ankawa

الاخبار و الاحداث => أخبار شعبنا => الموضوع حرر بواسطة: Fadi Alshaqlawi في 01:51 20/12/2017

العنوان: رياضة لعيد الميلاد 2017 للكهنة والشمامسة في كركوك
أرسل بواسطة: Fadi Alshaqlawi في 01:51 20/12/2017
ألقى سيادة المطران رياضة روحية للكهنة في أبرشية كركوك والسليمانية الكلدانية بمناسبة أعياد الميلاد حضرها الآباء الكهنة والشمامسة الانجيليين والمرشحين للرسامة الشماسية  وهذا نص المحاضرة
نصائح لشيوخ الكنيسة     (1 طيم 5/ 17- 25)

للمسيحية جذور عميقة في العمل ضد كل أنانية ونرجسيّة وانطواء على الذات ... لدى الفرد ولدى الجماعة، وهي تنادي بالقيَم والتضحية والصدق والاستقامة والسخاء والتجرّد...، أي يبدو أنها تتقدّم بالاتجاه المعاكس للعالم، وكثيرون يفشلون في التقدّم بهذا الطريق، سبب ذلك في "سوء التغذية"، أي في فقر بما يقوّي تلك القيم فكريا وروحيا. الفكر والروحانية هما بمثابة جناحين لا يمكن الاستغناء عنهما. لذا نفهم تحذير يسوع من "خميرة الفريسيين" أي روح المجتمع (العالم)، فالحياة الاجتماعية لا تحتاج إلى دين، لأنها موجودة في كل الأحوال وفي كل زمان ومكان. وبما أننا في مجتمع متعدّد الأديان والمذاهب نرى الجدل ليس على القيَم وإنما على الفروقات السطحية، فيحلم البعض بعزل نفسه، أو أن يقيم نظامًا خاصا به "مسلما" سنيا أو "مسيحيا" (من جماعتنا)، قادرا أن يعطي الفرد كل ما يحتاج إليه ماديًا ومعنويًا فينظمه "تلقائيًا" (عسكريا)، وهذا نسميه "الانسياق" أو تبعية روح العالم والفريسية.
هذه مسألة قائمة ولا تقعد، ولا أحد يسلم منها. لكن، يبدو لي أنها كلها تدور بأشكال حول "الأنا" (والـ "نحن" الضيّق)، والكل يجادل، أو يفرض رأيه ويلجأ إلى ممنوعات شتّى أو يتذرّع بأخلاقيات وأدبيات وأصول اجتماعية (من زي النساء إلى الرجال)، لكن هذا الجدل غالبا ما يخلو من المنطق أو هي أمور جوفاء لا تبني ولا تطعم ولا تعالج، وهكذا نغرق وراء حالات شاذة كالطلاق وتفكك البيوت والجماعات.
علينا أن نلاحظ أن كل الداعين إلى مثل هذه الضوابط ينطلقون بتشنج من "الأنا" (كم مرة سأعيش؟) ومما يحلمون به فقط لدى مجتمع أحادي، يجعلهم يقعون بالضبط فيما يسمّيه القديس بولس بـ "إعاقة عمل الروح" (1 تسا 5/19) أو إخماد الروح، أي يقتلون موهبة الاندفاع الفردي الخلاق والمبدع. قليل من يفكر عميقاً في هذا الموضوع، في أن يضع نفسه في موقع الحوار وفي طرح موضوعي للأمور، لذا نرى الغالبية غارقة في أشكال "تبعيّة"، ويلجئون إلى ما يشبه البدع في أساليبهم القمعية. لكن المسألة بالتالي تؤول إلى نسيان الله ومعنى الوحي.
أليس الله هو المشكلة كما يقول الممثل دريد لحام (غوار الطوشه) في إحدى مسرحياته: "ليست مشكلتنا مع الله، لكن مع من يعتبرون أنفسهم بعد الله!".
 
بعد هذه المقدمة أتساءل كيف العمل، أو ما العمل؟
الجواب يكمن في نقطتين: - قراءة دور الروح القدس في حياتنا، وهل علينا اعتماد مبدأ الدفاع أم الهجوم؟
 
أولا: لا بد من اعتماد الروح القدس لقراءة الواقع   
كيف يعمل الرابط الاجتماعي؟ ما هي تفاعلات كيمياء الأعضاء في مصالحهم، مشاكلهم، ثقافاتهم، تعاونهم مع بعضهم البعض أو في النفور الذي يسود علاقاتهم؟ فهم حتى إن لم يتذابحوا لكن الكراهية نجدها بينهم، نشعر بها في تصريحاتهم وانتقادهم لبعضهم البعض، في عتابهم وقد يصل ذلك حدًا لا يطاق فيفسد الهواء في كل مكان.
كيف السبيل إلى وضع قانون ناجح لعمل مشترك بين كل هؤلاء؟ (حتى لو أشعلت أصابعك العشرة لهم لا يرضون عنك...).
أمام مثل هذه الحالة هناك خطران: إما نسقط في الكآبة أو في الأحلام المثالية، فليس أحد من الناس حولنا مثالي، حتى يسوع يعرف هذا الأمر فيقول: "وطوبى لمن لا يشك فيّ" (متى 11/6)، أي طوبى لمن لا يتوقف ولا يتردد، أي عليه أن يقبل بي بسبب ضعف انسانيتي وحدودي.

لاحظوا كم يوجد من أحكام مسبقة كثيرة تسود كلامَنا، وهي مطيّة سهلة الركوب (الجحش الناصي في القافلة)، وهذا لا يحتاج إلى ذكاء، إنما يبرّر للبعض أن يتدخل في حياة الناس وهذا أسهل طريق إلى الدكتاتورية. "الأحكام المسبقة" نراها لدى كل الشعوب في مفاهيم مثل رفع شأن الطاعة أو التمايز والأفضلية. أو التركيز على الفرق بين الأبرار -والفجار وعلى الطاهر -والنجس. أو من خلال تفشي المخاوف والوسواس والأفكار الحتمية والقدرية أو الاعتقاد بالمفروض والحظ وبالتالي أهمية الانتهازية (إن لم تكن ذئبا... أكلتك الذئاب)، إلى جانب انتشار الكسل الظاهر والخفي (فكريا وجسميا) والترهّل التي هي سبب أغلب انواع الكآبة والعجز والتراخي. والأحكام المسبقة سببها التسرّع واستسهال النقد والادمان عليه، الذي على مذبحه نستسهل كل شيء ونضحي بكل شيء. فيتغلغل الارهاب الناعم بأشكاله العاطفية والانفعالية ويصبح مرضيًا وهذا هو التعصب يأتي من شدة التركيز على الأنا وعلى رموز خانقة تعمل عمل المخدّر والشلل.
لقد حاولت المسيحية تخليص الفرد من ضغوط المجتمع، بقوة الروح القدس هو ينفخه فيهم، ويدعوهم إلى معارضة ضغط المجتمع والانجراف وراء اندفاعات الناس (حتى الأهل والأقارب) والتخلص من الأصنام التي تعشش بين أفراد الأسرة الواحدة بحيث قال يسوع مقولة رهيبة: "أعداء الإنسان أهل بيته"! (متى 10/36).
تاريخ الشعوب مليء بمثل هذه الأمراض، الجميع قد يصاب بها، فالأحكام المسبقة ناتجة عن الخوف من الآخر واعتباره هو الخطر، زعيم الهند جواهر لال نهرو في مقابلة له قال إنه يخاف من ثلاثة: من الصين (الجارة العدو) ومن الجوع ويخاف من نفسه هو، والأخير هو الأخطر على نهرو!
قال يسوع إن في عين كل منا خشبة، لا بد من إخراجها، نحتاج إلى مثل هذه الرياضة. وهو بنفسه مارسها مع تلاميذه وقال لهم: "تعالوا إلى البرية واستريحوا قليلاً " (مر 6/31). أي تعلموا الانسحاب، والتراجع عن كل شيء، إلى ممارسة التأمل والتدرب عليه، ومراجعة ما نعرف من حسابات، والابتعاد عن الصورة والإطار الشكلي الضيق. والتخلص من كل ضغط يخنقنا ويقيدنا.  لذا دعانا يسوع للابتعاد عن قيود الروابط الاجتماعية، لأسباب منها:
•   عبادة التاريخ قد تتحول إلى صنم، بل حتى الله بالذات يمكن أن يصير صنم، لذا قال يسوع: "من آمن بي يعمل الأعمال التي أعملها، بل أعظم منها" (يو 14/12).
•   حاول يسوع دائما أن يساعد على كسر قيود الروابط الاجتماعية المفرطة: "من أحب أبا أو أما أو... لا يستحقني" (متى 10/37-39).
•   حاول يسوع كشف الذي يزرع التشكيك والبلبلة والاضطراب: من هو عدوي؟ من هو صديقي؟ أين الحنطة؟ أين الزوان؟ ماذا نختار: الغفران أم الخصومة؟ أسئلة ليس الجواب عليها سهلا من دون الروح القدس!

ثانيا: يتأرجح المسيحي بين موقفَي: الدفاع أو الهجوم
نلاحظ أن الكنائس عادة ما تقف في حالة دفاع دائم عن كل ما تحمله فيها. لكن الحقيقية المسيحية تختلف، فالمسيح يدعو تلاميذه للذهاب إلى العالم، إلا أنه لم يكن لديه الوقت الكافي لتعليمنا كيف نقترب من العالم؟ ولم يعطنا تعاريف لما هي الحياة؟ وما هو الوقت وما هي قيمته؟ ولذا اختلف المسيحيون – منذ البداية - فيما بينهم على أمور ثانوية فركزوا على الأعياد، أو على وحدة شكلية أو تناقشوا في حلقات مفرغة على الفرق بين الإيمان والأعمال (مرتا ومريم)، أو اعتمدوا على الرابط الاجتماعي وأنه هو الذي يوحّدنا؟ لكن هل هذا الرابط "الشكلي" هو علامتنا الفارقة بحق؟
إنّ كانت الاختلافات مزعجة للبعض، بحيث هي التي غالبا ما تتحوّل إلى خلافات، وتؤدي إلى شلل في العلاقات بين البشر. لكن عادة مسألة الاختلافات شكلية وتصبح موضوع الاهتمام.
الشكليات توسعت وأصبحت رقمية (virtual) فوقعنا في أساطير معاصرة، من حيث هي كلام وأدوات أيديولوجية ومعتقدات قد لا تعني شيئًا بعد حين (كالاشتراكية والقومية): في حين الإنجيل لا يهتم بالشكليات وإنما بالقيم الأساسية التي قد تتناقض مع الفكر السائد، الفقراء هم السعداء والصغار والمساكين هم أقرب إلى الله، والله ليس كما نتصور... فيحذر الإنجيل من الركض وراء السلطة، "من أراد أن يكون كبيرًا..." (متى 20/26-27)، حسنًا، ليكن كبيرًا وليتنافس، لكن لا من أجل سلطة ما، بل بأسلوب تغيير من هم حوله بخدمة إيجابية! الإنجيل إيجابي جدا حتى على ما نتصوّر قد ضاع (الدرهم والخروف والولد الشقي)، حتى زكا يصبح قديسا والمرأة الزانية تصبح رسولة رحمة الله، إنها الرحمة التي ستنقذنا من مركزية الأنا التي نعاني منها في كل لحظة وكل مكان من عالمنا، وبلادنا تعاني من مثل هذه المركزية وهذا شلل مروع كالمعاملات في الدوائر خير مثال، كل شيء قد يتعطل لسبب تافه...

خاتمة
      لا تحتاج المسيحية كي تحيا، إلى اعتراف الدساتير بها (في البداية رفض المسيحيون الأوائل دستور الرومان فاضطُهدوا، لكنهم بصبرهم غلبوا الرومان، ولما اعترف قسطنطين بالمسيحية خاف بعضهم وهرب إلى الصحراء، لأنهم رأوا أن المسيحية إن بقيت بلا صراع حقيقي ستموت مثل التينة العقيمة، "فنحن لا نحارب أعداءً من لحم ودم، بل أصحاب الرئاسة والسلطان والسيادة في هذا العالم" (افسس 6/12). لذا يمكن القول: "قل لي مع من تتصارع، أقول لك من أنت!".
لقد كان همّ المسيحيين وجوهر رسالتهم في الحياة الاجتماعية إبراز الإيجابي، وحملوا ذلك إلى كل الميادين، وهذا جعلهم يأتون بثمار رائعة. فولدت حالات مسيحية جديدة غير تاريخية ولا اجتماعية ولا سياسية، بل أصبح قدّيسوها كالملح والخميرة منسيين ظاهريا، لكنهم فعالين في اختراع نوع جديد من العلاقة المسيحية. إنها مثل النور الذي لولاه لما كانت الحياة: وهذا هو معنى "أنتم نور العالم" (متى 5/14) وهذا القول تحدي لنا، هذا ليس مدحا أبدا، ولا اعتبارا لنا فقط بسبب انتمائنا وإنما نصير كذلك بإيماننا وأعمالنا.
فكرة أخيرة، عندما نخاطب الناس نقول: "أيها المؤمنون"، والإيمان جزء من ثلاثية هي: الإيمان والرجاء والمحبة، قد نقول أيضا: "أيها المحبون"، لكن الأصعب أن نقول: "يا من لديهم رجاء"!   

كركوك 19 كانون الأول 2017