عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - ستران عبدالله

صفحات: [1]
1
مقتل علي عبدالله صالح
أستحقاقات متأخرة لربيع عربي مترنح
ستران عبدالله *

كان الأمر اقرارا مراً من واشنطن حين بدأ ساستها المحترفون وتيار المحافظون الجدد يتساءلون عن سبب كره المسلمين وخصوصاً العرب منهم لكل ما هو أمريكي. لماذا يكرهوننا؟ أو لماذا يصل منسوب الكره الى هذه الدرجة بحيث يتم استهداف رمز الرأسمالية العالمية (برجي التجارة العالمي) ورمز القيم الديمقراطية الغربية (الكونغريس والبيت الأبيض) ورمز قوة الامبراطورية الأمريكية (البنتاغون) في معارك رمزية عرف بها التنظيمات الايديولوجية المتشددة والقاعدة منهم.
ثم ظهر من يقول لقد وجدتها! انهم يكرهونكم، لأنه هناك تغذية ممنهجة ومستمرة لزرع الكراهية وإدانة الآخر الغربي، الأخر المسيحي والآخر الأمريكي، يولد معه المسلم والعربي والمشرقي بشكل عام ويكبر مع دائرة من ثقافة الكراهية وقيم مضادة لكل ما هو معبر عن الآخر يفعل وينشط في كل محطة تصارع سياسي حول مصائر الأمم والدول في الشرق الأوسط وفي القلب منه الصراع العربي - الاسرائيلي.
قال من قال هذا، وتبعه محللون ومراكز أبحاث زينوا للرئيس بوش الابن أن درء المخاطر الكبيرة عن أمريكا ينبغي أن يتم على محورين، أحدهما دحر المارقين الذين لا فائدة من صلاحهم وهم كل من حكومة طالبان وحليفتها القاعدة المتهمين المباشرين في أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر من العام 2001 وحكومة البعث الصدامي التي لا تحتاج لدليل إدانة قط، فسجلها في الاجرام يوفر مادة خصبة لكل من يبحث عن مناسبة لتأديبها. والثاني هو الضغط الخفي والعلني على الدول التي تشكل بحكوماتها المتوترة ذات التمثيل الضيق لتطلعات شعبها بؤرة للتطلعات الارهابية أفراداً وتنظيمات لكي تغير من مناهجها التعليمية والتربوية ما يهيئ الأرضية النفسية والثقافية من أجل التطبيع والتعاطي بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي لها علاقات استراتيجية مع تلك الدول، دون شعوبها. كانت فكرة التغيير في المحور الثاني تقتصر على التغيير في المنظومة القيمية ولكن التغيير في محور اسقاط الأنظمة من الخارج وجلب الديمقراطية كتلقيح في أرضية خصبة من الاستبداد الشرقي الممزوج بتقنيات الدكتاتوريات المعاصرة كان أكثر دوياً. فأسقاط الأنظمة كنموذج ملهم للآخرين وفي الحقيقة كرسالة تحذير للأنظمة الأخرى أسهل من تغيير المنظومة القيمية المتجذرة وغالباً المرافقة لمؤسسات بيروقراطية في التعليم والتربية، قائمة على الرتابة والتقليدية. وفي هذا الوقت بالذات فأن الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح قال تعليقاً على استسهال الحلول العسكرية على المحور الأول وخصوصاً في نموذج بعث بغداد، أن  علينا أن نقص رؤوسنا قبل أن يقصه لنا الأمريكان. ولكل صالح الذي كان في كل حقبة من حكمه الطويل على اليمن له قصة شعر مختلفة، من القصة اليمنية المنكوشة في نهاية السبعينيات الى القصة الصدامية البعثية تعبيراً عن تحالف مجلس التعاون الرباعي أواخر الثمانينيات، كان يوجه كلامه للآخرين وليس الى نفسه، فسلم في المرحلة الأولى من قطار التغيير بعد أيلول 2001 وتعثر في محطة الربيع العربي بعد عشر سنوات من ذلك التوقيت.
طبعاً بين بداية (غزوة) مانهاتن في أيلول الى (غزوة) ساحات التحرير في نهاية 2011 حدثت هزات خفيفة من طرد بشار الأسد من لبنان الى جولة انتخابات مختلفة عن سابقاتها في الأردن ومصر، تقدم فيها الأخوان المسلمين نسبياً قبل  ان يعاد العمل بمنهج هندسة الانتخابات وفق نظرية الديمقراطية الموجهة المضمونة النتائج مثلما حدث في ايران الاسلامية حيث اعيد أنتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. واليأس في هذه الردة الانتخابية كانت بمثابة شرارة الربيع العربي في عز الشتاء وهذا الوقت بالذات أي وقت التغيير وفق تقويم الربيع العربي، هو المحطة الثانية من هوس التغيير الغربي، فبعد فشل التغيير في منظومة القيم وما رافق ذلك من ترويج لتنقيح مناهج التعليم وهي فكرة لم ترق لمراكز القرار المختلفة في الكثير من البلاد العربية التي تماذج بين سلطة العسكر والدين والعوائل المتنفذة، فتم الدفع بفكرة تغيير الأنظمة في جغرافيا السياسة العربية، على فرض ان هذه الأنظمة الراكدة لا تستطيع ان تنجز شيئاً، لا في داخل بلدانها ولا ضمن شبكة التحالفات الدولية المطلوبة لاحتواء خطر الارهابيين والمتشددين، والربيع العربي كان مخرجاً آخر للتغيير من الداخل يطال الأنظمة ولا تطال منظومة القيم، كانت تونس المتجانسة عرقياً ومذهبياً ذات النظام العلماني البورقيبي الأسرع في التجاوب والتي حلت مشكلتها بين العلمانية والمعارضة الاسلامية المتطلعة للحكم على دفعات، واستقرت أخيراً على دستور توافقي يعبر عن نضوج المتصارعين على هوية الدولة. ولكن العملية في مصر العصية على التجاذبات الخارجية عانت من اردتدادات عديدة و ما زالت تنتظر تعريفها لنفسها لنظام ما بعد حسني مبارك و عقود من صراع ثنائية العسكر والأخوان. أما في سوريا فقد تحولت الثورة من استقطاب بين النظام والشعب التواق للحرية الى استقطاب مذهبي وقومي فتح المجال سريعاً للتدخلات الاقليمية ومن ثم الدولية وكذلك الامر في البحرين، اما في اليمن السعيد فكان المشهد أكثر تعقيداً من حيث تصارع القبائل وولاءات القوى السياسية التي قادت الحركة في ساحات التحرير ثم تشظت على تضاريس جغرافيا اليمن، وفي صنعاء كما في القاهرة والعواصم الأخرى فأن ربيع ساحات التحرير ركنت الى دورة التغيير العادية من حيث انها ومضة صفاء رومانسي تجمع الارادة الشعبية على هدف محدد، الا انها سرعان ما تعود بهذه الارادة الشعبية الى حالة الاختلاف والتضاد مما يعد الصفة الأعمق لأي مجتمع ذو مصالح طبقية واجتماعية وسياسية مختلفة.
كانت سوريا واليمن الحالة الأبرز لانطفاء ومضة التغيير او لحظة الاصطفاف الرومانسي للارادة الشعبية ضد النظام، فمع انطفاء الومضة عادت الاختلافات الى الظهور على السطح وتمكن قادة انتهازيون براغماتيون مثل بشار الأسد وعلي عبد الله صالح من اللعب على التناقضات والنفاذ بجلدهم من الاستهداف المباشر.
كانت لحظة الومضة الرومانسية هي التي أدار فيها المختلفون حول سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، من الوسطيين والاخوانيين والأفغان العائدين المارين ببرامج اعادة التاهيل الخفيفة من ادارة ظهورهم لأسامة بن لادن وفريقه الارهابي الذي قاد (غزوة) الحادي عشر من أيلول من العام 2001، لقد قتل أسامة بن لادن في عملية امنية في باكستان وكانت النخبة من الأوساط الاعلامية على اختلاف توجهاتهم منهمكين في الثبت من صحة الجثة وتقنية الانجاز الأمني لأمريكا أوباما، ولكن القليل انتبه الى وقع الخبر عند أصدقاء بن لادن المنضوين تحت لواء عريض من جنود الله في المعركة الخطأ، بحسب تسمية فهمي هويدي، الى جنود بن لادن الفعليين من الأفغان العائدين، الى جنود (بن لكن) وهي تسمية اعلامية أطلقت على تيار عربي كان ينتقد القاعدة على فعلتها الشنيعة و(لكن) كان يبدر العداء لأمريكا التي تحابي اسرائيل على حساب قضايا العرب، وخصوصا قظية فلسطين والصراع مع أسرائيل هؤلاء جميعاً كانوا منهمكين في ادارة ساحات التحرير في العواصم العربية ضد قادة ورؤساء دول انتهى صلاحياتهم وتخلت عنهم أمريكا لصالح قوى جديدة دلتهم واشنطن الى تجارة أوفر حظاً وأقل مشقة وهي تجارة صناعة الثورات بدل التجارة العتيقة في صناعة الموت.
قتل بن لادن غير مأسوف عليه لأن أمريكا هي التي اختارت توقيت الموت كما قتل أخيراً صالح، بعد تنقلاته الكثيرة بين الجبهات و بعد أن راوغ في توقيت التغيير رغم أنه كان أول من حذر العرب من الموجة ثم تلاه القذافي الذي اعتبر اعدام صدام حسين في العام 2006 مقدمة لمذبحة رئاسية عربية ما لبث ان أصبح هو أيضاً من ضحاياه حيث تصدى لثوار ليبيا المتحالفين مع الناتو بـ زنكه زنكته المشهورة.
قتل صالح غير مأسوف عليه لا يمنياً ولا عربياً ولا دولياً، لأن ايران وعن طريق يدها الطولى من الحوثيين هي من ضبطت توقيتات الموت في أصدق تعبير عن حالة الترنح التي وصلت اليه قطار التغيير في المنطقة، فلا  نموذج العراق في التغيير والدمقرطة من الخارج،  ولا نموذج ايران في التغيير بدعم جناح من داخل النظام ولا ثورة الشعب السلمية ضد النظام في تجربة الربيع العربي قد أتت بثمارها.
وفي الوقت الذي كانت فيه أمريكا وأصدقائها الغربيين منهمكين في التدشين لتجربة تغيير أخرى بعد فشل تغيير منظومة القيم وتغيير الأنظمة بدفعة خارجية وتغيير الأنظمة بخلق اصطفافات جديدة في ساحات التحرير، قام تنظيم داعش الابن البار للقاعدة على انقاض كل ذلك الفشل بتأطير خلافتها المزعومة على دولتين من نتاجات سايكس بيكو ولسان حالها تقول: ما رأيكم بتغيير الجغرافيا بدلاً من كل تلك التغييرات التي لا جدوى منها؟.
وأغرى تلكأ العالم في معالجة ظاهرة داعش وعبثه بالجغرافيا الرسمية، آخرين مثل قادة الكرد في اقليم كردستان العراق الى الدفع باستفتائهم السلمي الى الواجهة دون التدقيق في ظروف انضاج هذا الحق الالهي في تقرير المصير. ولكن يبدو أن العالم القاسي للسياسة الذي صبر أربع سنوات على عرس الدم الداعشي وعبثه بالجغرافيا لم يكن في وارد أن يصبر على (العبث) الكردي بالخارطة لأريعة أسابيع، حيث أجهضوا على (مهاباد) القرن الحادي والعشرين. وبقية القصة معروفة للجميع.
•   رئيس تحرير صحيفة كوردستاني نوي

صفحات: [1]