعكس تماما فحين ظهرت معالم الحضارة لديهم وعلى ارضهم كانت اغلب الحضارات المتاخمة تعيش حالة الترحال المستمر، فقد ضمت الجبال والاودية والسهول بين رحابها تكوين اولى المجتمعات الحضرية المعتمدة على الزراعة والرعي والانتاج معاً " جرمو" ، كما اصبح التداول الارضي سمة عصرية فحين تجبر الثلوج الاهالي للنزول من الجبل وتجعلهم يستقرون في السهول والادوية كان السعي لحياة اكثر انتاجاً ومحصولاً يجعلهم يعودون للجبال في اوقات الحر، مما يعني تنوعاً في توظيف الجغرافية حسب حاجاتهم ومتطلبات حياتهم دون هجر مراعيهم وانما الابقاء عليها وفق منظومة اجتماعية صالحة للعودة اليها، وذلك ما يفرض رؤية اكثر نضجاً على غرضية التسميات التي اطلقها المجوس والاعراب المسلمين على الكورد والتي كانت مبنية فقط على اصوليات ابجدياتهم بعيداً عن التصور التاريخي الواقعي للاسم نفسه ضمن السياقات الاكاديمية التي لاتتاثر بالمؤثرات العرقية واللسانية لان النظر بتمعن الى الواقع نجد بان لفظة الكورد (الواو بعد الكاف) تناسب الاستخدام الكتابي واللفظي بشكل افضل ولاتضر بقواعد اللغة لاسيما ان المصادر التاريخية غير الاسلامية العروبية  قد اوردت اللفظة بشكل يلائم استخدام الواو بعد الكاف ( KURD-KARDU)، متجاوزين تلك القولبة الحتمية التي فرضتها الاداة المعرفية العروبية الاسلامية والمجوسية والفارسية.
لقد اثبتت الدراسات التاريخية الاكاديمية ان الكورد استعملوا ابجديات كثيرة في مراحل مختلفة من تاريخهم ، وتلك الدراسات اثبتت في الوقت نفسه ان الكورد اضافوا الى تلك الابجديات احرف تناسب لغتهم وواقعهم المعيشي ومع الاعتقاد بان اللغة المنطوقة والمسموعة المتداولة في الحياة اليومية لاي مجتمع انساني تختلف الى حد ما عن الكتابة باللغة ذاتها باعتبار النطق الشفهي ظاهرة صوتية اما الكتابة فهي وسيلة تقريبية للتعبير عن تلك الظاهرة بمعنى ان الكتابة لم تصل بعد الى مستوى التعبير عن كل الاصوات فانه يبقى ان اللغات الحية استخدمت نوع من الكتابة ومن بين هذه اللغات كانت للغة الكوردية باعاً طويلاً في محاولات الكتابة.
وذلك ما يفسره الاضافات التي اقحمها الكورد على الابجديات المستخدمة لديهم، فحين استخدم الميديون الابجدية المسمارية ذات (36) حرف اضافوا اليها احرفاً اخرى لتصبح (42) حرف ، وكذلك فعلوا مع اغلب الابجديات الاخرى ، وذلك ما جعل الكورد في محاولتهم لخلق ابجديتهم ان يستعينوا  بما يلائم ويتناسب مع القدرات اللفظية لديهم وفي الوقت نفسه نجد سعيهم ذاك يؤكد اختلاف لغتهم مع اقرانهم من الشعوب المعاصرة لهم، لذا نجد الميديين انفسهم استخدموا ايضا الابجدية الافستائية ذات (48) احرف، كما استخدم الكورد الابجدية الارامية والازداهية وماسي سورتي والارمنية والكريلية والعربية واللاتينية.


33
يريدونها شراكة ولكن حسب قواعدهم
جوتيار تمر / كوردستان
3-9-2018
يعود المشهد العراقي المكهرب ليحتل الصدارة في حالة اللااستقرار التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط باكمله.. حيث لم تزل سوريا تحترق بنيران الاخوة الاعداء النيران التي تصب كل من روسيا وامريكا وتركيا وايران الزيت عليها كل لمصلحته ودون اية اعتبارات انسانية للسوررين انفسهم بكل اطيافهم وقومياتهم من عرب وكورد ودروز وغيرهم...ناهيك عن فلسطين التي هي الاخرى تحترق بنيران اللاعقلانيين الذين يصرون على اراقة المزيد من الدماء وعدم الخضوم لمنطق انساني يجعل الجميع يعيش بسلام، فضلا عن المشهد اليمني المميت بكل تمفصلاته حيث الاخوة الاعداء هناك ايضا وبدعم طائفي مذهبي للعرب السنة وايران الشيعية يذبحون في بني جلدتهم بشكل يثير دهشة المتابعين لقضيتهم... ويضاف الى كل ذلك التظاهرات في ايران وازدياد الاصوات المناهضة لحكومة العمامات والملالي العاهات الدائمة في ايران والتي دمرتها سياسياً واقتصادياً، وفي مصر وليبيا والسودان وكذلك في تركيا التي تنهار اقتصاديا وسياسياً.. كل هذه التحولات على الرغم من كونها ضمن دائرة الرصد الاعلامي والحدثي الا انها الان تتوارى قليلاً ليحتل المشهد العراقي بصخبه الدائم المرتبة الاولى.
ففي العراق الطائفي يريد الحكام في بغداد ان يعقدوا شراكات متوازية لتحقيق اجنداتهم السياسية المدعومة سواء من امريكا او ايران لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعد دهر من انتهاء الانتخابات ،وهذا الصراع الامريكي الايراني في العراق جعلته يعيش حالة من الانفصام تعد الابرز خلال العقد الاخير، هذا الانفصام الذي القى بسمومه على الشعب العراقي بكل طوائفه ومذاهبة كما القى بظلاله السوداء على اقليم كوردستان الذي وبحسب اكثر الساسة والخبراء وصل الى مرحلة لن يكون حسم الكتلة الاكبر لتشكيل الحكومة الجديدة الا بدخولها الى احدى الجبهات المتنافسة.. وهنا تثار الاشكالية الابرز حيث يجمع المحللون والساسة على اهمية دخول الكورد الى جبهة ضمن مفهوم الشراكة السياسية في حكم العراق واقليم كوردستان، وفي المقابل الادبيات التي نراها داخل الدائرة اللاكوردية مازالت تعيش وهماً ازلياً لايمكن التعايش معه لاسيما ضمن الاوساط السياسية والفكرية وحتى الاجتماعية الكوردية.
فالعراقي يريد شراكة ومازال يصر على استخدام مصطلحات لاتؤثر فقط بالشارع الكوردي انما في كيفية تعامل الساسة الكورد ايضا مع المركز، فحين يصر بعض اشباه المفكرين والكتاب والساسة على قول شمال العراق مثلا ذلك المصطلح الشوفيني، او يقول بأن الكورد يتعمدون اثارة بعض المشاكل لتحقيق اغراضهم واهدافهم في العراق.. ويتناسى عمداً بان المشاكل في العراق لم تنتهي يوماً منذ تأسيسه الى يومنا هذا، فانه لابد ومن وقفة على مفهوم الشراكة التي يريدونها، هل هي شراكة اسمية تحقق اغراضهم واهداف اجنداتهم..؟ ، ام هي شراكة وهمية لاتحقق للكورد حتى حق الاعتراف بكيانهم الرسمي الدستوري كأقليم له سيادته وحكومته.
ان الانفصام العراقي لاسيما لاشباه الساسة واشباه الكتاب والمفكرين مازال يشكل عائقا كبيراً في اي تقارب يمكن ان يحدث بين الفئيات غير السياسية داخل الاقليم والعراق، لان هولاء هم مع الساسة الطائفين المذهبيين القوميين يشكلون العبء الازلي لاي عراق يعيش في سلام وتعايش مع الاقليم او مع اي مكونات اخرى داخل الحدود الجغرافية المفروضة وبحسب اتفاقيات دولية منذ تأسيس دولة العراق من اشوريين وكلدانيين وصابئة وتركمان وغيرهم، فعدم اعطاء اية اعتبارات لهم والبقاء على العقلية الانفصامية الشوفينية لاتخدم اية قضية ولاتزيد الطين الا بلة، لكون عقلية اقصاء الاخرين باسم الشعاراتية الوطنية تناقض وجودهم انفسهم  لكونهم ليسوا الا طائفيين مذهبيين قوميين، لايؤمنون بشراكة الاخرين الا وفق رؤيتهم ونسقهم ومسارهم الذي يرسمونه واية فئة او طائفة او قومية او مذهب خارج عن ذلك يعد انفصالياً او متامراً وعميلاً، مع ان المتتبع لصيرورة وجود هولاء سيجد بوضوح مدى عملاتهم لافكارهم التي لاتنتمي الا لانفسم وتلك الاجندات التي يمثلونها حتى وان اظهروا بانهم لايمثلون اية اجندة خارجية.
لم يزل مفهوم الشراكة في العراق مهمشاً، وغير منطقي، وغير مدروس بشكل يتناسب مع الواقع العياني والحي بعيداً عن الشعارات التي يريد بها الساسة تحقيق اهداف بعيدة عن خدمة المواطن.. فالشراكة لها اسس يجب ان تكون هي المقياس والمعيار الذي تبنى عليها المجتمعات، فاقليم كوردستان مثلاً لن يخضع لمفهوم الشراكة طالما يرى هولاء الانفصاميين بان الكورد يلعبون على الوتر الحساس لكسب بعض المصالح، متناسين ان تلك المصالح هي جزء من حقهم منعت عنهم لاسباب لايجهلها الا اعمى قومي متعصب، فحين يريد الكورد استعادتها فلانها حق دستوري لهم وليس استغلالا للوقت وللظرف، مع ان هذا الامر في السياسة مباح ومتاح لكل الاطراف السياسية، لذا على الاخرين تدوير بعض الامور في عقولهم وادراك ان الشراكة تعني ان تعترف بالاخر كما هو الان وليس كما كان في عهد الدكتاتوريات السابقة وحتى بعض الحالية، فالكورد لن يتنازلوا عن حقوقهم ومطالبهم لاجل بعض افواه حاقدة تريد ان تبرهن للحاقدين امثالهم بانهم يحملون عبء الوطن لوحدهم، هذه الامور لم تعد تشكل فارقاً في الواقع الكوردي وضمن دائرة الوعي القومي الكوردي، فصوت الواقع لايتمثل عند الكورد الا من خلال تطبيق دقيق لمفهوم الشراكة واحترام الكيان الكوردي بكل تمفصلاته ومكوناته فالاقليم يمثل قيمة شراكة حية بين مكوناته، لذا لن يقبل الا بشراكة كالتي يعيشها الجميع في الاقليم.


34
المنبر الحر / ليس لدينا دول
« في: 23:15 08/08/2018  »
ليس لدينا دول
جوتيار تمر / كوردستان
5-8-2018
ان المعايير التي نتبناها في الشرق الاوسط بصورة عامة، لايمكن ان تكون اساساً للاجيال القادمة لبناء دول ديمقراطية تقتات من التعايش السلمي بين مكوناته، وتكون دول مؤوسساتية يتحكم فيها القانون بعيداً عن النعرات القومية والدينية والمذهبية والايديولوجية الاحادية بكل تمفصلاتها، فنحن كنا ومازلنا نعيش وهم التاريخ السلبي ، الجائر المتسلط بقوة السلاح والسلطة الدينية و المذهبية او جبروت الدكتاتورية ، وحكم القبيلة والعشيرة، وهذا ما خلق شرخاً وهوة  عميقة في بنية المجتمعات ، وهي تتسع يوماً بعد يوم ليس على الصعيد السياسي فحسب، بل على جميع الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى العسكرية.
لم يعد خافياً على احد ان التصورات التي تعتمدها دول الشرق الاوسط كمعيار دولة وسلطة وحكم، منغمسة بدماء الابرياء من الشعب، وجاحدة بحقهم، فلايكفي ان ما تسمى بالدولة تقوم بفرض قراراتها بالقوة، بل انها تعمل بشكل منظم (هي منظمة فقط في الارهاب على جميع المستويات ) على فرض ايديولوجيتها القمعية بالتهجير والتشتيت والتهميش والترحيل والسجن والترهيب والاغتيال والمحاصصة وتوزيع الثروات فيما بين السلطوية الفاسدة، وعدم وجود اية قيم اخلاقية ولا علمية ولا حتى اجتماعية يمكنها ان تحتكم اليها في اتخاذ القرارات، فاغرقت الشعب في وحل الفقر والتشرد والهجرة، تحت وطأة شعار الوطن، والدفاع عن الوطن، وسيادة الوطن ، والحقيقة لم تعد خافية على احد ان كل ذلك ليس الا وهم وخداع فالوطن انما كان ولم يزل سلعة تقدم لمن يدفع اكثر ، او لمن يدير المذهب او الطائفة او القبيلة.
لذا بعيداً عن الشعارات التي تطلق بين الاوساط القبلية المتعصبة المنتمية لافكار بالية التي لم تزل تقتات على النعرة العصبية القومية المتبلدة، لايوجد في دول الشرق ما يمكن ان يصنف بانه يمكن الاقتداء به لبناء دولة او حتى قرية او مؤوسسة صغيرة فكل المعايير انتهكت وتم اباحت الانسان فيه بشكل مخزي، حتى لم يعد للانسان قيمة، وتحولت السلطة العظمى للنزعات الانتمائية بعيداً عن المسائلات وبعيداً عن المؤهلات، وبعيداً عن الوطنية، فالمواطن في الشرق ليس مواطناً انما هو باحث عن حق المواطنة،طالما هو لاينتمي الى العصبة الحاكمة، او لاينتمي الى دين السلطة ومذهبها.
ومن هذا المنطلق فاننا نرى بان الهيكل الذي تبنى عليه الدول او ما تسمى بالدول في الشرق الاوسط هو قائم على ازدواجية المعايير، فالقائمين على امور الحكم مقتنعيين بمجموعة قرارات واعمال وفق رؤية مذهبية دينية او قومية وتتضمن هذه القرارات والاعمال احكام تختلف كثيرا عن مجموعات كثيرة اخرى تعيش في نفس الدائرة الجغرافية، وبذلك تبيح وفق معاييرها الازدواجية للمنتمين اليها او عصبتها القيام باعمالهم وفق النهج المذهبي او القومي دون السماح للاخرين الذين لاينتمون الى نفس العصبة القيام بتلك الاعمال، وفق مبدأ سياسة الكيل بمكيالين، بحيث ان ما هو حلال للعصبة واسيادها محرم على الاخرين وغير مقبول، وهذا بالضبط ما تقتات عليه الحكومات السلطوية ومن خلالها تستطيع ان تحرك الشارع المنتمي اليها، على حساب ما يسمى بالاقليات او المكونات الاخرى للشعب، ولقد لعبت تلك المعايير دورا بارزاً في تعميق الهوة بين السلطوية وبين الشعب سواء داخل المؤوسسات او خارجها، حتى وصل الامر الى الاجتماع الذي بدوره تأثر بها وجعلها حاجزاً في اقامة العلاقات وتوسيعها، فغالباً ما تصطدم تلك العلاقات بالمفهوم والحس السلطوي لدى بعض الشرائح فتتحول الى عائق في استمرار العلاقات او حتى تطويرها.
قد لايختلف اثنان على ان الحكومات الشرق اوسطية لاتعتمد على التنظيم الاداري والقانوني في حكمها للمنطقة ولكن مما لاشك فيه انها تعتمد تنظيما معقداً في التسمك بكرسي السلطة والابقاء على مكاسبه للعصبة التي تنتمي اليها وتدعمها في السراء والضراء، وهذا ما حول المجتمعات الشرق اوسطية الى بؤر حروب دامية يُسفك الدماء فيها بسخاء غير منظور مقارنة بالدول والمناطق الاخرى، كما ان الاشكاليات العرقية التي تعتمدها الحكومات التي هي في الاصل حكومات عرقية في بنيتها تحولت الى دمار شامل وفتاك لكل البنى التحتية لما تسمى بالدول ولكل المرتكزات التي يمكن بناء دولة عليها، وبالتالي فان الرؤية التي تقوم عليها مؤوسساتها والتي من المفترض انها القانون والمصدر التشريعي ليست الا وسيلة لكبح جماح غير المنتمين للعصبة، وهكذا قد غابت كل ملامح الدولة عنها، فهي ليست بدولة وليست بقرية ولا حتى مؤوسسة منظمة، انما هي اداة قمع واضطهاد ومصدر رعب لشعوبها التي كما اسلفت ليسوا بمواطنين طالما ليسوا منتمين للعصبة الحاكمة.
لقد لعبت النعرات التي تبنتها السلطوية الشرق اوسطية دورا هاماً في خروج الكثير من القوميات غير المنتمية للسلطة لاسيما غير العربية للمطالبة بحقوقها المهضومة ، لاسيما القومية الكوردية في كل من العراق وسوريا وايران وتركيا، حيث لامسنا انهم وتحت ظل الدكتاتوريات السلطوية من الدينية المذهبية الطائفية في كل من ايران والعراق والقومية المتعصبة في كل من سوريا وتركيا خرجت بحركات وانماط سياسية منوعة اعتمدت كلها على الصراع الحقيقي  بشقيه المسلح والسياسي ، وغير المحدد زمنياً و مكانياً مما خلق نوعاً من المتغيرات لاسيما في الرؤية السلطوية، ففي العراق تغيرت معالم القضية والكيفية التي تتعامل بها الحكومات مع الكورد ضمن هيكل يسمى بالدستور، وهذا ما فرض على الكورد وعلى الحكومة الالتزام بالكثير من المسائل التي لم تكن قبلها تؤخذ بعين الاعتبار، وفي سوريا بدات بوادر خلق انموذج سياسي يعترف بالكورد كمكون اساسي في المنظومة السياسية السورية تظهر للعيان ، اما في تركيا فان الجناج السياسي الكوردي مازال يخوض معركة اثبات وجوده بعزيمة وثبات على الرغم من التعامل العنصري والدكتاتوري للسلطوية التركية تجاه قادة الكورد، وذلك التعامل في حد ذاته جعل الكفاح المسلح يسير جنباً على جنب مع الكفاح السياسي، اما في ايران المذهبية الطائفية فالكفاح الكوردي مستمر من خلال العمليات المسلحة تجاه الجيش الايراني في المناطق الكوردية، والكفاح والنضال ضد السلطوية الايرانية المذهبية لم يعد يقتصر على الكورد فحسب بل ان العرب في الجنوب ايضا انتفضوا ضد السلطوية التي جمعت المذهبية والدكتاتورية معاً، ويضاف الى هذه الدول الصراعات الاخرى المذهبية والقومية الدائرة في كل من لبنان واليمن وحتى مصر فالصراع المذهبي متفشي في لبنان بدرجة لايمكن التغاضي عنه، كما في اليمن بشقيه الجنوبي والشمالي " السني- الشيعي " ، وفي مصر التي تحاول اخفاء معالم الصراعي القومي القبطي المتسلح بالدين والاصالة وبين المسلمين حتى وان اظهر الاعلام بان التوافق هو الاساس، ناهيك عن ما يحصل في فلسطين من صراع قديم حديث معاصر على الهوية بين اسرائيل والعرب، وبذلك فان المرتكزات اللاممنهجة واللامنطقية التي تبنتها هذه الحكومات في بناء دولها اللامؤوسساتية خلقت هذا الشرخ العميق داخل مجتمعاتها، وحولتها الى جحيم متنقل لايفتك الا بالشعب.

35
قراءة في نص " مواسم على كف غيمة " للشاعرة  الفلسطينية عبير هلال
بقلم: جوتيار تمر / كوردستان
3-8-2018
النص :
مواسم على كف غيمة
عبير هلال
كبرق نيسان تحتلهُ مساحات الوهم
تحلق في فضاءاته أسراب الارتحال
لوطن ليسَ يسكنها ..
تنسل من بين أصابعه خلسة ,,,
أفواجهم تأكل الحدود
وأية حدود؟؟
الأمطار تغسلهم ,,
تتربع في انحناءات رؤوسهم ..
هوياتهم مقاصل يشنقون عليها ..
تتلبسهم أحجية عشتروت
وسنابل حقولها
تستقرضهم من أيار يومين
لتغزلهم في بيادرها ..
شموسهم تسترخي بكسل
على مقاعدها الوثيرة تنفث دخان غربتهم
تعزفهم على أبواقها كصفير قطار لن يعود
تطحنهم دواليبها قبل التقاء الجدائل..
يعلقون غبار رحيلهم على المدى
ترسم مجددا أمواج بحورهم الهادرة
على محياها ..
تودع بذورهم ..
تمسك بواقي خيوطها
تطبطب عليهم قبل وسمهم بشعارها..
تذرف ُقبل الحنين كترياق على شظف ..
هي مواسمها المعدة لهم ..
يسرقون منها بضعُ أمنيات شفيفة
يطرقون بعصي أناملهم آخر ثمارها
يتأملون صورهم المنبثقة من إطارات توحدهم بها
على غيث استدانته من كف غيمة

 القراءة : جوتيار تمر
مواسم على كف غيمة
يأتي العنوان صادماً في النص، ومبرراً في الوقت نفسه، فالرؤية النصية حين تكون سبقية يجد الشاعر/ الشاعرة نفسه مجبراً على الانقياد للمسار الذي يجب سلكه لايجاد مدخل ذا علائقية متناغمة مع الرؤية التي يريد نزفها، وليس سكبها، لان الاخيرة ربما تاتي وفق دفقات شعورية متناثرة ومتباعدة، ولكن الاولى تأتي بصورتها الحيثية النابعة من صميم الانفعال الداخلي مع الحدث المراد رصده وتدويره وفق معطيات خاصة تعبر عن المكون الجواني للذات الشاعرة لتبرهن على تفاعله وانفعاله في الوقت نفسه، لذا نجدنا هنا امام محاكاة رائعة للذات مع العنوان المرتبطان ضمنياً داخل دائرة الزمنية المتحركة اللامحدودة.
عبير هلال
كبرق نيسان تحتلهُ مساحات الوهم
تحلق في فضاءاته أسراب الارتحال
لوطن ليسَ يسكنها ..
تنسل من بين أصابعه خلسة ,,,
أفواجهم تأكل الحدود
وأية حدود؟؟
البدء بالتشبيه اتى ضمن دائرة خاضعة للمنطق العنواني، حيث لم تجد الشاعرة ما تعلل به مواسمها وتوظفها كمدخل استعاري للنص، فلجأت الى التشبيه " كبرق نيسان " ليست العلة في البرق هنا، انما في نيسان فالبرق النيساني لايكتفي بوضع الصورة المتوحشة امامنا، انما يتخللها مساحات محتلة من الوهم، هذا الوهم ليس بساكن مقيد انما مرتحل، وليس من صورة ابلغ تفسر الارتحال مثل غيمة ، وهذا ما يثير التساؤل لماذا هذا الارتحال، والاجابة لاتتاخر " لوطن " انه اذا المعضلة والعلة الاساس في الحراك الموسمي النصي الذي تريد الشاعرة ان تجعلنا نعيشه ضمن دائرة الجغرافيا الزمنية " المواسم " وكأنها تريد ان تقول لاتقف حدود وطني عند موسم واحد انما وطني لاتتوقف فيه المواسم والارتحال لاسباب ليست بمجهولة فالاسراب ترتحل نعم ولكن افواجهم تأكل الحدود، ولايبرر فعل الارتحال الا ان يكون هناك ما يدفع لذلك، ولايوجد مثل القتل والتهجير سببا دامغاً لذلك.. هذه اللغة الساردة، تحتفظ لنفسها بالنسق الشعري ايضاً.
الأمطار تغسلهم ,,
تتربع في انحناءات رؤوسهم ..
هوياتهم مقاصل يشنقون عليها ..
تتلبسهم أحجية عشتروت
وسنابل حقولها
تستقرضهم من أيار يومين
لتغزلهم في بيادرها ..
شموسهم تسترخي بكسل
على مقاعدها الوثيرة تنفث دخان غربتهم
تعزفهم على أبواقها كصفير قطار لن يعود
تطحنهم دواليبها قبل التقاء الجدائل..
 التزام الشاعرة باسقاطات المواسم جعلتها تقحم في النص دلالات كثيرة موحية في مضامينها، وذات علاقة مباشرة بالعنوان، فالامطار لايمكن ذكرها دون الحاقها بموسمها واعادتها الى منطق " غيمة "، ولكن هنا اتت الاستعارة وفق رؤية متداخلة بين الانصياع لمنطق العنوان والمواسم، وبين المهمة التي كلفت الشاعرة الامطار بها، فهي هنا لكي تغسل، وهدفها الذين لديهم  يعيشون في ذواتهم وقع المقاصل والمشانق، فروح الانتماء تجبرهم على البقاء وعدم الانسلاخ من هويتهم، وفي الوقت نفسه تلك المقاصل حين توضع من قبل مسببي هجرتهم وارتحالهم تكون الامور مرتبكة وتجعلهم يعيشون انفصاما ذاتياً موجعا، لذا نجد الشاعرة قد استعانت بعشتروت الاسطورية كي تثبت وجهة نظرها ، وكأن لسان حالها تترنم بفجيعة وطن وضع الغرباء مقاصلهم على حدوده وبدأوا يحصدون رؤوس اهلها فتغرب ناسه واصبحوا يعيشون حالة تيه منسية، لقد استطاعت الشاعرة ان تثبت رؤيتها باستعارات متقنة، حتى انها في لحظات انجرافها من الشعرية الى الحكي، السردي استطاعت ان تحافظ على التوازن بينهما، فالحكي اتى وفق معطيات الخطاب الشعر النثري المهيمن على اغلب مستويات النص.
يعلقون غبار رحيلهم على المدى
ترسم مجددا أمواج بحورهم الهادرة
على محياها ..
تودع بذورهم ..
تمسك بواقي خيوطها
تطبطب عليهم قبل وسمهم بشعارها..
تذرف ُقبل الحنين كترياق على شظف ..
هي مواسمها المعدة لهم ..
يسرقون منها بضعُ أمنيات شفيفة
يطرقون بعصي أناملهم آخر ثمارها
يتأملون صورهم المنبثقة من إطارات توحدهم بها
على غيث استدانته من كف غيمة
استمالت اللغة هنا الى شيء من التواري خلف الصورة المبهمة والتي ارادت منها الشاعرة الانتقال من تلك اللمحات المنفلتة من التماسك اللغوي الشعري الى الحكائية، فعادت تؤثث عوالمها البلاغية بتدفقات بلاغية اختزالية، لاتظهر معالمها بصور مباشرة انما تفرض على المتلقي البحث والتعمق كي يستوعب التوظيفات البلاغية والصورية معاً، وهي على الرغم من تدويرها الاغترابي للرؤية واقحامها في مجاهيل صورية نابعة من الالتحام الذاتي بالمفردة من جهة والتحامها معا بالحدث النصي " الرؤية النصية" من جهة اخرى الا انها اجمالا تعيد رسم ملامح الذين تخاطبهم الشاعرة ضمن دائرة الحدود الاولى، وضمن دائرة الارتحال الاولى، وضمن دائرة اللاغتراب الذي تم فرضه عليهم بسبب المساحات المحتلة من تلك الدائرة، لذا فلا هي تستطيع التنكر لها، ولا تستطيع الانحلال منها فالتوحد هنا كأنه اية الصمود والانصياع في وقت واحد، ولذلك تجد انهم يسرقون بعض الاماني ويعلقونها داخل الاطارات التي يستدل منها علامات التوحد بالوطن على الرغم من الاغتراب، وكأن هذا السياق ما جعل الشاعرة لاتستطيع التهرب من المواسم ولا " الغيمة " واغلاق النوافذ بوجههما، فكأنها تقول على لسان المغتربين لو ان الوطن سقط غيثا علينا افضل من الغربة وتبعياتها ، لذا نجدها باقتدار تعيد القفلة على البداية، فكانت الختمة اشبه بخيط يعيد المتلقي بسرعة البرق النيساني الى العنوان نفسه، فتتراشق الصور بشكل درامي في ذهنه، وتجبره على ان يعيشها مرة اخرى.


36
التظاهرات في العراق بين التنظيم والفوضى
جوتيار تمر/ كوردستان
22/7/2018
يستمر الجدل حول المظاهرات العراقية، التي تشهدها مدن الجنوب والوسط، ضمن زيادة دائرة الحراك الشعبي المطالب بضرورة خضوع الحكومة في بغداد لمطاليبها والتي تتمثل في " تحسين الخدمات، الكهرباء، الماء، الصحة... وفي بعض الاماكن طرد ايران.. وفي بعض الاماكن الاخرى محاسبة الاحزاب والمسؤولين الفاسدين.. ومع مطالبة البعض لمحاكمة من تسببوا في سقوط المدن العراقية بيد داعش والابادة الجماعية في سبايكر.." ، وفي الوقت نفسه مع زيادة العنف الذي بدأ ينتشر بصورة سريعة في عمليات تفريق التظاهرات من قبل الحكومة، هذا الجدل الذي بات يؤرق مضجع الكثيرين في الداخل العراقي، وحتى في اقليم كوردستان لاسيما اذا علمنا بان هناك الملايين من اهالي مناطق الوسط يعيشون في الاقليم سواء كنازحين او مواطنين.
لايختلف اثنان على ان التظاهر " المظاهرات" تعبير عن رأي مجموعاً بضغط من اجل تحقيق مطالب المواطنين، وهي تعتبر كأحد الاشكال المتداولة في المشاركة السياسية، وتعتبر في الوقت نفسه فعل سياسي جماعي، وهناك ضوابط وشروط  تتميز بها التظاهر كالتنظيم وتحديد الاولويات التي تعد من السمات الرئيسية والمهمة فيها، وللتظاهر اهداف مختلفة منها للتأييد ومنها للاحتجاج " وتظاهرات العراق تنتمي للفيئة الثانية الاحتجاج"، وحين نكرر مقولة ان التظاهر حق منصوص عليه في مواثيق حقوق الانسان، فاننا هنا نجعل انفسنا امام مسؤولية كبيرة ينتج عنها الحق في التعبير عن الراي وايضا المشاركة في العملية السياسية، وهذه المقولات اصبحت ذات صبغة دولية عالمية، ولكن بلاشك فان لكل دولة  قوانينها الخاصة فيما يتعلق بحق تنظيم التظاهرات، سواء من حيث المكان والتوقيت والفترة ، وهذه الامور لاتحدث عبثياً وفوضوياً انما عن طريق لجان متخصصة، وكل هذا يجعلنا امام واقع خطير، ومقولة قد تغضب الكثيرين الا وهي  ان التظاهر ليس حقاً مطلقاً، طالما هناك قوانين خاصة تتحكم بها.
الجدل في المظاهرات العراقية الان لايرتكز على هذه القوانين التي تحص حق التظاهر، انما الجدل اصبح حول من هم الذين يقودون التظاهرات، هل هناك ايدي خفية تحرك الجماهير لتحقيق اجنداتها وفق منظومتها التي تنتمي اليها، ام انه حراك شعبي عفوي بدون تنظيم، ام ان هناك لجان متخصصة تقود هذه التظاهرات لتحقيق اهداف محدودة يمكنها ان تساعد على تحسين الوضع العام للشعب، كل هذه التساؤلات هي الان المحور الاساس للجدليات القائمة حول التظاهرات، وهي في الوقت نفسه تضعها على المحك لكوننا اذا سلما باي الامور السالفة الذكر فاننا امام واقع خطير، قد ينتج عنه تداعيات لاحقة، وتؤثر على صيرورة العمل السياسي في العراق.
فاذا ما كانت وكما يذهب اليه البعض موجهة من قبل اطراف خارجية لتحقيق اهداف تلك الاطراف، فبلاشك ان تلك الاطراف لن تبحث عن مصلحة الشعب العراقي انما ستفعل المستحيل وستستخدم كل الوسائل من اجل تحقيق اهدافها بما في ذلك القتل المتعمد للمتظاهرين واخضاعهم لابشع انواع التعذيب في سجونهم، وهذا ما يجعل من تلك التظاهرات آفة تنهش بجسد العراق وتسير به الى هاوية لارجعة فيها، لاسيما اننا امام واقع محتدم حيث لاثقة بين الشعب وبين القيادات السياسية والحزبية وبين القيادات والاحزاب وبين الحكومة، وبالتالي فان كل عمل ممنهج منظم تدعمه بعض القيادات والاحزاب ستكون بمثابة دعم للفوضى وتحقيق لمصالحها على حساب مصالح الحكومة التي تمثل الدولة، في حين اذا كانت التظاهرات عفوية غير منظمة ، فانها بذلك ستخرق القانون الدولي لحق التظاهر، لكونها ستفتقد الى التخطيط والتنظيم وتحديد الاولويات وكذلك التوجيه للتعبير السلمي في المكان والزمان المحددين وبالتالي سيحدث حرق ونهب للمؤسسات الحكومية وكذلك سيحدث غلق للطرق الرئيسية وغلق المعابر الحدودية، وبالتالي سيتوجب على الحكومة اتباع وسائلها التي قد لاترضي العديد من الاحزاب المعارضة لوقف هذه التظاهرات، والتي ستقوم بدورها في التحريض واثارة الفوضى.
اما اذا كانت التظاهرات لديها لجان متخصصة تقودها، وتحدد مواعيدها، وتعلن اولوياتها، وتحاور السلطات باسم الجماهير الغاضبة والمتظاهرة، فاننا هنا امام مفترق الطرق، لاسيما فيما يخص احقية تلك النخبة التي تقود هذه التظاهرات، ومدى اخلاصها للشعب ولاهداف المواطنين بعيداً عن الاحزاب والقيادات السياسية والاجندات الخارجية المتحكمة بزمام الامور في الدولة والحكومة، وبالتالي فاننا امام جدلية اخرى قد لاتظهر نتائجها في الوقت الحالي او في فترة التظاهرات بالذات، ولكن تلك النتائج ستظهر عاجلاً ام اجلاً، لاسيما حين يتخذ هولاء منحى اخر  يبعد التظاهرات عن اسبابها واهدافها، لتتحول شيئاً فشيئاً الى شوكة في جسد الدولة.
ان المتتبع للتظاهرات في العراق سيجد بان كل المعايير التي سبق وان ذكرنها متوفرة فيها، وهذا ما يلخصه شعاراتها التي اسلفنا ذكرها، فمن محاولة لتطهير الجنوب من دنس ايران وهمجيتها المتملثة في استغلال اهل الجنوب لمصالحهم الدينية والاقتصادية في تدخل سافر ومفضوح لشؤون العراق، نجد بان بعض الاهالي لايبالون بذلك انما فقط توجههم هو تحسين الحالة الاجتماعية واخراجهم من الفقر المميت المتحكم بكل حياتهم على الرغم من كونهم يعيشون في مدن تمثل المصدر الرئيسي للدخل الوطني العراقي، هذا التناقض يجعل من مقولة التوجيه المتعمد لبعض الاطراف حاضرة، بالطبع مع عدم التأكيد، انما فقط من خلال التحليل والمتابعة، في حين هناك في الوسط اصوات تذهب الى محاكمة الفاسدين واسقاط الحكومة، وفي نفس الوقت محاكمة الذين تسببوا في جريمة سبايكر وسقوط المدن، وهذا التوجه يختلف تماما عن التوجهات السابقة لاسيما توجهات تحسين الحالة المعيشية واخراج ايران، ولكي يبقي هولاء على نوع من الترابط الوهمي بينها وبين التظاهرات في الجنوب يزيدون على مطاليبهم السياسية القصاصية، ببعض المطاليب الجنوبية، وهذا ما يستدعي التأمل والتوقف حول مصداقية التظاهرات في بعض المناطق وعدم خضوعها لاجندات سياسية داخلية وخارجية في نفس الوقت.
ان المعضلة الحقيقية لم تعد تتمثل بماهية التظاهرات، انما بالرؤية التي تتبناها الجماهير المتظاهرة، فحين تكون المطاليب مشتتة ومسيسة ومستهدفة تكون خيارات الدولة وحكومتها محدودة في التعامل مع هذه التظاهرات، وهذا ما يستوجب على المتظاهرين تحديد سقف مطاليبهم بالاولويات وترك المهم والبدء بالاهم، واختيار ممثلين عشوائين وليس مسيسين ومنتمين لجهات تعارض الحكومة او منتمية ومُندّسة تعمل على التحريض لكسب الثقة ولاضعاف موقف الحكومة، وتكون مطاليبهم واضحة ومحددة ولا تزداد كلما وجدت موقف الحكومة اضعف، انما تكون ثابتة كي تستطيع الحكومة التفاوض وعدم اللجوء الى القوة مع المتظاهرين، وبلاشك هذه ليست الحلول المثلى لاسيما حين ترافق الفوضى التظاهرات وتخرج عن سلميتها لتصبح تهديداً حقيقياً على السلطة من حيث هدر الاموال العامة، ذلك الهدر الذي في الاصل يتخذه المتظاهرون كدافع للخروج على السلطة والحكومة، فيصبحوا هم والحكومة مساهمين في الجريمة نفسها.
تلك الرؤية التظاهرية الناجمة عن وعي تحقق مكاسبها ليس داخلياً فحسب، انما تكسب العطف الدولي، بحيث تتعالى الاصوات المساندة لها، والتي تحث الحكومة والدولة على تحقيق مطاليب المتظاهرين والقيام بالضغط عليهم للاستجابة لتلك المطاليب، ولكن في حالة العكس لاتأتي الاصوات الداعمة الا من تلك الاطراف المصلحوية التي اما تبحث عن ضرب بعض الجهات المعارضة لها داخل العراق، او اطراف مصالحها في العراق اكبر من مصالح الحكومة العراقية نفسها،مثل ايران وتركيا بالتحديد.


37
المنبر الحر / ما يسمى ب"دولة"
« في: 13:11 17/07/2018  »
ما يسمى ب"دولة"
جوتيار تمر/ كوردستان
13-7-2018
يختلف مفهوم الدولة عن الحكومة في جزئيات بسيطة، فعلى الرغم من كونهما مترادفان في احيان كثيرة الا ان  مفهوم الدولة يعد اكثر اتساعاً من الحكومة، فالدولة وبحسب اراء المختصين كيان شامل يتضمن جميع مؤسسات المجال العام وكل اعضاء المجتمع بوصفهم مواطنين، وذلك ما يفرض واقعاً حتمياً بكون الحكومة هي ليست الا جزء من الدولة، فالحكومة بتركيبتها ليست الا وسيلة او الالية التي تؤدي الدولة من خلالها سلطاتها، ومما لاشك فيه من المفترض ان تكون الدولة اكثر ديمومة مقارنة بالحكومات التي هي بطبيعة عملها مؤقتة، وبالتالي فان الحكومات هي في الاصل الوسيلة التي تحقق الدول غاياتها من خلالها، الا في حالات شاذة ونادرة حيث تحقق الحكومات غاياتها من خلال استغلال اسم الدولة لاسيما تلك الحكومات التي تعتمد النهج الطائفي والمذهبي والقومي القبلي المتعصب في سيرورة امور الدولة، وهذا ما يحدث بالضبط في اغلب الدول التي لاتتبنى النهج الديمقراطي لاسيما دول الشرق الاوسط وبعض الدول الاخرى في اوربا الشرقية وافريقيا واسيا وامريكا اللاتينية، وذلك ما يفرض واقعاً غير مستقراً وفوضوياً تتحكم فيه الايديولوجيات المتعفنة الدموية الساعية لتحقيق كل غاياتها دون ان يوقفها وحشية الوسائل التي تتبعها.
ووفقاً لمفهوم اللااستقرار يستمر الحراك الشعبي اللامنظم ظاهرياً والموجه باطنياً في اغلب المناطق الشرق اوسطية،ولم يعد خافياً على متتبع للوضع السياسي في هذه المناطق ان الاجندات التي تتحكم بالموارد الاقتصادية لهذه الدول هي نفسها التي تتحكم بالرؤية السياسية والتوجه السياسي لها ايضاً، ناهيك عن كونها هي التي تدير الدفة وتحدد اتجاها فمصالحها هي البوصلة وهي فوق كل اعتبارات سواء أكانت سيادية، او طائفية، او حتى حدودية وقومية.
ما يجري الان في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن وحتى في ليبيا ليس الا نتاج طبيعي للرؤية التي رسمتها المنظومة المصلحوية على المستويين الاقليمي والدولي تلك المنظومة التي دائما ما تتحفنا بالجديد المثير في خططها وتوجهاتها بحيث تأتي في الغالب عكس المتوقع، وعكس التيار السائد، فحتى التحالفات لديها ليست الا ممراً لتحقيق ما تريد، وهي بلاشك ليست مقدسة يمكنها التخلي عن من تشاء وقت ماتشاء وحسب مصلحتها الاسمى، ففي كوردستان العراق مثلاً تم التخلي عن اكبر حليف لها البيشمركة حين اصبحوا بقادتهم خارج المسار المصلحوي، وفي سوريا تكررت عمليات التخلي عنهم وعن مدنهم حين لم تتوافق توجهاتهم مع توجهات حلفاء اكثر تأثيراً من الناحية الاقتصادية والسلطوية، وكذا الحال في اغلب المناطق والدول ليس على مستوى الشرق الاوسط فحسب بل على المستوى الدولي.
لايختلف اثنان " واعيان" على ان هذه السياسة المصلحوية ادت الى شيوع الفوضى في اغلب الدول الشرق اوسطية، تلك الفوضى التي تتحكم بها اجندات خارجية من جهة، واخرى داخلية حزبية تابعة لتلك الاجندات، بحيث اصبحت البلاد مجرد ساحة للعب تلك الاجندات واحزابها الموالية لها، دون الاخد باية اعتبارات وطنية وسيادية، فلاشيء يمكنه ان يقف امام الغاية الاسمى لها، ولايهم الوسائل والضحايا طالما ان النتيجة هي التحكم وادارة الامور وفق نهجها، اما الفوضى وتدمير البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية وفقدان السيادة الوطنية فكلها امور لاتدخل ضمن جغرافية الاهتمام لتلك الاجندات المصلحوية.
ان ما يحدث الان في العراق خير انموذج على تلك الحالة، فالسيادة التي من المفروض ان تكون بيد الحكومة هي الان بيد الاحزاب، والحكومة التي من المفترض انها مستقلة وذات سيادة وطنية، هي ليست الا لعبة بيد الاجندات الخارجية لاسيما امريكا التي تحاول فرض رؤيتها السياسية للمرحلة القادمة في الشرق الاوسط في حين ان ايران وتركيا من جهتهما تحاولان بشتى الوسائل فرض واقعهما على العراق، وان كانت تركيا تحاول ان تتحكم باقليم كوردستان اقتصادياً، فان ايران تتحكم اقتصاديا وسياسياً وعسكرياً بالعراق من وسطه لجنوبه، وهذا التحكم لم يأتي عبر وجود قاداتها وقواتها العسكرية في العراق فحسب بل تعدت ذلك الى خلق ميلشيات تنتمي بولائها التام لها وعلى الرغم من محاولة هذه الميلشيات الظهور بصبغة وطنية عراقية الا انها لايمكنها ان تخفي ولائها الاعمى لاصحاب العمامات في ايران وذلك ما نتج عنه انفلات السيادة الوطنية وانفلات الامن والسلام في اغلب المدن العراقية التابعة للحكومة المركزية، ناهيك ان تلك الميلشيات في صراع وتنافس مستمر مع الحكومة لتحقيق مكساب اكبر ولو على حساب الشعب وامنه، فلايستبعد ان تتنافس الميلشيات والحكومة في السيطرة على المدن الجنوبية وسحب قواتها من الاماكن التي مازالت مهددة من قبل تنظيم الدولة داعش.
لااريد الخوض في المعيات بصورة اعمق لاني اعلم بان هناك من سيرى في كلامي عنصرياً وسياتي على ذكر الاقليم والازمة الاقتصادية التي يعيشها الاقليم، وبدون اية مقارنات اريد ان اوضح ان الفوضى التي تعم العراق الان والتي ادت قيام الشعب بقطع الطرق الرئيسية بين البصرة وغيرها من المدن وحتى المعابر الدولية، وكذلك التي ادت الى سيطرة الشعب على احدى المطارات الفعالة كمطار النجف وما يحدث في ميسان والديوانية وغيرها من المدن العراقية الواقعة تحت سلطة الحكومة المركزية لايمكنها ان تكون من باب الصدفة والعبث، انما هي ضمن رؤية ممنهجة وواقعية تديرها منظومة متكونة من احزاب داخلية تابعة لاجندات خارجية وتلك الاجندات نفسها هي قائمة باعمال المنظومة المصلحوية العليا التي لايمكنها السكوت على الانتهاكات التي تحصل للمواطنين اثناء تفريق وصد المظاهرات الا اذا كانت ترى بان ما يجري ليس الا ممر لتحقيق مصالحها الفوقية.
ومن هنا يأتي التساؤل السامي الذي بدأ يتسرب الى عقول الواعين في الدولة التي تسمى العراق، لااقول ذلك من باب الاستهزاء انما من باب الواقع، لانها في صورتها الحالية ليست بدولة انما هي مجرد ساحة لعب محلية للاحزاب المتصارعة للوصول الى سدة الحكم" اشبه بالانقلاب العسكري"، وللاجندات الخارجية المتمثلة اولا بالمذهبية والطائفية، ومن ثم بالصراع الاقليمي الاقتصادي، ومن ثم بالمصلحة العامة للمنظومة العليا الكبري، واخيراً بدولة ميليشيات يتحكم بها اشخاص اصحاب نفوذ ديني لا اكثر، لا خبرة لهم سياسياً ولا علاقات دولية لهم، يمكنهم الاستناد عليها في رسم ملامح السلطة والدولة، انما فقط لديهم الخبرة في قتل الشعب واثارة الفوضى والانفلات السياسي والعسكري والتحكم بالموارد الاقتصادية، وتحقيق رغبات المذهب الذي ينتمون اليه، واعتقد بانه سيوافقني الكثيرين بان هكذا وضع داخل رقعة حغرافية لايمكن ان يطلق على تلك الجغرافية بدولة، وبعيداً عن النعرات التي تأتي لتحفر في التاريخ والشعارات القائلة بان الوطن سينتصر والى غير ذلك من الشعارات التي لم تعد تؤتي ثمارها على ارض الواقع فالوطن اصبح مجرد هيكل عظمي، حيث اقتطع كل حزب جزء منه، وباعه للذي يدفع اكثر، والسيادة اصبحت بدون قيمة وبدون وصاية وبدون وجود فتركيا تدخل متى ما تشاء، حيث سابقاً كان الجميع يتهم الاقليم بانه متحالف مع تركيا، ولكن الان وبحسب توجهات سياسة بغداد وباتفاقيات معلنة تركيا تدخل، وايران لاتدخل فحسب بل تقود الجبهات، وتعطي الاوامر، ناهيك عن امريكا وغيرها من الدول التي تتحكم بكل موارد العراق.. فياترى هل توجد دولة تسمى العراق، ام ان الخيال وحده هو الذي يرسم جغرافية دولة تسمى العراق، والاماني والشعارات هي وحدها من تجعل ابناء هذه الارض تتوهم وجود دولة وحضارة.


38
القضية الكوردية بين الصراع الاقليمي والمصالح الدولية
جوتيار تمر/ كوردستان
5-7-2018
تعبتر القضية الكوردية احدى ابرز القضايا التي تم تدوالها منذ بداية انحلال الدولة العثمانية ومحاولة القوى العظمى تقسيم تركتها فيما بينهم، وفق الاجندات التي قدمت بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى من قبل فرنسا وبريطانيا كانت المسألة الكوردية تحتل مكانة بارزة ضمن الكثير من المسائل الاخرى، حيث افرز الواقع رؤية غربية متمثلة بتلك الدولتين حول امكانية انشاء كيان كوردي مستقل، لاسيما بعد مؤتمر السلام الذي انعقد في باريس والذي فيه رات الدول المشاركة بامكانية اقامة دولة كوردستان، ولكن تلك المسألة كبعض المسائل الاخرى لم تنجح في تحقيق مساعيها، وذلك لاسباب متعددة ولعل ابرزها ماهية المصالح الدولية لاسيما لكل من بريطانيا وفرنسا في المنطقة، ومن خلال هذا السرد الموجز سيتم الوقوف بشكل اكثر دقة وتفصيلية على اهم الاسباب التي وقفت وراء عدم اقامة دولة كوردية، على الرغم من وصول القضية الكوردية وقتها الى مستويات عالية في التداول الاقليمي والدولي، لاسيما فيما يتعلق بالحقوق القومية، ولقد لعبت الاوضاع العامة وقتها دوراً مهما في ايصال ذلك الصوت، ولكن في الوقت نفسه بقي دور القوى الاقليمية والدولية سلبياً تجاه القضية الكوردية، وبلاشك هناك اسباب عديدة وراء ذلك، فالاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية كل من جانبها اثرت بشكل واخر على سير القضية الكوردية،  ولايمكن اخفاء ذلك حتى في وقتنا الحاضر لاسيما بعد دخول الكورد ضمن منظومة التحالف الدولي في حربها ضد احدى اشرس الجماعات الاسلامية " تنظيم الدولة داعش" في كل من سوريا والعراق، فقد اصبح الكورد في الحرب السورية الدائرة حالياً ورقة ضغط كبيرة على المسارات السياسية وذلك بتحالفهم مع الولايات المتحدة التي تقود بدورها التحالف الدولي ضد الارهاب، في حين نرى المساعي التركية والايرانية الجاهدة في ابقاء الكورد ضمن دائرة الارهاب في سوريا، هذا التضاد خلق نوعا من الامتعاض الكوردي ولكن في الوقت نفسه يتضح بان الولايات المتحدة لم تزل متمسكة بذلك التحالف، فضلا عن وجود تعاطف روسي حيال الكورد في هذا الشأن لاسيما بعد ان اتضحت معالم توجههم الحقيقي والذي يميل الى النظام السوري الحاكم المدعوم من روسيا، وفي الجانب الاخر حدثت تطورات كبيرة في مسالة الوعي القومي والمطالبة بالحقوق القومية للكورد في كوردستان العراق التي بدورها دخلت في تحالف مباشر مع القوى الدولية لمحاربة الارهاب، ذلك التحالف الذي اعطى للكورد مساحة واسعة للظهور الدولي بحيث اصبحت قضيتهم في العراق تتداول في العديد من المحافل الدولية، ذلك التداول الذي اسفر في النهاية الى قناعة لدى الاوساط السياسية الكوردية بضرورة اجبار بغداد على اتخاذ سياسة واضحة تجاههم، واعطاء حقوقهم الدستورية الامر الذي افضى الى اتخاذ الساسة في كوردستان العراق قراراً باجراء استفتاء للاستقلال، فعلى الرغم من هذا القرار التاريخي المهم للحركة التحررية الكوردية الا ان المواقف الدولية تغيرت تجاههم بحيث لم تقدم لهم الدعم اللازم مما جعلوا من تجميد نتائج الاستفتاء امراً وارداً.


مر الشعب الكوردي كغيره من شعوب المنطقة بمراحل تاريخية عديدة، وتثبت الدراسات التاريخية والاثرية برسوخ قدم الكورد في المنطقة سواء من الناحية الاثنية او الجغرافية، ولقد ترك الكورد خلال العصور التاريخية معالم حضارية واضحة تشهد لهم بامتلاكهم القدرة على البقاء والثبات امام الصعاب، وتعد مرحلة عاصفة الصحراء 1990  الى ما بعد سقوط بغداد وانحلال نظام البعث العراقي 2003 احدى اهم المراحل التاريخية والسياسية للكورد في كوردستان العراق حيث تم تقييد نظام البعث وجيشه وذلك من خلال اقامة منطقة عازلة باشراف دولي، وفي الوقت نفسه دخل الكورد بشكل فعال للمنظومة السياسية الداخلية بتشكيل حكومة كوردية وبرلمان كوردي ومن ثم التوافقات السياسية بين الاحزاب الرئيسية في كوردستان العراق، ومن الناحية الاخرى دخولهم وبشكل قوي في تحديد معالم وملامح السياسة العراقية واستطاعوا من فرض ارادتهم في صياغة العديد من المواد الدستورية الاولية التي تضمن لحد ما حقوقهم داخل الدولة الجديدة بالطبع من خلال دخولهم ضمن اللجان المكلفة باعداد مواد الدستور والتي استمرت لفترة طويلة قبل ان يتم الاعلان عنه، ولكن كل ذلك مرة اخرى اصطدم بواقع المصالح الدولية التي سعت بدورها الى تفعيل الورقة الكوردية للضغط على بغداد وايران من جهة وللحد من التوغل التركي ايضا من جهة اخرى، فمصالح تركيا هددت الى حد ما المصالح الامريكية على الرغم من التحالف الامريكي التركي، كما اصبح التواجد التركي في العراق لاسيما في كوردستان معياراً سلبياً بوجهة نظر الاتحاد الاوربي لتعارضها مع مصالح الاتحاد وكذلك لكون الاتحاد يدرك تماما المساعي التركية لضرب حزب العمال الكوردستاني من خلال هذا التوغل.
من خلال رسم الملامح السياسية عقب فترة سقوط النظام العراقي وبداية التحولات السياسية العراقية والتي سبق وان نوهنا عنها بتشكيل اللجان الدستورية ودور الكورد فيها، اصبح المشهد العراقي شبه واضح المعالم للغرب الاوربي والامريكي من جهة وللدول الاقليمية المجاورة لاسيما ايران وتركيا من جهة اخرى، حيث ان التدخلات الاجنبية في الشؤون العراقية لم يعد مقتصرا على جهة معينة بل تحول العراق ساحة لعب للمصالح الدولية لاسيما لتركيا التي باتت احدى اكبر الدول استثماراً في العراق وبالاخص في كوردستان العراق وباتت تتحكم اقتصاديا في العديد من المواقف السياسية، لكونها تتحكم في الاصل بالممر المهم والرئيسي لانفتاح كوردستان العراق على العالم الخارجي، ولقد سعت تركيا من خلال ذلك لفرض وجودها، وسياستها في الكثير من الاحيان وذلك لاعتبارات خارجية، فتركيا التي تعاني منذ عقود طويلة في مسالة الدخول للاتحاد الاوربي واجهت الامر بطريقة مغايرة وذلك بفتح قنوات اقتصادية وسياسية تعطيها حضوراً مميزا في الشرق الاوسط، مما يعني بالتالي امكانية الضغط على الاتحاد الاوربي لقبولها، ولكن في الوقت نفسه واجهت ضغوطات عديدة من منافسيها في المنطقة سواء ايران، او الولايات المتحدة التي وجهت للعديد من المرات انتقادات واضحة للتوجهات التركية وسياستها في المنطقة، وبلاشك ان تلك السياسة لم تلقِ استحسانا اوربيا ايضاً بل اثر كثيرا على المساعي التركية، ونتيجة هذا الصراع بين الدول الاقليمية والاتحاد الاوربي وامريكا دخل العراق مرحلة من الضياع السياسي استطاع الكورد من الاستفادة من تلك الظروف لبناء انموذج للحكم ضمن حكومة شبه مستقلة.

اصبح التوغل الاقتصادي التركي في كوردستان العراق محل شك للعديد من الاوساط المحلية والاقليمية، ولكنه في الوقت نفسه استطاع من اخراج حكومة الاقليم من العديد من الازمات، وبذلك فان هذا التوغل الاقتصادي منح الكورد فرصة كبيرة للانفتاح على الاسواق العالمية، فتركيا وحدها كانت تحمل تلك السمة الانفتاحية للكورد، لكون جغرافيا سوريا التي تعيش واقعا مأساوياً لايمكنها ان تمنح كوردستان العراق الممر الامن، ولا ايران التي تتحكم بزمام الامور السياسية في العراق وبذلك لم يعد امام الكورد الا تركيا، فعلى الرغم من التنازلات التي قدمها الكورد لتركيا الا انهم استطاعوا من استغلال ذلك لفرض واقع اقتصادي مؤثر، بحيث لم تعد تركيا تستطيع الى حد ما الاستغناء عنه، وهذا بلاشك يعد مكسباً لحكومة اقليم كوردستان، ومفتاحاً مهما للتنمية الاقتصادية لاسيما اذا ادركنا بان تركيا تنعم بموقع استراتيجي على الساحة الدولية سواء في المجال السياسي ام الاقتصادي، ولكن مع ذلك لايمكن انكار الاثار السلبية التي قد تتركها تركيا فيما يخص الواقع السياسي الكوردي الساعي لتحقيق دولة وكيان كوردي مستقل، فتركيا كانت ولم تزل من اشد الدول معارضة لهذا المسعى لادراكها بان استقلال كوردستان العراق يعني بالتالي فتح الممر والمجال مع الجنوب التركي للتحرك ضمن مساعي دولية وسياسية وحتى عسكرية لنيل حقوقها، وبالتالي فان تركيا كانت ولم تزل توجه كامل طاقتها للحد من استقلال كوردستان العراق ولقد شهدت الاحداث الاخيرة بعد الاستفتاء هذا السعي التركي حيث لاول مرة منذ عقود تاريخية نجد تركيا تقدم تنازلات واضحة لغريمتها ايران على حساب وقوف الاخيرة معها ضد المصالح الكوردية.
تتضح معالم الرؤية الدولية للقضية الكوردية وفق معايير المصالح المشتركة فيما بينها من جهة وعلى الوحدة الكوردية من جهة اخرى، فالقضية الكوردية تعيش واقعاً صعباً من خلال جغرافيتها الصعبة، حيث تستفحل الدول القومية في المنطقة بشكل واضح وجلي، وتتحكم تلك الدول بزمام السلطة ضمن جغرافيتها وفي احيان كثيرة تتحكم بمسارات اخرى للاحزاب الكوردية داخل حدود الدول المجاورة لها، وهذا يعني امكانية استغلال التيارات الكوردية من قبل تلك الحكومات القومية وفق مصالحها ومعاييرها واستراتيجياتها الخاصة واجنداتها، فتركيا الدولة القومية التي كانت ولم تزل تتحكم بقوة بزمام الحكم ضمن جغرافيتها تتدخل بشكل واضح ومؤثر في كوردستان العراق، وفي الجانب الاخر العراق نفسه المدعوم من ايران نراه يتحكم بمناطق كثيرة وفق نهجها الخاص، وبالتالي فان القضية الكوردية تعيش واقعاً افتراضياً موحداً، وواقعاً عيانياً مفترقاً، وهنا تبرز اللعبة الاكثر تحكما بالمساعي التركية لبسط نفوذها في المنطقة وهو الصراع التركي الاتحاد الاوربي حيث تشكل الاخيرة معلماً بارزا في تحديد المسارات السياسية التركية، بحيث كان الترك ومازالوا يستغلون ورقة التحكم بالعديد من الممرات الاقتصادية المهمة لكوردستان العراق لتوجيه الرأي العام الاقليمي، في حين لم يزل الاتحاد الاوربي يرى في السياسة التركية منافية لجميع القوانين الدولية والتي تفضي الى عدم اهليتها للدخول في الاتحاد.
فالتوغل التركي في سوريا ومساهمتها الفعالة في ايواء المعارضة السورية ومن ثم اتباعها النهج العسكري لتوثيق مواقفها ورغبتها التوغلية تجعل من مهمة قبول الاتحاد الاوربي لتلك الافعال والاعمال شبه مستحيل، لاسيما بعد ثبوت العديد من الادلة بارتكابها مجاز حقيقية وايوائها لبعض الجماعات الارهابية، ومن ناحية اخرى رفضها القاطع للتعامل مع الاحزاب الكوردية الفعالة والتي تدخل ضمن التحالف الدولي ضد الارهاب، كل هذا جعل من القضية الكوردية تدور في حلقة فارغة ضمن اطارات لم تحدد ملامحها المستقبلية بعد، ومن جهة اخرى فان التعامل الدولي مع الكورد على الرغم من ولولوجهم الى التحالفات الدولية معهم، بات امراً يعقد من ادراك معالم القضية الكوردية المستقبلية، فالكورد رغم كل ما قدموه مازالت قضاياهم يتم التعامل معها وفق سياق محدد وهو الدولة القومية التي يشكل الكورد جزء منها، فالتعامل مع اقليم كوردستان العراق يتم عبر بغداد، ومع الكورد في سوريا وفق المنظومة السورية ناهيك ان ايران وتركيا لايعترفان اصلا بوجود كوردستان، فكل التعاملات تتم عبر انقرة التركية وطهران الايرانية.
لقد ساعد التشتت الكوردي نفسه هذه الدول على الاستقواء عليها، وحصر قضيتهم في الدوائر الداخلية للدول نفسها، وعدم اعتبار القضية الكوردية قضية دولية او قضية قومية تحتاج الى حلول دولية، هذا التشتت له اسباب عديدة، ولعل ابرزها هو التحزب والانقسام في الرؤية الكوردية حيال قضاياه، وعدم وجود قيادة تستطيع ان تتحكم بالكورد وتوجههم الى بر الامان، فكل الاحزاب الكوردية لاتملك مشروعاً قومياً منطقياً وواقعياً يمكنه ان يتماشا مع رؤية اغلب الاحزاب المتحكمة الاخرى، بل ان اختلاف وجهات النظر الكوردية الكوردية ادت في العديد من المرات الى الاقتتال الداخلي فيما بينهم، وهذا ما وسع الشرخ بين الرؤية الكوردية لقضيتهم وبين الرؤية الدولية التي وبحسب مصالحها تريد وتيرة موحدة للرؤية الكوردية كي تقدم الدعم لها، ان التنافس الحاصل بين القوى الحزبية الكوردية اضرت بالقضية الكوردية بدرجة انها لاتستوعب مدى حجم تلك الاضرار، ولم يعد يهمها الا الشعارات القومية التي بدورها لاتنفع ولاتقدم للقضية اية حلول مناسبة، هذا الانقسام الظاهر في الجسد الكوردي لم تجعل الهوية الكوردية في خطر فحسب بل انه بات يهدد مستقبل القضية ومستقبل الجنسية الكوردية في دولها وفي المنطقة باجمعها، بحيث لم يعد التغني بالاسطورة الكوردية التي استطاعت الوقوف بوجه الظلم والارهاب تنفع، لان اساس اية اسطورة حية التوافق والالتحام والتوحد وهذا ما لايوجد في دائرة الساسة الكورد، وبالتالي فان الاسطورة بكل قوتها لاتستطيع ان تخلق واقع سياسي يتمكن فيه الكورد من تشكيل دولة او اقامة كيان مستقل.



39
لماذا الان...؟ انفلاتات
جوتيار تمر / كوردستان
5-6-2018
-سد اليسو احد اهم المواضيع التي تصدرت عناوين الصحف والمجالس والاجتماعات والمؤتمرات السياسية والاقتصادية والزراعية والاروائية والاجتماعية وحتى انه اجتاح الشارع وشبكات التواصل الاجتماعي ان لم يكن حديث قاطني شبكات الصرف الصحي ايضاً من الحشرات لان الموضوع يخصهم ايضا.
- اختلفت الاراء حول الغرض من بناء السد في البداية، واختلفت الاراء حول سبب ضخ المياه اليه الان، واختلفت الاراء حول القرائن السياسية والعلاقاتية بين تركيا وبغداد من جهة وبين بغداد وكوردستان من جهة اخرى، وبين تركيا وكوردستان ايضا، وبينهم جميعا وبين ايران.
- تذهب بعض الاراء على ان تركيا تعمدت قطع مياه نهر دجلة الان للضغط على الحكومة العراقية من اجل كركوك من جهة، ومن اجل عدم السماح للكورد باخذ موقع قدم في الحكومة الجديدة، ومن ناحية اخرى تريد بعث رسالة للحليف الرئيسي لبغداد حالياً ايران.
- تقول اراء اخرى بان هناك تزامن وتوافق بين ايران  والميلشيات الشيعية التي تتحكم بموارد العراق حيث قطعت هي الاخرى مياه نهر الزاب وبذلك تريد ان تبعث رسالة ضمنية لتركيا واخرى ظاهرية للصدر الذي ترأس الحدث العراقي بعد فوزه بمقاعد اكثر من غيره، ويعرف ظاهرياً ان الصدر لايريد لايران ان تتدخل بالشأن العراقي كما يعرف عنه ايضا معاداته لتواجد القوات الاجنبية على الاراضي العراقية، ويقال في الشارع العراقي والكوردستاني ظاهرياً لديه علاقات طيبة مع الكورد.
- يشاع ان هناك اتفاق بين ايران وتركيا معاً ايضاً بالشأن الانتخاباتي، وذلك بعد فوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني بغالبية المقاعد الكوردية وهذا الحزب كان بنظر كل من ايران وتركيا انفصالياً ، وهو الحزب الذي ترأس عملية الاستفتاء في العام الماضي، الامر الذي ازعج الدولتين الراعيتين لمصالح الشعب العراقي في الدولة العراقية متخطية بذلك حتى رعاية الحكومة العراقية نفسها لشعبها ولمصالحها.
- ان توقيت قطع المياه من قبل تركيا وايران وتزامنها مع الحركة الدائرة لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة يمكن ان يفسر وبحسب بعض الاراء انه رسالة مباشرة لمن سيأتي للحكم، حيث عليه ان يسير وفق المنهج المعد من قبل الدولتين كي لايتجرأ  احد على دنس معالم التوافق بين الدولتين والشعب العراقي الصديق لهما، فهما بلاشك اعمدة راسخة في التدخل السافر للشأن العراقي وورقة رابحة للضغط على الجهات الكوردستانية كي لاتحيد عن الخط.
-قبل سنوات او بالاخص ما يقارب العشر سنوات كنت قد ذكرت بان الاهتمام الكبير لتركيا ببناء السدود على دجلة والفرات ليس اعتباطياً انما هو مخطط وورقة يمكن ممارسة الضغط بها على جميع الحكومات العراقية من جهة، وعلى الكورد من جهة اخرى، ووقتها كان هناك من يقول لي هناك قانون دولي، وامم متحدة وامريكا وبريطانيا والى غير ذلك من الاسطونات السياسية الاعلامية الشعاراتية، ومع اني قلت وقتها والان ايضا اقول بأن الواقع المصلحوي هو الذي يترأس القانون الدولي..الا ان الاذان الصاغية تتهمني دائما باني انفصالي وغير مؤمن بالعراق الموحد.. للعلم لست الا مواطن كوردي يؤمن بقضيته ولكنه دائما يدعم موقف حكومته الكوردستانية سابقاً وحالياً في كل مساعيها.
-في الشارع الكوردستاني هناك تباين في الاراء حول ما يحدث للعراق ، فالبعض يقول بان هذا الامر سيؤثر على مصادر المياه تدريجيا لكوردستان ايضاً لذا فانه لابد من تحرك داخلي كوردي وعراقي واقليمي ودولي للحد من استبداد تركيا وايران وتحكمها بمصير العراق، وهناك من يقول بان الامر ليس الا مسرحية اخرى يمكن من خلالها فرض اجندتهما على الحكومة المقبلة وبعدها تعود الامور لنصابها، وهناك من يقول بان العراق يستحق ما يحصل له، ويردد اين هم اصحاب الصور الذين كانوا يتباهون بالمناورات المشتركة بين جيشهم العراقي الباسل وبين الجيش التركي الحليف، حين اجتمعوا على محاربة الكورد بعد الاستفتاء، لماذا الان لايتكلمون، هل بلع البحر لسانهم الخشن وشتمهم وسبهم للكورد.. ها هو حليفهم اردوغان التركي يقطع عنهم المياه.. وها هو حليفهم الايراني يقطع عنهم المياه، ويتساءل هولاء ماذا بعد ياعراقيين.. ماذا بقي ولم تفعله هاتين الدولتين المجرمتين بكم...؟.
- وفي راي مغاير يتحدث البعض عن امكانية تقسيم العراق بشكل ليس افتراضي انما واقعي بحيث تدخل القوات التركية الى مشارف كركوك والايرانية للمناطق الاخرى وبذلك يتحول العراق الى ساحة صراع عثماني صفوي من جديد ولكن بشكل اكثر تحضر.. حيث يتحكم فقط كمية النفط بمجريات الاحداث والسياسة وليس السلاح.. وبذلك تحقق ايران سعيها الابدي للوصول للنجف وكربلاء الاماكن المقدسة وكذلك تتمكن من نفط الجنوب وحركة الملاحة البحرية في الشط والخليج، ومن جهة اخرى تحقق تركيا غايتها في كركوك وتزعم الجبهة السنية الطائشة والمشتتة وتقضي في الوقت نفسه على معاقل حزب العمال الكوردستاني وعلى اي حركة كوردية سواء في جنوب كوردستان او غربها او شمالها، مما يحقق لها امنها كما تقول ويحقق لها اهدافها الاستراتيجية في المنطقة.
-هناك ملاحظة مهمة اود ان اذكرها.. كل الاراء والتكهنات حول ما يحدث في الشرق الاوسط هي مجرد اراء عبثية تأتي من واقع الحالة ، ومن الواقع النفسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي العام الذي تعيشه المنطقة وهي في الاساس اراء واستنباطات وافتراضات انتمائية اي ان كل جهة تفترض ما تراه وفق اجندتها، وليس لها اية علاقة بالرؤية الدولية والمخطط الدولي المزعوم، والحقائق برهنت وتبرهن ذلك بوضوح، لاشيء حتمي في الشرق الاوسط الا من خلال ما يمكن ان تفرزه سياسة ومصالح المنظومة الدولية التي تديرنفسها بنفسها،  والسؤال يبقى من يتحكم بالمنظومة بعيداً عن نظرية التآمر وقريباً من الواقع العياني الذي تعيشه المنطقة من عقود طويلة..؟.

40
اعطوا للشعب حقه بعدما اعطاكم حقكم
جوتيار تمر/ كوردستان
19/5/2018
الى رئيس حكومة اقليم كوردستان: من باب وَ ذَكرّ....
بعد التحية:
تعيش كوردستان منذ ما يقارب الخمس سنوات وقع ظروف استثنائية، غير مسبوقة بعد التحولات السياسية على الساحتين الشرق اوسطية بصورة عامة، وعلى الساحة العراقية بصورة خاصة، فمن خضم الاحداث التي لايمكن فصلها بشكلها الاجمالي ولدت حالة يمكن القول بانها وليدة لحالة استثنائية كما سبق وان نوهنا الى ذلك، هذه الحالة التي اعطت لكل شيء بُعد اخر غير مرئي، على الرغم من تشابه الحدث الوضعي العياني، سواء باثارة الفتن في المنطقة او القتل المجاني الذي اصبح ماركة مسجلة باسم ساكني الشرق الاوسط ( سوريا- لبنان – العراق - كوردستان – اليمن – مصر – تونس – ايران – تركيا – ليبيا – فلسطين – اسرائيل....) والمزيد من الدول في هذه البؤرة الموبوءة، او التدخلات الخارجية ضمن تحالفات لاتجر على اهالي المنطقة الا المزيد من الويلات التي نكاد نؤمن تماما بانها لانهاية لها.
دخل أقليم كوردستان الشبه المستقل في دائرة هذه الاحداث بعدما توجهت احقاد ابناء الخليفة الاسلامي المُدعي " ابوبكر البغدادي" صوبها ضمن جغرافية اراد ابناء التنظيم الاسلامي داعش السيطرة عليها لاقامة دولة الخلافة الاسلامية بحيث تجاور تركيا الحليفة الخفية وايران الداعمة للارهاب، وسوريا المتخامة لاسرائيل العدوة في النصوص فقط، والصديقة في الواقع، وبعدما استطاع قوات التنظيم من السيطرة على مناطق واسعة في سوريا وهدد لبنان، وسيطر على الدائرة السنية في العراق توجهت احقادهم نحو كوردستان التي في البداية لم تستطع ان تستوعب حجم القوة التي تمتلكها داعش فتراجعت للوراء ولكن سرعان ما استعادت قوتها وبدعم دولي استعادت جميع اراضيها من تحت سيطرتهم، وكي لااخوض في تفاصيل تلك المرحلة لاسيما فيما يتعلق بالاعمال البطولية للبيشمركة الكوردستانية، اريد ان اتوقف عند المتغيرات الداخلية للسياسة التي اتبعتها الحكومة الكوردية لمعالجة قضاياها في تلك المرحلة.
فمع برزو سطوة داعش كانت كوردستان تعيش وقع صدمة سابقة لعمل لايقل عن اعمال داعش الارهابية، حيث كانت الحكومة العراقية التي كان المالكي يقودها قد فرضت واقعاً سياسياً اقتصادياً صعباً على العراقيين بصورة عامة وعلى كوردستان بصورة خاصة، فيما يتعلق بكوردستان فقد كان قطع الميزانية بحجة عدم ايفاء الحكومة الكوردية باستحقاقاتها من ارسال النفط المطلوب منهم الى بغداد، هذا المبرر كان دافعاً قوياً للمالكي ليجد الدعم من الموالين لسياسته تلك لاسيما الحاقدين على كوردستان بعدما وجدوا فيها التطور المذهل على جميع الاصعدة والرخاء الذي يعيشه الشعب الكوردي بعكس المناطق التي تحت سيطرتهم، فحولوا احقادهم الى صك سياسي في برلمان طائفبي بامتياز وقطعوا الميزانية عن كوردستان، فتحولت الظروف فيها بشكل سريع نحو متاهة يصعب على اية جهة التعامل معها لاسيما وان داعش كانت تنتهك كل ما يقع تحت يدها.
وضعت قطع الميزانية كوردستان في حالة استنفار واضحة، وبدأت الحكومة باتباع سياسة التقشف الذاتي، وبدأت بالموظفين الذين عانوا ومازالوا يعانون من تبعيات تلك السياسة التي يمكن ان توصف بشبه قمعية اضطرارية، ومع توالي الاشهر  و زيادة حدة الحرب مع داعش، كانت الاوضاع الداخلية تسير نحو هاوية لاعمق لها، فاتباع الحكومة سياسة الاستقطاع والنسبة في دفع رواتب الموظفين وجهت صفعة موجعة للجانبين، حيث اهتزت ثقة الشعب بالحكومة، وعانى الشعب الامرين من فقر وحاجة، وجعلت الحكومة تعيش حالة غير طبيعية ولربما لم تحسب لها اي حساب ضمن منظومتها وسياستها لاسيما الداخلية، وهذا بالطبع ما كان ولم يزل موضوع نقاش الطبقة المثقفة التي تتهم الحكومة الكوردية بعدم اتخاذ اية اجراءات احترازية وعدم وجود اية خطط لها يمكنها ان تواجه بها الازمة الاقتصادية التي مرت بها، ومع هذا الاهتزاز الحاصل داخلياً كان لابد من اتخاذ موقف حازم داخلياً في كوردستان وذلك عبر التعامل مع المعارضة بشكل حازم لاسيما بعدما حولت كل اهتمامها على الاتهامات بسرقة قوت الشعب وبدأت تثير القلاقل في بعض المناطق التي تحولت الى فوضى راح ضحيتها العديد من الارواح، وخارجياً مع العراق المتزمت والذي لم يعطي اي انطباع لامكانية حل المشاكل العالقة بين بغداد واربيل، حتى بعدما اوصل الكورد العبادي الى السلطة كما كانوا قد فعلوا مع سابقه المالكي، هذه الظروف خلقت حالة استثنائية في كوردستان، واصبحت الحكومة تعيش واقعاً مأساوياً، فالرواتب على الرغم من كونها استطقعت بشكل مبالغ جدا، فانها لاتوزع الا كل شهرين مرة، وبالتالي حالة الاستنفار الداخلية لم تعد تجدي نفعاً، وكان لابد من اتخاذ موقف مع بغداد يكون باباً لحراك اوسع، ويضع حداً لانتهاكاتهم بحق الشعب الكوردي، فكان الاستفتاء، الذي صوت فيه الكورد بحرية تامة وقالوا كلمتهم التي سجلها التاريخ في 25-9-2017، حيث المطالبة بصوت واضح بالاستقلال، هذا الصوت اوجع الكثيرين في العراق وايضا دول الجوار لاسيما تركيا التي تنازلت عن احقادها تجاه ايران لما يقارب الست قرون ومدت يدها لايران لضرب الكورد وتقويص اصداء الاستفتاء، وكانت بغداد تبحث عن منفذ لها لديهم فوجدته وبدأوا بالتلاعب بمشاعر الكورد، حيث هددوا مع قطع الميزانية  باعلان الحرب على كوردستان، وضمن صفقة ستبقى وصمة عار على جبين بعض الخونة دخلت القوات العراقية من الجيش والحشد الشيعي الشعبي كركوك بعدها دخلوا اغلب المناطق المتنازع عليها وفق مادة 140 في الدستور، ولولا بعض المعارك الحاسمة التي استطاع البيشمركة من وضع حد للحشد الشيعي لكانوا هددوا كل من دهوك واربيل، ومن ثم قاموا بقطع الطرق الخارجية ومنع دخول البضائع الى كوردستان وبالفعل استجابة ايران لهم وقطعت منافذ الحدود، ومنعت بغداد الطيران من والى كوردستان، كما قامت باجراءات تعسفية اخرى، كلها لطمس معالم الصوت الكوردي المنادي بالاستقلال في الاستفتاء، ولكن الشعب الكوردي معلوم تاريخياً بتحمله للظروف الصعبة بحيث لم يهتز منذ قرن امام احقاد ايران وتركيا والعرب في سوريا والعراق، بالعكس تماما ظل يناضل رغم الكوراث التي فرضت عليه من  حرق وابادة جماعية سواء في عامودا او قصف بالاسلحة الكيماوية في حلبجة ومن العمليات العسكرية المعروفة بالانفال في 1988 ومن العمليات العسكرية التركية الدائمة في المناطق الحدودية فضلا عن الاعدامات والتهجير والقتل الجماعي في مناطق شرق كوردستان، كل هذا لم يثني الكورد عن المطالبة بحقوقهم القومية، لذلك لم تؤثر في الكورد كل هذه الممارسات وبقي صوت الاستفتاء فعالاً لوقتنا هذا وسيبقى للابد طالما هناك كوردي يؤمن بالحرية.
لقد القى الاستفتاء بظلاله على الاوضاع العامة في كوردستان وفي العراق وفي دول الجوار، بحيث اصبح المعنين بالاستفتاء هم اشخاص فقط وتكالب الاعلام المعارض بتوجيه التهم اليهم وكما عمدت الاوساط الخارجية على اظهارهم بانهم انفصاليين، ولكن هذا لم يمنعهم من الثبات بوجه تلك التحديات، والغريب جدا ان بعض التحالفات الكوردية داخل كوردستان استغنت عن مواقفها ماعدا بعض الوطنيين منهم، فجلب موقفهم التخاذلي العار لهم، وهذا ما اثبتته الانتخابات العراقية في 2018 حيث ان اغلب الاحزاب والتيارات التي عادت الاستفتاء لم تنجح، كما دفعت الاطراف التي ساهمت في تسليم كوكوك ضريبة خيانتها، وحتى الاصوات المتجددة لم تستتطع ان تقنع الشارع الكوردي بان الاستفتاء كان عملاً خاطئاً، مع انهم وجهوا كل قوتهم الاعلامية نحو ذلك، فالنتيجة التي حصل عليها حزب الاستفتاء والاستفتائيون كانت صدمة لهم ولامثالهم سواء في داخل كوردستان او خارجها، وهذه كانت اكبر  رسالة توجه بالتصويت مرة اخرى الى القائمين في الحكم في بغداد وحتى الى الاحزاب الكوردية التي تعادي الاستقلال بان صوت الحرية لايمكن شرائه ببعض وعود عانى الكورد منها منذ القدم.
سيادة الرئيس: عذرا لهذه المقدمة الطويلة التي تعرف تفاصيلها جيداً، ولكن من باب "ذَكِرّ..."  ولعل هذه التذكرة تنفع في القادم، لاننا كشعب سواء من خرج وصوت في الانتخابات العراقية او من امتنع واصر بان صوته لن يكون الا للاستفتاء وللحرية والاستقلال، فاننا جميعا ننتظر منكم ان تُقدموا على ما يعيد اليكم الثقة كحكومة، وهذا لن يتم الا اذا بدات الاصلاحات دون الاعلانات، والشعارات، انما اذا بدت للعيان بشكل فعلي وواقعي، لاسيما فيما يتعلق بالرواتب " لاتؤخروها"  ، فالشعب مع كل ما مر به صوت للاستفتاء ولكم في حربكم مع بغداد، لذا لاتخذلوا الشعب مرة اخرى، وابدأوا العمل على وضع خطط مناسبة لاتخدم السلطوية فقط، انما تكون في صالح الشعب الذي عانى ولم يزل يعاني الكثير من الويلات، انهضوا بقوة واعطوا للشعب حقه بعدما اعطاكم الشعب حقكم بالوقوف معكم في كل محنكم.. انها رسالة من مواطن يؤمن بانه لا شيء اقدس من الوطن " كوردستان " ولااحد اقدس من البيشمركة ، لذا لاتخونوا كوردستان والبيشمركة وكونوا اهلاً لحكم هذين المقدسين، كي لايتجرأ حاقد ذليل على دنس علمنا الشامخ شموخ جبالنا.

41
مفارقات من الوحي الانتخابي
جوتيار تمر/ كوردستان
12-5-2018
-الصراعات الحزبية في حملاتها الدعائية لم تزل خلاقة بعيدة عن الاشتباكات الحقيقية ماعدا بعض الخروقات التي طالت بعض المرشحين والتي لاتعد موقفاً من الاحزاب، انما هي تصرفات شخصية، وكي لاننسى الواقع الاجتماعي في المنطقة فاننا شعوب شرقية وبالاخص شرق اوسطية حيث لم تزل النعرة القبلية فعالة حتى في ايديولوجياتنا.. وما يناقض هذه الصراعات ان جميع الاحزاب بلا استثناء لم يراعوا في حملتهم الدعائية اسس المجتمعات المتحضرة، لاسيما فيما يتعلق بنشر صورهم واماكن نشرها حيث طالت هذه الصور الارصفة والاماكن الحكومية التي لاتعد ملكاً لحزب دون اخر.
- التجمعات الجماهيرية كانت غير مقيدة، فعلى الرغم من ظن الجميع بان الاحزاب الحاكمة ستعيق تلك التجمعات الا انها سارت بشكل حضاري، وتحت حماية قوات الشرطة ومتابعة جدية من قوات الامن، فلم تحدث خروقات، ولم يحدث ما يشوبها.
- في كوردستان برزت ظاهرة ربما تكن موجودة من قبل، وهي الرفض الشعبي للخروقات المتعلقة باماكن تعليق الصور ووضعها، حيث خرج اكثر من شخص وبشكل مباشر صور قيامه بازاحة تلك الصور ولم ينظر هولاء الى مسألة الانتماءات الحزبية، انما فقط الى توعية المرشحين اولا والبلدية ثانيا بان الارضفة هي من حق المواطن وليس من حق صور المرشحين.
-ومن ضمن ما جذب انتباه الشارع الكوردي، هو التواصل الذي تم بين الشباب الكورد ذو الانتماء الديني الاسلامي، مع احدى المرشحات المسيحيات، وليس الامر هنا متعلق بامر لااخلاقي او تجاوز على المرشحة انما هو التواصل كان ضمن حوارات منشورة على الفيس والانتسغرام ، حيث كسر من خلالها بعض القيود التي ظلت تتحكم بالعلاقات الاسلامية المسيحية، لاسيما مع تحفظ المسيحين في التعامل المباشر مع المسلمين، فقد اظهرت احدى المرشحات جرأة واضحة في التواصل والتعامل وقالت في اكثر من مرة للشباب المسلم المتواصل معها بانها اختهم وابنتهم وابنة هذه الارض، وهذا ما لقي استحسانا كبيرا لدى الاوساط الثقافية، بالطبع بعيداً عن التحزب ، وهذا ما يمكن ان نعده من ايجابيات الانتخابات في المناطق الكوردستانية لكونها خلقت جواً مغايراً بعيداً عن النعرات القومية والحمية العصبية القبلية والدينية، طبعاً بغض النظر عن التحزب والصراعات الحزبية التي لايمكن الحد من انتهاكاتها في اي مجتمع شرق اوسطي بما فيه المجتمع الكوردستاني، لقد استطاعت الانتخابات ان تكسر حاجز التواصل بين المكونات الكوردستانية بما فيها الاشورية والكلدانية والمكونات الاخرى داخل كوردستان من العرب والتركمان وحتى الاطياف الكوردية المنوعة من الايزيدية والشبك والفيلية والكاكائية.
-بقيت التوقعات متأرجحة بين الاحزاب الشابة الفتية التي تأسست حديثاً وبين الاحزاب المعارضة للحكومة وبين الاحزاب اصحاب النضال الطويل، ولم يكن مخفياً على احد بان الصراعات الحزبية ستكون هي الفيصل في النتائج، ولكن ان يحصل حزب كوردي في مدينة الموصل على الاغلبية هذا ما يعد من احدى اهم المفارقات الانتخابية في العراق.
- اعتمدت الاحزاب وليدة الاحداث الاخيرة في كوردستان والعراق على الارقام الاعلامية وحسب استفتاءات غير رسيمة سواء من خلال قنواتهم الفضائية او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، مما جعلها تعيش حلماً بعيداً عن الواقع الملموس حيث القاعدة الجماهيرية هي التي تتحكم بنتائج الانتخابات وليس المتابعين لشبكات التواصل الاجتماعي.
-في كوردستان كان متوقعا فوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني ليس لانه صاحب قاعدة جماهيرية عريضة فحسب، انما لانه كان صاحب مشروع الاستفتاء والاستقلال، وهذا ما اعتمده قادة هذا الحزب في الكسب والفوز، بعكس الاتحاد الوطني الكوردستاني المتهم بخيانة 16 اكتوبر، والذي وكما ذكرت القنوات الاعلامية لست (6) احزاب مشاركة في الانتخابات في مدينة السليمانية بان حزب الاتحاد مارس الارهاب الفكري وانه اكثر حزب اعتمد على التزوير كي يظهر للشارع الكوردي بانه ليس خائن ولكن ذلك لم يمنع ابداً من تقديم العشرات من الشكاوي للاحزاب الاخرى للمفوضية العليا للانتخابات بالخروقات في المناطق التي يسيطر عليها ذلك الحزب.
- تعود الانسان منذ القدم على توجيه اللوم للسلطة اثناء فشله في الوصول الى مبتغاه، فحتى في الرياضة دائما نجد الخاسر يلوم التحكيم او اي شيء اخر يبرر به فشله، وفي الانتخابات العراقية 2018 برزت هذه الظاهرة التي هي ليست وليدة اليوم كما قلت، فبعد فشل العديد من الاحزاب التي راهنت على الفوز بدعم خارجي او فرض ايديولوجية محددة، لجأت الى رشق السلطات بالاتهامات والتزوير، ومع ان بعضها جاء من منطق وواقع ملموس وادلة واضحة الا انه في الاجمال يبقى الانسان يرفض الفشل ويبرر كي ينجي بعنقه من الغرق، ففي بغداد كانت الاتهامات كلها موجهة لائتلاف النصر" العبادي " ، وفي كوردستان غالبية التهم وجهت لحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني، وضمن مناطقه، فضلاً عن ان ذلك الحزب نفسه اتهم الاحزاب الاخرى بالتزوير ووصل الامر بالاتحاد الكوردستاني الى استخدام العنف ضد حركة التغيير في السيلمانية.
- راهن في كوردستان الاحزاب كلها على فشل الديمقراطي الكوردستاني لكونهم كانوا اصحاب مشروع الاستفتاء والاستقلال مما يعني وبحسب اراء بعض القيادات الفتية ان هذا الحزب سبب في قطع الميزانية والظروف التي تمر بها كوردستان، كما ان هذه القيادات ركزت على مسألة الاستفتاء للتقرب الى بغداد والجماهير العربية الرافضة لاستقلال كوردستان، ولكن جاءت الرياح بما لاتطيقه السفن، حيث كان للصوت الحر صداه، فحصل الديمقراطي الكوردستاني على الاغلبية في كوردستان ويحتمل ان يكون رابع اكبر كتلة في البرلمان العراقي.
-كان الخطاب التبريري لقيادات الاتحاد الوطني الكوردستاني الرافض لتهمة التزوير مزدرياً بنظر الكثير من الساسة، فاتباع لغة التهديد والترهيب " قطع يد من يتهمهم" دليلاً قاطعاً على ان ما ذكرته الاحزاب الاخرى حول تعرضهم للارهاب الفكري حتى اثناء التصويت صحيح، وبالمقابل جاء خطاب الديمقراطي الكوردستاني مرناً بل متماشياً مع خطاب الاغلبية السياسية.
-اعتمدت بعض التيارات في بغداد والمدن العراقية على الدعم الخارجي وفتاوي المرجعيات لتحسين وضعيتهم الانتخابية، ولكن هذا لم يفدهم بشيء وذلك لعمق الفساد الاداري والمالي في ضمائرهم قبل افعالهم، لذا وجدنا تحالفاً شيعياً شيوعياً ييرز على حساب تلك التيارات الاخرى التي كانت في الفترات البرلمانية السابقة ليس لها الا الصراخ واثارة النعرات القومية والطائفية.



42
العلاقة بين المرشح والمواطن
جوتيار تمر/ كوردستان
21-4-2018
يمكن تعريف العلاقة الطردية على انها العلاقة بين متغيرين كلما زاد احدهما بمقدار معين يزيد الاخر بزيادة تتناسب مع زيادة الاول والعكس صحيح، ولعل المتتبع للفوضى الانتخابية في العراق واقليم كوردستان سيلاحظ بدون تشفيرات مدى العلاقة الطردية بين المرشحين الذين تمتلئ صورهم جميع الاماكن بدون استثناء، وبين وعي الشعب الذين سيدلون باصواتهم لاحد هولاء المرشحين، وباعتبار اني سبق وان كتبت عن الوعي الانتخابي في مجتمعاتنا، لن اخوض في غمار معنى الانتخاب واهمية الانتخاب والاختيار والى غير ذلك من المؤشرات الدالة على العملية الانتخابية بصورة عامة، لاني فقط اود ان اقارن بين طرفي المعادلة من خلال وجهة نظر شخصية واعتذر ان كانت قد لاتلائم مع رغبة المرشحين وبعض ابناء الشعب المتيمين بمرشحيهم.
لايحتاج الانسان الواعي او الباحث الاكاديمي لاجراء دراسة تفصيلية عن المستويين "الثقافي والوعي" لدى ابناء الشعب العراقي وابناء اقليم كوردستان لكي يحدد من خلال نتائجها ملامح هذا المجتمع المحافظ على طبائعه القديمة من انتمائية عشائرية وطائفية ومذهبية ودينية وقومية والى غير ذلك من الطبائع التي ترتبط بعضها ببعض وفق منظومة اللاتطور والمراوحة ضمن دائرة مساحتها تبدأ باللاشيء وتنتهي عند نقطة اسمها العلمي اللاشيء ايضا، وعلى الرغم من التفاوت الحاصل في البنية الاجتماعية في محافظات الاقليم مقارنة بمحافظات العراق الا ان الامور بجملتها لاتبشر بالخير، فلا الحكومات في الاقليم ولا الاحزاب استطاعت من احداث نقلة موضوعية في البنية الاساسية " الوعي " لدى ابناء شعب كوردستان الا بمقدار قليل لايتناسب مع حجم الطموح الكوردي، ولا الحكومات العراقية المتعاقبة استطاعت من خلق تلك الاجواء التوعوية والثقافية التي يمكن من خلالها ان يجتاوز المواطن العراقي مراحل الانتماء الاعمى والارتباط بالمذهب والقومية دون الارض ، وهذا ما يفسره حجم الماساة التي نشاهدها في هذه الفترة بالذات من خلال التعامل مع العملية الانتخابية وفق منظور ضيق جداً يبدأ بالترشيحات البعيدة كل البعد عن الاسس الاكاديمية والتي يحتاجها البلد، وكذلك التعامل مع العملية الانتخابية كسلعة رخصية لفرض ايديولوجيات لاتمت بالمواطنين الا شعاراتياً من خلال تأجيج مشاعرهم المذهبية والدينية والقومية ضد المكونات الاخرى داخل العراق نفسه.
وهذا ما يفرض علينا كمتابعين ان نحاول اجراء مقارنة للعلاقة بين المواطن والمرشح الذي هو يمثل حزبه – طائفته – قوميته والى اخره من هذه الدوائر المغلقة التي بنظري لاتخدم الدائرة الاساس والكبرى، هذه المقارنة هي وجهة نظر شخصية اسسها نابعة من خلال الرصد العياني للشارع سواء في العراق او في كوردستان بالطبع ليس من باب التعميم انما الطرح كفرضية يمكن للقارئ والمتابع ان يعاين الوضع وفق نظرته الشخصية، وسنبدأ مقارنتنا بالترشيحات في العراق وذلك من خلال رصد عقلية المرشحين بالدرجة الاساس واهمية وقوفهم على حملتهم الدعائية كجزء من القيمة الشخصية له كمرشح عن قائمة او حزب او جهة اخرى، وهنا تبدأ الطامة حيث اللاوعي الدعائي يمكن رصده من خلال اماكن تعليق الصور الدعائية ولعل من قارئ يقول ليس المرشح من يقوم بتعليق صوره، ونحن نقول له سبق وان ذكرنا بان متابعة الحملة الدعائية جزء من شخصيته، لذا هذا ليس بمبرر يمكن الاستناد عليه فالمرشح يجب ان يكون عليماً بمجريات حملته الدعائية ومسيطراً عليها ومدركاً باهمية عدم التجاوز على الممكنات والانجراف في المحضورات وبالتالي فان حملته الدعائية تمثل لدى الطبقة المثقفة والواعية شخصيته التي يمكن من خلالها اقناع هذه الشرائح بالتصويت له دون الانصياع لمبدأ القومية والمذهبية والطائفية والحزبية، ولعل الامر الصادم هو ان كل المرشحين من حيث وجهة نظري لايعلم بمجريات حملته الدعائية الا من خلال كمية الصور التي امر بتعليقها والمبلغ الذي دفعه لطبع تلك الصور من جهة والمبلغ الذي صرفه على القائمين بتعليق صوره من جهة اخرى، وهذا ما جعل الصراع بين المكونات الاجتماعية يتخذ شكلاً اخراً مضافاً الى الاشكال الموجودة والمتأصلة في البنية الاجتماعية العراقية، وليس بمخفي على احد نتائج هذه الفوضى التي خلقها اللاوعي واللاتنظيم الدعائي للمرشحين، والتي وصلت الى حد القتل بسبب اماكن وضع الصور الدعائية، وهنا تبدأ المقارنة الحقيقة حول العلاقة بين المرشح والمواطن، فالمرشح لايهمه التنظيم الدعائي والمواطن المنتمي لذلك المرشح لايملك الوعي الكافي لمعرفة اساسيات الحملة الدعائية الانتخابية لذا قد تجده يفقد السيطرة على نفسه ويهاجم على القائمين باعمال المنافس وبذلك تتحول المسألة من حملة دعائية انتخابية الى ازمة عشائرية مذهبية قومية قبلية، وهذا ما يجعلنا ان نقول بان العلاقة هنا تبدو بصورة جلية علاقة طردية بين المرشح والمواطن، لان العقلية الفوضوية التي يمتلكها المرشح الذي يتفاخر بوضع مثلا حرف الدال امام اسمه او حتى القابه العلمية الاخرى او العشائرية و الدينية والقبلية نجده يمثل تلك الشريحة التي تعلق صوره على حاوية الانقاض، او على جسر مكسور، او بيوت مهدومة ، وهذا الاخير انتمائه الاعمى يجلعه يفعل اي شيء كهذا من باب الوفاء والاخلاص دون ان يفكر بان الباقين من الناس ممن ليس له شأن بهذا الصراع سينظر ون الى المرشح ذاك على انه انتهازي والى غير ذلك من التصورات التي يمكنها ان تحفز المنافسين للقيام باعمال غير مرغوبة تجاه المواطنين البعيدين عن هذا الصراع، ناهيك عن تعليق الصور في الاماكن التي من المفترض ان لاتسلم للمرشحين الا بامر من الحكومة وباخذ موافقة البلدية وغيرها من المؤسسات، وهنا مقارنة اخرى المرشح الذي يتعدى على املاك الدولة بدون اذن وهو مازال مرشحا فكيف سيكون تصرفه بعدما يحصل على المقعد، بالتاكيد المقارنات كثيرة، ولكن اغربها والتي تعبر عن عقلية المواطن بعلاقته الطردية مع علاقة المرشح قيام بعض الشباب بتشويه صور المنافسين ناهيك عن تقبيل صور المرشحات الجميلات والى غير ذلك من التصرفات التي تؤكد فرضية ان العلاقة طردية بين المرشح وبين المواطن، فاعمال اتباع المرشح تمثل صورته طالما لايمكنه ان يسيطر عليها.
وفي اقليم كوردستان سنجد الصراع الحزبي هو الاساس في العملية الانتخابية بعيداً عن النعرات القومية والدينية والمذهبية، فالكورد يشكلون الغالبية العظمى من سكان الاقليم وبذلك التنافس الحقيقي يرتكز بينهم، بالطبع مع وجود تنافس على متسوى اقل بين المكونات الاخرى داخل كوردستان من الاشوريين والكدانيين والتركمان والعرب والكورد من المذاهب الاخرى وغيرهم، ولكن بالاجمال التنافس الحقيقي والكبير اصبح بين الاطراف السياسية والحزبية في كوردستان،  وهذا التنافس خلق جواً غريباً بين الاطراف المتصارعة لاسيما على مستوى المرشحين والمواطنين الذي اصبحوا يرفضون المساومات السياسية من جهة وكذلك عدم احترام حقوق المواطنين من جهة اخرى، وهذا ما ولد تنافراً واضحاً بين المرشح والمواطن، فالعديد من المرشحين ليس همهم الا نشر الصور ولايهم اين ، حتى باتت الارصفة ممتلئة بصورهم بحيث ان المارين اصبحوا اما ينزلون للشارع او يخرجون من على الرصيف للمرور، هذا من جهة ومن جهة اخرى وجدنا بعض المرشحين يسرف بدرجة غير منطقية في الاعلان والدعاية حتى استغل الجبل وكتب بالمصابيح الكهربائية اسمه ورقمه وقائمته عليه، ناهيك عن الاماكن الاخرى التي لايجوز استغلالها للدعاية الانتخابية باعتبارها تابعة للحكومة وليس لجهة حزبية، وهذا ما ولد نفورا اخراً لدى الطبقة الواعية والمثقفة في المجتمع الكوردي، بعكس المواطنين المنتمين لعشيرته او لحزبه، والغريب ان التنافس العشائري بين مرشحي الحزب الواحد ايضا وصل لذروته، وبالتالي فان العلاقة الطردية هنا مكملة للعلاقة الطردية في العراق، غياب الوعي التنظيمي لدى المرشح، يتبعه ويوازيه غياب او انعدام الوعي لدى المواطن المنتمي لقائمة المرشح والقائم باعمال الدعاية للمرشح، وهذا ما دفع الرافضين لهذه الفوضى بحرق الصور الموضوعة على الارصفة الرئيسية والاماكن الحكومية والتمثيل بالصور وحتى ان البعض خرج يصور قيامه باسقاط كل اللافتات والصور الموضوعة على الارصفة الرئيسية بشكل علني ومباشر عبر صفحته على شبكات التواصل الاجتماعي مطالباً اصحاب الصور بان يحترموا حقوق المواطنين.
تتواصل الحملات الدعائية ويتواصل نزف الاموال عليها مع الازمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها الاقليم، ويتواصل الصراع الحزبي بين الاطراف السياسية مع الحاجة الملحة لتوحيد الصوت الكوردي للثبات امام التيار القومجي والمذهبي والطائفي الذي ينتظرهم في بغداد، ويستمر المتعصبون لقوائمهم واحزابهم بمحاربة المنتمين للاحزاب الاخرى عبر كل الوسائل المتاحة لهم، دون وعي ودون ادارك بخطورة الامر، فالاخرين لاينظرون ولن ينظروا الى الكورد على انهم منتمين للحزب الفلاني وللجهة الفلانية، انما ستبقى نظرتهم الى الكورد على انهم ابناء كوردستان التي سعت للاستقلال عبر احدى اكبر واهم محطات التاريخ الكوردي " الاستفتاء " ، لذا ستبقى العلاقة الطردية بين الاحزاب الكوردية شوكة في خصر القضية الكوردية، وستبقى العلاقة الطردية بين المرشحين والمواطنين خنجراً في خصر العملية الانتخابية والوعي الانتخابي، كما ستبقى المذهبية والطائفية طاعوناً في جسد العراق، مضافاً الى كل ذلك الارواح الفاسدة التي تتغدى على اموال الناس وعقولهم للحافظ على مصالحهم الذي سيبقون وصمة عار على جبين الحكومات المتعاقبة في العراق وكوردستان.


43
اين الوعي الانتخابي في انتخاباتنا
جوتيار تمر/ كوردستان
15-4-2018
تعتبر الانتخابات اكثر المواد الدسمة للاعلام بعد فضائح الفنانين بشكل خاص والسياسيين بشكل عام لاسيما فيما يتعلق بالفساد والحروب التي يتسببون بها من اجل مصالحهم تحت غطاء ما يسمى بالدولة والحفاظ على سيادتها، ولم يعد مفهوم الانتخابات مخفياً على المتابعين لاسيما ممن يجيد استعمال شبكات التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية بصورة عامة، فالانتخابات هي العملية الرسمية لاختيار شخص لتولي منصب رسمي، أو قبول أو رفض إقتراح سياسي بواسطة التصويت. من المهم التمييز بين شكل الانتخابات ومضمونها. في بعض الحالات توجد الأشكال الانتخابية ولكن يغيب المضمون الانتخابي مثل حالة عدم توفر الخيار الحر وغير المزيف للإختيار بين بديلين على الأقل. معظم دول العالم تقيم الانتخابات على الأقل بشكل رسمي ولكن في العديد من الانتخابات تكون غير تنافسية (مثلا يحظر على جميع الأحزاب المشاركة باستثناء حزب واحد)؛ كما ان الانتخابات تعرف على انها إجراء دستوري لاختيار الفرد، أو مجموعة من الأفراد لشغل منصب معين، وتعرف أيضاً بأنها مجموعة من المبادئ القانونية التي تتكون من نظام تشريعي الهدف منه تنظيم عملية الانتخاب حتى ينتج عنها تطبيق قانون جديد، أو تعديل قانون قائم، أو فوز أحد المرشحين للانتخابات، أو غيرها من الأحداث الدستورية المرتبطة بالانتخابات ارتباطاً مباشراً.
 إن فكرة الانتخابات تعد من الأفكار الإنسانية القديمة، والتي تساهم في حل النزاعات، والاختلافات حول رأي ما لتضمن تطبيق الفكر الديمقراطي الذي يدعو إلى اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب بناءً على رأي أفراد الشعب، أو المجلس النيابي، أو الهيئة المختصة بذلك، وهذا ما أدى إلى اعتبار الانتخابات حقاً من حقوق الناس، وواجباً عليهم تطبيقه لضمان تفعيل دورهم الإيجابي في الحياة السياسية في مجتمعهم، ودولتهم.
تلك المفاهيم والمدلولات هي اكثر ما ستواجهها حين تبحث عن مفهوم الانتخابات وعن اصولها واهميتها، ناهيك عن العشرات من التعاريف الاخرى التي تتباين في الشكليات وتتفق في الاصوليات حسب الدول والمناطق التي تقوم باجرائها، ولعل الامر الذي دعاني لاكتب عن الانتخابات هو ما اشاهده منذ عقود في مجتمعاتنا الشرقية بوجه الخصوص فيما يتعلق بالانتخابات، حيث تتحول المفاهيم السابقة الى مجرد كتابات وشعارات بعيدة كل البعد عن مغزاها الحقيقي من جهة، وتتحول شوارعنا الى مهرجانات شعبية حزبية سياسية من جهة اخرى، لاعلاقة لها بالانتخابات سوى استغلال الاسم لنشر المزيد من الاكاذيب والدعايات الحزبية فضلاً عن انتهاكات حقوق الاخرين بسبب التشهير والسب وتلفيق الاكاذيب كل حسب انتمائه الحزبي والقومي والديني والمذهبي والطائفي.
ان المتتبع لمجريات الاحداث على الساحة العراقية مثلاً سيجد بان الاصل في الانتخابات هو التشهير واظهار المنافس على انه ليس بوطنني وعميل ومنافق وفاسد وقاطع لارزاق الناس، ويمثل اجندات خارجية اقليمية، وفي الوقت نفسه حين تشاهد كيف تتملئ الشوارع والاماكن العامة والمقاهي والسيارات والاعمدة والتقاطعات بالصور واعلام الافراد والاحزاب المتنافسة ستجد بان التناقض هو عقيدة هولاء، وما ان تسأل احدهم عن السبب في هذا التشهير والتبذير والاسراف والتطرف سيقول لك بانه يعيش في بلد حر وديمقراطي ويحق للفرد ان ينافس الاخرين بصورة حضارية، وسيستشهد بالانتخابات الغربية وسيقول لك بان رؤوساء امريكا مثلاً يقومون بالتشهير من اجل كسب الاصوات وهذا حقهم ايضاً، والغريب انهم لايعتمدون الا على الصورة الظاهرة للواقع الانتخابي الغربي والامريكي مثلاً، ويتناسون عمداً او لايعلمون اصلاً بان تلك الانتخابات تمثل السيادة على العالم وليس على دولة اسمها امريكا فحسب هذا من جهة، ومن جهة اخرى فانهم يتناسون بان وضع مجتمعاتهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري والنفسي لايمكن مقارنته بوضع تلك الدول فالمقارنة احجاف بحقهم وليس بحق مجتمعاتنا نحن، فحين تصل ايها الشرقي الانتخابي بمجتمعك الى المستوى المعيشي لتلك الدول يمكنك وقتها اخذ التجربة عنهم والقيام بالتشهير مثلهم، لكن حين يكون مجتمعك غارق في وحل فسادك وانانيتك الحزبية والطائفية والمذهبية والدينية والقومية فانه من الغباء السياسي ان تستند على التجربة الغربية لتحقيق مقاصدك السياسية التي هي بنظر الواعين من ابناء المجتمع دناءة ومذلة وخزي، فانت تسرق لتستمر بالتشهير، وانت تكذب لتستمر على الكرسي ، وانت تبيع وطنك من اجل الحصول على وسام من محتلي ارضك، فكيف تقارن نفسك بامريكا مثلاً وتدعي انك تعيش في بلد حر، وديمقراطي، ومن حقك ممارسة دعاياتك الانتخابية التي هي في الاصل محسومة لصالح اسيادك ممن يدير جيشك واقتصادك وممن اغرقك في الديون لدرجة انك لاتستطيع ان ترفع راسك.
وما يضيف الى ما ذكرته الدهشة والاستغراب هو الكيفية التي تعتمدها هذه الاحزاب في التنافس الاعلامي، لاسيما في نشر صور المنافسين، ولن اخفي عنكم، بان غالبية الاحزاب لا تعتمد فقط على المرشحين من ذوي النفوذ العشائري والديني فحسب، بل اصبحت تعتمد على ملامح الوجه ايضاً فغالبية الصور معدة بشكل سينمائي وكأننا نعيش وقع حفل توزيع جوائز الاوسكار ومهرجان كان الدولي، لاسيما المرشحات اللاتي يعرضن مفاتنهن في صورهن، والغريب ان هذا بنظرهن يوضع تحت خانة الحريات " الحرية الشخصية " وكأن مفهوم الحرية متوقف على قامتها الطويلة وخصرها وصدرها وشفتييها، دون وعيها وعقلها وعلمها، لذلك ستجد الدعاية الانتخابية في مجتمعاتنا الشرقية هي ادوات لعرض الصور ولعرض الامكانيات التصويرية والامكانيات المادية ايضاً، بحيث يصرف الملايين على تلك الدعايات في حين لم تزل الازمة الاقتصادية تمنع البسمة عن شفاه الموظفين والفقراء ممن لايجد القوت اليومي.
ان المنطق الانتخابي الشرقي لهو في جوهره وصمة عار على الانسان الشرقي، ليس لانها في الاصل انتخابات محسومة فحسب ، انما لكونها لاتمثل الا الفيئات المستفيدة من عمليات نهب البلاد لاسيما نفطها، فالنظريات الانتخابية في مجتمعاتنا تقلد اعلامياً ودعائياً النظريات العالمية الكبرى، الا انها لايمكنها ان ترتقي الى واحد بالمائة من القيم الانتخابية العالمية التي يقدم فيها الناخبون مشاريعهم على اسس واقعية مدروسة وممكنة دون الاجحاف بحق الاخرين من المنافسين ممن يمتلك مشروعاً اقوى واكثر نفعاً، وهذا ما لايمكن ان ينتجه العقل الشرقي لكون  كل حزب وطائفة ومذهب وقومية يدعي لنفسه العصمة والقوة والحضوة دون غيره، فكل الاحزاب لاشيء سوى الحزب الفلاني، وكل الشخصيات فاسدة وسارقة وعميلة سوى الشخص الفلاني، وعلى هذه الشاكلة تستمد العملية الانتخابية في مجتمعاتنا مقوماتها فتكون موءدة في المهد، اي انها تموت قبل ان تولد.. وهذا  الامر بلاشك منوط بشيء مركزي ورئيسي في اية عملية انتخابية على المرشحين والمرشحات والناخبين والناخبات، وبعبارة اخرى ان هذا الامر يتوقف على درجة الوعي الذي يمتلكه الشرقي حول مفهوم الانتخابات، وما يؤسف انه نظرياً قد يتفنن بالالفاظ والمفاهيم والمدلولات لكونه سليل البلاغة والبيان، ولكنه عملياً لايسعه الا ان ينافق، ويكون ممن يقول ما لايفعل؛ وهذا ما القى بظلاله على الواعين من ابناء مجتمعاتنا بحيث اصبح مقاطعة الانتخابات امراً شائعاً بين تلك الاوساط الواعية والمثقفة التي تعرف مسبقاً بحمسية الانتخابات وزيفها الايديولوجي والاعلامي والحزبي.


44
المنبر الحر / نحتاج عقول تتجدد
« في: 19:53 28/03/2018  »
نحتاج عقول تتجدد
جوتيار تمر/ كوردستان
26-3-2018
ان التحجر الفكري هو اساس التخلف والتلاشي الحضاري والزوال للقيم الانسانية في اي مجتمع،  كما يقول " بوقفة رؤوف " ، فحين نتوقف عن التفكير ، عن التطور ، عن الاستمرارية التأملية والتفاعل مع النفس ومع الاخر ومع الكون، نقحم انفسنا في دائرة ضيقة لا مخرج منها، واذا ما رافق التحجر الفكري ، التحجر العقائدي  والذي هو موقف فكري جامد وقاطع يقوم على فرض الافكار دون مناقشة وهي مرادفة لضيق الافق والجمود والتصلب والتشنج والتسلط والارهاب الفكري والعقائدي، فاننا بذلك ندخل طور التلاشي الحقيقي، بحيث يصعب معالجة حالتنا الوجودية، ونتحول الى ادوات هدم وخراب بل الى طفيليين نساهم في تدمير الوجود الانساني ببطئ من الداخل.. ويصعب في الوقت نفسه معاينة المرض فيتفشى في البنية الاساسية لوجودنا ونصبح مشللوين تماما وعاجزين عن التقدم والتطور والانتاج معاً.
على هذا الاساس حين نقيم المجتمعات الشرقية بصورة عامة والدينية فيها بشكل خاص، نلامس عمق الهوة التي تبعد هذه المجتمعات عن الركب الحضاري السائر في ارجاء المعمورة، بالطبع هذا لايعني ان الشرق وحده يعيش هذه الحالة المرضية المستعصية، لان اغلب مجتمعات العالم الثالث او دول الجنوب تعيش هذه الحالة كل واحدة وفق معاييرها الخاصة، ولكن حين اخص الشرقية " الشرق اوسطية" منها لاننا نتكلم بواقع الحال الذي نعيشه ونراه ونعاينه عن قرب بل ونساهم كفرد في صيرورته، وهذا ما يدعونا الى الخروج عن المألوف في الصياغات البلاغية احياناً، وحتى عن السياقات الوجودية الحاضرة والمؤثرة بشكل مستمر.
فالمجتمعات الشرقية لاتعيش التحجر الفكري الهادم لكل القيم الانسانية فيها فحسب، بل انها تستند في قتل الملكات الفكرية المتقدة بالتحجر العقائدي ايضا، ودون ان نمس الاصوليات العقائدية ضمن دوائر التشريع الاصل ، او الشارع الاصل، انما وبحسب المقتضيات الواقعية التي نجدها تتحكم في العقلية الشرقية منذ التكوينات البشرية الاولى، والتجمعات التي تحولت الى مُدينات ودويلات، تتحكم بالموجودات سواء عن طريق السلطوية التي ترتقي الى الالهوية او الكهنوتية التي تساهم السلطوية الاخرى في ترسيخ المبدأ القائل بالتحجر العقائدي المؤدي بالتالي الى التحجر الفكري والعقلي معاً.
والتاريخ الشرقي اوسطي لايشهد فقط على نمو الجوانب العمرانية والحضارية وحتى النظم السياسية والتي قد يستشهد بها الشرقي ليقول لي بالتناقض في المقولات التي اقوم بصياغتها الان، ولكن الامر لايتوقف عند البناء الشاهق، والعجائب التي تم تدشين الانسان الشرقي لخلقها لتخليد اسم الاله او السلطة الحاكمة، انما اتحدث عن الاساس في العمل الوجودي الانساني " البشري" على الخراب الارضي، ودون الاستشهاد بالامثلة التي يتبناها اغلب الشرقيين ويتباهون بها بكونهم كانوا رواد العلم والفلسفة والى غير ذلك من الترادفيات اللامنطقية .. انما التاريخ يشهد ايضا على الجمود العقلي والفكري للشرق، وليسأل كل شرقي نفسه الى اي درجة تغيرت العقلية الشرق اوسطية في القرن الحادي والعشرين..؟ ، انه السؤال الذي يجيب على تلك التحديثات اللامنطقية التي تستقي من التاريخ وتتوهج اعلامياً فقط، دون ان تعطي الامكانية على فهم واضح للصيرورة الحدثية التاريخية التي تخلق ذلك الانموذج التطوري الاستمراري " الديمومة والديناميكية"  والتأمل والتعامل مع النفس ومع الاخر،  فهذه المجتمعات على الرغم من انسياقها الواهم وراء ذلك التاريخ الذي حفل لفترة بنوع من التوهج والتطور العلمي والعمراني الذاتي، الا انها في الحقيقة والواقع مجتمعات " آفة " تستهلك اكثر ما تنتج، تعيش كالطفيليات على الغير، وتهدم اكثر ما تُعمر، ولم تزل تستند على مبدأ رفض الاخر انسانياً ودينياً وفكرياً وعقلانياً وعقائدياً، لانها باختصار لم تزل تحتفظ بالعقلية القديمة التي كانت تبحث عن كيانات قبلية مستقلة تريد ان تحكم باسم السلطوية الالهية او الكهنوتية التي تساهم في رفع منزلة السلطوية الحاكمة واحيانا الكهنوتية التي تسعى لفرض نفسها كسلطة واحدة لا غير .. فاصبحت تقتل وتدمر وتسخر البشرية لاغراضها كما كانت من قبل.
ووفق هذا التوهم وتلك التداعيات لم تزل المجتمعات الشرق اوسطية تعيش حالة من فقدان الذات والهوية، وكأنها لاتستطيع الاستناد على المنطق والعقل في صرف امورها وسيرها، فحتى الاديان لم تستطع ان تخلق داخل هذه المجتمعات ما يفضي الى التخلي عن تلك الوهميات والانسياقات غير المنطقية، والبدأ بمرحلة يمكن فيها للعقل ان يخرج من دائرة التحجر الفكري والعقائدي الى دوائر التطور التلازمية التي تفرضها الوقائع والحقائق والتجديد، وحين نقارن بين الممكن والواقع سنجد بلاشك عمق الهوة بينهما، فالممكن هو اخر ما يبحث عنه الشرقي كي يستحدثه، لكونه باختصار متمسك بواقعه الوهمي الخيالي الراسخ في ذهنيته المتحجرة والمتجذرة في كينونته اللاقابلة للتطور بسبب انسداد المسامات العقلانية والتفكيرية والتجديدية لديه، فاصبح مهوساً بتراثه وبتاريخه، دون ان يسعى لاعطاء سمة الديمومة والاستمرارية لتلك الموروثات ولذلك التاريخ، وهذا الجمود دفع باحد الكتاب ليشخص بعض التلازميات المتحجرة للفكر الشرق اوسطي، ضمن انموذج سلطوي ديني يعتبر اخر الاديان المتوارثة في الشرق( نحن نذكر هذه المقولة كمثال يمكن ان يساهم في توضيح ماهية التمسك بالقديم وفرضه على الحاضر المتجدد وليس من باب التنقيص للديانة الاسلامية )، حيث يقول " د.لؤي صافي " أن التيار الإسلامي  يتبنى مضمون التراث التاريخي ولكنه يسعى إلى تنزيله على أساس معاصر يتناقض معه في مستوى المقاصد والتكوين “فحركات الإسلام السياسي تتبنى نظريات الأحكام السلطانية التي طورها الفقهاء التاريخيون في القرون الأولى للإسلام، ولكنها تعمل على تنزيلها على بنية سياسية حداثية، وبالتحديد الدولة المركزية التي تتولى السلطة السياسية فيها مهمة تنظيم الحياة”، فحركات الإسلام السياسي هذه “لا تدعو إلى عملية تشريعية يرتبط فيها القرار التشريعي بالإرادة الشعبية الممثلة في المجالس النيابية، بل تصر على تطبيق الشريعة الإسلامية وفرضها على المجتمع السياسي وفق مؤسساتها التاريخية”.." ، وهذا بالطبع يمكن اسقاطه على باقي الديانات ايضا التي فيها الكهنوتية هي الحاكمة وهي التي يستمد منها السلطات السياسية مقاصدها باختلاف انواع تلك المقاصد، وهذا بالضبط ما يسبب التحجر الفكري ويعيق الاستمرارية والتطور، لكونه عائق غير طبيعي في المجتمعات الشرقية، فحين يتعلق الامر بالدين والتشريع تتوقف عجلة الكون في الشرق الذي يلبس رداء الدين ظاهرياً، ويبيح ما ليس للدين علاقة به باطنياً.
ومن هذا المنطلق نجد بان السمة التحجرية هي ليست مستحدثة او ضمن مايسميه البعض نظرية المؤامرة، انما هي امتداد طبيعي وموروث في البنية الاجتماعية والسلطوية والكهنوتية الشرقية، حتى اصبحت متمكنة في الفرد والاسرة والمجتمع والدولة معاً، وهذا ما يدفعنا الى القول باننا لانحتاج الى تيارات فكرية وسياسية مغايرة وجديدة ومختلفة،  لنقول للعالم باننا متحضرين ولدينا ديمقراطية وتعددية حزبية وفكرية ودينية وطائفية ومذهبية وقومية، انما نحتاج بالدرجة الاساس الى عقول متغيرة متجددة، تواكب الحدث الكوني وتساهم في احداث النقلة الايجابية للواقع العياني، دون الانقياد الى المعيقات التي لاتفسد التطور فحسب بل تجعل من الفرد والسلطة والكهنوت معا آفات تدمر المجتمعات من الداخل وتساهم في انحلالها على جميع الاصعدة..العقول المتغيرة التي تتغلب على التحجر الفكري والعقائدي، بشكل يتناسب مع الرؤية الاصلية للوجود الانساني.

45
التداعات المابعدية
جوتيار تمر/ كوردستان
5-3-218
تمر كوردستان الان بوقت عصيب ضمن امتداد تاريخي للمراحل السابقة التي اوجبت عليها ان تعيش ضمن جغرافيات لاتنتمي اليها، وبعض تلك الجغرافيات نفسها تكاد لاتنتمي الا الى عنصريتها القومية والمذهبية والدينية من جهة، والى احاقدها التاريخية المستمدة من شخصيتها المتزعزعة غير المستقرة من جهة اخرى، ولم تعد الاحداث التي تعصف بكوردستان تأخذ منحى تحليلي واضح، فكلما وصلت الى مرحلة ظن الكورد بانها تبشر بالخير لهم ولوطنهم المسلوب والمجزء، ضربها عاصفة هوجاء تحمل وسماً وشعاراً مصلحوياً واضحاً من قبل الدول المسيرة للمنظومة العالمية، والدول الخاضعة لتلك المنظومة، وبذلك يتراجع السعي الكوردي ليدخل مرحلة سبات اخرى او مرحلة يأس وانعدام ثقة، وبالتالي تنحصر الاماني بالمقولات والمدونات الوقتية التي تحاول بشتى الوسائل بث روح الصمود في ابناء الشعب الكوردي.
ولايخفى على احد مدى الحرص من دول الجوار على ابقاء كوردستان مقسمة مجزءة بلا امل وبلا منافذ حيوية للمضي قدماً، وكما لايخفى على احد اتباع هذه الدول كل الوسائل للابقاء على كوردستان خاضعة لسلطلاتهم القومية العصبية والمذهبية ناهيك عن استخدامهم كل الوسائل الممكنة للتفرقة بين الكورد انفسهم، كما تفعل ايران والعراق مع جنوب كوردستان وشرقها، وتفعل سوريا وتركيا مع شمالها وغربها، مستعينة بالتحالفات الاقليمية والدولية لفرض ارادتها على الكورد، ومستخدمة في الوقت نفسه قدراتها الاقتصادية والعسكرية لثني ارادة الكورد، منتهكة بذلك كل الاعراف والعقائد وحتى القيم الانسانية.
لقد عاشت كوردستان منذ ان تم تقسيمها في معاهدة لوزان بشكل رجعي ديكتاتوري، احلك الحقبات التاريخية مع الحكومات التي تسيدت تلك الدول التي تضم اجزاء من كوردستان، حيث تعاملت حكومات هذه الاجزاء مع الكورد على انهم خارجون عن القانون، ومتمردين، وملحدين، ناهيك عن نظرتهم الاستعلائية التي هي في الاصل نظرة انتقام للقوميات الاخرى التي لاتنتمي اليهم ولاتنصهر تحت بوتقة احتلالهم وجبروتهم، ولعل من يتابع تاريخ تلك الدول سيجد مع المساعي التحضرية لديها فجوات البداوة والهمجية لاسيما فيما يتعلق بالتعامل مع الاخرين، لقد ادت هذه النظرة الى ازدياد حجم الفجوة بين الكورد وبينهم، مما اصبح من الاستحالة الركون الى موقف توافقي معهم، حتى وان بدت الاوضاع السياسية الحالية على انها تذهب للتوافق، فالدول ليست مجرد حدود وجيوش، انما هي ايمان بتلك الحدود وايمان بتلك الجيوش، وهذا الايمان لم يعد موجوداً نهائياً لدى الكورد، ماعدا الذين باعوا انفسهم للحكومات لاسباب شخصية وطموحات شخصية وعداوات شخصية ، وهولاء تاريخياً مع انهم اثروا كثيراً على سير الحركة التحررية الكوردية الا انهم في عيون الشعب الكوردي ليسوا الا خونة، والخيانة لايمكن ان تسود وتحكم.
لقد اثبتت التجارب على ارض الواقع بان السعي الكوردي لتحقيق اهدافه الاستقلالية ليست مجردة من مضمونها القومي التحرري، وفي الوقت نفسه اثبتت تلك التجارب على عمق الهوة بين الحكومات العرقية القومية الدينية في تلك الدول التي تحكم اجزاء كوردستان وبين الشعب الكوردي من حيث التطلعات والقيم الانسانية، فعلى الرغم من سعي تلك الحكومات لسحق الكورد اقتصادياً " غلق المنافذ الحدودية – قطع الموازنة – اغلاق المطارات " وعسكرياً باستغلال القوة والسلاح كما في جنوب كوردستان " كركوك – شنكال – زمار – التون كوبري – طوزخورماتو – خانقين وغيرها من الاماكن.." وفي غرب كوردستان وشمالها ( المدن الكوردية داخل الجزء التركي وفي كوباني وعفرين الان " وفي شرق كوردستان (ماتفعله السلطات الايرانية من قمع واعدامات)، واجتماعياً من سياسة الترحيل والتهجير والتتريك والتعريب، فان الكورد مازالوا يؤمنون بقضيتهم، ومازالوا يسعون لتحقيق اهدافهم عبر الدبلوماسية السياسية، ولم يبادلوا تلك الاعمال باية ردة فعل ، بل كان خطاب الساسة الكورد واضحاً بان ابواب مدنهم مفتوحة لابناء شعوب تلك الحكومات(لكل منطقة خصوصيتها للاسباب الامنية)، وانهم لن يتوانوا في تقديم كل ممكن للنازحين غير الكورد الى كوردستان، وانهم مازالوا ينظرون الى شعوب تلك الدول نظرة اخاء لا عداوة فيها، بغض النظر عن مواقف حكوماتهم.
ومع ذلك فان تلك الحكومات والكثيرين من ابناء شعوبهم مازالوا ينظرون الى الكورد نظرة عدائية ممتلئة بالاحقاد، ومازلوا يحاولون اثارة الفتنة بين الاطياف الكوردية مستغلين وجود بعض اصحاب النفوس الضعيفة الذين باعوا القضية ولبسوا رداء الخيانة، فاصبحوا معاً (تلك الحكومات والخونة معهم) يطبلون على اسماع الكورد بان الساسة والقيادات الكوردية هي السبب فيما وصل اليه حال الشعب الكوردي في كل الاجزاء، ففي الشمال والغرب مازال الترك يثيرون زوبعة حول احد ابرز القيادات الكوردستانية في العصر الحديث ( عبدالله اوجلان) على انه السبب فيما وصل اليه احوال المدن الكوردية من تدهور وخراب ودمار، متناسين بانهم لم يحترموا قدسية برلمانهم وزجوا بالقيادات الكوردية السياسية غير المسلحة ايضا في سجونهم ( صلاح الدين ديمرتاش) والعديد من القيادات الاخرى، فضلا عن ادراجهم اسماء بعض القيادات الاخرى ضمن قائمة المطلوبين لمحاكمهم العنصرية ( صالح مسلم)، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل كانوا ومازالوا يحاولون تسخير قدارتهم العسكرية في طمس المعالم الكوردية داخل مدن تركيا وفي الغرب السوري، كما يفعلون الان في عفرين الصامدة، اما في الشرق الكوردستاني فان ايران بهمجيتها لاتترك صغير ولا كبير ولا عالم او فقير ، امرأة او شيخ الا وتسلط عليهم جنودها واستخباراتها وجيشها الثوري، فاصبحت مشاهد الاعدامات تسود المناطق الكوردية والاغتيالات والتدمير وزج الناس في السجون امراً قد اعتاد عليه الكورد هناك، وفي الجنوب الكوردستاني الصورة لم تتغير كثيراً فقد صبت الحكومة المذهبية الطائفية حقدها على الكورد والبيشمركة بداعي انهم انفصاليون، واعتبرت قيام الكورد بالاستفتاء للاستقلال السبب الرئيسي في تدهور العلاقات بين الحكومة والكورد مع ان الامر بنظرنا نحن الكورد لا علاقة له بالاستفتاء، فالحقد على الكورد سبق الاستفتاء بعقود ، والعلاقات تدهورت قبلها بعقود، والاستفتاء لم يكن الا حصيلة تدهور تلك العلاقات، ونحن الكورد ننظر الى الاستفتاء على انه حق مشروع، وهو من ابرز المحطات التاريخية للحركة التحررية الكوردية منذ سقوط جمهورية كوردستان في مهاباد، والتاريخ سيشهد سواء عاجلاً ام اجلاً بان الصوت الكوردي اتحد لاول مرة وقال نعم للاستقلال عبر الاستفتاء وان الكورد في انحاء العالم توحدوا وخرجوا وهتفوا بصوت واحد نعم لاستقلال كوردستان، لذا فان المشككين بالاستفتاء والرافضين له، وحتى الذين يدعون بان الاستفتاء هو سبب ما يحصل للكورد في الجنوب الان، لان الوقت لم يكن مناسباً، ليسوا الا ابواق تحاول التقليل من قيمة العمل التحرري الكوردي في التاريخ المعاصر ملتحفين بشعارات لاجندات خارجية تعمل على شق الصف الكوردي، لان الاحداث التي تلت الاستفتاء اثبتت ان الحكومات التي تحكم اجزاء كوردستان لن تعترف بحقوق الكورد ابداً وانها مستعدة للتحالف مع اية جهات من اجل اجهاض الحركة التحررية الكوردية وانها مستعدة لتقديم التنازلات لاعدائها من اجل طمس معالم الوجود الكوردي، ولعل مافعلته تركيا وما قدمته من تنازلات لايران وللعراق خير دليل على ذلك ناهيك عن قيام ايران بغلق المعابر الحدودية مع كوردستان بعدما قامت الحكومة العراقية بالهجوم على المناطق الكوردية في كركوك وغيرها وفرضت حضراً جوياً على كوردستان، بالاضافة الى ان الدول الكبرى التي تراعي مصالحها هي نسفها التي كانت تشرف على مؤتمر لوزان، وانها هي مع دول الجوار لايهتمون بمسألة الوقت المناسب او عدمه، انما لديهم هدف واحد وهو الحفاظ على مصالحهم وعلاقاتهم وفق منطق ومسار يحفظ لهم امتيازاتهم وحضورهم القوي في المنطقة، لذا ليستاءل المطلبين لهذه الاجندات وتكرار قولهم بان الوقت لم يكن مناسباً متى سيكون الوقت مناسباً طالما تركيا وايران والعراق وسوريا ستبقى على نهجها العدائي ( تركيا تدمر عفرين الكوردية – سوريا تتخاذل للدفاع عنها – ايران تخمد المظاهرات في المدن الكوردية بالرصاص والاعدامات والسجون – العراق تفرض على الكورد والمدن الكوردية سياسة الاخضاع بالكره وتقطع كل سبل العيش لديهم وتفرض ارادتها عليهم والدليل اقرار الموازنة بدون حضور الكورد)، و تحت انظار الدول الكبرى، والامم المتحدة، التي ستبقى تقدم مصالحها على اية اعبتارات اخرى.
ان روح الاستفتاء لم تزل متقدة في نفوس الاوفياء من ابناء الشعب الكوردي، ومازالوا متمسكين بنتائجها، والتي بلاشك ستضاف الى رصيدهم الثوري والتحرري وستبقى تلك النتائج شوكة في عيون الحكومات التي تسعى لفرض جبروتها على الشعب الكوردي في كل مكان، كما ان روح الاستفتاء ستبقى شعلة يقتدي بها ابناء الشعب الكوردي في جميع اجزاء كوردستان، وان كل الادعاءات المابعدية التي تفرضها الاجندات من المتملقين لايران وتركيا وبغداد وكذلك الرافضين للاستفتاء لن تجني ثمارها في طمس معالم اهمية الاستفتاء، ولعل ما نشر مؤخراً بان المنظمات الاوربية والدولية تطالب الكورد بجعل يوم الاستفتاء عيداً قومياً هو خير رد على المشككين باهمية وعظمة الصوت الكوردي في يوم الاستفتاء.
لذا ليس للكوردي الخضوع لهذه المتاهات التي تصدع قوته، وتصدع صوته القوي، انما ليعلم الكوردي بان الحقائق التي اظهرها الاستفتاء هي تشكل الصورة الحقيقية لنظرة الجوار ( تركيا- ايران – العراق – سوريا – الدول الكبرى) الينا تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً، وعلى هذا الاساس فان الاعتماد على التطبيل والتزمير لن يُقدم للقضية الكوردية سوى التراجع والانحناء والخضوع للواقع المُرّ الذي تريد هذه الدول فرضها على الكورد، ومن هذا المنطلق عليهم الايمان بنتائج الاستفتاء والاستفادة منها لتقوية عزيمتهم في نبذ كل الفرضيات التي تريد اجهاض الصوت الكوردي، وكذلك في رفض كل المستجدات التي تريد الاستهانة بالصوت الكوردي، والعمل على توحيد الصفوف وابعاد الخاضعين للاجندات الخارجية والمطبلين لهم، ومحاولة بناء منظومة داخلية لمقاومة اي عدوان واحتلال للمدن الكوردية من اية جهة كانت، فضلاً عن كرس كل الجهود من اجل تحقيق الاهداق الممنشودة وعدم الانصياع لماهية الوقت، فان الانسان الحر لابد ان يصل الى حريته طالما يسعى اليها ويكرس جهده للوصول اليها.. ولتبدأ في كوردستان انتفاضة بل ثورة جديدة من اجل حقوقها ومن اجل انهاء الحكم الدكتاتوري الحالي، كما فعلت في انتفاضتها الاذارية الكبرية ضد البعث ونظامهم وقائدهم المقبور.


46
المنبر الحر / هل نحن مواطنون
« في: 21:36 26/02/2018  »
هل نحن مواطنون
جوتيار تمر/ كوردستان
23-2-2018
لم يعد غريباً على الانسان الشرقي بشكل عام والشرق اوسطي بشكل خاص سماع التطبيل الحكومي الدائم فيما يخص وجوده كمواطن ضمن جغرافية سيادة دولة يتحكم بها آلية ديمقراطية ومؤسسات ذات نهج خدمي توفيقي توافقي مع متطلبات المواطن وحاجاته، ولم يعد خافياً كيف ان النبرة الشعاراتية هذه تحولت الى لجام حول عنق المواطن بحيث لم يعد يفرق بين ما هو مدون" اكاديمياً " عن المواطنة في الكتب والقوانين، وبين الشعاراتية التي ترفعها اغلب الحكومات، وبين الواقع المرير الذي يعيشه، حيث يشاهد امام عينه كيف ان هذه الشعاراتية في دول اخرى هي ادوات خدمية للمواطن بكل تمفصلاتها، في حين ان هذه الشعاراتية في موطنه ليست الا سُلماً ليصل السياسي الى عنقه ليضع اللجام حوله.
ان ادارك معنى المواطنة لم يعد احتكارياً كباقي الامور السلطوية، فاي شخص يمكنه وبواسطة وسائل الاتصال الاجتماعي او حتى المواقع المعلوماتية الوصول الى عدة مفاهيم وتعاريف للمواطنة،والتي نعرض امثلة منها "تعرف باللغة الإنجليزية (Citizenship)، وتعرف لغةً بأنها كلمةٌ مشتقّةٌ من مصطلح الوطن، والذي يعتبر المكان الذي يعيش فيه الإنسان، أما في اليونان القديمة فتصنف بأنها حقٌ من حقوق الإنسان المدنية، وهذا ما أدى إلى اشتقاق اسمها في اليونانية، والإنجليزية، والفرنسية من كلمة City أي المدينة، وتعرف المواطنة اصطلاحاً بأنها صفةٌ يتميز بها الأفراد الذين يعيشون على أرضِ دولةٍ ما، وبموجبها يحصلون على العديد من الامتيازات بصفتهم مواطنين في دولتهم. ومن تعريفات المواطن أيضاً حصول الأشخاص على مجموعة من الحقوق العامة التي تضمن لهم العيش بحياة كريمة في دولتهم، والتي تحافظ على توفير هذه الحقوق لهم، ومن أهمها: الحق في التعليم، والحق في العمل، والحق في المشاركة في الحياة السياسية، كالترشح للمناصب السياسية، والحصول على حق الانتخاب، والتصويت، كما أنها تضمن للمواطنين التمتع بالحريات الفردية التي يكفلها دستور الدولة كحُرية الاعتقاد الديني..".
من يقف عند جغرافية هذه المدلولات التعريفية بالمواطنة ويرجع بذاكرته الى الوراء القريب ليجلب الصور الترافقية لحياته ، ثم يقارنها بالموجودات الحالية من الصور التي يلتقطها يومياً، ويشاهدها، ويساهم في صنعها في الكثير من الاحيان، سيجد عمق الهوة التي تفصل بين المنطق والرؤية والفكرة التي قرأها ذات يوم عن المواطنة، والتي سمعها ويسمعها الان، وبين الواقع العياني، فكل المدونات تُسَخر الان لهدف واحد وهو اخضاع المواطن للصيرورة السلطوية دون اعطائه اي حق من الحقوق المنصوص عليها ضمن التعاريف والشعارات التي يروجونها حول المواطنة، وبالتالي يدفعونه ليعيش حالة من اللاوعي، فكأنهم يخدورنه للبقاء مكبلاً بالسلاسل السلطوية للابد، في حين بين فترة واخرى يمنحونه جرعة معنوية هي في الاصل منومة ان لم تكن مسمومة، فكل الشعارات التي يروجونها لاتخدم المواطن في شيء، انما هي سلالم خدمية توصلهم لمبتغاهم السلطوي " الكرسي" وحين يصلون تصبح المدونات السبقية والتي اوصلتهم الى ما هم عليه خارجة عن نطاق الخدمة وفي بعض الاحيان تتحول الى تهديد للامن القومي لكونها تدعم بنظرهم اشاعة الفوضى السياسية فتنقلب على المواطن ليعيش وطأة ايمانه بها، ومساهمته في ايصال السياسي للكرسي.
ومن اغرب الامور التي استوقفتني حول مفهوم المواطنة في العراق الحديث و" كوردستان" معاً ان المواطن كان ولم يزل هو اخر هم للحكومة السلطوية، وان المواطنة ليست الا سلعة آنية لايمكن الحصول عليها الا في الفترات الحساسة من تاريخ البلد، ففي الشدائد مفهوم المواطنة فعال وذلك لحاجة السلطة لمن يقاتل بدلاً عنها وباسمها، وكذلك في اوقات رسم الملامح السلطوية الجديدة " الانتخابات" بكل انواعها يعود المواطن ليشكل الهيكل الاساس للدولة والسلطة فتبدأ المنح وتبدأ المهاترات السياسية فيما يتعلق بالمسائل الاقتصادية التي تخص صميم حياة المواطن، وبذلك يتم تفعيل مفهوم المواطنة وفق اولويات السلطوية، وما ان يتم المراد، ويصبح الكرسي مضمونا، حتى تعيد السلطة المواطن الى النفق المظلم الذي يبقيه في حاجة وعوز كي يبقي اللجام حول عنقه وذلك حتى لايجد منفذاً للهرب، ويبقى السلعة التي توظفها السلطات للحصول على مكاسبها الشخصية.
لن اخوض في المهاترات السياسية فيما يتعلق بحكومة بغداد، لكون اي شخص سيقرأ الموضوع سيقول بانكم انفصاليون وانكم تدعمون تمزيق جسد الامة والوطن والى غير ذلك من المهاترات السياسية التي يطلقها ممن هم يحلبون الصخر العراقي لمصالحهم وليس الشعب فقط، لذا ساتحدث عن كوردستان باعتبارها الان تعيش حالة من الاستنفار العام لاسباب متعددة، فمن ناحية هناك غليان شعبي بسبب قطع الرواتب وعدم وجود برنامج محدد لتحسينها، وكذلك بسبب الصراعات السياسية التي اودت في النهاية الى ضياع الحلم الكوردي بعد الاستفتاء الناجح الذي اجري في كوردستان، ومن ناحية اخرى وصول الكورد الى مرحلة عرض السلعة " الانتخابات " على الصعيدين المركزي " بغداد " والمحلي " اربيل / هه ولير" ، وبلاشك المواطن هو الركيزة الاساس في كل المتحولات والمتغيرات التي تحصل والتي يُحتمل انها قد تحصل، والغريب كوجه مقارنة بان بغداد تصرف الرواتب بسخاء وتقرض الاموال بسخاء بالطبع على حساب البنية التحتية للاقتصاد العراقي والذي وبحسب المختصين يغرق تحت وطأة الديون، فيما نجد بان حكومة اقليم كوردستان تعيش في حالة من الهذيان السلطوي، وهي بعيدة كل البعد عن تحريك اية دوافع للمواطن كي يخوض تجربة الانتخابات مثلاً بالدرجة المطلوبة وبتلك الحماسية التي هي في الاصل تحدد وجوده ضمن هيكلة العراق العام وهيكلة كوردستان الخاص، وبذلك تقوم بقتل ما تبقى من الايمان بها، وبوجودها الفعلي، وبامكانية قيامها بوضع الحلول المناسبة لهذه الازمات المتوالية " السياسية – الاقتصادية – الحزبية – الاجتماعية ".
ان المنطق الذي تتبناه حكومة كوردستان ليس الا نتاج فعلي للعدمية التي تعيشها اغلب التيارات السياسية الكوردية، التي لاتبحث عن مصلحة المواطن بقدر ما تبحث عن اسقاط المقابل واخضاعه لمنظومة مغايرة عن ما استمرت عليه طوال السنوات الماضية، وبلاشك ان المواطن شعاراتياً هو الهدف الاساس للقدماء والجدد، وكل حزب بما لديهم فرحون، دون ان يقدموا اية مقترحات فعلية واقعية نابعة من الواقع العياني لتحسين الحالة السياسية والاقتصادية لكوردستان، فكل الموؤشرات تدل على ابداع هذه التيارات باختلافها فيما يتعلق بالشعاراتية " المواطنة" ، وانها وبحسب ما تقول تضع حقوق المواطن الكوردي ضمن اولوياته السياسية السلطوية والى غير ذلك التي كما سبق وان اشرنا اليها بانها السلعة، في حين نجدهم يتناحرون داخلياً، ولايتقبلون وجود احدهم للاخر، بل وصل الامر بهم الى التشهير بالقادة الكورد الذين خدموا القضية لعقود متوالية.
ان مفهوم المواطنة في العراق وكوردستان يتخذ منحنى متدني لدرجة بان الانسان لاقيمة لديه الا اعلامياً وظاهرياً في حين ان اي فعل قويم يخدم مصالح المواطن ليس الا حبر على ورق عتيق يستخدمه هولاء الساسة لمصالحهم ولفرض الاجندات التي يعملون تحت وطأتها، في بغداد التصريحات تاتي نحن لانحارب المواطن في حين تجد اغلب المناطق المنكوبة جراء سيطرة داعش لم تزل خراب، وبدون خدمات، فضلاً عن الاختطاف والقتل وخروج العصابات بل حتى ظهور خلايا داعشية جديدة، وفي الوقت نفسه، تمنع القوت عن كوردستان وذلك لفرض سياسة لوي العنق، وهذا كله لان الكوردي قال اريد ان اعيش حراً مستقلاً، وليس هذا فقط بل ان مقولة نحن لانحارب المواطن اوصلتهم الى منع المريض ان يسافر  في المطارات داخل كوردستان ناهيك عن المسائل الاخرى المتعلقة بالحدود ، وكل هذا باسم نحن لانحارب المواطن الكوردي او المواطن بصورة عامة، ولم تستقر الامور على هذا فحسب، بل زادت الطين بلة في التصريحات المتوالية للحكومة العراقية بكونها ستعمل على تقديم الرواتب للموظفين في كوردستان، كسلاح اخر اعلامي مؤقت يخدم المرحلة الدعائية للانتخابات المقبلة والتي اصبح العراقيون يترقبونها بشغف لا لانهم سيجدون تغيرات على المستوى السلطوي والفهم والادراك السلطوي ، انما فقط ليعرفوا موقعهم من اللوحة السلطوية القادمة التي تنادي وبصوت مسموع بان المواطن العراقي هو الهدف الاساس للحكومة وليس شيء اخر.
وفي الوقت نفسه نجد في كوردستان اهتمامات واضحة حول القوائم التي ستشارك في الانتخابات على الصعيدين المحلي والمركزي، وتذهب اغلب التلميحات  حول امكانية توحيد الصفوف بعد الانتخابات لجعل الصوت الكوردي مسموعاً في بغداد، ولكن على ما يبدو ان الكورد لم يعتبروا من التاريخ لا قديماً ولا حديثاً ولا حتى مجرياته في الامس القريب، فنجد الصوت الكوردي مبحوحاً غير مؤثراً كما اصوات اغلب المكونات الاخرى خارج منظومة الدعم الخارجي، والتي بلاشك هي " المنطومة" التي ستحسم الامور والاصوات، وبعدها سيبدأ العد التنازلي لحلب المواطن من جديد، وفرض اتاوات جديدة عليه بحجة الازمة الاقتصادية، وحجم الديون، ولاعتبارات مذهبية، واخرى حزبية، واخرى اجنداتية، واخرى لاعتبارات سبقية، فالحزب الفلاني كان معارضاً والحزب الفلاني كان موالياً لجهة معادية، والى اخره من هذه الشعارات التي ستظهر للمواطن، وكأن صوته ودعمه في الانتخابات كان مجرد وبال عليه، على هذا الاساس فالكورد لن يجدوا من بغداد سوى ما وجدوه في الامس القريب، حيث يكون صوتهم مهماً للوصول الى الكرسي وبعدها يتم فرض الاتاوات على الكورد بداعي انهم قاموا بالاستفتاء للاستقلال من جهة، وبداعي انهم لم يسلموا المطارات والمعابر والنفط للحكومة المركزية من جهة، وهكذا يكون الصوت الكوردي وبال على الشعب الكوردي" المواطن"، كما ان الكورد لم يعتبروا من التاريخ في اختيارهم للاسماء التي يمكن ان تمثلهم سواء في البرلمان العراقي او الكوردستاني.
 ولااخفيكم سراً بان اغلب المرشحين في القوائم الكوردية وعلى الرغم من تزيينها بالشهادات العليا لاتعدو  الا اسماء مستهلكة مسبقاً لكونها لم يتم ترشيحها على اساس خلق ابداعي، انما هي اسماء لارضاء جميع المكونات الشعبية داخل كوردستان، وحتى ان وجدت قائمة تقول نحن لانعتمد ذلك اساساً ورسماً للترشيحات فانه يقول ذلك من باب الشعاراتية المغايرة والتي يريد من خلالها اظهار نفسه على انه مختلف عن البقية في حين لو تفحصت الاسماء جيداً لوجدت انها ان لم تعتمد  على مسألة ارضاء جميع المكونات الاجتماعية فانها اسماء اختيرت لبعثرة اوراق المنافس داخل جغرافيته" الضد"، وبذلك يكون الترشيح ايضا غير ملائماً للمواطن الكوردي الساعي لخلق وجوده الفعلي ضمن الهيكل العام للدولة، لعله في وقت قريب يجد فرصة اخرى كي يوصل صوته العالم .
ان الصورة التي نجد عليها الان المواطن في العراق وكوردستان، لهي صورة مشوهة للانسان الحقيقي، الفعال، الساعي لتحقيق وجوديته، لكون تلك الصورة مرهونة بعدة عوامل، لعل ابرزها الانتماء الحزبي " المذهبي" ومن ثم الانتماء القومي، ومن ثم الولاء الاعمى، وهذا ما يفقد الانسان وجوديته الفعلية جراء ما يتم فرضه عليه من قِبل الدوائر المذكورة، وبذلك يتحول من انسان يفترض به ان يكون حراً في الاختيار، الى مُسير في جميع خطواته، بل حتى مسير في احلامه ، ولايقف الامر عند هذا الحد بل يتعداه الى كون وجوده مرهون بالاساس بكمية الحقد الذي يحمله تجاه منافسيه، وهذا كله يتم فرضه من الاجندات المتحكمة به وباسياده، وفي مرحلتنا الحالية نجد الشعارات المرفوعة التي تلقي استحساناً من قبل الاجندات المذهبية والقومية وقواعدهم الشعبية "المواطنون" هي الشعارات التي تعادي كوردستان والكورد" المواطن"، فكل جهة تتخذ من محاربة الكورد وقطع الميزانية عنهم وتهميش وجودهم تلقى شعبية واسعة بين الاوساط المذهبية والحزبية، ولا اعلم لماذا يصر الكورد على المشاركة في العملية السياسية" كمواطنين" في بلد فيه شعار محاربتهم والحقد عليهم هو الاساس الفعلي للنجاح والانتشار والقبول بين الاوساط الشعبية فيه.




47
الدين والبشر علاقة ود ام صراع مصالح
جوتيار تمر/ كوردستان
15-2-2018
ليست مفارقة ان تتحول الاديان الى مجرد اداة بيد البشر حيث يقومون بتوظيفه حسب متطلباتهم ورؤاهم الخاصة مبتعدين كل البعد عن الاصول والثوابت الرسالاتية التي تمجد الانسان وتعطيه قيمة تفاضلية على باقي المخلوقات الكونية، ولعل من ينظر الى الاديان بعين خارجة عن مصادرها التشريعية سيلاحظ عمق الهوة التي اصبحت ظاهرة للعيان بين النص الاصلي وبين التأويل البشري للنص والفعل البشري بمقتضيات النص نفسه، ناهيك عن عمق الهوة بين التيارات المفسرة للنص الاصلي، وحجم المعاناة التي يجدها الانسان في فهم وادراك ايهما الاصح، بعيداً عن المقولة التي دائماً ما يتمسك بها رجالات الدين ، "لديك المصدر الاصلي تمسك به تفلح "، في حين ان النص الاصلي المصدر لايمكن الاستناد عليه في كل المسائل لاسباب عديدة ومنطقية لعل ابرزها كونه في الكثير من الاحيان يُفسر على اكثر من وجه، او انه غير مفصل ولايمكن القياس من خلاله، او انه غير مُحَدث كي يناسب الوقت والمكان.
لقد شهدت النصوص الدينية ضمن السياقات التاريخية معارك عنيفة بين جذورها التأصيلية وبين حاملي راياتها بالاخص المفسرين( لانخص بكلمة مفسرين رجال دين دون اخر)، الذين سيطروا على مقاليد الحكم الديني وفق نزعاتهم الشخصية ونزاعاتهم الانتمائية في اغلب الاحيان، سواء أكانوا كهنة ام سدنة، ام رُسل، او حتى فقهاء وائمة، وبعيداً عن مقولة كونهم اصحاب اجتهاد ولهم اجرهم على ما قدموه من اجتهادات خدمت الانسان، في حين ان الامر لايمكن ان ينحصر بالاجر، انما هناك فكر وعقل وحتى عاطفة تجعل من تلك التفسيرات تحت المجهر، وتبرز السمة البشرية الرائدة في صياغة الامور حسب ما يحقق وجودها بعيداً عن التكليفات التعجيزية بنظرها، وهذا ما جعلنا ان نعيش وفق معيات متحولة ،لم تعد تحمل مساراً او نمطاً واحداً يمكن الاعتماد عليه لتحقيق الغاية من وجود الاديان نفسها، فالدين تحول من علاقة الانسان بالمُشرع الاصلي الى اداة يستغلها الانسان كي يحيل المشرع الاصلي الى التقاعد المبكر، ويحقق باستخدامه طموحاته الشخصية، والتاريخ ممتلئ بالامثلة سواء في عهود ما قبل التاريخ او مابعد التاريخ، ففي كلا المرحلتين جاءت الاديان متسمة بالصبغة البشرية الساعية لفرض الاتاوة على وجوده، فلانه موجود يجب ان يكون هناك دين يدعم وجوده، ولكن في البدء عليه ان يؤسس تعاليم تخلده على حساب بني جنسه، وتجعله بنظرهم اقرب الى الاله من كونه انسان، وهذا ما سعى اليه قديما، وضمن الصياغات التي تركتها الاثار القديمة لامسنا عمق الهوة بين مفهوم الدين كدين وبين العمل الذي يراد تحقيقه بالدين، ولم تتغير الصورة في الصياغات المابعدية التي جاءت ترسخ ما ترتب عليه في السابق، فكان الدين من حيث المبدأ وسيلة للتغيير، سرعان ما تحول الى وسيلة اخضاع وتهديد للبشر بيد البشر انفسهم الذي استطاعوا ان يتغلبوا على العوائق التي تفصلهم من الهيمنة على مصادر التشريع، ومن ينظر  بعمق الى السعي البشري عبر المراحل التاريخية كلها سيجد بلا شك هذا السعي وسيلاحظ كيف تحولت المعابد( نقصد بها دور العبادة لجميع الاديان) الى ادوات قمعية بيد البشر لاخضاع بني جلدتهم.
ودائما ما نستشهد بالملوك القدماء كيف اسسوا ممالكهم عبر تبني اديان وفرضها على ابناء الشعب بالقوة والترهيب، وذلك من خلال منظومة مؤسساتية من الكهنة والمعابد، وتلى ذلك ترسيخ مبدأ النبوة وما سعى اليه الانبياء في تحقيق مقصادهم الدينية والتي سرعان ما تحولت الى منظمات ومذاهب متفرقة كل واحدة منها تقوم بتأول وتفسير اقوال الانبياء حسب منطقهم ورؤيتهم التي تنافت وتعارضت وتقاطعت في بعض الاحيان مع الاخرى، وقد لايختلف اثنان على انه كلما زادت الفرق الدينية زادت صعوبة فهم الدين نفسه ، وذلك لوجود اختلافات جوهرية بين الفرق في العقائد والأصول، وفي الوقت نفسه انقسام الفرقة الواحدة إلى عدة طوائف، وزوال بعضها ونشوء اخرى جديدة، كما ان الاختلاط الذي يحدث بين تلك الفرق الدينية وغيرها مع المنظمات الدينية والحركات الاخرى يشكل عائقاً كبيراً في الفهم الصحيح للدين، وهذا ما تحول في برهة قصيرة الى صراع لاثبات الرأي والتفسير والتأويل والصراع  تحول الى عقيدة مذهبية هذه الاخيرة تحولت الى صراعات سلطة والسلطوية حين تتدخل تتحول الامور الى حروب وقتال وسبي وتدمير.
لم تتغير مفاهيم الدين بوجود الانبياء ولا حتى الكتب الرسالاتية بالعكس تماماً تحولت تلك الوثائق والمدونات والكتب الى اداوات اخرى بيد البشر استطاعوا من خلال تأويل ما بين السطور الى تحويلها لادوات قمعية اقصائية للاخر بدرجة ان الويلات نتجت عنها، سواء بين اصحاب الدين الواحد كما في فترة انقسام المملكة اليهودية بين مملكة الشمال ويهوذا الجنوبية وما تلاها بعد ذلك من تأويلات وتحويرات للرؤية اليهودية نفسها حول الدين والتي فرضت من خلال قوة السلطة الدينية المركزية القائمة على الانتقاء العرقي، والامر الذي تسبب بالتالي الى الانهيار الكامل الذي أصاب الحكومة الدينية وحكم الكهنة، او المفاهيم بعد اليهودية التي لم تتغير ،بالعكس تماماً فقد تحولت المسيحية السمحة بوقت قصير بعد (وفاة / صلب المسيح) الى صراع مذهبي وفرق ومن ثم تسلط بعض الرجالات الدينية باسم الرسل والبابوية والكنيسة فوجدت باسم الرب محاكم التفتيش لتعذيب الهراطقة ولقتل الخارجين عن الكنيسة، كما وجد باسم الرب جيوش وحروب ودمار وقتال ليس بين الدين الجديد والاديان الاخرى فقط، انما بين الدين الواحد بسبب الاختلافات والانقسامات في الرؤية والتفسير حول النبي نفسه وليس تعالميه فقط، هذا المنطق تحول الى اداة بشرية ساهم في احداث شرخ عميق بين الدين والبشر ( الحرب اللاايقونية – حرب المائة عام – الحروب الصليبية)، وحين اتى الاسلام كانت النظرة الظاهرية تعتمد على تحويل العبودية القائمة لغير الاله الى الاله نفسه، ولكن الالية التي اعتمدها اصحاب الدين الجديد لم تختلف عن سابقاتها، حيث حرمت هي الاخرى الانسان من انسانيتة لاعتبارات جبرية من جهة، واعطت الفرصة للساعين من البشر للاطاحة بهيكل الدين وتحويله الى اداة سمجة بيدهم لتحقيق رغاباتهم وطموحاتهم الشخصية، ولن يغير الامر الخوض في المعيات التي رافقت ما سمي وقتها بالفتوحات الاسلامية، لان الفتوحات لم تأتي وفق رغبة الاقوام الاخرى باعتناق الدين الجديد انما اتت بفرض رأي احادي من المسلمين على الاقوام الاخرى باعتبارهم على ظلال ويحتاجون الى نور الهدى، والسؤال هل كانت الشعوب تنتظر هداهم,,,؟ ان الامر لم يختلف تماما بل السعي البشري لفرض فكر ديني واحد واقصاء الاديان الاخرى رسخت مبدأ عمق الهوة بين التشريع الاصلي وبين التأويلات المابعدية التي ظهرت اللمسات البشرية عليها بشكل واضح، فكانت وبالاً ودماراً داخل جغرافية الدين الواحد، والتاريخ الاسلامي مليء بهذا الشرخ التأويلي منذ العهود الاولى، حيث قتل ثلاث خلفاء  راشدين من اصل اربعة، ناهيك عن الطوائف التي ظهرت وعن المعارك الاسلامية الاسلامية من (الجمل – صفين ) وما تلاها من انقسامات وشروخات اخرى اتسعت باتساع رقعة التسلط البشري باسم الله وتشريعات الله.
ساهمت الاديان في احداث شروخ بشرية اخرى، وذلك من خلال زعزعة البنية الاجتماعية في المجتمعات بصورة عامة، لاسيما تلك التي اعتمدت على الطبقية الدينية في علاقاتها، حيث حصنت الطبقة الدينية اسوارها بعدم السماح للاخرين بالتزواج مع المنتمين لطبقتهم من النساء والفتيات، في حين سمحوا لانفسهم بالارتباط بالنساء من الطبقات الاخرى كما في بعض الاديان الوضعية، وفي الوقت نفسه جاءت اديان تحرم التزواج ضمن الطبقة الدينية، مما ساهم في احداث خلل بايولوجي لدى هولاء فكانت الفضائح ترافق اماكن عبادتهم بسبب خروج البعض عن دائرة التحريم وعدم الانصياع للترهب الديني المفروض عليهم، وهذا ما ادى بالتالي الى خروج مذاهب وفرق منهم سمحوا بالزواج حتى ضمن تلك الطبقات الدينية، ناهيك عن البنى الاجتماعية الاخرى التي رافقت التحولات الدينية ضمن سعي الاديان للانتشار وفق منطق الحروب والتبشير والدعوة والاصلاح، فالسبي لم يقتصر على مرحلة واحدة من مراحل التطور البشري قديما وحاضراً، لذا كان السبي والجواري والمتجارة بالرقيق الابيض احدى اهم نتاجات العمل البشري ضمن سياقات استدلالية استمدوها من نصوصهم الدينية، وتلى ذلك تصدعات اجتماعية ونفسية اثرت على الرؤية البشرية نفسها للاديان.
ومن الشروخات الاخرى التي ساهمت في احداث متغيرات جذرية على الرؤية الدينية البشرية ما تعلق بالمذابح البشرية التي رافقت التطورات السياسية ولعل ما حدث للمسيحيين في اوربا ضمن الحملات الاسلامية عليها ، ومن ثم للمسلمين في الشرق بعد الحملات الصليبية عليها، وكذلك بعد مجيء المغول ومن بعدهم العثمانيين وما فعلوه بالارمن( مذابح الارمن)، وما فعله الارمن ايضا ضمن السياقات التاريخية الواضحة من مذابح تجاه المسلمين، كل ذلك حدث باسم الاديان ومحاولة اقصاء دين للاخر، ولم يكن النص الالهي الاصيل هو المحرك بقدر ما كان الطموح البشري لفرض ماهيته على الواقع الخرابي الارضي، وبالتالي نتج عن ذلك شرخ وهوة سحقية بين الدين والبشر مرة اخرى، ولم يكن العامل السياسي  والمصالح الاقتصادية والسياسية في الوقت الحاضر الا اداة اخرى بيد المتحدثين باسم الاديان، وذلك لفرض رؤيتهم الخاصة ، ولتحقيق رغباتهم وطموحاتهم الخاصة بعيدين كل البعد عن الممضمون الحقيقي للدين الاصلي ( النص الاصلي الالهي)، ولعل زيارة اردوغان المسلم للبابا المسيحي رسالة واضحة لايمكن الشك بها، رسالة مضمونها ان الاديان هي غطاء لمصالح واتفاقيات ... فالبابوية المسيحية التي لم تزل تطالب تركيا وريثة الدولة العثمانية الاسلامية بتقديم اعتذر بسبب تلك المذابح، تستقبل( البابا فرانسيس – اردوغان) احد اشرس القادة الترك في العقود الاخيرة الذي لايتوانى في فعل اي شيء من اجل تحقيق اهدافه حتى لو كانت على حساب شعبه بل حتى لو كان على حساب ابناء دينه، في خطوة تؤكد مرة اخرى ان الاديان ليست الا رداء عتيق هش يتوارى خلفه البشر لتحقيق مصالحهم واهدافهم التي لاتبت للدين بشيء، والامر لايحتاج الى توثيقات ورقية او تاريخية حديثة فقط يحتاج الى التأمل بالواقع البشري الحالي " ماحدث في البوسنة والهرسك والبانيا – ما يحدث بين المسلمين واليهود في اورشليم" القدس" وماحولها ، ما يحدث بين الروهينغا والبوذيين، ما يحدث في ايران والعراق من تطهير عرقي مذهبي طائفي باسم الدين ، وما تفعله تركيا بالكورد في عفرين باسم الدين والارهاب والالحاد والى غير ذلك من التفاهات والشعارات التي تلبس رداء الدين وهي لاعلاقة لها بالدين الا ظاهراً" .


48
المنبر الحر / تلازميات شرقية
« في: 20:45 13/02/2018  »
تلازميات شرقية
جوتيار تمر/ كوردستان
10-2-2018
تعتمد المقولات الشعاراتية في الكثير من الاحيان على موروثات تسمى في المعاجم التي وضعها البشر  بالحضارة، ووفق المنطق التاريخي ،الشرق وبالاخص الاوسط مهد الحضارات البشرية ومهد الاديان الرسالاتية، ومنها انبثقت التشريعات وسنت القوانين ، ونطقت الاحرف وبدأت الكلمة المرسومة المكتوبة، وتكونت اولى البنى للتجمعات البشرية، والحضرية، ومنها انتشرت الى باقي المناطق المجاورة، ناهيك عن ان في الشرق الاوسط بالذات ولد الانبياء والى غير ذلك من الاستدلالات الشعاراتية التي يستشهد بها كل شرقي سواء أكان متدينا ام قومياً او حتى ملحداً، تاركاً وراء مقولاته كماً هائلاً من التساؤلات التي قد تجابه من اصحاب الفكر الشعاراتي بالنكران.
حين نقف عند مفهوم الحضارة بالذات نشعر بشيء من الغبطة، ولكنها غبطة لاتستمر الا للحظات فما ان نستعيد قوانا الذهنية ونفكر  بشكل عقلاني في ماهيات الحضارة سواء القديمة ام الحاضرة، حتى نجدنا امام معضلة لاحل لها، حيث التضاد قد تسرب الى شرايين الشرقي في الشرق، واصبح يلهث وراء وَهم مدون فقط ولا وجود له على ارض الواقع، ولاننا لم نعد نعيش وفق منطق الغيبيات والتراجيديا الميثولوجية القديمة والشعارات، فاننا اصبحنا ننظر الى الامور وفق معطيات اخرى، بحيث لم تعد تلك البرمجيات القديمة بكل تمفصلاتها تؤثر فينا لا عاطفياً ولا حتى تبهرنا لاسيما بتلك الامثلة من المجتمعات القديمة والتي استمرت على نمطها في العصر الوسيط لبرهة قبل ان تتحول هي الاخرى الى وقائع لامسنا فيها عمق التضاد، فالشرقي المتنمق لايستند في حياته الا على المثالية المتعالية التي ورثها ضمن مدونات الاجداد ولو بحث عن التلازميات التي رافقت تدوين تلك المثاليات لوجد عمق التناقض الذي كان يعيشه هولاء، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يزل الشرقي ينظر الى الاقوام المجاورة على نحو من التدني، لكونهم بنظره اقل شأن حضاري منه، ودائما نجده يستشهد بالبنى الرخامية التي تركها اسلافه واجداده في المنطقة ليقول للاخرين باننا كنا اصحاب حضارة وعمران، ولو وقف فقط برهة زمن واسترجع الكيفية التي جعلتهم يبنون تلك الصروح العمرانية مثلاً، لادرك بانهم استخدموا الالاف من العبيد"البشر" ومارسوا معهم الضرب بالسياط والتجويع والقهر والاستبداد حتى استطاعوا من بناء تلك الصروح التي يسميها" الشرقي" الان حضارية وهي في الاصل بنيت بدم الالاف وعرقهم، فكيف تقول عن صر ح ما حضاري وهو قد بني بعمل لاانساني، هذا التساؤل لايحتاج الى جواب منمق اخر مطعم بالشعاراتية التي فقدت عذريتها، انما تحتاج الى عمق عقلاني تأملي تأويلي حداثي وفق منهج انساني بحت ، لانه اذا ما اسلمنا بامر الواقع بانها سنة الحياة في ان يعمل ويكد البعض ويموتون جوعاً كي يخلد التاريخ اسماء مضطهديهم ومستغليهم فانه التضاد والتناقض بحد ذاته، لاننا بذلك ننفي عن وجودنا السمة والصفة الاسمى التي نفتخر بها عن باقي الكائنات وهي الانسانية. ناهيك عن الاستعباد فهناك حيث نسميه مهد الحضارات لم تمر عليه حقبة دون اراقة الدماء والقتل( الصراعات ما قبل التاريخ والصراعات في العصر اليهودي والمسيحي والاسلامي ومن ثم القومي)، و كل الاحداثيات المتعلقة بالصراعات تلك تدور ضمن منظومة واحدة وهي اقصاء الاخر، وبناء صرحه فوق جماجم الاخرين، بحيث تحول تاريخهم الى تمجيد للملوك المقاتلين والمحاربين وكل ما دون وقتها وكل ما رسم وقتها ونقش على الجبال والاحجار والرخاميات والطين واوراق البردي وغيرها هي رماح وسهام والات حرب ودمار، واسماء وحملات ملوك وجيوش واسرى واستعباد ونساء وقهر وحيوانات  كالاسود والنمور والاحصنة والثعابين والنسور تمثل السلطوية بدلالاتها ووحشيتها " قوتها " ، انه المنطق القديم الذي نستشهد به حديثاً لنقول للاخرين باننا كنا مهد الحضارات وكانت ارضنا ارض التشريعات.
والغريب في الامر بانه رغم كل التشريعات سواء الدنيوية او السماوية الرسالاتية فان الرؤية الاقصائية لم تتغير عند ابناء الشرق وظلوا يمارسون هوايتهم المفضلة وهي الحرب والقتل والسبي والخراب والدمار فمن سبي بابل الى وقتنا الحاضر ستجد الالاف من المُمارسات المتشابهة التي اقدَمَ عليها اصحاب الاديان والرسالات باسم نشر التحضر والقيم، وبالتالي فان المنظومة التي يرثها الشرقي لايمكن ان تخلوا في حقبة ما من هذا التناقض والتضاد اللامنطقي، فمن كان  وفق منطقه البداوة او البادية اقل شأن واقل تحضر من المدينة، وفي الوقت نفسه كان يرسل اولاده الى اليها ليتعايشوا لفترة ضمن دائرة البدو وذلك ليتعلموا منها الشجاعة وفصاحة اللسان والقيم والى غير ذلك من الامور التي هي ضمن التوثيقات الحضرية المستمدة من البداوة والتي كان ينظر اليها على انها اقل شأن منه،فانه لابد وان ولد من ماء امتزجت الملوحة والعذوبة فيه بحيث ورث جمع الاضداد منها.
ووفق هذا المنطق فان التلازميات الشرق اوسطية هي من اكبر الاوهام التي جعلت الانسان على هذه البقعة يعيش في خيال لاينم عن وعي وواقع عقلاني، ولعل اكبر دليل على ذلك ما ان تحدثه عن شيء حتى تجده يلجأ الى ماضيه ليستشهد به وهذا ما دفع احدهم الى القول "ليس الفتى من قال كان ابي..." وكأنه انتبه الى حجم التناقض الموروث في زمنه فما بالك بزمننا الذي مازال الشرقي يبني صرحه الحاضر فوق موروثاته القديمة التي ورثها حتى تحول الى مستهلك لانفع منه سوى ان يتحول الى اداة بيد الاخرين ليتم توظيفه وفق اجنداتهم،ومع  ان ماضيه كما اشرت اليه سابقاً لايخرج من دائرة التضاد العقلي النفسي العاطفي بل يصل الى حد الانفصام في احيان كثيرة.. فانه مع علمه بالخلل الكامن فيه الا انه لايستطيع الخروج من تلك الدائرة لكونه اقنع نفسه بنظرية المؤامرة ، وفي الحقيقة بان الشرقي هو في الاصل نواة المؤامرة نفسها وبذرتها التي استقت من نفسيته غير الصالحة وانفاسه الحقدوية، وسعيه الاقصائي للاخر، فتحول من ضحية للمؤامرة التي يعتقد بانها موجودة الى نبع يمدها بكل الوسائل وكل الحاجيات لكي يقصي الاخر، ولعل من يبحث في المحركات التاريخية القديمة ومن ثم في العصور الوسطى والحديثة وحتى المعاصرة سيجد كيف ان الحياة على هذه البقعة استسلمت لمبدأ اقصاء الاخر  ومحاولة بناء الصروحات العمرانية والسياسية التي يعتبرها حضارة على جماجم وجثث الاخرين ممن لاينتمون الى فصيلته سواء الدينية او المذهبية او القومية.
من هذا المنطلق نطرح تساؤلاً غير ملزماً ، ترى هل بناء صرح عمراني حضارة، ونحن ندرك تماما انه بُني بيد العبيد البشر ( من استعبدهم ) الذين وقعوا تحت مطرقة وسيوف ملوك ودول، بل حتى بيد شعوب حكمها أُسر سلطوية اجبرت شعوبها على العمل لتخليد ذكرى حروبهم وسلطتهم او كهنة مارسوا الشعوذة الدينية تجاه ابناء شعوبهم فالزموهم بالعمل تحت وصايتهم ولمصالحهم، وتركوا لنا هذه الصروح البنائية العمرانية وتلك الرسومات والاحرف بكل مراحلها التاريخية.. ونحن ندرك تماماً بان الالاف قد قضوا جوعاً وتعباً ومرضاً وخوفاً وضرباً وهم يبنون تلك الصروح..؟ .



49
أدب / عفرين
« في: 22:13 04/02/2018  »


عفرين



جوتيار تمر / كوردستان


السلطان موقظاً رماحه
في المدى الاخضر  وقامات الزيتون
هم طاعون التاريخ
يشبهون جرح الارض
يقول :
كاوه ساخرا وهو يتمطط كسهم
 باحثا عن ضحاياه
تكاثروا ياذئاب الارض سهمي
 يكسر نصركم
 يسقط الاسود والاحمر من فوق
 جباهكم
اشتعل كاوه وارخى سهمه
 نسائم ارضنا تأتي بزغاريد
صبايا عفرين "ئافيستا - بارين  "
جرحنا الواسع سيغرقكم
 وارض كي خسرو ترتفع في دمنا
في حقولنا... ولين الحديد فوق
 بيوتنا
 سلاما لارض خلعت رؤوسا فوق
 خشب الهزيمة
ليس دمنا طاعون الا لرياتكم
المرسومة في اكاذيب البيانات
جفلت منها جبالنا واخضرار
الاشجار
ها نحن نستيقظ على وقع حوافر
هي مزبلة الالهة
 ونعبر الى شموخ التاريخ وسيوف الفضة

50

حوار مع الكاتب الكردستاني جوتيار  تمر
" أنا فقط أنتظر اللحظة الشرسة والمكان لن يختلف معي سواء أكان الجحيم.
الخراب الأرضي الذي نحن عليه... أم الجنة الموعودة."
اعداد وتقديم: عائشة كمون

يعانق الجرح العنيد ويدمن اللحظة الواعية لا العابرة ليكشف لنا في أعماقه ناقدا أدبيا متوثبا يسعى الى تفكيك النّصوص وتحليل أعماقها الدفينة ... يطرح اراء يطرزها بجرأة وفهم، يعمل على إرساء ثقافة جادة في الساحة الأدبية لمواجهة الكم الهائل من الأقلام الدخيلة.
و لنا معه هذا الحوار الذي سنكتشف به أسئلة عديدة تفتح مجالا للنقاش العميق الذي نهدف اليه   :
حاورته : عائشة كمون-شاعرة  و إعلاميّة تونسية


- في البداية حبذا لو تعطي قراءنا نبذة عن سيرتك الذاتية، وتُطْلعهم على نشاطك و إنتاجك ؟
جوتيار تمر صديق من مواليد محافظة دهوك في اقليم كوردستان، حاصل على شهادة الدبلوم في اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، وبكالريوس تاريخ كلية الادب في جامعة دهوك، وماجستير تاريخ عصور وسطى من جامعة دهوك ايضا.. مهتم بالدراسات التاريخية بالاخص فيما يتعلق بفلسفة التاريخ، لدي العديد من البحوث التاريخية المنشورة في المجلات الاكاديمية، كما لدي "تسع" مؤلفات بين تاريخية ( الكورد القيمرية – امراء في الدولة الايوبية ) وفكرية فلسفية ( بشر يمتهنون صناعة الالهة – قراءت حول الارهاب – قراءات حول اوضاع الشرق الاوسط والقضية الكوردية) وادبية ( ديوان شعري بعنوان سيبل sepal- مجموعة قصصية ومسرحية بعنوان موت اكبر من موت -قراءات نقدية حول نصوص كوردية معاصرة – قراءة في دوافع هلكورد قهار الشعرية وتنوع مصادره ومشارك في العديد من المؤلفات الاخرى ( ديوان شعري مشترك مع الشاعرة التونسية ضحى بوترعة " دم ميديا سقف قرطاج " ، ديوان اخر مشترك مع الاديبة المصرية د.عايده بدر ( العابران )، مشارك في ديوان شعري مشترك مع ادباء عرب من اصدارات منتدى انانا (الانفلاتات ) كما شاركت في العديد من الكتب الاخرى النقدية والشعرية، لدي مساهمات ادبية اخرى حيث قدمت للعديد من الدواوين الشعرية على مستوى الوطن العربي من المغرب الاديب الكاتب عبدالرحيم الحمصي من تونس الشاعرة سندس بكاره والشاعر محمد فرج الازرق من ليبيا الشاعرة غادة البشاري من مصر د. ثروت عكاشة السنوسي والاديبة د. عايدة بدر والشاعر محمد دحروج، ومن الاردن الشاعر الاديب محمد خالد النيبالي، ومن لبنان الشاعرة احلام الدردغاني والشاعرة فلورا قازان ومن سوريا الشاعرة املي القضماني والشاعرة مريم الصائغ.


قراءة الإبداع بمختلف أجناسه على الشبكة العنكبوتية/ الإنترنيت، هل عوضت فعلاً حميمية ودفء ومتعة الكتاب الورقي؟
لا ولن تفعل ابداً باعتقادي...

متى تقول: فليذهب الشعر إلى الجحيم؟
حين لايخرج  الشعر من الجحيم...

ماذا عن جديدك الإبداعي؟
ربما ذكرت جديدي فبعد " امراء في الدولة الايوبية " اعمل كتاب اخر هو الاخر بعيد عن الشعر والنقد والقصة .

أين أنت من الساحة الإعلامية؟
بعيد كل البعد... دائما اتوارى.. واجد في البعد عن الاعلام نقاء لتلك المبادئ التي أحب ان اكتب وفق نهجها .
زمان ومكان الكتابة يختلف من مبدع أو شاعر لآخر، منهم من يكتب في الليل، ومنهم في ساعات الصباح الأولى، بعضهم يفضل المقهى، آخرون عزلة في مكاتبهم، كيف هي طقوس الكتابة عندك زمنيًّا ومكانيًّا؟
لا ثوابت عندي ... فأنا فقط انتظر اللحظة الشرسة والمكان لن يختلف معي سواء أكان الجحيم.
الخراب الارضي الذي نحن عليه....أم الجنة الموعودة.

هل لديك مواقف شخصية ضد أحد الشعراء؟
نعم.. فانا انسان... ولكوني كوردي لا انتمي الى العروبة...وجدت بعد الاحداث الاخيرة في " اقليم كوردستان "  اقصد استفتاء كوردستان ،مواقف جعلتني اشمئز من تصرفات وكلام البعض تجاه قومي وشعبي الكوردي.. وحين واجهتهم بالمنطق نعتونا بأبشع ما يمكن ان يصدر من مَن يدعي كونه انسان.. لذا نعم لدي مواقف ضد العديد منهم... لكونهم فيما يخصهم محافظون.. ولكن فيما يخص غيرهم جاحدون.

قد نرى أن حضورك كناقد طغى على حضورك كمبدع هل هنالك ثمة علاقة جدلية بين النقد والابداع ا؟ وكيف وفقت انت في تجربتك الإبداعية في كلا المجالين بين نوعين مختلفين من الكتابة؟
الشمولية تعطي الناقد القدرة على خلق الكثير من الممرات الابداعية ضمن الداوئر والاجناس الادبية التي يعمل عليها فيستطيع ان يعطي لكل منها خصوصيتها النقدية، ولكن هذا لايعني ان درجة الابداع لاتأتي الا بعد بلوغ اعلى الدرجات لكون المعايير التي تعتمد لاختيار اعلى الدرجات هي نفسها مثار نقد ونقاش بين الاوساط الادبية، لذا اعتقد بان المعيار يعتمد على نوعية العطاء الذي يقدمه الناقد وليس كمية العطاء، فالنوعية هنا يمكنها ان تعطي للناقد تلك الصفة الابداعية العامة، على هذا الاساس لا يمكن ان اقيم نفسي بنفسي، كما لا استطيع ان انفي بان النقد والتحليل والتفكيك هي من السمات التي تجذبني اكثر كوني اوظفها كلها في دراسة التاريخ، وبذلك لربما يوجد العديد من الاعمال الادبية الاخرى لدي كالمسرحيات والقصص والمقالات وغيرها لكني حين امارس النقد اجدني انطلق بمنطق الخصوبة التحليلية والتفكيكية، وحقيقة انا للحظة التي اكتب فيها الان لا اعرف ما هي المعايير التي يمكنني ان الزم الاخرين بها كي يصنفوني مبدعاً،او ناقداً او شاعراً او قاصاً او حتى مختصاً بالمسرح، فانا امارس هذه الاجناس الادبية وفق معايير قلتها سابقاً وغرضي اوضحته، واضفت اني في الاساس اميل الى اختصاصي التاريخي.



هل يعتبر النقد الأدبي فنا؟
هذا السؤال جعلني استرجع في ذاكراتي كتاب "في نظرية النقد" للدكتور عبدالملك مرتاض حين يطرح سؤال مهم جدا هل النقد علم أم فن وهو سؤال يحرطه الباحث ويجيب عليه بنفسه حين يقول بأن النقد علم حين يسعى الى تاسيس احكامك وتعليل مقولاته وتأسيس نظرياته اما على الجمال واما على التاريخ واما على علم الاجتماع واما على علم النفس واما على اللسانيات واما على السيميائيات كما تتمثلها جوليا كريستيفا واما على طريقة جاك ديريدا واما على اشياء اخرى، والنقد يكون فن حين يتطلع الى ان يجعل من قراءة نص من النصوص الادبية تحفة ادبية يستحلص من خلال تجسيدها عناصر الجمال ومواطن الابتكار ومظاهر الجدة، خصوصاً ما يحمل القارئ على الاعجاب، وما يغريه بالتعلق بالنص المقروء.

- هل يعتمد الناقد مبدأ المفاضلة لغربلة المنتوج الأدبي؟
هذا السؤال وجه لي بصيغة اخرى في احدى الحوارات السابقة مع احدى المواقع الادبية حيث اعتمد المحاور بدل صيغة المفاضلة لماذا الشاعرات اكثر حظوظاً بالدراسات النقدية من الشعراء :وقتها قلت بانه علينا ان لانتجاوز بعض الخطوط ذات العلاقة بموضوع الاختيارات النقدية قبل ان اخوض في موضوع من يلفت النظر ، فلربما تجد الشاعرات اكثر حضوراً وانا سأتحدث عن تجربتي ولن اعمم ، لكونهن اكثر جرأة في الطلب والسعي لابراز اعمالهن، فالشعراء " الذكور " على الغالب يرى نصه وشعره ارفع من يكتب عنه مثلا اي ناقد، لذا يبقى ضمن دائرته الفوقية تلك ولا يبحث عن من يقرأ ويكتب عن تجربته الا ضمن حدود الفوقية نفسها، اي الا اذا استطاع من اقناع ناقد له شهرته ومكانته والى غير ذلك، اما الشاعرات فهن يدركن بان المسيرة يجب ان تبدأ بكسر الحواجز والمعيقات الاساسية التي تواجهها كعنصر ادبي، فتبحث عن من يكتب عن نصوصها لتدخل دائرة الرصد الادبي عبر النقد نفسه، وهذا ما يجعلهن بنظري اكثر حضوراً، ناهيك عن امر اخر فانهن يؤمن بان النقاد ليسوا كلهم نقاد ادب، بل ومن حلال تجاربهن اصبحن يؤمن بان الكثير ممن يدعي النقد لا يقدم لهن شيء دون مقابل، وهذا ايضا يفسر بحثهن عن من يحترم وجودهن ويثقن به.. أما ما يخص الملفت لنظر الناقد بالتأكيد نظرياً يجب ان يكون النص هو الاساس للتفاعل النقدي والاختياري، ولكن هذا لا يمنع ابداً ان يختار الناقد نص على الاساس الطلب او المعرفة الشخصية على ان يلتزم بالناقد بالاساسيات الممنهجة في دراسته، وشخصياً ارى ان النقد الذي يحاول ان يقتل الكاتب في نصه بعيداً كل البعد عن الرؤية الحداثية للنص الادبي، لانه لايوجد نص كامل فدائما هناك ما يشوب النص ولكن على النقاد التعامل مع ذلك بعين لاتحط من قيمة الكاتب.. فالنقد الحقيقي بنظري لايبنى على محاولة عرض العضلات اثناء كتابة الدراسة النقدية او القراءة النقدية، لكون النقد الحقيقي بنظري هو ما يمجد الفعل الانساني الادبي ومحاولته في ابراز مكنوناته الذاتية عبر تلك الدلالات التي قد تأتي ضمن دوائر النقد بصورة ايجابية او قد يشوبها بعض الخلل.

(النقد) موضوع مترامي الأطراف وشائك بين الشعراء فإذا تكلم أحدهم بملاحظه وأعتبرها نقد بنّاء ففي المقابل وأغلب الاحيان يكون هناك تفسير بإنها نقد هادم او تبرير الغلط بحجه واهيه اعتقاداً منه أن النقد لجنابه يعتبر نقصاً فيه ...
فما هو موقفك من النقد هل أنت مؤيد له؟
وإذا كنت مؤيد هل تتزعم أنك ترشد من ترى انه يسير في الدرب الخطأ؟
شخصياً ارى ان النقد الذي يحاول ان يقتل الكاتب في نصه بعيد كل البعد عن الرؤية الحداثية للنص الادبي، لانه لايوجد نص كامل فدائما هناك ما يشوب النص ولكن على النقاد ( ليس فرض رأي) التعامل مع ذلك بعين لاتحط من قيمة الكاتب.. فالنقد الحداثي و الحقيقي بنظري لايبنى على محاولة عرض العضلات اثناء كتابة الدراسة النقدية او القراءة النقدية، لكون النقد الحقيقي بنظري هو ما يمجد الفعل الانساني الادبي ومحاولته في ابراز مكنوناته الذاتية عبر تلك الدلالات التي قد تأتي ضمن دوائر النقد بصورة ايجابية او قد يشوبها بعض الخلل، وهذا ما يجعلني اقرأ النصوص بشكل بعيد عن الانفعالية المتحمسة التي تقصم ظهر النص وصاحب النص، انما احاول المزج بين التحفيز والتوجيه، فالنقد لايمكن ان يتعدى قيمه الجمالية الى ابعاد الشخصنة والتنقيص.

- النقد يهدف لإضاءة العمل الإبداعي، كيف تنظر للعلاقة القائمة بين القصيدة والنقد في مشهدنا الشعري الراهن؟
 العلاقة توافقة داعمة للاستمراية بين الجانبين لاسيما حين يتسم بالشاعر بالشغف الشعري والناقد بالموضوعية النقدية، المشهد الحالي والسابق والاتي لن يخرج عن الاطر والاسس التي بني الشعر والنقد عليها هذا من حيث النظرة الاكاديمية والمنهجية والتي من المفترض ان تكون عليه، ولكن دائما هناك خروقات تفجع المشهد الشعري والنقدي من خلال استغلال المسلكين لاغراض شخصية ولاهداف لاقيم لها " المصلحوية " وبعيدا عن ذلك فالمشهد تراكمي ابداعي ينفجر بين فينة اخرى بالابداعات.

في ظل الخراب الذي يعم العالم هل ما زالت القصيدة تحقق الحضور المطلوب لها؟
اي شيء يلامس كينونة الكائن الانساني يكون له حضور بلاشك، وطالما ان الانسان هو الكائن الوحيد الذي يصنع ويخلق ما يدمره ويفنيه، فانه دائما يلجأ الى تلك الاشياء التي تمجد صنيعته، سواء بالسلب او الايجاب، لذا بين افياء الخراب الارضي الذي تسبب به الانسان نفسه نجد للكلمة حضوراً تحفيزاً احياناً، وتحريضياً احياناً، ورثائياَ في احيان اخرى.

- درجة الوعي عند الشاعر بخطورة الانتساب بصدق للقصيدة، يجعله يتهيب للسفر في
مجهولها. كيف يستطيع الشاعر أن يتّق شراسة المصافحة الأولى مع النص لحظة الكتابة؟
القصيدة لربما تختلف عن باقي الاجناس الادبية كونها تأتي كومضة تخترق الجدران التي تأوي الشاعر فتجعله يخرج من دوائرها الى حالة خاصة تلك الحالة هي ما تسمى اللحظة الشرسة حيث تنقل الشاعر من ذهوله العياني الى حالة النرفانا فينقطع عن الموجودات الاخرى بصلاة خاصة ترهقه وجدانياً وتستفزه ذهنياً وتتعبه جسدياً انها لحظة اشبه بتلك التي تتناسل الالوان من ذاتها في لوحة سريالية.

- نلاحظ أن الشعراء يتجهون إلى الانتشار عبر الإنترنت مبتعدين عن الطباعة، فهل أنت منهم؟
احيانا تفرض الظروف عليك اتباع نمط ربما لاتحبه ولكنك مجبر.. وتتداخل عدة عوامل في خلق هذا النمط الانتشاري، وهي بلاشك معروفة لدى المتابعين بشكل جلي، وكنت ومازلت مؤمن بان ورقة مطبوعة تدخل في قلبي وعقلي راحة ربما لاتفعل العديد من الصفحات الالكترونية، بالعكس انا اغلب كتاباتي المدونة مطبوعة ورقيا.. وحتى ان اعتمدت الانترنت فانا افضل ان تكون كتاباتي مطبوعة ضمن كتب الكترونية مصنفة من قبل جهات مختصة، وهذا لايعني باني لم استفد من الانترنيت في الانتشار بالعكس تماما لانه لو كان هناك من يعرفني فانه من خلال الانترنيت بالدرجة الاساس.

- ما هو الباب الذي تفتحه القصيدة لك سريعًا عند لقائك بها في مُنحدر اللغة؛ باب الطفولة، باب الحنين، باب الحب، باب النسيان، باب المرأة، باب المكان، باب الأم، باب الدهشة، باب الذكرى، باب الوجع، باب الأمل... وللشاعر في أبوابه أسرار وألغاز؟
الأم بالدرجة وتأتي الابواب الاخرى متوالية، كالوطن ، الطفولة، الانسانية ،والعديد من الابواب الاخرى التي تقتحم عوالم الشاعر فيجد نفسه يعيش مخاضاً خاصاً.

- الكتابة الشعرية انخراط عنيف في الإنصات لعوالم الداخل المشبعة بالجرح والحلم، تعرية لتضاعيف الذاكرة بِشعلة القصيدة. هل تؤمن بأن الشعر قادر على تغيير العالم إلى ما هو أنقى وأصفى في ظل السلم والسلام بعيدًا عن الحروب وقتل الأبرياء والشيوخ والنساء والأطفال؟
حين نقرأ الممكن الانساني ضمن سياقات الميثولوجيا سنجده كان ولم يزل في صراع ازلي ليس من الهة الحرب والدمار والقتل والاغتصاب فحسب بل مع ذاته ايضاً، هذا الصراع المحتدم خلق من الانسان كائناً لايطاق.. الشاعر ايضاً انسان بالتالي هو يعيش حالة الصراع، ولكنه يحاول ان يصيغ رؤاه ببصيرة مغايرة، وعلى الرغم من محاولاته في انصاف انسانية الانسان وابعاده عن الخراب الا انه في الكثير من الاحيان طرف مشارك في التحريض والتهويل وتوجيه الاتهام وبذلك السلم والسلام امران نعيشهما في المعاجم اللغوية فقط، واقعاً لاشيء ينتمي اليهما، لكون الانسان سواء أكان شاعراً ام لا قد سلب منهما منذ اللحظة الاولى التي هبط بها الى الخراب المسمى الارض.


-الى متى ستظل تنثر ابداعاً بعيد عن الضوء؟
حين تكتب لغرضية محددة "تبدأ بنفسك وتنتهي عند عتبات ابواب ذاتك" فانك  وقتها بنظري تتحول الى كابوس تسعى لخلق عالمك الخيالي الاسطوري بالكلمة تمجيداً لشخصك وليس تمجيداً للكلمة التي من خلالها يمكن ان تخلق مجدك الشخصي، لذا انا اكتب لازيح عن نفسي فكرة الذنب التي قد تطال الانسان الانساني الواعي بثقل الوجيعة من حوله وليس بحثاً عن المجد الشخصي الذي قد يسعى اليه البعض.. لذا اروع الاضواء هي تلك التي تجعلني اشعر باني لامست وجيعة الانسان وحاولت ان اعبر عنها بالكلمة في لحظة انسانية فريدة.

-بعد ظهور كثير من الشعراء الشباب هل الشعراء الرموز المعروفين لم يعودو وحدهم في الساحه؟
لااحد يأخذ مكان أحد، فكل يعمل ضمن صيرورته، وضمن جغرافيته، الدلالية، الفكرية، الوجدانية، الانتمائية، المعجمية، والشعراء الرموز تركوا بصمتهم الابداعية، ولهم مساراتهم التي يسعى الكثير من الشباب الى معانقة حافاتها، ومع ذلك فان الشعراء الشباب جادون في خلق انموذج لربما مغاير من حيث الاسلوب والنمط لمسيرتهم الابداعية، واعتقد بان العملية الابداعية لن تتوقف عند رمز او عند سعي شاب.

- ترجمة الشعر، هل هي خيانة أنيقة للنص الأصلي، أم ترويض اللغة بدُربة المترجم(ة) للبحث عن ضيافة متخيل آخر يُغني حركية الإبداع الإنساني، ويفتح آفاق اشتغاله على كينونة لغة بلا حدود ولا تُخوم تستهدي بنور البصرَ والبَصيرة تمنحها الذاكرة لروح الكلمات والنصوص؟
الاشكالية التي نعيشها تجاه الترجمة تتعدى جغرافية الشعر الى الابعاد غير الشعرية ايضاً، فمع ان الترجمة ضرورة ملحة للتعرف وللتعريف الا انها تحتاج الى دراية خاصة باعتباره فن خاص، انا مؤمن بان الترجمة قد تعيق حركية الصورة الاصلية قليلاً وتحيدها عن المسار ولكني مؤمن ايضاً بان الترجمة تفتح امامك تلك الافاق التي تجعلك متأكداً بان سعيك الانساني الادبي وغير الادبي قد يصل الى اماكن ابعد مما تتخيله.

ماذا عن المشهد الشعري في الوطن العربي، وهل صحيح أن المعركة حسمت جماليا لصالح قصيدة النثر..؟
معركة الاقصاء هي من ضمن الموروثات العربية على جميع الاصعدة، لذا فان كل مغاير يتحول في اصول البلاغة والبيان عندهم الى حرب وصراع، مع ان الامر لايستدعي هذا التوحش وهذا التعامل الوحشي مع التغيير، لكون التغيير سنة الحياة نفسها، ومهما تعالت الاصوات بالرفض لجنس ادبي ما، فان العزيمة على الخلق والابداع هي التي تسكت تلك الافواه، لذلك لااعتقد بانها معركة وحرب، انما هو صراع التغيير ومحاولة "خلق ابداعي" وقصيدة النثر واقع ابداعي ان انكره البعض فذلك لن يتعدى رايه الشخصي ومن يشاكله اما المؤمنون بقصيدة النثر فمن المفترض ان يستمروا في عملهم الابداعي دون ان يلتفتوا الى الوراء.

ماذا عن الطقس الكتابي لك وخاصة وأنت معروف بأنك شاعر وقاص ولك العديد من المجموعات الشعرية والقصصية؟
لاطقوس ثابتة، انما هي اللحظة التي سبق وان قلت عنها الشرسة السريالية التي تمنحنا جغرافية خاصة فننتقل الى عالم اخر بصلاة عقلية ذهنية وجدانية فننزف الحرب ونجمعها ضمن هياكل بلاغية تسمى بالكلمة والجمل فتتحول بعد تناسلها الى قصائد وقصص وافكار تذهلنا نحن وننتظر كيف يمكنها ان توصل ما التقطناه للمتلقي.

ماذا عن قراءاتك الآن؟
حقيقة انا الان ابعد ما اكون عن الشعر وذلك لانشغالي ببعض الدراسات التاريخية، كما اعمل على كتاب قد يكون مشروع اطروحة الدكتوراه ان سمحت الظروف " جدلية المسيحين، هل هما مسيحان ام مسيح واحد " ، لذا اغلب القراءات منصبة حول الكتب التاريخية واللاهوتية بالدرجة الاساس لاسيما المترجمة.

- رسائل الشعراء والمبدعين فيما بينهم كنز عظيم، وتراث إنساني عميق، لماذا تغيب عنا أدبيات جمع الرسائل ونشرها على غرار رسائل محمود درويش مع سميح القاسم، جبران خليل جبران مع ماري هاسكل، أو مي زيادة، غادة السمان مع غسان كنفاني، فرناندوا بيسوا مع حبيبته أوفيليا الخ...؟
بالفعل تلك الرسائل هي من الابداعيات التي بنظري لايمكن للوقت ان يؤثر على جمالياتها، لا من حيث الاسلوب ولا من حيث المضمون ولا حتى من حيث الجرأة والنضوج، ولعل السبب الابرز في غيابها حالياً هو ان المجتمعات لدينا تتطور فقط ضمن دوائر التقليد الاعمى اقصد ظاهرياً ولكن البنى التحتية الاجتماعية فيها تبقى راكدة غير فعالة الا من خلال الموروثات المقيدة والعقيمة احياناً، وما ذكرتيهم هم الانفلاتات الزمنية الحاصلة في هذه البنية وعلى الرغم من القيمة الموضوعية لرسائلهم الا انها تكتسب شهرتها فقط لانها خالفت السائد في الاجتماع وليس المضمون والاسلوب وهذا جحود بحقها، ومع ذلك انا مازلت مؤمن بكون هذا الجنس الادبي ابداع يستحق ان لايخفت نجمه.

أنت ممن احترفوا النشر الالكتروني للإبداع من خلال المواقع الالكترونية ، هل لك أن تحدثنا عن هذه التجربة؟
اعتقد باني سبق وان ذكرت باني مؤمن بالنشر الورقي اكثر، مع عدم انكار النشر الالكتروني اذا صنف ضمن كتاب صادر عن جهة، ومع ذلك الانتشار السريع الذي يحققه الشاعر في المواقع الالكترونية مرهون بنوعية الكتابة ونوعية القراء " التلقي " لانه قد يجد الشاعر انتشاراً مبنياً على العلاقات ضمن دائرة المواقع اكثر من الانتشار النصي المتقن، وهذا من احدى اهم العيوب التي لامستها في المواقع والمتتديات الادبية، فاكثرها تتبنى سياسة الجذب ولااريد ان اخوض في معيات وماهية الكلمة " الجذب" لكني مؤمن بان الشاعر الواعي ينأى بنفسه عن هكذا انتشار وعليه ان يعتمد الانتشار النصي المعتمد على البناء المتين للنص واللغة السليمة والصور الحداثية ضمن هيكل شعري متقن شكلاً ومضموناً.

-موقف شعري لن تنساه وكان مؤثر !؟
في ورشة عمل لجمعية الشعراء الشباب بدهوك، كنت اقدم بعض نماذج الخلق والابداع في البنية النصية بعيداً عن المباشرة والسرد، وذلك عبر التكثيف وتحديث الصورة، وجدت احد الحضور يسألني عن بعض الدلالات التي يمكن ان يفهمها المتلقي لنص قام بالقائه، فبعد ان وضحت بعض المعالم للتفكيك النصي والبحث الماروائي، تدخل شاعر شاب وقال لا اعلم هل يمكن ان يقوم الناقد بتفكيك نصه الشعري بنفسه، فابتمست له وقلت بالفعل الامر جدلي وصعب، ولكن نحن في ورشة عمل اي نحاول ايصال الفكرة العملية الاكاديمية لكيفية تشريح النص، ولم اعرف بان تلك الومضة الشعرية كانت لاني حقيقة انسى ما اكتبه بعد الكتابة مباشرة.. ( الشاعر اعطاني ومضة لقصيدة لي ) وقتها وكنت احاول ان اقوم بتفكيك الومضة وتشريح النص..!!!!

- المهرجانات الشعرية، هل تخدم متخيل الشاعر، أم مجرد لقاء للأحباء والأصدقاء من جغرافيات متعددة، يجمعهم قلق القصيدة، وتفرقهم وحشة المسافة ؟
لا اعتقد بانه يمكن الفصل بين الامرين، لكونهما من ضمن الجغرافية التي يعمل عليها الشاعر ويحتاجها في نفس الوقت، هي تخدم مخيلته لاثرائها بالعديد من المشاهد الشعرية المنوعة من بيئات مختلفة واسلوبيات تختلف عن بعضها البعض، وفي نفس الوقت هي تجمعه بمصادر تلك المشاهد والرؤى بشكل مباشر.

-كلمه أخيره توجهها للشعراء والإعلاميين !؟
الشعر كغيره من الاجناس الادبية وجد لهدف أسمى من المصلحوية القائمة على الاستغلال والتشويه والتشهير وانقاص قيمة الاخرين سواء أكانوا اشخاص ام مجموعات او قوميات او اديان... لذا فقط اود ان اقول لهم شاركوا الاخرين انسانيتهم.. ودعوا ما يخدش صفاء الانسانية بعيداً عن المعترك الشعري والاعلامي...



51
نبذة مختصرة عن كيفية وصول الاسلام الى كوردستان
جوتيار تمر/ كوردستان
10-1-2018
ظهر الاسلام في بداية الامر كما هو معلوم في الجزئرة العربية، وفي مكة بالذات، وبعد ان هاجر نبي الاسلام الى المدينة، واسس هناك الدولة الاسلامية، بدأ العمل على دعوة الاقوام الاخرى وفق رؤية عالمية الاسلام التي تندرج ضمن اولويات الدولة، وبعد وفاة النبي وتسلم الخلفاء الراشدين السلطة ترجمت تلك الرؤية الى واقع، حيث ارسال الجيش وفق منظومة الدعوة الى الاسلام الى باقي الامصار ومحاربة الاقوام التي لاتدخل ضمن الايديولوجية الاسلامية، فكان الاصطدام المبكر بالبيزنطينيين والساسانيين، باعتبار ان تلك الدولتين كانتا تسيطران على اغلب المناطق المحيطة بالدولة الاسلامية انذاك، وكوردستان كانت خاضعة بالتمام لهاتين الدولتين، على هذا الاساس سنحاول تتبع الصيرورة التاريخية لمعرفة اولى المناطق التي وصل الاسلام اليها سواء أكانت تحت السيطرة البيزنطية او الساسانية.
1- معركة جلولاء وبداية وصول المسلمين إلى كوردستان.
   استمرت حروب الساسانيين والعرب المسلمين في عهد  الخليفة عمر بن الخطاب (13-24ه / 634-644م)لفترة طويلة، وكان  لهزيمة الساسانيين في معركتي القادسية والمدائن ومقتل روستم قائد الجيش في سنة 16 هـ / 637 م ،   اثر واضح على كيفية سير الاحداث التي ساهمت بشكل واخر في استمرار المسلمين للعمل على مشروعهم التوسعي بحيث طاردوا بقايا الجيش الساساني في كل مكان، وحين اعاد الساسانيون تنظيم انفسهم في جلولاء وحالوا استرجاع بعض الاراضي التي فقدوها امام المسلمين،حول الجيش الاسلامي انظاره الى " جلولاء" ، حيث كان يعيش فيها ويسكنها الكورد ، ومنذ تلك الفترة تحولت اغلب المدن والمناطق الكوردستانية الى ساحة قتال بين الساسانيين والعرب المسلمين، واستخدم الطرفان الاقاليم الواقعة تحت سيطرتهما لتحريك جيوشهما لاسيما في اقاليم أذربيجان والجبال وفارس وغيرها، والتي كانت اصلا مكاناً لتجميع القوات،  ولقد استمرت المناوشات بين الطرفين في مناطق حلوان وجبالها (كوردستان) حتى وصلت لخانقين ، وبدأت المواجهة الكبيرة في جلولاء وقد اختلفت الروايات التاريخية حول السنة حيث ذكر خليفة بن خياط (ت 240ه/854م) ان المعركة بدأت في سنة 17ه/638م ، وذكر البلاذري (ت 279ه/892م) انها وقعت في سنة 16ه/637م ، وذكر اليعقوبي (ت 284ه/897م) بان المعركة وقعت في سنة 19ه/340م، الا انهم جميعاً اتفقوا على ان المعركة وقتها حسنت لصالح المسلمين، وتفرق الجيش الساساني في انحاء الامبراطورية الفارسية وقتها.(تاريخ خليفة بن خياط، ص127؛ فتوح البلدان، ص264-265؛ تاريخ اليعقوبي، 2/104).
2- السيطرة على حلوان وماسبتان و شهرزور وكه رميان:
   بعد سيطرة المسلمين على جلولاء استمروا في عملياتهم بقيادة جرير بن عبدالله البجلي وتوجهوا إلى حلوان وخانقين وحاربوا بقايا الجيش الساساني وسيطروا أيضاً على مندلي وقصر شيرين وبأمر من الخليفة عمر بن الخطاب هاجمت قوة أخرى مناطق  كسيروان وبعد  عدة معارك مع اهالي المنطقة وبقايا الجيش الساساني استطاع الجيش الاسلامي من السيطرة على  مسبتان ووسط سيروان،( ابن الجوزي، المنتظم، 4/216)، أما حلوان فقط دخلها المسلمون بعد السيطرة على المناطق السابقة وذلك بعد عقد اتفاق بين قادة الجيش واهالي المدينة:
1- على اهالي حلوان أن يدفعوا الجزية للمسلمين .
2- أن لا يتعرض الجيش الاسلامي لاهالي حلوان .
3- أن لا ينهب المسلمون الأموال وأن يعطى الحرية لمن يريد أن يخرج من المدينة .
     اصبحت حلوان مركزاً للقوات الإسلامية ومنها انطلقت نحو المدن والقلاع والقرى التابعة لكرميان وشهرزور حيث سيطروا على الاولى من بعد معارك طويلة اما شهرزور فقد ظلت تقاوم حتى ان الجيش الاسلامي لم يستطع السيطرة على جميع قلاعها المتينة وقراها الا بعد ست سنوات ( 16 - 22 هـ / 637 - 643 م ). حيث اضطر أهل شهرزور على الاستلام مقابل شروط تركزت على عدم قيام الجيش الإسلامي بالنهب والسلب والقتل ، مقابل أن لا يقوم أهالي شهرزور باية اعمال عدائية ضد المسلمين .(خليفة، تاريخ خليفة، ص148؛ البلاذري، فتوح البلدان،ص ص 300-305، 328-329؛ ابن الاثير، الكامل في التاريخ، 3/31)
3- معركة نهاوند ( فتح الفتوح ) وفتح أقليم الجبال .
   بعد هزيمة الساسانيين بثلاث سنوات قام يزدجر الثالث ( 631-652م) مرة أخرى بإعادة تنظيم جيشه وطلب المساعدة من أغلب المناطق التابعة لهم واجتمعوا في نهاوند وفي المقابل اجتمع المسلمون ومعهم أغلب قياداتهم أمثال النعمان بن مقرن المزني وحذيفة بن اليمان والمغيرة بن شعبة وغيرهم وأصبحوا تحت قيادة والي البصرة أبو موسى الأشعري .( تاريخ خليفة،148؛ فتوح البلدان،ص300-305).
    وتذهب الروايات الى ان المعركة بدأت في سنة   19 هـ / 640 م  ورواية اخرى  سنة20 هـ / 641 م و انتهت في سنة  - 21 هـ / 642 م  واعتبر ذلك الانتصار "فتح الفتوح" لانه بعدها لم تستطع القوات الساسانية المتفرقة ان تصمد امام العرب المسلمين حيث تم فتح - ماستيان - ماستيزان – وقعت باقي مناطق سيروان  تحت سيطرتهم، ومن المعلوم ان العديد من تلك المناطق دخلت عنوة في الاسلام وبعضها دخلت تحت الحكم الاسلامي بالاتفاق والمعاهدات كما في حالة مدينة دينور،حيث تم السيطرة عليها بعد حصار  دام (5) أيام  ثم تم الاتفاق مع ابو موسى الأشعري على: .
أ-  ان يدفع اهالي دينور خراج الأراضي الى المسلمين .
ب- عدم قيام الجيش الاسلامي بممارسة اي نوع من انواع الظلم والاعتداء على اهالي دينور .
ج-  عدم  قيام الجيش الاسلامي بالقتل والنهب والسلب . ( الدينوري، الاخبار الطوال، ص1260129؛ الطبري، تاريخ الطبري، 4/114-136)، 
4- فتح خوزستان / الأهواز
-في سنة 17 هـ / 638م بدأت محاولات المسلمين لفتح خوزستان واستمرت محاولاتهم حتى سنة 22 هـ / 643م وبعد معارك طويلة وصل أبو موسى الأشعري في سنة 23 هـ / 644م  الى مناطق خوزستان، وكان اهالي المنطقة في انتظارهم حيث جرت مواجهات ومعارك بينهم حتى أن أحد قادة الجيش العربي الاسلامي كان قد أرسل إلى عمر  بن الخطاب رسالة يقول فيها ان في خوزستان (( عدداً من الأكراد والمشركين )) . واستمر المسلمون في فتح تلك المناطق عنوة  إلى عهد عثمان بن عفان ( 24 -35 هـ / 645 - 656م ) .(الطبري، 4/186-190)
5- فتح داسن وهكاري وأربيل .
   يُقصد بداسن وهكاري (بادينان وشمزينان) على حدود  كل من الموصل و اقليم الجزيرة، حيث بدأ فتح هذه المناطق منذ 620 هـ / 641م  بقياد القائد الاسلامي عتبة بن فرقد وكانت عملية الفتح تتم وفق مراحل حيث بدأ بمناطق ( برده ره ش – كه له ك - باعدرى - سيميل - دهوك ... )، ومن ثم مناطق ( بارزان وميركه سور...) وغيرها من المناطق ، ويتضح من خلال الروايات التاريخية ان الجيش الاسلامي لم يواجه اية صعوبات تذكر في فتح هذه المناطق. ( البلاذري، ص328؛ ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، 2/577).
6- السيطرة على الجزيرة ( اقليم  الجزيرة) :
تم تقسيم تلك المناطق  الى فترات زمنية  تولى في كل فترة احد القادة في فتحها فقد كان ابو عبيدة الجراح قاد الجيش الاسلامي خول السنوات  ( 17 هـ / 638م ، و 18 هـ / 639م ، و 19 هـ / 640م ) ، وفي سنة   20 هـ / 641 م بكان عياض بن غنم  هو القائد الاسلامي التي تولى فتح باقي المناطق بدون معارك تذكر لاسيما ( شنكال "سنجار"- ميافارقين - ماردين - بوتان - آمد - بدليس - ارزن - خلات  ) حيث رضوا بدفع الجزية مقابل الحفاظ على أموالهم وأسرهم ، ودفع الجزية يعني اما انهم بقوا على ديانتهم القديمة ولم يسلموا على الرغم من وصول الاسلام اليهم ، او انهم وقعوا تحت السيطرة الاسلامية ومع ذلك قام المسلمون وقتها باخذ الجزية منهم لان المسلمين كانوا وحسب الروايات التاريخية يأخذون الجزية من غير العرب حتى ان اسلموا.( تاريخ اليعقوبي، 2/103-104؛ ابن شداد، الاعلاق الخطيرة ،3/10).
7- السيطرة على اقليم اذربيجان
    بعد معركة نهاوند 21 هـ / 642م دخل بقايا الجيش الساساني  إلى اذربيجان، ولذلك طاردهم المسلمون وبعد القضاء على الساسانيين اصطدم الجيش الاسلامي باهالي اذربيجان، وبعد معركة كبيرة مع والي اذربيجان (ميرزبان ) توصل الطرفان الى اتفاق نذكر اهم ماجاء فيه:
1- على أهالي اذربيجان دفع8000 درهم ( عيار ذهب ) في السنة للمسلمين .
2- عدم قيام المسلمين بالقتل والنهب والسلب وحرق البيوت الزرادشتية.
3- عدم قتل الكورد في مدينتي  شجلان وسبلان ، لانهم قاوموا المسلمين بشدة.
4- فتح المجال أمام أهالي ( شيز ) المدينة المقدسة للزرادشتية للقيام بطقوسهم الدينية وعباداتهم الخاصة.
5-الحفاظ على المعابد الزرادشتية واعطاء الحرية الكاملة لهم باحياء احتفالاتهم الدينية.
   ولقد استمر العمل جاء في هذا الاتفاق  إلى سنة  24 هـ / 645م حيث قام المسلمون بعدها بالهجوم على باقي مناطق اذربيحان وسيطروا خلال سنوات /  26 هـ / 647م و   28 هـ / 649م و 29 هـ / 650م على اغلب اراضي اذربيجان.( فتوح البلدان، ص321-327، الكامل في التاريخ،2/481).
وباخضاع الجيش الاسلامي لاذربيجان تم السيطرة على كوردستان باكملها، وباتت كوردستان جزء من المنظومة الاسلامية الادارية وقتها حيث قسمت مناطقها وفق النظام الاداري انذاك واصبحت ضمن اقاليم الدولة الاسلامية لاسيما اقليم الجبال واقليم خوزستان واقليم الجزيرة واقليم اذربيجان. ( للمزيد عن هذا الموضوع ينظر: زرار صديق ، كورد وكوردستان ..... (هه ولير:2010)، ص ص10-25),

52
أدب / وطن
« في: 21:30 13/01/2018  »

وطن



جوتيار تمر / كوردستان



هذا الميت الحي....
يقول
لم يزل همي عسيرا
ودمي ينتشر على جدارن تابوت ينتظرني
 الموت تراود الجسد
ضاجع الألم وطني
ومدن تنمو فيه خطوات الشهداء
ثقيل بكاء الثكالى.......والشمس تسيل سوداء كدماء الموتى
تنام العصافير في الزوايا  المقفرة
وطني .....
هم علقوك  بخيوط يرتقها السواد
قالوا هذا الوطن .....وهذه مقصلة الآخرة
من جبال أعيتها حوافر الخيول الجامحة
تطل الذئاب برقصة الموت
قتلانا  يأتون بإسمك يا وطني
يا وطن حذو القلب
يا نصوص الشموخ
من يمنحنا الأمان إلا أنت
أنت فيض الأمكنة
أنت   الحدائق العالقة في شرفاتي
أنت نحن........
 ونحن أنت......
أحصي  رجفات النبض في عشقك
فهل لي ملاذ غيرك يا وطن يناولني الحياة

2005



53
ايهما اخبث السياسة ام الانسان..؟
جوتيار تمر/ كوردستان
24-12-2017
لن يختلف اثنان على مقولة ليس في السياسة الدولية عواطف بل عقول، ولا مجاملات بل مصالح، وليس في السياسة خصومة دائمة، ولا صداقة دائمة؛ فصديق اليوم قد يكون خصم الغد، وخصم الأمس قد يصبح صديق اليوم، هذه المقولة التي اصبحت من اهم ركائز الرؤية البشرية لمفهوم السياسة في اغلب اصقاع العالم الحالي بشطريه الشمالي والجنوبي، مع اختلافات في الصورية التي تتمثل بها السياسة من شطر الى اخر، فبين التنافس السياسي الحزبي الفكري الى افاق اضيق ضمن دائرة التنافس المغلف بالسياسي، وهو في الاصل التنافس الطبقي الديني المذهبي الطائفي القومي القبلي.
ولايجد المتتبع لمدلولات السياسة في الشطر المدني الديمقراطي الحزبي الفكري الساعي للوصول للسلطة اية صياغات تناقض شعاراتها المبنية على اساس الحفاظ على المصالح الوطنية والقومية بالدرجة الاساس والتي يعتبر المس بها انتهاكاً صريحاً لكل الشرائع واللوائح والقوانين بالنسبة لهم، وهو ما يستدعي بالتالي الوقوف بوجه تلك الانتهاكات بكل الوسائل وشتى السبل حتى لو كانت تتطلب العبور فوق جماجم الاخرين فالامن القومي لديهم فوق اية اعتبارات اخرى، وذلك ما يفرض عليهم اتباع بروتوكولات خاصة تحمي مصالحهم الامنية والقومية والوطنية والمدنية على حساب اتفاقاتهم ومعاهداتهم مع الاخرين، مما يعني ان لاثوابت سياسية تتعلق بالصداقات لديهم اذا ما مست ولو من بعيد الامن القومي لديهم.. وهنا قد ينظر الى تلك الرؤية بدونية من قبل الشعوب المستضعفة الساعية لبناء مجدها "اعلامياً"  على حساب اللاوفاء بالعهود والاتفاقيات من تلك الدول الاخرى، ولكن الحقيقة الواضحة هي ان الدول المستضعفة تعيش في وهم المجد الاعلامي فحسب والواقع يبرهن دائما على خلوها من اية مقومات يمكن الاستناد عليها والاعتراف بوجودها كدولة تستحق الاحترام سواء من الداخل او الخارج، وبعبارة اخرى سواء الشمال او الجنوب، فالمنطق هو الذي يفرض نفسه دائما والمصلحة الوطنية هي التي تعطي الثبات لدى الغير اما لدى هولاء فالثبات يكون في الابقاء على الكرسي مصوناً ومحفوظاً من اية هزات وتغيرات.
على ذلك الاساس تأتي الرؤية الثانية النابعة من السياسة الطبقية والدينية والمذهبية والطائفية والقبلية وفق معطيات تنتمي الى الوهم الشعاراتي المبني على اسس البيان والبلاغة والصراخ والتحريض واثارة العواطف الدينية والمذهبية وحتى القومية المكسوة بالرداء القبلي، فالبعض من هذه الدول تدَّعي كونها دول ديمقراطية وتستشهد باحزابها التي وفق رؤيتها تتنافس على ضوء البرامج البناءة وخلفية الخطابات السياسية "بتصويرها الاعلامي القومي القبلي"  والخطابات التوجيهية النيرة" بردائها المذهبي" والرؤى الاستشرافية " بكسوتها الدينية القومية " الظاهرة المعالم المحبكة التفاصيل، بحيث تجيش العواطف وتصعق القلوب وتفطرها فتخرج الجموع من اوكارها الى الشوارع ثائرة هائجة تحرق وتسرق وتنهب باسم الثأر والمقاومة والحرية والى غير ذلك من التداعيات التي لاتثبت غير الانكاسة النفسية وانعدام الثقة وغياب الوعي السياسي الحقيقي المبني على الحفاظ على الثوابت المتعلقة بالامن القومي والوطني، وامكانية الاستحداث في السياقات الاخرى التي لاتمس المصلحة الاساس، فتاتي شعارات هذه الدول على اسس واهنة ضمن تصوير عنكبوتي شائك، في الاعلام يصرخون بالضد، وتحت الطاولة يوطدون الاواصر التي تدعم بقائهم على الكراسي السلطوية دون الالتفات الى المعيات الاخرى التي يمكن ان تغير معالم الموجود الواهن والواقع المرفوض اجمالاً، فتأتي كل التحركات مناقضة للمفاهيم التي يمكن اعتمادها كوسيلة للمطالبة بالحقوق او حتى كسبها، فتخرج عن دوائر الرصد العالمي الدولي لتصبح مجرد حركات عابثة غوغائية في انطلاقتها وتصوراتها وعقائدها وافعالها والنتائج تكون في الغالب كارثية على الجميع دون استثناء.
ولايمكن ارجاع الهزائم المتكررة لهذه الشعوب الا الى المنظومة اللاواعية التي تنطلق منها مطالبة بحقوق ربما هي ضمن دوائر المصالح السياسية الدولية لاتخدم ثوابتها، لكونهم يدركون تماما بان تداول الانظمة وفق معايير هذه الدول الساعية للتغيير سواء الدينية المذهبية والطائفية او القومية القبلية لايمكن الاعتماد عليها، لكونه عاجلاً ام اجلاً ستتحرك النعرات وبحسب الظروف ما تسمح به الظروف في السياقات الدينية والقبلية التي ستدفعها إلى الواجهة والصدارة، معتمدة على القدرة التأويلية الموروثة من العقلية الغاباتية " منطق القوة" المبنية على اسس الحمية التي تتشكل منها معالم الوجود السياسي الفعلي والتي ايضا تأخذ زمام الأمور من الوهلة الاولى  مع الإحساس الجديد بالمكانة المكتسبة و من خلال خلاياها لتضع معالم وجودها السلطوي السياسي  وفق منطقها  الخاص "القبلي الجهوي التحالفي" حتى تؤول اليها السلطة المطلقة.

وكل هذا ما يفرض علينا البحث في العينات الاستدلالية والواقعية لمفعولية مفهوم خبث السياسة والنظر في الترافقيات التي تجعل الانسان يُقّر بخبث السياسة مع العلم ان الانسان نفسه هو الذي يمنطق المفهوم اساساً ويخلق المسار ويفتح امام المدلول بالتحول وتقبل المتغيرات والمتحولات على جميع الاصعدة سواء تلك التي تخدم مساعيه لفرض وجوده او لتحقيق غاياته وحاجاته ورغباته، فتأتي الرؤى بعد ذلك منطلقة من صميمه الواعي بالواقع لترسم ملامح السياسة التي يريد ان يتبناها ومن نفس المصدر نراه يطلق على السياسة التي لاتتطابق وحاجاته وسعيه بالخبث، وليس من شك لدى احد بان مهنة الساسية تتفرد على توفير أدلة براءة المتهم وتجريمه في آن واحد كما يقول "المامون حساين" لعدم ايمانها بصداقات ولا عداوات دائمة ولا تمنح الأصدقاء ثقتها وتتربص بالأعداء وتفرض قيمها الأخلاقية على ممتهنيها وتجردهم من أخلاقهم الاجتماعية، وتشترط إتقان أساليب الخداع، والمراوغة، والكذب، والغدر، والشك لاحتراف العمل السياسي يقول مكيافلي"على الامير أن يتصرف كالحيوان عليه أن يقلد الثعلب والاسد في نفس الان".
بدليل ازدواجية أخلاق السياسي فمن جهة يوحي التزامه بقيم المجتمع الأخلاقية ومن جهة أخرى سلوكه يعكس قيم السياسة الأخلاقية، ففي الأولى يكسب ولاء المغفلين والسذج وفي الثانية يخدع أقرانه السياسيين لتحقيق أهدافه الخفية... ومن هنا تأتي الاستدلالات الاجمالية التي يمكن الاعتماد عليها كوجهة نظر خارجة على السياقات السبقية التي فرضها المصطلح ضمن دوائر الواقع العياني من حيث التنظير الفعلي والفرضي، ويمكن اعتبار ان اساس الخبث هو البشر " الانساني " الذي تجبره رغباته وحاجاته ورغباته وميوله وطموحاته على اتباع نهج يفترض انه ضمن السياق الاصطلاحي " سياسته" لتحقيق تلك الحاجات والرغبات، ومن تلك الوهلة تبدأ المصاغات البلاغية برصد نوعية الحراك ونوعية الوسائل المتبعة والوجهة الاساسية لها لتطلق عليها ما يناسبها، ولكون الوقائع تاريخياً قديماً وحاضراً ومعاصراً لاتشير سوى الى المتغيرات التي لاثوابت  لها ضمن هذا المسار الرغبوي الحاجاتي الانساني فان المصوغة الاكثر انتشارا عن السياسة اصبحت الخبث، وفي الاصل ان الخبث هو الاساس الذي اعتمده الانسان الاول للسعي لتحقيق رغباته وحاجاته حتى وصل به الامر الى استخدام ابشع الوسائل لازاحة ازاحة المنافس.


54
المنبر الحر / تأجيج الحلم
« في: 19:46 10/11/2017  »
تأجيج الحلم
جوتيار تمر/ كوردستان
3/11/2017
خرجت الاوساط الشرق اوسطية بكل تكتلاتها القومية والدينية والمذهبية والطائفية والعرقية وبكل شرائحها الاجتماعية بما تحمله من مقومات التأويل والتفسير والتحليل حول الاحداث التي عصفت بالمنطقة عموماً وبالمنطقة الكوردية " كوردستان " خصوصاً، ولم تعد هناك مجموعة او تكتل او فيئة الا وابدت رؤيتها حول الماهيات والمعطيات والموجبات والمترتبات، وبالتالي اصبح بالامكان الوقوف على اهم ملامح تلك الاراء وفق منظور مغاير نوعاً، بحيث يمكن التعرف على الصالح من تلك المجموعات وعلى الفاسد بوجهة نظر كل قومية او دين او طائفة او مذهب، وعلى هذا الاساس يمكن الحكم عليها، اذا ما كان يمكن الوثوق بها في القريب الآجل ام انها اصبحت في خندق العدو الذي حتى ان مد اليك يده للمصافحة عليك ان تحذره لان سلامه مسموم وكلامه مسموم وانفاسه مسمومة.
وهذا ما اكدته الاحداث في المنطقة اجمالاً بدءاً باليمن "الحوثيون والجنوب العربي"، وصعوداً الى ما يسمى العراق " الايراني " والفيدارلي، ومروراً بسوريا المنكوبة بين فكي النظام والمعارضة من جهة وبينها وبين التيارات الاسلامية الارهابية كالنصرة وداعش وحزب الله من جهة اخرى، فضلاً عن التيار الكوردي الصاعد والمدعوم من التحالف الدولي، ووصولاً الى الاحداث في تركيا وتصاعد وتيرة المداهمات والقاء القبض على السياسيين والعسكرين وحتى اعضاء البرلمان والقيادات الكوردية ومن ثم في ايران التي تصاعدت وتيرة المظاهرات المؤيدة للاستفاء الكوردي والرافضة لنظام الملالي والى غير ذلك من الاحداث التي تعصف بالمنطقة اجمالا كالسعودية ومصر وقطر والبحرين واستقالة الحريري في لبنان وقرع طبول حرب اهلية وتحالفات ضد حزب الله  لاسيما تحركات السعودية بهذا الشأن.
هذه الاحداث اجمالاً احدثت شرخاً واضحاً بين الشعوب وقياداتها، واظهرت بان الحكومات لاتمثل الا جزء يسير من شعوبها لكونها لاتحقق مطاليبها، ولكونها مأجورة كغيرها من الحكومات الشرق اوسطية تقوم باعمال المنظومة الدولية نيابة ووكالة، دون الاخذ بالاعتبار شعوبها وتطلعات هذه الشعوب، والشعب الكوردي كغيره من شعوب المنطقة وقع تحت فخ المنظومة الدولية ومصالحها، ولكنه خلافاً للواقع السائد كان وراء حكومته في خطوتها " الاستفتاء " فالنسبة المؤيدة وصلت  ( 92%) وبذلك افترض الجميع بان الحتمية الصوتية ستأتي بثمارها، الا ان الوقائع تبدلت بين عشية وضحاها، ويمكن ارجاء تلك المتغيرات المفاجأة الى عدة عوامل نذكر بعضها على سبيل المثال ولا الحصر:
-   رئاسة اقليم كوردستان اعتمدت في سعيها لتحقيق اهدافها الاستقلالية او اهدافها المتعلقة بالحصول على امتيازات اكثر للكورد داخل العراق الفيدرالي على صوت الشعب، واعتقدت بان هذا كافي في تحريك المجتمع الدولي لتلبية مطاليب الشعب، فحين تجد في اية بقعة على الخراب الارضي هذه النسبة المؤيدة للاستقلال من المفترض ان تجد لها صدى بين الاوساط الدولية وان يلبي المجتمع الدولي مطاليب هذا الشعب، وعلى الرغم من كون رئاسة الاقليم قالت بانها لديها بدائل الا ان جميع تلك البدائل لم ترتقي الى المستوى المطلوب كي تحقق هدفها المنشود، وهذا فقط ما شاب الاستفتاء كون التوقعات لم تكن بالمستوى المطلوب والمدروس والمخطط له، لاسيما ان العوامل الداخلية هي الاخرى ساهمت في تأجيج الوضع وتحريكه لصالح القوى الخارجية وليس مطاليب الشعب الكوردي.
-   انعدام الرؤية الداخلية لاسيما حول المتاهات التي خلقتها التحالفات الحزبية داخل الحزب الواحد" الاتحاد الوطني الكوردستاني انموذجاً"، وهذا ما احدث الفارق في المسألة كلها، فبعيدا عن توقعات البعض منا حول امكانية خضوع جهة معينة الى الضغوطات الخارجية لاسيما ايران" قاسم سليماني"، فان الامر لم يكن بتصور الغالبية من المراقبين يمكن ان يتجه الى مسألة "الخيانة " لاسيما ان تلك الجهة شاركت في الاستفتاء وعَبَر  كبار شخصيات تلك الجهة الحزبية عن تأييدهم التام لتطلعات الشعب الكوردي، الا ان الغلبة في النهائية كان للتيار الموالي لايران واخضعت التجربة كلها الى واقع غير متوقع واصبحنا  في خندق الدفاع بعدما كان الكوردي في موقع المسيطر والذي كان بالامكان الحصول على مكتسبات اكبر بدل فقدان الكثير منها.
-   تردد رئاسة الاقليم والحكومة الكوردية في اتخاذ موقف حازم اثناء الاحداث التي عصفت بالقضية كلها، كان من المفترض ان تخرج الى الاعلام لتعلن في نفس الوقت للشعب الموقف العام وتقوم بشحن الرأي العام الكوردي وتوجه القوات العسكرية " البيشمركة " لوقف التمدد الحاصل جراء انسحاب بعض قطاعات البيشمركة الموالية للتيار المتهم بالخيانة.. ولكن غاب صوت رئاسة الاقليم والحكومة مما اتخذ الجانب الاخر حجة وتمددت داخل الاراضي الكوردستانية بداعي فرض القانون والامن وانتهكوا الحرمات وداسوا  بالدبابات على بعض افراد البيشمركة وكأنهم في حرب مع دولة اخرى معادية، وبعيداً عن السياقات القانونية في هكذا افعال لانها بلاشك تخالف جميع القوانين الدستورية والاعراف الدولية الا ان الامر حصل، ورئاسة الاقليم والحكومة الكوردية تتحمل مسؤولية الكثير من ذلك الانهيار لكونها دخلت في حالة الصدمة ولم تتوقع ان يتم الامور على هذا النحو وان يتم طعنهم من الداخل.. وبذلك ابتعدت عن اتخاذ الاجراءات اللازمة لوضع حد للخلل الحاصل الذي ادى الى" شبه "  انهيار الجبهة الداخلية بشكل نسبي.
-   يضاف الى ذلك موقف الاعلام الداخلي الذي هو من المفترض اعلامي كوردي يسعى لوضع الحقائق امام اعين المواطن الكوردي ويوضح الصورة له كي لايقع في المحظور وكي لايتاثر نفسياً ويظن بان اهم ركيزة في المجتمع الكوردي " البيشمركة " متخاذل، فالاعلام وضع البيشمركة في موقف محرج جداً واغلب القنوات الكوردية تحولت الى قنوات عدائية تحاول فرض وجهة نظرها حول ماهية الخيانة والانتقاص من الاخر بل وصل الامر الى ان يظهر جيل جديد من المتحدثين باسم احزابهم ويقومون بتشويه صورة الرموز الكوردية .. وهذا اثر سلباً على المجتمع بصورة كبيرة وساهم في تحول الراي العام الخارجي المستغل لهكذا اوضاع ليتوجه هو الاخر الى الطعن بالكوردي ويصفه بالخيانة والعمالة.. واعتقد بان الدوافع الحزبية والشخصية لبعض الجهات اصحاب الاجندات الخارجية ساهمت بشكل مؤثر في تأجيج هذه الحالة ، حالة الانفصام الاعلام الكوردي.. ولو لا الانتصارات التي حققها البيشمركة في بعض المواقع مثل " بردى وسحيلة وزمار" لكان الوضع النفسي قد وصل الى مرحلة الانهيار التام، ولكن تلك الانتصارات ردت الاعتبار للبيشمركة ورد الاعتبار للمؤمنين بهم.
-   الموقف الدولي والاقليمي ايضا ساهم بشكل كبير في تحريك المؤشرات المؤدية الى خلق شرخ كبير في الاوساط الكوردية لاسيما بعد اعلان ايران غلقها للمعابر وتهديد تركيا بانها ستفعل ذلك اذا طلبت منها بغداد ناهيك عن قيان بغداد بغلق المنافذ التابعة لها ومنع الطيران واطلاق التهديدات باقتحام المدن الكوردية ومن ثم المصوغات الحالية التي تنم عن حقد وكراهية واضحة من قبلهم للكورد ومحاولاتهم المستمرة لافشال تجربة الاقليم ومحو اسمه في الموازنة وتخفيض الموانة نفسها بشكل مريب ومستهدف.. فضلاً عن الصمت الدولي على الجرائم التي ارتكبت في بعض المناطق الكوردستانية ضد الكورد من قبل الاحتلال العراقي بلباس الحشد الارهابي الحشد الشيعي الذي غالبية اجنحته ضمن قائمة الارهاب العالمي.
كل هذه الامور اجتمعت لتحول تجربة الاستفتاء  الى صورة مأساة حقيقية للشعب الكوردي ظاهرياً،  حيث ازداد قائمة الشهداء الذين سقطوا في الحرب مع داعش واضيف اليهم شهداء الدفاع عن كوردستان ضد الاحتلال العراقي والحشد الايراني الشعبي ، كما ان ضخ النفط تراجع بشكل واضح فبدأت المخاوف من انهيار الاقليم وعدم دفع الرواتب يُستغل من بعض الجهات لبث الفوضى، وضاعت كركوك واغلب المناطق الكوردية التي استرجعها البيشمركة من داعش، كما ان التهديد مستمر باندلاع حرب اخرى، فضلاً عن الجانب المعنوي والنفسي الذي اثر سلباً على الكثير من شرائح المجتمع، ولكن حسبما قلت ظاهرياً ومن المفترض ان هذه الامور هي نتائج  طبيعية تراها بعض الاوساط للاستفاء، وفي الواقع انها كانت من الحتميات التي حشدت لها بغداد قواتها قبل الاستفتاء، والمؤشرات كلها كانت تذهب لوقوع هذه الحرب بين الحشد الشيعي المدعوم من ايران وبين قوات البيشمركة لاسيما ان الحكومة العراقية لم تزل تبحث عن منافذ لتغطيةعجزها والديوان المتراكمة عليها وانها ترى في كركوك وحقولها النفطية المخرج الابرز لازمتها، ناهيك عن ان الانتخابات العراقية الاتية كانت دافعاً قوياً لحكومة بغداد للقيام بهذه الاعمال كي ترجح كفتها على التيارات الاخرى التي نسبة ولائها لايران اكبر واقوى.
ومع ذلك فانه لايمكن الشك بأن الاستفتاء كان ولم يزل اهم خطوة قامت بها الحركة الكوردية التحررية منذ مايقارب الثلاث عقود، لكونها اوضحت بشكل واضح وبصوت مسموع ان الكورد مهما طال بهم الامد والبقاء تحت مظلة الاحتلال وسلطة هذه الدول لابد ان يصدحوا بصوتهم كي يعرف العالم بانهم يريدون انشاء كيان مسقتل خاص بهم، وان اية معطيات اخرى تبقى بنظرهم هي من الحتميات الاحتلالية السلطوية المفروضة عليهم، وسيبقى التصدع واقعاً في بنية اية مجتمع هم يشكلون جزء كبير منه دون نيل حقوقهم، وعلى هذا الاساس لايمكن النظر باعتقادي الى الاستفتاء الى انه كان خطأ وان الوقت لم يكن مناسباً،كما تذهب اليه بعض الجهات المحسوبة على القضية الكوردية والتي اصبحت رهينة للسلطة في بغداد، وهي نفسها الان التي تنذر بالخطر الذي يحيط بكوردستان جراء تحركات بغداد للنيل من الاقليم نهائياً، معللين بذلك ان الافضل كان القيام بحل الازمة " الحزبية" السياسية الداخلية، فالتجربة اظهرت بان الصدع كان موجوداً ولم يكن بالامكان القيام باي شيء لسد التشققات التي افرزتها التحالفات الحزبية مع الجهات الخارجية سواء مع بغداد او ايران " قاسم سليماني " الذي كان له دور كبير وبحسب رأي الاوساط العراقية والايرانية في سيطرة القوات العراقية بجيشها وحشدها على كركوك والمناطق الكوردستانية الاخرى، ومع كل المتحركات الوقتية وحتى التي تؤسس لمرحلة قادمة لايمكن التكهن بمعطياتها بشكل واضح وقطعي، فان الاستفتاء استطاع من اخراج الحلم الكوردي من مرحلة السبات وكان انعطافة مهمة وكبيرة في تأجيجه لتصبح هذه المرحلة للتاريخ الكوردي مرحلة الاستفتاء وايصال صوته بشكل رسمي ومعلن الى المجتمع الدولي بانه يريد الاستقلال ويريد كيان خاص به، على الاقل ليقوم المجتمع الدولي بالتكفير عن ذنبه تجاه الكورد حين وأد مشروع الكيان الكوردي في مؤتمر لوزان، ومع انه كرر فعلته الا انه الان اصبح مقتنع تماماً بان الاوضاع لن تستقر الا بحصول الكوردي على مطالبهم المشروعة.

55
أدب / دم الصبايا
« في: 20:43 27/10/2017  »

دم الصبايا


جوتيار تمر / كوردستان

25/2/2015
في المدى البعيد
 ومن لون الرماد تخرج غيمة
 من خفايا عزلتها
تسرق ألوان الدّم
 لتغدو نهرا تكتب على صفحات الأرض....
ميادين من التوابيت
في ظلّ التراب
فوق جسد التاريخ
تحمل حقد العابرين
فوق الصخور المرتعشة
 تحت ضجيج الخناجر
وزيف الكتب الصفراء
ليس في كفهم سوى التقاء الدّم والسواد
 جلادا يراقص دم الصبايا ....
يستدرج الخطيئة في بيان مقدس
 خناجر على جبين الصحراء
تلوث الهواء في رئة جثث تلمّع التراب
وطفولة ترتشف دموعا...
تضيع في سديم الخوف في صيحة الذبيح .....
كتائب السواد تنقش على جبين النرجس....
وذئاب ترتدي الحقيقة في قميص الزيف
وصيحة الموت في حنجرة الانسان


56
أدب / مدن الموت
« في: 18:11 23/10/2017  »
مدن الموت
جوتيار تمر/كوردستان
مدن تتشظى
 بين البراري والحجارة..
 حين يسيل النواح في علبة الرّيح
 وليل أرضعته الذئاب..
مدن تنصب خيام الجنائز
والدم وحده يعرف الشجن
تقتل ملائكتها
 والليل وحده يعرف
ورم الجبال...
 وجسد يغسله الماء
في ظلال الحديد..وبيانات السماء
مدن تسكن الموت
على ضفاف البراري
ونصوص أطردت الطهر
من سلالة الأنبياء
 أصحو في ضفافك والأشياء كما هي..
 رائحة الموت في سلّة الشمس
وصدور الصبايا... وخيام اللاجئين..
تصيح:
الى اين يا عشاق المراثي
هم القتلة باسم الدين

12/1/2015


57
أدب / جوف القلق
« في: 22:58 09/10/2017  »
جوف القلق
جوتيار تمر/ كوردستان
6/1/2016

تسكر الألوان في حنجرة الكلمات
وبوصلة القلم
كلما أستحضر وجهك
وأحمل بين أناملي نشوة رسمهِ..
هذا الوجود يلج وجودا يترنح بالحدائق
 فكوني هنا واتركي الهاوية...
افتحني للريح
لألتقط غيمات من ظلال أنفاسك
 لمّا تحط على وجهي وتغسلني
بأوتار رذاذها ...
فأرسمك في الأفق كتاب خلود
وأرتق جثتي بخيوط البعث من جديد
افتحي أسوارك المبعثرة فيَّ
 لتهبني خارطة الوصول
وهذه العبارة ستكتمل في الضوء
 فألج الأفق...
أستحضر وجهك...
 فتضج فيَّ العبارة
لأخرج من بحر يشبهني
وأتماهى في مداك
متمسكا بأوتار النشوة في عمق روحك
ذاك الشراع المعطّل فيك
ألا يشعرك بوجع الكلمة ..
الكلمة موت .... الروح موت ,,,,,
قومي من جوف القلق
وافتحي الفصول في مساحات القلب
 افتحي المرافئ المغلقة
وأغرقي في حنجرة أنفاسك الشجيّة

58
المنبر الحر / انها البداية فحسب
« في: 18:44 28/09/2017  »
انها البداية فحسب
جوتيار تمر/ كوردستان
26/9/2017
اتسمت عملية الاستفتاء في كوردستان بالتصعيد السياسي والاعلامي بشكل ربما لم يحدث الا حين تهاون حكام بغداد وسلمت الكثير من المدن العراقية لداعش، حيث كان التصعيد وقتها سياسياً واعلامياً وذا وتيرة مستفزة على المستويين الشرق اوسطي والدولي، ومنذ تلك اللحظة بات الانسياق وراء الحرب ضد الارهاب احدى ابرز معالم الحدث العالمي، وكأن الحدث قد اخذ كفايته سياسياً واعلامياً بحيث ان حرب الارهاب على الرغم من كونه لم يزل قائماً وغير منهياً تحولت الانظار الى حدث اخر ليس فيه ارهاب، وليس فيه اعتداء، وليس فيه اراقة الدماء، وليس فيه تجار الدم والاسلحة والمخدرات والرقيق، ولاتوجد اعدامات في الساحات علناً، هذا الحدث الذي حول الانظار من كل الدمار والدماء وتهديد الامن والسلام العالمي وتلك الشعارات التي كنا نسمعها في بداية ظهور داعش، الى الشعب الكوردي الذي قال للعالم دعونا فقط نذهب الى صناديق الاقتراع لندلي باصواتنا حول مسالة اذا كنا نريد التحرر من قيود الحكومات القومجية والطائفية المتعاقبة ام لا.
لم يكن بحسبان احد من دعاة الانسانية والتحرر ان العالم الذي يدعي بانه يساند الشعوب المتطلعة للحرية بان موقف هذه الدول سيتحول من محاربة الارهاب الى محاربة شعب يريد الحرية، ذلك الموقف الذي كشف الغطاء عن حجم النفاق الذي يحملها تلك الحكومات تجاه الشعب الكوردي، هذا الشعب الذي اجبرته المعاهدات الدولية الى الانصياع لمبدأ التجزأة والتقسيم ، هذه الامة ، هذه القومية ، التي يعترف الجميع بانها تتجاوز (45) مليون نسمة مشتتين بين دول كل واحدة منها اكثر كراهية وحقد على هذا الشعب، فطمس الهوية ومحاولة فرض امر الواقع وخرق كل القوانين والدساتير اذا ما تعلق الامر بهم كل هذا يحصل، ولم يزل يحصل، وتحت انظار تلك الدول التي تنادي بالقيم الانسانية والحرية وتحرر الشعوب المضطهدة، ولكن حين يتعلق الامر بالكورد فان الشأن داخلي، الامر يتعلق بالامن القومي لتلك الدول والامن القومي الاقليمي، والدولي، ناهيك عن ان مصطلح الوقت ليس بمناسب، محاربة داعش اولى، ترى لماذا حولتم احقادكم واسلحتكم باتجاه الكورد ولم تزل داعش تتبنى عمليات التفجير والتفخيخ داخل عواصمكم، الامر بلاشك ليس له علاقة بداعش ولا محاربته، فالكورد بجميع اجزائه شاركوا بقوة وفعالية كبيرة في محاربة داعش، واذا انتم تنكرون ذلك فالتاريخ سيشهد لهم بانهم كسروا شوكة داعش واسطورتها ببطولتهم وتضحياتهم، فالبيشمركة ووحدات حماية الشعب هما لحد اللحظة اكثر قوة برية استطاعت ان توقف مد داعش وتلحق بها الهزائم وتستعيد منها الاراضي دون ان ننكر الدعم الجوي للتحالف.. اذا فالمسالة ليست مسالة محاربة داعش، انما هي مسالة محاربة الكورد، وكأن الكورد هم سبب الدمار الذي الحق بالمنطقة كلها، بمعنى اخر كأن الكورد هم من سلموا الانبار والفلوجة وتكريت وصلاح الدين وبيجي وسبايكر وغيرها من المناطق في العراق الطائفي الى داعش، وفي سوريا كأن الكورد هم من سلموا الرقة وجميع الاراضي الاخرى التي لم تزل تحت سيطرة داعش ، بل كأن الكورد هم من ارسلوا الباصات المكيفة لحمل المئات من داعش مع عوائلهم وجلبهم الى حدود العراق داخل الاراضي السورية.
وكأن الكورد هم وحدهم سبب تفشي انتشار المخدارات والدعارة والارهاب والاعدامات والاضطرابات ورفض حكم الملالي في ايران، وكأن الكورد وحدهم هم السبب في تحول اردوغان من حاكم يدعي الديمقراطية الى دكتاتور ادى تسلطه على الشعب الى قيام انقلاب ضده – مع وجود اراء حول ان الامر مدبر من قبله ليقضي على المعارضة - ، ان هذا التحول الدولي ضد الكورد قد جعلنا نؤمن تماما بأنه لاصديق لنا سوى الجبال، وان البيشمركة وحدهم هم الحماة اما الباقون فانهم مجرد دمى تحركها مصالحها مع المنطقة، وليس مع الكورد، فحمياتهم لنا ليس الا لانهم يريدون توطيد اقدامهم في المنطقة ضمن صراع رباعي طويل الامد، بين امريكا وروسيا وتركيا وايران، هذا الصراع لايهم كيف يتم توثيقة وتثبيته في المنطقة، وبعبارة اخرى لايهم ان يتم الامر على جماجم الكورد وشعوب المنطقة طالما المصلحة ستتحقق، وهذا ما ظهر جلياً للكورد خلال الشهرين الماضيين، وكأن الكورد لم يعتبروا من التاريخ حيث دائما تخذل هذه الدول تطلعات هذا الشعب، ولكنه التوق للحرية دائما يعطي لهم الامل لعل ذات مرة يخرج انساني من بينهم ليمد لهم يد العون.
كشفت عملية الاستفتاء عن عورة العالم من حولنا، وكشفت الحقائق بان المصالح فوق المبادئ لاسيما تلك المبادئ التي تتعارض وتحقيق المصالح، ففي حين يذكر الجميع بطولة البيشمركة ووحدات الحماية بشقية نجدهم ما ان يتحدث الكوردي عن الحرية تتلكأ السنتهم وتبدأ حرب التصريحات، والتهديدات، والاجتماعات، والزيارات، وكأن الكوردي تحول من بطل يحارب داعش الى تهديد للامن العالمي، ان هذا التحول اجبر الكورد على اتخاذ موقف صارم لا ادعي بانه مستقل وليس هناك خلف الكواليس ما دعى الكورد لممارسة عملية الاستفتاء، لاننا نؤمن بكون المنظومة الدولية لم تزل فعالة وهي التي تدير الطاولة وليس حكام ولا شعوب المنطقة، ولكن ما حرك الامر باتجاه ربما اغضب الكثيرين وتسبب في اسراع تحقيق الاستفتاء هو الموقف اللاانساني من القوى العراقية المتباينة، لاسيما تصريحات بعض الساسة الذين هم في الاصل سبب دمار العراق وتحوله الى دولة طائفية بدون سيادة حقيقية، ناهيك عن القوى الاقليمية والدولية التي تدرك تماما بان عملية الاستفتاء ستكون في القريب العاجل معضلة حقيقية لهم وذلك لسياساتهم التعسقية تجاه الكورد، اما الموقف الدولي فانه مخزي بشكل جعل الكورد لايؤمنون بان هناك انسانية كما تدعيها تلك الدول,
عملية الكشف مستمرة ومواقف الدول تتباين الان، فالاستفتاء اجري وبنجاح ودون اية مشاكل وخروقات، ولعل نسبة المصوتين تربك حسابات اغلب تلك القوى، ولكن ما سيربك حسابات الرافضين للاستفتاء  واستقلال كوردستان هو هذه الجماهير التي خرجت طوال هذه الاسابيع تنادي بانشاء كيان كوردي مستقل هذه الجماهير التي لم تعد ترضى باي شكل من الاشكال الانصياع لاوامر بغداد، ولا العودة اليها، ستكون في المرحلة القادمة ورقة صعبة لايمكن خرقها، لاسيما ان الموقف الدولي من جهة والاقليمي من جهة اخرى ، والعراقي قد ساهم في تأجيج الصراع، فالجماهير الكوردية باتت مؤمنة بانها تريد ان تعيش بعيداً عن سلطات بغداد المنصاعة تماما لقرارات ايران، فضلاً عن  تركيا عدوة الامس هي الاخرى التي باتت تساندها، والغريب ان تصريحات قادة وساسة العراق تنادي بوحدة الاراضي العراقية، في حين نجد بأن الجنرال الايراني سليماني هو الذي يتجول بين الوية الجيش المسمى بالعراقي، وهو الذي يقود المعارك، فكأنه ليس في العراق كله شخص كفوء يمكنه قيادة الحرب ضد داعش فاستعانوا بسليماني كي يقوم بالامر.. ناهيك عن التصريحات والتهديدات التي تبثها قنوات الحقد لديهم، حتى تحول الامر الى رد فعل عنيف من قبل الجماهير الكوردية التي لو لا احترامها لقرار قيادتها بعدم التعرض للعرب لكانت ستحرق الارض من تحت اقدامهم لاسيما هولاء الذين لجأوا الى كوردستان بعدما داهم داعش اراضيهم وكانوا ولم يزال الكثيرين منهم تحت حماية البيشمركة، في حين ان قادتهم الان في بغداد يثيرون البغضاء والكراهية ويقررون باغلاق المنافذ وسد الطروقات على كوردستان، متناسين بان اكثر من مليونيين عربي سني متواجدين في كوردستان وان اعلاق المنافذ لن يركع الكورد، بل سيتسبب في اجاعة هولاء اولاً لانهم في الاصل محرومون من الذهاب الى بغداد.
ان اتباع سياسة التهديد اعتقد بانها باتت سياسة فاشية عديمة الجدوى، فصوت الشعوب هي الاقوى، انظروا الى كتالونيا الان فالحرب الشرسة التي تمارسها الدولة تجاههم لم تثنيهم لحظة، بالعكس ردة الفعل تصبح اقوى واكثر شراسة، كذا الامر مع الكورد، فردة الفعل قد لايتوقعها الكثيرون، ولكن حين يصدح برلماني كوردي  تركي داخل اروقة البرلمان بان اية حرب ضد جنوب كوردستان هي اعلان حرب على (40) مليون كوردي، وفي الشرق الكوردستاني تتعالى الاصوات والمظاهرات في سنه والكثير من المناطق الكوردية ضد حكام ايران وتهدد باشعال الحرب ضدها اذا انتهكت حقوق جنوب كوردستان ، وفي الغرب الكوردستاني تأتي التصريحات فور تهديد الجوار بغلق المنافذ بان منافذهم مفتوحة وانهم مستعدون بالدفاع عن جنوب كوردستان بالغالي والنفيس، فان هكذا ردة فعل ستربك الحسابات كثيراً، وستجعل من محاربة تجربة الاستفتاء اشبه بحرب داخل حرب اخرى، ولن تتوقف الاصوات الكوردية بالمطالبة بحقوقها تحت اية ضغوطات كانت.
ان الكورد مدركون تماماً بان عملية الاستفتاء ليست الا البداية التي من خلالها استطاعوا ان يقولوا بصوت صريح بانهم لايريدون العيش داخل دولة تسمى العراق، وان ولائهم كان ولم يزل وسيبقى لكوردستان فحسب، وهذا بحسب اعتقادي كان الغرض والهدف الاساس من الاستفتاء، لان الامور لم تحسم بعد وستحتاج الى قوة ودعم جماهيري كوردي عريض في جميع اجزاء كوردستان وجميع احرار العالم كي تتحول عملية الاستفتاء الى مراحل اخرى يبدو ان الصراع فيها سيكون محتدماً وقوياً ولاذعاً ، فلغة التهديد التي تتبناها دول الجوار واضحة المعالم وواضحة المقاصد، انهم يريدون ان يتكالبوا على الشعب الكوردي لارغامه للخضوع اليهم، وهذه اللغة التي لطالما سمعنا بان العالم الانساني الحر يندد بها ويجشب كل محاولة تعرض قوم او جماعة للتهديد والخطر، ولكن صمت هذا العالم سيكتبه التاريخ بانه وصمة عار اخرى فوق جبين القوى الدولية والمنادين بالانسانية كما وصمت جبينهم في مجزرة جلبجة وعمليات الانفال والهجرة المليونية.

59
أدب / قبلة التاريخ
« في: 19:39 26/09/2017  »


قبلة التاريخ


جوتيار تمر/ كوردستان

وطني .....
في الطابق الأعلى..
 من دم الشهداء
 يحصي العلم أخر انتصاراتك
فوق ارصفة أتعبها ثقل الأجساد
واغتسلت بالدم من السواد...
لك  كل معاني التاريخ الشامخ
بين اسطر الافيستا .. وفوق  نصوص القدسين
ولحاميك البيشمركة المجد
هم الحصن  هم الأسوار   ومآذن الحق
من هنا من ضلوع كوردستان
ذهول العدو وهو محتفل بنزيف الانكسار
من هنا  من قمم جبالك..
تعلو  ريح المجد
ويعانق أرضك شعاع الشمس
وعطر النرجس المترامي فوق كفك العالي
أيا بلادي 
يذبحون  فوق أرصفتك ضحكة طفل وخطوة مقاتل
و لك الطيور تعزف
لك بهاء العشق
وما تقوله الزهور للملائكة .....
فوق أرضك يسقط لؤلؤ من دمنا
وطني..
 أنت من يجمع الموسيقى ورفعة التاريخ الفاخر

25/9/2017

60
لا للاستفتاء – نعم للاستقلال
جوتيار تمر/ كوردستان
20/9/2017
تتخذ الاوضاع في جنوب كوردستان مسارات اكبر حدة من ذي قبل حيث لم يتبقى سوى خمسة ايام للبدء بعملية الاستفتاء وذلك لتقرير مصير الكورد في الدولة العراقية الفيدرالية وفق الصيغة التي اتفق عليها دولياً والدولة الطائفية العراقية المستسلمة نهائيا لارادة ايران وفق الصيغة المتعامل بها محلياً واقليماً ولربما تحت انظار المنظومة الدولية، تقرير المصير سيتم عبر الاستفتاء، وتاريخياً الحقت ولاية الموصل – جنوب كوردستان – بالدولة العراقية بالاستفتاء الذي تم اجراء بعد الاتفاقية التي وقعت بين تركيا والعراق وتحت اشراف بريطانيا وذلك لوضع حد لمشكلة الموصل  التي بدأت بعد الحرب العالمية الاولى، وهدنة مودريس بالذات واستمرت الى عام 1925، المهم في الموضوع ان جنوب كوردستان الحق تماما بالعراق بالاستفتاء الذي فضل الكورد وقتها التعايش مع العرب دون الترك لاعتبارات كثيرة ولعل ابرزها ما تعرض له الكورد على يد العثمانيين طول قرون حكمهم، ومن ثم تخاذل الترك معهم بعد القضاء على الخلافة العثمانية، ولاعتبارات اخرى دينية وربما اجتماعية ومذهبية فضل الكورد الانضمام للعراق وقتها.
الخوض في المعيات التاريخية سيجعلنا نبتعد كثيراً عن الغرض من المقال، لكني اردت من خلال المقدمة هذه ان اوضح ان الاستفتاء وقتها كان امراً عادياً للعرب بشقيه السني والشيعي، وحتى ان تركيا المعروفة بعنصريتها القومية رضخت لامر الواقع وقبلت صوت الاغلبية في جنوب كوردستان ولو باتفاق مادي اقتصادي، الامر الذي يثير الدهشة في وقتنا الحالي هو ان موضوع الاستفتاء تحول من موضوع لحقوق الشعب الكوردي في اتخاذ قراره الى ساحة حرب كلامية اعلامية شرسة من جهة، والى مسألة تقييم لمفاهيم الاخوة الكوردية العربية – السنية والشيعية –  من جهة اخرى، حيث اوضحت المواقف الحقائق التي ظلت الاجيال تتوراثها بدون ان تعرف ماورائها من دلالات اخرى ضمنية لاتلتقي مع الظاهرية الا شكلاً، فمن الناحية الاعلامية وجد الكورد انفسهم امام كم هائل من الحقد المدفون تحول الى سب وشتم وتهديد ووعيد من اشباه البشر لاسيما من التيارات الشيعية الموالية للمالكي وللفتناوي _ الفتلاوي – ولسليماني وحتى ان العبادي المعروف بهدوئه وتعامله الرصين تحول الى سياف يهدد باستعمال القوة، فضلاً عن مواقف بعض المكونات العرقية الاخرى كالتركمان والاشوريين والكلدانيين وغيرهم الذين تباينت رؤيتهم حول مسالة الاستفتاء و كشفت الغطاء عن المدفون واصبحت الصورة واضحة جدا للشعب الكوردي بحيث حتى اذا لم يتم الاستفتاء فان العلاقة لن تكون سليمة ابداً، والوضع سيكون مكهرباً لدرجة انه قد ينفجر في اية لحظة، لان الصورة حين انكشفت كشفت معها الملامح الحقيقية للكثير من هذه المكونات التي كانت تنادي بالاخوة والتعايش السلمي.
شكل الاعلام اللاواعي حلقة وصل سلبية في هذه المسألة حيث سلطت الاضواء على كل ما هو تنافري ضدي من خلال نشرها لوقائع واحداث تساهم في تفاقم الازمة الحاصلة بين الكورد وبغداد، وجاءت المواقف لتؤكد ذلك، وتبشر بزوال الدولة العراقية الطائفية، زوالها في قلوب الغالبية العظمى من الكورد، لانهم في هذا الامر لن يخضعوا مرة اخرى لاية سلطة من بغداد، بل ستنعكس الامور سلباً على العلاقات العامة، ولااظن بان الكوردي بعد اليوم سيتعامل مع العربي العراقي بدون حساسية، والعربي ايضاً لن يتعامل مع الكوردي بدون حساسية، وبالتالي فان المجتمع قد قرر حل المشكلة السياسية بنفسه، وكأنهم يقولون بوضوح الامر لايحتاج الى استفتاء لان الاستقلال قد حصل فعلياً ولم يعد احدنا يتقبل الاخر باي شكل من الاشكال، ومهما اتت المقولات والتصريحات سواء من القادة السياسيين او رجال الدين واصحاب اللحى من كل الاديان والمذاهب والطوائف والاعراق او العسكريين او المنظمات الدولية فان الامر بات محسوماً تماماً، فالشارع العربي امتهن السب والشتم والتنقيص من القيادات الكوردية وعمد الساسة العرب الى تأجيج ذلك الموقف من خلال خطاباتهم العنصرية القومجية المذهبية الطائفية البعيدة كل البعد عن القيم الاخلاقية والقيم الانسانية الساعية للتعايش، وبالتالي فان تصريحات القادة الكورد في عدم التعامل مع العرب بحساسية او تهديدهم وسبهم لم يعد مفعوله سارياً وجارياً، لان الشعب لايحتكم في علاقاته الاجتماعية الى الاصوليات والرسميات السياسية، فالطلاق قد حصل، ولم يعد بالامكان الرجوع الى ماكان ظاهريا موجوداً.
ولعل ابرز مسارات الطلاق التي حدثت هي التي اشعلتها تصريحات بعض قيادات "اغبياء " الحشد الشعبي الذين توعدوا الكورد والبيشمركة عبر فديوهات مسجلة مستعينين بابشع الالفاظ والصراخ القريب من البناح، بحيث اصبحت مثار سخرية عند الكورد في كل مكان، وبالتالي جاءت ردود الافعال حاسمة تتوعد هي الاخرى، فضلاً عن ما فعله السنة الذين لجأوا الى كوردستان عندما اجتاحت داعش امصارهم ومدنهم، وعاشوا خلال هذه الفترة العصيبة تحت حماية الكورد الذي تعاملوا معهم بكل احترام، وقدموا لهم يد العون، بل ان الحكومة الكوردية على الرغم من الضائقة المالية صرفت من قوت الشعب عليهم، ولكنهم في اول فرصة سنحت  - للبعض منهم - توجهوا الى بغداد وصوتوا ضد الاستفتاء وبذلك وخانوا كما هي عادتهم اليد التي مدت اليهم( الكثير من العشائر العربية خانت البيشمركة وطعنتها من الخلف ومهدت لداعش الاستلاء على قراهم)، وبنفس الوقت حملوا نعش اخوتهم التي كانوا يتخفون ورائها بيدهم، وقضوا على اي امال بان يتعامل الكوردي معهم بعد اليوم بحسن نية، بل لو لا قرار رئاسة الاقليم بعد التعرض للعرب لكان للشعب تعامل اخر معهم، وهذا التعامل الذي اتحدث عنه ليس منتهياً او يمكن القول بأنه قد تم وأده، لكنه فقط مؤجل الى وقت اخر، وقد ينفجر باية لحظة كالبركان حيث ستعصف بالخونة الذي اداروا ظهورهم للكورد حين كانوا يقتاتون من قوت الشعب الكوردي داخل كوردستان بامان وسلام.
ان الموقف الشيعي الموالي تماماً لايران الرافض للاستفتاء هو الاخر  تحول الى بغض وكره ونفور شديد بين الكورد وغالبية الشيعة، لاسيما الشيعة المتمثلة في بعض رموزها التي سبق وان ذكرناهم باسمائهم، ولم يتبقى منهم الا قلة ممن مازال خيطه مع الكورد غير مقطوع، وفي المقابل ان الخيط السني انقطع  تماما هو الاخر ماعدا مع بعض العشائر التي مازالت تحافظ على اصالتها ولاتقدم على خيانة من مدوا اليهم يد العون، تلك العشائر التي اعلنت موقفها المؤيد للاستفتاء بل قالت انها ستشارك بنعم في العملية الاستفتائية، في حين البقية او الغالبية من السنة اصبحوا في عداد الموتى عند الكورد، بحيث لن تعود العلاقة معهم الى مساراتها الطبيعية حتى لو  لم يتم الاستفتاء.
ان جملة الامور هذه توضح بشكل نهائي وقطعي ان القطيعة حاصلة واصبحت واقعاً ملموساً ستتشكل من خلالها ماهية العلاقة بين الكورد والشيعة والسنة والمكونات الاخرى في الحاضر، والتي تحولت الى بركان غير خامد هائج، قد ينفجر في اية لحظة فيحرق الاخضر واليابس، وهذا ما يدفعنا الى القول ان الاستفتاء تحول ذاتياً الى استقلال، هذا الاستقلال قد لا يكون من المنظور السياسي بشكل دولة فيدارية او كيان كوردي كونفدرالي، لكنه سيكون استقلالاً اشد تأثيراً على الحكومة العراقية في بغداد لكونه سيخلق ممرات تصادم مستمرة، فالجيش العراقي لن يدخل كوردستان الا بموافقة القيادة الكوردية مهما توعد بعض اشباه الرجال فيهم، والاوامر الصادرة من بغداد لن تنفذ في كوردستان، والصراع سيستمر  وستبقى المناوشات الكلامية واحيانا الميدانية حاضرة في نقاط التماس، ولن تحل مشكلة المادة 140 باي شكل من الاشكال لانها ستظل عالقة وستبقى الحكومة الفيدرالية تتلكأ وتبحث عن الاعذار لعدم تنفيذها بحجج واهية وفي المقابل سيتصلب الموقف الكوردي اكثر، وستزداد الحساسية تجاه الشيعة والسنة والمكونات التي دعمت بغداد ضدهم، واذا ما تمت الانتخابات العراقية ووصل المالكي واتباعه للحكم فان القطيعة حتمية، ولااعلم كيف يمكن ان تطلق اسم دولة على منطقة تأوي مثل هذا البركان وهذا التضاد السياسي والاجتماعي والعسكري والاقتصادي والنفسي وحتى الجغرافي .. وبالتالي فان مقولة لا للاستفتاء هي ممر لمقولة اكبر نعم للاستقلال الذي بنظري قد تم ولعل الكورد سيشكرون ذات يوم هذا الحقد العربي السني الشيعي تجاههم وسيشكرون هذه الاوضاع التي كشفت الغطاء عن اوجههم، لانهم قدموا للكورد الاستقلال دون اية مناورات سياسية او حتى تحالفات دولية او معارك دموية، فالدولة لاترسمها الحدود وبعض المؤسسات الادارية بكل اصنافها، انما الدولة هي ولاء والكوردي الغالبية العظمى من الكورد ولائهم لن يكون لبغداد حتى لو بقوا كرهاً وقسراً حاملين لجوازت سفر تحمل اسم العراق عليه.
ان ما اقوله هنا ليس بداعي الكره، او بداعي التعصب القومي، انما انقل الصورة بوجهة نظر خاصة اتعايش معها واقعاً واسمعها اعلامياً واراها قادمة، والكل قد ساهم بشكل واخر في خلق هذا الانموذج للاستقلال، لذا سواء أكانت دول الجوار بالاخص تركيا وايران مع الاستفتاء ام لا، واذا بالغت بعض القوى العظمى في ردت افعالها بوجوب عودة الحوار بين بغداد وهه ولير _ اربيل – فان الحتمية هي التي تسبق الان، والحتمية اوجبت ان الحوار والوعود والمواثيق والاتفاقيات كلها مجردة من قيمها ومن فعاليتها امام الواقع الذي خلفته الاوضاع وكشفت مدى الحقد الذي يكنه هولاء للكورد، لذا لاعودة من هذا الواقع، والامر سواء حسم بالاستفتاء ام لم يحسم فان الاستقلال محسوم تماماً.

61
الشرق الاوسط البركان الذي لم ولن يخمد
" مدخل "
يمر الشرق الاوسط بمرحلة تاريخية مهمة جداً، سواء على الصعيد الداخلي لاغلب الدول القاطنة في المنطقة، او على الصعيد الدولي والاقليمي، فاكثرية الدول في الشرق الاوسط الان تعيش حالة من الفوضى الداخلية التي تسببتها الحكومات المتسلطة الدكتاتورية ذات الفكر الاقصائي الخاطئ، سواء في تعاملها مع شعبها او مع جيرانها من الدول الاخرى، فحتى ابناء القومية الواحدة باتوا في يعيشون حالة نفورا تام تجاه بعضهم البعض ناهيك عن نفروهم اللامنطقي تجاه ابناء القوميات الاخرى، فضلاً عن كون المنطقة في الاساس تعيش على فوهة بركان لايخمد ابداً بسبب الصراعات الدينية القائمة في الاساس على اساس انكار الاخر، وتهميش وجود الاخر، واقصاء الاخر نهائياً من الوجود، وكل دين يعتبر نفسه الاول والاخر، وسدنته كهنته رجالاته هم وحدهم الصاقدين واتباعهم هم فقط الناجين، مما خلق بؤرة حقد بركانية ما تلبث ان تنفجر في مكان داخل المنطقة وتثير الفوضى والرعب في الارجاء، فلايمكن انكار ان اغلب التيارات الارهابية موطنها الشرق الاوسط عبر السلسلة الحديثة للجماعات الارهابية والفكر الاقصائي الحداثي لهذه الجماعات والنابع من صميم عقيدتهم، كل الاديان تعبث بالاخرى ولاتنتج سولا المزيد من البغض والكراهية، وبالتالي تبحث عن بؤر تفرغ غلها عليه، وبلاشك فان منطقة الشرق الاوسط هي اكثر البؤر في العالم الحديث يمكنها ان تجذب وتستقطب تلك النعرات المبغضة.
هذه المنطقة على الرغم من ادعاءاتها بانها مهد الحضارات الاولى ومهد البشرية ومهد الانبياء والرسل والاديان والتسامح والمحبة الا انها في الحقيقة مهد لكل ما هو لاانساني بغيض، بلاشك لايمكن التعميم هنا " في بعض مراحلها التاريخية - لكننا امام حقائق نلامس كينونتها من داخل المجتمعات ضمن نطاق الشرق الاوسط، فالصراع القومي الديني بين الفرس والعرب والترك واليهود والمسيحين امر لايمكن تجاوزه وانكار وجوده واستمراريته بمجرد اننا ندعي نحن في عصر الانسانية والحرية، فالامر ليس متروكاً للشعارات ولا الادعاءات، انما هو مبني على اسس حقيقية نابعة من صميم تاريخ المنطقة والصراعات الدائرة منذ البدء بين هذه الفيئات غير المتجانسة لا عرقياً اثنياً قومياً ولا دينياً طائفياً مذهبياً، بالتالي فاننا امام حقيقة لاتتغير بمرد تغير الشعارات التي يطلقها جهة او طائفة او مذهب او دين او قومية.. فتاريخياً كانت الحروب بين الفرس واثينا واسبرطة ومقدونيا ومن ثم الرومان ومن ثم دخول العرب المسلمين في سلسلة الحروب مع الجهات الاربع الشرق والغرب والشمال والجنوب، ومن ثم تدوير العجلة لتشمل المطبات الداخلية بين القوميات ذات الدين الواحد الصراع الروماني البيزنطي والحروب الصليبية ،ومن ثم الانشقاقات المذهبية والصراع الايقوني واللاايقوني داخل الجهة الواحدة والدين الواحد والانشقاق الكبير للكنيسة بين الشرق والغرب وفي الغرب ظهور البروتستانت وتاثير ذلك على الشرق الاوسط، وفي الجهة الاخرى ظهور الخوارج بعد الحرب الداخلية القومية الدينية الاموية العلوية، ونضوج الفكر الاعتزالي الفلسفي وظهور المذاهب السنية والمذاهب الشيعية، فضلاً عن ظهور الدويلات داخل الدولة الاسلامية وصراعاتها القاتمة والدموية وخضوع السلطة لتلك الصراعات لاسيما بين الدولة الاموية والعباسية وبين الاخيرة والفاطمية الشيعية، وداخل الدولة العباسية ظهور العشرات من الدويلات المتصارعة مثل  الاخشيدية والطولونية والسامانية والغزنوية والخوارزمية والزنكية والايوبية، بالاضافة الى ظهور القوة الفتية المغولية الكاسحة الاليخانية والتيمورية، ومن ثم المماليك بين البحرية والجركسية، واخيرا ظهور الصفويون والعثمانيون والانقسامات الاخيرة التي اكتسحت المنطقة بعد الحرب العالمية الاولى وانهيار العثمانيين.. هذا الصراع الدموي المقيت في الشرق الاوسط يراه البعض ضمن دائرة المؤامرة العالمية اليهودية الصهيونية الامبريالية والى غير ذلك من الشعارات المهمشة التي يستخدمونها لاخفاء ضعفهم وعدم قدرتهم على التعامل مع الواقع ومع هذا التنوع الاثني القومي الديني المذهبي في المنطقة، لذا كل هزائمهم ناجمة عن المؤامرات الخارجية، مع ان الانحلال الداخلي كان ولم يزل هو السلاح الفتاك لهذه المنطقة باجمعها.
كان التداخل القومي والتمازج بين الاديان والمذاهب مثل الطاعون في المنطقة، وباء لاعلاج له قديما ولا حديثاً ولا مستقبلاً فالهمجية التي تتبناها القوميات والاديان تجاه بعضها البعض لادواء لها، لاسيما حين تجد كيف تلتم بعضها مع البعض ضد الاخريات، وهذا ما يحيلنا الى نقطة مهمة وهو ان العنصر التركي لايمكن ان يجتمع مع الفارسي الا اذا وجد هدف مشترك، كما حصل بين معركة جالديران والتي بعدها تم تقسيم اراضي كوردستان بينهما، فضلا عن المعاهدات المستمرة بعدها بينهما لترسيم الحدود والتي وصل الامر فيها الى تقسيم العشائر الكوردية فيما بينهم.. فضلاً عن ان العرب والفرس لايجتمعون الى لهدف مشترك ايضاً كما فعلوا في اتفاقية الجزائر التي تنازل العرب عن مساحات واسعة من مياهها الدولية لصالح الفرس وذلك لكبت جماح الثورة الكوردية ، ولايمكن حصر الامثلة هنا، لانها لاتعد ولاتحصى، ولكن في الاجمال فان المنطقة هذه اصبحت وباء لكل القوميات التي ليس لها كيان مستقل فكما الكورد في صراع من اجل البقاء، نجد الاشوريين والكلد وغيرهم ايضا يعيشون تحت وطأة نفس الوضع، فالشتات لم يكن يوما يهودياً بحتاً انما الشتات اصبح سمة القوميات الاخرى ايضا التي نجدها وبفعل المصالح الدولية للدول الكبرى اصبحت خاضعة لمنطق التقسيم والتشتيت والتوزيع.
هذه المنطقة بهذه الصورة اضحت هي البؤرة الاكثر لا استقراراً على الاطلاق، فبين كل فترة واخرى ينفجر بركان في دولة ويجتاح المنطقة باكلمها، ويدخلها في حسابات وصراعات وتحالفات وتنازلات مقيتة تخدم اجندات خارجية في الدرجة الاولى وتخدم مصالح السلطوية القومية الدينية بالدرجة الثانية، وما تمر به المنطقة الان خير دليل على هذا الكلام الممنطق، فظهور التيارات الارهابية التي اجتاحت المنطقة بشكل رهيب وسريع دليل على ان المصالح الثنائية بين المنظومة الدولية والكراسي الحاكمة هي التي تسير الوضع وتسمح لهكذا تيارات ان تعبث بالمنطقة وبالشعوب فيها،
فمن ظهور الاخوان الى حماس الى منظمة بدر وحزب الله الى القاعدة وجبهة النصرة وتنظيم الدولة " داعش "  والحوثيين والعديد من التيارات الاخرى نلامس بوضوح مدى تفاهة القيادات  السلطوية في المنطقة ومدى تلاعبها بمشاعر ابناء شعوب المنطقة بالتالي فانها اصبحت مثار جدل وحراك شعبي اتجه الى العنف في الكثير من الدول حتى بات الدم هو العلامة الفارقة التي يعرف بها تلك الدولة او ذلك الشعب، ناهيك عن قيام تحالفات بين الاضداد للحد من وقوف بعض القوميات المضطهدة داخل المنطقة كما يحدث الان للكورد حيث اصبح الترك والفرس والعرب مجتمعين معاً تاركين احقادهم تجاه بعضهم البعض للوقوف بوجه الحراك التحرري الكوردي الساعي لخلق كيان مستقل لامة مشتتة في ارجاء الخراب الارضي.. وضمن السعي الكوردي لاثبات وجوده القومي تحركت تلك الاحقاد ضمن هيكل الارهاب الداعشي لضرب الكورد في مناطقهم.. مستندة في اعمالها على دعم الترك والفرس وبعض الدول العربية.. فكان لابد من تغيير شمولي على الصورة الكوردية في المنطقة وهذا ما حدث بفعل القوة الضاربة التي وجهها الكورد من خلال _ البيشمركة ووحدات حماية الشعب -  للارهاب الديني والقومي في المنطقة فبات الكورد معادلة صعبة لايمكن اتخاذ اي قرار بشأن التحولات الجغرافية في منطقة الشرق الاوسط الا بمشاركتهم الفعلية، وهذا ما يمكن ان يرصده القارئ من خلال متابعة وقراءة المقالات والدراسات ضمن هذا الكتاب.


62
رسالة الى السيد مسعود البارزاني (رئيس اقليم كوردستان)
جوتيار تمر/ كوردستان
9/9/2017
تحية ثورية:
لن اخوض في سرد التاريخ الحديث للكورد فانت اعلم به مني لكونك ممن صنع الكثير منه، ولكونك عشت اغلب مراحله سواء مع الاب القائد، او من خلال ممارستك للعمل الثوري والسياسي ضمن دوائر جغرافية حية متخمة بالانين الشعبي الكوردي جراء السياسات اللامعقولة والدكتاتورية والفاشية التي اتبعتها الحكومات التي تحتل ارض كوردستان في كل جزء، هذه الحكومات التي لم تكن تتنفس الصعداء الا بعد القضاء على اي عمل ثوري يطالب من خلاله الشعب الكوردي بحقوقه مع اختلاف آلية المطاليب في الاجزاء الاربعة وذلك حسب الاوضاع التي تعيشها المقاومة الكوردية.
ان التجربة الحية التي عشتها كثوري وسياسي من جهة وكأبن لقائد من قادة الحركة التحررية الكوردية، لابد وانها صقلت المفاهيم السياسية لديك بدرجة اصبحت تعرف ان الوعود والمعاهدات والمواثيق والاتفاقيات كلها مجرد ارقام ضمن معادلة غير مؤكدة وغير صادقة وغير موثوقة، لكون تلك الوعود والمواثيق والاتفاقيات نفسها اصبحت قيداً حول عنق الحركة التحررية الكوردية منذ البداية فجعلتها تثق بالكثير من الوعود وفي النهاية لا استطيع ان اقول ندمت، ولكن على الاقل انها ذاقت وبال مصداقيتها مع تلك الوعود والمواثيق، بالتالي فان اكبر الخاسرين سياسياً وواقعياً كانت الحركة الكوردية، تلك الحركة التي تبنت منذ البداية هموم الشعب الكوردي وحملت معها اوجاعها وانينها جراء الظلم والاضطهاد العربي(العراقي – السوري) التركي الفارسي، ولكنها في كل الاحوال كانت تسعى جاهدة لخلق ممرات تواصل تبعد هذه الصورة البشعة لحكوماتهم عسى ولعل ان تجد ممراً للتوافق وبناء علاقات طيبة معهم، وكما هي العادة كانت الخيبات اكبر من اي طموح ورغبة، حتى اصبح الشعب الكوردي يعيش حالة من التذمر حول اية محاولة من قادة الكورد للتواصل مع هذه القوميات اللا انسانية، بسبب ممارساتها اللاانسانية تجاه الكورد في كل الاجزاء.
ان المنطق الذي اجبر الكورد على تبنيه الان هو الخيار الانسب للتعامل مع هذه القوميات، ومع هذه الحكومات التي بدأت تتقارب بشتى الوسائل وتدفن احقادها تجاه بعضها البعض لطمس معالم الثورة الكوردية الحالية الساعية لخلق كيان كوردي مستقل، وبالتالي فان اي انتكاسة اخرى للحركة الكوردية ستكون بمثابة الابادة الجماعية ( الجينوسايد) الجديد للكورد، والذي لن يكون اعداء الكورد هم السبب في حدوثها، انما سيكون انصياع الحركة للواقع الذي تريد هذه الدول ان تفرضه عليها، ومن هذا المنطلق فان الحل هو الاستفتاء والاستقلال واعلان الدولة حتى لو مررنا بتجربة حرب معهم وضحينا بالمزيد من الشباب في سبيل تحقيق هذا الهدف والغاية الاسمى للشعب الكوردي في اجزاءه الاربعة، فصوت الكورد حول هذه المسألة موحد وواضح، وما تلك التظاهرات التي تستوعب الالاف من ابناء الشعب الكوردي في كل ارجاء المعمورة الا دليل ذلك، وحتى الاصوات الشاذة التي تنادي بالتأجيل فانها لاترفض الاستقلال ولكنها تتغطى برداء اخر ربما لاجندات لاتريد للحلم الكوردي ان يتحقق.
سيادة رئيس اقليم كوردستان ان الامر ليس مجرد لعبة سياسية يوجد فيها رابح واخر خاسر، او حرب تصريحات وشعارات، الامر تعدى ذلك كثيراً فالحرب الكلامية الاعلامية على الرغم من جبروتها وسطوتها وتأثيرها الا انها في النهاية مجردة من اهم قوائم النجاح الا وهو الفعل، الفعل الذي يحول تلك الاقاويل وتلك الحرب الى واقع ملموس وبرؤية حديثة معاصرة تحمل في طياتها مفاهيم الدولة السياسية المدنية المبنية على اساس التوافق بين جميع المكونات والاعراق والاديان والمتخذة من القاعدة الشعبية الجماهيرية ركيزة للاستمرارية ومن القوة العسكرية العظيمة للبيشمركة دعماً للوقوف بوجه اية اطماع خارجية او اية محاولات خارجية لوأد التجربة ولوأد الاستقلال .
سيادة الرئيس لسنا من يوضح لك مدى خطورة المرحلة ومدى خطورة التراجع عن قرار الاستفتاء والاستقلال، فانت ومن خلال لقاءاتك المتوالية للاطراف السياسية الداخلية والخارجية تدرك تماما حجم الحقد الذي يكنه لنا دول الجوار ، وتعلم جيداً بان سياسات تلك الدول هي التي اوصلتنا لهذه المرحلة والمطالبة بالاستقلال، لذا سيكون من الموجع والمؤلم التراجع عن هذا القرار التاريخي ليس لك كرئيس للاقليم انما للحركة التحررية الكوردية التي وصلت لاحدى اهم مراحلها التاريخية والسياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، فهذه التجربة التي تخطت حواجز القمع وكم الافواه وعلى مرأى من العالم الان لاتعارض خروج بعض احزاب المعارضة وبشكل مباشر رافضين للاستقلال ولن نقول لماذا هم يفعلون ذلك الان، ولكن سنقول ان الديمقراطية وحدها هي التي تجعلهم يقولون ارائهم وبصوت مسموع من خلال قنواتهم الاعلامية وبحرية تامة، وعلى الصعيد الخارجي نرى التحديثات التي افرزتها الحركة التحررية الكوردية وذلك من خلال رفع العلم الكوردستاني في اكثر من محفل دولي، ناهيك عن الزيارات المتواصلة للعديد من تلك الدول الى ارض كوردستان والجلوس تحت ظل راية كوردستان، ومع ذلك نجدها لاتحرك ساكناً.
سيادة الرئيس ان القرار الذي توصلتم اليه انتم قادة الحركة التحررية الكوردية في الاقليم بعد جلسات وتداولات واعلان الاستفتاء والاستقلال هو القرار الذي عاش الكوردي منذ عصور لسماعه، لذا نحن كابناء شعب كوردستان نطالبكم بل نتعدى الحدود نأمركم كشعب له الحق في ان يأمر  قادته بعدم التراجع، لان التراجع سيكون فيه موت الشعب وانهاء اية رغبة في البقاء داخل كوردستان ولايمكن ادراك العواقب الاخرى.. نحن الشعب نأمرك بان لاترضخ لاية تهديدات، وان لاثق باية وعود، وان تصر على اجراء الاستفتاء للاسقتلال تحت اي ظرف كان، لانه باختصار لابديل لنا سوى الاختيار ونحن الشعب اخترنا الاستقلال وليس لكم انتم القادة الا الرضوخ لارادة الشعب والا لن نؤمن الا بمساعنا كشعب يريد الاستقلال وسنرفض حلولكم هذا ان تراجعتم عن القرار وسنخرج الى الشوارع لنطالب بخروجكم من كوردستان وسنتهمكم بالخيانة، حتى لو اتيتم لنا بالف مبرر ومبرر.. وقلتم الواقع الدولي والاقليمي والداخلي والى غير ذلك من الاقاويل التي قد تجدون فيها مببراً للاستسلام.
سيادة الرئيس .. عذرا لتجرأي ولخروجي عن المنطق، ولكني ككوردي لايمكن ان اقبل غير الاستقلال ولايمكن ان اساوم بارواح الشهداء ودموع امهاتهم، لانني وقتها ساكون جاحداً بحقوقهم.. وانت تعلم ما يعانيه الشعب الان، وما يعانيه عوائل البيشمركة والشهداء ، فالكل متفق على ان اداء الحكومة الكوردية لم يكن بالمستوى المطلوب، والازمة التي نعيشها جميعا مع اختلاف وجهات النظر هي ازمة قتلت الكثير من المعنويات لدينا، ولكن في الوقت نفسه ما اعاد الينا الروح هو السعي للاستقلال وبدأ مرحلة جديدة نكون نحن فيها اصحاب القرار وليس بضع اشخاص في بغداد يتلاعبون بمصائر الملايين منا، هذا الاختيار هو الذي جعلنا نعود للصف الوحدوي بعدما كادت تفرق بيننا الحزبية والمصالح والتحالفات غير المنطقية، على هذا الاساس سيادة الرئيس نحن الشعب نأمر ك بان تستمر في الكفاح وتستمر في النضال لاجل الاستقلال بدون اية تأجيلات، وبدون الوثوق باية وعود ومواعيد لانك اعلم من الكل بانها تأتي لتهدأ الاوضاع وما تلبث ان تصبح مجرد حبر على ورق، ومعاهدة سيفر ليست ببعيدة عنا، ونحن جميعا نعلم كيف طمسوا باحقادهم مشروع كيان كوردي مستقل وقتها. وكذلك في الوقت الحاضر  الاتفاقيات مع بغداد  - المالكي – الذي تلاعب بالدستور وتلاعب بالارواح وادخلنا جميعا في صراع من اجل البقاء.
سيادة الرئيس الكلمة الاخيرة يجب ان تكون للشعب وليس للمصالح السياسية والاتفاقيات السياسية والوعود السياسية التي لم نجني منها سوى الخيبات، والمزيد من التضحيات والتراجع للوراء، لذا نأمرك نحن الشعب بان لاتثق باية وعود، وان لايقنعك اي وعد، او اية وثيقة حتى لو كانت مصدقة من الامم المتحدة نفسها، دع وعد الشعب يتحقق، دع اتفاقية الشعب توَقَع، دع كلمة الشعب تكون هي الدستور الجديد لكوردستان مستقل،ودع الاستقلال يكمم افواه الحاقدين.

63
التداعي الاسلامي بين الحقيقة والواقع
جوتيار تمر/ كوردستان
5/9/2017
تعتبر الديانة الاسلامية احدى اهم اربع ديانات موجودة على الصعيد العالمي، مع اليهودية والمسيحية والبوذية، وعلى الرغم من الانتشار الواسع لمعتنقي هذه الديانة التي تعد بنظرهم اخر الرسالات ونبيهم اخر الانبياء، الا انهم يعيشون منطقاً اشبه بالمنطق الطوبائي، فكل افكارهم تستند على التشريع القديم والمحصن من قبل بعض الائمة وبعض الفتاوي التي احيانا تندرج ضمن المعيقات الاجتماعية او التطرف الديني الساعي لخلق انموذج بعيد كل البعد عن التحصيلات والمدركات الوقتية التي تجتاح العالم، والامر الاكثر غرابة في هذه الامة انها تستند على القول اكثر من الفعل، فالفعل كان عندهم ما بدر من الاوائل، والانتاجية القيمة عندهم هي التي صدرت عن الاوائل، والقيم الاخلاقية التي افرزتها تجارب الاوائل هي الاساس والمصدر لكل فعل اتي، اذا فالسبقية تسيطر على مجمل الرؤى والمداخل والمسارات التي تنتهجها الامة الاسلامية بثوبها الحديث.
ومن المنطلقات الغريبة ضمن الاطر  الانتاجية الضعيفة للاسلام في الوقت الحديث الاعتماد على تحريك العاطفة بدل العقول في السيطرة على مقاليد السلطة، وهذا ما اتضح في اكثر التجارب الحديثة سواء في تركيا او تونس او مصر وحتى في السودان وايران وغيرها من الدول والمناطق الاسلامية، فاغلب هذه الدول لم تستطع ان تبني لها قاعدة فعلية مساهمة ومنتجة، بل اعتمدت على تحريك عاطفة القاعدة، والعاطفة لاتستطيع الوقوف امام المد العسكري والاقتصادي والسياسي البرغماتي والميكافيلي، وهذا بالضبط ما يمكن استدراكه من حدث تاريخي اسلامي في العصر الاسلامي الاول، وذلك في مقولة الفرزدق للحسين حين سأل الاخير عن اهل الكوفة " العراق " الحالي حيث ان هولاء كانوا ارسلوا للحسين بان يأتيهم ليبايعوه، فرد الفرزدق " قلوبهم معك وسيوفهم مع بني امية.." كانت الرؤية واضحة، بان تتوقف ولاتذهب، فالسيوف هي التي تحكم وليست القلوب لان القلوب متقلبة في احوالها ضمن الرؤية الشرعية التي تؤمن انت بها، ولكن السيوف ثابتة تؤتي دائما ثمارها، والجميع يعلم النتيجة لعدم اكتراث الحسين لقول الفرزدق حيث انتهى به المطاف مذبوحاً بالسيوف التي كان اصحابها يمتلكون تلك القلوب التي تسانده، وبذلك جرت العادة في اغلب المصاغات الدينية الحداثية الاسلامية، تحريك العاطفة والاستناد على القديم الذي بنظرهم لايتغير لكونه يناسب جميع الازمنة وجميع الامكنة، فكل حدث علمي جديد مثلا نرى اصحاب الرأي الديني الاسلامي يبحثون في اتون نصوصهم ليقولوا في النهاية بان هذا الامر مذكور عندهم في النصوص الدينية التشريعية ولكن بصياغة اخرى، هذا الامر حول المسلمين الى متلقين متكئين لايبحثون الجديد الا بمنظور ضيق.. ينتظرون انتاج الاخرين ليعلقوا عليه بانه مذكور في مصدرهم التشريعي، وانه مأخوذ من تشريعهم.
الامر الاكثر غرابة هو انهم في اصقاع الخراب الارضي يعتمدون على نفس الشعاراتية التي تندد وتهدد دون حراك فعلي ضد اي تهديد يصيب بني دينيهم في ارجاء الخراب الارضي، وهذا التنديد والتهديد لم يكن عند الاوائل الذين واجهوا المخاطر بسيوفهم في البدء قبل ان تتحول مساعيهم الى قيام نظام ما يسمى الخلافة التي اشتغلت بعد قرونها الاولى بالحفاظ على الكراسي على الرغم من ادراكهم بالافة التي تتفشى في جسد امتهم، وبالتالي كان الاخ يقتل اخاه من اجل الكرسي وابن العم يتحالف مع العدو لازاحة ابن عمه، بل الاب يقتل ابنائه للبقاء على الكرسي، والامهات يتدخلن في تنصيب هذا على حساب ذاك، وبذلك تحولت المسارات في التهديد للخارج الى التهديد للداخل حيث تحولت السيوف الى قتل غير الموالين للسلطة، بدل الدفاع عن مكتسبات الامة، وهذا ما افرز  بالتالي سجون ومحاكمات تعد الاغرب في العالم البشري.
وضمن المسارات نفسها تحولت الدول الاسلامية الى مجرد ارقام لاتقدم ولاتؤخر في الحركة الدولية او لنقل في دائرة النظام العالمي الجديد، فليس هناك دولة اسلامية ضمن هيكلة مجلس الامن الدائمي العضوية، وليس هناك دولة اسلامية قادرة على فرض قراراتها على المجلس والامم المتحدة وليس هناك قوة اسلامية يمكنها ان تصدر اوامر لمثيلاتها للقيام بتحدي للتهديدات التي يواجهها المسلمون في العالم، ولعل ما يحدث الان في" ميانمار" بورما ضد مسلمي "الروهنجيا "وهم قومية عرقية تنتمي الى عائلة الشعوب الهندية وتقطن في ولاية أراكان غربي بورما أو ميانمار. فحسب التقديرات الرسمية لسنة 2012 يوجد 800,000 روهينجي في أراكان، وتعدهم الأمم المتحدة أكثر الأقليات اضطهادا في العالم، خير دليل على ما اقول، فعلى الرغم من وجود ما يقارب "59" دولة اسلامية (5) منها تعد من حيث المساحة والسكان من الدول الكبرى في العالم الا ان الامر كله لاقيمة له على ارض الواقع لانه ليس فيها انظمة يمكنها ان تتحرك دون الانصياع لمنطق المصالح الدولية والحفاظ على الكراسي، وهذا بالتالي يجعلنا ننظر اليها كدول لاقيمة لها على المستوى الدولي، على الرغم من كون بعضها لها قيمة دينية كبيرة عند المسلمين، وكما سبق وان نوهت فما يحدث في بورما كمثال يمكن قياسه على باقي الامور حيث الابادة الجماعية التي يتعرض لها مسلموا بورما لم يجد لحد الان الا اعلاميا تنديداً وترهيباً اسلامياً وفي الواقع لايوجد اي حراك تجاه عمل منظم ورد فعل قوي تجاه تلك الانتهاكات الانسانية ضد الابرياء في تلك الدولة، بل بالعكس ربما يصفق العالم الاسلامي لرئيسة وزرائها بعد تسلمها جائرة نوبل.
الامر كله متعلق بالمعطيات السبقية التي تنتهجها الامة الاسلامية في قضاياها الحالية، التي تعتمد على بعض الانفلاتات الفقهية غير المنتجة، بل المعيقة للحرية ولحرية التطور والاندماج الكلي في المنظومة الدولية لكي تستطيع ان تجد لنفسها مكانة يمكنها من ذلك المكان ان تتحرك وتصدر قرارات تنفع الامة الاسلامية، ولكن الغريب انها مستعدة للاجتماع الف مرة وتنظيم الف مؤتمر اسلامي في شتى اصقاع الخراب الارضي واصدار الف قرار وتصريح وتنديد وتهديد الا انها لاتستطيع ان تتحرك للقيام لاي فعل منتج يخدم الاسلام والمسلمين بصورة عامة، ناهيك عن قدراتهم الفذة في التخاصم مع بعضهم البعض، وفي اتهام بعضهم البعض، لاسيما الدول التي لاتنتمي الى نفس المذهب، كالشيعة والسنة، والمذاهب الاخرى، فضلاً عن تناقضهم المقيت تجاه القوميات غير العربية والمذاهب غير الاسلامية بالاخص في منطقة الشرق الاوسط كاليهود والكورد المسلمين وغير المسلمين " الزردشتيين" والدروز والاشوريين وغيرهم فقد لايجتمع المسلم السني والشيعي على شيء الا اذا ما حاولت احدى هذه القوميات ان  تطالب باستقلالها مثلاً او ان تجد لنفسها ادارة ذاتية، ناهيك عن تخاذلها بشأن القضايا الاسلامية العامة وبنظرة سريعة سنجد ان اغلب الدول الاسلامية تعيش في حالة فوضى سياسية لامثيل لها على الصعيد العالمي، وسيجد المتتبع لقضايا هذه الدول منفذاَ ومبرراً واحداً لدى قادتها وهي نظرية المؤامرة وان الصهيونية العالمية والدول الصليبية والى غير ذلك هي التي وراء هذا التدهور الحاصل في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمذهبية داخل الدول الاسلامية.
ومن جملة المتعارضات الحاصلة في البنية الواقعية للعالم الاسلامي انه في كل مؤتمر وكل حادث وكل تهديد وخطر يرفع من القيمة الشعاراتية الاعلامية لديه، بوتيرة تصاعدية تدهشك من حيث الانفاق المالي، في حين لو ان نصف تلك المبالغ ارسلت لاماكن الحدث ربما لحلت ثلاثة ارباع المشاكل فيها لاسيما مشاكل الفقر والتهجير والتخييم واللاجيئين والى غير ذلك من المسائل الانسانية المهمة التي يحتاجها الناس في المناطق المنكوبة بالذات، ولكن لان القدرة الانتاجية متوقفة لديهم ولانهم يعيشون فقط على الانتصارات المبهرة لديهم في زمن الاوائل، وكيف فتحوا العالم شرقاً وغرباً وكيف اوصلوا رسالتهم الى العالم في ظروف الصراع المحتدم على الصلبيين، فانهم لايخرجون من دائرة الماضي وتلك المصوغات الشعاراتية القديمة التي سميت عندهم بالفتوحات ووصفها العالم المقابل بالاحتلال والاضطهاد، وكما يقول عبدالرزاق الجبران حين ينقل مقولة المرأة العجوز السمرقندية التي سألت فقيه جيش المسلمين الذي فتح" احتل" بلادها، بعد سلب ونهب.. مالذي جاء بكم الينا..؟ رد الفقيه: الله ارسلنا اليكم .. العجوز: لم اكن اعلم من قبل ان لله لصوصاً ، وحتى" الفتوحات" بالمصوغات الحديثة لاترتقي الى المسؤوليات التي ترتبت علىيهاـ فعندما توصل رسالتك الى اقصى الشرق يجب ان تكون كتشريع توحيدي  اهلاً لتقديم اي شيء ممكن لتدراك التدهور الحاصل في الجسد الاسلامي، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً او مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، والعالم الاسلامي الان يتداعى لنفسه بالسهر على مقت بعضهم البعض والتربص ببعضهم البعض واتهام وتكفير من لاينتمي اليهم كقومية او كمذهب او كدين، ولايفعل ولاينتج غير الجماعات الارهابية التي تهدد الامن العالمي وذلك عبر فتاوي بعض المحسوبين على العلم والفقه الديني، الذين بفتاويهم بثوا الغواية والفتنة بين الاوساط الاسلامية، ناهيك عن دعم فتاويهم للجماعيات الارهابية التي تقدم اسوأ انموذج للدين الاسلامي بلا منازع.
ان الواقع الحالي للعالم الاسلامي برهان على ان التدهور قد اصيب البنيان المرصوص ولم يعد هناك ما يشد بعضه البعض الا اعلامياً او ضمن صياغات ومقررات المؤتمرات الاسلامية العالمية، وفي الواقع ليس هناك اصلا بنيان الذي تهاوى منذ قرون، ولم يتبقى منه الا الصورة الظاهرية التي تتمسك ببعض الخيوط الواهنة كبيت العنكبوت، حيث ان اية ريح مهما كانت عادية تمزقها وتفرقها وتقسمها وتجعلها تذبح بعضها البعض باسم الدين نفسه، فضلا عن ذبحها لمن لاينتمي اليها، وهذا ما انتج ردة فعل قوية من اللامنتمين اليه، فاصبحت الثورات تفكك ما تبقى من هذا العالم المتداعي المتدهور، ومهما قال ويقول المتعصبون والمتطرفين منهم بان الامة باقية طالما مصدر التشريع الاساسي باقي، فان الامر لايغدو الا شعاراً غير ممول واقعياً وغير مقنع تداولياً، فالقيمة ليست في التصريح انما القيمة في التفعيل الواقعي للرؤية والنص عبر العمل الوحودي وهذا ما لن يحدث ابداً في العالم الاسلامي، وعلى هذا الاساس لايمكن الاعتماد على العالم في حل القضايا الحساسة والمهمة التي تعصف بالعالم ضمن الداوئر الاخرى غير المنتمية، فاذا كانت لاتستطيع ان تساهم في حل قضاياه فكيف بقضايا الاخرين، وتلك هي الصفة الرسمية التي من المفترض ان يعتمدها المسلمون انفسهم ضمن جغرافيتهم المنوعة والمقسمة ناهيك عن القوميات الاخرى المتداخلة ضمن تلك الجغرافيات فالمسلمون غير قادرين على احداث اي تغيير واقعي بعيد عن التصريح والتنديد، لانهم باختصار حتى في رؤيتهم للعودة الى الواجهة يعتمدون فقط على المقولات والمصوغات الموجودة ضمن تشريعهم بانهم سيتسيدون العالم مرة اخرى، وقياساً بالقيمة الموجودة ضمن هيكلة الواقع العياني فان الامر بعيد جداً وغير محتمل في هذا الوقت ربما في هذا القرن.


64
المنبر الحر / فوبيا الازمة
« في: 19:06 01/09/2017  »
فوبيا الازمة
جوتيار تمر/ كوردستان

15/12/2015

 ان مصطلحي الفوبيا والازمة هما اكثر المصطلحات التي تتلائم مع المرحلة التي نعيشها في كوردستان بصورة خاصة وفي والشرق الاوسط بصورة عامة، حيث ان كل الاحداث تسير وفق نسق تؤثر سلباً على الحالة النفسية للفرد وينتج عن ذلك الخوف من كل شيء وعلى كل شيء دون تحديد او وضع جغرافية تستثني شيء عن اخر، والفوبيا كما هو مُعَرَف اصطلاحياً: هو مرض نفسي ويعني الخوف الشديد والمتواصل من مواقف أو نشاطات أو أجسام معينة أو أشخاص. هذا الخوف الشديد والمتواصل يجعل الشخص المصاب عادة يعيش في ضيق وضجر. فوبيا القلق (أو الخوف اللامنطقي) يكون فيها المريض مدركا تماما بأن الخوف الذي يصيبه غير منطقي، فوبيا الخوف تتميز عن الأنواع الأخرى من أمراض القلق اللامنطقي، بأنها تحدث في مواقف متعلقة بأشياء أو ظروف معينة.. وبذلك يصبح الفوبيا احدى اهم سمات العصر لدينا، بل ويمكن ان نقول بانها احدى اهم مرتكزات الحياة التي نعيشها.

 لاسيما ان وضعناها تحت مظلة الاحداث التي تعصف بنا من كل جانب وعلى جميع الاصعدة، والتي بالتالي تجعلنا نعيش بين الفوبيا والازمة ومن ثم تتحول مسارات حياتنا كلها الى حلقات رعب متوصلة يفرضها الفوبيا من كل شيء يتخللها الازمات التي تأتي لتؤكد على مسارات الفوبيا وتناغمها الداخلي والخارجي معاً فالازمات كما يعرفها الدكتور الخضيري  تعبر عن موقف وحالة يواجهها متخذ القرار في احد الكيانات الادارية نعني بها هنا ( الاسرة) تتلاحق فيها الاحداث وتتشابك معها النتائج، ويفقد معها متخذ القرار قدرته على السيطرة عليها، او على اتجاهاتها المستقبيلة. ما تؤدي الى خلق حالة من الصدمة التي تعد في تفاصيلها احدى الصور الناقلة للازمة، وذلك لكونها تعني شعوراً فجائياً حاداً ينتج عن تحقق حادث غير متوقع الحدوث، او مطلوب احداثه او سلم حدوثه، وهو شعور مركب بين الغضب والذهول والخوف، وهذا بلاشك مسلك مهم لولوج الفوبيا في اواصر الحياة لدينا، باعتبار اننا نعيش على فوهة بركان يتحرك بين الفينة والاخرى ليقذف ببعض شرره الى الواقع فيحدث ما لايتوقعه الفرد، وبالتالي يعيش حالة من الذهول والغضب وينتج عنهما الخوف على المستقبل فيضطر الى القيام باعمال يدرك بانها احترازية لاتقيه الا مؤقتاً لكنه يقدم عليها ضمن تكتلات اجتماعية اوسع وبالتالي تتحول الحالة او الموقف الى ظاهرة سلبية تعصف بالكثيرين خوفاً ويجعلهم يعيشون فوبيا الازمة على جميع الاصعدة.

ولأن احدى الخصائص المعروفة للازمة هي المفأجاة والمباغتة غير المتوقعة والتي تؤدي عادة الى حالة من الارتباك والشلل قد يصاحبها قدر من التوتر والفزع مع تلاحق الاحداث وتتابعها، فأن الفوبيا المرافقة لها تصبح هي الاخرى عنصراً اساسياً ضمن دائرة محركات الوعي الفردي من جهة، ومسببات توسيع رقعة الازمة من جهة اخرى، ومن ينظر الى واقعنا في كوردستان بتمعن سيجد بأن الفوبيا من الازمة اصبحت تحرك كل شيء وفق تداعيات لامنطقية، ومع ذلك نجدها تسبب فوضى عارمة تهدد في الكثير من المرات موجبات الامان والاستقرار الداخلي للفرد وللاجتماع.

 ولعل الاحداث العامة على صعيديه الداخلي والمتمثلة بالصراعات الحزبية والحرب على الارهاب الداعشي وما يتوجبه من قلق وخوف، والاحداث الاقليمية سواء داخل كوردستان الكبرى او في دول الجوار كلها مكونات هامة في هرمي الفوبيا والازمة، مما يؤثر سلباً على الاوضاع الداخلية، وتفرض ايديولوجية مغايرة عن ما يتطلع اليه الفرد والاجتماع، وبالتالي تخلق حالة من الرهبة المفاجأة والتي تحولت بمرور الزمن الى رهبة مزمنة تنفجر جراء اي حادث داخلي او خارجي فتتحول الى ظاهرة سلبية تهدد كل مسببات الامان والاستقرار كما تؤثر على الحالة النفسية للفرد والاجتماع معاً.

ولأن نفسية الفرد تعيش وفق تداعيات الفوبيا من الازمة فانها تكون جاهزة لاستقبال اي عارض مفاجئ وتحوله بعملية سريعة الى خبر سلبي وتبثه عبر قنواتها واتصالاتها محدثة بذلك فوضى  واضحة، ولعل ما يحدث في كوردستان وبالاخص في بعض محافظاتها اثناء سماع اي خبر عن انقطاع الطرق الخارجية او توقف ضخ الوقود حتى ليوم واحد من الخارج ( تركيا- ايران)  خير دليل على ذلك، حيث يهرع الناس بسرعة الى محطات الوقود وكأن حرباً على وشك الحدوث وان الوقود مهدد بالانقراض، فيقفون لساعات في طوابير بشكل يثير القلق اللاممنطق ويثير الفزع من الحالة نفسها، وهذا الخوف اللامنطقي يسبب قلقاً مزمناً للفرد والاجتماع، ويحدث شرخاً نفسياً واسعاً، بحيث تصبح النفس مهيئة دائما لاستقبال هكذا عوارض وتفرزها بصورة سلبية دون القيام بمحاولة احتوائها وجعلها ممنطقة وفق الحاجات والظروف، ودون التفكير بآليات تساعدها على تجاوز الموقف والحالة، وانما نجدها تندمج بصورة تلقائية مع الفوبيا الازموية في كل الامور لتتحول تلقائياً الى فوبيا شمولية تحول كل خبر او كل حادث الى ازمة حقيقية، يعيش الفرد والاجتماع وفق تداعياتها ومطعياتها اللاممنطقة وضمن دائرة القلق اللامنطقي، وهذه الحالة لم تعد مقتصرة على اهالي كوردستان حصراً بل نجدها تقتحم حياة الفرد في الكثير من بقاع الارض لاسيما في مناطق الشرق الاوسط التي تعيش حالة من اللاامان واللا استقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي ايضاً بسبب الاحداث التي تعصف بها وتحول مناطقها الى ساحات صراع داخلية وخارجية تؤثر بكل نتائجها على الفرد والاجتماع المنصاع قسراً لنتائج الصراع.

65
الاديان حين تفقد عذريتها
جوتيار تمر/ كوردستان
24/8/2017
إن الأشياء التي يكتشفها الإنسان عبر حواسه، ومخيلته، تصبح هي من مكملات الإنسان نفسه، حيث تصبح أداته لفهم عنصري الزمان والمكان، (الزمكانية)، وتتخذ لديه شكلاً من أشكال وجوده ضمن دائرة الوجود العام، والإنسان يبقى في أي طور بحاجة إلى فهم مجريات الحدث التاريخي وصيرورته، وفهم مسيرة وتطور كل الفكر الإنساني، كي يؤنست الحواس ويثقفها، لتصبح حواساً إنسانية قادرة على معرفة العالم وتغيره، وهي باختصار في الاديان بحاجة إلى إعادة النظر في أنسنة الإله عبر الرسل والانبياء  والكتب السماوية، ورجال الدين والكهنوت واللاهوت.
لااحد يمكن ان يعيب على الكهنة في الاديان القديمة على تورايهم المخيف خلف جدران معابدهم ومحاولة اخفاء معالم الاله الحقيقي عن الناس برسم ملامح الهة اخرى من ابداع مخيلتهم التشكيلية او من ابداع مخيلتهم الحياتية اليومية لاسيما تلك التي تتعلق بالموجبات التي تفرضها الطبيعة " الطوطمية" على البشر بصورة عامة وانذاك، وكذلك على الكنهة الذين كانوا يريدون ان يستغلوا تلك النقطة او المعبر القسري الفرضي للطبيعة كي يمنطقوه ويفرضوه باسلوبهم الخاص على الناس العامة، هذه السمة التي رافقت الوجود البشري في مجتمعاته البدائية تقمصت الوان واشكال وافكار ومعيات مختلفة كلها كانت تؤكد ان الغاية تبرر الوسيلة، وبالتالي فان ذلك التواري او الحجب القسري لملامح الاله الحقيقي او حتى اظهار هيكله الرخامي كان من نتاج تحقيق الاسمى والذي كان يكمن في اخضاع الناس لمنطق الوجود الالهي، على هذا الاساس كانت تلك الاديان في الاصل عارية لاتملك من يجعلها تفقد عذريتها لانها كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقيمة الحاكم السياسي القبلي المتحالف مع الحاكم الديني الكاهن، لذا الزواج كان ازدواجياً قسرياً..والعذرية كانت غائبة تماماً عنها منذ البداية.
وفي مراحل تطور التصور الديني للبشرية تحولت المصاغات الدلالية للالهة على لسان الكهنة ورجال الدين واللاهوت الى ادوات مستعصية لايمكن للبشر العادي ان يدركها لا بحواسه ولا عقله، فقط كان سدنة المعابد وكهنتها هم القادرين على ادراك الماهيات والمعيات والمستوجبات، لذا حولوا الاله الى اداة تحكموا بكل ما يتعلق به الا الموت ظل عصياً عليهم، ومع ذلك اصبحوا يمتهنون في احيان كثيرة باسم الاله صناعة الموت ايضا وذلك عبر تقديم الاضاحي والقرابين البشرية على نصب الاله، بشقيه الديني والسياسي، وهذا التصور لربما في وقتنا قد يجابه بالانتقادات والنفور لكونه لا انساني كما سيقال عنه، والغريب ان الانسان الذي خلق في عصور متاخرة دينه بنفسه وخلق الهته بنفسه من اجل التسامح والحفاظ على نقاء الروح البشرية، عاد ليغير ملامح الهه ليكون اداة اقصاء وقتل وتدمير للانسان نفسه، كما نعيش الان وقع تلك الترانيم الدموية التي تطلخ بها ايدي البوذيين ، مخالفين بذلك ليس فقط تعاليم الههم ومعلمهم وملهمهم، بل مخالفين بذلك كل مقدس سابق ولاحق لديهم، ناهيك عن الاديان الاخرى والالهة الاخرى التي استطاع الانسان من تدجينها تاريخياً وتوظيفها رغبوياً وفق غاياته التي لابداية ولانهاية لها، فتحولت السيخية مثلا الى اداة قهر لكل من لاينتمي اليهم، والهندوكية الى اداة قتل لكل من يعترضها، وتوالت الحقبات وتنامت الغايات، وتبدلت الوسائل، فصارت الحروب تقام باسم الاله، وصار للاله جيوش جرارة يقودها البشر المختارين من عند الاله والناطقين باسم الاله والحاكمين باسم الاله، وبذلك انغمس الشرق والغرب والشمال والجنوب برغبات الاله الجديد، وسفكت الدماء تحت وطأة اقدام جيوش الاله الجديد، فاضمحلت ما يسميه البشر بالحضارات في الغرب، وماوراء المحيطات" الهنود الحمر"، وفي كل الجهات، وكل ذلك يحصل باسم الاله على الرغم من كون الاديان  كانت قد اصبحت لديها معايير اخرى، معايير تستند على الرسالات السماوية، التي ارسلت من الاله الى البشر عن طريق المختارين، وليس بغريب ان تصبح مدنسة ما ان تطأ تلك الرسالات الخراب الارضي ويلسمها البشر بزواج غير شرعي حتى وان كان المختار قد تعمد بدموع الاله نفسه، فالاله اصبح كما تصوره الفلسفة القديمة محرك عاطل للكون جراء افعال البشر.
ليس هناك شك بان الكلام عن الرسالات والاديان امر سيغضب الكهنوت واللاهوت ورجال الدين بكل تصنيفاتهم، ولكن مع ذلك فالوقائع التي وجدت عبر تداولات كهنة الاديان للرسالات نفسها اوجبت ان نعترض على بعض ملاباساتها وموجوداتها الرغبوية كي نتيح لانفسنا فرصة الوقوف على حدود المنطق الرسالاتي، وبذلك ساستشهد ببعض المقولات من الاديان الرسالاتية الثلاث المسيطرة على اغلب اصقاع الخراب الارضي، ليس تناسيا وتجاهلاً للبوذية لكون الاخيرة قد تحولت بالفعل الى اداة قهر على يد اتباعها الحاليين وما يحدث الان في الشرق الاسيوي دليل على ذلك، لذا ساعتمد اليهودية والمسيحية ومن ثم الاسلام، وساحاول ان اضع بين ايديكم بعض النصوص التي وردت في كتب الاديان الثلاث او تناقلها الاتباع بعد سماعها من المختارين من الاله لحمل الرسالات.
لابد من غاية تبرر لي هذه الوسيلة، لانه لايمكن لعمل ان يخلوا من الغاية، واذا ما اتى احدهم بعمل وقال بانه بلا غاية فالعمل لن يكون في الاصل ذا قيمة، فقيمة الاشياء في غاية وجودها، وليس في كونها اشياء مجردة، لذا ساترك غايتي على مسرح التأويل لكل قارئ الحق في ان يقوم بتأويل غايتي ويحكم عليَّ بما يتناسب عقيدته ورسالته، ومع ذلك ادعوه بان يبحث عن كتابي" بشر يمتهنون صناعة الالهة" لادراك الرؤية التي اعتمدها في تفسير الظواهر الدينية الخاضعة ليكنونة الغاية البشرية.
في نصوص مفتوحة اتيح للبشر ان يقوموا بتأويلها حسب الحاجة والرغبة والغاية، ومن ثم فسرت جميع التبعيات التي نتجت عن تلك التأويلات على انها مجرد وسائل للوصول للغاية الاسمى، جعلتنا الاديان السماوية الثلاث نقف حائرين، فاذا كانت النصوص تبيح ذلك، فكيف بحاملي النصوص، المختصين بالابداع الفوضي، الابداع الشهواني، الابداع الدموي المقنن منذ بدء الخليقة، هذه النصوص كثيرة، لكن سنورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر، ففي الديانة الرسالاتية اليهودية "ارميا  48 : 10  :  ملعون من يعمل عمل الرب برخاء، ملعون من يمنع سيفه عن الدم .." في المسيحية " لوقا   " 19: 27" ينقل لنا بعض النصوص التي يرويها عن الاصل المصدر لديه" اما اعدائي اولئك الذين لم يريدوا ان املك عليهم فاتوا بهم الى هنا واذبحوهم قدامي...." وفي موضع آخر " 22: 37"،  " فقال لهم لكن الان من ليس له كيس فلياخذوه ومزود كذلك ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفاً.."، وفي الاسلام " ففي سورة التوبة (5) "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم"  ، وفي نفس السورة (36) " وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين.."  وفي اية اخرى من نفس السورة (29)"  قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ..".
تلك هي بعض النصوص الصادرة من الاله والمرسلة الى المختارين من البشر على الخراب الارضي، وضمن هيكلة دينية منظمة، لديها اسسها ومصادرها وكهنوتها ورجالاتها وليس اخيراً جيشها المنظم المدافع عن تلك النصوص باسم الاله وتحت راية الدين الالهي، اعلم يقيناً بان الخوض في المحكم والمشبه وفي الناسخ والمنسوخ وفي المتعلقات الرسولية التي وردت على لسان رجالات الدين والكهنوت واللاهوت، كلها ستعمل على تفسير المصوغات هذه وفق الدلالات الممغنطة التي تريد ان تصل الى الهدف الغاية عبر الوسيلة التأويلية المتاحة والمتناغمة مع صيرورة الحراكات والتوجهات الدينية لكل جانب، لكن هذا كله لن ينفع اذا ما عدنا الى الكتب التي تعد هي مصدر التشريع لدى هذه الاديان، باعتبارها مازالت كتب حية متداولة بشكل دائمي ومستمر وهذه النصوص لم تمسح ولم تتغيير فيها، وبالتالي فان الخوض في المعطيات التي وردت تلك النصوص من اجلها تكمن في الاصل في وجهة نظر القارئ وليس المفسر، لان المفسر لابد ان يكون منتمياً الى فرقة من الفرق الدينية التي لاتستسيغ الاخرى  ولاتتقبلها ولاتعطيها الحق ، اي ان كل فرقة تقصي الاخرى وفق منطقها، وهذا ما يعني ان الدلائل والقرائن التي قد تفسر المقولات الرسالاتية السابقة لكل الاديان ستكون في النهاية اراء حتمية من جانب المفسر، ولكنها ستبقى تداولية من جانب المتلقي، لكون المتلقي الواعي سيعرف طوعاً بان النصوص تنسب الى الاله، واذا كان الاله يريد ذلك على الرغم من تعارض الامر مع القيم التي تعرف بالانسانية الحديثة، فان المفسر لن يكون هنا اداة اعتراض للنص، بل سيحاول بكل الاشكال ان يبرر ويمنطق ويجمل ما قد يكون بنظر المتلقي القارئ مشوهاً او مثيراً للجدل، لذا بعيدا عن التنميقات الكهنوتية اللاهوتية الفقهية فاننا امام صورة شمولية للرؤية الالهية للعمل البشري على الخراب الارضي، هذا العمل الممنهج هو التقدير الاساس للحالة التي من المفترض ان يكون عليها البشر لا العكس، وبالتالي فان المصوغات الحديثة الساعية لاثبات الوجه الاخر للاله وللبشر هي في كل محاولاتها تدوير عكسي للمنطق الحتمي السبقي، والا فليقل لي احدهم كيف استطاع قابيل ان يبتكر سنة القتل دون الرجوع الى مصدر سبقي خالق للفكرة الجوهرية في عقله، كي يبحث العقل عن الوسيلة لتحقيق الغاية القتل.. لهذا نجد التفسيرات حول كيفية القتل او وسيلة القتل تتنوع بتنوع النظر الى الامر كأنه بشري مستسيغ اي بعبارة اخرى على انه امر عادي طالما انه صادر عن البشر الانسان، وعلى الرغم من التأويلات اللاحقة فانها كلها اتت لتصور الرؤية الطوبائية للحدث.
وكأن الوعي الانساني الساعي لتحقيق وجوديته وغايته عبر اية وسيلة متاحة ليس بامر قديم مرتبط بالوجود الاول للانسان، لذا فحين يقرأ النصوص الرسالاتية بتنوعها، وقد استساغت ماهية القتل، فانها في الاصل امور تبدو له طبيعية لكونه في البدء يميل الى الخروج على ما هو قيدي حتى ان حلت به رحاله في دوامة الانحطاط وهذا بالضبط ما استخلصه احد الحكماء حين قال" بان طبع البشر يميل الى الانحطاط والرذيلة والى الامراض غير القابلة للعلاج... حسبما يقول على شريعتي.." ، و الادهى والامر من ذلك هو ان الانسان دائما يبحث عن التبريرات لكل افعاله كي يقننها " يجد لها منفذ تشريعي"  من جهة ويجمل صورتها من جهة اخرى وهذا ما دفع بشخص مثل البير كامو ان يقول " انه من الواجب ان نشك في الانسان الذي يحتاج الى اسباب كي يبقى شريفاً.."، وليقل لي احد هل من انسان لايبحث عن طريقة ليبقى شريفاً بنظر الاخرين حتى وان كان غير ذلك، ان جملة المعطيات السابقة اثثت عوالم الانسان ضمن الرؤية الدينية، كما انها وقفت على معالم الاديان بعدما احتكرها الانسان، فتحول الاثنان الى اداة قتل ودمار مقننة وذلك للوصول بالاول " الانسان " الى عتبة الالوهية التي يبحث عنها منذ البدء وكي تصبح المعوقات مجردة من اسبابها فيحق له اتباع اية وسيلة مهما كانت وحشية ومنحطة ومبتذلة لتحقيق غايته، وهذا ما اسميه بالزواج العرفي بين الاديان والانسان، بحيث فقدت الاديان عذريتها على يد الانسان بدون ان تستطيع الاديان وضع تشريع يحد من استغلال الانسان لنصوصها وتحريفها وفق نهج ذاتي شخصاني.

66
المنبر الحر / لا معقولية الرفض
« في: 18:33 14/08/2017  »
لا معقولية الرفض
جوتيار تمر/ كوردستان
10/8/2017
تسير الاحداث في الشرق الاوسط بوتيرة متصاعدة، حراكها فوضوي لاتعطي للمتتبع اية انطباعات حول ماهية المرحلة، او حتى حول المنطق الذي يمكن ان يتبناه لخلق فرضية يمكن من خلالها الاستدلال على الموجبات التي عليه اتباعها للتعامل مع المرحلة، فاغلب البؤر الشرق اوسطية تعيش وفق معطيات السبات الوقتي، فما ان تهدأ الاوضاع في بؤرة من بؤرها حتى تجدها تفور في اخرى، وهكذا تبقى المنطقة في فوران دائم، فوران يخلف ورائه الالاف من الجثث والايتام والارامل، فلاتخلق فقط الحقد القومي والديني والسياسي فحسب، بل تخلق حقداً وانفلاتاً اجتماعياً مبنياً على معطيات لايمكن تجاهل عواقبها، هذه البؤرة الموبوءة منذ البدء، لم تزل تفرض ايقاعها اللامنطقي على جميع القوميات المتجذرة فيها، ولم تزل تفتح ابواب الدمار وسفك المزيد من الدماء امام المتسلطين عليها باسم الاصالة والتجذر والقِدم، او لنقل الذين يعتقدون بانهم الاحق بالتواجد هنا على حساب الاخرين لكونهم اصحاب اديان رسالاتية او حتى حضارات من ورق ووهم لم يستفيدوا منها سوى بالاسم، بل حتى لم يكلفوا انفسهم باعطاء سمة الاستمرارية لها، فحولوها الى سهم في خصر البشرية اجمع، لكونهم لم يملكوا العقل الناضج المنتج الذي بامكانه الاضافة، فقط كان ولم يزل لديهم العقل الاستهلاكي الذي يقتات على بقايا الماضي من جهة، والتقليد الاعمى من جهة اخرى، فكل ما يستخدمونه ليس الا منتج غريب امتلكوه بالاموال التي بين ايديهم، تلك الاموال التي وقعت بين الايدي الخطأ منذ البدء، الايدي المتسخة المتآكلة الملطخة بدماء البشرية.
هذه الافة التدميرية لاتحتكر على شعب او قوم دون اخر، فاغلب القوميات التي توجد في هذه البؤرة تعيش نسقاً متناغماً قريباً الى حد ما، مع وجود فروقات بسيطة من حيث التأثيثات الانتمائية وفق منطق السلطوية، فكل من الفرس – المجوس والصفويون – حسب منطق العرب والترك ، والاعراب – العرب – حسب منطق الاخرين ، والاتراك – الترك- حسب منطق الاعراب والفرس ،هولاء كانوا ومازالوا يجدون انفسهم الاكثر حقوقاً في المنطقة سواء بأسم الدين او باسم السلطوية التي اعتمدوها منذ قرون طويلة، في حين تجد بأن الكورد – الاكراد – حسب الرؤية العروبية الاسلامية والفرس والترك ليس لديهم اية حقوق، كما ان اليهود- الصهاينة – حسب الرؤية العربية الاسلامية الفارسية التركية ايضاً دخلاء مغتصبين، وباقي القوميات كالاشوريين والكلدانيين وغيرهم كل هولاء عليهم تقبل الوضع الراهن كما هو، ودون اية مطالبات قد تخدش الحلم السلطوي للفيئات المغتصبة الاولى من المجوس الصفويين والاعراب والاتراك.
هذه الفوضى الدينية التاريخية والسلطوية المغتصبة اجبرت الكثيرين ان يعيشوا وفق منطقهم المخصوص وبالتالي ترسخت لديهم منطق الرفض للاخر بداعي الانتماء الوطني، وهذه التسمية الاخيرة المتعلقة بالوطني اضحت احدى اكثر الافات التي تضعف الداخل القومي والديني معاً، وحين نتتبع تاريخ المنطقة اجمالاً سنجد بان اغلب النعرات التي حدثت ووجدت لها صدى اوسع من حجمها كانت بسبب هذا الولاء المسمى الوطني مع انه في الاصل ليس الا احدى النعرات التهكمية التحكمية الاستبدادية التي تطمس معالم انسانية الانسان الحر وصاحب الفكر النير وصاحب قومية اخرى لاتنتمي باي شكل من الاشكال لتلك القومية صاحبة النعرة الا من باب الدين الذي تحول الى لجام حول اعناق القوميات الاخرى كي تبقى خاضعة لاصحاب النعرات والسلطات.
هذه الافة خلقت في النفوس نوع من الوهن التاريخي، بحيث تجد بان الدين المتسلط اصبح يجبر الاخرين على الانصياع باسم الخليفة والسلطنة، والنتيجة التي لايمكن الشك بها انها خلفت الملايين من الضحايا في اصقاع المنطقة، وخلفت تخلفاً وافات ووباء لايمكن الحد من انتشاره سابقاً وحالياً، وهذا الوباء تفشى لدرجة انه امتلك نفوس بعض ابناء القومية والدين الواحد تجاه بني جلدته ودينه وقبيلته وعشيرته ودولته، وهذا بالضبط ما جنيناه نحن ابناء الشرق الاوسط من تفاقم الرؤية السلطوية والدينية بحيث اصبحنا نعيش فقط على حيثيات تلك الرؤية وتبعياتها التي لاتمت بالواقع بشيء، انما هي اجمالاً فرضيات مبنية على وهم التاريخ ووهم السلطوية ووهم القِدَم ووهم الاحقية.. وبالتالي ما ان ننظر الى هذه البؤرة حتى نجد بأن كل الاثنيات القوميات فيها باتت مهددة بالتلاشي وفقدان الهوية فالترك في صراع ازلي لاثبات وجودهم للغرب، والفرس مازالوا يعيشون على حلم مد هلالهم الشيعي، والعرب وما ادراك ما العرب كانوا ومازالوا يعيشون على وهم " كان ابي "، وبالتالي فان الضحايا الابرز لهذه الحلقة الهيلامية هم الكورد واليهود والاشوريين وغيرهم من الاقوام التي تعيش في المنطقة حتى قبل ظهور ملامح تلك القوميات الاخرى، او على الاقل كانت تزامنية معهم.
الوباء الشرق اوسطي الوهمي المبني على اسس التفاضل الذاتي وتهميش الاخر او اقصائه بات الان اكبر تهديد على البشرية اجمع، وفي كل بقاع الارض، حيث انتشرت النعرات الفوضوية هذه لتصبح اداة مقيتة تزيح الاخرين وتهدد الامن والسلام العالمي، فمن خلال تمرير الفكر الاقصائي لهذه البؤرة انتشر الارهاب في العالم، ومن خلال تمرير الفكر السلطوي الاوحد لهذه البؤرة اصبح العالم ينام على وقع ضحاياه ويستيقظ على وقع طبول الحرب التي لانهاية لها، فمن حارب مائة عام من اجل "جَمل/بعير " لن يتوانى ان يفجر نفسه في اي مكان، ليس لكونه يحمل تلك الشجاعة التي يدعيها، لكن فقط لكونه يقتات على بقايا " كان بي " او يقلد بصورة اعمى شيئا اكبر منه بكثير.. فهو في الاصل لاينتج ولايضيف .. لكنه صاحب الفكر الاستهلاكي فحسب، وهذا الفكر يمكن ان يتم تمريره من خلال قنوات عديدة، كلها تصب في مصلحة من يمرر، وليس من يكون اداة تنفيذ فحسب.. ولعل ابرز سمة تجدها عند هولاء هو الرفض القاطع لاية استنتاجات تؤدي الى اظهار عيوبهم، او تخلفهم،او اندماجهم غير الشرعي بالواقع العالمي، او حتى انهم فقدوا هويتهم، واصالتهم الوهمية، هذا الرفض لا يتوقف عند القاعدة الشعبية فحسب انما هي اساس السلطوية التي تنشر هذا الوباء المقيت، وتلبسه رداء الهوية القومية والدينية وبالتالي نجد الملايين ينصاعون دون وعي لحركة الاقصاء والحقد.
سمة الرفض للاخر الاقصاء هي احدى اهم منتجات الشرق الاوسط، هذا المنتج بكل الالوان التي يظهر بها ليس الا نتاج مبني على اسس لاتنتمي الى الانسانية باي شيء، على الرغم من كونه صادر من البشر، ولكن يغلب عليه الطابع الفوضوي البشري الساعي لخلق الهتهِ بنفسه، كي يمرر قوانينه عبرها ويتسلم هو زمام  الامور فيقصي ويعدم ويسبي وينشر الوباء ويقتل ويفعل كل شيء باسم الهتهِ قوميته دينه.. ويرفض في الوقت نفسه ان يُتهم بانه خارج عن الدين او مقيت من بني جلدته، وعلى هذا النمط الاستهلاكي تعيش المنطقة باكملها على فوهة بركان لايحتاج الى وقت طويل كي ينفجر، لكونه منفجر في الاصل وبشكل دائم، لكن فقط درجة الانفجار تكون متفاوتة من وقت الى اخر.
سمة الرفض اداة اختزلها ابناء المنطقة فترسبت الى جميع القوميات، واصبحت كل قومية تستخدم تلك السمة وفق منطقها وحاجتها، فالرفض العربي لليهود يقابله رفض يهودي للعرب، والرفض التركي للفرس يقابله رفض فارسي للترك، ورفض الاثنين للعرب يقابله رفض العرب لهما، وكذا تستمر المعادلة دون توقف، ولكن في الوقت نفسه نجد رفضا عربياً عربياً وتركياً تركياً وفارسياً فارسياً........ وهذا ما يفرض قاعدة اخرى هو الرفض الداخلي لبني الجلدة الواحدة، هذا المرض تفشى بصورة سريعة، واصبح الان يغطي مساحات واسعة من المنطقة، وبات يهدد بانفجارات اخرى اكثر جسامة واكثر خراباً .. لكونه امتد الى القوميات الاخرى التي باتت هي الاخرى تعيش وفق منطق التصارع الذاتي، في حين ان ظروفها سواء على الصعيد السياسي او الاقتصادي او حتى الاجتماعي لاتسمح لها بالانقياد لهذا المنطق المعدي المقيت، فباستثناء اليهود لكونهم متماسكين وفق منطق ديني اثني بحت، نجد بان اغلب القوميات الاخرى تعيش فترة من الضياع الوجودي، فالاشوريين مثلاً منقسمين في المنطقة بين موالين للحكومات المركزية التي يتواجدن ضمن نطاق وحدودها، ورفض الانفصال عنها وبين حلم خلق منطقة محايدة لهم بحكم ذاتي  او ادراة ذاتية ك– سهل نينوى -، كما يحدث الان في العراق الطائفي، وفي الوقت نفسه نجد الكورد يعيشون هذا المنطق الغريب، فعلى الرغم من كونهم منقسمين في الاصل بين اربعة دول " تركيا – ايران – العراق – سوريا " نجد بأنهم في كل جزء من هذه الاجزاء منقسمين على بعضهم البعض، وفق تيارات غير منسجمة، فبين تيارات سلمية واخرى مسلحة نجد صراعا في تركيا وايران، وسوريا التي تيعش فوضى عارمة، اما في العراق وهذا الاكثر غرابة نجد ان الكورد في كوردستان الجنوبية يعيشون حالة من الاستقرار الامني والسياسي الذاتي باعتبارهم يحكمون انفسهم بانفسهم ولهم حكومة ومؤسسات شبه مستقلة عن المركز العراقي، الا انهم في هذه المرحلة بالذات يعيشون منطقاً غريباً، فالحلم الكوردي في الاستقلال بات وشيكاً ولم يتبقى سوى اقل من شهرين لاجراء الاستفتاء الذي ان حصل على اغلبية صوتية سيكون الاستقلال هو النتيجة الحتمية، ولكن مع ذلك تجد هناك اصوات تبرر رفضها للاستفتاء بامور مهما بلغت من مصداقيتها او واقعيتها لاتخرج من دائرة الحقد الشخصي والكره الحزبي، فتبحث الاصوات الرافضة عن المبررات الواهنة للرفض وهي في الاصل ليست الا الاقلية باعتبار ان الاغلبية ذات الانتماء الحزبي يشكلون قاعدة للاستفتاء والاستقلال، ولكن الغرابة تكمن في الرفض غير المبرر وغير الممنطق لكونه في كل ومجمل احواله متعلق برفض حزب او شخص،  وهذا ليس ابدا مبرراً لفقدان هذه الفرصة التاريخية التي يصعب ان تتكرر تحت ظروف مشابهة من تأييد دولي للبيشمركة الكوردية، ان الرفض وحسب اغلب المقالات والرؤى التي تابعتها شخصياً وجدتها تنصب في خانة واحدة، وهي ان الرافضين لايتقبلون الحزب الفلاني والشخص الفلاني كي يقود هذه المسيرة فتاتي كلماتهم كلها منصبة على افراغ حقدها على ذلك الحزب او الشخص، فمقولة ان الاستفتاء حزبي لايبت للواقع بشيء، كيف يكون يكون حزبياً ولدينا ثلاثة اهم احزاب كوردية في الجنوب الكوردستاني يسابقون الزمن لاجراء الاستفتاء ( الديمقراطي الكوردستاني – الاتحاد الوطني – الاتحاد الاسلامي – فضلا عن وجود ممثلين لبعض الاحزاب الاخرى من الانتماءات القومية المختلفة ) وبالتالي نجدهم يبحثون في الزوايا المعتمة عن كل ما يبرر رفضهم غير المنطقي، وجل ما يكتبونه او يصرحون به هو نابع عن هذا التصور اللامنطقي ايضاً، ناهيك عن التداعي المنحط في التصور نجدهم يثيرون القلق والفزع في الاوساط الداخلية ويعزفون على وتر حساس " فوبيا الازمة " التي جعلت روابط الحكومة بالشعب واهنة، لكون الازمات متوالية على الشعب منذ سنوات لاسيما بعد الحرب الضروس مع داعش الارهابي، والصراع الدائم مع المركز الطائفي، فبدأت الاصوات القليلة الرافضة تعزف لحن انقطاع المواد الغذائية واغلاق الحدود مع ايران والكثير من هذه المعطيات غير الممنطقة امام الحصول على الاستقلال وانشاء كيان كوردي مستقل، ناهيك عن عدم التفكير بان فشل الاستفتاء ليس الا عودة الى الحض الطائفي الذي يمقت الكورد تاريخياً، وفقدان المناطق الكوردية التي حررها ودافع عنها البيشمركة، فضلا عن انهاء مرحلة سياسية مفعمة بالنشاط الدولي للكورد، والتأييد العالمي للكورد.
 


67
أدب / سليلة أميديا
« في: 19:37 10/08/2017  »


سليلة أميديا


جوتيار تمر/ كوردستان

هكذا قالت تباريح الصباح
وهي تطوف في ظلّ أنثى
أنت يا سليلة أميديا
حولك يتطاير عطر الاساطير
ويغتسل التاريخ بالوان المجد
أنت البدء....
تحملين بكارة الأرض
متشحة بأسرار الملوك القدامى
مرّي هنا.. تحت شرفة الصبايا
عندما يلمع بريق الرصاص
فوق أرض تشكّلت من دم وبكاء
لتفتح لك الملائكة ابواب الكون
أنت يا سليلة حلم الأنبياء
آلهة محمّلة بمدى الاقمار
ترسمين وشماً في خضرة  الاشجار
اخرجي من صمتك..
فكِ قيود المسافات
انتفضي على اعراف القبيلة
وادفني وباء الولاء للصحراء
تعالي نعلن للرّيح...التّمرد
لأرسم ارضاً اخرى في عينيك
تعالي نكتب تاريخاً.. ليس فيه الا انتِ وأنا
وذاك الذي نخلفه من تمازجنا
من ارتواء الشمس بندى النرجس



68
المنبر الحر / انفلاتات بلا رقابة
« في: 12:15 31/07/2017  »
انفلاتات بلا رقابة
جوتيار تمر/ كوردستان
29-7-2017
بيركلس احد القادة اليونانيين في اثينا خطب في الناس بعد حرب طويلة مع اسبرطة وقال لهم :"نحن نستخدم ثروتنا، لا للمباهاة الباطلة، بل كأداة للعمل، ليس من العار عندنا ان يعترف احدنا بفقره، وانما العار ان لايحاول الافلات من ذلك الفقر، ولكم ترى من رجالنا من يخدم مصالحه الخاصة والمصالح العامة معاً، وكم منهم من يجيد فهم المسائل السياسية رغم عدم احترافه لها، وذلك لاننا لانعتبر من يتجنب السياسة رجلاً حريصاً على راحته ، بل كائناً لا فائدة منه، ونحن نعرف كيف نفهم مصالح الدولة، ونكشف عنها بانفسنا...".
في الشرق الاوسط فهم السياسة نابع من مصدر الانتماء القبلي والديني والمذهبي والطائفي، ولا سياسة خارج هذه الاطر، فالمصالح حتى داخل الدولة الواحدة هي للقبيلة الحاكمة، او الدين الحاكم، او المذهب والطائفة الحاكمة، ومن يقول لا..فلينظر الى جميع دول الشرق الاوسط بغير عينه القبلية او الدينية ليرى السمة الابرز والاكثر طغياناً على المفهوم السياسي في هذه المنطقة، فضلا عن ذلك ففهم السياسة في المنطقة منوط بامور اخرى خارجة عن الارادة الذاتية، بعبارة اخرى ان السياسي لايدعم مركزه بفكره التنويري، او مشروعه الانقاذي، او خلق انموذج عصري، انما يدعم مركزه بالسلطات المطلقة على الرغم من وجود البرلمانات والمجالس والى غير ذلك، ويضيف الى هذه السلطة التبعية لجهة خارجية نافذة وقوية يمكنها ان تتدخل وتغير وتقترح وتفرض في الاخير ما تريد، كما مفهوم السياسة عند بعض السطحيين من اصحاب الشهادات متعلق فقط بالدرجة العلمية للسياسي، كما ذهب اليه احد صغار الساسة الكورد اثناء تحدثه عن احد القادة اصحاب الخبرة النضالية، والمثال هذا ليس حكراً عليه هو انما في اغلب دول الشرق الاوسط دائما تجد بعض الاوساط المثقفة -شكلاً- بحكومات تكنوقراط، على الرغم من ادراكهم ان التكنوقراط في هكذا مجتمعات ستبقى مرهونة بالتقسيمات القبلية  - القومية -  والدينية والمذهبيةلا اكثر، فكل عشيرة او دين او مذهب يرسل متخصص في مجال ما ويكون صاحب شهادة، وهكذا.. لذا الفهم السياسي الشرق اوسطي مغلق لايمكن تجاوز دائرته الا بزواله ولايزول الا بالدم والدماء في الشرق الاوسط اكثر ما يراق دائما باسم السياسة والحرية.
في الشرق الاوسط الثروات لصنع الكراسي والدكتاتورية والتباهي بها، حرس خاص يفوق عددهم عدد الشرطة الذين من المفترض بهم حفظ الامن الداخلي والتنظيم وحماية الشعب، قصور واستثمارات فنادق وباخرات رحلات وسفرات، مجوهرات والماس، ارصدة وبنوك، سيارات وفتيات، وصيف لندن واوكرانيا واغلب الدول الاوربية تشهد على هذا الغباء اقصد التباهي، ناهيك عن ادوات القمع الداخلية واغلاف الافواه الرافضة والقدرة على الاغتيالات والتواري عند الازمات، فضلاً عن صحافة تطبل، وطرب يمجد، واتخاذ القرارات دون الرجوع الى اهل المعرفة والدراية والسياسة والاقتصاد، وتفضيل المصالح الخاصة على المصالح العامة، بل في الكثير من الفترات ظهر من يضحي بالعامة من اجل الوصول الى الكرسي لزيادة ثرواته، حتى العلم لاصحاب الثروات في الشرق الاوسط اصبح مرهونا بكم تملك من مال ورصيد وسيارات،هذا باختصار الصورة المنقولة من الواقع الشرق الاوسطي عن مَن يملك الثروات.
يعيش الشرق الاوسط  حالة من الفوران الذاتي منذ عهود متوالية، وحين تراجع المعطيات التاريخية ستجد بان هذه البؤرة هي التي مدت البشرية بابشع وسائع القمع والقتل واللاحرية.. ومع ذلك تبقى الابواق الشرق اوسطية تنادي بانها مهد الحضارات وانها مهد البشرية وانها مهد الرسالات وانها مهد الانبياء .. والسؤال هنا يبقى هل من الحضارة ان تقتل الاخرين لتبرهن على انك الاقدم وجوداً..؟ هل من المنطق ان تنكر الاخرين لانك لاتريد لاحد ان يخرج من قوقعة ظلمك وعنصريتك وتفاخرك باجدادك..؟ وهل الرسالات اتت لتحمي البشرية ام كي تجعلها تتصارع فيما بينها من اجل تحقيق رغباتها باسم الرسالات نفسها..؟ وهل الانبياء كانوا دعاة حرب ام دعاة سلم واذا كانوا دعاة سلم فلما يقتل اتباع كل نبي الاخر بدون هوادة..؟.
في الشرق الاوسط يكافئ العربي اذا طعن يهودياً او مسيحياً وتخرج القنوات العروبية القومجية نبع الفتن لتظهر الشخص القاتل على انه بطل قومي .. في حين لايتساءل احد عن الذي تم طعنه ، من هو ، هل لديه اطفال.. وعائلة.. من سيربي اطفاله.. من سيتكفل بتربية عائلته..؟ فقط الصورة تسلط على الجانب الاخر حيث ان اليهودي متهم باحتلال فلسطين.. ترى ماذا تفعل حماس بالاخرين.. لماذاجماعة فتح تؤيد التطبيع والسلام.. ولماذا حماس تؤجج الفتنة والقتل.. هل يحق باسم الشرع لحماس ان تذبح وتطعن اليهودي، ولايحق لليهودي ان يبيد امثالهم..؟ انها اجمالا امور غير مرئية لاصحاب البيان الذين لايجدون في خساراتهم سلوى غير الابتهاج بالطعن ، فتاتي البلاغة ثمارها وتخدر هزائمهم المتكررة وتحولها الى بطولات لاقيمة لها الا عندهم.. نصف غزة دمرت.. والقنوات العربية كانت تبشر العرب بالنصر المبين.
من المترتبات الشرق اوسطية ان بعض الكورد تورطوا فيما يسمى بازدواجية الشخصية، فتراهم باسمائهم ومكان ولادتهم وحتى لغتهم كورد، ويحاولون ان يبرهنوا للاخرين بانهم كورد لاسيما ممن يحاول ان يسخر نفوذه الاقتصادي من اجل تحقيق اغراضه الشخصية لا خدمة للقضية الكوردية بل للانتقام من جهات لاينتمون اليها حزبياً ولن اقول فكرياً لانهم في الاصل ليسوا اصحاب فكر، فتراهم يتطاولون على الشخصيات الرسمية والرموز الكوردية التي لها باع طويل في النضال التحرري، ويسخرون اعلامهم من اجل بث الفوضى والوقوف ضد تطلعات الشعب الكوردي ويصرفون الاموال للتحريض، هولاء اشبه بالعملاء الذين يتم شراء ذممهم واعراضهم، وعلى الرغم من انهم قلة قليلة جداً الا صوتهم الاقتصادي بارز، لاسيما عند من يحرضهم ويطبل لهم ويمد لهم يد العون ويفتح لهم قنوات الحديث، وكأنهم حلفوا بان يبقوا في الظل والتبعية وعبيد الحقد والعمالة والخيانة.
في الشرق يتصارع العرب فيما بينهم، ويتهم كل الاخر  بالعمالة والارهاب والخذلان والخيانة والى غير ذلك من التهم، في حين عندما نقف على مصدر تلك الكلمات ونرجعها الى الوقائع التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وسمعها بالاذان الصاغية، ونحللها بالعقل النير، سنجد بأن كل كلمة من تلك تلائم تلك الدول الناطقة بها، لانها في الاصل عميلة لاجندات خارجية لصالح كراسيها، وارهابية في تعاملها مع الاخر من غير بني جنسها، بل وتمد بفكرها الاستبدادي جماعات الارهاب التي تعصف بامن العالم، وهي دائما تخذل شعوبها المتطلعلة للسلام والامان، وتخون حلفائها على حساب تحالفات جديدة اكثر ثماراً واكثر قوة وسلطة وسطوة.
من سمات الشرق الاوسط هو انعدام الرؤية الانسانية وانكار وجود الاخر، ففي حين تتناحر الدول القومية فيما بينها على الزعامة والسطوة والسلطة، نجدها تتحد على موقف المعادي لاية قومية اخرى تريد ان تجد لنفسها مكانة داخل هذه البؤرة الموبوءة التي تسمى الشرق الاوسط، والامثلة كثيرة، فناهيك عن ما يحدث في اسرائيل بين اليهود والعرب.. نجد اصحاب القيم والاخلاقيات داخل قوالب التاريخ المدون فقط، يتحدون على صد اية محاولة للكورد لبناء دولة لهم،  فعلى الرغم من انقسام العرب الى دول ودويلات عديدة، وهم اصحاب دين واحد واصحاب لغة واحدة واصحاب قومية واحدة، فانهم يتناسون ذلك ويتجاهلون ذلك ويرون بانه حق شرعي لهم بان تكون لهم دويلات وامارات.. لكن في المقابل حرام على اسرائيل دولة.. وعلى الكورد دولة.. وهذا بلاشك من القيم الاخلاقية التي توارثوها اباً عن جد.. حيث القبيلة ترفض منافس لها، وتحاول ابادتها.. فالبداوة هي الاصل.. ولاشيء يخرجهم من دائرتها.
من سمات الشعوب الشرق اوسطية انها لاتبني قوام وجودها على الفكر النير، لكونها في الاصل تعتمد على السبقيات المفروضة عليها وفق معطيات القومية " القبيلة" او الدين او المذهب او الطائفة .. لذا نجدها تتخذ من الشعارات البراقة مدخلاً الى عوالم الواقع، وتقوم بتحريف الوقائع بحرفنة ودقة، كي تبرر كل افعالها، وهي دائما تخرج خائبة من اية معركة تخوضها، لكونها مريضة داخلياً، ومن داخله موبوء لايمكنه مواجهة الخارج مهما كانت قوة الخارج ضئيلة.. وانظروا لتاريخ المنطقة كم دويلات ظهرت  وحكمت لقرون وما لبثت ان اضمحلت لكونها لم تتماسك داخلياً.
يعيش الكورد في الشرق حالة من التهميش منذ مابعد امبراطورية ميديا الكوردية، التي ارضخت بقوتها الواقع وفرضت نفسها قوة لايمكن الاستهانة بها، و هذا التهميش امتدد لاسباب قومية وسلطوية ودينية واضحة، فالكورد حين انقسموا على انفسهم بعد ميديا، توالت عليهم ويلات الفرس والترك والعرب، فالفرس قضوا على ميديا، وفرضوا انفسهم على مناطقهم، والترك لعقود وعهود حاربوا كل امارة وسلطة كوردية تحاول الاستقلال بنفسها، والعرب حين انقسموا الى دويلات واصبحت كل واحدة تحكم باسم قبيلة او زعامة او سلطة تشريعية نابعة من وجودها المستقل واصبحت تكيد للكورد وتحاول التحالف مع اية سلطة كانت كي تبقي الكورد خارج دائرة الاستقلال.. ولااعلم هل الكورد هم اعداء العرب، ام ان للعرب اعداء اخرين حسبما تذهب قنواتهم الاعلامية وتصريحات قادتهم السياسية..؟ .
يعيش الكورد في وقتنا الحالي حالة فريدة من نوعها، لكونهم بعدما استوعبوا ماهية التقسيم التي حصل في مؤتمر لوزان بعدما كانوا قد اخذوا وعدا بدولة مستقلة في سيفر، اصبحوا يتكلمون باسلوب اخر، خارج عن دوائر الخضوع، فالكورد في كل الاقسام والاجزاء لديهم قوة حضور الان، وصوت مسموع، وحراك شعبي وعسكري يبعث القلق في نفوس اعدائهم ممن لايرضى بان يأخذ الكوردي استقلاله، وحتى اصحاب الرأي التوافقي اصبحوا يحاولون البت في تحالفات  بغرض قصم ظهر القضية الكوردية لكنهم غالباً ما يصطدمون بجدار كوردي صلب، استطاع من ايصال صوته للمحافل الدولية وبالتالي فانهم يعيشون حالة فريدة، فمن الخضوع لمنطق الرأي الديني والتحالف الديني والاخوة والتعايش تحولوا الى فرض وجودهم القومي كمعادلة لايمكن التخاذ قرار بشأن المنطقة دون مشاركتهم.
الكوردي كشعب من الشعوب الشرق الاوسط يعيش في نفس الدوامة التي يعيشها القوميات الاخرى، فالصراعات الداخلية تشتت ذهنه احيانا نحو القضية الاسمى لديه، ولكن وبحسب الاحداثيات والاحصائيات فان هولاء اصبحوا قلة لايشار اليهم الى من باب التخاذل، والعمالة، والتاريخ لن ينصفهم لكونهم في احلك المراحل من تاريخ الكورد تحولوا الى ادوات بيد اعداء الكورد.. ومع ذلك فان الكورد مازالوا يقتاتون من نفس ما تقتات عليه اغلب  الاقوام المتواجدين في الشرق الاوسط.. مع اختلاف واضح كما يقول الشاعر العروبي الكبير محمود درويش" ييسألونني لماذا كتبت اشعارآ عن الكورد: فقلت :لاني قد وجدت شيئين في الكورد اذهلني كثيراً ،الاول لان الكورد لايحملون الحقد حتى امام اعدائهم ،وهم يعرفون جيداً بان اكثر من 70% من العرب يعادونهم ويعتبرون الكورد عدو في حين يقول الكورد بان العرب اقربائنا وحلفائنا...والامر الثاني الذي اذهلني هو ... الكورد يحملون اكبر عزيمه وارادة وقوميين الى اقصى الحدود ، العرب بصفعه واحده ينكرون عروبتهم ،اما الكورد بمرور التاريخ بقدر اوراق الشجر قتِل منهم ، في حين لاينكرون كورديتهم ويقولون :كنا كورداً وسنبقى كورداً..".

الترك والفرس من الاحداثيات القديمة والمتأصلة في الشرق الاوسط، وهما على الرغم من صراعاتمها الازلية الا انهما في احيان كثيرة يمكنهم التغاضي عن الحقد الذي يحمله احدهما للاخر، وذلك من اجل القضاء على اية قوة يمكن ان تساير وجودهم العنصري القومي وحتى الديني والمذهبي، والتاريخ يشهد على ذلك، فقواهما يعتمد على سلطتهما، وحين تهتز السلطة لديهما يلجأون لبعضهم البعض لدحر المنافس حتى وان كان المنافس داخلياً، ومن يقرأ التاريخ سيجد بين سجلاته ان احد شاهات ايران محمد علي شاه  طلب من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ان يسانده ويحاول ان يمده بالمال والعدة من اجل ان يقضي على معارضته المشروطيين، في حين نجد بان علماء النجف والحوزة هناك يرسلون الى السلطان العثماني ويطلقون عليه لقب امير المؤمنين ولاول مرة في تاريخ الصراعي السني الشيعي من اجل الحصول على مساعدته للقضاء على الشاه.. وهكذا فان دول الشرق الاوسط كانت ولم تزل تعيش هذا التضاد والانفصام الشخصي من اجل مصالحها والحفاظ على كراسيها.. ولو على حساب بني جلدتها فكيف وهم يجدون من لاينتمون الى بني جلدتهم يحاولون ان يهزوا عروشهم..؟ .
من الثوابت الشرق اوسطية ان اليهود عاشوا ومازالوا يعيشون فيه وهم اصحاب اقدم الديانات الرسالاتية التي يؤمن بها العرب لكونهم يرون ان رسالة الاسلام للنبي العربي من نفس المعين، واليهود بين الوجود الفعلي الباحث عن كيان مستقل آمن يعيش في سلام وود مع الاخرين " الجوار " وبين المنطق العربي تحولوا الى اشد اعداء الانسانية بنظر العرب، فاليهودي يقتل العربي ويهدم بيته ويقلع زرعه، ويشرد ابناء وطنه، وهذا في شرع العربي كفر وجحود ولا انسانية واغتصاب واحتلال وتدمير، في حين يفجر العربي نفسه بملهى ليلي يهودي جهاد، يطعن الناس على الشارع بطولة، يوجه الاعلام لابراز المشاهد الدموية التي تاتي جراء الحرب بين العرب واليهود ويوصف ذلك على انها وحشية وليست من الشرائع، فيركز الاعلام العربي على المشاهد التي يتطاول فيها اليهودي على العربي مثل ضرب جندي لعربي يصلي او اقتحام الحرم القدسي ومنع المصلين وما الى غير ذلك من المشاهد التي يراها العربي هتك لحرمته ولحريته، في حين يتجاهل موقف الجندي اليهودي الذي يجد امامه امرأة تمسك كتفيه وتهزه وتسبه دون ان يتحرك الاخر او يفعل اي شيء، مع ان الحدث في نفس المكان والتوقيت، ناهيك عن تجاهل العربي كيف يشرد العربي العربي في اليمن وهذا مقاومة للمد الصفوي، ويقتل العربي الامازيغي وهذا تأصيل لهوية العروبة، ويحارب العربي البوليساريو في الصحراء وهذا اعادة الهوية، ويقتل ويضرب العربي الكوردي بالكيماوي وهذا  لمنع الانفصال والتقسيم ووضع حاجز للحدود الشرقية للامية العربية، ويمحي العربي هوية القوميات الاخرى في سوريا وهذا ليس الا تأجيج للمشاعر القومية العروبية وحفاظ على سلامة جسد العروبة، وفي السودان يعارض العربي انفصال الجنوب وهذا للابقاء على تماسك الامة، وفي مصر تتحول القوميات والاديان غير التابعة للعروبة الى اعداء ويحاربون بشتى الوسائل وهذا ليس الا من اجل الحفاظ على ام الدنيا وسلامة اراضيها من كل دنس ومؤامرة، اي تناقض يعيشه المسكين العربي المتربع على عرش وهم قديم " كان ابي ..." ، وهو لايلاحظ ان البشر في المنطقة مثلهم يسعون للحفاظ على هويتهم ووجودهم.


69
المنبر الحر / لن يرضى عنك
« في: 12:34 24/07/2017  »
لن يرضى عنك
جوتيار تمر/ كوردستان
22-7-2017
ان المتتبع للنص الديني سيجد في هذا الاقتباس المحتكر دينياً خروجاً غير مرغوباً به على  الاصول الدينية المقدسة بالنسبة له، ولكنها احدى الاشكاليات التي دائما ما يتخذه اصحاب النص او من يظنون بانهم حاملي النص الديني باعتباره حكراً على امثالهم دون غيرهم، وبذلك يتحول النص الى ادات رخيصة لرغباتهم وطموحاتهم ومساعيهم لتحقيق ما يخدم قومياتهم، وهذا الحكر النصي مر بمراحل عديدة، ففي حين كانت الغلبة للكهنوت الديني القومي العربي كان رجالات السلطة وقتها يقربون رجال الدين ويفسحون لهم في مجالسهم مكاناً بارزاً كي تؤازر اقاويلهم افعال السلطة،و هم ما يمكن ان نسميهم وعاظ السلاطين كما تحدث عنهم الدكتور علي الوردي، وحين تحولت الامور وداهم السلطوية العربية الدينية الاسلامية بالاخص بعض الاطراف الخارجية مثل الفرس في اوقات كثيرة استطاع هولاء من بسط نفوذهم على السلطوية ووظفت الاقاويل حسب المعطيات الجديدة للحدث الديني انذاك، كما فعل كل من الفرس والترك حين استولوا على السلطة، وقلما نجد انطباعاً غير دينياً حول المسالك التوظيفية للنصوص المراد استغلالها لبسط السلطوية من جهة، ولبسط النفوذ القومي من جهة اخرى، كل تلك النصوص كانت تؤدي واجباتها الحتمية لخدمة القضايا الانتمائية وبشكل واضح ومستمر .
غالبية العاملين في الحقل الديني لامسوا هذا التوظيف التأويلي للنص الخادم لطموحات السلطوية في مراحلها الثلاث العربي والفارسي والتركي، ولكن حين آلت الامور في وقت ما لغير هذه القوميات الثلاث انتفضت الحمية القبلية لديهم، واصبح الكل يرمي بدسائسه كي يقلص مساحة السلطة الجديدة، وكي يدعم مقولة وجود هولاء على السلطة باطل، على الرغم من كون السلطة الجديدة استطاعت من تحقيق ما عجزت اجيال من السلطوية التابعة للقوميات الثلاث الاخرى في تحقيقه.
بلاشك المتتبع للتاريخ سيعرف باني اتحدث عن القومية التي وجدت تزامناً للقوميات الاخرى على هذه الارض ، ولكنهم وبحكم انصياع التاريخ لمبدأ القوة والسلطة لم يستطيعوا من خلق المساحة اللازمة "للم الشمل" من جهة، ولفتح قنوات سلطوية نصية دينية من جهة اخرى، فالكوردي حين استلم زمام الامور في الكثير من المناطق التابعة له قديما تكالبت عليه احقاد الجوار التزامني، فتحول الجوار الى رمح مسموم في خصر الوجود الكوردي كما فعل احفاد الفرس بميديا الكوردية، وضمن هياكل الوقت ومراحل التاريخ بقي هذا الحقد المتأصل ليس من قبل الفرس فقط للكورد متقداً ومساوياً للحقد القبلي بين اوساطهم، والتاريخ حين يستند على الوقائع دون الخضوع لمبدا السلطوية الدينية الشمولية سيعترف بذنبه بكونه لم ينصف الا اصحاب السوط والرمح والكرسي، وهذا بالطبع ما حصل حين استولى العرب على السلطة الدينية النصية حيث وجهوا رماح غلهم الى اراضي كوردستان بحجة ابادة واقصاء المجوس الفرس وقتها، وطمسوا معالم كوردستان تحت وطأة غلهم،  فادار الزمن دفته على الفرس و توالت السنوات وعاد الفرس" البويهيون" يسطون على مصادر النص التشريعي السلطوي اعادوا الكرة على الاخرين ومن ضمنهم الكورد، ولان الحراك البشري لايتوقف في تحقيق رغباته السلطوية تحول مسار الجدف واصبح الترك لفترة طويلة يمتلكون الدفة فاحرقوا من لاينتمي الى قوميتهم وكان الكورد والامارات الكوردية في العهد العباسي بالذات احدى اهم الاعمال التي يتفاخر به التاريخ السلجوقي واستمرت الحالة على هذا النمط الاقصائي لحين العثمانيين الذين حاربوا العرب والفرس والكورد ولم يجتمعوا الا في افراغ غلهم على الكورد سواء من خلال اسقاط الامارات الكوردية او من خلال اتهام الكورد بالخروج عن النص والدين، وكذلك في الاتفاقيات بين الدولة الصفوية والعثمانية، وفي اتفاقية الجزائر، حتى اصبح ولاء الكوردي الديني اشبه بالخنجر المسموم في خصره، بحيث لم يتخلص من عباءة السلطة العربية والفارسية والتركية المدعية بانها ظل الله على الارض.
وفي العهد الحديث والمعاصر هذه الاحقاد الثلاث لاتتوانى ابداً في ضرب اي هدف كوردي قومي يسعى لخلق نواة  تكون البداية لجمع شعب قوامه يفوق الخمس والثلاثين مليون منتشرين في اصقاع الخراب الارضي، دون ان يأويهم سقف وارض، حيث تتصدر عناوين صحفهم وخطاباتهم ان الكورد مارقون خارجون عن الدين يريدون تفكيك العالم الاسلامي وشق الصف الوحدوي الديني، متجاهلين الواقع وانه في الاصل ليس هناك ما يسمى العالم الاسلامي، انما هناك فقط عوالم قومية اثنية متناحرة فيما بينها على الزعامة والسلطوية، ولا يتحكمون الا بالنظم والاعراف القبلية التي كانت سائدة بينهم فتأصلت في عقولهم المغلقة تماماً باسم الشرع والدين واقصاء الاخر طالما فيه قوام التحرر والتطور، ولن ينكر واعي هذا الامر في وقتنا الحاضر، فكل الامور عند القوميات الثلاث متصلة بالجذور والجدود، وتردد في الخفاء والعلن الكورد لم يسلموا الا متاخراً وحاربوا من اجل اوطانهم، وبقي منهم من هو مستمر على دينه الزرادشتي لوقتنا الحاضر، الكورد هم من اسقطوا دولة الشيعة الفاطمية، الكورد هم من ازاحوا الزنكية التركية، الكورد هم من حرروا القدس التي يدعي العرب انها لهم، الكورد هم الذين وقفوا بوجه المقبور البعثي، الكورد هم من وقفوا بوجه داعش الاسلامية التي يترأسها عربي، الكورد هم من يسعون لانشاء كيان مستقل لانفسهم، الكورد هم من يسعون لتقسيم الخراب المسمى العراق، الكورد هم الذين يحاربون السلطان التركي الجديد، الكورد هم الرافضين لهمجية اصحاب العمائم في قم وطهران، الكورد هم طرف معادلة صعبة في الواقع السوري، الكورد لديهم علاقات جيدة مع اسرائيل وامريكا واوروبا، الكورد ليسوا ترك وعرب وفرس، الكورد هم الذين لن يرضى عنهم العرب والترك والفرس ابداً.
هذه الهمجية العلائقية تتسيد عقول هذه القوميات الثلاث  تجاه الكورد، وكأنهم يتجاهلون انهم في الاصل منقسمون بين انفسهم، ومن ينظر الى الواقع ويرصد الوقائع سيجد كيف ان الصف النصي الديني الاسلامي منقسم على بعضه البعض بل حاقد على بعضه البعض لدرجة لايمكن ان يتنبأ احد بما قد يحدث بينهم، فالعراق العربي الموحد ليس الا اسم ، حيث الواقع يبرهن على انقاسمه العرقي الديني الاثني المذهبي الطائفي العقلي العاطفي الانتمائي النفسي، وحتى في ولائه منقسم، وسوريا تعيش نفس الوقع العراقي، كما لبنان، واليمن المنقسم على نفسه بجنوبه الرافض لسلطوية الشمال الشيعي والمدعوم من القنوات السنية المهيمنة على مداخل النص الديني، والباحث عن الاستقلال، والجنوب المدعوم باموال طهران، ومصر المنقسمة بين الاقباط والفرعونيين والاسلاميين المتطرفين والعرب غير المنتمين لمذهب واحد، وفي ليبيا والسودان التي انفجر جنوبها بوجه السلطوية فاخذت استقلالها، وقضية الشعب الامازيغي في الجزائر بل في الشمال الافريقي عموماً الشعب المهمش عرقياً ولغوياً وتراثياً وعقائدياً، وكذلك قضية الصحراء الغربية والصراع الدائر بين البوليساريو والمغرب وتاثيرها حتى على العلاقات الجزائرية المغربية احياناً، فضلاً عن ما يحدث الان بين السعودية الامارات والكويت وقطر، وليس ببعيد عنهم ما يفعله السلطان التركي في سعيه لاقصاء اية عقبة تقف بوجه مطامحه ومطامعه وسلطاته، ودعمه لقطر على حساب علاقاته مع السعودية والامارات، وايران التي الحكم عليها من خلال الكلمات ظلم بالكلمات، مصدر الفكر الاقصائي منذ اقدم الازمنة ومحالاوتها الحالية في بث روح الانقسام بين البلدان التي تضم اتباعها " العراق – سوريا – لبنان – اليمن – اذربيجان - افغانستان - باكستان – الهند - كشمير....."، كل هذا المناطق هي بؤر للصراعات الداخلية بين المذاهب والاطياف الدينية المدعومة كل من جهة خارجية.
ان الاجمال والتفصيل قد لايسعه مجلدات لاظهار هذه العلاقات المعقدة بين الاطياف المدعية بانها ظل الله على الارض وانها الوريثة الحقيقة للسلطوية النصية الدينية، لذا فالمقولة الدينية التي يمكن ان تكون ذا مغزى واقعي وتنطبق على الواقع الكوردي الحالي هو ان اذا كانت اليهود والنصاري لن ترضى عن العرب والمسلمين، فانه في حالة الكورد اليهود والنصارى راضين عنهم، ولكن العرب والترك والفرس لن ترضى عنكم ياكورد لذا استغلوا الفرصة التي بين ايديكم وقرروا مصيركم بانفسكم وكفاكم العيش تحت عباءة الولاء الديني المقيت لكم، وانتفضوا على احقادكم لبعضكم البعض، واسسوا لانفسكم دولة تقيكم شر من حولكم، ولتكن صراعاتكم بينكم لتطوير فكركم القومي والنضالي، وليس صراعا يلبس اوجه الاخرين من اتباع "طهرغداد" او تركستان ولا من بقايا عربستان، ان التاريخ لايخلد الا من استطاع الخروج من عباءة هولاء، وعاش عيشة كريمة حتى وان كان قد ضحى بحياته من اجل ذلك.

70
المنبر الحر / أ مازلت تساوم..؟
« في: 16:23 09/07/2017  »
أ مازلت تساوم..؟
جوتيار تمر/ كوردستان
7/7/2017
حين تتفاقم الحوادث في بؤرة ما، تتخذ المسالك الكلامية تعددية واضحة في التوجيه والاسلوب والمضمون، ولكوننا نعيش الواقع بكل تمفصلاته، فاننا نجدنا نتأثر بالوقائع والمستحدثات والامور المعتمدة على القيل والقال ضمن هياكل متعددة الانتماء في الغالب، وهياكل اخرى ضمنية متناسلة من الواقع نفسه، بعبارة اخرى هياكل تناسلت منها الاحداث وانتشرت في بقاع الخراب المسمى الارض، لذا حين ترصد كل عين الحدث لابد انها ستقوم بتأويله حسب معطيات وجوده الانتمائي من جهة، الجغرافي من جهة اخرى، وعلى هذا الاساس ربما تكون  كلماتي هذه اشبه برسالة مفتوحة الى شعوب الشرق الاوسط بكل قومياته وطوائفه ومذاهبه وتناقضاته، وجغرافيته التي لم تكن يوما مستقرة، رسالة قد تستفز البعض فيخرجون بوابل من اللعنات والشتائم على صاحب الكلمات الذي هو أنا، ولكن في الاجمال  ارى بان هذه كلمة لابد من ان تقال كوجهة نظر شخصية، وكل شيء قابل للقبول والرفض.
بين كل حقبة واخرى تظهر في الشرق الاوسط نعرات لاتتبنى اسلوب الحوار والاخذ والعطاء، انما اول ما تظهر تحمل سمة الفتك بالاخر، هذه السمة هي من الخصال التي تعودت عليها المنطقة اجمالاً، فالتاريخ الذي لايسعني ان اختصره هنا، يشهد على ان هذه المنطقة لم تعش سلاماً دائماً ولا امناً دائماً الا في الخواطر الاعلامية والموشحات الشعربة والخطابية والبلاغية والخيال الميثولوجي ولربما احياناً في حقبات الخلايا الميتة ذات الطابع السباتي، كالخلايا الارهابية بسكل تصنيفاتها من قومية ودينية ومذهبية وطائفية وعرقية واثنية واقتصادية واجتماعية وعسكرية وثقافية، هذه الخلايا التي ان دخلت في سبات لاتموت انما تأخذ فترة استراحة واستعداد وتنظيم واعداد لكونها في مظهرها الحالي المرفوض- اقصد وقت ظهورها - لم تجد استحساناً او قبولاً او حتى نجاحاً، لذا تلجأ الى السبات المؤقت، وبهذه الشاكلة تبقى المنطقة على فوهة بركان خامد مؤقت، لااحد يعلم متى ينفجر بوجه الاخرين او باية صورة سيظهر وبأي لباس او فكر او دين او قومية.
وحين تظهر تلك الخلايا من جديد تتحول المصوغات والمقولات من مرحلة الدفاع الذاتي الى مرحلة التبرير في البداية وحين لايجد التبرير قبولا دولياً نجدها تتحول الى مرحلة نظرية المؤامرة وحين تنكشف الحقائق وتخذل نظرياتهم تلك يتحولون الى مرحلة التبرءة من تلك الخلايا التي هي في كل الاحوال وليدة وجودهم ومتناسلة من ترسبات افكارهم واعمالهم داخل مجتمعاتهم ومواقفهم تجاه الاخرين، ويبدأ العويل والنباح الاعلامي والغريب في الامر ان النعرات هذه تستشهد بالتاريخ غير المرئي الذي دونه السلطات سواء القومية او الدينية او المذهبية والطائفية وبذلك يحاولون التستر على الثغرات التي لانهاية لها في البنية الاجتماعية والوجودية والفكرية والسياسية داخل مجتمعاتهم المتناقضة، وكأنهم يعالجون احد الامراض المزمنة الفتاكة ببعض المهدئات لا للعلاج انما فقط لاطالة العمر بقدر الامكان، وأي مواجهة مباشرة سواء بين الاضداد المتآخية ذات البنية القومية المفترض انها واحدة، او ذات البنية الدينية والمذهبية والطائفية الواحدة، فانهم ينحلون بسرعة لايتخيلها من يرصد اعلامهم، فتشتغل البلاغة والبيان ضمن مجموعات متحالفة ضد مجموعات تراها عميلة وخائنة.
ان الحقائق التي يمكن رصدها من هذه الازدواجية على وجه الخصوص يمكن ارجاعها الى عدة امور ولعل ابرزها كون ان الوجود السبقي لهذه المنطقة عموما كان في الاصل  وجوداً قائماً على مبدأ المساومة والتناقض،  وحسب نعرات تعتمد على اذا امنت بنا تسلم من سوطنا، وان لم تؤمن يهدر دمك وعرضك ومالك وارضك وتصبح ملعونا وهذا لم يقتصر على حقبة زمنية محددة، انما الامر مستمد من الجذور البدائية للمنطقة، فسواء أكانت الاديان اتت لتنادي عكس ذلك ام لا، فان الواقع يؤكد ان مبدأ المساومة لم ينقطع تاريخياً في المنطقة في اية برهة دينية او سياسية، لهذا ما قد تأصل في الجذور سابقاً يصعب ان يتغير في النفوس لاحقاً، لكون اللاحق هو امتداد جذري للسابق في كينونته ووجوده وعرفه وتقاليده ودينه وسيادته وقبيلته وعشيرته وشيخه.. واي مقارنة تخرج من اطار العموم القومي الديني " المُدّعي انه وحدوي " الى فترات من الرخاء في بعض القرى والمدن المتفرقة ليس الا سخرية بعقول الاخرين، واستهزاء بالواقع الذي لاينكره الا المتعصب القومي الديني الاعمى الذي في الاصل اتبع نعرته القومية او دينه دون ان يتساءل او يبحث عن المضمون او المبدأ.
لذلك  تكثر التساؤلات حين تزداد المعوقات، او حين تظهر الخلايا بلباس وجلباب مختلف في الظاهر ولكنه في الجوهر مبني على تلك الاسس السبقية البدائية التي تناسلت منها تلك الخلايا، وهذا ما يجعل من كل ازمة في المنطقة اشبه بانفجار لبركان، حيث تنشغل الاوساط العالمية والدولية بها، لاسباب ان قلنا بانها نابعة من كون المنطقة هي اساس البشرية ومهد الحضارات ومهد الانبياء والاديان فاننا نخدع انفسنا لاسيما في القرنين العشرين والحالي، لكون المسألة واضحة، لاتوجد مؤمرات دينية صليبية بوذية سيخية اسلامية جانتية زرداشتية ميثرائية ولا هي من موروثات المايا والازتيك والانكا، انما هي مسألة النفط والحرب الاقتصادية التي اصبحت هي الاله الاكثر قبولا في معابد الوجود الانساني، وعلى هذا الاساس تحولت المسارات الادعائية ذات القومية الواحدة والدين الواحد الى اشكاليات اخرى ترافق هذا الوجود المتناقض لهذه البؤرة الدموية الشرق اوسطية، فالمساومات لم تعد مبنية على اسس شمولية انما تحولت الى ابناء القبيلة الواحدة، او لنقل دولة على حساب دولة، وداخل الدولة الواحدة نفسها اصبحت المساومات فوضى تهدد بزوال الكيانات كما يحدث الان في اغلب البؤر الشرق اوسطية، وهذا بلاشك نتاج التكوين البدائي للانسان في المنطقة وليس انتمائه الى تلك الخلايا الا تأصيل لهويته.
وضمن هذه الايقونة المتناقضة تحتل مشاكلات بعض القوميات التي فرضت المصالح الدولية قديما وحاضراً وجودها ضمن هياكل هذه الدول مكانة واضحة، فتلك المشاكل منذ خضوعها القسري للواقع الدولي لم تقف ساكنة، انما ظلت تتحرك ضمن دوائر متناقسة ومتناغمة وحسب الامكانيات التي توفرت لديها، دون البدء بخوض معترك الصراع المباشر في اوقات ضعفها، انما اعتمادها على هياكل متعددة في صياغاتها لخطابها القومي وكذلك في مساعيها لبلوغ مقاصدها القومية، وهذا بلاشك اضاف الى بؤرة الشرق الاوسط مشاكل اخرى، لن تنتهي الا بعدما تاخذ تلك القوميات حقوقها القومية من جهة والجغرافية من جهة اخرى، وبلاشك من يقرأ المقال سيعرف باني اقصد الكورد كقومية وكوردستان كجغرافية، فلان الكورد هم وجود سبقي ايضاً في المنطقة حالهم حال الترك والفرس والعرب، فان ما يحدث لهم لايخرج من دائرة الرصد المساواماتي، فحين تنظر الى الموجودات الاخرى تسعى لتحقيق اغراضها واهدافها على حساب المكونات والموجودات التلازمية السبقية في المنطقة، فان الكورد ليسوا بخارجين عن المعادلة في سعيهم للحصول على اهدافهم، واستغلال الظروف اجمالاً للوصول الى مقصدهم الاساس وهو بناء كيان لهم، وبلاشك هذا الكيان لن يكون انموذج فريد من حيث المنطق لوجود النعرات الداخلية كما في الدول الاخرى، ولكن من حيث المبدأ يقول الكوردي لماذا نعراتي لاتكون من بني جنسي وقومي، بدل ان تكون من اقوام لاتربطني بهم سواء فرضية الجوار وفرضيات ولربما فرضية الدين المنقسم ذاتياً.
انه المنطق الاكثر شيوعاً الان بين الاوساط الكوردية، ولعل من قائل يذكر رفض بعض الاحزاب الكوردية هذا المبدأ، ولكن اجمالاً وبالنسب المعتمدة على استحصالات الاحزاب فان الغالبية هي التي تتوحد في توجهم لاستغلال الظرف الدولي الحالي والقبول الدولي للكورد ضمن هياكل وتحالفات سواء أكانت وقتية او لا، وهذا ما يجعل من القلة المعارضة تخوض غمار معركة مع التاريخ القريب، لمساومتهم على الامر الاهم في المرحلة الحالية وهو ما يتعلق بكوردستان او بكيان كوردي يمكن ان يكون في الامد القريب البعيد نقطة انطلاق لتاريخ اشمل ورقعة جغرافية اوسع، على الرغم من المساومات التي تظهر في العلن والتي تحاك في الخفاء من اجل كبت وطمس معالم هذا الامل الكوردي، فان على الكورد ان لايساموا داخلياً في هذه المرحلة، مع امكانية قيامهم بمساومات اخرى خارجياً لتدعيم موقفهم الداخلي وليس للتعارض.

71
المنبر الحر / تساؤلات بدون اجوبة
« في: 20:03 03/07/2017  »
تساؤلات بدون اجوبة
جوتيار تمر/ كوردستان
30/6/2017
تتخذ الاحداث في الشرق الاوسط بصورة عامة مساراً درامياً غير واضحاً، حيث الغالب على السيناريوهات النهايات المفتوحة التي لاتعطي صورة واضحة للحدث، بل تترك المتابع يعيش في حالة من الدهشة، وكذلك تثير عنده الكثير من التساؤلات التي لا اجوبة لها، لكونها لاتحمل سمة الشفافية في الطرح من جهة، ولكونها لاتصدر عن وعي نابع الواقع الداخلي الملامس للشعب من جهة اخرى، فهي في الغالب تخرج من بين براثين التحالفات الخارجية الطائفية والدينية والقومية دون اية مراعات للمكونات الاساسية للمجتمع الشرق اوسطي، فلا السلطات تعمل على وعي تلك المكونات ومستحقاتها ولا الدول المتحالفة تعمل على خلق مسار ونسق داخلي لهذه المكونات، وبذلك اصبحت كل المقولات وكل القرارات وكل التحركات والتصريحات اشبه بالاجوبة للكثيرين، على الرغم من انها ليست الا تأويلات وقتية ربما تلتقي مع الحدث بصورة عارضة او بصورة مؤقتة دون ان تعطي الاجابة الحتمية التي يمكن للمتابع ان يستشهد بها على الصعيد الذاتي او الانتمائي القُطري.
ومن ضمن تلك الاحداث التي كانت ولم تزل تسيل لعاب الكثير من الوسائل الاعلامية من جهة والكثير من التيارات الحاقدة سواء العروبية او المذهبية الطائفية الدينية او حتى الفارسية والتركية، ما يتعلق بالكورد وكوردستان، لاسيما القرار الذي تم اتخاذه من رئاسة اقليم كوردستان باجراء الاستفتاء على استقلال كوردستان في 25-9-2017، الامر الذي احدث تغيراً في صيرورة الاحداث الشرق اوسطية من جهة، وفي صيرورة الاحداث القومية في المنطقة من جهة اخرى، فالشرق الاوسط وبحسب اغلب التأويلات والتحليلات الداخلية والخارجية مُقبل على تغيرات طوبوغرافية واثنية وجغرافية حتمية، لاسيما فيما يتعلق بالدول التي تشهد صراعاً داخلياً مريراً من قِبَل المكونات العرقية غير المتجانسة التي ضُمت الى تلك الدول بصورة قسرية وفق مخططات سبقية" معاهدات واتفاقيات" وضعتها اصحاب القوى المسيطرة على الموجود الكوني " المنظومة العالمية "، والتي لم تزل تمارس عملها بشكل واضح وليس بخفي على احد،تلك المنظومة تشكل الان اهم معلم سياسي اقتصادي عالمي، بحيث ان مصالحها تطغى على اية شعارات قومية او دينية او حتى انسانية.
هذه الدول ذات المكونات غير المتجانسة تضم بين حدودها الكثير من القوميات والمذاهب الدينية التي لايمكن ان تتجانس عبر الحوارات ولا عبر التدخلات العسكرية، بعبارة اخرى ان الانظمة الدكتاتورية التي توالت على المنطقة لربما استطاعت ان تكتم الافواه بالقوة والسجون والاعدامات والابادات الجماعية، الا انها لم تستطع ان توحد تلك المكونات ضمن اطار جغرافي يمكن ان يقال له دولة متجانسة، فكل من لبنان وفلسطين والعراق واليمن والمغرب والجزائر وتركيا وايران وسوريا والسودان كلها دول قد تظهر للعيان اعلاميا بانها دول يمكن ان تعيش وفق منطق التعايش السلمي بين المكونات التي تعيش فيها، ولكن في الغالب الامر شبه مستحيل، فكل مكون له تراثه وتقاليده القومية الخاصة به، وكل مكون له انتمائه العقائدي الذي لايمكن ان يتنازل عنه لاي طرف اخر.
وحين ننظر الى العراق من خلال الاطار المذهبي والقومي سنجد بانه لايوجد اي شيء يمكنه ان يوحد الافكار والتوجهات ولا حتى المساعي من اجل الابقاء على الداخل متجانساً مكملاً لبعضه البعض، فالعرب منقسمون مذهبياً الى سنة وشيعة، ومن يقول بانهما قد يجلسان على طاولة واحدة ويتنازل احدهما للاخر عن سيادته اعتقد بانه يعيش في عالم من الخيال، ومن جانب اخر من يقول ان الكورد والعرب قد يتقاسمون الوطن اي وطن كان امر مستحيل تاريخياً، ومن يقول بان المكونات الاخرى ستعيش وفق منطق محدد فهو الاخر لاينظر الى الواقع الا من خلال انتمائه العرقي المهمين عليه ولربما المثالية المتعالية، لان المكونات الاخرى لن تنظر الا الى مصلحتها وحسب التوجهيات التي تاتي اليها من الخارج اقصد من القوى الدولية التي تنتمي هي اليها.
وبالتالي هذا الانموذج الخرافي ينطبق على اغلب دول المنطقة، فلبنان لاتعيش بعيدة عن هذه النعرات غير المتجانسة، وكذلك فلسطين وسوريا واليمن والمغرب وحتى مصر، وبهذه الحالة تبقى كل المصوغات البلاغية الاعلامية الداعية الى الوحدة الوطنية هي ليست الا اشكاليات وهمية نابعة من تصورات قومية او مذهبية سلطوية حاكمة تريد الابقاء على مكتسباتها السلطوية التي تتحكم هي وحدها بمواردها وبكل مقتنياتها وحتى بتشريعاتها وبعبارة اخرى هي المستفيدة من تطبيقاتها، وليس بخافي على احد ان هذه الفيئات السلطوية القومية والمذهبية لاتملك لحد الان ادنى فكرة عن المعيات والتلازمات الدولية التي تجبر المنطقة على تقبل المتغيرات على جميع الاصعدة، وتلك الفيئات ايضا لاتملك اية اجوبة حول الماهيات التي تفرضها المنظومة الدولية على المنطقة لانها باختصار مشمولة بكل القرارات الصادرة من المنظومة، وعلى هذا النحو  الضبابي تسير المنطقة نحو ما هو مخطط لها مسبقاً، ونحو مستقبلها الذي غالباً ما يمهد له باراقة المزيد من الدماء سواء بظهور تيارات دينية ارهابية كالقاعدة وجند الاسلام والجيش الثوري الايراني وجبهة النصرة وحماس والتيارات الارهابية في الجزائر وكذلك داعش وبوكوحرام وغيرها من التيارات الدينية الارهابية، او من خلال الحروب القومية  والاهلية سواء داخل البلد الواحد او مع دول الجوار، كما سبق وان حدث ذلك في لبنان" المسيحيون بكل طوائفهم - المسلمون بكل طوائفهم-  الدروز " و"فلسطين التياري الفتحي والتيار الحماسي واسرائيل"، والعراق على المستويين "الاهلي بين الحكومات المتعاقبة والكورد -  والخارجي بينها وبين ايران – الحرب القومية المذهبية "، وفي "اليمن – الحرب الطائفية المذهبية "  والسودان التي انشق عنها جنوبها  وكذلك "سوريا- الكورد – العرب السنة – العرب العلوية "، و"تركيا – الحرب الطاحنة بين الحكومة والكورد – بين التيارات السياسية التركية ارودغان وكول – والصراع التركي الفارسي ، والصراع التركي الروسي.." وكذلك في " ايران – بين سلطة ولاية الفقيه والكورد – وبينها وبين العرب في الجنوب الايراني – وبينها وبين دول الجوار – وتدخلاتها في لبنان من خلال حزب الله – وتدخلاتها في سوريا من خلال العلوية – وتدخلاتها في العراق باعتبارها المرشدة والمهيمنة على تحركات الحكومة العراقية"  والى غير ذلك من الدول التي لن تتجانس وستبقى مهددة بالفتن الداخلية قبل الخارجية.
قد ينظر الاخرون الى مقالتي بعين غير مجردة، ويتهمونني باني اثير الفتنة بين الاطياف والقوميات " المكونات " داخل هذه المجتمعات التي اعلامياً يجمعها حدود او دين او حتى اصل وعرق، لكن الحقائق واضحة لمن يريد ان يخرج من داخل قوقعة الاعلام والشعارات والمثاليات الممغنطة باسم الوطنية والوحدة والقومية والدين الطائقي والمذهبي، الى الواقع العياني الذي لايحتاج الى تأويلات الفقهاء، وتحليلات الساسة، فما من قومية لديها الرغبة في التنازل عن حقوقها باسم الوحدة للاخرين، ومن مذهب او طائفة لديها الرغبة في التنازل عن اسبقيتها الدينية الفقهية للاخر، وما من مكون يريد التنازل عن الدعم الخارجي لها في سبيل الوحدوية الشعاراتية التي ينادي بها فقط اصحاب الكراسي السلطوية ليس من اجل بناء دولة قوية انما للحفاظ على سبقيتها السلطوية وتسلطها التشريعي.
ولهذه الاسباب لاشيء يمكنه ان يعيق التحركات والتحالفات على جميع الاصعدة بين هذه المكونات والقوى الداعمة لها خارجياً وداخلياً كي تستعيد حقوقها المهضومة من قبل السلطوية اللامستقلة، فالكورد مثلاً ليس لديهم ادنى شك بانه لن يحكم الخراب المسمى العراق الطائفي حزب او طائفة او قومية الا على حساب القوميات والمذاهب الاخرى، وبالتالي فان اي رضوخ لمنطق العراق الموحد ليس الا خيار الذين لديهم مصالح مادية اقتصادية داخلياً وتبعية خارجية، فالواقع يقول بانه لم تستطع اية حكومة عراقية ان تعطي اجوبة مقنعة للكورد الى وقتنا هذا، الا عبر وعود وهمية وتحركات داخلية وخارجية هدامة، تحاول من خلالها شق الصف الكوردي لابقائهم ضمن دائرة التبعية، فكل التحالفات التي تقوم بها الدولة" السلطوية"  لتحقيق هذا الغرض هي مقدسة، ولكن تحالفات الكورد للحصول على حقوقهم خيانة وعمالة، ووفق هذا المنطق ليس للكورد الا الخروج من دائرة ولاية الفقيه، ومن دائرة التبعية السنية، ومن دائرة الحكومات الطائفية ذات الطابع القومي تارة والطابع الطائفي المذهبي تارة اخرى، الى الحرية والتي لن تاتي الا من خلال الاستفتاء الحر الذي من المزمع اجرائه في "سبتمر" المقبل، وذلك لتحقيق المطلب الكوردي النضالي التحرري من جهة، وكذلك لوضع حد للوعود الوهمية التي لم تزل الالسنة ذات التبعية المذهبية والطائفية تطلقها بين فترة واخرى، فالكورد من خلال سعيهم الدوؤب للحصول على حقوقهم القومية والوطنية لم يحصلوا منذ عقود طويلة خلال مسيرتهم النضالية على اية اجوبة صريحة ومباشرة يمكنهم التشبث بها، لذلك لاامل للكورد الا الاستفتاء الذي من خلاله يقررون مصيرهم بايدهم، حتى ان فشلوا في اداء مهام الحكم فانهم بذلك يقررون مصيرهم بايدهم وليس بايدي الاخرين الذين لايسعون الى لبث الفتنة داخل المجتمع الكوردي لابقائه تابعاً لهم.


72
المفكك اصلاً لايجتمع
جوتيار تمر/ كوردستان
 5-5-2017
من يترقب الاحداث في الشرق الاوسط سيؤمن تماماً بان هذه البقعة – البؤرة – هي اشد المناطق تناقضاً وتفككاً في العالم اغلبه ، فحتى المناطق التي تطل علينا بعض القنوات الفضائية من حين الى اخر وتظهرها على انها بدائية مستكشفة جديداً هي بنظر الكثيرين اكثر استقراراً ووضوحاً  وتلاحماً وعدم تناقضاً من الشرق الاوسط، البؤرة التي اقلقت امن العالم وهدمت كل الممكنات التي يمكن للانسان ان يعيش من خلالها في آمان وسلام، فبثت سمومها للعالم اجمع من فكر ارهابي، الى عصبية قبلية ،او مصلحوية ،الى خيانة ، الى مذهبية طائفية،الى بيع كل شيء من اجل الحفاظ على الكراسي، والى غير ذلك من الامور التي يمكن لمخيلة اي انسان ان يتصورها ويصل اليها عبر بوابة الشرق الاوسط.
حين قلنا في مقالات سابقة عن ابناء هذه المنطقة "العروبة بالذات" انهم ينظرون فقط من النافذة التي تحقق همجيتهم المصلحوية القومية الظاهراتية الاعلامية، لم نقل ذلك من باب الصدفة، بل لقناعاتنا التي استمدناها من التاريخ اولاً ومن الواقع العياني ثانياً، فحين خرجت جموعهم المفككة قبلياً والموحودة اعلاميا على الكورد لعلاقاتهم المعلنة مع اسرائيل – التي مازلنا نفتخر بتلك العلاقات لكونهم اول  دولة اعلنت بانها تؤيد كوردستان مستقلة – انبعثت روح العصبية القومية والقبلية عند الكثيرين منهم واجتمعوا على عراق موحد لايفرقه شيء، وراحوا يصبون جام غضبهم وحقدهم وبغضهم على الكورد، بصورة عمياء واضحة،  ولطالما رد الكورد عليهم اذهبوا وانزلوا علم اسرائيل من قلب عواصمكم اولاً، كالدوحة وعمان والقاهرة والمغرب وغيرها من الدول التي تتعامل بالسر مع اسرائيل، وحاولوا ان تتفقوا بينكم وان توحدوا سعكيم لاجل قضاياكم ثم بعدها اهتموا بقضايا الاخرين، لكن مع كل البراهين والصور والادلة كان الحقد الاعمى هو الاساس في تعاملهم مع الكورد والقضية الكوردية، ولم يفكروا ابداً بان الحقد لايأتي الا برد فعل معاكس قوي ، فاصبحت الامور على هذا المحمل، من يؤيد وجود كوردستان مستقلة اهلا به، ومن لايؤيد فليشرب من مياه البحر ، وبات الكورد مقتنعين بان عقول هولاء ارتوت من الرمال وطبع الرمال تجرفها الرياح كيفما اتت، حيث لامستقر لها ولاثبات، لذا كان الكورد ومازلوا مؤمنين بان كل عربي سلطوي يكره الاخر بقدر كرهه لهم ككورد، مع ايمان مطلق بانهم لايكرهون اسرائيل الا اعلامياً.
 ولم يمهل الزمن الكثير حتى يبرهن على تلك الحقدوية الطاغية لهولاء  على بني جلدتهم ايضاً، فها هي قطر التي جلبت على نفسها كل الحقد والكراهية والبغض الذي كان ابناء القبائل – الدول – في المنطقة قد صبتها على الكورد، وهي تفعل ذلك فقط من باب العصبية والحمية القبلية لااكثر ولااقل، فليس في هذا الامر دواعي دينية لانه يمكن التفاهم معها على مسلمات ومحاولة جرها الى الوسطية في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والحفاظ على انتمائها القبلي ايضا، قطر التي تحولت من دولة عربية خليجية الى دولة ارهابية سواء من خلال الطعن في تصريحاتها المتعلقة بايران ومحاولة بناء علاقات متينة معها والمطالبة بمعاملة افضل لها في المنطقة، او من خلال جعلها بؤرة الارهاب والداعم الاساسي والحقيقي للجماعات الارهابية، وهم بذلك يناقضون انفسهم، ففي حين يلبسون قطر رداء الارهاب وقطر هي بلد عربي " امة " عروبية "واحدة غير مفككة اعلاميا "، فانهم ينزعون ذلك عن ايران التي كانت حتى قبل احداث قطر  العربية هي الداعمة بنظرهم للارهاب بل كانت هي الارهاب بعينه هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فانهم يستندون  في خطاباتهم الموجهة ضد قطر العربية على تداعيات سبقية، تمخضت عن زيارة ترامب الاخيرة للمنطقة بحيث خلق تحالف قوي ضد السعي الايراني للتمدد في المنطقة، وحين ننظر الى الواقع فان اي ممر لايران الى عمق الخليج لايمكن تقبله من قِيَل الاطراف التي تبنت قرارات المنظومة المتمثلة بالنظام العالمي الذي يتسيده الويلات الامريكية المتحدة.
لهذا نجد بأن الامة المفككة جوهرياً والمتحدة اعلامياً خرجت من تحت عباءة الامة الواحدة، لتظهر معدنها الاصلي والذي لم يكن في يوم من الايام متحداً اصلاً فالتاريخ يشهد، بانه حتى في ايام الدول الاسلامية  في عهد الرسول ومابعده كان التناحر والتنافر والمصالح والمحاولات الجاهدة للوصول الى السلطوية القبلية كانت موجودة ولم تزل تسري في عروقهم حتى وان اسسوا الف جامعة عربية وجلسوا الالاف المرات حول الطاولة، فان كل قرراتهم وكل مساعيهم هي فقط لتحقيق مصالحهم عبر تأكيد ما قم تم فرضه من قبل المنظومة العالمية، ولننظر الى ما حدث لقطر التي تحولت من دولة مساهمة في الحرب على الارهاب ، وحاضنة القاعدة الامريكية  على اراضيها التي منها وجهت الضربات للعراق أبان حرب الكويت والتي في الوقت نفسه المحور الاساس في التعامل مع التهديدات الايرانية للمصالح الامريكية في المنطقة تحولت بلمح البصر الى دولة مساندة للارهاب ، فاصبحت الدول العربية ذات الامة الواحدة تنظر اليها على انها تهديد لامنها القومي والوطني، وتحت شعار حماية لأمننا الوطني من مخاطر الارهاب والتطرف نقطع العلاقات مع قطر التي اصبحت بنظر هذه الدول العربية ذات الامة الواحدة تهديداً حقيقياً على وجودها السلطوي، ومن يقرأ التداعيات التي استندت عليها هذه الدول لفرض خطابها الحالي حول قطر سيجد بانها اجمالا تظهر مدى التفكك القومي اولاً والديني ثانياً الموجود بين هذه السلطات الساعية لتحقيق مصالحها فقط، فقطر بنظرهم تنتهك سراً وعلناً الشأن الداخلي السعودي من اجل بث روح الانشقاق فيها، وتستخدم وسائل الاعلام لتأجيج الفتن داخلياً " بحق الاعلام القطري اعلام فتنة " ، ومن ضمن السياقات الاخرى الداعمة لذلك الخطاب الموجه ضد قطر ان الاخيرة تروج لادبيات ومخططات الجماعات الارهابية عبر وسائل اعلامها بشكل دائم " مثلا قناة الجزيرة داعشية " ، والنقطة الاهم والتي تعبر عن المكنون الحقيقي للخطاب العروبي الحالي الموجه ضد قطر وهي ان الاخيرة تدعم نشاطات الجماعات الارهابية المدعومة من ايران في محافظة القطيف السعودية وفي مملكة البحرين، فضلاً عن دعمها لميليشيا – حسب رأيهم – الحوثي الانقلابية حتى بعد اعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن، ناهيك عن دعمها للعمليات الارهابية الموجهة ضد البحرين.
لنتوقف عن مفهوم الامة الواحدة، ومجلس التعاون الخليجي العربي وتلك المليارات التي صرفت على هذا المجلس على كافة الاصعدة، والذي اعلامياً ظهر ولم يزل يظهر على انه البناء الوحدوي العروبي للخليج والساعي لحماية ابناء الامة العربية من اي تجاوز غير عربي على المنطقة، ولااخفيكم سراً بان المجلس في الاصل كان مفككاً، لكن الاعلام القوي ذا السمة السلطوية اظهرته على انه كبير وقوي، ففي حرب الكويت ظهر قوة المجلس الذي كان ولم يزل عاجزا عن التعامل مع اي حدث عالمي بقرار ذاتي دون اللجوء الى الحضن الكبير للبيت الابيض ومن هناك يتم الاقرار، هذا التفكيك القبلي للمنطقة ليس بامر مستحدث وكما سبق وان نوهنا بانه متجذر حتى في قمة السطوة العروبية على المنطقة كلها، فالتاريخ يشهد كيف تمردت القبائل على الاسلام منذ البداية وكيف انها سعت لخلق عالمها الخاص بعيدا عن ادبيات الاسلام وقتها، وتاريخياً تتصدر حروب الردة اية مطامح لانشاء كيان عربي موحد حين كان الاسلام في ذروته ايمانياً وروحياً، فتلك القبائل خرجت من عباءة السلطة لانها في الاصل كانت مؤمنة بان الاصل في الامر هو التفكيك وليس التجميع الاجباري القسري الذي كان يهدد بقطع الرؤس لمن لاينصاع وقتها، هذه البنية التفكيكية لازمت المنطقة الى وقتنا الحالي، فالقبائل التي تحكم باسم الدولة هي نفسها التي كانت تتناحر مع بعضها الاخر من اجل تثبيت سلطانها على المنطقة، واعتقد بان ما يحدث لقطر ليس فقط من باب الامن الوطني والسعي لسد منافذ الارهاب، انما هو السعي لاقصاء اي تمدد قبلي اخر في المنطقة يمكنه ان ينافس القبيلة المتسيدة على المقدسات، وذلك عبر تحالفات خارجية مع دول غير منصاعة لمنظومة المقدسات اولاً وغير منصاعة للمنظومة الدولية وهذا الاهم.
ان حالة التفكيك التي تظهر بشكل جلي عبر مسميات ارهابية لجماعات اسلامية هي في صميمها ارهاب مقنن موقوت، لايمكن اعتبارها الهدف الاساس والحقيقي لهذه الوفضى التفكيكية الموجودة في الواقع العياني، لان الاخوانجية المصرية هي نفسها الموجودة في كل الدول الاخرى من الكويت وقطر وسلطنة عمان وحتى البحرين وتركيا وسوريا والعراق، ناهيك عن الوهابية الموجودة في السعودية هي نفسها الموجودة في تلك الدول بالاضافة الى العراق، هذه الجماعات الاسلامية هي التي تتسيد الحالة السلطوية في المنطقة، فكيف بين عشية وضحاها تتحول اخوانجية قطر  الى اخوانجية داعمة للارهاب لكونها على علاقات جيدة مع ايران والاخوانجيات الاخرى تبقى متحدة، انه لسؤال محير حتى حول مفهوم الامة لدى هذه الجماعات الاسلامية فلا احد يشك بان احدى المعتقدات الاخوانية كانت ولم تزل الاممية، فكيف لتلك الاممية ان تتهاوى بهذه الصورة لمجرد ان قطر اقتربت من ايران، الا اذا كانت الاممية تلك في الاصل مبنية على المصلحوية السلطوية باعتبارها هي الفيصل في الحكم على الاخر ومدى ولائه.
الصورة الاجمالية للحدث مترابطة من حيث الحبكة السلطوية لكنها في الاصل مبنية على اساس مفكك قبلي قديم، لايمكن ان يجمع بين اجزائه شيء، سواء أكان دين او مصلحة الا ظاهرياً، ومن اجل ذلك اصبحت قطر  القاصية معرضة لتهديد الذئاب، ومن يعرف معنى الذئاب سيعرف بانها في اسلم حالاتها تقول لست من الذئاب لكن لااريد ان تفترسني الذئاب، تلك المقولة التي هي شبيهة بمقولة ميكافيلي الغاية تبرر الوسيلة، فالغاية واضحة وكبش الفداء الوسيلة الان هي قطر، واعتقد بانها البداية .. والسؤال يا ترى من التالي ضمن المتغيرات التي تفرضها المنظمومة على الواقع العربي الوحدوي اعلاميا التفكيكي جوهرياً، وما هي التداعيات التي سيفرضها التدخل الايراني لحل المشكلة من جهة، والتدخل التركي لنفس المغزى والغاية، وما تأثير كل هذا على القضية الكوردية باعتبار ان كل من ايران وتركيا والعراق المفكك الحالي لهم مصلحة في وأد الكورد من جديد...؟.


73
الاعلام العربي بين الفرقعات والواقع *
جوتيار تمر/ كوردستان
30/5/2017
ان المتمعن في ماهيات الاعلام سواء أكان من باب التخصص او الاطلاع او الفضول لابد ان يجد بعض المعالم والملامح التي تتسم به الاعلام الناجح المبني على اساس من الثقة في طرح المادة الاعلامية، وقوة المصادر التي يعتمد عليها سواء المالية الداعمة للاستمرارية او المصادر المعلوماتية التي تحقق لها المصداقية والثقة في آن واحد، والاعلام الجديد بكل مسمياته الإعلام الرقمي، الإعلام التفاعلي، إعلام المعلومات، إعلام الوسائط المتعددة، الإعلام الشبكي الحي على خطوط الاتصال ( Online Media)، الإعلام السيبروني ( Cyber Media)، والإعلام التشعيبي ، ( Hyper Media ) ، يمتلك عدة سمات وخصائص لايمكن التغافل عنها، كالكونية، والتفاعلية واللاتزامنية والانتباه والتركيز والحركة والمرونة ومن ثم اندماج الوسائط لديه وكذلك التخزين والحفظ وناهيك عن سمات وصفات وخصائص اخرى كلها توظف من اجل اخراج اعلام قوي ذا مصداقية وقبول لدى الشرائح الاجتماعية بكل تصنيفاتها، وحين ننظر الى الاعلام العربي ظاهرياً سنجد بانها تمتلك المساحات الاعلامية المذكورة ظاهرياً فهي لديها التقنيات الحديثة التي تعطيها الحق في امتلاك تلك الخصائص، ولديها الندرة الحدثية باعتبار ان الاراضي العربية هي مصدر لكل حدث لااقول شاذ عن الاحداث الاخرى لكنه مختلف عن المساحات الاخرى، فالمنطقة العربية قديما وحديثاً هي بؤرة الصراعات سوأء الصراعات القبلية للزعامة الدينية والقبلية او الصراعات الدموية التي لم تتوقف تاريخياً الا لحقبات زمنية قليلة وذلك من اجل اعادة التعبئة والتنظيم او بالاحرى من اجل الحصول على تحالفات جديدة تقدم دول المنطقة لها تبعيتها وتحقق السلطات مصالحها لتعود من جديد الى خلق المزيد من الدمار والقتل.
اذا لايمكن اخفاء المعالم الظاهراتية المتطورة للاعلام العربي، فتكدس الاموال في خزائن السلاطين العرب جعلت من اعلامهم يوازي صناديقهم " مواردهم المالية" وهذه الموارد جعلتهم يستعينون باحدث الاساليب العلمية والتقنية من اجل ايصال رؤيتهم – هذا ان كانوا في الاصل يمتلكون رؤية مستقلة – ولايمكن انكار هذا البذل الواضح في هذا المجال، ولكن في الوقت نفسه، دعونا ننظر بتمعن الى الامور الاساسية خارج الدعم السلطوي التي يركز عليه الاعلام العربي، سواء التي تمس القضايا الاساسية للشعوب العربية، او التي تخص السيادة العربية على مواردها، او تلك التي تخص الدول التي تسيطر على المنظومة العالمية وتقوم بادارتها وفق مصالحها ورؤاها النابعة من كيانها ومن عقليتها الساعية دائما لكسب المزيد من المكتسبات لشعوبها.
الاعلام العربي كان ولم يزل منشقاً على نفسه في دعم القضايا التي تخص بني جنسهم، وهذا واضح تماما في سير الاحداث التي ترافق المنطقة من جهة، والتي تدعمها السلطات اصحاب الاعلام الابرز في المنطقة من جهة اخرى، هذا الانشقاق لايمثل في صورته المرئية والعقائدية الا النعرة القومية الدينية معاً، فكل الاعلام قد يوجه للطعن في حزب الله اللبناني باعتباره يميل الى ايران، وكل الطعنات توجه الى الاعلام السوري لكونه ايضا يميل الى ايران، والاعلام اليمني المنشق على نفسه والقضية هناك واضحة لاتحتاج الى تفسيرات وتأويلات كثيرة، في حين ان الجزء الاهم في سير العملية الاعلامية والتي يتعلق بالمسائل والقضايا الانسانية غير مرئية لدى الاعلام العربي الا من منظور التعصب المذهبي الديني القومي، فصور الاطفال الذي يموتون جراء قصف الجيش السوري تظهر على الاعلام بشكل مستمر ولكن الاطفال الذي يموتون جراء تحركات القوات المفككة – اقصد غير المنسجمة قوميا وعقائدياً – هولاء ليس لهم حق او نصيب في هذا الاعلام، وهنا يفقد الاعلام مصداقيته لكونه يتحول من اعلام قضية الى اعلام سلطوية مذهبية دينية، والامر سيان في كل من فلطسين التي نجد بعض القنوات تركز على القصف الاسرائيلي وما يخلقه من دمار ويسميه وحشية في حين ان طعن مواطن اسرائيلي بالسكين على الشارع يعد لديهم عملاً بطولياً، وفي نفس السياق ما يحدث في العراق مثلاً، ان تذبح داعش المواطنين في الموصل امر عادي، ولكن دخول القوات العراقية للاحياء والازقة داخل الموصل ينذر بكوارث بشرية وانسانية وابادات جماعية مذهبية بنظر الاعلام العربي، وهذا كله ليس الا لان الجيش العراقي بنظرهم مدعوم من ايران، وفي ليبيا والصومال والسودان بشقيه (الجنوبي المتحرر) والشمالي وجيبوتي – اتساءل عن عروبية جيبوتي دائما – والكثير من الدول والمناطق الاخرى الداخلة ضمن الرقعة التي يطلق عليها الامة العربية.
ان الازدواجية التي يعيشها الاعلام العربي تحتلف تماما عن اية ازدواجية اخرى في العالم، وذلك باختصار شديد يجد العرب انفسهم  حاملي رسالة الاسلام – الرحمة – الى العالمين، ترى أ ليس الطفل الحوثي مشمول بالعالمين، أ ليس الطفل السوري الموالي لبشار الاسد من العالمين ، أليس الطفل الجنوب السوداني مشمول بالعالمين، أ ليس الطفل الذي ذبحه داعش في المناطق العراقية والسورية مشمول بالعالمين، ام ان العالمين هذه تخص فقط من يباركهم السلطوية الدينية القومية المذهبية العربية الحالية التي تتجسد في بعض الدول مالكي البترول " الدولار " والذين ينوبون المسلمين الاخرين في اصقاع الخراب الارضي ويتحدثون نيابة عنهم..؟ .
ان جملة التساؤلات هذه هي التي تعطينا المساحة الحقيقية لوجود الاعلام العربي، الذي هو كما اغلب الدول الاخرى تسخر كل امكانياتها من اجل ترسيخ مبدأ وجودها هي دون غيرها، وما تلك البرامج التي تقدم بين حين واخر تحت غطاء يسمى الاعلام الحر الا فرقعات يحاولون بها خداع المواطن العادي، مع ان المضمون الذي يقدم خلال تلك الفرقعات ايضا لايمكن الا ان تخدم مصالحهم السلطوية، فاعلام السلاطين كان ولم يزل فعالاً ولايمكن التغافل عنه بمجرد حوار مباشر او مسجل حول قضية من قضايا الحراك والحدث الحالي غير المنسجم من السلطوية، ناهيك عن امور اخرى التي تسلط الاضواء عليها، بعيداً عن الحدثية الداخلية، فتقوم بتضخيم الحدث وكأن القيامة قامة، مع ان الامر لايتعدى عند اصحاب الشأن سوى حدث بسيط جداً بحيث لايمكن التطرق اليه الا من باب الطرائف، ولعل ما وجدناه في الاعلام العربي المرئي وغير المرئي حول مسألة عدم مسك زوجة ترامب ليده اثناء بعض زيارته خير دليل على تفاهة هذا الاعلام من جانب، وعلى سذاجة متداولي الخبر في الشبكات الاجتماعية من جانب اخر، فالاعلام العربي ركز على الامر وكأنه حدث مهم بل وجدنا البعض يقول لقد فعلتها زوجة ترامب وقالت لا له، في حين تجاهل الاعلام عمداً وبامر سلطوي المكاسب التي اكتسبها ترامب من زايارته تلك، فلنتوقف هنا، المليارات السعودية، اطمئنان اسرائيل على انها ستبقى الراعية لمصالحها طالما اسرائيل ستدعم عي الاخرى مصالح الويلات الامريكية المتحدة، ومن ثم فرض الرؤية الامريكية على القمة الاسلامية وبحضور اغلب الرؤوساء المسلمين، وخلق جبهة تصدي لايران، وفي الجانب الاخر خلق ورقة ضغط مستحدثة على كل الدول في المنطقة، ناهيك عن المكتسبات الاقتصادية الاخرى، وحتى الاعلامية التي من خلالها يظهر لشعبه على  ان امريكا مازلت قوية ومسيطرة على زمام الامور، فضلاً عن توجيه ضربة الى اصحاب الرأي الديني المتشدد فيما يتعلق الشرع وتطبيقه وفيما يتعلق بالسنة النبوية الاسلامية – مصافحة الرجل للمرأة "كمثال" - ، وهنا تختلف النظرات وتختلف الرؤية فهم يحتفون بالمكاسب، ويجدون الامر الاخر مجرد طرفة، في حين الاعلام العربي يجد في الطرفة مكسباً سياسياً كبيراً وتتجاهل الحقيقة الواضحة للعيان، والتي تكمن في ان المليارات من اموال هذه الشعوب ستذهب طوعيةً الى خزائن امريكا.
ان جملة التناقضات والازدواجية التي تلازم الاعلام العربي ليس الا ممر الى خلق انسان عربي منفصم عن الواقع، يعيش الحدث بقشرته ويترك الجوهر لاصحاب المكاسب، وهذا بالتالي يخلق جواً من الهدوء السلطوي، بمعنى اخر ان السلاطين يبقون على كراسيهم لمدة اطول، وحتى ان تحركت الشعوب لهز العرش السلطوي فانها ستدفع الثمن غالياً، لانها مهما بلغت من تحوير وتحويل للحقيقة فانها لن تتخلص من تبعيات هذا الاعلام السلطوي الذي ساند الربيع العربي في اماكن كثيرة فحوله الى ربيع احمر بالدم ربيع الجماجم التي لم تزل تتساقط كامطار الشتاء، ومن هذا المنطلق يبقى التساؤل  للاعلام العربي ترى ايهما كان الاهم ان تركزوا عليهم يد زوجة ترامب ام المليارات التي كسبها ترامب..؟ ، ويا ترى  مفهوم العالمية لديكم لماذا لايشمل الا ممن ينتمون لبني جنسكم قومكم مذهبكم دينكم..؟ والسؤال الاخر هل بقاء الموصل مثلاً تحت سيطرة داعش هي عندكم اهم من ان تتحرر على ايدي الجيش العراقي..؟ .
*- لم اتطرق الى الشأن الكوردي بتاتاً في هذا المقال كي لايتم تحوير الموضوع على انه حقد قومي ، لأن اصحاب النفوس الضعيفة والحاقدة لن يتمهلوا في تحوير الامر لذلك المفهوم.
 


74
من اجل الحتميات" ايفانكا " تبيح المحضورات
جوتيار تمر/ كوردستان
22-5-2017
حين يتم استخدام مصلطح فقهي او لاهوتي او ميثولوجي او حتى ثيوقراطي وقتها ستنهال على صاحب الفكرة او المقال الكثير من اللعنات من اصحاب الفكر التشددي الذين دائما اراهم المصدر الاول والاساس لكل عنف ايديولوجي اوترهيب سياسي او ارهاب مسلح، ومع ذلك لايمكن التوقف عند مبدأ الاحتكارية الاصطلاحية" القواعد"  طالما ان الموجود الواقعي يتيح لنا فرصة استغلال تلك المساحة البلاغية لأبداء الرأي، او لاظهار بعض الرؤى المتناغمة مع الحدث البراني الواقعي الساعاتي، ومن هذا المنطلق كان استخدامنا  للقاعدة الفقهية " الضرورات تبيح المحضورات " التي لطالمنا سمعناها من اصحاب الفكر الديني بكل تصنيفاته واشكاله وانتماءاته ؛ وعلى الرغم من اننا وظفنا القاعدة وفق معايير مغايرة للسائد، باعتبار انها في الاصل استدلالات لاهوتية كهنوتية دينية فقهية تدل على وجود حالة تستدعي الافتاء لكونها لم ترد عن "السلف الصالح"، او لانها حالة لايوجد نص صريح بشأنها، الا اننا هنا امام واقع اخر للحتمية المحضوراتية تلك، باعتبار انها ربما تكون مدخل الى نهاية حقبة زمنية مليئة بالدم والقتل والسبي والتحجر الفكري والارهاب الديني والكبت الاجتماعي والمدني ،لاسيما بعد ان تنازلت مصادر الفكر الديني المتشدد عن مواقفها المتحجرة تجاه الشعوب الاخرى، وتجاه شعوبها الداخلية، بعيداً عن التملقات المنتشرة من اصحاب الفكر الديني او لنقل البعض منهم، ممن يجيز للسلطة الاستمتاع بالموجود، ويحضر على الرعية حتى النظر الى الممكن.. حيث الصمت على امر كان منكراً او غير جائز  بل كان يعد في حالات وعند البعض حراماً خارجاً عن السنة والشرع، لربما يتحول الان تلك القاعدة التحريمية بالتدريج السريع الى تشريع غير موثوق، وبالتالي فان التبعية لذلك التشريع يهتز داخلياً كما يهتز الثقة بحاملي لواء الفتاوي وقتها، ومن هذا المنطلق تتخذ الحتميات موقعها الاستراتيجي على ارض الواقع، بحيث ان علامات الساعة التي كانت ستصبح هي المقال الاوفر حظاً ، والخطب الدينية التي كانت ستصبح هي المادة الممنهجة خلال هذا الحدث والتي كانت ستقف عند حاجز الخروج عن الملة والتشريع والاتهام بالردة او حتى مخالفة السنة الشريفة، بسبب الفعل الخارج عن المأثورات السبقية التي لطالما نادت بها تلك السلطات وتلك العقول الفقهية التشريعية الدينية، نجدها امام الحتمي والواقعي اصبحت اشبه بالاصنام التي لاتطنق، ولا تتحرك ، اي انها هي نفسها التي كانت ستثور في مثل هذه المواقف على اصحاب الفكر التحرري، او حتى على عامة الشعب، لكونها اقترفت ذلك الفعل الخارج عن دوائر التشريع، نجدها الان تبارك وتستأنس مع السلطوية باقتراف الفعل، بل وتنشد باسم السلطة وتصفها بالواعية المسيسة، وانها تفعل كل ممكن من اجل مصلحة الشعب، وبلاشك الشعب هو الاساس او هو الحجر الذي يتحرك عليه اصحاب هذا الفكر .
الحتمية هي التي فرضت نفسها في النهاية بدل الضرورة، وباتت هي السمة الابرز للزمنية سواء الانية او المستقبلية، فمن ينظر الى المتغيرات السياسية بالاخص سيجد بان الامر لامناص منه، فكل بند او قانون، او حتى هدف من اهداف المنظومة الاستراتيجية اصبحت تشريعاً لاهوتياً دينياً يخضع له كل المنظومات المحلية والاقليمية، وبالتالي فان كل المقولات السابقة حول الضرورات تغيرت بمجرد ان اصبح الصمت سمة اصحاب الفكر اللاهوتي الديني امام هذا الكم الهائل من المستجدات على ارض الواقع، فتلك القواعد الصارمة التي كانت ترهب الناس وتجعلهم يتزهدون ويكبتون الرغبات، ويغضون النظر، ويمنعون انفسهم حتى من المصافحة، والخلو بجنس غير جنسه، نجدهم الان امام علامات اخرى للساعة" اقصد حتميات " او ضرورات ، فرضتها الحتمية التي تتسيد الوقت منذ بدء البشرية ولكن البشرية كانت تحاول ان تتغافل عن ممكناتها تجاه ذلك الامر، الحتمية بصورتها الحديثة ووفق المنطق الممنهج ضمن دوائر المنظومة العالمية اصبحت تجيز للرعية البدء بمرحلة جديدة، مستعينة بالفعل السلطوي" القياس" الذي خرج بنظرهم عن السائد الممنوع المحضور، الى الفعل المباشر مع ثبوت العقل واليقين في الفعل، وبالتالي فان الحتمية هذه سواء أكانت بنظر اصحاب الفكر اللاهوتي الديني استثنائياً كما ذهب الى ذلك احدهم حين تهجم على الذين يقومون بحلق اللحية " رسالة لاخي حالق اللحية: الشرع امرنا فقط بحلق شعر العانة والابط وحلقك للحيتك يجعل وجهك بمنزلة فرجك فهل ترضاها يامسلم.."، وحين واجهه احدهم بصورة لاحد افراد السلطة الحاكمة ممن لا لحية له وسأله ممكن ان تعيد الكلام لاني ما فهمت، اهتز عرشه التشريعي وقتها فكتب " طبعا يستثنى من كلامي ولاة الامر حفظهم الله.." ، فكأن التشريع الاصلي لايطبق على اصحاب الجلالة ولاة الامر، انما فقط على الرعية هذا من جهة، ومن جهة اخرى ام كان الامر برمته مجرد تحولات فقهية لاهوتية كهنوتية، فاننا امام حتمية وجدت نسقها في المحضور الديني لدى هولاء، وفتحت الابواب امام التأويلات بان تتخذ لنفسها الكثير من المسالك التي يمكن من خلالها ان تتفح عقولهم على موجودات اكثر قيمة من التحجر، وبذلك نجدنا امام الحتمية التي غيرت من ملامح القاعدة الفقهية الضرورات، وحتى من ملامح علامات الساعة ،حيث اصبحت  الحتمية هي العلامة الابرز للساعة باعتبارها تحدد معالم الوقت، وملامح المرحلة، والممكنات التي يجب اتخاذها، والممكنات التي يجب استحداثها، والمفروضات التي يجب تناسيها.
ان منطق التحجر السلطوي التشريعي بات مهزوزاً بنظر الكثيرين ممن كانوا يعتقدون بصلاح ولاة الامر، وبانهم يخدمون الرب على عروشهم المرصعة بالذهب، حيث اظهروا للعالم " الرعية " بان الضرورات لم تعد هي التي تتحكم في ميولهم ورغباتهم وحتى في افعالهم سواء أكانت ضمن النطاق الجغرافي السياسي او الاجتماعي او حتى التشريعي، بل وحدها الحتميات المصلحوية التي تفرضها المنظومة بكل تشكيلاتها وتصوراتها وتصنيفاتها وحتى قواعدها وتشريعاتها، هي وحدها التي كانت ولم تزل نافذة المفعول وبدون انتهاء للصلاحية، لكونها مفتوحة الامد، لحين ظهور قاعدة حتمية اخرى تفرض على الجميع الخضوع ، ولعل ما حدث مؤخراً في السعودية راعية مصالح المسلمين وخادمة الحرمين، وقبلة المسلمين في جميع انحاء الخراب الارضي، خير دليل على ان الحتميات هي القاعدة الاكثر قبولاً تشريعياً وفقهياً ومن الضرورات، لكون الاخيرة احيانا يتم تحويرها وفق منهج او مذهب مغاير يمكن الخروج من الفعل بفتاوى تبيح الفعل الادراكي اليقيني عندهم؛ لكننا هنا امام قاعدة مستحدثة "من اجل ايفانكا تبيح المحضورات".


75
المنبر الحر / دعونا نعالج انفسنا
« في: 21:21 24/04/2017  »
دعونا نعالج انفسنا
جوتيار تمر/ كوردستان
14-4-2017
حين ننظر الى البناء والعمارة والمؤشرات التكنولوجية ضمن دوائرها التوظيفة الظاهرية للقيَمّ العلمية سواء باسم الجامعات والمعاهد والمدارس او من خلال التباهي بالمتحولات العمرانية وتخصيص واجهات اعلامية براقة لها، ومن ثم اعتبار كل هذا هو اساس التمدن والتحضر ، وقتها نعيش آفة ذاتية داخلية يمكنها ان تنهي وجودنا بهزة او زلزال او موجة عاتية، فنصبح حينها اشبه بالبدو الذين اينما ارتحلوا تبقى سماتهم متجذرة ومتأصلة في سلوكياتهم وافعالهم على الرغم من تغير ردائهم ووسائل نقلهم وحتى اماكن سكنهم.. مما يؤكد ان المعضلة او العلة ليست في الاماكن انما في النمط السلوكي والوعي بالذات بعيداً عن كل الادعاءات الاخرى التي تنمط السلوكية وفق تداعيات الاصالة والمحافظة عليها، وتدوير الموروث وتفعيله ضمن هياكل عصرية مواكبة للحدث الاجمالي للوجود البشري على جميع الاصعدة.
كذا هو الحال بمن ترك الجبل ونزل الى السهل، فجلب معه طباع الحياة هناك حيث قسوة الطقس وصعوبة الارض والتضاريس والعيش زراعة او رعياً، فلم يستفد من السهل الا بالمتغيرات الظاهرية التي تتوافق مع الموجود الحضري "الاجتماعي" بعيداً عن الادراكات التفاعلية لغرضية التغيير، ولاهمية التغيير، ولوجوب التغيير، ولضرورة التعايش الداخلي الذاتي والواعي لتلك الموجبات والضروريات المتغيرة التي تطرأ على حياته ويقلبها رأساً على عقب.
والفرق بين البدو من الصحراء" العرب"  والاخرين يذكره ابن خلدون فيجد الصحراوي  " أنهم أعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضري، وما يدعو إليه من الصنائع وغيرها. والعجم من أهل المشرق وأمم النصرانية عدوة البحر الرومي أقوم الناس عليها.... ولهذا نجد أوطان العرب وما ملكوه في الإسلام قليل الصنائع بالجملة، حتى تجلب إليه من قطر آخر..."، بين الاخرين الذين يمتهنون الزراعة   يقول عنهم " هذه الصناعة ثمرتها اتخاذ الأقوات والحبوب، بالقيام على إثارة الأرض لها وازدراعها، وعلاج نباتها،...ثم حصاد سنبله واستخراج حبه من غلافه وإحكام الأعمال لذلك، وتحصيل أسبابه، ودواعيه. وهي أقدم الصنائع..."، فمع ان البداوة كامنة في الاثنين الا ان الثانية على الاقل منتجة، ويمكن مزجها ضمن هياكل التحرك الواعي وفق مسارات التدرج" ان تقبلت ذلك"، وهي تعد اعرق واقدم ليس فقط لكونها تنتج القوت، انما لكونها تدرجت وفق مسارات الحياة منذ البدء الى وقتنا الحالي..وحتى لايؤخذ الامر ضمن اعتبارات تعصبية هنا لسنا بصدد التعرض لمكانة احد، ولا التقليل من منزلتهم.. انما فقط هذه محاولة لمعرفة موجبات التدرج والاندماج مع المدنية المتحضرة.
ومع كل ما ذكرناه عن ماهيات البداوة هناك في الامرين ما يجعلنا نحاول معاينة المعيقات المدنية التي تعبث بالوعي البدوي والجبلي معاً، لنجدهما ضمن سياقات لاتتخذ نمطاً تدريجياً في التحول في وقتنا الحالي، باعبتار ان التدرج لربما يساهم في اسقاط النعرات والقسوة ويمهد للوعي والفهم  حتى وان كان بطيئاً غير مستقراً، لكنه يحدث الفارق الضئيل في التحرك والتواجد والتساهم معاً، ولعل المتمعن في ايقاعات التفاعل الوجودي لهذه الفيئات البشرية داخل المجتمعات الحضرية سيلاحظ مدى التفاوت على جميع الاصعدة بين الوعي الممنطق للموجودات البرانية بكل مستوياتها وتوظيفاتهم لها، وبين اللاواعي الوجوبي القسري الذي يقلد السابق ويوظف الموجودات ضمن ممرات لاتنتج، ولاتبدع، بل تكرر وتتراوح ضمن دوائر قسرية غير فعالة.. مما يخلق نوعاً من الهمجية والقساوة في التعامل مع الاحداث بصورة عامة، ومع المواقف والاشخاص بصورة خاصة، وبالتالي تخلق شرخاً وتوسع الهوة بين الواقعي المنطقي وبين اللاواعي المقلد.. فتبرز المعيات التي تبرهن على ان الوعي بالذات ضمن مساراته التقليدية والحديثة يشكل نقطة اساسية في تحريك المنطق الوجودي للانسان ضمن دوائره وضمن مداراته الفهمية والادراكية معاً.. باعتبار ان الوعي بالذات يعتبر بعداً من الابعاد المهة للذكاء الانفعالي الذي يسهم في هندسة الذات وتفعيل مسارات حيويتها في التوافق مع الذات والآخرين واستثمار ذلك في تفعيل مسارات الطاقة اللا محدودة في مكنوناتها، كما يرى ذلك "جولمان".
ولكن حين تبقى تلك المدارات الانفعالية للذكاء ضمن هياكل وقوالب التأصيل الذهني وفق تداعيات الموروث المحافظ ومنع المس بمكنوناته باعتبارها مقدسة غير قابلة للتداول وقتها تتحول تلك الانفعالات الى انعكسات مضادة للتطور وتبقى الانفعالات " الافعال " ضمن دوائرها السبقية، فتصير الهوية غير مبرمجة على تقبل الاخر، انما كل شيء من الاخر لايتوافق مع الموروثات السبقية تصبح محرمة، وحينها تكون ردة الفعل عنيفة غير واعية وبعيدة عن كل الممكنات المتحضرة، وتصبح ادوات القمع والكبت هي الاسلحة التي يستخدمها اللاواعي وغير المتأقلم مع الموجودات، وهذا ما يجعلنا نقول بان الوعي بالذات هو في الاصل اساس البصيرة وان كل ردة فعل لايأتي من دائرة الوعي تلك تصبح وجدانية وكما يقول فرويد ان معظم الحياة الوجدانية لاشعورية اي ان كثيراً من المشاعر التي تعمل داخلنا لاتدخل عتبة الشعور، وان المشاعر الجياشة تحت عتبة الوعي يمكن ان يكون لها تأثيراً قوياً على ادراكنا للاشياء واستجابتنا حتى ولو لم يكن لدينا وعياً بتأثيرها.. وهذا بالضبط ما يحرك في الاساس تلك التجمعات غير الممنطقة التي تأخذ الانفعال الاني وسيلة للتعبير عن المكنون الداخلي سواء أكان شعوراً ام وجداناً، وبالتالي تتمظهر السلوكيات لديه وفق معطيات البيئة التي استقى منها في البدء، وتلك البيئة لم تكن يوماً مهيأة لتقبل الاخر وفق معطياته الحالية لكونها معطيات لاتتواكب بطء صيرورة الاخر، وقلة وعي الاخر، وعدم تفاعل الاخر مع المستجدات الحياتية بكل اشكالها، وفي الاخير تتحول ردة فعله تجاهها الى آفة غير منطقية تفتك بالبنية الاجتماعية داخلياً فتظهر العاهات المزمنة والترقيعات اللاواعية، والصراخات اللاهادفة، فيجد صاحب المنطق اللاواعي نفسه امام تيار جارف، لايمكنه الصمود امامه، فيعمل على ايجاد حلول تنتمي الى جذوره وموروثاته لمواجهة تلك العقبات، ولربما يخرج قوة انفعاله وهمجية ردة فعله بوجه من هو يفترض به وبامثاله التعلم منه، والاستقاء من نبعه الواعي، والاستدلالي الذي يُقَيّم الواقع عبر تجلياته وافكاره وانتاجاته الواسعة على جميع الاصعدة.
ان هذه الافة المزمنة هي التي تجعل من الممكنات اللاواعية حاضرة وبقوة في كل الافعال والانفعالات، وهي نفسها التي تخلق تلك التصدعات الناجمة من عدم التوازن والتوافق بين المقبول واللامقبول، وهي ايضا التي تجعل من الشرخ اوسع والهوة اعمق، فتتجلى الظواهر غير المتمدنة وتطغى على المعالم العمرانية والبنائية وعلى المسارات التكنولوجية الكبيرة، وحتى على السياقات المظهراتية الاخرى التي تجعل الناظر من بعيد يتمناها، ويمجدها، ويتغنى بها، في حين ان الذي يعيش فيها بوعي يجدها مقلدات زائفة لاجوهر لها، ولامناص من تغييرها، لكونها غير قابلة لتقبل الموجود وفق ما هو عليه بوعي، فيصبح مستهلكاً غير منتجاً، مؤخراً غير قابل للتقدم، مقعد متحرك بعشوائية النمطية السلوكية البدائية لايُقَدر الموجود الفعلي صاحب الذكاء المنتج المقدر لذاته، سواء على المستوى الشخصي او الاجتماعي أو  حتى السياسي والفكري .. وذلك ما يستوجب علينا البدء في البحث عن المعطيات التي نعمل نحن وفق انماطها سواء السلوكية او الانفعالية او حتى الفكرية الذهنية، كي نستطيع وضع ايدينا على اماكن نشوء العاهات والافات، وبالتالي نبحث وفق برمجية ممنهجة واعية لمعالجتها وذلك للحد من الظواهر غير المتمدنة وغير الحضارية داخل دوائرنا الشخصية والاجتماعية والسياسية والفكرية.

76
المنبر الحر / تناقضات شرق اوسطية
« في: 12:25 17/04/2017  »
تناقضات شرق اوسطية
جوتيار تمر/ كوردستان
12-4-2017
حين نبحث في المعيات التي تمنطق اي تصرف او حدث او حتى قرار يمكننا من خلال الاستدلالات ان نعي بشكل واضح ماهية المسار الذي يتخذه اصحاب القرار من جهة، والوجهة التي يتخذه القرار من جهة اخرى، وهذا ما يجعلنا في النهاية على دراية بالمحركات والمصوغات والاهداف وحتى المساعي التي تتبناها الجهات الصادرة للقرار، ولكن في الوقت نفسه حين نعيش وسط دوامة ممتلئة باللامنطق اللاواعي، فنكون وقتها اقرب الى اللاوضوع من اي شيء اخر، وبعبارة اخرى حين يكون المنطق مبني على اسس كاذبة غير صادقة وغير ثابتة لا مبدأ له وقتها نعيش حالة من الذهول التناقضي الذي لامفر منه ولاحل له ولا حتى ملاح يمكننا تقصيها لاثبات مبدأ او فكر او حتى مذهب ودين له.
على هذا الاساس اننا هنا نثير فرضية التناقض بعيداً عن ازدواجية الشخصية التي سبق وان طرحناها في احدى مقالاتنا، وخلال سعينا لاثبات رؤيتنا فاننا نخص البؤرة الاكثر تناقضاً في وجودها الخرابي الارضي ونقصد بها المنطقة الشرق اوسطية التي يفترض انها منطقة الاديان الرسالاتية وبعض الاديان السماوية وبعض الاديان الاخرى، الا انها بؤرة اللامبدأ واللاثبات والتناقض في الاصل واعتقد بانها تمد البشرية في جميع الاصقاع الاخرى بهذه السمة والصفة المشينة للوجود البشري..لكونها تظهر للعالم  اعلامياً وجهاً سمحاً ايمانياً وفي الباطن هي التي تمد العالم بكل ما يمكنه ان يكون دماراً وموتاً.
اذا ما هو التناقض..؟ ، حسب بعض التعريفات المختصرة التناقض هو اختلاف قضيتين في الايجاب والسلب يقتضي لذاته صدق احداهما وكذب الاخرى ، وبعبارة ادق واوضح هو أن يعمد المستدل إلى نقيض القضية (المطلوب البرهان عليها)، فيبرهن على صدقها أو كذبها، فإذا ثبت صدق القضية (النقيض) بالبرهان، يطبق عليها قاعدة النقيضين وهي: (النقيضان لا يصدقان معا ولا يكذبان معا) فينتج كذب القضية المطلوب، وإذا ثبت كذب القضية (النقيض) ينتج بعد تطبيق قاعدة النقيضين. صدق القضية المطلوب. لايتحقق التناقض بين القضيتين الا اذا روعي في كل واحدة منهما ما روعي في الاخرى بحيث يكون السلب رافعاً لما اثبته الايجاب، عندها فقط يكون اختلاف القضيتين في السلب والايجاب مقتضيا لذاته صدق احدهما وكذب الاخرى، لاستحالة اجتماع النقيضين في محل واحد، "بلاشك مثل هذا التعريف يمكن ايجادها في اغلب مواقع التواصل الاجتماعي".
السؤال هو ما يمكن ان نستفيد من تلك التعريفات الاستدلالية عن التناقض وكيف يمكن اسقاطها على البؤرة الشرق اوسطية، وهنا يلزمنا تحديد الهويات او الرقعات التي يمكن الاستشهاد بها لتأكيد المقولة، لذا التعميم افتراضي وليس حتمي، وكي لانبتعد كثيراً عن الموضوع الاصل نعود الى الاستدلالات الحدثية والصورية والشخصية التي تتكاثر يوماً بعد يوم في هذه البؤرة الفاسدة التي افسدها الساسة بمساعدة الشعوب المتطرفة فكرياً ، دينياً، مذهبياً، قومياً، طائفياً، وبالتالي اصبح يضرب بها المثل.
سنبدأ بالمستجدات المعاصرة ضمن الهيلكة التاريخية ولن نخوض في القديم والحديث، انما المعاصر كصورة تكاملية للحدثية السبقية ضمن هياكلها وتقسيماتها التاريخية ، واول ما سنبدأ به هو الهمجية الاردوغانية " التركية" في تعاملاتها مع الواقع الداخلي والخارجي والمؤثر بشكل واخر على المنقطة عموما سواء من خلال تحركاتها العسكرية او حتى تهديداتها الاقتصادية او تلميحاتها الدينية وايحاءاتها المذهبية، فتركيا ظهرت منذ بداية الازمة السورية والداعشية معاً على انها قوة مستعدة لمساندة الاحرار والثوار من اجل ازاحة الاسد السوري، وهنا وقفت موقفاً متضاداً ذاتياً في مضمونه وظاهره، السؤال كيف..؟ ، من تابع الحراك الاردوغاني سيجد بانه من حيث المبدأ وقف ضد روسيا المؤيدة للاسد السوري، وفي الوقت نفسه وقف موقفاً معادياً لبعض فصائل المعارضة السورية بالاخص الكوردية، وحين كان داعش يدمر بقايا الحياة في كوباني كنا نشاهد الدبابات التركية على مقربة من الحدث دون حراك، بل كانت فقط موجودة لمنع اي تقدم كوردي تجاه مناطقها وحدودها، وفي الوقت نفسه وجدنا الموقف التركي تجاه امريكا واضحاً حيث الاوبامية والترامبية الحالية تدعم الكورد في سوريا وبذلك هي على خلاف بذلك مع الحراك التركي الاردوغاني، ومن جهة فان تركيا المعادية لروسيا تكون بذلك قريبة من امريكا التي بدورها لاتتفق مع السياسة الروسية في سوريا، وهنا يبدأ التناقض الحقيقي حيث يتوجب علينا اظهار السلب والايجاب كي نؤكد مفهوم التناقض في الشخصية التركية الاردوغانية التي لامبدأ ثابت لها، ولاقيم لها، حيث تنازلت سياسياً وواقعياً لروسيا، وبذلك ستكون في محل شك امريكي، وظلت تعادي بعض الفصائل الكوردية التي تؤيدها امريكا، وهذه الفصائل بالذات ظهرت في مواقف كثيرة موالية للاسد السوري، وبذلك خلقت عدم توازن في الرؤية، فالاسد مرفوض من تركيا ولكنه مطلوب من روسيا، والكورد مطلوبون من امريكا ولكنهم مرفوضون من تركيا، اذا علينا ان نبحث عن الخيط التناقضي الصريح في الشخصية التركية الاردوغانية لاسيما اننا امام معضلة اخرى وهي الدعم التركي لداعش وللنصرة المتطرفة على حساب الفصائل السورية الاخرى، وتلك الجماعات الارهابية هي في الاساس المحور الذي يتحرك عليه كل من امريكا في بسط نفوذها على المنقطة وروسيا الساعية لتثبيت اقدامها في سوريا بهدف محاربة الارهاب الداعشي والنصري، ومن حيث المنطق لابد ان يتعارض محاربة امريكا وروسيا لداعش والنصرة الخطط الاردوغانية وبالتالي تم اقحام المنطقة في دوامة عنف لاحدود لها، ولازمنية يمكن ان تحدد مدة استمراريتها، ولامنطق يمكن ان يجعلنا نعيش وفق مساره.. لذا نرى بان تركيا اذا كانت لاتعيش التناقض فعليها ان تقوم باثبات الايجاب في سياستها هذه ، كي لانذهب نحن الى السلب المهيمن على مساعيها وحراكاتها والتي هي كلها تؤكد الوجه الكاذب لها على الرغم من التطبيل السني الخليجي لها.
وضمن الصياغات المتناقضة في البؤرة هذه ايضاً، سنجد تقبلاً  خليجياً واسعاً للضربة الامريكية على القواعد السورية الاسدية، وتقبلاً تركياً بل وترحيباً تركياً، في حين نجد امتعاضاً ورفضاً روسياً وايرانياً وتطبيلاً عراقياً شيعياً حشدياً لهما من خلال رفضهم للضربة باعتبارها اودت بالمدنيين، متجاهلين الالاف الذي قضوا وفق منطق محاربة الارهاب تحت وطأة الصواريخ الاسدية والروسية والتركية ومشاركة القوات الايرانية بشقيها الجيش الثوري وحزب الله اللبناني في ابادة الجموع البشرية على الارض السورية.
وضمن بؤرة اخرى من البؤر الشرق اوسطية سمعنا العبادي رئيس وزراء العراق يقول في مؤتمره الصحفي انه لولا البيشمركة والكورد لما استطعنا من تحرير اراضينا وكسر شوكة داعش، وفي الوقت نفسه نجد بأن البرلمان العراقي اجتمع في وقت سابق لرفض قرار رفع العلم الكوردستاني على كركوك، التي تركها الجيش العراقي خالية من الحماية بعد هجوم داعش على المنطقة، ولولا البيشمركة الكوردية التي تحمل ذلك العلم في حروبها على داعش وعلى اعداء الكورد لكانت كركوك الان سبية من سبايا الخليفة النكاحي الداعشي ولكان التركمان والعرب السنة بالذات ضمن الهياكل القيادية لداعش " كما هم ابناء الحويجة" او لكانت نسائهم الان سبايا تباع في اسواق النخاسة، لذا حين حماهم البيشمركة كان وقتها مسموحاً بذلك العلم ان يرفوف بحرية وشموخ، وبعدما اطمئن هولاء وركنوا الى الرفاهية الامنية اصبح ذلك العلم ملعونا من قبلهم لانه لايمثل جميع مكونات كركوك العرقية والاثنية كما يدعون، والسؤال هو من اي كوكب انتم يابشر.. واين كنتم حين استباح داعش المنطقة وكادوا يسبون نسائكم..؟.. وضمن النسق الاستدلالالي للتناقض في الوجود الشخصي والطائفي والقومي في المنطقة نستدل بامر واضح المعالم هو ان السنة مدعومون من تركيا والتركمان هم اصلا بقايا السلطة التركية في المنطقة، وهنا تأتي قضية اخرى وهي ان السلطة في بغداد تابعة لايران الشيعية، والمكونات الرافضة للعلم الكوردي في كركوك هم من بقايا السنة المؤدين لتركيا، وتركيا تاريخيا معادية لايران، ولكن التناقض يبدأ هنا، تركيا تقول ان المادة 140 من الدستور العراقي هي الحل وليس رفع العلم حسب القنصل التركي في بغداد، وفي المقابل المساعي الايرانية بواسطة الملعون الاخر المالكي واذنابه من المطبلين له يحاولون تمرير قرار برلماني بانزال العلم الكوردستاني واقالة محافظ كركوك الكوردي، وحين نشاهد هذه المسرحية على ارض الواقع سنجد بوضوح كيف الدمى تتحرك بثبات، مع يقينها بعدم ثبات عقيدة محركيها، فتركيا لامبدأ لها وتعيش حالة من التناقض المستديم في قراراتها وتحركاتها وتصرفاتها وما نراه ونشاهده داخل تركيا نفسها الان شاهد على ما نقول، وفي الوقت الذي نرى بان ايران نفسها تعيش ذلك على البعدين السوري والعراقي، ففي سوريا ايران داعمة للاسد السوري وتركيا رافضة تماما له، وفي البعد العراقي ايران داعمة للسطلة البغدادية وتركيا ترفض التدخل الايراني في شؤون العراق وتؤيد البقايا السنية، وفي الوقت نفسه البقايا السنية التي هي في الاصل لاتعيش في مدنها بسبب تسليمها الى داعش قبل الهروب منها بخطة مبرمجة من قبل الحكومة العراقية السابقة، هذه البقايا السنية هم الان نازحون في كوردستان، ويعيشون بامن وأمان داخل المخيمات والمدن الكوردية، وفي كل يوم يستيقضون فيه يرون ذلك العلم الكوردستاني يرفرف فوق رؤوسهم فيشعرون بالامان لانهم مدركون بان ايادي داعش وحسب ما يقولون الرافضية الحشداوية لن تصل اليهم، ولكنهم في الوقت نفسه يغدرون في البرلمان بمن يحميهم ويأويهم ويقفون ضد ذلك العلم في كركوك.
انها الالية التي يعتمدها الساسة في  هذه البؤرة، كي يستباح الكثير من الدماء الاخرى، وكأن التي سفكت لاتكفي طموحهم الغبي المتناقض مع القيم الانسانية التي ينادون بها والحرية التي يقولون بانهم يسعون لخلقها لجميع المكونات على هذه البؤرة، ان التناقض الواضح في الرؤية التي تتبناها هذه الجهات لايمكن انكاره لكونه يثبت وبالبرهان والامثلة والادلة الواقع الذي يعيشونه، وذلك عبر اللامبدأية والصور الكاذبة التي يطروحنها عبر خطاباتهم السياسية الممتلئة بالحقد على الاخر، على الرغم من تبريرها بالغطاء والرداء الديني السمح، فالكذب السلب هو اليقين الذي نحن نجده في كل تحركاتهم وما سبق ان قلنا واشرنا اليه هو البرهان على التناقض لكونهم يظهرون عبر خطاباتهم سمو اخلاقهم وانسانيتهم التي غالباً ما تغلف بالمعطيات المفبركة والادعاءات الاعلامية التي تظهرهم بوجه سمح انساني، وفي الحقيقة ان البراهين تثبت ضلوعهم في كل المصائب التي تلحق بشعوبهم اولاً وبشعوب المنطقة، لانه لايمكن اعتبار اي حراك لهم حراك ايجابي مثمر، انما كل حراكاتهم هدامة تعبث في الخراب وهذه البؤرة وتزيد من عدد الضحايا، وهذا ما يؤكد منطق التناقض لديهم، حيث كذب القضية الاساس لديهم بادعاءات تتمثل الانسانية والشرعية وغير ذلك، في حين يتبعون سياسة التهويل والترهيب والاقصاء والحقد ضد الجميع.

77
أدب / كوردستان " وطني "
« في: 21:30 24/03/2017  »
كوردستان " وطني "
جوتيار تمر/ كوردستان
21/3/2017
يا وطناً جزئته الذئاب
في خنادق الرصاص
عصافيره ثكلى
 وفصوله رماد جثث بين اصابع الرّيح
جنائز وطني في كل زوايا الارض
شعب منهك وحرية ضائعة..
طفولة تعلو مع حشرجة
العتمة...
هم في رقعة وطني الواسع
يكتبون بيانات الموت
ويرسمون بالفحم احلام الالهة
الكاذبة...
هكذا من كل صوب
 يعزفون وجعنا تحت
حوافر الجِمال
وبكاء ضفائر النساء
في معابد أهملت نصوصها القديمة
وتنهيدة موسيقى صباحات الوطن
تعبر اجراس آيا صوفيا
وهم يرتلون سورة الانفال فوق
الرقاب..
الى اين يا ذئب الهزائم
وسطوى الصبّار
تنزع الارض من حنجرة البهجة
فيضيع الوطن

78
المرأة تحت وطأة المقارنة
جوتيار تمر/ كوردستان
13/3/2017
اثار موضوع المقارنة بين المرأة  والرجل من جهة والمرأة الغربية والشرقية من جهة اخرى الكثير من الجدل، ولم يزل الموضوع قيد التدوير والاثارة والتحريض سواء من خلال الدراسات او المقالات او المؤتمرات الخاصة بالمرأة، فالباحثون عن مجدهم فوق جسد المرأة يبدو  لي وكأنهم لن يتوقفوا يوماً في سعيهم لتحقيق اهدافهم واغراضهم وحاجاتهم طالما الامر في نظرهم صراع واثبات وجهة نظر او حتى فكر على حساب الاخر، على هذا الاساس نجد بأن المصطلحات تتكاثر بين الفيئات المتصارعة حول جسد المرأة " قضية المرأة " وكل طرف يستشهد بما يؤمن به وبما يريد ان يحققه من خلال شعاراته وتشريعاته وافكاره ومقاصده، ولأن هكذا مواضيع تحقق اكبر نسبة مشاهدة بين الاطراف المتنازعة فالاعلام يجد في ذلك فرصة كي يقوم هو الاخر بدوره الريادي في الاثارة والتحريض لتحقيق اهدافه سواء أكانت ترويجية او ربحية او حتى انحيازية.
والغريب ان الامر يلقي استحساناً كبيراً من بعض الجهات المدعية انها تعمل من اجل حقوق المرأة، اي انها تفرض نفسها كوصية على المرأة، فتتحدث باسمها وتظهر نفسها على انها تدافع عن حقوقها.. وضمن هذا السياق نجد بأن المقاربات والمقارنات تستمر بين الاطراف تلك وكل طرف يحاول ان يبرز الجوانب "النيرة " من تشريعاته وافكاره حول المرأة.. بالطبع سعياً للمزيد من المكاسب على جميع الاصعدة.
تأتي المقاربات والمقارنات كلها حول الشكليات والمظاهر التي بنظر البعض هي الفيصل في الحكم على الوجود الوجودي للمرأة منذ البدء الى وقتنا هذا، فتظهر تلك الشكليات وكأنها مقاصل يستخدمها طرف على حساب الاخر وذلك لاضعاف حجة المقابل، ولكن في الاجمال فان من يناظر ويتمعن في تلك المقاربات والمقارنات التي تتحول الى نظريات عند الاطراف المتنازعة سيجدها في الاصل اضغاث احلام، واوهام مهيمنة عليهم لكونهم يتناسون حتى في اعلاناتهم ودعواتهم جوهر القضية المتعلق بجوهر وجود المرأة كانسان تلازمي اصلي لكينونة الوجود نفسه، وليس كعنصر دخيل يفرض على الموجود الاسبق ان يقوم بالعمل على المقاربات والمقارنات كي يضع له مكانته التي هي بنظر الاسبق ما يستحقه المرأة.
ان هذه الاشكالية هي التي تعقد الامور دائما حين تسمح لنفسك وحسب تشريعات يتم تداولها بين الفيئات المتنازعة والمتصارعة بالحكم على الاخر من خلالها، فتكون النظرة هنا قاصرة على جهة معينة وغافلة تماما عن اغلب الجهات الاخرى، فالمرأة لم تكن يوماً موضع شك في وجودها، ولكنها كانت دائما موضع شك" بالنسبة للاطراف المتصارعة " في احقيتها بالوجود ام لا، لذا اتت النظريات تحفر في الممكنات كي تثير هذه الجدلية، وبالتالي كي تصنع من المرأة موضوعاً دينياً وفكرياً واقتصادياً وسياسياً واعلامياً، وسخرت  لهذا الامر الكثير من الامكانيات، وفي الحصيلة ان المنادين بالحقوق الكاملة والمساواة والطرف الاخر الذي يضع بعض القيود يصبحوا في خانة واحدة، وهي استغلال الموضوع " المرأة " كمادة اولية للصراع، دون تحقيق اية مكتسبات تخدم المرأة نفسها كمرأة موجودة ضمن التلازمية السبقية للوجود البشري اصلاً.
وحين تبحث عن المقاصد ستجد الامور الماورائية واضحة، والتي تنبع من الدين الى الفكر المضاد الى الفكر التحرري الى الفكر الازدواجي المستغل للظرفية وذلك للقفز فوق الاجساد سعياً لتحقيق اكبر قدر من المكسب الشخصي ( الاعلامي – الحزبي – الديني – السياسي)، وهذا ما يجعل من موضوع المقاربات والمقارنات في الاصل امور مشكوك في مقاصدها، لكونها في الاصل شكلية لاتخدم الا الاعلام وتلك الجهات المتنازعة والمتصارعة، ولاتخاطب الوعي الوجودي الاصلي للموجود الترافقي التلازمي لكينونة الوجود البشري اصلا، باعتباره وجودا اصيلاً وليس ملحقاً لغرضية اعلامية او لخلق صراع وجودي حول ذلك الوجود، فالوجود الاول لم يكن ليكون موضوع وجود بدون الوجود التكاملي التلازمي، لهذا حين نأتي لعمل مقاربات ومقارنات حول الموجود الاول وثم الوجود"  الملحق " هنا نفتح تلك الفجوة التي لانهاية لها، لان البشر بطبعه ساعي لخلق الماهيات التي تخدم وجوده المتعالي لايهم على من وكيف، المهم انه يريد تحقيق تعاليه وهذا التعالي يكسبه بنظره الحق في اتخاذ التشريعات التي تبحث في الموجودات السبقية واللاحقة، وبالتالي فانه يخلق الممر التشريعي الفكري اللازم كي يلحق الوجود التكاملي بالموجودات الخدمية اللاحقة التي اتت لتخدم الموجود الاول.
"وما يجعلنا نقول ذلك ( للمزيد عن هذا الموضوع ينظر كِتاب " بشر يمتهنون صناعة الالهة" من تأليف كاتب المقال نفسه)، هو كون طباع البشر الميالة الى الرذيلة لاتمنعه من الانجراف والانحراف نحو الغلو في كل المصوغات الاصلية التي بين يديه، وبالتالي يمكنه تجاوز الوسطية في الفهم والادراك، مما يعني عدم سيره نحو فهم تداولي متوقف على الفكرة وطريقة ادارتها وكيفية اظهار صلتها بالحدث والواقع، لانه اما يتخذ من السطحية كمدخل فهمي للمصوغات، فيكون وقتها معرضاً للهشاشة التعاملية مع الحدث والواقع ويبتعد كلياً عن المصوغ الاصل باعتبار الاخير لايعتمد السطحية في الوجود والموجودات، او يتخذ من التطرف كمدخل فهمي واستداركي توظيفي وفق تداعيات تلزم اتباع هذا التفكير الى استخدام كل الوسائل المتاحة والمباحة وغير المباحة من اجل تحقيق ما يصبون اليه..." ، بالتالي فان هذه الطباع هي نفسها التي تفرض على التقسيمات البشرية الدينية والفكرية والسياسية والمصلحوية في العمل على ايجاد الممرات التحصيلية القائمة على التدوير لكل الموجودات التي تلت الوجود الاول ومن ثم القيام بتوظيفها حسب الماهيات التي تحقق مكاسبها ومصالحها على حساب المقابل او بعبارة اخرى المنافس، ولعل من يتابع موضوع وجود المراة وسياقات هذا الموضوع سيلاحظ بالدرجة الاساس ان الصراع كامن بين الاديان المختلفة انفسها من جهة، وبين الاديان والافكار الحديثة التي تتغطى بغطاء حقوق المرأة من جهة اخرى.
واثناء البحث عن نوعية المقاربات والمقارنات بين المراة الشرقية والغربية كموضوع ديني فكري اعلامي وحتى سياسي، سنجد بان المواضيع المطروحة او الافكار المطروحة هي من السطحية ما يجعل من الواعي يدرك تماما المقاصد وراء الطرح نفسه، فما الذي سيتحقق للمرأة من وجود وكيان مستقل ونشط حين  يتم المقارنة بين الشرقية والغربية من حيث الفرعيات الوجودية المتعلقة بالحياة الاجتماعية مثلاً ان " المرأة الغربية معتادة على البخل بحيث لاتسمح لاحد ان يشاركها زوجها اما الشرقية معتادة على الكرم بحيث تسمح لثلاث نساء اخريات مشاركتها زوجها خدمة للمجتمع" ، السؤال هنا هل هذا جوهر الوجود الوجودي للمرأة...؟ ، ثم هل ان اختيارات المرأة في هذا الشأن هي التي تحكم ام ان هناك آلية تفرض عليها كي تقبل المحتوم..؟ ، وضمن السياقات التي يتم المقارنة بها المرأة الشرقية والغربية فيما يتعلق بخصوصياتها ايضا ان الغريبة تمنع من قيادة السيارة اذا كانت حامل او مخمورة حرصاً عليها وعلى الاخرين اما الشرقية تمنع " في بعض المجتمعات " من قيادة السيارة في جميع الاحوال حرصاً عليها وعلى الاخرين، وايضا الغربية سلعة بحيث تجدها في اي سوبر ماركت اما الشرقية لاتجدها الا في محلات المجوهرات... وهناك العديد من المواضيع التي يتم تناولها اعلاميا ودينيا وفكريا وحتى سياسياً فيما يخص المقاربات والمقارنات بين المرأة في المجتمعات البشرية.
 ولننظر الى الامر بوعي، ونتساءل اين المرأة نفسها من تلك المقارنات والمقاربات واللغط الكلامي والسعي المصلحوي والتحريض الاعلامي..؟، الاجابة هنا لاتفرض عليك مسبقاً ولكن في الاصل هناك ما يمهد لك بالحكم... حين نضيف التساؤل هل الوجود التكاملي " المرأة " للوجود يمكن ان يكون وجوده مخصوصاً لهذا الجدل..؟.
ان اكثر ما يعيق السعي الوجودي للموجود الاول لتحقيق وجوده التكاملي هو كونه يعطي لنفسه الحق في اصدار الاحكام السبقية لكونه السابق، ولكونه لايفكر بعقلانية في ان وجوده لم يكتمل بالا بالموجود الاخر " المرأة " لذا فان اي سعي منه وتحت اي غطاء لفرض ايديولوجيته السبقية على الاخر سيكون في محل شك، وفرصة لبعض الساعين لتحقيق مكاسب اعلامية او دينية او فكرية او سياسية او اجتماعية لاثارة المزيد من التكهنات التي تتحول الى موضوعات وحلقات نقاشية نجد المرأة نفسها تنقاد اليها احياناً تحت غطاء الحريات والتحرر او لتحقيق "الكوتا"، دون ان تدرك بأن الاصل في وجودها تكاملي اصلي ولايوجد وجود بدون وجودها، لان الوجود السبقي ناقص من حيث الكينونة الوجودية والحراك الفعلي للوجود بدونها.





79
هل الصراعات الداخلية ضرورة تاريخية..؟
جوتيار تمر/ كوردستان
7/3/2917

تعد مسألة الصراعات احدى اهم الموضوعات التي تتطرق اليها الدراسات الحديثة، لِما فيها من موجبات تقتضي التوقف عندها وتأمل الماهيات التي تستجذب هذه الصراعات، وبالتالي فان المجتمعات البشرية قاطبة لابد وان مرت بمرحلة الصراعات الداخلية سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم غير ذلك من انواع هذه الصراعات، والمجتمع الكوردي كغيره يمر منذ نشأة قوام حركته التحررية بحالة من الانقسام الذاتي، وحالة من الصراع الذاتي، بشكل أثر كثيراً على تطلعات الشعب، وحتى تطلعات بعض الاحزاب السياسية الساعية لتشكيل كيان كوردي مستقل.
وقبل الخوض في المعيات التراكمية حول الصراعات المؤثرة على صيرورة الحركة الكوردية المعاصرة لابد من تأمل بعض مفاهيم الصراع حيث يذكر د. منير محمود بدوى في دراسة له حول مفهوم الصراع ان البعد السياسي للصراع "يشير إلى موقف تنافسى خاص، يكون طرفاه أو أطرافه، على دراية بعدم التوافق فى المواقف المستقبلية المحتملة، والتى يكون كل منهما أو منهم، مضطراً فيها إلى تبنى أو اتخاذ موقف لا يتوافق مع المصالح المحتملة للطرف الثانى أو الأطراف الأخرى"، وهذا بالضبط ما يمكن تأمله ورؤيته من خلال البحث حول المسببات والماهيات المتعلقة بالصراع الداخلي الكوردي تاريخياً، فعلى الرغم من ان المتغيرات السياسية والاجتماعية حالة لايمكن تخصيصها لمجتمع بشري اثني قومي ديني طائفي فكري مذهبي دون اخر، فان الامر في كل مجتمع لابد من أن يختلف حسب المكونات الداخلية لتلك المجتمعات من جهة، وحول الماهيات والحراكات السياسية الممنهجة الرائدة لتلك المجتمعات، وبالتالي فان المجتمع الكوردي باعتباره يعيش وسط دوامة من الصراعات الاقليمية والدولية الخارجية فانه لابد وان يتأثر بتلك الدوامة سياسياً واجتماعياً وفكرياً ومذهبياً ودينياً، فالنظر الى كل من ايران وتركيا وما فيها من صراعات اثنية مذهبية طائفية وقومية من جهة والى المجتمع العربي من جهة اخرى باعتباره اكثر الشعوب تماساً بالكورد وذلك عبر الانتماء الديني اولاً واخيراً فان ذلك اثر كثيراً على الرؤية الداخلية للكورد انفسهم حول الماهيات السياسية والمحركات الاخرى التي تقودهم لتبني مواقف تختلف في قضايا كثيرة وتؤدي الى حدوث صراعات داخلية، لاسيما ان نقطة التماس لديهم بالاخص المجتمعات العربية كما يقول د. سامي الحزندار في دراسة له حول اسباب الصراعات " إن الصراعات الداخلية أو الأهلية العربية ذات طبيعة معقدة أو مركبة فهي ذات طبيعة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ودينية، بأبعاد داخلية وخارجية، وكذلك ذات امتدادات تاريخية ومن هنا فإن أسباب ومحركات الصراعات الداخلية العربية تتداخل مع هذه الطبيعة المركبة بكل جوانبها وأبعادها المشار إليها.."
واعتقد بأن اغلب المجتمعات الشرق الاوسطية تعيش هذا النسق اللامتناغم حول طبيعة الصراع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والديني، وبذلك نجد أن ما يجري على تلك المجتمعات من حيث الرؤية الشمولية والاجمالية يكاد يكون متشابهاً نسبياً بل بدرجة كبيرة، لهذا فان المجتمع الكوردي كواحد من المجتمعات الشرق الاوسطية لابد ان يعيش هذه المرحلة من التناقضات السياسية والاجتماعية والفكرية وحتى المذهبية باعتبار ان الكورد فيهم  الزرادشتي واليهودي والمسيحي" الكلدني – الاثوري – الاشوري " والمسلم( السني – الشيعي) والايزيدي وال " كاكه ئى "  وغير ذلك من الاطياف والمذاهب  الاخرى غير الكوردية التي تعيش داخل دائرة المجتمع الكوردي " التركمان" مثلاً، والتي هي  اجمالا من مكونات المجتمع الكوردي قديماً وحديثاً، لذا فان وجود الصراع امر حتمي على الرغم من ان الصراع نفسه ليست ظاهرة كوردية السلوك، الا انها ترتبط بالدائرة الاكثر شمولية والتي تضم الاثنيات والقوميات والاديان الاخرى في المنطقة باكملها، فالكورد لديهم موطن متناغم من حيث الطبيعة والجغرافية، وكذلك هذا التناغم والتوحد يشمل العادات والتقاليد والشخصية ايضاً، لكنه مجزأ سياسياً وبالتالي اقتصادياً وذلك لظروف دولية فرضت عليه قسراً وليس رغبة ولا طلباً، حيث تقسم ارضه وتوزيعه على اربعة دول بعد مؤتمر لوزان 1923 ( تركيا وايران والعراق وسوريا ) جعل من التجزأة السياسية والاقتصادية مفروضة عليه مسبقاً بحيث لم يجد الفرضة بعد انهيار الخلافة العثمانية ان يلتقط الانفاس ويحاول تقريب الرؤية الكوردية الكوردية لتأسيس كيان كوردي موحد، يمكن ان يكون نواة لكوردستان الكبرى وقتها.
 وهذا ما خلق انقساماً كوردياً واضحاً في الرأي وفي الرؤية النضالية المقسمة بين النضال المسلح والنضال السياسي داخل كل دولة ففي تركيا مثلاً هناك النضال الكوردي السياسي والفكري، وفي الوقت نفسه المسلح، بالطبع كما في الاجزاء الاخرى من كوردستان المجزأة، وحتى هذا الانقسام موجود في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي اصبحت المصالح السياسية الحزبية هي الفيصل والحكم في ادارة الصراعات الداخلية الكوردية الكوردية، يذكر د. منير  بدوي في دراسته ان (( كل من لوبز وستول  يذهبان إلى أن مفهوم الصراع يمثل أو يعكس في هذه الحالة "موقفاً يكون لطرفين فيه أو أكثر أهداف أو قيم أو مصالح غير متوافقة بدرجة تجعل قرار أحد الأطراف بصدد هذا الموقف سيئاً للغاية"، ومن هنا يمكن النظر إلى مفهوم الصراع باعتباره "نتيجة لعدم التوافق فى البنيات والمصالح، مما يؤدى إلى استجابات بديلة للمشكلات السياسية الرئيسية". وعلى ذلك يخلص الكاتبان إلى "أن الصراع بهذه الكيفية، يعد سمة مشتركة لكل النظم السياسية الداخلية والدولية"..)).
وهنا تبرز القيمة المعرفية لمفهوم الصراع الكوردي - الكوردي، لاسيما فيما يتعلق باتخاذ موقف سيء للغاية، وفي الوقت نفسه السمة المشتركة لكل النظم السياسية الداخلية والخارجية، فعدم التوافق صفة وسمة بشرية قائمة منذ البدء، بعبارة اخرى منذ بدء الخليقة، وبالتالي فان المجتمعات قاطبة لابد ان تمر بمراحل الاختلاف وعدم التوافق كضرورة وجودية مغروسة في كينونتها، ولاتوجد في التاريخ مجتمعات مستثنية من هذا الامر، لا المجتمعات الوثنية ولا الدينية ولا الفكرية المعاصرة وحتى المجتمعات التي تطلق على نفسها بالمجتمعات المدنية نجدها تعيش حالة من التناقض بين مفاهيمها ورؤاها وبين ممارساتها الفعلية، وما يعني ان المجتمع الكوردي كغيره من المجتمعات الاخرى يعيش الحالة " الصراع"  هذا وفق معطياته التاريخية ووفق تداعياته السياسية المفروضة عليه داخلياً وخارجياً، وحين يقول د.  عدنان الهياجنة الاستاذ بالجامعة الهاشمية في دراسته حول موضوع الصراعات العربية " إن اختفاء بعض الصراعات العربية أو توقفها لا يعني بالضرورة نهايتها وحلها. ووصول هذه المجتمعات إلى حالة من الاندماج المجتمعي في إطار قد يطلق عليه البعض المجتمع المدني قد يؤجل انفجار هذه الصراعات، إذ إن أسباب الصراعات العربية تعود لأسباب تاريخية وحضارية يعاني منها المجتمع العربي.."، فانه يمكن الاستدلال بمقولته حول اغلب المجتمعات الشرق الاوسطية،باعتبارها تتقات من معين متشايه ومتجذر في كينونتهم وعقليتهم، فالمجتمعات العشائرية والقبلية والدينية والمذهبية والطائفية غالباً ما تتوحد لديهم الاهداف والرغبات فيما يتعلق باقصاء المنافس الاخر، والمسك بزمام الامور ضمن هيكل موحد" الحزب الاوحد " سواء دينياً" مذهبي- طائفي" او قومياً او سياسياً حزبياً، وذلك لأن اغلب المجتمعات في المنطقة تفتقد لاساسيات البناء المنظم والهيكل السليم اصلا لبنائها، سواء من حيث الدور التوحيدي للمجتمع او التنيمة الاقتصادية او استقلال المجتمعات من العصبيات التي غالباً ما تكون هي المسبب الابرز للصراعات الداخلية وتؤثر سلباً على نظام المواطنة ، فالقضاء على العصبيات لايتم فقط عن طريق العنف والاقصاء انما القضاء على المعين الثقافي القبلي العصبي يعد مكسباً مهما في بناء المجتمعات، مما يؤدي بالتالي الى سد الثغرات لاستغلال هذه العصبيات من قبل الاطراف الخارجية، وهذا بالضبط ما نحتاجه ككورد في سد الفجوة المتعلقة بالصراعات السياسية الداخلية" الكوردية – الكوردية" سواء داخل الدول التي فرض عليهم التعايش والبقاء تحت جناحها او الصراع الكوردي – الكوردي الشمولي بين الجماعات السياسية الكوردية في كل الاجزاء، حيث ان اغلب النعرات تبدأ من خلال فرض بعض الاطراف الخارجية بالاخص كل من ايران" العراق"  وتركيا رؤيتها حول الوضع الكوردي وبالتالي استغلالها لبعض الجهات الداخلية الكوردية لتقوم بتنفيذ مخططها " اجندتها" او رغبتها الاقصائية للاخر، فتتحول الى صراع داخلي بين الكورد انفسهم، ولاننسى نشوء تيارات سياسية على حقد تيارات سياسية سابقة، فضلاً عن الانقسامات داخل التيار السياسي الواحد، حيث ينجم عن كل ذلك الابتعاد عن المسارات التنموية الديمقراطية والمدنية وبالتالي الى اضعاف البنية الاساسية للحركة الكوردية التحررية الساعية لانشاء كيان كوردي مستقل ولو في احد الاجزاء المقسمة اصلا، لتكون في المستقبل القريب النواة التي يمكن منها البدء بطرح مشروع  كوردستان الكبرى.




80
الابواق حين تُزمرّ بحقد ( الازدواجية)
جوتيار تمر/ كوردستان
7/3/2017
لايعتقد شخص واعي ويفكر بعقلانية ان كوردستان بكل احزابها السياسية ليست خارجة عن نطاق التحالفات الخارجية، تلك التحالفات التي هي غالباً ما تصب في مصلحة تلك الدول اكثر في مصلحة الشعب الكوردي، وهذا ما برهنه التاريخ من جهة، وبرهنه الكورد انفسهم من خلال سعيهم السياسي للحصول على مكانة ابرز وسيادة ونفوذ اكثر من جهة اخرى، و لااعتقد بأن انسان واعي يمكن ان يأتي ليقوم بتجزأة الخيارات التي يمتلكها الاحزاب الكوردية فيفضل خيار خارجي على اخر، لأن المعطيات واحدة، والاهداف واضحة، والمشاريع مفهومة، وادوات التنفيذ هي بيد الكورد انفسهم.
ومن خلال هذا المنطق البدء بالتزمير  وفق  منطق الحقد والكره لطرف يكون بلاشك خارج نطاق المقبول، ويعد ازدواجية في الشخصية  والمعايير وحتى في فكر الاحزاب والتيارات باختلاف تصنيفاتها، وهذا المصطلح في صيغته الحديثة وحسب ما تذهب اليه الأيكيبيديا هو التعامل مع المعايير بمكيالين باعتبار " ان الازدواجية أو الكيل بمكيالين هو مفهوم سياسي يشير إلى أي مجموعة من المبادئ التي تتضمن أحكاما مختلفة لمجموعة من الناس بالمقارنة مع مجموعة أخرى، حيث ينظر إليها على أنها مقبولة لاستخدامها من قبل مجموعة من الناس، ولكنها تعتبر غير مقبولة ومن المحرمات عندما تستخدم من قبل مجموعة أخرى. وهذا ما يصبح حسب المفهوم والمنطق السياسي الكيل بمكيالين أيضا.."، واصحاب هذه المعايير يتعبرون بالفعل آفة معدية في المجتمعات عموما وفي المجتمع الكوردي خصوصاً، لذا يجب بتر تلك الافة من الاساس كي لاتفسد ما يمكن اصلاحه في البنية الاساسية للمجتمع الكوردي، فالصراع موجود، وادوات الصراع تختلف من وقت الى اخر، ومصالح المتصارعين تتحول وتتغير من وقت الى اخر وتحالفاتهم ايضا لاتثبت على اساس واحد، انما هي تأتي حسب المحصلة الاقليمية والدولية التي تفرض وفق منظومتها تلك الاليات على الاخرين وسواء تقبلوا ذلك ام لا، فانهم مرغمون على التنفيذ والانصياع الكلي، مع حالات استثنائية يكسب من خلالها بعض الاطراف انتشاراً اوسع، وحضوراً اكثر، وتحقيق مصالح بشكل اكثر تأثير، وهذا بالضبط المعضلة التي يعيشها الكورد قبل الان، والان، واذا لم يتم تداركها في المستقبل ايضاً.
لعبة المصالح لاتتوقف عند جهة واحدة دون اخرى، فالكل مشارك في المشروع المصلحوي الذاتي الحزبي على حساب القضية الاساس والشعب، وحين نجد اقلاماً تزمر فقط لجهة، وتعادي جهة اخرى، فانها بلاشك اقلام باعت نفسها للحقد والكره الحزبي والشخصي، دون ان يكون لما تقول اية اسس عقلانية نابعة من المصلحة الكوردية العامة، بل هي مزامير في الجسد الكوردي تُفَرق اكثر ما تعالج، وهذه هي الافة التي تعيشها هذه الاقلام الان، لاسيما بعد الاحداث الاخيرة التي عصفت ببعض مناطق شنكال " سنجار " حيث لامسنا الابواق المليئة بالحقد على جهة معينة تُزمر بشكل غير عقلاني ولا واعي لتقوم بالتشهير بجهة دون ان تذكر ولو بمرور الكرام ما يحصل في الجهة المقابلة، فتقوم بفرض ايديولوجيتها المعفنة في نبعها الآسن غير المنطقي وغير المهتم الا بالمصلحة الحزبية الساعية في الاصل الى اقصاء الاخر وتبني مشروع واجندة وفق مصلحتها الشخصية داخليا وحسب المصلحة الخارجية التي فرضت عليها ان تتبنى هذا المشروع.
ان الانخراط في لعبة المصالح الحزبية اودت بالقضية الكوردية وارجعتها الى الحضيض حيث لايمكن الان الاستفادة من اية فرضة قد تأتي الا بلم الشمل، والشمل لايمكن لمه من خلال هذه الاقلام الحاقدة الساعية للتفرقة وافراغ غيظها الشخصي، بدل القيام بالعمل على سد الثغرات وانهاء النعرات التي تبدأ اولاً بالنعرات والصراعات الثقافية ومن ثم تتحول الى اجندات يمكن ان تستغلها الاطراف الخارجية ومن خلالها تلج الى عمق الاجتماع الكوردي فتفرض عليه انقسامات اخرى وهو في الاصل ليس بحاجة اليها لكونه في الاصل مقسم مجزأ سياسيا واجتماعيا واقتصادياً.
من يتابع الاقلام المصلحوية سيجدها الان تفرغ بكامل غلها على احدى الاطراف المشاركة في الفوضى الشنكالية " السنجارية" الحالية، فتطلق عليها دواعش تركيا ودواعش الحزب الفلاني وتقوم بالتشهير باحدى الشخصيات الكوردية مع اختلاف وجهات النظر حول الجهة المتحالفة معها، وتدعي الحيادية في طرحها للموضوعات السياسية المتعلقة بالقضية الكوردية، في حين نجدها في نفس الوقت تتجاهل عمداً "دواعش الطرف الاخر " الذين لايمكن لواعي ولا لعاقل ان يغفل عنها بانهم "دواعش" حلفاء ايران ودواعش " حلفاء" سوريا ودواعش " حلفاء" بغداد، فكهلم من خلال المنطق الداعشي الذي يفرضه اصحاب هذه الاقلام والافكار يقتاتون من نبع ومعين لايحب الكورد ولايمكن ان يساهم اي طرف منهم في انشاء مشروع كوردي استقلالي، فتاريخيا كل الثورات في تركيا العثمانية والاتاتوركية وأدت في عقر دارها مثل ثورة النهري وبيران وئارارات، وفي الوقت ذاته فعلت ايران الامر ذاته مع سمكو ئاغا شكاك وقاسملو وجمهورية كوردستان، وفي سوريا قانون التجنيس للكورد لم يضمي عليه سوى خمس او ست سنوات اي ان الكورد حتى ما قبل 7 نيسان 2011 كانوا في سوريا يعدون من الاجانب وقد تم اعطاء البعض منهم الجنسية حسب مرسوم رئاسي رقم 49 لعام 2011 وهذا المرسوم يقضي بمنح الجنسية السورية للمسجلين كأجانب في سجلات الحسكة، وفي العراق  وأدت ثورة الشيخ محمود الحفيد ومن ثم انفتاضات بارزان.. ولا اعلم متى تعامل احدى هذه الدول بلطف مع اية حركة قومية كوردية ساعية لتحقيق اهداف تتعلق بالمطلب الكوردي الاساسي وهو انشاء كيان كوردي مستقل، فلماذا يتم التشهير بطرف او حزب او شخص ولاينظر الى الاطراف والاحزاب والشخصيات الاخرى بنفس المعايير،ولكنها  بحق فقط الازدواجية في المعايير التي يتبناها اصحاب هذا الفكر الحاقد على الاخر، الازدواجية هذه متمكنة في عقولهم وفي ذواتهم ومنغرسة في نخاعهم الشوكي، بحيث لايمكنهم الحديث الا حقداً وكرهاً تجاه الاخر، ويرون اعمال الاخر كلها منصبة تحت سياسية الخضوع للخارج التركي مثلاً، ويتناسون جملة الافعال والاعمال الاخرى التي تنصب في المصلحة الايرانية السورية العراقية معاً وهي جملةً مصالحها ودائرة تأثيرها اشمل واكبر واوسع من الدائرة التركية التي يكرهونها، فدواعش تركيا التي يرونها لا ديمقراطية لهم، يقابلهم الدواعش الذين تسببوا بافعالهم واعمالهم باجهاض المشروع السلمي السياسي الكوردي داخل تركيا نفسها والزج باغلب قيادتهم في السجون جراء الحرب بين الاحياء والحرب بين المدنيين داخل المدن التركية، وفي الوقت نفسه يوجد دواعش كورد استمالتهم دمشق بحيث سلموا المدن التي حرروها من دواعش البغدادي النكاحي الى داعش اخر دموي قاتل مبيد لشعبه وجزار لقومه وللكورد في الوقت نفسه، وهناك في اماكن اخرى داخل كوردستان دواعش تعمل مع بغداد الايرانية لكي تقوم باجهاض اية حركة من التيار السياسي المقابل.
دواعش الكورد هي التي تقوم باجهاض المشروع الكوردي داخل كوردستان وبافكار خارجية لذا لاتقوموا بتفضيل داعشي كوردي على داعشي اخر، ولا داعشي خارجي يعمل على قتل الكورد بايدي الكورد، لان المعايير هنا تكون مجحفة غير صادقة بل بعبارة اوضح كاذبة وغير منطقية ابداً في تحليل الوضع الكوردي، فالانفعالات التي يبرزها هولاء اصحاب الاقلام التي لاتعي الا مصلحتها وكرهها للاخر لاتسبب الا ردود افعال جانبية تضر بالكورد انفسهم وتخدم الاطراف الخارجية التي تسمونها دواعش.. لهذا فقط ياكوردي حاول ان تنظر الى الامور بمنظور كوردي لاحقد فيه ولاكره فيه، ولامصلحة لجهة على حساب جهة اخرى، انظر الى الامور من خلال الابواب المتاحة التي يمكن من خلالها النفوذ الى عمل كوردي يصب في مصلحة الكورد بالدرجة الاساس.. فلا فرق بين تركي او ايراني او عربي قومي وعربي ملتحف برداء ايراني، لان الكل في الميزان العدائي واحد، ومصلحتهم واحدة.. وبلاشك تلك المصلحة لاتصب ضمن نطاق مصلحتك ككوردي.
لاتكون ايها الكوردي سلاحاً فتاكاً ضد الكوردي، لأنك باختصار تكره الحزب الفلاني، وتنتمي الى الحزب الفلاني، او لانك ترى بان مشروع الحزب الفلاني لايخدم بمنظورك الكورد، وتجد بان المشروع الذي يقدمه حزب اخر كوردي يخدم القضية اكثر، لان الامر نسبي، فهناك في المقابل كوردي مثلك يرى بان مشروعك لايخدم الا فيئة معينة، وهذا الاختلاف ليس في اصله الا مرحلة تاريخية لابد ان نمر بها حتى نصل الى النقاط الاساسية التي تخدمنا ككورد وليس كادوات لفرض الاجندات الخارجية، لذا ايها الكوردي فقط كن كوردياً وليس مساهما في اقحام الكورد ضمن دائرة الدواعش التي تحاول هدم جدران الداخل الكوردي.

81
المنبر الحر / غموض وتعتيم
« في: 16:08 05/03/2017  »
غموض وتعتيم
جوتيار تمر/ كوردستان
4/3/2017
تتسم المرحلة الراهنة فيما يخص الوضع الكوردي بالغموض واللاشفافية على الصعيدين الداخلي والخارجي ، فجميع المعطيات تشير الى الجمود الفعلي لمسببات الأزمات الداخلية سواء السياسية بين الأطراف المتناحرة علاقاتيا واعلاميا، أو من حيث المعوقات الاقتصادية لاسيما فيما يخص العائدات وتنامي الغموض في كل ما يتعلق بالنظام المالي والذي  بدوره اثر سلبا على المكونات الاجتماعية الداخلية لاسيما شريحة الموظفين بشكل أصبحت الاستمرارية أشبه بالمعجزة .
ووفق معطيات المرحلة نجد بان الأوضاع الداخلية المعتمة والغامضة تدخل في عامها الثالث أصبحت الان  هي من اهم المؤشرات التي يمكن ان تصنف وفق منظومتها الوضع الكوردي لكوننا امام معضلات متعددة لا يتم الإشارة اليها من الجهات المعنية بالأخص من الحكومة ومن رئاسة الإقليم وبالتالي فان التكهنات باستمرارية الوضع المتردي اقتصاديا مثلاً امر لا مفر منه.. لاسيما ان الحكومة ليست مشلولة فيما يخص جوانب اخرى قياسا بالازمة الاقتصادية ..جوانب لاتعد مهمة بل هي بنظر الاجتماع أمور شكلية لاتقدم ولاتؤخر في عمل الحكومات الواعية بحاجات شعوبها.. فمن يشاهد الاعلام الحكومي ويتمعن النظر في النشاطات التي تقوم بها الحكومة سيجدها مقتصرة على جوانب تخص قطاعات معينة وهي في صيغتها الحالية كمالية غير معنية باحداث تغيرات على الفرضيات الداعمة لتغيير الأوضاع المالية والاجتماعية ، وبعبارة اخرى ان الحكومة تنشط في مجالات بعيدة عن اهتمام المواطن لكون الأخير لا يلامس في خطابات الحكومة المتعددة والمتكررة اية نية أو سعي جاد لأحداث تغيرات تتناسب مع المتغيرات الاقتصادية الدولية والإقليمية مع حراكها اللامعني الموجود اصلاً بالنسبة له، وبالتالي فان حالة الركود بدأت تنفذ الى اغلب المؤسسات الحكومية وانهارت الى حد كبير الثقة بالحكومة وبالساسة ورجالات الأحزاب السياسية بل حتى ان الأحزاب نفسها بدأت تدخل في انفاق مظلمة وتكاد بعضها تفقد هيبتها ووطنيتها بالأخص تلك التي تلجأ وتتحالف مع جهات هي بنظر الغالبية معادية للحركة التحررية الكوردية، وذلك فقط لإعاقة حركة قريناتها من الاحزاب الكوردية المنافسة.
ووفق هذا التداول اللاواعي للمعضلات وللمعوقات أصبحت الأمور تخرج من نفق مظلم الى اخر اكثر عتمة وظلام.. ولاشيء مطروح حاليا كحلقة نقاش وتداول بين السلطات المعنية والجهات المختصة قد يعتبره المواطن كحلقة أمل يمكن التمسك بها كي يواسي معاناته الطويلة ووضعه المتردي والسائر من سيّء الى أسوأ وبالتالي فان الغموض بات السمة الظاهرة التي تكتنف كل الخطابات الحكومية والسياسية وحتى المالية والاقتصادية لاسيما تلك التي لا تهتم بوضع حد للازمة وبالأخص الأزمة الاقتصادية ناهيك عن الأزمات الاخرى بين الأحزاب.
اما على الصعيد الخارجي فانه على الرغم من الاهتمام الدولي بكوردستان كإحدى اهم مرتكزات الوقوف بوجه المد الارهاربي الداعشي، وانضمامها كحليف قوي للدول الكبرى كأمريكا وفرنسا وبريطانيا والمانيا وبعض الدول الاوربية الاخرى ،فان الامر مازال محل غموض بالنسبة للساسة والشعب معا.. حيث نجد في الأوساط العالمية صدى استقبال رئيس اقليم كوردستان بشكل رسمي ومهيب ونجد التعامل معه ضمن هياكل سياسية منظمة وباعثة على الافتخار، الا انها الدول نفسها التي لم تزل متحفظة فيما يخص انشاء كيان كوردي مستقل في "اقليم كوردستان" العراق حيث نجد في اغلب الخطابات السياسية والرسمية لتلك الدول دعمها للكورد وللبيشمركة في حرفهم ضد الارهاب، وفي الوقت نفسه نسمع ما يوحي برغبتهم بإبقاء الكورد ضمن الدولة "العراقية( الطائفية) الفدرالية" وتجنب الحديث عن استقلال كوردستان وقيام دولة كوردية وهذا الخطاب الغامض من جانبهم يضيف حيرة للمتابعين داخليا الذين يَرَوْن ذلك التعامل الرئاسي مع البارزاني من جهة ومن جهة اخرى التحفظ على مطاليب البارزاني، ويوازي ذلك الغموض عدم وجود خطاب داخلي من القادة الكورد أنفسم فيما يخص موقفهم من الاستقلال من ناحية وتكتم الرئاسة والحكومة عن فحوى وجدوى وغرض ونتائج تلك الزيارات بحيث اصبح الشك والغموض من مكملات الحدث الكوردي في هذا الشأن أيضا.. وهذا كله في وقت بدأت دول الجوار " تركيا وايران وبعض الدول العربية" تلقي بسمومها على الوضع الداخلي في كوردستان وذلك بقيامها بتفعيل حركات مناصريها ومؤيديها وذلك للقيام باحداث القلاقل والفوضى بين الأوساط السياسية وعقد تحالفات لاتخدم الوضع الكوردي الراهن، ولا تخدم القضية الكوردية، ومن ثم قيامهم بالتلاعب بمشاعر بعض المكونات الاجتماعية داخل كوردستان كي تقوم بتوثيق مطالب تلك الجهات الخارجية وزيادة الشرخ الحاصل بين الاحزاب السياسية الكوردية المتصارعة فيما بينها، ولعل ما حصل في شنكال" خانسور" بين بعض الاطراف الكوردية  دليل على هذه التوجهات القائمة اصلا على التفرقة بين وجهات النظر  لاسيما ان المكون الاجتماعي لتلك المنطقة يدعم هذا التوجه الخارجي سواء أكان مدفوعاً من الكورد انفسهم ام من الدول الساعية لخلق الفوضى داخل كوردستان كي تبعد اية احتمالية لاعلان كيان كوردي مستقل وضمن هيكل دولي اممي معترف به ومعد له بشكل متناسب مع التوجهات الدولية في المنطقة .

82
أدب / ملاك الغواية
« في: 18:13 04/03/2017  »


ملاك الغواية


جوتيار تمر/ كوردستان


ألبستني خلايا الغواية
بطقوس تشبه همجية الريح
وتراتيل السماء..
كأنني المختار على نصب القرابين
أصلب بين نهديها..
أشهى من دفئ القمر
يفيض دمي على خصرها
تختلس من النبض لون الماء
لتروي وجهها  بضوء يعبر الليل
والقلبَ بمياه العشق الشهية
 ملاك الغواية
 مرسومة على لوح السحرة..
 تجتاح قلاعي......
تهذي فوق السرير الخشبي
وتفتح ازار شهوتها
 لتصنع مواطن الدفء في دمي
وهي تعزف بزمامير من نسج الالهة
لتوقظ جموح انثى
تبيح لشهوتها
فتح اسواري المحصنة منذ البدء

15/2/2017

83
أدب / المومس المدعية
« في: 23:00 28/02/2017  »


المومس المدعية


جوتيار تمر/ كوردستان

ظلام ونشوة.........أنثى أنهكها حضن الغريب......
والتفاصيل عناق وجع طويل فوق سرير فوضوي
هذه لهثة عابر يلبس عريّها ويطلق صرخة العشق الوحشي
ذلك القادم .........تلك خطاه تأتيني محملة بالشهوة
ترسم فوق جسدي البدائي نقوش شبقية
أمارس حق التوغل في نقيض البكاء القدسي
تأتي ويبدأ الإنشاد مع جحيم الشهوة المغتصبة
وتنسجم رائحة العرق مع شهقات النفس
وكنت أسير  الى جهة النار
ما نفع انوثتي ..........تسقط وتعلو........تعلو وتسقط  في ذاكرتي...
والانتظار .......كلّما عاودني الأمل ......
يأتي دون   ضجيج  خطاه تفتح مقبض النور
اقترب........هذا الهواء تغسله يداك
دع كفك المبلل يؤثثني للخلود.........كمومس تستفيق
دعني أغلق شرفة الخطيئة واعلن الانتصار
أشتهي  الاسترخاء على حافة الجحيم.....لتهاجر الدمعة من
أسطورة الدّمع.........والأثام من صدر يتعرّى
في آخر المشهد.........
أيا سيدة الظلام.......نور يفضح المكبوت
ركعت........لهثت .........فتحت مملكة عشق
للشياطين ........لأني لم أسقط.......
خنتِ انوثتك .........فتحت كفك للغرباء
امرأة تقرع الأبواب .......تبحث عن فجر
ثم تهيء وجهها لسقوط.........
لا يخدعنّك   أقاليم الضياء في حدائقي
والحضور الخصب  في صرير بابك
ها أنت تعودين شاحبة النّبض
توزّعين الليل  فوق المعنى الجريح
ترثين  حقد العوسج للورد

84
من اية طينة  هو الانسان..؟
جوتيار تمر/ كوردستان
3-2-2017
ان اي خوض في المعيات التي تلازم حركية الوجود البشري على الخراب المسمى بالمعمورة " الارض" سيولد كماً هائلاً من التناقضات التي تتعدى حدود الاستكشافات العلمية والدراسات التخصصية، بل انها تعقد الامور الماورائيات نفسها لاسيما تلك التي تعتمد الطوبائية او الميتافيزيقية في توصيفاتها للحالات البشرية بصورة واخرى، فالبشر اللا انساني وجد بتصور سبقي، وهذا التصور السبقي حسب الميثولوجيا الطوبائية ليس قابل للنقض، ولكونه ليس قابل للنقض فانه حتمي والحتمية تستوجب وجود فعل مادي حركي لاثبات ذلك، ولان البشر هم الاداة الاكثر توظيفاً للحراك الميثولوجي المبني على المخيلة قديما والممنهج فيما بعد، فان افعاله واثارها هي التي توضع تحت المجهر لاجراء الدراسات ووضع المعايير واثبات وجهات النظر وفرض النظريات او طرح الافكار وفتح مساحات النقاش والجدل.
وليس بمخفي على احد ان انسنة الانسان وفق اية "معايير تبقى ناقصة غير متكاملة" ، وذلك لكون الانسان نفسه عنصر رغباتي شهواتي تفكيري عقلي عاطفي انفعالي غير ثابت، بل متقلب بدرجة لايمكن وصف معالم ورسم حدود لفيئات تعميمية، وبذلك تتحول الدراسات الى وجهات نظر حتى وان بدت علمية متقنة وفق معايير دقيقة وصارمة، لكنها في الاخير تبقى ضمن هياكل اجتماعية حتى ان بدت منوعة تبقى رهينة الميول والدوافع الذاتية للاشخاص الخاضعين للتجربة التقيمية، وهذا ما يجعلنا نوجه السؤال وبدون تردد ما هي طينة الانسان.. اذا سلمنا ميثولوجياً انه مخلوق من الطين..؟.
ان اية وقفة على الفعل البشري الانساني منذ بدء الخليقة الى يومنا هذا، سنجد بأن اكثر ما يوصف به الانسان هو اللاانسانية العدوانية العنف القتل العمل على ازاحة واقصاء الاخر سواء باسم رغبته الشخصية وميوله الذاتية ودوافعه النفسية وتراكماته العقلية العقدية، او من خلال رصد الموروثات الشعبية والدينية، وسنجد في الوقت نفسه ان اية ظاهرة او حركة اصلاحية وجدت وظهرت في الوجود الارضي لديها غرض واحد وهو كي تعيد الانسان الى الطريق القويم والصحيح، وهذا بالضبط ما يثير التساؤل السابق الذي اثرناه، وبالتالي كيف يمكن وقف هذا المد اللا انساني من الانسان الذي يفترض انه من اوجد المفهوم الانساني بفكره تبعاً للرؤية السبقية التي اوجدته كأنسان، وليس خضوعاً للسبقية الفرضية الحتمية التي اوجدته كمخلوق خاضع لسلسلة مفاهيم معقدة، او تصورات متشابكة كالتي وجدت عن المخلوق الاول حيث وصف مسبقاً، اي بينما كان مازال مجرد فكرة فوقية بانه سيسفك الدماء، ويفسد في الارض.
لابد من الرجوع الى جذور ومكونات تلك الطينة التي وجد الانسان منها ودراستها لمعرفة المترتبات السبقية والبعدية التي اوجدت الانسان البشري بهذا الشكل اللامنطقي واللاانساني المهيمن عليه النزعة الاغترابية الذاتية فتحول الى وحش كاسر منذ الوهلة الاولى تبعاً لشهوته حتى اصبح يؤثث عوالمه الذاتية بعيداً عن الجمعية التلاحمية، وتأكيداً على الرؤية السبقية التي ظهرت عنه تزامناً مع قرار خلقه، فلعل الدراسة تلك توضح بعض المعالم الغامضة التي لم يزل الانسان عاجزاً عن خرق جغرافيتها، لاسيما فيما يتعلق بقدرته الاقصائية وامكانياته الكبيرة في فعل اي شيء" القتل" من اجل الابقاء على نفسه ولو على حساب كل من حوله.
فوفق دراسة جديدة أعدها متخصصون نفسيون في جامعة "موناش بمالبرن" الأسترالية، أنه ليس من السهل الإقدام على القتل أو اتخاذ هذا القرار القاسي، فحتى القتلة المتسللين ينبغي عليهم أن يتغلبوا على الكثير من الضغوطات العصبية القوية، من أجل ارتكاب هذه الجرائم، فخلال اتخاذ قرار القتل، يميل العقل البشري إلى الشفقة والشعور بالذنب، بالإضافة إلى نوع من ألم التعاطف، يجعل الشخص يشعر بنوع من الأذى ودرجة من المعاناة تقترب من نفس درجة معاناة الضحية نفسها، وفق ما ذكرت مجلة "تايم" الأمريكية "، وهكذا حتى الدراسات نفسها عاجزة عن تحديد النمطية التي تتبعها العقليات الاقصائية، بالعكس تماماً فان هكذا دراسة تؤيد وتؤكد المقولة التناقضية السبقية التي اوردناها وتجعلنا نعيدها بصياغة اخرى، حول ماهية الميل البشري للشفقة اثناء ازاحة الاخر، فكأننا نعيش وهماً سبقياً يجعلنا نعيش التعاطف ونحن نقتل الاخر ونزيحه عن الوجود على الرغم من سماعنا لصراخه ومحاولاته المتكررة للنجاة واستعطافه لنا بالرحمة والى غير ذلك من الامور التي ترافق هذه العملية اللاانسانية من الانسان.. ان التناقض لايقتصر على المقولات الميثولوجية المنبثقة من تصور ديني فقط بل تنبثق من الاجمالية التي صنفت الانسان انساناً وهو لايحمل من معاني الكلمة الا الهيكل الخارجي، فكيف يمكنه ان يتعدى مكوناته السبقية الخلقية كأنسان سيحقق التصور السبقي عنه بانه سيسفك الدماء، انها المعضلة الاكثر تعقيداً من حيث التداخل والتشابك بين المفاهيم والاوامر والحتمية والجبرية وحتى التخيير والتسيير الممنهج دينياً.. بالطبع كل هذا بعيداً عن الرؤية القائلة بان تلك السمات الازاحية الاقصائية هي اكتسابية لاسيما من البيئات التي تتأثر بجملة امور خارجة عن هذا النطاق الحتمي، لاننا وقتها سنقول بان اللاحتمية نفسها هنا تناقض وجوديتها لكونها وفق السبق البيئوي وجدت تحت ظرفية لم تكن للبيئة وقتها اية تأثيرات عقدية او عقلية او حتى ظروف تعقيدية حياتية، بل اتت وفق منهجية الحتمية القائلة بالسفك السبقي لا اكثر، لكون تلك الرؤية كانت دقيقة كدراسة ممنهجة بدون معايير وقتية او تحديدات وسائلية، فكان البدء بالاقصاء استكمالاً لتلك المقولات او خضوعاً لتلك للحتمية.. ولم يكن للبيئة هنا اية مؤثرات وتأثيرات، انما فقط كان الامر متعلقاً بالرغبة والشهوة والبدء باحداث انموذج بشري لاانساني قائم على الوحدوية المتسلطة واخضاع ما ليس هو لكينونته..متنافياً بالمقولة ان البيئة او ان هناك من يدفع الانسان الى الجريمة خارج الاطر الذاتية الساعية لتحقيق الحتمية السفكية السبقية اولاً ومن ثم بعيداً عن الرغبة والشهوة التي اظهرت صورته الحقيقية منذ الوهلة الاولى،  وحين نغوص في التاريخ الانساني على الخراب الارضي سندرك تماماً ماهية الطينة التي خلق الانسان منها، حتى وان كنا لن نلامسها مادياً، فهذا التجذر العنفي الازاحي متغرس فيه فطرياً، وليس هناك من فسر هذه العفوية وهذه الحتمية واقعياً بشكل واضح مثلما فعله الفنان الرائع مايكل انجلو في احدى اعماله الرسمية حين رسم البراءة في صورة طفل، و ثم صورة لشخص يمثل الاجرام في صورة قبيحة تبرز كيان وهوية وسمات المجرم القاتل، والذي ادهش انجلو نفسه بعد حين هو ان الصورة الاولى التي كانت رمزا للبراءة متمثلة في طفل رضيع هو نفس الشخص الطفل البريء في الصورة الثانية التي تمثل الجريمة والمجرم، فالعملية هنا اتت تزامنية لااكثر،واعتقد انه ليس الا تصوير عفوي لتجذر العنف في النفس البشرية الانسانية منذ الوهلة الاولى " الفكرة " لذا كانت الحتمية وقتها مزامنة ومرافقة للهيئة او الهيكل الذي وجد الانسان عليه، فاصبحت المسارات التخييرية هي بوجود الانسان الشهواني الاقصائي مجردة من فعاليتها، اذا لم تكن اصلا غير مصوغة لتلائم حجم الكارثية التي سبقت الخليقة وتزامنت معها، ورافقتها لوقتنا هذا، وستبقى لاجل غير مسمى.


85
اراء ومقولات حول الاصل الكوردي
جوتيار تمر/ كوردستان
23-1-2017
لايتوقف التاريخ الكوردي عند محطة زمنية دون اخرى تسبقها، فالكورد متجذرون في التاريخ كما اغلب شعوب المنطقة، ولايمكن انكار هذا الامر فقط لانه لايوجد كيان كوردي موحد لحد الان، لان هذه النظرية عديمة وعقيمة من حيث المنشأ والتوجه والاثبات الاكاديمي، فكل الكيانات الحالية كانت في الفترات الزمنية السابقة مجردة من التسميات الحالية، اي ان حالها كحال الكورد كانت ضمن دوائر صراعية تنافسية تقاتل من اجل اثبات وجودها وغرس اقدامها في الارض التي تتواجد عليها، وبغض النظر عن المعطيات والاسباب التي ادت بالتالي الى خلق بعض الكيانات بالمسميات الحديثة والتي يدركها الواعي والمتفكر بانها كانت وليدة المصالح الدولية، فان الكورد كانوا يقطنون ارض كوردستان قبل الميلاد بل وبحسب المخطوطات والمصادر القديمة انهم غرسوا اقدامهم في ارضهم كوردستان بالاخص فيما حول جبال زاكروس والمناطق المتاخمة لها منذ العصور الحجرية القديمة، ولست هنا اريد ان اعرض الموجودات الاثرية التي وجدت على ارض كوردستان والتي يعود تاريخها الى تلك الحقبات الزمنية الغابرة ككهف شانيده ر وهزار ميرد وجرمو وجارستين والى غير ذلك من الاثار التي يمكن من خلالها توثيق ماهية الحياة التي وجدت على ارض كوردستان، وبالتالي فان انكار الوجود الكوردي على ارض كوردستان هو امر مناقض للعقل والعقلانية الحديثة ومناقض تماما للدراسات الاكاديمية التي اثبت هذا الوجود واثبت وجود العنصر الكوردي، كما انه في الغالب يناقض النظرية الدينية القائلة بالطوفان حيث ان الجبل الذي رست عليه سفينة نوح يقع على ارض كوردستان وبالتالي فان المهد الثاني للبشرية وبحسب اراء الكثير من المؤرخين والعلماء قد بدأ في كوردستان حيث ان جبل جودي الواقع في كوردستان الشمالية ( شمال كوردستان) من على سفحه بدأت البشرية بالانتشار ومن هناك بدأت النظرية القائلة بهندواوربية الكورد.
وبعيداً عن البحث في الوجود الكوردي القديم قدم المنطقة، كنا ولم نزل نعيش صراعاً مزدوجاً بين الاثنيات المجاورة للكورد قديماً وحديثاً من حيث تدوين النظريات حول الاصل الكوردي، حيث لايخفى على احد عمق الصراع العربي الفارسي حول هذا الامر بالاخص، ووجود العديد من الاراء والنظريات التي رفضتها النظريات الاكاديمية الحديثة، كما رفضها المنطق والعقل المستنير من ابناء تلك الاثنيات انفسها، لكونها رفضت طمس معالم شعب متجذر تاريخياً في الوجود البشري بسبب الصراعات القومية الشوفينية في المنطقة، وللوقوف عن قرب على بعض الاراء التي اوردتها المصادر العربية الاسلامية والفارسية ومن ثم المصادر الاكاديمية للمستشرقين ولبعض المؤرخين الاخرين نعرض بعضها كمدخل تدويني قابل للبحث العميق.. حيث يمكن تقسم الاراء حول اصل الكورد الى عدة نظريات منها:
1-   النظرية العربية: وهي تتمثل باراء عدة مؤرخين وعلماء الانساب ممن كتبوا عن الاصل الكوردي ونذكر من المؤرخين المسعودي الذي كتب عن اصل في كتابه مروج الذهب حيث ذكر فيها ثلاثة اراء تختلف كل واحدة عن الاخرى في تصورها من حيث المنطق والعقل:
-   الكورد من اصل الجن: اورد المسعودي رأياً يوضح فيه بان الكورد من اصل الجن حيث يورد قصة عن النبي سليمان الذي امتلك مجموعة من الايماء والجواري في بلاطه واثناء احدى غزواته وغيابه عن بلاطه دخلت الجن على تلك الايماء والجواري فحملن وعندما عاد سليمان ووجد تلك الايماء والجواري حاملات تفاجأ وسأل عن ما حدث فقالوا له بان الجن دخلوا عليهن فحملن بهن، فقال اكرودهن الى الجبال، وهناك وضعن حملهن ومن ما وضعن بدأ نسل الكورد ، ( لايحتاج هذا الرأي الى توضيح لكونه يناقض العقل والمنطق اولاَ والمنطق الديني ثانياً).
-   الرأي الثاني الذي يذكره المسعودي حول اصل هو ان اصلهم يرجع الى العرب، حيث كانت الجزيرة العربية يسكنها الكثير من القبائل التي كانت تتناحر وتتقال فيما بينها، مما ادى بقبيلة بني ربيعة ان تهاجر الى الشمال وبالاخص الى جبال زاكروس وما حولها وهناك اختلطوا باهالي المنطقة من الفرس فتشكل منهم ذرية جديدة وهم الكورد.
-   اما الرأي الاخر الذي يذكرة المسعودي حول اصل الكورد فهو ما اورده مختصرا حول انتساب الكورد الى الفرس لاعتبارات لغوية وهو تقارب وتشابه اللغتين الكوردية والفارسية بعضهما من البعض( اللغتين الكوردية والفارسية حسب رأي علماء اللسانيات ينتميان الى الاسرة اللغوية الهند و اوربية، القسم الشرقي التابع للغات الهندو ارية ومن هذا القسم ينتميان الى القسم الخاص باللغات الارية).
2-   النظرية الفارسية: وتصنف هذه النظرية بانتمائها الاسطوري لاصل الكورد، حيث تعيد النظرية اصل الكورد الى احد ملوك الفرس الذي يسمى (ضحاك – زوحاك-) وهذا الاخير كان مصاباً بمرض غريب حيث نبتت على كتفيه حسب بعض الروايات رأس ثعبانين كبيرين، فطلب منه الحكماء والاطباء انذاك بالاستعانة بدم بعض الشباب لمعالجة مرضه، وحينها امر الضحاك بذبح وقتل شابين كل يوم او بين فترة واخرى ، واستمرت الحالة معه لفترة واثناء ذلك اتفق وزيره مع الطباخ ان يقوم بتسريح( اطلاق سراح) شاب وذبح الاخر، حيث كان المُسَرح يفر الى الجبل وهناك وبعد مضي فترة كثر الفارين على الجبل واختلطوا بالاقوام القاطنة هناك وتزاوجوا ومنهم تناسل اصل الكورد.
3-   النظرية الاستشراقية: سلط المستشرقون الكثير من الضوء على اصل الكورد وعلى النظريات التي ذكرت ولكنهم اجمالاً خالفوا السائد من النظريات القائلة واعتمدوا اساليب اكثر دقة واكاديمية في بناء ارائهم ونذكر من المستشرقين المستشرق الروسي مار الذي قال بان اصل الكورد يرجع الى الكاردوخيين الذين ذكرهم زينفون في سنة 402 قبل الميلاد في كتبه اثناء رحلته الشهيرة (حملة العشرة الاف ).
        اما المستشرق مينورسكي الروسي ايضا فيذكر بان اصل الكورد يرجع الى الميدين الذين تحالفوا مع الدولة البابلية الاكدية سنة 612 قبل الميلاد ضد الاشوريين واسقطوا دولتهم ..كما انهم انفسهم سقطوا سنة 550 قبل الميلاد على يد الاخمينيين الفرس والميديون سكنوا اطراف بحيرة اورمية وامتدت سيطرتهم على الكثير من اجزاء كوردستان.
4-   النظرية الكوردية: وهي تتمثل باراء مختلفة نذكر منها ما ذكره البدليسي في كتابه شرفنامة الذي كتبها باللغة الفارسية حيث اورد نظرية تشبه في مضمونها الرواية الفارسية حين ارجع اصل الكورد الى عهد الملك ضحاك الذي كان مصابا بداء على كتفيه واضطر الى استخدام (مخ) شابين في كل يوم لعلاج مرضه، الا انه افرج بعد فترة عن شاب وقتل الاخر ، والذي كان يفرج عنه كان يلجأ الى الجبل ليحتمي وعندما كثر عددهم واختلطوا مع اهالي المنطقة ظهر منهم نسل جديد وهم الكورد.
           اما محمد امين زكي فيذكر رواية هي الاقرب الى العقل والمنطق من حيث الاستشهدات التاريخية سواء من الناحية الدينية او العقلية فيذكر بان البشرية مرت بعهد الطوفان في زمن النبي نوح حيث لجأ الناجون الى السفنية التي صنعها نوح وبما ان الطوفان اغرق العالم وقتها فان الناجين هم فقط من كانوا على السفنية وهذه السفنية رست على جبل اسمه جودي وهذا الجبل يوجد في كوردستان وهذا يعني بان كوردستان هي المهد الثاني للبشرية ومن جبل جودي بدأت البشرية تنتشر الى جميع انحاء العالم وهناك استقر الهندواوربيين الذي منهم ينحدر الكورد وسكنوا كوردستان منذ ذلك الوقت.
ولاتتوقف الاراء والنظريات حول الاصل الكوردي عند هذا المنعطف وهذا الحد لكون الكورد كشعب متجذر في المنطقة قد لقي الكثير من الاهتمام بالاخص من الاكادميين الغرب الذين تناولوا موضوعات الشرق بحرفية ودقة، فكتبوا عن الاقوام القديمة التي سكنت المنطقة وكان للكورد نصيب كبير في دراساتهم وكتاباتهم بالاخص فيما يخص الاصل الكوردي وكذلك اللغة الكوردية ومن ثم العادات والتقاليد والتراث الكوردي واغلب الموضوعات الاخرى المتعلقة بوجود الشعب الكوردي.. ومع ذلك فان بعض المنتمين الى دوائر قومية معادية للكورد مازلوا يصنفون الكورد ضمن المجموعات غير المستقرة ولايمكن اخفاء الاسباب التي تقف وراء عدم وضوح الاصل الكوردي عند هولاء بالاخص العربية والفارسية:
1-    وجود روايات "خرافية" متعددة حول الاصل الكوردي سواء أكانت فارسية او عربية وذلك تحقيقاً لاهدافهم الخاصة.
2-   الموقع الاستراتيجي لكوردستان اثر كثيراً على توجهات الاخرين حيث حاولوا الحاقها بممتلكاتهم ودولهم ومنع ذلك وجود قومية اخرى عليها " الكورد " مما دفعهم الى تشويه صورة الكورد لمصالحهم.
3-   بقاء الكورد في المناطق الجبلية والوعرة وعدم اختلاطهم المباشر بالعالم الاسلامي وذلك محافظة على وجودهم القومي من جهة ولكسب معيشتهم من جهة اخرى جعل المؤرخين الاسلاميين ينظرون اليهم نظرة تمرد على السلطة.
4-   تأثير الكيانات القبلية الكوردية وعدم وجود كيان سياسي موحد في المنطقة الكوردية ساهم بشكل واخر في اضعاف محاولات البحث الجاد حول الاصل الكوردي وتعرفيهم للاخرين.
5-   تحويل اراضي كوردستان منذ العصور القديمة الى ساحة معارك بين الامبراطوريات القديمة كالفارسية واليونانية ومن ثم الفارسية والرومانية ومن ثم الاسلامية والفارسية والاسلامية والبيزنطية واخيرا بين الدولة العثمانية والصفوية كل ذلك ادى الى اضعاف الجوانب الثقافية والاقتصادية وبالتالي ادى ذلك الى فقدان الكثير من المصادر والكتب التي فيها معلومات قيمة حول كوردستان مثل كتاب انساب الكُرد لابن قتيبة الدينوري.


86
لمحة عن تاريخ الكورد القديم
جوتيار تمر/ كوردستان
18/1/2017
عندما نحاول معرفة تاريخ شعب ما، نبحث عن الممكنات التي غالباً ما يؤرخها ويدونها ابناء ذلك الشعب عن تاريخهم، ولكن حين نجد صعوبة في ايجاد هذه المدونات لاسباب عديدة ومتفرقة، داخلية منها وخارجية، فاننا نجد انفسنا ملزمين بالبحث ضمن المدونات الاكثر قرباً من حيث الزمنية والمكانية، ومن خلالها نحاول رصد اكبر عدد من المعلومات، ومن ثم نأتي لنقارنها ببعض المعطيات التدوينية الحديثة والتي يقدمها بعض المؤرخين والكتاب من ذلك الشعب، وحيث نجد توافقاً اكاديميا نتبعه، ونحاول ان نعممه دون الاخذ بالاراء الاحادية النابعة من التصريحية والخطابية القومية سواء أكانت خارجية نابعة من الرؤية الدونية للاخر، او من حيث طمس معالم الاخر لاثبات وجود الانا لديهم.. او من حيث الاراء الداخلية الاتية كردة فعل على الخارجية، لان الممر الآمن لدينا هو الممر المؤدي الى الدراسة الاكاديمية والعلمية والتي يمكن من خلالها اقناع اصحاب الرأي الاكاديمي العقلاني بالمرويات التاريخية التي نحاول اثباتها.
تاريخياً لم نجد شعباً تعرض للظلم التدويني والنفي التاريخي، والتلاعب بالمصطلاحات المتعلقة باسمه وبكل تاريخه مثل تاريخ الشعب الكوردي، لاسيما من قبل المؤرخين الذين يعيش الكورد ضمن جغرافياتهم السياسية، الامر الذي خلق شرخاً واسعاً بين الفيئات الاجتماعية والشرائح المثقفة وحتى العامة وبين شعوب تلك الجغرافيات، ومهما كان التعايش امراً واقعاً فانه سيبقى تعايشاً مرهوناً بالوقتية، لكونه اصلاً تعايش لم يبنى على اسس التوافق الثقافي ولا القومي ولا حتى الديني " بدرجة اقل " ، فكل المؤشرات تذهب الى وجود هوة سحقية بين البنى التوافقية التي ينادي بها البعض ليس من اجل ترسيخ الرؤية الاكاديمية الصحيحة، انما فقط لابقاء الاخر ضمن دائرته الاستعبادية والتي اصلا لم تكن لتوجد اذا لم تفرضها المنظومة الدولية منذ بداية تأسيس الجغرافيات السياسية الحالية.
ومن يراجع التاريخ الكوردي القديم سيجد بأن هناك اختلافاً واضحاً فيما ورد في المدونات القديمة لاصحاب الحضارات القديمة التي استطاعت من بث سلطانها على الاراضي الكوردية في كوردستان، وبين الاراء الحديثة التي يتبناها بعض المهمشين ممن يريد الشهرة والتشهير بالاخرين، وعلى هذا الاساس نجد بأن الكورد كقوم ومكون اساسي لمنطقة الشرق الاوسط قد ذكروا تحت مسميات مختلفة ضمن الالفيات السابقة للميلاد  وضمن الحوادث المرتبطة ببعض المملكات والامبراطويات الحاكمة في المنطقة، لاسيما في المصادر السومرية والآشورية والفارسية والاغريقية والرومانية وفيما بعد في  المصادر الاسلامية العربية، فضلاً عن المدونات والدراسات الاكاديمية التي كتبها كل من الرحالة والمستشرقين وذلك من خلال كتابتهم عن الشرق بصورة عامة وعن الكورد باعتبارهم احد الاقوام الشرقية وعن كوردستان باعتبارها جغرافية تضمهم.
تعتبر المصادر اليونانية و الرومانية من اهم المصادر التي يعتمد عليها في دراسة التاريخ الكوردي قبل الاسلام، و ترجع اهميتها الى معاصرتها للاحداث والى تعايشها الزمني واحيانا المكاني مع الوقائع في المنطقة، بالاخص في كوردستان، ومن ابرز هولاء المؤرخين هيرودوت( 484-425 ق, م)  الذي ذكر  تسمية كارداكيس كدلالة عن الشعب الكوردي، كما انه ذكر اسم  اربائيلو ( اربل) كاحدى اهم مدن امارة حدياب في بلاد اشور القديمة ، ومن المؤرخين الاخرين زينفون (430-354 ق.م) الذي سمى الكورد بالكاردوخوي في كتاب سماه (اناباسيس(  وقد التقاهم بعدما مر الجيش الاغريقي بقيادته من خلال بلاد الكاردوخوي عند مضيق زاخو متجها الى ارمينيا والبحر الاسود ، وقال عنهم  بانهم قوم محاربون اشداء يعيشون في الجبال و لايطيعون الملك ولهم خبرات جيدة باستعمال القوس و المقلاع، ومن المؤرخين والجغرافيين الذين كتبوا عن الكورد خلال تلك الحقبات الزمنية سترابون (65 ق.م – 19 م) ، الذي كتب مؤلفاً عن جغرافية العالم الموسوم بـ(Geographica) في سبعة عشر جزءاً، وصف فيها الاقاليم المعروفة انذاك من بابل و اشور وكوردوئيين.
وممن كتب عن الكورد ايضا المؤرخ والفيلسوف اليوناني بلوتارخ ( 50 – 125 م) ومن الارمن المؤرخ الامني موسى الخوريني الذي اشار الى مار( ماد) والى نهر اراكس ( اراس) وقد اعتمد المشترق الروس مينورسكي كثيرا على اراء الخوريني في تحديد الاصل الكوردي من خلال طرحه لنظريته القائلة  بأن الميديين هم اسلاف الشعب الكوردي في مؤتمر بروكسل 1938 وفي لندن عام 1939  ويذكر مينورسكي انه "في زمن موسى الخوريني لم يكن هناك ميديون في الوجود وانما كان الكورد يحتلون سفوح جبل آرارات، كذلك تضمنت مخطوطة ارمنية غريبة نموذجا من الف باء ولغة دونت في وقت يسبق عام 1446م، وهي دعاء برموز كردية تمثل لغة الميديين (مار) مع استعمال لفظ لايزال يشاهد في القواميس"، كما كتب مؤرخوت اخرون عن الكورد خلال تلك الفترات المتلاحقة كالمؤرخ اليزيه وردبت.
ومع المصادر اليوناينة الارمنية يمكن  البحث في المدونات والمصادر الفارسية التي عاصرت وواكبت اغلب الاحداث في المنطقة باعتبار انها كانت اما ضمن ممتلكاتها التي سيطرت عليها، او منطقة صراع بينها وبين الاغريق اليونان وقتها، ومن اهم المصادر الفارسية حول الكورد كتاب "خداي نامه" ومن ثم كتاب " كارنامه اردشير بابكان، كما احتوت  الشاهنامه  لمؤلفها الفردوسي على معلومات متباينة عن الكورد لاسيما حول الاصل الاسطوري للكورد وكذلك على الصراعات التي كانت قائمة وقتها بين ملوك الفرس وملوك الكورد الميديين.. لاسيما في العهد الاخميني الذي توجد اشارات كثيرة عن  الميديين في هذه الفترة ، والتي ترد في المدونات الاشورية بالاخص في ماذكر الملك الآشوري شيلمنصر الثالث (858-824 ق.م) في غزواته على مناطق الهضبة الايرانية وجبال زاكروس (844 ق.م)، وجاء ذكر الميديين في حملة عام 836 ق.م، وماذكر ايضا في المدونات الفارسية تلك المتعلقة  بالتحالفات التي قام بها الملوك الميديين مع كل من الدولة الاوراتية ومن ثم التحالف مع الدولة البابلية في عهد كي اخسار (633-584 ق.م) والذي بموجبه تم القضاء على الدولة الاشورية 612 ق.م.
كما دونت المصادر الفارسية في العهد الفرثي الكثير من المعلومات عن الكورد والمناطق الكوردية باعتبارها كانت مسرحاً للمعارك الدائرة بينهم وبين الاسكندر المقدوني ( 336- 323 ق.م) حيث تذكر بالتفصيل المناطق التي سار فيها جيش المقدوني لاسيما التي تقع بمحاذاة نهر دجلة في اتجهاها نحو اربل، حيث التقى فيها مع الجيش الفارسي الاخميني بقيادة دارا الثالث (335-331 ق.م) في موقع تل يسمى (كوكميلا )، ووردت معلومات اخرى عن الكورد في المصادر الفارسية عن الكورد في العهد الساساني ولعل ابرزها تلك التي تحدثت عن قيام ملوك الفرس وقتها باخماد الحركات التي كانت تقوم ضدهم من قبل الكورد الميديين ولعل تمرد الملك مادك الميدي من ابرزها، كما انه في الحقبات التالية ثار الكورد في مناطق كوردوئيين ضد بعض ملوك الفرس.. ودونت المصادر الفارسية تفاصيل الصراع القائم وقتها مع الامبراطورية الرومانية ذكرت الكثير من حول المناطق الكوردية والكورد.. فحين هاجم الجيش الروماني عام 297 بقيادة كالريوس مناطق ارمينيا وكوردوئيين تصدى له الملك الفارسي نرسى(293-302م)، انتهت المعركة بالصلح وتقسيم تلك المناطق بينهم ، وظلت كوردستان مسرحا للاضطرابات وحركات العصيان والتمرد والرفض التي لم يستطع الساسانيون من اخمادها  الا من خلال الحملات العسكرية الكبيرة، والتي غالباً ما كان يليها مهاجمة الحاميات البيزنطية خلال صراعهم الطويل الامد في المنطقة.
ومن خلال متابعة هذه المدونات في المصادر القديمة سواء من خلال المخلفات  الاشورية والبابلية و الاغريقية اليونانية والارمنية ومن ثم الفارسية بكل عهودها القديمة من الاخمينية والفرثية والساسانية سنقف عند الكثير من المعلومات التي وردت عن كوردستان والكورد والتي غالباً ما سنجد بانها كتبت ضمن مؤشرات دالة على التعالي والنظر بدونية الى الاخرين، فالاغريقي لاينظر الى الكوردي او الفارسي الا من خلال نظرته الفوقية وكذا النظريات والمدونات الاخرى للاخرين.. والتي نتج عنها نظريات اخرى في العهود اللاحقة بالاخص في العهد الاسلامي العربي الذي لم يكن باحسن حال من مَن سبقهم ، وذلك لاغترافهم من نفس النبع الفوقي الاستعلائي بعيداً كل البعد عن الكثير من الحقائق التي كانت وقتها قد ظهرت كحقائق مؤكدة لاتحتاج الى التكهن والفرضيات، بل فقط كانت تحتاج الى الاستماع لاصحاب الشأن كي يوثقوا مقولاتهم عن انفسهم باعتبارهم كورد اصحاب ارض وامتداد تاريخي طويل.. واصحاب لغة وحضارة وعادات وتقاليد وتراث خاص بهم.


87
قراءة في نص "الخروجُ مِنْ قلْبِي" للشاعر والاديب صابر حجازي
جوتيار تمر/ كوردستان
10/1/2017
الخروج من قلبي
يتمثل عنوان النص "الخروج من قلبي" ضمن العناوين القصدية التي تميل الى الايحاء والشروع في نفس الوقت،  فيتدرج المضمون في ما يشبه العنوان أو اللازمة التي تقوم على تدشين النص وتدفع حركته وتجعله يتمفصل حوله " العنوان" ويتنامى ويتكامل، وعنه ينتشر وإليه يرتد فينغلق به على المساحات الرؤيوية فتتحول وتتوسع  تلك المساحات حسب ماهية القضية ،بالمعنى المنطقي التي تلازم الشعر، وتتخذ شكلا موحياً بالمعنى النحوي والدّلالي التداولي " الخروج..قلبي.." .

قلبي العارفُ بالأيام
 مازال يُجازفُ بالأحْلام
يخترقُ ظلامَ الليل ، وصمتَ الألَم
 يشُقُّ طريقًا للإبْحار
 فِي الخوفِ السَّاكِنِ بالأقْدار
 يُنَقِّبُ فِي صَمْتِ الأعْماق عَن الأزهار
 يفتش في هذا العالم
يسبح ضد التيار
**
 يبدأ النص بمماهاة واضحة مع حركية العنوان " الخروج من قلبي" فالقلب المقبل على تقبل فكرة الخروج، يحاول ان يتحرر من الحدث الاستباقي،   كي ينشأ خطاباً خاصاً به منحدر من الحالة الحلمية التي يعيشها، والتي من خلالها يتحدد رغبة دافعة لحركة ذهنية تصورية مشهدية ساردة، تنطلق من الشعور المتأثر بشكل واضح وكبير بالحتمية " الخروج" وفي الوقت نفسه العائم فوق كم هائل من الانجرافات النازحة من الجوانيات المتلاحمة طوعياً مع حركية الحدث نفسه، والمؤدية في جملتها الى خلق نوع من الخلل في التوازن الوجودي المهدد بالحرمان " يجازف ،ظلام ، الالم ، الخوف ، صمت، ضد,," كلها ايحاءات واضحة المعالم التي تهدد الكينونة الوجودية للقلب، ضمن هيكلة وجغرافية الحلمية الناجمة اصلا من التأثيرات الاتية من الحتمية " الخروج "، وبالتالي اثرت على الخطاب الشعري للذات الشاعرة حتى اكسبتها طابعاً رؤيوياً تأطيرياً مقترناً بتلك المفردات المتوحشة في صوريتها ودلالاتها.. والتي سنلامس امتداها وتأثيرها على المضمون النصي.



 مُحْتَالٌ خَدَّاع
.مَنْ قاَل بأنّ الإنسانَ الجَاسِر
لا يعرفُ إخْضاع
محتال خدّاع
مَن قال بأن الصُّبح الكاسرَ
 لا يعرفُ إخضاع

 فالحقّ
 الحقّ يُعَانِقُ صوتَ البَاطِلِ
يَرقُصُ
فَوْق أسي أوْتار الكذب
 يضاجع
جسم حقيقة حرف غادر

 مُحْتالٌ خدّاع
مَن قال بأنّ القاتَل
 يقتُل
 دون دِفاع
قتلوكَ أيا (يوسف)
 آه..لو نَظرُوا  في الجُبِّ
 لرأوْكَ حَزيِنا مُلْتاع

**
تتمثل الحركية المعتمدة من قبل الشاعر في طرح الرؤية النصية حول الاستعارات التي فرضت عليه ضمن السياق العنواني ومن ثم النسق الاستباقي المنحني تحت وطأة التأثير الانفعالي والشعوري معاً، فنجده يستمر في توظيف المفردات المتوحشة التي تعطي انطباعات واضحة حول الماهيات التي يستقي منها الشاعر مفرداته، والمسارات التي يريد خلقها وفق تداعيات التنامي الحدثي من جهة، والتنامي الصوري المشهدي من جهة اخرى، وهذا بالفعل ما يمثله الفعل الافتتاحي هنا" محتال..خداع.." حيث الحدث له مؤشرات دلالية توجيهية، وكأن الخطاب يريد ان يكتسب صفة الرسالة لانه يأتي مواكباً مع صيرورة التنامي الحدصي العام، والذي ينغمس بالانفلات الذاتي، حيث الصوتية تبرز من خلال التأثير المحتدم للحالة النفسية النابعة من التحولات التي فرضها الشاعر على النسق الشعري العام وعلى النسق المشهدي التصويري للحلمية الضمنية الى الظاهرية.. فضلاً عن الانصياعات الخطابية للتوجه البلاغي الشعاراتي فكأن الرؤية هنا  تبرر الحدث " الخروج " بجملة ادوات تضمن للفكرة استمرارية " ديناميكيتها" وانفلاتها،  "  من قال..."  التي تضعنا ضمن دائرة التدوير البلاغي اللفظي والصوري معاً فارتباطها بالانسان مرة وبالصباح مرة اخرى اعطت للصورة مدايات تخيلية متداخلة مع الحراك السبقي للحتمية المذكورة سابقاً، فكأن الشاعر يريد ان يوجه من خلال خطابه هذا رسالة مضمونها بانه لاشيء يمكن ان يستمر ضمن الحال نفسه، لذا فهو يمتنع عن الانصياع للسبقيات والحتميات لانه يدرك انحلالها وانحرافها، وبذلك تتحرر الرؤية لديه لتخرج من الاطار الحلمي الى اليقظة، وتنفتح امامه مجالات التعبير عن الحق تعبيرا واعياً واضحاً واعياً اثناء نقله من خطاب الى اخر .." فالحق ،،الكذب، غادر..."، ولكونها نقلة تحدث شرخاً في بنية الفكرة نفسها، نجد بان الشاعر اعتمد على الخطاب الرؤيوي النابع من مواجهة الحتمية بالحتمية نفسها، فالحكم على الحق جاء ضمن السياق الحتمي للخروج، وبذلك يجبرنا الشاعر على الانصياع لهذه الحتمية النابعة من منطقه المخصوص، وحين يزج بقصة يوسف في السياق الحدثي ويختمها بتلك النغمة الحزينة الدالة على انكسار الروح والنفس وصدمتها بالحق والخداع والغدر، فانها لاتأتي كأمر عرضي مبهم، غير مستدرك او مستوفي لرؤيته، بل نجدها تأتي من صميم الحدث الشعري نفسه، ومن صميم الحدث الحتمي السبقي ايضاً فالاستسلام لامر الواقع بات من الحتميات التي عليه ان يؤثث عوالمه ضمن دوائرها.. ولكن السؤال الذي يعتري ماوراء السطور.. الى متى الانقياد الحتمي..؟، وهذا بالضبط ما احال لغته من الخطابية المشبعة بالتمرد واليقين والشعاراتية الى الخطابية المنقادة للسكينة " لرأوْكَ حَزيِنا مُلْتاع.."، وتلك هي النقلة الاخرى التي احدثتها المؤثرات السبقية في ذهنية الشاعر من جهة، وفي الاحداث من جهة اخرى .
 

 قلبي قد عاشَ بِلاَ أضْلاع
 تمْخُرُة الدمعة ُ- والأعْوام...
ونبض الكلمة
 والبحث عن اللّقمةِ
 لكنْ فِي خوْف ِالعَصْر الأعْمَى
 مدّ ذراعا
ليفتِّش في نَبْضِ الأحْلام
عن موجةِ نُورٍ
 تَتخطَّي الدّيْجوُر
تمْحُو كل ظلاَمٍ طاف
تعيد ُخُطاَه
يَمُدُّ يديْهِ لِيَكْسِر َ
    قيْد الأسداف

من يقرأ للشاعر هنا سيشعر بأن الانفعالية والخطابية المتهيجة قد هدأت سواء على المستوى الدلالي " الفكرة " او على المستوى التوظيفي للبلاغة التصويرية، وهذه النقلة تحدث ضمن المتنقلات والمتحولات الرؤيوية فالخطاب المتهيج تحول فجأة الى خطاب يمزج بين الخبرية والمشهدية الساعية لختم الرؤية وفق نسق متحرر من المؤثرات السبقية، لينشأ في المضمون تاقبل بين الحدثية من حيث الزمنية وبين الحراك الارادي الا ان سعي الشاعر اصطدم بحاجز اللغة التي نجدها لم تزل  خاضعة لكينونة الحتمية، ولمنطق الرؤيا، فحين نجد ان الشاعر بدأ يلجأ الى " قد عاش " الى الزمنية الماضية فانه بلاشك لايريد استعادة الذكريات فحسب، انما يجري ضمن هيكلة الرؤية مقارنة بين ما كان وما هو عليه الان، ومايريد ان يكون عليه في الزمن الاتي وضمن النسق الخبري، وبذلك نجده يخضع لرهبة الزمنية، تلك الرهبة التي تفرض عليه الانصياع لمبدأ تخفيف الخطاب " البحث عن اللقمة..العصر الاعمى.."، ومن ثم البدأ بايجاد سبل اخرى لتخريج الرؤية ووضع مسارات مغايرة لها وكأنه نفسه بعد الهيجان البلاغي الخطابي الشعاراتي يعود من جديد ليبحث عن هذا المخرج " ليفتِّش...... تمْحُو كل ظلاَمٍ طاف،، تعيد ُخُطاَه ....يَمُدُّ يديْهِ لِيَكْسِر....قيْد الأسداف..."، انها بالفعل النقلة المهيبة ليس على المستوى اللغة فحسب، انما على المستوى التصويري المشهدي ايضاً، فمع وفق استعارة واضحة للمحاكاة السردية السيميائية ، ليبقى الحدث جاريا، واقعا فوق حكم الانقضاء والانصرام، كما يحدث في الأنواع السردية التقليديّة.



88
وقفة  عند مصطلح الكــــــــــوردنـــــــاســــــي
جوتيار تمر/ كوردستان
6/1/2017
        يعد مفهوم الكوردناسي من المفاهيم التلازمية التي ترافق الدراسات الاستشراقية والدراسات التي تبنتها الاكاديميات الشرقية ايضا حول اصل ولغة وتراث وفلكور وادب الكورد منذ ما يقارب القرن، و (الكورد ناسي) حسب ذلك المسار والمنهج تعني ذلك الموضوع الذي يهتم بالبحث والدراسة عن الشعب الكوردى، من حيث التاريخ واللغة والادب والفكلور و جغرافية كوردستان، وبلاشك ان الكوردناسي هو جزء من الاستشراق.
 فالمستشرقون " المستشرق" : صفة عالم متمكن من المعارف الخاصة بالشرق ولغاته وآدابه، اي انه الباحث الذي يحاول دراسة الشرق وتفهمه، ولا يتأنى له الوصول الى نتائج سليمة في هذا المضمار ما لم يتقن لغات الشرق كما يقول البرت ديتريش.  وبالتالي فان علم الاستشراق هو دراسة كافة البنى الثقافية للشرق من وجهة نظر الغرب، ولكن وفق قواعد لايمكن تجاوزها ولعل اهما اجادة لغات الشرق.
 ولأن اغلب المستشرقين كانوا رحالة من الغرب زاروا الشرق وكتبوا عنه.  فان الكورد كاحد الشعوب الشرقية، كتب هولاء دراسات و بحوث عنهم ايضا، وهم عند الكورد يعرفون بالكوردناس.
الكوردناس والمستشرقين كتبوا العديد من البحوث والدراسات حول الكورد قبل الكورد انفسهم  فمن المعروف ان التاريخ الكوردي كتب اغلبه بواسطة غير الكورد، لكن  مما لا شك فيه ان الكثيرين ممن زاروا كوردستان وكتبوا عنها وعن شعبها لم يكونوا ضمن نطاق البحث العلمي فقط" بمعنى ان مهامهم لن تكن تنصب حول الدراسات الاكاديمية العلمية فحسب" ، لان كان منهم رجال ينتمون الى الحكومات التي وظفتهم لدراسة الشعوب الشرقية، وكان منهم  رجال الاستخبارات ايضا وبعثات تبشيرية تمثل الكنائس الغربية، ومع ذلك فان الكثير من هولاء قدموا خدمات جليلة للشعب الكوردي من خلال الحفاظ على الفكلور الكوردي وذلك ضمن كتاباتهم ودراساتهم الاكاديمية، وكذلك تعريف العالم بالكثير فيما يخص اصل الكورد واللغة الكوردية والعادات والتقاليد الكوردية فضلاً عن كتاباتهم حول الادب والتراث والفكورد الكوردي.
يرجع بداية ظهور علم الكوردناسي الى ما يقارب ال" 300" سنة قبل الان، بالاخص الى القرن الثامن عشر ، حين بدأت أوروبا تتجه نحو الشرق، ويُعرف "د. عبدالله جودت" كأول من استخدام مصطلح الكوردناسي في كتاباته، و ذلك في سنة 1913، وبعده جاء "د. جلادت بدرخان" في سنة 1934 الذي استخدم المصطلح في العديد من الدراسات و المقالات بالاخص في مقالاته عن الكورد والكوردناسي بنظر الاخرين " الكورد بمنظور الاخرين" ، وفي نفس السنة عُقد اول مؤتمر عن الكوردناسي في" ييريفان " عاصمة أرمينيا، ومنذ الثلاثينيات من القرن الماضي، الى وقتنا هذا الكوردناس اصبح كمصطلح و علم و بحث، ومن اساسيات الثقافة والادب الكوردي.
 نورد هنا اسماء بعض (الكوردناس):-
1.ماركو بولو(1254-1324)، جغرافي و رحالة مشهور من إيطاليا وهو اول شخص  من الغرب يذكر اسم كوردستان في كتاباته .
2.زان بابتيسست تافرنية(1650-1890)،تاجر فرنسي ، في سنة 1632 زار كوردستان في احدى رحلاته، وألف كتاب بعنوان (ست رحلات من تركيا الى باريس).
3.كريستين نيبور: زار في احدى رحلاته العراق، و كوردستان، وألف كتاباً بعنوان (رحلة نيبور الى العراق) طبع الكتاب في سنة 1766.
4.الكسندر  زابا(1803-1894)،كان صديقاً مقرباً من ملا محمود البايزيدي، وعمل معه في الكثير من الاعمال واستطاعا معاً ان يحفظا العديد  من الكتابات الكوردية من الضياع، ويرى بعض الباحثين بان كتابات ذابا والبايزيدي تعد بدايه نهضة النثر والقصة الكوردية.
5.كريس كوجيرا: احد الكوردناس الذين مازالوا على قيد الحياة وله زيارات، ورحلات عديدة الى كوردستان وصاحب كتاب(الحركة القومية الكوردية وآمال الاستقلال).
6.ميريلا كاليتي: صاحبة كتاب(الفكلور الكوردي في الكتابات الإيطالية) ذكرت الكثير عن الكورد في كتابها.
7.القس كارزوتى: في سنة 1787 كتب عن قواعد اللغة الكوردية.
8.البرت سوسين ، الماني كتب في سنة 1898 عن اللغة الكوردية .
9.ليرخ: كتب عن اصل الكورد.
10.مينورسكي: روسي كتب الكثير من البحوث والدراسات عن اللغة واصالة الفكلور الكوردي، وهو صاحب الراي القائل بان اصل الكورد يرجع للميديين . أي ان  الكورد احفاد الميديين.
11.باسيل نيكتين(1885-1960)، صاحب كتاب(كورد، دراسة سيسيولوجية و تاريخية).
12.ميجرسون: يعد اول من اصدر جريدة كوردية في كوردستان و ذلك في مدينة السليمانية.
ونذكر معهم اسماء بعض الكتاب والمؤلفين الذين كتبوا عن الكورد:
1. ديظيد ادم سون:(حرب الاكراد) لندن   1964.
2.بيبكسون :(الكورد،والكوردولوجي في الاتحاد السوفيتي)،باريس1963.
3.جون بلو:(القاموس الكوردي – الفارسى – الانكليزى) ، باريس 1965.
4.سوزان ميسيلس:(الكورد و كوردستان) ، لندن ، 1964.
لايتوقف الامر عند هولاء بالتأكيد، لان الدراسات التي قدمها الغرب عن الكورد وقدمها الكوردناس من الشرق ايضاً لايمكن حصرها في مجال ضيق كهذا، ولكن الغرض الاساس من كتابة هذه الدراسة هو تعريف العالم بان الشعب الكوردي بلغته وعاداته وتقاليده وفلكوره وتراثه وجغرافيته كان ولم يزل ضمن اهتمام الكثير من الكتاب المنصفين ممن يرى بأنه شعب له اصالته التاريخية وله جذوره الحضارية التي تمتد الى ما قبل الميلاد بالاف السنوات.. وان الممالك الكوردية التي حكمت المنطقة في بداية الصعور القديمة شكلت معلماً واضحاً" لاصل الكورد" الممتد الى وقتنا الحاضر.


89
الارهاب يعلن افلاسه عقائدياً
جوتيار تمر/ كوردستان
2/1/2017
لم يعد الارهاب بصوره المختلفة يشكل حاجزاً لدى الكثيرين من القيام بما يؤمنون به سواء أكان ذلك ما سيجعلهم مستهدفين من التيارات اللاانسانية الملتحية والملتحفة باسم الدين والله والرب ام من اتباع السلطلوية القائمة على فرض ايديولوجياتها الاحادية لغرض اقصاء الاخر، وهذا ما يجعل الارهاب بنظري تحت المقصلة لكونه لم يستطع  طوال هذه السنوات من العمل الدؤوب بفرض رهبته التي يناشدها من اعماله الاقصائية والتفجيرية والانتحارية وكذلك من خلال العشوائيات الاخرى التي اصبح يتصدر بها العناوين في اغلب بلدان العالم.
ومن خلال رصد بياني للاعمال الارهابية في الاونة الاخيرة والتي تبنت اغلبها اكثر التنظيمات الاسلامية دناءة وتشويها للفكر الاسلامي نفسه" داعش " لامسنا مدى العقم الايديولوجي والعقائدي الذي وصل اليه الارهاب، بحيث اصبح يلجأ الى مثل تلك الممارسات اللا انسانية كي يخفي عن اتباعه ومناصريه عقمه وفراغه العقائدي الناجم من ابتعاده عن الرؤية الصحيحية والقَيمَة للمسار البشري الحالي، وللعلائقية الوثيقة بين الانسان والتطور وفق المنظومة العالمية الدولية التي اصبحت تزاحم المعابد في كينونتها السلطوية والتشريعية، لاسيما بعد ان فرغت المعابد من قيَمها ومالت نحو التشدد غير المبرر وغير الممنهج وغير الممنطق.. مزاحمة بذلك التيارات الاخرى التي تفرض ايديولوجياتها بالقوة والسلطة والارهاب الفكري.
وحين نجد الانسان يرفض الركوع والانقياد للرهبة "الارهابية" بكل تصنيفاتها فانه بصدد توجيه رسالة واضحة المعالم الى اصحاب الفكر الارهابي، مضمونها مقارب لما قاله المفكر علي حرب عن المجتمعات، باعتبار انها لم تعد تحتاج الى دعاة يحيلون الهوية والدين الى افخاخ ومآزق او الى محاكم للادانة والمعاقبة، كما انها لاتحتاج الى مثقفين يلفقون النظريات او يحولون الافكار الى اصنام جديدة، لانتاج التخلف والكوارث والمزيد من الخسائر، وليس من شك وخلاف على ان هذه الجماعات الارهابية بتنوع اشكالها واصنافها لاتنتج الا التخلف على جميع الاصعدة، فهي لاتقتل البشر وحدهم ببدائية انما تقتل في العقول ملكة التحليل والتفكير والتطور وتقبل الاخر كما هو، ومن ثم الاندماج في الحياة بشكلها الطبيعي بعيداً عن التمايز العنصري الديني القومي، وبدل الاخذ بمعطيات الحياة الحالية ومحاولة التمازج والتقارب بين افكارها والموجودات نجدها تحاول ابتكار ابشع الاساليب في الهدم والتخريب والقتل العشوائي ومن ثم التباهي بافعالها، وعدها من حملات وصولات جند الايمان ضد البشرية الجاحدة، فمن يسمع خطابهم سيجد انهم في كل الاحوال منغمسون في اللاشيء الايماني واللذات الدنيوية القائمة على السبي واراقة الدماء بالنسبة لهم، بل عقيدتهم الفارغة هي نفسها التي تجعلهم يؤمنون بالجنس واللذات حتى بعد تفجير انفسهم في الابرياء.
لقد برهنت الاحداث الاخيرة بالاخص في نهاية عام 2016، وبداية العام الجديد ان الجماعات الارهابية بالفعل لم تعد تمتلك مساراً ونسقاً ايديولوجيا واضحاً يمكنهم من خلالها جذب الانصار، وكسب الجماعات، وفتح الامصار، واسكات الاصوات، حيث لم تنفع اساليبهم القمعية في اغتيال وخطف المناهضين لهم من جهة، ولم تنفع عملياتهم الارهابية العشوائية في الاماكن العامة كما حدث في كل من فرنسا وذلك من خلال العملية اللاانسانية التي دهس احدهم بالحافلة اناس ابرياء، او في المانيا حيث اطلاق النار العشوائي في المحلات التجارية وكذلك التفجيرات التي حدثت، او في بريطانيا تفجيرات الميترويات وفي بلجيكا وامريكا حيث الانفلاتات التي دعت الجماعات الارهابية بانها عمليات مخططة وفعالة وكبيرة، وكذلك في كل من الاردن تفجيرات عمان والكرك، وناهيك عن ما يحصل في اليمن وسوريا جملة، وفي مصر التي ذاقت هي الاخرى ويلات الارهاب، ومن ثم في الاونة الاخيرة سلسلة التفجيرات التي حدثت في تركيا لاسيما الاخيرة في احتفالات رأس السنة الجديدة والتي قصدت احدى الملاهي الليلية ( حصلية العملية 39 قتيل و65 جريح) وفي الوقت نفسه التفجيرات التي حدثت في كل من بغداد ( حصليتها 27 قتيل و53 جريح حسب بعض المصادر) والنجف ( 7 قتيل وما يقارب 15 جريح)  ومن ثم عادت في اليوم التالي لتضرب  بغداد" مدينة الصدر"( 39 قتيل ومايقارب 60 جريح) مرة اخرى وفي الصين واندونسيا والبرازيل وكذلك في العاصمة الصومالية مقاديشو، وفي البحرين ايضاً، والمحاولات التي سبقت احتفالات رأس السنة في استراليا، والتي رافقتها سلسلة الادعاءات  والخطابات الجهادية الايمانية التي اطلقتها هذه الجماعات مدعين بان جند الله اقاموا الحد على الكفار والنصارى وعلى المتردين وغير ذلك من هذه التفاهات التي تطلقها هذه الجماعات محاولة بكل غباء اخفاء معالم الهزائم التي تلحق باتباعها في كل الجبهات، ومن ثم محاولة منها اظهار قوتها امام انصارها على انها مازالت قادرة على ترهيب العالم بعملياتها" العشوائية" الانتحارية الارهابية اللااخلاقية اللاانسانية، بالطبع تحت انظار و تطبيل بعض الدعاة شيوخ الفتنة واصحاب العمامات، ودعاة الذبح والجهاد والسبي والقتل الجماعي " الابادات" وفاتحي اسواق النخاسة من اجل المتعة والاستمتاع باوجاع العالم،  كل هذا لايظهر للعالم الا افلاس هذه الجماعات قاطبة من كل مقومات البقاء والاستمرارية، لكونها فرغت عقائدياً  فلم تعد تنتمي الى الدين ولا الى الانسانية، لكونهما معاً لايمكن ان يتجاوبا مع هكذا اعمال لاقيمة لها، ولا اساس نصي تشريعي لها، فضاعت في دوامة العنف اللامجدي والاساليب الترهيبية البدائية التي بظنها تجعل الناس متقاعسين في بيوتهم، غير ان الواقع برهن ولم يزل يبرهن ان تلك الاساليب وتلك الاعمال العشوائية الطائشة الملتحفة بالغباء الميداني اللاواعي لم تعد تؤثر على الناس ولم تعد ترهبهم، او تجعلهم ملازمين لبيوتهم - لااقول بان ذلك لم يجعلهم حذرين - ولكني اقول بانها لم تبعدهم عن شؤونهم الحياتية ولا قضاء اوقاتهم كما هم يقررون ويريدون، وخير دليل على ذلك الاحتفالية المليونية التي اقيمت في المانيا، ومثلها في استراليا وفي اغلب دول العالم، فلو ان رسالة الترهيب "الارهابية"  قد اثرت في الناس لما خرجوا الى تلك الاحتفاليات ولما اعلنوا بافعالهم واقوالهم وممارستهم لنمط حياتهم الاعتيادي مراراً وتكراراً ان الارهاب لن يثنيهم عن عزمهم في الاستمرارية في حياتهم، ولاشيء يعيقهم من الاحتفاء والاحفتال بوجودهم، وفي ذلك رسالة واضحة المعالم وقوية اللهجة بان العالم اصبح يؤمن تماما بافلاس الجماعات الارهابية من مقومات وجودها الباعث على الترهيب، وتؤمن في الوقت نفسه بان الاساليب البدائية التي تتبعها هذه الجماعات ليست الا مدعاة للسخرية، ومعها توجه رسالة اخرى واضحة للعاملين على كتم افواه الناس بالخطف والقتل والسجن ان الاصوات ستبقى متعالية، طالما الارهاب بكل انواعه موجود، وان الحياة لن تتوقف بسبب اعمال غبية طائشة من جماعات مرضى نفسياً، ومتخلفين عقلياً، وملتحين بالشهوة " شهوة الدم والجنس" والذين تترجم اعمالهم الى جنون وارهاب ونفاق، وفوضى وشعوذة وشرذمة.


90
سذاجة" عشوائية" الحكومة من سطحية "فقدان الوعي" الشعب
جوتيار تمر/ كوردستان
1/1/2017
حين يقف المرء على المدلولات النابعة من لفظة العشوائية سيجد نفسه امام خيارات محدودة، لكون الكلمة متداولة بشكل واضح وكبير فيما يخص  مصطلح "العشوائيات" والتي تعني المباني المقامة بلا تخطيط او نظام خارج نطاق خطط التنمية السكانية للحكومة وغالباً ما تفتقر الى بعض الخدمات الاساسية، وهذا بلاشك يدل على ان العمل قد تم على غير بصيرة او هدى" عشوائية" والنتيجة الحتمية للعمل هذا الفشل، في المقابل يقرأ المتابع عن الوعي بالاخص السياسي على انه الفهم العام للمناخ السياسي وما يحركه من تجاذبات ومخطّطات من الفاعلين السياسيين داخلياً أو حتى خارجياً نظرا للترابط العالمي للأحداث..ويتعلق مفهوم "الوعي السياسي" بالأفراد والمنظمات والمجتمعات على حدّ سواء..وإنشاء الوعي السياسي يعني تكوين ضرب من ضروب التفكير الواعي بالراهن السياسي ..والحراك المطلبي في النطاق المحلي أو الإقليمي أو الدولي وجميع التصرفات السياسية الشعبية، وهذه التصرفات شاملة وتتمثل في الانتخابات والترشيحات والمظاهرات والثورات والاعتصامات، وبالتالي فان الوعي السياسي هو القلب النابض للمكونات الحية للكيانات السياسية.
بعيداً عن المنهجية في التعريفات السابقة الذكر والتي  سيجدها اي متابع على الشبكة، فاننا بصدد عمل مقاربة بين العنوان وبين الواقع معتمدين على الاستنباطات المتفرعة من التعريفات، فحين نقف على مبدأ عشوائية الحكومة لانقولها من منطق رفضنا لعملها او رفضنا لوجدها، او تبعيتنا لتيار سياسي معارض ليس اقل عبثية وعشوائية من الحكومة نفسها، لكننا نريد ان نرى كيف تواجه وتتعامل الحكومة  مع مشاكلها على سبيل المثال وليس الحصر، لان قائمة التداول الاشكالي ضمن منظومة الحكومة المحلية ستحتاج الى اكثر من مقال او دراسة، والمهم في الامر اننا بصدد طرح اشكالية الازمة وفق مفهوم الحكومة ومن خلالها سنرى مدى سذاجتها في التعامل مع الاشكالية، داخلياً " محلياً "، واقليمياً وعالمياً، فمع بروز الصوت الداخلي السلطوي بوجود ازمة، تحولت القنوات الاعلامية الى ادوات احتكارية لطرح الاشكاليات المسببة للازمة وبدأت تسلط الضوء وفق احصائيات متسربة من جهات داخل الحكومة نفسها لتبرهن قصر وسذاجة الحكومة في تعاملها مع الاشكاليات الداخلية من جهة ولتبرهن من جانب اخر على عدم وعي القنوات الاعلامية بمترتبات سياسة الفضح والافشاء لديها، فالحكومة التي من المفروض ان تواجه الاشكالية من جذورها وتقدم الحلول المناسبة ليس لتهدأة الشعب، انما لاخراج الشعب من حيرته ومن دوامته، ومن صيرورة انهياره الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، نجدها تقف موقفاً عشوائياً جدا مع الاشكالية، لكونها في الاساس لاتملك التخطيط المناسب لسير العمل المؤسساتي الحكومي من جهة، ولانها تفتقد لاقل مقومات المواجهة مع الحدث الاشكالي برمته، وهذا ما يخلق تضاداً واضحاً بين اقوالها وافعالها، فتأتي وعودها مجردة من المصداقية وحين تفقد الحكومة المصداقية فانها تكون مجرد هيكل دكتاتوري مفروض على الناس دون رضا منهم، ليس لان الناس لم تنتخب ديمقراطياً تلك الحكومة، انما لان الناس ينتظرون منها حلاً فعلياً واقعياً للاشكاليات التي تصدمها وتصطدم بها حياتياً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً محلياً اقليمياً دولياً، ومن هذا المنطلق يمكن الحكم على الحكومة على انها في الاساس مجردة من كل مقومات البقاء لكونها لاتمثل الان سوى نفسها، اي انها لاتبت بالشعب بصلة واضحة، فهي  في الاصل لاتقدم للشعب شيء بالعكس تماما نراها ساعية وبجدية في سلب مقومات الحياة الباقية من الشعب، ولعل قضية الرواتب " رواتب الموظفين" والخدمات الاساسية من كهرباء وماء ونفط خير دليل على ذلك، فبدل ان تعمل الحكومة على فرض مخطط انمائي متين كي تُخرج الشعب من الدوامة الانهيارية، باتت الحكومة اهم ركيزة في هدم ما تبقى من المعنويات ومن مقومات الصمود لدى الناس" الشعب" ، ومن هذا المنطلق فان اسقاط تعريف العشوائيات على اداء الحكومة ليس بفرض من الجنون او عبث بالمصطلاحات او حتى تغيير للحتمية السلطوية، انما هو دليل واضح على قصر نظر الحكومة وعدم امتلاكها لاية استراتيجة بعيدة المدى بسبب نقص حاد في ادراكاتها للمعطيات السلطوية المحلية" سنجد ان خططها لاتتجاوز الولاية الواحدة للحكومة بسبب تغيير الوزراء و- اللاتخطيط - من وزير الى اخر"  والاقليمية والدولية والمترتبات التي تفرضها الوقائع والاحداث سواء أكانت مبرمجة ممنهجة مخططة او مفاجأة، لهذا نجد هذا الفتور الشعبي الحاصل تجاه الحكومة والقائمين عليها، سواء من روؤساء او وزراء او مديريات او اي شخص له علاقة بالحكومة، وتعدى الامر ذلك الى احداث فجوة وهوة كبيرة بين الاحزاب وقواعدها الجماهيرية.
وفي المقابل نرى بان هذه العشوائية والسذاجة الحكومية في تعاملاتها وعدم وجود استراتيجيات بعيدة الامد، تفرض علينا مقولات قد يراها البعض مناقضة لكن ذلك لايعني ان الشعب  غير مساهم بشكل واخر في احداث هذه النقلة السلبية للحكومة، بل ان الشعب يعد الرافد الاساس لكل المتحولات التي تحدث محلياً، نقول محلياً لكوننا نؤمن بأن  المتحولات الاقليمية والدولية هي ناجمة عن مترتبات عمل المنظومة الدولية المسيرة للاحداث من اجل تثبيت مصالحها في ارجاء الخراب الارضي ووفق التوافقيات التي تراها هي وتفرضها على الجغرافيات والاثنيات والمناطق، لذا فان المتحولات المحلية الداخلية هي التي نراها تحدث بسبب الشعب نفسه، وذلك لفقدان الشعب للوعي السياسي الناضج الذي يمكن من خلاله احداث الكثير من التغييرات ليست على الساحة الحزبية انما على الساحة السلطوية باعتبار ان القاعدة الجماهيرية هي الاساس في التسلط السلطوي من جهة، وانها الرافد الداعم لبقاء السلطة وادامتها من جهة اخرى، والفرق بين الامرين واضح فمن القاعدة تستمد الحكومة قوتها لتفرض آلياتها على الشعب، حتى ان بدا الشعب منهكاً غير مدركاً وواعياً لمصيره بين المحركات والمتحركات السياسية الداخلية، وفي نفس الوقت ان ديمومة الحكومة والسلطة تبقى مستمرة بسبب حفاظها على القاعدة الشعبية التي اوصلتها للسلطة، ولكون الاحزاب المتناحرة داخلياً تدرك هذا الامر فانها تستغل النعرات والخلافات وكذلك وجود سند خارجي" اجندة خارجية" لها في فرض وجودها، اذا فعدم وجود وعي سياسي قائم على اساس التفاضل بين القضية الاساس والحزبية يؤدي دائما الى صهر الشعب داخل المنظومة الحزبية السلطوية محلياً، وبالتالي فان الازمات والاشكاليات لاتحل بمجرد حراكات شعبية فئوية حزبية موجهة لغرضية محددة، انما تحصل التغييرات وفق منظومة داخلية اكثر شمولية فحين يكون الوعي الايجابي موجوداً تتحرك مكونات الشعب باغلبية واضحة ضد اية عشوائية حكومية مفروضة قسراً على الشعب، ولكن حين يغيب هذا الوعي الايجابي الذي يقوم بتفضيل القضية على الحزبية فاننا وقتها لن نكون امام حراك تغييري جذري، وحل جذري يجبر الحكومة على الانقياد للمنطق.
واجمالاً فان العشوائية والوعي السياسي الغائب لدى الطرفين الحكومي والشعبي يخلق دائما مماهاة واضحة بين المبررات والوقائع وبين والواقع والرؤية السلطوية الناجمة من تداخلها مع مسارات اكبر من المنظومة المحلية لكونها تدمج اقليميا ودولياً مع المنظومة العالمية، ولكن هذا لايعني ان الحكومة والشعب معاً يفتقدان لجملة امور هي ليست حتمية وحصرية ولكنها قابلة للنقض والدحض والتأكيد في الوقت نفسه، فعدم وجود استراتيجيات بعيدة الامد ضمن مخططات الحكومات دليل على عشوائيتها لاسيما فيما يتعلق بالمخططات المؤسساتية التي تتغير بتغير الوزير" الحزبي" والمتحولات الاقتصادية التي باتت عبئا ثقيلاً على كاهل الطرفين لاسيما ان الحكومة لاتملك اية استراتيجية واضحة في تعاملاتها الاقتصادية لا محلياً و لا دولياً وليس تسرب بيع حقول النفط في الاونة الاخيرة الا دليل على ذلك، الامر الذي كان قد سبقه وجود عقود لما يقارب نصف قرن مع دول اقليمية، وكذلك عدم وجود فكر سياسي ناضج يعمل على فرض الرؤية التفاضلية للقضية على اية افكار اخرى سواء أكانت حزبية او دينية او من اية جهة اخرى، فضلاً عن فقدان الوعي الشعبي الذي اراه كارثة بحق القضية نفسها، فالعمل وفق معطيات الانتماء الحزبي والعاطفة الحزبية والعشائرية يعد ضرباً وهدماً لكل مقومات البقاء والوجود، وينجم عنه هذا التضاد الحاصل بين القاعدة والسلطة، ومن ثم عدم وجود وعي ناضح من قبل الحكومة في التعامل مع الاشكاليات بمحاولة تقليصها وليس فرض آليات تقوم على اتساع الهوة بينها وبين الشعب من جهة وزيادة عبء الشعب من جهة اخرى امر اخر يتضح بشكل جليّ في المعادلة الحكومية العشوائية والسطحية الشعبية.

91
المنبر الحر / كيف تكون الهاوية..؟
« في: 16:16 31/12/2016  »
كيف تكون الهاوية..؟
جوتيار تمر/ كوردستان
30/12/2016
ليس السؤال هنا هو المعضلة التي تثير قلق الشعب, وفي نفس الوقت لم يعد الجواب مهماً ايضا للشعب، لكون الحتمية التي فرضت عليهم والتي لاحول لهم ولا قوة في ردها جعلت كل الصور مشوشة، وكل المبادئ هشة، وكل الشعارات مجردة من قيَمها، وكما سبق وان قلنا في مقال اخر بأن المقدس لدى الشعب هو فقط الذي يضحي بدمه في خنادق القتال امام اشرس عدو لاانساني خارجي، متناسين الويلات التي بات يفرضه عليهم العدو الداخلي تحت غطاء الحكم والسلطة والحكومة والازمة اللااقتصادية " الازمة الحزبية"، فان المقدسات الاخرى لم تعد لها مكان ضمن قاموس الشعب.
على هذا الاساس الاسئلة لم تعد لها قيمة فالذي يحصل هدم كل مقومات البقاء لدى الشعب، الذي يكاد ينهار نفسياً بعدما انهار اجتماعياً، وحين تُهدم القيم تتحول المجتمعات الى بؤر لآفات معدية وتسير بخطى واضحة نحو الهاوية، ولكون الهاوية هي فرضياً النهاية، فانها تشكل فقط لدى بعض الشرائح هاجساً فرعياً يحاولون من خلال تداولها التخفيف عن انفسهم دون البحث عن حلول او حتى الايمان بأن مسببي السقطة هذه قادرون على الحل، فحتى هذه الشريحة المتداولة تؤمن قطعياً بأن الساسة هم مجرد خرفان ضمن قطيع كبير يقوده اصحاب المصلحة ووفق تعاليم المنظومة.
ولعل ما يثير الشفقة دائما هو النمط الدرامي المتبع من قبل السلطة في طرحها للمشاكل والعوائق متخذة من بعض الشعارات المؤثرة في سايكولوجية الشعب لحناً ابدياً، وخلق بعض الازمات الداخلية سواء  قيام ثلة من الرموز الحزبية بتحريك بعض المسائل ذات الاهمية الجزئية وذلك كي يشغلوا الشعب بها، او من خلال بعض القرارات التي لامغزى لها سوى التطبيل الداخلي وتمجيد الرموز كل حسب انتمائه، ومن ثم تسليط الضوء على بعض النمنمات الصادرة من بعض الاشخاص الذين لايمثلون قيمة سياسية " مع احترام قيمتهم كأنسان" قادرة على ايجاد الحل واحداث تغيير  للوضع ومنعه من التدهور ومن ثم اخراجه من الهاوية..ان هذا الفعل الدرامي للحكومة بات اشبه بلعبة اطفال يقومون بتحمليها على اجهزتهم كي يقتلوا وقتهم بها.
فالحلول معدومة في ظل اللاوعي الحاصل للمرحلة وللقضية..والحلول مجهولة ضمن هيكلة المنظومة التي هي بلاشك اكبر من كل احتمال جزئي لدى هولاء الذين يمثلون السلطات واقول السلطات لكون الحكومة ليست الا سلطات حزبية موزعة بشكل غير متناغم كل سلطة تعمل لكسب وفرض مصالحها على حساب الاحزاب الاخرى، وتحت غطاء شعاراتي يستخدمه الجميع دون استثناء حقوق الشعب والقضية معاً.. ووفق هذه المعادلة التي لاوجه لها، لايمكن لطرح الاسئلة ان تشكل محفلاً تغييراً يلجأ الشعب اليها كي يصلوا الى نتيجة مرضية او مقنعة، لأنه في الاصل لاتوجد اجوبة، وحين لاتوجد اجوبة فان السؤال في كينونته الفلسفية يبقى ضمن دائرة التكهن والاحتمالية وكلاهما لايغنيان عن جوع ولايسمنان، بالعكس تماما فانهما يزيدان القلق والانفعال وهدم المقومات النفسية والاجتماعية وحتى التي تتعلق بالقيم والقضية، ويظل الشعب يعيش دوامة لامفر منها، حيث يجد نفسه ملزماً بالصمت امام افعال الحكومة اللاعقلانية والسائرة بهم وبكل المقدسات والقضية نحو الهاوية، وذلك تقديساً للمرابطين في ساحات القتال" البيشمركة" ، وفي الوقت نفسه يجد الشعب نفسه امام معضلة كبيرة وهي حتى ان الصراخ والخروج على السلطة لايغيران من الحتمية شيئاً وبالتالي يعيش الموت البطيء بشكل لايتناسب مع القيم الشعاراتية التي ترفعها الحكومات بكل احزابها، سواء الفعالة او المعارضة لانهم جميعاً مشاركون في قتل الشعب، والتاريخ سيشهد عليهم ذلك، لاسيما انهم لايعتمدون مبدأ الشفافية الا من خلال التحريض وفضح الاخر ليس من اجل مصلحة الشعب، انما من اجل كسب المزيد من المؤيدين وكأن الحكومة باحزابها هي احجار على رقعة شطرنج مهترأ قديم لم يعد له نفع داخلياً ولا خارجياً.
فحين يعيش الشعب الغموض في كل شيء متعلق بوجوده ضمن جغرافية ودائرة يقودها حكومة واحزاب، فانه بلاشك سيحتاج الى اجوبة والى تفسيرات والى شفافية تقنعه بمسببات الوضع الذي يعيشه، لاسيما ان الوضع غريب وغير مبرر له، لذلك حين يصطدم باللاشفافية فانه طوعياً سيسير نحو الهاوية، لكونه يرى بأن المتحكمات السياسية فعالة داخلياً واقليمياً ودولياً، وكذلك الممكنات الاقتصادية واردة وضمن هيكلة دولية كبرى، بحيث تفرض الاحصائيات ارقام خيالية، ومعها يجد بأن التوثيقات العالمية للوجود الفعلي للحكومة امر بات شبه مؤكد، كلها تثبت الوجود المتمكن والحضور القوي خارجياً ودولياً، وحين ينظر الى الداخل فانه سيجد الانهيارات باتت تصيب كل اجزاء  السلطة والاجتماع من عدم وجود تنظيم عقلاني متسلسل وذا ابعاد مستقبلية للتحكم بالموجودات من جهة، وبتفعيل النعرات والصراعات الحزبية على حساب مصالح القضية والشعب معاً من جهة اخرى، فضلاً من التراجع في القيم الاقتصادية الاجتماعية للمواطن الذي بات يعيش تحت خط الفقر، ومن تراجع الخدمات التي هي حق المواطن على الحكومة، من كهرباء ونفط ورواتب وخدمات اخرى، ناهيك عن الخلل الحاصل في المؤسساتية غير المنتظمة وغير الحاملة للمسؤولية داخل الحكومة، ومع عدم التغافل على الفساد الادراي والسياسي والاجتماعي الذي بات يهدد كل الركائز داخل الاجتماع، كل هذا يجعل من الشعب يعش اللاتوافق الذهني والنفسي والعقلي وبالتالي فهو مهدد بالسقوط الحتمي في الهاوية بعدما سقطت بنظره الحكومة والسلطة فيها.
وعلى هذا الاساس يكون السؤال مُجَرد من قيمته داخل هذه الدائرة "الحكومة"، ولن يكون للجواب اية قيمة فعلية طالما الجواب لن يتعدى كونه شعار حزبي او سياسي لطرف من الاطراف المتصارعة على كسب المصالح الذاتية والشخصية بعيدا عن الاهداف الكبرى للقضية وللوجود الفعلي للشعب، ومن ثم تتحول المعطيات الداخلية الى اوهام يتجرعها الشعب وهموم يتغذى عليها الشعب، وانهيارات بالجملة في البنى التحتية للقيم الاجتماعية والاجتماع معاً، فيصبح العادي لاقيمة والغريب شائعاً بدرجة لايمكن الوقوف بوجهه.. وبذلك يكون التساؤل حول معالم الهاوية هروباً من ذنب البقاء.

92
المنبر الحر / بين الحرية والفوضى
« في: 21:21 14/12/2016  »
بين الحرية والفوضى
جوتيار تمر/ كوردستان
14/12/2016
في مقال سابق لنا ذكرنا بعض المفاهيم المتعلقة بالحرية " الحرية بين الازدواجية والواقع" والتي تحاول مجتماعتنا الشرقية ان تلبس رداءها وتقليدها دون الاخذ بنظر الاعتبار جملة امور ومترتبات تفرضها تبني تلك الافكار، ولذلك نجدها تقع في وهم الحرية ووهم صناعة الحريات، واستكمالاً لتلك المقولات السابقة نأتي على ذكر المعطيات التلازمية التي تنتجها تلك المفاهيم من حيث الاداء الفعلي للحرية ومن حيث الانفلاتات التي تحدثها تلك المفاهيم بالاخص في الشرق الاوسط، وسنخص جزء من المقال بذكر ما يحدث من سوء استخدام لمفهوم الحرية في اقليمنا الكوردستاني.
لايختلف اثنان على ان بين الحرية بفهومها التقليدي والرصين وبين الفوضى بكل انواعها خيط رفيع،ان لم يتم التعرف اولاً على اتجاه الخيط، ومن ثم ماهيته وقدرة تحمله، تحول كل شيء ضمن جغرافيته الى فوضى تخلق الكثير من الاشكاليات الفهمية والتعاملية والعلائقية على جميع الاصعدة، وهذا بالضبط ما يجعل مجتمعاتنا تعج بالابواق المنادية بالحرية، وفي نفس الوقت تعج بالممارسات التي تقيد كل الحريات، فالتناقض يبدأ من سلسلة الابواق الببغائية المقلدة التي لاتعي كيفية تبني الافكار، ولاتعرف كيف تمارس موجبات الافكار، وبالتالي تخلق الفوضى التي تجرح وتؤذي انسانية الانسان داخل مجتمعاتنا.
فالحرية التي تتبناها اغلب المجتمعات الشرقية هي كالتي  رواها الاديب الكبير برنارد شو حيث قال بانه كان جالساً في مكان ما، وفوجئ بشخص امامه يضع يده في انفه "برناردشو"، فاستنكر الاخير ذلك الامر ورفض الموقف، وكانت المفأجاة اكبر حين سمع الرجل يقول له انا حر......، كانت الكلمة كالصاعقة عليه، فرد عليه الاديب الكبير حدود حريتك تقف عند حدود انفي..وهذا بلاشك تأكيد على المقولات التي تناولتها المجتمعات باختلاف نعراتها ونزعاتها حول الحرية، ولكن لايمكن لاي منها تجاهل مفهوم الحرية القائل بان اية حرية تنتهي عند حدود حرية الاخر، ونحن في الشرق فقط، تجاوزنا هذه الحدود، ومارسنا الحرية التي تكاد لاتختلف عن الدكتاتورية بكل تمفصلاتها كتأكيد على ان مقولة شعرة معاوية لم تأتي من فراغ انما كانت ولم تزل كالميكافيلية هي الفيصل في الاحكام السلطوية داخل مجتمعاتنا، وفي حين اني لااستنكرها ضمن الجغرافية الشرقية وذلك للجهل الحاصل في تقبل المفاهيم المتعلقة بالحرية، وسوء الممارسات الفعلية لها، الا انني اجدها بحق تدخلاً  شمولياً في الجوانب الحياتية للفرد الشرقي حتى انه تدخل في سياستة مع نفسه.. بلاشك انها مسألة فهم وادراك وحتى توظيف للمفاهيم ضمن مداراتها وانساقها التي تتناسب وكل مجتمع، وضمن التجربة الحياتية بكل تمفصلاتها واصعدتها، والتي برهنت انه لم ينجح اي فكر وسطي ضمن المجتمع الشرقي، والامر واضح ليس لانه هناك عيب في تلك الافكار، انما هناك اشكالية مزمنة وهي ان العيب في الفرد الشرقي بكل اثنياته، وبكل مذاهبه واديانه، لانه ليس الا سليل اوهام التاريخ الذي دونه بنفسه وانحاز منذ البدء لبني جنسه وفضله على غيره، وغير ملامح الكثير من افعاله الشنيعة تجاه الانسانية، واعتقد بان اي مجتمع يبني اسسه على الاوهام التاريخية التي يرويها بنفسه ليقنع الاجيال بانه كان متسيداً ومتجبراً ومتسلطاً على العالم فانه لن يغدوا الا مجتمعاً ببغائياً مقلداً متخلفاً في جوهره ومتعملقاً ومتباهياً في ظاهره.. لانه ما ان يخضع التاريخ الى الحقائق  والحقيقة حتى يتم كشف الزيف الذي فرضه هولاء على الواقع ومن ثم تتحول المجتمعات بصورة طوعية الى مغارات مظلمة يحاول البعض من اشباه الحكماء التسلط فيها وذلك بطرح افكار خارجة من مجتمعات تقدر القيمة الانسانية للانسان، داخل مجتمعات اسسها مبنية على وهم التفاضل على الاخرين.. وبذلك تبدأ المفاهيم بقتل نفسها حين تجد الممارسات التي تحدث الفوضى باسمها.
والحرية باعتبارها اهم الركائز الفكرية التي طرحت سابقاً وحاضراً وستطرح مستقبلاً، تعيش حالة من الهيستريا الجدلية، لكونها في المجتمعات الشرقية كانت ولم تزل تتحول الى برك دم وموت وخراب، دون ان يعي احد القيمة الدلالية والفعلية للممارسة الحقيقية لفعل الحرية، ولسنا هنا بصدد اعادة المقولات الكثيرة التي لاتعد ولاتحصى عن الموجبات التي انجبتها المطالبات الشعبية للحريات بكل انواعها على مر التاريخ الشرق الاوسطي ولاسيما في الاونة الاخيرة حيث تحول مفهوم الحرية وصناعة القرار والاستقلالية والتحرر من الامبريالية والشعوبية والدكتاتورية الى محطات ذات فواصل كارثية بحق الشعوب، وكل هذا وحسب اعتقادي راجع الى الممارسة السيئة للفعل المتعلق بالحرية وسوء فهم المنطق المتعلق بالحرية، وبالتالي سوء استخدام منتجات الحرية ضمن الجغرافيات المتاحة.
ونحن في كوردستان لم نستثنى من هذه الممارسة غير المنطقية لموجبات الحرية والتحرر، لكوننا حولنا تلك المفاهيم ضمن قوالبها الاصلية وحاولنا ان نسقطها على واقع متردي سياسياً واقتصادياً ومنهك اجتماعياً، فكانت النتيجة ان حولنا المسارات التاريخية الى اصفاد وسلاسل تعيق الحركة التحررية باكملها، وذلك خدمة للمصالح الذاتية الحزبية، دون ان نحاول ولو لمرة ان نخوص في المعطيات التي انجبت الحرية واعطتها ذلك البعد الايديولوجي العالمي والتاريخي معاً، وبالتالي فقط خضنا غمار التجربة كاغلب المجتمعات الشرق اوسطية، وذلك عن اخذ الفكرة ببغائياً في التلقين والالقاء، وتقليداً في الممارسة والفعل، فاغرقنا السفينة في وحل لم نعد نعرف كيف نخرج قاعها منه.. فلا المعارضة السياسية هي معارضة تمارس الحرية وفق منطقها الممنهج المؤدي الى خلق التغييرات اللازمة لكل المرحلة، ولا الساسة " الاشخاص" استطاعوا ان يحدثوا بمقولاتهم وتصريحاتهم وارائهم تلك المساحات الممكنة لخلق ابواب تفضي الى الخروج من الوحل، وهذا بالضبط ما نسميه اللعنة التلازمية التي سترافقنا لعقود اخرى طالما لانجد الممرات المناسبة لكسب الحرية، وللأخذ بالافكار التي تخدم القضية، دون اللجوء الى العنف اللساني التصريحي المؤدي الى خلق انشقاقات اخرى داخل الاجتماع المنشق اصلاً بفضل الانشقاق الحزبي.
ان المتابع للمجتمع الكوردستاني سيجد ان بنيته تكاد تنهار بسبب عمق الانشطار الفكري والتوجهي والتحالفي فيه، واعتقد بان هذا الامر ناجم وبشكل اساس الى سوء الفهم الحاصل في الاخذ بالمفاهيم وبالاخص مفاهيم الحرية، ففي حين يظن البعض ان الحرية هو ان تخرج للشارع لتطالب بحقوقك نجدهم انفسهم يقومون بتأطير ذلك ضمن هياكل التحزب وهذا ما يعيب الخروج وليس الخروج نفسه، لانه حين يكون الخروج شعبياً دون محركات ذات اجندات خاصة.. وقتها تكون الحرية في مأمن من اية اشكاليات خارجية، ولكن العكس يخلق التماهي بين المدلول والفعل، ولا اجد الا الخلط الحاصل بين الاخذ بمفهوم الحرية وتطبيقه واقعاً، وهذا ما ادى ويؤدي دائما الى الفوضى وعدم الاحترام السائد في الاجتماع الكوردستاني حالياً؛ فضلاً عن التصريحات اللامسؤلة من بعض الشخصيات السياسية التي تخلق دائما رفضاً شعبياً مضاداً بالاخص اذا ما كانت تلك الشخصيات من الاحزاب المعارضة.
وما يعني بالتالي ان الخيط الرفيع الذي يفصل الحرية عن الفوضى لم يعد له وجود في مجتمعاتنا، لكوننا اصلا مجتمعات لانهتم بالاتجاهات ولا المسارات ولا حتى الحقائق، طالما نحن نلبس رداءً عصرياً ونملك لساناً ينتج ضمن ادبياته الكثير من اللغط السياسي التمردي الرفضي غير المحكم الى العقلانية، وذلك تحت شعار ممغنط ذا ابعاد عالمية يسمى الحرية.. ونسعى ضمن نطاقنا الاثني القومي الديني العرقي الحزبي التحالفي لخلق نهج غير منظم لممارسة فعل الحرية.






93
حرب التصريحات والاجندات وحتمية المنظومة
جوتيار تمر/ كوردستان
10/12/2016
لم تشهد الساحة الكوردستانية مثل هذا التصعيد الاعلامي منذ فترة طويلة، فمع بدأ مرحلة التصديق على موازنة 2017 من قبل البرلمان العراقي الفيدرالي، تحولت الساحة الكوردستانية الى حلبة صراع سياسي اعلامي وكأن حرباً على وشك البدء بين هذه الاطراف، وعلى الرغم من انها فوضى عارمة عابثة بكل الموجودات والمقدسات الا انها الى حد اللحظة فوضى داخلية اعلامية تصريحاتية دون ان تكون هناك اية مؤشرات لتحولها الى اقتتال داخلي بين الاحزاب والتيارات المتصارعة..لكونها لم تزل متماسكة ضمنياً بالعلائقية الهادفة الى ايجاد حلول مناسبة للازمة الاقتصادية السياسية التي تمر بها كوردستان منذ اكثر من سنتين، اي بعد الظهور الداعشي المقيت على الساحة الكوردستانية.
وعند تأمل الرؤية السياسية المطروحة على الساحة الكوردية بين مؤيد للموازنة ومشارك في عملية التصويت والتصديق عليها، وبين معارض للفرضيات الاحتمالية التي اوجدتها تلك الموازنة، سنجد بأن التصريحات يوماً بعد يوم تتخذ منحنيات مغايرة وآحادية في الكثير من المرات، وكأنها تريد ان تثبت وجهة نظر سبقية عند الاطراف السياسية، وكل طرف لايريد الاستغناء عن ثوابته التي صادَق عليها، واقرها وصوت عليها، وبالتالي نجدنا امام عينات سياسية تعمل وفق منظومة سبقية لاتقبل الجدال حول مرتكزات وجودها الاساسية، وقيَمها الحزبية الساعية لتثبيت اقدامها في المعترك السياسي الكوردستاني بشكل واخر.. فضلاً عن كونها تظهر من خلال تعاملها مع المشاكل الداخلية الكوردية وكأنها تمارس حقها السياسي وحريتها التعبيرية، متجاهلة في الوقت نفسه انها بتعنتها تجبر المتابعين على التفكير بمنطق اخر مغاير للسائد، وهذا المنطق ان ثبت فان العملية السياسية لتلك الاحزاب والتيارات ستكون في وجودها السبقي والحالي والمستقبلي آفة على الحركة الكوردية التحررية، وعالة على القضية، و ستكون كل المترتبات التي تفرضها الرؤية الديمقراطية بنظر المعنيين للقضية مجردة من قيمها الفكرية والوجودية والانسانية والانتمائية، لكونها ستفضح نفسها بنفسها، ضمن هيكلة الاخر غير المنتمي، اي ضمن منظومة التبعية الخارجية اصحاب الاجندات الفعالة داخل التيارات والاحزاب السياسية الكوردية والمحرك الاساس للكثير من الشخصيات العاملة داخل المحاور الاساسية للقضية الكوردية ليس فقط على ساحة كوردستان الجنوبية، انما على جميع الجهات الكوردستانية.
ان الالية التي نراها الان في الممارسات الحزبية والتياراتية الكوردستانية في كوردستان الجنوبية، لاتتماشا سوى مع الرؤية الخارجية التي تفرضها المنظومة الدولية سواء من خلال دول الجوار التابعة اساساً لتلك المنظومة ولو بشكل باطني غير معلن ، او من خلال الاجندات السياسية الخاضعة منذ البدء لتلك المنظومات الخارجية، وحين نتأمل المشهد الكوردي سنجد بان هذه الاجندات فعالة جداً ولها الحضور المكثف في اغلب التصريحات والتجمعات والتنظيمات والهياكل الحزبية.. وبالتالي فاننا لسنا امام مشاكل اقتصادية وحزبية فحسب، انما نحن امام منظومة خارجية تسعى لتثبيت مصالحها وفق المعطيات التنافسية الدولية الساعية لكسب المزيد من مصادر الطاقة ومصادر التمويل الخارجي لاعمالها، وفي الوقت نفسه تلك المنظومة العازفة على وتيرات حساسة تثير التجمعات الاثنية القومية والدينية المذهبية وحتى الاممية بحيث تفرض على الواقع ما ليس مدرجاً ضمن المصوغات والمطالبات النابعة من الحقوق والواجبات.
ان هذه المنظومة وبعيداً عن النظريات التي تحاول اخفاء فشل اصحابها بارجاع كل الانكسارات الداخلية والخارجية الى المؤامرة.. فاننا بصدد تحولات واضحة ليس فقط على المسارات السياسية الداعمة  لهذه للاجندات، انما على الرؤية الاستشراقية للقضية باكملها، من حيث الجذور والتحول والمتغيرات والمتطلبات وحتى الحاجيات التي من خلالها سيتم رسم ملامح الوجود الكوردي من جهة والشرق اوسطي بصورة عامة من جهة اخرى.. وهذه التحولات التي نحن بصددها ستأخذ مجراها الطبيعي، ووفق الجدول الزمني الذي تم صياغته ووضعه ضمن الهياكل والمنظومات الساعية لايجاد ما يتناسب للضرورة السياسية الدولية ونظامها.
على هذا الاساس ومن خلال الكلمة التي دائما نسعى الى تسريبها ضمن المنظومات الاعلامية نريد ان نقول لاصحاب النزاعات والصراعات والتصريحات والاجندات التبعية والاحادية، ان الابواق حتى ان بقت تُنفخ في العلن، فانها لن تغدوا الا ابواق تحفر في الهواء ملامح اصحابها، ومحركيها داخلياً وخارجياً، لكونها خاضعة في الاصل لتلك المنظومة الدولية التي سبق وان اشرنا اليها.. لذا من الضروري جداً العودة الى طاولة الحوار والتشاور والاخذ والعطاء ضمن مصوغات تخدم الجمع" الكوردستاني"، حتى وان ضحت بالفرد" الحزبي" لكي يتم التوصل الى مقولات تتناسب مع الحراك الدولي المنظومي.. بعيداً عن تلك الحلول التي تفرضها الرؤية الاحادية والتي تظهر دائما بشكل انصاف الحلول بحيث تبقى الجذور متآكلة غير مغروسة بطريقة واعية فتهتز بالمعتركات والتصريحات والاجندات التبعية، لذلك من الضروي ايجاد التربة المناسبة للغرس المناسب الخاضع لتقنية جمعية توافقية تلاحمية متشابكة في الجذور والفروع، لتستطيع ان تساير الحراك المنظومي الدولي الساعي لخلق تلك التغيرات والتحولات وفق جدولها الزمني ووفق توافقها الاقتصادي والايديولوجي معاً.
فلتتحول في هذه المرحلة تلك الصراعات السياسية والحزبية والتياراتية والاعلامية والتصريحية الى منظومة داعمة للسعي المعرفي والواعي لخلق تلك الممرات المؤدية بشكل مباشر الى داخل المنظومة الدولية والتي بدونها لايمكن ان تتغير ملامح المنطقة لا اثنيناً ولا جغرافياً ولا مذهبياً دينياً، ولندع الاشكاليات الفرعية التي تقضم وجودنا وتمحي ملامح القضية ضمن المعتركات السياسية الخلاقة التي حتى ان اثارت الفوضى فانها لاتعيق، ولاتريق الدماء، ولاتذهب بالمكتسبات، بل تحافظ عليها وتضعها نصب الاعين في اي حراك داخلي خارجي.

94
الحرية بين الازدواجية والواقع
جوتيار تمر/ كوردستان
5/12/2016
تمر مفاهيم الحرية في مجتمعاتنا بمراحل كارثية، سواء ضمن المؤسسات السلطوية او ضمن المنظومة الاجتماعية العامة، لكونها لاتتعدى الفهم السحطي المؤدي دائما الى الخروج عن المنطق العقلاني لرسم ملامح الحرية، وتحديد مساراته التي منها يمكن لاي مجتمع ان يعاين حالته ومدى توافق بنيته مع الحرية، او الشذوذ عن تبعياته وموجوداته وكل ما يتعلق به.. فالحرية كما يقول المفكر علي حرب "هي صناعة الامكان، وانه لا حرية من غير خلق وابداع"، فاننا بلاشك وفق هذه المنظومة نعيش وهم الحرية من جهة، ووهم صناعة الحريات من جهة اخرى.
وهم الحرية يأتي من خلال انعدام الخلق والابداع لدينا بصورة عامة، فكل ما تجيده مجتمعاتنا هي اثارة الفتن والعيش تحت وطأة العدمية التي تنتجها الفتن انفسها، وفي الوقت نفسه تعمل على تدوير مفاهيم الفتنة وتحويرها بيانياً لتتعدد المسالك والرؤى الناجمة عنها، فتصبح الفتنة مقننة باسم التشريع" الدين المذهبي" والدستور، وبالتالي تطمس كل المعالم الانسانية داخل المجتمع تحت اسم الحرية، مما يخلق بالتالي وهماً ايديولوجياً واخراً سياسياً حركياً، في حين ياتي وهم صناعة الحريات من خلال انعدام الاشتغال على المعطيات المؤدية الى تحرير  الموؤسسات داخل المنظومة السلطوية من القيود المفروضة عليها جراء الانتماءات " الاحادية"  التي تتغير معها بنية الواقع وتراكيب الفهم ومنظومات التواصل وكل ما يتعلق بالخطاب السياسي والتوجيهي والارشادي والتربوي والوعظي" الديني" والفكري التحرري التقدمي.. وذلك باعتبار ان الشكليات التي تفرضها هكذا منظومات هي في صورتها الخارجية منحازة الى ما يمكن عدها حريات، ولكنها في جوهرها وفعاليتها الواقعية لاتتعدى سوى انفلاتات لسانية" خطابية" تفرضها هذه الايقونات السلطوية لتحتمي بها امام المنظومات الاكبر " الدولية " ، وبالتالي فانها لاتخلق الازدواجية فحسب، بل انها تمهد لاسقاط كل المقدسات الفكرية التي يمكن ان تمنح اي مجتمع هويته العصرية.
وحين ننظر الى مجتمعاتنا سنجد بأن الشعاراتية التي هي احدى اهم مقوماتها الظاهرية قد تحولت الى مفاهيم مقننة داخل العقول، ومن ثم اصبحت المعيار والمقياس الذي تستند عليها تلك العقول في اطلاق احكامها، مع تيقنها التام بأنها لاتعدوا سوى شعارات ممغنطة صادرة عن جهات سلطوية تحاول طمس معالم الداخل المنغمس في الآفات والامراض التي لايمكن معالجتها.. و كي  تقوم بصرف النظر عن مآسي الداخل السلطوي والعجز السياسي والاقتصادي معاً، نراها تفتح المسارات امام الاجتماع للرفض العلني لاحكام السلطة وذلك بالخروج علناً الى الشارع والمطالبة بحقوقهم المفروضة على السلطة، وتعطي المجال لحرية التعبير "الجزئي" وذلك عبر التحركات السياسية للاحزاب وقواعدها الرافضة لاشكال السلطوية القائمة، كما تسمح للقنوات الاعلامية الساعية لاثبات وجودها بقناع " حر " بالولوج في الممرات القريبة من مكامن التحريض والفوضى، وكل ذلك ضمن منظومة يمكن خارجياً ان نطلق عليها اسم الحرية باعتبار ان كل المعطيات الظاهرية تؤكد ذلك، في حين نجدها في الجانب الاخر، لاتصغي للمنطق التحرري هذا، بل تتجاهل كل المطالبات وكل التحركات السياسية، وكل المنظومات الساعية الى خلق الفوضى الاعلامية، وفي الوقت نفسه، لاتعطي لاي حراك داخلي تحت اي مسمى كان اية اهمية يمكن ان نمنطق مفهوم الحرية وفق معطياتها ووفق تداولاتها ووفق قراراتها وتشريعاتها، وبذلك تؤكد على ان وهم صناعة الحريات واقع لايمكن تعديه بالظاهريات، ولايمكن مجاراته بالمقولات الشعاراتية، ولا حتى بالمصوغات العجزية الاقتصادية المقننة والمؤثرة سلباً علبى كل التوجهات وكل الاهداف وكل الحراكات الساعية لخلق مناخ آمن ومستقر يمكن العمل على اسسه لبناء مستقبل مغاير عما هو سائد سواء أكان ذلك المستقبل متعلقاً بالاهداف القومية الطامحة بالاستقلال، او متعلقة بالمسارات الحياتية الاقتصادية العامة والتي اصبحت تشكل ثقلاً على كاهل الشعوب.
واذا ما كانت الحرية وصناعة الحريات امران متعلقان في الاساس بالكينونة البشرية التي تحاول ان تجد لنفسها المسار والنسق المناسب كي تنطلق من خلالها الى الافاق التي تستوجب توقفها احياناً، وتدفعها للمضي قُدماً بصورة اعمق في احيانا اخرى، فانها في مجتمعاتنا امر اشبه بالمستحيل، لكونها تصطدم في الغالب بجملة معوقات وقيود وسلاسل لاحصر لها " لامعنى لها ايضا" في الكثير من الاحيان، فالانسان عندنا يشرب الحرية مفهوماً، ويرسم لوحات فيها صناعة الحريات بارزة، ولكنه في داخله محكوم بسلسلة قوانين تقيد حراكه وتقيد كل المساعي التي يبغي من خلالها الخلق والابداع، وهذا فقط لانه محكوم عليه اتباع السلطوية التي تنادي بالحرية وتغلق ابوابها بمقننات لاتخدم الا ذاتها.
وهذا ما يجعلنا نتأمل مفاهيم الحرية بين الازدواجية والواقع بالاخص في مجتمعاتنا، التي تلبس راداءات متقلبة كالمواسم، احيانا تطول احدى تلك المواسم جراء متغيرات خارجية، لكنها لاتلبث ان تعود الى مسارها المحدود ومنطقها المخصوص، لتعيش ظاهرياً الحرية، وباطنياً تبقى مقيدة بتلك السلاسل التي وجدت قبل مجيئها، وقبل حلولها، فكأنها لاترضى الا الصعود الا بحملها العتيق الذي لايبطئ الخطوات فحسب، بل احياناً تجعلها معدومة.. فالانسان في مجتمعاتنا اذا ما كان هو الموجود الوحيد الذي يشعر" متوهماً"  بانه حر،فانه كان ولم يزل الموجود الوحيد الذي لايكاد يكف عن تكذيب شهادة شعوره..لانه يدرك اكثر من اي موجود اخر مدى اتساع الهوة بين ذاته وكل ما هو خارج عن ذاته"..فهو في صراع دائم مع السلطوية المقننة بلباس سماوي ديني مذهبي ايديولوجي تحرري تقدمي في اغلب الاحيان، ومع  الطبيعة .. والمجتمع.. والماضي.. لذا لن يكون الحاضر الى صورة مزدوجة من مقننات لانهاية لها، ورغبات لاحصر لها، وتصادم ليس حتمي بقدر ما هو ارادي ، فبنظرة سريعة الى تاريخ الحرية لوجدنا ان الخصم الحقيقي للحرية ليس هو مذهب الحتمية،بل هو في ظن الكثيرين المذهب القائل بالارادة المطلقة والحرية اللامتناهية..لان الحرية كانت ولم تزل تصطدم بعوائق كثيرة حتى انها تحولت الى قيمة.. وهذه الاخيرة لاتمنح بقدر ما تكسب.


95
حرائق اسرائيل هل هو الانتصار العربي المنشود..؟
جوتيار تمر/ كوردستان
25/11/2016
من يشاهد الحرائق وهي تجتاج اراضي اسرائيل وتهدد كل شيء بالزوال سيقف متعجباً من سرعة انتشارها ومن صعوبة التحديات التي يواجهها الاسرائليون في تلك المناطق والتي تضم ايضاً عرب ومسيح ومسلمين، والغريب ان الامر تحول وبصورة درامية واسطورية الى حرب شرسة تشنها بعض الجهات المعادية لاسرائيل، والتي دائما ما تتهم اليهود بانهم خلف المشاكل والمصائب والكوارث التي تحل بالعالم ضمن منظومة " للحفظ " التي تتبناها هذه الدول والجهات، حيث يقومون بتحفيظ الاجيال هذه الرؤية الناقصة انسانياً وعملياً وعلمياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ونفسياً، ومع ذلك يصرون عليها وكأنها بنظرهم تعاليم منزلة ويجب الايمان بها، وانا مؤمن تمام الايمان انهم يخدعون انفسهم وهم مدركون تمام الادراك بذلك، لكن ليس لديهم سبب لخيباتهم المستمرة ونكساتهم الدائمة الا هذا الامر كي يغسلوا بعض عارهم الدائم، ويحفظوا ماء وجوههم بها.
من يتابع المشهد الاعلامي العربي" المعادي في العلن فقط" لاسرائيل بالاخص في الدول التي تتمركز فيها الجماعات الارهابية والاسلامية والدينية بصورة عامة، ومن ثم الجماعات القومية المتعصبة بصورة خاصة، سيجد بان تلك الحرائق هي السلاح الوحيد الذي استطاع  قهر اسرائيل داخل صومعتها بعدما اخفق كل الاسلحة العربية الاخرى من تجاوز حدودها الجغرافية، لذا ستجد بانها ترفع شعارات وكأنها هي التي قامت باشعال تلك الحرائق انتقاماً كما تقول للفلسطنيين الذين قتلوا على ايدي اليهود في اسرائيل " بعد حظر الاذان حرائق في اسرائيل ،، حرائق اسرائيل دليل على غضب الله،،،غضب الله احرق اسرائيل...ووو..." والكثير من هذه التفاهات الاعلامية التي تتناولها الاوساط الضعيفة نفسياً والتي تعيش عقدة اللاانتصار ، وعقدة الهزائم المتكررة سواء العسكرية منها او السياسية عالمياً واقليمياً ومحلياً.
الازدواجية العربية التي تظهر دائما في المواقف الجدية حول اسرائيل تظهر مرة اخرى، وتشكل فارقاً واضحاً في الرؤية المتشددة المعولة اعلامياً على معاداتها لاسرائيل ولها بلاشك علاقات مستديمة مع اسرائيل في الباطن، حيث نجد ان هذا الاعلام والجهات الممولة له يرجعون الامر الى غضب الله لما تقوم به اسرائيل بنظرهم تجاه الفلسطينين ويعتبرون الامر وصمة عار بجبين اسرائيل، في حين نجدهم انفسهم يشاركون وبصورة علنية في قتل الالاف من الابرياء في اليمن وسوريا وضمن منظومة يطلقون عليها التحالف، ولا اعلم اذا كان الامر منطقياً ام لا..؟ ، فبمجرد ان تنضم للتحالف يحق لك قتل من لاينتمي اليك، ويعاديك، انه المنطق الالهي بنظرهم والذي يتبنونه باسم الله في احقاق الحق، وما يحصل في اسرائيل فهو ليس الا انتصار عربي باسم الله على من يعادي الله والعرب حاملي رسالة الله وظله على الخراب الارضي.. انه لمنطق ينتشي من سماعه الالاف ممن يواري خيباته وهزائمة وراء نظريات المؤامرة وكون اسرائيل هي التي تقف ورائها.
من جهة اخرى نرى بعض الدول العربية تهرع انسانياً لتقدم خدماتها لاسرائيل، بل الامر الاكثر وضوحاً في ان المنهزمين وحدهم هم من يرددون بان غضب الله وراء حرق اسرائيل، فاصحاب الشأن الفلسطنيون انفسهم منقسمون الى من يؤمن بان الله تكفل باخذ حقهم لعجزهم عن اخذه بنفسه، وهناك من يقدم الخدمات الانسانية لاحتواء هذه الحرائق التي باتت تهدد الكثير من المدن والاماكن، ناهيك عن مشاركتهم الفعالة في اخمادها، هذه الازدواجية هي التي بنى الحكام سياساتهم عليها منذ قرون، وهي نفسها التي جعلت الكثير ممن يعي الواقع ويفسره بعقلانية ينظر الى سياسات الحكام على انها مسرحيات متغيرة ومتقلبة تقدم بدون خشبات محددة ولا عروض ثابتة.
ولا اعلم لماذا الله بنظر هولاء مستعد لينتقم  من اسرائيل من اجل اصحاب الخيبات "العرب" الذين لم يستطيعوا من تجاوز نرجسيتهم والعمل على تقديم المساعدات لابناء جلدتهم في محاناتهم المتكررة سوى بالكلمات عبر الاعلام من تنديد وشجب ورفض وتهديد دون حراك فعلي مادي واقعي، في حين يقف متفرجاً حول المآسي التي تحدث في كل ارجاء الخراب الارضي ، ونخص العربي منه سواء في ليبيا او اليمن او سوريا او العراق او سيناء المصرية وحتى في تونس وجيبوتي وغيرها من المناطق العربية المنكوبة انسانياً جراء الحرب والدمار الذي أُلحق بها، من قبل المتحالفين العرب مع امريكا الداعمة الرئيسية لاسرائيل ومع تركيا الساعية لتثبيت قوام علاقاتها مع اسرائيل ومع دول اخرى اسرائيل بالنسبة لها دولة حرة وديمقراطية وكل من يعاديها هو ليس الا ارهابي حاقد لاانساني.
حين يتكلم المنطق لابد ان نصغي اليه، واي منطق يقدمه هولاء الذين يرجعون حرائق اسرائيل الى غضب الله وانتقامه من اليهود، في حين ان الدلائل تظهر وبصورة واضحة ضلوع بعض اصحاب النفوس الضعيفة الممتلئة بالضغينة والحقد والكراهية، في افعتال واشعال الحرائق التي ادت الى الكثير من الدمار والموت في آن واحد، وبتطبيل واضح من التيارات القومجية والاسلامية المتشددة والارهابية والقنوات الاعلامية التي تروج لهذا الانتصار الوهمي، وتركز على الاقاويل التي تمنطق رؤيتهم ولو كانت تناقض ذواتهم وتناقض افعالهم الواقعية على الارض، والسؤال الذي يثير نفسه وبقوة ترى هل هذا هو الانتصار المنشود الذي ينتظره العرب كي يستعيدوا حسب اقوالهم ارضهم من اليهود..؟ .
هل انتصارهم هو ان يعولوا على الله كي يقوم بدلاً عنهم في هزم اليهود، واخراجهم من الارض، ليعود العرب اليها، ويستوطنوها...؟ ، من يدري لعلنا نعود الى عصر الميثولوجيا القديمة ونشاهد اله الحرب يحمل رمحه ويكتب عليه انتقاماً للعرب، ودحراً لاسرائيل، فمن يمكن ان يقنع نفسه بان تلك الحرائق هي غضب الله، يمكنه ان يؤمن بهذه النظرية ايضاً ويعول عليها في الانتصار، لانه بلاشك ليس له الا ذلك، فهو لايملك اية مقاومات تجعله يقف بوجه اسرائيل، وليس لديه اية مقومات تجعله يعيش في رفاهية الاسرائيلين وامنهم واستقرارهم وتطورهم، وليس لديه اي ايمان يضاهي ايمان اليهودي باسرائيل، لذا عليه ان يلجأ الى اله الحرب ليمثله في حربه التي يدعي بانها حق.

96
الارهاب التركي والتطبيل الخليجي
جوتيار تمر/ كوردستان
22/11/2016
لم يعد الارهاب حكراً على الجماعات الدينية المتطرفة الساعية لبث فوضاها الايديولوجية على حساب المكونات الاخرى فحسب، بل اصبح الارهاب مصطلح يتضمن في معانيه ودلالاته كل القيم والافكار التي تسبب الخوف الشديد من خطر قابل أو الفزع و الرعب من حاضر.. فضلاً عن كل قديم قد يخرج من عباءته ويثور ليثير براكين من الدم بسبب الفوضى التي تتسبب به، لذا نجد ان الارهاب اليوم قد اصبح الفعل الوحيد الذي ينذر أو يحدث ضرراً شديد الوقع غير مشروع في السياق العام لا سيما السياسي للحياة .
ومن هذا المنطلق اصبحت الحكومات الساعية لتثبيت رؤيتها وايديولوجيتها السياسية والهادفة الى اقصاء الاخرين واستفعال السلطوية ذات المصدر الواحد، والمتحكم الاوحد، تظهر بشكل واخر على الساحة، بالاخص في الشرق الاوسط، المكان الذي لايمكن ان تمر حقبة تاريخية دون سفك المزيد من الدماء لتخصيب تربتها بالجماجم.. فحين ننظر الى المشهد الحالي لهذه المنطقة بالذات سنرى انها تعيش حالة فوضى ممنهجة، فوضى ذات ايقاع منظم، ولانها فوضى ممنهجة ومنظمة فانها كما هي العادة تعيش التناقض الازلي بين الارض والانسان والسماء معاً، لكونها باسم السماء تحرك الانسان ليتحكم بالارض دون ترك اي مجال للمشاركة الفعلية والفعالة للاخرين غير المنتمين لتلك الايديولوجية، ودون اية مراسيم تعطي للانسان الاخر قيمة او حتى دور في الوجود، فالسلطة واحدة، لكون التشريع باسم الواحد، ولكون الغاية واحدة، فان البشرية يجب ان تتعمد من معين واحد، وحين تصبح الايديولوجية السلطوية بهذا التشكيل الوحدوي المتسلطن، لايمكن للاخر الا ان يثور فيدفن في مقابر جماعية وهو حي، او ان يهاجر ويترك الجمل بما حمل لهولاء، او ان يندمج مع التيار السلطوي فيصبح عائقاً لبني جنسه، وقومه، ويصبح شوكة في ظهر القيم الساعية والداعية الى الحريات بصورة عامة.
ولايمكن ان يتجاوز النظر حين ندرك ماهية ما سبق المساعي غير الحميدة التي تبذلها تركيا الاردوغانية لتحكيم هذه الايديولوجية في المنطقة عموماً، وفي تركيا نفسها بشكل خاص، فسياسة اقصاء الاخر جارية منذ تأسيس هذه الدولة والتي استمدت قوامها من السياسة العثمانية التي كانت هي الاخرى تتماشا مع الحكمة الاردوغانية الحالية، ومن ثم محاولتها اخضاع الاخر تحت اغطية مطاطية تخدم مصالحها وتضعف اعدائها، ولأن اعدائها يمتلكون مساحة وجود مقلقة ومضرة وكافية باثارة المزيد من القلاقل والفوضى داخل جغرافيتها، فانها تتعمد في ايجاد حلفاء يطبلون لها، وتركيا لم تجد ولن تجد افضل من اصحاب النفط وعبيد الدولار والجنس كي يقوموا بهذا الدور المشين، وحين نسترجع الصورة الاجمالية للمنطقة سنعرف من هم اصحاب النفط ومن هم الذين تركيا تسعى لاخضاعهم ايديولوجياً.
يحظى الحاكم التركي الحالي اردوغان بشعبية كبيرةعند الاوساط السنية الخليجية بالذات، فتركيا الحالية هي سليلة الخلافة الاسلامية التي كان اصحاب الخليج واغلب العرب يتباهون بها، لكونهم ارادوا احتكار اله الاسلام لانفسهم منذ العهد الاموي، ولكن لان الظروف دائما لاتخدم السلطوي المتحكم والمتسلط، فان الادوار تبادلت حتى انها عاثت بالانفس والارض لقرون متوالية.. ففي حين تسلطنت القوميات في فترة، نافستها قوميات استطاعت ان تغير ملامح التكتل الاثني والديموغرافي للمنطقة اجمعها، ومن ثم تلتها حروب وابادات وهتك للاعراض باسم قوانين لم تكن سائرة الا باسم الدين والتشريع والطموح الشخصي للقوميات والاثنيات الساعية لخلق مجدها على حساب الاخر.. ومن هنا كان الانبعاث السلطوي الاردوغاني دليل على الاستمرارية الفوضوية للمنادين باسم التشريع والدين والله على هذا الخراب الارضي.. وحين تجد الفوضى تلك آذان صاغية، وخزائن مفتوحة، ورغبات لانهاية لها، فانها لاتتحرك وفق نهج ممغنط واحد فحسب، بل انها تعبث بكل الجهات، وهذا ما يعني اقصاء الكل الا من يريد الخضوع للتيار.
هذا التطبيل النفطي الخليجي اعطى للدكتاتورية التركية الان وقبل في التسلطن من جديد، وحين يجد اردوغان بانه السلطان، ندرك جميعاً ان السلاطين عاثوا في الارض فساد وقتل وهتك للحرمات، وهذا بالضبط ما يفعله اردوغان الان، حيث مساعيه الدائمة لتثبيت سلطته واقصاء كل منافس واضح ولايحتاج الى مشاهد مكررة على انظار المتابع للمشهد التركي، ومن ناحية اخرى سياسته في اقصاء الاخرين من حيث الانتماء القومي ايضا امر واضح، فسعيه للفتك بالكورد من جهة، ومحاولة طمس المعالم السياسية الكوردية الساعية لخلق توزان يخدم الدولة والانسان معاً اصبح بنظر السلطان امراً غير مستحب، لانه في الاصل لايعطيه المكانة ولا السلطة التي تجعله الاوحد الواحد الذي لايناقش امره، انما ينفذ فحسب، وهذا ما يسعى اليه منذ توليه الحكم وذلك لتمرير قانون في البرلمان يجعل من سلطته الاقوى في البلاد دون اي معارضة.. وكذلك سعيه الدؤوب في خلق فوضى اخرى داخل المنطقة عبر تدخلاته المستمرة سواء في سوريا والتي باتت اغلب مدنها منكوبة بسبب الدمار والخراب الذي لحق بها جراء القصف والقتل والحرق والموت المجاني الذي يفرض عليها، وكذلك سعيها المستمر في التدخل الاقليمي لاقليم كوردستان العراق وذلك لاستكمال عقدة الاستقصاء الاثني القومي لديها، حيث تحاول بذلك مطاردة الكورد المتواجدين في قنديل وشنكال واغلب المناطق الحدودية مع تركيا.
كل هذا الدمار الذي تخلقه تركيا " اردوغان" الفوضوية وذلك عبر منهجية منظمة ساعية كما قلنا لاقصاء كل ما يعيق سعيه لتحقيق هدفه الاسمى.. يجد تطبيلاً في اغلب المناطق السنية سواء داخل العراق او الخليجية او المناطق العربية الاخرى التي ترى في اردوغان المنقذ لهيبة الاسلام ولهيبة التشريع ولهيبة الانسان، هذا التطبيل يزيد من وقع الفوضى.. ولانها فوضى منظمة فانها لاتخدم الا اصحاب الفكر الاردوغاني واذنابه ممن يطبل له.. وذلك على حساب الاخر اي كان( الكورد- الارمن – الرافضية كما يقول اهل السنة " الشيعة.. و .. و ).. لايهم المسميات والاثنيات طالما انها لاتدخل ضمن المنظومة الاردوغانية او المنظومة التطبيلية له.
اردوغان المتسلطن فوق رؤوس اصحاب النفط الان يسعى لخلق جبهة اخرى داخلية، يحاول من خلالها ان ينهي اي حراك معارض له، لاسيما من الكورد وذلك باعتماد خطة فرق تسد، والتي تجد لها آذان صاغية خاضعة باسم التشريع والدين والاسلام، حيث ان اردوغان يسعى لتفعيل دور التيارات الدينية الكوردية داخل تركيا ليستفيد منها في ضرب الكورد بالكورد وليجعلهم درعاً امام تطلعات التيارات الكوردية الاخرى المناهضة لسياسة التتريك الجارية من قرن واكثر، وكأن السلطان الاردوغاني يريد تكرار التجربة العثمانية التي استطاعت وقتها باسم الدين والتشريع والخليفة ان تثير الروح الشعائرية الدينية لدى بعض الكورد فاستغلتهم فيما بعد للتقل وللدمار وللمجازر والابادات الجماعية باسم الخليفة والشريعة.. وها هو يحاول الان استكمال تلك النظرية لاثارة التيارات الدينية الكوردية وتجميعها داخل منظومة واحدة لتكون الوجه السياسي الحالي لكورد تركيا، سعياً منه في طمس معالم التيارات الفعالة السياسية الاخرى.
ان اعادة رسم ملامح السلطوية الاوحدية الاردوغانية لم تعد مخفية على احد، لاسيما انها تجد في بعض السلطويات المتشابهة سواء من حيث الحكم او التشريع دعما واضحاً وتطبيلاً عالياً، لذا لايمكن التغافل عن الخطر المحتمل جراء هذه الساسية الاردوغانية والتي قد تفتح ابواب اخرى من الجحيم الدموي في المنطقة بالاخص من التيارات المناهضة لتلك السياسة.. ففي تركيا لن يتوقف المد الكوردي الساعي للحصول على حقوقه القومية, حتى وان قام السلطان بدس كل رموزه في السجون، وفي حدود المطبلين لابد ان تتغير المعايير وتحدث فوضى اخرى ممنهجة ضد تلك السياسات التي لاتخدم الشعوب الواعية انما فقط الشعوب التي تساق من قبل حكامها دائما.

97
النزاعات الداخلية هل تخدم القضية الكوردية
جوتيار تمر/ كوردستان
13/11/2016
لم نجد في المراحل التاريخية التي مرت بها الحركة التحررية الكوردية اية فترة تلاشت فيها النزاعات الداخلية بصورة يمكن عدها المرحلة الاكثر هدوأً والاكثر تماشياً مع الوفاق القومي الكوردي لتكون تلك الفترة نقطة بداية للانطلاق نحو الاهداف التي تعلنها التيارات السياسية الكوردية منذ نشوئها الى وقتنا الحاضر، حيث سنجد ان النزاعات الداخلية سواء بين العشائر  الموالية لاطراف خارجية في البداية، او بين القادة السياسيين فيما بعد، او حتى بين الاحزاب والتيارات السياسية الكوردية مستمرة، ولم تتوقف كي يتنفس الشعب قليلاً ويقول ولو في احلامه بان الوقت قد حان لنترك خلافاتنا جانباً ونركز على ما هو اهم للقضية الكوردية.. لان الشعب مدرك اكثر من الساسة المصلحويين ان الفرص احيانا لاتتكرر، وان النزاعات الداخلية هي كانت ولم تزل السبب الاول والاهم في تأخير المساعي الموجودة بين فينة واخرى لتحقيق الهدف الاسمى.
  فالنزاعات الداخلية تعتبر بكل انواعها ومراحلها عائقاً واضحاً في تقدم اية مسيرة ، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية او اجتماعية او في اي مجال وجانب اخر، فعلى الرغم من ان المتغيرات التي تحدثها هكذا  نزاعات وصراعات احيانا  قد تخدم القضايا الاعلامية الا انها في كل معياتها تؤخر  النهوض والسير نحو الهدف بثبات، وتخلق في حراكاتها الكثير من الفوضى التي احياناً قد تكون خلاقة وفي احيان اخرى تكون هدامة خارجة من كل الاطر الاخلاقية الانسانية والانتمائية..وعلى الرغم من انها في كوردستان قد تعدت المرحلة الاكثر هدماً " الاقتتال الداخلي" او ما يمكن ان نسميه بالحرب الاهلية الا انها وبدون شك اصبحت من اكبر المعيقات  التي تثير بشكل واخر قلق المتابع ، وتجعل اليأس يدخل في قلوب الكثيرين ، لكونها معيقات تظهر في اوقات يتطلع فيه الشعب الكوردي باكمله الى احداث تغيير جذري في مسيرته النضالية من جهة، وفي وتحقيق مطالبه القومية من جهة اخرى.
 وعلى الرغم من ان درجات النزعات الداخلية تختلف من مرحلة إلى أخرى. وتتنوع ردود الفعل الرسمية والشعبية تجاه ذلك بين محاولات وقف النزاعات، وحماية وتقوية السلام والتكاتف الداخلي الوطني كي لا تكون المكتسبات الموجودة حالياً مهددة بالزوال والاندثار، الا ان اغلب المحاولات تصطدم بجدار صلب، لايمكن لحد الان خرقة او هدمه كي نتجاوز هذه المرحلة المقلقة والباعثة على اليأس الداخلي.. فالنزعات التي تظهر على السطح هي محكومة بعوامل عديدة، منها ما يمكن ان نعتبرها ناشئة من بنية اطراف النزاع، ومنها ما هو وسيط، ومنها بلاشك ما هو مباشر..وفي كل الحالات يوجد ضحية واحدة " القضية الشعب" باعتبارهما متلاحمان.
وهذا ما يبدو واضحاً وجلياً قي الوقت الراهن، حيث ان النزاعات الداخلية بين الاطراف السياسية داخل الاقليم في كوردستان تعتبر اكثر النزعات هدماً للقضية، فعلى الرغم من انها لم تصل الى مرحلة اراقة الدماء الا انها تنزف وبصورة واضحة معالم الرؤية الخارجية للداخل الكوردي وترسم ملامح هي في كل اوجهها معيبة ومعيقة للصيرورة التاريخية الكوردية الساعية لاثبات وجهتها في حقها الاستقلالي وحقها السيادي على ارضها وممتلكاتها وحدودها وامكانية خلق كيان كوردي مستقل خارج عن الاطر التبعية الحالية سواء في شرقها او غربها او شمالها او جنوبها، ومع ان المعطيات والتكهنات حول امكانية احداث تغيرات جذرية على الخارطة السياسية للشرق الاوسط واردة الا ان الوضع الكوردي لم يتطور داخلياً كي يكون مواكباً لتلك التطلعات الشعبية الكوردية ولا للتكهنات الخارجية التي تحاول بقصد او دون قصد اثارة الموضوع، ربما كي تحذر من هم ليسوا مع الكيان الكوردي بان الامر بات متداولاً بين الاوساط الدولية.
ان النزاعات الداخلية بالاخص بين الاحزاب السياسية الكوردية بات اشبه بوصمة تخاذل تعيق كل المساعي لايجاد حلول مناسبة لاخراج الكورد من المآسي التي يعيشونها جراء سياسات الحكومات التي تسيطر على اجزاء كوردستان من جهة، وجراء الحروب التي تفرض على الكورد غصباً من جهة اخرى، وكل الحراكات هذه لاتخدم في الاول والاخير الا بعض الاطراف المتسيدة على اجزاء كوردستان المبعثرة، فكلما كان الصف الكوردي الداخلي متنازعاً مفككاً كلما كان الوضع بالنسبة لهم اكثر اماناً واكثر قبولاً، وبعيداً عن نظريات المؤامرة وما يتعلق بها، فان الامر الداخلي وان تحكم فيه الكثير من المعطيات الاقليمية والدولية والسياسية الا انه يمكن تجاوز الكثير من المعيقات وتحويلها الى اداة ضغط دولية كي يفرض الشعب ارادته ولو لمرة واحدة، ولكن فقط اذا استطاع الساسة ان يتحولوا لمرة واحدة في نضالهم الحزبي المصلحوي الى صوت للشعب وللقضية، بحيث يتركوا الخلافات والنزاعات جانباً ويأخذوا مطاليب الشعب بيد واحدة ويتكاتفوا من اجل ايجاد الحلول والصيغ المناسبة التي تتلائم وهذه المرحلة المهمة من تاريخ المنطقة ككل وتاريخ الكورد بشكل خاص.. فالمعطيات والتكهنات قد تخدم المساعي اذا ما توحدت الارادة الكورية في ادارة واحدة.
لهذا لايمكن القول الا... ان النزاعات الداخلية وان بدت كوجه حضاري في صورتها الاعلامية باعتبارها مرحلة مهمة من مراحل التطور السياسي الديمقراطي، الا ان الاخذ بالمعطيات والتعمق في الماهيات، والبحث فيما وراء الموجودات تفرض على الكورد البدء بتصميم طاولة مستديرة يلتم حولها القادة والسياسيين من الاحزاب والتيارات السياسية والفكرية والحزبية لوضع مسار ممغنط لايخرج عن حدود القضية ولايخرج عن مسار الشعب، وان يتم استغلال الوضع الراهن سواء ضمن المساحات الجغرافية المفروضة وفق آليات دولية مسبقة، او ضمن المتغيرات السياسية الدولية بالاخص فيما يتعلق الصراع الامريكي الروسي حول المنطقة، لان هذه النقطة ستعد الاكثر اهمية لتوضيح المتغيرات الاخرى، ولوضع حد للمعيقات الخارجية المتعلقة بالصراع التاريخي الديني الايراني التركي من جهة والصراع السني بكل اطرافه من تركيا والخليج مع الشيعة المتمثلة بالحكومة العلوية والشيعية العراقية وايران المتحدية من جهة اخرى.. فكل هذه الاثنيات المتحانقة قد تتكاتف بلمح البصر على قضية بنظرها مستحيلة، والتاريخ يشهد بان الد الاعداء تكاتفوا حول تلك القضية، ليس ضمن دوائر المؤامرة انما ضمن رؤيتهم الداعية الى الوحدة الوطنية ورفض التقسيمات وفق الاثنيات والقوميات.. وكأنهم يتجاهلون عمداً انهم قبلوا بتلك التقسيمات حين فرض على الكورد التجزئة اللامنطقية وضمن دوائرهم، ولكن لان الامر كان في مصلحتهم لم يكن الرفض والتوافق وقتها ضرورياً.. ولكن الان وبدون مقدمات وللحفاظ بنظرهم على وحدة الاراضي يمكن وضع الخلافات جانباً والاتفاق على اللاتقسيم .. لذا على الساسة الكورد الادراك والفهم والتيقن بان الفرص قد لاتتكرر بهذا الشكل وبهده المعطيات الحالية سواء داخلياً او خارجياً.

98
مابعد اوباما والعهد الترامبي
جوتيار تمر/ كوردستان
9/11/2016
تتباين الاراء والتحليلات السياسية والاعلامية وكذلك تحليلات المهتمين بالشأن الامريكي بوجه خاص وبالشأن العالمي بوجه عام حول التداعيات والمعطيات الترافقية والتلازمية قبل واثناء وعقب دخول اي رئيس امريكي الى مبنى البيت الابيض بواشنطن، ولابشك لاتخرج تلك الاراء عن التكهنات بخصوص السياسة الامريكية الجديدة تجاه العالم ومنطقة الشرق الاوسط بالذات لاسيما ان الان منقطة بركانية فيها حرب شرسة في اغلب القطاعات والدول والمناطق، وتبدأ الاسئلة تطرح نفسها بنفسها من يدير الحرب ومن يمكنه انهاء الحرب..؟ وتتوجه الانظار الى مرشحي الاحزاب الرئيسة في الانتخابات الامريكية كل مرة، من ديمقراطيين وجمهوريين، فعلى الرغم من وجود احزاب سياسة اخرى تخوض سباق الانتخابات الرئاسية وسباق الانتخابات التشريعية في مجلس الشيوخ والنواب الا انه هناك دئما حزبان متنافسان وهما الحزب الديموقراطي والجمهوري اللذان يقتسمان السلطتين التنفيذية والتشريعية منذ فترة طويلة.
وقد جرت العادة في الانتخابات الامريكية ان يظهر المرشحان بصورة هوليودية سواء في الدعايات الانتخابية او في المناظرات بين الشخصين، وكما هو معهود ايضاً ان الرؤيات تتضارب والصراع يحتدم في كل يوم والكل يبحث عن ما يمكنه ان يوقع يؤخر الاخر ان لم يوقعه، لذا ليس بغريب ان نجد هذا الاهتمام العالمي بالانتخابات الامريكية ليس لكونها تظهر لنا سيئات وايجابيات المرشحين انما لانها تظهر ايضا الوجه الحقيقي للعالم الامريكي الهوليودي فيما يتعلق بالدعاية الانتخابية وكأنها تمهد لنفسها وللعالم بان من يستلم سدة الحكم سيكون الامر والناهي ليس على امريكا فحسب انما على العالم كله.
منذ نعومة اظافرنا ونحن نسمع ونقرأ عن الجدل السياسي والمصالح السياسية التي لاتعرف عدواً دائماً ولا العكس، وبالتالي فانه دائما تتجه السياسة نحو السراديب المظلمة التي تحقق فيها رغباتها وحاجاتها واهدافها دون التوقف عند اي حاجز خارجي.. اي حاجز كان بشريا اقتصاديا عسكريا.. وبالتالي فان الوصلة الهوليودية ليست الا واجهة لتلك السياسة التي لم يكن اوباما ان يغير من ملامحها ووقائعها واحداثها شيئاً، وليس لمتسلم العهد والحاكم الجديد ترامب المشيخي "الذي فاز بالانتخابات الرئاسية اليوم 9-11-2016" ان يغير من ملامحها شيئا، فالرؤية السياسية يتم وضعها وفق آليات معقدة، لايمكن للواجهة السياسية الا ان تكون ناطقة باسمها ومنفذة لاهدافها في المحافل الرسمية الداخلية والخارجية معاً.
على هذا الاساس يمكن النظر الى الاحفتاء الامريكي بالانتخابات كتجربة ديمقراطية غير مسبوقة في العالم الحالي، على انها تجربة ذات مضامين متشابكة تبهر في ظاهرها، وفي الخفاء تسير وفق تلك المنظومية الديناميكية التي وضعها خبراء وساسة واختصاصيون متحكمون بالممرات السرية المؤدية الى السيطرة على العالم، ومتمرسون في التحكم بمعطيات الاحداث التي يفتعلوها ويختلقوها عند كل عائق او عند الحاجة الى اجراء بعض التعديلات والتغيرات على الملفات التي بين ايديهم، بغض النظر عن اية مسائل اخرى سواء التي تتعلق بالشعارات المعلنة من خلال اقناع الجمهور الداخلي الخارجي بان امريكا داعية للسلام العالمي وداعمة للحريات ومعادية للدكتاتوريات والى غير ذلك من الشعارات الهوليودية التي ترافق كل حملة انتخابية.
ان الديناميكية الامريكية هي حتى وان بدت للبعض واهية وسائرة نحو الذبول ضمن الرؤية الفلسفية القائلة بان الوصول الى القمة معناه البدء بالنزول تدريجياً، والسقوط في هاية العدمية، الا ان الرؤية الامريكية النابعة من تصميم سياسي مخطط له من قبل هياكل ومنظومات مختصة ومستشارين بارعين في اعمالهم وقوة اقتصادية لايمكن للمتغيرات الاقتصادية ان تؤثر عليها وقوة عسكرية مع ترسانة يمكنها ردع اي تهديد مباشر فضلا عن مستعمرات اقتصادية وسياسية في انحاء العالم مع عدم نسيان القوى المتحالفة معها وايضا في ارجاء المعمورة ، ان كل هذا يجعل من امريكا القبلة التي لايمكن التبرك باي عمل الا بعد تعميدها له، ولااعتقد بان الكل سيتفق معي في هذه المقولة بالاخص الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة وتلك النظريات الدرامية التي تعتمد على ما فعله الاباء والاجداد باعتبارهم كانوا قوة فعالة وحاضرة ليس على المستويات المحلية فحسب انما العالمية ايضا، اعتقد بان هولاء سيعارضون رؤيتي وسيقولون عنها بانها استسلامية وانها خاضعة لمنظومة الاخر وانها تتبنى الانهزامية وعدم وجود شخصية قوية والى غير ذلك من الترميمات الشعاراتية التي يستخدمها هولاء في اخفاء مشاكلهم وفشلهم الدائم في المواجهات المباشرة مع هذه القوة العظمى.. وعلى الرغم من اقاويلهم وداعاءاتهم يبقى الامر واضحاً تماماً فليس من رئيس امريكي الا وقد سعى لتحقيق اكبر قدر مصلحوي لدولته، حتى وان بدا احيانا ان الشعب رافض لتلك السياسة او لتلك الرؤية التي تبنتها الدولة، ولكن الدولة هي تحصيل حاصل للرؤية السياسية الموضوعة قبل اي انتخاب وليس على الرئيس المنتخب الا استلام مفتاح العمل والبدء بتنفيذ تلك المخططات وتوجيه السياسة الامريكية اعلاميا وفق التدفقات المصلحوية الاتية جراء تنفيذ كل مرحلة من مراحل تلك المخططات.
لهذا اوباما حاول اعطاء تلك السياسة بعداً عالمياً جديداً من خلال تنفيذ بعض المخططات المتعلقة بالعلاقات الدولية مثلاً كالعودة الى كوبا، واعطاء ايران فرصة اخرى، والتعامل مع تركيا بوجه اخر، ومحاولة رسم ملامح جديدة سواء ديموغرافية او اثنية او قومية دينية مذهبية لمنطقة الشرق الاوسط، مع بعض التداعيات الجانبية كمحاولة لدعم هياكلها الدعائية الساعية لتحقيق اهدافها عبر اللوبي الاعلامي العالمي وذلك عبر رفع شعار الاطاحة بالحكام الدكتاتوريين الذين قد خرجوا عن دائرتها السياسية وبدوا وكأنهم سيشكلون عائقاً اعلامياً فقط، وليس كقوة يمكنها ان تهدد امريكا، فكان لابد من اثارة بعض الاحداث وخلق بعض الوقائع التي تتناسب ورؤيتها الحالية للعالم الجديد، والشرق الاوسط بكل الاحداث التي تمر بها الان خير دليل على ذلك، وهذا بالضبط ما نريد ان نعيده ونقوله للمتتبع للشأن الامريكي، فاوباما لربما خالف القاعدة التي سارت عليها الحكومات الامريكية في العقود الاخيرة والتي تمثلت دائما بان تقوم الحكومات الديمقراطية بتقوية الشأن الداخلي الامريكي مع عدم خوض حروب مباشرة ومواجهات يمكنها ان تضعف القوة الامريكية داخلياً وخارجياً، ولكن مع ذلك فقد قاما اوباما بالخروج عن النص فقاد حرباً ضد الدكتاتورية الليبية وضرب التيارات المتشددة في اليمن ولم يزل مترئساً للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة داعش في كل من العراق وسوريا، وبلاشك وحسب الرؤية التاريخية يعد هذا خروجا عن النص لان الحكام الجمهوريين غالبا ماكانوا يخوضون عن امريكا تلك الحروب التي تقوم على توسيع مصالحها ومستعمراتها بعد ان يحقق الديموقراطيون القوةالداخلية اللازمة لذلك التوسع، فثلاثة من اصل خمسة رؤساء امريكيين في العقود الثلاثة الاخيرة خاضوا حروباً كبيرة خارج امريكا من اجل تحقيق المزيد من المكاسب والمصالح والتوسع اللازم لتحقيق غايات اقتصادية وايجاد حلفاء اقوياء يخدمون مصالحها، فكل من " رونالد ريجان  بفترتين رئاستين، وجورج بوش الاب بفترة رئاسية واحدة، ومن ثم جورج بوش الابن فترتين رئاسيتين" خاضوا تلك الحروب باسم امريكا، وبالتالي فان الانتخابات الحالية وصعود ترامب الى سدة الحكم ليس الا مخطط يمكنه ان يعجل من وتيرة الاحداث وانهائها قبل ان تخرج عن المسار او هو اخماد وقتي للمعمة الحالية لحين بروز بعض نتائج المخطط .
ولعل ما هو ثابت في قراءة التاريخ الامريكي ان كل رئيس يصل الى سدة الحكم في امريكا يحاول بشكل واخر ان يترك بصمة مؤثرة في سلسلة رؤساء امريكا سواء بمغامرة عسكرية او افتعال حرب خارجية يمكنه من خلاله ان يثبت للعالم بان امريكا هي باقية وستبقى القطب الذي لايمكن ان يحدث تغيير او فرض سلطة ونظام على مكان ما بدون ان تُعمدها وتباركها.

99
المشهد التركي بين فلسفة التاريخ والواقع
جوتيار تمر/ كوردستان
5/11/2016
تشهد الساحة التركية متغيرات جذرية وفق المنطق الاعلامي الظاهري الساعي لابراز اهم معالم المشهد السياسي التركي، وما تتوقف عنده اغلب القنوات الميديائية هو شخصية رئيس الجمهورية طيب رجب ارودغان، بحيث لاتخلوا نشرة اخبارية في قناة اعلامية او صحيفة او مقال او مجلة الكترونية عن ذكر اسمه سواء بالايجاب او السلب، ناهيك عن الاعلام الخارجي الذي يسلط هو الاخر الاضواء وبشكل متسمر ومكثف على المشهد التركي الاردوغاني من جهة والمشهد التركي الكوردي بفرعيه السياسي والعسكري من جهة اخرى، فضلاً عن التداعيات الاقليمية التي تفرض على الجميع تتبع اخبار تركيا لكونها طرف مساهم وفعال في صناعة الارهاب من جهة ومحاربة ما تسميه هي الارهاب من جهة اخرى، وبالطبع العلاقات الاقليمية الدولية التي هي الاخرى تأخذ لها نصيب من الحراك الميديائي المحلي والعالمي.
والسؤال هو لماذا هذا الكم الهائل من التداول الميديائي للمشهد التركي وبالاخص ما يتعلق باردوغان...؟ ، لاشك ان الجواب .. اي جواب.. لن يكون الا رأي وتكهن وتأويل للمشهد الداخلي لتركيا والعالمي والاقليمي، ولكن يبق ان هناك المشهد الاكثر جدلاً وهو التاريخي، حيث وحسب اغلب النظريات التاريخية " فلسفة التاريخ " ان سقوط الدول تبدأ من نقطة القمة والصعود المستمر لايخدم الا الفيئوية التي لم تستطيع ان تنتج الكثير ولا المتناغم مع الحراك السياسي الداخلي والدولي فتبدأ الانغماسات الداخلية بالوحل التاريخي السابق او القديم وبذلك يبدأ المرض يتفشى داخلياً فتتفكك شيئاً فشيئاً الى درجة ان الوقوف يبقى صعباً، فتلجأ السلطة الى الاعتماد على خطط حديثة قديمة في جوهرها وتعلن عن المساحات التي تعمل عليها ضمن هيكلة الدولة ومحاولة الحفاظ على الامة وحين تقول الامة فهي تمزج جميع مكونات الدولة الاثنينة والعرقية والدينية والمذهبية، كي تستطيع ولو لوقت قصير اخر ان تطيل بعمر تجربتها، تأملاً ان تجد ممراً للخروج من الازمات التي يخلفها وجودها على رأس الهرم السلطوي، وهذا ما يمكن قراءته من المشهد التركي الحالي وفق تداعيات نظرية السقوط ضمن انساق فلسفة التاريخ، ولكن يبقى الواقع امر اخر، يمكن التحكم به سواء داخلياً ام خارجياً، لان الحتمية التاريخية لم تكن فقط الامر الذي حاول فلاسفة التاريخ او يدونه، فالاحتمالية وردت لدى توينبي مثلا القائل ايضا بسقوط الحضارات بعد وصولها للقمة، مع وضع احتمالية النجاة في حال القيام بالاصلاحات الداخلية التي يمكنها ان تقدم الدعم اللازم للوقوف شيئا فشيئاً على الاقدام والتي تعمل على وضع الدواء اللازم لاغلب الامراض التي تفشت داخلياً، وهذا ما يثير السؤال المحير لنا هل ما يفعله اردوغان هو محاولة لاصلاح الداخل المريض المهيمن عليه ضمن الرؤية التاريخية المتعالية، ام ان اردوغان يحاول ان يخفي اخفاقه الاسطوري وراء تلك الستائر المظلمة التي قد تودي به وبالدولة المتعالية ابناء الباب العالي..؟.
تظهر الاشكالية السياسية في تركيا ضمن مسارين اساسيين الاول يدخل في مسار الدكتاتورية الاردوغانية التي برزت كواقع مرئي لايمكن التغافل عنها، والثاني دستورية وهي الاخرى لاتقل اهمية عن الاولى في قراءة المشهد التركي الحالي، فاردوغان الدكتاتوري - داخلياً بنظر المعارضة – خارجياً بنظر اغلب المعارضين لسياسته الدولية والاقليمية والانسانية - حسب الفيئوية الداخلية المؤيدة له بطل قومي يعمل على تصعيد قوة الامة التركية عسكرياً واقتصادياً لجعلها ووفق المنطق التركي المؤيد – حزب العدالة والتنمية - له من كبار دول العالم ، وقد اشار السياسي التركي محمد زاهد غول الى هذا الامر " إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمام مسؤولية بناء تركيا الجديدة عام 2023 لتكون وفق برنامج حزب العدالة والتنمية من الدول الاقتصادية العشر الأولى في العالم.."، ولكن السؤال هل سيقوم بناء تركيا فقط للمؤدين له، ام للامة التركية، وبصورة اكثر دقة، هل سيقوم باقحام الامة التركية في حرب اهلية واخرى خارجية كي يحقق برنامجه الاصلاحي لتركيا قوية...؟ ام ان الامر كله لايعد سوى فصل مسرحي عالمي واردوغان مثل البقية الباقية من رؤساء المنطقة احجار على رقعة الشطرنج الدولي واللوبيات الاقتصادية وجماعات الضغط الدولية..؟ ، ان هذه الاسئلة تجبرنا على الرجوع الى معيات الرؤية التاريخية لمسارات مماثلة اتخذها بعض الاباطرة والملوك والروؤساء والنهايات كانت متشابهة ان لم تكن متكررة ولكن برداءات متنوعة.
وهذا بالتالي ما يجعلنا ننظر الى الاشكالية بشقه الاول على انه يبدو لنا حتمياً فاردوغان ان كان يريد بناء تركيا قوية عليه ان يقويها داخلياً اولاً ويجعل جراحاتها تلتئم ويوقف هذا النزف البشري والاقتصادي معاً كي يتنسى له السير وفق منهجه ومخططه الاستراتيجي القومي الاممي التركي.. وليس وفق تداعيات السلطوية المتفردة الساعية لطمس معالم الحريات ومعالم المعارضة وخلق ممرات للاطاحة بكل من يقف بوجه المخطط، لاسيما ضمن هيكلة الافعال والنتائج ، فبحسب الكثير من المعنين بالشأن التركي ان الانقلاب الذي حصل خلال الاشهر الماضية في تركيا لم يكن الا فصل مسرحي اردوغاني وان بدا واقعياً احياناً كي يقوم بتصفية حساباته الشخصية مع المعارضة من جهة، وكذلك كي يعرف حجم الدعم الجماهيري لمشروعه وكذلك ليمهد الطريق اكثر لتحقيق هدفه الداخلي الاخر الذي يراه بانه الممر الى تحقيق غايته الاسمى بتركيا قوية عالمية.
وهذا ما يثير سؤال اخر .. ما هو الهدف الداخلي الان، بالطبع ليس ازاحة المعارضين دائما بالقوة وزجهم في السجون( اقال داود اوغلو لكونه عارض سياسته – مرر قانون رفع الحصانة عن اعضاء البرلمان الكورد كي يستطيع زجهم في السجن وقتما يشاء - دبر الانقلاب او استغل الانقلاب للفتك بمعارضيه واقصائهم نهائيا من كل المؤسسات الحكومية – زج اليوم 4- 11- 2016 ب " 12 " من اعضاء البرلمان التركي من رئيس واعضاء حزب الشعوب الديمقراطي الكوردي في السجن) ، انما  هدفه الاساسي الان وفي هذه المرحلة بالذات مع تقويص السلطات المؤسساتية واضعاف المعارضة تحقيق الوصاية الدستورية التي يسعى وبكل قوة لتحقيقها عبر تمرير برنامجه حول هذه المسالة في البرلمان التركي الذي مازال منقسما على نفسه، بالطبع ليس اتباع اردوغان انما الاحزاب الاخرى المشاركة في البرلمان، وهذا ما يثير التساؤلات الكثيرة هل سينجح اردوغان الدكتاتوري ان يمرر ذلك القانون الدستوري كي يصبح الحاكم الاوحد دستورياً ويكون الوصي على كل الحكومات التي ستنتخب في تركيا او حتى على الحكومات التي قد تصل الى الحكم بالانقلابات السياسية والعسكرية، وحسب المعطيات التاريخية للرؤية الاردوغانية ان هذا الخلل الدستوري يجب معالجته قبل القيام باية خطوة للحراك التركي نحو القمة والقوة المحلية والدولية.. ويستغل اردوغان دائما مترتبات الانقلاب العسكري 1982 وما استحدث دستوريا وقتهاً حيث مهد ذلك لضعف السلطة الجمهورية داخل تركيا وتسبب بالكثير من المشاكل والازمات للسياسة التركية الداخلية والخارجية مما يعني ضرورة ايجاد حل مناسب وجذري لذلك الخلل، والحل الجذري بنظره هو اقامة الوصاية على الحكومة كي يتجنب ما حدث 2002 حيث قام رئيس الجمهورية وقتها بتعطيل الحكومة، فالخوف من هذا الشرك المؤذي بالنسبة له، تجعله يسعى وبكل قوة ان يحقق غايته في هذا الامر كي تكون انطلاقة له لتحقيق اهدافه الاخرى.. ولكن هل يمكن ان يحقق ذلك وهو الان مصدر ازعاج داخلي للكثير من القوميات الاخرى كالكورد، وكذلك للمعارضين الترك، وكذلك لمجموعة من العسكريين..؟ ، وفي الوقت نفسه هو في صراع دولي مع روسيا من جهة واقليمي مع العراق من جهة اخرى، وضمن الهيئات الدولية هو متعدي ومحتل لاراضي اجنبية، ومشارك بقوة في دعم الارهاب الداعشي والاسلامي في المنطقة، وفي الوقت نفسه يحاول وبكل قوة طمس اية اصوات معارضة داخلياً سياسياً او معارضة عسكرية بالقوة والجبروت العسكري التركي المعروفة..؟.
ان الواقع يشير وبقوة ان الاشكالية الدستورية هي التي خلفت الدكتاتور الحالي ولكن الرؤية العميقة تظهر ان الاشكالية الدستورية هي نتاج فعلي وعملي للاعمال الدكتاتورية الاردوغانية والتي هي السبب في الاجمال بالمشاكل الداخلية والاقليمية للدولة التركية العلية الساعية لتحقيق امجاد الاباء والاجداد حتى وان كان الامر يتطلب المرور على جماجم المكونات والفيئات والقوميات الاخرى داخل المعترك السياسي الجغرافي التركي.. وهذا ما يدعونا الى القول بأن التكهن بنجاح اردوغان في مسعاه يعترضه عائق التاريخ اولاً وعائق الوحدة الداخلية التي يمكنها وحدها ان تقضي على الافات التي تنتشر ضمن هياكل الدولة ثانياً.


100
مابعد تحرير الموصل اراء وتكهنات
جوتيار تمر/ كوردستان
2/11/2016
حين تتغير الثوابت تتبعها المعطيات بالتغيير، وتخلف ورائها كما هائلاً من التساؤلات التي لا يمكن الاجابة عنها الا عبر بعض الاراء المتباينة والتكهنات النابعة من صيرورة انتمائية اما عرقية " اثنينة" قومية او طائفية مذهبية دينية، او حتى بعض الاحتمالات الواردة خارجياً حسب اجندات لاتخدم الا مصالحها التي لن يشك احد بانها المنفذ الاول والاخير لاية ازمة سواء أكانت داخلية أم اقليمية أم دولية، وحين نتأمل الحدث الدرامي العراقي بصورة عامة، والكوردي داخل العام، سنجد كيف ان الثوابت ليست الا واجهات اعلامية تخص مرحلة مؤقتة جداً لحين تحقيق هدف معين بعدها تتم المبادلات المصلحوية وفق المعطيات التي لاتتوقف عند جغرافية واحدة بل تتعداها الى اصوليات لايمكن حتى التنبأ بالماهيات التي قد تفرزها جراء حركتها العمودية والافقية معاً وفي آن واحد، بحيث تجد ان كل المؤشرات تتحرك في وقت واحد وتجد نفسك بين متاهات لاسبيل للخروج منها الا بالاندماج باحدى التيارات التي تخترق بين فينة واخرى تلك المتاهات.
مشكلة الموصل لم تبدأ بداعش ولن تنتهي بانتهاء داعش، هذا الامر كان ولم يزل متداولاً بطريقة لاتخرج عن التصريح بالرأي او التكهن الاجندي، وفي كلتا الحالتين الوضع ليس الا فصل سياسي اثني مذهبي اقليمي دولي محلي لايمكن وضع اللمسة النهائية للختمة الا من خلال المزج بين كل تلك المكونات، وهنا تبدأ المعضلة الكبرى في الامساك بطرف الخيط المؤدي الى المزج، لأنه ليس فقط الكيفية هي العائق انما المكونات نفسها بتنافرها وتناقضها وصراعاتها التاريخية والحالية وحتى الانقسامات داخل الكتل الاثنية والمذهبية هي كلها عائق لوضع اللمسة المناسبة للختمة الفعالة للفصل الجذري في تاريخ المنطقة والمدينة والدولة والاقليم معاً.
لن نخوض بالتفصيل في معيات التاريخ بتصنيفاته القديم والوسيط والحديث، انما سنتوقف عند معالمه المؤثرة على  الحدث المعاصر ان لم نقل الحاضر الاني، حيث ان الموجبات المترتبة على الفواصل التاريخية السالفة الذكر هي معروفة لدى الجميع، سواء ضمن الاستراتيجية الاشورية قديما والان، ام ضمن المنفذ الفرثي الاخميني للوصول الى الفيئات العلوية ذات الوصلة الشامية من جهة، والموجودة في الكثير من المناطق الكوردية في شمال كوردستان، وحتى الى بعض الممرات المؤدية الى الجنوب اللبناني من جهة اخرى، وكذلك الفصل المتعلق باسلمة المنطقة بعد الفتوحات ومن ثم تدشين الخلافات العرقية الاثنية ضمن هياكل متعددة متجوفة في ظاهرها ومتناقضة في باطنها كي تحقق المطلب الرئيسي من الفتوحات باعتبارها اخعصت المتناقضات ضمن هيكلة الدولة المركزية وقتها بالتشريع والفقه الديني، بغض النظر عن الصيرورة والحتمية التي انتفضت بوجهها انذاك سواء بتعرية الثوابت من مقاصدها او من خلال تحوير المركزية الى وصلات طائفية مذهبية( الخليفة – عائشة - الخوارج – السفيانية " معاوية الشام" -  بعد المعارك الداخلية بين الاخوة الاعداء والافرازات التي نمت وارتوت منها وعليها الموجودات – المكونات – الحالية في المنطقة، ومن بعدها التوالي الحدثي التاريخي بسيرورته الحتمية وصيرورته الديناميكية، وتحويل المنطقطة ومن ضمنها الموصل الى ويلايات عثمانية، ومن ثم الافراز التقسيمي الذي وزعت المنطقة بموجبها على اسس لا تنتمي لا الى العرق القومي ولا الى الدين ولا الى المذهب والطائفة، انما على اساس المصلحة الخارجية للقوى العظمى، فكانت كوردستان مثلا من ضحايا تلك المصالح، كل هذه المعطيات ضمن منظومة الفواصل الحدثية التاريخية هنا تجبرنا على التأمل في ماهية وواقعية كل رأي او تكهن قد يصدر من جهة فعلية ورسمية وفعالة او حتى جهة محايدة -مع التحفظ على كلمة  محايدة - او من جهة ثقافية و اكاديمية او شعبية عامة في المنطقة دون العودة الى المعيات التاريخية التي لم تنصف اي تلك الاراء والتكهنات سابقاً وضمن صيرورة حدثية مشابهة تماما، من حيث الاداء المصلحوي لتلك الدول الكبرى التي لم تزل نافذة سواء بالظاهر او الباطن في صنع القرار السياسي والاثني والمذهبي الطائفي ليس لدى طوائف وقوميات بحد ذاتها انما لدى دول تحاول ان تبرز عضلاتها امام شعوبها بانها تتحدى كل الجهات التي تحاول التدخل في الشأن الداخلي مع ان الصور واضحة بأن الشأن الداخلي بنظرهم ليس الا ما تقرره تلك الاجندات الخارجية بل ما تفرضه تلك الاجندات دون حتى ان يكون للشأن الداخلي اية اولوية ضمن صياغاتهم – اي الاجندات الخارجية – اثناء الاقرار  وفرضه وتنفيذه.
على هذا الاساس نجد بأن الرؤية الانية  للموصل والتكهنات لمابعد التحرير لن تتوقف عند التصريحات التي تفرزها الجهات المعنية داخلياً بالشأن الموصلي – حكومة المركز الشيعية – المكونات الاخرى في الموصل من اشوريين وكلدان واثور – من شبك وكاكه يين  وفيلين وتركمان – ومن ثم اقليم كوردستان بصفة خاصة لكون الاقليم الساعي لتحقيق بعض المكاسب في استعادة اراضيه من الواقعة تحت سلطة المركز حدوده متاخمة ملازمة وملاصقة بشكل مباشر لحدود الموصل الجغرافية هذا من جهة، وكذلك التصريحات الاقليمية التي تنبع عن الرؤية المصلحوية الاستباقية التي يحاول كل من الحكومة التركية السنية والحكومة الايرانية الشيعية من تحقيقها في المنطقة عن طريق الموصل نفسها لكونها كما سبق وان اسلفنا سترسم خارطة طريق جديدة للمنطقة باكملها اذا تم لهولاء ما يصبون اليه او اذا استطاع طرف تحقيق مقاصده على حساب الطرف الاخر، وبلاشك التحالفات هنا ستكون الرهان الاصعب في تحقيق تلك المعادلات الصعبة كرأي وتكهن، هذا بالطبع اذا لم تكن الرسومات الجيوبولتيكية السبقية والمقننة ضمن منظومة دولية قد دخلت على الساحة وهي لاتحتاج الا  لوضع نهاية لبعض الافرازات الجانبية التي خلقتها هي نفسها لتحرك الساكن في المنطقة كي تحقق تلك المنظومة هدفها المخطط والذي لايحتاج الى نقاش انما فقط الى تنفيذ ضمن مراحل محددة من قبلها.
هذا الامر بلاشك ربما سيتفق عليه الغالبية حتى بعض الفئات داخل الصراع المابعدي لكونهم مدركين تماما ان حصيلة تلك الرسوم والمخططات كانت نتيجتها ما هو الوضع عليه الان، وهي الافرازات التي خدمت البعض على حساب البعض دون اية اعتراضات وعوائق يمكن ذكرها على انها غيرت شيء من المخطط وقتها، فتركيا خسرت الموصل مثلا والجزء الجنوبي من كوردستان ضمن مخطط سبقي في مقابل مصلحة اقتصادية وسياسية ضمن المنظومة الاكبر، في حين ايران خسرت العراق العربي لعقود متوالية ضمن صفقات متبادلة وعداء اعلامي مرهون بظرفية غير مستقرة، وبالتالي فان تلك المصوغات كانت موجودة وفرضت على الواقع دون حراكات كبيرة ودون اية انتفاضات بدت وكأنها يمكنها ان تغير ملامح الواقع الجيوبولوتيكي، انما فقط كانت حركات لارضاء الذات السلطوية التي تريد ان تبرهن لشعوبها انها رافضة ومتحدية، على انها في الواقع خاضعة لرسوم موضوعة سبقية ونافذة وغير قابلة للنقاش، وهذا بالتالي يجعلنا نرى ونتكهن بأن كل التصريحات وكل التحركات وكل التلميحات وكل الصراعات وكل التيارات وكل الاثنيات والمذاهب والقوميات والاديان كلها معا خاضعة لتلك المنظومة وتنتظر باطنياً القرار النهائي دون ان تعرف ما ستؤول اليها الامور كي تبدأ بتدوير الوضع اما بالقبول والاندماج ضمن الهيكلة والمنظومة السبقية، او ترفض اعلاميا وتحاول ان تعقد المؤتمرات وتناجي الامم المتحدة وتحاول عقد تحالفات اقليمية وربما دولية وربما مذهبية طائفية وربما قومية لترضي في الواقع شعوبها وكي تبرهن على رفضها لكنها في الباطن ستؤمن كما فعلت من قبل بالحتمية التي هي القاعدة الابرز في التكتيك السياسي العسكري المنظم.
لذا فقط نريد من الساسة والحكومات والجهات المشاركة في الملحمة الموصلية على ان تركز على امرين لاثالث لهما، الاول: الحد من الدمار البشري ومحاولة البت في الماهيات التي ستؤمن الحياة للفارين والعائدين قبل وبعد التحرير الى المدينة كي يتجنبوا كارثة انسانية وشيكة وعلى المحك.. وثانياً: الكف عن استغلال الشعوب وزجها في معارك لاتخدم حتى كرسيهم السلطوي والبت في وضع مسار اكثر  اماناً واستقراراً في المنطقة.. لان الانسان في هذه الدائرة الملغومة لم يعد ينظر الى الغد كامر مهم انما فقط اصبح ينظر الى النَفس التاني الذي يلي ما يزفره الان كي يؤرخ لحظة حياة اخرى لنفسه.

101
الدافعية (Motivation  ) واثره على المتعلم في اقليم كوردستان
جوتيار تمر/ كوردستان
تشكل الدافعية اهمية خاصة لجميع العاملين في العملية التربوية من طلبة ومعلمين ومرشدين ومديرين وكل من له علاقة بالعملية التعليمية، وقد لاقت الدراسات الحديثة حول الدافعية اهتماما وقبولاَ واضحاً لدى المختصين بالشؤون التربوية والتعليمية بشكل خاص، وعامة الناس بشكل اخر، كما تم تخصيص الكثير من الدراسات الاكاديمية والعلمية حول الدافعية سعياً من الباحثين والعاملين في هذا المجال الوصول الى نتائج تساعد على تطوير الملكات الخاصة بالميقيمين على السلك التربوي التعليمي من جهة وذلك لكسب المزيد من الخبرات اللازمة لتطوير العملية التربوية والتعليمية وكذلك لمعرفة الميول والدوافع الخاصة بالطلبة وتسخيرها من اجل اكسابها المزيد من الخبرات التعليمية، ومن جهة اخرى تعمل هذه النتائج على ايجاء افضل الوسائل التي يمكن اتباعها لاستمرارية النهج التربوي ولاستكمال العملية التعليمية.
    ومما لاشك فيه ان عملية التعلم تخضع لمجموعة  من الشروط و العوامل  بعضها يتعلق بالنواحي  الداخلية للمتعلم وبعضها الأخر يرتبط بالعوامل الخارجية  التي تؤثر على المتعلم في  الموقف التعليمي ، ولهذا فان عملية  التعلم وخاصة في المستوى الإنساني تخضع لعديد من الشروط المميزة والتي تؤثر بشكل فعال على سلوك الفرد، وتعتبر الدافعية من الشروط الأساسية التي يتوقف عليها تحقيق الهدف من  عملية التعلم في أي مجال من مجالاته المتعددة ، سواء في  تعلم أساليب وطرق التفكير ، أو تكوين  الاتجاهات والقيم أو تعديل بعضها أو تحصيل المعلومات والتفكير أو تكوين الاتجاهات والقيم أو تعديل  بعضها أو تحصيل المعلومات والمعارف أو في حل المشكلات والتي تعد جميعها أساليب السلوك التي تخضع لعوامل التدريب والممارسة.
كما ينظر الى الدافعية على انها المحركات التي تقف وراء سلوك الانسان والحيوان على حد سواء، فهناك سبب او عدة اسباب وراء كل سلوك، وهذه الاسباب ترتبط بحالة الكائن الحي الداخلية عند حدوث السلوك من جهة، وبمثيرات البيئة الخارجية من جهة اخرى، وهذا يعني اننا لانستطيع ان نتنبأ بما يمكن ان يقوم به الفرد في كل موقف من المواقف من خلال معرفة منبهات البيئة وحدها، اذ لابد من معرفة الحالة الداخلية ايضاً.. ولهذا نجد بأن البعض يعرف الدافعية على انها حالة داخلية في الفرد تستثير سلوكه وتعمل على استمرار هذا السلوك وتوجيهه نحو هدف معين ، وهي ضرورة أساسية لحدوث التعلم , وبدونها لا يحدث التعلم فهي تعمل على  تنشيط السلوك وتوجيهه وتثبيته او تعديله، وبمعنى اخر  ينظر الى الدافعية على انها المحركات التي تقف وراء السلوك البشري في مختلف مجالات الحياة والذي يسبب الاندفاع نحو هدف محدد.
وعلى هذا الاساس فان للدافعية وظائف متعددة يمكن تلخيص بعضها كي نستطيع الوقوف على المؤشرات الخاصة بالدافعية بصورة اعمق، فمن اهم تلك الوظائف هي تزويد السلوك بالطاقة المحركة باعتبار ان الدوافع تطلق الطاقة وتثير النشاط حيث تتعاون المثيرات والحوافز  الخارجية مع الدوافع الداخلية على استثارت وتحريك السلوك وتوجهيه نحو الفرد، وكذلك تعمل الدافعية على تحديد النشاط واختياره، لان الدوافع والحوافز تجعل الفرد يستجيب لموضوغات ومواقف معينة ويهمل غيرها كما تحدد الطريقة والاسلوب الذي يستجيب بها الفرد لتلك المواقف والموضوعات، ومن الوظائف الاخرى للدوافع توجيه السلوك او النشاط، فالطاقة التي يطلقها الدافع او الحافز داخل الكائن الحي لا تجدي شيئا الا اذا تحرك السلوك باتجاه الهدف لتحقيق تلبية الحاجة وازالة التوتر واشباع الدافع.
من خلال الاستقراء الدلالي للمصوغات التعريفية حول الدافعية ووظائفها واسقطاها على الواقع في اقليم كوردستان يمكننا ان نقف على الملامح التي يتشكل منها المؤثرات الداخلية والخارجية معاً لسلوك المتعلم بشكل خاص، على انه لايمكن في الظروف الحالية التي يمر بها الاقليم فصل تلك المؤثرات عن بعضها لكونها تكاملية تناظرية تعمل كل واحدة منها بشكل واخر على ابراز الملامح الرئيسية للسلوكيات الفردية والجمعية، فبسبب الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية غير المستقرة التي يمر بها الاقليم يعيش الفرد والمتعلم حالة من المواقف المتناقضة حول اغلب المسائل الحياتية، ولم يستثنى من تلك التناقضات المجال التربوي التعليمي الذي يعيش هو الاخر حالة من اللااستقرار المنهجي الذي يتغير من فترة الى اخرى دون ايجاد رؤية توحيدية لا على المستوى المواضيع المقررة ولا على مستوى اللغة " اللهجة " الموحدة من جهة، وغياب الرؤية التربوية التعلمية الاكاديمية ذات البعد الزمني المبرمج والمخطط من جهة اخرى، بحيث يمكن للاقليم جني ثمارها ولو بعد حين، فكل تغيير سياسي يصاحبه تغيير منهجي خططي برمجي في اروقة التعلم والتعليم والتربية، ومن ثم ان اللااستقرار الحركي المتعلق  بالزمنية او بدء الموسم الدراسي في الاقليم بشكل منضبط ومستقر من جهة اخرى يضع الشؤون التربوية التعلمية هي الاخرى على المحك، وذلك بسبب الاوضاع العامة سواء على الصعيد الداخلي للاقليم او الداخلي للحكومة الاتحادية او على الصعيد الاقليمي والدولي، فالحرب الدائرة في المنطقة منذ سنوات اثرت بشكل كبير على الاستقرار بكل الاصعدة الحياتية وكما سبق وان اسلفنا لم يستثنى الصعيد التربوي التعليمي منه.
ومن يدقق النظر في حالة اللا استقرار المتعلقة بالزمنية الدراسية سيجد انه قبل سنتين مثلاً اغلب المدراس في الاقليم كانت ممتلئة بالنازحين مما شكل تأخيراً جبرياً للبدء بالموسم الدراسي وكذلك في الموسمين التاليين وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الاقليم وعدم دفع المستحقات المالية للمعلمين والمدرسين سواء في المدارس او في الجامعات والمعاهد ظهرت اشكالية اخرى والتي تمثلت بقيام الكثير من المدارس بغلق ابوابها امام المتعلمين بعد ان رفض التدريسيين البدء بالدوام الا بعد اخذ مسحقاتهم المالية وبالتالي ادى ذلك ايضا على جملة تأثيرات سلوكية سواء للمتعلمين ام للقائمين على العملية التربوية، ومن ثم اثرت بشكل واضح على الدافعية لدى المتعلم والجماعات التدريسية والتربوية والمتخصصة بالشأن التعليمي.
ولان للسلوك علاقة مباشرة ووطيدة بالدافعية من حيث القدرة والظروف فان المحصلات وراء هذه الاوضاع المتردية واللامستقرة خلقت تراخياً واضحاً في جميع المجالات التربوية والتعليمية وبمعنى اخرى حتى لو توافرت قدرات عالية للمتعلمين، وكانت ظروف التعلم مواتية لهم، فانها لن تؤثر على السلوك ما لم يتوافر قدر من الدافعية، ولذا فان مثل هذه الظروف التعجيزية التي يمر بها الاقليم خلقت ضغطاً غير مستحباً على الدافعية لدى غالبية المتعلمين والمعلمين والتربويين، مما اثرت بالتالي على القدرات العالية ايضاً.
ويمكن الوقوف على المعطيات التي تجعلنا نؤمن بغياب الدافعية لدى المتعلم في الاقليم عبر عدة مشاكل تربوية تعليمية تتكرر وبشكل متفاوت في اغلب المدارس ويمكن ملاحظتها من قبل التدريسيين او حتى المتابعين للعملية التربوية التعليمية، فالمتعلم بشكل عام ونسبي في الوقت نفسه، يعيش حالة من التشتت الذهني بسبب المؤثرات الداخلية والخارجية معاً، وهذا ما يؤدي بالتالي الى قيامه بالانشغال باغراض الاخرين، ويعتبر هذا السلوك ايضا من مشكلات غياب الدافعية، وهذا السلوك  لايؤثر عليه فحسب بل يتعداه الى اثارة المشكلات داخل الحصة الدراسية مما يؤثر على الاخرين، وحصيلة هذه السلوكيات نسيان الواجبات واهمال حلها، ونسيان كل ما يتعلق بالتعلم الصفي من مواد ومتطلبات من كتب واقلام ودفاتر، وتدني – اذا لم يكن انعدام – المثابرة في انهاء او حتى البدء بحل الواجبات ، واهمال الالتزام بالتعليمات والقوانين الخاصة بالمدرسة، وكثرت الغيابات وكره المدرسة وكثرة التذمر والتأخر في الوصول الى المدرسة والتسرب منها في احيان كثيرة، وبالتالي الفشل والتأخر التحصيلي.. والعديد من الامور الاخرى التي يمكن الوقوف عليها ولو بشكل نسبي متفاوت من مدرسة الى اخرى، الا انها اجمالا تعد ابرز الملامح المثارة ضمن الموضوعات التي يناقشها اصحاب الشأن التخصصي التعليمي التربوي في الاقليم، من مدراء ومعلمين ومدرسين ومشرفين واخصائيين.
وهذا ما يجعلنا ننظر الى الموضوع من خلال تأمل اعمق  لابرز المشاكل التي اثرت على الدافعية والسلوك معاً  فبالاضافة الى ما تم ذكره سابقاً ، يعد تلاشي القيم السلوكية التحفيزية التي سرعان ما خضعت للواقع العياني وابتعدت عن مداراتها ومسالكها مما اصبحت تشكل عبء على العملية التربوية باكملها،من الاسباب المؤثرة جدا على انعدام الدافعية، فحين تنقطع الاواصر بين الفيئات التعليمية والمجموعات التخصصية بسبب المؤثرات الداخلية والخارجية معاً فانها بذلك تحدث شرخاً واضحاً في الرؤية التربوية والتعليمية على حد سواء، وبالتالي فانها تتعدى الرؤية القائمة على القيمة الدافعية التي من خلالها يتم تنشيط دافعية الفرد حتى يقبل ممارسة سلوك الموضوع المراد تعلمه، ومن ثم تنشيط دافعية الفرد حتى يواصل تعلم الموضوعات التالية للموضوع الذي تم تعمله، وحين تغيب هذه القيم التعليمية او لنقل الخصائص التي تتميز بها الدافعية كعملية تبدأ بالتحفيز والنشاط وتنتهي بتحقيق الهدف فانها تؤثر بشكل كبير على العملية التربوية والتعليمية معاً وتسبب تأخراً لكل المعطيات التلازمية لهذه العملية، باعتبارها لاتحقق هدفها في استثارة الكائن الحي، مما يعني عدم استثارة سلوك الفرد للبحث عن الهدف، ومن ثم تحقيق الهدف لن يكون من الاولويات الوجودية لديه، واخيراً الامر سيؤدي الى اختزال حالة الاستثارة والتي لايمكن التنبأ بالزمنية التي قد تنفجر فيها او انها ستؤدي الى اثار سلبية جانبية على سلوك الفرد باعتبار ان التراكمات والكبت يؤثران كثيرا سلباً على السلوك.
ووفق هذه المعطيات التلازمية للمؤثرات الداخلية والخارجية على الدافعية، يمكن التوصل الى بعض الاستنتاجات التي قد تساهم بشكل ايجابي لتحفيز المتعلم على الاندماج في العملية التربوية التعليمية وذلك عبر اتباع المعلمين والتدريسيين بعض الارشادات التي تؤدي الى زيادة دافعية المتعلم.. بغض النظر عن ان الاسرة ايضاً لها تأثير كبير على هذه العملية الا ان الاساليب التي من الضروري ان يتبعها المقيمين على عملية التعلم هي في النهاية التي يمكنها ان تغير مسار حياة المتعلم لاسيما فيما يتعلق بزيادة ثقته بنفسه ومحاربة المؤثرات الداخلية والخارجية التي تزعزع هذه الثقة والتي بدورها تقوم بتثبيط تقدير المتعلم لنفسه ومن ثم تؤدي الى دافعيته للتعلم، فتعريف المتعلمين بالأهداف السلوكية للموضوعات الدراسية التي يتم تناولها، ومستويات التمكن المطلوب منهم الوصول إليها عقب الدراسة تعطي للمتعلم مساحة محددة يمكنه من خلالها الاعتماد على بعض التوقعات والمخططات الخاصة به بعيداً عن العملية التعليمية اي انه يستطيع ان يثابر للوصول الى المستوى المحدد ومن ثم ينطلق الى اموره الاخرى، لاسيما حين يقوم القائم على التعليم بربط محتوى المناهج الدراسية ببيئة المتعلم والتأكيد على أهمية الموضوعات في حياتهم بحيث تصبح المعلومات والمهارات المستهدفة وظيفية في حياة المتعلم بالاضافة الى استخدم أساليب تدريسية تساهم في زيادة دافعية المتعلم للتعلم كأساليب تفريد التعليم، والتعلم الكشفي الموجه، وتوظيف أجهزة الحاسوب في التعليم وكذلك توظيف الموجودات الاخرى الفعالة ضمن دائرة حياته ، ومساعدته على التعلم من خلال العمل و اللعب المنظم فذلك يثير دافعية المتعلم ويحفزه على التعلم ما دام يشارك فعلياً بالنشاطات التي تؤدي إلى التعلم، واستخدام أساليب تقويمية تؤدي إلى تصويب وتطوير أداء المتعلمين لا التخويف والتهديد بحيث يتم تحفيزهم للتنافس والتنافسية في  مثل هذه الظروف تعد من العوامل الايجابية التي تجعل المتعلم يقدم افضل ما لديه،ويمكن خلق هذه الاجواء التنافسية بمعايير صادقة بعيداً الغش والانحياز  وهذا ما يجعل المربي قدوة للمتعلمين بالصبر والجد والإخلاص في الوقت نفسه، مما يساعده بالتالي الى التقرب للمتعلمين والتفاعل معهم والاهتمام بتعليمهم  وتحبيبهم في المعلم، فالمتعلم يحب المادة وتزداد دافعيته لتعلمها إذا أحب معلمها ويمكن وقتها للمعلم ان يقوم بتعويدهم على أن يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم وأن يشاركوا في تحمل المسئولية ويدربهم على ذلك. لاسيما اذا استطاع من ان يمنحهم الفرصة للتعبير عن مشاعرهم التي تتعلق بتعلمهم أو نشاطاتهم أو علاقاتهم داخل المدرسة حيث ذلك يساعدهم على مقاومة المشتتات لتحسين مستوى تركيزهم وزيادة مدى انتباههم وهذا يؤدي إلى مزيد من المثابرة وبذل الجهد لتحقيق نتائج دراسية أفضل وبذلك تتحسن دافعيته ويرتقي مستوى إنجاز وبلاشك هذه العمليات التربوية التحفيزية والتعليمية لتحسين الدافعية لدى المتعلم لاتتم بصورة متكاملة الا اذا تعاون المقيمين على العملية التربوية التعليمية مع اولياء امور المتعلمين وبصورة مباشرة لأطلاعهم من تقارير يومية وأسبوعية على اداء المتعلم.
قائمة المــــراجع
1-   احمد دوقة، واقع لدافعية المدرسية واستراتيجيات التعلم، ديوان المطبوعات الجامعية، د/ط.
2-   آمال ابو حطب، صادق فؤاد ، علم النفس التربوي، مكتبة الانجلو المصرية،ط2 ( القاهرة:1994).
3-   د . صالح محمد علي ابو جادو، علم النفس التربوي، دار المسيرة، ط6 (عمان:2006).
4-   رجاء ابو علام، علم النفس التربوي، دار القلم للنشر والتوزيع ( الكويت: 1986).
5-   محمد خير عرقسوس، واخرون ، التعلم نفسياً وتربوياً ، دار اللوائ للنشر والتوزيع (الرياض:1983).
6-   محمد محمود الحيلة، التصميم التعليمي، نظرية وممارسة، دار المسيرة (عمان:1999).
7-   محي الدين حسن،دراسات في الدافعية والدوافع، دار المعارف(القاهرة:1988).
8-   موريس فايز بقلة، الاستراتيجيات التي يستخدمها المدرسون في التعامل مع المشكلات الصفية وعلاقتها بجنس المعلم وادراكه لدوره التدريبي، رسالة ماجستير غير منشورة، عمان، الجامعة الاردنية.
9-   نجاح احمد، العاومل الممؤثرة على تنمية الدافعية لدى الطلبة في المدارس الاساسية في منطقة عمال الكبرى، رسالة ماجستير غير منشورة، عمان، الجامعة الاردنية.
10-   وصفي عصفور، تطبيقات وممارسات صفية على مبادئ التعلم، معهد التربية الاونرا/ اليونسكو( عمان:1996).


102
أدب / البيشمركة
« في: 23:14 28/10/2016  »

البيشمركة


جوتيار تمر/



هنا بين أنين الموت
 وصدى الأودية
جبال تحصي الشموخ
 هنا فجيعة تتكرر
وأرصفة تسقط في خطى القهر
هنا تنحني لكم السّماء
وأنتم تنشرون موسيقى دماءكم
لتوزعوا فوق الأرض نجوما
من سلالتكم ...
أنا لا أرثيكم ....
إنما ألقي سلامي عليكم وأنحني
هم الغزاة العابرون
 من ظلام التاريخ والديانات
هم صعاليك الغدر والخراب
 يهيمون بين رصاص تراقصه أنامل الأحرار
لوثوا الأرض ونبض الوليد
 هكذا أنتم...
 تفتحون النوافذ لشمس الحلم
 لوطن ترابه نبيذ ...
تحت سقوف البيوت المضيئة
تعلنون الانتصار ....
وتعيدون للطفولة بسمتتها


 كوردستان

103
دار الكفر ودار الخليفة
جوتيار تمر/ كوردستان
21/10/2016
تتباين الرؤية حول المسميات التي يطلقها اغلب التيارات الدينية  - الاسلامية – على الاخر الذي لاينتمي اليها، سواء أكانت تلك التيارات معتدلة ظاهرياً ام هي باطنيا وظاهرياً متشددة – ارهابية - ، ومن خلال تلك التسميات يمكن النظر الى جوهر العقيدة التي تتبناها تلك التيارات بالاخص التي مع الفكر تستخدم السلاح والقوة والترهيب كي تثبت وجودها من جهة، وكي تقيم حدود ما تؤمن به من جهة اخرى، ولعل اثبات الوجود لايحتاج الى الكثير من الجهد في هذا الوقت لاسيما ان العنصر الميديائي بكل فروعه وتخصصاته يخدم وجود غير الطبيعي على الخراب المسمى الارض، فضلاً عن كون هذا العنصر  لا عقيدة له كما يظهر للجميع ولا انتماء له الا للمال والاقتصاد وكسب المشاهدة الاعلى ضمن هيكلة مدعومة من اللوبيات وجماعات الضغط العالمية التي لاتتوانى على فعل اي شيء من اجل تحقيق مصالحها ومكاسبها ولو على حساب الاخر الذي هو في الاصل بنظره وسيلة لتحقيق المزيد والافضل.
اذا فاثبات الوجود لم يعد مشكلة حقيقية لهذه التيارات العنفية فبمجرد ان يفجر احدهم في سوق او في شارع او في مكان ترفيهي او حتى مدرسة ومسجد وكنيسة حتى تجد المئات من القنوات الاعلامية تقوم بتغطية شاملة لكل شاردة وواردة ضمن سياق الحدث مع تحليلات تضيف الى الحدث المزيد من التكهنات والتخوفات والتهويلات، وبالتالي يصبح الشخص الذي قام بتلك العملية نجم الشباك الاول خلال تلك الفترة وبالطبع مع الجهة التي تتبنى العملية.. وبالتالي تعلن تلك التيارات بشكل رسمي ومعتمد لدى الاجهزة الامنية والاستخباراتية والمدنية والدولية نفسها كتيار ارهابي موجود.
وحين يتم لها ذلك بوضوح تام ومؤكد وغير قابل للنقض والنقاش والتكهن تبدأ المرحلة الاهم في تاريخ تلك التيارات الارهابية وهي مرحلة التبشير بما تؤمن به.. اي اعتماد النهج العقائدي الذي تعتمده في ادارة شؤونها وتعاملاتها الداخلية والخارجية وفق منطق الأنا والاخر، بحيث تصبح ألأنا هي القاعدة الاساس لكل انطلاقة والاخر هو الهدف، وبذلك تحاول ان تجعل من الاخر اما على طريقته ونهجه وعقيدته او يتحول الاخر الى الضد، وحين يتحول الاخر الى الضد فهذا يعني ضرورة التعامل معه وفق المعتقدات السائدة او التشريعات التي يؤمن بها، وهذا يعني العودة الى النصوص الاصلية التي تفسر التعاملات هذه وفق قواعدها وايديولوجيتها، وحين يتعمق في الماورائيات يجد بالطبع الكثير من التساؤلات والتأويلات والاحداث التلازمية الترافقية تاريخياً كي يتخد من احد تلك المسالك ممراً له لتحقيق غايته التشريعية او لنقل اقامة الحد وفق منطق التشريع والفقه، واقامة الحد بالتالي توجب عليه اتباع وسائل معينة يمكن تطوريها حسب الوقت والعصر دون المس في الثوابت كما هو معلن لديهم، وهنا يأتي دور ايجاد مصطلح فقهي يناسب الحدث والقضية، وبالطبع لن يخفى على احد دور دعاة الفتنة والتعصب الديني والتزمت الفقهي وانكار الاخر بل اتباع قاعدة الاستقصاء التي تتبناها اغلب هذه التيارات من اجل تحقيق مآربها وغاياتها، وهذا يعني التصريح بتكفير الاخر، وبالتالي يتحول الاخر من الهدف التبشيري الدعوي الى هدف اخر يجب اقصائه لكونه عائق ومنحرف عن الطريق القويم.
ومما لاشك فيه انه ليس هناك ما هو اسهل لهذه للتيارات ان تطلق على الاخر بانه كافر، والكافر ضمن تشريعات وآيات السيف التي يتخدها هولاء كدرع وقائي تشريعي تبيح لهم ابادتهم وقتلهم.. ولانهم يتطورون فقط في الوسائل الاستقصائية وليس في المسائل العقيدية فانهم يسخرون كل طاقاتهم التفخيخية والتفجيرية والانتحارية والتشويهية والغوغائية من اجل الوصول الى مبتغاهم..دون الاخذ بنظر الاعتبار اية احكام تشبيهية او اية اراء تحرم قتل الطفل او الشيخ وتحرم اغتصاب الفتيات والنساء وتحرم بيعهن في اسواق النخاسة.. لانهم باختصار يعيشون في دار الكفر.. ولاينتمون الى دار التيار ذاك – دار الخليفة – او دار الامامة.
وحين ننظر الى اسباب تحويل البيئات التي يقطنها الاخرون الى دار للكفر فاننا سنجد بعض التبريرات التي لاتتوافق مع العقل اولاً ولا مع اي منطق ايماني اخر، لكون احدى اهم الاسباب التي تحول الاخر الى دار كفر كونه يعيش تحت ظل الحكومات التي تتعامل بدورها مع الحكومات غير الاسلامية اي غير التي تقيم شرائع وحدود الله على الخراب الارضي.. وهنا تكمن الغرابة في التصور الديني لهولاء، وكذلك الغرابة في الكيفيات التي ينظرون بها الى الاخرين، لانه ببساطة ليست هناك اية حكومة تقيم شرائع وحدود الله حسب رؤيتهم ومعتقدهم، ومما يعني حتى الحكومات التي هي في دساتيرها قد اقرت بان الدين هو التشريع الاساس لكل المعاملات ولكل التعاملات الداخلية والخارجية هي بنظرها كافرة خارجة ولاتقيم حدود الله.. لانها تتعامل مع حكومات اخرى كافرة لاتدين بدين هولاء.. وهنا المنطق اللاواعي منهم يجعلنا نؤمن على انهم فقط يبحثون عن مبرر يمكنهم به اتهام الاخرين الخارجين عن ملتهم بالكفر.. وهذا هو منطق الاسقتصاء الفعال ضمن منظومات الارهاب الحالية.
لان النظرة القائمة لدى هولاء لاتتجاوز الملة او الانتماء التياري، فحتى التيارات الاخرى تحمل نفس الراية ونفس الغاية ونفس الهدف طالما لاتدين للخليفة بالولاء فهي كافرة بنظرهم ويجوز قتلهم وسبي نسائهم ويحلل اموالهم وديارهم لانها دار كفر في كل الاحوال.. ولاشك ان من يقرأ لهولاء ويشاهد افعالهم سيدرك تماماً انهم لايملكون اية مقومات وجودية للبقاء طويلاً بل هي في الغالب تيارات زائلة وان ظهرت في كل فترة بمسميات مختلفة لكن لايمكن لها البقاء كمنظومة " دولة " طويلاً ليس لكونها قائمة على العنف والاستقصاء فقط، انما لانها لاتعتمد على الرؤية الشمولية في التعاملات مع الاخرين، فاية حكومة دينية قائمة خارج حدودها تتبنى فقه المعاملات وفق حاجاتها لسد الفراغات التي يتسببها النواقص الداخلية سواء أكانت خامة او مواد اولية او حتى العملة والى غير ذلك من الحاجات الاخرى، اذا فهي تتعامل مع الحكومات الاخرى لانها لاتمتلك المقومات الداخلية الاساسية التي تجعلها توفر الامن والاستقرار والغذاء والمال والدواء بشكل يتناسب وحجم سكانها، ومما يعني ان تعاملاتها الخارجية مع الاخرين هي تعاملات على اسس المصلحة المتبادلة، وهذه المصلحة المتبادلة هي التي تبقي على افرادها يعيشون ويستمرون في حياتهم اليومية دون قلق على القوت.. واي قطع لهذه التعاملات يعني تجويع الناس.. ومن ينظر الى حجم التعاملات او لنقل السلع التعاملية بين الحكومات في الدول الاسلامية بصورة خاصة وبين الدول الاخرى التي لاتدين بالاسلام سنجدها تعاملات اقتصادية بحتة بالدرجة الاساس.. ولكن هذا لايشفع لها بان تبقى ضمن منظومة الاسلام بنظر التيارات الارهابية بالعكس تماما فهي طالما تتعامل مع تلك الدول فهي تقويها اقتصاديا وتجعلها متحكمة ومتجبرة والى غير ذلك من المصطلحات الشعاراتية والفقهية التي تتبناها هذه التيارات.. اذا فهي لاتقيم حدود الله وما يعني جواز استقصائها ومحاربتها.
في المقابل سنجد بان تلك التيارات حين تريد شراء شيء نجدها تلجأ الى البضاعة الاجنبية لانها اصلا جماعات استهلاكية غير منتجة، او بالاحرى هي لاتعرف الانتاجية الا  من خلال الفتك والقتل والسبي وانتهاك الحرمات وهذا جُلَّ ما تنتجه، ولكونها استهلاكية فهي تشتري ملابسها الداخلية من هذه الدول وهي تشتري قوتها من هذه الدول وهي تشتري ساعاتها من هذه الدول وهي تشتري اسلحتها او المواد الاولية لمتفجراتها من هذه الدول وتتبع التقنيات التي طورتها هذه الدول وتستخدم الاجهزة التي صنعتها هذه الدول وحتى الوسائل الاعلامية" قنوات فضائية – انترنيت – تويتر – وكل المواقع الاخرى سواء مواقع التواصل الاجتماعي او القنوات الاعلامية الاخرى "  التي تستخدمها للترويج عن مقاصدها هي من صنع تلك الدول – دار الكفر – ومع ذلك تنفي عن نفسها التعامل المباشر معها، وتتهم الحكومات الاسلامية بانها تتعامل مع دول كافرة.. وكأن التعامل الاقتصادي الذي يفتح المجال امام الدول الاسلامية كي تبرز وتقف على اقدامها وتمنح لسكانها الرخاء والامن الغذائي هي امور محرمة ولاتجوز وفق منطقها، ولكن ان يقوموا بشراء كل شيء اجنبي امر مباح.. انها بلاشك لعنة التناقضات ولعنة الاقصاء التي تتبناها هذه التيارات الارهابية الدينية وبدون ان يكون لها اية حجة شرعية فقهية نابعة من الاصوليات الصحيحة للدين، لانها اذا وجدت في الدين تلك الاقرارات التشريعية فبلاشك سيكون ذلك الدين وقتي زائل غير ملائم لمواكبة التطورات الحياتية والتعاملية والاقتصادية وحتى السياسية التي يفرضها الواقع بكل مستوياته.
من هنا كان لابد من الوقوف بدقة وبدون اية تعقيدات فقهية ولغوية واصطلاحية ولا حتى اعلامية على ماهية الرؤية التي تتبناها هذه الجماعات الارهابية فيما يخص الاخر بالاخص في قضايا تمس الوجود الانساني داخل المجتمعات الاسلامية نفسها التي لديها حكومات تقر بالاسلام كدين اساسي في التشريعات ولكنها في الوقت نفسه تحاول جهدها من اجل اكساب بلادها القوة الاقتصادية اللازمة للبقاء من خلال تعاملاتها مع الاخرين وفق منطق الربح والمصلحة المتبادلة، ومع ذلك فانها حكومات تبقى بنظر التيارات الاسلامية الارهابية مقيمة في دار الكفر لانها كما سبق وان اسلفنا لاتؤمن بدار الخليفة الذي يسمح له ما لايسمح لغيره.. لذا يستوجب على اتباع الخليفة ان يقوموا بمحاربة الفيئة الباغية الخارجة عن طوع الخليفة والشرع وهنا يتم استباحة دم من كان مسلماً مقيماً في دار الكفر او غير مسلم مقيم في دولته.. وحين تتبنى جماعة ما هذا الفكر فانها بلاشك ستبيح لنفسها اتباع كل السبل وتسخير كل الوسائل " ابادة جماعية – مقابر جماعية – قطع الرؤوس – حرق الاسرى – اغتصاب الفتيات  والنساء وبيعهن في اسواق النخاسة – التفجيرات والمفخخات في الاماكن العامة والاسواق – استغلال الاطفال عسكرياً من اجل القيام بعمليات انتحارية – اشاعة الفوضى – السيطرة على الاماكن- الاتجار بالدين – والى غير ذلك من الاعمال الوحشية التي يقمون بها ..."  من اجل تحقيق غاياتهم الاستقصائية والتي هي الاصل المحرك لكل فعل ارهابي من قبل هذه الجماعات.

104
ارهاب داعشي ام داعش ارهابي
جوتيار تمر/ كوردستان
17/10/2016
تثير المقولات الفلسفية غالباً الكثير من التساؤلات حول الماهيات والموجودات، وحول العديد من القضايا الاخرى التي تتعلق غالباً بقضية انسنة الانسان، والتداعيات التي رافقت تطور الفكر الانساني منذ البدء الى وقتنا الحالي، وتظهر بين الفينة والاخرى بعض المصطلحات المثيرة للجدل في ذاتها، لكونها تسلط الضوء بشكل مكثف على الواقع البشري وما آل اليه من انحرافات وتوهيمات ادت الى خراب الخراب الارضي بشكل لايمكن التغاضي عنه، او تبريره بأي فعل او رؤية او حتى تفصيل ايديولوجي حر او ديني مقيد.
تتناول الافكار البشرية هذه المصطلحات بشكل اما تداولي نقلي غير مفهوم وواعي، او تحوله الى اشكاليات وجودية تبعث في كينونتها الكثير من التيارات والتي غالباً من تنجب التطرف بشكله الارهابي، ومن هذا المنطلق كان لابد ان نحاول تسليط الضوء على ماهية الارهاب كمصطلح اصبح يشكل جزء من الحراك البشري الاصولي في كل اصقاع العالم،  حيث يقول د. حنا عيسى حول هذا الموضوع "تعد ظاهرة الإرهاب من مظاهر العنف الذي تفشى في المجتمعات الدولية، فمنذ أوائل السبعينات من القرن الماضي وكلمة “الإرهاب” ومشتقاتها من أمثال "إرهابي" و "لإرهاب المضاد" وغيرها قد غزت بالفعل أدبيات جميع فروع العلوم الاجتماعية. حيث أضحى مصطلح "الإرهاب" من أكثر الاصطلاحات شيوعاً في العالم، في وقت تزداد فيه نسبة الجريمة ارتفاعا وأشكالها تنوعاً؛ وأصبح الإرهاب واقعاً مقلقاً ومزعجاً. فالمؤلفون في ميادين علم النفس، وعلم الإجرام وعلم الاجتماع، والفكر الديني…إلخ، انكبوا على دراسة هذا الموضوع أكثر من أي ظاهرة اجتماعية – سياسية أخرى في عصرنا.."، وما يقلق اكثر هو  ان الحراك الارهابي اصبح ذا تأثير فعال على الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وحتى العسكري في العديد من الدول بدرجة اصبح الارهاب يشكل خطراً على الوجود البشري " الانساني " من حيث تسربه الى جميع المؤسسات وتحايله على نفسه وعلى الاخرين بصورة اصبح يمارس الارهاب بشكل مقنن وتحت انظار الدولة.
وهذا بالضبط ما جعلنا ان نثير السؤال المقلق " ارهاب داعشي ام داعش ارهابي..؟" و السبب في اتخاذ داعش كنموذج تحليلي وتطبيقي للسؤال هذا، هو بالطبع لكون داعش الان يمثل ذروة الفكر الارهابي الاصطلاحي من جهة، وذروة الارهاب العملي الفعلي من جهة اخرى، لذا فاننا حين نتحدث عن داعش ونحاول تحليل ماهية الارهاب لديه سواء أكان الارهاب مطلق في فكره، او كون الارهاب جزء من تكوينه فاننا بذلك نسلط الضوء على اغلب التيارات الدينية الاصولية ذات الاليات الفكرية والمذاهب المختلفة والمتعارضة من حيث الاطروحات الايديولوجية والشعارات السياسية، والمتفقة من حيث المنطق الضمني كما يتجسد ذلك كما يقول المفكر علي حرب " في عبادة الاصل وخرافة المماهاة واحادية التفكير ونفي الوقائع واستراتيجية الاقصاء للاخر.." وبالطبع على الرغم من ان لها منابع تشابهية من حيث المنشأ " الاديان " .. وما نقصده بالسؤال هو تفكيك مقولة " ارهاب داعشي ام داعش ارهابي" ومحاولة فك الطلاسم التلازمية لظهور التسمية وتطوره الايديولوجي، ومن ثم تتبع ماهية الوسائل التي يتبعها اتباع هذا الفكر سواء في الدعوة الى معتقداته او في التعامل مع اللامنتمين اليه، وهذا بالضبط ما سيجعلنا نرى الماورائيات التلازمية للفكر الارهابي الداعشي، ولاغلب التيارات الدينية التي تتبنى نفس الاسلوب الدعوي ونفس الوسائل التعاملية ولكن بتفاوت نسبي.
وما نقصده بارهاب داعشي هو ان التنظيم له ايديولوجية خاصة متفرعة، لها ثوابت نابعة من عقيدتها، ووسائل تلازمية لتلك الثوابت، من حيث تطبيقها على ارض الواقع، و تأصيل جذورها لاتخاذ شكل يتناسب مع وجودها الفعلي السلطوي، او من حيث تداعيات حركيتها، وتوجهها الفكري المقنن بصبغة التشريع الاصلي، وهذا ما يجعلنا ان نرتد على اعقابنا ونراجع معاً المصادر التي تستقي منها داعش شريعتها " الدين " وبالتالي الغرضية التي تعمل داعش على توظيف هذا التشريع" الدين" من اجله، واي الاهداف يسعى لتحقيقه، وهل هذه الاهداف ضمن سياقات التشريع تداولية او ما يمكن ان نقول عنها –  وقتية متغيرة ومتحولة من فئة الى اخرى – ام هي مطلقة باقية كما تطلق وسائلها الاعلامية على نفسها بانها دولة باقية.
ان التدارك الحاصل في هذا التشريح هو ما سيجعلنا نقف على بعض ملامح التنظيم.. لاننا اذا ما تمعنا النظر الى المكون الاساسي للتنظيم سنعرف وبشكل قطعي انه التشريع " الدين " وبالتالي ان الاصوليات لديه ثابتة، وهذه الثوابت هي في تداولها متغيرة حسب ما يحتاجه التنظيم، وان اظهر التنظيم بان ثوابتها غير متغيرة، اقصد بذلك ان التنظيم يقوم على تسخير التشريع لغرضياته التي تتناسب والمرحلة التي تمر به، وبالتالي فان الارهاب هنا باعتباره موضوعنا الاساس لابد وان يكون متأصلاً في التشريع لديه ليكون بذلك متداولاً بين اتباعه وضمن الاليات التي يمكنه ان يمارسها تجاه الاخرين، وبالطبع وبشكل قطعي نؤكد ونؤمن بان الارهاب هو جزء من تكوينه التشريعي، لكون ان الاصوليات لديه تمنحه حق ممارسة الفعل الارهابي وفق ادلة هو يراها دامغة لاغبار عليها، ولايحق لاحد نقضها او مناقشتهم حولها لكونها صادرة من الثوابت لديه، والتي هي في عقيدتهم غير متاحة للنقاش او للنقض لكونها احكام قطعية صادرة من السلطوية العليا لديهم.. وما يعني ايضاً ان التنظيم مؤسساتي لديه الكثير من الوسائل التداولية الاخرى التي يمكنه ان ينتهجها مع الارهاب كالحكم باسم التشريع ووفق قوانين التشريع، وكذلك يمكنه ان ينشأ خليات توافقية تعمل على التبشير بفكره، ويمكنه تسخير التكنولوجيا الحديثة ايضا من اجل تفعيل ذاته، وتبرير نشاطه، وتدعيم فكره، وتقويم مسالك اتباعه، ومراقبة النهج الذاتي الداخلي لديه، لمعرفة المراحل " الاشواط" التي قطعها التنظيم في ترسيخ سلطته الارضية..لذا فان قولنا بان هناك ارهاب داعشي فاننا بذلك نؤكد على كون التنظيم يملك ضمن ثوابته التشريعية ما يوجب عليه تتبع النمط الارهابي الحالي في تأكيد وجوده واثبات فعالية اساليبه في تحقيق اهدافه واغراضه الارضية باسم التشريع الاصلي.
ومن جانب اخر اذا نظرنا الى الشطر الثاني من التساؤل " داعش ارهابي " فاننا هنا بصدد  جملة تأويلات مغايرة والتي تغالط النمط التشريعي الداعشي المؤسس على الاصوليات والثوابت، باعتباره ان الارهاب هنا تم الصاقه بداعش لاسباب تخص الجهات التي تطلق على داعش تسمية الارهاب، اعلم بأن الكثير من المتابعين سيقولون ما الفرق اللغوي من تقديم اسم داعش على الارهاب او تأخيره فالامر سيان، ولكن مع ذلك ودون ان نتحول الى اللسانيات والبلاغيات لتأكيد مفهونا حول التسمية فاننا نحاول قدر الاستطاعة تقريب الفكرة الى المتابع والقارئ على ان الارهاب جزء من التشريع السلطوي المؤسساتي لداعش وليس مجرد اسم تم الصاقه من قبل المعادين للتنظيم، او الذين يعولون على اعمال داعش لالصاق مصطلح الارهاب به.. فالمعطيات التي نحاول ابراز معالمها تنص على ان ارهاب داعش هو مؤسساتي تشريعي مقنن ومأخوذ من الاصوليات التشريعية " الدينية" لديه، او ما يسمى الفقه الديني لديه، وليس العكس، اي ان الصفة الصقت به لكونه مارس العنف والارهاب لاسباب خارجية، او تداعيات فرضت عليه اتباع هذا النمط وهذه الوسائل.. ان مفهوم داعش ارهابي لايعني بالضرورة ان التنظيم كان من الممكن ان لايتبع هذا الاسلوب لو ان الظروف التي ظهر  فيها كانت مختلفة ومغايراة، وبمعنى اخر، اننا هنا لسنا بصدد الصاق تهمة الارهاب بداعش دون وعي وادراك ودون موجودات سبقية تفرض علينا البحث المتأني قبل اصدار الحكم النهائي، فلو ان الظروف كانت مختلفة ماكانت التنظيمات الدينية الارهابية بحاجة الى تطوير فكرها الارهابي الداخلي وبالتالي الى احداث انشقاقات وتقسيمات ضمن هيئاتها وصفوفها وتوجهاتها وتطلعاتها وحتى اساليبها الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والارهابية.. فالواقع يظهر لنا ان هذه التنظيمات وداعش انموذجاً تعتمد الالية الارهابية ضمن هياكلها التنظيمية وضمن عقيدتها المصاغة من المقننات التشريعية الدينية الاصلية، وبالتالي فانها لو ظهرت في اية ظروف كانت ستتبع هذا النهج الارهابي المقلق للانسانية والمدمر لكل الاواصر البشرية من التفاعلات الاجتماعية الممكنة ومن العلاقات السياسية الممكنة ومن التشاركية البشرية على هذا الخراب الارضي.. وهذا بالضبط ما يؤكد ان الانسان داخل منظومة الارهاب الداعشي هو لايملك الخيار في البقاء خارج دائرة التنظيم، لكونه اذا ما قرر البقاء خارجاً فان نهج وتشريع التنظيم يفرض على اتباعه ان يقوموا باستئصال اللامنتمي دون قيد وشرط، بل ضمن اولوية ناتجة من السلطوية التي يمتلكها لهدف تحقيق تشريعه الاصلي.. وهذا ما يجعلنا نرى بان اية نظرية حول كون التنظيم كان من المكن ان يكون مغايراً لما هو عليه الان امر مرفوض نهائياً، لكون الارهاب لم يلصق به بسبب افعاله، انما الارهاب جزء من عقيدته وتشريعه ومؤسساته السلطوية.

105
عملية تحرير الموصل بين الوطنية والمصالح
جوتيار تمر/ كوردستان
17/10/2016
في فجر هذا اليوم الاثنين المصادف 17/10/2016 بدأت عملية تحرير الموصل من تحت سيطرة التنظيم الارهابي المسمى داعش، وتشارك في العمليات الكثير من الجهات تحت غطاء يسمى اعلامياً التحالف الدولي الذي يقوده امريكا والذي يضم الكثير من الدول الكبرى امثال بريطانيا وفرنسا ودول اوربية اخرى ، كما يضم التحالف كل من ايران وتركيا الجارتين اللدودتين، اللتان بلاشك يهمهما كثيراً مصير هذه المعركة وما ستؤول اليه الامور بعدها، وما بعدها هذه قضية اخرى تناولتها الدراسات والمقابلات والمناظرات والكثير من الكتابات الاخرى، لان مابعد تحرير الموصل امر لايتوقف ابداً على رأي جهة معينة دون اخرى فالكل مشارك في الرأي وكلٌ حسب المصلحة الخاصة وبالطبع ليس هناك اي اعتبار لاصحاب الشأن سواء أكان الامر يتعلق بالدولة الاتحادية المركزية او باهالي الموصل او حتى العشائر التي تتناحر وتتزاحم على ابداء الولاء لكل من يطبل لهم كما فعلوا مع داعش حين دخلوا والان يفعلون مع تركيا وامريكا و مع جهات اخرى كثيرة.
ولايمكن ان نغفل عن الدور البارز الذي يقع على عاتق البيشمركة ابناء كوردستان في هذه العمليات العسكرية باعتبار انهم الاكثر دراية بحرب داعش فقد استطاعوا ان يحرروا غالبية المناطق التي سيطرت عليها داعش في البداية بالاخص المناطق الكوردستانية او التي تسمى في الدستور العراقي المتنازع عليها، والتي لها خصوصية مقننة ضمن صياغات المادة( 104 )الدستورية.. ومع البيشمركة توجد قوات كوردية اخرى تحاول ان تساهم وبشكل فعال في معركة تحرير الموصل وهي قوات تابعة لحزب العمال الكوردستاني، وكما توجد قوات اخرى غير كوردية تابعة بشكل واخر للمركز – بغداد – والمتمثلة بالحشد الشعبي الشيعي، وضمن الاطارات العامة سنجد بلاشك هناك ايدي خفية اخرى تحرك بعض الدمى في المنطقة من اجل كسب بعض المكاسب المادية والمعنوية على ارض الواقع دون ان تظهر نفسها وكأنها طرف مساند لجهة او مؤيد لطائفة او مذهب او قومية او حزب ، وبهذه التشكيلات المنوعة بدأت عمليات تحرير الموصل، والتي لحد هذه اللحظات التي اكتب فيها المقال لااسمع سوى عن التحركات التي قامت بها البيشمركة والتي اقتربت الى مناطق حساسة واستراتيجية في الموصل.. بعد ان قامت كل من طائرات التحالف والمدفعية بقصف المواقع الامامية لداعش.
لاشك ان الرؤية لن تتضح حول العمليات العسكرية الا بعد انتهائها، ومعرفة اية الجهات هي التي ستقوم بسد الفراغ الامني والسياسي والعسكري الذي سيخلفه هروب وخروج داعش من الموصل ( بالطبع نؤمن بنظرية زوال داعش في الموصل عسكريا، ولكن لااعتقد ان الفكر الداعشي يمكن استئصاله من الموصل لانها اكثر البيئات العراقية ملائمة لنمو مثل هذه الافكار التطرفية القومية والدينية العنصرية) ، حيث يمكن بعد زوالهم الوقوف على اهم النقاط التي ستتشكل ملامح المدينة منها وبها، فالعملة الوطنية – الصبغة – ستكون هي المحفل الاساس كما تم الاعلان عنه مسبقاً، ولكن السؤال هو ما هو مفهوم الوطنية في العراق..؟ ، هذا السؤال بلاشك يشمل كل الاطياف والمذاهب والاديان والمعتقدات والقوميات داخل التشكيل العراقي الحالي، وهذا ما يستدعي التوقف والتأمل والتأني لندرك المسألة دون الغوص في المعيات والتلازميات والفرضيات والمفروضات القسرية الخارجية.
 وهنا سنقوم بعرض بعض المكونات الداخلية والخارجية ضمن السياق الحدثي والحالي والمشارك في كل الحراكات الداخلية والتي سيظهر من خلال تعاملها مع الواقع والاحداث الرؤية التي تنم عن اجابة للتساؤلات السابقة، فمن خلال سير العلميات السبقية في العراق اتضح وبشكل كبير ان الكورد احد المكونات الاساسية في الدولة الاتحادية يحملون علم كوردستان باعتباره يمثلهم في الدولة الاتحادية وهو علم معترف به قانونياً ضمن النطاق العراقي الاتحادي وضمن النطاق الخارجي الاممي وهذا واضح من خلال رفع العلم جنباً بجنب مع العلم العراقي في استقبال اي وفد رسمي كوردي، وفي جانب اخر  توجد القوات الموالية لحزب العمال الكوردستاني التي لاترضى الا برفع اعلام وحداتها الخاصة.. وهنا تبدأ معضلة لها خصوصية فتركيا – اعلنت عدم مشاركتها بقوات برية - التي توافق على رفع علم كوردستان الرسمي باعتباره اقليما داخل دولة اتحادية ترفض تماما اي علم اخر يمثل الوحدات الكوردية بالاخص الموالية لحزب العمال الكوردستاني باعتبار ان هذا الحزب معارض لتركيا.. مما يعني بالتالي امكانية حدوث خروقات جانبية حيث قد توجه تركيا نيران طائراتها صوب هذه القوات اثناء عمليات التحرير لاسيما ان تركيا متمركزة بالقرب من الموصل.. وهذا سيخلف فوضى عسكرية بلاشك سيكون الضحية الكورد.. وضمن السياقات الاخرى لمفهوم الوطنية فان الحكومة المركزية المدعومة من ايران تؤيد وجود تلك القوات الكوردية الاخرى لكونها في الاول تعادي تركيا من جهة، ومن ثم هي ورقة ضغط على البيشمركة من جهة اخرى، اي انها تهدف الى حرب الاخوة لكي تضرب عصفورين بحجر واحد، وهو محاولة تجزئة الصف الكوردي كما فعلت في اتفاقية الجزائر ومن ثم اثارة الفتن والمشاكل لتركيا ضمن سياقات الصراعي الصفوي العثماني القديم الجديد الابدي.
ومن المفارقات الاخرى التي تظهر ملامح الوطنية في العراق هو ان جماعات متنوعة ومتعددة الاطياف والولاء من الحشد الشعبي الشيعي ترفع اعلام خاصة بها لاعلاقة لها بالعراق الوطني ولا حتى بالمصوغات القانونية الدستورية العراقية، انما هي اعلام مذهبية طائفية تمثل بعض المرجعيات الدينية الشيعية في العراق وبتأييد من المالكي الرئيس السابق للعراق وبتأييد اخر من المرجعيات الكثيرة والمختلفة فيما بينها، وهي في كل تحركاتها تؤكد وتظهر على ان ولائها ليس للعراق الا بالاسم، اي كونها تعمل ضمن النطاق الجغرافي المسمى ضمن الهياكل الدولية والتقسيمات الدولية بالجمهورية العراقية، ولكنها في الاصل تؤيد المرجعيات في قم وطهران بل ان من تحركها هي النزعة الايرانية ولايمكن التغافل عن الدور الايراني خصوصا ان قوات بدر  وسليماني يتواجدون دائما في الاماكن التي يتجه اليه الجيش العراقي والحشد الشعبي الشيعي.. وهذه الاعلام لاتثير الفتنة الداخلية فحسب بل انها تتعدى الى خلق نزاع اقليمي.
فداخلياً الجماعات السنية بكل مكوناتها ترفض هذا التواجد الشيعي وترفض ان تحرر مناطقها تحت غطاء هذه الاعلام وتطالب بوجود العلم العراقي وحده.. كما ان الكورد يرفضون وجود اية اعلام غير قانونية داخل حدود الاقليم باعتباره اقليم ذا دستور وقانون خاص.. فضلاً عن ان هذه الاعلام غير القانونية تثير حساسية لدى الترك لان الاخيرة تدرك بانها تمثل التمدد الايراني في المنطقة على حساب مصالح الترك.. بالاضافة الى ما تم ذكره فانه يوجد هناك الان الاعلام التي تمثل الايزيدية المنشقين عن الكورد والموالين لجماعات وحدات الحماية التابعة لحزب العمال الكوردستاني وبالتالي انها توالي حكومة المركز ، والاخرين الموالين للكورد في الاقليم، وكذلك توجد للتنظيمات المسيحية بكل اطيافها اعلامها الخاصة والتي تطالب منذ عقود بسهل الموصل كاقليم خاص بهم،هذه السياقات ليست فرضيات نطرحها، وليست افتراءات حول مواضع عقيمة غير مؤثرة، انها اجمالا المحصلات الواقعية التي تفرضها الانتماءات المتنوعة والمختلفة للتشكيلات الاثنية والدينية والمذهبية العراقية من جهة والمؤثرات الخارجية من جهة اخرى،  حيث ان وجود الكثير من الدول الاقليمية ضمن التحالف الهادف الى تحرير الموصل يشكل اضافة غير مسبوقة لتحليل مفهوم الوطنية العراقية، باعتبار ان المكونات الداخلية هي نفسها التي تخلق الانموذج التفرقي التجزئي حسب اولويات الخارج، فالحشديات الشيعية الموالية لايران لها رؤيتها التي تنم عن الرؤية الايرانية.. وفي المقابل يجابها الرؤية السنية اصحاب المدينة والتي بظاهرها وباطنها تؤيد وتؤكد الرؤية التركية، في حين يتقاطع معهما الرؤية الكوردية التي تبحث عن موطن قدم يؤهلها لخلق كيان مستقبلي مستقل وضمن تحالفات اقليمة ودولية، فضلا عن الرؤية المسيحية الطامحة هي الاخرى وبلاشك المساندة من دول كبرى ولو ضمنياً.
على هذا الاساس فان الرؤية الوطنية العراقية هي رؤية مبنية على التجزئة والتفرقة في مهدها، لانها رؤية لايمكن ان تلتم حول قضية موحدة دون سياقات خارجية تؤثر عليها وعلى مساراتها، وهذا الامر حتى وان حاول البعض تغطيته بالشعاراتية الوطنية والصبغة الوطنية الظاهراتية فان جذورها قد تمكنت منذ عقود في المجتمع العراقي ولايمكن ان يتم استئصال هذه الجذور ببعض الاقاويل والوعود والاطروحات الاعلامية، لاسيما ان العامل السايكولوجي حاسم وذا تأثير كبير في هذا المحفل.. لكونه ليس متعلق بالحالة الراهنة او الحدث الاني، انما هو متعلق بسلسلة وجودية تاريخية نمت ولم تزل تتنامي بشكل ديناميكي، لاسيما ان العامل الخارجي ايضا مهيأ وبشكل متناسب مع كل المحركات الداخلية.
وبالتالي فان الوطنية هي في الاساس قيمة ذات دلالات تؤكد على المصلحوية الخارجية، وهذه المصحلوية الخارجية لاتتمثل بتركيا وايران وحدهما، لان كلا الدولتين لها سياقات اخرى تنتمي اليها، ومسارات داخل منظومات اكبر تحرك المتلازمات العالمية وتثير الجدليات على مستوى تصل الى مرحلة التهديد للعالم اجمعه، فتركيا الساعية لتحقيق مصالحها هي في الوقت نفسها تؤكد على المصلحة الامريكية ودول التحالف الامريكي في المنطقة وبالتالي فهي تبني جبهة اخرى ضد الجبهة الايرانية الموالية لروسيا التي تحاول استرجاع سطوتها وعصرها الذهبي بحيث تكون هي الاخرى من المحركات لصيرورة التاريخ البشري الحالي من جديد.. وهذا التصادم الكوني ليس بشيء جديد، انما هو قديم وهو في صورته الحالية ليس الا استمراراً لمنظومته القديمة.. ولذلك فان اي رؤية اعلامية او شعاراتية تتبنى القيم الوطنية هي لا تخرج من دائرة صياغاتها الاعلامية اللفظية البلاغية لكونها في الاساس مبنية على المنطق المصلحوي ضمن المنظومة العالمية الحالية.
وعلى هذا الاساس فان عملية تحرير الموصل التي بدأت اليوم ولم تستمر مستمرة لن تكون الا ممراً لتحقيق الكثير من المكاسب للدول المتحالفة من جهة، وايضا مكاسب لموجودات داخلية ضمن هياكل متعددة ولايمكن التنبؤ الان بها، لكنها بلاشك موجودة وقد تمت صياغتها مسبقاً لكي تتناسب وتتلائم مع مابعد داعش ولو بعد فترة، لكون مرحلة مابعد داعش لاتمثل فقط هذه الصراعات انما هي مرحلة اعادة تأهيل المدينة ايضا لتكون صالحة لاستقبال ابنائها، وبالتالي فان مرحلة البناء سيلازمها مرحلة اخرى وهي مرحلة تحقيق الاجندات الخارجية والداخلية معاً.

106
امسية ادبية حول الكتاب النقدي( دوافع هلكورد قهار الشعرية وتنوع مصادره).
جوتيار تمر/ كوردستان
12/10/2016
قامت مديرية المكتبات العامة في دهوك ( مكتبة بدرخانيان) باقامة امسية ادبية خاصة للكاتب والناقد جوتيار تمر  ضمن حفل توقيع كتابه النقدي ( دوافع هلكورد قهار الشعرية وتنوع مصادره)، في حديقة المكتبة وذلك بحضور عدد من الشخصيات الاكاديمية والشخصيات الادبية الكبيرة، وممثلي بعض الصحف المحلية والقنوات التلفزيونية، وممثلي بعض الجمعيات الثقافية ، كجمعية الشعراء الشباب في دهوك واخرين، وكذلك عدد من الادباء والشعراء الشباب، حيث قدم الشاعر هلكورد قهار في بداية الامسية كلمة شكر وامتنان لكل من الاستاذ اسماعيل طه جانكير مدير مكتبة بدرخانيان لرعايته لحفل التوقيع، ومن ثم للكاتب والناقد جوتيار تمر على جهده الرائع في اخراج الكتاب بهذا الشك المميز لاسيما من الناحية الاكاديمية والنقدية .. ومن ثم محاولته الجادة في ايصال كلمة الشاعر الى الكثير من الكتاب والنقاد العرب، وبعد ان انتهى الشاعر من كلمته ترك المجال للكاتب والناقد جوتيار تمر ليقوم بدوره بشكر الجهة الراعية لحفل التوقيع، كما شكر الحاضرين من الضيوف الكرام، ومن ثم بدأ بتعريف الحضور بعدة امور متعلقة باعداد الكتاب والاسلوب النقدي الذي تبناه في تفكيك وتحليل قصائد الشاعر  وبمحتويات الكاتب، وكذلك وضح للحضور الغرض من الاتصال بالشعراء والادباء والنقاد العرب في دول مختلفة ( المغرب وتونس والجزائر ومصر ولبنان وسورية)، حيث قدم بعض الشعراء والنقاد من هذه الدول كلمة حول العمل، بعد ان ارسل اليهم الكاتب بعض من قصائد الشاعر، ومن ثم ارسال القراءة النقدية لتكتمل لديهم الصورة حول قصائد الشاعر من جهة، والعمل النقدي من جهة اخرى، فاتت كلماتهم داعمة ومشجعة لاستكمال العمل، وكذلك اتت لتعبر عن اهمية تمازج الافكار والتواصل بين الحضارات والقوميات المختلفة، وباركوا العمل باعتباره كسر حاجز اً وعائقاً مهما فيما يتعلق بالتواصل بين الحضارات المختلفة.
كما تحدث الكاتب حول كيفية ولادة فكرة العمل حيث اكد بان العمل لم يأتي لاسباب تتعلق بالمعرفة الشخصية انما لان الشاعر اجتهد وثابر من اجل ان يترجم قصائده الى اللغة العربية من اللغة الكوردية، فكانت القصائد المترجمة دافعاً اساسياً للكاتب ان يخصص هذا العمل لها، ومن ثم ان الدوافع التي اشتغل عليها الشاعر هي الاخرى كانت حافزاً للكاتب ان يقدم هذه القراءة لها، لكونها اتت متماشية مع الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي العام للكورد بالاخص وللعالم بشكل عام.. ومن ثم ترك الكاتب المجال للحاضرين من ابداء ارائهم واستفساراتهم حول العمل، حيث وجد استجابة طيبة منهم، ومشاركة فعالة من قبل بعض الشخصيات الحاضرة و الادباء لاسيما من خلال طرح الاسئلة حول الاليات التي اتبعها الكاتب في انهاء العمل والاهداف التي تم تحقيقها من الاتصال بالادباء العرب.
 الكتاب صدر  عن دار "تموز للطباعة والنشر والتوزيع" بدمشق/ سوريا، وهو بعنوان (قراءة في دوافع هلكورد قهار الشعرية وتنوع مصادره) وهو من الحجم الوسط وب( 148) صفحة، ويمثل الكتاب خلاصة تجربة الشاعر واهم المصادر التي اعتمدها في تسويغ رؤاه الشعرية " النثر الشعري ، والشعر النثري " ، على جميع المستويات والاصعدة.
 صمم غلاف الكتاب  شيراز عزيز، والاخراج الفني كان من عمل وارهيل محي الدين الدوسكي، احتوى الكتاب تقديما بقلم د. ثروت عكاشة السنوسي من مصر بعنوان " التواءم الدلالي والتشكيلي بين الشاعر والناقد" والتي جاء فيها " تلك الوقائع الاجتماعية والأحداث السياسية والدوافع النفسية التي حركت عواطف شاعرنا هي تلك التي جعلت ناقدنا "جوتيار تمر" يقسِّم تلك الدوافع إلى ثلاث (اجتماعية ونفسية وسياسية) وبهذا ترجم "جوتيار" ما اعتمل في نفس "هلكورد" إلى طبيعة حسية ولا حسية تترجم دواخل النفس عند الشاعر لتمثل(حالته الداخلية) نتيجة لتلك العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة والمؤثرة فيه (الحالة الخارجية) والتي استطاع الشاعر تصويرها منطقياً وضمنيا في قصائده،  واحتوى ايضا قراءة في القوالب الادبية من ( النثر الشعري – الشعر النثري – الخاطرة ) والتي عموما اتسمت بلغة سردية منوعة، وكذلك احتوى الكتاب على اهم الدوافع الشعرية ( الدافع الاجتماعي – الدافع النفسي – الدافع السياسي – ودوافع اخرى مع تنوع المصادر)، كما احتوى الكتاب على ملحق للنصوص المترجمة والتي وظفها الكاتب والناقد في الكتاب، ويحتوي الكتاب ايضاً على خاتمة بقلم الكاتب والاديب العراقي حكيم نديم الداوودي  المقيم في السويد والتي جاء فيها " رغم مشاغلي الكثيرة استطعتُ أن أقرأ بتمعن نقدك لديوان الشاعر - هلكورد قهار - فكان رصدُك لقصائده في غاية الموضوعية ، حيث اعتمدتَ التحليل والغور في عمق شعرية الشاعر.استللتَ من قيعانها اسراره المخبوءة التي لا تتمرأى لكلّ أحد. فكلُّ قصيدة كينونة وحياة في اعتقادي.ينبغي أن لا ينظر اليها من منظور سديميّ خارجي كما ذكرت .بل بالتوغل الى ما وراءها . فالحياة بكلّ ضلوعها المرئية واللامرئية هي التي تصنع القصيدة .."، وحتوى الكتاب ايضا على مقولات بعض الكتاب والشعراء العرب حول قصائد الشاعر.
 الشاعر  هلكورد قهار من ابناء كوردستان، خريج كلية الادارة والاقتصاد، و عضو في اتحاد ادباء الكورد فرع دهوك.. له اكثر من اصدار شعري باللغة الكوردية.


107
نحتاج الى لغة انسانية
جوتيار تمر/ كوردستان
10/10/2016
يقول الكاتب احمد قويدر في مقال له موجود على الشبكة بعنوان هل أفادت الأديان الإنسانية أم أضرت بها ؟" : عجيب أمر البشر ! كل واحد يعتقد أنه صاحب الحقيقة المطلقة في هذا العالم ، وغيره في ضلال مبين . هل هي الفطرة التي يولد عليها الإنسان ، أم أنها الأفكار التي يلقنها له المجتمع الذي ينشأ فيه ؟ .." لذا بعيداً عن التطاحن الديني، باعتبار اي الاديان اكثر انسانية من الاخرى، واي الانبياء اكثر علماً وقربا من الله من الاخر، واي الرسالات كانت الاهم وايها الاخيرة وايها القومية وذات نطاق جغرافي اثني محدد وايها عالمية، بعيداً عن كل ذلك، فان الانبياء والرسل والالهة والكتب المقدسة والمصلحون والمقولات والمأثورات والقيم التي تركها هولاء -رغم يقين المؤمنين بهم بانهم بذلوا جهدهم في تحقيق العدل الانساني - الا انها كلها باءت بالفشل الذريع، بل وحسب اعتقادي انها ادت الى الكوراث التي نعيشها الان، من دمار حقيقي لكل البنى التحتية الاسرية والاقتصادية والمعيشية والسياسية والانسانية.. وهي نفسها السبب في ظهور النزعات الانسانية الحديثة التي تنادي بعزل كل ما متعلق بالله والاديان عن الحياة البشرية " الانسان " وترك الانسان يقرر من خلال اخلاقياته التي فرضتها طبيعة حياته عليه ان يعيش حياته، وقد اتضح هذا الامر من خلال البيان الذي اعلنه التنظيمات المشتركة في الاتحاد الانساني والاخلاقي العالمي  IHEU)) حول مفهوم الانسانية " الإنسانية هي طريقة حياة (life stance) ديموقراطية و أخلاقية و التي تؤكد على أن البشر لهم الحق و عليهم المسؤولية أن يعطوا شكلا و معنى لحياتهم الخاصة. هي تعتمد على بناء مجتمع أكثر إنسانية من خلال أخلاقيات مؤسسة على الإنسان و قيم طبيعية اُخرى بروح المنطق و البحث الحر من خلال قدرات الإنسان. هي لا تؤمن بإله واحد و لا تقبل الرؤى فائقة الطبيعة للحقيقة..." ، ان هذا المنطق الذي يعتبره اصحاب الاديان الحاداً على الرغم من معرفتهم ان المذهب الانساني في الاساس مبني على رفض ما تفرضه الاديان، الا ان هذا المنطق ليس وليد لحظة غضب، او حالة شاردة، او حتى كارثة واحدة ، او هرطقة دينية – زندقة – انما هو وليد تفكير واقعي عملي علمي بالواقع العياني الذي يعيشه الانسان على الخراب الارضي، والذي يرى في كل لحظة تاريخية عابرة مأساة تتكرر بالوان واشكال ووسائل مغايرة لكنها في الاصل تخدم الهدف نفسه وهو الابادة الانسانية، وفرض ايديولوجيات تضع لغة الانسان ولون بشرته بل حتى الحدود الجغرافية التي يعيش فيها هي المعيار الذي يمكن من خلاله الحكم عليه بالصعود او البقاء في الهاوية.
على هذا فان القول " بان الإنسانية لا تُختصر في مجموعة مواصفات وتعابير إرتجالية قد يراها كل إنسان من وجهة نظره على أنها الإنسانية ،وإنما هي مفهوم ينبغي بناؤه على فلسفة إنسانية لها أسس منطقية تبدأ من مفهوم الكلمة وما يتصل به  من معنى لغوي واشتقاقات ، لتتبّع الدلالات البعيدة فيها وقراءة الشيفرا التاريخية والحضارية والأخلاقية في التراث الإنساني الذي تعتبر الرسالات النبوية في منطقة الشرق الأوسط أول مصادره في التاريخ البشري .."،  قد اصبحت مقولة باطلة بنظر الكثيرين ممن يرون ان الاحداث التي تعصف بالبشرية تبرهن يوما بعد يوم انها" البشرية " غير مؤهلة لحمل اية رسالات او اية قيم او حتى انها غير مؤهلة لأن تمنع عن نفسها السقوط والانحلال والانحدار ضمن تلك الموروثات، لذا فان اية مقولة تجعل من الاديان مصدر قيم انسانية لايمكن قبولها لكونها الاديان نفسها هي التي اورثت هذا الشرخ اللاانساني بين البشرية نفسها، بحيث اصبحت كل واحدة منها تنادي انها وحدها على الحق وغيرها باطل، فتحولت البشرية من قطعان خراف متناحرة على الرزق الى قطيع ذئاب باحث عن الزعامة والسيادة.. مبتعدة يوما بعد يوم عن اي ممر قد يؤدي ولو بالصدفة الى خلق الانسجام بينها وبين المقاهيم البلاغية اللغوية التي تنادي بها، وليس هناك اتعس من شعوب واقوام بنت وجودها على وهم الماضي من خلال الصياغات البلاغية التي تستخدمها كغطاء وهمي لخيباتها التي تتناسل من وجودها القبلي او الاثني او القومي او حتى الديني.
ان غياب الانسجام المنطقي بين الوجود البشري وكل منطلقاته فرض على الواقع ولادة جديدة تمثلت في انحياز او تمرد العقول الانسانية على الموجود السبقي الفرضي المؤدي الى التناحر، والتوجه الى حلقات ودوائر انتمائية فلسفية بنت مبادئه وا اسسها على المنطلقات والدلالات التي تمجد الخيار الانساني الفلسفي والذي يؤدي بالتالي الى فهم انساني شمولي قابل للتطبيق وللممارسة في الحياة العلمية والعملية من اجل تحقيق الهدف من وجود المنطق اساساً.. فحين نجد ان الخيارات المتاحة للبشرية ضمن دوائر الافكار والاديان لاتسمح لهم بالتحرك الا من خلال معادلة الكسب( التبشيري الدعوي) او التفرقة – فرق تسد – فان الخيارات الانسانية الاخرى الخارجة من وراء تلك الاغطية والدوائر تعطي انطباعات اكثر قبولا لاسيما فيما يتعلق بالعمل  الانساني الجماعي والذي يؤكد يوما بعد يوم انه الخيار الامثل للخروج بمعضلة فقدان اللغة الانسانية التي تفرضها الاديان والجغرفيات الاثنية واللونية والاقتصادية، فالرؤية المشتركة لايمكن ان تكون وليدة هذه الاديان حتى لو انها خرجت للاعلام ظاهريا وادعت نسيان النعرات والطموح السيادي، لكن وجود فئات تؤمن بالعمل الانساني وفق منطق التسيد الاخلاقي الانساني الساعي لتحقيق وجوده ضمن آليات التواجد داخل الدوائر التي فرضت عليه تجعله يؤمن بالعمل المشترك لكسب ولتحقيق ما يصبوا الانسان اليه من وجوده على الخراب الارضي، وهذا بالتالي يخلق المفهوم الانساني المتمرد على منطق اللغة الانسانية المفقودة، بحيث الانسانية تكون في الاساس الانتماء الى الانسان، فيكون كل انسان هو أنا، وفي الوقت نفسه يرى كل انسان اخر بانه أنا بالنسبة اليه، ولعل من يعلق على كلمة الانا هذه ويعتقد بانها نابعة من الانانية الوجودية، الا ان بروز منطق ال" أنا" ضمن سياقات هذا العمل الانساني ضرورة كما يقول  المفكر الايراني علي شريعتي، لانه حين نُقّر ال  " أنا"  لايعني ذلك اننا ننفصل عن الكون، فال" أنا "  هنا تعني مجموعة ما يمتلكه " انا" من الذخائر الانسانية، وانا نفسي يعني مقدار محتوياتي وخصوصياتي بحيث اذا سلبت مني هذه الملكات فلا اكون شيء او ليس لي اعتبار وال " انا" لكل شخص تعني ما يملكه الشخص وما لايملكه، وان نفسنا تعني مجموعة ما نملكه نحن اي تلك الاشياء التي تجعل لنا وزنا وتشخصياً عن الاخرين، وعلى هذا الاساس نخلق من أنا ممراً لتحقيق الكثير من الأنا ضمن منظومة وجودية قائمة ومتحررة من السطحيات التي تسيء فهم استخدام الموروثات الرسالاتية لكسب مصالحها  الشخصية على حساب الوجود البشري الانساني، وهذا ما قد يثمر ويفتح ممرات مشتركة للخروج من ازمة فقدان اللغة الانسانية، بل من ازمة فقدان البشر لانسانيتهم تحت غطاء تحقيق مصالح الله على الخراب الارضي بالطبع ضمن ادعاءات الاديان.
لانه لايمكن ان يؤمن انساني بان من ما ورد في الكتب المقدسة وما يقوم به اصحاب الشأن الديني في جميع الاديان هو امر الزامي لانهم يرون كيف ان تلك النصوص باعتقادهم جرفت البشرية الى الهاوية والحضيض بحيث اصبح من الصعب تدارك الانسان واخراجه من تلك الهاوية ،  فان الانسان حين يجد نصا مقدساً يفرض الفوقية والدونية فانه بلاشك سيكون من الاعتيادي الكفر به دون الرجوع الى معطيات الكفر نفسه، يقول الكاتب اسرائيل شاحاك ان هناك نص في التلمود محذوف بداعي الخجل، يأمر كل يهودي أن يتلو كلما مر بالقرب من المدافن، تلاوة مباركة اذا كانت المدافن يهودية، واطلاق اللعنة على امهات الموتى اذا كانت المدافن غير يهودية، ويجري في الواقع تلقين تلامذة المدراس لهذا الامر التلمودي.. وفي المقابل سنجد ان المجامع المسكونية التي كانت تعقد لتصحيح العقيدة والبت في الهرطقات في العالم المسيحي تحولت شيئاً فشيئاً الى مجامع ارهابية تفرض السلاح على المؤمنين يقول جان فلوري، في كتابه الحرب المقدسة الجهاد... انه في مجمع أرل المنعقد عام 314، اقر الشرع الكنسي في البند (3) " بالنسبة الى هولاء الذين ينزعون اسلحتهم في اوقات السلم، تم القرار بان يبعدوا عن جماعة الايمان..، وعزز ذلك في مجمع نيقيا 325، حيث اكد الشرع الكنسي في البند (12) ان مثل هذه التخاذلات يقضي بعشر سنوات من عقاب التوبة على جميع من حسبوا من المستحسن ان يهجروا صفوف الجيش.. وليس بمخفي على احد كيف ان ايات السيف في الاسلام أُحتُكِرت من قبل بعض الفئات والجماعات الارهابية التي تفرض الان ضريبة على الامان والسلام في العالم باجمعه بحيث لم يعد المرء يأمن على نفسه السفر براً او بحراً او سماءً.
ان ما تفرضه هذه الوقائع وهذه الاحداث وتلك المقولات هي نفسها التي دعت الجماعة الانسانية الى تبني ما هي عليه الان، ولااعتقد بانه يحق لاحد الشك في القيم الانسانية التي تنادي بها طالما هي قيم لاتضع الفروقات الدينية او الانتمائية الاثنية العرقية او اللونية لكونها في الاساس اتت كثمرة للعمل الفكري العلمي العملي المشترك بين الجماعات البشرية التي انتهكت الرغبات الرسالاتية وجوديتها وفرضت عليها الدخول ضمن منظومات ادعائية ظاهراتية تعمل انسانيا في العلن وتخدم اهدافها الرسالاتية في الخفاء دون الاهتمام بالمكنون الانساني للانسانية في العمل المشترك المحقق للغاية الانسانية.



108
هل هي مزايدات ام حرية

جوتيار تمر / كوردستان

8/10/2016
المزايدة تعني لغويا المغالاة واظهار الحرص اكثر من الاخر.. اما الحرية فيمكن القول بانها تلك الخاصية التي تميز الكائن الناطق من حيث هو موجود عاقل تصدر افعاله عن ارادته هو لا عن اية ارادة غريبة عنه، فالحرية بحسب معناها الاشتقاقي هي عبارة عن انعدام القسر الخارجي، والانسان الحر هو من لم يكن عبداً او اسيراً، وبالطبع هذا المفهوم يتوقف كثيرا على الحد المقابل الذي تثيره في اذهاننا هذه الكلمة، اذا قد نضع مقابل كلمة الحرية كلمات متعددة مثل كلمة الضرورة او الحتمية او القضاء والقدر او الطبيعة.
ومن خلال الاستقراء الدلالي للمدلوين السابقين " المزايدة والحرية" يمكن وضع نظريات واضحة المعالم لاسيما حول الواقع العياني الذي نعيشه نحن الكورد في كوردستان بشكل خاص، ناهيك عن الوضع العام في منطقة الشرق الاوسط، او حتى العالم باكلمه.. ولكننا هنا بصدد الحديث عن  كوردستان باعبتارها تخوض تجربة سياسية اقتصادية عسكرية فريدة من نوعها على الصعيدين الداخلي والخارجي معاً.. حيث ان الصوت الكوردي بات مسموعاً وبشكل واضح ومؤثر سواء من خلال تجربتها السياسية التي تحاول الحصول على مكانة ما بين الاوساط السياسية العالمية، او تجربتها الاقتصادية التي برزت من خلال التسويق النفطي للعالم، او العسكرية والتي هي لم تزل المفتاح الاكثر ولوجا للعالمية عبر بوابة البيشمركة الذين يخوضون اشرس معركة ضد اشرس عدو ( الجماعات الارهابية المتمثلة بداعش والنصرة وغيرها من الجماعات الارهابية الطائفية المذهبية والقومية)، هذه التجربة هي التي تحتم علينا دائما النظر الى ابعادها داخلياً وخارجياً كي نستطيع الوقوف على معطياتها وحراكاتها وكذلك على المعيقات والمؤثرات التي تعمل على فرض وقائع وواقع غير مستحب للكورد،بالاخص فيما يتعلق بالمراهنات والمزاديات الداخلية التي تعصف بها من ابناء جلدتها.
تبرز على الساحة الكوردية الان الكثير من المفاهيم والمصطلحات التي هي في ظاهرها تخلق نوعاً من الاطمئنان باعتبارها قفزة نوعية من حيث الوعي الثقافي الاصطلاحي من جهة، وكذلك تعبير عن الداخل الكوردي الذي يحاول الخروج من القوقعة الاضطهادية التي رافقت تاريخ الكورد في المنطقة منذ قرون سابقة، ولكن من يتمعن في المعطيات التي تتناولها بعض الجهات الكوردية لمفهوم الوعي هذا سنجده يعيش وهم ميديائياً رهيباً، حيث يقوم باستغلال الوسائط الميديائية وتحويلها الى سلاح ضمن الصيغة الرقمية " الرقمنة " بحيث يحول العمليات التي تحدث على ارض الواقع الى ارقام تخدم مصلحته دون التفكير بالمعيات التي ترافق هذه العملية لاسيما من الناحية النفسية او الاعتبارات السياسية التي تخدم الاجندات الخارجية.
ولعل ما يثير الدهشة هو اصرار هذه الجهات في الاستمرار  على هذا النمط الادعائي الميديائي ظناً منها ان تمارس حقها في حرية التعبير، ومتناسية في الوقت نفسه انها تمارس هذا الحق وفق منطق الفائدة او المصلحة الذاتية وليس خدمة للعام " الجماهير" وبالتالي فانها سواء أرغبة بذلك او لا.. تمارس دور الاجندات الخارجية في تقويص العملية " التجربة" وجعلها تعيش حالة من الفوضى الداخلية .. وتاريخياً الامبراطوريات العظمى لم تتحول الى مجرد ارقام ووقائع تاريخية الا بعدما تفتت الداخل واصابه المرض حتى اصبح لايتحمل وجوده، فتأتي المؤثرات الخارجية لتضع حداً له.
وهذا بالضبط ما يحدث لنا في كوردستان، فنحن نعيش حالة من الرهاب الثقوي بالنفس او بالقيادات الكوردية، ونعمل على خلق فجوات كبيرة بين الشرائح الاجتماعية وبين القيادات الكوردية، بحيث نلجأ دائما الى الطعن بالشخصيات الكوردية البارزة على الساحة المحلية والدولية ونقوم بالبحث عن الاخطاء وكل ما يلزم للطعن فيها،مع ابراز المعالم المأسوية التي تؤثر سلباً على الناس وعلى القضايا التلاحمية بين الجهات الكوردية وفق مزايدات شعاراتية.. رقمية ميديائية.. دون طرح حلول عملية واضحة المعالم واللجوء الى التمويه الاعلامي السيء الذي يخدم الضغوطات الخارجية وحسب مسار مرسوم من قبلهم.. وهذا ما يعني ان المزايدات هذه التي تعصف بالداخل الكوردي ليست الا ريح تحمل سمومها وتنشرها بين الاوساط الكوردية .. وتعمل على ترسيخ مفهوم التفكيك الداخلي الذي سيعرض التجربة باكلمها الى خطر التلاشي والعدمية.. وبالطبع لايمكن القول  الا بان هذا العمل المزايداتي هو في كل اوجهه مغالاة من بعض الاطراف المتصارعة داخلياً كي تظهر ميديائيا ورقيماً بانها اكثر حرصاً على التجربة وعلى مصالح وحقوق الشعب من غيرها من الاطراف السيادية التي تخوض هذه التجربة على جميع الاصعدة في ظروف قاهرة وصعبة جداً معللين الفعل التعارضي التشهيري بالحرية ومتغاضين في الوقت نفسه ان الحرية لاتعني التشهير والتجريح في الاخر والبحث عن مساوئ الاخر وحدها والعمل على هدم معالم شخصية الاخر وطمس كل اثاره بالبحث عن السلبيات التي رافقت وجوده وحركته وتجربته.. فليس هناك شخص يعي الواقع يمكن ان يفصل تلك الافعال عن المؤثرات الخارجية التي تدعم بعض الجهات وتؤثر على قرارتها.. وبالتالي فان مفهوم الحرية التي يعمل هو تحت غطائه ووفق معطياته تناقض وجوده، وتدعم الاخر بشكل واخر، لان الاخر في الاصل يدعه يمارس الفعل الميديائي الرقمي ضمن جغرافية سلطته، دون التعرض اليه من خلال ردة فعل تجبره على الابتعاد عن هذه الممارسات.. وفي الوقت نفسه تضعه في موقع التناقض الاصطلاحي مع مفهوم الحرية التي تعني في الاساس الفعل الارادي وانعدام القسر الخارجي، او الاحتماء بمفاهيم اخرى ترافقية تخدم مصالحهم ومصالح الجهات التي تدعمهم باسم الضرورة والحتمية والطبيعة.
وعلى هذا الاساس فان المزايدات التي تعصف بالداخل الكوردي لاتخدم الا المصلحة الذاتية لتلك الجهات، ومصدر الضغوطات الخارجية التي تعمل تلك الجهات تحت غطاء غير مرئي باسمها، وبالتالي فاننا امام واقع مُرّ ، يمكن ان يقوص تجربتنا ويعيدنا الى البدء.. حيث الفوضى وحيث التناحر، وحيث اللايقين وانعدام الايمان بالقضية وبكل ما يتعلق بالتاريخ.

109
لعبة المصالح والكورد
جوتيار تمر/ كوردستان
24/9/2016
تعود الى الواجهة من جديد لعبة المصالح الدولية التي تمارسها القوى الكبرى على الخراب الارضي، من اجل تحصين مواردها الاقتصادية من جهة وارضاء حلفائها السياسيين في المنقطة من جهة اخرى، وبالطبع عبر تثبيت اقدامها  اكثر في المنطقة التي هي اصلا مثبتة، وتحقيق اكبر قدر من المصالح التي تخدم وجودها، وباقل الخسائر المادية والبشرية فيما يتعلق بهم، وبالطبع لاتهم خسائر احصاب الشأن والقضية.. لانهم باختصار احجار على رقعة الشطرنج المصلحوي الدولي.
ان النظر بتمعن الى الاحداث الاخيرة سيظهر لنا بصورة جلية كيف ان جماعات الضغط الدولية التي تمارس هي الاخرى لعبتها الخفية، فرضت على الدول الكبرى التوجه من جديد الى كوردستان والقيام بلقاءات مكثفة مع مسؤولي الكورد في كوردستان، بعدما شاهدنا نكوصاً وتراجعاً واضحاً في مساعيهم - مساعي هذه الدول - من اجل تحقيق مطالب الشعب الكوردي في الاونة الاخيرة، لاسيما فيما يتعلق بالاستفتاء واستقلال كوردستان الجنوبية عن الدولة الطائفية التي تسمى العراق.
فعلى الرغم من ان هذه الدول تاريخياً حين نحتاج نحن الكورد اليهم يديرون ظهورهم لنا، الا انهم مازالوا مستمرين في اللعبة التي تجلب للكورد المزيد من الويلات والمآسي، وتضحي بدماء شباب الكورد من اجل تحقيق مصالحها، والغريب ان التاريخ وجد للعبرة الا لنا نحن الكورد حيث مازلنا نؤمن بان قضيتنا لن تحل الا بعدما تحضنها احدى هذه الدول الكبرى.. والتي كما يبدو لنا لم تعد تعير لهذه المسألة اية اهمية طالما ان مصالحها غير مهددة، وان ما تبغي من وجودها في المنطقة محقق لها من غير جهد بشري واقتصادي كبير.. وفي المقابل تستفاد من بيع اسلحتها من جهة، واعلامياً تخدم مصالحها باعتبارها حليفة تقوم بتقويص اوكار الجماعات الارهابية التي تهدد الامن والسلام العالميين.
ولعل الامر لم يعد مجرد احجار تحرك من قبل هذه الدول التي تظهر في العلن، لان الامر اصبح متعلقاً بدرجة كبيرة بجماعات الضغط الدولية التي تسعى من خلال شعاراتها واعمالها ان تحقق اكبر قدر من المكاسب الاقتصادية حتى على حساب الفوضى العارمة التي تعصف بالمنطقة وتهدد الجماعات البشرية فيها بالاضمحلال والافات.. لان ذلك باختصار  يحقق وجود افضل لها، بحيث يمكنها ان تبيع الاسلحة للجماعات المتناحرة من جهة، ومن ثم بعد ان يتم القضاء على البؤر الفوضوية ستقوم باعادة بناء المنطقة عبر مؤسساتها الدولية سواء من خلال صندق النقد الدولي او اية هيئة استثمارية دولية اخرى.
والغريب نحن الكورد كنا ومازلنا نعيش ضمن الماهيات التي تجذب هذه الجماعات الدولية، بحيث يمكن ان تهز  هذه الجماعات- الدول - مشاعرنا بلحن قديم جديد، يتجدد في كل قرن وعقد ويوم في عروقنا، فليس عليهم سوى ان يتغنوا بنا وبقوتنا وبقدراتنا وشجاعتنا.. ومن ثم يعزفوا اللحن الحزين الذي يؤرخ مآسينا والكوارث التي مررنا بها في صراعاتنا مع الدكتاتوريات القومية والدينية والمذهبية، واخيراً يضيفوا عليها نغمات تحقيق المطالب والحقوق الشرعية للعشب الكوردي باعتبار ان الشعب الكوردي اكبر قومية موجودة الان في العالم بدون دولة والى غير ذلك من المعزوفات التي تنحني لها جباهنا.. وتنحني لها قامات جبالنا.. حتى نجد بان فوهات بنادقنا قد صوبت نحو العدو.. عدونا نحن.. ومحققي غايات الجماعات الدولية.. فنضحي بشبابنا وبامننا وباستقرارنا من اجل ان يتم ما خطط له من قبل هذه الجماعات.
وهذا ما يجعل الامور تزداد يوما بعد يوم سوءً، فالمرض بدأ يتفشى في جسد الشعب الكوردي، واصحاب المصالح السياسية باتوا قادرين على تحركينا حسب اجنداتها ووفق مصالحها بشكل لايمكن ان يكون مستقبلاً ذا تاثير ايجابي على النفسيات وعلى الاجيال.. ونحن الكورد اكثر الشعوب حاجة الى الاهتمام بالنفسيات لاننا نحاول منذ عقود ان نرمم ما اتلفه الوقت والنعرات القومية والدينية المحيطة بنا من جهة.. والنعرات السياسية الداخلية من جهة اخرى.
لاجل كل هذا وبالبطع  من اجل الكثير من ما لم نقله نحن، نتساءل لماذا القيادات الكوردية المتناحرة فيما بينها، تقحمنا في معركة لاتخدم الا ظاهرياً مصالحنا، وفي الباطن لاتخدم الا مصالح الاطراف الدولية والجماعات الدولية والاقليمية، ولماذا لا نعتبر من التجارب التي مررنا بها، ولماذا علينا ان نردد اغاني وتراتيل الاخرين، بان الامن والاستقرار لن يتحقق الا باقحام شبابنا في معركة تخدم الغير في جوهرها، واعلاميا فقط تخدمنا.. ولماذا نتجاهل ونتناسى ما حصل قبل اسابيع قليلة حين بدأت بعض القيادات الكوردية بالعمل من اجل الاستفتاء وزارت عواصم اغلب هذه الدول ولم تجد مساندة فعلية منها، وانما اكدت  تلك الدول وفرضت على الكورد وجوب العودة الى حضن العراق الطائفي المنتشي باراقة دماء ابنائه، والمنتشي بالنعرات المذهبية والطائفية.
هذه الدول ان ارادت ان نتشارك معهم القضية والحلول لكانت جعلتنا معها في الصورة وبوضوح، لكنها في المحافل الدولية تتجاهلنا وبالعلن وكأنها.. بل انها تقول لنا بانه لاعلاج لمرضكم الا بالتداوي بالطب الطائفي المذهبي.. كما حصل في المؤتمر الذي عقد في امريكا العظمى عن كيفية محاربة داعش ولم يتم استدعاء ممثل من الكورد مع العلم بان الكورد ( البيشمركة ووحدات حماية الشعب الكوردية) هم من اوقفوا زحف داعش في البداية وكسروا شوكتهم سواء في جنوب كوردستان او غربها.. ومع ذلك هذا لم يشفع للكورد بان يكونوا طرفاً في المعادلة الدولية بشأن داعش.. بل الادهى من ذلك لم يكن الكورد طرفاً في المعادلة السياسية المرتقبة للمنطقة ضمن آليات المعارضة في سوريا.
 لذا لانحتاج الى صور اضافية كي تتضح لنا المضامين  فالايحاءات تكفي لمن يريد ان يفهم.. فلننظر  الى الامر من  خلال المعطيات الدولية وحسب اجندتها وما تقره وتفرضه هي واقعاً وليس عبر امانينا نحن.. فهذه الصورة الغامضة التي تفرضها هذه الدول علينا ليست بامر معقد..  ولنفكر بما قاله احد ابرز قادة الكورد اثناء وجوده في فرنسا ولقائه بالرئيس الفرنسي  حيث صرح بان هناك امر يحدث وان هناك جغرافية جديدة ستفرض على المنطقة.. ولكنه لم يكن يعرف ما هي.. وكيف ستكون.. وذلك باختصار لانهم لم يضعوه معهم في الصورة التي يرسمونها.. وبالتالي هناك العديد من الدلائل والقرائن التي تثبت انهم يلعبون.. ونحن الكورد احجار  يتم تحريكها وفق معطيات وتداعيات اللعبة.. ولكن ماذا نستفيد من الامر.. هذا ما ليس واضحاً.. هل يكفي ان يذكر اسم البيشمركة ضمن اكبر تحالف دولي في هذا القرن ضد الارهاب.. اعتقد بان الامر كبير وكبير جدا.. لكنه لايحقق طموحات الشعب الكوردي طالما اللعبة الدولية لاتعتبرنا سوى احجار على رقعة الشطرنج.. ولاتمنحنا مكانة " قلعة" بارزة في الصف الذي يجلس فيه الملك والوزير.



110
المنبر الحر / خبث عجوز
« في: 18:12 20/09/2016  »

خبث عجوز
جوتيار تمر/ كوردستان
5/7/2016
كانت كلما سمعت الآذان تُصعق، وترتجف..وما تلبث ان تتمتم بصوت خافت وتلعن المتشددين الذين دائما ما تراهم على شاشات التلفاز  وهم يكبرون باسم الله قبل ذبحهم  وقطعهم لرؤوس الابرياء او  قبل ان يفجروا انفسهم في اماكن مأهولة بالناس ويقتلون المئات..هذه العجوز التي قارب عمرها الستين وبضع سنوات، لم تكن تؤمن بان هولاء من البشر، ولا حتى ان ما يَدَّعون بانه دين يمكن ان يكون من الله، لان الله بنظرها ليس مجرداً من الاحساس والشعور كي يرى كل ما يحصل ويصمت امام ذلك دون حراك.
  تصورها ذاك رافقها منذ نعومة اظافرها، وبالاخص حين غافلها القدر  واخذ منها كل من حولها وتركها وحيدة في حياة لاتمانع ممارسة العهر مع البشر طالما البشر تواقون الى ذلك وميالون الى اتباع الرغبات اكثر من اي شيء اخر، ولذلك كبرت على اللاايمان، وعلى كره كل ما يتعلق بالمتشددين، واتخذت لنفسها سبيلاً  يتناسب  مع نظرتها للحياة تلك النظرة التي تكونت جراء الفقد والحرمان والفقر، ولم تبالي يوماً بالاقاويل والاحاديث التي ينعتها الناس بها.. فاجرة، او بائعة الهوى " مومس- غانية"، او حتى من قبل المتشددين بالزانية.
  كانت على الرغم من كبر سنها تجلس كل يوم لساعات امام باب بيتها المتواضع بغرفه الثلاث ذلك البيت الذي ورثته من اهلها، حيث يغلب عليه النمط القديم، بسقفه المسطح، وباحته المفتوحة، مصبوغ بلون يمزج الاحمر بالاسود .. قاتم من الخارج.. ومن الداخل كانت الغرف تمزج اللون الابيض ببني فاتح.. والبيت من الخارج كان يوجد امام سياجه الخارجي بضع ورود اشجار مشتتة من جهة اليسار، وشبه مقعد كونكريتي في جهة اليمين.. وعلى ذلك المقعد كانت العجوز تلتقط انفاس العابرين، وتحاول ان تحرك فيهم ما يعبدونه منذ البدء، لتدخلهم في نعيمها الذابل، والمتمسك بالحياة من خلال ما تحويه غرفها الثلاث حيث فتيات شابات ونساء ارامل يعملن مومسات تحت جناجيها المثقلان بقيود الزمن والظروف، كل واحدة منهن تحمل في جعبتها قصة لايمكن لاحد ان يحكم عليها بالصحة والقبول او الرفض والكذب،فبعضهن كما يفصحن عن ذلك لمن يعاشرهن  يمارسن البغاء لكسب قوت يومهن وبعضهن لاينكرن فعل ذلك للمتعة، والعجوز نفسها لم تكن تتوانى عن تقديم خدماتها لمن يريد مع ان ورقتها كانت محروقة لعمق التجاعيد على وجهها وذبولها.
كانت تنام كل ليلة على وقع احلامها الوردية واصوات اهات وقهقهات بعض فتياتها في غرفها الاخرى، فظنت ان الحياة التي مارست معها العهر منذ نعومة اظافرها تكاد ان تعوضها بهذا النعيم الارضي حيث الرغبة والشهوة والمال والامان، وكل مادون ذلك عندها وَهمّ لايستحق التفكير به او الاهتمام به، ولكنها الحياة نفسها التي لاتعطي دون ان تفرض ضريبتها الوجودية على كل شيء،  جعلتها تستيقظ ذات صباح  على كابوس اسود يحيط بكل مكان حيث الدمار الصراخ والفرار، التفتت نحو فتياتها وقالت لهن ماذا يحصل ..؟ ، ردت احداهن لااعلم استيقظت لتوي كاتت ليلتي صعبة.. فصرخت بوجههن من يدري اذا..قال احد الزبائن اهدأي ايتها العجوز.. نظرت اليه بحقد..قالت اخرج انت.. لم تكمل كلامها حتى باحداهن تفتح الباب الخارجي وقد انقطعت انفاسها وهي تصرخ انجوا بانفسكم، قالت العجوز ماذا يحصل مابك..؟ قالت الارملة الجميلة ذات العيون الممتلئة والجسد المشدود والقوام النحيف التي فقدت زوجها في حادث مروري، وهي في ربيعها الثالث والعشرين، انها المدينة تنهار والناس يهربون يحاصرها رجال يحملون رايات سوداء يحرقون المدينة وينهبون كل شيء فيها، ولاشيء يوقف زحفهم، لم تعد هناك مقاومة سقطت كل القرى والاماكن التي حولنا، انهم مدججون بالاسلحة والحقد والكره والشهوة، حتى ان الكثير من الرجال تركوا عوائلهم بين ايديهم وفروا بجلدهم لانهم يقتلون الرجال دون النساء، وسمعت  زوج جارتنا تقول  لزوجته ان ابنه اتصل به وطلب منهم ان يفر وا بجلدههم  فالقرى التي حولنا والتي تدين بدين هولاء انضموا اليهم بعدما سقطت بايديهم واصبحوا الان  يشاركونهم في القتل والسبي،  قالت العجوز هل يكبرون حين يزحفون على الاماكن... ردت الارملة لااعلم .. لكن قال الرجل بان  بانه الذي تصل بهم قال بانهم اصحاب لحى وحين يهجمون يسمع صيحاتهم.. تنهدت العجوز وقالت.. من تريد ان تلحق بالفارين فلتذهب الان والا لن تستطيع بعدها على فعل شيء.. هربت الارملة تلك وفتاتين اثنين او ثلاث.. اعتقد بان احداهن كانت صغيرة جدا.. لان العجوز قالت  لها انجي بنفسك فانت مازلت يافعة وصغيرة سيرغبون بك اكثر من غيرك.. وبقيت الاخريات معها.. قالت لهن هولاء ليسوا عباد الله انما هم عبيد الجنس وسترون كيف يمكننا ان نحول رصاصهم الى ما بين ساقيهم.. لكن بالقليل من الصبر والتحمل..كانت العجوز من كثر حقدها على هولاء تتابع اخبارهم وتستعلم عنهم الكثيرين واستطاعت ان تكون عنهم نظرة خاصة بها.
 احتل السواد المدينة وفر من فر، وقتل من قتل، وبقي من بقي.. وفي خضم الوقت ساق اتباع السواد العجوز وفتياتها والكثيرات من بنات ونساء المدينة الى معسكرات خاصة وفصلوهن عن الرجال الذين تم ابادتهم على الاغلب.. وهناك حيث انين ووجع الكثيرات يفوق وجع الالهة المحرومة من اللذات.. استطاعت العجوز ان تصل الى احد اصحاب اللحى الطويلة الباحثين عن المتعة الدنيوية ظناً منهم بانها تقودهم الى المتعة في الحياة الاخرى التي يؤمنون بها.. صاح في وجه العجوز ماذا تريدين ايتها الكافرة.. خذوها بعيداً عني، قالت بصوت ممتلئ بالثقة لدي الكثير من ما تبحث عنه وتريده، نظر اليها وماذا تملك عجوز مثلك لم يتبق من عمرها سوى ساعات.. ابتسمت العجوز بخبث وردت لدي شهد الحوريات.. وقع اسم الحوريات كالصاعقة على سمعه، قال لجنوده دعوها تقترب، وبعد حوار لم يدم طويلاً .. قال لاحد المجندين لديه، اذهب معها وخذها مع حمولتها الى مكان الاقامة، حولت العجوز وجهتها نحو مجنداتها اللاتي لم يمانعن ممارسة العهر  الحياتي مع مدنسي القيم الانسانية والحياتية، طالما ذلك يبعد عنهن وباء التراب، انه لواقع اختياري على الرغم من قسريته،  واصبحن بعد ذلك يعملن في الكواليس على كسب المزيد من المتطوعات..  حيث يقمن ببث سمومهن في عقول الفتيات ويجعلوهن يعتقدون بان ممارسة البغاء مع هولاء خير وسيلة لمنعهم من قتلهن ورميهن في العراء او من بيعهن في اسواق النخاسة.


111
المنبر الحر / الى اين نسير..؟
« في: 18:25 10/09/2016  »
الى اين نسير..؟
جوتيار تمر/ كوردستان
10/9/2016
 شكلت التحالفات في كل الازمنة الفاصل في اي حراك سياسي او اقتصادي او عسكري او حتى اجتماعي.. عشائري قبلي، ديني طائفي مذهبي، وحين نفتح بعض صفحات التاريخ سنجد بأن هذه التحالفات لم تتوقف عند حدود جغرافية بل استطاعت بقوتها احياناً ضم الكثير من الجغرافيات الاثنية والطبيعية بكل تضاداتها ، مما شكلت قوة عظمى على الخراب المسمى الارض، ولأن التحالفات هي الحل في وقتنا الحالي نجد بأن دول المنطقة عموما، ونحن الكورد خصوصاً نعيش في دوامة بوجهين، المرئي والذي يضم المنطوق به والمنصوص عليه ضمن هيئات دولية وتحالفات دولية واضحة المعالم والانتماءات، والوجه غير المرئي الذي بلاشك مازالت ملامحه مجهولة لدى الكثيرين منا، حتى وان ظن البعض ان الموجود الان يوضح الصورة الاجمالية، ولكن لانها تسمى تحالفات فانها بلاشك لاتعتمد على المنصوصات المرئية فحسب، لأن تلك المنصوصات قد تم صياغتها وفق معايير القبول الدولي" المقنن"  بمظهره الانساني او لنقل القائم باعمال الله على الارض من حيث الفرضيات التي تنادي بالمساعدات ومحاربة الارهاب واعانة الدول الى غير ذلك من تلك الفرضيات الظاهرية التي تشكل واجهة للوجه غير المرئي.
التحالف الاكبر الحاصل الان في منطقة الشرق الاوسط هو التحالف الذي يقوده الولايات المتحدة الامريكية من جهة وروسيا من جهة اخرى، حيث ضمن القوالب المقننة دولياً هذا التحالف موجه ضد الارهاب الداعشي ومحاولة اعادة الحريات الى المنطقة لكونها تعيش حالة من الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية المذهبية الطائفية، وحين يتمعن المتابع للاحداث سيجد بأن الخيوط المرئية لهذا التحالفات تعيش نوعاً من التضاد والتناقض غير المسبوق، ومع ذلك مازالت الامال معقودة على هذا التحالف لتخليص المنطقة من شر داعش وشر الجماعات الارهابية التي هي وريثة العنف اللاانساني الديني منذ بدء الخليقة.
اما اوجه التضاد والتناقض فتظهر من خلال الصراع الامريكي الروسي، والصراع الامريكي الايراني، والصراع الروسي التركي، ومن ثم الصراعات الداخلية ضمن الجغرافيات المذكورة تلك مع الصراعات الداخلية للجغرافيات التي تتم العمليات العسكرية ضمن حدودها الجغرافية سواء أكان الامر متعلقاً بسوريا او العراق او كوردستان او حتى تركيا واليمن وتونس وليبيا ومصر وباقي الدول التي بدأت العمليات الارهابية تستقطب تحالفات دولية لمواجهتها.
والمثير في كل هذه التحالفات انها لم تزل قاصرة على العمليات الاستقصائية وذلك عبر ابراز بعض التيارات على حساب تيارات اخرى، واقصاء بعض التيارات التي تفقد صلاحيتها الاقتصادية والسياسية، وهذا ما خلق فجوة وهوة كبيرة في المنطقة حتى اصبح النظر الى الامور اشبه بالنظر الى التقنيات التي تقوم العوالم الرقمية بعرضها عبر منتجاتها التي لاتتوقف عند حد ، فايران الاسلامية اصبحت الان قاعدة حربية للجيش الروسي الشيوعي، وروسيا الشيوعية اصبحت الان حليفة قوية لحكومة سوريا العلوية الشيعية، وتركيا التي تعادي الشيعية منذ قرون وتعادي روسيا لاطماعها في المياه الدافئة عبر تركيا منذ قرون اصبحوا  الان حلفاء في خندق واحد، لااحد يعلم كيف، ولماذا، وكيف يمكن جمع الاضداد فتركيا التي ترفض بقاء الاسد السوري، تتحالف مع ايران التي تدعم الاسد، وروسيا التي تقاتل باسم التحالف وتدافع عن الاسد تبحث مع تركيا الداعمة للمعارضة السورية عن حل للازمة السورية، وامريكا التي ترأس التحالف الامريكي البريطاني الفرنسي والكثير من الدول الاخرى لم تزل تحتفظ بتركيا الورقة الرابحة باعتبارها الحليفة الاكبر لها في المنطفة والاقوى بالتأكيد باعتبار ان الاخيرة لها تأييد عربي قومي و ديني سلفي سني خليجي، وامريكا نفسها تدعم الحكومة العراقية الشيعية والمدعومة من ايران بشكل واضح وبارز، وضمن هذه الخيارات والاستراتيجيات السياسية والحربية العسكرية والاقتصادية، نجد بان الكورد الحلفاء الاخرين لامريكا يعيشون حالة من التيه السياسي والاقتصادي الواضح، ففي شمال كوردستان الحرب مع تركيا حليفة امريكا مستمرة، وفي الجنوب الصراع الداخلي مع الحكومة المركزية المؤيدة من قبل ايران من جهة والمدعومة من امريكا من جهة اخرى مستمر والتحالف الكوردي الامريكي ايضا مستمر، وفي غرب كوردستان التحالف الامريكي مع الكورد ظاهرياً موجود حيث تقوم امريكا بدعم وحدات حماية الشعب بالسلاح والاستشارات، ولكن مع ذلك امريكا متحالفة مع تركيا التي تحارب الجماعات الكوردية في شمال كوردستان وغرب كوردستان، ومن ناحة اخرى ايران تحارب وبشراسة الكورد في شرق كوردستان ولكن لديها حضور مؤثر في بعض الجماعات الكوردية الاخرى، والعلاقات الكوردية الايرانية تأخذ مستويات وحالات اخرى بين استقرار واستفزاز، وضمن الصراعات الدولية هذه نجد بأن الجماعات الشيعية والسنية داخل العراق يتصارعون هم ايضا من جهة اخرى لأخذ نصيبهم في هذا الصراع المحتدم فنجد بأن مشعان الجبوري السني الذي يعرف عنه بانه انسان مهزوز  سياسياً حيث لايستقر على حال او مع جهة، يزور اربيل ويستقبل من قبل شخصيات بارزة ناهيك عن وجود اغلب الشخصيات السنية البارزة الاخرى كالنجيفي واخرين في اربيل ايضا.. ومن جهة اخرى نجد بان الجماعات الشيعية تحاول التقرب من السليمانية حيث المالكي رئيس وزراء العراق السابق والمعروف بانه من حارب الكورد وقطع عنهم الميزانية بدوافع سياسية وشخصية طائفية يزور الشخصيات البارزة هناك وسط رفض شعبي، ومن ثم تأتي حنان الفتلاوي ( الفتناوي) والمعروفة باثارتها للفتن المذهبية والطائفية والتي تعادي الكورد في البرلمان وفي كل الاماكن نجدها هي الاخرى تزور السليمانية وتستقبل من قبل شخصيات بارزة هناك وسط رفض شعبي بالاخص اهالي حلبجة باعتبار ان حنان الفتلاوي كانت رفيقة حزبية  بعثية في عهد المقبور الدكتاتوري صدام حسين، واذا اخذنا بنظر الاعتبار الانتماءات العرقية والمذهبية والقومية والدينية فسنجد بأن التيار السني يتقارب مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وهذا الحزب له علاقات طيبة مع تركيا.. في حين سنجد بان التيار الشيعي يتقرب الى السليمانية وذلك عن طريق حركة التغيير والاتحاد الوطني الكوردستاني، والحزبين لهما علاقات طيبة مع ايران، وضمن الاشكاليات الداخلية والصراعات المتعلقة بالسلطة والمال والادارة المالية الاقتصادية في جنوب كوردستان يوجد الان تحالفات داخلية بين احزاب سياسية ضمن مؤشرات سابقة الذكر، والتي تتعلق بالعلاقات الخارجية لها، ولكن ضمن هياكلها تظهر بين فترة اخرى انتقادات رافضة لسياسات الخضوع تلك، او محاولات لتجنب التجربة الكوردية المزيد من اسباب الفشل الدولي،كما يحدث مع كل من حركة التغيير والاتحاد الوطني حيث هناك اصوات داخل البيت الكوردي ضمن نطاق هذه الاحزاب التي تطالب باعادة هيكلة القرار والسلطة في الحزب بالاخص الاتحاد الوطني الكوردستاني،  عموما سنجد بان التحالفات الضمنية غير المرئية تظهر باوجه مختلفة ربما لايمكن حصرها في الاحزاب انما في الانتماءات الدينية المذهبية والطائفية، وبالتالي ان استمر الوضع على هذا الحال فاننا سنعيش حقبة صراعات سياسية خانقة وستسبب فوضى عارمة على الصعيدين الداخلي والاقليمي وربما الدولي ايضاً.. ولكن اعتقد بانها ستبقى فوضى خلاقة لن تصل كما يحدث في الجوار التركي والعربي الى صراعات دموية او اقتتال بين الاطراف المتصارعة.
على هذه الشاكلة نجد بأن التحالفات بدات تتخذ مسارات عديدة لتمكن نفسها اولا في المنطقة بهدف محاربة الارهاب  ومساعدة اجنداتها وهذا هو الوجه المرئي، ولاهداف اقتصادية وسياسية اخرى لم تزل الحفريات مستمرة للكشف عن وجهها الحقيقي وبلاشك هذا هو الوجه غير المرئي، ونحن الكورد ضمن هذه السياقات والمصوغات المرئية وغير المرئية لم نزل نعيش حالة من التيه الذاتي، وفقدان الامل الخارجي، باعتبار ان البيت الكوردي المشتت سواء في الشمال او الجنوب او الغرب او الشرق لم يصل الى حالة توحيد النوايا والاهداف والقوى، وهذا التشتيت والذي يسببه الفوضى السياسية والاقتصادية والمحركات الخارجية المبتكرة والمتجذرة في الوقت نفسه ستؤدي في النهاية الى طمس معالم الحلم الكوردي، بالطبع ان لم يتم كشف النقاب عن التماثل الذي صنعته القوى المتحالفة للمنطقة وللكورد بوجه الخصوص.

112
اللعبة الدولية من جديد وخاسر واحد
جوتيار تمر/ كوردستان
31/8/2016
تَعوَد العالم على المتغيرات السياسية والجيوبولوتيكية منذ بدأ علم السياسية بالدخول في المعترك الوجودي الواقعي، وهذا العلم لم يكن يوماً  الا كما برهنت النتائج حصيلة افكار ومتغيرات اقتصادية حتمية تحكم مسارات العالم بكل اصعدته، حيث الساسة هم مجرد ادوات لازمة لتحقيق الغرض الاسمى للحتمية الاقتصادية المصلحوية ضمن سياقات النظام العالمي المسمى بالجديد في هيكله ومظهره الخارجي والعتيق في جوهره وسياقاته ونظرته للشعوب وللعالم باجمعه.
فكل ما ورد من تسميات ظاهرة وفق تداعيات العصر والوقت ( نظام، حداثة ، عولمة ) ليست الا تلك الحقيقة الكامنة في الفعل الديناميكي للحتمية الاقتصادية، والتي بدورها اوجدت عوالم بشرية فوقية واخرى تحتية( الطبقية)، بحيث تحكم سنن القوة والمال على وجود الاخر ضمن مراسيم وطقوس ربما هي في احسن حالاتها لاتنتمي الى الانسانية والى الحق او الفرضيات التقنية والمقننة باغلفة اثنية او عرقية او دينية او حتى مذهبية طائفية، لكونها اجمالا ليست الا حصيلة حراك اقتصادي بحت، وهذا الحراك وحده من يحتم الهوية الملائمة لتلك العوالم المختلقة .
وحين نراجع اجندة الوجود الكوردي منذ البدء سنلاحظ هذا التحكم في صيرورته التاريخية والوجودية بشكل يثير دهشة المتابع، ودهشة الباحث، ودهشة الانسانية نفسها، هذا ان لم يكن مصطلح الانسانية ايضا مجرد غطاء غير مرئي لمصلحة اقتصادية اقتضت لبس هذا الثوب كي تخفي جرائمها بحق الاخرين.. ان المتتبع لحركية الوجود الكوردي سيجد بان المصلحة السياسية والجيوبولوتيكية ليست الا حصيلة مصلحة اكبر واهم الا وهي المصلحة الاقتصادية التي تفرضها هذه الانظمة المتعاقية والمتوالية بمسمياتها المختلفة ظاهرياً، فالوجود الكوردي انما اقترن بالوجود الاقتصادي والمصلحوي للقوى الكبرى، والتي حتى وان وجدت مصاغات ومحركات اقتصادية ضمن الحدود الجغرافية الكوردية الا انها تبدأ بالحاسبات، وتقارنها بالمكتسبات الاخرى، وحين تجد شكاً وتهاوناً من الموجودات الاخرى، تبدأ بقرع الطبول للكورد وتدفعهم لخوض احلامهم بكيان مستقل، يوحدهم تحت راية واحدة، وتبعد عنهم سوط اعدائهم ممن يتاجر بدمهم، وممن يحقد عليهم، وممن يعاديهم بالاخص القوميات والانتماءات العرقية والدينية والقومية الاخرى.
فحين تحركت الاوساط الدولية مؤخرا وضمن سياقات متعددة ابرزها محاربة الارهاب، كان الوجود الكوردي حتمياً لكونه على ارض الواقع يواجه المد الارهابي المهدد للمصالح الاقتصادية للقوى الكبرى، فتنافست هذه القوى على وضع لمساتها ضمن سياقات وسيناريوهات متعددة، حيث وجدنا امريكا تؤسس حلفاً وتضع البيشمركة الكوردية اولاً ومن ثم ووحدات حماية الشعب  الكوردية ثانياً ضمن بروتوكولاتها العسكرية، وتبعتها فرنسا التي وضعت الكثير من قدراتها العسكرية ضمن سياقات هذا الحلف، فجاءت بعدها ايطاليا وقدمت مساعدات عسكرية، ومن ثم بريطانيا وبلجيكا والمانيا وهذه الاخيرة برزت بتقديمها للاسلحة المطورة للبيشمركة، ومن ثم كانت كندا واستراليا والكثير من الدول الاخرى فضلاً عن الدول الخليجية العربية، التي وضعت اجنداتها سواء من خلال تقديم مساعدات لوجستية مباشرة، او من خلال تقديم الاستشارات العسكرية وتدريب البيشمركة، وبلاشك ضمن هذا التواجد الدولي ضمن الجغرافية الكوردية بعث من جديد الحلم الكوردي، ولكن كما هي العادة، اللعبة السياسية الدولية لايمكن توقع نتائجها الا في النهائيات، حيث كل التكهنات، وكل التوقعات ليست الا مجرد اوهام لايمكن البت فيها او حتى الايمان بتبعياتها، لانها في الاصل مخاض غير شرعي لحالة طارئة اوجدتها وخلقتها تلك القوى المتحالفة معاً ضمن رؤية اقتصادية ومادية بحتة للمصالح المهددة بالفقد، وتلك التي يمكن ستكسبها جراء عملياتها وافعالها واقوالها المؤقتة.. ولعل ما افرزته المقارنات في الاونة الاخيرة لهذه الانظمة، كان بالفعل غير ما يريده الكورد، لانه وحسب ما يمكن رؤيته حالياً هو ميل هذه القوى للجهات المعادية للكورد على حساب القضية الكوردية نفسها، فالعامل الاقتصادي ضمن المقارنات والمقاربات يشير بوضوح ان المعادين للكورد لديهم ما يحقق مصلحة هذه القوى اقتصاديا اكثر مما يمكن ان يقدمه الجغرافية الكوردية .
وكما هي العادة وقع الكورد في شرك هولاء القوى المفترسة، والتي لايهم انها تقتل حلم الملايين من الكورد، وتضحي بالالاف من شبابها، في سبيل تحقيق مصلحتها الاقتصادية، والتي نجدها يوما بعد يوما تجمع الاضداد مع بعضها، دون خجل او استحياء من دماء الابرياء، ولعل التاريخ هنا يلعب دوره الهمجي في تحقيق تلك المكاسب الاقتصادية لتلك القوى، فكل من امريكا وروسيا كانا ومازالا هما الذئبان المفترسان لكل النظم والحقوق البشرية لابناء المنطقة الشرق اوسطية بكل اثنياتها وتعقيداتها المذهبية والدينية.
فمن خلال سعي هاتين الدولتين مع حلفائهم لتحقيق مكاسبهم الاقتصادية يمكنهم ان يدفنوا بعض احقادهم تجاه بعضهم، ولو لبعض الوقت، فيبدأوا بالمناورات السياسية والمداخلات غير المتوقعة ويخلقوا ازمات اقتصادية واخرى سياسية في المنطقة وكل ذلك كي يخفوا جرائمهم ويلبسونها ثوباً شرعياً مقنناً من قبل الامم المتحدة والتي بدروها ليست الا غطاء فاضح لمؤسسة اقتصادية عالمية تتحكم مواردها بالسياسات والجغرافيات والبشريات الموزعة بشكل غير متناسق فوق هذا الكوكب المليء بالحقد والكره والدم.
ولننظر معاً الى خارطة التحالفات الوضيعة التي ظهرت للوجود من جديد،والتي اراها تقارب للاضداد فايران الاسلامية تتحالف مع روسيا الشيوعية والتي بدورها تؤيد النظام العلوي السوري، ومن ثم التحالف العلماني الامريكي مع التركي والعربي الاسلامي ظاهرياً، والمناورات السياسية الهوليودية التي شهدتها المنطقة مؤخراً من تعارض مصلحوي روسي تركي، مع عدم المساس بالدعم الروسي العلوي الايراني في التعارض العربي الاسلامي للدور الروسي، مع عدم المساس بالتعاون التركي  العربي من جهة، والتركي الايراني من جانب اخر، فضلاً عن التغاضي عن العدائيات بين كل تلك الجبهات، ومن ثم التهافت الامريكي الحديث مع تلك القوى لاسيما تقارباتها مع روسيا، وتغاضيها عن افعال تركيا، وتخاذلها مع الكورد في كل من العراق وسوريا، وتركهم فريسة مرة اخرى للانظمة الحاكمة فيها وللقوى المجاورة، واخيرا سكوت كل من فرنسا والمانيا وبريطانيا وايطاليا وكل دول التحالف الاخرى على المجريات الوقائع والاحداث التي بدأت تعصف بالمنطقة، حيث تعمد تركيا التدخل المباشر في سوريا وضرب الكورد، ومن ثم تخاذل امريكا وتركيا مع الكورد في العراق .. كل ذلك دليل واضح على دناءة اللعبة الدولية تجاه شعوب المنطقة او الطبقة الاخرى التي هي بنظر هذه الدول ليست الا مصلحة اقتصادية بحتة.
ان هذه التحالفات ليست وليدة اللحظة، انما هي تجذرات تاريخية مصلحوية قائمة بركائزها الاقتصادية، دون ان تعترف في سياقات الاقتضاء الاقتصادي بالهويات والديانات والقوميات والاثنيات والمذهبيات والانتماءات، انما هي في كل تحركاتها وسياقاتها تؤكد على عولمة العالم ضمن مناخات اقتصادية توفر لهذه القوى الدعم الكافي للبقاء في طبقتها الفوقية.


113
المنبر الحر / وحوش الهجرة
« في: 00:57 24/08/2016  »
وحوش الهجرة
جوتيار تمر/ كوردستان
22/4/2016

حين تمسي الحرب هي الالهة التي تفرض اقدارها على الخراب المسمى الارض، تتغير معالم الوجود الانساني الى هيئات واشكال  ورغبات تُخرج ما خفي منها منذ بدء التكوين، حيث الخليقة انصاعت للرغبة والغريزة وحاولت بشتى الوسائل ان تجسد ذلك واقعاً وفعلاً، دون ان تحاول خلق سُبلها بما يتناسب وجودها الانساني، فكان الانسان سلاحاً فتاكاً لبني جنسه، والمرأة " الانثى ، الجنس"  التي قال احد الحكماء ان الانسان ينسى خالقه وهو في احضانها وانه ينساه كي يكون معه حين يلمس سر خلقه وابداعه، كانت احدى اهم غنائم الحرب الوجودية التي فرضها الانسان على نفسه، وحصد نتائجها لنفسه، بعيداً عن الخيارات التي كانت لربما تغير مسارات الحياة.. ومتناسيا ان الحب هو الانثى وان من لايعرف الحب لا يعرف الله كما قال احد القديسين، لذلك اصبح الانسان يخلق الحروب لتنتهي بحرب اخرى، والانسانية تدفن نفسها يوماً بعد يوم..هذا كان حديث الطبيب(.......) الذي عالج المرأة التي فرت من بلدها طلباً للامان والسلام في بلد اخر، ولكنها هربت من حرب لتصبح ضحية حرب اخرى فرضها الواقع عليها، حيث لم يكن لها خيار .. اما العودة الى بلدها المدمر نهائيا انسانياً ومادياً واجتماعياً وحتى اخلاقياً، او الانصياع لواقع الحرب الجديدة، والانتظار لِمَ ستؤول اليه الامور.. وما ستكون الحصيلة الجديدة لحربها.
كانت الساعة تشير الى الثامنة وخمس دقائق تقريباً، حين سمعت صوت هاتفي الشخصي يوقظني من نومي، وحين حملته مستهلاً حديثي بصباح الخير.. واذا بصوت مكلوم يطلب مني الحضور الى احدى المستشفيات المخصصة لاستقبال المرضى من المهاجرين، وبسرعة غيرت ملابسي وحملت حقيبتي ومضيت نحو المستشفى، فالهجرة تعني ايضا امكانية ان يكون من بينهم اهلي او اقربائي او ابناء وطني ايضا، لكوني اصلا مهاجرة مجنسة الان..وصلت هناك حوالي الثامنة وسبع واربعين دقيقة، وتوجهت مباشرة الى الطبيب الذي اتصلت بي ، وحين دخلت غرفته.. وجدت فتاة شابة جالسة على كرسي وعيونها ممتلئة بالدموع، شعرت باطمئنان واسى في نفس الوقت، الاطمئنان لانها لم تكن ممن اعرفها سابقاً، اي لايربطني بها صلة قرابة، والاسى لان مظهرها الموحي بالفجيعة يؤثر على اي شخص يراها.
رحب بي الطبيب (........)  وقال: هذه امراة متزوجة اتت بها امها,, الينا صباحا وهي في حالة هيستريا رهيبة، لانعلم مابها لانها ترفض التحدث معنا، لكنها تريد ان تتحدث مع طبيبة نفسية، وقد طلبت منا ان نرسل اليها فتاة تعرف لغتها لتكون مترجمة، ولم نجد لهذه المهمة شخصاً مناسباً مثلك.. فنظرت الى المراة المسكينة، والى الطبيب الذي  اقحمني في الامر وهو يعرف باني لطالما عانيت من هكذا امور بسبب كثرت المشاكل التي تصلنا والتي تتعلق بالنساء اكثر شيء، حين انهى كلامه.. قلت له  ساهتم انا بها، واقتربت من المرأة المسكينة  ومددت يدي لاصافحها، فمدت هي الاخرى يدها وصافحتني وقالت هل تعرفين التحدث بالعربية، ابتسمت لها قلت نعم.. وبادرتها وعرفتها بنفسي.. انا ( ........) ، فردت عليّ بصوت ممتزج بالبكاء شكراً لانكِ اتيتِ انا اسمي (......), قلت لها اخبروني بأنك تريدين مقابلة طبيبة نفسية .. لماذا...؟ حدثيني عن الامر ربما يمكنني ان اساعدك دون اللجوء اليها لاننا لانعرف من ستكون وكيف ستكون أ ليس كذلك..؟ ، رفعت رأسها حين قلت لها ذلك وكأنها شعرت بالاطمئنان اكثر.. ففي مجتمعاتنا الشرقية كبت الاسرار وعدم الافشاء بها خوفا من الفضيحة الاجتماعية امر يشغل فكر الاغلبية.. نظرت الى عيني قالت هل تضمنين انه لن يكشف سري احد,,,؟ قلت لها لن يعرف احد بما دار بيننا هنا *..  نظرت حولها ..تنهدت ودموعها تمتلئ عينيها.. انا هنا... بتردد.. لان هناك موضوع لا أستطيع ان اخبره لأحد من عائلتي و لكن انا بحاجة ان اتحدث عنه فأنا لم أعد أتحمل ان أكتمه في داخلي انا بحاجة حقيقية ان اتحدث لارتاح .. انا لست بخير لست بخير أبدا أبدا... تصوري اني اتمنى لو اني لم اترك وطني سوريا الحبيبة حتى لو كنت قد دفنت تحت الانقاض، اتمنى لو انني لم أصل يوما الى أوروبا هذا الحلم المأساوي القاسي ..رفعت رأسها مرة اخرى.. وقالت نعم كان وضعنا صعب جدا في الحرب،، مأساوي،، مدافع، طائرات، رصاص، بين كل يوم واخر  تجد من يقتحم منزلك باسم المقاومة اوباسم محاربة الارهاب اوباسم الحكومةـ .لم نكن نعرف نحن مع من وضد من او نحن الان ضمن نطاق صلاحية من... و لكن مع ذلك ماحدث لي اثناء رحلتي الى هنا امر يمنعني من ان ارتاح  حتى بوجودي في أوروبا.. قلت لها بهدوء ماذا حدث... اخبريني ماذا حدث .. ارتفع صوتها وبانفعال. لا ..... لا.. صعب ان أقول ماحدث انا اخترت ان أقابل طبيبة نفسية لان حتى أمي لا أستطيع ان اخبرها نحن عرب و هذه الأمور حساسة جدا عندنا، نظرت الى عينيها وادركت حجم الفجيعة فيها، وشعرت بانها مستعدة لان تقدم على اي شيء من اجل الخلاص مما هي فيه.. هدأتها قليلاً وقلت اخبرني الطبيب الذي احالك عندي انك حامل و انك تريدين ان تجهضي الجنين.. وكما قلت لك من قبل لانعرف من ستكون الطبيبة وكيف ستكون.. لذا صدقيني انا من يهتم بامرك الان اكثر من اي شخص اخر.. هدأت قليلاً قالت نعم  كنت اريد ان اجهض الجنين.. و لكن ليس بعد ان عرفت اني حملي قد حدث هنا في هذا البلد و ليس في تركيا.... انا في الحقيقة ( تجهش بالبكاء مرة اخرى) كنت اريد ان أجهض الجنين لأَنِّي كنت أتصور اني حامل من رجل غير زوجي.. قاطعتها بحذر.. هل تعرضتي للاعتداء؟ ، ردت وهي محتنقة تماما.. الاعتداء و الاغتصاب معا..! .
 دمعت عيناي.. واخرس كلامها لساني.. لان حقيقةً ان مثل هذه الامور ان كانت قد حدثت في بلدها وعلم به احد اي احد كان لكانت النتيجة اما قتلها ورميها في احدى الاماكن، او فرارها من البيت ولجؤها الى مكان ما وبالطبع النتيجة وقتها معلومة فاما ان تقتات من عملها في البيوت وحينها تكون معرضة للاعتداءات دائما، او ان تعمل في اماكن البغاء والنتيجة واحدة، وغالباً مانجت فتاة من هذين المصيرين المحتمين.. حين قالت بل الاعتداء والاغتصاب معاً,, لم تتمالك نفسها اجهشت بالكباء، ثم قالت و اكثر من مرة ... حاولت ان اجاريها في الحوار كي تزيح هذا الثقل من على كاهلها.. قلت :كيف حصل كل هذا، اخبريني.... قالت:  لقد هربنا من الحرب  و لم يكن بمقدورنا ان نترك بلدنا بشكل قانوني..، لم يكن أمامنا سوى طريق تركيا.. كانت تقول في الغالب جملة او جملتين وتتوقف باكية وتلعن الظروف والحرب .. وحتى لا اضغط عليها كنت انتظر ان تعود هي للحديث بتلقاء نفسها.
واثناء صمتها كنت افكر في طريق تركيا وهذا يعني بلاشك استطنبول بشكل خاص، لان اغلب الذين يعملون في التهريب يعيشون فيها، وهي مدينة كبيرة جداً ، لااقول بان الشرطة فيها نائمة او غافية، لكن الامر يتعدى قدرات الشرطة نفسها، لاسيما في هذا الشأن، لان المهربين غير معروفين، ومن ثم ان اغلبهم لديهم شركاء حين يشعر احدهم بالخطر يترك مكانه ويسافر لفترة تاركاً شريكه يكمل عمله، ولانهم يعملون في التهريب البشري، ويتعاملون مع اجناس مختلفة فقد تحولوا الى ادوات ارهاب حقيقة تهدد كل القيم البشرية، فلاشيء يعيقهم في الحصول على الاموال، ولايهم الكيفية والوسائل التي يتبعونها، المهم ان اموالهم تصلهم.. وبذلك حولوا الاحياء التي يسكنون فيها داخل استطنبول الى بؤرة فاسدة نتنة، وفي الحقيقة استطنبول مدينة تعيش اكبر تناقضات الوجود، ففي حيت ترى المآذن وصوت الاذان في كل الاماكن، تجد في الوقت نفسه الالاف من الشباب والشابات يعملن في الدعارة وغير ذلك من الاعمال، ولقد صادف اني زرتها مرة والتقيت شاباً كوردياً في احدى محلات الالبسة، وحين تحدثنا قال لي بانه يجب ان اكون حذرا  من الجميع في استطنبول فلاشيء يبدو مثلما ما هو عليه داخل المدينة بالاخص في الليل، ولم تمضي سوى اقل من ساعة حيث ايقنت لماذا قال لي ذلك الشاب ذلك، فحين كنت اقف امام باب كشك لبيع العصائر على احدى شوارع المدينة، وجدت من يصطدم بكتفي، ثم ينظر  متأسفاً .. ودون ان يسمع مني كلمة قال لي بالعربية هل انت لبناني، قلت له لماذا.. قال سمعتك تتحدث بالهاتف.. فادركت بانه تعمد الاصطدام بي.. فقلت لماذا لبناني.. قال طالما لست اوروبيا فانت تشبههم من هيئتك وملامحك.. قلت لا اسف انا من مكان اخر.. المهم في الامر انه لم ينتظر وبدا يعرض علي خدمات فندقه.. والبقية معلومة.. لذلك حين نتحدث عن اسطنبول فاننا لانتحدث عن جمالها فقط، لانها بالتاكيد ايقونة جميلة لكنها تحمل الكثير من التناقضات البشرية التي تدفن في طريق انتشارها الكثير من القيم الانسانية، وهولاء المهربين هم احدى اهم ادوات القمع الانساني.. قالت التي روت لي القصة بأن المراة المسكينة كلما كانت تنطق بكلمتين وتتذكر ما حدث لها في تركيا تجهش بالبكاء.. وتدخل في حالة هستريا غريبة..لذا كانت هي تحاول ان تهدأ من روعها.. ولنعد الى الحوار الذي دار  بينهما..: من اعتدى عليك .....ردت: عندما وصلنا لتركيا اتفق زوجي مع احد المهربين.. بدا عليه الوقار من اول وهلة .. فاقنع زوجي بانه سيضمن لنا طريق آمن للوصول الى أوروبا و عرض على زوجي ان نسكن معه في شقته عدة ايام فقط الى ان تهدأ امواج البحر .. وافق زوجي على ذلك فَعِدَّة ايام لن توثر ... ولكن لم يكن الامر هكذا عدة ايام تحولت الى أشهر طويلة من العذاب و الاغتصاب والاعتداء  وحتى ادعها تتنفس قليلاً وتهدأ قاطعتها ... كيف حصل ذلك؟ ، كان المهرب رجل كبير  السن الى حد ما وكان شعره يمتلئه الشيب من وكما قلت بدا عليه الوقار اول الامر جيث كان يحمل سبحة في يديه ويتمتم وكأنه رجل دين.. ولكن اتضح بعدما يومين من بقائنا معه في شقته انه  جشع وبشع لاقصى درجة يمكن ان تتخيليها ، كان يرسل زوجي كل ليلة ليشتري له الخمور و الخضار و الفواكه كي يستفرد بي و بفتاة اخرى كانت في شقته لنفس السبب.. ارتفع صوت بكائها وارتمت في حضني.. لا أستطيع ان أكمل لا .. لا لااستطيع.. وتجهش بالبكاء حتى تنقطع انفاسها، وما ان تستعيد انفاسها حتي كانت تعود تسترسل بالحديث... كان يغتصبني و تلك الفتاة في نفس الوقت ،،، كان وحشا بشريا لم يكن إنسانا، كان يقيد احدانا باحد اطراف النافذة الخلفية التي تطل على خراب مهجور، وتقيد يدي الاخرى باطراف السرير ويبدأ بتعريتنا، كي يغتصبنا دون مقاومة..اجبرتني الصورة الوحشية هذه لمقاطعتها مرة اخرى... ولماذا لم تخرجي مع زوجك من الشقة او تحبريه بما يحصل لك... كنت اتوسل اليه في كل مرة كان يعود فيها من مشواره  كنت اتوسل به ان نذهب لنعيش في مكان اخر حتى لو غرفة صغيرة لكنه كان يرفض و يقول لا أستطيع فعل ذلك كل ما كنت أملكه من مال بيد هذا الرجل و اذا تركت شقته ساخسر كل شي.. ... نعم كملي حديثك انا اسمعك.. عندما كان الرجل يعتدي علينا كنت أبدا بالصراخ و  تصرخ معي تلك الفتاة كي يشعر  ولو بالقليل من الانسانية ولا يغتصبنا.. لكن لم يكن ليردعه شيء.. بل الادهى والامر من كل ذلك انه كان يرفع ابنتي التى عمرها ثلاث سنوات و يعلقها بيديه و يفتح شباك الشقة و يهددني ان يرميها من الطابق الثالث من الشقة .. قاطعتها لم تذكري ان لكِ ابنة قبل الان.. قالت لااعلم لااعلم.. المهم انني كنت اجد نفسي ارضخ  لامر الواقع واسلمه جسدي كي لايؤذي ابنتي.. وحين كان ينتهي منا معاً يعود الى غرفته ينتظر زوجي.. وما يصل حتى كان يعزم أصدقائه و يسكرون معا .. تعود لتجهش بالبكاء.. وتصمت قليلا.. ترفع رأسها وتنظر في عيني.. وبصوت خافض اكثر ما يوجعني انه كنت اشعر ان زوجي يعرف ما يحصل لي و لابنتنا و هو خارج البيت.. لكنه لم يكن يقدم على فعل شيء يمكن ان ينقذنا من مأساتنا تلك ... هل تودين مصارحته بالأمر ؟  لا أظن نحن شرقيون و هذه الأمور غير مقبولة عندنا.. فقد يتركني وابنتي وهذا الجنين الذي في بطني.. حينها ماذا سيكون مصيرنا.. لكن احيانا أفكر بمواجهته.. وما ان افكر بالامر حتى  اتراجع ثانية.. خوفا من المصير المجهول الذي ينتظرنا... كيف وضعك الان.. ؟ انا حامل و ارتحت قليلاً ان الحمل من زوجي انا اعشق الأطفال ، أمي تعيش في هنا في هذا البلد منذ فترة طويلة، ولطالما رغبت ان اسافر اليها وان أعيش بجانبها.. و لكن وانا في طريقي اليها خسرت الكثير  و لم أعد انا تلك التي خرجت من سوريا، انا في نفسي اتمنى لو اني لم اخرج من سوريا فربما كانت الحرب ارحم. أمي تسألني مابك ؟ كأنك لست من كانت دوما تحلم بالعيش هنا بالقرب مني .. ولااجد ما ارد به عليها سوى ان أقول تعبت من هذه الرحلة و احتاج ان ارتاح ... أمي سعيدة بحملي و رغم اني بالأشهر الاولى من حملي الا انها من الان تفكر ماذا سنسمي الطفل و بدأت حياكة الملابس ... بينما زوجي يتجنب مشاعري... هل انت حزينة لان زوجك يتجنب مشاعرك ؟  انا الان اشعر بنوع من الارتياح ان حملي حدث خارج تركيا فبعد احتساب عدد أسابيع حملي توضح لي الامر.. و لكن انا حزينة و لا أستطيع ان أنسى ما حصل لي في تركيا ... و المشكلة اني  لا أستطيع ان اصارح بذلك لزوجي و لا لأمي و لا حتى لاختي و في نفس الوقت لي حاجة كبيرة ان أبوح و أتكلم عن كل ما حصل لي.. لست قادرة ان احمل هذا السر في نفسي انا بحاجة ان أتكلم .. تريدين ان تتكلمي اكثر عن الموضوع ؟ تريدين جلسة ثانية .... نعم اريد  ذلك لكن معك فقد ارتحت لك وكأني بدأت اثق بك.. اريد ان اتحدث عن ما حدث اكثر  فالدمار الذي لحق بروحي وجسدي وقلبي كبير.. وحين طلبت طبيبة نفسية كنت وقتها ابحث عن من يسمعني فقط.. وها قد وجدتك دون ان الجأ الى من لاتعرف لغتي وهذا يعني ان شخصاً ثالثاً سيكون بيننا كي يترجم لها.. انا ساكتفي بك اذا سمحوا لنا بذلك.. قاطعتها هل امك معكِ.. قالت نعم ان تنتظرني هنا ... لكنها لاتعرف سبب مجيئي.. قلت لها باني متعبة من السفر واحتاج الى طبيب.. فاقتادتني الى هنا.. قلت لها تأكدي لن يعرف بامرك احد.. ابتسمت وهي اول مرة اجدها تبتسم منذ لقائي بها اي ما يقارب الساعتين والنصف تقريباً.. ارتحت لابتسامتها.. وشعرت باني قد ازحت بعض ما يثقل كاهلها.. خرجنا على امل ان نلتقي قريبا.. او بالاحرى حين تطلب هي ذلك.
•   لم اذكر اسماء الاشخاص و بعض الاماكن حفاظاً على الوعد الذي قدمته لمن روت لي القصة بكونها لن تفشي السر.. ولكن القصة بما فيها من احداث تستحق ان تقرأ ليعلم المتلقي بعض ما يعانيه المهاجر في رحلته.


114
البيشمركة ترد على المالكي

جوتيار تمر/ كوردستان
14/8/2016

خرج المالكي من وكره مرة اخرى، لكن هذه المرة لم يقتصر  على ارتداء لباس السياسة التبعية فقط، انما اضاف اليه لباس الفتنة التي تعودناه من امثاله، فكان لابد من البيشمركة ان ترد عليه وعلى امثاله ممن يمكنهم بيع انفسهم واعراضهم من اجل اعاقة المشروع الكوردي الساعي الى التحرير من رجس هولاء ورجس كل حاقد على الوجود الكوردي.
بعد زيارة المالكي قبل اكثر من اسبوع للسليمانية ولقائه ببعض القادة الكورد، عاد الى وكره ولم يصرح بشيء سوى ان الزيارة كانت ناجحة، ولكن فجأة خرج الى الصحافة والاعلام ليدلي بتصريح يعكس وجهة نظره الداعمة للفتنة، والداعمة لاعاقة المشروع الكوردي والذي حاول حين كان متسيداً على العراق ان يضع العراقيل امامه سواء من خلال قطع الميزانية او من خلال ترك الارهاب يسيطر على اغلب المناطق المتاخمة لحدود كوردستان وبالتالي جعل الكورد في مواجهة مباشرة مع الارهاب الداعشي، ولم يكن مهما للمالكي بان تذهب اراضي دولته التابعة للعمامات وتسقط مدنها بيد داعش المهم عنده كان ولم يزل اضعاف الكورد وفعل كل شيء ممكن من اجل اسقاط المشروع الكوردي.
انتهج مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ونجح الى حد كبير في احداث شرخ واسع بين الاوساط العراقية السنية والشيعية، وتحول بعدها الى الكورد حيث كان ولم يزل يحمل في اعماقه الكثير من الحقد للكورد ليس لشيء فقط لانهم اكثر منه وعياً واكثر منه جدية في تحقيق اهدافهم، لان امثاله لاهدف له، انما اهدافه هي التي تتلى عليه ويتم تلقين امثاله بها من قبل الاجندات الخارجية وبالذات اجندة اصحاب العمامات الذين برهنوا للعالم بانهم اكثر السلطات والحكومات دكتاتورية وذلك بسبب فضائح الاعدامات التي يمارسونها تجاه الشباب الكوردي.
المالكي الان يخرج من وكره المحصن بالعمامات والحشد ويقول بأن بعض القيادات الكوردية واحزابهم يرفضون مشروع الاستقلال، وجاء هذا التصريح بعد ان تم تهميش زيارته اعلاميا التي لم تأخذ حيزاً الا وقتها، اي ان تلك الزيارة اصبحت في عداد الموتى بعد مضي ما يقارب " 48 " ساعة ، واعتقد بان سادته او من قاموا بتوجيهه لم يرضوا بهذه النتيجة انما توقعوا احداث الفتنة بين الاوساط الكوردية وزيادة الشرخ السياسي الموجود، ولكن خاب ظنهم، لاسيما بعد ان رفض اهالي حلبجة المناضلين استقبال المالكي في محافظتهم، وهذا ما جعل الاسياد والمالكي في حيرة من امرهم، لانه بظنهم ان حلبجة التابعة لتلك القيادات الكوردية ستكون راضخة لهم، وهذا بالتالي ما جعل الثعلب يخرج من وكره امس ويصرح بان قادة الكورد في السليمانية ليسوا مع الاستقلال، فكان الرد حازماً من قبل قوات البيشمركة اليوم حيث بدأوا بسلسلة علميات لتحرير " 11 " قرية في محور خاز وكوير، وبالتالي لن يصبح المالكي وتصريحاته اليوم ايضا مادة اعلامية يمكنه من خلالها ان يحقق بعض المكاسب والنقاط عند اسياده، او يثير  ولو جزء قليل من الفتنة داخل الاوساط الكوردية، لان العمل السياسي مستمر، والعمل العسكري للبيشمركة مستمر، والنقاشات الديمقراطية مستمرة.
ان الرضوخ لامر الواقع لابد ان يفرض وجوده في النهاية، فدعوات المالكي لانتخابات مبكرة هدفها الاساس ليس وجود ازمة اقتصادية وسياسية انما هو ازاحة الكورد عن الساحة السياسية وذلك باحداث التفرقة بينهم، وحين يتم له ذلك سيكون من السهل القضاء على المشروع السياسي الكوردي المستقبلي، وهذا ما يسعى هو واسياده لتحقيقه، خاصة بعد بدأت اللعبة السياسية الدولية تتسع لنجد الروس مع الترك مع ايران على طاولة واحدة، ولكن الواقع كما سبق وان قلنا سيفرض نفسه من جديد، المشروع الكوردي باق، والحلم الكوردي مستمر، والمالكي واسياده سيدركون عاجلاً ام اجلاً بان لاشيء يثني عزيمة الكوردي الذي كافح وناضل طوال القرون الماضية كي يحقق مبتغاه، وسيكتب التاريح ان كل من وقف عقبة او جحر عثرة في طريق المشروع الكوردي ليس الا خائن باع نفسه لحقده او لطائفيته او لصراعاته الشخصية او هو في الاصل جاحد لاانساني، وهذا بالتالي ما سيحتم على الجميع الرضوخ لمنطق العقل.
اقامة الدول لاتكمن في فرض حدود جغرافية وتحديد معالم سياسية وحكومات تقوم بعملها فحسب، لان الاهم في اقامة اية دولة هو الايمان بها، والصورة واضحة واقعاً فكل  من ليبيا واليمن وسوريا والعراق دول لها جغرافيات وحدود سياسية وادارية مرسومة منذ عقود، ولكن الواقع يفرض نظرية التجزئة الداخلية سواء أكانت قبلية عشائرية او طائفية دينية ومذهبية، ولعل كل هذه الصراعات الدموية فيها يجبر الساسة مستقبلاً على البحث عن ايجاد دواء فعال لتجسيد مفهوم الدولة الحقيقي داخليلاً،  فحين يتم تأسيس الدولة في العقول والقلوب" الشعب" بعدها تأتي الجغرافيات لتكمل الصورة الاساسية للدولة، وهذا بالضبط ما يحدث الان، حيث موت دولة المالكي واسياده داخلياً وخارجياً في قلوب وعقول الكورد، وتأسيس دولة الكورد في العقول والقلوب، مما يعني المستقيل آت لامحال.. وما يقدمة اليوم البيشمركة من تضحيات واعمال جبارة في ساحات القتال خير دليل على تأسيس هذه الدولة في كيان ووجدان وعقول الكورد، لذا فليهنأ المالكي وامثاله بجغرافية ممتلئة بالدماء والحقد والكراهية والطائفية.. وليكن لنا نحن الكورد هذا الايمان بوجودنا وبحتمية المستقبل الذي حتى وان تاخر  لابد ان يأتي.

115
اولمبياد الساسة في الشرق الاوسط
جوتيار تمر/ كوردستان
6/8/2016

لاتهتموا باول كلمة من العنوان، لاني اعلم بانها تتزامن مع اولمبياد ريو..في البرازيل فتثير لديكم الكثير من التشويق.. لكني فقط اردت ان اسقط الكلمة على الواقع العياني في الشرق الاوسط، حيث باتت اللعبة في كل مرحلة  من مراحلها تحمل سمات اكثر غموضاً وكأن العجلة تسير وفق منطق اللافهم السياسي والتيه بين المصالح وتضارب السياسات الدولية حول المنطقة باكملها مما جعلتنا نحن ابناء المنطقة نفكر ونتساءل ماذا يحدث والى اين تسير بنا هذه العجلة غير المستقرة..؟.
لاشيء حتمي هذا هو المنطق الاكثر تداولاً في الوقت الراهن، حيث اختفى المطلق في التصريحات بل انه اختفى تماما في الرسومات التي تظهر بين فترة واخرى والتي ترسم ملامح المنطقة اعلامياً فقط، لانه لايوجد لحد اللحظة اية خريطة ممكنة واقعية يمكن ان تفرضها القوى العظمى، الساسة اصحاب الرأي والحسم والقول السديد" المصلحوي" ، مما يعني بالتالي ان اللعبة السياسية في الشرق الاوسط اصبحت متنوعة كما هي الان في اولمبياد ريو، باعتبار ان هناك امكانية باضافة العاب جديدة الى المسابقة لم تكن موجودة في سابقاتها، وهذا بالضبط ما يحدث الان ولكن حسب الفرضيات والمقترحات من اصحاب المنطقة فقط، دون ان تكون هناك آلية متفقة عليها دولياً او اقليمياً او حتى داخلياً.
اللعبة التي بدأت باقحام داعش في المنطقة بتداخل وتشابك رهيب للافكار  وللوقائع يبدو انها عقدت الكثير من الامور وفتحت فوهات البراكين الخامدة في المنطقة حتى اصبحت الان هذه البراكين تهدد العالم باسره، وسواء أكان الامر لعبة من قبل الساسة اصحاب الرأي السديد ام ان الواقع يفرض نفسه غصباً عنهم، فان اللعبة يوما بعد يوم تزداد تعقيداً، ويزداد عدد الضحايا الابرياء بشكل لايمكن للعقل البشري ان يتحمل لاسيما ان الامر مصاحب بكوراث دموية وظروف معيشية صعبة جداً بحيث يدخل الامر الان مرحلة المجاعات والكوراث الاخرى التي قد تهدد البقاء البشري في الكثير من المناطق.
فداعش حين دخلت اللعبة او المنطقة وجدنا التباسات كثيرة حول منشأها وسرعة انتشارها، ولا يخفى على احد الادوار التي فرضتها القوى الكبرى على القوى الاقليمية كي تساهم بشكل واخر في ترسيخ الوجود الداعشي، فالمعبر التركي والامدادات التركية من جهة، فضلا عن الاموال التي تضخ  الى خزائن داعش من اصحاب الافكار الدينية السلفية الهدامة من الخليج وحتى من بعض ابناء المنطقة، وكذلك الاجتياح الداعشي في كل من ليبيا القبلية واليمن القبلية ايضا، والتحالف غير المرئي والذي بات مفضوحا من قبل ايران مع الجهات الارهابية ومن ثم وجود سلطات  وقوى محلية بالاخص في اليمن وسوريا والعراق ساهمت وبشكل ملحوظ تراخياً وتراجعا امام المد الداعشي، حيث وجدناهم في سوريا يسيطرون وبوقت قصير على اماكن استراتيجية ومهمة في القوالب العسكرية كالرقة وحلب والمناطق الحدودية مع العراق وكوردستان، ومن ثم انصياع القوة العسكرية العراقية في كل من الفلوجة والانبار وتكريت وصلاح الدين وسامراء والموصل للمد الداعشي بدون مقاومة تذكر مما فرض الية جديدة على المنطقة ادت بالتالي اسقاط بعض المناطق المهمة داخل كوردستان عسكرياً كشنكال وربيعة وزمار ومناطق اخرى وذلك لعدم جاهزية البيشمركة وقتها للمواجهة العسكرية بسبب نقص واضح ومؤثر في الاسلحة الثقيلة وكذلك فقدان الخطط العسكرية للمواجهة المباشرة والتي بلاشك لاتتم باستخدام الاسلحة الخفيفة، فضلا عن القوائم والقوالب الجاهزة في اليمن وذلك باستفعال النعرة الطائفية فيها، كل هذا فرض نظريات حول المسألة الداعشية وظهورها في المنطقة، ومن ثم الرؤية المصلحوية الدولية " الدول الكبرى العظمى"، والتي وجدناها تحاول ان تمحي اثر اية مقاومة لها ولمصالحها، ولعل النموذج التركي خير دليل على ذلك، سواء من خلال التناقض في بنى هذه الدول الفكرية السياسية، كما تفعل الان مع الاحزاب الكوردية في كل  من تركيا وسوريا، فتعتبر حزب العمال في تركيا منظمة ارهابية وفي سوريا تعتبرهم  حليفة ضد الارهاب، او في جنوب كوردستان حيث نجدهم يتقاعسون عن اتخاذ موقف سياسي ينهي المسائل المعلقة بين كل من بغداد و هه ولير " اربيل "، من جهة، ومن جهة اخرى نجدهم يماطلون في الاجراءات التي يتبعونها من اجل امداد البيشمركة بالسلاح مباشرة باعتبار ان البيشمركة هم احدى اهم القوى العسكرية الموجودة الان على الساحة الدولية لمحاربة داعش والارهاب، او حتى من خلال توجيه الدعوة اليهم مباشرة للمشاركة في المؤتمرات التي تخص مواجهة داعش.. او من خلال الابقاء على الاستقرار في دول حليفاتها.. فحين وجدت ان تركيا مهددة بالخروج عليى نظمها زادت من وتيرة اللعبة على المستويين الدولي من خلال الصراع مع روسيا والداخلي من خلال اللانقلاب العسكري.
 كل ذلك يجعلنا امام خيارات وافكار لايمكن الا ان تزيد من معضلة الواقع ويزيد من خيوط التيه والضياع في الرسومات والخرائط المحلية.. والدولية والاقليمية معاً، فالساحة باتت الان مفتوحة امام التيارات والاحزاب والقوميات الاثنية، وحتى بعض الاقليات كي تطالب بحقوقها الضائعة وذلك عبر قنوات اعلامية وسياسية دولية، تثير ردود افعال متفاوتة من قبل المجتمع الدولي والرأي العام الدولي، لاسيما ان احدى اهم مخلفات هذه اللعبة الشرق اوسطية هي قضية اللاجئين والنازحين التي باتت تؤرق الضمير الانساني العالمي وتهزه.. ناهيك عن الفوضى التي احدثتها داخل المناطق بسبب عدم وضع خريطة مناسبة تلائم الوضع الراهن وتلائم المكونات العرقية والاثنية الموجودة في المنطقة، مما خلقت نوعا من النفور حول الاهداف التي تسعى اليها هذه القوى، وبالتالي افقدتها مصداقيتها تماماً ولم تعد بنظر ابناء المنطقة هذه القوى متحالفة معها انما اصبح الكل يراها بانها متحالفة عليها مع داعش والقوى الاقليمية المسيطرة على المعابر الرئيسية للمنطقة كلها.
باتت اللعبة السياسية الان محل شك لدى ابناء المنطقة ولهذا نجد بان الغموض الذي يلف الرسومات اصبحت تزيد من معاناة الشعوب وتزيد من الفجوة بينها وبين مصداقية هولاء القائمين على اللعبة، ولااعتقد بان الامور اذا ما سارت على نفس الوتيرة ستكون ذات نتائج مقنعة، خاصة اذا علمنا بان الارهاب لم يعد ينتظر الامدادات الداخلية في الشرق الاوسط فقط انما اصبح يحرك احجاره على الساحة الاوربية وبشكل منظم وان بدا للكثيرين بانه عشوائي ولكن في الواقع يبدو منظما جداً وملفتاً للنظر، ففي كل عملية لهم داخل اوروبا نجدهم يكسبون الرهان ضد السلطات الامنية والاستخباراتية داخل تلك الدول، وفي المقابل تزيد المخاوف الشعبية، وهذا بالضبط مايريده داعش في هذه المرحلة الصعبة التي يعيشها جراء الهزائم المتلاحقة في كل من سوريا والعراق وكوردستان.


116
أدب / امرأة الحرائق
« في: 22:39 05/08/2016  »
امرأة الحرائق

 جوتيار تمر/ كوردستان
21/7/2016

 الصمت شهقتها
كأنها الغيبوبة وسهو الكلام
بمكر تختبئ وراء الكلمات وتغفو
فجأة تنفجر ابجدية العشق في معارجها الضوئية
فتوقظ حرائق الصحو في الفصول
 وتخضر الحروف في أرض عطش..
كأنها الهة البلاغة,,,,,,,
تلد من رحم الموت
مستسلمة لاحتفالات الغيوم
أنتِ إلى أين أسير بكِ
وهذا جسدكِ..
 يستكمل فيك تشكيلات النور في نصوص الأولين
كم رغبة تحتفي بنفسها كلما احتضن صدرك فوضانا
من سلالة الخلود أنت يا امرأة تخترع فيّ الأخضر
هيا اقتربي .......
واعتصمي بهذا الجسد المحنط
لأكون اخر نبي يمهد لصلبه
حين أعثر على مفاتيح المعابد في جسدك
هي تسابيح الشفاه السريّة يقيني
أنّك أنت بعشق واحد وقمر واحد
تكمل فيّ موسيقى الخلود

117
الانتشار النمطي للارهاب
جوتيار تمر/ كوردستان
31/7/2016
معضلة الوجود البشري لاتتوقف عند حاجاته الغرائزية فحسب، بل تتعداها الى خلق اشكال وصور نمطية متوازية للحركية الغرائزية الداخلية كي تتوافق مع الموجودات الخارجية، على ان هذه الموجودات الخارجية هي وحدها التي تحلق خارج النمطية الغرائزية باعتبارها  التجدد والتحديث والتطور المصوغ خارجياً ضمن الموجودات والمنتوجات والمصنوعات والمخلوقات الناجمة من الحراك النمطي الغريزي البشري منذ تكوينه الاول.
على هذا الاساس نرى بأن ما يتبعه البشر في مواكبة الموجودات الخارجية هو اتباع المنهج التحديثي لفرض رؤيته النمطية الاساسية والتي ترتكز على اشباع غرائزه بكل توجهاتها.. وهذا ما يجعل من النمطية التقليدية موجودة في الحدث الاساس الغريزة الطامحة في تحقيق ما تريد.. ولكنها في مسارها النمطي تستخدم الان مستجدات عصرية ووسائل مختلفة غير التي كانت تستخدم في البدء.. وهذا ما يجعلنا نقول بالنمطية كون الجوهر ثابت الغريزية على الرغم من صورها التنوعية الحالية.
وهذا هو الارهاب الحالي حيث جوهره متصل افقيا وعمودياً بالاصل الثابت الغريزة البشرية، ولكن الوسائل تختلف في تحقيق ما تصبو اليه تلك الغريزة.. ولقد برهن الارهاب منذ البدء على انه تصور استحداثي براني خارجي اكثر ما هو تحديث فكري جوهري ضمني، فالجوهر والمضمون الارهابي ثابت وهو ازاحة كل ما لا يتوافق معه، ومع صيرورته وفكره الدموي، الملتحف بالرداء الديني او المتكلم باسم الله وكذلم الملتحف بالفكر البشري الداعي للانسانية او المتكلم باسم البشر، وهذا بالذات الذي يجعل من الجوهر الارهابي ثابت لايتغير، الله عندهم هو مصدر الالهام والتشريع والآمر وانهم مجرد عبيد يؤدون واجباتهم المقدسة تجاه الله المقدس عندهم.. او انهم دعاة الانسانية الحديثة الذين يسعون لتحقيق التكافأ بين المصوغات السماوية والارضية.
ولان الجوهر ثابت فان الارهاب لابد ان يواجه التحديات العصرية التي تعيق تحركه، فهو من جهة لايريد ان يخرج عن الجوهر اي تحقيق امر الله او رغبة الانسانية الحديثة، ومن جهة اخرى لايمكنه مواجهة الواقع العصري بكل استحداثاته وتطوراته، وهذا ما يخلق لدى البعض الشك في النمطية التي يتبعها الارهاب، ظناً منهم بان الوسائل هي التي تخلق النمطية وتخرج عنها، دون الاخذ بنظر الاعتبار ان الجوهر الفكري للاهارب هو المخصص بالنمطية.
ومن يراقب التجربة البشرية على الخراب الارضي يجد ان الجوهر الغرائزي لم يتغير  ضمنياً وكفكرة، انما فقط تغير بالرداء الذي يلبسه في كل مرة، ولأن الغريزة هي المحرك، فان الصورة واضحة سواء من حيث الطلب الميثولوحي الثيولوجي المهمين على الوسط الارهابي منذ بدء الخليقة وحركية الصورة التي طرد الانسان من خلالها من مأواه الاصل ومكانه الاصل الى هذه الارض الخراب، ام من خلال المترتبات التي اوجدتها الغريزة البشرية بعد تقبله لواقعه الجديد الارضي، وهذا ما يمكن ان نصنفه بالمنبع الاساس للانتشار النمطي الارهابي البدائي والمستمر، لاسيما انه حين تشيع بين البشرية تلك الرؤية التي مفادها ازاحة الاخر دون الرجوع الى مايمكن ان يوقف تلك الرؤية او حتى دون الرجوع الى الماهيات والممكنات التي قد ترافق وتخلفها تلك الرؤية، وذلك بعرضها على الواقع الحياتي البشري من خلال موجبات العقل والفكر فان الانتشار النمطي يغدو واقعاً ملموساً وواضحاً لايمكن انكاره او تجاهل مقاصده النمطية المبنية اساساً على الغريزة الاولية والبدائية.
وما يدعونا الى القول بالنمطية هو ان الانتشار  الارهابي الذي لايخضع الان لوسائلية واحدة في صورته الخارجية، لكونه يتجانس مع التطورات الحدثية على الساحة الارضية بصورة عامة، ولكنه في فعله وما ينتجه وما يدعوا اليه بل حتى فيما يسعى لتحقيقه في الجوهر " ازاحة الاخر"، هو تأكد لمقولة النمطية الغرائزية وتأكد في الوقت نفسه للوجهة الاضطرارية للارهاب في تقبل الممكنات الحداثية للانتشار، والملفت للنظر هو الانتشار السريع للوسائل الارهابية المحافظة على جوهرها، وهذا ما يجعلنا ان نعزي ذلك الى وجود البيئة الثقافية والنفسية المتاحة لتقبل الفكر النمطي والانصياع للواقع التحديثي التجديدي الوسائلي وذلك عبر توظيفات فكرية ناجمة عن استغلال الوسائل الاعلامية لفرض الرؤية الارهابية بالطبع عبر استخدام تقنية الترهيب وغرس الخوف في النفوس من جهة، وكذلك عبر اتخاذ النموذج الديني والايديولوجي الترهيبي ايضا للعامة، والترغيبي لاصحاب الفكر الارهابي من جهة اخرى، وهذا بالضبط نقطة التحول في الفكر الارهابي، فحين يشاع الفزع والخوف ويصبح الامر وكأنه حرب ضد المجهول الذي لايلبس ضمن سياقاته الرداء الخارجي النمطي، لكنه في الجوهر يمارس الفعل الغرائزي النمطي الارهابي المؤدي الى قتل الاخر وازاحته، وتعمل وسائل الاعلام على نشر الفكرة دون وعي استباقي بالمؤثرات النفسية والارهاصات الجانبية التي قد تنتج من هذا النقل والنشر، فان الاستفعال الجوهري للفكر الارهابي يتوغل بصورة طوعية داخل المنطومات البشرية، مما يعني بالتالي ان اية بيئة متاحة ومناخ مهيأ جراء خوف ذاتي او رفض محتمل للواقع سيدخل ضمن دوامة النمطية الارهابية الفكرية، وحينها سيبحث عن الوسيلة التي تناسب وقته ومكانه للقيام بالجرم الارهابي.
وما يحدث الان على الخراب الارضي خير دليل على وجود النمط الجوهري الارهابي الغرائزي البشري.. ليس الثيولوجي الديني فحسب انما حتى ضمن سياق الافكار البشرية المستحدثة ايضاً ، التي تتبنى الفكرة الاساس والاصل والجوهر  والتي تتمثل كما سبق وان قلنا بازاحة الاخر او اخضاع الاخر.. وفي المقابل ان الوسائل الاعلامية تساهم بشكل كبيرة في انتشار النمط الارهابي، وذلك من خلال مواكبتها وبمبالغة ما يقوم به هولاء الارهابيون، وحين نسترجع بالذاكرة القريبة سنجد ان التفجيرات كانت هي حصيلة ذهنية تجددية واقعية تعبر عن الجوهر النمطي الارهابي حيث كانت في البدء موجهة ضمن المؤسسات والمنشأت الحيوية، ثم تحولت الى المرافق الحكومية والاماكن التي يتواجد فيها اتباع السلطات، وثم توجهت نحو المرافق العامة، الاسواق، الميتروات، وفي الوقت نفسه سنجد انه حين اصبحت الانظار موجهة نحو هذه الوسيلة، تكيف الارهاب مع واقع اخر وهو التنوع الوسائلي فاصبح وفي اكثر من حادثة متكررة يوظف الفئات القابلة للفكر الارهابي وذلك عبر اعمال فردية يقوم بها اشخاص داخل مجتمعات منوعة وذات ثقافات مختلفة، ولكن في الغالب يكون من يقوم بالعمل هو منتمي الى ثقافة دينية او فكرية واحدة، كما حدث في كل من فرنسا سواء بالهجوم على مقر احدى الصحف، او الهجوم بالحافلة، وفي المانيا مسلح يطلق النار على الناس العامة في المحلات التجارية، او في امريكا اطلاق النار العشوائي في المدارس والشوارع والضحايا ليسوا اصحاب مؤسسات ولا اتباع السلطات انما افراد عاديون من عامة الناس، وبالتالي ان النمطية الارهابية السريعة الانتشار اخذت تؤثر على النفسيات البشرية واخذت تعطي للفئات المتاحة والمهيئة ثقافياً ونفسياً وسائل تجددية لتحقيق الفكر الاساس النمطي والجوهري في قتل الاخرين وازاحتهم.


118
هل هي ملوكية ثابتة للجماعات الارهابية ام موقف ثابت ضدهم
جوتيار تمر/ كوردستان
2/8/2016

كان المشهد الختامي للفلم الذي وجدت نفسي اتابع احداثه حيث قال " الجندي: كان لي الشرف ان اقاتل بجانبك ملكي..  نظر اليه الملك ورد: كان لي الشرف ان احيا بجانبك ايها الجندي.."، ولم تمضي سوى دقائق حتى انتهى الفلم.. بقيت هذه الكلمات في ذهني.. وبعدها بلحظات بدأ عرض فلم اخر، ولانه كان يحكي عن الحرية ومواجهة الاحتلال جذبني، فبقيت اشاهده ما يقارب النصف ساعة، او اقل حيث سمعت احد ابطاله يقول لصديقه بعد ان خرجا من السجن " أ ليس غريبا ان تواجه القوة الثابتة نفسها الموقف الثابت نفسه...؟..."، قارنت كلمات الفلم الاول بهذا الاخير ووجدت امكانية اسقطها على الواقع الذي نعيشه الان، حيث التناقضات تغطي كل المقولات، اما الافعال الدموية فهي الاخرى متشعبة ومنتشرة بشكل فضوي في ظاهره ولكن في باطنه منظم.
الجندي وما اكثر من هم مثله الان يُقتلون في شتى ارجاء العالم، من اجل ماذا..؟ هل من اجل الوطن.."،  أ يمكن ان الوطن هو الملك الان.. ؟ ، ام ان اصحاب النفوذ والسلطان والجاه والنعيم( الاقتصاد) هم الملوك...؟، ومن هذا الذي يُقتل دائما وفي كل الاماكن هل هو المؤمن الذي يجد نفسه يعبر عن ايمانه بالتضحية باعتبارها وسيلة للبقاء بجوار الملك..؟.
 انها اسئلة تخلق العشرات من الاسئلة الاخرى والجواب متروك لكل شخص يقرأ ما كتبته.. حيث يجوز له صياغة الجواب وفق ما يؤمن هو به ووفق ما يريده هو من وجوده.. فالتناقض في كل شيء يثير الدهشة ويبعثر الاوراق خاصة لمن يبحث ويقتصي الاثار بحثاً عن الحقائق، تلك الحقائق التي تمنطق الكثير من الرؤى الخارجة عن النسق السائد الممغنط بالشعارات والتأويلات التي لامعنى لها اذا ما قورنت بالحق الوجودي للوجود الانساني.. فهذا  بن لادن مثلا الرجل الذي احيا بطريقته سنة القتل الوحشي مستنداً على الكثير من النصوص التي قال بانها واردة من ملكه.. الذي هو يؤمن به، فياترى هل حين قتل  قال لمن حوله كان شرفا لي ان اقاتل من اجلك ملكي... والسؤال الافتراضي المبني على افتراضية قوله ذلك.. من كان ملكه وقتها..؟،  و حين قتل الزرقاوي وغيره ممن اسس للارهاب المنظم جذوره في كل ارجاء العالم.. ترى هل مات وقتل هولاء من اجل ملكهم..؟، ومن هو ملكهم في الاصل.. من هو هذا الملك الذي شرع لهم ان يفجروا انفسهم بالناس الابرياء في الاسواق والاماكن العامة، من شرع لهم ان يذبحوا المخالفين لتعاليمهم، ومن شرع لهم قطع الرؤوش، وسبي النساء واغتصاب القاصرات..؟ هل هو ملكهم.. ترى أي نوع من الملوك هو هذا الذي يبيح كل هذه الوحشية..؟،  ومن هذا المشرع الذي ترك في هولاء تلك التشريعات العنفية كي يتبناها اجيال تموت من اجلهم وهم في الاصل تحولوا الى رماد وعظام...؟
وفي الجانب الاخر، يتبادر سؤال مهم حول قراءة هولاء للقوة الثابتة التي يواجهونها، سواء من حيث البعد المكاني والرؤية الزمنية، ومن ثم قراءة الممكنات المادية والمعنوية فضلا عن القدرات والمهارات العسكرية، ترى  هل كان يؤمن هولاء التابعين لمنهج العنف حين خاضوا معركتهم بالموقف الثابت تجاه اللامنتمي الى الفرقة الناجية بظنهم..؟،  ام ان مواقفهم كانت تابعة للظرفية والحاجة والغريزة ولم تثبت على حال خاصة اذا ادركنا حجم الانقسامات الحاصلة في جسد التيار الام لديهم، فمثلا من طالبان ولدت القاعدة ومن القاعدة تناسلت النصرة وداعش والبقية ستاتي.. وهل كانوا ومازالوا مؤمنين انهم يواجهون القوة الثابتة في منطقها وتوجها الاقصائي لجذور الارهاب..؟ .
واذا كان بن لادن وفضل عبدالله محمد وبدر منصور وصخر وابو يحيى الليبي وناصر الوحيشيي والزرقاوي من القاعدة وابو هاجر الاردني وابو النصر الاداري وابو تراب الحموي العسكري من النصرة، وحسان عبود من احرار الشام، وابو مسلم التركماني وابو علي الانباري، والبيلاوي والجهادي جون" محمد اموازي" وابو سياف والشيشاني وغيرهم من داعش قد قُتلوا من اجل ملكهم ..!! فياترى من هو  ملكهم هل هو ارضي ام سماوي..؟،  فاذا كان ارضيا سلمنا بالغريزة وشهوة القتل لديه لاسيما انه سيكون وليد افكار متشددة تؤمن بدار الاسلام ودار الكفر، وسيكون سليل عقود من استباحة الانسان لدم اخيه من اجل فرض سيطرته ونفوذه الديني والفكري والاقتصادي، وبذلك سيكون كل من لاينتمي اليهم هو بالتالي من دار الكفر مما يعني امكانية استئصاله وقطع جذوره ومحوه نهائياً من الوجود، وسيكون مقولة تشرفت بالموت من اجلك ملكي امراً واقعاً ومفهوماً، ولكن اذا كان ملكهم هو السماوي فهل ياترى تقبل تلك المقولة و رد عليهم وقال لهم كان شرف لي ان اكون شاهدا على مجازركم وذبحكم للناس وقطعكم للرؤوس واغتصابكم للفتيات وبيعكم لهن في اسواق النخاسة، باسمي.. ام ان  له رأي اخر بهولاء...؟.
وهنا تبدأ المعضلة حول مفهوم الملوكية التي تبتغيها وتريدها هذه الجماعات من جهة، ومفهوم الملوكية التي تتبناها في الوقت نفسه هذه الجماعات من جهة اخرى، مما يعني بالتالي ان كل افعالهم مقترنة  بالموقف الثابت منهم تجاه ملكهم ..  وبعبارة اخرى هو خضوع اعمى للملك الارضي الساعي لنصب نفسه الهاً جديداً يحكم اتباعه وفق تعاليمه المنحرفة، بعيداً عن الانقياد الايماني المتنور.. وذلك يؤكد ان مقولة الموقف الثابت تجاه القوة الثابتة لاعلاقة له بهولاء، لان القوة الثابتة مستمرة في اجتثاث قيادات هذه الجماعات حتى وان قال البعض ان اصل الجماعات هي صناعات مستوردة من اصحاب القوة الثابتة، ولكن هذا لايخفي ان تلك الجماعات لاتبني فرضياتها على اساس الموقف الثابت تجاه القوة الثابتة، انما كل مواقفها تؤكد على انها لاتواجه القوة الثابتة كموقف انما تحاول ارضاء الملوكية وهذا هو اكثر شيء ثابت لديهم، وما يعني بالتالي نشوء فرضية جديدة نابعة من التفكير اللامنطقي لهولاء على حساب المنطق الواعي المفترض لهكذا جماعات، فمن محاربة القوة الثابتة اللامنتمية والمغايرة لكل توجهات والبنى الفكرية لهم، تحول هولاء الى عبيد للشهوة والغريزة البشرية الساعية لاتمام عزل السماء نهائيا عن مجريات احداث الارض، وتبني مُشرّع ارضي يعيد مقولة ظل الله على الارض، وذلك عبر قنوات شعاراتية داعية الى رفض الاخر اللامنتمي ومحاولة ابعاد خطره او مواجهة احتلاله للاراضي التابعة لهولاء.. وكل ذلك يذهب هباء امام الحقيقة والواقع الظاهر لكل من يتمعن النظر ويدقق التفكير في المجريات الحدثية وفي مابين الاسطر للشعارات والتأويلات التي تتبناها هذه الجماعات..  مع العلم ان المقابل" ثبات القوة" موقفه ثابت تجاه هولاء سواء من خلال سعيهم المستمر في محاربتهم وتوجيههم حسب اولوياتهم وخططهم الاستراتيجية، او من خلال نشر فكرهم التوجيهي والممنطق وفق تداعيات محاربة الدين الارهابي.

119
أدب / امرأة النزوات
« في: 11:17 29/07/2016  »


امرأة النزوات


جوتيار تمر/ كوردستان


تشدو مسماتها بالشهوة
 ينتفض الصدر فجأة لما تنشر فوضاها
تثير أرضا نامت فيها براكينها
حين تلهو بالرغبة
وتكف شواطئها عن الاشتعال
فتلج حواس الصدإ ......
هكذا تثير عاطفة الغواية
فتلمح في مداها الشوق والنزق
 تلون زرقة البحر بنشوتها
وتبكي المسافات...
قريبة من الهاوية تنتفض على كل صدر عار
والقلب يتهاوى في الخطيئة
سيدة النزوات
تغسلين حواسك بهذيان المجون
فتحفرين بسكين فوضاك وشما على صدور العابرين
 ثم ترحلين خلف الصمت ورائحتك تلسع شرفات الحب
 سيدتي .....
لم تزل جريمة القلب تلاحق أنفاسك
وأنت تلاحقين ذئب الوقت لتفوزين بعشب جديد
 تزرعين فيه خيانة الجسد

120
خطوة نحو تحقيق الاسمى
جوتيار تمر/ كوردستان
سأل احدهم  زارا: ماذا يريد الحكماء عندما يضعون الفضلية فوق الناس ؟ رد: استمع اليهم يقولون : لاينبغي اكثر من طمأنينة الروح لاولئك الذين اتموا واجبهم على اكمل وجه، وأيعنوا كلمة السر المقدسة(ينبغي عليك) فعلى المرء ان يتحلى بالفضيلة كي يحلم ثانية بالمثل العليا التي حققها حسبما يقتضي الواجب هربا من عضة الضمير.
ينبغي عليك.. تلك هي المعضلة التي يرفضها الانسان حيثما كان وحيثما فكر، وحيثما انتمى.. لانه يريد دائما ان يفرض وجوده عبر ما ينبغي للاخرين فعله تجاه ما يريد هو.. وبذلك تتحول الامور عن مساراتها العادية لتصبح فيما بعد معضلات تهدد استقراره ونموه ووجوده البشري الانساني السياسي الاقتصادي الاجتماعي النفسي والايديولوجي.. فعلى الرغم من ادراك الانسان ان الامور حين تخرج عن مساراتها تشكل على جميع الاصعدة عقبات لاستمراريته الا انه مازال يبحث عن ماهية ما ينبغي للاخرين فعله تجاه وجوده الاناني.. ولايمكن ابعاد هذه الفرضية على الواقع السياسي العام في كوردستان، بحيث نجد بان كل الاطراف المتصارعة والتي شكلت عقبة كبيرة بصراعاتها امام الحركة التحررية الكوردية في الانتقال الى مرحلة مابعد المطالبة بالاعتراف بها، لم تزل تعيش وقع ما ينبغي للاخر فعله.. ولم تتطور ذاتياً وفكرياً وتؤمن بالفضيلة التي تقول ماينبغي عليَّ فعله.. ولعل الامر يحتاج الى وقفة جدية من اصحاب القرار السياسي في كوردستان .. فلكي يتم طوي الصفحة الحالية الممتلئة بالصراعات والاحقاد والاتهامات والتشهير.. عليهم ان يتحولوا الى فلسفة زارا في الفضيلة كي يؤثثوا عالماً اخراً اكثر  انتماءَ للقضية، واكثر تمازجاً للروح، واكثر تناغماً في الرؤى والافكار والاهداف، فعلى الرغم من ان الهدف المعلن للجميع هو كوردستان والكورد اولاً ، الا انهم في الاقوال يجتمعون وفي الافعال يختلفون لان رفض الاخر والتشهير بالقيادات ومحاولة المس بالمقدسات والتحالفات المشينة التي تهدد الاستقرار الداخلي وكذلك العنصرية الانتمائية الحزبية الرافضة لوجود الاخر وتبني فكرة ال" أنا " الفوقية كل ذلك يقتل بقايا الفضيلة وتعيق المسيرة نحو الهدف الاسمى.. كوردستان مستقلة.
وعودةً الى الفضيلة لقد لامسنا مؤخراً التطور الاعلامي الحاصل الامر الذي يدعوا الى الطمأنية حيث وكأن الساسة عاد اليهم رشدهم الغائب منذ اشهر" تأنيب الضمير".. فاصبحوا على بوابة الفضيلة التي تجعلهم يقولون ما ينبغي علينا فعله الان.. وليس ماينبغي ان تفعله لي.. وهذا بالذات نقطة اساسية وجوهرية في التحول نحو افاق ابعد سواء على المستوى الدولي او الاقليمي او الداخلي، لاسيما ان الانشطار الحاصل في البنية الداخلية هي نفسها التي ساهمت في التلكؤ الحاصل من قبل المنظومة الدولية تجاه القضية الكوردية.. مما يعني ان التطور هذا سيساهم وبشكل فعال في تحريك الافق الدولي للضغط على الاقليمي وبالتالي سيكون منعطفاً تاريخياً للبدء بالمسيرة نحو الكيان الاستقلالي ونحو تحقيق الحلم الكوردي في كوردستان وعلم مستقل.
 ان قيام الاحزاب المتناحرة سياسيا واعلامياً داخل كوردستان بالاتفاق على خارطة طريق للتقريب بين الافكار والاتجاهات والاهداف لهو اكبر تطور ديمقراطي يمكن ان يجعل من القضية الكوردية مرة اخرى انموذجاً يقتدى بها في المحافل الدولية والاقليمية لاسيما ان الجوار اغلبه مشتعل سياسياً وطائفياً وعرقياً ودينياً وعسكرياً.. مما يعني ان النموذج الكوردي حتى في الفوضى الخلاقة سيكون النموذج الاكثر ديمقراطياً لكونه لم يتحول في قمة الصراع السياسي والاعلامي الى تجربة دموية.. انما حافظ على نمطه التصعيدي اعلامياً.. وهذا مقارنة بالجوار يعد تحولاً نوعياً للوعي والرؤية الكوردية للمفاهيم السياسية والحوارية الدولية القائمة في وقتنا الحاضر.
لقد لفت انظاري التحركات السياسية التي تقوم بها بعض الجهات داخل كوردستان محاولة منها لفك الازمة السياسية بين الاطراف المتنازعة والمتناحرة منذ اشهر طويلة، والتي اثرت اقتصاديا وسياسا واجتماعيا ونفسيا على الواقع الكوردي لاسيما ان الكورد الان يخوضون اكثر من معركة وعلى اكثر من جبهة، فالحرب مع الارهاب واقع فرض على الكورد قسراً، ومن ثم الحرب الاقليمية ضد الاحقاد القومية والدينية للاخرين تجاه الكورد امر لايمكن انكاره الا من قبل حاملي شعلة الفتن، ومن ثم الحرب الاقتصادية التي لم تزل تحتاج الى وقفة اكثر جدية من قبل الساسة الكورد امر اخر لامفر منه، لاسيما ان الاقتصاد هو كان ولم يزل المحرك الاساس لاية تغيرات جغرافية او سياسية او اثنية عرقية قد تحدث في اي مكان.
كل هذه الازمات هي فعالة واقع لايمكن التنصص منه ، لذا لابد من الخطوة الجبارة التي قد تكون المدخل لفك المعضلات المتتالية والمتوالية على الكورد، وهذه الخطوة تبدأ بالعمل  بفلسفة زارا في الفضيلة.. ما ينبغي فعله الان.. والابتعاد عن الانانية الحزبية التي اعاقت تطور الحركة التحررية الكوردية.. وبهذا تصبح الفضيلة هي التي تقود الناس الى حيث يجب ان يكونوا .. المنزلة المرتفعة.. والافق المستنير.. والعالم الاستقلالي الموحد.. ولن يتم ذلك الا اذا اتم الساسة ما يجب عليهم فعله تجاه الناس والقضية والوطن معاً.

121
المنبر الحر / لن اكون الا شوكة
« في: 00:11 19/07/2016  »
لن اكون الا شوكة

جوتيار تمر/ كوردستان
18-7-2016
حين تعارض المقولات الافعال تتحول المسميات الى اشواك حادة تجرح اعضاء الجسد الواحد، وتجعله معرضاً للكثير من الافات والفتن، وهذا الجسد يتحول يوماً بعد يوم الى ساحة للافكار المتناقضة التي لايصمد امامها الا الاوفياء ممن هو فوق الافة، وفوق الشوكة، وفوق الحقد الظاهري والباطني معاً.. وبعيداً عن المسميات والتشخيص العلني المباشر يمكننا ان نعاين الحالة الكوردية على ساحة كوردستان الحالية بهذه الكلمات التي قد لاتصف الحالة بدقة عالية لكنها تقرب الصورة الحقيقية للواقع لاسيما للذين حولوا الحقد الباطني التراكمي والتشهير العلني النابع من الحقد ايضا الى اشواك في جسد الوطن وابناء الوطن وبالتالي تحولوا الى آفة بدأت تحاول ان تنتشر علنياً بعدما اخذت حصتها من الانتشار باطنياً، وكأن لسان حال هذا التيار السياسي يقول بصريح العبارة لن اكون الا شوكة في كل مساعيكم وهذا ما تؤكده يوماً بعد يوم حيث تظهر على انها مصرة  على الخروج عن المسار الحواري التشاركي الذي يخدم القضية الكوردية ضمن غطاء سياسي وهيكل موحد، فحتى حين قررت نشر حقدها علناً اتخذت اسوء صورة تناقض بها كل المقولات التي تبنتها لتخفي عيبها الباطني افتها الباطنية الحقدية، حيث اظهرت بانها لم تكن يوماً تهتم بمشاعر الانسان الكوردي ولا حتى تهتم بالقضية الكوردية الا من خلال تبنيهم الحقدي للواقع تجاه من هم اطول منهم باعاً في النضال، واكثر منهم تضحيات، واعظم منهم شاناً سواء رضوا هم بذلك ام لا..
ان المتابع للصورة الحقيقة لهولاء يتضح  له جلياً انهم اختلقوا  الهتهم الخاصة بهم والتي تتبنى آيات الحقد فقط تجاه الاخرين ممن لاينتمون اليهم ولاينتمون الى عالمهم الآسن المتعفن، وهذا ما اظهره تجربتهم المخادعة التي اتخذت في البداية شعار التغيير وشعار ات اخرى كلها كانت براقة بدت وكأنها ستغير العالم كله دون اراقة اية قطرة دم.. لكن اتضع فيما بعد انها تلبس رداء اللاعقلانية في التعامل مع كل الظروف الراهنة التي تخص المواطن الكوردي وكوردستان، لاسيما ان من لبسواء رداء هولاء جعلوا من تصريحاتهم شوكة في جسد السعي الكوردي لخلق عالم خاص بهم عالم يحمل علم كوردستان.. فيه الكلمة تكون كوردية خالصة حتى وان بدت في صورتها باهتة لانها اتت من واقع اختلافي سياسي داخلي وليس واقع اختلافي اختلاقي خارجي بدعم من هولاء، وعلى هذا المنوال بدأت لعبة التصريحات من قياداتهم تظهر مدى الحقد ومدى التخلف السياسي الذي يتبناه اتجاههم الحركي تجاه كل قضايا الكورد داخل كوردستان.. وشيئا فشيئاً بدأت تظهر عوراتهم والحقائق تفضح اسرارهم الاسنة النابعة من تعفن افكارهم وحقدهم تجاه الاخر .
لقد اظهر هولاء منذ البداية انهم لم يأتوا لخلق عالم جديد او لتغيير الافكار او لتغيير الاوضاع، انما ومن خلال تصريحات قادتهم اظهروا بانهم اتوا لمعاداة الطرف الاخر الاقوى منهم والاكثر اتقاناً للعبة السياسية سواء داخلياً او خارجياً، وبالتالي وقفوا بكل قواهم ضد المساعي التحررية والاستقلالية والسياسية والاقتصادية والتي تعيق الحركة الكوردية اجمالاً.. وبدأ نباحهم العلني المتعفن يمس المقدسات والقيادات الكوردية التي ناضلت من اجل القضية منذ نعومة اظافرها واعطت للقضية الكوردية بعداً عالمياً لم تكن لتصل اليه لو لا تبنيهم لها، ومن يتمعن النظر الى تصريحاتهم سيفهم بأنهم لايملكون سياسياً ادنى مقومات الفهم والادراك السياسي بلى ان نسبة ادراكهم لن تتجاوز السالب مائة اذا ما تم مقارنتهم بالاخرين.. لاسيما حين ظهروا على شاشات وسائلهم الاعلامية يطعنون في نضال الاخرين.. بل وصل ببعضهم الامر الى التقليل من شأن هذه القيادات واتهامها بانها لاتحمل شهادات عليا.. لذا وجهت وسائلهم الاعلامية بغضهم وحقدهم تجاه التجربة الكوردية مدعية ان الاخرين مفسدين يسرقون اموال الشعب، بل وصل بهم الحال الى اتهام الاخرين بانهم وراء قيام حكومة بغداد برئاسة المالكي بقطع الميزانية وذلك باعتبار ان وزيراً من الطرف الاخر يشغل منصب وزير المالية مناقضين بذلك وجودهم الفعلي السياسي لكونهم في الوقت نفسه كانوا يشغلون منصب وزير المالية في كوردستان، فاذا كان الوزير الاخر تسبب في قطع الميزانية سيكون بلاشك مجرما بحق الشعب، فماذا عن وزيرهم أ لن يكون ايضا الصورة الحقيقية لوجودكم الاجرامي تجاه الشعب الكوردي.. وهكذا اصبحوا فقط يبحثون عن المعيقات ويتهمون الاخرين بانهم مفسدين وسارقين لحقوق الشعب، وتحولت وسائلهم الاعلامية الى مدراس لتعليم الارقام والاحصائيات وبث روح الانشقاق، وكل هذا فقط لاضفاء المزيد من الحقد على حقدهم تجاه الاخر، دون ان نسمع او نجد او نرى اية محاولة منهم للتقرب الى الحقائق والتقرب الى الواقع السياسي وفهم وادارك ضرورات المرحلة الراهنة وتبعيات اعمالهم التي تسيء الى التجربة الكوردية بصورة عامة ولاتمس فقط الطرف الاخر،، ووصل بهم الحال الى الخروج من جلدهم الحالي الذي اصلاً سبق وان استقطعوه من احدى الاطراف المشاركة في اللعبة السياسية الكوردية ليندمجوا مرة اخرى به، محاولين بكل الوسائل استعادة مكانتهم التي فقدوها، دون ان يخجلوا من انفسهم لانهم في الاصل خانوا ذلك الجلد اساساً.
وتطورت لعبتهم الحقدية حيث لم يكتفوا بان الحقائق اظهرت تعاونهم الواضح والصريح مع الايرانيين لخلق الازمات الداخلية حتى وصل بهم الامر الى الاستعانة بمن هو في الاصل عدوا لدود للكورد ولقضيتهم وله تصريحات علنية واضحة تسيء الى الكورد عامة، فمدوا اليه يدهم المتعفنة والاسنة، آملين ان يسكب هو المزيد من الزيت على حقدهم الاسن والمعفن.. وذلك لمحاربة الاخر دون اي وعي واي ادراك للتبعيات المترتبة نفسيا وواقعياً لفعلتهم هذه وتلك.. ودون اخذ اية اعتبارات للتاريخ الذي سيكتب عنهم بأنهم بلباسهم التغييري ولسانهم المتعالي لم يجلبوا للكورد الا الويلات.. وانهم منذ البدء لم يكونوا الا شوكة في جسد الحركة الكوردية الساعية لتحقيق مكاسب وطنية كبيرة خاصة في هذه الظروف التي اتت مساعدة لتحقيق ذلك.. وكذلك دون ان يعوا ان من يلبس زي البيشمركة ويشاركهم في صنع ملاحمهم البطولية اكبر من يمس من  السنتهم المتعفنة آلاسنة التي لاتنطق الا من وراء الحقد وتدعي الصلاح، والصلاح منهم بريء.

122
مسرح الشرق الاوسط مستمر
جوتيار تمر/ كوردستان
16/7/2016
يعتبر الشرق الاوسط من احدى اهم المناطق التي تبرز فيه الادوار البطولية بين فينة واخرى، وذلك ضمن سياقات تاريخية حدثية تبدو في صياغاتها وسيناريوهاتها اشبه بالمسرحيات القديمة المعتمدة على الالهة والاسطوريات والابطال الخوارق،  لتنافس بذلك تاريخ المسرح الاغريقي بكل تمفصلاته الميثولوجية والاسطورية والخرافية وحتى البشرية الواقعية،  وما تمر به المنطقة الان ليس الا جزء من فصول مسرحية متوالية ومتتالية يمثل ادوراها احياناً الدول بايديولوجياتها ومذاهبها وطوائفها، واحيانا الجماعات الارهابية كداعش والنصرة والقاعدة، واحيانا الشخصيات كرؤوساء بعض الدول في المنطقة.
وليس بمخفي على من يتابع الحدث التاريخي ضمن سياقاته الترابطية والوحدوية، ان الاحداث المؤثرة في صياغات الرؤية من جهة وعلى سياقات الحدث الدرامي المسرحي من جهة اخرى لم تنقطع تاريخياً في المنطقة، بل انها تزداد يوما بعد يوم وتخرج في كل مرة برداء جديد سواء أكان الرداء مصنوع محلياً، او مستورد وفق تداعيات التحالف والتشارك المصلحوي السياسي والاقتصادي وفي نطاق ضيق الاجتماعي، وهذه الاحداث برمتها وتنوعها واختلافاتها السياسية والايديولوجية والدينية والمذهبية تخلق دائما نمطاً درامياً مغايراً للاخر، ولكن النتائج في كل الاحوال تصب في مصلحة الساسة على حساب الشعوب.
وليس بغريب ان نجد في منطقة الشرق الاوسط ظهور الجماعات الارهابية، او انتشار الصراعات القبلية والمذهبية والطائفية، وكذلك دخول الدول في حروب شرسة ضد بعضها، وحتى الحروب الاهلية بين ابناء البلد الواحد، ومن ثم انتشار ظاهرة الانقلابات العسكرية وحتى الثورات ضد السلطات المحلية والحكام الطغاة لخلق طغاة جدد، وهذا بالضبط ما يجعل من مسرح الشرق الاوسط الاكثر حركية من حيث كثرت الادوار وكثرت المشاركين في التمثيل ومن حيث كثرت المشاهدات سواء ضمن نطاقات العالمي الرقمي او ضمن النطاق البث المباشر والحي، وما يثير الدهشة دائما هو وجود المبرر لكل فعل ولكل حدث في المنطقة، سواء من قبل اصحاب الفعل التمردي المعادي للحكومات" الثوار" او" الانقلابيين"، او من قبل الحكومات التي تصد بعنف تمردات شعوبها وخروجها على سلطانها وسلطاتها، وحتى من قبل الجماعات الارهابية التي تؤدي دوراً رائداً في الاحداث لاسيما في الاونة الاخيرة بحيث تعتبر هذه الجماعات هي المحرك الاساس لكل الفعاليات الشرق الاوسطية والتي تتنامى بشكل فعال ومؤثر وبدأت تساق تجربتها الارهابية بتنوعها وتجددها الى العالم الغربي كفرنسا وبلجيكا وبريطانيا.
ان التبرير هو الاساس لكل فعل دموي شرق اوسطي، ولايوجد اطلاقا اي منطق انساني او ديني او علمي لاي فعل دموي هنا، ولكن يوجد فقط المبررات التي يتخذ منها هذه الجماعات  والتيارات وتلك الحكومات وهولاء الشعوب، كي تُقِدمَ على افعالها، وتحركاتها، وتلك التبريرات لاتنم الا عن نقص حاد في الوعي البشري التشاركي" قبول الاخر"  من جهة، ونقص حاد في ادراك المفاهيم وتسخير المصطلحات لخلق عالم سلمي بعيد عن الصراعات والالتحامات الدموية والفكرية والدينية والاجتماعية والسياسية ايضاً.
وحتى حين خرجت الشعوب ضد حكامها الطغاة لم تستطع ان تحافظ على نقاء شعاراتها، بل انغمست في حرب دموية اهلية افجعت الانسانية بنفسها، وتركت اثاراً لايمكن للتاريخ ان يتجاهلها ابداً، ولم تتوقف الامور عند ذلك الحد، بل تفشى القتل والدمار في كل الاماكن، واستغل البعض الوضع كي يحولوا المنطقة الى بؤرة صراع مذهبي ديني ايديولوجي سياسي فضيع، وبالتالي انقطعت الاواصر الانسانية بين الفرد ومجتمعه والمجتمع وحكومته، وهذا الانقطاع خلق بالتالي نوعا من الانفصام لدي الشعوب تجاه حكوماتها، وتحولت الحكومات الى ادوات تدميرية تمحي كل عائق وكل من يقف بطريقها، وهكذا تفسخت العلاقات داخل البلد الواحد، وحتى ان ظهرت احيانا بمظهر الوحدة، الا ان الامر لايعد سوى مرحلة مؤقتة او لنقل قنبلة موقوتة تحتاج فقط الى محرك كي تنفجر.
ولعل الامر لايحتاج الى ان نرد الكثير من الامثلة، فكل من تونس وليبيا ومصر والعراق وسوريا والبحرين واليمن وتركيا ايضا خير دليل على ما نقول ولكن يبقى هناك شيء لابد من ذكره، وهو ما يتعلق بالوعي الوحدوي لدى الشعوب ومدى توافقها مع الحكومات.. ففي تونس مثلا كانت الجموع الشعبية موجهة ضد الحكام، ولكن ما ان تغيرت الحكومة حتى بدأ الصراع الداخلي، لكنه لم يتحول الى صراع دموي، انما بقي سياسياً، الا ان المنطقة لم تشهد تكرار تلك التجربة ففي مصر بدأت الصراعات المذهبية والفكرية والدينية لاسيما بين العلمانيين والاسلاميين، وظهور نعرات قبطية، وفي ليبيا تحول اسقاط الحكومة الى حرب اهلية شرسة، وفي البحرين لم تزل النعرات المذهبية قائمة، وفي اليمن تحولت الحرب ضد السلطة الى مجازر دموية بين ابناء الشعب اليمني وذلك وفق اجندات خارجية مذهبية دينية خالصة، وفي العراق وسوريا تكررت التجربة نفسها فضلا عن ظهور عدو اخر شرس دموي " داعش " ، وعلى هذا المنوال ظل المسرح الشرق اوسطي مكتظاً بالاحداث والممثلين من جميع المذاهب والايديولوجيات فضلا عن استقطابه ممثلين على المستوى العالمي من انحاء اوربا وامريكا وحتى من دول الشرق الاقصى كي يساهموا وبمستويات متفاوتة في صياغة الاحداث الشرق اوسطية.
ولعل الحدث الاكثر بروزاً هو الانقلاب العسكري التركي الذي لم يعمر طويلاً، وبعيداً عن التكهنات والتبريرات الانقلابية والتبريرات الحكومية السلطوية فان الحراك الاكثر وعياً شعبياً ظهر في تركياً، حيث ان اغلب الدول الاخرى حاولت ان تسكت الجموع بالسلاح، الا ان السلطات التركية اسكتت الدبابات والاسلحة الانقلابية بالشعب، الذي ظهر في موقف فريد وحدوي ضد الانقلابيين وافشل محاولتهم التي لم تدم سوى ساعات، ولكن ذلك ايضا لم يتم الا بعد اراقة الكثير من الدماء كردة فعل عنيفة ضد التوجهات الانقلابية والمؤسسة العسكرية، فكانت الصور تبث من الجانبين تبين مدى العنف المستخدم من الطرفين..  بالاخص من اتباع السلطة الشعب الذي وقف بوجه الانقلاب حيث بالغ كثيرا في استخدام العنف ضد الجنود الذين لم يكونوا يمتلكون ادنى مقومات الحماية،  وبذلك يمكن ان نختم فصلاً اخراً من فصول المسرح الشرق اوسطي.. على انه لن يكون الفصل الاخير والنهائي.. لان الاحدث لم تزل مستمرة على زوايا اخرى من خشبة المسرح.


123
المنبر الحر / الارهاب يجدد نفسه
« في: 21:39 15/07/2016  »
الارهاب يجدد نفسه
جوتيار تمر/ كوردستان
15/7/2016
ان قضية الارهاب لم تعد محصورة على جغرافية معينة او حتى فئة دينية معينة، لكون الارهاب نفسه لم يعد مجرداً من التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العالمية، وبالتالي ان توجيه اصبع الاتهام الى دين واحد على اعتباره مصدر الارهاب الاول لايكون الا من خلال الخضوع لتجربة منهجية ودراسة مكثفة تبين الارقام والنسب وفق معطيات الواقع العياني والتداعيات المرافقة لكل عمل ارهابي، ومن ثم تأطير وتأصيل الرؤية حول الحدث الارهابي نفسه كي يتمكن الباحثون عن كشف المخفيات حول الاصل الارهابي والنبع الارهابي في ذلك الدين او في افكار وايديولوجيات تلك الجماعة المتهمة بالارهاب او لنقل المتخذة من الارهاب مصدر وجود لها.
وعلى هذا الاساس نحن امام معادلة متشابكة من حيث الاحداثيات لكون الارهاب تاريخياً لم يكن حصراً على دين او جغرافية معينة، بل ان الاساليب المتعبة حديثا في العمليات الارهابية هي امتداد وتطور لتلك التي استخدمت سواء في العصر القديم  حيث القوي يأكل الضعيف، او العصور الوسطى بالاخص في مرحلة الصراعات الدينية الداخلية والخارجية للاديان نفسها، وهذا ما يعني ان مفهوم الارهاب الحالي هو امتداد لهمجية الماضي البعيد والقريب معاً, وبالتالي فان اي تحديد لماهية الوجود الارهابي ليس الا تعدياً للواقع او عنصرية فؤية بشرية تجاه الفئات البشرية الاخرى.
ولكن هذا لايمنع ابداً ان نقوم بحصر القيم الارهابية الحديثة والمعاصرة التي باتت مصدر تهديد وخطر على البشرية اجمع، بحيث ان الاتجاهات التي تنبع منها الجماعات الارهابية تصبح هي المعيار والمقياس لتوجيه اصبع الاتهام الى جهة معينة او دين معين او حتى فئة معينة دون اخرى، وهذا بالتحديد ما يحدث الان ضمن التحولات التاريخية من جهة، من ضمن التغييرات الايديولوجية من جهة اخرى، فالارهاب اصبح ملازماً لمتحولات تاريخية داخل منظومة دينية، متاخمة للكثير من المنظومات المخالفة لها، ووفق ايديولوجيات تستمد فتواها وقواها من الفتاوي التي تبناها بعض الاشخاص باسم الدين وباسم الله وباسم الرسل والانبياء، وهذا ما يمكن ان نسميه عولمة الارهاب وفق المسار الدين العالمي.
 ويضعنا المفكر والكاتب علي حرب  في كتابه " الإرهاب وصنّاعه: المرشد، الطاغية، المثقف " امام الصورة التي تشكل معالم الارهاب العالمي حين يقول: يشكّل صعود الأصولية والتعبير عن نفسها في تيارات متطرفة تمارس العنف وتستولي على الأراضي وتغيِّر في الجغرافيا والديموغرافيا أبرز التحوّلات، خصوصاً أنها تتخذ من الإسلام راية أيديولوجية، تسعى من خلالها إلى الدمج بين الدين ومنظومتها الفكرية، بما يجعل الإسلام في موقع الداعم للإرهاب والمبشّر بالدعوة لممارسته. على امتداد جملة عناوين متفاوتة في تعبيراتها ومضمونها...... وهذا بالضيط ما اصبح الواقع الارهابي يمثله، بحيث لم يعد بالامكان توجيه اصبع الاتهام الى اية فئات وجماعات دينية اخرى يمكن ان تمثل هذا الصعود الاصولي غير الجماعات الاسلامية المتطرفة والتي تستمد من الدين وفتاوي رجالات الدين مصدر افتاء ومصدر تشريع للقيام بالاعمال الاكثر دموية وعنفا في التاريخ البشري، وليس هذا فحسب بل اصبحت هذه الجماعات الارهابية تجدد ثوبها الديني من جهة وتجدد وسائلها الارهابية من جهة اخرى، ولعل البعض يراها من باب نظرية المؤامرة ويقحم اليهود في التحوير والتزييف الحاصل في البنية الفكرية للدين عند هولاء كما يذهب الدكتور طه جابر العلواني حين يقول ما نصه ان كل فئة محترفة للتحريف ومستهدفة لاضلال غيرها لابد لها من توليد مداخل للتحريف من ذات البنية الفكرية التي يراد اختراق النظام المعرفي القائم عليها، لتتم عملية الاختراق والتحريف من الاطر التي تعتبر مرجعاً عقائدياً، ولكي يكتسب التعريف والتزييف مرجعية ثابتة، حتى لو اقتضى الامر الدس والتزييف والتلاعب بكل شيء وهذا هو اخطر انواع التحريف والتزييف ......... .
لقد حاول الدكتور العلواني من ان يجعل من محاولات الغير في تزييف الحقائق وتحويرها امراً يستند اليه في كل قضية خروج عن النص الديني، ولكنه في سياق كلامه اعطى ثغرة لمن لايؤمن بنظرية المؤامرة كمدخل لدحض مقولته هذه، لانه استند على محاولة الاخر من توليد مداخل للتحريف من ذات البنية الفكرية، اي ما يثبت ان البنية الفكرية المراد تحريفها تمتلك ثغرات يمكن الولوج من خلالها الى جوهر العقيدة وبالتالي اخراج من يمكن ان يحرف الكلم عن مواضعه، او ما نسميه الان الارهاب العقائدي الديني والارهاب الدموي الناتج من الارهاب الاول.
 وحين يتساءل علي حرب عن مدى وجود علاقة بين الإسلام والإرهاب، انطلاقاً من كون هذه المسألة باتت واحدة من مشكلات الساعة، منذ تفجيرات أيلول الأميركية عام 2001... فان الامر لم يعد فيه شكل في الوقت الحاضر بان الارهاب الاسلامي اصبح مصدر قلق وخطر على الجماعات البشرية المسملة وغير المسملة في نفس الوقت لكون ان الارهاب العالمي الديني اصبح يتخذ من شكل الهوية الانتمائية التشريع في الابقاء على الاخرين او قتلهم ورفض وجودهم بشتى وكافة الوسائل المتاحة وغير المتاحة في آن واحد.. وحين يغيب الخطاب الديني العالمي الاسلامي الموحد الموجه لصد الارهاب ولاخراج الارهاب من الجغرافيا الدينية الاسلامية فان المؤسسات الدينية  نفسها تتحمل المسؤولية  وذلك لعجزها عن الانخراط في نضال فكري وديني ينزع عن التيارات الأصولية حججها المستخدمة في تبرير الإرهاب، من خلال استخدام النص الديني وفق قراءة حرفية لا تأخذ في الاعتبار تاريخية النص ومكان وزمان صدوره والحاجات التي أوجبت نزوله. فالمؤسسات الدينية تبدو متوجسة من المصارعة الفكرية والنظرية مع التنظيمات المتطرفة، وهي بذلك تقدم لها مساهمة عملية، وتعتبر، في الوقت نفسه، مسؤولة عن هذا الإرهاب الأعمى الذي ضرب بسوط الإسلام في كل مكان في العالم .. كما يقول علي حرب.
ومن يلاحظ المنهجية التي تتبناها الجماعات الارهابية الاسلامية يلاحظ المسار التاريخي الذي تم سلكه من قبل هولاء وذلك للانهاض بالفكر الجهادي الدموي الارهابي الحديث والمعاصر، او ما يسمى بالجهادية السفلية التي تتبنى افكاراً تعد خليطاً تضم اساسيات الفكر الحركي لسيد قطب، فضلاً عن الفقه السياسي الشرعي لابن تيميه ، بالاضافة الى التراث العقدي للدعوة الوهابيةـ ويضاف اليها المنهج السياسي الحركي للتيار الجهادي، كل ذلك يشكل الان المعلم الشرعي الاساس الذي يستفيد منه الجماعات الاسلامية الارهابية في شن حربها الضروس ضد البشرية اجمع، او لنكن اكثر وضوحاً ضد كل من لاينتمي الى تيارهم الفكري العقائدي.. وبذلك استطاع هولاء بافعالهم واقوالهم ان يخرجوا جميع الفئات الاخرى من معادلة الارهاب، كي يتفردوا هم بها بالخصوص، وهذا ما يعني بالتالي ان اتجاه اصابع الاتهام للدين الاسلامي كمصدر تأسيسي ونبع استمراري للارهاب بات امراً لايمكن رفضه سواء ظن البعض ان هذا الاتجاه هو انحراف وتزييف للعقيدة السليمة او مؤامرة ضد الاسلام نفسه.
ان ابرز المكونات التي ترسم ملامح الارهاب الديني الحالي تكمن في جملة معطيات لعل ابرزها رأس الهرم الديني في الاسلام حسب اعتقاد الجماعات السلفية او ما يسمى بالخليفة او المرشد او الامام عند البعض، والذي يعد بنظر هذه التيارات الناطق باسم الله، وعلى الرغم من كون التيارات السلفية تحاول اقناع الناس بان مصدرها الاساس هو الكتاب والسنة الا ان الواقع يظهر تماما غير ذلك ، حيث ان اغلب مرجعياتهم في اعمالهم العنفية والارهابية تستمد قوامها وشرعيتها من كتب الائمة وفتاويهم وارائهم لاسيما اراء سيد قطب وابن تيميه وهولاء يمثلون عند الكثير من الجماعات الاسلامية الجهادية رأس الهرم، وحين يفهم من كلام هولاء ان فئة او جماعة هي باغية او كافرة او ملحدة خارجة عن الدين، يستغل الفئات الارهابية الامر لممارسة عنفهم الديني حقدهم البشري وغلهم الجنسي مع تلك المجموعات والفئات غير المنتمية اليهم.. ومن المصوغات الاخرى التي ترسم ملامح الارهاب الديني العالمي هو وجود مداخل يمكن للجماعات الارهابية ولوجها وذلك لتنفيذ مخططاتهم الارهابية فحين تجد حكاماً لايدينون بدينهم الفكري، ويتخذون من الشعوب وسيلة لكي يرتقوا على جماجمهم سواء من خلال اقحامهم في حروب او ابعادهم عن مفاهيم الدين الصحيحة من خلال اباحة ما لايباح بنظر التيارات السلفية الجهادية فان هولاء ايضا يفتحون ابواب جهنم على انفسهم وشعوبهم حيث يستغل التيارات الارهابية الامر ويعدونهم كفاراً فيذيقونهم العذاب احياء.. ولعل الكثير من المعطيات الاخرى تعد منافذ لولوج هذه التيارات.. ولكن الغريب في الامر ان الصفة الدموية في التاريخ الحديث والمعاصر اصبح حكراً على التيارات الاسلامية وحدها،، مما اوجب على المفكرين والمناظرين ان يوجهوا اصابع الاتهام الى الاسلام باعتباره المصدر الاساس للارهاب العالمي.
وما ساعدهم في ذلك التبرير هو ان التيارات الاسلامية التي تتجدد في عقائدها ومناهجها ، اصبحت الان هي الصورة الاكثر انتشارا للاسلام الديني وليس للاسلام السياسي فحسب، وبالتالي فان تجدد هذه العقائد والمناهج انتجت تجدداً اخراً في الوسائل المتبعة ضد الاخرين ارهابياً.. فالاحداث الاخيرة اثبتت ان الارهاب بثوبه العولمي الديني الجديد لايؤمن بجغرافية واحدة بل يتعداها ولايؤمن باصحاب فكر مخالف واحد بل ان الكل مستهدف, ولعل داعش اليوم خير دليل على هذا التحول الفكري الجهادي الوسائلي الخطير.. لكونه لم يكتفي باراقة الدماء في منطقة الشرق الاوسط وسبي النساء واغتصابهن وبيعهن في اسواق النخاسة، انما يقوم باستخدام تقنيات استخباراتية حديثة ترهب الحكومات العالمية حتى وان قال البعض بان تلك الحكومات هي الداعمة لها.. فالتفجيرات.. والقتل الجماعي " المقابر الجماعية العرقية" ، وقطع الرؤوس والحرق احياء ومن ثم الدهس بالحافلات كما حدث مؤخرا في نيس الفرنسية كل ذلك يؤكد بأن عولمة الارهاب الديني اصبح امراً واقعاً لامفر منه، الا اذا قام  كل من الخطاب الديني العالمي بتحمل مسؤوليته في صد هذا الاجحاف بالنص الديني، وكذلك اذا قامت الدول بالتحالف المنظم والممنهج للحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة.
 

124
صانعوا التاريخ وقفة تأملية
جوتيار تمر / كوردستان
14/7/2016
لطالما تناسل من صلب هذا الخراب المسمى الارض بشر يمتهنون صناعة التاريخ بافعالهم واقوالهم وتحدياتهم وخلقهم لعوالم جديدة سواء من خلال طرح افكارهم او من خلال تبني افكار اناس مغمورين لم يكن ليكتب لافكارهم النجاح اذا لم يتبناها هولاء، ورافق ذلك الانقسام الحتمي للوجود البشري على مدار وجوده الفعلي، اي خليقته، وهذا الانقسام هو اكثر الامور تضخماً في وجود البشر بنظري حتى وان خالفت بذلك الاعراف والمعتقدات والسائد، ولكن من ينظر بتأمل الى الوجود الاول للبشر  ضمن منظومة الخليقة  المكانية حسب الرؤية الميثولوجية، سيرى الانقسام قد بدأ بتلك اللحظة، ومن ثم توارثه المتناسلون من صلب الاول، وبدأ الانقسام يتخذ اشكالا مغايرة اكثر عنفاً واكثر تحدياً واكثر دماراً، وخلال الصيرورة التاريخية خُلد اسماء رجال ونساء، وتلاشى الباقي ككل شيء زائل، دون ان يحترم التاريخ تاريخيته ولا وجوده باعتباره في الاصل كان انسان يستحق الاحترام.. وعلى هذا المنوال يتخذ التاريخ ضمن مساره التداولي الاستمراري محطات ورجال ونساء واحداث لتخلد في ذاكرته والاخرى تبقى هي الوقود والمادة التي يتم تفكيكها لصنع عرش الخلود.
في كوردستان الان، وحين نحدد الزمنية فاننا بذلك نتجاوز تاريخاً يضاهي تاريخ البشرية على هذه الارض ، اي تاريخاً طويلاً متجذرا في الوجود الانساني، ولكن كما سبق وان ذكرنا بأن الصيرورة التاريخية دائما تتخذ من البعض رموزا خالدة، فان الواقع العياني يفرض علينا ان نتأمل ملامح هولاء باعتبار ان كوردستان تمر الان بمرحلة غير تلك المراحل التي مرت بها طوال تلك القرون، فالكورد الان هم مادة مهيأة  فعلياً للخلود التاريخي، وكوردستان ارض رغم الخراب المحيط بها من كل صوب بالاخص من الحاقدين على وجودها،هي الان ارض ترتوي بدماء تفتح ابواب الخلود لها، ولم يعد لاي احد اي كان ان يطمس معالمها البشرية ولا الجغرافية، ومع هذا التطور الحاصل في الصيرورة التاريخية الكوردية الكوردستانية نجد بان الانقسامات هي الاخرى تتوالى داخلياً وخارجياً، وليس هناك من خنجر مسموم يؤذي ويجرح روح الكورد وكوردستان مثل تلك التي تطعنها من الداخل المهزوز سياسياً والتي تظهر من خلال ملامح بعض رجالاته المتخاذلة والمعادية للصيرورة التاريخية، وكأن بظنهم ان التاريخ نفسه سينصف حركتهم او سعيهم لطمس المعالم التاريخية التي اتخذت قراراً بتخليد البعض، وجعل الاخرين المادة المسوغة لخلودهم.
الواقع حين يقرأ بعين مجردة ، والاحداث حين تفسر بالمنطق، وقراءة الداخل حين تتم من خلال ربطه بالخارج كل ذلك يحتم على الانسان ان يفكر ويتأمل ماهيات الصيرورة ضمن المنظومة الاكثر فعالية وليس ضمن بعض الاجندات التي لاتقدم الا على ابطاء عجلة الصيرورة، لكون الصيرورة لاتبالي بهولاء الا من خلال جعلهم وقوداً لمسارها ورحلتها التي لن تتوقف بوقوف هولاء بوجهها ابداً, وعلى هذا الاساس وضمن هذه الرؤية وهذا المنطق الواقعي نطلب من ممن لم يدرك ماهية الصيرورة التاريخية ان يراجع اوراقه وحساباته، ويتخذ من اللحظة موقفاً يساير الصيرورة قبل ان يتحول بدوره الى مجرد مادة سائغة لخلود من يمكن ان يشاركهم في عرش الخلود نفسه.
لهذا نطالبه بأن ينظر الى الواقع بعين اخرى خارج الاطر الحزبية الضيقة او القبلية، كي يتسنى له الرؤية بوضوح، فالعالم الخارجي على الرغم من كل المسوغات الداخلية الانقسامية المتصارعة التي يقوم هولاء باتخاذها لصناعة الرأي العام الداخلي والخارجي وضمن هياكل ومنظومات اصطلاحية تعد مؤثرة اعلامياً، الا ان كل ذلك لم تثني الصيرورة التاريخية ان تغير مسار تعاملها مع المتحالفين مع صيرورتها، ومع رموز الصيرورة التاريخية بكل ثقة واقتدار، هولاء الذين حتى وان بدا للكثيرين بانهم يتسلطون على الواقع فانهم بنظر الصيرورة الضرورة لهذه المرحلة المهمة من تاريخ الكورد وكوردستان، باعتبارهم الاكثر نفوذا داخلياً وخارجياً من جهة، وباعتبارهم الاكثر تقديماً للتضيحات داخلياً والاكثر اسهاماً في الوقوف بوجه التحديات اجمالاً، لاسيما التحدي الاكثر رواجاً في العالم الان، وهو تحدي داعش الدموي، لهذا فان الصيرورة التاريخية تتجاهل كل الاحداث الاخرى التي تمنطق اراء وافكار هولاء المعترضين للصيرورة، و لانريد ان نضرب الامثلة فالصور التي تبث من الواقع حية وقريبة وفعالة جداً وضمن مصادر منوعة ومختلفة، فقط يحتاج هولاء ان ينظروا الى الاحداث خارج قنواتهم الاعلامية السمعية والبصرية الملكفة فقط بالاعتراض والتشهير والضرب تحت الحزام ضمن النطاق الداخلي فقط، دون الاخذ بالاعتبار موجبات المرحلة وممكنات الاخر، والمستوى التصاعدي للاخر على الرغم من كل المعيقات، وكذلك عليهم النظر من خارج قنوات الابواق التي ترافق مسامعهم من الاجندات الخارجية المعادية للصيرورة التاريخية الشاملة ضمن مسارات لايتم تحديدها الا من قبل المتحكمين بمزمام الامور.. صانعي التاريخ، ومانحي وسام صناعة التاريخ لمن يساير الصيرورة التاريخية الحتمية.


125
ايهما الاولى الثأر ام القضية
جوتيار تمر/ كوردستان
4/7/2016
للتاريخ دائماً سطور خفية، كتبت بحبر خاص، ووفق منطق خاص، لايمكن ان تبوح باسراراها الا ان تحين الساعة التي يجب فيها ان تعلن  عن نفسها، وذلك لضرورة تاريخية، او لتطور حاصل يستدعي الامر ان تكشف تلك الاسرار، او لربما لقضية شعب يجب ان تتغير مساراتها نحو الهدف الاعظم، لذا حتى ان وصل الى تلك الاسرار احد ستغدو امام الاخرين مجرد توهيمات مبالغ بها، او انها ظرفية طارئة حتمت على البعض اتخاذ بعض المواقف التي تعادي وتناقض صيرورة الحركة الحالية والمستقبلية، ولكن ما لايخفى على احد ضمن هذه الصيرورة هو ان البعض من رجالات التاريخ انفسهم يصنعون عوالم بعيدة كل البعد عن المطلوب وعن المحقق للامال والمكمل للحركة الاجمالية التي تؤدي في النهاية الى استحصال المكاسب العامة التي تخص القضية الاساس.
ولعل ما يحدث الان في كوردستان دليل واضح على هذه الحركية المعادية المتناقضة مع القضية الاساس، فالتاريخ يسجل عمقاً صراعياً واضحاً بين بعض رجالات التاريخ الحركي القومي الكوردي في جنوب كوردستان، وهذه الحركية الصراعية ليست وليدة اللحظة انما هي مواقف وحالات شهد التاريخ عليها وارخها ضمن تداولات التطور الحركي السياسي الكوردي، ولكن الغريب في الامر ان بعض صناعي ذلك التاريخ لم يستطيعوا ان يخرجوا من دائرة الصراعات تلك ومازالوا يعيشون ضمن جغرافية الثأر من الاخر حتى لو كان الامر على حساب القضية الاساس، وهذا ما يمكن ان يراه المتابع للشأن الكوردي، حيث بعض رجالات التاريخ والحركة السياسية الكوردية يتوجهون لخلق منظومة جديدة للحركة، واتخاذ هيكلية جديدة تساهم في تطور الوضع الكوردي والبيت الكوردي والسياسة الكوردية والنضال الكوردي الذي روي بدماء الملائين من ابنائه، في حين نجد بأن تصريحات البعض الاخر الذي لم تزل تعيش في دائرة الثأر والمعاداة للاخر وتتحول الى خناجر مسمومة في جسد الكورد والحركة الكوردية الطامحة في استغلال هذا الوضع الحالي والذي لن يتكرر بهذا الشكل وبهذا الاهتمام الدولي بالكورد انفسهم.
المؤشرات الحركية للقضية تسير وفق نمطية تداولية تساعد على خلق المساحة اللازمة لاحداث القفزة النوعية الواعية التي تحقق الكثير من الطموح الكوردي على الساحة المحلية والاقليمية والدولية معاً، فالاستقلال امر ليس بطموح آني وليس بوليد ضغط خارجي او تبعية لجهة معينة، الاستقلال هو طموح كل كوردي يؤمن بأن كوردستان هي ارضه، وان دماء الشهداء من البيشمركة والمدنيين تستحق ان تقلد بوسام الاستقلال، لذا فالامر ليس مجرد توهيم شخصي من انسان مكافح او من جهة حزبية معينة، الامر بعيدا عن الصراعات الحزبية الغبية امر معني به الكل، كل كوردي يتنفس وكل كوردي تنفس وكل كوردي سيتنفس، ولكن الغرابة في الامر ان بعض الجهات المعلومة والمؤثرة حولت الامر الى صراع اخر، صراع الثأر، صراع التاريخ، صراع الغباء المستديم لديهم، وكأن القضية اذا ما تحولت مساراتها سيكتب اسم شخص وحيد عليها وسيتم نسيان دماء الشهداء وكل من كافح في سبيل وصول القضية الى هذه المرحلة المهمة من تطورها ومكانتها.
ان الانصياع للواقع والتبريرات التي يطرحها هولاء بان الوقت لم يحن بعد، وان الظروف الاقتصادية والدولية والاقليمية غير متاحة الان، وانما يريد البعض ان يخلدوا اسمائهم في التاريخ هي في الاصل تبريرات ومقولات ثأرية نابعة من الحقد الكامن في اعماقهم تجاه الحركة الكوردية باجملها، وسيجسل التاريخ موقفهم هذا ولن ترحمهم الاجيال التي تنتظر هذه اللحظة الخالدة من عمر الحركة الكوردية التحررية، لأن الصراع والثأر هو مبررهم الوحيد وهذا غير مقنع بالنسبة للتاريخ ولا للاجيال الكوردية التي تتنفس الان حب كوردستان وحب البيشمركة ولا للاجيال القادمة التي ستلعن هولاء لانهم وقفوا بوجه التطور لاغراضهم الشخصية.
فالظروف الاقليمية والدولية متاحة جدا، فالصراع الامريكي الروسي البريطاني الفرنسي الايراني التركي العربي في المنطقة يولد مؤيدين واضحين للقضية ويمكنهم ان يشكلوا ورقة ضغط على الاطراف الاقليمية المعارضة وبالتالي تتحول المطاليب من الشخصنة التي يخاف منها البعض – هذا سبب تخوف بعض الاحزاب - الى مطاليب رسمية معترف بها من قبل الامم المتحدة، لاسيما ان الوضع الراهن في العراق لايبشر بالخير ابداً ، لكون الصراع فيه سيستمر طالما هناك الرؤية الطائفية هي التي تتسيد وهي التي تدير الدفة، وهذا الوضع بعمقه التاريخي لن يحل بالهتافات والشعارات التي تطلقها الحكومات المتعاقبة، لانه يحتاج الى حل جذري وهذا الحل متشابك وفي الواقع لايوجد ما يمكن ان يحل الامر الا بالفيدرالية لكل المكونات والطوائف داخل العراق الممزق عرقياً ودينياً مذهبياً وترابياً.
ولكوننا حاصلين عليها اصلاً فبتطور مرحلة الحكم العراقي يمكن ان نستفيد من الامر بالمطالبة بما هو مابعد الفيدرالية والتي تحقق الطموح الكوردي العام او لنقل غالبية الكورد الواعين الذين لايعيشون حقبة الثارات والصراعات الشخصية ولا الحزبية، ولااعتقد بأن الكورد سيحصلون على مثل هذه الفرصة وبهذا الشكل مرة اخرى، لكون السياسات الدولية هي نفسها تتخذ من مراحل تطورها اشكال وهيئات تتناسب والمصالح التي تصبوا اليها، وليس وفق التدفقات الطارئة لبعض الاحداث التي يمكن هي من صنعها ووليدة تطور سياساتها داخل المناطق هذه ان تؤثر على الخارطة التي تود هذه السياسات الدولية ان تحققها في العالم الحالي.
ومن هذا المنطلق نقول لاصحاب الفكر التبريري المؤذي لمشاعر الكورد عامة، عليكم ان تعيدوا حساباتكم، وتعيدوا قراءة اوراقكم المدفونة والمخفية بين السطور، هذا ليس وقت الثارات الشخصية وليس وقت التآمر على مشاعر الشعب الكوردي وذلك بوضع ايديكم في يد من لايريد الا اذلالكم واستغلالكم لجهات معنية ومعينة في آن واحد، فانتبهوا كي لاتقعوا فريسة الحقد الشخصي، لان تحقيق الهدف لايكتب باسم شخص بالاخص في هذا الظرف، فدماء البيشمركة وشهداء حلبجة والانفال والملايين التي راحت ضحية لصرورة الحركة الكوردية كلها ستمجد مع تحقيق الهدف الاسمى والاغلى، وكفاكم سخرية بانفسكم قبل غيركم.. نحن لانريد ان يزداد النباح حول مصير الكورد والقضية، انما نريد تحقيق ما ضحى الكورد من اجله بالغالي والنفيس.


126
ما اكثر النباح في عصر  الحريات
جوتيار تمر/ كوردستان
22/6/2016
نعيش في عصر يفترض بانه عصر الحريات، ومن ضمن المقدمات التي توراثها الانسان عن الحريات هو حرية التعبير ، وهذا الامر يطبق في اغلب الاحيان ضمن الهياكل السياسية وضمن اروقة الصراعات السياسية سواء ضمن منظومة السلطوية او ضمن اطارات التعارض مع تلك الهياكل السلطوية او ما يسمى بالمعارضة، والغريب ان المدركات الحسية والانفعالية والانتقامية هي وحدها التي تبرز خلال هذه المنظومة الاخيرة دون اية اعتبارات للظرفية التي يمر بها البلد، او دون اية اعتبارات عقلانية لماهية وجود الاخر، فكل ما يهم عند البعض هو افراغ الغل المغلف بطابع من العصور البليدة ذات الابعاد القبلية او لنقل الحمية القبلية والتي تحولت الان الى الحمية الحزبية، دون التفكير بالكلمات التي تستخدم وتوظف لهذا الغرض اذا ما كانت تتناسب والوضع الراهن، او انها ضمن المصوغات التي يكمن الالتباس فيها، اوانها قد تؤدي الى تفريعات تؤثر على القضية الاساسية التي ينادي ويكافح ويناضل الجميع من اجلها، وعلى هذا الاساس تحولت مقولات الحرية " حرية التعبير " الى ممرات ثأرية يتبناها اصحاب النفوس الضعيفة في الاونة الاخيرة لكسر ولطعن الاخرين دون اي تفكير بالنقد البناء الهادف الذي يمكنه ان يكون مقبولا عند اغلب شرائح المجتمع.. وبالضبط هذه هي الطامة الكبرى، فكل شخص يريد ان ينتقم من اخر يخرج لوسائل الاعلام التي بدورها بعيدة كل البعد عن حمل ثقل القضية الاساسية وانما تسعى لتحقيق اغراضها المادية والشخصية بداعي حرية التعبير ايضا..  ويدلي بتصريح بعيد عن ممكنات العقل وبعيد عن ممكنات تحسين الوضع وبعيد عن الواقع الداعي الى التقارب وليس خلق خنادق اضافية لتوسيع الهوة بين الاطراف المتناحرة.. فكأن الحرية عند هولاء مجردة من كل مقومات التواصل والحوار والتفاهم.. وهي لاتفهم عندهم الا وفق معطيات التحزب او الغباء الحزبي الذي يقودنا الى التهلكة.
الحرية لايمكن ان تفهم الا على ضوء فهمنا للشخصية الانسانية من حيث هي فعل واختيار، ولكن يجب ان نلاحظ ان هذا الفعل وذلك الاختيار لايمكن ان يقوما الا على اساس طائفة من المعطيات السابقة التي تحاول الذات ابتداء منها ان تحقق ذاتها، فللحرية اذن شروط بيولوجية واقتصادية واجتماعية وسياسية يقوم عليها نشاط تلك الذات الانسانية التي لاتألو  جهدا في سبيل تحرير ذاتها من اسر الطبيعة، ولكن حينما تسعى الذات الى القضاء على ما في عملية تحقيق الذات من جهد والم ومشقة، فانها تسعى الى الاندماج في منظمة جمعية تتكفل بصهر شخصيتها في بوتقة المجتمع، وعندئذ قد تتوهم الذات انها قد تحررت فعلا من قيود الحياة الشخصية الضيقة، لكنها لن تلبث ان تجد نفسها اسيرة نظام اجتماعي لابد ان تختنق في نطاقه كل حرية شخصية.. وحينها اما ان تختار الذات الاندماج في بوتقة المجتمع او تخرج من اطار الاجتماع الى عوالم الذات وحدها دون اعطاء الاجتماع اية قيمة.. وهذا بالفعل ما يحدث عند البعض، بحيث تحول صراعاتهم الداخلية الى وباء على القضية اجمالاً فاصبحت اصواتهم كنباح يؤذي الاجتماع، لا من حيث تطاولها على الشخصيات والرموز الساعية لتثبيت بعض الركائز التي قد تنطلق منها مستقبلا مصير امة كاملة، بل تعدت ذلك الى ما يشبه التآمر والخيانة.. وكأنهم لايرون في المستقبل الا ما يخدم نظريتهم الثأرية، والتي لاتتناسب الا مع عقليتهم الضيقة التي تنادي بالتغيير ولكنها لاتستطيع ان تغير نفسها، فأي تغيير يمكن ان تحدثوه اذا لم تبدأوا بذواتكم.
ان المعطيات الاخيرة التي تشهدها الساحة الحزبية والاعلامية في جنوب كوردستان لاتبشر بالخير سياسيا داخلياً  لكونها لاتأخذ شكلاً ادعائياً ثابتاً، او اتجاهاً يمكن للمجتمع الكوردي ان يستفسر عنه من خلال قنواتها الحزبية والحكومية، لكون الحكومة نفسها تعيش دوامة القلق جراء هذه الافعال الصادرة من بعض الجهات الحزبية، بغض النظر عن القلق الحزبي نفسه طبعا ليس كل الاحزاب، و على الرغم من كونه امر يعد مرحلة يجب ان تمر بها كوردستان لغربلة المتآمرين على القضية وفضحهم بعيداً عن التصريحات الغبية التي يطلقونها بين آن واخر من اجل كسب بعض الوقت او من اجل التأثير على الشارع الكوردي، لكنها كوجهة نظر لي لن تدوم، لانها تبدو وكأنها ثأرية اكثر ما هي واعية، فالوعي غائب عندهم تماماً، لانهم لايمثلون الا جهة اصبح واضحاً لدى الكثيرين من المتابعين بانها جهة لاتريد الخروج من تحت سوط العمامات سواء من خلال الاخذ الاوامر مباشرة منها او التحالف من شركائهم في المنظومة المركزية.
ان الحقائق لاتكشف بهذه الوسائل التي تظنون بانها حرية، لان اية حرية تقوم على استلاب حرية اخرى تصبح في مهدها دكتاتورية تهدد الكيان والقضية معاً، واظن بان انسب مقولة ووصف لمثل هذه الممارسات الكلامية هي النباح الذي لن يؤثر على القافلة، لان القافلة بتاريخها ووجودها وقاعدتها اكبر من ان تتأثر بنباح البعض هنا وهناك.




127
أدب / تراتيل مدن تحترق
« في: 20:21 18/06/2016  »

تراتيل  مدن تحترق


جوتيار تمر/ كوردستان

18/6/2016
المسافات  تجاعيد صدى...
والوقت هو  الجرح  في سكرة الرّوح
هذه الكلمات  تضيع .......تغالبني 
أبواب الزّمن  المطعون تترهل ......
تبكي  الأمل .....
هيّا دع الريح..
 التي تتلظى فوق شفاهك
فتدهس الوقت الذي قاسمته الموت
واستباح  وجعك ....
لست الوحيد المستوحد في مدن تفتح نوافذ الحرائق  وتجمع تفاصيل الصراخ
ستمضي بعيدا  .. ستمضي في فوهات السؤال
ومهزلة البحث عن  سماء  تشرق في الظلام
لست وحدك....
 من يشرب من ماء يفوح بالموت
فكل  بيانات الآلهة فوق الشفاه الباهتة
وصوت الجنائز في ضجة الأقدام  يستبيح  دم المشردين
لا حارس دموع يمنع مدن من البكاء
ماذا خلف  نص الفقهاء ؟
 خيوط  تلتف حول أعناق الطيبين
و  بلاد هي باقات مشانق  تتدلّى في مقصلة الشجن
وأنين قتلاها في صوت نبي مزعوم
لم يكن في العبارة غير  تواريخ تفضي للبراري الموحشة
وقليل من أصوات المذعورين
هذه البلاد تنمو في كف من يحملون سكين الفجيعة
بين الأحمر  والأسود  تتسع لبكاء الإنسان
لاشيء  في البيت القديم  والشارع المضيء
غير أغصان شجر وأصوات تتدفق نحو القبور
 



128
حرب الدولة... أم حرب اللحى والعمامات ..؟
جوتيار تمر/ كوردستان
26/5/2016
لاشيء يبقى هادئاً حين يتعلق الامر باصحاب الاديان، او لنقل بحاملي اعباء الله على الخراب المسمى الارض، فكل متطفل على ملكوت الله، ناصب نفسه الناطق باسمه، او القائم باعماله الارضية يقوم بخلق نهجه الفوضوي العابث كي يقول للاخر انا الاكثر تقرباً الى الله، وانا الاولى بالقيام باعماله، وهذا بالضبط ما جعل من الله نفسه متهماً من قبل الكثير من الفيئات الاجتماعية البشرية .. دون ان نحدد هنا مذهب او طائفة دينية او حتى دين على حساب اخر.
لكن لان الحدث احيانا يفوق القول، نجد انفسنا مكرهين الى ذكر بعض التسميات التي لانؤمن بها كموجودات فعلية في عقيدتنا المخالفة لهم، لكنها تسميات فرضت على الواقع فتقبلها البعض وادى ذلك التقبل الى اتساع الهوة بين البشر انفسهم، لاسيما اصحاب الدين الواحد ظاهراً والمختلفين في الجوهر.. وهنا بالذات اقصد الاسلام بشقيه السني والشيعي، وان لم يعجب البعض قولي شقيه باعتبار ان الاسلام بنظره جوهر واحد، فانا اقول له عذرا.. الاسلام الان ليس فقط سني شيعي انما تحول الى اداة بيد البشر المتألهين الذين اقاموا ملكوت الله في غرائزهم ورغباتهم فاحالوا الله الى التقاعد وبدأوا هم يمارسون السلطة بدلاً عنه، حيث اذا لم يكن الامر بهذا الشكل فان الله الذي هم يدعون بانه يأمرهم بتلك الافعال والاعمال لايستحق ان يكون فوق ذلك العرش المقدس.. لانه اله دموي يبيح الذبح  وقطع الرؤوس والقتل الجماعي والسبي او الاغتصاب الجماعي، والتفخيخ والانتحار وقتل الاطفال والكبار والنساء.
اذا سنية الاسلام وشيعية الاسلام والتيارات الارهابية الاسلامية واقع لايمكن التغاضي عنه، ولايمكن انكار ذلك الا من اصحاب التيارات المثالية المتعالية وهولاء لايعيشون الا وهم الامر في قلوبهم لان عقولهم لايمكن ان تؤمن بذلك بالوهم لكونهم يعيشون الامر على خلاف ما يرونه بقلوبهم واقعاً.. وهذا بالتالي جعل البعض يخرج من الاطر التسامحية، والاطر المثالية، والاطر الربانية الروحانية، ليمنطق الواقع واقعاً او ليخرج ما هو مكبوت وحقيقي ويضعه فوق رفوف الوهمي كي يطمس الوهمي نهائيا وتظهر الحقائق بكل رؤاها وتمفصلاتها.
وكي لانطيل بالموضوع ونأخذه الى مسارات التناقض والتضاد الضمني والظاهري للمقولات المخالفة للافعال، نذهب مباشرة الى حرب اللحى والعمامات التي ظهرت منذ قرون وعقود وكانت تركن الى واقع الحال لفترات فتهدأ الويلات والصولات والفتك والقتل والوحشية، وسرعان ما تظهر الى الوجود بثوب متجدد وعنيف ولاانساني، كما يحدث الان في الفلوجة، التي تظهر كل متناقضات هذه الاديان.. او هذه الطوائف، ففي حين ان الفلوجة كانت بنظر الجميع بؤرة الارهاب الديني المتمثل بداعش النكاح والذبح والفتك، وان العشائر السنية فيها منذ حربها مع الامريكان كانوا متناقضين مع ذواتهم وانتمائهم ووطنيتهم، الا انهم الان باتوا اصحاب ملكوت الله وانهم الان وحدهم من تصح فيهم مقولة المجاهدين.
الغرابة تكمن في اصحاب اللحى الذين فتاويهم، وارائهم التي لاتثبت على حال، ونجدها في كل فترة تميل الى شيء يناقض الاخر، ففي حين كان الجهاد ضد الامريكان واقعا بالنسبة لهم، اصبح بعد دخول القاعدة الارهابية وداعش النكاحي محل رفض ومحل ادانة للكثير من شيوخ الجهاد وشيوخ الفتاوي وشيوخ النكاح ايضاً.. وها هم انفسهم الان يعودون ليقودوا حملة لامثيل لها ضد الدولة التي تريد استعادة الفلوجة من بين براثين الارهاب الداعشي النكاحي وتبعيات القاعدة الارهابية التي مزقت العالم الاسلامي كله.
وهذا ما اثار الكثير من التساؤلات من قبل عامة الناس لا خاصتهم فقط ، وكأن لسان حالهم يقول الفلوجة ياشيوخ النكاح والفتاوي أ ليست هي نفسها التي تبنت القاعدة وداعش وجعلت صورة الاسلام مشوهة واصبح صوركم بنظر العالم اجمعه مجرد شيوخ تبيح القتل والذبح والسبي، وأ ليست هي نفسها التي تناسل الارهاب فيها لتشمل اغلب المدن العراقية، ما الذي تغير الان، هل الامر يتعلق باهالي الفلوجة والشيوخ الذين بايعوا خليفة النكاح ام ان الامر يتعلق بالمذهبية العمياء التي تتبنوها، والتي يستغلها الطرف الاخر لصالحه ليقول للعالم اجمع بان هذا هو وجههم الحقيقي.
كانت الفلوجة منكوبة من سنتين او اكثر لم يتحرك احد منكم لاخراج مسببي الدمار فيها، ولان الدولة قررت باي شكل استعادتها اصبحتم الان ترون فيها الهلاك لبني جنسكم، فتحول الصراع من صراع انهاء اسطورة النكاح الداعشي داخل الفلوجة الى اسطورة الصراع السني الشيعي المتمثل بالدولة هنا، ان الشيعة على الرغم من كل مقولاتكم والتي تدل على ضلوعكم منذ البداية في اقحام الفلوجة في هذا الخراب، بنظر العالم يحاربون الارهاب في الفلوجة وليس السنة، حتى وان كان الامر غير ذلك اي انهم يحاربون السنة، لكن الصورة واضحة للعالم ولنا جميعاً الفلوجة تبنت القاعدة الارهابية وتناسل من زواجها المبارك بشيوخ المدينة من قبلكم قبل الان داعش الفتك والدم والارهاب والنكاح، اذا اين انتم من الامر الان... هل انتم مع القاعدة الارهابية وداعش الابن غير الشرعي او المنفصل عن القاعدة، ام مع الدولة الشيعية التي تحاول طرد الارهابيين النكاحيين من الفلوجة واستعادتها لسيادة الدولة العراقية ...؟ .
ان كل التصريحات التي يتم اطلاقها من قبل اصحاب اللحى والعمامات لاتسيء الا الى الاسلام لكون ان الجانبين يدعون بانهم ممثلوا الله الرسميين على الارض، لذا حين تحول الصراع الى صراع الرصاص والدم اصبح يتخذ شكلاً غريباً جدا على الناس الذين ينظرون الى الاسلام كدين الهي رباني فيه تشريعات الله هي التي تتسيد، اذا كان الله السني غير الله الشيعي اذا لماذا لدى الاثنين نفس المساجد ونفس القران ونفس النبي..؟ ، وبالتالي كيف لله السني ان يدعم اصحاب الفكر الارهابي في الفلوجة وتلك العشائر التي فتكت بالناس واغتصبت النساء وباعت الفتيات في اسواق النخاسة، وفي الجانب الاخر هل الله الشيعي يقبل من ابنائه بابادة الناس لانهم يتبعون الله السني...؟.
هي بحق معضلة الحرب بين اللحى والعمامات.. وهي بحق معضلة الدين الذي يتربع على عرش ربه بشر لايمتلكون الثبات في مواقفهم ولا حتى تلك الصفات الاخلاقية التي تجيز لهم القيام بامر الله على الارض، لذا سنقول لمن يريد الخروج من هذه الدوامة ان يبحث عن الله الذي لاينتمي الى الاديان هذه كي يعيش بامان وسلام من احتكار اصحاب اللحى والعمامات لمقاليد الحكم الالهي على الخراب الارضي.
الغرابة تستمر في تلك الصياحات والصراخات التي يطلقها الان اصحاب اللحى في كل اصقاع الارض وبالاخص على الشكبات الاجتماعية الداعية الى تحرير نساء المسلمين من همجية الشيعة، ترى أ ليست تلك النساء كن تحت سياط مجاهدي النكاح او ضمن اولويات خليفة النكاح البغدادي، ترى أ ليست النساء تلك تم بيع الكثيرات منهن في اسواق النخاسة، أ لستم من كنتم تقولون ذلك قبل الان... ولعل اغرب ما ورد على الشبكات الاجتماعية وجود " 300" فتاة سعودية في الفلوجة ترى هل هذه الفتيات كن في رحلة استجمام وسياحة على شواطئ الدم في الفلوجة ام ماذا..؟، اذا ان الحرب الان ليست حرب ارهاب فقط، انما تحول الارهاب بعينه الى عقول اصحاب اللحى والعمامات وبالتالي اصبح استعادة الارض المحتلة من قبل الارهابيين الدمويين حرباً بين السنة والشيعة وهتاكاً للاعراض والى غير ذلك من التصريحات والتوهيمات، كل ذلك لان السلطة السياسية هي تابعة للشيعة، ولو  كان الامر غير ذلك اي ان السلطة سنية، ومحاولة استعادة الفلوجة من الارهابيين والعشائر المبايعة للارهابيين وقتها هل كانت ستكون حرب شرعية، وليست انتهاكا للاعراض ...؟ انه سؤال نترك الاجابة عنه لاصحاب اللحى بالذات دون العمامات.....!


129
لماذا علينا الانتظار اكثر
جوتيار تمر / كوردستان
22/5/2016
ركزت وسائل الاعلام المرئية والسمعية والمقروءة خلال الايام الماضية على مرور مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت منطقة الشرق الاوسط بين كل من فرنسان وبريطانيا.. وروسيا المنسحبة بعد ثورتها البلشفية 1917، وكي لااكون ممن يركز على الحدث نفسه، احاول هنا ربط الامر بالقضية الكوردية مباشرة، حيث يرى الكثيرين بان تلك الاتفاقية هي السبب المباشر في انهاء الامال الكوردية بكيان مستقل ودولة تضم ابناء الشعب الكوردي، ولعل من المفارقة ان تلك الاتفاقية بنظر الكثيرين جاءت لترسيخ الوجود اليهودي في الشرق الاوسط بالاخص اصحاب الفكر التآمري، ولكن مع ذلك كل ينظر الى الامر من خلال ما حل به وما تركه الاتفاق من اثر عليه وفيه.
الكورد كانوا وقتها داخلين ضمن منظومة التقسيم الحقيقية بين كل من الدولة العثمانية والدولة الايرانية  حيث ان الشرق الكوردستاني كان ضمن نطاق ايران، واغلب المناطق الاخرى ضمن الجغرافية العثمانية، ولم تأتي اتفاقية سايكس بيكو الا كتحصيل حاصل لتوزيع التركة العثمانية التي كانت وقتها اي اثناء عقد الاتفاق على وشك الانهيار التام والرضوخ لامر الواقع، وحين انتهى امرها، ظهرت معالم الاتفاق لاسيما بعد الثورة الروسية التي وقتها كتمهيد لمبادئها وايديولوجيتها التحررية كانت قد رضخت هي الاخرى للامر الواقع الداعي الى الحريات.
كانت الاتفاقية تنص على توزيع اراضي التركة بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، ولكن التركة بقيت موزعة بين الاثنين الاولين، فتحولت كوردستان بعدها الى مناطق مجزئة تماما بين الدول الحديثة التي انشأها الانتداب، فالحقت الكثير من المناطق بالعراق الحديث وبسوريا الحديثة وحافظت ايران على تركتها الكوردية، اما تركيا فكان لها النصيب الاكبر.. وبهذا ترسخ مبدأ التقسيم الحاصل اصلا وفق تداعيات الواقع.. حيث الانتصار وانهاء الامبراطورية العثمانية يجب ان تكافئ بطريقة تليق بالانتصار.. وبالطبع لايهم مصير الامم والشعوب التي تعيش تحت وطأة الحكم الافتراضي ومن ثم الواقعي انذاك.
كان اتفاق سايكس بيكو واقعاً حين قررت الدول نفسها في معاهدة سيفر 1920 ان تعطي للكورد املاَ بانشاء كيان كوردي مستقل في شرق الاناضول ذات الاغلبية الكوردية، وفي الوقت نفسه كان اتفاق سايكس بيكو واقعا حين تقرر في مؤتمر لوزان 1923 طمس معالم الحلم الكوردي ضمن تركيا الحديثة وتلك الدويلات العربية التي قامت على انقاض الدولة العثمانية ذات الخلافة الاسلامية والتي حسب ما تذهب اليه اعتقادات اهل هذه الدول بالذات العربية بانها تؤمن بنظام الامة الواحدة باعتبار ان القران الكريم ذكر كنتم خير امة.. وبين التناقض والواقع تأسست الكثير من الدول لكنها كلها كانت دول ذات رؤية قومية واضحة وكلها كانت من القومية العربية.. وبقي مصير الكورد مجهولاَ دون اية محاولة جادة من القوى العظمى انذاك بتوضيح الامر بشكل مقنع، فقط الرؤية كانت بأن المصلحة العامة للمنطقة اقتضت انشاء تلك الدول وطمس الدولة الكردية في المهد.
اذا بين وجود اتفاقية سايكس بيكو والجدلية الدولية حول مصير الشعوب في كل من سيفر ولوزان.. يوجد خط اخر وهمي بنظر الكثيرين ولكنه واقع ملموس بنظر المتتبعين للواقع.. دون اية افتراضات ضمنية، فسايكس بيكو التي قمست التركة العثمانية لم تكن تنظر الى الكورد كدولة، انما تماشت مع الواقع الانقسامي ووزعت بقايا التركة التي تشمل كوردستان ضمن سياقات الاتفاق والمصلحة، فكانت المصلحة انذاك تقتضي فرض هذا الواقع المؤلم للشعب الكوردي.. وفي المقابل استحكام القوى الشوفينية العنصرية القومية بمصيرهم ضمن مدى زمني يقال بانه 100 سنة، ولكن الغريب ان السنوات المحددة هذه لم تشكل اي تحرك جدي ولا جدلي بالنسبة للغرب القوي والمتحكم .. بينما قامت القيامة في الدول التي اقتنعت بالتقسيم وقتها لكون التقسيم وضعت التسميات في محلها وجعلت لكل اسم منظومة مستقلة لايهم كيف اتت المهم انها اصحبت امر واقع وقتها ولحد الان.. اذا لماذا نلعن سايكس بيكو.. طالما هي اعطت لكل دولة حدود وجغرافية.. وجعلت من خير امة امم تتقاتل فيما بينها على الحدود.. وعلى المصالح.. وعلى كل شيء .. وتدعي في الاعلاميات بان تلك الاتفاقية فرقتهم.. وهم غير مستعدين للتوحد حتى لو لم يكن هناك اساس للاتفاقية.
المفارقة ان الكورد دخلوا تلك اللعبة ايضا، فظنوا ان الاتفاقية هي التي فرقتهم وجزئتهم مع انهم كانوا مجزئين اصلا.. ضمن حدود سياسية كانت مرسومة بل ومهيأة مسبقاً للمنطقة.. وهذا ما اتضح بجلاء في كل من سيفر ولوزان.. فكأن الاتفاقية السابقة التي عقدت في 1916 انما كانت مجرد تمهيد لرسم خطط اكثر عمقاً في المنطقة واكثر شمولية بعدها، فاستعملت القوى العظمى وقتها سياسة المهادنة الضمنية والتي افرزت اعطاء وعود لحين انتهاء الرسم النهائي للمنطقة كلها،  ولانها لاتقدم على الامر دون اخذ الاحتياطات اللازمة عقدت مؤتمرات ووقعت معاهدات.. فحين يرى المنتظرين لتحقيق كياناتهم المستقلة من اصحاب القوميات المضطهدة داخل المنظومات الشوفينة القومية العنصرية الاخرى، فانهم حينها يصدقون الامر، بل يتحدثون عن الامر وكأنه نهائي ولارجعة فيه، والسؤال لماذا..؟ والجواب بسيط لان القوى العظمى انذاك هي التي قررت.. وفي الواقع انها كانت ولم تزل تفعل ذلك تقرر نيابة عن الاخرين..  ولاتعطي للاخرين سوى كبسولات مهدأة تعد الجميع بالامن والاستقرار والكيانات المستقلة كي يتم تفصيل المنطقة وفق تداعيات حديثة تتناسب والقيمة المصلحوية التي تتنباها تلك القوى، ولااعلم ان كان الامر بات وشيكاً ام لا.. فان المصلحة الان وضمن هذه الفوضى الشرق اوسطية تعطي الاولوية لتحالفات على مستويات مختلفة منها داخلية ( داخل البيت الكوردستاني) ، او داخل الدولة ، او اقليمية ، او دولية واسعة النطاق.. فالضمانات الوحيدة للابقاء على طموح وحلم الكورد يتمثل الان بالدرجة الاساس بهذه التحالفات بالاخص التحالف الداخلي والدولي حيث سيتم من خلالهما رسم ملامح جديدة للقضية بصورة عامة وللحلم بوجه خاص طالما ان الاتفاقيات توضع على اساس الموجود الفعلي.. والموجود الفعلي هو التقسيم الحاصل.. والتقسيم لايتم تجاهله من قبل القوى العظمى.. انما يتم توظيفه لتوسيع مصالحها في المنطقة وبالتالي فان الصف الداخلي حين يتكاتف ويكون في خندق واحد سيتم وقتها وضع اجندة جديدة مناسبة لضم هذه الكتلة الموحدة داخلياً اي مثلما كانت اتفاقية سايكس بيكو فرض لصورة الواقع التقسيمي الحاصل اصلا.. فان اية اتفاقية جديدة ستشمل هذه الرؤية حول الواقع العياني.
لهذا اما علينا الانتظار.. او القيام بخطوة لم نخطوها من قبل.. فنوحد الصف الداخلي ونعلن بصوت واحد نريد حلاً لقضيتنا.. وننتظر منكم تعاوناً ورسماً جديداً للواقع الحالي.. وللجغرافية الحالية.. وبذلك يكون الصوت الموحد هو الخيار الذي يحرك الطاولة الدولية.. التي لاتتحرك الا حين تجد في الامر ما يمس مصلحتها.

130
أدب / طفلة
« في: 21:55 08/04/2016  »
طفلة
جوتيار تمر/ كوردستان

أمس..
في اللّيل الأخير
وجع يستدرج ذاتي لموت بطيء
أنين يسرق السمع
يجيء من ظلّ طفلة ترسم الألم همسا
تساءلت الذات........
لِمَ تستغيث في شجن الهمس؟
 أ هو فقدان دمية تؤنسها ؟
أم رياح تمر بين أمسها...
 ونزف الفصول ..
التي قطعت أوردة من حولها
 أُمٌ تقرع القبر بالكفن...
 أخٌ يفتحون جثته للنار فيملأ الأرض بلون الغيوم الذبيحة
 هنا وهناك سواد يغازل الحقد وسكين يلوح للأعناق..
يهبط اللّيل وتتسع الحناجر بصرخات تترامى فوق الجثث...
وبيوت ذابلة ، شاحبة ، تجهل الأحلام ...
هذه طفلة تئن وتُعلم السواد كيف يردد تراتيل الموت
هذه مدينة تعد المراثي وأشرعة الكره
طفلة وحيدة ,,,,,,,تجلس على شرفات الليل
تستدرج دمية في الحلم وصوت أمّ ترفض المجيء
تحمل رماد وجه أخ في الكف المختلط بدم رمادي
هي تدرك أنا الوحيدة المنفردة بوجعها منذ حمامة سقطت
فوق سطح بيتها ....
تدرك انه لا مكان الا لغربان تنعق فوق المآذن
هي تدرك أن الفصول في ذاتها بطعم الحجر
وروح معطّلة يترصدها الموت


131
الارهاب بثوب الاسرة
جوتيار تمر/ كوردستان
7/4/2016
    حين لاتستند القيم الاخلاقية الانسانية على معايير تعترف بالاخر ككائن موجود يمتلك نفس حقوق الاخر، تتجه الانتماءات بكل اشكالها اشبه ببرك آسنة يستقي منها الاشخاص المنجرفين وراء اوهام التعصب الديني والقومي والعرقي وحتى الاسري القبلي نحو هاوية مظلمة في هدوئها وفي صخبها، في سكونها وحركتها، وفي طقوسها وجحودها، وحتى في تمردها وانفلاتاتها، وبذلك تشكل خطراً جسيماً ووشيكاً مستمراً على البقاء والوجود الانساني عامة، دون التميز بين فئة او طائفة او مذهبية او قومية فالكل بنظر هولاء سيان، لانهم حين يقدمون على عمل ما لايمكنهم ان يميزوا ويفرزوا بين الموجودين انما  يقحمون الكل في متاهتم المظلمة والعدائية الناجمة بلاشك عن انحلال القيم الاخلاقية الانسانية لديه، وتحولها الى آلة دهس وقتل وفتك بالاخرين.
هذه المنظومة التي ينطلق منها هولاء هي ليست عبثية او مجرد ظاهرة عابرة، لكنها في الاساس ظاهرة " منظومة"  ديناميكية تستمد قواها من المخلفات والترسبات الاسرية و القبلية غير الواعية التي تتناسل طوعياً من الاشتغالات المبهمة للفكر الانتمائي بالاخص الديني القومي وبالتالي تخلف ورائها كما هائلاً من الانفلاتات التي بدورها تتحول الى تبريرات مقننة مشرعة لديهم للقتل والفتك والتفجير والتفخيخ والذبح والسبي والاغتصاب والى غير ذلك من الافعال الشنيعة التي يمارسها هولاء.. ولكن المفارقة في الامر انها في لباسها الديني تأخذ منحنى يستوجب في الكثير من الاحيان المقارنة، مع ايماني المطلق بان المقارنة بحد ذاتها جريمة بحق الاخرين الذين يمكن ان نقارن هولاء بهم، لكون الاخرين بكل انتمائاتهم مثمرين منتجين فعالين في وجودهم ونافعين للاخر نفسه الذي يشذ عن الطريق فيتعمد طمس معالم هولاء لكونهم لاينتمون لعقيدته او لدينه او لمذهبه او لطائفته او لقبيلته.. ولعنا نستشهد بالامر هذا من خلال المقارنة بين مفهوم الاخوية  الاسرية لدى بعض هولاء الذين هم بنظر المنحرفين عن القيم الاخلاقية الانسانية مارقين عن الدين وبين اصحاب الدين الملتحين والمنادين باسم إله الدين.
من الاخوة المارقين الاخوة رايت مخترعا الطائرة، والاخوة روفر مخترعا آلة تصوير الافلام، والاخوة مونتجولفييه مخترعا البالون. والاخوة ويلبر اورنيل ممصا الطائرات الشراعية.. والكثير من النماذج والامثلة من هذا القبيل حيث تعج بلاد المارقين بهولاء الذين هم اخوة واشقاء تربطهم رابطة اسرية قوية ومتينة يستمد منها الاخوة الاشقاء قوتهم كي يقدموا للبشرية دون حصر اختراعات تساعد على تقدمهم ورقيهم .
في المقابل نجد بأن مفهوم الاخوة " الاسرية "لدى اصحاب الدين لم يظهر للاخرين نفسه الا من خلال تجويفات عقائدية ارهابية عاصفة بالانسانية لاتبيح غير القتل الجماعي دون التميز او الفرز بين الظالم والمظلوم كمفهوم مخالف للقيم الدينية التي ينادي بها هو انفسهم، والمفارقة هي انه مفهوم الاخوة " الاسرية" هنا تستند في حراكها على انموذج اسري ديني كدليل على منهجية يتبعها هولاء من اجل عدم الكشف او الخيانة والابقاء على العمل الجماعي لديهم، فمنظومة الاسرة ومفهوم الاسرية لدى هولاء يشكل سنداً ورابطاً قوياً  باعتبارها نقطة تضامن بين الاخوة، وما يقوي هذه الرابطة هو الدين نفسه الداعي الى ابراز  القيم الاسرية وضروتها في بناء المجتمعات،  كما انه يدعوا بشكل واضح ومعلن وبارز الى القيم الاخوية داخل الاسرة والمجتمع بشكل عام، مما يعني بالتالي ان هذه القيم هي امتداد طبيعي للموروثات الدينية والاجتماعية الاسرية، ولكنها في الاساس لاتوجه من خلال هولاء بشكل صحيح ، ويقول جون هورغان، أستاذ علم النفس في جامعة ولاية جورجيا  عن هولاء "نحن ما زلنا نحبو عندما يتعلق الأمر في فهم ديناميكيات الأسرة والإرهاب، فغالباً ما يميل الإخوة للانخراط في الإرهاب لأنهم يشتركون في رباط وثيق ويخضعون لمؤثرات بيئية مماثلة وأنهم قد يقضون الكثير من الوقت مع نفس الأشخاص وربما يدخلون على مواقع إنترنت متشابهة.."، وبالتالي هذا الرابط بلاشك يخلق الدعم النفسي لهولاء للقيام باعمالهم الارهابية.. ولهذا نجد بأن مفهوم الاخوة انتجت نماذج اشبه بآلة فتاكة راح ضحية اعمالها الاخوية الارهابية الكثيرين ممن لايشكلون اي تهديد او هم في الاصل خارج الحسابات التي يمكن تقوض السلطة الدينية لهولاء.. ولو نظرنا الى اغلب الهجمات الارهابية التي عصفت باوروبا هم اخوة اشقاء بحيث تحول الامر الى ظاهرة ذات نمطية سائدة ومن هولاء مثلاً الاخوين خالد وابراهيم بكراوي اللذين نفذا هجمات بروكسل، والاخوة ابراهيم وصلاح ومحمد عبدالسلام الاول فجر نفسه في بولفار فولتير الباريسي بفرنسا راح ضحيته ما يقارب 130 شخص، وصلاح المشتبه به الرئيسي في سلسلة الهجمات المسنقة على فرنسا باعتباره هو الذي استأجر سيارة البولو السوداء التي وجدت  بالقرب من مسرح باتاكلان، اما محمد، فلا يزال قيد التوقيف في بلجيكا، ولا تزال التحقيقات معه جارية بغية الكشف عن المزيد من الخيوط..وهناك ايضا الاخوة سعيد وشريف كواشي المسؤولين عن الهجوم الذي حصل على صحيفة تشارلي ابدو في باريس ايضا قبل سنة وراح ضحية فعلتهم 12 شخص، كما ان ستة من منفذي هجمات سبتمبر كانوا اخوة، وضحايا سبتمبر لاتعد ولاتحصى، بل ان مترتبات تلك الاعمال الارهابية هي كل الفوضى الحاصلة الان في العالم وبالاخص في الشرق الاوسط، وهذا الامر لم يعد الان محتكراً على ابناء قومية واحدة، اقصد محتكرا للعرب وحدهم، انما امتدت الظاهرة لتشمل ابناء الدين الواحد من غير العرب، كما اثبت ذلك كل من جوهر وتامرلان تسارناييف الشقيقان من الشيشان اللذين نفذا عملية التفجير في ماراثون بوسطن في 2013،
والغريب ان هذا النمط الارهابي بدأ يتخذ منحى اسري اخر، قد لايتعلق الامر بالاخوة والاشقاء فقط، بل تصبح روابط الاخ والاخت، او الزوج والزوجة، او الرجل والصديقة، والعكس، هدفاً واضحا لهذه التيارات ولهذه المنظومة الارهابية، كي تخلق فجوة اخرى في السلام البشري، وتحدث صدعاً اخراً في القيم الاخلاقية الانسانية، واعتقد بأن حسناء آيت بولحسن التي فجرت نفسها في شقة  العقل المدبر لاعتداءات باريس عبدالحميد أبا عود دليل على ذلك، لاسيما ان الاخير ينتمي الى احدى اشرس التيارات الدينية الاسلامية والتي تتمثل بداعش اسطورة النكاح والسبي والقتل والذبح.. فوجود حسناء في شقته تدل على وجود علاقة تربطهما، واي شكل كانت هذه العلاقة لايهم، لكن ما يهم هو ان هذا الامر مؤشر واضح على نمو فكرة الارهاب الاسري الذي قد يتحول في وقت قصير الى ظاهرة متشعبة ايضا، وتعصف بالعالم والانسانية من جديد.



132
لماذا تلجأ داعش لذبح الاسرى
جوتيار تمر/ كوردستان
29/3/2016
حين يفقد الانسان كل القيم الاخلاقية التي تدل على كونه انسان، او حتى مخلوق بروح.. فانه دائما يبتدع اساليب لايمكن حتى لخالقيه ان يتصوروها، لكونه يفوقهم تعجرفاً، وهذا بالضبط ما يمكن ان نعممه على اغلب التيارات المتطرفة سواء القومية او الاممية او الاسلامية و الدينية بصورة عامة، ولذلك حين نقف عند نقطة تشذ عن الواقع الانساني على الفور ننظر الى الطرف المعني بالامر، فاذا كان احد افراد هذه الفئات المذكورة حينها نقول انهم يفتقدون لادنى معايير الانسانية، و لايفرق بينهم وبين البهائمية سوى النطق          ( التحدث)، مع ان بعض البهائم تنطق ايضاً .
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا يلجأ هولاء الى هذه الاساليب..؟،  وكي لانعمم الحديث  ونستقدم الامثلة خارج الواقع العياني الحالي، نخص بالذكر احدى اشرس التيارات الدينية ( الاسلامية) التي ظهرت في الاونة الاخيرة والمتمثلة بداعش آلهة النكاح والسبي والاغتصاب والذبح والقتل الجماعي والابادة الجماعية واستخدام الاسلحة المحضورة في الفتك بالاخرين ومحللي زواج النكاح ومستعيدي امجاد سوق النخاسة لبيع الفتيات والنساء، واسترقاق البشر، مع استغلال الاطفال بكل الوسائل ولكل الاغراض، فضلا عن  ابتداع اساليب التعذيب التي لاتنم عن اية قيم انسانية وبشرية.. مستغلين الركود الاقليمي والتحركات الدولية الخجولة للحد من انتشار هذه الظاهرة وللحد من انتشار هذا الفكر المأساوي والوصمة التي لن تفرق جبين الانسانية الحديثة باعتبارها لاتُقدم على فعل جدي ومتكاتف لأنهاء اسطورة داعش النكاح.
والعودة الى السؤال نجد بأن اغلب من يلجأ الى قتل الاسير بأية طريقة كانت، يمر بمراحل متعددة، فهو يقتل الاسرى ويبتدع الاساليب التعذيبية لاغراض داخلية واخرى خارجية كلها تنصب في خانة واحد وهي خدمة التيار النكاحي داعش، بالطبع هذا بحسب نظريتهم، لاسيما فيما يتعلق بالدعاية الحربية والحرب النفسية التي يخوضونها ضد الاطراف التي تقف بوجههم سداً منيعاً وبالاخص البيشمركة والقوات الكوردية في اغلب مناطق تواجد هذا التيار، وقد يظن الكثيرون بأن حالة الضعف وحدها هي التي تجعلهم يقومون بقتل الاسرى وذبحهم او حرقهم او حتى قطع رؤوسهم، لكن الواقع برهن ان داعش كلما مرت بازمة داخلية او ضغط خارجي يقوم باحدى هذه الاعمال اللاانسانية كتعبير واضح على ما يحصل في داخل صفوفها او ما يحصل على الجبهات التي اصبحت داعش تتقلص نسبياً وتتراجع الى الوراء فيها.
وهذه تعتبر احدى المراحل التي اعتمدتها داعش لمحاولة صرف الانظار الداخلية والخارجية عن مشاكلها، وبالتالي لتظهر بانها لم تزل متماسكة وقوية كما تدعي، ولكن الواقع يبرهن غير ذلك، فمع تسرب المعلومات حول الانشقاقات الداخلية بالاخص فيما يتعلق بالمقاتلين الاجانب الذي بدأوا يبحثون عن ممرات للهروب والعودة الى دولهم، ومن ثم الانشقاقات التيارية الداخلية التي اصبحت هي الاخرى ورقة ضغط على داعش، وايضاً مقتل اغلب القيادات المحلية والاجنبية الكبيرة في صفوفها في الاونة الاخيرة، مع الانتصارات التي تحققها القوات الكوردية في اغلب الجبهات.. والحراكات الاخرى مثلا للجيش العراقي الذي هو الاخر بدأ يستعيد وبقوة الكثير من المناطق الواقع تحت سيطرة داعش، وانشغال تركيا الداعمة لداعش بالمشاكل التي تمر بها  داخلياً وخارجياً، والازمة الدولية التي خلقتها هي بنفسها، والضغوطات الروسية الامريكية بوجه التحديد، ومن ثم اتجاه اصابع الاتهام لايران باعتبارها مساندة للتيارات الارهابية، كل هذا الامر جعل من داعش يمر بمرحلة تيه، وضياع داخلي وخارجي، مما اودى بها الى ايجاد وسيلة اخرى للظهور بمظر القوي، لاسيما انها منذ فترة طويلة لم تقدم على مثل هذه الاعمال الوحشية، فبعد ذبح بعض افراد البيشمركة ومن ثم حرق الطيار الاردني والقتل الجماعي وذبح بعض المواطنين السوريين، انكفأت داعش على خوض حربها في اغلب الجبهات، وحاولت في العديد من المرات ان تقوم باعمال انتحارية داخل هذه المناطق التي تتواجد فيها وبقوة، ولكن استطاعت قوات البيشمركة من افشال كل المحاولات الهادفة الى تفجير السيارات داخل كوردستان وفي جبهات التقال ايضاً، فكان لها ان تبحث عن ممرات اخرى كي تثبت بانها لم تزل تهدد الامن العالمي وانها موجودة، فتبنت تفجيرات بلجيكا وصنعاء وفي ليبيا، ولكنها كلها كانت على الرغم من حجم الضحايا غير كافية لان تقنع افرادها بانها لم تزل قوية ومتماسكة داخلياً ومسيطرة على الاوضاع، لانها باختصار فاشلة تماماً في حربها على ارض الواقع وتخسر الكثير من المناطق لصالح القوات الكوردية ولصالح الجيش العراقي وحتى الجيش السوري وفي بعض المناطق للمعارضة السورية مع قلة الجبهات التي تتواجه وجها لوجه داعش معها باعتبارها تواجه الجيش السوري النظامي وتيار النصرة الاسلامي.
كل هذا جعل من داعش تفكر مرة اخرى بالعودة الى الذبح العلني لاظهار قوتها وكي تعلن على الملأ بانها لم تزل متماسكة بالاخص داخلياً، وكي تستعيد فعالية احدى اسلحتها التي تشتهر بها، فيما يتعلق بالحرب النفسية والدعاية الحربية، فكان ان لجأت مرة اخرى الى استقدام بعض الاسرى لذبحهم على الملأ.. ونشر الفديوهات التي تبرهن على دنائتها الاخلاقية وانعدام القيم الانسانية فيها، ولكن السؤال لماذا اختارت داعش من كل اسراها افراداً من البيشمركة واختارت شخصا دنيئاً يلبس ملابس كوردية كي يقوم بالعمل نيابة عنها، ولم تختار من اي طرف اخر، فهم يعتبرون الجيش العراقي بانه رافضي شيعي، والجيش السوري بانه علوي شيعي، والمعارضة بانها عبيدة الصليبيين ومرتدين، ولكنهم مع ذلك اختاروا من اسرى البيشمركة كي يقوموا بذبحهم علناً، بلاشك هذا دليل واضح وقوي على ان البيشمركة هم وحدهم من استطاعوا كسر شوكتهم وتذليل لحاهم ومرغها بالوحل، وطمس معالم رجولتهم التي لاتظهر الا على الضعفاء والنساء، فكان لابد لهم من ان يلجأوا مرة اخرى الى ذبح الاسرى البيشمركة كي يقولوا لاتباعهم وكل من يطبل لهم من الجماعات المعادية للكورد بانهم اقوياء ومتماسكين، كما ارادوا ان يوجهوا رسالة الى الكورد في كل مكان على انهم سيذبحون المزيد كلما مرغت البيشمركة لحاهم النكاحية اكثر في الوحل وجعلهم يظهرون امام اتباعهم ومؤديهم بانهم مجرد بهائم لاقيم لهم، ولا وجود لهم بين المخلوقات التي لها دين وفكر.. وهذا بالطبع ما يثير حنقهم ويزيد الضغط عليهم داخلياً وخارجياً، فلايجدوا الا اتباع هذه الوسائل الدنيئة ليظهروا انفسهم من خلالها، ولم يكن ذبح اسرى البيشمركة في الايام السابقة الا دليل على حجم الانكسارات الداخلية والخارجية التي تمر بها داعش وكل من يتبعهم، فظنوا بانهم بذبحهم للاسرى سيقومون بتثبيط عزيمة الكورد والبيشمركة، لكنهم  يتناسون بأن في كل مرة ذبحوا فيها كوردي، كانت حصيلة قتلاهم لاتعد ولاتحصى هذا من جهة، وتناسوا ايضاً بأن الكورد مروا من خلال تاريخهم الطويل بالكثير من هذه المواقف التي هزت كيان الانسانية في كل مكان، لوحشيتها ولكونها تفوق تصورات البشر  من حيث القتل الجماعي والابادة الجماعية واساليب التعذيب بكل تصنيفاتها...وان حربهم النفسية والدعائية ستذهب سدى.. فهولاء هم الكورد.. وهولاء هم البيشمركة... لاشيء يثنيهم عن غايتهم الاسمى.

133
المنبر الحر / لماذا الارهاب
« في: 16:02 28/03/2016  »
لماذا الارهاب
   
جوتيار تمر/ كوردستان
27/3/2016
السؤال البديهي الذي يطرحه الشارع الانساني بكل تصنيفاته، وكل شرائحه، لماذا الارهاب..؟، بالطبع ماعدا شريحة واحدة لاتطرح هذا السؤال لانها تحاول تبرير الفعل الارهابي، او تحاول ايجاد ثغرات في الفكر الارهابي كي تبعد التهمة عن نفسها، او تعمل على تأصيل الفكرة خارج اطارها الايديولوجي محاولة منها التبرأ من الارهاب.. وهذه الشريحة على اختلاف مسمياتها وتوجهاتها، لاتفتأ ان تكون من احدى اهم مصادر الارهاب.. انها كالمومس التي تبرر فعلتها بالحاجة، وتنفي عن نفسها الرغبة والاستمتاع بالفعل البغائي، لذا نجدنا دائما امام هيجان اصحاب هذا الشريحة، وفورانهم في جميع المحافل وعلى جميع المنابر، ينددون بالارهاب، ويتبرأون منه، ساعين في ابعاد انفسهم عن مكامن الاتهام الحصري، وكأنهم مقتنعون تماماً بأن اي عمل ارهابي في اية بقعة على الارض ستتجه الانظار واصابع الاتهام اليهم مباشرة، فضلا عن كونهم في دواخلهم يدركون حجم الهوة التي توجد في الايديولوجيات التي يتبنونها، وهذا ما يدفعهم مباشرة الى التنكير والتنديد والتبرأ، ويلجأون الى النصوص القديمة في مدوناتهم التشريعية ويأتون بالامثلة على ان ذلك الفعل الارهابي لايمكن ان يصنف ضمن قائمة شرائعهم، متجاهلين الجانب الاخر من تلك الشرائع وتلك الاحداث الترافقية التي اثثت اسس تلك الشرائع بالفعل والعمل وليس بالقول وحده،  محاولة منهم لاخفاء معالمها وكل تلك الاستنباطات والاستقراءات الرؤية والفكرية والتأويلية والاجتهادية التي بررت الكثير من الافعال والاعمال التي يتخذها اصحاب الفكر الارهابي كذريعة للقيام باعمالهم.
 وقبل الخوض في ماهية تلك الشريحة وتحديد عناوينها او المسميات التي تختبئ ورائها، نحاول استنطاق الواقع الذي نلامسه عبر التعايش والرؤية المباشرة، او من خلال المرئيات التي تنقل الحدث اول باول، ومن خلال الاستماع الى السمعيات التي لاتقل اهمية عن غيرها من المصادر الاخرى في نقل الواقع بكل تفاصيله، وبالطبع كل حسب توجهه ايضاً ورؤيته للموضوع او الحدث الفعال والمؤثر والذي يفتح ابواب التمويل او يعطيها الاسبقية الحدثية.
هذا الواقع الملموس ليس الا نقطة مرئية من بحر هائل جذوره متمكنة في الارض، وكل المتحولات التي تطرأ عليه يستند في تغيير ملامحه على المنطوقات والمنزولات السماوية، باعتبارها الراعية بامتياز لغالبية التشريعات الكهنوتية، وهذا الاخير         " الكهنوت" يظهر نفسه على انه الحجر الاساس لكل ما هو خارج عن المصدر الاساس ولكل ما هو باعث للتفرعات والاجتهادات والتبريرات التي منها يتم نسج المتخيلات التشريعية على اعتبارات مستمدة من الفقه التشريعي الاصلي، مما يجعلنا نؤمن بأن الحقيقة الاكثر وجوديا والاهم تاريخيا كما يقول عبدالرزاق الجبران هي ان الانسان عبد لكهنوته وليس للاهوته، لان المتدين لايتبع مصدر التشريع الاساس لديه، انما يتبع الكهنة الذي ينطقون باسم صاحب التشريع الاساس، وكأن الكهنوت هو من استعبد صاحب التشريع ولم يعبده هو، لذلك تنطلق ارئهم وفق المنطق الاهوائي وبالتالي ينتج ضمن هذه الشريحة الكثير من التيارات التي قد تتقاتل فيما بينها وفقاً لاجتهادات تجيز لبعضها امراً ويحرمها الاخر لاعتبارات مصلحوية لاتساعد على تحقيق الاخر لاهدافه ضمن دائرة وجوده الفعلي او الانتمائي.
وعلى هذا الاساس يمكن تحديد معالم وملامح الشريحة المغايرة التي استثنت من الشرائح المتسائلة لماذا الارهاب..باعتبارها احدى روافد الارهاب نفسه، والمسميات التي قد نطلقها نحن عليها ليست الا الوجه الخارجي لها، لكون تلك المسميات لاتتطابق والفكر  الذي تتبناه ضمن تأويلاتها الكهنوتية المنصاعة تماما للصيرورة التي يريدون خلقها، وفق المنظومة الانتمائية والعقائدية المنتجة من قبل اصحاب الفكر الكهنوتي، مما يعني بالتالي استحداث الممرات التي تساعدهم على بلوغ غاياتهم عبر استغلال التشريع الاساس( الاصلي) وابعاد المشرع الاول من الواجهة، واحلال المشرعين الكهنوتيين بدلاً عنه، كمعين لاينضب للافكار التي تلبس رداء التشريع الاساس ولاتعمل به الا وفقاً لحاجاتها.. ولهذا حين يقول الجبران الاديان الحقيقية ليس تلك التي تملك الها حقيقيا، وانما تلك التي تملك انسانية حقيقية، وان قيمة الانسان ليس بنوع الهه، وانما بنوع انسانيته، فانه لايقولها عن عبث، ومن معزل عن الحقيقة التي يحاول اصحاب الفكر الكهنوتي اخفائها عن الناس، بل يقولها لانه يدرك بان هولاء هم المهد الحاضن لكل فكر خارج عن الانسانية، وانهم السبب في كل انحراف وخروج عن المسار الانساني سواء من خلال فتاويهم التي لاتمس الوجود الانساني الا من خلال الفتات، ام من خلال الممارسات التي تجبر الكثيرين على الرفض والتمرد، على ان هولاء الرافضين والمتمردين لايمكن ان ينتجوا الفكر الارهابي، بل وحدهم المسببين لتمردهم يختلقون الاسباب والمبررات كي يقتلعوا جذور هولاء من الارض، فيدعون الى محوهم، وبذلك يمهدون ويحتضنون الفكر الرافض لوجود الاخر غير المنصاع لهم، فتتحول ارائهم الى فتحات وممرات يستغلها تلك الجماعات والتيارات  لتبرير افعالهم الارهابية بكل تشكيلاتها وصورها .
ان معالم هذه الشريحة لاتبنى الا على اساس رفض الاخر بكل اشكاله، طالما لايستمد  الاخر قوته الايديولوجي منهم، مما يعني تبرير اية وسيلة لاخضاعه او لترهيبه، وهذا الفعل يشرع لهم اتباع ابشع الوسائل والتي اصبحت غير مخفية على احد، ممن يمكنه انصاف الحقيقة والخروج من دائرة الصمت الاخرس، وبالتالي العمل على كشف الحقائق حتى وان بدت معارضة لوجود الهه الذي يؤمن به، طالما هذا الاله ليس الا عبداً للكهنوت الناطق باسمه، وليس الا وجهاً مخفياً وراء الحجب، وكل ما يفعل باسمه ليس الا نتاج الرغبة الكهنوتية الساعية لاحكام قبضتها دائما على الموجود الانساني.
هذه الشريحة لن تتساءل يوما لماذا الارهاب، لانها ان سألت ستفضح مكنونها، وستفضح وجودها الفعلي، باعبتارها الراعي الرسمي للارهاب، والممول الاكثر حضوراً في كل الاعمال الارهابية التي تعصف بالعالم الحالي، وليست مقولاتي ادعائية تحريضية نابعة من ظرفية خاصة، انما هي مقولات نابعة من الصميم التشكيكي لكل ما هو ضد الانسانية حتى وان بدا وكأنه امر فوقي الهي، فطالما لايساهم هذا الامر في اعطاء الانسان حقه الانساني فانه بلاشك غير  معني بالانسان وغير ملزم.. ولذا نرى بأن كل المبررات التي يحاول اصحاب الشريحة هذه تقديمها، او حتى العمل على التنديد وانكار وجود مثل هذه الافكار بين اروقة نصوصهم، فانها لاتصدر الا من باب التفادي والتواري خوفاً من فضح امرهم بين الناس.

134
المنبر الحر / هذا الخراب المظلم
« في: 23:50 24/03/2016  »

هذا الخراب المظلم
جوتيار تمر/ كوردستان
23/3/2016
كانت الشمس تختبئ شيئاً فشيئاً وراء الافق، والظلام بدأ يتسرب رويداً رويداً الى اوردة الوجود، والاحياء معاً، وكانت الطفلة ايلا  ابنة الخامسة من عمرها، تعبث ببعض العاب لها، حين وجدت والدها الميؤس جالس على اريكة تكاد لاتحتمل وجود والدها ويأسه معاً عليها، نظرت اليه ، مضت اليه ، انتبه لها والدها ففتح ذارعيه وضمها وكأنه لم يضم ابنته قبل اليوم، ودون وعي منه سقطت دمعة من عينيه على خدها النضر الشفاف الجميل، فرفعت رأسها قالت بابا أتبكي، افلتت نفسها من بين ذراعيه، وهرعت بسرعة الى امها.. ماما ماما.. بابا يبكي ... لم تعرف الام ماذا تفعل.. نهضت من فورها وركضت هي الاخرى الى زوجها، ودون مقدمات مابك زوجي العزيز .. لماذا كنت تبكي... ما الذي.... قبل ان تكمل كلامها نظر اليها الزوج قال لاشيء لاتقلقي.. هي دمعة سقطت في لحظة حنين وخوف وقلق على مصير هذه الطفلة بين هذه الانياب التي تحيط بنا من كل صوب.. فهدأت الزوجة ووضعت رأسها على كتف زوجها وضمت راس ابنتها الى راسها.. قالت سيدبرها من اوجدها.. لاتفكر كثيراً في الامر طالما نعيش ونجد ما نأكله ونتوارى تحته من الظلام والبرد والحر.. لم ينطق الزوج بكلمة.. احتضن الاثنين معاً.. وقبل رأسيهما.. وبعد لحظات عادت الام لعملها.. والطفلة الى العابها.. وهو حمل اريكته المهترئة بالقرب من نافذة صغيرة تطل على الافق.. فنظر بتمعن.. وتمتم أ يوجد في الوجود ما يمكنه ان يوقف مد الخراب .. اني اتساءل كيف للانسان ان يكافح من اجل البقاء وابعاد الخراب عن نفسه وهو نفسه الذي يعطي للخراب معناه الحقيقي.. فالخراب لايتناسل من الفراغ و لا من الهواء او من الطبيعة.. لكنه باختصار مجرد فعل بشري يناقض كينونته التي من المفروض ان يكون عليه..وكذا كل الامور الاخرى التي تثير الدهشة وتبعث اليأس وتسبب في تعاسة الانسان على الخراب الارضي الشقي..  كان الظلام حالكاً جداً ولم يكن بصره يلتقط سوى بعض الانجم التي تخرج من بين الغيوم تارة وتختفي تارة اخرى، فتمتم ان حياتنا اصبحت كوجود تلك النجمات، فالسماء تحضنها.. وتحضن الغيوم.. وكلاهما يناقض الاخر من حيث مهمته في الوجود او  في السنن الكونية.. احداها يبعث الضوء والاخر  يحجبه.. على الرغم من وجودهما في السماء ذاتها، ومع اختلاف بسيط في التشبيه الارضي الخرابي.. فالانسان منقسم على ذاته.. بعضه يبعث الضوء والاخر يحجب الضوء.. حتى اصبح الجزء الذي يحجب هو الطاغي لان الاول لم يصمد امام رغبة الاخير في التفوق.. واعتقد بان الانسان في بداية تقنينه للخراب والقتل انتهج هذا الطريق.. فالمقتول لم يصمد ولم يكافح بما فيه الكفاية لصد القاتل فغلب القاتل وشرع الظلام.. وها نحن نحصد شرعته.. وقانونه...حتى الارهاب الذي يقال ان لادين له.. اجده الدين الفعلي والتشريع الاساسي للانسان لكونه استستلم منذ البدء لهذه الرغبة، رغبة القتل واقصاء الاخر.. على الرغم من وجود الجانب الاخر، لكنه كان اضعف من ان يتحمل ويصمد فتخاذل مع ذاته، وشرع سنة التخاذل بجانب سنة الاقصاء..  لم يشعر بالوقت.. حتى وجد ابنته تمسك بيده وتقول له بابا ألن تلعب معي.. فانتبه للوقت وادرك بان الظلام لايتوقف عند الابواب انما يتخطاها للداخل...  فجلس مع ابنته وبدأ يلعب معها... وسمعا معاً صوت الام وهي تنادي عليهما تعالا لكي تأكلا لقمة.. فامسك بيد ابنته وبخطى ثقيلة ذهب وتناولا العشاء.. خبز  وبعض الطماطم المقلية مع البصل.. وكوبين من الماء فقط.. الام والاب يشربا من كوب واحد والطفلة من كوبها..والصورة تتحدث عن نفسها لمعرفة كيف هي الاحوال.
بعد العشاء توجهت الام مع ابنتها الى السرير كي تنام الطفلة.. وبعد نصف ساعة تقريبا كانت ايلا غارقة في نومها العميق.. فاتت الزوجة الى حيث يجلس زوجها وقالت له دع عنك هذا التفكير.. انتبه لنفسك ان تدفن روحك بين هذا الخراب ولاتعلم ذلك.. قال زوجتي العزيزة ميرا.. ان الفوضى حين تعم.. تأخذ الجزء النوراني من الروح ولاتبقي سوى الجزء المعتم حيث لاشيء يجدي وقتها معها سوى السير نحو مصيرها.. دمعت عينا الزوجة.. وما المصير الذي تراه انت.. رد بوجع نهاجر..وقعت الزوجة من هول الصدمة..للبحر تقودنا.. قال وهل يوجد الان على هذا الخرب وبين هولاء الذئاب بكل اصنافهم ارحم من البحر للبشر.. قالت لكن ايلا.. قال اعلم اعلم لكني اخشى ان تقع بين يدي هولاء.. سيقتلوني ويجعلونك سبية.. لكن ماذا بشأنها.. لن يرحموا طفولتها.. فالارهاب حين يتسيد يجعل لكل فعلة سند، وكل سند عندهم مقدس، والمقدس عندهم شرع منزل من السماء.. والسماء نفسها فتحت الثغرات كي يتسلل منها هولاء لتبرير افعالهم الدنيئة والوحشية.. حتى جعلوا البشرية محشورة في الزاوية الخانقة التي تضعها على الحافة بانتظار الكوراث، فالارهاب لايهلك الاخر فحسب انما يهلك ماتبقى من البشرية ومن ضمنها انفسهم باعتبارهم محسوبين على البشر.. ثم الا تعلمين بأن السماء نفسها هي التي تحضن بين اروقتها النجوم والغيوم السوداء..  لم تنطق الزوجة بكلمة.. وقفت على رجليها بعد ان استعادة بعض قواها.. مدت يدها اليه.. فامسك بها، سحبته بقوة لصدرها.. وضمت رأسه.. وقبلته.. وبدا وكأنه استسلم لها نهائياً.. وبدأ يقبل صدرها الحنون.. ويطوق خصرها بيديه.. وكأن السماء لوهلة تغافلت عن بث الرعب في نفسيهما.. والارض لثواني صمتت امام هذا المشهد.. وبعد لحظة اندماج واتحاد..رفع سازان رأسه.. وقبل شفتيها.. ونظر الى الغرفة.. قالت اعلم ايلا لوحدها.. مضت الى طفلتها تبكي بصمت حارق..وما هي ايام قليلة حتى وجدوا انفسهم بين يدي احد صائدي الارواح.. وعلى قارب مطاطي وفي مواجهة البحر.. وهنا تكمن الغرابة التي تفرضها عبثية الواقع، لايمضي يوم دون ان يسمع البشر ان المئات من الجثث انتشلت من البحر..ولكنهم في الوقت نفسه يصرون على مواجهة الامواج، ليس الامر بنظري يأتي من اليأس وحده، انما من القناعة التي باتت مؤكدة لديهم.. ان البحر وامواجه وحتى الاحياء بداخله ارحم من التواجد بين اقرانهم البشر، فهذا الاخير يفترس بشراسة وبدون اية رحمة.. يفجر نفسه فتتلاشى الاشلاء وتتناثر في البقاع، يطلق غازا ساماً فيسقط الالاف في اماكنهم دون حراك، يطلق رصاصة تصيب الجمجمة فيتهاوى ارضاً، وفي كل يوم يبدع في صناعة الات الموت، وينسى عمداً ان الحياة تتطلب صناعة الات اخرى تناقض الموت.. بينما البحر يترك متنفسا على الاقل  كي يمسك الاب يد زوجته وهو محتضن لابنته.. قبل ان يضمهم الى اعماقه ويقطع عنهم التنفس.. كان الاب يضم ايلا لصدره وكأنه يريد ان يعصرها او يقحمها بين اضلعه، ولف خصره النحيف فوق الحزام بحبل وطلب من زوجته ان تتمسك به ولاتفلته حتى لو سحب الموج كلهم معاً.. نظرت الزوجة اليه حين سمعه يقول ذلك فابتسمت بصمت ودمعت عيناها، وتمتمت مع روحها، انه يريد للبحر ان يضمنا معاً كي لايفرقنا البشر.، وتمتمت اعلم ما يجوب في فكرك.. ولن اناقشك ليس لانك لاتسمع لرأي.. لكن لكوني مدركة تماما لكل ما قلته وتقوله، واعلم بان ما يحصل لنا اجمالا هو نتاج قيمنا البشرية التي على الرغم من انها منا الا اننا لانطيقها، وهي بالتالي الهوية التي  يعرف به وجودنا الادمي.. فضلا عن كل العقليات الموروثة التي التفحت بالظلام المكدس عبر الاجيال وتناقلتها العقول المهترئة المتصدأة في جوفها،. نعم عزيزي لهذا كله ولايماني بانك على حق اسير معك للمجهول الذي ارتضيته انت لنا معاً.. تلاطمت الامواج.. اعتصرا الثلاثة معاً.. تهاوت الام حاول الاب ان يمسكها لكن ايلا قيدته.. ابتعدت الام وهي تنظر اليهم بصمت وحتى لاتصرخ.. تطمرها الموج ويعليها.. نظر الاب الى ايلا.. وكأن ايلا وقتها فتاة ناضجة فهمت رسالة والدها امسكت بيده والتحقا معا بالام.
ادرك الاب بان لاشيء يوقف الارهاب والظلام البشري، لكونه ظلام متأصل فيه ومتجذر في كينونته، فالارهاب لاحدود له، قد يتخلص من مغتصبي النساء وذابحي البشر هنا..لكنه سيقع بين براثين شظايا متفجراتهم في اي مكان اخر على هذا الخراب..لذا وجد بأن البحر وحده سيضمن بقاء اجسادهم بعيدة عن منال هولاء.. فلن يدنسها افكارهم ولا حقدهم ولا حتى ظلامهم.

135
فدرالية الكورد مؤامرة ومذهبية ( طائفية) الدولة وطنية
جوتيار تمر/ كوردستان
23/3/2016
حين تتعارض المصالح ، ويتضح بأن الفئات المتحالفة غير جدية في عملها التغييري الجذري، وانها خاضعة لاجندات تهدف الى الابقاء على النعرات بينها كي تبقى ضعيفة، فانه لابد وان تبحث بعض العناصر التركيبية ضمن هذه المنظومة المتالحفة عن منافذ استراتيجية كي تؤسس لوجودها معلماً ذاتياً معلناً وواضحاً دون اية سياقات اخرى قد تؤدي الى اسقاطها نهائياً لاسيما انها تعيش حالة الضعف الجمعي، على الرغم من كونها تؤمن بقدرتها البقائية والصمودية، وعلى هذا النهج الاستباقي الواقعي سار الكورد في سوريا، التي تعيش حالة من التيه والضياع على جميع المستويات، فالمعارضة (المفككة داخلياً) التي كانت تشكك في ولاء الكورد واعتبرتها في الكثير من التصريحات بانها موالية للنظام، كانت هي نفسها تساهم ولو بشكل جزئي رمزي في محاربة اذناب خليفة الدم والنكاح في اغلب المناطق ذات الاثنية الكوردية، والمعارضة نفسها ادركت بأن حرب الارهاب لن تؤتى ثمارها الا بوجود الكورد الذين اصبحوا المعادلة القوية والاصعب في هذه الحرب وعلى المسارين المتضادين مع النظام من جهة، ومع الارهاب بشقيه الاساسيين في سوريا ( داعش والنصرة )، ومن خلال معاينة الواقع فان الكورد حققوا الكثير من الانتصارات في جبهاتهم المتعددة حتى باتوا يهددون معقل داعش وعاصمتهم في سوريا " الرقة " .
لكن الغريب في الامر بان المعارضة التي رضخت لمبدأ الحوار مع النظام السوري، انصاعت لاجندات خارجية بالذات لتركيا وابعدت الكورد اصحاب الانتصارات على ارض الواقع عن معادلة الحوار والحضور في المؤتمرات التي عقدت في جنيف بالذات، وبذلك فتحت على نفسها باب التساؤلات والتي لايمكن ان تمنطق الواقع من خلال اجوبتها الحالية، فتركيا ليست سوريا التي يناضلون من اجل حريتها وتخليصها من النظام الحاكم، وتركيا اظهرت من خلال مواقفها انها لاتمانع وجود النصرة و داعش، بل كل المعطيات تشير  الى وجود علاقات بينهم على مستويات عالية لاسيما في ما يخص الاسلحة وكذلك المساعدات اللوجستية الاخرى، لذا كان لابد من ظهور لاعب اخر دولي قوي على الساحة لاسيما ان امريكا وبريطانيا مشغولتان بالعراق وكوردستان والبيشمركة، فضلا عن كون فرنسا التي دخلت بقوة الى التحالف الدولي ضد الارهاب الداعشي،  التزمت بالجدول الزمني والمكاني الذي فرضه التحالف وكانت سوريا جزء من المخططات داخل الاجندة التحالفية، ومع ذلك ظلت الساحة بدون تأثيرات تجعل من تركيا تتراجع ولو قليلاً عن دعمها للارهاب الداعشي والنصروي  فضلاً عن المعارضة وابقائهم كورقة ضغط على التحالف من اجل انهاء النظام الحاكم وتشكيل حكومة انتقالية من فئات المعارضة بدون الكورد، فكان ان دخلت روسيا بقوة وساهمت في احداث نقلة ايجابية لصالح النظام الحاكم، وارغمت تركيا على التراجع قليلا الى الوراء، لكنها روسيا نفسها بعد انسحابها لم تساهم في وضع حد للتلك الاصوات التي ابعدت الكورد عن طاولة المفاوضات متجاهلين كل ما حققه الكورد في معركتهم التحررية.
فكان لابد من اتخاذ موقف يجعل من النضال الكوردي ذا قيمة وذا حصيلة تجعل من ابناء الشعب الكوردي في سوريا وفي الاجزاء الاخرى يدركون بأن كل تلك التضحيات لم تذهب سدى، فطالما ان النظام عدو ، وان المعارضة رضخت لتركيا وابعدتهم عن المسار التشاركي وتعاملت معهم كما تتعامل مع النصرة وداعش، فانهم لابد ان يعملوا على تجميع قواهم الداخلية واعلان ما يمكن ان يضمن لهم حقوقهم في ظل هذه المتغيرات غير المسبوقة والمفهومة، وعلى هذا الاساس جاء في 17/3/ 2016 وبعد اجتماع لاغلب القوى الكوردية في سوريا اعلان الفدرالية " federalism"، المصطلح الذي اثار زوبعة من التحركات داخل اروقة المعارضة والنظام والجماعات الارهابية وكذلك من قبل الدول الاقليمية، وكأن هذا المصطلح جديد لم يتم تداوله من قبل في اية بقعة على الارض، على الرغم من كونه يعني الاتحاد أو المعاهدة. وسواء كان إتحادا أو معاهدة، فهو يقوم بين طرفين متميزين أو أكثر، تجمع فيما بينهم روابط متينة، لها قدرة ذاتية على تحفيز الأطراف المعنية في سبيل البحث عن صيغة توافق مركب وحدوي قوي، فالفدرالية تعني تحرك الأفراد أو الجماعات المتميزة من ناحية، والمشتركة من ناحية أخرى، نحو تشكيل تجمع واحد يوفق بين رؤى الاتجاهات المتناقضة، انطلاقا من الشعور المشترك بالحاجة إلى الوحدة.. ولم تتخذ المعارضة الكوردية السورية يوماً مبدأ الانفصال، وانما اقرت بوحدة سوريا والبقاء ضمن هيكلة الدولة السورية.. ولم تشأ ان تطالب ب "state federal"  والذي يعنى " الدولة الاتحادية" أو"الدولة التعاهدية" والمعنى الأقرب هو الولايات المتحدة، ولايمكن الانكار بان وجود مثل هذه الدولة تخدم الكورد اكثر من الفدرالية التي اعلنوها..
ومع  ذلك اتخذ الكورد مبدأ الدولة الفدرالية والتي غالباً ما تنشأ من تفكك دولة كبيرة بسيطة، يعاني سكانها من مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية، كاختلاف اللغة والعادات والثقافات والموارد والثروات، على ان يكون البقاء ضمن هيكلة السلطة الاتحادية.. والواقع العياني يبرز هذا الاختلاف بصورة جوهرية.. ومع كل هذا فان المفهوم الفدارلي تحول الى ازمة حقيقية واعتبر ان الكورد مرة اخرى يلجاون الى عنصر المؤامرة على وحدة الاراضي السورية ويريدون تقسيم سوريا والى غير ذلك من الشعارات التي تبنتها جميع اطياف سوريا التي اعتمدت على الوطنية المذهبية والعرقية والطائفية.
ولكن على الرغم ذلك وعلى الرغم من المعارضة الدولية لاسيما من تركيا وحليفاتها، وحتى القوى العظمى التي بعضها لم تدلي باي تصريحات حول الامر  الا ان الفدارلية الكوردية في غرب كوردستان قد اعلنت، وهنا تغيرت الكثير من المعطيات التي اظهرت مدى حقد الاخرين للكورد اينما وجدوا، وهذا بالفعل ما حصل للكورد في العراق حين استطاعوا من فرض الفدارلية كواقع لايمكن التخاذل عنه والتنازل عنه، فتعالت الاصوات الحاقدة واتهمت الكورد بالخيانة والمؤامرة وانهم سبب تفكيك العراق المفكك منذ نشأته طائفيا ومذهبيا وايديولوجيا وعرقياً ( وهي مصطلحات بنظر الحكام وطنية) .. ولكن تلك الاصوات لم تؤثر ولن تؤثر على سير قافلة الكورد نحو تحقيق اهدافها.. وهذا على النسق والنهج الثوري سار الكورد في سوريا، ولكن الغرابة في الامر ان المعارضة بكل تكتلاتها وتشعباتها واختلافاتها اتفقت على ان لاتعترف بفدارلية الكورد، والنظام مع داعش والنصرة ايضا اتفقوا على عدم الاعتراف بالفدرالية الكوردية، وبهذا اتضحت الصورة كاملة، فهولاء المتعاركون الذين سفكوا دماء ابناء سوريا طوال الخمس السنوات الماضية ومازلوا يفعلون وبكل السبل، يجمعهم امر واحد وهدف واحد وهو عدم اعطاء الكورد اية حقوق واية مكانة في الساحة السياسية السورية الحالية اي ان يعودوا الى بيوتهم بخفي حنين كما كانوا من قبل، وهذا بلاشك لايتناسب مع الطموحات الكوردية في تحقيق مكاسب خاصة بهم في ظل الفوضى العارمة في كل ارجاء المنطقة، وكذلك لايتناسب مع صيرورة الحركة التحررية الكوردية التي على الرغم من وجود اختلافات بين تياراتها السياسية في كيفية الحصول على هذه المكاسب الا انها تؤيد اقامة الفدراليات لكونها ستحفظ حقوق الكورد في كل الاجزاء التي يتواجدون فيها، وفي مقال سابق بعنوان (هل يشترط اتحاد الاجزاء لقيام دولة )* ، نوهت الى ان وجود دولة كوردية في جنوب كوردستان مثلا لن يعيق امر حصول الاجزاء الاخرى على مكاسب تؤيد قضيتهم الاساسية، وهذا بالفعل ما يمكن ان نراه من خلال المتحولات السياسية والمتغيرات التي قد تحصل على خارطة الشرق الاوسط خلال الفترة القادمة، والامر المهم في هذه المتغيرات هو ان هناك فدرالية كوردية ناضجة في الجنوب، وهي تسير بخطى واثقة نحو تحقيق هدفها السامي وهو اعلان دولة كوردية حتى وان تاخر الامر حيث ان المسار المتخذ من قبلهم لايؤدي في النهاية الا الى ذلك، وهذه هي الفدرالية تعلن في سوريا، وفي تركيا العمل مستمر سياسيا وعسكريا من اجل الحصول على حقوقهم، وفي ايران تجهز التحركات بدقة وعناية فائقة، والكورد في كل بقاع الارض يصدحون باسم كوردستان ويرفعون علم كوردستان.
*/ (هل يشترط اتحاد الاجزاء لقيام دولة ) مقال للكاتب منشور في عدة مواقع الكترونية على الشبكة العنكبوتية.


136
الارهاب عقيدة وليست صورة
جوتيار تمر/ كوردستان
22/3/2016
ان الاستناد على المقولات الدينية باعتبارها مصدر مؤثث لقضايا الارهاب تكفي لابراز اهم المعالم العقائدية التي تستند عليها هذه التيارات الملتحفة بثوب الدين، وهي بالتالي الحجة التي تقام عليهم، وليس التي تقدم لهم، فالدين من خلال مصدره الاساس وتحولاته التي انتجتها العقول البشرية في كيفية تداول الامور الدينية نفسها، جعلت من التأويل والتحليل والتصدير، والاستيراد معاً اسلوبا عقائديا واضحا في غرفة عمليات التيارات المنتجة والمصدرة للارهاب عبر قنواتها الانتمائية ( العرقية- الاثنينة – المذهبية – العدائية للغير - )، فضلاً عن كونها المنبع لكل التصورات التي تتناسل منها الاراء التي تتناسب والقيام بهذه العمليات الارهابية.
فالمصدر  التشريعي الاساس الذي تتبعه هذه التيارات، فيه من الثغرات غير المكتملة فيما يخص الكثير من المقولات والتأويلات والمعاملات التي كان من المفروض ان يدركها العقل الديني من خلال فهم لصيرورة الحدث الديني المقرر من قبل حاملي رسالات الاديان..الامر الذي جعل من استغلالها امراً طبيعياً لاسيما نحن نعيش في ازمنة العقل الاستداركي لماهية الرغبة الانسانية في كل تمفصلاتها، مما يعني امكانية تزايد العقول التي تنادي بالغاء الغير، واحكام القضبة على مصادر الغير، بل محو هوية الغير من اجل اثبات وجهة نظره التي ينتمي اليها، وهذه العقول ليست وليدة اللحظة، انما هي نتاج طوعي للكثير من الامور والثغرات التي لم يتم سدها من خلال افعال ومقولات حاملي راية الدين في البدء، مما انتج ممرات وثغرات لايمكن لاي تشريعات او  اي تأويلات اخرى ان تسدها، وبالتالي فان العقائد نفسها تصبح عرضة للمس من قبل هولاء، الذين يبحثون في الاصل عن هكذا ممرات وثغرات كي يبيحوا لانفسهم ما يرونه هم بانه الانسب لهم من جهة، والانسب لعقيدتهم من جهة اخرى، وبهذا الشكل نلاحظ كيف ان المصدر الاساس العقائدي يتحول الى قضية يتاجر بها هولاء، ويصدرونها الى الاخرين من خلال التلاعب بالالفاظ والاحتكام الى تلك الثغرات، ومن ثم يحاولون استيراد النهج الارهابي من مخلفات الامم الاخرى، ويطورنها ذاتياً كي تصبح آلة فتاكة تهدد الوجود البشري بكل اطيافه ومذاهبه وافكاره واديانه.
ان البحث في ماهية الارهاب العقائدي امر قد يجلعنا بنظر الكثيرين مرتدين، او علمانيين بتصورهم، لكونهم ينظرون الى التشريع او المصدر الديني على انه متكامل، وغير ممكن المس به، او حتى المناقشة حول ادائه ، او المتحولات التي ساهمت في ابراز هذه التيارات الارهابية، ولكن حين نتأمل مقولات هولاء نجدهم بانهم ايضا من روافد هذا المد الارهابي الذي بات ينتشر بصورة غير متوقعة في بقاع الارض، ويهدد الامن والاستقرار والسلام في كل الامكنة دون استثناء، ودون فرز بين الجاني بنظرهم والمجنى عليه، لانهم ينظرون الى الكل طالما انهم ليسوا من زمرتهم على انهم سيان.. ولعل عقول الذين يرفضون الخوض في معطيات التشريعات الاساسية والتي قلنا بانها ترفد الارهاب بالكثير من المدد، امر يستحق المناقشة والنظر فيه بصورة اعمق، فحين يرفضون تداول هذه الثغرات والبحث عن مكامن ضعفها، لسدها او لوضع مايناسب ويتلائم مع باقي النصوص غير الداعية لهكذا مقولات وافعال.. بحجة ان التشريع متكامل وغير قابل للمس، فانهم يتركون الباب مفتوحا وقتها لتأويلات هولاء بالاخص انهم يستندون على مقولات اخرى نابعة من عمق التصور الديني وكذلك الحدث الديني ضمن المنظومة الشاملة للدين سواء التاريخية منها، ام العقائدية التي ايضا كالحدث التاريخي مر ت بالكثير من التغيرات والاستحداثات التي لم تنل رضى هولاء اصحاب الرأي التكاملي للتشريع، لكنهم في الوقت نفسه لايستطعيون رفضها، لكونها احداث ومواقف حدثت بالفعل وسجلها التاريخ.
اذا من الطبيعي ان نجد الارهاب يتناسل ويتصاعد وتيرته، طالما ان العقائدية الموجودة والتي يحتكم اليها هذه التيارات، غير قابلة ان تناقش نفسها ذاتياً ومن ثم تستخلص ما يجب فعله لتدارك اتساع الهوة  والفراغ الموروث جراء عدم المس في ما يسمى بالتكاملية العقائدية، على ان الامر لايعدو في نظري مجرد استحداث ديني نفسه يتناسب مع الواقع العياني، بحيث تصبح هذه المصادر التشريعية مناسبة لسد اي ثغرة يستغلها اصحاب الفكر الارهابي لتحقيق مصالهم باسم التشريع التكاملي نفسه، مما يخلق تنافرا واضحاً للغير وحتى للكثيرين ممن ينتمون الى هذه العقائدية ( الدين )، وكذلك يصبح التشريع الاساس غير قابل للهتك، والاستغلال الداخلي من قبل تلك العقول المنتجة للقتل والذبح والسبي وكافة ما يعتبر غير انساني في عصر يتجلى فيه الروح الانسانية بوضوح تام غير مناقض لذاته.
فحين تتحول المقولات الدينية الى اغراض ووسائل ذاتية من قبل البشر المدعين بفهمهم وادراكهم والمامهم الديني التكاملي، فانهم بذلك يحولون جوهر العقيدة التي تنامت في عقولهم وقلوبهم واصبحت غذاء روحهم الى اداة اجرامية تستخف بالدين نفسه، وتسحق الاخرين بغير مبرر مقنع، و  دون اية صلة بالحرب الادعائية التي يروجون لها من خلال قنواتهم الاعلامية، وعلى هذا الاساس تصبح العقائدية هي المنتجة الارهاب والمصدرة له في آن واحد. وبالتالي يتضح بان الارهاب نفسه هو العقيدة المنتجة له، وليس مجرد صورة تمنطق ملامح تلك العقيدة خارجياً دون المس في جوهر العقيدة نفسها.. بالصورة على الرغم من ان لها بعد ميتافيزيقي ماورائي، الا انها في الحقيقة تسجد ما هو ملموس وواضح  بشكل عياني، لان جوهر الصورة يبقى مرتبطاً بما تفرزه الرؤية الاولية والعميقة للصورة نفسها، بعكس العقائدية التي هي نتاج ديناميكي جوهري، تنقله العقول التي تؤمن بها من خلال مقولاتها التي يستندون اليها في رسم اية صورة يريدون من خلالها ان يعرفوا الاخرين بجوهر عقيدتهم.

137
نـــــــوروز الكــــورد
جـــــوتيار تمر/ كـــــــوردستان
20/3/2016
لعل الامر يختلف حين نقرأ عنوانا بهذه المباشرة وهذا التوجيه، فنوروز بالنسبة لنا الكورد مختلف لكونه لايمثل رأس السنة الكوردية( 2716) فحسب.. انما يمثل امتداد لسلسلة مناسبات واحداث توالت وتجذرت تاريخياً في عقول واذهان كل فرد من ابناء كوردستان، واصبحت نقطة انطلاق لكتابة التاريخ الكوردي سواء من حيث الجذور التاريخية، ام من حيث المتحولات على جميع الاصعدة والمستويات السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك.
من هذا المنطلق اريد ان اكتب عن نوروز الكورد بعيداً عن التأصيلات التاريخية النابعة  بعضها من التصورات الميثولوجية والاسطورية .. وبعضها من المتجذرات القومية الانتمائية، واخرى من الحدثية الاستداركية والاخيرة من الاستقراءات الممكنة ضمن منظومة تهتم بالكورد ككيان مستقل وشعب له تجذراته التاريخية.. ووفق هذه التداعيات والمعطيات تنطلق المقولات الكوردية وغير الكوردية حول ماهية " عيد نوروز " بدأً من انهاء سلسلة الظلم التاريخية ، ومروراً بالاسطورة كاوه، ووصولاً بقدسية النار الزرادشتية التي تؤكد استمرارية الحدث التاريخي المتصل بالكورد، ووقوفاً عند محطات نوروز في التاريخ الحديث والمعاصر، لما له من انتاجات حدثية تأصيلية للمسيرة الكوردية عبر الازمنة التأريخية ولما له من دور بارز في احداث النقلة الايجابية للتاريخ الكوردي، وايصال الصوت الكوردي الى مستويات لم يكن قبلها قد وصله جراء السياسات التعسفية التي تبنتها الانظمة التي حكمت المنطقة سواء من خلال الدوائر الانتمائية القومية او الدينية.
وانطلاقاً من هذه التجذرات التاريخية المتصاعدة اردنا ان نتحدث عن نوروز الكورد بكونه المفتاح للدخول الى المنظومة الكوردية التي تمجد الانسان الكوردي من حيث البدء والاستمرارية والمستقبل، لانه لايمكن معرفة تأريخ الكورد اذا لم يتم التعرف الى التجذرات التاريخية لماهية نوروز العيد والحقائق التي يمكن استنباطاتها من الحدثية الاسطورية والكيفية التي تواصلت وتناقلت الرؤية من خلالها حتى وصلت الينا بهذه الصورة الاجمالية التي نعيشها الان، فنوروز ليس عندنا ككورد مجرد اسطورة نتناولها عن ملك ظالم وحداد متمرد ثوري استطاع من انهاء ظلم الظالم واشعل النار كرمز للحرية، لكن الحدث برمته، امتداد لمقولات تاريخية وحدثية كوردية سبقت ذلك، لاسيما فيما يتعلق بالوضع السياسي الكوردي المجزء انذاك بين الامتدادت الاثنية والعرقية والقومية والدينية، وبين الصراعات التي كانت قائمة انذاك وكنا نحن الكورد وكوردستان ساحة لها، ومنذ ذلك التاريخ دفعنا ضريبة وجودنا بين هذه الخرافات القومية الاثنية والدينية والحضارية ايضاً.. ولم نزل نعاني من تبعياتها ووجودها المضر للانسانية عموما وليس لنا فقط.
ان التلازمية التاريخية التي فرضت علينا جعلتنا نتوق الى ممرات يمكننا من خلالها ان ننفذ الى افاق ابعد من حيث تلك التي وجدت وفرضت علينا، واجبرنا على البقاء ضمن دوائرها... ونوروز تعد من احدى اهم المنافذ التي آمن الكورد بها، لكونها لم تفتح الافاق فقط انما اعطت ملكة الاستمرارية للسابق، وربطته بالاتي.. وجعلت الانسان الكوردي داخل كوردستان ينتظر الشهر واليوم والتاريخ هذا كي ينطلق من اجل سطر مجد تاريخي اخر يضاف الى السابق، فنوروز كما سبق وان اسلفت ليس مجرد تغيير لتاريخية وزمنية، انما هو  تاصيل جذري لحدثية قائمة تستمد رسوخها من القديم... لتتفاعل مع الحاضر المستنير، والمنطلق بقوة نحو افاق عالمية بعمق ايديولوجي وسياسي واجتماعي واقتصادي وعسكري متقد.. وحضور لافت على جميع الاصعدة الاخرى التي من خلالها تم رسم الصورة الكوردية المنساقة من التلاحم والتقارب والتعارف والتشارك والتواصل الحي والمباشر مع المجتمعات الاخرى، بعيداً عن الفرضيات والايديولوجيات العرقية الشوفينية السابقة التي شوهت الصورة الكوردية بنظر الاخرين لكونهم انذاك كانوا المتسيدين على الوضع والمكممين لافواه الكورد، والمقيدين بالسلاسل لحريات الكورد.
ان الصورة التي تحققت من خلال الحقائق النوروزية الحديثة والمعاصرة اوجبتها الحركية الفكرية والسياسية والعسكرية الكوردية في كوردستان ككل، على الرغم من وجود التحزب والصراعات الحزبية داخل المناطق الكوردية لكنها هي الاخرى في حد ذاتها تأصيل للقيم الكوردية التي تناضل من اجل الوصول الى الارقى، حتى وان بدت للاخرين بانها نعرات وتنافر وحرب داخلية، لكنها لاتخلوا من كونها الفوضى الخلاقة التي استفادت من تجاربها السابقة ولم تنجرف رغم شدتها في احيان كثيرة الى مجريات الدم والاقتتال.. ونوروز واذار  هما الرافد القويم لهذه التقويمية الكوردية الصريحة والمبشرة بالخير، والنضوج ، وحين يتحرك كل كوردي في بقعة من الارض في هذا الشهر ليقول ولو كلمة.. او ينشر صورة.. او يخلد اسم، فانه بذلك يشارك في بناء القيم التواصلية والاستمرارية للتاريخية الكوردية ضمن النطاق الاجمالي، وذلك لأن الكلمة تؤرخ ماسبق، وتمد الان بالروح، وتعلن عن ممرات للمستقبل، تنفذ من خلالها الحراكات الكوردية كي تحقق رغبتها في الاستقلال ذات يوم، حتى وان طال الامد، وكثرت الذئاب التي تحوم حولنا من كل صوب وجهة والتي تحاول بشتى الطرق التكاتف والاتحاد من اجل خنق الحلم الكوردي، لكنها الروح التي تستمد قوتها من اذار ونوروز، والتي تريد ان تسطر في التاريخ الحديث اسطورة اخرى خالدة.. كالتي يسطرها ابناء كوردستان في كل بقاعها، لاسيما في حربهم الضروس ضد الالة الشوفينية التعصبية القومية للحكومات المتسلطة من جهة، ومايسطره ابناء كوردستان من البيشمركة والمقاتلين الكورد( نساء ورجال) في تصديهم البطولي للارهاب الداعشي.. بحيث اصبحت بطولاتهم ملاحم من ذهب تضاف في سيرة اذار ونوروز .

138

ايها "السياسي" المسكين الباكي
جوتيار تمر/ كوردستان
17/3/2016
 لم احب يوما ان ادخل هذا المعترك المباشر في توجيه كلامي الى شخص معين او جهة معينة الا في مرتين ، الاول عندما كتبت الى اللاانساني القومجي العنصري القبلي سعدي يوسف، وهذه المرة التي انا بصدد كتابة شيء، حول ماهية ما قاله احد الاسماء التي تدعي كونها شخصية سياسية في كوردستان، ويوما بعد يوم يظهر للجميع بانه ليس الا طبال لاجندات خارجية فضلاً عن كونه يظهر بمظهر المريض نفسياً والذي يشعر بانه صفع امام العالم فيريد ان يعيد اعتباره من خلال تصريحات لاتمس بالواقع السياسي شيئاً لانه لو كان فعلاً اكاديمياً متمرساً لادرك بان كل ما يقوله يحسب عليه وليس له، وتصريحاته الاخيرة حول بانه لايمكن لغير متعلم ان يقود قافلة الاصلاحات خير دليل على جهله الواضح بالامور، لاسيما في هذا المجال، باعتبار ان الشهادات العليا وان كانت ضرورة ملحة، الا انها ليست المطلق في قيادة الشعوب، لا في المجالات السياسية ولا حتى الاقتصادية وغيرها من المجالات، فالكثير من العظماء الذين قادوا شعوبهم وكذلك قاموا ببناء صروح علمية فذة لم يكونوا في الاصل حاصلين على اية شهادات عليا.
سارد بعض الامثلة قبل ان اقيم ماقاله السياسي المدعي،  وينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية والحاصل على جائزة نوبل للاداب سنة 1954، لم يكمل دراسته الابتدائية وحسب المصادر التاريخية انه رسب في السادس الابتدائي، وكان كما يقال عنه من اكسل الطلاب في فصله الدراسي، ولانعلم يا ايها السياسي كيف وصل الى اعلى مركز قيادي في بريطانيا التي انت بنفسك ذهبت اليها قبل فترة لتوصل الى برلمانهم شكواك ومظلوميتك.. ولااعلم يا ايها المحنك ياصاحب الشهادة العليا كيف استطاع تشرشل ان يكون من احد اهم اسباب نصر بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، كل هذا وهو الطالب الذي رسب في الصف السادس الابتدائي.. لااريد ان اتوقف عند تجربة هذا العملاق السياسي، لذا اود ان انبه السياسي المحنك بأن تومس اديسون مخترع الكهرباء التي استطاع  السياسي المحنك من خلال الادوات التي تعمل بالكهرباء ان يصرح بتلك التصريحات، لم يكن من اصحاب الشهادات العليا، بل الادهى بانه لم يتعلم في المدرسة الا ثلاثة اشهر، لننظر اليه معاً ياايها السياسي المحنك، ثلاثة اشهر وكان لديه اكثر من  الف اختراع في المجال الكهربائي، ولن ازيد عنه شيئاً اخراً، وحتى لايقال بان هولاء لم يتكرروا سنقول له بان البرت اينشتاين، احد اشهر العلماء في مجال الفيزياء والحائز على جائزة نوبل 1921 في الفيزياء طرد من المدرسة في المرحلة الرابعة لان الادارة وقتها ظنت بانه لايصلح لشيء،. وكذلك اسحاق نيوتن الذي قامت بامه باخراجه من المدرسة عندما وجدت المعلمين يشتكون بانه لايبالي ابدا بما يقولون ، لكنه بفضل مثابرته الشخصية وكفاحه الشخصي استطاع ان يصبح من اشهر علماء الفيزياء، واظنك سمعت ايها السياسي المحنك بقانون الجاذبية... فضلاً عن هولاء لااعلم اذا كنت يا ايها السياسي المحنك قد سمعت بالاخوان رايت، اورفيل وويلبر رايت، اللذان ينسب اليهما اختراع اول طائرة والقيام باول رحلة طيران ناجحة، ترى هل تظن بانهما تخرجا من كلية الطيران انذاك او ان هناك دول خارجية تدعمها كما تفعل معك... ساقول لك انا لاني اعلم بانك ربما سمعت في مكان ما عنهما لكنك لم تقرأ شيئاً لانك كنت مشغولاً للحصول على الشهادة التي تظن بانها كافية وتعطيك الحق في اطلاق تصريحات جوفاء لامعنى ولاقيمة لها، اورفيل فصل في الثاني المتوسط لسلوكه المشاغب، و ويلبر  لم يدخل الثانوية... ربما غيرتك وكرامتك ستجعلك تقول بأنها امثلة قديمة، لاباس ايها المحنك، تعال لنلقي نظرة على صاحب شركة ميكرسوفت بيل غيتس، لااعتقد بانك ستقول انه امر قديم ايضا، لانني الان حين اكتب فانا افعل بفضل شركته، هذا الاخر لم يكمل الجامعة وتفرغ لاعمال شركته.. والان اظنك تعرف من هو وماذا اصبح وهل استطاع ان يقود ثورة تكنولوجية على مستوى العالم وليس على مستوى حزبك ايها السياسي المحنك.
ولايتوقف الامر عند هولاء فقط، فهناك اكثر من شخص يعتبر الان من الانجح في العالم ولم يكمل دراسته او لنقل بلغة السياسي انه غير مؤهل علمياً لكونه لايحمل مثلك اية شهادة عليا.. ستيف جويز.. وجسيكا البا وريتشارد براتسون.. ومارك زوكربيرغ واوبرا اويتفري..كل هولاء الان هم الافضل والانجح على المستوى العالمي ، ولم يحصلوا على اية شهادات عليا بل ان اغلبهم لم يكمل دراسته المتوسطة، فهل وقف التحصيل الدراسي عائقاً على ان يكونوا الابرز والانجح، ولااعلم لماذا دائما المصفعون على وجوههم يبحثون عن تفاهات الامور كي يغطوا عوراتهم التي اصبحت مكشوفة ولاتحتاج الى اقاويل وتصريحات كي تخفى عن اعين الناس.. لانها ولدت مكشوفة عارية من المقومات الاساسية للبقاء، لكونها وجدت لتخلق الفوضى، والفوضى حتى ان طال بها الامد تنتهي بقيام اشخاص محنكون باعمال تحتوي هكذا امور وتقدم الافضل.
 على الاساس نقول للسياسي المحنك الذي اصبح بنظر الكثير منا عبداً وطبالاً لاهواء نفسه واجندات خارجية تدعمه من اجل زعزعة الاوضاع الداخلية في كوردستان، نقول له، بانه حين لم تكن انت موجوداً ، كان من تحدثت عنه بانه لايصلح للقيام باعمال الاصلاحات لكونه غير حاصل على شهادة عليا مثلك، قد ترك دراسته المتوسطة بسبب العوامل السياسية والتحق بثورة أيلول. فقد ترك بغداد وهو في ربيع (16) من عمره ليلتحق بالبيشمركة سنة 1962. و كان له دور مشرف في ثورة الكورد التي اندلعت يوم الحادي عشر من أيلول عام 1961 بقيادة الملا مصطفى البارزاني والتي استمرت لغاية عام 1975- ( واعتقد انت من مواليد 1978) - ،  وكان انخرأطه في النضال السياسي مقرونا بدعم ومساندة والده.. وحين ينكر امثالك دور والده ودوره في قيادة الحركة التحررية الكوردية، فان الامر لايتعدى الا ما قيل في الامثال الكوردية القديمة والتي لن اقول مجملها لاني لااريد ان الوث لساني ولا يداي بكتابتها، ولكنها القافلة ستمضي شاء اربابك ام لا، القافلة ستمضي سواء بكيت مثل الاطفال على كرسيك الذي اضعته بسبب عدم امتلاكك للمؤهلات الاخلاقية الكوردية اولا ومن ثم بسبب تطبيلك الدائم لتلك الاجندة الخارجية التي تدعمك ام لا.. لذا اقترح عليك ان تعيد حسابات..  وترجع الى بيتك راجياً من والديكِ بان يغفرا لك لانك لم تكن اهلاً لاخلاقهما.. ومن ثم تطلب من مًن تجاوزت عليه بالصفح.. لانه ارحم من يرد على امثالك.
ولتقرأ في اجندة الاخرين ايضاً لان لديهم ما يقولونه لامثالك.. لاسيما انهم حين كانوا يكافحون لتحقيق نجاحاتهم والوصول الى ماهم عليه الان، لم تكن انت في حسابات العباد اصلا وقتها، لانريد هنا ان نجرحك اكثر، لكننا نريد ان نقول لك بان السياسية فن، ونعلم بان الغاية تبرر الوسيلة ، لكن في السياسة ايضا اخلاقيات يعرفها القاصي والداني، فاذا كنت  قاصياً ام دانياً تعلم من شهادتك.. التي حصلت عليها في كوردستان، بعد ان قام امثاله بالثورة مع الكثيرين من الشرفاء من ابناء كوردستان.

139
المرأة الكوردية صانعة امجاد الامة
جوتيار تمر/ كوردستان
8/3/2016
قد يتصور القارئ بان المقال سيأتي كاغلب المقالات التي تمجد المرأة شعاراتياً، وتقول عنها بأنها اخت الرجال، وانها صانعة الامجاد، وانها الام التي مقدس في الارض اكثر منها، والى غير ذلك من الشعارات التي اصبحت الوسائل الاعلامية سواء أكانت المرئية ام غير المرئية تتملئ بها، وتصدح بها في كل الاوقات، ولست هنا انقص من قيمة هذه الوسائل ولا تلك الشعارات، لكني فقط اريد ان انفي وجودي بين ممن يروجنها لقناعة خاصة بي، بعيدة عن المقايضة وبعيدة عن المجاملات والشعارات، حيث فقط اود ان اقف عند معالم جغرافية مفهوم المرأة اليت تصنع الامجاد.. ولقد اتخذت من المرأة الكوردية انموذجا لكونها الان تصنع وتقدم ما لايتصوره عقول الكثيرين ممن يحاولون بكل الطرق وشتى الوسائل معالم الوجود النسائي، وتقويضه ضمن ايديولوجيات يدعون بانها آليهة دينية ، اي اله واي دين كان.
ينقسم الواقع الى عياني ملموس والى افتراضي تخميني تخيلي، ضمن سياقات الثاني تظهر الشعارات وتكثر الاقاويل والاوصاف التي يمكن ان يجدها المتابع والقارئ في كل الاماكن وعلى جميع الالسنة التي تهتم بالموضوع، ليس لانه جذري لديه، او لانه مساهم في العملية التغييرية سواء على الساحة الداخلية او الخارجية انما لكونه يعيش وسط واقع يفترض به ان يعيش احداثه واهتمامات الشارع ايضاً، لذا فهو لاينتج في الاساس الا تبعية حدثية وما ينتج من الحدث يلائم الحدث وحده وخارج اطاره يسقط وفق تداعيات كثرت الاحداث التي تأتي وتغطي مساحات اوسع، اي حسب الوقت والمكان، فمثلا كان في كوردستان حديث حقوق المرأة امراً سائداً وفق حدثية معاينة، اي وفق وجود منظومة نسائية سواء أكانت حزبية ام كوردستانية تطالب بحقوق المرأة وتعمل على نشر الثقافة المتعلقة بالامر، وهذا امر مستحب ولكنه في نظري ليس بجذري، لانه فقط يسلط على الجوانب التي تعاني منها المرأة فيحاول القائمات على الامر على ابرازها دون النظر الى المرأة ككل، ككائن جذري وجودها لايتعلق بالمعاناة التي تعيشها، انما بوجودها الكلي والفعلي داخل المنظومة الوجودية ، لذا العالم الافتراض لم يزل يدعي حقوق المرأة، ولم يزل يحاول الاكثار من الصدح بالشعارات التي تلهم الكثير من النساء حول حقوقهن المهضومة، حول اهمية تمردهن على الاعراف والعادات التي تقيدهن والى غير ذلك.
هذه الاشكاليات التي تطرحها هذه المنظومات اجدها في الاغلب تنقص من القيم الوجودية لوجود المرأة نفسها، فالمرأة لم تعد تعيش عصر الركود الاعلامي ولا الركود السياسي ولا الركود الاجتماعي الطبقي، ولا حتى الركود الايديولوجي والديني، لكوننا اجمالا تعدينا تلك المراحل واصبحنا نعيش عصر يمكن للمرأة ان تفعل دون ان تقول، والواقع يثبت مقولتي، ولا احد يمكنه انكار الامر ليس لانه فوقي خيالي احتمالي افتراضي انما لانه ملموس ومؤثر ويساهم في احداث تغيرات حدثية عيانية واضحة، بل ان المرأة الان هي التي تغير معالم التشكيل الوجودي باكلمه ربما دون ان تعرف، لكن الواقع يقول ذلك بوضوح، ولن اخوض في الامثلة على ما اقول، لكني ساوجز الامر في المتجمع الكوردي الان، وضمن ايديولوجيات تتبنى التشاركية القيادية الفعلية للمرأة ، كما شاهدناه في الحراب الضروس التي نخوضها ككورد في كوردستان ضد الايديولوجيات التعسفية الدينية والتي تمثلت في جوهرها الحاضري بداعش الموت والدم والنكاح، فالمرأة الان ليست مجرد آلة تابعة تعيش وقع تبعيتها الزمانية والمكانية انما هي محركة ضمن المحركات التي تحاول طمس معالم الوجود الارهابي، وتساهم بوضوح في احداث التغيرات التي تشهدها الساحة الاقليمية، وهذا الانموذج الكوردي الذي نشاهده ليس نتاج لحظة وحدث يمكن ان تطمس معالمه بعد زوال الحدث انما هو متجذر في الايديولوجية الكوردية ضمن سياسات وجماعات منظمة تعمل داخل منظومات اكبر، تساهم في كلياتها على تشكيل معالم الوجود الكوردي ككل، فالمرأة الكوردية دورها لم يقتصر على امور تطالب المنظمات بزوال تبعياتها، امور تتعلق بموروثات قديمة تبدأ بالاشرة وتنتهي بالزواج والعائلة، والبيت، ربما تكثر الامثلة على وجود هذه النماذج، لكن الحدثية وقتها والحراكات الداخلية والمتطلبات الحياتية والسياسية حتى كانت تفرض هذا الايقاع عليها وعلى الكثير من الرجال معها، ولكن اصبح الوطن بحاجة الى جهودها كانت حاضرة وبقوة، مما يدل على ان الحدثية هنا ليست هي المقياس الاساس لوجودها، لانه لايمكن كسر العادات والقيود الاجتماعية والدينية بين ليلة وضحاها، انما تدل على ترسخ هذه المنظومةوهذه الايديولوجية داخل العمق الكوردي الاجتماعي، لذا حين تطلب الامر الى نفورها ومشاركتها الفعلية كان الامر اعتيادياً ولم يخلف ابداً اية اشكالات فكرية او دينية او اجتماعية او حتى عائلية اسرية، وهذا بلاشك دليل واضح على انها كانت وستظل صانعة للامجاد، ومستعدة لان تساهم في المجالات بتدعيم الوجود الكوردي ككل دون ان يقيدها اية قيود .
ان الاحداث الاخيرة اثبتت ان الشعارات لاتناسب المرأة الكوردية، وان المعاناة التي كانت المنظمات تحاول ان تعالج اسبابها، انما كانت امتداد لنمطية حياتية ليس لها علاقة بالجذور والمترسخات الايديولوجية للوجود النسائي في المجتمع الكوردي، ومن يلاحظ الان بان دور هذه المنظمات تقريبا شبه منعدم، لان المرأة الكوردية هي صانعة القرار مع الرجل في ممارساتها وفعاليتها الوجودية والفعلية على الساحة الكوردية عموما، وحتى اننا شاهدنا انها لم تعد خائفة من السلطات بل تصدح برأيها بكل ثبات ووضوح دون اية اشتراطات مسبقة او قيود فعلية عائقة، فضلا عن كونها في ساحات الوغى لبوة ثائرة تطمس وجه الارهاب تحت اقدامها، وانها فوق كل هذا صاحبة شراكة في القرار كما حدث كوباني والكثير من المناطق الكوردية الاخرى.. وعلى هذا الاساس هي صانعة الامجاد ليس شعاراتياً انما واقعياً.. واستطاعت لا ان تصنع مجدها لوحدها انما مجد الامة الكوردية بحيث يتباهى الرجال بها في كل الاماكن.. كما اصبحت انموذجا تعريفيا بالكورد في الكثير من الاماكن والدول التي قبلها كانت تظن بأن المرأة الكوردية سبية في بيتها لا حق لها، مع العلم بأن المجتمعات الشرقية لم تستطع لحد الان خلق انموذج حي وفعال ومؤثر مثل الانموذج الكوردي في كوردستان.



140
المنبر الحر / لـــوحـة *
« في: 12:24 06/03/2016  »
لـــوحـة  *
جوتيار تمر/ كوردستان
21-2-2005
 اهتم بنفسك لاتهملها نفسك..فأنت تكاد تنهار دون أن تشعر دون أن تعلم ..مرضك بدأ يسيطر عليك وها هو القلق الذي أنت فيه يجعل من احتمال إصابتك بنوبة قلبية قريبا..بل قريبا جدا ابتسم للطبيب.. وهز على يديه مصافحا.. سأكون بخير.. بل يجب أن أكون بخير.. وليس لي إلا أن أكون بخير، فلاتخش علي فقط قل لي كيف آلت حالتها..؟ نظر الطبيب إلى عينيه وجد فيهما بريقا غريبا بل أدهشه وكأنه لم يستطع أن يستمر بالنظر إليهما فأحال ببصره نحو إحدى زوايا الغرفة ..عيادته..قال إنها..وصمت الطبيب.. لم يقاوم رغبته في النظر من جديد إلى عينيه..إلى ذلك البريق وكأنه قد شده البريق إليهما من جديد..فنظر إليهما وجدهما تكادان تنزفان..تقطران ألما..قال إنها …وعاد إلى الصمت مرة أخرى ..قاطعه إنها ماذا ..؟ إنها شارفت على النهاية..أعلم بأنه ليس من السهل أن أقولها..ولعلك تتهمني بالقسوة والادعاء لكنها الحقيقة ولم أكن أملك الخيار..نعم لم أكن إلا لأقولها..ولولا خوفي من أن تنهار أنت أيضا معها لكنت….!
أنا لم أعد قلقا عليها لأنها استسلمت لأقدارها والمرض امتلكها أما أنت فيمكنك أن تدرك نفسك..اغفر لي صراحتي هذه ..لا..لاتهتم لست أنت لا لست أنت وأشكرك لصراحتك وقد لاتعلم مدى امتناني لك ولاهتمامك بكلينا طوال هذه المدة فأنت كنت ولم تزل الوحيد الذي لاغنى لنا عنه ولو أعلم كيف أرد لك الجميل هذا… فقط اهتم  بنفسك وسترد لي الجميل بذلك..مرة أخرى هز يده ومشى خطوات حتى وصل إلى( فرح) أخذ بيديها وهي في شبه غيبوبة كانت تعرف الوجوه ولا تميزها..كانت تسمع الاصوات وتتجاهلها كانت تبدو وكأنها لاتعرف ما يحدث لكنها كانت تدرك ..ابتسمت للطبيب وودعته قال الطبيب لهما أنا معكما لاأنتظر المواعيد تعلمان ذلك ..في أي وقت كان فقط اتصلا..خرج بها من العيادة وعاد أدراجه إلى حيث يسكن ..هو..أدخلها صالة البيت ذلك المكان الذي كان شاهدا على كل لحظاتهما وعندما طال بهما المكوث وحانت ساعة إعادتها لبيتها حيث أمها تنتظرها أخذ بيدها واحتضن رأسها وقبلها على جبينها وقال لها أمك تنتظر علينا أن نعود حنى لاتقلق ..قالت أريد أن أبقى هنا مدة أطول ..كأني أشعر بأني لن أراه ثانية.. قال بل سترينه إلى الأبد.. فلاتخافي..سارا بخطوات مثقلة نحو الباب..التفت إلى لوحة يعمل هو عليها قالت ألن تكمل لوحتك هذه..فأنا أتشوق لرؤيتها كاملة..؟ قال بلى سأكملها ..كانت السماء في الخارج  غائمة على وشك أن تمطر والجو كان باردا ..فلف جسدها بمعطف وأخذ سيار ة أجرة وأوصلها إلى البيت حيث الأم تنتظر ..قبلتها الأم ونادت أختها رنين فجاءت هي الأخرى وقبلتها وأخذت بيدها لكنها أرادت أن تظل يدها بين يديه فسار بها بخطوات حذرة قصيرة إلى غرفتها وقال لها ارتاحي الآن سأعود إليك غدا ..قالت الأم لاأعرف كيف…قاطعها..لاتقلتيني ..قبلته الأم وسارت الأخت معه للباب وعيناها تنطقان شكرا..لكن لسانها يخذلها..خرج وظلت عيناها تراقبه إلى أن غاب عن بصرها كانت السماء حينها قد بدأت تقذف بالمطر خارج أسوارها وكانت الارض تستقبله بحنان دخلت رنين الغرفة ووجدت أمهما تهم بالمغادرة وهي تقول لعلها غفت الآن..ثم قالت هل ذهب ..أشارت رنين برأسها ..وكأن ما يحدث قد أخرسها قالت الأم كيف لنا يوما أن ننساه أن نجزيه على ما يفعله من أجلنا ابتسمت رنين وقالت لأمها إنه لاينتظر أن نجزيه.. اذهبي أنت لترتاحي وسأكون بجوارها ..كان المساء بل الظلام قد اكتنف كل شيء رنين الحية تراقب أختها التي توشك رحلتها على الانتهاء.. وهي عاجزة فقط تراقب..كانت فرح نائمة ..وجهها كان شاحبا أنفاسها كانت تنقطع أحيانا وكأنها أبت إلا أن تعذبها حتى في غفوتها مضى الوقت مملا بألوان من الوهم والعذاب كانت رنين أكثر خوفا ..صوت الرعد كان يزيدها فزعا، أفكارها كانت تدخلها  في متاهة مظلمة لاخروج منها،وهي غارقة فيما هي عليه وعلى صوت الرعد رآها تستيقظ فجأة من نومها نظرت إلى الباب..التفت حولها وجدت أختها توأمها التي خرجا معا للحياة واستمرا معا لحد لحظتها تلك تراقبها..كان وجهها قد تغير فقد أصبح يتلألأ كان يشع نورا ..وبهاء..عيناها كانت تسطعان بريقا وعلى شفتيها ابتسامة رقيقة كرقة وجهها قالت أمازلت مستيقظة..؟ ردت كنت أتأمل وجهك ..قالت أعلم ..ثم أردفت تقول أتعلمين بماذا كنت أحلم قبل لحظات ..؟بمن..؟ بأبي..كأنه جاء لزيارتي وظننته قد فتح الباب فاستيقظت كان وجهه يشع نورا..كان ينظر إلى وجهي ويقول اهتمي بنفسك صغيرتي.. أتتذكرين أيام ماكنا صغارا كيف كان يحملنا معا كيف كان يمسك بيديه أصابعنا الصغيرة كيف كان يحضننا معا..أتتذكرين ذلك اليوم الذي أراد أن يأخذنا فيه لشراء حقائب المدرسة..كان إذا رفعك ليقبلك عاد ورفعني ليقبلني ..وهكذا لم يكن يفرق بيننا بل لم يسمح لأحد بأن يفرق بيننا..كان يحبنا معا ولا أتذكر أنه غضب منا معا كان …ليته كان هنا الآن مشتاقة إليه لماذا خذلته أقداره وأخذته في غير أوانه..؟ آه أتذكر يوم رحيله كنا مازلنا صغارا أليس سن العاشرة سنا صغيرا ليتحمل الانسان فيه رحيل أعز الناس لديه.,.؟قالت رنين لاتدعي ألم الماضي يستمر مع ألمك هذا فأنت الآن لاتحتاجين للمزيد ارتاحي وكفاك كلاما..قالت لا بل أريد أن أستعيد ذلك الألم لأنه وحده ما أحيا به مازلت أتذكر اليوم الذي جاء ذلك الرجل بزيه العسكري وقال لأمي إن.. قد قضي..أتذكر وجه أمي نعم أتذكره جيدا أتتذكرين حينها كيف ضمتنا إلى صدرها كأنها تريد أن تغرسنا بين أضلاعها حتى لايفرق بيننا أحد ..؟ كيف تعانقنا أنا وأنت أنت وأنا وكيف كنا نسهر الليالي نتساءل ألن يعود.. من إذا سيقبلنا ..سيضمنا إلى صدره من إذا سيرسم البسمة على شفتينا..؟ هل تتذكرين كل ذلك..؟. أي أيام كانت تلك..؟قالت رنين من أجلي كفاك..ردت من أجلك نعم فنحن مازلنا كما كنا معا وسنبقى أليس كذلك..؟ ردت رنين نعم ولاشيء سيفرق بيننا... تنهدت فرح ..بعد صمت.. قالت لاشيء كان يمكنني أن أفكر به دون مشاركتك لي كنا نتقاسم كل شيء معا عشنا الحياة كلها معها لكني في شيئين فقط لم أدعك تشاركينني.. أحدهما بقيت أصلي في جوف الليل من أجل أن لانتقاسمه معا.. نعم كم من ليلة  تسللت من فراشي كلصة خشية أن تريني وكنت أظل أصلي وأدعو وأذرف الدمع حتى لايجعلني الله أشاركك فيه..بل يشاركك أنت معي فيه..وكأن الله قد استجاب لدعواتي ولصلواتي وأعطاه لي وحدي.. أما الشيء الاخر كنت أريده لي وحدي لكن كأني الآن أودعه أمانة بين يديك…قالت رنين أما الاول فأعرفه ..نعم اعلم ماذا تقصدين إنه مرضك ألمك هذا لكني أقسم لك بأنه ليس ببعيد عني حتى إن أردت أنت ذلك.. فأنا أعاني مثلك لألمك لأنك أنت لست إلا أنا ابتسمت وقالت أعلم.. أعلم ..ثم مالبثت أن خرجت من فراشها أرادت رنين أن تمسك بيدها لكنها قالت أنا بخير وقفت أمام نافذتها كان المطر يتصارع مع زجاجها قالت إنه الآن يتأمل المطر أمام نافذتنا إنه الآن يتألم من أجلي إنه يعاني مرضا لا يقل ألمه عن ماأعانيه لكنه يتجاهل كل شيء من أجلي .. إنه ليس إلا ملاكا نعم إنه ملاك وأكفر أنا بكل من لايسميه ملاكا ولا يؤمن به..آه لو ترين ذلك البريق الذي يلمع دائما في عينيه فقط لو تتأملينه فقط.. فقط ،غدا وما أطوله من وقت سأذهب إليه قبل أن يأتيني سأقول له عليه أن يكمل لوحته يجب أن أراها كاملة ثم التفت إلى رنين  وقالت سأرتاح الآن لأن غدا لي موعد مع الملاك..دخلت فراشها ..أطفأت رنين الأنوار..وخرجت الأقدار عنوة من غرفتهما إليه إلى حيث يسكن هو ..إلى ذلك البيت الذي كان عامرا بأهله قبل أن تعصف الأقدار بهم لتتركه هو المريض المتألم لوحده يكابد عناء العيش والحياة..من ير البيت يدرك بأن صاحبه كان من الذين لم يزالوا متمسكين بالأصالة وكل ما هو قديم حيث يظهر له ذلك من أول نظرة على مدخل البيت الذي صنع من الخشب الفاخر المقوس الكبير ..لكن البيت من الداخل أصبح الآن لايحمل نفس ملامح الماضي الذي بني عليه لأن صاحبه الآن قد اتخذ من الصالة دون البيت كله بيتا له حيث الغرف كلها مظلمة ستائرها مسدلة وأبوابها مقفلة قد تراكم الغبار على عتباتها أما الصالة فلم يبق على أثاثها إلا على الضروري منه ..خمسة أرائك صغيرة مصنوعة هي الأخرى من الخشب الفاخر متينة قديمة الطراز مغطاة بجلد أسود ..وموقد خشبي يتوسطها من الجهة الأخرى وعلى جانبه الأيمن ببضع خطوات بعض اللوحات التي لم تكمل وألوان مبعثرة هنا وهناك ورائحة الألوان التي غطت على الصالة كلها ..كأنه قد نقل مرسمه إلى ذلك المكان من الصالة..وعلى الجانب الأيسر من الموقد نافذة كبيرة ستائرها لم تسدل منذ زمن طويل .. وعلى حافة النافذة أزهار قد عني بها وفي وسط الصالة طاولة طعام مهجورة.. أما جدران الصالة فهي مكدسة باللوحات والصور.. صور أهله حيث هي من تتوسطها والأخرى لوحات يكتنفها الغموض لايفهم منها سوى أنها ضربات فرشاة عشوائية لامعنى لها لكنه دائما يقف أمامها ليتأملها تأمل الخاشع..فهذه لوحة كبيرة قديمة أظنه يحتفظ بها منذ أكثر من عشرة أعوام وهي تبدو للناظر  مجرد خطوط سوداء لاتلتقي  يتوسطها ضربات فرشاة  حمراء ..وتلك لوحة أخرى لايمكنني أن أصفها لأنني أجهل طريقة و صفها وتلك وهذه ..و..وفي الركن البعيد للصالة هناك لوحات أخرى.. وحتى لاأنسى للصالة مكتبة كبيرة هي الأخرى من الطراز القديم فيها كتب  كثيرة ولكن أغلبها قد تراكم الغبار عليه ..لاأقول كلها لأن بعضها يعرف المرء بأنها تتداول باستمرار لكن ما يميز الصالة هو الموقد الخشبي الذي وضع بعناية فائقة، ولوحة نسيت أن أذكرها لطفل ممزق الثياب وأقف أمام باب صف مدرسي  يأخذ بالألباب ..ويقربها صورة مرسومة باليد لصديقته فرح المريضة ..وحتى لانبتعد عن القدر الذي زاره.. فإنه كان حينها واقفا أمام لوحته ممسكا بألوانه يحاول إضافة شيء إلى ما قد بدأ به وكعادته ما إن يضيف بضع ضربات بفرشاته حتى يعود ليقف أمام النافذة يتأمل ويفكر.. وفي ليلته تلك كان للنافذة طعم خاص لأنه كان يتأمل مع عبقها المطر الهاطل على روحه من كل صوب مضت تلك الليلة وهو يتأمل ..لم تغمض له جفن سوى لحظات قليلة وعندما تعبت قدماه ألقى بجسده على أريكة قريبة من النافذة وفي الصباح الباكر وهو لم يزل غافيا فتح الباب ودخلت فرح ..لم يكن يشعر بشيء فجأة وجدها ماثلة أمام عينيه كحقيقة أبدية ابتسم ..لكنها قبلته ولم تدع ابتسامته تطول ….أمسكت بيده وقالت شوقي إليك قادني.. أتيت إليك لتكمل اللوحة من أجلي ..قال أتظنين بأني سأقضي وقتي مع الألوان وأنت معي ..سأغير ملابسي ولنقضي يومنا هذا معا ..لحظات قليلة وكان ماثلا أمامها ..كانت تتأمل اللوحة وعيناها كانتا تضمان وتخفيان الدمع الذي كان يكافح من أجل الخروج لكنها كانت تكبته قالت أعلم لماذا لاتريد إكمالها ..؟ لأنك تخشى نهايتي معهما قال كفاك لنخرج وخرجا.. مع أن الجو كان ممطرا تارة وغائما في أغلب الأحيان إلا أنهما قضيا اليوم بأكمله معا..وقبل أن يسدل النهار ستائره المغطاة بالغيوم قال لها هل عاندتي المك مرضك من أجل أن تفرحيني بزيارتك هذه..؟قالت لا بل شعرت بأني تحسنت كثيرا نعم إني أشعر بتحسن ..حيث لا أثر للألم ولا أشعر أنا بشيء غير وجودك معي ..قال هل نعود ..؟قالت نعم لكن إلى اللوحة ..قال لا بأس إلى اللوحة عادا إلى البيت ..وبدا هو يضع الأخشاب في الموقد وأشعلها ..كان الضوء الذي يخرج من الموقد بسبب الأخشاب المحترقة كلون الشفق أحمر..مائلا إلى البرتقالي أحيانا ..ولأن واجهة الموقد كانت مفتوحة فإنه كان ينتشر على أنحاء الصالة ويضيف لسكونها سكونا رائعا..كانت هي أمام النافذة تراقبه وهو يتأمل لوحته مضت لحظات دون أن يضيف إليها شيئا قالت هل أساعدك..؟ التفت إليها مبتسما لم..لا ..اقتربت منه تأملت اللوحة قالت أضف لون الشفق إلى هذه الخطوط..قال لماذا تصرين على لون الشفق.. أليس الغروب يعني ذهاب النور..؟ قالت لكنه مؤذن بنهار جديد ..باستمرار الحياة.. بعدم توقفها لأنها خسرت نهارا نورا ،نعم إنها لكذلك وأريدك أنت أن تكون كذلك ..؟قال لكن ذلك النهار يأخذ الحياة معه إذا ما غشاه الظلام والظلام الذي يسلب الحياة لاطعم له لاراحة فيه لاأمان فيه قالت هناك دائما حياة تنتظر خلف حياة تنتهي ..حياة تتجدد بنهاية حياة.. حياة تموت لتعيش أخرى ..قال ما عساها الجديدة تقدم بعد زوال الأولى..؟ قالت تقدم روحها التي انقضت والتي تسكن بعدها في كل شيء حوله فيعمل هو على إسعادها حتى وهي زائلة.. قال أي تناقض  نعيشه وأي ألم ينتظرنا..؟ أنت تأملين الحياة بعد الحياة وأنا أراها لامعنى لها بعد زوال الحياة.. قالت هناك دائما من تنتظر من تشارك من تتأمل وسيأتي يوم وتعرف فيه بأنني حتى لو قضيت ستحوم حولك من هي روحي فيها أعدك بذلك قال لاتفكري  حتى بالأمر قالت بل سأفكر ولاتخيب ظني فيك ياملاكي ثم قالت لاتتهرب وعد إلى اللوحة ..؟ اللوحة التي يعمل عليها منذ أسابيع هي ليست بكبيرة لكنها ليست من الحجم الصغير أيضا إنها لوحة ليس من السهل أن يفهمها الإنسان العادي لأنها تظهر له مجرد ألوان متدرجة غير مكملة وهي لم تعتمد على أسس علمية دقيقة لذا فهي للمختص أيضا ستبدو غامضة فالأبعاد التي اعتمدها غير واضحة لأن من المعهود به مثلا أن يكون القريب فاتحا والبعيد غامقا قاتما لكنه خالف القاعدة هذه ..اللوحة لها عمق وهذا العمق هو المحور الذي يدور عليه أساس اللوحة.. أما أطرافها فهي لاتوحي إلا بسماء تصارع ذاتها ففي الطرف الأيمن وجه السماء غائم قاتم يتدرج عتمتها حتى تندمج بالطرف الاخر الذي يبدو وكأنه سماء صافية..والصفاء أيضا يتدرج ..أما العمق الذي تحدثنا عنه فإنه…لكن قبل أن أتحدث عن تفاصيل العمق نسيت أن أذكر بعض ما يخص الأم الارملة وتوأمها ..الأم هي صورة من صور الوفاء النادر المزمن الذي لايشابه عكر أبدا..اسمها فاطمة لها عينان فيهما اجتمعت كل أصناف الحنان وقلب أسكن في أعماقه كل معاني المحبة والإيثار لها نفس قوية وإرادة صلبة فبالرغم من أنها فقدت زوجها منذ سنوات طويلة إلا أنها لم تستسلم للواقع ولم ترضخ للألم استمرت تربي طفلتيها بعزيمة وإصرار ..لكنها الآن وهي تشاهد ابنتها تموت أمام عينيها وهي عاجزة عن تقديم أي شيء لها ..تبدو أما ثكلى نعم إنها أمام محنة ابنتها هذه تبدو لكذلك فنواح ذاتها هزم جسدها فأصبح ملجأ للأمراض ..أما ابنتيها التوأمين فرح ورنين ..فقد دخلتا عامهما الخامس والعشرين الآن أي إنه مضى خمسة عشر عاما منذ أن  رحل عنهما والدهما ..فرح فتاة جميلة لها بشرة بيضاء رقيقة وعينان عسليتان فيهما بريق يلمع كما النجم في ليل لا قمر فيه ..نحيلة شعرها أقرب إلى الكستنائي ..صامته حزينة لاتتحدث مع أحد إلا وعيناها تدمعان ..أما أختها رنين فهي نسخة حية منها لكن ما يميزها  عن فرح أنها أكثر حضورا بصوتها منها لأن صوت فرح يمازجه دائما حزن وأنين وهدوء لامبرر له أحيانا.. أما هي فصوتها عذب له حضور جذاب يجعل المقابل دائما ينصت ولايقاطعها حتى تنهي حديثها ..كان هو (…) دائما يرتاح لرؤية الاثنتين معا بل لطالما خرج الثلاثة معا وقضوا أوقاتا ممتعة وكانت فرح تقول إنها لولا وجودهم الثلاثة لكانت قضت ولحقت بوالدها..كانت الأم ترى فيهم الثلاثة سنيّ عمرها التي مضت وكأنها ريح عاتية وبالرغم من أن أقرباءها كانوا يتكلمون عنها بسوء أحيانا لانها تسمح لبنتيها أن تخالطا شابا لايمتّ لهم بصلة ..إلا أنها كانت لاتبالي بهم لأنهم يوما لم يقفوا معها كما وقف الغريب..؟
كان الاثنان لم يزالا في الصالة وأمام اللوحة وكان الحوار الصامت حول نهاية اللوحة مازال يخيم على أجواء المكان ..وإذا ما سمح الوقت سأعود إلى التفاصيل المتعلقة بعمق اللوحة..كان الوقت يمر بسرعة في ذلك اليوم والمطر كان  لم يزل يهطل قاذفاً بكل آلامه وأنينه على زجاج النافذة التي لاحت وكأنها تلح  عليهما  بالمثول أمامها ولا أعلم كيف استجابا لها وتحرك من مكانه وأمسك بيدها واحتضنها وسارا معا إلى النافذة وهناك أمام تلاطم قطرات المطر بالزجاج و قفا يتأملان ثم ما لبثت أن  قالت إنه صراع الأضداد صراع الأبدية واللاأبدية صراع الذات البشرية مع الواقع الحرية .. والقيد ..أتعلم ….لكنها صمتت لبرهة حيث جلست وأجلسته فوضعت رأسها على صدره وأمسكت بيده حتى طوقت بهما على صدرها  فاتكأت على صدره ثم عادت تقول أتعلم بأن الذات البشرية لطالما حيرتني  بحيث جعلتني أحيانا أخرج عن جادة الصواب..؟ لأنها في كل لحظاتها كانت تلح عليَّ بأن لا وجود للذات إلا بالحرية ... وكانت الحرية في نظري في أحيان كثيرة هي خلق الذات.. فكنت أؤمن.. بأن تكون حرا .. فهذا معناه أن تستمر في الحياة باذلاً أقصى جهد وأن تعمل دون توقف.. وأن ترفض كل أنواع، الخضوع للماضي.. أو حتى لِمَا يسمى بالصيرورة أيضا.. ولكن لكي تعمل عليك أن تدرك معنى و ماهية العمل الذي تقوم به.. لأنه يجب أن يكون كله منصباً على شيء واحد فقط وهو خلق الذات.. أي أن تخلق ذاتك..؟
صمتت بعدها .. ونظرت إليه.. وقالت.. لعلك تتساءل .. خلق الذات هل يتوافق مع القدرة الإلهية؟ أعلم بأن الأمر قد يكون يصعب إدراكه في بدايته لكن إذا ما خلقنا ذواتنا فإننا لا نخالف القدرة الإلهية بقدر ما نعطيها صفة الأزلية والعظمة.. لأنها بنظري تتجلى في خلقه لموجود مستقل.. موجود حر بكل معنى الكلمة.. أعني شخصية حقيقة تستطيع شيئا بدون الله نفسه.. ولكني عندما فقدت والدي.. أدركت بأن كل شيء يتوقف على الزمن..  لا .. لأن الزمن موجود مميز بحيث يصبح تعاقبه للإنسان ولله سيان.. حتى ينسب إلى الله بعض ملامح التغير.. لا.. إنما فقط لأني لم أستطع وأنا طفلة أن أقف حائلا بين نهايته وبقائي.. وكأني حينها أصرخ بوجه الجميع..هل أراد الله لي هذا الحزن.. هذا الألم..؟ أم أنه الزمن قد أخذ مساره الطبيعي.. ففقدت.. وعليّ أن أستمر..؟ كانت عيناها تقطران دمعا.. حتى سقطت على يديه.. شعر بدمعها.. قال.. كفاك حديثا عنه .. قالت لا .. بل أريد أن أستمر.. قال لها.. وأنت بين أحضاني..تنهدت .. ثم رفعت يديها حتى أحاطت بوجهه وهي تقول لولا أحضانك هل كنت سأستمر... ثم أردفت قائلة رنين أيضا متشوقة بأن ترى اللوحة.. كاملة.. وأنا أكثر شوقاً منها .. قال لعلي أنهيها.. لكن دعك من ذلك كيف تشعرين الآن..؟ قالت أشعر بأن الابدية وهم.. ليس للإنسان أن يتخلص منه إلا بوجود صدر مثل هذا.. يرتمي عليه .. نعم .. وهم .. سيظل يرافق الكل .. لأنهم إنما يرون في وجوه غيرهم مبتغاهــم فيحكمـون ولايسمحون لذواتهم بأن تدخل أعماق الآخرين ليخلصوا إلى ما أنا خلصت إليه.. قال هل تشعرك بالحياة أحضاني..؟ قالت أنا لا أعيش بعيدا عنها...!.
كانت الساعة قد اقتربت من التاسعة وخمس وعشرين دقيقة.. قال .. هل أتصل بأمك.. ورنين لأنهما قد يقلقا عليك..؟ قالت إنهما عندما أكون معك لا يعرفان القلق بل راحتهما الوحيدة هي أن تكون معي .. قال .. سأعمل على أن يرتاحا أبدا .. قالت هل تعدني بذلك .. قال أعدك .. قــالت لاتنسى وعدك هذا لأن روحي ستظل تحوم حولكم وسأعرف إن كنت تفي بوعدك أم .. لا ..؟! استغرب من كلامها وقال ماذا تقصدين..؟ قالت حاجة في نفسي ستعرفها..؟
قالت أريد أن أمكث معك هنا... لكنك سترفض .. وتبرر رفضك بأن دوائي ليس هنا وعلينا أن نكون منظمين في أخذها.. ثم ابتسمت وقالت كم أحب أن اسمع ذلك منك أنت بالذات .. قال إذا لنعد.. وهما يخرجان نظرت إلى اللوحة وقالت ترى لماذا رنين مشتاقة لرؤيتك لكنها تخاف رؤيتك..؟
كان المطر لم يزل يهطل بغزارة .. قال لها سأحضر سيارة ومن ثم تخرجين.. قالت لا بأس دقائق وهما كانا .. يتوجهان للبيت الآخر.. وصلا .. دخلا.. وكالعادة.. دعوات الأم .. ونظرات الأخت.. وصمت السماء.. ولحظات أخرى.. يعود أدراجه... ولكن هذه المرة وأمام الباب.. رنين أوقفته .. وقالت اعتن بنفسك.. وتمضي اللحظات في البيتين كأنها سنين متشبثة بنفسها.. الصمت والموت رفيقان لها.. هنا أم تئن.. وفتاة تحتضر وأخت تراقب موتين في آن واحد ومعهما تضيف موتين آخرين.. وهناك.. الموت الأخر.. الشاب الذي أصبح نحيفا شاحب الوجه.. وعمره و سنيّه تنقضي دون أن يبالي بها..!
جلست الأم مع طفلتيها لبعض الوقت كانت شاردة كأنها ترى شيئا تجهله.. بدت وكأنها تحاول أن تقاومه.. ثم نظرت إلى طفلتيها وقد بدا لها فيما بعد بأن ذلك الشيء كان روحه.. شعرت بأنهما تريدان الحديث مع بعضهما.. فخرجت بعد أن قبلتهما لغرفتها.. ولكنها ما لبثت أن عادت .. وقالت فرح هل أتصل بـ (.....) ليأتي ..؟ استغربت فرح من سؤالها.. قالت لماذا يا أغلى أم تتصلين به.. ما الذي جعلك تفكرين به.. أصلا..؟ قالت لا أعلم شعرت بروحه تتجول في سماء البيت.. شعرت بأنه ربما يكون مريضا .. ربما.. ربما .. ثم التفت إلى رنين وقالت لها هل عندما غادر كان طبيعيا.. لم يكون مريضا..؟ ردت رنين شعرت بأنه مرهق .. وقلت له بأن يعتني بنفسه.. فزعت فرح.. انتفضت.. مرهق.. تعب.. مريض .. هذه الكلمات أعادت إلى وعيها.. تلك الكلمات التي ربما ظلت متعلقة بلا شعورها عندما كانا عند الطبيب.. قالت كأني سمعت هذه الكلمات من قبل نعم.. كانت واقفة و ارتمت على سريرها.. وبدأت تبكي.. نعم إنه مريض.. مرضه لا يقل خطورة عن مرضي.. لعلكم لحد الآن تتساءلون عن هذا المرض .. مرض فرح.. أنه و بتشخيص ذلك الطبيب الذي كان صديق طفولة لـ (.....) مرض مزمن  لا شفاء منه عندما يسيطر على المرء .. ونهايته محتومة والأيام والحياة ليست إلا مسألة وقت.. و لا أعلم إن كانت هذه التسمية صحيحة لذلك المرض أم لا .. لكنه يقول بأنه (الذبحة الصدرية).. وهذا المرض حسب قوله يسببه انسداد الشرايين و لا أتذكر التفاصيل الأخرى التي ترافقه.. المهم المرض قد يكون عابرا.. لا قاتلا.. لكنه يصبح شرسا عندما يرافقه حزن وقلق وألم دائم.. وهي بالرغم من حيويتها .. لم تستطع أن تصمد أمام أهوال الحياة التي رافقتها .. فكانت أن استسلمت وخضعت لعلاج مستمر.. مع أكثر من عملية جراحية.. وأظن بأن تلك العمليات تسمى في عرفهم القسطرة.. لكن كأنه قدرها أن تظل أسيرة المرض.. وعندما ذكر الطبيب الذي كان واثقا من تشخيصه.. أن فرح قد أصيبت بمرض آخر في طفولتها ولا أتذكر.. إن كان قال عنه إنه الروماتيزم أم شيء آخر.. وقال إن هذا المرض جعلها لا تقاوم المرض الآخر.. والاثنان معا شكلا نقطة تحول في حياتها.. و برحيل والدها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير مثلما يقولون. كان بإمكانها أن لا تصل إلى هذه المرحلة من الانهيار لكنها بطبيعتها السلسلة وبعواطفها الجياشة ساعدت بتحديد ملامح مرضها .. وكذلك بإقتراب نهايتها..!
كانت فرح لم تزل تبكي .. وتقول نعم إنه مريض.. وأنا السبب .. نظرت إلى وجه أختها.. وقالت أتراه الآن يتألم وحيدا دون أن يجد من يمسح عنه العرق الذي يتصبب من جبينه كلما داهمه الألم..؟ أتراه يعاني آلامه وحيدا وهو الذي لا يدعني لحظة أعاني..؟ ما أقساني من فتاة شقية.. اتصلي به.. بل أنا .. أنا.. من ستتصل به وأسرعت الى الهاتف وسط دهشة الأم والأخت.. وهي تمتم صغيري الوحيد أنا قادمة إليك .. اصمد ولا تستسلم.. وبلهفة غريبة وكأنها ليست التي كانت تعاني .. تمسك بالهاتف وتتصل به.. لكنها لا تلقى جوابا.. فالهاتف يرن دون أن يحمله أحد و قد زادها الامر فزعا وألماً.. صاحت إنه لا يرد.. لعله لا يقدر على الحراك لعله .. لعله .. لا.. لا .. إنها نهايتي أعلم إنها نهايتي.. سأذهب إليه نعم سأذهب اليه.. نظرت الأم إليها .. وأدركت حجم الألم الذي تعانيه وقالت سنذهب إليه معا.. وهم يتهيؤون للذهاب رن الهاتف فأسرعت رنين ترفع السماعة وصاحت فرح .. إنه (....) أشرق وجه فرح وركضت نحو الهاتف..لكن قدماها لم تحملاها.. فتهاوت على أريكة قريبة منها أسرعت الأم لتسندها.. وهي لا تعلم ماذا يحدث أمامها.. ثم عادت فرح لتحاول الوقوف لكن قواها خذلتها وأشارت لأختها بأن تأتي بالهاتف إليها.. وما أن أمسكت بالهاتف حتى بدأت تجهش بالبكاء.. صغيري وحيدي مريض أنت ولا أحد معك.. ليرعاك.. أية أقدار ظالمة هذه .. صغيري اصمد فأنا آتية اليك .. وظلت تجهش بالبكاء.. حتى إنها لم تعطه المجال ليتكلم.. وعندما سمعته يقول لها إنه بخير.. قالت لماذا لم ترد على هاتفي..؟ قال الآن وصلت فقد مررت بحانة قريبة و اشتريت بعض الأغراض لنفسي لهذا تأخرت.. قالت أتراك لا تتألم.. فأنا أعلم.. نعم علمت بأنك مريض مثلي.. تذكرت.. لكنه قاطعها.. أتريدين أن آتيك الآن.. تفتحت تقاسيم وجهها.. وقالت هل ستفعل إن قلت نعم..؟ قال لحظات وأكون بين يديك. أقفلت السماعة.. وجلست مبتسمة مرتاحة .. قالت أمها ماذا بك يا صغيرتي هل أنت بخير..؟ قالت سيأتي الآن.. سأراه.. سأضمه .. سأرى عينيه.. وصمتت .. قالت رنين سندعك حالما يأتي.. أما الآن فإلى غرفتك لأنك قد تصابين بالبرد هنا.. قالت وهل أتحمل دخوله الينا دون أن أراه وهو يفتح الباب..؟ لحظات قليلة وكان بين يديها.. أخذ بيدها.. وحملها لغرفتها وسهر الليل بطوله أمام فراشها يراقبها تارة.. ويراقب نافذتها المطلة على الحديقة تارة أخرى... وقبل أن تغفو هي من شدة تعبها و إرهاقها كانت قد أوصت به أن يوقظها.. في جوف الليل.. لتتأمل وجهه في تلك الساعات.. وعندما حان وقت التأمل.. مد يده على رأسها.. وما أن لامست شعرها حتى فتحت عينيها.. قالت شعرت بها.. نعم شعرت بها قبل أن تلامس شعري.. وبدأت تتأمله تأمل المودع.. قالت أتعلم بأني الآن .. بل ليلة أمس توصلت بأنه لابد أن تظل حيث أنت الآن قريبا لا بعيدا .. لو أنك فقط شاهدت أمي وهي تقول.. ربما .. ربما.. يكون مريضا.. لأدركت بأن روحك لم تعد تغادر هذا البيت.. وقالت أدركت بأن الله لن يسمح بتكرار ما حصل لي مرة.. لن يفقدني عزيزا آخر.. نعم إنه عالم دائما.. لكنه ليس مريدا دائما.. نعم أدركت ذلك.. ثم قالت اليوم نجلس معا أمام اللوحة.. ومعا نكملها.. وبعدها ندعو رنين لتشاهدها.. ابتسم.. وقال اليوم.. نعم اليوم.. مضت اللحظات مسرعة.. لأنها سائرة إلى النهاية.. نهاية حياة.. وفي الصباح الباكر.. دخلت الأم.. لتجد فرح مبتسمة ووجهها مشرق.. وتجده مغروسا كتمثال على كرسي قرب سريرها.. ورنين هي الأخرى مغروسة على كرسي آخر بجانب رأسها.. دعتهم الأم للإفطار.. خرج الجميع من الغرفة.. قالت الأم له ( ... ) بني إنك لست على ما يرام.. لماذا لا ترتاح لبعض الوقت..؟ إنك.. قاطعها .. لا تخشي علي .. سأكون بخير.. كان التعب قد استبد بجسده .. وقد أخفى على الأم وفرح ورنين إنه كان أثناء تأخره ليلة أمس قبل العودة إلى بيته وتحججه بشراء الأغراض.. قد زار صديقه الطبيب.. وإنه قد أوصاه بالراحة.. لكنه مع ذلك بدا طبيعياً.. وفطر الجميع ما عداه لأنه لا يفطر.. إنما اكتفى بكوب حليب بارد.. وخرج بعدها الاثـنان الى حيث اللوحة تنتظرهما ليضعا معا آخر اللمسات على حياتها.. أعني على اللوحة.. حيث العمق.. نعم أظنني لم أذكر التفاصيل المتعلقة به..؟ إنه الجزء الأهم في اللوحة.. وهو التناقض الحاصل بين العابر والمختص.. حيث تجد في الأفق البعيد طريقا يخرق عمق اللوحة وقد بدأه بلون رمادي فاتح ثم تتدرج فيه إلى أن وصل إلى أسوار الأسود.. وبالأسود أيضا تدرج حتى وصل العتمة النهائية.. ووسط ذلك الغموض كانت هي تريد أن تزرع الأحمر.. الأقرب إلى لون الشفق.. لكنه كان يتجاهل الأمر.. لكنها أصرت عليه هذه المرة.. فاستجاب لرغبتها .. فأدخل لون الشفق في عمق اللوحة .. وعندما انتهى منها قالت الآن.. عليك أن تجدد لي عهدك.. بالبقاء قريبا من روحي.. ومن من سأخلفهما ذات يوم ورائي.. قال.. لماذا تشكين في بقائي بقربهما..؟ قالت لأنني أعرفك.. لا تستقر.. ولو لا ما أنا فيه.. لما كنت .....ولمع بريق عينيها وكادت أن تنهار..! قال أعدك .. أعدك... أعدك..! قالت .. لي رغبة أخيرة.. ؟ قال سأحققها.. حتى لو دفعت حياتي ثمنا لها..؟ قالت سأودعها عند رنين.. وهي من ستجلبها لك ذات يوم .. فأرجوك لا تخذل روحي.. وكن وفيا لعهدك.. حتى وإن كانت غير ما تريد... ؟ قال لا تحمليني أمرا لاأطيقه...؟ قالت أهكذا ستحقق رغبتي الأخيرة..؟ قال أعدك بأن لا أخذلك...! قالت غدا نحن الثلاثة سنأتي لنرى اللوحة معا.. أما الآن أريدك أن تضمني.. أن تصهرني في روحك.. أن لا يفارق جسدي جسدك لحظة.. وعند النافذة .. وبالقرب من الموقد .. ضمها.. وافترشت صدره.. وارتمت عليه وكأنها تريد صهر كل شيء عليه.. وكأنها تودعه للأبد.. قضت نهارها كله وهي مرتمية بين أحضانه.. وكانت بين الفترة والأخرى ترفع ببصرها إلى عينيه.. فتعود بعدها مبتسمة وكم من مرة رفعت يديها لتطوق بهما وجهه.. وكم مرة احتضنت شفتاها شفتيه.. حتى بدت وكأنها تحتضنها احتضان الأبدية.. و لاح الظلام في الأفق.. وهدأ كل شيء .. حتى السماء بدت هادئة .. والريح التي كانت مع المطر تعصف بكل شيء.. حتى بزجاج نافذتهما هدأت.. وكأنها كلها تقف مذهولة أمام قرار النهاية الذي لاح وكأنه محتوم بهدوء الكون في تلك الليلة.. كانت السكينة تغطيهما.. وللمرة الأخيرة نظرت إلى عينيه وقالت .. أعلم بأنك تعاني مثلما أعاني .. أعلم بأنك مريض مثلي .. أعلم ذلك.. فقد تذكرت حوارك ذلك اليوم مع الطبيب .. لكن قل لي لماذا تعاند كل شيء من أجلي ألهذا الحد تحبني.. أم أنك أحببت الألم في..؟ قال بعد صمت وتنهد.. أحببتكما معا ولن أزيد..؟ قالت سأذكرك للمرة الأخيرة بعهدك معي.. لا تنساه.. وقد تأخر الوقت أريد أن أعود إلى البيت .. و لا تنسَ ستمكث الليلة أيضا عندي...؟
نظرت إلى الصالة .. الموقد.. النافذة.. اللوحات .. الصور.. لوحتهما الأخيرة.. الأحمر الذي غرس في عمقه.. الستائر.. كل شيء .. كأنها تودعها.. تحركت شفتاها .. ثم خرجا .. وفي البيت عندها .. كانت الأم صامتة كأنها بروحها أدركت النهاية.. أما رنين فقد لاحت وكأنها تنتظر القدر ليقذفها هي الأخرى في متاهة اللانهاية .. دخل الجميع غرفة فرح .. وجلس الجميع أمام سريرها .. نظرت إلى وجوههم.. قالت لأمها .. مشتاقة لوالدي.. هل تريدين أن أبلغه شيئا عندما أزوره..؟ بكت الأم.. ولم تستطع أن تتفوه بكلمة ثم نظرت إلى رنين وقالت .. سري.. رغبتي الأخيرة بين يديك ولاتنسي بأننا كنا تقاسمنا كل شيء .. وشيئان فقط لم نتقاسمهما .. المرض .. والشيء الآخر موجود في رغبتي.. ثم التفت إليه وقالت أنت لست أخشاك في شيء لأن روحي لن تختار سواك لتنضم إليه.. ثم قالت روحي ستشعر بارتياح أكثر عندما تجدكم معا.. وكأني سأفارقكم جسديا.. من أجلي .. استمروا..  ولا تدعوا شيئا يوقف عجلة حياتكم.. من أجلي.. من أجلي.. ثم التفت إلى أمها.. وقالت لها .. إنه هنا يا أمي.. سيبقى حتى وإن غاب بعض الوقت .. سيعود إليكم .. فلا تخسروه وأشارت إليه .. كان الليل قد انتصف .. تسارعت نبضات قلبها.. تنفست بعمق.. تحركت شفتاها و أشارت بإصبعها إلى مجهول آت من بعيد.. ثم أغمضت عيناها.. وانتهت رحلتها.. ارتمت الأم على جثتها .. وأجهشت بالبكاء.. وتلتها الأخت.. أما هو فكان مغروسا أمام تلك الأهوال لا يستطيع حتى الحراك من شدة ما أصابه الذهول ..مضت لحظات وهو لايحرك ساكنا .. لكنه فجأة استفاق على صوت بكائهما.. حاول أن يبعدهما لكنه لم ينجح .. اتصل بصديقه الطبيب وأخبره بالنهاية.. لحظات وكان جمع من الناس قد اجتمعوا حولهم ومعهم الطبيب.. أخذوها إلى أقرب مستشفى .. وفي صباح اليوم الثاني كانت الجموع تسير خلف موكب محمل بالألم الأزلي.. الأم في حالة ذهول.. الأخت في حالة هذيان.. هو .. في حالة موت.. الناس الجموع في حالة انتظار .. الطبيب في حالة ترقب لما سيؤول إليه مصير صديقه.. وهكذا استمر الحال لأيام.. بل لأسابيع متتالية .. وذات صباح كانت الأم قد استعادت بعض إرادتها.. والأخت استعادت بعض وعيها.. وهو قد لملم بعض أجزاء روحه.. قال لهما .. سأغيب بعض الوقت هذا إن كنتما تسمحان لي..؟ قالت الأم لتحقق ما قالته أليس كذلك..؟ قال أحتاج أن ....؟ قالت الأم هل ستعود .. متى ستعود...! لاتجعل الأمر يصعب علينا بغيابك.. قال سأعود.. رنين قالت رغبتها هنا تنتظرك فلا تغب ..؟ قال لا.. لن أغيب..؟ خرج من عندهم وتوجه لبيته وما أن دخله حتى أصابته نوبة ألم.. لكنه صمد أمامها وحمل حقيبته.. واختفى .. كم مرة اتصل به صديقه الطبيب لكنه لم يلق جوابا.. فاضطر لأن يتصل بأهل فرح ويسألهم عنه لكنهما أيضا لم يكونا يعرفان مكانه.. ومن شدة قلقه قال لهما إنه مريض وإنه يخشى عليه كثيرا..!
مضت الأيام .. والجميع ينتظر.. وذات يوم شعرت الأم بأن روحا قد اعتادت أن تزرع الراحة في نفوسهم تحوم حولها.. فأسرعت إلى رنين لتقول لها إنه سيعود قالت رنين إنها الروح إذاً.. قالت نعم .. اتصلي به لعله قد عاد لبيته .. قالت بل سأذهب اليه .. وأخذت معها صندوقا طفولياً حيث أودعت فرح رغبتها الأخيرة فيها ومعها مفتاح لبيته.. وذهبت إليه.. عندما وصلت ودخلت البيت وجدته فارغا لا أحد فيه.. وكان قبل رحيله قد غطى كل شيء بقماش أبيض .. فقط اللوحة المغروسة في ذلك الركن للصالة كانت مغطاة بقماش أسود .. وكان الغبار قد تراكم على كل شيء فبدأت تعمل في البيت وتنظف كل شيء وظلت تعمل فيه حتى المساء.. لكنه لم يعد وعندما انتهت من عملها.. وضعت أمام اللوحة التي لم ترفع عنها قطعة القماش الأسود.. طاولة صغيرة.. فوضعت عليه الصندوق الصغير.. وشمعة.. وأشعلتها..وهمت بالخروج.. وقد يأست من رجوعه.. لكنها الروح.. التي لم تخذل أمها .. نعم إنها الروح.. روحها.. المنصهرة في روحه.. روحهما.. وما أن وصلت عتبة الباب حتى سمعت صوت الباب وهو يفتح .. كان هو مندهشاُ لأن الباب كان مفتوحا.. وعندما دخل البيت صعق لأنه وجده نظيفاً وتفوح منه رائحة غير التي اعتادها رائحة الألوان ونظر حوله فوجدها واقفة أمامه ابتسم وقال رنين .. ماذا تفعلين وحدك هنا..؟ قالت ألم تقل إنك لن تغيب..؟ قال آسف .. كيف حالك.. وكيف حال أمك.. هل هي بخير.. مشتاق لرؤيتها كثيرا..؟ قالت وهي أكثر..  هي من أرسلتني إلى هنا .. وقالت إنك ستعود اليوم.. نظرت إليه وقالت هل أنت بخير .. كنا قلقين عليك كثيرا.. حتى صديقك الطبيب كان قلقا عليك ..؟ قال أنا بخير.. ثم نظر إلى الصالة .. فدمعت عيناه.. تـنهد وقال إنها الشاهدة على كل شيء دار بيني وبينها .. قالت وستكون الشاهدة على رغبتها الأخيرة.. ثم توجهت نحو اللوحة وقالت أشعلت هذه الشمعة وقلت إن عدت ستعرف بأنني كنت هنا.. ثم قالت لم أشأ أن أرفع عنها غطاءها.. لأن فرح كانت تقول لي دائما سنشاهدها معاً.. ثم قالت هل تريد أن تقرأ رغبتها الأخيرة..؟ قال .. نعم وسنشاهد اللوحة معا.. رفع غطاءها..نظرت هي إليها.. قالت علمت لماذا كانت تصر على أن تكملها قال لماذا..؟ قالت لأنها كانت تدرك نهايتها.. لذا أرادت أن تعرف كيف ستنظر أنت إلى ذلك اليوم.. وها قد أظهرت لها بأنه سيكون مظلما حزينا..وأقسم بأنها كانت تعاند النهاية طوال هذا الوقت من أجلك أنت فقط.. قال أهذا صندوقها..؟ قالت نعم.. افتحه .. فتحه.. وأخرج ورقة.. وبدأ يقرأها.. (عهدك معي لا تنساه.. روحي الآن تحوم حولك لن تفارقك لن تغفر لك .. إلا إذا حققت رغبتي الأخيرة.. فعد لذلك اليوم وتذكر عهدك .. وأقسم الآن بأن تفي به قبل أن تقرأ رغبتي النهائية.. ) نظر إلى رنين وقال إنها تطلب مني أن أقسم على أن أفي بوعدي معها.. قالت هل تقسم ..؟ قال نعم.. لن أخذلها .. ثم أخرج ورقة أخرى وفيها كتبت (قل لرنين أن تقترب منك .. وأقرأها بصوت مرتفع كلماتي رغبتي هذه.. رنين.. هذا هو الشيء الآخر الذي أردتك أن تشاركيني فيه أنه هو هذا الملاك الذي كفرت بمن لا يسميه ملاكا .. عليك أن تهتمي به .. عليك أن تحبيه .. لأنني أعلم أصلا بأنك تحبينه.. عليه أن يحبك لأنك أنا.. روحك .. روحي .. أنا أنت أنت أنا.. وعليكما معا نعم معا أن تستمرا .. أن تستمرا.. وأن تحبا.. أمنا التي ضحت بكل شيء من أجلنا .. أنتما معا ..نعم .. أنتما معا.. أقسما الآن بأن لاتفترقا .. بأن تعيشا للأبد معا.. بأن تسعدا أمنا.. وروحي.. أعلم بأن الأمر صعب عليكما لكن إذا كنتما وفيين لي .. ستسهلان الصعب من أجلي.. مرة أخرى من أجلي .. تحابا.. تحابا..)
نظر كل منهما إلى الآخر لاح لعينيها ذلك البريق الغريب الذي طالما تحدثت هي عنه في عينيه.. كانت الشمعة قد اقتربت من الذبول وتعمقت في عينيه ودمعت عيناها.. قالت أعلم بأنها رغبة مستحيلة .. لكنها.... ذبلت الشمعة.. حينها هو كان قد أدرك ماهية كل حواراتهما في الآونة الأخيرة وأدرك بأنها كانت تعمل من أجل إبقائه في أحضان توأمها.. قال لها.. نعم إنها لن تكون مستحيلة.. ! لكنه الموت .. نعم الموت الذي بدأ يلوح في الأفق وكأنه سيعمل جاهدا ليبعدني...! انتهى 

*- ضمن مجموعتي القصصية والمسرحية (موت اكبر من موت).

141
قراءة نقدية لمجموعة من لوحات الفنان كوهدار صلاح الدين (اسود وابيض الحفر على الخشب والينيليوم)
جوتيار تمر/ كوردستان
4/3/2016
يشكل فن الغرافيك عموما قيم جمالية فنية لا تجدها في  اغلب الأعمال الفنية الأخرى، باعبتار ان الفنان من خلال هذا المجال الفني يستطيع أن يحقق الملامس المتعددة التي تعطي تأثيرات مختلفة، وذلك عن طريق استعمال ادواته المنوعة والمختلفة الأشكال، وعن طريق الأعماق والبروزات المتباينة التي تساعده في التعبير،  ففن الغرافيك يقوم  على تطبيق مجموعة من المبادئ والاشتغال على مجموعة من العناصر لخلق عمل فني تواصلي مرئي يرتكز إلى الصورة الثابتة ويتخذ شكلا مطبوعا أو معروضا على سطح ثنائي الأبعاد، الامر الذي  يتطلب فضلاً عن ذلك قضية او اشكالية ترفد الفنان بالافكار التي من اجلها يلجأ الى استخدام أساليب متنوعة للإنشاء والجمع بين الرموز والصور أو الكلمات وذلك لخلق تمثيل مرئي للأفكار والرؤية. وقد فاقت معطيات هذا الفن كل معطيات الفنون الأخرى في مجال الإبداع والابتكار التكنيكي، وعلى هذا الاساس اعتمد الفنان كوهدار صلاح الدين على النمط الحفري التأسيسي لفن الغرافيكحيث ان اعماله الحفرية اقتصرت  على اللونين الأبيض والأسود( الحفر على الخشب والينيليوم)، ، والتي من خلالها رصد احدى اهم الاشكاليات الموجودة على الساحة الدينية و الايديولوجية من حيث الجذور التاريخية، والتعميمات الحالية، والازدواجية الفقهية بتشريعاتها اللامفهومة والمسوغة حسب الاهواء والرغبات والتجمعات غير الموحدة، والتي تتشارك اغلبها في كون المرأة جسداً عورة، وليس على انها انسانة يحتفي بها في المحافل الابداعية، وقد جسدت لوحات الفنان كوهدار  صلاح الدين هذه الحقائق بشكل مغاير عن السائد جريء في طرحه، وجريء في استقداماته الصورية وحتى في مقارناته، ومقارباته، التي مثلت القيم الوجودية التي تظهر عليها المرأة ضمن ايديولوجية هذه الجماعات الاسلامية، وبين تمظهرات المرأة في المجتمعات التي لاتحتكم الى الدين كشريعة فغلب على الاولى السواد القاتم، وعلى الثانية البياض الممغنط كأشارة رامزة لكنها رمزية تشي بمضمونها وهدفها.. كما ان الفنان من خلال خطوطه استطاع تعرية القيم الجمعية التي اربكت مفاهيم كثيرة حتى المفاهيم التي تعتمد الشرعية الزوجية، حسب مفهوم( النكاح ) فالوجود ملامحه ترسم من خلال الموجودات التي تحرك اسسه، ولايختلف اثنان على ان الانسان بكلا جنسيه يشكل المَعَلم الابرز في ظواهر هذا الوجود،  حيث جُمعا تاريخياً ب( فوضى ) وجودية مغطاة بعناوين دينية وعرفية، خرجت ب( الزواج) من صورته الطبيعية الدالة على "الصنو" الوجودي الواقعي، الى صورة فقهية تدل على المشتري الشرعي الديني، وهنا برزت خطيئة المفهوم فتحولت الزوجية كمفهوم من مفردة وجدت واخذت شرعيتها من الطبيعة وقانونها كما يقول " عبدالزراق الجبران " والتي تدل اصلها على اثنينية متوائمة ومندمجة ذاتيا وطبيعياً، وحدة حقيقة في فاعليتها وخصوبتها، الى مفردة دينية تأخذ شرعيتها من الكاهن واحكامه، لتدل على اثنينية، أذِنَ لها الكاهن ان تكون واحداً ولكن بوحدة اعتبارية كاذبة، ليس لها اي حقيقة او وجود، اثنينية لايمكن لها ان تعرج لا في الفراش ولا في المصائب.. واعتقد بأن  غالبية الحركات الاسلامية اخذت هذا المفهوم الكهنوتي الفقهي كي تبيح لشخوصها ما يمكن ان يتغطوا به ليغلوا في افعالهم الشهوانية التي تجعلهم منطقياً اقرب الى البهائمية في ممارستهم الجنسية من الانسانية وقد اظهر الفنان في احدى لوحاته هذه الحقيقة بجدلية اتسمت بالسواد القاتم كمدلول نابع من اليأس في ان يتغير الحال وفق المنظومة التي يعمل فيها هولاء، ومن خلال هذا المنطلق استطاع الفنان كوهدار صلاح الدين من التقاط هذه الفسحة النابعة من الايديولوجيات الفعالة في التاريخية الدينية وبالاخص الاسلامية كي يحفر من خلال رسوماته وخطوطه التشكيلية العميقة على جدران الواقع رؤاه ورؤيته وموقفه من هكذا احكام كهنوتية تطمس معالم الوجود الانسان الوجودي، وتحيله الى اداة غريزية تبحث عن ممرات اشباعية ليجد الانسان الديني نفسه محملاً بالكثير من الشهوة والتي لاتجد غير المرأة مصباً مقنعاً لها.
 من هذا المنطلق اتت الحفريات التي تبناها الفنان كوهدار  صلاح الدين لترسم الخطوط العريضة لهذه الايديولوجية" الدينية/ الفقهية"  لاسيما رصده العميق للواقع العياني والمتمثل بتنظيم داعش الاسلامي الذي حول تعاليمه تحت شعار ديني لاهوتي فقهي تشريعي الى"شهوة جنسية" استغلها أتباعه المحرومين والمهووسين  لتصبح سلاحاً رهيباً في الفتك بكل القيم الانسانية داخل المجتمعات التي تنتشر فيها، فانتشرت عمليات الاغتصاب وبيع النساء بالمزاد العلني والتي مثلها الفنان من خلال لوحة السواد الاعظم والسلاسل التي قيدت بها وكأنها دابة، ولقد جسدت تلك اللوحة الواقع بكل تمفصلاته واستطاع الفنان من خلال ابراز المعالم السوداوية والقيود ان يجسد الحالة بتوافقية تعطي الانبطاع العام حول ماهية المشكلة وتجذراتها من جهة، وان ينقلنا عبر خطوطه العريضة الى المشهد التمثيلي على خشبة المسرح الواقعي العياني وابدع في رسم خطوطه والنهج الذي اتبعه، فضلاً عن اجادته في فضح عمليات النكاح الجماعي، والتي جسدها الفنان في لوحاته بصورة مباشرة يتخللها بعض اللمحات الحفرية الرامزة القائمة على الاداة التعبيرية باعتبارها تحيل البصريات الى مادة ذهنية تلازمية تفتعل في اللاوعي اهتزازاً يجعل من الوعي يحضر الصور الترابطية من الواقع الديني ليمزج الوانها وخطوطها بتلك المنطمسة في اللاوعي فتتحول الى لوحات ناطقة بكل تمفصلاتها بالشبقية الدينية التي يتبعها هذا التنظيم والذي يستمد تعاليمه من الفسحات التي تركها الاسلام.. فضلاً عن تلك المقاربات الفرويدية التي استطاع الفنان من خلالها ان يفرض بعض اللمحات المقارنية بين الايديولوجيات النابعة تعاليمها من الدين " الاسلامي " واخرى من قوانين وضعية بشرية تجعل من المتلقي يعيش ضمن مساحاتها التخيلية واقعاً اخراً للوجود البشري بعيداً عن المعيات الكهنوتية والتي جعلت من وجود المرأة جماعاً وليس اجتماعاً، فاصبحت في الدين فرجاً ليس لها في التاريخ الاسلامي تاريخاً الا في جسدها، سواء أكانت جارية ام سبية.. دون اية اعتبارات انسانية لهذا الكائن البشري الذي يحمل من الغرائزية ما يحمله الرجل، وقد مثلت تلك اللوحات باستدلالاتها الواضحة الواقع السايكولوجي للمرأة، والايحاءات والايماءات التي يمكن ان يتبناها المشاهد عبر المساحات التي تركها الفنان للتأمل، حيث ان الخطوط التي اتبعها الفنان جاءت تلازمية غير منفرد بصورة الشهوة الداخلية للمرأة فحسب، انما رافقها القيدية التي تمثلت بالايحاءات البارزة على شكل منارات تمثل الايديولوجية الاسلامية باعتبارها قيدت المرأة بتلك الصورة فجلعت غرائزها تتحول الى سلاح فتاك داخلياً واحالتها الى اسيرة لواقعها المقيد والباحث عن انفراجات وحريات تجعلها تعيش واقعها وممارساتها بشكل طبيعي وعفوي.
 وبهذا تحولت لوحات كوهدار صلاح الدين الى حقل لعناصر بصرية متعددة، حيث تتجاوز جسد المرأة المعذب داخل البؤرة الاساسية، لتترك المساحات الباقية لانفعالات تجريدية مطعمة بمذاقات تشخيصية معاصرة، تتحرر اكثر من التاريخ الديني وتتأثرا بالفن المينيمالي، بحيث نلاخظ ان إلاشارات أو المفردات في اللوحات تأخذ حضورها أو معناها من تجاوراتها في سياق اللوحة نفسها، وهي بالتالي دلالة على الوحدة المعرفية أو النفسية التي ينطلق منها الرسام، فليس سهلاً التعبير بأقل الإشارات في اللوحة، لأن الفنان عندها يكثف المعرفة أو الشعور إلى رمز، والاشتغال بالرمز ليس دليلاً على الخواء ، انما يعتبر الجدل الذي يؤكد على حيوية الفن.. فعلى الرغم من التشقف الظاهر في الخطوط والاشكال التي تبناها الفنان، الا انها مجملاً محملة بدلالات سيكولوجية ونقدية حادة وعميقة في آن واحد، ولايخفى على متابع بانها منجزة باسلوب متقن تختلط فيه تقنيات الحفر والتجريد.. وهي معاصرة في اسلوبيتها، وليست في فكرتها، تظهر بارتجالات خطية عنيفة، حولت الكثير من القضايا النابعة من التشريع الاسلامي الى عناصر من تأليف المزاج التجريدي غير المقيد بتعريف واحد.
وعبر تلك الخطوط والمزج اللوني المتشقف الابيض والاسود استطاع الفنان كوهدار صلاح الدين ان يؤثث العوالم المتعلقة بالمراة " الجسد " في الايديولوجيات الدينية ضمن تشكيلات غرافيكية متقنة سواء من خلال تقنية الحفر ، او ابداعية الربط بين ما هو ذهني وما هو تصويري، ولا يختلف اثنان بأن فن الغرافيك يصنف ضمن أكثر الفنون التشكيلية وضوحا والتزاما بالقواعد ألإنشائيه التي تؤسس لعمل فني ناجح وذلك لأنه يعتمد على التخطيط الذي يرتبط بمجموعة من الأسس والقواعد التي قد تعبر الحدود والمساحات، ومن جانب اخر فإن فن الغرافيك يتطلب عملية إجرائية معينة تتكون من خطوات محددة تودي إلى هذا المنتج الإبداعي، وهذه الخطوات أتت بعد تعريف الفنان لمشكلة معينة( المرأة / الجسد)  ولايوجد سبيل لحلها إلا من خلال وضعها في قالب فني يقاس بمجموعة من الأسس والقواعد وبمدى تحققها فيه.
ولربما المأخذ الوحيد الذي يمكنني ان اوجهه للفنان، هو ظهور الصبغة الواحدة على اغلب اللوحات، فبالرغم من اتساع الرقعة الايديولوجية وضخامة حجم الاشكالية التي اشتغل عليها الفنان  إلا أن المسحة الواحدة كانت مسيطرة على اغلب اللوحات.. حتى ان بعضها لو دمجت لكانت تعبر عن وحدة مضوعية مترابطة.. اي بمفهوم نقدي التدوير  والتكرار ظهر من حيث تناول الموضوعة ضمن انموذجة جدلية متشعبة، كان بالامكان دمج بعضها من وجهة نظري.




142
سنبقى تحت مظلة الانتظار ولن نيأس
جوتيار تمر/ كوردستان
12/2/2016
ان الانتظار في مضمونه ليس الا مسرحية يقربنا في كل تفاصيله الى الهذيان، لكنه في كل الاحوال امر لابد منه في ظروف كالتي نعيشها نحن الكورد في كوردستان، فالمحيط الاقليمي فضلاً عن الدولي اصبح مرة اخرى يجتمع لاسباب ندرك ونعلم بعضاً منها، واخرى لاندركها لانها لم تزل بين ايدي القوى العظمى التي تحاول ان تعيد رسم خارطة مصالحها في الشرق اولاسط ، هذه الاسباب وتلك لم توضع الا ضمن منظومة اقليمية دولية مصلحوية لتحقيق اغراض آنية واخرى مستقبلية وذلك لتعدي مرحلة من مراحل الازمة التي باتت تغطي فضاءات اوسع ربما مما توقعها حتى اصحاب الشأن الدولي والاقليمي والداخلي، باعتبار ان الازمة اليوم هي العنوان الابرز للمشهد العالمي الذي يولد الصدمة والخيبة بتحولاته واخفاقاته، لانها لم تعد مجرد صدام بين الحضارات انما هي صدمة الانسان الذي تفاجئه مشاريعه واعماله بفضائحها وكوراثها الخلقية والسياسية والبيئية والامنية كما يقول المفكر اللبناني علي حرب.
وعلى هذا الاساس اصبحت المصلحوية القائمة هي اساس الكثير من التحولات وبالتالي اصبحت تلك التحولات هي المعيار الحالي لرسم معالم الاخر ضمن جغرافية تتناسب والقيم التي يريدها اصحاب الشأن الدولي والاقليمي معاً وفق اعتبارات مادية اقتصادية بحتة لاعلاقة لها باية قيم  انسانية او ايديولوجية او عرقية قومية، ولا بحقوق شعوب كانت ولم تزل ضحية هذه السياسات واطماع تلك القوى، وبالتالي لايهم ان كان الانتظار الذي تفرضه هذه القوى اعوام ام قرون المهم ان تكون المحصلة في النهاية هي كسب مساحات جغرافية لقواعدها وتحقيق مصالحها الاقتصادية لاسيما فيما يخص بمصادر الطاقة الاساسية.
كوردستان كغيرها من المناطق خضعت ولم تزل تخضع لهذه المعايير التي تفرض عليها نمطية استهلاكية انتظارية موجعة ومحركة للكثيير من التساؤلات بشأن الساسيات المتبعة سواء من الحكومات فيها ام من السياسات الخارجية والاقليمية معاً، فقد برز في الاونة معالم وتباشير جعلت الشارع الكوردي بكل طبقاته يؤمن بضرورة حدوث تغيرات على الصعيدين الجيوبولتيكي والاثني، مما حدا بالكثيرين الى رفع اصواتهم عالية بان الدولة قادمة، والاستقلال قادم، وعصور الظلام الاستهلاكية والاضطهادية والعنصرية والشوفينية والطائفية والمذهبية شارفت على الانتهاء، ولكنها اللعبة القديمة نفسها التي سبق وان تحدثنا عنها، المصلحوية عادت لتبرز انيابها من جديد ولايهم ان يكون الضحية كما في كل مرة سابقة شعب عانى الويلات من تلك السياسات، فاصبحت تطمس من جديد شيئاً فشيئاً معالم الاستقلال وانتهاء حقبة الانتظار، لتخلق في الافق مرة اخرى حلقة لانهاية لها من موجبات الانتظار الالزامي، حيث البقاء ضمن منظومة تعسفية مذهبية طائفية قائمة على محو هوية الاخر  بل اثارة الفتن والتفرقة والانصياع للمرجعيات واصحاب العمامات واللحى، التي تتحكم بمصير وصيرورة هذه المنطقة منذ عقود وعقود.
ان فرض آلية الانتظار هذه باتت احدى اهم سمات العصر للكورد وكوردستان، وحين تتصاعد وتيرة الاصوات المنادية بضرورة وضع حد لهذه القيم الانتظارية اللامجدية تنفتح اذان الاخرين، فيعملون بكل جهد وخبث وبكل الوسائل الشرعية واللاشرعية من اجل الابقاء على الانتظار وطمس معالم الاخر المنادي بضرورة انهاء الانتظار، ولايخفى على احد التحركات التي قامت بها الحكومة العراقية الطائفية صنيعة الحشديات والمرجعيات وايران، والحكومة التركية الدموية القائمة على اساس التعالي على باقي القوميات، ومن ثم الحكومات العربية الصورية التابعة لاجندات لاحصر لها، كلها اجتمعت وكافحت من اجل الابقاء على الكورد في كوردستان ضمن هيكلية تابعة وخاضعة لحكومات لاتعترف بالانسانية كمبدأ من مبادئ الوجود البشري، انما تتبع منظومات عرقية مذهبية لاقيم لديها سوى سحق الاخرين، وهي في كينونتها مشبعة بالفساد على جميع الاصعدة، بل هي في كل احوالها لاتستطيع ان تمنح شعوبها ابسط حقوقها ، حتى باتت هويتها مكروهة اقليمياً ودولياً.
ونحن ككورد في كوردستان لانريد العيش بلاشك ضمن هذه الهيكلية اللامجدية، ولكن حتى وان فرض علينا كما فعل اصحاب المصلحوية الدولية والاقليمية سابقاً وحاضراً ، فاننا اصبحنا موقنين بان الهوية التي ترسم ملامحنا هي الهوية الكوردية الكوردستانية وليست الهوية التركية ولا العربية والايرانية، وهذا بلاشك ليس من باب الشوفينية التي تتبعها هذه الهويات معنا، انما من باب الانتمائية التي هي حق من حقوق الانسان على هذا الخراب المسمى الارض، لذا فاننا قد اقمنا منذ قرون وعقود دولتنا في عقولنا وقلوبنا، وهي ستستمر للابد وستبقى الاجيال القادمة تنادي بها الى ان تتحقق ويرفع علمنا عالياً حتى لو كره الحاقدون من اصحاب المصلحوية او بعض الفئات الداخلية ابواق الاجندات الخارجية ومثير الفتن باساليب غير حضارية حتى فقدت صورتها الشعاراتية البراقة التي كان الكثيرون ينظرون اليها بسبب تصرفاتها وبسبب اعلامها العدائي المشوه للحقائق والواضح بكونه اعلام مسير وفق خطة لاعلاقة لها بالكورد والقضية الكوردية.

143

فسحات في الاديان يستمد منها الجماعات الارهابية وحشيته
رؤية في رواية " رقصة الجديلة والنهر" للروائية وفاء عبدالرزاق
جوتيار تمر/ كوردستان
29/1/2016
تتشكل المعالم الحقيقية للمجتمعات الواقعة تحت سوط الارهاب من خلال الادبيات التي تحاول رصد الحقائق من الواقع العياني وتوظيفها ضمن سلسلة من المنظومات الدلالية والبلاغية والتشكيلية المشهدية وفق تداعيات ومعطيات تمنحها صفة تجنيسية ادبية، والرواية ضمن هذه التشكيلات اخذت حيزاً كبيراً ودوراً مميزاً في احداث نقلة موضوعية وجدية وجدلية لجعل المتلقي يبصر وقع الارهاب على الناس وعلى جميع الاصعدة، باعتبار ان الارهاب اصبح يشكل احدى اتعس الحلقات البشرية على هذا الخراب المسمى الارض، فالانسان الذي يستمد قواه الروحية من الموروثات الدينية والميثولوجية نجده هو نفسه يجعل من هذه المصادر اداة بيده يوظفها حسب اشتهاءات ذاتية لاتنم عن وعي او اية انسانية، بحيث تصبح في صيرورتها اداة قتل وذبح واغتصاب وسبي، وغير ذلك من المصطلحات التي تتبناها هذه الفئات والجماعات الارهابية مبررة افعالها باسم الدين، وليس هناك شك بان الاديان نفسها تركت هذه الفسحة لهولاء بتبني هكذا افكار، حين اودعت شرائعها بين ايدي البشر ليقوم بتحقيق غاياتها، فاصبحنا نسمع هرطقات فاقت الغباء من اصحاب اللحى والعمامات تجاوزت حدود المنطق والحياة الانسانية، كمن يحرم لحم الارنب ويعتبرها من الحشرات واخر يحاول تغيير مسارات الواقع البشري باعتبارات لاتنم عن الحقيقة بشيء، وعلى هذا المنوال يتكاثر اصحاب الرقع والاقاويل وينسبها للدين، الامر الذي استوجب على الكثير من الادباء خوض معركة الرد على هذه الهرطقات التي خلقت جماعات لاتنتمي في واقعها الا للدم وهدم القيم الانسانية الوجودية، واديبتنا وفاء عبدالرزاق هي احدى الاديبات التي حملت في كتاباتها هم الوجود الانساني دون تصنيفات ودون حواجز جغرافية، فكانت الناطقة باسم الانسان اينما حلت، ولاشك بانها خصت وطنها بالكثير من كتاباتها ولكنها كتابات يمكن اسقاطها وتعميها لتصبح هويتها الانسانية هي الغالبة كما فعلت في روايتها " رقصة الجديلة والنهر" التي استطاعت فيها رصد ديناميكية هذه الاتجاهات والافكار الارهابية وتأثيرها الكبير على وقع الحياة بمجمل اتجاهاتها وحالاتها.
وحين نقول بانها خصت وطنها ببعض كتاباتها فلانها تعلم بان احدى اشرس موجات الارهاب الان تعصف بوطنها، حيث حلم اعادة الخلافة او الدولة الاسلامية اصبح هاجس بعض ضعاف النفوس فاحلت لنفسها فعل كل شيء واي شيء من اجل تحقيق مكاسب تدعم فكرها المتلبس بالدين كغطاء عام، ان حلم احياء الخلافة غطاء اتخذته الكثير من الجماعات وهي نفسها التي سفكت دماء البشر بابشع الطرق، فكأن موروثاتها الدينية انما مبنية على هكذا افعال شنيعة، وعلى هذا الاساس اتت الرواية كممر استكمالي لمعالجة ملامح المشهد الابداعي المقاوم للارهاب الديني الكاشف احتمالاته الخطرة، ودوافعه واسبابه وسياقاته، فكانت رؤيتها العميقة النافذة والناقدة معلماً واضحاً حول دورها الابداعي والفكري المقاوم لكل اشكال الارهاب الديني..لقد راهن النص الروائي الخطابي على إشراك المتلقي في الرؤية التي صدرت عنها الكاتبة انطلاقا من موقفها الثابت تجاه الإرهاب ، وكل ما يتعلق بأفعال الجماعات المسلحة التي تتخذ لها لبوسا دينيا.
ولكنها في الوقت نفسه، اتبعت اسلوباً خطابياً مغايراً بحيث جعلت من المتلقي لايعيش الحدث خارج اطار الواقع التساؤلي الذي بدوره يعد حلقة مميزة في العمل الادبي، باعتباره يفتح الكثير من الافاق امام المتلقي ليلج من خلالها الى ماهية الموضوع نفسه والحدث بترافقية وتلازمية مشهدية نابعة من الصور المعلقة مسبقاً في اللاوعي والتي يحركها صور اخرى منظورة ضمن نطاق الوعي الاني، فحين نحاول ان نلج الى ضمنيات الرواية نجد بأنها تراهن كثيراً على الانصات كموجب ملازم لادارك مقاصدها داخل ثيمات الحبكة نفسها، وذلك عبر توظيف شخوص يقومون بتحفيز التثويرات اللحظوية داخل المجسات المضمرة من الصور والمشاهد المرئية المتاحة، والتي تتطلب انتباهاً من المتلقي ومن ثم تثير تفاعلية واضحة حول حراكاتها لتنعكس بالتالي على سير الرواية والحدث الروائي اجمالاً.
لقد استطاعت الرواية من انتاج كم هائل من التساؤلات التي بدورها تمخض عنها تفاعلات بمستويات متعددة، " أنا أيضاً لديَّ تساؤلات .....ماذا سيحدث بعد هذا الرأس المقطوع ؟...... وأين تلك الكلمة، التي تهز السماء......" ، ان استجلاء صوت التساؤل هنا لايقتصر على المخالجات التي اثرت على نفسية الروائية وفاء عبدالرزاق فجعلتها تستجدي عبر سلسلة من التساؤلات ماهية الحالة التي رصدتها، فعمق التوحش والوحشية ليس فقط الهدف، انما هي مدخل للبحث والتقصي عن الكثير من التلازميات التي يمكنها ان تفي حق وحجم الواقعة التي رصدتها الروائية فتناسلت هذه التساؤلات عنها.. فالاسئبة تبدأ بأنا.. لتعيش وقع مابعد قطع الرأس.. لتتصاعد وتيرتها فتتوجه الى السماء.. انها بحق لوحة رسمت بتقنية مستفزة، وداعية للكثير من التأمل.. فالممأساة ليست وقتية، انما هي متجذرة في تاريخ الانسان منذ الوهلة الاولى التي وطأت قدماه الخراب" الارض" ، وتفشت بشكل مستمر وبتناوب عبر سلسلة من الاجيال.. مما جعلتها مادة خامة في محادثات النفس ضمن منولوجات داخلية واخرى برانيةي فاثارت منذ البدء كما كبيرا من التساؤلات والانفعالات والعواطف والمشاعر التي وصلت في الكثير من الاحيان الى الاحتجاج الضمني للسماء والاحتجاج الظاهري للواقع الديني وحاملي راية الارهاب الديني نفسه.. فريحانة لم تمثل لحظة نفسها، انما مثلت الوجود الانساني بكل تمفصلاته..ولكنها في الوقت نفسه تمثل المأساة الانسانية الضحية .. ان التضاد حين يتحكم بالانسان يصبح اداة ورهينة للواقع العياني الزمكاني، وهنا الزمكانية التي ابرزتها الروائية وفاء عبدالرزاق هي زمكانية مشبعة بالارهاب الدموي القائم على الذبح والنحر، والسبي والاغتصاب وفق اجندات خارجية، داعمة للقومية من جهة، وللدينية من جهة اخرى، فكان الضحايا بشر ينتمون الى بالدرجة الاساس الى الانسانية، فشنكال لم تكن مدينة وحوش، والكثير من المدن الاخرى وحتى سبايكر لم فيها وحوش من كوكب اخر انما هي كلها تنتمي الى الانسانية حتى وان كانت من قومية او مذهبية او طائفة مغايرة لاصحاب الفكر الارهابي الديني.
ولهذا من يقرأ رواية رقصة الجديلة والنهر للروائية وفاء عبدالرزاق سيدرك بانها من احدى اهم الروايات في العصر الحديث التي رصدت عمق المأساة الانسانية جراء تعسف الارهاب الديني بكل اشكاله وكل تصنيفاته، وفضحت بشكل جذري وواضح ذلك الرداء الواهي الذي يتخفى ورائه اصحاب اللحى، عبيد الجنس والدم والذي يتمثل بالدرجة الاساس ب" داعش" الذين اباحوا كل المحرمات وانتكهوا كل الاعراف ومارسوا كل اللاممكنات تجاه ابرياء، فتخطوا بافعالهم كل منطق وكل عقل، حتى اصبحوا وكما اظهرتهم الروائية ضمن احداث روايتها ابشع انموذج بشري موجود الان، حتى غدت الرواية انموذج حي وواقعي حول امثالهم فقد استطاعت وفاء عبدالرزاق بمهارة روائية تعرف كيف تؤثث لمشهدها الروائي الواقعي ان تستقطب ممكنات السرد الوصفي والصور البيلوغرافية كي تتحول الرواية الى معلم ادبي في التاريخ المعاصر..


144
المنبر الحر / حين تختلط الامور
« في: 19:26 29/01/2016  »
حين تختلط الامور
جوتيار تمر/ كوردستان
26/1/2016
تعيش كوردستان وضعاً مغايراً عن اي وقت سابق، ليس على الصعيد السياسي فحسب، انما على جميع الاصعدة بحيث بات الامر اشبه بدراما تعددت مواضعيها، وتعدد الاشخاص الذين يؤثرون على احداثها، وبالتالي تعددت التوجهات ووجهات النظر، وتعددت الاحتمالات التي باتت تعصف بالانسان في كوردستان، هذا الوضع ليس وليد اللحظة، او وليد محصلات داخلية فقط، انما هو امتداد قسري لظروف اقليمية ودولية ساهمت اجماعاً بخلق نوع من اللااستقرار في المنطقة بصورة عامة، وفي كوردستان بصورة خاصة، هذه الظروف نفسها لبست ثوباً تعددياً اثارت زوبعة من التساؤلات حول مصداقية الكثيرين ممن يساهم بشكل فعلي في تأجيج هذه الظروف واستمراريتها.
تأتي الاحداث لتبرهن على ان انصياع البعض للامر الواقع بات امراً محسوماً فغيرت من جلدها العدائي الظاهري وابقت على المضمر كما هو، لكنه في الاخير تقبل ظاهرياً وجود الاخر بانتمائه وتلك الرمزيات التي تعنيه وتنطق باسمه حتى لو هي نفسها لم تنطق اساساً، وهذا ما رأينها في الاحداث الاخيرة من احدى الد اعداء الكورد تاريخياً قديماً ومتوسطاً وحديثاً ومعاصراً تركيا، التي لاسباب مصلحوية بلاشك انصاعت للامر مرتين خلال الاحداث الاخيرة، حيث قبلت بمرور البيشمركة رافعين علم كوردستان من اراضيها ليصلوا الى كوباني، وفي المرة الثانية حين استقبلت رئيس كوردستان البارزاني ورفعت علم كوردستان، اكيد لسنا ننخدع بهذه التكشلات الفرضية ولا المنطق الذي فرض الامر، لكننا اجمالاً ظاهرياً نرى ونلامس ذلك الانصياع الجبري للواقع الذي فرضه عليهم التصنيفات الدولية للحدث العام وليس كما قلت حباً بالكورد.
في حين نرى ونلامس بان الجانب الاخر للصراع الازلي للوجود الكوردي والمتمثل باصحاب العمامات واللحى بشطريه الشيعي الايراني والسني السعودي والخليجي، يعيش واقعا غير مرئياً وغير مفهوما مع ذاته، لذا فهو يجبر الاخرين للانصياع لمنطقهم المخصوص وغير الانساني ف ياغلب الاحيان، فالعمامات لم تزل تثير الفتن المذهبية الطائفية في اية منطقة تطئ اقدامهم عليها، ولست هنا اقوم بتصحيح افعالهم، انما فقط اشير الى انهم في طريقهم لتحقيق رؤيتهم لايبالون بالاخرين الا ضمن نطاق تحقيق غاياتهم، وهذا ما يظهر بجلاء ووضوح في حالتنا نحن في كوردستان، فايران على الصعيد التجاري لاتحارب مثل تركيا ولاتلوح بسيف قطع الامدادات والطرق، بل تمارس تجارتها بحرية تامة لانها تستفيد بالكثير الكثير، كما تستفيد تركيا، ولان الاخيرة تستفيد اكثر لذا فايران تحاول فصل التجارة عن السياسة، وهذا ما يحدث بكل وضوح، لان مواقفها السياسية لاتتناسب ومواقفها التجارية، لكونها لم تزل تثير التفرقة بين الاوساط السياسية الكوردية وتحاول من خلال التبعية لبعض الاطراف ان تمارس ضغوطاتها السياسية على الكورد، وللاسف ان بعض التيارات المحسوبة على الديمقراطية الحديثة وتنادي بها اصبحت وبالاجماع اداة بيدها تحاول اعاقة مسيرة الحكومة الكوردستنانية كما انها اصبحت بوقاً اعلامياً لاتبحث الا عن المساوئ بدلاً من تحاول ايجاد من خلال المنطق والواقع طرق وسبل للتخلص من التبعية الايرانية، لهذا نجد بان اصحاب العمامات مازالوا يمارسون لعبتهم القديمة في فرق تسد، وفي تثبيت مصالها وتصدير ثورتها الدموية ولو حساب سعي الاخرين لتحقيق مكاسب تعد حلم بالنسبة للملايين منهم.
في حين ان اصحاب اللحى اظهروا تجاوباً متفاوتاً في الاونة للقضية الكوردية وتغيرت بعض ملامح سياستهم مع الكورد وهذا ايضا ظهر جلياً في استقبالهم الحافل الودي لرئيس الاقليم، ولكن الامر مازال تحت المجهر والاختبار، لان تبعيات ذلك الاستقبال لم تظهر في هذه المحنة التي تعيشها كوردستان، سواء على المستوى السياسي مع المركز بغداد او الاقتصادي الذي نؤمن بان للسعودية الدور الابرز في انهيار اسواق النفط العالمية بلاشك لاغراض تحقق اجندات مصلحوية بينها وبين تلك الاجندات التي اصلا هي تدين لها بالتبعية، ومن جهة اخرى حباً في خلق مكانة اخرى تجعلها تساير الوجود التركي السني وتوقف المد الايراني الشيعي، وهذا بلاشك يحقق لها مصالحها.. ولايهم ايضا اذا كان الامر يقضي على حلم الملايين من الكورد الساعين بجدية الى تحقيق كيان مستقل لهم ليكونوا وبعد قرون من المعاناة شعب يحكم نفسه بنفسه بعيداً عن صراعات اللحى والعمامات والاسواق والتجارة.
فضلاً عن هذه المعضلات الاقليمية والدولية نجد بأن حكومة ما يسمى بالعراق الموحد، السنة الموحدين، الشيعة الموحدين، ونحن بعيداً عنهم في صراع من اجل التوحيد، كلنا نعيش ضمن هيكلة ومنظومة غريبة لا قوام لها، ولاصورة واضحة لها، بل هي اشبه بلعبة تم تحديثها ضمن الالعاب الالكترونية الحديثة، فالاعلام يتبنى الديمقراطية كغطاء لتحقيق مكاسب طائفية بحتة، بل الادهى والامر بان الحكومة نفسها تنصاع لمتطلبات الاعلام بالاخص اذا كان الاعلام حسينياً متشيعاً مرجعياً دون التفكير بكل المكونات الاخرى التي تشاركهم الامر، فما يصرف على اعلامياً وواقعياً من اموال ومسلتزمات مثلا على الحسينيات يعادل ميزانية كاملة لاحدى المكونات الاخرى، لكن الامر غير مهم طالما الاسياد اصحاب العمامات راضين ويربتون على اكتاف الحكومات وابواقها اصحاب اللسان والبيان بالبركة والخير.. هذه التحولات اجبرت الاخرين على المضي قدما ولو بخطوات بطيئة لتحقيق ذواتها، ولهذا نجد الملايين منا يسعون جاهدين على حمل جواز سفر لايحمل اسم هذا الخراب الطائفي المذهبي اللامجدي والغارق في الوثنيات السياسية والوثينات الاجتماعية والوثنيات الفكرية غير الممنطقة نهائياً، هذا الوحل اصبح يعيق مسيرتنا نحن ككورد لاسيما في سعينا الى تحقيق الرفاهية لشعبنا، وتحقيق حلمنا، ولايخفى على منصف كيف انهم يكيلون لنا بميزانين مبنيين على الحقد والكراهية، فقطع الميزانية امر يرجع الى ايمانهم بالثورة الحسينية، وتجويع الكورد امر نابع من تبنيهم للفكر العمامي السابق.. لكن حين يدخل مثلا الجيش التركي لمنطقة تهديد للامن القومي لهم، لهذا نجدهم ومن خلال افعالهم المشينة قد خسروا اخر رابط يجمعنا بهم، حتى لو تحقق الدولة والاستقلال للكورد فاننا في ذواتنا وعقولنا وقلوبنا لم نعد عراقيين ولن نكون ابدا كما لم نكن الا قسرا في الفترات السابقة، الحقائق تثبت باننا مختلفين عن بعض، الوقائع توضح مدى كبر الهوة بيننا وبينهم، والاحداث والواقع يؤكدان بان الافضل ان يذهب كل منا في طريقه، لعل البعض يرونها دعوة صريحة للانفصال، نعم هي كذلك.. ولم اعد افتخر بتاتاً الجواز الذي احمله اقولها صراحة.. وهناك من قول ماذنب الشعب ساقول، الجيش من الشعب وهو يقتل ويفتك ابناء الشعب نفسه والحكومات محصنة بالمرجعيات، الحشد الشعبي من الشعب وهو يقتلنا ويثير الفتن في مناطقنا، والساسة من ابناء الشعب وهم يحقدون علينا، اذا ماذا بقي من الشعب.
لم يبق لنا سوى ان نبقى متمكسين بعلمنا وبارضنا وبالبيشمركة الذي اصبحوا ايضا ضحية هولاء وضحية طموحاتهم وافعالهم المشينة، ونحن نؤمن مهما ضاقت علينا الدنيا بمن فيها، بان البيشمركة وان ثبطت عزيمتهم قليلا بسبب الاوضاع الاقتصادية السيئة اليت نمر بها جميعا الا انهم باقون في الخنادق يحمون الكورد وكوردستان ضد خطر الدواعش الارهابيين وكل من يساهم معهم بفرض مصالحه على وجودنا سواء سياسياً او اقتصادياً او اجتماعياً.. ونبقى ننادي بان كوردستان ستبقى حتى ان لم نبقى نحن ابنائها.. مع اني مؤمن بان الاراض وجدت ليكون عليها الانسان.. لكن في حالتنا قد تتغير الموازيين لكوننا منذ البدء كما موجودين ولكن ارضنا سلبت منا ولم تزل مسلوبة.



145
أدب / صلاة الفجيعة
« في: 23:49 28/01/2016  »
صلاة الفجيعة
جوتيار تمر/ كوردستان
أرى أفقا يعد لنا فراغا من خارج الزمن
وهذه أنشوطة  تدلت....
 بين زحام من نسوا قناديل الوقت
في الممر الأخير تجمعت المسافات
وتاريخ الموتى في شواهد المقابر
حيث عرس العتمة والغربة
تمتد شمس الفجيعة في سماء
 لا تحمل سوى حجر وطين
 وهذه أنفاس في قيظ تموز..
تقرع أبوابا لا تفتح
تمد كفها المصلوب
في غبار الوجوه والألواح المنسية..
هذه وجوه ترسم خارطة جديدة للفجيعة.
تصلي لسكين الدم.. وأجراس الوطن .
و قسمات تعالى  صمتها في الأنين
هنا تاهت الآلهة عن ألواحها
والنبوءة عن قدسيتها..
وأرصفة الحياة تفيض بمشهد الفناء
وكأنها قربان آلهة في غمغمات الشهادة ..
23-6-2015

146
الشعب الكوردي لاصديق له سوى البيشمركة
جوتيار تمر/ كوردستان
15/1/2016
لقد شاع منذ فترة طويلة بين الاوساط الثقافية والسياسية والعامة مقولة لااصدقاء لنا غير الجبال، وفي في مقال سابق لي منشور في عدة مواقع كتبت لا اصدقاء لنا، واعتمدت في تأكيد المقولة على ما كتبه كل من تورد فالستروم"ليس لنا اصدقاء من غير الجبال" ، و هارفي موريس و جون لوج " لا اصدقاء سوى الجبال  التأريخ المأساوي للاكراد"، ولكني هنا احاول ان ابرهن فرضية اخرى، باتت مؤكدة دون اية تعقيدات، او فرضيات يمكن لاجندات خارجية ان تفرضها وفق مصلحتها الانية او المستقبلية،ً  فالصديق الوحيد للشعب بات البيشمركة، وهذا ما يعني ان الحكومة لم تعد صديقة للشعب باي شكل من الاشكال، انما فقط الذي يجمعنا بالحكومة هو الصديق المشترك " الجبال " ذات الدلالة الانتمائية لجغرافية واحدة، والحصن الذي كان ولم يزل يأوينا نحن الشعب" البيشمركة" والحكومة ايضاً، فيماعدا هذه الشراكة اصبح مؤكداً بانه لاصديق للشعب الكوردي في كوردستان سوى البيشمركة الذين يقاتلون احد اشرس اعداء الانسانية واحد اشرس المنظمات الارهابية في الوقت الراهن والمتمثلة ب " داعش" ، التي استطاعت ان تطور نفسها وفق متطلبات الوقت، وباتت احدى اغنى المنظمات الارهابية غنى وموارداً، وامام مد داعش واتساع رقعة جغرافيته وجبروته، اصبح البيشمركة وحدهم مع طائرات التحالف الدولي  الحصن المنيع الذي يمنع قاطعي الرؤوس ومغتصبي النساء، ومختفطي الاطفال، ومفجري الابرياء، ان يمحوا كل اثار الامان والسكينة داخل المدن والقرى الكوردية داخل كوردستان، ولايمكن ان ينسى التاريخ هذه الوقفة البطولية لهم خاصة انهم يعانون اضعاف ما يعانيه باقي الشعب، فالشعب ان كان هاجسه الجوع وعدم وجود حكومة تدفع لهم رواتبهم وتمنحهم الاستقرار، فالبيشمركة مع هذه المعاناة يعاني الكثير في جبهات القتال، من ظروف قاسية لاسيما في هذا الشتاء القارس، ومن قلة المؤون بسبب الازمة الاقتصادية، وعدم مقدرة الحكومة على توفيرها لهم، ومن قلة السلاح المتطور بسبب الازمة المالية، ومن هاجس اخر وهو التفكير بعوائلهم الجائعة التي اغلبهم يعيشون على الرواتب، والرواتب باتت احدى اساطير الوقت الحاضر، حيث اصبحنا ندخل الشهر الخامس دون استلام اي راتب، وحين نقول نحن فمعناه اننا الشعب والبيشمركة حامي الشعب نعاني نفس المعاناة، واذا كنا نحن الشعب نحاول باي شكل من الاشكال ان نعبر عن استيائنا ورفضنا لهذا  الحال، سواء بالتهديد بعدم الدوام، او اعلامياً نحاول ايصال صوتنا للحكومة،  فان البيشمركة مع كل ذلك ومع كل هذه المعاناة، وكل هذه الظروف التعجيزية، لايتهاون في واجبه، وصامد بوجه داعش والظروف معاً، وانها لعمري ملحمة ان غفل التاريخ عنها سيكون التاريخ ايضا داعشاً اخراً لامصداقية له، وليس له من التاريخ الا الخزي والعار.
ان اي تحليل للواقع النفسي والعياني والمادي للبيشمركة في هذه الظروف لايمكن ان يخرج عن اثبات بطولة وقوة هولاء، وفي المقابل ان اي مقولة يمكن ان نؤمن نحن الشعب بها، لايمكن ان تتعدى مقولة لااصدقاء لنا سوى البيشمركة الذين وحدهم على الرغم من قسوة ما يعانون مازال الشعب همهم، وحماية الشعب غايتهم، واعلاء راية الشعب دافعهم، اما الحكومة التي باتت متهمة لدى الشعب بالتخاذل وعدم توفير المسلتزمات الاساسية للشعب فانها وعلى الرغم من ادراكنا نحن الشعب معاناتها، الاقتصادية واعباء الحرب.. والادارة ... الا انها تبقى حكومة وعليها ان تجد الحلول .. لذا فهمي يوماً بعد يوم تفقد مصداقيتها، وتفقد حضوضها كي تتقرب الى الشعب وتصبح صديقة له.
ان العلاقة بين الشعب والبيشمركة لم تعد مجرد علاقة شعب يتناسل منه البيشمركة، ويمنح الاخير الامان والاستقرار له، انما اصبحت العلاقة رؤية وايديولوجية وعقيدة وقدسية، حيث الشعب اصبح ينتقد كل المؤسسات وكل مايتعلق بالحكومة، لكن حين يصل الامر الى البيشمركة واي شيء يتعلق بهم، فانهم يقفون اجلالا واكراماً ويعترفون بقدسيتهم، ولايسمحون لاحد المس بهم، وهكذا تعمقت العلاقة بين الشعب والبيشمركة لدرجة ان الكثيرين يقولون حتى في الاوساط السياسية والثقافية ان الحبل الذي بات يربط الشعب بالحكومة هو حبل البيشمركة لااكثر، والا فقد انتهت الحكومة بنظر الشعب.


147
أدب / جوف القلق
« في: 21:01 14/01/2016  »

جوف القلق




جوتيار تمر/
كوردستان


تسكر الألوان في حنجرة الكلمات
وبوصلة القلم
كلما أستحضر وجهك
وأحمل بين أناملي نشوة رسمهِ..
هذا الوجود يلج وجودا يترنح بالحدائق
 فكوني هنا واتركي الهاوية...
افتحني للريح
لألتقط غيمات من ظلال أنفاسك
 لمّا تحط على وجهي وتغسلني
بأوتار رذاذها ...
فأرسمك في الأفق كتاب خلود
وأرتق جثتي بخيوط البعث من جديد
افتحي أسوارك المبعثرة فيَّ
 لتهبني خارطة الوصول
وهذه العبارة ستكتمل في الضوء
 فألج الأفق...
أستحضر وجهك...
 فتضج فيَّ العبارة
لأخرج من بحر يشبهني
وأتماهى في مداك
متمسكا بأوتار النشوة في عمق روحك
ذاك الشراع المعطّل فيك
ألا يشعرك بوجع الكلمة ..
الكلمة موت .... الروح موت ,,,,,
قومي من جوف القلق
وافتحي الفصول في مساحات القلب
 افتحي المرافء المغلقة
وأغرقي في حنجرة أنفاسك الشجيّة


6/1/2016

148
ماذا يحدث لكِ ياكوردستان
جوتيار تمر/ كوردستان
5/1/2016
تساءل اكثر من صديق ومتابع لمقالاتي، لماذا هذا الصمت ازاء  الاحداث التي تعصف بكوردستان..؟ ، لم يكن الامر مفبركاً انما جاء بعفوية تامة، حيث بقيت انظر اليه دون كلام لبرهة، ثم لويت بعنقي والدمع يكاد يغرق عيناي... نعم انه الصمت الاجباري الذي استطاع بسطوته ان يخرس كل حواسي، ويجعلني اعيش حالة من الذهول.. والتساؤلات تتقاذف في ذهني وكأنها وخزات ولسعات، ماذا يحدث لكِ يا كوردستان..؟ .
تعيش كوردستان في وقتنا الراهن احدى افضل المراحل التي مر بها نضالها الطويل ضد الدكتاتوريات الشوفينية القومية العصبية وحتى النزعات المذهبية الطائفية التي كانت دائما ما تعصف باسوار كوردستان وتجبرها على ان تكون طرفاً في الصراع مع ان كوردستان نفسها بطبعها السمح لم تكن يوماً تفرق بين البشر على اسس مذهبية وطائفية او حتى عرقية وقومية، بل ظلت مثالاً للتسامح والتعايش السلمي حتى في ظروف كان الكثيرون ممن يحتضنهم كوردستان وليسواً كورداً يطعنونها من الخلف ومن الداخل بداعي العنصرية والعصبية التي ينتمون هم اليها.. لكن مع ذلك ظلت كوردستان تفتح ذراعيها لكل من يلجأ اليها.. ولااريد ان اخوض في الاحداث الاخيرة التي جعلت اكثر من مليون ونصف نازح من جميع الاعراق والقوميات والمذاهب والاديان يلجأ الى كوردستان لتستقبلهم بكل مودة، حتى ان شبابنا ضرب مثالاً للتسامح الكوردي حين خرج الى الشوراع يستقبل النازحين ويمدهم بالخبز والماء وكل ما امكنهم من توفيره لهم.. لكن مع ذلك ظل بعض اصحاب النفوس الضعيفة يضغن الكره والشر لكوردستان ويحيك الفتن ويحاول اثارتها داخل حضن من اواهم  حين شردوا.. وقلنا وقتها تلك هي احلاقهم.. ولنا اخلاقنا..لذا بقينا نحاول بكل الوسائل تقديم المساعدات لهم.
هذه المرحلة العصيبة، وهذا الثقل والحمل الكبير.. جاء في وقت اصبح للصوت الكوردي صدى في الاوساط الدولية، واصبح اسم كوردستان والبيشمركة الابطال آية من آيات الحق والبطولة والتضحية من اجل انهاء اسطورة الدم الاسود الداعشي والارهابي.. ومن هذه المكاسب المهمة التي جلعت من كوردستان ضمن تحالف دولي يضم اكبر واقوى دول العالم الحالي، اعطتها مكانة بارزة في الاوساط الدولية حيث بدأ اسمها يتردد في الندوات والاجتماعات والملتقيات الدولية والمحافل الدولية، وبات اصداء كوردستان مستقلة يراود ابناءها في الجهات الاربعة.. بل اصبحت الاصوات الداخلية تثير جدلية الدولة الكوردية في حين ان الظروف الاقليمية والدولية لم تزل في وضع صعب وغامض بشأن ذلك، الا ان الاصوات هذه اصبحنا نلامس  صداها في كل الوسائل السمعية والمرئية والمواقع الاجتماعية، وهذا ما اثار الكثير من الاسئلة، ومن ضمنها السؤال المحير الذي اصابني بالخرس.. لماذا الصمت ازاء هذه الاحداث...؟.
كوردستان الان تعيش وفق منطق غامض لم يعد يدرك المسار الذي تتخذه الا اصحاب الشأن واقصد بهم الساسة، فحالة الغموض هذه مع كل تداعياتها تثير القلق والفزع في نفوس المواطنين الذين ينتظرون دولة مستقلة ولكن وطنهم مهدد من كل الاصعدة، فمن جهة لم تزل داعش السواد والظلام تنعش امالها بالهجوم على البيشمركة في الكثير من المحاور وغلى الرغم من البيشمركة استطاعوا ومستمرين في كسر شوكتهم ومرغ انوفهم بالوحل.. الا انهم مازالوا يحاولون وبشتى الوسائل وبالاخص بالسيارات المفخخة زعزعة الامن واثارة الفوضى داخل كوردستان.. ومن ناحية اخرى الوضع الداخلي المتمثل بالصراعات السياسية بين الاحزاب ووضع الحكومة الحالية في ظل التداعيات التي ابعدت احدى الاطراف المشاركة في الحكومة ( حركة التغيير) من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني.. واستمرار المشاروات واللقاءات بين الاطراف الاخرى من اجل وضع حل لهذه المشكلة.. ومن جهة اخرى الصراع المحتدم مع بغداد التي اصبحت رهينة اجندات خارجية تفرض عليها ايديولوجيات غريبة وتثير الكثير من الفتن الطائفية بين الاوساط العراقية بكل مكوناتها.. فضلا عن كونها تتعمد التعامل غير المسؤول مع كوردستان سواء من خلال ابقاء كوردستان في عزلة دولية ورفض المساعي الخارجية التي تحاول تسليح البيشمركة لمحاربة داعش، او من خلال النزعة الشوفينية في تعاملها الاقتصادي مع كوردستان ومنع الميزانية منذ ولاية الفقيهة العنصري المذهبي السابق نوري المالكي وخلفه العبادي.. بحيث اصبحت كوردستان المتطلعة للحصول على مكتسبات اخرى تعيش ضمن نطاق ازمة اقتصادية خانقة، لاسيما ان ايراداتها النفطية لاتكفي لسد الحاجيات الاساسية ومسلتزمات الحرب المفروضة عليها، وحين تمنع بغداد المساعدات الخارجية المباشرة للبيشمركة ولاترسل هي تلك المستلزمات، ومن ثم تحارب كوردستان اقتصاديا فان الاشكالية تزداد وتصبح الازمة ازمات، لتؤثر سلباً على الداخل الكوردستاني اجمالاً.
ومن جانب اخر تزداد المشاكل الاقتصادية جراء الاضطرابات الحاصلة في بعض اجزاء كوردستان والتي ادت الى انقطاع الطرق التجارية بالاخص في تركيا التي تعامل الكورد هناك بوحشية تثير جدلاً حول مصداقية المنظمات الانسانية الدولية التي تصمت ازاء هذا الاعتداء السافر والمباشر من قبل القوات التركية على المدنيين الكورد في المدن الكوردية، لقد فرضت هذه الاضطرابات اشكالات اقتصادية اخرى وجعلت كوردستان تعيش وفق منظومة وكأنها معدة سلفاً للتحكم بمساراتها واجبار الكورد على الرضوخ لمنطق اخر لايريدونه ويسعون بكل جهد من التخلص منه.
كل هذه الظروف مجتمعة تجعل المواطن الكوردي يعيش الحلم في حلمه لكنه في الوقت نفسه يعيش معاناة كبيرة على الاصعدة الداخلية من حيث ارتفاع الاسعار بسبب انقطاع الطرق التجارية، ومن ثم تدهور حالة الكهرباء بسبب عدم وجود ميزانية للقيام باعمال الصيانة، ومن ثم ارتفاع اسعار النفط الذي اصبح الكل يتساءل اين ايرادته والتي كما قلنا لم تعد تكفي لسد القليل من الاحتياجات الداخلية بالاخص فيما يتعلق بالحرب مع داعش، ومع ارتفاع اسعارها اصبح النفط غير متوفراً بدرجة تساعد اصحاب المحطات الكهربائية من الايفاء باستحاقاتهم تجاه المواطن، فتلك المحطات تحتاج الى النفط لتعمل.. وما اثر ايضاً على المحطات الاهلية التي تبيع الكهرباء حسب نظام (الامبيرات) فهولاء ايضا يشتكون من قلة النفظ ويضطرون الى اتباع اسلوب التناوب في تشغيل محطاتهم.. وبالتالي رفع سعر الامبير.. وبالتالي الضغط على المواطن.. ومن ثم اتساع رقعة الازمة بعدم توزيع الحكومة للرواتب للشهر الرابع... واخيراً وليس اخراً.. صرف الحكومة اموال طائلة على مخيمات النازحين.. والمنظمات الدولية تكتفي فقط بارسال وجبات من المساعدات لتصورها اعلاميا وبعدها تختفي.. كل هذه الامور ساهمت وتساهم الان بشكل مباشر وجلي بخلق نوع من القلق ازاء الاحوال والاوضاع في كوردستان.. وكأن اعداء كوردستان كما كانوا سابقاً قد اتفقوا من جديد على اضاعة هذه الفرصة ايضاً عليهم كي يبقوا تحت مظلات لاينتمون اليها.. ولم يعد بامكانهم الانتماء اليها ليس تعصباً انما ايماناً بالحق.. بحق كوردستان ان تكون مأوى لابنائها.. هذه هي الاوضاع التي اخرستنا.. وجعلت الدمع..... !!!! .


149
تقسيم كوردستان عودة من جديد
جوتيار تمر/ كوردستان
30/12/2015
     في الجغرافية السياسية يعد الموقع من أهم المقومات الجيوستراتيجية التي يعتمد عليها في تقويم قوة الدولة بسبب تأثيره الواضح على وضع الدولة الحالي ومستقبلها، على الرغم من الاتجاه العام الذي يدعو إلى تقليل هذه الأهمية بسبب عوامل عديدة منها، التطور التقني الذي يكتنف عالم اليوم،  لان الموقع الجغرافي ليس مجرد ارض تقل أهميتها بالتطور الحاصل في ميدان الأسلحة وقدرتها التدميرية بل يتكون من مجموعة عناصر ذات إبعاد  داخلية تتمثل باللغة والثقافة والمكونات الاجتماعية والكثير من المكونات الاخرى ذات الابعاد الانتمائية الواحدة، فضلا عن السمات الطبيعية المتمثلة بطبيعة الارض وتضاريسها وحتى الطقس فيها، وبعدها تأتي الابعاد إلاقليمية والدولية باعتبارها موردا من موارد الثروة القومية وفي بعض الأحيان يكون رأس المال الوحيد للدولة، وعلى هذا الاساس تبنى التصورات وتتخذ الاجراءات من اجل اقامة كيانات مستقلة حسب الكثير من الروايات التاريخية السابقة التي تشكلت منها العديد من الدول.
وحين نقف عند عتبات التاريخ نجد بأن الدول والكيانات المستقلة تشكلت معالمها الاساسية بالقليل من تلك المحددات السابقة بحيث اكتفت بعضها بالمحددات العرقية، وبعضها القومية، وبعضها التزمت بالمحددات الطبيعية واتخذت من امتداد الجبال والانهار مساراً لتحديد جغرافيتها، فضلا عن اليات اخرى كالمذهب الديني او القومية، على انه اغلبها لم تستطع ان تحوي جميع المحددات معاً الا ما ندر منها.. وبالتالي كانت تحقيق كياناتها المستقلة متوقفة على اسس اخرى مصلحوية للقوى الرئيسية في العالم وقتها وفي عالمنا الحديث.
وعند تأمل قضية كوردستان سنجد بأنها استطاعت منذ بدايات التقسيم الدولي للمناطق بعد الحرب العالمية الاولى ان تستوفي الكثير من السمات والمحددات السابقة الذكر وان لم نقل كلها، فالمحددات المتعلقة بالعنصر الكوردي العرقي والقومي والاجتماعي واللغوي والثقافي والطبيعي من اتصال اراضيها ببعض عبر قنوات جبلية ومائية من انهار وبحيرات وكذلك تقارب طقسها وتشابهه في اغلب مناطقها، ومن ثم المحددات الاقليمية التي تظهر بان جميع من يجاورهم ليسوا ينتمون الى قوميتهم ولغتهم، كالفرس والعرب والترك، كل ذلك كانت ولم تزل تشكل معلماً واضحاَ على مدى جاهزية استقلال كوردستان ومدى اختلافها في جميع الجوانب والنواحي عن الدول المجاورة لها، لكن السؤال الذي كان ولم يزل يتناسل في ذهن الملايين من ابناء كوردستان هو لماذا هم وليس نحن...؟ وهذا السؤال وان كان موجهاً ايضا الى الداخل الكوردي الا انه موجه بالدرجة الاساس الى القوى المصلحوية ذات السطلة الدولية والمتحكمة بالنظام العالمي الجديد سواء عن طريق فرض نظرياتها العولمية او عن طريق سيطرتها العسكرية على الكثير من الممرات الدولية التي بامكانها ان تغير ملامحها سواء من حيث الجانب الاثني الديمغرافي او الجيوبولتيكي او حتى الملامح الطبيعية.
لايخفى على متابع منصف أن مسألة تقسيم كوردستان كان نتيجة حتمية لمؤتمر لوزان الذي عقد في 27 تشرين الأول عام 1922 في سويسرا، حيث أرسلت بريطانيا وفرنسا وايطاليا دعوة من اجل عقد هذا المؤتمر إلى حكومات الولايات المتحدة الأمريكية واليابان واليونان ورومانيا ويوغسلافيا(السابقة) وحكومة استنبول العثمانية وحكومة المجلس الوطني الكبير في انقرة  .
ومن المؤكد تاريخياً أن هذا المؤتمر عقد بعدما لم يتوصل الأطراف المعنية في معاهدة سيفر التي وقعت في 10 آب 1920 بين الحلفاء والدولة العثمانية الى اتفاق نهائي بينهم، ولم تلتزم الإطراف فيما بينها، والتي نصت المادة 62 فيها على إقامة مناطق ذات حكم ذاتي غالبية سكانها من الكورد  في إطار تركيا حسب المشروع الذي يجب وضعه من قبل ممثلي بريطانيا وفرنسا وايطاليا، وألزمت المادة 63 تركيا تنفيذ الحكم الذاتي في الواقع، حسب المشروع الذي اقترحته اللجنة، وذلك خلال فترة زمنية مدتها ثلاثة أشهر، وفي المادة 64 شرعت إمكانية توجه الكورد إلى مجلس عصبة الأمم بطلب منحهم الاستقلال عن تركيا، وفي البند الأخير لهذه المادة والتي تناول الموصل أكدت على انه من الممكن أن تنضم إلى مثل هذه الدولة الكوردية المستقلة بموافقة دول الحلفاء الكبرى وبعد تخلي تركيا عن المناطق الكوردية.
وبشأن هذه المعاهدة يقول (ف.نيكيتين) ": رغم أن معاهدة سيفر بقيت حبراً على ورق، فإنها مع ذلك تمثل منعطفاً هاماً جداً في تطور القضية الكردية، فلأول مرة في التاريخ تتعرض وثيقة دبلوماسية لبحث مسألة حكم ذاتي محلي للمناطق الكردية التي معظم سكانها من الاكراد، ومن هذه اللحظة، فان الأهمية الدولية للقضية الكردية ما عادت تثير شكوكا لأحد.."
وبعد فشل إبرام هذه المعاهدة وافق الحلفاء على قيام اليونان بأعمال عسكرية في الأناضول، وفي الوقت نفسه عقد الاتحاد السوفيتي(سابقاً) معاهدة صلح مع الكماليين وتخلت ايطاليا عن (اداليا) لقاء بعض الامتيازات، ووقعت فرنسا في 20 تشرين الأول 1921 في انقرة اتفاقية مع الوطنيين الأتراك وأخلت (كليكيا)، ثم تخلى الحلفاء عن اليونان وانتصر الأتراك عليهم في 1922.
كل هذه الأحداث أجبرت بريطانيا وفرنسا وايطاليا على توجيه هذه الدعوة الى تلك الدول من اجل انعقاد مؤتمر لوزان ، والذي افتتح في 20 تشرين الثاني 1992، وقد رأس الوفد البريطاني اللورد كرزن وزير الخارجية أما الجانب التركي فقد ترأسه الباشا عصمت اينونو وزير الخارجية ، وبعد مداولات عديدة بشأن قضايا كثيرة لعل أبرزها مشكلة الحدود ومشكلة الموصل، والتي لم تحل فأعلنت الحكومة التركية رفضها لمشروع معاهدة الصلح التي كانت قد تقررت في المؤتمر، ولكن الوفد التركي كان قد وافق على أن تقوم اللجنة المختصة بالمشاكل الاقليمية بأعمالها، وغادر الوفد التركي إلى انقرة في 7 شباط 1923، ومن ثم عاد في 24 تموز 1923 مرة أخرى لانعقاد مؤتمر لوزان، واتفق الحلفاء وتركيا على معاهدة لوزان وتم توقعيها ، ونصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة على تعين خط الحدود بين تركيا والعراق بترتيب ودي بين تركيا وبريطانيا خلال تسعة أشهر.
ونتيجة هذه الصراعات والحتميات النابعة من السلطوية المصلحوية انذاك يتضح  أن تقسيم كردستان بات امراً اكيداً حيث كان من المقرر إقامة حكم ذاتي ومن ثم إمكانية ضم الموصل إلى دولة كوردية مستقلة وبموافقة عصبة الأمم، لكن الآن تحول الأمر إلى نزاع بين المصالح البريطانية والتركية في المنطقة، وليس يخفى على احد أن الموصل ضمت بعد سلسلة من المعاهدات إلى العراق ، ففي 5  حزيران 1926 وقعت معاهدة عراقية بريطانية تركية جاء فيها أن خط الحدود بين تركيا والعراق قد تم تعينه بصورة نهائية بالخط الذي وافق عليه مجلس عصبة الأمم(خط بروكسل)، وبموجبها وافقت تركيا على الاعتراف بضم ولاية الموصل إلى العراق مقابل تعديل بسيط في خط الحدود وحصة من نفط الموصل.
كل هذه المحصلات الدولية والمصلحوية نتج عنها طمس الكثير من المعالم التي اعتمدتها هذه القوى في اوقات متفرقة بشأن استقلال الكيانات السياسية واقامة دول مستقلة في الكثير من انحاء العالم، مما يعني انه كان ولم تزل الاداة المصلحوية هي المقياس الاساس في تشكيل الكيانات المستقلة، والا لماذا هذا الصمت الدولي على حق هذا الشعب من اقامة كيان مستقل له بعيدا عن الصراعات المذهبية العرقية القومية الشوفينية التي تنغمس فيها الدول المجاورة سواء تركيا او ايران او العراق وسوريا.. ان قيام كيان كوردي مستقل امر بات مطلباً شعبياً ليس له علاقة باجندات خارجية، والتقاعس بحقيق آمال الشعب الكوردي انما يعد بنظرنا جريمة بحق الانسانية، لكون ان هذا الشعب عانى ولم يزل يعاني من السياسات العنصرية للحكومات التي اضطر الشعب الكوردي ان يعيش تحت كنفها.. فضلاً عن ان البيشمركة الكوردية الان هم الرادع الحقيقي للتنظيمات الارهابية في المنطقة والتي ساهمت في تأجيج العنصرية المذهبية الدينية والقومية بين الفئات المتناحرة في المنطقة كلها.


150
المنبر الحر / لااصدقاء لنا
« في: 17:51 23/12/2015  »
لااصدقاء لنا
جوتيار تمر/ كوردستان
22/12/2015
ساد في الكثير من الفترات فكرة ان الكورد ليس لهم اصدقاء ولا حلفاء، وتناولت كتب كثيرة  هذه الفكرة واعتبرت ان وطنهم كوردستان بجبالها ووديانها  كانت وستبقى الصديق الوحيد لهم، وعلى اختلاف ماورد في تلك الكتب من معطيات تاريخية وتفصيلية فانها اعطت رؤية واضحة وقَيَّمة حول ماهية الوجود الكوردي وماهية العلاقات التي تربط هذا الشعب بالاخرين لاسيما بالدول المجاورة، فعلى سبيل المثال ذكر تورد فالستروم وهو كاتب وصحفي سويدي ولد عام 1928، صاحب كتاب "ليس لنا اصدقاء من غير الجبال"    في كتابه انه "ما إن عدت من كوردستان عام 1975 حتى كتبت وبسرعة ريبورتاجي الطويل هذا بهدف التحدث بصدق ووضوح عما عايشته وشاهدته، وربما بهذا العمل أردت المساهمة في إيقاظ ضمير العالم. لم أكن متفائلاً... فبرغم من كل شيء، هو مجرد كلمات لا اكثر....نحن نرى ان مطالبكم عادلة. نحن متأثرون بكفاحكم ولكن وضعكم ميئوس منه ولا نستطيع مساعدتكم..."، و استطرد قائلاَ ايضاً " لكني ومع ذلك آمنت في أعماقي بحل ما. لقد عرفت بأن كوردستان، هذه البلاد الرائعة يمكنها أن تتحول إلى واحة للسلام وملاذ للحرية في هذا الجزء المتوتر من العالم، وان مستقبل هذا الشعب العظيم يجب أن يكون شيئاً آخر غير القتال من اجل الحياة ضد الظالمين والمستغلين والطغاة..."، بهذه الكلمات التي قد يراها البعض بانها لم تأتي بجديد لكنه استطاع  بها ان يلخص المأساة التي يعيشها الكورد منذ ازمنة طويلة ماضية، ومستمرة الى وقتنا الحالي.
لم يكن فالستروم الوحيد الذي تناول هذه المسألة فقد خصص كل من هارفي موريس و جون لوج كتاباً خاصاً ايضاً حول الموضوع نفسه ( لا اصدقاء سوى الجبال)  التأريخ المأساوي للاكراد.. وعلى الرغم من ان الرؤية في هذا الكتاب اختلفت من حيث الطرح باعتباره يؤكد  على ان الكورد  عبر تاريخهم الطويل نادرا ما نعموا بفترة سلام واستقرار، كما انهم عبر تاريخهم لم يستطيعوا ابداً أن يجدوا حلفاء مخلصين لانفسهم . فقد كانوا على الدوام ضحايا انقساماتهم على أنفسهم، وأيضا ضحايا لتنافس القوى الخارجية والمجاورة.. الا انها اجمالاً ايضا تركزت على كون الكورد ليس لهم لا اصدقاء ولا حلفاء.
وفي الحقيقة ان الواقع اثبت رؤية اصحاب الكتابين بشكل لايختلف عليه اثنين، فالواقع الحالي مثلا خير دليل على ان الكورد لااصدقاء لهم بالاخص من دول الجوار، حيث ان كل من تركيا وايران والعرب في العراق وسوريا مازالوا يبذلون كل جهد ممكن وكل وسيلة متاحة من اجل الابقاء على الكورد خاضعين لهم، وغير مستقرين في مناطقهم ومدنهم وقراهم، بل ان الادهى والامر بأنهم يمارسون النفاق الواضح والصريح مع الكورد من حيث ابداء الاستعداد لمساعدتهم ومن ثم طعنهم كما في كل مرة من الخلف.. كما حدث ويحدث في معركة الكورد ضد الارهاب الداعشي.
لقد اثبتت التجارب الحالية بأن الكورد قضيتهم لاتحل بمساعدة هولاء بالذات.. ( ربما بمساعدة غيرهم)  لان هولاء اصحاب نفوس ضعيفة لاتلبث ان تصل بهم الاحوال احيانا الى بيع انفسهم من اجل تحقيق مصالحهم الخاصة، حتى لو كان على حساب الاخر الجار بل المشارك معه في العملية السياسية، او الاقتصادية، بل حتى ان كان بينهم وبين الكورد اواصر وصلات اجتماعية موحدة، كما يحصل الان في المستنقع المسمى بالعراق، و في ايران وتركيا، فهولاء جميعاً يبذلون الغالي والنفيس من اجل طمس معالم الازدهار الحاصل في الكثير من الاصعدة في كوردستان، كما انهم يسعون دائما الى اثارة الفتن داخل الصف الكوردي من اجل اضعافه داخلياً، والصور واضحة فالكورد كلما وصلوا الى مرحلة متقدمة من تحقيق اهدافهم تظهر فئات غوغائية تطبق اجندات خارجية لتعمل على زعزعة الاوضاع الداخلية.
ومن ناحية اخرى تدعم الفئات الخارجية المعادية للكورد وتمدها بالعون والمال كي تبقى على صراع وحرب مع الكورد مما يعني بالتالي عدم تفرغ الساسة الكورد والحكومة الكوردية في كوردستان بان تبحث عن مصالحها وتصل باهدافها الى مستويات عالمية تتناسب وحجم القضية من جهة، وحجم المساهمة الفعلية للكورد " البيشمركة" في التحالفات الدولية ضد الارهاب الذي يهدد العالم كله وليس الكورد وحدهم، ولعل الغريب بأن دول الجيران التي تعاني من هذه الحرب نفسها، تنسى اضرارها وتنسى تهديد امنها واستقرارها داخلياً في سبيل الابقاء على الكورد منشغلين في هذا الصراغ الدموي المقيت.
ان ممارسة العهر النفاقي مع الكورد امر بات مؤكداً من هذه الدول، وامر بات لايختلف عليه الا من يمثل اجنداتهم حتى وان كانوا كورداً.. لكن الامر برمته يصب بنظري في مصلحة القادة والساسة الكورد الذين بات عليهم فقط الان الاعتماد على انفسهم وتحالفهم مع بعضهم من اجل ايصال رسالتهم الى المستويات المطلوبة لوضع حل مناسب لقضيتهم بعيداً عن التداولات الاقليمة المنغمسة في حقدها والملوثة ايديها بدماء شبابنا الكوردي.. فنحن عبر كل الازمنة لم يكن لنا سوى بعضنا.. ولم يكن معنا لا اصحاب المذاهب الدينية ولا القومية.. فقط كنا لوحدنا.. ولم يكن لنا سوى جبالنا اصدقاء نحتمي بها من شر هولاء وحقدهم النابع من صميم عقيدتهم وعنصريتهم المذهبية و القومية الشوفينية.


151
أدب / صوت الموت
« في: 19:58 18/12/2015  »

صوت الموت


جوتيار تمر/ كوردستان



في جرح الصمت
 وجع ليس مني
وهذا الزمن يشبهني في الشجن
لم أكن أنا ولا الموت مختلفان
والدم بين الضلوع
 ينمو في ضفاف الوقت الغريب
وهذا الدّمع ،،والرمل
يعيدني لظلمة الضوء
 وعريّ الأرض العطشى
لا تتأملني ..
وأنا أسابق وجهي للرماد..
 يضج بي الحزن
 على عتبة مدني المختفية في بسمة القتيل
لا تتأملني...
 ووجهي يطل من شواهد المقابر
فقط هو الزمن
 غبار العابرين فوق الجراح
وصوت الموت فوق تراب
يلج حنجرتي..
 والشفاه خصبة بالعطش



152
المنبر الحر / فوبيا الازمة
« في: 20:47 16/12/2015  »
فوبيا الازمة
جوتيار تمر/ كوردستان
15/12/2015
 ان مصطلحي الفوبيا والازمة هما اكثر المصطلحات التي تتلائم مع المرحلة التي نعيشها في كوردستان بصورة خاصة وفي والشرق الاوسط بصورة عامة، حيث ان كل الاحداث تسير وفق نسق تؤثر سلباً على الحالة النفسية للفرد وينتج عن ذلك الخوف من كل شيء وعلى كل شيء دون تحديد او وضع جغرافية تستثني شيء عن اخر، والفوبيا كما هو مُعَرَف اصطلاحياً: هو مرض نفسي ويعني الخوف الشديد والمتواصل من مواقف أو نشاطات أو أجسام معينة أو أشخاص. هذا الخوف الشديد والمتواصل يجعل الشخص المصاب عادة يعيش في ضيق وضجر. فوبيا القلق (أو الخوف اللامنطقي) يكون فيها المريض مدركا تماما بأن الخوف الذي يصيبه غير منطقي، فوبيا الخوف تتميز عن الأنواع الأخرى من أمراض القلق اللامنطقي، بأنها تحدث في مواقف متعلقة بأشياء أو ظروف معينة.. وبذلك يصبح الفوبيا احدى اهم سمات العصر لدينا، بل ويمكن ان نقول بانها احدى اهم مرتكزات الحياة التي نعيشها.
 لاسيما ان وضعناها تحت مظلة الاحداث التي تعصف بنا من كل جانب وعلى جميع الاصعدة، والتي بالتالي تجعلنا نعيش بين الفوبيا والازمة ومن ثم تتحول مسارات حياتنا كلها الى حلقات رعب متوصلة يفرضها الفوبيا من كل شيء يتخللها الازمات التي تأتي لتؤكد على مسارات الفوبيا وتناغمها الداخلي والخارجي معاً فالازمات كما يعرفها الدكتور الخضيري  تعبر عن موقف وحالة يواجهها متخذ القرار في احد الكيانات الادارية نعني بها هنا ( الاسرة) تتلاحق فيها الاحداث وتتشابك معها النتائج، ويفقد معها متخذ القرار قدرته على السيطرة عليها، او على اتجاهاتها المستقبيلة. ما تؤدي الى خلق حالة من الصدمة التي تعد في تفاصيلها احدى الصور الناقلة للازمة، وذلك لكونها تعني شعوراً فجائياً حاداً ينتج عن تحقق حادث غير متوقع الحدوث، او مطلوب احداثه او سلم حدوثه، وهو شعور مركب بين الغضب والذهول والخوف، وهذا بلاشك مسلك مهم لولوج الفوبيا في اواصر الحياة لدينا، باعتبار اننا نعيش على فوهة بركان يتحرك بين الفينة والاخرى ليقذف ببعض شرره الى الواقع فيحدث ما لايتوقعه الفرد، وبالتالي يعيش حالة من الذهول والغضب وينتج عنهما الخوف على المستقبل فيضطر الى القيام باعمال يدرك بانها احترازية لاتقيه الا مؤقتاً لكنه يقدم عليها ضمن تكتلات اجتماعية اوسع وبالتالي تتحول الحالة او الموقف الى ظاهرة سلبية تعصف بالكثيرين خوفاً ويجعلهم يعيشون فوبيا الازمة على جميع الاصعدة.
ولأن احدى الخصائص المعروفة للازمة هي المفأجاة والمباغتة غير المتوقعة والتي تؤدي عادة الى حالة من الارتباك والشلل قد يصاحبها قدر من التوتر والفزع مع تلاحق الاحداث وتتابعها، فأن الفوبيا المرافقة لها تصبح هي الاخرى عنصراً اساسياً ضمن دائرة محركات الوعي الفردي من جهة، ومسببات توسيع رقعة الازمة من جهة اخرى، ومن ينظر الى واقعنا في كوردستان بتمعن سيجد بأن الفوبيا من الازمة اصبحت تحرك كل شيء وفق تداعيات لامنطقية، ومع ذلك نجدها تسبب فوضى عارمة تهدد في الكثير من المرات موجبات الامان والاستقرار الداخلي للفرد وللاجتماع.
 ولعل الاحداث العامة على صعيديه الداخلي والمتمثلة بالصراعات الحزبية والحرب على الارهاب الداعشي وما يتوجبه من قلق وخوف، والاحداث الاقليمية سواء داخل كوردستان الكبرى او في دول الجوار كلها مكونات هامة في هرمي الفوبيا والازمة، مما يؤثر سلباً على الاوضاع الداخلية، وتفرض ايديولوجية مغايرة عن ما يتطلع اليه الفرد والاجتماع، وبالتالي تخلق حالة من الرهبة المفاجأة والتي تحولت بمرور الزمن الى رهبة مزمنة تنفجر جراء اي حادث داخلي او خارجي فتتحول الى ظاهرة سلبية تهدد كل مسببات الامان والاستقرار كما تؤثر على الحالة النفسية للفرد والاجتماع معاً.
ولأن نفسية الفرد تعيش وفق تداعيات الفوبيا من الازمة فانها تكون جاهزة لاستقبال اي عارض مفاجئ وتحوله بعملية سريعة الى خبر سلبي وتبثه عبر قنواتها واتصالاتها محدثة بذلك فوضى  واضحة، ولعل ما يحدث في كوردستان وبالاخص في بعض محافظاتها اثناء سماع اي خبر عن انقطاع الطرق الخارجية او توقف ضخ الوقود حتى ليوم واحد من الخارج ( تركيا- ايران)  خير دليل على ذلك، حيث يهرع الناس بسرعة الى محطات الوقود وكأن حرباً على وشك الحدوث وان الوقود مهدد بالانقراض، فيقفون لساعات في طوابير بشكل يثير القلق اللاممنطق ويثير الفزع من الحالة نفسها، وهذا الخوف اللامنطقي يسبب قلقاً مزمناً للفرد والاجتماع، ويحدث شرخاً نفسياً واسعاً، بحيث تصبح النفس مهيئة دائما لاستقبال هكذا عوارض وتفرزها بصورة سلبية دون القيام بمحاولة احتوائها وجعلها ممنطقة وفق الحاجات والظروف، ودون التفكير بآليات تساعدها على تجاوز الموقف والحالة، وانما نجدها تندمج بصورة تلقائية مع الفوبيا الازموية في كل الامور لتتحول تلقائياً الى فوبيا شمولية تحول كل خبر او كل حادث الى ازمة حقيقية، يعيش الفرد والاجتماع وفق تداعياتها ومطعياتها اللاممنطقة وضمن دائرة القلق اللامنطقي، وهذه الحالة لم تعد مقتصرة على اهالي كوردستان حصراً بل نجدها تقتحم حياة الفرد في الكثير من بقاع الارض لاسيما في مناطق الشرق الاوسط التي تعيش حالة من اللاامان واللا استقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي ايضاً بسبب الاحداث التي تعصف بها وتحول مناطقها الى ساحات صراع داخلية وخارجية تؤثر بكل نتائجها على الفرد والاجتماع المنصاع قسراً لنتائج الصراع.


153
المنبر الحر / معايير طائفية
« في: 20:20 14/12/2015  »
معايير طائفية
جوتيار تمر/ كوردستان
13/12/2015
حين نخوض في ماهية المعايير، نجدنا نضطر الى التوقف عند المنطق السياسي الذي يجعل من تلك المعايير اداة ووسيلة لتحقيق غايات لاتنتمي في الكثير من احوالها الى المقاصد الوطنية ولا الشعبية، ولا حتى المقاصد القانونية، لكونها في اغلب احيانها لاتعطي الا الوجه المغاير للغايات التي يتطلع اليها الانسان في كل احواله، ليس لشيء انما فقط لكونه  انسان له طموح وله هدف، ولانها معايير لايمكن ان تتناسب وهذا الهدف وهذا الطموح نجد مدى الاختلاف الذي يخلفه جراء اتباعها من قبل الساسة، وبالتالي مدى الشرخ الذي يحدثه في البنية البشرية اولاً ومن ثم الشرخ الايديولوجي والديني المذهبي الطائفي، بالتالي لايمكن الحكم على تلك المعايير الا على انها معايير طائفية.
وليس الامر يحتاج الى تبريرات او امثلة لكي يفهم المتلقي والمتابع هذه المعادلة، فالصور تتلاحق والمعتركات السياسية تضج بها، لاسيما في ما يسمى الان ب دولة العراق الفيدارالي، مع التحفظ على مقولة الدولة لأن كوجهة نظر" لاقيم سياسية ولا قيم اخلاقية ولاقيم قانونية ولا قيم اجتماعية ولادينية ولافكرية" يمكن الاستناد اليها لقول بأن العراق الان دولة مستقلة، وبلاشك اصابع الاتهام ستتوجه الينا ايضا ككورد داخل هذا المستنقع المسمى العراق الطائفي، لاانكر ذلك بتاتاً لسنا بعيدين عن هذا المستنقع، ولكننا ربما نشكل جزء بسيط منه لكوننا منذ سنوات نحاول ترميم ذواتنا بعد الشرخ الفكري التعريبي العنصري القومي من جهة والشرخ  الايديولوجي من جهة اخرى الذي فرضه وجودنا في العراق علينا، وبذلك لابد ان تسلط الاضواء على منابع الطائفية وتلك المعايير التي يتخذها الساسة داخل المستنقع العراقي ومن ثم النظر الى الثانويات التي يتشكل منه هذا المستنقع.
ولعل من قائل ما علاقة الامر بالمعايير، العلاقة واضحة جداً فالمعايير التي تتخذها الدولة(المستنقع) تجاه مكونات شعبها تتسم بسمة الطائفية البحتة، اعلم بان مثل هذا الكلام سيقول عنه اصحاب اللسان والبيان والبلاغة واصحاب الفكر التعصبي بانه خطير وانه اتهام وانه الى غير ذلك..... من المصطلحات التي يتم استخدامها في مثل هذه المواقف والتي لم تعد سوى فرقعات لاصوت ولا صدى لها، لكن الامر سهل للغاية، لننظر بوضوح المعايير التي تتعامل معها مثلا الحكومة البغدادية مع التدخلات الخارجية، ولنعد معاً القوى التي تعمل داخل المستنقع العراقي غصباً عن سيادة الدولة وغصباً عن اصحاب الطائفية والتي تعد بلاشك انتهاك مباشر "لسيادة الدولة "، وباعتقادي انها اثرت عميقاُ وكثيراً على الشعب لكون الشعب فقد حريته جراء تعامل الدولة المشين معها ومع قضاياها، ومن يفقد حريته لايمكن ان يهمه حرية الساسة عنده،فالحرية لايمكن ان تفهم الا على ضوء فهمنا للشخصية الانسانية من حيث هي فعل واختيار،ولكن يجب ان نلاحظ ان هذا الفعل وذلك الاختيار لايمكن ان يقوما الا على اساس طائفة من المعطيات السابقة التي تحاول الذات ابتداء منها ان تحقق ذاتها، وحين تصطدم الذات بهكذا ساسية وساسة امثال هولاء فانها تعيش مستلبة.
ولأن الذات المستلبة لايمكن ان تعيش وفق قوانين يضعها ساسة يتبنون الطائفية ويسلبون الحريات باسم الدولة والدين والوطنية، وبهذا يحدث شرخ كبير يفصل بين الدستور والقاعدة، وهذا معناه موت الدولة نهائياً، واثناء عملية الموت هذه لايظهر الا اصحاب الفتن واصحاب اللسان حيث يتبارزون في الساحات الاعلامية كل يتهم الاخر بانه السبب، وهكذا تصبح المعايير معايير دنيئة يستند اليها كل طائفة لتبرير خرقها للقانون وتسببها في انجراف الدولة الى المستنقع... ولايمكن ان يقال غير هذا على عمل حكومات العراق المتوالية لاسيما بعد الحقبة الشوفينية الصدامية والتي يعد اليوم احدى معالم انتهائها بعد ان تم القاء القبض على المقبور صدام حسين في وكر للجرذان بيد القوات الامريكية، حيث ان بعد هذه الحقبة توالت حكومات تبنت الاسس الطائفية ورسختها وعممتها واصبحت من ضمن الدستور العراقي خاصة بعد مجيئ المالكي للحكم الذي استطاع بدهاء ان يفرغ حزينة الدولة لصالح قوى خارجية" ايران"  معلومة بانتمائها المذهبي ومعاداتها للعراق وللكورد، ومن ثم تثبيت الطائفية والازدواجية في التعامل مع المواقف المتعلقة بالدولة في عهد العبادي الذي التجأ الى زمرة غير منظمة في التعامل مع الاشكاليات التي تخص المركز  لاسيما بعد ان فسح المالكي للمذهبية ان تتحول الى حرب اهلية اتسعت لتكون حرباً بعدها على الارهاب لكون العناصر الارهابية تسللت واقتطعت الكثير من المدن والاراضي من المستنقع العراقي، فكان ان تعامل معها العبادي على اساس غير واضح مشتت بين الحشد الشعبي غير المنظم والمعتمد على المرجعيات الدينية الطائفية وبدعم من مسبب الفتن الداخلية المالكي وبين توظيفيه لشخصيات يعرف ولائها المباشر لايران امثال العامري وغيرهم، فمن يتابع الوضع العراقي لايجد الصوت الحكومي مثلما يسمع الصوت الحشدي الذي بات يهدد ويتوعد ويتوغل ليس مع التيارات الداخلية فقط انما على مستويات اخرى ايضاً، فالحشد مثلاً لايتوافق مع السنة والحشد لايتوافق مغ البيشمركة الحشد لايتوافق مع بعضه البعض بسبب تعدد المرجعيات، والحشد يتوعد تركيا، وقوات بدر الايرانية ليس من قوة اخرى يمكنها الوقوف امامها داخل العراق، والكثير من المتسهلكلات الحشدية التي تسمى في المستنقع العراقي بالوطنية اسهمت في انحلال البنى التحتية للدولة نفسها، ولعلاقاتها الخارجية والداخلية، وهذا ما ادخل العراق( المستنقع)  في دوامة لانهاية لها، وكل ما يقال وما يصرح به لايعد الا كذبة اليوم، بانتظار كذبة الغد، والحكومة امام هذا الولاء وهذا التدخل الايراني لاتفعل سوى المشاهدة، ولكن حين تتدخل تركيا يعلوا الصياح وتبرز لغة التنديد والتهديد من الحكومة، ومن ثم من بعض الحشديات التي لم تزل ترفع اعلام ايرانية او من ما يسمى بالعامري الايراني المنشأ والولاء لتقول بان العراق دولة مستقلة لايمكن ان نقبل تدخل الاخرين فيها، ولعمري كأني ارى بأن هولاء مازالوا يعيشون حقبة حرب الرماح والسهام، لكونهم بعيدين كل البعد عن الواقع السياسي ببعديه الاقليمي والدولي، بغض النظر عن البعد الداخلي لكونه اصلا لايوجد استراتيجية واضحة في الداخل.
فكل التدخلات التي تحدث في العراق لاتعد انتهاكاً لسيادتها، الا التدخل التركي، وهذا ما يؤكد مقولة المعايير الطائفية التي تتبناها الحكومات العراقية تجاه الاخرين، من غير بني طائفتها ومذهبها الديني، ولايمكن تفسير مثل هذه الامور الا كونها نابعة من الفهم اللامنطقي الذي تتبعه الحكومات هذه تجاه المواقف التي تعصف بدولها، لكونها اساساً حكومات ذات ايديولوجيات مسبقة الوضع وسياسات مسبقة الوضع، مما ينتج عنها هكذا معايير.
وحين تصبح المعايير طائفية انها بلاشك لايمكن الا تحدث شرخاً كالذي نعيشه الان في المستنقع العراقي الحالي، ولااقول بأن التاريخ لم يغير شيئاً هنا في هذه الرقعة من الارض، لانه لربما تغيرت الموازين التي جعلت من الكورد طرف معادلة اذا تغافل عنه اصحاب اللسانيات هولاء والتهديدات ستكون العواقب وخيمة، ليس بلغة التهديد انما بلغة الواقع باعتبار ان الكورد اصبحوا الان طرفاً في معادلة اكبر من هذا المستنقع، فمعادلة الحرب على الارهاب رقعتها الجغرافية اكبر من الرقع الطائفية الحالية في المستنقع العراقي، والبيشمركة اصبح رمزاً للحرب على الارهاب ضمن ايديولوجيات كبرى، لاتنتمي في بعدها الى المراجع الدينية ولا السياسية الداخلية في هذا المستنقع.

154
هموم الانثى تحتمي بالالوان في اعمال روناك عزيز

جوتيار تمر/ كوردستان
2/12/2015
 تتيح اللوحة للمشاهد مديات محدودة، تبنى من خلالها المفاهيم والاراء حول ماهيتها، والكيفية التي انتجتها، والظروف التي ساهمت في تشكيل معالمها وجغرافيتها، وهي بذلك تتخطى المحددات السابقة للمشاهد من حيث النظر الى القماش والالوان واعتبار الرسم مجرد خطوط متشابكة، فاللوحة تحولت من ذلك الاطار الضيق الى نص لاحدود له، يكشف لنا عوالم خفية واخرى ظاهرة، لاسيما تلك العوالم التي تعيش صراعات بكل مستوياتها، سواء أكانت نفسية وجدانية صوفية انتمائية اغترابية الى غير ذلك من الصراعات التي تحتدم في الوجود الانساني، وهي اجمالا تشكل العوالم التي ترصدها اللوحة وتكشفها لنا عبر الالوان والخطوط المعبرة " النص"  وهي بلاشك تتلاحم بصورة ممشوقة مع عوالم الذات الممسكة بالفراشاة، ليس لكونها اداة تعبيرية فحسب انما لكونها اداة تمثل الوجود الفعلي لتلك المكونات الرئيسية التي تتشكل منها المعالم الذاتية ومدى تفاعلها وتلاحمها بالبراني عبر بوابة الجواني...بذلك هي تتعدى كونها مجرد خطوط وتعابير  ممنهجة او اكاديمية بحتة، لأن روناك نفسها ومن خلال اعمالها لاتتوقف عند جغرافية او حدود مدرسة تشكيلية فنية، فهي باسلوبها الخاص تمزج بين الكثير من المذاهب والمدارس التشكيلية الاكاديمية كالتعبيرية والسوريالية ولربما في احيان كثيرة التعبيرية التجريدية وكأنها لاتريد ان تقيد روحها بمنهجية محددة كي تبقى تحلق في الافق بحرية..  وترسم من خلال التقاطاتها لتحول انفعالاتها ومشاعر ها النابعة من صميم حراكها الذاتي الى لوحات ناطقة، وهذه الانفعالات والمشاعر على اختلاف انواعها ومستوياتها، تشي بنوع من الاحتدامات التي قد لاتظهر بصور مباشرة او حتى اثناء بدايات الرسم، انما تتخذ من نفسها ايقونة ضمنية يمكن للمشاهد المتابع ان يلامسها ضمنياً او انها تظهر من خلال نهايات العمل..مما يعطي انطباعا حول ماهية الانفعال والقلق المرافق له، وهذا بالتالي يجعلنا نعيش وقع العمل على انه تعبيري منوط بالكثير من الايحاءات والدلالات الظاهرة والمضمرة التي تساهم في توسيع رقعة العمل وتخرجه من الذاتية الى العالمية باعتبارها تنم عن تفاعلية واضحة مع القضايا الانسانية  والاجتماعية التي تربط الذات بعوالمها الخارجية.
 ومن يتابع اعمال روناك، سيجد بين تفاصيلها وخطوطها الحرفية تلك السمة ذات النزعة الذاتية المعبرة عن عوالمها الجوانية المتربطة ارتباطاً وثيقاً بالعوالم البرانية / الخارجية لاسيما تلك التي تتعلق بالقضايا الانسانية بشقيها الانتمائي التي تحمل في ضمنياتها بعض الرؤى الناطقة عن حنينها للحياة البسيطة الهادئة التي تضم بين جنباتها القيم النابعة من حياة القرية والفلاحة بحيث  نلاحظ مدى استعانتها وتحفيزها للذاكرة وبالتالي تحويل تلك الصور الملتقطة الى خطوط تشكيلية ذات معنى انفعالي تصويري نابع من الواقع نفسه وناقل لهمومه، حتى وان اكتنفه الرمزية،  وفي الوقت نفسه لوحات تؤكد مدى تفاعلها مع قضايا شعبها  كلوحة " كوباني" التي ارادات روناك من خلالها ان تظهر الدور الذي قامت نساء كوباني في الدفاع عن المدينة وصد الارهاب، وهذا الحس الانفعالي التصويري الانتمائي وجدناه يتصاعد بوتيرة واضحة في اعمالها الاخيرة، لاسيما التي تتحدث بعمق عن معاناة النساء في ظل هذا التوحش البشري وتنامي الارهاب في جميع اصقاع الارض، لذا نجدها تعود لترسم معاناة النساء والفتيات الايرذديات تحت سوط الارهاب الداعشي كما في لوحة " نساء من سنجار "، و " نساء في قبضة الاٍرهاب" ، وهي لوحات تبرز فيها عمق الفزع والهلع الحاصل جراء هذا المد الهمجي التي استهدف النساء، ولعل ما يميزها كونها تنم عن مجاميع نسائية مكونة اغلبها من خلال ثلاث نساء وهذا ما يثير التساؤل في بعده التجريدي التعبيري،  عن الغرضية او الاسلوبية التي تعتمدها روناك في اعمالها، ومع ذلك فانها في اغلب لوحاتها لاتبتعد عن مدها الانساني وتلاحمها مع قضايا الانسان محاولة ان  تمنطق ماهية تحرر الذات من خلال توقها الى الحرية.  ولروناك اعمال  اخرى ذات ابعاد فكرية وقضايا تهم العالم لاسيما العالم الانثوي.. لتصبح بالتالي انتاجاً سيميائياً مشتركاً بين ذات الرسامة والواقع عبر علائقية متشابكة للمحيط ، والذي يأخذ اشكالاً ومساحات لونية معبرة بوضوح احياناً وفي احيان اخرى بنوع من الترميز المبهم المستفز لذهنية المتابع وذلك عبر رسم لوحات تحمل مضامين تنتمي الى الواقع بكل تمفصلاته لكنها لاتحمل عناوين واضحة ومباشرة .. وهي لاتخرج عن الاطار البنائي الهندسي المميز بخطوطها والوانها، والمعبر عن مدى الانسجام الحاصل بين ذاتها وبين الداخل والخارج.. وهذا ما يمكن ملاحظته ايضاً من خلال توظيفاتها اللونية نفسها التي غالباً ما تتسم بالوان هادئة تثير في حركيتها تفاعلاً وانفعالات تجعل المتابع يلتحم مع حدثية اللوحة وتشابك خطوطها ويقدم على تأويلات متعددة، وبذلك ينتج نوعاً من التلاحم الممكن بين ذاته كمتابع ومشاهد للوحة وبين ذات الرسامة ومضمون لوحتها.
وروناك بثقافتها من حيث انتمائها الكوردي وثقافتها المنوعة النابعة من موطنها الاصلي وتمازجها وتناميها الاغترابي، تعيش هالة من الرؤى التي تحتل لاوعيها بحيث نلامس بروزها كتشكيلات متحركة في اعمالها، لاسيما حين تسعى لترميم بعض الشروخ التي احدثتها الازمنة المتوالية والتي اجبرتها على الانصياع لمنطقها سواء من حيث الابتعاد عن موطنها، او حتى المشاعر التي تخالجها جراء مشاهدتها الخراب الذي يعم كل العالم، ويهدد الانسانية اجمع، مما شكل ذلك هاجساً متقداً ومحركاً للكثير من الانفعالات والمشاعر لدى روناك، لتظهر وبشكل تناسبي وواضح في الكثير من اعمالها.. فقد تخطت في الكثير من لوحاتها الإنسان الفرد  الذي نجده قد تراجع  في توظيفاتها أمام الكتلة البشرية التي غدت هي الشخص الرئيسي في العمل، وصار الافراد تفاصيل لها، كما نلاحظ ذلك في لوحات مثل "الوهم "  و" من اجل الحب" و" نساء حزينات"، حيث يدرك المتابع لها ان روناك استطاعت من خلال الوانها ان تجسد قضايا تنم عن الجمالية " الاجتماع " سواء تلك التي تفرضها العادات والتقاليد او تلك التي تتعلق بالمرأة حين تعشق وتتهم بالخيانة والعهر باسم الدين، او ان يتم غصبها على الانقياد لمنطق الاجتماع، والى غير ذلك من المفاهيم التي استطاعت ان تبرزها من خلال حركة فرشاتها، وهي لوحات على الرغم من الحمولة الوجعية المثقلة فيها الا انها تشكل معالم بارزة في مسيرة روناك الابداعية والتواقة الى الحرية.
ومن خلال هذا التلاحم استطاعت روناك من ان تجمع بالذات بالجمع. حتى غدت متفردة، متوغلة في إشكاليتها الوجودية، وبالتالي غدت اعمالها تثير حالة من الانخطاف الآسر حين تقف امام احدى لوحاتها وتشاهد اللامرئي شجن صاعق يلتحف ملامح شخصياتها وكأنها تعاتب اقدارها التي لم تمنحها سوى الغربة والاغتراب من جهة، وانهكت قواها بالسعي كي تثبت نفسها وتحمل قضية بني جسنها من جهة اخرى، فاصبحت جُلَّ اعمالها محاولات  واضحة المعالم في اعمال، من حيث هلق معادلة موضوعية، بين ما تطمح له وبين الواقع، دون غض النظر
عن المحمولات المعرفية، التي تفرض وجودها على العملية الابداعية،وكذلك محاولات البحث و التجريب للوصول إلي الرؤية الجمالية الفنية من جهة، والى الرؤية الواقعية التي تنشدها من جهة اخرى ، والتي بلاشك تتعارض كلياً  مع الافكار والرؤي والتطلعات التي تصطدم بارض الواقع المزري، لهذا نجدها  تطلق العنان لانفعالها بخربشات وخطوط متشابكة، لايجاد بعد فني " لوني"  يفسر هذا التوتر، ويمنطق الحالة الذاتية عبر تلك الخطوط التي تظهر من خلال تلك الخربشات، وكأنها مرة اخرى تؤكد عبر قيمها الفنية عن عمق تفاعلها وانفعالها وتلاحمها مع وجودها الوجودي الانساني وعالمها المحض الانثوي.
   


155
المنبر الحر / الفوضى الخلاقة
« في: 15:10 20/11/2015  »
الفوضى الخلاقة
جوتيار تمر/ كوردستان
19/11/2015
 تعرف الفوضى الخلاقة على انها  مصطلح سياسي - عقدي يقصد به تكون حالة سياسية بعد مرحلة فوضى متعمدة الإحداث تقوم بها أشخاص معينه بدون الكشف عن هويتهم وذلك بهدف تعديل الأمور لصالحهم,أو تكون حاله إنسانية مريحة بعد مرحلة فوضى متعمدة من أشخاص معروفه من أجل مساعده الآخرين في الاعتماد على نفسهم.. وهي اجمالا تعني وجود حالة غير مستقرة نسبياً او انها تعطي انطباعا حول مسائل عالقة تحتاج الى ان يتم تصفيتها وذلك من اجل اتمام العملية السياسية سواء أكانت داخلية ام خارجية.. وهنا يأتي دور القائمين على السلطة باعتبارهم المشرع كي يقوموا باعداد واجراء اللازم كي يتعدوا هذه المرحلة.
واثناء القيام بالعملية السلطوية لايمكن اشتراط شيء معين لاعادة الامور الى نصابها، ولكن في كل الاحوال يكون الحوار اداة عصرية ديمقراطية مثالية في تحقيق الغرض المنشود بعيداً عن التشوهات السياسية العصبية المثيرة لجدلية لاسيما تلك التي تستند على منطق الديمقراطية ظاهراً وتثير القلاقل والفوضى ضمنياً، هذه الفوضى هي في صورتها خارجة عن المنطق الخلاق، ولكن الفوضى التي تعم الدولة من اجل تحقيق اهداف سامية لاتستفيد منها فئوية مناضلة او سلطوية مشرعة، فانها بلاشك تشكل معلماً حضارياً راقياً لاسيما ان استطاعت ان تحقق ولو بعض مطالبها الشرعية.
وحين اقرأ واتابع واعايش واعاين الفوضى التي عمت كوردستان في الاونة الاخيرة استبشر خيراً على الرغم من ان بعض الفئات اتبعت السبل الغوغائية للقص من منافاساتها واجبراهم على الانصياع لمنطق الفوضى غير الخلاقة مما سفكت دماء، الا انه اجمالاً كانت الرؤية حول ما يدور من احدث دراماتيكية في كوردستان تبشر بالخير لكونها اتسمت بضبط النفس بنسبة عالية من قبل الاطراف المتصارعة لاسيما الاحزاب السياسية والتي تمثلت بالسلطة من جهة والمعارضة من جهة اخرى  من جهة اخرى، فامكانية اللجوء الى العنف المسلح اصبح معدوماً بل لم يكن ابداً خياراً مطروحاً بين الاطراف السياسية والحزبية تلك، وهذا ما يشكل في جوهره قفزة نوعية رائعة من حيث الوعي السياسي الديمقراطي الحداثي، وذلك لكون المنطقة ( اقليمياً ودولياً) تشهد موجة عنف مسلح راح ضحيتها الالاف من الابرياء، سواء من خلال الصراعات الاهلية الداخلية كما في سوريا واليمن وتركيا او من خلال محاربة الارهاب كما في كوردستان والعراق  ومصر  ولبنان ومن حيث المنطق سوريا ايضا لكونها تعيش حالى فوضى حقيقية من حيث حرب المعارضة والنظام من جهة وحرب الجميع على الارهاب الداعشي من جهة اخرى، هذه الفوضى تتسم في اغلب المناطق بالعبثية لكنها في كوردستان ومن خلال التجربة السياسية الحالية استطاعت من ضبط النفس واتباع سياسة ومنطق الحوار  تارة وساسية الاقصاء المؤقت تارة اخرى، وذلك للحلول دون قيام اية فوضى غوغائية تبعد الواقع الخلاق هذا من مساره السياسي الديمقراطي المنظم.
ان القيام بامور السلطة ،ومحاربة الارهاب، وكذلك مصارعة المركز من اجل الميزانية  ومن ثم الوقوف على المشاكل السياسية الداخلية  كلها امور تستلزم الكثير من ضبط النفس والحكمة في التاعمل معها لاسيما ان الاضطرابات الداخلية اتت في توقيت يراه الكثيرين بانه غير مناسب لكونه يثبط عزيمة البيشمركة المتربصين باعداء الانسانية اتباع الخليفة العربي السامرائي الداعشي النكاحي، ولكن صمود البيشمركة وصمود الاطراف السياسية المتصارعة وتكاتفهم بهذا الشأن جعل من الامر يبدو وكأنه صراع الوعي وصراع الديمقراطية وصراع الحوار، مما يعني بالتالي ان المرحلة الحالية التي تمر بها كوردستان هي احدى اهم وانضج المراحل السياسية لكونها كما اسلفنا استطاعت من تحويل المنهج الحربي الاهلي الى المنهج الحواري والانضباطي.. وهي بذلك تبعث برسالة واضحة الى الجميع بان العمل على التفرقة والعمل على زعزعة الوضع الامني في كوردستان وكذلك على اثارة الاخوة ضد بعضهم امر اصبح شبه مستحيل لاسيما ان جميع الاطراف وعت وادركت بان المحيط الاقليمي بالذات لايمكنه تقبل نجاح التجربة الكوردية في كوردستان ( بالطبع بعيداً مفهوم نظرية المؤامرة)، فعمدت الى اتباع اساليب التأليب واثارة الفتن بين الاطراف السياسية الداخلية والتي تسببت بدورها تلك الفوضى الخلاقة التي كما اشرت اليها استبشر من خلالها الخير بل كل الخير لكوردستان.. لكون الغوغائية لم تستطع ان تتحكم بزمام الامور خلالها، بل ساهمت ولو بشكل غير مباشر على اعادة الرشد لاذهان الساسة الذين امتثلوا للمنطق السياسي الحواري، واكتفوا بالحرب الاعلامية التي بدورها نضجت كثيراً وبدأت تنظر الى الوضع على انه شأن داخلي يمكن تجاوز منطق الاثارة فيه، ويمكن بث روح التفائل والعمل من اجل بعث وانتعاش الرؤية التقاربية الحوارية للوصول الى حل جذري للاشكاليات التي تواجه كوردستان، سواء السياسية مع المركز او السياسية الحزبية الداخلية .

156
هل يشترط اتحاد الاجزاء لقيام دولة
جوتيار تمر/ كوردستان
11/11/2015
 ان امكانية  طرح هذا السؤال قد يراه الكثيرون سابق لاوانه، وقد يجعلون من الظروف الاقليمية والدولية وحتى الداخلية سبباً وجيهاً لرؤيتهم، وبلاشك لايمكن انكار اهمية وتأثير هذا السبب، او تجاهله حين طرح السؤال، لكن اذا ما وقفنا بتمعن على مفهوم الدولة فسنجدها لاتقف عند جغرافية الاجزاء او تشترط لم الاجزاء لكونها تمثل مكون بشري قومي واحد، او حتى ديني طائفي مذهبي عرقي واحد، انما الدولة تمثل تنظيما من المؤسسات السياسية والقانونية والعسكرية والإدارية والاقتصادية ،  وظيفته تسيير حياة الفرد والمجتمع وضمان اشتغاله بشكل منسجم، وهذا يعني أن ضرورة وجود الدولة يوحي بأن المجتمع غير قادر على تنظيم نفسه وضمان استمرار الرابطة الاجتماعية، والدولة بما لها من أجهزة لتدبير الشأن العام للمجتمع، هي مالكة السلطة أو السلط في المجتمع، في مختلف الميادين، ومن خلال هذا العقد التفسيري لماهية الدولة لانجد اي شرطاً يفرض على جزء من الاجزاء التي تم تقسيمها بموجب معاهدات دولية( سيفر / لوزان) مصلحوية قائمة على المبادئ الشوفينية وفرض المصالح واعتبارها اسمى من اية مقومات انسانية بشرية قومية. بان تلتزم بالكل طالما ان الكل لم يزل في مرحلة مخاض وصراع مع ذاته ومع السلطات التي فرضت عليه بموجب تلك المعاهدات والاتفاقيات السابقة الذكر.
من خلال هذا المنطلق يطرح السؤال لماذا لايتم استغلال الظرف القائم باعلان دولة مكونة من جزء من الكل طالما ان الفرصة سانحة والمؤهلات قائمة والمؤسسات موجودة والسلطة واعية، والارهاصات الخارجية لاتشكل عائقاً كبيراً ، وهناك مؤسسة عسكرية( البيشمركة) قائمة وقد اوجدت لنفسها في ظل الظروف الراهنة مكانة عالمية وباعترافات دولية، والتجربة نفسها تمثل دلالة واضحة على نمو الوعي الديمقراطي الذي استطاع من خلال الظروف الاخيرة ان تبرهن للعالم بان الحرب الاهلية والسلاح ليس من خيارات التي تستخدم في هذا الجزء لحل المشاكل والصراعات السياسية بين الاحزاب، بل ان النظرة السياسية الواعية وتحمل المسؤلية والعمل على ملئ الفراغات التي يتركها طرف ما، وذلك لجعل الاستمرارية سمة المرحلة الحالية والسمة التي تتشكل معالمها في المستقبل القريب ايضاً.
ان الرؤية التي قد تشكل عائقاً حول تأسيس او اعلان دولة الجزء هنا لاتمثل في الحقيقة عائق اسطوري لايمكن تجاوزه، فالاجزاء الاخرى لم تزل تعيش صراعها مع ذاتها ومع السلطات الحاكمة فيها، ولم تنضج سياسيا  مثلما نضجت التجربة لدينا، مما يعني اننا اذا شكلنا الدولة واعلاناها فاننا بذلك بحفز الاجزاء الاخرى الى المضي قدماً لتحقيق اهدافها التي قد تؤهلها مستقبلاً بان تشكل هي الاخرى في اجزائها دول.. وهذا حسب وجهة نظري ليس له اي تأثير تقسيمي اخر للكل باعتبار ان الكل لم يزل منقسماً، انما هو تمهيد مستقبلي لجمع الكل اذا ما توافقت الاطراف السياسية فيما بينها، ليصبح الكل مهيئاً مسبقاً من خلال تجربة هذا الجزء.
ولااعتقد بانه يخفى على احد بان هناك الكثير من الدول المجزئة والتي هي في الاصل تنتمي الى عرق قومي واحد او حتى ديني واحد وحتى تحمل الاسم الواحد و لم يفرقها الا المذهب او الايديولوجيات التي تتبناها، فهناك (كوريا بشطريها الجنوبي والشمالي ، وايرلندا بشطريها الشمالي والجنوبي، وهنا دول انقسمت ذاتياً وتجزءت لتصبح الدولة الواحدة اكثر من ثلاث او اربع دويلات قائمة كل واحدة منها بكيانها المستقل، مع العلم بانها كانت حتى في الامس القريب تمثل دولة واحدة قوية ومتماسكة، مثل صربيا والتي تحولت الى منتنيغرو والجبل الاسود وقبلها دول اخرى كالاتحاد السوفيتي التي كانت تضم العنصر السلافي بكل اشكاله لكنها هي الاخرى انقمست، الغرض من هذه الامثلة باختلاف ظروفها واختلاف سياساتها واختلاف جغرافياتها ليس الا لتدعيم الرؤية التي تعطي الحق للجزء بان يشكل لنفسه معالمه الحاصة التي تضمن حقوقه القومية والوطنية بكل مكوناته، طالما ان هناك فرصة سانحة، وهناك تأييد دولي ، بحيث يصبح الجزء هذا مكونا اساسياً في المستقبل لاحتضان الكل.
على هذا الاساس نجد بأن مقولة الدولة ليست افتراضاً صعباً للجزء، لكون الجزء هذا يتمثل فيه شكل الدولة  تنظيمياً من المؤسسات السياسية والقانونية والعسكرية والإدارية والاقتصادية التي يمتلكها، والاهم من ذلك من خلال الهيكيلة السلطوية التي تمتلكها سواء من البرلمان او مجالس البلديات والمحافظات وكذلك السلطة الحكومية بكل حقائبها الوزارية، وهذا بلاشك يدعم القضية ويدعم امكانية تأسيس كيان استقتلالي جزئي لحين الانفراج عن الاجزاء الاخرى.

157
رسالة من البابا الى الحكام
جوتيار تمر/ كوردستان
         في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية منذ ما يقارب 600 سنة تقريبا، استقال البابا بنديكت السادس عشر في (28  فبراير 2013( ، من منصبه البابوي، ولا اريد الخوض في مسببات الاستقالة كمضمون حدثي ديني، او كل ما يتعلق بجواز الاستقالة او عدم جوازها كتشريع مسيحي كاثوليكي، لأن حسب ما تذكر المصادر التاريخية بان هذه الاستقالة الخامسة التي تحدث خلال الالف عام الاخيرة من تاريخ الكنيسة، وبلاشك ان لكل استقالة معطياتها واسبابها التي تجعلها بنظر المؤمنين بها مقبولة او مرفوضة وهذا شأن ديني انا بعيد عنه فيما اريد ان اتحدث عنه.
ما يجعلني اثير موضوع الاستقالة هي عدة امور لعل ابرزها هو اني اردت ان اجاري النسق الحدثي العالمي بالاخص فيما يتعلق بالسطلة والسيادة واضع ممرات لااعتبرها معايير للمتمسكين بالكرسي.
في البدء ان القرار لم يأتي اعتباطياً انما جاء خلال جلسة استثنائية للكرادلة على هامش اجتماع للمجلس البابوي، مرجعًا ذلك إلى أن صحته وسنه لم يعودا ملائمين لقيادة الكنيسة.
          و ثانياً ماقاله  البابا: "بعد أن فحصت ضميري أمام الله تيقنت بأن قوتي وتقدمي في السن أصبحا غير ملائمين لممارسة منصب الوزارة البطرسية، كما أن عالم اليوم يخضع لتغيرات سريعة، وتحركه مسائل لها أهمية كبيرة لحياة الإيمان، لهذا أُعلن تنازلي عن منصب أسقف روما..."."
اذا ما يهمنا في امر الاستقالة باكلمها هنا هو النقطتين التي اخذتهما من كل ما قيل ويقال وسيظل يقال عن تلك الاستقالة حيث وجدنا بان الامر وظف وسُيس حسب الانتماءات الدينية والعرقية والى غير ذلك.
الامر الاول هو مسألة الرأي  والتشاور قبل اتخاذ القرار وهذا الامر هو دليل واضح على الفكر السامي والتقدم الديمقراطي داخل مؤسسة دينية فعالة، والسؤال اين هو الفكر السامي والديمقراطية هذه داخل مؤسسات دولنا، واين هو هذا الفكر في عقول حكامنا، فاذا قمنا بمقارنة بسيطة بين السلطة التي يمتلكها البابا واي حاكم او  رئيس سيبدو الامر مجحفاً بحق البابوية نفسها لان لامقارنة فاذا كان الرئيس الحاكم يملك مصادر وممتلكات وسيادة دولة محددة فان سيادة واملاك البابوية تصل الى اضعاف اضعاف ما يمتلكه اي رئيس، اذا لماذا البابا يستطيع ان يقدم استقالته والحاكم يتمسك بكرسيه بل يقتل ابناء شعبه من اطفال ونساء وشيوخ وشباب ورجال للبقاء على كرسيه،، حتى يصل به الامر ان يدمر بلده باكلمه ولايتنازل عن كرسيه.
واذا ما قيل بان الامر يفرق فتلك مؤسسة دينية وهذه مؤسسة سلطوية اي الفرق بين السلطة الزمنية الروحية والسلطة الدنيوية، التشريعية والتنفيذية، سنضطر الى القول لماذا عندما تحدث مجرزة او حرب او حصار على دولة من دولنا سنقول بانها حرب صليبية مؤامرة من الفاتيكان والى غير ذلك من هذه المصطلحات، ولكن في مسألة المقارنة نقول بان الامر لايتشابه فالبابا مؤسسة دينية والرئيس الحاكم مؤسسة سلطوية سيادية...؟
هناك امر اخر اردت ان استشهد به في هذه المسألة وهي مقولة البابا وتوضيحه لاسباب استقالته حسبما هو يقول وليس حسبما الاراء والاتجاهات الفكرية والدينية حللت وقررت بدلاً عنه، فالله ، والسن، والصحة، والتغيرات، هي كانت الدوافع الظاهرة التي اعلنها البابا كسبب لاستقالته، لذا دعنا لانتمادى في الاسباب الاخرى اعرف بان هناك من سيقول بانها كلها مترابطة، نعلم ذلك لكنها ايضاً ليست وجهة نظر صاحب الشأن وهو البابا نفسه انما هي تبعيات وتحليلات شخصية يراها البعض صائباً ويراها اخرون خاطئة، انما ما يقوله البابا كمصدر تشريعي كاثوليكي عن نفسه هو في نظر المؤمنين به صائب لأنها المرجعية الدينية والفكرية لديهم، ولهذا مرجعية كهذه يمكنها ان تتنازل عن كرسي  يكون تحت تصرفه املاك لاتقدر ولاتحصى باعتبار ان  الفاتيكان أساسا  تعيش من ثروات الكنيسة (ممتلكات، استثمارات متنوعة) ومن تبرعات الكاثوليك عبر العالم، و تمتلك الدولة تنظيما بريديا، محطة إذاعة، ودار نشر ويقع الفاتيكان في منطقة اليورو كما يستقبل الفاتيكان آلافا من الكاثوليك ويتربع على ثروة ضخمة من المباني التاريخية (كنيسة سانت بيير، معبد سيكستين) ومجموعات فنية (مكتبات، متاحف الفاتيكان)، فضلا ً عن ان بامكانه الان اعلان حرب عالمية ثالثة او بامكانه الان فعل ما قد لايستطيع اية دولة اخرى ان تفعله امر ليس بسطحي وهين، انه امر جذري منغرس في عقليتهم وفكرهم وعقيدتهم، اي انها تفوق قدرة الحكام والرؤساء الذين يدفنون الابرياء من اجل التمسك بكراسيهم الاف المرات، فحكامنا يولدون على الكراسي ويدفنون عليها وفيها وكأنهم منها اتوا واليها يرجعون وليسوا من التراب والى التراب،  ولست ابالغ اذا ما قلت بأن اغلب الذين  قتلوا ويقتلون ابناء شعوبهم يشملهم مسألة الضمير، والسن، والصحة، والتغيرات، لأن الاشرعة والدساتير لاتعطي لاحد ولاية العمر كله في العصر الحديث.
ولهذا نقول ان ما نشاهده في الاونة بل على مر العصور واستثني قلة قليلة من الحكام من هذا التعميم من التمسك بالكرسي على حساب كل مبدأ وكل مقولة وكل فكر وكل عقيدة بل على حساب الانسانية نفسها امر مهين، مهين جدا للوجود الانساني ولايمكن بأي من الاحوال ان يتجاوز التاريخ عن هولاء، فان تتمسك بالكرسي وتقتل ابناء شعبك، تدمر بلدك، تشرد اهلك، امر لايمكن ان يغفل عنه الانسانية الحقة، وليست الانسانية المغلفة بعناوين المقالات والافكار التي تقال ولايعمل بها اطلاقاً.

158
(لماذا لا)... (حريتنا)..(دكتاتورية)
جوتيار تمر/ كوردستان
(هذه ثلاث مقالات قصيرة كتبتها قبل ما يقارب العشر سنوات)

لماذا لا..؟
في تفسير معقول جدا ل(لا) يقول البير كامو الكاتب الفرنسي الكبير في كتابه الانسان المتمرد..ان الانسان المتمرد هو الذي يقول( لا) وعندما يرفض فانه لايتخلى ..وهو ايضا انسان يقول( نعم ) منذ اول بادرة تصدر عنه...اذا ماذا تعني هذه ال(لا) وهذه ال(نعم)، ان الانسان الذي آلف تلقي الأوامر طيلة حياته يرى فجأة ان الامر الجديد الصادر اليه غير مقبول.. ولا اقصد بالأمر الجديد هذا امرا وظيفيا حصرا دون اخر...لا..ابدا...انما الامر هذا قد يشمل وضعا راهنا..ظرفا طارئا يستمر بصورة مبالغ فيه وقد يشمل تغيرات سياسية  واحيانا كثيرة بل دائما تطول الشخصيات وبقائها في مناصبها وكأن هذه المناصب هي من الأمراض المزمنة التي يصعب على الإنسان ان يتخلص منها.
لنعد الى ال(لا) وفحواها...يقول عنها كامو..انها تعني مثلا ان الامور استمرت اكثر مما يجب.. او انك غاليت في تصرفك وتعني ايضا ان هناك حدا يجب ان لانتخطاه.. وان الامور مقبولة حتى هذا الحد ومرفوضة تماما فيما بعده..فحركة التمرد بنظر كامو تستند الى رفض قاطع لتَعدِ لا يطاق، والى يقين مبهم بوجود حق صالح وبصورة اصح الى اعتقاد ا لمتمرد ان له الحق كي ان يرفض يقبل لا لانه انسان متمرد..انما لانه لابد من وجود شعور مقترن بالحدث لديه..وهذا الشعور لا يولد من فراغ انما يأتي جراء أحداث تتكرر امامه بصورة لم يعد عقله ولا قلبه يقبل بالامر.
بالطبع ما كتبته انفا لايخلوا ابدا من الفلسفة لان كامو يعد من الفلاسفة الوجوديين الذين نشروا تعاليمهم من خلال الروايات والقصص والمسرحيات.. واظن باني مطالب ببعض التوضيحات ..ولن اطيل عليكم فكل ما اريد قوله هو ان الأوضاع عندما تتعدى الخطوط المتعارف عليها بين الشعب والسلطة فانها تخلق في ذات الانسان تمردا مبطنا والمبطن لا يظل نائما او في سبات دائم.. لانه لابد لليل ان ينجلي ولابد لذلك التمرد ان ينفجر بوجه السلطة وهذا ما يحدث في المجتمعات الطبيعية واذا لم يحدث عندنا هنا حيث نحن فان الامر يعدوا ظاهرة خطيرة قد تؤثر سلبا على الاجيال القادمة.
ايمانا مني بان للشعب الحق في ابداء الرأي وقول ال(لا) فانه بات من الضروري قولها الان حتى لا تستمر الأمور الى ابعد ماوصلت اليه الان..لاننا بحاجة ماسة الى بعض الأدوية للأمراض المزمنة التي لم يعد الشفاء منها ممكنا الا بتمرد قد يعصف بهم..وكذلك لاننا اصبحنا نحتاج الى تغيير ظاهر مادي ملموس.



حريتنا:
قبل ان ابدأ بتوضيح احدى مفاهيم الحرية أود أن أوضح أمرا واحدا وهو أني هنا لست أمارس سلطة الرقيب والناقد..بقدر ما أمارس حقي كفرد يؤمن بالإنسانية ويرى بان من حق الشعوب ان تعي سياسة قادتها قبل أن يفوت الأوان ويصبح الامر واقع بالنسبة لهم.
تعرف الحرية ، على أنها وعي الضرورة .. أي بمقدار ما يتحرر الإنسان من قيود الجهل والظلم والتخلف ، بهذا القدر أو ذاك ، يكون حـراّ ، أي أنّ الحرية تساوي التحرر .. وتقول الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان ، في أحد بنودها ، إن الناس ولدوا أحراراً..اذا الناس..الشعوب ولدوا احرارا وهذا ما معناه ان لهم الحق في مطالبة قياداتهم بتوضيح الأمور لهم كحق شرعي منصوص عليه في ارقى المنظمات الإنسانية،ومن هذا المنطلق اقول بان الشعوب الناس تريد ان تعرف ماذا تفعل قيادتها ولماذا لا تمتلك خطابا موحدا في إظهار الحقائق للناس..؟
اما اية حقائق اقصد..؟ حقائق ما يحدث الآن من تدهور تام وسوء أوضاع وأزمات وغموض يعتم كل شيء وتفرقة وعدم وجود تخطيط مستقبلي لفك وحل عقدة ألازمات التي تعصف بالناس وليس بالقيادة لانها تعيش حالة من اللاوعي التام وكأن هذه الأمور لا تطيلها...واذا كان العكس هو الأصح فلماذا تتكرر نفس الازمات وكأن مقولة التاريخ يعيد نفسه جارية سارية علينا مع تغيير طفيف وهو ان تاريخنا يعيد نفسه كل ثلاثة او أربعة اشهر وليس بعد حقبات زمنية.
ولعل من سائل أية أزمات اقصد..أقول مثلا أزمة المحروقات وكذلك الغلاء الذي طال كل شيء..ولن ادخل في التفاصيل لان الناس تعرفها مثلي ولكن بالطبع ليس مثل القيادة التي تبرر كل شيء ومنذ زمن طويل بمقولة(ان المرحلة هذه حساسة)، وكأنها نست بان الحساسية هذه قد أودت بالناس دون وجود علاج لهم.
ان الناس بدأت تشك بالقيادة وبعجزها التام في تحسين أوضاعهم وأنها بدأت تعي تماما سياسة ذر الرماد في العيون التي تتبعها القيادة، وتأسيس آليات وموجات خاصة بها ، لتحقيق والمحافظة دوماً على مصالحها الفئوية.
 وهي بدأت تتساءل إذا كنا نؤمن ، حقاً ، بالحرية ، التي هي أنبل وأسمى غايات الإنسان ، منذ بدء الصيرورة والتكوين ، فمن الأفضل مراجعة النفس والضمير ، مراجعات علمية موضوعية تاريخية..والا....؟؟؟




دكتاتورية
لماذا نكتب الان عن الدكتاتورية...وليس في أي وقت سابق..سؤال يحق لأي واحد يتصفح هذه الجريدة ان يسأله..ونحن بدورنا لن ندعه يتوه في غيابات الجب ليجد الجواب مثلما يفعل الساسة عندنا.
الدكتاتورية هي احدى الانظمة الاستبدادية التي تستند على مبدأ الاستئثار بالحكم المطلق....وهذا ما معناه إنها ليست الوحيدة التي تعد ذات السلطة المطلقة..لأنها إنما تظل احدى الانظمة...إذا أين هي البقية...وهل تحتاج البقية مثلها الى تعريف وتوضيح...؟
اظن بان الجواب قد حان وقته..لا أبدا كوجهة نظر لا تحتاج الى توضيح لأننا اليوم امام انظمة استبدادية مغلفة بنوع فاخر من الشكولا والتي تسمى في عرفنا بشكولا الديمقراطية..حيث نحن الشعب غارقون في نعيمها المعنوي فقط..وليس لنا بحكم الانظمة(الاخرى)..اية مقومات لنعيش نعيمها المادي ايضا..اظنك أيها السائل قد ادركت المغزى من الدكتاتورية الان.
فالأنظمة الدكتاتورية لا تتوانى أبداً عن ممارسة مختلف أشكال الزيف والتضليل ، من أجل إشاعة تلك الإيديولوجيات المصلحوية والأساليب البدائية ظنا منها ان الشعوب لا تعي ولن تعي لانها تؤمن بالنظام الحاكم ..والنظام يرش عليهم بين الحين الاخر بعض رذاذ الماء لتهدأ ثورتهم الداخلية مستخدمة وسائل وشعارات هدفها تبليد الحس الإنساني للشعوب ؛ فـتارة تستخدم شعارات قومية وتشير بأصابعها الى رموز يحترمها الناس لتتسر خلفها.. ، وتارة أخرى تستخدم الأوضاع الاقليمية والدولية ذريعة لها لتقوم بما تريد..وكل ذلك لتبقي الآفاق مفتوحة أمامها ، لتحقيق مصالحها الضيقة على حساب مصلحة الشعب .
ماذا تبقى اذا للشعب...هل يرضخ لمثل هذه الانظمة مستسلمة لها رقابها وتقول معكم نحن على (الحلوة والمُرة)..ام نحن الناس الشعب نحتاج الى اجراء عملية جراحية للتخلص من غثيان مخلفات ثقافات الاستبداد السياسي والاستغلال الشخصي ، والتي تتجلى، بكل وضوح  بغريزة الاستسلام المازوخية لثقافة القطيع السادية ، التي نعاني نحن منها منذ زمن ليس بقصير ولم نزل نعيش على ترسباتها ظنا منا بان الامور قد تتغير وتصير الى الأحسن.
احبتي الدكتاتورية تلبس اليوم لباسا خاصا..وهي أمام الأعين تصبح شفافة..لكن احذروا..انها تبقى دكتاتورية....؟

159
اشكالية البقاء
جوتيار تمر
دهوك/ كوردستان
التوازن امر يبحث عنه القاصي والداني، والجمع بين الفوضى والتوازن امر اخر يريده الباحث عن السيطرة والتسلط، وبين الامرين تتصاعد وتيرة الحوداث لتظهر الرغبة التي يسعى البعض لتحقيقها من خلال احداث قفزة نوعية واحداث توازن ملحوظ في مسارات البقاء، عله يستطيع ان يحقق بعض وجوده من غير الماهية التي وضعت له مسبقاً من اصحاب السيطرة والتسلط، الا ان الاصطدام المباشر الدائم والمستمر بجامعي الفوضى والتوازن يجعل من الامور تسير وفق معطيات لاتتلائم مع الكثير من التطلعات لاسيما تلك التي يقف ضدها احيانا ابناء الجنس(القومية) الواحد، وابناء الجغرافية الواحدة، مما يجعل من يد اصحاب السيطرة هي العليا... فتكون الفوضى حتمية ليتدخل هولاء من اجل فرض فرضيتهم التوازنية وفق تداعيات ومسلتزمات هم من يضعوها ويصنعون الفارق بين مصالحهم وبين تطلعات المقابل، وهذا بلاشك يزيد الفجوة على اغلب المستويات.
احداث الفجوة يتلائم مع الماهية التي توضع مسبقاً، وهذه الفجوة لاتتم دائما بافعال علنية انما بسيناريوهات دقيقة تُحرضّ اطراف ضد اطراف او تغرس جماعات للعبث بالموجودات وحتى المقدسات لدى الشعوب المتطلعة والباحثة عن التوازن مما يخلق خللاً واضحاً في استراتيجياتها، وبالتالي تدفعها الى خوض معارك ليست لها، لكنها مضطرة كي تبقي على امالها في الحافظ على وجودها وبعض تطلعاتها في احداث التوازن، والغريب في الامر ان المتسلطين هم من يديرون الامور وهم من يتوقعون النتائج بل هم انفسهم من يمولون الاطراف المتنافسة لكي تبقى الفوضى عارمة ومستمرة، وبالتالي لتكون الحاجة ملحة لوجودهم وذلك لاضفاء سمة الشرعية على اعمالهم وحفظ مصالحهم بعيدا عن المفاهيم المطروحة والتي نتجت من بين جنبات مجتمعاتهم وحاولوا لقرون عديدة خداع البشرية بها.
وهذا اجمالاً يخلق من الفجوة ممراً سالكاً لتصدير كل ما يرغبون هم به، وكل ما يجد المتطلعون بانهم بحاجة اليه، مما يعني خلق سوق "شامل" لايقتصر على البضاعة الرديئة فقط انما على استقبال الافكار الدنيئة ايضاً والتي تبيح داخل المستوطنات ( المجتمعات) تلك كل انواغ الفوضى التي هي اصلا متأصلة داخل الانسان ولاتحتاج الا الى محرك وفجوة تندس من خلالها بعض المنشطات كي تصبح آفة بشرية ماحقة لكل ما هو انساني وجودي، ولعل الناظر الى الواقع العياني الذي تمر به المجتمعات الشرق اوسطية واغلب دول العالم الثالث وبعض البيئات المنوعة في اطراف الخراب المسمى المعمورة سيجد بان الاسواق بدأت تتكاثر ليس وفق منهجية عرقية انما وفق منهجية بضاعية نوعية دون الاخذ بالاعتبار المكونات البشرية العائمة فوق تلك المياه الضحلة.
المنهجية هذه هي اشبه ما تكون بالشريعة الاولى التي بدأت البشرية تتكاثر وفق معطياتها لاسيما وهي نفسها من سنتها تحت انظار خالقيها وبذلك تحولت الى مادة دسمة يستند عليها المتسلط والباحث عن الاسواق لخلق الفجوة من جهة وسدها بما يريد من جهة اخرى، وهكذا اصبح صراع البقاء للمتطلعين الى خلق التوزان داخل مجتمعاتهم امراً اشبه بمسرحية تتبادل مكوناتها الادوار احياناً واحياناً اخرى اصبح الامر اشبه بتحريك هذه المكونات حسب احجار الشطرنج تميل كفة على حساب اخرى من اجل تحقيق القدر الاكبر من المصالح لتلك الجهات المتسلطة.
وبهذه الكيفية تعيش المجتمعات الطامحة - المتطلعة ساعية جاهدة للبقاء بحيث تصبح كل مخططاتها موضوعة موجهة لتحقيق ذلك، وهذا ما يجعلها تعيش دوامة لانهاية لها، سواء على المستوى السياسي او الاقتصادي ، وبلاشك تأثرها على الصعيدين المذكورين يؤدي الى تأثيرات اجتماعية وفكرية اي شمولية، وبالتالي تصبح اهدافها العامة من تحقيق التوازن وطموحاتها الاخرى مجردة من مقوماتها الاساسية التي تحتاجها، لكونها في الاصل وجهت كل طاقاتها لصراع سابق للتوازن وهو الوجود (البقاء).

160
أدب / احبك وسأظل / جوتيار تمر
« في: 10:28 25/10/2015  »
أحبك وسأظل
جوتيار تمر/ كوردستان
  13/5/1998                                           
كثيرا ماكان يشعر في أعماقه المجروحة بأنها سئمت الطريق وإنها ما عادت تطيق الاستمرار في رحلة هي إلى الغرابة أقرب.. رحلة كلها أشواق وعذاب رغم تألق الدموع فيها..!
 ولما كتبت له ذات يوم(لم أعد أطيق كل هذا) وتساءلت بكل دهشة إن كان فعلا يريدها..؟ وقالت له لا أعلم كيف تريدني..؟
 حينها قال في نفسه ومع ذاته المجروحة بسهامها،سأكتب اليوم كل ما يدور في ذهني لكن ليس  بلساني ولا بقلبي أنا إنما سأضع نفسي مكانها وسأكتب ما فهمته من كلماتها وكأني  بها تقول:
كإشراقة ربيعية مبتسمة تهادى على غصن وردة غض.. كنسيم هادئ جميل  على صحراء قاحلة..كقطرات مطر هلت على أرض جافة..هكذا كنت دائما أتصورك فجرا تنبلج في لحظات اللقاء ألف مرة وأمنية تنبلج مع كل إشراقة كلما فكرت بك...وكما تتساقط زخات المطر مهددة الثلوج المتناثرة هنا وهناك بالذوبان انغرس اسمك في أعماقي لتنغرس معها قصة حبي لك ولتكون بعد ذلك اية حياتي..وكأن نفسي بك تدوم وتعيش وكأنني في حبي معك أخرق جدران الغموض فيك واصل إلى دمعاتك لأكتشف فيك كل يوم رجلا جديدا غير الذي كنت أتصوره..!
فألوم نفسي وأداري حمرة وجهي ورجفتي وأواسي نفسي بظلمي لك..فأنت كنت ومازلت توقن بأنني دائما كنت أتمنى أن أراك يوما هناك حيث الغربة تقض علي مضجعي وأنك تعلم الآن أكثر من ذي قبل بأنني يمزقني الحنين لروؤيتك رغم الشكوكِ التي تزداد يوما بعد آخر من  تغيرك نحوي وقلة اهتمامك بي وعدم سؤالك عني وكذلك ظنوني التي تقتلني وتجبرني أن أعترف بأني مازلت أخاف من هاجسها هي التي أحببتها قبلي بسنوات..!
وأتذكر أني عندما جئت إلى عالمك ودخلت باب حصنك شاهدت في طريقي إليك أشلاء الكثيرات لكن رغم ذلك جئت وجعلت مصيري وإلى الأبد رهن إشارتك..وبخبرة المنتصر كنت تعرف كيف تدنيني وتحرقني وتذيبني..؟وكيف تجعلني لا أعيش إلا بذكرك..؟ وكيف تبعدني كلما قادتك غريزتك اللامبالية لرؤية امرأة ..أقول امرأة واحدة بل العشرات ممن كن يتطلعن إليك…كنت زلزالا ولم أكن أنا حينها سوى وردة صغيرة جذورها لم تزل رقيقة على أرض واقع مر…وأنوثتي المحملة بكل براءة الطفولة كانت تناديني وتحذرني بأن الزلزال أكبر من أن تتحمليه فكنت أحاول القسوة لكنني كنت لا ألبث أن أتمرد على أعماقي وأعلن لك من ثم ولائي..!
 أحببتك وأعلم بأنني لا أعيش إلا لأحبك أكثر..تمنيتك ولأجلك احتملت كل هذه السنين من العذاب والألم رغم علمي ويقيني بأني أبحر معك في سفينة ذات شراع ممزق ومع ربان لا مبال..فظ القلب لم يذرف في حياته معي سوى دمعة واحدة أقنعت وأوهمت نفسي بأنها أغلى وسام وأعظم تقييم لسنيي معه..والآن وبعد كل هذه السنوات عدت لأتساءل بنفس البراءة التي دخلت بها أول مرة حصنك..أحقا كانت تلك الدمعة من أجل حبي ..؟ أحقا هي بمثابة اعتراف منك بما وهبتك من نفائس رو حي..؟ أم كانت إنذار لي بحياة لا تفارقها الد معة..؟ أم إنها كانت رقة الأناني اللامبالي الذي تعود أن يحب الغرابة في كل شيء حد الجنون..؟
 وأجدني أول ضحايا جنونك بل إحدى ضحاياه..قد جننت بك..أتشعر..؟ أترى..؟ أتسمع..؟ مجنونة بك يا وحيدي،يامن في غيابه كنت دائما أقول متى تعود...! الآن وبعد كل ما حصل ويحصل تأتي الغرابة والقسوة معا لتقول لي بصمت هادئ كنسيم أيلول أنا بحاجة إليك وأنا أريدك أنت.. وككل مرة سابقة أعود وأتناسى كل الجراح والهموم واللامبالاة وعدم السؤال والأنانية والقسوة والظلم..لأقول  لك:
 وحيدي على الرغم من أنني لا اعرف كيف تريدني..؟ وبالرغم من غرابتك وبالرغم من أنني لم أعد أعرف شيئا ..إلا أنني كنت وسأظل أحبك..فهلا استفقت من غفلتك وأعدت لي الأمل بالحياة..؟ فأنت وحدك تعرف كيف أستطيع الحياة….!


                                                                   

161
المنبر الحر / انتاج التخلف
« في: 10:24 25/10/2015  »
انتاج التخلف
جوتيار تمر/ كوردستان

تكرار التجارب السابقة والتي حُكم عليها بالفشل ليس بأمر هين خاصة في مجتمعات تعتمد في الاصل على آلية التقليد على اغلب الاصعدة المتحكمة بآلة التدوير الحياتي فيها، وهذا ليس منطقاً مبتكراً بقدر ما هو منطق مفروض لظروف متنوعة يرجعها ابناء المجتمعات تلك الى التسلط وعدم اعطاء الحريات واختفاء روح الاستقلال،، وعلى الرغم من ان الامر من وجهة نظري تبريري اكثر ما هو منطقي لكون الشعوب الواقعة في ظروف اقسى من تلك نهضت بصورة فعالة خلال نصف الفترة التي استوعبتها هذه المتجعات، فانها لم تزل تتقيد بتلك الافكار التقليدية البليدة.
وعلى هذا الاساس نحاول رصد بعض الظروف المتمكنة في عقلية افراد هذه المجتمعات، من ساسة ومفكرين ومثقفين واقتصاديين وعسكريين ورجال دين ولاهوت،، الذين يرون في كل فعل خارج عن اطار رؤيتهم، مبرمج وصادر على اساس نظرية المؤامرة التي تعد من اشد الآفات فتكاً بهولاء،، وهذا ما يدفعهم دائماً للتبرير عن قصرهم وتقصيرهم بالماضي وعقدة الاضطهاد والانظمة الفاسدة التي حكمت اغلب هذه المجتمعات،، ولكنهم مع ذلك يتناسون عمداً ان عجلة الحياة لاتتوقف عند حدود مأساة او مصيبة او كارثة،، انما تستمد قوتها من عقلية الاستمرارية والبقاء ضمن اطار تجددي واع، وماعدا ذلك لايمكن الا ان ينتج التخلف ويغرس جذوره في الاجتماع،، وبهذا يكون المجتمع ذا اطار مرصع ومزهر،، لكنه من الداخل متخلف جذرياً، وتؤثر الصفة التخلفية هذه على كل الاصعدة الحياتية سواء أكانت سياسية لاسيما تلك المواقف السياسية التي لاتصمد امام التحديات الخارجية لأنها في الاصل مواقف انفعالية غير واعية بتقنية المصالح الدولية والاقليمية من جهة، وبالامكانيات المتوفرة بعيداً عن التباهي والتناحر والشعارات والاقوال البعيدة عن الافعال من جهة اخرى.
اما على الصعيد الاقتصادي يبرز واقع الحال بصورة مشعة ظاهراً،، حيث رؤوس الاموال متوفر لكنها غير منتجة انما اتكالية على انتاج الغير،، فكل المقدرات الانتاجية نجدها تعمل بتقنية الشراكة، سواء من السلطة ام من الطبقة البرجوازية المتحكمة بالسوق والسلع مع واجهات لشركات خارجية اجنبية تحفر على ارضية خصبة لتناميها الثنائي المادي والتوغل في صميم حياة تلك المجتمعات بدوافع اخرى مبطنة وظاهرة في آن واحد، وحتى في المجال العمراني والايدي العاملة لاتوظف تلك الاموال الا من خلال تقنيات خارجية،، وذلك ما يؤثر في الاجمال على الميزان الديموغرافي ايضاً وذلك من خلال جذب الايدي العاملة بصورة كبيرة، وهذا ما يبرز سمة الاتكالية على القوى الخارجية بحيث ان اختيار الانماط الانتاجية هذه لاتتناسب مع الامكانات العقلية والعضلية والانتاجية الداخلية فتغرس استراتيجية تلك القوى في الداخل،، وهذا بالضبط ما يؤدي الى الاعتقاد بأن هذه الانماط الانتاجية انما تعتمد على قوة عمل وفيرة وليس على وسائل الانتاج ونوعيته، فتخلق سمة اخرى في العمل الاقتصادي الداخلي وهي الكمية البعيدة عن النوعية،، ولعل ذلك يعد ايضاً من اهم الافات التي تنهش بجسد المجمتع داخلياً وخارجياً، ومن الناحية الاجتماعية نلامس تفسخاً واضحاً في البنى الاجتماعية التي انسخلت من جلدها وانغمست في دوامة التحديث المقلد بعيداً عن الاستيعاب التدريجي للعملية التحديثية الواعية من جهة،، ومعرفة ضرورة التدريج التحديثي من جهة اخرى، فتكون الحصلية الاجمالية زيادة انتاج التخلف من خلال شباب لايمكنه تحمل اعباء المرحلة ولا المساهمة في العملية البنائية لكونه في الاصل شباب مقلد مشترك في العملية التحديثية من خلال آلية الاستعمال فقط وثقافة التقليد اللاواعي، وليس لكونه مساهم في التأسيس والانتاج، لأنه حصيلة انتاج التخلف السابق الذكر في المجالات والاصعدة الاخرى.
كما على هذه الاصعدة المذكورة نلامس انتاجاً تخلفياً واضحاً فاننا يمكننا ان نقارنها باغلب الاصعدة الحياتية الاخرى المذكورة سابقاً، والتي تكون في النهاية تحصيل حاصل للعمليات المقننة السابقة واقول المقننة لانها تقنن وتشرع قبل ان تعلن من الجهات المعنية في هذه المجتمعات، حتى الجهات الدينية واللاهوتية انما هي في مجتمعاتنا عجلة تدور ضمن اطار غير بناء وغير مثمر بل هي اداة اخرى لانتاج التخلف سواء من خلال ممارساتها اللاعقلانية البعيدة عن صميم الايمان بما هي تنادي به، وهذا ما يتضح من المواقف الغير مستقرة والاضطرابات التي تخلفها وراء بعض المفاهيم والتأويلات الغير منطقية والتي افرزت احداث وصور لاتتناسب والعقائد التي تدعوا اليها.
واجمالاً فان اشكالية هذه المجتمعات لاتتوقف عند التخلف والابتعاد عن المضمار التجديدي الواعي فحسب بل اصبحت هي مصنع انتاجي واضح للتخلف نفسه، وذلك ما يجعلنا نعيش دوامة الحياة عبر سلسلة من التقلبات والتغييرات واللااستقرار على جميع الاصعدة.

162
أدب / امرأة في وطني
« في: 20:49 21/10/2015  »


أمرأة في وطني


جوتيار تمر

أرى امرأة ....في وطني منهكة الحواس
كانت فسحة للهفوات كلما باحت بصحوها للنّدى 
كانت تعرف أن العشق في وطن يذبح من الوريد الى الوريد
ندم مرّ... 
رأيتها تصلب فوق ركح المشهد الأخير للعشق 
تدفن دمها في الملح.........وتنشف اخر كلمة 
أحبك حبيبي........ 
يدفعون الشهوات كما يدفعون عبور انثى نحو العشب 
الى حتفها......... 
امرأة تنسى وجهها في الطين 
وتمضي الى سيف في العنق 
او ربما تنسى ظفيرتها عند الحبيب

كوردستان
24-10-1999

163
رسالة الى الساسة الكورد
جوتيار تمر/ كوردستان
21/10/2015
ان الاحداث الاخيرة برهنت بشكل واضح على سوء وقصر الفهم التاريخي والفلسفي للساسة الكورد في تقدير ماهية بناء الحضارات والامم والدول واسباب ديمومتها وفي الوقت نفسه اسباب سقوطها، فحسب ما نشاهده ونعايشه في واقعنا وصلنا الى نتيجة شبه محسومة وهي ان الساسة الكورد لدينا حسب اعتقادهم وظنهم ان القضية الكوردية وصلت الى مرحلة القمة في صراعها الوجودي الانساني وعلى جميع الاصعدة، وكأنهم اقنعوا انفسهم بان تأسيس حكومة اقليم الشبه المستقلة، وذيوع صيت الكورد بالاخص في المحافل الدولية وتنامي القوة العسكرية للكورد والمتمثلة بالبيشمركة باعتبارهم اكثر القوى الفعالة والفعلية على الارض في مجابهة المد الداعشي الارهابي، وانتشار الافكار بين الاوساط الثقافية والعامة ووجود الى حد ما حرية للتعبير، وكذلك بروز كوردستان كمنبع اقتصادي نفطي على المستوى العالمي وكذلك وجود الاحزاب السياسية بتعدد مسالكها ومناهجها وافكارها وبناء علاقات اقتصادية وسياسية مع الكثير من الدول .. كل هذا اصبح بنظر الساسة الكورد القمة التي يبحثون عنها.. وحسب النظريات التاريخية السابقة والتي ركزت طويلا وكثيراً على معالم الانهيار او سقوط الحضارات بحيث اجمعت اغلبها على ان الوصول الى القمة هو بداية النهاية لهذه الحضارات والامم والدول، فان ساستنا يظهرون وكأنهم استسلموا لهذا المبدأ الواهي، فاصبحت الفوضى تعم الواقع والرؤية السوداوية تنتشر بين الاوساط المثقفة والعامة، وانهار الشارع واستسلم للواقع المفروض عليه من قبل السلطوية غير المتحدة و غير المتجانسة والمتناسقة مع الواقع العام.
وهنا يستحضرني بعض رواد فكرة سقوط الحضارات او الدول والامم الذين استطاعوا وقتها وضع قوانين واسباب ومسببات اذا ما ظهرت في حضارة ما فانها  بنظرهم آيلة الى الانهيار والسقوط امثال ابن خلدون وتوينبي ولاحقاً كولن ويلسون وسارتر وغيرهم مما كتبوا بهذا الشأن.. ولااعتقد بتاتاً ان ساستنا قد قرأوا ل هولاء بعمق لاننا اصلا لم نصل بعد الى مرحلة الميلاد والنشأة التي يمكننا من خلالها ان نسير وفق المعطيات التاريخية الى باقي المراحل التي يمكن ان نسقط كوجود وكحضارة وقيم ودولة.. فنحن مازلنا في مرحلة ما قبل النشأة من حيث المسارات التاريخية والايديولوجية وحتى الفلسفية التكوينية والبقائية، واذا ما كان الساسة ينظرون الى وضعنا الحالي على انه وضع متقدم ومزدهر فانهم بلاشك قد حكموا على انفسهم بالزوال المبكر جداً، لان عليهم اولا ان يبحثوا عن وجود فعلي ومستقل ككيان لنا ومن ثم يفكرون بما يليه من المسببات التاريخية التي تضع الامم في حال من الصراع من اجل البقاء والاستمرارية، ولااعلم كيف ان ساستنا تخطوا هذه المراحل المهمة في وجود اي كيان مستقل كي يصلوا الى مرحلة الجمود والعجز عن التطور والابداع والتجديد فبات وجودهم اشبه بحجر سيزيف لايتحرك من مكانه حتى يعود الى حيث بدأ، وكأن الانحلال والتدهور في جميع الجوانب سواء أكانت اخلاقية ام اجتماعية ام سياسية او حتى اقتصادية اصبحت حتمية لامفر منها.. فاصبحنا على حافة الانهيار الداخلي قبل كل شيء وحسب التاريخيات ان احد اهم الاسباب والمسببات التي تدهور الدول هي العلة الداخلية الاسنة والفاسدة، فالحضارات كما قال توينبي لاتموت قتلاً وانما تموت انتحاراً فاصبح وضعنا وكأنه اشبه بانتحار سياسي متبع باقتصادي ومن ثم باجتماعي ولو لا الامل الوحيد في البقاء والمتمثل بالبيشمركة الذين مازلوا يوحدون الصفوف ويدافعون بشرف وكرامة عن وجودنا لكنا الان مجرد قصة تلقى على مسامع الاخرين كما ظل حالنا منذ بداية وجودنا والى وقتنا هذا.
 فيا ايها الساسة ان حالة الانهيار والتداعي والانحلال لاتأتي بمجرد الحصول على بعض المكتسبات التي ان جمعناها كلها لن تتعدى مرحلة ما قبل النشأة فانتبهوا الى خطواتكم الاتية كي تستطيعوا من بلوغ مرحلة النشأة ومن ثم فكروا في كيفية الادامة وليس مجرد التظاهر بالوصول الى القمة فمسببات الانهيار لديكم قد بدأت قبل اوانها ولعل الفساد السياسي والاداري والفساد الاقتصادي وذيوع حالة من المظلومية وبروز الظلم وكذلك انتشار مرض التمزق وضياع القيم الوحدوية ومن ثم التأثير المباشر او لنقل تفريغ هذه المحصلة الفسادية على الاجتماع الذي بدوره يعدي من المرض السائد كل هذا سيشكل محنة حقيقية تبيد وتمحي  المكتسبات وتخلق فتوراً اجمالياً دولياً ومحلياً فنغدوا بعدها مجرد العوبة ودمى تحركها الاطراف المتنازعة في البداية على وجودنا.
ومن خلال هذه الرؤية ندعوكم الى اتباع سياسة اكثر حكمة واكثر تجلي كي نتعدى مرحلة ما قبل النشأة الى مرحلة الميلاد والنشأة ونتهيأ لوضع استراتيجية تخدم وجودنا ككورد في كوردستان، وتنمي حراكنا على جميع الاصعدة، لاننا والحق يقال في مرحلة ما قبل النشأة كنا ولربما مازلنا نشكل معالماً حضارياً ديمقراطياً واعياً على الرغم من الصراعات الحزبية الداخلية التي تعيق احيانا مسيرتنا ولكننا مع ذلك والاهم من كل شيء تعدينا مرحلة الحرب الاهلية ورفع السلاح بوجه الاخر، ومازلنا نأمل بالحوار حل مشاكلنا الداخلية.

164
أدب / ســـــبايا / قصص قصيرة
« في: 20:48 19/10/2015  »
سبــايــــــــا
جوتيار تمر
كوردستان
14-12-2014
(1)
روادها حلم غريب وجدت نفسها بين احضان زوجها الغائب.. فارتعش جسدها لذة.. فاضبحت تتمتم في نومها بانها ستخلد للابد...قاطع حلمها الصغير هذا صوت باب ينكسر..فزعت.. استيقظت.. وركضت الى غرفة طفلتها الوحيدة.. طفلتي لاتبكي لاتبكي لقد شاهدت والدك للتو في حلمي.. صوت الصراخ يعلو في ارجاء البيت.. جمعوا الكل في غرفة الطفلة..اسلموا تسلموا..والا..صرخت المسكينة وضمت طفلتها لصدرها..نظر اليها صاحب اللحية الطويلة..هل ترفضين ان تسلمي.. خذوها سبية..طفلتي..طفلتي..طفلتي... لاجدوى فتلك هي اوامر الخليفة.
(2)
كانت بهية نضرة لها عيون تشبه آذار ,, وقوامها شجرة الجوز لاتعرف الانحناءة..طويلة..نحيفة.. جذابة.. توارت مع اخوها الصغير في احدى زوايا البيت..حيث هما فقط ما تبقى من عائلة كانت تضم تسعة افراد..لمحها ملثم تفوح منه رائحة الموت..هذه لي لايقربها احد..صاح صاحبه الجنب..لا هي لي وانت ابحث لك عن اخرى..كانت هي مفزوعة..قد فرغت الروح منها، قال اخوها الصغير اختي لاتخافي ساقتلهم قبل ان يلمسوكِ..وهما يتحاوران سمعا الاثنين يتقاتلان.. اخرج الاول سكينه وقتل صاحبه.. فزعت هي..صمد اخوها..وما ان اقترب الاول حتى هجم عليه الاخ..فاوقعه ارضاً..لكنه نهض وقطع رأسه الصغير.. ولم يبالي بصراخ الاخت..امسكها من شعرها وجرها الى حيث يشتهي.
(3)
كانت ليلة مظلمة جداً.. حيث الصمت يخيم على الارجاء.. لمح الطفل حركة خارج النافذة فركض الى والده يقول له بان هناك شيء خارج البيت.. نهض الوالد واخذ طفله الى مخزن المؤن ليخفيه..وقال له لاتخرج بني مهما سمعت ومهما حدث.. وهو يتحدث سمع صوت رصاص يكسر به قفل الباب..خرج.. ووقف امام الباب..دخل عصبة ملتحية يتكلمون لغة لايفهمها..كان بينهم شخص يعرفه..بل ذكر لاحد الفارين من حجيم هولاء..بانه كان يقيم في نفس مدينته..وله محل يبيع اغراض منوعة فيه للاهالي..قال هذا الذي معهم..اين اهلك..قال لااحد هنا غيري فتشوا البيت اذا لم تصدقوا..تمتم لصاحب اللحية البيضاء..قال اين اخذتهم ..اين خبئتهم..قال خرجوا صباحا الى بيت جدهم قبل ان تداهموا المدينة..ضربه احدهم على راسه..مع انه لم يفهم شيئا مما قاله..قال الذي يعرفه اخرج مالك وذهبك وكل ما تملك قبل ان يقتلوك..رد والدماء تنزف من راسه..لو كنت املك المال ماكنت لابقى هنا حتى يأتي امثالكم ليعتدوا علي..صرخ بوجهه سيقتلونك..قال متنا اصلا قبل دهر..امسك صاحب اللحية رأسه..بعدما قال له الاخر بانه لايستسلم..وضربه بسيف..فتهاوى الجسد وبقي الرأس بيده حيث رماه خارجاً..واحرقوا البيت قبل ان يخرجوا..كان الطفل مصدوما..حين رأى جسد والده بدون رأس ارتمى على جسده وهو يبكي حتى داهمه الدخان فلم يستطع الحراك..امتزج جسده مع جسد والده.

(4)
في اطراف المدينة سمع الناس ضجيج صفارات السيارات وهي تبدو وكأنها في سباق..هلع الجميع ودخلوا بيتهم يحملون ما يستطيعون حمله راكضين بعدها نحو الجبل.. حيث خرج معهم بضع مسلحين..استغرب الجميع كيف بين عشية وضحاها تسقط المدينة..لكنهم ادركوا بانها كانت بلا دفاعات محكمة.. وان الجميع خذلوهم.. فركضوا حاملين اغراضهم واطفالهم للجبل.. وبعد صراع مع الوقت بلغوا قمته.. حيث احتموا.. خرجت عليهم الشمس لاتحمل سوى انباء الجوع والعطش..فتقاسموا ما يحمولنه.. لكنه الوقت يمر بسرعة..طال عليهم البقاء..بدون مؤن.. تساقط الاطفال..لم يصمدوا امام هول الجوع والعطش.. والخوف من عدو لايمتلك لغة سوى الذبح.. حملوا اطفالهم الذين ودعت انفاسهم اجسادهم..ووضعوهم فوق الحجارة على الجبل..تحت الشمس.. لتشهد على ان السماء والارض معاً خذلتهم.
 (5)
اجتمع ثلة من الملتحين امام احدى القرى، سأل احدهم ماذا في هذه القرية حتى يجتمع كل هولاء القادة حولها.. رد احدهم ويحك لاتتحدث عن اتباع الخليفة هكذا.. انهم ذاهبون للجهاد في سبيل القضية..لم يتفوه بعدها بكلمة.. استعد الجمع لمهاجمة القرية.. لم تجد الا مقاومة خفيفة.. هرب من هرب واحتصن الاخرون في بيوتهم.. بالاخص النساء والاطفال..وبعض من الشباب الذين لم يتركوا عوائلهم..دخل اتباع الخليفة القرية.. وهجموا على البيوت وكانها غنائم..واجتاحوا ساحات القرية.. وامروا اذنابهم بجمع جميع شباب ورجال القرية في احدى الساحات.. وحجز النساء والاطفال والفتيات.. حيث اعدموا الشباب والرجال بالرصاص.. ووزعوا الغنائم بينهم..حيث كانت صحة الاسد لقادة الخليفة..قال الرجل نفسه.. عرفت الان لماذا اجتمعوا حول هذه القرية.. حيث يقال بان فتياتهم من اجمل الفتيات.
(6)
استطاعت بعد مرورا اربعة اشهر من ان تتحرر.. كيف لااحد يعلم..حتى هي نفسها تقول لااعلم لكني نجوت.. قالت كانوا يأخذوونا الى معسكرات تدريبهم.. كنا احيانا نفوق الخمسين فتاة..يدخلوننا في سيارتهم العسكرية الكبيرة.. ولايبالون بصراخنا وبكائنا..بل يهددوننا بأنهم سيعتدون على امهاتنا والاطفال اذا لم نستجب لطلباتهم.. ففي كل ليلة كنا نجدنا مضطرات الى الخروج من معسكر اعتقالنا الى معسكر الجنود..كانت رائحة العهر تفوح منهم.. والسكر والمخدرات.. والغريب ان انهم كانوا ينشدون اناشيد يذكرون فيها اسم الله والجنة والحوريات.. وكان هناك من يقوم بتوزيعنا عليهم..ليتفردوا بنا.. ويغتصبوننا مراراً وتكراراً..حيث يستبدل الاول باخر وهكذا الى ان يجعلونا نموت الف الف مرة.. كنا نسمع منهم كلمات لا نفهم الكثير منها لان لغتهم كانت غريبة.. لكن كنا نسمع من البعض منهم بانهم سيغادرون الى بيوتهم قريبا ويذكرون اسماء قرى نعرفها كانت قريبة منا..وكان اهلها يأتون الينا فنضيفهم.. وكم حاولنا ان نحرك فيهم الغيرة والجيرة الا انهم كانوا منصاعين للشهوة كالحيوانات.. لايسمعون الا صوت اللذة..وهكذا توالت الايام ونحن في نموت في كل يوم موتاً اكبر من موت...حتى جاء يوم ونحن في السيارات ذاهبات الى احدى معسكراتهم حيث كمن لهم بعض ابناء قومننا.. سمعناهم يصيحون ويطلبون منا الفرار.. او الالتحاق بهم.. فخرجت كل واحدة في جهة..الظلام كان يغطي كل شيء حتى السماء نفسها كانت مظلمة.. انا حاولت ان اتجه صوب مصدر الرصاص من طرفهم.. قالت لي صاحبتي ان يقتلوكِ هم  لكونهم لايرون شيئا سوى اضواء السيارات..فهولاء الانذال سيقتلوكِ..قلت وتسمين مانحن فيه شيء سوى القتل..ركضت..وركضت..اقع فاعود لاقف واركض.. كان صوت الرصاص يفزعني..لكني كنت اتمتم مع نفسي الرصاص ارحم من رائحة تلك اللحى القذرة..حتى وصلت الى خندق فاختبأت فيه.. فسمعت احدهم يقول بان هناك ناجيات انتبهوا كي لاتصيبوهن.. فصرخت انا هنا.. انا هنا... انا هنا...ركض احدهم الى الخندق وامسك بيدي وطلب مني ان اركض بينما هو سيحميني..فركضت حتى وصلت اليهم وجاء هو بعدي.. قلت هناك الكثيرات قال احدهم بعضهن وصلن والاخريات لانعلم شيئا عنهن..هكذا وجدتني اعود للحياة بعدما سلبوا مني كل ما يمكن ان يكون حياة.

165
المنبر الحر / حين تموت الانسانية
« في: 20:45 19/10/2015  »
حين تموت الانسانية
جوتيار تمر
كوردستان 5/9/2015
حين نذكر الانسانية ربما لن تجد اختلافاً واضحاً بين الرؤية التي قد يتبناها شخص ما حول ماهيتها، لكن مع ذلك يبقى دائما في الواقع بعض الاشكاليات التي تتضح من خلال البيئة والاجتماع والدين والفكر والسياسية وجملة امور اخرى تظهر اثارها على المستوى الادراكي للفرد في اغلب اصقاع الخراب المسمى الارض.. ولكن الثابت في المفهوم ربما سيبقى هو ان الانسانية تعني ان تبتعد عن كل ما يؤذي الاخرين باي شكل من الاشكال..وان تتقبله وتحترمه..وان تقدم له يد العون حين الفاقة " الحاجة"، ناهيك عن بعض المتفقات الاخرى التي قد تتلائم مع واقع كل فرد حسب بيئته ونشأته وديانته وفكره وانتمائه.. وعلى الرغم من انه قلما ستجد من يعارض هذه المفاهيم حول الانسانية  وذلك لبساطتها ووضوحها وعدم وجود اي تعقيدات فيها، ولانها لاتحمل ايضاً على اية مفاهيم فلسفية خاصة، فهي تلامس العياني الحياتي اليومي للانسان..لكن الغريب في الامر ان الواقع العياني نفسه والاحداث تؤكد بان الانسان لايعيش حتى جزء بسيط من هذه المفاهيم التي هو نفسه يبادر في قولها واظهارها.
لقد برزت في الاحداث الاخيرة التي عصفت بالشرق الاوسط عموما وبنا نحن الكورد خصوصاً القيمة الحقيقية للفكر الانساني واعطته مجالاً واسعاً كي يحقق ذاته.. ويتمكن من تخطي القولية الى الفعلية الحتمية.. فكل الظروف كانت ولم تزل متاحة من اجل ان يحقق الفكر الانساني غايته الاسمى وهو الابقاء على الانسان انساناً مترفعاً على الواقع ومتحدياً لكل موجبات المذلة والمهانة.. ولعل كل من سوريا والعراق وكوردستان نماذج واضحة ومتاحة كي يقوم الفكر الانساني بتفعيل نفسه وتحقيق اهدافه المعلنة او حتى تلك المفاهيم البسيطة التي سبق وان ذكرناها والتي تلامس الواقع العياني الحياتي اليومي الانساني في هذه المناطق.
لكن مما يؤخذ عليه.. ان الفكر الانساني لم يرتقي الى المستوى المطلوب كونه فكراً انسانياً يُقدِم الفعل على القول.. فالتصريحات والمؤتمرات والاجتماعات والندوات من اصحاب الفكر الانساني.. وممن يرون بانهم يمثلون هذا التيار على المستوى العالمي بالاخص في اوروبا فاقت الفعل في الواقع وبقيت معتمدة على القول الاعلامي، وهنا لسنا ننكر ماقامت به اوروبا من حيث ايواء الالاف من الاسر والشباب المنكوبين وتقديم المساعدات لهم سواء هنا حيث المناطق المنكوبة او استقبالهم في دولهم واعطاء الكثيرين منهم حق الاقامة واللجوء- هذا ما لن يستطيع احد انكاره-، ولكن مع ذلك فان الواقع حين يقرأ بعين ماورائية سيجد بأن اوروبا مازلت تبحث عن ذاتها فيما يخص ادعائها للفكر الانساني وتبنيها له..ولعلي ابرهن على مقولتي هذه ببعض الامور التي يمكن للقارئ من خلالها الحكم على ما اكتبه.
المصالح الاوروبية الامريكية ازلية في المنطقة..بدأت قبل قرون وهي مستمرة.. ولااعتقد بانها ستنتهي طالما هذه الدول هي المتسيدة اخلاقياً و(انسانياً) وفكرياً وسياسياً واقتصادياً وفي اغلب الجوانب الحياتية ان لم نقل كلها.. وهذا ان انكره شخص فانه بلاشك سيقولها من باب (كان او كنا...) وهذه مقولات عفى عليها الزمن واصبحت غير ملزمة او غير متاحة فعلياً وواقعياً.. ولاشيء الان يبنى على ماكان وكنا عليه.. انما الواقع يحدثنا عن ما نفعله وما نجنيه من فعلنا.. اي ما نقدمه ونحصده.. وهذا واضح للعيان بان اوروبا تقدم وتحصد.. ونحن نتلقى فقط ولانتحرك.. وحتى اعلامياً فنحن مجرد ادوات عاطلة عن العمل قياساً باعلامهم.. ولننظر الى الحدث الابرز في الايام الاخيرة حيث صورة الطفل الكوردي "ئالان" من كوباني التي حركت العالم اجمعه اعلامياً.. ولن اقول هزت ضمير العالم لان لاشيء يهز ضمير العالم الا تحقيق رغباتهم ومصالحهم.. لكن لنقارن اعلامهم باعلام الشرق الاوسطي، حيث ابرزت وسائل الاعلام الاوروبي صورة وزيرة وهي تبكي على الطفل، ومستشارة وهي تصرح باننا سنعلم اطفالنا بان مكة كانت اقرب لهم ولكنهم لجأوا الينا، والرأي العام الامريكي يصرخ والاوروبي افتحوا الابواب لهم.. ولكن الاعلام الشرق الاوسطي  ملتزم بمقولات مقننة لديها ومعتمدة منذ عقود..نشجب و نندد بمن تسبب في هذا الفعل الاجرامي، وسنكافح من اجل رفع الظلم عن هولاء الابرياء، واجمالا ليس هناك اي تحرك.. وكما قرأت في احدى التعليقات على ما قالته المستشارة الالمانية.. بان مكة واصحاب البترول فتحوا ابوابهم لهم لكنهم اشترطوا بان يبقى الرجال في دولهم يقاتلوا الظلم،و فقط ان مكة ودول البترول وغيرها في المنطقة بامكانهم ان يستقبلوا الصبايا القاصرات والشابات ليتخذوا منهن سبايا.. فاية لعنة هذه التي صبت على هولاء كي يستغلوا اوجاع الاخرين لاغراضهم.. استثني الاردن من العرب التي استقبلت مثلاً اللاجئين السوريين.. وكوردستان وتركيا من غير العرب حيث استقبلوا اللاجئين.. فان اية جهة اخرى لم تتحرك بل اغلبها بالاخص الخليجية هي متهمة من قبل هولاء بانها تمد الارهاب  بالعناصر والاموال.
وحين اقف على مقالات واتابع ندوات ومؤتمرات وجلسات تعقد للبحث في امور سوريا والعراق مثلا.. اعرف مسبقاً ما سينتهي اليه الامر.. نندد وسنقدم كل العون..هذا قولاً والفعل مؤجل الى اجل غير مسمى.. وفي واقعنا الكوردستاني تعلمنا بأن لانهتم باقاويل هولاء بالاخص حكام العرب( لاشعوبها) حيث لااحد منهم يقدم الفعل الحقيقي وحتى لااكون ناكرا للجميل فان الامارات العربية قدمت الكثير من العون والمساعدات للمنكوبين الكورد في هذه الازمة الاخيرة.. اما الاخرين فلااظن بان احد سيفكر حتى في الامر خارج اطار الاعلام المندد.. انهم لايقدمون المساعدات الا حين تحقق مصالحهم للعرب المنكوبين( فلسطين مثلا) انفسهم وامام اعينهم في كل مكان.. فكيف سيقدمونها للكورد.
 وفي استحضار سريع للاحداث التي عصفت بالمنطقة وبالكورد خلال العقود الماضية سواء مأساة حلبجة حيث القاء الاسلحة الكيماوية عام 1988، وكذلك عمليات الانفال التي اطلقتها الحكومة البائدة في نفس العام 1988، وفي الهجرة الملونية عام 1990، وفي الاحداث التي رافقت سقوط النظام المقبور 2003، وما بعد السقوط.. والاحداث الاخيرة المتمثلة بداعش والخليفة النكاحي السامرائي الداعشي.. كل هذه دلائل وبراهين على ان الفكر الانساني مدفون تحت رمال الصحراء في الشرق الاوسط، ولايخرج الا حين تحقق لاصحابها مصالحها.
وهذا بلاشك لايعني انني بصدد ابداء مقارنة مع الغرب الاوروبي والامريكي لكني بصدد فقط التذكير لان الغرب بكل اطيافه ايضا لايقدم على فعل دون تحقيق غاية سواء آنية او مستقبلية، فالغرب الذي يشاهد الاحداث ويترقبها ومن ثم يشارك في تحالفات لم يقدم على فعل مجدي ومؤثر في الاحداث التي عصفت بالكورد وبالمنطقة في الاونة الاخيرة الا من خلال الغارات الجوية لطائراتها الحربية ولست انكر فعاليتها لكني لااشعر بجديتها في انهاء الازمة والقضاء على داعش بؤرة الارهاب الحالية في المنطقة، فهولاء حين ارادوا اسقاط المقبور البائد بعد احداث الكويت سخروا جزء من قواتهم واستطاعوا في غضون ايام طرق ابواب بغداد.. ولو رجعنا الى اسباب تشكيل التحالف فضلا عن اجتياح قوات المقبور للكويت فانه اتهم بامتلال الاسلحة الكيماوية.. وكذلك اتهم بارتكابه جرائم حرب ضد الانسانية والابادة الجماعية.. ولو نظرنا الى الواقع الان وما يفعله الخليفة النكاحي الداعشي لااعتقد بان الامر مختلف كثيراً، فهذا الاخير اجتاح المدن والدول في كوردستان والعراق وسوريا وليبيا وتونس ومصر واليمن.. ومن ثم التقارير تؤكد استخدامهم للاسلحة الكيماوية ضد البيشمركة في كوردستان سواء في القسم السوري او العراقي وكذلك في مناطق اخرى من سوريا.. فضلاً عن اعمال الابادة الجماعية التي مارسها ضد الكورد الايزيديين في كوردستان الجنوبية في شنكال بالذات والقرى المتاخمة لها وسبي النساء وبيع القاصرات واغتصابهن، وكذلك في كوباني والقرى التابعة لها، ونضيف الى كل ذلك اتباع اساليب قمعية لاتستهدف الفرد وحده انما تخلف اثاراً نفسية سيئة في نفوس السامعين والمشاهدين لمنشوراتهم لاسيما فيما يتعلق بقطع الرؤوس واغراق الاسرى وحرقهم وكذلك شوي البعض وهم احياء.. كل هذا اعتقد بانه كفيل بان يتحرك الغرب الاوروبي والامريكي بتسخير جزء من قواتهم لدحر اصحاب هذا الفكر الهمجي اللاانساني، ولكن الغريب في الامر بان الغرب نفسه يلوح بان الامر سيطول وهذه المعاناة ستطول وان الشعوب التي تعاني عليها ان تتحرك ذاتيا لقمع هذا الفكر وهي ستساند.. ولايخفى على احد بأن اللعبة مشكوفة وانها مجرد مسرحية اخرى تضاف الى المسرحيات التي قدمت في المنطقة بكل انواعها.. الملحمية والغنائية والتعبيرية ....الخ، فالغرب انسانيته لايتحرك الا لتحقيق مصالحه في المنطقة، وطالما مصالحه غير مهددة كلياً فان الامر لايعنيهم كثيراً الا اعلامياً للحفاظ على ماء الوجه الانساني... مع العلم بان الانسانية بفهومها البسيط يستدعي من الجميع التكاتف للحد من انتشار هذا الوباء الداعشي سواء في مناطق كوردستان او الدول المصابة بهذا الفايروس.



166
اصوات شاذة
جوتيار تمر/ كوردستان
16/10/2015
قد تتفق معي حين تقرأ مقالي هذا وقد ترفضه اجمالاً، لكن العبرة تكمن في الطرح وابداء الرأي مهما اختلف الاخر عنك، ومهما ابتعد مساره عن مسارك الايديولوجي والانتمائي وحتى الوجداني، وعلى هذا الاساس احببت ان اطرح هذه الرؤية حول مايحدث في كوردستان بالاخص في الاونة الاخيرة لاسيما فيما يتعلق بقضية رئاسة الاقليم والمظاهرات التي خرجت في السليمانية ومدنها واقضيتها ونواحيها، وبمحصلتها موقف الاحزاب الكوردية من بعضها، والحرب الاعلامية التي باتت تشكل صوتاً شاذاً وغير محبباً لدى الشارع الكوردي في هذه الظروف بالذات لكون الحرب مع امير الظلام والسواد الخليفة الداعشي النكاحي مستمرة من جهة، وكذلك المدى والافق الذي وصل اليه الصوت الكوردي من حيث اثبات وجوده كعنصر فعال ومهم على الساحة الاقليمية والدولية سواء من خلال تجربته في الحكم او من خلال الرؤية الاقتصادية التي تبناها في ادارة شؤونه او من خلال صمود البيشمركة في وجه الطغيان وبالتالي دخوله في حسابات القوى العظمى كاحد اهم الاسلحة الفعالة التي تحارب الارهاب.
كل هذه الامور اصبحت من محددات الوقائع ومؤشرات الحسابات المحلية والاقليمية والدولية التي تتبنى على اسسها الاحكام والقرارات بشأن الكورد وكوردستان، ولكن ما يحدث الان لربما اربك بعض الحسابات وغير بعض المؤشرات والوقائع لاسيما فيما يخص التجربة الحكمية الكوردية والازمة الاقتصادية التي نتج عنها الكثير من التشعبات سواء على المتسوى الادائي السياسي الحكمي الاقتصادي او من حيث البناء العلاقاتي على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهذا ما استغلته الاصوات الاعلامية الشاذة في طروحاتها حول القضايا فتاشبكت وتاهت عن مساراتها الحقيقية، واصبحت اداة غير محببة بيد البعض لاثارة الفوضى بين الشرائح الاجتماعية والنخبوية في آن واحد.
ولعل ابرز تلك الاصوات الشاذة تلك التي استغلت التظاهرات لتحقيق مكاسبها الشخصية وتصفية حساباتها مع الجهات الاخرى وهنا لااخص طرف دون اخر، فاغلب الاطراف والاحزاب السياسية استغلت الموقف لتضيف لرصيدها مكاسب ولكن ما شذ عن الواقع هو انتحال البعض شخصية المنقذ للقضية وهو في الاصل باعث للفوضى، فالادعاءات والاصوات التي تكررت بشأن قضية رئاسة الاقليم تحولت في المدى القريب الى مجرد حكاية وغطاء لاعمال فوضوية راحت تحرق وتقتل وتذيع على الملأ الخروقات والاتهامات وهي في الاصل ليست الا حلقة متواصلة من تصفية الحسابات الشخصية مع الاخر، والدليل على ذلك ان نقطة الخلاف الاساسية في الموضوع كانت حول رئاسة الاقليم، ومن ثم تحولت الى ازمة الرواتب وتظاهرات وانقطاع عن الدوام ومعها الى هجمات من قبل البعض على مقرات الحزب الديمقراطي في السليمانية ومدنها واقضيتها ونواحيها، وكل هذه الاحداث اتت في وقت كانت الاحزاب الخمسة التي منها تشكلت الحكومة تجلس باستمرار لحل القضايا المعلقة فيما بينها بالاخص بين الحزب الديمقراطي وحركة التغيير.. كما ان الاسلوب الحواري وعدم اللجوء الى العنف والقوة امر كان مستحباً لدى الجميع على الرغم من ان المسألة اخذت وقتاً اطول مما تصوره الجميع.. لكن اجمالا الامر كان متاحاً ومحبباً لكونه لم يشكل خوفاً على القضية وعلى الوجود الكوردي.
لكن تحول الاحداث من الحوار الى استهدافات حزبية وشخصية هو الامر الذي اثار جملة تساؤلات وكما قلنا في مقال سابق لماذا الان، لماذا في كل مرة يصل الكورد فيه الى مكانة بارزة وتكون قضيتهم قضية تحتفي بها المجاميع الدولية والاقليمية يظهر صوت شاذ بين اظهر الكورد ليعيق العملية برمتها.. ؟.
ان الاحداثيات الدلالية لاتشير الى طرف دون اخر وانما الى الاشخاص الذين يؤيدون هذه الغوغائية في التعامل مع القضايا المدنية فالمجتمع المدني لاينكر حقوق احد في المطالبة بما له من حقوق ولكنه يرفض ان يتناسا الجميع ايضا ما عليهم من حقوق تجاه الواقع والظروف والمرحلة التي تمر بها القضية باجملها وليس باشخاصها واحزابها وبعض مؤيدي التظاهرات بالعنف وليس مؤيدي التظاهرات بالسلم، ومن ثم السؤال الاخر ماعلاقة حرق ونهب وقتل الاخرين بنقطة الخلاف الاساسية بين الديمقراطي والتغيير، وما علاقة كل ذلك بالمظاهرات والمطالبة بالرواتب، وما علاقة ما يحدث على طاولة المحادثات والمطالبات بالرواتب بالهجمات على المقرات الحزبية وحرقها.. ومن ثم اطلاق  الابواق من بعض الوسائل الاعلامية لتتخذ من القضية سبق صحفي اعلامي يزيد من البلبة ولايخدم المصلحة العامة للقضية الكوردية، ان هذه الاصوات الشاذة بحق لاتمثل الا الاجندات التي تحركها، وليس من داعي لقول من يقف وراء من، فالاعلام مهما ادعى استقلاليته فان السؤال يتكرر كيف ومن اين يأتي بكل تلك الاموال التي يصرفها..؟ ، كما ان اهتمامات الجهة الاعلامية بقضايا على حساب قضايا اخرى لاتقل عنها اهمية من حيث المصلحة العامة للقضية تشكل معلما واضحا لاتجاهات تلك الاصوات الشاذة التي عمت كوردستان وبعثت فيها رسائل غوغائية غير محببة الا من الذين يؤيدون الهرطقة الاعلامية.
 ومن هنا نرسل رسالة الى قادة الاحزاب الذي وثق بهم الشعب الكوردي ونحذرهم من مغبة الانصياع لتلك الاجندات الخارجية العابثة بالقضية والاصوات الشاذة، التي تحاول اعاقة المسيرة وتشويه صورة الكورد بعدما استطاعوا الوصول الى هذا الافق واصبح صوتهم مسموعاً واسم البيشمركة على لسان اكبر القادة واكبر القوى على المستوى العالمي.. فياقادة ويا ساسة ويا احزاب اعلامكم بنظرنا هو ما يشكل شخصيتكم في الامس والان والغد فاياكم والانجراف اكثر نحو هاوية الشذوذ الاعلامي وبث التفرقة، اجلعوا من اصواتكم اصوات محبة تقرب البعض من البعض ولاتقتل مبعثات التفرقة وتدفن معها تلك الاصوات الشاذة المستغلة للاوضاع كي لايبقى لها موضع قدم.

167
أدب / تابوت
« في: 16:01 16/10/2015  »
تـــــــابوت

جوتيار تمر

للغياب انكسارات بين ضفتي نهر
سلالته الألم
في مدينة المراثي أتصفح أزقة تنام في خراب المقابر
صباحاتها نغمات تسقط في فجائع الأغنيات
لا لون لي هناك... لا رئة ترقص في الصدر
عدت اليك ...عدت من المدى من خرائب الحدائق هناك
كي تستعيد الرئة بهجتها ....
لكن ها أنت تصنعين لها تابوت

كوردستان
19-11-2008


168
المتجارة بالقضية( تجار الخليفة)
جوتيار تمر/ كوردستان
18/12/2014
في التاريخ الشرق الاوسطي برز منذ الازمنة الاولى ظاهرة تأليه الذات وتقديم المصالح الشخصية على القضية وعلى مصالح الاجتماع والعامة، حتى ان الامر طال الانبياء وبرز معهم اناس طموحاتهم الشخصية فاقت الدين، فانغمسوا في افعال شنيعة لاتبت للانسانية بشيء، بل انها فاقت توقعات الاديان بنصوصها التشريعية نفسها، وصفحات الكتب ملئية بالامثلة وعلى سبيل التوضيح وليس الحصر، فآدم وجد الغواية من الشيطان او الحية حسب المعتقدات السائدة فانصاع، وابنائه قابيل وهابيل كانا ثمرة تمرد والدهما في الجنة فكان القتل والغراب ، ونوح وجد ابنه يعارضه، ويحيى وجد سالومي وموسى وجد السامري وحسب رواية المسيحيين ان يهوذا باع المسيح وعند محمد بن عبدالله جماعة المنافقين واستمرت الحالة هذه بل الظاهرة لان الحالة طارئة لكن الظاهرة متجذرة راسخة في الارض والنفوس، الى وقتنا ولاشك بانها ستستمر الى حيث اللانهاية، فالانسان المحسوب على الانسانية في الشرق الاوسط الذي يلتحف بمقولة كونه يعيش على ارض تعتبر مهداً للاديان السماوية منغمس في النرجسية وتأليه الذات وتقديم مصالحه على مصالح القضية والادلة في وقتنا مستمرة ولعل ما يحدث في البلدان العربية خير دليل..ولكني لن اخوض في تلك المسائل انما ساركز على ما يحدث لنا في كوردستان وكيف اصبحنا نحن جزء من هذه اللعبة( الظاهرة) في ظرف لم يكن احد يتوقع ان تبرز فينا تلك الصبغة الذاتية النرجسية المصلحوية على حساب ابناء شعبنا وبيشمركتنا وشبابنا الذي يضحي بالغالي من اجل ان يبقى الاخرون بأمان.
ظاهرة المتجارة مع داعش قضت مضاجع الكثيرين منا بل انها افرغت سمومها على المجتمع باكلمه فجعلته مع عمق وحجم الفواجع التي يمر بها يعيش حالة من الذهول والاندهاش حتى ان الانسان البسيط اصبح يصرخ بصوت عالي اعدموا هولاء.. والسؤال من هولاء.. هولاء هم الذين استغلوا دماء الشهداء واستغلوا الوضع الراهن الذي يعيشه الاقليم في حربه مع الخليفة العربي الداعشي، حيث برز صفوة من التجار مدوا ايديهم لداعش ووقعوا معهم عقود تجارية وفضلوا المحصلة الشخصية على مصلحة الوطن والشعب، فكانوا بحق مثال على امتداد ظاهرة الخيانة والنرجسية والمصلحوية في الشرق الاوسط، مع اني لاانكر بوجود الظاهرة في العالم البشري اجمالاً، لكني هنا احاول ان ابرز ما وصلنا نحن اليه ككورد نعيش مرحلة تاريخية حساسة وحاسمة حيث يمكن ان تفتح امامنا ابواب لم تكن لتفتح قبل المئات من السنين.
اذا فهولاء... هم الذين مدوا ايديهم لداعش وجنوا الاموال منهم سواء من خلال الحسابات الموجودة في البنوك العالمية او من خلال النفط مقابل البضائع والسلاح، هولاء ...يجب ان يحاكموا وباسرع وقت دون وضع المزيد من المبررات التي تؤخر محاكمتهم بحجة الوضع لايسمح والحرب مع داعش لم تنتهي بعد، ولانريد اشغال الناس بهذه الامور لان هناك ما هو اهم، ان من يضع هذه التبريرات هو الاخر سيحاكم تاريخياً وسيكون جزء من لعبة داعش وهولاء التجار ولن تغفل الصفحات عن ذكر اسمائهم ايضا كخونة استباحوا ارواح الشعب من اجل قضية هم وحدهم يؤمنون بها وبرنجسيتهم النتنة.. اما التجار فهم بلاشك وبدون اية انفعالية ولدوا من نطفة نتنة آسنة دنيئة خرجت من بيت صلب عفن فلوثوا الارض والهواء والسماء معاً.
وحتى لانقع تحت تأثير الانفعال ونكتب كلمات بذيئة تخدش حياء المتلقي القارئ نرسل برسالة الى السلطة التي حسب وجهة رأينا عليها ان تقوم بأمرين هامين الاول: تحديد هوية هولاء التي هي بلاشك الان قد اصبحت واضحة ومعروفة ومكشوفة وفضحها في جميع وسائل الاعلام المرئية والسمعية وزجهم في السجون مع اصدار احكام مستعجلة ودون رأفة بحقهم سواء بقطع رؤوسم بالمقصلة في ساحات عامة مثلما كانت شرائع العصور الوسطى او بالشريعة الاسلامية الحديثة وذلك بقطع رؤوسهم بالسيف مثلما يفعل داعش او بطريقة احدث اعدامهم كهربائيا او شنقهم في ساحات عامة ليكونوا عبرة لكل من يفكر في نفسه بمد يده الى امثال داعش وكل من والاهم، وثانياً: الحجر على كل املاكهم واموالهم المنقولة وغير المنقولة وعلى اموال واملاك ذويهم ممن ثبت استفادتهم من تلك الاموال واعطاء مهلة اسبوع او عشرة ايام لذويهم بمغادرة كوردستان لايهم الى اين المهم مغادرتهم لكوردستان قبل ان يقوم الناس بقتلهم على الشوارع انتقاما لابنائهم الشهداء وابنائهم المرابطين في الجبهات، ودون اية استثناءات او مببرات قد تعيق حكم الشعب على هولاء.
قد يرى البعض بان هذه الافكار متطرفة وانها انفعالية اكثر ما هي واقعية لكن لهولاء الذي يفكرون بهذه الطريقة نقول بأن الانفعالية الواقعية ربما تساهم في سد ثغرة لو بقيت مفتوحة ستصب علينا من خلالها الويلات التي لانهاية لها، لاسيما ان الانسان النرجسي واقع وليس خيال وانه موجود في كل الازمنة وكل الاماكن دون استثناء لذا الافضل وأد الطاعون في مهده قبل ان ينتشر ويصبح فايروس لاعلاج له، واظننا نحن الكورد اكثر من عانى من مثل هذه الفايروسات ولانريد ان نبقى رهين مصالح اناس لاينتمون الينا الا اسماً دون الوعي بالقضية والمخاطر التي تحيط بها.

169
أدب / كارمن / قصيدة
« في: 19:17 15/10/2015  »
كارمن
جوتيار تمر

قالوا.......اختلفوا 
وأنا............أعرفك...........كنت أعرفك   
في كفي تأتينا صباحا 
في هفواتي تأتينا وجه الله   
كنت في تعبي تعبثين كطفلة الجن بلا خطيئة   
كنت في المدى قوافل عصافير 
كنت المساء وقهوة الصباح.......فيك تشرّدت الآلهة   
بين بدء الخليقة وذنوب الأرض.......
هو وجهك عندما نزل على كتف الأرض .........
أعاد معنى العبارة للطين
ولمّا لمست أقدامك أزقة السّماء
تبعثر السحر في القارات العشر
قالوا ............وقلت
انت الذاكرة في في الماء
انت من دفنت في وجهها المحجوز في وجه الرّب قميصي
هيّا اغتسلي في الحضور بماء الأنبياء
وهيئي في الأفق ولائم الوجع في الغياب
أقول...........
أنّك تعيدين لي اكتشاف الحياة
بين النّدى واليأس أنتشر في عينيك
أتدفق فيضا .........واقتنص العشب من حدائقك
أنت يا أنت تلهين في صلب الملائكة
تركت في وجهك عشقي وخطيئتي
وقدسية المعنى...

 كوردستان
14-1-2004

170
الاخرون ومحاربة التجربة الكوردية
جوتيار تمر / كوردستان
14/10/2015
لم يعد هناك ادنى شك بالنسبة للساسة والمثقفين والشارع الكوردي بان التجربة السياسية الكوردية في كوردستان الجنوبية اصبحت مثار جدل واسع بالنسبة للاوساط السياسية الاقليمية والدولية باعتبارها تجربة نمت وتطورت بشكل تصاعدي سريع واصبحت مثالاً يقتدى به، بل ان الكثير من التيارات والاحزاب والحركات في الدول المجاورة طالبت باعتماد نهج وتجربة الكورد للتخلص من الانتكاسات السياسية الداخلية والخارجية لديها.
وبغض النظر عن الصراعات السياسية التي تحصل الان في كوردستان والمتمثلة بصراع الاحزاب حول وضع دستور وقانون للرئاسة في كوردستان وكذلك الازمة الاقتصادية والتظاهرات التي تعم السليمانية ومدنها واقضيتها بسبب تأخير صرف الرواتب ، وصراع الكورد مع بغداد والحكومات العراقية الاتحادية المتوالية من اجل وضع قانون ثابت حول الميزانية وبيع النفط الكوردستاني، فانني اراها اجمالا تزيد من قيمة الرؤية الديمقراطية الكوردستانية باعتبارها اعتمدت لحد الان اسلوباً حوارياً شاقاً ذا وتيرة تصاعدية وضمن اعتبارات لاتمس بالاخر ولاتقوم بتهميشه - حتى ان حدثت بعض الانفلاتات- ، فمثل هذه الاحداث وهذه الصراعات اراها استكمالية لاية تجربة ديمقراطية طالما هي لاتحيد عن الحريات ولاتصل الى استخدام القوة والسلام والتقاتل الداخلي، ولاانكر هنا بان هذه المرحلة جاءت بقفزة نوعية دون المرور بالحرب الاهلية ولكن تلك الحرب نفسها كانت تجربة استطاع الكورد من الاستفادة منها والخروج منها باعتبارات ومفاهيم توحد المسلك وتوجهه نحو اهداف مستقبلية ولعل ابرز تلك الاهداف هو انشأ كيان كوردي مستقل متمثل بدولة كوردية.
ولكن ما يثير القلق حول التجربة الكوردستانية، وفي هذه المرحلة بالذات
هو ان التاريخ يسجل بعض الالتباسات التي لربما تتكرر في الاحداث الكوردستانية، ولعل ابرزها هو التدخلات الخارجية" الدول المجاورة – الاخرون_" ، التي تجد لها بعض البيئات المناسبة والمتمثلة ببعض الافكار النابعة من الصراعات القديمة والتي تسعى لتصفية حساباتها القبلية تجاه التيارات الاخرى، وهذا بلاشك موجود في اغلب دول العالم ايضاً لكنها ربما تظهر بصور واساليب مغايرة، وما يحدث الان في كوردستان بلاشك حسب وجهة نظري الشخصية نابع من هذه التصورات الخلافية القائمة بين بعض التيارات السياسية الكوردستانية والتي تميل بعضها لاجندات خارجية اثرت عليها وعلى سياساتها الداخلية تجاه بعض المواقف التي تلبس في ظاهرها رداءً قانونياً دستورياً لكنها في مضامينها تمثل اشكاليات هذه التيارات تجاه وجود الاخر، وبلاشك بتوجيه خارجي يريد ان يعمق ويثبت قدميه اكثر في المنطقة بالاخص في كوردستان التي اصبحت كعبة اقتصادية بالنسبة للكثير من الدول المجاورة والعالمية لانها باختصار وكما يقولون تقع على بحر من النفط.
اذا فالالتباسات التي تتكرر تتخذ من رموز حركية سياسية وتحاول ان تعيق المسيرة الديمقراطية في كوردستان، وهي لاتظهر الا عندما يصل الكورد الى مرحلة متقدمة من القوة والعالمية وتصبح القضية الكوردية احدى القضايا المطروحة على طاولة المحادثات في الجمعيات الاممية وتظهر اصوات تطالب باعطاء الكورد حق الدولة وحق الحكم وحق السيادة، لاسيما ان اغلب الدول العالمية الكبيرة متفقة على ان الكورد هم الانسب والاقوى والاكثر فعالية في مواجهة احدى اهم ويلات ومصائب القرن الحادي عشر ( الدولة الاسلامية في الشام والعراق" داعش" ), وذلك من خلال قوات البيشمركة الذين استطاعوا وبالتنسيق مع طيران التحالف ان يضعوا حداً لاجتياحات الداعشية للمناطق سواء في كوردستان الجنوبية او كوردستان الغربية وساهموا بشكل فعال من تثبيط همة داعش في المناطق الاخرى القريبة من حدودهم.
اذا لايشك احد بأن الكورد وقضيتهم في هذه المرحلة وصلوا الى مستوى عالمي بشكل اكثر نضوجية واكثر قوة واكثر حضور واكثر تأييد، وهذا ما اقلق دول الجيران" الاخرون"  المتمسكين بحقدهم الازلي ومعاداتهم للكورد تاريخياً قولاً وفعلاً، فبحثوا عن بعض التيارات السياسية لتثير مسائل وقضايا داخلية لااظنها ضرورة ملحة في المسيرة الديمقراطية في هذه الاثناء وفي هذه المرحلة الحساسة بالذات، وحين تجد الدول هذه موطئ قدم اخر لها فانها بلاشك لن تزرع الا الفوضى والقلاقل بين الاوساط السياسية والمثقفة والشرائح العامة مما يخلق نوعاً من الانقسام الداخلي وبالتالي تعيق المسيرة، ولكن بلاشك لن تنهيها ولن تسقطها ولن تمحوها لان التجربة ليست اشخاص وليست مجرد تيارات واحزاب سياسية انما هي تأصيل لفكر قومي كوردي نابع الايمان بان الوقت قد حان للحصول على مكتسبات جديدة ومتقدمة لمواصلة الطريق نحو دولة ستأتي بلاشك.

صفحات: [1]