عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - Zouher Abbod

صفحات: [1]
1
تفتيش مقر الاتحاد العام للأدباء والكتاب فـي العراق للمرة الثانية


القاضي زهير كاظم عبود

يقول الدستور العراقي إن حرية الإنسان وكرامته مصونة، وان لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين والآداب العامة، ويقول الدستور تحرص الدولة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ودعمها وتطويرها واستقلاليتها ، بما ينسجم مع الدين والقانون ، وتعزز قيمتها الإنسانية النبيلة بما يساهم في تطوير المجتمع.
ويقول قانون أصول المحاكمات الجزائية انه لا يجوز تفتيش أي شخص او تفتيش منزله أو أي محل تحت حيازته إلا في الأحوال التي بيّنها القانون، ويقوم بالتفتيش قاضي التحقيق او المحقق او عضو الضبط القضائي بأمر من القاضي أو من يخوله القانون إجراءه، وانه لا يجوز تفتيش أي شخص أو دخول أو تفتيش منزله أو أي مكان تحت حيازته إلاّ بناء على أمر صادر من سلطة مختصة.
وينص قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل على معاقبة الموظف او المكلف بالخدمة العامة بالحبس وبالغرامة  على كل من دخل او فتش منزلاً أو محلاً بغير رضا صاحب الشأن او حمل غيره على التفتيش.
هذه الأمور والقضايا في بلد يحترم القانون ويسعى لأن تسود خيمة  العدالة جميع المواطنين والمؤسسات. 
والاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الممثل الشرعي والحقيقي لجميع الكتّاب والأدباء على اختلاف تخصصاتهم الثقافية والأدبية، ويتمتع بالمكانة الرفيعة والمتميزة في قلوب وضمير العراقيين، لأنه يشكل دورا مهما ورياديا من الأدوار الوطنية المساهمة في بناء  ودعم أسس الديمقراطية في العراق، كما انه يساهم بشكل أكيد في إرساء دعائم الثقافة العراقية، وفي إعلاء دور المجتمع وممارسة دوره في الحقوق والواجبات التي كفلها الدستور.
هذه الحقوق التي لم تنل من رجل السياسة في العراق الاهتمام والرعاية، وركنها جانبا وفشل في التعامل الايجابي مع شأنها الثقافي وبناء ستراتيجية ثقافية مشتركة للمجتمع العراقي وللدولة العراقية، في ظل ظروف دقيقة يطمح فيها الإنسان العراقي لتلمس بناء دولة القانون.
ويشكل مقر الاتحاد العام للكتاب والأدباء في العراق مركزا رمزيا ومعنويا له دلالته الكبيرة،  حيث يضم جميع الأدباء والكتاب في العراق، ضمن اتحاد طوعي ومستقل يحظى بحب واحترام وتقدير أهل العراق، هذا الاتحاد يفتخر بأسماء محمد مهدي الجواهري ومظفر النواب وعبد الوهاب البياتي ومحمد سعيد الصكار وألفريد سمعان وفاضل ثامر وإبراهيم الخياط وغيرهم العديد من الأدباء والشعراء الأعضاء في هذا الاتحاد العريق.
وإذ يتم تطبيق التعليمات التي أصدرها مجلس محافظة بغداد بمنع النوادي الاجتماعية والمطاعم في بغداد من تقديم المشروبات الروحية تنفيذاً لقرار سابق صادر عن مجلس قيادة الثورة (المنحل)، لم يزل سريانه فاعلاً، ويزيد الأمر تعقيداً عدم تجديد  الإجازات القديمة لأسباب متعددة، إلا أن الأمر لا يستدعي القيام بحملات قسرية لتفتيش وكبس مقرات هذه النوادي والاتحادات التي ترتكب المخالفات القانونية حين تنتهي إجازاتها في البيع  ولا تجد لها السبيل لتجديدها، ويمكن للسلطة التنفيذية أن تلجأ إلى إشعارها بادئ الأمر بلزوم استحصال الموافقات الأصولية وفق القوانين النافذة، وعند عدم الالتزام والتقيد بتلك القوانين يصار إلى عرض الأمر على قاضي التحقيق المختص في المنطقة ليتخذ القرار القضائي المناسب.
هذا في حال الالتزام بالخطوات القانونية، غير أن تكرار مثل تلك الغزوات واقتحام مقرات تلك الاتحادات بشكل مخالف للقانون يعرّض الجهات التي قامت بارتكاب تلك المخالفات للقانون ويضعها تحت المسؤولية القانونية، خصوصا وان بعض أصحاب المحال المخالفة تعرضوا للسرقة في وضح النهار، وتلك تهمة مشينة إذا صحت بحق من يقوم بتنفيذ نصوص القانون.
الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق يعد من أعرق المؤسسات الثقافية ليس في العراق فحسب بل  في المنطقة، ويضم بين أعضائه رموزاً عراقية ثقافية لم يزل العراق يفتخر بها، وان تكرار إجراء التحري من قبل الأجهزة التنفيذية مهما كان مرجعها لهذا الاتحاد يشكل علامة سلبية وإشارة لها دلالاتها الخاطئة في التعامل مع الثقافة والأدب والرموز العراقية بشكل لا يوحي بالاحترام والوعي والتقدير.
وإذا كانت لمقر الاتحاد حرمة أدبية فإننا نجد أن الإجراءات التي اتخذتها السلطة التنفيذية في إجراء التفتيش الثاني مساء يوم 17/1/2011 معيبا ويفضح مقدار الجهل وعدم تقدير الثقافة واحترامها من قبل السلطات التي قامت بهذه الإجراءات.
كما ان تنفيذ هذه الإجراءات دون قرار قضائي من قبل الشرطة يضعها تحت المساءلة والمسؤولية، وحيث أن الجهات التي أمرت تنصلت عن المسؤولية، لذا فإن الأمر والمخالفة ستقع فوق عاتق مفرزة الشرطة والأفراد الذين قاموا بالفعل المخالف للقانون.
وفي كل الأحوال فإننا نجد أن هذه الأفعال وبهذا الشكل لا توحي بأن الجهات المسؤولة تقوم بتطبيق القانون بشكل حضاري وإنساني ووفق ما أكده الدستور، بل إنها تقوم بالتطبيق المخالف للقانون في ظل ظروف دقيقة وصعبة ومهمة يمكن أن يتم استغلالها سلبيا.
لم نلمس أن الجهات المسؤولة قامت برصد جهة معينة مرتين لتقتحم المقر وبشكل غير طبيعي لا يشرّف القائمين عليه، فاقتحام مقر الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق بالشكل الذي تم فيه، ووفق الاتهامات الموجهة لايخدم الا أعداء العراق ومن يتسقط الأخطاء التي يمكن أن  تحصل في العراق.
واقتحام مقر الاتحاد العام للكتاب والأدباء في العراق مرة أخرى يدل على النهج الذي تسلكه تلك القوة المنفذة التي تصرفت ربما خلافا للتعليمات والأوامر فوقعت في مطب المخالفات القانونية، إلا إننا  نتمنى ان يكون هناك انسجام بين مجلس محافظة بغداد وبين الأدباء والمثقفين والكتاب في العراق، وكنا نتمنى أن يكون هناك تعاون مثمر من اجل سمعة العراق، وكنا نتمنى ان تكون هناك رؤية واحدة لبغداد المستقبل، وكنا نتمنى ان تكون هناك خطوط مشتركة وبحوث علمية تخدم عودة بغداد كما كانت بهيجة وزاهية وفرحة وعبقة، وان تحل الأزهار والحدائق التي نفتقدها جدا في بغداد بديلا عن الأتربة والنفايات، وكنا نتمنى ان يتعاون مجلس محافظة بغداد مع الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق على إقامة جلسات في حدائق مقر الاتحاد أو على حدائق الزوراء لحل جميع الإشكاليات التي يراها مجلس المحافظة كبيرة، والتي يمكن حلها بالحوار والتفاهم والانسجام بدلا من الاقتحام والتحري والتفتيش وما آلت إليه الأمور.
وهي دعوة لأن نستفيد من هذه الظروف لخدمة العراق، إذا كان رائدنا حقا خدمة العراق والعراقيين.


2
المركز والأقليم

زهير كاظم عبود
حدد الدستور العراقي في المادة الأولى منه  من أن العراق يعتمد نظاما  جمهوريا  نيابيا         ( برلمانيا ) ديمقراطيا أتحاديا ، وهذا التحديد يعرف النظام السياسي في العراق تعريفا دستوريا ، تستند على هذا التعريف قاعدتي الدولة والتي تعني السلطة ، وقاعدة نظام الدولة .
ووفقا لهذا التعريف الدستوري ينبغي أن يتم تحديد الشكل الخارجي للسلطة في العراق ، والوظائف القانونية التي تتعلق بها ، بالأضافة الى الوسائل والطرق التي تتم ممارسة السلطة ، هذه الوسائل التي تتطابق مع حرفية نصوص الدستور .
 فالدستور يعني مجموعة القواعد التي يتم الأستناد اليها في تنظيم المجتمع والدولة ، وتعتبر نصوص الدستور هي المعيار والفيصل في تحديد المطلوب ، أذ لاأجتهاد في مورد النص .
وتختص المحكمة الأتحادية العليا التي حدد الدستور العراقي  شكلها وأختصاصها وعملها في الدستور  ، ضمن المواد من 92-94 ، بأعتبارها تختص بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة ، وتقوم بتفسير القوانين الصادرة عن الهيئة التشريعية ، وتفصل في القضايا التي تنشا عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية ، ويكفل القانون بهذا الشأن حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة ، كما تقوم المحكمة المذكورة بالفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة التحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والأدارات المحلية .
كما تقوم المحكمة الأتحادية العليا بالفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الأقاليم والمحافظات  وتفصل ايضا في الأتهامات الموجهه الى رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء والوزراء ، وتصادق على النتائج النهائية للأنتخابات العامة لعضوية مجلس النواب ، وتفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للاقاليم والمحافظات غير المرتبطة باقليم ، وتفصل في تنازع الاختصاص بين الهيئات القضائية للاقاليم أو المحافظات التي لم تنتظم باقليم ، وقرارت هذه المحكمة باتى وملزمة للسلطات كافة ( الحكومة الأتحادية والأقاليم والمحافظات التي لم تنتظم باقليم ) .
ومن يتمعن في المادة الأولى من الدستور يدرك أن نظام الحكم للدولة العراقية جمهوريا ، وبرلمانيا ، وديمقراطيا ، وأتحاديا ، بمعنى انه يلتزم بالنظام الجمهوري المعتمد على نظام فصل السلطات ( م 47 ) ، مستندا على البرلمانية واعتماد الديمقراطية كأسلوب للحكم  ويتخذ من القاعدة الدستورية للنظام الفيدرالي نابذا الأسلوب القديم في المركزية ، حيث مر العراق بتجربة مريرة خضع خلالها من خلال سيطرة المجتمع القبلي والنزعات المتطرفة الشوفينية في السيطرة القومية ، بالأضافة الى الأنظمة الأستبدادية والدكتاتورية التي مرت على تاريخ العراق ، جعل التطلع نحو الفيدرالية ليس كأسلوب مغاير للمركزية ، وليس أيضا كرد فعل على تلك الأنظمة ، إنما جعل ذلك حلا وطنيا يعالج من خلاله العديد من الأشكاليات والعلاقات الإنسانية مع بقاء العراق الأتحادي ، حيث تحافظ السلطات الأتحادية على وحدة العراق وسلامته وأستقلاله وسيادته ونظامه الجمهوري الديمقراطي الأتحادي .
ومن الطبيعي أن تكون التجربة العراقية الجديدة تطرح أنماطا وأشكالا من العلاقات بين المركز في الدولة الأتحادية وبين أقليم كردستان ، بأعتباره الأقليم المعترف به دستوريا وفق المادة 117  مع الاقرار بسلطاته القائمة كأقليم أتحادي .
أدخال النظام الفيدرالي يعد التزاما دستوريا حديثا للعراقيين ، ومثل هذا النموذج من انماط الحكم لايمكن أن تستقر أو يتم تطبيق خطوطها دون اختلافات ، ومع أن الدستور حدد اختصاصات السلطة الأتحادية في المواد من 110 -115 ، الا انه جعل بعض تلك الأختصاصات متداخلة ومشتركة ، كما في رسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط ولغاز ، وكما في الاثار والمواقع الاثرية والمخطوطات والمسكوكات ، وايضا ما يتعلق بادارة الكمارك وتنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسة وتوزيعها ورسم السياسة البيئية والحماية من التلوث ورسم سياسات التنمية والتخطيط العام ، ورسم السياسة الصحية والتعليمية والتربوية والموارد المائية ، بالأضافة الى النص المطلق الذي حددته المادة 115 من الدستور والذي يقول :
(( كل مالم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية تكون من لاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باليم والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الأتحادية والاقاليم تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهما . ))
أن الفيدرالية تشكل بالنسبة للعراق نموذجا قابلا للتطبيق ومتناسبا مع التعددية القومية والدينية ، ولكن هذا النظام الفيدرالي لايمكن ان ينسجم مالم يقترن بالفعل الديمقراطي ، اذ تبقى الفيدرالية مبتورة وناقصة سواء في المركز أو الأقاليم مالم يتم التقيد بمضمونها ، والعمل على تطبيقها والشروع بالتدريب عليها وممارستها ، الفيدرالية والديمقراطية صنوان لايفترقان ، وكفيلان بحل أغلب الأشكاليات التي تعاني منها الشرائح العراقية ، وبهذا الشكل نستطيع أن نتخلص من الرواسب التي خلفتها الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة على حكم العراق .
ولعل تجربة الأمارات العربية المتحدة ، وهي تعتمد النظام اللامركزي ، ولايمكن انطباق النظام الفيدرالي عليها بوضعها الحالي ،  وسعي بعض الأمارات للتميز ، مع توفير مساحات من الأستقلالية في الحكم والتخطيط ، تشكل تجربة جديرة بالتقدير .
لابد أن يشكل التطبيق الفيدرالي في العراق اختلافا في الرؤى ، وهذا الأختلاف  ناتج عن ردة الفعل بقصد التخلص من جذور الأنظمة الدستورية وأشكال السلطة السابقة ، فالتطبيق الديمقراطي ينسحب على الالتزام بحقوق الإنسان ، وبالتالي الأعتراف والأقرار بحقوق بقية القوميات والأقليات والتجمعات الدينية والعرقية اعترافا يجعلها تنصهر ضمن العراق الموحد ، ويضمن حقوقها الدستورية  والوطنية بما يجعلها تساهم في عملية البناء .
أن الأطار الدستوري الذي وصل اليه العراق لم يكن بناء على رغبة حزبية  أو قرار من نخب سياسية ، وليس بناء على دعوة من طرف من الأطراف القومية ، الأطار الفيدرالي – الديمقراطي كان حصيلة توافق و نضال العراقيين وتضحياتهم ، عربا وأكرادا وتركمان وكلدان وآشوريين والسريان والأرمن ، وهو تعبير عن الأصرار على الحياة المشتركة والتعايش داخل الوطن الواحد .
ونعود الى قضية الأختلافات بين المركز والأقليم ،  فأن مايربك العلاقة تلك المحاصصات الطارئة في تاريخ العراق ، وتلك المفاهيم الطائفية التي لم تزل تنخر بالجسد العراقي ، وتمزق الشرائح ، وتضعف مسيرة العراق الجديد ،  مايربك العلاقة تلك العلاقات الحزبية المتحجرة التي تقيد الحكومة ، فتلغي الكفاءة وتقيد الطاقات وتقدم البديل غير الكفوء الذي لايتناسب مع مرحلة البناء ، معرفة الأختصاصات وطرق معالجتها شرط اساسي لأبقاء العلاقة بين المركز والأقليم علاقة منسجمة وطبيعية ، ومادامنا نعتقد بأننا لايمكن أن نعود لنقطة الصفر مرة أخرى ، بعد أن خلفنا ورائنا حقبة زمنية كالحة وظالمة تركت لنا تخلفا سياسيا واجتماعيا وأقتصاديا وثقافيا ملموسا ، مع ايماننا بعدم قدرة الحزب الواحد أن يعود ليحكم العراق  ولا القومية الواحدة ولا المذهب والدين الواحد ، في بلد متعدد مثل العراق .
أن اللجوء الى المحكمة الأتحادية في حال الأختلاف يمثل تصرفا حضاريا يليق بالعراقيين ، كما أن قوة الدولة لاتقاس بجيشها أو بثقلها الأمني ، ولابمقدار تعسفها ومؤسساتها الأمنية والأستخبارية ، انما بقدر قدرتها على تقديم الخدمة للأنسان العراقي .
الدولة العراقية برلمانية ، ومجلس النواب يشكل السلطة التشريعية ، ويستطيع محاسبة ومراقبة المسؤول مهما كبر منصبه أو صغر ، ونظامنا متجانس الا انه يعاني من امراض لابد أن نتخلص منها   ، وليس لنا الا التمسك بالفيدرالية والديمقراطية بعيدا عن المركزية التي تعني الغاء مكاسب العراق وتطلعاته المستقبلية ، والغاء لحق الشعب العراقي في الخيار الدستوري .
واذا كانت الفيدرالية تعني حق ممارسة سلطة الاقليم لصلاحياتها التي حددها الدستور ، فأن الفيدرالية ايضا تعني تعزيز لوحدة العراق  وليس اضعافا له كما فعلت الأنظمة المركزية .
على أن لاننسى أن الفيدرالية  تعني ايضا نظام سياسي يتنازل فيه المركز عن بعض صلاحياته وامتيازاته لسلطة الأٌقليم ، على إن تبقى بعض الصلاحيات المركزية متفق عليها ومحددة بنصوص الدستور ،  ومنها السياسة الخارجية وسياسة الأمن الوطني والدفاع  والسيادة والسياسة المالية . 

 

3
ليس بالسيف والدم يقوم الدين

زهير كاظم عبود

لم تكن دعوات القتل والإبادة التي يتعرض لها الأيزيديون في العراق جديدة ، فقد تعرضوا على مدى زمن طويل لمثل تلك  الأفعال ومسلسل من  الدعوات والفتاوى التي تبيح قتلهم وسلب أموالهم  ،   نتج عنها المزيد من الضحايا والدماء البريئة التي امتلأ بها تأريخهم الممتلئ أصلا بالظلم والتهميش ، وما من أحد من هؤلاء الداعين الى قتلهم وإبادتهم وضع عقله وحرك حكمته في أن يفكر بالنتائج التي آل اليها وضع الأيزيديين في العراق .
الديانات التي تعاقبت منتشرة  في منطقة كردستان العراق متعددة ، وكل ديانة تأتي لتكمل ما تأتي به سابقتها ، وكل الأديان التي حلت تدعو من خلال أنبيائها ورسلها ومفكريها ومصلحيها ورجال دينها الى المحبة والسلام وعبادة الله الواحد الأحد ، والعديد من تلك الديانات بقيت متجذرة مع تأريخها والمؤمنين بها ،  وكل تلك الديانات شكلت دعوات لإصلاح النفس البشرية وتهذيبها ، لاتقتل .. لاتسرق ..  لاتزني ....فعبادة الإله لاتنسجم مع العمل الإجرامي والدعوات الشريرة ، ومحبة الله تتقاطع وتتنافر مع العمل الإرهابي ، والدعوة الى الله لاتتطابق مع الدعوة للحقد والقتل ، وطقوس جميع ألأديان تعبير عن تذلل المعبود والتزام بقيم الرب ، وأخيرا فأن الله ليس بحاجة الى تلك الدعوات التحريضية التي تؤلب السذج من  الناس لقتال بعضهم والغدر بأخوتهم في الله وفي الإنسانية .
ومامن ديانة قامت بالذبح والسيف والرصاص تمكنت أن تستمر أو أن تنتصر ، أو تفرض سيادتها وشرعيتها على غيرها .
الأديان التي حلت جميعها تساهم في تأسيس وعي أنساني يقوم على الدعوة للسلام والحياة الكريمة والتعاون بين البشر والتمسك بالحرية وإعمال العقل والتحرر من قيود العبودية ، وبالتالي فأنها جعلت الإنسان وليس كائنا غيره من أكرم المخلوقات ، وهو المركز الأساس الذي تتمحور فيه كل قيم تلك الديانات ، حيث أنها موجهه له كفرد وكمجتمع ، هذه الأديان تتسم بالانسجام الإنساني في تلك النظرة والدعوة الى التطبيق العملي في الحياة ، وبهذا فأن التطرف والانحراف عن تلك الأسس يشكل خروجا  ومروقا على تلك الأديان ومتناقضا مع قيمها .
ومن يستمع الى مقولات رجال الدين الأيزيدي ، ويقرأ ما يكتبه أتباع هذه الديانة يدرك انسجامهم مع تلك الأديان في التمسك بالمحبة والسلام  والزهد والتسامح والعيش الكريم ، ومن يطالع كتاب المندائية ( الكنزا ربا ) يدرك ايضا مايؤكده الكتاب المقدس من أن عكازتكم يوم الحساب أعمالكم التي عليها تتؤكأون فانظروا الى ماذا تستندون .
ومن يقرأ التوراة يعرف أن الديانة اليهودية غرست في قلوب أبناؤها تلك الوصايا والأصول الأولى التي حرفها بعض كليا بعد حين  ، وتركوا مبادئ الحق والعدل والمساواة وحقوق الإنسان التي أكدت عليها شريعة موسى  .
فيأتي المزمور التاسع (  الرب ملجأ للمساكين والمقهورين ) فيقول :
ينتقِمُ مِمَّنْ يسفُكُ الدِّماءَ،
ويذكُرُ ولا ينسَى صُراخ المَساكينِ.
تحَنَّنْ يا ربُّ واَنظُرْ إلى شَقائي
على أيدي الذينَ يُبغِضونَني.
أبعِدْني عَنْ أبوابِ الموتِ


 وتأتي المسيحية تتوج تلك الوصايا بمحبة الإنسان لأخيه الإنسان ، وتحقيق المثل العليا في التسامح ونبذ التعصب الأعمى ونشر المحبة والإخاء بين البشر وأن الدين لله والأرض لجميع الناس  .
يقول السيد المسيح (( أحبوا أعداءكم ، أحسنوا الى مبغضيكم ، باركوا لاعنيكم ، وصلوا من اجل الذين يسيئون إليكم ، من ضربك على خدك فأعرض له الآخر أيضا ، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضاً )) .
ويأتي الإسلام بقيم روحية خالدة ، يتحقق معها العفو والتسامح والدعوة للشراكة في الحياة البشرية ، وليس أكثر من قرارات العفو التي أصدرها الرسول الكريم بحق الكفار وقتلة المسلمين وذوي القربى ، وفي معاملته ونظرته لأهل الديانات الأخرى ،  وأن العمل الصالح وأفعال الخير هي المعيار الذي توزن به أعمال المرء يوم الحساب وتضعه الجماعة كمقياس اجتماعي ، وأن الله خالق البشر كرم الإنسان وفضله على الكثير من مخلوقاته ،   وأن الله أمعن في خلق الإنسان وخلقه في أحسن تقويم .
وتأتي النصوص المقدسة في كتاب الله واضحة لالبس فيها تقول :
(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي.....) البقرة/256
(...فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...) الكهف/29
 (لكم دينكم ولي دين) الكافرون/6
 (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) القصص/56
(ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء.....) البقرة/272
 (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء....)النحل/93
(...فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء...) فاطر/8
(....والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) النور/46
(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الممتحنة/8
لقد عرف عن الإسلام بأنه دين محبة وتسامح وسلام وحماية للآخرين ، فأين محل الفتاوى التي  تدعو للقتل  وسفك  الدماء من هذه الآيات الكريمة الواضحة والصريحة ؟ 
ويحل التعصب الأعمى محل كل تلك الوصايا التي جاءت بها الديانات ، ويطغي الحقد العمى والتطرف ليلغي حتى كلمات الله في المحبة والتسامح والتعايش والهداية ، متناسين أنهم ليسوا وكلاء لله الذي يقول يستطيع أن يقول للشيء كن فيكون ، ولو أراد لجعل البشر أمة واحدة وديانة واحدة ، فارضين أنهم أوصياء على دياناته ، مستغلين محبة الناس لله وللأديان ولوصايا الخير والمحبة والسلام ، فينفثوا سمومهم ليحيلوا ألوان الحياة الى سوداء قاتمة ، وأن لون الدم المسفوك نتيجة الذبح بالسيف أو السكين  هو لون دينهم .
ويسعى هؤلاء الى هدم كل جسور التواصل الإنساني بين أبناء الأديان ، ويعمل هؤلاء الى إلغاء كل المشتركات والدعوات للسلام والتآخي يدعون الى الجريمة ، وهم حين يسعون ويحثون ويخططون ويصدرون الخطابات والوصايا والفتاوى ، إنما يسعون الى تهديم أسس دياناتهم التي تتعارض مع تلك الجرائم ، ويرسمون بذلك خطا إجراميا خطيرا يتبرقع بلبوس الدين ويمارس التحريض الإجرامي واستغلال العقول الساذجة والطيبة من البشر ليمرروا عليهم أمراضهم وأحقادهم وتطرفهم .
وتتكلس في عقولهم وقلوبهم كل مخلفات الفجور التي أكدها الله في كتبه ، الحقد والشرور  والتعصب والعبوس والكراهية والحزن والحسد واليأس ، تاركين الى الأبد المحبة وأشراقة الأمل ومبدأ جادلهم بالتي أحسن وأن الدين أيمان واحترام الآخر، وأن الله سبحانه وتعالى منح الإنسان العقل وجعل الناس ألسن متعددة وأجناس وألوان وشعوب ، ليتعارفوا ويتقاربوا ويتحابوا ، كل هذا  من أسس الدين ولو شاء الله لجعل البشر كلهم ديانة واحدة .
ومن كان يرغب في  إكرام  ديانته وعقيدته فليكرمها بطيب معشره وبحسن تعامله وبانفتاحه ومرونته وبإقراره حق الآخر في الحياة ،  ومن كان يريد ذلك بصدق  عليه أن يعكس وصايا الله بإكرام الإنسان دون أن يحدد جنسه أو دينه أو عقيدته أو لونه  أو قوميته أو مكانه ، إنما جعل التكريم مطلقا غير  متحدد يتسع لكل البشر ، وبأن لاأحد وصيا على أحد وأن الله خالق الجميع .
وإذا كانت بذرات التعصب لم تزل في قلوب بعض الناس لم تتخلص منها ، لم يشف غليلها من أنهار الدماء وجثث الضحايا ورؤوس المذبوحين ،  فأن اللجوء الى وصايا الله وكتبه خير معيار وشفاء لذلك الغل الدفين ، بالمحبة تنتشر القيم ، وبالسلام تنتشر الطمأنينة ، وبالوئام ينتشر الآمان .
من يفكر في أن يحرض على قتل الأيزيدية ، إنما يدعو لارتكاب جريمة بشرية ويساهم مع القتلة والمجرمين في ارتكابها ، وعقابه عند الله شديد قبل أن تلتفت إليه الحكومات ومؤسسات الدولة  الرسمية تلاحقه وتحاسبه القوانين  وتعاقبه على فعله  ، من يفكر في إيقاع الأذى على هؤلاء الذين يؤمنون بالله لم يفكر في منازلة غيرهم ممن عبد الحجر أو الحيوان أو الطوطم ، ولم يلتفت الى غيرهم ،  ومن حرض على ذلك متسترا ببرقع الحرص على دين الله إنما يريد تشويه وجه الله وصورة دياناته .
الفتاوى القاصرة التي يطلقها بعض لتكفير الأيزيدية لاتنسجم مع الواقع ولا تتفق مع المنطق ، ومن المحزن أن نشير أن لو كان الأيزيدية أشرار وتغلبت قوتهم الجسدية وشرورهم على عقولهم وقلوبهم لما تجرأ من هؤلاء من يريد يرمي شرار النار عليهم ، لكنها الحكمة وليس الخنوع ، ولكنها المحبة وليس الشرور ، ولكنها الأيمان بالله والتمسك بوحدانيته في القلب وليس بالكلام  .
وإذا كانت الديانة الأيزيدية ديانة  بعيدة عن التبشير ولاتقبل غيرها مطلقا ، فلماذا تشكل هاجس المتطرفين دون غيرها ، وهي كما نعرف ديانة غنوصية ،  حيث يتم التعّرف إلى الله من قبل الإنسان الأيزيدي مباشرة  عن طريق العقل واستقرار العقيدة في الروح ، ولذلك فأن التصوف والزهد والتمسك بأسس التضرع الى الله تطغي على قيمها ، ولهذا فهي  لا تحتاج إلى نبي أو رسول يدلهم على خالقهم ، فكيف يمكن أن يتعرف المرء على مكنونات تلك القلوب المظلومة والمنكوبة والفقيرة .
ليس بالسيف والدم والذبح ينتشر الدين ، وليست بفتاوى التحريض تتقوم الحياة البشرية ، وليس بالأحقاد والأمراض النفسية الدفينة تتعايش البشر على اختلاف دياناتهم وألوانهم وقومياتهم وأجناسهم .
تتحدث كتب التأريخ  أنه عندما حارب المسلمون قبيلة بني النضير اليهودية و أجلوهم  عن المدينة ، كان بعض أبناء الأنصار قد أتبعوا الديانة اليهودية ،  فأرادوا الخروج معهم وأراد أهلهم منعهم, نزلت هذه ألأيه الكريمة تخبرهم بأن لا حق لهم في منع أبناءهم من الالتحاق . وروي أيضا أن رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف أسمه حصين كان له أبنان نصرانيان وكان هو قد أسلم  فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستكرههما على الإسلام فنزلت ألأيه ( لا أكراه في الدين ) . وفي رواية أنهما كانا قد رحلا الى الشام وسأل أبوهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل في أثرهما فنزلت هذه ألأيه. وكل هذه الروايات تعزز نفس المعنى, وهو أن هذه ألأيه الكريمة تنهى المسلمين وتمنعهم من أجبار غير المسلمين على الإسلام, في كل زمان ومكان، فأين منها اليوم فتاوى التحريض على القتل وكراهية الآخر ؟ 
إن الله تعالى أعطى البشر العقل ليميزوا  بين الحق والباطل ، وأن العقل يدعو دائما للفضائل كالصدق والعدل كما ينهى عن العدوان والظلم والإرهاب ، وليس التحريض على قتل أهل الديانات سوى أرهاب فكري وجسدي وعدوان وظلم  ، وهذه الأفعال تدلل على الانحراف في السلوك والخلل في النفس .
سينتهي هؤلاء وأن تمكنوا من إيقاع الأذى والحرقة في سلب الحياة من بعض اليزيدية ، والتنكيل بعوائلهم وأطفالهم ، ستبقى تلك العائلات تنظر الى الله بعين المظلوم للانتقام من الظالم ، ويقينا أنهم يشكلون خطرا ونارا تحت الرماد حتى على تجربة كردستان الفتية في الفيدرالية ، وهم يشكلون الخطر الذي سيداهم معالم الحياة والآمان في ربوع القرى الآمنة التي يسكنها أبناء كردستان من المسلمين أو المسيحيين والأيزيديين ومن الجرجرية والشبك والصارلية والزرادشتية  ومن الكاكائية الطيبين ، وفي أي مكان آخر .
سينتهي هؤلاء وتنتهي معهم فتاواهم  مثلما انتهت من قبل ، وصارت وقائع سوداء تخجل منها الإنسانية والتاريخ ،  وحشرت  أسماؤهم في خانة المجرمين والأشرار الذين يذكرهم التاريخ باللعنات دائما  ، وستبقى الأديان عنوانا للرفعة والسمو والمحبة والتآخي ، ودعوات لإصلاح النفس البشرية وتهذيبها وإرشادها الى ما فيه خير الناس وصلاح المجتمعات ،   وستبقى  قيمها وأسسها الشرعية لاتتغير ولا تنحرف ، وستلتقي جميعها بقواسمها المشتركة ، وبسعيها للحياة الإنسانية المشتركة التي وهبها الله للبشر  ، والتي يريد أعداء الله  نزعها منهم دون وجه حق .
وفي زمن تغيرت فيه الكثير من العقول وتفتحت فيه الكثير من القلوب على الأيزيدية بعد أن تعرفوا على حقيقتها ، وتكشفت حقائق كانت مخفية عن عمد ،  وفي زمن أنتصر فيه الإنسان والمحبة والشراكة على كل تلك النزعات المختلة المطالبة بالدم والموت والذبح ، وفي زمن تنتصر فيه الكلمة والدليل على الخرافة والوشاية ، تبدأ ملامح جديدة ليس فقط للاعتراف بالأيزيدية كديانة عراقية قديمة ، وليس فقط النص الدستوري الذي يكفل لهم ديانتهم وطقوسهم الدينية ، إنما في مواقف العديد من المفكرين والمثقفين وأصحاب الضمائر في اعتبار ألأيزيدية من أبناء العراق لهم ماللعراقيين وعليهم ماعليهم ، ما يستوجب أن نفعل نصوص الدستور نحميهم بالقانون من كل تحريض على قتلهم وإبادتهم أو أي تعسف أو إساءة أو تحقير للشعائر الدينية أو تزوير لحقائقهم الدينية  ، بما ينسجم مع الصورة العراقية الجديدة في شراكتهم بعد نهاية زمن الظلم المرير ، وخصوصا بعد قيام فيدرالية إقليم كردستان التي ينبغي أن تأخذ دورها الايجابي بما يتناسب مع تضحياتهم ومواقفهم وارتباطهم القومي الأزلي  .
أن الخشية من تلك الأصوات التي تتحين الفرص تكشف عن رغباتها وشكل تفكيرها تجاه قضية الإنسان ، وتشكل تلك الأصوات على قلتها خطورة تقل حياة الناس ، وتخلق أسبابا للتطرف والانفلات لسنا بحاجة لها .
وفي عالم يعج بالعقائد لايمكن لأحد أن يفرض عقيدته بالقوة لغاشمة على الآخر ، كما لايمكن أن يتم أجبار أحد باعتناق عقيدة أخرى مهما كانت الأسباب والطرق والتبريرات .
أن التمسك بالحوار والجدل من خلال اعتراف بالأخر والإقرار بحقه الكامل إنسانيا هو الطريق الأمثل والبديل عن سلوك الجريمة والسقوط في مهاوى الكبائر ، والإقناع بديلا عن فتاوى الأوامر الصارمة ، والتعايش الإنساني أقرارا بحق الإنسان في الاختيار والاعتقاد هو الوسيلة التي يجب أن تسود اليوم .
أن أهمية التعايش الإنساني تأتي من خلال وجود قيم ومشتركات بين كل الأديان في العراق ، وهذه القيم المشتركة تعزز التفاهم والتعايش السلمي وتساهم في تعزيز مسيرة البناء الديمقراطي الذي يتيح لجميع الناس حقوقهم في الدستور ويضمنها ،  مثلما يوجب عليهم الالتزام بالواجبات .
كم نحن بحاجة ماسة لإشاعة الطمأنينة في نفوس الناس ، وكم نحن بحاجة لأن نعمل سوية على نشر المحبة وتبجيل الآخر واحترام كل الديانات والعقائد ، وكم نحن بحاجة لأن يحل التسامح بدل الحقد والمحبة بدل الغيرة والحوار بدل فتوى الموت  فالإنسان أغلى ما في الكون وحياته التي منحها له الله لايتم سلبها الا بأمر الله وإرادته ليس له وكيل ولاشريك  ، ولذا يتعين أن تكون هناك مراجعة وجدانية وتدقيق لما يحاول بعض بثه بين أوصال المجتمع تعبيرا عن أمراضهم النفسية والعقد التي ابتلا بها ومشاكلهم العائلية فأسقطوها على أبناء الأيزيدية لم ترتو بطونهم من دماؤهم  .
أن فيض محبة الله يشمل محبة الإنسان ، ومنه يستمد الإنسان حلاوة الأيمان ، ويساهم أيضا في طهارة الروح ، فلا تشركوا الله في رغباتكم وشروركم ، ولا تجعلوا ألأيزيدية ضحية تلك الرغبات المريضة التي ابتليتم بها  ، أن الأيمان لايخرج من الفم ولا يتجسد بالطقوس أنما هو نابع من القلب ، ومستقر في قاع الروح ، الأيمان يعني اليقين ، فهل نستطيع أن نستأصل اليقين من الروح بالتحريض والدعوة الى القتل وإزهاق أرواح الناس  .
أن محبة الله هي محبة الإنسان للإنسان ، وأن الدعاء هو تأصيل لقيم الخير والمحبة ، وأن الصلاة هي تأكيد خضوع العابد للمعبود ، وأن محبة الله والتمسك بديانته الخيرة ، ليس فقط طقوس العبادة  إنما هي  أفعال وأعمال جميعها تدعو للمحبة والأمانة وحسن الجوار والدعوة للتسامي والسلام والتسامح  ليس منها التحريض على القتل ولا التعصب والتطرف وإيذاء الغير  بأي حال من الأحوال .


4
الأديان العراقية القديمة  وقانون انتخاب مجالس المحافظات و الأقضية والنواحي


زهير كاظم عبود


أكد الدستور في الفقرة ثانيا من المادة الثانية على ضمان كامل الحقوق ( الدينية ) لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية ( كالمسيحيين والأيزديين والصابئة المندائيين ) .
وهذا الضمان يتناسب مع أقرار الدستور بأن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ، وهذا التعدد حقيقة واقعة لم تكن تقر بها ولا تلتزم بها السلطات التي تعاقبت على الحكم في العراق .
كما أن المادة 14 من الدستور أكدت بشكل جلي لايقبل اللبس أو التأويل أن العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز ، سواء كان سبب هذا التمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الأقتصادي أو الأجتماعي  ، حيث أن لكل فرد من أفراد الشعب العراقي  الحقوق التي أقر بها الدستور دون مفاضلة ، وتكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين .
ووفقا لهذا فقد أقر الدستور العراقي بأعتباره القانون الأعلى في البلاد بالتعدد القومي والديني والمذهبي ، الا انه لم يجعل تلك التعددية حائلا دون تطبيق المساواة بين العراقيين ، بأعتبار أن الأنسان هو الأساس في هذا الدستور ، بالأضافة الى الأشارة الجريئة والوطنية في الأقرار بالديانتين الأيزيدية والمندائية في الوثيقة العراقية بعد أن تم تغييب هاتين الديانتين في جميع الدساتير السابقة زمنا ليس بالقصير ، مع انهما من ديانات العراقيين القديمة ، بالأضافة الى كتلتهم البشرية التي لايستهان بها ، ووجودهم الفعلي على الأرض العراقية ، مع غبن ملموس لأبناء الديانة المسيحية ، دون أعتبار لمواقفهم وتأريخهم في بناء العراق ،  بالأضافة الى المواقف الوطنية الشجاعة التي وقفها ابناء تلك الديانات مع أخوتهم من ابناء الديانات والقوميات  العراقية الأخرى في التصدي للأنظمة الدكتاتورية والرجعية ، والتفاعل مع الحركة السياسية الوطنية ، وفي تقديم التضحيات  .
ولم تشترط نصوص الدستور مواصفات دينية معينة يتطلبها المرشح لعضوية مجلس النواب أو عضوية مجالس المحافظات ، الا أن تقديم القوائم وفقا للمحاصصات الطائفية والقومية عزلت ابناء تلك الديانات ، وجعلتهم تحت رحمة وسلة الطوائف والملل والأديان الأخرى ،  ولم تمنحهم الفرصة المناسبة للترشيح حتى في مناطقهم ، وبهذا فقد فقد أبناء تلك الديانات حق أدخال مرشحيهم ضمن تلك القوائم  .
أن غلق تلك القوائم بوجه العراقيين من ابناء تلك الديانات لايشكل غبنا وتهميشا ، بل يمثل مخالفة لنصوص الدستور وروحه في أشراك العراقيين جميعا في العملية السياسية دون أن تعيقهم القومية أو المذهب أو الدين عن هذا .
وقد يرد أحد بأن تلك القوائم لم تكن على أساس ديني لتضمن لأبناء تلك الديانات فرصة أو نسبة في الترشيح ، الا أن ماورد بنص المادة    50  من قانون المحافظات يخالف ذلك ، حيث تنص تلك المادة على ما يلي :
 (( المادة (50) تمنح الاقليات القومية والدينية المسيحية المنصوص عليها في الدستور مقاعد في مجالس المحافظات وكما يلي :-
1-    محافظة بغداد (3) ثلاثة مقاعد.
2-    محافظة نينوى (3) ثلاثة مقاعد، مقعد واحد للايزيديين ومقعد واحد للشبك.
3-    محافظة كركوك (2) مقعدان.
4-    محافظة دهوك (2) مقعدان
5-    محافظة اربيل (2) مقعدان.
6-    محافظة البصرة (1) مقعد واحد. ))
أن هذه الأشارة دقيقة وواضحة حول منح العراقيين من ابناء الديانة المسيحية عدد من المقاعد لايتناسب مع عددهم وكتلتهم ووجودهم ، ولاينسجم مع حقهم الدستوري ومساواتهم مع اخوتهم .
كما أن الأشارة الى مقعد واحد للأيزيدية ومثله للشبك في محافظة نينوى لاينسجم مع المنطق ولايتناسب مع كتلتهم البشرية أيضا ، خصوصا أذا عرفنا أن مجلس المحافظة يتكون من (25) خمسة وعشرين مقعدا يضاف إليهم مقعد واحد لكل (200000) مائتي ألف نسمة لما زاد عن ( 500000) خمسمائة ألف نسمة حسب أحدث إحصائية معتمدة وفقا للبطاقة التموينية والتي على أساسها تم وضع سجل الناخبين. 
هل تحقق من ساهم في كتابة القانون عن  عدد الأيزيديين والشبك في محافظة نينوى حتى يمكن أن تكون لهم هذه المشاركة الرمزية البسيطة ؟ ترى هل شارك ابناء تلك الشرائح في مناقشة نصوص قانون المحافظات قبل أقراره وتشريعه ؟
ومن يعرف عن قرب أعداد الأيزيديين والشبك في محيط مدينة الموصل يدرك حجم التهميش والغبن الذي يحيق بهم .
ثم أين غابت أعداد المندائيين في تلك المحافظات التي التصقوا بأهوارها ومياهها التصاق ارواحهم بالعراق ؟
ويسجل مجلس النواب العراقي موقفا لايليق بالعراق ولايحقق المساواة والعدالة بين العراقيين ، وموقف يدعو للقلق والأستغراب من شطب لنص القانوني الذي يتيح لهذه المكونات العراقية تحقيق الحد الأدنى من حقها في المشاركة ، وأن تدارك الأمر بالسرعة الممكنة يمكن أ يزيل مخاوف الشعب العراقي من هذه الخطوة المجحفة ، وبما يجعل هذه المكونات تؤمن حقا بمشاركتها في بناء العراق الجديد ، وتتأكد بشكل ملموس رحيل الفكر الشمولي والشوفيني والمتعصب من العراق .
وفي كل الأحوال نتسائل كيف سينسجم ذلك مع غاية القانون في توفير انتخابات عادلة وحرة ونزيهة لأنتخاب أعضاء مجالس المحافظات والأقضية والنواحي  ؟
أين صار أبناء تلك الديانات وهم يعجنون أرواحهم بتراب العراق ؟ ولماذا نتجاهل حقيقة وجودهم وأعتبارهم جزء مهم وفاعل من أجزاء الجسد العراقي ، وكيف يمكن أن نشعرهم حقا بالمساواة في قوانين تشطب على وجودهم وحقوقهم ، وتهمش الكثير من تلك الحقوق تحت أسباب واهية لايمكن أن تفيد الحياة المستقبلية التي نريدها على الأقل لأجيالنا القادمة التي نتوخى أن لا تصاب بتلك الأمراض التي اصيب بها جيلنا من جراء الحقن المريض الذي مارسته تلك الانظمة التي أضرت بالعراق وبالأنسان العراقي كثيرا ، والتي خلفت بيننا فجوات الطائفية والقومية ووضعت شروخ بين الرجال والنساء وجعلت القيم المتخلفة أعرافا وقوانين ، وصيرت النظرة الى العراقي من ابناء الديانات الأخرى نظرة تحمل العديد من المواقف السلبية  والشفقة والأقرار بالأمر الواقع في خضوع أبناء تلك الديانات الى أخوتهم من أبناء ديانة أخرى ، ويكرس العديد من المحظورات والممنوعات ليس في العمل السياسي ، انما حتى في الوظائف العامة والفرص التي يجعلها الدستور متكافئة للعراقيين ،  وهذا الأمر  لايليق بالأنسان في هذه المرحلة بالذات وفي المراحل القادمة من حياة العراق  .
أن العراق بلد متعدد الأديان والمذاهب والقوميات وهذه الحقيقة ينبغي أن تقترن بمبدأ المساواة التي أكدتها النصوص الدستورية دون أن يؤمن بها العديد من اخوتنا ، والتي بقيت حبرا على الورق دون تطبيق ، ولاقيمة للنص المكتوب دون تطبيق وأيمان حقيقي يشعرنا حقا بأنا متساوين في الحقوق والواجبات .
يجب أن تؤخذ الأمر وفق حقائقها ، وأن لا تتعكز على الرغبات الشخصية التي اكتنفتها العديد من أمراض  زرعتها الحكومات البائدة ، وينبغي علينا أذا كنا نريد أن نؤسس لحياة دستورية وقانونية تسعى الى ترسيخ أسس النظام الديمقراطي – الفيدرالي لعراق موحد ، يجب علينا أن نؤمن أيمانا عميقا بحق العراقيين بالمساواة دون وجود أي سبب يفاضل  في تلك الحقوق بسبب الرأي أو الأفكار أو المذاهب أو القومية أو الديانة أو الجنس .
وإذا كنا نؤمن بالمساواة لحقيقية بين الناس لماذا نلجأ الى المحاصصة الدينية ؟ وكيف يمكن أن نفرق بين العراقيين على أساس الدين أو ا لمذهب ؟ ومتى نبدأ العمل بمعيار المساواة الحقيقية بين العراقيين دون أن نضع حواجز وشروخ تجعل وطنيتهم درجات وفقا لديانتهم أو مذاهبهم أو قومياتهم .
وإذا كانت الغاية الأساسية التي شرع من أجلها القانون أن ينظم عملية الأنتخابات في أختيار مجالس المحافظات والأقضية والنواحي ، وصولا الى أختيار من تراه الناس جديرا بهذه المهمة لخدمتها وأن يكون صوتها في هذه المجالس ، فكيف يمكن أن يكون الاعتقاد الديني حاجزا دون يمنع أن يكون ممثلينا من ديانة أخرى ؟
وإذا كنا نكرس التعامل بمنطق (0 الأقليات )) ، يعني هذا الأمر الأشارة الى الأكثرية ، مع أن الناس متساوية في الحقوق والواجبات ، ولايستقيم مبدأ الأكثرية والأقلية في المواطنة ، فالمسلم والمسيحي والأيزيدي والمندائي وحتى اليهودي هم عراقيين لايختلف أي منهم عن الآخر في الحقوق والواجبات .
وأخيرا الى متى نتبجح بالمساواة في النصوص الدستورية والقانونية ولانؤمن بها في داخلنا لوجود ترسبات لم يستطع بعض منا أن يتخلص منها .




5

بيان من هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق


من يستهدف المندائيين ؟


بشكل واضح وملموس نتابع بقلق كبير أستهداف أبناء الطائفة المندائية في العراق من قبل جهات تحاول أعتماد الجريمة المنظمة لغرض تطبيق مخطط أجرامي كبير ، يستهدف أجبار الباقين على مغادرة العراق والتخلي عن وطنهم وأرضهم وممتلكاتهم .
هذه الجهات الأجرامية التي تتبرقع تحت أسماء سياسية في العراق  ماهي الا مافيات تمتلك الأسلحة الكاتمة والمتطورة ، وجدت أن  الأيغال في قتل المندائيين وأبناء الديانات العراقية القديمة سيفرغ العراق منهم وبالتالي يحقق لهم هدفهم في تشريدهم  وتخليهم عن عراقهم .
إننا في هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق لا ندين ونستنكر الجرائم المرتكبة بحق المندائيين من أبناء العراق فقط  انما نتوجه بالنداء الى المخلصين الغيارى من أبناء العراق ، ومن مواقع المسؤولية  للعمل والتكاتف لكشف هذه الجهة التي ارتكبت جريمة قتل  كل من مهدي عبد الكريم الكربولي وشقيقه كامل عبد الكريم الكربولي والطفل أحمد عبد الكريم الكربولي ، الجريمة الجديدة التي ارتكبها الاوغاد بحق المندائيين الثلاثة الابرار، جاءت لتثير قدرا كبيرا من السخط والريبة والأنتباه، وجاءت لتثير مرارتنا حيث تدخل تلك الجريمة في حرب الأبادة الجماعية التي تتم ممارستها ضد اخوتنا واهلنا من أبناء الصابئة المندائيين ، وهي جريمة  تتطلب القوانين والأديان والشرائع أن يتم أدانة مرتكبيها ومعاقبتهم بما يتناسب مع حجم الجريمة والظروف .
إننا أذ نكرر  ونؤكد على بشاعة الجريمة  وخسة مرتكبيها ، فأننا نرفع الصوت عاليا من أجل التنبيه الى خطورة الفعل والأسلحة التي تستخدمها تلك الجهات لتطبيق منهجها ، وبما عرف وسجل عن سلسلة الجرائم التي تم ارتكابها ضد  المندائيين في العراق  ، فأننا نعتقد أن منهجا أجراميا كبيرا يتم تطبيقه من قبل جهات لاتريد الخير للعراقيين وتحاول أن تشيع الجريمة في سبيل جعل ابناء اهل الديانات العراقية القديمة يتخلون عن دياناتهم أو يضطروا الى مغادرة بلدهم ، وهو ما يحصل اليوم ، وهذا المنهج البالغ الخسة لاينم  الا عن وجود وحوش وبهائم تسلك سلوكا يوجب المعاقبة والملاحقة ولاتقره الأديان والأعراف والقيم ، ونهيب بهذا الجانب كل الغيارى الحريصين على العراق الذي يحتضن ابناءه من المسلمين والمسيحيين واليهود والمندائيين والأيزيديين أن يرفعوا الصوت عاليا والمطالبة بأن تتحمل الحومة مسؤوليتها الدستورية في ضمان حرية العقيدة وحياة الناس وأموالهم وحقهم في التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات ، واننا نطالب الحكومة أن تكشف أسماء القتلة والجهات التي تقف خلفها ومصادر اسلحة الكاتم الصوت التي بحيازتها ، فقد ابدلوا سلاحهم من سيوف الذبح وسكاكين الرقاب الى كاتم الصوت ، وهم الخطر الحقيقي الداهم على أرواح جميع العراقيين دون استثناء .
أن الصمت عن تلك الجرائم بحق المندائيين وبقية الديانات العراقية جريمة وطنية كبيرة ، فمن يستهدف اهل تلك الديانة التي اتخذت السلام راية والبياض طهارة والعطاء للعراق منهجا سوى الإرهاب المتعصب  .
أن ندائنا هذا الى جميع الضمائر الحية في العراق لأيقاف مسلسل الدم والتصفية والأبادة المستمرة لأبناء المندائية ، وكشف أوكار القتلة ومخابئهم وأسلحتهم والجهات التي تخطط وتدفع لهم ، فقد  بلغ السيل الزبى ولم يعد بالأمكان السكوت عن تلك الجرائم بأعتبارها جرائم أرهابية تدخل في نطاق الخل الأمني ، إنما نؤكد بأنها جرائم منظمة تنضوي تحت منهج الأبادة الجماعية للمندائيين في العراق ، وقد تحمل أبناء المندائية جراء تلك المناهج الأجرامية الكثير من التضحيات دون أن نلمس نتائج  في الكشف عن القتلة ومحاسبتهم وفقا للقانون والعدالة .
العار للقتلة  والمجد للشهداء الأبرار .

الأمانة العامة
لهيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب الدينية في العراق
16/9/2008

6
تضاريس الايام التي لم تزل في الذاكرة
قراءة في كتاب تضاريس الايام ليوسف ابو الفوز


زهير كاظم عبود

كنا نتدفأ تحت أشعة الشمس في بيوتنا  ، وهم كانوا يتدفأون على مواقد الترقب والسهر والتعب والحذر  .
كنا ننعم بنومة الفجر فوق السطوح في ليالي الصيف وتحت نسائم أجهزة التبريد  ، وهم يتدثرون في لحف الجبال ووسط الكهوف المظلمة والمكتظة بخفافيش الجبال ورطوبة الصخر ودبيب العقارب ووحشة الليل البهيم  .
كنا ننعم بليالينا التي يضيئها قمر آذار وندى الغبش الطري ، وهم كانوا يكتبون تضاريس ايامهم بعرقهم ودمائهم العبقة .
أولئك من نزعوا هواجسهم وخواطرهم وسحبوا ارواحهم من بيننا ، ليسجلوا هواجسهم وذكرياتهم بنفس اليد التي تحمل السلاح تعلن مقاومتها بجرأة لسلطة الدكتاتور .
اولئك من كتبوا قصائدهم وأرخوا أعمارهم  ونقشوا اسماؤهم على صخور كردستان ، أولئك من رسموا بأشعارهم ولوحاتهم معاني الرجولة ،  ماتركوه من أيامهم شهادات لم تزل تتوهج ، مافقدوه من اعمارهم لم يزل ثرى كردستان أميناً  على أجسادهم .
يقول الكاتب يوسف ابو الفـــوز في تضاريسه هل ستوفق هذه الدفاتر لأن تؤرخ لحياة الانصار ؟
مثقلة اجسادهم ببرد كردستان وبثلوج الجبال التي يتجمد فيها  الصخر ، وتبقى قلوبهم لاتنام ، اضلعهم صارت مكامن للبنادق ، وأحلامهم لم تكن تتعدى موقداً للدفء ورغيف حار من الخبز وعصافير لاتفر خائفة مرعوبة ، وخطوة لاتقع في كمين ينصبه الأعداء ، وشباب لم يمر بمرحلة الشباب ، وجميلات خبأن اعمارهن وزينتهن وتوسدن الكلاشنكوف  .
ليس بينهم من يحمل رتبة الجنرال  ،  غير انهم وزعوا الأدوار والرتب والمهمات دون نياشين  ، مثلما وزعوا الأزهارالبرية  والمحبة والمودة ولفائف التبغ  ، ليس فقط الفكر ما يجمعهم ، انما أنسانية النصير المقاتل ورمزية الدور الذي يؤديه ، هو يعرف انه لن يستطيع أن يغير العالم ببندقيته ، لكنه يؤمن حقا ًانه يشير برمزية خالدة الى من يقول للطاغية نقاتل كل آلتك الحربية بأرواحنا وعقولنا ، فأن سقط أحدنا سيحمله الاخر ليحل محله  ولن ننتهي أبداً .
ينامون جميعا دون نوم ، ويتحلقون حول موقد النار وعقولهم في عفك والعشار وشارع الحبوبي وكورنيش العمارة وسوق الحلة ومدخل سدة الهندية  وقطاع 54 في مدينة الثورة  والسوق الكبير في السماوة وقلعة كركوك ورمان شهربان  وليالي بغداد  وقباب كربلاء وقبور النجف ، وسدة الكوت ، تصطك اسنانهم من البرد متراقصة مع ( سر الليل ) ، غير ان الليل أمين والصباح جميل دون أسرار ،  لكنه يفضح أغانيهم ومسيرهم ، انهم يكتشفون للطبيعة ازهارها البرية ، وقمرها الذي ينير الطرق السينمية ، والحشائش التي تداوي الامراض ونزلات البرد والاخشاب التي تصلح للمواقد والطيور التي تقع في الشباك والذاكرة المتوقدة التي تستعيد كل الأيام الحلوة  ، وقطع النايلون التي تبرقع الكبرة الهزيلة .
حين تصير ارواحهم واحدة فلا يعرفون اسماؤهم ، غير ان لهم لغة يتفاهمون بها ، لغة لاتتحرك فيها الشفاه ، انهم يقرأون ماوراء الجبال والجباه  ، الربايا والكمائن والتوتر والحذر والطلقات الفقيرة والشمس التي يذوب معها الثلج ، والصخور التي ترتوي من منابع ملونة ، فيصير نداها أزاهير برية ملونة مرة اخرى .
يد على زناد البندقية وأخرى على ماتجيش من الذكريات في مركز القلب ، وقصائد مكتوبة فوق أكياس متروكة ومهملة ، وحقائب لاتحتوي على كسرة خبز وأوراق أصفرت من قرائتها ونشرات حزبية تمزقت حواشيها وأنتظار لغد يأتي أو لايأتي .
لكنهم يضعون الوطن بين أضلعهم ينشرون أرواحهم تحت أشعة الشمس ، ونحن لم نزل فاغري الأفواه عمن تركوا أيامهم وتضاريسها بيننا ، وأعلنوا لم يعد بينهم من يهادن ، وصارت لغتهم مع السلطة الغاشمة أحرفاً من رصاص ، ونحن لم نزل تحت شمس الربيع نشاهد التلفاز ونستمع لبيانات الحرب يوميا ونشاهد صوراً من المعركة .
يحلمون بمرق الأمهات وطعم خبز التنور ، غيرانهم يلوكون خبزاً يابساً تكلس حتى صار كالحجر ، مع  ان أيامهم كالصخر .
أن أجمل ألأزهار تلك التي تموت في عنفوان جمالها ، ومابين ارتشافات شاي النومي بصرة وعلب صفيح  فارغة تحولت الى أقداح للشاي ، وحكايات وأساطير ،  وأشجار تهزم الريح لم تزل واقفة في العراء ، تصفر أوراقها غير انها تؤرقها مرة أخرى رغم الام المخاض كل موسم ، أنهم يكتبون أشعارهم فوق ورق الأشجار اليانعة وعلى جذوع الأشجار التي صادقتهم وأحبتهم ، ويدسون دفاترهم فوق صدورهم الدافئة ، انهم فتية أمنوا بشعبهم وبقضيته  ، لكنها النجوم تتساقط ترسم لحظتها الأزلية وتومض ومضتها الأخيرة ثم تغفو .
انها أيامنا وهم يملؤنها وجوه تأتي من كل مرافيء المدن جنوباً وشرقاً وغربا وشمالاً ، أطياف أنسانية تجسد لك الروعة لعراقية ، أديان وقوميات ومذاهب ، يوحدها الأمل والأيمان بالقضية ومسيرة لاتتوقف ، بعضهم يتذكر وثبة وبهيجة وجنان واحلام ومنور  وسكون الروح ، بعضهم يتذكر دفء الامهات اللواتي تحملن الفراق وعذاب مر وشهقة شوق لن يفهمها أكبر العاشقين .
انها تضاريس الأمكنة ، هه رزنه ، مه راني ، دولكان ، كه ر كير ، بيرموس ، روستي ، باراو ، شيرة مه ر ، جبل مه تين ، به رواري بالا ، باشتاشان ،  غير ان حركات ارواحهم كانت تترقب قدوم الهليكوبترات  والجحوش  ولحظة الغدر ، وهم ينتشرون بين الأشجار والصخور يفهمون معنى عناق الأرض  ، احيانا يتدثرون بالثلج فيزيدهم نقاءا وهيبة  ، واحيانا يضللون رؤوسهم بأغصان من شجر اخضرفترقص لهم الحمائم التي ارعبها صوت الرصاص  ، غير انهم لايرون سحنات وجوههم في المرايا ، ولايمشطون شعرهم مثلنا ، فقد نزعوا عنهم التأنق وباتوا يرسمون ايامهم بتقشف عال لما يستحقه منهم السيد  العراق .
قذائف ورصاص وثلج ودماء دافئة تلون الثلج بألوان قوس قزح ، و ضمادات بدائية ممتلئة بالمحبة والرغبة في التواصل عبر وديان وصخور ، وهلاهل تختلط مع الصراخ ، الوطن .. الأنصار .. الحزب .. الضحكات .. الرفاق ..  الضباب ، والشمس التي تفضح الجميع . .. الأيام التي تروح ولاتجيء ، الأحلام التي توقفت بأرادة بشرية خلاقة .
لم تكن مذكرات يكتبها ابو الفوز بلغته السهلة والبسيطة ، ولم تكن بيانات يكتبها نصير في منتصف الليل على ضوء فانوس ، لم تكن اشعار غبش كتبها شاعر عند اول خيوط الفجر والعيون ممتلئة بالملح والنعاس والرغبة في الدفء ، ولم تكن تخيلات وأحلام ، انه يستلها من بين وجوه الأنصار ولحظة الموت التي تراوغهم ، من بين ضحكاتهم وحزنهم وأغانيهم الخافتة  ، أنه يستلها من بين مواجهة جيوش مثل النمل تتسلح بكل الأسلحة ماعدا المحبة فهي عندهم مشروعا وجزءا من أرواحهم وسلاحهم الذي لاينتهي . 
 (( البنادق
والبنات
يتشابهن في استدارة العيون
ودقة التسديد  ))
ويوسف أبو الفوز نصيرا وقاصا ،  يمتلك لغة بسيطة بساطة أهل السماوة ، عميقة بعمق جراحه وتعبه ونضاله ،  وأسمه الكامل يوسف علي هدّاد ، من  مواليد مدينة السماوة  ، الواقعة في قلب الفرات الأوسط  في 20/3/1956 ، التحق بقوات الأنصار الشيوعيين في كردستان العراق ربيع 1982 لمقاومة النظام الديكتاتوري، حتى حملة الإبادة المسماة بـ" الأنفال " في صيف 1988، حيث بدأت رحلته مع التشرد والمنفى والسجون ليستقر أخيرا في فنلندا .
شهادة الكاتب يوسف ابو الفوز التي أستلها من تضاريس أيام الشيوعيين العراقيين الملتحفين بجبال كردستان ، صرخة في فضاء العراق ، وأستعادة لأسماء رحلت تحلق فوق سماوات الوطن ، وأخرى لم تزل تتباهى  بما أعطت من عمرها وأرواحها ، لكل واحد منهم شارة من ضياء يستمد بريقها من نبض الفقراء وعروق الفلاحين وتباشير الفجر الذي يؤذن به المؤذن لصلاة الفجر دون دكتاتور وطاغية ، ودون موت جماعي وقبور تضم كل تلك القوافل من الراحلين ،  شهادة ابو الفوز التي تتجدد أزهاراً من لوز تبرعم ذكراها ، أذ يتوزع الأنصار بيننا دون ضجيج ، لم تزل عيونهم ترقب المستقبل ، يريدونه فجراً طاهراً وحلما لذيذاً ، يريدونه خبزاً لكل الفقراء ودمى لأطفالنا وشمس لكل الناس .
لنتذكر ماقدمه الفتية الذين آمنوا  بشعبهم  ، ولنتذكر الأرواح الطاهرة التي سكنت كردستان وهي تحتضن السلاح ، ولنتذكر لون الدماء الذي أمتزج بثلج كردستان يلونه كما لون القزح العراقي فيزيده بهاءاً ، ونتذكر انهم بيننا يريدون ان يرصوا حجارة العراق الجديد .
تضاريس الأيام في دفاتر نصير للكاتب يوسف ابو الفوز اصدار دار المدى للثقافة والنشر    2002  دمشق .


7
المنبر الحر / من قتل كامل شياع ؟
« في: 23:39 27/08/2008  »
من قتل كامل شياع  ؟

زهير كاظم عبود


لكل جريمة فاعل ، ولكل جريمة سبب ، ولابد من تقليب الأوراق التي تخص قضية أستشهاد الباحث والكاتب كامل شياع بشكل موضوعي ودقيق ، فالقتلة لم يكن بينهم وبين الشهيد خصومة شخصية ، ولاعداوات  عشائرية ، والقتلة لم يكن يقصدون التعرض لأي كان وقتله تعبيرا عن أختلال الأمن وتحديهم للسلطة ، والقتلة لم يمارسوا جريمة القتل سرا أو تحت جنح الظلام أو بعيدا عن القصبات والأماكن المأهولة بالسكان .
تمت الجريمة فوق أرض طريق محمد القاسم ( الخط السريع ) بالقرب  من شارع فلسطين ،  وهو من الشوارع المأهولة والذي يربط أهم شوارع العاصمة ، ولايخلو من مرور السيارات ، غير أن القتلة أستعملوا السلاح الجديد الذي دخل العراق حديثا ،  فكاتم الصوت سوف يستعمل بكثرة في عمليات الأغتيالات الفردية .
السيارات التي لاحقت سياة الشهيد لم تك أختارته بالصدفة ، فقد كانت ترقبه وتخطط الى اللحاق به ، وكانت بالتأكيد هناك أشارات من جهة تعرف حركة الشهيد ، وكان هناك تنسيق بين أكثر من جهة حول التصدي وأرتكاب الجريمة ، وهذه الجهات تعيش بيننا وتزعم أنها تمارس دورا سياسيا ، غير أنها تعرف  غطست في وحول الجريمة وخسة الفعل ، وتلطخت بدماء العراقيين مع أنها شريك في اللعبة السياسية وتزعم أنها تقود العراق .
وأختيار كامل شياع ليس دون معني مطلقا ، فقد كانت معانيه واضحة ، وعبر مقتله ليس خسارة للثقافة العراقية والكلمة الحرة الشجاعة ، إنما كان خسارة للحركة الوطنية في العراق ، فقد كان كامل شياع ابنا بارا ومخلصا للعراق ولمستقبله ، ولم يهادن ولم يستكن ، فقد وظف كل ما كان له من العمر في النضال ضد السلطات الغاشمة ، وتحمل المطاردة والأغتراب والعذابات ، مثلما تحمل شجاعة قراره فى العودة الى بغداد حاملا روحه فوق كفيه ، عارفا انه يمكن أن يضيء طريق العراق الجديد بدمه  .
وليس فقط لأن كامل شياع عضوا في المكتب المركزي في لجنة الأعلام للحزب الشيوعي العراقي ، وليس فقط لأنه أحد  المسؤولين عن تحرير مجلة الثقافة لجديدة التي يعتز بها كل صاحب ضمير حي ووجدان  وطني عراقي  ، أنما كان كامل شياع صوتا معتدلا وداعية من دعاة وحدة المجتمع وتفعيل منظمات المجتمع المدني وترسيخ أسس النظام الفيدرالي الديمقراطي في العراق .
وكان هذا الصوت مقترنا بما عرف عن الشهيد من خلق سامي ، وبما يحمله من فكر وضاء  كان القتلة يرون فيه أشعاعا يبهر عيونهم ويعمي قلوبهم ويدحر افكارهم التي لاتتم قرآئتها الا في ظلام الكهوف وبعيون الخفافيش ، كانوا يريدون أن تندحر أفكاره وتخفت مطالباته بالمجتمع الذي يليق بالعراق ، وكانوا يريدون أن تموت الكلمة الطيبة وتندحر المحبة ليشيع الجدري والجذام فوق وجه العراق ، واستعملوا كاتم الصوت ليس بقصد أن يموت كامل شياع ، فلا أنسان يبقى مؤبدا في حياته ، ولكل أنسان أجله ، ولكنهم ارادوا أن تثقب رصاصاتهم أحرف الكلمات الجميلة فتشلها عن الحركة .
وفي كل الأحوال يكون المجرم متجردا من عمقه الأنساني ، ففي لحظة الجريمة يتجرد الإنسان من أنسانيته ويتخلص من معانيه البشرية ، يتحول لحظتها الى وحش كاسر وخطير تتهيج غرائزه متعطشة للدم وأيذاء الآخر ، المجرم بهيمة من البهائم التي تسرح وتمرح تتبرقع بوجوه بشريه وتتحدث بلسان الناس ، غير أن هناك من يوظفها ويأمرها فتطيع دون أن تتعرف على الأسباب ، تقاد كما يقاد القطيع ، والأهم منها هي تلك الجهة التي تحرك هذه البهائم ، لن يكون كامل شياع الأخير في هذا الدرب ، والمتمعن في تدقيق شخوص الثقافة العراقية ، وفي وزارة الثقافة تحديدا ، فلم يكن الشهيد قاسم عبد الأمير عجام أول الشهداء ، ولن يكون الشهيد كامل شياع أخر الشهداء ، فلم تكن تلك العقليات توظف تلك البهائم تمدها بالمال والسلاح وكواتم الصوت والسيارات الا لأرتكاب  مثل تلك الجرائم  .
ليس صعبا ومستحيلا معرفة القتلة ، وهذه المهمة التي ستتولاها الجهات التحقيقية والمخلصين من   أبناء العراق ، وستكشف القتلة وربما تعرضهم علينا في الفضائيات ، غير أن الأهم أسماء من هم وراء القتلة ؟ من حرك هذه البهائم لتقتل وتشرب من دمائنا ؟  فقد شبعنا موتا وشبعنا تبريرا ووعود  ، وربما كثرت ملفات الجرائم وتم اعدام العديد من القتلة ممن أدانتهم المحاكم القضائية بعد أن توفرت الأدلة كاملة وواضحة ، وبعد أن اكتسبت قرارات الأحكام الصادرة بحقهم الدرجة القطعية ، غير أن تلك القرارات ناقصة ومبتورة وربما تم بترها تتلخص في عدم كشف الأسماء التي دفعت القاتل ووفرت للقاتل وأمرت القاتل ، وتلك جريمتها الأخطر وستبقى .
من هم قتلة كامل شياع الحقيقيين ؟ ومن هم وراء هذه الجريمة الواضحة وضوح شمس تموز في العراق  .
لم يقبل كامل شياع أن يبقى في مدينته الصغيرة والهادئة (( لويفن ))  في بلجيكا ، ولم يتقبل أن يشرب قهوة الصباح  في شقته وعلى انغام  فيروز في التلفزيون ، ولا على متابعة ما يجري من بعيد من فضائيات تدخل البيوت دون استئذان  ،  ولم يقبل أن يبقى يتمشى مع ولده          (( ألياس )) يوميا في حديقة المدينة العريقة والتمتع بأزهارها وأشجارها وبحيرتها الصغيرة ، فظل أن يكون ضمن أهله في بغداد تحت شمسها اللافحة ، وغبارها الذي يعمي الأبصار ، ووسط جدران من الكونكريت تقبض النفس وتحز في  الروح ،  فظل أن يشرب أستكان الشاي من باعته في ساحة النهضة أو العلاوي ،  وان يتسامر مع رفاق دربه وهم يمسحون عرقهم من جباههم بأياديهم ، ولم تكن وظيفة المستشار أكبر منه ، فقد كبرت به بشهادة كل الذين عملوا معه أو تعرفوا اليه .
من هم قتلة رموز العراق وشخصياته الوطنية ؟ ربما نكون بحاجة ماسة للتصارح والتكاشف وتشخيص ألخلل ، ولايمكن أن تستقر الامور ونعيد للعراق بهاه ونقاءه أذا كان القتلة يسرحون ويمرحون ويقررون بيننا ، نحن بحاجة لكشف هذه الأسماء دون أن نضع للأعتبارات السياسية أو المذهبية حضورا في الأتهام ، نريد تشخيصا حياديا لوجه العراق يعين لنا الجهات التي تقتل رموز الثقافة والتنوير والفكر الوضاء والطيبين من ابناء شعبنا ، وخصوصا اولئك الذين يتسلحون بحماية شعب العراق ، وثقتهم عالية بستقبل العراق .
نريد من الأحزاب العراقية الوطنية مراجعة ضميرية ووجدانية في تشخيص المجرم والخلل الموجود في مفاصل حياتنا ، ونحن نزعم إننا على أعتاب زمن ديمقراطي جديد ، زمن يتيح للعلماني واليساري واليميني والوسط والمعتدل والمستقل أن يكون جزء مهم من هذا العراق ، وأن لاجهة تهمش أخرى ولاحزب يقود الأحزاب ، ونريد من الحكومة بأعتبارها حكومة لكل العراقيين أن تسعى بجهد صادق لكشف الحقيقة خلال مدة قصيرة ، وأن توظف كل أجهزتها التنفيذية في سبيل أن تستثمر قضية مقتل الشهيد كامل شياع لكشف حقيقة الأغتيالات الجارية في العراق ، وتسمية القتلة بعد أن تم حجب تلك الأسماء خمسة سنوات سالت فيها دماء عراقية غزيرة ، وفقدنا فيها أرواح عراقية لن يكررها الزمن ، ولن يعوضها القادم من الأيام الا بصعوبة كبيرة ، خسارتنا كبيرة والأنسان اغلى من المال العام ، والمثقف العراقي ثروة لايمكن تعويضها ، والرموز العراقية نتيجة من نتائج المخاض والزمن العراقي المرير ، متحملين كل تجربته ومراراته ، ولايمكن تعويضهم أو ابدالهم بيسر .
من قتل كامل شياع يريد أن يقتل  الضوء في العراق ، ومن قتل كامل شياع يريد أن يحارب الأعتدال والمحبة والسلام ، ومن قتل كامل شياع يفكر في أخصاء شعب العراق ، ومن قتل كامل شياع يعتقد انه يقتل الكلمة الحرة .
وكلنا نعرف انه واهم وساذج فالمحبة والكلمة الطيبة والموقف لايموت بالرصاص ،  وسيبقى شعب العراق وقوافل المخلصين من أبناءه يرفعون شعار المحبة والتآخي والمجتمع المدني فيئا فوق رأس العراق ، وسيصدون رصاص الكاتم من الصوت بأجسادهم فقوافل الشهداء لن تتوقف مادام القتلة وأسيادهم يتسترون بأردية واغطية وأشكال نعرفها جميعا ، ولكننا بحاجة للجرأة لتشخيصها وتوجيه أصابع الأتهام لها ، ليكون القضاء العراقي الذي نثق به دائما هو الفيصل في أثبات الأتهامات وإصدار الأحكام .
كان كامل شياع يريد الحياة ويعرف انه هدف للقتلة ، وكانوا يريدون الموت ويعرفون أنهم يتلثمون وجوها وضمائر ، فهم ميتون ومشطوبين من العراق ، وهو باقي مابقي الإنسان والتأريخ في العراق .
وما يحز في النفس أن تسجل كل تلك القضايا الأجرامية ضد المجهول ، وهو ليس مجهول ، ونعرف يقينا انه ليس مجهول ، وحين نقوم بتوجيه أصابع الأتهام ، وحين تشخص السلطات التحقيقية المتهمين القتلة وتقدمهم الى العدالة  وحين تقول العدالة كلمتها وقراراها ، حينها سترف فوقنا ليس فقط روح كامل شياع وقاسم عجام إنما أرواح كل شهداء العراق المغدورين ، حينها تتبدد لمخاوف من أن يستمر المجهول يتصدى لرموزنا ومثقفينا يقتل ويخطف ويهدد دون رادع ، حينها نطمئن حقا أن الأمن والقانون سيد الموقف .
لامجهول في القضايا الأجرامية ، ولاقضية تغلق لعدم معرفة ألجناة ، ولايمكن القبول بالتستر على القتلة والمحرضين والمخططين ، ولايمكن السكوت عن كل هذا حتى لايستقوي المجرم على القانون ، ولا عدو الشعب العراقي على أبناء العراق المجاهدين ، وحتى لاتستمر لعبة القتلة ونمنحهم فرصة أخرى لأغتيال عدد أخر من أبناء العراق ، علينا أن نطالب الدولة بكشف أسماء القتلة وفضح اسيادهم والجهات التي يتسترون بها ، وهي مهمة وطنية لاتقل أهمية من المصالحة الوطنية ومن سيادة القانون والأمن في العراق  .
ومع أن  رحيل كامل شياع المبكر  يشكل خسارة كبيرة لاتعوض للعراق ، الا انه كان يعرف حقا أنه راحل مع الخالدين .


8
المطالبة بالكشف عن مصير الدكتور أحمد الموسوي

زهير كاظم عبود

الأسم الذي أحبه كل من تعرف عليه عن قرب ، وكل من تابع مسيرته وجهاده من أجل حقوق الأنسان والديمقراطية في العراق  ، ذلك هو الدكتور أحمد الموسوي الناشط في الدفاع عن قضايا حقوق الأنسان ، والمعارض لنظام الدكتاتورية ، والدي عرفته الأوساط السياسية والأجتماعية العراقية في سوريا بأخلاقه وطيبته وكرمه وسماحته وأستعداده للدفاع عن قضايا المظلومين والمضطهدين .
تمكن أحمد الموسوي أن يسجل سفرا خالدا من النشاط الأنساني وترسيخ تلك القيم الثابتة في الدفاع عن حقوق الأنسان وحريته في كل مكان ، وسخر أمكانياته الأكاديمية وشهادته في القانون من أجل تلك المهمة النبيلة ، وتمكن الدكتور الموسوي من تشكيل الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الأنسان في سوريا ، وأصدرمجلتها الأنيقة التي تضم البحوث والدراسات المتخصصة في مجال حقوق الأنسان .
كما ساهم الموسوي في كتابة المقالات الصحفية في صحافة المعارضة العراقية ، بالأضافة الى حضوره الفاعل في المؤتمرات القانونية والمتعلقة بحقوق الأنسان ، كمدافع مقتدر عن تلك الحقوق ، ومتابعة قضايا العراقيين وتقديم العون القانوني في الدفاع عن قضاياهم دون كلل .
ومن خلال تلك القيم والمباديء التي يؤمن بها الدكتور أحمد الموسوي ، صار أحد أعداء الأٍرهاب والقمع والطائفية وأحد دعاة تأسيس دولة القانون والمجتمع المدني ، وجاهد بالكلمة الحرة والمستقلة الى تأسيس الدولة المدنية التي تضمن للأنسان كرامته وحقوقه المشروعة .
وبذل الموسوي جهدا كبيرا في سبيل ترسيخ قيم المحبة والتعايش السلمي بين الأطياف العراقية ، كما ناضل من أجل تأمين حقوق القوميات والديانات العراقية دون استثناء ، وبعد سقوط الدكتاتورية وجد الموسوي ضرورة أن يكون في العراق ليسجل تجربته التي يؤمن بها ميدانيا ، معتمدا على تلك الحزمة من المحبة الأنسانية التي تحيط بعمله وبشخصه من العراقيين .
وحقا كان الموسوي مكتسبا  محبة وأحترام جميع الأطياف السياسية ، حيث مدد علاقاته بينهم دون حواجز ، فصار ابنا بارا بالعراق وصوتا قويا مدافعا عن حقوق الأنسان ، ودخل العراق مسجلا حضورا متميزا بالأضافة الى تجسيده القيم والمباديء التي كان يؤمن بها على الواقع ، ولم يزل مدافعا عنيدا عن تلك الحقوق التي مسختها الطائفية وداسها الأحتلال وتناساها بعض المسؤولين ، وكان الموسوي صوتا مجلجلا دون هواده ودون خشية من أية جهة مدافعا وفاضحا تلك الخروقات والأنتهاكات التي اراد اجتثاثها من قاموس العراق مع مجموعة من زملاءه من الحقوقيين .
وفي ليالي العراق السوداء حيث انتشرالجراد يريد الخراب ويحاول أن يأكل ثمار الزمن الجديد ، وقي تلك الأيام حيث كان الموسوي يتسلح بالكلمة الطيبة وبالمحبة ، ومتجردا من كل الأسلحة سوى ضميره العراقي ، تمكنت تلك الزمر الشريرة من أختطافه يوم 18/3/2006 ، لتشكل حادثه الخطف جريمة جديدة بحق العراق ، ذلك أن احمد الموسوي أبنا بارا بالعراق لاينتمي لأية جهة سياسية ، ولايتسلح بالطائفية ، وليس له مسلحين يحمون ظهره ، ولايؤمن الا بالمحبة والخير والسلام للجميع ، تم  اختطافه لأنه ضد الأٍرهاب وضد الشر والطائفية ، وتم اختطافه حتى يمكن ان تسكت الكلمة الطيبة والمدافعة عن حق الأنسان في الحياة  ، وتم اختطافه لأنه بات يشكل خطرا على المجرمين والعصابات المسلحة وصوتا محبوبا ومقتدرا بين الأصوات .
غير أن اللافت للنظر أن الدكتور الموسوي تم اختطافه في واضحة النهار وفي وسط مدينة بغداد – منطقة المنصور تحديدا – ومن قبل مسلحين يرتدون الزي الحكومي وتحت معرفة وسمع وبصر قوات الشرطة في المنطقة ، وبالرغم من كل النداءات التي وجهها الخيرين من ابناء العراق ، لم تحظ قضية أختطاف الدكتور الموسوي بتلك الأهمية والتدقيق لمعرفة مصيرة ، وما يحزن النفس أن يتم تناسي مصير تلك الشخصية الوديعة والمدافعة الأمينة عن حقوق الأنسان ، والمعارضة للنظام البائد ، والمعاون الأصيل لعدد كبير من العراقيين الذين تبوأ الكثير منهم اليوم  مواقع المسؤولية .
ويشكل مصير الدكتور  أحمد الموسوي مطلبا شعبيا عراقيا ذلك ان قلقا كبيرا يساور النفوس في مصير الدكتور الموسوي ،  نجد من الضرورة أن تلتفت الحكومة اليه والأهتمام به لمعرفة الجهة التي قامت بأختطافه والتحقيق الجدي لمعرفه مصيره ، ونعتقد بأن العمل الجبان والبعيد عن الأخلاق العراقية الذي قامت به مجموعة الخاطفين مهما كانت الجهة التي يمثلونها يشكل لطخة في جبين العمل السياسي العراقي ، فقد كان الموسوي أعزلا متسلحا بالدفاع عن حقوق الأنسان في العراق بغض النظر عن القومية او الدين او الطائفة ، كما كان يشكل عنصرا مشتركا للعديد من الكيانات السياسية ،  وصديقا مخلصا للعديد من السياسيين العراقيين ، وأن ما قامت به تلك الجهة تعبير عن تدني عقلية مسؤوليها وانحدار الفعل الذي قامت به في اختطاف الدكتور أحمد الموسوي .
أن شيوع ثقافة العنف والجريمة المنظمة ، وأعتماد عمليات الخطف وتصفية الخصوم يتناقض مع  أدنى مستويات العمل الأخلاقي في السياسة ، ويوجب التصدي لتلك المناهج التي تشيع الخراب وتنشر الحقد والكراهية بين العراقيين ، ونجد ان على المسؤولين اليوم مسؤولية أخلاقية وضميرية تستدعي الأهتمام بمصير هذا الأنسان ومتابعة قضيته ومن ثم نشر تفاصيل التحقيق على الشعب العراقي والحقوقيين المهتمين بهذا الجانب ، سيما وأن العديد من الزملاء الحقوقيين تضامن في أصدار بيان يطالب به الحكومة والقوات الأجنبية الأسراع في معرفة مصير الدكتور أحمد الموسوي ، ومنهم كل من المحامي حسن شعبان من منظمة حقوق الانسان والديمقراطية، المحامي ضياء السعدي من نقابة المحامين العراقيين ، الدكتور احمد علي ابراهيم من المجلس العراقي للسلم والتضامن، اميرة بهنام من جمعية الامل العراقية، شروق العبايجي/المعهد العراقي، الدكتور سامي اسماعيل/نقابة الصيادلة، ساجدة نعمة/شبكة النساء العراقيات، طالب فليح الواسطي/جمعية الصداقة العربية الكردية، حاتم السعدي/ الجمعية العراقية لحقوق الانسان، المحامي محمد حربي الجنابي/ الجمعية العراقية لحقوق الانسان، وصباح المندلاوي/صحفي وكاتب ، ولم تزل أصوات أخرى تطالب بمعرفة مصير الدكتور أحمد الموسوي .
كما ناشد الحقوقي محمد عنوز الحكومة والأصدقاء لمعرفة مصير الدكتور الموسوي وفك أسره من عملية الأختطاف المشينة منددا بتلك الفعلة الخسيسة .
وبالنظر لحجم الجرائم المنتهكة في العراق ، وازاء تصدي الحكومة لتلك المجاميع التي تشيع الجريمة وتسعى لعرقلة المسيرة ، ينبغي على الحكومة أن تبذل كل الجهد والتدقيق في الحادث  من اجل معرفة مصير الدكتور الموسوي ، وان تعلن للرأي العام الجهة التي كانت وراء عملية الأختطاف حتى الناس  على بينة منها ، وحتى يعرف اهل العراق حقيقة تلك الجهة التي تتبرقع بالعمل السياسي وتحاول ان تكون جزء من السلطة ، في حين انها تنتهك ليس فقط حقوق  الأنسان ، انما تمارس الجريمة في وضح النهار .
أن عملية أختطاف الدكتور أحمد الموسوي لها دلالة كبيرة ، وتشير الى خطورة في المناهج المعتمدة من قبل الطرف الخاطف ، ودلالة تلك العملية لاتكمن في الخطف الذي باتت تمارسه ليس فقط مجموعات الجريمة المحترفة والمنظمة ، بل تمارسه جهات تزعم انها تمارس العمل السياسي ، وهو منهج لايقل خطورة وترديا من منهج السلطة البائدة ، وخطورة تلك العملية تكمن في انها طالت مدافع أمين عن الحقوق المدنية والسياسية للأنسان في العراق ، ذلك أن أختطاف هذا الأنسان وفي وضح النهار وسط بغداد في مدينة المنصور قرب نقابة المحامين وأمام أجهزة الدولة يشكل انتهاكا صارخا وتحديا سافرا للشعب العراقي .
ويشار الى أن الجمعية العراقية لحقوق الأنسان عقدت مؤتمرها في بغداد وبأشراف وزارة حقوق الأنسان ، وتم انتخاب مجلس للأمناء ، واجتمع مجلس الامناء وانتخب الدكتور احمد الموسوي امينا للمجلس والمحامي ضياء السعدي والمهندس فائق السعداوي نائبين لامين المجلس من بين اعضائه، كما انتخب مكتباً تنفيذياً  كل من الزملاء التالية اسماؤهم: حسين جاسم الزكم، حاتم كريم السعدي ، احمد صادق الموسوي، سعاد محمد علي المهداوي ، اميرة بهنام سلو، سناء محمد شرهان ، محسن محمد ولي، طالب فليح الواسطي وصلاح كريم محمد.
وسجل الموسوي أسهاما كبيرا في ثقافة حقوق الأنسان وتعريف المواطن بحقوقه المنصوص عليها في الأعلان العالمي لحقوق الأنسان عبر النشرات الدورية ومتابعة الأنتهاكات التي تتعرض لها تلك الحقوق ، وكانت تلك الجمعية التي شكلها في اوائل الثمانينات ركيزة فاعلة ومؤسسة قائمة تناضل جنبا الى جنب مع كل الأحزاب والجمعيات والشخصيات العراقية الوطنية ضد النظام البائد . وبهذا نجدد المطالبة ونضع صوتنا مع اصوات الآخرين في المطالبة بالكشف الجدي عن مصير الدكتور أحمد الموسوي .


9
الطاقات العراقية الوطنية .. البروفسور كاظم حبيب أنموذجا

زهير كاظم عبود

يزخر العراق بالطاقات والكفاءات الوطنية ، ولطالما تباهينا بتلك الأسماء التي طرزت حروفها في تأريخ العراق الحديث ، ولانريد أن نستعرض حجم التهميش والأقصاء الذي مارسته سلطة الدكتاتورية على طاقات وكفاءات  وعلماء العراق ، ومدى مساهمتها الأكيدة في لجوء الأعداد الغفيرة والكبيرة منهم الى دول العالم ، فقد خططت تلك السلطة لتهميش دور العلماء والمفكرين وعزلهم وتحجيم امكانياتهم لأعتمادها على الفقاعات الأعلامية وتمجيد القائد الأوحد وسياسة الأقصاء والقائد الضرورة ، كما ساهمت في دفع اعداد أخرى منهم الى مغادرة العراق بحثا عن لقمة العيش التي احجمت تلك السلطة أن توفرها لهم ولعوائلهم وبما يليق بمكانتهم العلمية والأجتماعية ، في ظل ظروف اقتصادية قاسية ومفتعلة ،  بالأضافة الى أضطرار العديد منهم تحت ضغط الملاحقة والمطاردة والأغتيالات والسجن الى الهروب من سجن الدكتاتورية الى فضاء أكثر أمانا وتقديرا .
وبعد سقوط الدكتاتورية لمسنا ذلك الخراب الشامل في كل مناحي الحياة السياسية والأقتصادية والقانونية والأجتماعية وحتى الرياضية ، وصار لزاما على المؤسسات المعنية أن تدرك حجم تلك الخسائر والخراب القائم بجدية ، وان تسعى الى ترميم ذلك الخراب وتأسيس بناء شامل ومتين لأسس عراقية جديدة تتناسب مع الوجع والهم العراقي .
هذا الالزام ينبع من الموقف الوطني والحرص على العراق مستقبلا  ،  لتأسيس دولة    دولة القانون والمجتمع المدني ، وحرصا على المشاركة الوطنية في أصناف  المناحي التي يحتاجها العراق بشكل ضروري ،  وهذا الحرص لايمكن ان ينسجم او يتوافق مع الطائفية والمحاصصات التي أضرت بالعراق وسيكبر ضررها حتما في السنوات القادمة اذا بقيت منهجا تلتزم به تلك المؤسسات والسلطات التي تتعاقب على استلام سلطة الحكم في العراق .
ولعل البروفسور كاظم حبيب غني عن التعريف في المجال السياسي بعد ان خبر العمل  السياسي طيلة عقود غير قليلة ، فقد خبر هذا العمل ناشطا وقائدا في حزب عراقي وطني يشهد له التاريخ العراقي بذلك ، ولانريد التعرض لمسيرة البروفسور كاظم حبيب في هذا المجال الضيق ،  فقد ساهم وقدم كل ما يمكن ان يقدمه في سبيل تحقيق الحلم العراقي الديمقراطي الفيدرالي ، بالأضافة الى دفاعه عن حقوق الأنسان والقوميات والأديان العراقية ، وحضوره الدائم والنشط في الكتابة والتأليف والفكر  .
ويعرف العديد حقائق ملموسة عن هذا الأسم ،الا أن ما يهمنا  في هذا المقال  الأشارة الى قدرة البروفسور كاظم حبيب  على تشخيص المفاصل المهمة في عملية التخطيط الأقتصادي ، فقد ساهم البروفسور حبيب بتدريس الأقتصاد فترة ليست بالقصيرة في الجامعات العراقية والعربية ، وقدم أبحاثا ودراسات لايستهان بها في هذا المجال ، بالأضافة الى ما يتطلبه منه التحليل السياسي والموقف الوطني من تشخيص للواقع الأقتصادي ، فقد نهل من مدارس فكرية وأكاديمية تعني بالبحث العلمي والواقعي .
ونجد أن الحاجة اليوم تستدعي الأستفادة من تلك الطاقة الوطنية ، وان يستفاد العراق من تلك التجربة التي اكتسبها البروفسور كاظم حبيب لحاجتنا الماسة لتلك الطاقات العراقية ، وحتى تكون المساهمة والتشخيص مستندا على أسس علمية وواقعية تخدم العراق حاضرا ومستقبلا ، وليس البروفسور كاظم حبيب وحده معنيا بهذا المجال ، انما يشكل أنموذجا عراقيا خالصا ،  لأن الطاقات والكفاءات العراقية المنتشرة في أصقاع الأرض مدعوة للمساهمة في ترصين اسس العراق الجديد ورسم معالم طريقه ، وأن يتسلح العراق بها لترسيخ اسس ومعالم طريقه الجديد للمستقبل ، وهذه الطاقات يجب ان يتم استدعائها والأجتماع بها أو تسميتها حتى يمكن أن تكون مساهمتها تصب في عملية التخطيط والتطبيق لمعالم الطريق الأقتصادي الذي يستوجب العراق أن يسلكه ويلتزم به في سياسته الأقتصاديىة .
حيث يعاني العراق من التضخم والبطالة ما يستوجب الأسراع في التخطيط وأصدار القوانين والخطط الكفيلة بالمساهمة في أنهاء هذه الافات التي تعيق الحياة العراقية وتساهم في أيقاف عجلة التطور .
وأضحى العراق بأمس الحاجة الى برنامج الأصلاح الأقتصادي الذي ليس لأحد ان يرسمه ويتلمس معالمه سوى الطاقات والكفاءات العراقية بعيدا عن الروتين والمعاملات التقليدية والتعكز على أنصاف الحلول  ، حتى يمكن تجنب كوارث تلك الافات مستقبلا ليتعافى الأقتصاد العراقي بعد ذلك الخراب الذي حل في الجسد العراقي .
ولهذا نجد ان جميع مفاصل الأقتصاد العراقي بحاجة ماسة الى أبحاث ودراسات وتخطيط ، من نظامنا المصرفي وقوانين النقد الوطني والأجنبي مرورا بالسياسة النقدية وعمليات الأنفاق الحكومي والتجارة الخارجية ، وأنضمام العراق الى المنظمات التجارية العالمية والأسواق تبعا لحاجة العراق ومصلحته  ، والسياسة الزراعية وأصلاح الواقع الزراعي ،  والأتفاقيات التجارية والأقتصادية بشكلها العام ووفقا لما تبديه تلك الطاقات العراقية من استشارة ودراسات على أرض الواقع بدلا من السياسة العشوائية المبنية على سياسة رد الفعل .
ومن منظار الحرص على العراق ومستقبله ، وبغية تمكين الأنسان العراقي الأستفادة من تلك الثروات والأمكانيات الهائلة التي يعطيها العراق لأبناءه ينبغي التفكير مليا في مصلحة الشعب العراقي وتشكيل هيئة مستشارين علمية من خيرة الكوادر الأقتصادية للمساهمة في تفصيل هذا الأمر ، لأن العالم اليوم يتسابق من أجل تقديم أفضل السبل التي توفر للأنسان ما يتناسب مع الدخل والثروة الوطنية ، ولأن الدول تتسابق من اجل تعزيز أسس الرفاهية للأنسان  والتقدم والتطور الأقتصادي للمجتمع  في كل المجالات وفقا للتخطيط العلمي المدروس والمتناسب مع حاجة العراق في الوقت الحاضروفي المستقبل .
كلمات عديدة تمر علينا في حياتنا اليومية غير أن اهميتها تكمن في تفاصيل التخطيط الذي يجعلها رصينة ومتينة وثابتة مرتكزة على أسس عراقية ، منها أقتصاد السوق وحماية المستهلك وتوفير السلع التي تهم تهم حياة المواطن ، وتوفير المواد الغذائية الأساسية الجيدة للعائلة العراقية ،  وسعرصرف  الدينار العراقي ، وسعر الفائدة ،  ودعم الناتج الوطني ، والأستثمار الأجنبي وما يستطيع الأقتصاد العراقي من توفير فرص وشروط تمهد وتسهل المستثمر الأجنبي أن ينجذب ليستثمر في العراق ، وآليات خطط استعادة القدرة الذاتية على الأنتاج الزراعي والصناعي وتبسيط الأجراءات في عمليات الأستثمار الوطني وقيام المشاريع الأنتاجية العراقية ، وغيرها العديد من العبارات التي تدركها العقول ألأقتصادية .
وحين نجد أن أسم البروفسور كاظم حبيب أنموذجا للعقل الأقتصادي العراقي الذي تتحتم المصلحة الوطنية الأستفادة منه ومن تجربته وكفاءته الملموسة ، فأننا نشير الى جميع الأسماء الوطنية التي يحتاجها العراق اليوم ، بل يكون بأمس الحاجة اليها ، وهي لاتزاحم أحدا في منصب او مركز ، وهي لاتحتاج الى شهرة أعلامية او رسمية ، بقدر ما تكون جزء فاعل ولايتجزا من العراق ، ونشعر أن فائدتها الكبيرة وتجربتها العميقة في مجال أختصاصها لم يتم استغلاله وطنيا ، ولم يتم الأستفادة منه في المساهمة بترصين أسس الأقتصاد العراقي ، والموقف الوطني اليوم يدفع لمثل هذا الالزام في تمكين تلك الأسماء المساهمة في رسم معالم الأقتصاد .
أن اقتصادنا اليوم يعاني العديد من العلل والأمراض المزمنة لتي آلت الينا من السلطات التي ساهمت في ضياع  الأنسان العراقي والتفريط بأنسانيته قبل أن تفرط وتساهم بتضييع ثرواته ، ولهذا فأن السوق العراقي اليوم يقوم على أستيراد جميع البضائع من دول الجوار واستهلاكها ، وبهذا فأنه يعتمد اعتمادا كليا وباتا على تلك المصادر ، لأن الناتج  الوطني العراقي يعاني من القصور والشلل وغياب الدعم والضعف الملموس ، وتحول الفرد العراقي  من مساهم في عملية الأنتاج الى مستهلك ، وبات الأنسان العراقي يعتمد في حياته على تلك السلع الرديئة التي يتم استيرادها دون ضوابط اقتصادية أو تجارية ، بل ان العديد من البضائع المستوردة فاسدة ورديئة ولاتتناسب مع الحياة العراقية ، مما يتطلب الأنتباه لهذا الجانب ، بالأضافة الى تردي الواقع الزراعي في العراق نتيجة السياسات المتخلفة والفاشلة التي تم اعتمادها سابقا ، ويتحتم الأمر أعادة الأمر في تلك السياسات والمخططات بما يعيد للعراق مكانته في الأنتاج الزراعي ، حيث يزخر العراق بكل مقومات الأنتاج الزراعي التي توفر للمواطن حاجته اليومية من الغذاء ،   وتساهم في أستقرار السوق والحياة الأقتصادية بشكل عام .
والبروفسور كاظم حبيب  أحد المساهمين بفاعلية كبيرة في الدفاع عن حقوق الأنسان ، ودرس الأقتصاد في جامعة برلين ،وحصل عل  البكلوريوس والماجستير منها ، ثم حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من نفس الكلية ، وفي العام 1973 نال شهادة الدكتوراه في العلوم . وعمل أستاذا في الجامعة المستنصرية ببغداد  اكتسب خلالها محبة الطلاب وأعجابهم ، ثم نقل عضوا في المجلس الزراعي الأعلى ، بعد مغادرته العراق تخلصا من الأعتقالات والتعذيب الذي مارسته السلطة الصدامية عمل في معهد العلوم الأٌقتصادية  ومعهد الحقوق بالجزائر ، وشارك مقاتلا السلطة الدكتاتورية الصدامية  في قوات الأنصار في كردستان العراق ، وأصدر العديد من الكتب والدراسات والبحوث في الأقتصاد والسياسة وفي مجال حقوق الأنسان والدفاع عن الديانات العراقية القديمة .
وتميزت البحوث التي قدمها البروفسور كاظم حبيب بالرصانة والواقعية والعلمية ، كما قدم معالجات سديدة من خلال وجهة نظره في واقع الأقتصاد لمنطقة كردستان العراق ، ويساهم بشكل مؤثر في تشخيص معالم الطريق العراقي الجديد .
ونجد ان هذا النموذج العراقي الذي شردته الدكتاتورية عن بلاده ،ولم يتوقف عن العطاء للعراق  مع ما يحمله من أمكانيات يمكن ان تساهم بشكل أيجابي في انعاش اقتصادنا العراقي ومعالجة الخلل والخراب الذي أصابه ، وبهذا فأنه مع مجموعة الخبراء والعلماء يشكلون الثروة العراقية التي ينبغي عدم التفريط بها ، والتي يجب الأستفادة منها بأي شكل من الأشكال حرصا على العراق اليوم ، وعلى مستقبل الأجيال القادمة  .



10
الإطار الديمقراطي لقوانين  ثورة 14 تموز 1958

زهير كاظم عبود


في ذاكرة كل شعب من الشعوب ثمة تأريخ محدد يشكل علامة فارقة في حياته وتأريخه  ، وفي تأريخ العراق الحديث تشكل ثورة 14 تموز 1958  الوطنية  أشارة مهمة في التاريخ العراقي ، وحدثا عراقيا وطنيا من أهم الأحداث والعلامات الوطنية التي مرت على  التاريخ العراقي الحديث ،  بل حدثا وطنيا خاصا  يمكن أن يكون من ضمن الأحداث البارزة في الذاكرة العراقية الشعبية منها أو السياسية  ، بالنظر للإجماع الوطني المتوحد على قيام الثورة والأعداد لها ومساندتها والمشاركة بها  ، وانضواء جميع الكيانات السياسية التي توحدت ضمن جبهة الأتحاد الوطني  تحت خيمتها تستظل بها  وتحلم بالاشتراك بتغيير العراق دستوريا وقانونيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا  باتجاه فضاءه الرحب نحو المستقبل ،  بما يضمن الممارسة الديمقراطية لجميع الأتجاهات السياسية ، والفرصة الإنسانية المتساوية لكل الأديان والقوميات المتعددة في العراق .
وإذ تترك تلك الثورة مؤشرات مهمة في الحياة العراقية ، رغم كل ما رافقها من السلبيات والعوائق التي وضعت أمام طريقها لإعاقة المسيرة أو إجبارها على الانحراف عن الطريق الوطني السليم ،  فأنها ودون أن يختلف أحد من الثورات الوطنية التي أزاحت كل ركائز الاستعمار والهيمنة الأجنبية في العراق ، وفتحت للعراق بابا جديدا نحو المستقبل الديمقراطي  والأفق الواسع ،  كما نهجت ومنذ أيامها الأولى الى اعتماد المنهج الديمقراطي الحقيقي ،  من خلال المشاركة الجمعية لكل القوى السياسية والقومية والدينية في العراق ، حيث أن غياب الديمقراطية الحقيقية في العهد الملكي كانت  سببا مهما وأساسيا لقيام  الثورة وإسقاط النظام الملكي وتأسيس الجمهورية ، كانت الشكلية والتبرقع بمظاهر الديمقراطية من علامات النظام الملكي ، وماعادت تلك المظاهر تنطلي على القوى السياسية ومكونات الشعب العراقي ،  فقد بدأت تباشير  خطوات التدرج في الممارسة والسلوك الديمقراطي في أول سنوات الثورة ،  ولجأت في سبيل الوصول الى ترسيخ النظام الدستوري ورسم معالم الدستور العراقي بديلا عن الدستور المؤقت الذي تمت صياغته على عجالة ، ولذا تم تكريس مبدأ المشاركة الجمعية لكل القوى دون استثناء ، بأن تناط  رئاسة الدولة  بمجلس للسيادة يتكون من ثلاث شخصيات  مشهود لها بالوطنية ، وتمثل الطيف العراقي تمهيدا لنقل السلطة وفقا لمعايير الدستور الدائم المنتظر ،  واتسمت قرارات الثورة بالاعتدال والوسطية ، بالإضافة الى أشراك جميع ممثلي الأحزاب العراقية والشخصيات الوطنية  وعدد من العسكريين من المستقلين في تشكيلة الحكومة التي رفضت  تشكيلها  شخصيات وطنية مدنية ،  بينما اعتمدت الثورة  على إتاحة الفرصة للكوادر العراقية  في البناء وتأسيس دولة القانون  وطرح الأهداف التي تتيح للقطاعات الفقيرة أن تأخذ حقوقها وتوفر لها المكان اللائق في تلك العملية  .
لم يكن يوم الرابع عشر من تموز عام 58 حركة عسكرية يقودها ضباط في الجيش العراقي غامروا بأرواحهم من أجل المناصب ، كما لم تكن حركة انفعالية لاغتصاب السلطة ، ولم تكن حركة منفردة تفاجئ بهاالأحزاب العراقية خصوصا وأبناء العراق عموما  ، إنما كانت نتيجة ذلك المخاض الذي عاشه الإنسان في العراق ، وتلاحمت من خلاله كل قواه السياسية على اختلاف شعاراتها وأهدافها ، لتحرك  مجموعات الضباط الأحرار الذين ساهموا بشكل فعال في تلك الثورة مقدماتها الأولى ، وشكلت فصائل الجيش العراقي سندها ومنفذ تلك الحركة ، وشكل تلاحم الجماهير الوطني وتضحياتها انعكاسا فريدا من نوعه في التاريخ ، كما شكلت تلك القاعدة الجماهيرية التي جسدت الوحدة الوطنية القاعدة الأراس لهذه الثورة  ، ولذا  لانغالي إذا قلنا انه التلاحم الذي ساهمت به المجموعات الأكبر والأوسع من تلك الجماهير الشعبية  ، لتعزل القوى المستغلة عنها وتشكل ظهيرا وسندا متينا لتلك الثورة .
عملت الثورة بشكل فعال وملموس على تغيير القاعدة الاقتصادية والاجتماعية في العراق ، وسعت الى تطويرها وتحويل المجتمع القبلي العشائري القابع تحت سلطة شبه إقطاعية  وعلاقات استغلالية مجحفة في المدن  الى مجتمع متمدن ،  وإلغاء الترتيب الطبقي المتحكم في السياسة  الى مجتمع يقر بالتعددية لكل الطبقات ، واعتماد التعددية في النظام الاقتصادي واعتماد منهج التدرج في الالتزام بسياسة معينة تعتمد الأعتدال والحياد ،  ويمنح كل منها فرصته في  الحكم والممارسة ، بالإضافة الى مشاركة مطلقة في عملية البناء باتجاه اللحاق بالعصر الحديث بما يليق بالعراق ويمنح أبناءه الفرصة الحقيقية الملموسة .
أن قانون التطور السياسي – الاجتماعي – الاقتصادي  دفع الحركات السياسية الوطنية للتفكير  بالتغيير الجذري لشكل الحكم في العراق ، وبالتالي إنقاذ العراق من الحال الذي كان عليه ، ولم يكن لتلك القوى أمام منهج القمع والارتماء في أحضان الدول الامبريالية والمستغلة والطامعة وغياب الديمقراطية  ، لم يكن لتلك القوى أمام التحالفات العقيمة والأضرار بمصالح ومستقبل العراق ، الا أن تنهج منهجا يتيح لها عزل تلك السلطات بالثورة الجماهيرية التي أحدثت الزلزال العراقي بنتيجة التلاحم بين القوى المدنية والعسكرية التي فجرت الثورة .  ولعل إنصاف المرأة العراقية كانت من العلامات البارزة والهاجس الذي تبنته الثورة ، حيث كان العراق يشكو من غبن كبير وتهميش ملحوظ لواقع المرأة العراقية ،  ولهذا برزت النساء العراقيات سواء في منظماتهن أو في تجمعاتهن يساهمن جنبا الى جنب مع الرجل ، وبرز دور المرأة ملموسا وبارزا ومشرقا  في الحياة العراقية ،  وزاد من تلك الاشراقة التي بدأ شعاعها  يكبر ، ذلك التكليف المهيب للفقيدة الدكتورة نزيهة الدليمي كوزيرة للبلديات ، لتحل كأول أمراة عراقية تستوزر في التاريخ العراقي الحديث ، بالإضافة الى مشاركة حقيقية لحزب يعد من أعرق الأحزاب العراقية وأوسعها نضالا وجهادا في سبيل المستقبل العراقي وضمان حقوق الفقراء والعمال والفلاحين ، ذلك هو حزبها الحزب الشيوعي العراقي .
ومنذ اللحظات الأولى للثورة تم تكليف بعض القانونيين من الوطنيين برسم ملامح لأعداد دستور عراقي مؤقت ، سن على عجالة ، على أمل أن يتم تثبيته ورسم معالم العراق الديمقراطي وفق أسس دستورية واضحة في متن دستور دائم تقره الجماهير ويرسم آفاق المستقبل للمجتمع المدني العراقي  .
كما  أصدرت الثورة قانون الأحوال الشخصية في العام 1959  والخاص بالمسلمين ، بالنظر للتعدد المذهبي في العراق ،  ليكون بحق قانونا تقدميا وخطوة جامعة لكل المكونات المذهبية  متضمنا نصوصا تنصف المرأة وتحمي الأسرة والطفل . 
  والأسباب الموجبة لإصدار مثل هذا القانون كان لترصين أسس العائلة العراقية ضمن عملية ترسيخ بناء المجتمع الجديد في العهد الجمهوري ، من خلال مسؤولية الدولة عن العائلة والمجتمع ورعاية الطفولة ، بالإضافة الى توفير ضمانات قانونية تحمي المرأة ضمن قيم وأعراف ليس من السهل إزاحتها وإلغائها دون تدرج وتأهيل ونصوص تشريعية .
وبالنظر للاختلاف الحاصل في وجهات نظر القضاة ، تأسيسا على الاختلاف بين وجهات نظر المذاهب الفقهية  استلت الثورة في قانونها الموحد الأحكام الفقهية الأقرب ملائمة للمصلحة الاجتماعية وللواقع الزمني ، كما أنها حازت على الإجماع الشرعي والقانوني  ،  ( ما عدا أحكام المرأة في مسألة المواريث ) ، التي كانت محل اختلاف لم تكن قد ظهرت سابقا في أحكام حقوق ألانتقال في القانون المدني .
 أن التعدد في وجهات النظر الفقهية والشرعية يدفع الى عدم الاستقرار في الأحكام ، وتطور الاختلاف في وجهات النظر ، وحيث ينبغي أن تكون هناك نصوص جامعة وواضحة وحاسمة  لاأجتهاد فيها ، كان هذا دافعا لتأسيس النصوص الواردة في قانون الأحوال الشخصية الذي مضى عليه حتى اليوم مايقارب 50 عام ، ولم يزل متجددا وفاعلا ( عدا بعض الشوائب التي أدخلتها السلطات المتعاقبة بما فيها سلطة الدكتاتور لتخريب أسس المجتمع العراقي  ، والتي حشرتها ضمن نصوص القانون وهي بالتأكيد بحاجة الى أصلاح قانوني  )  ، وهو ما أستقر عليه القضاء العراقي وتفاخرت به المنظومة القانونية في العراق .
كما توالت القوانين والقرارات التي ترصف ليس فقط مصالح العراق على طريق المستقبل العراقي ،  والتي تشكل تجسيدا  للمطالب الشعبية ضمن الإطار لديمقراطي للثورة ،  مثل القانون رقم 80 وقانون الإصلاح الزراعي رقم 30 لسنة 58  ،  والخروج من حلف بغداد ( السنتو )  والخروج من دائرة الإسترليني والخروج من الاتحاد الهاشمي الملكي ،   وقانون تطهير الجهاز الحكومي ،  وقانون تطهير الجهاز القضائي وقانون معاقبة المتآمرين ومفسدي نظام الحكم وقانون المقاومة الشعبية وقانون الكسب غير المشروع ،  وقانون العطلات الرسمية الذي أعترف بأعياد اليهود والصابئة المندائيين كاعيادا رسمية وعطلــة  لأتباع تلك الديانات العراقية العريقة ، وقانون جامعة بغداد وقانون العفو العام عن السياسيين وقانون مكافحة البغاء وقانون المظاهرات والاجتماعات وقانون الأحوال الشخصية مار الذكر وغيرها من القوانين العديدة التي تمهد لتأسيس الحياة الدستورية التي أريد للعراق ممارستها بعد أربع سنوات من تأريخ الثورة ، بالإضافة الى أجازة العديد من الصحف المعبرة عن تلك الأحزاب المختلفة الأهداف .
 كان الهدف الأسمى في تخطي المرحلة الانتقالية وصولا الى الحياة المدنية الدستورية ،  لولا تلك الانشقاقات والتفكك في الموقف الوطني ، والاحتراب الحاصل بين قواه السياسية ، والتي استغلتها قوى ظلامية حاقدة داخلية وخارجية ،  والتي انعكست سلبا ليس على نمط الحكم وأوضاع البلاد واستقرارها ، إنما حتى على حياة الناس ومستقبل العراق . 
استطاعت الثورة أن تحقق  منجزات نوعية على صعيد تنمية  الاقتصاد وإشراك القوى الفاعلة في تطوير قطاعاته الواسعة والمهمة في العراق ، وسعت الى تحقيق توزيع عادل للدخل الوطني ، وتوفير فرص العمل للكادحين ، وتنشيط ورعاية وسائل الإنتاج  ، واستقطاب البطالة ومحاولة  امتصاصها كليا ،  وتوفير الخدمات الأساسية لقطاعات كبيرة من المجتمع العراقي ، وإيصال تلك الخدمات الى الريف .
و تنفيذا لمبدأ المساواة في المواطنة ، وفرت ثورة تموز  فرصا للطلاب الفقراء في الحصول على الزمالات الدراسية وإكمال تعليمهم الأكاديمي العالي  ، بعد أن كانت محصورة بين أبناء الطبقات العليا والمسؤولين وأولاد الذوات ، بالإضافة الى أنها فتحت أبواب كلياتها أمام كل أبناء الشعب دون تقييد  ، ولا تنسى الذاكرة تلك الرعاية الغذائية والثقافية التي قررتها الثورة لأبناء المدارس   ، بالإضافة الى الثورة الثقافية والعلمية التي اكتسحت مرافق العراق .
فتحت ثورة 14 تموز 58 آفاقا جديدة للشباب من أبناء الكادحين والطبقات المتوسطة ، كانت منافذ الحياة في العهد الملكي  مغلقة ومتحددة ، وصارت في العراق نوادي رياضية واجتماعية وثقافية لايلزم المنتسب لها أن يعرض انتماءه الطبقي أو القومي أو الديني  ، وتعززت مواقع وثقل المنظمات المهنية بأعتبارها الممثل الحقيقي لمنظمات المجتمع المدني  بشكل فاعل ومؤثر في الحياة العراقية ، وتنامى الفعل الجماهيري والوعي الاجتماعي بشكل ملحوظ ، وبرزت تلك الظواهر في الاتحادات المهنية للعمال والفلاحين والمثقفين . 
وعلى هذا ألأساس فأن الإطار الديمقراطي لثورة تموز شمل القوانين التي نظمت حقوق الناس  ، ورسم منهج المستقبل الذي أطفئت أنواره حين تكالبت كل قوى الشر والظلام لتوقف وهج ثورة تموز مؤقتا ، ليخسر العراق زمنا ليس بالقصير من مستقبله ودخوله مسيرة الحرية والديمقراطية التي تناضل من اجلها كل الأحزاب العراقية الوطنية .




11
الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية للكلدان الأشوريين السريان

زهير كاظم عبود


أين الخلل في مطالبة المواطن الكلداني الأشوري السرياني بإدارة منطقته أدارة ذاتية ؟ وأين الخلل في تصحيح بعض نصوص  الدستور العراقي التي أهملت دون قصد اللغة الكلدانية والآرامية التي تتحدث بها تلك المكونات ، بعد أن منحت الحق في تعليم الأبناء باللغة العربية والكردية والتركمانية والسريانية والأرمنية ؟
أين الخلل في المطالبة  تفعيل نصوص الدستور في المادة 125 التي ضمنت الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية للكلدان والآشوريين وتناست دون قصد السريان  ؟  علما بأن الفصل الرابع من الدستور جاء  تحت عنوان الإدارات المحلية  .
وإذا كانت المطالبة بإدارة المناطق التي تسكنها الغالبية من هذه الشريحة ذاتيا ، من قبل أبنائها بعد أن لمست على مدى زمن طويل ذلك التهميش والإهمال وألاقصاء  وعدم الأنصاف من قبل السلطات البائدة التي تعاقبت .
وإذا كنا أكثر صراحة فأن الدستور الذي نص في مادته 14 بأن العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات دون تمييز ، يؤكد تلك المساواة التي لم يتلمسها فعلا المواطن الكلداني الأشوري السرياني على الأرض العراقية وعلى الواقع العراقي الملموس .
الجميع متفق على المحافظة  على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي ، والجميع يسعى لبناء الدولة الاتحادية مقترنة بالنظام الديمقراطي الذي نريد أن نؤسس له للأجيال القادمة ، فأين الخوف من مشروع الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية الذي ينادي به أهل هذه القوميات العراقية ؟ 
وإذا كنا نحترم تأريخ شعبنا علينا الإقرار بالدور الوطني والفاعل لأبناء هذه القوميات في ترسيخ العمل الوطني وبناء العراق الحديث ، وعلينا أن لاننسى تلك القافلة  من الشهداء والرموز السياسية الوطنية الي قادت الحركة الوطنية من أبناؤهم ، ولانعتقد أن أي منصف يغمط حقهم التاريخي ووجودهم ضمن تلك البلدات التي تعكس بساطتهم ومحبتهم للعراق وتطلعهم نحو المستقبل المنشود .
وإذا كان الصوت الكلداني الأشوري السرياني مقموع سابقا ، بفعل الحركات العسكرية والمجازر التي ارتكبت بحقهم بسبب مطالبتهم بحقوقهم الإنسانية ، فقد انتهى عهد بكر صدقي ومجزرة سميل 1933 ، وانتهى زمن التنكر للوعود التي أقرت لهم في مؤتمر العمادية المنعقد عام 1932 ، حيث تمت المطالبة حينها الإقرار بالوجود القومي للشعب الكلداني السرياني الآشوري ومنحه قانون الحكم الذاتي في ظل النظام الملكي .
وإذا كان النظام البائد قد أقر لهم في العام 1972 بالحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية ، فهل إن تكرار مثل تلك الحقوق لهم اليوم يعد مغنما ومكسبا وطنيا ، إزاء وقفاتهم الوطنية وجهادهم ونضالهم  ؟  سواء مع الأحزاب الكردية التي قارعت النظام الدكتاتوري بالسلاح ، أو من خلال الانخراط  في صفوف الأنصار الأبطال الذين قاتلوا تحت راية الحزب الشيوعي العراقي .
واليوم إذ تتعرض هذه الشريحة العراقية الى ضغوط وإرهاب ، فتمنع من العمل في بقية أنحاء العراق ، وتتعرض الى الموت والتشريد والتهجير من قبل الإرهابيين والمتطرفين بسبب تمسكهم بديانتهم ، واليوم يتعرض رجال دينهم الى القتل دون منطق أو سبب ، وتتعرض مراكزهم الدينية وكنائسهم الى  الضرب بالقنابل والتخريب والتهديم   فهل يكون تشردهم في البلدان المجاورة ولجوء بعض منهم في دول لأرض هو الحل المنطقي والمناسب لذلك التاريخ ولتلك الوقفة الوطنية ؟ وهل نبقى نستنكر ونشجب فقط التصرفات التي تصدر من ميلشيات مسلحة وأفراد معروفين بتطرفهم الطائفي والديني في العراق إزاء تلك الناس المسالمة والمتمسكة بغصن الزيتون دائما ؟
نجد إن الدعوة التي وجهها السيد رئيس الوزراء نوري المالكي الى الكلدان السريان الأشوريين والى أبناء الأيزيدية والمندائية للانخراط في صفوف الشرطة والقوات المسلحة لحماية مناطقهم من الإرهاب تصب في نفس الهدف ، وإذ يسعى الرجل الى قطع دابر الإرهاب من المنطقة بجدية وشجاعة ، على هذه الشريحة أن تستثمر هذا النداء المفتوح وتسعى لمساندة المالكي في دعوته التي تصب في مسعى تحقيق وتأمين مصالح تلك القومية وفقا لما حدده الدستور من شراكة ومساواة في الحقوق  .
وإذ تكمن المشكلة في توزع القرى التي تسكنها الغالبية منهم ضمن إقليم كردستان أو خارجه ، في ما يسمى سهل نينوى ، (السهل الممتد شمالي محافظة الموصل (نينوى)، باتجاه محافظة دهوك في إقليم كردستان، ويشمل قضائي "تلكيف" و "القوش وقضاء الحمدانية أو بخديدا"، وقرى اخرى تقع ضمن دهوك  وأخرى في أربيل وقسم في الموصل  ،  وتتألف تركيبته السكانية من غالبية (آشورية ، كلدانية ، سريانية )  ،  فالأمر متروك لخيار أبناء شعبنا من هذه القومية في خيار الالتحاق ضمن الإقليم أو البقاء خارجه . والقيادة الكردستانية في الإقليم مدعوة لتمحيص الطلب وتفهم الواقع العملي والجغرافي لتنلك الشريحة التي قدمت معهم سفرا طويلا من النضال والشهداء في سبيل تحقيق الفيدرالية لكردستان العراق ، ولانعتقد أن قيادة إقليم كردستان يمكن ان تنسى تلك التضحيات الجسام التي قدمها أبناء هذه القومية من اجل الديمقراطية للعراق والفيدرالية التي تتمتع بها  كردستان اليوم ،  والقيادة الكردستانية مدعوة لتنظيم مؤتمر عام تحضره جميع الأطراف المهتمة بحقوق الكلدان السريان الآشوريين للخروج بنتائج إيجابية وواقعية تلبي طموحهم ، وعلى شخصياتهم وأحزابهم بذل المزيد من التثقيف حول مسألة الإلحاق الأكثر ضمانا لهم ولحقوقهم ولمستقبلهم وفقا للواقع والضمير ،  بعيدا عن الغايات المبطنة والحزبية المتطرفة ، علما بأن هذا الانضمام لايشكل إلحاقا أبديا ولا ابتلاعا كما يسميه بعض من يعتقد إن المسألة ستنتهي ببلع هذه الشريحة العراقية الأصيلة .
وحيث أن التوزع الواقعي للمدن التي تسكنها هذه الشريحة لايمكنها من تشكيل إقليم مستقل لأنها لاتشكل محافظة مستقلة لينطبق عليها نص المادة 119 و122 من الدستور ، ما يستوجب التفكير مليا في واقعية تحقيق الإدارة المحلية ضمن المناطق التي تسكنها الأكثرية منهم ، وتفعيل مفهوم الحقوق الإدارية التي ضمتها المادة 125 من الدستور ، بقانون يكفل ضمان تلك الحقوق المشروعة ، وتعزز من قيمة النص ، تحت ظل النظام الفيدرالي الديمقراطي .
وإذ تتوزع الأفكار بالرغم من توحدها في تحقيق مشروع تأمين الحقوق التي كفلها الدستور ، باعتبارهم عراقيين يتساوون في الحقوق والواجبات مع كل عراقي ، فأن هذا التوزع في الرؤى والاختلاف في المواقف جميعها تصب في خدمة الهدف وفقا لمفاهيم تلك الجهات التي تسعى الى خدمة العراق وقضية الكلدان السريان الآشوريين . .
فمنهم من يرى  أن دستور الإقليم سيكون ملائما لطموحاتهم وخصوصيتهم الدينية  في العراق باعتباره  يراعي كافة الحقوق بالإضافة الى انه علماني يضمن حقوق جميع الديانات فعلا .
في حين يجد بعض منهم الالتحاق بمدينة الموصل باعتبارها تشكل  إقليم مستقل مستقبلا أو أن تكون ضمن إقليم    ، ويرى بعض آخر بقائهم وحدهم ضمن إقليم أو منطقة تدعى سهل نينوى  ، ويجد بعض أن الاتفاق بين الأحزاب والشخصيات غير عملي وهذا ألانتظار لايحقق الهدف ، ويرى  عدم الانتظار لإيجاد حل توفيقي بين الأحزاب والكنائس  المختلفة فيما بينهم حول هذا الموضوع  .
وفي كل الأحوال فأن الأمر لايخلو من  مصاعب وعقبات ، إلا إن تذليلها ممكن وغير مستحيل أمام حلول عقلانية وهادئة وتتطلب دراسات سياسية وجغرافية وقانونية ، بغية تحديد التوصيف الدستوري للطلب أولا ، ومدى مطابقته لأحكام الدستور العراقي وبنوده ثانيا ، وعدم تجاوزه على صلاحيات ودستور الإقليم ثالثا ، ويبني أسسه وفقا لحقائق موضوعية ووفق الظروف الذاتية في العراق رابعا ، ويعبر عن وجهة نظر الغالبية منهم أخيرا .
أننا نتحدث عن حقوق الكلدان السريان الأشوريين في العراق بالرغم من انتشارهم وتواجد أعداد ليست بالقليلة منهم في البلدان المجاورة ، وإذا كانت الفيدرالية هي النظام الدستوري الذي التزم به الدستور العراقي ، وسيبني جوانب الحياة العراقية من خلال علاقات الأقاليم والحقوق والواجبات واختصاصات السلطة الاتحادية وسلطات الأقاليم ، فأن هناك محافظات قد تبقى دون التحاق بأقاليم، حيث حدد الدستور في المادة 119 انه يحق لكل محافظة و أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه ، وهذا الأمر لايكون عاطفيا أو اعتباطا ، إنما وفقا للظروف الموضوعية والإمكانيات التي تتطلبها في تكوين الإقليم ، كما أن الدستور أضاف في المادة 122/ فقرة ثانيا أنه تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة ، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية وينظم ذلك بقانون .
وتأسيسا على تلك الحقوق التي رتبها الدستور يكون بإمكان الكلدان السريان الآشوريين أن يطالبوا ببناء أدارتهم الذاتية وفقا لقانون يحدد الصلاحيات الإدارية والمالية ، بعد أن منحهم الدستور في المادة 125 الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية ونظمها أيضا بقانون .
ثمة إشكالية أخرى تعيق مطالبتهم تتحدد في اختلاف أحزابهم وشخصياتهم  على العديد من وجهات النظر والمواقف ، ما يتطلب أن تكون وقفة شجاعة للاتفاق على القواسم المشتركة التي تضمن حقوق الناس ، وأن لايكون الاختلاف في الرأي سببا في تأجيل تلك المطالبة لسنوات قادمة ، وربما تضيع الفرصة ، وأن لايكون الاختلاف بينهم سببا في  تجميد تلك المطالب المشروعة .
وتقع على عاتق الهيئة المكلفة بوضع مشروع  تعديل مواد  الدستور العراقي ، مهمة التدقيق في النصوص التي غفلت أسمهم أو لغتهم وتجاوز تلك النواقص في المشروع القادم ، بالإضافة الى وضع مطالبهم المشروعة بعين الاعتبار أمام مجلس النواب العراقي ، على أن يكون أمام أنظار الجميع أن الدستور لجميع العراقيين دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب و المعتقد ، وان يكون أمامنا حقيقة أن هذه الشريحة هم أهل العراق الأوائل ، من الذين بنوا حجارته وشيدوا معالم حضارته وعززوا وحدته دوما ، وفي مسألة الحقوق لاتوجد أقليات وأكثرية ولا قوميات صغيرة أو كبيرة ، لأن الحق لايمكن أن يتجزأ أو يتقطع ، وإذ يسعى الجميع لتأسيس دولة دستورية تعتمد الفيدرالية كنظام دستوري والديمقراطية كمنهج ، علينا أن نضمن تلك الحقوق بشكل عملي ، وبما يوازي تلك الدول الفقيرة التي سبقتنا في تحقيق تلك الضمانات ، وعلينا قبل أن تعود العاطفة تتحكم في مواقفنا أن ندرك أن لاحلول للمشاكل العراقية التي فشلت كل الحكومات البائدة التي تعاقبت على حكم العراق ، والتي أعتمدت المركزية والتحكم الفردي في السلطة ، إلا بالإقرار بتلك الحقوق عمليا قبل أن تكون الفاظا تحتويها نصوص الدستور تستعملها وتتبجح بها إعلاميا السلطات التي ماوفرت فرصة لتطوير العراق ولا لتقدم الإنسان وحقوقه مطلقا .
وإذ يتعدى وضع تلك القومية اليوم حدود تلك الحقوق التي حددها الدستور ، فهم ليسوا بحاجة ماسة الى الحقوق الثقافية بقدر حاجتهم الملحة اليوم  لتأمين أوضاعهم الأمنية بعد أن تم انحسارهم ضمن المناطق العراقية في بغداد والمدن الأخرى ، وضمان وجودهم وحماية رجال دينهم ومؤسساتهم الدينية .


12
ملف الكورد الفيليين الى متى ؟


زهير كاظم عبود

أمام زخم المطالبات المتكررة والكتابات المتناثرة حول قضية الكورد الفيليين  ، يشعر المطالع كأن هناك قضية شائكة ومختلف عليها ضمن هذا الملف ، ولكن دون أن تحدد أية جهة النقاط الشائكة في الملف ؟  وأين تكمن مفاصل الخلل ؟  ودون أن نتعرف على نقاط الاختلاف والخلاف في هذه القضية المهمة التي بات الزمن يأكل منها ، وبات اليأس يتغلغل في أرواح أبنائها  ، بعد أن ضاعت فرص عديدة ، ووضعت حلول كثيرة لم تكن من بينها قضية الكورد الفيلية ، مع أنها إنسانية وكبيرة وموجعة وتستحق كل الاهتمام ، لأن الجميع في الأحزاب العراقية الوطنية وفي قوائم التحالفات  في مجلس النواب  أو في الحكومة هم طرف أساسي فيها .
وبعد كل هذا تجد أن جميع تلك الأطراف تساند مطالب الكورد الفيلية وتبدي استعدادها للوقوف في سبيل تحقيق تلك الحقوق ، وتعلن ذلك صراحة ،  إلا أن عوائق ومطبات كثيرة تحول دون ذلك  وتمنع اتخاذ قرارات تنصف الكورد الفيليين ، غير أن احد لم يتعرف على  مصدر تلك العوائق والمطبات ولا حتى على من يتمسك بها  والأسانيد التي تتعكز عليه تلك الجهات .
وقبل الدخول بأساس الموضوع نقول أن من السذاجة بحيث يربط بعض قضية المواطنة بالمستمسكات الرسمية التي تصدرها الدولة العراقية ، المستمسكات الرسمية وثائق تكشف عن واقعة مثبتة في السجلات الرسمية ، وهذه الواقعة يمكن إثباتها بكل طرق ووسائل الإثبات  القانونية ، ومن أضاع مستمسكاته الرسمية  لايفقد مواطنته ،  وفوق كل هذا  فالمواطنة إحساس بالانتماء ، والمواطنة عطاء وتفاعل ، والمواطنة تاريخ ، بالإضافة الى الحقيقة التي يدركها العقل العراقي ، من إن السلطة في زمن الدكتاتورية سلبت جميع الوثائق من أبناء هذه الشريحة المهمة في الجسد العراقي ، أسوة باستلابها أموالهم المنقولة وغير المنقولة ، فكيف يمكن لعاقل أن يطالب من تم تجريده من تلك الوثائق لإثبات عراقيته رسميا ؟ بل وكيف يمكن لأحد أن يستحصل على جواز سفر من السفارات العراقية دون أن يقدم المستمسكات القانونية ، والسفارات مقيدة بتعليمات وأوامر تصدر من وزارة الخارجية ومن الحكومة ، ودون أن نجد بدائل لتلك الطرق ، ودون أن نوفر لهم البدائل عن تلك الوثائق المستلبة ، بل وحتى دون أن نفكر في قوانين تنصفهم وتعيد لهم حقوقهم المسلوبة من الدولة .
فإذا كانت السلطة العراقية  البائدة هي الخصم الحقيقي لشريحة الكورد الفيليين  ؟ وإذا كان التاريخ العراقي الحديث قد كتب ماجرى عليهم من وقائع مثبته عراقيا إن لم تكن دوليا ؟ فأين الحلول التي ينتظرها المواطن بعد أن سقطت تلك السلطة ؟ أين القرارات التشريعية المتلاحقة التي تعيد لهم ما استلبته تلك السلطة الجائرة والبائدة ؟ أين قرارات مجلس النواب العراقي مرجع العراق التشريعي من بحث مشاريع قوانين تعيد لهذه الشريحة العراقية حقوقها وتزيح عن كاهلها  بعض ما لحقها من ضيم وظلم لم يزل مستمرا حتى اليوم .
قوانين تتوزع على محاور ومفاصل عدة ، تستطيع اللجنة القانونية الفاضلة  في مجلس النواب العراقي  أن تقترحها ،  كما يستطيع الأستاذ الجليل عبد الخالق زنكنة عضو البرلمان العراقي والمسؤول عن ملف المهجرين والمسفرين أن يعمل على وفقها ،   الأول منها ما يتعلق بمسألة الجنسية وشهادة الجنسية والمستمسكات القانونية بما لايدع مجالا لأي لبس أو تأويل في أنتماء الكورد الفيلية للعراق  ، والثاني منها ما يتعلق بالشهداء والمغيبين والتثبت من حالات الاستشهاد وتحديد مواقع القبور الجماعية ومنح الوثائق اللازمة لذلك ، والثالث منها ما يتعلق بالمهجرين وعديمو الجنسية  ، والرابع ما يتعلق بحقوقهم المنقولة وغير المنقولة المسلوبة منهم أو التي ترتبت بحقهم تجاه الدولة العراقية ، بالإضافة الى حقوق ورثة الشهداء والمتقاعدين واحتساب مدد تهجيرهم لأغراض التقاعد وجميع ما يتعلق بهذا الشأن  .
 أن مجلس النواب مطالب اليوم بموقف عراقي  وطني وشجاع يشترك به الجميع دون تحديد لقائمة أو تحالف أو قومية أو مذهب ، وقفة عراقية بحجم المأساة التي جرت ولم تزل تجري بحق الكورد الفيلية  ، وهو موقف وطني  يتم تسجيله خلال فترة انعقاد هذا المجلس وقبل حلول الانتخابات العراقية القادمة ، وحتى يكون موقفا يتباهى به أعضاء مجلس النواب أذا أرادوا ورغبوا في تجديد ترشيحهم في الأنتخابات القادمة  سواء كانت قوائمهم مغلقة أو مفتوحة  .
ترى هل فكر إخوتنا في مجلس النواب بالعراقيين الموجودين في مخيمات إيران منذ ربع قرن وهم لايحملون مستمسكات عراقية ولم يتم اعتبارهم متجنسين بالجنسية الإيرانية ؟ هل عرفوا بالمعاناة الإنسانية التي تعيشها تلك العوائل طيلة هذه السنين ؟  وماهو حجم الحاجة والانقطاع عن الدنيا وتقطع السبل وهم داخل مخيم اللاجئين ؟ هل يقبل العقل العراقي أن لاتجد الحكومة حلولا إنسانية لأنقاذ هذه العوائل من محنة الحياة في مخيمات غريبة ، وهم أهل الكرامة والعزة والاقتدار ؟ هل يمكن لمسؤول أن يغض النظر ويشيح بوجهه عن هذه العوائل الأسيرة ؟  أين موقف الحكومات العراقية التي تعاقبت على الحكم بعد سقوط الدكتاتورية ؟ بل أين الوعود والشعارات والخطب الرنانة المليئة بالمواقف الوطنية التي لم يتم تجسيدها وتطابقها مع الأسف  على أرض الواقع ؟  فقد شبع الكورد الفيلية أطنان من الكلام المعسول والكتابات التي تصطف معهم  وتنصفهم دون تحقيق نتيجة ، كما تكاثرت المؤتمرات والتجمعات التي نادت تطالب بحقوقهم دون جدوى ، ويحق لنا أن نتساءل  أين الموقف العراقي الأصيل في البحث عن مشاريع قوانين تستند على السجلات العراقية الثابتة  والحقوق المثبتة في دوائر الدولة  لمعاونة هذه المجموعة البشرية  التي كانت تعطي للعراق ولم تأخذ منه حتى حقها الشرعي التي يعرفه كل عراقي ؟ 
المستمسكات التي بقيت بحوزة الكورد الفيلية لإثبات مواطنتهم العراقية ليست تلك التي كانت تصدرها السلطة ؟ وليست تلك التي أعطتها وسلبتها منهم عمدا ، أن مستمسكات الكورد الفيلية  في اعتزازهم  بتلك الأسماء من رجالهم ونساؤهم  التي منحت أرواحها للعراق خلال فترة الحكم الوطني ، في تفاعلهم مع الحركة الوطنية في العراق ،  وهم يعتزون أيضا بتلك الرموز التي أعطت للعراق الذي يتباهى بها في كل المجالات السياسية منها أو الاقتصادية أو الاجتماعية ، وهم يعتزون أيضا فوق كل هذا بإصرارهم التمسك بمواطنتهم العراقية رغم كل هذا الزمن القاسي الذي مر عليهم ، وبالرغم من اكتساب العديد منهم جنسيات أوربية ،لايجدون فيها البلسم الشافي لجراح أرواحهم ومأساتهم التي سبتتها الأنظمة البائدة ،  لسبب بسيط أن العراق يتغلغل داخل أرواحهم ويعيش في ضمائرهم ، ولم تزل تسري في عروقهم محبة وعشق العراق ،  ولهذا تلمس ذلك التمسك القوى الشديد  بمواطنتهم وإخلاصهم للعراق ، حيث لم يزل العراق يشكل  لهم كل شيء ،  مثلما يشكلون هم جزء لايتجزأ من تأريخ العراق وحاضرة ومستقبله أيضا ، لايمكنهم التصور أن يكونوا لغير العراق ، مثلما لايتصور العراق أنهم منفصلين عنه ، فهم قطعة كبيرة من قلب العراق النابض .
لذا يتعين على مجلس النواب ، وهي فرصة تاريخية يسجلها لهم التاريخ العراقي ، وهو موقف ستساهم فيه كل الضمائر الحية في المجلس عربا وأكرادا وتركمان وكلدان وسريان وأشوريين ، مسلمين ومسيحيين ويهود  وأيزيديين ومندائيين ، موقف عراقي لايمكن تأجيله ، لأن التأجيل لايلغي الحق إنما ستتوفر الفرصة  للمجلس القادم مستقبلا لأقرار حقوق الكورد الفيلية ، وتفوت تلك الفرصة الوطنية على الأخوة في مجلس النواب الحالي  ، يتعين على مجلس النواب وهو اليوم مرجعنا التشريعي الشرعي أن يسارع لتقديم مشروع قانون أنصاف الكورد الفيلية ، وأن يكون هذا المشروع شاملا وجامعا يتسم بحلول واقعية ومقبولة ومدروسة لتلك الحقوق والإشكاليات والعوائق ، وأن يتم طرحه على المناقشة ، ليتم إصداره بأقرب فرصة ممكنة ، فالحق لايمكن تأجيله ولايمكن المماطلة في أثباته ، وكلنا ثقة بأن إخوتنا في مجلس النواب لن يتقبلوا أن يبقى الكورد  الفيلية يدورون في ساحات المحاكم بحثا عن حقوقهم التي ضيعتها السلطة الصدامية البائدة  ؟ ولن يتقبلوا أن يقف الكورد الفيلية أمام بنايات الاتحاد الأوربي والبرلمانات الدولية يريدون حقهم العراقي المشروع ؟  ولن يرضى إخوتنا في مجلس النواب أن تطعن بعض الجهات بعراقية الكورد الفيلية ، كما لن يرضى الأخوة في مجلس النواب العراقي أن تبقى ملفاتهم مركونة لايتم بحثها ولا تقليبها ولا وضع الحلول الجذرية التي تعينهم على تجاوز محنتهم ، بعد كل هذا الزمن منذ سقوط الدكتاتورية وحتى حلول السنة الخامسة للحكم الجديد .
لاتوجد من ألأسباب المقنعة ما تؤجل قضية الإقرار بتلك الحقوق ، وما عادت قضية حقوق الكورد الفيلية تخص تلك الشريحة العراقية وحدها ، فقد باتت مطلبا عراقيا وطنيا كبيرا .
وكلنا ثقة من أن الأخوة في مجلس النواب حين يشرعون في تسجيل هذا الموقف العراقي الوطني سيكشفون مواقف بعض الجهات التي تعرقل هذا المشروع العراقي الإنساني وتعاند الحق ، وسيتم فضح الأصوات التي تتبرقع بالكلام وتعاند الحقيقة فيفضحها الموقف ،  وستعلن بعض الأصوات الوطنية موقفها الواضح والصريح والمساند الإنساني ، ليسجل لها  موقفا وطنيا مشهودا من خلال موقعها في مجلس النواب أو في الحكومة .
ولانغالي إذا قلنا أن للكورد الفيلية ديونا كبيرة في رقبة العراق ، فقد تحملوا وزر مواقفهم الوطنية مالم تتحمله شرائح العراق الأخرى ،  وهم جزء مهم من هذا العراق لايمكن التفريط به ، أو المساهمة في تركه متقطعا مهما كانت الأسباب ، ديونا كبيرة لم تسترد ولا تمت معالجتها قانونيا ولا إنسانيا ، فلم يتم الكشف عن مصير الشباب الذين جرت عليهم تجارب الكيمياوي في مؤسسات الدكتاتور ، ولم  يتم التعرف على الشباب الذين تم تغييبهم بعد حجزهم في سجن أبو غريب والفضيلية والسلمان والأمن العام والمخابرات ، لم تزل عوائلهم تنتظر معرفة مصيرهم وأماكن دفنهم ، لم تزل عوائلهم تريد عظامهم وتستدل على قبورهم ،  لم تزل أسماء كبيرة فاعلة في ملفات الكورد الفيلية موجودة يمكن أن تساهم في كشف الأسرار والخفايا التي لم تزل حتى اللحظة مطمورة ، يمكن لسلطات لتحقيق المساهمة في هذا الجانب ،  ولم تزل العديد من أسماء شهود السجون والمقابر يمكن الاستفادة منها في سياق كشف الحقائق عن مصير الآلاف من أبناء الكورد الفيلية ، الذين لم تصدر لهم شهادات الوفاة حتى اليوم ، ولم يزلوا أحياء في عقول أمهاتهم وأخواتهم وزوجاتهم وأولادهم .
نقول أن لهم دينا كبيرا في رقبة العراق لأنهم يسلكون الطرق والسبل التي تدلل على عمق أصالتهم وقوة ارتباطهم بالعراق ، ولم يجنحوا لسلوك أي طريق يتعارض مع قيام العراق الجديد ، العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد ، بل ولم يخرجوا عن سبل المنطق والعقل في المطالبة بحقوقهم بالرغم من حجم الظلم الذي لحقهم والتهميش الذي حل عليهم  ، وهم بالرغم من كل هذا النسيان والتهميش عنصر فاعل ومؤثر في مسير العملية السياسية ومساندتها في العراق . .
بانتظار موقف عراقي يشترك فيه كل من تكون يده على قلب العراق ، وكل من يشعر بحرص أكيد على مستقبل العراق ، وكل من يعرف أن الحق لايتجزأ فيعمل على أحقاقه ، وأن من يريد أن يبني دولة القانون عليه أن يعيد الحقوق الى أصحابها ويسعى في سبيل ذلك ، وان من يريد أن يسعى في تأسيس ورصف  طريق الديمقراطية عليه أن يمهد لذلك الطريق بوضع الأسس الرصينة في ترسيخ قيم التآخي والمحبة والشراكة الحقيقية دون حواجز ودرجات   ، و من يريد التمسك بالعراق الفيدرالي الموحد عليه أن ينصف الشرائح المظلومة والتي شبعت من الضيم والظلم في الزمن الدكتاتوري البغيض ، فلا ينسجم الظلم مع العراق الديمقراطي الفيدرالي ، ولا ينسجم التهميش مع دولة القانون .
ثمة تفاصيل كثيرة ضمن ملف الكورد الفيلية ، لكن هذه التفاصيل واضحة وثابتة لاتتشابك ولاتتعقد ، ومن يقرأ التاريخ العراقي بعين الأنصاف والمروءة سيدرك حتما عمق وطنية الكورد الفيلية في وطن اسمه العراق ، وسيدرك أيضا تلك الصفحات المجيدة التي كان فيها الكورد الفيلية في مقدمة المشهد الوطني ، وبنفس الوقت سيقرأ حجم الكارثة الإنسانية التي لم يتعرف العالم على حجمها ، تزامنا مع خسة الأساليب البشعة والدنيئة لتي مارستها السلطة الصدامية ضد ابناء الكورد الفيلية ،  ومن يتعرف على حقيقة المجتمع العراقي  ومجريات الأحداث سيعرف أين صارت المستمسكات والوثائق التي صودرت من بيوت الكورد الفيلية  وأفرغت من جيوبهم مع أموالهم ومخشلاتهم ؟ وأين انتهت تلك السجلات والدوائر التي اختصت بأحوالهم وأموالهم المنقولة منها أو غير المنقولة ؟
وإذا كان التاريخ العراقي الحديث والقديم يثبت أن الكورد الفيلية جزء مهم وفاعل من الجسد العراقي ، فأن نقيصة المواطنة أو تلك الإشارات البائدة التي لم تزل تتمسك بها دوائر رسمية في العراق ، والتي تمارس على أبناء الفيلية لاتعتبر الا استمرارا للنهج الشوفيني الطائفي المقيت الذي تربأ عنه العقول العراقية الخيرة والبناءة  وتستحي من سلوكه وممارسته اليوم في ظل العراق الديمقراطي الفيدرالي .
لم يزل حتى اليوم من يخدش الكورد الفيلية بإشارات في هوياتهم الشخصية أو في شهادات الجنسية الذين بقينا مصرين على اعتمادها احتراما للهدف الطائفي في أسباب تلك الوسيلة المهلهلة ، أشارات تجعلهم مواطنين أجانب متجنسين بالجنسية العراقية باعتبارهم من التبعية الفارسية  وهم أهل العراق القديم والحديث ، أشارت تعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية في بلد يعرف يقينا أنهم أولاده الأصلاء ،بل ومن بناته وسكنته الأقدمين ،  أشارات تدلل على عمق المحنة العراقية ليست فقط المتحققة عند الكورد الفيليين ، إنما في انتشار الوباء الشوفيني – الطائفي المستشري في بعض العقول العراقية نتيجة هذا المتراكم من تلك الأفكار والسلوك الذي يمارس على أبناء العراق ، فلا تستوعب عراقية الكورد الفيليين ، والمطلوب تصحيح هذا المسار  وقراءة العراق نظرة وطنية أصيلة   .
ولذا يتعين ليس فقط على  مجلس النواب أن يتصدر لإصدار قرارات تشريعية سريعة وفاعلة لحل الإشكاليات التي تعيق قضية تحقيق  حقوق الكورد الفيليين ، وفي مقدمتها مسألة المواطنة واللحاق بركب العراق الديمقراطي الفيدرالي ، والمساهمة الفعالة في عملية الترميم والبناء ، مع أن بعض منهم مساهمين فاعلين ضمن هذا العراق بإيثار كبير ودون انتظار تحقيق حقوق أهلهم وإخوتهم .
المؤسسات التنفيذية جميعها مدعوة لنزع الغشاوة الشوفينية – الطائفية المتلبسة في عقول بعض المسؤولين ، والتي تشكل غشاوة على العيون فلا تقرأ الحقيقة والتاريخ ، جميع المؤسسات ذات العلاقة بملف الكورد الفيليين أبتداءا من مجلس النواب واللجان المنبثقة عنه مرورا بوزارة الداخلية  ودوائر الأمن ودوائر الجنسية والأحوال المدنية والجوازات والتسجيل العقاري في  العراق ، وزارة المالية ودوائر عقارات الدولة  وانتهاءا بوزارة الخارجية والسفارات التابعة لها ، لتسهيل الوصول الى تلك الحقوق ، بما يضمن نهاية لهذا الملف الذي صيرناه شائكا ومعقدا في حين انه بسيط وواضح وسهل ، موقف عراقي وطني من الجميع لفتح ملف الكورد الفيلية بشكل جدي وفاعل وحاسم  بعد أن بح صوتهم وأصوات الخيرين معهم ،  وكلت مطالباتهم وبدأ اليأس يتغلغل في اعتقادهم ،  وهم أهل حق وجزء أساسي وحيوي من العراق .



13
وداعا وداعا كامل العامري

زهير كاظم عبود

مددت يدي الى الورقة التي تضمنت قصيدته  وكتبت فوقها بخطي وبشكل  واضح :
(( إليك يامن سافرت بلا شكوى .. لقد كنت بيننا وستبقى حتى نمد لك أشرعة النصر لتحيا من جديد )) ، أعدت القصيدة إليه ، توالت النصائح من رفاقي كوادر الحزب الشيوعي إن لاأجازف بتبني مصاحبة (( كامل العامري )) الى حفل تأبين الشهيد محمد الخضري (( أبو سلام )) ، ولم يكن كامل العامري ملتزما ،  وكنت قد التقيت بأبي سلام قبل أسبوع من استشهاده في بغداد ومعي عبد الإله عبد الشهيد ، وشكوت أليه الأساليب التي يتبعها رجال البعث والأمن في ترويعنا وتعذيبنا ، فأكد لي المخطط الخبيث الذي تتبعه السلطة .
كنت مصرا على اصطحاب (( كامل العامري )) على مسؤوليتي ودون أن تطلع اللجنة المحلية على القصيدة ، غير أنني قرأتها وأطلعت عليها ، وكنت متيقنا من أن (( كامل العامري )) مبدعا ووطنيا وعراقيا أصيلا ، ومن بين كلمات القصيدة كنت اشعر أن كامل وحدة من يستطيع تجسيد حقيقة كلمات تلك القصيدة ، لأننا نعرف محمد الخضري ، ونعرف وجع العراق ، ونعرف قيمة وحجم الاحتفالية التي تحضرها مجموعة من الرفاق القياديين ، بالإضافة الى أعداد قيادات  من حزب القتلة  ( حزب البعث ) .
وبعد تلك المناسبة كانت لحظة ألافتراق والفراق حيث زففنا رفيقنا وأميرنا محمد الخضري الى درب الشمس وخلود العراق ، غير أن قصيدة كامل العامري  التي ساهمت ( الثقافة الجديدة )) في نشرها وتخليدها ، بقيت  قلادة من قلائد الشعر الشعبي العراقي وستبقى .
وسافرنا بلا شكوى ..  أرسل لي قصائده الى دمشق أثناء التحاقي بالعمل الفدائي الفلسطيني  .. أرسلتها بدوري الى الآداب ونشرنا قسم منها في نشرات المعارضة بدمشق وبيروت ، غير انه توقف ، و بقيت متابعا لكامل العامري الشاعر والمبدع والإنسان ، بقيت اسأل عنه وهو يحاول أن يضمد جراحه ويداري حياته ، غير أنه غاب عن الساحة دون مبرر .
كان كامل العامري علما عراقيا ، وشاعرا مرموقا  ، وكان كامل محبوبا ويتمتع بشعبية كبيرة وسط أبناء الديوانية ، التزم بالتقوقع والانزواء ربما لظروف شخصية أو  صحية لا ادري  .
غير أن كامل العامري باق وسيبقى  في الذاكرة بعد أن نقش أسمه فوق سماء العراق ، بعد أن طرز سماء الديوانية  بتلك القلائد الملونة .
ورحل كامل العامري كما طالعت أخبار الانترنيت التي تنقل لنا تلك الأخبار الموجعة  ، غير انه باق في الضمير ، لتلك المواقف الشجاعة في الزمن الصعب ، في زمن كنا فيه القلة أمام اندفاع  الأمن والإرهاب ، غير أن كامل تمسك في البقاء ضمن دائرة الحزب الشيوعي ، متباهيا ومعلنا شجاعته في مرافقته لنا في سيارة الحزب الشيوعي من الديوانية الى بغداد  لتأبين الخالد محمد الخضري ،  ليطلق قصيدته الخالدة :
  (( بجينة وما بجينة عليك
ياجلمة بحلك تاريخ
دكت فوك وجنات الزمان بدور
بجينة بدم سرج مهرة كبل ما يأخذ بثارة ويبشر أور
بجينة شتعتذر بابل بجينة شتعتذر  لو عاتبت آشور
فنه الموت يمحمد عليك أيفوت
ندريبك عدل والموت ..بيك الموت..وأنته الموت
يلخطيت بجروحك درب ثوار
يلشكيت من هام السمة للكاع سجة نار
يمحمد...
حمامات السجن يتنشدن ضلن
يمحمد..كطايات الشلب حنن
دكلي شنعتذر للماي واطراف السعف والهور لو عتبن
يمحمد بيارغنه وضحايانه.. تمد فوك الحياة جسور
موش احنه شمس
وافكارنه بدرب الكواين والزمان أتنور
موش احنه حلم ريان
  ويرفرف على جفون الصبح راية
موش احنه نبع..  يطلك على دموع الحزن مايه
موش احنه شتلنه ارواحنه ابهذا الدرب ثاية
ما نبجي على ذاك الفاج  ماي الموت
 واتعنه الوفه وما ذلن أيامه
ما نبجي على ذاك الفارس الما عثرن اجدامه
ما نبجيك هنيالك والف هنيال
كلمن شال زاد العمر بجفوفه
ما نبجيك هنيالك والف هنيال  كل خيال 
ما هد الرسن مره وطفح خوفه
ما نبجيك ولو ندري البواجي تفيد
ما خلينه من ماي الدمع كطره
ما نبجيك.. لو دمع البواجي يفيد
جا فاد الفرات و(حسن) رد عمره))
ولعلي لاأتجاوز ما يحفظه الطيبين من القصيدة ، وليعذرني من يعذرني بسبب العمر ومكابدات الزمن ،  ومما  يعرفونه عن كامل العامري  ، الذي جاهد وأعطى ورحل فقيرا نظيفا طيبا . أنه يضع المبادئ في ثنايا قلبه الموجوع ، ويخبئها بين ضلوعه .
كتب  ( جاوبني تدري الوكت بوكاته غفلاوي )  وهو متلبس بالحزن   ، وكتب  ( كوم انثر الهيل  ) والفرح يغمر روحه ، لكنه كتب العديد من القصائد الغنائية وهو يشعر بالأحباط واليأس .
رحل كامل العامري  في نيسان من هذا العام دون أن يعرف عنه الكثيرين من محبيه ، ترجل  بصمت الكبار بعد أن وزع روحه أبياتا شعرية ، كتب قسم منها قلائد وقصائد غنائية ، وكتب قسم منها في الشعر الشعبي أو الحر ، غير أن روحه باقية ترفرف فوق سماء الديوانية لاتفارقها ابدا .


14
حق الدفاع المشروع عن النفس في مواجهة سياسة الإنكار من وجهة نظر القانون الدولي


زهير كاظم عبود
كشف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ضمن سياق  مادته الأولى عن الحرية التي يجب أن يتمتع بها الإنسان ، باعتبارها المحور الأساس لهذا الحق ،  وانصبت جميع الوثائق الإقليمية والعالمية على ما يتعلق بحرية وكرامة وحق الإنسان في تقرير المصير . وتحدث الإعلان العالمي  عن المساواة في الكرامة والحقوق ، وهذا الكشف يمثل تأكيدا دوليا على الأفكار والقيم التي ثبتتها البشرية وتعاملت بها الأديان  والمجتمعات ،  وأجمعت عليها مما يجعلها من الحقوق التي يقرها القانون الأنساني والدولي .
وحين يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على مسألة حق تقرير المصير ،  فأنه يؤكد على الحرية التي يضمنها للأنسان باعتبار أن حق تقرير المصير لصيق بحرية الإنسان ،  كما  أن تلك الحرية تتيح له أن يختار ويقرر ويتمتع بالمركز القانوني وفقا للقانون الإنساني الدولي  .
ومن خلال تلك الحرية يحق للشعوب أن تقرر  مصيرها بنفسها ، وهذا الحق مطلق لايقتصر على مجموعة بشرية دون أخرى ، وحيث إن المطلق يجري على أطلاقه  باعتبار  أن الإنسان  بشكل عام ولدا حرا لايمكن استعباده أو استعماره ، ولايمكن الغاء تلك الحرية بشكل قانوني أو شرعي الا بموافقته ورضاه  وتنازله عنها ،  ولايمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تنصيب قيم أو وكيل أو راعي دون معرفته وموافقته  ، وإذا كان لهذه المجموعة البشرية  حق تقرير المصير فأنها بمقتضى هذا الحق تتمتع بحق تقرير مركزها القانوني  والسياسي ، باعتبار أن لها كامل الحرية في السعي لبناء نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي ، وهذا الحق طبيعي لايتم منحه من قبل جهة ما ,إنما هو لصيق بالحياة الإنسانية .
هذا السعي يشكل حقا يؤكد مركزها القانوني ، ويكشف عن الأبعاد الإنسانية في احترام تلك الخصوصية في الثقافة العامة والعمل السياسي  والعلاقات الاجتماعية ونمط الحياة الاقتصادية
وإذا كنا لانريد الحديث عن حق شعب كوردستان في تقرير مصيره أو التمتع بالحياة وفق الأسس الإنسانية ، وإذا كنا لانريد سبر أغوار التاريخ لاستعراض ما جرى لهذا الشعب من ويلات ومؤامرات مزقته بين دول عدة   ، حيث جثمت فوق صدور أبناءه سلطات غاشمة وظالمة ، لم تفكر في أن توفر له  ابسط وأدنى درجات الحقوق الإنسانية ، ومنعت عنه بناء مستقبله والتمتع بالحياة الحرة والكريمة بما يكفل له الخيار في شكل السلطة أو نوع الحكم الذي يريد  أو حتى بالحلم الذي يراوده .
وتلجأ الشعوب الى كل الطرق لاستعادة حريتها وكرامتها ، وتستطيع أن تناضل بالطرق المتاحة في سبيل استرداد حقوقها  الإنسانية التي تقرها الشرائع ويعترف بها القانون الدولي ، وإذا كانت السلطات التي تتحكم في مصير الأجزاء المتشظية من مناطق كوردستان صماء أو عمياء تعشش في عقول حكامها الشوفينية والتطرف القومي أو المغالاة والتعصب الأعمى ،  وإزاء انغلاق المنافذ  واللجوء الى القوة والعنف وأساليب القمع المؤدي الى الموت أو الخطورة على حياة الجماعة ، غالبا ما تلجا تلك المجموعات  مضطرة إلى اختيار النضال والكفاح المسلح لأجبار تلك العقليات على الرضوخ للأقرار بتلك الحقوق .
وحيث أن وسيلة الكفاح المسلح التي تعتمدها قوى التحرر ،  دفاعا عن الاستلاب اللاقانوني في قضية الحريات وحق تقرير المصير ،  هي الوسيلة التي ترسم  الطريق المشروع بديلا عن طريق الحوار والتفاوض الذي ترفضه تلك السلطات وتصم آذانها عنه ، وبديلا عن الجنوح نحو الإقرار بتلك الحقوق واعتماد لغة الحوار والخروج بصيغ إنسانية مشتركة ، تلجأ تلك السلطات الى توظيف ترسانتها العسكرية بكل ثقلها  لقمع  تلك الأصوات والأحزاب ، فتواجه بتلك المظاهر المسلحة المتواضعة المعبرة عن رفضها لأساليب الشوفينية وإلغاء حق الأخر في الحياة ، لايتبقى أمام تلك المجموعة البشرية غير دفاعها عن نفسها وحقوقها معا ، وهو حق مشروع ومحمي قانونا  .
ويمكن أن تكون تجربة الأكراد في العراق أنموذجا واضحا لتلك الحقبة التاريخية المليئة بالمرارة ،  التي أكلت من تأريخ العراق  زمنا مرا ليس بالقصير  ، خسر فيها العراق وسلطاته العربية التي تعاقبت على الحكم  كما كبيرا وطاقات وكفاءات لاتعوض  من أبناء العراق ، وخسر البلد  ثروات كبيرة تم توظيفها في قتال الشعب الكوردي منعا لنيل حقوقه ومطالبه العادلة ،  ذهبت هدرا وهباء منثور ،  وخسر شعب كوردستان  أيضا عددا كبيرا من الشهداء وقدم التضحيات الجسام والدماء الغزيرة ،  دون أن تتوقف المطالبة بتلك الحقوق  تحت كل الظروف ، وبالرغم من الالتفاف والدوران حول تلك الحقوق ، وبعد زمن طويل توصل العراق الى أن منح جزء من تلك الحقوق هو الفيصل الذي يوصل الجميع إلى بر الأمان ويعزز من الشراكة الحقيقية في الحياة ، ويساهم في تمتين الأطر والجسور بين تلك الشعوب ضمن سلطة أتحادية مع وجود نظام فيدرالي يحقق بعض الحقوق التي ناضل الكرد في سبيلها ، وبعد كل تلك المعارك والحروب وجد العراق أن لغة الحوار والشراكة الحقيقية هي البديل المنطقي والواقعي ليقر بحق الشعب الكوردي في خياره الإنساني  ، وتطوي صفحة المرارة المليئة بالفواجع ، وتبقى نابتة في الذاكرة العراقية كجزء مستقطع من الزمن العراقي .
أن سعي السلطات والحكام  في تركيا الى منع شعب كردستان من استعمال حقوقه والتمتع بالحياة التي منحها له الله  ، أو في توفير فرصة الاختيار وصياغة المستقبل  ، يجعل من تلك الإجراءات والتصرفات والوسائل السياسية التي تسلكها السلطة  عدوانا صارخا يستوجب صدها والدفاع عن تلك الحقوق  وعن الوجود الأنساني مايجعله  دفاعا مشروعا  ، حيث يتعرض الأفراد ضمن تلك المناطق الى الانتهاك الصارخ والملاحقة والقتل والقمع والأستلاب ، مثلما تتعرض الأموال والأعراض والحريات  للانتهاك ، بالإضافة الى الغاء الحقوق كليا وشطب الأخر  وعدم الأقرار بالمساواة الإنسانية التي يتبجح الدستور بها وبالتالي لايكون أمام الإنسان إلا استغلال حقه المشروع في الدفاع الشرعي .
إن مفهوم حق الدفاع عن النفس يفترض وجود خصم مدجَّج بالسلاح على أهبة الانقضاض على عدوّه ، هذا الخصم يعني تلك السلطات التي تتنكر لحقوق الشعوب ، وترفض الإقرار بحقهم الإنساني  والقوات المسلحة وأدواتها المستخدمة في الحرب والقتال  هي الوسيلة التي تهدد الحياة لقمع الصوت المطالب بحقه الإنساني ،  والتي تستغلها وتستعملها السلطات القمعية ، ووفقا لهذا فأن تلك الترسانة العسكرية متأهبة للأنقضاض على الجسد الكردستاني لشله عن الحركة أو تقييدة  أو منعه كليا ، وبالتالي يكون وفقا  لهذا كل الحرية والحق في سلوك الطرق والوسائل التي تصد حركة الخصم ، ويصبح قتالها دفاعا عن النفس ، ويصبح قتالها مشروعا وفقا للمعايير الدولية ، لأنها لاتصد تلك الوسائل القاتلة فحسب بل تعبر عن رفضها واستنكارها لمنطق الغاء الحقوق الذي يصاحب الوسائل القاتلة المستخدمة من قبل السلطات الشوفينية .
وإذا كان قانون العقوبات قد أخذ بمبدأ حق الدفاع الشرعي ، حيث  أعتبر حق الدفاع الشرعي استعمالا لحق بمواجهة خطر حال على النفس أو على المال ، أو اعتقد المدافع قيام هذا الخطر الحال وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة ، فأن القانون الدولي يمنح ايضا الشعوب التي تناضل من أجل حريتها وكرامتها وحقوقها حق الدفاع الشرعي عن نفسها بالقوة  التي تواجه بها الخطر الحال عليها ، ولغرض دفع تلك المخاطر التي تتعرض لها الجماعة ، بالإضافة الى مواجهة الفاعل الخطير مواجهة فاعلة ،ويمكن أن تؤدي سياسة التنكر لحقوق الشعوب المضطهدة والمحكومة والمحرومة من حق تقرير مصيرها الى اضطرار تلك الشعوب التمسك بتلك الحقوق ، ومواجهة تلك السياسات العسكرية والمتطرفة   بما يدفع عنها خطر الفناء والموت ، فيأتي تصرفها في مواجهة تلك القوات العسكرية بالقوة المتقابلة دفاعا ليس فقط عن الحقوق والحريات ، إنما حق الدفاع الثابت عن النفس ، والدفاع الشرعي حق طبيعي وجد مع الإنسان وليس للقوانين دور فيه سوى حماية هذا الحق ، أي إن القانون لم يكن هو الذي أكتشفه أو أوجده ، إنما قامت القوانين بتنظيمه وإضفاء الصفة الشرعية عليه .
وإذ يلمس المجتمع البشري النداءات الواضحة والصريحة من جانب حركة التحرر الكردستاني التي تطالب بالحوار بديلا عن لغة الرصاص ، واستعدادها للتفاوض وحقن الدماء ، ليس من موقف الضعف إنما من موقف الثبات على المبادئ والحقوق ، فأن الإصرار على لغة الدم التي يتمسك بها ويصر  على ممارستها الحكام والعقول الشوفينية الحاكمة  في تركيا ، فأن هذا الأمر  لايعني  سوى التمسك بالخطر الحال الذي يدفع لسلوك حق الدفاع الشرعي .
هناك مبدأ قانوني معروف، وهو أن تطبيق أي قانون، سواء كان قانونا دوليا أم داخليا، ينبغي أن يتم وفق معايير وأسس القانون نفسه وليس عن طريق الخروقات الفاضحة والانتهاكات للقانون محل التطبيق ، ومادامت نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص صراحة على حق الشعوب في تقرير مصيرها ، وحقها في اختيار شكل الحكم ، فأن عدم الاستجابة لتلك النصوص يشكل خرقا إنسانيا فاضحا لذلك الإعلان ، ويعبر عن مدى الاستهانة بتلك المواثيق والنصوص التي تمسك بها المجتمع الإنساني وأصبحت معيارا للتمدن ومقياسا لحقوق الإنسان ،  فإذا كانت تلك الدول تلتزم في دساتيرها بحق الإنسان واحترام كرامته ، وتقر أيضا بحقوق الشعوب المتعددة في مناطقها الجغرافية  في الحياة المشتركة ، فأنها تتمسك أيضا بالمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين في نصوص لاقيمة لها دون تطبيق ، وتصبح نصوص دعائية لغرض التسويق لاتجسد الحقيقة في التعامل الإنساني ،  وهذه الخروقات ليست اعتباطية أو بالصدفة إنما هي من مرتكزات تفكير الحكام  الأتراك ونظرتهم لحق شعب كردستان ضمن تلك المناطق ، حيث صار المواطن الكردي في تلك الدول مواطنا من الدرجة الثانية ، أو انه من العصاة على تلك السلطات ، بالإضافة الى التردي في الخدمات والتخلف الذي يعم مناطق كردستان تركيا ، نتيجة تلك النظرة والسلوك ،  هذا التمييز المباشر أو غير المباشر يشكل تمايز عنصري وكشف فاضح لحقيقة العلاقة بين السلطة وبين الإنسان في مناطق كردستان المتشظية ، حيث لاجنس أسمى من جنس ولايمكن مقياس المواطنة بدرجات مختلفة ، وبالتالي فأن الإقرار بحق تلك المجموعة البشرية يؤدي الى عدم التفريط بالأنسان وتحويل القدرات العسكرية والمادية الى مشاريع  تنمية وبناء ورؤى مستقبلية تخدم الإنسانية بشكل عام ، وتمهد الطريق لقضية الحقوق والحريات التي يسعى لها الجميع .
ولكن الا يتم الالتفات الى العقل في قضية الإقرار بحق الآخر ؟ الا يمكن أن يحل الحوار والتواصل بديلا عن لغة النفخ والقتل والحروب ؟ الا تسعى تركيا في القرن الحادي والعشرين الى ترسيخ معالم للحياة الإنسانية تتناسب مع ما صارت عليه الإنسانية اليوم ؟ ثم الا يمكن الاستفادة من التجربة العراقية بعد كل هذا ؟



15
ناجي عقراوي .. باقيا  في القلب دوما

زهير كاظم عبود

مع إن الموت قدر البشر الا انني اجد إن  ناجي صبري عقراوي كان يسعى اليه بجناحين ، مثل الحمام الحالم بوطن تكلله الشمس ويعيد تلك القرى المبعثرة والينابيع المغلقة والأشجار التي تيبست من القصف الكيمياوي والعوائل التي تم تشريدها الى تلك الأماكن الحميمة التي ارتبطت بترابها  .
حالما مثلنا بوطن تكلله المحبة ، وتطرز جباهه عرق المتعبين والبؤساء والفقراء ، وطن يضمن الكرامة والخبز والآمان ،  وطن يعين المتعبين وينشر كلتا يديه ليضم عربه واكراده وتركمانه وكلدوا اشورييه وارمنه ،  وطن كان ناجي يجد أن الشمس تدخل من كل ابوابه وشبابيكه فتحيله الى جنة مشمسة تطهر أيامه وتضمن مستقبله  .
كان له الحضور المؤثر قبل أن يسقط ويتهاوى نظام الدكتاتورية ، وظف ناجي  عقراوي كل طاقته الثقافية والسياسية من اجل أن يكون العراق ديمقراطيا وفيدراليا موحدا .
مدافع أمين عن حقوق الإنسان ، ومكابر على جراحاته وامراضه الدفينة ، وحين التقينا في لندن ضمن فعالية لجنة دعم الديمقراطية  لمحت تعبه والجهد الذي يبذله ،  نصحته أن يداري صحته ، فأشار لي  قائلا :  وهل يستحق العراق  أن نكشف له عن اوجاعنا وهو الأحوج الينا اليوم ؟
رحل ناجي عقراوي جسدا غير انه باق في ضمائرنا ووسط قلوبنا .
طالما امتعنا ناجي بتلك المقالات والمواقف التي تدافع بكل ضراوة عن العراق وعن حقوق شعب كوردستان وعن حقوق  ألأنسان بشكل عام .
نقش أسمه وصورته وسط القلوب ورحل دون وداع .
باقيا في القلب دوما .

16
البصرة التي كانت ثغر العراق الباسم

زهير كاظم عبود

لايمكن لوصف أن يجسد معالم البصرة الإنسانية ، فقد أمتزج فيها الحلم مع المتعة ،  والمروءة مع التاريخ ، والنخيل مع الحلاوة ،واكتسبت صفات أزلية تتسع مع امتداد الماء ،  وقيم توارثتها القبائل ورعتها ألأديان المتنوعة فيها فزادتها متانة ورصانة ،  لاغريب فيها ولاشريد ، قلوب أهلها بيوتهم وملاذا آمنا لكل من يطلبه ويلوذ بهم  ، ويشعر ألإنسان حين يخترق شوارعها العتيقة أنه يختزل الزمن ويعبر صفحات التاريخ العربي ، يتجول بين أبو الأسود الدؤولي وساحة أم البروم ورمال الزبير، ويعبر بين تخوم الأبله وبقايا آثار معركة الجمل ، نهر العشار حيث صاحب الزنج رحاله وأغترف من مياهه بيديه ،  نقرات الدفوف الشعبية مصحوبة بالصناجات والعرق الناضح من الأجساد ، أو من الكلمات الطيبة المعجونة بالرقة والعذوبة المتفردة ،   تعلم أهلها البساطة والسماحة والكرم وحسن المعشر منذ الأزل ، إذ يرضعها البصري منذ الولادة من ثدي الأم ، فتكون  تلك الصفات معلما من معالم البصرة  ،  وصفات  مشتركة لايختلف عليها أحد في العراق .
أنها البصرة التي كانت ثغر العراق الباسم ولم تعد كما كانت .
غير أن البصرة ولسوء حظها أن تكون مدينة مطلة على البحر تلفحها نسماته ،  وشاسعة تحادد دول عدة ، وأماكن تدفن قصص التاريخ العربي والإسلامي بين ضلوعها ،  ومنتجة تفور تحت ترابها  مكامن النفط الخام ، وترسو في موانيها مئات السفن الأجنبية وسفائن التجار الصغار مع أبوامهم المتواضعة وزوارقهم الجميلة  ، التي تجيء ومعها بضائع التجار والركاب والأجانب الذين أطلقوا عليها بندقية الشرق أو فينيسا الشرق كما يقولون  .
غير أن البصرة تشرب ماء أجاجا يحرق جدران المريء  ، وتكثر فيها جموع الفقراء والذين لايملكون غير لقمة يومهم ، غير أن البصرة مدينة ليست كمدن الشرق ، فهي تبتسم لك رغم كل ويلاتها ، وتبعث في أوصالك الدفء رغم كل ما تشعر به من زمهرير الحكومات التي تناستها وصمت آذانها وأغمضت عيونها عنها .
ورحم الله الشهيد عبد الكريم قاسم ومزهر الشاوي مدير الموانئ العام ، حينما التفتا الى قضية مهمة لم تزل شاخصة حتى اليوم ، حين قررت حكومة عبد الكريم قاسم بناء دور للفقراء في الموانئ ، متواضعة وضيقة  ولكنها تضم عوائل  الكادحين وصغار الموظفين في المعقل وخمسة ميل والأبلة  والميناء ، الفقراء الأكثر انتشارا وعطاءا ووجودا في تلك البصرة الجميلة ، صارت لهم سقوفا وملاذات وتم تمليكهم لها مقابل أقساط مريحة وبسيطة رمزية ، صارت أحياء كاملة منتظمة وجميلة تسكنها تلك المجموعات البشرية حيث أمنت لها سقفا يحميها  ،  وترك مزهر الشاوي من بعده  سفرا خالدا في الانجاز والنزاهة  من خلال مؤسسة الموانئ التي أدارها بجدارة وبنزاهة أيضا نفتقدها هذه ألأيام  ، وخمسون عاما مرت دون أن يتهمه احد بسرقة النفط أو إيرادات الموانئ أوأختلاس  المال العام ، رحل عبد الكريم قاسم ومزهر الشاوي وبقيت آثار أعمالهم على جدران تلك البيوت المتواضعة والالتفاتة الإنسانية الكبيرة ، نقشا أسميهما بحروف كبيرة على صفحات تاريخ العراق الحديث ،  وتركا  أفكارهما  ومشاريعهما  الإنسانية على الأرض امتدادا من حدائق المعقل والملعب الرياضي مرورا بحدائق الأندلس والجنينة ، وأرصفة الموانئ ورافعاتها العملاقة وامتصاص البطالة ومرافق الموانئ الخدمية ومطاعمها ونواديها وأماكنها الاجتماعية ، ومطارها المتواضع وفندقها المطل على الشط وجزيرة السندباد وحدائق الخورة والكورنيش وشوارعها التي تزهو وبقيت زاهية  ،  وصولا الى بيوت الفقراء ومجمعات السكن .
غير أن الشاوي وعبد الكريم قاسم كانا يفكران في أن تكون للبصرة المكانة التي تليق بها ولأهلها الخدمات التي تستحقها  ، وأن تأخذ المساحة التي تتباهى بها بين بلدات الدنيا ، لم يسعفهما الزمن لإكمال مسيرتهما ، حيث حل زمن الخراب الأسود في شباط 1963  ، وجاء الجراد ليحول البصرة الى حمامات من الدم والخوف والحقد ، ويحول ساحة أم البروم الى ساحة أنس دون أنيس ، ويملأ سجنها بشبابها ،  ويوقف كل تلك المشاريع الإنسانية التي كانت تنتظرها مجاميع أخرى  ، وتلغى كل المشاريع القادمة بإصرار  بالنظر للحقد الكامن في نفوس الحكام  والخلل الذي يجتاح ضمائرهم حقدا على الإنسان في البصرة وفي تلك المناطق الفقيرة ، وبقيت البصرة تعطي ولا تأخذ ، تتباهى بكرمها وتكابر أولادها على جوعها ، وتشرب الماء الممجوج قسرا دون أن تشتكي ولمن تشتكي وحكامها طرشان لايعون ما يجري تحتهم ؟  وتتراجع الخدمات وتتوقف كل مشاريع السكن التي كانت توفر سقوف للفقراء  وعمل لتأمين حياتهم ، وتنتشر البطالة وتضيع الفرص  وتتكاثر حاجة الناس ، ويتناسل الفقراء في أحياء شهيرة تعج بالفقراء والكادحين ( الحيانية والجمهورية وخمسة ميل ) ، وتتحول شوارعها الزاهية الى معالم عسكرية ، وتتحول الى منطقة عمليات وجبهة أمامية ،  تتلقى صواريخ الجارة التي شن عليها الطاغية تلك الحرب المجنونة التي أتت على ما تبقى من الوجه الجميل للبصرة ،  فتحوله الى بؤسا وخرابا ولونا أسود يعلوه التراب ، ولافتات من القماش الأسود تتزاحم الواحدة فوق الأخرى ، وبيوت متهدمة وخرائب عافتها اهلها .
وحين سقط الطاغية استبشر ليس البصريون وحدهم أن هناك من سيلتفت لهم وينصفهم ، وهناك من سيخطط ليعيد لهم الاعتبار من زمن هجين حرص على تعذيبهم وحرمانهم من ابسط الحقوق ، زمن سرق أحلامهم وحرم أطفالهم من التمتع بالحياة كما تفعل ا لبشر ،  زمن حول مدينتهم الحلوة الزاهية الى متاريس وذبح النخيل وقطع الأوصال ، وكثرت أحلام العراقيين ببصرتهم  التي اعتقدوا أنها  ستضاهي مدن مثلها أن لم تكن اقل منها موقعا جغرافيا  ( دبي مثلا ) ،  غير أن لدبي عقلها الحاكم ، وشعور حاكمها الوطني ، وحرصه ليس على الأعمار والتنمية فقط ، إنما عقله الواسع من أن تكون دبي ليس فقط لكل اهلها ، إنما تكون ملاذا ومكانا ومستقرا  لكل الشركات الأجنبية والاستثمارية ، ومكانا  جاذبا يؤمها الأجنبي ويجد ماتتوفر له سبل الراحة والاستمتاع ،  ولا تمنعه حكومة دبي من أن يتمتع بحريتها ، ولا تشترط عليه إن يرتدي ملابس محددة أو أن تتبرقع النساء وتختفي معالمها  وراء تلك الخيمة السوداء ، حاكم دبي الذي وفر ماء البحر المالح ليتحول الى ماء عذب للاستعمال ،  ورمال الصحراء الى بنايات ومؤسسات  لمتعة البشر ،  الحرية التي توفرها حكومة دبي هي حرية العقل الواسع والنظرة الى المستقبل في كيفية تحويل مدينتهم الصحراوية الى جنة يقصدها رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب من كل حدب وصوب .
العقل جنة الإنسان ، ولو توفر العقل عند الحاكم لتوفرت الفرص العديدة التي تخدم الإنسان في كل زمان ومكان ، في البصرة أديان متعددة تعايشت منذ نشوء المدينة ، وصار أهل تلك الديانات معلما من معالمها ، المسيحيون من أولادها جزء من طينتها وملوحة مياهها ، وهم يتمسكون ببصرتهم غير  أن الظلم حل عليهم في قرارات التطرف الإسلامي والإرهاب المتستر باسم الدين  ، فجارت عليهم قرارات لاعلاقة لها بدين أو عقل  أجبرتهم على الهروب من بصرتهم فاقتطعوا جزء من أرواحهم ، والمندائيون قلادة في جيد البصرة  وأريج طيبتها ، وهم جزء لايمكن فصله من جسدها ،  جارت عليهم كلاب الحوأب  تنهش من أجسادهم باسم الدين ، فذبحت من تريد  وهرب الآخرين يحملون معهم ترابها في عيونهم .
وأزداد خراب البصرة وفقرها ، وتناسل الفقراء دون مشاريع سكن ، ولأن المحاصصة الطائفية خراب العراق الجديد ، صار حكامها ومسؤوليها ضمن صفقات المحاصصة مسؤولين عنها  ، وغابت نزاهة عبد الكريم قاسم ومزهر الشاوي ،  صارت الاتهامات سجلا كبيرا في سرقات النفط والاختلاسات وسرقة المال العام والفساد الإداري ، وصارت الاتفاقات مع دول الجوار وأستيراد الأسلحة والمتفجرات والمخدرات ، ولم تزل البصرة تشرب ماء ممجوج وتتكاثر فيها أحياء الفقراء لتكتسح الرباط وأم الدجاج والحجاج والبصرة القديمة وباب الزبير والحكيمية  ، وتتكاثر فيها البطالة والمليشيات التي تشكل كل منها دولة داخل تلك الدولة التي غابت عن البصرة .
وتعكزا على تلك المحاصصة صار المسؤول فيها لايفكر بعقلية الناس ،  ولا بحرصه على المستقبل ، صار فقط يريد أن يثبت لحزبه أو طائفته انه سيحول المدينة وأهلها وفقا لما يريده الحاكم منهم ،يريد أن يطبق قانونه عليهم  وليس كما يريد الناس ، وليس مثلما يرفع الظلم عن أهلها ، وليس ما يوفر الخدمات والحقوق لهم ، وليس مثلما يقول الدستور فقانونه أعلى من دستور العراق .
ضاعت من عمر البصرة خمس سنوات عجاف أخرى فوق ما ضاع منها ،  لم تزل تراوح مكانها يكتسح الخراب منتدياتها ونواديها وصالات العرض السينمائي ومسارحها وقاعاتها ، وضاعت خمس سنوات أخرى  لم تزل البصرة جاثمة على خرابها ، لايستطيع الأعمار أن يعيد الاستلاب الإنساني الذي حل في نفوس اهلها ، ولايستطيع تبليط شارع الوطني أو الكورنيش أن يوفر سقفا للكادحين والفقراء ، ولايستطيع القضاء على المجموعات الإجرامية والإرهابية أن يعيد الآمان اليها ، لم تعد البصرة تلك المدينة التي يمكن أن تضاهي المدن التي تطل على البحار ، تحكمها قرارات تجعل كل أجنبي وكل شركة استثمار تبتعد عنها وتتهرب منها  ، تحكمها أهواء ومزاجات ليس لها علاقة بالمستقبل كلها من أجل رضا حزب أو دولة ، وتضع خناجر وسيوف أمام مستقبلها .
لاتستحق البصرة كل هذا ، ولايمكن لصاحب ضمير أو وجدان يقبل بكل ما جرى عليها ، ولم تزل قابعة تحت ركام الخراب ، أطفالها السمر يجوبون الشوارع لكسب عيشة عوائلهم ، وانتشر الحزن بين بيوتها ، وصار القطط السمان يتحكمون في محلاتها وأهلها ، وأكتنز الناس الأسلحة التي لم تتوقف يوما واحدا عن المجيء من خاصرة العراق ، وصار الخوف بديلا عن الجاذبية ، وصار الموت علامة فارقة لكل من يهمس لتشخيص الخلل والخطأ ، وأغلقت كل معالمها الجميلة وأبدل ثوبها الزاهي والملون بثياب سوداء حزينة طول العام ، وصارت المواعظ أن يتقبل البصري الواقع ويحمد الله على ماموجود ، وعليه أن يتقبل قرارات الحاكم الذي يريد أن يحول بينه وبين حلم العراق ، فيعيد البصرة الى حضيرة المدن البائسة ، ماء أجاج وفقرا ينتشر كالجراد وجوعا يمر مع الأيام وآثار لمعالم بناها الطيبون والحريصون على وجهها الجميل .
البصرة التي تزين رأس الخليج مكسوة بغبار معارك الطاغية لم تغسلها الأيام ولا عمل حكامنا على تمشيط شعرها واستعادة زينتها ، ولا هدءوا روعها وأعادوا لها شيئا من حقوق أهلها .
البصرة التي تطل على الدنيا من منفذها البحري وتضخ النفط الخام عبر منافذها البحرية كل دقيقة ، يفتقر أهلها الى منتجات النفط في بيوتهم ، وكسرة خبز يقي بها المعدمون والجياع جوعهم ، ويكف المتسولين عن طلبهم تلك الحاجة  .
البصرة لتي كانت تعج بالنخيل والبساتين الزاهية تستورد اليوم خضرواتها من الجارة إيران ولم ترفع حتى اليوم جثامين النخيل المذبوح بسيف الطاغية ، المتاريس التي استعملها في حربه المجنونة ، وصارت تستورد التمر من دول الجوار .
البصرة التي يطرز وجهها الجميل نهر العشار ، لم يزل مطمورا بائسا تتجمع فيه الأكياس الفارغة والمخلفات التي تلقيها الناس متوقفا عن الجريان ، لا أثر للمد والجزر فيه ، ولم يعد جميلا يتغنى به الشعراء .
البصرة التي تنام على نهر من النفط ويلتقي عندها الفرات ودجلة ، تتحسر حتى اليوم على شط العرب الذي تنتشر فيه الملوحة .
البصرة التي كانت مشتى وملاذا للهاربين من مدنهم وسلطاتهم ، صار فيها الهروب علامة بارزة بعد رحيل أيامها الحلوة ، وعافها اهلها من اليهود والمسيحيين والمندائيين ، وصار فيهم عمل أهل الديانات الأخرى مجازفة وخطورة ، بعد أن كانت تعج وتعتز بهم .
البصرة التي نريدها للعراق ولجميع أهل تلك الديانات العراقية ، صارت تحت طائلة قرارات الحكومات الخارجة عن سلطة الحكومة  وتحت شفرات سيوف المليشيات الخارجة عن جيش الدولة .
والبصرة التي تسوق النفط الخام للعالم ، صارت منهوبة مفاتيح أنابيبها ووارداتها في جيوب النهابين والسراق  ، والدولة لانعرف ناهبها الحقيقي  ولا الكميات المسروقة ولا الجهات التي تشتري النفط المسروق ، كما لم نتعرف على حقيقة الاتهامات التي طالت جميع المسؤولين دون استثناء ، فالكل متهم ، والاتهامات متبادلة  والقضايا مغلقة ولا أثر لها   ، غير أن الثابت أن النفط والمال العام مسروق بالتأكيد .
البصرة ملوثة اليوم فوق ضيمها ، وممتلئة بالألغام غير المنفجرة فوق فقرها .
البصرة تحتاج شجيرات الأثل فيها الى زخات من مطر السماء ، بديلا عن زخات الرصاص وقرارات تمنع عنها الحياة وتقسر الآخرين على القبول بها دون حق الاعتراض .
البصرة تمنع فيها الموسيقى والغناء ، فتخرس مراكبها ومشاحيفها وتصمت مجموعات أهلها وتنطفئ فوانيسها  ليلة الجمعة ، ولم تعد تلك الهلاهل والضحكات تنطلق من تجمعات أهلها في الربيع ، ومن الزوارق السابحة في شط العرب ،  أو عند مشارف الأثل حيث تتجمع الناس  ، أو عند مسنات النهر في بساتين التنومة ،  ويتحول (( تومان )) الى قارئ مقاييس للحزن .
البصرة اليوم تشرع فيها القوانين وفقا لمزاج الحاكم لااعتبار للدستور في قراراته ، ولا اعتبار لنص المساواة بين المواطنين دون تمييز بسبب الدين أو المذهب ، ولاقيمة للمواطن مادام يتلقى القرارات الأوامر  فالكل يخضع لواحد .
هل يمكن أن تعود أيام البصرة البهيجة ؟
هل يمكن أن تعود البصرة مرتعا لكل أهل الديانات الأخرى ؟
هل يمكن أن تعود البصرة كما كانت قبل خمسين سنة ؟
لم يعد لنا أن نحلم ببصرة المستقبل ، فقد انتشر الجدري في وجهها الجميل ، وانتشرت البثور على تخومها وحدودها ، لم يعد لنا أن نحلم ببندقية  الشرق ورئة العراق على الخليج ، ولم يعد لنا أن نحلم بالبصرة تزهو بالناس على اختلاف مللهم وجنسياتهم وأديانهم وألوانهم ، ولم يعد لنا أن نحلم بالبصرة التي تضاهي مدن الخليج العامرة ، زادتها سنواتها الأخيرة حزنا وعذابا ، ولم تعد تتسع مقابرها لجثث المذبوحين والمقتولين غدرا ، لم تعد للزهور مكانا في حدائق الأندلس ، وعادت البصرة بحاجة ماسة للماء الصالح للشرب ، وعادت مرة أخرى تعطي ولا تأخذ ، لايمكن لأي شكل من أشكال أنظمة الحكم أن يعيد لها رونقها وضحكاتها وسعة صدرها وفيّ نخيلها ، ولم تعد حلاوة  نهر خوز لها طعم طيب ولذيذ ، البصرة تريد حكاما من أهلها وليس على أهلها ، تريد أن يكون المسؤول خادما لها وليس سلطانا عليها ، البصرة تريد الموظف محكوم بقانون الخدمة المدنية وليس حاكما مطلقا عليها ، البصرة تريد أن تستعيد أيامها الزاهية ، فهل يمكن أن نتعاون معها من أجل الإنسان والعراق ؟

17
البصرة التي كانت ثغر العراق الباسم

زهير كاظم عبود

لايمكن لوصف أن يجسد معالم البصرة الإنسانية ، فقد أمتزج فيها الحلم مع المتعة ،  والمروءة مع التاريخ ، والنخيل مع الحلاوة ،واكتسبت صفات أزلية تتسع مع امتداد الماء ،  وقيم توارثتها القبائل ورعتها ألأديان المتنوعة فيها فزادتها متانة ورصانة ،  لاغريب فيها ولاشريد ، قلوب أهلها بيوتهم وملاذا آمنا لكل من يطلبه ويلوذ بهم  ، ويشعر ألإنسان حين يخترق شوارعها العتيقة أنه يختزل الزمن ويعبر صفحات التاريخ العربي ، يتجول بين أبو الأسود الدؤولي وساحة أم البروم ورمال الزبير، ويعبر بين تخوم الأبله وبقايا آثار معركة الجمل ، نهر العشار حيث صاحب الزنج رحاله وأغترف من مياهه بيديه ،  نقرات الدفوف الشعبية مصحوبة بالصناجات والعرق الناضح من الأجساد ، أو من الكلمات الطيبة المعجونة بالرقة والعذوبة المتفردة ،   تعلم أهلها البساطة والسماحة والكرم وحسن المعشر منذ الأزل ، إذ يرضعها البصري منذ الولادة من ثدي الأم ، فتكون  تلك الصفات معلما من معالم البصرة  ،  وصفات  مشتركة لايختلف عليها أحد في العراق .
أنها البصرة التي كانت ثغر العراق الباسم ولم تعد كما كانت .
غير أن البصرة ولسوء حظها أن تكون مدينة مطلة على البحر تلفحها نسماته ،  وشاسعة تحادد دول عدة ، وأماكن تدفن قصص التاريخ العربي والإسلامي بين ضلوعها ،  ومنتجة تفور تحت ترابها  مكامن النفط الخام ، وترسو في موانيها مئات السفن الأجنبية وسفائن التجار الصغار مع أبوامهم المتواضعة وزوارقهم الجميلة  ، التي تجيء ومعها بضائع التجار والركاب والأجانب الذين أطلقوا عليها بندقية الشرق أو فينيسا الشرق كما يقولون  .
غير أن البصرة تشرب ماء أجاجا يحرق جدران المريء  ، وتكثر فيها جموع الفقراء والذين لايملكون غير لقمة يومهم ، غير أن البصرة مدينة ليست كمدن الشرق ، فهي تبتسم لك رغم كل ويلاتها ، وتبعث في أوصالك الدفء رغم كل ما تشعر به من زمهرير الحكومات التي تناستها وصمت آذانها وأغمضت عيونها عنها .
ورحم الله الشهيد عبد الكريم قاسم ومزهر الشاوي مدير الموانئ العام ، حينما التفتا الى قضية مهمة لم تزل شاخصة حتى اليوم ، حين قررت حكومة عبد الكريم قاسم بناء دور للفقراء في الموانئ ، متواضعة وضيقة  ولكنها تضم عوائل  الكادحين وصغار الموظفين في المعقل وخمسة ميل والأبلة  والميناء ، الفقراء الأكثر انتشارا وعطاءا ووجودا في تلك البصرة الجميلة ، صارت لهم سقوفا وملاذات وتم تمليكهم لها مقابل أقساط مريحة وبسيطة رمزية ، صارت أحياء كاملة منتظمة وجميلة تسكنها تلك المجموعات البشرية حيث أمنت لها سقفا يحميها  ،  وترك مزهر الشاوي من بعده  سفرا خالدا في الانجاز والنزاهة  من خلال مؤسسة الموانئ التي أدارها بجدارة وبنزاهة أيضا نفتقدها هذه ألأيام  ، وخمسون عاما مرت دون أن يتهمه احد بسرقة النفط أو إيرادات الموانئ أوأختلاس  المال العام ، رحل عبد الكريم قاسم ومزهر الشاوي وبقيت آثار أعمالهم على جدران تلك البيوت المتواضعة والالتفاتة الإنسانية الكبيرة ، نقشا أسميهما بحروف كبيرة على صفحات تاريخ العراق الحديث ،  وتركا  أفكارهما  ومشاريعهما  الإنسانية على الأرض امتدادا من حدائق المعقل والملعب الرياضي مرورا بحدائق الأندلس والجنينة ، وأرصفة الموانئ ورافعاتها العملاقة وامتصاص البطالة ومرافق الموانئ الخدمية ومطاعمها ونواديها وأماكنها الاجتماعية ، ومطارها المتواضع وفندقها المطل على الشط وجزيرة السندباد وحدائق الخورة والكورنيش وشوارعها التي تزهو وبقيت زاهية  ،  وصولا الى بيوت الفقراء ومجمعات السكن .
غير أن الشاوي وعبد الكريم قاسم كانا يفكران في أن تكون للبصرة المكانة التي تليق بها ولأهلها الخدمات التي تستحقها  ، وأن تأخذ المساحة التي تتباهى بها بين بلدات الدنيا ، لم يسعفهما الزمن لإكمال مسيرتهما ، حيث حل زمن الخراب الأسود في شباط 1963  ، وجاء الجراد ليحول البصرة الى حمامات من الدم والخوف والحقد ، ويحول ساحة أم البروم الى ساحة أنس دون أنيس ، ويملأ سجنها بشبابها ،  ويوقف كل تلك المشاريع الإنسانية التي كانت تنتظرها مجاميع أخرى  ، وتلغى كل المشاريع القادمة بإصرار  بالنظر للحقد الكامن في نفوس الحكام  والخلل الذي يجتاح ضمائرهم حقدا على الإنسان في البصرة وفي تلك المناطق الفقيرة ، وبقيت البصرة تعطي ولا تأخذ ، تتباهى بكرمها وتكابر أولادها على جوعها ، وتشرب الماء الممجوج قسرا دون أن تشتكي ولمن تشتكي وحكامها طرشان لايعون ما يجري تحتهم ؟  وتتراجع الخدمات وتتوقف كل مشاريع السكن التي كانت توفر سقوف للفقراء  وعمل لتأمين حياتهم ، وتنتشر البطالة وتضيع الفرص  وتتكاثر حاجة الناس ، ويتناسل الفقراء في أحياء شهيرة تعج بالفقراء والكادحين ( الحيانية والجمهورية وخمسة ميل ) ، وتتحول شوارعها الزاهية الى معالم عسكرية ، وتتحول الى منطقة عمليات وجبهة أمامية ،  تتلقى صواريخ الجارة التي شن عليها الطاغية تلك الحرب المجنونة التي أتت على ما تبقى من الوجه الجميل للبصرة ،  فتحوله الى بؤسا وخرابا ولونا أسود يعلوه التراب ، ولافتات من القماش الأسود تتزاحم الواحدة فوق الأخرى ، وبيوت متهدمة وخرائب عافتها اهلها .
وحين سقط الطاغية استبشر ليس البصريون وحدهم أن هناك من سيلتفت لهم وينصفهم ، وهناك من سيخطط ليعيد لهم الاعتبار من زمن هجين حرص على تعذيبهم وحرمانهم من ابسط الحقوق ، زمن سرق أحلامهم وحرم أطفالهم من التمتع بالحياة كما تفعل ا لبشر ،  زمن حول مدينتهم الحلوة الزاهية الى متاريس وذبح النخيل وقطع الأوصال ، وكثرت أحلام العراقيين ببصرتهم  التي اعتقدوا أنها  ستضاهي مدن مثلها أن لم تكن اقل منها موقعا جغرافيا  ( دبي مثلا ) ،  غير أن لدبي عقلها الحاكم ، وشعور حاكمها الوطني ، وحرصه ليس على الأعمار والتنمية فقط ، إنما عقله الواسع من أن تكون دبي ليس فقط لكل اهلها ، إنما تكون ملاذا ومكانا ومستقرا  لكل الشركات الأجنبية والاستثمارية ، ومكانا  جاذبا يؤمها الأجنبي ويجد ماتتوفر له سبل الراحة والاستمتاع ،  ولا تمنعه حكومة دبي من أن يتمتع بحريتها ، ولا تشترط عليه إن يرتدي ملابس محددة أو أن تتبرقع النساء وتختفي معالمها  وراء تلك الخيمة السوداء ، حاكم دبي الذي وفر ماء البحر المالح ليتحول الى ماء عذب للاستعمال ،  ورمال الصحراء الى بنايات ومؤسسات  لمتعة البشر ،  الحرية التي توفرها حكومة دبي هي حرية العقل الواسع والنظرة الى المستقبل في كيفية تحويل مدينتهم الصحراوية الى جنة يقصدها رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب من كل حدب وصوب .
العقل جنة الإنسان ، ولو توفر العقل عند الحاكم لتوفرت الفرص العديدة التي تخدم الإنسان في كل زمان ومكان ، في البصرة أديان متعددة تعايشت منذ نشوء المدينة ، وصار أهل تلك الديانات معلما من معالمها ، المسيحيون من أولادها جزء من طينتها وملوحة مياهها ، وهم يتمسكون ببصرتهم غير  أن الظلم حل عليهم في قرارات التطرف الإسلامي والإرهاب المتستر باسم الدين  ، فجارت عليهم قرارات لاعلاقة لها بدين أو عقل  أجبرتهم على الهروب من بصرتهم فاقتطعوا جزء من أرواحهم ، والمندائيون قلادة في جيد البصرة  وأريج طيبتها ، وهم جزء لايمكن فصله من جسدها ،  جارت عليهم كلاب الحوأب  تنهش من أجسادهم باسم الدين ، فذبحت من تريد  وهرب الآخرين يحملون معهم ترابها في عيونهم .
وأزداد خراب البصرة وفقرها ، وتناسل الفقراء دون مشاريع سكن ، ولأن المحاصصة الطائفية خراب العراق الجديد ، صار حكامها ومسؤوليها ضمن صفقات المحاصصة مسؤولين عنها  ، وغابت نزاهة عبد الكريم قاسم ومزهر الشاوي ،  صارت الاتهامات سجلا كبيرا في سرقات النفط والاختلاسات وسرقة المال العام والفساد الإداري ، وصارت الاتفاقات مع دول الجوار وأستيراد الأسلحة والمتفجرات والمخدرات ، ولم تزل البصرة تشرب ماء ممجوج وتتكاثر فيها أحياء الفقراء لتكتسح الرباط وأم الدجاج والحجاج والبصرة القديمة وباب الزبير والحكيمية  ، وتتكاثر فيها البطالة والمليشيات التي تشكل كل منها دولة داخل تلك الدولة التي غابت عن البصرة .
وتعكزا على تلك المحاصصة صار المسؤول فيها لايفكر بعقلية الناس ،  ولا بحرصه على المستقبل ، صار فقط يريد أن يثبت لحزبه أو طائفته انه سيحول المدينة وأهلها وفقا لما يريده الحاكم منهم ،يريد أن يطبق قانونه عليهم  وليس كما يريد الناس ، وليس مثلما يرفع الظلم عن أهلها ، وليس ما يوفر الخدمات والحقوق لهم ، وليس مثلما يقول الدستور فقانونه أعلى من دستور العراق .
ضاعت من عمر البصرة خمس سنوات عجاف أخرى فوق ما ضاع منها ،  لم تزل تراوح مكانها يكتسح الخراب منتدياتها ونواديها وصالات العرض السينمائي ومسارحها وقاعاتها ، وضاعت خمس سنوات أخرى  لم تزل البصرة جاثمة على خرابها ، لايستطيع الأعمار أن يعيد الاستلاب الإنساني الذي حل في نفوس اهلها ، ولايستطيع تبليط شارع الوطني أو الكورنيش أن يوفر سقفا للكادحين والفقراء ، ولايستطيع القضاء على المجموعات الإجرامية والإرهابية أن يعيد الآمان اليها ، لم تعد البصرة تلك المدينة التي يمكن أن تضاهي المدن التي تطل على البحار ، تحكمها قرارات تجعل كل أجنبي وكل شركة استثمار تبتعد عنها وتتهرب منها  ، تحكمها أهواء ومزاجات ليس لها علاقة بالمستقبل كلها من أجل رضا حزب أو دولة ، وتضع خناجر وسيوف أمام مستقبلها .
لاتستحق البصرة كل هذا ، ولايمكن لصاحب ضمير أو وجدان يقبل بكل ما جرى عليها ، ولم تزل قابعة تحت ركام الخراب ، أطفالها السمر يجوبون الشوارع لكسب عيشة عوائلهم ، وانتشر الحزن بين بيوتها ، وصار القطط السمان يتحكمون في محلاتها وأهلها ، وأكتنز الناس الأسلحة التي لم تتوقف يوما واحدا عن المجيء من خاصرة العراق ، وصار الخوف بديلا عن الجاذبية ، وصار الموت علامة فارقة لكل من يهمس لتشخيص الخلل والخطأ ، وأغلقت كل معالمها الجميلة وأبدل ثوبها الزاهي والملون بثياب سوداء حزينة طول العام ، وصارت المواعظ أن يتقبل البصري الواقع ويحمد الله على ماموجود ، وعليه أن يتقبل قرارات الحاكم الذي يريد أن يحول بينه وبين حلم العراق ، فيعيد البصرة الى حضيرة المدن البائسة ، ماء أجاج وفقرا ينتشر كالجراد وجوعا يمر مع الأيام وآثار لمعالم بناها الطيبون والحريصون على وجهها الجميل .
البصرة التي تزين رأس الخليج مكسوة بغبار معارك الطاغية لم تغسلها الأيام ولا عمل حكامنا على تمشيط شعرها واستعادة زينتها ، ولا هدءوا روعها وأعادوا لها شيئا من حقوق أهلها .
البصرة التي تطل على الدنيا من منفذها البحري وتضخ النفط الخام عبر منافذها البحرية كل دقيقة ، يفتقر أهلها الى منتجات النفط في بيوتهم ، وكسرة خبز يقي بها المعدمون والجياع جوعهم ، ويكف المتسولين عن طلبهم تلك الحاجة  .
البصرة لتي كانت تعج بالنخيل والبساتين الزاهية تستورد اليوم خضرواتها من الجارة إيران ولم ترفع حتى اليوم جثامين النخيل المذبوح بسيف الطاغية ، المتاريس التي استعملها في حربه المجنونة ، وصارت تستورد التمر من دول الجوار .
البصرة التي يطرز وجهها الجميل نهر العشار ، لم يزل مطمورا بائسا تتجمع فيه الأكياس الفارغة والمخلفات التي تلقيها الناس متوقفا عن الجريان ، لا أثر للمد والجزر فيه ، ولم يعد جميلا يتغنى به الشعراء .
البصرة التي تنام على نهر من النفط ويلتقي عندها الفرات ودجلة ، تتحسر حتى اليوم على شط العرب الذي تنتشر فيه الملوحة .
البصرة التي كانت مشتى وملاذا للهاربين من مدنهم وسلطاتهم ، صار فيها الهروب علامة بارزة بعد رحيل أيامها الحلوة ، وعافها اهلها من اليهود والمسيحيين والمندائيين ، وصار فيهم عمل أهل الديانات الأخرى مجازفة وخطورة ، بعد أن كانت تعج وتعتز بهم .
البصرة التي نريدها للعراق ولجميع أهل تلك الديانات العراقية ، صارت تحت طائلة قرارات الحكومات الخارجة عن سلطة الحكومة  وتحت شفرات سيوف المليشيات الخارجة عن جيش الدولة .
والبصرة التي تسوق النفط الخام للعالم ، صارت منهوبة مفاتيح أنابيبها ووارداتها في جيوب النهابين والسراق  ، والدولة لانعرف ناهبها الحقيقي  ولا الكميات المسروقة ولا الجهات التي تشتري النفط المسروق ، كما لم نتعرف على حقيقة الاتهامات التي طالت جميع المسؤولين دون استثناء ، فالكل متهم ، والاتهامات متبادلة  والقضايا مغلقة ولا أثر لها   ، غير أن الثابت أن النفط والمال العام مسروق بالتأكيد .
البصرة ملوثة اليوم فوق ضيمها ، وممتلئة بالألغام غير المنفجرة فوق فقرها .
البصرة تحتاج شجيرات الأثل فيها الى زخات من مطر السماء ، بديلا عن زخات الرصاص وقرارات تمنع عنها الحياة وتقسر الآخرين على القبول بها دون حق الاعتراض .
البصرة تمنع فيها الموسيقى والغناء ، فتخرس مراكبها ومشاحيفها وتصمت مجموعات أهلها وتنطفئ فوانيسها  ليلة الجمعة ، ولم تعد تلك الهلاهل والضحكات تنطلق من تجمعات أهلها في الربيع ، ومن الزوارق السابحة في شط العرب ،  أو عند مشارف الأثل حيث تتجمع الناس  ، أو عند مسنات النهر في بساتين التنومة ،  ويتحول (( تومان )) الى قارئ مقاييس للحزن .
البصرة اليوم تشرع فيها القوانين وفقا لمزاج الحاكم لااعتبار للدستور في قراراته ، ولا اعتبار لنص المساواة بين المواطنين دون تمييز بسبب الدين أو المذهب ، ولاقيمة للمواطن مادام يتلقى القرارات الأوامر  فالكل يخضع لواحد .
هل يمكن أن تعود أيام البصرة البهيجة ؟
هل يمكن أن تعود البصرة مرتعا لكل أهل الديانات الأخرى ؟
هل يمكن أن تعود البصرة كما كانت قبل خمسين سنة ؟
لم يعد لنا أن نحلم ببصرة المستقبل ، فقد انتشر الجدري في وجهها الجميل ، وانتشرت البثور على تخومها وحدودها ، لم يعد لنا أن نحلم ببندقية  الشرق ورئة العراق على الخليج ، ولم يعد لنا أن نحلم بالبصرة تزهو بالناس على اختلاف مللهم وجنسياتهم وأديانهم وألوانهم ، ولم يعد لنا أن نحلم بالبصرة التي تضاهي مدن الخليج العامرة ، زادتها سنواتها الأخيرة حزنا وعذابا ، ولم تعد تتسع مقابرها لجثث المذبوحين والمقتولين غدرا ، لم تعد للزهور مكانا في حدائق الأندلس ، وعادت البصرة بحاجة ماسة للماء الصالح للشرب ، وعادت مرة أخرى تعطي ولا تأخذ ، لايمكن لأي شكل من أشكال أنظمة الحكم أن يعيد لها رونقها وضحكاتها وسعة صدرها وفيّ نخيلها ، ولم تعد حلاوة  نهر خوز لها طعم طيب ولذيذ ، البصرة تريد حكاما من أهلها وليس على أهلها ، تريد أن يكون المسؤول خادما لها وليس سلطانا عليها ، البصرة تريد الموظف محكوم بقانون الخدمة المدنية وليس حاكما مطلقا عليها ، البصرة تريد أن تستعيد أيامها الزاهية ، فهل يمكن أن نتعاون معها من أجل الإنسان والعراق ؟


18
الحصانة البرلمانية


زهير كاظم عبود


البرلمان أو مجلس النواب أو مجلس الشعب تسميات متعددة لمؤسسة دستورية تشكل السلطة التشريعية ، ويتكون المجلس من عدد من الأعضاء يتم انتخابهم عن طريق الشعب ، ويختص مجلس النواب بتشريع القوانين في الدولة الاتحادية ، والرقابة على أعمال وأداء السلطة التنفيذية ، وانتخاب رئيس الجمهورية ، وتنظيم عملية لمصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعقودة بين العراق ونلك الدول ، بالإضافة الى تعيين رئيس وأعضاء محكمة التمييز ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الأشراف العدلي ، والسفراء وأصحاب الدرجات لخاصة الذين يتم اقتراح أسماؤهم من بل مجلس الوزراء ، وكذلك تعيي رئيس أركان الجيش ومعاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة ورئيس جهاز المخابرات ومسائلة وعزل رئيس الجمهورية وفق نصوص الدستور ، بالإضافة الى مسائلة الوزراء وسحب الثقة منهم وإقالة الوزارة وأعلن الحرب وحالة الطوارئ ، ومن خلال تلك المهام الخطيرة التي نص عليها الدستور ، ندرك أهمية المجلس والأعضاء العامين فيه ، وفي سبيل تفعيل عمل المجلس تدور لنقاشات وتطرح الأفكار ، ولهذا فأن الحرية التي يتمتع بها عضو البرلمان من اجل إتاحة الفرصة له لتقديم ما يخدم لشعب الذي خوله تلك المكانة وأوكل أليه تمثيله في هذا المجلس ، فأن  الدستور منحه تلك الحصانة المشروطة ، التي تحمي أفكاره وآراءه من المسؤولية أثناء دورة الانعقاد ، غير أن الغطاء يمكن أن يتم سحبه منه أذا أرتكب أو اتهم بارتكاب جناية خلال تلك الفترة بالطريقة التي حددها الدستور .
يلعب أعضاء مجلس التواب  دورا هاما في إرساء  معالم الديمقراطية  التي أكدتها المادة الأولى من الدستور عبر تمثيل أفراد الشعب، وعبر المناقشات الهادفة والنتائج التي تصاغ على شكل قوانين صادرة من المجلس ،
أن عضو مجلس النواب يعد ممثلا للشعب العراقي دون اعتبار لأي تمييز قومي أو ديني ،  فهو يمثل الشعب العراقي  ، وبالنظر لنيله ثقة الشعب قد صار وكيلا عنهم أمينا على حقوقهم ومتفهما للحاجة الى القوانين التي تسهل عمل السلطة التنفيذية وخدمة المواطن ، وبهذا يستمد أعضاؤه نيابتهم من الأمة وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه لغيرهم ،  وعلى هذا ألأساس  فأن الدستور وضع تلك الحصانة لعضو مجلس النواب  لتسهيل عملية التلاقح والمناقشات الجدية بقصد التوصل الى أفضل السبل والحلول المطروحة ،  ولذا فأن الحصانة التي يضفيها الدستور على عضو مجلس النواب  لاتعني الحماية الشخصية ، ولاتوفر له درجة في التمايز كمواطن له من الحقوق والواجبات مايوفره الدستور لغيره من المواطنين ، الا أن الدستور يضع لعمله البرلماني  تلك الحصانة ، وينظم حمايتها وفقا للقانون ، وفي سبيل فأن المجلس يدرس حالات سحب الحصانة دراسة وافية وعميقة ،  ليس بقصد  عرقلة الأجراءات القانونية في القضايا التي تمس حقوق الغير  ، وإنما بقصد معرفة جدية تلك الاتهامات وعدم تعلقها بالأفكار والآراء التي يطرحها العضو داخل أطار المجلس ،  فأن وجد إن العضو متهم بما يمكن إن يتم سحب الحصانة عنه ، فيتم أجراء سحب الحصانة بموافقة الأغلبية المطلقة من الأعضاء ،  باعتبار أن القانون فوق الجميع دون اعتبار للمركز التشريعي أو الوظيفي الذي يشغله  ، ولا احد فوق سلطة القانون ، وتلك الأجراءات تأتي انسجاما مع تمسك المجلس في التطبيق الدستوري والقانوني السليم ، وتجسيدا لمبدأ إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ، والأمر في كل الأحوال متروك للقضاء العراقي  .
ومع إن العراق ملتزم بتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ، الا أن جسم الهيئة لتشريعية يعتبر منطقيا هو الجسم الأعلى في البلاد ، وهو الذي يخطط ويقنن النصوص من اجل رسم المرحلة التي تحكم وجوده للسلطة التنفيذية والقضائية ، مع أن القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون .   
غير  أن عضو مجلس النواب مواطنا ومن البشر ، ويمكن أن تصدر عنه بعض الأفعال أو الأقوال التي أن صح وقو عها يعاقب عليها القانون  ، وحتى يمكن أن تكون هناك آلية معتمدة في رفع غطاء الحصانة البرلمانية عن ذلك العضو  ضمن الإطار الدستوري والقانوني ، تتم مسائلة عضو البرلمان عن الاتهامات الموجهة له من الجهات القضائية المختصة ،  علما بأن عضو مجلس النواب  سبق وأن أدى اليمين الدستورية على التزامه بتطبيق التشريعات واحترام استقلالية القضاء .
أكد  الدستور العراقي  في المادة 63 منه على تمتع عضو مجلس النواب بالحصانة ( عما يدلي به من آراء أثناء دورة الانعقاد ) ، ولايتعرض وفق تلك الآراء للمقاضاة أمام المحاكم ، كما منع الدستور إلقاء القبض على عضو البرلمان  طيلة مدة الفصل التشريعي ( الا إذا  تم ضبطه متلبسا بجريمة جنائية  مشهودة ) أو كان متهما بجناية ، حيث يقرر المجلس بأغلبيته المطلقة رفع الحصانة عنه  .
هذه الحصانة توفر الحرية في طرح الآراء والأفكار دون تحمل عضو البرلمان المسؤولية القانونية مادام المجلس منعقدا ، إذ تكون تصرفاته خارج دورات لانعقاد وخارج المجلس يحكمها القانون  ، ويكون مسؤول عما يصدر عنه من أقوال وأفعال .
كما لم يجوز الدستور القبض على عضو البرلمان خارج مدة الفصل التشريعي ( الا أذا تم ضبطه متلبسا بجريمة الجناية المشهودة أو اتهامه بارتكابها ) ، الا بعد موافقة رئيس مجلس النواب .
وفي حال وجود عدد من الاتهامات الجدية بحق عضو البرلمان ، فأن المحكمة المختصة ترفع طلب استدعاء أو استقدام عضو البرلمان إلى مجلس القضاء الأعلى  الذي يفاتح مجلس النواب لرفع الحصانة عن ذلك النائب العضو لغرض استكمال الأجراءات التحقيقية ، ووفقا لتلك النتائج التي يقررها القاضي ، فأن تم غلق التحقيق والأفراج عن النائب سيعود الى المجلس يمارس عمله بشكل طبيعي دون شك .
أما في حال توفر الأدلة فأن المحكمة تحيل القضية الى الجهة القضائية المختصة للمحاكمة لتصدر قرارها الفاصل  وفقا للقانون .
قد يرتكب عضو البرلمان  جناية أو جنحة يعاقب عليها القانون ، أثناء حمله الصفة النيابية ،  وعند طلب القضاء الموافقة على سحب الحصانة مؤقتا عن العضو  يصير الأمر متروكا أمام المجلس ، الذي يدرس موضوع الطلب وبموافقة الأغلبية المطلقة يتم رفع الحصانة عنه ، حيث أن الأجراءات التي يمكن أن تتخذها السلطة القضائية  دون تلك الأجراءات الدستورية تعد باطلة ولاقيمة لها قانونا مالم تقترن بموافقة الأغلبية المطلقة التي أشار لها النص الدستوري ، ولكن بعد أن تنتهي فترة العضوية فإن العضو يفقد الحصانة التي اكتسبها من خلال صفته عضوا ،  فيجوز بعد ذلك اتخاذ الإجراءات القانونية  في مواجهته من دون إذن البرلمان ودون الحصول على  أجراءات سحب الحصانة ، لأن العضو فقد حصانته بانتهاء مدة عضويته ، وعاد مواطنا عاديا دون حصانة قانونية . 
ويفهم من نص المادة 63 من الدستور انه يجوز للسلطة القضائية إصدار أمرا بالقبض على عضو البرلمان أو توقيفه دون تلك الأجراءات حتى في حالة انعقاد الفصل التشريعي أو خارجه ، أذا تم ضبطه متلبسا بجريمة مشهودة  ( جناية كما حددها النص حصرا ) ، والجريمة سواء كانت جناية او جنحة تكون مشهودة في حالتين ، وهما حالة ما اذا ارتكبت في حضور أحد أعضاء الضبط القضائي، او اذا حضر المحقق أو قاضي التحقيق  الى محل ارتكابها عقب ارتكابها ببرهة يسيرة وكانت أثارها ما زالت موجودة وواضحة وتقطع بقرب وقوع هذه الجريمة.
كما تعني الجريمة المشهودة أنها  تقارب زمني بين وقوع الفعل الجرمي وبين مشاهدته أثناء أو بعد الانتهاء من ارتكابه فورا ، وفي كل  الأحوال ، فأن الجريمة المشهودة هي التي تقع تحت سمع أو بصر الشهود .
وفي باب الاختصاص الشخصي في قانون العقوبات العراقي أوقفت المادة 11 سريان القانون على الجرائم التي تقع في العراق من الأشخاص المتمتعين بالحصانة المقررة بمقتضى الاتفاقيات الدولية أو القانون الدولي و القانون الداخلي ، الا أن هذا الإيقاف في القانون الداخلي مشروط  بالحصول على أذن البرلمان ، أو دون تلك الأذن في حال الجريمة المشهودة ،  وعليه  فأن استمرار الإجراءات القانونية يتوقف على موافقة البرلمان في أن يستمر بعمله لتحقيق العدالة والمباشرة بالتحقيق في الجرائم المنسوبة للعضو أو الأعضاء ، والأمر يكشف مدى أحترام الهيئة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب لقانون وللقضاء ، ومن المؤكد أن البرلمان وهو الجهة التشريعية التي تصدر القوانين هو الجهة الأكثر التزاما بتلك القوانين واحترامها .
وحيث أن هذه الحصانة للمركز القانوني لعضو البرلمان لايملكها شخصيا ولا تدور معه بأي شكل من الأشكال ، فليس من حقه التنازل عن تلك الحصانة دون صدور قرار من مجلس النواب يقضي بسحب حصانته لاتخاذ الأجراء القانوني سواء كان متهما أو شاهدا في قضية تحقيقية معروضة أمام القضاء ، ودون موافقة المجلس على مثوله أمام القضاء .
وقد يتعرض عضو مجلس النواب  للعقوبات ضمن  نصوص النظام الداخلي للمجلس  ، غير أن هذا العضو يتمتع بالحصانة عما يدلي به من آراء أثناء ممارسته عمله في البرلمان ، ولايمكن أن يتعرض للمقاضاة بسبب تلك الآراء والأفكار أمام المحاكم ، لأعطاه الفرصة والحماية والحرية في طرح الأفكار ومناقشتها وردها والتعقيب عليها خلال مدة أنعقاد البرلمان .
 ولاتترتب على عضو البرلمان إزاء ذلك أية مسؤولية قانونية ، ويترتب على عدم المسؤولية البرلمانية أن العضو لا يسأل عن أقواله فلا ترتب تلك الأقوال والأفكار أية  مسؤولية جنائية ولا مسؤولية مدنية لأنه يمتلك إباحة دستورية  تخوله ذلك ،  وقد يتعرض للجزاءات التأديبية التي نصت عليها اللائحة الداخلية للمجلس التي نصت عليها المادة 51 منه لتنظيم سير العمل فيه .

19
صافية مثل قلب صافيناز كاظم



زهير كاظم عبود

يمكن لسنوات الجمر التي عاشتها الكبيرة صافيناز كاظم في العراق ، ما جعلها تتعرف على وجع العراقيين ومعاناتهم  وتكتوي بها معهم ، وما جعلها تغور في تفاصيل حياتهم وأسرارهم التي اودعوها اليها ، فكانت نعم الأمين على تلك الأسرار والحكايا والأسماء .
خلال عملها في العراق عرفت صافيناز قضية حقوق القوميات ، ومعاناة أهل الديانات الأخرى من العراقيين ، وعرفت كيف تختفي الأسماء وتغيب دون رجعة ، وعرفت ايضا الحق الذي بات متسترا ومختفيا حتى لاتخضعه السلطة الى سيفها وخناجرها المسمومة بالثاليوم  ، والباطل الذي يشمخ ويتباهى في زمن القائد الضرورة .
وخلال عملها الأكاديمي في العراق تمكنت صافيناز أن تكتسب محبة واحترام وصداقة طالباتها وطلابها وزملائها في العمل ، كما كسبت ثقتهم ،  وربما ليست هي الوحيدة التي تمكنت أن تنجح في مسيرتها الأكاديمية لينبت اسمها في ذاكرة جيل من العراقيين .
التفرد الذي يميز صافيناز كاظم لتلك ا لمواقف التي تدلل على صفاء الضمير و التمسك بالموقف مع الحق والحقيقة ، في زمن شحت فيه مواقف الرجال والنساء ، وضاعت فيه القيم واختلطت المقاييس وتداخلت المواقف ،  وليس أكثر دلالة على ذلك الموقف من قضية  حقوق شعب كردستان ، والدخول الى حيز الجرأة في طرح تلك الحقوق التي تعاني منها العقلية العربية المتخمة بالشوفينية والعداء للأخر ، والمتسلحة بالخناجر والأتهامات  .
وإذا كان الشعب الكردي  قد عانى معاناة إنسانية قاسية ،  وقدم من التضحيات الجسام في سبيل تلك القضية ،  نتيجة السياسة الشوفينية التي أتبعتها السلطات القمعية في البلدان التي تشظت أجزاء من كردستان في أراضيها فجزأت أوصالها وشتتت وحدتها وكلمتها  ، وعمدت الى إنكار حقوق الكورد في الحياة ، ولكن بالرغم من كل هذا فقد كانت العلاقة الإنسانية بين الشعبين الكوردي والعربي وشيجة الترابط وقوية التماسك على الدوام ، وساهم العرب من أصحاب الضمائر الحية في نصرة الشعب الكردي والدفاع عن حقوقه المشروعة ، وإذ تصطف صافيناز كاظم في الموقف الإنساني مع هذه النخب التي تحملت ولم تزل تتحمل جراء تلك المواقف الإنسانية التي ستقفها وتساندها  كل الضمائر الحية في المستقبل القريب العاجل ، بعد أن تتمكن من نزع ماعلق بها من ثقافة التطرف القومي والمتورمة بالأفكار الشوفينية والمتطرفة والحاقدة ، والتي ستكتشف فداحة العماء الشوفيني الذي يطلي الوجوه ويغطي بؤبؤ العين والحقيقة .
وإذ نتوجه للكبيرة صافيناز كاظم لتنظم مع تلك الأسماء العبقة التي شكلت التجمع العربي لنصرة القضية الكردية ، نتوجه اليها  لتزيدها زهوا وفخرا وتماسكا ، حيث يسعى التجمع العربي لتجنيد الطاقات العربية لنصرة حق شعب  ، وللمساهمة في نصرة قضية الشعب الكردي في كل الأجزاء المتشظية ،  واستنهاض همم المثقفين العرب في هذا المجال ، ونشر الوعي القانوني والدستوري والتأريخي في هذا المجال   و نؤكد بنفس الوقت  أن التجمع ليس حزباً ولاتجمعاً سياسياً أو تابعاً لأي طرف ، ويسعى الى التنسيق مع تطلعات ومواقف الشعب الكردي بما يحقق توثيق الروابط الإنسانية بين المثقفين العرب والكرد ، نجد إن هناك تطابقا في الموقف الصريح الملتزم في مناصرة الحقوق التي نتلمسها عند صافيناز كاظم  .
أن شروط الانتساب والانتماء الى هذا التجمع ليس له غير شرط مراجعة كل إنسان لضميره،  وقياس مدى تقبله لحق الآخر في الحياة والاختيار السياسي ، وأن ينسجم مع القواسم المشتركة في هذا المجال خدمة لقضايا الإنسان وترجمة هذه المواقف عملياً . أن التجمع عبارة عن توحد المثقفين العرب من مختلف الأعمار والجنسيات ومن أجيال متعددة من الراغبين بنصرة قضية الشعب الكوردي ، ويتمتع التجمع باستقلال سياسي ولاينتمي الى أي حزب ولا لأية سلطة ، ويتمتع بالمصداقية  لأعتماده على أعضاءه ، ويعمل على الصعيد الشعبي للمساهمة في شحذ الوعي العربي ضد الفكر الشوفيني البغيض ، باعتباره سببا من أسباب الانحطاط الفكري والتراجع الحضاري الذي منيت به المنطقة  ، وبما يخدم قضية التفاعل الحقيقي بين الشعبين العربي والكردي .

يسعى التجمع للمساهمة في التخلص من نتائج الفكر الشوفيني الشائع بين العرب والذي نشرته السلطات والثقافة البغيضة والهدامة لغرض بث الفرقة والاستهانة بالشعوب وغمط حقوقها الإنسانية ، ويسعى التجمع العربي لمناصرة القضية الكردية من خلال الإسهام الفعال في عرض الحقائق المغيبة التي فجعت بها الأمة الكردية وتحملتها بصبر وثبات كبيرين

كما يسعى التجمع الى إدانة و تجنب أساليب الحرب والقتال التي تسعى اليها الأفكار والسلطات الشوفينية والمتعصبة والمتطرفة قومياً وشجب أساليب الحروب والقتال ، وتأمين حياة مدنية وآمنة ضمن مجتمع مدني وديمقراطي وموحد يليق بالإنسان . أن الاعتراف بحق الآخر أضحت قاعدة أساسية للحياة الإنسانية في هذا العصر ، وبدون هذا الإقرار سيكون للحقوق تعابير تختلف عن حقيقتها ، لذا فأن التجمع يسعى الى مساهمة الأعضاء المنتسبين إليه بالمساهمة الثقافية والسياسية الفاعلة من أجل أبراز هذه الحقوق
صافية مواقفها مثل ضميرها ، فأعلنت بجرأة قل مثلها  في زمن الدكتاتور الذي ملأ الدنيا رعبا وتشويشا للحقيقة وابتزازا وشراءا للذمم  ، بقيت صافيناز تبحث عن وجوه طلابها المغيبين ، وتعرف قضية الحقوق عن ثقة ويقين  ، لم تغرها كل الدعوات ولا طوابير الواقفين على أبواب السلطان ،ولا الحقائب المتخمة بالأسرار والنقد الأجنبي  وصكوك النفط الملوثة ، بقيت متمسكة بموقف يمليه عليها ضميرها ، أن لابديل عن الحقيقة .
لم يبهرها إعلام صدام ولم يتمكن أن يشوش معرفتها أو يتمكن من تضييع الحقيقة ، وأمام أطنان من الشعارات والخطابات كانت ترفع إصبعها أمامهم فترتفع وتنظر لهم من فوقها  تشير لهم بالاتهام وتفضحهم ، فكانت صوتا عربيا قويا عجزت سلطة صدام عن تطويعه مثلما تمكنت من تطويع غيره .
 وإذ تتمتع الكاتبة والناقدة المصرية الكبيرة صافيناز كاظم باحترام  وإجلال كبير في مختلف الأوساط الإسلامية والفكرية والثقافية والسياسية ليس في  جمهورية مصر فقط بل على مستوى العرب  ، و على المستوى الإنساني بشكل عام ، نظراً لثقافتها العالية وثباتها على التمسك بقضايا الحق ،  وفكرها الإسلامي النير والمتطور غير الجامد ،  وتمسكها بهويتها وجذورها المصرية الأصلية ، ونظرا لتلك المواقف المساندة لقضية حقوق القوميات .
تخرجت الناقدة الكبيرة " صافيناز كاظم " في كلية الآداب قسم الصحافة بجامعة القاهرة ، وعملت بالصحافة حتى لمع نجمها وذاع صيتها  بالنظر لاكتسابها تلك الثقافة والفكر النير المتطور ، والقدرة على الاستحواذ على قلوب المستمعين أو القراء  ، وحينما وجدت في نفسها حباً للفن العالمي سافرت إلى أمريكا عام 1960م ، وقد حصلت على الماجستير في النقد المسرحي من جامعة نيويورك ، و عادت لمصر عام 1966م بعد حصولها على شهادة الماجستير في المسرح .
وبعد تجربتها في العراق الذي وصلته في الشهر التاسع من العام 1975 ،  تمكنت من انجاز  كتاب شهير اسمه " يوميات بغداد "  يعبر بصدق عن معاناتها أثناء وجودها بالعراق ، وعن معاناة المرأة العراقية تحت حكم صدام ، وهذا الكتاب أثار جدلا كبيراً في الأوساط الثقافية المصرية والعراقية ، كان مساهمة كبيرة في فضح الطاغية وسلطته وتمكنه من رقاب العراقيين ، ويمكن إن تشكل كتابات صافيناز كاظم من الكتابات العربية الجريئة التي ساهمت في فضح السلطان صدام  مع زميلها الدكتور أحمد أبو مطر الذي أصدر كتابه الشهير           (( فلسطينون في سجون صدام ))  ، وهو عضو فاعل في الهيئة التأسيسية للتجمع العربي لنصرة القضية الكوردية .
وإذ تقاس المواقف الجريئة بمدى انحيازها للحق وقضايا المظلومين ، وإذ تقاس المواقف الإنسانية بالثبات في المطالبة بانزياح الباطل أينما كان وكيفما كان ، فأن ما سجلته الكبيرة صافيناز من مواقف تجاه قضية القوميات شكل لها هوية مكتوب فيها صافية مثل قلب صافيناز كاظم .
نتوجه لصافيناز كاظم بالدعوة لأن تنتسب لتجمع العربي لنصرة القضية الكردية  ، والذي ازداد شرفا بانتساب المفكر الدكتور هاني فحص الى مجموعة قيادته اليوم .


20
شركة بلاك ووتر تستمر بالعمل رغم أنف  القانون العراقي

زهير كاظم عبود

بالرغم من انطباق المبادئ العامة لقانون العقوبات العراقي النافذ على الأفعال الإجرامية التي ارتكبتها شركة بلاك وتر الأمريكية للحماية ، وبالرغم من عدم اتخاذ أي إجراء قانوني بحق هذه الشركة والتي يسري  عليها نطاق تطبيق قانون العقوبات من حيث الزمان والمكان ، بالإضافة الى أن ضحايا الأفعال الإجرامية التي ارتكبتها الشركة هم من الأبرياء المدنيين العراقيين .
الا أن انتهاكات  القانون العراقي والسيادة العراقية من قبل سلطة الاحتلال مستمرة استخفافا ليس في القوانين والسيادة العراقية فحسب  ، إنما استخفافا بالمواطن العراقي  ، إذ يجسد  حماية الشركة من المسؤولية والمسائلة القانونية ، ومنع الإجراءات القانونية العراقية وفرض الحصانة على عناصر تلك الشركة ، وهو تصرف ليس له ما يبرره سوى حماية الشركة وعناصرها من تلك الإجراءات  ، لأن الشركة ليست جهة دبلوماسية ، كما أنها لاتحظى بحماية القوانين العراقية .
ومع أن عقد الشركة المذكورة ينتهي بنهاية شهر نيسان 2008 من هذا العام   ، ومع كل تلك الإشكاليات التي حدثت في تصرفات الشركة ، وحيث أن وجود عناصر تلك الشركة والتي تزعم الولايات المتحدة الأمريكية أنها تعمل لحماية الدبلوماسيين الأجانب ، ما يثير الدهشة والتناقض مع وجود قوات مسلحة وشرطة وجهاز امن ومخابرات عراقية ، تتبع سلطة مستقلة في بلد يفترض انه يتمتع بسيادة تؤدي الى تطبيق قانوني سليم وعام ، ويفترض أن حماية المؤسسات والسفارات من مهمات الأجهزة الوطنية .
إلا أن تمديد عقد الشركة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية أو الدفاع الأمريكية  التي تزعم أن التمديد تم  بموافقة الحكومة العراقية ، يضع العديد من الأسئلة الكبيرة بهذا الخصوص .
فإذا كانت الشركة متهمة بأعمال القتل العمد والاستهتار بأرواح المواطنين العراقيين ، فأن واجب السلطة يقتضي أن يكون باتجاه محاسبة القتلة واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الشركة سواء من الناحية الجنائية أو المدنية ، وحيث يقال أن التحقيقات مازالت مستمرة منذ  ارتكاب تلك الجرائم في أيلول 2007 ولغاية اليوم ولم تنته ولن تنتهي  ، يستوجب الأمر أن يتم حل الأشكال القائم بين الحكومة العراقية وحكومة الاحتلال في تمكين القانون العراقي من الفاعلية والتطبيق بحق الجناة أولا ، والإفصاح عن حقيقة تمديد العقد بموافقة الطرف العراقي ، لان تمديد العقد من قبل الحكومة الأمريكية  لوحدها أو بموافقة الحكومة العراقية أن  صح الزعم يسجل خللا وتناقضا مع السيادة وتطبيقات القانون .
وحيث  أن أحكام قانون العقوبات يسري على جميع الجرائم التي ترتكب في العراق ،  وتعتبر الجريمة مرتكبة في العراق أذا وقع فيه فعل من الأٌفعال المكونة لها أو أذا تحققت نتيجتها أو كان يراد أن تتحقق فيه ، ويشمل الاختصاص الإقليمي جميع أراضي الجمهورية العراقية ، وكل مكان يخضع لسيادتها .
ولانعتقد بأن شركة بلاك ووتر تتمتع بالحماية الدولية التي نصت  عليها المادة 11 من قانون العقوبات  ، حيث لايسري القانون على الجرائم التي تقع من الأشخاص المتمتعين بالحصانة المقررة بمقتضى الاتفاقيات الدولية أو القانون الدولي أو القانون الداخلي .
فلا الأمم المتحدة أصدرت قرارا بهذا لخصوص ، ولا مجلس الأمن قرر شمول الشركة بالحصانة ، ولا توجد اتفاقيات معلنة أو سرية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية تمنح عناصر الشركة حق ارتكاب الجرائم  ، كما لايوجد منطق يضفي على تصرفات عناصر الشركة الإجرامية تلك الحماية .
وعليه فأن عمل الشركة محكوم بالقانون العراقي ، مادامت تعمل على الأرض العراقية ، وبالتالي فأن هذه الشركة من الشركات الأهلية التي تعتمد عناصر مسلحة لحماية بعض الشخصيات مقابل أجور مالية ، أو أنها تتولى تأمين حماية بعض الأماكن الحساسة مقابل أجور باهظة يتقاضاها المسؤولين عن الشركة ، وغالبا ما يتم اعتماد عناصر من المسرحين من القوات المسلحة أو ذوي السوابق في الأفعال الإجرامية في بلدان متعددة ، وهذا شأن خاص بالشركة وطبيعة عملها .
وحيث مددت وزارة الدفاع الأمريكية مهام شركة بلاك ووتر الأمريكية في بغداد والتي تعمل لحماية الدبلوماسيين الأجانب في العراق ، مع أنه مازالت التحقيقات مستمرة مع هذه الشركة الأمنية المتهمة بقتل 17 عراقياً في بغداد العام الماضي ، بإطلاق النار عليهم عشوائيا في شارع عام يزدحم بالمشاة والمحلات التجارية وسط العاصمة بغداد ، نتج عنه ارتكاب مجزرة بشرية أودت بحياة مجموعة من العراقيين  من النساء والأطفال والرجال  كبار السن ، بالإضافة إلى الجرحى ،  والهلع الذي أصاب الناس في تلك اللحظة الإجرامية . وبشهادة الجميع لم يتعرض عناصر تلك الشركة إلى أية مواجهة أو عملية  مسلحة ،  بالإضافة الى عدم تعرضهم للرشق بالحجارة من المارة ، ولم يكن لتصرفهم الهمجي في إطلاق النار العشوائي من الرشاشات الاوتماتيكية ، سوى الاستهتار والاستخفاف  والإصرار على ارتكاب الجريمة  .
حيث وردت الأخبار التي تفيد بأن    وزارة الدفاع الأمريكية أفادت بأن شركة  بلاك ووتر ستعمل في العراق بموافقة الحكومة العراقية, لمدة سنة أخرى ، يقتضي على الحكومة العراقية أن توضح حقيقة هذا الادعاء في الموافقة من عدمها .
وتعمل في العراق عدة شركات أمنية أمريكية لحماية الدبلوماسيين الأجانب من الأعمال الإرهابية التي يشهدها العراق ، غير أن بعض أعمال هذه الشركات أظهرت تصرفات عشوائية واستهتار متعمد بأرواح الأبرياء ، بالإضافة الى عكس أفعال  الاستهانة بكل القوانين العراقية .
وإذ تثير الشركة المذكورة جدلا وخلافا بين الأوساط العراقية والأمريكية  ، فأن تمديد عقد عملها على الأرض العراقية ينهي كل تلك الخلافات ، ويضع الحكومة العراقية على المحك ، في ضرورة أن يكون القانون العراقي محترما من الجميع ، مادامت الحكومة تسعى لقيام دولة القانون ، وتتمسك بسيادتها على الأرض العراقية ،  ومن الناحية القانونية   لا يختلف التصرف الذي قامت به الشركة المذكورة في قتل بعض المدنيين السابلة في مدينة المنصور ببغداد في العام الماضي ، لايختلف عن تصرف أية مجموعة إرهابية أو خارجة عن القانون .
ولم يزل المواطن العراقي ينتظر أن تتخذ الإجراءات القانونية الجنائية منها بحق الشركة والأفراد الذين ارتكبوا تلك الجرائم  وحتى لايصير الدم العراقي مهدورا وحياة الإنسان لاقيمة لها ، وحتى يمكن البدء بتباشير إرساء دولة القانون التي تحمي الجميع وتنصف الجميع ، يجب إن يكون هناك أجراء رادع لهذه الشركة ومن ارتكب من موظفيها الجريمة أينما كان وكيفما كان  ، وحتى لايكون  تمديد عمل الشركة ووجود القتلة تحديا لمشاعر العراقيين وكرامتهم ، وتحديا صارخا للسيادة والقانون العراقي .


21
كلمة قصيرة  الى خاطفي المطران بولص فرج رحو

 

زهير كاظم عبود

 

لم يكن رجال الدين المسيحي طرفا في الحرب الطائفية والتطرف الديني الذي يزحف على أرضنا الطاهرة ، وثبتوا كما عهدناهم يشيعون المحبة والسلام ويحثون الناس على نبذ الكراهية والتعصب ، ويدعون أن تعم المحبة والتسامح والسكينة في قلوب أهل العراق مهما كانت دياناتهم أو قومياتهم .

ومهما كان السبب الذي دفعكم لخطف الشيخ الجليل المطران بولص ، ومهما كان اسم الجهة التي تعملون لها وتحققون أهدافها ، فأنتم إمام خيارين لاثالث لهما .

فأما أن تثبتوا انتسابكم لدين و  تثبتون انتسابكم للمنظومة الأنسانية ، أو انكم تثبتون العكس .

فإذا كنتم تريدون أن تثبتوا للعالم انكم بشر وتؤمنون بدين أو عقيدة أو مذهب أو فكر سياسي ستسارعون لإطلاق سراح هذا الشيخ الجليل معززا ومكرما ، وبهذا سيعرف العالم إن لكم مبادئ وقيم وأهداف ينبغي احترامها مهما اختلفنا مع بعض .

أو انكم ستبقون مصرين على إبقاءه مقيدا ومحبوسا لتثبتوا انكم غير أهل لأن تكونوا بشرا مثلنا ،  حيث أن قوتكم ومقدرتكم على هذا الداعية للمحبة والسلام ، وفي مثل هذا العمر الذي لايستطيع معه إن يقاومكم دليلا أكيدا على همجيتكم ووحشيتكم وسوء تفكيركم  .

وحسبنا إنكم ستفكرون مليا من اجل أن تكونوا في احد الأمرين ، وأمامكم فرصة كبيرة لأن تثبتوا هذا ، وانتم من يختار أن يصمكم البشر في الصف الذي يخرج من صفاتنا الإنسانية ، أو إنكم ستؤكدون بإطلاق سراحه وإعادته الى صومعته وكنسيته يدعو الله للجميع بأن يعم السلام وتعود السكينة في قلوب البشر بغض النظر عن أداينهم وقومياتهم ، ويؤكد على قيم التسامح بين الناس ،  بأنكم أهلا لذلك  .

هذه الشخصية التي وقعت تحت رحمتكم وأياديكم عنوانا كبيرا للمحبة ، وأسما معروفا بين الناس ،  ولا يستحق مطلقا المحنة التي تكبله وتغمر روحه والعذاب الذي يتحمله  ، ولم يزل حتى في هذه اللحظة يدعو الله لأن يغمر أرواحكم بهدايته ، فهل حقا ستغمر أرواحكم الهداية والمحبة ؟

وأنتم اليوم أمام أن تختاروا ضمن هذه الفرصة لتستعجلوا بإطلاق سراحه ليس عطفا على شيخوخته ولا استجابة لمكانته الدينية ، وليس لأنه من أتباع الديانة المسيحية ، بل لتؤكدوا انكم من البشر الذي لايمكن له أن يأكل لحم أخيه ميتا مطلقا .

22
رسالة الى رقيب المطبوعات في الأردن


 

زهير كاظم عبود

 

أطلعت على نص قراركم بمنع كتابي ( طاؤوس ملك .. كبير الملائكة لدى الأيزيدية ) المطبوع من قبل المؤسسة العربية للدراسات والنشر .

وورد في نص التقرير أن الكتاب يتضمن ترويجا للديانة الأيزيدية ، وهذه المعلومة خاطئة ياسيدي لأن الأيزيدية ديانة محصورة بين أهلها ولاتقبل كائن من يكون أن يدخل بها ، ولذا فلم تمارس الأيزيدية الترويج مطلقا .

وهذه الديانة لا تدخل في باب الطوائف الضالة والمنحرفة كما ذكرت في التقرير ، لأنها تؤمن بالله الواحد الأحد أولا ، كما أنها تقر بمسألة التوحيد ، وهي من الديانات العراقية القديمة التي سبقت الإسلام ، فكيف يمكن أن تكون تلك الديانة القديمة منحرفة .

ويشير التقرير الى أنني أدافع عنهم نافيا كل الاتهامات ضدها ، والحقيقة إنني مدافع عن الحقيقة ، وانشر كل الزيف والتخريف الذي تم إلصاقه بأهل هذه الديانة للإساءة إلى ديانتهم ، وإبقاء مجتمعهم ذليلا ومظلوما ومذبوحا ، وهي وسائل لاتقرها الشرائع والأديان ولايمكن إن يقر بها الإسلام دين المحبة والسلام .

وأرجو منك أن تستوضح عن كلمة ( خدا ) التي يطلقها الأيزيديون على الخالق العظيم ، فهي ليست من باب تقليل الشأن أو الإساءة ، لأن كلمة خدا هي كلمة كوردية يستعملها كل شعب كوردستان في الإشارة إلى الله سبحانه وتعالى .

ياسيدي الكريم : أرجو منك بذل المزيد من التحري عن الديانات العراقية ، وستجد في هذا الزمان أن الحقيقة لايمكن لها أن تشطب أو تلغى بقرارات الرقابة ، وحسبي أن في الأردن حرية للكلمة ، ومساحة من أحترام الرأي الآخر ، ولايمكن للأردن أن يسيء الى الأيزيدية وهي ديانة يؤمن بها أكثر من نصف مليون إنسان في العراق وسوريا وتركيا وأجزاء من أرمينيا وينتشر اليوم أولادها في كل أرجاء الأرض بحثا عن ملاذ يقيهم من شفرات السيوف وغدر الرصاص .

سبق لكم أن سمحتم بتداول كتابين عن الأيزيدية قامت المؤسسة العربية للدراسات والنشر بطبعهما وتوزيعهما لنفس الكاتب ، ولم تجدوا كل ما أشار التقرير له في هذين الكتابين .

أتمنى منكم مرة أخرى ومن خلالكم لجميع المؤسسات الثقافية في الأردن ، بما عرفناه من قلوب وعقول منفتحة ، واحترام لحقوق الإنسان ، أن يتم إعادة النظر في قراركم بمنع الكتاب ، وستجد إن هذا الكتاب يبحث في حقائق فلسفية ودينية يمكن أن تم تغييبها عن القارئ العربي وهو بحاجة ماسة لمعرفتها وتدقيقها .

23
الشهيدة فوزية محمد هادي  (( أم سعد  ))

عروسة الفرات
زهير كاظم عبود

 

نحيلة كمدينتها ، وصلبة لاتنكسر ولا ترضخ للظلم ، وهي تراقب حركة الناس ومحنة الفقراء ،  فوزية محمد هادي  من بين العديد من  فتيات  الديوانية المندفعات في العمل السياسي الوطني ، والمتعاطفات مع موقف الحزب الشيوعي الذي اكتسح المدينة بأفكاره الوطنية وانتصاره للفقراء ،  وكانت كتلة من النشاط والاندفاع والأيمان بانتصار الشعب وقضايا الكادحين  الذين شغلوا هواجسها  ،  ومع أنها من عائلة فقيرة  ، فقد نالت لقبها من مهنة أبيها بائع السمك  ( فوزية بنت السماك ) ، كانت قد وظفت كل ما تملك من اجل قضية تؤمن بها أيمانا عميقا وصادقا  ،  ولذا لم تكترث لأن تواصل تعليمها العالي .

وشبت على معارضة السلطات تريد أن تحقق أحلامها وأحلام الفقراء والمحرومين في وطن يجوع أهله وهم ينامون على الثروات ، ويحتاج أهله ويعوزون وهم أغنى أغنياء الأرض ، كانت تفكر بكل هذا وتريد أن تجد عالما لايجوع فيه الناس ، وبلدا لا يعتقل فيه أصحاب الرأي المخالف ،  تريد أن تحقق أحلامها في وطن يتسع للجميع ويضمن للإنسان كرامته وإنسانيته وحقه في الحياة   ، وان يكون متحررا من كل قيود الظلم والظلام والعبودية ، كانت تحلم أن تجد الفقراء يشبعون من الخبز وينامون  يومهم وهم يحلمون بغد تكون الشمس ساطعة تشيع دفئها في أرواحهم ،  فالتزمت فكريا وسياسيا ونشطت في العمل العلني  والعمل السري  مع الحزب الشيوعي العراقي ، ونتيجة لهذا الالتزام ومواجهة السلطات ومعارضتها بالكلمة والفكر ، تحملت ما تمارسه السلطات القمعية والدكتاتورية من أبشع أساليب القمع والملاحقة والاعتقال  ، وتعرضت لأبشع أنواع الاضطهاد والتعذيب والتنكيل ، إلا أنها بقيت شامخة لاتركع ولا تستكين .

وعرفناها نحيلة وطويلة تحث الخطى لعبور الأزقة وهي تلتحف بعبائتها الفراتية  في زيارة لفتاة أو حضور اجتماع ، أو زيارة أشراف  لخلية حزبية،  مخلصة لتلك المباديء حيث نذرت روحها  ، فكانت مثالا للشرف والالتزام .

وفي فترة اشتداد الهجمة التي قررتها  السلطة البعثية في أول أيام انقلاب تموز 68 ، تزوجت فوزية من مناضل لايقل عنها إصرارا وتمسكا بالمبادئ ،مثالا في الخلق والتواضع والالتزام ،  ذلك هو القيادي في الحزب الشيوعي  ناصر حسين ، وتفرغ الزوجان للعمل السياسي ، بل نذرا روحيهما له سوية ، حيث كان احدهما يشحذ همة الآخر  ، وولدت فوزية طفلا أطلقا عليه اسم سعد ، وبذلك صار اسمها الجديد ام سعد ،  تركت وليدها  لدى أمها بحكم ظروف عملها السياسي وتفرغها له ، وحين لاحقتها عناصر الأمن تم اعتقال وليدها الصغير للضغط عليها ، ولم ترضخ وبالنتيجة أصبح الطفل معوقا .

منحت الشهيدة فوزية حياتها للحزب الذي تؤمن بأفكاره ، ولذا فأنها لم تتوان من توظيف كل وقتها ومستقبلها من أجل العمل في تنظيمات هذا الحزب ، وعرفتها قواعد الحزب مثلما عرفها الناس بإصرارها وتمسكها بتلك المبادئ والأهداف .

وبعد أن اختفت فترة طويلة لم تسمع عنها المدينة خبرا أو تعرف لها  مصيرا ، القليل منا تأكد أن هذا الاختفاء وراءه نهاية هذه المرأة الشجاعة ، فهي ليست من النوع القابل للانكسار أو الانزياح ، وهي من النوع الذي يغيظ الأعداء ، ويدرك أعداؤها تأثيرها ومكانتها ، ولذا فأن نهايتها معروفة في ذلك الزمن المرير  .

كانت مصادفة أن تعرض إحدى قنوات التلفزيون العربية  بعد أيام من سقوط سلطة الطاغية صدام   ،  صورا لعدد من الذين يبحثون عن جثث أهاليهم في مقابر متعددة  ، وسط قبور وبقايا جثث وعظام  وعلامات رقمية  ،  وظهرت صورة أبو سعد ( ناصر حسين ) ، بعد ان هده الشيب وبدأت ملامح الكبر تغزو وجهه الطيب ، وهو يتحدث عن رفيقته وزوجته الشهيدة فوزية أم سعد ، والتي عثر على رفاتها في مقبرة قريبة من  سجن ابو غريب ، مع يافطة كتب عليها الرقم ( 151 ) .

وكان يتحدث بإصرار وبثقة وتباهي  من أن زوجته تم إعدامها وهو يشير إلى قبرها من أن سبب إعدامها  لكونها  ( شيوعية ) .

عملت  الشهيدة فوزية محمد هادي عباس (ام سعد) عضوه  في لجنة منطقة الفرات الأوسط للحزب  الشيوعي العراقي ، كما عملت مهنيا  كعضوه في اللجنة العليا لرابطة المرأة العراقية ،  وبنتيجة القبض عليها  استشهدت في سجن أبي غريب الساعة الخامسة عصر يوم 8/10/1986 بالإعدام شنقا حتى الموت. وقد سلمت الشهادة الى العائلة في العام 1987 من قبل إدارة المستشفى الملحق بالسجن.

شهادة وفاتها الأصلية كانت محفوظة لدى مقبرة الكرخ الإسلامية في خان ضاري تم استلامها بعد سقوط النظام والعثور على المقبرة الجماعية السرية لأمن صدام التي تشكل جزءاً معزولاً من المقبرة المذكورة.

الرقم 151 هو  الدليل المرشد الى القبر في المقبرة حيث لا يوجد هناك غير شاخص مدون عليه نفس الرقم، كانت ترقد بين الشهيدة رسمية جبر الوزني التي أعدمت معها والتي يحمل شاخصها الرقم 152 والشهيد حسين محمود عوض ذو الرقم 150 وبالقرب منهم كان يرقد الشهيد طالب السيد كاظم الياسري زوج المناضلة المعروفة بهية محمود عوض.

وبعد كل هذا العطاء والبذل يعود ناصر حسين زوج فوزية بنت السماك للعطاء والعمل ، مندفعا ليس باعتقاده وإصراره السابق ، وإنما بشكل مضاعف حاملا أمانة ما وضعته  فوزية والناس  في ضميره حينما اقترنت به ، تلك ملامح عامة لفتاة من بنات فقراء الديوانية ، وتلك ملامح الإصرار على المبادئ لايمكن أن يتم تجاهله ،  وليس للمدينة الا أن تفتخر بأمراءة مثل فوزية محمد هادي عروس الفرات  ، تركت اسمها في تاريخ الحزب وفي تاريخ المدينة الطيبة .

24
هل يمكن تحديد فترة ظهور الديانة الأيزيدية بين البشر ؟

 

زهير كاظم عبود

 

ظهور العقائد بين البشر يتزامن مع تباشير  الوجود البشري ، يتنوع حسب مدارك الناس وعقلياتهم في كل زمان ،  وليس بالضرورة ضمن تلك المجتمعات وفي جميع الحقب الزمانية  أن  يبرز من بين مجاميعها الرسول  أو النبي الذي يدعو الى عبادة  الإله ( الله الذي نعرفه بالخالق الكبير  ) ، فهناك حركات قادها مصلحين  أو مفكرين  أو معلمين  أو فلاسفة لم يزعم منهم انه نبي مرسل أو رسول يوحى اليه  ،   لم يزعم الكثير من المفكرين والمصلحين  انه يتصل بالله بشكل مباشر أو غير مباشر ،  ولكل من هؤلاء رؤيته وفلسفته الدينية وإطار عقيدته التي يؤسس عليها العلاقة بين الخالق والمخلوق ،  ما يدفع الإنسان للانضواء تحت تلك الحركات في بدايات الحياة البشرية  ، لحاجته النفسية الماسة للانضواء تحت رؤى تملأ داخله استقرارا ، لتطمئن روحه من خلال تلك العلاقة غير المرئية وغير الملموسة ماديا ، وما يدفعه  أيضا وجود   تلك الظواهر التي يعجز عن إدراكها حينها العقل البشري ، فيندفع يبحث عن الحلول ،  و يدعو للتأمل في  ظاهرة معينة من تلك الظواهر الروحية منها أو الكونية ، المادية أو المعنوية ،  فقد ظهر بعض الحكماء والمفكرين والمعلمين والفلاسفة والمرشدين والحكماء  والمصلحين  ،  الذين صاروا قدوة ضمن مجتمعاتهم في زمانهم  ، وتركوا أثرا إصلاحيا وتربويا ، من خلال تلك الأفكار والعقائد والتعاليم ،   وانتشرت تعاليمهم بين البشر ضمن حقب زمنية محددة وفي أماكن محددة أيضا  ، لتصبح بالتالي  دعواتهم عقائد  تلتزم بها الملايين من الناس ، تبقى تلك الدعوات والعقائد متوقدة  حتى تحل دعوة أخرى تتناسب مع التطور العقلي والإدراك الكلي للبشر مع الزمن ،   تلك العقائد جميعها  كانت  تدعو لقيم نبيلة وتطويع للنفس البشرية بأتجاه الخير ، وسلوك مادي  وتهذيب  معنوي للنفس البشرية بما  تعتقد إنها الطريق القويم الذي يهذب أرواحها ويضمن لها الخلاص ، ويوصلها الى الاستقرار والسلوك القويم ، كما كانت  تدعو لتقديس الكائن الأعلى والرب والروح المسيطرة والإله الذي يرتبط بظاهرة من ظواهر الكون أو الحياة البشرية  المتعددة ،   مع أن وجود ظواهر حسية عديدة  بين البشر تدعو للتأمل والتفكير والحيرة  مثل ظاهرة الحياة والموت والشمس والليل والنهار ،ولهذا فأن جميع الديانات البشرية لم تكن تخلو من معالجة تلك الظواهر وعبادتها والخضوع اليها أو اعتبارها جزء من منظومة المقدسات والأشكال الغرائبية التي تحير العقل البشري  ، والمعجزات التي لايدركها سوى الإله الكبير .

وكان السؤال الملح دوما بين البشر يبحث عن صانع العالم ، المهيمن والقادر ،  وتتشظى الأسئلة عن الخوارق والظواهر التي لايجد لها الإنسان تفسيرا ، تبحث عن  المسيطر على مقدرات الكون وشؤونه ، بالإضافة الى عطش الإنسان الفطري لتحقيق العدالة والانتصار على الظلم والباطل  لحساب العدل و الحق ، وهي غاية أساسية تسعى لها كل تلك الحركات والديانات التي كانت والتي حلت من بعدها ، مع وجود  التفاوت في النظرة للمقدس أو مفاهيم العدالة والطقوس التي تتأصل في عمق النفس البشرية ، وسطوة المعابد ورجل الدين .

وبالتأكيد كان الانقسام بين البشر واضحا وواقعا ، بين من يعتقد مؤمنا  بكل تلك الدعوات التي سادت ، وبين من ينكر حقيقتها ، مع أن الجانب الأول هم الأكثر ، بالنظر للميل النفسي للإنسان للاعتقاد بالإله والإيمان بتلك الحركات وتعاليمها النازعة للخير والسلام وتحقيق العدالة .

يقول ويل ديورانت في كتابه (دروس التاريخ) في بحثه حول التاريخ والدين: ( للدين مئة روح، كلُّ شيء إذا قضي عليه في المرة الأولى، فإنّه سوف يموت وإلى الأبد، إلاّ الدين فإنّه لو قضي عليه مئة مرة، فإنّه رغم ذلك سيظهر وتنبعث فيه الحياة بعد ذلك).

لأن الدين عقيدة روحية والتزامات تتعلق بأعماق النفس البشرية ، مهما كانت او أينما توجهت

يخطئ كثيراً من يتصور أنه قادر على معرفة الحقيقة الكاملة لمعتقدات وديانات هذا العالم. لأن أكثر الأساطير والخرافات والشوائب التي امتزجت، وما تزال مع الحقائق، حتى يمكن أن نقول انه كثيرا ما  تضيع الفلسفات والأسس والأصول والمثل التي قامت عليها منذ البداية  ، ويعتبر الشرق القديم  مرتعا ومنبتا للعديد من تلك  الديانات والدعوات التي حلت ، بالنظر لبزوغ أفكار ودعوات العديد من المفكرين ضمن حيز تلك المنطقة ، حيث أن الحياة في تلك المناطق  تدفع  بالإلهام لكثير من المفكرين والفلاسفة الذين كانوا يؤمنون بالمثل العليا، ويكرسون أنفسهم للدفاع عما يؤمنون به حتى لو ضحوا  بأنفسهم في هذا السبيل ، وليس اعتباطا أن تتشكل كل الديانات وأكثر الحركات  الروحية والفلسفية عمقا ضمن هذه المنطقة ، فقد ظهرت الديانات الأولى ، كما ظهرت الايزيدية والمندائية واليهودية والزرادشتية والبوذية   والمسيحية والإسلام ، بالإضافة الى الحركات الدينية المختلفة .

وفي ذلك الشرق نبتت الحضارات المختلفة والمعتقدات المتباينة ونمت وترعرعت بحثاً عن معرفة الخلق والخالق. حيث حاول الإنسان وهو يبني حياته، ويمكن تأمين أمور  نفسه لحاضره ومستقبله، أن يجد الأجوبة لكل الأسئلة التي تختلج بها روحه ،  وهو  يرى الكون المحيط به ، فيقع تحت لجة السؤال في معرفة المجهول منه ،  وأن يتعرف على أسرار ذلك الكون الواسع والعميق ، حين لم يكن قد عرف بعد الفروض والمقدمات والبراهين والنتائج. واجتهد هذا الإنسان في أن يبتكر بخياله الخصب أسباباً ومقدمات لما يرى ،  وتفسيرات للوجود الذي يحيط به. كذلك ابتكر المعاني ورمّز لها برموز مختلفة ، وخلق لها أبطالاً يقومون بالخوارق من الأعمال، كما ابتكر خياله أعداء لهؤلاء الأبطال، ليتم تشكيل عنصر الصراع الأبدي بين الخير والشر.

 يمكن أن نعتبر إن اللحظة السومرية تظل لحظة نادرة لأنها لحظة الانعطاف من عمق  التاريخ السحيق  إلى التاريخ نفسه ، ولهذا فقد عكس الدين السومري إيقاع بيئته الطبيعية، ومن يتمعن في مفردات الديانات السومرية يجد أثرا للماء والأعشاب والأنهار والسماء الصافية وتلك البيئة المائية المتنوعة والساحرة  والزراعية   المعطاء المتمثلة بالخصب والنماء والربيع  ، والتي كانت تجسيدا  للآلهة   المتنوعة التي تتوزع على مفردات تلك الطبيعة الضاجة في نسيج تلك الديانات ، ولكن ذلك لم يمنع السومريين من شحذ إحساسهم الروحي العميق واستنبطانهم العقلي المرهق لتصور إله واحد للكون هو (آن)، أو أنها تتصور إله واحد للأرض هو (أنكي)، أو تتصور إله كبير لسومر هو (إنليل) تخضع له كل الإلهة الأخرى .

عكس الدين السومري كل اختلاجات الإنسان الروحية  ، وعكست تلك الاختلاجات المتزامنة مع عصور ما قبل التاريخ تلك الأحاسيس البشرية ، ونتيجة لتلك الانعكاسات المتبادلة والمنسجمة بين الديانة السومرية والإنسان ،  فقد أنتجت تلك العلاقة  أعلى تجليات الروح الإنسانية ونظمت علاقتها  وفق سياق متطور وغني ومنظم .

وإذا اعتبرنا آدم وإبراهيم من الأنبياء المرسلين ، المكلفين من الإله الكبير الخالق الأزل ، فأنه يمكن أعتبار  الدين السومري بمثابة (الدين  الإصلاحي الأول) للبشر ، ونستطيع أن نستدل على تأثير تلك الديانة في المجتمع السومري وما يجاوره ، من خلال ذلك الأرث الحضاري المتنوع الذي وصلنا ،  بالإضافة الى ما أنتجته المؤسسة الدينية من تأثير على الإنسان وعلى العلاقات الداخلية والخارجية للمجتمع ، وبعد أن كان المجتمع قبلها يعاني من عدم نضج المؤسسة الدينية ( وفق نظرة روحية تتعلق بالعلاقات الدينية للإنسان ) ، وعدم تبلور ملامح وترابط وانسجام تلك الأفكار الدينية ، تم ترتيب الانسجام والتكامل بينها بالشكل الذي وصلنا وتميز عن غيره من الأنظمة من النواحي المثولوجية  أو اللاهوتية  أو الطقسية  ،  ومن خلال المعابد والأمكنة المقدسة أيضا  .

يقول الباحث الأنثربولوجي خزعل الماجدي في مقالة له بعنوان المندائية والغنوصية : ((هناك أربع ديانـات غنوصية ظهرت كلها في العراق القديم (وادي الرافدين)، فقد كان العراق القديم بعد سقوط بابل مرجلا هائلا تغلي وتتخمر فيه عقائد وأديان الغنوص والهرمسيات، ولو أن التاريخ قيض للعراق آنذاك مدرسة كبرى (مثل الإسكندرية في مصر) ،  لكانت عقائد وأديان العراق والشرق المدفونة في طيات الزمن قد ظهرت وتفاعلت وكونت أعظم تيارات الثقافة والمعرفة. ورغم ذلك .. ورغم تمزق الهوية الدينية والروحية بل والقومية للعراق القديم لكنه أظهر لنا أربع ديانات غنوصية متميزة ثلاثة منه ظهرت قبل المسيحية وواحدة بعدها وهي (المندائية، الحرانية، الإيزيدية، المانوية) .

لم تكن الديانة المندائية وليدة العصر الهيلنستي بل هي ذات جذور أبعد من هذا العصر فهي ترتبط بوشائج عميقة مع ديانة الأسرار السومرية خصوصا بعد أن اختفت الديانة السومرية )) /www.mandaee.com

 يصنف الباحث خزعل الماجدي  الديانات ذات الجذور القديمة ، في أشارة الى قدم الديانات المندائية والحرانية والأيزيدية التي كانت قبل المسيحية ، لأن المانوية حلت بعد المسيحية ، وتلك الأشارة من باحث متعمق في البحوث عن الحضارات القديمة في العراق ، أشارة وشهادة لسبق الديانة الأيزيدية على المسيحية ، وتفنيد لكل التقولات التي تحاول أن تبرقع تلك الديانة القديمة بديانات حلت بعدها ، بالإضافة الى الاختلافات البينة والواضحة بين الأيزيدية واليهودية .

فاليهودية معتقد يختلف عن معظم المعتقدات والأديان ، وهي ديانة مغلقة  ، فلا يحق لأي إنسان أن يعتنق اليهودية . فاليهود لا يقبلون في صفوفهم إنسانا جديدا يعتنق دينهم. ولكي يكون الإنسان يهودياً يجب أن يكون من أم يهودية .

بينما تتعارض تلك الضوابط كليا مع عقيدة الأيزيدية التي تتمسك بالتزام الأب والأم ، ما يشكل سببا آخر يبعد اليزيدية عن اليهودية ،ويفند تلك التقولات التي تريد اعتبارها حلت بعدها .

فالغنوصية (أو العارفية) هي مدرسة عقائدية أو فلسفية حلولية نشأت حوالي القرن الأول الميلادي ، ويعتقد البعض أن لها جذور وبدايات تعود إلى القرون الثلاث الأخيرة قبل الميلاد ،

أما الحرانية فهي ديانة تقوم على تقديس الكواكب و النجوم كانت منتشرة في منطقة حران شمال سورية و جنوب تركيا. تختلف هذه الديانة عن الديانة الصابئية المندائية الموجودة في العراق

والمانوية نسبة الى ماني المولود في بابل 216 م ، حاول ماني إقامة صلة بين ديانته والديانة المسيحية وكذلك البوذية والزرادشتية، ولذلك فهو يعتبر كلاً من بوذا وزرادشت ويسوع أسلافاً له وسنتطرق له في البحث بشيء من الإيجاز .

ولكن هذه الديانة السومرية  تركت أثار ولمسات على مجتمعات وديانات ، ولعل الديانة الأيزيدية من بين أكثر تلك الديانات من تتمسك بتلك الآثار القديمة ، ومن بين الديانات التي تدخل طقوس وتفاصيل عديدة في الميثولوجيا التي تتمسك بها  ، ومن يدقق في هذا الجانب  يجد العديد من تلك الروابط ما يجمع الديانات القديمة بالأيزيدية ، وأن دل هذا على شيء فأنه يدل على تمسك الأيزيدية  بتلك الطقوس والمقدسات الموروثة ،حتى يمكن أن نتلمس تلك الفوارق والفواصل بينها وبين الديانات التي تلتها ،  ومن تسليط الضوء على منظومات الدين السومري الرئيسية الثلاث (المعتقد، الأسطورة، الطقوس)، عبر عدة محاور ضمن المعتقدات الدينية السومرية ((  النظام اللاهوتي لهذا الدين )) ،  من خلال رؤية ومراجعة عن كيفية تشكيل  المؤسسة الدينية السومرية ، وأيضا من خلال العقائد  المتشابكة داخل جهاز المؤسسة الدينية الفعال والحيوي. ومن خلال الأيمان بعقيدة  الخلود والعود الأبدي التي وضع السومريون أول بذورها ثم سادت فيما بعد في بعض  الديانات والفلسفات والعقائد الروحية اللاحقة. ومن خلال الاعتقاد بعقيدة  ما بعد الموت التي نشطها السومريون وأعطوها فكرتهم الخاصة عن علاقة الجسد بالروح بعد الموت، وشكل العالم الأسفل وقوانينه، ورأيهم في القيامة وبعث الأموات ، والتي نجدها واضحة كما هي لالبس فيها عند الأيزيدية .

يقينا نجد انه من غير المقبول أن تسود ديانات لاتؤمن بالحلول ولاتعتقد بعودة الحياة ، من أن تحل لاحقا  ديانة كالأيزيدية تتمسك بتلك النظرة القديمة التي تمسكت بها الديانة السومرية  من خلال تلك الديانات التي حلت بعدها ، حيث أن عقيدة الحلول والخلود  تعتبر من مظاهر الديانة الأيزيدية ، وبجسد ذلك الأمر ما يعبر عن علاقة الجسد بالروح ، ولهذا فمن غير المعقول أن تتمسك عقيدة معينة بعقائد غابرة ، من غير أن تكون انبعاثا من تلك الديانات الغابرة ، أو امتدادا لتلك الديانات الغارقة في القدم .

بالإضافة الى تميز الأيزيدية عن غيرها من الديانات في  تمسكها ببعض الطقوس السومرية التي   تنفرد بها ، وهي على سبيل المثال لاالحصر  مصاحبة طقس الموت بعزف حزين وأناشيد وتراتيل لسبقات يقوم   بها القوال  ( رجل الدين الأيزيدي ) حصرا تصاحب عملية الدفن  ، أو احتفال الأيزيدية بعيد سرصالي الذي يعني انبعاث الحياة على الأرض من قبل الإلهة والذي كان أهل بابل يحتفلون به .

بالإضافة  الى اقتطاع كمية  من المنتج الزراعي يتم تخصيصها للمعابد المقدسة كما كان يفعل الفلاح السومري ، ولم يزل الأيزيدي حتى اليوم يرفد المكان المقدس في منطقة لالش بالزيتون وزيت الزيتون الذي يتم تصنيعه لإدامة اشتعال النار التي تضيء أروقة المكان المقدس  بالرغم من كل التقنية الحديثة ودخول الكهرباء الى المعبد .

كما أن رقصة ( سما ) الأيزيدية، وهي طقس ديني يؤديه الرجال ، يتصدرهم الناسك الذي يلبس الحلة السوداء المقدسة ، ويمثل الرجال أشارة رمزية الى الملائكة السبعة ، ويدور الجميع مصحوبين بعزف على الناي والدفوف  وترتيل لسبقات دينية  يؤديها القوالين في تلك اللحظة ، وهذه الرقصة الدينية   تتطابق تماما مع ما كان يؤديه كهان المعابد السومرية في أيام معينة من السنة وسط باحة المعابد ، حيث يترأس الكاهن الكبير مجموعة الكهنة وهم يؤدون تلك الرقصة الطقسية .

كما أن التقسيم الطبقي الديني في المجتمع الأيزيدي  لم يكن معتمدا عند الديانات الكثيرة التي حلت بين البشر ، واقتصر على تلك المجتمعات والديانات القديمة ، وتلك التراتيبية الدينية لم تزل اليوم تحكم بطوق حديدي أسس المجتمع الأيزيدي .

ولعل من اللافت للنظر أن الأيزيدية امتدادا لتلك الديانات القديمة ليس لها نبي مرسل ، وإنما تعتقد بالعلاقة المباشرة بين الإله وبين المخلوق ، وأن التعليمات الدينية حلت عليهم منذ زمن آدم ونوح وإبراهيم ، وتناقلها رجال الدين في صدورهم بالنظر لحملات القتل والإبادة التي تعرضوا لها ، وشملت كل مقدساتهم . 

كما تشير مسألة اعتقاد الأيزيدية بتقسيم شؤون الدنيا بين الملائكة السبعة عود ة الى تلك العقائد القديمة التي تنيط واجبا لكل آلهة من الصغار الذين يتلقون الأوامر من الاله الكبير  .

بالإضافة الى ملامح التقشف والانقطاع عن أبسط متطلبات الحياة الاعتيادية عند الفقير الأيزيدي ، تتجاوز حتى على ماعند  الزاهد والصوفي عند المسلمين والرهبان عند المسيحيين ورجل الدين المتفرغ للمعبد عند اليهود ، غير إن حالة الفقير وتقشفة عن الدنيا يتشابه مع حال المنقطع في المعابد السومرية والبابلية حين يضع نفسه في خدمة المعبد طوال  حياته .

وكنا سابقا قد كتبنا عن الاختلاف بين الزرادشتية وبين الأيزيدية ، ولعل من بين أبرز تلك الاختلافات قضية الصوم التي تفرضها الأيزيدية وترفضها الزرادشتية ، إضافة الى تقديس النار في الزرادشتية وعدم اعتمادها في العبادة الأيزيدية ، والاعتقاد بقدرة طاؤوس ملك كجزء من الذات الإلهية وكملك من ملائكة الله وعدم اعتماده في الزرادشتية ، والعديد من الأمور التي تدلل على قدم الأيزيدية على الزرادشتية التي جاء بها زرادشت .

 

من الأمور الأساسية  التي تشترك الديانات في معالجتها مسألة التكوين والخلق. حيث  تتبلور المفاهيم المتعلقة  بأصل الكون ونشوء الحياة وفي خلق الإنسان. وهذه تشكل الأساس الذي  تستند عليه  أي ديانة، العقائد التي تحدد صلة الإنسان بالخالق وبالكون وضمان ديمومة تلك الحياة ، وضوابط السلوك الإنساني. ويجري ذلك كله في إطار صلة العبد بالأله ، غير إن الايزيدية وهي اذ تختلف مع بقية العقائد والديانات التي حلت وسادت في المنطقة ، ووضوح تلك الأختلافات بالإضافة الى الاعتقاد بالحلول والتناسخ ،  فثمة اشارة لاتقبل الجدل والتأويل من أنها تعبير فلسفي  شامل أخذت منه كل  الديانات التي حلت من عمق التاريخ ،غير أن هذا التطابق الجزئي لايراد له إن يظهر أو يتم بحثه ، مثل كل المعاني الفلسفية في الديانة الأيزيدية  والتي اريد لها إلنسيان والموت والاندثار .

وحين يقول كتبة التاريخ أن الديانات التوحيدية الثلاث ابتدأت  بسفر التكوين ،  واشتركت في الإيمان بخلق الإله الواحد الأحد للكون في ستة أيام ،  وفراغه من التكوين  في اليوم السابع. فأن  الحضارات القديمة اعتبرت قصة الخليقة البابلية المدونة بالخط المسماري على سبعة ألواح طينية، خير ماتم التعبير  عن التكوين والخلق. وحوادثها تتسلسل من بدء الوجود بالمياه الهيولية الأولى حتى تفريد الإله مردوخ ونعته بالأسماء الخمسين التي تنقل إليه وحده سلطات الآلهة الكبار. وقد يرى الباحثون فيها نذر انتقال البشرية الى التوحيد ، بينما نجد كل تلك المعتقدات البدائية في الخلق وعدد أيام الخليقة والماء والتكوين ضمن نصوص الديانة الأيزيدية وسبقاتها الدينية ،  حينها نتلمس سبب  تمسك الايزيدية بتلك الأوقات والقصص المقدسة ، ولعل تشابه تلك القصص يدفع بمن يقول إن الايزيدية تعتمد مبدا النقل والتطابق  في المبادئ الأساسية للدين ، غير انه يتناسى أو يغض النظر عن تمسك الأيزيدية في تعارضه مع ماجائت به الديانات من بعد من التناسخ والطبقات الدينية والعزف في المآتم وتقديس الشمس ورمزيتها وطقوس الوفاة .

كما نلاحظ  أن أسلوب الوصف الأنتروبولوجي في دراسة الأنظمة والمؤسسات الدينية والعلاقات الاجتماعية للأيزيدية ، يعبر عن تمسكها بالقدم بوجود طقوس ومناسبات وأشارت  بحاجة لتمحيص وتدقيق ، بالإضافة الى الافتقار البحثي العلمي والهادف ، والتنقيب الذي يبحث في ثنايا التأريخ المخفي والمطمور ، لكشف الحقيقة   ولإظهار طبيعة المؤسسات الحضارية والدينية لهذه الديانة، ووصف أصحابها كأهل دين وكتاب ، بالرغم من عزوف جمعي عن متابعة الكتابات الدينية واللوائح المقدسة التي نال منها من لاحق أهل هذه الديانة بأقسى الأساليب من اجل ضياعها وأتلافها  ، والتي يكتنف الصمت مرجعيات عديدة حول المصير الحقيقي لتلك الصحائف ، وعما أذا تم الاحتفاظ بشيء منها ، أو أمكانية استعادة ما بقي محفوظا ومتنقلا في صدور رجال الدين الأيزيدي  .

وهناك من راسلني معتقدا أن الأيزيدية من الأحناف ، حيث عدّهم بعض الباحثين المعاصرين بحق، الحلقة المفقودة في سياق تطور الفكر الديني العربي قبل الإسلام.  ولكن من هم الحنفاء؟ هل كان هؤلاء مجرّد أفراد موحدين بالله ،  أو مجموعة تدعو  إلى نبذ العبادات الجاهلية والابتعاد عن الأصنام، مثلما يرى العديد من  المؤرخين والباحثين? أم أنهم كانوا فرقة دينية لها طقوسها العباديّة، وعمقها التوحيدي الخاص، كتبها، ورموزها أو أنبياؤها؟ وهل الحنفاء فرقة واحدة أم أكثر؟ وفي كل الحالات ما هي المصادر الفكرية الدينية التي استقى منها هؤلاء عقائدهم وصاغوا طقوسهم؟ هل الحنفاء هم نصارى الجزيرة العربية؟ أم أنهم  فرقة من فرق اليهودية؟ أم أن هؤلاء ليسوا من اليهود ولا النصارى، وإنما كانوا تياراً دينياً وليداً استقى معارفه من محيطه الغني بالمذاهب والعبادات التوحيدية وصاغ مشروعه التوحيدي الخاص، الذي ينمو باتجاه استبدال التوحيد بالتعدد، على المستويين الديني والسياسي؟

جاء في سورة النساء 4: 125 وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَا تَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَا تَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً . وجاء في سورة آل عمران 3: 95 قُلْ صَدَقَ اللهُ       فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ . وجاء في سورة الأنعام 6: 161 قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً . وكلمة حنيف في اللغة العبرية والسريانية تعني نجساً أو مرتداً وُصِم بها العرب الذين هجروا عبادة الأصنام وارتدوا عن دين أسلافهم. وكان هؤلاء الزاهدون في آلهة العرب هم الذين أضاءوا الأفق .

وهناك من ينسب الأيزيدية الى ماني ، ماني هو أمير فرثي عاش في حوالي عام 200 بعد الميلاد في مدينة همذان الإيرانية. ومنذ نعومة أظفاره تركزت اهتماماته على الدين بشكل مطلق. وقد نشأ ماني في جنوبي بلاد بابل وفي وسط طائفة غنطوسية معمدانية هي الطائفة المندائية، وتلقى مؤثرات كانت حاسمة بالنسبة لمستقبله. لكنه سرعان ما هجر هذه الطائفة بعد أن أتاه الوحي كما أخبر .

وعندما وصل التفويض ببث الرسالة إلى العالم في سنة 240-241م. أعلن ماني نبوته، وقد اتخذ ماني فيما بعد الثنوية الإيرانية القديمة منطلقاً له، وهي تقوم على أساس فكرة الصراع المستمر بين الخير (أهرمزد) والشر (أهرمان) وقد واصلت الديانة المانوية انتشارها في عدة أماكن من العالم حيث وصلت إلى الأردن في حدود سنة 274م، وفي مصر قبل 261م، وقد أطلق المسلحون في العصر العباسي أتباع ماني تسمية الزنادقة، كما وجهت تهمة الزندقة إلى شخصيات كثيرة آنذاك.

كل الأديان السابقة سماوية في أصلها وفي بعدها ، متحدة في أهدافها، متكاملة في وظائفها، متصلة في مقاصدها، جاءت جميعاً بالهدى لبنى الإنسان. ولا يخالف أي دين في جوهره المبادئ الروحانية الخالدة التي أنزلت على الأنبياء والرسل السابقين، كل الديانات تدعو للخير والمحبة والتقرب الى الاله الكبير الخالق العظيم ، ولم تختلف عن بعض كثيرا  وإنما تباينت تعاليمها وأحكامها وفقاً لمقتضيات عصرها  ومتطلبات الرقي والحضارة والتطور الأنساني . وأتت بما يجدد الحياة في هياكل الأديان ، بمعنى تعزيز علاقة الإنسان بالدين ، وهيأت ما يزيل أسباب الخلاف والشقاق داخل المجتمع ، وأتت بما يقضي على بواعث ذلك التباعد على أسس روحية من خلال إيجاد سيطرة خفية وعميقة لطبقة رجال الدين تعيش وسط المجتمع ، وأظهرت ما يوفق بين العلم والدين وفق مفهوم سيطرة المرجعية السياسية منها والدينية المنسجمة والمتطابقة المواقف ، وباتت تنظم حياة الناس وفق مفاهيمها وفلسفتها وما يتناسب مع نظرتها للدين ،  فأصدرت الفتاوى ونظمت الحقوق ، فساوت حقوق الرجال ولكنها غبنت حقوق النساء بزعم  توطيد أركان المجتمع.

والأيزيدية من الديانات القديمة جداً وهي من بقايا الديانات الطبيعية ,التي ترجع أصولها إلى مراحل تاريخية سحيقة تمتد إلى مايسبق  العصر السومري حينما بدأت المعتقدات الدينية تنحو نحو الظواهر الطبيعية , واعتبرت الشمس والقمر والنجوم والضوء والنار وكل ماله علاقة بالضياء من التجليات المقدسة , وللشمس منزلة خاصة ومتميزة حيث تعتبر إحدى أشكال تجليات الله وبهذا فإن الديانة الأيزيدية هي من الديانات الشمسانية التي انتشرت في بلاد الرافدين وسوريا وآسيا الصغرى والأناضول حيث  انتشرت معابد الشمس في حمص وبعلبك وحلب والحضر وبابل وآشور والوركاء وماردين مرورًا بالمناطق التي تشمل أفغانستان والهند وحوض القفقاس ، ونلاحظ طراز القباب للمعابد والأضرحة الأيزيدية المتميز بأشكاله المنخرطة مع شعاع الشمس ، والتي لاتماثلها في شكل البناء أضرحة أو أماكن مقدسة ،  وقد اكتشف الآثاريون العاملون في العراق معبد إيزيدا في منطقة الحلة بالعراق وهو ليس الوحيد حيث سبق وان اكتشف معبد مماثل بنفس الاسم في مناطق الموصل (نينوى).

وليس دون أساس أن يذكر المؤرخ اليوناني ( توفانيس ) في مدونته  بأن الإمبراطور هرقليوس خيم بالقرب من مدينة ( يزدم ) وهي بالقرب من مدينة ( حدياب ) ويعتقد بأن ديانة القوم الذي يسكنونها في تلك الفترة كانت الأيزيدية .

وبالرغم من أن الأيزيدية ووفقا لسياقاتها التاريخية غارقة في القدم ومتمسكة في توحيد الله ، إلا إن هناك من يقول أن اليهودية  أول ديانة توحيدية في التاريخ، غير أنه يعيد تأويلها بعكس منطوقها الظاهري. ويستثير فينا بالتالي ضرورة إعادة النظر من جديد في كل تاريخ البشرية، بل وفي اعتقاداتها واعتقاداتنا أيضاً. غير أن هناك دعوات صريحة تنفي صدقية النصوص الواردة في  التوراة أو تكذيباً لها،  هذا المنحى أو التوجه سيبحث في خباياها التي أودعها إياها كتبتها، ((  ليستنتج أن التوراة ليست سوى مدونة للشعب المصري، الذي كانت قد وقعت بلاده تحت نير الغزاة البابليين، وللديانة الفرعونية التي كانت أول ديانة توحيدية في التاريخ ، وهي وجهة نظر قد يعوزها الكثير من الدلائل والأسانيد للإثبات .

غير انه وبإصرار واضح  يبين لنا أن العبرانيين ليسوا سوى شعب خيالي وليس لهم أي حقيقة تاريخية. فهم أنفسهم المصريون بعد أن خسروا حضارتهم تحت وقع الغزاة، وليس موسى غير رعمسيس الأول، وليس هارون غير الفرعون حورمحب. بل إن إله التوراة ليس غير إله الفراعنة نفسه. ))

ولهذا نشير الى الغمط والشطب الذي حل بزوايا التاريخ ، ومن خلال هذا نتوجه بالدعوة لإعادة استقراء مفاصل التاريخ بتجرد ، ولعل ما يشير الى شيء من الأنصاف حين يكتب باحث عن الهرطقات وحركات الارتداد والزندقة في العصر الإسلامي فلا يشمل الأيزيدية الذين طالما ابتلوا بعقول حاقدة لاتحاول أن تتأني قبل أن تطلق عليهم كل أسلحة الدمار الشامل .

 جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي ((574 -626هـ / 1178 -1229م)) أن  دَاسِنُ: بالنون اسم جبل عظيم في شمالي الموصل من جانب دجلة الشرقي فيه خلق كثير من طوائف الأكراد يقال لهم: الداسنية.

وإذا كانت الداسنية هي الأيزيدية بعينها ، فما الذي يمنع ياقوت الحموي من قول الحقيقة ؟ ومتى كانت هذه الداسنية موجودة في تلك المناطق ؟

وتلك صحف إبراهيم الأولى التي نشرها وبشر بها ويتمسك الأيزيديون بتقديسها والزعم بانهم ورثتها والذين كرسوا حياتهم للحفاظ عليها .

فهل هي التي وردت في القرآن المجيد في سورة النجم (أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى * وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى*) .

أم إنها غير تلك المبادئ والحقائق التي يؤمن بها الايزيدية ؟ أم أنها مفقودة كما يقال من الشراح والفقهاء لم تصل إلينا ؟

يقول ابن كثير في تفسيره الصحف الأولى لإبراهيم (قَوْله تَعَالَى " أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُف مُوسَى وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى " قَالَ سَعْد بْن جُبَيْر وَالثَّوْرِيّ أَيْ بَلَّغَ جَمِيع مَا أُمِرَ بِهِ وَقَالَ اِبْن عَبَّاس " وَفَّى " لِلَّهِ بِالْبَلَاغِ وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر" وَفَّى " مَا أُمِرَ بِهِ وَقَالَ قَتَادَة " وَفَّى " طَاعَة اللَّه وَأَدَّى رِسَالَته الى خَلْقه وَهَذَا الْقَوْل هُوَ اِخْتِيَار اِبْن جَرِير وَهُوَ يَشْمَل الَّذِي قَبْله وَيَشْهَد لَهُ قَوْله تَعَالَى" وَإِذْ اِبْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنَى جَاعِلُك لِلنَّاسِ إِمَامًا " فَقَامَ بِجَمِيعِ الْأَوَامِر وَتَرَكَ جَمِيع النَّوَاهِي وَبَلَّغَ الرِّسَالَة عَلَى التَّمَام وَالْكَمَال فَاسْتَحَقَّ بِهَذَا أَنْ يَكُون لِلنَّاسِ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيع أَحْوَاله وَأَقْوَاله وَأَفْعَاله قَالَ اللَّه تَعَالَى" ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْك أَنْ اِتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ  . ) .

امافي تفسير  الجلالين فيقول (" صُحُف "إبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى" تَمَّمَ مَا أُمِرَ بِهِ نَحْو "وَإِذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيم رَبّه بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهنَّ") .

أما القرطبي فيقول : (" صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى " [ الأعْلَى : 19 ] أَيْ لا تُؤْخَذ نَفْس بَدَلًا عَنْ أُخْرَى ; كَمَا قَالَ " أَنْ لَا تَزِر وَازِرَة وِزْر أُخْرَى " وَخَصَّ صُحُف إِبْرَاهِيم وَمُوسَى بِالذِّكْرِ ; لأَنَّهُ كَانَ مَا بَيْن نُوح وَإِبْرَاهِيم يُؤْخَذ الرَّجُل بِجَرِيرَةِ أَخِيهِ وَابْنه وَأَبِيهِ ) .

ويقول الطبري : ({ وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى } يَقُول : وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَا أُرْسِلَ بِهِ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الَّذِي وَفَّى , فَقَالَ بَعْضهمْ : وَفَاؤُهُ بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ رَبّه مِنْ تَبْلِيغ رِسَالَاته , وَهُوَ { ألا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }) .


سئل آباذرالغفاري الرسول الكريم (ص)عن صحف إبراهيم (ع) ؟ قال : كانت أمثالا كلها ومنها :- أيها الملك المسلط المبتلى إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض لكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فأني لاأردها وان كانت من كافر او فاجر فجوره على نفسه .
- على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ثلاث ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ،وساعة يفكر فيها في صنع الله تعالى ، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وآخر ، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال من المطعم والمشرب .
- وعلى العاقل أن يكون ظاعنا إلا في ثلاث : تزود لمعاد ، أو مرقة لمعاش ، أو لذة في غير محرم .
- وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ،مقبلا على شأنه ،حافظا للسانه ، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه .

ويقال أنها أمثال وحكم ومواعظ وتذكير بالمعاد والتوحيد والعبادات والذكر . غير أن هناك من يقول بأن  القرآن والتوراة والزبور والإنجيل وصحف إبراهيم وموسى ، جميعها منزلة من الله  بعض منها كتباً أنزلها على أنبيائه ، لا يعرف أسماءها وعددها إلا الذي أنزلها سبحانه وتعالى .

وهذه الكتب كلها جاءت لتحقيق توحيد الله بإفراده بالعبادة وعمل الصالحات والنهي عن الشرك والإفساد في الأرض ، فأصل دعوة الأنبياء واحد وإن اختلفوا في الشرائع والأحكام ، وهناك من يقول أن هذه الصحف مفقودة ولا يعرف منها شيء.

وحيث إن آدم هو أول نبي ، ومن بعده النبي نوح عليهما السلام ، فيكون إبراهيم نبيا من بعدهما  لأنه من سلالة نوح وعاش الفترة الزمنية التي تلي الطوفان .

غير انه لايدخل الشراح في تأويل أو تفصيل تلك الصحف الأولى ، ولانجد أحدا منهم يشير أشارة واضحة ووافية الى تلك الصحف التي جاء بها إبراهيم  ، ومامن رسول جاء إلا بلغة قومه ، فما كانت لغة إبراهيم في تلك الفترة ؟ وكيف تم له التفاهم بلغات متعددة في مناطق متعددة  ؟ حيث تنقل ما بين أرض كوردستان الى أور الكلدانية مرورا بالصحراء باتجاه ارض الفراعنة ومن ثم الى  ارض الجزيرة العربية في مكة المكرمة ،  وماهي اللغة التي جائت بها الصحف ألأولى ؟ هل هي الآرامية أو الكلدانية أو الفرعونية أو العربية القديمة أم الكوردية ؟

وفي مقدمة كتاب ( صحف إبراهيم ) الصادر عن الدار العربية للموسوعات 2006  يتحدث الباحث فالح العجمي عن جذور البراهيمية من خلال نصوص الفيدا ومقارنتها بالتطبيقات والروايات التاريخية فيقول :

  (( أن شخصية براهما  التي ارتبطت بصحف الفيدا، بل بكثير من المصطلحات الدالة على الديانة المرتبطة بالفيدا، هي الشخصية المشار لها  في النصوص السنسكريتية ، والتي عرفت في الشرق الأدنى باسم (( إبراهيم ))  سيوجد بالتأكيد من يعترض على ربط هاتين الشخصيتين في شخص واحد، سيرد الاعتراض من أتباع الديانة نفسها، التي يفضل إطلاق مصطلح              (( البراهيمية ))  عليها بدلاً من مصطلح )) الهندوسية (( ، لأن الأول يدل على الأصل، وهو الذي يرد في النصوص المقدسة، فليس هناك أي ذكر لهندي أو هندوسي، ولأن الأخير يشمل كل مافي الهند الحديثة والقديمة من أديان، بعضها ناشئ عن البراهيمية، وبعضها الآخر وافد من ثقافات أخرى. كما سيعترض أيضاً أصحاب الديانات الأخرى، خاصة اليهودية والإسلام على ذلك بسبب ادعاء كل من هاتين الديانتين ملكية (( إبراهيم))  بوصفه السلف الأول من الشعبين (الإسرائيلي والعربي) ومعتقدهما (اليهودية والإسلام). فلا يرضون بأن يكون أصله هندياً أو آرياً أو حيثياً. )) .

يذكر أبن الأثير  في الصفحة 72 من كتابه  الكامل في التاريخ : ((  أن إبراهيم عليه السلام هو بن تارخ بن ناخور بن ساغور بن أرخو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن ارفخشذ بن سام بن نوح عليهم السلام  )) ، وأن إبراهيم بن آزر ولد في أور الكلدان ، وقصة تكسيره الأصنام حدثت وقت حكم النمرود الذي كان يحكم قوم إبراهيم ، والنمرود كان ملكا في نينوى ويقال في الزمن البابلي  ،وذكر المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار، أن هذا الملك هو ملك بابل، واسمه النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح  .

وتتعدد القصص وتختلف حول الأماكن التي انطلق منها إبراهيم وأستوطن فيها ، فقد عاش في أور ثم عبر منها الى بابل ومنها الى نينوى ومن ثم الى فلسطين والتي غادرها الى مكة ومن ثم الى مصر ثم عاد عبر فلسطين الى مكة مرة أخرى  .

وللأيزيدية كتابين مقدسين هما مصحف رش والجلوة ، وكلاهما لم يتم العثور عليه لحد اليوم ، وكلاهما لم يقطع بصحة النصوص الواردة فيه بشكل جازم ومتفق عليه ، فلم يجزم الأيزيدية دينيا ثبات هذه النصوص واعتمادها ككتب  مقدسة  ، وبقيت المسألة تحتمل وجهات نظر متعددة ، تزامنا مع قدم الأيزيدية ووجود فاصل زمني ليس بالقصير ضاعت فيه ليس الكتب المقدسة ، إنما كتابات عديدة ومهمة يمكن أن تكون أبجدية الكتابة الأيزيدية من بينها ، كما لم يفصل في اللغة التي كتبت بها تلك الكتب المقدسة هل هي بلغة الأيزيدية القديمة؟ ام هي باللغة الكوردية السائدة  في المنطقة ؟  فالمجلس الروحاني لم يزل يعتمد على ما حفظه   رجال الدين في الصدور   ولم يصدر أي وجهة نظر بخصوص الكتابات المقدسة . 

وينفي الباحث  الدكتور خليل رشو وصول تلك الكتب المقدسة أو اطلاع أحد الباحثين عليها بسبب  :   (عدم تسجيل نصوصها الدينية وطقوسها وأصولها وعدم إطلاع الغالبية العظمى من الكتاب على ماهية هذا الدين. ) مقالة منشورة في موقعه الشخصي .

أما الباحث هوشنك بروكا فيقول (( الإيزيدية، ليست ديانةً "صعبةً" وإشكاليةً، على صعيد دراسة ومتابعة التاريخ الطقوسي، الميثي(تاريخ الله) فيها، فحسب، وإنما هي، تبدو في ذات الوقت وذات "الله الصعب"، بذات "الصعوبة" وذات الإشكال، على صعيد البحث عن تاريخ اجتماعها/ جماعتها(تاريخ اجتماع الإيزيدي)، في كرّها وفرّها، وحلّها وترحالها، أيضاً. )) مقالة بعنوان الإيزيديون : نزلاء الذات اللامتفقة أبداً كتبها  بتاريخ 19/9/2007 الحوار المتمدن

وهناك من يعتقد أن نصوص مصحف رش ماهي الا جزء من كتاب مقدس آخر فيقول :

 ( وإنني إذ اعتقد بان مصحف ( (roj) المقدس الذى يعتبر فصلاً من فصول ( مصحف الاسرار الشمسانى ) والذى يعود تاريخه الى عهد نبينا نوح (ع) , وقد استحدث بعض الأسفار فى العصور المتأخرة عندما تناقل هذا المصحف من جيل الى آخر , وتم إجراء بعض التحريفات والإضافات حسب الظروف ف ومصلحة أبناء ذلك الزمان. )   أنظر مقالة خيري شنكالي في موقع شؤون اليزيدية .

أما الباحث  الدكتور ممو عثمان فيقول في مقاله له بعنوان – الأيزيدية والعصرنة حتمية التغيير للخروج من الأزمة نشره في موقع صوت الشعب الأيزيدي بتاريخ 28/6/2007 :

((المعتقدات الدينية التي ورثها ألأيزيديون من أجدادهم مضافا" اليها المعتقدات الصوفية التي جاء بها الشيخ عادي وهنا كذلك بدأت فكرة تبني ميثولوجيا ألديانات السماوية عن طريق الشيخ عادي وأتباعه مضافة اليها التحويرات الخاصة باستبدال الأشخاص والأسماء اللاهوتية كقصص الأديان مثلا" بما يتفق ومبادئ الديانة الأيزيدية القديمة )) .

مهمة البحث والتقصي التي لم تبدأ بعد من مهمات المثقف الأيزيدي بعد أن يأس المتابع من رجال الدين ، بعد كل هذا الزمن وبعد كل ما جرى من ويلات للأيزيدية ،لم تتحرك جهة منهم لتثبيت تلك المدونات التي يتبجح بعض أنها محفوظة في الصدور وكأنها ملك عضوض الى الأبد ، ودون أن تنسجم تلك المقولات مع الزمن والتطور الحاصل حتى بين المجتمع الأيزيدي نفسه .

على أن اشارات  ظهرت في الفترة الأخيرة تدعو للانتباه وتلفت النظر تتسم ليس فقط بالجرأة في الكتابة والطرح ، وإنما تدعو الى اعتماد المنهجية والموضوعية والدعوة الى الحوار من بين الأيزيدية انفسهم ،في محاولة استنطاق حقائق التاريخ واستخلاص ما يفيد أدلة قدم الديانة الأيزيدية ،  مع أن تلك الطروحات والكتابات تجد العديد من المواجهات القمعية من الأيزيدية أنفسهم   ، ونجد إن الأمر لايعدو الا حالة معقولة أزاء مواجهة القديم والخارج عن أطار العقيدة  ،   وبسبب القمع الفكري والأنساني الذي شمل المجتمع الأيزيدي فترات ليست بالقصيرة ،  ولانستطيع غير أن نشد على تلك الأيادي والإفكار من أن تستمر في الطرق الذي سيفكك العديد من الحالات الطارئة والمترتبة بحكم الظروف على تلك الديانة العريقة والغارقة في القدم ، وسيساهم في فتح آفاق وعقول كثيرة تعالج حقيقة تلك النصوص خصوصا وقدم الديانة الأيزيدية عموما .

ولعل من بين المهم في  تلك القضايا الدعوة الى تدوين الكتب المقدسة أو الأقوال الدينية المقدسة ،  وتجميع نصوصها والبحث عن جذورها  وتشذيبها مما لحقها من شوائب ، فالاعتماد الشفاهي يحتمل التأويل والاختلاف ، مثلما يتخلله العديد من الطعون بسبب النسيان والسهو عند الإنسان ،  وإزاء حملات التشويه والملاحقة المستمرة على الأيزيدية ، يستوجب الأمر  الاستعداد الدائم للمواجهة والدفاع ليس فقط عن النفس ، إنما عن العقيدة والنصوص المقدسة والحقائق الدينية التي كرستها تلك الديانة التي اعتقدت بها مجموعة كبيرة من بلاد ميسوبوتاميا في الأزمان الغابرة ، ولم تنته ولم تباد رغم كل عاديات الزمن .

ويصبح أمر تثبيت حقيقة قدم الديانة الأيزيدية من خلال التحريات البايلوجية في المنطقة والمعبد المقدس ، بأشراف المتخصصين في هذا المجال ،  بالإضافة الى التكاتف من أجل إبراز أية وثائق أو كتابات قديمة  تخص تلك الديانة ، سواء ما أحتفظ به الأفراد لأي سبب ، أو ما تم نقله الى المتاحف العالمية فيما يتعلق بالايزيدية ،أو ما تناثر في مراكز البحوث والدراسات في العالم ،  وتلك مهمة تتطلب التعاون من الجميع بما فيها المؤسسة الدينية ممثلة بالأمير والمجلس الروحاني والمهتمين بالديانة الأيزيدية من المثقفين والباحثين الأيزيديين ، بالإضافة الى مساهمة فعالة وجادة من المؤسسات الثقافية والأنسانية الدولية المعنية بهذا الأمر  .

25
المرأة التي قادت الرجال

زينب بنت علي بن أبي طالب

 

زهير كاظم عبود

سجل التاريخ أسماء نساء خالدات وقفن مواقف تميزن بها، وذكرها التاريخ بكل وقار وتبجيل ،  وتنوعت هذه المواقف بين الثبات على المبادئ والصبر والشجاعة والبلاغة والنبوغ ، وبين قوة الشخصية  والجهاد  في سبيل المباديء والحقوق  ،  ولم يخل عصر من العصور من تلك  النابغات والحكيمات والشاعرات والمشاركات في الثورات والمساهمات في امدادها والعمل في صفوفها، ولم تخل صفحات التاريخ من تلك النساء الملتزمات بالعقيدة ،  كما لم تخل الحركات السياسية على امتداد التاريخ من مواقف لنساء صعدن الى المشانق وهن يزغردن من أجل نصرة الحق والمباديء . 

ورغم ان المؤرخين العرب كتبوا العديد من كتب السيرة وأخبار الرجال وتعرضوا ايضاً لأخبار النساء، كتاريخ اليعقوبي والطبري ومروج الذهب وأبن الأثير ومقاتل الطالبيين والأغاني وغيرها وخاضوا في الحوادث والأسماء، وتنوعوا في هذه الكتابات تبعاً لسطوة السلطان وأرادة الحاكم، وبين الكتابة بضمير مفتوح وتجرد تدعو اليه الكتابة التاريخية المجردة والمنصفة.

غير أن المرارة احيانا  تظهر في عدم انصاف تلك الأسماء التي لاتستحق الا المجد والخلود والأنحناء لتلك الأسماء التي سجلت المواقف المشرفة التي دونها  التاريخ بصفحات مضيئة .

ولم يغبن التاريخ رمزاً كبيراً وأسماً ساطعاً في التاريخ العربي والأسلامي مثلما غبن العقيلة زينب بنت علي بن ابي طالب عليها السلام، فقد ذكرها المؤرخون بأسطر قليلة أو بصفحات لاتفي بالغرض المطلوب ولاتتساوى مع قامتها المديدة وتأريخها المشرف ، لولا ألتفاتة العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي رحمة الله عليه الذي خصها بكتيب يليق بسيرتها ومقامها واعقبه الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه ( مع بطلة كربلاء )، وتأتي كتابة السيدة الجليلة بنت الشاطيء ( الدكتورة عائشة عبد الرحمن ) طيب الله ثراها سفراً خالداً يؤرخ حياة الأنسانة المناضلة والرمز الثوري النسوي الخالد العقيلة زينب في كتابها القيم ( بطلة كربلاء ) الذي يعد من اجمل المراجع التاريخية وأكثرها ثراء ووصفاً لحياة العقيلة، غير اننا لاننس الألتفاتات الجميلة لجزء من سيرة تلك المرأة  التي أوردها جرجي زيدان وعلي احمد الشلبي والسيد علي الهاشمي والسيد محمد بحر العلوم وأخيراً ماتضمنه كتاب السيد خالد محمد خالد من فصل صغير خصصه في كتابه  للعقيلة زينب، مع اننا لم نزل نطمح لكتاب تاريخي يؤرخ بحق حياة هذه الأنسانة التي نذرت نفسها لحياة الكفاح والمواجهة والجهاد والتضحية. 

 لذا فأن المكتبة العربية اليوم بحاجة الى كتاب يتضمن سنوات شبابها وبروز دورها الثقافي والأنساني والريادي في الفقه والحديث والتاريخ والشريعة الأسلامية ، ثم بعد ذلك تفصيل لكل الأحداث التي كانت طرفا فيها ، بالأضافة الى حقيقة مرقدها الشريف المختلف عليه بين البقيع والشام ومصر .

لقبت  بالعقيلة، وكانت بحق عقيلة بني هاشم، وعقيلة الطالبيين ـ والعقيلة  كما تذكر قواميس اللغة  المرأة الكريمة بين  قومها ،  والعزيزة  المكرمة في بيتها، وزينب بنت علي ابن ابي طالب  بالأضافة لكل ما ذكر  فهي الواثقة من شخصيتها ،  والعارفة بين اهلها وقومها ، والعالمة الجليلة  المتعلمة على يد ابيها وجدها ، والفاضلة الكاملة التي تعبر بحق عن خلق البيت العلوي ، والزاهدة المتعبدة التي برهنت على ذلك الأيمان في احلك لحظات عمرها ، وغير ذلك من الصفات الأنسانية التي ميزتها عن غيرها من نساء جيلها .

وزينب  أول بنت ولدت لفاطمة  وعلي (عليهما السلام ) ،  وكانت ولادة هذه الأنسانة  الطاهرة في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة.

هي ثالثة أحفاد الرسول من ابنته فاطمة الزهراء ومن الأمام علي بن ابي طالب والتي اسماها الرسول بنفسه ( زينب )، كانت لصيقة ابيها وبعد ان فقدت امها وجدها في عام واحد تحملت مسؤولية البيت  ، فصارت اماً  واختاً  لتلك  العائلة ، وتقمصت دور فاطمة الزهراء  أمها  ، وكانت متابعة أمينة  لما تتطلبه منها الحياة من موجبات المعرفة والدين فكانت مرجعاً وملاذاً ليس لأقرانها انما حتى لمن كان أكبر منها  سناً.

تزوجها  أبن عمها عبد الله بن جعفر بن ابي طالب وكان مشهوراً بالسخاء والشجاعة، وبعد زواجها من أبن عمها وهو  أبن جعفر الطيار المشهور بذي الجناحين  أزدادت تألقاً وعلماً، فكانت تحفظ الكتاب المجيد  وتقوم بشرحه وتبسيطه ، وعلى دراية تامة بأحاديث الرسول وسيرته وبسيرة أبيها علي بن ابي طالب .

مرت على زينب الإنسانة العديد من الأحداث التي تؤثر في النفس وتهزها من وفاة جدها وأمها وموقعة الجمل وصفين ومقتل  ابيها غدرا  وأغتصاب حق اخيها الحسن في الخلافة الى مقتل الصحابة والأهل والأحبة ، وحضورها تلك المواقع والمعارك الحاسمة .
 
كانت تراقب الفتنة وحال الأمة بنظرات مليئة بالحكمة الثاقبة ومعرفة ما سيؤول اليه الحال، وكانت كثيراً ماتحدثت عن الخراب الذي سيحل  وعن الفتنة التي ستحل بين الأمة ، وعن الفئة الباغية التي ستنتصر.

ومن أقوالها : من أراد أن يكون الخلق شفعاءه الى الخالق فليحمده ، الم تسمع قوله سمع الله لمن حمده ، فخف الله لقدرته عليك ، وأستح منه لقربه منك .
وبالرغم من موقف زوجها عبد الله بن جعفر وأرساله كتاباً الى الأمام الحسين بن علي مع ولديه عون ومحمد يطلب منه العدول عن الذهاب الى العراق ، الا أن الأمام بقي مصراً على الخروج الى العراق لمواجهة الخليفة الباغي يزيد ، حيث  لايمكن أن يقر الإمام الحسين ليزيد بن معاوية أقرارا وأعترافا  أنه صار أميراً للمسلمين.
وعزمت العقيلة الخروج معه فهي أمينة سره، وسار معها ومع ركب الشهيد الحسين  أولادها وهم يعلمون المصير والنتائج ، لكنهم  لم يبالوا بها من اجل أن تبقى كلمة الحق عالية وشامخة. لقد بر محمد وعون بخالهما حين بذلا روحيهما فداء له في معركته العادلة وأمام مرأى ومسمع أمهما التي كانت تزيدهما ثباتاً وتماسكا.، وكانت تحثهما على مواصلة الجهاد في سبيل الحق . 

ولن نتحدث بأسهاب  عن واقعة كربلاء فقد تعرض لها الكتاب الأجلاء وأشبعوها تصويراً وتحليلاً، الأمر الذي ينبغي أن يتم الالتفات اليه  جانب من أحداث تلك المعركة ، المتمثل في القيادة النسوية وخصوصا  ذلك الجانب المسكوت عنه في قافلة الحسين  ، حيث  انيط بالعقيلة زينب  مسؤولية ذلك الأمتداد التاريخي الثوري الذي زرعها في روحها أبيها الثائر والزاهد والفقيه علي بن ابي طالب ( ع ) ، فكانت المرشد والمعلم والمرجع ومن يهدىء روع الخائفين وفزع الفازعين ووجل الأطفال وهلع النسوة، فكانت تكتم وجعها وأملها في أهلها ورمزها شقيقها القدوة الأمام الحسين .، وكانت تجسد الثبات والصبر في تلك اللحظات الحاسمة ، متيقنة من ثباتها على الحق والإصرار على الانتصار للمبادئ مهما كلف الأمر  . 

وبعد ان انتهت واقعة كربلاء بعد الزوال في العاشر من محرم تنكبت العقيلة مسؤولية البيت العلوي وحملت الراية وهي تنظر للأشلاء الممزقة والرؤوس المقطوعة والجثث المبعثرة، ولم تقل سوى (( ليت السماء أنطبقت على الأرض )) . وبدأت معركتها الجهادية التي سجلت بها موقفها النموذجي في الشجاعة والثبات والجرأة والتمسك بالمباديء، فقد جمعت كل هذه الخصال في كلمة وسط تجمع الرجال الأعداء، وشعرت أنها كالعملاق حين يخاطب الأقزام، وشعرت أنها تصعد الى الأعالي وامامها سلطان يتهاوى الى الدرك والحضيض، لذا تركت عاطفتها وأمومتها، وتقلدت ما تعلمته من مباديء لتبدو ان روحها غير منهزمة وأن بدت منهكة ومتعبة من سفرها وبدت غير ذليلة فهي مع الحق وسلطانها يقف في دائرة الباطل.
وحين يستفزها ابن زياد بقوله لها  :  ( أن الله فضحكم  وقتلكم  وأكذب أحدوثتكم )، قالت له : (( الحمد لله الذي اكرمنا بنبيه محمد ( ص((  (  .

وفي دار الطاغية في مقر الأمارة  تحدت السلطان ووقفت وقفتها الشهيرة التي اهتزت لها اركان السلطان وتنبأت العقيلة في خطبتها بنهاية للطاغية وبعذاب كبير للظالم الفاجر،أذ قالت في حضرة السلطان :

((  أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الارض وآفاق السماء، فاصبحنا نساق كما تساق الأسراء ـ ان بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة، وان ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحاً، وتنفض مذوريك مرحاً، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله تعالى: (ولا تسحبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لأنفسهم، انما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذاب مهين) .

أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك واماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد الى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه اكباد الازكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنأن، والاحن والأضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:

لأهلوا واستهلوا فرحاً      ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك، وقد نكأت القرحة، واستأصلت الشأقة، بإراقتك دماء ذرية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت انك تناديهم فلتردن وشيكاً موردهم ولتودن انك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت.

اللهم خذ لنا بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا، وقتل حماتنا.

فوالله ما فريت الا جلدك، ولا حززت الا لحمك، ولتردن على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته، حيث يجمع الله شملهم، ويلم شعثهم، يأخذ بحقهم (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) .

وحسبك بالله حاكماً، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيماً، وبجبرائيل ظهيراً، وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلاً وأيكم شر مكاناً، واضعف جنداً.

ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك، اني لاستصغر قدرك واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، لكن العيون عبرى، والصدور حرى.

الا فالعجب كل العجب، لقتل حزب الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، والأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل، وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما، لنجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد الا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد، والى الله المشتكى وعليه المعول.

فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند وايامك الا عدد، وجمعك الا بدد، يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين.

والحمد لله رب العالمين، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله ان يكمل لهم الثواب، ويوجب لهم المزيد ويحسن  علينا ،

)وأشعلت من وسط دار الأمارة في دمشق شرارة الثورة التي قادتها أمرأة سجل لها التاريخ العربي والأسلامي بأعتزاز وفخر كبيرين مواقف وثبات جديرين بالدراسة والتقليب.

أن السنوات التي قضتها العقيلة بعد استشهاد اخيها الحسين ( يختلف المؤرخين وكتاب التاريخ  في المدة ) فقد كانت قائدة الثورة والمحرض الأساس للأنتفاضة على الدولة الأموية، تهز اركانها وتقوض دعاماتها الواهنة ،  وهي مستمرة في أداء رسالتها الجهادية وانتقلت الثورة التحريضية تتحول بعدها الى شرارات اشعلت مضاجع الطغيان الأموي.
وبقيت زينب ذلك الرمز النسوي الجهادي نورساً تفتخر به الأمة الأسلامية والأنسانية جمعاء ، ونورسا  في دروب الظلمة ومشعلاً يهتدي به الثوار والمناضلين من أجل العقيدة والمباديء.
وبقيت زينب بنت علي أمينة ووفية على مباديء ابيها وشقيقها التي آمنت بها بحق  لكونها كانت تمثل الصلاح والخير للناس وتدعو الى المساواة وكرامة الأنسان، ولكونها كانت في جانب أنصاف الفقراء والمعوزين والمظلومين  ، تلك المباديء التي حرص عليعها علي بن ابي طالب ( ع ) ، وعلمها لبيته ومحبيه وسعى الى انتشارها كقيم انسانية واسعة ، فقد بقيت تلك الشرارة متوهجة يتذكرها التاريخ والناس  بتقدير وتبجيل وأحترام كرمز من رموز العطاء الأنساني ونموذج لمواقف المرأة في الثورات والأنتفاضات والحركات السياسية على مر العصور.، وكذلك في الثبات على المباديء والأصرار على الوقوف مع الحق .

26
أتقوا الله انه العراق !!

لاتدعو الجدري يأكل وجهه فيشوهه الى الأبد ، ولا تدعو الجذام ينتشر أمام أبصاركم وانتم في غفوة الصباح فتكونوا على ما رأيتم نادمين ولات ساعة مندم !
كيف سمحتم لأنفسكم بالسكوت ان يكون ( صدام ) لاغيره قائداً للعراق ، هذا العراق الذي تعاقبت على حكمه الرجال الرجال ، وحكمته القيم وما تمسكت به القبائل والعشائر والمجالس والبيوت من الاعتبارات والأعراف ؟ كيف سمحتم لأنفسكم إن تقتطعوا فترة من الزمان يكون فيها ( صدام ) حاكماً أوحداً للعراق ؟
كيف قبلتم الخنوع والركوع لطغيان صدام وأولاده وغلمانه كل هذا الزمن المرير ؟
وها أنتم تقبلون ان يكون العراق ساحة للبهائم العربية ، وتقبلون إن تكون تلك البهائم بين ظهوركم وداخل بيوتكم ، بزعم أنهم يحاربون الاحتلال ويسعون للقضاء على طائفة منكم وهم يرفعون شعار القضاء عليكم جميعاً وعلى عراقكم .
كيف سمحتم لأنفسكم إن تكون بقايا هذه البهائم العربية السائبة تلطخ جدران بيوتكم وتوسخ شوارعكم ، بعد إن عافوا حانات العروبة ومواخيرها ، وتركوا أوكار العروبة المحمية بأعلام إسرائيل ومكاتبها ، ليفجروا أجسادهم النتنة وسط حشود أخوتكم حسب توجيهات شيوخهم ورؤوسهم وأنبياؤهم .
وها انتم تتمزقون شيعة وسنة ومعتزلة وخطابية وحنبلية وواقفية ومالكية وظاهرية وشافعية وزيدية وحنفية وأشعرية ووهابية لا يوحدكم الله ولانبيه ولا كتابه ولابيته ، فكيف يمكن لكم إن تتوحدوا أو تلتقوا بعد اليوم ؟
وها انتم تلاحقون عباد الله من أهل الأديان الأخرى بالقتل والذبح على قبلتكم بعد إن كلفكم الله بحمايتهم ورعايتهم والكف عن اذيتهم .
أتقوا الله انه العراق بلد النخيل والفرات والقباب والأئمة والتأريخ ، فكيف يمكن تحويل جنته الى خراب ومدن خاوية ... أمكم هاوية .
أنه العراق الذي لايليق به حروب المذاهب ولا تحل به دماء المسلمين الذين يتم نحرهم بسكين مسلم أو بسيف على قبلة الإسلام ، ولا بتفجير قنبلة موقوتة أو مفخخة مزروعة ولايليق به إن يذبح المسيحي أو المندائي أو الأيزيدي مهما كان الزعم أو الادعاء أو الغاية التي ماسبقتها غاية في هذا العراق الملون الأديان والقوميات والأجناس .
أنه العراق الذي تتوضأ الناس في طهارة ماءه ، فمن يطهر الدماء التي تسيل يوميا في مدنه ومحلاته ، وكيف للأعظمية إن تعانق الكاظمية ؟ وكيف للأنبار إن تحتضن كربلاء ؟ وكيف للموصل والحويجة والشرقاط إن تحتضن العمارة والسماوة والحلة ؟ وكيف للبصرة إن تفيض بخيرها على بساتين ديالى وكيف وكيف ؟؟
انه العراق بلد الخير والجمال والطيب والنخوة والشهامة ، فكيف تضيع منكم كل تلك القيم ؟ وكيف تضيعون زمناً ووطناً كان ولم يزل مرتعاً للحضارة ولقيم الإنسانية ومنارة الدنيا ، ورافدين وسماء تنعكس على صفحة المياه في الخابور والعظيم والكحلاء والأهوار ، وبلاد حباها الله بكل شيء سوى أنها تفتقد لمن يعتمد العقل والاستماع للرأي الأخر دون إن يستل خنجره يطعن بها خاصرة أخيه ليقنعه انه على الحق .
انه العراق الذي يعرق خجلا منكم حين يشاهدكم وجروحه تنز دما وقيحاً وانتم تتبادلون الاتهامات وتتقاذفون الجرائم ويذبح بعضكم بعض ، وتصير الرؤوس المنفصلة عن أجسادها لغة يتم اعتمادها بينكم ، وحتى لايلعنكم الله و التأريخ تداركوا وتعقلوا وتلمسوا ما سيصير اليه الخراب .
انه العراق فماذا سيوحدكم بعد اليوم غير العراق .
انه العراق فاتقوا الله في العراق أيها الناس ، وتبصروا وضعوا سيوفكم ومفخخاتكم وقنابلكم واتهاماتكم جانباً ، ودعوا بياناتكم وخطاباتكم وتهديدكم جانباً ، انه العراق يتطلب منكم إن تحقنوا دماء الناس فلا تلزموا بها يوم القيامة ، يوم لاينفع مال ولابنون ، وتدافعوا من اجل حقن دماء الناس وحماية أرواحهم وأعراضهم فهي أمانة في أعناقكم ، ومن لم يستطع إن يتحمل تلك الأمانة فليركن لبيته وليتنحى عن المسؤولية ، ففي فرقتكم ضعف العراق ، وفي مهاتراتكم نخر لجسد العراق ، وفي لغتكم ورصاصكم وشظاياكم جراح العراق فيزداد غماً وحزناً وجراحاً فوق التي ولدها له الاحتلال .
حتى بيوت الله جوامعه وحسينياته وكنائسه لم تسلم من رصاصكم وقتلكم فأي مكان يلوذ به الناس حتى يأتمنوا من هياج شركم المستطير وأرواحكم الهائجة والفزعة ، وحتى بيوت الناس التي استباحها قبلكم الاحتلال فأكملت مهمته وغايته في انتهاكها واستباحتها .
وانه العراق الذي لايليق به إن يصل معكم الى ما وصل اليه ، فقد أذللتموه ، وجعلتموه رقماً صغيراً واسما مرعبا تهرب منه الناس فتلوذ بدول الجوار ، فأي زمان حللتم ، وأي مستقبل تريدون ، وأي نتائج تبغون .
يامن تتلذذون بمشاهد التفجير والذبح والدم ، ستكبر الجراح وتتوسع ولامراهم لمداواتها ، وسيعم الخراب في نفوس العراقيين ويعم الحزن ولامجال لفرح في أيامهم القادمة ، ويامن تعملون لدنياكم وتحت أحقادكم الشخصية ومآربكم التي تدفع الناس ثمنها بؤساً وحزناً وموتاً ونزوحاً ، ويامن جعلتم لبهائم العرب مكاناً بين أهلكم وعيالكم فاستباحوكم وقتلوكم في الأسواق والمطاعم الشعبية وأمام أبواب المخابز ووسط الساحات العامة ، ولا يفرق الموت في المشرحة بين قتيل في الرمادي وقتيل في كربلاء ، ولا يميز البهيمة العربية إن كان القتيل من أهالي تلعفر أو البصرة ، ولا يعرف البهيمة العربي دين الضحايا إن كانوا من ديالى أو بغداد أو المحمودية فكلهم ضحايا دين الإرهاب الجديد الذي يتزامن غزوه مع غزو أمريكا وإسقاطها لصنمها صدام ، ولن تقوم لكم قائمة مالم يوحدكم الموقف وتتغلب أصالتكم وعراقيتكم على نعراتكم وطائفيتكم البغيضة ، ولن تقوم لكم قائمة بين الأمم مالم تتوحد صفوفكم تجاه الأغراب والأعراب القادمة ، ولن تقوم لكم قائمة ما لم تواجهوا هجمة هوجاء جاء بها من جاء وأراد بها من أراد ، ولن تقوم لكم قائمة مالم تمزقوا الستائر التي تلعب من خلفها الأيادي وتحرك من خلفها الأصابع كائن من يكون .
العراق العراق أيها الناس تكالبت عليه كل بنات آوى فصار حتى العواء يخيف أطفالنا ، وصار النباح في الفضائيات يغزونا في عقر دارنا ، وصارت الصحف التي نفقت ولم يشتريها احد تشتمنا جهاراً ، يالعاركم أيها الجالسين على دكة مسؤوليتكم وانتم تتزاحمون من اجل مناصب زائلة ... أمكم هاوية .
العراق العراق في خطر وانتم تتقاذفون نبال الاتهامات وتتكاثرون ومعكم كل جيوشكم وحماياتكم ، وترسمون في الخفاء لبعضكم البعض ، وتخططون كيداً ، وتتآمرون ، والله والعراق يرون ما سيصير اليه الحال ، وأهل العراق الثكالى الذين سقاهم الطاغية المر والهوان ، يشربون اليوم علقماً لايستساغ وانتم تستمرءون الأيام فلا تتوقفون ولا تتركون فرصة للعقل في الاختيار والقرار .
الله الله في العراق ايها الناس !!
لن نترحم على أيام صدام ، كما لن نترحم على أيامنا هذه ، فلسنا ممن يتم تمرير الظلم عليهم خنوعاً ، ولسنا من قبائل الجاهلية التي تخنع لغزو القبائل الأخرى ، ولسنا نقبل حلول ظالم محل ظالم ، فنحن العراق وتأريخنا يشهد على ذلك ، فلا تكونوا كالديوك التي تنفش ريشها وتتقافز دون إن تعرف ما سيجري لها من ذبح قريب ومن خراب لأهلها ، فلا تفكروا إن تكون الضحايا من غيركم وبعيداً عن اهليكم ، لأن الخراب سيصلكم والموت لايفرق بين جدار وجدار ، والعراق الذي بقي متحملاً كل ظلم صدام ودكتاتوريته وجبروته سيتحملكم ولكن على مضض ، وبعدها سينفض عنه ما يتراكم من ضيم السنين وسيلعنكم الناس والتأريخ لأنكم لم تحفظوا لهذا العراق دم أولاده ولاشرفه ولا كبرياءه ، ولم تصونوا حياته ومكانته بين الأمم ، وبالرغم من كل انهار الدماء التي سالت والتي ستسيل ، وبالرغم من حجم الخراب الذي عم والذي سيعم ، وبالرغم من كل الأحداث الجسام والضحايا التي كبرت أعدادها ، لم تزل الفرصة أمامكم في رتق الجراح وإيقاف النزيف وتغليب مصلحة العراق على المصالح الشخصية والمطالب الذاتية ، ولم تزل الفرصة سانحة لإخماد نار الفتنة وإطفاء لهيب نار الأحقاد والطائفية والسعي لتأجيج نار الحريق الكبير ، ولم تزل الفرصة مواتية لنفض الأيادي وغسلها من استلام تعليمات دول وتجمعات ومجموعات تريد خراب العراق فتنشر الميكروبات في حياة الناس وتستمر بتصدير البهائم المفخخة .
لم تزل الفرصة سانحة إن نستعيد العراق ونحقن دماء إخوتنا وأهلنا مهما كانت مذاهبهم وأديانهم وقومياتهم ومعتقداتهم السياسية ، فالعراق ليس لطرف واحد ، وليس بمقدور احد إن يستغله لوحده ، وليس بإمكان احد إن يفرضوا على الآخرين رغباتهم وأوامرهم ، العراق للجميع عربا واكرادا وتركمانا وكلدان وآشوريين وأرمن ، والعراق مسلمين ومسيحيين ويهود ومندائيين وأيزيديين ، والعراق إسلاميين وقوميين عروبيين وشيوعيين وديمقراطيين ومستقلين فأتقوا الله في العراق

27
رسالة الى ابنة العراق السيدة ميسون البياتي

 

زهير كاظم عبود

 

تحية عراقية وأعتزاز

قبل أن اتوجه لك بالكلام أود أن أذكرك بأن في العراق ومنذ الأزل منابع للطيب والمروءة والشهامة والقدرة على مناصرة الحق والمظلوم في كل مكان وزمان مهما كانت حجم الظلم والطغيان  ، أريد منك أن تعيدي قراءة التاريخ العراقي

تلمست  مثل الكثير من اهلك العراقيين  المعاناة الإنسانية ،  وقرأت حروفك الممتلئة بالوجع الأنساني ، والتي تعبر عن قليل ما يجيش به داخل روح عراقية لم تزل جذورها تمتد من أقصى الأرض الى أرض العراق .

وأود أن اقول لك انه لن تختلط المواقف على اهلك في العراق ،  ولن تضيع قيم الشرف  في زحمة الزمن الرديء ،  ولم تستطع السلطة في زمن  عدي أو قصي أن تجعل رموزنا من بنات الهوى ، مثلما لم تستطع أن تغير قيمنا الإنسانية ،  ومعالم أيامنا التي لم نزل نحلم بها في خبز الفقراء والوطن السعيد .

حاول صدام بعقله الخبيث أن يلوث قيم بعض منا ، وأن يسلك سلوكا مريضا يعبر عن باطنه ونفسيته في تشويه قيم العراقيين وتخريب ما ورثناه من قيم الخير والمحبة ، وحاربنا بطرق ملتوية ودروب لايسلكها الرجال .

وكنا نحن الذين كنا داخل السور الحديدي نراقب تلك الوجوه والأسماء العراقية النقية العاملة في التلفزيون العراقي ، اعتقال الطائي ، سهاد حسن ، ميسون البياتي ، ونتابع

لكنك كنت ميسون عبد الرزاق البياتي وستبقين الصورة الملائكية النقية التي نحملها تحت جفون عيوننا ، ولم تنطل  لعبة السلطة علينا في ايجاد بديل يحمل نفس الأسم واللقب ، لأن أسم الهالكة ميسون خضر عباس هو لغيرك ،  كنت الأبنة البارة للعراق ولايمكن لصاحب ضمير أووجدان أن تنطلي عليه الاعيب صدام وقصي وعدي وتلك الزمرة الموبوءة .

وأنت تسعين للحصول على وثيقة رسمية لأثبات انك لست ميسون خضر عباس البياتي ، الوثيقة يا أبنتي لاتفيدك بقدر ما يفيدك الثبات على تلك المواقف والأصرار على ذلك السلوك ، ويكفيك انك ابنة عبد الرزاق أحمد البياتي ، ويزيدك فخرا انك ابنة أخ ابا علي ( عبد الوهاب البياتي ) ، وتزدادين فخرا أذ تتحملين كل هذا بسبب مواقف اهلك العراقية الوطنية  الأصيلة .

الوثيقة هي محبة وأحترام  اهلك واخوتك واحبتك في العراق

الوثيقة ذلك الأمتداد الطويل بطول الفرات ودجلة بينك وبين كل اهل العراق

كنت وستبقين الأبنة البارة بالعراق وفقك الله وحماك وحرسك وعزز مواقفك ومنحك القوة على الغربة .

سلام الله عليك ما بقي العراق

 

28
المنبر الحر / لعنة الأيزيدية
« في: 13:05 25/12/2007  »
لعنة الأيزيدية


زهير كاظم عبود

 

كلماتنا هذه ليست بيانا أستنكاريا  عن جرائم القتل التي حصلت للأيزيديين ،  ولا دعوة للوقوف بوجه القتلة .

كلماتنا هذه الى من تلطخت اياديهم بدماء أبناء الأيزيدية ومن ستتلطخ بعد ذاك ضمائرهم بسخام الجريمة .

وهي ليست دعوة لصحوة الضمير أو رسالة تنبيه فلسنا في مهمة الوعاظ .

نقول وأنتم تغرزون رصاصاتكم في ظهور أو صدور أبناء الأيزيدية تذكروا أنهم عزل لايحملون السلاح وصدورهم وظهورهم عارية ،  وانكم متمترسين   بدروع  واقية ورشاشات معبئة بالعتاد فأي رجولة فيكم حين تتقابلون ؟

ونقول أنهم لايغدرون ولم نقرأ أنهم غدروا وبيتوا أمرا  في الخفاء ،  وأنكم تغدرون وتبيتون في الظلام وفي الخفاء ، وتتحينون الفرص الغادرة لأثبات رجولتكم فأي رجولة غادرة عندكم ؟

يحتمون بالله ليس لهم خناجر ولاسيوف واثقين بأن دم البريء لن يذهب عند الله الواحد الأحد هباء ، وأنتم تحتمون بفتاوى عوراء تدفعكم لتلويث ضمائركم ، فتتلوث اياديكم بدماء بريئة ليس لها سوى الله ، وتغمسون اياديكم ملوثة بدماء قانية تأكلون وتطعمون اطفالكم فيالكم من متردين ومتوحشين .

يوصيهم دينهم بأن يحافظوا  على كرامة الغرباء ويطعموا الذين يجيرونهم وأنتم تطلقون عليهم في غربتهم رصاص الغدر ، فأين دينكم منهم ؟

تحرمونهم فرصة العمل لأطعام اطفالهم وكسب ارغفة الخبز بشرف ورجولة ، وتطعمون اطفالكم ثمن الرصاص والعبوات الغادرة ونقود ملوثة برائحة النفط والدعارة .

تقطعون عليهم الطريق فيفتحون لكم الصدور .

تنقلبون على من يأمنكم منهم ولاينقلبون  فالى أي درك ستصلون .

لهم امهات مثل امهاتكم وأطفال مثل أطفالكم     ، لكنهم يغمسون لقمة الخبز بماء نقي           و لايرضعون الأطفال حقدا وكراهية ، يشيعون المحبة ويعطون التضحيات ويعيشون الكفاف وهم مكشوفي الوجوه ، وانتم تتلثمون وتقطر وجوهكم سموما وحقدا تخلطون عسلكم سما وترضعون من الدم حليبا فأي رحم أطهر ؟

يغادرون بيوتهم عند فجر الله لرعاية مزروعاتهم وحيواناتهم وتغادرون انتم قبيل الفجر للغدر بمن تقطعون عليه الطريق .

ستتلوث ضمائركم مثلما تلوث ضمير ميري كورة وبدر الدين لؤلؤ وسليمان باشا  ومن وضعهم التاريخ في زوايا صفحاته الموبوءة كقتلة وسفاكين .

ستقطعون عليهم طريق الغذاء بكمائن غادرة فيرفعون أكفهم الى الله ليس جبنا أو خوفا أنما ألتزاما وعرفا .

ستتعلمون بأن لعنة الأيزيدية باقية وأنكم الى زوال لن يتذكركم اهلكم و جيرانكم سوى باللعنة والذم ابدا .

وستعرفون بأن الأيزيدية لايمنعهم سوى الله وتعاليم دينهم من أن يخاتلوكم ويغدروا بجيرانهم وهم سيبقون متمسكين بهذه القيم الدينية والأعراف العشائرية على العكس منكم .

لهم الله ولكم الرصاص

لهم السلام ولكم الدم

هم الفقراء والزاهدين والباحثين عن فرصة في ضياء الله

وأنتم من تبيعون الضمير بحفنة من المال السحت يقتات بها اهلكم

سترتكبون جريمة اخرى فصائد الفرص يتحين الطريدة ويغدر بالعطشى والجياع .

عمال وفلاحين وباحثين عن الخبز في زمن السحت .

لايخفون ديانتهم ولا عشيرتهم وأنتم تتنكرون لربكم ولدينكم  وعشائركم ، ويرسم لكم رجال مشوهين الضمير صكوك الجريمة التي تدخلكم الجنة على شكل فتوى ، كيف يمكن دخولكم الجنة واياديكم لم تزل ملوثة بدماء بريئة ؟ وكيف يمكن أن تتطهروا وضمائركم ملوثة ؟

الرجولة ليست في قتل الإنسان انما في مساعدته في الحياة وعمل الخير

والرجولة ليست فتوى يمنحها الملوثين إنما هي موقف وسلوك

والرجولة التزام بأعراف وقيم لابالتجرد من أعراف الجيرة والنخوة والشهامة .

تنسون أن الله يشاهد جريمتكم وأنتم تعتقدون انكم تنسلون كالأفاعي بعد جرائم القتل .

تفرون كالفئران التي تنشر الطاعون حين يقترب منكم الرجال .

وحين تصيرون عنهم تتلمسون تلك الأيادي الممتلئة بالعروق والخشنة من العمل تربحون من كدها وتعبها وزروعها ، وحين تعودون تتنكرون وتتصيدون الفرصة لتأكلوا لحمهم نيئا كما أوصاكم  صاحب اللحية القذرة التي تشبه ضميره دوما .

ستلاحقكم لعنة الأيزيدية كما لاحقت قبلكم غيركم فصاروا ملعونين ابدا .

ستلاحقكم دعوات الطيبين والفقراء والأمهات والمفجوعين بأولادهم وتصك اذانكم فتصيروا كالبهائم المسعورة لاتسمعون .

يتدافع بعض منكم للدخول الى الجنة على جثث المغدورين منهم ، فأي جنة تقبلكم وانتم تحملون وزر قتل الإنسان .

ايها القتلة ليس تذكرة لكم لكنه التاريخ حين يكتب لايستحي من حاكم أو محكوم ولا من قريب أو بعيد ، ايها القتلة الذين لايسلكون سلوك الرجال هل انتم ابناء عشائر وبيوت ؟

ايها المتشبهين بالرجال والمتبرقعين بالأيمان والدين ، أن الله العزيز الكبير الرحيم بريء منكم لأنه خلق الإنسان وكرم بني آدم دون أن يخصص دين أو منطقة أو قومية أو لون أو جنس فهل انتم بالضد من هذا التكريم ؟ والى اين ستنتهون ؟

وسننتظر لعنة الأيزيدية التي حلت على قوم قبلكم فذهبوا  وبقي الأيزيديون ما بقي الدهر .

 

 

29
العدالة حين تغيب مع عبدالله أوجلان


زهير كاظم  عبود

 

لم يمكث على طول التاريخ الأنساني متهما مثل الفترة التي مكثها السيد عبد الله أوجلان ، ولم يبق متهما ، والمتهم بريء حتى تثبت أدانته  ، طوال تلك السنوات الحالكة ، في زنزانة منفردة ، وسط سجن معزول ، في جزيرة معزولة عن العالم لايصلها البشر .

يصاحب هذا صمت مريب من منظمات وتجمعات ومؤسسات تدافع عن حق الإنسان ، لاتجد في عبد الله اوجلان سمة من سمات الحقوق التي تزعم أنها تدافع عنها ، مع إن عبد الله أوجلان لم يطالب سوى بمطالب أهله من الكورد في تركيا ، وهي مطالب جلها من الحقوق الأساسية التي قررتها الشرائع ، وأكدتها المواثيق الدولية ، ونص عليها الأعلان العلمي لحقوق الإنسان .

الصمت المريب من خلال السكوت على مهانة الإنسان وغياب العدالة وحقوق الإنسان في قضية عبد الله اوجلان ، موت الضمير الأنساني في هذه القضية التي حكمها الجنرالات ، والتي نسفت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان كل قراراتها ، ولم تعد ذات قيمة ، غير إن سطوة الجنرالات صبت كل حقدها وظلمها على عبد الله اوجلان ، بعد إن تجرد من كل الوسائل التي يملكها ، ولم يتبق له سوى ضميره وصوته  وقلمه الذي لم ينضب .

وعبد الله اوجلان المولود في الرابع من نيسان 1949 في قرية من قرى تركيا ، كان قد طرح العديد من المبادرات السلمية الرامية الى وضع خطوط عامة لحل المشكلة الكوردية في تركيا ، وطرح حلولا من شأنها إن تحقن الدماء بين القوات الحكومية وبين الأحزاب الكوردية التي تطالب بحقها في الحياة ضمن الدولة التركية .

وبدلا من الأنصات ودراسة تلك الحلول لجأت السلطة التركية المحكومة بعقلية الجنرالات والمشبعة بالشوفينية المقيتة التي لن توصل تركيا بأي حال من الأحوال الى طريق معبد وسهل وحضاري يتماشى مع الزمن ، لجأت الحكومة التركية بتأثير تلك العقليات الى أهمال كل الحلول التي من شأنها أن تحفظ دماء ابناء تركيا من كل القوميات ، وبلغت الغطرسة التركية إن تتجاوز حتى على حدود العراق بزعم وجود مقاتلي حزب العمال الكوردستاني  على الأراضي العراقية  ، غير أن ما فات تلك العقول أن القضية لاتموت بهذا الشكل ، وان الحقوق لايمكن أن تنتهي بهذه الصورة ، وستبقى حقوق شعب كوردستان مخرزا يقض مضاجع الجنرالات دائما ، يؤرق ضمائرهم ويحملهم كل تلك الدماء التي تزهق تحت شعار أن لاحقوق ولاحريات الا بأرادة الجنرالات .

ومهما كانت النتائج فأن بقاء عبد الله اوجلان منذ شباط من  العام 1999 وحتى اليوم موقوفا دون محكمة أو محاكمة ودون قرار قضائي يدلل على حجم المهانة الإنسانية التي وصلتها تركيا .

إن المراهنة على الخلافات بين قيادات الأحزاب الكوردستانية في تركيا مراهنة خاسرة ، ويمكن للعاقل في تركيا أن يلمس حجم التكاتف والتوحد الذي يعم أرجاء كوردستان – تركيا ، من اجل المطالبة بتلك الحقوق التي يطالب بها الكورد .

لاشك أن بعض الأصوات الخيرة في تركيا وفي المنطقة العربية تطالب بشدة بتقديم السيد أوجلان الى المحاكمة المدنية العادلة ، وتطالب بتوفير كل مستلزمات القانون التي تتوفر لأبسط المتهمين ، وان تزيل السلطة التركية حالة الأحتقان والحقد المتورم ضد الشعب الكوردي ، وان تلجأ الى حلول أنسانية أخرى من شأنها أن تخدم المستقبل الأنساني لتركيا ، غير أن الموقف الدولي من قضية عبد الله اوجلان يبقى لغزا تتحكم به الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية ، ومن المحزن أن نقول بأن المجتمع الدولي لم يرتق بعد إلى المستوى الذي يستطيع به وضع حد للجرائم التي ترتكب بحق الشعب الكُوردي في تركيا  . بحيث نستطيع القول ان تلك العقول التي لم تزل تحكم تلك الشعوب لم تتعلم من دروس الطغاة والدكتاتورين والشوفينيين ، ويمكن ان يكون الساسة الأتراك نموذجا لمثل تلك العقليات أزاء ما يحدث في تلك المنطقة الملتهبة ، والتي يريدون زيادة لهيبها ، والتي تعاظمت في زيادة الظلم ضد عبد الله اوجلان وملابسات قضيته التي أكل الدهر عليها وشرب ، ولكنها لم تزل باقية في ضمائر العديد من متابعي حقوق الانسان .

ما يغب عن عقل القيادة التركية حين تعتقد ان قضية شعب كوردستان في تركيا ترتبط بشخص عبد الله اوجلان فتزيد من عزلته وتضغط عليه نفسيا وماديا ، وتمنع عليه ابسط الحقوق ، وفي تلك الحال تزيد من أعتقادنا بأنها تحاول التفكير بعقلية متخلفة لايمكن ان تنسجم مع الزمن ولاتفيد المستقبل التركي ابدا .

ما يغب عن بال تركيا انها حين تنتفخ اوداجها ، وتنشر قواتها أعتمادا على تلك الترسانة التي قامت ببنائها على حساب دماء ابناء تركيا وجوعهم وعوزهم وتشردهم ، فأنها مثل البالون المنتفخ لاتلبث ان تعمل اشعة الشمس فعلها فتعيدها إلى حقيقتها .

الحياة اليوم لاتنتهي عند نهاية عبد الله اوجلان ولا في زيادة عزلته وظلمه ، ولا في محاولات أضفاء نوع من طلاء الحقيقة لأظهاره كأرهابي يريد ان يحقق مأرب خاصة ونزعات متطرفة ، بعكس حقيقته في الدفاع عن قضية نبيلة وكبيرة سيحمل مشعلها كل كوردي في تركيا ، وستبقى متوهجة في ضمير كل كوردي في العالم ، فالحقوق مسألة لايمكن لن تغيب ، وماحققه الأعلام الأمريكي والتركي والأسرائيلي لن يتمكن أن ينتصر على قضايا الشعوب .

أن تركيا تقف اليوم موقفا حاسما تجاه مستقبلها ودعوات أحزابها السياسية في بناء تركيا ، او الوقوف بشكل قمعي أزاء قضية الكورد في بلدها ، وتتحول إلى منطقة ملتهبة تخسر بها اولادها مثلما يخسر الكورد أولادهم ، وتخسر معها تركيا جزء كبير من مستقبلها .

ويمكن ان يكون تحقيق الكورد للفيدرالية في العراق حافزا لمطالبة الاكراد في تركيا بمثل تلك الحقوق ، كما أن معالم القضية الكوردية التي وصلت إلى المحافل الدولية ساهم في أظهار حقيقة تلك المطالبات ، وأزاء عدم تقبل تركيا للأقرار بتلك الحقوق يعني انها تتحمل نتائج ذلك الأصرار والنهج الشوفيني الذي سيضر بتركيا اكثر مما يفيدها .

أن الهوية الكوردية في تركيا باتت واضحة ، كما أن الظروف الذاتية والموضوعية لن تبقى كما تريدها تركيا والولايات المتحدة واسرائيل في المنطقة ، فثمة متغيرات كثيرة ومهمة جرت في العالم ، على تركيا ان تدرك انها ازاء حقوق دستورية تدخل ضمن تفاصيل الحياة التركية ، ويبدو ان سياسة مجلس الأمن وعقلية الجنرالات ستبقى الى مدة غير قصيرة تتحكم في سياسة تركيا  ، الا ان بعض العقليات الموجودة يمكن ان تنقلب على تلك السياسات وفقا لمتغيرات الزمن والتطور الحضاري للأنسان .

وتبقى قضية عبد الله اوجلان جرصا يدق في ضمائر المهتمين بقضايا حقوق الأنسان ، والسكوت عن بقاءه في المعتقل يشكل جريمة وخرقا للقوانين والدستور التركي بحد ذاته ، كما أن تعذيب الأنسان ومهانته بهذا الشكل يجعل من القيادات التركية متهمة بجرائم ضد حقوق الأنسان ، ومن يدقق في القضية بشكل تفصيلي يجد ان السيد عبد الله اوجلان اليوم محتجزا بشكل تعسفي دون محاكمة ودون قرار حكم قضائي ، في قضية لم تبان معالمها او تفاصيل سندات الأثبات ومعالم الأتهام ، غير ان المدة من 15 فبراير 1999 حيث  تم القبض عليه في كينيا في عملية مشتركة بين قوات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) ووكالة الإستخبارات الوطنية التركية (MIT)  وبمساعدة المخابرات الاسرائيلية ، وتم نقله بعدها جواً إلى تركيا للمحاكمة بطائرة خاصة، حيث وُضِعَ أوجلان في الحجز الإنفرادي في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة في تركيا منذ أن قبض عليه وحتى اليوم ، تعد حكما مسبقا دون محاكمة وأمتهانا للأنسان .

30
قراءة في شهادة  جواد هاشم

(( مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام ))

 

زهير كاظم عبود

 

شهادة الدكتور جواد هاشم وزير التخطيط العراقي السابق  الى جانب شهادات دامغة أخرى ، تصلح كأدلة وسندات يعتمدها كتاب التاريخ العراقي الحديث ، فقد ألتزم جواد هاشم باعتماد الموضوعية والحقيقة في العديد من القضايا والمواقف ، كما انه  تعمد أن ينقل بعض الحوادث السياسية والشخصية كما جرت أمامه ومن داخل المؤسسة البعثية باعتباره واحدا منها    ، ليترك للقارئ الفطن أن يحلل ويتعرف على الخطوط العامة للسياسة العراقية في تلك الفترة ، بالإضافة الى معرفة تلك الشخصيات التي حكمت العراق فترة من الزمن ، وتحليل عقلياتها .

وضمن شهادات أخرى سبقه في تسجيلها  عدد من السياسيين العراقيين ، منهم من رحل الى الدنيا الآخرة ، ومنهم من لم يزل ينتظر ، غير أن تلك الحقائق المرة التي لم يزل العراق يتحسس طعمها ، كانت تشكل صورة كاملة عن مجريات الحكم وشخصيات الحكام .

يشير الكاتب الى طلب شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري منه أن يكتب عن تجربته مع البعث ، بعد أن خصه بأبيات شعرية لم يزل يحتفظ بها ، فأن الكاتب لم يدون في كتابه هذا ملخص لنتائج هذه التجربة ، بعد أن وضع شذرات من الحوادث التي مرت ، وهو يساهم في بناء دولة مؤسسة البعث التي تحولت  الى مؤسسة العشيرة والعائلة .

ويقينا أن ما سجله الدكتور جواد هاشم من لقطات بقيت في ذاكرته ، يساهم  من خلالها في أبراز الصورة الحقيقية لبعض الشخصيات التي تسلقت السلطة في العراق ، كما انه ساهم بشكل حيادي في توصيف بعض تلك  الشخصيات بشكل محايد بقدر الإمكان ، وبذلك فأنه تنحى جانبا عند التعرض للتحليل النفسي والاجتماعي ، تاركا الأمر الى المختصين في هذا المجال للتعمق في تحليل تلك الشخصيات التي مرت في التاريخ العراقي ، ومنها البكر وصدام والجزراوي وبعض الأسماء التي مرت في الذاكرة العراقية .

قدم الكتاب بفصل تضمن بيانات ومعلومات أساسية عن العراق ، ثم عرض وقائع مهمة من تأريخ العراق المعاصر ، غير أن الكاتب لم يعط وجهة نظره في انقلاب 8 شباط 63 ، ولا ما عكسته  من نتائج  سلبية على صعيد المستقبل العراق ، ويمكن أن يكون  تبرير هذا التغافل ناتج عن عدم وجوده في العراق ، الا أن السيد جواد هاشم  يوضح مراحل تعرفه على البعث منذ العهد الملكي ، وانتسابه الى تنظيمه ، ولقاءاته المتكررة مع قياداته ، يوجب عليه أن يعطي وجهة نظره في تلك الأهداف وتلك الممارسات ، وما جرت على  للعراق  من ويلات وخراب لم يزل يعاني منها حتى اليوم ، والى أين انتهت تلك الأهداف والشعارات ؟ ورأيه الشخصي من خلال عمق التجربة السياسية والعملية التي خاضها ، ابتداءا من الزمن القومي وحتى الزمن البعثي الثاني ، وانتهاءا بخضوعه الى التحقيقات في سجن المخابرات العامة .

يشير السيد جواد هاشم في الصفحة 31 من كتابه الصادر عن دار الساقي 2003 ،  أن السيد علي صالح السعدي ( كان أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث في العراق ) ، والذي أقصي من مركزه الحزبي والوظيفي ، وتم إبعاده الى مدريد ،  صرح بأن القيادة الجديدة ( قيادة البكر ) غير شرعية وإنها جاءت ( بالقطار الأمريكي ) ، وبالرغم من ترديد تلك التهمة التي ينفيها البعثيون وتؤكدها قياداتهم ، ( لاحظ مذكرات طالب شبيب – ومذكرات هاني الفكيكي ) ، الا أن السيد جواد لم يعط رأيا حول عربات ذلك القطار ، حيث يذكر في الصفحة 271 من الكتاب انه يفتقد الى الوثائق التي تدعم تلك الأقاويل ، ويتابع انه بحث كثيرا في الوثائق فلم يعثر على الكثير ،  ومع هذا فلم يكشف لنا هذا القليل ، غير انه وجد على وثيقة واحدة صادرة من شعبة المصالح الأمريكية في بغداد بتاريخ 24 أبريل / نيسان 1980 تشير الى وجود مصدر موثوق به داخل القيادة العراقية  وله اتصال مباشر مع الإدارة الأمريكية !! دون أن يتعرف أو يكشف أسم العنصر  .

ويعرض أيضا في فصل خاص بعض الشخصيات والأحداث المهمة في تاريخ العراق ،

فيشير السيد جواد هاشم في الصفحة 49 من الكتاب الى حادثة مهمة تؤكد التزام الدولة العراقية بالطائفية منذ العهد الملكي ،  وما تعرض له السيد جواد في عدم قبوله بكلية الطيران ، بالرغم من المكانة الاجتماعية والإمكانيات المالية التي تميز بها والده وعائلته  ، تدل بشكل واضح وصريح ما كان يدور في أروقة الدولة العراقية .

في مطلع العام 1967 عاد الدكتور جواد هاشم الى العراق ، وتمكن أن يحتل مواقع متقدمة في الدولة العراقية ، باعتبار أن الخط القومي الحاكم في تلك الفترة ، والذي أشار له الدكتور هاشم ، حيث حدده حسب وجهة نظره ، في مركز القرار المتمثل بكل من طاهر يحيى التكريتي والدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور خير الدين حسيب ، وخلال عمله بمجلس التخطيط تعرف على البكر ، يذكر الدكتور هاشم انه قام بتزويد البكر بمحاضر جلسات المفاوضات مع شركات النفط  بصورة سرية ، مع تزويده بتحليلاته وآراءه في تلك المفاوضات ، بالإضافة الى تعاونه في تعيين أعداد من خريجي الدراسة الإعدادية حسب طلب البكر في أماكن محددة ، وتعددت لقاءات الكاتب بالبكر ، وبالرغم من علم السلطة بهذه اللقاءات ، فأن أي إجراء أمني أو احترازي لم يتخذ بشأنها ، ما يدل على تساهل النظام القومي مع تحرك البكر ومجموعته في تلك الفترة ، وتمكينهم من استعادة السلطة بيسر وسهولة بذلك الانقلاب الداخلي يوم 17 تموز 1968 .

يذكر الدكتور جواد هاشم في الصفحة 66 أن طاهر يحيى التكريتي سأله عند تقديمه أوراق المتقدمين للعمل ، ((  أن هل قابلت المتقدمين الى العمل شخصيا للتأكد من صحة المعلومات ، أجبته نعم  قابلت اغلبهم وتأكدت من صحة المعلومات .

سكت رئيس الوزراء برهة وعاد يتصفح الوثائق التي أمامه ، ثم فاجأني بسؤال جديد .

-         هل كانت مقابلتك لأحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش جيدة ؟

-         ارتبكت وهممت بتدبير جواب لسؤال غير متوقع ولكن طاهر يحيى أردف قائلا :

-         دكتور نحن جميعا على درب (( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة )) مثلنا في ذلك مثل البكر وعماش  ..... ))

وفي الصفحة 93 يذكر السيد جواد هاشم عن سؤال صالح مهدي عماش عن أسباب اختياره الدكتور عبد العال الصكبان وكيلا لوزارة المالية ، وهو على حد تعبير عماش من العناصر الرجعية والناصرية وهو أيضا من أهالي الديوانية .

وتلك الإشارة المهمة التي ستقترن بأدلة أخرى تؤكد نمط التفكير الذي يفكر بها قادة الحكم البعثي   ،  ومجرد كون الدكتور الصكبان من أهالي الديوانية تشكل له تهمة كبيرة ، حيث أن  أهل محافظات الفرات والجنوب ضمن دائرة إتهام السلطة   .

وفي الصفحة 94 يشير الكاتب الى ما قاله خالد مكي الهاشمي وزير الصناعة من أن الدكتور رشيد الرفاعي وعلي الجابر  من صنف واحد بينما الدكتور عدنان شريف من جماعتنا الشرفاء  ( والقصد الطائفي هنا واضح ) حيث أن الرفاعي والجابر شيعيان .

والحادثة المهمة التي تعتبر من الشهادات الأكثر أهمية ما أورده الدكتور جواد هاشم في الصفحة 95 حيث يقول :

( دخلت المكتب فوجدت فيه وزيرين آخرين هما الدكتور احمد عبد الستار الجواري وزير التربية ، والفريق حماد شهاب التكريتي وزير الدفاع وعضو مجلس قيادة الثورة ، ويبدو أن الجواري وشهاب كانا في حديث عن محافظات العراق ، سمعت شهاب يقول للجواري  إن جميع  سكان  المنطقة  التي  تقع بين المحمودية وجنوب العراق هم      (( عجم )) ، ولابد من التخلص منهم لتنقية الدم العربي النقي .

استغربت كلام حماد شهاب وقلت له : فريق حماد انا من مدينة عين التمر التابعة لكربلاء ، وحامد الجبوري من مدينة الحلة ن فهل يعني إننا  عجميان ؟ ام انك تقصد شيئا آخر , تردد شهاب في الإجابة وتدخل الجواري محاولا ( تصحيح ) ماتفوه به شهاب ........

بلغ بي الانزعاج حد إني تناولت ورقة من مكتب حامد الجبوري وقررت تقديم استقالتي من الوزارة ،  كتبت استقالة من سطرين وتوجهت الى مكتب سكرتير رئيس الجمهورية بانتظار مقابلة البكر .

لم يطل انتظاري ، دخلت على الرئيس وعلى محياي مظاهر الامتعاض ، بادرني الرئيس بالسؤال عن سبب امتعاضي ، فأخبرته بما حصل ، وقدمت إليه الاستقالة ، قرأها الرئيس ثم ابتسم وأردف قائلا :  الا تعرف حماد شهاب انه رجل بسيط لايفهم من أمور السياسة شيئا .

-         ولكنه ياسيادة الرئيس عضو في مجلس قيادة الثورة ، فإذا كان هذا منطق عضو في أعلى سلطة في البلد فكيف يمكن للعراق أن يتقدم ، الا يعكس قول حماد شهاب اتجاها خطيرا لمسيرة الحكم .

-         ضحك البكر وقال : دكتور لايمثل حماد شهاب أي اتجاه ، حماد شهاب حمار ، ثم مزق الاستقالة . )

وهذه شهادة مهمة يدلي بها البكر بحضور الوزير جواد هاشم  بحق حماد شهاب الذي كان يقود اخطر وأقوى مؤسسة في العراق ، فهو رجل بسيط لايفهم من أمور السياسة شيء ومع هذا كان عمودا من أعمدة السياسة العراقية  ،  وعضوا في أعلى سلطة تشريعية ، وهذا الرجل البسيط ليس سوى حمار في إشارة الى أن  ليس له عقلا يستحق التقدير  كما يقول البكر  .

أما ماقاله حماد شهاب بحق الشعب العراقي من المحمودية حتى أخر نقطة في الفاو ، فهو بحق النظرة التي كان يقولها خير الله طلفاح ومعه كل الذين مارسوا تلك السياسة المريضة في التسفير والحجز والإعدامات بقصد التخلص من تلك الدماء التي قد تلوث نقاء الدم العربي على حد فهمهم ، وهذا القول هو اتجاه فعلي وواقع ضمن السياسة العراقية ، وتلتزم به مدرسة من السياسيين التي حكمت العراق أو التي لم تزل خارجه ،  وليس أكثر مما قاله صدام حسين في مقالاته التي رتبها له محسن خليل  في جريدة الثورة بعد الانتفاضة الشعبية في العام 1991 بعنوان لماذا حصل هذا ؟   ظهر فيها الحقد الطائفي المقيت ضد أبناء العراق ، وأعاد الصورة المرسومة في عقل الوزير الحمار مرة أخرى من عقل القائد الضرورة حيث يشكل قاسمهما المشترك دوما ، فهما أبناء مدرسة واحدة  .

المفارقات التي يذكرها الوزير جواد هاشم والتي كان على علم بها عديدة ومهمة ، وتدل على النماذج من العقليات التي كانت تتصرف بأمور البلاد والعباد .

غير  أن شهادة مهمة يضيفها الكاتب على لسان جمال عبد الناصر في الصفحة 115 ، بعد الزيارة الرسمية التي قام بها بصدد اختيار صدام نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة بقوله :

( علق جمال قائلا : أن اختيار نائب رئيس مجلس قيادة الثورة أمر يعود الى الأخوة في العراق ، ولكن الواد صدام إحنا عارفينو ، ده طايش وبلطجي ) .

وهذه الشهادة التي يدلي بها عبد الناصر لم تأت من فراغ ، إنما ترسخت لديه تلك المعلومات الدقيقة التي ترفعها له أجهزة المخابرات المصرية ، عن تلك الشخصية التي حكمت العراق ، وطايش من الطيش ، وبلطجي تعبير مصري شعبي عن المحتال والرجل الذي لا تقيده ضوابط أخلاقية أو اجتماعية  ، حيث تكونت تلك المعلومات عن صدام من خلال وجوده في القاهرة كلاجئ بعد عملية  محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم .

وثمة أشارة في الصفحة 148 ، بتأميم حصة كولبنكيان الذي كان يمتلك 5% من امتيازات النفط العراقي ، وتقييد تلك النسبة من العائدات باسم قيادة الحزب ، والاحتفاظ بعوائدها السنوية بحساب مستقل خارج العراق تحت أشراف صدام حسين . 

أن هذه المبالغ المتراكمة والتي بلغت حسب تخمينات الكاتب ولغاية العام 1990 واحد وثلاثين مليار دولار ، مع افتراض استثمارها بنسبة تصل الى 18% ، فكم من المليارات وصلت هذه العوائد اليوم ؟ وأين استقرت تلك المليارات بعد أن عانى أهل العراق خلال فترة الحصار الدولي ؟ وماذا عملت الحكومة العراقية الحالية لاكتشافها واستعادتها ؟ خصوصا بعد صدور قرارات دولية تلاحق التنظيمات الإرهابية وعمليات غسيل الأموال وعمليات الإثراء غير المشروع والسرقات الكبيرة من أموال الشعوب .

كما أشار في الصفحة 189 الى كلمة طارق عزيز في تشرين الأول 1989 معربا عن شكر حكومة صدام وامتنانها لمساعدات الحكومة الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية ( السي أي أيه ) في تزويد العراق بالمعلومات التعبوية والصور الفضائية التي ساعدت العراق في حربه مع إيران .

وفي الفصل الخاص بالزنزانة رقم 7 ص 231 يؤكد المؤلف على الأساليب المخابراتية التي ينهجها النظام ، والطرق التي يتبعها في التعامل مع من يشك في ولاءه للقائد الضرورة ، فكل عراقي متهم مهما كان مركزه ، والقواعد التي يتم الاستناد عليها في تلك الاتهامات التي قد تنهي حياة الشخص ، هي تلك الإخباريات والتقارير التي لاتقبل المناقشة .

ويشير الدكتور جواد في الصفحة 256 على الوظائف التي جمعها صدام والتي تشكل هاجسا نفسيا يعبر عن نزوعه للطغيان والدكتاتورية ، فهومسؤول عن  مجلس التخطيط والمخابرات العامة  ومجلس الأمن القومي ومكتب الشؤون الاقتصادية والمكتب العسكري ولجنة شؤون النفط والاتفاقيات ومكتب الثقافة والأعلام ومؤسسة البحث العلمي واللجنة العليا لشؤون الشمال ، بالإضافة الى كونه نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ، ثم صار رئيسا والقائد العام للقوات المسلحة ومنح رتبة مهيب ركن وهو المتخلف عن الخدمة العسكرية ، بالإضافة الى أمانة سر القطر ، وفي هذه الفترة يختزل الدكتور هاشم المرحلة بقوله  ( لقد أصبح الاستثناء هو القاعدة ، والقاعدة هي الاستثناء ! ) .

غير أن الدكتور جواد هاشم  ينفرد بمعلومة مثيرة للجدل قد تكون وجهة نظره في أن يكون طه ياسين رمضان من الأيزيديين (  ص 261 ) ، ولعله عرف تلك المعلومة ممن اعتقد ذلك الأمر ، وفي الحقيقة أن طه ياسين رمضان من منطقة العشائر السبعة ، وهو كوردي القومية تنكر لقوميته وأهله ، وكان صدام كثيرا ما يغمزه بتلك القناة  ويتندر عليه .

أما المعلومة الثانية فهي اعتقاد الدكتور جواد أن ناظم كزار من أبناء الديانـــة المندائية  ( هامش ص 215 )  ، بينما لم يؤكد هذه الحقيقة احد ،  ومهما يكن دين أو مذهب كلا الأسمين ناظم كزار أو طه رمضان فقد تركا خلفهما تأريخا مليئا بالدماء والجرائم والسمعة الملوثة ، واستحقا لعنة العراق والتاريخ  .

وفي الصفحة 338 ينقل الكاتب جواد هاشم صورة  اجتماع العائلة الحاكمة ، وما دار من أحداث ومناوشات وقرارات ، ذلك الاجتماع الذي أداره خير  الله طلفاح بحضور البكر وصدام وعدنان خير الله وهيثم احمد البكر .

لم يكتب السيد جواد عن درجته الحزبية ؟ ولم يوضح أسباب انسحابه أو بقاءه في حزب البعث ؟ وماهي الدرجة الحزبية التي وصلها  ؟ ولا رأيه بحزب البعث  عند كتابة مذكراته .

ينهي الكاتب كتابه بكلمة أخيرة بحق صدام  الذي صار القائد الضرورة ، فيقول في الصفحتين 349- 350 :  أمتهن صدام  كرامة العراق من دون مبرر أو منطق ، وسحق المواطن العراقي فجعله مزدوج الشخصية وغير قادر على التحرر من الخوف ، وحارب الفكر بالقرباج ، والقلم بالسيف ، والرأي بالاعتقال ، والعدل بالعضلات ، وألغى حلقات التاريخ بحث  أصبح بطل الأمس خائنا ،  ومفكر اليوم جاهلا .

ولست أدري كيف سيواجه صدام نفسه ، وهو يقف إمام مرآة التاريخ ، فيرى ماجره من ويلات على العراق ، هذا البلد الغني بأرضه ومائه ونفطه وبشره .

هل سيتذكر صدام الذين سقطوا صرعى رصاص غدره ؟

هل سيتذكر المليون من شباب العراق ممن لقوا حتفهم بسبب حروبه ومغامراته العسكرية ؟

هل سيتذكر ؟ هل سيندم ؟

لأاعتقد ذلك ولكنه سيسمع صوتا قادما من بعيد ليقول له ولزمرته : الا تبت أياديكم !

وتأتي شهادة  الدكتور جواد هاشم وأن كانت متأخرة ، شهادة قريبة من موقع الأحداث ، ومساهمة في العديد من الأحداث ، وبالتالي فأن الدكتور جواد كان ينقل في تلك الشهادة المقتضبة ،  والتي لم يشأ أن يتوسع بها ، بالرغم من حاجة التاريخ العراقي المعاصر لمثل تلك الشهادة التي تخللها الكثير من الاعتدال والتحليل الواقعي والمنطقي ، البعيد عن العواطف والميول الذاتية ، وباعتبار أن الشهادة التي ذكرها الدكتور جواد هاشم تصلح أن تكون أساسا يمكن أن تساهم في رسم صورة للعراق ، المليء بالجراح والأسرار والخفايا ، والمحكوم بالحديد والنار ، والخارج توا من الآتون ، وهو محمل بجراحه وجوع أبناءه وخراب أرواحهم ، وتبعثر مقابرهم ، وتبعثر أولاده  مثل تبعثر ثرواتهم ، ولنا ألأمل أن يتوسع الدكتور جواد هاشم في رسم العديد من الحقائق التي لم تزل ذاكرته الحية  ، والتي كان شاهدا عليها ، وهي مهمة وطنية يتطلبها التاريخ العراقي لمن يتصدى لكتابة التاريخ بضمير نقي  .

31
شهادة السيد أحمد الحبوبي حول الواقع السياسي في العراق

 

زهير كاظم عبود

 

باستذكار متوازن ودقيق أستعاد السيد أحمد الحبوبي الناشط السياسي العراقي  والقومي العربي ذاكرته الحية ، وفصل لمحات من تاريخ العراق الحديث .

في لقاء تلفزيوني مع السيد احمد الحبوبي ، ركز فيها بشكل صادق وواضح وجريء ، على الايجابيات والسلبيات التي رافقت الحكم الملكي ، مرورا بالأخطاء التي لازمت العهد الجمهوري الأول ، مع الإشارة الى الجوانب الإيجابية والوطنية ، ثم تمكن الحبوبي من تقييم فترة حكم البعث الأول في شباط من العام 1963 ، وما صاحب تلك الفترة من أخطاء وارتكاب جرائم ، مؤكدا على تلك الصراعات الدولية التي جاءت بالانقلابيين الى الحكم ، وشهادة جريئة مثل شهادة احمد الحبوبي الذي عاش التاريخ العراقي في تقلباته وركوده ، تشكل شهادة بارزة ومهمة في التاريخ الحديث .

لم يبرأ السيد الحبوبي الأيادي الأجنبية التي دفعت  قطار السلطة في انقلاب 63 ، وبالرغم من الاختلافات الحادة بين القوى السياسية في تلك الفترة أو التي سبقتها ، فقد كان كلام الحبوبي مليئا بالرصانة والموضوعية والدقة ، وبين أيضا تلك الفترات التي عدها راكدة في السلطة بعد سقوط سلطة البعث  الأولى .

واحمد الحبوبي يدلي بشهادته للتاريخ بأنصاف اتسمت به شخصيته ، بعيدا عن  اعتباره جزء من السلطة التي حكمت العراق باتجاه قومي ، فقد عاد الحبوبي حقوقيا أمام التاريخ ، مبينا في حديثه التاريخي أخطاء المراحل التاريخية ، ونتائجها التي ساهمت في مجيء البعث مرة أخرى الى السلطة .

كما كان للسيد احمد الحبوبي مساهمة تاريخية أخرى في شهادته التي وثقها بكتابه الشهير (( ليلة الهرير )) ، تلك الليالي الرهيبة التي عاشها بدقائقها ، وهو يشاهد مذابح ومجازر إنسانية ترتكب إمام أنظاره وتحت مسامعه ، بطلها الحاكم الجزراوي الذي كان يعتمد الإخبارية والوشاية أسانيد ودلائل وقرائن للحكم بالإعدام فورا ، وكان لذلك الكتاب أثرا مهما في نقل صورة صادقة لما يعيشه العراق وما يعانيه الإنسان في العراق بتلك الظروف وتحت تلك السلطة ، في باكورة أشهرها الأولى لتصفية المعارضين أو ممن تعتقد معارضتهم تصفية خسيسة  .

والحبوبي المتعفف عن السلطة ، والثابت على معتقداته وقيمه السياسية ، تمكن بشكل دقيق وصف معالم السلطة البعثية ،  ومن ثم في سيطرة العشيرة على الحزب والبلاد بشكل كامل ، بالإضافة الى تشخيصه لرؤوس السلطة متسلحا بفكره  القومي  وبثقافته القانونية وبوطنية العراقي .

ويخطي من يظن أن السيد احمد الحبوبي الحقوقي والسياسي والوزير السابق قد كتب سيرته الشخصية في ليلة الهرير ، فقد تمكن أن يوظف تلك الأحداث في كتابة جزء مهم من التاريخ العراقي ، ومن صفحة العنف الدموي الذي أجتاح العراق .

وكان السيد الحبوبي متابعا دقيقا لما يجري للعراق وما يمر به من محنة ،  وحاول مرات عديدة أ ن يدلي بدلوه من أجل استنقاذ العراق وتجنيب شعبه المحنة التي يمر بها ، وكانت له كتابات ومقالات في الصحف ومواقع الأنترنيت ومقابلات تلفزيونية ، كان فيها معتدلا ومنصفا ، مبتعدا عن التشويه والأتهامات والنعوت التي لاتليق ، معتمدا لغة سياسية تنم عن حرص بليغ لتربيته الأسرية والسياسية ، وما تنامت عنده الثقافة القانونية ، وخصوصا ثقافة حقوق الإنسان ، ومن خلال مشاركاته في مؤتمرات المعارضة العراقية ، فكانت صرخاته تضيع ضمن التزاحم بالمناكب والتدافع للحصول على المناصب والمكاسب ، وهو يشاهد ما يجري بقلب محترق وضمير عراقي يدفعه لأن يقول شيئا .

وقدم السيد احمد الحبوبي مشروعا عراقيا وطنيا يعبر عن وجهة نظره في أنقاذ العراق مماهو فيه ومما يندفع اليه مستقبلا ، هذا المشروع يمكن إن نختلف معه أو نتفق في نقاط عديدة منه الا انه ينم عن مشروع يصدر من مواطنته العراقية وحرصه الاكيد على المستقبل ويقبل النقاش والمداولة  يذكر فيه :

(( تشكلت الحكومة الحاضرة التي يرأسها نوري المالكي بعد مخاض عسير دام اشهراً من اجل توزيع الكراسي لكل حسب حجمه من مجلس النواب تطبيقا لمبدأ المحاصصة التي درج عليها الدارجون منذ تشكيل مجلس الحكم واطلق عليها الاطراف المشتركة فيها اسم «حكومة الوحدة الوطنية»، واحيانا «حكومة الائتلاف الوطني» أو «حكومة الانقاذ الوطني». وهذه التسميات في رأيي تخالف الحقيقة والمنطق والواقع. فالذي اعرفه ويعرفه الناس أن حكومات الوحدة الوطنية وهي تتشكل في ظروف استثنائية عصيبة تواجه الوطن، يتنادى السياسيون احزاباً وجماعات إلى اللجوء إلى مثل هذه الحكومة من اجل انقاذ الوطن فيطرحون جانباً خلافاتهم واختلافاتهم (وميليشياتهم... إن كانت لهم ميليشيات) لتحقيق اهداف اساسية يتفقون عليها ويجمعون ويجتمعون ويعملون بتنسيق وتناغم وتضامن وبعيداً عن الحزبية والتحزب لتخليص الوطن من المحنة التي حلت به وايصاله إلى بر الامان، فهل تشكلت حكومة المالكي على هذه الصورة وسارت في عملها وفق منهج يؤدي إلى إيصال العراق إلى بر الامان وتحقيق السيادة له والحرية والكرامة والعيش الكريم لشعبة!، الجواب في رأيي، لا. لا من حيث التشكيل، ولا من حيث العمل والتطبيق.
فالتيارات والاحزاب والجماعات والكتل التي تشكلت منها هذه الحكومة رغم انها تحمل افكاراً واتجاهات ومفاهيم متناقضة مذهبياً وطائفياً وعرقياً ووطنياً، قد دخلت الحكومة من دون أن تسوي خلافاتها واختلافاتها وتفض نزاعاتها أو تحل مليشياتها، ودونما أي تنازل أو حتى اتفاق على اية حدود دنيا لرؤى وقناعات تجمع بينها وتهتدي بها فجاءت الوزارة حصيلة كل هذه التناقضات فانعكست على عملها وعلى الشارع أيضا.
والقول إن الحكومة ضمت كل اطياف الشعب العراقي من كرد وعرب وسنة وشيعة وأطيافاً اخرى لا يعنى بالقطع انها مثلت الشعب العراقي تمثيلاً حقيقياً. فالشيعة مثلاً ليسوا حزباً سياسياً ينتمي اليه بالضرورة كل شيعي، ولا السنة يشكلون حزباً سنياً ينتمي اليه بالضرورة أيضا كل سني، وهكذا بقية الاطياف. فتشكيل حكومة فيها اطياف الشعب العراقي ليس معناه انها بالضرورة «حكومة وحدة وطنية»، يمكن أن تحمل اية تسمية اخرى، لكنها بالقطع لا ترقى إلى أن تسمى «حكومة الوحدة الوطنية» بعد أن ابتعدت عن مقوماتها واشراطها وغاياتها، وتلك هي اعمالها تتحدث عنها، ثم كيف يستساغ لحكومة وحدة وطنية أن تملك اطرافها المؤتلفة ميليشيات مسلحة تمثلها في الشارع وتأتمر بأمر أحزابها وكثيراً ما تدخل في صراع وقتال مع بعضها البعض خارج سلطة الحكومة الوطنية، وأين هو الإنقاذ الوطني من هذه الميليشيات! ثم اين هي المبادئ التي اتفقت هذه الحكومة «حكومة الوحدة الوطنية» أو «حكومة الانقاذ الوطني» على تحقيقها والتزمت بها أمام الشعب وراحت تعمل بتجرد واخلاص وتنسيق وتضامن وانسجام على تنفيذها!.
ما المشروع الوطني الذي تبنته حكومة نوري المالكي وتسعى إلى تحقيقه، وخير دليل على عدم الانسجام ما اعلنه ويكرره رئيسها من انه بصدد تعديل وزاري كبير ليحصل على هذا الانسجام المفقود. هل حكومة الوحدة الوطنية متفقة في الرأي والعمل حيال: الاحتلال، وعن سقف زمنى لرحيله أو بقائه ومدة هذا البقاء!! وحيال المقاومة وهل هي مقاومة وطنية أو انها «إرهاب» منظم وكيفية واسلوب التعامل معها! وحيال الفيدرالية وتقسيم العراق إلى ثلاثة اقاليم أو أكثر! حيال الدستور لتعديله، تجميده، الغائه! حيال المصالحة الوطنية ومع من يتم التصالح مع اطراف الحكومة نفسها وميليشياتها ام مع الآخر، ومن هو هذا الآخر، حيال التعيينات والتوظيفات في الوظائف الحساسة في الداخل والخارج! حيال أن يختص كل تيار أو حزب أو جماعة مشتركة بالحكومة بالوزارات مقفولة يشغلها محازيبه وبمعرفته من دون تدخل من الآخرين، كأنها اقطاعيات!. حيال محاربة الفساد الاداري والمالي والسرقات والعمولات ومؤسسة النزاهة! حيال اجتثاث البعث! حيال معالجة الانفلات الامني والقتل الجماعي على الهوية! ومعالجة مخاطر اندلاع حرب اهلية، طائفية، عرقية واقعة فعلا رغم الانكار والاستنكار! حيال بناء جيش وطني وشرطة وطنية بعيداً عن الطائفية والعرقية! حيال عمليات التهجير القسري! حيال عمليات قتل العلماء والاساتذة وهروبهم خارج العراق!.
ليس لحكومة الوحدة الوطنية رأي موحد في كل ذلك فكل فصيل فيها له رأيه الخاص والمختلف، لا تسمى حكومة وحدة وطنية لا تعمل بجد واخلاص ونزاهة على تقوية الرابطة الوطنية العراقية التي تجمع كل العراقيين بل تشجع وتنمي انتماءات ذات طابع فئوي أو طائفي أو مذهبي أو عرقي. فالمواطنة العراقية يجب أن تكون هي الجامع الاساس والموحد لكل العراقيين مهما كانت انتماءاتهم وألوانهم الطائفية والعرقية، حكومة الوحدة الوطنية والائتلاف الوطني أو الخلاص الوطني تضع نصب عينيها العراق وشعب العراق اولا وآخر كيف تستنقذه من المحنة وتستعيد حريته وسيادته الوطنية وكرامته وأمنه وأمانه وعيشة الكريم، لا تنظر إلى العراق وكأنه كعكة يتصارعون على من يقتطع اكبر قطعة منها ويفوز بالقدح المعلى (السلطة ).
إنها حكومة «انقسام وطني» بحق وحقيق فالخلاف والاختلاف وعدم الانسجام بين فصائلها لم يعد خافياً بل امتد إلى الشارع من خلال ميليشيات مسلحة تمزق الوطن وترهب المواطن.
الخلاف والاختلاف وعدم الانسجام امتد إلى مجلس النواب الذي يضم التيارات التي تشكلت منها «حكومة الوحدة الوطنية» فقد تقاسم المجلس هذه الأطياف بأغلبية شيعية ثم كردية ثم سنية لم تكن نتائج الانتخابات ترضي الجميع وتبودلت اتهامات وطعن وتزوير انعكس أثره على اعمال المجلس ولجانه كيف لا وقد جرت الانتخابات على أساس طائفي وعرقي بعيداً عن الوطنية. فالمتابع لجلسات المجلس يلحظ عمق الاختلاف كما تبثه الفضائيات، الأمر الذي حدا برئيس المجلس إلى منع بث جلسات المجلس حتى لا يصدم المشاهد العراقي وغير العراقي بالخلافات والصراعات التي تصل إلى حد المهاترات فتخدش الاسماع، فتصور! والذي يتابع المشهد العراقي يشاهد أن العنف اخذ يتصاعد بصورة متسارعه وازدياد عدد الضحايا الابرياء الذين يسقطون ويتساقطون يوميا، وأن الحكومة بصورتها الحالية وحتى بعد لقاء المالكي - بوش أخيرا في الاردن والتصريحات التي صدرت لتدعيمها لم تملك أن توقف هذا الانزلاق نحو الهاوية ما دامت العملية السياسية قامت ومن الأساس على اسس غير صحيحة وغير صحية.
فاستمرار الحال بهذا السوء سيؤدي إلى مزالق خطيرة تهدد العراق وطناً وشعباً وكياناً. والرأي عندي أن الطريق لانتشال العراق من هذه المحنة يتحقق بالآتي:
1-  الاعلان عن تحديد سقف زمني لانسحاب القوات الاجنبية من العراق.
2-  خروج القوات الأميركية من بغداد والبريطانية من البصرة إلى خارجهما وتتخذ لها مواقع محددة وموقتة استعداداً للرحيل.
3- تحل قوات اسلامية وعربية (ليست من دول الجوار) في كل من بغداد والبصرة وديالي والانبار لحفظ الامن والنظام وتحت قيادة الامم المتحدة وينتهي عملها وتغادر العراق بطلب من الحكومة العراقية.
4-  تدعو الامم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى عقد مؤتمر وطني عراقي يضم ويمثل كل اطياف الشعب العراقي وقواه الوطنية من دون ابعاد أو تهميش (لا يدعى اليه من تثبت عليه ارتكاب جريمة بحق الشعب العراقي ) .
مؤتمر للمصارحة والمصالحة الحقيقية ويرتفع إلى مستوى الحالة التي يعيشها العراق اليوم وما يعانيه الشعب العراقي وتكون مصلحة العراق حاضراً ومستقبلاً نصب اعين وضمائر المجتمعين.
5-  يتفق المؤتمرون على تشكيل حكومة عراقية من عناصر مشهود لها بصدق الوطنية والتضحية والنزاهة والتجرد والابتعاد عن التعصب والتحزب والانحياز.
6-  يتفق المؤتمرون وبشرف على دعم وتأييد هذه الحكومة وتسهيل مهمتها والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يكدر الأمن سواء بحمل السلاح أو استعماله في فض المنازعات أو الخلافات أو غيرها.
7-  مدة هذه الحكومة عام واحد تنصرف فيه بجد واخلاص إلى اعادة بناء جيش وطنى وشرطة وطنية بمعايير وطنية بعيداً عن المحاصصة الطائفية والعرقية، وتنصرف أيضا إلى بناء اقتصاد وطني متين، وتعمل على إشاعة الثقة والطمأنينة في نفوس الناس، والحكومة هي وحدها الملاذ الاول والاخير لكل المواطنين من دون تمييز.
8-  تعلن الحكومة حل الميليشيات المسلحة وتحرم حمل السلاح ويلتزم الاطراف بهذا القرار.
9-  تضع الحكومة نظاماً موقتاً (قد يكون دستورا موقتا) لتسيير اعمالها.
10-  يجمد العمل بالدستور أو يلغى ويجمد كذلك أو يحل مجلس النواب.
11-  تمارس التيارات والمنظمات والاحزاب أعمالها بحرية وبشكل علني وتعمل على تكريس وتوكيد الوحدة الوطنية العراقية وتعميق وغرس الشعور الوطني بين العراقيين دونما أي تفريق مذهبي أو طائفي أو عرقي.
12-  تعمل الحكومة بكل الوسائل على إخلاء العراق من اى وجود اجنبي دخل العراق متسللاً أو بصورة غير شرعية تحت أي حجة وأصبح وجوده خطراً يهدد الوحدة الوطنية.
13-  حمل دول الجوار أن تمتنع عن التدخل بالشأن العراقي سواء بضبط وغلق حدودها أمام المتسللين أو قطع انواع المساعدات لهذا الطرف أو ذاك.
14-  تجري الحكومة بعد انقضاء العام انتخابات وطنية لمجلس نيابي جديد وفق نظام تضعه لهذا الغرض.
15-  يتولى المجلس النيابى وضع دستور جديد (افضل أن يكون نظام الحكم في العراق رئاسياً وليس برلمانياً وان ينتخب رئيس الجمهورية ونائبيه من قبل الشعب مباشرة. (
16-  للمجلس النيابي الحرية في تمديد سنة اخرى للحكومة الموقته أو يشكل حكومة جديدة من بين أعضاء المجلس ومن خارجه حسبما تقتضي المصلحة الوطنية.
هذه أفكار تدور في أوساط كثيرة تضيق أو تتسع قد أكون مبالغاً عندما أسميتها مشروعاً، أمل من كل من يرى في بعض بنودها صواباً أو مصلحة وطنية أن يرتفع صوته مؤيداً وداعماً في الوسائل المتاحة لخلق رأى عام ضاغط فالكل مدعو الآن إلى التحرك والعمل والصراخ من اجل انقاذ العراق. فالعراق الوطن الحبيب يوشك على الغرق فاذا لم يهب الجميع إلى العمل على إنقاذه الان فمتى يفعلون!! بعد خراب البصرة !!، وها هو تقرير بيكر ـ هاملتون قد نشر أخيرا واعترف بالأخطاء التي رافقت العملية برمتها وشخصها قائلا «إن الوضع خطير ويتدهور»، وحث بوش على إجراء تغييرات جذرية وسلط الضوء على إخفاقات الحكومة العراقية.
فالعراق ليس ملكا لأحد، ولا يملك هذا الأحد ومهما كان أن يدعي انه الأجدر والأحق والأقدر على حكم العراق أو الاستئثار به، ليقتنع الجميع أن العراق عراق الجميع لكل العراقيين بكل أطيافهم وألوانهم ونحلهم ومللهم متآخين متحابين طوال التاريخ بعيداً عن التحزب الأعمى والعناد البغيض واللدد. ))

والسيد  احمد هادي الحبوبي الوزير السابق ، في عهد عبد الرحمن عارف ، من السياسيين العراقيين المعروفين باتجاههم القومي المعتدل ،  وكان زعيما للحزب الاشتراكي القومي، عاش بعد العام  1970 في القاهرة بعد أن تم تأجيل عملية تصفيته من قبل صدام حسين ، وتمكن من الإفلات بالاستقرار في مصر حتى اليوم غريبا عن أهله ووطنه .

كان يمكن الاستفادة من تجربته السياسية وقدراته القانونية لولا التزاحم على الكراسي والمناصب ، في زمن غريب وعجيب ، تنتصر فيه الطائفية على الوطنية ، والمصلحة الشخصية على مصلحة الناس والوطن ، زمن تستمر فيه السرقات في وضح النهار ويفتقد العراقي لنور الكهرباء ونعمة الماء الصافي ، زمن العصابات والميلشيات التي تصفي بعضها ووقودها الناس الأبرياء والفقراء ممن لاحماية لهم ولا أسوار ، زمن لايليق بأحمد الحبوبي وعبد الإله النصراوي وعبد الحميد عبود  الشريف وقيس العزاوي ومحمد رشاد الشيخ راضي  وجواد دوش وعاد تكليف الفرعون ومالك دوهان الحسن وغيرهم  أن يكونوا فيه قادة للعراق  .

ولم يزل العراق اليوم بحاجة ماسة لجبهة وطنية سياسية تضم كل الأحزاب العراقية التي ناضلت وأعطت التضحيات الجسام ضد الدكتاتورية والحكم الصدامي الدموي ، لم نزل بحاجة لأن يكون العراق لكل العراقيين بعيدا عن المحاصصة الطائفية والشبكات الإجرامية والميلشيات الطائفية ، وبحاجة ماسة لأن يكون النائب في مجلس النواب ممثلا لكل العراق وليس لطائفته الدينية أو عشيرته أو حزبه ، وان يتسع صدر العراق لكل العراقيين بما فيهم الذين لم يحتموا بمظلة الأحزاب وباتوا مستقلين .

تلك شهادة عراقية أصيلة وحريصة على المستقبل العراقي ، بعيدة عن التطرف والتحزب  تصلح أن تكون مادة يستند عليها من يريد إن يكتب عن تاريخ العراق السياسي الحديث .

 

 

32
شهادة السيد أحمد الحبوبي حول الواقع السياسي في العراق


 

زهير كاظم عبود

 

باستذكار متوازن ودقيق أستعاد السيد أحمد الحبوبي الناشط السياسي العراقي  والقومي العربي ذاكرته الحية ، وفصل لمحات من تاريخ العراق الحديث .

في لقاء تلفزيوني مع السيد احمد الحبوبي ، ركز فيها بشكل صادق وواضح وجريء ، على الايجابيات والسلبيات التي رافقت الحكم الملكي ، مرورا بالأخطاء التي لازمت العهد الجمهوري الأول ، مع الإشارة الى الجوانب الإيجابية والوطنية ، ثم تمكن الحبوبي من تقييم فترة حكم البعث الأول في شباط من العام 1963 ، وما صاحب تلك الفترة من أخطاء وارتكاب جرائم ، مؤكدا على تلك الصراعات الدولية التي جاءت بالانقلابيين الى الحكم ، وشهادة جريئة مثل شهادة احمد الحبوبي الذي عاش التاريخ العراقي في تقلباته وركوده ، تشكل شهادة بارزة ومهمة في التاريخ الحديث .

لم يبرأ السيد الحبوبي الأيادي الأجنبية التي دفعت  قطار السلطة في انقلاب 63 ، وبالرغم من الاختلافات الحادة بين القوى السياسية في تلك الفترة أو التي سبقتها ، فقد كان كلام الحبوبي مليئا بالرصانة والموضوعية والدقة ، وبين أيضا تلك الفترات التي عدها راكدة في السلطة بعد سقوط سلطة البعث  الأولى .

واحمد الحبوبي يدلي بشهادته للتاريخ بأنصاف اتسمت به شخصيته ، بعيدا عن  اعتباره جزء من السلطة التي حكمت العراق باتجاه قومي ، فقد عاد الحبوبي حقوقيا أمام التاريخ ، مبينا في حديثه التاريخي أخطاء المراحل التاريخية ، ونتائجها التي ساهمت في مجيء البعث مرة أخرى الى السلطة .

كما كان للسيد احمد الحبوبي مساهمة تاريخية أخرى في شهادته التي وثقها بكتابه الشهير (( ليلة الهرير )) ، تلك الليالي الرهيبة التي عاشها بدقائقها ، وهو يشاهد مذابح ومجازر إنسانية ترتكب إمام أنظاره وتحت مسامعه ، بطلها الحاكم الجزراوي الذي كان يعتمد الإخبارية والوشاية أسانيد ودلائل وقرائن للحكم بالإعدام فورا ، وكان لذلك الكتاب أثرا مهما في نقل صورة صادقة لما يعيشه العراق وما يعانيه الإنسان في العراق بتلك الظروف وتحت تلك السلطة ، في باكورة أشهرها الأولى لتصفية المعارضين أو ممن تعتقد معارضتهم تصفية خسيسة  .

والحبوبي المتعفف عن السلطة ، والثابت على معتقداته وقيمه السياسية ، تمكن بشكل دقيق وصف معالم السلطة البعثية ،  ومن ثم في سيطرة العشيرة على الحزب والبلاد بشكل كامل ، بالإضافة الى تشخيصه لرؤوس السلطة متسلحا بفكره  القومي  وبثقافته القانونية وبوطنية العراقي .

ويخطي من يظن أن السيد احمد الحبوبي الحقوقي والسياسي والوزير السابق قد كتب سيرته الشخصية في ليلة الهرير ، فقد تمكن أن يوظف تلك الأحداث في كتابة جزء مهم من التاريخ العراقي ، ومن صفحة العنف الدموي الذي أجتاح العراق .

وكان السيد الحبوبي متابعا دقيقا لما يجري للعراق وما يمر به من محنة ،  وحاول مرات عديدة أ ن يدلي بدلوه من أجل استنقاذ العراق وتجنيب شعبه المحنة التي يمر بها ، وكانت له كتابات ومقالات في الصحف ومواقع الأنترنيت ومقابلات تلفزيونية ، كان فيها معتدلا ومنصفا ، مبتعدا عن التشويه والأتهامات والنعوت التي لاتليق ، معتمدا لغة سياسية تنم عن حرص بليغ لتربيته الأسرية والسياسية ، وما تنامت عنده الثقافة القانونية ، وخصوصا ثقافة حقوق الإنسان ، ومن خلال مشاركاته في مؤتمرات المعارضة العراقية ، فكانت صرخاته تضيع ضمن التزاحم بالمناكب والتدافع للحصول على المناصب والمكاسب ، وهو يشاهد ما يجري بقلب محترق وضمير عراقي يدفعه لأن يقول شيئا .

وقدم السيد احمد الحبوبي مشروعا عراقيا وطنيا يعبر عن وجهة نظره في أنقاذ العراق مماهو فيه ومما يندفع اليه مستقبلا ، هذا المشروع يمكن إن نختلف معه أو نتفق في نقاط عديدة منه الا انه ينم عن مشروع يصدر من مواطنته العراقية وحرصه الاكيد على المستقبل ويقبل النقاش والمداولة  يذكر فيه :

(( تشكلت الحكومة الحاضرة التي يرأسها نوري المالكي بعد مخاض عسير دام اشهراً من اجل توزيع الكراسي لكل حسب حجمه من مجلس النواب تطبيقا لمبدأ المحاصصة التي درج عليها الدارجون منذ تشكيل مجلس الحكم واطلق عليها الاطراف المشتركة فيها اسم «حكومة الوحدة الوطنية»، واحيانا «حكومة الائتلاف الوطني» أو «حكومة الانقاذ الوطني». وهذه التسميات في رأيي تخالف الحقيقة والمنطق والواقع. فالذي اعرفه ويعرفه الناس أن حكومات الوحدة الوطنية وهي تتشكل في ظروف استثنائية عصيبة تواجه الوطن، يتنادى السياسيون احزاباً وجماعات إلى اللجوء إلى مثل هذه الحكومة من اجل انقاذ الوطن فيطرحون جانباً خلافاتهم واختلافاتهم (وميليشياتهم... إن كانت لهم ميليشيات) لتحقيق اهداف اساسية يتفقون عليها ويجمعون ويجتمعون ويعملون بتنسيق وتناغم وتضامن وبعيداً عن الحزبية والتحزب لتخليص الوطن من المحنة التي حلت به وايصاله إلى بر الامان، فهل تشكلت حكومة المالكي على هذه الصورة وسارت في عملها وفق منهج يؤدي إلى إيصال العراق إلى بر الامان وتحقيق السيادة له والحرية والكرامة والعيش الكريم لشعبة!، الجواب في رأيي، لا. لا من حيث التشكيل، ولا من حيث العمل والتطبيق.
فالتيارات والاحزاب والجماعات والكتل التي تشكلت منها هذه الحكومة رغم انها تحمل افكاراً واتجاهات ومفاهيم متناقضة مذهبياً وطائفياً وعرقياً ووطنياً، قد دخلت الحكومة من دون أن تسوي خلافاتها واختلافاتها وتفض نزاعاتها أو تحل مليشياتها، ودونما أي تنازل أو حتى اتفاق على اية حدود دنيا لرؤى وقناعات تجمع بينها وتهتدي بها فجاءت الوزارة حصيلة كل هذه التناقضات فانعكست على عملها وعلى الشارع أيضا.
والقول إن الحكومة ضمت كل اطياف الشعب العراقي من كرد وعرب وسنة وشيعة وأطيافاً اخرى لا يعنى بالقطع انها مثلت الشعب العراقي تمثيلاً حقيقياً. فالشيعة مثلاً ليسوا حزباً سياسياً ينتمي اليه بالضرورة كل شيعي، ولا السنة يشكلون حزباً سنياً ينتمي اليه بالضرورة أيضا كل سني، وهكذا بقية الاطياف. فتشكيل حكومة فيها اطياف الشعب العراقي ليس معناه انها بالضرورة «حكومة وحدة وطنية»، يمكن أن تحمل اية تسمية اخرى، لكنها بالقطع لا ترقى إلى أن تسمى «حكومة الوحدة الوطنية» بعد أن ابتعدت عن مقوماتها واشراطها وغاياتها، وتلك هي اعمالها تتحدث عنها، ثم كيف يستساغ لحكومة وحدة وطنية أن تملك اطرافها المؤتلفة ميليشيات مسلحة تمثلها في الشارع وتأتمر بأمر أحزابها وكثيراً ما تدخل في صراع وقتال مع بعضها البعض خارج سلطة الحكومة الوطنية، وأين هو الإنقاذ الوطني من هذه الميليشيات! ثم اين هي المبادئ التي اتفقت هذه الحكومة «حكومة الوحدة الوطنية» أو «حكومة الانقاذ الوطني» على تحقيقها والتزمت بها أمام الشعب وراحت تعمل بتجرد واخلاص وتنسيق وتضامن وانسجام على تنفيذها!.
ما المشروع الوطني الذي تبنته حكومة نوري المالكي وتسعى إلى تحقيقه، وخير دليل على عدم الانسجام ما اعلنه ويكرره رئيسها من انه بصدد تعديل وزاري كبير ليحصل على هذا الانسجام المفقود. هل حكومة الوحدة الوطنية متفقة في الرأي والعمل حيال: الاحتلال، وعن سقف زمنى لرحيله أو بقائه ومدة هذا البقاء!! وحيال المقاومة وهل هي مقاومة وطنية أو انها «إرهاب» منظم وكيفية واسلوب التعامل معها! وحيال الفيدرالية وتقسيم العراق إلى ثلاثة اقاليم أو أكثر! حيال الدستور لتعديله، تجميده، الغائه! حيال المصالحة الوطنية ومع من يتم التصالح مع اطراف الحكومة نفسها وميليشياتها ام مع الآخر، ومن هو هذا الآخر، حيال التعيينات والتوظيفات في الوظائف الحساسة في الداخل والخارج! حيال أن يختص كل تيار أو حزب أو جماعة مشتركة بالحكومة بالوزارات مقفولة يشغلها محازيبه وبمعرفته من دون تدخل من الآخرين، كأنها اقطاعيات!. حيال محاربة الفساد الاداري والمالي والسرقات والعمولات ومؤسسة النزاهة! حيال اجتثاث البعث! حيال معالجة الانفلات الامني والقتل الجماعي على الهوية! ومعالجة مخاطر اندلاع حرب اهلية، طائفية، عرقية واقعة فعلا رغم الانكار والاستنكار! حيال بناء جيش وطني وشرطة وطنية بعيداً عن الطائفية والعرقية! حيال عمليات التهجير القسري! حيال عمليات قتل العلماء والاساتذة وهروبهم خارج العراق!.
ليس لحكومة الوحدة الوطنية رأي موحد في كل ذلك فكل فصيل فيها له رأيه الخاص والمختلف، لا تسمى حكومة وحدة وطنية لا تعمل بجد واخلاص ونزاهة على تقوية الرابطة الوطنية العراقية التي تجمع كل العراقيين بل تشجع وتنمي انتماءات ذات طابع فئوي أو طائفي أو مذهبي أو عرقي. فالمواطنة العراقية يجب أن تكون هي الجامع الاساس والموحد لكل العراقيين مهما كانت انتماءاتهم وألوانهم الطائفية والعرقية، حكومة الوحدة الوطنية والائتلاف الوطني أو الخلاص الوطني تضع نصب عينيها العراق وشعب العراق اولا وآخر كيف تستنقذه من المحنة وتستعيد حريته وسيادته الوطنية وكرامته وأمنه وأمانه وعيشة الكريم، لا تنظر إلى العراق وكأنه كعكة يتصارعون على من يقتطع اكبر قطعة منها ويفوز بالقدح المعلى (السلطة ).
إنها حكومة «انقسام وطني» بحق وحقيق فالخلاف والاختلاف وعدم الانسجام بين فصائلها لم يعد خافياً بل امتد إلى الشارع من خلال ميليشيات مسلحة تمزق الوطن وترهب المواطن.
الخلاف والاختلاف وعدم الانسجام امتد إلى مجلس النواب الذي يضم التيارات التي تشكلت منها «حكومة الوحدة الوطنية» فقد تقاسم المجلس هذه الأطياف بأغلبية شيعية ثم كردية ثم سنية لم تكن نتائج الانتخابات ترضي الجميع وتبودلت اتهامات وطعن وتزوير انعكس أثره على اعمال المجلس ولجانه كيف لا وقد جرت الانتخابات على أساس طائفي وعرقي بعيداً عن الوطنية. فالمتابع لجلسات المجلس يلحظ عمق الاختلاف كما تبثه الفضائيات، الأمر الذي حدا برئيس المجلس إلى منع بث جلسات المجلس حتى لا يصدم المشاهد العراقي وغير العراقي بالخلافات والصراعات التي تصل إلى حد المهاترات فتخدش الاسماع، فتصور! والذي يتابع المشهد العراقي يشاهد أن العنف اخذ يتصاعد بصورة متسارعه وازدياد عدد الضحايا الابرياء الذين يسقطون ويتساقطون يوميا، وأن الحكومة بصورتها الحالية وحتى بعد لقاء المالكي - بوش أخيرا في الاردن والتصريحات التي صدرت لتدعيمها لم تملك أن توقف هذا الانزلاق نحو الهاوية ما دامت العملية السياسية قامت ومن الأساس على اسس غير صحيحة وغير صحية.
فاستمرار الحال بهذا السوء سيؤدي إلى مزالق خطيرة تهدد العراق وطناً وشعباً وكياناً. والرأي عندي أن الطريق لانتشال العراق من هذه المحنة يتحقق بالآتي:
1-  الاعلان عن تحديد سقف زمني لانسحاب القوات الاجنبية من العراق.
2-  خروج القوات الأميركية من بغداد والبريطانية من البصرة إلى خارجهما وتتخذ لها مواقع محددة وموقتة استعداداً للرحيل.
3- تحل قوات اسلامية وعربية (ليست من دول الجوار) في كل من بغداد والبصرة وديالي والانبار لحفظ الامن والنظام وتحت قيادة الامم المتحدة وينتهي عملها وتغادر العراق بطلب من الحكومة العراقية.
4-  تدعو الامم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى عقد مؤتمر وطني عراقي يضم ويمثل كل اطياف الشعب العراقي وقواه الوطنية من دون ابعاد أو تهميش (لا يدعى اليه من تثبت عليه ارتكاب جريمة بحق الشعب العراقي ) .
مؤتمر للمصارحة والمصالحة الحقيقية ويرتفع إلى مستوى الحالة التي يعيشها العراق اليوم وما يعانيه الشعب العراقي وتكون مصلحة العراق حاضراً ومستقبلاً نصب اعين وضمائر المجتمعين.
5-  يتفق المؤتمرون على تشكيل حكومة عراقية من عناصر مشهود لها بصدق الوطنية والتضحية والنزاهة والتجرد والابتعاد عن التعصب والتحزب والانحياز.
6-  يتفق المؤتمرون وبشرف على دعم وتأييد هذه الحكومة وتسهيل مهمتها والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يكدر الأمن سواء بحمل السلاح أو استعماله في فض المنازعات أو الخلافات أو غيرها.
7-  مدة هذه الحكومة عام واحد تنصرف فيه بجد واخلاص إلى اعادة بناء جيش وطنى وشرطة وطنية بمعايير وطنية بعيداً عن المحاصصة الطائفية والعرقية، وتنصرف أيضا إلى بناء اقتصاد وطني متين، وتعمل على إشاعة الثقة والطمأنينة في نفوس الناس، والحكومة هي وحدها الملاذ الاول والاخير لكل المواطنين من دون تمييز.
8-  تعلن الحكومة حل الميليشيات المسلحة وتحرم حمل السلاح ويلتزم الاطراف بهذا القرار.
9-  تضع الحكومة نظاماً موقتاً (قد يكون دستورا موقتا) لتسيير اعمالها.
10-  يجمد العمل بالدستور أو يلغى ويجمد كذلك أو يحل مجلس النواب.
11-  تمارس التيارات والمنظمات والاحزاب أعمالها بحرية وبشكل علني وتعمل على تكريس وتوكيد الوحدة الوطنية العراقية وتعميق وغرس الشعور الوطني بين العراقيين دونما أي تفريق مذهبي أو طائفي أو عرقي.
12-  تعمل الحكومة بكل الوسائل على إخلاء العراق من اى وجود اجنبي دخل العراق متسللاً أو بصورة غير شرعية تحت أي حجة وأصبح وجوده خطراً يهدد الوحدة الوطنية.
13-  حمل دول الجوار أن تمتنع عن التدخل بالشأن العراقي سواء بضبط وغلق حدودها أمام المتسللين أو قطع انواع المساعدات لهذا الطرف أو ذاك.
14-  تجري الحكومة بعد انقضاء العام انتخابات وطنية لمجلس نيابي جديد وفق نظام تضعه لهذا الغرض.
15-  يتولى المجلس النيابى وضع دستور جديد (افضل أن يكون نظام الحكم في العراق رئاسياً وليس برلمانياً وان ينتخب رئيس الجمهورية ونائبيه من قبل الشعب مباشرة. (
16-  للمجلس النيابي الحرية في تمديد سنة اخرى للحكومة الموقته أو يشكل حكومة جديدة من بين أعضاء المجلس ومن خارجه حسبما تقتضي المصلحة الوطنية.
هذه أفكار تدور في أوساط كثيرة تضيق أو تتسع قد أكون مبالغاً عندما أسميتها مشروعاً، أمل من كل من يرى في بعض بنودها صواباً أو مصلحة وطنية أن يرتفع صوته مؤيداً وداعماً في الوسائل المتاحة لخلق رأى عام ضاغط فالكل مدعو الآن إلى التحرك والعمل والصراخ من اجل انقاذ العراق. فالعراق الوطن الحبيب يوشك على الغرق فاذا لم يهب الجميع إلى العمل على إنقاذه الان فمتى يفعلون!! بعد خراب البصرة !!، وها هو تقرير بيكر ـ هاملتون قد نشر أخيرا واعترف بالأخطاء التي رافقت العملية برمتها وشخصها قائلا «إن الوضع خطير ويتدهور»، وحث بوش على إجراء تغييرات جذرية وسلط الضوء على إخفاقات الحكومة العراقية.
فالعراق ليس ملكا لأحد، ولا يملك هذا الأحد ومهما كان أن يدعي انه الأجدر والأحق والأقدر على حكم العراق أو الاستئثار به، ليقتنع الجميع أن العراق عراق الجميع لكل العراقيين بكل أطيافهم وألوانهم ونحلهم ومللهم متآخين متحابين طوال التاريخ بعيداً عن التحزب الأعمى والعناد البغيض واللدد. ))

والسيد  احمد هادي الحبوبي الوزير السابق ، في عهد عبد الرحمن عارف ، من السياسيين العراقيين المعروفين باتجاههم القومي المعتدل ،  وكان زعيما للحزب الاشتراكي القومي، عاش بعد العام  1970 في القاهرة بعد أن تم تأجيل عملية تصفيته من قبل صدام حسين ، وتمكن من الإفلات بالاستقرار في مصر حتى اليوم غريبا عن أهله ووطنه .

كان يمكن الاستفادة من تجربته السياسية وقدراته القانونية لولا التزاحم على الكراسي والمناصب ، في زمن غريب وعجيب ، تنتصر فيه الطائفية على الوطنية ، والمصلحة الشخصية على مصلحة الناس والوطن ، زمن تستمر فيه السرقات في وضح النهار ويفتقد العراقي لنور الكهرباء ونعمة الماء الصافي ، زمن العصابات والميلشيات التي تصفي بعضها ووقودها الناس الأبرياء والفقراء ممن لاحماية لهم ولا أسوار ، زمن لايليق بأحمد الحبوبي وعبد الإله النصراوي وعبد الحميد عبود  الشريف وقيس العزاوي ومحمد رشاد الشيخ راضي  وجواد دوش وعاد تكليف الفرعون ومالك دوهان الحسن وغيرهم  أن يكونوا فيه قادة للعراق  .

ولم يزل العراق اليوم بحاجة ماسة لجبهة وطنية سياسية تضم كل الأحزاب العراقية التي ناضلت وأعطت التضحيات الجسام ضد الدكتاتورية والحكم الصدامي الدموي ، لم نزل بحاجة لأن يكون العراق لكل العراقيين بعيدا عن المحاصصة الطائفية والشبكات الإجرامية والميلشيات الطائفية ، وبحاجة ماسة لأن يكون النائب في مجلس النواب ممثلا لكل العراق وليس لطائفته الدينية أو عشيرته أو حزبه ، وان يتسع صدر العراق لكل العراقيين بما فيهم الذين لم يحتموا بمظلة الأحزاب وباتوا مستقلين .

تلك شهادة عراقية أصيلة وحريصة على المستقبل العراقي ، بعيدة عن التطرف والتحزب  تصلح أن تكون مادة يستند عليها من يريد إن يكتب عن تاريخ العراق السياسي الحديث .

33
من أجل تشريعات تعيد حقوق الكورد الفيلية


زهير كاظم عبود

 

أذا كانت الأحزاب والقوى السياسية في العراق تدرك حجم الظلم والحيف الذي لحق بشريحة الكورد الفيلية ، وتقر وتعترف بها ، فأن ما وقع عليهم من استلاب أنساني وتدمير نفسي ، يفوق حجم الخسارات المادية التي وقعت عليهم .

ومن يتصفح أوراق  التاريخ العراقي الحديث ، ويتعرف الى نضال الكورد الفيلية ، حيث كانوا الوقود والمصدات الأمامية لكل أحزاب الحركة الوطنية في العراق ، مثلما كانوا الظهير الأساسي والخزين الذي يمد الثورة في كوردستان العراق ، فقد أعطوا أرواحهم وأرواحهم للتعبير عن مساندتهم تلك الثورة التي بقيت جذوتها مشتعلة حتى تحققت بعض الحقوق ، وبانت بعض الآمال في أن تكون للكورد في العراق ما لأخوتهم من أبناء بقية القوميات .

التدمير النفسي الذي لحق بالكورد الفيلية يتجاوز التصور ، ويتخطى ما حدث في التاريخ للعديد من الشرائح المظلومة ، فقد تم استلاب مواطنتهم ، وسحبت منهم جميع المستمسكات الرسمية والقانونية ، ومارست السلطات البائدة ضدهم أساليب غاية في الخسة والدناءة ، فقد جردتهم من الوثائق التي تثبت مواطنتهم ، وقامت بإتلافها دون أي منطق قانوني ، ومن ثم القيام بحملات التسفير التي صاحبها حملات اعتقال الشباب .

ومهما كانت الغاية التي وظفت تلك السلطات لها جميع الغايات ، فقد أصبح الآلاف منهم دون هوية ودون وثيقة تثبت الشخصية ، ومن تم رميه مع تلك الأعداد على الحدود الشرقية مع العراق ، وتحديدا مع إيران بزعم التبعية ، كان  مركزه القانوني أنسانا متجردا من جميع ما يثبت مواطنته أو حقوقه الإنسانية ، ومع إن القانون الدولي ولوائح حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة لاتجيز بقاء إنسان مهما كان جنسه أو قوميته أو دينه دون جنسية ، فقد أطبق العالم عيونه عنهم ، وسد المجتمع الدولي آذانه عنهم .

وتعرض المجتمع الفيلي الى مصاعب كبيرة ، وهو يقيم في ارض غير أرضه وفي بلد لاتربطه أية علاقة قانونية ، ودون أن يتمكن من إثبات مواطنته العراقية في  ذلك الزمن  ، وتعرض المجتمع الفيلي بشكل عام الى هزات نفسية وتبعثرت العوائل وتفرقت النساء عن الرجال ، في فترة عصيبة وحرجة انتشرت فيها الأعداد في كل أنحاء الأرض ، بحثا عن الملاذ الآمن والوجود الإنساني .

ونعتقد أن كل صاحب ضمير حي لاينكر ما تعرضت له أملاك وحقوق الكورد الفيلية من قبل سلطات الأمن الصدامي ، فقد صودرت أموالهم وسرقت ممتلكاتهم واختلست تلك الأجهزة المخشلات والنقود والمدخرات من بيوتهم ، وتمت عمليات التسفير دون أن يصطحبوا معهم أي شيء من أموالهم أو وثائقهم  ، وسيرتهم تحت سماء الله لايحميهم شيء ولايعينهم شيء في زمن مادي قاسي  .

ولا نريد في هذه العجالة أن نستعرض ما تعرض له الكورد الفيلية في العراق من جرائم ، ولا نريد أيضا أن نعود للتذكير بما جرى لهم في الزمن الغادر .

غير إننا ومع جمع كبير من الكتاب اشرنا الى المسؤولية القانونية في قضية الكورد الفيلية ، وان أحالة أعداد لاتتعدى اصابع اليد على المحاكمة في قضيتهم لايعيد لهم حقوقهم .

فقد بقيت مئات الجثث مدفونة دون أن نعمل على معرفة أماكن الدفن ، وبقيت مئات الجثث للشهداء الذين قضوا تحت التجارب الكيماوية دون معرفة أماكنها وهويتها  ، وبقيت مئات منهم مدفونة في  رمال السلمان ، كما تعرض العديد من الرجال والنساء الى فترات طويلة الى الحجز الإجباري دون ارتكاب أية جريمة أو مخالفة ، ودون وجود قرار أو أمر سوى الرغبة المريضة للطاغية .

وإزاء ما حصل وكنتيجة لبيوعات عديدة لأملاك وعقارات الكورد الفيلية والتي تمت دون وجه قانوني ودون حق ، فقد عاد الكورد الفيلية ليجدوا أن تلك العقارات بيعت أو استأجرت ممن لايملك حقا في البيع أو الإيجار .

ومع هذا كانوا بانتظار أن يلتفت لهم إخوتهم في البرلمان العراقي ، ليجدوا لهم القرارات التشريعية التي تعيد لهم هذه الحقوق ، وتختصر لهم دوامة الدوران في المحاكم ودفع الأجور للمحامين والرسوم والمتابعة ، وترتب عليهم إن يبحثوا عن حقوقهم التي ضيعتها سلطة صدام وبعثرتها أجهزته الأمنية ، ولم يجدوا  ما يساندهم ويعزز حقوقهم في تشريعات تقر بأن لهم الحق في استعادة تلك الحقوق المسجلة في سجلات دوائر الأمن حكما  ، ولم يصدر أي قرار يعينهم ويختصر لهم طرق المراجعة ، وصاروا وكأنهم باعوا أملاكهم أو تصرفوا بها تصرف المالك أو خرجوا من العراق بإرادتهم .

وكانت بعض الأصوات الفيلية في البرلمان العراقي تجاهد من أجل أن تجد من يسمعها من الأخوة في البرلمان المنشغلون في أمور أخرى .

وبالرغم من مضي زمن ليس بالقصير والنواب يعرفون سواء بما يلمسونه أمامهم أو يشاهدونه بأعينهم أو يقرءونه عن حقوق الكورد الفيلية دون إن تتحرك اللجان القانونية لتقدم على مشروع قرارات تعيد الحقوق الثابتة أو المنقولة لعوائل الكورد الفيلية .

أما شهداء الكورد الفيلية وتكريم عوائلهم وتسهيل أمور أولادهم وأحفادهم ، أما تضحيات الكورد الفيلية ، فقد بقيت كلمات  وشعارات تستخدمها الجهات السياسية وقت الحاجة .

وحيث إن جميع من دخل برلمان العراق وبرلمان إقليم كوردستان معنيا بهذا الخصوص ، فالأمر لم يعد يتحمل التأجيل ، ولم يعد المر يتحمل السكوت ، فقد أستمر تناسي حقوق الكورد الفيلية ، في حين ينشغل البرلمان براتب عبد الرزاق النايف وعبد الرحمن عارف ورواتب كبار الضباط  المعزولين ، لم تزل أعداد كبيرة منهم دون مستمسكات قانونية بعد أن توفي أهاليهم وانتهت عوائلهم كمدا سواء في السجون والمعتقلات ، أو في الغربة .

أن القرارات التشريعية التي ستصدر سواء عن برلمان العراق الاتحادي أو عن برلمان إقليم كوردستان ستعبر عن النظرة الوطنية لهذه الشريحة ، وتشكل أشارة الى ما قدمه الكورد الفيلية للعراق بشكل عام  وللإقليم بشكل خاص .

وإذا كان الكورد الفيلية يتوزعون اليوم ضمن الأحزاب والحركات العراقية ، فأن صوتهم في المطالبة بحقوقهم موحد ولا يختلف عليه أحد ، فقد تحملوا أكثر مما يمكن إن يتحمله غيرهم ، وناضلوا وقدموا التضحيات الجسام ، ومن اللائق أن يتم إعادة حقوقهم والحرص على أن تعاد الحقوق بكرامتهم ،  ومن يتم استلاب حقوقه من قبل سلطة غادرة وظالمة ، لايمكن له أن يسلك طريق الدعاوى التقليدية في المحاكم لاستعادة تلك الحقوق .

وحيث إن الدولة العراقية الحالية ممثلة برئيس وزرائها وبهيئة الرئاسة والبرلمان ، معنيين بإزالة الظلم والحيف عن كل عراقي لحقه الظلم من تلك الدولة الدكتاتورية ، فالوقت حان لأن تترجم تلك المواقف ويتم إقرارها بقرارات تشريعية تنظم لهم طريق الوصول الى تلك الحقوق بأقصر الطرق .

أن الضرر المعنوي الذي تعرضت له عوائل الكورد الفيلية أكبر مما لحقها من الضرر المادي ، وعلى الجهات المعنية أن تضع الحلول القانونية المتناسبة مع حجم الضرر ،  وأن يسعى الأخوة في البرلمان إلى تكليف المختصين في المجال القانوني ، لوضع التشريعات القانونية التي تخفف عنهم الحمل الثقيل ، وتزيل عنهم بعض ما وضعته السلطة البائدة فوق كاهلهم ، كما على برلمان كوردستان أيضا أن يسعى الى دراسة أوضاع الكورد الفيلية ، وتشريع ما يراه متناسبا مع حجم تضحياتهم ومساندتهم للقضية الكوردية ، بالإضافة الى التكريم المعنوي الذي هم بحاجة ماسة له في هذه الظروف العصيبة .

ونعتقد أن العراق اليوم وهو يخطو أول خطواته في أنصاف الشرائح التي ظلمت من قبل الأنظمة السابقة ، أن تدرك وتشخص الأولوية للشهداء وللضحايا وللشرائح التي قدمت الكثير لهذا العراق ، وأن مسألة المؤتمر القانوني لدراسة أوضاع الكورد الفيلية ليست صعبة ولا مستحيلة مع وجود أهل القانون من أبناء العراق ، وأن الأخذ بالمقترحات والكتابات التي كتبت بشأن تلك الحقوق توصل الى نتائج ايجابية ومثمرة ، وعليه فأن قضية الكورد الفيلية اليوم بحاجة الى تشريعات قانونية ، تساهم في حل الإشكاليات والمشاكل التي عانوا ولم يزلوا منها ، وهذه التشريعات سواء صدرت عن مجلس النواب الاتحادي أو مجلس نواب إقليم كوردستان ، المهم أن يشعر الجميع أنهم بحاجة ماسة لهذه التشريعات ، وأن الزمن قد طال عليهم وهم ينتظرون الأمل ، كما إن قضاياهم ومعاناتهم تتراكم يوما بعد يوم ، ولنا الأمل في أن يكون المعنيين بالأمر حريصين على حقوق الكورد الفيلية الذين أعطوا لكل العراق بصمت ، ولم يتباهوا ولم يتاجروا بأعداد شهداؤهم الذين طرزوا اسم العراق ، وكانوا الوقود والسدود للحركة الوطنية .

34
الأيزيدية في كتب التأريخ العربي

 

زهير كاظم عبود

 

لايختلف أحد على أن الأيزيدية من الكورد ، وكانوا ولم يزلوا وسيبقون  في منطقة كوردستان العراق ، وانتشروا أيضا في مناطق تركيا وسوريا وأرمينيا ، وأنهم يؤمنون بديانة  لها خصوصية تعيش جنبا الى جنب مع العديد من الديانات القديمة في المنطقة  ، وان هذه الديانة تجعل لبقعة من الأرض معينة في كوردستان قدسية كبيرة ، وهي منطقة لالش ، ولهذا فأن مركز الديانة الأيزيدية تكون ضمن هذه الدائرة .

ولا يختلف احد أيضا على الوقعات التاريخية التي جرت عليهم ، والمجازر والمذابح التي تحملها مجتمعهم بسبب تمسكهم بعقيدتهم وعدم التحول عنها بالقوة والقسر ، ولم تزل تتحمل النكبات والويلات التي تقترفها عقليات متطرفة ومنحرفة لحد اليوم .

غير أن أحدا لم يسأل نفسه عن الأسباب التي دفعت المؤرخين وكتبة  التاريخ إلى إلغاء وشطب كل ما له علاقة بالتأريخ اليزيدي  ،  فلا حضور للأيزيدي في كل المتغيرات التاريخية ، ولا أثر للأيزيدي في مراحل التاريخ القديم والحديث ، بالرغم من أن الكتابات التاريخية التي كتبت عنهم عبرت عن وجهة نظر غير محايدة ولا تمثل الحقيقة ، وصارت تلك الكتابات التاريخية ما توزعهم دون غيرهم على القوميات ، فصيرتهم مرات عدة على أنهم عربا مرتدين عن الإسلام ، وأعتبرهم آخرين مسيحيين حرفوا العقيدة المسيحية ، وأعتبرهم بعض على أنهم بقايا الزرادشتيين على أرض العراق ، وغالى بعض في اعتبارهم من عبدة الشر والشيطان فأستحقوا اللعنات .

والأيزيدية دون غيرها كانت مستهدفة في ديانتها أكثر من  مجتمعها ، وصارت مثار خلاف حول حقيقة منشئها وتكوينها ، وأعتبرها بعض الكتاب أنها الديانة الأكثر تقاطعا وتعارضا مع الإسلام ، في طريقة العقيدة والسلوك والأيمان  دون ترتيب  السندات التي تعرض لهذا التقاطع ، ودون أي دليل يؤكد هذا ألاتهام .

فإذا كانت الأيزيدية حركة أموية نشأت من داخل بنية الدولة العربية والإسلامية ، فلماذا تقتصر على الأكراد دون العرب ،  وهل توقف عملها من اجل إحياء تلك الدولة المندثرة ؟ وهل اتفق الأيزيدية اليوم على إسقاط تلك الفكرة السياسية من مناهجهم ؟ وأين انتهت تلك الدعوة ، بل وأين صار الأيزيدية منها اليوم ؟ وهل يعقل أن تكون الأيزيدية منشقة عن الإسلام بسبب تعصبها للخليفة الأموي يزيد بن  معاوية  ؟   حيث تم  استغلال تشابه أسم الله ( أيزيد ) مع أسم الخليفة الأموي ( يزيد ) للطعن والتنكيل بهم . ثم الم يحن الوقت لنكشف عن عدم وجود ترابط بين الأساس الديني والفلسفي لديانتهم وبين الدعوة السياسية المزعومة ؟

وإذ تكشف الأيزيدية اليوم للناس حقيقة أيمانها وتمسكها بالخالق ، والتي تتطابق في حدود الأيمان مع كل الديانات التي تؤمن بالله ( خدا في الكوردية ) وتؤمن بالتوحيد ، وإذ تكتشف الناس مدى تطابق العديد من القيم التشريعية والدينية العامة مع الديانات الأخرى ، فتتوضح قضية التداخل والتلاقح بين تلك الديانات في العديد من القيم والأعراف والطقوس ، بعيدا عن استبعاد ديانة على حساب الأخرى  .

وإزاء التجاذب القومي أوالديني  الذي يريد أن يضم الأيزيدية تحت معطفه ، أو بروز المصالح السياسية التي تتجاذب قضية الانتماء الأيزيدي وفق الظروف والمكان والزمان ، تبدو أهمية الأيزيدية واضحة في كل هذا بالرغم من كل التجاهل التاريخي أو التعتيم الذي مورس ضدهم في كتب التاريخ القديم والحديث .

وإذا كانت الأيزيدية من الديانات التي تؤمن بها مجموعة بشرية ، فهل يعقل أن يتم حصر تلك الديانة التي قاومت كل تلك الأحداث والهزات ضمن حيز جغرافي وتأريخي ؟ في حين نجد أن العديد من أبناء ديانات  أخرى لهم التأثير والحضور  في الفترات المختلفة للزمن القديم والمكان ، وحين ندقق في الصراع التاريخي الذي حصل بين الديانات ، لانجد ذلك التعرض الواضح ضد الديانة الأيزيدية ، فهل أن أبناء الأيزيدية كانوا يختبئون في مجاهل الأرض وغابات أفريقيا حتى يمكن أن يتمسكوا ويصمدوا ضد عاديات الزمن ؟ وهل أن ابناء الأيزيدية كانوا غائبين عن الوعي حتى يمكن أن يبقوا تحت الأرض ليتعرفوا على ما يجري فوق ألأرض ؟

بالتأكيد أن ثمة حقائق مخفية ومغيبة عن ضمير من كتب التاريخ ، فقد تم تغييب ليس الأيزيدية باعتبارها ديانة قديمة وتتمسك بها مجموعة بشرية ، إنما تم تغييب الكورد بشكل عام عن حقائق كثيرة من  التاريخ ، ولم يلتفت احد الى تلك الكلمات السومرية والأشورية والبابلية والاكدية  التي لم يزل يتعامل بها الايزيدي سواء في تعامله اليومي أو في طقوسه الدينية ، وماهي أسباب بقاء تلك الكلمات المتطابقة ؟ 

وإذ يتم تحريف الاسم بغية التناغم والانسجام مع وجهة نظر التاريخ المكتوب من وجهة نظر واحدة ، فيصيروا ( يزيدية ) بدلا من ( ايزيدية ) ، ويتم نسبتهم الى يزيد بن معاوية أو الى يزيد بن انيسة الخارجي حسب مقتضى الحال  ، مع أن كتاب التأريخ يدركون حقيقة عدم وجود ترابط ديني أو فقهي بين هذه ألأسماء وبين الديانة الأيزيدية ، فيصيرهم بعض على أنهم الجنود الأكراد الذين أعتمدهم  الخليفة يزيد بن معاوية في حربه  لقمع ثورة  الحسين بن علي ( ع ) ، واستغلال تلك الافتراءات في قضية انشغال الأمة الإسلامية في مسألة الصراع الأموي مع المسلمين الشيعة ومحبي آل بيت الأمام علي بن ابي طالب ،  وينسبهم بعض على أنهم أولاد الجن الذين بقوا في الجبال .

وإذ يتم تغييبهم عن الضوء ، فلا وجود لهم في التاريخ القديم ، ولاأثر لهم في زمن الفتوحات الإسلامية ، مع أن الفتح الإسلامي وصل الى مشارف جبال كوردستان وتوقفت تلك الخيول الهادرة والجمال من الصعود على صخور الجبال ، غير أن أحدا لم يكن يفسر الأسباب التي دعت الأمة الكوردية التي اشتهرت باعتناقها الديانة الأيزيدية والزرادشتية واليهودية والمسيحية قبل أن يحل عليها نور الأسلام ، أن تبقى مجموعات بشرية غير قليلة متمسكة بدياناتها القديمة ،  فكيف عبر الأسلام تلك المجموعة البشرية التي كانت ضمن المجتمع الكوردي ؟ وماهو السبب الحقيقي الذي أبقى تلك المجموعة تتمسك بديانتها ؟ بل وما المنطق الذي يدعو تلك المجموعة البشرية أن تتفق على الانحراف والخروج عن الأسلام لو كانت قد اعتقدت بالأسلام ؟ ثم عل يعقل أن لاتنتج تلك المجموعة البشرية بعد إسلامها رجلا واحدا أو رمزا واحدا لتشير له كتب التاريخ بدلا من هذا التجهيل .

ونلمس أيضا من خلال قراءة التاريخ ذلك التجريد والتقليل من الأهمية الدينية والمجتمعية حتى ضمن المجتمع الكوردستاني ، مع أن الكورد يقرون حقيقة أن الأيزيدية هم أصل الكورد ، وأن من ينسبهم الى الأمة العربية يعوزه دليل قاطع في عدم وجود عشيرة عربية واحدة على مدى التاريخ القريب أو البعيد  بينهم ، ومن ينسبهم الى الانشقاق والارتداد عن الأسلام أيضا يعوزه الدليل الأكيد من أنهم لايقبلون الانتساب لهم من غير ديانتهم ، ومن ينحرف عن ديانة لايمكنه أن ينغلق على نفسه ، والمنطق يقول انه يجب أن  يفتح صدره لكل من يتضامن معه ويعيد من ينحرف أو ينشق عن تلك الديانة الى صفوفها  ، غير أن الأيزيدية مجتمع ديني مغلق على نفسه لايقبل حتى عودة من يخرج عن ديانتهم من ابناء الأيزيدية أنفسهم ، عدا عن تلك الأطواق الحديدية التي تحكم المجتمع الأيزيدي في وجود الطبقات الدينية وقضية التزاوج فيما بينها ، والمحرمات التي تحددهم وتلزمهم .

ومن الحقائق التي تم تغييبها أيضا أن الديانة الأيزيدية لم تتعارض مع تلك الديانات في المنطقة ، وتبدو تلك العلاقات الاجتماعية والانسجام في الحياة المشتركة دليل يؤكد تلك الحقيقة ، بل وأن العديد من المحرمات ما يتطابق مع الأسلام ، وما ينسجم مع المسيحية ، وما ينسجم مع الزرادشتية ، فهل أن الديانة المسيحية والزرادشتية حلت بعد الإسلام لتأخذ منها الأيزيدية بعض الملامح ؟

وإذ ينتقل العديد من ابناء الأيزيدية الى الأسلام  ، فليس لهم العودة الى ديانتهم السابقة قطعا ، لأسباب عدة ، أو لها إن الأسلام يحكم عليهم بالردة وعقوبة المرتد كما يقول فقهاء الأسلام القتل ، كما أن الديانة اليزيدية لاتقبل منهم تلك العودة مهما كان تبريرهم وأسبابهم ، وهذه الشريحة التي أنسلخت عن المجتمع الأيزيدي غيبت عن التاريخ أيضا ، فلم تذكر لنا صفحات التاريخ حتى ضمن المناطق التي عاشوا بها بعد انتقالهم من ديانتهم القديمة الى الجديدة ، أنهم كانوا حاضرين مؤثرين في التاريخ ، فهل ليس بينهم من لم يكن مؤثرا أو بارزا في التاريخ الإسلامي القديم أو الحديث على الأقل ؟ غير أن التأريخ لم يغفل ذكر المتحولين من ابناء المسيحية واليهودية والمندائية وحتى الزرادشتية ، بل أن التاريخ ذكر بشيء من الأنصاف رموز عديدة كانت لم تزل على ديانتها غير الإسلامية وكان لها التأثير المهم في التاريخ ، غير أن الأيزيدية لم يكنوا بين هؤلاء وهؤلاء .

هناك من يشير الى العلاقة بين التاريخ العربي  وشعب كوردستان ، وهذه الأشكالية الموغلة في النظرة القومية الاستعلائية لمن هم غير العرب ، وتلك النفوس الممتلئة بالغطرسة التي عبأها المؤرخ العربي الذي استند واعتمد على آيات مقدسة وأحاديث نبوية مقدسة وتطويعها لصالح المنهج الاستعلائي ، جعلت أرضية لذلك التغييب المتعمد .

وإذا كانت تلك الحقائق التي تخص الأيزيدية بهذا الحجم من التغييب والإعماء في منطقة سكناهم ، لسببين أولهما الديانة التي تم تغليفها بالأسرار والخفايا والطلاسم ، وثانيا تلك القومية التي لم تزل تتحمل رذاذ تلك النظرات والعقليات التي تستكثر عليها حتى حقها في الحياة .

هذا الحيز الجغرافي في منطقة وجودهم التاريخي ، ونعتقد إننا نتفق إن الأيزيدية مهما كانت وجهة النظر تجاههم ، موجودين في تلك المنطقة منذ أن حل  الإنسان فيها  ، فكيف بالمناطق البعيدة عنهم وعن المجتمعات التي لم تتوضح لها حقائقهم  ؟ كيف بالمجتمع المصري أو الجزائري أو السعودي الذي كانت الكتابات التاريخية المنحرفة هي الوحيدة التي يمكن لها أن تكون بينهم ؟ فلا يمكن قطعا أن تكون كتابات حيادية أو تتحدث عن حقيقتهم أو تدافع عن ديانتهم  ، وليس بغريب أن يكتب بعض عنهم استنادا لما كتبه الأسلاف دون تمحيص ودون تدقيق تأريخي فتختفي الحقيقة وتبرز الصورة الوهمية  .

بل لم يكن الكورد أنفسهم يهتم بهذا الجانب ، فلم يبرز من يكتب عنهم باللغة العربية توضيحا لحقيقتهم  ولاحتى باللغة الكوردية ، لأسباب عدة منها انشغالهم بقضية حقوق شعب كوردستان والدفاع عن قضيته ، ومحاولة أعادة كتابة التاريخ وتقويم التحريف الذي حل في كتابة التاريخ العربي ، كما لم يهتم الأيزيدية أنفسهم أيضا الاهتمام بهذا الجانب لأسباب عدة أيضا ، منها أن مثقفيهم لم يلتفتوا الى هذا الجانب المهم إلا مؤخرا .

سادت الكثير من الكتابات التأريخية فكرة أعادة نسب الأيزيدية الى العرب ، وتعكزت سلطات حكمت العراق على تلك الفكرة في سبيل سلخهم عن حقيقة قوميتهم ، غير أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل الذريع ، فقد انتهت تلك السلطات ومعها تلك المحاولات ، وبقي الكورد الأيزيديون لم تمرر عليهم تلك الأساليب الخادعة في تزوير حقائق التاريخ العراقي ، ومن اللافت للنظر أن الأيزيدية في مناطق العراق أو سوريا أو تركيا يتجاورون مع العرب ويختلطون ضمن مجتمعهم في العديد من تلك القرى ، لكن الجميع يدرك حقيقة قوميتهم الكوردية ،  بل ولا يشك في ذلك مطلقا ، غير أن تبطين الكراهية لهم لم تزل تتلبس نفوس العديد من جيرانهم من العرب وحتى من ابناء جلتهم من الكورد المتعصبين دينيا .

المتصفح للانترنيت وللكتابات التي كتبت عن الأيزيدية تجتزئ فترات طويلة ومهمة من حياة الأيزيدية ، فتجزم في قضايا دون دليل ، وتحكم في قضايا دون أسانيد ، ويستند  كل تلك الكتابات على الأخرى ، دون تحليل ودون تمحيص ، وحتى دون إدخال الذاكرة التأريخية والحقائق الموضوعية ، ألا يمكن أن تتم مناقشة أسباب  وجود قبر الشيخ عدي بن مسافر في لالش ، وطريقة الدفن التي تختلف عن طريقة دفن المسلمين  ؟ إلا يمكن أن تتم مناقشة اللغة العربية التي يزعم انه  يتحدث بها الشيخ عدي لقوم كورد لايعرفون اللغة العربية يعلمهم أمور دينهم ودنياهم ؟ فالقدرة على التحدث باللغة العربية تختلف بالتأكيد عن القدرة في فهم المفردات وطريقة هجاء الحروف فيعجز المرء  عن فهم العديد من النصوص والقدرة على التعبير باللغة الأخرى ، خلال فترة التبشير والإقناع ، ألا يمكن مناقشة وجود الشيخ عدي بين اتباع يزيد بن معاوية بحرية تامة ،  بينما تلاحق الدولة العباسية كل الأمويين حتى تصل الى حدود البحر ، دون أن تلتفت الى هؤلاء الذين  يزعم أنهم يعبدون يزيد بن معاوية  من دون الله ؟  ألا يمكن مناقشة حقيقة الفكرة الدينية التي تولدت في عقل يزيد بن معاوية من عدمها ،  وهو المنشغل بملذات الدنيا والبعيد عن التصوف والتفكر الفلسفي بعد الأرض عن السماء ؟ الا يمكن مناقشة الفترة التي قضاها يزيد في الخلافة    (( حكم للفترة من 680-683م )) والتي لم يرد في أي مرجع تاريخي اهتمامه بالأديان والمذاهب ،  ثم الم يفكر من يروج مثل تلك القصص الى صعوبة تصديق أن مرجعا دينيا  عربيا يتحدث لمجموعة بشرية تتحدث الكوردية ولاتفهم مايقوله بالعربية  ، ليطرح عليها فلسفته وديانته ،  حتى تتمسك بأقواله وتفهمها وتجعله في مصاف القديسين !!! كيف ينسجم الأمر بين طرفين لايفهم احدهما لغة الأخر إلا بالإشارة !!

حفظت كتب التاريخ العربي خطبة طارق بن زياد الليثي مولى موسى بن نصير   حين قرر أن يقتحم البحر ليفتح الأندلس  ،  وحفظ الجميع تلك الخطبة التي صارت نشيدا للتلاميذ  العرب في المدارس ،  يتغنون بها ويتفاخرون ،  ويقول فيها  ((أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم ))...... الخ الخطبة  ، غير أن حقائق التاريخ لم تذكر أن القائد طارق بن زياد الذي فتح الأندلس كان (( امازيغيا )) لايتحدث حرفا من اللغة العربية ، وأنه أسلم بعد فتح بلاد المغرب  .

ولد طارق بن زياد في القرن الأول الهجري 670م في المغرب وتوفي 720م ،  وقد اختلف مؤرخو العرب في أصله ،  فذهب بعضهم إلى أنه كان فارسيًا ، وذهب فريق آخر إلى أنه كان بربريًا من إفريقيا ومن قبيلة نفزة البربرية أو من قبيلة الصدف الأمازيغية ، كان وثنيا وأسلم على يد موسى بن نصير بعد فتح بلاد شمال إفريقيا من قبل الجيوش الإسلامية ،  ولم يكن يتحدث بالعربية ، فكيف صارت تلك  خطبته المشهورة ؟؟

وأخيرا أين نجد تلك النظرة التاريخية الحيادية في الكتابة عن الأيزيدية ،  ومناقشتهم دينيا بعد تقبل وجودهم وحقيقتهم ؟

المتصفح لأمهات الكتب التاريخية العربية لن يجد أسم الأيزيدية فيها ، مع أن ابن الأثير في الكامل في التأريخ يتحدث عن صحف إبراهيم التي تحدث بها النبي محمد ( ص ) الى أبي ذر الغفاري (( الصفحة 40 )) ،  دون أن يتعرض أحد الى تلك الصحف ، مع أن الأيزيدية تقول أنهم اخذوا ديانتهم من إبراهيم الخليل . فهل إن تلك الصحف هي كتب الأيزيدية التي تشكلت منها كتبهم المقدسة ؟ أم أن تلك الصحف الأولى تشكل المعالم الأولى للأيمان بالخالق والتوحيد ؟  ويعلق السيد قطب في كتاباته عن تلك الصحف بقوله (( تتضمن أصول العقيدة الكبرى. هذا الحق الأصيل العريق. هو الذي في الصحف الأولى. صحف إبراهيم وموسى.
       ووحدة الحق، ووحدة العقيدة، هي الأمر الذي تقتضيه وحدة الجهة التي صدر عنها. ووحدة المشيئة التي اقتضت بعثة الرسل إلى البشر.. إنه حق واحد، يرجع إلى أصل واحد. تختلف جزئياته وتفصيلاته باختلاف الحاجات المتجددة، والأطوار المتعاقبة. ولكنها تلتقي عند ذلك الأصل الواحد . الصادر من  مصدر واحد .. من ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ))  .

ودون شك أن الصحف الأولى هي الآيات المقدسة التي نزلت على النبي إبراهيم ، ودون أن يتطرق احد من الكتاب الى تفصيلاتها الخصوصية ، وإنما جاءت الشروحات والتعليقات جميعها تعتمد العموميات .

ثم الا يمكن الالتفات الى تلك التطابقات في الممارسة الدينية والطقوس التي تمارسها الأيزيدية ، مع تلك الطقوس والممارسات المتبعة في تلك الحضارات القديمة التي سادت في بلاد الرافدين ، أو تلك التي بقيت راسخة في جبال كوردستان ؟

وإذ يتم التنقيب في مناطق عديدة من العراق عن حقائق التأريخ القديم في منطقة من مناطق العراق التي سكنها البشر ، ترى الا تستحق المناطق القديمة والغارقة في القدم والتي سكنها الأيزيدية التنقيب والتحري  واستنتاج الحقائق ؟ ألا يمكن أن تنكشف الأسرار المدفونة تحت صخور لالش وهي التي يعتبرها الأيزيدية مكانهم المقدس ؟

وبعد كل هذا الايمكن للمطالع العربي أن يتعرف على ملامح مجموعات بشرية بادت في العراق مثل الزرادشتية ، أوالتي لم تزل باقية حتى اليوم مثل الكاكائية والجرجرية وأهل الحق والصارلية  ، حتى يمكن للمتابع  العراقي بشكل خاص والعربي بشكل عام من معرفة حقيقة الأقوام التي تعيش في العراق  ودياناتها ومذاهبها ؟

ومن يتصفح كتب التاريخ العربي كالكامل في التاريخ أو الأخبار الطوال أو السلوك لمعرفة دول الملوك لعز الدين أبن الأثير ، وكذلك الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني ، لن يجد فيها سطرا واحدا يشير الى الأماكن المقدسة التي يقدسها الأيزيديون ، بل أن ياقوت الحموي الذي لم يترك مدينة أو قرية إلا وذكرها في معجم البلدان ،  أشاح وجهه عن الأماكن التي يسكنها الكورد الأيزيديون ولم يتقرب منها مطلقا  ، بالرغم من احتواء معجمه بالصفحة 139 على قصيدة تهكمية على الكورد ومطلعها  :  ( تبا لشيطاني وما سلا    لأنه أنزلني إربلا ) ، ويقطع الحموي بمشاهداته لأربيل المدينة الكوردية ، لكنه يتجاوز ذكر أديانهم ومعتقداتهم .

حتى أن الرحالة أبن جبير الذي عبر بلاد بكر ومايليها يصف ملامح الأيزيدي في تفاصيل ضفائره وشكل ثيابه والطبيعة التي يعيشها المجتمع الأيزيدي ضمن تلك البقعة الى عبرها ،  غير انه يجعله وصفا عاما للكورد .

بل أن تأريخ الإسلام  لشمس الدين أبو عبد الله الذهبي الذي ذكر الفتوحات والأقوام التي قاومت  الدين الإسلامي لم يذكر ليس فقط أخبارهم إنما حتى ديانتهم أو ارتدادهم المزعوم عن الإسلام ، وحتى أن مؤرخا مثل  أبن خلدون في تأريخ ابن خلدون لم يذكرهم ابدا ، ولم يتعرض لهم الطبري في كتابه  تأريخ الرسل والملوك ،   بل أن أبن منظور مؤلف كتاب مختصر تأريخ دمشق لم يذكرهم مطلقا مع أن الكتاب العرب لم يزلوا حتى اليوم يعتبرون الأيزيدية فرقة أموية انحازت الى جانب الخليفة يزيد بن معاوية ، وبدأت تباشيرها من دمشق ، دون أن يضعوا الأسباب المنطقية التي تدعو الكوردي الملتزم سواء بالإسلام أو بديانة أخرى ينتصر ليزيد بن معاوية على أعداءه ، ثم تستمر تلك العقيدة والالتزامات حتى بعد وفاته ، ودون أن نجد أي اثر  تاريخي أو مادي على تلك الدعوة الباطلة ، في أعادة الخلافة الأموية ، سواء في الأقوال التي يرددها شيوخ الأيزيدية وقواليهم ، أو في نصوصهم الدينية المتناثرة .

أن المعنيين بكتابة التأريخ تدعوهم الحقيقة اليوم للمساهمة والبحث عن الحلقات المخفية من حياة تلك الشريحة العراقية ، والديانة العريقة الواضحة القدم ، والانفتاح عليهم باعتبارهم أولا وقبل كل شيء جزء من المنظومة البشرية ، وثانيا أنهم أهل ديانة يتمسكون بها ويفتدوها بأرواحهم ، وثالثا أنهم من شعب كوردستان الذي اثبت جدارته في التضحية والتمسك بحقوقه الإنسانية المشروعة ، بالرغم من حجم الهجمة الشوفينية المتطرفة التي واجهها ، والتي نالت من الأيزيدية جزء منها .

 وإذا كانت الفلسفة الدينية للأيزيدية مثل غيرها  تعني الدراسة العقلية لظواهر السلوك الإنساني ،  وتفسيراتها للظواهر الطبيعية و ما وراء الطبيعة مثل الخلق و الموت والإقرار بالوجود ووحدانية الخالق ، فأن التعرض لتلك الفلسفة بالتكفير دون مناقشة أساساتها الإنسانية وحقيقتها القائمة ، واختزال تلك الدراسات بفتاوى تكفيرية من قبل رجال دين مسلمين حصرا ،  تقطع كل الإمكانيات التي تتحرى عن حقيقة تلك الديانة بحد السيف ، وتلغي كل الإمكانيات في التحاور والجدل للتوصل الى المشترك في الحياة ،  ما يجعل الحقيقة غائبة والتحليل العلمي مغيبا ، وبالتالي فأن الأحكام المسبقة التي تصدر بحق الأيزيدية تأتي دون تمحيص ودون أسانيد ، ودون أدلة تستند على الكتابات التاريخية التي كتبت في أزمان متفاوتة ، فيترسخ الظلم وتندحر الحقيقة  .

بقيت تلك العقول مشغولة فترة طويلة بتسفيه الأفكار الدينية ، ومنسجمة مع السلاطين ووعاظهم ، دون أن يتمكن احد منهم التمرد على الخط العام الذي التزم بشطب الاسم والفلسفة من ذاكرة التاريخ الرسمي العربي  المدون ، وبهذا غابت عنا حقائق يمكن لها أن تكون مدار بحث ونقاش وتمحيص وتقليب حول الركائز التي استندت اليها تلك الديانة ، وحقائق بروزها الأول في الزمن الغابر ، وعلاقتها بالحضارات التي سادت ثم بادت في أرض الرافدين ، أو على الأقل البحث عن أسباب انتشارها بين كوردستان العراق وسوريا وتركيا ثم أرمينيا ؟

ومع أن الأساطير مصدر مهم لمعرفة تطور الأديان وتطور فكرة الإلوهية عند الشعوب ، ويمكن للباحث أن يعتمدها كمادة خصبة للبحث ، فلم ينتبه احد الى تلك الأساطير التي تكتنف الديانة الايزيدية ، واستنباط الأحكام وتطابق النصوص معها .

 يقول الدكتور جواد علي في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام  ((تختلف نظرة الإنسان إلى الخالق والخلق باختلاف تطوره ونمو عقله، ولهذا نجد فكرة "الله" "الإلَه" التي تقابل كلمة Deus في اللاتينية وكلمة Theos في اليونانية وكلمة God في الانكليزية، تختلف باختلاف مفاهيم الشعوب ودرجات تقدمها. فهي عند الشعوب البدائية القديمة والحديثة في شكل يختلف عن مفهومها عند الشعوب المتحضرة. كذلك اختلفت عند سكنة البوادي عن سكنة الجبال والهضاب،ويختلف مفهوم فكرة الله عند الشعوب السامية عنها عند للشعوب الآرية، لأسباب عديدة يذكرها علماء تاًريخ الأديان . )) ص 895 الجزء الثاني .

ولم تزل الأيزيدية متمسكة بتسمية أحد  الملائكة  المقربين من  الإلـــــه الخالق بلفظة ( طاؤوس ) وهي متطابقة مع اللفظ اليوناني ، أو كلمة (قوال) المأخوذة من كلمة (كالو Kalo) السومرية ، وتعني (كالو Kalo) بتلك اللغة: الكاهن، الرجل المتدين، كبير السن، والتي يطلقها الأيزيدية حتى اليوم على رجل الدين المكلف بحفظ التواشيح والأدعية والمشاركة بالطقوس وحفظ التراث الأيزيدي ، وهي طبقة دينية محترمة من طبقات الأيزيدية .

كل هذه الأمور وغيرها لم تدفع بالمؤرخ العربي ولا بالمهتم بالأديان والملل والمذاهب  أن يحلل ويستنتج ويبدي رأيه ،  ولهذا فقد اسقط الإهمال على الأيزيدية نوعا من الضبابية التي مكنت كل التقولات الظالمة والآراء المجحفة بحقهم أن تطرح نفسها لتجد كل التقبل والانسجام في العقل العربي  ، ولهذا فقد تكدست الدراسات العربية تنبش في كل مجاهل البلاد ، ليؤرخ العديد من المؤرخين تفاصيل الحياة والسياسة والحروب ، وأديان الجاهلية والإسلام وحركات الردة  والانفصال التي حدثت   ، ثم التحليل الاجتماعي للعديد من القوميات ، غير أن الأيزيدية كانت غائبة عن كل عصور التاريخ القديم والحديث إلا ما كتب عن غير حقيقتهم ولغرض الإساءة إليهم .

أن اليهودية باتت من الأديان التي لايتحمل المؤرخ أن يذكرها بحيادية انسجاما مع الخط العام للمجتمع  ، ومهما زعم بعض أو ادعى آخر أن العداء للصهيونية وليس لليهودية ، إلا أن الحقيقة التاريخية وواقع الحال يخالف ذلك  ، فاليهودي اليوم يعيش في بلادنا المسلمة تحت وطأة الرعب والتقوقع والانعزال والاتهام   ،  فثمة إشكالية طغت على التدوين التاريخي ، من خلال طغيان المواقف الدينية والسياسية ، ونلاحظ اليوم أن جميع ضحايا الإرهاب في بلداننا هم شهداء ، غير أن ضحايا الإرهاب من أبناء الأيزيدية هم قتلى أو ضحايا ، ولم تجرؤ مؤسسة إعلامية  عربية أن تطلق لفظة الشهادة عليهم مهما بلغت حجمها .

كما يمكن للنظرة الشوفينية التي تسيطر على عقلية عدد من كتبة التاريخ تجاه الأمة الكوردية ، والإقرار بحقوقها الإنسانية من عدمه ، أن تسحب  تلك النظرة على الايزيدية التي يمكن أن تستعيد ارتباطها القومي ، من خلال محاولات إعادة ترميم حالة التمزق التي حصلت ، ولم تزل تلك العقليات تصدر أحكامها الظالمة والمجحفة بحق الأيزيديون خصوصا والكورد عموما .

وعودة للمدونات التاريخية التي كتب العديد منها وفقا للاعتبارات السياسية والدينية التي تحكم المجتمع ، ولايمكن لمدون أو مؤرخ تحت ظل سلطة الخليفة أن يدون غير ما تريده الخلافة ( السلطة )  ، وإلا عد ملحدا أو مرتدا  أو خائنا وأستحق الموت ، مع إننا لانسحب هذا الحكم  على العديد من المدونات التاريخية الأخرى ، التي اتسمت  بالجدية والمضمون الايجابي ، غير أنها ابتعدت عن ما يثير لها الإشكاليات والمشاكل .

وثمة حقيقة لابد من ذكرها ، وهي وجود أديان متعددة في منطقة كوردستان العراق ، وحين زحفت جيوش المسلمين ، فأنها نشرت الإسلام على المناطق التي فتحتها ، غير أن تلك الجيوش لم تستطع أن تصعد الى الجبال ، فبقيت الأديرة والكنائس والمعابد التي كان غير المسلمين يمارسون بها طقوسهم باقية ، وحين توقفت تلك الجيوش عند الأماكن التي وصلتها ، بقيت فترة أخرى حتى تمكنت من إيصال الإسلام الى المناطق الجبلية العصية ،  حيث آمن بالدين الجديد العدد الكبير من أبناء تلك الديانات ، ليس فقط تخلصا من السلطات الفارسية إنما أيمانا بتلك الديانة الجديدة أيضا ، ويقول المؤرخ محمد أمين زكي في كتابه خلاصة تاريخ كرد وكردستان ص 123: ((  أن الكورد وجدوا تشابها بين ماكانوا يعتقدونه والدين الجديد فآمنوا به )) ،   في حين بقي عدد كبير أيضا على ديانتهم ، متمسكين بأديرتهم  وكنائسهم وأماكنهم المقدسة ،  بسبب اختلاف اللغة  ، والتعصب القومي ، والاختلاف الثقافي  بالإضافة الى ظرف المكان الذي يساعد على الاحتماء .

غير أن كتبة التاريخ أغفلوا أيضا ذلك الصراع القائم بين الزرادشتية وبين الأيزيدية ، ومن حقائق هذا الأمر أن الزرادشتية كانت قبل الإسلام ، وحاربت الأيزيدية حيث نعتهم زرادشت بأنهم ( عبدة العفريت ) ، وكانت منطقة كوردستان من ضمن المناطق التي تؤمن بالزرادشتية ، وكذلك بلاد فارس ، وبعد انتشار الإسلام ، تقهقرت الزرادشتية ، واعتنق أهلها الدين الإسلامي  ،  في حين بقيت تلك المجموعة  البشرية التي تؤمن بالأيزيدية صامدة  ، ولعل هذا الإغفال يتعارض مع اعتقادهم بارتداد الأيزيدية عن الإسلام .

بقيت قيم الدين مسيطرة بشكل واضح وقوي على الكتابة التاريخية ، وتطورت الى السطوة والهيمنة ، حيث بات سيف السلطة بعد أن صار الخليفة أميرا للمؤمنين ، الحاكم الديني والسياسي للأمة ، وظفت المؤرخ كتاباته بما لايتعارض مع تلك السطوة والهيمنة ، ولهذا تأتي العديد من الحوادث التاريخية في سياق غير سياقها الحقيقي .

35
الإرهاب يستهدف الأقباط في مصر


زهير كاظم عبود



منذ بداية الدعوة الإسلامية في الجزيرة العربية ، كان الإسلام يولي المسيحية ليس فقط ذلك الاحترام والتقدير والود ، إنما خصهم بتلك الآيات المقدسة والثابتة التي أوردها ضمن نصوص الآيات القرآنية ، مع أن المسيحية كانت تنتشر وتهيمن وفق اعتقاد الناس بها في أوسع المناطق في الجزيرة العربية وما حولها من بلدان ،  لتشكل أكبر الأديان التي تؤمن بها الناس قبل أن ينتشر الإسلام في الجزيرة العربية وينطلق منها .

وتأتي مفردات الإنجيل المقدسة  تدعو للمحبة والسلام والخير والعفو والتسامح ومساعدة الفقراء والمحتاجين والانتصار للمظلوم  ،  وتنهى عن القتل والسرقة والزنا والربا ،  وهي نفس القيم والتعاليم  التي جاء بها الإسلام ولم يتناقض معها مطلقا ، وهي جميعها تصب في خدمة الحياة الإنسانية وتكرم الانسان .

وحين بدأ الإسلام بالانتشار وتوضحت الدعوة ، لم يلق من المسيحيين تلك المواجهة أو التعنت والرفض للدين الجديد ، وليس أكثر وضوحا  من موقف النجاشي المسيحي وحمايته للمسلمين المهاجرين من بطش أهل مكة ، وليس أكثر من المكانة السامية التي خصها القرآن الكريم للسيدة العذراء البتول مريم التي اصطفاها الله من بين كل نساء العالمين ،  وطهرها وجعلها صديقة  ،  وخصها بآية هي سورة مريم  ، وليس أخيرا زواج الرسول الكريم محمد  ( ص ) من ( مارية القبطية ) وهي  فتاة مسيحية بقيت على دينها ودين أبائها ، وهي الوحيدة من بين زوجاته التي ولدت له ولدا يدعى  ( إبراهيم ) توفي وهو رضيع .

كما ورد ذكر المسيح بن مريم ( ع ) في القرآن بكل الوقار والاحترام والتبجيل ، وأطلق القرآن لقب ( الحواريين ) على أتباع السيد المسيح ، والعديد من الشواهد والأدلة التي تدلل على اعتماد الحوار والإقناع بين الدين الإسلامي والمسيحيين ،  بل والعديد من قصص التاريخ والسيرة ما يتحدث عن تلك الوشائج والروابط المتينة التي تربط أهل الديانتين ، وكان رسول الله محمد ( ص ) يوصي بإكرامهم وحسن استقبالهم ويحرص على حمايتهم من كل أذى ، وحرص الإسلام على أن يتمتع المسيحيين بين أخوتهم  المسلمين بالأمان على الأرواح والأموال والأعراض ،  كما حرص الإسلام على احترام الكنائس والأديرة .

وتذكر كتب السنة الأقوال التي وردت على لسان النبي محمد ( ص ) فيما يخص الأقباط في مصر ، قوله   (  استوصوا بالقبط خيرا فأن لهم ذمة ورحمة ) ، وهذا القول لايأتي من فراغ ، إنما يستند على تلك الوشائج المتينة بين المسيحية والإسلام ، تلك الوشائج التي تشكل وجهة نظر مقدسة في عقل النبي محمد ( ص ) ، وهو الذي لاينطق عن الهوى ،  ليؤكد على المسلمين وصيته بأن لايكنوا للقبط في مصر  إلا الخير و الأمان الذي يجب أن يتحقق لهم ، وبسبب الحرمة التي تقع على عاتق المسلم في حمايتهم وعدم إيذاءهم ،  وكما يستند على تلك الروابط التي تدفع بالرسول الكريم ليوصي المسلمين في كل الأرض بأن يستوصوا بالقبط في مصر بالمودة والرحمة وأن يتم منحهم العهود والكفالة بما لايسيء لهم أحد ، وبما لايدنس محرماتهم أحد ، وبما لايضرهم احد ، وإلا عد متمردا على السنة ومخالفا لأقوال الرسول الكريم .

وإذا كان المسلم في مصر حريص على أسلامه وتطبيق تعاليم نبيه ، فحري به أن يحفظ لأخوته من الأقباط المصريين كل الود والتقدير والاحترام ، فهم بالإضافة الى دورهم الإنساني في بناء نهضة مصر والمساهمة الجادة في بناء حضارتها وتثبيت أركانها ، فأنهم يدعون الى السلام والى المحبة ويتمسكون بشعائر دينهم وتعاليم كنيستهم ، وتلك الدعوات الإنسانية تأتي من باب تمسكهم بحق الإنسان في الاختيار والعقيدة ، وليس لمنهجهم الديني تعارض مع مناهج المسلمين .

وعلى هذا الأساس فأن تعرض الأقباط في مصر لعمليات إرهابية  مخالفة كبيرة وتحريف عظيم لمناهج السلام وما أفاد به الرسول محمد ( ص ) ، وما يتعرض له الأقباط في مصر من إرهاب وجرائم تقترفها  بعض العقول المتطرفة والقاصرة في فهم معاني الدين والقيم الإنسانية ، لايتعدى الأذى الذي يعبر عن الأمراض النفسية التي تسيطر على بعض العقول الغارقة في تطرفها وعدوانيتها ، وينطبق عليها قول الرسول محمد ( ص ) في الحديث المشهور :  ( من أذى ذميا أو تنقصه حقه فأنا خصمه يوم القيامة ) ، وحقا سيكون محمد بن عبد الله خصما لهذه العقول الإرهابية التي تريد إشاعة الموت والدماء والإرهاب بين الناس تحت ستائر الدين أمام الله في يوم الحشر .

فإذا كانت نصوص القرآن تمنع الأذى عن المسيحيين ، وإذا كان نبي الإسلام يوصي بعدم إيذائهم وحمايتهم ، وإذا كانت لوائح حقوق الإنسان تحميهم ،  وإذا كان المجتمع المصري المتجانس والمختلط يعيش تحت تلك الأحكام السماوية التي تحث جميعها على السلام والمحبة والخير ، فعلى أي سند يستند الإرهاب المتطرف في الإساءة للأقباط في مصر ؟

وإذا كان الإسلام بريئا من أفعال الإرهابيين  التي يتم اقترافها على المسيحيين الأقباط في مصر ، فأن على كل علماء الدين الإسلامي التصدي لهذه الظاهرة التي تمس السلام وتسيء اليه ، قبل أن تفعل فعلها في المجتمع القبطي ، وعلى هؤلاء تقع مهمة التصدي وفضح تلك العقول التي تريد السوء بالإنسان ، وتحاول زعزعة الأمن وتخريب قيم المحبة والوئام بين أهل الديانات ، لشرور متجذرة في تلك النفوس ، ولتطرف متعفن في فهمها للحياة الإنسانية ، ما يستوجب على جميع من تهمه الحياة في مصر أن يتصدى لهؤلاء كل بقدر ما يستطيع ، لأن مواجهة هؤلاء وردعهم والتكاتف الإنساني يجعلهم في الحيز الضيق الذي يريدون التسلل منه الى الحياة المصرية الجميلة لتخريبها .

كل من يريد السوء بالأقباط في مصر مفتري يحاول أن يطوع افتراءه وتطرفه الأعوج باسم الدين الإسلامي ، وبالتالي أن يقوم بتنفيذ رغباته المريضة وجرائمه بحق أهل السلام والمحبة باسم الإسلام وهو منه  ومنها براء .

وإزاء موازين الحياة الإنسانية في مصر الكنانة ، وما ينتج عنها من انسجام سجله الزمن بين أهل الديانات ، ومع التمسك بكل النصوص المقدسة التي توجب عمل الخير والسعي للسلام والمحبة ، فأنها أيضا تأمر بعدم إيذاء الآخر وعدم الإساءة اليه ، فأن التطرف الديني الذي تعتقده بعض الأطراف  باسم السلام وينتشر  في المنطقة في هذه  الفترة   الحرجة من تاريخها ، إنما  يشكل ظاهرة سلبية ونشاز في المنطقة لن تستطيع تحقيق أهدافها المقيتة  ،  ويقينا أن المسيحية باقية ليس في مصر وحدها إنما في كل الأرض ما بقي الإنسان والعقل والمحبة  ، وليس بمقدور تلك البهائم التي تعتمد القتل كأسلوب في الإقناع ، فتقتل أنفسها التي حرم الله وتقتل غيرها ، إلا دليلا على الإفلاس ونطحها الصخور التي تتكسر عليها  قرونها الرخوة ، وما يتعرض له الأقباط في مصر صفحة من صفحات الغدر والإرهاب التي تعم المنطقة ، ما يوجب على كل صاحب ضمير حي أن يتوقف مليا أمام هذه الظاهرة وشجبها والتكاتف مع أهل السلام والمحبة .

وستتم مواجهة تلك الحملات البشعة والأرهابية من قبل الاقباط في مصر بكلمات السلام والمحبة التي تحميهم وتنتصر على كل سيوف الأعداء والمتطرفين  ، هذا ما تعلمه  الاقباط من ديانتهم  وما جربوه  في  تحملهم وصدهم لهجمات وحملات مرت عبر التأريخ ، انتهت وانتهى قادتها الى الحضيض ، مع ارتفاع المسيحية وانتصار مفاهيم وقيم  الأقباط في المحبة والسلام ،  وهم باقين  متجذرين في تلك الأرض أبدا .

36
الفيدرالية العراقية من وجهة نظر أمريكية

 

زهير كاظم عبود

 

شكل مشروع مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن الوضع في العراق جدلا واختلافا في الآراء ، بين مؤيد ورافض ومستنكر ، ودافع مؤيدو القرار عن الفيدرالية التي نص عليها الدستور العراقي ، باعتبارها بديلا عن النظام المركزي البائد ، وباعتبار أن الفيدرالية هي خيار العراق التي ناضل من أجلها ونصت عليها النصوص الدستورية ، كما دافع مؤيدو القرار عن المشروع بزعم أن المخالفين لم يقرأوا المشروع ولا تبينوا ملامحه وأسسه ، بينما أكد الرافضين للمشروع على مسألتين مهمتين أولهما التدخل الذي وجدوه في المشروع في الإرادة العراقية ، وثانيهما عدم تفهم المشروع للواقع العراقي .

وسنفترض أن المشروع وهو غير ملزم مجرد مقترح للوصول الى حلول تفيد الحياة والاستقرار في العراق .

وبغية إزالة بعض الالتباسات التي ربما تمكن من يؤيد المشروع ، أن كان غير ملزما كما يقول ، إلا انه لادخان بلا نار أيضا ، علينا أن نوضح  أن الدفاع عن الفيدرالية ليس مهمتهم وحدهم ، أن خيار الفيدرالية حقا هو خيار العراق المنصوص عليه في الدستور ، ضمن المادة الأولى ، ومادام الأمر بهذه الصورة ، فأين تكمن المشكلة وأين يكون الخلاف ؟ وهل حقا لم يقرأ من اختلف مع المشروع لعدم قراءته واطلاعه عليه ؟ وماذا يقول المشروع مادامت النصوص الدستورية هي التي تلزم العمل السياسي المستقبلي للعراق ؟

الفيدرالية تعني شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين حكومة مركزية ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم ، الولايات ، المحافظات غير الداخلة ضمن الأقاليم )، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة ، وتحدد النصوص الدستورية صلاحية كل وحدة .

كما تحافظ السلطات ألاتحادية على وحدة البلاد واستقلاله ونظامه الديمقراطي  ، وفي الدستور العراقي فأن النظام الاتحادي في العراق يتكون من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية ، ويحق لكل ثلاث محافظات أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه ، إما بطلب من ثلث أعضاء كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم ، أو بناء على طلب عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم .

أما المشروع الأمريكي فينص على ما يلي :

 (( تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قرار حول إنشاء وحدات فيدرالية على أساس عرقي وطائفي، لوضع حد للعنف الذي تشهده البلاد على نحو يهدد كيانها، واعتبرت الجامعة العربية هذه الخطوة وصفة مسمومة ودعت للتدخل لإنهاء الاحتلال بكافة أشكاله.

وصوّت لصالح المشروع الذي تقدم به السناتور الديمقراطي جوزيف بيدن 75 عضوا مقابل 23 عضوا عارضوا القرار.

ويحث القرار غير الملزم الحكومة الأمريكية على دعم مشروع المصالحة بين المكونات الرئيسية في العراق على أساس ما نصّ عليه الدستور العراقي في تطبيق النظام الفيدرالي، والسماح بإنشاء مناطق فيدرالية، لمنع انهيار الدولة في ظل التناحر المسلح.

ويدعو القرار أيضا إلى عقد مؤتمر للعراقيين للوصول إلى اتفاق سياسي شامل يعتمد على تشكيل المناطق الفيدرالية مع بقاء العراق موحدا.

ويؤكد كذلك ضرورة أن تسرع الحكومة العراقية في تمرير قانون النفط، لضمان توزيع الثروات النفطية بالتساوي بين العراقيين، لأن هذه الخطوة من أهم مكونات النظام الفيدرالي، وفق القرار.

ويدعو القرار دول العالم ولاسيما دول الجوار إلى مساعدة العراق للخروج من محنته الحالية، وللسماح للقوات الأمريكية بالعودة إلى بلادها.

ويُعد هذا القرار غير ملزم للإدارة الأمريكية، لكنه يهدف إلى توفير آراء وأفكار لهذه الإدارة في كيفية حل الأزمة.

وأشار القرار إلى أن الكونجرس اعتمد للوصول إلى هذا الخيار على 13 حقيقة: منها أن الدستور العراقي الدائم يعلن أن “العراق دولة مستقلة واتحادية فيدرالية”، وأن النظام الفيدرالي الذي أقره الدستور العراقي يمنح العراقيين في مناطقهم الفيدرالية حق تشريع بعض القوانين من ضمنها تلك التي لها علاقة بالدين والزواج والتعليم والتوظيف، وأن البرلمان العراقي صادق على قانون الفيدرالية بتأريخ 11 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2006. ))

ويبدو لمن يقرأ المشروع أن الدعوة ليست لفيدرالية عراقية تقوم على أساس الخيارات العراقية ، إنما تنص على ضرورة أن تكون هناك فيدراليات قائمة على الأساس الطائفي ، وتكريسا لهذا المعيار الطائفي الذي أعتبره المشروع أمرا واقعا وحتميا في العراق ، سيتم تكريس النهج الطائفي في الإقليم تبعا لذلك ، حيث سيكون برلمان الإقليم طائفيا،  والحكومة المتشكلة على أساسه طائفية ، سواء منها في الإقليم الشيعي أو الإقليم السني ، وستكون تلك الطائفية التي طالما تبجح الجميع برفضها كمنهج في العمل السياسي ، قاعدة للعمل الدستوري  خلافا لنصوص الدستور ،  التي أكدت على مساواة العراقيين أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو القومية أو العرق أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي ، كما تخالف نصوص الدستور التي تؤكد حظر الكيانات التي تتبنى الطائفية والتطهير الطائفي .

أذن لاتكمن المشكلة في التطبيق الفيدرالي بشكله الدستوري والقائم على احترام إنسانية العراقي دون النظر الى دينه أو طائفته ، وبهذا فأن الدفاع عن المشروع تحت غطاء الدفاع عن الفيدرالية بعيد عن الواقع ، لأن  الفيدرالية هي الخيار الأنجع لمشاكل العراق ، ولايمكن للتكريس الطائفي أن يكون بديلا .

وإذا كانت الفيدراليات تقوم على أساس الاتحاد الاختياري بين الولايات أو المجموعات البشرية التي تختلف أما بالقومية أو بالديانة أو اللغة أو الثقافة ،  لتكوين شخصية قانونية لنظام سياسي إتحادي ، فكيف يمكن تفسير تلك الفيدراليات التي تقوم على أساس طائفي ؟ ما دام الشيعي والسني من المسلمين ومن ديانة واحدة  ، وإذا كانت مشكلة العراق في التأجيج الطائفي وتكريس مناهجه في الحياة العراقية التي يرفضها حتى من يتمسك بمناهج الطائفية اليوم ، بعد أن توضح للعراقيين بشكل ملموس عقم هذا المنهج وسلبياته وتعارضه مع منهج العراقيين وسعيهم للحياة الكريمة والحرة وبناء المستقبل العراقي ، حتى يمكن أن يكون العراق لجميع العراقيين بصرف النظر عن الدين أو القومية أو المذهب .

من يقرأ المشروع الأمريكي لن تخيفه عبارات الفيدرالية والمصالحة والدستور ، بقدر ما يتوجس من تعبير الكيانات الطائفية للشيعة والسنة ، التي يريد المشروع تأسيس الأقاليم على أساسها ، ومن يقرأ المشروع الأمريكي سيجد انه يكرر ما قرره الدستور لولا تلك العبارات الناشزة التي تدل أما على عدم قراءة مقدم المشروع للواقع العراقي ،  وعدم معرفته بأحوال العراقيين ولا تأريخهم ، أو محاولته قراءة تقبل العراقيين لمنهج طائفي يستمر معهم ما بقيت الدولة العراقية الاتحادية قائمة ويسمم حياتهم  ، دولة تقوم على المنهج الطائفي فكرا ودستورا وأساسا ، ليس في الحياة السياسية فحسب ، بل تنسحب الى الحياة العادية ، فيكتب العراقي ولأول مرة في هوية الأحوال المدنية الى جانب حقل الديانة أسم الطائفة ، وسيصبح أسم الإقليم أيضا تبعا لهذا المذهب ، وتتشكل البرلمانات على أسس طائفية ، وتمارس السلطات الإقليمية اختصاصاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا للمذهبية السنية أو الشيعية ، ويدار الإقليم وفقا للأساس الطائفي الذي قام عليه ،   وهو ما ترفضه الأحزاب العراقية الوطنية التي ترفض الطائفية أصلا  ، ولو قرأنا مناهج تلك الأحزاب لوجدنا أنها تسعى الى عراق بعيد عن الطائفية والعنصرية ، فكيف تنسجم تلك الشعارات مع الإقليم الطائفي .

أن التناحر المذهبي القائم في العراق لايستند إلا على المصالح الذاتية لبعض الشخصيات والأحزاب التي تريد تكريسه تحقيقا لمصالحها على حساب العراق ، وأن التناحر المذهبي القائم اليوم في العراق لايستند على مقومات التاريخ العراقي لأنه يقوم بين كتل سياسية تسحب عملها على الشارع العراقي ، ولهذا لايتحقق الغطاء المشروع لهذا التناحر .

ولهذا فأن القراءة الموضوعية للمشروع تجعل العراقي يرفضه ، لا بسبب دعوته للفيدرالية والتي هي بالأساس خيارا عراقيا ، ونصوصا دستورية أجمعت عليها تلك الملايين التي زحفت لتكتب نعم للدستور ، إنما الرفض بسبب دعوته الى تقزيم الفيدرالية الى أقاليم طائفية وما ستخلفه من كوارث أنسانية واجتماعية على المستقبل العراقي  .

والطائفية ظاهرة تدفع باتجاه تغليب الفرص وإلغاء حق المساواة إلا بموجب معيار الطائفة ، وبالتالي فأن الانتماء للطائفة يتغلب على الانتماء للوطن ،  ولا تنسجم تلك الظاهرة مع وجود مواطن آخر من مذهب آخر يتساوى في الحقوق والواجبات .

والطائفة أن  تتبني ( مجموعة من الناس ) منهجا أو فكرا دينيا داخل دين من الأديان ، وهذه الجماعة الدينية تعتقد بصواب منهجها وخطأ الآخرين ، وأخيرا فأن الشيعة ليست طائفة لأنها تضم العديد من المذاهب ، كالجعفرية الأمامية والإسماعيلية والزيدية  ، وكذلك السنة حيث  يتوزعون على عدة مذاهب منها الحنفية والشافعية والمالكية والحنبلية .

فإذا كان الدستور العراقي ينص على أن العراق جمهورية ديمقراطية واتحادية ، فهل يعدل المشروع التسمية ليلحقها بعبارة يتشكل من أقاليم طائفية ؟ وهل يعتبر المشروع العراقيين من المذاهب الأخرى المقيمين في إقليم مذهب آخر رعايا أو مواطنين ؟ وكيف سيكون وضعهم القانوني فيما يخص الأحوال الشخصية المطبقة عليهم ؟ وليس أكثر تجسيدا لما تسببه الطائفية تلك المحاصصات التي أضرت وتضر بمسيرة العراق ، وليس أكثر من تكريس الانقسامات بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد في سطور المشروع ،  فهل تمت قراءة المشروع بتأني وتمعن ؟ 

37
المنبر الحر / اقتحام المدى
« في: 19:59 07/10/2007  »
اقتحام المدى

 

زهير كاظم عبود 

 

القوة الأمريكية التي اقتحمت مبنى جريدة المدى العراقية لم تكن دون سبب ، وكانت تلك القوة  تبحث عن أوراق ومستندات في بعض الأقسام .

تلك القوة لم تكن الأولى والأخيرة التي تداهم المدى ، فقبلها قامت قوة صغيرة من الجيش العراقي باقتحام المبنى باحثة عن تلك المستمسكات ، دون أن تجدها أو تعرف مكانها أو حقيقة وجودها ،ويبدو أن القوة العراقية التي كانت مكلفة بالبحث عن تلك الأوراق لم تفلح بتحقيق نتائجها ، وقامت تلك القوة باقتحام مبنى المدى ليلا ووضعت يدها على كراسات ووثائق قديمة متروكة في مخازن الأرشيف، ومهما كانت قيمة تلك المستمسكات وعدم أهميتها ، فأنها بالتالي مستمسكات تخص الجريدة ولايحق لغيرها الاستيلاء عليها إلا وفقا للقانون .

و بالرغم من الخرق الذي تمت ممارسته  بحق صحيفة من كبريات الصحف العراقية وأهمها في الساحة الإعلامية ، وبالرغم من الاستهانة بالدستور والقانون الذي يوجب أن يكون هناك أمرا بالتحري الأصولي الصادر من جهة قضائية مختصة ، علما أن الدستور العراقي أكد على أن تراعي الدولة المؤسسات الثقافية ، وتتكفل بحمايتها من الإكراه النفسي والفكري ، وكما تتكفل الدولة بحرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل ، وبما فيها حرية الصحافة .

ولنا أن نتساءل عن الشيء الذي تبحث عنه القوة العراقية العسكرية وبعدها القوة الأمريكية ؟ وماهو الشيء الذي تحوزه (( المدى )) ليدوخ عقول قائد القوة العراقية ؟  ومن ثم القوة الأمريكية التي صارت مهمتها العسكرية البحث في الأدراج والدواليب وكسر الأقفال ، وتلك مهمة غايتها مكافحة الإرهاب !!

وباعتبار أن تلك القوة العراقية يتم مسائلتها وفقا للقانون ، وعلى الحكومة ممثلة برئيس الوزراء أن يعلن عن حقيقة تلك المهمة التي قامت بها القوة العسكرية ، وعلينا أيضا أن نحمي مؤسساتنا الثقافية من تعسف القوات الأمريكية وبحثها في مستمسكات عراقية لاتخصها ، إلا إذا كانت لدى المدى أوراق ومستمسكات تدين بعض الشخصيات الأمريكية العاملة في العراق وتورطها بالفساد والسرقات .

ولانعتقد أن العمليتين العسكريتين تتعلقان بما لدى المدى من وثائق الرشاوى في عمليات النفط مقابل الغذاء في الزمن البائد ، لأن الأمر انكشف للعالم مع كل ما تم طمره من حقيقة تلك الوثائق ، حيث لم تتخذ الإجراءات القانونية الكفيلة على الأقل برد الاعتبار للعراق .

منظمات المجتمع المدني والأحزاب العراقية الفاعلة في الساحة العراقية مدعوة للوقوف بوجه تلك الممارسات البعيدة عن القانون والأخلاق ، والحكومة ممثلة بالبرلمان والسلطة مدعوة لاتخاذ أجراء رادع لإيقاف مثل تلك الممارسات الهجينة في الزمن الجديد وعدم تكرارها مع المدى أو مع غيرها من الصحف مستقبلا .

أن على المثقفين العراقيين الوقوف مليا أمام هذه الظاهرة التي تستبيح ليس الفكر وحرية الرأي ، إنما تستبيح الدستور والقانون ، أن يكون الرد متناسبا مع حجم التدخل السافر والمتكرر ، وان تعلن تلك الجهات عما تبحث وتريد من جريدة عراقية صارت جزءا مهما من ثقافة العراقي ؟ 

القوة العسكرية سواء منها العراقية أو الأمريكية لم تستطع أن تتعرف على مكامن المدى ومخابئها ، ولن تستطيع أن تعرف مطلقا ، فقلوب العراقيين كلها مخابئ لتلك الصفحة العراقية التي يثق بها أهل العراق ، وكل صدور العراقيين حواجز لصد أي اختراق ليس للمدى إنما لكل الصحف العراقية دفاعا عن حرية الصحافة والكلمة الحرة التي تلتزم بها المدى .

 

38
الفيدرالية الطائفية

 

زهير كاظم عبود
 

ليس لكلمة ( الفيدرالية الطائفية ) محلا في قواميس القانون الدستوري ، كما أن هذا التوصيف لايبتعد عن الواقع والمنطق فقط ، إنما يجافي الحقيقة والحق حين يراد الإشارة به الى حل من الحلول التي يتوخى معها نهاية الأزمة الخانقة في بغداد .

ويبدو الأمر وان كان مغلف بكلمة ( غير الملزم ) يعبر تعبيرا صادقا عن الجهل المطبق لما تعانيه الذهنية الأمريكية الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية ، فهي ليس فقط تتدخل في الشأن العراقي تدخلا في الطول والعرض ، وهي ليست فقط تستبيح الدم والكرامة في العراق ، إنما تعبر عن منهج خلط السم بالعسل حين يراد تغليف الفيدرالية التي قدم أهل العراق التضحيات الجسام من اجل أن تتحقق ، ليتم تغليفها بورق الطائفية المقيت الذي طالما رفضه وأستهجنه العراقي ، وهو تعبير عن الحالة الهجينة التي يتعكز عليها بعض السياسيين والأحزاب في السلطة ، ونتاجها تلك الفوضى وإشاعة الجريمة والاختلاسات وسرقة المال العام  ، والقتل المنظم وسيطرة الجيوش المساندة  لحكومات  صغيرة تستبيح الدولة العراقية والإنسان العراقي بشكل عام .

وليس جديدا أن يطلق أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي نظرية يتوسم فيها تقسيم العراق ، مادام العراق ممدد على طاولة التقسيم ، وأدوات التقسيم موجودة وجاهزة ،  ومادام هناك من يدافع عن الفيدرالية ، وتحت تلك اليافطة يمكن أن يمرر المشروع .

العراق ثلاث دول فيدرالية واحدة للأكراد والثانية للشيعة والثالثة للسنة ، وبغداد تبقى عاصمة للأقاليم ، وهذا التوصيف الطائفي لايتشابه مع اتفاقية  دايتون في البوسنة ، فليس عندنا حرب بين المسلمين والمسيحيين ولابين الأيزيدية والمسلمين ، ولا حروب دينية أو قومية قائمة اليوم ، لذا فتوجه الأمر على أساس مماثلة التجربة العراقية لتجربة البوسنة لايستقيم و لايمكن تطابقها .

الفيدرالية توحد وتدفع باتجاه وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي ، والمدن العراقية المختلطة لاتتجانس مع كل ما ورد بالمشروع .

وإذا كان صاحب المشروع قد تجاهل مكونات الشعب العراقي ، وتجاهل الأحزاب العراقية وشعاراتها التي ناضلت من اجل نبذ الطائفية وتحقيق الفيدرالية ، والدستور العراقي نفسه يؤكد على رفض الطائفية والأحزاب التي تعتمد الطائفية ، كما أن المشروع نفسه يتجاهل متعمدا الإرادة العراقية باعتبار أن الكونغرس الأمريكي الوصي الشرعي الدولي على الدولة العراقية القاصرة اليوم .

التقسيم الذي يشطر العراق الى ثلاث فيدراليات يتناقض حتى مع حق كل ثلاث محافظات أو أكثر في تكوين إقليم فيدرالي بناء على الاستفتاء ، لأن التقسيم يجعل من المحافظات أساسا طائفيا لإقليم طائفي ، وهذا التأسيس يتناقض مع منطق الفيدرالية التي تبني الأقاليم على أساس أنساني ،  بالإضافة الى حرص الأقاليم على حلول إنسانية لاتقوم على أساس التكريس الطائفي ، ولايمكن أن يقبل أهل العراق بإقليم يقوم على أساس طائفي لأنه يعني الخراب والإلغاء والتهميش والظلم وبعثرة المواطن .

لم تقم الفيدرالية في كردستان العراق على أساس طائفي ولايمكن أن تقوم ، ولانعتقد إن شعب كردستان يسمح بأن تؤسس فيدراليته التي رعتها قوافل الشهداء على الطائفية التي طالما رفضتها القيادة الكردستانية .

ومثلما هو الحال فأن أساس المشكلة التي  تقوم عليها الإشكالية العراقية اليوم في التأسيس الطائفي ، وليس من سبب للوضع المأساوي سوى الحرب الطائفية والإرهاب ، فإذا ما أتفقت الأطراف على أن القضاء على الإرهاب قاسما عراقيا مشتركا ، صارت تباشيره تلوح في الأفق ، ينبغي التحلي بشيء من الجرأة والصراحة والصدق في رفض الطائفية وكل القيادات التي تحرص على التعامل بها وتأسيسها وتكريسها ، والخلاص من بشاعتها لإنقاذ أهل العراق بغض النظر عن دياناتهم ومذاهبهم منها .

أن ما قرره السناتور الأمريكي لايعدو إلا جسا لنبض الحس الوطني وللضمائر العراقية التي استفزها مشروعه ، وبالتالي تقدير قوة تلك الضمائر في الساحة العراقية ، وخصوصا التيار الديمقراطي واللبرالي والرافض للمشاريع ألأمريكية وللطائفية ، حتى يمكن أن يتم احتساب تلك القوة ضمن مشاريع وأفكار جديدة .

لاشك أن النظرة القاصرة للمشروع تدلل ليس الى سذاجة مبني المشروع إنما الى عدم معرفته بمرارة العراقيين ونضالهم الطويل ، النضال الذي لايمكن أن يلغيه زمن طارئ ومر مغمسة أيامه بالفكر الطائفي المدجج بالأسلحة والموت والإرهاب ، وتضحيات العراقيين منذ بواكير تأسيس الدولة العراقية في العشرينيات من أجل عراق ديمقراطي تتعايش ضمنه كل المكونات من العرب والأكراد والتركمان والكلدان والآشوريين والأرمن ، وكل الديانات من المسلمين والمسيحيين والأيزيديين والمندائيين واليهود ، وكل تلك المكونات التي يتعارض وجودها كليا مع بناء أقاليم مجزأة تقوم على الفصل الطائفي .

يسعى المشروع الى تكريس الطائفية تحت يافطة حل معضلة الواقع العراقي ، في حين يؤسس المشروع أقاليم طائفية مريضة ، ويسعى المشروع الى تأسيس فيدرالية جديدة في القانون الدولي ، في حين انه يتناقض مع المفهوم الفيدرالي للدولة الاتحادية ،  وبالرغم من أن المشروع يزعم عدم الزاميته ، فقد ولد ميتا وعلامات موته واضحة ومنكشفة , التخالط المذهبي في المدن العراقية روحيا لايمكن أن تفصله الأقاليم الطائفية ، والتمازج الإنساني بين العراقيين لايمكن أن تشطره الأقاليم الطائفية ، مثلما أن التجاوز على الإرادة العراقية وأن تم تغليفه بورق مسلفن ويافطات ظاهرة تقول انه غير ملزم ، إلا إنه يدلل على التدخل الفظ والرسم والتخطيط لما يسيء للعراق والعراقيين ، ولم تكن هناك سابقة تاريخية في القانون الدستوري أن قامت أقاليم طائفية ، مثلما لم تكن هناك سابقة دستورية لبلد يراد له أن يحل مشاكله بالتمزيق الطائفي ، والسعي للإقرار بسيادة الطائفية على الواقع .

أن المقترح لم يثر هواجس العراقيين بل أثار تخوفهم من المخططات التي تحاك لمستقبلهم ، مما يدفع باتجاه إن تصحو القوى الخيرة التي تسعى لمصلحة الشعب العراقي وإنقاذه  وخلاصه مما هو فيه اليوم ، وتكاتف كل تلك القوى اليوم ردا وطنيا على تلك المشاريع والأفكار ، فهل تدرك تلك القوى من الأحزاب والتجمعات والشخصيات الخطر الذي يحيق بالعراق ؟ 

39
كنت ولم تزل أبنا بارا للعراق يامصطفى المدامغة


زهير كاظم عبود
 

منذ أن وعيت نذرت نفسك للعراق ، فكنت أبنا بارا تنحاز للفقراء والضعفاء ، وتنتصر للمظلومين ، وتحملت عواقب هذا الالتزام سجونا وفصلا وتشريدا ، غيرأنك بقيت كما أنت معلما وعالما يفتخر بك كل من تعرف اليك أو عمل بقربك .

عرفتك المحاكم العراقية قاضيا عادلا ونزيها ومتواضعا ، وعرفك أهل القانون ملتزما وصلبا وعالما جليلا  تتعلم منك الأجيال ، لتكون سندا ومرجعا وفقيها في مجالات القانون المختلفة ، غير انك نقشت أسمك في قلوب الناس قبل أن تنقشه في قلوب العاملين في المجال القضائي والقانوني .

تتلمذ على يديك خيرة قضاة العراق ، وكنت مثالا ونبراسا للقاضي الذي لايخشى في الحق لومة لائم ، وحين انصرفت على البحث  ، خرجت لنا بأبحاث قضائية مهمة في قانون الإثبات منها  اليمين في القانون العراقي ودراسات في قانون الأحوال الشخصية .

أيها الرمز العراقي الكبير ، يامن أجد الكلمات تفر مني حين أريد أن اسطر بعض الكلمات عنك بعد رحيلك ، وكانت مواقفك في زمن الدكتاتورية ماتشرف القضاء الذي كان ساعيا للبقاء على نظافته وهيبته ، وتدفع المبتدئين في العمل القضائي  أن يتلمسوا طريقك ، وعدك بعض الباحثين من القضاة المتميزين جهدا وعلما وأخلاقا .

والقاضي مصطفى المدامغة بالأضافة الى ممارسته القضاء وتمرسه في القوانين شاعرا أصيلا ومتمكنا ، وله قصائد رائعة في هذا المجال  .

تحمل المدامغة تعسف وظلم السلطة الصدامية ، وأحيل على التقاعد المدني وحرم من العمل في المحاماة أسوة بجمع خير وعدد كبير من قضاة محكمة التمييز ، ممن قضوا أكثر أعمارهم في القضاء العراقي ، وبعد إن تم تهميش هذا العدد في حادثة سميت ( بمجزرة القضاء العراقي  ) ، ركن في بيته قانعا بما قسم الله له ، متابعا للقضاء وللمؤسسات القانونية ، ولم تحيد عينه عن العراق .

ولحاجة العراق اليوم الى تلك الطاقات والكفاءات ، فقد تمت إعادته الى القضاء العراقي في عمله السابق كعضو في محكمة التمييز ، وهي المهمة التي أضطلع بها لأكثر من 20 عاما ، وأستمر في العطاء بجدارة ومهنية عالية ، ورحل من بيته كبقية المهجرين نتيجة الحروب الطائفية القذرة في العراق ، ولاحقته أيادي الإرهاب والغدر تقطع طريقه من بيته الى عمله ، فتغدر به ، وحين تتمكن هذه العصابات  من إيقاف عطاء الأصيل مصطفى المدامغة ، فأنها تسعى لتصيب العراق في الصميم ، فمصطفى المدامغة أبنه البار الذي لم يتوقف عن العطاء ، ووظف كل عمره في خدمة الحق والحقيقة والإنسان .

سينام أبا علي قرير العين مطمئنا لعطاءه وخدمته للقضاء العراقي ، فقد دخل مسلك القضاء نزيها وكبيرا وغادر القضاء والحياة نزيها وكبيرا كما كان دوما  ، خالدا في ضمائر الطيبين من أهل العراق .

رحلت عنا ونحن في أمس الحاجة لعقلك النير وفكرك المنفتح وعلميتك المشهودة ، ورحلت عنا ونحن بحاجة لأمثالك من أبناء العراق المخلصين والطيبين ، وفي زمن الغدر والموت الطائفي البغيض غادرتنا تحمل جراحك ووجعك وأنت الذي لم تفكر أن تؤذي نملة في يوم ما ، أيها الشهيد الكبير والقاضي الجليل أوفيت بعهدك وأكملت مسيرتك وقطعوا عليك طريق العطاء ، فكنت تريد إن تعطي للعراق بالرغم من شيخوختك وعمرك ، لكنك لم تحمل سوى ذلك الضمير النقي والتأريخ الأنقى ، وتلك السمعة التي تتباهى بها بين أقرانك أيها الإنسان والقاضي والعالم والشاعر مصطفى المدامغة .

 

40
هل يمكن للبعث أن يغير أسلوبه وسياسته في العراق ؟


زهير كاظم عبود

حيث  أننا لم نعد نحفل بالتاريخ الذي وضعناه خلف ظهورنا ، فقد أعتقد بعض السياسيين أن الذاكرة العراقية أصبحت  ضعيفة ، وتخللها الكثير من العثرات والخلل ، وبالتالي  جعلها  تصاب بانعدام الذاكرة ، وهذا الوهم لايجد له شيء من الحقيقة ، ولا يقنع سوى أصحابه ، حيث إننا في العراق لم نزل نسحب ورائنا هذا التاريخ بكل خيباته وهزائمه ، ونقرأ التاريخ بعيدا عن التزييف والتزوير الذي أرادته السلطات ، فنتعرف على الرموز والحقائق  في الفترات التي مرت على العراق ، مثلما نقرأ أسماء الشهداء والضحايا ، فأننا نقرأ أيضا أسماء المجرمين .

ولابد أن يتم تقييم الأحداث بنتائجها ، وانسجاما مع المنطق يجب أن تكون كل مرحلة من مراحل الحياة العراقية لها سلبياتها وإيجابياتها ، كما أن لها أسبابها وشخوصها ، وضمن تلك الفترات الزمنية العصيبة حكم العراق أشخاص ورموز وأحزاب واتجاهات سجلها التاريخ العراقي بكل ما لها وما عليها .

ومن سلاطين وأمراء حتى الدولة العثمانية التي ولت على العراق ولاة عدة ، ومرورا بالملوك الذين تعاقبوا على حكم العراق ، وبداية العهد الجمهوري وحكم عبد الكريم قاسم ، ومن ثم في الانقلاب الذي قاده حزب البعث في الثامن من شباط 1963 ، وبعده في انقلاب تشرين الأول 1963 وحكم عبد السلام عارف ، ومن ثم في حكم مورثه شقيقه عبد الرحمن عارف ، ومن ثم في انقلاب 17 تموز 1968 وحكم حزب البعث مرة أخرى .

والمتمعن في تلك الفترة يجد أن حزب البعث حكم العراق مرتين خلال حقبة زمنية واحدة ، وخلال الفترة الأولى أضاع فرصته في تكريسه كل السلطة من أجل الانتقام والقتل الذي روع العراقيين وترك ذاكرتهم ممتلئة بالرعب والكراهية والحزن ، فأضاع الإنسان الذي جعله طعما للموت في أقبية الحرس القومي ومقرات التعذيب ، وملأ السجون بالشباب ، و هرب من العراق من هرب  وعرف الهجرة لأول مرة في تأريخ العراق السياسي ، وأضاع الوطن الذي عرضه للمخاطر والتقسيم والبيع ، ومن ثم في ضياع فرصة الحكم وتجسيد الأهداف والشعارات التي طرحها في برنامجه السياسي .

وبعد تلك الأحداث التي بعثرت العراق فان الذاكرة العراقية بقيت  خزينا طريا ويتسع لكل الفواجع التي أحدثها البعث في العراق ، والتي تم ارتكابها من قبل  قيادات  سلطة الانقلاب ، تلك السلطات  التي شرعنت للعنف الجماعي بشكل لم يسبق له مثيل ،وطبقت الاجتثاث وفق مفهومها مستحدثة أساليب وطرق غير معهودة في العمل السياسي وفي منطق الاختلاف  .

وإذا كان العراق أنتقل من سياسة العفو عند المقدرة الى سياسة الانتقام ، فأن التاريخ العراقي سجل بآسى وحزن كبير ما أقترفه البعث تجاه شعب العراق ، وما تركه من آثار ليس من السهل أن يتم التئامها أو نسيانها   .

وحين حدث انقلاب عبد السلام عارف لم يمارس الانتقام بقدر ما أنصرف الى تحجيم دور البعثيين ومنعهم من الحكم ، محققا بذلك ماكانت الجماهير العراقية تريده ، غير انه أستمر بممارسة النهج الشوفيني والطائفي الذي تميز به ، وأستمر عليه من بعده مورثه عبد الرحمن عارف ، الذي عاد يهادن البعثيين ويسلمهم  المراكز الحساسة في عصب الجيش والدولة ، فانقلبوا عليه من داخل قصره ، وتوفرت فرصه ثانية كررها التأريخ مرة أخرى لحزب البعث لحكم العراق .

والمتمعن في بيان الانقلاب الأول يستقرأ الهواجس التي كان يشعرها حزب البعث تجاه الجماهير العراقية ، من خلال تلك الوعود والشعارات التي أطلقها ، وبالرغم من توجس الجماهير من سلطة البعث ، فقد كانت فرصة سانحة للحكم المدني ومساحة يمكن أن يسعى الحزب لتحقيق معالم الديمقراطية ، إلا أن سيطرة العشائرية وحصر السلطة في البيت الواحد ومن ثم في أطباق القائد الأوحد والرئيس الوحيد على جميع مقاليد الحكم ، وتغليب منطق الحزب القائد والواحد ، وإلغاء الآخر ومحاربة جميع الأحزاب السياسية بنفس منطق الموت الذي جرى على العراق بعد الثامن من شباط 63 ، وأزداد سعير الطغيان والبطش منسجما مع قدرات السلطة المتنامية هذه المرة .

وبغية عدم الاسترسال في تقييم الأحداث ، والتركيز على نقطة جوهرية معينة في الحياة السياسية العراقية ، وهي توفر فرصتين تاريخيتين للبعث العراقي في الحكم ، وفشله الذريع والمريع في توفير أبسط مستلزمات كرامة العراقيين واستقرارهم ، وفشل الحزب في تطبيق أدنى الشعارات والأهداف التي طرحها في برنامجه السياسي ، وفشله في فهمه واعترافه بالحقوق القومية المشروعة في العراق ،  وعدم وجود أية نقطة التقاء مع جميع الأحزاب والقوى السياسية العراقية ، وبهذا فقد انتهى الحزب الى قطيعة كبيرة بينه وبين جماهير العراق .

ويقينا أن من سعى الى إصدار قانون اجتثاث البعث أخطأ خطأ فادحا ، حين تصور واهما أن جميع منتسبي البعث كانوا يؤمنون ويعتقدون حقا بأهداف البعث ، وأعتقد واهما بأن جميع هذه ألأعداد من ضمن المتمسكين بالبعث ، غير عابئ بسياسة السلطة البعثية التي أرغمت جميع العراقيين على الانتساب للحزب في سياسة تبعيث المجتمع  ، وغير ملتفت الى الممارسات الأمنية في تسقيط السياسيين العراقيين من بقية الأحزاب وإجبارهم على الانتماء للبعث تحت يافطة النشاط الوطني ، وغير  عارف بوجهة نظر العراقيين تجاه هذه الفرص التي وفرتها السلطة مرتين للبعث وفشله في قيادة العراق بعقل وحكمة .

ولو قدر للبعث أن يبقى ضمن المتبقي من الأحزاب السياسية التي أراد أن يجتثها ، لسقط ولم يستطع الوقوف على رجليه  ، لو قدر للبعث أن يبقى لما استطاع البعثيين أن يلموا عشرة من المائة من تلك الأعداد التي انسحبت منهم الى الأبد ، تلك الجماهير التي أدركت خيبتها من تلك الجرائم الوطنية التي تلطخ بها أسم البعث في العراق ، ولو قدر للبعث أن يبقى دون اجتثاث لما أستطاع البعثيين أن يجاهروا بين الناس .

وتنطلق اليوم الأصوات الداعية الى المصالحة الوطنية ، ولم الصفوف في هذه المرحلة الخطيرة من حياة العراقيين ، وبالنظر لما يمر به العراق من وضع مأساوي يستوجب على جميع الجهات السياسية التناخي لدرء هذا الخطر ، وبالتالي التوافق وفق القواسم المشتركة في الحدود الدنيا ضمن هذه المرحلة في جبهة عراقية وطنية لإنقاذ العراق .

بعد سقوط الدكتاتورية وهروب قيادات البعثيين الى دول الجوار ، ظن العديد منهم إن السلطة لابد وان تعود إليهم مرة أخرى اعتمادا على هروب الدكتاتور ، وحين تم إعدام الطاغية ، بقي العديد منهم يتشبثون بوجود المعلول عزت الدوري ، وأنشق الحزب الى كتلتين ، الأولى يفترض أن يقودها عزت الدوري ، والثانية يقودها محمد يونس الأحمد .

وقيل أن هناك حوارا واجتماعات بين تلك الجماعات بشقيها وبين السلطة العراقية ، أو بين تلك الجماعات وأحزاب وشخصيات عراقية ، غير أن بيانات البعث نفت ذلك ، مثلما نفى ممثليه كل من المدعو أبو محمد وأبو وسام الجشعمي كل تلك الأقاويل التي تزعم أن حوارا  أو اجتماعا بصدد تلك المهمة قد جرى مطلقا ، وتبادل الشطرين الاتهامات وأصدر كل منهما بيانا يتهم فيه الثاني اللقاء مع الأمريكيين والخيانة ،  وأجرت عدة قنوات تلفازية حوارات مع المدعو أبو محمد والجشعمي ، غير إنهما اتفقا على أن الأحزاب الموجودة الآن في العراق جميعهم من الخونة السائرين بركاب الأجنبي ، واغلب تلك القيادات عملاء للاحتلال ، وان قوى البعث اليوم هي من تقود المقاومة المسلحة ، وأدلى الجشعمي بمعلومات خطيرة حين صرح أن العديد من البعثيين اليوم انخرطوا ضمن الأحزاب الدينية ليساهموا في ارتكاب المهمات ضد الاحتلال ، وإنهم لم يخفوا تنسيقهم مع تنظيم القاعدة الإرهابي مادام الهدف واحدا ، غير انه نفى أن يكون البعثيين أو الإرهابيين يقصدون قتل المواطن العراقي ،  كما أكد السيد غزوان الكبيسي نائب الأمين العام للحزب في لقاء بثته قناة العربية  زعم تعاونهم مع القاعدة الإرهابية ضد الأمريكان والصفويين  ، وان البعثيين موجودين في الفصائل العسكرية وأن الجماعات الإسلامية ممتلئة بالبعثيين اليوم  .

ونقلت الصحافة أن  تصريحات رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي حول توسطه في مفاوضات بعثية - أميركية بلبلة في صفوف البعثيين داخل العراق وخارجه ، وتبادل جناحا الحزب بقيادة عزة الدوري ومحمد يونس الأحمد الاتهامات.
وفيما هاجم جناح عزة الدوري تصريحات علاوي ،  اعتبر جناح الأحمد تلك الخطوة «خيانة كبيرة ))   .

واعتبر أبو وسام الجشعمي القيادي في تنظيم البعث في اتصال هاتفي مع «الحياة» هذه التصريحات (( جزءاً من حملة عدائية مبرمجة تقودها أميركا وعملاؤها للنيل من مكتسبات الحزب في مجال المقاومة المسلحة ضد الاحتلال من جهة وزعزعة الثقة بين قواعد التنظيم في الداخل وقيادته في الخارج لتفتيت الحزب وإضعافه((. واتهم )) أطرافاً عربية يشهد التاريخ السياسي للحزب بتآمرها عليه منذ أكثر من نصف قرن بمحاولة كسر شوكة المشروع النهضوي والثوري ضد الاستعمار داخل العراق¡ ساهمت ولا تزال في إيقاع الفرقة وبث الفتنة داخل أكبر تنظيم قومي في الوطن العربي )) .

وإزاء تلك النظرة الأتهامية تجاه جميع المكونات السياسية ، لم يجد البعث انه أخطأ بحق العراق ، ولم يجنح لمراجعة ذاتية إزاء سياسته خلال تلك المراحل ، ولم يتعرف البعث بعد الى الأخطاء والخطايا التي أدت الى احتلال العراق  ، وكما لم يبين البعث نظرته الى كيفية تقويم العملية السياسية ،ولا لكشفه أطر التعاون مع التنظيمات الإرهابية في العراق ، ومدى تحمله مسؤولية قتل العراقيين الأبرياء ومساهمته في أرباك الأمن  ، وبقي يعتمد نفس اللغة التخوينية للأخر .

كما أن البعث يتبرقع اليوم بغطاء تحرير العراق من الاحتلال ، وكأنه يتهم كل شعب العراق بالرضوخ للاحتلال وغض النظر عن تلك الملايين التي أقرت الدستور وانتخبت قيادتها الشرعية ، ويعلن أنه من يقود المقاومة الوطنية  في العراق  ،  بنفس الوقت الذي تنفي فيه فصائل مسلحة تقوم بعمليات أية مشاركة فعلية للبعثيين ، كما تنفي الأخبار وتؤكد العشائر العراقية على عدم صحة هذا الزعم الباطل ،  كما يصطدم الزعم المذكور بانحسار العمل العسكري ضمن منطقة محددة بين ديالى والموصل بعد تنظيف الأنبار من الجماعات المسلحة والإرهاب الدولي ، ما يعني عدم صحة وجود البعث إلا ضمن هذا الشريط الذي بدأ ينحسر ضمن صحوة الأنبار والموصل وديالى .

وبصرف النظر عن هذا فأن الموقف تجاه المصالحة الوطنية وتطبيق مشروع المسائلة والمصالحة ، والإدراك فعليا حجم البعث الحقيقي  في العراق ، وخصوصا بعد النهاية التي لقيها الدكتاتور ، فأن قضية ملاحقة مرتكبي الجرائم بحق العراقيين لن يتوقف ، لأن الجريمة لاتسقط بالتقادم ، ومن أرتكب فعلا جرميا بحق العراق أو العراقيين يحاسب عليه وفق القانون ، وبصرف النظر عن الموقف الذي تعتمده بقايا البعث وهي تطلق إعلامها من خارج العراق بدعم ومساندة عربية توفر لها الفضائيات والقواعد ، فأن عليها أن تدرك أنها خاضت تجربتين في السلطة العراقية انتهت بها الى الفشل المروع والكارثي ، وأن التاريخ العراقي سجل للبعث كل تلك الكوارث ولايمكن بأي حال من الأحوال أن يخفي التاريخ كل تلك الحقائق حتى يمكن التحدث عن الوطنية والشرعية .

وأزاء مشروع المصالحة الوطنية يجد العراقي نفسه أمام حقيقة لايختلف عليها أحد ، وهي أن القتلة ومرتكبي الجرائم ضد أبناء العراق لايمكن المصالحة معهم بأي شكل كان ، وان أمام بقية البعثيين ممن لم تصل جرائمهم الى الجنايات أن يعودوا الى حضن العراق ويساهموا في تخليص العراق من وضعه الإنساني ، وبالتالي يساهموا في ترميم العراق وبناء الأسس الديمقراطية والفيدرالية للعراق الجديد ، وأن على البعث إن أراد أن يعود بأية صيغة كانت أن يعلن للعراقيين عن الأخطاء التي أرتكبها أو ارتكبتها قياداته ، وأن ينتقد تلك الخطايا التي سببها للعراق ،  وأن يعتمد لغة سياسية جديدة تليق بالعراق  ، تاركا اللغة القديمة وكل مفردات الأمن العام والمخابرات والأمن الخاص والاستخبارات التي كانت تطغي على بلاغاته المليئة بالعبارات المنتفخة .




41
الدم العراقي المستباح

 

زهير كاظم عبود

 

لم تكن واقعة عابرة تلك التي جرت في منطقة المنصور وقتل فيها عدد من المدنيين العراقيين العابرين سبيلهم ، ولم تكن الأولى التي يتم ارتكابها بحق الأبرياء من أهل العراق ويتم الاعتذار سبيلا لحفظ القضية وغلقها ونسيانها .

فالدم العراقي رخيصا ولا يتساوى مع أي دم إنسان آخر اليوم  ، وحياة العراقيين اليوم  بلا معنى ، وليس لهم إلا أن يكونوا اليوم  بين كماشة جنود الاحتلال وبالأمس تحت مطرقة الدكتاتور ، وهكذا تنقضي قضية أخرى من قضايا سجلت في أضبارة القتل الخطأ ، وأسميناها القتل الغبي .

راحت ضحايا كثيرة من العراقيين غير أن أحدا لم يلتفت الى متابعتها ، وحدها الولايات المتحدة الأمريكية من تعتذر وتحقق وتحاكم ، ولكنها لاتدرك مقدار الألم النفسي والاجتماعي الذي يعانيه أهل الضحايا ، ولكنها لن تدرك أصلا ماتقرره الأعراف والقيم الاجتماعية في هذا البلد ، وتتم محاكمة بعض مرتكبي تلك الجرائم مع كل الإصرار والخسة في الفعل الجنائي بأحكام أمريكية تضع رخص الدم العراقي أمامها ، ومقابل موت عراقيين تقييد لحرية جنود أمريكيين ، ومقابل انتهاكات واستباحة شرف عراقيين توبيخ لجنود أمريكيين ، ومقابل ممارسات يندى لها جبين الدنيا لاتجد قطرة في جبين الولايات المتحدة الأمريكية  .

والقوات الأمريكية فوق القانون العراقي ، وهذا من قوانين الاحتلال التي يقال أنها تغيرت وصار في العراق سيادة وأستعاد كرامته المسلوبة زعما ، ومن حق الجندي الأمريكي أن يرتكب القتل تحت وطأة الحذر والخوف والرعب ما دامت يده على الزناد ، ومادام يخشى القتل في كل لحظة ، ولكن التعدي على مواطن مدني يجلس بسيارته مع عائلته بسحقه بالدبابة في مدينة الموصل لايحكمه قانون الغاب ، ولايمكن لهذه الجريمة أن يتم طمرها تحت وطأة الاعتذار ، وحين يقتل مواطن في الأنبار وهو يحتمي في بيت الله ويرفع يده استسلاما فهي جريمة إنسانية بشعة من جرائم الحروب ، وحين يتم اغتصاب فتاة قاصرة وقتل أفراد عائلتها جميعهم ومن ثم قتلها لايتساوى مع حياة الجندي المجرم مادام أمريكيا ، أو أطلاق الرصاص على كل سائق سيارة يمكن أن يتجاوز الرتل الأمريكي وقتل سائقها وركابها  .

الجرائم التي ترتكب بحق العراقيين من قبل جنود الاحتلال  تؤدي الى موت عراقيين وإصابة أعداد منهم بعوق ، لايعيد الاعتذار لهم الحياة ولا الاعتبار لعوائلهم ومستقبل أولادهم ، والمصيبة حتى أن حكوماتنا المتعاقبة ومجلس نوابنا الموقر لم يلتفت الى هذه الناحية ليعالجها ، والحكومة الأمريكية تعتذر أشد الاعتذار ولكنها لم تكن تدرك أنها تترك الإرهابي وترتكب الخطأ الغبي بحق البريء من المدنيين .

ولو أستمع مسؤول أمريكي لما تحدث به أحد أهالي ديالى في قناة الفيحاء ، لعرف جزء من الحقيقة ، فقد كانت القوات الأمريكية تعتقل الأبرياء من أهل القرى وتترك الإرهابيين يحكمون مناطق ويتحكمون بها ، ولهذا فأن السجون الأمريكية في العراق تعج بالأبرياء ، في حين يعيث الإرهابيون الفساد ويمعنون في قتل وترويع المدنيين من أهل العراق ، ولهذا يقع أهل تلك المناطق ضحايا الإرهاب والقوات المحتلة ،  ولو استمع مسؤول لما يقوله المواطنين في عرب جبور وأبو دشير من سيطرة الإرهاب عليها  ، ووقوف القوات الأمريكية فاغرة فمها لاتستطيع أن تمنع نزوح الأهالي عن بيوتهم ،ولا السيطرة على المنطقة وإعادة أهلها النازحين منها تحت وطأة احتلالها من قبل مجموعة إرهابية ،  ولاقتل الأطفال من قبل قناص في المنطقة ، لعرف هذا المسؤول  لماذا يتم استهداف الأبرياء من المدنيين فقط دون سواهم  .

كم عدد المدنيين الذين قتلوا برصاص القوات ألأمريكية في العراق  ؟ وماذا كانت نتيجة التحقيق معهم ؟ مع إننا نعرف أن الدم الأمريكي لايتساوى مع الدم العراقي ، وأن الجندي الأمريكي صار فوق قانوننا الوطني ، وله أن يرتكب ما يشاء من الجرائم فدمائنا مستباحة أسوة ببلادنا .

سيعلق أهل  كل عراقي قتل بالرصاص الخطأ أو الغبي شهادة تقديرية في بيوتهم ، تتضمن الاعتذار وغلق التحقيق  ، فنحن في زمن المفاضلة بين البشر ، وفي زمن انعدام حقوق الإنسان تحت يافطة الأمم المتحدة والشرعية وحقوق الإنسان ، وسيشارك أهل الضحايا في الاحتفالات بالرغم من أنهم من جنس لايتساوى مع جنس الجنود الأمريكان .

ومن اغرب من هذا أن نسمع أن شركات أمريكية تتعاقد في العراق وتحضر معها شركات أمنية أخرى لحمايتها ، وان يتم ترخيص لهذه الشركات بحمل السلاح ، وهذه الشركات وان كانت مدنية وتتشكل من أفراد لاعلاقة لهم بالقوات الأمريكية ، إلا أن قانون العراق لايسري عليها ، فالحصانة واحدة سواء على الجندي الأمريكي أو المرتزق المتعاقد مع القوات المحتلة أو المدني العامل في مجال الأمن .

والواقعة القريبة التي حصلت في حي المنصور ببغداد يوم 16/9 والتي قتل فيها 11 مواطن عراقي مدني بينهم شرطي  وجرح 13 جراح بليغة ، من  قبل مجموعة الحماية الأمنية الأمريكية  ( شركة بلاكووتر ) ، حيث تم إطلاق الرصاص على المارة عشوائيا ، لمجرد قذائف مورتر بالقرب من سياراتهم المدرعة ، وهذه القذائف تأتي من مناطق بعيدة ،  يدلل على مدى الاستخفاف بأرواح العراقيين والاستهانة بسيادتهم وكرامتهم .

وقد استفز الفعل المذكور حكومتنا الوطنية فقررت سحب ترخيص تلك المؤسسة الأمنية من العمل في العراق ، ومقاضاة الموظفين ، دون أن نتعرف على الجهة التي ستقوم بالتحقيق معهم  ؟ وهل إن هذه الشركات كانت تنشر جيشها المسلح بموافقة الحكومة العراقية وبموجب تشريع أو قانون أقره مجلس النواب ؟ أم الأمر غير ذلك ؟

وحتى تكون الصورة أكثر وضوحا وصراحة فأن الأمر يتعلق بالسفارة الأمريكية وحمايتها ، إذ كان الموكب يعود لبعض موظفي السفارة الأمريكية وتعرض الى قذائف المورتر ، وهو مالم يتم التصريح به في الإعلام العراقي ، بينما قال توم كيسي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس اتصلت برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي هاتفيا لتعبر عن أسفها لمقتل مدنيين أبرياء الذي حدث أثناء الهجوم على موكب للسفارة الأمريكية .

ومع كل هذا فقد رفضت السفارة تأكيد أن ترخيص بلاكووتر الغي ، والأمر في كل الأحوال بيد السفارة والقوات المحتلة ، وقالت شركة  بلاكووتر ردا على أقوال وزارة الداخلية العراقية والحكومة  انها لم تتلق اي إخطار رسمي من جانب وزارة الداخلية بشان إلغاء ترخيصها، وقالت شركة  بلاكووتر التي تستخدم مئات من المتعاقدين الأجانب في العراق ومسؤولة عن امن السفارة الأمريكية على لسان المتحدث الرسمي جوهان شمونسيز أن حراسها تصرفوا (( بطريقة شرعية وعلى النحو المناسب ))  ردا على هجوم معاد .

ومادام الأمر خارج نطاق القضاء العراقي بالرغم من أن الواقعة حصلت في العراق وعلى الأرض العراقية ، والمجني عليهم من العراقيين ، لان التحقيق سيكون من قبل القوات الأمريكية وفق وجهة نظر آحادية  ، تحكمها مقولة المتحدث الرسمي بأسم شركة الحماية من أن التصرف كان شرعيا ومتناسبا  ، لتنتهي تلك الدماء العراقية أسوة بمجرى الدم الكبير .

ونشك في أن السفارة الأمريكية ستسمح للقانون العراقي والسيادة العراقية المزعومة أن تأخذ مجراها وامتدادها الطبيعي سواء في التحقيق أو في محاكمة القتلة ، كما نشك في كل الوعود والتصريحات التي أطلقها المسؤولين عن جديتهم في ملاحقة المجرمين ، بالنظر لتكرار تلك الوعود في سوابق تم طمرها والتعتيم عليها قبل ذاك .

أن موظف الحماية في الشركة المذكورة يعمل خارج نطاق القانون العراقي ، وغالبا ما يكون من الأمريكيين أو من رعايا الدول الغربية ، وأنهم يعملون بموجب عقود خاصة ، وأن أعدادهم تصل الى عشرات الآلاف ، حيث يشكلون جيشا من المسلحين ، أسوة بالجيوش التي تجوب شوارع المدن العراقية ، غير أن مهمتهم ليس التصدي لقوات الإرهاب والمسلحين ، إنما غالبا ما تتعرض هذه القوات للمشاة من العراقيين المدنيين بزعم الخطأ التي تتحجج به أكثر من مرة ، وفي كل الأحوال فأن الحقيقة القائمة هي رخص الدماء العراقية التي كانت مستباحة في زمن الطاغية المقبور صدام ، ولم تزل مستباحة من قبل القوات المحتلة ،ولم يستطع العراقي أن يتساوى إنسانيا مع الجندي الأمريكي أو موظف الحماية الأمنية في كل الأحوال .

 

42
المنبر الحر / القتل منهجا
« في: 11:11 20/09/2007  »
القتل منهجا

 

زهير كاظم عبود

 

لن تجد بيانا أو تصريحا أو تعليقا لعناصر أو قيادة تنظيم القاعدة يخلو من الدعوة الى القتل ، أو التفاخر بالقتل والإقرار بارتكاب الجريمة من قبل تلك المنظمة الإرهابية ، ولن تجد دعوة لاتقترن كلماتها بالتوعد بالقتل والويل والثبور ، حتى بات أسلوب القتل منهجا متعارفا عليه في تنظيمات المجموعات الإرهابية ، كما بات توزيع الاتهامات والمستهدفين من قبل تلك العناصر يزيد عن الحد المعقول ، فالأكراد والشيعة والسنة في العراق عملاء للأجنبي ينبغي قتلهم جميعا ، والمسيحيين والمندائيين والايزيديين كفرة ينبغي ذبحهم ، والشرطة والجيش وكل موظف حكومي في العراق خائن يستحق الموت ، وعشائر ألأنبار وزعمائها متعاونين مع الصليبيين ينبغي استباحة دمهم  .

ليس على وجه البسيطة من لايموت ، باعتبار أن الحياة رحلة لابد وان تنتهي ، غير أن الإنسان يموت بحتفه أو قدره  أو منيته بأمر من الله تعالى  ، أما أن تقوم مجموعة من البشر بممارسة القتل بشكل منظم ومستمر ، فهي لا ترتكب الجريمة بإصرار فقط  ، ولا ترتكب المعاصي والكبائر فقط أيضا  ، إنما ترتكب مخالفة لأوامر الله وكتابه المقدس ، حين تعين نفسها قاضيا ونائبا عن الله ، فتوزع الاتهامات والأحكام على الناس دون أنفسها ، ودون الالتفات الى ماتقوله الناس عنها ، فلا يهمها أقوال الناس ولا تستمع لصوت العقل ، ويعميها التحجر الفكري والانغلاق العقلي فلا تجد غير فكرها المشوب بالقتل والإرهاب منهجا وطريقا ، ولاتجد غير مايقوله قادتها حقا وصحيحا وكل ماعدا ذلك باطل ويستحق القتل ولاشيء غير القتل ، حيث صار منهجها وسمة من سماتها الأساسية  .

غير أنهم ولأرتكاسهم  في الجريمة التي صارت لهم منهجا ، تناسوا أمر الله سبحانه وتعالى حين يقول (( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا )) .

وماكان لمسلم أن يقتل أنسانا بغير ذنب  ، وحذرت الكتب السماوية جميعها اللجوء الى القتل بأي شكل كان ، وما سلوك عناصر التنظيمات الإرهابية التي تعتمد القتل أسلوبا إلا تعبيرا عن تلك المعاصي والكبائر ، قبل أن تكون تعبيرا عن الأمراض النفسية والعقلية التي تعانيها تلك العناصر ، فتلجأ الى اعتماد كل قاصر عقليا متوهما أن الناس جميعهم عملاء وخونة ومرتكبي المعاصي والمنكرات ، وبالتالي لايوجد مصلحين في الأرض سوى عناصر تلك الجماعات التي تتوهم الدين في السلوك الإجرامي والممارسات الإرهابية  ، وتفهم الدين سلاحا ومتفجرات وأموال وبالتالي دماء وأشلاء وقتلى ، ارضاءا لنوازع مريضة وخطيرة دفينة تنبعث الى الوجود الآدمي .

ومن يتمعن في قضية المجرم السعودي الجنسية أحمد الشايع الذي ارتكب جريمة تفجير شاحنة محملة بالغاز ومشحونة بالمتفجرات  في منطقة المنصور ببغداد ، وأحترق نتيجة تلك الجريمة ، في حين تمكن من قتل 12 عراقيا مدنيا بريئا وجرح أعداد كبيرة أخرى ، وبقي حيا نتيجة العناية والمعالجة الطبية ، حيث تم تسليمه الى المملكة بصفقة سرية تدلل على رخص الدماء العراقية والاستهانة بأرواح الناس ، كما تعبر عن مدى استخفاف الحكومتين العراقية والسعودية بتلك الأرواح الطاهرة حين يبقى المجرم طليقا لايطاله القانون ، غير أن اللافت للنظر أن المجرم المذكور يجزم انه أستغفل في هذه العملية ، حيث تم إبلاغه انه يقود الشاحنة وينزل منها لتقتل الجنود الأمريكان ، غير أنها انفجرت حال وصوله الى منطقة مدنية آمنة ، لتقتل الأبرياء قبل نزوله منها .

أن هذه الأساليب التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية في استغفال الضحايا من المنتحرين والتفجيريين لاتدل فقط على اعتماد الحيلة والخداع والاستغفال ، إنما تدل على سذاجة بعض البهائم المنتحرة التي تستغل أجسادها في عمليات القتل ، بعيدا عن معرفة مكنوناتها العقلية .

وستبقى التنظيمات الإرهابية تتغنى بتلك البهائم التي تقود نفسها اليها طوعا تحت تأثير أساليب الخداع التي يمارسها بعض رجال الدين ، حيث يتم تزيين أمر الانتحار كقضية جهادية ضد العراقيين ، بالإضافة الى الشحن الطائفي الديني منه أو السياسي الموجه ضد أهل العراق  ، فيتم استغلال تلك البهائم التي اشتهرت بها المنطقة ، وصارت علامة فارقة ومسجلة بين العرب ، وستبقى الى زمن غير قصير حتى يتم ردع تلك المنابع والأصوات التي تدعو للقتل تحت شتى المزاعم والستائر ، وستبقى تؤدي دورها الخطير في أروقة المساجد تحت مظلة المذهبية والطائفية والنزعات المريضة المتكلسة في عقول المروجين للجريمة .

 وإذ تأتي الأخبار التي نشرتها صفحات الكترونية عرض «أمير» ما يسمى «تنظيم دولة العراق الإسلامية» المرتبط بـ«القاعدة» جائزة قيمتها 100 ألف دولار لمن يقتل رسام الكاريكاتير السويدي الذي قدم صورا مسيئة للإسلام. كما تعهد أبو عمر البغدادي بهجوم جديد في العراق خلال شهر رمضان وبمزيد من الهجمات على الايزيديين ، تعبيرا على أن الجريمة صارت الملاذ الوحيد والهاجس الأساس التي تعتمد عليه تلك التنظيمات .
وجاء في تسجيل صوتي للبغدادي نشر على مواقع أصولية متطرفة  على الانترنت أنه       ((  يدعو إلى اغتيال رسام الكاريكاتير لارس فيلكس الذي تجرأ وأساء إلى نبينا، عليه السلام، ونعلن عن جائزة في هذا الشهر الكريم تبلغ 100 ألف دولار لمن يقتل هذا المجرم )) ، وهكذا وبكل بساطة يمنح المجرم القاتل مبالغ لمن يمارس فعل القتل تحت زعم الإساءة الى النبي ، غير انه ينسى الجائزة التي يمنحها لمن يسيء الى أمر الله والرسول والدين ، وينسى انه يحرض على القتل ويبذل المال في سبيل ارتكابه ويمهد الطريق للمجرم ، ويترك نفسه معصوما من الذنوب ، حيث أن البشرية جميعها مذنبة عدا تنظيم القاعدة باعتباره الفرقة الناجية !!!.
كذلك أعلن البغدادي، الذي لم تنشر له أي صور على الموقع ، وهو مؤكد من العرب الذين ابتلوا بالجريمة وتوفرت لهم سبل ارتكابهم ، وزين له الشيطان أنه أميرا حقيقيا وبالتالي فأن استمراره بارتكاب تلك الجريمة يزيده قوة ومركزا ومهابة ، وبالتالي فأنه يرهب العراقيين ، حيث انه يحل في الزمن الخطأ مستغلا ما يمر به أهل العراق من ظروف احتلال وتمزق طائفي وتناحر مذهبي وشرخ سياسي كبير ، وهذه الشخصية لم تكن تستطيع أن تنفذ بين العراقيين أو أن تحل بينهم في الظروف الطبيعية ، حيث يلفظه أهل العراق بكل أديانهم ومذاهبهم ، ويكفي أن الإرهابي المذكور لايستطيع إن يذيع بياناته بنفسه حتى لاتفضحه اللغة ، فهو لابغدادي ولاعراقي ، ولايمت للبشر الأسوياء بشيء ، ولهذا يعمد الى تكليف أحد لإذاعة بياناته بديلا عنه  .

ولن نستغرب من وجود بعض بهائم العراق مقادين تحت تلك الظروف والزعامات الإرهابية ، تحت ذرائع وأسباب شتى ، ولنا في المختل عقليا المتحزم بالمتفجرات  المقبوض عليه في السماوة دليلا على استغلال تلك النماذج ، بالإضافة الى المعوق جسديا الذي انتحر لقتل الشهيد عبد الستار أبو ريشة ، مستغلا عطف الحماية على وضعه الإنساني ليقطع سبيل المعروف .

ومن يطالع بيان الإرهابي المذكور وهو يصف عملية الذبح كالخروف يدرك سعة المرض الذي يجتاح عقله القاصر ، ويدرك أيضا مقدار خطورته الإجرامية في تلذذه بأساليب القتل وتعذيب البشر ، ويمكن إن تعبر تلك الأساليب عن خطوط المنهج الإجرامي الذي تعتقد به التنظيمات الإرهابية ، حين تضع الدين وأسسه جانبا وتنهج منهجا إجراميا باسم الدين هو منهجها الثابت حتما .

كما أن التباهي بارتكاب تلك الجرائم يمثل خطا آخر من خطوط المنهج الإجرامي المريض لتلك العناصر ، ومن تلك الأمراض الهدية التي يقدمها المجرم المذكور الى المقبور الزرقاوي ، حيث يتفاخر انه خطط ونفذ عملية قتل أكثر من 500 مواطن أيزيدي مدني من الأبرياء .

ولم يأت المهووس بالقتل بشيء جديد حين يتوعد الأيزيدية الأبرياء بالقتل ، لأن المنهج بات مفضوحا وواضحا ، ولأن أساليب القتل أضحت العمل الوحيد الذي تقوم هذه العناصر به .

وبالرغم من الله تعالى نهى عن قتل النفس بغير حق شرعي ، إلا أن عناصر القاعدة عينوا انفسهم وبعضهم حكاما شرعيين للأمة ، وبالتالي ابعدوا انفسهم عن الاتـهام وثبوت ارتكاب الكبائر ، كما أكد الإسلام أنه لايحل دم أمريء ، وان زوال الدنيا عند الله أهون من قتل الإنسان البريء  ، ومن قتل مظلوما فقد جعل الله لوليه سلطانا ، وأن لايسرف في القتل .

يقول عالم النفس السعودي منصور التركي أن ما يقف وراء ما يحدث هو التفسير الخاطئ للإسلام ،  وهو مادرجت التنظيمات ألإرهابية وذيولها على أشاعته بين الناس لكسب بعض العقول القاصرة والمتوهمة ، وأن المهمة الملقاة على رجال الدين الحريصين على سمعة دينهم ومستقبله تصحيح الأفكار وفضح تلك الأساليب الإجرامية وكشف حقيقة الدين الإنسانية .

كما أن المهمة لاتقع على عاتق المؤسسات الجنائية في ملاحقة فلول القاعدة والتنظيمات المتطرفة ، بل ينبغي التوسع والتعاضد بين المؤسسات الجنائية والدينية والإصلاحية ، بقصد تحصين الشباب ومنع وقوعهم تحت التأثير المخادع والواهم في استغلال أجسادهم المنتحرة في التفجير ، سواء منها أن كانت بقناعتهم تحت الوعود الكاذبة والدجل الديني ، أو تحت استغلال فرط سذاجتهم في قيادة السيارات المفخخة التي تنفجر بهم بتخطيط شرير من جماعاتهم ، بعد إيهامهم أنهم يوصلونها الى مناطق محددة لتنفجر بعد نزولهم منها  ، حيث يتم تفجيرها قبل نزولهم واحتراقهم بها .

واليوم وبعد أن أوغلت التنظيمات الإرهابية في قتل العراقيين الأبرياء ، ألا نجد انه من الأوجب أن يتم فضح الإمدادات المادية التي لم تزل مستمرة لم تتوقف عن تلك المجموعات الإجرامية حتى اليوم ؟ ألا نجد انه من الأفضل أن يتم فضح الدول والشركات والشخصيات التي تدعم هذه التنظيمات وتمولها وتمدها بالسلاح ؟ إلا نجد من الأفضل أن نكشف عن الشخصيات والفضائيات والصحف وشبكات الإنترنيت  التي تتعاون مع هذه التنظيمات فيطالها القانون ؟

ألا يحق للناس التساؤل عن سبب احتفال قناة الجزيرة القطرية بالأشرطة التي تبثها منظمة القاعدة الإرهابية ،  وما تمثله من دعوات للقتل وتحريض عليه ، وبالتالي السعي لتزويق تلك البيانات والدعوات المريضة عن طريق بعض الأصوات الداعمة للإرهاب ، تحت زعم التحليل السياسي ، استمرارا لمنهج الخداع الذي التزمت به القاعدة في الترويج للإرهاب على أنه عمل ديني محض ، والتبرقع بعباءة الإسلام ، غير مبالين بما يولده رد الفعل لهذه الجرائم على الإسلام والمسلمين ، ودون وجود محاسبة أو إدانة أو موقف  من علماء الدين الإسلامي من هذا الموقف ، بالإضافة الى ما يلمسه الإنسان في كل مكان من انحطاط وخسة في أساليب تلك الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية ولا يحرك شعره في ضمير المسؤولين عن تلك القنوات ، في جرائم الذبح والقتل وقطع الرؤوس ، والاستمرار بمساعدتها إعلاميا .

هل تبقى تلك الألغاز التي تدور في ذهن الناس عن مصادر التمويل ،  وعن مواقف بعض الدول ،  وعن مساهمة قنوات فضائية بالتحريض تحت زعم كراهية الولايات المتحدة ومساعدة العراقيين في التخلص من احتلالهم البغيض ، وعن الكثير من الحقائق التي لم تزل مغيبة عن عقل الإنسان الضحية في كل مكان !!

وأمام منهج القتل الذي تعتمده القاعدة وبعض التنظيمات  المنبثقة عنها أو المتعلقة بها ، سواء في البلدان المتخلفة اجتماعيا أو سياسيا ، أو في مناطق أخرى ، فأن الضحية هو الإنسان الذي أكرمه الله بالتفضيل وحفظ له حياته إلا بأمره ، الم يحن الوقت ليتم القضاء على المجرم ومعاقبته وفقا للقانون والاقتصاص من القتلة الإرهابيين والابتعاد عن استخدامهم ورقة ضمن مخططات المصالح الدولية ؟ ألا تكفي تلك الدماء والضحايا من الأبرياء والمدنيين ؟ ومتى ستتوقف اللعبة ؟

وإذ تقف اليوم بعض عناصر تنظيم القاعدة على أرض العراق ، فأنها تعلن بداية مقتلها ونهايتها ،   كل الأحلام المريضة لأبن لادن ومعه كل مرضى العقول, وحين يعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن مقتل زعماء عشائر الأنبار العراقية في فندق المنصور, وحين يتبنى عمليات تفجير الأسواق وكراجات النقل العام وأماكن تجمع العمال ،  أو حين يعلن مسؤوليته عن مقتل عشرات المئات من الايزيديين أو مسؤوليته الخسيسة في عملية استشهاد البطل عبد الستار أبو ريشة , وحين يتبنى التنظيم عداءه السافر لعشائر العراق وقواه السياسية والدينية والاجتماعية ،  فهو يعبر عن حقيقته الواضحة في معركته الخاسرة ضد شعب العراق, وتلك المعركة مقتله النهائي الذي لن تنفعه بياناته التي تبثها قناة الجزيرة القطرية ولا صفحات الانترنيت المحمية أمريكيا.

43
المنبر السياسي / القتل منهجا
« في: 11:24 19/09/2007  »
القتل منهجا

 

زهير كاظم عبود

 

لن تجد بيانا أو تصريحا أو تعليقا لعناصر أو قيادة تنظيم القاعدة يخلو من الدعوة الى القتل ، أو التفاخر بالقتل والإقرار بارتكاب الجريمة من قبل تلك المنظمة الإرهابية ، ولن تجد دعوة لاتقترن كلماتها بالتوعد بالقتل والويل والثبور ، حتى بات أسلوب القتل منهجا متعارفا عليه في تنظيمات المجموعات الإرهابية ، كما بات توزيع الاتهامات والمستهدفين من قبل تلك العناصر يزيد عن الحد المعقول ، فالأكراد والشيعة والسنة في العراق عملاء للأجنبي ينبغي قتلهم جميعا ، والمسيحيين والمندائيين والايزيديين كفرة ينبغي ذبحهم ، والشرطة والجيش وكل موظف حكومي في العراق خائن يستحق الموت ، وعشائر ألأنبار وزعمائها متعاونين مع الصليبيين ينبغي استباحة دمهم  .

ليس على وجه البسيطة من لايموت ، باعتبار أن الحياة رحلة لابد وان تنتهي ، غير أن الإنسان يموت بحتفه أو قدره  أو منيته بأمر من الله تعالى  ، أما أن تقوم مجموعة من البشر بممارسة القتل بشكل منظم ومستمر ، فهي لا ترتكب الجريمة بإصرار فقط  ، ولا ترتكب المعاصي والكبائر فقط أيضا  ، إنما ترتكب مخالفة لأوامر الله وكتابه المقدس ، حين تعين نفسها قاضيا ونائبا عن الله ، فتوزع الاتهامات والأحكام على الناس دون أنفسها ، ودون الالتفات الى ماتقوله الناس عنها ، فلا يهمها أقوال الناس ولا تستمع لصوت العقل ، ويعميها التحجر الفكري والانغلاق العقلي فلا تجد غير فكرها المشوب بالقتل والإرهاب منهجا وطريقا ، ولاتجد غير مايقوله قادتها حقا وصحيحا وكل ماعدا ذلك باطل ويستحق القتل ولاشيء غير القتل ، حيث صار منهجها وسمة من سماتها الأساسية  .

غير أنهم ولأرتكاسهم  في الجريمة التي صارت لهم منهجا ، تناسوا أمر الله سبحانه وتعالى حين يقول (( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا )) .

وماكان لمسلم أن يقتل أنسانا بغير ذنب  ، وحذرت الكتب السماوية جميعها اللجوء الى القتل بأي شكل كان ، وما سلوك عناصر التنظيمات الإرهابية التي تعتمد القتل أسلوبا إلا تعبيرا عن تلك المعاصي والكبائر ، قبل أن تكون تعبيرا عن الأمراض النفسية والعقلية التي تعانيها تلك العناصر ، فتلجأ الى اعتماد كل قاصر عقليا متوهما أن الناس جميعهم عملاء وخونة ومرتكبي المعاصي والمنكرات ، وبالتالي لايوجد مصلحين في الأرض سوى عناصر تلك الجماعات التي تتوهم الدين في السلوك الإجرامي والممارسات الإرهابية  ، وتفهم الدين سلاحا ومتفجرات وأموال وبالتالي دماء وأشلاء وقتلى ، ارضاءا لنوازع مريضة وخطيرة دفينة تنبعث الى الوجود الآدمي .

ومن يتمعن في قضية المجرم السعودي الجنسية أحمد الشايع الذي ارتكب جريمة تفجير شاحنة محملة بالغاز ومشحونة بالمتفجرات  في منطقة المنصور ببغداد ، وأحترق نتيجة تلك الجريمة ، في حين تمكن من قتل 12 عراقيا مدنيا بريئا وجرح أعداد كبيرة أخرى ، وبقي حيا نتيجة العناية والمعالجة الطبية ، حيث تم تسليمه الى المملكة بصفقة سرية تدلل على رخص الدماء العراقية والاستهانة بأرواح الناس ، كما تعبر عن مدى استخفاف الحكومتين العراقية والسعودية بتلك الأرواح الطاهرة حين يبقى المجرم طليقا لايطاله القانون ، غير أن اللافت للنظر أن المجرم المذكور يجزم انه أستغفل في هذه العملية ، حيث تم إبلاغه انه يقود الشاحنة وينزل منها لتقتل الجنود الأمريكان ، غير أنها انفجرت حال وصوله الى منطقة مدنية آمنة ، لتقتل الأبرياء قبل نزوله منها .

أن هذه الأساليب التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية في استغفال الضحايا من المنتحرين والتفجيريين لاتدل فقط على اعتماد الحيلة والخداع والاستغفال ، إنما تدل على سذاجة بعض البهائم المنتحرة التي تستغل أجسادها في عمليات القتل ، بعيدا عن معرفة مكنوناتها العقلية .

وستبقى التنظيمات الإرهابية تتغنى بتلك البهائم التي تقود نفسها اليها طوعا تحت تأثير أساليب الخداع التي يمارسها بعض رجال الدين ، حيث يتم تزيين أمر الانتحار كقضية جهادية ضد العراقيين ، بالإضافة الى الشحن الطائفي الديني منه أو السياسي الموجه ضد أهل العراق  ، فيتم استغلال تلك البهائم التي اشتهرت بها المنطقة ، وصارت علامة فارقة ومسجلة بين العرب ، وستبقى الى زمن غير قصير حتى يتم ردع تلك المنابع والأصوات التي تدعو للقتل تحت شتى المزاعم والستائر ، وستبقى تؤدي دورها الخطير في أروقة المساجد تحت مظلة المذهبية والطائفية والنزعات المريضة المتكلسة في عقول المروجين للجريمة .

 وإذ تأتي الأخبار التي نشرتها صفحات الكترونية عرض «أمير» ما يسمى «تنظيم دولة العراق الإسلامية» المرتبط بـ«القاعدة» جائزة قيمتها 100 ألف دولار لمن يقتل رسام الكاريكاتير السويدي الذي قدم صورا مسيئة للإسلام. كما تعهد أبو عمر البغدادي بهجوم جديد في العراق خلال شهر رمضان وبمزيد من الهجمات على الايزيديين ، تعبيرا على أن الجريمة صارت الملاذ الوحيد والهاجس الأساس التي تعتمد عليه تلك التنظيمات .
وجاء في تسجيل صوتي للبغدادي نشر على مواقع أصولية متطرفة  على الانترنت أنه       ((  يدعو إلى اغتيال رسام الكاريكاتير لارس فيلكس الذي تجرأ وأساء إلى نبينا، عليه السلام، ونعلن عن جائزة في هذا الشهر الكريم تبلغ 100 ألف دولار لمن يقتل هذا المجرم )) ، وهكذا وبكل بساطة يمنح المجرم القاتل مبالغ لمن يمارس فعل القتل تحت زعم الإساءة الى النبي ، غير انه ينسى الجائزة التي يمنحها لمن يسيء الى أمر الله والرسول والدين ، وينسى انه يحرض على القتل ويبذل المال في سبيل ارتكابه ويمهد الطريق للمجرم ، ويترك نفسه معصوما من الذنوب ، حيث أن البشرية جميعها مذنبة عدا تنظيم القاعدة باعتباره الفرقة الناجية !!!.
كذلك أعلن البغدادي، الذي لم تنشر له أي صور على الموقع ، وهو مؤكد من العرب الذين ابتلوا بالجريمة وتوفرت لهم سبل ارتكابهم ، وزين له الشيطان أنه أميرا حقيقيا وبالتالي فأن استمراره بارتكاب تلك الجريمة يزيده قوة ومركزا ومهابة ، وبالتالي فأنه يرهب العراقيين ، حيث انه يحل في الزمن الخطأ مستغلا ما يمر به أهل العراق من ظروف احتلال وتمزق طائفي وتناحر مذهبي وشرخ سياسي كبير ، وهذه الشخصية لم تكن تستطيع أن تنفذ بين العراقيين أو أن تحل بينهم في الظروف الطبيعية ، حيث يلفظه أهل العراق بكل أديانهم ومذاهبهم ، ويكفي أن الإرهابي المذكور لايستطيع إن يذيع بياناته بنفسه حتى لاتفضحه اللغة ، فهو لابغدادي ولاعراقي ، ولايمت للبشر الأسوياء بشيء ، ولهذا يعمد الى تكليف أحد لإذاعة بياناته بديلا عنه  .

ولن نستغرب من وجود بعض بهائم العراق مقادين تحت تلك الظروف والزعامات الإرهابية ، تحت ذرائع وأسباب شتى ، ولنا في المختل عقليا المتحزم بالمتفجرات  المقبوض عليه في السماوة دليلا على استغلال تلك النماذج ، بالإضافة الى المعوق جسديا الذي انتحر لقتل الشهيد عبد الستار أبو ريشة ، مستغلا عطف الحماية على وضعه الإنساني ليقطع سبيل المعروف .

ومن يطالع بيان الإرهابي المذكور وهو يصف عملية الذبح كالخروف يدرك سعة المرض الذي يجتاح عقله القاصر ، ويدرك أيضا مقدار خطورته الإجرامية في تلذذه بأساليب القتل وتعذيب البشر ، ويمكن إن تعبر تلك الأساليب عن خطوط المنهج الإجرامي الذي تعتقد به التنظيمات الإرهابية ، حين تضع الدين وأسسه جانبا وتنهج منهجا إجراميا باسم الدين هو منهجها الثابت حتما .

كما أن التباهي بارتكاب تلك الجرائم يمثل خطا آخر من خطوط المنهج الإجرامي المريض لتلك العناصر ، ومن تلك الأمراض الهدية التي يقدمها المجرم المذكور الى المقبور الزرقاوي ، حيث يتفاخر انه خطط ونفذ عملية قتل أكثر من 500 مواطن أيزيدي مدني من الأبرياء .

ولم يأت المهووس بالقتل بشيء جديد حين يتوعد الأيزيدية الأبرياء بالقتل ، لأن المنهج بات مفضوحا وواضحا ، ولأن أساليب القتل أضحت العمل الوحيد الذي تقوم هذه العناصر به .

وبالرغم من الله تعالى نهى عن قتل النفس بغير حق شرعي ، إلا أن عناصر القاعدة عينوا انفسهم وبعضهم حكاما شرعيين للأمة ، وبالتالي ابعدوا انفسهم عن الاتـهام وثبوت ارتكاب الكبائر ، كما أكد الإسلام أنه لايحل دم أمريء ، وان زوال الدنيا عند الله أهون من قتل الإنسان البريء  ، ومن قتل مظلوما فقد جعل الله لوليه سلطانا ، وأن لايسرف في القتل .

يقول عالم النفس السعودي منصور التركي أن ما يقف وراء ما يحدث هو التفسير الخاطئ للإسلام ،  وهو مادرجت التنظيمات ألإرهابية وذيولها على أشاعته بين الناس لكسب بعض العقول القاصرة والمتوهمة ، وأن المهمة الملقاة على رجال الدين الحريصين على سمعة دينهم ومستقبله تصحيح الأفكار وفضح تلك الأساليب الإجرامية وكشف حقيقة الدين الإنسانية .

كما أن المهمة لاتقع على عاتق المؤسسات الجنائية في ملاحقة فلول القاعدة والتنظيمات المتطرفة ، بل ينبغي التوسع والتعاضد بين المؤسسات الجنائية والدينية والإصلاحية ، بقصد تحصين الشباب ومنع وقوعهم تحت التأثير المخادع والواهم في استغلال أجسادهم المنتحرة في التفجير ، سواء منها أن كانت بقناعتهم تحت الوعود الكاذبة والدجل الديني ، أو تحت استغلال فرط سذاجتهم في قيادة السيارات المفخخة التي تنفجر بهم بتخطيط شرير من جماعاتهم ، بعد إيهامهم أنهم يوصلونها الى مناطق محددة لتنفجر بعد نزولهم منها  ، حيث يتم تفجيرها قبل نزولهم واحتراقهم بها .

واليوم وبعد أن أوغلت التنظيمات الإرهابية في قتل العراقيين الأبرياء ، ألا نجد انه من الأوجب أن يتم فضح الإمدادات المادية التي لم تزل مستمرة لم تتوقف عن تلك المجموعات الإجرامية حتى اليوم ؟ ألا نجد انه من الأفضل أن يتم فضح الدول والشركات والشخصيات التي تدعم هذه التنظيمات وتمولها وتمدها بالسلاح ؟ إلا نجد من الأفضل أن نكشف عن الشخصيات والفضائيات والصحف وشبكات الإنترنيت  التي تتعاون مع هذه التنظيمات فيطالها القانون ؟

ألا يحق للناس التساؤل عن سبب احتفال قناة الجزيرة القطرية بالأشرطة التي تبثها منظمة القاعدة الإرهابية ،  وما تمثله من دعوات للقتل وتحريض عليه ، وبالتالي السعي لتزويق تلك البيانات والدعوات المريضة عن طريق بعض الأصوات الداعمة للإرهاب ، تحت زعم التحليل السياسي ، استمرارا لمنهج الخداع الذي التزمت به القاعدة في الترويج للإرهاب على أنه عمل ديني محض ، والتبرقع بعباءة الإسلام ، غير مبالين بما يولده رد الفعل لهذه الجرائم على الإسلام والمسلمين ، ودون وجود محاسبة أو إدانة أو موقف  من علماء الدين الإسلامي من هذا الموقف ، بالإضافة الى ما يلمسه الإنسان في كل مكان من انحطاط وخسة في أساليب تلك الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية ولا يحرك شعره في ضمير المسؤولين عن تلك القنوات ، في جرائم الذبح والقتل وقطع الرؤوس ، والاستمرار بمساعدتها إعلاميا .

هل تبقى تلك الألغاز التي تدور في ذهن الناس عن مصادر التمويل ،  وعن مواقف بعض الدول ،  وعن مساهمة قنوات فضائية بالتحريض تحت زعم كراهية الولايات المتحدة ومساعدة العراقيين في التخلص من احتلالهم البغيض ، وعن الكثير من الحقائق التي لم تزل مغيبة عن عقل الإنسان الضحية في كل مكان !!

وأمام منهج القتل الذي تعتمده القاعدة وبعض التنظيمات  المنبثقة عنها أو المتعلقة بها ، سواء في البلدان المتخلفة اجتماعيا أو سياسيا ، أو في مناطق أخرى ، فأن الضحية هو الإنسان الذي أكرمه الله بالتفضيل وحفظ له حياته إلا بأمره ، الم يحن الوقت ليتم القضاء على المجرم ومعاقبته وفقا للقانون والاقتصاص من القتلة الإرهابيين والابتعاد عن استخدامهم ورقة ضمن مخططات المصالح الدولية ؟ ألا تكفي تلك الدماء والضحايا من الأبرياء والمدنيين ؟ ومتى ستتوقف اللعبة ؟

وإذ تقف اليوم بعض عناصر تنظيم القاعدة على أرض العراق ، فأنها تعلن بداية مقتلها ونهايتها ،   كل الأحلام المريضة لأبن لادن ومعه كل مرضى العقول, وحين يعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عن مقتل زعماء عشائر الأنبار العراقية في فندق المنصور, وحين يتبنى عمليات تفجير الأسواق وكراجات النقل العام وأماكن تجمع العمال ،  أو حين يعلن مسؤوليته عن مقتل عشرات المئات من الايزيديين أو مسؤوليته الخسيسة في عملية استشهاد البطل عبد الستار أبو ريشة , وحين يتبنى التنظيم عداءه السافر لعشائر العراق وقواه السياسية والدينية والاجتماعية ،  فهو يعبر عن حقيقته الواضحة في معركته الخاسرة ضد شعب العراق, وتلك المعركة مقتله النهائي الذي لن تنفعه بياناته التي تبثها قناة الجزيرة القطرية ولا صفحات الانترنيت المحمية أمريكيا.

44
الذيول الملطخة ضمائرها

 

زهير كاظم عبود

 

تقاسم أدوار واتصالات ومراسلات واجتماعات وهمس  في غرف مغلقة ومظلمة  ، ولقاءات توفرها لهم دول أوربية تحت مظلة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يستغلونها أبشع استغلال ، ودول عربية تتكالب ضد أهل العراق  نكاية بهذا الشعب فتوفر لهم ما لايتناسب مع حجم الحقد الدفين ،  وحقدا أعمى يغلف قلوب مسؤوليها فتوفر الفضائيات والصحف  وأموال مقتطعة من خزينة الدولة كلها في سبيل محاربة العراقي في العراق ،  أموال تغدقها عليهم مؤسسات  تنتحل اسم الإسلام والعروبة وأشخاص ومصارف كل لحساباته  ، أرصدة توفر لهم السفرات وكل ما تحتاجه اللقاءات من شققهم الفارهة وتأمين حجوزاتهم في  الفنادق الفخمة التي لايرتاحون لغيرها ،  وفي جيوبهم مال  سرق من قوت العراقيين ، حملات لجمع الأموال من الناس لقتل العراقيين ودعم الإرهاب  بحجة دعم مقاومة الأحتلال ،  وكل هذا بقصد إيقاع اكبر الضرر بشعب العراق .

يا لخيبتهم وهم يجندون البهائم لقتل العراقيين ، يالجبنهم وهم يشترون البهائم التائهة في بلدانها لقتل اخوتهم وأهلهم ولن يشتريهم احد غيرهم .

يالبؤسهم وهم يشترون الضمائر ويحثون بعض على النباح عالياً لشتم شعب العراق .

يالغبائهم حين صوروا انفسهم حماة العراق وأعداء الأحتلال  ، وهم من ذبح العراق والعراقيين وأطال في أمد الأحتلال  وساهم في إرساء أقدام الاحتلال  ، وهم لاغيرهم من ركض مهرولاً أمام القوات المحتلة ، وكأنهم يؤدون دورهم المرسوم الذي كرره الزمن العراقي في خراب العراق .

 يالتعاستهم والتاريخ العراقي يذكرهم  مجللين بالخزي والعار والشنار .

فرصتهم في الاندساس التي وفرتها صفحة الافتراق التي حلت بين  العراقيين والقتل الطائفي وشيوع مؤسسات الأجرام ، سانحة لهم كل الزوايا وأمينة فلا مؤسسات أمنية تلاحقهم ، ولا سفارات تتابعهم ، ولاجمعيات تتصدى لهم وتفضح حقيقتهم ، ولا أجهزة مخابرات تتابعهم ، ولاحتى السلطة التي أشغلتها المحاصصة والانسحابات والانشقاقات .

صفحات على الانترنيت تارة تبكي على الوطن وأخرى على العروبة  وتخفي دم الضحايا ولم تزل تخفي السكين التي تذبح بها العراقي  ، وأخرى للجهاد ضد الأحتلال والسكاكين لاتنغرز الا في أجساد العراقيين  ، واتصالات مع الأحتلال وروابط ووسطاء في السر ،   وحليمة التي لم تترك عادتها القديمة ،  صفحات  تندس بينها  أسماء موبوءة وأخرى وهمية متسترة .

ويعرفهم العراق بأنهم لم يكنوا صادقين مرة واحدة في حياتهم وفي تأريخهم  ، وقد أثبتت تجارب العراق أنهم مجرد ذيول ترتفع أو تنخفض بأمر سيدهم المال ، فلا مبادئ يعتقدون ، ولاقيم يتمسكون ،  ولادين يؤمنون  ، وليس لهم الا سمة التفنن في الجريمة بأي شكل يرسمون .

من اليمن مرورا بالأردن وحتى الجزائر وسورية وموريتانيا وتونس  ومصر والسعودية  والسودان يشترون بهائم اشتهرت بها المنطقة دون سواها  ، وصارت سمة تتميز بها العرب ،  فلا أكثر من العرب من أستطاع إن يصدر كل تلك البهائم التي ترتضي الانتحار لتقتل عمال فقراء أو متسوقين أبرياء أو أطفال المدارس  وشيوخ ونساء  في أسواق  العراق ،  غير مجرد الرغبة في الخلاص من الحياة واللحاق بجهنم بأسرع وقت ممكن ، ولكن على حساب دماء العراقيين  وحياتهم ،  وأجساد خاوية خالية من أي عقل لقتل العراقيين  ، وضمائر ممسوحة بلادين وبلا قيم وبلادراية بما يجري غير أنها كالأنعام التي أضلت سبيلها  .

وهم يعتقدون أنهم بهذه البهائم سينتصرون على الفقراء من اهل العراق دون أن يعرفوا أن الفقراء هم  دم العراق  وكينونته الأبدية  ،  وهم ملح العراق الذي يمتزج بترابه ،  وهم بهذا سيعتقدون إن العراق سيخر راكعاً أمامهم ، وهذا الوهم بقي يعشش في عقولهم الجانحة والمنحرفة فلن يركع العراق الا لله .

ورقة الأحتلال التي يرفضها أي عراقي ويطالب بإنهاء التواجد الأجنبي فوق أرضه  بأسرع وقت ، ورقة ستنتهي إنشاء الله بأقرب فرصة ، حينها سيقدمون ورقة أخرى ، فهم توابع لايمكن لهم إن يصبحوا معارضة أو مشاركين في بناء العراق ، لن يؤمنوا بغد ديمقراطي مطلقا،  دورهم أن يخربوا دائماً ،  وأن يرتكبوا الجريمة ، وأن يشيعوا الابتذال في كل شيء .

هم نفسهم من قتل رفيقهم  عبد الكريم مصطفى نصرت وهو بعثي وأحد قياديهم وأشاعوا انه منحرف جنسياً ، وهم نفسهم من قتلوا  قائدهم فؤاد الركابي وكان أمينا لسر الحزب وصار وزيرا وأشاعوا إن سبب قتله لتحرشه بصبي موقوف هرب الى الكويت،  وفضح هذا الشاب  تمثيليتهم ، أساليب تليق بهم وحدهم .

ثم قتلوا عبد الكريم الشيخلي وعبد الخالق السامرائي  وعبد الله فاضل ومحمد عايش وعدنان الحمداني وكلهم من قيادات البعثيين ولفقوا لهم التهم الرخيصة دون أن يرف لهم جفن .

الجريمة صارت زادهم وفعلهم  فأن لم يجدوا أحداً يقتلون بعضهم ، وهم يستمتعون بدماء أبناء العراق الأبرياء .

يمنحون كل فعل إجرامي سعراً ، ولكل جريمة  قتل ثمن ، ولكل قاتل غطاء ،  والغريب أنهم مصرين على التعامل بأموالهم  التي أوصلتهم مرارا الى السلطة ، ووسائلهم الرخيصة المتدنية  التي توصلهم الى السلطة ،  وبهذه الدولارات اشتروا ضمائر قابلة للبيع ، وبهذه الدولارات اسقطوا عفة وشرف سياسيين ، وبهذه الدولارات أهانوا العديد من الأحزاب  واشتروا العديد من الصحف والفضائيات والضمائر الرخيصة ، غير أنهم لم يستطيعوا إن يذلوا الفقراء ، ولا استطاعوا إن يجعلوهم  يركعون ، مارسوا كل الأساليب ، وليس أخرها الحصار الذي مارسوه على فقراء العراق ، فحرموهم من الغذاء والدواء ،  وليس أخره أن يترصدوا تجمعات الفقراء من عمال المخابز والأفران ، وتجمعات عمال البناء والمتسوقين في الأسواق الشعبية  ليقتلوهم ، فهم اعداء العراق والفقراء .

يخطي من يظن أن مشروعاً سيعدلهم فقد صيرهم قائد الحفرة ذيولا مرعوبة صدقت واهمة انه سيعود الى السلطة ، فأن لم ينتقم منهم فأنه سيكرمهم ، واعتقدوا واهمين أن العراقيين خانعين وسيقبلون عودتهم الى كراسي الحكم وتصير لهم حصة في العراق الديمقراطي وأياديهم لم تزل ملطخة  بدماء العراقيين ، ولم تزل دمائنا طازجة وجراحنا  طرية ، ولم تزل جثث أخوتنا وأهلنا قيد الدفن ، الذيول التي استمرأت الهدنة والتبس عليها الأمر وظنوا إن العراق تناساهم وأن الناس بلعت جرائمهم وفوضت أمرها لله واستكانت واهمة  .

يتنقلون في العواصم العربية ويخفون أياديهم الملطخة بالدماء ويرتدون قفاز المقاومة وهي منهم براء ، ويحملون مخططات الخراب ليس للعراق وحده أنما لكل بلد ينتشرون كالجدري بين أهله  ، واهمة هذه العواصم حين تقبل بالمكروبات البعثية أن تنتشر بينها  فهم من طينة جبلت على الخراب والأجرام ، معتقدين أنهم بجرائمهم أقوياء ، واذا كانوا قد أسسوا محطات بجانب وبحماية القواعد  الأمريكية  ،  واذا كانوا قد استأجروا الشقق المحمية من قبل مكتب التجارة الإسرائيلي ، فأن العراق لم يزل يحكمه أبناءه وسترحل كل قوات الأحتلال التي رتبوا أمر دخولها ووجودها في المنطقة  ،  بعد أن كانت تحلم أن تمد ذراعها قرب البحر الأسود والصين .

لم تزل مؤسساتنا الأمنية غافية وليس لها إن تعرف كيف يتواصلون لقتل أهلنا  ، ومن أين تأتيهم ملايين الدولارات ؟ ومن يقدم لهم المفخخات والأسلحة والألغام والسيارات  ؟ ومن يوفر لهم الوثائق وربما المؤهلات التي ستعيدهم الى المراكز المهمة في الدولة الجديدة مع أنهم بعض منهم عاد فعلاً  لكنه لم يتخلص من نزعاته المعادية لشعب العراق ، وسيعودون زرافات وحدانا .

الذيول التي لم تتخلص من اهتزازها ، ولاقومت نفسها ولا راجعت حالها ، ولا انتقدت ما سببته من خسارة جسيمة للعراق ، خسارة البشر والطاقات والكفاءات ، قبل خسارة الأموال التي بعثرتها الذيول ليبقى في العراق مئات الآلاف من المتسولين ، وخسارة الوطن الذي بعثروه ومئات الالاف من العاطلين ، ومئات الالاف من المتحسرين على صفيحة النفط في بلد النفط ،  وطرق مخربة وتسول من دول تتبرع للمحتاجين  والدول الفقيرة لإطعام الجياع  ، وهم يكتنزون المليارات المسروقة والتي تم تهريبها من العراق .

لم تزل الذيول تتهامس وتتلامس وتنبح ناعقة ضد اهل العراق ، وتمكنوا ان يجدوا لهم صحف صفراء تسيل منها الكراهية والحقد   ، وجمعيات تنبعث منها رائحة العفونة ومدعومة من جهات لاأسم لها ولاشكل  ، ويتباهون بأعداد القتلى من شهداء العراق ، ويشمتون بموت الفقراء ويمنحون القتلة من الزرقاوي الأرقط وكل حثالات الأجرام ورموز الانحطاط  صفة الشهداء ، وهم يقينا يعرفون أنهم رموزهم وليس لهم الا العار والشنار فالغد العراقي  الفيدرالي والديمقراطي مقبل مهما بلغ حجم التضحيات .

فهل يعي بعض منهم إن زمن القائد الضرورة سقط الى الأبد ، وأن صفحة الخوف والرعب من أجهزته الأمنية ولت الى الأبد فلا يلتفتوا الى الخلف  ، وان العراق مقبل ليساهم في ترميمه وبناء غده أهله ، وان الجميع مدعو بضمير حي ان يساهم في ان يكون العراق للجميع ، وان تكون سلطة القانون هي السيد الأوحد ، وان ممارسة الديمقراطية توفر لكل عراقي حقوقه الدستورية وواجباته .

45
المنبر الحر / سر قوة الأيزيدية !!
« في: 00:16 03/09/2007  »
سر قوة الأيزيدية !!

 

زهير كاظم عبود

 

لمن ستعطون ظهوركم وانتم تجعلونها عارية ، فتتعب أكتافكم من الأحمال ، وتتعب أرواحكم من الخوف والرعب والهلع ، ويتعب أطفالكم في ليل بهيم ونهار غادر ؟  وتحتارون في اللجوء الى أماكن قصية لاتصلها البهائم البشرية ، لن يتعب أعداؤكم ولن تمل أياديهم الملوثة بدمائكم ، لن تتوقف قلوبهم الممتلئة قيحا ومخلفات ، وعقولا لاتمت لبني البشر بأية صلة ، كيف ستأمنون الجهات الأربعة والكل بانتظار أن يكون له قصب السبق في قتلكم ، وها قد جئتكم من آخر صفحات التاريخ بعد إن خربت مدنكم ودولكم ، وأخذتكم بقية الصفحات تحشركم في زوايا الجبال والكهوف التي عاشها أجدادكم ، تسرقون لحظة النهار  ويسرق الزمن أعماركم ، وتخفون تاريخكم كله تحت أطمار التراب وفي صدور بعض منكم ما تشيب له الولدان ، ويحتفظ كبار السن ما يمكن ان يضيع ، فتضيع منكم حقائق كثيرة بكثرة المحنة ، وتتشوه فيكم معالم الجمال والمحبة ، سلسلة من المذابح التي خصكم بها الجيران والأخوة الأعداء ، وأنتم تقدمون القرابين لمن لايشبع ، وأنتم تقدمون الأضحيات لمن يشرب من دمها ، وتستمرون في الدعاء بأن يحفظ الله كل البشر بما فيهم البهائم التي ماتوقفت عن اللهاث خلفكم وقتل الفقراء والعزل والضعفاء والأطفال منكم .

لمن تعطون ظهوركم ولم تزل آثار الحراب الغادرة ، وبقايا الرصاص العثماني والفارسي والعربي منقوشة في أجسادكم ؟ وكيف لكم إن تحصدوا الحنطة والشعير والزيتون وتطعموا الجياع ؟

كيف يمكن ان تمضوا في طريق الحياة وانتم تحملون كل  هذا التاريخ الممتلئ بالدماء والمذابح ؟ كيف لكم إن تطمأنوا وحملات الغدر التي ذبحت حتى طفولتكم  ، وبعثرت بيوتكم البسيطة وأتلفت حتى عدة الطبخ العتيقة ، وخربت مزارعكم ومنعت أحلامكم !! فهل بعد كل هذا لكم أحلام مثل باقي خلق الله ؟؟

من أين لكم كل هذا الصبر ؟  وكيف تعلمتم الصمت والقدرة على إعادة ترتيب الحياة ؟ من علمكم كل هذا التسامح والطيب وانتم تعيشون القناعة وشظف العيش .

يافقراء المال وأقوياء الصبر  ، ياضعفاء الحال وأشداء الأيمان ، كيف لم تمسحكم تلك الحملات الدموية من وجه الأرض كما فعلت مع غيركم ؟ كيف لم تجعلكم تهربوا نحو حدود الصين تلوذون بأقصى الأرض تتعبدون ربكم الأعلى ( خدا ) الواحد الأحد بحراسة كونفوشيوس  حيث يعالج الآم الدنيا وإمداد الروح المشرقة ، ولكن ظهوركم على الأقل محمية من الغدر !!

كيف يمكن لكم إن تعتقدوا ان الله الذي تعبدون هو اله جميع الناس ؟  وهو الواحد الأحد ، وقتلتكم يرفعون أسم  ربهم الذي لايشبه رب الأديان وليس له بصلة .

تحاكون السماء مباشرة دون وسيط ، وتحل البركة في قراكم الفقيرة ، وحين ينتشر الجراد بين بيوتكم تطردونه دون أذى فيرحل بعد إن يأكل زروعكم وينقل لكم الجدري ، ولأنكم تؤمنون بتقمص الأرواح والحلول فلن تفنى دنياكم ، ولن ينتهي مجتمعكم ، وزمنكم كفيل بإثبات تلك المعادلة ، فقد سطرتم من المجازر والمذابح التي لم تلفت سوى نظركم وحدكم ، وهو موتكم وحدكم ولامقابر لكم مثل كل شعوب الله ، ما تبقى لكم من مقابر الأجداد تلوذون به لعمل الخير واستذكار الأرواح التي لم تزل هائمة .

لم تزل توصي بأن تنشروا المحبة والخير في صلواتكم ، وتغالون في محبتكم لأعدائكم وأعداء البشر ، فثمة ضوابط بين الإنسان والبهيمة ، وما يصلكم على الدوام تلك البهائم التي دمغت عقولها بدمغة التأريخ ، فلكل حقبة تاريخية بهائمها ، لم يتبق لكم من كل هذا التاريخ الطويل والعريض سوى تلك القرى النائية والبائسة والتي بقيت من مخلفات التاريخ الغابر ، ولم يتبق لكم سوى تلك البيوت العتيقة المتداعية التي تميزكم ، وهي القناعة التي تحل في أرواحكم .

وفي تلك القرى المنسية تلاحقكم غربان الشر وبهائم مصابة بسعار ، تفوج وتتدافع حتى تصل الى أفقر أماكنكم وأكثرها حاجة لقنينة غاز أو غالون من نفط أو كيس من طحين حتى يمكن ان تشبع الفقراء ويصمت الجياع والأطفال .

كيف يمكن إن تعوزا الحقائق التي سطرت كلماتها بمداد أحمر من أجساد أهلكم ، وكيف يعي الناس ما صار عليكم ، بل وما سيصير ، فأنتم المشاريع القادمة والأرواح المنذورة فلا تلتفتوا الى الوراء ، فالحياة هي حياة الروح لاالجسد كما تقولون ، ولهذا متيقنين أنكم باقون ، تحلقون فوق قباب لالش وبيوت أهلكم في شنكال وشيخان وبعشيقة وبحزاني ، سيان عندكم أن كنتم أو صرتم ، فقوانين الالهة لايغيرها البشر ، وإرادة الله لاتوقفها إرادة المخلوق .

ولأن بيوتكم خاوية فأنها سهلة التهديم على رؤوسكم ، ولأنها خاوية فلعلة تركها بسرعة حتى لايضطركم القتلة أن تتحاصروا داخلها !! ولأنها مشروعا للهدم والأحتراق والتخريب فقد جعلتموها مبنية من طين .

لكنها الروح التي لاتنتهي ولاتموت وتبقى تحوم فوق أماكنكم المقدسة ، ولكنها الروح التي تفارق الجسد فتلبس جسدا أخر ، فكيف يمكن إن يتم القضاء عليكم ، تعيدون دورة الحياة وفقا لتقمصكم أجسادا أخرى ، فيتعب القتلة وحملة الخناجر والبنادق وكل البهائم المفخخة التي تريد بكم السوء ، ولكن أرواحكم تبقى دون أن تسجل في الأحصاء .

يافقراء الأيزيدية كتب عليكم الموت ذبحا أو خنقا أو غدرا كما كتب على الذين قبلكم من أخوتكم .

ويافقراء الأيزيدية النار والسيوف والبنادق والبهائم كلها تتربص بكم المنون ، وأنتم لاتلتفتون ورائكم !!

لاتدعوا جثث الأطفال مرمية على تراب كر عزير أو سيبا شيخ خدر ، أو فوق  أرض الموصل ، فتلوثوا التراب وتدنسوا المنطقة .

أحملوا قتلاكم بسرعة فلم يعد الدمع نافعا لكم ، كمالم يعد الأسى يليق بتلك المجاميع التي رحلت ممزقة الأشلاء ، لاتحتاروا في لملمة اشلاء الضحايا ، فالروح لاتعبأ بتمزيق الجسد ، وثمة حرقة في الروح حين تتلمس جسدها وتغادره الى جسد آخر ، معفرة بالتراب ومعمدة بالشمس ومباركة بكل الطقوس والأضرحة والسبقات .

يامن تبقى منكم لم يقتل حتى اليوم ، قصائد الشعراء لاتفيد الضحايا  وكتاباتنا لاتداوي الجراح  ولاتعيد الأطفال الحلوين لمهاتهم ولا الرجال لزوجاتهم ، والتبرعات المادية لاتشفي الغليل ولاتحجب الغل في أرواح البهائم ، يامن تبقى منكم سهوا كيف يمكن لظهوركم ان تكون عارية ؟؟

دعونا نحصى الضحايا ونعد المقتولين ذبحا منكم ، ودعونا نكتب اسماؤهم فوق تراب شنكال أو لالش ، لعل ذبحهم يتوقف ، ولعل غلهم يهدأ ، وأنتم تحملون سركم الأبدي في التقمص والحلول مرة أخرى .

دعوا واحدة من عيونكم مفتوحة  لاتغفو فثمة مجزرة قادمة وظهوركم عارية !! وثمة بهائم بشرية  لم تزل تركض خلفكم تتحين الفرص للأنقضاض في كل زمان ومكان ، تنهش لحمكم احياء وتأكلهم جثثا متروكة في العراء وتشرب من دمكم .


46
هل حقا أن العراق بلد نفطي ؟

 

زهير كاظم عبود
 

بدأ أنتاج النفط العراقي في العهد الملكي في منتصف العشرينات مع وجود الاحتلال الانكليزي ، حينها كانت البلدان التي تنتج النفط على عدد الأصابع في المنطقة ، ولم يكن الإنتاج بالكمية والنسبة التي صار اليها ، وبدأ أنتاج النفط بوجود الشركات الأجنبية التي كانت تأخذ الحصة الأكبر من عوائده  وتمنح الأقل للحكومة العراقية ، وتمنح نسبا أخرى لكوبنكيان وغيره ممن قدم الخدمات والأعمال  التي تخدم عمليات الاستخراج والاستكشاف والإنتاج .

ومع هذا الإيراد القليل الذي يعود الى الحكومة العراقية ، ومع قلة المشاريع التي كانت تقدم عليها الحكومة من خلال مجلس الأعمار  ، و بقي العراقي بحاجة ماسة الى مكونات أساسية للحياة التي تليق بالإنسان ، فبقي العراقي يركب قطارا واحدا لايوجد غيره في العراق ، وبقي العراق بملعب رياضي واحد لايوجد غيره في العراق حتى منحنا المرحوم كولبنكيان من حصته ملعبا للشعب ، وقاعة اخرى  للعرض ،   لم تجرأ الحكومة أن تؤسس غيرها.

وبقيت نسبة الجياع والمعدمين والمحرومين في العراق نسبة عالية ، يرافقها نسبة غير طبيعية في البطالة ، تتزامن مع هجرة من الريف الى المدينة ، ينتج عنها انحسار في الأيادي العاملة في الريف والنتاج الزراعي ، وكثافة غير منتجة في المدن .

ويستمر النفط العراقي في التدفق ، ويتم إصدار قانون الاستثمار رقم 80 في العام 1961 من قبل  حكومة الشهيد عبد الكريم قاسم  ، بناء على مفاوضات وطنية أجرتها الحكومة مع الشركات لتحجيم أرباح تلك الشركات ومناصفة العراق معها في عوائد تلك الأرباح ، وتعريق العاملين والموظفين في عمل الشركات ، وتحديث الأجهزة والآلات وتركها للعراق لتأسيس صناعة نفطية وطنية مستقبلا ،  ولحاجة البلد الى موارد مالية للبناء والاستثمار وتأهيل الحياة العراقية بما يتناسب مع وجود النفط فيها ،  ليتم تأسيس منظومة وطنية لإنتاج النفط العراقي ، على أساس أن يتم توسيع القاعدة الإنتاجية ليكون مردودها الى الشعب ، ولقي القرار المذكور تأييدا ساحقا من الأحزاب الوطنية والعراقيين عموما ، ومع تقلبات الحياة السياسية في العراق  يزداد العراقي بؤسا وفقرا ، وتبقى معالم الحياة العراقية متواضعة لاأثر لعوائد النفط فيها ، ومن الطريف أن العراقي كان على الدوام يحتاج الى المشتقات النفطية التي تنتجها الدوائر العاملة في العراق وبإنتاج متواضع  ورديء غير متطور ، وبقي العراقي يلهث وراء النفط والغاز والبانزين والدهون المستعملة للسيارات ، وغالبا ما يستورد تلك المنتجات من خارج العراق ومن دول كان قد سبقها في الإنتاج والاستخراج .

وحين تم تأميم النفط في العام 1973 ، لم يكتشف أهل العراق اللعبة السياسية التي أقدمت عليها حكومة البكر – صدام ، في إقدامها على تأميم حصة وممتلكات الشركات الأجنبية وإبقاء حصة فرنسا ، بالنظر لقرب انتهاء المدة القانونية لعمل تلك الشركات وتركها جميع معداتها دون تعويض وفقا للعقود المبرمة ، وبذلك ضمنت تلك الشركات تعويضات ضخمة وكبيرة  من خلال تلك اللعبة لم يتم الكشف عنها حتى اليوم .

والمتمعن في خارطة العراق النفطية يجد أن المدن التي تنتج النفط لم تزل على حالها ، لم يلحقها التطور ولا التحديث ولا كان لإنتاج النفط ووجود المنشآت النفطية فيها أي آثر ، ولم تزل مدن بدائية قديمة ، الكثير  من شوارع القرى والنواحي والأقضية لم تعبد طرقها  ، ولا إنارتها الكهرباء ، ولاكانت الخدمات فيها تليق بالإنسان ، ويكفي أن البصرة لم تزل حتى اليوم تشرب ماء مالح ولا تستطيع أن تشرب الماء الحلو لأمر في نفس يعقوب .

ومع حجم الكميات التي قام العراق بتصديرها من النفط الخام ، فقد كانت أسعار برميل النفط في تصاعد مستمر ، دون أن يلمس العراقي فائدة من هذا التصاعد ، ودون أن يتحسن مستوى الفرد العراقي في الحياة العراقية ، وبقيت مشاكل البطالة والتسول والهجرة  وتردي الأحوال الاقتصادية تؤشر تدنيا في الخط البياني لحياة الإنسان  ، وبقيت مناطق  نفطية عراقية عديدة تحت سلطة شركات النفط الأجنبية  ، وبقي العراق يراوح في مكانه منشغلا بمشاكله الداخلية ، حيث كانت السلطات العراقية المتعاقبة تخصص الجزء الكبير من دخلها النفطي  لأغراض القمع والحروب وعمليات إبادة شعب كوردستان  والأنفاق على الأجهزة الأمنية وعمليات الاغتيالات وشراء الذمم والضمائر العربية والأجنبية .

في حين بقي العراقي يتطلع الى النفط الذي تتصاعد أسعاره مع تصاعد خطوط الفقر والبطالة وتحطيم الصناعة الوطنية العراقية،  وبروز ظاهرة الخصخصة في مؤسسات الدولة ، حتى بات العراق من الدول التي تنتظر بفارغ الصبر المعونات الاقتصادية والمنح والهبات كأي دولة فقيرة ومعدمة ، وصار المواطن العراقي يستلم أكياس الرز وصفائح الزيوت مقرونة بعبارات المساعدات الإنسانية من الدول والشعوب التي تعطف على الدول الفقيرة ، ويكفي للدلالة على أن أسواق بيع الملابس القديمة ( البالات ) بقيت رائجة ومستمرة في مدن العراق ، الذي بقي مستمرا في استيراد كل تلك المخلفات والأسمال من الملابس ليرتديها أهل العراق بقناعة ووقار وصمت .

وبقي دخل الفرد العراقي متدهورا الى درجة لايصدقها العقل مع استمرار تدفق النفط في الأبارالعراقية ،  وتحول العراق من بلد زراعي الى بلد يعتمد في عصب حياته على ما يتبقى من شحيح الإيرادات التي تعافها السلطات لتقتات عليها  الناس ، وترك أهل العراق  الزراعة،  وانتحرت الصناعة الوطنية ، حتى أطبق الاستيراد الأجنبي على خناق العراق .

وطيلة الفترة الزمنية من بدء الإنتاج وحتى اليوم لم تستطع الحكومات المتعاقبة أن تعمل على  تطوير الصناعة الاستخراجية و فتح آفاق و فرص كبيرة لتحسين الوضع الاقتصادي في العراق .

 ويبقى العراق يعيش وعلامات الاستفهام تملأ رأسه ، في جدوى وجود وزارة للنفط ، لم تستطع منذ قيامها حتى اليوم أن تسد حاجة المواطن العراقي من المشتقات النفطية ، ولا كشفت له عن الأسباب الحقيقية وراء تلك الأزمات المتكررة ، ولا عرف الناس بصدق الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء وجود النفط والبانزين في شوارع المدن ، وعدم توفره في محطات الوقود ، وبقيت تلك الوزارة تضخ الوعود وتخلف في وعودها دون محاسبة برلمانية ، وبقي العراقي يتطلع بعيون ممتلئة بالدموع الى القطط السمان وتجار الأزمات وهم يزدادون سمنا وثروة  وانتفاعا ، في حين يصل الأمر بالعراقي الى استجداء رغيف الخبز من الدول الفقيرة والمعدمة ، ويصير مشردا ولاجئا في دول الله ، ويبقى العراق بلدا نفطيا محسوبا على منظمة الأوبك ، ومسجلا ضمن بلدان النفط المنتجة بغزارة واستمرار . 

ولن نتعرض الى السرقات اليومية للنفط العراقي ، والتي بلغت مليارات البراميل والدولارات ، والتي لم تكشفها الحكومة حتى اليوم مع معرفتها بالقائمين بها ، والجهات الداعمة لهذه السرقات والعراق يمر في فترة من أحلك فترات حياته ووجوده  ، و نتعرض لحاجة المواطن العراقي الى النفط كمادة أساسية في التدفئة ، إذ مضت سنوات عجاف ترتفع الأسعار مع وجود النفط خارج أطار منافذ البيع الحكومي وبأسعار خيالية لاتتناسب مع وضع العراق النفطي ، وحاجة المواطن العراقي الى قنينة الغاز الذي يطبخ بها قوت عياله بعد ان وصل سعرها عشرات الأضعاف ، والى البانزين حيث  اعتاد أن يقف ليملأ خزان سيارته بصعوبة وعناء كبيرين  ، بينما يجده في شوارع الطرق الخارجية متوفر بالبراميل وبأسعار مرهقة .

هل العراق بلد نفطي ؟ والجوع يملأ البيوت !! وهل العراق بلد يبيع النفط ؟  وأهله يحتاجون نفوطه قبل غيرهم !! وهل العراق بلد نفطي ؟  والعراقي لم يعرف حتى اليوم أين استقرت تلك المليارات التي عادت لبلاده طيلة سنوات التصدير ؟ ولم تزل بيوتنا الطينية وأكواخنا  وصرائفنا علامة عراقية فارقة ، ولم تزل طرقنا الموحشة والممتلئة بالحفر والمستنقعات  منتشرة ، ولم يزل قطارنا الواحد البائس  كما كان ، وملعب الشعب وحده كما كان ، وطرقنا ذات الممر الواحد كما كانت ، والمدن الممتلئة بالمستنقعات والمياه الآسنة كما كانت ، ولم تزل البصرة تشرب المياه المالحة كما كانت ، فأن لم نستطع إن نجد الرحمة والمروءة من الحكومة ومن وزارة لنفط في تأمين حاجة المواطن ، فهل نلتمس رحمة ومروءة سراق النفط ليكفوا عن السرقة بعد أن شبعوا ، أو على الأقل ليتقاسموا دون خجل مع الشعب المحروم ثروته التي ضيعتها الحكومات واختلسها الزمن الرديء .

47
تسلل القاعدة وطريق العبور الى العراق


زهير كاظم عبود

 

يتوافد العديد من شباب اليمن والمملكة العربية السعودية  للأنتحار في العراق ، بالنظر لما يتعلمونه داخل المساجد من حث على القتال  وتزويق للأنتحار تحت مسميات عديدة ، وما يسمعونه من خطابات تشيد بالجهاد ، وما يطرحه أئمة الجوامع الذين يعتاشون على جراح ومآسي الناس ،  بالأضافة الى ما تطرحه تنظيمات ومصادر تمويل عربية خليجية  لعوائل الشباب المندفع والخارج من براثن الفقر المدقع مع عائلة المنتحر  المنكوبة بولدها ،  وما تشيعه فرق ومجموعات تعمل لحساب تنظيمات إرهابية من أفكار وخطط للسيطرة على عقول الشباب ،  الذي يستطيع إن يجد نفسه من خلال انخراطه في تلك التنظيمات التي تمنحه البطولة والفخر الزائف  ، بالأضافة الى التسهيلات والمساندة التي تلقاها متمثلة في استقبال العائدين بعد إتمام عمليات قتل العراقيين أو من الذين فلتوا من حكم القانون وتطبيق العدالة بعد  ارتكابهم  جرائم التفخيخ والتفجير التي تمزق اشلاء العراقيين  ، أو من الفارين من جحيم ملاحقة  العراقيين  .

ولعل البلدان  التي تشتهر بقلة الوعي الديني والسياسي ، وسيطرة المنطق القبائلي  والعشائري  في جميع المقاليد بما فيها السلطة ، من البلدان التي تعاني من الفقر والتخلف وتنتشر فيها تنظيمات القاعدة الأرهابية التي تستغل قلة الوعي وطغيان التعصب والتطرف وتعمل على شحذ كراهية الإنسان في كل مكان ، وتسعى لتثبيت الغل في صدور الناس لزرع الكراهية بين البشر ،  ما يدعو للألتفات توجيه الشباب على اساس فتاوى الجهاد ضد الاحتلال الأجنبي للعراق ، وأستغلال تلك المجموعات في العمليات الأنتحارية حال وصولهم الى العراق ، ومعروف للجميع إن تلك العمليات تستهدف العراقيين بغض النظر عن قومياتهم أو أديانهم أو مذاهبهم .

وحين يصل العنصر الأنتحاري  الى العراق يشحن بالكراهية الطائفية ، ويتم حقنه بجميع الآيات والأحاديث التي تكفر الآخر وتجعله في مصاف الكفار ، كما تخيل للعنصر أن جميع أبناء العراق ما هم الا عملاء للمحتلين ، ولذا فأن قتلهم واجب فرض كما تقول الفتاوى ، وبالتالي فأن قتل أي عراقي هو مشروع جهادي ، ويتقبلها العقل القاصر ويصدقها السذج من المقاتلين المستعدين للأنتحار ،  ولهذا فأن مثل تلك المجموعات تلقى الأستقبال الباهر عند العودة سالمة ، فقتال الشعب العراقي اليوم  أضحى واجبا عربيا وإسلاميا ، مهما اختلفت المزاعم والافكار التي يحاولون بها توجيه تلك المجموعات  .

وساهمت سلطة صدام مساهمة فعالة في توظيف الشباب ضمن  تلك المجموعات ، حين دفعت اعداد كبيرة منهم للأنضمام الى مجموعات فدائيي صدام ، وقبلها في قواطع الجيش الشعبي ، ولعلنا نتذكر المجموعات التي قدمها صدام قرابين لسلطته في منطقة المطار والتي طمرت تحت الأرض في معارك غير متكافئة ،  ومن ثم في تنظيمات متطرفة وتكفيرية سعيا وراء حاجة عوائلهم التي تتلقى مساعدات من تلك الجهات التي تقوم بأستخدامهم  لهذه المهمات الأجرامية ، ومن اللافت للنظر أيضا إن هناك أعداد تتجاوز الألف عنصر منهم يقيمون في العراق بشكل غير مشروع ، لم تقم الجهات الحكومية قطعا بأي إجراء رادع يمنع وجود أو بقاء هؤلاء على وضعهم  غير القانوني ، وتعتمد القاعدة على شبكة أخطبوطية من الطرق لتمرير وتسلل تلك المجموعات ، غير إن اقصر الطرق وأكثرها ضمانا هو طريق إيران وسورية  ، حيث  وجدت منظمة القاعدة الإرهابية  فيها أرضية صالحة للعمل اليومي الدؤوب في قتل العراقيين ، مثلما وجدت كل المساندة والرغبة في استمرار تدفق تلك الأعداد المشرعة للأنتحار ، من اجل قتل اكبر عدد ممكن من أهل العراق ، بالأضافة الى جعل الحياة في العراق جحيما لايطاق مع وجود القوات المحتلة أوحتى  بدونها .

وهذا الطريق يشمل الشباب المتسلح بفتاوى رجال دين يحثون على ارتكاب الجريمة والقتل ، ويتلذذون برؤية الدماء والأشلاء بشرط إن تكون عراقية ،  وبالنظر لوجود أذرع اخطبوطية عبر الحدود الايرانية العراقية ضمن حدود محافظة ديالى ، وعبر حدود محافظة الرمادي والموصل  عن طريق الحدود السورية ، وفي كل الأحوال فأن هذا التسلل يفيد بأن نقاط ارتكاز تتجمع في تلك المفاصل العراقية ، ثم تنتشر أو يتم ارسالها الى أماكن ومناطق لتنفيذ العمليات في تفجير السيارات أو عمليات القتل أو في العمليات الانتحارية .

غير إن تصدير الإرهاب بأي شكل من الأشكال هو مساهمة أكيدة وأشتراك فعلي في الجرائم الأرهابية ، يمكن إن يطال حتى تلك الدول ، وكما يمكن لتلك المواقف التي تدفع بهذه الأعداد التي نزع عنها الضمير والعقل للأنتحار في العراق وتشكيل المجاميع التكفيرية أن تساهم في نشر الإرهاب وأشاعة العنف في العراق .

ولعل تجربة اليمنيين في افغانستان ماثلة للأذهان بعد إن كانت اليمن الشريان الحيوي الذي يغذي القاعدة بالمقاتلين المتطرفين ، لما ينتشر في اليمن من فقر وعوز بالأضافة الى انتشار القات والبطالة والتخلف وانتشار اليأس بين الشباب ، بالأضافة الى تغذية التطرف الديني من قبل دول وأشخاص بالمال والسلاح .

وفي مسعى للحكومة اليمنية الى نقل الأرهاب خارج بلادها ، بعد أن شاعت الجريمة وأصابت العصب الحساس في الأقتصاد اليمني ، وبعد ارتكاب الجناة عدد من الجرائم ما تجعلهم يشيعون الأرهاب وسط الساحة اليمنية ، فتخسر اليمن مواردها السياحية جراء ذلك ، تتوجه الحكومة التي ابتليت بموقف متعارض مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في أيواء المطلوبين من المتهمين بأرتكاب الجرائم في العراق ، ومنحهم الأمن واللجوء خلافا لكل الأعراف والقيم والتقاليد والقوانين الدولية ، ولذلك قامت اليمن بمحاكمة محدودة لبعض من عناصر تلك المجموعات التي ارتكبت جرائم جنائية لاتستطيع الحكومة اليمنية إن تتستر عليها ، مع أن اليمن تضم مؤسسات دينية متطرفة تعمل تحت غطاء التعليم العالي والجامعات الأهلية ، تقوم بتأهيل المتطرفين والتكفيريين من ابناء اليمن المتعلمين وتقذفهم الى جحيم الهاوية في مفاصل القاعدة .

كما تسعى شخصيات يمنية سلفية الدعوات إلى الجهاد ، أمثال الشيخ عبدالمجيد الريمي، والشيخ مراد أحمد القدسي، و الشيخ محمد بن موسى البيضاني المشاركين في المؤتمرالطائفي  الذي استضافته العاصمة التركية تحت زعم مناصرة الشعب العراقي المنعقد في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حيث طالب هؤلاء  أهل السنة بدعم المجاهدين والمقاومين في العراق لأنهم يدافعون عن كل مسلم، وليس عن بلادهم وحدها 

كما حرضوا على العمليات الأرهابية بزعم الدفاع عن العراق المسلم ، ووجهوا حثا وتحريضا على ارتكاب الجرائم ضد الإنسان في العراق ، وعادوا الى اوكارهم فرحين بعد إن تحققت لهم مطالبهم ، وسيطرت كلماتهم على مشاعر العديد من الشباب الذي انطلت عليه قضية الدفاع عن العراقيين ، بينما الحقيقة أنهم يساهمون في قتل العراقيين وتعميق الشرخ الطائفي  .

ومثل هذه الدعوات تجد لها الأذن الصاغية  ليس فقط من شباب اليمن الذين يرتبطون بهذه المجموعة السلفية والمتطرفة من رجال الدين ، بل من أغرار آخرين من بلدان عربية أو اسلامية يقعون في دائرة الوهم والتغرير حين يتم استخدامهم قنابل وألغام تنفجر في وسط حشود العراقيين على اختلاف أديانهم أو مذاهبهم ، ودون إن تلقى ممانعة أو صد من لدن الحكومة ، مادام الأمر لايتعلق بالتعرض للسلطة ، ومادام الأمر يخص العراق ويبعد تلك العقول والبهائم الجاهزة للأنتحار بعيدا عن ساحتهم  .

ولاشك إن مساحة الحدود العراقية مع تركيا يفسح المجال لهذه العناصر بالتسلل أو العبور بصفات عديدة الى العراق ، و اعترف مسؤول بالأمن التركي أن عددا كبيرا من عناصر تنظيم القاعدة ينجحون في العبور إلى العراق والعديد من الدول الإسلامية عن طريق الحدود مع تركيا.

وأشار إلى أن عناصر التنظيم يدخلون تركيا كسائحين، أو يدخلون بطرق غير شرعية وبجوازات سفر مزورة وأن غالبيتهم ينتقلون إلى المدن التركية المزدحمة ثم ينتقلون عن طريق البوابات الحدودية إلى سوريا أو العراق كما يستغلون المناطق التي لا توجد بها حراسات أمنية أو التي بها حراسات ضعيفة، وأن غالبية العناصر التي تنجح في الوصول إلى العراق تستقر في منطقة الأنبار، حسب تصريح المسؤول الأمني التركي  ، الا أن قطع الطريق عليهم وملاحقتهم من قبل عشائر الأنبار ، ساهم في تطهير المنطقة منهم .

وإذا كانت الخطط الرامية لوقف النشاط الأرهابي لم تزل تتخللها  الأنفعالات  وعدم الخبرة ، وعدم اتباع مناهج صارمة في مواجهة تلك العصابات ، وفضحها وأنزال العقاب الصارم والمتناسب مع حجم جرائمها ، بالأضافة الى تطبيق الظروف القضائية المشددة عند تطبيق الأحكام ، بأعتبار أن العراق يمر في ظروف حرجة ويتعرض لهجمات قاسية من جهات متعددة تتكالب على العراق ، وأن يتم فضح هذه العناصر ومن يقف معها ويوظفها ويساعدها ويسهل لها الجرائم ويشاركها ماديا أو معنويا أو بأي شكل من الأشكال ، فأن العمليات الأجرامية التي يتعرض لها أبناء العراق ستستمر ، وسيدفع العراق دماء جديدة ثمنا لهذا التراخي والمجاملة السياسية التي تفعل فعلها .

48
و لم يزل القاتل مجهول

 

زهير كاظم عبود

 

لم تكن الشاحنات الأربع التي انطلقت محملة بالوقود من أجل توزيعها على المواطنين الأيزيديين ، ولم تكن تلك الشاحنات قد نزلت من السماء ، فقد كانت مملوكة لأشخاص ويقودها سواق ، وتم تحميلها من المستودعات الخاصة بتوزيع المنتجات النفطية ، ومن ثم سارت تباعا الى النقاط المحددة لها ، ومرت على العديد من نقاط وسيطرات التفتيش ، ويقينا أن هناك من قرأ اوراقها والأوامر الصادرة لها بالأنطلاق الى تلك المواقع .

وحين دخلت الى ساحاتها المحددة للتفجير ، لم تكن البهائم التي تقودها لاتعرف مداخل ومخارج تلك القصبات .

ولهذه الشاحنات أرقام  ولهذه الشاحنات سجلات في دائرة المرور ، ولهذه الشاحنات قيود في مخازن تعبئة الوقود ، ولهذه الشاحنات مالكين مسجلة بأسماؤهم ، وتتوفر معها ومع البهائم التي انتحرت معها العديد من الأدلة والقرائن التي تكشف ليس عن هوية البهيمة الذي انتحر ، وليس عن نوع السيارة الحوضية التي كانت مملوءة بالوقود والمتفجرات ، وإنما تكشف عن الجهة والأشخاص الذين خططوا لتلك العملية ، سواء  أكانت القاعدة أو التكفيريين أو البعثيين الصداميين ، وسواء كانت أيران أو أمريكا أوأخوة عرب أو أكراد أو تركمان ، فأن الأمر لايعفي الجهات المسؤولة عن كشف الحقيقة خلال مدة لاتتجاوز عدد أصابع اليدين ، لتضع النقاط والحروف .

لم يعد احد يصدق ذلك المجهول الذي يقترف الاف الجرائم البشعة ، ويرتكب  تلك الأفعال الشنيعة ثم لايتعرف عليه أحد .

هل أن المحاصصة الطائفية والمصالح  السياسية تطغي  على الضمائر فتكتم الحقيقة عن الناس ؟

هل إن الصراع على المناصب والكراسي يعمي الأبصار ويشل الوجدان ؟

هل أن الحقيقة تبقى مقيدة ضد مجهول في نظر الناس ومعروف ومكشوف في نظر جهات أخرى ؟

أين صارت الرجولة والشهامة وتغليب مصلحة الوطن على المصلحة الذاتية ؟

كيف يتم بيع أرواح الناس تحت مزاعم عديدة ومتنوعة لكنها واحدة بالنتيجة ؟

هل حقا أن قتلة العراقيين مجهولين ولانتعرف عليهم ؟ أو من الصعب إن نتوصل الى وجوههم ومراجعهم وأماكن يتسللون اليها ، وبيوت تمدهم بألآت القتل والذبح ، وبيوت تتستر عليهم وتطعمهم وتمدهم بالماء والعدد من أجل إن يستمر قتل العراقيين .

صهاريج من الوقود التي يفتقدها العراقي ويصارع من اجل الحصول على كمية لسد احتياجات عائلته ، يحصل عليها القتلة وتقودها البهائم المفخخة من اجل القتل ، ولاأحد يعرف من أين يتمكن هؤلاء الحصول على تلك الصهاريج ؟ ولا كيف تمت تعبئتها بالوقود ؟ ما زالت فرق الانقاذ تبحث بين الانقاض عن الضحايا. وبنتيجة البيوت الفقيرة المبنية من الطين ، تهدمت تلك البيوت على ساكنيها ، ويقوم عمال الانقاذ باستخدام ايديهم للحفر بحثا عن الناجين او المصابين او الجثث الراقدة تحت الأتقاض ،أو لأنقاذ ما يمكن أنقاذه ،  خشية ان يتعرض احد المطمورين تحت الانقاض إلى الموت بسبب طبيعة بناء تلك المنازل البسيطة .

وبنتيجة تلك الأعمال الأجرامية والأرهابية ، قُتل اكثر من 250 شخص في عدد من الهجمات المتتالية بصهريج نفط و3 سيارات مفخخة في بلدتي القحطانية والعدنانية القريبتين من الحدود السورية والتي يسكنهما اكراد من أبناء الأيزيدية المسالمين .

في الوقت الذي بدأت تتفاقم الجرائم ضد أبناء الديانة الأيزيدية والمسيحية والمندائية في العراق ، متزامنة مع محاولة أنتشار الإرهاب والتنظيمات الأجرامية والصدامية ،  لم تلق تلك الجرائم ذلك الاهتمام الكافي والمتناسب مع حجم تلك الجرائم  في البحث عن الجناة ، وتشخيص مراجعهم وهوياتهم ، ولم تلق تلك الجرائم الا الاستنكار المعنوي والخجول  الذي لايلبث إن يتبخر مع انقضاء نهار دموي جديد على العراق .

لم يزل العراق يعطي من فلذات كبده يوميا ، في قوافل من الشهداء ، ويقينا ستنتصر أرادة الإنسان والخير والمحبة على تلك العقول المغلفة بالشرور .

يقينا أن مقترفي تلك الجرائم مهما كانت هويتهم الطائفية إنما يخونون العراق  ، وباقترافهم تلك الجرائم لايعبرون عن خستهم وخطورتهم الإجرامية ، إنما يعبرون أيضا عن خسة من يوظفهم ويتستر عليهم ، واستهداف أبناء تلك الديانات لم يكن دون قصد ، فقد عرف أهل العراق أبناء الديانات المسيحية والمندائية والأيزيدية  عراقيون أصلاء ، وهم أبناء الديانات المسالمة والمتسامحة ، ولم يظهر أي تطرف أو شذوذ من أبناء تلك الديانات ، كما لم يظهر أي رد فعل متهور منهم  ضد أي متطرف ، كما عرفهم العراق محبين للسلام وداعين له  ومتمسكين به ، ولهذا لم يجد القتلة ذلك الاصطفاف المسلح والمواجهة التي ترتقي لمستوى الحماية من الأجرام المنتشر اليوم في العراق .

وإذا كان الإرهاب يطال المواطن العراقي ، وإذا كانت المجموعات الإجرامية تتوحد مع تلك التنظيمات الإرهابية ، فأن المواطن الأيزيدي والمندائي والمسيحي يطاله الإرهاب مرتين مضاعفتين ، المرة الأولى باعتباره عراقيا متمسكا بعراق ديمقراطي وفيدرالي ، والثاني باعتباره من أبناء الديانات العراقية العريقة والأصيلة غير الإسلامية .

وإذا كان في العراق مكونات اجتماعية  مختلفة منذ أن نشأ الإنسان على أرضه ، فأن هذه المكونات تشكل ملح العراق وحياته التي لايحيا بدونها ، أذ لايشكل الاختلاف الديني أو القومي أو المذهبي درجة في المواطنة ، ولايمكن وبأي شكل كان أن يجري الذي جرى على ابناء العراق من غير أبناء الإسلام ، ودون ابناء العراق جميعهم وعلى اختلاف دياناتهم وقومياتهم لن يكون العراق الموحد .

ونشعر كما يشعر معنا الحريصين على تكاتف العراق وإحلال المصالحة والسلام ، وانتصار الحق والقانون على فلول الإرهاب والأجرام ، بأن تقصيرا كبيرا من لدن جميع المسؤولين عن هذه الصفحة المشينة في التاريخ العراقي ، إذ لم يتم الكشف عن تلك الأيادي الآثمة والمجرمة التي تعرضت لأبناء تلك الديانات بالقتل والتشريد أو الإجبار على تغيير الدين ، ولم يتم التعمق في التحقيق لمعرفة هويات القتلة ومن يقف وراءهم ، ولا تم إعلان القبض على فلولهم وعناصرهم الموبوءة ، ولا تم الالتفات الى تلك الجرائم التي وصلت الى درجة التعرض الى رجال الدين والكنائس ودور العبادة ، وصاحب كل هذا صمت مريب من رجال الدين لايليق بمن يكن للعراق المحبة والخير أن يسكت ، فالسكوت في معرض الحاجة الى القبول رضا ، ولا نعتقد إن سويا يمكن إن يرضى ويقبل على ما يجري من جرائم ضد ابناء الأيزيدية والمندائية والمسيحية .

وثمة سؤال يطرح نفسه ، لماذا الذي يجري ضدهم وفي هذا الوقت بالذات ؟ ومادام الأمر يتطلب من العراقيين التوحد والاصطفاف ضد فلول مجموعات الأجرام والإرهاب الذي يطال جميع أبناء العراق ويريد أحالة حياتهم ومستقبلهم الى جحيم ، ويسعى الى حجب مستقبلهم وحلمهم في دولة القانون ،  ومادام الأمر صار  في مواجهة بين ابناء العراق وأعداء العراق ، فلم هذه الجرائم  التي يندى لها الجبين الإنساني ، والتي لاتعبر الا عن أرواح متلبسة بالشر والأجرام ، والتي لاتكتفي بالقتل أو بشرب دماء الناس ، وهذه الخطورة التي ربما شاهدها بعض في أشرطة مصورة ، لمجاميع إرهابية تقتل وتمعن وتطرز بالرصاص أجساد حتى بعد إن سكنت أرواحها وانتقلت الى بارئها تشكو ظلم الإنسان ، من يتمعن في تلك المشاهد يتأكد بأن المجرمين سيعاودون جرائمهم التي أصبحت زادهم وصيرورتهم ، حتى ضد أهاليهم فقد أدمنوا القتل ولن توقفهم النصائح  والمناشدات ولا الاختلافات الطائفية والتطرف الديني الأعمى ، ولهذا فأن من يصطف مع أعداء العراق إنما يخون شعب العراق .

أين نحن مما يجري على أبناء الديانات غير الإسلامية في العراق ؟ وماذا قدمنا ؟ وكيف سنقبل التعامل مع تلك الجرائم التي اعتدنا إن نوجهها ونلصقها بعناصر إجرامية مجهولة .

ماهو دور الحكومة ؟ وكيف سيمكن إن نذكر للأجيال العراقية القادمة هذه الصفحة التي سجلها التاريخ العراقي بأحرف سوداء .

أن ابناء المسيحيين والمندائيين وأبناء الأيزيدية ليسوا عاجزين عن رد الشر ، ولم يتوجهوا لتكوين ميلشيات مسلحة أو مجموعات تحمل الأسلحة وتكتنز المتفجرات ، ليس عجزا أو خوفا ، إنما حرصا على هويتهم وتأريخهم ومبادئهم  وقيمهم التي تربوا عليها ، وحين يضطرهم الدفاع الشرعي لسلوك هذا الطريق ، فأن التزامات أخرى تفاقم السعي لإحلال فرص السلام والتوحد بين العراقيين ، ونشعر أن حالات الأجرام التي ترتكب من قبل تلك العصابات حري أن يتم الأعلان عنها والكشف عن هويات مرتكبيها ومن يخطط لها ويحرض عليها  ، ليتعرف اهل العراق على تلك النماذج المجرمة والقذرة التي تريد بالعراق كل العراق السوء والشر .

وإذا كان السكوت عن عمليات التهديد والرعب والأرهاب بالخطابات والرسائل قد تم السكوت عنها من قبل المسؤولين ، وإذا كانت عمليات الترحيل وقطع الأرزاق وأخلاء البيوت والمحلات التجارية قد تم التغاضي عنها ،  فأن حالات الإجرام المرتكبة بحق البشر  مدانة ويجب إن تكون العقوبة صارمة و في مكانها المتناسب مع خطورتها ، في مراحل التحقيق الأولي أو الابتدائي ، وان تلقى من السلطة التنفيذية ومن القضاء العراقي الردع والعقوبة المتناسبة مع الظرف والزمان الذي تم فيه ارتكاب تلك الجرائم .

ولايعقل إن يتم قتل الإنسان بسبب ديانته العراقية ، ولايقبل إن يتم قطع أرزاق الناس بسبب ديانتهم ، ولايمكن إن يحمل ذرة من ضمير وعقل من يرتكب تلك العمليات الإجرامية ، وعلى هذا الأساس ينبغي التوحد ليس في الصوت ، إنما بالعمل في إيقاف تلك الجرائم ، ووضع الحد الحاسم لها .

بأنتظار أن يتم كشف الحقائق والتوصل الى الفاعلين الحقييقيين ومن يقف خلفهم ، وبانتظار أن تكون تلك الأرواح البريئة سببا لأهتمام الحكومة والمسؤولين بتلك المجموعات البشرية المسالمة ، وبانتظار أن نتعرف على الفاعل مهما كانت قوميته أو جنسيته أو مذهبه أو دينه .

49
هل ينتقص الدين من الوطنية  ؟


زهير كاظم عبود

 

في جميع دساتيرنا المكتوبة نحن متساوون أمام القانون في جميع الحقوق والواجبات ، دون تمييز ودون فرق بسبب الدين أو القومية أو المذهب أو الجنس أو الأصل أو المعتقد أو الرأي أو حتى المنزلة الاجتماعية أو الاقتصادية ، وورد النص مطلقاً ،  والمطلق كما يقول أهل القانون يجري على إطلاقه  .

ومثل هذه النصوص غاية في الشفافية والإنسانية ، وتنم عن انسجام ليس فقط مع حقوق الإنسان ، إنما حتى مع أسس الديانات المختلفة في العراق  ،  حيث  تؤكد على إن الإنسان مجردا من أي ملحق ديني أو قومي أو مذهبي ،  كرمه الله وفضله على العديد من المخلوقات تفضيلا .

(( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبت وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) سورة الإسراء الآية 70

والمساواة التي يقولها النص مطلقة ومنسجمة مع قيمة الإنسان ،  وتتساوى فيها درجة المواطنة لدى المواطن مادام  مواطنا عراقيا مهما كان دينه أو مذهبه أو قوميته .

وهذه النصوص الدستورية يفترض القانون والمنطق إن يكون لها علو على بقية النصوص القانونية ، والعمل بها ووفقها ملزم للجميع بما فيهم البرلمان والحكومة ، بل ويعبر عن صدق المنهج  في تأسيس دولة القانون ، ويجسد حقيقة المساواة ، ولكن المحزن أن هذه المساواة نطبقها  في العراق عمليا من خلال الانتقاص الملموس لكل عراقي يعتنق الدين المسيحي ، وهو على هذا الأساس تابع ، لايحق له تبوء العديد من المراكز المهمة بسبب نصرانيته ، فيصبح مجرد اعتناق دين آخر سببا كبيرا في عدم المساواة رغم أنف الدستور .

ودولة مثل دولتنا تحاول أن  تجسد منطق الدولة الدينية التي عفا عليها الزمن وتجاوزتها العصور وعافتها الأمم ، تمنع أن يكون النصراني في العراق رئيسا للجمهورية أو وزيرا للدفاع أو قاضيا في المحاكم ، والممنوعات التي تجسد انتقاص مواطنة العراقي المسيحي لامجال لتعدادها وهي كثيرة ، وأكبر من حجم النص الدستوري ، وليس للمسيحي العراقي أن يطالب بتطبيق النص الدستوري ومساواته في الحقوق والواجبات ، إنما عليه الدفاع عن وجوده وبقاءه في العراق ، فلم تزل تلك العقليات التي لاتعرف دستور ولاتفرق بين القانون والتعليمات  تسود الشارع العراقي باسم الدين .

أما إذا كان الإنسان  مندائيا أو ايزيديا فليكتب الله عليه السلام ، ننسج الكلمات الجميلة والمنسابة في خطاباتنا ، وإننا نضمن حرية العقيدة والممارسات الدينية للمسيحيين والأيزيديين والمندائيين ، غير إننا نسلط عليهم من لايرحمهم ولايفهمهم ، وهم في كل الاحوال مواطنين منقوصة قيمتهم الوطنية ، ولايمكن إن يتساووا عمليا مع أبناء دولة تعتمد في تشريعها على دين واحد ، فتنكر عليهم حقهم الإنساني في الشراكة الوطنية ، ومادامت النصوص القانونية جميعها تؤسس من خلال عدم تعارضها مع ثوابت الدين الاسلامي ، فهي بالتأكيد تهمل أو تنتقص من قيمة الثوابت المندائية أو الأيزيدية أو المسيحية ، أو حتى اليهودية التي شطبها أهل الدستور عمدا من دستور العراق ، تعبيرا عن الحرج والرفض الذي يشعر به فريق العمل في كتابة الدستور في اعتبار اليهود العراقيين ، من هجر منهم أو من بقي في العراق مواطنين مشطوبين لايستحقون المواطنة وحق المساواة ، لغل لم يزل في الصدور أن يتحمل يهود العراق كل ما قامت به الدولة العبرية العدوة والصديقة ، وهو تحميل باطل وغير منصف .

وإذا كان الله قد كرم بني آدم دون إي إشارة الى أن هذا العراقي مسيحي أو مندائي ،  مسلم أو ايزيدي ، فعلى أي أساس يكون التكريم في النص الدستوري ، وعلى أي أساس يتم العمل في النصوص الدستورية بمنع المندائيين والأيزيديين والمسيحيين من المساواة في الحقوق ، مع إن العديد ممن يرى أنهم في الحقيقة  متساوين في الواجبات فقط .

منذ تأسيس الدولة العراقية وتشريع دستورها في العام 1925 تم تثبيت نص دستوري يقول في المادة السادسة ، انه لافرق بين العراقيين في الحقوق إمام القانون ، وأن اختلفوا في القومية والدين واللغة ، ومنذ تأسيس تلك الدولة لم نكن نشعر مطلقا بتلك المساواة الصادقة والصريحة في تلك الحقوق لأبناء تلك الديانات ، مع إن الدستور نص منح تلك الديانات مجالس روحانية للطوائف ، ولوائح قانونية تحكم قضاياهم الشخصية ، الا إن المساواة جعلت المشرع عاد ليلغي كل الحقوق ويختزلها في تعبير سواسية أمام القانون .

لايولى النصراني ولا المندائي ولا الأيزيدي ولاية يتمكن فيها من رقاب المسلمين .

( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبيلا )(النساء:141)

فلا ولاية لقاضي من أبناء تلك الديانات على المسلمين ، وبهذا لاتتحقق المساواة فيمنع إن يتولى أي منهم القضاء بكل أشكاله ، حتى وأن كان في قضايا الأحوال الشخصية الخاصة بتلك الديانات ، حيث يولى المسلم عليهم لتطبيق تلك اللوائح القانونية ، ولايمكن لهم أن يصيروا ضباطا وقيادات في الجيش والأركان العامة  أومسؤولين  في الأجهزة الأمنية ، كما لايمكن لأي منهم إن يتولى رئاسة الوزارة  ، مع إن النصوص لم تشر الى منع أو ممانعة حيث اشترطت  النصوص الدستورية مسألة اختيار رئيس الجمهورية من انه عراقيا بالولادة ومن أبوين عراقيين ، وكامل الأهلية وأتم الأربعين من عمره ، وذو سمعه حسنة وخبرة سياسية ومشهود له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والإخلاص للوطن ،وأخيرا غير محكوم بجريمة مخلة بالشرف  ،  ولكن هل يقبل البرلمان إن يختار أيزيديا أو مندائيا رئيسا للجمهورية ؟ هل يمكن إن ينتخب البرلمان رئيسا لمجلس النواب من المسيحيين العراقيين  ؟  الواقع يعاكس النص الدستوري ويمنع تطبيقه  .

وبات من الواضح أن تتم التفرقة بين المواطنين العراقيين من خلال اعتناقهم تلك الديانات غير الإسلامية ، بصرف النظر عن أعدادهم ووجودهم  وتضحياتهم وحضورهم الوطني ، وبصرف النظر عن حقوقهم الشرعية والتاريخية ، فالواقع يقول أنهم مواطنين لاترتقي مواطنتهم الى أخوتهم من أبناء الإسلام ، وهم بهذا الأمر أقل درجة ، فلا يمكن قطعا إن يكون رئيس الجمهورية مندائيا أو أيزيديا أو مسيحيا ، وأن فكرنا باليهودية فلربما سنواجه باتهامات العمالة للموساد وموالاة أسرائيل الدولة اللقيطة والصديقة .

وعلى ضوء تلك الرؤى تتجسد الممارسات اللاأنسانية تجاه أبناء العراق من أهل الديانات عير الإسلامية  ، وعلى ضوء تلك المنزلة الحقيقية التي لن نتجاوزها تحت ظل شعارات لفظية ، وعبارات لاتغني ولاتسمن من جوع ، تضع أهل تلك الديانات في ميزان المحاصصة الطائفية ليتم استصغارهم وتحجيمهم ، وهي الحقيقة التي تسود العقل الحاكم في الشارع العراقي ، ومع إننا لانزعم إننا في طريقنا  الى الدولة الدينية ، الا إننا وعبر الزمن الحديث منذ تأسيس الدولة العراقية ، نؤكد على المساواة اللفظية دون العملية ، وقبل ذاك كانت الدولة العثمانية          ( المسلمة ) تؤكد ذلك حين كانت جميع تلك الديانات تحت سلطة ورحمة السلطان أمير المؤمنين والخليفة ،  وبالرغم من إن الحياة تؤكد إن فصل الحكم والسياسة عن الدين بات ضروريا ، لم نزل نتمسك عمليا بحالة الخلط والخبط ، ونتهم كل من يريد توقير الدين وأبعاده عن شوائب وسلبيات العمل السياسي بالإلحاد والزندقة والعمالة .

 (( مر النبي محمد ( ص )  ذات يوم على بعض ملاك بساتين النخيل فوجدهم يؤبرونها [يلقحونها] فقال لهم لو تركتموها لكان أصلح. امتثلوا لنصيحته، لكن نخيلهم فسدت، فجاؤوه محتجين. فكان رده عليهم :" ويحكم إنما أنا نبيكم في أمور دينكم ، أما أمور دنياكم فأنا وإياكم فيها سواء . ))

وإذا كان  مفهوم الوظيفة العامة يلتقي مع مفهوم الولاية العامة في إطار أنّ كلاّ منهما ينطبق على سلطة الحكم، والتدبير، أي الاستحقاق الشرعي للتصرف، وفق ضوابط وحدود تهدف إلى تحقيق مصالح عامة على النحو الذي يكيفه النظام، في ضوء فلسفته وأهدافه، فأن هذا المفهوم يتحدد في إطار الدولة الدينية ، ويتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص المكفول دستوريا للعراقيين ، دون أي اعتبار للدين أو المذهب أو القومية ، وبالتالي فأن الحق المكفول لكل عراقي من أبناء المسيحيين والمندائيين والأيزيديين واليهود لايمكن العمل به أو التعامل من خلاله خلافا ليس للنص الدستوري أنما للواقع العملي الذي يفرضه منطق الحكم والسلطة .

وأذ تشتد العمليات الإجرامية التي تستهدف أبناء المسيحيين والمندائيين والأيزيديين من أبناء العراق ، ويتبرقع القتلة وتلك المجموعات بشعارات الدين  حيث  تنتمي زورا الى الإسلام ، لغرض دفعهم لمغادرة العراق أو ترك دياناتهم ، دون إن تجد تلك الأيادي الآثمة ردعا متناسبا مع حجم جريمتها ، وكما لاتلقى سوى الاستنكار الخجول  من رجال الدين ،لتستمر صفحة تلك العمليات الإجرامية مع كل الغبن والتهميش الذي يلقيه المواطن العراقي غير المسلم .

 علما بأن قتل غير المسلم يعد في الشريعة الإسلامية معصية وكبيرة من كبائر الذنوب ، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم :  ((  من قتل معاهدا لم ير رائحة الجنة )) ، فعلى أي سند وأساس يقوم هؤلاء بتأسيس جرائمهم باسم الدين والطائفة والمذهب ؟ 

إنّ الإسلام من حيث المبدأ ينهى عن قتل النفس، قال تعالى (مَن قَتلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الأَرْضِ فَكأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (سورة المائدة/ 32) وقال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) (سورة الأنعام/ 151) والنفس هنا تشمل المسلم وغير المسلم .

50
مسؤولية الدولة عن الجرائم المرتكبة انتهاكا لأحكام القانون الدولي


 

زهير كاظم عبود

 

في العديد من الحالات التي ترتكب فيها الدولة جريمة أو تحدث ضررا للفرد ، فأن فأن القانون الدولي هو الذي يحكم معيار الفعل الجرمي والضرر ، وغالبا ما يلجأ الأفراد الى القانون الدولي في حال وجود الأشخاص المتمسكين بالسلطة في الحكم ،  حيث يشكل وجودهم في السلطة مانعا وعائقا يمنع مقاضاتهم أو تحميلهم التعويضات والأحكام المقررة ، كما من غير الممكن  تطبيق القانون الدولي من قبل القضاء الوطني ،  أو أن يقوم القضاء الوطني بالأحالة الى القضاء الدولي ضمن تلك الظروف التي تمنع أقامة الدعوى .

يقسم الفقه الجنائي الدولي الجرائم التي ترتكبها الدولة الى نوعين ، الأول ما يرتكبه بعض الأفراد أثناء توليهم المسؤولية في تلك  الدولة ، والثاني ماتقوم به الدولة من جرائم جراء سياستها تجاه جماعة من ابناء شعبها لإهلاكهم كليا أو جزئيا أو العمل على ابادتهم وترويعهم وتعذيبهم واستعمال الأساليب والوسائل غير القانونية  التي تدخل في باب الجرائم ،أو ضد ابناء شعوب أخرى ،  ومنها جرائم الأبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحروب .

 كما إن هناك ثمة اتفاقيات ومعاهدات ملزمة للدول ، و هذا الإلزام ينسحب على التزامها في عدم استعمال الأسلحة المحرمة دوليا على سبيل المثال لاالحصر ، ولهذا فأن الدولة المخالفة لهذه الاتفاقيات والمعاهدات لاتقع ضمن دائرة الإدانة القانونية فحسب  ، بل تخضع في  مسؤوليتها المدنية الى  تعويض الضحايا وورثتهم ، ولهذا تلتزم الدولة ككيان قانوني بتعويض المتضررين ،وتكون مسؤوليتها مسؤولية مباشرة في تحمل الفعل في حال أتباع سياسة من شأنها أحداث جريمة أو أضرار بحق الأفراد   ، غير أنها تكون مسؤولية بشكل غير مباشر في حال ارتكاب الأفراد تلك الجرائم أثناء توليهم المسؤوليات في الدولة .

وفي كل الأحوال فأن مسؤولية الدولة مسؤولية مدنية بالنظر لكون الدولة شخص معنوي اعتباري لايمكن إنزال العقوبات المادية التي تقع على الأفراد عليها ، فيتم مسائلة الدولة ايضا عن الأضرار التي تنتج جراء الأفعال العدوانية والجرائم التي حددها القانون الدولي .

وحيث لايمكن أيقاع المسؤولية الجنائية على الدولة التي تقوم على فكرة الشخص المعنوي ، وهي شخص غير حقيقي ، و لإن العقوبات في كل الأحوال تقع على الأشخاص الذين تمت إدانتهم بارتكاب الفعل الإجرامي ، وثمة من يقول إن  تحميل الدولة تلك التعويضات لايمت للواقع بشيء حيث لم تكن للدولة أية ارادة في ارتكاب الفعل الضار ، وبالتالي فهي تتحمل فعل لم تقم به أصلا ، وانما تم ارتكابه من قبل اشخاص يمتلكون الأرادة والتصميم  ، ومن الأجدر تحميل هؤلاء مسؤولية الجرائم والأفعال الضارة  ،  الا انه  لايمكن ايقاع الجزاء كالإعدام والسجن والحبس على الدولة ، وان العقوبة بالغرامة  أو التعويض ستنسحب على الشعب الذي لم يكن له اية علاقة بهذه الجرائم ، بل قد تكون جماهير الشعب ممن لايتقبل هذه الأفعال ويقاومها ويناضل بالضد منها ، وبالتالي فأن عقوبة الأعدام والحبس والسجن والغرامة ينبغي إن تقع على الفاعل الأصلي الذي انتهك القانون الدولي والإنساني ، وان الاتجاه السائد في الفقه الجنائي الدولي أن يتم اسناد المسؤولية على الأشخاص الطبيعيين وليس على الدولة .

وحيث إن الدولة شخص من شخوص القانون الدولي فأن المسؤولية هنا تقع  حتما على الأفراد الذين ارتكبوا تلك الإفعال التي جرمتها القوانين والمعاهدات ، بالأضافة الى ما تتحمله الدولة من تعويض الأضرار الناتجة من فعل الأفراد الذين كانوا يمثلون الدولة ، أو كانوا في السلطة عند حدوث الضرر .

 وقد اولى القانون الدولي اهتماما خاصا بجرائم الأبادة الجماعية التي روعت البشرية في الفترة الأخيرة ، وطبقا للأتفاقية الدولية المؤرخة في 9 كانون الأول – ديسمبر 1948 ، وضعت الأسس والنصوص التي تعاقب مرتكبي هذا الفعل الأجرامي ، كما نصت اتفاقية جنيف المؤرخة في 12 آب 1949 على جرائم الحرب ، ومثل ذلك جاءت نصوص الأتفاقية التي منعت الجرائم ضد الإنسانية ، ولهذا جاءت النصوص التي تؤكد على عدم اعتبار تلك الجرائم من الجرائم السياسية ، فمثل هذه الجرائم البشعة ضد الجنس البشري لايمكن إن تنضوي تحت غطاء العمل السياسي ،  كما أنها سحبت  غطاء التقادم المسقط أو الحماية التي تضفيها الدساتير والقرارات على المسؤولين المتهمين بهذه الجرائم ، من خلال الحصانة والقرارات التي تمنع محاسبتهم أو محاكمتهم ،  بالأضافة الى التأكيد على عدم جواز منح المتهمين بهذه الأفعال الحماية واللجوء في الدول التي تحترم حقوق الانسان والقانون الجنائي الدولي ، على عكس ما يحدث في منطقتنا العربية من خرق للأتفاقيات والمعاهدات الدولية  حيث يتم السماح للمتهمين باللجوء الى دول معينة لأسباب مالية  أو سياسية أو طائفية .

المبدأ الأساسي في قانون المعاهدات يرتكز على صفة الالزام التي تقوم عليها ، وتظهر تلك الالتزامات عند تنفيذ بنود الأتفاقية ، أو عند خرق نصوص تلك الأتفاقيات حيث يعد الفعل غير مشروع ويرتب المسؤولية الدولية ، والمسؤولية في هذا الحال أصلا تنشأ من الفعل الخاطيء الذي عده القانون الدولي انتهاكا خطيرا يدعو الى معاقبة مرتكبيه وأصلاح ما حصل من أضرار ، غير أنه في أحيان كثيرة يصعب أعادة الحال عند قيام الدولة بأزهاق الأرواح ، كما إن التعويضات لاتعني العقوبة بأي حال من الأحوال  .

حيث أن الأتفاقيات الدولية  وخصوصا أتفاقية جنيف خاطبت الدول لتضمين قوانينها العقابية نصوصا تعاقب مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الأبادة الجماعية وجرائم الحروب ، بما فيها القتل والنفي والأبعاد القسري والحرمان الشديد واخذ الرهائن وقتل الأسرى  وغيرها ، وأن تكون تلك النصوص التي يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي نصوصا وطنية ، ولاسمو للقانون الدولي على الوطني في حال التطبيق ، اما في حال الأحالة على المحكمة الجنائية الدولية فأن الأمر يعتبر اكمالا لدور المحاكم الوطنية في أنجاز المحاكمات بحق مرتكبي تلك الجرائم .

ولهذا فأن العلاقة تقوم وفقا للقانون الدولي بين الدولة وبين المجني عليهم المتضررين جراء افعالها العدوانية التي جرمها القانون الدولي ، وهذه العلاقة تحكمها أقليمية القانون بالأضافة الى تطبيق الاحكام العامة للقانون الجنائي ،  وعليه فأن مبدأ قانونية الجرائم والعقوبة يجد اثره من خلال التزام تلك الدول بهذه الأتفاقيات والمعاهدات ، كما تؤكد الشرائع الدينية التي تقر بها الدولة من خلال التزامها الدستوري ، بأن الأفعال التي ارتكبتها الدولة بحق المجني عليهم  تشكل جسامة الجريمة ووحشيتها تعريضا للجنس البشري وانتهاكا للحياة الإنسانية  وخرقا فاضحا لمسؤوليتها في الحفاظ على حياة المواطن ،  حيث تدعو تلك الديانات الى تجريم الفاعل  ومعاقبة المرتكب وفقا لجسامة الفعل الأجرامي .

وحسنا فعل المشرع الجنائي الدولي حين  تحوط الى مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي على الماضي ، حيث إن الجريمة تخضع الى القانون الذي وقعت في زمانه ، الا إن الجرائم المستمرة تمتد لتدرك نفاذ القانون لتقع تحت سلطان القوانين الجديدة ، كما إن القوانين لاتحمي المجرمين أنما جاءت لتمنع الجريمة وتعاقب الجاني ، ولهذا لم يكن بأمكان المجرمين في قضايا الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الأبادة الجماعية وجرائم الحرب التمسك بتطبيق مبدأ عدم رجعية القوانين ، ومن حق المشرع إن يخالف المبدأ فيخضع تلك الجرائم للمحاسبة تطبيقا للعدالة .

وإذا كانت الجريمة بشكلها العام ظاهرة أجتماعية خطرة ، فهي تعني تهديد العلاقات الأجتماعية بسلوك جرمه القانون  وهو سلوك غير مشروع ، ولهذا فأن اركان الجريمة تتوفر ضمن تلك الجرائم التي جرمها القانون الدولي ، في ركنيها المادي والمعنوي ، وكما يتوفر فيها القصد الجنائي ، والعقوبات التي تقع على الأفراد الذين ارتكبوا تلك الجرائم بأسم الدولة ، أو اثناء توليهم المسؤولية في الدولة تمثل  حالة الردع والأجراء المادي الذي يوقعه القانون على الجاني يجسد ذلك .

وظهرت مسؤولية الدولة تجاه الأفراد عن الجرائم المرتكبة في القانون الدولي بشكلها الواضح في جرائم النازية بعد الحرب العالمية الثانية ، وبرزت بشكل اكثر وضوحا في الجرائم الناتجة عن الأفعال الخاطئة بحق الأفراد أو  التي ترتكبها الدولة عن الإفعال الأجرامية العمدية التي ترتكبها الدولة بحق الافراد ، والتي تمس وتهدد الجنس البشري وتمس المصالح الأساسية للمجتمع الدولي وترتقي الى مستوى الجريمة الجنائية الدولية  .

ولعل الأحكام الصادرة من المحكمة الجنائية العراقية الأولى والثانية في قضيتي الدجيل والأنفال تشيران الى حق ورثة الضحايا والمتضررين عن الجرائم التي لحقت بهم و المطالبة بحقوقهم القانونية  أمام المحاكم المدنية ،  تجسد هذا الحق وتبرز مسؤولية المجرمين من خلال  الأفعال التي تدخل ضمن جرائم الأبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وأنتهاك القانون ، وهي جميعها من الجرائم التي تدخل ضمن أحكام الفقرة ثانيا من المادة الأولى من قانون المحكمة ، ولذا فهي تقع ضمن اختصاص تلك المحكمة قانونا .

وبالرغم من قيام المحاكم الجنائية الدولية ودورها في محاكمة مرتكبي جرائم الأبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ، الا إن هذا الامر لايتقاطع مع أختصاص المحاكم الوطنية ولايخل بدورها في تلك المحاكمات ، مالم يجنح القضاء الوطني الى اللجوء للمحاكم الجنائية الدولية لأسباب حددتها الأتفاقيات حصرا .

ومن خلال التجارب الدولية في محاسبة مرتكبي مثل تلك الجرائم ، فأن المسؤولية الجنائية تقع على الأفراد ممن ثبت ارتكابهم لتلك الأعمال البربرية ، حيث  لايمكن تحميل الدولة المسؤولية الجنائية بأعتبارها شخصا معنويا ، غير إن الأمر لايلغي تحملها المسؤولية المدنية في تعويض المتضررين من تلك الأفعال .

51
اغتصاب القانون الدولي في العراق


زهير كاظم عبود

لم يتجرأ الجنرال الإنكليزي ( مود ) حين وطأت أقدامه أرض العراق بتاريخ 11 مارس 1917  إن يقول انه جاء فاتحا  للعراق ، ولم يشأ إن يقول انه جاء ليحتل العراق ، انما قال انه جاء لتحرير العراق ، واشتهرت مقولته تلك (( جئناكم محررين لافاتحين )) ،  وتحت هذا الشعار دخلت القوات البريطانية الى العراق ،  ولم يكن صادقا في هذا الزعم حين وضع شعب العراق وأرضه تحت الانتداب البريطاني بزعم انه لايستطيع تكوين دولته مالم يستعن ببريطانيا العظمى .
 وطيلة زمن المعارضة العراقية لنظام الدكتاتور صدام حسين  كانت الولايات المتحدة الأمريكية تزعم أنها ستساعد العراقيين للتخلص من هذا الدكتاتور الجاثم على صدور العراقيين ، والذي استباح أرواح اهل العراق ،وأذاقهم الويل وشتتهم وأفقرهم وأذلهم ،  ولم تكن تقول أنها ستحتل العراق ، ومع هذا فقد تم احتلال العراق تحت ذريعة التحرير ،  وتحرير العراق من سلطة الدكتاتور الذي أستباح الدستور والقوانين لايبيح لأمريكا إن تستبيح القانون الدولي والوطني .
 وكان القانون الدولي قد عالج حالة الاحتلال ، فأشار الى أن اصطلاح الأحتلال يعني السيطرة العسكرية بالقوات المسلحة لدولة على ارض دولة أخرى ووضعها تحت سيطرتها ، وبذلك تصبح تلك الدولة تحت قوة الدولة المحتلة .
وعرفت المادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907 الاحتلال  كما يلي:    (( تعتبر أرضاً محتلةً حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو. ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي أقيمت فيها مثل هذه السلطة ويمكن أن تمارس فيها )) .
وتشكل لوائح لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 وبعض أحكام البروتوكول الأول لسنة 1979 الإضافي لاتفاقيات جنيف لسنة 1949 الأسس القانونية التي تعالج قضية الأحتلال .
ومع إن إخضاع الشعوب الى الأحتلال والسيطرة عليها  يعد استعبادا وإنكارا خارقا لحقوق الإنسان يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة ، وإزاء تلك المعاهدات والمواثيق الدولية تكون دولة الأحتلال  مسؤولة مسؤولية مباشرة عن جميع الجرائم والأضرار والانتهاكات التي تحدث من قواتها المسلحة أو من جراء سياستها  على افراد الدولة التي وقعت تحت الأحتلال ، وبالتالي فأن حقاً للأفراد ينشأ في مطالبة دولة الأحتلال بالتعويضات واللجوء الى القانون والقضاء في حال الأمتناع ،  حيث يتم الخضوع الى القانون الدولي في الأنتهاكات والخروقات والجرائم التي ترتكب .
الا إن أصدار قوات الأحتلال قرارات تمنع فيها العراقيين مطالبتها بالتعويضات ، كما تمنعهم من أقامة الدعاوى في المحاكم العراقية لمحاسبة مرتكبي الجرائم يعد أمرا منافيا للعدالة ولمعايير القانون الأنساني ، وبالتالي فأن تلك القرارات التي تعيق تحقيق العدالة وتمنع المواطن المطالبة بحقه لاتجد لها أساس قانوني وليس لها قاعدة قانونية ترتكز عليها ، وهي ليس الا مجرد أغتصاب لقواعد القانون الدولي من قبل القوات المحتلة في العراق تطبيقا لمبدأ قانون الأقوى .
وبعيدا عن الشعارات والمواقف السياسية فأن افعالا يتم فيها أحداث أضرار في بيوت  وممتلكات العراقيين ، وقبلها جرائم تطال الأبرياء الذين يقعوا تحت رصاص القوات المحتلة ،  سواء عن طريق الخطأ أو عن طريق العمد ،  أوفي حال إن  يتبين عدم صحة المعلومات ضد المجني عليه الذي يخسر حريته وماله وكرامته ، بالأضافة الى الأضرار المادية والمعنوية بما فيها الجسدية التي تصيب الناس من جراء تصرفات قوات ألاحتلال .
ومن الغريب إن الأمم المتحدة وهي تصدر قراراتها التي تشرع  وتوفر  للقوات المحتلة القاعدة القانونية في الأحتلال ،  لم تشر الى هذه النقطة ، ولم تلتفت الى هذه الحالات التي بقيت سائبة ، وكما إن المشرع العراقي الذي بالغ بدراسة حقوق وأمتيازات اعضاء البرلمان تناسى حقوق العراقيين المتضررين من جراء افعال القوات المحتلة ، ورضخ لهذه القواعد التي قررها الأمريكان والتي صارت قواعد ملزمة وأن كانت تنتج الأثر الضار بحق العراقيين فقط .
ووصل التمادي في تطبيق تلك الخروقات والأغتصاب للقانون الدولي أن يتم ارتكاب جرائم القتل العمد مصحوبا بالأغتصاب الجنسي ومقترنا بالأعتراف الصريح على مجني عليهم عراقيين وفوق الارض العراقية ومن جنود امريكيين ، وخلافا  للأختصاص المكاني والزماني ، والأستخفاف بالقضاء العراقي ،  ليتم احالة المتهمين منهم الى المحاكم العسكرية الأمريكية التي تحكمهم وفقا لمقتضيات القوانين الأنضباطية والاعراف الأمريكية ،  ودون الأشارة الى أي حق لذوي الضحايا ، ودون أي اعتبار لما تزعمه الولايات المتحدة من احترامها لمشاعر وأعراف العراقيين ، ودون أي اعتبار للحقوق التي تترتب على الدولة المحتلة .
وإذا كانت جرائم الحرب من بين الجرائم التي تختص بها المحكمة الجنائية العراقية العليا ، فأن ولاية المحكمة كما يزعم القانون تسري على كل شخص طبيعي سواء كان عراقيا أم غير عراقي مقيم في العراق ومتهم بأرتكاب تلك الجرائم ، وحين تصطدم تلك الصلاحيات بالأختصاص الذي حددته القوات المحتلة واستعلائه  على النصوص القانونية العراقية ، انما يتم شل نصوص القانون بحق إفراد القوات المسلحة غير العراقيين المتواجدين في العراق والذين تصار افعالهم فوق القانون لايمكن للعراقي مقاضاتهم أو محاسبتهم  ،  ولايمكن للفعل الضار المحدث إن يتم تعويضه ولايمكن للمحكمة الجنائية إن تقوم بالتحقيق معهم أو محاكمتهم عن الجرائم المرتكبة في العراق .
وحري بمجلس النواب  العراقي إن يلتفت الى هذه النقطة ويشرع قانونا عراقيا لسد الثغرة والخلل على الأقل بما يعالج وضع العراقي ، وان تلتفت الحكومة العراقية الى الأعداد الكبيرة من المتهمين الموقوفين في سجون الأحتلال ، وهؤلاء مواطنين عراقيين وأن كانوا متهمين بارتكاب جرائم جنائية أو أرهابية فالمتهم بريء حتى تثبت ادانته  ، وقوات الأحتلال تضعهم في سجون عسكرية لمدد طويلة مما يجعل في عاتق المؤسسة القضائية إن تتفرغ لمعالجة تلك الملفات بالسرعة المتناسبة مع حجم محنة العراقيين ، اذ حتما إن من  بينهم اعداد كبيرة من الأبرياء والمشتبة بهم الذين ستصدر القرارات بالأفراج عنهم وأخلاء سبيلهم ، وكذلك تشريع القانون الذي يمنح من تثبت برائته التعويض المالي المناسب والمستعجل لمعالجة حالته ووضع عائلته من قبل الحكومة والقضاء العراقي .
وإذا كان العالم تحكمه المعاهدات والأتفاقيات والقوانين الدولية ، فأن التصرفات القانونية الدولية التي تصدر عن اشخاص القانون الدولي تنتج أثارا قانونية ، وهذه الأتفاقيات والاعراف والمعاهدات هي التي تشكل معايير القانون الدولي  وهي التي تضع القواعد الأساسية في القضايا المتنازع عليها بين الدول ، اما إن تقم دولة محتلة بشطب أي حق لمواطن الدولة الواقعة تحت الأحتلال ، فأنها تلغي مسألة المطالبة وتستلب الحق وتغتصب النصوص القانونية الدولية التي طالما تعكزت عليها في العديد من قراراتها حين يتعلق الأمر بمصالحها .
إن القانون الجنائي أما  أن يكون وطنيا أو دوليا  ، وبالنظر لصدور جميع القرارات الدولية التي تعالج الوضع العراقي وتضعه تحت الأحتلال ، وغياب معالجة حقوق المتضررين من جراء اعمال الاحتلال ، ما يستوجب  في مثل هذا الحال أخضاع تلك الجرائم الى الأختصاص الوطني ، أو على الأقل الأحالة الى المحكمة الدولية التي ولدت في تموز 2002 ، وحيث إن الولايات المتحدة الأمريكية لم توقع الأتفاقية الخاصة بانشاء تلك المحكمة ، بالأضافة الى أن العراق من بين البلدان غير الموقعة على تلك الأتفاقية ، ما يخلق نوعا من التعارض في سبيل تحقيق العدالة ويمنع اللجوء الى المحكمة الدولية ،  وبالنظر لأمتناع قوات الأحتلال خضوع افرادها الى القانون الوطني وتطبيقها قانون الدولة المحتلة ، فأن الأمر بحاجة الى موقف عراقي رافض لذلك الأصرار على الأمتناع وطرح الأمر على المعنيين في مجلس الأمن ، وحصر النظر في تلك الجرائم التي ترتكب على مجني عليهم عراقيين وعلى الأرض العراقية ومن قبل أشخاص طبيعيين غير عراقيين من قبل القضاء الوطني وتطبيق القانون الجنائي النافذ .
كما إن عدم خضوع القوات المحتلة لأي قانون سوى قانونها لايبيح لها أرتكاب الافعال الجرمية بحق العراقيين ولابأحداث الأضرار في ممتلكاتهم  دون مسائلة قانونية ، ولم تكن سابقة في تاريخ الأحتلال إن تم وضع حصانة على تلك الافعال ، وايضا لم يتم تعيين حدود لتلك الحصانة ولا من يتمتع بها ، والأمر في كل الحالات ليس سوى اغتصاب للقانون الدولي واستخفاف بحقوق العراقيين .
وإذا كان هناك رأيا يقول إن قانون المحكمة الجنائية العراقية هو قانون تم تشريعه بعد احتلال العراق ، فأن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 حدد ضمن الفرع الثاني في باب تطبيق القانون من حيث المكان انه تسري احكام هذا القانون على جميع الجرائم التي ترتكب في العراق وتعتبر الجريمة مرتكبة في العراق أذا وقع فيه فعل من  الأفعال المكونة لها أو اذا تحققت فيه نتيجتها أو كان يراد أن تتحقق فيه ، ما يجعل سريان القانون الوطني على تلك الجرائم يستند على نصوص قانونية تعززها المعاهدات والأتفاقيات الدولية  .


52
المنبر الحر / محنة تغيير القومية
« في: 11:40 28/07/2007  »
محنة  تغيير القومية


زهير كاظم عبود

من الأمور المتفق عليها قانونا أن القومية تتشكل من جملة من العناصر ، اولها الحيز الجغرافي الذي تشغله مجموعة بشرية ، وتترابط هذه المجموعة ضمن تاريخ مشترك ، بالأضافة الى أساطير وموروث أجتماعي وثقافة شعبية  مشتركة ، ووجود ترابط مصيري بين ابناء تلك القومية تعززها تلك اللغة المشتركة ، بالأضافة الى وجود الحقوق والواجبات  .
ورغم إن الفقيه ( جيلنر ) يرى أن القومية "هي أساساً مبدأ سياسي يقوم على ضرورة التطابق بين الوحدة السياسية والوحدة القومية ، الا إن الصفات الثابتة والمشتركة بين ابناء الأمة الواحدة هي التي تحدد معناها وخصائصها .
ويركز بعض الفقهاء على الجغرافية واللغة والثقافة المشتركة والتاريخ ، في حين يركز غيرهم على مكونات الأمة .
وهذه القومية هي انتماء اكثر منها رغبة ، ولايمكن لجهة رسمية أن تشطب بقرار سياسي على قومية معينة ، كما لايمكنها إن تلغي الوجود القومي لأية مجموعة بشرية مهما كبر أو صغر حجمها .
ومهما يكن التحديد فأن الكورد أمة تم تقسيمها وتجزئتها وفقا للتقسيمات الأستعمارية والمصالح الدولية في المنطقة ، ولايمكن لأي صاحب وجدان إن ينكر وجودهم القومي وحقوقهم المشروعة ، وتضم العديد من البلدان قوميات مشتركة تتعايش بسلام وأنسجام تام ، ولم يكن الدين مطلقا ركنا من اركان القومية .
ولعل العراق من البلدان النموذجية التي يضم  مجتمعها قوميات متعددة و مشتركة ، وكان القانون الأساسي الصادر في العام 1925 قد تغاضى عن ذكر القوميات المتآخية في العراق ، مكتفيا بنص المادة السادسة التي ذكرت إنه لافرق بين العراقيين في الحقوق إمام القانون ، وان اختلفوا في القومية والدين واللغة ، مع إن الحقيقة هي الوجود القومي للعرب والاكراد والتركمان والكلدان والاشوريين والأرمن في العراق ،  في حين ذكر الدستور المؤقت لعام 1958 بعد قيام الجمهورية ونهاية النظام الملكي  في المادة الثالثة منه أن الكيان العراقي يقوم على أساس من التعاون بين المواطنين كافة بأحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم ، ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ، ويقر الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية .
وحدد النص المذكور أعتبار القوميتين الكبيرتين في العراق هما الشركاء في هذا الوطن ، وأن على الدستور والقوانين التي تتفرع عنه إن تشير الى جميع الحقوق القومية للكورد بما فيها الأقرار بالوجود القومي والحقوق القومية المشروعة .
وضمن هذا الأقرار الصريح تلزم الحكومات العراقية أحترام الحقوق وصيانة الحريات ، وأقرار الحقوق القومية ما يلزم السلطات العراقية على توفير مستلزمات الأقرار والصيانة ، بتوفير ما يستلزم في وجودهم القومي وحريتهم في الأختيار ومنحهم الأوضاع القانونية التي تكفل لهم تلك الحرية ضمن أطار الوحدة العراقية .
وبديلا عن كل نصوص الدستور والدساتير اللاحقة ، كانت السلطات المتعاقبة تكرس كل ما لديها من امكانيات لمقاتلة الأكراد بغية منعهم من المطالبة بتوفير مستلزمات تلك الحقوق ، وتنكر عليهم الأقرار بها ،  وبالرغم من تعاقب سلطات وتغيير دساتير مؤقتة ، بقيت مسألة الأقرار بحقيقة الشراكة الحقيقية  في الحياة العراقية بين العرب والأكراد والتركمان تتقاطع مع فكر السلطات الشوفينية ، وليس اكثر بشاعة في مظاهر تلك الشوفينية ما تعتقد به سلطة البعث ، حيث توضح الموقف الشوفيني الحاد عمليا بعد استلام السلطة بأنقلاب 8 شباط 1963 ، مرورا بالأنقلاب الثاني وأنسحاب سلطة صدام من كوردستان في العام 1991 ، وحتى سقوط سلطة الدكتاتور في نيسان 2003 .
تزعم سلطة صدام إن سجلات الحكم العثماني قيدت حالات موروثة أربكت الحقائق ضمن المجتمع العراقي ، وبهذا الزعم تشير الى أن عراقيين سجلوا على حساب قوميات هم ليسوا منها ،  وهذه الحقيقة غابت عن سلطة صدام حينما اقدمت على تسفير العراقيين من ابناء التبعية ، كما أقترفت جريمة بشعة في تسفير الكورد الفيلية من العراقيين بحجة أصولهم الآيرانية .
ولغرض التطبيق الشوفيني المقيت فأن سياسة حزب البعث في أعتبار جميع العراقيين بعثيين وان لم ينتموا ، مهما كانت قومياتهم وبالرغم من إن البعث حزب قومي عربي ، لذا فأن على الكوردي والتركماني والكلداني والآشوري إن يعمل على تحقيق أهداف البعث والأنصهار ضمن ذلك التنظيم وذوبان القوميات جميعها ضمن شعار البعث ، ولذلك  ساهمت السلطة  في أدخال مئات الالاف من ابناء العراق من القوميات غير العربية في تنظيمات حزب البعث ، تحت وطأة الوظيفة والحاجة والمنفعة والمصالح وحماية النفس والعائلة ، وفي هذا الأسهام حققت سلطة صدام برنامجا شوفينيا يقضي بأعتبار كل الذين انتموا الى حزب البعث من ابناء القوميات الأخرى عربا شاءوا ام ابوا .
كما أتخذت قرارات رسمية في أعتبار كل من يتحدث بالعربية عربيا ، وكما استخدمت سلاح تغيير القومية سلاحا تشهره في وجه ابناء القوميات ، وكان الأمر يخص مدينة كركوك حصرا  من اجل تعريبها ، ومحاولة اضعاف العنصر الكوردي والتركماني فيها وتغليب العنصر العربي ، وفعلا حققت تلك السياسة  بعض النجاح في أستمالة العشائر العربية في مناطق الديوانية والكوت والعمارة حيث تم نقلها الى مناطق كركوك ، بالأضافة الى تعليمات تقضي بمنح الموظف العراقي من العرب  ممن يتم نقله الى كركوك بعد نقل سجل الأحوال المدنية الخاص به وبعائلته ، مبلغ عشرة الاف دينار ( يعادل أكثر من ثلاثة الاف دولار في حينه ) ،  الا أنها توسعت في هذا ألأمر حينما قامت بتطبيقه في مجال التملك للعقارات وعمليات الأيجار والأستئجار والتوظيف وأستخدام العمال في مناطق الموصل وبغداد وكركوك وديالى وصلاح الدين ، حين أرغمت الكورد على تغيير قوميتهم بطلبات يقدمونها بخط يدهم ، تقدم الى دائرة الأحصاء لتسجيلها ومن ثم تأشير ذلك في سجلات الأحوال المدنية ، حتى يمكن إن يتم اجراء البيع أو الأيجار أو المباشرة بتقديم طلب التعيين في العمل في تلك المناطق .
وبالرغم من أن مقدم الطلب المذكور يقع  قانونا ضمن عملية الأذعان ، ويكون المواطن الكوردي مكرها على الأقدام بطلب تغيير قوميته ، وبالرغم من انه من المضحك على سلطة دولة تجبر مواطن على تغيير حقيقة من حقائق شخصيته أو من حقائق المجتمع العراقي ، أذ اقدم العديد من الكورد على تغيير قوميتهم وأختيارهم القومية العربية وهم لايفقهون اللغة العربية ، ولم يكونوا من ابناء مناطق الوسط والجنوب ، ، ولذا فأن التصرف الذي اقدم عليه بعض منهم بطلب تغيير قوميته وتأشير الموافقة على الطلب في دوائر الأحوال المدنية طلبا غير مشروع وباطلا لايتمكن اعتباره مستوفيا شروط أي عقد ، وبالتالي فأن فعل الأكراة المتمثل في أجبار المواطن الكوردي تحت وطأة البحث عن لقمة العيش أو السكن ، هو تصرف لايمت للحق بصلة ودون رضاه وأن كان قد تقدم بطلب يحمل توقيعه .
اهتمت السلطة العراقية الصدامية البائدة بمسألة تغيير قومية  العراقي من غير العرب
الى القومية العربية ، ترغيباً أو ترهيباً ، قسراً أو بالمحاصرة .
وأمعنت في عملية الإذلال بأن أجبرت المواطن أن يتقدم بطلب بتوقيعة الشخصي يطلب فيه تغيير قوميته بالرغم من كونه مذعناً ومسلوب الأرادة في الطلب تحت تأثير عوامل عديدة سنأتي عليها لاحقاً لتصويره كمن طلب شخصياً تغيير قوميته بأرادته وبرغبته الشخصية كشكل من أشكال الحيلة والأساليب الملتوية وغير القانونية  التي كانت تنهجها سلطة صدام في العديد من القضايا .
ووظفت لهذا الأمر دوائر ومؤسسات وموظفين متخصصين في قضايا تغيير القومية ، وأصدرت السلطة البائدة القرارات التشريعية التي تمنع المواطن العراقي غير العربي من الانتقال الى مدن أخرى أو التملك في مدن أخرى أو بيع العقار الى مواطن أخر الا وفق الضوابط والشروط التي وضعتها ، وحددت حركته وتصرفاته القانونية وربطتها بموافقة الجهات الأمنية التي كانت تبتز الناس مقابل تغيير قومياتها  ونزع جلودها وحقيقتها الى العربية .
وأعتمدت شرط أساسي لتمشية جميع المعاملات الرسمية للمواطن العراقي غير العربي في الحصول على وثيقة تدعى ( أثبات القومية ) ، وهذه الوثيقة تمنحها دائرة التخطيط المركزي في بغداد بناء على معاملة طويلة عريضة تجريها دوائر الأحصاء في المحافظات .
كما قامت السلطة البائدة بتغيير معالم المقاطعات التابعة للمحافظات الكردية ومنطقة كركوك ، بأقتطاع مقاطعات تابعة حكماً الى المناطق الكردية وألحاقها بالمحافظات العربية القريبة منها ، أو أقتطاع مناطق من كركوك والحاقها بالمحافظات القريبة منها أيضاً .
كما أقدمت السلطة البائدة على نشر تعليمات تقضي بدفع مبلغ مالي مغري الى كل موظف أو مواطن من العرب الساكنين في الوسط والجنوب ينتقل مع عائلته الى محافظة كركوك بالأضافة الى منحه قطعه أرض وسلفة مالية لبناء دار فيها ، على أن لاتتم أعادته الى مدينته لأي سبب بعد ان يتم نقل سجل الأحوال المدنية الخاص بالعائلة الى تلك المدن .
كما قامت السلطة البائدة بترحيل عشائر عربية من وسط وجنوب العراق و قامت بتمليكهم الأراضي الزراعية التي يتم انتزاعها من المواطنين الأكراد والتركمان ، وأسكانهم بدلاً عنهم بقرارات تعسفية وأوامر لاتمت للحق والحقيقة والقوانين بشيء .
كما كانت السلطة العراقية البائدة تبالغ في دقة توزيع الموظفين الأكراد على مناطق الوسط والجنوب ، بغية ارغامهم على الأستقرار في تلك المدن والقصبات ، ووضعهم تحت المراقبة ، وأضعاف توحدهم ضمن منطقة كردستان .
كما اوعزت السلطة البائدة الى مؤسساتها الأمنية والأستخبارية والحزبية أن تعمل على أرغام كسب المواطنين الكرد والتركمان في تنظيمات حزب البعث العربي وأعتبارهم منتسبين لهذا الحزب بأرادتهم وبناء على طلبهم ، مقابل مغريات القبول في الكليات الأنسانية والوظائف الخاصة أو عدم التعرض لهم من قبل عناصر الأمن والجيش الشعبي والحزب التابع للسلطة ، واعتبار هذه العناصر لمراقبة بني جلدتهم ورفع التقارير عنهم وأبقائهم كعيون في المنطقة لنقل الأخبار والتحركات عن المعارضة الكوردية للسلطة الشوفينية ، بالأضافة الى أسقاط هذه النماذج الأنسانية في نظر أخوتهم .
وكانت الدوائر الأمنية من أكثر الدوائر أهتماماً بمسألة القومية وجرد العناصر الموالية للسلطة أو المعارضة ، وكانت الى جانب الدوائر والمؤسسات الحزبية تهتم بمسألة الجرد السكاني وأستمارات الأحصاء التي تحتوي على العشرات من الأسئلة التي لاتترك شاردة أو واردة للسؤال عن حالة المواطن الشخصية عن المعلومات  المطلوبة عن اقاربه  لحد الدرجة الخامسة .
ولم تكن تلك الأستمارات دون هدف ، ولم تكن بشكل أعتباطي ، وأنما كانت تدخل ضمن المخطط الرامي لتهجين الشعب الكوردي وأنهاء الوجود التركماني في المنطقة ، وكانت تهدف الى تنفيذ مخططها الشوفيني في عدم ابقاء أي عنصر غير عربي على الأرض العراقية ، بالأضافة الى عدم أيمانها وأعتقادها بحق الشعب الكوردي في الحياة وبالتالي حقه في أختيار شكل الحكم الذي يريد .
ونال الكورد الفيلية من هذه المسألة أضعاف مانال غيرهم ، فقد جرى تسفير عوائلهم ، كما جرى تفريق الشباب عن اهلهم ، وسوق الشباب الى المعتقلات والسجون القصية ، وابعاد الشيوخ والأطفال الى المنافي الصحراوية ، وتسفير العدد الكبير منهم الى الأراضي الآيرانية بحجة تبعيتهم الى أيران ، وبقائهم في آيران التي أعتبرتهم عراقيين في حال لايحسد عليه دون جنسية ودون معرفة مستقبلهم ومصيرعوائلهم ودون أن تلتفت اليهم أية منظمة دولية أو انسانية ، ولم تزل مجموعات كبيرة منهم حتى اليوم في مخيمات اللجوء  .
كما نال الشبك مانال أخوتهم الكورد الفيلية من ناحية الترحيل عن مناطقهم السكنية وقرآهم بالرغم من فقرها وأنعدام الخدمات بها ، الا أن السلطة بالغت في أيذائهم وتشتيت تجمعاتهم وسكنهم وهدمت بيوتهم بالنظر لتعاطف الكثير منهم مع الحركة الكوردية المسلحة أو معارضتهم لنهج السلطة الشوفيني .
والمتابع لنهج السلطة هذا يجده ليس فقط أمتداد لسلطة البعث الثانية في 17 تموز 68 وليس ايضاً في شباط 63 وأنما كان أستمراراً لنهج طائفي وشوفيني حاقد ودفين يطغي على عقول الحكام والسلطات التي تعاقبت على حكم العراق ، وهو نهج ليس فقط مضر بالعراق ولايعرف التطبيق العادل للسلطات وأستحقاقات المواطنين بغض النظر عن قومياتهم مثلما تشير الدساتير الدائمة أو المؤقتة التي أقرت من قبل الحكومات في العراق ، انما مخالف لأبسط حقوق الأنسان التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ، بالأضافة الى مخالفتها لكل الشرائع والأديان .
ووظفت السلطات العراقية العديد من القضايا القانونية لصالح تطبيقاتها الشوفينية الكريهة بحق الكورد حينما أستعملت أسوأ أستعمال شهادة الجنسية العراقية التي كانت تستعملها كسيف مسلط على رؤوس العراقيين ، كما قامت بتشريع قوانين تمنع الكردي والتركماني من ممارسة حقوقه الوطنية المقررة في الدستور العراقي بحجة التنظيم والأصول والضرورة والوضع الأستثنائي ، وربطت تصرفات قانونية بأجهزة الأمن والمؤسسات الأستخبارية مع مقدار تعاون المواطن ورضاها عنه ، دون الآلتفات الى نصوص الدستور التي كانت تصرخ بالشراكة الوطنية للجميع دون تطبيق ودون أن يلتفت اليها أحد .
يقينا أن السلطة الصدامية البائدة كانت تضع في اعتقادها انها تستطيع أن تغير معالم المنطقة ، وان تغير بعد زمن خارطة السكن فيها وتقوم بتخفيف الثقا غير العربي فيها ، وانها ستكسب العديد من الناس ممن سيغيروا قوميتهم على الورق ، ولكن غبائها أعمى بصيرتها أن الأنسان لايغير قوميته بطلب رسمي يوافق عليه رئيس الدائرة ، لأن القومية حال وواقع ولصيق بالأنسان وتنبع من القلب ولايقدر الطلب الرسمي أو رغبة السلطة أن يلغيها .
ولذا فأن الأمر بحاجة الى دراسة هذا الواقع المرير الذي تعانيه تلك الشرائح التي وقعت ضحية تلك الأساليب ، وهم بحاجة ماسة الى قرار تشريعي يعيد لهم حقيقتهم القومية ويلغي جميع الأجراءات التي تم تأسيسها على ضوء ذلك القرار ، من باب اعادة الحق ، ونحن بأنتظار قرارا تشريعيا من مجلس النواب .






53


الشهيد الأب رغيد عزيز كني وداعاً

زهير كاظم عبود

يقول السيد المسيح (( احبوا اعداءكم ، أحسنوا الى مبغضيكم ، باركوا لاعنيكم ، وصلوا من اجل الذين يسيئون اليكم ، من ضربك على خدك  فأعرض له الآخر ايضا ، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضاً )) .
فأذا كان العدو بشرا يمكن التعامل معه ، ولكن كيف السبيل ايها السيد الجليل مع حيوانات تلبس وجوه البشر ؟  ولم تزل تغلف قلوبها الغلظة ، وتحجرت مشاعرها كحجر الصوان  ، فباتت معدومة الأحساس والضمير .
ما العمل يارسول السلام والمحبة ونيران الشر تغمر هذه الأرواح الهائمة التي تنهش الأحياء وتأكل لحم الموتى وتفخخ الأجساد الميتة .
هذا خادم كنيستك في حي النور بالموصل ، يوزع وقته بين الصلاة وبين الدعاء بان يتجنب الناس شر الاشرار ، وان يكتسي الفقراء ثيابهم ويقيهم جوعهم ، وان تعبر الغيوم القاتمة من سواد العراق ، وأن يقي الموصل الحبيبة كل تلك المشاعر الوحشية التي تنتشر بين احياءها .
هذا خادم كنيستك ألاب رغيد عزيز  كني الذي لم يزل في ريعان شبابه ، وقد وظف عمره لخدمة بيت الله ، ونذر كل ما تبقى له من الأيام لخدمة الإنسان ، هذا رغيد ياسيدنا المسيح الذي لم تغريه أوربا ولاسكون الكنائس وجمالها فيها ، ولا غلبته الشهادة العالية والرفيعة التي حصل عليها في الهندسة من جامعة الموصل ، ولاحتى الشهادة في اللاهوت التي حصل عليها في روما ، فقرر إن يعود الى أرضه واهله ، ليستقر في الموصل التي ينبع منها الطيب والعبق فوق ربيعها ، ويتميز اهلها بخلقهم الرفيع وأنسجامهم الديني والأجتماعي المتميز ، عاد رغيد الى الموصل فيستقر في حي النور حيث كنيستكم ، فيعرفه الناس بدماثة خلقه ورفعة تربيته والتزامه الصادق ومحبته للناس ، عاد رغيد  ينثر فيها تعاليمكم ليقول للناس مقولتك الخالدة  :
  (( ولاتدينو فتدانوا ، لاتقضوا على احد فيقضى عليكم ، أغفروا يغفر لكم )) .
سيحب رغيد مبغضيه وسيحب رغيد قاتليه ، ولكنهم ودون سبب سلطوا رشاشتهم المجرمة ، وضغطوا على الزناد دون عقل وهم يصرخون ، اعتقادا منهم أن كلماتك ستموت ، ولن يستطيع من بعده أحد إن يحفظ تلك الكلمات الخالدة التي تجلجل في الضمائر ، وحتى تموت المحبة والمغفرة ، وكل من سألك فأعطه ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه ، كانوا يريدون قتل كلمات المحبة فقصدوا رغيد لأنه يمثل المحبة ،  ورحل رغيد مضرجا بدمه يحمل روحه اليكم يحلق في سماوات الله ، لكنه لم يزل يبشر بالكلمات الخالدة ويدعو للمحبة ، ويلتمس العذر للقتلة والمجرمين ، فقد اتعبهم القتل وأرهقهم الخوف وهم يبحثون عن الضحايا ، ثم كلفهم عملهم عرقا وأنشدادا حين فخخوا المنطقة حتى لايتم سحب جثة الأب رغيد ورفاقه ، وبئس ما فعلوا فقد بقيت كلماته تلاحقهم ، لكنه لم يكن يعرف أنهم ارتدوا وجوه البشر وجلودهم بقلوب متوحشة وفتاكة ولم تعهد الالفة وحياة البشر .
بصمت رحل الأب رغيد ، ولم يكن القتلة مجهولين كما تقول الأخبار ، فقد راقبوه وكمنوا له وقرروا بسابق تصميم وبأرادة شريرة ممتلئة بشبق الحيوان الجائع الهائج ، فأقدموا بسلاحهم وسياراتهم الى حي النور يراقبوا بيت الله ، وحيث خرج الجمع من رجال الدين بسيارتهم المتواضعة ،  اقدم  الجناة  على قتل الاب رغيد عزيز كني راعي كنيسة الروح القدس في حي النور بالموصل  وثلاثة من شمامسة كنيسته هم بسمان يوسف داود اليوسف وغسان عصام بيداويذ ووحيد حنا ايشوع اثناء خروجهم من الكنيسة في مدينة الموصل ، ولكنهم اكملوا صلواتهم مما زاد القتلة حنقا .
وداعا ايها الشهيد الحي وروحك تحلق فوقنا ، تزف لنا تعاليم الحواريون ، والحقائق التي لم تزل قائمة بيننا ، وبقيت وفيا لكلمة الله وللروح القدس ولبيت الله الذي اتخذته ملاذا وموطنا تسكنه روحك التي لم تزل تأوى اليه .
الأب رغيد عزيز وداعا .



54
المنبر السياسي / محكمة المقابر
« في: 13:12 03/06/2007  »
محكمة المقابر
زهير كاظم عبود

بعد إن تمت أحالة القضايا الخاصة بالأبادة الجماعية التي تعرض لها أهل الفرات الأوسط وجنوب العراق ، بعد قيام الأنتفاضة الشعبية في آذار 1991 التي اجتاحت العراق ، وكانت تعبيرا شعبيا وعفويا على ظلم نظام صدام وسياسته الدكتاتورية وحروبه العبثية ، وشكلت تلك الأنتفاضة تعبيرا اكيدا على رفض النظام  وشخوصه وسياسته من قبل تلك الجماهير ، ومع إن القليل من المدن العراقية لم تستطع التعبير عن رفضها لأسباب تتعلق بمحاصرة قوات النظام ، ولتمركز قوات كبيرة بالقرب منها ، بالأضافة الى عدم وجود التنسيق الفعلي بين تلك المدن التي تحررت من قبضة الطاغية  وصارت في ايادي الثوار وبين تلك المناطق  ، وبالرغم من الأنتهاكات والجرائم التي ارتكبها جناة تسللوا وسط تلك المجاميع الثورية لاعلاقة لهم بالأنتفاضة  ، الا إن الأنتفاضة بقيت ناصعة ومسيطرة على تلك المدن والقصبات ،  وتبخرت جحافل القوات الأمنية والعسكرية المدججة بالسلاح ، وهرب الحزبيين  من اوكارهم يلوذون بالناس تعبيرا عن اخطاؤهم وخطاياهم ، ، وماعاد للدكتاتور سوى مقولته التي فضحها حسين كامل بعد هروبه حيث قال له (( لقد انتهينا ياحسين )) ، وحقا انتهى صدام منذ تلك اللحظة حيث لم يتعظ ولم يستفد ، انما كرس كل ما تبقى له من العمر للأنتقام من شعب العراق .

وفي أتفاق لم يزل يكتنفه الغموض والالتباس في موقف مساند لقوات صدام والسماح بتحليق الطائرات السمتية ، في موقف تم اعتباره ردا على التخوف الأمريكي من تغلغل أيران في مناطق الجنوب ، تمكن صدام توجيه القوات المتجحفلة في العاصمة لتتقدم الى مناطق الفرات الأوسط والجنوب  بموافقة امريكا ، بعد إن أسلم بتحرير كوردستان حيث ترك امر مقاتلة شعبها وقيادته ، وتم تقسيم العمل بين من تبقى له من ذيول ليس لهم الا إن يقفوا معه ، وتوجه المتهمين مدنيين أو عسكريين محملين بالتعليمات التي قررها صدام لهم بأن احرقوا الأخضر واليابس ، وأنتقموا منهم ، فتم اقتياد مئات الالاف من الأبرياء الى المقابر حيث تم دفن مئات الالاف منهم وهم احياء ، في حين تم اعدام مئات الاف منهم رميا بالرصاص دون تحقيق أو محاكمة  ، وتم القبض على مئات الالاف الاخرين منهم وأقتيدوا الى المواقف التي اعدت لهم والتي لم تكن تستوعبهم ، ولعجزهم عن اجراء التحقيق وفرز الجناة والمتهمين عن الأبرياء ، لجأ المذكورين الى القتل العشوائي .

وأستطاعت تلك القوات إن تسيطر بالقوة والأرهاب على تلك المدن ، في حين تمكن الثوار من الأنسحاب تدريجيا الى المدن الحدودية ، ومن ثم لجأ العديد منهم الى منطقة رفحاء في المملكة العربية السعودية ، ومنهم من لجأ الى ايران ، غير إن الأنتقام أنصب على الكثير من الأبرياء المدنيين الذين طالهم القتل  العشوائي .

واعلنت الأحكام العرفية ، وتم تطبيق خطط الطواريء ، وتم تعيين العسكريين قيادات في هذه المدن ، مع وجود التوصية بضرورة تعذيب المدنيين فيها ، وتم نصب المفارز والسيطرات ، وأصبح كل مواطن في تلك المناطق متهما أمام سلطة صدام ، وصب الدكتاتور جام غضبه في مقالات كتبها له المتهم ( خليل محسن ) السكرتير الصحفي يتهم فيها اهل الجنوب والفرات الأوسط بأنهم غرباء وجاءوا مع الجاموس من الهند ، وانهم لاشرف لهم ولاقيم ، وكل ما تمكن الطاغية من كتابته في مسلسل نشرته جريدة الثورة في حينه ، وامتلأت تلك المقالات بالأفتراءات والأكاذيب التي عبرت عنها نفسية الطاغية وجلاوزته وزبانيته .

وتعددت المقابر الجماعية التي تم دفن الأبرياء من المدنيين فيها ، ضمن كل منطقة ومدينة ومحافظة ، وتبعثرت اشلاء الضحايا ، وتمكنت السلطة والجهات المختصة بعد تخلص العراق من سلطة الدكتاتور  بهذا الشأن إن تسيطر على تحديد تلك المقابر التي تم اكتشافها وتمنع بعثرة تلك الرفات .

غير إن المقابر تعددت ولم تزل يتم اكتشافها يوما بعد يوم ، ويتعدد الجناة الذين ارتكبوا جرائم الأبادة الجماعية .

أن جريمة الأبادة الجماعية من الجرائم التي تقع ضمن الفقرة ( ب ) من المادة الأولى من ضمن أختصاص المحكمة الجنائية العراقية العليا ، والتي باشرت بالتحقيق في هذه الجرائم تبعا لكل منطقة ، حيث تعتبر تلك الجرائم من جرائم الأبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية . 

وجريمة الأبادة الجماعية تعني الافعال المرتكبة بقصد اهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه أو أهلاكها كليا أو جزئيا .

بما فيها قتل أفراد من الجماعة و الحاق أي ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد تلك الجماعة ، وأخضاعهم عمدا الى احوال معيشية يقصد بها اهلاكهم كليا اوجزئيا ، ولهذا فقد تم انجاز التحقيق وتوفرت الادلة التي تكفي لأحالة تلك الأسماء المقبوض عليها على المحاكمة .

وقد وجه  الادعاء العام في المحكمة الجنائية العراقية العليا 15 تهمة الى 100 متهم بالضلوع في عمليات قتل واعتقال خلال الانتفاضة الشعبية في جنوب العراق وفي كوردستان  في اذار عام 1991 والتي اطلق عليها "الانتفاضة الشعبانية"، بأعتبار أن شهر آذار في حينه كان يقابله شهر شعبان  بالتقويم العربي ،  حين تحررت  14 محافظة في العراق  بيد المنتفضين قبل ان تكتسح قوات الطاغية  صدام تلك المحافظات ،  وتقضي على الانتفاضة التي اندلعت من مدينة البصرة الجنوبية عقب وصول افراد الجيش العراقي المنسحبين من الكويت اليها اثر تحريرها من احتلال نظام صدام .. بينما خرجت محافظات كردستان الشمالية عن سلطة صدام منذ ذلك الوقت.

ومن بين المتهمين الذين ستتم محاكمتهم : علي حسن المجيد عضو قيادة حزب البعث وحاكم الكويت العسكري سابقا وصابر الدوري مدير الاستخبارات العسكرية وحسين رشيد رئيس الاركان السابق وسلطان هاشم معاون رئيس اركان الجيش وعبد الغني عبد الغفور عضو قيادة البعث ومسؤول البصرة وعبد حميد حمود الناصري مدير مكتب صدام حسين وسعدي طعمه عباس وزير الدفاع السابق واياد فتيح الراوي قائد الحرس الجمهوري وسبعاوي ابراهيم الحسن الاخ غير الشقيق لصدام ومدير جهاز الاستخبارات ومسؤول الكويت الامني السابق.

 ومن بين المتهمين ايضا ابراهيم عبد الستار رئيس اركان قوات الحرس الجمهوري واللواء محمد مزاحم الدحام واللواء قيس عبد الرزاق قائدي فرقتين في الحرس الجمهوري ولطيف محل حمود قائد فرقة ومحافظ البصرة واياد طه شهاب الدوري ووليد حميد من ضباط الحرس الجمهوري .. اضافة الى لطيف محل حمود محافظ البصرة الأسبق وسفيان ماهر التكريتي قائد الحرس الجمهوري السابق وإياد طه شهاب مدير الأمن في جهاز الاستخبارات .

وقال مصدر مقرب من المحكمة ان التحقيق في القضية قد انتهى مؤخرا واحيلت اوراق القضية اليها حيث ينتظر ان تبلغ هيئة الدفاع فيها خلال ايام قليلة بموعد بدء جلسات المحاكمة. واوضح انه سيتم توزيع القضية على 14 محافظة وتدمج كل محافظتين في جلسة واحدة بسبب ضخامة عدد المتهمين والمحامين . وقال ان المحافظات في هذه المحكمة ستكون محافظتي البصرة وميسان ويحاكم فيها 15 متهما من بينهم كبار القادة العسكريين والاعضاء الكبار في حزب البعث .

كما عدت المحكمة الجنائية المسؤولية الجنائية الشخصية للمتهم  تتحقق أذا ارتكب الجريمة بصفته الشخصية بالأشتراك أو بواسطة شخص آخر ، بغض النظر عما أذا كان هذا الشخص مسؤولا أو غير مسؤول جنائيا ، أو اذا أمر بأرتكاب الجريمة التي وقعت بالفعل أو الشروع فيها أو الحث على ارتكابها ، بالأضافة الى التحريض أو الحث والأسهام بأية طريقة بقصد تعزيز النشاط الأجرامي  .

علما بانه لايعفى الرئيس المباشر الأعلى من المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي يرتكبها الأشخاص الذين يعملون تحت أمرته ، بشرط إن يكون الرئيس قد علم أو كان لديه العلم بأرتكاب تلك الأفعال ولم يتخذ الأجراءات الضرورية والمناسبة لمنع وقوع تلك الأفعال .

ولاتشمل تلك الجرائم بالتقادم المسقط للدعوى بأعتبارها من الجرائم التي نص على تجريمها القانون الجنائي الدولي والقانون العراقي ايضا .

55
محنة الأديان في العراق


زهير كاظم عبود

 

 

ليس فقط الأحداث الدامية  التي أدمت القلب  ضمن دائرة قرى ومدن الأيزيدية ما يثير الأنتباه ، وليس فقط البيان الذي اصدره  من يسمي نفسه والي الموصل في دولة العراق ألإسلامية الذي يذكر فيه  إن كل الأيزيدية سواء حربا لله ورسوله وللمؤمنين .

ما يثير الانتباه المنافذ الرخوة التي تسللت منها  الجماعات الأرهابية والمتطرفة للنيل من الوضع الأمني في كوردستان وما حولها ، ومامن شك إن أكثر من يتم استهدافه ضمن مجال الأرهاب والتطرف هم أتباع الديانات غير الأسلامية  في العراق .

فقد جرت حملات ضد الصابئة المندائيين تمت بصمت مطبق ، وبأستنكار خجول تم ذبح وقتل العشرات منهم ، وتم تهجير المئات ،  ولاذت عوائل اخرى في حماية شعب كوردستان ، دون أي رادع معقول أو يتناسب مع خطورة الهجمة عليهم ، ودارت الدائرة على المسيحيين في العراق ، فصاروا بين مهاجر ومهجر ، وبين قتيل ومستباح ، وبين مجبر على اعتناق الأسلام أو بين من يعطي الجزية ليضمن حياته وما بقي له من العمر في العراق ، غير أن الأيزيدية ولظروف تجمعهم في قرى ومدن تقع ضمن شريط أقليم كوردستان أو تحادده ، لم يطل الضرر سوى العمال الفقراء والطلاب الدارسين في الجامعات والمعاهد البعيدة عن اهاليهم ، والذين اضطرتهم الظروف الى ترك دراستهم والأحتماء ببيوتهم دون إن يجدوا من يستمع لمحنتهم أو يعالج اوضاعهم ، وهم يخسرون سنوات من اعمارهم و من تحصيلهم العلمي .

حين نصت المادة السادسة من القانون الاساسي الصادر في العام 1925 بناء على قرار المجلس التأسيسي العراقي على المساواة بين العراقيين بغض النظر عن قومياتهم أو اديانهم أو لغاتهم ، فان النص يؤكد التطابق العملي لما كان يدور في الحياة العراقية ، وحقا لم يشعر العراقي بتلك الفروق التي جاءت منسجمة من النص الدستوري ، مع إن جمرات تحت الرماد موجودة داخل بوتقة العراق الجميل ، ولكن المكانة العراقية والعمل الوطني العراقي كان يلغي كل الفوارق والحواجز التي يمكن إن تكون إمام مساواة العراقيين المختلفين في الدين .

ويمكن للمتابع للتاريخ العراقي الحديث إن يطالع تلك الاسماء البهية والتي اعطت للعراق ، وساهمت في بناءه ورصف كيانه ، من اليهود والمسيحيين والمندائيين والأيزيديين .

تلك هي الأديان التي تنتشر بين اهل العراق ، والتي كانت وستبقى منسجمة أزليا ما بقي الإنسان في العراق ، والتي هي جميعا دعوات للخير والمحبة والسلام والتآخي بين الناس ، والتي هي جميعها تدعو لأن تحل المحبة والتفاهم والأنسجام بين البشر ، مثلما تدعو جميعها لعبادة الله الواحد الأحد .

ومع إن الدساتير العراقية التي تسلسلت تباعا أكدت على مساواة العراقيين بغض النظر عن دياناتهم ، الا إن الأيزيدية والمندائية وحدهما من لم يكن لهما أعتراف رسمي بالرغم من الوجود الفعلي والعملي في الحياة العراقية ، وتلك المفارقة شكلت اغماض للعيون ومخالفة لحقيقة الكينونة العراقية ، حيث منح القانون حقوقا للديانتين اليهودية والمسيحية أن يكون لها قانونها الخاص في المواد الشخصية ، وحرم دون معنى أو منطق كلا الديانتين المندائية والأيزيدية من ذلك ، وبقي الحال حتى حل زمان انتهت فيه الدكتاتورية ، وصار الأمر إن يقم العراقيون بأصدار دستور يؤكد ليس فقط على المساواة بين العراقيين بصرف النظر عن دياناتهم ،  بل اورد ضمن الفقرة ( ثانيا  ) من المادة الثانية ضمان كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والأيزديين والصابئة المندائيين .

وعلى هذا الأساس فقد وضع الدستور الغطاء والحماية القانونية الكاملة للفرد العراقي من غير المسلمين في ممارسه عقيدته وطقوسه ، وأسباغ الحماية القانونية على تلك الديانات العراقية .

ولكن هل غير ذلك شيء إمام الممارسات المخالفة للدستور التي مورست من قبل إفراد وتجمعات وميلشيات متطرفة ، تقتل ابناء تلك الديانات تارة ، وتطالبهم بالرحيل عن بيوتهم تارة اخرى ، وتهجرهم مرات ، وتطالبهم بتغيير ديانتهم في مرات اخرى تحت ذرائع الأسلام  دون إن تجد رادع أو من يطالب بتطبيق نصوص القانون التي اوردها الدستور بحق المجرمين أو القائمين بتلك الأفعال  .

يتعرض اليوم المسيحيين والمندائيين والأيزيديين  في العراق الى حملة بشعة وظالمة ، ليس من باب حرص المتطرفين على أجبار ابناء تلك الديانات على الدخول جبرا في الاسلام ، وانما بقصد اشاعة الخراب والتخريب والهلع والرعب في نفوس الناس ، وما بيان من يطلق على نفسه لقب والي الموصل لدولة العراق الاسلامية الى ما يحدث في بقية مناطق العراق  الا مثالا بسيطا ، وما انتشر من شائعات وقصص بحق الأيزيدية الا مثالا آخر ، فقد كانت تلك المجموعات المتطرفة تبحث عن منفذ أو جحر يمكن إن تنفذ من خلاله لتنشر التخريب والأرهاب في مساحات لم تتمكن من الوصول اليها قبل ذاك .

والجميع مستهدف من قبل الإرهاب دون استثناء ، كما الجميع مستهدف من قبل  المتطرفين ، فكيف يمكن إن نفهم ما يجري تحت انظار السلطة ، والمسيحي يرحل مع عياله هربا من الموت أو اجباره على تغيير الدين ، والمندائي يترك حاله وماله ويفر بجلده الى كوردستان أو دول الله يستجير بها ، والأيزيدي المذبوح دوما سيان إن كانت هناك تهمة ام لم تكن ، واليهودي الذي الغي وجوده عمليا بالرغم من عراقيتة وأصالته التي سجلها له التاريخ .

تفيد آخر الأخبار الواردة من منطقة الدورة ببغداد، الى تزايد جرائم تهجير المسيحيين منها، وتهديدهم بالذبح إذا لم يدفعوا الجزية، أو يشهروا إسلامهم علنا في الجوامع، وذلك بالرغم من مناشدة رؤساء الكنائس المسيحية الحكومة العراقية وضع حد لهذه الجرائم.
وبحسب المعلومات تقوم  الجماعات الأرهابية المسلحة التي تتخذ من الدين الأسلامي ستاراً لتنفيذ جرائمها قبل أيام 14 أجبار  عائلة مسيحية في الدورة على ترك منازلها عنوة تحت تهديد السلاح، دون السماح لها بأخذ أي شيء معها سوى الملابس التي كان أفراد هذه العوائل يرتدونها.
فيما قامت مجاميع أرهابية أخرى بإجبار عدد آخر من هذه العوائل على ترك منازلها ومغادرة الدورة تحت التهديد بالقتل.
وتتمكن بعض هذه العوائل إيجاد أماكن سكن آمنة وقتية في بعض مناطق بغداد، غير أن الآخرين يتجهون إما الى أقليم كوردستان العراق، او السفر الى سوريا والأردن، في ظل أوضاع معيشية سيئة للغاية.

أوليس الله يقول في كتابه المجيد ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ))

فكيف يمكن لأحد إن يتعرض للمندائيين وهم ملح العراق ؟ كيف يمكن ليد إن تتعرض لهم بسوء وهم الذين افنوا اعمارهم من اجل خدمة العراق ومستقبله ، وهم اهل السلام والمحبة والوداعة ، وكيف يمكن إن يتم ترحيلهم وهروبهم دون إن يجدوا من يقف وقفه شجاعة بحق المتطرفين والأرهابيين من اعداء الأديان وأعداء الله !!

وأذ يتعرض الأيزيدية اليوم الى هجمة بشعة وتلتحق بالهجمات والمذابح التي سجلت في تاريخهم  ، فان هذه الهجمة لاتطالهم فحسب ، بل تبغي النفاذ الى الأمن الكوردستاني وخلق الشروخ بين ابناء هذا الشعب النبيل ، وكما تحاول إن تجد لها أسباب تتعكز عليها لأحداث خلافات بينهم  ، وبالتالي فأن تلك التجمعات الشريرة التي تقتل العامل الايزيدي والشرطي الفقير المدافع عن القانون ، انما تريد الخراب ليس لكل  كوردستان وانما لكل العراق ، وبالتالي فأن أمر التصدي لها بحزم وبوحدة الموقف أمر بات ضروريا .

البيانات التي تصدرها التنظيمات الأرهابية لاتجد لها أثرا أو قيمة أزاء توحد المواقف وأزالة الخلافات ، والهجمات الأرهابية والمتطرفة لن تجد لها أثرا أمام تكاتف الناس من المسيحيين والمندائيين والأيزيديين ، وأن بقوا في الساحة وحدهم فان العديد من الاصوات الوطنية والمعتدلة تقف معهم وتدافع عنهم ، وماهي الا فترة عصيبة من فترات العراق سنعبرها سوية ويعود العراق سليما معافى كما عهدناه ، نتباهى بمسلميه ومسيحييه ومندائييه وأيزيدييه ، وسنضمن حتما حقوق المساواة بين العراقيين بصرف النظر عن دياناتهم ، ولا أكراه في الدين ولامجال لكل تلك الأصوات المبحوحة التي تبشر بالأرهاب والشر والدم ليعم الخراب في كل ثنايا العراق .

يقول أبن عربي :

لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي **إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

وقد صـار قلبي قابـلا كل صـورة ** فمرعى لغزلان وبيت لأوثان

وديـر لرهبـان وكـعبة طـائـف * * والواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحـب أنـى توجهـت ** ركائبه أرسلت ديني وإيماني

وأذ  يغيب العقل وينعدم الوجدان في مواقف تخجل منها المروءة ويأباها اهل العراق النجباء ، في جرائم يرتكبها ممن لاذمة ولادين ولاضمير بأسم الأسلام بحق ابناء تلك الديانات ، وأذ تتجمع بؤر الشر كله تريد النيل من تلك الديانات واهلها تحت شتى الذرائع ، وتحت اغطية تبان حقيقتهم من تحتها ، لابد من وقفة عراقية يتكاتف بها رجل الدين قبل السياسي ، ويتوحد بها المسلم قبل الأيزيدي من اجل دفع الضرر عن الناس ، ومن اجل أن لاتتشوه قيم ومعاني الأسلام الجميلة في أذهان الناس وفق أعمال المتطرفين والإرهابيين ، وستبقى يقينا المسيحية في العراق أعتزازا منا نحن اهل العراق بتلك القوافل الطيبة التي ما ارتدت غير اغصان الزيتون في حياتها ، علامة وأشارة منها لكل مفاهيم الحياة ، والى طهارة الماء التي اعتمدها المندائيون الذين كانوا ولم يزلوا جزء من طهارة القلب والضمير العراقي ، وطيبة الايزيدية وتقشفهم وبساطتهم وقناعتهم في حياتهم العراقية منذ اقدم العصور .

 

56
يريدون إن يفقئوا عيون العراق

 

زهير كاظم عبود

 

في ظاهرة مشينة لم تكن لها سابقة في العراق ، يرتكب بعض الأدعياء بأسم الدين جنايات خسيسة في أجبار المسيحيين من أخوتنا العراقيين والمندائيين أيضا على تغيير دياناتهم أو الموت .

قال تعالى : ((  لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي  ))  سورة البقرة الآية 256 .

((  ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ))  سورة النحل الآية 125

والأكراه الذي يراه بعض الجهلة ممن يعتقد انه يقدم على عمل ديني ، هو ضرر بليغ بمبادئ الأسلام ، وتعديا صارخا على أساسه ، وتحريف لمقومات الانسجام والتآخي بين الأديان ، بالإضافة الى الغاء لحقوق المواطنة وحرية المعتقد والدين التي نصت عليها الدساتير ، وهذا الإكراه المصحوب بالإرهاب والترويع والتهديد ، يصدر من عقول مريضة ومتخلفة دون إن يجد له رادع قانوني أو ديني .

والأكراه من يجبر احدا على فعل وهو كاره ، أو دفعه للقيام بتصرف غصبا عن رغبته ، والأكراه يعدم الأرادة وينفي القبول ، وبالتالي فأنه لايعدو الا أكراها لاينسجم مع الاعتقاد والأيمان الذي يتطلبه الدين والشريعة .

فلم نسمع من رجال الدين موقفا حازما يوجه هذه النماذج المتبرقعة بأسم الدين ، والتي صيرت من نفسها مالكة للدين الإسلامي وأستلبت منه كل حقوق المسلمين ، نقول لم نسمع سوى بعض النصائح والتوجيهات الخجولة التي لن تحمي هؤلاء العراقيين الذين وقعوا تحت مخالب إرهاب الجهلة وإرهاب القتلة ، وكلاهما يندى له الجبين .

   وإذا كانت السور القرآنية تعيد التذكير بالمبادئ العامة للأسلام ، فقد ورد في كتاب الله  أن ( لكم دينكم ولي ديني )  ، بالإضافة الى مخاطبة الرسول الكريم ( فأنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) ، ثم (  فذكر أنما انت مذكر ، لست عليهم بمسيطر)  ، وهاهي سور القرآن تخاطب الرسول الكريم ، فعلى أي مستند يتكأ هؤلاء الجهلة ، وكيف يتم أجبار الناس وقسرهم على الدخول في الدين الأسلامي وترك ديانتهم أو قتلهم وتهجيرهم من بيوتهم ومنع اشتغالهم باررزاقهم وقوت عيالهم  ؟ 

وبالرغم من كل الأحداث التي تجري بتهجير عوائل المسيحيين أو المندائيين  في مناطق بغداد ومحافظات الوسط والجنوب ، لم نجد الموقف العادل والأجراء الرادع الذي يقف مع هؤلاء ، أو على الأقل يبصر الجهلة بأن هذه الأديان هي سماوية لها رسلها وكتبها التي يقر بها الأسلام ويحترمها ويعترف بها ، وهي من الأديان التي تنشد للسلام ، وتتعايش بمحبة وتآخي منذ أزمان بعيدة جنبا الى جنب مع المسلمين تتشارك في بناء العراق .

من هؤلاء ومن دمائهم وتضحياتهم ومشاركتهم في بناء الدولة وفي مسيرة الأحزاب الوطنية في العراق كان التاريخ العراقي ، ومن هؤلاء بنيت المؤسسات والمرافق التي نتفاخر بها  ، أو ليس الله تعالى هو الذي يقول (  وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )  ، فهل كان هذا الأعتداء الآثيم على المسيحيين والمندائيين رسالة  أكراه  وترهيب  لعوائلهم بأسم الدين ؟ هل يجوز أرهاب من يتعايش معنا بسلام وبأخوة حقيقية ؟  الا يفترض إن نخرج من فتاوى جواز مواكلتهم ومشاربتهم الى حمايتهم والقصاص من المجرمين الذين يقومون بترويعهم وتهجيرهم ؟ وماهو دور علماء المسلمين في العراق حيث تجري كل تلك الأحداث أمام انظارهم وأسماعهم دون إن نلمس موقفا يدين النهج الخاطيء والمنحرف لهذه التصرفات .

أن تشويه أسس الدين الأسلامي باساليب وافعال تخلو من المنطق وتتعارض مع الدين جريمة لن تنفرد التشريعات العقابية بالتصدي لها ومعاقبة الجاني ، حيث إن عقابه إمام الله شديد ، و لا يختلف أثنان على أن الأسلام قد أكد على حرية التفكير ومنح الإنسان امكانية التفكير وحرية الاعتقاد التي تلتزم بها اليوم الدساتير وتشير لها اللوائح الخاصة بحقوق الانسان  ليس فقط في الدخول الى الاسلام ، وانما توسع حتى في الكفر الذي جعل عقابه في الاخرة  و حض عليها فى كثير من الآيات فلم يجبر أحدا على أعتناقه قسرا و ترك للجميع حرية الأختيار (( فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر))  .. ((  لا أكراه فى الدين ))  .

العراق الملون العقائد والمتعدد القوميات والمنسجم حد التباهي ، والعراق يجد إن هذه الأديان عيونه التي يرى بها الدنيا ، وهم يريدون أن يفقئوا عيون العراق ، العراق الذي عاش المسيحي واليهودي والمندائي والأيزيدي في ثناياه  جنبا الى جنب مع اخوتهم المسلمين في كل مدن العراق ، والعراق البلد الجميل المتآخي الذي قال في تعايش اليهود في ظل الأسلام  :

 

أن كنت من موسى قبست عقيدتي       فأنا المقيم بظل دين محمد

وسماحة الأسلام كانت موئلي          وبلاغة القرآن كانت موردي

مانال من حبي لأمة  أحمد            كوني على دين الكليم تعبدي

             سأظل ذياك السمؤال في الوفا

             أسعدت في بغداد ام لم أسعدا

ما يعيب الزمن العراقي اليوم إن تتوجه مجموعات التخريب والموت والإرهاب نحو هذه العوائل التي ماعرفت الحروب والقتال ، ولاتخندقت بخنادق الطائفية والعصبيات الدينية والعشائرية ، هذه العوائل التي نسجت حياتها وأيامها مع المحبة والتآخي ، تتعرض اليوم الى حملات مجنونة وهمجية من مجموعات  تريد إن تجعل الدين برقعا للانتقام منهم وتهجيرهم من بيوتهم والأستحواذ على ممتلكاتهم  وترويعهم بالموت  والذبح  أو الدخول الى الإسلام خانعين اذلاء ومجبرين .

ما يعيب الزمن العراقي أن يكون كل هذا امام أنظار المسؤولين المتفرجين في السلطة ، وليس لهم الا إن يقدموا العذر بأنشغالهم محاربة الأرهاب ، ومع إن هذا الذي يحصل مع اخوتنا المسيحيين والمندائيين هو الإرهاب بعينه ، وهم ليسوا بحاجة لفتاوى تجيز مواكلتهم أو مشاربتهم ، وليسوا بحاجة لفتاوى تجيز زواج المسلم  من بناتهم وتحرم زواجهم من المسلمات ، لكنهم بحاجة لوقفة ضمير وفقا لموجبات الدين ، وتنسجم مع حقوق المواطنة التي نزعم إن لكل مواطن حقوق وواجبات ، ومن أسس هذه الحقوق أن العراقيين متساوون إمام القانون دون تمييز بسبب الدين ولكل فرد الحق في الحرية الشخصية والحياة والامن ، فهل حقا يتساوى اليوم المواطن المسيحي والمندائي وسط تلك المعاول التي تريد تخريب نهج الحياة في العراق ؟

هذه المجموعات التي تريد أن تفقأ عيون العراق بحاجة لتبصيرها خطورة عملها وتصرفاتها دينيا واجتماعيا ، وبحاجة لتبصيرها الى نتائج افعالها ، وحري بعشائرها وبيوتها إن تجعلهم يرتدون عن غيهم وأن يبذلوا ما أمكن من ضبطهم وتقييد تصرفهم بما ينسجم مع الدين الأسلامي اولا ، وبما يتفق مع الدستور الذي أصبح نافذا ووقعوا عليه ثانيا ، وبما يتطابق مع القيم والأعراف التي تؤمن بها عشائرهم وبيوتهم ثالثا .

وهي مناشدة لرجال الدين والسياسيين والأحزاب في العراق لإيقاف هذه الكارثة البشعة التي تشكل صفحة مشينة من صفحات الإرهاب في العراق . 


57
جرجيس فتح الله رجل في الميزان


زهير كاظم عبود
رحل جرجيس فتح الله بعد أن ترك أثراً مهما وشاخصاً في الثقافة العراقية والتأريخ العراقي الحديث ، وجرجيس فتح الله  من مواليد 1922 والمتخرج من كلية الحقوق العام 1939 ،  وعاش جرجيس فتح الله اربع وثمانون عاماً زاخرة بالأحداث ، وعاصر العهدين الملكي والجمهوري ،وأكتسب ثقافة تعليمية من خلال التعليم في مدارس الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية  في  مدينة الموصل ، حيث نهل علمه على أيادي اساتذة وقساوسة ورهبان ، مع ما أستطاع أن ينهله من الثقافة الأسلامية والعربية والكوردية بشكل عام ، جعلت له قاعدة فكرية ومعلومات ثرية  وسلاحاً يتمكن من خلاله الولوج الى عالم الصحافة والثقافة والتأريخ ،  وخاض غمار العمل السياسي والثقافي مبكراً في أول سنوات شبابه ، وكتب العديد من الكتب التي أغنت المكتبة العربية والكوردية ، ووثق العديد من الأحداث والشخصيات المهمة في التأريخ العراقي الحديث ، ومن خلال حياته المهنية عاصر العديد من الأحداث التي كتب عنها بأمانة المؤرخ ونظافة الكاتب الملتزم  ، وترك خلفه ثروة من الكم المعرفي والثقافي وأسماً يشار له في العديد من الكتب والمؤلفات والدراسات
عاش فترة طويلة منذ ولادته ونشأته الأولى وتعليمه في مدينة الموصل ، كما مارس فيها المحاماة بالأضافة الى نشاطه السياسي فيها ، وبدأ باكورة حياته السياسية بالأنتماء الى حزب الشعب وكان أحد المؤسسين العشرة لهذا الحزب ، والذي يرأسه آنذاك المرحوم عزيز شريف ، ثم قدم أستقالته وأنتمى الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد سنتين من تلك الأستقالة .
أصدر في مدينة الموصل  جريدة ( الحقيقة – راستي ) ، ورأس تحرير جريدة (( الروافد )) ، وشكلت الذاكرة الحية والمتابعة الدقيقة والصائبة لما يجري من أحداث في العراق ، تحليلات وأستنتاجات تدل على عمق الرؤية في عقل الصحفي الحقوقي والمؤرخ العراقي جرجيس فتح الله .
كما أن فتح ساهم مساهمة فعالة في صحافة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ( خه بات )  السرية منها أو العلنية ، وتعرض جرجيس فتح بحكم التصاقه ووقوفه الى جانب قضية الشعب الكوردستاني بشكل عام وقضية الكورد في العراق بشكل خاص ، الى العديد من المواقف السلبية والمضايقات والملاحقة من قبل سلطات العهود البائدة ، كما كان لمناصرته بالقلم  وألتحاقه بصفوف الثورة الكوردية المسلحة التي التحق بها في العام 1968 في أيلول ، أثراً كبيراً في التزامه وأصراره على الوقوف الى جانب الحق والحقوق ،  وكان له لقاءات مستمره مع القائد الخالد مصطفى البارزاني ، أو بالمناضلين السيد جلال الطالباني أو السيد مسعود البارزاني ، وهذا التعرض يتمثل في  العديد من المضايقات وحجز الحرية والتوقيف والاحالة على المجالس العسكرية العرفية ومحاكم أمن الدولة ، بالأضافة الى حجز أمواله المنقولة وغير المنقولة .
ساهم من خلال كتابه ( زيارة للماضي القريب ) في توثيق أحداث مهمة في تاريخ الحركة الكوردية المعاصرة بقيادة الزعيم الخالد مصطفى البارزاني ، كما وثق في هذا الكتاب الأحداث التي شارك بها أو شاهدها أو كان طرفاً فيها  ، كما كان لكتابه ( مهد البشرية – الحياة في شرق كوردستان ) الاثر الكبير في توضيح الحقائق المستمدة من صفحات التاريخ والثابتة ، ومن ثم  ساهمت كتبه ( كرد وترك وعرب ) و ( جمهورية مهاباد ) و ( طريق في كوردستان )  ن مساهمة ناجحة في توضيح الحقائق التي كانت الشوفينية تغطيها أو تحاول التستر عليها ، كما أن كتابه ( رجال ووقائع في الميزان ) الصادر عن دار ئاراس في كوردستان يعد من بين أهم كتاباته الموضوعية  ، وان كان الكتاب عبارة عن لقاءات اجراها كل من الشاعر والكاتب مؤيد طيب والأستاذ سعيد يحيى مع المؤلف ، الا إن الكتاب يزخر بالعديد من الوقائع والأحداث والتفاصيل الحية ، وسرداً لذاكرة فتح الله الحية والمتداخلة ضمن الأوساط العراقية وأحداثها ، فجاء الكتاب ليس سفراً في التاريخ العراقي الحديث ، بل توثيقاً لقضايا وأسماء نجد إن الحاجة ملحة لها لكشف ما لايمكن التوصل اليه في الكتب التي تصدر بموافقة السلطات .
وكان اخر كتبه (  نظرات في القومية العربية مدا وجزرا حتى العام 1970 تاريخا و تحليلا )  ، و اضواء على القضية الاشورية (مذابح اب 1933 نموذجا) في خمسة اجزاء موسعة مساهمة فعالة في توثيق التاريخ العراقي بشكل عام  . .
رحل جرجيس فتح الله  بصمت عصر يوم الاحد 23/7/2006 في مدينة اربيل اثر نوبة قلبية حيث سكن ذلك القلب الكبير بعد أن أشغل الدنيا بدقاته وسعته مهموما وحزينا على ما صار اليه وضع أهله وشعبه  ،   اقيمت له مراسيم التعزية صباح يوم 24/7/2007 في كنيسة مار يوسف في عين كاوا  وودعه العراق بعيون دامعة .
ويمكن إن يشكل الكاتب جرجيس فتح الله خطاً موازياً مع المؤرخ الدكتور كمال مظهر الذي يعتمد الموضوعية والحقيقة في الكتابة التاريخية ، والدكتور مظهر مطالب ايضاً إن يكتب للأجيال القادمة ما تحمله ذاكرته المتوقدة والحية من أحداث وذكريات وما يكتنزه من معلومات شخصية عن أسماء مرت في الذاكرة العراقية .
كمال مظهر بما عرف عنه من أعتماد منهج الموضوعية وتشكيل ثقل ثقافي وتأريخي ومنهجي في كتابة التاريخ العراقي ، مطالب اليوم بأن يكتب ما تختزنه الذاكرة وأن يلقى من السلطات العراقية بشكل عام ومن القيادات الكوردستانية ليس فقط المكانة التي تليق بت ، وأنما تكريمه وتبجيله بالنظر لما يشكله من نزاهة وتواضع وموضوعية والتزام في الكتابة التأريخية .
وبقيت العديد من المخطوطات التي خطها جرجيس فتح الله بأنتظار طبعها والأهتمام بها ، حيث شكلت معظم كتابات فتح الله سنداً ومرجعاً للعديد من الباحثين والمؤرخين وطلبة الدراسات العليا ، وساهم جرجيس فتح الله مساهمة أكيدة في رسم معالم نصوص مشروع الحكم الذاتي نمع طوح ونزوع نحو تطوير مفاهيم قانونية ودستورية لهذا الشكل نحو الفيدرالية .
عالج جرجيس فتح الله القضايا التاريخية من خلال الفعل والتقليب والمرونة في إبداء وجهة النظر ، دون التقيد أو الأنحياز الى وجهة نظر غالبا ما تتلبس السياسيين من المؤرخين ، كما ينطلق جرجيس فتح الله من الصراحة وكشف ما خفي من الوقائع واضعاً أمامه الضمير والحقيقة فكان موفقاً الى جانب كبير في هذا الجانب ، كما يعتمد جميع المصادر التاريخية ليؤسس عليها حقيقة مشتركة تستند على قاعدتها التاريخية والحقيقية من خلال البحث والتنقيب
وإذا كان التاريخ خلاصة التجارب البشرية وهو مادة حية تتفاعل مع الزمن ، فأن الكتابة المجردة والصادقة تضع تلك الخلاصات في مكانها الحقيقي وتوفر للأجيال عناء البحث والتقليب وتبعد عنهم عدم الثقة بالكتابات التي كتبت تاريخ العراق الحديث بأوامر من السلطات التي تريد التاريخ إن يكتب مثلما تريد ، ويلتزم الكاتب جرجيس فتح الله بأصرار على قول الحقيقة وذلك هو المنهج الذي نشره المؤرخ والباحث الأكاديمي الدكتور كمال مظهر ولم يزل يرسمه في العراق بالرغم من قبول أو عدم تقبل السلطات مهما كان نوعها وشكلها لحقائقه ، غير أن جرجيس فتح الله عاش ملتزماً وأميناً ليس فقط على الحقائق التأريخية ، وانما بالتزامه السياسي ومناصرته لشعب كوردستان وتضحياته في سبيل ذلك ، وكما التزم بعمله المهني حقوقيا مدافعا عن الحق والحقيقة والمظلومين ، فأنه ساهم في ترسيخ أسس القوانين التي يمكن إن تحقق جزء من حقوق شعب كوردستان في العراق ، بالأضافة الى وقوفه بشكل واضح في عداد المقاتلين المنضويين تحت راية الثورة الكوردية المسلحة بقيادة الزعيم الخالد  مصطفى البارزاني .
رحل جرجيس فتح الله دون إن يلقى من التكريم ما يتوجب على المهتمين بالتأريخ العراقي وبالثقافة العراقية إن يلقاه منها ، كعادة الرموز العراقية التي تلقى من التهميش والنسيان والأهمال ما لايلقاه أحد في مناطق الأرض ، ورحل العديد من معالم الثقافة والسياسة العراقية دون تكريم ودون اشارة مضيئة تذكر الأجيال الجديدة بمساهماتهم ، رحل قبله مير بصري ورحل جليل القيسي ورحل العديد فلندرك كل من الدكتور كمال مظهر أحمد والشاعر كاظم السماوي لتكريمهما ، واننا حين نشير الى هذه الأسماء ليس على سبيل الحصر ، وانما أيجاد طريق مضيء ومشع لدفع المؤسسة الثقافية المتمثلة في ما قدمته مؤسسة المدى الثقافية من مشاريع وطنية ساهم بها بشكل فعال الأستاذ كريم فخري بما عرف عنه من توجهات انسانية ووطنية ، ويمكن إن يكون جرجيس فتح الله أخر الراحلين بصمت . [/b]

58
المنبر السياسي / وزارة الفقراء
« في: 19:58 11/02/2006  »
وزارة الفقراء

زهير كاظم عبود
[10-02-2006]

لايتشابه العراق مع الكثير من بلدان الله ، فهو بالرغم من ثرائه وثرواته المتعددة يعج بالمسحوقين من البشر ، وهؤلاء يزدادون عاماً بعد عام ، فأعداد الشباب العاطلين عن العمل تفوق البلدان الفقيرة التي تفتقر لما يوجد في أرض العراق ، وأعداد المتسولين التي تشكل جيشاً يمتد من أقصى كوردستان الى أخر أراضي العراق الجنوبية ، وأعداد ممن لايمتلكون سقوفاً أو بيوتاً يقيمون تحت سقوفها مع أطفالهم يمكن أن يصل الى ربع عدد سكان العراق ، وأعداد من يعيشون على الكفاف وتحت خط الفقر أعداد لايمكن الأستهانة بها في أنتخابات مجالس النواب القادمة .
ومنذ أستشهاد الزعيم عبد الكريم قاسم توقفت مشاريع الأسكان في العراق بعد أنقلاب شباط 1963 ، بالرغم من أن الحكومات التي تشكلت بعد هذا الأنقلاب كانت لها وزارة تدعى وزارة الأشغال والأسكان ، وأحيانا يسمونها وزارة الأشغال والاعمار ، ولكن العراق منذ أنقلاب شباط 63 لم يشهد أي مشروع سكني عمراني يمكن ان يحلم به الفقراء في العراق ، ولم تتجه نية الحكومات المتعاقبة الى مشروع لأسكان الفقراء ومن يعيش تحت خط الفقر أو من ذوي الدخل المحدود ، بل جعلت عذاباتهم وهمومهم تزداد يوماً بعد يوم ، فباتوا في مهب الريح ، ومن أجل أرباك الحياة العراقية سنت السلطات وحرصت على أن يكون قانون أيجار العقار السيف المسلط على رقاب أصحاب العقارات ، بغية الحد من أقدام العديد من أصحاب العقارات والدخل على أقامة مثل هذه المشاريع السكانية ، التي قد تساهم فيما لو أقدمت السلطة على مشروع سكاني لأسكان الفقراء من أهل النفط في العراق .
وذراً للرماد في العيون كانت الحكومات تمنح المعوزين فتات من المال لايقيهم حر الصيف ولايمنع عنهم برد الشتاء ، بأعتبارها رواتب للرعاية الأجتماعية .
وتكاثر الفقراء في العراق تكاثراً كبيراً ضمن الخطوط البيانية ليشكلوا النسبة الأكبر بين سكان العراق ، كما ساهمت الخطط الشيطانية والحروب العبثية التي قادتها الأنظمة الشوفينية المتطرفة في العراق ، بضمنها الحرب الشعواء التي شنتها السلطات على الشعب الكوردستاني من أجل اسكات صوته ومنع مطالبته بحقوقه الأنسانية المشروعة ، ساهمت هذه الخطط والسياسات زيادة فقر العراق الغني حتى بات العراق بلد النخيل والنفط والزراعة والمعادن يقتات المساعدات الدولية ، وتتصدق عليه الأنظمة الغربية ومنظمات مساعدة البلدان الفقيرة ، وأنتشرت صفائح السمن الأمريكي وأكياس الرز التايلندي والمنقوش عليها علامة المساعدات الأنسانية من المنظمات الدولية للبلدان الفقيرة ، والتي كانت حكوماتنا المتعاقبة لاتستحي من أستلامها وتوزيعها ، ولم تستحي من الأعتماد عليها في خططها الأقتصادية المستقبلية .
وبقي الفقراء دون أهتمام من أي سلطة من السلطات التي تساقطت وهي تحكم العراق بواسطة مؤسسات الأمن العام والمخابرات والأستخبارات ، وبقي العراقيين دون مساكن وماتت احلامهم حتى صار الحلم بأمتلاك العراقي متراً من الأرض يكون له قبراً بعد موته ليطمئن الى دفنه في تراب العراق ، ولم يتحقق الحلم المذكور للعديد من أبناء العراق الذين أحتوت أجداثهم بلدان غريبة ، وكما احتوت المحيطات والخلجان بقايا الجثث التي غرقت قبوراً لأهل العراق أهل النفط والنخيل .
ولم يعد العراقي يتباهى بالنخيل ولا بآبار النفط ، حيث لم يلمس منها مايجعل له سقفاً لبيت متواضع يأويه وعياله ، ويؤمن له رغيفاً من الخبز يسد به رمقه و جوع أطفاله ، بالأضافة الى مايستر به جسده .
لم يعد العراقي يهتم لالوزارة الأسكان ولالوزارة الشؤون الأجتماعية ، فثمة أهتمامات غير حاجة الأنسان العراقي الملحة في هذا الزمن الأغبر تتوجه لها كل الوزارات ، وأذا حسبت الوزارات تجدها تمتد كا لاخطبوط الى كل مرافق الدولة والحياة ، ولكنك لن تجد فيها وضمنها وزارة للفقراء أو حيزاً صغيراً للفقراء .
وزارة يكون اهتمامها أن تتفقد الفقراء الذين انقطعت بهم السبل فلا قدرة للعمل لديهم ولاسقفاً يأويهم ولارغيف خبز يأكلونه بكرامة ، وزارة يكون أهتمامها ان تحقق للعراقيين الذين ليس لهم شبر من التراب في هذا الوطن الذي أكل فلذات اكبادهم وأمتص عرقهم وأرتوى من دماؤهم ، أن تساهم في أيجاد مأوى يليق بالأنسان لهم ، ريثما تحقق لهم وزارة الأسكان بيتاً صغيراً بحجم عددهم متواضعاً بحجم حصتهم من النفط .
وزارة للفقراء يكون أهتمامها أن تتفقد وتخدم الفقراء في كل مكان ، وان تبذل كل جهودها من أن تجعل الفقير يشعر أن كل الأحزاب العراقية التي تتشكل منها الوزارة ، وكل أعضاء مجلس النواب الذي انتخبهم الفقراء في العراق ، انه الهدف الأول والأساس للخدمة والعطاء منهم جميعاً ، وان كل الأحزاب والنواب والوزراء ماهم الا خدم لهذا الأنسان الفقير .
وزارة للفقراء تعطي للفقراء ولاتأخذ منهم ، تدور على كل مرافق الدولة تحصل لهم حقوقهم دون منة ودون تعداد وأستعراض لما تحققه لهم ، فالفقراء خجلون لايريدون أحد أن يطلع على فقرهم ، والفقراء من أكثر الناس التزاماً بالقوانين وتمسكاً بتطبيقها .
وزارة للفقراء لاتترك أحداً يهيم في الشوارع ، ولايمد احداً يديه طالباً معونة ، ولاتترك احداً ينام في العراء دون سقف او دون مكان دافيء في الشتاء وبارد في صيف العراق اللاهب ، وأن لاتترك احداً ينام وهو جائع ، وكيف ينام المرء وهو جائع ولايخرج شاهراً سيفه ، وأن لاتترك الفقراء دون دواء وعلاج ، وأن لاتترك احداً دون كفن او قبراً يليق بانسانيته ، وأن تؤمن حياة عياله من بعده ، وان لاتدع أطفالنا يجوبون الشوارع والطرقات يتسولون بطرق لم يألفها العراقي من قبل ، وأن تعمل على أيواء اليتامى وكبار السن ومن عافته الدنيا فتركته مهشما وحيداً ، وأن تكون المحامي الامين المدافع عن الفقراء في كل وزارة من وزارات العراق .
وزارة للفقراء ترمم حال الفقراء وتعوض لهم مافات من حياتهم كل هذه المدد الطويلة والعسيرة ، ووزارة للفقراء لاتترك بيوتاً من القصب أو خيام مهترئة أو صناديق من الخشب او التنك يسكنها الفقراء ، وزارة للفقراء تهتم بهم كما يهتم وزير الداخلية أو الدفاع بشرطته وبجنودة ، فالفقراء ملح العراق ، وهم بناته ودمه الذي يبني ، وبأرواح اولادهم سارت قوافل الشهداء التي أعجزت سلطات البغي والطغيان وأعجزت سلطة الطاغية صدام ولم تعجز ، وهم ملح العراق الذي ينبغي ان يتم الالتفات لهم ، وهم أحق من كل الشرائح بالألتفات والأهتمام والأنصاف ، فقد شبعوا ضيماً وظلماً وتعسفاً وأهمالاً ، كما شبعوا كلاماً وشعارات وبيانات لم يستطيعوا أن يأكلوها أو يستفيدوا منها .
وزارة للفقراء تهتم بشؤون الفقراء الذين لم يلمسوا شعاراً واحداً من الشعارات ، ولم يتذوقوا طعم الحكومة الجديدة بعد نهاية الطغيان والأرهاب . [/b] [/size] [/font]



59
المنبر السياسي / قانونية الطرد
« في: 19:10 08/02/2006  »
قانونية الطرد
 
زهير كاظم عبود
[08-02-2006]

ضمن باب أجراءات المحاكمة المنصوص عليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل ، أورد المشرع القواعد الاساسية العامة في المحاكمة ، وهذه القواعد تلتزم بها المحكمة والمشتكي والمتهم ومحامي المتهم والمشتكي معاً والذين اطلق عليهم القانون الخصوم ووكلائهم ، وهذا القانون هو مجموعة القواعد الشكلية التي تنظم وتحدد وظائف السلطات القضائية والتنفيذية بالأضافة سير الأجراءات القانونية في دوري التحقيق والمحاكمة وأنواع المحاكم الجزائية وأصول العمل فيها وطرق الطعن وتنفيذ القرارات.
وحين تعقد المحكمة جلسات محاكماتها فأنها تمارس طقساً بشرياً مقدساً ، فتطبيق العدالة والأحكام الصادرة بموجبها مستمدة من ترتيب الحقوق ، أذ أن مفاهيم العدالة والتطبيق السليم للنصوص القانونية تتزامن مع مفهوم الأستقلالية التي يتمتع بها القضاء العراقي ، لتكون سلطة السماء هي المراقب الوحيد للحسم البشري للقضية المعروضة أمام القاضي أذ لاسلطة فوق سلطة القضاء سوى القانون .
وفي سبيل أن تكون لهذا الطقس ليس فقط الهيبة التي تتناسب مع احترام سوح القضاء ، وانما الخضوع التام لما ستقرره المحكمة أخيراً في قرارها تجريماً او براءة ، بعد تدقيق كل ما توفر أمامها في القضية من أدلة في حال كفايتها أو عدم كفايتها ، لتصدرقرارها العادل .
في سبيل تلك النتيجة ينبغي ان يكون للمحكمة قواعدها وأصولها التي تعمل بموجبها لتحقيق ذلك ، ولهذا فان ضبط الجلسات في المحاكمات الجزائية او المرافعات المدنية منوط بالقاضي المسؤول رئيسا لمحكمة الجنايات كان او قاضيا في المحاكم المدنية .
وهذه المسؤولية تقديرية توجب على القاضي أن يقوم بتطبيق المساحة القانونية والصلاحية التي وفرها له القانون في سبيل أن يضبط المحكمة التي يسبغ عليها قدرته وشخصيته في التطبيق القانوني السليم ، حيث يتمتع رئيس المحكمة بسلطة له بمقتضاها الحق في ان يتخذ من تلقاء نفسه جميع التدابير التي يراها تؤدي الى تامين العدالة .
فلرئيس المحكمة أستناداً لنص المادة ( 152 من الأصول الجزائية ) أن يمنع أي شخص من مغادرة قاعة المحكمة ، وعلى هذا الأساس فأن قاعة المحكمة ليست حديقة عامة أو مكان يمكن للداخل أن يخرج منه ويعود ليدخل متى مايريد ، وأنما يتوجب على الداخل أن كان من أصحاب العلاقة في القضية المنظورة أن يتخذ من مكانه المخصص له ، وأن يلتزم بالتحدث عندما يأذن له القاضي.
أذ لايمكن قبول أن يتحدث الطرف متى شاء وفي الوقت الذي يريد أو يسترسل في الكلام رغم تحذير أو تنبيه القاضي له بلزوم التوقف عن الأسترسال . كما أن المتفرجين من المواطنين الذين يحضرون الجلسات العلنية في قاعة المحكمة يلتزمون الصمت والأنصات لما يقال ويجري ، فيمنع عليهم الكلام مع بعض أو التدخين أو أحداث أي تشويش من شأنه أن يؤثر سلباً على سير المحاكمة .
وعند حدوث خلل وتصرف غير مقبول من قبل أي طرف من الأطراف ، فلرئيس المحكمة أن يقرر أخراجه من قاعة المحكمة ، ولكن اذا تمادى هذا الطرف وحاول أن يمانع في ذلك جاز لرئيس المحكمة ان يقم باصدار قراره بحبس هذا الطرف حبسا ً بسيطاً لمدة 24 ساعة ويتم اخراجه بالقوة من قاعة المحكمة من قبل الحراس المكلفين بتطبيق تلك الاوامر والعقوبة .
و مع ان ضبط الجلسة والمحافظة على النظام والهدوء فيها منوط برئيس المحكمة وله ان يتخذ الاجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك ، الا ان المادة 158 من قانون أصول المحاكمات الجزائية جوزت ابعاد المتهم عن جلسة المحاكمة اذا وجدت اثناء نظر القضية انه وقع منه ما يخل بالجلسة او صدر عنه تشويش او عدم التزام باوامر رئيس المحكمة ، وهذا الاخلال تقدره المحكمة بأي شكل من الاشكال.
وتستمر المحكمة في اجراءاتها القانونية وتكون الجلسة حضوريا بالرغم من أخراج المحكمة للمتهم من قفص الأتهام ومن قاعة المحكمة .
وقد نصت القاعدة ( 54 ) من قواعد الأجراءات وجمع الادلة الخاصة بالمحكمة الجنائية العراقية العليا على تطبيق أحكام النصوص الواردة في قانون اصول المحاكمات الجزائية بالنسبة لأصول المحاكمات التي تجريها ، وفي هذا الأمر فأن على محكمة الجنايات أن تلتزم بالنصوص الواردة في الأجراءات الجزائية .
ومن خلال ذلك فأن جميع الأجراءات التي أتخذتها المحكمة بطرد المتهمين صدام حسين وبرزان أبراهيم وبقية المتهمين بالنظر لأحداثهم أخلالاً بجلسة المحكمة وعدم أمتثالهم للتنبيه الذي صدر من رئيس المحكمة مطابقاً للقانون ، مع ان الاصل انه لايجوز استبعاد المتهم عن جلسات المحكمة لان في ذلك اخلالا بحقه في الدفاع .
ولكن وقوع الاخلال والتشويش من المتهم يستدعي ذلك حيث تستمر المحكمة في الاجراءات ، فيكون الأجراء الخاص بالطرد قانونياً ومتطابقاً مع النصوص الواردة في أصول المحاكمات الجزائية .
كما نصت المادة 154 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي على ان للمحكمة ان تمنع وكلاء الخصوم من الاسترسال في الكلام اذا خرجوا عن موضوع الدعوى او كرروا اقوالهم او اخلوا بنظام الجلسة او وجه احدهم الى الاخر او الى شخص اجنبي عن الدعوى سبا او طعنا لايقتضيه الدفاع.
بالأضافة الى كون القاعدة ( 31 ) من قواعد الأجراءات التي نصت على أنه أذا رأى القاضي أو محكمة الجنايات أن سوء سلوك المحامي قد اصبح هجومياً أو ماساً بالمحكمة العراقية العليا وماساً بهيبتها أو معوقاً للأجراءات فله أو لها أن تتخذ بحقه الأجراءات القانونية.
كما يجوز للمحكمة أشعار الهيئة المهنية ( نقابة المحامين ) المنظمة لسلوك المحامي في دولته بأي سوء سلوك صادر منه ، وهو ماحصل في الجلسة المؤرخة في 1 شباط 2006 والتي قرر فيها رئيس المحكمة طرد أحد المحامين العرب بالنظر لأخلاله بالجلسة وتعديه على كرامة المحكمة ومحاولة تعويق الأجراءات القانونية بالأضافة الى عدم أمتثاله لأوامر رئيس المحكمة بالصمت وأستمراره بالتحدث دون أذن وموافقة المحكمة وفي حديث لاعلاقة له بالقضية المنظورة .
كما أن أنسحاب فريق الدفاع عن المتهمين صدام وجماعته يعتبر أخلالاً بواجبات المحامي ونكوصاً عن أداء المهمة والواجب الذي قبلوا القيام به ، فقد اوجب قانون المحاماة على المحامي ان يلتزم بما تفرضه عليه قواعد المهنة في الدفاع عن موكله ، وان يدافع عن موكله بكل امانة واخلاص ويكون مسؤولا في حالة تجاوزه حدود وكالته او ارتكابه خطئه الجسيم .
وبالنظر لأنسحاب فريق الدفاع عن المتهـــم صدام مرتين وقيام المحكمة بتطبيق احكام المادة ( 144 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية والقاعدة ( 30 ) من قواعد الأجراءات بتكليف محامين منتدبين من نقابة المحامين للدفاع عنهم ، ودفع أجورهم من خزينة الدولة ، مما يوجب على فريق الدفاع أعادة الأجور التي تقاضوها من الجهات التي كلفتهم بالتوكل والدفاع عن المتهمين المذكورين ، سواء كانت شركات أو شخصيات أو عوائل المتهمين ، فقد ترتب في هذا الأنسحاب أمرين مهمين ، بالرغم من كون فريق الدفاع يعلن أنه علق الحضور في الجلسات مؤقتاً ريثما يتم تلبية طلباتهم ليبقي خط للرجعة في الحضور والعودة فيما أذا تمت محاصرتهم قانوناً .
فقد ترتب على فريق الدفاع عدم امكانية العودة الى حضور جلسات المحكمة حيث أنسحبوا من جلساتها وأعلنوا انسحابهم طوعياً بعد طرد أحد الأعضاء من قاعة المحكمة ، وقيام المحكمة بأكمال الخلل القانوني بتوكيل محامين منتدبين ، مما يغني عن حضور الفريق المنسحب.
وفي هذه الحالة لايمكن لهم العودة الى عملهم بالرغم من اعلانهم طلبات لاتمت للعمل القضائي والقانوني بصلة ودون أي اعتبار لموجبات النصوص القانونية ، فأن عودتهم مناطة بموافقة رئيس المحكمة والتي توجب القوانين النافذة عليه أن يتخذ الأجراءات القانونية المشار اليها في نص الفقرة ( ثانيا من القاعدة 31 ) من قواعد الأجراءات وجمع الأدلة الخاصة بالمحكمة الجنائية العراقية العليا.
ومن جهة أخرى فقد ترتب بذمتهم أعادة الحقوق المقبوضة التي لم يعد أستحقاقها موجباً قانوناً وحيث لم يباشر الفريق بعمله القانوني المناط به في القضية وانسحبوا مرتين لأسباب لم تعد لها علاقة بسير العملية القضائية .
كماأن كلمة ( تعليق ) لاتجد لها حضوراً في القوانين الجزائية العراقية ، أذ أن مهمة المحامي أن يدافع عن موكله ولايمكن قبول التخلي عنه ، هذا من جانب ومن جانب آخر فأن أنسحاب وكلاء المتهمين يعني أخلالهم بموجبات الأمانة الملقاة على عاتقهم في مهنة المحامي ، ولم تفسر المحكمة أنسحابهم سوى تخليهم عن مهمة الدفاع عن المتهم.
ولذا فأن من يتخلى عن هذه المهمة لايمكن له تبرير تخليه بوجود طلبات شخصية أو وهمية يريد تحقيقها حتى يمكن أن يفكر بالعودة لممارسة مهنته في القضية المعروضة ، فالأنسحاب هو أعلان جدي وعملي في التخلي عن الأستمرار في عمل الدفاع عن المتهم ، وبعد ان قررت المحكمة تعيين محامين منتدبين من نقابة المحامين العراقيين ومباشرتهم المهمة ، ومقابلتهم للمتهم لتنسيق الدفاع ، لم يعد أي مبرر قانوني يمكن فريق الدفاع المنسحب من العودة .
ولم يعد يحق للقاضي أن يقبل حضورهم بعد أنتداب المحامين وفقاً لأحكام الجملة د من الفقرة رابعاً من المادة ( 19 ) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا التي نصت أن يحاكم المتهم حضوريا وبالأستعانة بمحام يختاره بملء أرادته أو اعلامه بان له الحق بطلب المساعدة القضائية أذا لم تتوفر لديه المقدرة المالية ، وله الحق بطلب تلك المساعدة التي تتيح له توكيل محام دون أن يتحمل أجورالمحاماة ، والذي اكدته المادة ( 144 ) من قانون الاصول.
وعلى المحامي المنتدب ان يحضر جلسة المحاكمة ويدافع عن المتهم او ان ينيب عنه من يقوم مقامه من المحامين والا فرضت عليه المحكمة غرامة مالية مع عدم الاخلال بمحاكمته انضباطيا .[/b][/size][/font]



60

ماذا نريد من مجلس النواب ؟


زهير كاظم عبود

بعيداً عن تفصيل السلبيات والأيجابيات التي رافقت عملية الأنتخاب الشعبي لأنتخاب أول برلمان عراقي حر ويشكل التنافس السياسي والقومي والمذهبي أساساً في تنوعه ، بعيداً عن الأختلالات التي نعتمدها في عملية الأقتراع لأول مرة ، ولغرض أن نمارس الفعل الديمقراطي في خطواته الأولى  فقد توجه الملايين من العراقيين داخل أو خارج العراق لأنتخاب ممثلي القوائم المتنافسة في الترشيح لعضوية البرلمان ،   أو ما أسماه الدستور مجلس النواب .أذن صار لدينا مجلساً للنواب يمثل كل طيف العراق  ويفترض انه يمثل سائر مكونات الشعب العراقي ، ولم يتم أهمال أو تناسي أية شريحة من اهل العراق ، مع تحفظنا لللتهميش والاجحاف الذي حل بالصابئة المندائيين والأيزيديين والشبك في تلك العملية ، وهذا البرلمان سيكون قادراً على أصدار القوانين وفقاً لصلاحياته الدستورية .
وقبلها صار لنا دستور حظي بموافقة الأغلبية من العراقيين وسيتم لاحقاً تعديل بعض نصوصه بالأقناع وبالحوار وتلك هي لغة العصر والتمدن في الأتفاق على النتائج ليصبح دستور توافقي يتفق مع القواسم المشتركة لجميه اهل العراق .ومع أن مجلس النواب سيتشكل بعد دعوة رئيس مجلس الرئاسة بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشر يوماً من أعلان النتائج ، وسينتخب المجلس في أول جلسة أنعقاد له رئيساً ثم نائبا أول ونائبا ثان لرئيس البرلمان .
ومايهم المواطن العراقي في هذا الأمر كون الكتلة النيابية الأكثر عدداً سيتم تكليفها بتشكيل الوزارة وفق ما نص عليه الدستور  ، وسيكون من الصعب أن تحصل الوزارة التي سيقوم رئيس الوزراء بتسميتها مالم يتفق مع بقية الكتل الموجودة في البرلمان ،ولهذا سيكون الأتفاق والتقارب والتآلف بين مختلف الكتل البرلمانية واجب وطني يفترض ان يتم قبل تشكيل الوزارة ، ومن أجل أن يستقر الوضع ويتم نيل الثقة للوزارة المشكلة بسهولة ويسر وبموافقة النواب للعبور الى الضفاف الأخرى في بناء العراق وأعادة ترميم مؤسساته الوطنية وتخليصنا من الوضع السلبي الذي نعاني منه .
أذن مسألة التقارب والأنسجام من المهام الوطنية التي ستكون أمام كل البرلمانيين مهما أختلفت كتلهم وأفكارهم السياسية ، ومسألة التحالفات من اجل العراق الجديد مهمة تقع في ضمائر من تحملوا المسؤولية في هذا الزمن الدقيق والحرج من عمر العراق .
ما يهم المواطن العراقي أن لاتظهر التناحرات والأختلافات والتناقضات والأتهامات في عمل البرلمان القادم لتعيق عمل الوزارة وتعرقل مسيرة البناء ، ويطمح الأنسان العراقي أن يتلمس من الأداء الحكومي ما يشعره بأنسانيته بعيداً عن التحزب أو طغيان سلطة الأحزاب على الوضع الأنساني في العراق أو تدخل الميليشيات في قضايا لاتخصها  ، وأن تكون الكفاءات والأمكانيات والتخصص بديلاً عن الأفضلية الحزبية في الأداء والعمل وتبوء المراكز الحكومية أذا كنا نريد ان نبني العراق بتجرد بعيداً عن المحسوبيات وبعيداً عن التحزبات والطائفية .يقينا أن البرلمان القادم يمثل كل أطياف العراق ، ولهذا فأن كل عضو في مجلس النواب يمثل كل العراق مما يوجب عليه وطنيا أن يسعى لأشاعة الكلمة الطيبة وثقافة حقوق الأنسان وأحترام الرأي والرأي الاخر والتجرد من الغايات الشخصية والمصلحية كقاعدة أساسية في العمل من أجل أداء برلماني كفيل بأن يعبر بنا الى ضفاف الآمان ويضع أقدامنا حقاً على طريق تأسيس البناء الديمقراطي والفيدرالي .ستكون مهمة النواب من مختلف مكونات العراق أن يتعرفوا على مكامن الوجع العراقي ، وأن يتعرفوا على ماعانته شريحة الكورد الفيلية وضحايا المقابر الجماعية والأنفالات وحلبجة وما جرى على المدنيين الامنين والأبرياء من اهالي الفلوجة والقائم والأنبار وأن يستمعوا للضحايا وأهل الشهداء والمتضررين من الزمن الصدامي البائد  ، وأن يتم أحترام القانون في بلد يؤسس دستوراًُ أرادته الأرادة العراقية مما يوجب أحترام تلك الأرادة التي تعززت بأنتخاب مجلس النواب .وستكون مهمة النواب أن يتعرفوا على فقر العراقيين وحاجتهم ليس فقط لوسائل العيش اليومي والضروريات من الخدمات ، وأنما حاجتهم للسكن اللائق بهم والذي انقطعت عنه السلطات العراقية منذ أستشهاد الزعيم عبد الكريم قاسم وحتى اليوم ، وأن يسعوا لأيجاد اية وسيلة أنسانية تجعل هذه المجاميع من الفقراء أن تجد لها سقفاً يأويها من حر الصيف وبرد الشتاء ، وأن تحلم الناس بما يتفق مع حاجتها لهذا الحلم بعد ان صارت السلطة بأياديها .
وستكون مهمة النواب أن يتعرفوا على شرائح الفقراء المرميين في حواشي المدن البائسة وممن أهملتهم وزارات العمل والشؤون الأجتماعية في العهود البائدة وكانت تستخدمهم لأغراض الدعاية والترويج الأعلامي .
وستكون مهمة النواب أن يتعرفوا على الحقوق والحريات الأساسية التي ضمنها الدستور العراقي والذي ضمن كامل الحقوق الدينية في حرية العقيدة والممارسة الدينية  لشرائح عراقية أصيلة لايمكن غض النظر عنها وأن يتم العمل على أن يأخذوا ليس فقط مكانتهم في المجتمع العراقي ، وانما في تحقيق وتجسيد الحريات الدينية للمسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين والكاكائية والصارلية وكل المذاهب الموجودة فعلاً فوق تراب العراق .
مثلما يعنينا أن تتجمع الضمائر وتتفق في تشكيل الوزارة وأن يتم التقارب والأنسجام ، لايعنينا من سيكون وزيراً للدفاع أو للداخلية ، مثلما لايهمنا من سيكون وزيرا للنفط او للخارجية ، المهم عندنا هو العراق ونظامه الجمهوري الديمقراطي الأتحادي ، وأن تحافظ السلطات الأتحادية فيه على وحدة العراق وسلامته وأستقلاله وسيادته ونظامه السياسي كما نص عليه الدستور  .وهي مهمة تقع على ضمائر الكتل السياسية التي ستكون في البرلمان ، وهي مهمة وطنية ستكون على عاتق النواب ومن يشكلون رئاسة تلك الكتل البرلمانية ، في أن يكون الأداء منسجماً ومتوافقاً مع رغبة وقبول الجميع ، ودون أن يتم اهمال أية كتلة مهما صغرت ، ودون أن يتم تهميش أية مجموعة مهما كان موقفها قبل الأنتخاب .الأنسجام بين الكتل يشكل حافزاً للقوة في توحيد العراقيين وسعيهم للبناء والترميم ، وجداراً لصد الهجمات الأرهابية البربرية التي تطال الأبرياء من اهلنا في العراق .
الأنسجام بعيداً عن الطائفية أو القومية او المذهبية أو الخلافات الشخصية أو الفكرية ، والأنسجام سيجعلنا نعتقد ان النواب لايسعون من اجل المراكز والمصالح والوجاهة ، وانما سعياً مشكوراً ومسجلاً من أجل العراق .فأذا كنا نعتقد حقا ان النواب عراقيين من مختلف مكونات الطيف العراقي ، فحق عليهم ان يترجموا هذه العراقية والأصالة بمواقف النخوة والشهامة والتوحد لأننا احوج مانكون لها في هذه الفترة ، وكل عراقي في كل انحاء العراق يحتاج منهم الألتفات .وهي مهمة مضاعفة بل وتجتاحها شيء من الصعوبة التي تمهد لها الطريق نكران الذات ووضع مصلحة الأنسان العراقي أمام الأنظار ، ومهمة ليست مستحيلة أمام الوجع العراقي وماجرى على العراق من ويلات وظلم وما سطرته العهود البائدة والظالمة بحق العراقيين .سيكون لنا مجلساً للنواب ودستوراً نتباهى بهما أننا أنتخباهم في الزمن الصعب ، وتحدينا الأرهاب ومجموعات الأجرام وبهائم مفخخة تريد بنا وبأطفالنا السوء وبعواء ينطلق من قريب أو من بعيد غير أن قافلتنا سارت انشاء الله ولن تتوقف الا لورود الماء وسقي الورود الجوري والنخلة العراقية .
مجلس النواب الذي سيضم كل اطياف العراق سيكون المعبر الحقيقي للتنوع العراق وسيثبت للعالم كيف أن النائب  الموصلي يجاهد من اجل خير البصرة وأن نائب الكوت يجاهد من أجل خير الأنبار وأن نائب السليمانية يجاهد من اجل العمارة وأربيل وأن يكون هاجسنا في الأبتعاد عن الطائفية التي بدأ زرعها يتكسر بعد انقطاع ماء الزمن الصدامي البغيض عنها ، ولم تستطع ان تنتشر كداء الجرب في بقاع العراق الطاهرة .

النجف والأنبار وديالى والموصل والبصرة والحلة والديوانية والسماوة كلها  تناشدكم مثلما تناشدكم بغداد وكركوك وتكريت والناصرية بندقية العراق التي أجرمت بحقها عهود الظلام فأحالتها الى مدينة منسية وبائسة وهي تطل على أهوار العراق الخلابة وزقورة أور وآثار الحضارة السومرية التي تغني لآثار آشور بانيبال في الموصل أم الربيعين ، كل المدن العراقية تناشدكم للبناء وأعادة أعمار العراق .

بتوحد النواب نجسد التوحد العراقي ، وبأنسجام النواب نحقق رصف طريق العراق الجديد بحجر الديمقراطية الذي عمده العراقي بروحه وبأناشيده الحلوة  ، لتكن كتلة العراق فوق كل الكتل دائماً .






61
حضور المحامي العربي والأجنبي في محاكمة صدام
زهير كاظم عبود

حضر جلسة المحاكمة الخاصة بالمتهم صدام حسين محاميان جدد بالأضافة الى المحامي الرئيسي  السيد خليل الدليمي،  هما كل من المواطن الأمريكي رامزي كلارك والمواطن القطري نجيب النعيمي بزعم أنهما أنضما الى فريق الدفاع حسب وكالتهما التي نظمها وكيل المتهم الرئيسي  خليل الدليمي بموجب وكالته عن المتهم  .
أن حضور المحاميان المذكوران جلسة المحاكمة يحكمه نص الفقرتين أ و ب من المادة الثالثة من قانون المحاماة رقم 173 لسنة 1965 المعدل ، أذ سمحت الفقرة ا من المادة المذكورة للمحامي العربي أن يترافع في قضايا معينة أمام المحاكم العراقية في الدرجة المقابلة لصلاحيته ، وبعد التثبت من أستمراره مسجلاً  في عضوية نقابة المحامين في بلدة بتأييد رسمي معتبر ، وبشرط أن يكون العمل بين نقابة المحامين والقضاء في بلده والعراق وفقاً لمبدأ المقابلة بالمثل ، أي حين يكون بأستطاعة المحامي العراقي أن يترافع في تلك الدولة .
أما ما يخص المحامي الأجنبي ونقصد السيد رامزي كلارك فيوجب القانون  التثبت من أن يكون بالأضافة الى أستمراره بالعمل في نقابة المحامين الأمريكيين ، وكون صلاحيته مطلقة ، يوجب القانون أن يستحصل على موافقة نقابة المحامين العراقيين ، وكذلك على موافقة وزير العدل العراقي .
ولما حضر المحاميان المذكوران الى قاعة المحكمة بناء على وكالة من المحامي خليل الدليمي ولم يتمكنا من أستكمال بقية الشروط المنصوص عليها في القانون ، فكان يتوجب على المحكمة أن تقوم بأخراجهما من قاعة المحكمة وعدم الأستماع الى الطعون التي قدمها السيد النعيمي بصدد شرعية المحكمة أو الوضع القانوني للمحكمة لكن حضورهما كان مخالفاً للقوانين العراقية  ، على أن لايتم قبولهما مالم يستكملا الشروط القانونية .
ومن جانب أخر فأن المحكمة غير ملزمة قانوناً بتوفير مدد أخرى غير التي وفرتها لمحامي المتهم الرئيس ، لذا فأن طلبات المحامين الجدد لاتجد لها مجالا في القانـــون وهي طلبات ( شفوية ) غير معتبرة ولاقيمة لها مطلقاً ، حيث أن على وكيل المتهم أن يقدم طلباته التحريرية الى المحكمة لأصدار القرارات بشأنها ، وعلى المحكمة تكليفة بتقديم طلبات تحريرية لتقرر عليها ما تراه مناسباً وموافقاً للقانون .
كما أن توفير فرصة الالتقاء بالمتهم من قبل الأشخاص المذكورين قبل أن يستكملا الأمور القانونية لامحل له من القانون .
كما أن التحدث والمباشرة بالكلام من قبل المحامين الموجودين في قاعة المحكمة دون أذن المحكمة يعتبر خرقاً لسير المحاكمة ومساساً بهيبة المحكمة وتجاوزاً عليها، وقد أوجبت القاعدة ( 31 ) من قواعد الاجراءات وجمع الادلة الخاصة بالمحكمة الجنائية العراقية العليا أن تتخذ المحكمة الأجراءات القانونية بحق المحامي الذي تصرف بهذا الشكل .
أن من بين مفردات القسم الذي يؤديه المحامي قبل أ ن يباشر بعمله أن يقسم بالله بتأدية اعماله بامانة وشرف وان يحترم القانون ويحافظ على سر المهنة ويرعى تقاليد مهنة المحاماة وأدابها وان يرعى السلوك في مساندة العدالة  ، وعلى المحامي أن يسلك تجاه القضاء مسلكا محترما يتفق وكرامة القضاء وان يتجنب كل ما يؤخر حسم الدعوى وان يتحاشى كل ما يخل بسير العدالة ،  كما أوجبت المادة 27 من قانون المحاماة ان يقوم المحامي بمطالعة الاوراق الخاصة بالمتهم قبل التوكل بالدعوى ، ولذا فأن التعمد بتأخير أجراءات سير المحاكمة يعتبر مخالفاً لمباديء السلوك والضمير وموجبات اليمين .
كان لحضور المحاميان السيد رامزي كلارك ونجيب النعيمي دوراً في أرباك عمل المحكمة ومحاولتهما التأثير على سير العدالة وعرقلتها ، وأن استجابة المحكمة لطلباتهما كان مخالفاً للقانون ، وكانا يسعيان بأية صورة الى تأجيل المحاكمة وتعويق أستمرار الأجراءات مما كان يوجب على المحكمة أهمال طلباتهما وعدم الالتفات الى ماقدمه النعيمي من طعون قررت المحكمة الرد عليها خطياً دون سبب يدعو لذلك ، مع أن الشرعية التي تملكها المحكمة لايعرفها السيد النعيمي أما لجهله بالقانون أو لنقص في المعرفة القانونية،  ولايملك النعيمي  أن يسلبها أو يمنحها للقضاء العراقي.
وسيقدم وكلاء المتهم على أيجاد ذرائع وحجج في الجلسة الثالثة من جلسة محاكمة المتهم صدام  المقرر عقدها في 5/12 من أجل الأستمرار بعرقلة الأجراءات وحسم القضية وفقاً للقانون ، مع أيهام المواطن العربي من انهم يسعون لتأجيل وعرقلة المحاكمات حتى يصير عمر المتهم صدام 70 سنة ، وهو من القضايا التي لاتجد لها أساساً في قانون العقوبات العراقي ولافي الظروف القضائية المخففة للعقوبة وهي مجرد أشاعة ضمن خط الأشاعات التي تصاحب عمل مجموعة الدفاع عن المتهم .
هذا وكانت (( إيلاف )) قد نشرت بتاريخ 23/11  تصريحاً لوكيل المتهم صدام يقول  فيه :
(( قال المحامي خليل الدليمي رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين انه سيحضر جلسة محاكمته الاثنين المقبل لكنه سيطلب تأجيلها مرة اخرى )) .
ويدلل هذا الأمر على أن التأجيل كان هدفا من أهداف وكلاء المتهم تم تحقيقه على حساب سير الأجراءات القانونية، وكلنا ثقة أن المحكمة ستكون أكثر حرصاً على تفويت الفرصة لمن يريد تسويف لمحاكمة أو المماطلة في قول كلمة العدالة في الجلسات القادمة .[/b][/font][/size]


صفحات: [1]